تذكره الفقهاء

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الأول

مقدمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ، و صلّي اللّه علي نبيّه المصطفي و رسوله المسدد محمّد و علي آله الطيبين الطاهرين.

و بعد: فإنّ من الحقائق الراهنة التي لا بدّ من التسليم بها: أنّ التراث الفقهيّ عند الشيعة الإماميّة يشكّل ثروة عظيمة، و الجهد المبذول في سبيله يتميّز بين فقه المذاهب الأخري باتسامه بالموضوعيّة، و ابتعاده عن التحيّز و العصبية و تجاوز الواقعية، و لمراعاته الدقيقة لأصول البحث العلمي و الجدل الحر المنفتح علي الآراء المختلفة لجميع المذاهب الإسلامية.

و إذا كان الكثير من المصادر الفقهية، و الموسوعات المتخصصة قد أصابها التلف و الضياع عبر العصور المتوالية بما جري فيها من الظلم علي طائفة الشيعة خاصة، و علي عموم المسلمين نتيجة للكثير من الفتن المتلاحقة، و الحروب و الغزوات من قبل المغول و غيرهم، و السعي المحموم من قبل المراكز الأروبية من خلال الآلاف من المستشرقين و التجار الذين كانوا يجوبون الوطن الإسلامي الكبير بحثا عن المخطوطات النادرة و النفيسة لتنقل بصلافة و جرأة إلي المكتبات المتفرقة في اوربا بعيدا عن أصحابها

ص: 5

الشرعيين و الذين هم بأمس الحاجة إليها، مضافا الي حالات الإهمال و اللامبالاة الموجودة لدي البعض ممن توارثوا هذا التراث العظيم من خلال نسخه المخطوطة.

نعم إذا أدركنا كل هذه الحقائق فإنا سنجد أمامنا آفاقا واسعة تترجم الشكل العميق و الرصين لنشأة الكثير من المفاهيم و الأدلة الخاصة بالأدلة الشرعية الإجمالية لمفهوم الفقه الإسلامي بشكل عام، مع أن هناك أكثر من عشرة قرون تم خلالها تدوين هذا الفقه و ضبطه في مؤلّفات فقهية مختصرة و موسعة.

و أيا يكن فنحن من خلال بحثنا المختصر هذا سنحاول ان نستعرض و لو جانبا محددا عن ماهية الفقه و دوره المؤثر في تنظيم حياة البشرية، مستطرفين من خلالها الي شرح مبسّط عن المذاهب الفقهية الإسلامية وصولا الي صلب حديثنا عن الفقه المقارن، و ما كتب فيه، و ما هي ابعاده.

الفقه لغة و اصطلاحا

الفقه كما قد تتوافق علي ذلك جميع المصادر لغويّا: بأنه العلم بالشيء و الفهم له.

فقد ذكر الجوهري في الصحاح: الفقه: الفهم. قال أعرابي لعيسي ابن عمر: شهدت عليك بالفقه.

تقول منه: فقه الرجل، بالكسر. و فلان لا يفقه و لا ينقه. و افقهتك الشيء(1).

ص: 6


1- الصحاح - فقه 2243:6.

و جاء في القاموس المحيط: الفقه (بالكسر): العلم بالشيء و الفهم له و الفطنة، غلب علي علم الدين لشرفه(1).

و في لسان العرب: الفقه: العلم بالشيء و الفهم له، و الفقه الفطنة(2).

و الي هذا المعني أشار قوله تعالي في كتابه الكريم قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ (3) اي لا نعلم و لا نفهم حقيقة كثير مما تقول(4).

يقول ابن القيّم: و الفقه أخص من الفهم، و هو فهم مراد المتكلم من كلامه، و هذا قدر زائد علي مجرد وضع اللفظ في اللغة، و بحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه و العلم.

و يقول الآمدي: الفهم عبارة عن جودة الذهن، من جهة تهيّئه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، و ان لم يكن المتصف به عالما، كالعامي الفطن(5).

و اما اصطلاحا فان كلمة الفقه في أول الأمر كانت تطلق علي معارف الشريعة، حيث فسّر بذلك قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: «ربّ حامل فقه الي من هو أفقه منه».

و بهذا المعني فسّر قوله تعالي فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (6).

و كذلك قوله صلي اللّه عليه و آله: «من يرد اللّه به خيرا يفقه في9.

ص: 7


1- القاموس المحيط 289:4.
2- لسان العرب 522:13.
3- هود 91:11.
4- تفسير الطبري 64:12.
5- الاحكام في أصول الأحكام 7:1.
6- التوبة 122:9.

الدين».

إلاّ ان التمايز التدريجي للمعارف الدينية المختلفة، و تبلور الشكل المستقل لهذا العلم، و استقلاله بقواعد و أحكام حيث انحصر بحدود الأحكام الشرعية الخاصة بأفعال المكلفين ادي الي خروج الفقه اصطلاحا عن حدود المعني السابق ليدخل مرحلة أخري من مراحل تطوره، و ليصبح له مدلوله المقتصر علي الأحكام العملية، أي ما يسمي بالعبادات و المعاملات، و حيث يستمر في التطور و الترقي عند ما يتوسع الفقهاء في مدلول كلمة الفقه هذه، و ذلك عند ما شاع التقليد و أسس الفقهاء مدارسهم الخاصة و المستقلة، و ذات الاجتهاد المختص، فأصبحت هذه الكلمة تطلق علي العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية بطرقها المختلفة، أو المستمدة من الأدلة التفصيلية [1] و من خلال هذا الاستعراض الموجز يظهر بوضوح أن الفقه هو - تحديدا - العلم بالأحكام العملية دون الاعتقادية، و أن الاجتهاد يتأطر ضمن المواضع التي ليس لها أحكام قطعية تدل عليها النصوص الثابتة التي لا تحتمل خلافا، فلا يسمّي العلم بالضروريات فقها، و لا الاعتقاديات و لا الموضوعات الخارجية، بل يختص بالأحكام الفرعية الظنية المستنبطة.

بين الفقه و الفقهاء

لعل التأمل في المكانة التي يحتلّها الفقه و الفقهاء في نظر الشارع المقدس إليهما تظهر بوضوح عمق الأثر الذي لا يمكن الإعراض عنه في حياة البشرية جمعاء، و المسير الحثيث نحو الآخرة المطمئنة السعيدة.

ص: 8

أجل أنّ للفقه و حملته مكانة عظيمة قد لا يرقي إليها شأن آخر، مهما علا، و لا غرو في ذلك، فالفقه يعدّ - بلا شكّ - القانون و المعيار الذي يستطيع من خلاله المسلم إدراك حقيقة عمله إحلال هو أم حرام، بل أ صحيح هو أم فاسد، و ما أدق و أعظم هذا الأمر في حياة المسلم.

و لذلك نجد الأحاديث المستفيضة التي تحتوي علي جمل و كلمات عظيمة من الاطناب و الثناء تنهال علي هذا العلم المقدّس و اهله.

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: «من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدين»(1).

و قال صلي اللّه عليه و آله: «فقيه أشدّ علي الشيطان من ألف عابد»(2).

و قال أيضا: «إنّ رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقّهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا»(3).

و قال صلي اللّه عليه و آله: «خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، و لا فقه في الدين»(4).

و قال صلي اللّه عليه و آله: «خياركم أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا»(5).

و سئل صلي اللّه عليه و آله: من خير الناس ؟ فقال: «أفقههم في دين اللّه..»(6).6.

ص: 9


1- أمالي المفيد 158:1-9، صحيح البخاري 16:1، سنن الدارمي 74:1، مسند احمد 306:1.
2- سنن الترمذي 48:5-2681.
3- أمالي الطوسي 92:2، سنن الترمذي 30:5-2650، سنن ابن ماجة 1: 92-249.
4- أمالي المفيد 274:1-5، سنن الترمذي 49:5-2684.
5- مسند أحمد 467:2.
6- مسند أحمد 68:6.

و قال صلي اللّه عليه و آله: «أفضل العبادة الفقه.»(1).

و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: «من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا»(2).

و قال عليه السلام: «القرآن جعله اللّه.. و ربيعا لقلوب الفقهاء»(3).

و قال الامام الصادق عليه السّلام: «ليت السياط علي رءوس أصحابي حتي يتفقّهوا في الحلال و الحرام»(4).


1- الخصال: 30-104.
2- نهج البلاغة 259:3.
3- نهج البلاغة 42:3.
4- المحاسن: 229-165.

الفقه الإسلامي و نشأة المذاهب الفقهية

لقد كانت الحقبة الزمنية الممتدة من بدايات القرن الثاني و حتي منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا مقطعا هاما، و انعطافا ملحوظا في تبلور و نشأة الكثير من الأفكار و الاطروحات العقائدية و الفكرية المختلفة علي طول الأرض الإسلامية، و إن كانت تتبلور بشكل أوضح في بعض المدن الحساسة كبغداد مثلا، و التي أصبحت حاضرة كبيرة من حواضر الثقافة الإسلامية، ضاهت برفعتها، و خلال فترة قصيرة الكوفة و المدينة و دمشق.

و لا غرو في ذلك فان ذلك العصر كان شاهدا لعدّة من التغيرات الواضحة في البنية الفكرية و قواعدها المعروفة، لطروء الكثير من المؤثرات الداخلية و الخارجية الفاعلة، و التي وجدت في الكثير من مرابعها الاستعداد النفسي و الحضاري لتلقيها و التأثر بها، بل و بناء الجم الوفير من التصورات

ص: 10

استنادا و تأثّرا بالفعل الخاص بها.

فلقد توسعت الدولة الإسلامية، و ضربت بإطناب سلطتها في أصقاع بعيدة و قاصية من أرض المعمورة، و دخلت تحت ظل وجودها الكثير من الشعوب و القوميات المختلفة، بعقائدها و أفكارها الخاصّة و المعقّدة، بل و ذات العمق الحضاري الذي تضرب جذوره في أعماق سحيقة من التاريخ، و كان لا بدّ من أن تنبعث هذه الأفكار بشكل أو بآخر لتجد لها موطإ قدم علي أرض الواقع المعاشي، و تلك حقيقة لا ينفيها العقلاء، فأوجدت هذه الحالة بعدين جديدين امام الفكر الإسلامي و قاعدته الواسعة:

1 - البعد الأول: و يتمثل بقدرة الفكر الإسلامي علي ردّ جميع الشبهات و الأفكار الدخيلة اعتمادا علي قدرة هذا الفكر علي التطور و الاستيعاب و إيجاد البدائل.

2 - البعد الثاني: و يتمثل بالتأثر بشكل أو بآخر، بهذه الأفكار و تسرّ بها بأكثر من شكل و ستار الي البعض لتطرح من جديد بثوب إسلامي شرعي.

و لقد كان موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام و اتباعهم يمثّل بوضوح الشق الأول بريادة الامام جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام، حيث كان تأسيسه لمدرسته العلمية يمثل في أهم ابعاده السدّ الحائل أمام نفوذ الكثير من تلك الاطروحات الغريبة إلي داخل البنيان الإسلامي، و حاجزا أمام نشوء حالة الاختلاط المريب و التسرب البطيء الذي يشكل مع الأيام وجودا خطرا علي عموم البنيان الإسلامي العظيم.

إنّ التأمّل اليسير في حجم التسرب الفكري و العقائدي الذي أصاب رواد الشق الثاني الذي أشرنا إليه آنفا يبيّن بوضوح عظم الأثر الذي تركته هذه المدرسة المباركة الكبري.

ان هذا العصر كان شاهدا للكثير من التطورات و التغيرات المهمة

ص: 11

و الكبري و علي اصعدة واسعة و مختلفة تركت آثارها الواضحة علي البناء الفكري و الثقافي للمجتمع الإسلامي، و من ذلك انتشار صناعة الورق ابان تلك الفترة الزمنية، فكان ذلك سببا مباشرا في سهولة الحصول علي الكتب و المؤلفات التي كان يصعب الحصول عليها بعسر استنساخها علي أوراق البردي أو الرق.

مضافا إلي ما شهده العصر العباسي الأول من اعتناء واسع بالترجمة عن الثقافات الأجنبية، و التي بدأت في عصر المنصور (ت 158 ه) و بلغت أوجها في عصر المأمون بعد أن أنشأ أبوه الرشيد دار الحكمة و جلب إليها الكتب من أنحاء المعمورة، و استقدم العديد من المتخصصين بالترجمة من اللغات الأجنبية إلي اللغة العربية، و كان من نتيجة ذلك ان نشأت طبقة متضلعة بالترجمة عمدت الي تعريب الكثير من المؤلفات الرومانية و الفارسية و اليونانية و الهندية و غيرها، فواجه المفكر المسلم، و العامة من الناس ثقافات جديدة و غريبة، فتعاملوا معها كما أشرنا سابقا بين المد و الجزر.

و لعل من الحلقات الكبري في هذا الوضع الجديد علي الساحة الإسلامية، و الذي عمد الي استثمار الفرص الأخري التي أشرنا إليها، هو نشوء الدولة العباسية، و استقرار دفة الأمور بيديها.

فبعد ان استقر المقام بالعباسيين علي سدة الدولة الإسلامية، وجدوا ان من غير المنطقي استمرارهم في التمسك بالكثير من الشعارات التي تاجروا بها ردحا من الزمن، و اتخذوها وسيلة للوصول إلي قمة الهرم في الدولة الإسلامية، و حيث كانوا يدركون خطر الاستمرار في التمسك بها و الدعوة إليها علي وجودهم و تربعهم علي سدة الحكم.

و من أهم تلك الشعارات التي نادوا بها طويلا، و كانت العامل الأكثر حساسية في التفاف الكثير حولهم، هو شعار الدعوة لآل محمّد صلّي اللّه

ص: 12

عليه و عليهم، و الذي أكسبهم الكثير من الشرعية عند عموم المسلمين.

نقول بعد ذلك الأمر كان لا مناص امام الدولة العباسية و حكّامها الا البحث عن البدائل الأخري، فعمدوا الي تقريب العلماء و المفكرين، لا لغرض علمي أو ديني كما يتوهّمه البعض أو يريد ان يصوره للآخرين، بل لغرض سياسي بحت، هو إضفاء صفة الشرعية علي حكمهم، فكان ان ارتاد بلاطهم الكثيرون من المستجدين فتات موائدهم، بهدف إزواء فقهاء أهل البيت عليهم السلام.

كما ان الدولة شخصت بشكل أو بآخر نمو الكثير من المذاهب و المعتقدات المختلفة لأغراض شتي متفاوتة، بين الجهل، و إضفاء صفة الحرص علي العلم علي دولتهم، و إيجاد البدائل الممكنة قبالة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

بلي اننا عند ما نجزم بحقيقة توجه الدولة العباسية المعادي لخط أهل بيت النبوة عليهم السلام لا يعني ذلك مخالفتنا الفكرية و العقائدية لتطور الأفكار و نموها بقدر ما أردنا الإشارة إليه من تدبير خطير تعاهدته أيدي العباسيين بالرعاية و الاهتمام.

و لذا فان البذور الاولي لنشأة المذاهب الفقهية الإسلامية قد تكونت إبان حكم الدولة العباسية، و أخذت تشتد بمرور الأيام ثم تبيّن استقلالها و تفرقها بوضوح بعد تردي أوضاع هذه الدولة، و انقسام الحياة الفكرية العامة لدي المسلمين، و سعي تلاميذ أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة الدؤوب في الدعوة الي مذاهبهم، بعيدا عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، و حيث بقي طوال تلك المدة عرضة للمطاردة و التنكيل، يقابله اعتناق البعض من الحكّام لمذاهب معيّنة و فرضهم علي الساحة أن تكون خالية مما عداه من المذاهب الأخري إلاّ المذهب الذي يؤمن به.

ص: 13

اشارة

لعله من نافلة القول ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد رحل عن هذا العالم بعد السنين التي عاش فيها بين المسلمين، يتأملون عبادته من طهارة و صلاة و صوم و حج و غير ذلك فيتبعونه في ذلك، و يرجعون اليه فيما اختلفوا فيه أو شكّوا في صوابه، و اما ما يروي من الروايات المذكورة في مظانها من مفهوم الاجتهاد في عصره صلي اللّه عليه و آله فإنه كان لا يتجاوز عملية بذل الجهد لا كما أصبح عليه الآن مما يدل عليه اصطلاحا من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

كما اننا لا نتفق مع الرأي القائل بوقوع الاجتهاد من قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كما ذهب الي ذلك الآمدي في الاحكام(1) و غيره، لان ذلك يتنافي صراحة مع قوله تعالي وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي .

و ما رواه أبو داود في سننه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللّه صلي اللّه عليه [و آله] و سلّم أريد حفظه، فنهتني قريش و قالوا: أ تكتب كل شيء تسمعه و رسول اللّه صلي اللّه عليه [و آله] بشر يتكلم في الغضب و الرضا! فأمسكت عن الكتاب! فذكرت ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه [و آله] و سلّم، فأومأ بإصبعه إلي فيه فقال: «اكتب، فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حقّ»(2).

و لأنّ الاجتهاد كما نعلم يفيد الظّن، و قد اتفق علي ذلك الجميع، و منهم الآمدي في الأحكام حيث قال: الاجتهاد مخصوص باستفراغ الوسع

ص: 14


1- الاحكام في أصول الأحكام 398:1.
2- سنن أبي داود 334:3-3446.

في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية علي وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه(1).

فإذا كان كذلك فلم كان صلي اللّه عليه و آله يتوقف في العديد من الأحكام حتي يرد عليه الوحي من قبل اللّه تعالي، و قد كان بإمكانه الاجتهاد في ذلك و عدم الانتظار؟ ثم إنّ في الاعتقاد بذلك مدخلا خطيرا يضعف القول القطعي بأن الشرع الذي جاء به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هو من اللّه تعالي، كما أنّه يوهن الثقة المطلقة بأحكامه صلي اللّه عليه و آله طالما ان الاجتهاد محتمل الحالتين: الخطأ و الصواب، و ذلك منفي عن الرسول صلي اللّه عليه و آله قطعا.

نعم لقد رحل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و خلّف لأمته شيئين اثنين، جعلهما المرجع السليم لهذه الأمة عند الاختلاف، ألا و هما: كتاب اللّه عز و جل، و عترته أهل بيته عليهم السلام، بنصّ قوله صلي اللّه عليه و آله: «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر:

كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).

إلاّ أنّ أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لم يتخلفوا عن امتثال أمره حتي قبيل موته صلي اللّه عليه و آله، فكانت اولي هذه المسائل قضية الخلافة الشرعية عنه صلّي اللّه عليه و آله، فخالفوا في ذلك النص الصريح، و الأمر الواقع، فكان في ذلك أول خروج عن الخطّ النبوي القويم، و أوضح انحراف عن الالتزام بالشق الثاني المتمثل بالثقل الآخر الذي خلّفه رسول2.

ص: 15


1- الاحكام 396:4.
2- سنن الترمذي 662:5-3786 و 663-3788، مسند أحمد 17:3 و 181:5، مستدرك الحاكم 109:3 و 148، أسد الغابة 12:2.

اللّه صلي اللّه عليه و آله لأمته من بعده.

و مع توالي الأيام و السنون، توالت الاختلافات، و تباعدت الآراء، كل يجتهد برأيه قبالة الرأي الصريح لأهل بيت العصمة عليهم السلام، و لو رجعوا إليهم لانهالت عليهم البركات من فوقهم و من تحت أرجلهم، و لكن ابتعدوا فتفارقوا و اختلفوا.

و رب سائل عن أسباب هذه الاختلافات في الكثير من الأحكام الفقهية الخاصة بالمسائل العبادية و الحياتية، رغم لزوم ان تتفق علي أمر واحد لأنها تصدر من مشكاة واحدة و مصدر واحد معيّن ؟؟! فالجواب: أنّ اللّه تبارك و تعالي لم يكن ليدع الأمة حيري تخبط العشواء، لا تهتدي إلي سبيل، و لا تأوي إلي مأمن، أ ليس هو الحكيم الخبير، و اللطيف الرحيم ؟ انّا نعتقد أن لا يقول بذلك عاقل، أو من وهبه اللّه نورا يستضيء به.

إنّ الأئمة المعصومين من أهل بيت النبوة عليهم السلام كانوا هم سبيل نجاة الأمة من هذا التخبّط و الاختلاف، لأنهم يمثّلون الامتداد الحقيقي للنبوة، و حاملو أعباء ديمومتها، فلذا لا حيرة و لا اضطراب و لا اشتباه لمن تمسك بحبلهم و مشي في ظلهم و أبصر بنورهم و لكن أبت هذه الأمة إلاّ ان تعرض عن هذا الصراط الواضح، و الامتداد المأمون للصراط المستقيم، فكانت هذه الاختلافات التي يجب أن لا تكون، و تفرّقت بالمسلمين السبل و الأهواء.

و عند ما نتحدث عن الاختلاف لا يسعنا إلاّ ان نضع أصابعنا علي الجرح الحقيقي، و موطن الداء الوبيل الذي أدي الي حدوث هذه الظاهرة التي أشرنا إليها في بداية حديثنا.

إنّ الأمّة و بعد ابتعادها عن أهل بيت نبيها عليه و عليهم السلام و اتكالها

ص: 16

علي أدواتها القاصرة عجزت عن الوصول إلي الغاية الشرعية المطلوبة من خلال محاولتها استنباط الحكم الشرعي السليم و الصائب، و لعل مرجع ذلك الي مجموعة من الأمور، و لعل عدم الإحاطة الشاملة و الإلمام الدقيق بحديث رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سنّته يحتلّ المجال الأوسع و الأكبر في ميدان هذا الاضطراب الحاصل و الغريب.

فالمطالعة المتأملة لتاريخ الصدر الأول من الحكم الإسلامي، و بعد وفاة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، و حيث ينبغي ان تكون الصورة أوضح لاتصال العهدين، تكشف لنا تلك المطالعة العكس من ذلك، حيث يبدو الاضطراب واضحا في تبيّن جملة الحقائق المرادة.

فقد روي مثلا عن أبي بكر أنّه سئل ابان خلافته عن ميراث الجدة ؟ فلم يهتد إلي الإجابة! و لم يجد بدّا عن الرد علي ذلك السائل بقوله: مالك في كتاب اللّه من شيء، و ما علمت لك في سنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من شيء، و لكن اسأل الناس!! و الواقعة مشهورة، حيث قيل إنّه اندفع الي المسلمين يسألهم عن ذلك فقام بعض الصحابة فشهدوا أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أعطاها السدس، فقضي أبو بكر بذلك(1).

و مثل ذلك روي عن عمر بن الخطاب حيث جهل أنّ المرأة ترث من دية زوجها(2) ، بل و لم يكن يعلم سنّة الاستئذان(3) ، و لا حكم دية الأصابع(4).

و إذا كان ذلك هو حال كبار صحابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فما حال صغار الصحابة أو التابعين، و الذين يعتمدون في الكثير من أحكامهم8.

ص: 17


1- سنن أبي داود 121:3-2894، سنن الترمذي 420:4-2101.
2- سنن الترمذي 425:4-426-2110.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 182:1، الدر المنثور 93:6.
4- سنن البيهقي 93:8.

علي رأي أولئك و اجتهاداتهم.

و الأنكي من ذلك ان الكثير من الصحابة قد انتشروا في بقاع الأرض الإسلامية و أخذ كل واحد منهم يحدّث بما يراه صحيحا أو يعتقد أنّه كذلك، حتي اختلط السقيم بالسليم.

هذا الأمر يمثّل الجانب الأول الذي أوجد صورة مشوشة عن سنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، و هذا ما سلمت منه مدرسة أهل البيت عليهم السلام حيث أنّ كل علومهم تصدر عن معدن الرسالة بطرق أمينة موثوقة.

و المشكلة الأخري التي واجهها المسلمون عند ما انفردوا برأيهم عن أهل بيت نبيهم هو اختلافهم في فهم النصّ و تفسيره و علي ذلك شواهد كثيرة و متكررة، و إذا كنا قد أشرنا في أول حديثنا الي ما يختص بالصدر الأول من الحكم الإسلامي، فإنّ من جاء بعد ذلك، و كنتيجة منطقية لواقع الحال كان الاضطراب أبين و أوضح، و مثال ذلك تفسيرهم للحكم الشرعي الواقع علي زكاة الخليطين، حيث اختلفوا في ذلك بشكل واسع، فقد ذهب الشافعي الي أنّ الخليطين - فيما إذا كان كل واحد منهما يملك دون النصاب، و إذا خلطا ماليهما بلغا النصاب - إذا كانا من أهل الزكاة يزكّيان زكاة الرجل الواحد إذا استجمعت الخلطة شروطها(1) ، محتجا علي ذلك بما ورد في حديث الصدقة «لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة، و ما كان من خليطين فإنها يتراجعان بينهما بالسوية»(2).

حيث فسر صدر قوله صلي اللّه عليه و آله بالخلطاء يملكون مائة و عشرين شاة، فإذا زكيت مجتمعة كان عليها واحدة، و إذا زكيت متفرقة و كانوا ثلاثة يملك كل واحد أربعين، فيجب حينذاك ثلاث شياه، فلا يفرّق بين2.

ص: 18


1- مغني المحتاج 376:1.
2- صحيح البخاري 122:2.

المجتمع، و يجب فيها شاة واحدة. و برجلين يملك أحدهما مائة شاة، و الآخر مائة و واحدة، فالزكاة عليهما شاتان مفترقتين و ثلاث مجتمعين، فلا يجمع بينهما، بل يزكي كل واحد ماله علي حدة.

و فسّر ذيل حديثه صلي اللّه عليه و آله المتقدم: بأن يكون للرجلين مائة شاة، و تكون غنم كل واحد منهما معروفة، فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما، فيرجع المأخوذ منه الشاة علي خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه و غنمه، إذا كان عدد غنمهما واحدا.

فإذا كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم، و لشريكه ثلثاها، رجع المأخوذ منه الشاة علي شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه و غنم شريكه، لان ثلثيها أخذا عن غنم شريكه، فغرم حصة ما أخذ عن غنمه(1).

و وافقه في ذلك أحمد، إلاّ ان الحنفية خالفوهم في ذلك، فذهبوا الي أنّ الخلطة ليس لها تأثير في نصاب الزكاة، فلا يجب علي واحد من الخلطاء الا ما كان يجب عليه قبل الخلطة، و فسّروا صدر قوله صلي اللّه عليه و آله ذاك: بأنه لا يجمع بين مفترق في الملك، لا في المكان بان يملك رجل أربعين و آخر أربعين، فلا يجمع بينهما ليؤخذ منهما شاة، و بالرجل يكون في ملكه نصاب، فلا يفرق حتي تجب عليه الزكاة.

و بالرجل يكون في ملكه ثمانون، فلا تفرق حتي يجب عليه شاتان.

و اما ذيل قوله صلي اللّه عليه و آله ففسروه بالشريكين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية(2).

و اما مالك فقد ذهب في الموطأ الي ان الخليطين تجب الزكاة في1.

ص: 19


1- الأم 14:2.
2- انظر: المبسوط (للسرخسي) 154:2، نيل الأوطار للشوكاني 139:4، و بداية المجتهد لابن رشد 263:1.

ماليهما معا، شريطة ان يكون كل واحد منهما يملك في أول الأمر ما تجب فيه الزكاة، و فسر قوله صلي اللّه عليه و آله تفسيرا آخر(1).

و هكذا هو حال غير ذلك من النصوص، فراجع.

و اما العلة الأخري الواضحة التي أدت بهم إلي الاضطراب في تحديد الحكم الشرعي الموحد فإنه يعود الي حيرتهم أمام الاشتراك اللفظي للكثير من المفردات اللغوية العربية في الدلالة علي المعني.

و لقد كان هذا الاشتراك سببا واضحا في إيجاد الاختلاف الكبير بين الفقهاء في الكثير من الأحكام الفقهية المختلفة، حيث تضاربت آرائهم في تقدير مراد الشارع المقدس من تلك الألفاظ، و لذلك شواهد كثيرة في كتب القوم الفقهية لا يسعنا المجال لإيرادها و مناقشتها، و من ذلك حيرتهم في تحديد عدة الحائض من قوله تعالي وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) استدلالا بكلمة القرء و اشتراكها اللفظي بين الطهر و الحيض، فراجع.

و كتحديدهم لوقت الذبح في الأيام المعلومات الواردة في قوله جلّ اسمه لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ (3) حيث اختلفوا في تحديد اليوم لورود استعماله في اللغة بما يشمل الليل، أو يختص بالنهار.

و كذا فإنهم اختلفوا في جواز أكل المحرم من لحم صيد البر استنادا الي ما ورد من قوله تعالي وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (4) لورود5.

ص: 20


1- انظر الموطأ 263:1-264.
2- البقرة 228:2.
3- الحج 28:22.
4- المائدة 96:5.

اسم الصيد في اللغة بما يخصّ الاصطياد في جانب، في حين يقع هذا الاسم أيضا علي المصيد. و مثل ذلك في حكم مباشرة المرأة وقت الحيض فيما دون الفرج، و وقوع الطلاق بانتهاء مدة الإيلاء، و غير ذلك.

و ظاهرة اختلاف القراءات شكّلت مشكلة حساسة و دقيقة في اضطراب الكثير من الاحكام و تعارضها، و لعلّ من أبين الحالات هو الاختلاف الحاصل في تفسير مراده تعالي من آية الوضوء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ (1).

الي غير ذلك من العوامل المؤثرة في إيجاد هذا التفاوت البيّن في معرفة الحكم الشرعي، و ما يترتب عليه من تعارض واضح، و تفاوت مشهود في إشكال الأعمال العبادية المختلفة بين أبناء الدين الواحد، و التي من أوضحها تعارض الأدلة، و عدم وجود النصّ في واقعة معينة و غيرها.

و ان هذا الافتراق الذي قد تتفاوت درجاته، و تصل الي حدّ الحرمة، من خلال اختلاف النظرة الواضحة في أدلة الأحكام الشرعية من قبيل المسائل التعبدية التي يبتلي بها المسلمون في كل عصر و أوان و مكان، يشكّل بلا شك غصة مرة في الحلوق لا مناص من الإقرار بوقوعها كأمر واقع، و هي تشكل في واقعها مؤشرا واضحا لحصول ابتعاد هذه الأمّة عن البحر الزاخر الذي خلّفه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لهذه الأمة، ذلك البحر ذي المنهل العذب الذي لا يبخل علي روّاده و لا يعجز عن إروائهم ما بلغوا.

لقد تعددت المذاهب الإسلامية، و تفرّقت في ذلك السبل، فهي تتفق حينا و تختلف أحيانا، و نري ذلك بوضوح من خلال التأمل المتأني لمفردات5.

ص: 21


1- المائدة 6:5.

و دقائق الأمور.

و لقد أفرد علماء و فقهاء تلك المذاهب الموسوعات الكثيرة و الواسعة، و التي قد يصل البعض منها الي خمسين مجلدا، تحتوي علي جملة واسعة من الآراء الفقهية، و الأحكام الشرعية الخاصة بذلك المذهب، و التي قد تختلف اختلافا جوهريا مع الرأي المقابل للمذهب الآخر في كثير من وقائعه، و سنحاول في هذه العجالة ان نلقي نظرة عابرة علي كتب الفرق الإسلامية الفقهية و مؤلفيها.

1 - المذهب الشافعي:

يعد كتاب «الأم» للشافعي المصدر الاساسي و الأول لكل الفقه الشافعي، حيث ضمّنه جميع أبواب الفقه المعروفة.

و للشافعي أيضا كتب أخري ألف البعض منها في العراق و فيها آراؤه القديمة، و البعض الآخر في مصر تتضمن الآراء و الأفكار الجديدة له.

و لعل من أهم تلك الكتب «الرسالة» و «جماع العلم» الذي يعد من أهم الدراسات التي كتبها في الردّ علي أعداء السنّة في عصره، و كذا كتاب «الإملاء الصغير» و «الأمالي الكبري» و غيرها.

و بعد الشافعي، كتب تلاميذه و فقهاء المذهب كتبا كثيرة، لعل أهمها:

1 - مختصر المزني لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيي المزني (ت 264 هجري)، و هو أول من صنّف في مذهب الشافعي، و كتابه المختصر من أهم مصنفاته.

2 - المهذب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476 ه)، و للمهذب شروح كثيرة أهمها المجموع للنووي.

ص: 22

3 - التنبيه في فروع الشافعية للشيرازي صاحب المهذب، و عليه شروح كثيرة.

4 - نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني عبد الملك بن عبد اللّه (ت 478 ه) و هو من كتب الفقه المقارن.

5 - البسيط في فروع الفقه لأبي حامد الغزالي (ت 505 ه -).

6 - الوسيط في فروع المذهب للغزالي، و هو مختصر للبسيط، حذف فيه الأقوال الضعيفة و الشاذة.

7 - الوجيز في فقه الامام الشافعي للغزالي.

8 - المحرر لأبي قاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623 ه -)، مقتبس من كتاب الوجيز للغزالي، عليه شروح كثيرة أهمها «كشف الدرر في شرح المحرر» لشهاب الدين الحصكفي (ت 985 ه -).

9 - فتح العزيز في شرح الوجيز لصاحب المحرر، شرح فيه الرافعي كتاب الوجيز للشافعي.

10 - المجموع لأبي زكريا محيي الدين النووي (ت 676 ه -).

و للنووي أيضا مؤلفات اخري أمثال الروضة في الفروع، و منهاج الطالبين، و هو اختصار لمحرر الرافعي.

و علي منهاج الطالبين شروح كثيرة لعل أهمها: أ - تحفة المحتاج لشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي (ت 974 ه -). ب - مغني المحتاج إلي معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (ت 977 ه). ج - نهاية المحتاج الي شرح المنهاج لابن حمزة الرملي (ت 1004 ه -).

و كذلك فان من المتون المهمة المعتبرة في المذهب الشافعي هو متن أبي شجاع لأحمد بن الحسين أبو شجاع الأصفهاني (ت 593 ه -) و عليه شروح كثيرة.

ص: 23

2 - المذهب الحنبلي:

يعد كتاب «المسند» لأحمد بن حنبل من أهم المسانيد المؤلفة، الا انه ليس لأحمد كتاب فقهي يعوّل عليه، بل ان الفقهاء هم الذين كتبوا في المذهب فأكثروا، و لعل من أهم تلك المصنفات:

1 - مختصر الخرقي لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، و هو أول كتاب فقهي في فقه احمد بن حنبل، و عليه شروح عديدة أهمها كتاب المغني لابن قدامة.

2 - التذكرة لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي (ت 513 ه -).

3 - الهداية لأبي الخطاب الكلوذاني (ت 516 ه -).

4 - المستوعب لمحمد بن عبد اللّه السامرّي (ت 610 ه -).

5 - و لموفق الدين بن قدامة المتوفّي سنة (620 ه -) عدة كتب في الفقه الحنبلي: أهمها و أوسعها كتاب المغني، و موجز و هو كتاب المقنع، و متوسط بين الإطالة و الاختصار و هو كتاب الكافي.

و لاهمية ابن قدامة عند الحنابلة أصبحت كتبه موردا للبحث و التدريس، بل و أصبحت مؤلفاته و شروحها هي المتون المعتمدة في الدراسات العلمية.

6 - المحرر لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي القاسم بن تيمية (ت 652 ه -)، و علي هذا الكتاب شروح و حواشي متعددة.

7 - الفتاوي لابن تيمية و هي موسوعة كبيرة بلغت اجزاؤها 37 جزءا.

8 - الفروع لابن مفلح، و الذي استدرك عليه سليمان المرداوي (ت 885 ه -) بما اسماه (تصحيح الفروع).

9 - الإقناع في فقه الامام احمد بن حنبل لموسي بن أحمد المقدسي

ص: 24

(ت 968 ه -).

10 - منتهي الإرادات لابن النجار (ت 972 ه -)، جمع فيه بين «المقنع» لابن قدامة، و «التنقيح» للمرداوي.

3 - المذهب المالكي:

المعروف ان مالك بن انس امام المذهب المالكي لم يدون ما يعرف بأصول هذا المذهب، و كذا قواعده الشرعية في الاستنباط، الا ان كتاب الموطأ يعد أهم اثر علمي تركه، و هو كتاب حاو علي الحديث و الفقه، و حيث يعد المصدر الأول الذي يعول عليه عند المالكية و قد تتلمذ علي يديه عدد غفير من طلبة العلم الذين أصبحوا من بعده القواعد الاساسية التي يرتكز عليها هذا المذهب، و قد ألف في هذا الاتجاه جملة من الكتب المحددة لأصول المذهب المالكي و فقهه، و التي أهمها:

1 - الشروح الخاصة بكتاب الموطأ لمالك و التي أهمها:

أ - التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد لابن عبد البر الأندلسي (ت 463 ه -).

ب - الاستذكار لمذهب الأنصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي و الآثار، لابن عبد البر أيضا.

ج - المنتقي لابن الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474 ه -).

د - تنوير الحوالك علي موطإ مالك لجلال الدين السيوطي (ت 911 هجري).

ه - شرح الزرقاني علي موطإ الامام مالك لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري (ت 1122 ه -).

2 - المدونات التي كتبت في القرن الثالث الهجري و التي تعرف

ص: 25

بالأمهات، و هي:

أ - مدونة سحنون الاسدية، و التي دونها أسد بن فرات تلقيا عن ابن القاسم أشهر تلاميذ مالك، و الملازم له نحو عشرين عاما، الا انه أعاد النظر فيها، تهذيبا و اضافة و ترتيبا، فأصبحت الأخيرة محط أنظار المالكية دون الاولي.

ب - الواضحة في السنن و الفقه لعبد الملك بن حبيب (ت 238 ه -).

ج - المستخرجة العتبية علي الموطأ لمحمد العتبي (ت 254 ه -).

د - الموازية لابن المواز (ت 281 ه -).

فهذه المدونات تعد المصدر الأساس الذي يعول عليه الفقه المالكي.

3 - المختصرات و المتون، و من أهمها:

أ - رسالة ابن أبي زيد القيرواني، و هي اختصار لمدونة سحنون، و لهذه الرسالة شروح كثيرة أهمها الشرح الخاص بأحمد بن عيسي المعروف بزروق (ت 899 ه -).

ب - مختصر الشيخ خليل، و هو اختصار لما كتبه ابن الحاجب المختصر بدوره لما كتبه البرادعي الذي كان من أصحاب أبي زيد، و الذي كان ما كتبه اختصارا لرسالة القيرواني.

و يعد هذا المختصر الكتاب المعتمد عند المالكية، و عليه شروح كثيرة أهمها:

1 - مواهب الجليل لشرح مختصر الشيخ خليل لأبي عبد اللّه محمد ابن محمّد المكي (ت 954 ه -).

2 - شرح الزرقاني علي مختصر خليل لعبد الباقي الزرقاني (ت 1099 ه -).

ص: 26

3 - الخرشي علي مختصر سيدي خليل للخرشي (ت 1101 ه -).

4 - الشرح الكبير علي مختصر سيدي خليل للدردير (ت 1201 ه -).

و علي هذا الشرح حاشية مشهورة تعرف بحاشية الدسوقي لمحمد بن احمد ابن عرفة (ت 1230 ه -).

4 - المذهب الحنفي:

تعد كتب ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 ه -).

المصدر الأول للفقه الحنفي، و قد اختصر هذه الكتب الحاكم محمد بن أحمد المروزي (ت 334 ه -) في كتابه المعروف بالكافي، بعد حذفه للمكرر منها.

و لعل من أهم كتب الحنفية:

أ - المبسوط لأبي بكر السرخسي (ت 483 ه -).

ب - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (ت 575 ه -).

ج - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (ت 587 ه -).

كما ان هنا خمسة متون مهمة تشكل المحور الأساس للدراسات العلمية في المعاهد الحنفية الموجودة، و هي:

أ - مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري (ت 428 ه -).

ب - الوقاية لبرهان الشريعة لمحمود بن احمد المتوفي في حدود (673 هجري).

ج - المختار لأبي الفضل الموصلي (ت 683 ه -).

د - مجمع البحرين لابن الساعاتي (ت 694 ه -).

ه - كنز الدقائق للنسفي (ت 710 ه -).

ص: 27

و هكذا، و من خلال هذا العرض المختصر لنشأة المذاهب الفقهية المختلفة، و مرورنا العابر علي البعض من كتب تلك الفرق، و تبلورها حول أئمة خاصة بها، تفردوا بجملة من الآراء و الأصول الفقهية، أو وافقوا الآخرين في البعض الآخر منها،

و كانت الشيعة الإمامية،

و هم اتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام، و حيث أخذوا فقههم منهم، قد اعتمدوا المصادر التالية في استخراجهم للأحكام الشرعية التي يتعبدون بها، و هي:

1 - الكتاب، و هو القرآن الكريم الذي جاء به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من لدن حكيم خبير بواسطة جبرئيل الأمين عليه السلام.

2 - السنة الشريفة المطهرة، و هي:

أ - أقوال المعصوم المتمثلة بأوامره و نواهيه و تعليماته عليه السلام.

ب - أفعاله و اعماله التي اتي بها عليه السلام، المشعرة بإباحتها، إلاّ إذا كان قد اتي بها بعنوان الوجوب أو الاستحباب فتدخل ضمنه، ما لم يكن قد اتي بها لتخصصها به دون غيره.

ج - تقريراته عليه السلام.

و نقصد بالمعصوم عليه السلام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الأئمة المعصومين من ذريته عليه السلام.

3 - الإجماع، و حجية الإجماع عند الشيعة إنّما هي لأجل كونه موصلا الي قول المعصوم عليه السّلام في المجمعين، و لهم في استكشاف ذلك طرق و مباني مبيّنة في محلها.

4 - ما ثبت حجيته بهما كالاستصحاب - و هو في اصطلاح الأصوليين: اعتبار متيقن الوجود أو ما بحكم المتيقن باقيا عند الشك في زواله - بناء علي كون حجيته من الاخبار لا من العقل، كما هو معروف.

5 - الأدلة العقلية، كالبراءة العقلية و غيرها مما ثبتت حجيتها بالعقل،

ص: 28

و يسمي بحكم العقل، و يراد به الإدراك العقلي الموصل الي الحكم الشرعي، و ينتقل من العلم بالحكم العقلي إلي العلم بالحكم الشرعي.

و في الطرف الآخر نجد أنّ المذاهب الفقهية الأخري - غير الشيعة الإمامية - قد اعتمدوا جملة من مصادر التشريع و أدلتها يمكن أن تنقسم إلي قسمين رئيسيين:

القسم الأول: الأدلة المتفق عليها بينهم، و هي: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و القياس.

القسم الثاني: الأدلة المختلف فيها، و لعل أهمها:

1 - مذهب الصحابي.

2 - إجماع أهل المدينة.

3 - المصالح المرسلة.

4 - الاستصحاب.

5 - العرف.

6 - الاستقراء.

7 - الاستحسان.

و تتفاوت المذاهب الإسلامية في قبول هذه الأدلة أو ردها، و التعرض لتفصيل المناقشة حول هذه الأدلة و بحثها لا تستوعبه هذه الصفحات القليلة.

إلاّ ان هذا التفاوت في اعتماد جملة الأدلة التي أشرنا إليها من كلا الفريقين، كان يعني - و علي أدني تقدير - جملة لا بأس بها من الاختلافات الواضحة في استنباط الأحكام الشرعية، لكن هذا الاختلاف لا يعني وجود البون الشاسع و الاختلاف الكبير المؤدي إلي إقامة الهوة بين هذه المذاهب الإسلامية، بعضها مع البعض الآخر، أو مع فقه الشيعة كما يحاول البعض فرضه، بل ان الأمر أقرب الي التفهم و الإدراك عند المناقشة الصريحة

ص: 29

و العلمية المرتكزة علي الأسس الشرعية و القواعد الإلهية التي يؤمن بها الجميع بلا شك.

و لعل من هذا المنطلق المهم و الحساس بنيت أركان الفقه المقارن الذي نحاول التعرف علي أشكاله من خلال كتابنا الماثل بين يديك أخي القارئ الكريم، و هو كتاب «تذكرة الفقهاء» لأحد كبار علماء الشيعة، و هو العلاّمة الحلي قدس اللّه سرّه.

و حقا ان نشأة هذا العلم غير واضحة المعالم و لا متكاملة الابعاد، حيث لم تتجاوز آن ذاك حدود الإشارة الي بعض الآراء الأخري و في حدود ضيقة.

إلاّ أنّ الأمر أخذ أبعاده العلمية الواضحة، في جملة واسعة من المؤلفات المتخصصة، و التي عمدت الي احتواء مختلف الآراء الواردة في أكثر من مذهب، من خلال مناقشة علمية، و مقارنة موضوعية تستهدف إلي إثبات صحة الحكم المراد تثبيته من خلال الأدلة الشرعية المتفق عليها، أو الملزمة للمعارض.

الفقه المقارن:

لم تكن بدايات ما يسمي بالفقه المقارن في أبعاده الحقيقية لتتجاوز اعتماد المنهج الدفاعي الذي يسلكه الفقيه في الاحتجاج بالأدلة و الأحكام الشرعية للمدرسة التي ينتمي إليها ذلك الفقيه.

و من المظاهر المعلومة لهذا الفن ابان تلك الفترة محدودية المسائل التي يتم التعرض إليها في المناقشة، حيث لم تكن شاملة لكل مسائل الفقه، بل كانت مقارنات جزئية محدودة.

بيد أنّ هذا الفن المهم - و بمرور الزمن - امتدت آفاقه لتشمل كل

ص: 30

أبواب الفقه، بل و لم يعد في حقيقته لونا من ألوان الدفاع البحت عن مذهب الفقيه بقدر ما فيه من العرف العلمي السليم - في أغلب الأحيان - لمجمل الآراء الفقهية المختلفة، مع ترجيح الأصوب منها وفق الأدلة العلمية المتوفرة، و إن كان ميل الفقيه الي المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه، مؤثّر علي عمله.

و إنّ جدوي هذا المنهج العلمي يتضح من خلال الفوائد المترتبة عليه و التي يمكن تلخيصها بما يلي:

أ - محاولة البلوغ إلي أحكام الفقه الإسلامي من أيسر طرقه و أسلمها، و هو لا يتيسر عادة إلاّ بعد عرض مختلف وجهات النظر فيها و تقييمها علي أساس ثابت و مقطوع به.

ب - العمل علي تطوير الدراسات الفقهية و الأصولية، و الاستفادة من نتائج التلاقح الفكري في أوسع نطاق لتحقيق هذا الهدف.

ج - إشاعة روح التعاون بين الباحثين، و محاولة القضاء علي مختلف النزعات العاطفية و إبعادها عن مجالات البحث العلمي.

د - تقريب شقة الخلاف بين المسلمين، و الحد من تأثير العوامل المفرّقة التي كان من أهمها و أقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس و مباني البعض الآخر، مما ترك المجال مفتوحا أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه بعض المفاهيم و التقوّل عليهم بما لا يقولون به(1).

و يعدّ الفقه المقارن استدلالا بذلك متأخرا فعلا عن مرتبة الأصول الفقهية و البحث فيها، حيث من الواضح أنّ الغاية من هذا العلم الفصل بين الآراء المختلفة للمجتهدين، و اختيار - أو علي الأقل تقديم - أمثلها و أقربها4.

ص: 31


1- انظر الأصول العامة للفقه المقارن: 14.

الي مراد الشرع، و هذا الفصل و التمييز بين الآراء لا يمكن إلاّ بعد حصول القدرة الفعلية علي معرفة الأمثل من الأدلة.

إنّ المكتبة الإسلامية بكل مذاهبها قد شهدت مجموعة كبيرة من المؤلفات المختلفة التي تدور في هذا الفلك الواسع، رغم قصور البعض منها عن ترجيح الأدلة، أو اقتصارها علي بعض المسائل التي تقتضي الضرورة و الإشارة إليها.

و للشيعة الإمامية مؤلفات قيمة عمد مؤلفوها رحمهم اللّه - و من خلال طرحهم لمسائل الفقه المختلفة في أبوابه المتعددة - إلي التعرض الي مجمل الآراء لفقهاء الأمة الإسلامية، و مناقشتها و الخروج بحاصل مثمر مؤيد للمبني الذي يذهب اليه ذلك المؤلف.

و لعل من أبرز ما كتب في هذا المجال:

كتاب الخلاف لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 هجري).

كتاب الانتصار لما انفردت فيه الإمامية للسيد المرتضي (ت 436 هجري).

تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلي (ت 726 ه -).

منتهي المطلب للعلاّمة الحلي أيضا.

و تعد هذه الكتب - بلا شك - رائدة في هذا الباب، و متخصصة فيه، حيث عمد فيها مؤلفوها رحمهم اللّه الي مناقشة علمية و صريحة في إثبات آرائهم الفقهية، و ذكر أدلتهم عليها، و يعد كتابنا الماثل نموذجا واضحا في هذا الفن، حيث يجد فيه المراجع ضالته إلاّ أن المؤسف كون الموجود منه إلي أواخر كتاب النكاح، فقط، و سنتحدث عنه بشيء من التفصيل.

ص: 32

اشارة

هو العلاّمة علي الإطلاق الحسن بن يوسف بن علي بن مطهّر، أبو منصور الحلّي، أشهر من أن يعرّف أو يترجم له.

ولد في، مدينة الحلّة السيفية في شهر رمضان عام 648 ه، و إليها ينتمي.

أبوه الشيخ الفقيه، و شيخ الإسلام سديد الدين يوسف بن علي المطهّر الحلّي.

و أمّه ابنة العالم الفقيه الشيخ أبي يحيي الحسن بن زكريّا الحلّي.

أخت الشيخ أبي القاسم المحقّق الحلّي الشهير.

قرأ رحمه اللّه علي جملة كثيرة من فضلاء عصره و علمائه أمثال والده و خاله رحمهما اللّه، و الخواجة نصير الدين الطوسي، و الشيخ ميثم البحراني، و السيد علي بن طاوس، و الشيخ يحيي بن سعيد الحلّي، و السيد عبد الكريم ابن طاوس رحمهم اللّه تعالي و غيرهم.

تتلمذ علي يديه، و روي عنه جم غفير من العلماء المتفوّقين و البارعين، أمثال: ولده فخر الدين محمد، و ابن أخته عبد المطّلب الحسيني الأعرجي، و السيّد محمد بن القاسم أستاذ ابن عنبة، و السيّد مهنّا بن سنان الحسيني، و الشيخ محمد بن محمد الرازي، و الشيخ إبراهيم بن الحسين الآملي، و الشيخ الحسين بن إبراهيم الأسترآبادي، و غيرهم.

له مؤلّفات كثيرة في الفقه، و الأصول، و الحديث، و الرجال و غيرها من العلوم المختلفة بشكل قلّ نظيره عند غيره من علماء عصره، بحيث كانت و لا زالت تلك المؤلفات قبلة الباحثين و العلماء، و مرجعا مهما في البحث

ص: 33

و التدريس و المناقشة، أمثال: الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة، الأربعين في أصول الدين، إرشاد الأذهان إلي أحكام الدين، إيضاح الاشتباه في ضبط أسماء الرجال و ألقابهم، إيضاح المقاصد في حكمة عين القواعد، تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية، الجوهر النضيد في شرح كتاب التجريد، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام، مبادئ الوصول إلي علم الأصول، مختلف الشيعة إلي أحكام الشريعة، منتهي المطلب في تحقيق المذهب، نهاية المرام في علم الكلام، نهاية الوصول إلي علم الأصول، واجب الاعتقاد علي جميع العباد.. و غيرها.

توفّي رحمه اللّه تعالي في شهر محرّم الحرام عام 726 ه، فحمل جثمانه الطاهر إلي النجف الأشرف حيث دفن في جوار أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام.

انظر ترجمة العلاّمة رحمه اللّه تعالي

في:

رجال ابن داود: 78، خلاصة الأقوال: 45، نقد الرجال: 99، مجالس المؤمنين 359:2، منهج المقال: 109، رياض العلماء 1:

358، أمل الآمل 81:2، لؤلؤة البحرين: 210، مقابس الأنوار: 13، خاتمة مستدرك الوسائل: 459، بهجة الآمال 217:3، الفوائد الرضوية:

126، الكني و الألقاب: 436:2، هداية الأحباب: 202، أعيان الشيعة 396:5، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 270، الوافي بالوفيات 13:

85، لسان الميزان 317:2، النجوم الزاهرة 267:9، الأعلام - للزركلي - 227:2.

ص: 34

تذكرة الفقهاء و نسخه المخطوطة المعتمدة:

يعدّ كتاب تذكرة الفقهاء - و كما أسلفنا - أكبر كتاب مؤلف في مجال الفقه الاستدلالي المقارن، يوجد منه إلي كتاب النكاح، و اما الاجزاء الأخري فيعتقد البعض ان العلاّمة رحمه اللّه لم يتمها لأسباب خاصة و غير معلومة، في حين يعتقد البعض الآخر - و نحن نوافقهم في ذلك - ان أجزاء أخري قد خرجت من قلمه الشريف، أو علي الأقلّ حتي أواخر كتاب الميراث كما تشير الي ذلك جملة من الأدلة الواضحة، لعل أهمهما ما ذكره ولده فخر المحققين الشيخ محمد بن الحسن الحلي في كتابه الموسوم - بإيضاح الفوائد في شرح القواعد - حيث قال في آخر شرحه لإرث الزوج: «قد حقّق والدي هذه المسألة و أقوالها و أدلتها في كتاب التذكرة»(1).

و يعضد ذلك ان العلاّمة الحلي رحمه اللّه قد ذكر في آخر ما وصلنا من التذكرة: تم الجزء الخامس عشر من كتاب تذكرة الفقهاء علي يد مصنّفها الفقير الي اللّه تعالي حسن بن يوسف بن المطهر الحلي في سادس عشر من ذي الحجة سنة عشرين و سبعمائة بالحلة، و يتلوه الجزء السادس عشر المقصد الثالث في باقي أحكام النكاح.

حيث يظهر من خلال هذه العبارة ان العلاّمة رحمه اللّه كان قد رتّب، أو علي الأقل كان في نيته أن يتم هذا الكتاب عاجلا، هذا إذا علمنا بأنّه رحمه اللّه تعالي قد عاش حوالي ست سنين بعد كتابته لهذه العبارة المذكورة، و لم يكن معهودا منه هذا الإهمال و هو القائل في أول كتابه: «قد

ص: 35


1- إيضاح الفوائد 242:4.

عزمنا في هذا الكتاب الموسوم بتذكرة الفقهاء علي تلخيص فتاوي العلماء، و ذكر قواعد الفقهاء علي أحق الطرائق، و أوثقها برهانا، و أصدق الأقاويل و أوضحها.. و أشرنا في كل مسألة إلي الخلاف، و اعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف».. إلخ.

و لعل المتبادر الي الذهن مما تقدم أنّ باقي الكتاب - أو علي الأقل ما احتملنا إتمامه سابقا - لم يخرج من المسودة وضاع أو تلف دون أن يصل الي يد النسّاخ، و بقي الكتاب ناقصا، أو لعل هناك أسبابا أخري لا يعلمها إلاّ اللّه تعالي، و قد رتّب المصنف رحمه اللّه بحوث الكتاب علي أجزاء، بالشكل التالي:

الجزء الأول: يتضمن كتاب الطهارة.

الجزء الثاني: هو من أول كتاب الصلاة الي آخر أفعالها.

الجزء الثالث: فيه باقي الصلوات الي آخر كتاب الصلاة.

الجزء الرابع: ضمّنه كتابي الزكاة و الصوم.

الجزء الخامس: فيه بداية كتاب الحج الي التقصير.

الجزء السادس: يتضمن باقي كتاب الحج مع كتاب الجهاد.

الجزء السابع: أول كتاب البيع الي بيع النقد و النسيئة.

الجزء الثامن: يشتمل علي بيع النقد و النسيئة إلي آخر البيع، مع كتاب الديون و توابعها.

الجزء التاسع: فيه مباحث الرهن و التفليس «الحجر».

الجزء العاشر: يتضمن مباحث الضمان و الكفالة و الحوالة و الوكالة و الإقرار و الصلح.

الجزء الحادي عشر: يشتمل علي كتاب الأمانات و توابعها: الوديعة، العارية، الشركة، القراض، اللقطة، الجعالة.

ص: 36

الجزء الثاني عشر: فيه مباحث الإجارة، و المزارعة، و المساقاة، و السبق، و الرماية.

الجزء الثالث عشر: مباحث الغصب و احياء الموات، و كتاب العطايا:

مباحث الهبة، و الصدقة و الوقف.

الجزء الرابع عشر: يختص بكتاب الوصايا.

الجزء الخامس عشر: فيه قسم من مباحث كتاب النكاح.

و لما كان هذا الكتاب من كتب الفقه المقارن المهمة، و لما امتاز به مؤلفه رحمه اللّه من باع طويل، و تمرّس واسع في المباحث الفقهية، و حيث يعد مرجعا معتمدا عند الكثير من المراجع المختلفة، فلذا التزمت مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث تحقيق هذا السفر الجليل لإخراجه بالثوب القشيب الذي يليق به.

فقد شرعت المؤسسة بالعمل علي توفير مستلزمات التحقيق، من النسخ المخطوطة المعتبرة، و تحديد اللجان المختصة و غير ذلك، تم بتوفيق اللّه تعالي قطع شوط مهم في هذا العمل المهم، تعد هذه الأجزاء ثمرة يانعة و طيبة دالة عليه.

و النسخ المخطوطة التي تم الاعتماد عليها في ضبط نص الكتاب هي:

1 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة، في قم، برقم 3745، و تشتمل علي بداية الكتاب إلي نهاية الزكاة، تأريخ نسخها 720 ه -، و هي مقروءة علي المصنّف، و عليها الإنهاء بخطه، و قد رمزنا لها بالحرف «م».

2 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشوري الإسلامي برقم 1139، و المشتملة علي الاجزاء الثلاثة الأول من الكتاب،

ص: 37

انتهي نسخ الجزء الأول منها في أول ذي الحجة عام 868 ه -، و انتهي نسخ الثاني في 26 جمادي الآخرة عام 867، و انتهي نسخ الجزء الثالث في 19 رجب عام 867 ه -، رمزنا لها بالحرف «ش».

3 - النسخة المحفوظة في المكتبة الفيضية برقم 712، و تتضمن الجزء الرابع و الخامس من الكتاب، تأريخ نسخها عام 978 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ف».

4 - نسخة جامعة طهران المرقمة 6666، تأريخ نسخها في 12 رجب 912 ه -، و تتضمن الجزءين الرابع و الخامس من الكتاب، رمزنا لها بالحرف «ط».

5 - نسخة مكتبة شهيدزاده دادرس، و المحفوظة في مكتبة النصيري بطهران. المتضمنة للجزءين الرابع و الخامس من الكتاب، تم نسخها في 26 ذي الحجة عام 764 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ن».

6 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة ملك في طهران برقم 2461، و المشتملة علي أفعال الحج الي بيع النقد و النسيئة، تأريخ نسخها الأول من شهر ربيع الأول عام 916 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ك».

7 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة في مشهد برقم 66، و المتضمنة للجزءين السادس و السابع من الكتاب، و التي رمزنا لها بالحرف «ق».

8 - نسخة المكتبة الفيضية المرقمة 70، و التي تم نسخها في 989 ه -، المتضمنة للجزء الثامن من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ي».

9 - نسخة مكتبة سبهسالار في طهران المرقمة 2452، و التي انتهي نسخها في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك سنة 972 ه -، و المتضمنة للجزء الثامن من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «س».

ص: 38

10 - النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم، و المتضمنة لأول كتاب الرهن الي آخر كتاب الأمانات، كتب في آخرها انها تمت علي يد المصنّف في اليوم الثالث من جمادي الأولي سنة 715 ه - بالسلطانية، و التي رمزنا لها بالحرف «ج».

11 - النسخة المحفوظة في مكتبة مدرسة سليمان خان في مشهد، و المتضمنة للجزءين العاشر و الحادي عشر من الكتاب، و التي تم نسخها في صفر عام 976 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «خ».

12 - نسخة مكتبة جامعة طهران المرقمة 4 ج فهرست 289، المتضمنة للجزء الثاني عشر من الكتاب تم نسخها في يوم الأحد الحادي عشر من شهر رمضان عام 725 ه -، رمزنا لها بالحرف «د».

13 - النسخة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم برقم 1611، تم نسخها في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول عام 905 ه -، و المشتملة علي كتاب الإجارة إلي نهاية السكني و العمري و الرقبي، و قد رمزنا لها بالحرف «ع».

14 - نسخة مكتبة المدرسة الفيضية في قم المرقمة 441 و التي تم نسخها في 8 ربيع الآخر عام 870 ه -، و المتضمنة للجزءين الثاني و الثالث عشر من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ض».

15 - النسخة المحفوظة في مكتبة مجد الدين النصيري في طهران برقم 263، و المتضمنة لكتاب الوصايا و مباحث النكاح الي آخر الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ل».

ص: 39

منهجية العمل:

و تم تعيين اللجان المختصة بهذا العمل، و كانت كالتالي:

1 - لجنة المقابلة: و عملها مقابلة النسخ الخطية و تثبيت الاختلافات الواردة بينها و إحالتها إلي اللجان المتخصصة لتثبيت ما تراه صحيحا، و كانت مؤلّفة من الاخوة الأفاضل: الحاج عز الدين عبد الملك، و الأخ محمد عبد علي محمد.

2 - لجنة التخريج: و يتحدد عملها بتخرج الأحاديث و الروايات و الأقوال الواردة في الكتاب، الخاصة و العامة، و تتكون من كل من أصحاب السماحة حجج الإسلام: الشيخ عباس الأخلاقي، و السيد هادي حمزة لو، و الشيخ محمد الميرزائي، و الشيخ محمد الرسولي، و الشيخ شاكر آل عبد الرسول السماوي.

3 - لجنة المراجعة: و عملها التأكد من اعمال اللجان السابقة و تصحيح موارد الاشتباه المحتملة، و ضبط الاعمال لإحالتها الي المرحلة اللاحقة، و تكونت من أصحاب السماحة حجج الإسلام: الشيخ جعفر المجاهدي، و الشيخ محمد الكاظمي، و الشيخ عطاء اللّه الرسولي، و الشيخ عبد اللّه محمدي.

4 - لجنة تقوم النص: و يتحدد عمل هذه اللجنة بملاحظة متن الكتاب، و اختيار النصوص الصحيحة ليتم تثبيتها، و تفسير المفردات اللغوية، و التعليق علي الموارد المبهمة و إيضاحها و غير ذلك من الاعمال النهائية، و كانت مسئولية عمل هذه اللجنة علي عاتق سماحة حجة الإسلام المحقق الشيخ محمّد الباقري.

ص: 40

5 - لجنة المراجعة النهائية: و يكون عملها ملاحظة الكتاب بكل ابعاده قبل إرساله إلي الطبع، و التأكد من صحة إعمال جميع لجانه السابقة.

و قد أنيطت مسئولية هذه اللجنة بسماحة العلامة حجة الإسلام السيد علي الخراساني الكاظمي.

هكذا فان ما تم من تحقيق علمي لاجزاء هذا الكتاب المهم قد أوضح للعاملين في هذه اللجان جملة مهمة من الملاحظات الدقيقة حول نمط اعداد هذا الكتاب لعل أهمها اعتماد المؤلف رحمه اللّه في شرح الكثير من المباحث الفقهية علي جملة من المراجع المختلفة و المحددة أمثال كتاب فتح العزيز للرافعي، و المغني و الشرح الكبير لا بني قدامة، و المجموع للنووي، كما هو دأب العلماء سابقا، و عليه توافقوا و تعارفوا.

كما أنه كثيرا ما كان ينقل العديد من الآراء الفقهية الخاصة من كتابي الخلاف لشيخ الطائفة الطوسي، و المعتبر لخاله المحقق الحلي رحمهما اللّه تعالي.

و أخيرا أخي القارئ الكريم فانّا نقدم هذا الكتاب الجليل بعد جهود متواصلة امتدت لسنين طوال، عمدنا فيها قدر الإمكان إلي إعداده و تقديمه بالصورة اللائقة به و بتراثنا العزيز، سائلين المولي عزّ و جلّ التوفيق لتقديم الاعمال التحقيقية الأخري، أنه سميع مجيب، و آخر دعوانا ان الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّي اللّه علي محمّد و علي آل بيته الطيبين الطاهرين.

مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث

ص: 41

ص: 1

ص: 2

خطبة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ذي القدرة الأزليّة، و العزة الباهرة الأبدية، و القوة القاهرة القويّة، و النعم الغامرة السرمدية، و الآلاء الظاهرة السنية، المستغني بوجوب وجوده عن الاتصاف بالمواد و الصور النوعية، و المقدس بكمال ذاته عن المشاركة للأجسام و الأعراض الفلكية و العنصرية، ابتدع أنواع الكائنات بغير فكر و روية، و اخترع أجناس الموجودات بمقتضي حكمته العلية، مكمل نوع الإنسان بإدراك المعاني الكلية، و مفضل صنف العلماء علي جميع البرية، و صلّي اللّه علي أشرف النفوس القدسية، و أزكي الذوات المطهّرة الملكية، محمد المصطفي و عترته المرضية.

أما بعد: فإنّ الفقهاء عليهم السلام هم عمدة الدين، و نقلة شرع رسول رب العالمين و حفظة فتاوي الأئمة المهديّين، صلوات اللّه عليهم أجمعين، و هم ورثة الأنبياء، و الذين يفضل مدادهم علي دماء الشهداء، و قد جعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله النظر إليهم عبادة، و المجالسة لهم سعادة، و اقتفاء أثرهم سيادة، و الإكرام لهم رضوان اللّه، و الإهانة لهم سخط اللّه(1) ، فيجب علي كل أحد تتبع مسالكهم، و اقتفاء آثارهم، و الاقتداء

ص: 3


1- ورد عن النبي و آله المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين الكثير من الأحاديث في فضل العلم و العلماء، و طلب العلم، نحو ما أشار إليه المصنف و غيره، أنظر: الكافي 23:1-57، بصائر الدرجات: 30، أمالي الشيخ الصدوق: 143، أمالي الطوسي 69:1 و 87 و 135:2، أمالي الصدوق: 58-9، نوادر الراوندي: 11، العوالم 125:2، البحار 1: كتاب العلم، و راجع: سنن ابن ماجة 8:1-223، سنن الترمذي 5: 48-2682، كنز العمال 130:10-314 الأحاديث، الترغيب و الترهيب 92:1-133، مجمع الزوائد 119:1-202.

بهم في إيرادهم و إصدارهم، و اتّباعهم في إظهار شرع اللّه تعالي و إبانة أحكامه، و إحياء مراسم دين اللّه و إعلان أعلامه.

و قد عزمنا في هذا الكتاب الموسوم ب «تذكرة الفقهاء» علي تلخيص فتاوي العلماء، و ذكر قواعد الفقهاء، علي أحق الطرائق و أوثقها برهانا، و أصدق الأقاويل و أوضحها بيانا - و هي طريقة الإمامية الآخذين دينهم بالوحي الإلهي، و العلم الرباني، لا بالرأي و القياس، و لا باجتهاد الناس - علي سبيل الإيجاز و الاختصار، و ترك الإطالة و الإكثار.

و أشرنا في كلّ مسألة إلي الخلاف، و اعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الانصاف، إجابة لالتماس أحب الخلق إليّ، و أعزّهم عليّ، ولدي محمد أمدّه اللّه تعالي بالسعادات، و وفقه لجميع الخيرات و أيده بالتوفيق، و سلك به نهج التحقيق، و رزقه كل خير، و دفع عنه كلّ شر، و آتاه عمرا مديدا سعيدا، و عيشا هنيئا رغيدا، و وقاه اللّه كلّ محذور، و جعلني فداءه في جميع الأمور.

و رتّبت هذا الكتاب علي أربع قواعد، و اللّه الموفق و المعين.

ص: 4

القاعدة الأولي في العبادات

اشارة

و هي تشتمل علي ستة كتب:

الكتاب الأول في: الطّهارة

اشارة

ص: 5

ص: 6

مقدمة

الطهارة - لغة - النظافة، و شرعا: وضوء، أو غسل، أو تيمم، يستباح به عبادة شرعية.

و الطهور هو المطهّر لغيره، و هو فعول بمعني ما يفعل به - أي يتطهر به - كغسول، و هو الماء الذي يغتسل به، لقوله تعالي وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1).

ثم قال وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (2).

و لأنّهم فرّقوا بين ضارب و ضروب، و جعلوا الثاني للمبالغة، فيكون للتعدية لامتناع المبالغة في المعني، و لقوله عليه السلام - عن ماء البحر و قد سئل أ يجوز الوضوء به -: (هو الطهور ماؤه)(3).

و قال أبو بكر بن داود و بعض الحنفية: الطهور هو الطاهر(4). فالعرب

ص: 7


1- الفرقان: 48.
2- الأنفال: 11.
3- المصنف لابن أبي شيبة 130:1، سنن الترمذي 100:1-69، سنن الدارقطني 36:1-13-15، سنن النسائي 176:1، سنن أبي داود 21:1-83، الموطأ 22:1-12، سنن ابن ماجة 136:1-386-388، سنن البيهقي 3:1.
4- أحكام القرآن للجصاص 338:3، تفسير القرطبي 39:13، شرح فتح القدير 60:1-61، أحكام القرآن لابن العربي 1416:3، نيل الأوطار 19:1، المجموع 84:1 و فيه أبو بكر الأصم و ابن داود بدل أبو بكر بن داود.

لم تفرق بين الفاعل و المفعول في التعدي و اللزوم كقاعد و قعود، و ضارب و ضروب.

و أقسام الطهارة ثلاثة: وضوء، و غسل، و تيمم، و كل منها واجب و ندب.

فالوضوء يجب للصلاة الواجبة، أو الطواف الواجب، أو مس كتابة القرآن إن وجب، و يستحب لما عداه.

و الغسل يجب لأحد الثلاثة، أو للاستيطان في المساجد، أو قراءة العزائم إن وجبا، و للصوم الواجب إذا بقي للفجر ما يغتسل فيه الجنب و لصوم المستحاضة مع غمس القطنة، و يستحب لما عداه.

و التيمم يجب للصلاة الواجبة، و لخروج الجنب من أحد المسجدين، و يستحب لما عداه، و قد تجب الثلاثة بالنذر، و اليمين، و العهد.

و هذا الكتاب يشتمل علي أبواب:

ص: 8

الباب الأول: في المياه:
اشارة

و فيه فصول

ص: 9

ص: 10

الفصل الأول: المطلق
مسألة 1: المطلق هو ما يستحق إطلاق اسم الماء من غير إضافة،
اشارة

و هو في الأصل طاهر مطهر إجماعا من الخبث و الحدث، إلاّ ما روي عن عبد اللّه ابن عمر و عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنهما قالا في ماء البحر: التيمم أحب(1) إلينا منه(2). و عن سعيد بن المسيب: إذا ألجئت إليه فتوضأ منه(3).

و يدفعه الإجماع، و قوله صلي اللّه عليه و آله - في حديث أبي هريرة -:

(من لم يطهره البحر فلا طهره اللّه)(4) ، و قول الصادق عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان و قد سئل عن ماء البحر أ طهور هو؟ قال: «نعم»(5).

و لا فرق بين النازل من السماء و النابع من الأرض، و سواء أذيب من ثلج أو برد [1] أو لا، و سواء كان مسخنا أو لا، إلاّ أنّه يكره المسخن بالنار في

ص: 11


1- في نسخة (م): أعجب.
2- انظر: المصنف لابن أبي شيبة 131:1، سنن الترمذي 102:1، المجموع 91:1، تفسير القرطبي 53:13.
3- المصنف لابن أبي شيبة 131:1.
4- سنن البيهقي 4:1، سنن الدارقطني 35:1-11.
5- الكافي 1:3-4، التهذيب 216:1-622.

غسل الأموات لقول الباقر عليه السّلام: «لا يسخن الماء للميت»(1) فإن خاف الغاسل البرد زالت الكراهة.

و كره مجاهد المسخن في الطهارة(2) ، و أحمد المسخن بالنجاسة للخوف من حصول نجاسة فيه(3).

و يبطل بأن [الأسلع بن] شريك رحّال [ناقة] [1] النبي عليه السّلام أجنب فسخن الماء فاغتسل، و أخبره و لم ينكر عليه(4) ، و دخل النبيّ عليه السلام حماما بالجحفة و هو محرم(5) ، و اضطر الصادق عليه السّلام الي الغسل فأتوه بالماء مسخنا و هو مريض فاغتسل(6).

و يكره المشمس في الآنية - و به قال الشافعي(7) - لنهيه عليه السّلام1.

ص: 12


1- الفقيه 86:1-397، التهذيب 322:1-938.
2- مصنف ابن أبي شيبة 25:1، التفسير الكبير 168:11، المجموع 91:1، المحلي 221:1، الشرح الكبير 39:1.
3- المغني 46:1، الشرح الكبير 39:1، الإنصاف 29:1، المحرر في الفقه 2:1، كشاف القناع 26:1، المجموع 91:1.
4- اضافة لمصادر الترجمة المتقدمة انظر: سنن البيهقي 5:1، التلخيص الحبير 128:1.
5- ترتيب مسند الشافعي 314:1-816.
6- التهذيب 198:1-576، الإستبصار 163:1-564.
7- الأم 3:1، مختصر المزني 1:1، المجموع 87:1، الوجيز 5:1، الأشباه و النظائر: 424، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 11:1، فتح العزيز 129:1، معرفة السنن و الآثار 162:1.

عنه، و علّل بأنّه يورث البرص(1).

و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يكره كالمسخن بالنار(2).

فروع:

الأول: لا كراهة في المشمس في الأنهار الكبار و الصغار، و المصانع إجماعا.

الثاني: النهي عن المشمس عام، و به قال بعض الشافعية، و قال بعضهم: إنه مختص بالبلاد الحارة كالحجاز، و بعضهم بالأواني المنطبعة كالحديد و الرصاص، أو بالصفر، و استثنوا الذهب و الفضة لصفاء جوهرهما(3).

الثالث: لو زال التشميس احتمل بقاء الكراهة، لعدم خروجه عن كونه مشمّسا.

الرابع: لو توضأ به صح إجماعا، لرجوع النهي إلي خوف ضرره.

الخامس: روي ابن بابويه كراهة التداوي بمياه الجبال الحارة(4).

السادس: إذا تغيرت أحد أوصاف المطلق بالأجسام الطاهرة و لم يسلبه الإطلاق، فهو باق علي حكمه بإجماعنا، لبقاء الاسم، و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الزهري، و أبو بكر الرازي(5).

ص: 13


1- سنن الدار قطني 38:1-2-3، معرفة السنن و الآثار 164:1، سنن البيهقي 6:1.
2- المغني 46:1، الشرح الكبير 38:1، التفسير الكبير 169:11، المجموع 88:1، فتح العزيز 129:1.
3- المجموع 88:1، فتح العزيز 133:1-135.
4- الفقيه 13:1.
5- أحكام القرآن للجصاص 338:3، المغني 41:1، التفسير الكبير 93:24-94، بداية المجتهد 27:1، بدائع الصنائع 15:1، شرح فتح القدير 64:1.

و قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و إسحاق: إن تغيّر بما لم يخالط أجزاءه كالخشب و الدهن، أو كان ترابا أو لا ينفك الماء عنه كالطحلب و ورق الشجر الساقط في السواقي، و ما يجري عليه الماء من حجارة النورة و الكحل و غيره فهو باق علي حكمه، و إن كان غير ذلك لم يجز الوضوء منه كالمتغير بالصابون و الزعفران و الملح الجبلي.

و لو كان أصله الماء - بأن يرسل في أرض مالحة فيصير ملحا - جاز(1).

السابع: لو افتقر في طهارة إلي مزج المطلق بالمضاف، قال الشيخ:

صحت الطهارة به إن بقي الإطلاق، و لا يجب المزج(2) و في الجميع إشكال.

الثامن: لو تطهر بالجمد، فإن جري علي العضو المغسول ما يتحلل منه صحّ، و إلاّ فلا، و اجتزأ الشيخ بالدهن(3).

التاسع: لو مازجه المضاف المساوي في الصفات، احتمل اعتبار بقاء الاسم - علي تقدير المخالفة و الاستعمال - ما لم تعلم الغلبة.

العاشر: ماء زمزم كغيره، و كره أحمد - في إحدي الروايتين - الطهارة به(4) لقول العباس: لا أحلّه لمغتسل، لكن لشارب حلّ و بلّ [1] و هو محمول1.

ص: 14


1- المغني 41:1-42، بداية المجتهد 27:1، المجموع 105:1 و 109، الأم 7:1، المنتقي للباجي 55:1، الإنصاف 22:1.
2- المبسوط للطوسي 5:1.
3- المبسوط للطوسي 9:1، الخلاف 52:1 مسألة 3.
4- المغني 47:1، الشرح الكبير 40:1، الإنصاف 27:1، كشاف القناع 28:1.

علي قلّة الماء لكثرة الشارب.

مسألة 2: كل ماء تغير أحد أوصافه الثلاثة
اشارة

- أعني اللون و الطعم و الرائحة - بالنجاسة كان نجسا إجماعا، لقوله عليه السّلام: «خلق الماء طهورا، لا ينجسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه»(1) و عن الصادق عليه السلام: «إذا تغير الماء، و تغير الطعم، فلا تتوضأ منه، و لا تشرب»(2) و لا فرق في هذا بين الجاري و الراكد، و القليل و الكثير لانفعال الجميع.

فروع:

الأول: لو تغير بمرور الرائحة من غير ملاقاة النجاسة لم ينجس.

الثاني: لو تغير الجاري اختص المتغير منه بالتنجيس، و كان غيره طاهرا.

الثالث: لو تغير بعض الواقف الكثير اختص المتغير منه بالتنجيس إن كان الباقي كرا و إلاّ عمّ الحكم، و قالت الشافعية: يعم مطلقا لأنه ماء واحد فلا يتبعض حكمه(3) و الملازمة ممنوعة.

الرابع: لو انصبغ ماء الغسل أو الوضوء بصبغ طاهر علي العضو فإن لم يسلبه الإطلاق أجزأ و إلاّ فلا.

ص: 15


1- عوالي اللئالي 76:1-154 و 15:2-29.
2- الكافي 4:3-3، التهذيب 216:1-625، الاستبصار 12:1-19.
3- المجموع 111:1، الوجيز 7:1، فتح العزيز 199:1، المهذب للشيرازي 12:1.

الخامس: لو زال التغير بالنجاسة بغير الماء - من الأجسام الطاهرة، أو تصفيق الرياح، أو طول اللبث - لم يطهر، لأنه حكم شرعي ثبت(1) عليه، و عند الشافعي يطهر بزوال التغير من نفسه لا بوقوع ساتر كالمسك(2).

و في التراب قولان مبنيان علي أنه مزيل أو ساتر(3).

و لو نزح فزال التغيّر طهر الباقي إن كان قلّتين.

السادس: إنما يطهر المتغير الكثير الواقف بإلقاء كرّ عليه دفعة مزيلة لتغيره، فإن لم يزل فكّر آخر و هكذا.

و الجاري يطهر بتدافعه حتي يزول التغيّر لاستهلاك المتغير و عدم قبول الطارئ النجاسة.

السابع: يكره الطهارة بالماء الآجن مع وجود غيره - و هو المتغير لطول لبثه مع بقاء الإطلاق - بإجماع العلماء، إلاّ ابن سيرين فإنه منع منه(4) ، و لو زال الإطلاق لم يكن مطهرا.

الثامن: لو زال التغير عن القليل أو الكثير بغير الماء، طهر بإلقاء الكر، و إن لم يزل به التغير لو كان، و في طهارة الكثير لو وقع في أحد جوانبه كر علم عدم شياعه، فيه نظر، و كذا لو زال التغير بطعم الكر، أو لونه العرضيين.

مسألة 3: الجاري الكثير كالأنهار الكبار و الجداول الصغار لا ينجس بملاقاة النجاسة
اشارة

إجماعا منا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس أن يبول

ص: 16


1- في هامش نسخة (م) برمز خ ل «يقف».
2- المجموع 133:1، فتح العزيز 199:1، الوجيز 7:1، المهذب للشيرازي 13:1.
3- الوجيز 7:1، فتح العزيز 200:1، المجموع 133:1، المهذب للشيرازي 13:1-14.
4- المجموع 91:1، كشاف القناع 26:1، المغني 42:1، الشرح الكبير 37:1.

الرجل في الماء الجاري»(1).

و ماء الحمام كالجاري إذا كانت له مادة - و به قال أبو حنيفة(2) - لقول الصادق عليه السّلام: «هو بمنزلة الجاري»(3) و قول الباقر عليه السّلام:

«ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة»(4) و لعدم الانفكاك من النجاسة فيه، فلو لا مساواته للجاري لزم الحرج.

و ماء الغيث حال تقاطره كالجاري، لقول الصادق عليه السّلام - في ميزابين سالا، أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا، فأصاب ثوب رجل -: «لم يضر ذلك»(5).

فروع:

الأول: لا تعتبر الجريات بانفرادها، فلو تواردت علي النجاسة الواقفة جريات متعددة لم تنجس مع اتصالها.

و قال الشافعي: تنجس كل جرية هي أقلّ من قلّتين، و إن كانت منفصلة اعتبر كل جرية بانفرادها(6) ، و عني بالجرية ما بين حافتي النهر عرضا عن يمينها و شمالها.

الثاني: لو كان الجاري أقل من كر نجس بالملاقاة الملاقي و ما تحته، و في أحد قولي الشافعي أنه لا ينجس إلاّ بالتغيّر(7).

ص: 17


1- التهذيب 43:1-121، الإستبصار 13:1-23.
2- بدائع الصنائع 72:1.
3- التهذيب 378:1-1170.
4- الكافي 14:3-2، التهذيب 378:1-1168.
5- الكافي 12:3-1، التهذيب 411:1-1295.
6- الام 4:1، المهذب للشيرازي 14:1، المجموع 143:1.
7- الأم 4:1، المجموع 144:1.

الثالث: الواقف في جانب النهر متصلا به كالجاري، و إن نقص عن كر.

الرابع: لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة دون الواقف المتصل به فإن نقص عن كر نجس بالملاقاة و إلاّ فلا.

الخامس: لا بد في مادة الحمام من كرّ، و هل ينسحب الحكم في غير الحمام ؟ إشكال.

السادس: لو تنجس الحوض الصغير في الحمام، لم يطهر بإجراء المادة إليه، بل بتكاثرها علي مائه.

السابع: لو انقطع تقاطر المطر و فيه نجاسة عينية اعتبرت الكرية، و لا تعتبر حال التقاطر، و لو استحالت عينها قبل انقطاعه ثم انقطع كان طاهرا و إن قصر عن كر. و لو استحالت بعد انقطاعه، أو لاقته من خارج بعده اعتبرت الكرية.

مسألة 4: الواقف الكثير لا ينجس بملاقاة النجاسة
اشارة

إجماعا، بل بالتغيّر بها. و اختلف في الكثرة فالذي عليه علماؤنا بلوغ كرّ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء)(1) رواه الجمهور.

و عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء»(2).

و قضيّة الشرط التنجيس عند عدم البلوغ، و لأنه أحوط.

ص: 18


1- الفائق 258:3، غريب الحديث للهروي 338:1 (نحوه).
2- الكافي 2:3-1 و 2، التهذيب 39:1-40-107-109، الاستبصار 6:1-1-3.

و قال الشافعي، و أحمد: قلّتان(1) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(إذا كان الماء قلّتين لم يحمل خبثا)(2). و يضعف باحتمال اتساع الكر لأنها من قلال هجر [1]، و هي جرة كبيرة تشبه الحب. قال ابن دريد: تسمع خمس قرب(3).

و قال أبو حنيفة، و أصحابه: كلّ ما يتيقن أو يظن وصول النجاسة إليه لم يجز استعماله، و قدّره أصحابه ببلوغ الحركة(4) ، و يضعف بعدم الضبط، فلا يناط به ما يعم به البلوي.

فروع:

الأول: للكر قدران: ألف و مائتا رطل، قال الشيخان: بالعراقي، و هو مائة و ثلاثون درهما(5) و قال المرتضي: بالمدني، و هو مائة و خمسة و تسعون(6). و نشأ الخلاف باعتبار السائل و بلد السؤال.

و ما يكون كل بعد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار و نصفا بشبر مستوي

ص: 19


1- احكام القرآن للجصاص 341:3، التفسير الكبير 94:24، مغني المحتاج 21:1، تفسير القرطبي 42:13، بداية المجتهد 24:1، المجموع 112:1، المغني 52:1، سنن الترمذي 98:1-99.
2- سنن الترمذي 97:1-67، سنن النسائي 175:1، سنن الدارقطني 16:1-7.
3- انظر المغني 52:1.
4- أحكام القرآن للجصاص 340:3، شرح فتح القدير 68:1، التفسير الكبير 94:24، اللباب 20:1.
5- المقنعة: 4، المبسوط للطوسي 6:1.
6- الناصريات: 214 المسألة 2.

الخلقة علي الأشهر، و حذف القميون النصف(1) ، فعلي الأول يبلغ تكسيره اثنين و أربعين شبرا و سبعة أثمان شبر، و علي الثاني سبعة و عشرين، و قول الراوندي، و ابن الجنيد ضعيفان(2).

الثاني: التقدير تحقيق لا تقريب، و للشافعي قولان(3).

الثالث: لا فرق في هذا التقدير بين مياه الغدران، و القلبان [1]، و الحياض، و المصانع [2]، و الأواني، و إطلاق بعض فقهائنا تنجيس ماء الأواني و إن كثر(4) يجري مجري الغالب.

الرابع: قال داود: إذا بال في الراكد و لم يتغير لم ينجس، و لا يجوز له أن يتوضأ منه لأن النّبي صلي اللّه عليه و آله نهي أن يبول الرجل في الماء الدائم ثم يتوضأ منه(5) ، و يجوز لغيره.

و إذا تغوط فيه و لم يتغير لم ينجس، و جاز أن يتوضأ منه هو و غيره، و لو بال علي الشط فجري إلي الماء جاز أن يتوضأ منه(6). و هو غلط.

الخامس: لو كانت النجاسة متميّزة فيما زاد علي الكرّ، و لم تغيره جاز1.

ص: 20


1- المقنع: 10، الفقيه 6:1 ذيل ح 2، السرائر: 7.
2- حكي قولهما أيضا المصنّف في المختلف: 3-4.
3- المجموع 122:1، فتح العزيز 207:1، الوجيز 7:1، المهذب 13:1.
4- المراسم: 36، المقنعة: 9، النهاية: 4.
5- سنن الترمذي 100:1-68، سنن النسائي 49:1، صحيح مسلم 235:1-282، سنن الدارمي 186:1.
6- المجموع 119:1.

استعماله مطلقا.

و قال أبو إسحاق من الشافعية: لا يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه و بين النجاسة أقل من قلّتين(1). و غلّطه الباقون، إذ الاعتبار بالمجموع، و لو كانت مائعة و استحالت و لم تغير لم تنجس.

السادس: لو كان قدر كرّ خاصة، و النجاسة متميزة، فاغترف بإناء، فالمأخوذ و باطن الإناء طاهران، و الباقي و ظاهر الإناء نجسان.

و لو حصلت النجاسة فيه انعكس الحال في الماء و الإناء، فإن نقّط نجس الباقي إن كان النقط من باطنه، و إلاّ فلا.

السابع: لو نبع الماء من تحته لم يطهره و إن أزال التغير، خلافا للشافعي(2) ، لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرّا دفعة.

مسألة 5: الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة،
اشارة

ذهب إليه أكثر علمائنا(3) ، و ممن فرق بين القليل و الكثير - و إن اختلفوا في حدّ الكثرة - ابن عمر، و سعيد بن جبير، و مجاهد، و الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة و أصحابه، و إسحاق، و أبو ثور، و أبو عبيد، و المزني(4) ، لقوله عليه السّلام:

(إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا) رواه الجمهور(5) ، و عن الكاظم عليه

ص: 21


1- المجموع 142:1، المهذب للشيرازي 14:1.
2- الأم 5:1، المجموع 132:1.
3- انظر المبسوط للطوسي 7:1، المعتبر: 11، المراسم: 36، المهذب لابن البراج 21:1.
4- الأم 4:1، التفسير الكبير 94:24، مختصر المزني: 9، المجموع 112:1، بداية المجتهد 24:1، احكام القرآن للجصاص 340:3، المحلي 150:1، المغني 53:1.
5- سنن الترمذي 97:1-67، سنن النسائي 175:1، سنن الدارقطني 16:1-7، نيل الأوطار 37:1.

السلام: الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء، أ يتوضأ منه ؟ فقال:

«لا»(1) و لأنه لقلته في مظنة الانفعال فكان كالتغير في الكثير.

و قال ابن أبي عقيل منّا: لا فرق بين القليل و الكثير في أنهما لا ينجسان إلاّ بالتغيّر(2) ، و هو مروي عن ابن عباس، و حذيفة، و أبي هريرة، و الحسن، و سعيد بن المسيب، و عكرمة، و ابن أبي ليلي، و جابر بن زيد، و به قال مالك، و الأوزاعي، و الثوري، و داود، و ابن المنذر(3) ، لقوله عليه السلام: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه)(4) و يبطل بتقديم الخاص مع التعارض.

فروع:

الأول: ينجس القليل بما لا يدركه الطرف من الدم، كرءوس الإبر، لما تقدم. و قال الشيخ: لا ينجس(5) ، لقول الكاظم عليه السّلام و قد سئل عن رجل امتخط فصار الدم قطعا، فأصاب إناءه، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال: «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه»(6) و لا حجة فيه، إذ إصابة الإناء لا تستلزم إصابة الماء.

و للشافعي قول بعدم التنجيس في الدم و غيره(7).

ص: 22


1- التهذيب 419:1-1326، الاستبصار 21:1-49، قرب الاسناد: 84.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 10.
3- المجموع 113:1، المغني 54:1، التفسير الكبير 94:24، نيل الأوطار 36:1، بداية المجتهد 24:1.
4- المهذب للشيرازي 12:1.
5- المبسوط للطوسي 7:1.
6- الكافي 74:3-16، التهذيب 413:1-1299، الاستبصار 23:1-57، البحار 256:10.
7- فتح العزيز 209:1، المجموع 126:1، الأشباه و النظائر للسيوطي: 432، مغني المحتاج 24:1.

الثاني: لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء، و إلا في حق السافل، فلو نقص الأعلي عن كر انفعل بالملاقاة، و لو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه علي حكمه مع الاتصال و انتقاله إلي الطهارة مع الممازجة، لأن النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة فمع التمييز يبقي علي حاله.

الثالث: لو استهلك القليل المضاف و بقي الإطلاق جازت الطهارة به أجمع، و كذا النجس في الكثير.

الرابع: النجس لا يجوز استعماله في طهارة الحدث و الخبث مطلقا، و لا في الأكل و الشرب، إلاّ مع الضرورة.

الخامس: لا يطهر القليل بالإتمام كرا، لانفعاله بالنجاسة، فكيف يرفعها عن غيره ؟ و قال المرتضي في الرسيّة: يطهر، لأن البلوغ يستهلك النجاسة، و لا فرق بين وقوعها قبل البلوغ و بعده(1). و هو ممنوع.

و للشافعي قولان(2).

السادس: لو جمع بين نصفي كر نجس لم يطهر علي الأشهر، لأنّ كلاّ منهما لا يرفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولي.

و قال بعض علمائنا: يطهر(3) ، و به قال الشافعي(4) ، لقوله عليه1.

ص: 23


1- رسائل الشريف المرتضي 361:2.
2- المجموع 136:1، مغني المحتاج 23:1، فتح العزيز 211:1، مختصر المزني: 9.
3- هو ابن البراج في المهذب 23:1.
4- المجموع 136:1، فتح العزيز 211:1، الام 5:1.

السلام: (إذا بلغ الماء قلّتين - أو كرا علي الخلاف - لم يحمل خبثا)(1) ، و لم يثبت عندنا.

السابع: لو تيقن أحد طرفي الطهارة و النجاسة، و شك في الآخر، عمل علي المتيقن، و لو شك في استناد التغير إلي النجاسة بني علي الأصل، و الأقرب البناء علي الظن فيهما، للبناء علي الأصل و الاحتياط.

الثامن: لو أخبره العدل بنجاسة الماء لم يجب القبول، قال ابن البراج: و كذا العدلان(2) و ليس بجيد، لوجوب ردّه مبيعا [1]، و لو تعارضت البينتان فكالمشتبه. و لو أخبره الفاسق بطهارة مائه قبل، و لو أخبره بنجاسته فإن كان بعد الطهارة لم يلتفت، و إن كان قبلها فالأقرب القبول.

التاسع: لو شك في وقوع النجاسة قبل الاستعمال فالأصل الصحة، و لو علم السبق و شك في بلوغ الكريّة ينجس، و لو رأي في الكر نجاسة بني علي الطهارة و إن شك في وقوعها قبل الكرية، و لو شك في نجاسة الميت فيه فكذلك.

العاشر: الكثير لا ينفعل بالنجاسة، و لا شيء منه إلا بالتغيّر، و به قال الشافعي(3) للحديث(4).1.

ص: 24


1- سنن الدارقطني 16:1-7 و 15، سنن الترمذي 97:1-67، سنن النسائي 175:1، سنن البيهقي 260:1-261.
2- المهذب 30:1.
3- مغني المحتاج 21:1، التفسير الكبير 94:24، أحكام القرآن للجصاص 341:3، بداية المجتهد 24:1، الوجيز 7:1، الأم 4:1، المجموع 112:1.
4- سنن الدارقطني 14:1-1-5، سنن الترمذي 97:1-67، سنن النسائي 175:1، نيل الأوطار 37:1.

و قال أبو حنيفة: أنه ينجس، و لو كان بحرا لا ينجس جميعه، بل القدر الذي يتعدي إليه لون النجاسة(1).

مسألة 6: الأقوي أن ماء البئر إنّما ينجس بالتغير بالنجاسة، لقول الرضا عليه السلام: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن ينتن»(2).

و الأشهر عند علمائنا التنجيس(3) ، لقول الكاظم عليه السلام:

«يجزيك أن تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها»(4).

و قسّموا النجاسة أقساما:

الأول: ما يوجب نزح الجميع، و هو موت البعير، و انصباب الخمر، لقول الصادق عليه السّلام: «فإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلتنزح»(5) و أفتي الصدوق بعشرين دلوا في قطرة الخمر، و الجميع في الثور(6).

و ألحق الشيخ المنيّ، و الفقاع، و دم الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و غير المقدّر(7) ، و ألحق أبو الصلاح بول و روث ما لا يؤكل لحمه(8) ، و ابن البراج عرق الإبل الجلالة و الجنب من الحرام(9).1.

ص: 25


1- تفسير القرطبي 42:13، اللباب 20:1، احكام القرآن للجصاص 340:3.
2- الكافي 5:3-2، التهذيب 409:1-1287، الاستبصار 33:1-87.
3- المعتبر: 12، المقنعة: 9، المهذب لابن البراج 21:1، المبسوط للطوسي 11:1.
4- التهذيب 237:1-686، الإستبصار 37:1-101.
5- الكافي 6:3-7، التهذيب 240:1-694، الاستبصار 34:1-92.
6- المقنع: 11، الهداية: 14، الفقيه 12:1-13.
7- المبسوط للطوسي 11:1-12.
8- الكافي في الفقه 130:1.
9- المهذب 21:1.

و إذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوما، كل اثنين دفعة.

الثاني: ما يوجب نزح كرّ، و هو موت الحمار، و البغل، و الفرس، و البقرة.

الثالث: ما ينزح له سبعون دلوا، و هو موت الإنسان، لقول الصادق عليه السلام: «فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا»(1) و لا فرق بين الصغير و الكبير، و المسلم و الكافر.

و قال بعض أصحابنا: ينزح للكافر الجميع، لأنه لو كان حيّا لوجب الجميع، حيث لم يرد فيه نصّ، و الموت لا يزيل النجاسة(2).

و يضعف بزوال الكفر به.

الرابع: ما ينزح له خمسون دلوا و هو العذرة الذائبة، و الدم الكثير غير الثلاثة، كذبح الشاة، و قال المفيد: في الكثير عشر دلاء(3).

الخامس: ما ينزح له أربعون، و هو موت الكلب، و الخنزير، و الشاة و الثعلب، و الأرنب، و السنور، و ما في قدر جسمه، و بول الرجل.

و قال الصدوق: في السنور سبع، و في الشاة تسع أو عشر(4).

السادس: ما ينزح له ثلاثون، و هو ماء المطر و فيه خرء الكلب، و البول و العذرة.5.

ص: 26


1- التهذيب 235:1-678.
2- هو ابن إدريس في السرائر: 10.
3- المقنعة: 9.
4- الفقيه 12:1 و 15.

السابع: ما ينزح له عشر، و هو الدم القليل كذبح الطير، و العذرة اليابسة.

الثامن: ما ينزح له سبع، و هو الفأرة إذا تفسخت، أو انتفخت، و بول الصبي، و اغتسال الجنب - قال الشيخ: و لا يطهر(1) - و خروج الكلب حيا، و موت الطير كالحمامة و النعامة.

[التاسع: ما ينزح له خمس، و هو ذرق الدجاج، و قيّده الأكثر بالجلاّل.

العاشر: ما ينزح له ثلاث، و هو الفأرة إذا لم تتفسخ و لم تنتفخ، و الحية] [1].

الحادي عشر: ما ينزح له دلو واحد، و هو العصفور و ما في قدره.

و عندي أن ذلك كلّه مستحب، و قد بيّنت الخلاف و الحجاج في منتهي المطلب(2) علي الاستقصاء.

إذا عرفت هذا فعند الشافعي أن ماء البئر كغيره ينجس إن كان دون القلّتين، و إن كان أزيد فلا، ثم إن تنجس و هو قليل لم يطهر بالنزح، لأن قعر البئر يبقي نجسا، بل يترك ليزداد أو يساق إليه الماء الكثير.

و إن كان كثيرا نجس بالتغير فيكاثر إلي زوال التغيير أو يترك حتي يزول التغير بطول المكث أو ازدياد الماء.

و لو تفتت الشيء النجس كالفأرة بتمعط شعرها فيه، فالماء علي2.

ص: 27


1- المبسوط للطوسي 12:1.
2- منتهي المطلب 10:1-12.

طهارته، لعدم التغير، و لا ينتفع به، لأن ما يستقي يوجد فيه شيء من النجاسة، فينبغي أن يستقي إلي أن يغلب ظن خروج أجزائها(1).

و قال أبو حنيفة: إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها، فإن ماتت فيها فأرة أو صعوة، أو سام أبرص نزح منها عشرون دلوا إلي ثلاثين، و في موت الحمامة أو الدجاجة أو السنور ما بين أربعين إلي ستين، و في الكلب أو الشاة أو الآدمي جميع الماء(2).

فروع:

الأول: لو تغير الماء نجس إجماعا، و طهر بنزح ما يزيله علي الأقوي، لزوال الحكم بزوال علّته، و قال الشيخان: نزح الجميع فإن تعذر نزح حتي يطيب(3) ، و قال المرتضي، و ابن بابويه: يتراوح الأربعة لانقهاره بالنجاسة فيجب إخراجه(4).

الثاني: لو تغير بما نجاسته عرضية، كالمسك و الدبس و النيل لم ينجس، و كذا الجاري و كثير الواقف، خلافا للشيخ(5) ، لأن التغير ليس بالنجاسة.

الثالث: الحوالة في الدلو علي المعتاد، لعدم التقدير الشرعي، و لو أخرج بإناء عظيم ما يخرجه العدد فالأقوي الإجزاء.

الرابع: يجزي النساء و الصبيان في التراوح، لصدق القوم عليهم، و لا بد من اثنين اثنين، و لو نهض القويان بعمل الأربعة فالأقرب الإجزاء.

ص: 28


1- المجموع 148:1.
2- اللباب 24:1-26، الهداية 86:1 و 89.
3- المقنعة: 9، المبسوط للطوسي 11:1، النهاية: 7.
4- الفقيه 13:1-24، و حكي قول المرتضي المحقق في المعتبر: 18.
5- المبسوط للطوسي 5:1.

الخامس: لا يفتقر النزح إلي النيّة، و يجزي المسلم و الكافر مع عدم التعدي، و العاقل و المجنون.

السادس: ما لم يقدّر فيه منزوح قيل: يجزي أربعون، و قيل:

الجميع [1]. و لو تعددت النجاسة فالأقوي التداخل و إن اختلفت.

السابع: لو جفّت البئر قبل النزح ثم عاد سقط، إذ طهارتها بذهاب مائها الحاصل بالجفاف، و لو سيق الجاري إليها طهرت.

الثامن: لا تنجس جوانب البئر، و لا يجب غسل الدلو.

التاسع: لو خرج غير المأكول حيّا لم ينجس الماء.

و قال أبو حنيفة: إن خرجت الفأرة و قد هربت من الهرة نجس الماء و إلا فلا(1) ، و ليس بشيء.

العاشر: لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال لم تؤثر و إن احتمل سبقها.

و قال أبو حنيفة: إن كانت الجيفة منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام و إلاّ صلاة يوم و ليلة(2). و ليس بشيء.

الحادي عشر: لا ينجس البئر بالبالوعة و إن تقاربتا ما لم تتصل عند الأكثر [2] أو تتغيّر عندنا، نعم يستحب التباعد خمسة أذرع إن كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر فوقها، و إلا فسبع، و لو تغير الماء تغيرا يصلح1.

ص: 29


1- الأشباه و النظائر لابن نجيم: 394، غمز عيون البصائر 165:4.
2- اللباب 28:1، المبسوط للسرخسي 59:1، بدائع الصنائع 78:1، المحلي 144:1.

استناده إليها أحببت الاحتراز عنها.

الثاني عشر: لو زال التغير بغير النزح و وقوع الجاري فيها، فالأقرب وجوب نزح الجميع لا البعض، و إن زال به التغير لو كان.

ص: 30

الفصل الثاني: في المضاف
مسألة 7: المضاف ما لا يصدق إطلاق الاسم عليه إلاّ بقرينة،

و يمكن سلبه عنه، كالمعتصر، و المصعّد، و الممزوج مزجا يسلبه الإطلاق، و هو طاهر إجماعا، و لا يرفع الحدث، لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً (1) و قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن الوضوء باللبن: «إنما هو الماء و الصعيد»(2).

و قول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد(3) لقول أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يتوضأ بماء الورد و يغتسل به، قال: «لا بأس»(4) محمول علي اللغوي أو علي الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الإطلاق، و إجماع الإمامية علي ذلك، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو بكر الأصم، و ابن أبي ليلي: يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة

ص: 31


1- المائدة: 6.
2- التهذيب 188:1-540، الإستبصار 155:1-534.
3- الهداية: 13، الفقيه 6:1، أمالي الصدوق: 514.
4- الاستبصار 14:1-27، التهذيب 218:1-627، الكافي 73:3-12.
5- المجموع 93:1، الأم 7:1.

لأنه يسمي ماء(1). و هو غلط.

و قال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ و اشتد عند عدم الماء في السفر، لرواية ابن مسعود أنه كان مع النبيّ صلي اللّه عليه و آله ليلة الجن(2) فأراد أن يصلي صلاة الفجر فقال: (أ معك وضوء؟) فقال:

لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال: (تمرة طيبة و ماء طهور)(3)(4) و توضأ به. و هو خطأ.

قال ابن المنذر: راوية أبو زيد، و هو مجهول(5). و أنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن(6) ، و لو سلّم فهو محمول علي بقاء الإطلاق، لأنهم شكوا ملوحة الماء فأمرهم عليه السّلام بنبذ تمر قليل في الشن(7).

و الحقّ المنع، و أنه نجس، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أبو عبيد، و داود(8) ، لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (9).6.

ص: 32


1- المجموع 93:1، التفسير الكبير 169:11، المغني 39:1، الشرح الكبير 41:1.
2- انظر: دلائل النبوّة - للبيهقي - 227:2 و 230، و فتح الباري 135:7-136.
3- مصنف ابن أبي شيبة 25:1-26، سنن ابن ماجة 135:1-384، سنن الترمذي 147:1-88، سنن أبي داود 21:1-84، سنن البيهقي 9:1، سنن الدارقطني 78:1-16.
4- المبسوط للسرخسي 88:1، بدائع الصنائع 15:1، الجامع الصغير: 74، المجموع 93:1، بداية المجتهد 33:1، تفسير القرطبي 51:13، المغني 38:1، التفسير الكبير 98:24، المحلي 203:1.
5- المغني 39:1.
6- صحيح مسلم 332:1-450، المجموع 94:1، بدائع الصنائع 16:1.
7- انظر الكافي 416:6-3، التهذيب 220:1-629، الاستبصار 16:1-29.
8- المجموع 93:1، المغني 38:1، الشرح الكبير 52:1، تفسير القرطبي 52:13، المحلي 203:1، سنن الترمذي 148:1.
9- المائدة: 6.
مسألة 8: و لا يجوز إزالة الخبث به عند أكثر علمائنا

[1]، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و إسحاق، و داود، و زفر، و محمد بن الحسن(1) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولي، و لأنها طهارة تراد لأجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات، كطهارة الحدث، و لأن الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.

و قال السيد المرتضي: يجوز(2) ، و به قال أبو حنيفة، و أبو يوسف(3) لأنه طاهر مائع بيقين، فيزيل النجاسة كالماء.

و يبطل بأن الماء يحصل به الوضوء، بخلاف المائعات.

مسألة 9: ينجس كلّه - قلّ أو كثر - بكل نجاسة لاقته
اشارة

- قلّت أو كثرت - غيرت أحد أوصافه أو لا، قاله علماؤنا أجمع، و كذا المائع غير الماء، لأن النبي صلي اللّه عليه و آله سئل عن فأرة وقعت في سمن، فقال: (إن كان مائعا فلا تقربوه)(4) و لأنها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إنّه كالمطلق سواء كان مضافا أو مائعا، كالسمن الكثير لأنه كثير فلا ينجس كالماء(5) و الفرق ظاهر.

و طريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الإطلاق، فإن سلبه فكرّ آخر، و هكذا، و لو لم يسلبه لكن غيّر أحد أوصافه فالأقوي الطهارة، خلافا

ص: 33


1- المجموع 95:1، المغني 38:1، بدائع الصنائع 83:1، المهذب للشيرازي 11:1، مقدمات ابن رشد 57:1.
2- الناصريات: 219 المسألة 22.
3- المجموع 95:1، بدائع الصنائع 83:1، المغني 38:1.
4- سنن أبي داود 364:3-3842، مسند أحمد 265:2.
5- المغني 58:1، الشرح الكبير 61:1.

للشيخ(1).

مسألة 10: أقسام المستعمل ثلاثة:

الأول: المستعمل في الوضوء، و هو طاهر مطهر عندنا إجماعا - و عليه نص علي عليه السّلام، و به قال الحسن البصري، و النخعي، و عطاء، و الزهري، و مكحول، و أبو ثور، و داود و أهل الظاهر، و مالك في إحدي الروايتين، و الشافعي في أحد القولين(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح رأسه بفضل ما كان في يده(3) ، و لقول الصادق عليه السّلام: «الماء كلّه طاهر حتي يعلم أنّه قذر»(4).

و قال أحمد، و الأوزاعي، و محمد: إنه طاهر غير مطهر(5) و هو القول الثاني للشافعي، و الرواية الأخري عن مالك، و المشهور عن أبي حنيفة(6) ، لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله نهي أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة(7) ، و لم يرد به ما أبقت في الإناء، بل ما استعملته.

و نمنع النهي، و نحمله علي الباقي لغير المأمونة.1.

ص: 34


1- المبسوط للطوسي 5:1.
2- المجموع 153:1، التفسير الكبير 170:11، بداية المجتهد 27:1، المغني 47:1، المحلي 184:1، تفسير القرطبي 49:13، غرائب القرآن 79:6، الشرح الكبير 43:1.
3- سنن الدارقطني 87:1-2.
4- التهذيب 215:1-619، الكافي 1:3-3.
5- التفسير الكبير 170:11، المغني 47:1، الشرح الكبير 43:1، غرائب القرآن 79:6، الهداية للمرغيناني 19:1، المجموع 151:1.
6- المحلي 185:1-186، الشرح الكبير 43:1، المغني 47:1، غرائب القرآن 79:6، الهداية للمرغيناني 19:1، المجموع 151:1، اللباب 23:1.
7- سنن البيهقي 191:1، مصنف ابن أبي شيبة 34:1.

و قال أبو يوسف: إنّه نجس، و هو رواية عن أبي حنيفة(1) ، لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، و لا يغتسل فيه من جنابة)(2) فاقتضي أنّ الغسل فيه كالبول فيه فينجسه. و هو خطأ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم، و أنّ النهي عن البول لا للتنجيس، و كذا عن الاغتسال فيه، بل لإفساده بإظهار أجزاء الحمأة [1] فيه.

الثاني: المستعمل في الغسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة، و هو طاهر مطهر علي الأقوي، و به قال المرتضي(3) لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4) و للاستصحاب.

و قال الشيخان: إنّه طاهر غير مطهر(5) لقول الصادق عليه السّلام:

«الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل الرجل به من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ به»(6) و يحمل علي نجاسة المحل، و خلاف الجمهور كما تقدم.

فروع:

الأول: لو كان المحل نجسا نجس الماء.

الثاني: لو بلغ المستعمل كرّا، قال الشيخ في المبسوط: زال المنع(7).

ص: 35


1- بداية المجتهد 27:1، الهداية للمرغيناني 20:1، شرح فتح القدير 77:1، المجموع 1: 151، المحلي 185:1، غرائب القرآن 79:6.
2- سنن أبي داود 18:1-70، كنز العمال 355:9-26422.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 22:3.
4- النساء: 43.
5- المقنعة: 9، المبسوط للطوسي 5:1.
6- التهذيب 221:1-630، الاستبصار 27:1-71.
7- المبسوط للطوسي 11:1.

و تردد في الخلاف(1) و للشافعية قولان(2).

الثالث: يجوز إزالة النجاسة به - خلافا للشافعي في أحد القولين - (3) لقوله عليه السّلام: (ثم اغسليه بالماء)(4) و هو يصدق عليه.

الرابع: المستعمل في الأغسال المندوبة طاهر مطهر، و كذا في غسل الثوب الطاهر إجماعا منّا، و هو أحد قولي الشافعي(5) لأنه لم يرفع به حدثا، و الآخر: المنع(6) ، لأنه مستعمل.

الثالث: المستعمل في إزالة النجاسات إن تغير بالنجاسة نجس إجماعا، و إن لم يتغير فكذلك علي الأقوي، عدا ماء الاستنجاء، سواء كان من الغسلة الأولي أو الثانية، و سواء أزال النجاسة عن المحل أو لا، و هو أحد قولي الشيخ(7) و به قال أبو حنيفة، و بعض الشافعية(8) ، لأنه ماء قليل لاقي نجاسة.

و الثاني للشيخ: أنه نجس في الأولي، طاهر في الثانية(9) ، و به قال5.

ص: 36


1- الخلاف 173:1 مسألة 127.
2- مغني المحتاج 21:1، الوجيز 5:1، المهذب للشيرازي 15:1، فتح العزيز 111:1-112، المجموع 157:1.
3- المجموع 156:1، المهذب للشيرازي 15:1، الوجيز 5:1، فتح العزيز 111:1.
4- سنن الدارمي 240:1، سنن أبي داود 100:1-363، سنن النسائي 155:1، موارد الظمآن: 82-235.
5- مغني المحتاج 20:1، المجموع 157:1، المهذب للشيرازي 15:1، كفاية الأخيار 6:1، السراج الوهاج: 8.
6- مغني المحتاج 20:1، كفاية الأخيار 6:1، السراج الوهاج: 8.
7- المبسوط للطوسي 11:1.
8- المجموع 158:1، بدائع الصنائع 66:1.
9- الخلاف 179:1-180 مسألة 135.

الشافعي(1) لأمر النبيّ صلي اللّه عليه و آله بإلقاء الذنوب [1] علي بول الأعرابي(2) و هو مع التسليم غير دال.

فروع:

الأول: ماء الاستنجاء طاهر، لقول الصادق عليه السّلام، و قد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجي به أ ينجس ثوبه ؟:

«لا»(3) و للمشقة، و لا فرق بين القبل و الدبر، و لو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعا.

الثاني: قال في الخلاف: لا يغسل ما أصابه ماء يغسل به إناء الولوغ، من الأولي أو الثانية(4) و تردد في المبسوط في نجاسة الثانية(5) و الحقّ النجاسة.

الثالث: فرّق المرتضي بين ورود الماء علي النجاسة، و ورودها عليه، فحكم بطهارة الأول دون الثاني(6) و يحتمل نجاسة الجميع.

الرابع: لو أورد الثوب النجس علي ماء قليل نجس الماء، و لم يطهر الثوب، و لو ارتمس الجنب في ماء قليل طهر، و صار الماء مستعملا.

ص: 37


1- المجموع 159:1.
2- صحيح مسلم 236:1-284، صحيح البخاري 65:1، سنن أبي داود 103:1-387، الموطأ 64:1-111، سنن الترمذي 276:1-147، سنن الدارمي 189:1، سنن النسائي 175:1، سنن ابن ماجة 176:1-528، مسند أحمد 239:2.
3- التهذيب 87:1-228.
4- الخلاف 181:1 مسألة 137.
5- المبسوط للطوسي 36:1.
6- الناصريات: 215 المسألة 3.

الخامس: غسالة الحمام لا يجوز استعمالها، لعدم انفكاكها من النجاسة، إلاّ أن يعلم خلوّها منها.

السادس: لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة و إن خلت به، و يكره إذا لم تكن مأمونة، و كذا فضلة وضوء الرجل لمثله و للمرأة، و هو قول أكثر العلماء(1) لأنّ النبيّ صلي اللّه عليه و آله اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة، فقالت: إني قد اغتسلت منه، فقال: (الماء ليس عليه جنابة)(2).

و قال أحمد: لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به(3) لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله نهي أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة(4). و حكي عنه الكراهة، و به قال الحسن، و ابن المسيب(5).

و النهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ، لأن ميمونة قالت: إني قد اغتسلت منه. و هو يشعر بتقدم النهي عنه.2.

ص: 38


1- الأم 29:1، الشرح الكبير 51:1، المغني 247:1، عمدة القارئ 85:3، المجموع 191:2.
2- سنن الدارقطني 52:1-3، سنن ابن ماجة 132:1-370، سنن الدارمي 187:1، سنن الترمذي 94:1-65، المصنف لابن أبي شيبة 32:1، سنن أبي داود 18:1-68.
3- نيل الأوطار 32:1، المغني 247:1، مسائل أحمد: 4، الشرح الكبير 50:1، المجموع 191:2، الإنصاف 48:1.
4- سنن أبي داود 21:1-81، سنن ابن ماجة 132:1-373، سنن النسائي 179:1، مسند احمد 66:5.
5- الشرح الكبير 51:1، سنن الترمذي 92:1-63، المجموع 191:2.
الفصل الثالث: في الأسئار
مسألة 11: الأسئار كلّها طاهرة إلاّ سور نجس العين،

و هو الكلب و الخنزير و الكافر علي الأشهر، لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله سئل عن الحياض تنوبها السباع و الدواب فقال: (لها ما حملت في بطونها، و ما بقي فهو لنا شراب و طهور)(1) و لم يفرق بين القليل و الكثير.

و سأل البقباق الصادق عليه السّلام عن فضل الشاة و البقرة و الإبل، و الحمار و البغل و الوحش، و الهرة و السباع، قال: فلم أترك شيئا إلاّ سألته عنه فقال: «لا بأس» حتي انتهيت إلي الكلب فقال: «رجس نجس لا تتوضأ بفضله، و صبّ ذلك الماء»(2) و قوله تعالي أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ (3) و الرجاسة: النجاسة، و قوله تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (4).

و حكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا

ص: 39


1- سنن ابن ماجة 173:1-519، سنن الدارقطني 31:1-12، نيل الأوطار 45:1.
2- التهذيب 225:1-646، الإستبصار 19:1-40.
3- الانعام: 145.
4- التوبة: 28.

ما لا يمكن التحرز عنه، كالفأرة و الحيّة و الهرة(1) ، لأن الصادق عليه السّلام قال: «كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره»(2) و هو يدل من حيث المفهوم علي منع الوضوء و الشرب مما لا يؤكل لحمه، و السند و دلالة المفهوم ضعيفان.

مسألة 12: قسّم أبو حنيفة الأسئار أربعة:
اشارة

ضرب نجس و هو سؤر الكلب و الخنزير و السباع كلّها، و ضرب مكروه، و هو حشرات الأرض و جوارح الطير و الهر، و ضرب مشكوك فيه، و هو سؤر الحمار و البغل، و ضرب طاهر غير مكروه، و هو كلّ مأكول اللحم(3) ، لأنّ النبيّ صلي اللّه عليه و آله سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة و ما ينوبها من السباع و الدواب، فقال: (إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء)(4) و لا حجة فيه لدخول الكلب و الخنزير في السباع و الدواب.

و قال الشافعي: سؤر الحيوان كلّه طاهر إلاّ الكلب و الخنزير و ما تولد منهما أو من أحدهما، و به قال عمرو بن العاص، و أبو هريرة(5) و لم يحكم بنجاسة المشرك [1] لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله توضأ من مزادة [2] مشركة(6).

ص: 40


1- المبسوط للطوسي 10:1.
2- الفقيه 10:1-18، التهذيب 284:1-832، الإستبصار 25:1-64، الكافي 9:3-5.
3- اللباب 28:1-29، الهداية للمرغيناني 23:1-24، المجموع 173:1.
4- سنن الترمذي 97:1-67، سنن ابن ماجة 172:1-517، سنن الدارمي 186:1-187، سنن الدارقطني 14:1-1، مستدرك الحاكم 132:1.
5- المحلي 134:1، الام 5:1، الهداية للمرغيناني 23:1، فتح العزيز 160:1-161، الوجيز 6:1، المجموع 172:1-173، بداية المجتهد 28:1.
6- سبل السلام 46:1.

و لا حجة فيه لأن المزادة علي أصل الطهارة ما لم يعلم مباشرتها لها برطوبة.

و قال أحمد: كلّ حيوان يؤكل لحمه فسؤره طاهر، و كذا حشرات الأرض و الهر(1) و أما السباع ففيه روايتان: النجاسة و الطهارة، و أصح الروايتين عنه: النجاسة في سؤر البغل و الحمار، و الثانية: أنه مشكوك فيه(2).

و حكم بنجاسة أواني المشركين(3) لقوله تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (4).

و قال مالك، و الأوزاعي، و داود: سؤر الحيوان كلّه طاهر، حتي الكلب و الخنزير، و إن ولغا في طعام لم يحرم أكله(5).

و قال الزهري: يتوضأ به، إذا لم يجد غيره. و قال الثوري، و ابن مسلمة: يتوضأ به، و يتيمم(6).

قال مالك: و غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب تعبد(7) لقوله تعالي:

فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (8) و لم يأمر بغسل ما أصابه فمه، و لقوله عليه السلام: (و لنا ما غبر)(9) و السؤال وقع عما يدخلان فيه، و إباحة الأكل لا يستلزم أكل ما مسّه بفمه، و لا ترك الغسل، و نمنع من دخول الكلب و الخنزير9.

ص: 41


1- المغني 73:1.
2- المغني 71:1.
3- المغني 71:1، المحرر في الفقه 7:1.
4- التوبة: 28.
5- المغني 70:1، بداية المجتهد 28:1، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 10:1.
6- المغني 70:1، تفسير القرطبي 45:13.
7- المبسوط للسرخسي 48:1، الشرح الصغير 34:1، الميزان 105:1، فتح العزيز 161:1 و 261.
8- المائدة: 4.
9- سنن ابن ماجة 173:1-519.

في السؤال، لو خرج بنص آخر، أو كان الماء كثيرا.

فروع:

الأول: يكره سؤر الجلال و ليس بنجس، لحديث البقباق(1) و استثناه المرتضي، و الشيخ في المبسوط من المباح(2) ، لعدم انفكاك رطوبة أفواهها عن غذاء نجس، و هو ممنوع و منقوض بسؤر شارب الخمر.

الثاني: يكره سؤر آكل الجيف من الطيور، إذا خلا موضع الملاقاة من النجاسة لقول الصادق عليه السّلام - في مسائل عمار عما يشرب منه صقر أو عقاب -: «كل شيء من الطيور يتوضأ بما يشرب منه، إلاّ أن تري في منقاره دما»(3) و به قال المرتضي(4) و استثناه في النهاية، و المبسوط من المباح(5).

و لو كان في منقاره أثر دم كان نجسا، و كذا جميع الحيوانات إذا كان في أفواهها نجاسة و الماء قليل، و به قال الشافعي(6).

الثالث: لو أكلت الهرة فأرة، ثم شربت من الماء(7) لم ينجس الماء، سواء غابت عن العين أو لا، قاله في المبسوط(8) ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: أن الهر سبع، و لا بأس

ص: 42


1- التهذيب 225:1-646، الاستبصار 19:1-41.
2- حكاه عن المرتضي المحقق في المعتبر: 24، المبسوط للطوسي 10:1.
3- الكافي 9:1-5.
4- الناصريات: 216 المسألة 9.
5- النهاية: 9، المبسوط للطوسي 10:1.
6- الام 6:1.
7- كذا في المصدر، و في نسخة (م): الإناء.
8- المبسوط للطوسي 10:1.

بسؤره، و إني لأستحي من اللّه أن أدع طعاما لأن الهرّ أكل منه»(1) و هو عام، و هو أحد أقوال الشافعي، لقوله عليه السّلام: (إنها من الطوافين عليكم و الطوافات)(2) يريد عدم تمكن الاحتراز منها.

و ثانيها: أنه نجس لأصالة بقاء النجاسة في فمها.

و ثالثها: الطهارة بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير(3).

الرابع: سؤر الهر ليس بمكروه، لحديث زرارة(4) ، و روت عائشة أن النبيّ صلي اللّه عليه و آله توضأ بفضلها(5).

و قال أبو حنيفة: إنه مكروه لأن لبنها نجس(6) ، و هو ممنوع.

الخامس: يكره سؤر الحائض المتهمة، قاله في النهاية(7) ، لأن الصادق عليه السّلام قال في سؤر الحائض: «يتوضأ منه إذا كانت مأمونة»(8) و أطلق في المبسوط، و المرتضي في المصباح(9).

السادس: الأقوي طهارة المسوخ، و لعابها، كالدب و القرد، و الثعلب و الأرنب، لحديث البقباق(10) ، و الأصل، و قال الشيخ: المسوخ نجسة(11).6.

ص: 43


1- الكافي 9:3-4، التهذيب 227:1-655.
2- سنن أبي داود 20:1-75، سنن النسائي 55:1، سنن الدارقطني 70:1-22.
3- الوجيز 9:1، فتح العزيز 270:1.
4- التهذيب 227:1-655، الكافي 9:3-4.
5- سنن ابن ماجة 131:1-368، سنن أبي داود 20:1-76، سنن الدارقطني 69:1-17-18.
6- اللباب 29:1، المجموع 173:1، الهداية 96:1.
7- النهاية: 4.
8- التهذيب 222:1-633، الاستبصار 17:1-31.
9- المصباح: مخطوط عنه في المعتبر: 25، المبسوط للطوسي 10:1.
10- التهذيب 225:1-464، الاستبصار 19:1-41.
11- المبسوط للطوسي 165:2-166.

السابع: يكره سؤر الدجاج لعدم انفكاكها عن ملاقاة النجاسة.

الثامن: قال في النهاية: الأفضل ترك ما خرجت منه الفأرة و الحيّة، و لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ، و إن خرج حيّا(1) ، و الوجه الكراهة من حيث الطب، لقول الكاظم عليه السّلام - و قد سأله أخوه عن العضاءة، و الحية، و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة ؟ -: «لا بأس»(2).

مسألة 13: لا يجوز الطهارة بالماء المغصوب مع العلم بالغصبية،
اشارة

و كذا التيمم بالتراب المغصوب بالإجماع، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، و هو قبيح عقلا، و لا فرق في ذلك بين الطهارة عن الحدث أو الخبث، لأن المقتضي للقبح - و هو التصرف - موجود فيهما.

فروع:

الأول: لو توضأ المحدث، أو اغتسل الجنب، أو الحائض، أو المستحاضة أو النفساء، أو من مس ميتا، به [1] عالما بالغصب لم يرتفع حدثه، لأن التعبد بالمنهي عنه قبيح، فيبقي في العهدة.

الثاني: لو أزال النجاسة عن بدنه، أو ثوبه، أجزأ و إن فعل محرما، و لا يحتمل بطلان الصلاة مع بقاء الرطوبة، لأنّه كالإتلاف.

الثالث: لو اشتبه المغصوب بغيره وجب اجتنابهما معا، فإن توضأ بكل واحد منهما فالأقرب البطلان، للنهي المضاد لإرادة الشارع، و يحتمل الصحة، لأنه توضأ بماء مملوك.

ص: 44


1- النهاية: 6.
2- التهذيب 419:1-1326، الاستبصار 23:1-1، قرب الاسناد: 84.

الرابع: جاهل الحكم غير معذور، بخلاف جاهل الوصف.

الخامس: لو سبق العلم بالغصب كان كالعالم.

ص: 45

ص: 46

الباب الثاني: في النجاسات
اشارة

و فيه فصلان

ص: 47

ص: 48

الفصل الأول: في أصنافها
مسألة 14: البول و الغائط - من كلّ حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم

- نجسان بإجماع العلماء كافة، و للنصوص الواردة عن الأئمة عليهم السلام بغسل البول و الغائط عن المحل الذي أصاباه، و هي أكثر من أن تحصي(1).

و قول الشيخ في المبسوط - بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور(2) لرواية أبي بصير(3) - ضعيف، لأن أحدا لم يعمل بها.

و قول الشافعي: - إن بول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله طاهر(4) ، لأن أم أيمن شربته فلم ينكره - (5) شهادة علي النفي.

و قول النخعي: - أن أبوال جميع البهائم، و السباع، و أرواثها

ص: 49


1- انظر الكافي 55:3، التهذيب 249:1، الاستبصار 173:1.
2- المبسوط للطوسي 39:1.
3- التهذيب 266:1-779، الكافي 58:3-9.
4- فتح العزيز 178:1-179، الوجيز 7:1.
5- مستدرك الحاكم 63:4.

طاهرة(1) - خارق للإجماع.

مسألة 15: بول ما يؤكل لحمه و رجيعه طاهر
اشارة

عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و أحمد، و زفر، و الزهري - لقوله عليه السّلام: (ما أكل لحمه فلا بأس ببوله)(2) و أمر العرنيّين [1] بشرب ألبان إبل الصدقة و أبوالها، و طاف علي راحلته و هي لا تنفك عن التلطخ بالبول(3) ، و قول الصادق عليه السّلام: «كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(4).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: أنّها نجسة(5) ، لقوله عليه السّلام: (تنزهوا عن البول)(6) ، و أتي بحجرين و روثة للاستنجاء فرمي الروثة و قال:

(رجس)(7).

و لا دلالة في الحديث، لإرادة بول ما لا يؤكل لحمه، جمعا بين الأدلة، و كذا الروثة، علي أن الرجس: المجتنب عنه، و هو كذلك هنا.

ص: 50


1- المجموع: 548-2549 المجموع: 549، فتح العزيز 178:1، نيل الأوطار 1:، 80:1 المحلي 169:1، المغني 768:1.
2- سنن الدارقطني 128:1-4.
3- صحيح مسلم 1296:3-1671، سنن الترمذي 106:1-72، مسند أحمد 198:3.
4- الاستبصار 179:1-624، التهذيب 247:1-711.
5- بداية المجتهد 80:1، المجموع 549:2، المبسوط للسرخسي 54:1، المحلي 168:1، بدائع الصنائع 61:1.
6- سنن الدارقطني 127:1-2، كنز العمال 345:9-2236.
7- سنن ابن ماجة 114:1-314.

و قال محمد بن الحسن: بول ما يؤكل لحمه طاهر، و روثه نجس(1).

فروع:

الأول: رجيع ما لا نفس له سائلة - كالذباب و الخنافس - طاهر، لأن دمه طاهر، و كذا ميتته، و روث السمك، و للشافعي في الجميع قولان(2).

الثاني: رجيع الجلاّل من كلّ الحيوان، و موطوء الإنسان، نجس، لأنه حينئذ غير مأكول، و لا خلاف فيه.

الثالث: ذرق الدجاج مختلف فيه عندنا، فجماعة حكموا بطهارته إلاّ أن يكون جلالا [1]، و هو الأقوي عملا بالأصل، و بعموم طهارة رجيع ما يؤكل لحمه.

و آخرون حكموا بنجاسته [2] و هو قول أبي حنيفة أيضا، و أضاف إليه البطّ(3) ، و ليس بشيء.

الرابع: لو تناولت البهيمة الحبّ و خرج غير مستحيل كان طاهرا.

و كذا ما يخرج من الدود و الحصا، و لا يجب غسله، إلا أن يستصحب نجاسة.

و الشافعي أوجب غسله مطلقا(4).

و لو خرج غير صلب، و صار بحيث لو زرع لم ينبت، فقد استحال عذرة، علي إشكال.

ص: 51


1- المبسوط للسرخسي 61:1، المجموع 549:2.
2- فتح العزيز 184:1، الأم 5:1، المجموع 550:2.
3- المجموع 550:2، اللباب 52:1، بدائع الصنائع 62:1.
4- المجموع 573:2.

الخامس: ما يستحيل في العذرة من الديدان طاهر، و كذا لو سقي الزرع أو الشجر ماء نجسا، كان الزرع النامي و الغصن الحادث طاهرين.

السادس: الأقرب كراهة أبوال الخيل و البغال و الحمير، و أرواثها، علي الأشهر عملا بالأصل، لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا تغسل ثوبك من بول كل شيء يؤكل لحمه»(1).

و للشيخ قول آخر بوجوب الاحتراز عنها(2) ، لأن الصادق عليه السّلام أمر محمد بن مسلم بغسلها(3) ، و لا دلالة فيه، لإرادة التنظيف.

السابع: عرق كلّ حيوان طاهر طاهر، عملا بالأصل، و أوجب الشيخان إزالة عرق الإبل الجلاّلة، و الجنب من الحرام(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا تأكل لحوم الإبل الجلالة، و إن أصابك من عرقها فاغسله»(5) و يحمل علي الاستحباب.

الثامن: ذرق الحمام و العصافير عندنا طاهر، لأنها مأكولة اللحم، و به قال أبو حنيفة، و أحمد، لإجماع الناس علي تركه في المساجد(6).

و قال الشافعي: إنه نجس، لأنه طعام استحال في الجوف(7) ، و نمنع العلية.

التاسع: بول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام نجس، بإجماع العلماء،1.

ص: 52


1- الكافي 57:3-1، التهذيب 246:1-710.
2- النهاية: 51.
3- الكافي 57:3-2، التهذيب 264:1-771، الاستبصار 178:1-620.
4- المبسوط للطوسي 38:1، المقنعة: 10.
5- الكافي 250:6-1 و فيه «لا تأكلوا لحوم الجلاّلات» التهذيب 263:1-264-768.
6- المجموع 549:2، المبسوط للسرخسي 56:1، المحلي 169:1.
7- المجموع 550:2، المبسوط للسرخسي 56:1.

لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله قال: (ينضح من بول الغلام)(1).

و قال داود: إنّه طاهر، و الرش استحباب(2).

مسألة 16: المني من كل حيوان ذي نفس سائلة - آدميا كان أو غيره - نجس

عند علمائنا أجمع، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد في إحدي الروايتين(3) ، لأن النّبي صلي اللّه عليه و آله قال: (إنما يغسل الثوب من المني، و الدم، و البول)(4) و قال الصادق عليه السّلام: «إن عرفت مكانه فاغسله، و ان خفي عليك مكانه فاغسله كلّه»(5).

و هو قول الشافعي في القديم(6) ، و في الجديد أن مني الآدمي طاهر(7) ، لأن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو يصلي فيه(8).

و يبطل بتوهم ما ليس بمنيّ منيّا.

و له في مني سائر الحيوانات ثلاثة أوجه: النجاسة، لأن طهارة مني

ص: 53


1- مسند أحمد 97:1، سنن ابن ماجة 175:1-525، سنن الدارقطني 129:1-2 و 3.
2- نيل الأوطار 58:1، المحلي 100:1.
3- بداية المجتهد 82:1، نيل الأوطار 65:1-66، فتح العزيز 189:1-190، المحلي 126:1، المجموع 554:2، سبل السلام 52:1، المبسوط للسرخسي 81:1، المغني 771:1-772، الهداية للمرغيناني 35:1.
4- سنن الدارقطني 127:1-1، مسند أبي يعلي 185:3-1611، سنن البيهقي 14:1.
5- التهذيب 251:1-725، الكافي 53:3-1.
6- فتح العزيز 189:1.
7- فتح العزيز 188:1-190، المجموع 553:2، بداية المجتهد 82:1، نيل الأوطار 66:1، الوجيز 7:1، المبسوط للسرخسي 81:1، الام 81:1، و 55، الأشباه و النظائر للسيوطي: 431، المحلي 126:1، الهداية 173:1، شرح الأزهار 35:1.
8- سنن البيهقي 416:2.

الآدمي للكرامة، و الطهارة إلاّ الكلب و الخنزير، اعتبارا بالعرق، و نجاسة غير المأكول خاصة، اعتبارا باللبن(1).

مسألة 17: المذي و الوذي طاهران عن شهوة كانا أو غيرها
اشارة

عند علمائنا أجمع - إلاّ ابن الجنيد، فإنه نجّس المذي الجاري عقيب شهوة(2) ، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3) - للأصل، و لقول ابن عباس: هو عندي بمنزلة البصاق(4) ، و قول الصادق عليه السّلام: «إنّ عليا عليه السّلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن المذي فقال: ليس بشيء»(5).

و قول الصادق عليه السّلام: «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو و ذي فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء، إنما ذلك بمنزلة النخامة»(6).

و قول الصادق عليه السّلام: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد»(7).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة و أحمد في رواية: أنهما نجسان(8) ، لأنّ النبيّ

ص: 54


1- المجموع 555:2، الوجيز 7:1، فتح العزيز 191:1، شرح الأزهار 35:1.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 115.
3- المغني 767:1، المحرر في الفقه 6:1، الانصاف 330:1، الشرح الكبير 336:1.
4- المغني 767:1.
5- التهذيب 17:1-39، الإستبصار 91:1-292.
6- الكافي 39:3-1، التهذيب 21:1-52، الاستبصار 94:1-305، علل الشرائع: 295 باب 231.
7- التهذيب 19:1-47، الإستبصار 93:1-300.
8- المغني 767:1، الشرح الكبير 336:1، الانصاف 330:1 و 334، بدائع الصنائع 60:1، القوانين الفقهية: 39، السراج الوهاج: 22، مغني المحتاج 79:1.

صلي اللّه عليه و آله أمر بغسل الذكر منه(1) ، و يحمل علي الاستحباب.

فروع:

الأول: رطوبة فرج المرأة و الدبر طاهرتان بالأصل.

و قال أبو حنيفة بالنجاسة، و للشافعي قولان(2) اعتبارا بالمذي، و قد بيّنا بطلانه.

الثاني: مني ما لا نفس له سائلة طاهر، لطهارة ميتته.

الثالث: القيء طاهر علي الأشهر عملا بالأصل، و نقل الشيخ عن بعض علمائنا النجاسة(3) و به قال الشافعي، لأنه غذاء متغير إلي الفساد(4). و نمنع صلاحيته للعلية.

و لو لم يتغير فهو طاهر إجماعا، و لو تغير غائطا فهو نجس إجماعا.

الرابع: كل ما يخرج من المعدة أو ينزل من الرأس من الرطوبات كالبلغم و المرّة الصفراء طاهر بالأصل.

و قال الشافعي: البلغم طاهر، و المرة نجسة، و كذا الرطوبة الخارجة من المعدة، لأن المعدة نجسة، فما يخرج منها نجس(5) ، و هو ممنوع، و قال المزني: البلغم نجس لتغيره(6).

ص: 55


1- سنن النسائي 111:1، صحيح مسلم 247:1-303، صحيح البخاري 76:1، مسند أبي عوانة 272:1-273.
2- المجموع 570:2، مغني المحتاج 81:1، السراج الوهاج: 23. الدر المنتقي 64:1.
3- المبسوط للطوسي 38:1.
4- المجموع 551:2، السراج الوهاج: 22، مغني المحتاج 79:1.
5- المجموع 551:2-552.
6- المجموع 551:2.

الخامس: إنفحة السخلة المذبوحة طاهرة، و كذا إن ماتت.

و قال الشافعي: أنها مع الموت، أو مع إطعام السخلة المذبوحة غير اللبن نجسة(1).

مسألة 18: الدم من ذي النفس السائلة نجس،
اشارة

و إن كان مأكولا بلا خلاف، لقوله عليه السّلام: (إنما يغسل الثوب من البول، و المني، و الدم)(2) و قول الصادق عليه السّلام في المصلي يرعف: «يغسل آثار الدم»(3).

أما ما لا نفس له سائلة كالبق، و البراغيث و السمك فإنه طاهر، سواء تفاحش أو لا، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أبو حنيفة(4) - للأصل، و لقول الصادق عليه السّلام، و قد سئل ما تقول في دم البراغيث ؟: «ليس به بأس» قلت: إنّه يكثر و يتفاحش، قال: «و إن كثر»(5) ، و قال الباقر: «إنّ عليا عليه السلام كان لا يري بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب يصلي فيه الرجل»(6) يعني دم السمك، و للمشقة.

و قال الشافعي: الجميع نجس، لعموم الأمر بالغسل(7) ، و هو محمول علي المسفوح، جمعا بين الأدلة.

ص: 56


1- المجموع 570:2، فتح العزيز 187:1.
2- سنن الدارقطني 127:1-1، مسند أبي يعلي 185:3-1611، سنن البيهقي 14:1، كنز العمال 349:9-26386.
3- التهذيب 15:1-30، الاستبصار 85:1-269.
4- شرح فتح القدير 183:1، المجموع 557:2، المحلي 105:1.
5- التهذيب 255:1-740، الإستبصار 176:1-611.
6- الكافي 59:3-4، التهذيب 260:1-755.
7- المجموع 557:2، المحلي 105:1.
فروع:

الأول: للشافعي في دم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وجهان: أحدهما:

الطهارة(1) ، لأن أبا ظبية الحجام شربه و لم ينكر(2) ، و نمنع عدم الإنكار لأنه صلي اللّه عليه و آله قال له: (لا تعد، الدم كلّه حرام)(3).

و كذا في بوله عليه السّلام عنده وجهان: أحدهما: الطهارة(4) لأن أم أيمن شربته، و لم ينكر(5) و هو ممنوع، و كذا العذرة(6).

الثاني: القيح طاهر، لأنه ليس دما، قال الشيخ: و كذا الصديد(7) ، و فيه نظر، إن جعلناه عبارة عن ماء الجرح المخالط للدم، و الحق الطهارة إن خلا.

الثالث: العلقة نجسة - و إن كانت في بيض الدجاج، و شبهه - لأنها دم.

و قال الشافعي في أحد الوجهين: أنها طاهرة كالمني، و المضغة أيضا(8).

و الوجه نجاستها إن انفصلت من حي أو ميت.

ص: 57


1- فتح العزيز 179:1، الوجيز 7:1.
2- فتح العزيز 179:1.
3- التلخيص الحبير 179:1.
4- فتح العزيز 178:1-179، الوجيز 7:1.
5- مستدرك الحاكم 63:4-64.
6- فتح العزيز 178:1-179، الوجيز 7:1.
7- المبسوط للطوسي 38:1.
8- المجموع 559:2، فتح العزيز 188:1-189، الأشباه و النظائر للسيوطي: 431.

الرابع: لبن الآدمي طاهر - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - للأصل، و الحاجة، و له وجه: أنه نجس لأنه من المستحيلات في الباطن(2) ، و الكبري ممنوعة، و لا فرق بين لبن الذكر و الأنثي.

و نجّس بعض علمائنا لبن الأنثي، لأنه يخرج من مثانة أمها [1]، و الرواية(3) ضعيفة.

أما لبن الحيوانات المأكولة فإنه طاهر إجماعا، و كذا لبن النجس نجس إجماعا.

و لبن غيرهما عندنا طاهر كالعرق. و للشافعي وجهان(4).

الخامس: بيض المأكول طاهر إجماعا، و بيض غيره كذلك، و للشافعي وجهان(5).

السادس: بزر القزّ، و دوده، طاهران عملا بالأصل، و للشافعي في البزر وجهان(6).

السابع: المسك طاهر إجماعا، لأن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان يتطيب به(7) ، و كذا فأرته عندنا، سواء أخذت من حية أو ميتة، و للشافعي7.

ص: 58


1- المجموع 569:2، الوجيز 7:1، مغني المحتاج 80:1، فتح العزيز 186:1.
2- فتح العزيز 186:1، المجموع 569:2.
3- الفقيه 40:1-157، المقنع: 5، علل الشرائع: 294 باب 225، التهذيب 250:1-718، الاستبصار 173:1-601.
4- المجموع 569:2، فتح العزيز 186:1-187.
5- الوجيز 7:1، فتح العزيز 194:1، المجموع 555:2.
6- فتح العزيز 191:1، المجموع 555:2، الوجيز 7:1.
7- الكافي 514:6-2، مكارم الأخلاق: 33، صحيح مسلم 849:2-1192، سنن النسائي 138:5، سنن الترمذي 259:3-917.

فيهما وجهان(1).

مسألة 19: الميت إن كان آدميا نجس
اشارة

عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أضعف القولين كغيره من الحيوانات، و للأمر بالغسل، و الآخر: أنّه طاهر إكراما له(2). و ليس بمقتض.

و إن كان غيره فإن كان ذا نفس سائلة - أي دم يخرج بقوة - فهو نجس إجماعا، لأن التحريم يستلزم الاجتناب.

و إن لم يكن ذا نفس سائلة فعندنا أنّه طاهر، و لا ينجس ما يقع فيه من الماء و غيره، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(3) ، لأن نجاسة الميتة من نتنها و خبثها، و إنما يحصل ذلك بانحصار الدم و احتباسه في العروق، و هذه لا دم لها، و هي علي هيئة واحدة في موتها و حياتها، و الرطوبة التي فيها شبه رطوبة النبات.

و لأنه عليه السّلام قال: (أيّما طعام أو شراب مات فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله و شربه و الوضوء منه)(4) و قال عليه السّلام: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله)(5) ، و هو قد يحصل به الموت، خصوصا

ص: 59


1- الوجيز 7:1، فتح العزيز 193:1.
2- فتح العزيز 162:1 و 163، المجموع 561:2 و 563 و 187:5، شرح فتح القدير 70:2، عمدة القارئ 239:3، مغني المحتاج 78:1، شرح الأزهار 39:1.
3- بداية المجتهد 76:1، المبسوط للسرخسي 51:1، الشرح الصغير 18:1-19 بدائع الصنائع 62:1، المغني 68:1، فتح العزيز 163:1، الام 5:1.
4- سنن الدارقطني 37:1-1، سنن البيهقي 253:1.
5- صحيح البخاري 158:4، سنن أبي داود 365:3-3844، سنن ابن ماجة 1159:2-3505، سنن الدارمي 99:2، مسند احمد 246:2، سنن النسائي 179:7، مسند الطيالسي: 291-2188.

مع حرارة الطعام.

و لقول الصادق عليه السّلام - و قد سئل عن الخنفساء و الذباب -: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(1).

و الثاني للشافعي: أنه نجس إلاّ السمك و الجراد، لأنه حيوان يحرم أكله لا لحرمته فيكون نجسا(2) ، و الملازمة ممنوعة.

فروع:

الأول: نجاسة الميت الآدمي عرضيّة أو ذاتية ؟ فيه إشكال ينشأ من طهارته بالغسل، و من نجاسة ما يلاقيه، أما نجاسة غيره فذاتية.

و للشافعي قول أن نجاسة الآدمي ذاتية(3) ، و قال أبو حنيفة: إنها عرضيّة و إنما يطهر بالغسل الميت المسلم، أما الكافر فلا(4).

الثاني: ما لا تحله الحياة من الميت - كالصوف و الشعر، و الوبر و الريش، و العظم - طاهر، إلاّ من نجس العين فإنه نجس، لعموم الاحتراز عن الكلب، خلافا للمرتضي(5).

الثالث: كل ما أبين من الحيّ مما تحلّه الحياة فهو ميّت، فان كان من آدميّ كان نجسا عندنا، خلافا للشافعي(6).

الرابع: ما يتولد في الطعام كدود الخل و القسب [1]، و قمل الطعام، يحرم

ص: 60


1- التهذيب 230:1-665، الاستبصار 26:1-66.
2- فتح العزيز 162:1-163، المجموع 560:2، الوجيز 6:1، الأم 5:1.
3- فتح العزيز 162:1 و 560:2.
4- المجموع 563:2، فتح العزيز 163:1، شرح فتح القدير 70:2.
5- الناصريّات: 218 المسألة 19.
6- فتح العزيز 172:1، المجموع 563:2.

أكله، و ليس بنجس إن مات فيما تولد فيه إجماعا، و إذا خرج فكذلك عندنا.

و للشافعي قولان، و كذا في أكله عنده قولان: أظهرهما: التحريم مع الانفراد(1).

الخامس: لو وقع الذباب و شبهه في ماء قليل و مات فيه، لم ينجسه عندنا، و للشافعي قولان(2).

و لو تغير الماء به فكذلك عندنا، و للشافعي - علي تقدير عدم النجاسة بالملاقاة - وجهان(3) و لو سلبه الإطلاق فمضاف طاهر.

السادس: حيوان الماء المحرّم مما له نفس سائلة إذا مات في ماء قليل نجّسه عندنا، لانفعال القليل بالنجاسة، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: لا ينجس، لأنه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه، كالسمك(5). و يبطل بالفرق.

و ما لا نفس له سائلة - كالضفدع - لا ينجس به الماء القليل، و به قال أبو حنيفة(6) ، خلافا للشافعي(7).

السابع: الجنين الذي يوجد ميتا عند ذبح الأم - إذا كان تاما - حلال1.

ص: 61


1- الوجيز 6:1، فتح العزيز 167:1-169، المجموع 131:1.
2- الأم 5:1، المجموع 129:1، الهداية للمرغيناني 19:1، المبسوط للسرخسي 51:1.
3- المجموع 130:1.
4- الام 5:1، الهداية للمرغيناني 19:1، المجموع 131:1.
5- الهداية للمرغيناني 19:1.
6- الهداية للمرغيناني 19:1، بدائع الصنائع 79:1.
7- الام 5:1، فتح العزيز 163:1، الهداية للمرغيناني 19:1.

طاهر، و إن لم تتم خلقته كان حراما نجسا.

الثامن: المتكون من النجاسات - كدود العذرة - طاهر، للعموم، و كذا الدود المتولد من الميتة، و في وجه للشافعي: أنّه نجس(1).

التاسع: يكره ما مات فيه الوزغ و العقرب، و قول ابن بابويه: إذا ماتت العضاءة في اللبن حرم(2) ، لرواية عمار(3) ، ضعيف، و يحمل علي الكراهة، أو علي التحريم للتضرر، لا للنجاسة.

العاشر: لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس، و الصيد حرام، و إن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما، و إن اشتبه حكم بالأصلين فيهما علي إشكال ينشأ من تضادهما، فالأحوط التحريم فيهما.

الحادي عشر: جلد الميتة نجس بإجماع العلماء، إلاّ الزهري، و الشافعي في وجه، فإنه طاهر عندهما(4).

الثاني عشر: عظم الحيوان و قرنه و ظفره و سنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة، و به قال أبو حنيفة(5) ، و قال الشافعي: أنها نجسة لنموها(6).

الثالث عشر: الشعر و الصوف و الريش من الميتة طاهر، إلاّ من نجس العين علي ما تقدم، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي - في أحد القولين - لأنها1.

ص: 62


1- المجموع 131:1.
2- الفقيه 15:1 ذيل الحديث 32، و المقنع: 11.
3- التي رواها الشيخ كاملة في التهذيب 285:1-832.
4- المجموع 217:1.
5- المجموع 236:1، بداية المجتهد 78:1، الهداية للمرغيناني 21:1، شرح فتح القدير 84:1، اللباب 24:1.
6- المجموع 236:1، بداية المجتهد 78:1، شرح العناية 84:1.

لا تحلها الحياة، و في الآخر: أنها نجسة لنمائها(1).

و لو جزّ من حيوان - لا يؤكل لحمه - حي فطاهر عندنا، خلافا له(2) و لو جزّ من مأكول فهو طاهر إجماعا.

و لو نتف منه حيا فكذلك عندنا، و للشافعي وجهان: النجاسة لأنه ترك طريق إباحته، و هو الجزّ فصار كخنق الشاة، و الطهارة لكثرة الألم فهو كالتذكية(3).

الرابع عشر: ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه و جلده طاهرين، عملا بالأصل.

و قال الشافعي: نجسان، لأن التذكية لم تبح اللحم، فلا تفيده الطهارة(4).

و قال أبو حنيفة: الجلد طاهر، و في اللحم روايتان(5).

الخامس عشر: البيضة في الميتة طاهرة إن اكتست الجلد الفوقاني، و إلاّ فلا، و قال الشافعي: أنّها نجسة(6) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام(7).1.

ص: 63


1- المجموع 231:1-232 و 236، شرح العناية 84:1، بداية المجتهد 78:1.
2- المجموع 241:1-242، المهذب للشيرازي 18:1.
3- المجموع 241:1-242.
4- المجموع 245:1، المهذب للشيرازي 18:1.
5- المجموع 245:1، اللباب 230:3، شرح فتح القدير 84:1، الهداية للمرغيناني 21:1.
6- المجموع 244:1.
7- المجموع 245:1.

و المشيمة نجسة.

السادس عشر: في لبن الشاة الميتة روايتان(1) ، أقواهما: التحريم و النجاسة، لملاقاة النجاسة، و للشافعي وجهان(2).

مسألة 20: الخمر نجسة،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ ابن بابويه، و ابن أبي عقيل(3) ، و قول عامة العلماء أيضا إلاّ داود، و ربيعة، و أحد قولي الشافعي(4). لقوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ (5) و الرجس لغة: النجس، و لأن ما حرم علي الإطلاق كان نجسا كالدم و البول، و لقول الصادق عليه السّلام: «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتي تغسله»(6).

و قولهم عليهم السلام: «إنّ اللّه حرم شربها، و لم يحرم الصلاة فيها»(7). لا يدل علي الطهارة، و استصحاب حال كونه عصيرا - كما قاله داود - (8) ضعيف.

ص: 64


1- فالدالة علي الحلية ما في الكافي 258:6-3، الفقيه 216:3-1006 و 219-1011، التهذيب 75:9-320 و 76-324، الاستبصار 88:4-328 و 89-339، الخصال 434:2-19 و غيرها، و من الدالة علي التحريم ما روي في التهذيب 77:9-325، الاستبصار 89:4-340، قرب الاسناد: 64، و غيرها.
2- المجموع 244:1.
3- الفقيه 160:1-752، علل الشرائع: 357 باب 72، و حكي المحقق قول ابن أبي عقيل في المعتبر: 117.
4- المجموع 563:2، فتح العزيز 156:1، تفسير القرطبي 288:6، الميزان 105:1، مغني المحتاج 77:1.
5- المائدة: 90.
6- التهذيب 278:1-817، الاستبصار 189:1-660.
7- الفقيه 160:1-752، علل الشرائع: 357 باب 72، قرب الاسناد: 16.
8- المجموع 563:2، الميزان 105:1.
فروع:

الأول: كل المسكرات كالخمر في التحريم و النجاسة، لقول الكاظم عليه السلام: «و ما عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(1) و قول الباقر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: كل مسكر خمر»(2).

و قال أبو حنيفة: النبيذ طاهر، و هو أحد قولي الشافعي(3).

الثاني: العصير إذا غلي حرم حتي يذهب ثلثاه، و هل ينجس بالغليان أو يقف علي الشدة ؟ إشكال.

الثالث: الفقاع كالخمر عندنا في التحريم و النجاسة - خلافا للجمهور(4) - لقول الرضا عليه السّلام: «هو خمر مجهول»(5).

الرابع: الخمر إذا انقلبت خلا طهر إجماعا، و لو لاقته نجاسة، أو عصره مشرك لم يطهر بالانقلاب.

الخامس: بواطن حبات العنقود إذا استحال ما فيها خمرا كان نجسا، و هو أحد قولي الشافعي(6).

السادس: المسكرات الجامدة ليست نجسة و إن حرمت، و لو تجمّد الخمر، أو ما مازجه لم يخرج عن نجاسته، و كذا لو سال الجامد بغير

ص: 65


1- الكافي 412:6-2، التهذيب 112:9-486.
2- الكافي 408:6-3، التهذيب 111:9-482.
3- المجموع 93:1 و 564:2، فتح العزيز 158:1، مغني المحتاج 77:1، تفسير القرطبي 51:13، بداية المجتهد 33:1.
4- بدائع الصنائع 117:5، المبسوط للسرخسي 17:24، المغني 337:10، رحمة الأمة 170:2، المنتقي للباجي 150:3.
5- الكافي 422:6-1، التهذيب 124:9-539، الاستبصار 95:4-368.
6- المجموع 564:2، مغني المحتاج 77:1.

ممازجة لم يخرج عن طهارته.

مسألة 21: الكلب و الخنزير نجسان عينا و لعابا،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السّلام، و ابن عباس، و أبو هريرة، و عروة بن الزبير، و الشافعي، و أبو ثور، و أبو عبيد، و أحمد(1) ، لقول النبيّ صلي اللّه عليه و آله: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات)(2) ، و قول الصادق عليه السّلام عن الكلب: «رجس نجس»(3).

و قال أبو حنيفة: الكلب طاهر، و الخنزير نجس، لعدم وجوب غسل ما عضه الكلب من الصيد(4) ، و هو ممنوع.

و قال الزهري، و مالك، و داود: الكلب و الخنزير طاهران(5).

فروع:

الأول: الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقا، و اعتبار اسم أحدهما، و المتولد من أحدهما و ما غايرهما يتبع الاسم.

الثاني: كل أجزاء الكلب و الخنزير و ان لم تحلّها الحياة نجسة، خلافا للمرتضي(6).

ص: 66


1- السراج الوهاج: 22، المجموع 567:2-568، الأشباه و النظائر للسيوطي: 431، مغني المحتاج 78:1، المحلي 112:1، الام 5:1، نيل الأوطار 42:1.
2- صحيح مسلم 234:1-91 و 92، سنن أبي داود 19:1-71، مسند أحمد 427:2.
3- التهذيب 225:1-646، الاستبصار 19:1-40.
4- شرح فتح القدير 82:1، الهداية للمرغيناني 20:1، الكفاية 82:1، شرح العناية 82:1، المبسوط للسرخسي 48:1، بدائع الصنائع 63:1.
5- المجموع 567:2-568، مغني المحتاج 78:1، نيل الأوطار 43:1، الشرح الصغير 18:1، تفسير القرطبي 45:13، المبسوط للسرخسي 48:1، فتح العزيز 161:1، بداية المجتهد 29:1، المدونة الكبري 5:1.
6- الناصريات: 218 المسألة 19.

الثالث: كلب الماء طاهر بالأصل، خلافا لابن إدريس(1) ، و لا يجوز حمل اللفظ علي الحقيقة و المجاز بغير قرينة.

الرابع: الأقرب طهارة الثعلب، و الأرنب، و الفأرة، و الوزغة - و هو قول المرتضي، و أحد قولي الشيخ(2) - عملا بالأصل، و النص الدال علي طهارة سؤر ما عدا الكلب و الخنزير(3).

احتج الشيخ بأمر الكاظم عليه السّلام بغسل أثر ما أصابته الفأرة الرطبة(4) ، و أمر الصادق عليه السّلام بغسل اليد من مس الثعلب و الأرنب(5) و هو محمول علي الاستحباب.

مسألة 22: الكافر عندنا نجس
اشارة

لقوله تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (6) و الحذف علي خلاف الأصل، و الوصف بالمصدر جائز لشدة المعني، و قوله تعالي كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (7) و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و قد سئل أنّا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم ؟: (لا تأكلوا فيها إلاّ ان لا تجدوا غيرها، فاغسلوها ثم كلوا فيها)(8).

و سئل الصادق عليه السّلام عن سؤر اليهودي و النصراني

ص: 67


1- السرائر: 208.
2- الناصريات: 216 المسألة 9، جمل العلم و العمل: 49، الخلاف 187:1 مسألة 144.
3- التهذيب 225:1-646-647 و 261-760، الاستبصار 19:1-40-41.
4- التهذيب 261:1-761، الكافي 60:3-3.
5- التهذيب 262:1-763، الكافي 61:3-4.
6- التوبة: 28.
7- الأنعام: 125.
8- سنن البيهقي 33:1، مستدرك الحاكم 143:1.

فقال: «لا»(1).

فروع:

الأول: لا فرق بين أن يكون الكافر أصليا أو مرتدا، و لا بين أن يتدين بملة أو لا، و لا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة و بينة، و كذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة.

الثاني: حكم الشيخ بنجاسة المجبرة و المجسمة(2) ، و قال ابن إدريس بنجاسة كل من لم يعتقد الحق إلاّ المستضعف(3) ، لقوله تعالي كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (4).

و الأقرب طهارة غير الناصب لأن عليا عليه السلام لم يجتنب سؤر من بائنة من الصحابة.

الثالث: الناصب - و هو من يتظاهر ببغضة أحد من الأئمة عليهم السلام - نجس، و قد جعله الصادق عليه السّلام شرّا من اليهود و النصاري(5) ، و السرّ فيه أنهما منعا لطف النبوّة و هو خاص، و منع هو لطف الإمامة و هو عام.

و كذا الخوارج لإنكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة، و الغلاة أيضا أنجاس لخروجهم عن الإسلام و ان انتحلوه.

الرابع: أولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم، و هل يتبع المسبي السابي

ص: 68


1- الكافي 11:3-5، التهذيب 223:1-638، الاستبصار 18:1-36.
2- المبسوط للطوسي 14:1.
3- السرائر: 13.
4- الأنعام: 125.
5- الكافي 11:3-6، التهذيب 223:1-639، الإستبصار 18:1-37.

في الإسلام ؟ إشكال.

الخامس: قال ابن بابويه: لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا(1) ، و حكم ابن إدريس بنجاسته لانه كافر(2) ، و هو ممنوع، و الأقرب الطهارة.

تذنيب: ظهر مما قررناه أن النجاسات بالأصالة عشرة: البول، و الغائط، و المني، و الدم، و الميتة، و الخمر، و الفقاع، و الكلب، و الخنزير، و الكافر، و ما عدا ذلك طاهر، تعرض له النجاسة بملاقاة أحدها رطبا.7.

ص: 69


1- الهداية: 14، الفقيه 8:1.
2- السرائر: 81، 183، 241، 287.

ص: 70

الفصل الثاني: في أحكام النجاسات
مسألة 23: النجاسات غير الدم يجب إزالة قليلها و كثيرها عن الثوب و البدن،
اشارة

سواء قلّت أو كثرت عند علماؤنا أجمع، إلاّ ابن الجنيد(1) ، و به قال الشافعي(2) ، لقوله تعالي وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (3) و قوله عليه السّلام: (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)(4).

و قال ابن الجنيد: إن قلّت عن الدرهم فمعفو، كالدم(5). و به قال أبو حنيفة(6) ، و هو قياس في معارضة النص، فيرد.

ص: 71


1- حكاه المحقق في المعتبر: 118.
2- المجموع 131:3، بداية المجتهد 81:1، كفاية الأخيار 55:1، الوجيز 8:1، الهداية للمرغيناني 35:1.
3- المدثر: 4.
4- سنن الدارقطني 127:1 و 128-2 و 7 و 9.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 118.
6- اللباب 52:1، بداية المجتهد 81:1، فتح القدير 177:1، المحلّي 94:1، بدائع الصنائع 80:1.

و قال مالك: لا يجب إزالة النجاسة مطلقا، قلّت أو كثرت(1) لقول ابن عباس: ليس علي الثوب جنابة(2) ، و لا دلالة فيه.

و قال أبو حنيفة: النجاسة المغلظة يجب إزالة ما زاد علي الدرهم، و المخففة لا يجب إلاّ أن يتفاحش(3).

و اختلف أصحابه في التفاحش، قال الطحاوي: التفاحش أن يكون ربع الثوب(4) ، و قال بعضهم: ذراع في ذراع(5) ، و قال أبو بكر الرازي: شبر في شبر(6) ، و كل ذلك تخمين.

و أما الدم منها فإن كان حيضا، أو استحاضة، أو نفاسا، وجب إزالة قليله و كثيره - خلافا لأحمد حيث عفي عن يسيره(7) - لقول الصادق عليه السّلام عن الحائض: «تغسل ما أصاب ثيابها من الدم»(8) و لأنه مقتضي الدليل.

و ألحق به القطب الراوندي دم الكلب و الخنزير(9) ، و استبعده ابن إدريس(10).5.

ص: 72


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 17، بداية المجتهد 81:1، نيل الأوطار 119:2.
2- مصنّف عبد الرزاق 372:1-1450.
3- اللباب 51:1-52، بداية المجتهد 81:1، شرح فتح القدير 177:1-178.
4- حلية العلماء 44:2.
5- بدائع الصنائع 80:1، شرح فتح القدير 178:1، حلية العلماء 44:2.
6- حلية العلماء 44:2.
7- المغني 59:1، الشرح الكبير 61:1.
8- الكافي 109:3-1، التهذيب 270:1-652 الاستبصار 186:1-652.
9- حكاه ابن إدريس في السرائر: 35.
10- السرائر: 35.

و الحق عندي اختيار القطب، و يلحق به أيضا دم الكافر، و الضابط دم نجس العين، لحصول حكم طاريء للدم، و هو ملاقاته لنجس العين، و كذا كل دم إصابة نجاسة غيره.

و إن كان دم قرح أو جرح سائلا لازما لم تجب إزالته - و إن كثر مع نجاسته، سواء الثوب و البدن في ذلك - للمشقة، و لقولهم عليهم السلام عن دم القروح التي لا تزال تدمي: «يصلّي»(1).

و ان كانت الدماء تسيل، فإن انقطع السيلان اعتبر بالدرهم، لزوال حرج إزالته.

و إن كان مغايرا لهذين القسمين من المسفوح كدم الفصاد و البثور و الذبيحة كان نجسا و تجب إزالته إن زاد علي الدرهم البغليّ إجماعا، لقول الباقر عليه السّلام: «و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله و صلّي فليعد صلاته»(2).

و ان نقص عنه لم تجب إزالته إجماعا، لقول الباقر عليه السّلام: «ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم»(3) و في الدرهم قولان لعلمائنا [1]، أحوطهما:

الوجوب.2.

ص: 73


1- التهذيب 256:1-744، الاستبصار 177:1-615.
2- التهذيب 255:1-739، الاستبصار 175:1-610.
3- التهذيب 256:1-742، الاستبصار 176:1-612.
فروع:

الأول: قسّم الشافعي النجاسة إلي دم و غيره، و الأول: إن كان من ذي النفس السائلة ففي قول عنه: أنه غير معفو عنه مطلقا. و في القديم: يعفي عمّا دون الكف، و في ثالث: يعفي عن قليله، و هو ما لم يتفاحش.

و إن كان من غير ذي النفس فهو نجس يعفي عمّا قلّ، دون المتفاحش، و غير الدم لا يعفي عن قليله و لا كثيرة(1).

الثاني: الدرهم البغليّ هو المضروب من درهم و ثلث، منسوب إلي قرية بالجامعين [1]، و ابن أبي عقيل قدّره بسعة الدينار(2) ، و ابن الجنيد بأنملة الإبهام(3).

الثالث: هذا التقدير في المجتمع، و الأقرب في المتفرق ذلك لو جمع، فيجب إزالته، أو ما يحصل معه القصور، و قال الشيخ: ما لم يتفاحش(4).

الرابع: لو لاقت نجاسة غير الدم ما عفي عنه منه لم يبق عفو، سواء لاقت قبل الاتصال بالمحل أو بعده.

مسألة 24: نجس العين لا يطهر بحال، إلاّ الخمر
اشارة

تتخلّل، و النطفة و العلقة [و المضغة] [2] و الدم في البيضة إذا صارت حيوانا إجماعا، و دخان

ص: 74


1- المهذب للشيرازي 67:1، المجموع 133:3-135، حلية العلماء 42:2-43.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 119.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 119.
4- النهاية: 52.

الأعيان النجسة عندنا - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - و ما أحالته النار عندنا، و به قال أبو حنيفة(2) ، فإن الاستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل، خلافا للشافعي(3) ، لأنها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بها، و الملازمة ممنوعة.

و لو وقع في القدر - و هي تغلي علي النار - دم، قال بعض علمائنا:

تطهر بالغليان، لأن النار تحيل الدم(4) ، و فيه ضعف، و لو كان غير الدم لم تطهر إجماعا.

و لو استحال الخنزير - و غيره من العينيات - ملحا في المملحة، أو الزبل الممتزج بالتراب - حتي طال عهده - ترابا، قال أبو حنيفة: يطهر، و للشافعي وجهان(5) ، و عندي في ذلك تردد، و للشيخ قولان في تراب القبر بعد صيرورة الميت رميما(6).

و أما النجس بالملاقاة فعلي أقسام:

الأول: الحصر، و البواري، و الأرض، و الثابت [1] فيها، و الأبنية، تطهر بتجفيف الشمس خاصة من البول و شبهه، كالماء النجس، و إن كان خمرا إذا ذهبت الآثار.3.

ص: 75


1- المجموع 579:2.
2- المجموع 579:2، بدائع الصنائع 85:1.
3- المجموع 579:2.
4- الصدوق في المقنع: 12.
5- المجموع 579:2، السراج الوهّاج: 23، مغني المحتاج 81:1، بدائع الصنائع 85:1، حلية العلماء 245:1.
6- المبسوط للطوسي 32:1 و 93.

و قال بعض علمائنا: لا يطهر، و ان جازت الصلاة عليها(1).

و لو جف بغير الشمس أو بقيت عينه لم يطهر إجماعا، و للشيخ منع في غير البول(2).

و ما اخترناه قول أبي حنيفة و صاحبيه، و الشافعي في القديم(3) ، لأن الأرض و الشمس من شأنهما الإحالة، و هي أبلغ من تأثير الماء، و لأن الشمس تفيد سخونة، و هي تقتضي تصاعد أجزاء النجاسة و مفارقتها.

و قال مالك و الشافعي - في الجديد - و أحمد و إسحاق: لا يطهر بتجفيف الشمس(4) ، لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله أمر بصبّ الذنوب(5) ، و لو سلّم لم يمنع.

و هل تطهر الأرض من بول الرجل بإلقاء ذنوب عليها، بحيث يغمرها، و يستهلك فيه البول، فتذهب رائحته و لونه ؟ قال الشيخ: نعم(6) ، و به قال الشافعي(7) ، لأن النبيّ صلي اللّه عليه و آله أمر بإراقة ذنوب من ماء علي بول1.

ص: 76


1- ذهب إليه الشيخ في المبسوط 93:1، و المحقق في المعتبر: 124، و ابن حمزة في الوسيلة: 79.
2- المبسوط للطوسي 93:1.
3- المجموع 596:2، الأم 52:1-53، النتف 33:1، البحر الزخار 25:2.
4- الام 52:1 و 53، المجموع 596:2، القواعد في الفقه الإسلامي: 344، نيل الأوطار 52:1.
5- صحيح البخاري 65:1، سنن أبي داود 103:1-380، صحيح مسلم 236:1-284، الموطأ 65:1-111.
6- المبسوط للطوسي 92:1.
7- المجموع 591:2، الأم 52:1، الوجيز 9:1، مغني المحتاج 85:1.

الأعرابي(1).

و قال أبو حنيفة: إن كانت رخوة ينزل فيها الماء كفاه الصبّ، و إن كانت صلبة لم يجز فيها إلاّ حفرها و نقل التراب، لأن الماء المزال به النجاسة نجس، فإذا لم يزل من الأرض كان علي وجهها نجسا، و الأقرب أنّها تطهر بتجفيف الشمس، أو بإلقاء الكر، أو الجاري، أو المطر عليها(2).

و لو سلّم حديث الأعرابي حمل علي الجفاف بالهواء، فأعيدت الرطوبة لتجف بالشمس، مع أن بعضهم روي أنّ النبيّ صلي اللّه عليه و آله أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقي، و يصبّ علي مكانه ماء(3) ، و نحن نقول بذلك.

فروع:

الأول: قال الشيخ: يحكم بطهارة الأرض التي يجري عليها و إليها(4).

الثاني: قال الشيخ: لو بال اثنان وجب أن يطرح مثل ذلك، و علي هذا أبدا(5).

ص: 77


1- صحيح البخاري 65:1، سنن أبي داود 103:1-380، سنن الترمذي 296:1-147، سنن الدارمي 189:1، صحيح مسلم 236:1-99، الموطأ 64:1-111، مسند أحمد 2: 239، سنن ابن ماجة 176:1-529 و 530.
2- المجموع 592:2، نيل الأوطار 52:1، فتح الباري 259:1، بدائع الصنائع 89:1.
3- سنن أبي داود 103:1-381، سنن الدارقطني 132:1-4.
4- المبسوط للطوسي 93:1.
5- المبسوط للطوسي 92:1.

الثالث: ليس للذنوب تقدير، بل ما يقهر البول و يزيل لونه و ريحه.

و قال الشافعي: يطرح سبعة أضعاف البول(1).

الرابع: لو جفّت هذه الأشياء بغير الشمس لم تطهر، فإن رمي عليها ماء طاهر، أو نجس، أو بول، و جفّت بالشمس طهرت باطنا و ظاهرا.

و قال الشافعي في القديم: تطهر لو جفّت بغير الشمس - كالريح، و طول الزمان - ظاهرها، و في باطنها قولان(2).

الخامس: ليس الثوب كالأرض، و هو أظهر وجهي الشافعي(3) ، لأن في أجزاء التراب قوة محيلة الي صفة نفسها، بخلاف الثوب، فلا يطهر إلاّ بالغسل بالماء.

الثاني: الجسم الصقيل كالمرآة و السيف، قال المرتضي: يطهر بالمسح إذا أزال العين، لأن المقتضي للنجاسة قد زال فيزول معلوله(4) ، و قال الشيخ: لا يطهر(5). و هو الأقوي لأنها حكم شرعي فيقف علي مورده.

الثالث: العجين بالماء النجس لا يطهر بالخبز، لقول الصادق عليه السلام: «يدفن و لا يباع»(6) و للشيخ قولان [1]: أحدهما: الطهارة، لقول6.

ص: 78


1- الأم 52:1، المجموع 592:2.
2- انظر الأم 52:1-53.
3- الأم 55:1، المجموع 596:2.
4- حكاه عنه في الخلاف 479:1 مسألة 222، و المعتبر: 125.
5- الخلاف 479:1 مسألة 222.
6- الاستبصار 29:1-77، التهذيب 414:1-1306.

الصادق عليه السّلام: «لا بأس أكلت النار ما فيه»(1) و هو محمول علي الإحالة، إذ بدونها لم تأكل.

و اللبن المضروب بماء نجس، أو ببول يطهر بإحراقه آجرا، قاله الشيخ(2) ، لأن النار أحالت الأجزاء الرطبة.

و قال الشافعي: لا يطهر، إلاّ أن يكاثره الماء فيطهر ظاهره، أما باطنه فإن تفتّت ترابا و كاثره الماء طهر، و لا يطهر بالإحراق(3).

الرابع: أسفل القدم و النعل، و باطن الخف يطهر بالأرض مع زوال النجاسة، و به قال أبو حنيفة(4) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا جاء أحدكم الي المسجد فان رأي في نعله أثرا، أو أذي فليمسحها و ليصلّ فيها)(5).

و قال عليه السّلام: (إذا وطأ أحدكم الأذي بخفّيه فإن التراب له طهور)(6).

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس» و قد سئل عن وطئ العذرة بالخف ثم مسحت حتي لم ير شيئا(7).

و لا يشترط جفاف النجاسة، و لا أن يكون لها جرم، خلافا لأبي8.

ص: 79


1- الاستبصار 29:1-75، التهذيب 414:1-1304، الفقيه 11:1-19.
2- الخلاف 501:1 مسألة 241.
3- المجموع 597:2، الام 53:1، فتح العزيز 251:1.
4- المبسوط للسرخسي 82:1، اللباب 50:1، الهداية للمرغيناني 34:1، أنيل الأوطار 54:1، المجموع 598:2، المحلي 94:1.
5- سنن أبي داود 175:1-650.
6- سنن أبي داود 105:1-385، مستدرك الحاكم 166:1.
7- التهذيب 274:1-808.

حنيفة(1) ، للعموم و الأولوية.

مسألة 25: ما عدا هذه الأشياء علي أقسام:
الأول: الثوب يغسل من النجاسة العينية حتي يذهب العين و الأثر،
اشارة

و إن بقيت الرائحة و اللون لعسر الإزالة، و كذا غيره، و المستحب صبغ أثر الحيض مع المشقة، بالمشق و شبهه، و يجب في الغسل أن يورد الماء علي النجاسة و يغلبه عليها، فلو أدخل الثوب أو غيره علي الإناء لم يطهر، و نجس الماء.

و للشافعي قول بعدم الطهارة مع بقاء الرائحة أو اللون و إن عسر زواله(2) ، و هو مردود، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لخولة و قد سألته عن دم الحيض يبقي أثره: (لا بأس به يكفيك و لا يضرك أثره)(3).

و لو كانت النجاسة حكمية، و هي التي لا تدرك بالحواس، كالبول إذا جفّ علي الثوب، و لم يوجد له أثر، يجب غسلها أيضا عن الثوب و البدن و غيرهما.

و لا بد في غسل الثوب من العصر - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأن الغسالة نجسة، فلا يطهر مع بقائها فيه، و لا يكفي صبّ الماء، و لا بد من الغسل مرتين.

ص: 80


1- المبسوط للسرخسي 82:1، الهداية للمرغيناني 34:1، فتح القدير 172:1، اللباب 50:1، المحلي 94:1.
2- فتح العزيز 240:1، مغني المحتاج 85:1.
3- سنن أبي داود 100:1-365، مسند أحمد 364:2 و 380.
4- السراج الوهاج: 24، مغني المحتاج 85:1، المجموع 593:2، فتح العزيز 244:1.
فروع:

الأول: لو وقع الثوب النجس أو الآنية أو غيرهما في ماء كثير أو جار، حتي زالت عين النجاسة طهر، سواء عصر أو لا، و لا يشترط عدد و لا غيره و ان كان في الولوغ، خلافا للشيخ(1).

الثاني: اشترط أبو حنيفة في إزالة النجاسة الحكمية الثلاث(2) ، و أحمد السبع في جميع النجاسات(3).

الثالث: بول الصبي قبل أن يطعم، يكفي فيه صبّ الماء عليه، و لا يجب غسله، لأن الحسن بن علي عليهما السلام بال في حجر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقالت له لبابة بنت الحارث: أعطني إزارك لأغسله.

فقال: (إنّما يغسل من بول الأنثي)(4) ، و قال الصادق عليه السّلام: «يصبّ عليه الماء»(5).

و قال أبو حنيفة و مالك: يجب غسله(6) ، لقوله صلي اللّه عليه و آله:

(إنّما يغسل الثوب من البول)(7) - الحديث - و الخاص مقدم.

ص: 81


1- المبسوط للطوسي 37:1.
2- شرح فتح القدير 185:1، فتح العزيز 236:1، بداية المجتهد 86:1.
3- المغني 75:1، الشرح الكبير 321:1، المبسوط للسرخسي 93:1، فتح العزيز 236:1، بداية المجتهد 86:1.
4- مسند أحمد 339:6 و في سنن أبي داود 102:1-375 و سنن ابن ماجة 174:1-522 و مستدرك الحاكم 166:1 و سنن البيهقي 414:2 و ورد بدل الحسن: الحسين.
5- الكافي 56:3-6، التهذيب 249:1-715، الاستبصار 173:1-602.
6- اللباب 53:1، فتح القدير 185:1، بداية المجتهد 85:1، المحلي 102:1، نيل الأوطار 58:1، فتح العزيز 253:1، سبل السلام 54:1، المجموع 590:2.
7- سنن الدارقطني 127:1-1.

و قال الشافعي و أحمد: يكفي الرش(1). و هو قول لنا، فيجب فيه التعميم فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة، و أكثر الشافعية علي اشتراط الغلبة، و لم يكتفوا بالبلّ(2).

الرابع: بول الصبيّة يجب غسله كالبالغة - و للشافعي قولان(3) - لأن التخصيص بالصبي.

الخامس: المتساقط بالعصر نجس، و المتخلف في الثوب طاهر، و لو جفّ من غير عصر ففي الطهارة إشكال، ينشأ من زوال الغسالة بالجفاف، و العدم لأنّا نظن انفصال أجزاء النجاسة في صحبة الماء بالعصر لا بالجفاف.

السادس: قد بيّنا أن المنيّ نجس، و يجب غسله رطبا و يابسا، مع استحباب تقديم الفرك في اليابس، و به قال مالك(4) ، لقوله صلي اللّه عليه و آله: (إنّما يغسل الثوب من المني)(5) الحديث.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يفرك يابسا(6) لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله(7). و لا حجة فيه.1.

ص: 82


1- فتح العزيز 253:1، المغني 770:1، الشرح الكبير 330:1.
2- فتح العزيز 258:1.
3- فتح العزيز 259:1.
4- بلغة السالك 22:1، بداية المجتهد 82:1، فتح العزيز 189:1، نيل الأوطار 65:1، المجموع 554:2، المحلّي 116:1.
5- سنن الدارقطني 127:1-1.
6- المبسوط للسرخسي 81:1، اللباب 51:1، الهداية للمرغيناني 35:1، شرح فتح القدير 172:1-173، المجموع 554:2، بداية المجتهد 82:1، نيل الأوطار 65:1، 66، المحلّي 126:1.
7- صحيح مسلم 238:1-288، سنن الدارقطني 125:1-3، سنن ابن ماجة 179:1-537 - 539، سنن أبي داود 101:1-371.

السابع: لو غسل نصف الثوب النجس طهر ما غسله، و كان الباقي علي نجاسته، إن غسله طهر أيضا، و هو أحد قولي الشافعية(1) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال عن السمن تموت فيه الفأرة: (و إن كان جامدا فألقوها و ما حولها)(2) ، حكم عليه السلام بنجاسة المتصل دون الجميع، مع وجود الرطوبة، و لأن الآنية تغسل بإرادة الماء فيها.

و في الآخر: لا يطهر إلاّ بغسلة دفعة، لاتصال الرطوبة بالنجس، و ليس بشيء.

الثاني: الإناء،
اشارة

و يجب غسلها من ولوغ الكلب ثلاث مرات أولاهن بالتراب، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول النبيّ صلي اللّه عليه و آله: (يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا)(3) و التخيير يسقط وجوب الزائد، و قول الصادق عليه السّلام: «اغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء مرّتين»(4) و قال المفيد: الوسطي بالتراب(5).

و قال ابن الجنيد: يغسله سبعا(6) و به قال الشافعي، و أحمد، و هو مروي عن ابن عباس، و أبي هريرة، و عروة، و طاوس(7) ، لقوله عليه

ص: 83


1- المجموع 595:2.
2- صحيح البخاري 68:1، سنن أبي داود 364:3-3841، سنن الترمذي 256:4-1798، سنن النسائي 178:7، سنن الدارمي 188:1، مسند احمد 233:2، 265.
3- سنن الدارقطني 65:1-13، 14.
4- التهذيب 225:1-646، الإستبصار 19:1-40.
5- المقنعة: 9.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 127.
7- الام 6:1، المجموع 580:2، مختصر المزني: 8، السراج الوهاج: 23، بداية المجتهد 86:1، مغني المحتاج 83:1، سنن الترمذي 92:1، نيل الأوطار: 42 و 46، المحلّي 112:1.

السلام: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا)(1).

و قال مالك: يستحب الغسل(2). و عن أحمد رواية أنها ثمانية، و به قال الحسن البصري(3) ، لقوله عليه السّلام: (و الثامنة عفّروه بالتراب)(4).

و أصحاب الرأي لم يعتبروا عددا لتخييره عليه السلام، و لا ينافي ما قلناه.

و أما الخنزير، فقال الشيخ: إنّه كالكلب لأنه يسمي كلبا لغة(5) ، و هو ضعيف، و به قال الشافعي، و في القديم له: يغسل مرّة واحدة(6).

و الأجود أنّه يغسل سبع مرّات، لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل عن خنزير شرب من إناء، قال: «يغسله سبع مرات»(7).

و أما الخمر، فقال الشيخان: يغسل منه سبعا(8) ، لقول الصادق عليه السلام - في الإناء يشرب فيه النبيذ -: «يغسل سبع مرات»(9) ، و للشيخ قول: إنه ثلاث(10) ، لقول الصادق عليه السّلام: «و يغسله ثلاث مرّات»(11).1.

ص: 84


1- صحيح مسلم 234:1-91 و 92، سنن أبي داود 19:1-71، مسند أحمد 427:2.
2- فتح الباري 221:1، بلغة السالك 34:1، المجموع 580:2، المبسوط للسرخسي 1: 48، فتح العزيز 161:1، 261.
3- المغني 74:1، الشرح الكبير 319:1، سبل السلام 30:1، نيل الأوطار 46:1، فتح الباري 222:1.
4- نيل الأوطار 45:1، سنن الدارقطني 65:1-11، سنن النسائي 54:1، سنن الدارمي 188:1، سنن أبي داود 19:1-74، سنن ابن ماجة 130:1-365.
5- المبسوط للطوسي 15:1، و ورد في تاج العروس 459:1 (كلب): الكلب كل سبع عقور.
6- المجموع 586:2، السراج الوهاج: 23، فتح العزيز 261:1-262، مغني المحتاج 83:1.
7- التهذيب 261:1-760.
8- المقنعة: 10، المبسوط للطوسي 15:1، النهاية: 53.
9- التهذيب: 116:9-502.
10- الخلاف 182:1 مسألة 138.
11- التهذيب 115:9-501، الكافي 427:6-1.

و أما الفأرة فللشيخ قول بالغسل سبعا(1) ، لقول الصادق عليه السّلام:

«اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعا»(2) ، و قول: إنه ثلاث(3) لعدم زيادته علي الخنزير و الكلب.

و ما عدا هذه النجاسات، قال الشيخ: يجب الثلاث(4). و الوجه عندي المرة مع حصول الإنقاء مطلقا، فيما عدا الكلب و الخنزير، و التقديرات مستحبة، و به قال الشافعي(5).

و قال أحمد: يجب غسل سائر النجاسات سبعا، إلاّ الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يجب فيها العدد(6) ، و اختلف أصحابه في اعتبار التراب(7) لأنه عليه السّلام نبّه بالكلب علي سائر النجاسات، و هو قياس في التقديرات، مع معارضة النص، و هو قوله عليه السّلام: (و الغسل من البول مرّة)(8).

فروع:

الأول: الأقرب أنّ التراب لا يفتقر إلي الماء، خلافا لابن إدريس(9).

ص: 85


1- المبسوط للطوسي 15:1.
2- التهذيب 284:1-119.
3- الخلاف 182:1 مسألة 138.
4- الخلاف 182:1 مسألة 138.
5- الأم 6:1، المجموع 592:2، مختصر المزني: 8.
6- بداية المجتهد 86:1، المجموع 592:2، الإقناع 58:1، فتح العزيز 236:1، المغني 74:1، الشرح الكبير 321:1.
7- الشرح الكبير 321:1.
8- سنن أبي داود 64:1-247.
9- السرائر: 15.

الثاني: يكفي عدد الواحد للأكثر، خلافا لبعض الشافعية(1) ، و كذا يتداخل العدد لو اختلفت أنواع النجاسة.

الثالث: لو فقد التراب أجزأ الماء، و يجزي الأشنان و شبهه لو فقد التراب، و هل يجزي الماء و الأشنان و شبهه مع وجود التراب ؟ ظاهر كلام الشيخ المنع(2) ، لعدم الإتيان بالمأمور، و يحتمل الإجزاء، لأن الماء أبلغ، و كذا الأشنان أبلغ في الإنقاء، و للشافعي وجهان(3).

و لو خيف فساد المحل بالتراب فكالفاقد.

الرابع: قال الشيخ: لو وقع إناء الولوغ في الجاري أو كثير الواقف حصلت غسلة للإناء، فإذا أخرج وجب الإكمال(4) ، و ليس بجيّد.

و للشافعي وجهان(5).

و علي قوله، لو طرح كرّ في إناء الولوغ كان الماء طاهرا و الإناء نجسا.

الخامس: لو ولغ في إناء فيه طعام جامد، و لم يصب الإناء، ألقي ما أصابه فمه خاصة، و لا غسل.

السادس: لو ولغ في ماء قليل فأصاب ذلك الماء ثوبا، أو إناء غسل مرة، و قال الشافعي: يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب(6).

السابع: لو أدخل يده أو رجله وجب غسله مرة، كالنجاسات، و كذا2.

ص: 86


1- المجموع 584:2، مغني المحتاج 84:1.
2- انظر المبسوط للطوسي 14:1.
3- المجموع 583:2، فتح العزيز 263:1، السراج الوهاج: 23.
4- المبسوط للطوسي 14:1.
5- المجموع 587:2.
6- المجموع 587:2.

دمعه، و بوله، و دمه. و قال الشافعي: كالولوغ(1) ، و به قال الصدوق(2) ، و قال مالك، و داود: لا غسل، لأنه في الولوغ تعبد(3).

الثامن: أواني المشركين طاهرة، ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، لأنها كذلك في الأصل، فلا يخرج عنه إلاّ لموجب، فإن علمت المباشرة نجست - خلافا للشافعي، و أبي حنيفة(4) - لقول الباقر عليه السّلام: «لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون»(5).

التاسع: إن قلنا بمزج الماء و التراب، فهل يجزي لو صار مضافا؟ إشكال، و علي تقديره، هل يجوز عوض الماء ماء الورد و شبهه ؟ إشكال.

العاشر: يشترط في التراب الطهارة، فإنّ النجس لا يطهّر غيره.

و للشافعية وجهان: أحدهما: الإجزاء(6) ، لأن التراب تعبد، لا للتطهير كحصي الجمار لو كان نجسا.

الحادي عشر: أواني الخمر الصلبة كالصفر، و النحاس، و الحجر، و المغضور تطهر بالغسل إجماعا، و غيره كالقرع، و الخشب، و الخزف غير المغضور كذلك، خلافا لابن الجنيد(7).

الثالث: ما عدا هذين القسمين، و يجب غسله بالماء،

و إنّما يطهر

ص: 87


1- المجموع 586:2، الوجيز 9:1، السراج الوهاج: 23، مغني المحتاج 83:1، فتح العزيز 261:1.
2- المقنع: 12، الفقيه 8:1.
3- المحلي 109:1، الشرح الصغير 18:1 و 34، المبسوط للسرخسي 48:1.
4- شرح العناية 94:1، المجموع 264:1، المبسوط للسرخسي 47:1.
5- الكافي 264:6-5، المحاسن: 454-376.
6- المجموع 586:2، فتح العزيز 265:1، مغني المحتاج 84:1.
7- حكاه عنه في المعتبر: 129.

بالغسل إذا أمكن نزع الماء المغسول به عنه، دون ما لا يمكن، كالمائعات و الصابون، و الكاغذ و الطين، و إن أمكن إيصال الماء إلي أجزائها بالضرب، ما لم يطرح في كرّ فما زاد، أو في جار بحيث يسري الماء إلي جميع أجزائه قبل إخراجه منه، فلو طرح الدهن في ماء كثير، و حرّكه حتي تخلّل الماء أجزاء الدهن بأسرها طهر، و للشافعية قولان(1). و كذا العجين بالنجس، إذا مزج به حتي صار رقيقا، و تخلّل الماء جميع أجزائه. و يكفي في البدن الصب المزيل للعين، و يستحب الدلك، و كذا الجامدات.

و إنما يجب الغسل بملاقاة النجاسة مع رطوبة أحدهما، و لو كانا يابسين لم يجب، إلاّ الميتة فإنه يجب غسل الملاقي لها و إن كانا يابسين، علي إشكال، و هل ذلك تعبد أو للنجاسة ؟ ظاهر كلام علمائنا الثاني(2) ، و فيه نظر.

و يستحب رش الثوب بالماء إذا مسه الكلب، أو الخنزير، و لو كان برطوبة وجب الغسل، و في البدن يمسح بالتراب، و يغسل مع الرطوبة وجوبا.

مسألة 26: إذا علم موضع النجاسة من الثوب و البدن وجب غسله،
اشارة

و إن اشتبه وجب غسل كل ما يحصل فيه الاشتباه، و لا يجوز التحري، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و النخعي، و ابن المنذر(3) - لأن النجاسة متيقنة فلا تزول بدونه، و لقول الصادق عليه السّلام:

«فإن خفي مكانه فاغسله كلّه»(4).

ص: 88


1- المجموع 599:2، مغني المحتاج 86:1، السراج الوهاج: 24.
2- المبسوط للطوسي 37:1، النهاية: 53، شرائع الإسلام 52:1، الجامع للشرائع: 23، الوسيلة إلي نيل الفضيلة: 78.
3- الشرح الصغير 32:1، مغني المحتاج 189:1، المجموع 143:3، الام 55:1، المغني 766:1، فتح العزيز 15:4-16.
4- الكافي 53:3-1، التهذيب 251:1-725.

و قال ابن شبرمة: يتحري كالثوب(1) ، و الحكم في الأصل ممنوع.

و قال عطاء و حماد بنضح الثوب كلّه(2) ، لأن كل موضع يشك فيه فينضح، و النضح غير كاف لتيقن النجاسة.

و لو نجس أحد الكمّين غسلهما، و إن قطع أحدهما غسل الباقي، و عند الشافعية وجهان في التحري في أحد الكمّين(3) ، و لو قطع أحدهما جاز التحري عندهم قولا واحدا(4).

و لو نجس أحد الثوبين و اشتبه وجب غسلهما، و لم يجز التحري عندنا إجماعا، و به قال أحمد، و ابن الماجشون، و أبو ثور، و المزني، لأن أحدهما نجس بيقين، و بالتحري لا يحصل يقين البراءة(5) ، و قال أبو حنيفة و الشافعي: يتحري كالأواني(6) ، و الأصل ممنوع.

و لو نجس أحد الإناءين و اشتبه اجتنبا، و وجب غسلهما معا، و لو لم يجد غير مائهما تيمّم و صلّي، و لا إعادة عليه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان عدد الطاهر أكثر أو أقل أو تساويا، و سواء السفر و الحضر، و سواء اشتبه بالنجس أو بالنجاسة - و به قال المزني، و أبو ثور، و أحمد(7) - لأن استعمال النجس محرّم فيجب الاجتناب، كالمشتبه بالأجنبية.1.

ص: 89


1- المغني 766:1.
2- المغني 766:1.
3- المجموع 145:3، فتح العزيز 17:4-18، مغني المحتاج 189:1، المهذب للشيرازي 68:1.
4- المجموع 145:3، فتح العزيز 18:4، مغني المحتاج 189:1، المهذب للشيرازي 68:1.
5- المغني 82:1، الشرح الكبير 82:1.
6- المغني 82:1، الشرح الكبير 82:1، المجموع 144:3، فتح العزيز 274:1 و 21:4، مختصر المزني 18:1.
7- المجموع 181:1، المغني 79:1، الشرح الكبير 78:1.

و قال أبو حنيفة: إن كان عدد الطاهر أكثر جاز التحري، و إلاّ فلا(1) ، لأن الظاهر إصابة الطاهر، و هو ممنوع و منقوض بالثياب.

و قال الشافعي: إن كان [في] [1] أحدهما نجاسة لم يجز التحري، و إلاّ جاز مطلقا كالتحري في القبلة(2) ، و حكم الأصل ممنوع.

و قال ابن الماجشون، و محمد بن مسلمة [2]: يتوضأ بكل واحد منهما(3) ، و هو خطأ.

فروع:

الأول: ظن النجاسة، قال بعض علمائنا(4): إنه كاليقين. و هو جيّد إن استند إلي سبب، كقول العدل.

أما ثياب مدمني الخمر، و القصابين، و الصبيان، و طين الشوارع، و المقابر المنبوشة، فالأقرب الطهارة. و للشافعي وجهان(5).

الثاني: شرط الشافعية للاجتهاد أن يكون للعلامة مجال للمجتهد فيه، فيجوز في الثياب و الأواني عندهم، دون الميتة و المذكّي، و المحرم و الأجنبية(6). و يؤيّده الاستصحاب، فلا يجوز عند الاشتباه بالبول و العجز عن اليقين، فلو وجد طاهرا بيقين لم يسغ الاجتهاد في أحد الوجهين، لتمكنه من أداء الصلاة بيقين دون الآخر، كالقليل يجوز استعماله مع وجود الكثير،

ص: 90


1- المجموع 181:1.
2- المجموع 180:1-181.
3- المجموع 181:1، المغني 79:1، حلية العلماء 87:1.
4- الشيخ الطوسي في النهاية: 96، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 140.
5- فتح العزيز 276:1-277، الوجيز 10:1.
6- فتح العزيز 279:1-280، الوجيز 10:1، مغني المحتاج 27:1.

و ظهور علامة النجاسة، كنقصان الماء في إمارة الولوغ.

الثالث: لو أدّاه اجتهاده إلي إناء، و صلّي فيه صبحا، ثم اجتهد فأدّاه إلي غيره وقت الظهر، تيمّم عند الشافعي، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، و عنه قول: أنه يتوضأ به بعد أن يغسل ما علي بدنه من الماء الذي غلب علي ظنه أنه نجس(1) ، و ليس ذلك ينقض الاجتهاد الأول، لأنا لا نبطل طهارته الأولي و لا صلاته، بل معناه يغسل ما غلب علي ظنه أنه نجس.

الرابع: قال الشيخ: يجب إراقة الإناءين عند التيمم(2) - و به قال أحمد في إحدي الروايتين(3) - لئلاّ يتيمم و معه ماء طاهر.

و الأجود عدمه، إذ الشرط فقدان ماء يتمكن من استعماله، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(4).

و قال الشافعي: إن أراقهما أو صبّ أحدهما في الآخر لم يجب القضاء، و إلاّ وجب في أحد القولين(5) ، و علي تعليل الشيخ ينبغي الجواز لو أراق أحدهما.

الخامس: لو كان أحد الإناءين بولا لم يجز التحري، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(6).

و لو كان الثالث بولا، لم يجز عند الشافعي، و جاز عند أبي حنيفة(7).1.

ص: 91


1- فتح العزيز 285:1 و 286، الوجيز 10:1، مغني المحتاج 28:1.
2- النهاية: 6، الخلاف 201:1 مسألة 163.
3- المغني 80:1، المجموع 181:1.
4- المغني 80:1.
5- المجموع 185:1، فتح العزيز 284:1.
6- المجموع 195:1، فتح العزيز 281:1، مغني المحتاج 27:1.
7- المجموع 181:1، حلية العلماء 89:1.

و لو كان أحدهما مستعملا، استعمل أيهما شاء عندنا، لأن المستعمل في الطهارة طاهر مطهّر، أما عند الشيخ في الكبري فاللائق استعمال كل منهما منفردا(1) ، و للشافعي في التحري وجهان(2).

و لو كان أحدهما ماء ورد استعمل كل منهما إجماعا، أما عندنا فلعدم جواز التحري مطلقا، و أما عند الشافعي فلأن المضاف ليس له أصل في الطهارة(3).

و لو صبّ المشتبه بالنجس في الآخر، فإن بلغ كرّا لم يطهر عندنا، خلافا لبعض علمائنا [1]، و يجيء علي قولهم الوجوب لو علمه.

و لو أراق أحدهما لم يجز التحري في الباقي علي أصلنا، و هو أحد وجهي الشافعية(4). و فيما يصنع حينئذ قولان:

الطهارة به، لأن الأصل الطهارة، و قد زال يقين النجاسة، و التيمم لأنه ممنوع من استعماله إلاّ مع التحري، و قد منع منه.

و الآخر: التحري كما لو كان الآخر باقيا(5).

السادس: الأعمي لا يجتهد عندنا في الإناءين.

و للشافعي قولان، فإنّ إدراك النجاسة قد يحصل بالمس، كاضطراب الماء، و اعوجاج الإناء، و لو عجز و معه بصير اجتهد، ففي جواز تقليده عنده1.

ص: 92


1- المبسوط للطوسي 8:1.
2- المجموع 194:1 و 195، المهذب للشيرازي 16:1.
3- المجموع 195:1، حلية العلماء 89:1.
4- المجموع 185:1، المهذب للشيرازي 16:1، حلية العلماء 88:1.
5- المجموع 185:1، المهذب للشيرازي 16:1، حلية العلماء 88:1.

وجهان، و لو فقد البصير ففي أحد القولين له: أنه يخمّن و يتوضأ، و في الإعادة وجهان، و في الآخر: يتيمّم(1).

السابع: لو أخبر أعمي بوقوع بول في الإناء، فإن قلنا: الظنّ كالعلم، و حصل، وجب القبول، أما لو شهد عدلان أعميان قبل علي ما اخترناه.

و لو شهدا بنجاسته لن يقبل إلاّ بالسبب، لجواز أن يعتقدا أنّ سؤر المسوخ نجس، و كذا البصراء.

الثامن: الاشتباه مانع مع التعدد، أمّا مع الاتحاد فلا.

فلو كان معه إناء من الماء الطاهر و شكّ في نجاسته عمل علي أصل الطهارة، إذ لا يرفع يقينها شك النجاسة، لقول الصادق عليه السّلام: «و لا يرفع اليقين أبدا بالشك»(2).

و كذا لو شك في نجاسة إناء اللبن، أو الدهن، أو في تخمير العصير، أو في طلاق زوجته، أو في حيضها.

أمّا لو شك في اللبن هل هو لبن حيوان مأكول أو لا، أو في اللحم هل هو مذكي أو لا، أو هل النبات سمّ قاتل أو لا، بني علي التحريم، للتغليب، و عدم أصالة الإباحة هنا.

و لو وجد مع كافر إناء فيه ماء و لم يعلم مباشرته، ففي جواز الاستعمال نظر.

التاسع: قال الشافعي: لو اختلف اجتهاد الاثنين، عمل كلّ باجتهاده1.

ص: 93


1- المجموع 196:1، فتح العزيز 284:1، المهذب للشيرازي 16:1.
2- التهذيب 8:1-11.

و لا يأتمّ بصاحبه، لاعتقاده وضوءه بالنجس(1).

و قال أبو ثور: يجوز، لأن كلّ واحد تصح صلاته وحده(2) ، و هذا لا يتأتي عندنا، إلاّ فيما لو عمل أحد المجتهدين بقول ابن البراج، و الآخر بما اخترناه.

فان كان الطاهر واحدا من ثلاثة، فذهب كل واحد من الثلاثة إلي طهارة واحد، و توضأ به، لم يجز أن يأتمّ واحد منهم بالآخر.

و إن كان الطاهر اثنين جاز أن يؤمّ بهما أحدهم، فإذا صلّي بهما الصبح صحّت صلاته و صلاتهما، لاعتقاد كلّ منهما أنه توضأ بالطاهر، و لا يخطئ إمامه في اجتهاده، و لا يقول: إنه توضأ بالنجس، فصحّت صلاته خلفه.

فإن صلّي بهم آخر الظهر، صحّت صلاة الإمام، إذ لا يتعلق بغيره، و صلاة إمام الصبح، لأنه لا يخطئ إمامه، و أما الآخر فلا تصح صلاته للظهر لأنه إذا لم يخطئ إمام الصبح خطّأ إمام الظهر، لأنه لا يجوز أن يكونا جميعا توضّئا بالطاهر عنده، و قد حكمنا بصحة صلاة الصبح، فلا تصح الظهر.

فان صلّي بهم الثالث العصر، صحّت صلاته خاصة، لأن كل واحد منهما قد صلّي خلف الآخر فتعين النجس في حق الثالث في حقهما.

و لو كان كلّ من الأواني، و المجتهدين أربعة فصلاة الصبح و الظهر صحيحتان للجميع، و صلاة العصر صحيحة لإمام الصبح و الظهر و لإمامهما، و لا تصح للآخر.

العاشر: يستحب إزالة طين الطريق بعد ثلاثة أيام، و ليس واجبا ما لم يعلم نجاسته.1.

ص: 94


1- المجموع 197:1، المهذب للشيرازي 17:1.
2- المجموع 197:1.

الحادي عشر: تجب إزالة النجاسة عن البدن للصلاة الواجبة، و الطواف، و دخول المساجد، و عن الثوب كذلك، لا وجوبا مستقرا إلاّ مع اتحاده، و عن الأواني للاستعمال، لا مستقرا.

ص: 95

ص: 96

الباب الثالث: في الوضوء
مقدمة:

قال الكاظم عليه السّلام: «من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضي من ذنوبه في نهاره، ما خلا الكبائر، و من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضي من ذنوبه في ليله إلاّ الكبائر»(1).

و يستحب للصلاة، و الطواف المندوبين، و لدخول المساجد، و قراءة القرآن، و حمل المصحف، و النوم، و صلاة الجنائز، و السعي في حاجة، و زيارة المقابر، و نوم الجنب، و جماع المحتلم، و ذكر الحائض، و الكون علي طهارة، و التجديد.

و في هذا الباب فصول:

ص: 97


1- الكافي 70:3-5، الفقيه 31:1-103.

ص: 98

الأول: في موجباته.
مسألة 27: يجب الوضوء عندنا بأمور خمسة:
اشارة

خروج البول و الغائط و الريح من المعتاد، و النوم الغالب علي الحاسّتين، و ما شابهه من كل مزيل للعقل، و الاستحاضة القليلة.

و قد أجمع المسلمون كافة علي النقض بالثلاثة الأول لقوله تعالي أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (1) و قول النبيّ صلي اللّه عليه و آله: (لكن من بول أو غائط)(2) و قوله عليه السّلام: (فلا تنصرفنّ حتي تسمع صوتا، أو تجد ريحا)(3) و قال الصادق عليه السّلام: «لا يجب الوضوء إلاّ من غائط، أو بول، أو ضرطة، أو فسوة تجد ريحها»(4).

فروع:

الأول: لو خرج البول و الغائط من غير المعتاد فالأقوي عندي النقض،

ص: 99


1- النساء: 43.
2- سنن النسائي 98:1، سنن ابن ماجة 161:1-478، سنن الترمذي 159:1-96، مسند أحمد 239:4، 240، نيل الأوطار 239:1.
3- سنن النسائي 98:1، سنن الترمذي 109:1-75، سنن ابن ماجة 171:1-514، سنن أبي داود 45:1-177، صحيح مسلم 276:1-361.
4- التهذيب 10:1-16.

سواء قلاّ أو كثرا، و سواء انسد المخرج أو لا، و سواء كانا من فوق المعدة أو تحتها - و به قال أحمد بن حنبل(1) - لقوله تعالي أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (2) و الأحاديث(3).

و قال الشيخ: إن خرجا من فوق المعدة لم ينقضا، لأنه لا يسمي غائطا(4) ، و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام و قد سئلا ما ينقض الوضوء؟ فقالا: «ما يخرج من طرفيك»(5) الحديث، و ما مستوعبة، و لقول الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين»(6) الحديث.

و يمنع عدم التسمية، و الأحاديث محمولة علي الأغلب.

و قال الشافعي: إن انسد المعتاد و انفتح من أسفل المعدة نقض، إلاّ في قول شاذ، و إن انفتح فوقها أو عليها فقولان، أصحهما عنده: عدم النقض، لأن ما تحيله الطبيعة تلقيه إلي الأسفل، فالخارج فوقها أو محاذيها بالقيء أشبه.

و إن كان السبيل بحاله، فإن انفتح تحت المعدة فقولان:

أحدهما: النقض، لأنه معتاد، و هو بحيث يمكن انصباب الفضلات اليه.

و الثاني و هو الأصح عندهم: المنع، لأن غير الفرج إنّما يعطي حكمه للضرورة، و إنّما تحصل مع الانسداد لا مع عدمه.6.

ص: 100


1- بداية المجتهد 34:1، المغني 195:1، الشرح الكبير 209:1.
2- النساء: 43.
3- انظر علي سبيل المثال، الكافي 36:3-2، التهذيب 10:1-16 و 18.
4- المبسوط للطوسي 27:1.
5- التهذيب 8:1-12، الكافي 36:3-6، الفقيه 37:1-137.
6- الكافي 35:3-1، التهذيب 16:1-36.

و إن انفتح فوقها، أو عليها، لم ينقض إن كان الخارج نادرا كالحصي و إن كان نجاسة كالعذرة فقولان: أقواهما: العدم(1).

الثاني: لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصي أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطرة في إحليله، لم ينقض، إلاّ أن يستصحب شيئا من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال مالك و داود(2) لأنه نادر فأشبه الخارج من غير السبيلين، و للأصل، و لما تقدم من الأحاديث.

و قال أبو حنيفة، و أصحابه، و الشافعي، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق و أبو ثور: إنّه ناقض، لعدم انفكاكه من البلّة(3). و هو ممنوع.

الثالث: الريح. إن خرج من قبل المرأة نقض، لأن له منفذا إلي الجوف، و كذا الأدر [1]، أما غيرهما فإشكال - و به قال الشافعي(4) - لعموم النقض(5) بخروج الريح.

و قال أبو حنيفة: لا ينقض خروج الريح من القبل(6).1.

ص: 101


1- المجموع 8:2، الوجيز 15:1، مغني المحتاج 33:1، فتح العزيز 13:2، 14.
2- بداية المجتهد 34:1، شرح فتح القدير 33:1، المدونة الكبري 10:1، عمدة القارئ 47:3، الشرح الصغير 52:1، 53، المجموع 7:2، فتح العزيز 10:2.
3- اللباب 11:1، بدائع الصنائع 25:1، الهداية للمرغيناني 14:1، شرح فتح القدير 48:1، الام 17:1، المجموع 4:2 و 6، مغني المحتاج 32:1، عمدة القارئ 47:3، فتح العزيز 2: 10، المبسوط للسرخسي 83:1، المغني 192:1.
4- الام 17:1، المجموع 4:2، الوجيز 15:1، فتح العزيز 9:2.
5- انظر علي سبيل المثال: الكافي 36:3-6.
6- اللباب 11:1، فتح العزيز 9:2، المجموع 8:2، المبسوط للسرخسي 83:1.

الرابع: لو ظهرت مقعدته و عليها شيء من العذرة ثم خفيت، و لم ينفصل شيء، ففي النقض إشكال، ينشأ من صدق الخروج، و من عدم الانفصال.

الخامس: الخنثي المشكل إذا بال فحكمه حكم ما لو كانت الثقبة دون المعدة، و لم ينسد المخرج فعندنا ينقض، و للشافعي قولان(1) لجواز أن يكون ذلك المخرج ثقبة زائدة.

مسألة 28: النوم الغالب علي السمع و البصر ناقض
اشارة

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر أهل العلم، لقوله عليه السلام: (العين وكاء السّه، من نام فليتوضأ)(2) و قال الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ حدث، و النوم حدث»(3).

و حكي عن أبي موسي الأشعري، و أبي مجلز، و حميد الأعرج، أنه لا ينقض(4) ، و عن سعيد بن المسيب، أنّه كان ينام مضطجعا مرارا ينتظر الصلاة، ثم يصلّي و لا يعيد الوضوء(5) لأنه ليس بحدث في نفسه، و الحدث مشكوك فيه.

و نمنع الأولي لما تقدم.

ص: 102


1- المجموع 8:2 و 10، مغني المحتاج 32:1.
2- سنن ابن ماجة 161:1-477، سنن أبي داود 52:1-203، مسند أحمد 111:1.
3- التهذيب 6:1-5، الاستبصار 79:1-246.
4- نيل الأوطار 239:1، المبسوط للسرخسي 78:1، أحكام القرآن لابن العربي 559:2، فتح الباري 251:1، تفسير القرطبي 221:5، المجموع 17:2، المغني 196:1.
5- المغني 196:1.
فروع:

الأول: نوم المضطجع ناقض، قلّ أو كثر عند كلّ من حكم بالنقض.

و نوم القاعد ناقض عندنا و إن قلّ، للعموم، و هو قول المزني، و الشافعي في أحد القولين، و إسحاق، و أبو عبيد(1) ، إلاّ ابن بابويه منّا، فإنه قال: الرجل يرقد قاعدا لا وضوء عليه ما لم ينفرج(2) ، و هو قول الشافعي و إن كثر إذا كان ممكّنا لمقعدته من الأرض، لأن الصحابة كانوا ينامون ثم يقومون فيصلّون من غير وضوء(3) ، و ليس بحجة لإمكان السّنة.

و قال مالك، و أحمد، و الثوري، و أصحاب الرأي: إن كان كثيرا نقض و إلاّ فلا(4).

و أما نوم القائم، و الراكع، و الساجد فعندنا أنه ناقض، و به قال الشافعي في الجديد، و أحمد في إحدي الروايتين(5) للعموم، و الثانية: أنه لا ينقض، و به قال الشافعي في القديم(6).

و قال أبو حنيفة: النوم في كل حال من أحوال الصلاة غير ناقض، و إن

ص: 103


1- مختصر المزني: 4، نيل الأوطار 239:1، المحلّي: 223، عمدة القارئ 109:3، المهذب للشيرازي 30:1، فتح البارئ 251:1.
2- الفقيه 38:1-144.
3- المجموع 14:2، الوجيز 16:1، الأم 12:1، سبل السلام 96:1، مغني المحتاج 34:1، فتح العزيز 21:1، المحلّي 225:1.
4- نيل الأوطار 239:1، المبسوط للسرخسي 78:1، المحلّي 225:1، المجموع 17:2، المدونة الكبري 9:1، مسائل الإمام أحمد: 13، مقدمات ابن رشد 44:1، فتح العزيز 25:2، فتح الباري 251:1، بداية المجتهد 37:1، القواعد في الفقه الإسلامي: 342.
5- نيل الأوطار 240:1، المبسوط للسرخسي 78:1، الام 13:1، بداية المجتهد 36:1، بدائع الصنائع 31:1، عمدة القارئ 110:3، فتح العزيز 24:2، المغني 197:1.
6- المجموع 18:2، فتح العزيز 24:2، المغني 198:1.

كثر، و هو أضعف أقوال الشافعي(1) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا نام العبد في سجوده باهي اللّه تعالي به ملائكته، يقول: عبدي روحه عندي و جسده ساجد بين يدي)(2) ، و لا حجة فيه.

الثاني: السّنة - و هي ابتداء النعاس - غير ناقضة، لأنها لا تسمي نوما، و لأن نقضه مشروط بزوال العقل.

الثالث: كل ما أزال العقل من إغماء، أو جنون، أو سكر، أو شرب مرقد، ناقض لمشاركته للنوم في المقتضي، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا خفي الصوت فقد وجب الوضوء»(3).

و للشافعية في السكر قولان، أضعفهما: عدم النقض، لأنه كالصاحي في الحكم فينفذ طلاقه و عتقه، و إقراره و تصرفاته(4) ، و هو ممنوع.

الرابع: لو شك في النوم لم تنتقض طهارته، و كذا لو تخايل له شيء و لم يعلم أنه منام أو حديث النفس، و لو تحقق أنّه رؤيا نقض.

مسألة 29: دم الاستحاضة إن كان قليلا يجب به الوضوء خاصة،

ذهب إليه علماؤنا، إلاّ ابن أبي عقيل(5) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(المستحاضة تتوضأ لكل صلاة)(6).

و قول الصادق عليه السلام: «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت

ص: 104


1- المبسوط للسرخسي 78:1، فتح العزيز 24:2 و 28، نيل الأوطار 240:1، المجموع 14:2 و 18، المحلّي 224:1، اللباب 13:1، شرح فتح القدير 43:1.
2- تلخيص الحبير 26:2.
3- الكافي 37:3-14، التهذيب 9:1-14، و فيهما عن أبي الحسن (ع).
4- المجموع 21:2، فتح العزيز 19:2.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 28.
6- سنن أبي داود 81:1-300، سنن البيهقي 348:1.

و صلّت كلّ صلاة بوضوء»(1).

و قال ابن أبي عقيل: ما لم يظهر علي القطنة فلا غسل و لا وضوء(2) و قال مالك: ليس علي المستحاضة وضوء(3).

مسألة 30: لا يجب الوضوء بشيء سوي ما ذكرناه،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و قد خالف الجمهور في أشياء نحن نذكرها.

الأول: المذي و الوذي

- و هو ما يخرج بعد البول ثخين كدر - لا ينقضان الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع، للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «إن عليا عليه السلام كان مذاء، فاستحي أن يسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله، فقال: ليس بشيء»(4).

و قال الجمهور: إنهما ناقضان(5) إلاّ مالكا فإنه قال: المذي إذا استدام به لا يوجب الوضوء(6) ، لأن عليا عليه السلام قال: «كنت أكثر الغسل من المذي حتي تشقق ظهري، فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: إنّما يكفيك أن تنضح علي فرجك، و تتوضأ للصلاة»(7) و هو بعد

ص: 105


1- الكافي 89:3-2، التهذيب 107:1-277.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 28.
3- بداية المجتهد 60:1، المغني 389:1، المحلي 253:1، المنتقي للباجي 127:1.
4- التهذيب 17:1-39، الاستبصار 91:1-292.
5- المبسوط للسرخسي 67:1، الام 39:1، الشرح الصغير 52:1، المحلّي 232:1، المجموع 6:2، سبل الإسلام 101:1، المدونة الكبري 10:1-12، بداية المجتهد 34:1، المغني 194:1-195، نيل الأوطار 237:1، عمدة القارئ 217:3، فتح الباري 302:1.
6- بداية المجتهد 34:1، المجموع 7:2، المنتقي للباجي 89:1.
7- سنن أبي داود 53:1-206، 207، سنن النسائي 111:1، صحيح مسلم 247:1-303، الموطأ 40:1-53.

التسليم محمول علي الاستحباب.

الثاني: القيء لا ينقض الوضوء،

سواء قلّ أو كثر، و كذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم و البصاق و الرعاف و غير ذلك، ذهب إليه علماؤنا، و به قال في الصحابة علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن أبي أوفي، و من التابعين سعيد بن المسيب، و القاسم بن محمد، و عطاء، و طاوس، و سالم بن عبد اللّه بن عمر، و مكحول، و هو مذهب ربيعة، و مالك، و الشافعي، و أبو ثور، و داود،(1) للأصل، و لقولهم عليهم السلام: «لا ينقض إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين، أو النوم»(2).

و قال أبو حنيفة: القيء إن كان ملء الفم أوجب الوضوء و إلاّ فلا، و غيره إن كان نجسا خرج من البدن و سال أوجب الوضوء، و إن وقف علي رأس المخرج لم يوجب الوضوء، و به قال الأوزاعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، إلاّ أن أحمد يقول: إن كان الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء(3).

و عنه رواية اخري: أنه إن خرج قدر ما يعفي عن غسله - و هو قدر الشبر - لم يجب الوضوء(4) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (من قاء أو قلس فلينصرف و ليتوضأ، و ليبن علي صلاته ما لم يتكلم)(5).

ص: 106


1- الام 18:1، المبسوط للسرخسي 75:1، سنن الترمذي 145:1، ذيل الحديث 87، المغني 208:1، المجموع 54:2، فتح العزيز 2:2، سبل السلام 106:1، نيل الأوطار 1: 237، الهداية للمرغيناني 14:1، مقدمات ابن رشد 70:1، المدونة الكبري 18:1.
2- الكافي 36:3-6، الفقيه 37:1-137، التهذيب 8:1-12، الاستبصار 79:1-244.
3- المبسوط للسرخسي 75:1، شرح فتح القدير 34:1، اللباب 11:1-12، المغني 209:1، المجموع 54:2، فتح العزيز 2:2، نيل الأوطار 235:1 و 237، رحمة الأمة 15:1، المحلّي 257:1.
4- المغني 209:1، الشرح الكبير 211:1.
5- سنن الدار قطني 153:1-11 و 154-12.

و هو محمول علي غسل الفم، و الاستحباب، و لأنه متروك [1]، لأنه فعل كثير.

الثالث: مس الذكر و الدبر لا يوجب الوضوء،

سواء مس الباطنين أو الظاهرين، و كذا لو مست المرأة قبلها أو دبرها سواء كان بباطن الكف أو ظاهره، و سواء مس بشهوة أو غيرها، و سواء كان الفرجان منه أو من غيره، ذهب إليه أكثر علمائنا [2]، و به قال علي عليه السلام، و عمار بن ياسر، و عبد اللّه بن مسعود، و ابن عباس في إحدي الروايتين، و حذيفة، و عمران بن الحصين، و أبو الدرداء، و سعد بن أبي وقاص في إحدي الروايتين، و الحسن البصري، و قتادة، و الثوري، و أبو حنيفة و أصحابه(1) ، للأصل، و لقوله عليه السلام و قد سئل عن مسّ الرجل ذكره بعد الوضوء: (هل هو إلاّ بضعة منه ؟)(2) ، و لقول الصادق عليه السلام - و قد سئل عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة -: «لا بأس»(3) ، و ما تقدم.

و قال الصدوق: من مسّ باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوؤه(4).

و قال ابن الجنيد: من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوؤه، و من

ص: 107


1- المجموع 42:2، بداية المجتهد 39:1، نيل الأوطار 249:1، المبسوط للسرخسي 66:1، شرح فتح القدير 48:1 و 49، بدائع الصنائع 30:1، المحلي 237:1.
2- سنن أبي داود 46:1-182، سنن النسائي 101:1، سنن الدار قطني 149:1-17.
3- التهذيب 346:1-1014، الاستبصار 88:1-282.
4- الفقيه 39:1 ذيل الحديث 148.

مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إن كان محرّما، و من مس باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم و المحلّل(1) ، لأن عمارا سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره، قال: «نقض وضوءه»(2) ، و الطريق ضعيف، و محمول علي استصحاب نجاسته.

و قال الشافعي: من مس ذكرا ببطن كفه وجب عليه الوضوء.

و حكاه ابن المنذر، عن عمر، و ابن عمر، و سعد بن أبي وقاص، و عائشة، و أبي هريرة، و ابن عباس.

و من التابعين عطاء بن أبي رباح، و سعيد بن المسيب، و أبان بن عثمان، و عروة بن الزبير، و سليمان بن يسار، و الزهري، و أبو العالية، و مجاهد.

و به قال مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و المزني(3) ، لأن بسرة بنت صفوان روت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)(4) ، و مع التسليم يحمل علي المسّ للغسل من البول لأنه الغالب.

و قال داود: إن مسّ ذكر نفسه انتقض، و ان مس ذكر غيره لم ينتقض(5) ، لأن الخبر ورد فيمن مس ذكره.1.

ص: 108


1- حكاه المحقق في المعتبر: 29.
2- التهذيب 348:1-1023، الإستبصار 88:1-284.
3- الام 19:1، المجموع 41:2، مقدمات ابن رشد 69:1، المبسوط للسرخسي 66:1، المحلّي 237:1، بداية المجتهد 39:1، المدونة الكبري 8:1، الوجيز 16:1، كفاية الأخيار 22:1، فتح العزيز 37:2-38، مختصر المزني: 3-4، بدائع الصنائع 30:1.
4- الموطأ 42:1-58، سنن ابن ماجة 161:1-479، سنن الدار قطني 147:1-3، سنن البيهقي 128:1.
5- المحلّي 235:1، المغني 204:1، الشرح الكبير 217:1.

قال الشافعي: و لو مس بغير بطن كفه من ظهر كفه، أو ساعده، أو غير ذلك من أعضائه لم ينتقض الوضوء(1) ، للأصل.

و حكي عن عطاء، و الأوزاعي، و أحمد في إحدي الروايتين: النقض بظهر الكف و الساعد، لأنه من جملة يده(2).

قال الشافعي: و لو مسه بحرف يده، أو بما بين الأصابع لم ينتقض(3).

و لو مس الذكر بعد قطعه فوجهان عنده(4) ، و لو مسه من ميت انتقضت(5) ، و قال إسحاق: لا ينتقض(6) و لا فرق بين ذكر الصغير و الكبير(7).

و قال الزهري، و الأوزاعي، و مالك: لا يجب بمس الصغير(8) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسّ زبيبة الحسن عليه السلام و لم يتوضأ(9).

قال الشافعي: و لو مسّ الأنثيين أو الألية أو العانة لم ينتقض(10). و عن عروة بن الزبير النقض(11).1.

ص: 109


1- المجموع 37:2 و 40، الام 20:1، المحلّي 237:1.
2- المجموع 41:2، فتح العزيز 38:2، المحلّي 237:1، المغني 203:1-204.
3- المجموع 37:2، الوجيز 16:1، فتح العزيز 67:1-68.
4- المجموع 38:2، الوجيز 16:1، فتح العزيز 63:2.
5- المجموع 37:2، الوجيز 16:1، الام 19:1، مختصر المزني: 4، فتح العزيز 59:2، المغني 205:1 الشرح الكبير 218:1.
6- المغني 205:1، الشرح الكبير 218:1.
7- المجموع 37:2، مختصر المزني: 4، الام 19:1، فتح العزيز 60:2، الوجيز 16:1.
8- المغني 204:1، الشرح الكبير 217:1، الشرح الصغير 55:1.
9- فتح العزيز 60:2، سنن البيهقي 137:1.
10- المجموع 40:2، مغني المحتاج 35:1، الام 19:1.
11- المجموع 40:2، و انظر سنن البيهقي 137:1.

و لو مس حلقة دبره أو دبر غيره، قال الشافعي: انتقض(1) ، و في القديم: لا ينتقض، كما ذهبنا اليه، و به قال مالك، و داود، لأنه لا يقصد مسه(2).

و لو مست المرأة فرجها انتقض وضوؤها عند الشافعي(3) ، خلافا لمالك(4).

و الخنثي المشكل إذا مس فرج نفسه، أو مسه غيره انتقض وضوؤه، إذا تيقّنا أن الذي مسّه فرج، أو لمس من رجل و امرأة، و متي جوّزنا غير ذلك فلا نقض، و إن مسّ نفسه، فان مسّ ذكره أو فرجه فلا نقض، و إن جمع نقض.

و إن مسّه رجل، فإن مسّ ذكره انتقض، لأنه أن كان رجلا فقد مسّ فرجه، و إن كان امرأة فقد مسّ موضعا من بدنها، فإن الزيادة لا تخرجه عن كونه من بدنها، و إن مسّ الفرج فلا نقض، لجواز أن يكون رجلا فقد مسّ خلقة زائدة من بدنه.

و إن مسّه امرأة، فإن مسّت ذكره فلا نقض، لجواز أن تكون امرأة فتكون قد مسّت خلقة زائدة من بدنها، و إن مسّت فرجه انتقض، لأنها إن كانت امرأة فقد مسّت فرجها، و إن كان رجلا فقد مسّت بدنه.

و إن مسّه خنثي، فإن مس ذكره فلا نقض، لجواز أن يكونا امرأتين، فتكون إحداهما مسّت بدن الأخري، و إن مسّ فرجه لم ينتقض، لجواز أن2.

ص: 110


1- المجموع 38:2، الوجيز 16:1، فتح العزيز 58:2، مغني المحتاج 36:1.
2- فتح العزيز 56:2-57، المدونة الكبري 8:1، مقدمات ابن رشد 70:1، الشرح الصغير 55:1، المجموع 43:2، المحلي 237:1.
3- المجموع 43:2، الام 20:1، الوجيز 16:1، المهذب للشيرازي 31:1، فتح العزيز 74:2.
4- المدونة الكبري 9:1، المجموع 43:2.

يكونا رجلين، فيكون أحدهما مس بدن الآخر، و إن مس فرجه و ذكره انتقض، لأنه لا بد و أن يكون أحدهما فرجا.

و هذا كلّه ساقط عنّا.

و لو مسّ فرج البهيمة فللشافعي قولان، أحدهما: النقض، و به قال الليث ابن سعد(1).

الرابع: مس المرأة لا يوجب الوضوء،

بشهوة كان أو بغيرها، أيّ موضع كان من بدنها، بأيّ موضع كان من بدنه، سوي الفرجين، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و عطاء، و طاوس، و أبو حنيفة، و أصحابه(2) للأصل، و للأحاديث السابقة، و لما روت عائشة أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قبّل امرأة من نسائه و خرج إلي الصلاة و لم يتوضأ(3).

و قال الشافعي: لمس النساء يوجب الوضوء، بشهوة كان أو بغير شهوة، أيّ موضع كان من بدنه بأيّ موضع كان من بدنها، سوي الشعر، و به قال ابن مسعود، و ابن عمر، و الزهري، و ربيعة، و مكحول، و الأوزاعي(4) لقوله تعالي أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (5) و حقيقة اللمس باليد،

ص: 111


1- الام 19:1، المجموع 38:2 و 43، مغني المحتاج 36:1، الوجيز 16:1، فتح العزيز 58:2-59.
2- المبسوط للسرخسي 67:1، نيل الأوطار 244:1، بداية المجتهد 38:1، المجموع 30:2، أحكام القرآن للجصاص 369:2، بدائع الصنائع 30:1، التفسير الكبير 168:11، تفسير القرطبي 223:5-224.
3- سنن ابن ماجة 168:1-502، سنن أبي داود 46:1-179، سنن النسائي 104:1، سنن الدار قطني 135:1-5.
4- المجموع 26:2 و 30، الام 15:1، بداية المجتهد 37:1، المبسوط للسرخسي 67:1، أحكام القرآن للجصاص 369:2، تفسير القرطبي 224:5، التفسير الكبير 168:11، الوجيز 16:1، فتح العزيز 29:2، المغني 220:1، الشرح الكبير 219:1.
5- النساء: 43، المائدة: 6.

و هو ممنوع عرفا.

و قال مالك، و أحمد، و إسحاق: إن لمسها بشهوة انتقض وضوؤه و إلاّ فلا، و حكاه ابن المنذر عن النخعي، و الشعبي، و الحكم، و حماد، لأن اللمس بغير شهوة لا يحرم في الإحرام، و الصوم، فكان كالشعر(1) ، و قال داود: إن قصد لمسها انتقض، و إلاّ فلا(2).

و لمس الشعر، أو من وراء حائل لا ينقض عند الشافعي(3) ، و قال مالك: ينقضان إن كان بشهوة و إلاّ فلا(4).

و في لمس ذات المحارم كالأم و الأخت عند الشافعي قولان(5) ، و في الكبار و الصغار وجهان(6).

و تنتقض طهارة اللامس في صور النقض كلّها، و في الملموس قولان(7).

و لو لمس يدا مقطوعة أو عضوا فلا نقض(8) ، و لو مسّ ميتة فلأصحابه قولان(9).2.

ص: 112


1- المبسوط للسرخسي 67:1، مقدمات ابن رشد 66:1، المجموع 30:2، المحلّي 248:1، تفسير القرطبي 224:5، بدائع الصنائع 30:1، أحكام القرآن للجصاص 369:2، المغني 219:1.
2- المحلّي 244:1، المجموع 30:2.
3- المجموع 27:2، الام 16:1، تفسير القرطبي 225:5.
4- الشرح الصغير 54:1، المجموع 30:2-31، تفسير القرطبي 226:5،: مقدمات ابن رشد 66:1-67.
5- المجموع 27:2، فتح العزيز 32:2، بداية المجتهد 37:1، تفسير القرطبي 226:5.
6- تفسير القرطبي 226:5، الوجيز 16:1، فتح العزيز 32:2.
7- المجموع 26:2، الوجيز 16:1، بداية المجتهد 37:1، فتح العزيز 33:2.
8- المجموع 29:2، فتح العزيز 31:2.
9- الوجيز 16:1، فتح العزيز 32:2.
الخامس: القهقهة لا تنقض الوضوء،

و إن وقعت في الصلاة لكن تبطلها، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) - و به قال جابر، و أبو موسي الأشعري، و من التابعين القاسم بن محمد، و عروة، و عطاء، و الزهري، و مكحول، و مالك، و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (الضحك ينقض الصلاة، و لا ينقض الوضوء)(3) ، و قول الصادق عليه السلام: «ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك»(4) الحديث.

و قال ابن الجنيد منّا: من قهقه في صلاته متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته، و أعاد وضوءه(5) ، لرواية سماعة، قال: سألته عمّا ينقض الوضوء، إلي أن قال: «و الضحك في الصلاة»(6) ، و هي مقطوعة ضعيفة السند.

و قال أبو حنيفة: يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة، و هو مروي عن الحسن، و النخعي، و به قال الثوري، و عن الأوزاعي روايتان(7) لأن أبا العالية الرياحي روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يصلّي، فجاء ضرير

ص: 113


1- منهم المحقق الحلي في المعتبر: 30، و ابن حمزة في الوسيلة: 53، و سلاّر في المراسم: 40، و ابن البراج في المهذب 49:1، و الشيخ في الخلاف 126:1 مسألة 62.
2- المجموع 60:2، الوجيز 15:1، بدائع الصنائع 32:1، المغني 201:1، الشرح الكبير 226:1، الهداية للمرغيناني 15:1، المنتقي للباجي 65:1، مسائل احمد: 13.
3- سنن الدار قطني 173:1-58.
4- التهذيب 16:1-36.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 30.
6- التهذيب 12:1-23، الاستبصار 83:1-262.
7- المبسوط للسرخسي 77:1، بداية المجتهد 40:1، الهداية للمرغيناني 15:1، المجموع 61:2، المغني 201:1، بدائع الصنائع 32:1، اللباب 13:1، فتح العزيز 3:2.

فتردّي في بئر فضحك طوائف من القوم فأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء و الصلاة(1) ، و هو مرسل، قال ابن سيرين: لا تأخذوا بمراسيل الحسن و أبي العالية فإنهما لا يباليان عمّن أخذا(2).

السادس: لا وضوء من أكل ما مسّته النار،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السلام، و جماعة الصحابة، و عامة الفقهاء(3).

و حكي عن عمر بن عبد العزيز، و أبي قلابة، و أبي مجلز، و الزهري، و الحسن البصري أنهم كانوا يتوضّئون منه(4) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (توضئوا مما مسّته النار)(5) ، و هو منسوخ، لأن جابر بن عبد اللّه قال:

كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ترك الوضوء مما مسّت النار(6).

السابع: أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء،

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و هو قول أكثر العلماء(7) - للأصل، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله

ص: 114


1- سنن الدار قطني 163:1-5 و 6، سنن البيهقي 146:1.
2- سنن الدار قطني 171:1-44-45، سنن البيهقي 146:1.
3- الأم 21:1، المبسوط للسرخسي 79:1، بداية المجتهد 40:1، المجموع 57:2، فتح العزيز 4:2، نيل الأوطار 262:1، المحلّي 241:1، الوجيز 15:1، مسائل الامام أحمد: 15، عمدة القارئ 104:3، مجمع الزوائد 251:1، الموطأ 26:1-22، سنن الترمذي 116:1-79.
4- المجموع 57:2، المحلّي 243:1، نيل الأوطار 253:1، عمدة القارئ 104:3. المغني 216:1-217.
5- صحيح مسلم 273:1-352 و 353، سنن البيهقي 155:1 و 157، سنن النسائي 105:1، سنن ابن ماجة 164:1-486-487.
6- سنن أبي داود 49:1-192، سنن النسائي 108:1، سنن البيهقي 155:1-156.
7- المجموع 57:2، المبسوط للسرخسي 79:1، نيل الأوطار 252:1، سنن الترمذي 125:1 ذيل الحديث 81، المغني 211:1، الشرح الكبير 222:1.

قال: (الوضوء مما يخرج لا مما يدخل)(1).

و للشافعي قولان، القديم: النقض - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سئل أ يتوضأ من لحوم الإبل ؟ فقال: (نعم)(3) ، و لو سلّم حمل علي غسل اليد.

الثامن: الردّة لا تبطل الوضوء،

للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك»(4) ، الحديث.

و قال أحمد: ينقض(5) لقوله تعالي لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (6) و هو مقيد بالموافاة.

التاسع: حكي عن مجاهد، و الحكم، و حماد، أنّ في قص الشارب

و تقليم الأظفار، و نتف الإبط الوضوء، بغير حجة، و أنكره جمهور العلماء(7).

تنبيه: كل ما أوجب الوضوء فهو بالعمد و السهو سواء بلا خلاف.

ص: 115


1- سنن الدار قطني 151:1-1، سنن البيهقي 116:1.
2- المجموع 57:2، بداية المجتهد 40:1، نيل الأوطار 252:1، سبل السلام 107:1، كشاف القناع 130:1، مسائل الامام أحمد: 15، عمدة القارئ 104:3، المغني 211:1، الشرح الكبير 222:1.
3- صحيح مسلم 275:1-360، سنن البيهقي 158:1.
4- الكافي 35:3-1، التهذيب 10:1-17 و 16-36، الاستبصار 86:1-271.
5- المجموع 61:2، المغني 200:1، الشرح الكبير 225:1.
6- الزمر: 65.
7- المغني 229:1، الشرح الكبير 228:1.

ص: 116

الفصل الثاني: في آداب الخلوة
اشارة

يستحب الاستتار عن العيون، لأن جابرا قال: خرجت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في سفر، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع، فقال:

(يا جابر انطلق إلي هذه الشجرة فقل: يقول لك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الحقي بصاحبتك حتي أجلس خلفكما) فجلس النبي صلّي اللّه عليه و آله خلفهما، ثم رجعتا الي مكانهما(1).

و يجب ستر العورة لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (احفظ عورتك، إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك)(2) ، و قول الصادق عليه السلام: «لا ينظر الرجل إلي عورة أخيه»(3).

و العورة هي القبل و الدبر، لقول الكاظم عليه السلام: «العورة عورتان: القبل و الدبر»(4).

مسألة 31: المشهور بين علمائنا تحريم استقبال القبلة و استدبارها

حالة

ص: 117


1- سنن البيهقي 93:1.
2- سنن الترمذي 110:5-2794، مسند أحمد 3:5، مستدرك الحاكم 180:4، سنن البيهقي 199:1.
3- التهذيب 374:1-1149.
4- الكافي 501:6-26، التهذيب 374:1-1151.

البول و الغائط، في الحصاري و البنيان، و يجب الانحراف في موضع قد بني علي ذلك - و به قال الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا جلس أحدكم علي حاجته فلا يستقبل القبلة و لا يستدبرها)(2) ، و قوله عليه السلام: (إذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة و لا يولّها ظهره، شرّقوا أو غرّبوا)(3).

و عن علي عليه السلام: «أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها»(4) و لما فيه من الاحترام و التعظيم لشعائر اللّه تعالي.

و قال ابن الجنيد: يستحب ترك الاستقبال و الاستدبار(5) ، و به قال عروة، و ربيعة، و داود(6) ، لقول جابر: نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يستقبل القبلة ببول، و رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها(7) ، و يحمل مع التسليم علي الاستقبال حالة التنظيف، إذ لا أقل من الكراهة.

و قال المفيد منّا و سلاّر: يجوز في البنيان الاستقبال و الاستدبار(8) - و به قال ابن عباس، و ابن عمر، و مالك، و الشافعي، و ابن المنذر، و أصح2.

ص: 118


1- المجموع 81:2، المغني 185:1، نيل الأوطار 94:1، المحلي 194:1، فتح الباري 198:1، عمدة القارئ 277:2.
2- صحيح مسلم 224:1-265.
3- صحيح البخاري 48:1.
4- التهذيب 25:1-64، الاستبصار 47:1-130.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 31.
6- المجموع 81:2، المغني 184:1، عمدة القارئ 278:2، فتح الباري 198:1، نيل الأوطار 94:1.
7- سنن أبي داود 4:1-13، سنن ابن ماجة 117:1-325، سنن الترمذي 15:1-9.
8- المقنعة: 4، المراسم: 32.

الروايتين عن أحمد(1) - لأن الكاظم عليه السلام كان في داره مستراح إلي القبلة(2) ، و لا حجة فيه لاحتمال شرائها كذلك، و كان عليه السلام ينحرف أو له غيره.

و رواية عائشة - ان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (استقبلوا بمقعدتي القبلة)(3) - ضعيفة، لبراءته عليه السلام من الأمر بالمكروه، أو المحرّم.

و عن أحمد رواية أنّه يجوز استدبار الكعبة في الصحاري و البنيان(4) ، لأن ابن عمر قال: رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله علي حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة(5) ، و يضعّف بما تقدم.

مسألة 32: يكره له أشياء.

الأول: استقبال الشمس و القمر بفرجيه، لقول الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول»(6).

الثاني: استقبال الريح بالبول، لقول الحسن بن علي عليهما السلام:

«و لا تستقبل الريح»(7) ، و لئلا تردّه الريح إليه.

الثالث: البول في الأرض الصلبة، لئلا يترشش عليه، و لقول الصادق

ص: 119


1- المجموع 78:2-79، المغني 185:1، المدونة الكبري 7:1، عمدة القارئ 278:2 و 281، مقدمات ابن رشد 64:1، بلغة السالك 37:1.
2- التهذيب 26:1-66، الاستبصار 47:1-132. و فيهما عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
3- سنن ابن ماجة 117:1-324، سنن الدار قطني 60:1-7، مسند أحمد 137:6.
4- المجموع 81:2، الإنصاف 101:1، نيل الأوطار 94:1.
5- صحيح مسلم 225:1-62، سنن الترمذي 16:1-11.
6- التهذيب 34:1-91.
7- الفقيه 18:1-47، التهذيب 33:1-88، الاستبصار 47:1-131.

عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أشد الناس توقّيا للبول، حتي أنه كان إذا أراد البول يعمد إلي مكان مرتفع من الأرض، أو إلي مكان يكون فيه التراب الكثير، كراهية أن ينضح عليه البول»(1).

الرابع: البول في جحرة الحيوان، لئلا يؤذيه.

الخامس: البول في الماء الجاري و الراكد، لأن عليا عليه السلام نهي أن يبول الرجل في الماء الجاري، إلاّ من ضرورة، و قال: «إنّ للماء أهلا»(2) ، و قال الصادق عليه السلام: «يكره أن يبول في الراكد»(3).

السادس: الجلوس في المشارع و الشوارع، و تحت الأشجار المثمرة، فيضمن علي إشكال، و أفنية الدور، و مواطن النزّال، و مواضع اللعن و هي: أبواب الدور.

و قال الصادق عليه السلام: «قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام:

أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتّقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن»(4).

و سأل أبو حنيفة من الكاظم عليه السلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و فيء النزّال، و لا تستقبل القبلة ببول و لا غائط، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت»(5).8.

ص: 120


1- الفقيه 16:1-36، التهذيب 33:1-87، علل الشرائع: 278 باب 186.
2- التهذيب 34:1-90، الاستبصار 13:1-25 و فيهما، عن علي عليه السلام، قال: نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.
3- التهذيب 31:1-81، الإستبصار 13:1-23.
4- الكافي 15:3-2، الفقيه 18:1-44، التهذيب 30:1-78، معاني الأخبار: 368-1.
5- الكافي 16:3-5، التهذيب 30:1-79، تحف العقول: 411، الاحتجاج 387:2-388.

السابع: الأكل و الشرب، و السواك علي الخلاء.

الثامن: الكلام إلاّ بذكر اللّه تعالي، أو آية الكرسي، أو حاجة تضرّ فوتها، أو حكاية الأذان، قال الرضا عليه السلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو علي الغائط أو يكلّمه حتي يفرغ»(1).

و لا بأس بالمستثني - خلافا للشافعي(2) - لأن موسي بن عمران قال:

(يا رب أ بعيد أنت منّي فأناديك، أم قريب فأناجيك، فأوحي اللّه تعالي أنا جليس من ذكرني، فقال له موسي: يا رب إني أكون في أحوال أجلّك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسي اذكرني علي كل حال)(3).

و قول الصادق عليه السلام: «إنّه لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي، و حمد اللّه، أو آية الحمد للّه ربّ العالمين»(4).

التاسع: البول قائما لئلا ينضح عليه، لقوله عليه السلام: (البول قائما من غير علّة من الجفاء)(5).

العاشر: طول الجلوس، لقول الباقر عليه السلام: «طول الجلوس علي الخلاء يورث الباسور»(6).

الحادي عشر: قال الباقر عليه السلام: «إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه»(7).5.

ص: 121


1- التهذيب 27:1-69، علل الشرائع: 283 باب 201، حديث 2، عيون اخبار الرضا 274:1-8.
2- المجموع 89:2، مغني المحتاج 42:1.
3- الفقيه 20:1، 58، التوحيد: 182-17.
4- التهذيب 352:1-1042، الفقيه 19:1-57.
5- الفقيه 19:1-51.
6- الفقيه 19:1-56، التهذيب 352:1-1041.
7- الفقيه 19:1-55.

الثاني عشر: الدخول إلي الخلاء و معه خاتم عليه اسم اللّه تعالي، أو مصحف، أو شيء عليه اسمه تعالي.

مسألة 33: يستحب للمتخلي أشياء:

الأول: أن يبعد المذهب، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا أراد البراز لا يراه أحد(1).

الثاني: أن لا يكشف عورته حتي يدنو من الأرض، لما فيه من الاستتار، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يفعله(2).

الثالث: تغطية الرأس، لأن الصادق عليه السلام فعله(3).

الرابع: التسمية، كان الصادق عليه السلام إذا دخل الخلاء يقنّع رأسه و يقول في نفسه: «بسم اللّه و باللّه، و لا إله إلاّ اللّه، رب أخرج مني الأذي سرحا بغير حساب، و اجعلني من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذي و الغم، الذي لو حبسته عني هلكت، لك الحمد، اعصمني من شر ما في هذه البقعة، و أخرجني منها سالما، و حل بيني و بين طاعة الشيطان»(4).

الخامس: تقديم اليسري دخولا، و اليمني خروجا، عكس المسجد.

السادس: الدعاء دخولا و خروجا، و عند الاستنجاء، و الفراغ منه.

ص: 122


1- سنن ابن ماجة 121:1-335، سنن أبي داود 1:1-2.
2- سنن الترمذي 21:1-14، سنن الدارمي 171:1، سنن أبي داود 4:1-14.
3- الفقيه 17:1-41، التهذيب 24:1-62.
4- الفقيه 17:1-41، التهذيب 24:1-62.
الفصل الثالث: في الاستنجاء
مسألة 34: الاستنجاء واجب من البول و الغائط،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان التلويث الحاصل أكثر من قدر درهم، أو بقدره، أو دونه - و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلي الغائط فلا يستقبل القبلة، و لا يستدبرها، و ليستنج بثلاثة أحجار)(2).

و سئل الصادق عليه السلام عن الوضوء الذي افترضه اللّه علي العباد، إن جاء من الغائط، أو بال، قال: «يغسل ذكره، و يذهب الغائط»(3).

و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يكن التلويث أزيد من درهم، و هو محكيّ عن الزهري، و عن مالك روايتان(4).

و قدّر أبو حنيفة النجاسة تصيب الثوب أو البدن بموضع الاستنجاء فقال: إذا أصاب البدن أو الثوب قدر ذلك لم تجب إزالته، و قدّره بالدرهم

ص: 123


1- المجموع 95:2، المغني 172:1، مغني المحتاج 43:1، عمدة القارئ 300:2، التفسير الكبير 168:11، كفاية الأخيار 17:1.
2- سنن أبي داود 3:1-8، سنن ابن ماجة 114:1-313، سنن البيهقي 91:1.
3- التهذيب 47:1-134، الاستبصار 53:1-151.
4- المنتقي للباجي 43:1، المجموع 95:2، بدائع الصنائع 19:1، الميزان 114:1.

البغلي(1) لقوله عليه السلام: (من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، و من لا فلا حرج)(2) ، و ليس حجة لعوده الي الإفراد.

و لا يجب من الريح بإجماع العلماء، و كذا لا يجب عندنا من الأجسام الطاهرة كالمذي و الودي و الحصا و الشعر، فان استصحب ناقضا وجب، و كذا النجس كالدم، و أوجب الشافعي الاستنجاء من النادر، كالدم و القيح و الصديد و المذي و غيره(3). و في إجزاء الحجارة عنده قولان(4).

و أما الجامد كالحصا و الدود فان كان عليه بلّة وجب الاستنجاء منه عنده(5) ، و في إجزاء الحجر قولان(6).

و ان لم تظهر عليه بلّة ففي وجوب الاستنجاء منه قولان، فإن وجب ففي إجزاء الحجارة قولان(7).

مسألة 35: الحدث إن كان بولا وجب فيه الغسل بالماء، سواء حصل التلوّث أو لا،
اشارة

و لا يجزئ غيره، ذهب إليه علماؤنا أجمع، للأصل من اختصاص التطهير بالماء، و عدم الترخص في غير الغائط، و لانتشاره غالبا، و لقول الباقر عليه السلام: «و لا يجزي من البول إلاّ الماء»(8).

و ذهب الجمهور إلي الاكتفاء فيه بالأحجار مع عدم التعدي، لأنه حدث

ص: 124


1- اللباب 52:1، الميزان 114:1، الهداية للمرغيناني 35:1، بداية المجتهد 81:1، المجموع 95:2.
2- سنن أبي داود 9:1-35، سنن ابن ماجة 121:1-337، سنن البيهقي 104:1.
3- المهذب للشيرازي 34:1، الوجيز 15:1، المجموع 95:2.
4- المهذب للشيرازي 36:1، المجموع 127:2، مغني المحتاج 45:1.
5- المهذب للشيرازي 34:1، المجموع 95:2.
6- المهذب للشيرازي 36:1، المجموع 128:2.
7- المهذب للشيرازي 34:1 و 36، الوجيز 15:1، فتح العزيز 477:1.
8- التهذيب 50:1-147، الاستبصار 57:1-166.

نجس، فأشبه الغائط(1) ، و الفرق الانتشار كالمتعدي في الأصل.

فروع:

الأول: لو تعذر استعمال الماء إمّا لفقده أو لحرج و شبهه، وجب إزالة العين بالحجر و شبهه، فإذا زال المانع وجب الغسل، لأن المحل لم يطهر أولا.

الثاني: الأغلف إن كان مرتقا كفاه غسل الظاهر، و إن أمكن كشفها وجب.

الثالث: لو خرج منيّ الرجل من فرج المرأة لم يجب به وضوء و لا غسل، بل وجب غسل موضع الملاقاة.

الرابع: أقل المجزي مثلا ما علي المخرج من البول.

مسألة 36: الغائط إن تعدي المخرج وجب فيه الغسل بالماء

إجماعا، و يستحب تقديم الأحجار عليه، و لا يجزي الاقتصار عليها، و إن أزالت العين.

و إن لم يتعدّ المخرج تخير بين الماء و الأحجار، و الماء أفضل، و الجمع أكمل، و يشترط في الاستجمار بالأحجار أمور:

أ - خروج الغائط من المعتاد، فلو خرج من جرح و شبهه فإن لم يكن معتادا فالأقرب وجوب الماء، و كذا لو صار معتادا علي إشكال، و للشافعي فيهما وجهان(2).

ب - عدم التعدي، فلو تعدي المخرج وجب الماء، و هو أحد قولي

ص: 125


1- المجموع 126:2، فتح العزيز 482:1-483، الام 22:1، مغني المحتاج 45:1، المغني 182:1.
2- المجموع 9:2.

الشافعي، و في الآخر: لا يشترط، فإن الخروج لا ينفك منه غالبا(1) ، و اشتراط أن لا ينتشر علي القدر المعتاد، و هو أن يتلوّث المخرج و ما حواليه، و إن زاد عليه و لم يتجاوز الغائط صفحتي الأليتين فقولان(2).

ج - خروج الغائط، فلا يجزي غير الماء في الدم، و للشافعي قولان(3).

د - خروج النجاسة، فلو خرجت دودة أو حصاة من غير تلويث فلا شيء، و للشافعي قولان، أحدهما: الوجوب لعدم الانفكاك من الرطوبة(4).

ه - أن لا يصيب موضع النجو نجاسة من خارج، اقتصارا بالرخصة علي موردها.

مسألة 37: و يشترط في الأحجار أمور:
اشارة

ا - الطهارة، فلا يجزي النجس، سواء كانت نجاسة ذاتية أو عرضية - و به قال الشافعي(5) - لقصوره عن تطهير نفسه فعن غيره أولي.

و قال أبو حنيفة: يجوز الاستجمار بسائر النجاسات الجامدة(6) ، و هو غلط، فإنها تزيد المحل نجاسة، فإن استنجي به تعين الماء بعده، لإصابة النجاسة محل الاستجمار، و هو أظهر وجهي الشافعي(7) ، و لو كانت نجاسته

ص: 126


1- المجموع 125:2.
2- المجموع 125:2 و 126، فتح العزيز 480:1، مغني المحتاج 45:1.
3- المجموع 127:2، فتح العزيز 477:1-478.
4- المهذب للشيرازي 34:1، المجموع 96:2، الوجيز 15:1، فتح العزيز 477:1، المحتاج 46:1.
5- الام 22:1، المجموع 122:2، فتح العزيز 491:1، كفاية الأخيار 18:1، الشرح الكبير 125:1.
6- المجموع 115:2-116، فتح العزيز 491:1، الشرح الكبير 125:1.
7- المجموع 115:2، فتح العزيز 492:1، كفاية الأخيار 18:1.

بما علي المخرج احتمل وجوب الماء، و عدم الاحتساب به، فيجزي غيره.

ب - صلابته، ليقلع النجاسة و ينشّفها، فلا يجزي الرخو كالفحم خلافا للشافعي في أحد القولين(1) ، و الجسم الهش و لا التراب خلافا للشافعي في أحد القولين(2) ، لتخلف بعض أجزائه في المحل، و لا الجسم الرطب لأنه لا ينشّف المحل، خلافا لبعض الشافعية(3).

ج - خشونته، فلا يجزي الصقيل، كالبلور و الزجاج الأملس، و القصب، و كل جسم يزلق عن النجاسة و لا يقلعها لملاسته، كما قلنا في اللزج، و ما يتناثر أجزاؤه كالتراب، فلو استعمل ذلك تعين الماء إن نقل النجاسة من موضع الي آخر، و إلا أجزأ غيره، و لو فرض القلع به فالأقوي الإجزاء.

د - أن لا يكون محترما كالمطعومات، لنهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن الاستنجاء بالعظم، معلّلا بأنه (زاد إخوانكم من الجن)(4) و كذا تربة الحسين عليه السلام، أو غيرها من ترب الأئمة عليهم السلام، أو ما كتب عليه القرآن، أو العلوم، أو أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام، فان فعل عصي و أجزأ، لحصول الغرض، خلافا للشيخ(5) و للشافعي وجهان(6) - لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، و حينئذ إن نقل تعين الماء و إلاّ فلا.1.

ص: 127


1- المجموع 117:2، فتح العزيز 494:1.
2- المجموع 124:2، فتح العزيز 494:1-495.
3- المجموع 123:2، فتح العزيز 496:1، كفاية الأخيار 18:1.
4- سنن الترمذي 29:1-18.
5- المبسوط للطوسي 17:1.
6- المجموع 118:2، فتح العزيز 499:1، الوجيز 15:1، كفاية الأخيار 18:1.

و لو استنجي [1] بالعظم، فإن كان من نجس العين وجب الماء، و إلاّ أجزأ، و للشافعي قولان(1) ، و أبو حنيفة أجاز بالعظم(2) ، و لو استنجي بالروث، فإن كان نجسا تعين الماء، و إلاّ أجزأ و إن عصي فيهما.

و يجوز أن يستنجي بالجلد سواء كان مدبوغا أو لا، و أظهرهما عند الشافعي المنع(3).

و لو استنجي بجزء حيوان متصل أجزأه، و للشافعي قولان(4).

ه - أن لا يكون مستعملا، لنجاسة المستعمل، سواء كان الأول أو الثاني أو الثالث، نعم لو نقي المحل بالأول فالأقرب جواز استعمال الثاني و الثالث و إن أوجبناهما، و هو أحد وجهي الشافعي(5).

أما الملوّث فلا يجوز استعماله إلاّ بعد تطهيره.

و - العدد، و لعلمائنا فيه قولان:

أحدهما - اختيار الشيخين: حصول الإنقاء، فإن حصل بدون الثلاثة استحب الإكمال، و إن لم يحصل وجب الزائد، و يستحب الزائد بواحد علي المزدوج(6) ، و هو قول مالك، و داود، و وجه للشافعية(7) ، لأن المأخوذ عليه1.

ص: 128


1- المجموع 118:2، الوجيز 15:1.
2- المجموع 121:2، المغني 179:1، الشرح الكبير 125:1، عمدة القارئ 301:2، نيل الأوطار 116:1.
3- المجموع 122:2، فتح العزيز 500:1، مغني المحتاج 44:1.
4- المجموع 121:2، فتح العزيز 497:1.
5- المجموع 123:2.
6- النهاية: 10، و حكي قول المفيد في السرائر: 16.
7- المجموع 104:2، فتح العزيز 505:1-506، المغني 174:1، الشرح الكبير 127:1، نيل الأوطار 96:1، عمدة القارئ 305:2، الوجيز 15:1، المحلي 97:1، بداية المجتهد 86:1.

إزالة النجاسة.

و قال بعض علمائنا: الواجب أغلظ الحالين، فإن نقي بالأقل وجب إكمال الثلاثة، و إن لم ينق بالثلاثة وجب الزائد إلي أن ينقي(1) - و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لورود الأمر بالعدد(3).

و أبو حنيفة لم يعتبر العدد، لأنه لم يوجب الاستنجاء(4).

فروع:

أ - الواجب ثلاث مسحات إمّا بثلاثة أحجار أو ما في معناها، أو بأحرف من واحد - و به قال الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور(5) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (فليمسح ثلاث مسحات)(6). و لأنه المقصود.

و اختلاف الآلة لا اعتبار به، و لأنه يجوز لغيره، و لأنه بعد غسله و تجفيفه يجزي.

و قال الشيخ: لا يجزي ذو الجهات الثلاث(7) ، و به قال ابن المنذر(8) ،

ص: 129


1- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر: 16، و المحقق في المعتبر: 33.
2- الام 22:1، المجموع 104:2 فتح العزيز 503:1 و 508، بدائع الصنائع 19:1، رحمة الأمة 16:1، كفاية الأخيار 18:1، الوجيز 15:1، المغني 174:1، الشرح الكبير 127:1، بداية المجتهد 86:1، نيل الأوطار 117:1.
3- مسند أحمد 336:3، سنن النسائي 42:1، سنن الدار قطني 55:1-4، سنن البيهقي 91:1.
4- بدائع الصنائع 19:1، عمدة القارئ 2305:2، فتح العزيز 305:1.
5- الام 22:1، المجموع 103:2، فتح العزيز 503:1-504، السراج الوهاج: 14، كفاية الأخيار 18:1، الشرح الكبير 126:1، نيل الأوطار 96:1.
6- مسند أحمد 336:3.
7- المبسوط للطوسي 17:1.
8- المجموع 103:2، المغني 180:1-181، الشرح الكبير 126:1.

و عن أحمد روايتان(1) ، لأنه عليه السلام أوجب ثلاثة أحجار، و الغرض ما قلناه.

ب - لا يجب عين الأحجار، بل تجزي هي و ما يقوم مقامها من الخشب و الخرق و غيرهما - و به قال الشافعي(2) - لأنه عليه السلام قال:

(يمسح بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب)(3).

و قال داود: لا يجوز بغير الحجارة - و هو محكيّ عن زفر(4) ، و عن أحمد روايتان(5) - لقوله عليه السلام: (استنج بثلاثة أحجار، و نهي عن الروث و الرمة)(6) و لا حجة فيه، لأن تخصيص النهي يدل علي أنه أراد الحجارة و ما قام مقامها.

ج - ينبغي وضع الحجر علي موضع طاهر، لئلا ينشر النجاسة لو وضعه عليها، فإذا انتهي إلي النجاسة أدار الحجر برفق ليرفع كل جزء منه جزءا من النجاسة، و لا يمرّه لئلا ينقل النجاسة، و لو أمرّ و لم ينقل فالوجه الإجزاء، و للشافعي وجهان(7).

د - الأحوط أن يمسح بكل حجر جميع الموضع، بأن يضع واحدا علي مقدّم الصفحة اليمني و يمسحها به إلي مؤخّرها، و يديره إلي الصفحة اليسري6.

ص: 130


1- المجموع 103:2، المغني 180:1، الشرح الكبير 126:1.
2- الام 22:1، مختصر المزني: 3، المجموع 113:2.
3- سنن البيهقي 111:1، سنن الدار قطني 57:1-12 و 13.
4- المجموع 113:2، المغني 178:1، الشرح الكبير 124:1، رحمة الأمة 17:1.
5- المغني 178:1، الشرح الكبير 124:1.
6- سنن النسائي 38:1، سنن ابن ماجة 114:1-313، سنن الدارمي 173:1، سنن البيهقي 102:1.
7- الوجيز 15:1، المجموع 108:2، فتح العزيز 515:1-516.

و يمسحها من مؤخّرها إلي مقدّمها، فيرجع إلي الموضع الذي بدأ منه، و يضع الثاني علي مقدّم الصفحة اليسري، و يفعل به عكس ما ذكرناه، و يمسح بالثالث الصفحتين و الوسط، و إن شاء وزّع العدد علي أجزاء المحلّ.

ه - الاستنجاء إن كان بالماء وجب إزالة العين و الأثر، و إن كان بالحجارة كفي إزالة العين دون الأثر.

و - يستحب بعد البول الصبر هنيئة ثم الاستبراء، بأن يمسح من المقعدة إلي أصل القضيب ثلاث مرّات، و منه إلي رأسه ثلاث مرّات، و ينتره ثلاث مرات، و يتنحنح.

فان وجد بعد ذلك بللا مشتبها لم يلتفت، و لو وجده قبل الاستبراء وجب غسله، فإن توضأ قبل الاستبراء ثم وجد البلل بعد الصلاة أعاد الوضوء خاصة.

ز - البكر كالثيب في وجوب الاستنجاء من البول بالماء، و من اقتصر علي الأحجار - من الجمهور(1) - أوجب الماء لو نزل البول إلي أسفل و بلغ موضع البكارة.

ح - لو استنجي بخرقة من وجهيها حصل بمسحتين إن كانت صفيقة، و إلاّ فلا.

ط - إذا لم يتعدّ المخرج تخيّر بين الماء و الأحجار، و الماء أفضل.

و ذهب قوم من الزيدية، و القاسمية [1] إلي أنه لا يجوز الحجر مع وجود1.

ص: 131


1- المغني 182:1، الشرح الكبير 122:1.

الماء(1) ، و هو غلط، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نصّ علي ثلاثة أحجار(2).

و قد قام بإزاء هؤلاء قوم أنكروا الاستنجاء بالماء، كسعد بن أبي و قاص، و الزبير(3).

قال سعيد بن المسيب: هل يفعل ذلك إلاّ النساء(4) و كان الحسن البصري و ابن عمر لا يستنجيان بالماء(5).

و قال عطاء: إنّه محدث(6). و هو خطأ، فإن اللّه تعالي أثني علي أهل قبا حيث كانوا يستنجون بالماء بقوله رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (7).

ي - يكره الاستنجاء باليمين لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كانت يده اليمني لطعامه و طهوره، و اليسري للاستنجاء(8). و لو اضطر جاز، و لو استنجي مختارا جاز.1.

ص: 132


1- المجموع 101:2.
2- سنن النسائي 38:1، سنن ابن ماجة 114:1-313-315، سنن أبي داود 11:1-41، سنن الدارمي 173:1، سنن البيهقي 91:1.
3- المجموع 100:2-101، المغني 173:1، الشرح الكبير 121:1، نيل الأوطار 122:1.
4- المجموع 101:2، المغني 173:1، الشرح الكبير 121:1، نيل الأوطار 122:1.
5- المغني 173:1، الشرح الكبير 122:1، نيل الأوطار 122:1.
6- المجموع 101:2، المغني 173:1، الشرح الكبير 121:1-122.
7- التوبة: 108، و انظر التفسير الكبير 196:16، الكشاف 214:2، مجمع البيان 73:3.
8- سنن أبي داود 9:1-33، سنن البيهقي 113:1.

و لا يستحب الاستعانة باليمين بل يأخذ الحجر باليسار، نعم لو استنجي بالماء صبّه بيمينه و غسل بشماله.

و يكره باليسار و فيها خاتم عليه اسمه تعالي، أو اسم أحد أنبيائه، أو أئمة عليهم السلام، و كذا إن كان فصّه من حجر زمزم، فان كان فليحوّله.

يا - ليس للاستنجاء من الغائط حد إلاّ الإنقاء، لقول الكاظم عليه السلام - و قد سأله ابن المغيرة للاستنجاء حد -: «لا، ينقي ما ثمة» قلت:

ينقي ما ثمة و يبقي الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها»(1) ، و تحديد سلاّر بالصرير(2) ضعيف.

يب - محل الاستجمار بعد الإنقاء طاهر، لقوله عليه السلام: (لا تستنجوا بعظم و لا روث، فإنهما لا يطهّران)(3).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة: لا يطهر، لبقاء الأثر(4) ، و قد بيّنا عدم اعتباره.

يج - خروج أحد الحدثين لا يوجب الاستنجاء في غير محله.

يد - الاستنجاء بالعظم أو الروث محرم أو مكروه ؟ قال الشافعي بالأول(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لرويفع بن ثابت الأنصاري:

(يا رويفع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أنّ من استنجي بعظم أو رجيع فهو بريء من محمّد)(6) ، و يحتمل الكراهة للأصل، و قال أبو حنيفة: لا8.

ص: 133


1- الكافي 17:3-9، التهذيب 28:1-75.
2- المراسم: 32 و فيه (و يستنجي باليسري حتي يطهر الموضع). و حكاه بنصه في المعتبر: 33.
3- سنن الدار قطني 56:1-9.
4- المجموع 100:2 و 129، فتح العزيز 520:1، اللباب 54:1.
5- المجموع 115:2 و 118، الام 22:1، كفاية الأخيار 18:1، مغني المحتاج 43:1.
6- سنن أبي داود: 9:1-36، مسند أحمد 108:4 و 109، سنن النسائي 135:8.

بأس(1).

يه - المرأة تغسل ما يظهر إذا جلست علي القدمين، و لا تغسل الثيب باطن فرجها، خلافا للشافعي في أحد الوجهين(2).

يو - ينبغي للمستنجي بالحجر أن لا يقوم من موضعه قبله، لئلا يتعدي المخرج.

خاتمة: حكم الحدث المنع من الصلاة، و الطواف الواجب، و مسّ كتابة القرآن، و هو مذهب الشيخ في بعض كتبه، و الصدوق(3) ، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أصحاب الرأي(4).

و هو مروي عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و عطاء، و الحسن، و طاوس، و الشعبي، و القاسم بن محمد(5) ، لقوله تعالي لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (6) ، و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في كتاب عمرو بن حزم:

(و لا تمسّ القرآن إلاّ و أنت علي طهر)(7) و لقول الصادق عليه السلام: «و لا تمسّ الكتابة»(8).6.

ص: 134


1- بدائع الصنائع 18:1، عمدة القارئ 301:2، شرح فتح القدير 190:1.
2- فتح العزيز 530:1، المجموع 112:2.
3- المبسوط للطوسي 29:1، الاقتصاد: 244، التبيان 510:9، النهاية: 20، الخلاف 9:1 مسألة 46، الجمل و العقود: 161، المقنع: 13، الهداية: 20، الفقيه 48:1.
4- المجموع 67:2، الوجيز 17:1، فتح العزيز 97:2، المغني 168:1، الشرح الكبير 228:1، الانصاف 222:1، المنتقي للباجي 52:1، بداية المجتهد 41:1-43، بدائع الصنائع 33:1.
5- نيل الأوطار 261:1، المغني 168:1، الشرح الكبير 228:1.
6- الواقعة: 79.
7- سنن الدار قطني 121:1-1 و 2، سنن البيهقي 88:1 و 309.
8- التهذيب 126:1-342، الاستبصار 113:1-376.

و للشيخ قول آخر: إنه مكروه(1) - و به قال داود(2) - للأصل، و لأنه عليه السلام كتب إلي المشركين (قل(3) يا أهل الكتاب)(4) و هم محدثون، و الأصل يصار إلي خلافه لدليل، و المراد بالكتبة هنا المراسلة دون الخط.

فروع:

أ - إنما يحرم مسّ الكتابة دون الهامش و الأوراق و الجلد، و التعليق و الحمل له بغلاف أو بغير غلاف - و به قال أبو حنيفة، و الحكم، و حماد، و عطاء، و الحسن البصري، و أحمد(5) - لأنه غير ماس.

و قال الشافعي: لا يجوز، لأن الحمل أكثر من المسّ، فكان أولي بالمنع، و الهامش منه(6) ، و هما ممنوعان.

و قال الأوزاعي، و مالك: لا يجوز حمله بعلاقته، و لا في غلافه(7).

و لو كان المصحف في صندوق أو عدل معكّم [1] ففي جواز مسّه للمحدث وجهان [2].

ب - يمنع الصبي من مسّ الكتابة، و لا يتوجه النهي إليه.

ص: 135


1- المبسوط للطوسي 23:1.
2- فتح العزيز 103:2، المغني 168:1، الشرح الكبير 228:1، تفسير القرطبي 227:17.
3- كذا في الأصلين.
4- صحيح البخاري 7:1، مسلم 1396:3-1773، مسند أحمد 263:1.
5- المغني 169:1، الشرح الكبير 228:1، تفسير القرطبي 226:17-227، المحلي 84:1، المجموع 72:2، فتح العزيز 103:2.
6- مغني المحتاج 36:1، المجموع 67:2 و 72، فتح العزيز 97:2، الوجيز 17:1، كفاية الأخيار 50:1.
7- المنتقي للباجي 343:1، المغني 169:1، الشرح الكبير 228:1، المحلي 84:1.

ج - الدراهم إذا كان عليها شيء من القرآن لم يجز مسّه، و للشافعي وجهان، أحدهما: الجواز للمشقة(1).

د - كتب المصحف يجوز للمحدث، و قال الشافعي: إن كان حاملا له لم يجز و إلاّ جاز(2) ، و لا يمنع من القراءة إجماعا.

ه - يكره المسافرة بالمصحف إلي أرض العدوّ لئلاّ تناله أيدي المشركين، و لقوله عليه السلام: (لا تسافروا بالقرآن إلي أرض العدوّ)(3).

و - هل يختص اللمس بباطن الكف، أو يعم أجزاء البدن ؟ إشكال.

ز - لو قلّب الأوراق بقضيب جاز، و للشافعي وجهان(4).

ح - المنسوخ حكمه خاصة يحرم مسّه، دون المنسوخ تلاوته، و هو أصحّ وجهي الشافعي(5).

ط - لا يحرم مسّ كتب التفسير، و قال الشافعي: إن تميز القرآن بغلظ خطه حرم و إلاّ فلا(6).

ي - لا يحرم مسّ كتب الفقه و لا أحاديث النبيّ و الأئمة عليهم السلام، و لو تضمنت به قرآنا اختص القرآن بالتحريم.

يا - لا يحرم مسّ التوراة و الإنجيل.

يب - لو كان علي بدن المتطهر نجاسة لم يحرم عليه المسّ، و إن كانت علي العضو الماس، نعم يحرم بموضعها لأن الحدث أمر حكمي لا2.

ص: 136


1- المجموع 68:2-69، فتح العزيز 105:2-106، مغني المحتاج 38:1، الوجيز 17:1.
2- المجموع 70:2، فتح العزيز 108:2.
3- المصاحف للسجستاني: 208، كنز العمال 620:1-2863.
4- المجموع 68:2، مغني المحتاج 38:1، الوجيز 17:1، فتح العزيز 103:2-104.
5- المجموع 70:2، مغني المحتاج 37:1.
6- المجموع 69:2، فتح العزيز 106:2.

يتبعض، و النجاسة عينية يختص حكمها بمحلّها.

يج - لو بقي المسح لم يرتفع المنع.

يد - لا يمنع الحدث من سجود الشكر و التلاوة، و يمنع من سجود السهو، و السجدة المنسيّة.

تتمة: لو توضأ قبل الاستنجاء صحّت طهارته، و لو صلّي أعاد الصلاة بعد الاستنجاء دون الطهارة، لقول الصادق عليه السلام: «عليه أن يغسل ذكره، و يعيد صلاته، و لا يعيد وضوءه»(1).

و قال الصدوق: يعيد الوضوء(2) ، لقول الباقر عليه السلام: «يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء»(3) ، و هو محمول علي الاستحباب، أو علي تجدد حدث.

و للشافعي في صحة الوضوء قبل الاستنجاء قولان(4).

أما التيمم قبل الاستنجاء فعندي إن كان لعذر لا يمكن زواله صح، و إلاّ فلا، و من شرط التضيق أبطله، و من لا فلا.

و للشافعي وجهان(5) لا باعتبار التضيق بل من حيث إنّه تيمم لا يبيح الصلاة، فأشبه التيمم قبل الوقت.

و لو كان علي بدنه نجاسة في غير محل الفرض فتوضأ قبل إزالتها صح، و لو تيمم فكالاستنجاء.1.

ص: 137


1- التهذيب 48:1-137، الاستبصار 53:1-154.
2- المقنع: 4.
3- التهذيب 49:1-142، الاستبصار 54:1-158.
4- المجموع 97:2، مغني المحتاج 43:1، المهذب للشيرازي 34:1.
5- الام 23:1، المجموع 97:2، مغني المحتاج 43:1، المهذب للشيرازي 34:1.

ص: 138

الفصل الرابع: في أفعال الوضوء
اشارة

و فيه مطلبان

الأول: في واجباته.
اشارة

و هي سبعة: النيّة، و غسل الوجه، و غسل اليدين، و مسح الرأس، و مسح الرجلين، و الترتيب، و الموالاة، فهنا مباحث:

الأول: النيّة.
مسألة 38: النيّة واجبة في الطهارات الثلاث،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السلام، و ربيعة، و مالك، و الليث بن سعد، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو عبيد، و ابن المنذر(1) ، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2) و قوله عليه السلام: (إنما الأعمال بالنيات، و إنما لامرئ ما نوي)(3) و قول

ص: 139


1- المجموع 312:1، فتح العزيز 310:1، تفسير الرازي 153:11، أحكام القرآن للجصاص 334:2، المبسوط للسرخسي 72:1، مغني المحتاج 47:1، بداية المجتهد 8:1، بدائع الصنائع 19:1، مقدمات ابن رشد 40:1، الوجيز 11:1، نيل الأوطار 163:1، المغني 121:1، الشرح الكبير 151:1، الأم 29:1، احكام القرآن لابن العربي 559:2، الميزان 115:1، رحمة الأمة 17:1.
2- البينة: 5.
3- سنن النسائي 58:1، سنن ابن ماجة 1413:1-4227، صحيح البخاري 175:8، صحيح مسلم 1515:3-1907.

الرضا [1] عليه السلام: «لا عمل إلاّ بنيّة»(1) ، و لأنها طهارة عن حدث كالتيمم.

و قال الثوري و أصحاب الرأي: تجب النيّة في التيمم خاصة، دون الوضوء و الغسل، لأنه تعالي أمر بالغسل و لم يأمر بالنيّة و الزيادة قبيحة، و لأنها طهارة بالماء كإزالة النجاسة، و مفهوم الآية(2) فاغسلوا للصلاة، مثل إذا سافرت فتزوّد(3).

و الوضوء عبادة مأمور بها، و تجنب النجاسة ترك معتاد فاختلفا، و لا ينتقض بالصوم لأنه ترك غير معتاد.

و قال الحسن بن صالح بن حيّ: يجوز التيمم أيضا بغير نيّة(4) ، و عن الأوزاعي روايتان: إحداهما كقول الحسن، و الثانية كقول أبي حنيفة(5).

مسألة 39: و النيّة إرادة إيجاد الفعل علي الوجه المأمور به شرعا
اشارة

يفعل بالقلب، و لا اعتبار باللفظ، نعم ينبغي الجمع، فإن اللفظ أعون له علي خلوص القصد، و لو تلفّظ بلسانه و لم ينو بقلبه لم يجزئه، و بالعكس يجزي، و لو اختلف القصد و اللفظ فالعبرة بالقصد.

و كيفيتها: أن ينوي الوضوء لوجوبه، أو ندبه، أو وجههما، إذ

ص: 140


1- أمالي الطوسي 202:2-203.
2- المائدة: 6.
3- المجموع 313:1، فتح العزيز 310:1، بداية المجتهد 8:1، المغني 121:1، الشرح الكبير 151:1، الميزان 115:1، رحمة الأمة 17:1، القوانين الفقهية: 28، أحكام القرآن للجصاص 334:2، المحلي 73:1.
4- المجموع 313:1، بداية المجتهد 67:1، المحلي 73:1.
5- المجموع 313:1، أحكام القرآن لابن العربي 559:2، بداية المجتهد 67:1.

المأخوذ عليه إيقاع العبادة علي وجهها، و إنما يقع عليه بواسطة القصد، و رفع الحدث أو استباحة فعل لا يصح إلاّ بالطهارة، متقربا به إلي اللّه تعالي، و ذو الحدث الدائم - كالمبطون و صاحب السلس، و المستحاضة - ينوي الاستباحة، فإن اقتصر علي رفع الحدث فالوجه البطلان.

و وقتها عند ابتداء غسل الوجه، و يجوز أن تتقدم عند غسل اليدين المستحب لا قبله، و لا بعد الشروع في الوجه، و يجب استدامتها حكما إلي الفراغ، يعني أنه لا يأتي بنيّة لبعض الأفعال يخالفها.

و هل تكفي نية القربة ؟ قال الشيخ: نعم للامتثال(1) ، و الأقوي المنع لمفهوم الآية(2).

فروع:

أ - لا تجب النيّة في إزالة النجاسات، لأنها كالترك، فلا تعتبر فيها النية كترك الزنا، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يشترط قياسا علي طهارة الحدث(3) ، و الفرق ظاهر.

ب - لا يصح وضوء الكافر و لا غسله، لعدم صحة النيّة منه، فإذا أسلم تلزمه الإعادة، و هو أحد أقوال الشافعي(4).

و ثانيها: إعادة الوضوء خاصة، لأن الغسل يصح من الكافر، فإن الذميّة تغتسل من الحيض لحقّ الزوج فتحلّ له(5).

ص: 141


1- النهاية: 15.
2- المائدة: 6.
3- المجموع 310:1، فتح العزيز 311:1، كفاية الأخيار 12:1، الوجيز 11:1.
4- الوجيز 11:1، فتح العزيز 312:1، المجموع 330:1، الأشباه و النظائر للسيوطي: 35، كفاية الأخيار 12:1.
5- الوجيز 11:1، فتح العزيز 312:1، المجموع 330:1، الأشباه و النظائر للسيوطي: 35، كفاية الأخيار 12:1.

و ثالثها: عدم إعادتهما كإزالة النجاسة، و به قال أبو حنيفة(1).

و لو توضأ المسلم ثم ارتدّ لم يبطل وضوؤه لارتفاع الحدث أولا، و عدم تجدّد غيره، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: يبطل، و به قال أحمد، لأن ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة، فإذا طرأت في دوامه أبطلته(2) ، و ليس بجيد، لأنه بعد الفراغ مستديم حكمه لا فعله، فلا تؤثر فيه الردة، كالصلاة بعد فعلها.

و لو ارتدّ المتيمّم فأصحّ وجهي الشافعي الإعادة(3) ، لخروجه عن أهلية الاستباحة، فصار كما لو تيمّم قبل الوقت.

ج - لو أوقع النيّة عند أول جزء من غسل الوجه صح، و لم يثب علي ما تقدم من السنن، و إن تقدمت عليها فان استصحبها فعلا إليها صح، و أثيب، و إن عزبت قبله و لم تقترن بشيء من أفعال الوضوء بطل، و هو أقوي وجهي الشافعي(4).

و إن اقترنت بسنّة أو بعضها صح، و هو أضعف وجهي الشافعي(5) ، لأنها من جملة الوضوء و قد قارنت، و أصحهما عنده: البطلان، لأن المقصود من العبادات واجبها، و سننها توابع.1.

ص: 142


1- المجموع 330:1، فتح العزيز 312:1، المبسوط للسرخسي 116:1، شرح فتح القدير 116:1، نيل الأوطار 282:1.
2- المجموع 5:2 و 300-301، فتح العزيز 314:1، كفاية الأخيار 38:1، المغني 200:1، الشرح الكبير 226:1.
3- المجموع 5:2 و 300، فتح العزيز 314:1، المهذب للشيرازي 43:1، كفاية الأخيار 38:1، الوجيز 11:1.
4- الوجيز 12:1، فتح العزيز 316:1-317، المجموع 320:1، المهذب للشيرازي 21:1، الام 29:1.
5- فتح العزيز 317:1.

د - إنما يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الآنية المنقولة في حدث النوم، و البول و الغائط، و الجنابة، فلو اغترف من ساقية و غسل يده لم يصح إيقاع النيّة عنده، إلاّ أن يستصحبها فعلا إلي المضمضة أو غسل الوجه، و كذا لو غسل من آنية منقولة في حدث مس الميت.

ه - لا يشترط استدامة النيّة فعلا بل حكما، نعم يشترط أن لا يحدث نية أخري بعد عزوب الأولي، فلو نوي التبرد أو التنظيف بعد عزوب الأولي بطل الوضوء، و هو أصح وجهي الشافعي(1) ، لأن النيّة باقية حكما، و هذه حاصلة حقيقة فتكون أقوي.

و - لو نوي قطع الطهارة بعد فراغه لم تنقطع لارتفاع حدثه، و لو نوي في الأثناء، فالأقرب عدم التأثير فيما مضي، و لا اعتبار بما يفعل، إلاّ أن يجدد النيّة - و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: يبطل وضوؤه كالصلاة(2) - فإن لم يكن السابق قد جف كفاه البناء، و إلاّ وجب الاستئناف.

ز - لو ضمّ الرياء بطلت طهارته لاشتماله علي وجه قبيح، و يلوح من كلام المرتضي رضي اللّه عنه الصحة(3).

و لو ضمّ التبرّد أو التنظيف احتمل الصحة، لأن التبرد حاصل، و إن لم ينوه فتلغو نيته، كما لو كبّر الإمام و قصد إعلام القوم مع التحريم، أو نوي الصلاة و قصد دفع خصمه باشتغاله بالصلاة.

و البطلان، لأن الاشتراك في العبادة ينافي الإخلاص.

و الأولي أقوي وجهي الشافعي(4).1.

ص: 143


1- المجموع 318:1، الام 29:1، فتح العزيز 318:1، السراج الوهاج: 15.
2- المجموع 336:1، الام 29:1.
3- الانتصار: 17.
4- المجموع 325:1، الوجيز 12:1، السراج الوهاج: 15، فتح العزيز 327:1، الام 29:1.

ح - لا بدّ من نيّة رفع الحدث أو الاستباحة عند بعض علمائنا(1) ، و لو جمع كان أولي، و لو نوي طهارة مطلقا، قال بعض علمائنا: يصح، لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة(2) ، و للشافعي قولان(3).

و لا يجب تعيين الحدث و لا الصلاة، فلو عيّنهما لم يتعين، و ترتفع كل الأحداث سواء كان ما نوي رفعه آخر الأحداث أو أولها، و هو أحد وجوه الشافعي، لأن الأحداث تتداخل، و ما يرفع بعضها يرفع جميعها.

و وجه: أنه لا يرتفع، لأنه لم ينو رفع جميع الأحداث، و ثالث:

ارتفاع الجميع إن كان آخر الأحداث لتداخلها، و إن كان أولها لم يرتفع ما بعده(4).

و لو نوي استباحة فريضة ارتفع حدثه مطلقا و صلّي ما شاء، و كذا لو نوي أن يصلّيها لا غيرها، لأن المعيّنة لا تصح إلاّ بعد رفع الحدث، و هو أحد وجوه الشافعي، و ثان: بطلان الطهارة، لأنه لم ينو ما تقتضيه الطهارة، و ثالث: استباحة المعيّنة، فإن الطهارة قد تصح لمعيّنة كالمستحاضة(5).

ط - الفعل إن شرط فيه الطهارة صح أن ينوي استباحته قطعا، و إن استحبّت فيه - كقراءة القرآن، و دخول المساجد، و كتب الحديث و الفقه - فنوي استباحته، قال الشيخ: [لا] [2] يرتفع حدثه، و لا يستبيح1.

ص: 144


1- ذهب اليه الشيخ في المبسوط 19:1، و ابن البراج في المهذّب 43:1، و ابن إدريس في السرائر: 19، و المحقق في المعتبر: 36، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 35.
2- المحقق في المعتبر: 36.
3- المجموع 323:1، الوجيز 12:1، فتح العزيز 320:1-321، كفاية الأخيار 12:1.
4- المجموع 326:1، المهذب للشيرازي 22:1، فتح العزيز 319:1-320.
5- المجموع 327:1، فتح العزيز 321:1.

الصلاة، لأنه لم ينو الاستباحة، و لا رفع الحدث، و لا ما يتضمنهما، لأن هذه الأفعال لا يمنع منها الحدث(1).

و يحتمل الرفع، لأن استحبابها مع الطهارة إنما يصح مع رفع الحدث، فقد نوي ما يتضمنه، و للشافعي قولان(2).

و الوجه التفصيل و هو: الصحة إن نوي ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن، لأنّه قصد الفضيلة، و هي القراءة علي طهر.

و عدمها إن نوي ما يستحب له لا للحدث، كتجديد الوضوء و غسل الجمعة، و إن لم يجب و لم يستحب كالأكل لم يرتفع حدثه قطعا لو نوي استباحته.

ي - لا يجوز أن يوضّئه غيره إلاّ مع الضرورة، و هو قول داود(3) ، و قال الشافعي: يجوز مطلقا(4) ، و النية حالة الضرورة - عندنا، و مطلقا عنده - يتولاّها المتوضي لا الموضّئ(5).

يا - لو فرّق النيّة علي الأعضاء، بأن نوي غسل الوجه لرفع الحدث عنده، ثم غسل اليدين لرفع الحدث عنده و هكذا، فالأقرب الصحة لأنه إذا صح غسل الوجه بنية مطلقة فالأولي صحته بنية مقصوده، و هو أحد وجهي الشافعي.1.

ص: 145


1- المبسوط للطوسي 19:1.
2- المجموع 324:1، المهذب للشيرازي 22:1، فتح العزيز 322:1، الوجيز 12:1، السراج الوهاج: 15.
3- المجموع 341:1.
4- الام 28:1، المجموع 341:1، فتح العزيز 443:1-444.
5- المجموع 341:1.

و في الآخر: لا يصح، لأنها عبادة واحدة كالصلاة و الصوم(1) ، و هو ممنوع لارتباط أفعال الصلاة بعضها ببعض و لهذا تبطل بالفصل، بخلاف الطهارة.

و لو نوي بغسل الوجه رفع الحدث عنه بطل، و كذا لو ذكر في أصل النيّة رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة.

يب - نص أبو الصلاح منّا علي وجوب النيّة في غسل الميت لأنها عبادة(2) ، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: لا يجب(3) و هو يبتني علي أن الميت نجس أم لا.

يج - إذا انقطع دم المجنونة، و شرطنا الغسل في إباحة الوطء غسّلها الزوج و نوي، فإذا عقلت لم تستبح الصلاة، و للشافعي وجهان(4) ، و هل يكفي في إباحة الوطء؟ عنده وجهان(5).

و لو نوت المسلمة إباحة الوطء، فالوجه الإباحة، و الدخول في الصلاة، لأنها نوت ما يتضمن رفع الحدث، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: لا يباح الوطء و لا الصلاة(6) ، لأن الطهارة لحق اللّه تعالي و حق الزوج، فلا يتبعض الحكم. و تكلّف طهارة تصلح للحقّين، بخلاف الذمية لأنّها ليست من أهل حق اللّه.

يد - طهارة الصبي معتبرة لأن تجويز فعله ليس للحاجة كالتيمم،1.

ص: 146


1- المجموع 329:1، فتح العزيز 335:1، الوجيز 12:1، السراج الوهاج: 15.
2- الكافي في الفقه: 134.
3- المجموع 334:1.
4- المجموع 331:1.
5- المجموع 331:1.
6- المجموع 323:1.

و وضوء المستحاضة، فإنه لا حاجة في حقه، إذ لا تكليف عليه، و لا للرخصة كالمسح علي الجبيرة، لأن الرخصة تقتضي المشقة، و لا مشقة، فهي أصلية.

فلو توضأ في صغره ثم بلغ و صلّي صحّت صلاته، و كذا لو وطئت قبل البلوغ فاغتسلت ثم بلغت، و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال المزني: يعيد(2). و هو وجه عندي.

يه - لو نوي رفع حدث و الواقع غيره عمدا لم يصح وضوؤه، لأنه نوي رفع ما ليس عليه، و ما عليه لم ينو رفعه، و للشافعية وجهان(3) ، و في الغالط إشكال ينشأ من هذا، و من عدم اشتراط التعرض للحدث، فلا يضره الخطأ.

يو - لو نسي النقض صحّ له أن يصلّي، فلو تطهّر للاحتياط ثم ذكر لم يجزئه، لأنه لم ينو الوجوب، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: يصح كما لو دفع ما يتوهمه دينا ثم ظهر وجوبه(4) ، و ليس بجيّد، لعدم اشتراط النيّة هناك.

يز - لو أخل بلمعة جاهلا، ثم غسلها في التجديد لم يرتفع حدثه، لأنه أوقع الواجب بنية الندب، و للشافعية وجهان(5) ، و كذا لو جدّد الطهارة ثم1.

ص: 147


1- المجموع 333:1.
2- المجموع 333:1.
3- المجموع 335:1، فتح العزيز 320:1، مغني المحتاج 47:1.
4- المجموع 331:1، فتح العزيز 323:1، الوجيز 12:1، كفاية الأخيار 12:1، مغني المحتاج 49:1.
5- المجموع 332:1، الوجيز 12:1، فتح العزيز 333:1، كفاية الأخيار 12:1، مغني المحتاج 49:1.

ظهر له أنّه كان محدثا.

يح - لو نوي الجنب الاستيطان في المسجد، أو مسّ كتابة القرآن صحّ، و لو نوي الاجتياز فالأقرب الارتفاع، خلافا للشيخ(1).

يط - لو شك في النيّة، فإن كان بعد الإكمال لم يلتفت و إلاّ استأنف.

ك - كل من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب، و غيره ينوي الندب، فإن نوي الوجوب و صلّي به أعاد، فإن تعدّدتا مع تخلّل الحدث أعاد الأولي خاصة.

كا - لو نوي الندب قبل الوقت فدخل بعد فعل البعض فالأقوي الاستيناف لبقاء الحدث، فيندرج تحت الأمر، و يحتمل الإتمام لوقوعه مشروعا، فيحتمل الاستمرار علي النيّة و العدول إلي الوجوب.

مسألة 40: لا شيء من الطهارات الثلاث بواجب في نفسه عدا غسل الجنابة
اشارة

علي الخلاف، و إنما تجب بسببين، إما النذر و شبهه، أو وجوب ما لا يتم إلاّ بها إجماعا.

أما غسل الجنابة فقيل: إنه كذلك للأصل، و لقوله تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (2) ، و العطف يقتضي التشريك، و لجواز الترك في غير المضيّق، و تحريمه فيه، و الدوران يقضي بالعلية.

و قيل: لنفسه، لقوله عليه السلام: (إذا التقي الختانان وجب الغسل)(3).

فعلي الأول ينوي الوجوب في وقته، و كذا غيره من الطهارات،

ص: 148


1- المبسوط للطوسي 19:1.
2- المائدة: 6.
3- سنن ابن ماجة 199:1-608 و 200-611، سنن البيهقي 163:1.

و الندب في غيره.

و علي الثاني ينوي الوجوب فيه مطلقا، و في غيره من الطهارات في وقته، فلو نوي الوجوب مع ندب الطهارة أو بالعكس أو أهملهما - علي رأي - بطلت.

فروع:

أ - قاضي الفرائض ينوي الوجوب دائما، و غيره ينوي الندب قبل الوقت إذا لم تجب عليه الطهارة، و لو نوي الوجوب بطلت طهارته، فإن صلّي بها بطلت صلاته، فإن تعدّدت الطهارات و الصلوات كذلك، و تخلّل الحدث بطلت الطهارة الأولي و صلواتها خاصة.

ب - الشاك في دخول الوقت ينوي الندب، و في خروجه الوجوب، للاستصحاب، فإن ظهر البطلان فالوجه عدم الإعادة، مع عدم التمكن من الظن، و كذا الظن مع عدم التمكن من العلم، و ثبوتها مع التمكن في البابين.

ج - المحبوس بحيث لا يتمكن من العلم و لا الظن يتوخّي، فإن صادف و لو آخر الأجزاء أو تأخر فالوجه الصحة، و إلاّ أعادهما معا.

د - لو ردّد نيته بين الوجوب و الندب، أو هما علي تقديرين، لم يصح.

ه - لو ظن وجوب صلاة فتوضأ واجبا، ثم ظهر البطلان ففي الصحة إشكال، أما لو ظن البراءة فنوي الندب، ثم ظهر البطلان فالأقرب الصحة.

البحث الثاني: في غسل الوجه.
اشارة

و هو واجب بالنص و الإجماع، و حدّه طولا من قصاص شعر الرأس إلي

ص: 149

محادر شعر الذقن إجماعا، و عرضا ما دارت عليه الإبهام و الوسطي، و به قال مالك(1) لأن الوجه ما تحصل به المواجهة، و لقول أحدهما عليهما السلام:

«ما دارت عليه السبابة و الوسطي و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلي الذقن، و ما سوي ذلك ليس من الوجه»(2).

و قال باقي الفقهاء: ما بين العذار و الأذن من الوجه، فحدّه عرضا من وتد الأذن إلي وتد الأذن لحصول المواجهة به من الأمرد(3) ، و هو ممنوع.

مسألة 41: الأذنان ليسا من الوجه،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال فقهاء الأمصار(4) إلاّ الزهري، فإنه قال: إنهما من الوجه يجب غسلهما معه(5) لقوله عليه السلام: (سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه و بصره)(6) فأضاف السمع كما أضاف البصر. و هو خطأ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يغسلهما، و روي أبو أمامة الباهلي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (الأذنان من الرأس)(7). و الإضافة قد تحصل بالمجاورة.

ص: 150


1- مقدمات ابن رشد 50:1، تفسير القرطبي 83:6، الشرح الصغير 41:1، المنتقي للباجي 35:1.
2- الكافي 27:3-1، الفقيه 28:1-88، التهذيب 54:1-154.
3- الام 25:1، المجموع 371:1، السراج الوهاج: 16، فتح العزيز 337:1، الوجيز 12:1، المبسوط للسرخسي 6:1، اللباب 6:1، المغني 126:1-127، الشرح الكبير 158:1، بداية المجتهد 11:1، تفسير القرطبي 84:6، المنتقي للباجي 36:1، مقدمات ابن رشد 50:1، تفسير الرازي 157:11، شرح الأزهار 86:1، نيل الأوطار 188:1.
4- الام 27:1، مختصر المزني: 2، السراج الوهاج: 15، المغني 126:1-127، الشرح الكبير 145:1، بداية المجتهد 14:1، المبسوط للسرخسي 6:1، اللباب 6:1، نيل الأوطار 188:1.
5- الميزان 118:1، المغني 126:1، الشرح الكبير 145:1، نيل الأوطار 188:1.
6- صحيح مسلم 535:1-771، سنن الترمذي 474:2-580، سنن النسائي 221:2، سنن أبي داود 201:1-760، سنن ابن ماجة 335:1-1054، مستدرك الحاكم 220:1، مسند أحمد 30:6 و 217.
7- مصنف ابن أبي شيبة 17:1، مسند أحمد 258:5 و 268، سنن ابن ماجة 152:1-444، سنن أبي داود 33:1-134، سنن الترمذي 53:1-37، سنن الدار قطني 97:1، سنن البيهقي 66:1، الجامع الصغير 472:1-3046، معرفة السنن و الآثار 236:1، جامع المسانيد للخوارزمي 231:1.

و لا يجب أيضا مسحهما عندنا إجماعا، لا ظاهرهما و لا باطنهما، فمن فعل فقد أبدع، لقول الباقر عليه السلام: «ليس عليهما مسح و لا غسل»(1).

و قال الشافعي: يستحب مسح باطنهما و ظاهرهما بماء جديد، لانفراد حكمهما عن الرأس و الوجه، و به قال ابن عمر، و أبو ثور(2).

و قال مالك: هما من الرأس، و يستحب أن يأخذ لهما ماء جديدا(3).

و قال أحمد: هما من الرأس يجب مسحهما علي الرواية التي توجب استيعاب الرأس، و يجزي مسحهما بماء الرأس(4).

و روي عن ابن عباس، و عطاء، و الحسن البصري، و الأوزاعي، أنهما من الرأس يمسحان بمائه، و به قال أصحاب الرأي(5) ، و احتج الجميع بقوله عليه السلام: (الأذنان من الرأس)(6) ، و لا حجة فيه عندنا، لأنّا1.

ص: 151


1- الكافي 29:3-10، التهذيب 55:1-156، الاستبصار 63:1-187.
2- مختصر المزني: 2، الام 26:1، المجموع 413:1، فتح العزيز 427:1، تفسير القرطبي 90:6.
3- المدونة الكبري 16:1، بداية المجتهد 14:1، القوانين الفقهية: 29 و 30، تفسير القرطبي 90:6.
4- المغني 149:1، الشرح الكبير 168:1، الإنصاف 162:1.
5- المجموع 413:1، المبسوط للسرخسي 7:1 و 64.
6- مصنف ابن أبي شيبة 17:1، سنن ابن ماجة 152:1-444، سنن أبي داود 33:1-134، سنن الترمذي 53:1-37، سنن الدار قطني 97:1، سنن البيهقي 66:1، الجامع الصغير 472:1-3046، مسند أحمد 258:5 و 268، معرفة السنن و الآثار 236:1، جامع المسانيد للخوارزمي 231:1.

نخص المسح بمقدمه، و قال الشعبي، و الحسن بن صالح بن حي: إنّه يغسل ما أقبل منهما مع الوجه و يمسح ما أدبر مع الرأس(1).

مسألة 42: لا يجب غسل ما بين الأذن و العذار

- من البياض - عندنا، و به قال مالك(2) لأنه ليس من الوجه.

و قال الشافعي: يجب علي الأمرد و الملتحي(3). و قال أبو يوسف:

يجب علي الأمرد خاصة(4).

و لا ما خرج عمّا دارت عليه الإبهام و الوسطي من العذر عرضا، و لا يستحب، لتوقفه علي الشرع.

و يرجع الأنزع و الأغم [1] و قصير الأصابع و طويلها إلي مستوي الخلقة، فلو قصرت أصابعه عنه غسل ما يغسله مستويها، و لو قلّ عرض وجهه عنه لم يتجاوز إلي العذار، و إن نالته الأصابع.

و لا يعتبر كلّ واحد بنفسه لجواز أن يكون أغم أو أصلع، فيغسل الأغم ما علي جبهته من الشعر، و يترك الأصلع ما بين منابت الشعر في الغالب من الرأس إلي حد شعره.

و أما النزعتان - فهما ما انحسر عنهما الشعر في جانبي مقدّم الرأس، و يسمّي أيضا الجلحة - لا يجب غسلهما، و كذا موضع الصلع، و به قال الشافعي(5).

ص: 152


1- المجموع 414:1، تفسير الرازي 159:11، نيل الأوطار 188:1.
2- تفسير القرطبي 84:6، بداية المجتهد 11:1، المنتقي للباجي 36:1.
3- الام 25:1، المجموع 373:1، كفاية الأخيار 12:1.
4- المبسوط للسرخسي 6:1، المجموع 373:1.
5- الام 25:1، مختصر المزني: 2، المجموع 396:1، فتح العزيز 337:1، الوجيز 12:1، مغني المحتاج 51:1، السراج الوهاج: 16.

و الصدغان من الرأس، و العذار - هو ما كان علي العظم الذي يحاذي وتد الأذن - ليس من الوجه عندنا، خلافا للشافعي(1).

و العارضان: ما نزل من العذارين من الشعر علي اللحيين، و الذقن تحته: و هو مجمع اللحيين، و العنفقة: هو الشعر الذي علي الشفة السفلي عاليا بين بياضين.

و موضع التحذيف - و هو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار و النزعة - ليس من الوجه، لنبات الشعر عليه، فهو من الرأس، و للشافعي وجهان، أحدهما: من الوجه، و لذلك يعتاد النساء إزالة الشعر عنه، و به سمّي موضع التحذيف(2).

مسألة 43: يجب أن يغسل ما تحت الشعور الخفيفة من محل العرض،
اشارة

كالعنفقة الخفيفة، و الأهداب، و الحاجبين، و السبال، لأنها غير ساترة فلا ينتقل اسم الوجه إليها، و لو كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها بل غسل ظاهرها.

أمّا الذقن فإن كان شعره كثيفا لم يجب تخليله، و لا إيصال الماء إلي ما تحته، بل غسل ظاهره أيضا ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي(3) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله توضأ فغرف غرفة غسل وجهه(4) و قال علي عليه السلام في وصفه صلّي اللّه عليه و آله: «كان كبير الهامة، عظيم اللحية،

ص: 153


1- الام 25:1، المجموع 377:1، فتح العزيز 341:1، الوجيز 12:1، مغني المحتاج 51:1، تفسير الرازي 158:11.
2- المجموع 372:1، فتح العزيز 339:1، الوجيز 12:1، مغني المحتاج 51:1، المهذب للشيرازي 23:1.
3- الام 25:1، مختصر المزني: 2، المجموع 374:1، فتح العزيز 342:1، الوجيز 12:1، مغني المحتاج 51:1، السراج الوهاج: 16، المهذب للشيرازي 23:1.
4- صحيح البخاري 47:1، سنن أبي داود 34:1-137، سنن النسائي 74:1.

أبيض مشرب بحمرة»(1).

و معلوم أن الغرفة لا تأتي علي ما تحت الشعر كلّه، و لأنه صار باطنا كداخل الفم.

و قال أبو ثور، و المزني: يجب غسل ما تحت الكثيف، كالجنابة و كالحاجبين(2).

و هو غلط لكثرة الوضوء، فيشق التخليل بخلاف الجنابة، و الحاجبان غير ساترين غالبا.

و قال أبو حنيفة، في الشعر المحاذي لمحل الفرض: يجب مسحه، و في رواية أخري عنه: مسح ربعه، و هي عن أبي يوسف أيضا و عنه ثانية: سقوط الفرض عن البشرة، و لا يتعلق بالشعر، و هي عن أبي حنيفة أيضا(3).

و اعتبر أبو حنيفة ذلك بشعر الرأس، فقال: إن الفرض إذا تعلق بالشعر كان مسحا(4) ، و هو خطأ لقوله عليه السلام: (اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه(5) لرجل غطّي لحيته في الصلاة، بخلاف شعر الرأس فإنّ فرض البشرة تحته المسح، و هنا الفرض تحته الغسل، فإذا انتقل الفرض اليه انتقل علي صفته.

و أمّا إن كان الشعر خفيفا لا يستر البشرة، فالأقوي عندي غسل ما تحته3.

ص: 154


1- مسند أحمد 116:1.
2- المجموع 374:1، المغني 117:1، الشرح الكبير 162:1، عمدة القارئ 222:3، نيل الأوطار 185:1.
3- المبسوط للسرخسي 80:1، شرح فتح القدير 13:1، أحكام القرآن للجصاص 340:2، حلية العلماء 119:1.
4- انظر المغني 131:1.
5- كنز العمال 519:7-20044، الجامع الكبير 935:1، الفردوس 127:5-7702 و 135-7733.

و إيصال الماء إليه، و به قال ابن أبي عقيل(1) ، و هو مذهب الشافعي(2) ، لأنها بشرة ظاهرة من الوجه، و قال الشيخ: لا يجب تخليلها، كالكثيفة(3) ، و الفرق ظاهر.

فروع:

أ - يستحب تخليل الكثيفة لما فيه من الاستظهار، و لأنه عليه السلام كان يخلّلها(4) ، و ليس بواجب.

ب - لو نبت للمرأة لحية فكالرجل، و كذا الخنثي المشكل، و قال الشافعي: يجب تخليلها لأنه نادر(5).

ج - لو غسل شعر وجهه أو مسح علي شعر رأسه، ثم سقط لم يؤثر في طهارته لأنه من الخلقة كالجلد، و به قال الشافعي(6) ، و قال ابن جرير: تبطل طهارته كالخفين(7). و هو غلط، لأنه ليس من الخلقة بل بدل.

د - لا يجب غسل المسترسل من اللحية عن محل الفرض طولا و عرضا، و به قال أبو حنيفة، و المزني(8) ، لأن الفرض إذا تعلق بما يوازي

ص: 155


1- حكاه المحقق في المعتبر: 37.
2- المجموع 375:1 و 376، فتح العزيز 341:1، الوجيز 12:1، كفاية الأخيار 12:1، السراج الوهاج: 16، المهذب للشيرازي 23:1.
3- المبسوط للطوسي 20:1، الخلاف 77:1 مسألة 25.
4- سنن أبي داود 36:1-145، سنن ابن ماجة 148:1-149-429-433، سنن الدارمي 178:1، مستدرك الحاكم 149:1.
5- المجموع 376:1، فتح العزيز 343:1، الوجيز 12:1، مغني المحتاج 52:1، تفسير الرازي 158:11.
6- المجموع 393:1، المهذب للشيرازي 24:1.
7- المغني 130:1، المبسوط للسرخسي 65:1.
8- المجموع 380:1، فتح العزيز 345:1، بدائع الصنائع 4:1.

محل الفرض اختص بما يحاذيه، كشعر الرأس، و قال أحمد و مالك: يجب لدخوله في اسم الوجه، و لأنه ظاهر نابت علي محل الفرض فأشبه ما يحاذيه(1). و للشافعي قولان(2).

ه - لا يستحب إدخال الماء إلي باطن العينين، لما فيه من الأذي، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الآخر: الاستحباب(3) ، لأن ابن عمر كان يفعل ذلك حتي عمي(4). و ليس بحجة، نعم يستحب أن يمسح مآقيه [1] بإصبعه لإزالة الرمص [2] الواصل إليهما، و قد روي أنه عليه السلام كان يفعله(5).

و - يستحب أن يزيد في ماء الوجه علي باقي الأعضاء، لما فيه من الغضون [3] و الشعور و الدواخل و الخوارج، و قد روي علي عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يكثر فيه الماء»(6).

ز - لو أدخل يده و غسل بشرة اللحية لم يجزئ، لأنها إن كانت كثيفة فالغسل للظاهر، و إن كانت خفيفة فالغسل لهما، فلا يجزي أحدهما.

مسألة 44: و الواجب أن يغسل وجهه من القصاص الي المحادر،

فإن

ص: 156


1- المغني 130:1-131، الشرح الكبير 160:1-161، الإنصاف 156:1، كشاف القناع 96:1، بداية المجتهد 11:1، تفسير القرطبي 83:6.
2- المجموع 380:1، فتح العزيز 345:1، الوجيز 13:1، كفاية الأخيار 13:1، مغني المحتاج 52:1، السراج الوهاج: 16.
3- الام 24:1، المهذب للشيرازي 23:1، المجموع 369:1، مغني المحتاج 50:1.
4- الموطأ 45:1-69.
5- مسند أحمد 258:5، سنن أبي داود 33:1-134، سنن ابن ماجة 152:1-444.
6- سنن أبي داود 29:1-117، و نقله المصنّف بالمعني.

نكس، قال الشيخ(1) و أكثر علمائنا [1]: يبطل، و هو الوجه عندي، لأنه عليه السلام بدأ بالقصاص(2) في بيان المجمل، فيكون واجبا، لاستحالة الابتداء بالضد، و قال المرتضي رضي اللّه عنه: يكره(3) ، و الجمهور علي الجواز كيف غسل(4) ، لحصول المأمور به، و هو مطلق الغسل.

و لا بد من غسل جزء من الرأس و أسفل الذقن، لتوقف الواجب عليه، و في وصفه بالوجوب إشكال.

و يجب في الغسل تحصيل مسماه، و هو الجريان علي المغسول، فالدهن إن صدق عليه الاسم أجزأ و إلاّ فلا، و كذا في غسل اليدين.

المبحث الثالث: في غسل اليدين.
اشارة

و هو واجب بالنص و الإجماع، و يجب إدخال المرفقين في غسلهما، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء، منهم: عطاء، و مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أصحاب الرأي(5) لقوله تعالي إِلَي الْمَرافِقِ (6) و الغاية تدخل غالبا، و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ المنزّل

ص: 157


1- المبسوط للطوسي 20:1.
2- التهذيب 55:1-157.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 37.
4- المجموع 380:1.
5- الام 25:1، المجموع 385:1، الوجيز 13:1، فتح العزيز 347:1، بداية المجتهد 11:1، مقدمات ابن رشد 51:1، أحكام القرآن لابن العربي 566:2، تفسير القرطبي 86:6، الشرح الصغير 42:1، مغني المحتاج 52:1، تفسير الرازي 159:11، شرح فتح القدير 13:1، بدائع الصنائع 4:1، اللباب 6:1، المبسوط للسرخسي 6:1.
6- المائدة: 6.

من المرافق»(1).

و روي جابر قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا توضأ أدار الماء علي مرفقيه(2) ، خرج مخرج البيان، و لأن (إلي) تستعمل تارة بمعني (مع).

و من طريق الخاصة، حكاية الباقر عليه السلام صفة وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(3) ، و لأنه أحوط.

و قال بعض أصحاب مالك، و أبو بكر محمد بن داود الظاهري، و زفر ابن الهذيل: لا يجب غسل المرفقين(4) ، لأنه تعالي جعلهما غاية و حدّا للغسل، و الحد غير داخل، لقوله تعالي إِلَي اللَّيْلِ (5) و قد بيّنا أنها بمعني مع، علي أن الحد المجانس داخل، مثل: بعت هذا الثوب من هذا الطرف الي هذا الطرف.

مسألة 45: و يجب أن يبتدأ بالمرفقين،
اشارة

و لو نكس فقولان كالوجه، و الحقّ البطلان.

و يجب أن يبدأ باليمني قبل اليسري، ذهب إليه علماؤنا أجمع - خلافا للجمهور(6) - لأن المأتي به بيانا إن قدّم فيه اليسري وجب الابتداء بها، و ليس

ص: 158


1- الكافي 28:3-5، التهذيب 57:1-159 نقلا بالمعني.
2- سنن البيهقي 56:1، سنن الدار قطني 83:1-15.
3- الكافي 25:3-4 و 5، الفقيه 24:1-74.
4- بداية المجتهد 11:1، تفسير القرطبي 86:6، الهداية للمرغيناني 12:1، عمدة القارئ 233:2، بدائع الصنائع 4:1، المبسوط للسرخسي 6:1.
5- البقرة: 187.
6- المجموع 383:1، الام 26:1، كفاية الأخيار 16:1، فتح العزيز 420:1-421، السراج الوهاج: 18، المغني 120:1، الشرح الكبير 149:1، شرح فتح القدير 31:1، الشرح الصغير 48:1.

كذلك إجماعا فتعين العكس.

و لو قطعت من فوق المرفق سقط غسلها، و يستحب غسل موضع القطع بالماء، و إن قطعت من دون المرفق وجب غسل الباقي، و إن قطعت من المرفق فقد بقي من محل الفرض بقية، و هو طرف عظم العضد، لأنه من جملة المرفق، فإن المرفق مجمع عظم العضد و عظم الذراع.

فروع:

الأول: لو وجد الأقطع من يوضّيه لزمه، فان تعذر إلاّ بأجرة المثل وجبت، و لو تعذر إلاّ بأزيد، فالوجه الوجوب مع عدم الضرر، و لو لم يجد أصلا أو عجز عن الطهارة، فالوجه عندي سقوط الصلاة أداء و قضاء.

و قال بعض الشافعية: يصلّي علي حسب حاله و يعيد، لأنه بمنزلة من لم يجد ماء و لا ترابا(1).

الثاني: لو توضأ ثم قطعت يده لم يجب عليه غسل ما ظهر منها، لتعلّق الطهارة بما كان ظاهرا و قد غسله.

فإن أحدث بعد ذلك وجب غسل ما ظهر ما يده بالقطع، لأنه صار ظاهرا، و كذا لو قلّم أظفاره بعد الوضوء لم يجب غسل موضع القطع إلاّ بعد الحدث في طهارة أخري.

الثالث: لو انكشطت جلدة من محل الفرض و تدلّت منه وجب غسلها، و لو تدلّت من غيره لم يجب، و لو انكشطت من غير محل الفرض و تدلّت من محل الفرض وجب غسلها.

و إن انقلعت من أحد المحلّين، فالتحم رأسها في الآخر، و بقي

ص: 159


1- المجموع 392:1، المهذب للشيرازي 24:1.

وسطها متجافيا فهي كالنابتة في المحلين، يجب غسل ما حاذي محل الفرض من ظاهرها و باطنها و ما تحتها من محل الفرض.

مسألة 46: لو كان له يد زائدة، فان لم تتميز عن الأصلية وجب غسلهما معا
اشارة

لعدم الأولوية، و للأمر بغسل الأيدي.

و ان علمت الزائدة، فإن كانت تحت المرفق وجب غسلها أيضا، لأنها جزء من اليد فأشبهت اللحم الزائد، و إن كانت فوق المرفق، فإن كانت قصيرة لا يحاذي منها شيء محل الفرض لم يجب غسلها.

و ان كان منها شيء يحاذي مرفقه أو ذراعه، فالأقرب عدم وجوب غسلها، و عدم غسل المحاذي أيضا، لأن أصلها في غير محل الفرض، فهي تابعة له.

و يحتمل الوجوب لوقوع اسم اليد عليها، و كذا في القصيرة، و للشافعية في غير القصيرة وجهان(1).

فروع:

أ - لو كان له إصبع زائدة في كفه، أو كف زائدة في ذراعه، أو ذراع زائد وجب غسله، لأنه في محل الوضوء، فهو تابع له، و كذا لو كان له لحم نابت أو عظم.

ب - لو طالت أظافيره فخرجت عن حدّ يده يحتمل وجوب غسله لأنه جزء من اليد، و العدم كالمسترسل من اللحية، و للشافعية وجهان(2).

ج - الوسخ تحت الأظفار، إن كان يمنع من إيصال الماء إلي البشرة

ص: 160


1- المجموع 388:1، فتح العزيز 351:1-352، الشرح الكبير 164:1.
2- المجموع 387:1، المهذب للشيرازي 24:1.

وجب إزالته، إلاّ مع المشقة.

د - لو كان في إصبعه خاتم، أو في يده سير، أو دملج، فان كان يصل الماء تحته استحب له تحريكه، و إن لم يصل إلاّ بالتحريك وجب.

ه - لو كان له رأسان و بدنان علي حقو واحد وجب غسل أعضائه كلّها و إن حكمنا بوحدته، و كذا لو كان له رأسان وجب غسل وجهيه و مسحهما.

البحث الرابع: في مسح الرأس.
اشارة

و هو واجب بالنص و الإجماع، و يجزي أقل ما يصدق عليه الاسم للامتثال، فيخرج عن العهدة، و لأنه عليه السلام مسح ناصيته(1).

و يستحب مقدار ثلاث أصابع، و قال بعض علمائنا: يجب(2) ، و ما اخترناه قول الشافعي، و ابن عمر، و داود(3).

و الثوري حكي عنه أنه قال: لو مسح شعرة واحدة أجزأ(4) ، و للشافعي قول آخر: ثلاث شعرات(5).

و عن مالك ثلاث روايات، إحداها: الجميع، و هي إحدي الروايتين

ص: 161


1- صحيح مسلم 230:1-81 و 231-83، سنن النسائي 76:1، سنن البيهقي 58:1، مسند أحمد 4: 244 و 439:5.
2- الصدوق في الفقيه 28:1 ذيل الحديث 88.
3- الام 26:1، مختصر المزني: 2، نيل الأوطار 192:1، السراج الوهاج: 16، مغني المحتاج 53:1، المجموع 398:1-399، فتح العزيز 353:1، الوجيز 13:1، عمدة القارئ 235:2، التفسير الكبير 160:11، أحكام القرآن لابن العربي 568:2، المغني 143:1، الشرح الكبير 167:1، المحلي 52:2.
4- المحلي 52:2.
5- المجموع 398:1، فتح العزيز 354:1، المغني 143:1، الشرح الكبير 167:1، الهداية للمرغيناني 12:1، شرح العناية 16:1، أحكام القرآن لابن العربي 568:2.

عن أحمد، و هو محكي عن المزني لقوله تعالي وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (1) و هو يقتضي مسح الجميع(2).

الثانية: حكي محمد بن مسلمة - صاحبه - أنّه قال: إن ترك قدر الثلث جاز، و هي الرواية الثانية لأحمد(3).

الثالثة: إن ترك يسيرا بغير قصد جاز(4).

و عن أبي حنيفة ثلاث روايات، الاولي: الربع، الثانية: قدر الناصية(5) ، لأنّ أنسا قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أدخل يده تحت العمامة و مسح علي ناصيته(6) ، و هذا خرج مخرج البيان.

الثالثة: ثلاث أصابع إلي الربع(7) ، و عليه يعوّلون. و الناصية ما بين النزعتين و هي أقل من نصف الربع، فبطل تحديده.

فرع: لو مسح علي جميع الرأس فعل الواجب و زيادة

لأنه تعالي أمر بالبعض، و إنكار أنّ الباء للتبعيض مدفوع، فإن اعتقد مشروعيته أبدع، و لا

ص: 162


1- المائدة: 6.
2- عمدة القارئ 235:2، المغني 141:1 و 142، الشرح الكبير 166:1، مقدمات ابن رشد 51:1، نيل الأوطار 192:1، المجموع 399:1، فتح العزيز 354:1، الانصاف 161:1، بداية المجتهد 12:1، مختصر المزني: 2.
3- المجموع 399:1، أحكام القرآن لابن العربي 568:2، القوانين الفقهية: 29، مقدمات ابن رشد 51:1، حلية العلماء 122:1.
4- احكام القرآن لابن العربي 568:2، عمدة القارئ 234:2، احكام القرآن للجصاص 341:2.
5- المجموع 399:1، الهداية للمرغيناني 12:1، أحكام القرآن للجصاص 343:2 - 344، عمدة القارئ 235:2، اللباب 6:1، بدائع الصنائع 4:1، المبسوط للسرخسي 63:1.
6- سنن أبي داود 37:1-147، سنن البيهقي 61:1.
7- المبسوط للسرخسي 63:1، بدائع الصنائع 4:1، عمدة القارئ 235:2، احكام القرآن للجصاص 341:2، الهداية للمرغيناني 12:1، شرح فتح القدير 16:1، المجموع 399:1.

يستحب، خلافا للشافعي(1).

مسألة 47: و يختص المسح بمقدم الرأس عند علمائنا أجمع،

خلافا للجمهور(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح بناصيته(3) في معرض البيان.

و قول الصادق عليه السلام: «مسح الرأس علي مقدمه»(4) و لأنه مخرج عن العهدة بيقين فلا يجزي المسح علي غيره، و لو مسح علي المقدم و غيره امتثل، و فعل حراما إن اعتقد وجوبه أو مشروعيته.

و لا يجوز المسح علي غير المقدم عند علمائنا أجمع، و من جوّز مسح البعض من الجمهور يختص المقدم(5).

و المستحب مقبلا، و يجوز مدبرا علي كراهة، لحصول الامتثال بكل منهما، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»(6) و منع بعض علمائنا من الاستقبال كاليدين [1].

مسألة 48: و يجب المسح علي بشرة المقدم، أو شعره المختص به،

و لا يجزي علي حائل كالعمامة و المقنعة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، لأنه

ص: 163


1- المهذب للشيرازي 26:1، المجموع 402:1، مغني المحتاج 59:1.
2- الام 26:1، المجموع 395:1، أحكام القرآن للجصاص 341:2، شرح العناية 15:1، المغني 142:1، الشرح الكبير 167:1، نيل الأوطار 192:1.
3- صحيح مسلم 230:1-81 و 231-83، سنن النسائي 76:1، سنن البيهقي 58:1، مسند أحمد 244:4 و 439:5.
4- التهذيب 62:1-171، الإستبصار 60:1-176.
5- عمدة القارئ 235:2، نيل الأوطار 192:1، فتح العزيز 426:1.
6- التهذيب 58:1-161، الإستبصار 57:1-169.

مأمور بالمسح علي الرأس، و هو يصدق علي البشرة و شعرها.

و قال بعض الشافعية: إن مسح علي البشرة يصح إن كان محلوقا، و إلاّ فلا، لأن الواجب المسح علي الشعر، لأن الرأس اسم لما ترأّس و علا، و هو الشعر(1) ، و ليس بشيء.

و منع الشافعي من المسح علي الحائل كالعمامة، و به قال مالك، و أبو حنيفة(2).

و قال الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و داود: يجوز. إلاّ أن أحمد، و الأوزاعي شرطا لبسها علي طهارة(3).

و قال بعض أصحاب أحمد: إنما يجوز إذا كانت تحت الحنك(4) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بالمسح علي المشاوذ و التساخين(5) ، و المشاوذ: العمائم، و التساخين: الخفاف. و هو بعد التسليم محمول علي الموضع، و مسح أبي بكر علي العمامة(6) ليس بحجة.

فروع:

أ - لو عقص شعره النازل عن حد الرأس في مقدمة لم يجز المسح1.

ص: 164


1- فتح العزيز 354:1.
2- الام 26:1، المجموع 407:1، فتح العزيز 426:1، التفسير الكبير 160:11، مقدمات ابن رشد 52:1، نيل الأوطار 206:1، رحمة الأمة 18:1، المحلي 61:2، بداية المجتهد 13:1، بدائع الصنائع 5:1، أحكام القرآن للجصاص 351:2، المغني 341:1، الشرح الكبير 181:1.
3- المجموع 407:1، التفسير الكبير 160:11، أحكام القرآن للجصاص 351:2، مقدمات ابن رشد 52:1، مسائل الإمام أحمد: 8، بداية المجتهد 13:1، المغني 340:1، نيل الأوطار 1: 205، المحلي 61:2، رحمة الأمة 18:1، حلية العلماء 124:1.
4- المغني 342:1، الشرح الكبير 183:1، الإنصاف 185:1-186.
5- غريب الحديث للهروي 116:1، الفائق 266:2، لسان العرب 207:13 «سخن».
6- المجموع 407:1، المغني 340:1، الشرح الكبير 181:1، نيل الأوطار 205:1.

عليه، لأنه بمنزلة العمامة، و كذا لو جمع شعرا من غيره في المقدم و مسح.

ب - شرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حدّ الرأس، فلا يجوز أن يمسح علي المسترسل، و لا الجعد الكائن في حدّ الرأس إذا كان يخرج بالمدّ عنه.

ج - لو كان علي رأسه جمة في موضع المسح فادخل يده تحتها و مسح علي جلدة رأسه أجزأه.

د - لو مسح علي شعر المقدم ثم حلقه لم يبطل وضوؤه.

ه - يجوز للمرأة إدخال إصبعها تحت المقنعة في الظهر و العصر و العشاء، و يستحب وضعها في الغداة و المغرب.

و - لو مسح علي الحائل لضرورة أو تقية جاز، و في الإعادة مع الزوال إشكال.

مسألة 49: و يجب المسح ببقيّة نداوة الوضوء،
اشارة

و هو شرط في الصحة، و لو استأنف ماء جديدا و مسح به بطل وضوؤه، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ ابن الجنيد(1) ، لأن عثمان وصف وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و لم يذكر الاستئناف(2).

و من طريق الخاصة، صفة الباقر و الصادق عليهما السلام وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. و أنه مسح ببقية نداوة يده من غير أن يستأنف ماء جديدا(3) ، و فعله وقع بيانا فلا يجزي غيره.

ص: 165


1- حكاه المحقق في المعتبر: 38.
2- صحيح مسلم 204:1-226، سنن النسائي 64:1، سنن أبي داود 26:1-106.
3- الكافي 25:3-5، التهذيب 55:1-157، الاستبصار 58:1-171، و فيها عن الإمام الباقر عليه السلام.

و قال الحسن البصري، و عروة، و الأوزاعي، و أحمد في إحدي الروايتين: إنّه يجوز المسح ببقية البلل(1) ، لحديث عثمان(2).

و قال أبو حنيفة، و الشافعي، و مالك، و أحمد في الرواية الأخري:

لا يجوز إلاّ بماء جديد(3) ، و رووا ذلك عن علي عليه السلام(4) ، و لأنه مستعمل.

و الرواية ممنوعة، فإنّ المتواتر عن أهل البيت عليهم السلام خلافه(5) ، و الاستعمال لا يخرج الماء عن الطهورية.

فروع:

أ - لو لم تبق علي يديه نداوة أخذ من لحيته، و أشفار عينيه و حاجبيه من نداوة الوضوء و مسح به، و لا يجوز له الاستئناف، فإن لم يبق علي شيء من ذلك نداوة استأنف الطهارة، و كذا لو ذكر أنّه لم يمسح مسح، فإن لم يبق في يده نداوة فعل ما تقدم.

ب - لا فرق بين أن تكون النداوة من الغسلة الأولي أو الثانية، و كذا لو جوّزنا الثالثة علي إشكال ينشأ من كون مائها غير ماء الوضوء، و إن حرّمناها لم يجز قطعا، و كذا الثانية عند الصدوق(6).

ج - لو جفّ ماء الوضوء للحرّ أو الهواء المفرطين استأنف الوضوء، و لو

ص: 166


1- المغني 147:1، الشرح الكبير 169:1.
2- صحيح مسلم 204:1-226، سنن النسائي 64:1، سنن أبي داود 26:1-106.
3- الام 26:1، المغني 147:1، الشرح الكبير 169:1.
4- سنن أبي داود 27:1-111، سنن البيهقي 51:1، مصنف ابن أبي شيبة 21:1.
5- الكافي 24:3-1-4، التهذيب 55:1-157 و 58-162، الاستبصار 58:1-171 و 172.
6- الفقيه 25:1، الهداية: 16.

تعذر أبقي جزءا من يده اليسري ثم أخذ كفا غسله به، و عجّل المسح علي الرأس و الرجلين.

د - لو غسل بدلا من المسح لم يجز عندنا إجماعا، أمّا أولا فلاشتماله علي الاستئناف، و أما ثانيا فلأنه مغاير للمسح المأمور به فيبقي في العهدة.

و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة أحدكم حتي يضع الطهور مواضعه، فيغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح برأسه)(1).

و للشافعي وجهان(2) و عن أحمد روايتان، لأن الغسل مسح و زيادة(3) ، و علي تقدير الجواز للشافعي هل يكره ؟ وجهان، و علي كل تقدير فإنه لا يستحب عنده(4).

ه - لو وضع يده بالبلّة علي محل الفرض و لم يمسح لم يجز، لأنه لم يأت بالمسح المأمور به، و أصح وجهي الشافعي: الإجزاء، لأن الغرض وصول الماء دون كيفيته(5). و هو ممنوع.

و لو قطّر علي محل المسح قطرة، فإن جرت أجزأت عنده قطعا، و إلاّ فوجهان(6) ، و عندنا لا يجزي مطلقا للاستئناف.

و - لو مسح بخرقة مبلولة أو خشبة لم يجز عندنا للاستئناف، و عن1.

ص: 167


1- تلخيص الحبير 267:3، فتح العزيز 267:3، المبسوط للسرخسي 36:1.
2- المجموع 410:1، فتح العزيز 355:1، السراج الوهاج: 16، مغني المحتاج 53:1، كفاية الأخيار 13:1.
3- المغني 147:1، الشرح الكبير 169:1.
4- فتح العزيز 355:1، المجموع 410:1.
5- الوجيز 13:1، فتح العزيز 356:1، المجموع 410:1، كفاية الأخيار 13:1، السراج الوهاج: 17، مغني المحتاج 53:1.
6- المجموع 410:1، فتح العزيز 356:1، مغني المحتاج 53:1، كفاية الأخيار 13:1.

أحمد وجهان(1).

ز - لو مسح علي حائل غير مانع من إيصال الرطوبة إلي محل الفرض لم يجز، لأن الباء كما اقتضت التبعيض اقتضت الإلصاق.

البحث الخامس: في مسح الرجلين.
مسألة 50: ذهبت الإمامية كافة إلي وجوب المسح علي الرجلين،

و إبطال الوضوء بغسلهما اختيارا، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و أنس بن مالك، و الشعبي، و أبو العالية، و عكرمة(2) ، لقوله تعالي:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ (3) .

و النصب لا ينافيه للعطف علي الموضع، و لا يجوز عطفه علي الأيدي لئلاّ تتناقض القراءتان، و للفصل، و لاشتماله مع مخالفة الفصاحة بالانتقال عن جملة قبل استيفاء الغرض منها إلي ما لا تعلق لها به، و الجر بالمجاورة من رديء الكلام، و لم يرد في كتاب اللّه تعالي، و لا مع الواو.

و روي أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أتي كظامة قوم بالطائف، فتوضأ و مسح علي قدميه(4) ، و عن علي عليه السلام أنّه

ص: 168


1- المغني 148:1، الشرح الكبير 170:1.
2- المجموع 418:1، المغني 150:1-151، الشرح الكبير 146:1-147، عمدة القارئ 238:2، فتح الباري 213:1، تفسير الطبري 82:6، المبسوط للسرخسي 8:1، أحكام القرآن للجصاص 345:2، المحلي 56:2، أحكام القرآن لابن العربي 577:2، تفسير القرطبي 92:6.
3- المائدة: 6.
4- سنن أبي داود 41:1-160، سنن البيهقي 286:1، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار: 63.

مسح علي نعليه و قدميه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه و صلّي(1) ، و عن ابن عباس أنّه قال: ما أجد في كتاب اللّه إلاّ غسلتين و مسحتين(2).

و ذكر لأنس بن مالك قول الحجاج: اغسلوا القدمين ظاهرهما و باطنهما، و خلّلوا ما بين الأصابع، فقال أنس: صدق اللّه و كذب الحجاج(3) ، قال اللّه تعالي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ، وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ (4).

و قال الشعبي: الوضوء مغسولان و ممسوحان(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن المسح علي الرجلين، فقال: «هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام»(6) ، و لمّا وصف الباقر و الصادق عليهما السلام وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قالا: «ثم مسح رأسه و قدميه»(7).

و قال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين الغسل و المسح(8) ، و قال ابن جرير الطبري بالتخيير بينهما(9) ، و قال باقي الجمهور بوجوب الغسل(10) ،1.

ص: 169


1- كنز العمال 435:9-26856.
2- سنن البيهقي 72:1، سنن الدار قطني 96:1-5.
3- المغني 150:1-151، الشرح الكبير 147:1، تفسير القرطبي 92:6، تفسير الطبري 82:6، الدر المنثور للسيوطي 262:2، سنن البيهقي 71:1.
4- المائدة: 6.
5- المغني 151:1، الشرح الكبير 147:1.
6- التهذيب 63:1-177، الإستبصار 64:1-189.
7- الكافي 26:3-5، التهذيب 56:1-158، الاستبصار 57:1-168.
8- المجموع 417:1، عمدة القارئ 238:2، التفسير الكبير 161:11.
9- المجموع 417:1، التفسير الكبير 161:11، تفسير الطبري 84:6، بداية المجتهد 15:1، أحكام القرآن لابن العربي 577:2، تفسير القرطبي 92:6، المغني 151:1، الشرح الكبير 147:1، عمدة القارئ 238:2.
10- المبسوط للسرخسي 8:1، أحكام القرآن للجصاص 345:2، عمدة القارئ 236:2 و 238، بدائع الصنائع 5:1، مغني المحتاج 53:1، المجموع 417:1، الوجيز 13:1، الام 27:1 التفسير الكبير 161:11، المغني 150:1، الشرح الكبير 146:1.

لأن عثمان لمّا وصف وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: ثم غسل رجليه(1) ، و عن عبد اللّه بن عمرو أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رأي قوما يتوضئون و أعقابهم تلوح، فقال: (ويل للأعقاب من النار) [1].

و رواية عثمان معارضة بما تقدم من الروايات، مع أنّ أهل البيت عليهم السلام أعرف منه لملازمتهم الرسول صلّي اللّه عليه و آله، و لاحتمال أنّه غسلهما للتنظيف فتوهم الجزئية، بخلاف المسح، و تهديد الأعقاب لا يدل علي وجوب غسلهما في الوضوء علي أنه جزء منه.

مسألة 51: و محل المسح ظهر القدمين من رءوس الأصابع إلي الكعبين،

و هما العظمان الناتئان في وسط القدم، و هما معقد الشراك أعني مجمع الساق و القدم - ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن الشيباني(2) - لأنه مأخوذ من كعب ثدي المرأة أي ارتفع. و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل فأين الكعبان ؟: «ها هنا»(3) يعني المفصل دون عظم الساق.

و قال الجمهور كافة: الكعب، هو العظم الناتئ عن يمين الرجل و شمالها(4). لأن قريشا كانت ترمي كعبي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من

ص: 170


1- صحيح مسلم 204:1-205-226، سنن أبي داود 26:1-27-107-109، سنن الدارمي 176:1، مسند أحمد 68:1.
2- المبسوط للسرخسي 9:1، أحكام القرآن للجصاص 347:2، بدائع الصنائع 7:1، شرح فتح القدير 15:1، شرح الأزهار 89:1.
3- التهذيب 76:1-191، الكافي 26:3-5.
4- المبسوط للسرخسي 9:1، احكام القرآن للجصاص 347:2، الام 27:1، احكام القرآن لابن العربي 579:2، بدائع الصنائع 7:1، مغني المحتاج 53:1-54، التفسير الكبير 11: 162، المجموع 422:1، المغني 155:1.

ورائه(1) ، و لنص أهل اللغة عليه(2).

و لا حجة في الأول علي المطلوب، و النص لا يدل علي التخصيص.

مسألة 52: لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح،
اشارة

بل يكفي المسح من رءوس الأصابع إلي الكعبين، و لو بإصبع واحدة عند فقهاء أهل البيت عليهم السلام لوجوب تقدير العامل الدال علي التبعيض، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك، ما بين كعبيك إلي أطراف الأصابع فقد أجزأك»(3).

و يجب استيعاب طول القدم من رءوس الأصابع إلي الكعبين، لأنهما غاية فيجب الانتهاء إليها، فيجب الابتداء من رءوس الأصابع لعدم الفارق.

و يجب المسح بباقي نداوة الوضوء، فلو استأنف له بطل - و البحث فيه كما في الرأس - و يستحب أن يكون بثلاث أصابع مضمومة، و قال بعض علمائنا: يجب [1].

فروع:

أ - يجوز المسح منكوسا، بأن يبتدئ من الكعبين - لما تقدم في الرأس - و منعه بعض علمائنا [2].

ب - لا يجب الترتيب بينهما، لكن يستحب البدأة باليمني.

ج - لو كان علي الرجلين أو الرأس رطوبة، ففي جواز المسح عليها

ص: 171


1- سنن البيهقي 76:1 و انظر المغني 155:1.
2- انظر القاموس المحيط 124:1، و الصحاح 213:1 «كعب».
3- التهذيب 90:1-237، الاستبصار 61:1-182.

قبل تنشيفها إشكال.

د - لو قطع بعض موضع المسح وجب المسح علي الباقي، و لو استوعب سقط.

ه - لو كان له رجل ثالثة، فإن اشتبهت بالأصلية وجب مسحها، و إلاّ فإشكال ينشأ من العموم، و من صرف اللفظ إلي الظاهر.

و - لو غسل عوض المسح لم يجزئه لما تقدم، إلاّ أن يكون للتقية فيصح، و هل يجب عليه الإعادة مع زوالها؟ الأقرب لا.

و لو أراد غسلهما للتنظيف قدّم غسل الطهارة أو أخّره.

و لو كان محل الفرض في المسح نجسا، وجب تقديم غسله علي المسح، و كذا أعضاء الغسل، و في الاكتفاء به عن غسل الوضوء نظر، أقربه الصحة مع طهارة المنفصل كالكثير.

ز - يجوز المسح علي النعل العربية، و إن لم يدخل يده تحت الشراك، و هل يجزي لو تخلّف ما تحته أو بعضه ؟ إشكال أقربه ذلك، و هل ينسحب إلي ما يشبهه كالسير في الخشب ؟ إشكال، و كذا لو ربط رجله بسير للحاجة و في العبث إشكال.

مسألة 53: لا يجوز المسح علي الخفين،
اشارة

و لا علي ساتر إلاّ للضرورة أو التقية، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أبو بكر بن داود و الخوارج(1) - لقوله تعالي وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ (2) و الباء للإلصاق، و لأن أبا مسعود البدري لمّا روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح

ص: 172


1- المجموع 476:1، نيل الأوطار 223:1، كفاية الأخيار 29:1، تفسير القرطبي 100:6، عمدة القارئ 98:3، فتح الباري 244:1، تفسير الرازي 163:11، جامع الجواهر 283:2.
2- المائدة: 6.

علي الخفين، قال له علي عليه السلام: قبل نزول المائدة أو بعده ؟ فسكت أبو مسعود(1) ، و هذا إنكار منه عليه السلام لهذه المقالة، و اعتقاد وجوب المسح علي البشرة، و لقول علي عليه السلام: «ما أبالي أمسح علي الخفين، أو علي ظهر عير بالفلاة»(2).

و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام: «سبق الكتاب الخفين» و سئل عن المسح علي الخفين، فقال عليه السلام: (لا تمسحه)(3).

و ذهب الجمهور كافة إلي جوازه(4) ، لأن سعد بن أبي وقاص روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعله(5).

و متابعة الكتاب العزيز أولي من رواية سعد، مع معارضتها لروايات أهل البيت عليهم السلام(6) ، و هم أعرف بكيفيات الشريعة لملازمتهم الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سماعهم الوحي، مع أنّ عائشة و أبا هريرة أنكرا المسح علي الخفين(7).

و قال الباقر عليه السلام: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول اللّه1.

ص: 173


1- التهذيب 361:1-1091 و فيه المغيرة بن شعبة بدل أبي مسعود.
2- نقله في المعتبر: 40، و روي نحوه عن ابن عباس كما في مسند أحمد 323:1، و عن عائشة كما في الفقيه 30:1-97.
3- التهذيب 361:1-1088.
4- التفسير الكبير 163:11، المبسوط للسرخسي 97:1، بدائع الصنائع 7:1، بداية المجتهد 18:1، بلغة السالك 58:1، الشرح الصغير 58:1، المغني 316:1، الشرح الكبير 179:1.
5- صحيح البخاري 62:1، مسند أحمد 15:1، سنن البيهقي 269:1.
6- التهذيب 361:1-1087-1091.
7- المجموع 478:1، عمدة القارئ 97:3، التفسير الكبير 163:11، شرح فتح القدير 127:1، نيل الأوطار 222:1.

صلّي اللّه عليه و آله، و فيهم علي عليه السلام، و قال: ما تقولون في المسح علي الخفين ؟ فقال المغيرة بن شعبة: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يمسح علي الخفين. فقال علي عليه السلام: «قبل المائدة أو بعدها؟» فقال: لا أدري. فقال علي عليه السلام: «سبق الكتاب الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة»(1).

و من أغرب الأشياء تسويغ المسح علي الخف، لرفع الحدث عن الرجلين، و منعه عن البشرة.

فروع:

أ - إنما يجوز المسح علي الخفين عند الضرورة، كالبرد و شبهه، أو التقية، دفعا للحرج، و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل هل فيهما رخصة:

«لا، إلاّ من عدوّ تتّقيه، أو ثلج تخاف علي رجلك»(2).

ب - لو مسح علي الحائل للضرورة أو التقية، ثم زالتا أو نزع الخف فالأقرب الاستيناف، لأنّها مشروطة بالضرورة و قد زالت فيزول لزوال شرطها، و لا بعد في العدم، لارتفاع الحدث.

ج - الضابط في تسويغ المسح علي الخفين و غيرهما حصول الضرورة، فلا شرط سواه، و لا يتقدر بمدة غيرها.

و لا فرق بين اللبس علي طهارة أو حدث، و لا بين أن يكونا خفين أو جوربين أو جرموقين اللذان فوق الخف، و لا بين أن يكونا صحيحين أو لا، بل المعتبر إمكان المسح علي البشرة، فإن أمكن وجب، و إلاّ جاز المسح

ص: 174


1- التهذيب 361:1-1091.
2- التهذيب 362:1-1092، الاستبصار 76:1-236.

علي ذلك كلّه من الضرورة و إن زالت.

د - لو دارت التقية بين المسح علي الخفين و غسل الرجلين فالغسل أولي. و قال الشافعي، و أحمد، و الحكم، و إسحاق: المسح علي الخفين أولي من الغسل، لما فيه من مخالفة الشيعة(1).

و لنذكر بعض أحكام المسح علي الخفين علي رأي المخالفين، اقتداء بالشيخ(2).

مسألة 54: شرط الشافعي للمسح علي الخف أمرين:

الأول: أن يلبس الخف علي طهارة تامة قوية، فلو غسل إحدي رجليه و أدخل الخف لم يصح حتي يغسل الثانية، ثم يبتدئ باللبس، و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق(3) ، و كذا لو صبّ الماء في الخف بعد لبسه علي الحدث.

و المستحاضة إذا لبست علي وضوء لم تمسح علي أحد الوجهين لضعف طهارتها(4).

و قال أبو حنيفة، و المزني، و أبو ثور، و داود، و ابن المنذر: لا يشترط أن يكون اللبس علي طهارة، فلو لبس خفه قبل كمال الطهارة ثم كمّل

ص: 175


1- المجموع 478:1، كفاية الأخيار 29:1، المغني 316:1، الشرح الكبير 179:1، عمدة القارئ 97:3.
2- انظر الخلاف 204:1-217 مسألة 168-185.
3- الأم 33:1، المجموع 512:1، مختصر المزني: 9-10، فتح العزيز 365:2، كفاية الأخيار 29:1، مغني المحتاج 65:1، الوجيز 23:1، بداية المجتهد 22:1، الشرح الصغير 59:1، المغني 317:1-318، الشرح الكبير 183:1، المبسوط للسرخسي 99:1-100، شرح فتح القدير 130:1، احكام القرآن للجصاص 350:2، عمدة القارئ 102:3.
4- فتح العزيز 368:2، الوجيز 23:1.

طهارته، ثم أحدث جاز له المسح، و إنما المعتبر أن يطرأ الحدث بعد اللبس علي كمال الطهارة(1).

الثاني: أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا، فإن تخرّق، أو كان دون الكعبين، أو لم يكن قويا - و هو الذي يتردد عليه في المنازل، لا كالجورب و اللفافة - أو كان مغصوبا، لم يجز المسح، و في المغصوب عنده وجه بالجواز(2).

و لا يجوز أن يمسح علي خف يظهر عليه شيء من القدم، في الجديد، و به قال الحسن بن صالح(3).

و قال في القديم: يمكن المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه، و به قال أبو إسحاق، و أبو ثور، و داود(4).

و قال مالك، و الليث: إن كثر الخرق و تفاحش لم يجز(5).

و قال أبو حنيفة: إن تخرّق أكثر من ثلاثة أصابع لم يجز، و إن كان أقل جاز(6).2.

ص: 176


1- المبسوط للسرخسي 99:1-100، شرح فتح القدير 130:1، عمدة القارئ 102:3، مختصر المزني: 10، المجموع 512:1، فتح العزيز 366:2، المغني 318:1، بداية المجتهد 22:1، نيل الأوطار 227:1-228، المحلي 100:2.
2- المجموع 510:1، مغني المحتاج 65:1-66، السراج الوهاج: 19، الوجيز 24:1.
3- الام 33:1، المجموع 496:1، فتح العزيز 370:2، كفاية الأخيار 29:1-30، الوجيز 1: 24، المغني 334:1، الشرح الكبير 193:1، شرح العناية 133:1، تفسير القرطبي 6: 102، المحلي 101:2.
4- المجموع 497:1، كفاية الأخيار 30:1، المغني 334:1، الشرح الكبير 193:1، بداية المجتهد 20:1، المحلي 100:2.
5- المدونة الكبري 40:1، بداية المجتهد 20:1، تفسير القرطبي 101:6، المجموع 497:1، المغني 334:1، الشرح الكبير 193:1، المحلي 101:2.
6- المبسوط للسرخسي 100:1، شرح فتح القدير 132:1-133، الهداية للمرغيناني 28:1-29، 132:1، المجموع 497:1، المغني 334:1، الشرح الكبير 193:1، المحلي 101:2.

و لو كان الخرق فوق الكعبين لم يضر عند الجماعة.

و عند الشافعي يجوز المسح علي الجوربين بشرطين: أن يكون صفيقا و أن يكون له نعل. و ليس تجليد قدميه [1] شرطا إلاّ أن يكون الجورب رقيقا، فيقوم تجليده مقام صفاقته و قوته، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، لأن العادة عدم إمكان متابعة المشي في الجوربين إذا لم ينعّل(1).

و قال أحمد: يجوز المسح علي الجورب الصفيق، و إن لم يكن له نعل(2). و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عمر(3) ، و به قال أبو يوسف، و محمد، و داود(4) لأنّ المغيرة روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح علي الجوربين(5).

قال الشافعي: و لو كان الخف من خشب رقيق، يمكن متابعة المشي فيه جاز المسح عليه، و إلاّ فلا(6).

و لو لبس جرموقا فوق خف أو خفا فوق خف، فان كان الأسفل مخرّقا و الأعلي صحيحا، جاز المسح علي الأعلي. و إن كان الأعلي مخرّقا أو كانا2.

ص: 177


1- المجموع 499:1، بداية المجتهد 19:1-20، تفسير القرطبي 102:6، الهداية للمرغيناني 30:1، المغني 332:1، الشرح الكبير 180:1، المحلي 86:2.
2- المغني 331:1، الشرح الكبير 180:1، المجموع 500:1، المحلي 86:2.
3- سنن أبي داود 41:1-159، المجموع 500:1، تفسير القرطبي 102:6، نيل الأوطار 226:1، المحلي 84:2-85.
4- المبسوط للسرخسي 102:1، المجموع 500:1، بداية المجتهد 19:1، تفسير القرطبي 102:6، المحلي 86:2.
5- سنن أبي داود 41:1-159، سنن ابن ماجة 185:1-559، مسند احمد 252:4، سنن البيهقي 283:1-284.
6- الام 34:1، المجموع 496:1، فتح العزيز 374:2.

صحيحين، لم يجز المسح عليه في أحد القولين(1) ، لأنّ الأعلي ليس بدلا عن الأسفل - إذ ليس المبدل في الطهارة بدلا - و لا عن الرجل، و إلاّ لكان إذا نزعه لا يبطل المسح لعدم ظهور الرجل، و هو إحدي الروايتين عن مالك(2).

و في القديم: يجوز، و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و الأوزاعي، و إسحاق(3) ، لما روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح علي الموق(4) ، و هو الجرموق(5).

قال الشافعي: و يجزي في المسح علي الخفين أقل اسمه كالرأس، سواء مسح بكل اليد أو بعضها أو بخشبة أو خرقة أو غير ذلك(6).

و قال أبو حنيفة: لا يجزئه إلاّ أن يمسح بأصابعه الثلاث(7) - و قال زفر: إن مسح بإصبع واحدة قدر ثلاث أصابع أجزأه(8) ، و قال أحمد: لا يجزئه إلاّ مسح أكثر القدم - لأن الحسن البصري قال: سنة المسح خطط بالأصابع(9).

قال الشافعي: و لا بد أن يكون محل المسح موازيا لمحل الغسل من1.

ص: 178


1- المجموع 505:1، فتح العزيز 378:2-379، كفاية الأخيار 30:1، مغني المحتاج 66:1-67.
2- المجموع 508:1، فتح العزيز 379:2، المنتقي 82:1.
3- المجموع 508:1، فتح العزيز 378:2، شرح فتح القدير 137:1، شرح العناية 137:1، المغني 319:1-320، الشرح الكبير 180:1.
4- سنن أبي داود 39:1-153، سنن البيهقي 288:1-289، مسند احمد 264:5.
5- انظر الصحاح 1557:4، و النهاية 372:4 «موق».
6- المجموع 520:1، كفاية الأخيار 31:1-32، مغني المحتاج 67:1.
7- المبسوط للسرخسي 100:1، شرح فتح القدير 132:1، الهداية للمرغيناني 28:1، المحلي 112:2.
8- المبسوط للسرخسي 100:1، المحلي 112:2.
9- المغني 337:1، الشرح الكبير 198:1، مصنّف ابن أبي شيبة 185:1.

الرجل فيجزي غير الأخمصين و العقبين، و فيما يحاذي الأخمصين - و هو أسفل الخف وجهان: عدم جواز الاقتصار عليه، لأن الرخص يجب فيها الاتّباع و لن ينقل الاقتصار علي الأسفل، و الجواز لمحاذاته محل الفرض(1).

قال: و يستحب مسح أعلي الخف و أسفله، و به قال عبد اللّه بن عمر، و عمر بن عبد العزيز، و الزهري، و مالك، و ابن المبارك، و إسحاق(2) ، لأن المغيرة روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مسح أعلي الخف و أسفله(3).

و قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و داود: المسح علي ظاهر القدم لا مدخل لأسفله فيه(4) ، لأن عليا عليه السلام قال: «لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولي بالمسح من ظاهره»(5).

قال الشافعي: يكره الغسل و التكرار للمسح لما فيه من إفساد الخف(6). قال: و تباح الصلاة للماسح علي الخف بوضوء إلي انقضاء مدته، أو نزع الخف. و مدته للمقيم يوم و ليلة، و للمسافر ثلاثة أيام و لياليهن(7) ، و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و الحسن بن1.

ص: 179


1- فتح العزيز 389:2.
2- بداية المجتهد 19:1، المجموع 518:1 و 521، فتح العزيز 392:2، مغني المحتاج 67:1، كفاية الأخيار 32:1، المغني 335:1، المحلي 113:2.
3- سنن أبي داود 42:1-165، سنن ابن ماجة 183:1-550، سنن الترمذي 162:1-97، مسند أحمد 251:4، سنن البيهقي 290:1.
4- المبسوط للسرخسي 101:1، اللباب 37:1، المغني 335:1، المجموع 521:1، بداية المجتهد 19:1، تفسير القرطبي 103:6، المحلي 111:2.
5- سنن أبي داود 42:1-162، سنن البيهقي 292:1، سنن الدار قطني 199:1-23.
6- المجموع 52:1، فتح العزيز 392:2-393، الوجيز 24:1.
7- الام 34:1، المجموع 483:1، فتح العزيز 395:2 و 397، الوجيز 24:1، مغني المحتاج 64:1، كفاية الأخيار 31:1، نيل الأوطار 229:1.

صالح، و أحمد، و إسحاق(1) ، لأن مسلم بن الحجاج روي في صحيحه عن علي عليه السلام أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جعل ثلاثة أيام و لياليهن للمسافر، و يوما و ليلة للمقيم(2).

و قال مالك: يمسح المسافر بلا توقيت، و كذا المقيم في إحدي الروايتين، و في الأخري: لا يمسح(3).

و عن الشافعي رواية أنّه يمسح بلا توقيت، إلاّ أن يجب عليه غسل الجنابة(4).

و قال الليث بن سعد، و ربيعة: يمسح علي الخفين إلي أن ينزعهما(5) ، و لم يفرقا بين المسافر و الحاضر، و رواه ابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و الشعبي(6).

و قال داود: يمسح المسافر بخمس عشرة صلاة، و المقيم بخمس(7) ، لأن أبي بن عمارة كان قد صلّي مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إلي القبلتين، و قال له: يا رسول اللّه أمسح علي الخفين ؟ قال: (نعم) قلت: يوما؟1.

ص: 180


1- شرح فتح القدير 130:1، المغني 322:1، الشرح الكبير 187:1-188، مسائل أحمد: 10، المجموع 483:1-484، نيل الأوطار 229:1.
2- صحيح مسلم 232:1-85، سنن ابن ماجة 183:1-552، مسند أحمد 96:1 و 100 و 113، سنن الدارمي 181:1، نيل الأوطار 230:1.
3- بداية المجتهد 20:1، تفسير القرطبي 101:6، الشرح الصغير 58:1، المجموع 484:1، المغني 322:1، الشرح الكبير 188:1، عمدة القارئ 97:3، نيل الأوطار 229:1، حلية العلماء 131:1.
4- المجموع 482:1، فتح العزيز 395:2، كفاية الأخيار 31:1.
5- المجموع 484:1، المغني 322:1، الشرح الكبير 188:1، نيل الأوطار 229:1.
6- المجموع 484:1.
7- المجموع 483:1.

قال: (و يومين) قلت: و ثلاث ؟ قال: (نعم و ما شئت)(1).

و ابتداء المدة عند الشافعي من حين يحدث اللابس للخفين، فإذا تطهر بغسل أو وضوء، ثم أدخل رجليه الخفين و هما طاهرتان ثم أحدث، فإنه يمسح من وقت ما أحدث يوما و ليلة أو ثلاثة أيام(2) ، لأن في حديث صفوان ابن عسّال: من الحدث الي الحدث(3).

و قال الأوزاعي، و أحمد، و أبو ثور، و داود: ابتداء المدة من حين يمسح علي الخفين(4) ، لما رووه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)(5) و هو يقتضي أن يكون ابتداء المدة من حين المسح.

فإذا انقضت المدة، قال الشافعي: لم يجز له أن يصلي بالمسح، و عليه نزع الخفين و غسل الرجلين، لأن الواجب غسل الرجلين قام مقامه1.

ص: 181


1- سنن أبي داود 40:1-158، سنن ابن ماجة 185:1-557، سنن الدار قطني 198:1-19، المستدرك للحاكم 170:1.
2- الام 35:1، مختصر المزني: 9، المجموع 486:1، فتح العزيز 397:2، كفاية الأخيار 31:1، مغني المحتاج 46:1، الوجيز 24:1، السراج الوهاج: 19، التفسير الكبير 163:11.
3- اتفقت المصادر الحديثية التالية علي عدم ذكر لفظة (من الحدث إلي الحدث) في ذيل الحديث، و يؤيد ذلك قول النووي في المجموع 487:1 من أنها زيادة غريبة ليست ثابتة انظر سنن ابن ماجة 161:1-478، سنن الترمذي 159:1-96، سنن النسائي 1: 83، ترتيب مسند الشافعي 41:1-42-122، مسند أحمد 239:4، و 240، سنن الدار قطني 196:1-15، مسند الطيالسي: 160، موارد الظمآن: 73-186، المحرر في الحديث 112:1-67.
4- المحرر في الفقه 12:1، المجموع 487:1، شرح العناية 131:1.
5- صحيح مسلم 232:1-276، سنن أبي داود 40:1-157، سنن ابن ماجة 183:1-552، سنن النسائي 84:1، سنن الترمذي 158:1-95، سنن الدار قطني 194:1-1، سنن البيهقي 278:1.

مسح الخفّين في المدة، فإذا انقضت لم يجز إلاّ بدليل(1).

و قال الحسن البصري: لا يبطل المسح، و يصلي إلي أن يحدث، فإذا أحدث لم يمسح(2).

و قال داود: يجب نزع الخفّين و لا يصلّي فيهما، فإذا نزع الخفّين صلّي بطهارته إلي أن يحدث، لأن الطهارة قد صحت فلا تبطل إلاّ بالحدث، و انقضاء المدة ليس بحدث(3).

قال الشافعي: لو لبس ثم سافر قبل أن يحدث، ثم أحدث في السفر و مسح، فإنه يمسح مسح مسافر، و إن سافر بعد ما أحدث و قبل أن يمسح و مسح في السفر فإنه يتمّ مسح مسافر أيضا(4) ، و قال المزني: يتم مسح مقيم لأنه قد اجتمع الحضر و السفر في وقت المسح(5).

و لو أحدث في وقت الصلاة و لم يمسح حتي خرج وقتها، ثم سافر، قال أبو إسحاق: يمسح مسح مقيم، لأن خروج وقت الصلاة كالتلبس بها في وجوب إتمامها، فكذا في المسح(6) ، و قال أبو علي بن أبي هريرة: يمسح مسح مسافر، لأنه سافر قبل التلبس بالمسح فكان كما لو سافر في الوقت(7).

و لو أحدث و مسح في الحضر ثم سافر، فإنه يتم مسح مقيم، عند1.

ص: 182


1- المجموع 526:1، مغني المحتاج 68:1، كفاية الأخيار 32:1، المحلي 94:2.
2- المجموع 527:1، المغني 323:1، الشرح الكبير 203:1، المحلي 94:2.
3- المجموع 527:1، المغني 323:1، الشرح الكبير 203:1، المحلي 94:2.
4- الام 35:1، المجموع 488:1، فتح العزيز 399:2، الوجيز 24:1.
5- المجموع 488:1، فتح العزيز 399:2.
6- فتح العزيز 399:2-400، المهذب للشيرازي 27:1.
7- المجموع 488:1، المهذب للشيرازي 27:1.

الشافعي، و أحمد، و إسحاق، لأنها عبادة تتغير بالسفر و الحضر، فإذا تلبس بها في الحضر ثم سافر، كان الاعتبار بحكم الحضر، كالصلاة إذا تلبس في الحضر ثم سارت السفينة، فإنه يتم صلاة حاضر(1).

و قال أبو حنيفة، و الثوري: يتم مسح مسافر(2) ، لقوله عليه السلام:

(يمسح المسافر ثلاثة أيام و لياليهن)(3) و هذا مسافر.

و لو ابتدأ المسح في السفر ثم أقام، فإنه يتم مسح مقيم عند الشافعي، و أبي حنيفة، لأنها عبادة تتغير بالحضر و السفر، فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة(4).

و قال المزني: إذا مسح يوما و ليلة في السفر ثم أقام مسح ثلث يومين و ليلتين، و هو ثلثا يوم و ليلة، و إن مسح يومين، و ليلتين في السفر ثم أقام مسح ثلث يوم و ليلة(5) لأنه لو مسح في السفر ثم أقام في الحال مسح يوما و ليلة، و ذلك ثلث ما كان له مسحه، كذا هنا إذا مضي بعض المدة ينبغي أن يمسح ثلث ما بقي له.

و إذا نزع الخفّين أو أحدهما، و هو علي طهارة، إمّا قبل انقضاء المدة1.

ص: 183


1- الام 35:1، المجموع 488:1، الوجيز 24:1، مغني المحتاج 64:1-65، كفاية الأخيار 31:1، المغني 328:1، الشرح الكبير 190:1.
2- المبسوط للسرخسي 103:1-104، الهداية للمرغيناني 29:1، الكفاية 137:1، اللباب 39:1، المجموع 488:1، فتح العزيز 400:2، المغني 328:1.
3- صحيح مسلم 232:1-276، سنن النسائي 84:1، سنن ابن ماجة 184:1-556، سنن الدارمي 181:1، سنن البيهقي 276:1، سنن الدار قطني 197:1-18، مسند الحميدي 207:1-434.
4- مختصر المزني: 9، المجموع 489:1، فتح العزيز 401:2، الوجيز 24:1، كفاية الأخيار 31:1، المبسوط للسرخسي 104:1، اللباب 39:1، المغني 329:1، الشرح الكبير 190:1.
5- المجموع 490:1، فتح العزيز 401:2، المهذب للشيرازي 27:1.

أو بعدها فعليه غسل الرجلين عند الشافعي(1) ، و في استيناف الوضوء قولان، أصحهما عنده: عدم الوجوب، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أبو ثور، و المزني، لأن مسح الخفّين ناب عن غسل الرجلين خاصة فظهور هما يبطل به ما ناب عنهما دون غيرهما(2).

و الثاني: يستأنف، و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، لأنه لمّا بطل الوضوء في الرجلين بنزع الخفّين يبطل في جميع الطهارة، لأنها لا تتبعض(3).

و قال مالك، و الليث بن سعد: يغسل قدميه مكانه، فإن أخر استأنف الطهارة، لوجوب الموالاة، و هي معتبرة بين المسح و الغسل(4).

و قال الزهري: إذا نزع أحد الخفّين غسل القدم الذي نزع الخف منه و مسح الآخر(5).

و الباقون علي أن نزع أحدهما كنزعهما(6).

و لو أخرج رجله إلي ساق الخف فهو كخلعه، و به قال إسحاق،1.

ص: 184


1- المجموع 523:1، مختصر المزني: 10، كفاية الأخيار 32:1، المهذب للشيرازي 1: 29.
2- المجموع 524:1-526، مختصر المزني: 10، فتح العزيز 404:2، فتح الباري 248:1، اللباب 39:1، بداية المجتهد 22:1، تفسير القرطبي 103:6، المغني 324:1-325، الشرح الكبير 201:1-202.
3- الام 35:1، مختصر المزني: 10، المجموع 526:1-527، فتح العزيز 404:2، فتح الباري 248:1، تفسير القرطبي 103:6، المغني 324:1، الشرح الكبير 202:1.
4- بداية المجتهد 22:1، بلغة السالك 59:1، تفسير القرطبي 103:6، المجموع 527:1، فتح الباري 248:1، المغني 325:1، الشرح الكبير 202:1.
5- المجموع 527:1، المغني 326:1، الشرح الكبير 203:1.
6- المجموع 527:1، المغني 325:1، الشرح الكبير 203:1.

و أحمد، و أصحاب الرأي، و مالك، و الثوري، لأن استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح، فإنه لو أحدث قبل استقراره لم يكن له المسح(1).

و قال الشافعي: لا يبطل المسح ما لم يخرج من الساق(2).

و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا، لأنا نحرّم المسح علي الخفين.

البحث السادس: في الترتيب و الموالاة.
مسألة 55: الترتيب واجب في الوضوء و شرط في صحته،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أوجبه أيضا الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و أبو عبيد(3) لقوله تعالي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرافِقِ (4) ، جعل المرافق غاية الغسل، و كذا الكعبان جعلهما غاية المسح.

و لأن الفراء قال: الواو تفيد الترتيب(5) ، و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(ابدأوا بما بدأ اللّه به و بالميامن)(6) و لأنه توضأ مرة مرة مرتبا ثم قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به)(7).

ص: 185


1- بدائع الصنائع 13:1، المجموع 528:1، بلغة السالك 59:1، الشرح الصغير 59:1، المغني 326:1، الشرح الكبير 204:1.
2- المجموع 527:1، الام 36:1، المحلّي 106:2، المغني 326:1.
3- التفسير الكبير 153:11، الام 30:1، المجموع 443:1، مغني المحتاج 54:1، المبسوط للسرخسي 55:1، بدائع الصنائع 22:1، الهداية للمرغيناني 13:1، أحكام القرآن للجصاص 360:2، المغني 156:1، بداية المجتهد 17:1، الشرح الكبير 149:1.
4- المائدة: 6.
5- مغني اللبيب 464:1.
6- سنن الدار قطني 254:2-81، 82، الدر المنثور 160:1، الجامع الصغير 85:1-539، سنن ابن ماجة 141:1-402، سنن أبي داود 70:4-4141، مسند أحمد 354:2.
7- سنن ابن ماجة 145:1-419، سنن البيهقي 80:1، سنن الدار قطني 80:1-4.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «تابع، كما قال اللّه تعالي، ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين»(1) و لأنه المخرج عن العهدة بيقين، بخلاف غيره فيتعين.

و قال الأوزاعي، و مالك، و أبو حنيفة، و أصحابه، و المزني، و داود:

لا يجب الترتيب، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود، و من التابعين عن سعيد بن المسيب، و الحسن البصري، و عطاء، و الزهري، و النخعي(2) ، و مكحول، لأن الواو تفيد الجمع من غير ترتيب(3) ، و لأنه قول علي عليه السلام(4).

و الآية لا تنافي الترتيب، فيصار إليه للدليل لو سلّمنا أن الواو للجمع المطلق.

و المروي عن علي عليه السلام خلاف ما نقلوه، أما عندنا فظاهر، و أما عندهم فلأنهم رووا أن عليا عليه السلام سئل فقيل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء فقال: «لا، حتي يكون كما أمر اللّه تعالي»(5).

فروع:

أ - يبدأ بوجهه بلا خلاف بين المشترطين، ثم بيديه، ثم يمسح1.

ص: 186


1- الكافي 34:3-5، الفقيه 28:1-89، الاستبصار 73:1-223، التهذيب 97:1-251.
2- إلي هنا ينتهي السقط في النسخة (ش).
3- المجموع 443:1، فتح العزيز 361:1، التفسير الكبير 153:1، الهداية للمرغيناني 12:1 - 13، المبسوط للسرخسي 55:1، فتح القدير 30:1، بدائع الصنائع 21:1-22، أحكام القرآن للجصاص 360:2، بداية المجتهد 17:1، اللباب 11:1، بلغة السالك 47:1، الشرح الصغير 47:1، تفسير القرطبي 98:6، 99، مقدمات ابن رشد 54:1، المحلّي 67:2، الشرح الكبير 149:1، المغني 156:1، سبل السلام 75:1.
4- المغني 156:1، الشرح الكبير 149:1.
5- الشرح الكبير 149:1، المغني 157:1.

رأسه، ثم رجليه، و اختلفوا في اليدين، فعند علمائنا أجمع - و به قال أحمد(1) - تقديم اليمني علي اليسري واجب، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم)(2) و الأمر للوجوب.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال: «يغسل اليمين و يعيد الشمال»(3) و الباقون لم يوجبوه.

ب - لا يجب الترتيب في الرجلين علي الأظهر، فيجوز مسحهما دفعة و البدأة باليسار، لكن الأفضل البدأة باليمين لقوله عليه السلام: (إن اللّه يحب التيامن) [1].

ج - لو نكس الوضوء صحّ غسل الوجه، فإن نكس ثانيا صحت اليمني، فإن نكس ثالثا صحت اليسري ما دامت النيّة و الموالاة.

د - لو غسل أعضاءه دفعة حصل بالوجه، و كذا لو غسّله أربعة دفعة لعجزه، و للشافعي قول بالجواز لأنه لم يقدّم علي الوجه شيئا(4).

ه - لو كان في ماء جار و تعاقبت عليه جريات ثلاث صحت الأعضاء المغسولة، و لو نزل في الماء الواقف ناويا فانغسلت الأعضاء دفعة حصل بالوجه، فإن أخرج أعضاءه مرتبا حصل باليدين أيضا، و لو لم يرتّب حصل1.

ص: 187


1- التفسير الكبير 159:11، 160، فتح العزيز 421:1.
2- سنن ابن ماجة 141:1-402، مسند أحمد 354:2، الجامع الصغير 85:1-539.
3- التهذيب 97:1-253، الإستبصار 73:1-225.
4- المجموع 447:1، فتح العزيز 362:1.

بالوجه نزولا، و باليمني خروجا.

و - لو غسل عضوا قبل الوجه بطل، أما الوجه فإن عزبت النيّة حال غسله بطل أيضا، و إلاّ فلا.

ز - لو أخل بالترتيب ناسيا بطل وضوؤه، و للشافعي وجهان(1) ، و لو كان عامدا أعاد مع الجفاف و إلاّ علي ما يحصل معه الترتيب.

مسألة 56: الموالاة واجبة في الوضوء عند علمائنا أجمع،
اشارة

و هو القول القديم للشافعي في الوضوء و الغسل معا - و به قال قتادة، و الأوزاعي(2) - و أحمد بن حنبل وافقه في الوضوء خاصة(3) ، لأن الأمر للفور خصوصا مع إيجاب التعقيب بالفاء، و لأنه عليه السلام تابع بين وضوئه و قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به)(4).

و رووا أنه عليه السلام رأي رجلا يصلّي و في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمره النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يعيد الوضوء و الصلاة(5) ، و لو لا اشتراط الموالاة لأجزأه غسل اللمعة.

و من طريق الخاصة: سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام: ربما توضأت و نفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء، فيجف وضوئي، قال: «أعد»(6).

ص: 188


1- المجموع 441:1، فتح العزيز 362:1.
2- المجموع 455452:1، فتح العزيز 438:1، مغني المحتاج 61:1، السراج الوهاج: 18، المغني 158:1، الشرح الكبير 150:1، المبسوط للسرخسي 56:1، نيل الأوطار 218:1.
3- المغني 158:1، الشرح الكبير 150:1.
4- سنن ابن ماجة 145:1-419، سنن الدار قطني 80:1-4، سنن البيهقي 80:1.
5- سنن أبي داود 45:1-175، سنن البيهقي 83:1، مسند أحمد 424:3.
6- الكافي 35:3-8، التهذيب 87:1-231، الاستبصار 72:1-221.

و قال مالك، و الليث بن سعد: إن تعمد التفريق بطلت طهارته، و إن كان لعذر جاز في قول مالك ما لم يجف العضو، و العذر انقطاع الماء(1).

و قال الشافعي في الجديد: يجوز التفريق، و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و الحسن البصري، و عطاء، و طاوس، و الثوري، و أصحاب الرأي، لأنه تعالي لم يوجب الموالاة(2).

فروع:

أ - اختلف علماؤنا في تفسير الموالاة، فقال المرتضي و الشيخ: إنها المتابعة، فإذا فرغ من عضو انتقل عنه إلي ما بعده وجوبا(3) ، و لهما قول آخر: اعتبار الجفاف، فإذا غسل عضوا جاز أن يؤخر التالي له ما لم يجف(4).

و علي كلا القولين، لو أخر حتي يجف السابق استأنف الوضوء، و لو لم يجف لم يستأنف، بل فعل محرّما علي الأول خاصة، و الأقوي عندي الأول، لقول الصادق عليه السلام: «أتبع وضوءك بعضه بعضا»(5).

ص: 189


1- المدونة الكبري 15:1، بداية المجتهد 17:1، تفسير القرطبي 98:6، أحكام القرآن لابن العربي 581:2، مقدمات ابن رشد 54:1، الشرح الصغير 44:1، المجموع 455:1، المغني 158:1، أحكام القرآن للجصاص 356:2، الشرح الكبير 150:1.
2- الام 31:1، المجموع 452:1 و 454، السراج الوهاج: 18، مختصر المزني: 3، الوجيز 14:1، مغني المحتاج 61:1، فتح العزيز 438:1-439، أحكام القرآن للجصاص 355:2، الشرح الكبير 150:1، التفسير الكبير 155:11، بداية المجتهد 17:1، تفسير القرطبي 98:6، أحكام القرآن لابن العربي 581:2، نيل الأوطار 218:1، المحلي 69:2.
3- المبسوط للطوسي 23:1، الخلاف 93:1، مسألة 41، و حكي المحقق في المعتبر: 41 قول السيد المرتضي عن المصباح.
4- الناصريات: 221، مسألة 33، الجمل و العقود: 159.
5- الكافي 34:3-4.

ب - لو أخر لعذر أو لانقطاع ماء جاز علي القولين، فإنّ جفّ السابق أعاد عليهما.

ج - هل يشترط في الموالاة عدم جفاف السابق، أو جميع ما تقدم من الأعضاء؟ الأقوي الثاني، لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسي مسح رأسه حتي يدخل في الصلاة، قال: «إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل»(1).

د - لو نذر الوضوء وجبت الموالاة، فإن أخل بها، فالأقرب صحة الوضوء و وجوب الكفارة.

المطلب الثاني: في مندوباته.
اشارة

و هي عشرة:

أ - السواك:

و قد أجمع العلماء(2) إلاّ داود(3) علي استحبابه لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (لو لا أن أشقّ علي أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)(4) ، و للأصل، و لقول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان

ص: 190


1- التهذيب 89:1-235، الإستبصار 74:1-229.
2- الام 23:1، المجموع 271:1، التفسير الكبير 157:11، المغني 108:1، فتح العزيز 365:1، بدائع الصنائع 19:1، مغني المحتاج 55:1، مقدمات ابن رشد 56:1، بلغة السالك 48:1، الشرح الصغير 48:1، عمدة القارئ 185:3، الشرح الكبير 130:1-131، شرح فتح القدير 22:1، نيل الأوطار 125:1-126، المحلي 218:2.
3- المجموع 271:1، المغني 108:1، الشرح الكبير 131:1، التفسير الكبير 157:11، نيل الأوطار 126:1.
4- صحيح البخاري 5:2، صحيح مسلم 220:1-252، سنن ابن ماجة 105:1-287، سنن أبي داود 12:1-47، سنن النسائي 12:1، سنن البيهقي 37:1، الكافي 22:3-1.

يكثر السواك»(1) و ليس بواجب، و هو من العشرة الحنيفيّة(2).

و كذا المضمضة و الاستنشاق، و قصّ الشارب و الفرق، و الاستنجاء، و الختان، و حلق العانة، و قصّ الأظفار، و نتف الإبطين.

و استحبابه متأكد، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتي خشيت أن أحفي(3) أو أدرد(4).(5) و قال علي عليه السلام:

«إنّ أفواهكم طرق القرآن، فطهّروها بالسواك»(6) و قال الباقر، و الصادق عليهما السلام: «صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك»(7).

و قال الصادق عليه السلام: «في السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من السنة، و مطهرة للفم، و مجلاة للبصر، و يرضي الرحمن، و يبيّض الأسنان، و يذهب بالحفر(8) و يشد اللثة، و يشهّي الطعام، و يذهب بالبلغم، و يزيد في الحفظ، و يضاعف الحسنات، و تفرح به الملائكة»(9).

و هو مستحب في كل وقت، للمفطر و الصائم، أول النهار و آخره، بالرطب و اليابس، للعموم(10). و به قال أبو حنيفة(11).1.

ص: 191


1- الفقيه 33:1-117، المحاسن: 563-960، مكارم الأخلاق: 49.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 66، الخصال 271:1-11، تفسير القمي 59:1.
3- الحفاوة: المبالغة و الاستقصاء. النهاية لابن الأثير 410:1، الصحاح 2316:6 «حفا».
4- رجل أدرد: ليس في فمه سن. الصحاح 470:2 «درد».
5- الكافي 495:6-3، الفقيه 32:1-108، المحاسن: 560-940.
6- الفقيه 32:1-112.
7- الفقيه 33:1-118، مكارم الأخلاق: 50، و عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي 22:3-1.
8- الحفر: داء في أصول الأسنان. الصحاح 635:2 «حفر».
9- الكافي 496:6-6، الفقيه 34:1-126، الخصال 481:2، ثواب الاعمال: 34-1، المحاسن: 562-953
10- صحيح البخاري 5:2، سنن النسائي 10:1-12، سنن الترمذي 34:1-22-23، سنن البيهقي 34:1-37.
11- بدائع الصنائع 19:1، فتح العزيز 365:1.

و قال الشافعي: يكره بعد الزوال مطلقا(1) و قال مالك: إن كان السواك رطبا كره، و إلاّ فلا(2) ، و قال أحمد: يكره في الفرض دون النفل(3).

ب - وضع الإناء علي اليمين إن كانت مما يغترف منها، لأنه أمكن.
ج - الاغتراف باليمين،

لأنه عليه السلام كان يحب التيامن في طهوره، و تنعّله و شأنه كله(4) ، و لأن الباقر عليه السلام لمّا وصف وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذكره(5).

د - التسمية،

ذهب إليه أكثر العلماء(6) ، لأنه تعالي عقّب القيام بالغسل، و للأصل، و لأنه عليه السلام قال: (من توضأ فذكر اسم اللّه عليه كان طهورا لجميع بدنه، و من توضأ و لم يذكر اسم اللّه تعالي عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه)(7) و معناه الطهارة من الذنوب، فإنّ رفع الحدث لا يتبعض، فدل علي أن التسمية موضع الفضيلة.

ص: 192


1- الام 101:2، المجموع 275:1، مختصر المزني: 59، فتح العزيز 365:1 و 421:6-422، مغني المحتاج 56:1، السراج الوهاج: 17، الوجيز 13:1، المغني 110:1، نيل الأوطار 127:1 و 131.
2- المدونة الكبري 201:1، بلغة السالك 48:1.
3- فتح العزيز 423:6.
4- صحيح البخاري 53:1، صحيح مسلم 226:1-268، سنن ابن ماجة 141:1-401، سنن النسائي 205:1.
5- الكافي 26:3-5، التهذيب 56:1-158، الاستبصار 57:1-168.
6- المجموع 346:1، فتح العزيز 373:1، مغني المحتاج 57:1، كفاية الأخيار 14:1، التفسير الكبير 157:11، الام 31:1، الهداية للمرغيناني 12:1، المبسوط للسرخسي 55:1، اللباب 9:1، بلغة السالك 47:1، الشرح الصغير 47:1، المغني 114:1، الشرح الكبير 141:1، عمدة القارئ 269:2.
7- سنن الدار قطني 74:1-13، سنن البيهقي 44:1.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من ذكر اسم اللّه علي وضوئه فكأنما اغتسل»(1) ، و لأن العبادة إن لم يكن في آخرها نطق واجب، لم يكن في أولها كالصوم.

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إنّها واجبة، فإن تركها عمدا بطلت طهارته، و سهوا لا تبطل - و به قال إسحاق بن راهويه(2) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له، و لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه)(3) و هو محمول علي السنة أو الفضيلة، إذ نفي الحقيقة ممتنع.

و صورتها ما قال الصادق عليه السلام: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فإذا فرغت فقل: الحمد للّه رب العالمين»(4).

فرعان:

الأول: لو نسي التسمية في الابتداء فعلها في الأثناء، كما لو نسيها في ابتداء الأكل يأتي بها في أثنائه.

الثاني: لو تركها عمدا ففي مشروعية التدارك في الأثناء احتمال.

ه - غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، من حدث النوم و البول مرّة، و من الغائط مرتين، و من الجنابة ثلاثا، و ليس واجبا عند علمائنا أجمع،

ص: 193


1- الفقيه 31:1-101، التهذيب 358:1-1073، الإستبصار 67:1-203.
2- التفسير الكبير 157:11، المجموع 346:1، نيل الأوطار 167:1، سبل السلام 80:1، كفاية الأخيار 14:1، عمدة القارئ 269:2، المغني 114:1، الشرح الكبير 140:1.
3- سنن ابن ماجة 140:1-398، سنن أبي داود 25:1-101، سنن الدار قطني 72:1-73-5، المستدرك للحاكم 146:1.
4- التهذيب 76:1-192، و فيه عن الامام الباقر عليه السلام.

و أكثر أهل العلم(1) ، لقوله تعالي إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (2) و لم يذكر غسلهما، و للأصل، و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن الرجل يبول و لم تمس يده شيئا أ يغمسها في الماء؟ قال: «نعم»(3).

و قال داود: إذا قام من نوم الليل فلا يجوز له غمس يديه في الإناء حتي يغسلهما، و لا يجب غسلهما، لأنه لو صب الماء في يده و توضأ و لم يغسل يديه أجزأه(4).

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إذا قام من نوم الليل وجب عليه أن يغسل يديه ثلاثا، فإن غمسهما في الماء قبل أن يغسلهما أراق الماء، و هو محكيّ عن الحسن البصري(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتي يغسلهما ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده)(6) و هو محمول علي الاستحباب، و أصحاب ابن مسعود أنكروا علي أبي هريرة الراوي فقالوا: فما تصنع بالمهراس ؟! [1](7).2.

ص: 194


1- المجموع 350:1، فتح العزيز 394:1، كفاية الأخيار 14:1، مغني المحتاج 57:1، الميزان 116:1، السراج الوهاج: 17، تفسير الرازي 157:11، المبسوط للسرخسي 5:1، فتح الباري 297:1، شرح فتح القدير 18:1، المغني 110:1، بداية المجتهد 9:1، بلغة السالك 46:1.
2- المائدة: 6.
3- الكافي 12:3-4، التهذيب 36:1-98، الإستبصار 50:1-143.
4- المجموع 349:1، حلية العلماء 115:1.
5- حلية العلماء 115:1، المجموع 350:1، فتح العزيز 395:1، نيل الأوطار 171:1، بداية المجتهد 9:1، المغني 110:1-112، الشرح الكبير 142:1.
6- صحيح مسلم 233:1-278، سنن أبي داود 25:1-103، سنن النسائي 6:1، مسند أحمد 241:2 و 253 و 259.
7- مسند أحمد 382:2.
فروع:

أ - لا فرق بين نوم الليل و النهار في الاستحباب، لثبوت المقتضي فيهما، و سوّي الحسن بين نوم الليل و النهار في الوجوب(1) ، و قال أحمد:

يجب من نوم الليل دون النهار، لأن المبيت يكون في الليل(2).

ب - الظاهر أن اليد من الكوع [1]، لأنّه المراد في التيمم و في الدية.

ج - غمس بعضها كغمس جميعها، لاتحادهما في المقتضي، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و الأخري بالجواز في البعض، و به قال الحسن البصري لتناول النهي غمس الجميع(3) ، و غمسها بعد المرة في الغائط كقبلها.

د - لا فرق بين كون اليد مطلقة أو مشدودة، و كون النائم مسرولا أو لا.

ه - هذا الخطاب للمكلّف المسلم، أما الصبيّ و المجنون فلا، لعدم توجه الخطاب إليهما، و أما الكافر فلأن الماء ينجس بمباشرته، و عن أحمد روايتان، إحداهما: أنّ هؤلاء كالبالغ العاقل المسلم، لأنّه لا يدري أين باتت يده(4).

و - الحكم معلّق علي مطلق النوم، و قال بعض الحنابلة: علي الزائد علي نصف الليل [2].

ص: 195


1- المغني 111:1.
2- المغني 111:1، الشرح الكبير 142:1، كشاف القناع 92:1، الانصاف 130:1.
3- المغني 112:1.
4- المغني 113:1.

ز - في افتقاره إلي النيّة وجهان، من حيث إنّها عبادة، أو لتوهم النجاسة.

و - المضمضة و الاستنشاق، و ليسا بواجبين في الوضوء و الغسل، ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعي، و مالك، و الزهري، و ربيعة، و الأوزاعي(1) ، لأنه تعالي عقّب غسل الوجه، و قال صلّي اللّه عليه و آله:

(عشر من الفطرة - و عدّ - المضمضة و الاستنشاق)(2) و الفطرة: السنة.

و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق إنّهما من الجوف»(3) و قوله عليه السلام: «المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(4).

و قال أحمد، و إسحاق، و ابن أبي ليلي: هما واجبان فيهما(5) ، لأن عائشة روت قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إنّهما من الوضوء الذي لا بد منه)(6).1.

ص: 196


1- المجموع 362:1، فتح العزيز 396:1، كفاية الأخيار 15:1، التفسير الكبير 157:11، بداية المجتهد 10:1، الشرح الصغير 46:1، المبسوط للسرخسي 62:1، عمدة القارئ 8:3، المغني 132:1، الشرح الكبير 157:1، نيل الأوطار 173:1، تفسير ابن كثير 25:2، المحلي 50:2.
2- صحيح مسلم 223:1-261، سنن ابن ماجة 107:1-293، سنن النسائي 126:8، سنن أبي داود 14:1-53، مسند أحمد 137:6.
3- الكافي 24:3-3، التهذيب 78:1-201.
4- التهذيب 79:1-203، الاستبصار 67:1-202.
5- التفسير الكبير 157:11، بداية المجتهد 10:1، كفاية الأخيار 15:1، المغني 132:1، الشرح الكبير 156:1، عمدة القارئ 8:3، المجموع 363:1، فتح العزيز 397:1، نيل الأوطار 172:1.
6- سنن الدار قطني 84:1-1، سنن البيهقي 52:1.

قال الدار قطني: إنّه مرسل، من وصله فقد وهم(1) ، و يحمل علي الاستحباب.

و قال أبو ثور، و داود: الاستنشاق واجب فيهما، و المضمضة غير واجبة(2) ، لقوله عليه السلام للقيط بن صبرة: (و بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما)(3) و لا يدل علي الوجوب.

و قال أبو حنيفة، و الثوري: هما واجبان في الجنابة دون الوضوء(4) ، لرواية أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (المضمضة و الاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة)(5).

و رواية بركة بن محمد الحلبي(6) - و هو كذاب [1]، و الفرض:

التقدير(7) - متروكة الظاهر، لأنه أوجب ثلاثا.».

ص: 197


1- سنن الدار قطني 84:1 ذيل الحديث 2.
2- المغني 132:1، الشرح الكبير 156:1، المجموع 363:1، نيل الأوطار 172:1، بداية المجتهد 10:1.
3- سنن ابن ماجة 142:1-407، سنن أبي داود 36:1-142، سنن النسائي 66:1، سنن الترمذي 155:3-788.
4- اللباب 9:1 و 14، الهداية للمرغيناني 12:1 و 16، المبسوط للسرخسي 62:1، بداية المجتهد 10:1 و 45، المحلي 50:2، نيل الأوطار 173:1، المجموع 363:1، المغني 132:1، الشرح الكبير 156:1-157، تفسير ابن كثير 25:2، عمدة القارئ 8:3.
5- سنن الدار قطني 115:1-3.
6- سنن الدار قطني 115:1-3.
7- لسان العرب 203:7 «فرض».
فروع:

أ - يستحب الإتيان بكل واحد منهما ثلاثا.

ب - ينبغي أن يتمضمض ثلاث مرات بثلاث أكف، ثم يستنشق كذلك، و لو قصر الماء تمضمض ثلاثا بكف، و استنشق ثلاثا بكف.

ج - ينبغي أن يكون الاستنشاق بعد إكمال المضمضة، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الثاني: انه يتمضمض ثم يستنشق هكذا ثلاث مرات(1).

د - ينبغي المبالغة فيهما، فيدير ماء المضمضة في جميع فمه ثم يمجّه، و يجذب ماء الاستنشاق إلي خياشيمه، إلاّ الصائم.

ز - تثنية الغسلات، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لأن أبا هريرة روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله توضأ مرتين مرتين(2) ، و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الوضوء: «أنّه مثني»(3) و ليس المراد الوجوب بالإجماع.

و لقول الصادق عليه السلام: «الغرفة الواحدة تجزي»(4).

ص: 198


1- المجموع 361:1-362، فتح العزيز 397:1-398، مغني المحتاج 58:1، عمدة القارئ 264:2.
2- سنن أبي داود 34:1-136، سنن الترمذي 62:1-43 المستدرك للحاكم 150:1.
3- التهذيب 80:1-208، الإستبصار 70:1-213.
4- الكافي 26:3-5، التهذيب 81:1-211، الاستبصار 71:1-216، و فيها عن الإمام الباقر عليه السلام.

و قال الصدوق: لا يؤجر علي الثانية(1) ، و به قال مالك(2) ، لأنّه تعالي أمر بالغسل(3).

و أما الثالثة، فعندنا أنها بدعة، و هو اختيار الشيخ و الصدوق(4) لتحريم اعتقاد مشروعية ما ليس بمشروع، و قال المفيد: الثالثة تكلّف(5) ، لأن الأمر بالمطلق لا يمنع الجزئيات.

و قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي: المستحب ثلاثا ثلاثا(6) ، لأن أبي ابن كعب روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله توضأ مرّة مرّة و قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به) و توضأ مرتين مرتين و قال: (من توضأ مرتين مرتين آتاه اللّه أجره مرتين) و توضأ ثلاثا ثلاثا و قال: (هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي، و وضوء خليل اللّه إبراهيم)(7).

و يحتمل عدم استيعاب الغسل في الأوليين فتجوز الثالثة، بل تجب، أو يكون من خصائصه عليه السلام و خصائص الأنبياء، و لأن ابن عباس روي أنه عليه السلام توضأ مرة(8) ، و أبو هريرة روي أنه عليه السلام توضأ مرتين(9) ، و لو كان وضوءه لما أخلّ به، و لأن مالكا لم يصحّحه مع أنّ الخبر مدني.1.

ص: 199


1- المقنع: 4، الهداية: 17.
2- المدونة الكبري 2:1، المغني 159:1.
3- المائدة: 6.
4- المبسوط للطوسي 23:1، المقنع: 4، الهداية: 17.
5- المقنعة: 5.
6- كفاية الأخيار 16:1، مغني المحتاج 59:1، بداية المجتهد 13:1، مسائل أحمد: 6، بدائع الصنائع 22:1، المغني 159:1، فتح الباري 209:1، المجموع 431:1.
7- مسند أبي يعلي 448:9-5598.
8- سنن أبي داود 34:1-138، سنن النسائي 62:1، المستدرك للحاكم 150:1، صحيح البخاري 51:1، سنن الترمذي 60:1-42.
9- سنن أبي داود 34:1-136، سنن الترمذي 62:1-43، المستدرك للحاكم 150:1.
فروع:

أ - هذا البحث علي تقدير الاستيعاب في الاولي، أما لو تخلّف شيء من غسل محل الفرض فإنه يجب غسله ثانيا، و لو لم يعلم موضعه وجب إعادة غسل العضو ثانيا، و هكذا لو لم يأت في الثانية علي الجميع وجبت الثالثة فما زاد.

ب - لو استعمل الثلاثة بطل الوضوء، لأن المسح حينئذ بغير ماء الوضوء.

ج - لو خالف في الأعضاء، فغسل بعضها مرّة و الباقي أزيد جاز.

د - لو اعتقد وجوب المرتين أبدع، و بطل وضوؤه، لأن المسح بغير ماء الوضوء، لعدم مشروعيته علي إشكال.

ه - لو شك في العدد احتمل البناء علي اليقين، و الأكثر، لئلاّ تحصل ثالثة.

و - لا تكرار في المسح، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أحمد، و أبو ثور، و الحسن، و مجاهد(1) ، لأن عليا عليه السلام وصف وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: و مسح رأسه مرة واحدة(2) ، و كذا من طريق الخاصة عن الباقر(3) و الصادق(4) عليهما السلام حيث وصفاه.

ص: 200


1- المبسوط للسرخسي 7:1، شرح فتح القدير 27:1، بدائع الصنائع 22:1، اللباب 10:1، القوانين الفقهية: 29، الشرح الصغير 49:1، المغني 144:1، الشرح الكبير 171:1، المجموع 432:1، فتح العزيز 408:1، نيل الأوطار 198:1.
2- سنن الترمذي 67:1-48، سنن أبي داود 27:1 و 28-111 و 112، سنن النسائي 69:1، مسند أحمد 125:1.
3- الكافي 24:3 و 25-1-5.
4- التهذيب 81:1-210.

و قال الشافعي: يستحب أن يكون ثلاثا، و به قال عطاء(1) ، و قال ابن سيرين: يمسح مرتين فريضة، و مرة سنّة(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله توضأ مرّة مرّة، إلي أن قال: و توضأ ثلاثا و قال: (هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي)(3). و قد تقدم جوابه.

فإن كرر معتقدا وجوبه فعل حراما و لم يبطل وضوؤه، و لو لم يعتقد وجوبه فلا بأس.

ح - الدعاء عند كل فعل و عند الفراغ بالمنقول.

ط - الوضوء بمد، و هو قول علمائنا و أكثر أهل العلم(4) ، و الواجب المسمّي لحصول الامتثال، و روي عبد اللّه بن زيد أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله توضأ بثلثي مد(5).

و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي فيه ما جري» [1].4.

ص: 201


1- الام 26:1، المجموع 432:1، فتح العزيز 408:1، مغني المحتاج 59:1، المغني 144:1، الشرح الكبير 171:1، المبسوط للسرخسي 7:1، بداية المجتهد 13:1، بدائع الصنائع 22:1، تفسير القرطبي 89:6، نيل الأوطار 197:1.
2- الموجود في المصادر التالية، أنّ ابن سيرين قائل بالمسح مرتين، مع أن عبارة المتن تنسب إليه القول بالثلاث، و لعلّ العبارة كانت هكذا: يمسح مرتين، مرّة فريضة، و مرّة سنّة. انظر: المجموع 432:1، حلية العلماء 124:1، تفسير القرطبي 89:6.
3- سنن ابن ماجة 145:1-420، مسند أحمد 98:2، سنن الدار قطني 81:1-6، سنن البيهقي 80:1.
4- المهذب للشيرازي 38:1، المجموع 189:2، المغني 254:1، الشرح الكبير 254:1.
5- المستدرك للحاكم 144:1، و روي عن أم عمارة كما في سنن النسائي 58:1، و سنن أبي داود 23:1-94.

و قال محمد: يجب المد، و هو محكي عن أبي حنيفة(1).

و الغسل بصاع، و الواجب أقلّ المسمّي، و الخلاف للدليل، كما تقدم.

و الاستحباب لقول الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستة أرطال»(2) ، يعني بالمدني.

ي - بدأة الرجل في غسل يديه بظاهر ذراعيه في الأولي، و بالباطن في الثانية، و المرأة بالعكس فيهما بإجماع علمائنا، لما رواه الشيخ عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «فرض اللّه علي النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، و في الرجال بظاهر الذراع»(3) و المراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب.

خاتمة:

تشتمل علي مباحث:

أ - يكره التمندل، و به قال جابر(4) ، و ابن عباس كرهه في الوضوء دون الغسل(5) ، و للشيخ قول: إنّه لا بأس به(6).

و للشافعي قولان كهذين(7) ، لأن الحسين عليه السلام كان يأخذ

ص: 202


1- المغني 256:1، الشرح الكبير 256:1، بدائع الصنائع 35:1، فتح العزيز 191:2، المبسوط للسرخسي 45:1.
2- التهذيب 136:1-379، الاستبصار 121:1-409.
3- التهذيب 76:1-193، الكافي 28:3-6.
4- المجموع 462:1، المغني 162:1، الشرح الكبير 177:1.
5- المجموع 462:1، الشرح الكبير 177:1-178.
6- النهاية: 16، المبسوط للطوسي 23:1.
7- المجموع 461:1، فتح العزيز 446:1-447، كفاية الأخيار 17:1، مغني المحتاج 61:1.

المنديل(1) ، و له قول آخر: الفرق بين الصيف و الشتاء(2).

ب - تكره الاستعانة بصب الماء عليه - و به قال أحمد(3) - لأنه عليه السلام قال: (لا أستعين أنا علي وضوئي بأحد)(4).

و من طريق الخاصّة: إنّ عليا عليه السلام كان لا يدعهم يصبون الماء عليه، و قال: «لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا»(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنه غير مكروه(6) ، لأنّه روي أنّه عليه السلام قد استعان أحيانا(7).

ج - يحرم التولية، لأنه مأمور بالغسل، فلا يخرج عن العهدة بفعل غيره، و لو اضطر جاز، و به قال داود(8) ، و قال الشافعي: يجوز(9).

د - يجب الاستقصاء في الغسل بحيث لا يبقي من محل الفرض شيء و إنّ قلّ فيبطل.

ه - يستحب تجديد الوضوء لكل صلاة، فرضا كانت أو نفلا،1.

ص: 203


1- المجموع 462:1، المغني 161:1، الشرح الكبير 177:1، سنن البيهقي 185:1. و فيها الحسن بن علي (عليهما السلام).
2- المجموع 462:1، فتح العزيز 448:1، كفاية الأخيار 17:1.
3- المغني 161:1، الشرح الكبير 177:1.
4- فتح العزيز 443:1، نيل الأوطار 219:1.
5- التهذيب 354:1-1057، الفقيه 27:1-85، علل الشرائع: 279 باب 188.
6- المجموع 341:1، فتح العزيز 443:1-444، كفاية الأخيار 16:1-17، مغني المحتاج 61:1.
7- صحيح البخاري 56:1، سنن الدارمي 175:1-176، سنن ابن ماجة 137:1-138 - 389-392.
8- المجموع 341:1، حلية العلماء 114:1.
9- الام 28:1 و 29، المجموع 341:1، فتح العزيز 444:1، كفاية الأخيار 17:1، مغني المحتاج 61:1.

و للشافعي وجهان في النفل، أحدهما: عدم الاستحباب، قال: و لا يستحب التجديد لسجود التلاوة و الشكر، قال: و لو توضأ و لم يصلّ كره له التجديد، و كذا لو توضأ و قرأ كره له التجديد(1) ، و ليس بجيّد، لعموم الاستحباب.0.

ص: 204


1- المجموع 469:1-470.
الفصل الخامس: في أحكامه.
مسألة 57: يجوز أن يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها و سننها

ما لم يحدث، سواء كان الوضوء فرضا أو نفلا، و سواء توضأ لفريضة أو نافلة، قبل الوقت و بعده، مع ارتفاع الحدث بلا خلاف، أمّا مع بقاء الحدث كالمستحاضة، فقولان سيأتي بحثهما.

و قال بعض الظاهرية: لا يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد(1) ، نعم يستحب التجديد كما تقدم، لقولهم عليهم السلام: «الوضوء علي الوضوء نور علي نور، و من جدد وضوء لغير حدث جدد اللّه توبته من غير استغفار»(2) و روي «أنّ تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا و اللّه و بلي و اللّه»(3).

مسألة 58: قال الشيخ: من به سلس البول يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة،
اشارة

لعدم دليل وجوب التجديد، و حمله علي المستحاضة قياس لا نقول به، و يجب أن يجعله في كيس و يحتاط لذلك(4).

و قال الشافعي: لا يجمع بين فريضتين بوضوء، و يجوز أن يجمع بين

ص: 205


1- المجموع 470:1، الميزان 120:1، رحمة الأمة 20:1، عمدة القارئ 112:3 و 113، إرشاد الساري 286:1.
2- الفقيه 26:1-82، ثواب الأعمال: 33-2.
3- الفقيه 26:1-81، ثواب الأعمال: 33-1.
4- المبسوط للطوسي 68:1.

فريضة و نوافل(1).

و الوجه عندي أنه لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد - و هو قول للشيخ(2) أيضا - لوجود الحدث، فيبقي الأمر بالغسل عند القيام ثانيا فلا يخرج عن العهدة بدونه و التحفظ، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن تقطير البول قال: «يجعل خريطة إذا صلّي»(3).

فروع:

أ - المبطون: و هو الذي به البطن، و هو الذرب [1] كصاحب السلس.

ب - لو كان لصاحب السلس، أو البطن حال انقطاع في وقت الفريضة، وجب الصبر إليه، و إزالة النجاسة عن ثوبه و بدنه، و الوضوء بنية رفع الحدث.

ج - لا فرق في الأحداث الثلاثة، أعني البول و الغائط و الريح.

د - لو تلبس المبطون أو صاحب السلس أو الريح بالصلاة ثم فجأه الحدث، فإن كان مستمرا فالوجه عندي الاستمرار لأنها طهارة ضرورية كالمستحاضة، و إن كان يمكنه التحفظ استأنف الطهارة و الصلاة.

و قيل في المبطون: إن كان الحدث مستمرا يتطهر و يبني علي صلاته لقول الباقر عليه السلام: «صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي»(4) و يحمل علي ما بقي من الفرائض لا من الفريضة الواحدة.

ه - يجب أن يوقع الصلاة عقيب الطهارة لئلا يتخلل الحدث.

ص: 206


1- المجموع 471:1.
2- الخلاف 249:1 مسألة 221.
3- التهذيب 351:1-1037.
4- التهذيب 350:1-1036.

مسألة 59: الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجبا و غسل ما تحتها إن أمكن أو مسحت، و ان لم يمكن و أمكنه إيصال الماء إلي ما تحتها بأن يكرره عليه، أو يغمسه في الماء وجب، لأن غسل موضع الفرض ممكن، فلا يجزي المسح علي الحائل.

و إن لم يمكنه مسح عليها، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و لا نعرف فيه مخالفا، لأن عليا عليه السلام قال: «انكسرت إحدي زنديّ، فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك، فأمرني أن أمسح علي الجبائر»(1) و الزند عظم الذراع.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن كان يتخوف علي نفسه فليمسح علي جبائره و ليصلّ»(2) و لأنه في محل الضرورة، فكان أولي بالجواز من التيمم.

فروع:

أ - إذا كانت الجبائر علي جميع أعضاء الغسل و تعذر غسلها، مسح علي الجميع مستوعبا بالماء، و مسح رأسه و رجليه ببقية البلل، و لو تضرر بالمسح تيمم.

ب - لو كان عليه دواء يتضرر بإزالته، و يتعذر وصول الماء إلي ما تحته أجزأه المسح عليه، فإن تضرر مسح علي خرقة مشدودة عليه، و حكم الخرقة حكم الجبيرة.

ج - لو كان علي الجرح خرقة مشدودة، و نجست بالدم، و تعذر نزعها وضع عليها خرقة طاهرة و مسح عليها.

ص: 207


1- سنن ابن ماجة 215:1-657، سنن الدار قطني 226:1-3، سنن البيهقي 228:1.
2- التهذيب 363:1-1100.

د - المقارب لمحل الكسر مما لا بد من وضع الجبيرة عليه كمحل الكسر، أمّا ما منه بدّ فكالصحيح، فلو وضع علي يده و تعذرت الإزالة فالوجه المسح، و الإعادة لما صلّي بذلك الوضوء إن فرّط في الوضع، و إلاّ فلا.

ه - الجبيرة إن استوعبت محل الفرض مسح عليه أجمع، و غسل باقي الأعضاء، و إلاّ مسح علي الجبيرة و غسل باقي العضو، و لو تعذر المسح علي الجبيرة تيمم، و لا يجب غسل باقي الأعضاء.

و - يجب أن يستوعب الجبيرة بالمسح ليصدق المسح عليها، إذ الجزء مغاير، و لأن محل أصلها يجب مسحه فوجب، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يمسح ما يقع عليه الاسم، لأنه مسح علي حائل دون العضو، فأجزأ ما يقع عليه الاسم كالمسح علي الخفين(1).

و الأصل ممنوع، و الفرق بأنّ محل أصل المقيس عليه لا يجب استيعابه، بخلاف الفرع.

ز - المسح علي الجبائر لا يتقدر بمدة، بل يجوز ما دام الضرر بنزعها أو المسح عليها باقيا، و لا فرق بين أن يكون جنبا أو محدثا، و لا بين أن يكون لبس الجبائر علي طهارة أو لا، فلا يجب عليه إعادة الصلاة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أحمد في إحدي الروايتين(2) للعموم.

و قال الشافعي: إن كان لبس الجبيرة محدثا مسح عليها، و وجب عليه الإعادة قولا واحدا، و إن لبسها متطهرا فقولان، لأنه عذر نادر(3) ، و بعض الشافعية قال: في الأول أيضا قولان(4).2.

ص: 208


1- المجموع 326:2، فتح العزيز 283:2، كفاية الأخيار 38:1، المهذب للشيرازي 44:1.
2- المغني 314:1، الشرح الكبير 186:1.
3- المجموع 329:2، مغني المحتاج 107:1، المهذب للشيرازي 44:1.
4- المجموع 329:2.

ح - لا يجب علي ماسح الجبيرة التيمم لأصالة البراءة، و لأنه لا يجب عليه بد لأن عن مبدل واحد.

و للشافعي قولان، أحدهما: الوجوب(1) ، لحديث جابر [في] [1] الذي أصابته الشجة أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إنما كان يكفيه أن يتيمم و يعصب علي جرحه خرقة و يمسح عليها و يغسل سائر جسده)(2) و يحمل علي جعل الواو بمعني أو.

ط - لو كانت الجبائر علي موضع التيمم، و لم يتمكن من نزعها مسح علي الجبيرة و أجزأه، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: يمسح بالماء و يتيمم و يمسح بالتراب علي الجبائر، قال: و يعيد الصلاة قولا واحدا(3) و عندنا لا إعادة عليه، لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة لما ثبت من أن الأمر للإجزاء.

ي - لا فرق بين أن يكون ما تحت الجبيرة طاهرا أو نجسا إذا لم يتمكن من غسله.

يا - لو زال الحائل ففي وجوب الاستئناف إشكال، ينشأ من أن الحاضرة يجب أن تصلّي بطهارة يقع فيها الغسل مباشرة مع المكنة، و هي حاصلة هنا، و من أن الحدث ارتفع أولا فلا مانع.

مسألة 60: من تيقن أحد فعلي الطهارة أو الحدث،

و شك في الآخر، عمل علي المتيقن و ألغي الشك، و الأصل فيه ما روي أن النبيّ صلّي اللّه

ص: 209


1- المجموع 327:2، فتح العزيز 284:2 و 285، كفاية الأخيار 38:1، المهذب للشيرازي 44:1.
2- سنن أبي داود 93:1-336.
3- المجموع 327:2-330، فتح العزيز 287:2.

عليه و آله قال: (إنّ الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول: أحدثت أحدثت فلا ينصرفن عن صلاته حتي يسمع صوتا أو يجد ريحا) [1] و من طريق الخاصة نحوه(1) ، و قول الصادق عليه السلام: «و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه بيقين آخر مثله»(2).

و لأنه حرج، لعدم انفكاك الإنسان من الشك فيما فعله في الماضي، فإن شك في الحدث لا يلتفت، و إن شك في الطهارة تطهّر، و لا نعرف فيه خلافا إلاّ من مالك فإنه قال: إذا شك في الحدث مع تيقن الطهارة تطهّر، و هو أحد وجهي الشافعية(3).

و قال الحسن البصري: إن كان في الصلاة بني علي اليقين، و إن كان خارجها توضأ، لأنه يدخل في الصلاة مع شك الطهارة فلم يجز، كما لو شك في طهارته و تيقن الحدث(4).

و هو غلط، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سئل عن الرجل يخيّل إليه في الصلاة فقال: (لا ينفتل حتي يسمع صوتا أو يجد ريحا)(5) ، و يخالف المقيس عليه، لأن في الأصل بقاء الحدث، و في الفرع بقاء الطهارة.1.

ص: 210


1- الكافي 36:3-3، التهذيب 347:1-1017، الاستبصار 90:1-289.
2- التهذيب 8:1-11.
3- المجموع 64:2، فتح الباري 192:1، فتح العزيز 79:2 و 80، الوجيز 16:1، المدونة الكبري 13:1، الشرح الصغير 56:1، نيل الأوطار 256:1.
4- عمدة القارئ 253:2، فتح الباري 192:1، نيل الأوطار 256:1، المجموع 64:2، المغني 226:1، الشرح الكبير 227:1.
5- صحيح البخاري 46:1، صحيح مسلم 276:1-361، سنن البيهقي 161:1.
مسألة 61: لو تيقنهما و شك في المتأخر،

قال أكثر علمائنا: يعيد الطهارة مطلقا لحصول الشك [1]، و هو أحد وجوه الشافعية(1).

و قيل: إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد، و إن سبق بني علي ضد تلك الحال، فلو عرف بعد الزوال أنّه تطهّر و أحدث، و علم أنّه قبل الزوال كان متطهرا، فهو الآن محدث، لأن تلك الطهارة بطلت بالحدث الموجود بعد الزوال.

و الطهر الموجود بعده يحتمل تقدمه علي الحدث لإمكان التجديد، و تأخره فلا يرفع حكما تحققناه بالشك، و لو لم يكن من عادته التجديد فالظاهر أنّه متطهر بعد الحدث، فتباح له الصلاة.

و ان كان قبله محدثا، فهو الآن متطهر لارتفاعه بالطهر الموجود بعد الزوال، و الحدث الموجود يحتمل سبقه، لإمكان توالي الأحداث، و تأخره فلا تبطل طهارة متحققة بحدث موهوم(2).

و قيل: يراعي الأصل السابق، فإن كان قبل الزوال متطهرا أو محدثا فهو كالسابق، و يحكم بسقوط حكم الحدث و الطهر الموجودين بعده لتساوي الاحتمالين، و للشافعية الوجوه الثلاثة(3).

و الأقرب أن نقول: إن تيقن الطهارة و الحدث متحدين متعاقبين و لم يسبق حاله علي علم زمانهما تطهر، و إن سبق استصحب.

مسألة 62: لو شك في شيء من أفعال الوضوء،

فان كان علي حاله لم

ص: 211


1- كفاية الأخيار 23:1، مغني المحتاج 39:1، المجموع 64:2، فتح العزيز 83:2.
2- القائل هو المحقق في المعتبر: 45.
3- المجموع 64:2، فتح العزيز 81:2-82، كفاية الأخيار 23:1، مغني المحتاج 39:1.

يفرغ منه أعاد علي ما شك فيه و علي ما بعده، و لو كان السابق قد جف استأنف من رأس، لأن الأصل عدم الفعل، فلا يدخل في الصلاة بطهارة غير مظنونة.

و لو كان الشك بعد الفراغ و الانصراف لم يلتفت إلي الشك، لقضاء العادة بالانصراف من الفعل بعد استيفائه، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا كنت قاعدا علي وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا، فأعد عليها و علي جميع ما شككت فيه، و إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخري في الصلاة أو غيرها، و شككت في شيء مما سمّي اللّه عليك وضوءه فلا شيء عليك فيه»(1) و هو نص في الحكمين.

و بعض الشافعية سوّي بين الحكمين، و أوجب الإتيان بالمشكوك فيه و بما بعده لئلا يدخل إلي الصلاة بطهارة مشكوك فيها(2) ، و لا شك بعد الحكم لعدم الالتفات.

تذنيب: لو كان الشك في شيء من أعضاء الغسل، فان كان في المكان أعاد عليه و علي ما بعده، و إن كان بعد الانتقال فكذلك، بخلاف الوضوء، لقضاء العادة بالانصراف عن فعل صحيح، و إنما يصح هناك لو كمّل الأفعال، للبطلان مع الإخلال بالموالاة، بخلاف الغسل.

و في المرتمس، و من عادته التوالي، إشكال ينشأ من الالتفات إلي العادة و عدمه.

و التيمم مع اتساع الوقت، إن أوجبنا الموالاة فيه فكالوضوء، و إلاّ فكالغسل.1.

ص: 212


1- الكافي 33:3-2، التهذيب 100:1-261.
2- المجموع 468:1.
مسألة 63: لو تيقن ترك عضو،
اشارة

أتي به و بما بعده مطلقا بلا خلاف، و لو جف السابق استأنف، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله، و مسح رأسه و رجليه، غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسي شماله فليعد الشمال و لا يعيد علي ما كان توضأ»(1) و من أسقط الترتيب أوجب الإتيان بالمنسي خاصّة.

و مع الجفاف يجب الجميع عند من أوجب الموالاة.

و لو كان المتروك مسحا مسح، فإن لم يبق علي يده نداوة أخذ من لحيته و حاجبيه و أشفار عينيه، و مسح برأسه و رجليه، لتحريم الاستئناف، فإن لم يبق علي شيء من ذلك نداوة استأنف.

فروع:

أ - لو جدّد ندبا و صلّي ثم ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة و الصلاة، علي ما اخترناه من اشتراط نية الوجوب أو الندب، أو الاستباحة أو الرفع، أما من اكتفي بالقربة فلا يعيد شيئا لأنه من أي الطهارتين كان سلمت الأخري.

و لو صلّي بكل منهما صلاة أعاد الجميع عندنا، و عند الشيخ يعيد الأولي خاصة(2) ، لاحتمال أن يكون من طهارتها فتبطل، و تصح الثانية بالثانية، و أن يكون من الثانية فيصح الجميع، فالأولي مشكوك فيها دون الثانية.

و لو جدّد واجبا بنذر و شبهه، فإن اكتفينا بالوجه فكالشيخ، و إلاّ فكالمختار.

ب - لو توضأ و صلّي و أحدث ثم توضأ و صلّي أخري، ثم ذكر الإخلال

ص: 213


1- الكافي 34:3-4، التهذيب 99:1-259.
2- المبسوط للطوسي 24:1-25.

المجهول تطهر و أعادهما مع الاختلاف عددا، و إلاّ العدد ينوي به ما في ذمته علي الأقوي، و قيل: الجميع مطلقا(1) ، و كذا لو ذكر أنّه نقض إحدي الطهارتين و جهل تعيينها.

ج - لو صلّي الخمس بخمس طهارات من غير حدث، ثم ذكر الحدث عقيب أحدها، قال الشيخ: يعيد الجميع(2) و هو حق عندنا، أمّا عنده [1] فالأقرب إعادة صبح و مغرب، و أربع ينوي ما في ذمته، و كذا لو تحقق الإخلال المجهول، أمّا لو تطهّر لكل من الخمس عقيب حدث و تيقن الإخلال المجهول أو النقض، قال الشيخ: يعيد الجميع(3) و المعتمد الثلاث.

د - لو توضأ للخمس خمسا عن حدث و تيقن الإخلال المجهول من طهارتين، أعاد أربعا، صبحا و مغربا و أربعا مرتين، فله إطلاق النيّة فيهما و التعيين فيأتي بثالثة و يتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء، فيطلق بين الباقيتين و له الإطلاق الثاني، فيكتفي بالمرتين.

ه - لو كان الترك من طهارتين في يومين، فإن ذكر التفريق صلّي عن كل يوم ثلاث صلوات أربعا و ثلاثا و اثنين.

و إن ذكر جمعهما في يوم و اشتبه صلّي أربعا، و لو جهل الجمع و التفريق صلّي عن كل يوم ثلاث صلوات.

و البحث فيما لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة عن حدث ثم ذكر النقض المجهول بين الطهارة و الصلاة كذلك.6.

ص: 214


1- قال به الشيخ الطوسي في المبسوط 24:1.
2- المبسوط للطوسي 25:1.
3- المبسوط للطوسي 25:1-26.

و - لو صلّي الخمس بثلاث طهارات عن حدث ثم ذكر الإخلال المجهول فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّي أربعا، صبحا و مغربا و أربعا مرتين، و إلاّ اكتفي بالثلاث.

ص: 215

ص: 216

الباب الثالث: في الغسل.
اشارة

و هو قسمان: واجب و نفل،

فالواجب ستة:
اشارة

غسل الجنابة، و الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و مس الأموات بعد بردهم بالموت و قبل تطهيرهم بالغسل، و غسل الموتي، فهنا فصول

ص: 217

ص: 218

الأول: في غسل الجنابة.
اشارة

و مطالبه ثلاثة:

الأول: في السبب و هو أمران: الإنزال و الجماع.
اشارة

إمّا الإنزال: فهو خروج المنيّ، و له ثلاث خواص: أن تكون رائحته كرائحة الكثر [1] ما دام رطبا، و كرائحة بياض البيض إذا جفّ، و أن يندفق بدفعات، و أن يتلذذ بخروجه، و تنكسر الشهوة عقيبه، و أما الثخانة و البياض فلمنيّ الرجل، و يشاركه فيهما الوذي، و الرقة و الصفرة في منيّ المرأة، و يشاركه فيهما المذي لقوله عليه السلام: (الماء من الماء)(1).

و أما الجماع: فحدّه التقاء الختانين، لقوله عليه السلام: (إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل)(2).

مسألة 64: إنزال الماء الدافق كيف كان يقظة و نوما،
اشارة

بشهوة و غيرها، بدفق أو لا يوجب الغسل، الرجل و المرأة في ذلك سواء، ذهب إليه علماؤنا

ص: 219


1- صحيح مسلم 269:1-343، سنن النسائي 115:1، مسند أحمد 29:3، سنن الدارمي 194:1، سنن الترمذي 186:1-112، سنن أبي داود 56:1-217. سنن ابن ماجة 199:1-607.
2- مسند احمد 239:6، سنن البيهقي 163:1.

أجمع، و به قال الشافعي(1) للحديث(2) ، و لأنه منيّ آدمي خرج من محلّه من المخرج المعتاد فيجب الغسل، كالملتذ و النائم.

و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يجب الغسل إلاّ إذا خرج الماء علي وجه الدفق و الشهوة، لأنّه بدونهما كالمذي(3).

و الفرق ظاهر، فإن المذي لا يوجب الغسل بحال.

فروع:

أ - إذا اغتسل من الماء ثم خرج مني آخر منه، فان كان يعلم أنّه مني وجب عليه الغسل، سواء بال أو لا - و به قال الشافعي(4) - للنص(5).

و قال أبو حنيفة: إن خرج قبل البول وجب أن يعيد الغسل، لأنّه بقية ما خرج بالدفق و الشهوة، و إن خرج بعده لم يجب، لأنّه خرج بغير دفق و لا

ص: 220


1- المجموع 139:2، فتح العزيز 125:2، كفاية الأخيار 23:1-24، الوجيز 17:1، مختصر المزني: 5، الام 37:1، المحلّي 5:2-6، المبسوط للسرخسي 67:1، بداية المجتهد 47:1، الهداية للمرغيناني 16:1، شرح العناية 53:1، المغني 231:1، الشرح الكبير 230:1.
2- مسند أحمد 29:3، صحيح مسلم 269:1-343، سنن النسائي 115:1، سنن الدارمي 194:1، سنن الترمذي 186:1، ذيل الحديث 112، سنن ابن ماجة 199:1-607، سنن أبي داود 56:1-217.
3- المجموع 139:2، فتح العزيز 125:2، الوجيز 17:1، المحلّي 6:2 المبسوط للسرخسي 67:1، بداية المجتهد 47:1، الشرح الصغير 61:1، المغني 231:1، الشرح الكبير 230:1، اللباب 16:1، شرح فتح القدير 53:1.
4- الام 37:1، المجموع 139:2، فتح العزيز 125:2، الوجيز 17:1، كفاية الأخيار 24:1، المحلّي 7:2، المغني 233:1، الشرح الكبير 234:1.
5- مسند أحمد 29:3، صحيح مسلم 269:1-343، سنن النسائي 115:1، سنن الدارمي 194:1، سنن الترمذي 186:1، ذيل الحديث 112، سنن ابن ماجة 199:1 - 607، سنن أبي داود 56:1-217.

شهوة، و به قال الأوزاعي(1).

و قال مالك: لا غسل عليه، سواء خرج بعد البول أو قبله، لأنه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرة أخري(2) - و عنه في الوضوء روايتان(3) - و هو مذهب أبي يوسف و محمد و إسحاق(4). و هو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة، و لو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.

و أما إن لم يعلم أنه مني، فإن خرج بعد البول لم يجب الغسل، و وجب الوضوء، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول، و إن كان قد استبرأ بالبول بعده، أو اجتهد قبل البول، و استبرأ فلا شيء و لا وضوء و لا غسل.

ب - لو شك في أنه أنزل أم لا فلا غسل عليه، و لو شك في أنّ الخارج مني اعتبره بالصفات، و اللذّة، و فتور الجسد، لأنها من الصفات اللازمة في الغالب، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظم عليه السلام: «و إن لم يجد شهوة و لا فترة به فلا بأس»(5).

ج - لا يشترط في المريض الدفق، و تكفي الشهوة و فتور الجسد،2.

ص: 221


1- اللباب 16:1، المبسوط للسرخسي 67:1، شرح فتح القدير 54:1، المجموع 139:2، فتح العزيز 126:2، المغني 233:1، الشرح الكبير 234:1.
2- المغني 233:1، الشرح الكبير 234:1، الشرح الصغير 61:1، المجموع 139:2، فتح العزيز 125:2، المحلّي 7:2.
3- حلية العلماء 172:1.
4- المغني 233:1، الشرح الكبير 234:1، المجموع 139:2، حلية العلماء 171:1.
5- التهذيب 120:1-317، الاستبصار 104:1-342.

لقصور قوته لقول الصادق عليه السلام: «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة، و إن كان مريضا لم يجئ إلا بعد»(1).

د - لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.

ه - إذا انتقل الماء إلي الذكر و لم يظهر، لم يجب الغسل حتي يظهر - و به قال الشافعي(2) - لقوله عليه السلام لعلي عليه السلام: (إذا فضخت الماء فاغتسل)(3) ، و الفضخ: الظهور(4) ، و لأنّ ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.

و قال أحمد: يجب قبل الظهور لأن المعتبر الشهوة و قد حصلت بانتقاله(5) ، و المقدمتان ممنوعتان، فإنّ كمالها بظهوره.

و - إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغسل، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة قالت: يا رسول اللّه إن اللّه لا يستحي من الحق، هل علي المرأة من غسل إذا هي احتملت ؟ فقال: (نعم إذا رأت الماء)(6).

ز - لو خرج المنيّ من ثقبة في الذكر أو الأنثيين أو الصلب وجب الغسل.

ح - لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغسل، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم تري نطفة5.

ص: 222


1- التهذيب 369:1-1124، الإستبصار 110:1-365، الكافي 48:3-4.
2- المجموع 140:2، مغني المحتاج 70:1، كفاية الأخيار 24:1.
3- مسند أحمد 109:1، سنن النسائي 111:1، سنن أبي داود 53:1-206.
4- انظر الفائق 124:3، النهاية لابن الأثير 453:3، مادة «فضخ».
5- المغني 231:1، الشرح الكبير 233:1، المجموع 140:2.
6- صحيح مسلم 251:1-313، صحيح البخاري 44:1، سنن النسائي 114:1، سنن الترمذي 209:1-122، الموطأ 51:1-85.

الرجل بعد ذلك هل عليها غسل ؟ قال: «لا»(1).

و لا يجب أيضا الوضوء عند علمائنا، خلافا للشافعي(2).

و كذا لو وطأها فيما دون الفرج فدبّ ماؤه إلي فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها، و به قال قتادة و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي و أحمد(3).

و قال الحسن: تغتسل، لأنّه منيّ خارج فأشبه ماءها(4).

مسألة 65: لو احتلم أنه جامع و أمني،
اشارة

ثم استيقظ و لم ير شيئا لم يجب الغسل إجماعا، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عنه فقال: «ليس عليه الغسل»(5).

و لو رأي المنيّ علي جسده أو ثوبه وجب الغسل إجماعا لأنه منه، و إن لم يذكر الاحتلام، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الرجل يري في ثوبه المني بعد ما يصبح، و لم يكن رأي في منامه أنه قد احتلم، قال: «فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته»(6).

فروع:

أ - لو استيقظ فرأي بللا لا يعلم أنه منيّ، فلا غسل، و إن احتلم بالجماع علي إشكال، لأن الطّهارة متيقنة و الحدث مشكوك.

ص: 223


1- الكافي 49:3-3، التهذيب 146:1-413.
2- المجموع 151:2.
3- المحلي 7:2، المجموع 151:2، المغني 235:1، الشرح الكبير 232:1.
4- المحلي 7:2، المجموع 151:2، المغني 235:1، الشرح الكبير 232:1.
5- الكافي 48:3-1، التهذيب 120:1-316، الاستبصار 109:1-362.
6- التهذيب 367:1-1118، الاستبصار 111:1-367.

ب - لو رأي في ثوبه المختص منيا وجب عليه الغسل، و إن كان قد نزعه، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي، و يعيد من آخر نومة فيه إلاّ مع ظنّ السبق، و قال الشيخ: من آخر غسل رفع به الحدث(1) ، و الوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنه لم يكن منه.

ج - لو كان مشتركا لم يجب علي أحدهما الغسل، بل يستحب، و لا يحرم علي أحدهما ما يحرم علي الجنب، و لأحدهما أن يأتم بصاحبه لأنها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع، و قيل: تبطل صلاة المؤتم، لأن الجنابة لا تعدوهما [1].

السبب الثاني: الجماع، و يجب به الغسل بالإجماع، بشرط التقاء الختانين إن كان في القبل، بمعني المحاذاة، إلاّ ما روي عن داود أنّه قال:

لا يجب(2) ، لأن أبا سعيد الخدري روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من جامع و لم يمن فلا غسل عليه)(3) ، و في بعض الألفاظ: (من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه)(4). و أقحط معناه: لم ينزل الماء، مأخوذ من القحط، و هو انقطاع القطر(5) ، و هو محكي عن أبي، و زيد، و معاذ بن جبل، و أبي سعيد الخدري، ثم رجعوا(6).

و الحديث منسوخ، فإن أبيّ بن كعب قال: إن ذلك رخصة رخّص فيها2.

ص: 224


1- المبسوط للطوسي 28:1.
2- المجموع 136:2، المغني 236:1، الشرح الكبير 235:1، شرح الأزهار 106:1.
3- صحيح مسلم 269:1-343، مسند أبي يعلي 432:2-262، ورد مؤدّاه فيها.
4- صحيح مسلم 270:1-345، سنن ابن ماجة 199:1-606، مسند أحمد 21:3، 26، 94، سنن البيهقي 165:1، مصنف ابن أبي شيبة 89:1، ورد مؤدّاه في المصادر المذكورة
5- النهاية لابن الأثير 17:4 «قحط».
6- الكفاية 56:1، المجموع 136:2، المبسوط للسرخسي 68:1، عمدة القارئ 247:3، المحلّي 4:2.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(1) ، و قال عليه السلام: (إذا قعد بين شعبها الأربع و ألصق الختان بالختان فقد وجب الغسل)(2) ، أراد شعبتي رجليها و شعبتي شفريها، و الإلصاق: المقاربة.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام قال: «قال علي عليه السلام: أ توجبون الجلد و الرجم، و لا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقي الختانان وجب الغسل»(3).

مسألة 66: و دبر المرأة كالقبل،

و قاله السيد المرتضي(4) و جماعة من علمائنا(5) ، و الجمهور(6) ، لقوله تعالي أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (7) ، و وجوب البدل يستلزم وجوب المبدل، و لأنه فرج و محل الشهوة، و لقول علي عليه السلام: «أ توجبون الجلد و الرجم و لا توجبون صاعا من ماء»(8) و وجود العلة يستلزم المعلول.

و عن أحدهما عليهما السلام: «إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم»(9) و ادعي المرتضي الإجماع(10).

ص: 225


1- سنن أبي داود 55:1-214، 215، سنن ابن ماجة 200:1-609.
2- سنن أبي داود 56:1-216، صحيح البخاري 80:1، سنن النسائي 110:1، سنن ابن ماجة 200:1-610.
3- التهذيب 119:1-314.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 48.
5- منهم ابن إدريس في السرائر: 19، و ابن حمزة في الوسيلة: 55، و المحقق في المعتبر: 48.
6- المجموع 132:2، المغني 237:1، الشرح الكبير 235:1، الهداية للمرغيناني 17:1، الكفاية 56:1، شرح العناية 56:1، شرح فتح القدير 56:1، الهداية للأنصاري: 38.
7- المائدة: 6.
8- التهذيب 119:1-314.
9- التهذيب 118:1-310، الاستبصار 108:1-358.
10- حكاه عنه المصنّف أيضا في المختلف 31:1.

و قال الشيخ: لا يجب، ما لم ينزل(1) عملا بالأصل، و لأن المقتضي التقاء الختانين، أو الإنزال، و هما منفيّان.

و الأصل يترك للمعارض، و حصر السبب ممنوع.

مسألة 67: و في دبر الغلام قولان،
اشارة

أحدهما: الوجوب - و هو قول الشافعي و أحمد(2) - قاله المرتضي(3) ، لقول علي عليه السلام: «أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟!»(4) و المعلول تابع، و لأن الدليل قائم في دبر المرأة، فكذا الغلام لعدم الفارق.

و الثاني: العدم إلاّ مع الإنزال، و المعتمد الأول.

أما فرج البهيمة فقال الشيخ: لا نص فيه فلا غسل لعدم الدليل(5) ، و به قال أبو حنيفة(6) ، لأنه غير مقصود فأشبه إيلاج الإصبع.

و قال الشافعي و أحمد: يجب الغسل(7) ، لقوله عليه السلام: (إذا قعد بين شعبها الأربع)(8) و لأنه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج، فوجب

ص: 226


1- الاستبصار 112:1 ذيل الحديث 373.
2- المجموع 132:2، مغني المحتاج 69:1، كفاية الأخيار 23:1، السراج الوهاج: 20، المغني 235:1، الشرح الكبير 235:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 48.
4- التهذيب 119:1-314.
5- المبسوط للطوسي 28:1، الخلاف 117:1 مسألة 59.
6- الهداية للمرغيناني 17:1، شرح العناية 56:1، عمدة القارئ 252:3-253، شرح الأزهار 106:1، المجموع 136:2، فتح العزيز 117:2، الوجيز 17:1، المغني 237:1، الشرح الكبير 235:1.
7- المجموع 136:2، فتح العزيز 117:2، مغني المحتاج 69:1، كفاية الأخيار 23:1، الوجيز 17:1، المغني 237:1، الشرح الكبير 235:1، الام 37:1.
8- سنن أبي داود 56:1-216، سنن النسائي 110:1-111، سنن ابن ماجة 200:1-610، مسند أحمد 520:2، صحيح البخاري 80:1، صحيح مسلم 271:1-348.

الغسل كقبل المرأة.

فروع:

أ - لا يعتبر في الإيلاج الشهوة و لا الإنزال بالإجماع، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.

ب - لا فرق بين الفاعل و المفعول في وجوب الغسل، سواء كان الموطوء ذكرا أو أنثي.

ج - لو أولج في فرج الميت وجب الغسل، و به قال الشافعي و أحمد(1) للعموم.

و قال أبو حنيفة: لا يجب لأنه غير مقصود(2) ، و ينتقض بالعجوزة الشوهاء.

د - لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتي يولج جميعها.

ه - كيف حصل الإيلاج وجب الغسل، فلو أدخلت فرجه في فرجها و هو نائم لا يعلم وجب عليهما الغسل، و بالعكس.

و - لو أولج فيما دون القبل و الدبر لم يجب الغسل إلاّ مع الإنزال، كالسرة و شبهها إجماعا.

ز - لو أولج رجل في فرج خنثي مشكل، فإن أولج في دبره وجب الغسل، و إن أولج في قبله، قال بعض علمائنا: لم يجب [1] - و به قال

ص: 227


1- المجموع 132:2، فتح العزيز 117:2، الوجيز 17:1، كفاية الأخيار 23:1، الام 37:1، مغني المحتاج 69:1، المغني 237:1، الشرح الكبير 235:1.
2- شرح فتح القدير 56:1، عمدة القارئ 253:3، 254، الوجيز 17:1، المجموع 136:2، فتح العزيز 117:2، المغني 237:1، الشرح الكبير 235:1.

الشافعي(1) - لجواز أن يكون رجلا و يكون ذلك عضوا زائدا من البدن، و لو قيل بالوجوب كان وجها لقوله عليه السلام: (إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل)(2) ، و لوجوب الحدّ به.

فلو أولجت هذه الخنثي في فرج امرأة، قال بعض علمائنا و الشافعي:

وجب الغسل علي الخنثي خاصة(3) ، لأنه إن كان رجلا فقد أولج في فرج امرأة، و إن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.

و لو أولج الخنثي في فرج امرأة فلا شيء علي الخنثي لاحتمال أن يكون زائدا، و يحتمل الوجوب للعموم [1].

و قال الشافعي: يجب علي المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(4) ، و يحتمل عندي الغسل.

و لو أولج الخنثي في دبر الغلام فالأقرب عندي الغسل عليهما، و قيل: لا شيء علي الخنثي لاحتمال أن يكون امرأة [2]، و قال الشافعي: يجب علي الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(5).

و لو أولج خنثي في فرج خنثي فعلي ما قيل لا شيء عليهما، لاحتمال أن يكونا رجلين.

ح - و لو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة علي إشكال1.

ص: 228


1- المجموع 51:2، فتح العزيز 121:2، المهذب للشيرازي 36:1.
2- مسند أحمد 239:6، سنن البيهقي 163:1.
3- المجموع 51:2، فتح العزيز 121:2.
4- فتح العزيز 121:2.
5- المجموع 51:2، فتح العزيز 121:2، مغني المحتاج 69:1.

فيمنعان من المساجد، و قراءة العزائم، و مس كتابة القرآن، و يجب عليهما الغسل بعد البلوغ، و في الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال، أقربه ذلك.

و لو أولج الصبي في البالغة، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعا، و بالصبي علي إشكال.

ط - لو أولج مقطوع الحشفة فأقوي الاحتمالات الوجوب لو غيّب قدرها أو جميع الباقي، و بهما قال الشافعي(1) ، و السقوط.

ي - لو لفّ خرقة علي ذكره و أولج وجب الغسل للعموم(2) ، و هو أحد وجوه الشافعية، و العدم، و الفرق بين اللينة و الخشنة(3).

يا - لو استدخلت ذكرا مقطوعا فوجهان كالشافعية(4) ، و كذا ذكر الميت و البهم.

و لو استدخلت ماء الرجل فلا غسل و لا وضوء و إن خرج، و عند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(5).

المطلب الثاني: في الغسل.
اشارة

و فيه بحثان:

الأول: في واجباته:
اشارة

و هي أربعة:

الأول: النية،

و قد تقدمت و هي شرط، و يستحب إيقاعها عند غسل

ص: 229


1- المجموع 133:2-134، فتح العزيز 116:2-117.
2- أشار الي عموم حديث: إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل، راجع مسند أحمد 239:6، سنن البيهقي 163:1.
3- المجموع 134:2، فتح العزيز 118:2-119، مغني المحتاج 69:1.
4- المجموع 133:2، مغني المحتاج 71:1.
5- المجموع 151:2.

الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة، و تتضيق عند غسل الرأس، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده، و يجب استدامتها حكما دفعا لمشقة الاستحضار دائما.

و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة، أو رفع الحدث و إن أطلق، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة، و هو أظهر وجهي الشافعي(1) ، فإن نوي رفع الأصغر متعمدا لم يصح غسله، و هو أظهر وجهي الشافعي(2) ، و كذا إن سها، و للشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(3).

و لو نوت الحائض استباحة الوطء صح الغسل، و للشافعي وجهان(4).

الثاني: غسل البشرة بما يسمي غسلا

بالإجماع و النص(5) ، فالدهن إن تحقق معه الجريان أجزأ و إلاّ فلا، لأنّ عليا عليه السلام كان يقول: «الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبلّ الجسد»(6) فشرط الجريان.

الثالث: إجزاء الماء علي جميع ظاهر البدن و الرأس و أصول الشعر

كلّه، خفّ أو كثف، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (تحت كل شعرة جنابة، فبلّوا الشعر و أنقوا البشرة)(7) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه

ص: 230


1- المجموع 322:1، كفاية الأخيار 24:1، مغني المحتاج 72:1، فتح العزيز 163:2.
2- كفاية الأخيار 24:1، المجموع 323:1، فتح العزيز 163:2، مغني المحتاج 72:1.
3- المجموع 322:1، فتح العزيز 163:2، كفاية الأخيار 24:1.
4- المجموع 323:1، فتح العزيز 163:2-164.
5- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 131:1-362، و ما بعدها، و الاستبصار 118:1-398 و 123-419.
6- التهذيب 138:1-385، الاستبصار 122:1-414.
7- سنن أبي داود 65:1-248، سنن الترمذي 178:1-106، سنن ابن ماجة 196:1-597.

السلام: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار»(1).

و لو لم يصل إلاّ بالتخليل وجب، و من عليه خاتم ضيّق، أو دملج، أو سير وجب إيصال الماء إلي ما تحته، إما بالتحريك أو النزع، و لو كان يصل الماء استحب تحريكه و التخليل، و يغسل ظاهر أذنيه و باطنهما، و لا يدخل الماء فيما بطن من صماخه، و لا يجب غسل باطن الفم و الأنف، و لا غيرهما.

الرابع: الترتيب،

يبدأ برأسه، ثم جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ذهب إليه علماؤنا أجمع، إلا المرتمس و شبهه لأنّ عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يخلّل شعره، فإذا ظن أنه أروي بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده(2) ، و عن ميمونة، و ساقت الحديث.. حتي أفاض عليه السلام علي رأسه ثم غسل جسده(3). فيجب اتّباعه.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب ؟ إلي أن قال: «ثم صب علي رأسه ثلاث أكف، ثم صب علي منكبه الأيمن مرتين، و علي منكبه الأيسر مرتين»(4) و تقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق، و لأنّ المأتي به بيانا إن كان غير مرتّب وجب، و ليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب، و قال الجمهور: لا يجب(5) بالأصل.

ص: 231


1- التهذيب 135:1-373.
2- صحيح البخاري 76:1، سنن النسائي 205:1، سنن البيهقي 175:1.
3- صحيح البخاري 77:1، سنن الترمذي 174:1-103، سنن البيهقي 177:1، سنن النسائي 137:1.
4- الكافي 43:3-3.
5- المجموع 197:2، المغني 252:1-253، الشرح الكبير 249:1، الشرح الصغير 65:1، بدائع الصنائع 17:1-18 و 34.

فروع:

الأول: يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة، لقول الصادق عليه السلام: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله»(1).

و قال بعض علمائنا: يرتّب حكما [1].

الثاني: قال المفيد: لا ينبغي أن يرتمس في الراكد، فإنه إن كان قليلا أفسده(2). و ليس بجيّد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.

الثالث: لو وقف تحت الغيث حتي بلّ جسده طهر مع الجريان و إن لم يرتّب - خلافا لبعض علمائنا [2] - لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل أ يجزي الجنب أن يقوم في القطر حتي يغسل رأسه و جسده، و هو يقدر علي ما سوي ذلك ؟: «إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك»(3) و كذا البحث في الميزاب و شبهه.

البحث الثاني: في مسنوناته.
اشارة

و هي:

الأول: الاستبراء بالبول للمنزل الذكر،

فإن تعذر مسح من المقعدة إلي أصل القضيب ثلاثا، و منه إلي رأسه ثلاثا، و ينتره ثلاثا، و عصر رأس

ص: 232


1- الكافي 43:3-5، التهذيب 149:1-423، الاستبصار 125:1-424.
2- المقنعة: 6.
3- التهذيب 149:1-424، الاستبصار 125:1-425، الفقيه 14:1-27، قرب الاسناد: 85.

الحشفة، و ليس واجبا عند أكثر علمائنا [1]، للأصل، و لقوله تعالي:

فَاطَّهَّرُوا (1) عقّب به القيام، و أذن في الدخول بعد الاغتسال، و قال الشيخ بالوجوب(2).

فروع:

أ - لا استبراء بالجماع من غير إنزال، و لا علي المرأة لاختلاف المخرجين.

ب - لو أخل بالاستبراء، فإن لم يجد بللا صح غسله و لا شيء، و إن وجد بللا فإن علمه منيّا، أو اشتبه وجب إعادة الغسل دون الصلاة السابقة علي الوجدان، و إن علمه غير منيّ فلا شيء.

ج - لو استبرأ بالبول و لم يستبرئ منه ثم وجد البلل، فإن علمه منيّا أعاد الغسل خاصة، و إن اشتبه فالوضوء، و كذا إن اشتبه بالبول.

و لو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه، فلا غسل، و لا وضوء لقول الصادق عليه السلام: «إنه من الحبائل»(3).

الثاني: غسل اليدين ثلاثا

قبل إدخالهما الإناء.

الثالث: المضمضة و الاستنشاق ثلاثا ثلاثا،

و قد تقدم.

الرابع: إمرار اليد علي الجسد،

و ليس واجبا، ذهب إليه علماؤنا

ص: 233


1- المائدة: 6.
2- المبسوط للطوسي 29:1.
3- الفقيه 47:1-10.

أجمع، و الشافعي و أكثر العلماء(1) ، للأصل، و لقوله عليه السلام لأم سلمة و قد سألته عن غسل الجنابة: (إنما يكفيك أن تحثي علي رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي الماء علي سائر جسدك، فإذا أنت قد طهرت)(2).

و قال مالك و المزني: إمرار اليد إلي حيث تنال واجب(3) ، لقوله تعالي حَتَّي تَغْتَسِلُوا (4) و لا يقال: اغتسل إلاّ من ذلك جسده، و لأن التيمم يجب فيه إمرار اليد، فكذا الغسل.

و يبطل بقولهم: غسل الإناء و إن لم يمرّ اليد، و كذا غسل يده، و التراب يتعذر إمراره إلاّ باليد، و لأنّ المسح يتوقف عليه، نعم لو لم يصل الماء إلاّ بالإمرار وجب.

و كذا يجب تخليل الأذنين إن لم يصبهما الماء.

الخامس: الغسل بصاع،

و ليس واجبا للامتثال لو حصل بدونه، و لقول الباقر عليه السلام: «الجنب ما جري عليه الماء من جسده..»(5) و قال أبو حنيفة: يجب(6) و قد تقدم.

السادس: لا يجب غسل المسترسل من الشعر،

و يستحب عملا بالأصل، و يجب غسل أصوله في جميع الرأس و البدن.

ص: 234


1- المغني 251:1، الشرح الكبير 247:1، المجموع 185:2، فتح العزيز 185:2، كفاية الأخيار 26:1، مغني المحتاج 74:1، عمدة القارئ 192:3، المحلي 30:2.
2- سنن أبي داود 65:1-251، سنن ابن ماجة 198:1-603، سنن الترمذي 176:1-105.
3- بداية المجتهد 44:1، المدونة الكبري 27:1، المبسوط للسرخسي 45:1، عمدة القارئ 192:3، المجموع 185:2، فتح العزيز 185:2، بلغة السالك 43:1، و الشرح الصغير 43:1.
4- النساء: 43.
5- الكافي 21:3-4، التهذيب 137:1-380، الاستبصار 123:1-416.
6- المبسوط للطوسي 45:1، بدائع الصنائع 35:1، فتح العزيز 191:2، المغني 256:1، الشرح الكبير 256:1.

و قال الشافعي: يجب غسل المسترسل(1).

السابع: ينبغي أن يبدأ أولا بغسل النجاسة عن بدنه،

فلو غسل رأسه قبله صحّ، و هل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال، و للشافعي فيه وجهان(2).

المطلب الثالث: في الأحكام.
مسألة 68: يحرم علي الجنب قراءة العزائم،
اشارة

و هي أربع سور:

سجدة لقمان، و حم السجدة، و النجم، و اقرأ باسم ربك، دون ما عداها، و يكره ما زاد علي سبع آيات من غيرها، و يتأكد ما زاد علي سبعين.

أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيت عليهم السلام عليه، و لقول الباقر عليه السلام: «الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب و يقرءان من القرآن ما شاء إلا السجدة»(3).

و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالي فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (4) ، و للأصل، و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل أ تقرأ النفساء و الجنب و الحائض شيئا من القرآن ؟: «يقرءون ما شاءوا»(5).

و الجمهور لم يفرقوا بين العزائم و غيرها، ثم اختلفوا، فقال الشافعي:

ص: 235


1- المجموع 184:2، كفاية الأخيار 25:1، مغني المحتاج 73:1، الام 40:1، السراج الوهاج: 21.
2- المجموع 199:2، مغني المحتاج 75:1، كفاية الأخيار 25:1، السراج الوهاج 22:1، فتح العزيز 171:2.
3- التهذيب 371:1-1132.
4- المزّمّل: 20.
5- التهذيب 128:1-348.

الجنب و الحائض لا يجوز لهما قراءة شيء من القرآن(1) ، لأنّ عليا عليه السلام قال: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يكن يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلاّ الجنابة»(2) و حكي ابن المنذر عن أبي ثور أنه حكي عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(3).

و روي كراهة القراءة عن علي عليه السلام، و عمر، و الحسن البصري، و النخعي، و الزهري، و قتادة(4) ، لأنّ عبد اللّه بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكينا، فقال: ما رأيتني أ ليس نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يقرأ أحدنا و هو جنب ؟ فقالت: اقرأ، فقال:

شهدت بأن وعد اللّه حق

فقالت: صدق اللّه و كذب بصري، فجاء إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فأخبر فضحك حتي بدت نواجذه(5) ، و هذا يدل علي اشتهار النهي بين الرجال و النساء.

و قال عبد اللّه بن عباس: يقرأ ورده و هو جنب(6). و قيل لسعيد بن المسيب: أ يقرأ الجنب ؟ فقال: نعم، أ ليس هو في جوفه، و به قال داود،1.

ص: 236


1- المجموع 156:2 و 158، فتح العزيز 133:2-134، مغني المحتاج 72:1.
2- سنن ابن ماجة 195:1-594، سنن النسائي 144:1، سنن أبي داود 59:1-229، مسند أحمد 124:1.
3- المجموع 356:2، فتح العزيز 143:2.
4- المغني 165:1.
5- المجموع 159:2.
6- المغني 156:1، المجموع 158:2، شرح الأزهار 107:1، الشرح الكبير 240:1.

و ابن المنذر(1) ، لأن عائشة قالت: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يكن يترك ذكر اللّه علي كل أحيانه(2) ، و لا دلالة فيه.

و قال أبو حنيفة، و أحمد: يقرأ دون الآية، لعدم أجزائها في الصلاة فصارت كالأذكار(3).

و قال مالك: الحائض تقرأ القرآن، و الجنب يقرأ آيات يسيرة، لأن الحائض يطول أيامها و يكثر، فلو منعناها من القرآن نسيت(4).

و قال الأوزاعي: لا يقرأ الجنب إلاّ آية الركوب و النزول و الصعود(5)سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا (6)رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً (7).

فروع:

الأول: لو تيمم لضرورة ففي جواز قراءة العزائم إشكال.

الثاني: أبعاض العزائم كهي في التحريم، حتي البسملة إذا نواها منها.

الثالث: إذا لم يجد ماء و لا ترابا صلّي مع حدثه، و قرأ ما لا بدّ له من

ص: 237


1- المغني 165:1، المجموع 158:2، شرح الأزهار 107:1، الشرح الكبير 240:1، المحلي 79:1 و 80.
2- صحيح مسلم 282:1-373، سنن أبي داود 5:1-18، سنن ابن ماجة 110:1-302.
3- المغني 165:1-166، الشرح الكبير 240:1-241، شرح الأزهار 107:1، المحلي 1: 78، شرح فتح القدير 148:1، نيل الأوطار 284:1، المجموع 158:2، الوجيز 18:1، فتح العزيز 134:2.
4- المحلي 78:1، شرح الأزهار 107:1، المغني 165:1، الشرح الكبير 240:1، بداية المجتهد 49:1، المجموع 158:2، الوجيز 18:1، فتح العزيز 134:2، بلغة السالك 67:1، الشرح الصغير 67:1 و 81.
5- المغني 165:1، الشرح الكبير 240:1.
6- الزخرف: 13.
7- المؤمنون: 29.

قراءته عند الشافعي(1) للضرورة.

الرابع: لا يمنع من شيء من الأذكار حتي اسمه تعالي.

مسألة 69: و يحرم عليه مس كتابة القرآن،

و عليه إجماع العلماء(2) - إلاّ داود(3) - لقوله تعالي لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (4) و قد تقدم، و يحرم عليه أيضا مس اسمه تعالي في أي شيء كان، لما فيه من التعظيم لشعائر اللّه، و قول الصادق عليه السلام: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالي»(5).

قال الشيخان: و يحرم أيضا مس أسماء أنبياء اللّه، و الأئمة عليهم السلام تعظيما لهم(6).

مسألة 70: الأشهر بين علمائنا تحريم الاستيطان في المساجد،
اشارة

و به قال الشافعي، و سعيد بن المسيب، و الحسن البصري، و عطاء، و مالك، و أبو حنيفة(7) ، لقوله تعالي وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (8) ، و قوله عليه

ص: 238


1- المجموع 163:2، فتح العزيز 142:2، مغني المحتاج 72:1.
2- المغني 168:1، الشرح الكبير 228:1، المجموع 72:2، فتح العزيز 97:2، تفسير القرطبي 226:17، عمدة القارئ 63:3، شرح فتح القدير 149:1، بدائع الصنائع 33:1، بداية المجتهد 49:1، بلغة السالك 57:1، الشرح الصغير 57:1، شرح الأزهار 107:1.
3- المغني 168:1، الشرح الكبير 228:1، المجموع 72:2.
4- الواقعة: 79.
5- التهذيب 126:1-340، الاستبصار 113:1-374.
6- المبسوط للطوسي 29:1، و حكي قول الشيخ المفيد المحقق في المعتبر: 50.
7- المجموع 160:2، فتح العزيز 144:2 و 146، بداية المجتهد 48:1، مغني المحتاج 71:1، كفاية الأخيار 49:1، بلغة السالك 67:1، الشرح الصغير 67:1، الهداية للمرغيناني 31:1، شرح العناية 146:1.
8- النساء: 43.

السلام: (لا أحل المسجد لحائض و لا جنب)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن الجنب يجلس في المسجد، قال: «لا، و لكن يمر فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله»(2).

و قال أحمد و إسحاق: إذا توضأ جاز له اللبث فيه، لأن الصحابة إذا كان أحدهم جنبا توضأ و دخل المسجد، و تحدّث(3) ، و يحمل علي العبور أو الغسل.

و قال المزني، و داود، و ابن المنذر: يجوز اللبث و إن لم يتوضأ، لأن الكافر يجوز له الدخول و لا يخلو من الجنابة، فالمسلم أولي(4). و نمنع الأصل.

فروع:

الأول: لا بأس بالاجتياز من غير لبث - و به قال ابن عباس، و ابن مسعود، و ابن جبير، و سعيد بن المسيب، و الحسن، و عطاء، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود، و المزني، و ابن المنذر(5) - لقوله تعالي إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (6).

ص: 239


1- سنن أبي داود 60:1-232.
2- الكافي 50:3-4، التهذيب 125:1-338.
3- المغني 168:1، الشرح الكبير 242:1، المجموع 160:2، فتح العزيز 148:2، تفسير القرطبي 206:5، نيل الأوطار 288:1.
4- المجموع 160:2، فتح العزيز 148:2، تفسير القرطبي 206:5، نيل الأوطار 288:1.
5- المجموع 160:2، المغني 166:1، الشرح الكبير 241:1، السراج الوهاج: 21، تفسير القرطبي 206:5، التفسير الكبير 108:10، نيل الأوطار 287:1، كفاية الأخيار 50:1، و انظر سنن البيهقي 443:2، مصنف ابن أبي شيبة 146:1.
6- النساء: 43.

و قال جابر: كان أحدنا يمرّ في المسجد و هو جنب مجتازا(1) ، و الظاهر أنهم لم يفعلوا ذلك في زمانه عليه السلام إلا بإذنه.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لكن يمرّ فيها»(2).

و قال مالك: لا يجوز له العبور بحال - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لقوله عليه السلام: (لا أحل المسجد لجنب و لا حائض)(4) و لأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور، كالغاصب، و نحن نقول بالحديث إذ المراد مسجده عليه السلام، و نمنع القياس، لأن التصرف في الأصل ممنوع مطلقا.

الثاني: لا يحل للجنب و لا للحائض الاجتياز في مسجد مكة، و مسجد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالمدينة، ذهب إليه علماؤنا - و لم يفرق الجمهور(5) - لقوله عليه السلام: (لا أحل المسجد لجنب و لا حائض)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إلا المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله»(7).

الثالث: لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجبا و خرج للاغتسال،8.

ص: 240


1- المجموع 160:2، المغني 166:1، أحكام القرآن لابن العربي 436:1، نيل الأوطار 287:1، و انظر سنن البيهقي 443:2، مصنف ابن أبي شيبة 146:1.
2- الكافي 50:3-4، التهذيب 125:1-338.
3- بداية المجتهد 48:1، بلغة السالك 67:1، الشرح الصغير 67:1، فتح العزيز 148:2، نيل الأوطار 287:1، اللباب 43:1، المجموع 160:2، المغني 166:1، الشرح الكبير 241:1، شرح فتح القدير 146:1، الهداية للمرغيناني 31:1 الكفاية 146:1، شرح العناية 146:1.
4- سنن أبي داود 60:1-232، و ورد نحوه في سنن ابن ماجة 212:1-645.
5- المجموع 160:2 و 172، فتح العزيز 148:2، المغني 166:1، الشرح الكبير 241:1، بداية المجتهد 48:1، شرح فتح القدير 146:1، اللباب 43:1، بلغة السالك 67:1، نيل الأوطار 287:1.
6- سنن أبي داود 60:1-232، و ورد نحوه في سنن ابن ماجة 212:1-645.
7- الكافي 50:3-4، التهذيب 125:1-338.

لتعذره فيه، و تحريم الاجتياز بغير طهارة، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله، فاحتلم و أصابه جنابة، فليتيمم و لا يمر في المسجد إلاّ متيمما»(1) و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شيء من المساجد، و يجب عليه القصد إلي أقرب الأبواب إليه.

الرابع: لو كان في المسجد ماء كثير، فالأقرب عندي جواز الدخول إليه و الاغتسال فيه ما لم يلوّث المسجد بالنجاسة.

الخامس: لا يجوز للجنب وضع شيء في المساجد مطلقا علي الأشهر خلافا لسلاّر(2) ، و يجوز له الأخذ منها لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه، قال:

«نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا»(3).

مسألة 71: يكره للجنب أشياء:

الأول: حمل المصحف و مس أوراقه، و تحرم الكتابة، و منع منه أكثر الجمهور(4) و قد تقدم [1] و قول الكاظم عليه السلام: «المصحف لا يمسه علي غير طهر و لا جنبا و لا يعلّقه، إن اللّه تعالي يقول لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (5).(6) محمول علي الكراهية.

ص: 241


1- الكافي 73:3-14، التهذيب 407:1-1280.
2- المراسم: 42.
3- الكافي 51:3-8، التهذيب 125:1-339.
4- المجموع 67:2، المغني 169:1، الشرح الكبير 229:1، كفاية الأخيار 50:1، مغني المحتاج 36:1، تفسير القرطبي 227:17، المحلي 84:1.
5- الواقعة: 79.
6- (7) التهذيب 127:1-344، الإستبصار 113:1-378.

الثاني: النوم إلاّ أن يتوضأ، ذهب إليه علماؤنا، و به قال علي عليه السلام و عبد اللّه بن عمر و أحمد(1) ، لأنّ ابن عمر سأل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أ يرقد أحدنا و هو جنب ؟ قال: (نعم إذا توضأ)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل ينبغي له أن ينام و هو جنب: «يكره ذلك حتي يتوضأ»(3).

و قال ابن المسيب و أصحاب الرأي: ينام من غير وضوء(4) ، لأن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يجنب ثم ينام، و لا يمس ماء حتي يقوم بعد ذلك، فيغتسل(5) ، و لأنه حدث يوجب الغسل، فلا يستحب به الوضوء مع بقائه كالحيض.

و تحمل الرواية علي الغسل أو الجواز، و حدث الحائض ملازم.

الثالث: الأكل و الشرب ما لم يتمضمض و يستنشق، ذهب إليه علماؤنا لقول الباقر عليه السلام: «الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض، و غسل وجهه و أكل و شرب»(6).

و قال أحمد: يغسل فرجه و يتوضأ، و هو مروي عن علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عمر(7) لرواية عائشة أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ(8) ، يعني و هو جنب، و به رواية عن الباقر عليه1.

ص: 242


1- المجموع 158:2، المغني 261:1، الشرح الكبير 259:1، عمدة القارئ 243:3.
2- صحيح البخاري 80:1، صحيح مسلم 248:1-306، سنن ابن ماجة 193:1-585.
3- الفقيه 47:1-179.
4- المجموع 158:2، المغني 261:1، الشرح الكبير 259:1، عمدة القارئ 243:3.
5- سنن ابن ماجة 192:1-581، سنن الترمذي 202:1-118، سنن البيهقي 201:1.
6- الكافي 50:3-1، التهذيب 129:1-354.
7- المغني 261:1، الشرح الكبير 259:1، عمدة القارئ 243:3، الانصاف 260:1.
8- صحيح مسلم 248:1-305، سنن أبي داود 57:1-224، سنن ابن ماجة 194:1-591.

السلام(1).

و عن أحمد رواية أنه يغسل كفيه، و يتمضمض - و به قال إسحاق و أصحاب الرأي(2) - و عليه دلّت الرواية الأولي عن الباقر عليه السلام(3) ، و قال مجاهد: يغسل كفيه، و به قال مالك إن كان أصابهما أذي(4).

الرابع: الخضاب و هو قول أكثر علمائنا [1] - خلافا لابن بابويه(5) - لقول الصادق عليه السلام: «لا يختضب الرجل و هو جنب»(6).

قال المفيد: و لا حرج لو أجنب بعد الخضاب(7) ، و لو قيل بالكراهية كان وجها لأنه علل الكراهة - مع سبق الجنابة - بمنع وصول الماء إلي ظاهر المختضب، و لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل أ يختضب الرجل و هو جنب ؟ قال: «لا» قلت: فيجنب و هو مختضب ؟ قال: «لا»(8).

الخامس: الجماع للمحتلم خاصة قبل أن يغتسل، و لا بأس بتكرار الجماع من غير غسل يتخللها، لأنّه عليه السلام كان يطوف علي نسائه بغسل واحد(9).

91.

ص: 243


1- الكافي 50:3-1، التهذيب 129:1-354.
2- المغني 261:1، الشرح الكبير 259:1، الإنصاف 261:1، عمدة القارئ 243:3.
3- الكافي 50:3-1، التهذيب 129:1-354.
4- المدونة الكبري 30:1، المغني 261:1، الشرح الكبير 259:1، عمدة القارئ 243:3، المنتقي 98:1.
5- الفقيه 48:1.
6- التهذيب 181:1-518، الإستبصار 116:1-387.
7- المقنعة: 7.
8- التهذيب 181:1-517، الاستبصار 116:1-386.
9- صحيح البخاري 75:1، سنن أبي داود 56:1-218، سنن ابن ماجة 194:1-588، سنن الدارمي 192:1.
مسألة 72: قد بيّنا وجوب الاستيعاب،

فلو أهمل لمعة فإن كان مرتبا غسلها و غسل الجانب المتأخر عمّا هي فيه ليحصل الترتيب، و لا يجب غسل الجانب الذي هي فيه، و إن كان أسفل منها لإجزاء النكس هنا، بخلاف الوضوء، و إن كان مرتمسا احتمل ذلك لمساواته المرتّب فيساويه في الحكم، و الاكتفاء بغسلها و الإعادة، و إذا جري الماء تحت قدم الجنب أجزأه، و إلاّ وجب غسله.

و لا تنقض المرأة شعرها مع وصول الماء إلي أصله، لقول الصادق عليه السلام: «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة»(1) و لو لم يصل إلاّ بالحلّ وجب، و به قال الشافعي(2) ، و قال النخعي: يجب نقضه بكل حال(3) ، و قال مالك: لا يجب نقضه بكل حال [1].

و لو كان في رأسها حشو، فإن كان رقيقا كالدهن لا يمنع من وصول الماء اكتفت بالصب، و إلاّ وجب إزالته.

مسألة 73: يجزي غسل الجنابة عن الوضوء
اشارة

بإجماع أهل البيت عليهم السلام سواء جامعه حدث أصغر أو أكبر، و أطبق العلماء علي عدم إيجاب الوضوء إلاّ ما حكي عن داود و أبي ثور، فإنهما أوجباهما معا، و هو وجه للشافعية(4) لقوله تعالي حَتَّي تَغْتَسِلُوا (5) و قالت عائشة: كان

ص: 244


1- الكافي 45:3-16، التهذيب 162:1-466.
2- الام 40:1، المجموع 187:2، كفاية الأخيار 25:1، مغني المحتاج 73:1، فتح العزيز 167:2.
3- المجموع 187:2، الشرح الكبير 251:1.
4- المجموع 186:2 و 195، مغني المحتاج 76:1، المغني 250:1، الشرح الكبير 257:1، عمدة القارئ 191:3، نيل الأوطار 306:1-307.
5- النساء: 43.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد قال له محمد بن مسلم:

إن أهل الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنه كان يأتي بالوضوء قبل الغسل من الجنابة: «كذبوا علي علي عليه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام، قال اللّه تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (2).(3) ، و قول الكاظم عليه السلام: «و لا وضوء عليه»(4).

و لأن العبادتين إذا كانتا من جنس واحد، و إحداهما صغري و الأخري كبري جاز أن يدخل الصغري في الكبري، كالحج و العمرة عندهم(5).

فروع:

الأول: لو توضأ معتقدا أن الغسل لا يجزيه كان مبدعا و صح غسله.

الثاني: قال بعض الشافعية: يجب عليه غسل واحد عنهما، لكن يترتب فيه أعضاء الوضوء، لأن الترتيب واجب في الوضوء(6) ، و هو حق عندنا، لأن الترتيب واجب في الغسل إلاّ مع الارتماس.

الثالث: اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة، فقال المرتضي: إنه كاف عن الوضوء و إن كان الغسل مندوبا(7) ، لقول الباقر عليه السلام:

ص: 245


1- سنن ابن ماجة 191:1-579، سنن الترمذي 179:1-107، سنن النسائي 137:1.
2- المائدة: 6.
3- (3) التهذيب 142:1-400، الاستبصار 125:1-426.
4- التهذيب 142:1-402.
5- المجموع 195:2-196.
6- المجموع 193:2.
7- حكاه المحقق في المعتبر: 52.

«الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء أطهر من الغسل»(1) ، و قول الصادق عليه السلام: «الوضوء بعد الغسل بدعة»(2) و يحمل علي غسل الجنابة.

و قال الشيخان: لا يكفي(3) ، و هو الأقوي لعموم فَاغْسِلُوا (4) و لقول الصادق عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(5) و قوله عليه السلام: «كل غسل فيه وضوء إلاّ الجنابة»(6) و لأنهما معلولا علّتين اجتمعتا، فيثبتان لعدم التنافي بينهما.

مسألة 74: إذا أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل قال الشيخ، و ابنا بابويه: يعيد الغسل

مسألة 74: إذا أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل قال الشيخ، و ابنا بابويه: يعيد الغسل(7)

- و هو الأقوي عندي - لأنّ الأصغر يدخل في الأكبر و قد انتقض ما فعله من الأكبر، فيجب الغسل من رأس.

و قال المرتضي: يتم و يتوضأ(8) ، لأن الأصغر يوجب الوضوء لا الغسل، و لا ينقضه، فيسقط وجوب الإعادة، و لا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل.

و قال ابن البراج: يتم و لا شيء عليه(9) ، لأنه قبل إكمال الغسل جنب، و الأصغر يدخل تحت الأكبر.

و قال الشافعي: لو غسل الجنب جميع بدنه إلاّ رجليه، ثم أحدث لم

ص: 246


1- التهذيب 139:1-390، الاستبصار 126:1-427، و ذيله في الكافي 45:3 ذيل الحديث 13.
2- الكافي 45:3-12، التهذيب 140:1-395.
3- المقنعة: 6، المبسوط للطوسي 30:1.
4- المائدة: 6.
5- الكافي 45:3-13، التهذيب 139:1-391، الاستبصار 126:1-428.
6- التهذيب 143:1-403 و 303-881.
7- المبسوط للطوسي 29:1-30، الفقيه 49:1.
8- حكاه المحقق في المعتبر: 52.
9- حكاه أيضا المحقق في المعتبر: 52.

يتعلق حكم الحدث بالرجلين، لوجود حدث الجنابة فيهما و يغسلهما عن الجنابة ثم يتوضأ في أعضاء وضوئه سوي رجليه فهذا وضوء ليس فيه غسل الرجلين، أو يقال وضوء يبدأ فيه بغسل الرجلين.

و لو غسل الجنب أعضاء وضوئه دون بقية بدنه ثم أحدث لزمه أن يتوضأ، لأن حدثه صادف أعضاء الوضوء و قد زال حكم الجنابة فيها، فلزمه الوضوء مرتبا، و إن غسل جميع بدنه إلا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يلزمه الوضوء، لأن حكم الجنابة باق فيها، فلا يؤثر فيه الحدث، و يغسل أعضاء وضوئه للجنابة من غير ترتيب و يجزيه(1).

مسألة 75: لو أجنب الكافر وجب عليه الغسل،
اشارة

و لم يصح منه إلاّ بعد الإسلام، لاشتراط النيّة و هي منفية عنه، فلو اغتسل حال كفره لم يصح، و به قال الشافعي و له قول آخر: عدم الإعادة، كالذمية إذا اغتسلت من الحيض لإباحة وطء المسلم(2) ، و الأصل ممنوع مع قيام الفرق، لأن غسلها لحقّ الآدمي دون حقه تعالي، بخلاف الكافر.

فروع:

الأول: المرتد كالكافر لا يصح غسله إلاّ بعد رجوعه.

الثاني: لو ارتد المسلم بعد غسله لم يبطل، و كذا بعد الوضوء و التيمم.

و للشافعي ثلاثة أوجه في الوضوء و التيمم، أحدها: لا يفسدان، و الثاني:

ص: 247


1- المجموع 449:1-450.
2- المجموع 152:2، كفاية الأخيار 27:1، المغني 240:1، الشرح الكبير 238:1، نيل الأوطار 281:1.

يفسدان، و به قال أحمد(1) ، و الثالث: يفسد التيمم دون الوضوء(2).

الثالث: لو أسلم و لم يكن مجنبا لم يجب عليه الغسل، بل يستحب - و به قال الشافعي(3) - للأصل، و لأن العدد الكثير أسلم علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و لم يأمرهم بالغسل، و لأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغسل، فلم يجب كالجمعة.

و قال أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر: يجب(4) ، لأن قيس بن عاصم، و ثمامة بن أثال أسلما فأمرهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالاغتسال(5). و يحمل علي الاستحباب.

مسألة 76: لا يفسد الماء لو أدخل الجنب أو الحائض أيديهما في الإناء

مع عدم النجاسة - و به قال الشافعي(6) - لأن بدنهما طاهر، و روي أبو هريرة قال: لقيني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتي قعد، ثم انسللت فأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت و هو قاعد، فقال:

(أين كنت يا أبا هريرة ؟) فقلت له: [يا رسول اللّه لقيتني و أنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتي اغتسل] [1] فقال: (سبحان اللّه إن المؤمن ليس

ص: 248


1- المغني 200:1، الشرح الكبير 225:1.
2- المجموع 5:2، المغني 200:1، الشرح الكبير 225:1-226.
3- الام 38:1، المجموع 153:2، كفاية الأخيار 27:1، المغني 239:1، الشرح الكبير 237:1.
4- المغني 239:1، الشرح الكبير 237:1، المجموع 153:2، سبل السلام 140:1، نيل الأوطار 281:1.
5- صحيح البخاري 125:1، سنن النسائي 109:1، مسند أحمد 61:5.
6- حلية العلماء 178:1.

بنجس)(1).

و قال أبو يوسف: إن أدخل يده لم يفسد الماء، و إن أدخل رجله فسد، لأن الجنب نجس، و عفي عن يده للحاجة(2). و هو غلط لما تقدم.

و يكره للجنب أن يغتسل في الماء الراكد و إن كثر - و به قال الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، و لا يغتسل فيه من الجنابة)(4) ، و يكره في البئر أيضا، و هو قول الشافعي(5) و عند أكثر علمائنا أنها تنجس [1].

مسألة 77: الموالاة ليست واجبة هنا للأصل،

و هو مذهب علمائنا، و عند الشافعي أنها واجبة(6).

و تكره الاستعانة، و يحرم التولية، و قد تقدم البحث في ذلك كلّه في الوضوء.

و هل تستحب التسمية ؟ للشافعي وجهان: الثبوت لأنها طهارة عن حدث، و العدم لأن نظمها نظم القرآن(7) ، و لو أخل بالمضمضة و الاستنشاق

ص: 249


1- صحيح البخاري 79:1، صحيح مسلم 282:1-371، سنن أبي داود 59:1-231، سنن ابن ماجة 178:1-534، سنن الترمذي 207:1-121، سنن النسائي 145:1، مسند أحمد 235:2 و 382 و 471.
2- المبسوط للسرخسي 53:1، المغني 246:1، الشرح الكبير 262:1، حلية العلماء 178:1.
3- المجموع 196:2، كفاية الأخيار 26:1، المحلي 211:1.
4- صحيح البخاري 68:1، صحيح مسلم 235:1-282، سنن النسائي 197:1، سنن أبي داود 18:1-70، سنن الدارمي 186:1، سنن ابن ماجة 124:1-344.
5- المجموع 196:2.
6- المجموع 453:1.
7- المجموع 181:2، كفاية الأخيار 25:1.

قال الشافعي: يستحب إعادة الغسل [1] و ليس بمعتمد.

و مقطوع الأنف و الشفتين يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع في الجنابة و الوضوء، لتغير الموضع عما كان، و زوال الحائل فصار ظاهرا كما لو تقشر الجلد، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: لا يجب، لأنه باطن بأصل الخلقة(1).

و غير المختون إن كان مرتتقا لم يجب كشف البشرة معا و إلاّ وجب، و يغسل الباطن و الظاهر أيضا، و للشافعي وجهان، أحدهما: الوجوب لأن الجلدة مستحقة الإزالة شرعا، و لهذا لو أزالها إنسان لم يضمن(2).

مسألة 78: المرأة كالرجل في الغسل و كيفيته،

نعم ينبغي لها الاستظهار في الإيصال إلي أصول الشعر، و لا يجب علي البكر إيصال الماء إلي باطن فرجها، و كذا الثيب، و للشافعي في غسل باطنه في الحيض وجهان، و في الجنابة كذلك إن قال بنجاسة رطوبة الفرج(3).

و هل يجب علي السيد شراء الماء للوضوء و الغسل ؟ يحتمل ذلك كالفطرة، و العدم كدم التمتع، و المائية لها بدل و هو التيمم، فينتقل إليه كما ينتقل إلي الصوم، و للشافعي كالوجهين، و كذا الوجهان في المرأة(4).

و قيل: لا يلزمه شراء ماء غسل الحيض و النفاس، لأنه من جملة مئونة التمكين الواجب عليها.

ص: 250


1- المجموع 382:1 و 199:2، فتح العزيز 165:2، كفاية الأخيار 25:1.
2- المجموع 199:2، فتح العزيز 165:2، كفاية الأخيار 25:1.
3- المجموع 186:2، فتح العزيز 165:2-166، كفاية الأخيار 25:1.
4- المجموع 200:2.
الفصل الثاني: في الحيض.
اشارة

و فيه مطالب:

الأول: في ماهيته، و هو لغة السيل، و شرعا الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة إما بظهوره، أو بانقطاعه علي الخلاف، و هو دم يرجئه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة، لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن اللّه تعالي إلي تغذيته، و لهذا قلّ أن تحيض الحامل، فإذا وضعت الولد خلع اللّه تعالي عنه صورة الدم، و كساه صورة اللبن ليغتذي به الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له، فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام، أو سبعة، و قد يزيد و يقلّ علي حسب اختلاف الأمزجة.

و هو في الأغلب أسود، أو أحمر غليظ حار، له دفع، قال الصادق عليه السلام: «دم الحيض حار عبيط أسود»(1) و العبيط: الطري، و قال الباقر عليه السلام: «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة»(2) و البحراني: الأحمر الشديد الحمرة و السواد.

فإن اشتبه بدم العذرة أدخلت المرأة قطنة، فإن خرجت مطوقة فهو

ص: 251


1- الكافي 91:3-1، التهذيب 151:1-429.
2- الكافي 86:3-1، التهذيب 383:1-1183.

لعذرة، و إن خرجت منغمسة فهو حيض، لقول الباقر عليه السلام و الكاظم عليه السلام: «فإن خرجت مطوقة فهو من العذرة، و إن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث»(1).

و ان اشتبه بدم القرح أدخلت إصبعها، فإن كان خارجا من الأيمن فهو دم قرح، و إن كان من الأيسر فهو حيض، و هو الأشهر، و رواه الشيخ في التهذيب عن الصادق عليه السلام(2) ، و أما ابن يعقوب فإنه روي عن الصادق عليه السلام العكس(3) ، و به قال ابن الجنيد(4).

مسألة 79: لا حيض مع سن الصغر،

و هي من لم تكمل تسع سنين، فلو رأت قبلها و إن كان بشيء يسير ما هو بصفة الحيض لم يكن حيضا، و هذا تحديد تحقيق لا تقريب، و للشافعي قولان(5).

و له ثلاثة أقوال في أول وقت إمكانه: أول التاسعة، و بعد ستة أشهر منها، و أول العاشرة(6).

و لا حيض أيضا مع اليأس، و هو بلوغ خمسين سنة في غير القرشية و النبطية، و بلوغ ستين فيهما، لقول الصادق عليه السلام: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلاّ أن تكون امرأة من قريش»(7) و رويت روايتان مطلقتان: إحداهما بخمسين(8) ، و الأخري بستين(9) ، و هما محمولتان علي

ص: 252


1- الكافي 94:3-2 و 1، التهذيب 152:1-432 و 385-1184، المحاسن: 307-21 و 308-22.
2- التهذيب 385:1-1185.
3- الكافي 94:3-3.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 52.
5- المجموع 373:2.
6- الوجيز 25:1، المجموع 373:2، فتح العزيز 410:2.
7- الكافي 107:3-3، الفقيه 51:1-198، التهذيب 397:1-1236.
8- الكافي 107:3-4، التهذيب 397:1-1237.
9- الكافي 107:3-2، التهذيب 469:7-1881.

هذا التفصيل، فإذا بلغت المرأة هذا السن كان الدم استحاضة.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: خمسون، و الثانية: ستون(1) ، و بالفرق قال أهل المدينة(2).

مسألة 80: الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر،

كما أن الأسود العبيط في أيام الطهر دم فساد، و روي عن الصادق عليه السلام: «أن الصفرة حيض إن كان قبل الحيض بيومين، و إن كان بعده بيومين فليس منه»(3).

و للشافعية كالأول و اختلفوا، فقال بعضهم: الصفرة و الكدرة في أيام الإمكان حيض، و قال آخرون: في أيام العادة، و قال بعضهم: إن تقدمها دم أسود و إن كان بعض يوم(4). و بالأول قال ربيعة، و مالك، و سفيان، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو حنيفة، و محمّد(5) ، لقوله تعالي:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً (6) و هو يتناول الصفرة و الكدرة، و لأنه دم في زمان الإمكان لم يجاوزه فكان حيضا كالأسود.

و قال أبو يوسف: الصفرة حيض و الكدرة ليست حيضا إلاّ أن يتقدمها دم أسود(7) ، و قال أبو ثور: إن تقدمهما دم أسود فهما حيض، و اختاره ابن

ص: 253


1- المغني 406:1، الشرح الكبير 352:1، المحرر في الفقه 26:1، الإنصاف 356:1.
2- المغني 406:1، الشرح الكبير 353:1.
3- الكافي 78:3-2، الفقيه 51:1-196، التهذيب 396:1-1231.
4- المجموع 392:2، مختصر المزني: 11، المغني 383:1، الشرح الكبير 383:1، بداية المجتهد 53:1، عمدة القارئ 309:3-310، المحلي 168:2-169.
5- المغني 383:1، الشرح الكبير 383:1، مسائل أحمد: 24، بداية المجتهد 53:1، اللباب 42:1، بلغة السالك 78:1، المجموع 395:2، المبسوط للسرخسي 18:2، المحلي 168:2-169، عمدة القارئ 309:3-310.
6- البقرة: 222.
7- الهداية للمرغيناني 30:1، بدائع الصنائع 39:1، المجموع 395:2 و 396، المغني 383:1، الشرح الكبير 383:1، المحلي 169:2، حلية العلماء 220:1.

المنذر(1).

و قال داود: ليس بحيض(2) لأن أم عطية - و كانت بايعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله - قالت: كنا لا نعتد بالصفرة و الكدرة بعد الغسل شيئا(3).

مسألة 81: و الأقوي إمكان اجتماع الحيض و الحبل - و به قال مالك،

و الشافعي، و الليث، و الزهري، و قتادة، و إسحاق(4) - لأن عائشة قالت: إذا رأت الدم لا تصلي(5) و الظاهر إنه توفيق.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحبلي تري الدم أ تترك الصلاة ؟: «نعم، إنّ الحبلي ربما قذفت بالدم»(6) و كذا عن الكاظم عليه السلام(7).

و قال شيخنا المفيد و ابن الجنيد: لا يمكن(8) ، و به قال جمهور التابعين، كسعيد بن المسيب، و عطاء، و الحسن، و جابر بن زيد، و عكرمة، و محمد بن المنكدر، و الشعبي، و مكحول، و حماد، و الثوري، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و ابن المنذر، و أبو عبيد، و أبو ثور، و أحمد(9) لأنّ

ص: 254


1- المجموع 396:2، المغني 383:1، الشرح الكبير 383:1، المحلي 169:2، حلية العلماء 220:1.
2- بداية المجتهد 53:1، حلية العلماء 221:1.
3- صحيح البخاري 89:1، سنن أبي داود 83:1-307، سنن ابن ماجة 212:1-647، سنن الدارمي 215:1، سنن النسائي 186:1 و 187.
4- المجموع 386:2، بداية المجتهد 53:1، بلغة السالك 78:1، المغني 405:1، الشرح الكبير 353:1، المبسوط للسرخسي 20:2.
5- المغني 405:1، الشرح الكبير 353:1.
6- الكافي 97:3-5، التهذيب 386:1-1187، الإستبصار 138:1-474.
7- الكافي 97:3-4، التهذيب 386:1-1189، الإستبصار 139:1-476.
8- أحكام النساء: 11، و حكي قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر: 53.
9- المجموع 386:2، المغني 405:1، بداية المجتهد 53:1، بلغة السالك 78:1، شرح العناية 143:1، المبسوط للسرخسي 20:2، الشرح الكبير 353:1.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا توطأ حامل حتي تضع، و لا حائل حتي تستبرئ بحيضة)(1). جعل وجود الحيض علما علي براءة الرحم، فدل علي عدم الاجتماع.

و من طريق الخاصة قول زين العابدين عليه السلام: «قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: ما جمع اللّه بين حيض و حبل»(2).

و للشيخ قول آخر: إن رأته في زمان عادتها فهو حيض، و إن تأخر بعشرين يوما فليس بحيض(3) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأت الحامل بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت تري الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإن ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضأ»(4) الحديث.

قال الشيخ في الخلاف: إجماع الفرقة علي أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، و إنما الخلاف قبل أن يستبين(5).

مسألة 82: أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها

بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم السلام - و به قال أبو حنيفة و الثوري(6) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله

ص: 255


1- سنن أبي داود 248:2-2157، سنن الدارمي 171:2، مسند أحمد 87:3.
2- التهذيب 387:1-1196، الاستبصار 140:1-481 «و روي فيهما عن الامام الباقر عليه السلام».
3- النهاية: 25.
4- الكافي 95:3-1، التهذيب 388:1-1197، الاستبصار 140:1-482.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 53، و انظر الخلاف 239:1 مسألة 205.
6- الهداية للمرغيناني 30:1، اللباب 42:1، بدائع الصنائع 40:1، عمدة القارئ 307:3، المجموع 380:2، فتح العزيز 412:2، المغني 354:1، بداية المجتهد 50:1، الشرح الكبير 354:1.

قال: (أقل الحيض ثلاثة أيام)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام»(2) و لأن الأصل ثبوت العبادة، فيستصحب، إلاّ مع تعين المسقط.

و قال أبو يوسف: يومان و أكثر الثالث(3). و قال مالك: ليس لأقله حدّ يجوز أن يكون ساعة، لأنه لو كان أقله يوما لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتي يمضي يوم كامل(4) ، و قال أحمد، و أبو ثور: أقله يوم و ليلة - و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: يوم، و به قال داود(5) - لدلالة الوجود عليه(6) ، و هو ممنوع.

مسألة 83: و أكثره عشرة أيام بلا خلاف بين علمائنا
اشارة

- و به قال أبو حنيفة و الثوري(7) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (و أكثره عشرة أيام)(8) ، و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «و أبعده عشرة أيام»(9).

ص: 256


1- سنن الدار قطني 219:1-61.
2- الكافي 75:3-2.
3- بدائع الصنائع 40:1، الهداية 143:1، عمدة القارئ 307:3، المجموع 380:2.
4- بداية المجتهد 50:1، بلغة السالك 78:1، المغني 354:1، الشرح الكبير 354:1، المجموع 380:2، شرح العناية 142:1، فتح العزيز 412:2.
5- المجموع 375:2 و 376، كفاية الأخيار 47:1، المغني 353:1، الشرح الكبير 354:1، مغني المحتاج 109:1، بدائع الصنائع 40:1، حلية العلماء 218:1.
6- المغني 352:1 و 354، الشرح الكبير 354:1-355، عمدة القارئ 306:3، المجموع 380:2، حلية العلماء 218:1، المحلّي 193:2.
7- بدائع الصنائع 40:1، اللباب 42:1، شرح فتح القدير 143:1، عمدة القارئ 307:3، المجموع 380:2، المحلي 198:2، المغني 354:1، الشرح الكبير 354:1، بداية المجتهد 50:1، فتح العزيز 412:2.
8- سنن الدار قطني 219:1-61، الجامع الصغير 202:1-1357، مجمع الزوائد 280:1.
9- الكافي 76:3-3، التهذيب 156:1-446، الاستبصار 130:1-447.

و قال الشافعي: خمسة عشر يوما، و به قال مالك، و أبو ثور، و داود، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عطاء بن أبي رباح، و أحمد في إحدي الروايتين لدلالة الوجود عليه(1) ، و هو ممنوع.

و في رواية عن أحمد: سبعة عشر يوما(2) ، و قال سعيد بن جبير: ثلاثة عشر يوما(3).

فروع:

الأول: اختلف علماؤنا في الثلاثة، فالأكثر اشترط التوالي فيها(4) ، و قيل: يكفي كونها في جملة العشرة(5) ، و الرواية به مقطوعة(6) ، و بها أفتي في النهاية(7) ، و المعتمد الأول احتياطا للعبادة.

الثاني: ما تراه بين الثلاثة و العشرة مما يمكن أن يكون حيضا حيض، بأي لون كان ما لم يعلم غيره.

الثالث: أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقوله عليه السلام عن النساء: (إنهنّ ناقصات عقل و دين) فقيل: يا رسول اللّه

ص: 257


1- الام 67:1، المجموع 376:2 و 380، مختصر المزني: 11، كفاية الأخيار 47:1، مغني المحتاج 109:1، فتح العزيز 412:2، المدونة الكبري 49:1، بداية المجتهد 50:1، المحلي 198:2، الشرح الكبير 354:1، مسائل أحمد: 22.
2- المغني 352:1 و 353، الشرح الكبير 354:1-355.
3- المغني 353:1، شرح فتح القدير 143:1، المحلي 198:2.
4- منهم ابنا بابويه في الفقيه 50:1، و السيد المرتضي كما حكاه عنه المحقق في المعتبر: 53، و الشيخ الطوسي في المبسوط 42:1، و الجمل: 163، و ابن حمزة في الوسيلة: 56، و ابن إدريس في السرائر: 28، و المحقق في شرائع الإسلام 29:1.
5- قال به القاضي ابن البراج في المهذب 34:1.
6- الكافي 76:3-5، التهذيب 157:1-452.
7- النهاية: 26.

و ما نقصان دينهنّ؟ فقال: (تلبث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصوم و لا تصلي) [1] و الشطر: النصف، و قد ثبت أن أكثر الحيض عشرة أيام، فأقل الطهر مثله.

و عن علي عليه السلام: أنّ امرأة طلّقت فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء و صلّت، فقال لشريح: «قل فيها» فقال:

إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها، و إلاّ فهي كاذبة، فقال عليه السلام:

«قالون»(1) و هو بالرومية جيّد.

و لقول الباقر عليه السلام: «أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلي أن تري الدم»(2) و قول الصادق عليه السلام: «لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام»(3).

و قال مالك، و الشافعي، و الثوري، و أبو حنيفة: أقل الطهر خمسة عشر يوما(4) لما تقدم(5) في الحديث. و عندهم أكثر الحيض خمسة عشر يوما - إلاّ أبا حنيفة - للوجود(6) ، و هو ممنوع.2.

ص: 258


1- صحيح البخاري 89:1، سنن الدارمي 212:1-213.
2- الكافي 76:3-4، التهذيب 157:1-451، الإستبصار 131:1-452.
3- الكافي 76:3-5، التهذيب 157:1-452.
4- الام 67:1، المجموع 376:2، كفاية الأخيار 47:1، مغني المحتاج 109:1، المغني 356:1، الشرح الكبير 356:1، بداية المجتهد 50:1، بلغة السالك 78:1، بدائع الصنائع 40:1، شرح فتح القدير 155:1، عمدة القارئ 314:3، المحلي 200:2.
5- تقدم في الهامش (1).
6- الام 67:1، المجموع 376:2 و 380، كفاية الأخيار 47:1، المغني 354:1، الشرح الكبير 354:1، المدونة الكبري 49:1، بداية المجتهد 50:1، بدائع الصنائع 40:1، المحلي 198:2.

و قال يحيي بن أكثم: أقل الطهر تسعة عشر يوما(1) [1]، و قال أحمد:

أقله ثلاثة عشر يوما(2). و عن مالك أنه قال: لا أعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه(3) ، و عن بعض أصحابه عشرة أيام(4).

الرابع: لا حدّ لأكثر الطهر بالإجماع، و قول أبي الصلاح: أكثره ثلاثة أشهر(5) بناء علي غالب العادات.

الخامس: أغلب مقادير الحيض ست أو سبع، و أغلب الطهر باقي الشهر.

مسألة 84: ذهب علماؤنا أجمع إلي أن العادة إنما تثبت بالمرتين،
اشارة

تري المرأة الدم فيهما بالسواء عددا و وقتا فترد في الثالثة إليهما، و لا يكفي المرة الواحدة، و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعية و أحمد في رواية(6) ، لأنها مأخوذة من العود، و لا تتحقق بالمرة.

و قال الشافعي: تثبت بالمرة الواحدة، و به رواية عن أحمد(7) ، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لتنظر عدد الأيام و الليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر

ص: 259


1- المجموع 382:2.
2- المغني 356:1، الشرح الكبير 356:1، المجموع 382:2، فتح العزيز 412:2.
3- المدونة الكبري 51:1، فتح العزيز 412:2، الكفاية 155:1، حلية العلماء 123:1.
4- المنتقي للباجي 123:1، فتح العزيز 412:2، عمدة القارئ 314:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 31.
5- الكافي في الفقه: 128.
6- المجموع 418:2 و 419، بدائع الصنائع 42:1، المغني 363:1، الشرح الكبير 364:1.
7- المجموع 417:2، المغني 363:1، حلية العلماء 225:1.

ذلك)(1) و لم يعتبر التكرار، و هو لنا، إذ لفظة «كان» تدل علي الكثرة.

و عن أحمد رواية: أنه لا يكفي المرتان بل الثلاث، إذ العادة إنما تقال لما كثر و أقل الكثير ثلاثة(2) ، و ليس بجيد، لقول الصادق عليه السلام:

«فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتي توالت عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم أن ذلك صار لها وقتا و خلقا معروفا»(3).

فروع:

أ - لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، فلو رأت في شهر خمسة لا غير، ثم في آخر خمسة مرتين استقرت العادة.

و كذا لا يشترط الوقت، فلو رأت خمسة في أول الشهر، ثم في أوسط الثاني، ثم في آخر من آخره استقرت عادتها عددا، فإن اتفق الوقت مع العدد استقر عادة.

ب - العادة إما متفقة كخمسة في كل شهر، أو مختلفة كالمترتبة أدوارا، كثلاثة من الأول، و أربعة من الثاني، و خمسة من الثالث، ثم ثلاثة من الرابع، و أربعة من الخامس، و خمسة من السادس و هكذا، و كلاهما معتبر.

ج - لا يشترط في العادة تعدد الشهر، بل يكفي مرور حيضتين عددا سواء و إن كانتا في شهر واحد.

د - قد تحصل العادة من التمييز، كمبتدأة استحيضت و تميز لها الدم

ص: 260


1- سنن أبي داود 71:1-274، سنن النسائي 182:1، الموطأ 62:1-105، سنن الدار قطني 207:1-7.
2- المغني 363:1، الشرح الكبير 364:1، المجموع 419:2.
3- الكافي 88:3-1، التهذيب 384:1-1183.

فتحيضت به ثم مرة ثانية، فإنّ أيّام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.

المطلب الثاني: في أحكامه.

و هي عشرة:

الأول: يحرم عليها ما يفتقر إلي الطهارة كالصلاة فرضا و نفلا، و الطواف كذلك، و مس كتابة القرآن، و يكره لها حمل المصحف، و لمس هامشه، و قد تقدم(1) البحث فيه.

و لو تطهرت لم يرتفع حدثها، نعم يستحب لها الوضوء عند كل صلاة، و الجلوس في مصلاها ذاكرة للّه تعالي، بقدر زمان صلاتها، لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة فتذكر اللّه سبحانه بقدر ما كانت تصلي»(2) و لا يرفع هذا الوضوء حدثا، و لا يبيح ما شرطه الطهارة.

و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلي الفراغ ؟ إشكال.

الثاني: يحرم عليها قراءة العزائم و أبعاضها حتي البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها، بل يكره لها ما عداها، لأنها عبادة ذات سجود، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الأكبر كالصلاة، و قول الباقر عليه السلام و قد سئل الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: «نعم ما شاءا إلاّ السجدة»(3).

و قال الشافعي: تحرم قراءة القرآن مطلقا(4) ، و له قول آخر: أنه مكروه(5) و كره علي عليه السلام لها قراءة القرآن، و به قال الحسن البصري،ز.

ص: 261


1- تقدم في مسألة 71.
2- الكافي 101:3-3، التهذيب 159:1-455.
3- التهذيب 129:1-352، الاستبصار 115:1-384.
4- المجموع 158:2 و 357، فتح العزيز 143:2، الوجيز 28:1، مغني المحتاج 72:1، المغني 166:1، الشرح الكبير 241:1.
5- المغني 165:1، المجموع 356:2، و فيه القول بالجواز.

و النخعي، و الزهري، و قتادة(1) ، و لم يفرقوا بين العزائم و غيرها، و سوّغ لها القراءة مطلقا سعيد بن المسيب، و داود، و ابن المنذر، و مالك(2) ، و قد تقدم(3).

فروع:

أ - لا يكره لها شيء من الأذكار، لقول الباقر عليه السلام: «و يذكر ان اللّه علي كل حال»(4).

ب - يكره لها قراءة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته، و كذا يحرم المس.

ج - لو نذرت قراءة العزائم في وقت، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراءتها، و في وجوب القضاء إشكال، ينشأ من أنها عبادة موقتة، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة، و من استلزام نذر المعين المطلق.

الثالث: الصوم، فلا يصح منها فرضا و لا نفلا، فهو مانع من صحته دون وجوبه، و التحقيق المنع منه، و الفضاء تابع لثبوت سببه دونه.

و في الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (أ ليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم و لا تصلي)(5).

ص: 262


1- المغني 165:1، الشرح الكبير 240:1.
2- المجموع 158:2 و 357، المغني 165:1، الشرح الكبير 240:1، فتح العزيز 143:2، بداية المجتهد 49:1، الشرح الصغير 67:1 و 81.
3- تقدم في المسألة: 68.
4- التهذيب 129:1-352، الاستبصار 115:1-384، علل الشرائع: 288 باب 210.
5- صحيح البخاري 83:1، سنن البيهقي 308:1.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس: «تفطر»(1).

الرابع: الاستيطان في المساجد، ذهب إليه علماؤنا، و لا أعرف فيه مخالفا، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا أحل المسجد لحائض و لا جنب)(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله فأصابته جنابة، فليتيمم، و لا يمرّ في المسجد إلاّ متيمما، حتي يخرج منه و يغتسل، و كذلك الحائض تفعل كذلك، و لا بأس أن يمرا في سائر المساجد، و لا يجلسان فيها»(3).

فروع:

أ - يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث، و هو أحد وجهي الشافعي و الآخر: التحريم(4) ، الاّ المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.

ب - لا بأس لها أن تأخذ شيئا من المساجد، و يحرم عليها الوضع، لأن حدثها أعظم من الجنابة، و سأل زرارة الباقر عليه السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد و لا تضع فيه ؟ فقال: «إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، و لا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلاّ منه»(5).3.

ص: 263


1- التهذيب 393:1-1215، الاستبصار 145:1-498.
2- سنن أبي داود 60:1-232، سنن ابن ماجة 212:1-645.
3- الكافي 73:3-14.
4- المجموع 160:2، فتح العزيز 418:2، كفاية الأخيار 48:1، الوجيز 25:1، المغني 166:1.
5- الكافي 106:3-1، التهذيب 397:1-1233.

ج - لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلي التيمم في خروجها منه إشكال، و أوجبه ابن الجنيد(1) ، و به رواية مرسلة سلفت [1].

الخامس: الجماع، و قد أجمع علماء الإسلام علي تحريمه في قبل الحائض، لقوله تعالي فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (2) و علي إباحة الاستمتاع بما فوق السرة و تحت الركبة، و اختلفوا في مواضع:

أ - الاستمتاع بما بين السرة و الركبة غير القبل، فالمشهور عندنا الإباحة و تركه أفضل، و به قال الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و محمد بن الحسن، و أبو إسحاق المروزي، و ابن المنذر، و روي أيضا عن النخعي، و الشعبي(3) ، عملا بالأصل، و لقوله عليه السلام:

(اصنعوا كل شيء غير النكاح)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عمّا لصاحب المرأة الحائض منها: «كل شيء عدا القبل بعينه»(5).

و قال السيد المرتضي بالتحريم(6) ، و به قال الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة، و أبو يوسف(7) ، لقول عائشة: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يباشر3.

ص: 264


1- حكاه المحقق في المعتبر: 59.
2- البقرة: 222.
3- المجموع 366:2، المغني 384:1، الشرح الكبير 350:1، عمدة القارئ 267:3، شرح النووي، لصحيح مسلم 335:2، تفسير القرطبي 87:3، شرح فتح القدير 147:1.
4- سنن ابن ماجة 211:1-644، سنن أبي داود 67:1-258، سنن النسائي 152:1 و 187.
5- الكافي 538:5-1، التهذيب 154:1-437، الاستبصار 128:1-438.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 59.
7- المجموع 365:2، فتح العزيز 428:2، كفاية الأخيار 49:1، عمدة القارئ 266:3، المغني 384:1، الشرح الكبير 350:1، شرح النووي لصحيح مسلم 335:2، المحلي 176:2، شرح فتح القدير 147:1، تفسير القرطبي 87:3.

نساءه فوق الإزار و هنّ حيّض(1). و لا دلالة فيه.

ب - المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغسل، و به قال أبو حنيفة إن انقطع لأكثر الحيض، و إن انقطع قبله قال: لا يحل حتي تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(2) ، لقوله تعالي حَتّي يَطْهُرْنَ (3) بالتخفيف.

و قوله وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلي أَزْواجِهِمْ (4) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقا ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع، فيبقي ما عداه علي الجواز.

و سئل الكاظم عليه السلام عن الحائض تري الطهر أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ فقال: «لا بأس و بعد الغسل أحب إليّ»(5).

و قال الصدوق: لا يجوز حتي تغتسل [1]، و به قال الزهري، و ربيعة، و الليث، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(6) ،2.

ص: 265


1- صحيح البخاري 82:1 و 83، صحيح مسلم 242:1-293، سنن الترمذي 239:1-132، سنن النسائي 151:1 و 189، سنن ابن ماجة 208:1-635 و 636.
2- شرح فتح القدير 150:1-151، المجموع 370:2، فتح العزيز 422:2، المغني 387:1، الشرح الكبير 349:1، بداية المجتهد 57:1-58، المحلي 173:2، التفسير الكبير 72:6، شرح النووي لصحيح مسلم 336:2، تفسير القرطبي 88:3-89، أحكام القرآن للجصاص 348:1.
3- البقرة: 222.
4- المؤمنون: 5 و 6، المعارج: 29 و 30.
5- الكافي 539:5-540-2، التهذيب 167:1-481، الاستبصار 136:1-468.
6- الام 59:1، المجموع 370:2، فتح العزيز 421:2-422، كفاية الأخيار 49:1، الشرح الصغير 81:1، بداية المجتهد 57:1، مغني المحتاج 110:1، المغني 387:1، الشرح الكبير 349:1، المحلي 173:2، تفسير القرطبي 88:3، تفسير الكبير 73:6، شرح النووي لصحيح مسلم 336:2.

لقوله تعالي فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ (1). و لا دلالة فيه إلاّ من حيث المفهوم.

و قال داود: إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(2).

و قال قتادة و الأوزاعي: عليه نصف دينار(3). و ليس بجيّد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطء للحائض.

ج - لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض، أو الحكم لم يكن عليه شيء، و كذا إن كان ناسيا، و هو أحد وجهي أحمد، و في الآخر: يجب علي الجاهل و الناسي للعموم(4) ، و يبطل بقوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ و النسيان)(5).

و إن كان عالما بهما فقولان، أكثر علمائنا علي وجوب الكفارة(6) ، و به قال الحسن البصري، و عطاء الخراساني، و أحمد، و الشافعي في القديم(7) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من أتي امرأة حائضا فليتصدق3.

ص: 266


1- البقرة: 222.
2- المجموع 370:2، حلية العلماء 216:1.
3- المغني 385:1، الشرح الكبير 351:1.
4- المغني 386:1، الشرح الكبير 351:1.
5- سنن ابن ماجة 659:1-2043 و 2045 نحوه.
6- منهم المفيد في المقنعة: 7، و الشيخ الطوسي في الخلاف 225:1، مسألة 194، و ابن إدريس في السرائر: 8.
7- المجموع 359:2، فتح العزيز 422:2، كفاية الأخيار 49:1، الشرح الكبير 350:1، شرح النووي لصحيح مسلم 334:2، تفسير القرطبي 87:3.

بدينار، و من أتاها و قد أدبر الدم عنها و لم تغتسل فليتصدق بنصف دينار)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يتصدق إذا كان في أوله بدينار، و في أوسطه بنصف دينار، و في آخره بربع دينار»(2).

و قال الشيخ في النهاية بالاستحباب(3) ، و به قال الشافعي في الجديد، و مالك، و الثوري، و أصحاب الرأي(4) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(من أتي كاهنا فصدقه بما يقوله، أو أتي امرأة في دبرها، أو حائضا، فقد بريء مما جاء به محمد)(5) ، و لم يذكر الكفارة.

و من طريق الخاصة رواية عيص قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال: «لا يلتمس فعل ذلك، قد نهي اللّه عنه» قلت: إن فعل فعليه كفارة ؟ قال: «لا أعلم فيه شيئا يستغفر اللّه»(6) و للأصل، و هو الأقوي عندي.

د - المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادق عليه السلام:

«دينار في أوله، و نصفه في أوسطه، و ربعه في آخره»(7).9.

ص: 267


1- سنن الترمذي 245:1-137، كنز العمال 352:16-44884 نقلا عن الطبراني، سنن البيهقي 314:1 نحوه.
2- التهذيب 164:1-471، الإستبصار 134:1-459.
3- النهاية: 26.
4- المجموع 359:2، فتح العزيز 424:2، كفاية الأخيار 49:1، مغني المحتاج 110:1، المنتقي للباجي 117:1، عمدة القارئ 266:3، المغني 385:1، شرح النووي لصحيح مسلم 334:2.
5- سنن الترمذي 242:1-135، سنن ابن ماجة 209:1-639، سنن الدارمي 259:1، مسند أحمد 408:2 و 476.
6- التهذيب 164:1-472، الاستبصار 134:1-460.
7- التهذيب 164:1-471، الاستبصار 134:1-459.

و قال الصدوق: يتصدق علي مسكين بقدر شبعه(1) ، و قال الشافعي:

في إقبال الدم دينار، و في إدباره نصفه(2) و قال أحمد: هو مخير بين الدينار و نصفه(3). و قال الحسن البصري، و عطاء الخراساني: يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(4).

فروع:

أ - لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها، لقول الباقر عليه السلام: «إن أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إن شاء»(5).

ب - لو وطأ الحائض مستحلا كفر، و محرّما يفسق و يعزّر.

ج - إذا أخبرته بالحيض، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالي وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ (6) و منع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.

و إن كان يتهمها بقصد منع حقه، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.

د - لو كرر الوطء، فأقوي الأقوال تعدد الكفارة وجوبا أو استحبابا، علي الخلاف إن اختلف الزمان، أو كفّر عن الأول، و إلاّ فلا عملا بالأصل.8.

ص: 268


1- المقنع: 16.
2- المجموع 359:2، فتح العزيز 422:2، الوجيز 25:1، كفاية الأخيار 49:1.
3- المغني 385:1، الشرح الكبير 351:1، المجموع 361:2، فتح العزيز 424:2، مسائل أحمد: 26، بداية المجتهد 59:1، المحلي 187:2، تفسير القرطبي 87:3، تفسير البحر المحيط 168:2.
4- المجموع 361:2، عمدة القارئ 266:3، المحلي 187:2، سبل السلام 171:1، شرح النووي لصحيح مسلم 334:2.
5- الكافي 539:5-1، التهذيب 166:1-477، الإستبصار 135:1-463.
6- البقرة: 228.

ه - الأول و الوسط و الأخير بحسب عدد أيام عادتها، فاليوم الأول و ثلث الثاني أول الأربعة، و ثلثا الثاني و ثلثا الثالث الأوسط، و الباقي الأخير.

و - لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغسل، و لا يشترط التيمم، و قال الشافعي: إذا تيممت حل وطؤها(1). و قال مكحول: لا يجوز وطؤها حتي تغتسل، و لا يكفي التيمم للآية(2). و قال ابن القاسم: لا توطأ بالتيمم، لأنه بالملاقاة ينتقض(3). و قال أبو حنيفة: لا يحل وطؤها حتي تصلّي به، لأنه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(4).

فلو تيممت ثم أحدثت حدثا، قال الشافعي: لا يحرم وطؤها، لأنه لا يبطل التيمم القائم مقام الغسل، و إنما يوجب التيمم عنه(5).

و إذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان:

التحريم بناء علي أنّ التيمم إنما يستباح به فريضة واحدة، و إذا صلّت به لم يحلّ لها فعل الفريضة، و لا يلزم الحدث، لأنه مانع من الصلاة، و هنا التيمم لم يبح إلاّ فريضة واحدة.

و عدمه لأن التيمم القائم مقام الغسل باق، و لهذا يجوز لها صلاة النافلة(6). و هذه الأصول عندنا فاسدة.2.

ص: 269


1- الام 59:1، المجموع 368:2 و 370، فتح العزيز 421:2-422، مغني المحتاج 111:1، المنتقي للباجي 118:1.
2- مصنف ابن أبي شيبة 96:1، حلية العلماء 216:1، و الآية 222 من سورة البقرة.
3- المدونة الكبري 48:1-49.
4- حلية العلماء 217:1.
5- المجموع 368:2.
6- المجموع 368:2.

ز - لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء، و قال بعض الحنابلة: يجب للعموم(1) ، و قياسا علي الإحرام(2). و هو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطة عنه.

ح - لا كفارة علي المرأة لعدم النص، و قال أحمد: يجب لأنه وطء يوجب الكفارة(3).

السادس: يحرم طلاقها مع الدخول، و حضور الزوج، و انتفاء الحائل و الحبل بإجماع العلماء، فإن طلّق لم يقع عندنا، خلافا للجمهور، و سيأتي.

السابع: يجب عليها الغسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الأمصار، و هو شرط في صحة الصلاة إجماعا، و في الطواف عندنا خلافا لأبي حنيفة(4).

و هل هو شرط في صحة الصوم، بحيث لو أخلّت به ليلا حتي أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتي أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم»(5).

و بدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب، و هو قول أكثر الجمهور(6) ، لقوله عليه السلام: (ليست حيضتك في يدك)(7).1.

ص: 270


1- سنن ابن ماجة 210:1-640، سنن أبي داود 69:1-264.
2- المغني 386:1، الشرح الكبير 351:1.
3- المغني 386:1، الشرح الكبير 352:1.
4- المغني 397:3، الشرح الكبير 409:3.
5- التهذيب 293:1-1213.
6- المجموع 150:2، المغني 244:1، الشرح الكبير 260:1.
7- صحيح مسلم 245:1-299، سنن ابن ماجة 207:1-632، سنن أبي داود 68:1-161، سنن النسائي 146:1 و 192، سنن الترمذي 241:1-242-134، سنن الدارمي 248:1، مسند أحمد 70:2، سنن البيهقي 189:1، معرفة السنن و الآثار 441:1.

و قال أبو يوسف: بدن الحائض و الجنب نجس(1).

الثامن: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالإجماع، و قالت عائشة: كنا نحيض علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الحائض: «ليس عليها أن تقضي الصلاة و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان»(3) و لأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.

التاسع: يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عند الشيخ(4) - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أحمد و أكثر الجمهور(5) - لقوله عليه السلام: (لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور)(6) فيدخل في عمومه السجود، و لأنه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.

و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة، سلّمنا، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها، و الفرق بينه و بين سجود السهو كون المأتي جزءا من الصلاة إن سلّمنا الحكم فيه.3.

ص: 271


1- شرح العناية 94:1-95، المجموع 151:2، المغني 246:1، الشرح الكبير 262:1.
2- صحيح مسلم 265:1-69، سنن أبي داود 68:1-262 و 69-263، سنن الترمذي 234:1-130.
3- الكافي 104:3-3، التهذيب 160:1-459.
4- النهاية: 25.
5- المجموع 367:2، مغني المحتاج 217:1، المبسوط للسرخسي 132:2، شرح فتح القدير 468:1، المغني 685:1، الشرح الكبير 813:1.
6- صحيح مسلم 204:1-224، سنن النسائي 87:1-88، سنن ابن ماجة 100:1-271 - 274، سنن الدارمي 175:1، مسند أحمد 20:2 و 51 و 73.

و قال بعض علمائنا بجوازه [1] و هو المعتمد، لإطلاق الأمر بالسجود، و اشتراط الطهارة ينافيه، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد و إن كنت علي غير وضوء و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد»(1).

إذا ثبت هذا فان السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت، إذ جوازه يستلزم وجوبه، أما السامع ففي الإيجاب عليه نظر، أقربه العدم، لأن الصادق عليه السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال: «لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا لقراءته مستمعا»(2) و مراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.

و هل يمنع منه الحائض و الجنب ؟ روايتان: المنع اختاره في النهاية(3) ، لأن أبا عبد اللّه عليه السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن و تسجد السجدة، إذا سمعت السجدة ؟ فقال: «تقرأ و لا تسجد»(4) ، و الجواز اختاره في المبسوط(5) لما تقدم في الرواية(6).

و قال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة: تومئ برأسها، و به قال سعيد بن المسيب(7) ، و عن الشعبي: يسجد حيث كان وجهه(8).1.

ص: 272


1- الكافي 318:3-2، التهذيب 291:2-1171.
2- الكافي 318:3-3، التهذيب 291:2-1169.
3- النهاية: 25.
4- التهذيب 292:2-1172، الاستبصار 320:1-1193.
5- المبسوط للطوسي 114:1.
6- الكافي 318:3-2، التهذيب 291:2-1171.
7- المغني 685:1، الشرح الكبير 813:1.
8- المغني 685:1، الشرح الكبير 813:1.

تذنيب: لو سمع السجود و هو علي غير طهارة لم يلزمه الوضوء و لا التيمم - و به قال أحمد(1) - لأنا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطا.

و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.

و قال النخعي: يتيمم و يسجد، و عنه: يتوضأ و يسجد، و به قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي(2).

قال أحمد: فإذا توضأ لم يسجد لأنه فات سببها(3).

و لا يتيمم لها مع وجود الماء، لأن شرطه فقدان الماء، و إن كان عادما للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل، لأنه لم يفت سببها و لم يفت محلها بخلاف الوضوء.

العاشر: يكره لها الخضاب، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادق عليه السلام: «لا تختضب الحائض و لا الجنب»(4) ، و ليس للتحريم، لأن أبا إبراهيم عليه السلام سئل تختضب المرأة و هي طامث ؟ فقال:

«نعم»(5).

و لا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض، بأن تختضب قبل عادتها.

مسألة 85: إذا حاضت بعد دخول الوقت و أهملت الصلاة مع القدرة

ص: 273


1- المغني 686:1، الشرح الكبير 813:1.
2- المبسوط للسرخسي 4:2، المغني 686:1، الشرح الكبير 813:1.
3- المغني 686:1، الشرح الكبير 814:1.
4- التهذيب 182:1-521، الإستبصار 116:1-388.
5- الكافي 109:3-2، التهذيب 182:1-523.

و اتساع الوقت لها و للطهارة وجب عليها القضاء، و إن كان قبل ذلك لم يجب.

و إن طهرت في أثناء الوقت، فإن بقي مقدار الطهارة و أداء ركعة وجب الأداء، فان لم تفعل وجب القضاء، و إن كان أقل لم يجب بل يستحب، و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 86: و غسل الحائض كغسل الجنابة،
اشارة

تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر، و يكفي الارتماس، نعم لا بدّ فيه من الوضوء، سئل الصادق عليه السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة ؟ قال:

«نعم»(1).

و يجب فيه النيّة لأنه عبادة فيفتقر فيه إلي النيّة و استدامة حكمها، و لا تجب الموالاة، بل الترتيب.

و يجب استيعاب الجسد بما يسمّي غسلا، لقول الباقر عليه السلام:

«الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه»(2) و يستحب فيه المضمضة و الاستنشاق.

فروع:

أ - لا تجب نيّة السبب، بل تكفي نية رفع الحدث أو الاستباحة، و لا فرق بين أن تقدّم الوضوء أو تؤخره، خلافا لبعض علمائنا، حيث أوجب نية الاستباحة في المتأخر [1].

ب - لو اجتمع الحيض و الجنابة لم يجز لها الغسل إلاّ بعد انقطاع دم

ص: 274


1- التهذيب 106:1-274، الإستبصار 98:1-317.
2- الكافي 82:3-4، التهذيب 400:1-1249، الاستبصار 148:1-508.

الحيض، لا للجنابة و لا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان، و إن نوت رفع حدث الحيض، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضا، لتسويغ الصلاة عندهما، و عدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه، و إن نوت رفع الحدث مطلقا فالأقرب الإجزاء من غير وضوء.

ج - عرق الحائض طاهر إذا لم يلاق النجاسة، و كذا المائعات التي تباشرها، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال: «كان نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله تسكب عليه الماء و هي حائض»(1). و سئل الصادق عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أ تصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال: «نعم لا بأس به»(2).

مسألة 87: ذات العادة تترك الصلاة و الصوم برؤية الدم في عادتها

بإجماع العلماء فإنّ المعتاد كالمتيقن، و سئل الصادق عليه السلام عن المرأة تري الصفرة في أيامها، قال: «لا تصلي حتي تنقضي أيامها»(3).

أما المبتدأة و المضطربة ففيهما قولان، قال الشيخ في المبسوط: أول ما تري المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة و الصوم، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض، و ان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض، و تقضي ما تركته من صلاة و صيام(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر»(5) و به قال الشافعي(6).

ص: 275


1- الكافي 110:3-1: التهذيب 397:1-1238.
2- التهذيب 269:1-793، الإستبصار 186:1-649.
3- الكافي 78:3-1، التهذيب 396:1-1230.
4- المبسوط للطوسي 42:1.
5- التهذيب 394:1-1218، الاستبصار 146:1-499.
6- الوجيز 26:1، فتح العزيز 456:2.

و قال المرتضي في المصباح: الجارية التي يبدأ بها الحيض و لا عادة لها لا تترك الصلاة حتي تستمر ثلاثة أيام(1) ، و هو أقوي، احتياطا للعبادة الثابتة في الذمة بيقين، و لم يحصل يقين المسقط، و الحديث نقول بموجبه، فإنه محمول علي ذات العادة، إذ المراد بالدم هو دم الحيض، و لا تعلم أنّه حيض إلاّ في العادة، و هو قول آخر للشافعي(2).

مسألة 88: ذهب علماؤنا إلي أن المرأة تستظهر بعد عادتها
اشارة

- و به قال مالك(3) - لقول الباقر عليه السلام في الحائض: «إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت تري الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، و يصيب منها زوجها إن أحب، و حلّت لها الصلاة»(4) و عن الرضا عليه السلام قال:

«الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة»(5).

و قال الشافعي: إذا مضي زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(6) ، و لا يجوز لها ان تتوقف زمانا تطلب فيه ظهور حالها و يتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلي أن يتم لها مدة أكثر الحيض، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم، و لمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز.

و الملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوما أو يومين، علي أنّا نمنع بطلان اللازم علي مذهب المرتضي، و سيأتي.

ص: 276


1- حكاه المحقق في المعتبر: 56.
2- فتح العزيز 456:2.
3- بلغة السالك 79:1، بداية المجتهد 52:1، حلية العلماء 225:1.
4- المعتبر: 57.
5- التهذيب 171:1-489، الاستبصار 149:1-514.
6- المجموع 543:2.
فروع:

أ - الاستظهار إنما يكون مع وجود الدم، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض، و إن خرجت نقية فقد طهرت، تغتسل و تصلي من غير استظهار.

ب - إنما يكون الاستظهار لو قلّت العادة عن العشرة، أما إذا كانت العشرة فلا استظهار، إذ لا حيض بعدها.

ج - يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين، بل بيوم واحد.

د - اختلفت علماؤنا في قدر الاستظهار، قال الشيخ في النهاية: تستظهر بيوم أو يومين، و به قال ابن بابويه و المفيد(1) ، و في الجمل: تصبر حتي تنقي(2).

و قال المرتضي: تستظهر عند استمرار الدم إلي عشرة أيام، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(3).

و الأول أقرب، لما تقدم من قول الباقر عليه السلام: «فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين» [1] و قال الرضا عليه السلام: «الحائض تستظهر بيوم أو يومين»(4).

و احتجاج المرتضي بقول الصادق عليه السلام: «ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة»(5) ضعيف السند.

ص: 277


1- النهاية: 24، أحكام النساء للمفيد: 7، المقنع: 16 و فيه: استظهرت بثلاثة أيام.
2- الجمل و العقود للطوسي: 163.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 57.
4- التهذيب 171:1-489، الاستبصار 149:1-514.
5- التهذيب 172:1-493، الاستبصار 150:1-517.

ه - ظاهر كلام الشيخ و المرتضي(1) أنّ الاستظهار علي سبيل الوجوب، إذا المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة، و يحتمل الاستحباب، و المقتضي احتمال الحيض، و لقول الصادق عليه السلام:

«المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت و توضأت و صلّت»(2).

و - إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة - و لا يجب لو انقطع للعشرة لأنها مدة الحيض - فإن خرجت نقية اغتسلت، و إن كانت متلطخة، فإن كانت مبتدأة صبرت حتي تنقي، أو تمضي عشرة أيام.

و ذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقر عليه السلام: «فان خرج الدم لم تطهر، و إن لم يخرج فقد طهرت» [1] فإن استمر إلي العاشر و انقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض، و إن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنه صادف أيام الطهر.

ز - لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه، فإن رأت قبل العاشر و انقطع عليه فالجميع حيض، و كذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين، إذ لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام، و لو تجاوز العشرة فهي مستحاضة و سيأتي حكمها، و لو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضا منفردا، و الثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا إن استمر ثلاثة فما زاد إلي العاشر ثم انقطع فهو حيض، و إن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.8.

ص: 278


1- النهاية: 24، و أما قول المرتضي فحكاه المحقق في المعتبر: 57.
2- التهذيب 402:1-1258.
الفصل الثالث: في المستحاضة.
اشارة

و فيه مطلبان:

الأول: في أحكامها.
مسألة 89: دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق،

لقول الصادق عليه السلام: «إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع، و دم الاستحاضة أصفر بارد»(1) و قد يتفق الأصفر حيضا كما لو وجد في أيام الحيض، و كذا قد يوجد دم الاستحاضة أسودا حارا عبيطا إذا كان بعد أيام الحيض، و أكثر أيام النفاس، و بعد اليأس، لما تقدم من أن الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر.

مسألة 90: دم الاستحاضة إن كان قليلا

- و هو أن يظهر علي القطنة كرءوس الإبر و لا يغمسها - وجب عليها تغيير القطنة و الوضوء لكل صلاة، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في المستحاضة:

(تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، و تصوم و تصلي، و تتوضأ عند كل صلاة)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن المستحاضة: «و إن

ص: 279


1- الكافي 91:3-1، التهذيب 151:1-429.
2- سنن الدارمي 202:1، سنن الترمذي 220:1-126.

كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت، و دخلت المسجد، و صلّت كل صلاة بوضوء»(1) و أما القطنة فلأنها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.

قال الشيخ: و تغيير الخرقة(2) ، و فيه نظر، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.

و قال ابن أبي عقيل منا: لا يجب في هذه الحالة وضوء و لا غسل(3) ، و به قال مالك(4).

و قال أبو حنيفة: تتوضأ لوقت كل صلاة(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة)(6) و روايتنا أرجح لأنها مفسّرة لا إجمال فيها.

و قال الشافعي في أحد قوليه: يجب علي المستحاضة الغسل لكل صلاة من غير وضوء(7) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن عباس و ابن الزبير(8) ، لأن أم حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّي اللّه4.

ص: 280


1- الكافي 89:3-2، التهذيب 107:1-277.
2- المبسوط للطوسي 67:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 64.
4- بداية المجتهد 60:1، تفسير القرطبي 85:3، المحلي 253:1، المجموع 353:2، المغني 389:1، الشرح الكبير 389:1، عمدة القارئ 277:3.
5- المبسوط للسرخسي 17:2، الهداية للمرغيناني 32:1، شرح العناية 159:1، اللباب 46:1، سبل السلام 99:1، المحلي 253:1، فتح العزيز 437:2.
6- انظر سنن البيهقي 344:1، سنن الترمذي 218:1-125.
7- المغني 408:1، الشرح الكبير 399:1.
8- المغني 408:1، الشرح الكبير 399:1، المجموع 536:2، عمدة القارئ 277:3، شرح النووي لصحيح مسلم 390:2، و انظر سنن الدارمي 220:1 و 221 و 224.

عليه و آله فأمرها أن تغتسل لكل صلاة(1) ، و هو محمول علي الكثرة، و تحمل الصلاة علي الواحدة و ما ماثلها كالظهرين و العشاءين.

و قالت عائشة: تغتسل كل يوم غسلا، و به قال سعيد بن المسيب، و روي عن ابن عمر(2) ، فإن سعيد بن المسيب روي أنها تغتسل من ظهر إلي ظهر(3) قال مالك: إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنما هو من طهر إلي طهر و لكن الوهم دخل فيه، يعني أنه بالطاء غير المعجمة فأبدلت بالظاء المعجمة(4).

و قال بعضهم: تجمع بين كل صلاة جمع بغسل و تغتسل للصبح لحديث حمنة(5) ، و سيأتي، و به قال عطاء، و النخعي(6) و هو مذهبنا في القسم الثالث، و هو الدم الكثير، و سيأتي.

مسألة 91: و إن كثر الدم حتي غمس القطنة و لم يسل وجب عليها الغسل

لصلاة الغداة خاصة، و الوضوء لكل صلاة، و تغيير القطنة و الخرقة عند كل صلاة، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجز

ص: 281


1- صحيح البخاري 89:1-90 صحيح مسلم 263:1-334، سنن الترمذي 229:1-129، سنن النسائي 181:1-182، سنن أبي داود 77:1-289-291، سنن الدارمي 196:1 و 221، سنن البيهقي 327:1.
2- المجموع 536:2، المغني 408:1، الشرح الكبير 399:1، عمدة القارئ 277:3، شرح النووي لصحيح مسلم 390:2.
3- سنن أبي داود 18:1-301، المجموع 536:2، المغني 408:1، عمدة القارئ 277:3، شرح النووي لصحيح مسلم 390:2.
4- سنن أبي داود 81:1، ذيل الحديث 301، المغني 408:1.
5- سنن الترمذي 221:1-128، سنن ابن ماجة 205:1-627، مسند أحمد 381:6، سنن الدار قطني 214:1-48، المستدرك للحاكم 172:1 و 174، سنن البيهقي 338:1.
6- المغني 408:1، الشرح الكبير 400:1.

الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة»(1).

و قال ابن أبي عقيل منّا: عليها ثلاثة أغسال(2) ، لقول الصادق عليه السلام: «المستحاضة إذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر، تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا، و تغتسل للفجر و تحتشي و تستثفر و لا تحني، و تضم فخذيها في المسجد»(3) و هو محمول علي السيلان.

مسألة 92: و إن سال الدم فعليها ثلاثة أغسال،
اشارة

غسل للظهر و العصر تجمع بينهما، و تؤخر الظهر و تقدم العصر، و غسل للمغرب و العشاء كذلك، و غسل لصلاة الغداة، و إن كانت متنفّلة اغتسلت غسل الغداة لها و لصلاة الليل، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال عطاء، و النخعي(4) - لما تقدم في حديث الصادق عليه السلام(5) ، و رواه الجمهور في حديث حمنة(6) ، و سيأتي.

و أكثر الجمهور - كالشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - قالوا: علي المستحاضة الوضوء لكل صلاة، و لا يجب الغسل و إن كثر دمها(7) ، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق و ليست بالحيضة،

ص: 282


1- الكافي 89:3-4، التهذيب 170:1-485.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 65.
3- الكافي 88:3-2، التهذيب 106:1-277.
4- المغني 408:1، الشرح الكبير 399:1-400.
5- الكافي 88:3-2، التهذيب 106:1-277.
6- سنن الترمذي 222:1 و 225-128، سنن ابن ماجة 205:1-627، مسند أحمد 381:6-382، أبي داود 76:1-77-287، سنن الدار قطني 214:1-48، المستدرك للحاكم 172:1 و 174.
7- المجموع 541:2، فتح العزيز 435:2، المغني 408:1، مسائل أحمد: 25، المبسوط للسرخسي 17:2، اللباب 46:1، بداية المجتهد 60:1، المحلي 252:1.

فإذا أقبلت فدعي الصلاة و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّي، و توضئي لكل صلاة)(1) ، و هو محمول علي القسم الأول.

و قال عكرمة، و ربيعة، و مالك: إنّما عليها الغسل عند انقضاء حيضها، و ليس عليها للاستحاضة وضوء(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (فاغتسلي و صلّي)(3) و لم يذكر الوضوء لكل صلاة، و هو حوالة علي العموم.

فروع:

أ - يجب علي هذه تغيير القطنة و الخرقة عند كلّ صلاة، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.

ب - قال المفيد: تصلي هذه بوضوئها و غسلها الظهر و العصر معا علي الاجتماع، و تفعل مثل ذلك في المغرب و العشاء، و كذا في صلاة الليل و الغداة(4).

ص: 283


1- سنن ابن ماجة 204:1-624، سنن أبي داود 80:1-298، سنن الدار قطني 212:1-35-38، سنن البيهقي 343:1، المستدرك للحاكم 175:1، صحيح البخاري 87:1، صحيح مسلم 262:1-333، مسند أحمد 83:6، الموطأ 61:1-104، سنن النسائي 122:1 و 185 و 186، سنن الترمذي 217:1-125.
2- بداية المجتهد 60:1، المجموع 535:2، المغني 408:1، الشرح الكبير 389:1، شرح النووي لصحيح مسلم 390:2، عمدة القارئ 277:3.
3- صحيح مسلم 262:1-333، سنن ابن ماجة 203:1-621، سنن النسائي 122:1 و 185-186، سنن أبي داود 74:1-282، الموطأ 61:1-104، سنن البيهقي 343:1، سنن الدارقطني 206:1-1 و 2، و فيها: فاغسلي عنك الدم و صلّي.
4- المقنعة: 7.

و اقتصر الشيخ علي الاغتسال، و كذا المرتضي، و ابنا بابويه(1).

و ابن إدريس أوجب الوضوء لكل صلاة(2) و هو حسن، و عبارة علمائنا لا تنافي ذلك، و قول بعضهم: إنّ الباقر عليه السلام قال: «فلتغتسل و لتستوثق من نفسها، و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت»(3) و التفصيل قاطع للشركة [1]، لا حجة فيه، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغسل و عدمه.

ج - قال بعض علمائنا: إذا اجتمع الوضوء و الغسل توضأت للاستباحة و اغتسلت لرفع الحدث، تقدم الوضوء أو تأخر، إذ الحدث باق مع التقدم، و مع التأخر يرتفع الحدث بالغسل [2]. و الحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في عليّة رفع الحدث.

مسألة 93: يجب علي المستحاضة الاستظهار في منع الدم و التوقي منه
اشارة

لأنه حدث دائم كالسلس، لا يمنع الصوم و الصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تتيمم، و تحشوه بخرقة، أو قطنة، فإن كان الدم قليلا يندفع به فلا بحث، و إلا تلجّمت مع ذلك بأن تشدّ علي وسطها خرقة كالتكة و تأخذ خرقة أخري مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها و الأخري وراءها و تشدهما بتلك الخرقة.

و هو واجب إلاّ مع التضرر بالشدّ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لحمنة بنت جحش: (أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم) قالت: هو أكثر

ص: 284


1- المبسوط للطوسي 67:1، الناصريات: 224 مسألة 45، الفقيه 50:1.
2- السرائر: 30.
3- التهذيب 169:1-483.

من ذلك، قال: (فتلجّمي) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: (فاتخذي ثوبا)(1).

و قول الصادق عليه السلام: «تحتشي و تستثفر»(2) ، و الاستثفار و التلجّم واحد. و إذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الأخري، و للشافعي وجهان(3).

تذنيب: صاحب السلس و من به البطن يجب عليهما الاستظهار

في منع النجاسة بقدر الإمكان، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كان الرجل يقطر منه الدم و البول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علّقه عليه، و أدخل ذكره فيه، ثم صلّي، يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء، بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح»(4).

و قال بعض المتأخرين منّا: لا يجب علي من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كل صلاة، و إن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل، و التعدي قياس [1]. و ليس بجيد، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.

مسألة 94: لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد
اشارة

عند علمائنا، سواء كانا فرضين أو نفلين، لقوله عليه السلام لحمنة: (توضئي

ص: 285


1- سنن الترمذي 221:1-128، سنن ابن ماجة 205:1-627، مسند أحمد 381:6، سنن الدارقطني 214:1-48، المستدرك للحاكم 172:1 و 174، سنن البيهقي 338:1.
2- الكافي 88:3-2، التهذيب 106:1-277.
3- المجموع 534:2.
4- الفقيه 38:1-146، التهذيب 348:1-1021.

لكل صلاة)(1) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و صلّت كل صلاة بوضوء»(2) و لأن الدم ناقض و هو متجدد فتنتقض الطهارة به، و سقط اعتباره بالنسبة إلي الصلاة الواحدة دفعا للمشقة، و خلاصا عن تكليف ما لا يطاق.

و قال الشافعي: تتوضأ لكل صلاة فريضة، و لا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة، و تصلي مع الفريضة النوافل(3) ، لقوله عليه السلام في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل و تصلي، و تتوضأ عند كل صلاة)(4) و هو حجة لنا.

و قال أبو حنيفة، و أحمد: تجمع بين فريضتين في وقت واحد(5) ، و تبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة، لأنه عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (توضئي لوقت كل صلاة)(6) و لا حجة فيه، إذ وقت كل صلاة ما يفعل فيه.5.

ص: 286


1- سنن ابن ماجة 204:1-624، سنن أبي داود 80:1-298، سنن الدار قطني 212:1-35، سنن البيهقي 345:1، و الحديث في المصادر عن فاطمة بنت أبي حبيش.
2- الكافي 88:3-2، التهذيب 106:1-277.
3- المجموع 535:2 و 541، فتح العزيز 435:2، مغني المحتاج 112:1، عمدة القارئ 277:3، الشرح الكبير 392:1.
4- سنن أبي داود 80:1-297.
5- شرح فتح القدير 159:1، شرح العناية 159:1، اللباب 46:1، المغني 390:1، الشرح الكبير 392:1، المجموع 535:2.
6- انظر سنن البيهقي 344:1، سنن الترمذي 218:1-125.

و قال ربيعة، و مالك، و داود: لا وضوء علي المستحاضة(1) ، لأنه عليه السلام قال لأم حبيبة بنت جحش: (إن هذه ليست بالحيضة، و لكن هذا عرق، فاغتسلي و صلّي)(2) و لم يأمرها بالوضوء. و يعارضه ما تقدم، و الإهمال للعلم بالحكم.

و قال الأوزاعي، و الليث: تجمع بطهارتها بين الظهر و العصر لأن لها أن تجمع بين نوافل، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة(3).

و الحكم في الأصل ممنوع.

فروع:

أ - صاحب السلس و المبطون يتوضئان لكلّ صلاة، و لا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد، لوجود الحدث.

ب - المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه، و إن لم يتمكن توضأ و صلّي، فإن فجأه الحدث، قيل: يتطهر و يبني [1]، و الأقوي عدم الالتفات كالسلس.

ج - قال الشيخ في المبسوط: و لو توضأت بعد وقت الصلاة غير

ص: 287


1- بداية المجتهد 60:1، المجموع 535:2، شرح النووي لصحيح مسلم 388:1، عمدة القارئ 277:3، سبل السلام 100:1، المحلي 253:1، المغني 389:1.
2- صحيح البخاري 89:1-90، صحيح مسلم 263:1-334، سنن ابن ماجة 205:1-626، سنن أبي داود 73:1-281 و 77-288، سنن البيهقي 348:1 و 349 و 350، المستدرك للحاكم 173:1، مسند أحمد 83:6، سنن النسائي 121:1 و 181 و 182، سنن الترمذي 229:1-129.
3- مصنف ابن أبي شيبة 127:1-128.

متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح، لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كل صلاة(1) ، و هو يعطي المقارنة.

و قال أصحاب الشافعي: إن أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة و الخروج إلي المسجد، و انتظار الصلاة جاز، و إن كان لغير ذلك فوجهان:

المنع لأنّه لا حاجة بها إلي ذلك، و الجواز لأنه قد جوّز لها تأخير الصلاة الي آخر الوقت، فهذا تأخير مأذون فيه(2).

د - قال الشيخ في المبسوط: إذا توضأت للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل(3) ، و به قال الشافعي(4) ، و فيه نظر، فإن الدم حدث، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه، و هو الصلاة الواحدة، و لقول الصادق:

«توضأت و صلّت كلّ صلاة بوضوء»(5).

ه - لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح، و به قال الشافعي(6) إذ لا ضرورة إليه.

و لو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلي أن خرج الوقت، قال بعض الشافعية: لا يصح أن تصلي بذلك الوضوء - و هو مذهبنا - و جوّز بعضهم، لأن الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت(7).

و - لو توضأت و دخلت في الصلاة و خرج الدم قبل دخولها أو بعده،1.

ص: 288


1- المبسوط للطوسي 68:1.
2- المجموع 537:2، فتح العزيز 435:2، السراج الوهاج: 31، شرح النووي لصحيح مسلم 389:1.
3- المبسوط للطوسي 68:1.
4- المجموع 535:2، شرح النووي لصحيح مسلم 388:2-389.
5- الكافي 88:3-89-2، التهذيب 106:1-107-277.
6- المجموع 537:2، شرح النووي لصحيح مسلم 389:2.
7- المجموع 537:2-538، المهذب للشيرازي 53:1.

فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشد و الطهارة، و إن كان لغلبة الدم و قوته لم تجب إعادة الصلاة، لعدم الاحتراز من ذلك، و به قال الشافعي(1).

ز - لو توضأت و الدم بحاله، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة، قال الشيخ: تستأنف الوضوء(2) - و به قال الشافعي(3) -، لأنّ دمها حدث، و قد زال العذر فظهر حكم الحدث، فإن صلّت و الحال هذه أعادت، لعدم الطهارة، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.

و لو انقطع في أثناء الصلاة، قال في المبسوط و الخلاف: لا يجب الاستيناف، لأنها دخلت دخولا مشروعا(4) ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: الاستئناف بعد الطهارة و غسل ما بها من الدم لأن عليها نجاسة، و قد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة، فوجب عليها استئناف الطهارة(5) ، و هو الأصح عندهم.

ح - إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة و يمسك أخري، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة و الصلاة وجب إيقاعهما فيه، و انتظرته ما لم يخرج الوقت، و إن ضاق جاز لها أن تتوضأ و تصلّي حال جريانه، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز، فان اتصل انقطاعه بطلت صلاتها - و هو قول الشافعية(6) - لأنا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة، و لهم وجه آخر.

و لو كان دمها متصلا فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع،1.

ص: 289


1- فتح العزيز 437:2.
2- المبسوط للطوسي 68:1.
3- المجموع 540:2، فتح العزيز 439:2.
4- المبسوط للطوسي 68:1، الخلاف 252:1، مسألة 222.
5- المجموع 539:2.
6- المجموع 540:2، فتح العزيز 441:1.

فدخلت في الصلاة و لم تعد الطهارة، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة و الصلاة، فالوجه عندي عدم البطلان، و الشيخ أبطلهما(1) - و هو قول الشافعية(2) -، لأن ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة، فلم تفعل و إن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة، فقد لزمها بظاهره إعادة الطهارة فإذا لم تفعل و صلّت لم تصح صلاتها.

ط - قال أبو حنيفة: المستحاضة، و من به السلس، و الرعاف الدائم و الجرح الذي لا يرقأ يتوضئون لوقت كلّ صلاة، فيصلّون به ما شاءوا من الفرائض و النوافل، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم، و كان عليهم استئناف الوضوء لصلاة أخري عند أبي حنيفة، و محمد(3).

و قال زفر: ينتقض بدخول الوقت لا غير(4) ، و قال أبو يوسف: ينتقض بأيهما كان(5).

و فائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة، و محمد، و يبطل عند زفر و أبي يوسف.

و لو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض، و قياس قول زفر، أنها لا تنتقض، و عندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.

مسألة 95: إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال،
اشارة

و الوضوء

ص: 290


1- المبسوط للطوسي 68:1.
2- المجموع 540:2، فتح العزيز 441:2.
3- المبسوط للسرخسي 17:2، شرح فتح القدير 159:1، شرح العناية 159:1، المجموع 535:2، فتح العزيز 437:2، فتح الباري 325:1، اللباب 46:1، شرح النووي لصحيح مسلم 388:2، نيل الأوطار 347:1، المحلي 253:1.
4- شرح فتح القدير 160:1، شرح العناية 160:1.
5- شرح فتح القدير 161:1، شرح العناية 161:1.

و التغيير للقطنة، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر، ذهب إليه علماؤنا أجمع و يجوز لها استباحة كل شيء يستبيحه الطهر كالصلاة، و الطواف و دخول المساجد و حل الوطء.

و لو لم تفعل كان حدثها باقيا و لم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة.

أما الصلاة فظاهر، و أما الصوم فإن أخلت بالأغسال مع وجوبها بطل، و وجب عليها الإعادة، و لا كفارة إلاّ مع فعل المفطر، و لو لم يجب الأغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها، لعدم اشتراطه بالوضوء.

و أما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا:

يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

و قال المفيد: لا يجوز لزوجها وطؤها إلا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق، و غسل الفرج بالماء(1). و الأقرب الكراهة، لقوله تعالي فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ (2) يريد من الحيض، و لأن حمنة كانت مستحاضة و كان زوجها يجامعها(3) ، و قال الصادق عليه السلام: «المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلا أيام قرئها»(4).

أما الجمهور فاختلفوا، فقال الشافعي: يجوز وطء المستحاضة، و لم يشترط غسلا و لا وضوءا، و به قال أكثر أهل العلم(5) لحديث حمنة(6).1.

ص: 291


1- المقنعة: 7.
2- البقرة: 222.
3- سنن أبي داود 83:1-310، سنن البيهقي 329:1.
4- الكافي 90:3-5.
5- الام 63:1، المجموع 372:2، بداية المجتهد 63:1، شرح النووي لصحيح مسلم 386:2، نيل الأوطار 356:1 و انظر سنن البيهقي 329:1.
6- سنن أبي داود 83:1-130، سنن البيهقي 329:1.

و قال الحكم، و ابن سيرين، و إبراهيم النخعي، و أحمد بن حنبل: لا يحل وطؤها مطلقا إلاّ أن يخاف علي نفسه العنت، لأنه أذي فأشبه الحيض(1) ، و هو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض، بل يشبه دم البواسير.

فروع:

أ - لو كان الدم كثيرا فاغتسلت أول النهار و صامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم، و لا للصلاة إن كان للبرء، و لو كان لا له وجب، و لو كانت تعلم عوده ليلا، أو قبل الفجر وجبت الأغسال الثلاثة.

ب - لو كان الدم قليلا فأخلت بالوضوء أو فعلته و صامت، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغسل عنده للصلاة و الصوم، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم، إذ لم تفعل ما هو شرطه، و الصحة لانعقاده أولا فلا تؤثّر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة، و إن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة إذ قد فعلتها، و في وجوبه للصوم نظر.

ج - لو أخلّت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاءين بطلت الصلاة، و الوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.

المطلب الثاني: في أقسام المستحاضات.
مقدمة:

قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام، فإن زاد الدم علي ذلك فقد استحيضت المرأة و امتزج حيضها بطهرها، و لعسر التمييز بينهما وضع

ص: 292


1- المغني 387:1، الشرح الكبير 401:1، المجموع 372:2، بداية المجتهد 63:1، تفسير القرطبي 86:3، المحلي 218:2، نيل الأوطار 356:1، شرح النووي لصحيح مسلم 387:2.

الشارع قوانين لذلك، و مداره علي سنن ثلاث وضعها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فإن جماعة سألوا الصادق عليه السلام عن الحيض فقال: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن بيّن فيها كل مشكل لمن سمعها و فهمها، حتي أنه لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي.

أما إحدي السنن: الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثم استحاضت فاستمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيامها و مبلغ عددها، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أمّ سلمة فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك، فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها و قدر حيضها، و قال: إنما هو عرق، فأمرها أن تغتسل و تستثفر بثوب و تصلي، قال الصادق عليه السلام: هذه سنّة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.

ثم قال: و أما سنّة التي كانت لها أيام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، و زادت و نقصت حتي أغفلت عددها و موضعها من الشهر، فإنّ سنّتها غير ذلك، و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقالت: إني استحيض فلا أطهر، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: ليس ذلك بحيض، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّي، فكانت تغتسل في كل صلاة.

و قال الصادق عليه السلام: كان أبي يقول: إنها استحيضت سبع سنين، فلهذا احتاجت الي أن تميز إقبال الدم من إدباره، و تغير لونه من السواد إلي غيره.

ثم قال: و أما السنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة، و لم تر الدم قط، و رأت أول ما أدركت و استمرّ بها، فإن سنّة هذه غير سنّة الأولي و الثانية، و ذلك ان امرأة تسمي حمنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلّي اللّه

ص: 293

عليه و آله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كرسفا، فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا، فقال لها: تلجّمي و تحيّضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة، ثم اغتسلي غسلا، و صومي ثلاثا و عشرين أو أربعا و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلا و أخّري الظهر و عجلي العصر، و اغتسلي غسلا و أخّري المغرب و عجلي العشاء، و اغتسلي غسلا»(1).

مسألة 96: إذا انقطع الدم لعشرة - و هو مما يمكن أن يكون حيضا
اشارة

- فهو حيض إجماعا، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إما أن تكون مبتدأة أو ذات عادة، فهنا بحثان:

الأول: المبتدأة،

فإن كان لها تمييز عملت عليه، و يشترط فيه اختلاف لون الدم، و أنّ ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة، و لا يزيد علي عشرة، و أن يتجاوز المجموع العشرة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(2) - لقوله عليه السلام: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم)(3) و في رواية: (فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، و إذا كان الآخر توضئي إنما هو عرق)(4) و قول الصادق عليه السلام: «إنّ دم الحيض ليس به خفاء، و هو دم حار محتدم له حرقة، و دم الاستحاضة فاسد بارد»(5).

ص: 294


1- الكافي 83:3-1، التهذيب 381:1-1183.
2- المجموع 403:2-404، فتح العزيز 448:2، بداية المجتهد 54:1 و 55، المغني 358:1-359، الشرح الكبير 358:1-359.
3- صحيح مسلم 262:1-333، سنن الترمذي 217:1-125، سنن أبي داود 74:1-282، سنن النسائي 124:1، الموطأ 61:1-104، سنن ابن ماجة 203:1-621، سنن الدار قطني 206:1-2.
4- سنن النسائي 123:1، سنن الدار قطني 206:1-207-3.
5- الكافي 91:3-92-3، التهذيب 151:1-431.

و قال أصحاب الرأي: لا اعتبار بالتمييز(1) ، و اختلفوا، فقال أبو حنيفة: حيضها عشرة أيام من كل شهر، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة و طهر، فيجعل عشرة من ذلك حيضا لوجود الدم في ميقاته(2).

و قال زفر: يؤخذ بالأقل لأنه اليقين(3) ، و قال أبو يوسف: تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالأقل، و في الحلّ للأزواج و الصوم و الصلاة بالأكثر احتياطا(4).

فإن فقدت التمييز، قال علماؤنا ترجع إلي عادة نسائها كالأخت و العمة و بنتيهما، فإن فقدن أو اختلفن، قال الشيخ في الخلاف: ترجع إلي الروايات(5). و قال المرتضي: تترك الصلاة ثلاثة أيام في كل شهر إلي عشرة(6).

و قال الصدوق: فأكثر جلوسها عشرة أيام(7).

و قال الشيخ: ترجع إلي أقرانها من بلدها، فإن فقدن أو اختلفن فإلي الروايات(8) ، و بالرجوع إلي النساء قال عطاء، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد في رواية(9) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.1.

ص: 295


1- المغني 359:1، حلية العلماء 223:1.
2- المبسوط للسرخسي 153:3، شرح فتح القدير 158:1، المجموع 402:2، فتح العزيز 448:2، اللباب 46:1.
3- المجموع 402:2.
4- المبسوط للسرخسي 154:3، شرح فتح القدير 155:1، المجموع 402:2.
5- الخلاف 234:1، مسألة: 200.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 55.
7- الفقيه 51:1.
8- المبسوط للطوسي 46:1-47.
9- المغني 377:1 و 378، الشرح الكبير 357:1.

و سأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر قال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كنّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام، و أقله ثلاثة أيام»(1) و قال الباقر عليه السلام: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر علي ذلك بيوم»(2).

و للشافعي قولان، أحدهما: تردّ إلي أقل الحيض يوم و ليلة، و تقضي صلاة أربعة عشر يوما، فإنها تترك الصلاة إلي أكثره، و به قال أحمد في إحدي الروايات، و أبو ثور، و زفر، لأنه المتيقن، و ما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك(3).

و الثاني: تردّ الي غالب عادة النساء ست أو سبع، و به قال عطاء و الثوري و الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في إحدي الروايات(4) ، لأن حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فجئت إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب، فقلت:

يا رسول اللّه إن لي إليك حاجة، و إنه لحديث ما منه بد، و إني لأستحيي منه، فقال: (ما هو يا بنتاه ؟) قالت: إني امرأة أستحاض حيضة كبيرة شديدة، فما تري فيها؟ فقال: (أثقب لك الكرسف ؟) فقلت: هو أشدّ من ذلك، فقال: (تلجّمي) فقلت: هو أشدّ من ذلك.

فذكرت الخبر إلي أن قال: (إنها ركضة من ركضات الشيطان، تحيّضي في علم اللّه ستا أو سبعا ثم اغتسلي، حتي إذا رأيت أنك قد طهرت و استيقنت فصلّي أربعة و عشرين ليلة و أيامها، أو ثلاثة و عشرين ليلة و أيامها، و صومي1.

ص: 296


1- الكافي 79:3-3، التهذيب 380:1-1181، الاستبصار 138:1-471.
2- التهذيب 401:1-1252، الإستبصار 138:1-472.
3- المغني 380:1، الشرح الكبير 361:1، الام 61:1، المجموع 398:2 و 402، فتح العزيز 458:2، الوجيز 26:1، شرح النووي لصحيح مسلم 391:2.
4- المغني 380:1، الشرح الكبير 361:1، المجموع 398:2 و 402 الام 61:1.

فإنه يجزيك)(1) و ظاهره أنها كانت مبتدأة لأنه لم ينقل أنه سألها عن حالها قبل ذلك، و لو كانت معتادة لوجب ردها إلي عادتها.

و قال مالك: تقعد عادة لداتها(2) ، و تستظهر بثلاثة أيام(3). و قال أبو حنيفة: تحيّض أكثر الحيض(4). و عن مالك: تقعد خمسة عشر يوما - و هو رواية عن أحمد - لأنه يجوز لها ترك الصلاة إلي الأكثر، فلا يلزمها القضاء بالشك(5) ، و قال أبو يوسف: تأخذ في الصوم و الصلاة بالأقل، و في وطء الزوج بالأكثر(6).

فروع:

أ - لا يشترط في التمييز التكرار، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود، و في آخر خمسة، و في آخر سبعة، كان ما تراه بصفة الحيض في كل شهر حيضا.

ب - لو رأت الأسود و الأحمر و تجاوز، فالأسود حيض و الأحمر طهر، و لو رأت الأحمر و الأصفر، فالأحمر حيض و الأصفر طهر، سواء كان ما شابه الحيض أوّل أو أوسط أو آخر، و هو أحد قولي الشافعية، و الآخر: اعتبار2.

ص: 297


1- سنن أبي داود 76:1-287، سنن ابن ماجة 205:1-627، سنن الترمذي 222:1-224 - 128، مسند أحمد 381:6-382، سنن الدار قطني 214:1-48، المستدرك للحاكم 172:1.
2- لداتها: أترابها و مفردها لدة كعدة، تاج العروس: 325:1، النهاية لابن الأثير 246:4 مادة «لدا».
3- المدونة الكبري 49:1، حلية العلماء 221:1، فتح العزيز 461:2.
4- شرح فتح القدير 158:1، المجموع 402:2، المغني 380:1، الشرح الكبير 361:1، حلية العلماء 221:1.
5- المغني 378:1، الشرح الكبير 357:1 و 363، المدونة الكبري 49:1.
6- المبسوط للسرخسي 154:3، شرح فتح القدير 158:1، المجموع 402:2.

التقديم(1).

و لو رأت ثلاثا ثم انقطع يوم العاشر، أو ما دونه، كان الدّمان و ما بينهما من النقاء حيضا كالجاري، لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الأولي، و إذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2).

ج - لو رأت ثلاثة أسود و ثلاثة أحمر، ثم اصفر، و تجاوز، فالحيض الأسود، و لو رأت ثلاثة أصفر، و تركت الصلاة و الصوم إلي العاشر، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضا، حتي تأخذ في الأسود عشرا، فإن انقطع فالأسود حيض و ما تقدمه طهر، فإن تجاوز فلا تمييز لها.

د - العادة قد تحصل من التمييز، فلو مرّ بها شهران و رأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت إلي عادتها في الشهرين، و لا تنظر إلي اختلاف الدم، لأن الأوّل صار عادة.

ه - قال في المبسوط: لو رأت المبتدأة أولا دم الاستحاضة خمسا، ثم أطبق الأسود إلي بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلي تمام عشرة و الباقي استحاضة(3) ، و هو مشكل، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة، و الأقرب أنه لا تمييز لها كما تقدم.

ثم قال: لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة، و الباقي بصفة الحيض، و استمر فثلاثة من أوله حيض، و عشرة طهر، و ما رأته بعد ذلك من1.

ص: 298


1- المجموع 407:2، فتح العزيز 453:2، الوجيز 26:1، مغني المحتاج 113:1، حلية العلماء 223:1.
2- التهذيب 156:1-448، الاستبصار 130:1-449.
3- المبسوط للطوسي 46:1.

الحيضة الثانية(1) ، و فيه إشكال، إذ لا تمييز هنا، إلاّ أن تقصد اعتبار الأقل، لأنّه المتيقن.

قال: و لو رأت ثلاثة دم الحيض، و ثلاثة دم الاستحاضة، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة، فالكل حيض، و إن تجاوز الأسود إلي تمام ستة عشر كانت العشرة حيضا، و الستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها و صومها(2).

و الأقرب أنه لا تمييز لها.

و - إذا لم يكن للمبتدئة تمييز و لا أقارب و لا أقران، تحيضت في كل شهر بستة أو سبعة علي المشهور، لقول الصادق عليه السلام: «إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لحمنة: تحيّضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة»(3) و قد تقدم خلاف الجمهور.

و في قول لنا: تترك الصلاة و الصوم في الأول أكثر أيام الحيض، و في الثاني أقله، لقول الصادق عليه السلام: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها و استمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما، و إن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام، و صلّت سبعة و عشرين يوما»(4) و هما متقاربتان.

و لنا قولان آخران، أحدهما: أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض.

و الثاني: أكثره، و الأقرب الأول.

ز - هل المراد بقوله عليه السلام: (ستة أيام أو سبعة)(5) التخيير؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه و يتغلب أنه حيضها؟ قيل: بالأول عملا3.

ص: 299


1- المبسوط للطوسي 47:1.
2- المبسوط 50:1.
3- الكافي 86:3-87-1، التهذيب 383:1-1183.
4- التهذيب 381:1-1182، الإستبصار 137:1-469.
5- الكافي 87:3-1، التهذيب 383:1-1183.

بمقتضي الظاهر [1] و قيل: بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب و تركه(1).

ح - للشافعية وجهان في الرجوع إلي النساء، أحدهما: نساء زمانها في الدنيا كلها، و أصحهما: اعتبار عادة نساء عشيرتها و قومها، لأن الحيض يعود إلي الجبلة و الطبع، فتكون هي كعشيرتها، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها، لأنها إليهن أقرب(2) و قد بيّنا مذهبنا.

ط - الأيام التي تجلسها من لا تمييز لها، الأقرب أنها من أول الدم، لقول الصادق عليه السلام: «تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوما»(3) مع احتمال التخيير علي ضعف.

ي - إذا رددناها إلي الأقل فالثلاثة حيض بيقين، و ما زاد علي العشرة طهر بيقين، و ما بينهما هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان: الأول قياسا علي طهر المعتادة، و الثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها، و تصلّي و تصوم و تقضيه(4).

و إن رددناه إلي الست أو السبع، فالأقل حيض بيقين، و الزائد علي الأكثر طهر بيقين، و ما زاد علي الأقل إلي الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه ؟ للشافعي قولان: الأول قياسا علي زمان عادة المعتادة، و الثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الأيام لاحتمال أنها طهر و لم تصلّ، و فيما زاد علي الست و السبع إلي العاشر قولان(5) ، و كلا القولين في التقادير عندي محتمل.

يا - شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي علي خمسة عشر يوما، و لا6.

ص: 300


1- حكاه المحقق أيضا في المعتبر: 56.
2- المجموع 399:2، فتح العزيز 458:2-459.
3- التهذيب 381:1-1183، الاستبصار 137:1-469.
4- المجموع 400:2، فتح العزيز 465:2-466، مغني المحتاج 114:1.
5- المجموع 400:2، فتح العزيز: 465-466.

ينقص عن يوم و ليلة، و أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما علي الاتصال ليمكن جعله استحاضة، و القوي الذي يليه حيض آخر، فلو رأت يوما و ليلة دما قويّا و أربعة عشر ضعيفا، ثم عاد القوي فقد فقد الشرط الثالث(1).

و بم نعتبر القوة و الضعف ؟ وجهان: اللون، فالأسود قوي بالنسبة إلي الأحمر، و الأحمر قوي بالنسبة إلي الأشقر، و الرائحة و الثخانة، فذو الرائحة الكريهة قوي و الثخين قوي، و لو حصل في دم خصلة و في آخر اثنتان فهو أقوي، و لو كان في واحد خصلة و في آخر أخري فالمتقدم أقوي(2).

و شرط في قول له رابعا، و هو أن لا يزيد القوي و الضعيف علي ثلاثين يوما، فإن زاد سقط حكم التمييز، لأن الثلاثين لا تخلو عن حيض و طهر في الغالب(3).

يب - لو رأت بعد الأسود حمرة، ثم صفرة، فإن انقطع علي العشرة فالجميع حيض، و إن تجاوز فالصفرة استحاضة، ثم الأولان إن زادا علي العشرة فالحمرة استحاضة، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: إلحاقها بالسواد، فتكون فاقدة التمييز(4) ، و إن لم يتجاوزا ففي إلحاق الحمرة بالسواد أو الصفرة احتمال، أقربه الثاني احتياطا للعبادة و للقوة و الأولوية، و أقوي الوجهين للشافعي الأول(5) لأنهما قويان بالنسبة إلي ما بعدهما.

يج - قد بيّنا أن الاعتبار عندنا باللون لا بالتقدم، فلو رأت خمسة حمرة و خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة، فالأسود حيض و الطرفان استحاضة، و هو2.

ص: 301


1- المجموع 404:2، فتح العزيز 451:2، مغني المحتاج 113:1، شرح النووي لصحيح مسلم 391:2.
2- المجموع 403:2-404.
3- المجموع 404:2.
4- المجموع 406:2-407.
5- المجموع 407:2.

أظهر وجوه الشافعي، و الثاني: الجمع بين الحمرة و السواد، فالعشرة حيض للقوة بالأولوية، و الثالث: سقوط التمييز(1).

البحث الثاني: في المعتادة.

و هي قسمان:

الأول: الذاكرة لعادتها عددا و وقتا.

فإذا تجاوزت العادة، فإن لم يتجاوز الأكثر فالجميع حيض، سواء تقدمت العادة أو توسطت أو تأخرت إجماعا، و إن تجاوز العشرة و لا تمييز لها رجعت إلي عادتها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2) - لقوله عليه السلام: (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضهن ثم اغتسلي و صلي)(3).

و قول الصادق عليه السلام: «المستحاضة تنظر أيامها أولا، فلا تصلي فيها»(4) و قال الباقر عليه السلام: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين»(5).

و قال مالك: تستظهر بعد أيامها بثلاثة إن لم يتجاوز خمسة عشر، ثم هي بعد ذلك مستحاضة(6) ، و هو يناسب ما ذكرناه إلاّ في زيادة يوم الاستظهار و في عدد الأكثر.

ص: 302


1- المجموع 407:2.
2- المجموع 415:2-416، المغني 362:1، فتح العزيز 471:2، المبسوط للسرخسي 178:3،
3- صحيح مسلم 264:1-334، سنن ابن ماجة 204:1-623، سنن النسائي 182:1، سنن أبي داود 72:1-279، سنن البيهقي 330:1 و 331، سنن الدار قطني 212:1-35 و 38.
4- الكافي 88:3-2، التهذيب 106:1-277.
5- التهذيب 171:1-488، الإستبصار 149:1-512.
6- المدونة الكبري 50:1، بداية المجتهد 51:1، المنتقي للباجي 124:1، بلغة السالك 80:1.

و إن كانت مميزة، فإن اتفق زمانا التمييز و العادة فلا بحث، و إن اختلف، إما بالزمان، كما لو كانت عادتها (الخمسة الأولي، فرأت في شهر الاستحاضة صفة الحيض في)(1) الخمسة الثانية، أو بالعدد، كما لو رأت الستة الأولي بصفة دم الحيض أو أربعة، فللشيخ قولان: الرجوع الي العادة(2) - و هو الأشهر - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و بعض الشافعية(3) ، لما تقدم في الأحاديث.

و قال مالك: الاعتبار بالتمييز(4) ، و هو القول الثاني للشيخ(5) ، و ظاهر مذهب الشافعي(6) ، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: (ان دم الحيض أسود يعرف، فإذا أقبلت فاتركي الصلاة)(7) و هو محمول علي المبتدأة، و لأن العادة أقوي فإنها لا تبطل دلالتها، و التمييز لو زاد علي أكثر الحيض بطلت دلالته.1.

ص: 303


1- بين القوسين ساقط من نسخة (م).
2- المبسوط للطوسي 48:1.
3- المبسوط للسرخسي 178:1، المجموع 431:2، فتح العزيز 476:2، المغني 366:1، الشرح الكبير 367:1، بداية المجتهد 55:1، مغني المحتاج 115:1، السراج الوهاج: 32.
4- بداية المجتهد 54:1، فتح العزيز 478:2.
5- المبسوط للطوسي 49:1.
6- المجموع 431:2، فتح العزيز 476:2، مغني المحتاج 115:1، المغني 366:1، الشرح الكبير 367:1، بداية المجتهد 55:1.
7- سنن النسائي 123:1 و 185، سنن أبي داود 82:1-304، سنن البيهقي 325:1، سنن الدار قطني 207:1-3-6، المستدرك للحاكم 174:1.

فروع:

أ - لو رأت العادة و قبلها و بعدها أو أحدهما، فان لم يتجاوز فالجميع حيض، و إلاّ العادة.

ب - العادة قد تتقدم و قد تتأخر، فالضابط العدد مع النقاء.

ج - العادة قد تتفق بأن يتساوي عددها في كل شهر، و قد تختلف إما علي نهج واحد كثلاثة في الأول، و أربعة في الثاني، و خمسة في الثالث، و ثلاثة في الرابع، و أربعة في الخامس، و خمسة في السادس، و هكذا.

فإذا استحيضت في شهر، فإن عرفت نوبته عملت عليه، ثم علي الذي بعده علي العادة، و ان نسيت نوبته، فإن جهلت بالكليّة تحيّضت بالأقل، ثم تعمل إلي الأقصي ما تعمله المستحاضة و تغتسل في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه، ثم تعمل باقي الشهر ما تعمله المستحاضة، و إن عرفت أنّه أكثر حيّضناها بأقل المحتمل كالأربعة، ثم تعمل ما تقدم أولا علي نهج واحد، كأن تحيض من شهر ثلاثة، و من الثاني خمسة، و من الثالث أربعة، و أشباه ذلك، فإن أمكن ضبطه و يعتاد علي وجه لا يختلف فكالأول، و إن كان غير مضبوط جلست الأقل من كل شهر.

د - قد بيّنا أن العادة قد تحصل بالتمييز، فلو رأت المبتدأة خمسة أسود في أول الشهر و الباقي أحمر أو أصفر، ثم في أول الثاني كذلك، ثم استحيضت في الثالث ردت إلي الخمسة، سواء رأت الخمسة بصفة دم الحيض أو لا، و للشافعي وجه آخر: عدم النظر إلي التمييز السابق بعد بطلانه(1).2.

ص: 304


1- انظر المجموع 431:2.

ه - لو قصرت العادة عن العشرة فرأت العشرة صفرة أو كدرة ثم انقطع فالجميع حيض عندنا - و هو أظهر وجوه الشافعية، و به قال مالك، و ربيعة، و سفيان، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و محمد، و أحمد، و إسحاق(1) - لقوله تعالي وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً (2) و الصفرة و الكدرة أذي، و لقول الصادق عليه السلام: «الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر» [1].

و له آخر - و به قال أحمد في رواية - أنه ليس لهما حكم الحيض لأنهما ليسا علي لون الدماء، و إنما الصفرة شيء كالصديد يعلوه صفرة، و الكدرة شيء كدر(3) ، و لما روي عن أم عطية - و كانت قد بايعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله - قالت: كنا لا نعد الصفرة و الكدرة حيضا(4) و الأول أصح نقلا.

و له ثالث: إن سبق دم قوي من سواد أو حمرة فهما بعده حيض، و إلاّ فلا، لأن الدم يظهر قويا ثم يرقّ و يضعف(5).

و له رابع: إن تقدمه و تأخره دم قوي فالوسط حيض و إلاّ فلا(6).

و له قولان في المتقدم و المتأخر، أحدهما: قدر يوم و ليلة، و الثاني:2.

ص: 305


1- المجموع 392:2 و 395، فتح العزيز 486:2، الوجيز 27:1، بلغة السالك 78:1، بداية المجتهد 53:1، المغني 383:1، الشرح الكبير 383:1، المبسوط للسرخسي 150:3، شرح العناية 144:1، الهداية للمرغيناني 30:1، المحلي 168:2-169.
2- البقرة: 222.
3- المجموع 389:2 و 392، فتح العزيز 487:2، الوجيز 27:1.
4- صحيح البخاري 89:1، سنن أبي داود 83:1-307، المستدرك للحاكم 174:1، سنن الدارمي 214:1.
5- المجموع 392:2، الوجيز 27:1، فتح العزيز 488:2.
6- المجموع 393:2، فتح العزيز 488:2.

لحظة واحدة(1).

و قال أبو يوسف: الصفرة حيض، و الكدرة ليست حيضا إلاّ أن يتقدمها دم(2) ، و قال أبو ثور: إن تقدمهما دم أسود فهما حيض، و اختاره ابن المنذر(3) ، و قال داود: ذلك ليس بحيض(4).

أما المبتدأة فلو رأت صفرة أو كدرة في أيام ردها إلي عادة أهلها فالوجه أنه حيض، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: إنّ فيه الأقوال الأربعة(5).

القسم الثاني: الناسية

و أقسامها ثلاثة:

الأول: نسيت العدد و الوقت معا،

و تسمي المتحيرة، فللشيخ قولان:

أحدهما: أنّها تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام، و تفعل في الباقي ما تفعله المستحاضة و تغتسل، و لا قضاء عليها في صلاة و لا صوم، و استدل بإجماع الفرقة(6).

و الثاني: قال في المبسوط: تفعل ما تفعله المستحاضة ثلاثة أيام من أول الشهر، و تغتسل فيما بعد لكل صلاة يحتمل الانقطاع عندها الي آخر الشهر، و تصوم الشهر كله، و لا تطلّق هذه(7)1.

ص: 306


1- المجموع 393:2، فتح العزيز 489:2.
2- المبسوط للسرخسي 18:2، الهداية للمرغيناني 30:1، شرح العناية 144:1، المجموع 395:2-396، عمدة القارئ 298:3، بداية المجتهد 53:1، المحلي 169:2، حلية العلماء 220:1.
3- المجموع 396:2، المغني 383:1، المحلي 169:2، حلية العلماء 220:1.
4- حلية العلماء 221:1.
5- المجموع 393:2-394.
6- الخلاف 242:1 مسألة 211.
7- المبسوط للطوسي 51:1.

و قال بعض علمائنا: تجلس عشرة أيام - و هو أكثر الحيض - لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا(1).

و للشافعي قولان، أصحهما: أنه لا حيض لها في زمان بعينه، إذ جميع زمانها مشكوك فيه، فتغتسل لكل صلاة و تصوم، و لا يأتيها زوجها ما دامت مستحاضة(2) - و هو القول الثاني للشيخ - لأنّه ما من زمان إلاّ و يحتمل الحيض و الطهر، و ليس هنا أصل يردّ اليه، و لا يمكن إثبات أحكام الحيض بالشك، فأمرناها بالاحتياط.

الثاني: أنّها تردّ الي يوم و ليلة كالمبتدأة التي لا عادة لها، و هو رواية عن أحمد(3).

و له قول ثالث: أنها تردّ إلي ستة أو سبعة، و به قال أحمد كالمبتدأة(4) ، و هو الأشهر عندنا لقوله عليه السلام لحمنة: (تحيضي في علم اللّه ستة أو سبعة أيام ثم اغتسلي)(5) الحديث.

فروع:

أ - إذا قلنا بالقول الأول للشيخ، فالوجه أنّها تتخير في الستة أو السبعة أيّهما شاءت بالاجتهاد جعلتها الحيض لعدم التنصيص، فلو لا8.

ص: 307


1- حكاه المحقق في المعتبر: 55.
2- المجموع 433:2، الوجيز 28:1، فتح العزيز 491:2-492 و 494-495، مغني المحتاج 116:1.
3- المجموع 434:2، الوجيز 27:1، فتح العزيز 491:2، المغني 370:1، مغني المحتاج 116:1.
4- المجموع 434:2، فتح العزيز 393:2، مغني المحتاج 116:1، المغني 370:1، الشرح الكبير 375:1.
5- سنن أبي داود 76:1-287، سنن ابن ماجة 205:1-627، سنن الترمذي 222:1-223-128، مسند أحمد 381:6-382، المستدرك للحاكم 172:1-173، سنن الدار قطني 214:1-48.

التخيير لوجب البيان.

و يحتمل أن يكون أوّل الشهر حيضا، لأن الحيض جبلّة و الاستحاضة عارضة.

ب - كما أنها تجتهد في الزمان فكذا تجتهد في العدد بين ستة و سبعة لقوله: (ستا أو سبعا)(1) و يحتمل التخيير، و علي قول بعض علمائنا تتعين السبعة [1]، و لها أن تتحيض في الشهر الأول بثلاثة، و في الثانية بعشرة كالمبتدأة.

ج - الناسية إن كانت جاهلة بشهرها، رددناها إلي الشهر الهلالي، فحيّضناها في كل شهر حيضة، لحديث حمنة(2) ، و لأنه الغالب.

و إن كانت عالمة بشهرها حيّضناها في كل شهر من شهورها حيضة، لأنها عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلي عادتها في عدد الأيام و زمانها.

د - لو جلست أياما ثم ذكرت أن عادتها غيرها رجعت إلي عادتها و قضت ما تركت أيام جلوسها، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة، ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة و الصيام في السبعة، و قضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.

ه - الناسية إن كانت ذات تمييز عملت عليه، لتعذر العمل بالعادة، و هو أظهر قولي الشافعي، و في الآخر: لا حكم للتمييز، لأنّ العادة مقدمة(3).2.

ص: 308


1- سنن أبي داود 76:1-287، سنن ابن ماجة 205:1-627، سنن الترمذي 223:1-128، مسند أحمد 382:6، المستدرك للحاكم 173:1، سنن الدار قطني 214:1-48.
2- سنن أبي داود 76:1-287، سنن ابن ماجة 205:1-627، سنن الترمذي 222:1-128، مسند أحمد 381:6، المستدرك للحاكم 172:1، سنن الدار قطني 214:1-48.
3- المجموع 433:2 و 434، فتح العزيز 490:2.

و - قال القفال: إذا كانت مجنونة فأفاقت فابتداء حيضها من وقت الإفاقة لتوجه التكليف حينئذ(1).

مسألة 97: المتحيرة إن قلنا بالقول الثاني للشيخ

(2) ، فطريق معرفة حكمها أن تنظر في أوقاتها، فإن كانت تذكر شيئا من أمر حيضها و طهرها فكل زمان لا يحتمل أن يكون حيضا فهو طهر بيقين، و كل زمان لا يحتمل أن يكون طهرا فهو حيض بيقين، و كل زمان يحتملهما و لم يحتمل الانقطاع تعمل ما تعمله المستحاضة، و كل زمان يحتملهما و يحتمل الانقطاع أضافت إلي فعل المستحاضة الغسل عند كلّ صلاة لاحتماله.

ينبغي اعتماد الاحتياط في أمور ثمانية:

أ - الاستمتاع، فيحرم علي الزوج وطؤها قبلا طول الشهر، و في وجه للشافعي: جواز الوطء خوفا من الوقوع في الفساد(3).

ب - الطلاق،: قال الشيخ: لا يصح طلاق هذه(4) ، و لو قيل: إن الطلاق يحصل بإيقاعه في أول يوم، و أول الحادي عشر أمكن، و عدتها تنقضي بثلاثة أشهر.

ج - تؤدي كلّ صلاة بغسل و وضوء، و لا تقضي الصلاة المؤداة في أوقاتها - و هو أحد وجهي الشافعي(5) - لأنها إن كانت طاهرا صحّ الأداء، و إلاّ سقط القضاء، و لأن فيه حرجا عظيما. و يحتمل الوجوب لاحتمال انقطاع الحيض في خلال الصلاة، أو في آخر الوقت، و ربما ينقطع قبل غروب1.

ص: 309


1- المجموع 436:2، فتح العزيز 493:2.
2- المبسوط للطوسي 51:1.
3- المجموع 437:2، الوجيز 28:1، فتح العزيز 494:2، مغني المحتاج 116:1.
4- المبسوط للطوسي 51:1.
5- المجموع 442:2، فتح العزيز 495:2، الوجيز 28:1.

الشمس فيلزمها الظهر و العصر، و قبل نصف الليل فيلزمها المغرب و العشاء فتغتسل في أول وقت الصبح و تصليها، ثم تغتسل بعد طلوع الشمس و تعيدها، لاحتمال أنه انقطع بعد ما صلت المرأة الأولي، و لزمها الصبح فتخرج عن العهدة بالثانية، لأنها إن كانت طاهرة في الأولي صحت و إلاّ فإن انقطع في الوقت صحت الثانية و أجزأت، فإن لم ينقطع فلا شيء عليها.

و لا يشترط المبادرة إلي المرّة الثانية بل متي اغتسلت وصلت الصبح قبل انقضاء أكثر الحيض من أول وقت الصبح خرجت عن العهدة، لأنّ الدم لو انقطع في الوقت لم يعد إلا بعد انقضاء الأكثر، و تصلي العصر و العشاء مرتين كذلك.

و لا تكتفي بأن تعيد الظهر المرة الثانية في أول وقت العصر، و لا أن تعيد المغرب في أول وقت العشاء، بل تعيد الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه و هو ما بعد الغروب، و المغرب في الوقت الذي يجوز إعادة العشاء فيه و هو ما بعد نصف الليل لجواز انقطاعه في آخر وقت العصر بقدر ما يلزم به الظهر، و كذا المغرب، ثم إن أعادت الظهر و العصر بعد الغروب قبل أن تؤدي المغرب كفاها للظهر و العصر غسل واحد، ثم تغتسل للمغرب و العشاء، لأنه إن انقطع الدم قبل الغروب فقد اغتسلت، و الانقطاع لا يتكرر، و إن لم ينقطع قبل الغروب فليس عليها ظهر و لا عصر، و إنما اغتسلت للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر، أو العصر، أو عقيبهما و إن أخرتهما عن المغرب كفاها غسل المغرب لهما، لعدم تكرر الانقطاع، و تتوضأ لما لا تغتسل لها من هذه الصلوات، كالمستحاضة، و هو الثاني للشافعي(1).1.

ص: 310


1- المجموع 443:2، فتح العزيز 496:2، مغني المحتاج 117:1.

د - إذا وجب عليها قضاء فائتة قضتها ثلاث مرات، كل مرة بغسل و وضوء، و أقل زمان يتصور فيه سقوط الفرض بيقين عشرة أيام و لحظتان، فيقدر كأنها تغتسل و تصلي في زمان يبقي بينه و بين طلوع الشمس غسل و صلاة، ثم يحتسب من وقت طلوع الشمس عشرة أيام، فتغتسل و تقضي الصلاة في العشرة أيّ وقت شاءت.

ثم إذا كملت العشرة اغتسلت و قضت الثالثة، لأنها إن كانت طاهرا في جميع المدة فالأول صحيح و ما بعده زيادة، و إن قدّر ابتداء حيضها كان في صلاتها الاولي فقد تمت لها عشرة أيام قبل الفعل الأخير، فصح غسلها و صلاتها في الانتهاء، و إن قدّر أنها كانت في ابتداء الأولي في آخر حيض فانقطع في أثنائها و في الثالثة عاودها الحيض صحت الثانية.

ه - إذا كان عليها طواف كان طريق أدائه كطريق قضاء الفائتة، و تصلّي بعد كلّ طواف ركعتين، و ليس عليها لأجل الركعتين غسل، لأنه مع الطواف كالعصر مع الظهر، و يجب الوضوء - خلافا للشافعي(1) - لتعدد الوضوء بتعدد الصلاة، و كذا عنده إلاّ هنا، لأن الركعتين من توابع الطواف، فجعلهما تبعا في الطهارة.

و - إذا كان عليها قضاء صوم يوم صامت يوما متي شاءت و تفطر الثاني، ثم تصوم آخر قبل العاشر، ثم الثاني عشر، لأنها إما طاهر في الأول فصح القضاء فيه أو غير طاهر، فإما أن تكون حائضا في جميعه فينقطع حيضها قبل الثاني عشر، فيجزئها الثاني عشر، أو ما قبل العاشر، أو في بعضه، فإن كان في أوله و انقطع في أثنائه كانت طاهرا في العشرة فصح الثاني، و إن كانت حائضا في آخره و ابتدأ به فغايته إلي الحادي عشر، و تكون طاهرا في الثاني عشر.2.

ص: 311


1- المجموع 476:2.

و لو كان عليها قضاء يومين فصاعدا ضعّفت ما عليها و تزيد عليها يومين و تصوم نصف المجموع متي شاءت، و النصف الآخر من أول الحادي عشر، فلو كان عليها يومان تضعّف و تزيد يومين يكون المجموع ستة، تصوم منها ثلاثة متي شاءت، و ثلاثة من الحادي عشر من صومها الأول.

فإن كانت الثلاثة الاولي في الطهر فذاك، و إن كانت في الحيض فغايته الانتهاء إلي الحادي عشر بتقدير أن يكون الابتداء في اليوم الأول، فيقع اليومان الآخران في الطهر، و إن كان بعضها في الحيض دون بعض فإن وقع الأول في الطهر صحّ مع الثالث عشر، و إن وقع اليومان الأولان في الطهر أجزأ، و إن وقع اليوم الأخير في الطهر أجزأ مع الحادي عشر.

و لو صامت ما عليها ولاء بلا زيادة، و أعادته من الثاني عشر، و صامت بينهما يومين متواليين، أو غير متواليين، متصلين بأحد النصفين أو غير متصلين أجزأ.

ز - يجب عليها صوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر، ثم تقضي عشرين يوما عندنا لاحتمال أن تكون العشرة الأولي حيضا، و الثانية طهرا، و الثالثة حيضا.

و لو علمت اتحاد الحيض، قال علماؤنا: تقضي صوم عشرة احتياطا، و الوجه قضاء أحد عشر لاحتمال ابتداء الحيض من نصف يوم و انقطاعه في نصف الحادي عشر.

و من جعل أكثر الحيض خمسة عشر يوما - كالشافعي(1) - أوجب قضاء ستة عشر يوما فتصوم شهرا آخر بالأيام، فيحصل لها أربعة عشر يوما و يبقي1.

ص: 312


1- الام 67:1، المجموع 481:2، فتح العزيز 499:2، الوجيز 28:1، مغني المحتاج 117:1.

عليها يومان، فتصوم ستة أيام في مدة ثمانية عشر، فيحصل لها صوم رمضان بأن تصوم ستة و ستين يوما في مدة ثمانية و سبعين يوما.

قالت الشافعية: لو وجب عليها صوم شهرين متتابعين صامت مائة و أربعين يوما، لأنها تصوم أربعة أشهر بالأيام تحصل لها من كل شهر أربعة عشر يوما و تبقي عليها أربعة أيام، فتصوم عشرين يوما، فيحصل لها أربعة أيام و قد خرجت عن الفرض بيقين(1).

ح - منعها عن المساجد و قراءة العزائم، و الغسل عند كل صلاة.

القسم الثاني: ناسية الوقت دون العدد

فإن كان العدد نصف الزمان الذي وقع الشك فيه أو قصر عنه لم يكن لها حيض بيقين، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام من كل شهر و لا تعرف عينها، قال الشيخ: تعمل في جميع الوقت ما تعمله المستحاضة، و تغتسل بعد انتهاء العدد في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه، فتغتسل هذه آخر الخامس، ثم عند كل صلاة إلي آخر الشهر، إلا أن تعلم أن الانقطاع في وقت بعينه فتكرر غسل الانقطاع عنده(2) - و به قال الشافعي(3) - أخذا بالاحتياط و تقضي صوم العدد، و يحتمل أن تتخير في تخصيص الحيض، كالمتحيرة، فتجعله حيضا، و الباقي طهرا.

و للحنابلة وجهان، أحدهما: التحري بالاجتهاد، و الثاني: جعله في أول الشهر(4).1.

ص: 313


1- المجموع 468:2.
2- المبسوط للطوسي 51:1.
3- المجموع 481:2 و 483.
4- المغني 374:1، الشرح الكبير 373:1.

و إن زاد العدد علي نصف الزمان، مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول، فالزائد و ضعفه حيض بيقين، و هو الخامس و السادس لدخولهما فيه علي كل تقدير، ثم إما أن تتخير في الأربعة الأولي أو الثانية أو تجتهد و تجعل المتقدمة حيضا، أو تحتاط فتعمل ما تعمله المستحاضة فيهما.

و لو كان الحيض سبعة منها فالرابع و السابع و ما بينهما حيض بيقين، و لو كان خمسة و علمت طهر الأول، فالزيادة بنصف يوم، فالسادس حيض بيقين، و لو علمت طهر العاشر، فالخامس حيض بيقين.

و قد فرّع الشيخ هنا فروعا كثيرة(1) تدخل تحت هذا الضابط:

أ - لو قالت: كنت أحيض إحدي العشرات و جهلت التعيين، فليس لها حيض بيقين، لنقص العدد عن نصف الزمان، فتعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر، و تغتسل آخر كل عشرة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت: كنت أحيض عشرة في كل شهر و جهلت التعيين فكالأول، إلا أنها بعد العشرة الأولي تغتسل عند كل صلاة إلي آخر الشهر لاحتمال الانقطاع، و في الأولي تغتسل في آخر كل عشر.

ب - لو قالت: حيضي عشرة، و كنت العشر الأوسط طاهرا بيقين وقع الشك في الأول و الآخر، و لا حيض بيقين لمساواة نصف الزمان العدد، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة و تغتسل في آخر كل منهما لاحتمال الانقطاع. أما لو قالت: كنت العشر الأول طاهرا، فإن الشك يقع في الأوسط و الأخير، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة، ثم تغتسل آخر العشر الأول، و عند كل صلاة إلي آخر الشهر لاحتمال الانقطاع، و كذا لو علمت الطهر في العشر الأخير.7.

ص: 314


1- المبسوط للطوسي 51:1-57.

ج - لو قالت: كان حيضي خمسة أيام و كنت يوم الثاني طاهرا فلها يومان، الأول و الثاني طهر بيقين، و السادس و السابع حيض بيقين.

و إن قالت: كنت في الثالث طاهرا فالثلاثة الأولي طهر بيقين، و السادس و السابع و الثامن حيض بيقين. و لو قالت: كنت يوم الخامس طاهرا فالحيض الخمسة الثانية.

د - لو قالت: كان حيضي عشرة من كل شهر و كنت يوم السادس طاهرا فالستة الأولي طهر بيقين، و من السابع إلي آخر السادس عشر طهر مشكوك فيه لا يمكن الانقطاع فيه، تتوضأ لكلّ صلاة، و بعد السادس عشر إلي آخر الشهر طهر مشكوك فيه تغتسل لكلّ صلاة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت: كنت يوم الحادي عشر طاهرا فهو الطهر بيقين، و العشر الأولي مشكوك فيها تغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع، و من الثاني عشر إلي آخر الحادي و العشرين مشكوك فيه تتوضأ لكلّ صلاة، ثم تغتسل عند انقضائه إلي آخر الشهر لاحتمال الانقطاع.

ه - لو قالت: كان لي في كل شهر حيضتان بينهما طهر صحيح و لا أعلم موضعهما و لا عددهما، فليس لها حيض و لا طهر بيقين عندنا.

أما [عند] [1] الشافعي(1) و من وافقه في أقل الحيض و أكثره و أقل الطهر، فإن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أوله و يوما من آخره، و ما بينهما طهر.

و أكثر ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أوله، و أربعة عشر من آخره بينهما خمسة عشر يوما، أو بالعكس، و يحتمل ما بين ذلك، فتتوضأ لليوم الأول لأنه طهر مشكوك فيه، و تغتسل في آخره، و تغتسل لكلّ صلاة إلي انقضاء الرابع عشر، و أما الخامس عشر و السادس عشر فطهر بيقين، ثم2.

ص: 315


1- المجموع 488:2.

تغتسل في انقضاء السابع عشر إلي آخر الشهر، لإمكان انقطاع الدم في كلّ وقت.

و - لو قالت: حيضي خمسة في كل شهر و كنت في الخمسة الأخيرة طاهرا و لي طهر صحيح غيرها، احتمل أن يكون حيضها الخمسة الأولي، و الباقي يكون طهرا، و كذا الخمسة الثانية و الثالثة عندنا.

و قال الشافعي: لا يحتمل الثالثة لأنه لا يمكن قبلها طهر كامل و لا بعدها سوي الخمسة الأخيرة، و يحتمل الرابعة أو الخامسة(1).

فالخمسة الأولي طهر مشكوك فيه، تتوضأ لكل صلاة، و تغتسل عند انقضائها إلي آخر العاشر لأنه طهر مشكوك فيه.

و كذا من الحادي عشر إلي الخامس عشر - و عنده أنه طهر بيقين(2) - و من السادس عشر إلي آخر العشرين طهر مشكوك فيه، تتوضأ لكل صلاة، و تغتسل عند انقضائه إلي آخر الخامس و العشرين.

ز - لو قالت: حيضي عشرة أيام و كنت اليوم العاشر حائضا فقد تجاوز العدد نصف الزمان بنصف يوم، لوقوع الشك في تسعة عشر، فتعمل من أول الشهر ما تعمله المستحاضة، ثم تغتسل آخر العاشر لاحتمال أنه آخره و تفعل ما تفعله المستحاضة إلي آخر التاسع عشر، و تغتسل عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع عندها و الباقي طهر بيقين.

فإن قالت: الحيض يوم الثاني عشر، فالأولان طهر بيقين، و كذا من الثاني و العشرين إلي آخره، و الباقي مشكوك فيه، لكن لا تغتسل للانقطاع إلاّ في آخر الثاني عشر، و عند كلّ صلاة منه إلي آخر الحادي و العشرين،2.

ص: 316


1- المجموع 486:2.
2- المجموع 486:2.

فلها يومان من أول الشهر طهر بيقين، و كذا تسعة من آخره، و الشك وقع من أول الثالث إلي آخر الحادي و العشرين، فقد قصر نصف الزمان عن العدد بنصف يوم فالثاني عشر حيض بيقين.

و غلط قلم الشيخ هنا فجعل لها مع اليومين ثمانية أيام من آخره طهرا(1) ، و الحق أنه تسعة.

ح - و لو قالت: حيضي خمسة من الشهر لا أعرفها إلا أني إن كنت يوم السادس طاهرا كنت السادس و العشرين حائضا، و إن كنت في السادس حائضا كنت في السادس و العشرين طاهرا.

و تحقيقه أنها تحيض أحد هذين، فالأول طهر بيقين، و كذا من الحادي عشر إلي آخر الحادي و العشرين، و الباقي مشكوك فيه، و تغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس إلي آخر العاشر، و كذا آخر السادس و العشرين إلي آخر الشهر، و تفعل في جميع الأيام ما تفعله المستحاضة.

فروع، في الامتزاج:

أ - إذا قالت: حيضي عشرة في كل شهر، و كنت أمزج إحدي العشرات بالأخري بيوم، فالأول و الثلاثون طهر بيقين، و الشك وقع بينهما، فلا حيض لها بيقين، تعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر، و تغتسل آخر الحادي عشر، و آخر التاسع عشر، و الحادي و العشرين، و التاسع و العشرين لاحتمال الانقطاع.

قال الشيخ: و يسقط قضاء صوم الأول و الثلاثين، لأنهما طهر بيقين، و تقضي ما عداهما لأنها صامت مع الشك في الطهارة، فوجب القضاء.

ثم قال: و لو قلنا: إنه لا يجب إلاّ قضاء عشرة أيام كان صحيحا، لأنه1.

ص: 317


1- المبسوط للطوسي 56:1.

من المعلوم أن الحيض لا يزيد عليها، و صوم المستحاضة صحيح، و لا حاجة إلي تجديد النيّة عند كلّ ليلة، و هذا هو المعوّل عليه دون الأول، و الأول مذهب الشافعي(1).

و الحكم صحيح، لكن لا مدخل للتحديد هنا، و الشافعي وافقنا علي قضاء أكثر الحيض و هو خمسة عشر في أحد القولين، و في الآخر: ستة عشر(2).

ب - لو قالت: كان حيضي عشرة و أمزج العشرة بالأخري بيومين، فيومان من أول الشهر و يومان من آخره طهر بيقين، و الشك في الباقي تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة، و لا حيض بيقين لقصور العدد عن نصف الزمان، و تغتسل آخر الثاني عشر، و الثامن عشر، و الثاني و العشرين، و الثامن و العشرين لاحتمال الانقطاع.

و لو كان المزج بخمسة فلا حيض بيقين، لمساواة العدد نصف الزمان، فخمسة من أول الشهر و خمسة من آخره طهر بيقين، لكن غسل الانقطاع في آخر الخامس عشر و الخامس و العشرين خاصة.

و فرّع الشيخ المزج بستة إلي المزج بالتسعة عقيب تفريعه المزج بيوم إلي المزج بستة(3) و هما واحد.

ج - لو قالت: حيضي عشرة و أمزج النصف بالنصف بيوم فيومان حيض بيقين و اثنا عشر طهر بيقين، لزيادة العدد علي نصف الزمان بيوم، هما الخامس عشر و السادس عشر، و من السابع إلي الرابع عشر مشكوك فيه، و كذا من السادس عشر إلي آخر الرابع و العشرين تعمل ما تعمله المستحاضة، و تغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس عشر و الرابع و العشرين.3.

ص: 318


1- المبسوط للطوسي 60:1.
2- فتح العزيز 496:2.
3- المبسوط للطوسي 59:1-63.

د - لو قالت: حيضي تسعة و نصف، و كنت أمزج أحد النصفين بالآخر بيوم، و الكسر من أوله، و اليوم الكامل في النصف الثاني، فستة و نصف من أول الشهر طهر بيقين، و تمام السابع إلي آخر السادس عشر حيض بيقين، و لو كان الكسر من الثاني فبالعكس، من أول الشهر إلي آخر الرابع عشر طهر بيقين، و من الخامس عشر إلي النصف الأول من الرابع و العشرين حيض بيقين.

و لو قالت: أمزج العشر بالعشر بيوم و الكسر من الأول، فالأول و نصف الثاني طهر بيقين، ثم إلي آخر الحادي عشر مشكوك فيه، فتغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع، و نصف الثاني عشر طهر بيقين، و من نصف الثاني إلي آخر الحادي و العشرين مشكوك فيه، تغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع.

و لو كان الكسر في العشر الثاني فإلي آخر التاسع طهر بيقين، ثم يحتمل ابتداء الحيض من أول العاشر، فآخره النصف الأول من التاسع عشر، و من أول التاسع عشر، فآخره النصف الأول من التاسع و العشرين، و لا يحتمل أن يكون المزج بين العشرين بيوم و الكسر فيهما، لأن العشرين لا تختلط بيوم.

القسم الثالث: ناسية العدد دون الوقت.

فإن ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة بيقين ثم تغتسل في آخر الثالث لاحتمال الانقطاع و تعمل إلي العاشر ما تعمله المستحاضة، و تغتسل في كل وقت يحتمل الانقطاع.

و إن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة، و اغتسلت عنده لاحتمال الانقطاع، و تعمل فيما بعده عمل المستحاضة لأنّها طاهرة فيه قطعا و ما قبله ثلاثة أيام حيض بيقين، و ما زاد إلي تمام العشرة طهر مشكوك فيه، تعمل ما تعمله المستحاضة، و تقضي صوم عشرة أيام احتياطا.

ص: 319

و إن لم تذكر الأوّل و الآخر فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه إن لم يزد علي أقل الحيض فحيضها معلوم، كما لو قالت: أعلم أني كنت ثاني الشهر حائضا و رابعه طاهرا.

و إن زاد من غير تداخل كما لو قالت: كنت حائضا يوم الخامس و طاهرا يوم العاشر، فالزمان مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة.

و إن تداخل كما لو قالت: كنت حائضا يوم الثالث و طاهرا يوم السادس فالمتداخل حيض بيقين، و هو الثالث، و ما عداه مشكوك فيه، فيحتمل جعل الثالث آخر الحيض تغليبا للسبق، و أوّله إن أدّي اجتهادها إليه، و عملنا بالاجتهاد و التخيير، و أوسطه، فيكون العشرة حيضا.

و لو قالت: إنّ حيضي كان في النصف الأول من الشهر و لا أعرف قدره و لا وقته، فالنصف الثاني طهر بيقين، و من أول الشهر ثلاثة أيام يحتمل الحيض و الطهر و لا يحتمل الانقطاع، فتعمل ما تعمله المستحاضة، و بعد ذلك إلي تمام النصف يحتمل الحيض و الطهر و الانقطاع، فتعمل عمل المستحاضة، و تغتسل لكل صلاة.

مسألة 98: قد بيّنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام،

و اختلف علماؤنا في اشتراط التوالي، فالأكثر عليه [1]، و قال آخرون: بعدمه(1) ، فإذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعا، فإذا انقطع و عاد قبل العاشر و انقطع فالدمان و ما بينهما حيض، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لأن أقل الطهر عشرة1.

ص: 320


1- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 26، و ابن البراج في المهذب 34:1.
2- شرح فتح القدير 153:1 و 154، شرح العناية 153:1، اللباب 44:1، أحكام القرآن للجصاص 345:1.

أيام، و دم الحيض يسيل تارة و ينقطع اخري، و إنّما يثبت للنقاء حكم الطهر إذا انقطع بالكليّة.

و قال مالك و أحمد: تلفق، فأيّام الدم حيض، و أيّام النقاء طهر، لأنّ النقاء موجود في بعض الأوقات حقيقة، كما أن الدم موجود في بعضها حقيقة، و كما لا يجوز جعل الدم الموجود طهرا كذا لا يجوز جعل الطهر الموجود حيضا بل يوفي كل منهما حكمه(1) ، و الملازمة ممنوعة، و للشافعي قولان، أظهرهما: الأول(2).

فإن جاز ذلك عشرة أيام، فإن كانت مبتدأة قال الشيخ: تدع الصلاة و الصوم كلّما رأت الدم، و إذا رأت الطهر صلّت و صامت إلي أن تستقر لها عادة لقولهم عليهم السلام: «كلّما رأت الطهر صلت و صامت، و كلّما رأت الدم تركت الصلاة إلي أن تستقر لها عادة»(3) و الظاهر أن مراده من ذلك ترك العبادة في الدم المحتمل لأن يكون حيضا لا مطلقا.

و يحتمل عندي هنا أمور ثلاثة: جعل الثلاثة حيضا أخذا بالمتيقن، و قضاء صوم أحد عشر يوما، و جعل السبعة أو العشرة، فلو كان السابع أو العاشر يوم النقاء فالوجه إلحاقه بالطهر.

و إن كانت ذات عادة ردت إليها سواء رأت فيها دما أسود، أو أحمر، أو نقاء، قاله الشيخ(4) ، و الوجه إلحاق النقاء بما بعده، و إن نسيتها عملت بالتمييز، و تراعي بين الحيضتين عشرة أيام طهرا.1.

ص: 321


1- بلغة السالك 79:1-80، المجموع 502:2، فتح العزيز 537:2، الوجيز 29:1، الشرح الكبير 385:1.
2- المجموع 502:2، فتح العزيز 537:2، الوجيز 29:1، المغني 403:1، الشرح الكبير 386:1.
3- المبسوط للطوسي 66:1.
4- المبسوط للطوسي 66:1.

و لو رأت ثلاثة أيام دما ثم انقطع ثم عاودها قبل العشرة فالجميع حيض، و قضت صوم النقاء، و جاز لزوجها الوطء فيه، فإذا ظهر أنه حيض لم يكن عليه شيء.

و إن رأت أقل من ثلاثة ثم انقطع و رأته قبل العاشر و بلغ المجموع ثلاثة فلعلمائنا قولان، أحدهما أنه ليس بحيض لاشتراط التوالي في عدد أقل الحيض(1) ، و الثاني: أنه حيض إن كمل ثلاثة في جملة العشرة(2). و للشافعية كالقولين(3).

و منهم من اشترط في التلفيق أن يكون أوله حيضا كاملا و آخره حيضا كاملا(4).

و منهم من لم يشترط بلوغ أقل الحيض، فلو رأت ساعة ثم انقطع ثم رأت قبل خمسة عشر ساعة أخري كانت الساعتان مع الطهر المتخلل بينهما حيضا، و هو أضعف الوجوه عندهم(5).

و لو كمل أقل الحيض في أكثر من عشرة لم يكن حيضا، و موضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة علي الفترات المعتادة بين دفعات الدم، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا.

فروع:

أ - إذا رأت أقل الحيض ثم انقطع وجب عليها العبادة إجماعا، لأنّ1.

ص: 322


1- قال به الصدوق في الفقيه 50:1، و الهداية: 21، و ابن حمزة في الوسيلة: 57، و ابن إدريس في السرائر: 28، و الشيخ الطوسي في الجمل: 163، و حكاه المحقق عن المرتضي في المعتبر: 53.
2- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 26، و ابن البراج في المهذب 34:1.
3- المجموع 505:2، فتح العزيز 543:2، الوجيز 30:1.
4- المجموع 505:2، فتح العزيز 542:2، الوجيز 29:1.
5- المجموع 505:2، فتح العزيز 544:2 و 546، الوجيز 30:1.

الموجود حيض تام، و ربما لا يعود الدم، فلا يبيح لها ترك العبادة بالشك.

و إن رأت أقل و قلنا أيام النقاء طهر اغتسلت، لأنّ الدم ربما عاد، فالدم الموجود حيض، و ظهر أن للنقاء حكم الطهر.

و إن قلنا: إنها كالحيض فلا غسل لأن الدم ان لم يعد، فليس له حكم الحيض حتي يجب غسله، و إن عاد ظهر أن الزمان حيض، و ليس للغسل في زمان الحيض حكم.

ب - لو كانت عادتها خمسة أيام، و رأت يوما دما و يوما نقاء، و تجاوز الدم و النقاء الأكثر و لا تمييز، فإن قلنا: أنها لا تلفق، فأيام العادة حيض الدم و النقاء الذي يليه، قاله الشافعي(1).

و إن قلنا: تلفق، فمن أين تلفق ؟ للشافعي قولان، أحدهما: من أيام العادة حسب، لأن النقاء من أيام العادة، و إنما انقطع دمها فيه فتنقص من عادتها، و الثاني: تلفق من أكثر الحيض، لأن عادتها تفرقت فيها(2). فعلي الأول يحصل لها ثلاثة أيام حيض، و علي الثاني تلفق خمسة أيام من تسعة.

و لو كانت عادتها ستة أيام، فإن قلنا، لا تلفق فالحيض خمسة أيام و السادس نقاء ليس بعده حيض فلا يكون حيضا، و تنقص عادتها، و إن قلنا: تلفق من زمان العادة حصل لها ثلاثة أيام، و إن قلنا: من خمسة عشر لفقنا لها ستة أيام من أحد عشر.

ج - يشترط في جعل النقاء حيضا أمران، أحدهما: أن يكون النقاء محبوسا بدمين في الأكثر، فلو رأت يوما و ليلة دما و أربعة عشر نقاء، و رأت2.

ص: 323


1- المجموع 508:2.
2- المجموع 508:2.

في السادس عشر، فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر قاله الشافعي(1) ، و عندنا الأكثر عشرة.

و الثاني: أن يكون قدر الحيض في مدة الخمسة عشر تمام أقل الحيض و إن تفرق بالساعات، و هو أظهر أقوال الشافعي(2).

د - لو رأت أقل الحيض و انقطع، ثم عاد قبل انقضاء الطهر بعد مجاوزة أكثر الحيض، فالأول حيض، و الثاني دم فساد.

ه - لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الأول طهرا ثم الثاني دما ثم الثالث طهرا، و هكذا احتمل جعل الثاني و الرابع و السادس حيضا خاصة، و خمسة أيام دما خاصة.

و عند الشافعي إن وقف علي خمسة عشر من الدم، فإن قيل بعدم التلفيق، فالأربعة عشر حيض، و إن قيل به لفقت خمسة أيام من تسعة.

و إن زاد الدم علي الخامس عشر فقد استحيضت، فإن قيل بالتلفيق فمن أين يلفق ؟ علي الوجهين، أحدهما: من زمان العادة فلها يومان حيض من زمان العادة، هو الثاني و الرابع، و الثاني: من زمان الإمكان فيلفق لها خمسة أيام أولها الثاني و آخرها العاشر.

و إن قيل بعدم التلفيق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعدها؟ وجهان:

العادة، لأنه إذا اعتبر عددها اعتبر زمانها فحيضها الثاني و الثالث و الرابع لأنّ الأول طهر قبله طهر، و الخامس طهر بعده استحاضة.

و الثاني: الاعتبار بعدد العادة دون زمانها، لانتقال حيضها فحيضها خمسة أولها الثاني و آخرها السادس(3).4.

ص: 324


1- فتح العزيز 542:2، الوجيز 29:1.
2- المجموع 505:2، فتح العزيز 543:2، الوجيز 30:1.
3- المجموع 513:2-514.
الفصل الرابع: في النفاس.
اشارة

و النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بالإجماع، لأنه خارج عقيب نفس، أو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم، فالخارج قبل الولادة ليس بنفاس إجماعا لقول الصادق عليه السلام في المرأة يصيبها الطلق أياما، أو يوما، أو يومين فتري الصفرة أو دما قال: «تصلّي ما لم تلد، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر»(1).

و أمّا الخارج مع الولادة، فالشيخ نصّ علي أنه نفاس(2) - و هو أصح وجهي الشافعية(3) - لأنه دم خرج لخروج الولد فأشبه الخارج بعده.

و قال المرتضي رضي اللّه عنه: النفاس هو الذي تراه عقيب الولادة(4) ، و هو يشعر بأن الخارج معها ليس بنفاس، و به قال بعض الشافعية، و أبو حنيفة(5) ، لأنه انفصل قبل انفصال الولد، فأشبه ما خرج قبله.

ص: 325


1- الكافي 100:3-3، التهذيب 403:1-1261.
2- المبسوط للطوسي 68:1.
3- المجموع 521:2، فتح العزيز 579:2.
4- الناصريات: 227 مسألة 64.
5- المجموع 520:2، فتح العزيز 579:2، كفاية الأخيار 46:1، الهداية للمرغيناني 33:1، شرح العناية 164:1، المبسوط للسرخسي 21:3، اللباب 47:1.
مسألة 99: و لو ولدت و لم تر دما فلا نفاس إجماعا،

و لا يجب عليها الغسل عند علماء أهل البيت عليهم السلام، و به قال أبو حنيفة(1) عملا بالأصل السالم عن معارضة الحدث، و للشافعي قولان(2) ، و عن أحمد روايتان، إحداهما: الوجوب لأنه مخلوق من مائها فهو بمنزلة خروج الماء(3) ، و يعارضه أنه جامد فأشبه الحصا و الدود.

مسألة 100: لا يشترط في الولد الحياة بل و لا التمامية،

فلو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهد القوابل أنّه لحمة ولد، و يتخلق منه الولد كان الدم بالإجماع نفاسا، لأنه دم جاء عقيب حمل، أما النطفة و العلقة المشتبهة فلا اعتبار بهما لعدم تيقن الحمل بهما، فيكون حكمه حكم دم الحائل.

مسألة 101: و ليس لأقل النفاس حدّ، فجاز أن يكون لحظة واحدة،

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أكثر العلماء كالشافعي، و مالك و أبي حنيفة، و أحمد(4) - لأنه دم وجد عقيب سببه - و هو الولادة - فكان نفاسا، و ولدت امرأة علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فلم تر نفاسا، فسميت ذات الجفوف(5).

و حكي عن الثوري أنّ أقلّه ثلاثة أيام لأنه أقل الحيض(6) ، و لا ملازمة بينهما، و حكي عن أبي يوسف أنه قال: أقله أحد عشر يوما، ليزيد أقله علي

ص: 326


1- المجموع 150:2، فتح القدير 164:1.
2- المجموع 149:2، فتح العزيز 580:2.
3- المجموع 150:2، المغني 394:1.
4- المجموع 525:2، بداية المجتهد 52:1، المنتقي للباجي 127:1، كفاية الأخيار 47:1، المغني 393:1، الهداية للمرغيناني 34:1، شرح العناية 165:1، اللباب 48:1، الوجيز 1: 31، الشرح الكبير 403:1.
5- المهذب للشيرازي 52:1، المغني 393:1، و انظر المعتبر: 67.
6- المجموع 525:2، نيل الأوطار 359:1، شرح الأزهار 166:1.

أكثر الحيض(1).

و قال محمد بن الحسن، و أبو ثور، و الشافعي في أحد قوليه: أقله ساعة(2).

و قال المزني: أقله أربعة أيام لأنّ أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض، فكان أقل النفاس أربعة أضعاف أقل الحيض، و هو يوم و ليلة، فأقل النفاس أربعة(3).

و قال أبو عبيد: أقله خمسة و عشرون يوما(4) ، و الكلّ خطأ، لأنّ الشرع لم يرد بتحديده فيرجع إلي الوجود، و قد وجد أقل من ذلك.

إذا ثبت هذا، فإذا انقطع الدم عقيب لحظة كانت بحكم الطاهر بقية اليوم إذا لم يعاود الدم.

و قال أحمد في رواية: لو رأت النقاء لدون يوم لم يثبت لها حكم الطاهرات(5).

و هو خطأ لقول علي عليه السلام: «لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلاّ أن تصلي»(6).

مسألة 102: اختلف علماؤنا في أكثره

فالمشهور أنه لا يزيد علي أكثر أيام

ص: 327


1- المبسوط للسرخسي 211:3، الكفاية 166:1، بداية المجتهد 52:1، نيل الأوطار 1: 359، المحلي 207:2.
2- المجموع 522:2-523، المغني 393:1، الشرح الكبير 403:1، الكفاية 166:1.
3- المجموع 525:2.
4- المغني 393:1، الشرح الكبير 403:1.
5- المغني 394:1، الشرح الكبير 404:1.
6- سنن البيهقي 342:1.

الحيض - قاله الشيخ، و علي بن بابويه، و المفيد في أحد قوليه(1) - لقول أحدهما عليهما السلام: «النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها»(2).

و لأنه دم حيض حبسه احتياج الولد إلي الغذاء، و انطلاقه باستغنائه عنه، و أكثر الحيض عشرة، و لأنه أحوط للعبادة.

و في الثاني: ثمانية عشر يوما - و به قال المرتضي، و ابن الجنيد و الصدوق(3) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن النفساء كم تقعد؟ فقال: «إن أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن تغتسل لثماني عشرة ليلة»(4) و لا حجة فيه، لاحتمال وقوع السؤال عند الانتهاء.

و قال ابن أبي عقيل: أيامها كأيام حيضها و أكثره أحد و عشرون يوما، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلت و صامت، و إن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما ثم استظهرت بيوم أو يومين، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام، ثم اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، لما رواه البزنطي - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام(5).

و قال الشافعي: أكثره ستون يوما - و هو رواية لنا - و به قال عطاء، و الشعبي، و مالك، و أبو ثور، و حكي عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري، و الحجاج بن أرطاة(6) لأنه قد وجد ذلك، و لا دليل فيه، لأنّ الزائد1.

ص: 328


1- النهاية: 29-30، المقنعة: 7، و حكي قول علي بن بابويه المحقق في المعتبر: 67.
2- الكافي 97:3-1، التهذيب 173:1-495، الإستبصار 150:1-519.
3- المقنعة: 7، الانتصار: 35، الفقيه 55:1، و حكي قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر: 67.
4- التهذيب 180:1-515، الاستبصار 153:1-531، و فيهما عن الباقر عليه السلام.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 67.
6- المجموع 522:2 و 524، مختصر المزني: 11، الوجيز 31:1، المغني 392:1، الشرح الكبير 402:1، بداية المجتهد 52:1، شرح الأزهار 166:1، المحلي 203:8، نيل الأوطار 358:1، سنن الترمذي 259:1.

استحاضة.

و قال أبو حنيفة و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو عبيد: أكثره أربعون يوما(1) - و هو رواية لنا أيضا(2) - لأن أم سلمة قالت: كانت النفساء تقعد علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أربعين ليلة و أربعين يوما(3) ، و الراوي مجهول، فلا عبرة به.

و حكي ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: خمسون يوما(4) - و هو رواية لنا(5) - و حكي الطحاوي عن الليث أنه قال: من الناس من يقول: سبعون يوما(6).

مسألة 103: إذا زاد الدم علي الأكثر - و هو عشرة عندنا،
اشارة

و ستون عند الشافعي(7) و أربعون عند أبي حنيفة(8) - فالأقوي عندي أنها إن كانت ذات عادة في الحيض جعلت نفاسها عدد أيام حيضها و الباقي استحاضة، و إن لم تك ذات عادة كان نفاسها عشرة أيام، لما تقدم من الرد إلي أيامها في الحيض.

ص: 329


1- المجموع 524:2، المغني 392:1، الشرح الكبير 402:1، المحلي 203:2، نيل الأوطار 358:1، بداية المجتهد 52:1، بدائع الصنائع 41:1، اللباب 48:1، المبسوط للسرخسي 210:3، الهداية للمرغيناني 34:1، شرح العناية 166:1، أحكام النساء للإمام أحمد: 60.
2- التهذيب 177:1-506، الاستبصار 152:1-526.
3- سنن أبي داود 83:1-311 و 312، سنن ابن ماجة 213:1-648، سنن الترمذي 256:1-139.
4- المجموع 524:2، مقدمات ابن رشد 91:1، نيل الأوطار 358:1، الشرح الكبير 402:1، سنن الترمذي 258:1، ذيل الحديث 139.
5- التهذيب 177:1-507، الاستبصار 152:1-527.
6- المجموع 524:2، حلية العلماء 232:1.
7- المجموع 522:2 و 524، الوجيز 31:1.
8- المبسوط للسرخسي 210:3، اللباب 48:1، بدائع الصنائع 41:1.

و قال بعض أصحاب الشافعي: إذا استحيضت النفساء و تجاوز الدم ستين كانت الستون نفاسا - و هو قول المزني - و الزائد استحاضة لثبوت النفاس باليقين، فلا يزول إلا بمثله، بخلاف الحيض لأنه لم يثبت أولا باليقين(1).

و قال بعضهم: الزائد علي الستين حيض لعدم التنافي(2).

و قال الباقون منهم بالتفصيل، فإن كانت ذات عادة فيه بأن تلد مرتين مثلا و تري الدم أربعين أربعين ردت إلي عادتها من الأربعين، ثم إن كانت معتادة في الحيض فترد إلي عادتها في الطهر، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض.

و ان كانت مبتدأة في الحيض جعلت القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطهر استحاضة، و القدر الذي ترد إليه في الحيض حيضا، و لو ولدت مرارا و هي ذات جفاف، ثم ولدت و استحيضت، فلا نجعل عدم النفاس عادة، بل هي مبتدأة في النفاس.

و إن كانت مبتدأة في النفاس فله قولان، أحدهما: الرد إلي لحظة، و الثاني: إلي أربعين، لأنه الغالب، و إن كانت محيرة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز، و ترد إليه كما في الحيض، إلا أن الستين هنا بمنزلة خمسة عشر هناك، فلا يزيد التمييز علي الستين، و إن نسيت عادتها في النفاس ففي قول ترد إلي الاحتياط، و علي آخر أنها ترد إلي ما ترد إليه المبتدأة(3).

فروع:

الأول: لو رأت عقيب الولادة لحظة ثم انقطع، و رأته قبل العاشر

ص: 330


1- المجموع 530:2.
2- المجموع 530:2.
3- المجموع 530:2-531، فتح العزيز 590:2-592، الوجيز 32:1.

لحظة فالدمان و ما بينهما نفاس، لأنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة، و لو رأت اللحظة الأخيرة خاصة فهي النفاس خاصة.

أما الشافعي فعنده إذا انقطع دم النفاس فإن لم يبلغ النقاء بين الدمين أقل الطهر كيوم و يومين فأزمنة الدم نفاس، و في أزمنة النقاء قولان كالحيض(1).

الثاني: لو رأت يوم الولادة ثم انقطع عشرة أيام، ثم رأت الدم ثلاثة أيام، فالأول نفاس، و النقاء طهر، و الثاني حيض لمضي طهر كامل بعد انقطاع النفاس، و لو قصر الثاني عن ثلاثة لم يكن حيضا، بل دم فساد.

و عند الشافعي أنه إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر، كما لو رأت عقيب الولادة، ثم طهرت خمسة عشر يوما، ثم عاد الدم قبل الستين، فأصح الوجهين: أنه حيض، لأنه و ما قبله دمان تخللهما طهر صحيح، فلا يضم أحدهما إلي الآخر كدمي الحيض، و به قال أبو يوسف، و محمد(2).

و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنه دم نفاس لوقوعه في زمان إمكان النفاس(3).

و قال أحمد: العائد مشكوك فيه، تصوم و تصلّي، و تقضي الصوم و الطواف، و لا يأتيها زوجها، لاحتمال أنه نفاس و دم فساد(4).

فلو ولدت و لم تر الدم خمسة عشر يوما فصاعدا ثم رأته، فإن قيل:

العائد نفاس، ففي أيام النقاء وجهان(5).1.

ص: 331


1- المجموع 528:2.
2- المجموع 528:2، الوجيز 32:1، المغني 395:1، الشرح الكبير 407:1، المبسوط للسرخسي 141:2 و 211:3.
3- المبسوط للسرخسي 141:2، المجموع 528:2، الوجيز 32:1.
4- المغني 394:1، الشرح الكبير 406:1.
5- فتح العزيز 600:2-601.

الثالث: إذا كانت عادتها عشرة أيام حيضا و عشرين طهرا، فرأت عشرة أيام نفاسا و شهرا طهرا، ثم رأت الدم و اتصل بها لم تبطل بذلك عادتها، بل ترجع إلي العادة التي كانت قبل الولادة من اعتبار الحيض و الطهر.

و قالت الشافعية: إذا كانت تحيض عشرة و تطهر عشرين فرأت عشرين يوما نفاسا ثم طهرت شهرين، ثم عاودها الدم و اتصل و عبر أكثر الحيض، فإنها مستحاضة، ترد إلي عادتها في الحيض، و هي عشرة أيام، و يكون طهرها شهرين لأن طهرها تغيّر(1) ، و الطهر في الحيض و النفاس واحد و هو يجيء علي قول من لا يعتبر تكرر العادة.

الرابع: لو رأت خمسة أيام ثم ولدت بعد ذلك قبل أن يمضي زمان الطهر فالدم ليس بنفاس لتقدمه، قال الشيخ: و ليس بحيض، لأن الحامل المستبين حملها لا تحيض، فيكون دم فساد(2) ، و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: أنه حيض لأن الحامل قد تري الدم، و لا يعتبر بينه و بين النفاس طهر صحيح، و الولادة تفصل بينهما، بخلاف الحيض، لأنه لم يوجد للطهر بين الحيضتين أقل من خمسة عشر يوما(3).

مسألة 104: حكم النفاس حكم الحيض في جميع المحرمات و المكروهات،

و الخلاف في الكفارة بوطئها، و لا نعلم فيه خلافا، لأن دم النفاس هو دم الحيض، و إنما احتبس مدة الحمل لانصرافه إلي غذاء الولد، فإذا وضع الولد و انقطع العرق الذي كان مجري الدم، خرج من الفرج كما يخرج من الحائض، فإذا رأت بعد الولادة ساعة دما ثم انقطع كان عليها أن تغتسل، و لزوجها أن يأتيها، فإن خافت العود استحب التثبت احتياطا.

ص: 332


1- المجموع 532:2.
2- المبسوط للطوسي 68:1.
3- المجموع 522:2، الوجيز 31:1.
مسألة 105: لو ولدت توأمين، فابتداء النفاس من الأول،

و عدد الأيام من الثاني، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد أقوال الشافعي، و إحدي روايات أحمد(1) - لأن كل واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس، بدليل حالة الانفراد فإذا اجتمعا ثبت لكل منهما نفاس، و تداخلا فيما اجتمعا فيه.

و الثاني: أن النفاس من أوله كله أوّله و آخره و به قال مالك، و أبو حنيفة و أبو يوسف، و أحمد في أصح الروايات(2) - لأنه دم تعقب الولادة فكان نفاسا كالولد الواحد، فإذا انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاسا و إن كان يوما واحدا، لأنّ ما بعد الأول نفاس لأنه عقيب الولادة، فإذا كان أوله منه فآخره منه كالمنفرد.

و الثالث: أن النفاس من الثاني - و به قال محمد، و زفر، و أحمد(3) - لأن الخارج قبل الثاني دم خرج قبل انقضاء الحمل فأشبه ما إذا خرج قبل الولادة، و الاعتبار بجميع الحمل، فإن الرجعة إنما تنقطع بذلك، و علي هذا لو أسقطت عضوا من ولد و بقي الولد في البطن، فهل يجعل الدم نفاسا؟ علي الخلاف.

إذا عرفت هذا، قالت الشافعية: إذا لم يجعل الدم نفاسا فهل يكون حيضا؟ قولان، بناء علي أن الحامل هل تحيض أم لا؟(4) و قد تقدم(5).

مسألة 106: يعتبر حالها عند الانقطاع قبل العشرة،

فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت، و إلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، لقول الصادق عليه

ص: 333


1- المجموع 527:2، المغني 396:1، الشرح الكبير 408:1 و 409، الانصاف 386:1.
2- المجموع 526:2، بدائع الصنائع 43:1، المغني 395:1، الشرح الصغير 81:1 اللباب 48:1-49.
3- المجموع 526:2، المغني 396:1، المبسوط للسرخسي 212:3، العناية في شرح الهداية 167:1.
4- المجموع 526:2-527.
5- تقدم في المسألة 81.

السلام و قد سئل عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت تري، قال:

«فلتقعد أيام قرئها، ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة، و إن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل»(1) و ليس مراده الاستظهار بعشرة، بل إلي عشرة بأن تكون عادتها تسعة فتستظهر بيوم، أو ثمانية فتستظهر بيومين، فلا ينافي ما ورد من الاستظهار بيوم أو يومين.

و لو انقطع قبل العاشر ثم عاد قضت الصوم، و لو لم تر دما حتي انقضي العاشر فلا نفاس، ثم إن استمر ثلاثة فهو حيض، و إن كان أقل فهو استحاضة.

فإن عاد قبل العشرة الثانية ما يتم به ثلاثا، فإن قلنا برواية يونس(2) كان الدم حيضا، و ما بينهما أيضا، و إن اشترطنا التوالي، فهو استحاضة لفوات الشرط، و كذا لو رأت بعد العاشر ساعة دما و ساعة طهرا و اجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضا علي الرواية و ما تخلله، و علي القول الآخر استحاضة.

مسألة 107: و غسلها واجب بإجماع العلماء

لما تقدم، و لا بدّ معه من الوضوء علي الأشهر، و تقديمه أفضل، و قد يأتي في بعض عبارة(3) علمائنا وجوب التقديم [1]، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «في كل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة»(4) و الفيئية غير مرادة، بل المجاز و هو السبق و التأخير مع المتابعة، و قول الصادق عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة»(5) للاستحباب.

ص: 334


1- التهذيب 175:1-176-502، الإستبصار 151:1-522.
2- الكافي 99:3-5، التهذيب 175:1-500، الاستبصار 150:1-520.
3- هكذا في الأصلين، و لعلّ الصواب: عبارات، أو عبارة بعض.
4- التهذيب 143:1-403 و 303-881.
5- الكافي 45:3-13، التهذيب 139:1-391، الاستبصار 126:1-428.
الفصل الخامس: في غسل الأموات.
اشارة

و فيه ستة مطالب.

مقدمة:

ينبغي للمريض ترك الشكاية مثل أن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، و شبهه، و يستحب عيادته إلاّ في وجع العين، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ضمنت لستة الجنّة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة، و رجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنّة، و رجل خرج مجاهدا في سبيل اللّه فمات فله الجنّة، و رجل خرج حاجا فمات فله الجنّة، و رجل خرج إلي الجمعة فمات فله الجنّة. و رجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة»(1).

و أن يأذن لهم في الدخول عليه، فإذا طالت علّته ترك و عياله، و ينبغي تخفيف العيادة إلاّ أن يطلب المريض الإطالة.

و تجب الوصية علي كلّ من عليه حق، و يستحب لغيره، و ينبغي الاستعداد بذكر الموت كلّ وقت، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

(أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكر في كثير إلاّ قلّله، و لا في قليل إلاّ كثّره)(2).

ص: 335


1- الفقيه 84:1-387.
2- سنن الترمذي 639:4-2460، الكامل لابن عدي 1864:5، الجامع الصغير 208:1-1399، و عوالي اللئالي 247:1-3.

و قال عليه السلام: (استحيوا من اللّه حق الحياء) فقيل: يا رسول اللّه و كيف نستحيي من اللّه حق الحياء؟ قال: (من حفظ الرأس و ما حوي، و البطن و ما وعي، و ترك زينة الحياة الدنيا، و ذكر الموت و البلي، فقد أستحيي من اللّه حق الحياء)(1).

و قال الصادق عليه السلام: «من عدّ غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت»(2).

و ينبغي أن يحسن ظنّه بربه، فقد روي: أنّ اللّه تعالي يقول: «أنا عند ظنّ عبدي بي»(3) و لا ينبغي أن يتمنّي الموت و إن اشتد مرضه، لقوله عليه السلام: (لا يتمنينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به، و لكن ليقولن: اللّهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)(4).

و ينبغي التوبة لأنّها مسقطة للعقاب، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في آخر خطبة خطبها: (من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن السنة لكثير، و من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه، ثم قال:

و إن الشهر لكثير، و من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن يوما لكثير، و من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن الساعة لكثير، من تاب و قد بلغت نفسه هذه - و أومي بيده إلي حلقه - تاب اللّه عليه)(5).2.

ص: 336


1- سنن الترمذي 637:4-2458، مسند أحمد 387:1.
2- الفقيه 84:1-385.
3- الكافي 58:2-3، و صحيح مسلم 2061:4-2675.
4- صحيح البخاري 156:7 و 94:8، صحيح مسلم 2064:4-2680، سنن أبي داود 188:3-3109، سنن الترمذي 302:3-970، سنن النسائي 3:4، سنن البيهقي 377:3، مسند أحمد 104:3.
5- الفقيه 79:1-354، و مسند أحمد 206:2.
المطلب الأول: الاحتضار.
مسألة 108: اختلف علماؤنا في وجوب توجيهه إلي القبلة عند الموت،

فقال المفيد و سلاّر به(1) ، لأن عليا عليه السلام قال: «دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي رجل من ولد عبد المطلب، و هو في السوق و قد وجّه الي غير القبلة، فقال: وجهوه إلي القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة»(2).

و قال الباقون بالاستحباب [1]، و به قال عطاء، و النخعي، و الشافعي، و مالك، و أهل المدينة، و الأوزاعي، و أهل الشام، و إسحاق، و أصحاب الرأي(3) ، لأنّ حذيفة قال: وجّهوني(4) ، و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(خير المجالس ما استقبل به القبلة)(5) و الأصل عدم الوجوب.

و أنكره سعيد بن المسيب، فإنهم لمّا أرادوا أن يحولوه إلي القبلة، قال: ما لكم ؟ قالوا: نحولك إلي القبلة، قال: ألم أكن علي القبلة إلي يومي هذا؟!(6) و فعلهم به دليل علي اشتهاره عندهم.

تذنيب: و كيفيته أن يلقي علي ظهره، و يجعل باطن قدميه إلي القبلة

ص: 337


1- المقنعة: 10، المراسم: 47.
2- الفقيه 79:1-352، ثواب الأعمال: 232-1، علل الشرائع: 297، الباب 234.
3- المجموع 116:5، فتح العزيز 106:5، بداية المجتهد 226:1، شرح فتح القدير 68:2، الوجيز 72:1، الشرح الكبير 304:2، المغني 307:2، الشرح الصغير 199:1، الهداية للمرغيناني 90:1، اللباب 125:1.
4- المغني 307:2، الشرح الكبير 305:2.
5- الغايات: 87، كنز العمال 139:9-25401 نقلا عن الطبراني في معجمة.
6- المغني 307:2، الشرح الكبير 304:2، بداية المجتهد 226:1.

بحيث لو جلس لكان مستقبلا، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي - (1) لقول الصادق عليه السلام: «يستقبل بوجهه القبلة، و يجعل باطن قدميه مما يلي القبلة»(2).

و قال أبو حنيفة: يضجع علي شقه الأيمن و وجهه إلي القبلة كما يفعل به في المدفن(3).

مسألة 109: و يستحب نقله إلي مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح،

لقول الصادق عليه السلام: «إذا عسر علي الميت موته و نزعه قرّب إلي المصلي الذي كان يصلّي فيه»(4).

و أن يلقن الشهادتين، و أسماء الأئمة عليهم السلام، قال الباقر عليه السلام: «لو أدركت عكرمة عند الموت لعلّمته كلمات ينتفع بها» قلت:

جعلت فداك و ما تلك الكلمات ؟ قال: «هو ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و الولاية»(5) و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لقّنوا موتاكم لا إله إلاّ اللّه، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلاّ اللّه دخل الجنة)(6).

و قال الصادق عليه السلام: «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال له: (قل لا إله إلاّ اللّه) فلم يقدر عليه،

ص: 338


1- المجموع 116:5، فتح العزيز 106:5، الوجيز 72:1.
2- الكافي 126:3-1، التهذيب 285:1-833.
3- شرح فتح القدير 68:2، الهداية للمرغيناني 90:1، شرح العناية 67:2، اللباب 125:1، المجموع 116:5، فتح العزيز 106:5.
4- الكافي 125:3-2، التهذيب 427:1-1356.
5- الكافي 123:3-5، التهذيب 287:1-288-838.
6- الفقيه 78:1-348، ثواب الأعمال: 232-1، أمالي الصدوق: 434-5، و موارد الظمآن: 184، الباب 9.

فأعاد [عليه](1) رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلم يقدر عليه، و عند رأس الرجل امرأة فقال لها: (هل لهذا الرجل أمّ؟) فقالت: نعم يا رسول اللّه أنا أمّه، فقال لها: (أ فراضية أنت عنه، أم لا؟) فقالت: بل ساخطة، فقال صلّي اللّه عليه و آله: (فإنّي أحب أن ترضي عنه)، فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول اللّه، فقال له: (قل لا إله إلاّ اللّه)، فقال: لا إله إلاّ اللّه، فقال له(2): (قل يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير إنك أنت العفوّ الغفور)، فقالها، فقال له: (ما ذا تري ؟) فقال: أري أسودين قد دخلا عليّ، فقال: (أعدها - فأعادها - فقال: ما تري ؟) قال: قد تباعدا عني و دخل الأبيضان، و خرج الأسودان فما أراهما، و دنا الأبيضان مني يأخذان بنفسي، فمات من ساعته»(3).

و ينبغي أن يلقن كلمات الفرج، قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دخل علي رجل من بني هاشم و هو في النزع فقال: (قل لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، لا إله إلاّ اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع، و ما فيهن و ما بينهن، و ما تحتهن، و رب العرش العظيم، و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين)، فقالها، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (الحمد للّه الذي استنقذه من النار»(4).

مسألة 110: و يستحب أن يقرأ عنده القرآن،

قال الكاظم عليه السلام لابنه

ص: 339


1- زيادة من المصدر.
2- زيادة من النسخة (ش).
3- الفقيه 78:1-350.
4- الكافي 124:3-9، الفقيه 77:1-346.

القاسم: «قم يا بني و اقرأ عند رأس أخيك وَ الصَّافّاتِ صَفًّا حتي تستتمها» فلمّا بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا (1) قضي الفتي، فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده يس فصرت تأمر بالصافات، فقال: «يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل اللّه راحته»(2).

و قال الشافعي و أحمد: يقرأ يس (3) ، و قال بعض التابعين: يقرأ سورة الرعد(4). و كل ذلك حسن، و كما يستحب قراءة القرآن قبل خروج الروح، فكذا يستحب بعده استدفاعا عنه.

و يكره أن يقبض علي شيء من أعضائه إن حركها، و لا يمنع منه، و لا يظهر الجزع عليه، لئلا تضعف نفسه فتكون إعانة علي موته، و يكره أن يحضره جنب، أو حائض لقول الصادق عليه السلام: «لا تحضر الحائض الميت، و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس أن يليا غسله»(5) و قال علي بن أبي حمزة للكاظم عليه السلام: المرأة تقعد عند رأس المريض - و هي حائض - في حد الموت ؟ فقال: «لا بأس أن تمرّضه، و إذا خافوا عليه و قرب ذلك فلتنح عنه و عن قربه، فإن الملائكة تتأذي بذلك»(6).

مسألة 111: و يستحب أن يفعل بالميت بعد وفاته سبعة أشياء:

الأول: إغماض عينيه، قالت زينب بنت أم سلمة: ولي رسول اللّه

ص: 340


1- الصافات: 11.
2- الكافي 126:3-5، التهذيب 427:1-1358.
3- الوجيز 72:1، المجموع 115:5، فتح العزيز 110:5، مغني المحتاج 330:1، المغني 306:2، الشرح الكبير 304:2، المحرر في الفقه 182:1.
4- المجموع 116:5، فتح العزيز 110:5، سبل السلام 537:2.
5- التهذيب 428:1-1362.
6- الكافي 138:3-1.

صلّي اللّه عليه و آله أبي حين مات، و ولي إغماض عينيه، و قال: (إن الروح إذا خرجت تبعها البصر)(1).

و لما مات إسماعيل، و الصادق أبوه عليه السلام عنده، شدّ لحييه و غمّضه، و غطّي عليه الملحفة(2).

و لأن فتح عينيه يقبح منظره، و يحذر معه دخول الهوام إليها، و لأنّه يكون مشبها بالنائم بعد الإغماض.

الثاني: شدّ لحييه بعصابة عريضة، لئلا تسترخي لحياه، و ينفتح فوه، و تدخل الهوام إلي جوفه، و يقبح بذلك منظره، و لحديث الصادق عليه السلام(3).

الثالث: تليين مفاصله، فان ذلك إيقاء للينها فيرد ذراعيه إلي عضديه و يمدهما، و يرد فخذيه إلي بطنه و يمدهما، و رجليه إلي فخذيه و يمدهما، فإن ذلك يعين الغاسل علي تمديده و تكفينه.

الرابع: تجريد ثيابه، فإنه لا يؤمن معها الفساد، فإنها تحميه.

الخامس: وضعه علي لوح أو سرير، لأنه إذا كان علي الأرض سارع إليه الفساد، و نالته الهوام.

السادس: تغطيته بثوب لأنه أستر له، و سجّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه2.

ص: 341


1- صحيح مسلم 634:2-927، سنن ابن ماجة 467:1-1454.
2- التهذيب 289:1-842.
3- التهذيب 289:1-842.

و آله بثوب حبرة [1](1) ، و غطي الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل بملحفة(2).

السابع: مد يديه إلي جنبيه و ساقيه إن كانتا منقبضتين، لأنه أطوع للغاسل.

مسألة 112: و يسرج عنده - إن مات ليلا - مصباح إلي الصباح،

لأن الباقر عليه السلام لمّا قبض أمر الصادق عليه السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه، حتي قبض أبو عبد اللّه عليه السلام، ثم أمر الكاظم عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السلام(3).

و ينبغي أن يكون عنده من يذكر اللّه سبحانه و لا يترك وحده، لقول الصادق عليه السلام: «ليس من ميت يموت و يترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه»(4).

مسألة 113: المشهور عند علمائنا كراهة ترك حديد

أو غيره علي بطن الميت [2].

قال الشيخ: سمعناه مذاكرة(5) ، و لأنه أمر شرعي يقف علي النقل، و لم يوجد، و قال أبو علي بن الجنيد: يضع علي بطنه شيئا، يمنع من

ص: 342


1- صحيح مسلم 651:2-942، صحيح البخاري 190:7، مسند أحمد 153:6 و 269، سنن أبي داود 191:3-3120.
2- التهذيب 289:1-842.
3- الكافي 251:3-5، التهذيب 289:1-843، الفقيه 97:1-98-450.
4- الكافي 138:3-1، التهذيب 290:1-844.
5- التهذيب 290:1.

ربوها(1).

و ذهب الجمهور إلي وضع سيف، أو مرآة، أو حديدة علي بطنه لئلا يعلو، فإن لم يكن فطين مبلول(2).

مسألة 114: و يستحب تعجيل أمره مع تحقق موته

بإجماع العلماء، لقوله عليه السلام: (لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله)(3).

و من طريق الخاصة قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (كرامة الميت تعجيله)(4) و قال عليه السلام: (لا ألفينّ رجلا منكم مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجلوا بهم إلي مضاجعهم رحمكم اللّه) فقال الناس:

و أنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه(5).

أمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل به حتي تظهر علامات الموت، و يتحقق العلم به بالإجماع، قال الصادق عليه السلام: «خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق، و المبطون، و المصعوق، و المهدوم، و المدخّن»(6) و سئل عليه السلام كيف يستبرأ الغريق ؟ قال: «يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن، إلا أن يتغير فيغسل و يدفن»(7).

تذنيب: المصلوب لا يترك علي خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد

ص: 343


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 71.
2- المجموع 120:5 و 123، فتح العزيز 114:5، الام 274:1 و 280، الوجيز 72:1، الانصاف 466:2، المغني 308:2.
3- سنن أبي داود 200:3-3159، سنن البيهقي 386:3-387.
4- الفقيه 85:1-388.
5- الفقيه 85:1-389.
6- الكافي 210:3-5، التهذيب 337:1-338-988، الخصال: 300-74.
7- التهذيب 338:1-990، و ورد في الكافي 209:3-1 و 2 نحوه.

ذلك و يدفن، لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتي ينزل و يدفن»(1).

و الميت فجأة كالمصعوق، و الخائف من الحرب، أو السبع، أو المتردي من جبل ينتظر به علامات الموت، كاسترخاء رجليه، و انفصال كفيه، و ميل أنفه، و امتداد جلدة وجهه، و انخساف صدغيه.

مسألة 115: يستحب إعلام المؤمنين بموته

ليتوفروا علي تشييعه - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا يموت منكم أحد إلاّ آذنوني به)(3).

و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، و يصلون عليه، و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر، و للميت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم»(4).

قال الشيخ في الخلاف: فأما النداء فلا أعرف فيه نصا(5).

و كره الشافعي النداء(6) ، و قال أبو حنيفة: لا بأس(7). و هو الوجه عندي.

ص: 344


1- الكافي 216:3-3، التهذيب 335:1-981.
2- المغني 310:2، الشرح الكبير 307:2، كشاف القناع 84:2، الإنصاف 467:2، المجموع 216:5.
3- سنن النسائي 85:4، المستدرك للحاكم 591:3. و فيهما (إلا آذنتموني به).
4- الكافي 166:3-1، التهذيب 452:1-1470، علل الشرائع: 301، باب 240.
5- الخلاف 731:1 مسألة 561.
6- المجموع 215:5-216.
7- شرح فتح القدير 89:2، شرح العناية 90:2، المجموع 216:5.
المطلب الثاني: الغسل
اشارة

و فيه مباحث:

الأول: في الكيفية.
مسألة 116: غسل الميت المسلم، و تكفينه، و الصلاة عليه، و دفنه من فروض الكفايات،

بإجماع العلماء، فإن أعرابيا سقط عن بعيره فوقص [1] فمات، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (اغسلوه بماء و سدر)(1).

فيحرم أخذ الأجرة علي الواجب في هذه الأحوال، لا علي المستحب، و لا يجب علي المسلمين بذل ماء التغسيل، و ثياب التكفين.

و في غسله ثواب عظيم، قال الصادق عليه السلام: «من غسّل ميتا فستر و كتم، خرج من الذنوب كما ولدته أمه»(2).

مسألة 117: إذا أراد غسله ينبغي أن يفضي به إلي مغتسله،

و يكون ما يلي رجليه منحدرا، و ما يلي رأسه مرتفعا، لئلا يجتمع الماء تحته، ثم يوضع علي لوح أو سرير، لأنه أحفظ لجسده من التلطخ، مستقبل القبلة علي هيئة الاحتضار. لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن غسل الميت قال:

«يستقبل بباطن قدميه القبلة حتي يكون وجهه مستقبل القبلة»(3).

و هل الاستقبال واجب ؟ فيه خلاف كالاحتضار.

و يحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل فيها الماء، فإن تعذر جاز أن يصب الماء إلي البالوعة.

ص: 345


1- صحيح مسلم 865:2-1206، مسند أحمد 220:1-221 و 346، سنن البيهقي 390:3.
2- الفقيه 86:1-395.
3- الكافي 140:3-4، التهذيب 298:1-873.

و يكره صبّه إلي الكنيف، قال محمد بن الحسن الصفار: كتبت إلي أبي محمد العسكري عليه السلام هل يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلي بئر كنيف ؟ فوقّع «يكون ذلك في بلاليع»(1).

مسألة 118: يستحب أن يغسل في بيت

- و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لأنه أستر للميّت، و إن لم يكن ستر عليه بثوب، كراهة للنظر إلي الميت، لإمكان ان يكون فيه عيب كان يطلب كتمانه، و لهذا نقول: ان الغاسل ينبغي له أن يكون ثقة صالحا.

و يستحب أن يكون تحت سقف و لا يكون تحت السماء، قاله علماؤنا، و به قال أحمد(3).

قالت عائشة: أتانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نحن نغسل ابنته، فجعلنا بينها و بين السقف سترا(4).

و عن الصادق عليه السلام: «أن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء سترا»(5) يعني إذا غسل. و لعل الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته.

مسألة 119: يستحب تجريد الميت من قميصه،

بأن يفتق جيبه، و ينزع من تحته لئلا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه، فإن هذه الحال مظنة النجاسة، إذ المريض من شأنه ذلك، خصوصا عند الموت، و تستر عورته بمئزر.

ص: 346


1- الكافي 150:3-3، التهذيب 431:1-1378.
2- المجموع 159:5، المغني 316:2، الشرح الكبير 317:2.
3- المغني 316:2، الشرح الكبير 317:2.
4- المغني 316:2، الشرح الكبير 317:2.
5- التهذيب 432:1-1380.

و استحب تجريده ابن سيرين، و مالك، و أبو حنيفة، و أحمد في إحدي الروايتين(1) لأن تجريده أمكن لتغسيله و أبلغ في تطهيره، و لأنّ الحي إذا اغتسل تجرد فالميت أولي، و لأنّه إذا غسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج، و قد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجّس الميت به.

و قال الشافعي: يستحب أن يغسل في قميص خلق رقيق، ينزل الماء فيه و لا يمنع الوصول إلي بدنه، و يدخل يده في الكمّين فيدلك ظاهر بدنه، و يصب الماء من فوق القميص، و إن كان ضيق الكم خرق رأس التخاريص(2) حتي يتمكن من الغسل و الدلك، و إن كان القميص ضيقا جرده و طرح علي عورته ما يسترها - و هو رواية عن أحمد(3) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم غسل في قميصه و قد أرادوا خلعه، فنودوا أن لا تخلعوه و استروا نبيكم(4) ، و يحتمل أن يكون من خواصه للأمن في طرفه من تلويث الثوب و تعذر ذلك في غيره.

علي أنه قد روي من طرقنا الغسل في القميص، قال الصادق عليه السلام: «إن استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص»(5) ، و عن العبد الصالح عليه السلام: «لا يغسل إلاّ في قميص يدخل رجل يده3.

ص: 347


1- المجموع 161:5، المبسوط للسرخسي 58:2، اللباب 126:1، بلغة السالك 195:1، بداية المجتهد 230:1، الشرح الصغير 195:1، الكفاية و شرح العناية 71:2، المغني 314:2، الشرح الكبير 315:2، فتح العزيز 116:5، الوجيز 72:1-73، شرح فتح القدير 71:2.
2- التخريص واحد التخاريص، و هو ما يوصل به الثوب ليوسعه. تاج العروس 393:4 «دخرص».
3- المجموع 161:5، فتح العزيز 116:5-117، الوجيز 72:1-73، شرح فتح القدير 71:2، بداية المجتهد 230:1، الام 265:1، المغني 314:2، الشرح الكبير 315:2 - 316.
4- سنن ابن ماجة 471:1-1466، سنن البيهقي 387:3، المستدرك للحاكم 354:1.
5- التهذيب 446:1-1443.

و يصب عليه من فوقه»(1) ، و الجمع الأمن و عدمه.

فروع:

أ - قال الشيخ في الخلاف: يستحب غسله عريانا مستور العورة، إمّا بقميصه، أو ينزع عنه القميص، و يترك علي عورته خرقة. و استدل علي التخيير بإجماع الفرقة و عملهم(2).

و معني قوله: بقميصه، أن يخرج يديه من القميص، و يجذبه منحدرا إلي سرته، و يجمعه علي عورته، و يجرد ساقيه، فيصير كالعاري لرواية يونس(3) عنهم عليهم السلام.

ب - الأقرب عدم وجوب ستر عورة الصبي الذي يجوز للنساء تغسيله مجردا - و به قال أحمد(4) - لأن جواز نظر المرأة يدل علي جواز نظر الرجل.

ج - العورة التي يحرم النظر إليها هي القبل و الدبر، و يكره ما بين السرة و الركبة، و الجمهور علي الثاني(5) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: (لا تنظر إلي فخذ حي و لا ميت)(6).

د - لو كان الغاسل أعمي، أو وثق من نفسه بكف البصر عن العورة، و لو غلطا لم يجب الستر، لأن فائدته منع الإبصار، فإذا انتفت غايته انتفي،3.

ص: 348


1- التهذيب 446:1-1444، الاستبصار 208:1-731.
2- الخلاف 692:1 مسألة 469.
3- الكافي 141:3-5، التهذيب 301:1-877.
4- المغني 316:2، الشرح الكبير 313:2، الإنصاف 485:2.
5- المجموع 169:3، فتح العزيز 117:5، المغني 315:2، الشرح الكبير 315:2.
6- سنن أبي داود 196:3-3140، سنن ابن ماجة 469:1-1460، سنن الدار قطني 225:1-4، سنن البيهقي 388:3.

لكن يستحب تحفظا من الغير و الغلط.

مسألة 120: و يستحب أن يلين أصابعه برفق،

لأن انقباض كفه يمنع من الاستظهار علي تطهيرها، و إن تعسرت تركها، لأنه لا يؤمن انكسار أعضائه و تحصل المثلة، و في بعض رواياتنا يستحب تليين مفاصله(1) - و به قال أحمد(2) - لأن ذلك يحصل به اللين، فيكون أمكن للغاسل في تكفينه و تمديده و تغسيله، قال: يستحب ذلك في موضعين: عند الموت قبل قسوتها، و إذا أخذ في غسله(3).

و استحب المزني معاودة التليين(4) ، قالت الشافعية: هذا لا يعرفه الشافعي لعدم الفائدة، فإن الغالب أنه لا تبقي لينة إلي هذا الوقت(5).

أما بعد الغسل فلا تليّن أصابعه و لا مفاصله لعدم الفائدة، و حكي الشيخ عن الشافعي استحبابه(6).

مسألة 121: و يستحب للغاسل أن يلفّ علي يده خرقة ينجّيه بها،

و باقي جسده يغسله بلا خرقة عملا بالأصل.

و أوجب الشافعي و أحمد الخرقة في التنجية، لأن النظر إلي العورة حرام. فاللمس [1] أولي(7) ، فإنّ النظر أخف، و لهذا يتعلق تحريم

ص: 349


1- الكافي 140:3-4، التهذيب 298:1-873.
2- المغني 317:2، الشرح الكبير 322:2.
3- المغني 318:2.
4- مختصر المزني: 35، المجموع 176:5، فتح العزيز 122:5.
5- المجموع 176:5، فتح العزيز 122:5.
6- الخلاف 696:1 مسألة 480، و انظر الام 280:1-281، و المجموع 176:5.
7- المجموع 171:5-172، فتح العزيز 118:5-119، مغني المحتاج 333:1، الام 265:1 و 280، المغني 318:2، الشرح الكبير 319:2.

المصاهرة و الظهار باللمس دون النظر، و يمنع التحريم مع الحاجة.

قال الشافعي: يعدّ خرقتين نظيفتين، إحداهما علي يده يغسل بها أسفله و ينجّيه، ثم يرمي بها، و يأخذ الأخري فيغسل بها بقية بدنه، قال:

و لو غسل كل عضو منه بخرقة كان أولي، و لو غسل الخرقة التي نجّاه [1] بها، ثم غسل بها [2] بدنه جاز(1).

مسألة 122: و يبدأ بغسل فرجه بماء السدر و الحرض

[3]، لقول الصادق عليه السلام: «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، فاغسله ثلاث غسلات»(2) و هذا علي جهة الاستحباب.

و يجب أن يبدأ بإزالة النجاسة عن بدنه إجماعا، لأنّ المراد تطهيره، و إذا وجب إزالة الحكمية عنه فالعينية أولي، ليكون [4] ماء الغسل طاهرا، و في رواية يونس عنهم عليهم السلام: «امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شيء فأنقه»(3).

مسألة 123: و تجب فيه النيّة علي الغاسل،

قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، و هو أحد قولي الشافعي، و مذهب أحمد، لأنه عبادة فتجب فيه النيّة،

ص: 350


1- المجموع 171:5، فتح العزيز 118:5.
2- الكافي 140:3-4، التهذيب 298:1-873.
3- الكافي 142:3-5، التهذيب 301:1-877.
4- الخلاف 702:1 مسألة 492.

و الثاني: لا تجب عملا بالأصل(1) ، لأنه تطهير من نجاسة الموت، فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس.

مسألة 124: و يستحب أن يؤخذ من السدر شيء

فيطرح في إجانة و يضرب ضربا جيدا حتي يرغو، فتؤخذ رغوته فتطرح في موضع نظيف، ثم يغسل به رأسه و جسده، روي معاوية بن عمار قال: أمرني الصادق عليه السلام أن أوضيه ثم أغسله بالأشنان، و أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثم أفيض علي جسده منه، ثم أدلك به جسده(2) ، فإن تعذر السدر فالخطمي أو ما يقوم مقامه في تنظيف الرأس.

مسألة 125: فإذا فرغ شرع في غسله الواجب،

و المشهور عند علمائنا أنه ثلاث مرات، مرة بماء السدر، و الثانية بماء فيه كافور، و الثالثة بالقراح، لأن أم عطية روت أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال في ابنته: (ثم اغسليها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك بماء و سدر، و اجعلي في الأخيرة كافورا أو شيئا من الكافور)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يغسل الميت ثلاث غسلات: مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور، و مرة أخري بالماء القراح»(4) و الأمر للوجوب.

و قال بعض علمائنا: الواجب مرّة واحدة بماء القراح، و الباقيتان

ص: 351


1- المجموع 156:5، فتح العزيز 114:5، الوجيز 72:1، كفاية الأخيار 101:1، المغني 329:2، الشرح الكبير 319:2.
2- التهذيب 303:1-882، الاستبصار 207:1-729.
3- صحيح البخاري 93:2 و 94 و 95، صحيح مسلم 646:2-939، سنن أبي داود 197:3-3142، سنن النسائي 28:4، سنن الترمذي 315:3-990، الموطأ 222:1-2.
4- الكافي 140:3-3، التهذيب 300:1-876.

مستحبتان(1) - و هو مذهب الجمهور(2) - لأنه كغسل الجنابة، و للأصل، و الأول أشهر و أحوط، فتعين العمل به.

فروع:

أ - السدر و الكافور لا يبلغ بهما إلي سلب الإطلاق، لصيرورة الماء مضافا فلا يفيد التطهير، بل ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات من سدر.

ب - يجب في كل غسلة الترتيب فيبدأ برأسه، ثم بشقة الأيمن، ثم بشقه الأيسر، ذهب إليه علماؤنا، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله - لمّا توفّيت ابنته - للنساء: (ابدأن بميامنها)(3).

و قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت غسل الميت - إلي أن قال -: و تغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثم سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن - إلي أن قال -:

فإذا فرغت من غسله فاغسله مرة أخري بماء و كافور و شيء من حنوطه، ثم اغسله بماء غسلة اخري»(4) و لقول الباقر عليه السلام: «غسل الميت مثل غسل الجنب»(5).

و في سقوط الترتيب لو غمس في الكثير إشكال.

ج - يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه، ثم يغسل رأسه، يبدأ بشقه الأيمن، ثم الأيسر، و يغسل كل عضو منه في كل غسلة ثلاث مرات، قاله6.

ص: 352


1- حكاه المحقق في المعتبر: 71.
2- المجموع 169:5، المغني 330:2، الشرح الكبير 321:2، مغني المحتاج 334:1، شرح فتح القدير 73:2، شرح العناية 74:2.
3- صحيح البخاري 93:2 و 94، صحيح مسلم 648:2-939، سنن أبي داود 3: 197-3145، سنن الترمذي 316:3-990.
4- الكافي 139:3-1، التهذيب 299:1-300-874.
5- التهذيب 447:1-1447، الاستبصار 208:1-209-732، الفقيه 122:1-586.

علماؤنا، لقول الصادق عليه السلام: «ثم تحول إلي رأسه، فابدأ بشقه الأيمن من رأسه و لحيته، ثم تثني بشقه الأيسر»(1) و روي التكرار يونس عن رجاله [1].

د - إذا فرغ من غسل رأسه، وضعه علي جنبه الأيسر ليبدو له الأيمن، فيغسله في كل غسلة من قرنه إلي قدمه، ثم يضعه علي جانبه الأيمن ليبدو له الأيسر، فيغسله من قرنه إلي قدمه.

ه - لا ينبغي وضع السدر صحيحا بل مطحونا، لأن المراد به التنظيف، و المعد للتنظيف إنما هو المطحون.

و - لا يغسّل أكثر من ثلاث مرات، لأنه أمر شرعي فيقف علي النقل.

و قال الشافعي، و أحمد: الأفضل أن يغسل ثلاث مرات، فإن لم يحصل الإنقاء غسل خمس مرات، أو سبعا، وترا لا شفعا(2) ، لحديث أم عطية(3) ، و لم يقدره مالك(4).

ز - لو تعذر السدر أو الكافور أو هما، ففي سقوط الغسلة بفقدهما نظر أقربه العدم، لأن وجوب الغسل الخاص يستلزم المطلق.

ح - لو غيّر الترتيب فغسله أولا بالقراح، و ثانيا بالسدر أو الكافور، و ثالثا بالآخر، فعلي قول سلار(5) لا بحث، و علي قولنا يمكن الطهارة لحصول1.

ص: 353


1- الكافي 140:3-4، التهذيب 298:1-299-873.
2- المجموع 169:5، فتح العزيز 122:5، المغني 323:2-324، الشرح الكبير 321:2، الام 334:1، مغني المحتاج 334:1.
3- صحيح البخاري 93:2-95، صحيح مسلم 646:2-939، سنن أبي داود 197:3-3142، سنن الترمذي 315:3-990، الموطأ 222:1-2، سنن النسائي 28:4.
4- بداية المجتهد 230:1، الشرح الصغير 195:1، فتح العزيز 123:5، الام 264:1.
5- راجع المعتبر: 71.

الإنقاء المقصود من الغسلات، و العدم لمخالفة الأمر.

ط - الواجب عند أكثر علمائنا جعل السدر في الغسلة الأولي خاصة، و الكافور في الثانية خاصة [1].

و قال الشافعي: يجعل السدر في الأولي استحبابا، و هل يحصل بها التطهير؟ عنده وجهان: المنع لتغير الماء بالسدر، و الطهارة لأن المراد الإنقاء و التنظيف، و هي أبلغ فيه، فعلي الأول لا تحسب من الثلاث، بل يستحب صب الماء القراح عليه بعدها ثلاثا، و في وجه: تحتسب.

و علي تقدير عدم الاحتساب ففي احتساب الثانية بالقراح من الثلاث وجهان: العدم عند الأكثر لامتزاج الماء بما علي المحل من السدر الذي في الغسلة الاولي، و المحسوب الغسلات بعد زوال السدر(1) ، و عندنا أن إطلاق الماء باق، و قال أحمد: يجعل السدر في الثلاث(2).

أما الكافور فعندنا أنه في الثانية وجوبا، و عند الشافعي و أحمد يستحب جعله في الثالثة(3) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لأم عطية: (و اجعلي في الأخيرة كافورا)(4) ، و لأنه يبرد و يطيب ريحه.

ي - لو لم يجد السدر ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي و نحوه4.

ص: 354


1- المجموع 173:5-174، فتح العزيز 121:5-122.
2- المغني 320:2، الشرح الكبير 320:2.
3- المجموع 175:5، فتح العزيز 122:5-123، مغني المحتاج 334:1، المغني 323:2، الشرح الكبير 324:1.
4- صحيح البخاري 93:2-95، صحيح مسلم 646:2-939، سنن أبي داود 197:3-3142، سنن الترمذي 315:3-990، الموطأ 222:1-2، سنن النسائي 28:4.

إشكال - قال به أحمد(1) - لحصول المقصود منه. و لعدم التنصيص.

و لو غسله بذلك مع وجود السدر لم يجز.

و قال أحمد: يجوز لأن المعني - و هو التنظيف - موجود، و الحكم يتعدي في كل ما وجد فيه المعني(2).

و لو غسله بالقراح من غير سدر و كافور لم يجز أيضا، و هل يحصل التطهير؟ إشكال.

و الغريق يغسّل عندنا واجبا، و يلزم سلار العدم، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: [لا يجزئ] [1] لعدم النيّة(3).

يا - لا فرق بين الرجل و المرأة، و الحرّ و العبد، و الصغير و الكبير في الغسل.

مسألة 126: يستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما

مسحا رفيقا، لخروج ما لعله بقي مع الميت، لاسترخاء الأعضاء، و عدم القوة الماسكة، و بقاؤه يؤدي إلي خروجه بعد الغسل، فيؤذي الكفن.

أما الحامل فلا يمسح بطنها خوفا من الإجهاض.

و لا يمسح في الثالثة بإجماع علمائنا، لأنّ المطلوب يحصل بالمرتين، و رواية يونس(4) عنهم عليهم السلام، فإنها تضمنت المسح في الثانية.

ص: 355


1- المغني 321:2، الشرح الكبير 321:2.
2- المغني 321:2، الشرح الكبير 321:2.
3- المجموع 145:5، فتح العزيز 114:5، مغني المحتاج 332:1.
4- الكافي 141:3-5، التهذيب 301:1-877.

و قال الشافعي، و أحمد: يمسح في الثالثة أيضا(1) ، قال الشافعي:

و لا يمسح بعد الثالثة(2) ، لجواز أن يخرج منه شيء فيحتاج إلي غسله مرة ثانية.

مسألة 127: إذا خرج من الميت شيء بعد غسله ثلاثا

فإن لم يكن ناقضا غسل، و إن كان أحد النواقض فلعلمائنا قولان: قال ابن أبي عقيل: يعاد الغسل(3) - و به قال ابن سيرين، و إسحاق، و أحمد، و الشافعي في أحد أقواله(4) - إذ القصد في غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة.

و ظاهر كلام باقي علمائنا: غسل النجاسة حسب [1] - و هو أحد أقوال الشافعي، و الثوري، و مالك، و أبي حنيفة(5) - لأن خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطل، كذلك الميت، و لقول الصادق عليه السلام: «إن بدا منه شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه و لا تعيد الغسل»(6).

و قال أبو إسحاق من الشافعية: الواجب أن يوضّئه للصلاة و لا يعيد غسله كالحي(7).

ص: 356


1- المجموع 175:5، فتح العزيز 123:5، المهذب للشيرازي 136:1، المغني 318:2، الشرح الكبير 318:2، المحرر في الفقه 185:1.
2- انظر المهذب للشيرازي 136:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 73.
4- المجموع 176:5، فتح العزيز 123:5، المغني 325:2.
5- المجموع 76:5، فتح العزيز 123:5، المغني 325:2، الشرح الكبير 326:2-327، اللباب 127:1.
6- التهذيب 449:1-1456.
7- المجموع 176:5، فتح العزيز 123:5.
البحث الثاني: في الغاسل.
مسألة 128: الأصل أن يغسل الرجال الرجال، و النساء النساء، و ليس للرجل غسل المرأة إلا بأحد أسباب:

أحدها: الزوجية،

فللزوج غسل زوجته اختيارا عند أكثر علمائنا [1]، - و به قال عطاء، و جابر بن زيد، و سليمان بن بشار، و أبو سلمة بن عبد الرحمن، و علقمة، و قتادة، و أبو الشعثاء، و حماد، و مالك، و الشافعي، و إسحاق، و داود، و زفر، و أحمد في أصح الروايات عنه(1) - لأن فاطمة عليها السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس، و علي عليه السلام، فكان علي عليه السلام يصب الماء عليها(2) ، و اشتهر ذلك في الصحابة، و لم ينكره أحد، فكان إجماعا، و سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يخرج إلي السفر و معه امرأته يغسلها؟ قال: «نعم، و أخته، و نحو هذا، و يلقي علي عورتها خرقة»(3).

و للشيخ قول آخر بالمنع، إلاّ مع عدم النساء من وراء الثياب(4) ، و به

ص: 357


1- المجموع 149:5، فتح العزيز 124:5، الوجيز 73:1، الام 273:1، سبل السلام 550:2 و 551، المبسوط للسرخسي 71:2، شرح فتح القدير 76:2، المغني 2: 394، الشرح الكبير 311:2، القوانين الفقهية: 92.
2- سنن البيهقي 396:3، سنن الدار قطني 79:2-12، كشف الغمة 500:1، دعائم الإسلام 228:1.
3- الكافي 158:3-8، التهذيب 439:1-1418، الاستبصار 199:1-699، الفقيه 94:1-433.
4- التهذيب 439:1 ذيل الحديث 1420، الاستبصار 199:1، ذيل الحديث 701.

قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و أبو يوسف [1]، و محمد، و أحمد في رواية، لأن الموت فرقة تبيح الأخت، و الرابعة سواها، فحرّمت اللمس و النظر، كما لو طلقها قبل الدخول(1).

و قياسهم باطل، لأنه يمنع الزوجة من النظر إلي الزوج، و هنا بخلافه.

فروع:

أ - لو طلقها ثم ماتت، فإن كان رجعيا حلّ له تغسيلها، لبقاء حكم الزوجية، و لهذا تعتد للوفاة و يتوارثان - و روي المزني عن الشافعي التحريم(2) - و إن كان بائنا لم يجز.

ب - لا فرق بين الزوجة الحرة و الأمة، و المكاتبة و المستولدة.

ج - لو ماتت زوجة غير مدخول بها جاز له غسلها، كالمدخول بها، فإن المقتضي - و هو الزوجية - مشترك، و قال بعض الجمهور: لا يجوز للفرقة، و ليس بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معني الزوجية(3) ، و هو غلط.

د - لو كانت ذمية لم يجز له غسلها، لأن المسلم لا يغسل الكافر.

السبب الثاني: الملك،

فيجوز للسيد غسل أمته، و مدبرته، و أم ولده - و به قال الشافعي(4) - لأنهنّ في معني الزوجة في اللمس و النظر1.

ص: 358


1- المجموع 150:5، فتح العزيز 124:5، شرح فتح القدير 76:2، المبسوط للسرخسي 71:2، بداية المجتهد 228:1، الوجيز 73:1، المغني 394:2، الشرح الكبير 311:2.
2- مختصر المزني: 36.
3- المغني 395:2، الشرح الكبير 312:2.
4- المجموع 153:5، فتح العزيز 125:5، الوجيز 73:1، مغني المحتاج 334:1.

و الاستمتاع، فكذلك في الغسل، و يلزمه النفقة عليها بحكم الملك، فكان له تغسيلها كالحرة، و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّ له أن يطأ أختها في هذه الحال فأشبهت الأجنبية(1).

فروع:

أ - الأقوي أن المكاتبة كالأجنبية، لتحريمها علي المولي بعقد الكتابة، سواء كانت مطلقة أو مشروطة.

ب - لو كانت الأمة مزوّجة أو معتدة لم يكن للسيد تغسيلها.

ج - لو انعتق بعضها فكالحرة، أما المولي منها من الزوجات و الإماء، أو المظاهر منها، فإنهن كالزوجات، و المرتدة كالزوجة يغسلها الزوج.

السبب الثالث: المحرمية،

و للرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه من وراء الثياب عند عدم الزوج و النساء، نعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن نسبا أو رضاعا، كالبنت و الأخت، و العمة و الخالة، و بنت الأخ و بنت الأخت، ذهب إليه علماؤنا، لتسويغ النظر إليهن في الحياة. و منع الجمهور ذلك(2) ، و كلام الشافعية يعطي الجواز - و به قال مالك، و محمد [1] - عند الضرورة(3).1.

ص: 359


1- شرح فتح القدير 76:2، المبسوط للسرخسي 71:2، المجموع 153:5، فتح العزيز 125:5.
2- المجموع 151:5، المغني 396:2، الشرح الكبير 313:2، الحجة علي أهل المدينة 358:1، المنتقي للباجي 5:2.
3- المجموع 151:5، فتح العزيز 128:5، مغني المحتاج 335:1، الوجيز 73:1، المغني 396:2، الشرح الكبير 313:2، المدونة الكبري 186:1، القوانين الفقهية: 91.

و أما من ليس من المحارم من ذوي الأرحام، كبنت العم، و بنت الخال، فإنهن كالأجنبيات.

مسألة 129: لو ماتت امرأة و ليس هناك إلاّ الأجنبي،

قال علماؤنا: تدفن بثيابها، و لا يغسلها الأجنبي، و لا ييمّمها، لتحريم النظر و اللمس في حال الحياة، فكذا الموت، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلاّ النساء قال: «يدفن و لا يغسل، و المرأة تكون مع الرجال في تلك المنزلة تدفن و لا تغسل»(1).

و للشافعي وجهان، أحدهما: أنهم يغسلونها في ثيابها، و يلف الغاسل خرقة علي يده، و يغض الطرف إلاّ لضرورة، و أظهرهما: أنها لا تغسّل و لكن تيمم(2).

و فقد الغاسل كفقد الماء، و بهذا قال مالك، و أبو حنيفة(3) ، و عن أحمد روايتان كالوجهين(4).

و قد روي أصحابنا أنهم يغسلون منها محاسنها: يديها، و وجهها، لأنها مواضع التيمم(5) ، قال الشيخ: و المنع أحوط(6). و روي عن الباقر عليه1.

ص: 360


1- الكافي 158:3-7، التهذيب 438:1-1414، الاستبصار 197:1-693.
2- المجموع 141:5، فتح العزيز 126:5، الوجيز 73:1، مغني المحتاج 335:1، الشرح الكبير 314:2.
3- المجموع 151:5، فتح العزيز 126:5، المدونة الكبري 186:1، شرح فتح القدير 71:2 و 76.
4- المغني 396:2، الشرح الكبير 314:2، المجموع 151:5، فتح العزيز 126:5.
5- الكافي 159:3-13، الفقيه 95:1-438، التهذيب 442:1-1429، الاستبصار 202:1-714.
6- المبسوط للطوسي 175:1.

السلام: «يصبون عليها الماء صبا من وراء الثياب»(1) و استحبّه الشيخ في كتابي الأخبار جمعا بينهما(2) ، و روي أنهم يغسلون مواضع الوضوء(3).

مسألة 130: لو كان مع الرجال الأجانب نساء كافرات،

قال علماؤنا: يأمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال - إما تعبدا، أو لزوال النجاسة الطارئة - ثم يعلمها تغسيل المسلمات، فتغسلها، لقول الصادق عليه السلام عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة، و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها، و معها نصرانية و رجال مسلمون، قال: «تغتسل النصرانية، ثم تغسلها»(4) و به قال مكحول مع ذوي أرحامها أيضا(5) ، و غسّلت امرأة علقمة امرأة نصرانية(6) ، و منع أكثر الجمهور من ذلك، لأنه عبادة فلا تصح من الكافر، بل ييمّمها الرجال(7).

مسألة 131: و لا يغسل الرجل إلاّ رجل، أو زوجته،

ذهب إليه العلماء كافة - إلاّ رواية عن أحمد(8) - قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله غير نسائه(9). و وصّي أبو6.

ص: 361


1- التهذيب 442:1-1427، الاستبصار 202:1-712.
2- التهذيب 442:1 ذيل الحديث 1427، الاستبصار 202:1 ذيل الحديث 712.
3- التهذيب 443:1-1430، الإستبصار 203:1-715.
4- الكافي 159:3-12، الفقيه 95:1-440، التهذيب 340:1-341-997.
5- المغني 397:2.
6- المغني 397:2.
7- المغني 397:2، الشرح الكبير 313:2، المجموع 141:5، فتح العزيز 126:5، المبسوط للسرخسي 72:2.
8- الشرح الكبير 311:2، المجموع 132:5 و 149، فتح العزيز 124:5.
9- سنن البيهقي 387:3، سنن أبي داود 197:3-3141، سنن ابن ماجة 470:1-1464، مسند أحمد 267:6.

بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس(1) ، و لقول الصادق عليه السلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلي امرأته حين تموت، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها، و عن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت: «لا بأس، إنما يفعل ذلك أهل المرأة، كراهة أن ينظر زوجها إلي شيء يكرهونه»(2).

فروع:

أ - قال في النهاية: تغسله هي أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب و لا يجردنه(3). و أطلق في غيرها(4) ، و هو الوجه، و الروايات المانعة(5) ، محمولة علي الاستحباب، و كذا ما روي من اشتراط تغسيلها إيّاه من وراء الثياب(6).

ب - لو طلق رجعيّا ثم مات جاز لها أن تغسله - و روي المزني عن الشافعي المنع(7) - و لو كان بائنا لم يجز.

ج - يجوز لأم ولده أن تغسله - و هو أحد وجهي الشافعي(8) - لأنها لو ماتت غسّلها فأشبهت الزوجين، و أوصي زين العابدين عليه السلام أن تغسله5.

ص: 362


1- مصنف ابن أبي شيبة 249:3، سنن البيهقي 397:3.
2- الكافي 157:3-2، الفقيه 86:1-401، التهذيب 439:1-1417، الإستبصار 198:1-698.
3- النهاية: 42.
4- الخلاف 699:1 مسألة 486.
5- التهذيب 440:1-1421، الإستبصار 199:1-702.
6- الكافي 157:3-4، التهذيب 439:1-1416، الاستبصار 197:1-695.
7- انظر مختصر المزني: 36.
8- المجموع 137:5 و 146، فتح العزيز 126:5.

أم ولد له إذا مات، فغسلته(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و هو الوجه الآخر للشافعي، لأنها عتقت بموته فصارت كالأجنبية(2) ، و العتق بالموت لا يمنع الغسل كالفرقة به، و قد ناقض أبو حنيفة بأنها معتدة منه(3) كما أن الزوجة معتدة منه.

د - لو لم تكن الأمة أم ولد احتمل أنها كأم الولد، و المنع لانتقال الملك إلي غيره، و لم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معني الزوجات، و كذا لو طلّقها قبل الدخول.

ه - لو كانت الزوجة كافرة، لم يكن لها غسل زوجها إلا مع عدم المحارم، و منع بعض الجمهور مطلقا، لوجوب النيّة، و ليس الكافر من أهلها(4).

و - لو تعذّر المسلم و الزوجة، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب، لقول الصادق عليه السلام: «إذا مات الرجل مع النساء، غسلته امرأته، فإن لم تكن امرأته، غسلته أولاهن به و تلف علي يدها خرقة»(5) و قال عليه السلام في الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلاّ النساء، هل تغسله النساء؟ قال: «تغسله امرأته أو ذات محرمه، و يصب عليه الماء صبا من فوق الثياب»(6).5.

ص: 363


1- التهذيب 444:1-1437، الاستبصار 200:1-704.
2- المبسوط للسرخسي 70:2، شرح فتح القدير 76:2، المجموع 137:5-138 و 153، فتح العزيز 126:5، المغني 395:2، الشرح الكبير 312:2.
3- اللباب 82:3، بدائع الصنائع 201:3.
4- المجموع 145:5، المغني 395:2.
5- التهذيب 444:1-1436، الإستبصار 198:1-696.
6- الكافي 157:3-4، التهذيب 439:1-1416، الاستبصار 197:1-198-695.

ز - لو مات و لا مسلم هناك و لا ذات رحم، فإن كان هناك كافر، أمر بعض النساء المسلمات رجلا كافرا بالاغتسال، و علّمنه غسل أهل الإسلام، ثم يغسّله كذلك، لقول الصادق عليه السلام في مسلم مات و ليس معه رجل مسلم، و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته، و معه رجال نصاري و نساء مسلمات، قال: «يغتسل النصاري ثم يغسلونه فقد اضطر»(1) و منع الجمهور من ذلك(2).

و إن لم يكن معه أحد من الكفار، قال علماؤنا: يدفن من غير غسل، و لا تيمم، لأن النظر إليه حرام، و به قال الأوزاعي(3).

و للشافعي وجهان، أحدهما: ييمم و لا يغسل - و به قال مالك، و أبو حنيفة - لأن في غسله النظر إلي من ليس له بمحرم(4) ، و الثاني: يغسل من فوق الثوب و يصب الماء من تحته، و يمر الغاسل يده عليه و علي يده خرقة، و به قال النخعي(5) ، و عن أحمد روايتان كالوجهين(6).

ح - لو غسله الكافر لتعذر المسلم و ذات الرحم، أو غسلت الكافرة المسلمة، ثم وجد مسلم أو مسلمة، فالوجه إعادة الغسل ما لم يدفن، لأنه ساغ للضرورة و قد زالت، و لم تحصل الطهارة.

ط - لو كان الميت خنثي مشكلا، فإن كان صغيرا، فللرجال و النساء2.

ص: 364


1- الكافي 159:3-12، التهذيب 340:1-997.
2- المغني 397:2، فتح العزيز 114:5، بلغة السالك 194:1.
3- المجموع 152:5.
4- الشرح الصغير 194:1، المبسوط للسرخسي 71:2، المجموع 141:5، فتح العزيز 126:5، المغني 396:2، الشرح الكبير 314:2.
5- المجموع 141:5، فتح العزيز 126:5.
6- المغني 396:2، الشرح الكبير 314:2.

غسله، و إن كان كبيرا، فإن كان له ذو رحم محرم من الرجال أو النساء غسله، و إن لم يكن فالوجه دفنه من غير غسل.

و للشافعي وجهان، أحدهما: ييمم - و به قال أبو حنيفة(1) - و الثاني:

يغسّل(2). و من يغسّل ؟ للشافعية وجوه:

أ - يشتري من تركته جارية تغسله، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال، و هو خطأ لانتفاء الملك عنه، إذ الميت لا يملك شيئا، و لا استصحاب هنا.

ب - هو في حق الرجال كالمرأة، و في حقّ النساء كالرجل.

ج - الأظهر أنه يجوز للرجال و النساء غسله استصحابا لما كان في الصغر، و هو خطأ لانتفاء المقتضي في الصغر و هو انتفاء الشهوة(3).

مسألة 132: إذا ازدحم جماعة يصلحون للغسل،

فإن كان الميت رجلا فأولاهم به أولاهم بالميراث، و لو كان هناك رجال أباعد و محارم من النساء، جاز لهن تولي غسله - قاله في المبسوط(4) - فإن لم يكن محارم فكالأجنبيات.

و قال الشافعي: يترتبون في الغسل كالصلاة، الأب ثم الجد، ثم الابن، [ثم ابن الابن] [1] ثم الأخ، ثم ابنه، ثم العم، ثم ابنه(5) ، و هل تقدم زوجته علي هؤلاء؟ له وجهان: التقدم لأن لها النظر إلي عورته1.

ص: 365


1- المجموع 148:5، فتح العزيز 126:5، المغني 396:2، الشرح الكبير 314:2.
2- المجموع 148:5، فتح العزيز 126:5، الوجيز 73:1.
3- المجموع 148:5، فتح العزيز 127:5، الوجيز 73:1.
4- المبسوط للطوسي 174:1-175.
5- المجموع 130:5، فتح العزيز 128:5، الوجيز 73:1.

بخلاف القرابات، فكانت أولي(1).

و إن كان الميت امرأة، فالزوج عندنا أولي من كل أحد في جميع أحكامها من الغسل و غيره، سواء كان الغير رجلا أو امرأة، قريبا أو بعيدا.

و للشافعي في أولوية الزوج علي النساء و القرابات من الرجال وجهان:

التقديم، لأنّه ينظر إلي ما لا ينظرن اليه، و أظهرهما: تقديمهن عليه، لأنّ الأنثي أليق بالأنثي.

و تقديمه علي الرجال الأقارب لأنهم جميعا ذكور، و هو ينظر إلي ما لا ينظرون إليه، و وجه تقديمهم أن النكاح ينتهي بالموت، و سبب المحرمية باق(2).

و إن لم يكن هناك زوج و لا رجل، فإن كان لها فيهن رحم محرم - بمعني أنه لو كان رجلا لم يحل له نكاحها كأمها وجدتها و بنتها - فهي أولي من كل أحد، و يترتبن ترتب الإرث، فإن كان فيهن ذات رحم لا محرم كبنت العمة فهي أولي من الأجنبيات.

و إن كان هناك رجال بلا نساء، فإن كان لها فيهم محرم، فهو أولي، و إن لم يكن محرم فكالأجنبي، فإن اجتمع رجال و نساء من القرابات فالنساء أولي، لأنهن أعرف و أوسع في باب النظر إليهن.

و جميع ما ذكرناه من التقديم مشروط بالإسلام، فالكافر كالمعدوم، حتي يقدم المسلم الأجنبي علي القريب المشرك، و لو سلّم من له التقدمة الغسل لغيره، فله القيام به بشرط اتحاد الجنس.

مسألة 133: لا يغسّل الرجل أجنبية، و لا المرأة أجنبيا،

و هو قول أكثر1.

ص: 366


1- المجموع 130:5، فتح العزيز 128:5.
2- المجموع 135:5، فتح العزيز 128:5، الوجيز 73:1.

العلماء - و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و حماد، و مالك، و أصحاب الرأي، و ابن المنذر، و الشافعي في أحد الوجهين، و أحمد في إحدي الروايتين لتحريم النظر، و في الأخري: يغسّل من فوق القميص(1) ، و هو قول الحسن، و مكحول، و الشافعي في الآخر(2) و قد تقدم.

مسألة 134: أجمع العلماء علي أن للنساء غسل الطفل مجردا من ثيابه

و إن كان أجنبيا، اختيارا و اضطرارا، لأن المرأة تربيه و لا تنفك عن الاطلاع علي عورته لكن اختلفوا في تقديره، فلعلمائنا قولان، قال الشيخ: تغسل ابن ثلاث سنين(3) ، و هو أولي، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام و قد قيل له:

حدثني عن الصبي إلي كم تغسله النساء؟ فقال: «إلي ثلاث سنين»(4) و لأنه وفاق.

و قال المفيد و سلاّر: تغسل ابن خمس سنين مجردا، و إن كان أكبر صبت الماء عليه صبا(5).

و قال الحسن: إذا كان فطيما أو فوقه. و قال الأوزاعي: ابن أربع أو خمس. و قال أصحاب الرأي: الذي لم يتكلم(6) ، و قال أحمد: دون سبع سنين، لأنه لا عورة له(7).2.

ص: 367


1- بلغة السالك 194:1، المجموع 151:5، فتح العزيز 126:5، بداية المجتهد 227:1 - 228، الشرح الكبير 314:2، الإنصاف 483:2.
2- المجموع 151:5، فتح العزيز 126:5، المغني 396:2، الشرح الكبير 314:2، الإنصاف 483:2.
3- المبسوط للطوسي 176:1.
4- الكافي 160:3-1، الفقيه 94:1-431، التهذيب 341:1-998.
5- المقنعة: 13، المراسم: 50.
6- المجموع 152:5، الشرح الكبير 313:2، المغني 396:2.
7- الإنصاف 481:2، المغني 396:2، الشرح الكبير 313:2.

مسألة 135: و كذا للرجال غسل الصبية إجماعا منّا،

لكن اختلف علماؤنا، فالشيخان جوّزا بنت ثلاث سنين مجردة، فإن كانت أكبر غسلوها في ثيابها(1) ، و قال الصدوق: إن كانت بنت خمس سنين تدفن و لا تغسل، و إن كانت أقل غسلت(2) ، لرواية محمد بن يحيي(3) ، و هي مرسلة، و الأول أقرب كالصبي.

و قال الثوري: تغسل المرأة الصبي، و الرجل الصبية، و غسل أبو قلابة بنتا له، و سوغه الحسن، و كرهه أحمد، و الزهري(4).

مسألة 136: الصبي إذا غسل الميت، فإن كان مميزا فالوجه الجواز،

لأنه تصح طهارته، فصح أن يطهّر غيره كالكبير، و يحتمل المنع، لأنّه ليس من أهل التكليف، و يصح أن يغسل المحرم الحلال و بالعكس، لأنّ كل واحد منهما تصح طهارته و غسله، فكان له أن يطهر غيره.

البحث الثالث: المحل.
مسألة 137: يجب غسل كل مسلم للأمر به،

و لا يجب تغسيل الكافر، ذميا كان أو حربيا، مرتدا كان أو أصليا، قريبا كان أو بعيدا، و لا يجوز ذلك، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك، و أحمد في رواية(5) - لانتفاء التطهير عنه، و لأنه لا يصلّي عليه، و لا يدعي له، فلم يكن له [1] غسله.

ص: 368


1- المبسوط للطوسي 176:1، المقنعة: 13.
2- المقنع: 19.
3- الفقيه 94:1-432.
4- المغني 397:2، الشرح الكبير 314:2.
5- بلغة السالك 194:1، بداية المجتهد 227:1، المغني 397:2، الشرح الكبير 315:2، المجموع 153:5.

و قال الشافعي: يجوز له غسل قريبه الكافر - و هو رواية عن أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر عليا عليه السلام بمواراة أبيه(2) ، و لأن غسله من المعروف، فيدخل تحت قوله وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (3) و الجواب أن أبا طالب مات مسلما، و قد اشتهر النقل بذلك(4) ، و الغسل من أمور الآخرة.

فروع:

أ - لو ماتت الذمية تحت المسلم لن يغسلها، و قال الشافعي: له أن يغسلها لأن النكاح كالقرابة(5).

ب - أولاد المشركين يجرون مجري آبائهم في عدم التغسيل، كما أن أولاد المسلمين كآبائهم في وجوبه.

ج - قال المفيد: لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا في الولاية، و لا يصلي عليه، إلا أن تدعوه ضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف(6).

د - ولد الزنا يغسل، و به قال الشيخ(7) ، و من قال من أصحابنا بكفره(8)7.

ص: 369


1- المجموع 142:5، الام 266:1، المهذب 135:1، المغني 397:2، الشرح الكبير 315:2، بداية المجتهد 227:1.
2- سنن النسائي 79:4، مسند أحمد 97:1 و 103 و 131، سنن أبي داود 214:3-3214، سنن البيهقي 398:3، مصنف ابن أبي شيبة 347:3.
3- سورة لقمان: 15.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 71:14، السيرة النبوية لزيني دحلان 43:1-49، تاريخ ابن كثير 123:2، خزانة الأدب للبغدادي 76:2.
5- المجموع 144:5.
6- المقنعة: 13.
7- المبسوط للطوسي 182:1.
8- هو ابن إدريس في السرائر: 81 و 183 و 241 و 287.

منع من غسله.

مسألة 138: و يجب تغسيل أموات المسلمين من الكبار و الصغار،

حتي السقط إذا استكمل أربعة أشهر - و به قال سعيد بن المسيب، و ابن سيرين، و إسحاق، و أحمد(1) - لأنه مات بعد حياته فيجب غسله، لما روي الجمهور أن الملائكة غسلت آدم عليه السلام، و قالوا لولده: هذه سنة موتاكم(2).

و من طريق الخاصة ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسل(3).

و قال أبو حنيفة، و مالك: يدرج في خرقة و يدفن إلا أن يستهل لأنه لم يثبت له حكم الحياة، و لا يرث و لا يورث، و الإرث منتف لعدم العلم بحياته حال موت مورثه(4) ، و للشافعي كالمذهبين(5).

فروع:

أ - لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و لم يصلّ عليه، و لفّ في خرقة و دفن، و هو مذهب العلماء كافة، إلا ابن سيرين فإنه قال: يصلّي عليه(6).

ص: 370


1- المغني 393:2، الشرح الكبير 333:2.
2- مسند أحمد 136:5.
3- التهذيب 328:1-960.
4- المغني 393:2، الشرح الكبير 333:2، بدائع الصنائع 302:1، الشرح الصغير 193:1.
5- المجموع 255:5، المغني 393:2، الشرح الكبير 333:2.
6- المغني 394:2، الشرح الكبير 333:2.

ب - لو وجد ميت لا يعلم أ مسلم هو أم كافر، نظر إلي العلامات كالختان، فإن لم تكن عليه علامة، و كان في دار الإسلام غسّل و صلّي عليه، و إلاّ فلا.

ج - صدر الميت كالميت في أحكامه كلها، و في وجوب تحنيطه إشكال ينشأ من اختصاصه بالمساجد، و من الحكم بالمساواة.

و غير الصدر، إن كان فيه عظم، غسّل، و لفّ في خرقة، و دفن، قال سلار: و يحنط(1) - و هو حسن [1] إن كان أحد المساجد وجوبا، و إلاّ فلا - و إلاّ لفّ من غير غسل و دفن.

د - لو أبينت قطعة من حيّ و فيها عظم، قيل: تدفن من غير غسل، لأنها من جملة لا تغسل(2) و نمنع التعليل، لأن القطعة ميتة، و كل ميت يغسل، و الجملة تغسل لو ماتت.

مسألة 139: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل و لا يكفن،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أهل العلم إلا الحسن، و سعيد بن المسيب، فإنهما أوجبا غسله، لأنه ما مات ميّت إلا جنب(3). و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أحق بالاتباع، و قد أمر بدفن شهداء أحد، و قال: (زمّلوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما، اللون لون الدم، و الريح ريح المسك)(4) و قال الصادق عليه السلام: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في

ص: 371


1- المراسم: 46.
2- قال به المحقق في المعتبر: 86.
3- المجموع 264:5، المبسوط للسرخسي 49:2، بداية المجتهد 227:1، الكفاية 104:2، المغني 398:2، الشرح الكبير 328:2، سبل السلام 548:2.
4- مسند أحمد 431:5، سنن النسائي 78:4، سنن البيهقي 11:4 و 164:9-165 و 170، الجامع الصغير للسيوطي 30:2-4563.

ثيابه و لا يغسل إلا أن يدركه المسلمون و به رمق، ثم يموت بعد، فإنه يغسل و يكفن و يحنط، إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله، و لكنه صلّي عليه»(1).

فروع:

أ - لو كان الشهيد جنبا، قال الشيخ: لم يغسل(2) ، و به قال مالك(3) ، لعموم الخبر في الشهداء(4) و قال ابن الجنيد و المرتضي: يغسل(5) ، و به قال أبو حنيفة و أحمد(6) ، و للشافعي كالمذهبين(7) ، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد [1]، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (ما شأن حنظلة، فإني رأيت الملائكة تغسله) فقالوا: إنه جامع ثم سمع الهيعة [2] فخرج إلي القتال(8).3.

ص: 372


1- الكافي 212:3-5، التهذيب 332:1-973.
2- المبسوط للطوسي 182:1.
3- المغني 399:2، الشرح الكبير 329:2، بلغة السالك 204:1، فتح العزيز 157:5.
4- سنن النسائي 78:4، مسند أحمد 431:5، الجامع الصغير 30:2-4563.
5- حكي قولهما المحقق في المعتبر: 84.
6- المغني 399:2، الشرح الكبير 329:2، المبسوط للسرخسي 57:2، فتح العزيز 157:5، الهداية للمرغيناني 94:1، اللباب 134:1.
7- المجموع 263:5، فتح العزيز 157:5، الوجيز 76:1، المغني 399:2، الشرح الكبير 329:2.
8- المستدرك الحاكم 204:3، سنن البيهقي 15:4، أسد الغابة 59:2، الإصابة 361:1، السيرة النبوية لابن هشام 79:3.

ب - لو طهرت المرأة من حيض، أو نفاس، ثم استشهدت لم تغسل للعموم(1). و قال أحمد: تغسل كالجنب، و لو قتلت في الحيض، أو النفاس، سقط الغسل عنده، لأن الطهر منهما شرط فيه(2).

ج - المرأة كالرجل، و العبد كالحر، و الصبي كالبالغ و إن كان رضيعا - و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر(3) - لأنه مسلم قتل في معركة المشركين فكان البالغ، و لأنه كان في قتلي أحد و بدر [1] أطفال كحارثة بن النعمان، و عمير بن أبي وقاص، و لم ينقل أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله غسلهم، و في يوم الطف [2] قتل ولد رضيع للحسين عليه السلام و لم يغسله، و قال أبو حنيفة: لا يثبت حكم الشهادة2.

ص: 373


1- مسند أحمد 431:5، سنن النسائي 78:4، سنن البيهقي 11:4 و 164:9-165 و 170، الجامع الصغير 30:2-4563، الكافي 210:3-212-1-5، الفقيه 97:1-446 و 447، التهذيب 330:1-967، الإستبصار 213:1-214-753.
2- المغني 399:2، الشرح الكبير 329:2.
3- المجموع 266:5، المغني 400:2، الشرح الكبير 330:2، المبسوط للسرخسي 54:2، شرح العناية 107:2.

لغير البالغ، لأنه ليس من أهل القتال(1). و يبطل بالمرأة.

د - شرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد، أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته، أو من نصبه(2).

و يحتمل اشتراط تسويغ القتال، فقد يجب القتال، و إن لم يكن الإمام موجودا، لقولهم عليهم السلام: «اغسل كل الموتي إلا من قتل بين الصفين»(3).

ه - كل مقتول في غير المعركة يغسل، و يكفن، و يحنط، و يصلّي عليه، و إن قتل ظلما، أو دون ماله، أو نفسه، أو أهله، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(4) - لقول الصادق عليه السلام: «اغسل كل الموتي، إلا من قتل بين الصفين»(5).

و قال الشعبي، و الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في رواية: لا يغسل(6) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من قتل دون ماله فهو شهيد)(7).

و - النفساء تغسل، و تكفن، و يصلّي عليها، و هو مذهب العلماء8.

ص: 374


1- المبسوط للسرخسي 54:2، شرح العناية 107:2، المجموع 266:5، المغني 400:2.
2- المقنعة: 12، المبسوط للطوسي 181:1.
3- الكافي 213:3-7، التهذيب 330:1-967، الاستبصار 213:1-753، و الرواية فيها موقوفة.
4- المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2، بلغة السالك 204:1، المجموع 368:5، فتح العزيز 154:5.
5- الكافي 213:3-7، التهذيب 330:1-967، الاستبصار 213:1-753، و الرواية فيها موقوفة.
6- المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
7- صحيح البخاري 179:3، صحيح مسلم 124:1-125-226، سنن النسائي 116:7، سنن ابن ماجة 861:2-2580، سنن أبي داود 246:4-4772، سنن الترمذي 28:4-30-1418-1421، مسند أحمد 187:1 و 189 و 190، الفقيه 272:4-828.

كافة، إلا الحسن قال: لا يصلّي عليها لأنها شهيدة(1) ، و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بخلافه، فإنه صلّي علي امرأة ماتت في نفاسها(2) و تسميتها شهيدة للمبالغة في عظم ثوابها.

ز - المطعون و المبطون و الغريق، و المهدوم عليه يغسلون بالإجماع، و تسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة.

ح - لا فرق في الشهيد بين من قتل بالحديد، و الخشب، و الصدم، و اللطم باليد أو الرجل، عملا بإطلاق اللفظ.

ط - لو عاد عليه سلاحه فقتله، فهو كالمقتول بأيدي العدو، لأنه قتل بين الصفين، و قال رجل من أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: أغرنا علي حي من جهينة، فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأ فأصاب نفسه بالسيف، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (أخوكم يا معشر المسلمين) فابتدر الناس، فوجدوه قد مات، فلفّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بثيابه، و دمائه، و صلّي عليه، فقالوا: يا رسول اللّه أ شهيد هو؟ قال:

(نعم، و أنا له شهيد)(3).

ي - لو وجد غريقا أو محترقا في حال القتال، أو ميتا لا أثر فيه، قال الشيخ: لا يغسل(4) و به قال الشافعي(5) - لاحتمال أنه مات بسبب من أسباب القتال.5.

ص: 375


1- المغني 403:2.
2- صحيح البخاري 111:2، صحيح مسلم 664:2-964، سنن أبي داود 209:3-3195 مسند أحمد 19:5، سنن النسائي 72:4.
3- سنن أبي داود 21:3-2539.
4- المبسوط للطوسي 182:1.
5- المجموع 267:5، فتح العزيز 152:5.

و قال ابن الجنيد: يغسل(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لوجوب الغسل في الأصل، و قول الشيخ جيد.

يا - قال الشافعي: القتل الذي يثبت به حكم الشهادة هو أن يقتل المسلم في معترك المشركين بسبب من أسباب قتالهم، مثل أن يقتله المشركون، أو يحمل علي قوم منهم فيتردي في بئر أو يقع من جبل، أو يسقط من فرسه، أو يرفسه فرس غيره، أو يرجع سهم نفسه عليه فيقتله(3) ، و هو جيد.

فإن انكشف الصف عن مقتول من المسلمين، لم يغسل و إن لم يكن به أثر، و قال أبو حنيفة و أحمد: إن لم يكن أثر غسل(4) ، قال أبو حنيفة: فإن كان دم يخرج من عينه أو إذنه لم يغسل، و إن كان يخرج من أنفه أو ذكره أو دبره غسل(5).

يب - لو نقل من المعركة و به رمق، أو انقضي الحرب و به رمق، غسّل - و به قال الشافعي، و أحمد(6) - سواء أكل أو لا، وصّي أو لم يوص، للأصل الدال علي وجوب الغسل، و قال الصادق عليه السلام: «الشهيد2.

ص: 376


1- حكاه المحقق في المعتبر: 84.
2- المبسوط للسرخسي 51:2.
3- الام 268:1، مغني المحتاج 350:1، كفاية الأخيار 101:1، المجموع 261:5 و 267، فتح العزيز 152:5، السراج الوهاج: 110.
4- اللباب 133:1، المبسوط للسرخسي 51:2، شرح فتح القدير 104:2، المغني 402:2، الشرح الكبير 330:2، زاد المستقنع: 22-23، المجموع 267:5، فتح العزيز 152:5.
5- المبسوط للسرخسي 51:2-52، شرح فتح القدير 104:2، اللباب 133:1، الجامع الصغير: 119.
6- الام 268:1، المجموع 261:5، فتح العزيز 154:5، كفاية الأخيار 101:1، مغني المحتاج 350:1، الوجيز 75:1، المغني 400:2.

إذا كان به رمق غسل و كفن و حنط و صلّي عليه، و إن لم يكن به رمق دفن في أثوابه»(1).

و قال مالك: لا اعتبار بتقضي الحرب، بل بأن يأكل، أو يشرب، أو يبقي يومين أو ثلاثة، فيغسل حينئذ(2).

و قال أصحاب أبي حنيفة: إذا خرج عن صفة القتل و صار إلي حال الدنيا نقض بذلك حكم الشهادة، مثل أن يأكل أو يشرب، أو يوصي، فأما غير ذلك فلم يخرج بذلك عن صفة القتلي، لأن القتيل قد يبقي فيه النفس، و معني الشهادة حاصل في حقه(3) ، و ليس بجيد، لأنه مات بعد تقضّي الحرب، فلم يثبت له حكم الشهادة، كما لو أوصي.

مسألة 140: إذا قتل أهل البغي أحدا من أهل العدل، فهو شهيد،

ذهب إليه علماؤنا، و به قال أبو حنيفة(4) ، لأن عليا عليه السلام لم يغسّل من قتل معه(5) ، و أوصي عمار أن لا يغسل، و قال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم(6) ، و أوصي أصحاب الجمل إنّا مستشهدون غدا، فلا تنزعوا عنّا ثوبا و لا تغسلوا عنّا دما(7).

ص: 377


1- الكافي 211:3-3، الفقيه 97:1-446، التهذيب 331:1-971، الإستبصار 214:1-757.
2- المدونة الكبري 183:1، القوانين الفقهية: 93، المغني 401:2، الشرح الكبير 331:2، فتح العزيز 155:5.
3- المبسوط للسرخسي 51:2، بدائع الصنائع 321:1، اللباب 134:1، المغني 401:2.
4- المبسوط للسرخسي 53:2، بدائع الصنائع 323:1، شرح فتح القدير 103:2، المجموع 267:5، فتح العزيز 152:5-153، المغني 402:2، الشرح الكبير 332:2.
5- المغني 402:2، الشرح الكبير 332:2.
6- مصنف ابن أبي شيبة 253:3، سنن البيهقي 17:4، المغني 402:2، المبسوط للسرخسي 50:2.
7- مصنف ابن أبي شيبة 252:3، سنن البيهقي 17:4، المغني 402:2، المبسوط للسرخسي 50:2.

و قال مالك: يغسل(1) ، و للشافعي كالقولين(2) ، و عن أحمد روايتان(3) ، لأن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابنها عبد اللّه بن الزبير(4) ، و ليس بجيد، لأنه أخذ و صلب فهو كالمقتول ظلما، و ليس بشهيد في المعركة.

أما الباغي فللشيخ قولان، في المبسوط و الخلاف: لا يغسل، و لا يكفن، و لا يصلّي عليه، سواء مات في المعركة أو لا، و استدل بأنه كافر(5) - و به قال أبو حنيفة - (6) لأنهم جماعة ليس لهم منعة و قوة باينوا أهل الحق بدار و قتال، فلا يغسلون، و لا يصلّي عليهم كأهل دار الحرب.

و قال في سير الخلاف: يغسل و يصلّي عليه(7) - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد(8) - لقوله عليه السلام: (صلوا علي من قال لا إله إلاّ اللّه)(9) و لأنه مسلم قتل بحق، فأشبه الزاني.

مسألة 141: أهل القافلة إذا قتلهم اللصوص غسلوا و كفنوا و صلّي عليهم

ص: 378


1- المدونة الكبري 184:1، تفسير القرطبي 272:4، المجموع 267:5، فتح العزيز 153:5 - 154.
2- الوجيز 75:1، المجموع 261:5 و 267، فتح العزيز 152:5، السراج الوهاج: 110، مغني المحتاج 350:1، المغني 402:2، الشرح الكبير 332:2.
3- المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
4- سنن البيهقي 17:4.
5- المبسوط للطوسي 182:1، الخلاف 714:1، مسألة 254.
6- اللباب 135:1، المجموع 267:5، فتح العزيز 154:5.
7- الخلاف: كتاب البغاة مسألة 13.
8- المجموع 261:5 و 267، فتح العزيز 154:5، بداية المجتهد 239:1، المغني 402:2، الشرح الكبير 332:2.
9- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، مجمع الزوائد 67:2، الجامع الصغير 98:2-5030.

و دفنوا - و به قال مالك، و أحمد، و للشافعي قولان(1) - للعموم(2).

و قال أبو حنيفة: من قتل ظلما بحديد فإنه لا يغسل كالشهيد، و من قتل بمثقل غسل(3). و هو خطأ لأن عليا عليه السلام قتل بحديد، و كذا عمر، و غسلا(4).

و لو قتل اللص و قاطع الطريق، غسل و كفن و صلّي عليه و دفن، لأن الفسق لا يمنع هذه الأحكام.

مسألة 142: قال الشيخان: من وجب عليه القود أو الرجم، أمر بالاغتسال

و التحنّط، ثم يقام عليه الحد و يدفن(5) ، و وافقهما الصدوق، و زاد تقديم الكفن أيضا(6) ، لأن الصادق عليه السلام قال: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك، و يصلّي عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك، يغتسل و يتحنط و يلبس الكفن و يصلي عليه»(7).

و قال الشافعي: المقتول قصاصا، أو رجما، يغسل و يصلّي عليه(8) ، و الظاهر أن مراده بعد موته.

ص: 379


1- الام 268:1، المجموع 262:5، المدونة الكبري 184:1، المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
2- الكافي 213:3-7، التهذيب 330:1-967، الاستبصار 213:1-753.
3- المبسوط للسرخسي 52:2، المجموع 267:5، فتح العزيز 155:5، الميزان 209:1.
4- انظر المناقب لابن شهر آشوب 312:3، كشف الغمة 429:1، الكامل في التاريخ 50:3، تاريخ الخميس 249:2، الطبقات الكبري 337:3، تاريخ الطبري 191:4، سنن البيهقي 16:4 و 17.
5- المبسوط للطوسي 181:1، المقنعة: 13.
6- المقنع: 20.
7- الكافي 214:3-215-1، الفقيه 96:1-443، التهذيب 334:1-978.
8- الام 1، 268، الوجيز 75:1، المجموع 262:5 و 267.

فروع:

أ - لا يجب غسله ثانيا، و لكن يصلي عليه إذا كان مسلما.

ب - لو مسّه بعد القتل، لم يجب عليه الغسل، لأنه مغتسل و قد طهر به، و إلاّ انتفت فائدته، و تقديم الغسل يمنع من تجدد النجاسة بالموت، لتحقق الطهارة به.

ج - الشهيد لا يجب بمسه الغسل، لطهارته.

د - لو اغتسل المقتول قودا، فمات قبل القتل، وجب الغسل عليه و علي لأمسه.

مسألة 143: المحرم كالمحل،

إلاّ أنّه لا يقرّب الكافور و الطيب في غسل و لا حنوط، و لا يمنع من المخيط، و لا من تغطية الرأس و الرجلين، قاله الشيخان(1) و أكثر علمائنا [1] لقوله عليه السلام: (لا تقربوه طيبا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا)(2).

و من طريق الخاصة، ما رواه محمد بن مسلم، عن الباقر و الصادق عليهما السلام، قال: سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات ؟ قال: «يغطي وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه لا يقرب طيبا»(3)

ص: 380


1- المبسوط للطوسي 180:1، المقنعة: 12.
2- صحيح البخاري 96:2، مسند أحمد 333:1، سنن النسائي 195:5 و 196، سنن أبي داود 219:3-3241، سنن ابن ماجة 1030:2-3084، سنن البيهقي 392:3، سنن الدار قطني 295:2-264.
3- التهذيب 330:1-965.

و قال المرتضي و ابن أبي عقيل منّا: إن إحرامه باق فلا يقرّب طيبا، و لا يخمّر رأسه(1) - و به قال عطاء، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عثمان، و ابن عباس(2) - لقوله عليه السلام في الذي وقص به بعيره غداة عرفة فمات: (اغسلوه بماء و سدر، و كفّنوه في ثوبين، و لا تمسوه طيبا و لا يخمّر رأسه، فإن اللّه يبعثه يوم القيامة ملبيا)(3).

و قال مالك، و الأوزاعي، و أبو حنيفة: يبطل إحرامه بموته، و يصنع به كما يصنع بالحلال، و هو مروي عن عائشة، و ابن عمر، و طاوس، لأنها عبادة شرعية تبطل بالموت كالصلاة(4) ، و الفرق أن الصلاة تبطل بالجنون، و هذه عبادة محضة لا تبطل به، فكذا الموت كالإيمان.

فروع:

أ - قد بيّنا أنه يغسل كالحلال. و قال أحمد: يصب عليه الماء صبا، و لا يغسل كالحلال و لا يحرك رأسه، و لا مواضع الشعر، لئلا ينقطع شعره(5).2.

ص: 381


1- حكاه المحقق في المعتبر: 89.
2- الام 269:1، مختصر المزني: 36، الوجيز 73:1، المجموع 207:5 و 210، مغني المحتاج 336:1، السراج الوهاج: 105، المغني 404:2، الشرح الكبير 327:2، المحلي 151:5، المحرر في الفقه 192:1.
3- صحيح البخاري 96:2، صحيح مسلم 865:2-1206، مسند أحمد 215:1 و 333، سنن الترمذي 286:3-951، سنن النسائي 195:5، سنن أبي داود 219:3-3241، سنن ابن ماجة 1030:2-3084، سنن البيهقي 392:3، سنن الدار قطني 295:2-264.
4- المدونة الكبري 187:1، الحجة علي أهل المدينة 351:1، المغني 404:2، المجموع 210:5، المحلي 149:5.
5- المغني 405:2، الشرح الكبير 328:2، الإنصاف 497:2.

ب - تغطي رجلاه للحديث(1) و عن أحمد المنع(2). و هو خطأ لأن إحرام الرجل في رأسه، و لا يمنع من تغطية رجليه.

ج - يغطي وجهه للخبر(3) ، و عن أحمد المنع(4) ، و هو خطأ، لأنه لا يمنع من تغطية وجهه حيا فكذا ميتا.

د - يجوز أن يلبس المخيط للحديث(5) و عن أحمد المنع، لأنه يمنع في حياته، فكذا بعدها(6).

و لو كان الميت امرأة ألبست القميص، و خمّر رأسها إجماعا، و لا تقرّب طيبا، و يغطي وجهها عندنا، خلافا لأحمد(7).

ه - لا تلحق المعتدة بالمحرم، لأن وجوب الحداد للتفجع علي الزوج، و قد زال بالموت، و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: أنها تصان عنه صيانة لها عمّا كان حراما عليها، كالمحرم(8).

و - لا يلحق المعتكف بالمحرم و إن حرم عليه الطيب حيّا.5.

ص: 382


1- التهذيب 330:1-965.
2- المغني 405:2، الشرح الكبير 328:2، الإنصاف 497:2.
3- الكافي 367:4-1، التهذيب 329:1-330-963-965.
4- المغني 405:2، الشرح الكبير 328:2، الانصاف 498:2.
5- التهذيب 330:1-965.
6- المغني 405:2، الشرح الكبير 328:2، كشاف القناع 98:2.
7- الإنصاف 498:2، الشرح الكبير 328:2.
8- الوجيز 74:1، المجموع 208:5، السراج الوهاج: 105.
البحث الرابع: في اللواحق
مسألة 144: اختلف علماؤنا في استحباب وضوء الميت،

قال في المبسوط: قيل: إنه يوضأ الميت، فمن عمل به كان جائزا، غير أن عمل الطائفة علي ترك العمل به، لأن غسل الميت كغسل الجنابة، و لا وضوء في غسل الجنابة(1) ، للنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام أنه كغسل الجنابة(2) ، و الانتقال من تليين أصابعه و غسل يديه إلي غسل رأسه و جسده، من غير ذكر الوضوء(3) ، و كذا في الخلاف(4) ، و في الاستبصار: يستحب(5).

و قال المفيد: ثم يوضئ الميت، فيغسل وجهه و ذراعيه، و يمسح برأسه و ظاهر قدميه(6).

و أطبق الجمهور علي استحبابه(7) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقيا بماء و سدر، فوضّئيها وضوء الصلاة، ثم اغسليها)(8).

و قال الصادق عليه السلام: «في كل غسل وضوء، إلا غسل

ص: 383


1- المبسوط للطوسي 178:1-179.
2- الكافي 163:3-1، الفقيه 122:1-586، التهذيب 447:1-1447، الاستبصار 208:1-732.
3- التهذيب 298:1-299-873، الكافي 140:3-141-4.
4- الخلاف 693:1 مسألة 472.
5- الاستبصار 208:1 ذيل الحديث 731.
6- المقنعة: 11.
7- المغني 319:2، الشرح الكبير 320:2، المجموع 172:5، المدونة الكبري 185:1، اللباب 126:1، المهذب للشيرازي 135:1، الميزان 202:1.
8- سنن البيهقي 5:4، مجمع الزوائد 21:3-22، كنز العمال 706:15-42812 نقلا عن الطبري.

الجنابة»(1).

تذنيب: إن قلنا بمشروعية الوضوء، منعنا المضمضة و الاستنشاق - و به قال أكثر العلماء، كسعيد بن جبير، و النخعي، و الثوري، و أبي حنيفة و أحمد(2) - لأن إدخال الماء فاه و أنفه لا يؤمن معه وصوله إلي جوفه، فيفضي إلي البلة به، و لا يؤمن خروجه في أكفانه.

و قال الشافعي باستحبابهما كالحي(3) ، لقوله عليه السلام لأم عطيّة حين غسلت بنته: (ابدئي بميامنها و مواضع الوضوء)(4).

مسألة 145: يستحب إمرار يد الغاسل علي جسد الميت،

فإن خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اكتفي بصب الماء عليه، لأن الإمرار مستحب و تقطيع الجلد حرام، فيعدل إلي تركه، لقول الباقر عليه السلام:

«المجدور، و الكسير، و الذي به القروح، يصب عليه الماء صبا»(5).

فإن خيف من الصب يمّم بالتراب، و هو إجماع العلماء لتعذر الطهارة المائية - و خلاف الأوزاعي(6) لا اعتبار به لانقطاعه - لأن عليّا عليه السلام قال: «إن قوما أتوا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه مات صاحب

ص: 384


1- الكافي 45:3-13، التهذيب 303:1-881، الاستبصار 209:1-733.
2- المبسوط للسرخسي 59:2، شرح فتح القدير 72:2، الهداية للمرغيناني 90:1، اللباب 126:1، المغني 319:2، الشرح الكبير 320:2، المجموع 172:5، فتح العزيز 119:5.
3- المجموع 172:5، فتح العزيز 119:5، مغني المحتاج 333:1، المغني 319:2، الشرح الكبير 320:2.
4- صحيح البخاري 93:2 و 94، صحيح مسلم 648:2-42 و 43، سنن الترمذي 316:3-990، سنن أبي داود 197:3-3145، سنن النسائي 30:4.
5- التهذيب 333:1-975.
6- قال الشيخ الطوسي في الخلاف 717:1 مسألة 529: «حكاه الساجي عن الأوزاعي».

لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، قال: يمّموه»(1).

تذنيب: و كذا ييمّم الميت لو فقد الماء، أو تعذر الوصول إليه، أو وجد المضاف أو النجس، أو اضطر الحيّ إلي شربه.

مسألة 146: إذا مات الجنب، أو الحائض، أو النفساء، كفي غسل الموت،

و هو قول من يحفظ عنه من علماء الأمصار.

قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب: ما مات ميت إلا جنب(2).

و قال الباقر عليه السلام في الجنب إذا مات: «ليس عليه إلا غسل واحد»(3).

و عن الصادق عليه السلام في النفساء إذا ماتت كيف تغسل ؟ قال:

«مثل الطاهر، و كذلك الحائض و الجنب، إنما يغسل غسلا واحدا»(4).

و نقل عن الحسن البصري: أنه يغسل مرتين للجنابة أو الحيض، ثم للموت(5) ، و هو غلط، لأنهما خرجا عن التكليف.

مسألة 147: لا تجب التسمية في تغسيل الميت،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أكثر أهل العلم، و عن أحمد رواية بالوجوب كالحي(6) ، و الأصل ممنوع، و لو كان واجبا لنقل، و الأصل عدمه.

ص: 385


1- التهذيب 333:1-977.
2- المجموع 152:5، المغني 328:2، الشرح الكبير 322:2.
3- الكافي 154:3-1، التهذيب 432:1-1384، الإستبصار 194:1-680.
4- الكافي 154:3-2، التهذيب 432:1-1382، الفقيه 93:1-425.
5- المجموع 152:5، المغني 328:2-329، الشرح الكبير 322:2.
6- المغني 329:2-330، الشرح الكبير 319:2، المحرر في الفقه 184:1، الانصاف 488:2، كشاف القناع 93:2.

و يستحب أن يغسل كل غسلة بتسعة أرطال من ماء كالجنب، و الواجب الإنقاء، لقول العسكري عليه السلام: «حده يغسل حتي يطهر إن شاء اللّه»(1).

و يستحب أن يبدأ في كل غسلة بيديه و فرجه مبالغة في الإنقاء.

و يستحب للغاسل أن يذكر اللّه تعالي عند غسله، و يتأكد بالمأثور، قال الباقر عليه السلام: «أيّما مؤمن غسل مؤمنا، فقال - إذا قلبه - اللّهم هذا بدن عبدك المؤمن، و قد أخرجت روحه و فرقت بينهما، فعفوك عفوك، إلاّ غفر اللّه له ذنوب سنة، إلا الكبائر»(2).

مسألة 148: يستحب وقوف الغاسل علي جانبه الأيمن،

و يكره جعله بين رجليه، لقول الصادق عليه السلام: «و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه»(3).

و روي عنه عليه السلام «أنه لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا أن تضبطه بين رجليك، لئلا يسقط لوجهه»(4) ، قال في التهذيب: إنّه يدل علي الجواز، و إن كان الأفضل ما تقدم(5).

مسألة 149: قال علماؤنا: يكره إقعاد الميت و عصره قاعدا،

لأن في

ص: 386


1- الكافي 150:3-151-3، التهذيب 431:1-1377.
2- الكافي 164:3-1، التهذيب 303:1-304-884، ثواب الأعمال: 232-1، أمالي الصدوق: 434-3، و رواه عن الصادق عليه السلام الصدوق في الفقيه 85:1-392.
3- المعتبر: 74.
4- الفقيه 122:1-587، التهذيب 447:1-1448، الاستبصار 206:1-725.
5- التهذيب 448:1.

الجلوس أذية له، و استدل الشيخ بإجماع الفرقة(1) ، و برواية حمران بن أعين قال: «إذا غسلت الميت فارفق به، و لا تعصره» و في أخري: «و لا تعصروا له مفصلا»(2).

و روي عن الصادق عليه السلام قال: «أقعده، و اغمز بطنه غمزا رفيقا»(3) قال الشيخ: إنه للتقية، لموافقته لمذهب العامة(4).

مسألة 150: يكره قص أظفار الميت و ترجيل شعره

(5) ، ذهب إليه علماؤنا أجمع حتي أن الشيخ في الخلاف قال: لا يجوز تسريح اللحية(6) ، و كذا حلق العانة، و نتف الإبط، و حف الشارب مكروه عند علمائنا أجمع - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك، و الثوري، و أبو حنيفة(7) - لأن ما يسقط منه يطرح في كفنه، فلا معني لقص ذلك، مع القول بوضعها في الكفن، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يمس من الميت شعر، و لا ظفر، و إن سقط منه شيء فاجعله في كفنه»(8).

و قال أحمد بالجواز - و هو قول الحسن، و الشافعي في الجديد(9) - لقوله

ص: 387


1- الخلاف 693:1 مسألة 473.
2- التهذيب 447:1-1445، الاستبصار 205:1-723.
3- التهذيب 446:1-1442، الاستبصار 206:1-724.
4- التهذيب 446:1، ذيل الحديث 1442، الاستبصار 206:1 ذيل الحديث 724.
5- ترجيل الشعر: تسريحه. مجمع البحرين 380:5 «رجل».
6- الخلاف 694:1 مسألة 475.
7- المجموع 179:5، فتح العزيز 130:5، بلغة السالك 202:1، المنتقي للباجي 6:2، المبسوط للسرخسي 59:2، الهداية للمرغيناني 90:1، بدائع الصنائع 301:1، اللباب 129:1، المغني 407:2، الشرح الكبير 324:2 و 325.
8- الكافي 155:3-1، التهذيب 323:1-940.
9- المغني 407:2، الشرح الكبير 324:2 و 325، المجموع 178:5، فتح العزيز 130:5.

عليه السلام: (اصنعوا بموتاكم ما تفعلون بعرائسكم)(1) ، و حلق سعد بن أبي وقاص عانة ميت(2).

و ينتقض بالطيب للعروس، و تحريمه للميت، و كذا لبس الحلي و التزيين، و فعل سعد لا عبرة به.

فروع:

أ - لا يحلق رأس الميت عند علمائنا، و قال الشيخ: إنه بدعة(3) و هو قول العلماء(4) إلا الشافعي في أضعف القولين فإنه قال: إن لم يكن علي رأسه جمة حلق كحلق العانة، و إن كان ممن يربي الشعر لم يحلق، لأن الشعر زينة، و ليس حلقه بتنظيف، بخلاف العانة، علي أن الأصل ممنوع(5).

ب - يكره تسريح اللحية و إن كانت ملبدة - و به قال أبو حنيفة(6).

لأدائه إلي نتف شعره.

و قال الشافعي: يستحب برفق بمشط منفرج الأسنان(7).5.

ص: 388


1- المغني 407:2، الشرح الكبير 324:2، فتح العزيز 130:5.
2- مصنف ابن أبي شيبة 247:3، المغني 407:2، الشرح الكبير 325:2، المحلي 177:5.
3- الخلاف 697:1 مسألة 482.
4- المجموع 182:5، المغني 407:2، الشرح الكبير 324:2، بدائع الصنائع 1: 301.
5- مختصر المزني: 36، المجموع 182:5، الشرح الكبير 325:2.
6- الأصل 418:1، المبسوط للسرخسي 59:2، اللباب 129:1، الهداية للمرغيناني 90:1، المجموع 188:5.
7- الام 265:1، كفاية الأخيار 102:1، الوجيز 73:1، فتح العزيز 120:5.

ج - لو لم يكن الميت مختتنا، لم يختن بعد موته، و به قال الشافعي(1) ، و كذا لو وصل عظمه بعظم ميتة، لم يقلع لأنه صار جزءا منه، و صار كلّه ميتا.

د - ينبغي إخراج الوسخ [من] [1] بين أظافيره بعود لين، و إن شد عليه قطنا و يتبعها به كان أولي، و هو قول الشافعي(2) أيضا.

ه - إذا فرغ الغاسل من غسله نشفه بثوب - و هو إجماع - لئلا يسرع الفساد إلي الكفن مع البلل، و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام:

«إذا جففت الميت عمدت إلي الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله»(3).

و - ليس من السنة ضفر شعر الميّتة، و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، قالا: لكن يرسل مع خديها من بين يديها من الجانبين، ثم يرسل عليه الخمار، لأن ضفره يحتاج إلي التسريح، فيسقط شعرها، و هو مكروه(4) ، لأن هيئات الأفعال بالميت شرعية، و لم يثبت عن الشرع ذلك.

و قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و ابن المنذر: يستحب ضفره ثلاثة قرون، قرنيها و ناصيتها، و يلقي من خلفها(5) ، لأن أم عطية قالت:1.

ص: 389


1- المجموع 182:5-183.
2- الام 265:1 و 280، المجموع 180:5، المغني 322:2، الشرح الكبير 324:2.
3- التهذيب 436:1-1403، الإستبصار 213:1-750.
4- الأصل 437:1، المبسوط للسرخسي 72:2، بدائع الصنائع 308:1، اللباب 128:1، المجموع 184:5، المغني 351:2، الشرح الكبير 326:2، الميزان 202:1، رحمة الأمة 94:1.
5- الام 265:1، المجموع 184:5، المغني 351:2، الشرح الكبير 326:2، الإنصاف 496:2، الميزان 202:1، رحمة الأمة 94:1.

ضفرنا شعرها ثلاثة قرون و ألقيناه خلفها - (1) يعني بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله - و فعل أم عطية ليس حجة، و لم يثبت التوقيف.

مسألة 151: يكره تسخين الماء إلاّ لضرورة، كالبرد المانع للغاسل عنه - و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لقول الباقر عليه السلام: «لا يسخن الماء للميت»(3) ، و لأن البارد يمسكه و المسخن يرخيه، و لهذا يطرح الكافور في الماء ليشده و يبرده.

و قال أبو حنيفة: التسخين أولي لأنه ينقي ما لا ينقيه البارد(4).

و لو احتيج إلي التسخين لإزالة الوسخ زالت الكراهة، و لو تعذر الإسخان و لم يتمكن الغاسل للبرد يمّمه، لتعذر استعمال الماء.

تذنيب: إذا تعذّر استعمال الماء وجب التيمم، و هل ييمم ثلاثا أو مرّة ؟ الأقرب الأول، لأنه بدل عن ثلاثة أغسال، و يحتمل الثاني، لاتحاد غسل الميت.

مسألة 152: لا تستحب الدخنة بالعود و لا بغيره،

و لا التجمير عند التغسيل لأن الاستحباب عبادة شرعية، فيقف ثبوتها علي دلالة الشرع، و لم

ص: 390


1- صحيح البخاري 93:2-95، صحيح مسلم 647:2-648-939، سنن أبي داود 197:3-3144، سنن النسائي 30:4، سنن ابن ماجة 469:1-1459.
2- الام 280:1، المجموع 168:5، فتح العزيز 118:5، المغني 322:2، الشرح الكبير 324:2، الإنصاف 493:2.
3- الفقيه 86:1-397، التهذيب 322:1-938.
4- شرح فتح القدير 73:2، شرح العناية 73:2، بدائع الصنائع 301:1، اللباب 126:1، المجموع 168:5، فتح العزيز 118:5، المغني 322:2، الشرح الكبير 324:2.

يثبت - و استحبه الجمهور لدفع الرائحة الكريهة(1) ، و ليست ثابتة مع كل ميّت، و قد تندفع بغيره - و قال الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان و لا تمسوا موتاكم بالطيب، إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم»(2) ، و قال الباقر عليه السلام: «لا تقربوا موتاكم النار» يعني الدخنة(3).

مسألة 153: يشترط في الماء الطهارة إجماعا،

إذ النجس لا يطهر غيره، و الإطلاق، فإن المضاف غير مطهر عندنا، و علي قول المرتضي الأقوي أنه كذلك، لأنها عبادة فأشبهت الوضوء(4) ، و لو جعلناه إزالة النجاسة انسحب علي قوله الجواز.

و الملك أو الإباحة، فلو كان مغصوبا مع علم الغاسل لم يطهر، لامتناع التعبد بالقبيح، و إن جعلناه إزالة نجاسة أمكن الجواز كغيره من النجاسات، و لو كان الغاسل جاهلا أجزأ كالوضوء.

و كذا يجب كون الكافور و السدر مملوكين، و لو غسله في مكان مغصوب، فالأقوي الإجزاء.

ص: 391


1- الام 266:1، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 137:1، المجموع 197:5، المغني 331:2-332، الشرح الكبير 337:2، الإنصاف 510:2-511، العدة شرح العمدة: 116، المبسوط للسرخسي 59:2-60، شرح فتح القدير 80:2، اللباب 1: 129، بدائع الصنائع 307:1، المدونة الكبري 188:1، أقرب المسالك 33:1، الشرح الصغير 195:1، فتح الوهاب 93:1.
2- الكافي 147:3-3، التهذيب 295:1-863، الاستبصار 209:1-735، علل الشرائع: 308 باب 258، الخصال: 618-10.
3- التهذيب 295:1-866، الاستبصار 209:1-737.
4- الناصريات: 215 مسألة 4.

المجلد 2

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

تتمة كتاب الطهارة

تتمة الباب الثالث في الغسل
تتمة الفصل الخامس في غسل الأموات
المطلب الثالث: التكفين.
اشارة

و فيه بحثان:

الأول: في جنسه، و قدره.
مسألة 154: يحرم التكفين بالحرير المحض،

ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان الميت رجلا أو امرأة - و به قال الشافعي في الرجل(1) - لما فيه من إتلاف المال، و لأن أحدا من الصحابة و التابعين لم يفعله، و لو كان سائغا لفعلوه، لأنهم كانوا يفتخرون بجودة الأكفان، و قد استحب الشارع تجويدها.

و روي الحسين بن راشد، قال: سألته عن ثياب تعمل بالبصرة علي عمل العصب اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتي ؟ قال: «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس»(2) دل بمفهومه علي ثبوت البأس مع صرافة القز.

و العصب ضرب من برود اليمن، سمي بذلك، لأنه يصبغ بالعصب، و هو نبت باليمن(3).

و كره أكثر الجمهور ذلك إلا للمرأة، فإنّ بعضهم سوّغه من غير كراهة، لأنها تلبسه في حال حياتها، و الموت أخرجها عن لبسه لعدم الزينة حينئذ(4) ، و الشافعي كرهه(5).

ص: 5


1- الوجيز 74:1، المجموع 197:5، كفاية الأخيار 102:1.
2- الكافي 149:3-12، الفقيه 90:1-415، التهذيب 435:1-1396، الاستبصار 211:1-744.
3- انظر المصباح المنير 413:2، مجمع البحرين 122:2 «عصب».
4- المدونة الكبري 188:1، المجموع 197:5، المغني 350:2، بدائع الصنائع 307:1.
5- المجموع 197:5، كفاية الأخيار 102:1، السراج الوهاج: 105.
مسألة 155: يستحب أن يكون الكفن قطنا محضا أبيض،

و هو قول العلماء كافة، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كفن في القطن الأبيض(1) و قال عليه السلام: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنه أطهر و أطيب، و كفّنوا فيه موتاكم)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمة محمّد صلّي اللّه عليه و آله»(3).

مسألة 156: و يكره الكتان،

ذهب إليه علماؤنا - خلافا للجمهور - لقول الصادق عليه السلام: «لا يكفن الميت في كتان»(4) و كذا يكره الممتزج بالحرير.

و يشترط أن يكون مما تجوز الصلاة فيه، و لا يجوز التكفين في الجلود، لأنها تنزع عن الشهيد مع أنه يدفن بجميع ما عليه، فلا يناسب تكفين غيره بها.

و هل يجوز التكفين بالصوف و الوبر و الشعر؟ الأقرب ذلك، لجواز الصلاة فيها، و به قال الشافعي(5).

ص: 6


1- صحيح البخاري 97:2، صحيح مسلم 649:2-941، الموطأ 223:1-5، سنن النسائي 35:4-36.
2- مسند أحمد 247:1 و 328 و 355 و 13:5 و 17، سنن الترمذي 117:5-2810، سنن ابن ماجة 1181:2-3566، سنن البيهقي 402:3، المستدرك للحاكم 185:4، سنن النسائي 34:4.
3- الكافي 149:3-7، الفقيه 89:1-414، التهذيب 434:1-1392، الاستبصار 210:1-741.
4- التهذيب 451:1-1465، الاستبصار 211:1-745.
5- المجموع 197:5، فتح العزيز 131:5.

و قال ابن الجنيد: لا يكفن في الوبر(1) ، و لعلّه استند في ذلك إلي عدم النقل، مع أن التكفين أمر شرعي يقف علي مورده.

و يشترط فيه الطهارة بالإجماع، و لأنه لو لحقته نجاسة بعد التكفين وجبت إزالتها، فقبله أولي، و كذا الملك، فلا يجوز التكفين بالمغصوب بإجماع العلماء، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيكون قبيحا.

مسألة 157: يكره أن يكفن في الثياب السود

بإجماع العلماء، لأن وصف البياض بالطيب و الطهور في كلام النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(2) ، يدل بمفهومه علي كراهة ضدّه، و لأنها ثياب مثلة(3) ، و قال الصادق عليه السلام: «لا يكفن الميت في السواد»(4).

و كذا يكره تكفين الرجل و المرأة بالمعصفر، و غيره - و به قال الأوزاعي(5) - إلا ما كان من المعصب، و هو ما صبغ بالعصب و هو نبت باليمن.

مسألة 158: و الواجب في كفن الرجل و المرأة ثلاثة أثواب:

مئزر، و قميص - و هو البقيرة(6) - و إزار عند أكثر علمائنا(7) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه

ص: 7


1- حكاه المحقق في المعتبر: 75.
2- مسند أحمد 13:5 و 17، سنن النسائي 34:4، سنن الترمذي 117:5-2810، سنن ابن ماجة 1181:2-3567، سنن البيهقي 402:3، المستدرك للحاكم 185:4.
3- ثياب المثلة: هي الثياب التي يخرج بها لابسها عن معتاد العقلاء.
4- الكافي 149:3-11، التهذيب 434:1-1394.
5- المغني 350:2، الشرح الكبير 340:2.
6- البقيرة: بفتح الموحدة و هو برد يشق فيلبس بلا كمّين. القاموس المحيط 375:1-376 «بقر».
7- منهم السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائله) 50:3، و الشيخ في الخلاف 701:1 مسألة 491، و ابن البراج في المهذب 60:1، و المحقق في المعتبر: 75، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 53.

و آله كفن في ثلاثة أثواب سحولية(1).

و سحول - بفتح السين - قرية بناحية اليمن يعمل فيها ثياب يقال لها السحولية(2) ، و السحول - بضم السين - الثياب البيض(3).

و قال الصادق عليه السلام: «كفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في ثوبين سحوليين، و ثوب حبرة يمنية عبري»(4).

و قال الباقر عليه السلام: «الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يواري به جسده كله، فما زاد فهو سنة حتي يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع»(5).

و قال سلاّر: الواجب لفافة تستر الميت و تعم البدن، و ما زاد مستحب(6) للأصل، و به قال الأوزاعي، و الشافعي في أحد الوجهين(7) تكريما له، و سترا لما عساه يعرض من التغير، إلاّ أن المحرم عند الشافعي، لا يستر رأسه، و لا المرأة وجهها، و الثاني: أن الواجب قدر ما يستر العورة كالحي - و هو أوفق لنص الشافعي - فيختلف الحال بالذكورة و الأنوثة، لاختلافهما في قدر العورة، و استحب الشافعي ثلاثة أزر يدرج فيها إدراجا ليس فيها قميص و لا عمامة، و به قال أحمد(8).2.

ص: 8


1- صحيح البخاري 97:2، صحيح مسلم 649:2-941، سنن البيهقي 399:3.
2- معجم البلدان 195:3.
3- انظر القاموس المحيط 394:3 و لسان العرب 328:11 «سحل».
4- المعتبر: 75.
5- الكافي 144:3-5، التهذيب 292:1-854.
6- المراسم: 47.
7- المجموع 191:5-192، فتح العزيز 131:5-133.
8- المجموع 194:5، فتح العزيز 135:5، مسائل أحمد: 141-142، المحرر في الفقه 191:1، بداية المجتهد 232:1، المغني 333:2، الشرح الكبير 336:2.

و استحب أبو حنيفة أن يكفن في إزار و رداء و قميص(1) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كفّن في قميصه(2) ، و ألبس قميصه عبد اللّه بن أبي بن سلول [و](3) كفنه به، و قال: (لا يعذب ما بقي عليه منه سلك)(4).

و قال ابن الجنيد: لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا، أو ثوبين و قميصا(5).

و المشهور إيجاب القميص، أما مع الضرورة فإن الواحد مجز بالإجماع. و لو قصر الثوب عن جميعه ستر رأسه و جعل علي رجليه حشيشا، و لو لم يكف إلا العورة وجب الستر بها، لأنها أهم من غيرها.

تذنيب: لا فرق بين الصبي و الرجل، و الجمهور اكتفوا بثوب واحد، و إن كفن في ثلاثة فلا بأس(6).

لنا: أنه كالرجل لأنه ذكر.

مسألة 159: ذهب علماؤنا إلي استحباب زيادة حبرة يمنية

- و هي المنسوبة إلي اليمن - عبرية - منسوبة إلي العبر، و هو جانب الوادي(7) - غير مطرزة بالذهب، لأن الباقر عليه السلام قال: «كفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب: برد حبرة أحمر، و ثوبين أبيضين صحاريين» و قال: «إنّ

ص: 9


1- شرح فتح القدير، 76:2-77، شرح العناية 77:2، الكفاية 76:2، الهداية للمرغيناني 1: 91، عمدة القارئ 50:8، اللباب 127:1-128، المغني 333:2، الشرح الكبير 336:2.
2- سنن ابن ماجة 472:1-1471 و انظر المغني 333:2 و الشرح الكبير 336:2.
3- الزيادة يقتضيها السياق.
4- انظر صحيح البخاري 96:2-97، صحيح مسلم 2141:4-2774، سنن النسائي 37:4 - 38، سنن الترمذي 279:5-3098.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 75.
6- المغني 340:2، الشرح الكبير 339:2.
7- القاموس المحيط 83:2، مجمع البحرين 394:3 «عبر».

الحسن بن علي عليهما السلام كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، و إنّ عليا عليه السلام كفّن ابن حنيف في برد أحمر حبرة»(1).

و أنكر الجمهور ذلك(2) ، لأن عائشة ذكر لها أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كفن في برد، فقالت: قد أتي بالبرد، و لكن لم يكفنوه فيه(3).

و روايتنا أولي، لأنها مثبتة، و كره أحمد الزيادة علي ثلاثة أثواب لما فيه من إضاعة المال(4) ، و ينتقض بالثلاثة.

مسألة 160: و يستحب أن يزاد الرجل خرقة لشد فخذيه،

طولها ثلاثة أذرع و نصف، في عرض شبر إلي شبر و نصف، و تسمي الخامسة يلف بها فخذاه لفا شديدا بعد أن يحشو الدبر بالقطن، و علي المذاكير، ثم يخرج طرفيها من تحت رجليه إلي الجانب الأيمن، و يغمزه في الموضع الذي شدّها فيه، و استحبه أحمد في المرأة خاصة دون الرجل(5) ، و المقتضي فيهما واحد، و لقول الصادق عليه السلام: «يلف(6) الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، و إزار، و خرقة يعصب بها وسطه»(7) و عنه عليه السلام: «يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصفا و عرضها شبرا و نصفا»(8).

مسألة 161: و يستحب العمامة للرجل

تثني عليه محنكا، و يخرج طرفاها

ص: 10


1- الكافي 149:3-9، التهذيب 296:1-868 و 869.
2- المجموع 194:5، المغني 333:2، الشرح الكبير 336:2.
3- مصنف ابن أبي شيبة 258:3، سنن الترمذي 321:3-996، سنن ابن ماجة 1: 472-1469، سنن البيهقي 400:3-401.
4- المغني 337:2، الشرح الكبير 338:2.
5- المغني 346:2-347، المحرر في الفقه 192:1، الشرح الكبير 339:2.
6- في المصدر: يكفن.
7- الكافي 145:3-11، التهذيب 293:1-858.
8- التهذيب 306:1-887.

من الحنك، و يلقيان علي صدره - ذهب إليه علماؤنا - لأن المطلوب ستر الميت، و العمامة ساترة، و قول الصادق عليه السلام: «و إذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي» و قال: «خذ العمامة من وسطها و انشرها علي رأسه، ثم ردها إلي خلفه و اطرح طرفيها علي صدره»(1) و قال الباقر عليه السلام: «أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالعمامة، و عمم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و مات أبو عبيدة الحذاء، فبعث الصادق عليه السلام معنا بدينار و أمرنا أن نشتري به حنوطا و عمامة ففعلنا، و قال: «العمامة سنّة»(2).

و لم يستحبها الجمهور(3) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و لا عمامة(4) ، و هو غير مناف، لأن المراد أن العمامة ليست أحد الثلاثة.

تذنيب: العمامة ليست من الكفن، فلو سرقها النباش لم يقطع و إن بلغت النصاب، لأن القبر حرز الكفن دون غيره.

مسألة 162: و يستحب أن تزاد المرأة علي الخمسة، لفافتين أو لفافة و نمطا

فيكون المستحب لها سبعة.

قال الباقر عليه السلام: «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع، و منطق، و خمار، و لفافتين»(5). و سأل

ص: 11


1- الكافي 144:3-8، التهذيب 309:1-899.
2- الكافي 144:3-5، التهذيب 292:1-854.
3- الام 266:1، الوجيز 74:1، المجموع 194:5، المغني 333:2، الشرح الكبير 336:2، العدة شرح العمدة: 116، سبل السلام 543:2.
4- صحيح مسلم 649:2-941، مصنف ابن أبي شيبة 258:3، الموطأ 223:1-5، سنن ابن ماجة 472:1-1469، سنن البيهقي 399:3.
5- الكافي 147:3-3، التهذيب 324:1-945.

بعض أصحابنا كيف تكفن المرأة ؟ فقال: «كما يكفن الرجل، غير أنها تشد علي ثدييها خرقة تضم الثدي إلي الصدر، و تشد إلي ظهرها»(1).

و المراد بالنمط ثوب فيه خطط، مأخوذ من الأنماط و هي الطرائق(2).

و تعوض عن العمامة بقناع، لقول الصادق عليه السلام: «تكفن المرأة في خمسة أثواب، أحدها: الخمار»(3) ، و الخمار هو القناع لأنه يخمر به الرأس.

تذنيب: ظهر مما قلناه أن الكفن الواجب في الذكر و الأنثي ثلاثة أثواب، و المستحب في الرجل خمسة، و في الأنثي سبعة، و لا يجوز الزيادة علي ذلك لما فيه من إضاعة المال.

و قال الشافعي: الواجب في الكفن ستر العورة، و المستحب ثلاثة، و الجائز خمسة، و المكروه ما زاد(4) ، و استحب أكثر الجمهور كفن المرأة في خمسة أثواب، و اختلفوا.

فللشافعي قولان، أحدهما: قميص، و مئزر، و لفافة، و مقنعة، و خامسة يشد بها فخذاها، لزيادتها في حال الحياة في الستر علي الرجل، لزيادة عورتها علي عورته، فكذا بعد الموت، و لم يكره لها المخيط كما لم5.

ص: 12


1- الكافي 147:3-2، التهذيب 324:1-944.
2- النمط: نوع من الثياب المصبغة بألوان من حمرة أو خضرة أو صفرة.. و النمط: الطريقة و الجمع أنماط. لسان العرب 417:7 «نمط».
3- الكافي 146:3-1، التهذيب 324:1-946.
4- الأم 266:1، الوجيز 74:1، المجموع 194:5، فتح العزيز 133:5 و 135، السراج الوهاج: 105.

يكره حال إحرامها، و كرهوه في الرجل، و الثاني: أن الخمسة: إزار، و درع، و خمار، و لفافتان(1).

و قال أحمد: لا خمار في كفن الجارية، لأنه غير واجب في صلاتها، و عني بها - في رواية - ما لم تبلغ، و في أخري: ما لم تبلغ تسع سنين(2).

مسألة 163: الكفن الواجب يخرج من صلب المال

بإجماع العلماء إلا من شذّ من الجمهور، فإنهم جعلوه من الثلث(3).

و قال طاوس: إن كان ماله كثيرا فمن الأصل، و إن كان قليلا فمن الثلث لأن ما زاد علي ستر العورة ليس بواجب، فيجب من الثلث كتبرعه(4).

و هو خطأ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال في الذي وقصت(5) به راحلته:

(كفنوه في ثوبيه)(6) و لم يسأل عن ثلثه.

و لأن جماعة من الصحابة لم تكن لهم تركة إلا قدر الكفن، فكفنوا به كحمزة، و مصعب بن عمير(7).

و لأن الميراث بعد الدين و المئونة مقدمة علي الدين.

ص: 13


1- مختصر المزني: 37، المجموع 205:5 و 208.
2- المغني 348:2-349، الشرح الكبير 339:2.
3- المجموع 189:5، الشرح الكبير 335:2، عمدة القارئ 57:8.
4- المجموع 189:5، الشرح الكبير 235:2، عمدة القارئ 57:8.
5- وقصت به ناقته: وقع عنها فكسرت عنقه. النهاية 214:5 مادة «وقص».
6- صحيح البخاري 96:2، صحيح مسلم 865:2-1206، مسند أحمد 333:1، سنن النسائي 195:5، سنن البيهقي 392:3، سنن أبي داود 219:3-3238، سنن ابن ماجة 1030:2-3084، سنن الدار قطني 295:2-264.
7- صحيح البخاري 97:2-98، صحيح مسلم 649:2-940، و انظر عمدة القارئ 58:8، الشرح الكبير 335:2.

و لقول الصادق عليه السلام، «ثمن الكفن من جميع المال»(1).

و نمنع اعتبار الواجب في الساتر، و لا فرق بين أن يوصي به أو لا.

أما ما عدا الواجب: فإن اتفقت الورثة عليه و لا دين، أو كان و وافق أربابه أو أوصي به و هو يخرج من الثلث، فإنه ماض.

و لو تشاح الورثة اقتصر علي الواجب، و للشافعية وجهان في مضايقة الورثة في الثوبين الزائدين علي الواحد(2)(3) ، و لو أوصي بإسقاط الزائد علي الواجب نفذت وصيته، و لو أوصي بالمستحب نفذت وصيته من الثلث.

و لو ضائق أصحاب الديون المستغرقة في الزائد علي الواجب لم يخرج و للشافعية وجهان، أحدهما: أنهم لا يجابون، و يكفن في ثلاثة كالمفلس تترك عليه ثياب تجمله، و أظهرهما: الإجابة لحصول الستر و زيادة حاجته إلي براءة ذمته من التجمل(4) ، و لو ضايقوا في الواجب أخرج.

مسألة 164: محل كفن الرجل التركة

لأنها من جملة المئونة، و هو إجماع، و لو لم يخلف شيئا لم يجب علي أحد بذل الكفن عنه، قريبا كان أو بعيدا، إلا المملوك، للبراءة الأصلية.

و قال الشافعي: يجب علي من تجب عليه النفقة كالقريب و السيد(5).

و اما المرأة فإن كفنها علي زوجها عند علمائنا، سواء كانت موسرة أو

ص: 14


1- الكافي 23:7-1، الفقيه 143:4-490، التهذيب 437:1-1407.
2- في نسخة (م): الواجب.
3- الام 267:1، المجموع 194:5، فتح العزيز 133:5.
4- المجموع 195:5، فتح العزيز 134:5.
5- المجموع 190:5، فتح العزيز 134:5، السراج الوهاج: 105، مغني المحتاج 338:1.

معسرة - و هو أصح وجهي الشافعية(1) - لقول علي عليه السلام: «علي الزوج كفن امرأته إذا ماتت»(2) و لثبوت الزوجية إلي حين الوفاة، فيجب الكفن، و لأن من وجبت نفقته و كسوته في الحياة وجب تكفينه عند الممات كمملوكه، فكذا زوجته.

و الثاني: عدم الوجوب علي الزوج - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد - لأنّ النفقة تتبع التمكين من الاستمتاع و قد انقطعت بالموت(3).

و أمّا المملوك فيجب كفنه علي مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم رقيته إلي الوفاة.

تذنيب: لو لم يخلف الميت شيئا دفن عاريا، و لا يجب علي المسلمين بذل الكفن بل يستحب، نعم يكفن من بيت المال إن كان، و كذا الماء و الكافور و السدر و غيره.

مسألة 165: و يستحب أن تجعل معه في الكفن جريدتان،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و لم يستحبه غيرهم لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(خضّروا صاحبكم)(4) أي اجعلوا معه جريدة خضراء.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يوضع للميت جريدة في اليمين و الأخري في اليسار، فإن الجريدة تنفع المؤمن و الكافر»(5).

ص: 15


1- المجموع 189:5، الوجيز 74:1، فتح العزيز 134:5، السراج الوهاج: 105، مغني المحتاج 338:1.
2- التهذيب 445:1-1439.
3- الكفاية 77:2، بدائع الصنائع 308:1، القوانين الفقهية: 92، الشرح الكبير 335:2، المحرر في الفقه 192:1. المجموع 189:5، فتح العزيز 134:5.
4- الكافي 152:3-2، الفقيه 88:1-408.
5- الكافي 151:3-1، الفقيه 89:1-409، التهذيب 327:1-954.
فروع:

أ - يستحب أن تكونا رطبتين، لأن القصد استدفاع العذاب ما دامت الرطوبة فيهما، قيل للصادق عليه السلام: لأي شيء تكون مع الميت جريدة ؟ قال: «تجافي عنه ما دامت رطبة»(1).

ب - يستحب أن تكون من النخل فإن تعذر فمن السدر، فإن تعذر فمن الخلاف، فإن تعذر فمن شجر رطب، و لو حصلت تقية وضعت الجريدتان في القبر، فإن تعذر فلا بأس بتركهما.

ج - يستحب جعل إحداهما مع ترقوته من جانبه الأيمن يلصقها بجلده و الأخري من الجانب الأيسر بين القميص و الإزار، قاله الشيخان(2) ، و قال ابن أبي عقيل: إحداهما تحت إبطه الأيمن(3). و قال علي بن بابويه: تجعل اليمني مع ترقوته، و اليسري عند وركه بين القميص و الإزار(4) ، و الوجه الأول، لرواية جميل(5).

د - يستحب أن تكون قدر كل واحدة قدر عظم الذراع، و في رواية: قدر شبر(6).

مسألة 166: كره علماؤنا أجمع تجمير الأكفان،

و هو تبخيرها بالعود(7) لعدم

ص: 16


1- الكافي 153:3-7، الفقيه 88:1-404، التهذيب 327:1-955.
2- المقنعة: 11، المبسوط للطوسي 179:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 77.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 77.
5- الكافي 152:3-5، التهذيب 309:1-897.
6- الكافي 152:3-5، التهذيب 309:1-897.
7- ورد في نسخة (ش): بالبخور.

الأمر الشرعي به، و لما فيه من تضييع المال، و لقول الصادق عليه السلام: «لا تجمروا الكفن»(1) و قال عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان، و لا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فان الميت بمنزلة المحرم»(2).

و استحب الجمهور التجمير(3) ، بأن يترك العود علي النار في مجمرة، ثم يبخر به الكفن حتي تعبق(4) رائحته بعد أن يرش عليه ماء الورد، و يكون العود ساذجا، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا جمرتم الميت فاجمروه ثلاثا)(5) ، و هو يدل علي الجواز، و نحن لا نمنع منه.

البحث الثاني: الكيفية.
مسألة 167: يجب الحنوط،
اشارة

و هو أن يمسح مساجده السبعة بالكافور بأقل اسمه - و هو أحد قولي الشافعي(6) - لأنها مواضع شريفة، و إجماع علمائنا عليه، قال المفيد: أقل ما يحنّط به الميت درهم، و أفضل منه أربعة مثاقيل، و الأكمل ثلاثة عشر درهما و ثلث(7) ، لأن جبرئيل نزل بأربعين درهما

ص: 17


1- الكافي 147:3-1، التهذيب 294:1-862، الإستبصار 209:1-734.
2- الكافي 147:3-3، التهذيب 295:1-863، الاستبصار 209:1-735، علل الشرائع: 308 باب 258، الخصال: 618-10.
3- الام 266:1، المجموع 197:5، المدونة الكبري 188:1، مسائل أحمد: 148، المغني 331:2-332، الشرح الكبير 337:2، العدة شرح العمدة: 116، كشاف القناع 106:2، مختصر المزني: 36، المبسوط للسرخسي 59:2-60، بدائع الصنائع 307:1، اللباب 129:1، الهداية للمرغيناني 91:1.
4- عبقت رائحة المسك: ظهرت. مجمع البحرين 210:5 «عبق».
5- مسند أحمد 331:3، سنن البيهقي 405:3.
6- الام 265:1، مختصر المزني: 36، المجموع 198:5، فتح العزيز 138:5-139.
7- المقنعة: 11.

من كافور الجنة، فقسمه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بينه و بين علي عليه السلام، و فاطمة عليها السلام أثلاثا(1) ، و روي علي بن إبراهيم - رفعه - في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث(2).

فروع:

أ - لا يقوم غير الكافور مقامه عندنا و سوغ الجمهور المسك(3) ، و قد بيّنا أنه كالمحرم.

ب - لو تعذر الكافور سقط الحنوط، لعدم تسويغ غيره.

ج - لا يجب استيعاب المساجد بالمسح.

د - لعلمائنا قولان في أن كافور الغسلة من هذا المقدر الشرعي.

مسألة 168: يستحب أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه،

فإن لم يفعل استحبّ له أن يتوضأ وضوء الصلاة، لأن الغسل من المس واجب فاستحبت الفورية، فإن لم يتفق غسل يديه إلي ذراعيه، لأنه استظهار في التطهير، و لقول العبد الصالح عليه السلام: «يغسل الذي غسله يديه قبل أن يكفنه إلي المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا كفنه اغتسل»(4).

تذنيب: الأقرب عدم الاكتفاء بهذا الوضوء في الصلاة إذا لم ينو رفع الحدث.

ص: 18


1- الفقيه 90:1 ذيل الحديث 418، علل الشرائع: 302 باب 242.
2- الكافي 151:3-4، التهذيب 290:1-845.
3- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 138:1، المجموع 202:5، المدونة الكبري 187:1، المغني 342:2، إرشاد الساري 386:2، بلغة السالك 196:1، كشاف القناع 106:2، شرح الأزهار 422:1.
4- التهذيب 446:1-1444، الإستبصار 208:1-731.
مسألة 169: و يستحب أن يطيب الكفن بالذريرة

- و هي الطيب المسحوق - قال بعض علمائنا: إنها نبت يعرف بالقمحان(1) ، و علي الاستحباب إجماع أهل العلم، و قال الصادق عليه السلام: «و تبسط اللفافة طولا، و يذر عليها من الذريرة»(2).

و يستحب أن يكتب علي الحبرة و القميص و اللفافة و الجريدتين: انه يشهد الشهادتين، و يسمي الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا، لأن الصادق عليه السلام كتب في حاشية كفن ولده إسماعيل «إسماعيل يشهد أن لا إله إلا اللّه»(3) و يكون ذلك بتربة الحسين عليه السلام، فإن تعذر فبالإصبع، و يكره أن يكتب بالسواد.

مسألة 170: يستحب أن يجعل بين أليتيه شيء من القطن

المنزوع الحب لئلا يخرج منه شيء، و اختلف في كيفيته، فقال الشيخ: يحشي القطن في دبره(4). و قال ابن إدريس: يوضع علي حلقة الدبر من غير حشو(5).

و قال الشافعي: ثم يدخله بين أليتيه إدخالا بليغا و يكثر ذلك(6).

و قال أصحابه: ليس المراد إدخال القطن في دبره، بل بين أليتيه، و المبالغة يريد الإيصال إلي الحلقة(7) و هو الأحوط(8) عندي احتراما للميت،

ص: 19


1- هو المفيد في المقنعة: 11، و ابن إدريس في السرائر: 32.
2- التهذيب 305:1-887.
3- التهذيب 289:1-842.
4- المبسوط للطوسي 179:1.
5- السرائر: 32.
6- الام 281:1، مختصر المزني: 36، الوجيز 74:1، المجموع 200:5.
7- المجموع 200:5-201.
8- في نسخة (م): الأجود.

لما في الحشو من تناول حرمته، نعم إن خاف خروج شيء منه حشاه في دبره.

مسألة 171: ثم يشد فخذيه بالخامسة،

و يضم فخذيه ضما شديدا بعد أن يحشو الدبر قطنا، و علي المذاكير، و يلفها في فخذيه، ثم يخرج رأسها من تحت رجليه إلي الجانب الأيمن، و يغمزها في الموضع الذي لفّ فيه الخرقة و يلف فخذيه من حقويه إلي ركبتيه لفا شديدا، و به قال الشافعي(1) ، و استحبه أحمد في المرأة خاصة(2) ، و قد تقدم(3) ، و هذا مستحب و ليس بواجب إجماعا.

مسألة 172: ثم يأخذ الإزار فيؤزره به،

و يكون عريضا يبلغ من صدره إلي الرجلين، فإن نقص عنه لم يكن به بأس، و يحنط مساجده بالكافور كما تقدم(4) ، فإن فضل شيء من الكافور مسح به صدره، ثم يرد القميص عليه، و يأخذ الجريدتين، و يجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، و الأخري من الأيسر ما بين القميص و الإزار، و يعممه فيأخذ وسط العمامة فيلفها علي رأسه بالدور و يحنكه بها، و يطرح طرفيها جميعا علي صدره، و لا يعممه عمة الأعرابي بغير حنك، ثم يلفه في اللفافة، فيطوي جانبها الأيسر علي جانبه الأيمن، و جانبها الأيمن علي جانبه الأيسر، ثم يصنع بالحبرة أيضا مثل ذلك، فإن لم توجد حبرة استحب التعويض بلفافة أخري، و يعقد طرفها مما يلي رأسه و رجليه، و الواجب من ذلك أن يؤزره، ثم يلبسه القميص، ثم يلفه بالإزار.

و قال الشافعي، و أحمد: يبسط أحسن اللفائف و أوسعها، و يذر عليها حنوطا، ثم الثانية، و يذر عليها الحنوط، ثم الثالثة، و يذر عليها الحنوط في

ص: 20


1- المجموع 201:5، فتح العزيز 138:5.
2- مسائل أحمد: 150، المغني 346:2-348.
3- تقدم في المسألة 160.
4- تقدم في المسألة 167.

أحد الوجهين، و في الثاني: لا يذر علي الثالثة.

فإذا فرغ من بسط الثياب نقله من مغتسله إلي أكفانه مستورا بثوب، و يترك علي الكفن مستلقيا علي ظهره، و يحشو القطن بين أليتيه، و يأخذ القطن و يضع عليه الحنوط و الكافور، ثم يلف الكفن عليه، و يشد عليه بشداد، و ينزع الشداد عند الدفن - و لم يعرف أصحابنا الشداد، بل يعقدون أطراف اللفافة - و في طي اللفافة قولان، أحدهما: مثل ما قلناه، و الثاني:

يثني شق الثوب الأيمن علي شقه الأيمن(1). و ما قلناه أولي.

مسألة 173: و يستحب سحق الكافور باليد

- قاله الشيخان(2) - و لا يوضع شيء من الكافور، و لا من المسك، و لا من القطن في سمع الميت، و لا في بصره، و لا في فيه، و لا في جراحه النافذة إلا أن يخاف خروج شيء من أحدها فيوضع فيه القطن - قاله علماؤنا - لأن ذلك يفسدها(3) فيجتنب، لقوله عليه السلام: (جنبوا موتاكم ما تجنّبون أحياءكم)(4).

و قال الصادق عليه السلام: «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا»(5).

و استحبه الجمهور، لئلا يدخل الهوام إليها(6).

ص: 21


1- الام 281:1-282، مختصر المزني: 36، الوجيز 74:1، المجموع 199:5 و 200 - 204، فتح العزيز 138:5-139، السراج الوهاج: 105-106، المغني 335:2، الشرح الكبير 337:2.
2- المقنعة: 11، المبسوط للطوسي 179:1.
3- ورد في نسختي (م) و (ش): يفسدهما.
4- المعتبر: 78.
5- التهذيب 308:1-893، الاستبصار 212:1-748.
6- مختصر المزني: 36، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 137:1، الوجيز 74:1، المجموع 201:5، المدونة الكبري 187:1، القوانين الفقهية: 92، بدائع الصنائع 308:1، فتح الوهاب 93:1، المحرر في الفقه 191:1.

قال الشيخ: يكره أن يكون في الكافور شيء من المسك، و العنبر(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا تمسوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور»(2).

مسألة 174: و يكره أن يقطع الكفن بالحديد،

قال الشيخ في التهذيب:

سمعناه مذاكرة من الشيوخ، و عليه كان عملهم(3) ، و لا بدّ له من أصل فيعتمد عليه.

قال الشيخ: و يكره بلّ الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق، و يكره أيضا أن يعمل لما يبتدأ من الأكفان أكمام(4).

و لو كفن في قميص كان لابسا له لم يقطع كمه - قاله علماؤنا - و سئل الصادق عليه السلام، قلت: الرجل يكون له القميص يكفن فيه ؟ فقال:

«اقطع أزراره» قلت: و كمه ؟ قال: «لا انما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا أزراره»(5).

مسألة 175: و إن سقط من الميت شيء غسل و جعل معه في أكفانه

بإجماع العلماء، لأن جمع أجزاء الميت في موضع واحد أولي.

المطلب الرابع: في الصلاة عليه،
اشارة

و مباحثه خمسة:

الأول: الميت.
مسألة 176: إنما تجب الصلاة علي المسلم بالإجماع،
اشارة

فلا يجوز علي

ص: 22


1- المبسوط للطوسي 177:1.
2- الكافي 147:3-3، التهذيب 295:1-863، الاستبصار 209:1-735، علل الشرائع: 308 باب 258، الخصال: 618-10.
3- التهذيب 294:1.
4- المبسوط للطوسي 177:1.
5- الفقيه 90:1-418، التهذيب 305:1-886.

الكافر و إن كان ذميا أو مرتدا، قال اللّه تعالي وَ لا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (1) و لا يجب علي المسلمين غسله.

و أما التكفين و الدفن فلا يجبان أيضا و إن كان ذميا - و هو أحد وجهي الشافعي - لأن الذمة قد انتهت بالموت، و أظهرهما: الوجوب كما يجب أن يطعم و يكسي في حياته(2).

و أظهر الوجهين عنده في الحربي: عدم وجوب تكفينه و دفنه، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بإلقاء قتلي بدر في القليب علي هيئتهم(3) ، و في وجوب مواراته عنده وجهان(4).

فروع:

أ - لو اختلط قتلي المسلمين بقتلي المشركين، قال علماؤنا: يصلّي عليهم جميعا بنيّة الصلاة علي المسلمين خاصة، و يجوز أن يصلي علي كل واحد واحد بنيّة الصلاة عليه إن كان مسلما - و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(5) - لإمكان الصلاة علي المسلم من غير ضرورة فوجب.

و قال أبو حنيفة: إن كان المسلمون أكثر صلي عليهم و إلا فلا، لأن الاعتبار بالأكثر، بدليل أن دار المسلمين الظاهر منها الإسلام لكثرة

ص: 23


1- التوبة: 84.
2- المجموع 142:5، فتح العزيز 149:5.
3- سنن أبي داود 58:3-2681، و انظر تلخيص الحبير 150:5.
4- المجموع 143:5، فتح العزيز 150:5.
5- الام 269:1، المجموع 258:5-259، فتح العزيز 150:5، المغني 404:2، الشرح الكبير 358:2.

المسلمين، و عكسها دار الحرب(1) ، و يبطل بما إذا اختلطت أخته بالأجنبيات فإن الحكم يثبت للأقل(2).

أما المواراة فقال الشيخ: يواري من كان صغير الذكر(3) لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم بدر: لا تواروا إلا كميشا، و قال: لا يكون إلا في كرام الناس»(4) ، و قيل بالقرعة(5) ، و الوجه عندي دفن الجميع تغليبا لحرمة المسلم، و به قال الشافعي(6).

ب - لو وجد ميت لا يعلم كفره و إسلامه، فإن كان في دار الإسلام ألحق بالمسلمين و إلاّ فبالكفار.

ج - يصلي علي كل مظهر للشهادتين من سائر فرق الإسلام.

و قال أحمد: لا أشهد الجهمية و لا الرافضة، و لا علي الواقفي - و به قال مالك(7) - لأن ابن عمر روي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

(إن لكل امة مجوسا و إن مجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر)(8).

و قال ابن عبد البر: سائر العلماء يصلّون علي أهل البدع، و الخوارج، و غيرهم(9) ، لعموم قوله صلّي اللّه عليه و آله: (صلّوا علي من قال لا إله إلاّم.

ص: 24


1- المبسوط للسرخسي 54:2، المجموع 259:5، فتح العزيز 150:5، المغني 404:2.
2- قال العلاّمة في منتهي المطلب 449:1 ردا علي أبي حنيفة: و ما ذكروه ينتقض بالأخت لو اشتبهت مع عشرة، فإنهن يحرمن كلهن، و الغالب هنا لم يعتد به.
3- المبسوط للطوسي 182:1.
4- لتهذيب 172:6-336.
5- حكاه عن بعض المتأخرين المحقق في المعتبر: 85.
6- المجموع 258:5.
7- المغني 419:2، الشرح الكبير 356:2، المدونة الكبري 182:1.
8- مسند احمد 86:2، سنن أبي داود 222:4-4692، الجامع الصغير 413:2-7304.
9- المغني 419:2، الشرح الكبير 356:2، و قال ابن عبد البر في كتابه (الكافي في فقه أهل المدينة): 86: و لا يصلّي أهل العلم و الفضل علي أهل البدع، و لا علي من ارتكب الكبائر و اشتهر بها، و يصلّي عليهم غيرهم.

اللّه)(1) و استضعفوا الرواية، و عنوا تشبيه القدرية بالمجوس.

د - لا يصلي علي أطفال المشركين لإلحاقهم بآبائهم إلا أن يسلم أحد أبويه أو يسبي منفردا عن أبويه عند الشيخ(2) ، و لو سبي مع أحد أبويه لم يلحق السابي في الإسلام، و به قال أبو ثور(3) ، و قال أحمد: يصلي عليه كما لو سبي منفردا(4).

ه - لا تجب الصلاة علي كل من اعتقد ما يعلم بطلانه من الدين ضرورة، كالخوارج و الغلاة، لقدحهم في علي عليه السلام، و كذا من قدح في أحد الأئمة عليهم السلام كالسبأية(5) ، و الخطابية(6) ، و يجب علي من عداهم لقوله عليه السلام: (صلوا علي كلّ بر و فاجر)(7).

مسألة 177: تجب الصلاة علي الصبي من أولاد المسلمين إذا كان له ست
اشارة

ص: 25


1- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، مجمع الزوائد 67:2، سنن البيهقي 19:4، الجامع الصغير 98:2-5030.
2- المبسوط للطوسي 23:2.
3- المغني 419:2، الشرح الكبير 356:2، عمدة القارئ 168:8.
4- المغني 419:2، الشرح الكبير 356:2.
5- السبئية: قيل: إنها فرقة تنسب الي عبد اللّه بن سبإ، و لهم اعتقادات باطلة و آراء فاسدة، خرجت بها عن أصول الإسلام الحقة. انظر في شأن هذه الفرقة كتاب (عبد اللّه بن سبإ) للسيد العسكري، فرق الشيعة: 22، الملل و النحل للشهرستاني القسم الأول: 155، الفرق بين الفرق: 255، التبصير في الدين: 123.
6- الخطابية: هم أتباع أبي الخطاب الأسدي الكوفي، و كان رجلا ضالا مضلا، و قد وردت روايات كثيرة صريحة في ذمه و لعنه، قتله عيسي بن موسي عامل المنصور بسبخة الكوفة، رجال الكشي: 290-509 و ما بعدها، معجم رجال الحديث 243:14-9987، فرق الشيعة: 42، التبصير في الدين: 126، الملل و النحل للشهرستاني القسم الأول: 159.
7- سنن البيهقي 19:4، سنن الدار قطني 57:2-10، الجامع الصغير 97:2-5022.

سنين فصاعدا، و لا تجب لو كان له دون ذلك، لأنه الحدّ الذي يؤمر معه بالصلاة. و الصلاة علي الميت استغفار و شفاعة فلا معني للشفاعة فيمن لا يؤمر بالصلاة وجوبا و لا ندبا.

و سئل الصادق عليه السلام متي يصلي علي الصبي ؟ قال: «إذا عقل الصلاة» قلت: متي تجب عليه ؟ قال: «إذا كان ابن ست سنين»(1).

و قال الحسن البصري، و إبراهيم، و الحكم، و حماد، و مالك، و الأوزاعي، و أصحاب الرأي: لا يصلي عليه حتي يستهل(2) لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (الطفل لا يصلي عليه و لا يرث و لا يورث حتي يستهل)(3).

و قال أحمد: يصلي عليه و إن ولد سقطا إذا استكمل أربعة أشهر - و به قال سعيد بن المسيب و ابن سيرين و إسحاق(4) ، و للشافعي كالمذهبين(5) - لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (السقط يصلي عليه)(6) ، و عن سعيد ابن المسيب أيضا تجب حين تجب عليه الصلاة(7).3.

ص: 26


1- الكافي 206:3-2، الفقيه 104:1-486، التهذيب 198:3-456، الإستبصار 479:1-1855.
2- المدونة الكبري 179:1، القوانين الفقهية: 93، بداية المجتهد 240:1، المجموع 258:5، المغني 393:2، عمدة القارئ 176:8.
3- سنن الترمذي 350:3-1032.
4- المغني 393:2، الشرح الكبير 333:2، المجموع 258:5، عمدة القارئ 176:8، المحلي 159:5، مصنف ابن أبي شيبة 317:3.
5- المجموع 255:5-256، فتح العزيز 146:5-148، كفاية الأخيار 101:1، عمدة القارئ 176:8، المغني 392:2، الشرح الكبير 333:2.
6- مسند أحمد 249:4، سنن أبي داود 205:3-3180، سنن البيهقي 8:4، المستدرك للحاكم 363:1.
7- الموجود في المصادر هو سعيد بن جبير. راجع المجموع 257:5، عمدة القارئ 176:8، مصنف ابن أبي شيبة 318:3.
فروع:

أ - يستحب الصلاة علي من نقص سنه عن ست إذا ولد حيّا، لقول الكاظم عليه السلام: «يصلي علي الصبي علي كل حال إلا أن يسقط لغير تمام»(1) و قال الصادق عليه السلام: «لا يصلي علي المنفوس - و هو المولود الذي لم يستهل - و إذا استهل فصلّ عليه»(2).

ب - لو خرج بعضه و استهل ثم مات استحبت الصلاة عليه و لو خرج أقله، لحصول الشرط و هو الاستهلال.

و قال أبو حنيفة: لا يصلي عليه حتي يكون الخارج أكثره، اعتبارا بالأكثر(3).

ج - لا يستحب الصلاة علي السقط ميتا عند علمائنا، و صلاة ابن عمر علي ابن لابنه ولد ميتا(4) ليس حجة.

مسألة 178: و يشترط حضور الميت
اشارة

عند علمائنا أجمع، فلا تجوز الصلاة علي الغائب عن البلد - و به قال أبو حنيفة، و مالك(5) - و إلاّ لصلي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في الأمصار، و كذا الأعيان من الصلحاء، و لو فعل ذلك لاشتهر و تواترت مشروعيته، و لأن استقبال القبلة بالميت شرط و لم يحصل، و لأن حضور الجنازة شرط كما لو كانت في البلد.

ص: 27


1- التهذيب 331:3-1036، الاستبصار 481:1-1860.
2- التهذيب 199:3-459، الاستبصار 480:1-1857.
3- شرح فتح القدير 92:2.
4- عمدة القارئ 176:8.
5- المبسوط للسرخسي 67:2، المجموع 253:5، فتح العزيز 191:5، المغني 386:2، الشرح الكبير 354:2، المحلي 139:5، مغني المحتاج 345:1.

و قال الشافعي: يجوز فيتوجه المصلي إلي القبلة فيصلي عليه سواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن - و به قال أحمد(1) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نعي النجاشي اليوم الذي مات فيه، و خرج بهم إلي المصلّي، و صفّ بهم و كبر أربعا(2) ، و يحتمل أن تكون الأرض قد زويت له فأري الجنازة. أو الدعاء، لما روي زرارة و محمد بن مسلم: قلت له: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال: «لا إنما دعا له»(3).

فروع:

أ - شرط الشافعي الغيبة عن البلد، فإن كان الميت في طرف البلد لم تجز الصلاة عليه حتي يحضره(4).

ب - لا فرق بين أن تكون الجنازة في بلد آخر أو قرية أخري بينهما مسافة، سواء كانت مما تقصر فيها الصلاة أو لا - في العدم عندنا، و الجواز عند الشافعي(5).

ج - حضوره و إن كان شرطا لكن ظهوره ليس بشرط، فلو دفن قبل الصلاة عليه صلّي علي القبر و لم ينبش إجماعا، و كذا العاري يترك في القبر و تستر عورته بالتراب ثم يصلّي عليه و يدفن.

ص: 28


1- المجموع 253:5، الوجيز 77:1، فتح العزيز 191:5، مغني المحتاج 345:1، المغني 386:2، الشرح الكبير 354:2، المبسوط للسرخسي 67:2.
2- صحيح البخاري 112:2، سنن أبي داود 212:3-3204، صحيح مسلم 656:2-951، الموطأ 266:1-227-14، مسند أحمد 281:2، سنن ابن ماجة 49:1-1534، الموطأ برواية الشيباني: 112-317.
3- التهذيب 202:3-473، الاستبصار 483:1-1873.
4- المجموع 253:5، فتح العزيز 191:5، مغني المحتاج 345:1.
5- المجموع 253:5، مغني المحتاج 345:1، المغني 386:2، الشرح الكبير 354:2.
مسألة 179: لو دفن الميت قبل الصلاة عليه صلّي علي قبره

- و به قال علي عليه السلام، و أبو موسي الأشعري، و ابن عمر، و عائشة، و هو مذهب الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي قبر مسكينة حين دفنت ليلا(2) و صلّي علي قبر رجل كان يقيم بالمسجد دفن ليلا(3).

و قال النخعي، و مالك، و أبو حنيفة: لا يصلي علي القبور و إلا لصلي علي قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(4) ، و هو مدفوع إذ الصلاة علي القبر مقدرة بما يأتي.

مسألة 180: اختلف في تقدير الصلاة علي القبر في حق المدفون بغير صلاة،

فقال بعض علمائنا: يصلي عليه يوما و ليلة لا أزيد، قاله المفيد(5).

و قال الشيخ: ثلاثة أيام و لا تجوز الصلاة بعدها(6) ، لأنه بدفنه خرج عن أهل الدنيا فساوي من قبر في قبره، خرج المقدر بالإجماع، فيبقي الباقي علي الأصل، و لقول الكاظم عليه السلام: «لا تصلّ علي المدفون»(7) خرج ما قدرناه بالإجماع، فيبقي الباقي.

و للشافعية أربعة أوجه، أحدها: أنه يجوز إلي شهر - و به قال

ص: 29


1- المجموع 249:5، عمدة القارئ 26:8، المغني 385:2، الشرح الكبير 352:2، بداية المجتهد 238:1.
2- سنن النسائي 69:4، الموطأ 227:1-15، سنن البيهقي 48:4، الموطأ برواية الشيباني: 112-113-318، سنن ابن ماجة 490:1-1533.
3- صحيح البخاري 112:2-113، سنن البيهقي 47:4.
4- المبسوط للسرخسي 67:2، بداية المجتهد 238:1.
5- المقنعة: 38.
6- الخلاف 726:1 مسألة 549.
7- المعتبر: 223، و رواه في التهذيب 201:3-471 عن الامام الرضا عليه السلام.

أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي البراء بن معرور بعد شهر(2) و لم ينقل أكثر من ذلك.

و منهم من قال: ما لم يبل جسده و يذهب، لأنه حالة بقائه كهو حالة موته(3).

و منهم من قال: يجوز أبدا(4) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي شهداء أحد بعد ثماني سنين(5).

و قال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي إلي ثلاث، و لا يصلي غيره عليه بحال(6). و التخصيص لا وجه له.

و قال إسحاق: يصلي عليه الغائب إلي شهر، و الحاضر إلي ثلاث(7) ، و كل ذلك محمول علي الدعاء.5.

ص: 30


1- المجموع 250:5، فتح العزيز 194:5-195، مغني المحتاج 346:1، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 141:1، المغني 385:2، الشرح الكبير 352:2، عمدة القارئ 26:8، المحلي 140:5.
2- مصنف ابن أبي شيبة 360:3، سنن البيهقي 49:4، أسد الغابة 174:1.
3- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 141:1، المجموع 247:5، المغني 391:2، الشرح الكبير 353:2، المبسوط للسرخسي 69:2، بدائع الصنائع 315:1، شرح فتح القدير 84:2.
4- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 141:1، المجموع 247:5، فتح العزيز 198:5، المغني 391:2، الشرح الكبير 353:2.
5- صحيح البخاري 120:5، مسند أحمد 154:4، سنن أبي داود 216:3-3224، سنن البيهقي 14:4، سنن الدار قطني 78:2-10.
6- شرح فتح القدير 84:2، الكفاية 85:2، شرح العناية 84:2، المجموع 249:5 - 250، المغني 391:2، الشرح الكبير 352:2، مغني المحتاج 346:1، المحلي 140:5.
7- المجموع 250:5، المغني 391:2، الشرح الكبير 353:2، المحلي 140:5.

تذنيب: هذا التقدير عندنا إنما هو علي من لم يصلّ عليه - و به قال أبو حنيفة(1) - خلافا للشافعي فإنه لم يشترط ذلك(2) ، و لو قلع من لم يصلّ عليه صلّي عليه مطلقا.

مسألة 181: الشهيد يصلي عليه

عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب، و الثوري، و أبو حنيفة، و المزني، و أحمد في رواية(3) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خرج يوما فصلّي علي أهل أحد صلاته علي الميت ثم انصرف إلي المنبر(4) ، و قال ابن عباس: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي قتلي أحد و كان يقدمهم تسعة تسعة و حمزة عاشرهم(5) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله و لكنه صلّي عليه»(6) ، و لأن مرتبته عالية فشرعت الصلاة عليه كالأنبياء و الأوصياء.

و قال الشافعي، و مالك، و إسحاق، و أحمد في رواية: لا يصلي عليه(7) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، و لم يغسلهم و لم يصل عليهم(8) ، و لأنه لم يغسل مع إمكان غسله فلم يصلّ عليه

ص: 31


1- الهداية للمرغيناني 92:1، شرح العناية 84:2، المجموع 249:5-250، المغني 385:2، الشرح الكبير 352:2.
2- المجموع 249:5، فتح العزيز 192:5، المحلي 140:5.
3- المجموع 264:5، فتح العزيز 151:5، المغني 398:2، الشرح الكبير 330:2، بداية المجتهد 240:1.
4- صحيح البخاري 114:2، صحيح مسلم 1795:4-2296، سنن النسائي 61:4-62.
5- سنن ابن ماجة 485:1-1513، سنن البيهقي 12:4.
6- الكافي 212:3-5، التهذيب 332:1-973.
7- الام 267:1، مختصر المزني: 37، المجموع 264:5، المغني 398:2، الشرح الكبير 330:2، بداية المجتهد 240:1.
8- صحيح البخاري 115:2 و 131:5، سنن أبي داود 195:3-3134 و 3135، سنن الترمذي.

كسائر من لم يغسل، و رواية الإثبات مقدمة، و سقوط غسله لقوله عليه السلام: (زملوهم بكلومهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما)(1).

مسألة 182: و يصلي علي المقتول ظلما، أو دون ماله، أو نفسه، أو أهله،

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(2) - لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (صلّوا علي من قال لا إله إلاّ اللّه)(3).

و في رواية عن أحمد: لا يصلي عليه لأنه قتل شهيدا(4) ، و المقدمتان ممنوعتان.

و أما من عداهم ممن أطلق عليه اسم الشهيد كما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (الشهداء خمس: المطعون، و المبطون، و الغريق، و صاحب الهدم، و الشهيد في سبيل اللّه)(5).

و روي زيادة: (صاحب الحريق، و صاحب ذات الجنب، و المرأة تموت بجمع(6) شهيدة)(7) فإنهم يصلّي عليهم إجماعا، و كذا النفساء - خلافا

ص: 32


1- مسند أحمد 431:5، سنن النسائي 78:4 و 29:6، سنن البيهقي 11:4 و 164:9-165 و 170، الجامع الصغير 30:2-4563، عوالي اللئالي 208:2-128.
2- المجموع 267:5، المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
3- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، الجامع الصغير 98:2-5030، مجمع الزوائد 67:2، سنن البيهقي 19:4.
4- المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
5- صحيح البخاري 167:1، صحيح مسلم 1521:3-1914، سنن الترمذي 377:3-1063.
6- جمع: بضم الجيم أو كسرها و هي المرأة التي ماتت و ولدها في بطنها. صحاح الجوهري 1198:3، النهاية لابن الأثير 296:1 «جمع».
7- الموطأ 233:1-36، سنن أبي داود 188:3-3111، سنن النسائي 14:4.

للحسن البصري(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها(2).

مسألة 183: و ليس التمام شرطا فيصلّي علي البعض الذي فيه الصدر و القلب، أو الصدر نفسه
اشارة

عند علمائنا، لأن الصلاة ثبتت لحرمة النفس، و القلب محل العلم، و منه تنبت الشرايين السارية في البدن، فكأنه الإنسان حقيقة، و لقول الكاظم عليه السلام في الرجل يأكله السبع فتبقي عظامه بغير لحم، قال: «يغسل و يكفن و يصلي عليه و يدفن»(3).

فإذا كان الميت نصفين صلي علي النصف الذي فيه القلب، و عن محمد ابن عيسي عن بعض أصحابنا يرفعه قال: المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلّي علي العضو الذي فيه القلب(4).

و عن الصادق عليه السلام قال: «إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو من أعضائه تام صلي علي ذلك العضو و دفن، فإن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه و دفن» و ذكره ابن بابويه(5) ، و يحمل العضو التام علي الصدر لاشتماله علي ما لم يشتمل عليه غيره من الأعضاء.

و قال أبو حنيفة، و مالك: إن وجد الأكثر صلي عليه و إلا فلا، لأنه بعض لا يزيد علي النصف فلم يصل عليه، كالذي بان في حياة صاحبه

ص: 33


1- المغني 403:2، الشرح الكبير 332:2.
2- صحيح البخاري 111:2، صحيح مسلم 664:2-964، سنن أبي داود 209:3-3195، سنن ابن ماجة 479:1-1493، مسند احمد 19:5، سنن النسائي 72:4.
3- الكافي 212:3-1، الفقيه 96:1-444، التهذيب 336:1-983.
4- المعتبر: 86.
5- الفقيه 104:1-485، و انظر كذلك الكافي 212:3-3، و التهذيب 337:1-987.

و الشعر و الظفر(1). و الفرق أنه من جملة لا يصلي عليها، و الشعر و الظفر لا حياة فيهما.

و لو قطع نصفين عرضا صلّي علي ما فيه الرأس، و إن قطع طولا لم يصل عليه.

و قال الشافعي، و أحمد: إن وجد بعضه مطلقا صلي عليه أي عضو كان(2).

قال الشافعي: ألقي طائر يدا بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم، و كانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلّي عليها أهل مكة بمحضر من الصحابة(3) و لأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلي عليه كالأكبر، و أنكر البلاذري وقوع اليد بمكة و قال: وقعت باليمامة(4) ، و لو سلّم فنمنع كون الفاعل ممن يحتج بفعله، و الفرق بين الصدر و العضو ما بيّناه.

فروع:

أ - لو وجد قطعة فيها عظم من الشهيد لم تغسل و كفنت و دفنت من غير صلاة، و لو لم يكن شهيدا غسلت أيضا.

ب - لا فرق بين الرأس و غيره من الأعضاء.

ج - لو أبينت قطعة من حي في المعركة دفنت من غير غسل و لا صلاة

ص: 34


1- المجموع 254:5-255، فتح العزيز 144:5، بلغة السالك 203:1، المغني 405:2، الشرح الكبير 357:2.
2- الام 268:1، المجموع 254:5، فتح العزيز 144:5، المغني 405:2، الشرح الكبير 357:2.
3- الام 268:1، المهذّب للشيرازي 141:1، التلخيص الحبير 274:5.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 86.

و إن كان فيها عظم، لأنها من جملة لا تغسل و لا يصلي عليها علي إشكال ينشأ من اختصاص الشهادة بالجملة.

د - لو وجد الصدر بعد دفن الميت غسل، و صلي عليه، و دفن إلي جانب القبر أو نبش بعض القبر و دفن، و لا حاجة إلي كشف الميت، و لو كان غير الصدر دفنت إن لم يكن ذات عظم و إلا غسلت و دفنت.

مسألة 184: المرجوم يصلي عليه بعد أن يؤمر بالاغتسال

ثم يقام عليه الحد ثم يصلي عليه الإمام و غيره، و كذا المرجومة، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي إلا في تقديم الغسل(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رجم العامرية و صلّي عليها، فقال عمر: ترجمها و تصلي عليها؟! فقال: (لقد تابت توبة لو قسمت علي سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)(2) و رجم علي عليه السلام شراحة الهمدانية و جاء أهلها إليه فقالوا: ما نصنع بها؟ فقال: «اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم»(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن المرجوم و المرجومة: «و يصلي عليهما»(4) ، و المقتص منه بمنزلة ذلك، و لأنه مسلم قتل بحق فأشبه المقتول قصاصا.

و قال الزهري: المرجوم لا يصلي عليه(5) ، و قال مالك: لا يصلي الإمام و يصلي غيره(6) و احتجا بأن ماعزا رجمه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و لم

ص: 35


1- المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 142:1، المجموع 267:5.
2- صحيح مسلم 1324:3-1696، مسند أحمد 435:4، سنن النسائي 63:4-64، سنن أبي داود 151:4-152-4440، سنن الترمذي 42:4-1435، سنن الدار قطني 127:3-144.
3- سنن البيهقي 19:4، كنز العمال 422:5-13493 نقله عن مصنف عبد الرزاق.
4- الكافي 214:3-1، الفقيه 96:1-443 رواه مرسلا عن علي عليه السلام، التهذيب 334:1-978. و في الجميع قطعة من حديث.
5- المجموع 267:5، المحلي 172:5.
6- المدونة الكبري 177:1، المنتقي للباجي 21:2، المجموع 267:5.

يصل عليه(1) ، قال الزهري: و لم ينقل أنه أمر بالصلاة عليه(2) ، و ليس بجيد، لأن ما لم يكره لغير الإمام لم يكره للإمام كسائر الموتي، و عدم النقل لا يدل علي العدم، مع وروده عاما في قوله صلّي اللّه عليه و آله: (صلوا علي من قال لا إله إلاّ اللّه)(3).

مسألة 185: ولد الزنا يصلي عليه،

و به قال جميع الفقهاء، و قال قتادة:

لا يصلي عليه(4) ، و هو غلط، لأنه مخالف لإجماع انعقد قبله أو بعده، و لعموم الأخبار(5) ، و لأنه مسلم غير مقتول في المعركة فأشبه ولد الحلال، و يجيء علي قول من يذهب إلي كفره من علمائنا(6) تحريم الصلاة عليه.

و يصلّي أيضا علي النفساء - و به قال جميع الفقهاء - لما تقدم(7).

و قال الحسن البصري: لا يصلّي عليها، و يصلي علي سائر المسلمين من أهل الكبائر(8).

و كذا من لا يعطي زكاة ماله، و تارك الصلاة، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خرج إلي قبا فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة علي باب، فقال

ص: 36


1- سنن أبي داود 206:3-3186، سنن البيهقي 19:4.
2- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة عندنا.
3- سنن البيهقي 19:4، سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، الجامع الصغير 98:2-5030، مجمع الزوائد 67:2.
4- المجموع 267:5.
5- الكافي 40:3-2، الفقيه 45:1-176، التهذيب 104:1-270، الاستبصار 97:1-315، و سنن البيهقي 19:4، سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، الجامع الصغير 98:2-5030، مجمع الزوائد 67:2.
6- هو ابن إدريس في السرائر: 81، 183، 241، 287.
7- تقدم في المسألة 182.
8- المغني 403:2، حلية العلماء 305:2.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (ما هذا؟) قالوا: مملوك لآل فلان، قال: (أ كان يشهد أن لا إله إلاّ اللّه ؟) قالوا: نعم، و لكنه كان و كان، فقال: (أ كان يصلي ؟) فقالوا: قد كان يصلي و يدع، فقال لهم: (ارجعوا به فغسلوه، و كفنوه و صلّوا عليه، و ادفنوه، و الذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني و بينه)(1).

مسألة 186: و يصلي علي الغالّ،

و هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذه لنفسه و يختص به الإمام و غيره، و كذا قاتل نفسه متعمدا - و به قال عطاء، و النخعي و الشافعي(2) - لقوله عليه السلام: (صلّوا علي من قال: لا إله إلا اللّه)(3) و من طريق الخاصة قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (صلوا علي المرجوم من أمتي و علي القاتل نفسه من أمتي، لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة)(4).

و قال أحمد: لا يصلي الإمام عليهما و يصلي غيره(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جاءوه برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصلّ عليه(6) ، و توفي رجل من جهينة يوم خيبر، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال:

(صلّوا علي صاحبكم) فتغيرت وجوه القوم، فلما رأي ما بهم، قال: (إن صاحبكم غلّ من الغنيمة)(7).

ص: 37


1- ورد نحوه في مجمع الزوائد 41:3 و انظر المغني 420:2، الشرح الكبير 357:2.
2- المجموع 267:5، المغني 418:2، الشرح الكبير 355:2.
3- سنن البيهقي 19:4، سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، الجامع الصغير 98:2-5030، مجمع الزوائد 67:2.
4- الفقيه 103:1-480، التهذيب 328:3-1026، الإستبصار 468:1-469-1810.
5- المغني 418:2، الشرح الكبير 355:2، المجموع 267:5.
6- صحيح مسلم 672:2-978، سنن النسائي 66:4، سنن أبي داود 206:3-3185، سنن ابن ماجة 488:1-1526، المحرر في الحديث 310:1-521.
7- مسند احمد 114:4 و 192:5.

و ليس حجة لسقوط الفرض بغيره، و يعارض بالمديون فإنه عليه السلام كان يقول إذا أتي بالميت: (هل علي صاحبكم دين ؟) فإن قالوا: نعم، قال: (صلّوا علي صاحبكم)(1) ، مع أن الصلاة عليه مشروعة بالإجماع، و لعله عليه السلام فعل ذلك ليحصل الانتهاء فإن في صلاته سكنا، و كان ذلك لطفا للمكلفين.

مسألة 187: و تجب الصلاة علي كل مسلم و من بحكمه

ممن له ستّ سنين، سواء الذكر و الأنثي، و الحر و العبد، بلا خلاف، و علي الفاسق، لأن هشام بن سالم سأل الصادق عليه السلام عن شارب الخمر، و الزاني، و السارق، يصلي عليهم إذا ماتوا؟ فقال: «نعم»(2).

و يستحب علي من نقص سنه عن ست إن ولد حيا، و لا صلاة لو سقط و إن ولجته الروح، و لا علي الأبعاض غير الصدر و إن علم الموت.

البحث الثاني: المصلي.
مسألة 188: الولي

- و هو القريب - أحق ممن أوصي إليه الميت - و به قال الثوري، و أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي(3) - لقوله تعالي وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ (4) ، و لأنها ولاية تترتب ترتب العصبات، فالولي أولي كولاية النكاح، و لقول الصادق عليه السلام: «يصلي علي الجنازة أولي

ص: 38


1- صحيح البخاري 128:3، صحيح مسلم 1237:3-1619، سنن الترمذي 381:3-1069، مجمع الزوائد 40:3، سنن النسائي 65:4 و 66، مسند احمد 290:2 و 380 - 381 و 399 و 296:3.
2- الفقيه 103:1-481، التهذيب 328:3-1024، الاستبصار 468:1-1808.
3- المجموع 220:5، فتح العزيز 160:5، شرح فتح القدير 82:2، المغني 362:2، الشرح الكبير 308:2، أقرب المسالك: 34، بلغة السالك 198:1، الشرح الصغير 198:1.
4- الأنفال: 75.

الناس بها، أو يأمر من يحب»(1).

و قال أحمد: الموصي إليه أولي - و به قال أنس، و زيد بن أرقم، و أم سلمة، و ابن سيرين، و إسحاق(2) - لأن أبا بكر أوصي أن يصلي عليه عمر و عمر أوصي أن يصلي عليه صهيب، و أوصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة، و ابن مسعود أوصي أن يصلي عليه الزبير، و يونس بن جبير أوصي أن يصلي عليه أنس بن مالك، و أبو سريحة أوصي أن يصلي عليه زيد بن أرقم فجاءه عمرو بن حريث - و هو أمير الكوفة - ليتقدم فيصلي عليه فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصي أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فقدّم زيدا(3) و هذا منتشر فكان إجماعا، و هو ممنوع.

و لو كان الوصي فاسقا لم تقبل الوصية إجماعا.

مسألة 189: الولي أولي من الوالي

عند علمائنا - و هو قول الشافعي في الجديد(4) - لقوله تعالي وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (5) و لقول الصادق عليه السلام: «يصلي علي الجنازة أولي الناس بها»(6) و لأنها ولاية يعتبر فيها ترتيب العصبات فيقدم فيها الولي علي الوالي كولاية النكاح.

و قال الشافعي في القديم - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق -: الوالي أولي، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و جماعة من

ص: 39


1- الكافي 177:3-1، التهذيب 204:3-205-483.
2- المغني 362:2، الشرح الكبير 308:2، المجموع 220:5، فتح العزيز 160:5.
3- مصنف ابن أبي شيبة 285:3، سنن البيهقي 29:4 و انظر المجموع 220:5-221، المغني 362:2-363، الشرح الكبير 308:2.
4- الام 275:1، المجموع 217:5، فتح العزيز 159:5، مغني المحتاج 346:1.
5- الأنفال: 75.
6- الكافي 177:3-1، التهذيب 204:3-205-483.

التابعين(1) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا يؤم الرجل في سلطانه)(2) و حكي أبو حازم قال: شهدت حسينا حين مات الحسن عليهما السلام و هو يدفع في قفا سعيد بن العاص و يقول: «تقدم فلو لا السنة ما قدمتك»(3) و سعيد أمير المدينة، و الخبر محمول علي غير صلاة الجنازة، و حديث الحسين عليه السلام - كما قالت الشافعية(4) - أراد بذلك إطفاء الفتنة، و من السنة إطفاء الفتنة.

قالوا: صلاة شرعت فيها الجماعة فكان الإمام أحق بالإمامة كسائر الصلوات(5).

قلنا: الفرق أن الغرض من هذه الصلاة، الدعاء للميت و الحنو عليه فيه، فالولي أحق بذلك.

تذنيب: إمام الأصل أولي من كل أحد، و يجب علي الولي تقديمه، لأن عليّا عليه السلام، قال: «الإمام أحق من صلّي علي الجنازة»(6) و لأن للإمام منزلة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في الولاية، و قال تعالي اَلنَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (7) و من طريق الخاصة ما رواه الصادق عليه السلام عن6.

ص: 40


1- المجموع 217:5، فتح العزيز 158:5-159، مغني المحتاج 347:1، المغني 363:2، الشرح الكبير 309:2، المبسوط للسرخسي 62:2، شرح فتح القدير 81:2، المدونة الكبري 188:1، المنتقي للباجي 19:2.
2- صحيح مسلم 465:1-673، سنن الترمذي 458:1-459-235، سنن النسائي 76:2 و 77، سنن ابن ماجة 313:1-314-980، سنن أبي داود 159:1-582 و 583، مسند الطيالسي: 86-618، مسند احمد 118:4 و 121 و 272:5.
3- سنن البيهقي 29:4، مجمع الزوائد 31:3.
4- فتح العزيز 158:5-159.
5- فتح العزيز 158:5-159.
6- مصنف ابن أبي شيبة 286:3.
7- الأحزاب: 6.

أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا حضر سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدّمه ولي الميت و إلا فهو غاصب»(1).

مسألة 190: و الولي هو الأحق بميراثه

لثبوت الأولوية في طرفه بحكم الآية(2) ، إذا عرفت هذا، فالأب أولي من الجد و من غيره من الأقارب كالولد و ولد الولد و الإخوة، ذهب إليه علماؤنا، و به قال أحمد، و الشافعي(3).

و قال مالك: الابن أولي من الأب لأنه أقوي تعصيبا منه كالإرث(4) ، و ليس بجيد لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه لكن الأب أرق و أشفق علي الميت و دعاؤه لابنه أقرب إلي الإجابة.

مسألة 191: الجدّ للأب أولي من الأخ و إن كان من الأبوين
اشارة

- و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لما تقدم من أن الأب أشفق و أكثر حنوا و أقرب إجابة للدعاء.

و قال مالك: الأخ أولي، لأنه يدلي ببنوة أبيه، و الجدّ يدلي بأبوة ابنه، و البنوة عنده أولي من الأبوة(6) و تقدم بطلانه.

ص: 41


1- التهذيب 206:3-490.
2- الأنفال: 75.
3- الام 275:1، المجموع 218:5، فتح العزيز 159:5، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2، الإنصاف 472:2، المبسوط للسرخسي 63:2.
4- المدونة الكبري 188:1، المنتقي للباجي 19:2، القوانين الفقهية: 93، المجموع 5: 221، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
5- الام 275:1، المجموع 218:5، فتح العزيز 159:5، السراج الوهاج: 109، مغني المحتاج 347:1، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
6- المدونة الكبري 188:1، المجموع 221:5، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
فروع:

أ - الابن أولي من الجدّ عندنا، لأنه أولي بالميراث، و به قال مالك(1) ، و قال الشافعي، و أحمد: الجدّ أولي(2) لما تقدم.

ب - ابن الابن أولي من الجدّ و إن كان للأب، لأنه أولي بالميراث، خلافا للشافعي، و أحمد(3).

ج - قال الشيخ في المبسوط: الأب أولي، ثم الولد، ثم ولد الولد، ثم الجدّ للأب، ثم الأخ للأبوين، ثم الأخ للأب، ثم الأخ للأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال، و بالجملة الأولي بالميراث أولي بالصلاة(4) ، فعلي قوله الأكثر نصيبا يكون أولي، لأنه قدّم العم علي الخال مع تساويهما في الدرجة، و كذا الأخ للأب مع الأخ للأم.

و للحنابلة وجهان في تقديم الأخ من الأبوين علي الأخ من الأب أو التسوية، قياسا علي النكاح، و كذلك الوجهان عندهم في الأعمام و أولادهم(5).

و قال الشافعي في أكثر كتبه: الأخ من الأبوين أولي من الأخ للأب، و فيه قول آخر له بالتسوية، إذ الأم لا مدخل لها في الترجيح(6) ، و كذا القولان

ص: 42


1- المدونة الكبري 188:1، المنتقي للباجي 19:2، المجموع 221:5.
2- الام 275:1، المجموع 221:5، فتح العزيز 159:5، السراج الوهاج: 109، مغني المحتاج 347:1، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
3- الام 275:1، فتح العزيز 159:5، السراج الوهاج: 109، مغني المحتاج 347:1، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
4- المبسوط للطوسي 183:1.
5- المغني 364:2، الشرح الكبير 310:2.
6- الام 275:1، الوجيز 76:1، المجموع 218:5، فتح العزيز 159:5، مغني المحتاج 347:1، السراج الوهاج: 109.

للشافعي في تقديم العم للأبوين علي العم من الأب(1) ، و عندنا أن المتقرب بالأبوين أولي لأنه الوارث خاصة، و لو كان ابنا عم أحدهما أخ لأم، ففي تقديمه عنده قولان(2) ، و عندنا يقدم، لاختصاصه بالميراث.

د - لو عدم العصبات، قال الشافعي: يقدم المعتق(3) ، لقوله عليه السلام: (الولاء لحمة كلحمة النسب)(4) و ليس به بأس.

مسألة 192: الزوج أولي من كل أحد

- و روي عن ابن عباس أنه أولي من العصبات، و به قال الشعبي، و عطاء، و عمر بن عبد العزيز، و إسحاق، و أحمد في رواية(5) - لأنه أحق بالغسل فكان أحقّ بالصلاة، و لاطلاعه علي عورة المرأة، و ليس كذلك المحارم، و سئل الصادق عليه السلام المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال: «زوجها» قلت: الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ ؟ قال: «نعم»(6).

و قال سعيد بن المسيب، و الزهري، و أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية: العصبات أولي من الزوج(7) ، لأن عمر قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها(8) و لا حجة فيه.

ص: 43


1- المجموع 218:5، مغني المحتاج 347:1، فتح العزيز 159:5.
2- المجموع 218:5، مغني المحتاج 347:1.
3- الوجيز 76:1، فتح العزيز 159:5، المجموع 218:5.
4- سنن الدارمي 398:2، المستدرك للحاكم 341:4، سنن البيهقي 240:6 و 292:10 و 293، مجمع الزوائد 231:4، اختلاف الحديث: 121، المحرر في الحديث 529:2-967، الجامع الصغير 723:2-9687.
5- المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2-310، و انظر سنن البيهقي 397:3، مصنف ابن أبي شيبة 363:3.
6- الكافي 177:3-2 و 3.
7- بدائع الصنائع 317:1-318، شرح فتح القدير 83:2، المجموع 221:5، المدونة الكبري 188:1، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2.
8- مصنف ابن أبي شيبة 363:3، و انظر المغني 364:2، المبسوط للسرخسي 63:2.

تذنيب: وافقنا أبو حنيفة في أولوية الزوج من الابن منها(1).

و قال الشافعي: الابن أولي لأن الزوج لا ولاية له فكان الولي أولي(2).

مسألة 193: إذا ازدحم الأولياء، قدم الأقرأ، فالأفقه، فالأسن،

و بالجملة يقدم الأولي في المكتوبة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (يؤمكم أقرؤكم)(4) و قال عليه السلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه)(5) و هو علي إطلاقه. و القول الآخر: يقدم الأسن، لأن سائر الصلوات تتعلق بحق اللّه تعالي خاصة، فقدم من هو أعلم بشرائطها، و هنا الأسن أقرب إلي إجابة الدعاء، و أعظم عند اللّه قدرا(6) ، و نمنع كون الأسن الجاهل أعظم قدرا من العالم و أقرب إجابة.

مسألة 194: و إنما يتقدم الولي إذا كان بشرائط الإمامة،

و سيأتي بيانها في صلاة الجماعة إن شاء اللّه، فإن لم يستكملها استناب - و عليه علماؤنا أجمع - و من قدمه الولي فهو بمنزلة الولي، و ليس له أن يستنيب لاختصاصه باعتقاد إجابة دعائه.

و يستحب للولي أن يقدم الهاشمي مع اجتماع الشرائط، لقوله عليه السلام: (قدموا قريشا و لا تقدموها)(7) و ليس له التقدم بدون إذن الولي

ص: 44


1- شرح فتح القدير 83:2، المجموع 221:5، المغني 364:2، الشرح الكبير 309:2-310.
2- المجموع 221:5، الميزان 206:1.
3- الام 275:1، المجموع 218:5، فتح العزيز 160:5.
4- سنن أبي داود 159:1-160-585.
5- صحيح مسلم 465:1-673، سنن الترمذي 459:1-235، سنن النسائي 76:2، سنن ابن ماجة 313:1-980، سنن أبي داود 159:1-582-583، مسند الطيالسي: 86-618، مسند أحمد 118:4 و 121 و 272:5.
6- الام 275:1، المجموع 218:5، فتح العزيز 160:5، السراج الوهاج: 109.
7- ترتيب مسند الشافعي 194:2-691، الجامع الكبير 605:1، الجامع الصغير 253:2-6108 و 6109، مجمع الزوائد 25:10، الكامل لابن عدي 1810:5.

بالإجماع إلا إمام الأصل.

و الحر البعيد أولي من العبد القريب، و الفقيه العبد أولي من غيره الحر.

فإن اجتمع صبي و مملوك و نساء فالمملوك أولي، لأنه تصح إمامته، فإن كان نساء و صبيان، قال الشافعي: يقدم الصبيان لأن صلاتهن خلفه جائزة دون العكس(1) ، و عند الحنابلة لا يؤم أحد النوعين الآخر بل يصلي كل نوع بإمام منه(2) ، و لو تساوي الأولياء و تشاحوا أقرع - و به قال الشافعي(3) - لتساوي حقوقهم.

مسألة 195: لو لم يكن معه إلا نساء صلّين عليه جماعة
اشارة

تقف إمامتهن وسطهن و لا تبرز - و به قال أحمد، و أبو حنيفة(4) - لأنهن من أهل الجماعة فيصلين جماعة كالرجال، و قد صلّي أزواج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله علي سعد بن أبي وقاص(5).

و من طريق الخاصة سئل الباقر عليه السلام المرأة تؤم النساء؟ قال:

«لا إلاّ علي الميت إذا لم يكن أحد أولي منها، تقوم وسطهن و تكبر و يكبرن»(6).

ص: 45


1- المجموع 219:5، فتح العزيز 159:5.
2- المغني 365:2، الشرح الكبير 310:2.
3- المجموع 219:5، فتح العزيز 162:5.
4- المغني 365:2، الشرح الكبير 310:2، المجموع 215:5.
5- صحيح مسلم 668:2-973، سنن البيهقي 51:4.
6- الفقيه 259:1-1177، التهذيب 206:3-488، الاستبصار 427:1-1648.

و قال الشافعي في وجه: يصلّين منفردات لا يسبق بعضهن بعضا، و إن صلّين جماعة جاز أن تقف الإمامة وسطهن، لأن النساء لم تسن لهن الصلاة علي الجنائز فلم تشرع لهن الجماعة(1) و الأولي ممنوعة.

و في الوجه الآخر: لا يكفي جنس النساء(2) ، لأن الرجال أكمل، و توقّع الإجابة في دعائهم أكثر، و لأن فيه استهانة بالميت.

و لو تعذر جنس الرجال أجزأت صلاتهنّ إجماعا.

فروع:

أ - يجوز للشابة أن تخرج إلي الجنازة، لقول الصادق عليه السلام:

«توفيت زينب فخرجت أختها فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في نسائها فصلّت عليها»(3) لكن يكره، لما فيه من الافتتان.

قال الصادق عليه السلام: «ليس ينبغي للشابة أن تخرج إلي الجنازة تصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن»(4).

ب - لو صلّت المرأة علي الميت سقط الفرض عن الرجال و إن كانت حال اختيار، لأنه فرض علي الكفاية قام به من يصح إيقاعه منه فيسقط عن الباقين، أما الصبي فلا يسقط الفرض بصلاته و إن كان مميزا مراهقا.

ج - العراة كالنساء يصلّون جماعة يقف إمامهم وسطهم، و لا يتقدم لئلاّ تبدو عورته، و لا يقعد.

ص: 46


1- المجموع 215:5، المغني 365:2، الشرح الكبير 310:2.
2- المجموع 213:5.
3- التهذيب 333:3-1043، الاستبصار 485:1-1880.
4- التهذيب 333:3-334-1044، الإستبصار 486:1-1881.
مسألة 196: لا يجوز لجامع الشرائط التقدم بغير إذن الولي

المكلف و إن لم يستجمع الشرائط، لأنه حق له فليس لأحد مزاحمته فيه، و لو لم يكن هناك ولي تقدم بعض المؤمنين.

و لو اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض، لقوله عليه السلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه)(1) و يحتمل تقديم من سبق ميته، و لو أراد ولي كل ميت إفراد ميته بصلاة جاز إجماعا.

البحث الثالث: في مقدماتها.
مسألة 197: يستحب تربيع الجنازة
اشارة

- و هو حملها من جوانبها الأربع، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد(2) - لقول ابن مسعود: إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة، ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام:

«يبدأ في الحمل من الجانب الأيمن، ثم يمر عليه من خلفه إلي الجانب الآخر حتي يرجع إلي المقدم كذلك دور الرحي»(4).

و قال الشافعي: حملها بين العمودين أولي من حملها من الجوانب

ص: 47


1- صحيح مسلم 465:1-673، سنن الترمذي 458:1-235، سنن النسائي 76:2، سنن ابن ماجة 313:1-980، سنن أبي داود 159:1-582-583، مسند الطيالسي: 86-618، مسند أحمد 118:4 و 121 و 272:5.
2- المبسوط للسرخسي 56:2، بدائع الصنائع 309:1، الهداية للمرغيناني 93:1، شرح العناية 95:2، المغني 361:2، الشرح الكبير 360:2 و 361، المجموع 270:5.
3- سنن البيهقي 20:4، مصنف ابن أبي شيبة 283:3، سنن ابن ماجة 474:1-1478.
4- الكافي 169:3-4، التهذيب 453:1-1474، الإستبصار 216:1-763.

الأربعة(1) لأن عثمان حمل سرير امه بين العمودين، و حمل أبو هريرة سرير سعد بن أبي وقاص كذلك، و حمل الزبير سرير المسور بن مخزمة كذلك(2) و ليس حجة، و كرهه النخعي، و الحسن، و أبو حنيفة، و إسحاق(3).

و قال مالك: ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء.

و نحوه قال الأوزاعي(4).

فروع:

أ - قال الشيخ في الخلاف: صفة التربيع أن يبدأ بيسرة الجنازة و يأخذها بيمينه و يتركها علي عاتقه و يربع(5) الجنازة و يمشي إلي رجليها و يدور دور الرحي إلي أن يرجع إلي يمنة الجنازة فيأخذ ميامن الجنازة بمياسره، و به قال سعيد بن جبير، و الثوري، و إسحاق(6).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة: يبدأ بمياسر مقدم السرير فيضعها علي عاتقه الأيمن، ثم يتأخر فيأخذ مياسره فيضعها علي عاتقه الأيمن، ثم يعود إلي مقدمه فيأخذ بميامن مقدمه فيضعها علي عاتقه الأيسر، ثم يتأخر فيأخذ بميامنه فيأخذ ميمنة مؤخره فيضعها علي عاتقه الأيسر(7).

و استدل علي قوله بإجماع الفرقة(8) ، مع أنه قال في النهاية، و المبسوط:

ص: 48


1- مختصر المزني: 37، المجموع 269:5-270، فتح العزيز 142:5.
2- سنن البيهقي 20:4، ترتيب مسند الشافعي 212:1-587-590.
3- بدائع الصنائع 309:1، المجموع 269:5-270، المغني 361:2، الشرح الكبير 362:2.
4- المدونة الكبري 176:1، المجموع 270:5، المغني 361:2، الشرح الكبير 362:2.
5- في المصدر: يرفع.
6- المغني 361:2، الشرح الكبير 361:2.
7- مختصر المزني: 37، المجموع 269:5، فتح العزيز 141:5-142، شرح فتح القدير 96:2-97، شرح العناية 97:2، المغني 361:2، الشرح الكبير 361:2.
8- الخلاف 718:1 مسألة 531.

يبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يمر عليه إلي مؤخره ثم بمؤخر السرير الأيسر و يمر عليه إلي مقدمة دور الرحي(1) ، و عليه دلّت الرواية(2) و هو أولي.

ب - صفة الحمل بين العمودين أن يدخل رأسه بين العمودين المقدمين و يتركهما علي عاتقيه، و لا يمكن مثل ذلك في المؤخر لأنه يكون وجهه إلي الميت لا يبصر طريقه، فيحمل العمودين رجلان يجعل كل واحد منهما أحد العمودين علي عاتقه، كما يفعل في التربيع.

ج - لو ثقل حمله من جوانب السرير زيد من يخففه علي الحاملين، و عند الشافعي لو أدخلوا عمودا آخر يكون بين ستة أو ثمانية جاز علي قدر الحاجة(3).

د - يحمل علي سرير، أو لوح، أو محمل، أو أي شيء حمل عليه أجزأ، و لا بأس بالتابوت، و أول من وضعه فاطمة عليها السلام(4) ، لأنه أستر خصوصا للنساء، و لو خيف عليه الانفجار و التغيير قبل أن يهيّأ له ما يحمل عليه جاز حمله علي الأيدي و الرقاب، و إن فعل لا مع الحاجة جاز.

و قول الشيخ: يكره التابوت إجماعا(5) يعني بذلك دفن الميت به لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يفعله و لا أحد من الصحابة.

مسألة 198: قال الشيخ: يكره الإسراع بالجنازة.

و استدل بإجماع

ص: 49


1- المبسوط للطوسي 183:1، النهاية: 37.
2- الكافي 169:3-4، التهذيب 453:1-1474، الاستبصار 216:1-763.
3- المجموع 269:5-270.
4- الكافي 251:3-6، التهذيب 469:1-1539 و 1540، الفقيه 124:1-597، و انظر سنن البيهقي 34:4.
5- المبسوط للطوسي 187:1.

الفرقة(1) ، و لأنه قد ورد: «من مشي خلف جنازة كتب له بكل خطوة قيراط من الأجر»(2) و لقوله عليه السلام: (عليكم بالقصد في جنائزكم)(3).

و أطبق الجمهور علي استحبابه لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:

(أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحة فخيرا تقدموها إليه، و إن تكن شرا فشرا تضعونه عن رقابكم)(4) و اختلفوا، فقال الشافعي: المستحب إسراع لا يخرج عن المشي المعتاد، بل فوق العادة و دون الخبب(5)(6) ، لقول ابن مسعود:

سألنا نبيّنا عن المشي بالجنازة فقال: (ما دون الخبب)(7).

و قال أصحاب الرأي: يخبّ و يرمل(8) لقول عبد الرحمن: كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص، و كنا نمشي مشيا خفيفا، فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه، فقال: لقد رأيتنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نرمل رملا(9) ، و الجواب: لعلّه حصل خوف علي الميت، و حينئذ يجوز الإسراع إجماعا.2.

ص: 50


1- الخلاف 718:1 مسألة 532.
2- ورد نحوه في الكافي 173:3-4 و 5، التهذيب 455:1-1485، الفقيه 98:1-454 و 99-455.
3- مصنف ابن أبي شيبة 281:3، سنن البيهقي 22:4.
4- مصنف ابن أبي شيبة 281:3، صحيح البخاري 108:2، صحيح مسلم 652:2-944، سنن أبي داود 205:3-3181، سنن الترمذي 335:3-1015، سنن النسائي 42:4، سنن ابن ماجة 474:1-1477، الموطأ 243:1-56، الترغيب و الترهيب 344:4-345-1.
5- الخبب: بخاء معجمة مفتوحة و باءين موحدتين: ضرب من العدو، و قيل: هو مثل الرمل. لسان العرب 341:1 «خبب».
6- المجموع 271:5، المغني 353:2، الشرح الكبير 363:2.
7- سنن الترمذي 332:3-1011، سنن أبي داود 206:3-3184، الترغيب و الترهيب 345:4-3.
8- المبسوط للسرخسي 56:2، بدائع الصنائع 309:1، اللباب 131:1، المغني 353:2، الشرح الكبير 363:2.
9- سنن أبي داود 205:3-3182، سنن النسائي 43:4، الترغيب و الترهيب 345:4-2.
مسألة 199: و يستحب اتباع الجنائز

بالإجماع لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر به(1) ، و قال الباقر عليه السلام: «من تبع جنازة امرئ مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات، و لم يقل شيئا إلاّ قال الملك: و لك مثل ذلك»(2).

فإذا صلّي و انصرف، قال زيد بن ثابت: فقد قضيت الذي عليك(3) ، و أفضل منه أن يتبعها إلي القبر، لقوله عليه السلام: (من شهد الجنازة حتي يصلي فله قيراط، و من شهد حتي يدفن كان له قيراطان) قيل: يا رسول اللّه و ما القيراطان ؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين)(4) و نحوه عن الباقر عليه السلام(5).

و أفضل من ذلك الوقوف بعد الدفن و تعزية أهله، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تبع جنازة كتب له أربعة قراريط، قيراط لاتّباعه إياها، و قيراط للصلاة عليها، و قيراط للانتظار حتي يفرغ من دفنها، و قيراط للتعزية»(6).

مسألة 200: المشي خلف الجنازة أو إلي أحد جانبيها أفضل من التقدم عليها،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال سعيد بن جبير، و الأوزاعي،

ص: 51


1- قرب الإسناد: 34 و انظر صحيح البخاري 90:2، سنن النسائي 54:4.
2- الكافي 173:3-6، الفقيه 99:1-456، التهذيب 455:1-1483.
3- المغني 355:2، الشرح الكبير 364:2، سبل السلام 565:2.
4- صحيح البخاري 110:2، صحيح مسلم 652:2-945، سنن أبي داود 202:3-3168، سنن الترمذي 358:3-1040، سنن النسائي 76:4 و 77، سنن ابن ماجة 491:1-1539.
5- الكافي 173:3-5، الفقيه 99:1-455، التهذيب 455:1-456-1485.
6- الكافي 173:3-7، التهذيب 455:1-1484، الفقيه 98:1-454.

و إسحاق، و أصحاب الرأي(1) - لأنّ عليا عليه السلام سأله أبو سعيد الخدري فقال: أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة ؟ فقال: «فضل الماشي خلفها علي الماشي قدامها كفضل المكتوبة علي التطوع» فقلت:

أ تقول هذا برأيك أم سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ؟ فقال: «لا، بل سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إن المشي خلف الجنازة أفضل من بين يديها»(3) و لأنها متبوعة فكانت متقدمة، و لأن المستحب التشييع و المشيّع متأخر.

و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: المشي أمامها أفضل، و رواه الجمهور عن الحسن بن علي عليهما السلام، و عن أبي بكر، و عمر، و عثمان، و ابن عمر، و أبي هريرة، و ابن الزبير، و أبي قتادة، و القاسم بن محمد، و شريح، و سالم، و الزهري، و ابن أبي ليلي(4) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مشي أمام الجنازة(5) ، و لأنهم شفعاء الميت فينبغي أن يتقدموا المشفوع له.

و الحديث حكاية حال، فلا يعارض القول، مع احتمال أنه عليه السلام1.

ص: 52


1- المجموع 279:5، المبسوط للسرخسي 56:2، بدائع الصنائع 309:1، المغني 356:2، الشرح الكبير 366:2.
2- كنز العمال 722:15-42879، العلل المتناهية 899:2-1502.
3- الفقيه 100:1-464، الكافي 169:3-1، التهذيب 311:1-902، و في الأخيرين عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
4- المجموع 279:5، المدونة الكبري 177:1، المغني 356:2، الشرح الكبير 366:2، بداية المجتهد 233:1، المبسوط للسرخسي 56:2، بدائع الصنائع 309:1، سبل السلام 567:2.
5- الموطأ 225:1-8، سنن الترمذي 329:3-331-1007-1010، سنن أبي داود 205:3 - 3179، سنن النسائي 56:4، سنن ابن ماجة 475:1-1482 و 1483، سنن الدار قطني 70:2-1.

مشي مع أحد جانبيها، فتوهم المشاهد السبق، ثم إن الباقر عليه السلام روي عن علي عليه السلام قال: «سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يقول:

اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب»(1) و لا تقدّم للشفاعة هنا إذ المشفوع اليه سبحانه و تعالي غير مختص بحيز و لا مكان.

و قال الثوري: الراكب خلفها و الماشي حيث شاء(2).

فروع:

أ - يكره الركوب، قال ثوبان: خرجنا مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في جنازة، فرأي ناسا ركبانا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة اللّه علي أقدامهم و أنتم علي ظهور الدواب)(3) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في جنازة يمشي فقال له بعض أصحابه: ألا تركب ؟ فقال: إني أكره أن أركب و الملائكة يمشون»(4).

ب - لو احتاج إلي الركوب زالت الكراهة إجماعا.

ج - الكراهة في الركوب في التشييع، فلا بأس به في عوده، لأن الباقر عليه السلام روي عن علي عليه السلام أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأة إلاّ من عذر، و قال: «يركب إذا رجع»(5).

د - يستحب للراكب المضي خلف الجنازة، و يكره أمامها كالماشي لما تقدم، و عند أحمد يتحتم المضي خلفها(6) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(الراكب يسير خلف الجنازة)(7).

ص: 53


1- التهذيب 311:1-901.
2- المجموع 279:5-280، سبل السلام 567:2.
3- سنن ابن ماجة 475:1-1480، سنن الترمذي 333:3-1012، المستدرك للحاكم 356:1.
4- الكافي 170:3-171-2، الفقيه 122:1-588، التهذيب 312:1-906.
5- التهذيب 464:1-1518.
6- المغني 358:2، الشرح الكبير 368:2.
7- مسند أحمد 249:4، سنن أبي داود 205:3-3180، سنن الترمذي 349:3-350-1031، سنن النسائي 56:4 و 58، سنن ابن ماجة 475:1-1481.
مسألة 201: يستحب للمشيع التفكر في مآله و الاتعاظ بالموت

و التخشع و لا يضحك. و قال علي بن بابويه في الرسالة: إياك أن تقول: ارفقوا به أو ترحّموا عليه أو تضرب يدك علي فخذك فيحبط أجرك(1).

و يكره رفع الصوت عند الجنازة، لنهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن تتبع الجنازة بصوت(2).

و كره سعيد بن المسيب، و سعيد بن جبير، و الحسن البصري، و النخعي، و أحمد، و إسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له(3) ، و قال الأوزاعي: بدعة(4).

و قال أحمد: لا تقول خلف الجنازة: سلم رحمك اللّه، فإنه بدعة، و لكن تقول: بسم اللّه و علي ملة رسول اللّه، و تذكر اللّه(5).

و يكره مس الجنازة بالأيدي و الأكمام لأنه لا يؤمن معه فساد الميت.

مسألة 202: يكره اتّباع الميت بنار

- و هو قول كل من يحفظ عنه العلم - لأن ابن عمر، و أبا هريرة، و أبا سعيد، و عائشة، و سعيد بن المسيب أوصوا أن لا يتبعوا بنار(6).

و أوصي أبو موسي حين حضره الموت أن لا يتبع بمجمر، قالوا:

ص: 54


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 79.
2- سنن أبي داود 203:3-3171، مصنف ابن أبي شيبة 274:3.
3- المغني 359:2، الشرح الكبير 369:2.
4- المغني 359:2، الشرح الكبير 370:2.
5- المغني 359:2، الشرح الكبير 370:2.
6- مصنف ابن أبي شيبة 271:3، سنن البيهقي 394:3 و انظر المغني 360:2 و الشرح الكبير 371:2.

و سمعت فيه شيئا؟ قال: نعم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن تتبع الجنازة بمجمرة»(2).

تذنيب: لو دفن ليلا و احتيج إلي ضوء لم يكن به بأس إجماعا، و إنما كره المجامر فيها البخور، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج(3) ، و سئل الصادق عليه السلام عن الجنازة يخرج معها بالنار، فقال: «إنّ ابنة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اخرج بها ليلا و معها مصابيح»(4).

مسألة 203: و لو كان مع الجنازة منكر أنكره إن تمكن،

فإن لم يقدر علي إزالته لم يمتنع لأجله من الصلاة عليه، لأن الإنكار سقط عنه بالعجز، فلا يسقط الواجب و لا يترك حقا لباطل.

و روي زرارة قال: حضرت في جنازة فصرخت صارخة فقال عطاء:

لتسكتنّ أو لنرجع، فلم تسكت، فرجع، فقلت ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقال: «امض بنا، فلو أنّا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا الحق، لم نقض حقّ مسلم»(5).

مسألة 204: يكره اتّباع النساء الجنائز،

لقول أم عطية: نهينا عن اتّباع الجنائز(6) ، و لأنه مناف للتحذير الذي أمرن به، و كرهه ابن مسعود، و ابن

ص: 55


1- سنن ابن ماجة 477:1-1487.
2- الكافي 147:3-4، التهذيب 295:1-864، الاستبصار 209:1-736.
3- سنن الترمذي 372:3-1057، سنن ابن ماجة 487:1-1520.
4- الفقيه 100:1-466.
5- الكافي 171:3-3، التهذيب 454:1-1481.
6- صحيح البخاري 99:2، مصنف ابن أبي شيبة 284:3، سنن البيهقي 77:4، سنن ابن ماجة 502:1-1577، صحيح مسلم 646:2-938، سنن أبي داود 202:3-3167.

عمر، و مسروق، و عائشة، و الحسن البصري، و النخعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق(1) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خرج فإذا نسوة جلوس، فقال: (ما يجلسكنّ؟) قلن: ننتظر الجنازة، قال: (هل تغسلن ؟) قلن: لا، قال: (هل تحملن ؟) قلن: لا، قال: (هل تدلين فيمن يدلي ؟) قلن: لا، قال: (فارجعن مأزورات غير مأجورات)(2).

مسألة 205: قال الشيخ في الخلاف: يجوز أن يجلس الإنسان إذا تبع الجنازة

قبل أن توضع في اللحد(3) - و به قال الشافعي، و مالك(4) - عملا بالأصل الدال علي الإباحة و نفي الكراهة، و لأن عليا عليه السلام قال: «قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أمر بالقيام، ثم جلس و أمر بالجلوس»(5).

و روي عبادة بن الصامت قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتي يوضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود و قال: إنا لنفعل ذلك، فجلس، و قال: (خالفوهم)(6).

و قال أبو حنيفة، و أحمد: يكره له ذلك - و به قال الشعبي،

ص: 56


1- المغني 360:2، الشرح الكبير 372:2، المجموع 278:5 و انظر المصنف لابن أبي شيبة 284:3.
2- سنن البيهقي 77:4، سنن ابن ماجة 502:1-1578.
3- الخلاف 719:1 مسألة 534.
4- المجموع 280:5، الشرح الكبير 374:2، المغني 362:2، بداية المجتهد 234:1.
5- صحيح مسلم 662:2-962، الموطأ 232:1-33، سنن الترمذي 361:3-362-1044، سنن أبي داود 204:3-3175، سنن ابن ماجة 493:1-1544، سنن البيهقي 27:4-28.
6- سنن أبي داود 204:3-3176، سنن الترمذي 340:3-1020، سنن ابن ماجة 493:1-1545.

و النخعي(1) ، و ممن يري ذلك الحسن بن علي عليهما السلام، و ابن عمر، و أبو هريرة، و ابن الزبير، و الأوزاعي، و إسحاق(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، و من تبعها فلا يقعد حتي توضع)(3) و روايتنا تدل علي النسخ فتقدم.

و قال ابن أبي عقيل منّا بالكراهة(4) أيضا لقول الصادق عليه السلام:

«ينبغي لمن شيع جنازة أن لا يجلس حتي توضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس»(5).

تذنيب: أظهر الروايتين عن أحمد أنه أريد بالوضع عن أعناق الرجال، و هو قول من ذكرناه قبل(6) ، و روي الثوري الحديث: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتي توضع بالأرض)(7) و رواه أبو معاوية: (حتي توضع في اللحد)(8).

فأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه.

مسألة 206: لا يستحب لمن مرت به الجنازة القيام لها

لذمي كانت أو لمسلم، و به قال الشافعي، و أحمد(9) ، لقول علي عليه السلام: «قام

ص: 57


1- الهداية للمرغيناني 93:1، اللباب 131:1، المغني 362:2، الشرح الكبير 374:2، المجموع 280:5.
2- المغني 362:2، الشرح الكبير 374:2.
3- صحيح البخاري 107:2، صحيح مسلم 660:2-959، سنن الترمذي 360:3-361 - 1043، سنن النسائي 77:4.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 91.
5- التهذيب 462:1-1509، و كان في الأصلين: و لا بأس بالجلوس. بدل: فإذا وضع في لحده.. و ما أثبتناه من المصدر.
6- المغني 362:2، الشرح الكبير 375:2.
7- سنن أبي داود 203:3-3173.
8- سنن أبي داود 204:3 ذيل الحديث 3173.
9- المجموع 280:5، المغني 361:2، الشرح الكبير 376:2.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ثم قعد»(1) يعني ثم ترك.

و من طريق الخاصة رواية زرارة: مرت جنازة فقام الأنصاري و لم يقم الباقر عليه السلام، فقال له: «ما أقامك ؟» قال: رأيت الحسين بن علي يفعل ذلك، فقال أبو جعفر عليه السلام: «و اللّه ما فعل ذلك الحسين عليه السلام، و لا قام لها أحد منّا أهل البيت قط» فقال الأنصاري: شككتني أصلحك اللّه، و قد كنت أظن أني رأيت(2).

و عن أحمد استحباب القيام(3).

و حكي عن أبي مسعود البدري و غيره من الصحابة: وجوب القيام لها إذا مرت(4) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا)(5) و هو منسوخ.

و لو سلّم فللعلة التي رواها الصادق عليه السلام قال: «كان الحسين ابن علي عليهما السلام جالسا، فمرت عليه جنازة، فقام الناس حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه السلام: مرت جنازة يهودي و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله جالسا علي طريقها فكره أن يعلو رأسه جنازة يهودي»(6) و مع السبب يقصر عليه.7.

ص: 58


1- صحيح مسلم 662:2-962، سنن الترمذي 361:3-362-1044، سنن أبي داود 204:3-3175، سنن ابن ماجة 493:1-1544.
2- الكافي 191:3-1، التهذيب 456:1-1486.
3- انظر المغني 361:2، الشرح الكبير 376:2.
4- سنن البيهقي 26:4-27، المجموع 280:5.
5- صحيح البخاري 107:2، سنن الترمذي 360:3-1042، سنن أبي داود 204:3-3174، سنن ابن ماجة 492:1-1542.
6- الكافي 192:3-2، التهذيب 456:1-1487.

تذنيب: يستحب لمن رأي جنازة أن يقول: الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم.

مسألة 207: يجب تقديم التغسيل و التكفين علي الصلاة،

لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كذا فعل، و قال الصادق عليه السلام: «لا يصلّي علي الميت بعد ما يدفن، و لا يصلّي عليه و هو عريان»(1).

فإن لم يكن كفن طرح في القبر ثم صلّي عليه بعد تغسيله و ستر عورته، و دفن، لأن الصادق عليه السلام قال في العريان: «يحفر له و يوضع في لحده و يوضع علي عورته فيستر باللبن و الحجر - و في رواية: و التراب - ثم يصلّي عليه و يدفن»(2).

إلاّ الشهيد فإنه يصلي عليه من غير تغسيل، و لا يكفن إلا أن يجرد فإنه يكفن و لا يغسل و يصلّي عليه.

البحث الرابع: في الكيفية.
مسألة 208: القيام شرط في الصلاة مع القدرة

فلا تجوز الصلاة قاعدا، و لا راكبا اختيارا عند علمائنا، و به قال الشافعي، و أحمد، و أبو ثور، و أبو حنيفة(3) ، و لا أعلم فيه خلافا إلاّ في قول للشافعي: إنه يجوز أن يصلي قاعدا، لأنها ليست من فرائض الأعيان فألحقت بالنوافل(4).

و إنما قال أصحاب أبي حنيفة: إن القياس جوازه، لأنه ركن منفرد

ص: 59


1- الكافي 214:3-4، التهذيب 179:3-406.
2- الكافي 214:3-4، الفقيه 104:1-482، التهذيب 179:3-406.
3- الام 271:1، المجموع 222:5، فتح العزيز 174:5، كفاية الأخيار 103:1، السراج الوهاج: 107، مغني المحتاج 342:1، المغني 371:2، الشرح الكبير 348:2، بدائع الصنائع 312:1.
4- المجموع 222:5، مغني المحتاج 342:1.

فأشبه سجود التلاوة، و لكنهم لم يجوّزوه(1) ، لأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلاّ بما قلناه فيتعين، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و كذا الأئمة عليهم السلام و جماعة الصحابة صلّوا قياما(2) ، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(3) و لأنها صلاة فريضة فلم تجز قاعدا و لا راكبا مع القدرة علي القيام كغيرها من الفرائض، و سجود التلاوة لا يسمي صلاة.

مسألة 209: و ليست الطهارة شرطا،
اشارة

بل يجوز للمحدث و الحائض و الجنب أن يصلّوا علي الجنائز مع وجود الماء و التراب، و التمكن منها، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشعبي، و محمد بن جرير الطبري(4) - لأن القصد منها الدعاء للميت و الدعاء لا يفتقر إلي الطهارة.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله يونس بن يعقوب عن الجنازة أصلي عليها علي غير وضوء؟: «نعم إنما هو تكبير، و تسبيح، و تحميد، و تهليل، كما تكبر و تسبح في بيتك علي غير وضوء»(5).

و سأله محمد بن مسلم عن الحائض تصلّي علي الجنازة ؟ قال: «نعم و لا تقف معهم، تقف منفردة»(6).

و قال الشافعي: الطهارة شرط، و به قال أبو حنيفة، و أحمد(7) ، لقوله

ص: 60


1- المبسوط للسرخسي 69:2، شرح فتح القدير 89:2، شرح العناية 89:2.
2- انظر علي سبيل المثال: الكافي 176:3-177-1 و 2، و الفقيه 103:1-478، التهذيب 3: 319-989 و صحيح البخاري 109:2 و 111، و سنن أبي داود 208:3-3194، سنن الترمذي 352:3-1034 و 353-1035.
3- صحيح البخاري 162:1-163، سنن الدارمي 286:1، مسند أحمد 53:5.
4- المجموع 223:5، بداية المجتهد 243:1.
5- الكافي 178:3-1، الفقيه 107:1-495، التهذيب 203:3-475.
6- الكافي 179:3-4، الفقيه 107:1-496، التهذيب 204:3-479.
7- الام 271:1، المجموع 222:5 و 223، فتح العزيز 185:5، المبسوط للسرخسي 2:

عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بطهور)(1) و هو محمول علي الفرائض لأنها حقيقة فيها.

فروع:

أ - الطهارة و إن لم تكن واجبة إلا أنها مستحبة عند علمائنا، لأن عبد الحميد سأل الكاظم عليه السلام أ يجزيني أن أصلي علي الجنازة و أنا علي غير وضوء؟ فقال: «تكون علي طهر أحب إلي»(2).

ب - يجوز التيمم مع وجود الماء هنا عند علمائنا و هو أقل فضلا من الطهارة به - و به قال أبو حنيفة(3) - لقول سماعة: سألته عن رجل مرت به جنازة و هو علي غير طهر، قال: «يضرب يديه علي حائط لبن فيتيمم»(4) و لأن الطهارة ليست شرطا عندنا فساغ ما هو بدل عنها، و منعه الشافعي(5) ، و لا يجوز أن يدخل بهذا التيمم في شيء من الصلوات فرضها و نفلها، فقد الماء أو لا.

ج - لو صلّي بغير طهارة جاز عندنا، و قال الشافعي: لا تصح صلاته(6). و كذلك من علم به من المأمومين، و إن لم يعلموا صحت صلاتهم.

مسألة 210: و لا يشترط الكثرة علي المصلي الواحد و إن كان امرأة،

ذهب

ص: 61


1- سنن أبي داود 16:1-59.
2- الكافي 178:3-3، التهذيب 203:3-476.
3- عمدة القارئ 123:8، المجموع 223:5، فتح العزيز 185:5، بداية المجتهد 243:1.
4- الكافي 178:3-179-5، التهذيب 203:3-477.
5- الام 275:1، المجموع 223:5، بداية المجتهد 243:1.
6- المجموع 223:5، المهذب للشيرازي 139:1.

إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي - لأنها فرض كفاية فلا يشترط الزائد علي الفاعل لها بالتمام، و لأنها صلاة لا تفتقر إلي الجماعة فلم يكن من شرطها العدد كسائر الصلوات.

و في الآخر: يشترط ثلاثة(1) ، لقوله عليه السلام: (صلّوا علي من قال لا إله إلا اللّه)(2) و هو خطاب للجميع و أقله ثلاثة، و هو غلط، لأن الخطاب و إن توجه عليهم أجمع إلا أن المراد كل واحد، إذ ليس المراد ثلاثة لا غير، بل الجميع، فإن كان المقصود الإتيان به جماعة وجب الجمع و إلا فلا.

و له قول ثالث: وجوب أربع كما لا بد من أربعة يحملونه. و لا تلازم، ثم إنّ الحمل بين العمودين أفضل عنده و هو يحصل بثلاثة.

و له رابع: وجوب اثنين، لأنه أقل الجمع(3).

مسألة 211: يستحب الجماعة، و ليست شرطا إجماعا،

لأن المعمول عليه بعد زمن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إلي اليوم أن يصلّي علي الميت جماعة بإمام.

فإن صلّوا عليها أفرادا جاز، و به قال الشافعي(4) ، لأن الصحابة صلّت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أفرادا(5) و لأن الأصل عدم الوجوب.

و كذا النساء يستحب أن يجمعن لو صلّين منفردات، و لو كن مع الرجال تأخّرن مؤتمات بهم، و لو كان فيهنّ حائض انفردت وحدها بصف.

ص: 62


1- الام 275:1، المجموع 212:5، المهذب للشيرازي 139:1.
2- سنن البيهقي 19:4، سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، مجمع الزوائد 67:2، الجامع الصغير 98:2-5030.
3- المجموع 212:5.
4- الام 275:1، المجموع 212:5.
5- سنن البيهقي 30:4.
مسألة 212: و يجب أن يقف المصلي وراء الجنازة
اشارة

مستقبل القبلة و رأس الميت علي يمينه غير متباعد عنها كثيرا، و إذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الإمام و المؤتمون خلفه صفوفا، و إن كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، و إن كان فيهنّ حائض انفردت بارزة عنهم و عنهنّ.

و لو كانا نفسين وقف الآخر خلفه بخلاف صلاة الجماعة، و لا يقف علي يمينه لأن القاسم بن عبد اللّه القمي سأل الصادق عليه السلام عن رجل يصلي علي جنازة وحده، قال: «نعم» قلت: فاثنان، قال: «لا، يقوم الإمام وحده و الآخر خلفه و لا يقوم إلي جنبه»(1).

فروع:

أ - أفضل الصفوف هنا آخرها لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: خير الصفوف في الصلاة المقدّم، و في الجنائز المؤخر، قيل: و لم ؟ قال: صار سترة للنساء»(2).

ب - ينبغي أن يقف المأمومون صفوفا، و أقل الفضل ثلاثة صفوف لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من صلّي عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب(3)(4).

ج - يستحب تسوية الصف في الموقف هنا كالصلاة المكتوبة، خلافا لعطاء(5).

د - ينبغي أن لا يتباعد الإمام عن الجنازة، بل يكون بينهما شيء يسير.

ه - يستحب أن يتحفي عند الصلاة إن كان عليه نعلان، و إن كان عليه

ص: 63


1- الكافي 176:3-1، الفقيه 103:1-477، التهذيب 319:3-990.
2- الكافي 176:3-3، التهذيب 319:3-320-991، علل الشرائع: 306 باب 252.
3- أوجب أي وجبت له الجنة. النهاية - لابن الأثير - 153:5.
4- سنن الترمذي 347:3-1028، سنن ابن ماجة 478:1-1490.
5- المغني 372:2، الشرح الكبير 348:2.

خف لم ينزعه، لما فيه من الاتعاظ و الخشوع، و روي الجمهور عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمهما اللّه علي النار)(1).

مسألة 213: و يستحب أن يقف الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة
اشارة

- و به قال الشيخ في المبسوط(2) ، و هو قول مالك(3) - لأن سمرة بن جندب قال:

صلّيت خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم صلّي علي أم كعب، و كانت نفساء، فوقف عند وسطها(4). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من صلّي علي امرأة فلا يقم في وسطها، و يكون مما يلي صدرها، و إذا صلّي علي الرجل فليقم في وسطه»(5) و لأنه أبعد عن محارمها فكان أولي.

و قال الشيخ في الخلاف: السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل و صدر المرأة(6) لقول الكاظم عليه السلام: «يقوم من المرأة عند رأسها»(7).

و قال أحمد، و بعض الشافعية: يقف عند صدر الرجل و وسط المرأة(8) ،

ص: 64


1- صحيح البخاري 9:2 و 25:4، سنن الترمذي 170:4-1632، سنن النسائي 14:6، سنن الدارمي 202:2، مسند أحمد 367:3 و 479 و 225:5 و 226 و 444:6.
2- المبسوط للطوسي 184:1.
3- أقرب المسالك: 34، المجموع 225:5، الشرح الكبير 341:2، المحلي 155:5.
4- صحيح مسلم 664:2-964، سنن النسائي 195:1 و 70:4-71، سنن ابن ماجة 1: 479-1493، مسند أحمد 19:5، و الظاهر: أنّ الاستدلال بهذه الرواية إنّما يتمّ مع التوجيه باعتبار قرب الصدر من الوسط.
5- الكافي 176:3-1، التهذيب 190:3-433، الاستبصار 470:1-471-1818.
6- الخلاف 731:1 مسألة 562.
7- الكافي 177:3-2، التهذيب 190:3-432، الاستبصار 47:1-1817 نقلا بالمعني. و الظاهر أنّ الاستدلال بالرواية إنّما يتمّ مع التوجيه الذي ذكره الشيخ الطوسي في التهذيب 3: 190 ذيل الحديث 433، قال: لأنّ الرأس يقرب من الصدر، فجاز أن يعبّر عنه به.
8- المغني 390:2، المجموع 225:5.

و بعضهم قال: عند رأس الرجل - و به قال أبو يوسف، و محمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها(2) ، و صلي أنس بن مالك علي جنازة عبد اللّه بن عمر، فقام عند رأسه(3). و فعل أنس ليس حجة.

و قال أبو حنيفة: يقوم عند صدر الرجل و المرأة معا لتساويهما في سنن الصلاة(4) ، و هو ممنوع لمخالفتهما في الموقف فكذا هنا.

و قال مالك: يقف عند وسط الرجل و منكبي المرأة(5).

فروع:

أ - لو اجتمعت جنائز الرجال جعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب و هكذا صفا مدرجا، ثم يقف الإمام وسط الصف للرواية(6) ، و قال الجمهور:

يصفّهم صفا مستويا(7).

ص: 65


1- عمدة القارئ 136:8، المجموع 225:5، المغني 390:2، الشرح الكبير 341:2، بداية المجتهد 236:1.
2- صحيح البخاري 90:1 و 111:2، صحيح مسلم 664:2-964، سنن النسائي 195:1، مسند أحمد 19:5، سنن أبي داود 209:3-3195، سنن ابن ماجة 479:1-1493، المحرر في الحديث 312:1-526.
3- سنن ابن ماجة 479:1-1494، سنن البيهقي 33:4.
4- المبسوط للسرخسي 65:2، الهداية للمرغيناني 92:1، شرح العناية 89:2، عمدة القارئ 136:8، المجموع 225:5، المغني 390:2، الشرح الكبير 341:2.
5- الشرح الصغير 198:1، أقرب المسالك: 34، المجموع 225:5، المغني 390:2، الشرح الكبير 341:2.
6- الكافي 174:3-2، التهذيب 322:3-323-1004، الاستبصار 472:1-473-1827.
7- المجموع 226:5، المبسوط للسرخسي 65:2.

ب - لو اجتمع الرجل و المرأة، قال أصحابنا: يجعل رأس المرأة عند وسط الرجل ليقف الإمام موضع الفضيلة فيهما، و كذا لو اجتمع رجال و نساء، صفّ الرجال صفّا، و النساء خلفهم صفا، رأس أول امرأة عند وسط آخر الرجال، ثم يقوم وسط الرجال، و به قال مالك، و سعيد بن جبير، و أحمد في رواية، و في أخري: يسوّي بين رءوسهم كلهم(1) ، لأن أم كلثوم بنت علي عليه السلام و زيدا ابنها توفّيا معا، فأخرجت جنازتهما، فصلّي عليهما أمير المدينة فسوّي بين رءوسهما و أرجلهما(2) ، و لا حجة في فعل غير النبيّ، و الإمام عليهما السلام.

ج - لا فرق بين العبيد و الأحرار، و لا بين البالغين و غيرهم في هذا الحكم.

مسألة 214: و يستحب جعل المرأة مما يلي القبلة و الرجال مما يلي الإمام لو اجتمعا
اشارة

- و به قال جميع الفقهاء - لأن أم كلثوم و ابنها وضعا كذلك(3).

و من طريق الخاصة سؤال محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام كيف يصلّي علي الرجال و النساء؟ قال: «الرجل مما يلي الإمام»(4) و لأن الرجل يكون إماما في جميع الصلوات فكذا هنا.

و حكي عن القاسم بن محمد، و سالم بن عبد اللّه، و الحسن البصري أنهم عكسوا، لأن أشرف المواضع مما يلي القبلة، و لهذا يكونون في الدفن هكذا(5). و الفرق أنه ليس في اللحد إمام فاعتبرت القبلة، و هنا إمام فاعتبر القرب منه.

ص: 66


1- المجموع 226:5، المغني 391:2، الشرح الكبير 343:2.
2- سنن الدار قطني 79:2-80-13 و انظر المغني 390:2 و الشرح الكبير 343:2.
3- سنن النسائي 71:4، سنن الدار قطني 79:2-80-13.
4- الكافي 175:3-4، التهذيب 323:3-1005، الاستبصار 471:1-1822.
5- المجموع 228:5.
فروع:

أ - لو كانوا كلّهم رجالا أحببت تقديم الأفضل إلي الإمام، و به قال الشافعي(1).

ب - لو تشاح أولياؤهم فقال وليّ الرجل: أنا أصلي عليهم. و قال وليّ المرأة: أنا أصلي، قال الشافعي: يقدم السابق منهما، فإن استووا أقرع، و لو أراد كل منهما الانفراد كان له(2).

ج - الأفضل أن يصلّي علي كل واحد من الجنائز المتعددة صلاة واحدة، لأن القصد بالتخصيص أولي منه بالتعميم، فإن كان بهم عجلة أو خيف علي الأموات صلّي علي الجميع صلاة واحدة.

د - لو كانوا مختلفين في الحكم بأن يجب علي أحدهم الصلاة و يستحب علي الآخر لم يجز جمعهم بنية متحدة الوجه، و لو قيل بإجزاء النيّة الواحدة المشتملة علي الوجهين بالتقسيط أمكن.

ه - الترتيب بين الرجال و النساء مستحب، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يقدم الرجل و تؤخر المرأة، و يؤخر الرجل و تقدم المرأة»(3) يعني في الصلاة علي الميت.

و - لو اجتمع رجل و صبي و عبد و خنثي و امرأة، فإن كان للصبي أقل من ست سنين جعل الرجل مما يلي الإمام، ثم العبد، ثم الخنثي، ثم المرأة، ثم الصبيّ - ذهب إليه علماؤنا - إذ لا تجب الصلاة علي الصبي، بخلاف المرأة و الخنثي، فتقديمهما إلي الإمام أولي.

ص: 67


1- الام 275:1، المجموع 226:5.
2- الام 275:1-276، المجموع 227:5.
3- الفقيه 106:1-493، التهذيب 324:3-1009، الاستبصار 473:1-1828.

و قال الشافعي: يجعل الصبي بين الرجل و الخنثي مطلقا(1) لحديث أم كلثوم(2).

و لو كان الصبي ابن ست سنين فصاعدا جعل بعد الرجل، لقول الصادق عليه السلام في جنائز الرجال و الصبيان و النساء: «توضع النساء مما يلي القبلة، و الصبيان دونهن، و الرجال دون ذلك»(3).

مسألة 215: إذا نوي المصلي، كبر خمسا واجبا بينها أربعة أدعية،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال زيد بن أرقم، و حذيفة بن اليمان(4) - لأن زيد ابن أرقم كبر علي جنازة خمسا، و قال: كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يكبرها(5).

و عن حذيفة أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعل ذلك(6) ، و كبر علي عليه السلام علي سهل بن حنيف خمسا(7) ، و كان أصحاب معاذ يكبرون علي الجنازة خمسا(8).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «كبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خمسا»(9).

ص: 68


1- الام 275:1، المجموع 226:5.
2- سنن النسائي 71:4، سنن الدار قطني 79:2-80-13.
3- الكافي 175:3-5، التهذيب 323:3-1007، الاستبصار 472:1-1824.
4- المجموع 231:5.
5- صحيح مسلم 659:2-957، سنن الترمذي 343:3-1023، سنن ابن ماجة 482:1-1505، سنن أبي داود 210:3-3197، سنن النسائي 72:4، سنن الدار قطني 73:2-8.
6- مصنف ابن أبي شيبة 303:3، سنن الدار قطني 73:2-9.
7- المغني 387:2، الشرح الكبير 349:2 نقلا عن سعيد في سننه.
8- مصنف ابن أبي شيبة 303:3، سنن البيهقي 37:4.
9- التهذيب 315:3-977، الاستبصار 474:1-1833.

و سئل الصادق عليه السلام عن التكبير علي الميت، فقال:

«خمس»(1).

و روي الصدوق: أن العلّة في ذلك أن اللّه عزّ و جلّ فرض علي الناس خمس صلوات فجعل للميت من كل صلاة تكبيرة، و في اخري: أن اللّه تعالي فرض علي الناس خمس فرائض: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الولاية، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة(2).

و قال الفقهاء الأربعة، و الثوري، و الأوزاعي، و داود، و أبو ثور:

التكبير أربع، و رووه عن الحسن بن علي عليهما السلام، و أخيه محمد بن الحنفية، و عمر، و ابن عمر، و زيد، و جابر، و أبي هريرة، و البراء بن عازب، و عتبة بن عامر، و عطاء بن أبي رباح(3) ، لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نعي النجاشي للناس و كبر بهم أربعا(4).

و الجواب: قد بيّنا أنه عليه السلام صلّي له بمعني الدعاء، و لو سلمنا أنه فعل ذلك ببعض الأموات لكن ذلك لانحراف الميت عن الحق، فإنه قد روي عن أهل البيت عليهم السلام: أن الصلاة بالأربع للمتهم في دينه(5).

قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يكبر5.

ص: 69


1- الكافي 184:3-3، التهذيب 191:3-436.
2- علل الشرائع: 302 باب 244 و 303 باب 245.
3- المجموع 230:5، المبسوط للسرخسي 63:2، اللباب 130:1، المغني 387:2 و 389، الشرح الكبير 350:2، بلغة السالك 197:1، بداية المجتهد 234:1، الشرح الصغير 197:1، سبل السلام 558:2.
4- صحيح البخاري 92:2 و 112، صحيح مسلم 656:2-951، سنن الترمذي 342:3-1022، سنن أبي داود 212:3-3204، سنن النسائي 72:4، الموطأ 226:1-14.
5- التهذيب 192:3-193-439، علل الشرائع: 304-305 باب 245.

علي قوم خمسا، و علي آخرين أربعا، فإذا كبر أربعا اتهم»(1) يعني الميت.

و حكي عن محمد بن سيرين و أبي الشعثاء جابر بن زيد أنهما قالا:

يكبر ثلاثا. و روي عن ابن عباس(2).

و عن علي عليه السلام أنه كان يكبر علي أهل بدر خمسا و علي سائر الناس أربعا(3). و هو يناسب ما قلناه من تخصيص الأربع بغير المرضي.

فروع:

أ - لا ينبغي الزيادة علي الخمس لأنها منوطة بقانون الشرع و لم تنقل الزيادة.

و ما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله من أنه كبر علي حمزة سبعين تكبيرة(4) ، و عن علي عليه السلام أنه كبر علي سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة(5) إنما كان في صلوات متعددة.

قال الباقر عليه السلام: «كان إذا أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة علي سهل بن حنيف فيضعه فيكبر عليه خمسا حتي انتهي إلي قبره خمس مرات»(6).

ب - لو كبر الإمام أكثر من خمس لم يتابعه المأموم، لأنها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها.

ص: 70


1- الكافي 181:3-2، التهذيب 197:3-454، الاستبصار 475:1-1839.
2- المجموع 231:5، المغني 389:2، المحلي 127:5.
3- الموجود في المصادر: أن عليا عليه السلام كان يكبر علي أهل بدر ستا و علي غيرهم من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خمسا، و علي سائر الناس أربعا، راجع مصنف ابن أبي شيبة 3: 303، سنن البيهقي 37:4، سنن الدار قطني 73:2-7.
4- الكافي 186:3-3، الفقيه 101:1-470، التهذيب 197:3-455.
5- الكافي 186:3-3، الفقيه 101:1-470، التهذيب 197:3-455.
6- الكافي 186:3-3، الفقيه 101:1-470، التهذيب 197:3-455.

و قال الثوري، و مالك، و أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد في رواية: لا يتابعه في الزائد علي الأربع، لما تقدم، و عنه رواية أنه يتابعه الي سبع(1) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كبر علي حمزة سبعا(2) ، و كبر عليّ عليه السلام علي أبي قتادة سبعا، و علي سهل بن حنيف ستا و قال: «إنه بدري»(3).

و قال: فإن زاد علي سبع لم يتابعه(4).

و قال عبد اللّه بن مسعود: إن زاد الإمام علي سبع تابعه فإنه لا وقت و لا عدد(5).

ج - لو زاد الإمام علي المقدر، فقد قلنا: إنه لا يتابعه و ينصرف، و به قال الثوري، و أبو حنيفة(6).

و قال الشافعي، و أحمد: لا ينصرف بل يقف حتي يسلم الإمام فيسلم معه(7).

مسألة 216: الأقرب عندي وجوب الدعاء بين التكبيرات،

لأن القصد الدعاء، فلا تجب الصلاة لو لم يجب، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كذا فعل(8).

ص: 71


1- المجموع 231:5، المبسوط للسرخسي 64:2، شرح العناية 87:2، المغني 387:2 و 388، الشرح الكبير 349:2-350، الشرح الصغير 197:1.
2- سنن البيهقي 12:4 و 13.
3- مصنف ابن أبي شيبة 301:3، سنن البيهقي 36:4.
4- المغني 388:2، الشرح الكبير 350:2.
5- مصنف ابن أبي شيبة 303:3، مجمع الزوائد 34:3.
6- شرح العناية 87:2، بدائع الصنائع 313:1، المجموع 231:5، المغني 388:2.
7- المجموع 230:5 و 231، المغني 388:2، الشرح الكبير 350:2.
8- صحيح مسلم 662:2-963، سنن أبي داود 211:3-3201 و 3202، سنن الترمذي 343:3-345-1024 و 1025، سنن ابن ماجة 480:1-1498 و 1499.

قال الكاظم عليه السلام: «قال الصادق عليه السلام: صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي جنازة خمسا، و صلّي علي اخري فكبر أربعا، فالتي كبر عليها خمسا حمد اللّه و مجّده في الاولي، و دعا في الثانية للنبي، و في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و في الرابعة للميت، و انصرف في الخامسة، و التي كبر عليها أربعا، كبّر و حمد اللّه و مجّده، و دعا في الثانية لنفسه و أهله، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في الرابعة، و لم يدع له لأنه كان منافقا»(1).

مسألة 217: الأقوي أنه لا يتعين دعاء معين،

بل المعاني المدلول عليها تلك الأدعية، و أفضله أن يكبر و يشهد الشهادتين، ثم يكبر و يصلي علي النبيّ - صلّي اللّه عليه - و آله، ثم يكبر و يدعو للمؤمنين، ثم يكبّر و يدعو للميت، ثم يكبر الخامسة، و ينصرف مستغفرا - ذهب إليه علماؤنا أجمع - لأن ابن مسعود قال: ما وقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قولا و لا قراءة، فكبر كما كبر الإمام، و اختر من طيب القول ما شئت(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ليس في الصلاة علي الميت قراءة و لا دعاء موقت إلا أن تدعو بما بدا لك»(3).

و قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا صلّي علي ميت كبر و تشهد، ثم كبر و صلّي علي الأنبياء و دعا، ثم كبر

ص: 72


1- التهذيب 317:3-983، الاستبصار 475:1-1840.
2- سبل السلام 560:2، المغني 366:2.
3- الكافي 185:3-1، التهذيب 193:3-442، الاستبصار 476:1-1843.

و دعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة و دعا للميت، ثم كبر و انصرف»(1).

مسألة 218: و ليس فيها قراءة
اشارة

عند علمائنا أجمع - و به قال الثوري، و الأوزاعي، و مالك، و أبو حنيفة(2) - لأن ابن مسعود قال: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يوقت فيها قولا و لا قراءة(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام(4) و قد تقدم(5).

و لأن ما لا ركوع فيه ليس فيه قراءة، كسجود التلاوة.

و قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود: تجب فاتحة الكتاب، و رووه عن ابن مسعود، و ابن عباس، و ابن الزبير، و الحسن البصري(6) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قرأ بعد التكبيرة الأولي بأم القرآن(7). و لأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت القراءة كغيرها.

و الجواب: قد بيّنا عدم التوقيت، فكما جاز الدعاء جازت القراءة بنيّة الدعاء، و الفرق بين الصلاتين اشتراط الطهارة في غيرها دون هذه، لأن القصد فيها الدعاء فناسب سقوط القراءة.

ص: 73


1- الكافي 181:3-3، الفقيه 100:1-469، التهذيب 189:3-190-431.
2- بداية المجتهد 235:1، المبسوط للسرخسي 64:2، شرح فتح القدير 85:2، المجموع 242:5، المغني 366:2، الشرح الكبير 344:2.
3- سبل السلام 560:2، المغني 366:2.
4- الكافي 185:3-1، التهذيب 193:3-442، الاستبصار 476:1-1843.
5- تقدم في المسألة 217.
6- الام 283:1، المجموع 242:5، مختصر المزني 38:1، المبسوط للسرخسي 64:2، بداية المجتهد 235:1، المغني 366:2، الشرح الكبير 343:2.
7- سنن ابن ماجة 479:1-1495، سنن البيهقي 39:4.
فروع:

أ - قال الشيخ في الخلاف: تكره القراءة في صلاة الجنازة(1) و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الثوري، و مالك، و الأوزاعي - لما تقدم(2) من مشروعية الدعاء و التحميد - و هو مروي عن أبي هريرة و ابن عمر(3).

و قال الشافعي: قراءة الحمد شرط في صحتها(4).

ب - يستحب الإسرار بالدعاء في صلاة الجنازة لأن السر أقرب إلي القبول لبعده عن الرياء، و كذا من أوجب القراءة إلا بعض الشافعية فإنه قال:

يسر فيها نهارا لا ليلا(5).

ج - لا تستحب الزيادة علي الفاتحة عند الموجبين لها.

د - لا يستحب دعاء الاستفتاح عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء(6) لاستحباب التخفيف في هذه الصلاة.

و استحبه الثوري، و هو قول بعض الشافعية، و رواية عن أحمد(7) لأنه مستحب في غيرها، و الفرق التخفيف هنا.

ه - لا يستحب التعوذ عندنا - و هو قول أكثر أهل العلم - لأنها مخففة،

ص: 74


1- الخلاف 723:1 مسألة 542.
2- تقدم في المسألة 217.
3- شرح فتح القدير 85:2، بدائع الصنائع 313:1، المنتقي للباجي 16:2، بداية المجتهد 235:1، المجموع 242:5، الموطأ 228:1-17 و 19 و انظر الخلاف 723:1 مسألة 542.
4- المجموع 233:5 و 242، السراج الوهاج: 107، مغني المحتاج 341:1، الشرح الكبير 343:2، و انظر أيضا الخلاف 723:1 مسألة 542.
5- المجموع 234:5، عمدة القارئ 140:8.
6- المغني 366:2، الشرح الكبير 343:2، المجموع 234:5، حلية العلماء 295:2.
7- المجموع 234:5، المغني 366:2، الشرح الكبير 343:2.

و بعض الشافعية استحبه، و هو قول أحمد، لأنه سنة للقراءة(1) لقوله تعالي:

فَاسْتَعِذْ (2) و نحن نمنع القراءة.

مسألة 219: و لا تسليم فيها،
اشارة

بل يكبر الخامسة و ينصرف و هو يقول: عفوك عفوك. ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول ابن مسعود: لم يوقت لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في صلاة الميت قولا(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و الصادق عليه السلام: «ليس في الصلاة علي الميت تسليم»(4) ، و لأنه ليس لها حرمة الصلاة، لإيقاعها من غير طهارة و لا قراءة، فلا يشرع التسليم.

و قال الشافعي، و أحمد: يكبّر و يقرأ فاتحة الكتاب إما من غير استفتاح و لا تعوذ أو بعدهما علي ما تقدم، ثم يكبر الثانية و يصلّي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و يدعو للمؤمنين، و يكبر الثالثة و يدعو للميت وحده لأن القصد هو الدعاء له، ثم يكبر الرابعة و يسلّم(5).

و كذا قال أبو حنيفة في التسليم(6) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن عباس، و جابر، و أبي هريرة، و أنس، و سعيد بن جبير، و الحسن البصري، و ابن سيرين، و الحارث، و إبراهيم النخعي،

ص: 75


1- المغني 366:2، الشرح الكبير 343:2.
2- الأعراف: 200.
3- سبل السلام 560:2، المغني 366:2.
4- الكافي 185:3-3، التهذيب 192:3-437، الاستبصار 477:1-1846، و في الأخيرين عن الامام الصادق عليه السلام.
5- الام 270:1، المجموع 233:5-239، فتح الوهاب 94:1 و 95، المغني 366:2-367
6- الهداية للمرغيناني 92:1، شرح العناية 86:2، بداية المجتهد 236:1.

و الثوري، و أحمد، و إسحاق(1) قياسا علي سائر الصلوات، و الجواب ما تقدم من الفرق.

فروع:

الأول: اختلف القائلون بالتسليم بعد اتفاقهم علي وجوبه، فقال الشافعي، و أصحاب الرأي: يستحب تسليمتان و تجزي الواحدة كغيرها من الصلوات(2) و أنكر الباقون استحباب الثانية إلا النخعي(3) ، لأنهم نقلوا عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه سلّم علي الجنازة مرة واحدة(4).

الثاني: قال الموجبون للتسليم: يستحب أن يسلم عن يمينه، و إن سلّم تلقاء وجهه فلا بأس(5) ، لأنهم رووا عن عليّ عليه السلام أنه سلم علي يزيد بن المكفف واحدة عن يمينه السلام عليكم(6).

الثالث: إذا فرغ من الصلاة يستحب أن لا يبرح من مكانه حتي ترفع الجنازة.

مسألة 220: الميت إن كان مؤمنا دعا له في الرابعة، و عليه إن كان منافقا،

و يقرأ: ربنا اغفر للذين تابوا و اتّبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم، إن كان مستضعفا، و إن جهله سأل اللّه أن يحشره مع من يتولاّه.

و الطفل، سأل اللّه أن يجعله له و لأبويه فرطا، لقول الباقر عليه

ص: 76


1- المغني 370:2، الشرح الكبير 347:2، المجموع 244:5.
2- الام 271:1، المجموع 240:5، بدائع الصنائع 313:1، بداية المجتهد 236:1، المغني 370:2، الشرح الكبير 347:2.
3- المجموع 243:5، المغني 370:2-371، الشرح الكبير 347:2.
4- سنن البيهقي 43:4، و انظر المغني 370:2، و الشرح الكبير 347:2.
5- المجموع 240:5، مغني المحتاج 341:1، المغني 371:2، الشرح الكبير 347:2.
6- مصنف ابن أبي شيبة 307:3، و انظر المغني 371:2، و الشرح الكبير 347:2.

السلام: «إذا صليت علي المؤمن فادع له، و إن كان مستضعفا فكبر و قل:

اللّهم اغفر للذين تابوا»(1) و صلّي الباقر عليه السلام فقال: «اللّهم هذا عبدك و لا أعلم منه شرا فإن كان مستوجبا فشفّعنا فيه و احشره مع من كان يتولاه»(2).

و حضر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جنازة عبد اللّه بن أبي سلول فقيل:

يا رسول اللّه ألم ينهك اللّه أن تقوم علي قبره ؟! فقال: (ويلك و ما يدريك ما قلت، إني قلت: اللهم احش جوفه نارا و املأ قبره نارا و أصله نارا)(3).

و صلّي الحسين عليه السلام علي منافق فقال: «اللهم العن عبدك فلانا، و أخزه في عبادك، و أصله حر نارك، و أذقه أشد عذابك، فإنه يوالي أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيّك»(4).

و قال علي عليه السلام في الصلاة علي الطفل: «اللّهم اجعله لنا و لأبويه فرطا و أجرا»(5).

مسألة 221: أجمع أهل العلم كافة علي استحباب رفع اليدين في أول تكبيرة، و اختلفوا في البواقي

(6) ، فلعلمائنا قولان:

أحدهما: الاستحباب(7) - و به قال ابن عمر، و سالم، و عمر بن

ص: 77


1- الكافي 187:3-2، التهذيب 196:3-450.
2- الكافي 188:3-6، التهذيب 196:3-451.
3- الكافي 188:3-1، التهذيب 196:3-452.
4- الكافي 189:3-3، الفقيه 105:1-490، قرب الاسناد: 29.
5- التهذيب 195:3-196-449.
6- الام 271:1.
7- قاله الشيخ الطوسي في الاستبصار 479:1 ذيل الحديث 1854، و المحقق في شرائع الإسلام 1: 106، و يحيي بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 121.

عبد العزيز، و الزهري، و عطاء، و إسحاق، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يرفع يديه في كل تكبيرة(2) و فعله ابن عمر، و أنس(3). و من طريق الخاصة ما رواه عبد الرحمن العرزمي قال: صليت خلف الصادق عليه السلام علي جنازة فكبّر خمسا، يرفع يديه مع كل تكبيرة(4) ، و لأنها تكبيرة حالة الاستقرار فأشبهت الأولي.

و الثاني: عدم الاستحباب(5) - و به قال مالك، و الثوري، و أبو حنيفة(6) - لأن كل تكبيرة مقام ركعة، و لا ترفع الأيدي في جميع الركعات بل في الأولي، و لقول الصادق عليه السلام: «كان علي عليه السلام يرفع يديه في أول التكبير ثم لا يعود حتي ينصرف»(7).

و حديثنا أولي، لأن الصادق عليه السلام فعله(8) فلا يروي عن جده ما ينافي فعله، أو أنه مندوب فجاز تركه أحيانا، و نمنع الأصل في القياس.1.

ص: 78


1- الام 271:1، المجموع 232:5، المغني 370:2، الشرح الكبير 347:2.
2- ذكره الدار قطني في علله كما في هامش سنن الدار قطني 75:2.
3- مصنف ابن أبي شيبة 296:3، سنن البيهقي 44:4، المجموع 232:5، المغني 370:2، الشرح الكبير 348:2.
4- التهذيب 194:3-445، الاستبصار 478:1-1851.
5- قاله المفيد في المقنعة: 37، و الشيخ الطوسي في المبسوط 185:1، و النهاية: 145، و أبو الصلاح في الكافي: 157، و ابن حمزة في الوسيلة: 120، و سلاّر في المراسم: 79، و ابن البراج في المهذّب 1: 130.
6- المنتقي للباجي 12:2، القوانين الفقهية: 93، الحجة علي أهل المدينة 362:1، بدائع الصنائع 314:1، المجموع 232:5، المغني 370:2، الشرح الكبير 348:2.
7- التهذيب 194:3-444، الاستبصار 478:1-1853.
8- التهذيب 194:3-445، الاستبصار 478:1-1851.
البحث الخامس: في الأحكام.
مسألة 222: قال الشيخ في الخلاف: يكره لمن صلّي علي جنازة أن يصلي عليها ثانيا

(1) - و به قال أبو حنيفة، و هو أحد وجهي الشافعي(2) - لأن المراد المبادرة. و في الوجه الآخر: يجوز - و به قال أحمد(3) - لأن عليا عليه السلام كرر الصلاة علي سهل بن حنيف(4) ، و ليس حجة لأنه عليه السلام كررها إما لتعظيمه و إظهار شرفه أو ليصلي عليه من لم يصلّ.

أما من لم يصلّ علي الميت فهل يكره له الصلاة عليه بعد أن صلي عليه غيره ؟ الأقرب ذلك - و به قال النخعي، و مالك، و أبو حنيفة(5) - لمنافاته المبادرة المطلوبة، و لسقوط الفرض بالصلاة الأولي، فالثانية تطوع، و الصلاة علي الميت لا يتطوع بها، و لهذا إنّ من صلّي لا يكررها.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي جنازة ثم جاءه قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة. فقال:

إن الجنازة لا يصلي عليها مرتين، ادعوا له و قولوا خيرا»(6).

و قال بعض علمائنا: من فاتته الصلاة علي الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت فله أن يصلي علي القبر يوما و ليلة، أو ثلاثة أيام(7)

ص: 79


1- الخلاف 726:1 مسألة 548.
2- المجموع 246:5، شرح فتح القدير 83:2، شرح العناية 83:2، بدائع الصنائع 311:1.
3- المجموع 246:5، حلية العلماء 297:2، بدائع الصنائع 311:1، شرح العناية 83:2.
4- التهذيب 325:3-1011، الإستبصار 484:1-1876.
5- بداية المجتهد 238:1، شرح فتح القدير 83:2، شرح العناية 83:2، الهداية للمرغيناني 1: 91، بدائع الصنائع 311:1، المغني 385:2، الشرح الكبير 352:2.
6- التهذيب 324:3-1010، الاستبصار 484:1-485-1878.
7- الخلاف 726:1 مسألة 548.

علي ما تقدم من الخلاف(1) - و هو مروي عن أبي موسي، و ابن عمر، و عائشة، و به قال الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي قبر المسكينة(3). و الظاهر أنها دفنت بعد الصلاة، و صلّي علي عليه السلام علي سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة(4) ، لتلاحق من لم يصلّ.

و الوجه عندي التفصيل، فإن خيف علي الميت ظهور حادثة به كره تكرار الصلاة و إلا فلا.

إذا ثبت هذا، فإذا صلّي علي الميت مرّة لم توضع لأحد يصلي عليها، و لا يحبس بعد الصلاة و يبادر بدفنه.

و قال أبو حنيفة: إذا صلّي غير الولي و السلطان أعاد الولي و السلطان(5) لخبر المسكينة(6).

مسألة 223: و يصلي علي الجنائز في الأوقات الخمسة المكروهة،

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي(7) - لأن أبا هريرة صلّي علي عقيل حين اصفرت الشمس(8) ، و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «يصلي»

ص: 80


1- تقدم في المسألة 180.
2- المجموع 249:5، المغني 385:2، الشرح الكبير 353:2، بداية المجتهد 238:1.
3- سنن النسائي 69:4، الموطأ 227:1-15، سنن البيهقي 48:4.
4- الكافي 186:3-3، الفقيه 101:1-102-470، التهذيب 197:3-198-455.
5- شرح فتح القدير 83:2، المجموع 249:5-250، بداية المجتهد 238:1، المغني 385:2، الشرح الكبير 352:2.
6- سنن النسائي 69:4، الموطأ 227:1-15، سنن البيهقي 48:4.
7- الام 279:1، المجموع 213:5، بداية المجتهد 242:1، المغني 417:2، عمدة القارئ 124:8.
8- سنن البيهقي 32:4.

«علي الجنازة في كل ساعة لأنها ليست صلاة ركوع و سجود، و إنما يكره عند طلوع الشمس و غروبها التي فيها الركوع و السجود»(1) ، و لأنها عبادة واجبة فلا يكره كاليومية، و لأنها أدعية محضة فلا يكره كغيرها من الأدعية، و لأنها ذات سبب فجاز فعلها في الوقت المنهي عنه، كما يجوز بعد العصر، و قال الأوزاعي: تكره في الأوقات الخمسة(2).

و قال مالك، و النخعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و ابن عمر، و عطاء، و أصحاب الرأي: لا يجوز عند طلوع الشمس و اصفرارها و استوائها(3). لأن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا، و ذكر هذه الساعات(4) ، و هو محمول علي النافلة، أو علي قصد ذلك الوقت بصلاة الجنازة.

مسألة 224: و لو حضرت جنازة وقت الفريضة تخير في تقديم أيهما شاء

ما لم يخف فوت إحداهما فتتعين لقول الباقر عليه السلام: «عجل الميت إلي قبره إلا أن تخاف فوت الفريضة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «ابدأ بالمكتوبة قبل الصلاة علي الميت إلاّ أن يكون الميت مبطونا أو نفساء»(6) و إذا تعارض الخبران تخير المجتهد.

ص: 81


1- الكافي 180:3-2، التهذيب 321:3-998، الإستبصار 470:1-1814.
2- المغني 417:2 و فيه: تكره في الأوقات الثلاثة.
3- المدونة الكبري 190:1، المنتقي للباجي 17:2، بداية المجتهد 242:1، بدائع الصنائع 316:1، المغني 416:2-417.
4- سنن ابن ماجة 486:1-487-1519، سنن البيهقي 32:4.
5- التهذيب 320:3-995، الاستبصار 469:1-1812.
6- التهذيب 320:3-994.

و لو قيل: الأولي أن يبدأ بالمكتوبة ما لم يخف علي الجنازة كان وجها - و به قال مجاهد، و الحسن، و سعيد بن المسيب، و قتادة(1) - لشدة اهتمام الشارع بالمكتوبة.

و قال أحمد: يبدأ بالمكتوبة إلاّ الفجر و العصر - و به قال ابن سيرين - لأن ما بعدهما وقت نهي عن الصلاة فيه(2).

مسألة 225: و يستحب الصلاة في الأمكنة المعتادة،

و إن صلي عليها في المساجد جاز، و الأولي تجنبه إلا بمكة إذ لا يؤمن من تلطخ المسجد بانفجاره. و روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: (من صلّي علي جنازة في المسجد فلا شيء له)(3).

و من طريق الخاصة ما رواه أبو بكر بن عيسي بن أحمد العلوي قال:

كنت في المسجد، فجيء بجنازة و أردت أن أصلي عليها، فجاء أبو الحسن الأول عليه السلام فوضع مرفقه في صدري و جعل يدفعني حتي أخرجني من المسجد ثم قال: «يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلي عليها في المسجد»(4) و ليس للتحريم لقول الصادق عليه السلام: «نعم» و قد سئل هل يصلي علي الميت في المسجد؟(5).

و قال الشافعي: يجوز مطلقا - و به قال أحمد(6) - لأن عائشة روت أن

ص: 82


1- المغني 416:2.
2- المغني 416:2.
3- سنن ابن ماجة 486:1-1517، سنن البيهقي 52:4.
4- الكافي 182:3-1، التهذيب 326:3-1016، الاستبصار 473:1-1831.
5- الفقيه 102:1-473، التهذيب 320:3-992، الاستبصار 473:1-1829.
6- المجموع 213:5، المغني 372:2، الشرح الكبير 359:2، المحرر في الفقه 193:1.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي علي ابني بيضاء سهيل و أخيه في المسجد(1) ، و لأن كل صلاة جازت خارج المسجد لم تكره فيه كسائر الصلوات، و قال أبو حنيفة، و مالك: يكره في المسجد(2) لما تقدم.

مسألة 226: لو فاته بعض الصلاة مع الإمام و أدركه بين تكبيرتين كبر و دخل معه
اشارة

و لا ينتظر الإمام حتي يكبر معه - و به قال الشافعي(3) - لأنه أدرك الإمام و قد فاته بعض صلاته فيدخل و لا ينتظره كسائر الصلوات.

و قال أبو حنيفة، و أحمد، و الثوري، و إسحاق: لا يكبر و ينتظر تكبيرة(4) - و عن مالك روايتان(5) - لأن التكبيرات تجري مجري الركعات لأنها تقضي بعد فراغ الإمام فإذا فاته بعضها لم يشتغل بقضائها كما إذا فاته ركعة مع الإمام. و ينتقض بتكبير العيدين فإنه يقضيه عنده في حال الركوع و لا يجري مجري الركعات، و إلاّ لكان إذا حضر و كبّر الإمام قبل أن يكبر المأموم لا يكبر حتي يكبر اخري.

فروع:

أ - من أوجب القراءة لو دخل و الإمام في القراءة فكبر الإمام الثانية كبر

ص: 83


1- صحيح مسلم 669:2-101، سنن البيهقي 51:4.
2- شرح فتح القدير 90:2، عمدة القارئ 20:8، بداية المجتهد 242:1، المجموع 213:5-214.
3- الام 275:1، المجموع 243:5، فتح العزيز 183:5، الميزان 207:1، بداية المجتهد 238:1، المغني 374:2، الشرح الكبير 352:2.
4- الحجة علي أهل المدينة 364:1، المغني 374:2، الشرح الكبير 352:2، المجموع 243:5، الميزان 207:1، فتح العزيز 183:5، بداية المجتهد 238:1.
5- المدونة الكبري 181:1، بداية المجتهد 238:1، المجموع 243:5، فتح العزيز 183:5، الميزان 207:1، المغني 374:2، الشرح الكبير 352:2.

معه عنده إن كان قد فرغ من القراءة و إلا ففي القطع أو الإتمام وجهان للشافعي يبنيان علي المسبوق إذا ركع الإمام قبل إتمام القراءة، و أصحهما عنده: أنه يتبعه و يقطع كذا هنا قال: إلا أن بعد الثانية محل القراءة باق لأنه إذا أدركه في الثانية قرأ المأموم بخلاف الركوع(1) ، و مقتضاه أن يأتي بالقراءة بعد الثانية.

و يمكن أن يقال: لا يأتي لأنه لما أدرك قراءة الإمام صار محل القراءة ما قبل الثانية في حقه فلا يأتي بها بعد الثانية، و إن أدركه بعد الثانية كبر و اشتغل بالقراءة و الإمام مشغول بالصلاة علي النبيّ.

و عندنا عوض القراءة الشهادتان، فإذا كبر الثالثة كبر معه و اشتغل بالصلاة و الإمام مشغول بالدعاء للمؤمنين، فإذا كبر الرابعة كبر معه و اشتغل بدعاء المؤمنين، و الإمام مشغول بدعاء الميت، فإن أدركه في الرابعة كبر، فإذا كبر الخامسة عندنا، و سلّم عند الشافعي(2) دعا للميت و تمّم.

ب - لو أدرك بعض التكبيرات أتم الصلاة عندنا و قضي ما فات مع الإمام، و به قال سعيد بن المسيب، و عطاء، و النخعي، و الزهري، و ابن سيرين، و قتادة، و مالك، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أصحاب الرأي(3) لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلوا، و ما فاتكم فاقضوا)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله عيص عن الرجل».

ص: 84


1- المجموع 241:5، فتح العزيز 183:5.
2- المجموع 240:5-241.
3- المدونة الكبري 181:1، المغني 373:2، الشرح الكبير 351:2، المجموع 242:5-243.
4- صحيح البخاري 163:1، صحيح مسلم 420:1-421-602، الموطأ 68:1-69 - 4، سنن ابن ماجة 255:1-775، سنن الترمذي 149:2-327 و في الجميع ورد «فأتموا» بدل «فاقضوا».

يدرك من الصلاة علي الميت تكبيرة، قال: «يتم ما بقي»(1) و لأنه دخل في فرض فوجب إكماله.

و قال ابن عمر، و الحسن البصري، و أيوب السجستاني، و الأوزاعي:

لا يقضي - و هو رواية عن أحمد(2) - لأن عائشة قالت: يا رسول اللّه إني أصلي علي الجنازة و يخفي عليّ بعض التكبير، قال: (ما سمعت فكبري، و ما فاتك فلا قضاء عليك)(3) و لأنها تكبيرات متوالية فإذا فاتت لم تقض، كتكبيرات العيد.

و يحمل الحديث علي الشك في البعض، فأمرها بالتعويل علي تكبير الإمام، و يخالف تكبيرات العيد لأنها تجري مجري أفعال الصلاة إذ لا يجوز الإخلال بها، بخلاف تكبيرات العيد عنده.

ج - إن تمكن في القضاء من الأدعية فعل، و إن خاف مسارعة رفعها تابع بالتكبير ولاء، لقول الصادق عليه السلام: «إذا أدرك الرجل التكبيرة و التكبيرتين في الصلاة علي الميت فليقض ما بقي متتابعا»(4).

د - لو رفعت الجنازة و لمّا يتم أتم و هي علي أيدي الرجال، و لو دفنت أتمّ علي القبر لقول الباقر عليه السلام: «يتم التكبير و هو يمشي معها، و إذا لم يدرك التكبير كبر علي القبر، و إن أدركهم و قد دفن كبر علي القبر»(5).

ه - لو سبق المأموم الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الإمام ليدرك فضيلة الجماعة.2.

ص: 85


1- التهذيب 199:3-461، الإستبصار 481:1-1861.
2- المغني 373:2.
3- المغني 373:2.
4- الفقيه 102:1-471، التهذيب 200:3-463، الاستبصار 482:1-1865.
5- التهذيب 200:3-462، الإستبصار 481:1-1862.
مسألة 227: لو حضرت جنازة في أثناء التكبير تخير
اشارة

في الإتمام ثم يستأنف أخري علي الثانية، و في الاستئناف عليهما بعد إبطال ما كبّر، لأن في كل واحدة منهما الصلاة عليهما.

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام عن قوم كبروا علي جنازة تكبيرة أو تكبيرتين و وضعت معها اخري، قال: «إن شاءوا تركوا الاولي حتي يفرغوا من التكبير علي الأخيرة، و إن شاءوا رفعوا الأولي و أتموا التكبير علي الأخيرة، كلّ ذلك لا بأس به»(1).

فروع:

أ - الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة.

ب - يجوز أن يصلي علي كل طائفة صلاة واحدة.

ج - لو اختلف الوجه بأن جاء بعض من يستحب الصلاة عليه و قد دخل في الواجبة وجب الإكمال و استحبت الثانية، و لو انعكس الحال جاز الإتمام و الاستئناف.

د - لو خيف علي الجنائز استحب الاستئناف كما يستحب الجمع ابتداء معه.

مسألة 228: ذهب علماؤنا أجمع إلي أن الإمام يقف خلف الجنازة وجوبا،

و لا يجوز أن يتقدمها و يصلي و الجنازة خلف ظهره - و هو أصح وجهي الشافعية(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كذا فعل فيجب اتباعه(3).

ص: 86


1- الكافي 190:3-1، التهذيب 327:3-1020.
2- المجموع 227:5-228، فتح العزيز 163:5، الوجيز 76:1.
3- انظر علي سبيل المثال: سنن ابن ماجة 479:1-1493 و 1494، سنن البيهقي 33:4.

احتجوا علي الآخر بجواز الصلاة علي الغائب و إن كان خلف ظهر المصلي(1) و نمنع حكم الأصل، و لو سلّم فللضرورة بخلاف صورة النزاع.

مسألة 229: قد بيّنا وجوب الصلاة علي النبيّ و آله عليهم السلام في الثانية

- و للشافعي في الآل قولان(2) - لأن الآل تجب الصلاة عليهم في التشهد فكذا هنا.

و يجب في النيّة التعرض للفرض - و هو أحد قولي الشافعية(3) - لأن الفعل إنما يقع علي الوجه المأمور به شرعا باعتبار القصد.

و لا يجب التعرض لكونه فرض كفاية - و هو أصح وجهي الشافعية(4) و لا تعيين الميت باسم، أو صفة، غير الإشارة و معرفته، فلو عيّن فأخطأ احتمل بطلان الصلاة - و هو قول الشافعية(5) - إذ لم يقصد الصلاة علي هذا فلا يجزي ما فعله، و الصحة إذ التعيين ليس شرطا.

و لو زاد تكبيرة عمدا علي العدد الواجب لم تبطل الصلاة لأن التسليم ليس واجبا و لا مستحبا هنا.

و الشافعي حيث أوجب التسليم في البطلان عنده وجهان لأن الزيادة قد ثبتت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنده(6). و لأنها كالركعات.

و لو كبر مع الإمام ثم تخلف في التكبير اللاحق عمدا حتي كبر الإمام

ص: 87


1- فتح العزيز 163:5.
2- المجموع 235:5، فتح العزيز 169:5، الوجيز 76:1.
3- المجموع 230:5، السراج الوهاج: 106.
4- المجموع 230:5، فتح العزيز 165:5، السراج الوهاج: 106.
5- المجموع 230:5، فتح العزيز 165:5، السراج الوهاج: 106.
6- المجموع 230:5، فتح العزيز 165:5-166.

باقي الفائت فالوجه عدم البطلان، و يأتي بها المأموم بعد الفراغ، و عند الشافعي تبطل(1) لأن الاقتداء في هذه الصلاة لا يظهر إلا في التكبيرات، و هذا تخلف فاحش.

المطلب الخامس: في الدفن.
مسألة 230: أجمع علماء الإسلام علي وجوب دفن المسلم علي الكفاية،

لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر به و فعله بكل ميّت(2) ، و يجب دفنه في حفرة تحرسه عن السباع، و تكتم رائحته عن الناس.

و يجب عندنا إضجاعه علي جانبه الأيمن موجها إلي القبلة لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دفن كذلك، و هو عمل الصحابة و التابعين(3).

و أوجب الشافعي الاستقبال دون الإضجاع علي الأيمن بل جعله مستحبا(4) ، و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يجب اتباعه، و قال عليه السلام:

(إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه)(5).

مسألة 231: و يستحب تعميق القبر قدر قامة أو إلي الترقوة

عند علمائنا أجمع إذ قصد الدفن يحصل به فالزيادة تكلف، و لقول الصادق عليه السلام:

«حد القبر إلي الترقوة»(6).

و قال الشافعي: يعمق قدر قامة و بسطة، و قدر ذلك أربعة أذرع

ص: 88


1- المجموع 242:5.
2- سنن أبي داود 214:3-3215.
3- سنن ابن ماجة 495:1-1552.
4- الام 276:1، المجموع 293:5، فتح العزيز 216:5-218.
5- مسند أحمد 432:2 نحوه.
6- الكافي 165:3-1، الفقيه 107:1-498، التهذيب 451:1-1469.

و نصف، و هو رواية عن أحمد(1) لأن النبيّ عليه السلام قال: (احفروا و أوسعوا و عمقوا)(2) و قال عمر: عمقوا قبري قامة، و بسطة(3).

و الحديث لا دلالة فيه علي دعواه، و قول عمر لا حجة فيه.

و قال مالك: لا حدّ فيه بل يحفر حتي يغيب عن الناس(4).

و قال عمر بن عبد العزيز: يحفر إلي السرة و لا يعمق لأن ما علي وجه الأرض أفضل مما سفل منها(5) ، و عن أحمد: إلي الصدر، و به قال الحسن البصري، و ابن سيرين(6).

و الوجه ما قدمناه لأن الصادق عليه السلام قال: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع»(7) و لا خلاف في أن ذلك كله مستحب.

مسألة 232: و يستحب أن يجعل له لحد،
اشارة

و معناه: أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت، و هو أفضل من الشق و معناه: أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يضع الميت فيه و يسقف عليه بشيء، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي، و أكثر

ص: 89


1- الام 276:1، المجموع 287:5، فتح العزيز 201:5، الوجيز 77:1، فتح الوهاب 98:1، الشرح الكبير 379:2.
2- سنن ابن ماجة 497:1-1560، سنن أبي داود 214:3-3216.
3- مصنف ابن أبي شيبة 326:3.
4- المنتقي 22:2 المجموع 288:5.
5- المجموع 288:5، الشرح الكبير 378:2-379.
6- الشرح الكبير 378:2.
7- الكافي 166:3-4، التهذيب 451:1-1466.

أهل العلم(1) - لقول ابن عباس: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (اللحد لنا و الشق لغيرنا)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاري»(3) و قال أبو حنيفة: الشق أفضل بكل حال(4).

فروع:

أ - لو كانت الأرض رخوة يخاف من اللحد فالشق أولي - و به قال الشافعي(5) - و قال بعض علمائنا: يعمل له شبه اللحد من بناء، تحصيلا للفضيلة(6).

ب - يستحب أن يكون اللحد واسعا قدر ما يتمكن فيه الجالس من الجلوس لقوله عليه السلام: (و أوسعوا)(7) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و أما اللحد فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس»(8).

ج - يستحب أن يضع تحت رأس الميت لبنة أو شيئا مرتفعا كما يصنع

ص: 90


1- الام 276:1، المجموع 287:5، فتح العزيز 202:5، بدائع الصنائع 318:1، كشاف القناع 133:2، الشرح الكبير 381:2.
2- سنن ابن ماجة 496:1-1554، سنن الترمذي 363:3-1045، سنن النسائي 80:4، سنن البيهقي 408:3، سنن أبي داود 213:3-3208.
3- الكافي 166:3-3، التهذيب 451:1-1467.
4- فتح العزيز 202:5.
5- الام 276:1، المجموع 287:5، فتح العزيز 202:5.
6- قاله المحقق في المعتبر: 80.
7- سنن ابن ماجة 497:1-1559 و 1560، سنن أبي داود 214:3-3215.
8- الفقيه 107:1-108-498.

بالحي، و يدني من الحائط لئلا ينكب و يسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب.

قال الصادق عليه السلام: «يجعل للميت وسادة من تراب، و يجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي»(1).

د - لا ينبغي جعل مضربة و لا مخدة في القبر لما فيه من إتلاف المال، و عدم ورود النص به، و قد نقل أنه جعل في قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قطيفة حمراء(2).

مسألة 233: و يستحب وضع الجنازة علي الأرض عند الوصول إلي القبر،

و إنزاله إليه في ثلاث دفعات و لا يفدحه بالقبر دفعة واحدة، لأنه أبلغ في التذلل و الخضوع، و لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره»(3).

و يجعل الميت عند رجل القبر إن كان رجلا، و يسلّ من قبل رأسه، و يبدأ برأسه كما خرج إلي الدنيا، و قدامه مما يلي القبلة إن كان امرأة و تؤخذ عرضا عند علمائنا - و به قال الشافعي مطلقا، و أحمد، و النخعي، و الشعبي(4) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سل من قبل رأسه سلا(5).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن عطية مرسلا، قال: «إذا أتيت بأخيك إلي القبر فلا تفدحه، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة،

ص: 91


1- الفقيه 108:1-500.
2- صحيح مسلم 665:2-666-967، سنن الترمذي 365:3-1048، سنن النسائي 81:4، مسند أحمد 228:1، سنن البيهقي 408:3.
3- التهذيب 313:1-908.
4- المجموع 294:5، المغني 374:2، كشاف القناع 131:2، بدائع الصنائع 318:1-319.
5- سنن البيهقي 54:4.

حتي يأخذ أهبته(1) ، ثم ضعه في لحده»(2).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إن لكل بيت بابا، و باب القبر من قبل الرجلين)(3).

و قال أبو حنيفة: توضع الجنازة علي جانب القبر مما يلي القبلة، ثم يدخل القبر معترضا لأنه مروي عن علي عليه السلام(4).

و هو ممنوع، إذ أهل البيت عليهم السلام أعرف بمذهب أبيهم، و قد قال الصادق عليه السلام: «إذا أدخل الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلاّ، و المرأة تؤخذ عرضا»(5).

مسألة 234: و ينبغي أن ينزل إلي القبر الولي أو من يأمره به

في الرجل، لطلب الحظّ للميت و الرفق به، و لقول علي عليه السلام: «إنما يلي الرجل أهله»(6) و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لحّده علي عليه السلام، و العباس، و أسامة(7).

و لا بأس أن يكون شفعا أو وترا، و الأصل فيه حاجتهم و الأسهل في أمره لأن زرارة سأل الصادق عليه السلام عن القبر كم يدخله ؟ قال: «ذلك إلي الولي إن شاء أدخل وترا، و إن شاء شفعا»(8).

ص: 92


1- تأهّب: استعدّ. و أهبة الحرب: عدّتها. الصحاح 89:1 «أهب».
2- التهذيب 312:1-907.
3- الكافي 193:3-5، التهذيب 316:1-918.
4- بدائع الصنائع 318:1، المجموع 294:5، المغني 374:2، الحجة علي أهل المدينة 370:1 - 371.
5- التهذيب 325:1-590.
6- الكافي 193:3-194-5، التهذيب 325:1-948، سنن البيهقي 53:4.
7- المجموع 288:5، سنن البيهقي 53:4.
8- الكافي 193:3-4، التهذيب 314:1-914.

و قال الشافعي: يستحب الوتر ثلاثا أو خمسا(1) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أدخله العباس، و علي عليه السلام، و اختلف في الثالث، فقيل:

الفضل بن العباس، و قيل: أسامة بن زيد(2) ، و هو اتفاقي.

و يكره أن ينزل ذو الرحم لأنه يقسي القلب، بل يوليه غيره.

أما المرأة فالإجماع علي أولوية إدخال ذي الرحم قبرها، لأنها عورة، قال الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: مضت السنة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حياتها»(3).

و الزوج أولي من كل أحد - خلافا لأحمد - فإن لم يكن أحد من ذوي أرحامها و لا زوجها فالنساء، فإن تعذر فالأجانب الصلحاء، و إن كانوا مشايخ فهم أولي، و جعلهم أحمد أولي من النساء(4).

مسألة 235: يستحب لمن ينزل إلي القبر حل أزراره، و التحفّي، و كشف رأسه،

قال الصادق عليه السلام: «لا تنزل إلي القبر و عليك عمامة، و لا قلنسوة و لا رداء و لا حذاء و حل أزرارك» قلت: فالخف ؟ قال: «لا بأس»(5) قال الشيخ: و يجوز أن ينزل بالخفين عند الضرورة و التقية(6).

و يستحب أن يكون متطهرا، قال الصادق عليه السلام: «توضأ إذا

ص: 93


1- الام 283:1، مختصر المزني: 38-39.
2- المجموع 288:5، سنن البيهقي 53:4.
3- الكافي 193:3-5، التهذيب 325:1-948.
4- المغني 378:2.
5- الكافي 192:3-3، التهذيب 313:1-314-911، الإستبصار 213:1-751.
6- النهاية: 37-38.

أدخلت الميت القبر»(1) و يستحب الدعاء عند معاينة القبر، فيقول: (اللهم اجعلها روضة من رياض الجنّة، و لا تجعلها حفرة من حفر النار) فإذا تناوله قال: (بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و علي ملّة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا إيمانا و تسليما).

و روي محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: «إذا وضعته في لحده فقل: بسم اللّه و في سبيل اللّه و علي ملة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اللهم عبدك نزل بك و أنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره و ألحقه بنبيه، اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا، و أنت أعلم به، فإذا وضعت اللبن فقل: اللهم صل وحدته، و آنس وحشته، و اسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإذا خرجت من قبره فقل: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و الحمد للّه ربّ العالمين، اللهم ارفع درجته في أعلا عليين، و اخلف علي عقبه في الغابرين، و عندك نحتسبه يا رب العالمين»(2).

مسألة 236: و يحل عقد كفنه من قبل رأسه و رجليه

لأن عقدها كان لخوف انتشارها و قد أمن ذلك، و لما أدخل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نعيم بن مسعود الأشجعي(3) القبر نزع الأخلة بفيه(4) ، و لا يشق الكفن لأنه إتلاف مستغني عنه،

ص: 94


1- التهذيب 321:1-934.
2- الكافي 196:3-6، التهذيب 316:1-920.
3- نعيم بن مسعود بن عامر.. الغطفاني الأشجعي: أسلم زمن الخندق و هو الذي خذل الأحزاب ثم سكن المدينة و مات في خلافة عثمان، و قيل: بل قتل في الجمل الأول قبل قدوم عليّ البصرة. راجع تهذيب التهذيب 415:10-841 و أسد الغابة 33:5. و علي هذا فان بين متن الحديث و كتب التراجم تضاد، و قال أبو داود في المراسيل ص 178: ان هذا الاسم خطأ.
4- مصنف ابن أبي شيبة 326:3، سنن البيهقي 407:3، مراسيل أبي داود: 178-379.

و قد أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يحسن الكفن(1) و تخريقه يذهب حسنه، ثم يضع خده علي التراب، و يستحب أن يضع معه شيئا من تربة الحسين عليه السلام للأمن و الستر، فقد روي أن امرأة كانت تزني، و تحرق أولادها خوفا من أهلها، فلما ماتت دفنت، فقذفتها الأرض، و دفنت ثانيا، و ثالثا، فجري ذلك، فسألت أمها الصادق عليه السلام عن ذلك و أخبرته بحالها، فقال: «إنها كانت تعذب خلق اللّه بعذاب اللّه، اجعلوا معها شيئا. من تربة الحسين عليه السلام» ففعل فاستقرت(2).

مسألة 237: إذا طرحه في اللحد لقنه الولي أو من يأمره

و هو التلقين الثاني، قال الصادق عليه السلام: «إذا وضعته في اللحد فضع فمك علي اذنه و قل: اللّه ربّك، و الإسلام دينك، و محمد نبيك، و القرآن كتابك، و علي إمامك»(3) و قال الصادق عليه السلام: «تضع يدك اليسري علي عضده الأيسر و تحركه تحريكا شديدا، ثم تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل:

اللّه ربّي، و محمد نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي إمامي حتي تستوفي الأئمة»(4).

ثم تعيد القول، ثم تشرج اللحد باللبن و الطين، قال الصادق عليه السلام: «و تضع الطين و اللبن، ثم تخرج من قبل الرجلين»(5) لما تقدم من أنه باب القبر، و قال الباقر عليه السلام: «من دخل القبر فلا يخرج منه إلا

ص: 95


1- صحيح مسلم 651:2-943، سنن ابن ماجة 473:1-1474، سنن الترمذي 320:3-995، سنن أبي داود 198:3-3148، سنن النسائي 33:4.
2- منتهي المطلب 461:1.
3- الكافي 195:3-2، التهذيب 318:1-924، و 456-1489.
4- التهذيب 457:1-1492.
5- التهذيب 457:1-1492.

من قبل الرجلين»(1).

مسألة 238: ثم يهيل التراب عليه و كذا الحاضرون بظهور الأكف مسترجعين،

لأن الكاظم عليه السلام حثا التراب علي القبر بظهر كفه(2) ، و قال الصادق عليه السلام: «إذا حثوت التراب علي الميت فقل: اللهم إيمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله» و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: من حثا علي ميت و قال هذا القول أعطاه اللّه بكل ذرّة حسنة»(3).

و يكره أن يهيل ذو الرحم علي رحمه لأن بعض أصحاب الصادق عليه السلام مات له ولد، فحضره الصادق عليه السلام، فلما الحد، تقدم أبوه فطرح عليه التراب، فأخذ الصادق عليه السلام بكفيه، و قال: «لا تطرح عليه التراب و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب» فقلنا: يا بن رسول اللّه أ تنهانا عن هذا وحده ؟ فقال: «أنهاكم أن تطرحوا التراب علي ذوي الأرحام، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسا قلبه بعد من ربّه»(4).

مسألة 239: ثم يطم القبر و لا يطرح فيه من غير ترابه

إجماعا لأن النبيّ عليه السلام نهي أن يزاد في القبر علي حفيرته، و قال: (لا يجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه)(5).

ص: 96


1- التهذيب 316:1-917، الكافي 193:3-4 و فيه عن الإمام الصادق عليه السلام.
2- التهذيب 318:1-925.
3- الكافي 198:3-2، التهذيب 319:1-926.
4- الكافي 199:3-5، التهذيب 319:1-928، علل الشرائع: 304 باب 247.
5- سنن البيهقي 410:3.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يزاد علي القبر تراب لم يخرج منه»(1).

و قال الصادق عليه السلام: «لا تطينوا القبر من غير طينه»(2).

و يستحب أن يرفع مقدار أربع أصابع لا أزيد ليعلم أنه قبر فيتوقي و يترحم عليه، و رفع قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قدر شبر(3).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: (لا تدع تمثالا إلا طمسته، و لا قبرا مشرفا إلا سويته)(4).

و من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «و يلزق الأرض بالقبر إلا قدر أربع أصابع مفرجات»(5).

مسألة 240: ثم يربع القبر مسطحا، و يكره التسنيم،

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي(6) - لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سطح قبر ابنه إبراهيم(7). و قال القاسم بن محمد: رأيت قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و قبر أبي بكر، و عمر مسطحة(8).

و من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

ص: 97


1- الكافي 202:3-4، التهذيب 460:1-1500.
2- الكافي 201:3-1، التهذيب 460:1-1499.
3- فتح العزيز 224:5، سنن البيهقي 410:3-411.
4- صحيح مسلم 666:2-969، سنن أبي داود 215:3-3218، سنن البيهقي 3:4، سنن الترمذي 366:3-1049.
5- الكافي 195:3-3، التهذيب 315:1-916 و 458-1494، و فيهما: و يلزق القبر بالأرض.
6- الام 273:1، المجموع 297:5، فتح العزيز 229:5، المغني 380:2-381.
7- فتح العزيز 230:5، المغني 381:2.
8- سنن أبي داود 215:3-3220، المستدرك للحاكم 369:1 نحوه.

«و ربع قبره»(1) و لأن قبور المهاجرين و الأنصار بالمدينة، مسطحة، و هو يدل علي أنه السّنة، و أنه أمر متعارف.

و قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أحمد، السنة التسنيم(2) ، لأن إبراهيم النخعي قال: أخبرني من رأي قبر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و صاحبيه مسنمة(3) ، و هو مرسل فلا عبرة به.

مسألة 241: ثم يصب الماء عليه من أربع جوانبه،

مبتدئا بالرأس دورا، فإن فضل من الماء شيء صبّه علي وسط القبر.

قال الصادق عليه السلام: «السنة في رش الماء علي القبر أن يستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلي عند الرجل، يدور علي القبر من الجانب الآخر ثم يرش علي وسط القبر»(4).

و يستحب أن يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين، قال الباقر عليه السلام: «إذا حثي عليه التراب و سوي قبره فضع كفك علي قبره عند رأسه و فرج أصابعك و اغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء»(5) و قال الباقر عليه السلام بعد أن وضع كفه علي القبر: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و اصعد إليك روحه، و لقه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» ثم مضي(6).

مسألة 242: ثم يلقنه - بعد انصراف الناس عنه - وليّه

مستقبلا للقبر و القبلة

ص: 98


1- الكافي 195:3-3، التهذيب 458:1-1494.
2- الهداية للمرغيناني 94:1، اللباب 132:1، المنتقي للباجي 22:2، المغني 380:2، المجموع 297:5، فتح العزيز 229:5-230.
3- شرح فتح القدير 101:2، الكفاية 101:2.
4- التهذيب 320:1-931.
5- التهذيب 457:1-1490.
6- الكافي 198:3-3، التهذيب 319:1-927.

و هو التلقين الثالث، ذهب إليه علماؤنا - خلافا للجمهور(1) لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلان فإنه يسمع و لا يجيب، ثم ليقل:

يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك اللّه، و لكن لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، و أنك رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيّا، و بالقرآن إماما، فإن منكرا و نكيرا (يتأخر كل واحد منهما)(2) فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقن حجته، و يكون اللّه تعالي حجته(3) دونهما) فقال: يا رسول اللّه فإن لم يعرف اسم أمّه ؟ قال: (فلينسبه الي حوّاء)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ما علي أهل الميت منكم أن يدرؤا عن ميتهم لقاء منكر و نكير» قلت: كيف يصنع ؟ قال: «إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولي الناس به، فليضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلي صوته يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت علي العهد الذي فارقتنا عليه [من](5) شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن عليا أمير المؤمنين، و أن ما جاء به محمد حقّ، و أن الموت و البعث حق، و أن اللّه يبعث من في القبور» قال: «فيقول منكر لنكير(6):

انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته»(7) قال الشيخ: و يسمي الأئمة عليهم5.

ص: 99


1- المغني 381:2.
2- في المصدر هكذا: يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه.
3- و في المصدر: حجيجه.
4- مجمع الزوائد 324:2 نقلا عن الطبراني.
5- الزيادة من المصدر.
6- في الأصلين: و نكير. و ما أثبتناه من المصدر.
7- الكافي 201:3-11، الفقيه 109:1-501، التهذيب 321:1-935.

السلام واحدا واحدا(1) لأنه موضع الحاجة.

مسألة 243: ينبغي تعليم القبر بحجر أو خشبة

ليعرفه أهله فيترحمون عليه لأن النبيّ عليه السلام، لما مات عثمان بن مظعون و اخرج بجنازته فدفن، أمر عليه السلام رجلا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه، و قال:

(أعلم بها قبر أخي و أدفن إليه من مات من أهله)(2).

و من طريق الخاصة، رواية يونس بن يعقوب قال: لما رجع الكاظم عليه السلام من بغداد و مضي إلي المدينة ماتت بنت له بفيد(3) ، فدفنها و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها، و يكتب علي لوح اسمها، و يجعله في القبر(4).

المطلب السادس: في اللواحق.
مسألة 244: الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيوت
اشارة

لأنه أقل ضررا علي الأحياء من ورثته، و أشبه بمساكن الآخرة، و أكثر للدعاء له و الترحم عليه، و لم تزل الصحابة، و التابعون، و من بعدهم يقبرون في الصحاري، و اختاره النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لأصحابه و كان يدفنهم بالبقيع(5) و دفن النبيّ عليه السلام في بيته(6) لأنه فعل أصحابه، و فعله عليه

ص: 100


1- المبسوط للطوسي 187:1.
2- سنن أبي داود 212:3-3206، سنن البيهقي 412:3.
3- الفيد: منزل بطريق مكة، و يقال: بليدة بنجد علي طريق الحاج العراقي. انظر مجمع البحرين 123:3، و معجم البلدان 282:4.
4- الكافي 202:3-3، التهذيب 461:1-1501، الإستبصار 217:1-768.
5- المغني 383:2.
6- صحيح البخاري 128:2، الموطأ 232:1-30.

السلام أولي من فعل غيره، أو لأنه قيل: قبض في أشرف البقاع فيدفن فيه(1) ، أو لما يقال من أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون(2) أو ليتميز عن غيره.

فروع:

أ - يستحب أن يدفن في أشرف البقاع، فإن كان بمكة ففي مقبرتها، و كذا بالمدينة، و مشاهد الأئمة عليهم السلام، و في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون، و الشهداء، لتناله بركتهم، و كذا في البقاع الشريفة، لأن موسي عليه السلام لمّا حضرته الوفاة، سأل اللّه عزّ و جلّ أن يدنيه إلي الأرض المقدسة رمية بحجر، قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لو كنت ثمّ لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر)(3).

ب - جمع الأقارب في الدفن حسن لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: (أدفن إليه من مات من أهله)(4) و لأنه أسهل لزيارتهم و أكثر للترحم عليه(5) ، و ينبغي تقديم الأب ثم من يليه في السن و الفضيلة إذا أمكن.

ج - ينبغي دفن الشهيد حيث قتل، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:

(ادفنوا القتلي في مصارعهم)(6).

ص: 101


1- دلائل النبوة للبيهقي: 7-259، طبقات ابن سعد 293:2، الخصائص الكبري 278:2.
2- سنن ابن ماجة 521:1 ذيل الحديث 1628، سنن الترمذي 338:3-1018، الموطأ 231:1-27، طبقات ابن سعد 292:2.
3- صحيح البخاري 113:2.
4- سنن أبي داود 212:3-3206، سنن البيهقي 412:3.
5- كذا، و الصحيح: عليهم.
6- سنن ابن ماجة 486:1-1516، موارد الظمآن: 196-774 و 775 نحوه.

د - لو طلب بعض الورثة الدفن في المسبلة و البعض في الملك، دفن في المسبلة لأنه أقلّ ضررا علي الورثة، فإن تشاحا في الكفن قدم قول من يكفنه من ملكه لأن فيه منة يتضرر بها الوارث.

ه - لو أوصي بأن يدفن في داره كان من الثلث، و قال أحمد: يدفن في المسبلة لئلا يضر بالورثة(1).

و - قال الشيخ: يستحب أن يكون للإنسان مقبرة ملك، يدفن فيه أهله و أقاربه(2).

ز - لو تشاح اثنان في الدفن في المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق و رحاب المساجد، فإن تساويا أقرع.

مسألة 245: يكره نقل الميت عن بلد موته

بإجماع العلماء، لقوله عليه السلام: (عجلوهم إلي مضاجعهم)(3) و يستحب نقله إلي أحد مشاهد الأئمة عليهم السلام، لأن عمل الإمامية عليه من زمن الأئمة عليهم السلام إلي زماننا فكان إجماعا، و لأنه موضع شريف فينبغي قصده.

أما لو دفن في غيره لم يجز نقله و إن كان إلي المشاهد، لإطلاق تحريم النبش، و سوّغه بعض علمائنا، قال الشيخ: سمعناه مذاكرة(4).

مسألة 246: يحرم نبش القبر

بالإجماع، لأنه مثلة و هتك لحرمة الميت إلا في مواضع:

أ - إذا وقع في القبر ما له قيمة، جاز نبشه لأخذه، حفظا للمال عن

ص: 102


1- المغني 384:2.
2- المبسوط للطوسي 188:1.
3- سنن البيهقي 57:4، مجمع الزوائد 43:3، كنز العمال 428:4-11249، سنن الترمذي 215:4-1717.
4- المبسوط للطوسي 187:1.

الضياع. و قيل: إن المغيرة بن شعبة طرح خاتمة في قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ثم قال: خاتمي، ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه(1).

فإن دفع أهل الميت القيمة إليه ففي وجوب أخذه و تحريم النبش إشكال، و لا فرق بين أن تكون القيمة قليلة أو كثيرة، نعم يكره في القليلة.

ب - لو دفن في أرض مغصوبة، أو مشتركة بينه و بين غيره و لم يأذن الشريك فلمالكها قلعه، لأنه عدوان فتجب إزالته.

و لو استعار للدفن جاز الرجوع قبله و يحرم بعده، لأن نبش الميت محرم، و لأن الدفن مؤبد الي أن يبلي الميت ثم تعود إلي مالكها.

و قال في المبسوط: إذا دفن الميت ثم بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها، و الأفضل أن يتركه، لأنه لا دليل يمنع من ذلك(2) فإن قصد في الأرض المغصوبة صح و إلا منع.

ج - لو كفن في ثياب مغصوبة و دفن، نبش إن طلب مالكها عين ماله لأنها ملك الغير فلا تنتقل عنه.

و قال الشافعي: لا ينبش و يرجع إلي القيمة بخلاف غصب الأرض لتعذر تقويم المدفن و إمكان تقويم الثوب(3).

د - لو دفن و لم يغسل، قال الشيخ: لا ينبش(4) ، و به قال أبو0.

ص: 103


1- المجموع 300:5، المغني 415:2، المهذب للشيرازي 145:1.
2- المبسوط للطوسي 188:1.
3- المجموع 299:5، فتح العزيز 250:5.
4- الخلاف 730:1 مسألة 560.

حنيفة(1) ، و هو الوجه، لأنه مثلة.

و قال الشافعي: ينبش، و يغسل، و يصلي عليه إذا لم يخف فساده في نفسه - و به قال مالك، و أحمد، و أبو ثور - لأنه واجب فلا يسقط بذلك(2) ، و هو وجه عندي، و كذا لو دفن إلي غير القبلة.

ه - لو دفن و لم يكفن فالوجه أنه لا ينبش، لأن التكفين أغني عنه الدفن، إذ الستر قد حصل.

و لو دفن قبل الصلاة فالوجه أنه لا ينبش أيضا، لاستدراكها بفعلها علي القبر، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية، و في أخري: ينبش لأنه دفن قبل واجب(3) و نمنع العلية.

و - كل موضع منعنا فيه من النبش فإنما هو مع بقاء الميت، أما لو بلي و صار رميما فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه أو لمصلحة المالك المعير، و لو شك رجع إلي أهل الخبرة، و يختلف باختلاف الأهوية و الترب، فإن نبش فوجد فيه عظاما دفنها و حفر في غيره.

مسألة 247: تكره أشياء:

أ - دفن ميتين في قبر واحد إذا دفنا ابتداء، أما لو دفن أحدهما ثم أريد نبشه و دفن آخر فيه، قال في المبسوط: يكره(4).

ص: 104


1- المبسوط للسرخسي 73:2، المجموع 300:5، فتح العزيز 250:5، المغني 415:2، الشرح الكبير 409:2.
2- بلغة السالك 203:1، المغني 415:2، المجموع 300:5، فتح العزيز 250:5، الوجيز 78:1.
3- المجموع 298:5-299، المغني 415:2.
4- المبسوط للطوسي 187:1.

و الوجه: المنع لأنه صار حقا للأول فلم تجز مزاحمته بالثاني، نعم لو كان في أزج(1) يتسع لجماعة جاز علي كراهية.

ب - حمل ميتين علي جنازة واحدة، لأن الصفار كتب إلي العسكري عليه السلام أ يجوز أن يجعل الميتين علي جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلّة الناس ؟ و إن كان الميت رجلا و امرأة يحملان علي سرير واحد و يصلّي عليهما؟ فوقّع عليه السلام «لا يحمل الرجل و المرأة علي سرير واحد»(2).

ج - يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة كنداوة الأرض، لما فيه من إتلاف المال لغير غرض، أما مع الضرورة فلثبوت الغرض، و لما رواه محمد بن محمد قال: كتب علي بن بلال أنه ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية فنفرش القبر بالساج أو نطبق عليه فهل يجوز؟ فكتب «ذلك جائز»(3).

د - يكره تجصيص القبور إجماعا، لأن النبيّ عليه السلام نهي أن تجصص القبور(4).

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «لا يصلح البناء عليه، و لا الجلوس، و لا تجصيصه و لا تطيينه»(5).

ه - يكره تطيينه بعد اندراسه - و لا بأس به ابتداء، قاله الشيخ(6) ، لأن1.

ص: 105


1- أزج: بيت يبني طولا، تاج العروس 4:2 «أزج».
2- التهذيب 454:1-1480.
3- التهذيب 456:1-1488.
4- صحيح مسلم 667:2-970، سنن ابن ماجة 498:1-1562، سنن الترمذي 368:3-1052، سنن النسائي 88:4، مستدرك الحاكم 370:1.
5- التهذيب 461:1-1503، الاستبصار 217:1-767.
6- المبسوط للطوسي 187:1.

الكاظم عليه السلام لمّا رجع إلي المدينة، مات ابنته بفيد، فدفنها، و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها(1) - لهذه الرواية(2).

و رخص فيه الشافعي، و الحسن البصري، و أحمد لأن ابن عمر كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر(3).

و الكراهة أولي لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره)(4).

و - يكره البناء علي القبر إجماعا لما تقدم من رواية الكاظم عليه السلام(5). و نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يجصص القبر و أن يبني عليه، و أن يقعد عليه و أن يكتب عليه(6) ، و لأنه من زينة الدنيا فلا حاجة للميت إليه.

ز - يكره تجديد القبور لقول علي عليه السلام: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام»(7).

و اختلف علماؤنا، فقال محمد بن الحسن الصفار: بالجيم اي يجدد بناءها أو تطيينها، و حكي أنه لم يكره رمّها، و قال البرقي: بالجيم و الثاء أي يجعل القبر جدثا دفعة اخري، و قال سعد بن عبد اللّه: أنها بالحاء و عني التسنيم(8) ، و قال المفيد: إنها بالخاء المعجمة و عني شقها من خددت7.

ص: 106


1- الكافي 202:3-3، التهذيب 461:1-1501، الإستبصار 217:1-768.
2- أي الرواية السابقة عن الإمام الكاظم عليه السلام: «لا يصلح البناء عليه..».
3- المجموع 298:5، فتح العزيز 227:5، التلخيص الحبير 226:5، المغني 382:2، الشرح الكبير 392:2.
4- فردوس الأخبار للديلمي 98:5-7587.
5- التهذيب 461:1-1503، الاستبصار 217:1-767.
6- صحيح مسلم 667:2-970، سنن ابن ماجة 498:1-1562-1564، سنن النسائي 87:4 و 88، سنن الترمذي 368:3-1052، سنن البيهقي 4:4، مستدرك الحاكم 370:1.
7- الفقيه 120:1-579، التهذيب 459:1-1497، المحاسن: 612-33.
8- الفقيه 120:1-121 ذيل الحديث 579، التهذيب 459:1 ذيل الحديث 1497.

الأرض أي شققتها(1).

ح - يكره أن يجلس علي القبر، أو يتكئ عليه، أو يمشي عليه، ذهب إليه علماؤنا - و هو قول أكثر أهل العلم(2) - لأن النبيّ عليه السلام نهي عن الجلوس علي القبر(3) و قال عليه السلام: (لأن أطأ علي جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ علي قبر مسلم)(4).

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «و لا الجلوس»(5) و لأن فيه نوع استهانة.

و قال مالك: إن جلس للغائط كره و إلا فلا(6).

ط - التغوط بين القبور لما فيه من تأذي المترحمين، و لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق)(7).

ي - يكره المقام عندها لما فيه من ترك الرضا بقضائه تعالي، أو للاشتغال عن المصالح الأخروية و الدنيوية، أو لعدم الاتعاظ.

يا - يكره أن تتخذ مساجد لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (لعن اللّه7.

ص: 107


1- التهذيب 460:1 ذيل الحديث 1497.
2- المجموع 312:5، المغني 382:2، بدائع الصنائع 320:1.
3- صحيح مسلم 668:2-972، سنن أبي داود 217:3-3229، سنن الترمذي 367:3-1050، سنن النسائي 67:2، و 87:4.
4- سنن ابن ماجة 499:1-1567.
5- التهذيب 461:1-1503، الإستبصار 217:1-767.
6- بداية المجتهد 244:1، المغني 382:2.
7- سنن ابن ماجة 499:1-1567.

اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)(1) و لمشابهته تعظيم الأصنام، و منع أحمد من الإسراج عندها(2).

مسألة 248: يجوز الدفن ليلا،

و هو قول عامة أهل العلم، لأن ابن مسعود روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في غزاة تبوك - و هو في قبر ذي النجادين - قال لأبي بكر، و عمر: (أدنيا مني أخاكما حتي أسنده في لحده) ثم قال لما فرغ من دفنه و قام علي قبره مستقبل القبلة: (اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه)(3) و كان ذلك ليلا، و دفن علي عليه السلام، و فاطمة عليها السلام، و أبو بكر و عثمان، و عائشة ليلا(4) ، و لأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.

و قال الحسن البصري: إنه مكروه - و هو رواية عن أحمد(5) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله زجر أن يقبر الرجل بالليل إلي أن يضطر إنسان إلي ذلك(6) ، و هو يعطي المرجوحية، لأن النهار أسهل علي مشيعي الجنازة، و أكثر للمصلين، و أمكن لاتباع السنة في دفنه و الحادة.

مسألة 249: إذا دفن جماعة في قبر، فالأفضل تقديم الأفضل إلي القبلة،

و لو كان رجلا و صبيا، فالرجل إلي القبلة لأفضلية تلك الجهة.

و ينبغي أن يجعل بين كل اثنين حاجزا ليكون كالمنفرد، و لو خدّد لهم

ص: 108


1- صحيح البخاري 111:2، سنن النسائي 96:4، سنن البيهقي 80:4.
2- المغني 383:2.
3- أسد الغابة 123:3، مجمع الزوائد 43:3 نقلا عن الطبراني في الأوسط، المغني 417:2 نقلا عن الخلال في جامعه.
4- صحيح البخاري 113:2، مصنف ابن أبي شيبة 346:3.
5- المغني 417:2، المجموع 302:5.
6- سنن ابن ماجة 487:1-1521، سنن البيهقي 32:4، مستدرك الحاكم 369:1.

أخدود(1) و جعل رأس كل واحد عند رجلي الآخر جاز و إن كان اللحد أفضل.

مسألة 250: لا يجوز أن يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم و أطفالهم

من مرتد و كافر حربي و ذمي بإجماع العلماء لئلا يتأذي المسلمون بعذابهم.

و لو ماتت ذميّة و هي حامل من مسلم، قال علماؤنا: تدفن في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها، لأن له حرمة أجنة المسلمين، لأنه لو سقط لم تدفن إلا في مقابرهم فلا تسقط حرمته في جوف امه، و لقول الرضا عليه السلام:

«يدفن معها»(2) ، و به قال عمر بن الخطاب(3).

و قال الشافعي، و أحمد: يدفن بين مقبرة المسلمين و أهل الذمة(4).

إذا عرفت هذا فإنه يستدبر بها القبلة علي جانبها الأيسر، ليكون وجه الجنين إلي القبلة علي جانبه الأيمن، و هو وفاق.

مسألة 251: لو مات في سفينة في البحر

و لم يقدر علي الشط، غسل، و كفن، و صلّي عليه و ثقل ليرسب في الماء، أو جعل في خابية و شد رأسها و ألقي في البحر، لأن المقصود من دفنه ستره و هو يحصل بذلك، و لقول الصادق عليه السلام: «يغسل و يكفن و يصلي عليه و يثقل و يرمي في البحر»(5) و في رواية عنه عليه السلام: «يوضع في خابية و يوكي(6) رأسها و يطرح في الماء»(7).

ص: 109


1- أخدود: حفرة تحفرها في الأرض مستطيلة. لسان العرب 160:3.
2- التهذيب 334:1-335-980.
3- المجموع 285:5، المغني 423:2، سنن البيهقي 58:4.
4- المجموع 285:5، المغني 423:2.
5- الكافي 214:3-2، التهذيب 339:1-993، الاستبصار 215:1-759.
6- الوكاء: كلّ سير أو خيط يشدّ به فم الوعاء و غيره. و يوكي رأسها: أي: يشدّ بسير أو خيط. لسان العرب 405:15.
7- الفقيه 96:1-442، التهذيب 340:1-996، الاستبصار 215:1-216-762.

و قال الشافعي: يجعل بين لوحين و يربطان عليه و يلقي في البحر ليلقيه البحر بالساحل، فربما وقع إلي قوم فدفنوه خير من أن تأكله الحيتان(1) قال المزني: قصد بذلك إذا كان حول البحر مسلمون، فإن كانوا مشركين فإنه يثقل حتي يصل إلي قرار الماء(2) ، و قال عطاء، و أحمد: يثقل و يطرح في البحر بكل حال، و عن أحمد: أنه يتربص به توقعا للمكنة من دفنه(3).

مسألة 252: لو مات في بئر، فإن أمكن إخراجه وجب،

تحصيلا للتغسيل و غيره. و لو تعذر إلا بالتمثيل به لم يجز، و طمت و كانت قبره، لقول الصادق عليه السلام: «و تجعل قبرا»(4).

و لو اضطرّ أهل البئر إلي استعمالها و خافوا التلف جاز إخراجه بالكلاليب و إن تقطع، إذا لم يمكن إلا بذلك، و كذا لو كان طمها يضرّ بالمارة، سواء أفضي إلي المثلة أو لا، لما فيه من الجمع بين الحقوق من نفع المارة و غسل الميت و حفظه من المثلة ببقائه، لأنه ربما تقطع و نتن.

مسألة 253: و يدفن الشهيد بثيابه،

أصابها الدم أو لا - و عليه إجماع العلماء - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (ادفنوهم بثيابهم)(5) و في السروال عندنا قولان، أقواهما: وجوب دفنه لأنه من الثياب.

و لا يجب تكفينه إلا أن يجرد من ثيابه، و لو لم يجرد وجب دفنه بها عند علمائنا أجمع.

ص: 110


1- الام 266:1-267، المجموع 285:5، الشرح الكبير 384:2.
2- المجموع 286:5.
3- الشرح الكبير 384:2.
4- التهذيب 419:1-1324 و 465-1522.
5- سنن ابن ماجة 485:1-1515، سنن أبي داود 195:3-3134، مسند أحمد 247:1، سنن البيهقي 14:4.

و لا يجوز نزع شيء من ثيابه عنه - و به قال أبو حنيفة(1) - للخبر(2).

و خيّر الشافعي، و أحمد بين نزع ثيابه فيكفن، و بين دفنه بها(3) ، لأنّ صفية أرسلت إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بثوبين ليكفن فيهما حمزة، فكفّنه في أحدهما، و كفن في الآخر رجلا آخر(4) ، فدلّ علي أن الخيار للولي.

و يحمل علي أنه زاده علي ثيابه، و نحن نجوّزه و نمنع النزع، و يؤيده قول الباقر عليه السلام: «دفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حمزة في ثيابه التي أصيب فيها، و زاده بردا فقصر عن رجليه، فدعا بإذخر فطرحه عليه و صلّي عليه سبعين تكبيرة»(5).

أو أنه قد جرّده المشركون فكفّن لذلك، لقول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كفّن حمزة لأنه كان جرد»(6).

مسألة 254: و لا يدفن معه الفرو، و القلنسوة،

قاله المفيد(7). و قال في المبسوط: يدفن معه جميع ما عليه إلا الخفين(8) ، و في الخلاف: تنزع عنه الجلود(9).

ص: 111


1- الهداية للمرغيناني 94:1، بدائع الصنائع 324:1، المغني 400:2.
2- سنن ابن ماجة 485:1-1515، سنن أبي داود 195:3-3134، مسند احمد 247:1، سنن البيهقي 14:4 نقلا بالمعني.
3- المجموع 263:5، المغني 400:2.
4- سنن البيهقي 401:3، مسند أحمد 165:1.
5- الكافي 211:3-2، التهذيب 331:1-970.
6- الكافي 210:3-211-1، الفقيه 97:1-447، التهذيب 331:1-969، الإستبصار 214:1-755.
7- المقنعة: 12.
8- المبسوط 181:1.
9- الخلاف 710:1 مسألة 514.

و الأقرب نزع الجلود و الحديد عنه - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد(1) - لأن النبيّ عليه السلام أمر في قتلي أحد بأن ينزع عنهم الجلود و الحديد، و أن يدفنوا بدمائهم و ثيابهم(2).

و قال مالك: لا ينزع عنه فرو، و لا خف، و لا محشو(3) ، لعموم قوله عليه السلام: (ادفنوهم بثيابهم)(4) و هو ممنوع فإن العرف ظاهر في إطلاق الثوب علي المنسوج.

تذنيب: الخف لا يدفن معه و لا الفرو، فإن أصابهما الدم دفنا معه عند بعض علمائنا(5) ، و به رواية ضعيفة السند(6) ، و منع منه آخرون(7).

مسألة 255: إذا مات ولد الحامل
اشارة

أدخلت القابلة، أو من يقوم مقامها، أو الزوج، أو غيره عند التعذر يده في فرجها و قطع الصبي و أخرجه قطعة قطعة لأن حفظ حياة الأم أولي من حفظ بنية الميت.

و لقول الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه إذا لم يتفق له(8) النساء»(9).

ص: 112


1- المجموع 267:5، شرح فتح القدير 107:2، بدائع الصنائع 324:1، المغني 400:2، الجامع الصغير للشيباني: 119.
2- سنن ابن ماجة 485:1-1515، مسند أحمد 247:1، سنن البيهقي 14:4.
3- المدونة الكبري 183:1، المجموع 267:5، المغني 400:2.
4- سنن ابن ماجة 485:1-1515، مسند أحمد 247:1، سنن البيهقي 14:4 نقلا بالمعني.
5- منهم ابن إدريس في السرائر: 33 و ابن حمزة في الوسيلة: 63 و سلار في المراسم: 45.
6- الكافي 211:3-212-4.
7- منهم الطوسي في المبسوط 181:1، و النهاية: 40، و ابن البراج في المهذب 55:1 و المحقق في المعتبر: 84.
8- في المصدر: إذا لم ترفق به.
9- التهذيب 344:1-1008.

و لو ماتت الام دونه، قال علماؤنا: يشق بطنها من الجانب الأيسر و اخرج الولد و خيط الموضع - و به قال الشافعي(1) - لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حيّ فجاز، كما لو خرج بعضه حيّا و لم يمكن خروج باقية إلاّ بشق، و لقول الكاظم عليه السلام: «يشق عن الولد»(2) و الخياطة لحرمة الميتة، و به رواية موقوفة عن ابن أذينة(3).

و قال أحمد: يدخل القوابل أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه و لا يشق بطنها، مسلمة كانت أو ذمية، و لو لم توجد نساء تركت امه حتي يتيقن موته ثم تدفن - و نحوه قال مالك، و إسحاق - لأنه لا يعيش عادة فلا تهتك حرمة الميتة لأجله(4) و هو ضعيف لاشتماله علي إتلاف الحي.

فروع:

أ - لو شك في حياته فالأولي الصبر حتي يتيقن الحياة أو الموت، و يرجع في ذلك إلي قول العارف.

ب - لو بلع الحي جوهرة أو مالا لغيره و مات، قال الشيخ في الخلاف: ليس لنا نصّ فيه، و الأولي أنه لا يشق جوفه لقوله عليه السلام:

(حرمة المسلم ميتا كحرمته حيّا)(5) ، و لا يشق جوف الحي فكذا الميت(6).

و قال الشافعي: يشق و يرد إلي صاحبه لما فيه من دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، و عن الميت بإبراء ذمته، و عن الورثة بحفظ التركة

ص: 113


1- المجموع 301:5.
2- التهذيب 343:1-1004.
3- التهذيب 344:1-1007.
4- المغني 413:2-414، الشرح الكبير 414:2-415، فتح العلي المالك 158:1.
5- التهذيب 419:1-1324 و 465-1522.
6- الخلاف 730:1 مسألة 559.

لهم(1) ، و هو الوجه عندي، و لأحمد وجهان(2).

ج - لو كان المال له لم يشق عند الشيخ(3) ، و هو أحد وجهي الشافعي لأنه ماله استهلكه في حياته فلم يثبت للورثة فيه حق، و الآخر: يشق لأنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة(4).

د - لو أذن المالك له في الابتلاع صار كماله.

ه - تؤخذ قيمة ذلك من تركة الميت عند الشيخ(5) لأنه حال بينه و بين صاحبه، و لو لم يأخذ عوضا له، و لم يترك الميت مالا، و تطاولت المدة، و بلي الميت جاز نبشه و إخراج ذلك المال لعدم التمثيل حينئذ فينتفي المانع من حفظ المال، و كذا لو كان له فالأقرب جواز ذلك للوارث.

و - لو كان في اذن الميت حلقة، أو في يده خاتم أخذ، فإن كان يصعب توصل إلي إخراجه ببردة أو كسره للنهي عن تضييع المال.

ز - لو أخذ السيل الميت، أو أكله سبع كان الكفن ملكا للورثة، لأنه مال متروك فيرثه الوارث، فإن كان قد تطوع به غيره عاد إليه إن شاء، و إن تركه للورثة كان عطية مستأنفة، لأن التطوع مشروط ببقائه كفنا فيزول لزوال شرطه.

مسألة 256: إذا خرج من الميت نجاسة بعد التكفين لاقت كفنه، غسلت

ما لم يطرح في القبر، فإن طرح قرضت، قاله ابن بابويه في الرسالة(6) ،

ص: 114


1- المجموع 300:5، فتح العزيز 250:5.
2- المغني 414:2، الشرح الكبير 407:2.
3- الخلاف 730:1 مسألة 559.
4- المجموع 301:5، فتح العزيز 250:5.
5- الخلاف 730:1 مسألة 559.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 90.

و أوجب الشيخ القرض و أطلق(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشيء بعد الغسل فأصاب العمامة، أو الكفن قرض بالمقراض»(2) و تفصيل ابن بابويه جيد، لأن في القرض إتلاف مال لغير غرض، و عدم تحسين الكفن لغير حاجة، فيقتصر علي محل الوفاق و هو القرض بعد الوضع(3).

مسألة 257: قال الشيخ: إذا أنزل الميت القبر استحب أن يغطّي القبر بثوب

(4) - و به قال الشافعي(5) - سواء كان الميت رجلا أو امرأة، لأن النبيّ عليه السلام لمّا دفن سعد بن معاذ، ستر قبره بثوب(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و قد مدّ علي قبر سعد بن معاذ ثوب و النبيّ عليه السلام شاهد فلم ينكر ذلك»(7) و لأنه يحتاج إلي حل عقد كفنه و تسويته فربما حصل ما ينبغي ستره.

و قال المفيد في أحكام النساء(8) ، و ابن الجنيد: لا يغطي قبر الرجل، و يغطي قبر المرأة(9) - و به قال أحمد(10) - لأن عليا عليه السلام مر بقوم دفنوا ميتا و بسطوا علي قبره الثوب، فجذبه و قال: «إنما يصنع هذا

ص: 115


1- المبسوط للطوسي 181:1.
2- الكافي 156:3-1، التهذيب 449:1-450-1457.
3- اي بعد الوضع في القبر.
4- الخلاف 728:1 مسألة 552.
5- الأم 276:1، المجموع 295:5، فتح العزيز 208:5، بدائع الصنائع 320:1.
6- سنن البيهقي 54:4.
7- التهذيب 464:1-1519.
8- النسخة التي بأيدينا من أحكام النساء خالية من هذا الحكم و ذكر العلامة في المختلف: 121 ما لفظه: و قد يوجد في بعض نسخ احكام النساء.. فلاحظ.
9- حكي المصنف أيضا قولهما في المختلف: 121.
10- المغني 377:2، كشاف القناع 132:2، المجموع 295:5.

بالنساء»(1) و هو حكاية حال، و هل يكره ستر قبر الرجل ؟ قال أحمد: نعم، و منعه أصحاب الرأي و أبو ثور(2).

مسألة 258: لا يمنع أهل الميت من رؤيته و تقبيله بعد تكفينه

لأن جابرا لما قتل أبوه جعل يكشف الثوب عن وجهه و يبكي و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لا ينهاه(3) ، و قالت عائشة: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقبل عثمان بن مظعون و هو ميت حتي رأيت الدموع تسيل(4) ، و من طريق الخاصة ما روي عن الصادق عليه السلام إنه كشف عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل جبهته(5).

مسألة 259: المقتول الذي يجب تغسيله، يجب أن يغسل الدم عنه

و يبدأ بيديه و دبره، و تربط جراحاته بالقطن و الخيوط، و إذا وضع عليه القطن عصبه، و كذا موضع الرأس و الرقبة، و يجعل له من القطن شيئا كثيرا، و يذر عليه الحنوط، و إن استطاع أن يعصبه فعل، و إن كان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل اليدين و سفله ثم الجسد، و يوضع القطن فوق الرقبة و يضم إليه الرأس و يجعل في الكفن، و إذا دفن تناول الرأس و الجسد و أدخله اللحد، و وجهه القبلة، روي ذلك العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام(6).

مسألة 260: إذا اجتمع أموات بدئ بمن يخشي فساده،

فإن لم يكن، قال

ص: 116


1- سنن البيهقي 54:4.
2- المغني 377:2، الشرح الكبير 380:2، كشاف القناع 131:2، الكفاية 100:2، بدائع الصنائع: 320.
3- صحيح البخاري 91:2، سنن البيهقي 407:3.
4- سنن أبي داود 201:3-3163، سنن ابن ماجة 468:1-1451، سنن البيهقي 407:3.
5- كمال الدين 71:1.
6- التهذيب 448:1-1449.

في المبسوط: الأولي تقديم الأب، ثم الابن و ابن الابن، ثم الجد، و لو كان أخوان في درجة قدم الأكبر، فإن تساويا أقرع، و تقدم أسن الزوجتين و يقرع لو تساوتا(1) و يجوز أن يخيّر الولي في التقديم.

مسألة 261: يستحب للمصاب الاستعانة باللّه و الصبر،

و استنجاز ما وعده اللّه تعالي عليّا عليه السلام في قوله وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (2)(3). و قال الباقر عليه السلام: «ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته و يصبر حين تفجؤه المصيبة إلا غفر اللّه له ما مضي من ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب اللّه عزّ و جلّ عليها النار، و كلما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها و حمد اللّه عزّ و جلّ غفر اللّه له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلي الاسترجاع الأخير إلا الكبائر من الذنوب»(4).

و ليتحفظ من التكلم بشيء يحبط أجره، و يسخط ربه مما يشبه التظلم و الاستغاثة فإن اللّه عدل لا يجور.

و لا يدعو علي نفسه لنهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك(5) و قال عليه السلام لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب: (لا تدعين بذل، و لا ثكل، و لا حرب، و ما قلت فيه فقد صدقت)(6).

ص: 117


1- المبسوط للطوسي 176:1.
2- البقرة: 155-157.
3- المناقب لابن شهر آشوب 120:2.
4- الفقيه 111:1-515، ثواب الأعمال: 234.
5- صحيح مسلم 2064:4-2681، سنن أبي داود 188:3-3108، سنن النسائي 3:4-4.
6- الفقيه 112:1-521.

و يحتسب ثواب اللّه و يحمده لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا قبض ولد المؤمن - و اللّه أعلم بما قال العبد - فيسأل الملائكة قبضتم ولد فلان المؤمن ؟ فيقولون: نعم ربنا، فيقول: فما ذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك ربنا و استرجع، فيقول عزّ و جلّ: ابنوا له بيتا في الجنة و سمّوه بيت الحمد)(1).

مسألة 262: و البكاء جائز
اشارة

إجماعا، و ليس بمكروه قبل خروج الروح و لا بعدها عندنا - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قبّل عثمان بن مظعون و هو ميت و رفع رأسه و عيناه تهراقان(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله حين جاءته وفاة جعفر ابن أبي طالب و زيد بن حارثة، كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا، و قال: كانا يحدثاني و يؤنساني فذهبا جميعا»(4).

و قال الشافعي: إنه مباح إلي أن تخرج الروح، فإذا خرجت كره(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جاء إلي عبد اللّه بن ثابت يعوده، فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال: (غلبنا عليك يا أبا الربيع) فصاح النسوة و بكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال له النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية)(6) يعني إذا مات.

ص: 118


1- الفقيه 112:1-523.
2- الشرح الكبير 428:2، المحرر في الفقه 207:1، المغني 410:2.
3- سنن ابن ماجة 468:1-1456، سنن الترمذي 314:3-315-989، سنن البيهقي 3: 407، مستدرك الحاكم 361:1.
4- الفقيه 113:1-527.
5- الام 279:1، المجموع 307:5، الشرح الكبير 428:2، المغني 410:2.
6- سنن النسائي 13:4.

و هو محمول علي رفع الصوت، لأن النبيّ عليه السلام أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكي، فقال عبد الرحمن بن عوف: أ تبكي، أ و لم تكن نهيت عن البكاء!؟ قال: (لا و لكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه و شق جيوب، و رنة شيطان)(1) و هو يدل علي أن النهي ليس عن مطلق البكاء بل موصوفا بهذه الصفات.

فروع:

أ - نقل عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه قال:

(إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)(2) و حمله قوم علي ظاهره، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: وا جبلاه وا سيداه، و نحو ذلك إلا وكّل اللّه به ملكين يلهزانه(3) أ هكذا كنت ؟)(4).

و أنكر ابن عباس، و عائشة ذلك، و قالت عائشة: و اللّه ما قال النبيّ ذلك، إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (إن اللّه ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، و حسبكم القرآن وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري (5)(6) و قيل: من كان النوح سنته، و لم ينه أهله عنه(7) ، لقوله تعالي قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً (8).

ص: 119


1- مصنف ابن أبي شيبة 393:3، سنن الترمذي 328:3-1005.
2- صحيح البخاري 101:2، صحيح مسلم 641:2-927، سنن النسائي 15:4، سنن البيهقي 73:4.
3- اللهز: الضرب بجمع اليد بالصدر. الصحاح 895:3 «لهز».
4- سنن الترمذي 327:3-1003.
5- سورة الأنعام: 164.
6- صحيح البخاري 101:2، صحيح مسلم 642:2-929.
7- المغني 412:2، الشرح الكبير 431:2.
8- التحريم: 6.

و أحسن ما بلغنا فيه أن الجاهلية كانوا ينوحون و يعدّدون أفعالهم التي هي قتل النفس و الغارة علي الأموال، فأراد أنهم يعذبون بما كانوا يبكون به عليهم.

و لا بدّ من حمل هذا الحديث علي البكاء الذي ليس بمشروع، كالذي معه اللطم، و الخدش، و القول السيّئ، لما بينا من جوازه.

و قال الصادق عليه السلام: «إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته»(1).

ب - لا بأس بالنوح و الندب بتعدد فضائله و اعتماد الصدق - و هو قول أحمد(2) لأن فاطمة عليها السلام كانت تنوح علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كقولها: (يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلي جبرئيل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه)(3).

و جماعة من أصحاب الحديث من الجمهور حرّموه لأن النبيّ عليه السلام نهي عنه(4) و يحمل علي اقترانه بكذب، و الدعاء بالويل و الثبور، فقد روي: أن أهل البيت إذا دعوا بالويل و الثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب و قال: إن كانت صيحتكم عليّ فإني مأمور، و إن كانت علي ميتكم فإنه مقبور، و إن كانت علي ربكم فالويل لكم و الثبور، و إنّ لي فيكم عودات ثم عودات(5).2.

ص: 120


1- التهذيب 465:1-1524.
2- المغني 411:2، الشرح الكبير 429:2.
3- سنن النسائي 13:4، سنن ابن ماجة 522:1-1630.
4- صحيح البخاري 106:2.
5- المغني 411:2.

و لما انصرف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله من وقعة أحد إلي المدينة، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء، و لم يسمع من دار عمّه حمزة، فقال عليه السلام: (لكن حمزة لا بواكي له) فآلي أهل المدينة أن لا ينوحوا علي ميّت و لا يبكوه حتي يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه، فهم إلي اليوم علي ذلك(1).

ج - يجوز الوقف علي النائحة لأنه فعل سائغ فلا مانع من الوقف عليه و قال الصادق عليه السلام: «قال لي الباقر عليه السلام: أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمني أيام مني»(2) و قصد عليه السلام بذلك عدم انقطاع ذكره و التسليم عليه.

د - كره الشافعي المأتم - و هو الاجتماع - لما فيه من تجديد الحزن(3) ، و كذلك قال: يكره المبيت في المقبرة لما فيه من الوحشة(4).

ه - يجوز شق الثوب في موت الأب، و الأخ لأن الهادي عليه السلام لما قبض شق العسكري عليه السلام قميصه من خلف و قدّام(5).

مسألة 263: كل ما يفعل من القرب و يجعل ثوابه للميت فإنه يصله نفعه،

أما الدعاء و الاستغفار، و الصدقة، و أداء الواجبات التي تدخلها النيابة فإجماع، قال اللّه تعالي يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا (6)

ص: 121


1- الفقيه 116:1-553.
2- الكافي 117:5-1، التهذيب 358:6-1025.
3- الام 279:1، المجموع 306:5.
4- المجموع 312:5، السراج الوهاج: 114.
5- الفقيه 111:1-511.
6- الحشر: 10.

وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (1) .

و قال رجل للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله: إن أمي ماتت أ فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم)(2).

و قال الصادق عليه السلام: «يدخل علي الميت في قبره الصلاة، و الصوم، و الحج، و الصدقة، و البر، و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميت»(3).

و أما ما عداها فإنه عندنا كذلك - و به قال أحمد(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، و كان له بعدد من فيها حسنات)(5).

و قال عليه السلام لعمرو بن العاص: (لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره، و نفع اللّه به الميت»(7) ، و لأنه عمل برّ و طاعة، فوصل نفعه و ثوابه إليه كالواجبات.

و قال الشافعي: ما عدا الواجبات، و الصدقة، و الدعاء، و الاستغفار لا6.

ص: 122


1- محمد: 19.
2- مسند احمد 285:5، مصنف ابن أبي شيبة 386:3، سنن أبي داود 118:3-2882، سنن البيهقي 62:4.
3- الفقيه 117:1-557.
4- المغني 427:2، الشرح الكبير 419:2.
5- تفسير القرطبي 3:15، المغني 427:2، الشرح الكبير 418:2.
6- سنن أبي داود 118:3-2883.
7- الفقيه 117:1-556.

يفعل عن الميت، و لا يصل ثوابه إليه(1) لقوله تعالي وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعي (2) و قوله عليه السلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)(3).

و الآية مخصوصة بما وافقنا عليه، و المختلف في معناه فيحمل عليه، و لا حجة في الخبر لدلالته علي انقطاع عمله، و هذا ليس من عمله، و مخصوص بمحل الوفاق فيحمل عليه محل الخلاف للمشاركة في المعني.

مسألة 264: يستحب تعزية أهل الميت
اشارة

بإجماع العلماء لقوله عليه السلام:

(من عزي مصابا فله مثل أجره)(4) و من طريق الخاصة قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من عزي حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها)(5) و قال عليه السلام: (التعزية تورث الجنّة)(6) و المراد منها تسلية أهل المصيبة، و قضاء حقوقهم، و التقرب إليهم، و إطفاء نار الحزن عنهم، و تسليتهم بمن سبق من الأنبياء و الأئمة عليهم السلام، و تذكيرهم الثواب علي الصبر، و اللحاق بالميت.

فروع:

أ - لا خلاف في استحباب التعزية قبل الدفن، و أما بعده فهو قول أكثر

ص: 123


1- المجموع 519:15، المغني 428:2.
2- النجم: 39.
3- مسند أحمد 372:2.
4- سنن الترمذي 385:3-1073، سنن ابن ماجة 511:1-1602.
5- الكافي 205:3-1، ثواب الأعمال: 235-2.
6- ثواب الاعمال: 235-1.

العلماء(1) لقوله عليه السلام: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه اللّه من حلل الكرامة يوم القيامة)(2) و هو عام قبل الدفن و بعده، و من طريق الخاصة قول هشام بن الحكم: رأيت الكاظم عليه السلام يعزي قبل الدفن و بعده(3).

و عزّي الصادق عليه السلام رجلا بابن له، فقال: «اللّه خير لابنك منك، و ثواب اللّه خير لك منه» فبلغه جزعه بعد ذلك فعاد إليه فقال له:

«قد مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فما لك به أسوة ؟» فقال: إنه كان مرهقا، فقال: «إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و رحمة اللّه، و شفاعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و لن يفوته واحدة منهن إن شاء اللّه»(4) ، و لأن القصد التسلية، و الحزن يحصل بعد الدفن كما حصل قبله.

و قال الثوري: لا تستحب التعزية بعد الدفن، لأنه خاتمة أمره(5) ، و لقول الصادق عليه السلام: «ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون»(6) و هو غير مناف لبقاء الحزن عند الأحياء بعد خاتمة أمر الميت، و قول الصادق عليه السلام يشمل قبل و بعد.1.

ص: 124


1- فتح العزيز 252:5، كفاية الأخيار 105:1، السراج الوهاج: 112، المغني 408:2، الشرح الكبير 425:2، المجموع 306:5.
2- سنن ابن ماجة 511:1-1601، الجامع الصغير للسيوطي 522:2-8092.
3- الكافي 205:3-9، الفقيه 110:1-503، التهذيب 463:1-1516، الإستبصار 217:1-769.
4- الكافي 204:3-7، الفقيه 110:1-508، التهذيب 468:1-1537، ثواب الأعمال: 235-236-3.
5- المجموع 307:5، المغني 408:2، الشرح الكبير 425:2.
6- الكافي 203:3-1، التهذيب 463:1-1511.

ب - قال الشيخ: التعزية بعد الدفن أفضل(1) ، و هو جيد لقول الصادق عليه السلام: «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن»(2) و لاشتغالهم بميتهم، و لأنه بعد الدفن يكثر الجزع حيث هو وقت المفارقة لشخصه و الانقلاب عنه.

ج - قال الشيخ: يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها علي الأب و الأخ، فأما غيرهما فلا يجوز علي حال(3). و الوجه عندي استحباب الامتياز في الأب و الأخ و غيرهما لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وضع رداءه في جنازة سعد بن معاذ و قال:

(رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي)(4).

و لما مات إسماعيل تقدم الصادق عليه السلام السرير بغير رداء و لا حذاء(5).

و قال عليه السلام: «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتي يعلم الناس أنه صاحب المصيبة»(6).

د - قد منع من وضع الرداء في مصيبة غيره لئلاّ يشتبه بصاحبها، و قال عليه السلام: (ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره)(7).

ه - يستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم و صغارهم، و يخصّ من ضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها، و لا فرق بين الرجل و المرأة2.

ص: 125


1- الخلاف 729:1 مسألة 556.
2- الكافي 204:3-2، التهذيب 463:1-1512، الاستبصار 217:1-770.
3- المبسوط للطوسي 189:1.
4- الفقيه 111:1-512.
5- الكافي 204:3-5، الفقيه 112:1-524، التهذيب 463:1-1513.
6- الكافي 221:3-6، علل الشرائع: 307 الباب 254 الحديث 1.
7- الفقيه 111:1-510، علل الشرائع: 307 الباب 254 الحديث 2.

لقوله عليه السلام: (من عزي ثكلي كسي بردا في الجنّة)(1).

نعم يكره تعزية الرجل المرأة الشابة الأجنبية حذر الفتنة.

و - الأقرب جواز تعزية أهل الذمة - و به قال الشافعي، و أحمد في رواية(2) - لأنه كالعيادة، و قد عاد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله غلاما من اليهود مرض، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) فنظر إلي أبيه و هو عند رأسه فقال: أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و هو يقول:

(الحمد للّه الذي أنقذه من النار)(3). و في أخري: المنع(4) لقوله عليه السلام: (لا تبدءوهم بالسلام)(5) و هذا في معناه.

ز - يقول في تعزية الكافر بالكافر: أخلف اللّه عليك و لا نقص عددك، و يقصد كثرة العدد لزيادة الجزية، و في تعزية المسلم بالكافر: أعظم اللّه أجرك، و أخلف عليك، و في تعزية الكافر بالمسلم: أعظم اللّه أجرك و أحسن عزاءك، و غفر لميتك.

ح - ليس في التعزية شيء موظف، و استحب بعض الجمهور(6) ما رواه الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن زين العابدين عليه السلام قال: «لما توفي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و جاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللّه عزاء من كل مصيبة، و خلفا من كل هالك، و دركا من كل ما فات فباللّه فثقوا و إياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب»(7).0.

ص: 126


1- سنن الترمذي 387:3-388-1076.
2- فتح العزيز 252:5، المغني 409:2، الشرح الكبير 427:2.
3- صحيح البخاري 118:2، سنن أبي داود 185:3-3095، مسند أحمد 227:3.
4- المغني 409:2، الشرح الكبير 427:2.
5- مسند أحمد 346:2.
6- المغني 409:2، الشرح الكبير 427:2.
7- ترتيب مسند الشافعي 216:1-600.

و عزي الصادق عليه السلام قوما قد أصيبوا بمصيبة فقال: «جبر اللّه وهنكم، و أحسن عزاءكم، و رحم متوفاكم» ثم انصرف(1).

ط - يكفي في التعزية أن يراه صاحب المصيبة، قال الصادق عليه السلام:

«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة»(2).

ي - قال في المبسوط: يكره الجلوس للتعزية يومين، أو ثلاثة إجماعا(3) ، و أنكره ابن إدريس لأنه تزاور فيستحب(4).

يا - الأقرب أنه لا حدّ للتعزية، لعدم التوقيت، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و في الآخر: حدها ثلاثة أيام إلا أن يكون المعزي أو المعزي غائبا(5).

مسألة 265: يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم

إجماعا إعانة لهم، و جبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصابهم، و بالواردين عليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، و لما جاء نعي جعفر، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لما قتل جعفر بن أبي طالب، أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس و نساءها، و أن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام، فجرت بذلك

ص: 127


1- الفقيه 110:1-506.
2- الفقيه 110:1-505.
3- المبسوط للطوسي 189:1.
4- السرائر: 34.
5- المجموع 306:5، فتح العزيز 252:5، كفاية الأخيار 105:1-106، السراج الوهاج: 112.
6- سنن أبي داود 195:3-3132، سنن الترمذي 323:3-998، سنن الدار قطني 79:2-11 و 87-8.

السنة»(1).

و كره أحمد أن يصنع أهل الميت طعاما للناس لأنه فعل أهل الجاهلية(2) ، و لقول الصادق عليه السلام: «الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، و السنة البعث إليهم بالطعام»(3).

مسألة 266: يستحب للرجال زيارة مقابر المؤمنين
اشارة

إجماعا لأن النبيّ عليه السلام قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الموت)(4). و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «من أتي قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده، و قرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن الفزع الأكبر»(5).

و وقف الباقر عليه السلام علي قبر رجل من الشيعة ثم قال: «اللهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و اسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و ألحقه بمن كان يتولاه» ثم قرأ إنا أنزلناه سبع مرات(6). و سأل جراح الصادق عليه السلام كيف التسليم علي أهل القبور؟ قال: «تقول: السلام علي أهل الديار من المؤمنين و المسلمين، رحم اللّه المتقدمين منا و المتأخرين(7) ، و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون»(8).

ص: 128


1- المحاسن: 419-191.
2- المغني 413:2، الشرح الكبير 423:2، كشاف القناع 149:2.
3- الفقيه 116:1-548.
4- صحيح مسلم 672:2-977، سنن أبي داود 218:3-3235، سنن الترمذي 370:3-1054، مستدرك الحاكم 375:1.
5- الكافي 229:3-9، التهذيب 104:6-182.
6- الكافي 229:3-6، التهذيب 105:6-183.
7- في «ش» و الكافي: رحم اللّه المستقدمين منّا و المستأخرين.
8- الفقيه 114:1-533، و الكافي 229:3-8.
فروع:

أ - لا يكره للنساء ذلك لأن الصادق عليه السلام قال: «إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت، فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تستغفر له»(1).

ب - لا يستحب خلع النعال لانتفاء الكراهة بالأصل، و لأن الحسن، و ابن سيرين كانا يمشيان بين القبور في نعالهما(2).

و كرهه أحمد(3) ، لأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بإلقائهما(4) ، و يحمل علي من فعل ذلك للخيلاء.

ج - لو احتيج إلي النعلين لم يكره المشي فيهما إجماعا.

د - نزع الخفين ليس بمستحب إجماعا لأن في نزعهما مشقة، و هل يتعدي إلي الشمشك(5) ؟ إشكال.

ص: 129


1- الفقيه 114:1-537، التهذيب 465:1-1523.
2- المغني 424:2.
3- المغني 423:2، كشاف القناع 141:2، المجموع 312:5.
4- سنن البيهقي 80:4.
5- الشمشك بضم الشين و كسر الميم. قيل: إنّه المشاية البغدادية. مجمع البحرين 277:5 «شمشك».

ص: 130

الفصل السادس: في غسل مس الأموات.
مسألة 267: الميت نجس و إن كان آدميّا
اشارة

عند علمائنا أجمع، و يطهر بالغسل - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد الوجهين(1) - لقوله تعالي:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (2) و تحريم الأعيان يستلزم تحريم الانتفاع من جميع الوجوه، و لأنه حيوان لا يحل أكله، ذو نفس سائلة، فينجس بالموت كسائر الحيوانات، و لأنه لو بان منه عضو كان نجسا.

و روي أن زنجيا مات في زمزم، فأمر عبد اللّه بن عباس أن ينزح جميع مائها، و كان في خلافة ابن الزبير(3) و لم ينكر ذلك أحد.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت: «يغسل ما أصاب الثوب»(4).

و للشافعي قول: إنه لا ينجس الآدمي(5) ، لأن النبيّ عليه السلام قال:

ص: 131


1- فتح العزيز 162:1 و 163، شرح فتح القدير 70:2.
2- المائدة: 3.
3- سنن الدار قطني 33:1-1.
4- الكافي 161:3-4، التهذيب 276:1-812، الاستبصار 192:1-671.
5- المجموع 132:1، فتح العزيز 162:1.

(لا تنجسوا موتاكم، فإن المؤمن ليس بنجس حيا و لا ميتا)(1) و لأنه يطهر بالغسل فلا يكون نجس العين.

و الحديث محمول علي أنه ليس بنجس نجاسة لا تقبل التطهير، و نمنع الملازمة فإن النجاسات العينية تختلف، فالكافر يطهر بالإسلام، و الخمر يطهر بالانقلاب.

فروع:

أ - نجاسة الميت نجاسة عينية لأنها تتعدي إلي ما يلاقيها، علي ما تضمنه حديث الصادق عليه السلام(2) و تطهر بالغسل بإجماع علماء الإسلام.

ب - لو وقع الثوب علي الميت بعد غسله لم يجب غسله لطهارته حينئذ، و لقول الصادق عليه السلام: «إن كان الميت غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، فإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه»(3).

ج - لو وقعت يد الميت بعد برده و قبل غسله في مائع نجس ذلك المائع، فإن وقع ذلك المائع في آخر نجس الآخر، خلافا لابن إدريس، فإنه قال: الثاني لم يلاق الميت، و حمله علي ما لاقاه قياس، و لأن لمغسّل الميت دخول المسجد و استيطانه، و لأن المستعمل في الكبري طاهر(4).

و ليس بجيد إذ لا قياس هنا، بل لأن ملاقي يد الميت نجس، و المائع إذا لاقي نجسا تأثر به، و نمنع جواز الاستيطان، و طهارة المستعمل في الكبري مع حصول نجاسة في المحل، و لا مس الميت بيده تنجس يده نجاسة عينية، فإن اغتسل قبل غسل يده نجس الماء بملاقاة يده التي لاقي بها

ص: 132


1- سنن الدار قطني 70:2-1، مستدرك الحاكم 385:1.
2- الكافي 161:3-4، التهذيب 276:1-812، الإستبصار 192:1-671.
3- الكافي 161:3-7، التهذيب 276:1-811.
4- السرائر: 32.

الميت، و لو غسل يده ثم اغتسل لم ينجس الماء لأن اغتساله هنا طهارة حكميّة، و إنما الإشكال لو لاقاه يابسين، أو لاقي ميتا من غير الناس.

د - الميت إنما يطهر بالغسل إذا وقع علي الوجه المشروع، أما لو رماه في ماء كثير - و لم يكتف بالقراح - لم يطهر.

و كذا لا يطهر غير الآدمي بالغسل، أما الكافر فالأقرب إلحاقه بغير الآدمي في عدم الطهارة بالغسل، للنهي عن تغسيله(1) و النهي في العبادة يقتضي الفساد.

مسألة 268: يجب الغسل علي من غسل ميتا

عند أكثر علمائنا(2) - و هو القول القديم للشافعي، و هو منقول عن علي عليه السلام، و أبي هريرة(3) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (من غسل ميتا فليغتسل، و من مسه فليتوضأ)(4).

و لما مات أبو طالب، أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عليا عليه السلام بغسله، فلما غسله، و دفنه رجع إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و أخبره فقال: (اذهب و اغتسل)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من غسل ميتا فليغتسل»(6).

ص: 133


1- الكافي 159:3-12، الفقيه 95:1-437، التهذيب 335:1-336-982.
2- منهم: المفيد في المقنعة: 6، و الصدوق في الفقيه 87:1، و الشيخ الطوسي في النهاية: 35، و المبسوط 179:1، و ابن إدريس في السرائر: 32، و المحقق في المعتبر: 96.
3- المجموع 185:5-186.
4- سنن أبي داود 201:3-3161، سنن ابن ماجة 470:1-1463، سنن البيهقي 300:1 - 304.
5- سنن البيهقي 305:1.
6- الكافي 160:3-1، التهذيب 108:1-283، الاستبصار 99:1-321.

و حكي عن أبي حنيفة، و المزني: أنه ليس بمشروع(1). و قال السيد المرتضي(2) و ابن عمر، و ابن عباس، و عائشة، و الفقهاء: مالك، و أصحاب الرأي، و أحمد، و إسحاق، و الشافعي في القول الثاني: إنه مستحب للأصل(3). و الاحتياط يعارضه.

مسألة 269: لو مس ميتا من الناس بعد برده
اشارة

بالموت و قبل تطهيره بالغسل وجب عليه الغسل عند أكثر علمائنا(4) - خلافا للسيد المرتضي(5) ، و الجمهور كافة - لما تقدم(6) و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل قلت: فإن مسّه.؟ قال: «فليغتسل»(7).

و قال المرتضي: إنه مستحب للأصل(8) ، و قال أحمد: يجب الوضوء(9) لقوله عليه السلام: (من غسل ميتا فليغتسل، و من مسه فليتوضأ)(10).

فروع:

أ - يجب الوضوء أيضا بالمس عملا بعموم قوله تعالي فَاغْسِلُوا (11)

ص: 134


1- المجموع 185:5.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 96.
3- المجموع 185:5 و 186 و 203:2، بلغة السالك 195:1، المغني 243:1، الشرح الكبير 1: 243، البحر الرائق 66:1.
4- منهم الصدوق في الفقيه 87:1، و الشيخ الطوسي في النهاية 35 و المبسوط 179:1، و ابن إدريس في السرائر: 23.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 96.
6- تقدم في المسألة 268.
7- الكافي 160:3-1، التهذيب 108:1-283.
8- حكاه المحقق في المعتبر: 96.
9- الشرح الكبير 244:1، المجموع 186:5.
10- سنن أبي داود 201:3-3161، سنن ابن ماجة 470:1-1463، سنن البيهقي: 300:1 - 304.
11- سورة المائدة: 6.

و لقولهم عليهم السلام: «كل غسل لا بدّ معه من الوضوء إلا الجنابة»(1) فلو اغتسل و لم يتوضأ و صلّي بطلت.

ب - لو مسه قبل برده لم يجب عليه غسل لقول الصادق عليه السلام قال: «إذا مسه و هو سخن فلا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل»(2) و الأقرب: وجوب غسل يده لأنه لاقي نجاسة، إذ الميت نجس عندنا.

ج - لو مس ميتا من غير الناس وجب عليه غسل ما مسه به، و حكم الثوب حكم البدن، و الأقوي عندي هنا اشتراط الرطوبة.

د - لو كمل غسل الرأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل.

ه - لا فرق بين كون الميت مسلما أو كافرا لامتناع التطهير في حقه، و لا يمنع ذلك صدق القبلية.

مسألة 270: و يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم أبينت من آدمي،

حي أو ميت - خلافا للجمهور - لأنه ميت.

و قال الصادق عليه السلام: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب علي من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(3).

فلو كانت القطعة خالية من عظم، أو كانت من غير الناس وجب غسل اليد خاصة، و لا يجب الغسل، و الأقرب عدم وجوب الغسل بمس نفس العظم.

ص: 135


1- الكافي 45:3-13، التهذيب 139:1-391، الاستبصار 126:1-428.
2- التهذيب 429:1-1367.
3- الكافي 212:3-4، التهذيب 429:1-1369، الإستبصار 100:1-325.
مسألة 271: كيفيّة هذا الغسل مثل كيفية غسل الحيض

بمعني افتقاره إلي الوضوء، إما قبله أو بعده، للصلاة، أو غيرها مما يشترط فيه الطهارة لا وجوبا في نفسه لقول الصادق عليه السلام: «كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة»(1) خلافا للمرتضي(2) لقوله عليه السلام: «و أي وضوء أكبر من الغسل»(3) و الأحوط ما قلناه.

تذنيب: لو اغتسل ثم أحدث حدثا أصغر توضأ وضوءا واحدا و لا يعيد الغسل، و لو قدم الوضوء(4) أعاده و اغتسل، و لو أحدث في أثناء الغسل أتمه و توضأ سواء تقدم الغسل أو تأخر.

ص: 136


1- التهذيب 143:1-403.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 52.
3- الكافي 45:3 ذيل الحديث 13، التهذيب 139:1-390، الاستبصار 129:1-427، و فيها بدل أكبر: أطهر.
4- أي: لو توضّأ أوّلا ثم أحدث.
الفصل السابع: في الأغسال المسنونة.
اشارة

و هي علي الأشهر ثمانية و عشرون غسلا، ستة عشر للوقت، و سبعة للفعل، و خمسة للمكان.

مسألة 272: ذهب أكثر علمائنا إلي أن غسل الجمعة مستحب
اشارة

ليس بواجب(1) - و هو قول جمهور أهل العلم(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها و نعمت، و من اغتسل فالغسل أفضل)(3) و قوله عليه السلام: (فبها) معناه بالفريضة أخذ، و قوله:

(و نعمت) يعني الخلّة الفريضة.

و من طريق الخاصة ما رواه زرارة قال: سألت الصادق عليه السلام عن غسل الجمعة، قال: «سنة في الحضر و السفر إلا أن يخاف المسافر علي نفسه القر(4)»(5).

ص: 137


1- منهم المفيد في المقنعة: 6، و الشيخ الطوسي في المبسوط 40:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 135، و المحقق في المعتبر: 97.
2- المجموع 201:2 و 535:4، المغني 199:2، العدة شرح العمدة: 109، المهذب لأبي إسحاق 120:1، المبسوط للسرخسي 89:1، بدائع الصنائع 269:1.
3- سنن أبي داود 97:1-354، سنن النسائي 94:3.
4- القرّ: البرد. الصحاح 789:2 «قرر».
5- التهذيب 112:1-296، الاستبصار 102:1-334.

و قال الصدوق: إنه واجب(1) - و به قال الحسن البصري، و داود، و مالك، و أهل الظاهر(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (غسل الجمعة واجب علي كل محتلم)(3).

و قال الرضا عليه السلام و قد سئل عن غسل الجمعة: «واجب علي كل ذكر و أنثي من حر و عبد»(4) و هو محمول علي شدة الاستحباب عملا بالجمع بين الأحاديث و بأصالة البراءة.

فروع:

أ - استحباب غسل الجمعة مؤكد للرجال و النساء، سفرا و حضرا، و غسل مس الميت آكد، أما إن قلنا بوجوبه - علي ما اخترناه - فظاهر، و إن قلنا: إنه سنة فكذلك لأن سببه وجد منه فهو بغسل الجنابة أشبه، و لأن الخلاف في وجوبه أكثر من خلاف غسل الجمعة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: غسل الجمعة(5) لورود الأخبار بوجوبه(6).

و الفائدة تظهر فيما لو اجتمع اثنان علي ماء مباح، أحدهما من أهل الجمعة، و الآخر ليس من أهلها و قد مس ميتا.

ب - و هو مستحب لآتي الجمعة و غيره كالنساء، و العبيد، و المسافرين

ص: 138


1- الفقيه 61:1.
2- بداية المجتهد 164:1، القوانين الفقهية: 32، المحلي 8:2، المجموع 535:4، المبسوط للسرخسي 89:1.
3- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 580:2-846.
4- الكافي 41:3-1 و 42-2، التهذيب 111:1-291، الاستبصار 103:1-336.
5- المجموع 203:2-204 و 186:5، مغني المحتاج 292:1.
6- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 580:2-846، سنن ابن ماجة 246:1-1089.

عند علمائنا - و به قال أبو ثور، و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله عليه السلام: (غسل الجمعة واجب علي كل محتلم)(2).

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «إنه واجب علي كل ذكر و أنثي من حر و عبد»(3).

و الثاني للشافعي: يستحب لآتي الجمعة خاصة(4) لقوله عليه السلام:

(من جاء إلي الجمعة فليغتسل)(5) و هو يدل من حيث المفهوم، فلا يعارض المنطوق.

ج - لو حضرت المرأة المسجد استحب لها، أما عندنا فظاهر، و أما عند الشافعي فللخبر(6).

و قال أحمد: لا يستحب لأنها غير مخاطبة بالجمعة(7) ، و ينتقض بالعبد.

د - وقته من طلوع الفجر الثاني إلي الزوال، و كلّما قرب من الزوال كان أفضل، قاله علماؤنا - و به قال الشافعي(8) - لأن النبيّ عليه السلام قال:1.

ص: 139


1- المجموع 201:2 و 534:4، مغني المحتاج 290:1، السراج الوهاج: 88.
2- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 580:2-846.
3- الكافي 41:3-1 و 42-2، التهذيب 111:1-291، الاستبصار 103:1-336.
4- المجموع 201:2 و 533:4، السراج الوهاج: 88، الوجيز 66:1، مغني المحتاج 290:1.
5- صحيح البخاري 2:2 و 4 و 6، صحيح مسلم 579:2-844، سنن النسائي 93:3، سنن الدارمي 361:1، سنن ابن ماجة 346:1-1088 و 349-1098، سنن البيهقي 297:1، مسند أحمد 15:1 و 46.
6- صحيح البخاري 2:2، صحيح مسلم 579:2-844.
7- المغني 201:2، الشرح الكبير 201:2.
8- المجموع 534:4، مغني المحتاج 291:1.

(من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرّب بدنة)(1).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك للجنابة و الجمعة»(2).

و لأن القصد التنظيف للصلاة، و إزالة الرائحة الكريهة من البدن للاجتماع فيستحب عنده و ليس شرطا.

و قال مالك: لا يعتد بالغسل إلاّ أن يتصل به الرواح(3) لقوله عليه السلام: (من جاء إلي الجمعة فليغتسل)(4) و ليس فيه دلالة.

ه - لا يجوز إيقاعه قبل الفجر اختيارا، فإن قدمه لم يجزئه إلا إذا يئس من الماء - و به قال الشافعي(5) - للإجماع، و لأن النبيّ عليه السلام أضاف الغسل إلي اليوم(6). و قال الأوزاعي: يجوز قبل الفجر لأنه يوم عيد فجاز قبل الفجر كالعيدين(7). و نمنع حكم الأصل، و الفرق أن وقت العيد طلوع الشمس، فيضيق علي الناس وقت الغسل من الفجر فيجوز قبله، بخلاف الجمعة لأنها بعد الزوال.4.

ص: 140


1- صحيح مسلم 582:2-850، سنن الترمذي 372:2-499، الموطأ 101:1-1، مسند أحمد 460:2.
2- الكافي 41:3-1، التهذيب 107:1-279.
3- المدونة الكبري 145:1، المجموع 536:4، المغني 200:2، الشرح الكبير 200:2، المحلي 22:2.
4- صحيح البخاري 2:2 و 4 و 6، صحيح مسلم 579:2-844، سنن النسائي 93:3، مسند أحمد 15:1 و 46، سنن ابن ماجة 346:1-1088 و 349-1098، سنن البيهقي 297:1، سنن الدارمي 361:1.
5- المجموع 534:4، مغني المحتاج 291:1.
6- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 581:2-846، سنن ابن ماجة 346:1-1089.
7- المغني 200:2، الشرح الكبير 200:2، المجموع 536:4.

و - لو فاته الغسل أول النهار قضاه بعد الزوال لأنها عبادة موقتة، فاستحب قضاؤها كالنوافل المرتبة، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار قال: «يقضيه من آخر النهار»(1).

ز - لو فاته يوم الجمعة أول النهار و آخره، استحب قضاؤه يوم السبت لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجد فليقضه يوم السبت»(2).

ح - لو وجد الماء يوم الخميس و خاف عدمه يوم الجمعة، أو عدم التمكن من استعماله جاز أن يقدمه يوم الخميس تحصيلا للتنظيف المأمور به، و لقول الكاظم عليه السلام بالبادية - و هو يريد بغداد - لام الحسين ولده، و أم أحمد ولده يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد فإن الماء غدا قليل»(3).

ط - لو اغتسل يوم الخميس لعذر، ثم زال قبل الزوال، استحب إعادته لسقوط حكم البدل مع إمكان المبدل.

مسألة 273: و يستحب في شهر رمضان ستة أغسال:

غسل أول ليلة منه، و ليلة النصف، و ليلة سبع عشرة، و تسع عشرة، و إحدي و عشرين، و ثلاث و عشرين لاختصاصها بالشرف.

و لقول الصادق عليه السلام: «غسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب»(4).

و عن أحدهما عليهما السلام: «الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة و هي ليلة التقي الجمعان، و تسع عشرة و فيها يكتب وفد السنة،

ص: 141


1- التهذيب 113:1-300، الاستبصار 104:1-340.
2- التهذيب 113:1-300، الإستبصار 104:1-340.
3- الكافي 42:3-6، الفقيه 61:1-227، التهذيب 365:1-366-1110.
4- الإقبال: 14، المعتبر: 97.

و ليلة إحدي و عشرين و هي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء، و فيها رفع عيسي بن مريم، و قبض موسي عليه السلام، و ثلاث و عشرين يرجي فيها ليلة القدر»(1).

مسألة 274: و يستحب الغسل يوم العيدين

ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الجمهور(2) - لقول الصادق عليه السلام: «اغتسل يوم الأضحي، و يوم الفطر»(3) و الأمر للاستحباب هنا عملا بالأصل.

و لقول الكاظم عليه السلام: «الغسل في الجمعة و الأضحي و الفطر سنة و ليس بفريضة»(4).

و عن أهل الظاهر: الوجوب(5) ، و هو منفي بالأصل، و بما تقدم.

مسألة 275:

و يستحب الغسل ليلة الفطر، و ليلة نصف رجب، و يوم المبعث، و ليلة نصف شعبان، و يوم الغدير، و يوم المباهلة - و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة - لشرف هذه الأوقات.

روي الحسن بن راشد قال: «إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل»(6).

و قال الصادق عليه السلام: «صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه»(7).

و قال عليه السلام: «من صلّي فيه ركعتين - يعني يوم الغدير - يغتسل

ص: 142


1- التهذيب 114:1-302.
2- المجموع 7:5، المغني 228:2، بدائع الصنائع 279:1، بداية المجتهد 216:1، الوجيز 1: 66.
3- التهذيب 105:1-273.
4- التهذيب 112:1-295، الاستبصار 102:1-333.
5- لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة لدينا، و نسبه إليهم المحقق في المعتبر: 97.
6- التهذيب 115:1-303.
7- التهذيب 117:1-308.

عند زوال الشمس من قبل أن تزول بنصف ساعة»(1) و ساق الحديث.

و قال عليه السلام: «غسل يوم المباهلة واجب»(2) و يريد تأكيد الاستحباب.

مسألة 276: و يستحب غسل الإحرام

عند أكثر علمائنا(3) لقول أحدهما عليهما السلام: «الغسل إذا دخلت الحرم، و يوم تحرم»(4).

و عن الصادق عليه السلام: «غسل الميت، و غسل الجنب، و الجمعة، و العيدين، و يوم عرفة، و الإحرام»(5).

و قال بعض علمائنا بالوجوب(6) لقول الصادق عليه السلام: «الغسل في سبعة عشر موطنا: الفرض ثلاثة: غسل الجنابة، و من غسل ميتا، و الغسل للإحرام»(7) ، و الرواية مرسلة، و الأصل عدم الوجوب.

مسألة 277: يستحب الغسل

لدخول الحرم، و المسجد الحرام، و الكعبة، و المدينة، و مسجد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و زيارة الأئمة عليهم السلام، لشرف هذه الأمكنة، لقول أحدهما عليهما السلام: «الغسل إذا دخلت الحرم، و يوم تحرم، و يوم الزيارة، و يوم تدخل البيت، و يوم التروية، و يوم عرفة»(8).

ص: 143


1- التهذيب 143:3-317.
2- الفقيه 45:1-176، التهذيب 104:1-270.
3- منهم: المفيد في المقنعة: 6، و الشيخ الطوسي في المبسوط 40:1، و السيد المرتضي و المحقق كما في المعتبر: 98، و ابن حمزة في الوسيلة: 160-161.
4- الفقيه 44:1-172، التهذيب 114:1-302.
5- الخصال 498:2-499-5.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 98، و نسبه الشهيد الي ابن أبي عقيل في الذكري: 25 و الدروس: 96.
7- التهذيب 105:1-271، الاستبصار 98:1-316.
8- الفقيه 44:1-172، التهذيب 114:1-302.

و عن الصادق عليه السلام: «و دخول الكعبة، و دخول المدينة، و دخول الحرم، و في الزيارة»(1).

و عن الصادق عليه السلام: «الغسل عند دخول مكة، و المدينة، و دخول الكعبة»(2).

و عن الباقر عليه السلام: «الغسل إذا أردت دخول البيت، و إذا أردت دخول مسجد النبي عليه السلام»(3).

مسألة 278: اختلف علماؤنا في وجوب غسل قاضي الكسوف

مع استيعاب الاحتراق، و الترك عمدا، و الأقوي الاستحباب، لأصالة البراءة.

و قال سلار بوجوبه(4) لقول أحدهما عليهما السلام: «و غسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه»(5).

و قول الصادق عليه السلام: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصل فليغتسل من الغد و ليقض، و إن لم يعلم فليس عليه إلا القضاء بغير غسل»(6) و هما قاصران عن إفادة الوجوب.

مسألة 279: و اختلفوا في غسل المولود،

فالأشهر استحبابه، تمسكا بالأصل، و قال بعض علمائنا بوجوبه(7) لقول الصادق عليه السلام: «غسل

ص: 144


1- الخصال: 498-499-5.
2- التهذيب 110:1-111-290.
3- التهذيب 105:1-272.
4- المراسم: 52.
5- التهذيب 114:1-115-302.
6- التهذيب 117:1-309.
7- حكاه المحقق في المعتبر: 98، و قال ابن حمزة في الوسيلة: 54: (فصل في بيان الطهارة الكبري، و هي ضربان: إمّا يجب إيقاعها علي المكلّف في نفسه أو في غيره، و ذلك شيئان، أحدهما: غسل المولود بعد الولادة..).

النفساء واجب، و غسل المولود واجب»(1) و الرواية ضعيفة السند، و يحمل الثاني علي شدة الاستحباب.

و اختلفوا أيضا في غسل من قصد إلي رؤية مصلوب بعد ثلاثة أيام فالأقوي الاستحباب للأصل، و قال بعض علمائنا بالوجوب(2). قال ابن بابويه: روي ذلك(3).

مسألة 280: و غسل التوبة مستحب

و ليس بواجب، سواء كانت عن كفر أو فسق عند علمائنا - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(4) - لأن العدد الكثير من الصحابة أسلموا، فلو وجب الغسل لنقل نقلا متواترا، أو مشهورا.

و لأنه عليه السلام قال لمعاذ - لمّا بعثه إلي اليمن -: (ادعهم إلي شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)(5) و لو كان الغسل واجبا لبيّنه، و لأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغسل فلا يجب لها كالجمعة.

و قال أحمد، و مالك، و أبو ثور، و ابن المنذر: إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل سواء كان أصليا أو مرتدا، اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل، وجد منه في حال كفره ما يوجب الغسل أو لا(6) لأن قيس

ص: 145


1- الكافي 40:3-2، الفقيه 45:1-176، التهذيب 104:1-270.
2- قال به أبو الصلاح في الكافي: 135.
3- الفقيه 45:1-175، الهداية: 19.
4- المبسوط للسرخسي 90:1، بدائع الصنائع 35:1، المجموع 153:2، المغني 239:1، الشرح الكبير 237:1.
5- صحيح البخاري 158:2-159، صحيح مسلم 50:1-29، سنن النسائي 55:5، سنن ابن ماجة 568:1-1783.
6- المغني 239:1، الشرح الكبير 237:1، المدونة الكبري 36:1، المجموع 153:2.

ابن عاصم، و ثمامة بن أثال أسلما، فأمرهما النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالاغتسال(1).

و يحمل علي الاستحباب، أو أنه وجد منهما ما يوجب الغسل و هو الجنابة، إذ هو الغالب.

و علي هذا لو أجنب الكافر، أو حاضت الكافرة، ثم أسلما وجب عليهما الغسل لحصول الحدث، و لو كانا قد اغتسلا لم يجزئهما.

و قال أبو حنيفة: لا يجب لعدم أمر الصحابة به حال إسلامهم(2) ، و هو ضعيف للأمر به في الآية(3).

مسألة 281: يستحب غسل صلاة الاستسقاء

- و به قال الشافعي(4) - لأن حكمها حكم صلاة العيد، فسنّ لها الغسل كالعيد، و لقول الصادق عليه السلام: «و غسل الاستسقاء واجب»(5) و المراد تأكيد الاستحباب لانتفاء القائل بالوجوب.

قال الصدوق: روي: «أن من قتل وزغة فعليه الغسل»(6) و قال: و علّله بعض مشايخنا بأنه يخرج من ذنوبه فيغتسل(7).

مسألة 282: و يستحب غسل صلاة الحاجة، و الاستخارة
اشارة

عند علمائنا لأنه وقت التوجه إلي اللّه تعالي فيستحب التنظيف، و لقول الصادق عليه السلام:

ص: 146


1- صحيح البخاري 125:1، النسائي 109:1، سنن أبي داود 98:1-355، سنن البيهقي 171:1.
2- بدائع الصنائع 35:1، المجموع 152:2، المغني 239:1، الشرح الكبير 237:1.
3- النساء: 43.
4- المجموع 202:2.
5- الكافي 40:3-2، الفقيه 45:1-176.
6- الفقيه 44:1-174.
7- الفقيه 45:1 ذيل الحديث 174، الهداية: 19.

«إذا نزل بك أمر فافزع إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله» قلت: كيف أصنع ؟ قال: «تغتسل»(1) الحديث.

و عن الرضا عليه السلام: «إذا كانت لك حاجة مهمة فاغتسل»(2) الحديث.

و عن الصادق عليه السلام في صلاة الاستخارة: «و تغتسل في ثلث الليل الثاني»(3).

فروع:

أ - لا بدّ في الأغسال المندوبة من نيّة السبب، فلا يجزيه لو أهمله، إذ المميزة في الأفعال القصود و الدواعي.

أما الغسل الواجب فلا تجب نية السبب، بل يكفي رفع الحدث، أو استباحة الصلاة إذ المراد للشرع رفع المانع عما يشترط فيه الطهارة، نعم لو كان الوجه لا كذلك، بل النذر و شبهه وجبت نيّة السبب.

و لو اجتمعت أسباب توجب الطهارة متساوية كفي نية رفع الحدث، أو الاستباحة، و لا يشترط نية السبب كما في الأحداث الأصاغر.

ب - لو اختلف أسباب الغسل كالجنابة، و الحيض فلا تجب علي رأي المرتضي، أما علي المختار، فإن نوت الجنابة أجزأ عنهما، و إن نوت الحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاعه مع بقاء الجنابة لعدم نيّتها، و من أنها طهارة نوت بها الاستباحة، فإن صحت فالأقرب وجوب الوضوء، و حينئذ فالأقرب رفع حدث الجنابة لوجود المساوي في الرفع.

ص: 147


1- الكافي 476:3-1، التهذيب 116:1-305.
2- الكافي 477:3-3، التهذيب 117:1-306.
3- التهذيب 117:1-307.

ج - لو اجتمع غسل الجنابة، و المندوب كالجمعة، فإن نوي الجميع، أو الجنابة أجزأ عنهما، قاله الشيخ، قال: و لو نوي الجمعة لم ترتفع الجنابة، و لم يجزئ غسل الجمعة، إذ المراد به التنظيف، و لا يصح مع وجود الحدث(1).

و الأقرب: أنه لو نواهما معا بطل غسله، و إن نوي الجنابة ارتفع حدثه، و لم يثب علي غسل الجمعة، و إن نوي الجمعة صح عنها و بقي حكم الجنابة، إذ لا يراد به رفع الحدث، و لهذا صح للحائض غسل الإحرام، و لو اغتسل و لم ينو شيئا بطل.

د - لو اجتمعت أغسال مندوبة، فإن نوي الجميع أجزأه غسل واحد لقول أحدهما عليهما السلام: «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد» قال: «و كذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها و غسلها من حيضها، و عيدها»(2) و لو نوي البعض اختص بما نواه.

ه - لو حاضت الجنب لم تغتسل، فإن اغتسلت لم يرتفع حدث الجنابة - و به قال الشافعي(3) - إذ لا طهارة مع الحيض.

و لقول الصادق عليه السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض تغتسل أم لا؟: «قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل»(4).

و قال أحمد: يرتفع، قال: و لا أعلم أحدا قال: لا تغتسل، إلا عطاء(5).1.

ص: 148


1- المبسوط للطوسي 40:1.
2- الكافي 41:3-1، التهذيب 107:1-279.
3- المجموع 150:2.
4- الكافي 83:3-1، التهذيب 395:1-1224.
5- المغني 243:1.
الباب الرابع: في التيمم، و فصوله أربعة:
الأول: في مسوغاته.

و ينضمها شيء واحد هو العجز عن استعمال الماء، و أسباب العجز ثلاثة:

الأول: عدم الماء، و عليه إجماع العلماء لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (1) و قوله عليه السلام: (التراب كافيك ما لم تجد الماء)(2).

و يجب معه الطلب عند علمائنا أجمع، فلا يصح بدونه - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4).

و لا يثبت عدم الوجدان إلاّ بعد الطلب و عدمه لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه، و لقول أحدهما عليهما السلام: «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت»(5).

ص: 149


1- المائدة: 6.
2- كنز العمال 593:9-26566.
3- المجموع 249:2.
4- المائدة: 6.
5- الكافي 63:3-2، التهذيب 192:1-555، الاستبصار 159:1-548.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الطلب(1) ، و عن أحمد روايتان(2) لأنه غير عالم بوجود الماء فجاز التيمم كما لو طلب فلم يجد، و بينهما فرق.

إذا ثبت هذا فإعواز الماء بعد الطلب شرط بالإجماع.

مسألة 283: و كيفية الطلب أن يبتدئ برحله
اشارة

فيعتبره لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم إن رأي خضرة، أو شيئا يدل علي الماء قصده و استبرأه، و لو كان دونه حائل صعد عليه و طلب، و إن وجد من له خبرة بالماء سأله، و إن دلّ علي ماء لزمه قصده ما لم يخف علي نفسه، أو ماله، أو فوت الوقت، و إن كان له رفقة طلب منهم.

فإن تعذر ذلك كله فليطلب عن جوانبه الأربعة غلوة سهم إن كانت حزنة، و غلوة سهمين إن كانت سهلة عند علمائنا، و لا يعد فاقدا بدونه - خلافا للشافعيّ، و أحمد(3) - لإمكان وجود الماء في هذا الحد فلزمه قصده دون الأزيد للمشقة.

و لقول علي عليه السلام: «يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة، و إن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك»(4).

فروع:

أ - الطلب إنما يجب مع تجويز وجود الماء، فلو انتفي لم يجب.

ب - لو دلّ علي ماء وجب قصده مع المكنة و إن زاد عن الغلوة

ص: 150


1- بدائع الصنائع 47:1، شرح فتح القدير 125:1، المجموع 249:2، المغني 269:1، بداية المجتهد 67:1.
2- المغني 269:1.
3- المجموع 250:2، المغني 269:1، مغني المحتاج 88:1.
4- التهذيب 202:1-586، الاستبصار 165:1-571.

و الغلوتين، فلو خاف فوت الوقت، أو التخلف عن الرفقة مع الحاجة، أو علي نفسه، أو ماله سقط الوجوب.

ج - لو أخل بالطلب لم يصح تيممه - قاله الشيخ(1) - و تلزمه الإعادة، و يشكل بأن مع التضيق يسقط الطلب و يجب التيمم و إن أخل بالطلب مع وقت السعة لأنه يكون مؤديا فرضه.

نعم قد روي أنه لو أخل بالطلب، ثم وجد الماء في رحله، أو مع أصحابه أعاد الصلاة، و كذا يجيء لو وجد الماء قريبا منه.

مسألة 284: إنما يجب الطلب بعد دخول الوقت،
اشارة

فلو طلب قبله لم يجزئه، و وجب عليه إعادة الطلب بعده - و به قال الشافعي(2) - لإمكان تجدد الماء إلا أن يكون ناظرا إلي مواضع الطلب، و لم يتجدد فيها شيء فيسقط، لكن هذا نوع طلب فيجزيه لأنه بعد دخول الوقت.

لا يقال: يجوز التجدد بعد الطلب في الوقت قبل التيمم و مع ذلك يجوز التيمم إجماعا و لا يعيد الطلب.

لأنا نقول: إذا طلب في وقت الطلب لم تجب إعادته إلا أن يعلم تجدد أمر لحصول المشقة، و إذا طلب قبل وقته لزمه الإعادة لتفريطه.

فروع:

أ - لو طلب في وقت صلاة، ثم دخل وقت اخري وجب إعادة الطلب ما لم يعلم عدم تجدد شيء.

ب - إذا كان يطلب الماء، فظهر ركب وجب أن يسألهم عن الماء ما لم

ص: 151


1- المبسوط للطوسي 31:1.
2- الام 46:1، المجموع 250:2، مغني المحتاج 88:1.

يخف الفوت، و يطلب من كل واحد إلي أن يبقي مقدار التيمم و الصلاة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: إلي أن يبقي مقدار ركعة إذ بإدراكها يحصل الغرض من كونها أداء، و لا يأثم بالتأخير إلي ذلك الوقت، لأنه مشغول بمصلحتها(1). و ليس بجيّد.

ج - لو كان في برّيّة لا تعهد بالماء وجب الطلب لإمكانه، و تحقيقا لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (2) و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:

السقوط للعلم بالعدم(3). و هو ممنوع.

د - لو أمر غيره بالطلب لم يبح له التيمم علي إشكال ينشأ من الاعتماد علي الظن و قد حصل بإخبار الثقة.

مسألة 285: لا يشترط في عدم الماء السفر،

طويله و قصيره - عند أكثر علمائنا - فلو عدم الماء في السفر القصير، أو الحضر و كان صحيحا، كما لو انفتح بثق(4) فانقطع الماء، أو كان محبوسا وجب التيمم و لا إعادة عليه - و به قال الثوري، و مالك، و الأوزاعي، و المزني، و الطحاوي(5) لقوله عليه السلام:

(الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج)(6).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد الماء فليغتسل و قد

ص: 152


1- المجموع 251:2، مغني المحتاج 88:1.
2- المائدة: 6.
3- المجموع 249:2، مغني المحتاج 87:1.
4- البثق: كسرك شطّ النهر لينشقّ الماء. لسان العرب 13:10.
5- المنتقي 112:1، المدونة الكبري 44:1، المغني 267:1، الشرح الكبير 268:1.
6- سنن النسائي 171:1، مسند أحمد 155:5 و 180، سنن الترمذي 212:1-124، سنن أبي داود 91:1-332، سنن الدار قطني 187:1-4 و 6، سنن البيهقي 212:1.

أجزأته صلاته التي صلاها»(1) و لأنه لا يمكنه استعمال الماء فأشبه المريض، و لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.

و قال الشافعي: إن كان السفر طويلا، و هو الذي يقصر فيه الصلاة، جاز التيمم قولا واحدا، لأنه رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصير، و إن كان قصيرا فقولان: أحدهما: أنه كالطويل لأن عدم الماء فيه غالب فإذا تيمم و صلّي سقط الفرض كالطويل، و الثاني: أنه يختص سقوط الفرض بالسفر الطويل لأنه رخصة فتتعلق بالطويل خاصة كالقصير، و الفرق أن القصير يراعي فيه المشقة و هي تحصل في الطويل خاصة(2).

و قال أبو حنيفة: إذا عدم الماء في الحضر لا يصلي - و به قال زفر - لأنه تعالي شرط في جواز التيمم السفر(3). و هو يدل من حيث المفهوم، و ليس حجة، أو لأنه خرج مخرج الأغلب إذ فقده في الحضر نادر.

و قال الشافعي: يتيمم، و يصلي، و يعيد، و روي عن أبي حنيفة أيضا، و صاحبيه - و به قال المرتضي في شرح الرسالة(4) - لأنه عذر نادر إذا وقع لا يتصل فلا يسقط القضاء، كالحيض في رمضان(5) ، و ليس بجيد، لأنه امتثل فيخرج عن العهدة.

السبب الثاني: الخوف.

مسألة 286: لو كان بقربه ماء و خاف إن سعي إليه علي نفسه من سبع،

ص: 153


1- الكافي 63:3-3، التهذيب 193:1-556، الإستبصار 159:1-549.
2- الام 45:1، المجموع 303:2.
3- المبسوط للسرخسي 123:1، بدائع الصنائع 50:1، المجموع 305:2، المغني 267:1، الشرح الكبير 268:1، بداية المجتهد 66:1، المحلي 139:2.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 100.
5- المغني 267:1، الشرح الكبير 269:1، المحلي 139:2.

أو عدو، أو علي ماله من غاصب، أو سارق جاز له التيمم إجماعا لأنه كالعادم، و لقول الصادق عليه السلام: «لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص، أو سبع»(1) و لا إعادة عليه للامتثال، فيخرج عن العهدة.

و لو خافت المرأة المكابرة علي نفسها لو سعت إلي الماء، أو الغلام سقط السعي، و وجب التيمم، و لا إعادة، و هو أصح وجهي أحمد، لما فيه من التعرض للزنا و هتك نفسها و عرضها، و الآخر: تعيد(2).

و لو كان خوفه جبنا لا عن سبب يخاف فالوجه التيمم و لا إعادة، لأنه كالخائف بسبب، و هو أحد قولي أحمد، لكن يعيد عنده، و أصحهما عنده:

الوضوء(3).

و لو خاف بسبب ظنه، كمن رأي سوادا ثم تبين أنه ليس بعدوّ بعد تيممه و صلاته لم تلزمه الإعادة، و هو أحد وجهي أحمد، لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة، و في الآخر: يعيد، كناسي الماء في رحله(4).

مسألة 287: خائف العطش يحفظ ماءه و يتيمم،
اشارة

قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم علي ذلك منهم: علي عليه السلام، و ابن عباس، و الحسن، و عطاء، و مجاهد، و طاوس، و قتادة، و الضحاك، و الثوري، و مالك، و أحمد، و الشافعي و أصحاب الرأي، لأنه خائف علي نفسه فأبيح له التيمم كالمريض(5).

ص: 154


1- الكافي 65:3-8، التهذيب 184:1-528.
2- المغني 271:1، الشرح الكبير 274:1.
3- المغني 272:1، الشرح الكبير 275:1.
4- المغني 272:1، الشرح الكبير 275:1.
5- المجموع 244:2 و 245، المدونة الكبري 46:1، المغني 300:1، الشرح الكبير 272:1-273، بدائع الصنائع 47:1.

و لقول الصادق عليه السلام في الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم ؟ قال: «بل يتيمم»(1). و كذا إذا أراد الوضوء.

فروع:

أ - لا فرق بين أن يخاف العطش في الحال أو فيما بعد لوجود المقتضي، و لو كان يرجو وجوده في غده و لا يتحققه فالوجه: جواز التيمم، لأن الأصل عدمه، و قد لا يجده فحاجته مقدمة علي العبادة.

ب - لو خاف علي رفيقه أو دابته فهو كما لو خاف علي نفسه، لأنّ حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة، و الخوف علي الدابة كالخوف علي المال من اللص.

ج - لو وجد عطشانا يخاف تلفه وجب بذل الماء له مع استغنائه عن شربه، و يتيمم حراسة للنفس.

و قال بعض الجمهور: لا يجب لأنه محتاج إليه(2) و حفظ النفس أولي من الصلاة، و لهذا أمر واجد الغريق بقطعها و إنقاذه و إن فاتت.

د - لو كان مع خائف العطش ماءان، أحدهما نجس، حبس الطاهر لشربه، و أراق النجس إن استغني عن شربه، و تيمم و صلي، لأنه قادر علي الطاهر فلم يجز له شرب النجس، و لو احتاج إلي أكثر احتفظ بالنجس أيضا.

و لو وجدهما و هو عطشان شرب الطاهر و أراق النجس و إن استغني به، و إلا استبقاه سواء كان في الوقت أو قبله.

ص: 155


1- التهذيب 406:1-1275.
2- المغني 301:1، الشرح الكبير 273:1.

و قال بعض الشافعية: إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق للطهارة فأشبه المعدوم(1). و ليس بجيد، لأن شرب النجس حرام، و إنما يصير الطاهر مستحقا للطهارة لو استغني عنه.

ه - لو تمكن من استعماله، و جمع المتساقط من وضوئه، أو غسله، و كفاه وجب عليه ذلك، و بعض الشافعية لم يوجبه لاستقذاره(2). و هو ممنوع.

و - لا يجوز له حفظ الماء لبقاء مرتد، أو حربي، أو كلب عقور، أو خنزير لعدم احترامهم، و يجب لبقاء المسلم، و الذمي، و المعاهد، و الحيوان المحترم.

ز - لو كان معه ما يفضل عن شربه إلاّ أنه يحتاج إلي بيع الفاضل لنفقة ثمنه في الطريق تيمم لأن ما استغرقته حاجة الإنسان يجعل كالمعدوم شرعا.

ح - يكفي في وجوب البذل إخبار الآدمي بعطشه، و يجوز بعوض، و غيره.

ط - لو مات صاحب الماء و رفقاؤه عطشي، يمّموه، و غرموا لوارثه القيمة يوم الإتلاف لئلا يضيع حق الورثة.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: المثل لأنه مثلي(3) ، و ليس بجيد إذ لا قيمة للمثل هنا غالبا.

مسألة 288: و خائف البرد يتيمم و يصلي إن لم يتمكن من إسخانه،
اشارة

و هو

ص: 156


1- المجموع 245:2 و 246، المغني 301:1، الشرح الكبير 274:1.
2- المجموع 245:2.
3- المجموع 277:2.

قول أكثر العلماء(1) لقوله تعالي وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (2) ، و لأن عمرو بن العاص احتلم في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فتيمم، و صلي بأصحابه الصبح، و لم ينكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ذلك لمّا سمع(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح، أو قروح، أو يخاف علي نفسه من البرد: «لا يغتسل و يتيمم»(4).

و قال عطاء، و الحسن: يغتسل و إن مات لم يجعل اللّه له عذرا، و نحوه قول ابن مسعود(5).

فروع:

أ - لو تمكن من إسخان الماء و استعماله وجب، و لو احتاج إلي الثمن و تمكن وجب.

ب - لو تيمم و صلّي لم يعد - و به قال الثوري، و مالك، و أبو حنيفة - لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة(6).

و قال أبو يوسف، و محمد: يعيد لأنه نادر غير متصل فتجب الإعادة كنسيان الطهارة(7) و عن أحمد كالقولين(8) و الفرق أنه في النسيان لم يأت بالمأمور به.

ص: 157


1- المغني 198:1، المجموع 321:2.
2- النساء: 29.
3- سنن أبي داود 92:1-334، سنن البيهقي 225:1، مستدرك الحاكم 177:1.
4- التهذيب 185:1-531.
5- المغني 298:1، الشرح الكبير 271:1، بداية المجتهد 66:1.
6- المدونة الكبري 44:1-45، المنتقي للباجي 111:1، بدائع الصنائع 95:1 و 60، المغني 298:1، الشرح الكبير 271:1.
7- المبسوط للسرخسي 123:1، المغني 298:1، الشرح الكبير 271:1.
8- المغني 298:1، الشرح الكبير 271:1.

و قال الشافعي: يعيد إن كان حاضرا لأن هذا العذر لا يمتد في دار الإقامة و لا يدوم فلا يؤثر في سقوط الإعادة، و إن كان مسافرا فقولان(1).

ج - لو تعمد الجنابة، قال الشيخان: لم يجز له التيمم و إن خاف التلف، أو الزيادة في المرض(2).

لقول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة في ليلة باردة قال:

«اغتسل علي ما كان، فإنه لا بد من الغسل»(3).

و للشيخ قول في المبسوط بجواز التيمم(4) ، و هو أجود دفعا للمشقة و الحرج، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح، أو يخاف علي نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم»(5) و يحمل الأول علي المشقة التي لا يخاف معها التلف و الشين.

د - قال الشيخ في المبسوط: يصلي و يعيد(6) لقول الصادق عليه السلام في رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف علي نفسه التلف إن اغتسل قال:

«يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة»(7).

و الوجه عندي عدم الإعادة، لأنه فعل المأمور به، و الرواية عن جعفر ابن بشير عمن رواه، و هي مرسلة.9.

ص: 158


1- المجموع 303:2، المغني 299:1، الشرح الكبير 271:1.
2- المقنعة: 8، النهاية: 46.
3- التهذيب 198:1-576، الاستبصار 163:1-564.
4- المبسوط للطوسي 30:1.
5- التهذيب 185:1-531.
6- المبسوط للطوسي 30:1.
7- الكافي 67:3-3، الفقيه 60:1-224، التهذيب 196:1-567، الإستبصار 161:1-559.
مسألة 289: المريض إذا خاف التلف باستعمال الماء وجب التيمم،
اشارة

بإجماع العلماء، و كذا إن خاف سقوط عضو، أو بطلان منفعة عضو لقوله تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ (1).

و لو خاف زيادة المرض، أو بطء البرء جاز التيمم عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي في أصح الوجهين(2) - لقوله تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي (3) و هو عام.

و لقول الصادق عليه السلام: «ييمّم المجدور، و الكسير إذا أصابتهما الجنابة»(4).

و قال الشافعي في الآخر: تجب الطهارة إلا مع خوف التلف - و به قال أحمد بن حنبل، و هو مروي عن عطاء، و الحسن البصري(5) - لقول ابن عباس في قوله تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ (6) إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل اللّه، أو قروح، أو جدري فيجنب، و يخاف أن يغتسل فيموت، يتيمم بالصعيد(7). و هو يدل من حيث المفهوم.

ص: 159


1- المائدة: 6.
2- المجموع 285:2، مغني المحتاج 92:1-93، شرح فتح القدير 109:1، بدائع الصنائع 48:1، المنتقي للباجي 110:1، المغني 295:1، الشرح الكبير 272:1.
3- المائدة: 6.
4- التهذيب 185:1-533.
5- المغني 295:1، الشرح الكبير 272:1، المجموع 286:2، شرح فتح القدير 109:1، بدائع الصنائع 48:1.
6- المائدة: 6.
7- سنن البيهقي 224:1، سنن الدار قطني 177:1-9.
فروع:

أ - لو تمكن من استعمال الماء الحار وجب إسخانه و لا يتيمم، لأن عدم الماء شرط، و هو قول الفقهاء، و قال داود: تيمم(1) لظاهر الآية(2).

ب - لو خاف الشين وجب التيمم - و به قال أبو حنيفة(3) - لقوله تعالي ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4) خلافا للشافعي(5).

ج - لا يستباح التيمم مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس مع زواله، و كذا الضرس، و به قال الشافعي(6) ، و قال داود: يجوز التيمم(7) للآية(8) ، و المراد التضرر.

د - لو زال المرض في أثناء الصلاة لم يبطلها لأنه دخل مشروعا.

ه - لو لم يجد المريض من يناوله الماء مع حاجته تيمم، و لو ظن حصوله و خشي فوت الصلاة تيمم.

و - يرجع المريض في معرفة التضرر إلي ظنّه، أو إخبار ثقة عارف، و الأقرب قبول [قول](9) الصبي، و الفاسق مع الظن، لأنه يجري مجري العلامات، كما يقبل قول القصاب الفاسق: إنه مذكي، و للشافعية

ص: 160


1- المغني 295:1، الشرح الكبير 272:1.
2- المائدة: 6.
3- شرح فتح القدير 109:1، المجموع 285:2-286.
4- الحج: 78.
5- المجموع 286:2، مغني المحتاج 93:1.
6- المجموع 284:2، الوجيز 20:1.
7- المجموع 285:2.
8- المائدة: 6.
9- الزيادة يقتضيها السياق.

وجهان(1) ، و كذا العبد، و المرأة يقبل منهما، و أما الذمي فإن اتهمه في أمر الدين لم يقبل، و إن ظن صدقه قبل، و ليس العدد شرطا، لأن طريقه طريق الخبر.

السبب الثالث: تعذّر الاستعمال

مسألة 290: لو وجد الماء في بئر و شبهها، و قدر علي التوصل إلي الماء

إمّا بالنزول من غير ضرر، أو الاغتراف بدلو أو ثوب يبله، ثم يعصره إما بنفسه، أو بغيره وجب عليه ذلك لتمكنه من الاستعمال، و كذا لو كان في سفينة في البحر، و إن لم يمكنه إلاّ بمشقة، أو تغرير بالنفس فهو كالعادم.

و لو تمكن و خاف فوت الوقت بعصر الثوب مثلا تيمم لتعذر استعمال الماء إذ القصد الطهارة لأداء الصلاة.

و قال أحمد: يجب عليه الاشتغال بالتحصيل و إن خاف الفوت، لأن الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء(2). و ليس بمعتمد.

مسألة 291: لو كان الماء قريبا منه و أمكنه تحصيله إلا أنه يفوت الوقت

بتحصيله، قال بعض علمائنا: يسعي إليه، و لا يجوز له التيمم، و كذا لو كان عنده و يفوته الوقت باستعماله، لأنه واجد للماء فلا يباح له التيمم(3) لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا (4) و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: يجوز التيمم لصلاة الجنازة و العيدين إذا خاف الفوت

ص: 161


1- المجموع 286:2.
2- المغني 273:1، الشرح الكبير 275:1.
3- قاله المحقق في المعتبر: 100.
4- المائدة: 6.
5- المجموع 244:2، المبسوط للسرخسي 118:1، الشرح الكبير 275:1.

لأنهما لا يقضيان(1).

و الوجه عندي: وجوب التيمم لتعذر استعماله في هذه الصلاة، نعم لو تمكن من استعماله و إدراك ركعة من الصلاة لم يجز التيمم، و لو كان التفريط منه فالأقرب وجوب الصلاة بتيمم و الإعادة، و يحتمل الاشتغال بالطهارة و القضاء.

و لو خاف غير الواجد فوت الوقت بالطلب سقط، و تيمم، و لا إعادة.

مسألة 292: لو انتهي المسافرون إلي بئر، و افتقروا إلي التناوب

لضيق موقف النازح، أو لاتحاد الآلة، أو لغير ذلك، فمن توقع انتهاء النوبة إليه قبل خروج الوقت وجب عليه الصبر، و من علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الفوات، أو ظن ذلك وجب عليه التيمم و لا إعادة عليه لعدم تمكنه من الاستعمال.

و قال الشافعي: يصبر، و يتوضأ بعد الوقت لقدرته علي الوضوء(2).

و لو كان لجماعة ثوب واحد يتناوبونه و بينهم ترتيب إما من المالك، أو بالقرعة و علم بعضهم أن النوبة لا تصل إليه في الوقت صلي عاريا.

و قال الشافعي: يجب الصبر و إن فات الوقت(3). و ليس بجيد، إذ لو وجب علي من تعذر عليه بعض فروض الصلاة في وقته و قدر عليه بعده الصبر، لم يبح للعادم التيمم لوصوله إلي الماء بعد الفوات.

و لو كان قوم في سفينة، و لا يتمكن من القيام فيها أكثر من واحد،

ص: 162


1- المبسوط للسرخسي 118:1-119، اللباب 34:1، بدائع الصنائع 55:1، المجموع 244:2.
2- المجموع 246:2، الوجيز 19:1.
3- المجموع 246:2، الوجيز 19:1.

و علم أن النوبة لا تنتهي إليه في الوقت صلّي قاعدا - و به قال الشافعي(1) - لأن حكم الستر آكد من حكم القيام.

مسألة 293: لو لم يجد الماء إلا بالثمن
اشارة

وجب عليه شراؤه بشرطين: وجود الثمن، و الاستغناء عنه، و لا خلاف في اشتراطهما، فلو تعذر الثمن سقط الشراء و تيمم إجماعا، و لا يختص بالدراهم و الدنانير، بل الأموال كلها سواء، كما في ثمن الرقبة.

و كذا لو احتاج إلي الثمن لقوته، أو لأمر ضروري يتضرر بدفعه إما في الحال، أو فيما بعد لم يجب عليه الشراء، لأنا سوغنا ترك استعمال عين الماء لحاجته في الشرب فترك بدله أولي، و كذا لو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي.

فروع:

أ - اختلف علماؤنا في اشتراط عدم زيادة علي ثمن المثل، فالمشهور: العدم، فيجب الشراء بأي ثمن كان ما لم يجحف به - و به قال مالك(2) - لأنه متمكن لانتفاء الضرر.

و لأن صفوان سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلي وضوء الصلاة و هو لا يقدر علي الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم، أو بألف درهم، و هو واجد لها، يشتري به و يتوضأ، أو يتيمم ؟ قال: «بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضأت، و ما يشتري(3) بذلك مال كثير»(4).

ص: 163


1- المجموع 246:2، الوجيز 19:1، مغني المحتاج 89:1.
2- بلغة السالك 71:1، المدونة الكبري 46:1.
3- في نسخ الكافي و التهذيب اختلاف شديد في هذه اللفظة، ففي بعض نسخ الكافي: يسوؤني، و في بعضها كما في نسخة «م»: يسرّني، و في بعضها: يشتري، كما في المتن، و كذا في التهذيب، و في الفقيه: يسوؤني. و معني «ما يشتري مبنيّا للمفعول - بذلك مال كثير» كما في الوافي 1: 85 (باب أحكام التيمم): أنّ الماء المشتري للوضوء بتلك الدراهم مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم.
4- الكافي 74:3-17، الفقيه 23:1-71، التهذيب 406:1-1276.

و قال أصحاب الرأي: إن كانت الزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب شراؤه كالوكيل بالشراء له أن يشتري بزيادة يسيرة(1).

و قال ابن الجنيد منّا(2) ، و الشافعي: لا يجب الشراء و إن زاد يسيرا، لأنه يجوز له التيمم لحفظ المال فلا يناسب وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل لأنه تضييع له(3).

و القليل و الكثير واحد، و لهذا يكفر مستحله، و يفسق غاصبه، و يجوز الدفع عنه. و نمنع التساوي بين الأصل و الفرع لتفويت الثواب الكثير في الفرع و العوض المساوي في الأصل.

ب - إن اعتبرنا ثمن المثل، احتمل التقويم في ذلك الوقت و المكان لاختلاف القيمة باختلافهما، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: اعتبار اجرة الاستقاء و النقل إلي ذلك المكان إذ لا ثمن للماء(4).

ج - لو بذل له بثمن غير مجحف إلي أجل و كان قادرا عليه وجب الشراء لتمكنه، و به قال الشافعي(5).

و قال بعض الجمهور: لا يجب لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته و ربما تلف ماله قبل أدائه(6).

و نمنع التضرر، و لو لم يكن قادرا لم يجب الشراء قطعا.1.

ص: 164


1- المبسوط للسرخسي 115:1، بدائع الصنائع 48:1، المجموع 255:2.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 101.
3- المجموع 254:2، الوجيز 19:1، مغني المحتاج 90:1، المغني 273:1، الشرح الكبير 276:1.
4- المجموع 254:2، الوجيز 19:1، مغني المحتاج 90:1.
5- الام 46:1، المجموع 253:2.
6- المغني 274:1، الشرح الكبير 277:1.

د - لو امتنع صاحبه من بذله مطلقا لم تجز مكابرته عليه لانتفاء الضرورة فإن بدله يقوم مقامه بخلاف الطعام في المجاعة.

ه - لو كان عادما للثمن و بذل له بيعه في ذمته لم يلزمه شراؤه لما فيه من الضرر باشتغال الذمة.

و - لو بذل له الماء بغير عوض لزمه القبول لأنه لا منة له في ذلك، و لو وهب له الثمن لم يجب القبول لما فيه من المنة - و به قال الشافعي(1) - خلافا للشيخ(2).

ز - لو عرف أن مع قوم ماء فعليه أن يطلبه منهم، لأنهم إذا بذلوه وجب قبوله، و قد يبذلوه عند طلبه فيجب، و هو أظهر وجهي الشافعية، و الآخر: لا يجب(3).

ح - لو امتنع من قبول الهبة لم تصح صلاته ما دام الماء و البذل، لتمكنه من الوضوء، و هو أحد وجهي الشافعية(4).

ط - لو عدم الثمن، و تمكن من تحصيله بالكسب، فالوجه: وجوبه لتمكنه من الماء، خلافا للشافعي(5).

ي - لو افتقر إلي الآلة و تمكن من شرائها وجب و إن زاد علي ثمن المثل - خلافا للشافعي(6) - و لو وهبت منه لم يجب القبول، بخلاف الماء، و كذا لو وهب ثمنها، و لو أعاره المالك وجب القبول، لانتفاء المنة لقضاء العادة2.

ص: 165


1- المجموع 253:2، الوجيز 19:1، مغني المحتاج 91:1.
2- المبسوط للطوسي 31:1.
3- المجموع 251:2، فتح العزيز 198:1.
4- انظر المجموع 256:2.
5- فتح العزيز 232:2.
6- المجموع 256:2.

بالاستعارة، و لو افتقر إلي دلو، و حبل فوجد أحدهما لم يجب شراؤه، و لا استعارته إلا أن يظن تحصيل الآخر.

يا - لا فرق بين راكب البر و البحر، في جواز التيمّم عند تعذر الآلة.

يب - لو تمكن من استئجار الآلة بعوض موجود، أو في الذمة و له قدرة وجب.

يج - لو تمكن من إنزال ثوب و استخراج الماء بعصره وجب و إن نقصت قيمته نقصانا قليلا أو كثيرا ما لم يتضرر به في الحال أو فيما بعد، خلافا للشافعي فيما لو زاد النقص عن ثمن الدلو و الحبل(1) ، و كذا لو كانت العمامة تصل لو شقها بنصفين.

مسألة 294: لو أراق الماء قبل الوقت، أو نجّسه
اشارة

لغرض أو لغيره، تيمم و صلي و لا إعادة عليه - و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.

و قال الأوزاعي: إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت فكقولنا و إلاّ تيمم و أعاد، لأنه مفرط(3). و لو فعل ذلك بعد الوقت لغرض فكذلك، و إن كان لغير غرض وجب أن يتيمم و يصلي لأنه فاقد، و هل يعيد؟ الوجه: المنع لأنه غير واجد، فصار كما لو قتل العبد، أو أعتقه فإنه يجزيه الصوم.

و يحتمل الإعادة لأنه مفرط بإراقة الماء، و تمكن من الصلاة بالوضوء، و للشافعي وجهان(4) ، فحينئذ يعيد واحدة لا ما بعدها، كما لو أراق قبل

ص: 166


1- المجموع 247:2، كفاية الأخيار 34:1.
2- المجموع 307:2، مغني المحتاج 91:1، المغني 274:1، الشرح الكبير 283:1، كشاف القناع 168:1.
3- المغني 274:1، الشرح الكبير 283:1.
4- المجموع 307:2، المغني 274:1.

الوقت، و يحتمل قضاء كل صلاة يؤديها بوضوء واحد في عادته.

و لا تصح الإعادة في الوقت لأنه لو صح القضاء فيه لصح الأداء، بل يؤخر إلي أن يجد الماء، أو ينتهي إلي حالة تصح صلاته بالتيمم، و كلاهما للشافعي، و آخر: قضاء كل ما صلي بتيممه(1).

فروع:

أ - لو مر بنهر في الوقت و لم يتوضأ، و بعد عنه، و تيمم و صلي، فالأقرب: عدم القضاء، و هو أقرب وجهي الشافعية(2) لأنه لم يضيع شيئا و إنما امتنع من التحصيل، و التقصير في التضييع أشد، و منهم من طرد الوجهين(3).

ب - لو كان هناك من يحتاج إلي الماء فوهبه المالك منه، فإن كان للشرب صح و تيمم، و إن كان للطهارة لم يصح في الوقت، لأنه تعلق به حق العبادة، و حاجته أهم من حاجة غيره، و قبله يجوز.

ج - لو سلم ما منع من هبته لم يجز، و لم يزل ملكه عنه، و لا تصح صلاة الواهب بالتيمم ما دام الماء في يد الموهوب له، و إذا استعمله كان حكمه حكم ما لو أراق الماء عمدا. و الأقرب: صحة صلاة المتهب به.

مسألة 295: لو كان معه من الماء ما لا يكفيه لطهارته من الجنابة
اشارة

تيمم، و هو قول أكثر العلماء(4) ، لأنه غير واجد للماء.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يجنب و معه من الماء

ص: 167


1- المجموع 309:2.
2- المجموع 307:2، كفاية الأخيار 40:1.
3- المجموع 307:2.
4- المجموع 268:2، المغني 270:1، بدائع الصنائع 50:1.

ما يكفيه لوضوئه للصلاة، أ يتوضأ بالماء أو يتيمم ؟ قال: «يتيمم ألا تري أنه جعل عليه نصف الطهور»(1).

و قال الحسن البصري: إذا كان معه من الماء ما يغسل به وجهه و يديه غسلهما و لا يتيمم، و به قال عطاء، و زاد عليه فقال: لو وجد من الماء ما يغسل به وجهه غسله و مسح كفيه بالتراب لأن الماء هو الأصل و هو أولي من التراب، فإذا أجزأه التراب في الوجه و اليدين فالماء أولي(2).

و هو غلط لأن التيمم طهارة كاملة، و لهذا لا يلزمه مسح سواهما بالتراب مع قدرته عليه، بخلاف غسل الوجه و اليدين فإنه بعضها فلا ينوب مناب جميعها.

فروع:

أ - قال أصحابنا: لا يجب استعمال الماء - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود، و المزني، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(3) - لأن هذا الماء لا يطهره فلا يلزمه استعماله كالنجس، و للخبر عن الصادق عليه السلام(4). و الآخر: يجب - و به قال عطاء، و الحسن بن صالح، و أحمد(5) - لأنه قدر علي البعض فيجب، إذ الأمر بالجميع يستلزم البعض كالسترة و إزالة النجاسة، و لأنه تعالي شرط عدم ما يسمي ماء(6) ،

ص: 168


1- التهذيب 404:1-1266.
2- حلية العلماء 197:1.
3- المجموع 268:2، فتح العزيز 223:2، المبسوط للسرخسي 113:1، احكام القرآن للجصاص 374:2، بدائع الصنائع 50:1، تفسير القرطبي 230:5، المنتقي للباجي 115:1، المغني 270:1، الشرح الكبير 281:1.
4- التهذيب 404:1-1266.
5- المغني 270:1، المجموع 268:2.
6- المائدة: 6.

و القليل يسمي به، و ليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب لإمكان حصول ما يكمل الطهارة، مع أن الموالاة غير واجبة.

ب - المحدث إذا وجد من الماء ما يكفيه لبعض الأعضاء لم يجب استعماله فيه عندنا قطعا - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود، و المزني و أحمد(1) - بل يجب التيمم لانتفاء الغرض و هو الطهارة باستعماله، و قوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (2) يريد المطهر.

و قال عطاء، و الحسن بن صالح: يجب استعمال الماء و التيمم معا(3) ، و للشافعي قولان، أصحهما: الثاني(4) ، لما تقدم في الجنب.

و الموجبون في البابين، أوجبوا تقديم الماء ليصير فاقدا، و راعوا الترتيب في الوضوء إلي أن ينفد، و في الغسل يغسل ما شاء من بدنه لعدم الترتيب عندهم فيه.

ج - لو وجدت الحائض من الماء ما يكفي الوضوء خاصة وجب استعماله فيه، و التيمم للغسل لتعددهما، و تتخير في التقديم لاستقلالهما.

د - لو وجد ما يصلح لبعض الأعضاء، و فقد التراب فحكمه حكم فاقد المطهر، و للشافعي قولان، أحدهما: وجوب استعماله إذ لا بدل للغسل يعدل إليه(5).1.

ص: 169


1- المبسوط للسرخسي 113:1، المنتقي للباجي 110:1، المغني 271:1، الشرح الكبير 281:1.
2- المائدة: 6.
3- المجموع 268:1، المغني 270:1.
4- فتح العزيز 223:2-224، كفاية الأخيار 39:1، مغني المحتاج 89:1، المغني 270:1.
5- الام 49:1، المجموع 268:2، مغني المحتاج 89:1، المغني 270:1، الشرح الكبير 281:1.

ه - لو تيمم الفاقد، ثم وجد من الماء ما لا يكفيه لم ينتقض تيممه مطلقا عند أصحابنا، و في الوضوء عندنا، و أما في الغسل، فيحتمل ذلك إن لم نوجب استعمال القاصر، و إلا انتقض فيستعمله، ثم يتيمم، و الوجهان للشافعي مطلقا(1).

و - لو تيمم من الجنابة و صلي فريضة واحدة ثم أحدث لم يجز له أن يصلي فريضة و لا نافلة لوجود الحدث، فإن وجد من الماء ما يكفيه لوضوئه خاصة احتمل وجوب استعماله في غسل الرأس، و تيمم لما يستقبل من الصلوات.

و بعض الشافعية قال: إن توضأ به ارتفع حدثه، و صلّي به النافلة خاصة، لأن التيمم الذي ناب عن غسل الجنابة أباح له فريضة واحدة و ما شاء من النوافل، فإذا توضأ ارتفع تحريم النوافل و لم يستبح فريضة لأنه وضوء لا ينوب عن الجنابة(2) ، و هو نادر لأنه وضوء يبيح النافلة دون الفريضة.

ز - لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض تيمّم و لم يغسل الصحيح، و قال في الخلاف، و المبسوط: لو غسله و تيمم كان أحوط(3) ، و كذا لو كان بعض أعضائه نجسا و لا يقدر علي طهارته بالماء تيمم و صلي، و لا إعادة في شيء من ذلك لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.

ح - لو وجد من التراب ما يكفيه لوجهه خاصة كان كفاقد المطهر، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: يجب استعماله فيه لأن التراب ليس له بدل، فصار كما لو قدر علي ستر بعض العورة(4).2.

ص: 170


1- المجموع 270:2.
2- المجموع 271:2.
3- الخلاف 154:1 مسألة 105، المبسوط للطوسي 35:1.
4- المجموع 270:2.

ط - لو قصر الماء عن إزالة النجاسة عن بدنه و الوضوء، و كفي أحدهما، صرف في إزالة النجاسة إجماعا، إذ لا بدل لها، و تيمم، و كذا الغسل، و كذا لو كانت النجاسة علي الثوب و ليس غيره.

و عن أحمد: لا يغسل الثوب لأن رفع الحدث آكد(1) و هو باطل لوجود البدل هنا، بخلاف نجاسة الثوب.

ي - لو صرف الماء في الوضوء، و عليه أو علي ثوبه نجاسة، ففي الإجزاء إشكال، أقربه: ذلك إن جوّز وجود المزيل في الوقت و إلاّ فلا.1.

ص: 171


1- المغني 309:1، الشرح الكبير 286:1.

ص: 172

الفصل الثاني: فيما يتيمم به.
مسألة 296: لا يجوز التيمم إلاّ بما يقع عليه اسم الأرض

بالإطلاق، سواء كان ترابا، أو حجرا، أو حصي عند أكثر علمائنا(1).

و جوّز مالك، و أبو حنيفة التيمم بالحجر و إن لم يكن عليه غبار(2) كما ذهبنا إليه، لقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(3).

و لقول الباقر عليه السلام في التيمم: «تضرب بكفّيك علي الأرض»(4).

و لأنه أرض اكتسب حرارة فتحجر، و التغاير في الأوصاف لا تخرج الماهية عن حقيقتها.

و منع الشافعي، و أحمد، و داود، و أبو يوسف من التيمم

ص: 173


1- منهم السيد المرتضي و ابن الجنيد كما في المعتبر: 102، و الشيخ الطوسي في المبسوط 31:1، و ابن إدريس في السرائر: 26.
2- بلغة السالك 74:1، المبسوط للسرخسي 109:1، شرح فتح القدير 113:1، بدائع الصنائع 53:1، المجموع 213:2، المغني 281:1، الميزان 122:1.
3- الفقيه 155:1-724 و انظر سنن النسائي 210:1، مسند أحمد 148:5، سنن ابن ماجة 188:1-567.
4- التهذيب 212:1-615، الاستبصار 171:1-595.

بالحجر(1) لقوله تعالي صَعِيداً طَيِّباً (2) قال ابن عباس: الصعيد: التراب(3).

و قال عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا)(4) و لو لا اختصاص التراب لقال: و طهورا.

و الصعيد: وجه الأرض نقله الخليل(5) ، و ثعلب عن ابن الأعرابي لقوله تعالي فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (6) أي أرضا ملساء مزلقة(7) ، و نمنع الاختصاص، و روي الحذف.

مسألة 297: و لا يجوز التيمم بما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض

كالزرنيخ، و الكحل، و سائر المعادن عند أكثر علمائنا(8) لقوله تعالي:

صَعِيداً (9) و هو إما التراب، أو الأرض، و لقوله عليه السلام: (عليكم بالأرض)(10).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الوضوء باللبن: «لا إنما هو الماء و الصعيد»(11).

ص: 174


1- المجموع 212:2، المغني 281:1، الشرح الكبير 287:1، بدائع الصنائع 53:1، الميزان 122:1.
2- المائدة: 6.
3- التفسير الكبير 172:11، تنوير المقباس: 71.
4- سنن البيهقي 213:1، سنن الدار قطني 175:1-176-1، دعائم الإسلام 120:1-121.
5- العين للخليل 290:1.
6- الكهف: 40.
7- لسان العرب 254:3، تاج العروس 398:2 «صعد»، تفسير القرطبي 236:5.
8- منهم المفيد في المقنعة: 8، و الشيخ الطوسي في المبسوط 32:1، و أبو الصلاح في الكافي: 136، و السيد المرتضي و المحقق كما في المعتبر: 102.
9- النساء: 43.
10- سنن البيهقي 217:1.
11- التهذيب 188:1-540، الاستبصار 155:1-534.

و قال ابن أبي عقيل منّا: يجوز التيمم بما كان من جنس الأرض كالكحل و الزرنيخ(1) - و به قال أبو حنيفة، و مالك(2) - لقوله عليه السلام:

(جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(3) و نقول بالموجب، و المتنازع ليس أرضا.

و قال مالك: يجوز التيمم بما يكون متصلا بالأرض كالشجر، و الزرع(4). و ليس بجيد، لأن الطهارة عبادة شرعية فتتوقف علي مورد النص.

مسألة 298: و كل ما يطلق عليه اسم التراب، يصح التيمم به
اشارة

سواء الأعفر - و هو الذي لا يخلص بياضه - و الأسود، و الأصفر، و الأحمر، و منه الأرمني الذي يتداوي به، و الأبيض الذي يؤكل سفها، و المدر و هو الذي ينبت، و السبخ و هو الذي لا ينبت، علي كراهية، و البطحاء و هو التراب اللين في مسيل الماء بإجماع العلماء لصدق المسمي عليه.

و حكي عن بعضهم: المنع من التيمم بالسبخ(5) - و به قال ابن الجنيد(6) - لقوله تعالي صَعِيداً طَيِّباً (7) و ليس بجيد لأن المدينة مالحة و تيمم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله منها، و المراد بالطيب الطاهر كالماء.

ص: 175


1- حكاه المحقق في المعتبر: 102.
2- المبسوط للسرخسي 108:1-109، بدائع الصنائع 53:1، بلغة السالك 74:1، بداية المجتهد 71:1، أقرب المسالك: 10.
3- الفقيه 155:1-724، و انظر سنن النسائي 210:1، مسند احمد 148:5، سنن ابن ماجة 188:1-567.
4- حلية العلماء 183:1، كفاية الأخيار 35:1.
5- حكاه النووي في المجموع 218:2 عن إسحاق بن راهويه.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 103.
7- النساء: 43.

و أما الرمل فيجوز التيمم به علي كراهة عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، و الشافعي في أحد القولين - لصدق اسم الأرض عليه(1).

و لما رواه أبو هريرة أن رجلا أتي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال:

يا رسول اللّه إنا نكون بأرض الرمل، فتصيبنا الجنابة و الحيض و النفاس، فلا نجد الماء أربعة أشهر، و خمسة أشهر، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(عليكم بالأرض)(2).

و في الآخر: لا يجوز لعدم صدق التراب عليه(3) و هو ممنوع.

فروع:

أ - قال الشيخان: يجوز التيمم بأرض الجص، و النورة(4). و قال المرتضي: يجوز التيمم بالجص، و النورة(5). و لا بأس به لصدق اسم الأرض عليه، و لا يخرج باللون و الخاصية عن اسم الأرض كما لا يخرج باللون.

و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن التيمم بالجص: «نعم» فقيل:

بالنورة، فقال: «نعم»(6) ، و هو أحد قولي الشافعي(7).

ب - الحجر الصلد كالرخام إذا لم يكن عليه غبار، يجوز التيمم به

ص: 176


1- المجموع 213:2 و 215، الميزان 122:1، اللباب 31:1، بدائع الصنائع 53:1، المغني 281:1، نيل الأوطار 328:1، المهذب للشيرازي 39:1.
2- سنن البيهقي 217:1، كنز العمال 595:9-27572.
3- المجموع 215:2، كفاية الأخيار 34:1، المهذب للشيرازي 39:1.
4- المقنعة: 8، المبسوط للطوسي 32:1.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 103.
6- التهذيب 187:1-539.
7- المجموع 213:2، كفاية الأخيار 34:1.

عندنا - و به قال الشيخ، و المرتضي(1) - لقوله تعالي صَعِيداً (2) و قال المفيد: يجوز مع عدم التراب(3) و منع الشافعي مطلقا(4).

ج - منع ابن الجنيد من التيمم بالخزف(5) - و به قال الشافعي(6) - لأنه خرج بالطبخ عن اسم الأرض، و هو ممنوع، و لهذا جاز السجود عليه، و لو دق حتي صار ترابا فكذلك.

د - لو احترق التراب حتي صار رمادا، فإن خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به، و لو احترق الشجر حتي صار رمادا لم يتيمم به.

مسألة 299: و يشترط في التراب أمران:
اشارة

الطهارة، و الملك، فلا يجوز التيمم بالتراب النجس، و لا المغصوب، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول الجمهور(7) لقوله تعالي طَيِّباً (8) و هو الطاهر.

و لا فرق بين أن تغير النجاسة رائحة التراب أو لا.

و قال داود: إن غيرت رائحته لم يجز التيمم به و إلاّ جاز(9) اعتبارا بالماء، و هو خطأ لأن الجامد لا يعتبر فيه التغير كالثوب يصيبه الماء النجس، و لأن في الماء قوة بخلاف التراب.

ص: 177


1- المبسوط للطوسي 32:1، و حكي قول السيد المرتضي المحقق في المعتبر: 103.
2- النساء: 43.
3- المقنعة: 8.
4- المجموع 213:2، المهذب للشيرازي 39:1.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 103.
6- المجموع 216:2، كفاية الأخيار 35:1، الوجيز 21:1.
7- المجموع 216:2، كفاية الأخيار 34:1، الوجيز 21:1، المغني 293:1، الشرح الكبير 289:1، المبسوط للسرخسي 119:1، شرح فتح القدير 120:1، اللباب 32:1، بلغة السالك 73:1.
8- النساء: 43.
9- حلية العلماء 183:1.
فروع:

أ - الممتزج بالنجس كالنجس لإمكان كون الواصل نجسا، سواء كان المزج بالنجس أو بالنجاسة، و سواء قلّت النجاسة أو كثرت.

ب - لو أصاب الأرض بول، أو ماء نجس، ثم جري الماء الكثير عليها، أو المطر طهرت، و إن جفت بالشمس فكذلك، و جاز التيمم منها، و للشافعي قولان(1). و لو جفت بغيرها لم تطهر و لم يجز التيمم منها، و للشافعي قولان(2).

ج - يجوز التيمم بتراب القبر ما لم يعلم حصول نجاسة فيه، سواء تكرر نبشه أو لا لأنه طاهر.

و قال الشافعي: لا يجوز إذا تكرر نبشه لاختلاطه بصديد الموتي و لحومهم، و إن لم يتكرر جاز لعدم المزج، و إن جهل فوجهان لأصالة الطهارة، و ظهور النبش(3).

د - لو امتزج بالطاهر كالدقيق، و الأشنان، قال الشيخ: لم يجز التيمم به إلا أن يستهلكه التراب(4) ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: المنع مطلقا لجواز أن يصل المخالط إلي العضو فيمنع وصول التراب إليه(5).

و الأولي عندي اعتبار الاسم.

ه - لو لم يجد التراب إلاّ بالثمن وجب الشراء و إن كثر كالماء.

ص: 178


1- المجموع 217:2.
2- المجموع 217:2.
3- المجموع 216:2.
4- المبسوط للطوسي 32:1.
5- الام 50:1، المجموع 217:2، كفاية الأخيار 35:1، المهذب للشيرازي 40:1.
مسألة 300: يجوز التيمم بالتراب المستعمل

عند علمائنا أجمع - و به قال أصحاب أبي حنيفة(1) - لبقاء اسم الصعيد الطيب عليه، و لأن الماء المستعمل عندنا طاهر يرفع به الحدث و إن رفع الحدث به أولا فالتراب الذي لا يرفع حدثا أولي.

و للشافعي قولان، أصحهما: المنع كالماء المستعمل لاشتراكهما في أداء فرض الصلاة بهما، و الجواز لأنه لم يرفع حدثا فلم يتأثر بالاستعمال(2).

إذا عرفت هذا فنقول: ليس المستعمل الموضع الذي تضرب اليد عليه إجماعا لأنه بمنزلة الإناء الذي يغترف منه، فيجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بأن يضرب واحد يده بعد آخر.

و أما التراب الملتصق بأعضاء التيمم فإنه مستعمل إجماعا، و أما المتساقط من الأعضاء فوجهان، أصحهما عنده: أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء(3).

مسألة 301: و يستحب التيمم من ربي الأرض، و يكره من المهابط

عند علمائنا أجمع - و لم يفرّق الجمهور(4) - لبعد العوالي عن النجاسات و زوالها بالسيول لو حصلت، و لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «لا وضوء من موطإ»(5).

مسألة 302: إذا فقد الصعيد فله أحوال:
اشارة

ص: 179


1- المبسوط للسرخسي 121:1، اللباب 32:1.
2- المجموع 218:2، كفاية الأخيار 35:1، فتح الوهاب 23:1.
3- المجموع 218:2، كفاية الأخيار 34:1.
4- المجموع 218:2، كفاية الأخيار 35:1، المغني 281:1، شرح فتح القدير 112:1، بداية المجتهد 71:1.
5- الكافي 62:3-5، التهذيب 187:1-537.

الأول: أن يجد ثوبا، أو لبد سرج، أو عرف دابة، أو غير ذلك فإنه يتيمم بغبار ذلك عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و مالك(1) - لأن الغبار من الصعيد و قد استعمله فأجزأه.

و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل كيف أصنع و عليّ وضوء و لا أقدر علي النزول ؟: «تيمم من لبده أو سرجه، أو عرف دابته فإن فيهما غبارا»(2) و قول الصادق عليه السلام: «لينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره، أو شيء مغبر»(3).

و منعه أبو يوسف لأنه ليس بأرض(4) ، و هو ممنوع. و الظاهر من كلام الشافعي، و أحمد، و أبي حنيفة الجواز مع وجود التراب(5) ، و علماؤنا جعلوه مرتبة بعده.

الثاني: أن يجد الوحل و يفقد الغبار فإنه يتيمم به عند علمائنا - و به قال ابن عباس(6) لأنه لا يخرج بممازجة الماء عن حقيقة الأرض.

و لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قلت: رجل في الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع ؟ قال: «يتيمم به فإنه الصعيد»(7).

و قال الصادق عليه السلام: «إن كنت في حال لا تجد إلاّ الطين فلا0.

ص: 180


1- المجموع 219:2، بدائع الصنائع 54:1، بداية المجتهد 71:1، المغني 283:1، الشرح الكبير 288:1.
2- التهذيب 189:1-544، الاستبصار 157:1-541.
3- التهذيب 189:1-190-546، الاستبصار 156:1-539.
4- شرح فتح القدير 113:1، بدائع الصنائع 54:1، المجموع 219:2.
5- المجموع 219:2، المغني 283:1، المبسوط للسرخسي 109:1، شرح فتح القدير 113:1، بدائع الصنائع 54:1.
6- المغني 284:1، تفسير القرطبي 238:5، الشرح الكبير 290:1.
7- التهذيب 190:1-547، الإستبصار 156:1-540.

بأس أن تيمّم منه»(1).

و لأنه مركب من العنصرين المطهرين فيبقي لوازمهما بعد التركيب لبقاء حقيقتهما.

و قال الشافعي: لا يتيمم و يكون كفاقد المطهر لأنه لا يسمي صعيدا(2) ، و هو ممنوع.

فروع:

أ - في كيفية التيمم بالوحل قولان، قال الشيخ: يضع يديه علي الوحل ثم يفركهما و يتيمم به(3).

و قال آخرون: يضعهما علي الوحل و يصبر حتي يجف و يتيمم به(4) ، و هو مروي عن ابن عباس(5) ، و هو وجه عندي إن لم يخف فوت الوقت، فإن خاف عمل بقول الشيخ.

ب - لا يجوز التيمم بالوحل مع القدرة علي الغبار، و لا بالغبار مع القدرة علي التراب و الحجر.

ج - ليس من شرط التراب اليبوسة، فلو كان نديا لا يعلق باليد منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا - و به قال مالك، و أبو حنيفة(6) لقوله عليه

ص: 181


1- التهذيب 189:1-190-546، الإستبصار 156:1-539.
2- الام 51:1، المهذب للشيرازي 40:1.
3- النهاية: 49، المبسوط للطوسي 32:1.
4- منهم: المفيد في المقنعة: 8، و ابن البراج في المهذب 31:1-32.
5- المغني 284:1، تفسير القرطبي 238:5.
6- المغني 283:1، المجموع 216:2، اللباب 31:1-32.

السلام: (إنما يكفيك أن تصنع هكذا) و ضرب بيده الأرض ثم نفخها(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه، فإن ذلك توسيع من اللّه عزّ و جلّ»(2).

و عند الشافعي لا يجوز لقوله تعالي مِنْهُ (3) و هي للتبعيض فيجب المسح بجزء منه، و المسح منه لا يوجب المسح به.

إذا ثبت هذا فإنه يجوز التيمم به اختيارا، و منع الشافعي اضطرارا أيضا و جعل حكمه حكم الفاقد(4).

د - لو لم يجد إلاّ الثلج، قال المرتضي: تيمم بنداوته(5). و أوجب الشيخان الوضوء به مسحا كالدهن(6).

و التحقيق: أنه إن سمي غسلا وجب الوضوء أو الغسل به قطعا و إلا فالأقوي الدهن به لأنه أشبه بالوضوء، و تجب الملاقاة و الجريان، فتعذر الثاني لا يسقط الأول.

و لو وجده مع التراب فإن قدر علي الغسل به وجب و إلا فالتراب لأنه بدل عن الغسل.

و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل الجنب، أو علي7.

ص: 182


1- صحيح البخاري 96:1، صحيح مسلم 280:1-368، سنن أبي داود 87:1-88-321، سنن النسائي 170:1-171، سنن البيهقي 209:1 و 214.
2- التهذيب 189:1-190-546، الإستبصار 156:1-539.
3- المائدة: 6.
4- الام 51:1، المجموع 216:2، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 40:1.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 104.
6- المقنعة: 8، النهاية: 47.

غير وضوء و لا يكون معه ماء و يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل يتيمم أو يتمسح بالثلج ؟ قال: «الثلج إذا بل رأسه و جسده، فإن لم يقدر أن يغتسل به تيمم»(1).

إذا عرفت هذا فالدهن إن صدق معه الغسل بأن يجري جزء من الماء علي جزءين من البدن أجزأ في حال الاختيار و إلاّ فلا.

لقول الباقر عليه السلام: «إنما الوضوء حد من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، إن المؤمن لا ينجّسه شيء، إنما يكفيه مثل الدهن»(2).

مسألة 303: اختلف علماؤنا في فاقد المطهّرين،
اشارة

فقال بعضهم: يصلي و يعيد اختاره الشيخ في المبسوط(3) - و به قال الليث بن سعد و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين، و أبو يوسف، و محمد(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بعث أسيد بن حضير و أناسا معه لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلّوا بغير وضوء فأتوا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فذكروا له ذلك، فنزلت آية التيمم و لم ينكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعلهم(5) فكان صحيحا، و إنما لم يأمرهم بالإعادة لأنها علي التراخي، أو لأنهم عالمين بها، و لأن الصلاة لا تسقط بتعذر شرط من شرائطها كالسترة و إزالة النجاسة.

ص: 183


1- التهذيب 192:1-554، الإستبصار 158:1-159-547.
2- الكافي 21:3-2، الفقيه 25:1-78، التهذيب 138:1-387، علل الشرائع 279:1 باب 189 حديث 1.
3- المبسوط للطوسي 31:1.
4- المجموع 278:2 و 280، المبسوط للسرخسي 123:1، بدائع الصنائع 50:1، رحمة الأمة 25:1، حلية العلماء 200:1.
5- صحيح البخاري 92:1، صحيح مسلم 279:1-367، سنن البيهقي 214:1.

و قال آخرون: لا يصلي و يقضي إذا قدر علي الطهارة(1) - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي(2) - لأن المحدث لا يجوز له الصلاة و إن تعذرت عليه الطهارة كالحائض.

و قال آخرون: تسقط أداء، و قضاء(3) - و به قال مالك، و داود(4) - و هو المعتمد.

لنا: أن الأداء ساقط فكذا القضاء و الملازمة للتبعية، و صدق المقدم لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلا بطهور)(5) و لأنها صلاة غير مأمور بها مع الحدث في وقتها فيسقط قضاؤها كالحائض.

و للشافعي قول آخر باستحباب الأداء و وجوب القضاء(6) ، و عن أحمد رواية بعكس هذا(7).

فروع:

أ - الممنوع عن الركوع و السجود برباط في الموضع النجس يصلي بالإيماء، و لا إعادة.

ص: 184


1- منهم: المفيد في المقنعة: 8، و الشيخ الطوسي في المبسوط 31:1.
2- المبسوط للسرخسي 123:1، المجموع 280:2، رحمة الأمة 25:1، المغني 284:1، الشرح الكبير 286:1.
3- منهم: المفيد في أحد قوليه كما في المعتبر: 104 و 105، و المحقق في شرائع الإسلام 49:1 و المعتبر: 104 و 105، و يحيي بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 47.
4- المنتقي للباجي 116:1، المجموع 280:2، المغني 284:1، الشرح الكبير 287:1.
5- دعائم الإسلام 100:1، صحيح مسلم 204:1-224، سنن الترمذي 5:1-1، سنن أبي داود 16:1-59، سنن النسائي 87:1-88، و في غير الأول نحوه.
6- المجموع 278:2.
7- المغني 284:1، الشرح الكبير 286:1.

ب - لو جامع المسافر و معه ما يغسل به الفرج غسله و تيمم و لا إعادة إجماعا، و لو فقده تيمم و صلّي، و في الإعادة قولان.

ج - لو كان علي بدنه نجاسة يعجز عن إزالتها تيمم و صلّي و لا إعادة علي رأي.

ص: 185

ص: 186

الفصل الثالث: في كيفيته
مسألة 304: و يجب فيه النية
اشارة

بإجماع علماء الإسلام إلاّ الأوزاعي، و الحسن بن صالح بن حي فإنهما قالا: يجوز بغير نيّة(1) ، و هو خطأ لانعقاد الإجماع من دونهما و قد سبق، و كيفيتها القصد بالقلب إلي التيمم لاستباحة الصلاة، أو ما شرطه الطهارة لوجوبه أو ندبه قربة إلي اللّه، و يجب استدامتها حكما حتي يفرغ، و المقارنة فلا يجوز أن يتقدم علي الضرب، و يجوز أن يقارن ابتداء المسح، و الضرب.

و لا يجوز أن ينوي رفع الحدث لامتناعه به، فلو نواه احتمل الإجزاء لاستلزامه الاستباحة فيدخل تحت النيّة، و عدمه، و هو أصح وجهي الشافعية(2) ، لأنه لا يرفعه و إلا لما بطل إلا به.

فروع:

أ - لا يشترط تعيين الفريضة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أصح

ص: 187


1- المجموع 313:1، فتح الباري 344:1، المغني 286:1، الشرح الكبير 292:1-293، احكام القرآن لابن العربي 559:2، أحكام القرآن للجصاص 334:2، تفسير القرطبي 213:5، بداية المجتهد 67:1، المحلي 146:2.
2- المجموع 220:2، الوجيز 21:1، كفاية الأخيار 35:1، السراج الوهاج: 28، المغني 286:1.

الوجهين(1) - كما لا يشترط في الوضوء تعيين الحدث، و لو عيّنها لم تتعين عندنا، و جاز أن يصلي غيرها، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد الوجهين(2).

ب - لو نوي استباحة الصلاة مطلقا استباح الفريضة - و به قال أبو حنيفة(3) - لأن كل طهارة صحت للنفل صحت للفرض، كالطهارة بالماء.

و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: لا يستبيح الفرض لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (إنما الأعمال بالنيات)(4) و لم ينو الفرض(5). و يندفع بأنه نوي الاستباحة فيعم كرفع الحدث.

ج - لو نوي استباحة الفرض و النفل معا أبيحا له، و في وجه للشافعي:

ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة إن كان قد عينها(6).

و لو نوي استباحة الفرض جاز أن يتنفل به - و به قال أبو حنيفة،1.

ص: 188


1- المجموع 221:2 و 224، كفاية الأخيار 36:1، مغني المحتاج 98:1، بدائع الصنائع 52:1، المغني 288:1.
2- السراج الوهاج: 28، كفاية الأخيار 36:1، بدائع الصنائع 52:1، المغني 287:1.
3- بدائع الصنائع 52:1، المغني 287:1.
4- صحيح البخاري 2:1، صحيح مسلم 1515:3-1907، سنن أبي داود 262:2-2201، مسند أحمد 25:1، سنن الترمذي 179:4-1647، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، مسند الطيالسي: 9، الجامع الصغير 5:1-1، إحكام الأحكام 7:1-1، متن عمدة الأحكام: 20، المحرر في الحديث 651:2-1199، الايمان لابن مندة 363:1-201، سنن البيهقي 341:7، الأذكار: 13.
5- المجموع 222:2، كفاية الأخيار 36:1، مغني المحتاج 1 98، بلغة السالك 73:1، المغني 287:1، الشرح الكبير 294:1.
6- المجموع 224:2، الوجيز 21:1.

و الشافعي في أحد الوجهين(1) - لأن النوافل أتباع الفرائض، و في الآخر: لا يصح - و به قال مالك - لأنها طهارة ضرورة فلا يؤدي بها ما لا ضرورة إليه و لم يقصده(2).

و لو نوي النفل و لم يخطر له الفرض جاز أن يصلي به الفرض عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في وجه(3) - لأنه نوي ما يحتاج إلي الطهارة، و قال مالك، و أحمد، و أصح وجهي الشافعي: بالمنع(4) لأن الفرض أصل فلا يجعل تابعا، و هو ممنوع كالوضوء، و بعض الشافعية منع من النفل و إن نواه لأنه جعل التابع أصلا(5).

د - لو تيمم لفرضين أو فائتتين أو منذورين(6) صح عندنا - و به قال أبو حنيفة(7) - و للشافعي وجهان(8).

ه - إذا نوي الفريضة استباح النافلة إجماعا، و كذا يستبيح مس المصحف، و قراءة القرآن، و وطء الحائض(9) ، و لو نوي استباحة أحد هذه الأشياء استباح الباقي، و الفريضة عندنا، خلافا للشافعي في الفريضة و في النافلة وجهان(10).1.

ص: 189


1- الام 47:1، المجموع 224:2، الوجيز 21:1، كفاية الأخيار 36:1، المغني 288:1.
2- المجموع 224:2، مغني المحتاج 98:1، المدونة الكبري 47:1.
3- المجموع 222:2 و 224، و 242، المبسوط للسرخسي 117:1.
4- الام 47:1، المجموع 222:2، المغني 287:1، المنتقي للباجي 111:1، الوجيز 21:1، المبسوط للسرخسي 117:1، كفاية الأخيار 36:1، الانصاف 291:1، السراج الوهاج: 28.
5- المجموع 223:2.
6- في الطبع الحجري و «ش»: المندوبين.
7- شرح فتح القدير 121:1، الهداية للمرغيناني 27:1، أحكام القرآن للجصاص 382:2 و 395.
8- المجموع 225:2، الوجيز 21:1.
9- أي: الحائض لو انقطع دمها و تعذّر الغسل و أراد الزوج أن يطأها جاز لها التيمّم ثم يستبيح الوطء.
10- الام 47:1، المجموع 223:2، مغني المحتاج 99:1، كفاية الأخيار 36:1.

و - لو نوي إباحة فرض التيمم، صح، و هو أحد وجهي الشافعي كما لو توضأ بهذه النيّة، و الآخر: يبطل لأنه عن ضرورة فلا يجعل مقصدا و لهذا لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء(1).

ز - ليست التسمية شرطا في التيمم خلافا للظاهرية(2).

ح - لو تيمم الصبي للنافلة، أو للفريضة ثم بلغ جاز أن يستبيح الفريضة لأن طهارته شرعية، و النافلة لا تصح إلا مع رفع المنع بالطهارة، و عندي فيه نظر.

مسألة 305: ثم يمسح وجهه بكفيه من قصاص الشعر إلي طرف الأنف الأعلي

بعد الضرب بالكفين.

و لا يجب استيعاب الوجه عند أكثر علمائنا(3) لقوله تعالي فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ (4) و الباء للتبعيض إذ دخولها علي المتعدي بنفسه يفيده، و إلا كانت زائدة، و الأصل عدمها، و إنكار ورودها له غير مسموع لشهادة البعض به، و تنصيص الباقر عليه السلام(5).

و لأن زرارة سأل الصادق عليه السلام عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة(6).

ص: 190


1- المجموع 225:2، كفاية الأخيار 35:1، السراج الوهاج: 28، مغني المحتاج 98:1.
2- نسبه إليهم المحقق في المعتبر: 108.
3- منهم المفيد في المقنعة: 8، و السيد المرتضي في جمل العلم و العمل 25:3، و الشيخ الطوسي في المبسوط 33:1، و سلاّر في المراسم: 54، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 136، و ابن حمزة في الوسيلة: 72، و المحقق في شرائع الإسلام 48:1.
4- المائدة: 6.
5- الكافي 30:3-4، التهذيب 61:1-168، الاستبصار 62:1-63-186، علل الشرائع: 279 الباب 190.
6- الكافي 61:3-1، التهذيب 207:1-601، الاستبصار 170:1-590، و فيها عن الإمام الباقر عليه السلام، و أورده عن الإمام الصادق عليه السلام المحقق في المعتبر: 106.

و قال سليمان بن داود: يجزيه أن يصيب بالمسح بعض وجهه و بعض كفيه(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع، و في رواية عنه: إذا مسح أكثر الوجه أجزأه(2).

و قال ابن بابويه من علمائنا: يجب استيعاب الوجه بالمسح(3) ، و هو قول الجمهور(4) لأنه تعالي أحال فيه علي الوضوء و إلا لبيّنه. و نمنع بطلان التالي، و الباقر عليه السلام قد بيّنه(5).

مسألة 306: ثم يمسح ظهر كفيه من الزند إلي أطراف الأصابع بباطنهما
اشارة

علي الأشهر - و به قال أحمد، و مالك، و الشافعي في القديم، و الأوزاعي، و إسحاق، و داود، و ابن جرير الطبري(6) - لأنه المتعارف من اليد، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إنما يكفيك - إلي قوله - و ظاهر كفيه)(7).

ص: 191


1- المغني 290:1، الشرح الكبير 291:1.
2- المبسوط للسرخسي 107:1، الكفاية 111:1، شرح العناية 111:1، بدائع الصنائع 46:1، أحكام القرآن للجصاص 391:2، المجموع 239:2، فتح العزيز 326:2، البحر الرائق 144:1، التفسير الكبير 172:11.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 106، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 99:1 و 100.
4- المجموع 239:2، الوجيز 21:1، المغني 290:1، الانصاف 287:1، المبسوط للسرخسي 107:1، شرح فتح القدير 111:1، بلغة السالك 73:1.
5- الكافي 30:3-4، علل الشرائع: 279 باب 190.
6- المجموع 211:2، كفاية الأخيار 36:1، فتح الباري 353:1، مغني المحتاج 99:1، المغني 291:1، الشرح الكبير 290:1، بداية المجتهد 69:1، الشرح الصغير 73:1، تفسير القرطبي 240:5، عمدة القارئ 19:4، أحكام القرآن للجصاص 387:2، نيل الأوطار 333:1، المحلي 156:2.
7- مسند أحمد 263:4، سنن أبي داود 87:1-88-321.

و روي عمار بن ياسر أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (التيمم ضربة للوجه و الكفين)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و مسح بهما جبهته و كفيه»(2) و لأنه أحد عضوي الوضوء فيجب مسح بعضه كالوجه.

و قال علي بن بابويه رحمه اللّه: يمسح من المرفقين إلي أطراف الأصابع(3) - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و رووه عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و جابر، و به قال الشعبي، و الحسن البصري، و الثوري، و مالك، و الليث(4) - للحوالة في الوضوء. و هو ممنوع.

و لقوله عليه السلام: (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، و ضربة لليدين إلي المرفقين)(5) و هي ضعيفة السند، طعن فيه أحمد بن حنبل(6).

و قال الزهري: يمسح إلي المنكبين و الآباط(7) لأن عمار بن ياسر مسح1.

ص: 192


1- سنن الدارمي 190:1، سنن الترمذي 269:1-144، مسند أحمد 263:4، سنن أبي داود 89:1-327، سنن الدار قطني 182:1-183-28.
2- الكافي 61:3-1، التهذيب 207:1-601، الاستبصار 170:1-590.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 107.
4- بداية المجتهد 68:1، المنتقي للباجي 114:1، المجموع 211:2، مختصر المزني: 6، السراج الوهاج: 28، الوجيز 21:1، كفاية الأخيار 36:1، الشرح الكبير 292:1، المبسوط للسرخسي 107:1، عمدة القارئ 19:4، التفسير الكبير 171:11، نيل الأوطار 333:1 - 334، المحلي 152:2، احكام القرآن للجصاص 387:2.
5- سنن الترمذي 270:1-144، سنن الدار قطني 180:1 و 181-16 و 21، سنن البيهقي 207:1.
6- المغني 279:1، الشرح الكبير 309:1.
7- المجموع 211:2، بداية المجتهد 69:1، تفسير القرطبي 240:5، احكام القرآن للجصاص 387:2، عمدة القارئ 19:4، التفسير الكبير 171:11، المحلي 153:2، نيل الأوطار 334:1.

إلي المناكب(1).

فروع:

أ - يجب أن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه إلي أن ينتهي محل الفرض.

فلو نكس فالوجه البطلان كالوضوء، و يجب أن يبدأ في مسح اليدين من الزند إلي أطراف الأصابع، و قال مالك، و أحمد: يمسح إلي الكوعين(2).

و قال الشافعي: يضع أصابع اليسري سوي الإبهام علي ظهور أصابع اليمني سوي الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمني عن مسبحة اليسري و يمرها علي ظهر كفه اليمني، فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه و أمرّها علي حرف الذراع إلي المرفق ثم يدير بطن كفه إلي بطن الذراع و يمرها عليه و إبهامه منصوبة، فإذا بلغ الكوع مسح ببطنها ظهر إبهامه اليمني و كذا اليسري(3).

ب - لو أخل بجزء من محل الفرض لم يجزئ و وجب مسحه - و به قال الشافعي(4) - إذ لا مشقة في استيعاب الكل بالمسح، و أكثر العضو لا يقوم مقامه، و قال أبو حنيفة: يجزي الأكثر(5).

ج - لو أهمل جزءا من الجبهة و مسح يديه لم يجزئه مسحهما فيمسح

ص: 193


1- سنن الترمذي 270:1 ذيل الحديث 144، سنن ابن ماجة 187:1-566، سنن النسائي 168:1.
2- الشرح الصغير 73:1، المنتقي للباجي 114:1، المغني 291:1-292، الشرح الكبير 1: 290، عمدة القارئ 19:4، التفسير الكبير 171:11.
3- مختصر المزني: 6، المجموع 227:2، فتح العزيز 330:2، مغني المحتاج 100:1.
4- الام 49:1، المجموع 239:2، فتح العزيز 326:2.
5- المبسوط للسرخسي 107:1، شرح العناية 111:1، بدائع الصنائع 46:1، فتح العزيز 326:2.

الجزء و يعيد الكفين لوجوب الترتيب، و به قال الشافعي(1).

د - لا يجب المسح علي المسترسل من اللحية، أما عندنا فظاهر، و أما من أوجب الاستيعاب فكذلك لأنه ليس محل الفرض، و للشافعي وجهان(2).

ه - لو كان عليه خاتم، و شبهه نزعه ليباشر المسح جميع محل الفرض.

و - يستحب تفريج الأصابع في الضرب للوجه و الكفين، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و استحبابه في الثانية خاصة، و له ثالث: منعه في الأولي(3).

ز - لا يستحب تخليل الأصابع لأن المسح علي الظاهر، و قال الشافعي: يستحب إن فرج أصابعه في الضربة الثانية و إلاّ وجب(4).

ح - الأظهر من عبارة الأصحاب وجوب مسح الوجه بالكفين معا، فلو مسح بأحدهما لم يجزئ، و يحتمل الجواز.

ط - لو قطع بعض محل الفرض وجب مسح الباقي، و لو استوعب سقط ذلك العضو.

ي - لو خلقت له إصبع زائدة، أو كف، أو يد فكالوضوء.

مسألة 307: اختلف علماؤنا في عدد الضربات،
اشارة

و أجودها قول الشيخين:

ضربة واحدة للأعضاء الثلاثة في الوضوء، و ضربتان إحداهما للوجه في

ص: 194


1- المجموع 238:2، فتح العزيز 326:2.
2- المجموع 231:2، فتح العزيز 327:2.
3- مختصر المزني: 6، المجموع 229:2، فتح العزيز 330:2، مغني المحتاج 100:1، الوجيز 22:1.
4- فتح العزيز 331:2، مغني المحتاج 100:1.

الغسل(1) لقول الباقر عليه السلام و قد سئل كيف التيمم ؟: «ضربة واحدة للوضوء، و للغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين، ثم تنفضهما مرة للوجه، و مرة لليدين»(2).

و قال المرتضي: ضربة واحدة فيهما(3) - و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و داود، و ابن جرير الطبري، و الشافعي في القديم(4) - للامتثال.

و قال علي بن بابويه: ضربتان في الجميع(5) - و به قال الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة، و الليث بن سعد، و الثوري، و رووه عن علي عليه السلام(6) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (التيمم ضربة للوجه، و ضربة لليدين)(7) و التفصيل قول فيهما علي تقديرين فيصار إليه.

و قال ابن سيرين: يضرب ثلاث ضربات: ضربة للوجه و اخري للكفين و الثالثة للذراعين(8).

فروع:

أ - وضع اليدين علي الأرض شرط، فلو تعرض لمهب العواصف حتي

ص: 195


1- المقنعة: 8، المبسوط للطوسي 33:1، النهاية: 49-50.
2- التهذيب 210:1-611، الاستبصار 172:1-599.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 25:3-26.
4- المجموع 211:2، المغني 278:1، أحكام القرآن للجصاص 387:2، تفسير القرطبي 240:5، نيل الأوطار 332:1.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 107.
6- المجموع 210:2، بداية المجتهد 70:1، المدونة الكبري 42:1، تفسير القرطبي 240:5، المنتقي للباجي 114:1، شرح العناية 109:1، أحكام القرآن للجصاص 387:2، اللباب 31:1، بدائع الصنائع 46:1، المغني 278:1، المحلي 152:2.
7- سنن الدار قطني 180:1 و 181-16 و 21، سنن البيهقي 207:1.
8- المجموع 211:2، نيل الأوطار 332:1.

لصق صعيدها بوجهه، أو كفيه، أو ردد الغبار علي وجهه منه لم يجزئ لقوله تعالي فَتَيَمَّمُوا (1) اي اقصدوا.

و قال بعض الشافعية: إذا صمد للريح و نوي التيمم أجزأه كالوضوء إذا جلس تحت الميزاب و نواه(2).

ب - لو يمّمه غيره بغير إذنه فهو كما لو نسفت الريح التراب عليه، و إن كان بإذنه فإن كان عاجزا عن المباشرة صح و إلا فلا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأنه لم يقصد التراب، و أظهرهما: الجواز(3) إقامة لفعل نائبه مقام فعله.

ج - يستحب بعد الضرب نفض اليدين من التراب لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعله(4) ، و ليس واجبا إجماعا.

د - لا يشترط أن يعلق علي يده شيء من الغبار لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نفض يديه(5) ، و في رواية عمار بن ياسر أنه نفخ فيهما(6) و لو كان شرطا لما عرضه للزوال، و لأن الصعيد هو وجه الأرض لا التراب.

مسألة 308: الترتيب واجب في التيمم

يبدأ بمسح الوجه ثم بالكف اليمني ثم اليسري فلو غيّره وجب أن يعيد علي ما يحصل معه الترتيب، ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام لقوله تعالي فَامْسَحُوا

ص: 196


1- المائدة: 6.
2- المجموع 235:2، فتح العزيز 317:2، السراج الوهاج: 27، التفسير الكبير 172:11.
3- المجموع 235:2، السراج الوهاج: 27، التفسير الكبير 172:11.
4- صحيح البخاري 96:1، صحيح مسلم 280:1-368، سنن ابن ماجة 189:1-570، سنن أبي داود 87:1-88-321، سنن النسائي 170:1.
5- صحيح مسلم 280:1-368، سنن الدار قطني 179:1-14.
6- صحيح مسلم 280:1 ذيل الحديث 368، سنن النسائي 170:1، سنن ابن ماجة 188:1-569، سنن الدار قطني 183:1-31، سنن البيهقي 209:1.

بِوُجُوهِكُمْ (1) و الواو للترتيب عند الفراء(2) ، و لأن التقديم لفظا يستدعي سببا لاستحالة الترجيح من غير مرجح و لا سبب إلا التقديم وجوبا، و لأنه عليه السلام رتب في مقابلة الامتثال(3) فيكون واجبا.

و أوجب الشافعي، و أحمد تقديم الوجه و لم يرتبا في الكفين(4) ، و أبو حنيفة أسقط الترتيب مطلقا عملا بالأصل(5) ، و يعارضه البيان.

مسألة 309: الموالاة واجبة هنا،

أما علي تقدير وجوب التأخير فظاهر، و أما علي العدم فلأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله تابع(6) ، و لأنه تعالي عقّب بمسح الوجه اليدين و هو يستلزم المتابعة لامتناع الجمع.

و للشافعية وجوه أحدها: القطع باشتراطها كالوضوء، و الثاني: المنع، و الثالث: تجويز الأمرين(7).

مسألة 310: نقل التراب إلي الأعضاء الممسوحة ليس بواجب
اشارة

- و به قال أبو حنيفة(8) - لقوله تعالي صَعِيداً طَيِّباً (9) و هو وجه الأرض، و لم يشترط النقل، و لأنه عليه السلام نفض التراب بعد الضرب(10) ، فلو كان النقل شرطا

ص: 197


1- المائدة: 6.
2- مغني اللبيب 464:1 الباب الأول.
3- صحيح مسلم 280:1-368، سنن ابن ماجة 188:1-569، سنن النسائي 170:1، سنن البيهقي 209:1، سنن الدار قطني 183:1-31.
4- الام 49:1، المجموع 233:2، كفاية الأخيار 37:1، السراج الوهاج: 28، مغني المحتاج 100:1، و المغني 290:1-291، المحلي 161:2.
5- المبسوط للسرخسي 121:1، احكام القرآن للجصاص 396:2.
6- سنن الدار قطني 183:1-31، سنن البيهقي 209:1.
7- المجموع 233:2، السراج الوهاج: 29، مغني المحتاج 100:1.
8- شرح فتح القدير 113:1، بدائع الصنائع 53:1، المجموع 239:2، بداية المجتهد 70:1.
9- المائدة: 6.
10- صحيح مسلم 280:1-368، سنن الدار قطني 79:1-14.

لما أزاله.

و قال الشافعي: إنه شرط(1) ، لقوله تعالي فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (2) أي من الصعيد، و لأنه ممسوح في الطهارة فافتقر إلي ممسوح به كمسح الرأس في الوضوء، و الآية تقول بموجبها، و الصعيد وجه الأرض، و القياس ضعيف، لأن المائية تزيل الحدث بخلاف التيمم.

فروع:

أ - لو نوي عند النقل و عزبت قبل المسح احتمل الإجزاء لأن الضرب من أعمال التيمم، و عدمه لأنه ليس مقصودا في نفسه، و هو أصح وجهي الشافعي(3).

ب - لو أحدث بعد الضرب و أخذ التراب بطل أخذه و عليه الإعادة علي إشكال ينشأ من عدم وجوب أخذ الماء ثانيا فكذا هنا، و من الفرق بأن القصد إلي الماء و نقله لا يجب، و للشافعي الوجهان(4).

ج - لو كان علي العضو الممسوح تراب و نوي التيمم و ردّه من طرف إلي آخر لم يجزئ لأنه لم ينقل عند الشافعي(5) ، و لا ضرب عندنا، و لو أخذه منه و ردّه إليه جاز عند الشافعي علي أظهر الوجهين(6) ، و لو نقله من عضو غير

ص: 198


1- الام 49:1، المجموع 231:2 و 238 و 239، فتح العزيز 318:2، كفاية الأخيار 36:1، السراج الوهاج: 27، بداية المجتهد 70:1.
2- المائدة: 6.
3- المجموع 228:2، كفاية الأخيار 36:1.
4- المجموع 236:2.
5- المجموع 236:2، فتح العزيز 318:2، السراج الوهاج: 27، الوجيز 1: 21.
6- المجموع 236:2، فتح العزيز 318:2، الوجيز 21:1.

ممسوح أجزأ عنده، و لو كان من ممسوح كما لو نقله من الوجه إلي الكفين أو بالعكس فوجهان(1) ، و الكل عندنا باطل.

د - لو تمعك في التراب حتي وصل إلي وجهه و يديه لم يجزئ لأنه لم يمسح، إلا مع العذر، و للشافعي في الاختيار وجهان(2).

ه - لو مسح بآلة كخشبة لم يصح تبعا للكيفية المنقولة، و قال الشافعي: يجوز(3).

و - لا يجب إيصال الغبار إلي باطن الشعر خفيفا كان أو كثيفا إجماعا.

ز - لا يستحب التكرار، و لا التثليث في التيمم إجماعا لإفضائه إلي تشويه الخلقة و تقبيح الصورة، و كذا لا يستحب تجديده.

مسألة 311: دخول الوقت شرط في صحة التيمم،
اشارة

فلا يصح قبله إجماعا من علماء أهل البيت عليهم السلام - و به قال الزهري، و الشافعي، و مالك، و أحمد، و داود(4) - لأنها طهارة اضطرارية لا يصح إلاّ عند العجز و لا يتحقق قبل الوقت، و لأنها طهارة ضرورية قدمت علي وقت الفريضة فلا يجوز كالمستحاضة.

و قال أبو حنيفة: يجوز قبل دخول الوقت لأنها طهارة تستباح بها

ص: 199


1- المجموع 236:2، فتح العزيز 318:2، الوجيز 21:1، السراج الوهاج: 27-28.
2- فتح العزيز 319:2، الوجيز 21:1.
3- الام 49:1، المجموع 228:2 و 232، كفاية الأخيار 37:1.
4- الام 46:1، المجموع 243:2، كفاية الأخيار 33:1، السراج الوهاج: 30، القوانين الفقهية: 42، تفسير القرطبي 233:5، المنتقي للباجي 111:1، المغني 268:1، الشرح الكبير 267:1، بدائع الصنائع 54:1، أحكام القرآن للجصاص 381:2، التفسير الكبير 173:11.

الصلاة فجاز تقديمها كالوضوء(1) و الفرق أنه ليس للضرورة.

فروع:

أ - ذهب الصدوق إلي صحته حال السعة(2) - و هو قول الجمهور(3) - لقوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4) و قوله عليه السلام: (أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت)(5).

و قال أكثر علمائنا بوجوب التأخير إلي آخر الوقت(6) - و به قال الزهري(7) - لما رووه عن علي عليه السلام في الجنب: «يتلوّم ما بينه و بين آخر الوقت، فإن وجد الماء و إلا تيمم»(8) و التلوّم: الانتظار(9).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه»(10). و لأنها طهارة ضرورية بدل من الماء عند العجز، و لا يتحقق العجز إلا عند خوف الفوت، فإن توقع

ص: 200


1- بدائع الصنائع 54:1، أحكام القرآن للجصاص 381:2، المجموع 243:2، المغني 268:1، الشرح الكبير 267:1، بداية المجتهد 67:1، تفسير القرطبي 233:5، المنتقي للباجي 111:1، التفسير الكبير 173:11.
2- حكاه عنه نقلا عن المقنع، المحقق في المعتبر: 105.
3- الام 46:1، المغني 276:1، المدونة الكبري 42:1، اللباب 33:1.
4- المائدة: 6.
5- سنن البيهقي 222:1.
6- منهم: المفيد في المقنعة: 8، و الشيخ الطوسي في النهاية: 47، و ابن حمزة في الوسيلة: 70، و المحقق في المعتبر: 105.
7- المغني 276:1.
8- سنن البيهقي 232:1-233، سنن الدار قطني 186:1-5.
9- انظر الصحاح للجوهري 2034:5 «لوم».
10- الكافي 63:3-2، التهذيب 192:1-555 و 203-589، الاستبصار 159:1-548.

الوجدان مع السعة يرفع العجز.

و قال ابن الجنيد منّا: إن كان التيمم لعذر لا يمكن زواله في الوقت - كالمرض و الجرح - جاز حال السعة، و إن كان لعذر يمكن زواله - كعوز الماء و فقد الآلة أو الثمن - وجب التأخير إلي آخره(1) و هو المعتمد.

ب - إذا تيمم في آخر وقت الحاضرة و صلي ثم دخلت الثانية احتمل وجوب التأخير لوجود المقتضي و هو تجويز وجود الماء، و العدم لأنه متيمم فصح أن يصلي.

ج - يتيمم للفائتة و إن لم يكن وقت فريضة، و للنافلة بعد دخول وقتها دون الأوقات المنهي عنها إذا لم يكن لها سبب: و يدخل به في الفرائض عندنا - و سيأتي خلاف الجمهور - لقوله عليه السلام: (الصعيد طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين)(2).

و الأقرب جواز أن يتيمم لنافلة مبتدأة لعدم التوقيت، و تعجيل الثواب مطلوب لإمكان فواته بالعجز.

د - إن سوغناه في أول الوقت فتيمم بعد الطلب و أخّر الصلاة إلي آخر الوقت أجزأه لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه، فإن سار بعد تيممه إلي موضع آخر، أو حدث ركب يجوز أن يكون معهم ماء احتاج إلي تجديد طلب، و في إعادة التيمم إشكال، و أوجبه الشافعي(3).

ه - إذا شرطنا الضيق فالتعويل فيه علي الأمارة لتعذر العلم، فإن ظنه1.

ص: 201


1- حكاه المحقق في المعتبر: 106.
2- سنن أبي داود 90:1-91-332، سنن الترمذي 211:1-212-124، مسند أحمد 5: 155 و 180، سنن البيهقي 212:1، سنن الدار قطني 186:1 و 187-1 و 3.
3- الام 48:1، المجموع 259:2، فتح العزيز 337:2، المغني 305:1، الشرح الكبير 305:1.

لأمارة فتيمم و صلّي ثم بان غلطه ظاهر كلام الشيخ الإعادة(1) لوقوعها قبل وقتها، و يحتمل الصحة لأنها مأمور بها.

و نمنع كون الضيق شرطا بل ظنه و قد حصل، و يؤيده قول الباقر و الصادق عليهما السلام في رجل تيمم و صلي ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت: «ليس عليه إعادة، إن رب الماء و ربّ التراب واحد»(2).

و - يتيمم لصلاة الخسوف بالخسوف، و لصلاة الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء، و لصلاة الميت بحضوره لها، و للفائتة بذكرها، و النوافل الرواتب لا يتأقت تيممها، و فيه للشافعي وجهان(3).

ز - لو تيمم لفائتة ضحوة و لم يؤدها حتي زالت الشمس فله أن يصلي الظهر، و للشافعي وجهان(4) ، و كذا لو تيمم لنافلة ضحوة جاز أن يؤدي به الظهر عند الزوال، و للشافعي وجهان(5).1.

ص: 202


1- النهاية: 48-49.
2- التهذيب 194:1-562 و 195-564، الاستبصار 160:1-552 و 554.
3- المجموع 242:2، الوجيز 23:1.
4- المجموع 242:2، الوجيز 23:1.
5- المجموع 242:2، الوجيز 23:1.
الفصل الرابع: في الأحكام.
مسألة 312: يستباح بالتيمم الواحد ما زاد علي الصلاة الواحدة
اشارة

من الفرائض و النوافل أداء و قضاء، ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام - و به قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب، و الثوري، و أبو حنيفة، و داود، و المزني، و ابن المنذر(1) - لقوله عليه السلام: (يا أبا ذر الصعيد كافيك إلي عشر سنين)(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها: «نعم ما لم يحدث أو يصب ماء»(3).

و لأن الاستباحة إن بقيت جاز أن يصلي اخري، و إن لم يبق لم تصح النافلة، و لأنها طهارة يجوز أن يجمع بها بين نوافل فجاز أن يجمع بها بين فرائض كالوضوء و المسح علي الخفين.

و قال الشافعي: لا يجوز أن يجمع بين صلاتين فريضتين، و رواه عن

ص: 203


1- المبسوط للسرخسي 113:1، شرح فتح القدير 121:1، اللباب 33:1، أحكام القرآن للجصاص 382:2، عمدة القارئ 24:4، المجموع 294:2، كفاية الأخيار 39:1، المغني 299:1، بداية المجتهد 74:1، تفسير القرطبي 235:5، المحلي 128:2.
2- مصنف عبد الرزاق 237:1-912.
3- التهذيب 200:1-580، الاستبصار 163:1-565.

علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عمرو بن العاص، و من التابعين النخعي، و قتادة، و ربيعة، و به قال مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و إسحاق(1).

لأن ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخري(2).

و لأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين من فرائض الأعيان كطهارة المستحاضة، و لفظ السنة مشترك فلا حجة فيه، و المستحاضة حدثها متجدد و التيمم لم يتعقبه حدث.

و قال أحمد: يجمع بين فوائت و لا يجمع بين صلاتين راتبتين فكأنه تيمم لوقت الفريضة، و به قال أبو ثور(3).

فروع:

أ - يجوز أن يجمع بين فريضتين، و منذورتين، و طوافين، و بين فريضة و طواف عندنا، خلافا للشافعي(4).

ب - يجوز أن يجمع بين صلاتي الجمع بتيمم واحد، و للشافعية وجهان: المنع لأنه يحتاج أن يطلب للثانية و يجدد التيمم و ذلك يقطع

ص: 204


1- الام 47:1، المجموع 293:2 و 294، مختصر المزني: 7، كفاية الأخيار 39:1، السراج الوهاج: 29، الوجيز 22:1، مغني المحتاج 103:1، الأشباه و النظائر للسيوطي: 430، المغني 299:1، بداية المجتهد 74:1، تفسير القرطبي 235:5، المبسوط للسرخسي 113:1، شرح فتح القدير 121:1، عمدة القارئ 24:4، أحكام القرآن للجصاص 2: 382، التفسير الكبير 174:11، المحلي 129:2.
2- سنن الدار قطني 185:1-5.
3- المغني 299:1 و 300، التفسير الكبير 174:11، المحلي 129:2.
4- المجموع 293:2 و 294، مغني المحتاج 103:1، السراج الوهاج: 29.

الجمع، كما إذا تنفل بينهما، و الجواز لأنهما فريضتان صلاهما بتيممين، و التفريق ليس بصحيح لأنه من مصلحة الصلاة فلا يزيد علي قدر الإقامة في العادة(1).

ج - لو نسي تعيين الفائتة كفاه تيمم واحد للثلاث أو الخمس عندنا - و هو ظاهر - و عند أكثر الشافعية، لأن الفريضة واحدة و الزائد و إن وجب فإنه تابع، و عند بعضهم يفتقر إلي خمس تيممات لوجوب الجميع(2).

و لو ترك فريضتين من خمس أجزأه تيمم واحد عندنا، و لا يكفي عند الشافعي [إلا](3) تيممان، لأنه لا بد أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد فربما كانت المتروكتان، بل إما أن يصلي الخمس بخمس تيممات أو يصلي ثماني صلوات بتيممين، فيصلي الفجر و الظهرين و المغرب بتيمم ثم الظهرين و العشاءين بتيمم، فإن كانت الصبح و العشاء فقد صلاهما بتيممين، و إن كانت غيرهما فقد صلاهما في دفعتين بتيممين.

و لو ترك صلاتين من يومين، فإن كانتا مختلفتين فهي كما لو تركهما من يوم واحد، و إن كانتا متفقتين كصبحين أو ظهرين لم يؤدهما إلا بأن يؤدي عشر صلوات بتيممين خمسة بتيمم، و خمسة بتيمم، أو بعشر تيممات(4) ، و عندنا يجزي تيمم واحد للجميع.

د - يجوز أن يجمع بين فريضة و ما شاء من النوافل بتيمم واحد، و هو1.

ص: 205


1- المجموع 240:2 و 252.
2- المجموع 296:2، فتح العزيز 345:2، الوجيز 22:1، السراج الوهاج: 29، مغني المحتاج: 103 و 104.
3- الزيادة يقتضيها السياق.
4- المجموع 296:2-298، فتح العزيز 345:2-348، الوجيز 22:1، السراج الوهاج: 29 و 30، مغني المحتاج 104:1.

أصح قولي الشافعي(1) ، لأن النفل تبع للفرض و استباحة المتبوع تستلزم استباحة التابع، و في قول له: لا تصلي النافلة بتيمم أصلا(2) لأنه أبيح للضرورة و لا ضرورة في النافلة، و علي الأول إن شاء قدم النوافل، و إن شاء أخرها، و له قول آخر: عدم تقديم النافلة لأن التابع لا يتقدم المتبوع(3).

ه - إذا صلي الفريضة بتيمم جاز أن يطوف فرضا، و عند الشافعي لا بدّ من تيمم جديد(4) ، و جوّز أن يصلي ركعتي الطواف بتيمم الطواف لأنهما إما سنة أو تابعة للطواف إذ ليست مقصودة بذاتها(5).

و - يجوز أن يصلي بتيمم واحد منذورتين، و مكتوبة و منذورة، و هو أحد وجهي الشافعي، لأن المنذور يسلك به مسلك أقل ما يتقرب به إلي اللّه تعالي فصار كالنافلة، و في الآخر: لا يصح لأن النذر يسلك به مسلك واجبات الشرع(6).

ز - ليس من شرط الصلاة علي الجنائز الطهارة عندنا - خلافا للجمهور و قد سبق - نعم يستحب، و يجوز التيمم لها مع وجود الماء.

و لو فقد الماء فاستحباب التيمم أولي، فلو صلي بتيمم مكتوبة جاز أن يصلي علي جنازة به، و هو أحد قولي الشافعي، لأنها ليست من فرائض الأعيان فألحقت بالنوافل في الحكم، و في الآخر: لا بد من تيمم لها مقصود1.

ص: 206


1- الام 47:1، المجموع 224:2، السراج الوهاج: 29، الوجيز 22:1، أحكام القرآن للجصاص 382:2، المحلي 129:2.
2- المجموع 224:2.
3- المجموع 224:2.
4- المجموع 293:2، مغني المحتاج: 103.
5- المجموع 294:2، الوجيز 22:1.
6- المجموع 293:2، الوجيز 22:1، مغني المحتاج 103:1.

لوجوبها(1).

و يجوز أن يصلي علي جنازتين علي التوالي بغير تيمم، و بتيمم واحد، و للشافعي وجهان، أحدهما: المنع لأنهما فرضان، فحينئذ لا يجوز أن يصلّي علي جنازتين دفعة لأن فعله يتضمن إسقاط فرضين(2).

ح - لو تيمم لصلاة النفل استباح به الفرض - و به قال أبو حنيفة(3) - و أصح وجهي الشافعي المنع(4).

و لا خلاف أنه إذا تيمم للنفل استباح مس المصحف، و قراءة القرآن إن كان تيممه عن جنابة.

و لو تيمم المحدث لمس المصحف، أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصده، و في استباحة صلاة النفل أو الفرض للشافعي وجهان(5).

مسألة 313: ينقض التيمم كل ما ينقض الطهارة المائية
اشارة

و يزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله، فلو تيمم ثم وجد الماء انتقض تيممه فإذا عدمه وجب عليه استينافه، و إن كان باقيا وجب عليه الغسل أو الوضوء و لا يصلي بذلك التيمم، و هو قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، و الشعبي أنهما قالا: لا يلزمه استعمال الماء لأنه وجد المبدل بعد الفراغ من البدل فكان بمنزلة من وجد العتق بعد الصوم(6).

ص: 207


1- المجموع 300:2، كفاية الأخيار 39:1، مغني المحتاج 103:1، الوجيز 22:1.
2- المجموع 300:2، كفاية الأخيار 39:1.
3- المبسوط للسرخسي 117:1، أحكام القرآن للجصاص 382:2، المجموع 222:2، المغني 287:1.
4- المجموع 222:2 و 224 و 242، السراج الوهاج: 28، كفاية الأخيار 36:1، مغني المحتاج 98:1، الوجيز 21:1، المغني 287:1، المبسوط للسرخسي 117:1.
5- المجموع 223:2.
6- المجموع 302:2، المبسوط للسرخسي 110:1، أحكام القرآن للجصاص 384:2، التفسير الكبير 174:11، المحلي 123:2، نيل الأوطار 336:1.

و هو خطأ لقوله عليه السلام لأبي ذر: (الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجده فليمسه بشرته)(1) و الأمر للوجوب، و لأن المقصود بالطهارة الصلاة بها و لم يشرع في المقصود فأشبه إذا وجد الأصل قبل أن يشرع في البدل بخلاف الكفارة.

فروع:

أ - ظن وجود الماء لا يبطل التيمم، و كذا شكه عملا بالاستصحاب، و قال الشافعي: يبطل(2) لأنه يجب عليه الطلب حينئذ فيبطل تيممه، لأن التيمم إنما يكون بعد الطلب و إعواز الماء و هو يمنع الابتداء دون الاستدامة.

فلو رأي سرابا و لا يدري هل هو ماء أم لا، أو رأي إنسانا من بعد و توهم أن معه ماء لم يبطل تيممه عندنا، خلافا للشافعي(3).

و لو سمع إنسانا يقول: معي ماء و كان كاذبا، أو قال: معي ماء أودعنيه فلان و المالك غائب لم يبطل تيممه، خلافا له لوجوب فرض الطلب عنده عقيب (معي ماء) قبل أن يذكر (الوديعة)(4) ، و لو قال: أودعني فلان جرة ماء لم يبطل تيممه لعدم وجوب الطلب حينئذ.

ب - لو طلع عليه راكب بماء فامتنع أن يعطيه، أو وجد ماء فحيل بينه و بينه لم تجب الإعادة، خلافا له(5) ، و لو طلع عليه راكب و لم يعلم أن معه ماء فسأله فلم يكن معه شيء أعاد التيمم عنده(6).

ص: 208


1- سنن الترمذي 211:1-212-124، مسند أحمد 155:5 و 180، سنن الدار قطني 1: 187-4.
2- المجموع 259:2، الوجيز 22:1، كفاية الأخيار 37:1، المغني 305:1.
3- المجموع 259:2، مغني المحتاج 101:1، كفاية الأخيار 37:1.
4- المجموع 260:2.
5- الام 48:1.
6- المجموع 259:2.

ج - لو قارن ظن وجود الماء مانع من استعماله كعطش أو مرض أو عدم آلة لم ينتقض تيممه إجماعا لجواز التيمم ابتداء مع هذا المانع فلا يرفع دوامه.

د - لا ينتقض التيمم بخروج الوقت، و هو قول العلماء لقوله عليه السلام: (الصعيد كافيك إلي عشر سنين)(1).

و قال أحمد: ينتقض بخروج الوقت لأنها طهارة ضرورية فتتقيد بالوقت كالمستحاضة(2) ، و الفرق تجدد حدث المستحاضة.

ه - نقل عن أحمد: أن التيمم يبطل بنزع عمامة، أو خف يجوز له المسح عليه لأنه مبطل للوضوء(3) و خالف فيه باقي الجمهور(4) ، و الأصل ممنوع، و لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه، فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء، و الوضوء يبطل بنزع ما هو ممسوح عليه فيه.

و - الردة لا تبطل التيمم كالمائية، و قد سلف البحث فيه(5).

مسألة 314: لو وجد الماء في أثناء الصلاة، لعلمائنا أربعة أقوال:
اشارة

أحدها: يمضي مطلقا و لو تلبس بتكبيرة الإحرام، اختاره الشيخان، و المرتضي(6) ، و عليه أعمل - و به قال الشافعي، و مالك، و أبو ثور،

ص: 209


1- مصنف عبد الرزاق 237:1-912.
2- المغني 299:1 و 306، الشرح الكبير 299:1، كشاف القناع 177:1.
3- المغني 306:1، الشرح الكبير 303:1، كشاف القناع 178:1، المجموع 332:2.
4- المجموع 332:2، المغني 306:1، الشرح الكبير 303:1.
5- تقدّم في المسألة 29 المطلب الثامن.
6- المقنعة: 8، المبسوط للطوسي 33:1، و حكي قول المرتضي المحقق في المعتبر: 110.

و داود، و أحمد في رواية(1) - لقوله تعالي وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2) و لقوله عليه السلام: (فلا ينصرف أحدكم من الصلاة حتي يسمع صوتا أو يجد ريحا)(3).

و قول الصادق عليه السلام و قد سئل رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتي بالماء حين يدخل في الصلاة ؟:

«يمضي في الصلاة»(4).

و لأنه بدل من الماء و قد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل، كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح الأمة، و لأنه وجد المبدل بعد التلبس بالمقصود فلم يلزمه الخروج، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصوم.

الثاني: يرجع ما لم يركع، و هو قول الشيخ و المرتضي(5) ، لقول الباقر عليه السلام و قد سئل فإن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة: «فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين»(6). و هو محمول علي الشروع في الصلاة و أطلق عليها اسم الركوع إطلاقا لاسم الجزء علي الكل، و أراد أولا بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها من الأذان، و غيره.0.

ص: 210


1- المجموع 311:2 و 318، الوجيز 22:1، بداية المجتهد 73:1، تفسير القرطبي 235:5، المغني 303:1، المبسوط للسرخسي 110:1، أحكام القرآن للجصاص 384:2، المحلي 126:2، نيل الأوطار 336:1، التفسير الكبير 174:11.
2- محمد: 33.
3- صحيح البخاري 46:1، سنن النسائي 98:1-99، سنن أبي داود 45:1-176 و 177، سنن ابن ماجة 171:1-514، مسند أحمد 330:2 و 414.
4- التهذيب 203:1-590، الإستبصار 166:1-575.
5- النهاية: 48، و حكي قول المرتضي المحقق في المعتبر: 110.
6- الكافي 63:3-64-4، التهذيب 200:1-580.

الثالث: قال سلاّر: ما لم يقرأ(1) ، لأنه قد أتي بأكثر الأركان و هي النيّة و التكبير، و القراءة عند من يجعلها ركنا.

الرابع: قال ابن الجنيد: ما لم يركع في الثانية لأنه فعل معظم الصلاة(2).

و قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد في رواية: تبطل صلاته مطلقا - إلا أن أبا حنيفة يقول: لا تبطل بذلك صلاة الجنازة، و العيدين، و لا برؤية سؤر الحمار و البغل - لأن زوال العذر في أثناء الصلاة يبطلها كانقطاع دم الاستحاضة(3). و هو ممنوع.

و الفرق أنه جوّز لها الصلاة مع حدث لم تأت عنه بطهارة، للضرورة.

و قال الأوزاعي: تصير نفلا(4) ، لحجة أبي حنيفة و قد أبطلناها.

فروع:

أ - الأقرب عندي استحباب العدول إلي النفل مع سعة الوقت - و هو أحد قولي الشافعية - لأنا سوّغنا له العدول إلي النافلة لتدارك فضيلة الأذان، و الجماعة و هذا أولي، و يحتمل المنع لأنها فريضة صحيحة فلا ينصرف عنها و هو الثاني لهم(5).

ب - لو رأي الماء في الصلاة ثم فقده قبل فراغه قال الشيخ: ينتقض

ص: 211


1- المراسم: 54.
2- حكاه المحقق في المعتبر 110 و لم يذكر (الثانية).
3- المبسوط للسرخسي 110:1، بدائع الصنائع 57:1-59، المغني 303:1، الشرح الكبير 1: 306، حلية العلماء 211:1، أحكام القرآن للجصّاص 384:2، بداية المجتهد 73:1.
4- حلية العلماء 211:1.
5- المجموع 312:2، فتح العزيز 338:2، الوجيز 22:1.

تيممه في حق الصلوات المستأنفة(1) - و به قال الشافعي في حق النوافل(2) - لأن الماء لم يمنع من فعل صلاة و هو فيها بالتيمم، و منع من افتتاح صلاة أخري، كما يمنع من الافتتاح لو وجده قبلها، و يحتمل عدم النقض لعدم الشرط و هو التمكن من الاستعمال إذ الشرع منع منه. و يمكن الجواب: بأن المنع الشرعي لا يرفع القدرة، لأنها صفة حقيقية، و الحكم معلق عليها.

ج - لو رعف في أثناء صلاته ثم وجد الماء لزمه أن ينصرف و يغسل الدم و يتوضأ، و إن لم يجد من الماء إلا ما يغسل الدم عنه غسله و لا يستأنف التيمم، و قال الشافعي: يستأنف(3) لأنه بالطلب بطل تيممه.

د - لو رأي في أثناء النافلة احتمل النقض في المستأنفة، و العدم كالفريضة للأمر بالإتمام.

مسألة 315: لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد
اشارة

- و هو قول عامة العلماء - سواء كان في الوقت إن سوّغناه مع السعة أو لا لأنه امتثل فيخرج عن العهدة.

و لأن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة و ليس معهما ماء فتيمما و صليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء و الصلاة و لم يعد الآخر ثم أتيا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فذكرا له ذلك فقال صلّي اللّه عليه و آله للذي لم يعد: (أصبت السنة و أجزأتك صلاتك) و قال صلّي اللّه عليه و آله للذي أعاد: (لك الأجر مرتين)(4).

ص: 212


1- المبسوط للطوسي 33:1.
2- فتح العزيز 339:2.
3- الام 48:1، المجموع 318:2.
4- سنن أبي داود 93:1-338، سنن النسائي 213:1، سنن الدارمي 190:1، سنن الدار قطني 188:1-189-1، مستدرك الحاكم 178:1-179.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل فإن أصاب الماء و قد صلي بتيمم و هو في وقت: «تمت صلاته و لا إعادة عليه»(1).

و قال طاوس: يعيد ما صلي بالتيمم، لأنه بدل فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل كالحاكم إذا حكم بالقياس ثم وجد النص بخلافه(2). و هو خطأ لأن النص موجود وقت حكمه بالقياس و أخطأ في طلبه فكان بمنزلة ناسي الماء في رحله.

فروع:

أ - لو وجد الماء في الوقت بعد الصلاة إن سوّغناه مع السعة لم يعد علي ما تقدم، و به قال الفقهاء الأربعة(3) ، لما تقدم من الأحاديث.

و قال عطاء، و الزهري، و ربيعة: يعيد(4) تحصيلا لمصلحة الصلاة بالطهارة، و قد بيّنا حصولها بفعل البدل.

ب - لو أحدث في الجامع يوم الجمعة و منعه الزحام عن الخروج للطهارة تيمم و صلي لعدم تمكنه من استعمال الماء، و خوف فوت الجمعة، و لا يعيد للامتثال. و قال الشيخ، و ابن الجنيد: يعيد(5) لقول علي عليه السلام و قد سئل عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة الناس: «يتيمم و يصلي معهم و يعيد إذا

ص: 213


1- التهذيب 194:1-562، الاستبصار 160:1-552.
2- المجموع 306:2، المغني 277:1، الشرح الكبير 305:1.
3- المجموع 306:2، الشرح الكبير 305:1، المبسوط للسرخسي 110:1، تفسير القرطبي 234:5، المنتقي للباجي 111:1، التفسير الكبير 174:11، نيل الأوطار 335:1-336.
4- المجموع 306:2، الشرح الكبير 305:1، نيل الأوطار 336:1، المحلي 124:2.
5- المبسوط للطوسي 31:1، و حكي قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر: 110.

انصرف»(1) و الراوي السكوني، قال الصدوق: لا أعمل بما ينفرد به(2).

ج - قد بيّنا أنه إذا وجد الماء في الصلاة لم ينصرف، و قال أحمد:

ينصرف، و هل يستأنف ؟ وجهان، أصحهما: الاستئناف لفوات الشرط، و الثاني البناء كالذي سبقه الحدث(3).

مسألة 316: التيمم لا يرفع الحدث

بالإجماع، و لأنه لو وجد الماء وجب عليه الطهور بحسب الحدث السابق، فلو لا بقاؤه لكان الموجب وجود الماء لانتفاء وجود غيره، و وجود الماء ليس حدثا و إلا لتساوي المحدث و المجنب، و هو باطل فإن المحدث لا يغتسل و المجنب لا يتوضأ.

و قيل: يرفع الحدث، و اختلف في النسبة فأسنده قوم إلي أبي حنيفة، و آخرون إلي مالك(4).

تذنيب: لو تيمم المجنب ثم أحدث و وجد ماء للوضوء تيمم بدلا من الغسل - و به قال مالك، و الثوري(5) - لأن التيمم لا يرفع الحدث فالجنابة باقية و قد زالت الاستباحة بالحدث فيجب التيمم للجنابة السابقة.

و قال السيد المرتضي في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء(6) - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنه متمكن من الماء فلا يجوز التيمم، و نمنع الاولي.

و كذا لو تيمم الجنب ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الحدث لبقاء الجنابة.

ص: 214


1- التهذيب 185:1-534، الاستبصار 81:1-254.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 110.
3- المغني 303:1، الشرح الكبير 306:1.
4- المنتقي للباجي 115:1، المجموع 221:2، المغني 286:1، حلية العلماء 184:1.
5- المدونة الكبري 46:1-47، و نسبه أيضا الي مالك و الثوري في المعتبر: 109.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 109.
7- المبسوط للسرخسي 114:1.
مسألة 317: الجنب لو نسي الجنابة فتيمم

معتقدا أنه محدث ثم ذكر فالوجه الإجزاء إن سويناهما و إلا فلا علي إشكال.

و قال في الخلاف: مقتضي المذهب المنع لاشتراط نية بدليّة الوضوء أو الغسل(1) ، و به قال مالك، و أحمد لأنهما عبادتان مختلفتان في النيّة فلا تسقط إحداهما بنيّة الأخري(2) و قال الشافعي بالإجزاء، و به رواية عن مالك، لتساويهما(3).

و كل حدثين تساوت طهارتهما سقط فرض إحداهما بنية الأخري كالبول و الغائط، و لأنه لو ذكر الجنابة لم يكن عليه أكثر مما فعل إذ لا يلزمه أن ينوي بتيممه إلا استباحة الصلاة و قد فعل.

مسألة 318: الجنب كالمحدث إذا لم يجد الماء يتيمم،

و هو قول عامة العلماء، لأن عمارا أجنب فتمعك في التراب، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إنما يكفيك هكذا) و ضرب بيديه علي الأرض و مسح وجهه و كفيه(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام عن آبائه عن أبي ذر: «أنه أتي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت جامعت علي غير ماء قال: فأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به، و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثم قال: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين»(5).

ص: 215


1- الخلاف 140:1، مسألة 87.
2- المدونة الكبري 48:1، المغني 302:1، الشرح الكبير 293:1، المجموع 225:2.
3- المجموع 225:2، المغني 302:1، الشرح الكبير 293:1-294.
4- صحيح البخاري 92:1 و 93، سنن النسائي 170:1، سنن البيهقي 216:1، سنن الدار قطني 183:1-33.
5- الفقيه 59:1-221، التهذيب 194:1-561.

و قال عمر، و ابن مسعود: لا يجوز له التيمم، و قيل: رجعا عن ذلك(1) ، و رواه ابن المنذر عن النخعي(2) لأنه تعالي ذكر التيمم في الأحداث دون الجنابة، و هو غلط لأن قوله تعالي فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (3) راجع علي الجميع.

مسألة 319: الطهارة عندنا لا تتبعض
اشارة

فلو كان بعض بدنه صحيحا و بعضه جريحا تيمم و كفاه عن غسل الصحيح، و هو أحد قولي الشافعي لأنه مريض غير قادر علي الماء فوجب البدل، و في الآخر: يغسل الصحيح و يتيمم للجريح(4).

لقول جابر: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا: ما نجد لك رخصة و أنت تقدر علي الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم اللّه ألاّ سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم و يعصب علي جرحه، ثم يمسح عليه و يغسل سائر جسده)(5).

و هو ممنوع لأن فيه الجمع بين المسح علي الجبائر و التيمم، و الشافعي لا يقول به.

ص: 216


1- المغني 294:1، المبسوط للسرخسي 111:1، أحكام القرآن للجصاص 369:2، بداية المجتهد 64:1، المحلي 144:2، نيل الأوطار 322:1.
2- نيل الأوطار 322:1، المحلي 144:2.
3- المائدة: 6.
4- الام 49:1، المجموع 287:2 و 288، السراج الوهاج: 26، مغني المحتاج 93:1، مختصر المزني: 7، المغني 295:1، الشرح الكبير 277:1، المبسوط للسرخسي 122:1، التفسير الكبير 166:11.
5- سنن أبي داود 93:1-336، سنن الدار قطني 190:1-3.

و قال أبو حنيفة: إن كان أكثر بدنه صحيحا غسل الصحيح و لا يتيمم، و إن كان أكثره جريحا تيمم و لا يغسل الصحيح لعدم وجوب الجمع بين البدل و المبدل كالصيام، و الإطعام(1).

فروع:

أ - لو تمكن من المسح بالماء علي العضو الجريح، أو علي جبيرة و غسل الباقي وجب و لا يتيمم - خلافا للشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو غير ذلك من أعضاء الوضوء فيعصبها بالخرقة: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح علي الخرقة»(3).

ب - لو كان بعض بدنه صحيحا و بعضه جريحا فأجنب تيمّم.

و عند الشافعي يجمع بين غسل الصحيح و التيمم، و يتخير إن شاء قدم التيمم ثم غسل الصحيح، و إن شاء غسل الصحيح ثم تيمم للجريح إذ الترتيب في الجنابة عنده ساقط(4).

و إن كان محدثا و كان القرح في الوجه، فإن شاء بدأ بالتيمم ثم غسل الصحيح من وجهه، و إن شاء غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لأن العضو الواحد لا ترتيب فيه، نعم يجب تقديم التيمم علي غسل اليدين، و إن كان في عضو آخر غسل ما قبله، و إن كان علي وجهه قرح و علي يديه آخر غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لموضع القرح ثم غسل

ص: 217


1- المبسوط للسرخسي 122:1، بدائع الصنائع 51:1، المجموع 293:2، فتح العزيز 297:2، المغني 295:1، الشرح الكبير 277:1، التفسير الكبير 166:11-167.
2- المجموع 323:2 و 327، المغني 315:1.
3- الكافي 33:3-3، التهذيب 362:1-1095.
4- المجموع 288:2، السراج الوهاج: 26، مغني المحتاج 94:1، المغني 297:1، الشرح الكبير 280:1.

الصحيح من يده ثم تيمم.

ج - لو غسل الصحيح و تيمم للجريح ثم برئ الجرح بطل حكم التيمم فيه و وجب غسله عنده(1).

د - لو كان علي قرحه دم يخاف من غسله تيمم للحدث و صلي و لا يعيد - و به قال أبو حنيفة، و المزني(2) - لأنه امتثل المأمور به فخرج عن العهدة.

و قال الشافعي: يعيد لأنه صلي بالنجاسة فإذا ترك الطهارة لعذر نادر غير متصل أعاد كالمحبوس في المصر(3) ، و نمنع الأصل، و يعارض بأن النجاسة إذا لم تمنع من فعل الصلاة لم تمنع من الاعتداد بها كنجاسة المستحاضة.

ه - لو كان علي موضع التيمم خرقة لقرح لا يخاف من نزعها وجب عليه نزعها، و لو خاف من نزعها مسح بالتراب عليها و صلي و لا إعادة عليه للامتثال، و قال الشافعي: يعيد لأن التيمم لا يجزي علي حائل دون العضو(4) ، و هو ممنوع.

و - إذا تيمم جاز أن يصلي ما شاء عندنا علي ما تقدم و لو كان بعض أعضائه جريحا.

و قال الشافعي: إذا غسل السليم و تيمم للجراحة استباح فريضة واحدة و ما شاء من النوافل، فإن أراد أن يصلي فريضة أخري أعاد التيمم لأجل الجراحة، و يعيد الغسل في كل عضو يترتب علي العضو المجروح، و في القدر1.

ص: 218


1- المجموع 292:2، مغني المحتاج 95:1، فتح العزيز 308:2.
2- مختصر المزني: 7.
3- مختصر المزني: 7، مغني المحتاج 107:1.
4- المجموع 328:2-329، مختصر المزني: 7، مغني المحتاج 107:1، السراج الوهاج: 30، المهذب للشيرازي 44:1، المغني 313:1.

الصحيح من المجروح و ما قبله قولان(1).

ز - إذا رفع الجبيرة بعد الاندمال أو قبله ليعيد الجبيرة عليه فإن كان محدثا تطهر، و إن كان متطهرا فهو علي طهارته عندنا.

و قال الشافعي: بطل طهره فيما تحت الجبيرة و في المترتب عليه من الأعضاء، و هل يلزمه استئناف الوضوء؟ قولان له.

و لو كانت الجبيرة علي عضوين فرفع إحداهما لا يلزمه رفع الأخري عنده، بخلاف الماسح علي الخف إذا نزع أحد الخفين فإنه يلزمه نزع الآخر لأن شرطه لبس الخفين دفعة(2).

ح - لو رفع الجبيرة عن موضع الكسر فوجده مندملا، فإن قلنا برفع الحدث فلا إعادة لما بعد الاندمال، و إلا فالوجه الإعادة لكل ما صلاه بعد الاندمال دون المشكوك فيه.

و اضطرب قول الشافعي، و المشهور قولان: عدم الإعادة، لأنه عليه السلام لم يأمر به عليا عليه السلام(3) ، و وجوبها لأنه عارض نادر(4).

ط - لو كان به جرح و لا جبيرة غسل جسده و ترك الجرح لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الجرح كيف يصنع صاحبه قال: «يغسل ما حوله»(5).

و قال الباقر عليه السلام: «لا يغسله إن خشي علي نفسه»(6) و لأن9.

ص: 219


1- المجموع 291:2-292، فتح العزيز 304:2 و 306.
2- المجموع 331:2 و 332، فتح العزيز 308:2، مغني المحتاج 95:1.
3- سنن ابن ماجة 215:1-657، سنن البيهقي 228:1.
4- المجموع 292:2.
5- الكافي 32:3-2، التهذيب 363:1-1095، الاستبصار 77:1-239.
6- التهذيب 363:1-1099.

الضرورة أسقطت غسله، و سقط التيمم لئلا يجمع بين البدل و المبدل.

و قال الشافعي: يغسل الصحيح و يتيمم للجرح(1) ، و عن أحمد: يمسح الجرح و يغسل ما فوقه(2) و هو جيّد إن أمن الضرر مع المسح.

مسألة 320: لو نسي الماء في رحله فتيمم و صلي أعاد
اشارة

- و هو أظهر قولي الشافعي، و به قال أحمد، و أبو يوسف(3) - لقول الصادق عليه السلام:

«يتوضأ و يعيد»(4) و لأنه فرّط في الطلب، فإنه لو اجتهد حسب ما يلزمه لوجده، و لأنها طهارة تجب مع الذكر فإذا نسيها لم تسقط عنه، كما لو شك في الطهارة ثم صلّي ثم تيقن الحدث.

و حكي أبو ثور عن الشافعي عدم الإعادة - و به قال أبو حنيفة(5) - و به قال السيد المرتضي(6) - و عن مالك روايتان(7) - لأنه مع النسيان غير قادر علي استعمال الماء لأن النسيان حال بينه و بين الماء فكان فرضه التيمم كما لو حال السبع، و الفرق التفريط في صورة النزاع.

و قال الشيخ: إن اجتهد و طلب لم يعد و إلا أعاد لأنه صلّي بتيمم

ص: 220


1- المجموع 287:2-289، فتح العزيز 284:2 و 292، الشرح الكبير 277:1.
2- المغني 294:1 و 315، الشرح الكبير 277:1.
3- المجموع 266:2-267، فتح العزيز 256:2، الميزان 125:1، الوجيز 20:1، فتح الوهاب 22:1، السراج الوهاج: 26، المغني 275:1، الشرح الكبير 283:1، اللباب 35:1.
4- الكافي 65:3-10، التهذيب 212:1-616.
5- المجموع 267:2، فتح العزيز 257:2، الميزان 125:1، الوجيز 20:1، اللباب 35:1، المغني 275:1، الشرح الكبير 283:1-284.
6- حكاه المحقق في المعتبر: 101.
7- المدونة الكبري 43:1، المغني 275:1، الشرح الكبير 284:1، الميزان 125:1.

مشروع و لا طريق إلي إزالة النسيان فصار كعدم الوصلة(1).

فروع:

أ - لو كان في رحله ماء فحال العدوّ بينه و بين رحله تيمم و صلّي و لا إعادة عليه إجماعا.

ب - لو كان الماء في رحله فضلّ عنه فحضرت الصلاة فطلب الماء فلم يجد تيمم و صلي و لا إعادة عليه لأنه غير مفرط، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: يعيد كالناسي(2).

ج - لو كان بقربه بئر فخفيت عنه، فإن كان قد طلب فلا إعادة، و إلاّ أعاد لتفريطه.

مسألة 321: لو صلي بتيمم ثم أحدث في الأثناء و وجد الماء،

قال الشيخان: إن تعمّد الحدث أعاد الصلاة بعد الوضوء، و إن كان سهوا توضأ و بني علي ما مضي من صلاته(3) لرواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «إنه يخرج ثم يتوضأ و يبني علي ما مضي من صلاته التي صلي بالتيمم»(4).

و إنما نزّلها الشيخان علي السهو لأن تعمد الحدث مبطل للصلاة إجماعا، فلا يجوز حمل الرواية عليه إذ الخبر لا يعارض الإجماع.

و حملت الرواية علي السهو لأن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء

ص: 221


1- المبسوط للطوسي 31:1.
2- المجموع 265:2-266، فتح العزيز 259:2-260، مغني المحتاج 91:1، السراج الوهاج: 26، الوجيز 20:1.
3- النهاية: 48، المقنعة: 8.
4- التهذيب 205:1-594.

الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة كالمبطون إذا فجأه الحدث، و المستحاضة، و لا ينتقض بالطهارة المائية لارتفاع الحدث فيها، فالحدث المتجدد مبطل لذلك الرفع، و الأقرب عندي وجوب الاستئناف.

مسألة 322: إذا اجتمع محدث، و ميت، و جنب و معهم من الماء ما يكفي أحدهم،
اشارة

فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، و إن لم يكن ملكا لأحد، أو لباذل، أو اوصي لأحقهم به، قال الشيخ في الخلاف: تخيروا في التخصيص لأنها فروض اجتمعت و ليس البعض أولي فتعين التخيير، و لاختلاف الروايات ففي رواية عن الكاظم عليه السلام: اختصاص الجنب(1) ، و في أخري مرسلة: اختصاص الميت(2) فتعين التخيير(3).

و له قول آخر: اختصاص الجنب(4) لاتصال الرواية به، و لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء، و الميت قد سقط الفرض عنه بالموت، و هذه إحدي الروايتين عن أحمد، و الأخري: اختصاص الميت - و به قال الشافعي(5) - لأنه خاتمة عمله فيستحب أن تكون طهارته كاملة، و الحي يرجع إلي الماء فيغتسل، و لأن القصد بغسل الميت تنظيفه و لا يحصل بالتيمم، و القصد بغسل الحي إباحة الصلاة و هي تحصل بالتيمم(6).

فروع:

أ - لا يجوز للمالك بذله لغيره مع وجوب الصلاة عليه لأنه متمكن من الماء فلا يجوز العدول إلي التيمم.

ص: 222


1- التهذيب 109:1-285، الاستبصار 101:1-329.
2- التهذيب 110:1-288، الاستبصار 102:1-332.
3- الخلاف 166:1 مسألة 118.
4- النهاية للطوسي: 50.
5- مختصر المزني: 8.
6- المغني 310:1، الشرح الكبير 313:1.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوم كانوا في سفر أصاب أحدهم جنابة و ليس معهم إلاّ ما يكفي الجنب يتوضئون أم يعطونه الجنب ؟ قال: «يتوضئون هم و يتيمم الجنب»(1).

ب - لو أمكن أن يستعمله أحدهم و يجمع فيستعمله الآخر فالأولي تقديم المحدث لأن رافع الجنابة إما غير مطهر أو مكروه.

ج - لو كان مباحا فالسابق أولي، فإن توافوا دفعة فهم شركاء، و لو تمانعوا فالمانع آثم و يملكه القاهر لأنه سابق.

د - لو اجتمع جنب و حائض فالأقوي تقديم الحائض لأنها تقضي حق اللّه و حق زوجها في إباحة الوطء، و يحتمل الجنب الرجل لأنه أحق بالكمال من المرأة.

ه - لو اجتمع جنب و محدث فالجنب أولي لأنه يستفيد به ما لا يستفيده المحدث، و إن كان وفق حاجة المحدث فهو أولي، لأنه يستفيد به طهارة كاملة، و إن لم يكف أحدهما فالجنب أولي، لأنه يطهر به بعض أعضائه.

و لو كفي كل واحد منهما و يفضل منه فضلة لا تكفي الآخر فالمحدث أولي لأن فضلته يمكن للجنب استعمالها، و يحتمل الجنب لاستفادته ما لا يستفيده المحدث.

و - لو تغلّب المرجوح أساء و أجزأ لأن الآخر لا يملكه.

ز - لو اجتمع ميت و من علي بدنه نجاسة احتمل تقديم الميت لأنه آخر عهده بالماء، و غسل النجاسة إذ لا بدل لها، و للشافعي كالوجهين(2).8.

ص: 223


1- التهذيب 190:1-548.
2- المجموع 275:2، فتح العزيز 246:2، مختصر المزني: 8.

و لو اجتمع من علي بدنه نجاسة مع محدث، أو حائض، أو جنب، فإزالة النجاسة أولي لعدم البدل.

ص: 224

الباب السابع: في اللواحق و فيه فصول:
الأول: في الأواني و الجلود.
مسألة 323: أقسام الأواني أربعة:
اشارة

ما يتخذ من الذهب، أو الفضة، أو من العظام، أو من الجلود، أو ما عدا ذلك، و يحرم استعمال المتخذ من الذهب و الفضة في أكل، و شرب، و غيرهما عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد، و عامة العلماء، و الشافعي في الجديد(1) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم)(2) معناه يلقي في جوفه، و هذا وعيد يقتضي التحريم.

و قول الصادق عليه السلام: «لا تأكل في آنية الذهب و الفضة»(3) ، و النهي للتحريم، و لاشتماله علي الفخر، و الخيلاء، و كسر قلوب الفقراء.

ص: 225


1- المجموع 252:1، فتح العزيز 301:1، الهداية للمرغيناني 87:4، البحر الرائق 8: 185، الشرح الصغير 25:1، المغني 92:1، الشرح الكبير 85:1، المحلي 218:1.
2- صحيح مسلم 1634:3-2065، سنن ابن ماجة 1130:2-3413، سنن الدارمي 121:2.
3- الكافي 267:6-1، المحاسن: 582-63.

و قال الشافعي في القديم: إنه مكروه غير محرم، و النهي فيه نهي تنزيه، لأن الغرض ترك التشبه بالأعاجم و الخيلاء، و إغاظة الفقراء، و ذلك لا يقتضي التحريم(1) ، و ليس بجيّد لاشتمال الحديث عليه.

و قال داود: إنه يحرم الشرب فقط(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خص الشرب بذلك(3) ، و هو غلط لما رواه حذيفة قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (لا تلبسوا الحرير و الديباج، و لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة، و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة)(4) و لنهي الصادق عليه السلام عن الأكل(5).

فروع:

أ - لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل، و الشرب، و غيرهما، كالبخور و الاكتحال منه، و الطهارة و شبهه، و جميع وجوه الاستعمال لأن في تحريم الأكل و الشرب تنبيها علي منع غيرهما، و لأن الباقر عليه السلام نهي عن آنية الذهب و الفضة(6) ، و لا يمكن تعلق النهي بالعين فيصرف إلي المنافع و هي وجوه الاستعمال.

ب - لا يحرم المأكول و المشروب منهما و إن كان الاستعمال محرما

ص: 226


1- المجموع 249:1، فتح العزيز 301:1 و 302، الشرح الكبير 86:1، نيل الأوطار 81:1.
2- المجموع 249:1، نيل الأوطار 81:1.
3- صحيح مسلم 1634:3-2065، سنن ابن ماجة 1130:2-3413، سنن الدارمي 121:2.
4- صحيح البخاري 99:7 و 146، صحيح مسلم 1638:3-2067، سنن الترمذي 299:4-1878، سنن أبي داود 337:3-3723، سنن ابن ماجة 1130:2 و 1187-3414 و 3590، سنن الدارمي 121:2.
5- الكافي 267:6-1، المحاسن: 582-63.
6- الكافي 267:6-4، المحاسن: 582-59.

لتعلق النهي به لا بالمستعمل.

ج - قال بعض الشافعية: إنما يكون مستعملا للمجمرة إذا بسط ثوبه عليها، فأما إذا كانت بعيدة منه فلا يكون استعمالا(1) ، و ليس بجيد، بل لو وضع البخور في الإناء كان استعمالا لها مع الاستنشاق.

د - لا فرق في التحريم بين الرجال و النساء إجماعا، لوجود المقتضي فيهما، و إنّما أبيح التحلي في حق المرأة لحاجتها إلي التزين للرجل و التجمل عنده و هو مختص بالحليّ فتختص الإباحة به.

مسألة 324: يحرم اتخاذ أواني الذهب و الفضة من غير استعمال

- و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه علي هيئة الاستعمال كآلات الملاهي، و لأن فيه تعطيلا للمال، و سرفا، و خيلاء، و لنهي الباقر عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة(3) و هو يتناول الاتخاذ.

و لقول الكاظم عليه السلام: «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون»(4).

و للشافعي قول بالجواز لأن الخبر ورد بتحريم الاستعمال فلا يحرم الاتخاذ، كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير(5). و الفرق عدم تحريم الثياب مطلقا فإنها تباح للنساء، و للتجارة.

مسألة 325: لو توضأ أو اغتسل من آنية الذهب و الفضة فعل محرما

ص: 227


1- المجموع 250:1، فتح العزيز 302:1، مغني المحتاج 29:1.
2- فتح العزيز 302:1، كفاية الأخيار 10:1، مغني المحتاج 29:1.
3- الكافي 267:6-4، المحاسن: 582-59.
4- الكافي 268:6-7، المحاسن: 582-62.
5- مغني المحتاج 29:1، المغني 93:1، الشرح الكبير 85:1-86.

و صحت طهارته - و به قال الشافعي، و إسحاق، و ابن المنذر، و أصحاب الرأي(1) - لأن الطهارة تحصل بإجراء الماء علي العضو، و ذلك يحصل بعد انفصاله عن الإناء.

و قال بعض الحنابلة: لا تصح لأنه استعمل المحرّم في العبادة فلا تصح كالصلاة في الدار المغصوبة(2).

و هو خطأ لأن انتزاع الماء من الإناء ليس جزءا من الوضوء، و الطهارة إنما تقع بعد انقضاء ذلك الاستعمال فيكون كما لو قهر غيره علي تسليم ثوب نفسه ليستتر به في الصلاة، و التصرف جزء من الصلاة في الدار المغصوبة و هو منهي عنه فلهذا بطلت.

تذنيب: لو جعل آنية الذهب و الفضة مصبا لماء الوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه لم يبطل وضوؤه، لأنه قد رفع الحدث قبل وقوعه في الإناء.

و بعض الحنابلة أبطله لما فيه من الفخر، و الخيلاء، و كسر قلوب الفقراء(3) ، و هو غلط لأن فعل الطهارة حصل قبل وصول الماء إلي الإناء.

مسألة 326: اختلف علماؤنا في المفضض،
اشارة

فجوزه في المبسوط(4) و به قال أبو حنيفة(5) - و إن كان كثيرا لغير حاجة لأنه صار تابعا للمباح.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح

ص: 228


1- كفاية الأخيار 10:1، المغني 93:1، الشرح الكبير 87:1.
2- المغني 93:1، الشرح الكبير 88:1، المحرر في الفقه 7:1.
3- المغني 93:1، الشرح الكبير 88:1-89.
4- المبسوط للطوسي 13:1.
5- الهداية للمرغيناني 78:4، بدائع الصنائع 132:5 و 133، المغني 94:1، الشرح الكبير 1: 87، تبيين الحقائق 11:6، نيل الأوطار 84:1.

المفضض، و أعزل فمك عن موضع الفضة»(1).

و منعه في الخلاف لما فيه من الخيلاء، و البطر، و تعطيل المال(2) و لما رواه بريد عن الصادق عليه السلام: أنه كره الشرب في الفضة و في القداح المفضضة و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض و المشط كذلك(3).

و قال الشافعي: إن كان المضبب علي شفة الإناء لم يجز الشرب منه لئلا يكون شاربا علي فضة، و إن كان في غيرها جاز(4).

و قال بعض الشافعية: لا فرق بين أن يكون علي شفته أو غيرها في التحريم، و به قال مالك(5).

و من الشافعية من قسم المضبب أربعة أقسام: يسير لحاجة كحلقة القصعة و ضبتها و هو مباح، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان حلقة قصعته و قبيعة سيفه من فضة(6) ، و أذن لعرفجة بن أسعد لمّا قطع أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه، فأذن له أن يتخذ أنفا من ذهب(7) ، و كثير لحاجة فيكره لكثرته، و لا يحرم للحاجة إليه، و قليل لغير حاجة فلا يحرم لقلته، و يكره لعدم الحاجة إليه، و كثير لغير حاجة و يحرم(8) - خلافا لأبي1.

ص: 229


1- التهذيب 91:9-92-392.
2- قال الشيخ في الخلاف 69:1 المسألة 15 يكره استعمال أواني الذهب و الفضة، و كذلك المفضض منهما، و حكي المحقق أيضا قوله في المعتبر: 126، ثم قال: و مراده التحريم. فلاحظ.
3- الكافي 267:6-5، الفقيه 222:3-1032، التهذيب 91:9-387.
4- المجموع 258:1، فتح العزيز 304:1.
5- المجموع 258:1، فتح العزيز 304:1، أقرب المسالك 4:1، الشرح الصغير 25:1.
6- سنن الترمذي 200:4 و 201-1690 و 1691، سنن النسائي 219:8.
7- سنن الترمذي 240:4-1770، سنن النسائي 163:8-164، مسند أحمد 342:4 و 23:5، أسد الغابة 400:3، سنن أبي داود 92:4-4232.
8- المجموع 258:1، فتح العزيز 304:3-306، المهذب للشيرازي 19:1.

حنيفة(1).

و التفصيل في المضبب بالفضة، أما المضبب بالذهب فإنه حرام عندهم علي الإطلاق(2).

فروع:

أ - إذا سوغنا الشرب من المفضض قال الشيخ رحمه اللّه: يجب عزل الفم عن موضع الفضة(3).

لقول الصادق عليه السلام: «و أعزل فمك عن موضع الفضة»(4) و الأمر للوجوب، و قيل بالاستحباب عملا بالأصل(5).

و بما رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام سئل عن القدح فيه ضبة فضة فقال: «لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها عنه»(6).

ب - لا بأس باتخاذ اليسير من الفضة كالحلقة للقصعة، و الضبة، و السلسلة و القبيعة للسيف لأن الكاظم عليه السلام كان له مرآة كذلك(7).

ج - لا بأس باتخاذ ما ليس بإناء كالصفائح في قائم السيف و الميل، و قد روي أن العبّاس عذر، فعمل له قضيب ملبس بفضة نحو ما يعمل للصبيان من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر(8) ، و هو

ص: 230


1- الهداية للمرغيناني 78:4-79، بدائع الصنائع 133:5، المجموع 261:1.
2- المجموع 255:1، مغني المحتاج 30:1، المهذب للشيرازي 19:1.
3- المبسوط للطوسي 13:1.
4- التهذيب 91:9-92-392.
5- القائل هو المحقق في المعتبر: 126.
6- التهذيب 91:9-391، المحاسن: 582-65.
7- التهذيب 91:9-390، المحاسن 582-67.
8- التهذيب 91:9-390، المحاسن 582-67.

يعطي المنع.

د - لو استأجر صانعا ليعمل له إناء فإن قلنا بتحريم الاتخاذ مطلقا لم يستحق اجرة لبطلان العقد، كما لو استأجره لعمل صنم، و إلا استحق.

ه - لو كان له إناء فكسره آخر ضمن النقصان إن سوغنا الاتخاذ، و إلا فلا.

و - لو شرب و في فيه دنانير أو دراهم أو طرحهما في الكوز و شرب لم يكن به بأس إجماعا لعدم اتخاذ ذلك من الزينة و التجمل.

ز - لو اتخذ إناء من ذهب أو فضة و موّهها بنحاس، أو رصاص حرم - و هو أحد وجهي الشافعية - لأن الإسراف موجود هنا، و الثاني: الإباحة لأن السرف لا يظهر للناس فلا يخشي فتنة الفقراء(1) ، و لو عكس جاز، و للشافعي وجهان(2).

ح - لو اتخذ أنفا من ذهب أو فضة، أو سنّا، أو أنملة لم يحرم لحديث عرفجة بن أسعد(3) ، و لو اتخذ إصبعا، أو يدا فللشافعية قولان: الجواز قياسا علي الأنف و السن، و التحريم لأنه زينة محضة إذ لا منفعة به(4).

ط - لا يجوز اتخاذ أواني الذهب و الفضة لتزيين المجالس لأن الخيلاء فيه أكثر، و للشافعي فيه وجهان(5).1.

ص: 231


1- المجموع 259:1، فتح العزيز 303:1.
2- المجموع 260:1، فتح العزيز 303:1، كفاية الأخيار 10:1، مغني المحتاج 29:1-30.
3- سنن النسائي 163:8-164، سنن الترمذي 240:4-1770، سنن أبي داود 92:4-4232، مسند أحمد 342:4 و 23:5، أسد الغابة 400:3.
4- المجموع 256:1.
5- المجموع 251:1، فتح العزيز 302:1.

ي - المموّه إن كان يحصل منه شيء بالعرض علي النار حرم، و إلا فإشكال، و للشافعية وجهان(1).

يا - في المكحلة الصغيرة، و ظرف الغالية للشافعية وجهان: التحريم، و هو المعتمد لأنه يسمي إناء، و الإباحة لأن قدره يحتمل ضبة للشيء فكذلك وحده(2).

مسألة 327: نجس العين كالكلب و الخنزير لا يقع عليه الذكاة

فلا يجوز استعمال جلده، سواء دبغ أو لا، ذهب إليه علماؤنا أجمع لأنها أعيان نجسة في حال الحياة، و غاية الدباغ نزع الفضلات و الاستحالات، و الحياة أبلغ في دفعهما فإذا لم تفد الحياة الطهارة فالدباغ أولي، و كذا فروعهما و ما يتولد منهما، أو من أحدهما مع بقاء الاسم، و الآدمي لا تقع عليه الذكاة فجلده نجس، و لو غسّل و سلخ بعد الغسل فإشكال، ينشأ من ورود التطهير بالغسل، و كذا جلد الشهيد.

مسألة 328: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ

سواء كان من نجس العين أو طاهرها، و سواء كان من مأكول اللحم أو لا، عند علمائنا أجمع - إلاّ ابن الجنيد(3) - و به قال عمر، و ابن عمر، و عائشة، و هو إحدي الروايتين عن مالك و عن أحمد(4) لقوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (5) و تحريم الأعيان ينصرف إلي تحريم جميع المنافع منها و من أجزائها.

ص: 232


1- المجموع 260:1، فتح العزيز 303:1، كفاية الأخيار 10:1، مغني المحتاج 29:1.
2- فتح العزيز 309:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 129.
4- المنتقي 134:3، المغني 84:1، الشرح الكبير 94:1، المجموع 217:1، نيل الأوطار 74:1.
5- المائدة: 3.

و لما رواه عبد اللّه بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نحن بأرض جهينة (أن لا تستنفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الميتة ينتفع بشيء منها؟ قال: «لا»(2).

و كتب الكاظم عليه السلام «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب»(3) و لأن الموت سبب للتنجيس و لم يثبت المزيل.

و قال الشافعي: تطهر كل الجلود بالدباغ إلا الكلب و الخنزير و ما تولد منهما، أو من أحدهما، و رواه عن علي عليه السلام، و ابن مسعود(4) و في الآدمي عنده وجهان(5) لقوله عليه السلام: (أيّما إهاب دبغ فقد طهر)(6).

و حديث ابن عكيم متأخر لأنه قبل وفاة الرسول صلّي اللّه عليه و آله بشهرين(7) ، و لأنه روي فيه: (كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا4.

ص: 233


1- سنن الترمذي 222:4-1729، سنن أبي داود 67:4-4127، سنن ابن ماجة 1194:2-3613، سنن النسائي 175:7، مسند أحمد 310:4-311، سنن البيهقي 14:1.
2- الكافي 259:6-7، التهذيب 204:2-799.
3- الكافي 258:6-6.
4- الام 9:1، المجموع 215:1 و 217، فتح العزيز 288:1، كفاية الأخيار 8:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1، نيل الأوطار 74:1.
5- المجموع 216:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1.
6- صحيح مسلم 277:1-366، سنن الترمذي 221:4-1728، سنن ابن ماجة 1193:2-3609، سنن أبي داود 66:4-4123.
7- سنن الترمذي 222:4 ذيل الحديث 1729، مسند أحمد 310:4.

أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(1) و هو يدل علي التأخر فيتعين العمل به.

و روي عن مالك أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيصلي عليه و لا يصلي فيه، و يستعمل في الأشياء اليابسة دون الرطبة، و هو قول الشافعي(2).

و قال الأوزاعي، و أبو ثور، و إسحاق: يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل لحمه(3) لقوله عليه السلام: (دباغ الأديم ذكاته)(4) فشبه الدباغ بالذكاة و الذكاة لا تعمل فيما لا يؤكل لحمه.

و قال أصحاب الرأي: الجلود كلها تطهر بالدباغ إلا جلد الخنزير و الإنسان، فجلد الكلب يطهر بالدباغ(5) للعموم(6). و هو غلط لأنه نجس العين في حياته فلا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير.

و قال داود: تطهر كلها حتي الخنزير - و هو مروي عن أبي يوسف(7) - لعموم (أيما إهاب دبغ فقد طهر)(8) و هو محمول علي المذكي9.

ص: 234


1- نيل الأوطار 78:1 نقلا عن الدار قطني.
2- المجموع 217:1، فتح العزيز 295:1، نيل الأوطار 76:1.
3- المجموع 217:1، المغني 87:1، الشرح الكبير 95:1، نيل الأوطار 75:1.
4- سنن البيهقي 21:1، سنن النسائي 174:7، مسند أحمد 476:3.
5- المبسوط للسرخسي 202:1، الهداية للمرغيناني 20:1، بدائع الصنائع 85:1، المجموع 217:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1، نيل الأوطار 76:1.
6- صحيح مسلم 277:1-366، سنن ابن ماجة 1193:2-3609 و 1194-3612، سنن أبي داود 66:4-4123-4125، سنن الترمذي 221:4-1728، سنن البيهقي 20:1-21.
7- المبسوط للسرخسي 202:1، المجموع 217:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1، بداية المجتهد 79:1، نيل الأوطار 76:1.
8- سنن الترمذي 221:4-1728، سنن ابن ماجة 1193:2-3609.

لقوله عليه السلام: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب)(1).

و قال الزهري: ينتفع بجلود الميتة بكل حال و إن لم يدبغ(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مر بشاة ميتة لمولاة ميمونة فقال: (ما علي أهل هذه لو أخذوا إهابها فانتفعوا به)(3) و لم يذكر الدباغ، و من شرط الدباغ روي فيه زيادة: (فدبغوه فانتفعوا به)(4).

و عندنا أن الحديث ممنوع لما تواتر من النقل عن أهل البيت عليهم السلام من منع ذلك، و روايتهم عن علي عليه السلام خلاف ذلك(5) مدفوعة، لأن أولاده عليهم السلام أعرف بمذهبه.

و قد سئل الصادق عليه السلام: الميتة ينتفع بشيء منها فقال: «لا» فقلت: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (ما كان علي أهل هذه الشاة أن ينتفعوا بإهابها) قال: «كانت لسودة بنت زمعة و كانت مهزولة فتركوها حتي ماتت فقال: ما كان علي أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي بالذكاة»(6).9.

ص: 235


1- سنن الترمذي 222:4-1729، سنن أبي داود 67:4-4127، سنن ابن ماجة 1194:2-3613، سنن النسائي 175:7، مسند أحمد 310:4-311.
2- المجموع 217:1، نيل الأوطار 76:1.
3- سنن أبي داود 66:4-4121، سنن ابن ماجة 1193:2-3611، سنن النسائي 7: 171.
4- سنن البيهقي 15:1، صحيح مسلم 277:1-102.
5- المجموع 217:1.
6- الكافي 259:6-7، التهذيب 204:2-799.

و سأل عبد الرحمن بن الحجاج الصادق عليه السلام أشتري الفراء من سوق المسلمين فيقول صاحبها: هي ذكية هل يصلح أن أبيعها علي أنها ذكية ؟ فقال: «لا» قلت: و ما أفسد ذلك قال: «استحلال أهل العراق الميتة، و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(1).

تذنيب: و في جواز الانتفاع بها في اليابس إشكال، الأقرب عدمه لعموم النهي(2) ، و عن أحمد: الجواز قياسا علي الانتفاع بالكلب(3). و هو ممنوع لبطلان القياس.

مسألة 329: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الطاهر في الحياة كالسباع و غيرها يقع عليه الذكاة إلا الآدمي،

و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد(4).

و نعني بوقوع الذكاة بقاءه علي طهارته لأن الذكاة أقوي من الدباغ، لأنها تطهّر اللحم و الجلد، و لقوله تعالي إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (5).

و التذكية: الذباحة فتكون مطهّرة لوجود صورتها إذا كان المذبوح

ص: 236


1- الكافي 398:3-5، التهذيب 204:2-798.
2- انظر الكافي 259:6-7 و التهذيب 204:2-799 و سنن الترمذي 222:4-1279 و سنن أبي داود 67:4-4127، و سنن ابن ماجة 1194:2-3613 و سنن النسائي 175:7 و مسند احمد 310:4-311 و سنن البيهقي 14:1.
3- المغني 86:1، الشرح الكبير 95:1.
4- شرح فتح القدير 81:1، بدائع الصنائع 86:1، بداية المجتهد 441:1، القوانين الفقهية: 179، المغني 88:1، الشرح الكبير 101:1، المجموع 245:1، فتح العزيز 288:1.
5- المائدة: 3.

طاهرا، و لأنها تخلي الحيوان من العفن المقتضي للتحريم.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا يصلي فيما لا يؤكل لحمه، ذكاه الذبح أو لم يذكه»(1) و هو يدل علي أن الذبح مطهر.

و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أبو ثور: لا تقع الذكاة إلاّ علي ما يؤكل لحمه، و ما لا يؤكل إذا ذبحه نجس و كان ذلك موته، لأنها ذكاة لا تبيح اللحم فلا تطهر الجلد(2). و الملازمة ممنوعة، أما ما يؤكل لحمه فإذا ذكي حل أكله، و كان طاهرا، و جاز استعمال جلده قبل الدباغ و بعده ما لم يصبه دم، فإن أصابه غسله إجماعا.

مسألة 330: إذا ذكي ما لا يحل أكله جاز استعمال جلده بعد الدبغ في غير الصلاة

عند علمائنا أجمع، و هل يجوز قبله ؟ قال الشيخ، و المرتضي:

لا يجوز(3) لأنها تزيل العفن، و الدسومة.

و قيل بالجواز، لأن الذكاة تقع عليه فيستغني بها عن الدباغ لأنها لو لم تقع عليه لكان ميتة، و الميتة لا تطهر بالدباغ(4).

مسألة 331: إذا شرطنا الدباغ فإنه يكون بما كانت العرب تدبغ به
اشارة

كالقرظ و هو ورق السلم ينبت بنواحي تهامة، أو الشب بالباء المنقطة تحتها نقطة و هو يشبه الزاج، و قيل بالثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط و هو شجر مرّ الطعم لا يعلم هل يدبغ به أم لا، و كذا بالعفص، و قشر الرمان، و ما أشبه ذلك من

ص: 237


1- الكافي 397:3-1، التهذيب 209:2-818، الاستبصار 383:1-384-1454.
2- المجموع 245:1، المغني 86:1، الشرح الكبير 95:1، بداية المجتهد 79:1، المهذب للشيرازي 18:1.
3- المبسوط للطوسي 15:1، و حكي المحقق قول المرتضي في المعتبر: 129.
4- المعتبر: 129.

الأجسام الطاهرة التي تنشف الرطوبة و تنفي الخبث.

و لو دبغ بالأشياء النجسة، قال ابن الجنيد: لا يطهر(1) ، و الأقرب: أنه يطهر بالغسل، و به قال الشافعي(2).

و قال أحمد: لا يطهر لأن النجس لا يطهر النجس، و هو قول للشافعي(3).

و ما روي عن الرضا عليه السلام أنه سئل عن جلود الدارش(4) فقال:

«لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب»(5) محمول علي الصلاة قبل الغسل.

فروع:

أ - الرماد أن أصلح الجلد جاز الدبغ به.

ب - التراب و التشميس لا يحصل بهما الدبغ عند الشافعي، لأنه لا يأمن الفساد و متي لحقه الماء عاد إلي حاله(6).

و قال أبو حنيفة: إنه يحصل بهما الدباغ(7).

ج - إذا دبغ جلد الميتة لم يطهر عندنا علي ما تقدم، و اختلفت

ص: 238


1- حكاه المحقق في المعتبر: 129.
2- المجموع 225:1، فتح العزيز 292:1، كفاية الأخيار 9:1.
3- المجموع 225:1، فتح العزيز 292:1، كفاية الأخيار 9:1، المغني 88:1، الشرح الكبير 99:1-100.
4- الدارش: جلد أسود معروف. انظر القاموس المحيط 274:2، تاج العروس 310:4.
5- الكافي 403:3-25، التهذيب 373:2-1552.
6- المجموع 224:1، فتح العزيز 293:1، كفاية الأخيار 9:1.
7- المبسوط للسرخسي 202:1، بدائع الصنائع 86:1، فتح العزيز 293:1.

الشافعية فقال بعضهم: لا بدّ من الغسل بالماء القراح، و منعه آخرون(1).

مسألة 332: القائلون بطهارة جلد الميتة بالدباغ اختلفوا،
اشارة

فقال الأوزاعي، و إسحاق، و أبو ثور: بالمنع في جلود السباع قبل الدبغ و بعده(2).

و كره سعيد بن جبير، و الحكم، و مكحول، و إسحاق الصلاة في جلود الثعالب، و رووه عن علي عليه السلام، و عمر(3) ، و كره عطاء، و طاوس، و مجاهد الانتفاع بجلود السنانير(4).

و رخص ابن سيرين، و عروة، و الزهري في الركوب علي جلود النمور(5).

و أباح الحسن، و الشعبي، و أصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب، لأنها تفدي في الإحرام فكانت مباحة، و لقيام الدليل علي طهارة جلد الميتة بالدباغ(6).

فروع:

أ - جلد الميتة كما لا يحل استعماله بعد الدباغ كذا لا يحل أكله لقوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (7) ، و لأنه جزء من الميتة فحرم أكله كسائر

ص: 239


1- المجموع 226:1، فتح العزيز 293:1-294.
2- المغني 86:1، الشرح الكبير 97:1.
3- المغني 86:1، الشرح الكبير 97:1.
4- المغني 86:1.
5- المغني 86:1، الشرح الكبير 97:1.
6- المغني 86:1.
7- المائدة: 3.

أجزائه. و أباح بعض الشافعية، و بعض الحنابلة أكله(1) - و للشافعي قولان(2) - لقوله عليه السلام: (دباغ الأديم ذكاته)(3) ، و لا يلزم من الطهارة إن قلنا بها إباحة الأكل، و أجاز القفال من الشافعية أكل جلد الميتة غير المأكول لأنه طاهر يمكن تناوله و لا مضرة فيه(4).

ب - لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدباغ - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(5) - لأنه نجس كالكلب.

و أما بعد الدباغ فكذلك عندنا لأن الدباغ لا يطهره، و به قال مالك، و الشافعي في القديم(6) و قال في الجديد: يجوز بيعه - و به قال أبو حنيفة - لأنه طاهر(7) و هو ممنوع.

ج - الإجارة و سائر وجوه الانتفاع كالبيع.

مسألة 333: ما يتناثر من جلد الميت من أجزاء الدواء نجس

لملاقاته النجس، و للشافعي وجهان بناء علي وجوب غسله بعد الدباغ، فإن أوجبه فهو نجس و إلا فلا(8) ، لأن نجاستها كنجاسة الجلد فإذا زالت نجاسته حكم بطهارتها كما أن نجاسة الدن لما فيه من الخمر فإذا انقلبت خلاّ طهر الدن.

ص: 240


1- المجموع 230:1، المغني 87:1، الشرح الكبير 99:1، المهذب للشيرازي 17:1.
2- المجموع 230:1، المهذب للشيرازي 17:1.
3- سنن البيهقي 21:1، مسند أحمد 476:3.
4- المجموع 230:1، فتح العزيز 299:1.
5- المجموع 229:1، أحكام القرآن للجصاص 116:1.
6- المجموع 229:1، كفاية الأخيار 9:1، المهذب للشيرازي 17:1، أحكام القرآن للجصاص 115:1.
7- المهذب للشيرازي 17:1، المجموع 229:1، أحكام القرآن للجصاص 115:1.
8- المجموع 227:1، فتح العزيز 293:1.

فإذا دبغ الجلد و بقي عليه الشعر بعد الدباغ لم يحكم بطهارته عندنا و هو ظاهر - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأن الدباغ لا تأثير له في الشعر فإنه قبل الدباغ و بعده علي صفة واحدة بخلاف الجلد، فإن الدباغ يصلحه و الثاني: الطهارة لأن حكم الشعر حكم ميتته(2).

مسألة 334: الشعر، و الوبر، و الصوف، و الريش من طاهر العين طاهر

ما دام متصلا به إجماعا، و في نجس العين كالكلب، و الخنزير قولان عندنا:

الأقوي النجاسة - و به قال الشافعي(3) - و قد تقدم ذلك.

و لو ذبح مأكول اللحم فشعره، و صوفه، و ريشه طاهر، و كذا إذا جزّ منه حيّا إجماعا.

و لو مات لم ينجس بالموت بل يجوز جزّه و يكون طاهرا - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و المزني(4) - لأنه لا روح فيه فلا ينجس بالموت، و قال الشافعي: إن فيه روحا و ينجس بالموت - و به قال عطاء، و الحسن البصري، و الأوزاعي، و الليث بن سعد - لأنه جزء من الحيوان ينمي بحياته(5).

و قال حماد بن أبي سليمان: إنه ينجس بموت الحيوان، و يطهر بالغسل(6).

ص: 241


1- المجموع 238:1، حلية العلماء 96:1.
2- المجموع 239:1، حلية العلماء 96:1.
3- المجموع 231:1، فتح العزيز 300:1، الوجيز 11:1، كفاية الأخيار 9:1، المهذب للشيرازي 18:1.
4- بداية المجتهد 78:1، الهداية للمرغيناني 21:1، المغني 95:1، الشرح الكبير 105:1، المجموع 236:1.
5- المجموع 236:1، كفاية الأخيار 9:1، المغني 95:1، الشرح الكبير 105:1.
6- لم نعثر علي قوله فيما لدينا من المصادر.

و أما غير المأكول فكذلك عندنا، و به قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و المزني(1).

و قال الشافعي: إنه نجس إلاّ في حال اتصاله بالحي فإن جز في حياته، أو ذكي الحيوان، أو مات فهو نجس(2).

و أما الآدمي ففيه قولان بناء علي أنه هل ينجس بالموت أم لا؟ فإن قال بعدم النجاسة فشعره طاهر بكل حال، و إن قال بالنجاسة فإنه طاهر مع الاتصال نجس بعد انفصاله، و يعفي عن قليله لعدم الاحتراز منه(3) ، و نقل المزني أن الشافعي رجع عن تنجيس شعر بني آدم لأنه تعالي كرّمهم(4).

و علي تقدير نجاسة شعرهم، ففي شعر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وجهان: الطهارة لأنه عليه السلام لما حلق شعره فرقه علي أصحابه، و النجاسة لأن ما كان من الآدمي نجسا كان منه عليه السلام كذلك كالدم(5) ، و عندنا أنه طاهر علي ما تقدم.

مسألة 335: العظم، و القرن، و الظفر من الحيوان الطاهر العين طاهر

و إن كان ميتا لأنه لا تحله الحياة، و كان للكاظم عليه السلام مشط من عاج(6) ، و به قال أبو حنيفة، و الثوري(7).

ص: 242


1- الشرح الصغير 18:1، الهداية للمرغيناني 21:1، كشاف القناع 57:1، المغني 95:1، الشرح الكبير 105:1.
2- المجموع 241:1 و 242، المهذب للشيرازي 18:1.
3- المجموع 231:1، كفاية الأخيار 9:1، المغني 96:1، الشرح الكبير 107:1.
4- المجموع 231:1.
5- المجموع 232:1 و 233.
6- الكافي 488:6-3 و 489-4.
7- شرح فتح القدير 84:1، المجموع 243:1، المغني 90:1، الشرح الكبير 104:1.

و قال الشافعي: إنه ينجس بالموت - و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق، و المزني(1) - لقوله تعالي قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (2) و هو محمول علي إحياء صاحبها.

مسألة 336: الأقوي في مذهبنا نجاسة اللبن في ضرع الميتة

- و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(3) - لأنه مائع في وعاء نجس فانفعل بالملاقاة.

و قال أبو حنيفة: يحل شربه - و به قال داود(4) - و هو رواية لنا(5) لأن الصحابة لما فتحوا المدائن أكلوا الجبن(6) ، و هو يعمل بالأنفحة و هي تؤخذ من صغار المعز فهي بمنزلة اللبن، و ذبح المجوس كموت الحيوان، و البيضة في الدجاجة الميتة طاهرة إن اكتست الجلد الفوقاني، و به قال الشافعي(7).

مسألة 337: الأواني المتخذة من غير جنس الأثمان يجوز استعمالها

غلت أثمانها كالبلور، و الياقوت، و الفيروزج، أو لا كالخزف، و الزجاج، و الخشب، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي - عملا بالأصل السالم عن معارضة النص لاختصاصه بالذهب و الفضة، و الثاني: تحريم النفيس لما فيه من السرف(8) فأشبه أواني الفضة، و ينتقض بالثياب النفيسة، و لأن هذه

ص: 243


1- المجموع 242:1، بداية المجتهد 78:1، المغني 89:1، الشرح الكبير 103:1.
2- يس: 79.
3- المجموع 244:1، تفسير القرطبي 220:2، المغني 90:1، الشرح الكبير 102:1.
4- احكام القرآن للجصاص 119:1، المجموع 244:1، المغني 90:1، الشرح الكبير 102:1.
5- انظر الكافي 258:6-3 و 4.
6- المغني 90:1، الشرح الكبير 102:1.
7- المجموع 244:1، المغني 91:1، الشرح الكبير 102:1.
8- المجموع 252:1، كفاية الأخيار 10:1، المغني 95:1، المهذب للشيرازي 19:1.

الأشياء لا تعرفها إلا الخواص فلا افتتان للعامة فيها بخلاف الفضة.

مسألة 338: أواني المشركين طاهرة

ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة فيجب غسلها - و به قال أحمد، و إسحاق(1) - لقوله تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (2) و قال الشافعي: لا يجب(3) و قد تقدم.

ص: 244


1- المغني 98:1، الشرح الكبير 92:1، المجموع 264:1.
2- التوبة: 28.
3- المجموع 264:1، المغني 98:1، الشرح الكبير 92:1.
الفصل الثاني: في الحمام و آدابه.
مسألة 339: يجوز اتخاذ الحمام، و بيعه، و شراؤه، من غير كراهة،

و كذا إجارته عملا بالأصل، و لما فيه من المنافع من التنظيف و غيره.

و دخل علي عليه السلام الحمام و عمر، فقال عمر: بئس البيت الحمام يكثر فيه العناء و يقل فيه الحياء، فقال علي عليه السلام: «نعم البيت الحمام يذهب الأذي و يذكر بالنار»(1).

و كره أحمد بناءه، و بيعه، و شراءه، و إجارته(2) لحديث عمر(3) ، و اتباع علي عليه السلام أولي.

مسألة 340: و لا بأس بدخوله إجماعا مع الاستتار،

و ترك النظر إلي عورة غيره لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دخل حماما بالجحفة، و كذا ابن عباس، و خالد بن الوليد، و الحسن، و ابن سيرين(4).

ص: 245


1- التهذيب 377:1-1166.
2- المغني 263:1.
3- التهذيب: 377:1-1166.
4- المغني 263:1، الشرح الكبير 263:1.

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام و قد سئل عن الحمام:

«أدخله بمئزر، و غض بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم»(1).

و دخل الصادق عليه السلام الحمام، فقال له صاحب الحمام: نخليه لك ؟ فقال: «لا إن المؤمن خفيف المئونة»(2).

و دخله الكاظم عليه السلام، و غيرهما من الأئمة عليهم السلام(3).

و أما الاستتار فلترك التعرض للحرام و هو النظر إلي العورة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا تعري أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا»(4).

و نهي أمير المؤمنين عليه السلام أن يدخل الرجل إلا بمئزر(5). و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر)(6).

و روي حنان بن سدير عن أبيه قال: دخلت أنا و أبي و جدي و عمي حماما في المدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا: «ممّن القوم ؟» فقلنا: من أهل العراق، فقال: «و أيّ العراق ؟» فقلنا: كوفيون، فقال:5.

ص: 246


1- التهذيب 373:1-1143.
2- الفقيه 65:1-249.
3- انظر الكافي 497:6 و 500 و 501 و 502-7 و 8 و 21 و 22 و 35، الفقيه 65:1 و 66-250 و 251 و 252، التهذيب 374:1-1147.
4- التهذيب 373:1-1144.
5- التهذيب 373:1-374-1145.
6- الكافي 497:6-3، الفقيه 60:1-61-225.

«مرحبا بكم يا أهل الكوفة و أهلا، أنتم الشعار دون الدثار» ثم قال: «ما يمنعكم من الإزار؟ فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن علي المؤمن حرام» قال: فبعث عمي إلي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها فلمّا كنّا في البيت الحار صمد لجدي فقال:

«يا كهل ما يمنعك من الخضاب ؟» فقال له جدي: أدركت من هو خير مني و منك لا يختضب، فقال: «و من ذلك الذي هو خير مني ؟» قال: أدركت علي ابن أبي طالب عليه السلام و لا يختضب، فنكس رأسه و تصابّ عرقا و قال:

«صدقت و بررت» ثم قال: «يا كهل إن تخضب فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد خضب و هو خير من علي، و إن تترك فلك بعلي أسوة» قال:

فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل في المسلخ فإذا هو علي بن الحسين و معه ابنه محمد بن علي عليهما السلام(1).

مسألة 341: و يجوز للنساء دخوله مع الستر

لعذر من حيض، أو نفاس، أو غيرهما، أو لغير عذر لما فيه من التنظيف و التحسين.

و لقول علي عليه السلام و قد قيل له: إن سعيد بن عبد الملك يدخل جواريه الحمام: «و ما بأس إذا كان عليهن الأزر، لا يكنّ عراة كالحمير ينظر بعضهم إلي سوءة بعض»(2).

و قال أحمد: لا يجوز إلاّ لعذر(3) لقول عائشة: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها و بين اللّه عزّ و جلّ)(4) و هو محمول علي الكراهة بمعني ترك

ص: 247


1- الكافي 497:6-498-8، الفقيه 66:1-252.
2- التهذيب 374:1-1146.
3- المغني 263:1، الشرح الكبير 264:1.
4- سنن الترمذي 114:5-2803، سنن ابن ماجة 1234:2-3750، سنن أبي داود 39:4-4010.

الأولي، أو علي غير الحمام.

و قد روي كراهة بعثهن إلي الحمام، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبعث بحليلته إلي الحمام)(1).

مسألة 342: لو اغتسل عريانا بين الناس فعل محرما،

و الأقرب إجزاء الغسل، و إن كان خاليا جاز لأن موسي، و أيوب عليهما السلام اغتسلا عريانين(2).

و إن استتر كان أولي لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يستتر بثوب و يغتسل و قال: (فاللّه أحق أن يستحي منه الناس)(3).

و نهي صلّي اللّه عليه و آله عن الغسل تحت السماء إلا بمئزر، و عن دخول الأنهار إلاّ بمئزر و قال: (إن للماء أهلا و سكانا)(4).

و روي الجمهور عن الحسن و الحسين عليهما السلام أنهما دخلا الماء و عليهما بردان، فقيل لهما في ذلك فقالا: «إن للماء سكانا»(5).

مسألة 343: و يجوز ذكر اللّه تعالي في الحمام

لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يذكر اللّه علي كل أحيانه(6) ، و لا يكره فيه قراءة القرآن، و به قال

ص: 248


1- الفقيه 63:1-240.
2- انظر صحيح البخاري 78:1، صحيح مسلم 267:1-339، سنن النسائي 200:1-201، مسند أحمد 314:2.
3- صحيح البخاري 78:1، سنن أبي داود 40:4-41-4017، سنن ابن ماجة 618:1-1920، سنن الترمذي 110:5-2794.
4- الفقيه 61:1-226.
5- كنز العمال 547:9-27355 و انظر المغني 265:1 و الشرح الكبير 264:1-265 و عمدة القارئ 228:3.
6- صحيح البخاري 83:1 و 163، صحيح مسلم 282:1-373، سنن أبي داود 5:1-18، سنن ابن ماجة 110:1-30، مسند أحمد 70:6 و 153.

النخعي، و مالك(1).

لأن الكاظم عليه السلام سئل عن الرجل يقرأ في الحمام، و ينكح فيه فقال: «لا بأس»(2).

و قال أبو بصير: سألته عن القراءة في الحمام فقال: «إذا كان عليك إزار فاقرأ القرآن إن شئت كله»(3).

و كرهه أبو وائل، و الشعبي، و الحسن، و مكحول، و أحمد(4) ، لأنه محل التكشف و يفعل فيه ما لا يستحسن في غيره فاستحب صيانة القرآن عنه.

و أما السلام فالأقرب تسويغه، لعموم قوله عليه السلام: (أفشوا السلام)(5). و دخل الكاظم عليه السلام الحمام و عليه إزار فوق النورة فقال: «السلام عليكم»(6). قال الصدوق: و في هذا إطلاق في التسليم في الحمام لمن عليه مئزر، و النهي الوارد عن التسليم فيه هو لمن لا مئزر عليه(7).

مسألة 344: و يستحب للداخل أشياء:

أ - أن يقول ما روي عن الصادق عليه السلام وقت نزع ثيابه: «اللهم

ص: 249


1- المغني 265:1، الشرح الكبير 265:1، المجموع 163:2.
2- الكافي 502:6-31، الفقيه 63:1-34، التهذيب 371:1-372-1136.
3- التهذيب 377:1-1165.
4- المغني 265:1، الشرح الكبير 265:1، المجموع 163:2-164.
5- صحيح مسلم 74:1-54، سنن الترمذي 286:4-1854، سنن ابن ماجة 26:1-68 و 1218:2-3694، مسند أحمد 165:1 و 167 و 391:2 و 442 و 512.
6- الفقيه 65:1-251، التهذيب 374:1-1147، قرب الاسناد: 131.
7- الفقيه 66:1 ذيل الحديث 251.

انزع عني ربقة النفاق، و ثبتني علي الإيمان» فإذا دخل البيت الأول قال:

«اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، و أستعيذ بك من أذاه» فإذا دخل البيت الثاني قال: «اللهم أذهب عني الرجس النجس، و طهر جسدي و قلبي» و خذ من الماء الحار وضعه علي هامتك و صب منه علي رجليك، و إن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقي المثانة، و البث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: «نعوذ باللّه من النار و نسأله الجنة» و ترددها إلي وقت خروجك من البيت الحار، فإذا لبست ثيابك فقل: «اللهم ألبسني التقوي، و جنّبني الردي»(1).

ب - الاطلاء، لأن الصادق عليه السلام كان يطلي في الحمام(2).

و قال الكاظم عليه السلام: «ألقوا الشعر عنكم فإنه يحسن»(3).

و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «النورة طهور»(4).

ج - قال الصادق عليه السلام: «من أراد أن يتنور فليأخذ من النورة و يجعله علي طرف أنفه و يقول: اللهم ارحم سليمان بن داود كما أمر بالنورة فإنه لا تحرقه النورة إن شاء اللّه»(5).

د - قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما»(6).8.

ص: 250


1- الفقيه 62:1-232، أمالي الصدوق: 297-4.
2- الفقيه 65:1-248.
3- الكافي 505:6-5، الفقيه 67:1-255.
4- الكافي 505:6-1، الفقيه 67:1-254.
5- الفقيه 67:1-256.
6- الكافي 506:6-8، الفقيه 67:1-258.

و قال الصادق عليه السلام: «السنة من النورة في كل خمسة عشر يوما فإن أتت عليك عشرون يوما و ليس عندك فاستقرض علي اللّه عزّ و جل»(1).

و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ينبغي للرجل أن يتوقي النورة يوم الأربعاء فإنه يوم نحس مستمر»(2).

و قال الكاظم عليه السلام: «من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلاّ نفسه»(3).

ه - طلي الإبط، كان الصادق عليه السلام يطلي إبطيه في الحمام و يقول: «نتف الإبط يضعف المنكبين، و يوهي و يضعف البصر»(4).

و قال عليه السلام: «حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه»(5).

و - التدلك بالحناء عقيب الإطلاء، قال الصادق عليه السلام: «الحناء علي أثر النورة أمان من الجذام و البرص»(6).

مسألة 345: يكره له أشياء:

قال الصادق عليه السلام: «إياك و شرب الماء البارد، و الفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، و لا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، و صب الماء البارد علي قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك»(7).

ص: 251


1- الكافي 506:6-9، الفقيه 67:1-259، التهذيب 375:1-376-1157.
2- الخصال: 388-77.
3- الفقيه 68:1-268.
4- الفقيه 67:1-262.
5- الكافي 508:6-5، الفقيه 68:1-263.
6- الفقيه 68:1-270.
7- الفقيه 62:1-232، أمالي الصدوق: 297-4.

و قال الصادق عليه السلام: «لا تتك في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين، و لا تسرح في الحمام فإنه يرقق الشعر، و لا تغسل رأسك بالطين فإنه يسمج(1) الوجه، و لا تدلك بالخزف فإنه يورث البرص، و لا تمسح وجهك بالإزار فإنه يذهب بماء الوجه - و روي أن ذلك طين مصر، و خزف الشام - و السواك في الحمام يورث و باء الأسنان»(2).

و قال الكاظم عليه السلام: «لا تدخلوا الحمام علي الريق، و لا تدخلوه حتي تطعموا شيئا»(3).

و قال الرضا عليه السلام لسليمان الجعفري و قد مرض حتي ذهب لحمه: «يسرك أن يعود إليك لحمك ؟» فقلت: نعم، فقال: «الزم الحمام غبّا فإنه يعود إليك لحمك، و إياك أن تدمنه فإن إدمانه يورث السل»(4).2.

ص: 252


1- أي: يقبح. لسان العرب 300:2 «سمج».
2- الفقيه 64:1-243، و الكافي 501:6-24.
3- الفقيه 64:1-245.
4- الكافي 497:6-4، التهذيب 377:1-1162.
الفصل الثالث: في أمور تتعلق بالفطرة.

قال الصادق عليه السلام: «قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، و استحموا يوم الأربعاء، و أصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، و تطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة»(1) ، و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه)(2).

و قال عليه السلام: (حفّوا الشوارب و أعفوا اللحي و لا تشبّهوا باليهود)(3).

و نظر صلّي اللّه عليه و آله الي رجل طويل اللحية فقال: (ما كان علي هذا لو هيّأ(4) من لحيته) فبلغ الرجل ذلك فهيّأ لحيته بين اللحيين(5) ، ثم دخل علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فلمّا رآه قال: (هكذا فافعلوا)(6).

و قال عليه السلام: (إن المجوس جزّوا لحاهم و وفّروا شواربهم، و أما نحن نجزّ الشوارب و نعفي اللحي و هي الفطرة)(7).

ص: 253


1- الفقيه 77:1-345.
2- الكافي 485:6-2، الفقيه 75:1-328.
3- الفقيه 76:1-332.
4- هيّأت الشيء: أصلحته. مجمع البحرين 484:1 «هيأ».
5- أي: أصلحها و جعلها متوسطة بين القصيرة و الطويلة، مجمع البحرين 484:1-485 «هيأ».
6- الكافي 488:6-12، الفقيه 76:1-333.
7- الفقيه 76:1-334.

و قال عليه السلام: (الشيب نور فلا تنتفوه)(1).

و يستحب الخضب، فإن رجلا دخل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قد صفر لحيته، فقال عليه السلام: (ما أحسن هذا) ثم دخل عليه بعد هذا و قد أقني بالحناء، فتبسّم عليه السلام و قال: (هذا أحسن من ذلك) ثم دخل عليه و قد خضب بالسواد فضحك و قال: (هذا أحسن من ذاك و ذاك)(2).

و قال لعلي عليه السلام: (يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم في غيره في سبيل اللّه)(3).

و قال الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يخضب و هذا شعره عندنا»(4).

و روي أنه كان في رأسه و لحيته عليه السلام سبع عشرة شيبة(5).

و كان النبيّ، و الحسين، و الباقر عليهم السلام يخضبون بالكتم(6).

و كان زين العابدين عليه السلام يخضب بالحناء و الكتم(7).

و قال الصادق عليه السلام: «غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص و الجنون»(8).4.

ص: 254


1- الفقيه 77:1-341.
2- الفقيه 70:1-282.
3- الفقيه 70:1-285.
4- الفقيه 69:1-277.
5- الفقيه 69:1-278.
6- الفقيه 69:1-279.
7- الفقيه 70:1-280.
8- الكافي 504:6-2، الفقيه 71:1-290، التهذيب 236:3-624.

و قال الكاظم عليه السلام: «غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا»(1).

و قال الصادق عليه السلام: «تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام، و الجنون، و البرص، و العمي، فإن لم تحتج فحكّها حكا»(2).

و قال عليه السلام: «أخذ الشارب من الجمعة إلي الجمعة أمان من الجذام»(3).

و سئل الرضا عليه السلام عن قوله تعالي خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (4) قال: «من ذلك التمشط عند كل صلاة»(5).

و قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: «استأصل شعرك يقل درنه، و دوابه، و وسخه، و تغلظ رقبتك، و يجلو بصرك، و يستريح بدنك»(6) و هو يعطي نفي كراهة الحلق.

قال ابن عبد البر: أجمع العلماء في جميع الأمصار علي إباحة الحلق(7) ، و في رواية عن أحمد أنه مكروه(8) ، و الإجماع بخلافه.

و قال عليه السلام: (من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرقه اللّه بمنشار من نار)(9).0.

ص: 255


1- الكافي 504:6-6.
2- الفقيه 73:1-302.
3- الفقيه 73:1-306.
4- الأعراف: 31.
5- الكافي 489:6-7، الفقيه 75:1-319.
6- الكافي 484:6-2، الفقيه 75:1-327.
7- المغني 104:1، الشرح الكبير 136:1.
8- المغني 103:1، الشرح الكبير 135:1، المجموع 296:1، نيل الأوطار 155:1.
9- الفقيه 76:1-330.

و قال عليه السلام: (من سرح لحيته سبعين مرة و عدّها مرّة مرّة لم يقربه الشيطان أربعين يوما)(1).

و قال عليه السلام: (ما زاد من اللحية علي القبضة فهو في النار)(2).

و لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة، و المستوشمة، و الواشرة، و المستوشرة(3).

فالواصلة التي تصل الشعر بشعر آخر، و المستوصلة التي تسأل أن يوصل شعرها، و الواشمة التي تغرز الكف أو الجبهة بالإبرة و تتبعه بالخضاب حتي يخضر، و المستوشمة التي تسأله، و الواشرة التي تشر الأسنان حتي تظهر في طرقها رقة و تجدد أطراف الأسنان، و المستوشرة التي يفعل بها ذلك.

و علّل الشافعي تحريم الوصل إما بنجاسة الشعر، أو بكونه شعر أجنبي لا يحل النظر إليه، و إن كان مجزوزا علي أحد الوجهين، و إن كان شعر بهيمة و لم تكن المرأة ذات زوج فهي متعرضة للتهمة، و إن كانت ذات زوج فهي ملبسة، و إن كان بإذن الزوج لم يحرم علي أقيس الوجهين(4) ، و عندنا العلة في شعر الآدمي ما ذكره في شعر الدابة.

تم الجزء الأول(5) من كتاب تذكرة الفقهاء، و يتلوه في الثاني كتاب الصلاة فرغت من تسويده في رابع و عشرين صفر سنة ثلاث و سبعمائة، و كتب مصنف الكتاب حسن بن يوسف بن المطهر الحلي غفر اللّه له و للمؤمنين و المؤمنات، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيدنا محمد و آله الطاهرين.ب.

ص: 256


1- الكافي 489:6-10، الفقيه 75:1-322، ثواب الأعمال: 40-1.
2- الكافي 486:6-2، الفقيه 76:1-335.
3- معاني الأخبار: 249-250-1.
4- الوجيز 47:1.
5- حسب تجزئة المصنّف للكتاب.

كتاب الصّلاة

اشارة

ص: 257

ص: 258

بسم اللّه الرحمن الرحيم «كتاب الصلاة» و فيه مقاصد:

المقصد الأول: في المقدمات،
اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول: في أعدادها.
اشارة

مقدمة: الصلاة لغة: الدعاء، و شرعا: ذات الركوع و السجود، و هي من أهم العبادات، قال علي عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّ عمود الدين الصلاة، و هي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله، و إن لم تصح لم ينظر في بقية عمله»(1) و هي واجبة بالنصّ(2) ، و الإجماع.

مسألة 1: الصلاة إما واجبة أو مندوبة،

فالواجبات تسع: اليومية، و صلاة الجمعة، و العيدين، و الكسوف، و الزلزلة، و الآيات، و الطواف، و ما يلزمه بنذر، و شبهه. و المندوب ما عداه، و هو إما النوافل اليومية، أو

ص: 259


1- التهذيب 237:2-936.
2- كما في الآيات 43 و 238 من سورة البقرة و 103 من سورة النساء.

غيرها، و سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء اللّه تعالي.

و اليومية خمس: الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء، و الصبح بالإجماع، و لا يجب ما عداها عند العلماء إلاّ أبا حنيفة، فإنه أوجب الوتر(1) لقوله تعالي حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي (2) و إيجاب الوتر يسقط هذا الوصف، و قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (ثلاث عليّ فرض و لكم تطوع: الوتر، و النحر، و ركعتا الفجر)(3) ، و جاء أعرابي إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فسأله عن الإسلام فقال: (خمس صلوات في اليوم و الليلة) فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) ثم سأله عن الصوم فقال: (شهر رمضان) فقال: هل عليّ غيره ؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) ثم سأله عن الصدقة(4) فقال: هل علي غيرها؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) فأدبر الرجل و هو يقول: و اللّه لا أزيد علي هذا و لا أنقص منه، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (أفلح إن صدق)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنما كتب اللّه الخمس و ليس الوتر مكتوبة»(6) و لأنها تصلي علي الراحلة اختيارا و لا شيء من الواجب كذلك.2.

ص: 260


1- بدائع الصنائع 91:1، المجموع 19:4، فتح العزيز 221:4، المغني 411:1، الشرح الكبير 743:1، بداية المجتهد 89:1، القوانين الفقهية: 49، شرح الأزهار 1: 395، المحلي 228:2.
2- البقرة: 238.
3- سنن الدار قطني 21:2-1.
4- في بعض المصادر بدل قوله: ثم سأله عن الصدقة: ذكر له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الزكاة. و في بعضها بدل الزكاة: الصدقة.
5- صحيح البخاري 18:1 و 31:3 و 235 و 29:9، صحيح مسلم 40:1-11، الموطأ 1: 175-94، سنن النسائي 226:1-227 و 121:4، سنن أبي داود 106:1-391، سنن البيهقي 361:1.
6- التهذيب 11:2-22.

و قال أبو حنيفة: الوتر فرض(1) قال ابن المبارك: ما علمت أحدا قال:

الوتر واجب إلاّ أبا حنيفة. قال حماد بن زيد: قلت لأبي حنيفة: كم الصلوات ؟ قال: خمس، قلت: فالوتر؟ قال: فرض، قلت: لا أدري يغلط في الجملة أو في التفصيل(2) و احتج بقوله عليه السلام: (إن اللّه زادكم صلاة و هي الوتر فصلّوها)(3) و هو محمول علي الندب.

مسألة 2: الظهر أربع ركعات في الحضر بتشهدين و تسليم،

و ركعتان في السفر بتشهد و تسليم، و كذا العصر و العشاء، و المغرب ثلاث ركعات فيهما بتشهدين و تسليم، و الصبح ركعتان فيهما معا بتشهد و تسليم، و لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام، و إنما الخلاف في القصر هل هو واجب أو لا؟ و سيأتي.

مسألة 3: و النوافل إما راتبة أو غير راتبة،

ثم الراتبة إما أن تتبع الفرائض أو لا، فالتابعة للفرائض عندنا ثلاث و عشرون ركعة: قبل الصبح ركعتان، و قبل الظهر ثمان، و كذا قبل العصر، و بعد المغرب أربع، و بعد العشاء ركعتان من جلوس يعدّان بركعة لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلّي من التطوع مثلي الفرض، و يصوم من التطوع مثلي الفرض»(4).

و قال عليه السلام: «كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلي»

ص: 261


1- المجموع 19:4، فتح العزيز 221:4، المغني 411:1 و 827، بدائع الصنائع 270:1، المبسوط للسرخسي 150:1، الهداية للمرغيناني 65:1.
2- انظر بدائع الصنائع 270:1، شرح العناية 369:1.
3- مسند أحمد 7:6 و انظر بدائع الصنائع 271:1، شرح فتح القدير 370:1، المغني 1: 411، الشرح الكبير 743:1.
4- الكافي 443:3-3، التهذيب 4:2-3، الإستبصار 218:1-773.

ثماني ركعات للزوال، و أربعا الاولي، و ثماني بعدها، و أربعا العصر، و ثلاثا المغرب، و أربعا بعدها، و العشاء أربعا، و ثماني صلاة الليل، و ثلاثا الوتر، و ركعتي الفجر، و صلاة الغداة ركعتين»(1) و في خبر آخر: «و ركعتين بعد العشاء، كان أبي يصليهما و هو قاعد، و أنا أصليهما و أنا قائم»(2).

و سأل البزنطي أبا الحسن عليه السلام عن النوافل فقال: «أنا أصلي واحدة و خمسين» ثم عدّ بأصابعه حتي قال: «و ركعتين من قعود يعدّان بركعة من قيام»(3).

و قال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر، و أربع قبل الظهر و ركعتان بعدها، و أربع قبل العصر و إن شاء ركعتين، و ركعتان بعد المغرب، و أربع قبل العشاء، و أربع بعدها و إن شاء ركعتين(4) للحديث.

و قال أحمد: عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر، و ركعتان بعدها، و ركعتان بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء، و ركعتان قبل الفجر(5).

و للشافعي قولان، أحدهما: ثمان ركعات ركعتان قبل الصبح، و ركعتان قبل الظهر، و ركعتان بعدها، و ركعتان بعد المغرب. و الثاني: هذا مع زيادة ركعتين بعد العشاء. و له ثالث: ثمان عشرة، ركعتان قبل الصبح، و أربع قبل الظهر، و أربع بعدها، و أربع قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء(6).

و رواياتنا أولي، أمّا أوّلا: فلأن أهل البيت عليهم السلام أعرف بمواقع1.

ص: 262


1- الكافي 443:3-5، التهذيب 4:2-4، الإستبصار 218:1-774.
2- الكافي 446:3-15، التهذيب 4:2 و 9-5 و 16.
3- الكافي 444:3-8، التهذيب 8:2-14.
4- الهداية للمرغيناني 66:1، اللباب 90:1، فتح العزيز 217:4.
5- المغني 798:1، الإنصاف 176:2، كشاف القناع 422:1.
6- المجموع 8:4، فتح العزيز 212:4-213 و 217، كفاية الأخيار 53:1.

الشرع الهابط في بيوتهم.

و أما ثانيا: فلأن فيه زيادة علي ما ذكروه، و العمل بالزيادة أولي.

مسألة 4: و غير التابعة للفرائض، منها: صلاة الليل

و فيها فضل كثير، نزل جبرئيل علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال له: (يا جبرئيل عظني) قال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، و أحبب ما شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك ملاقيه، شرف المؤمن صلاته بالليل، و عزه كف الأذي عن الناس(1).

و قال الصادق عليه السلام: «إن البيوت التي يصلي فيها بالليل بتلاوة القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض»(2).

و مدح اللّه تعالي أمير المؤمنين عليه السلام بقيام صلاة الليل بقوله عزّ و جلّ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ (3).(4). و آناء الليل ساعاته. و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لأبي ذر:

(يا أبا ذر احفظ وصية تنفعك، من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنّة)(5).

مسألة 5: المشهور عندنا أن صلاة الليل إحدي عشرة ركعة:

ثمان صلاة الليل، و اثنتان للشفع، و يوتر بواحدة، و به قال أحمد، و زيد بن

ص: 263


1- الفقيه 298:1-1363.
2- الفقيه 299:1-1370، ثواب الأعمال: 66-10، التهذيب 122:2-464.
3- الزمر: 9.
4- الكافي 204:8-246، الفقيه 299:1 ذيل الحديث 1371، تفسير القمي 246:2، مناقب ابن شهر آشوب 243:3.
5- الفقيه 300:1-1376، التهذيب 122:2-465.

ثابت، و ابن عباس، و عائشة، و أبو حنيفة لكنه يجمع بين الثلاثة الأخيرة بتسليمة يجعلها الوتر(1) ، لما روت عائشة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء الي الفجر إحدي عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين و يوتر منها بواحدة(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و ثمان من آخر الليل ثم الوتر ثلاث ركعات تفصل بينها بتسليم، ثم ركعتي الفجر»(3).

إذا عرفت هذا فالوتر عندنا واحدة لا يزاد عليها، و ما يصلي قبله ليس من الوتر، و هي رواية عن أحمد، و في أخري: يوتر بثلاث، و نقلوه عن علي عليه السلام و عمر، و أبي، و أنس، و ابن عباس، و ابن مسعود، و أبي أمامة، و عمر بن عبد العزيز، و به قال أصحاب الرأي(4).

و قال الثوري، و إسحاق: الوتر ثلاث، و خمس، و سبع، و تسع، و إحدي عشرة(5).

و قال ابن عباس: إنما هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء(6).1.

ص: 264


1- المغني 818:1-819، الشرح الكبير 749:1 و 752-753، المجموع 22:4، فتح العزيز 225:4-226، الميزان 168:1، البحر الرائق 38:2، الهداية للمرغيناني 1: 66، بدائع الصنائع 271:1.
2- صحيح مسلم 508:1-122، سنن البيهقي 486:2.
3- التهذيب 5:2-8.
4- المجموع 22:4، فتح العزيز 225:4، المغني 819:1، الشرح الكبير 752:1، الهداية للمرغيناني 66:1، الحجة علي أهل المدينة 272:1.
5- المغني 819:1، الشرح الكبير 750:1.
6- المغني 819:1، الشرح الكبير 750:1.

و ما تقدم من الحديثين يبطل هذه الأقاويل، و فعل معاذ القارئ ذلك، و تبعه رجال من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(1) و لم ينكره أحد، و قال [ابن عمر](2): الوتر ركعة، كان ذلك وتر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و بهذا قال سعيد بن المسيب، و عطاء، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور قالوا: يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بركعة(3) ، و روي ابن عباس، و ابن عمر أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (الوتر ركعة من آخر الليل)(4).

مسألة 6: و يستحب فيه القنوت و الدعاء بالمرسوم في جميع السنة،
اشارة

و به قال ابن مسعود، و إبراهيم النخعي، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و الحسن، و أحمد في رواية(5) ، لأن عليا عليه السلام قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول في آخر وتره: اللّهمّ إني أعوذ برضاك من سخطك، و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك، لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت علي نفسك»(6).

و «كان» للدوام، و الأخبار من طريق(7) أئمتنا عليهم السلام متواترة بالقنوت، و الدعاء فيه(8).

ص: 265


1- المغني 818:1، الشرح الكبير 753:1.
2- ما بين المعقوفين سقط من النسختين و أثبتناه من المصادر.
3- المغني 819:1، المبسوط للسرخسي 164:1، بداية المجتهد 200:1.
4- صحيح مسلم 518:1-153-155، سنن أبي داود 62:2-1421، مسند أحمد 43:2.
5- المغني 820:1، الشرح الكبير 755:1، المجموع 24:4، الحجة علي أهل المدينة 201:1، بدائع الصنائع 273:1، المبسوط للسرخسي 164:1، عمدة القارئ 7: 20.
6- سنن النسائي 248:3-249، سنن أبي داود 64:2-1427.
7- في نسخة «ش»: طرق.
8- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 90:2-335، الاستبصار 339:1-1276.

و قال الشافعي، و مالك: لا يقنت إلاّ في النصف الأخير من رمضان، و رووه عن علي عليه السلام، و أبي، و ابن سيرين، و الزهري، و هو رواية عن أحمد(1) ، لأن عمر جمع الناس علي أبيّ بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة و لا يقنت إلا في النصف الباقي(2).

و قال قتادة: يقنت في السنة كلها إلاّ في النصف الأول من رمضان(3).

و عن ابن عمر: لا يقنت في صلاة بحال(4).

و الكل ضعيف لما تقدم، و لأنه ذكر شرع في الوتر فيشرع في جميع السنة.

فروع:

أ - القنوت قبل الركوع عند علمائنا - و به قال مالك، و أبو حنيفة - و روي عن أبي، و ابن مسعود، و أبي موسي، و البراء، و ابن عباس، و أنس، و عمر بن عبد العزيز و عبيدة، و عبد الرحمن بن أبي ليلي(5) ، لقول ابن مسعود: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قنت قبل الركوع(6) ، و عن أبيّ أنّ

ص: 266


1- المغني 820:1، الشرح الكبير 755:1، المجموع 24:4، فتح العزيز 246:4، الوجيز 54:1، المبسوط للسرخسي 164:1، و انظر: سنن البيهقي 498:2، سنن أبي داود 65:2-1428.
2- سنن أبي داود 65:2-1429، سنن البيهقي 498:2.
3- المغني 820:1، الشرح الكبير 756:1.
4- المغني 820:1، عمدة القارئ 17:7.
5- المغني 821:1، الشرح الكبير 756:1 و 757، بدائع الصنائع 273:1، المحلي 4: 145، المجموع 24:4، فتح العزيز 249:4، المبسوط للسرخسي 164:1، الحجة علي أهل المدينة 201:1، عمدة القارئ 20:7.
6- سنن الدار قطني 32:2-4 و 5.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يوتر فيقنت قبل الركوع(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمار عن القنوت في الوتر قال: «قبل الركوع» قلت: فإن نسيت، أقنت إذا رفعت رأسي ؟ فقال: «لا»(2).

قال الصدوق: إنما منع عليه السلام من ذلك في الوتر و الغداة، خلافا للعامة لأنهم يقنتون بعد الركوع، و أطلق في سائر الصلوات لأنهم لا يرون القنوت فيها(3) ، و هذا تأويل(4) جيد، و يدل علي الإطلاق قول الصادق عليه السلام: «إذا نسي القنوت فذكره و قد أهوي إلي الركوع فليرجع قائما فليقنت ثم يركع، و إن كان وضع يديه علي ركبتيه مضي علي صلاته»(5).

و قال الشافعي: يقنت بعد الركوع، و رووه عن علي عليه السلام، و أبي بكر، و عمر، و عثمان، و أبي قلابة، و أيوب السختياني، و أحمد في رواية(6) ، لأن أبا هريرة روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قنت بعد الركوع(7) ، و ما ذكرناه أولي لموافقة نقل أهل البيت عليهم السلام، علي2.

ص: 267


1- سنن ابن ماجة 374:1-1182، سنن الدار قطني 31:2-1 و 2، سنن أبي داود 64:2-1427.
2- الفقيه 312:1-1421.
3- الفقيه 313:1 ذيل الحديث 1421.
4- في نسخة (م): تنزيل.
5- التهذيب 131:2-507.
6- المجموع 15:4 و 24، فتح العزيز 248:4-249، المغني 821:1، الشرح الكبير 756:1، الأم 143:1، بدائع الصنائع 273:1، المبسوط للسرخسي 165:1، المحرر في الفقه 88:1، مسائل أحمد: 66 و سنن الترمذي 329:2.
7- صحيح البخاري 48:6، سنن البيهقي 207:2، مسند أحمد 255:2.

أنه محمول علي الدعاء بعد الركوع فإنه مستحب.

ب - ليس في الوتر دعاء موظف لأنهم عليهم السلام قنتوا بأدعية مختلفة، و لأن إسماعيل بن الفضل سأل الصادق عليه السلام ما أقول في الوتر؟ قال: «ما قضي اللّه علي لسانك»(1) و قال الشافعي، و أحمد:

أحسن ما يقال ما رواه الحسن بن علي عليهما السلام: قال: علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كلمات أقولهن في الوتر:

(اللهم اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولني فيمن توليت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شر ما قضيت إنك تقضي و لا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت)(2) و لا حجة فيه إذ لم يمنع من غيره.

ج - يستحب الاستغفار في الوتر سبعين مرة، قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3) قال: «في الوتر في آخر الليل سبعين مرة»(4) و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يستغفر اللّه في الوتر سبعين مرة و يقول: (هذا مقام العائذ بك من النار) سبع مرات(5).9.

ص: 268


1- الكافي 340:3-8، التهذيب 130:2-499.
2- المجموع 495:3 و 16:4، فتح العزيز 421:3-430 و 249:4، المغني 821:1، الشرح الكبير 757:1، و انظر سنن الترمذي 328:2-464، سنن النسائي 248:3، سنن أبي داود 2: 63-1425، سنن ابن ماجة 372:1-1178، سنن البيهقي 498:2 و عوالي اللئالي 1: 105-43.
3- الذاريات: 18.
4- التهذيب 130:2-498، علل الشرائع: 364 باب 86 ح 1.
5- الفقيه 309:1-1409.

د - يستحب الدعاء بعد الرفع من الركوع لأن الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك» الي آخر الدعاء(1).

ه - يجوز أن يدعو علي عدوّه في قنوته، و أن يسأل اللّه تعالي ما شاء، لقول الصادق عليه السلام: «تدعو في الوتر علي العدو، و إن شئت سميتهم، و تستغفر، و ترفع يديك حيال وجهك، و إن شئت تحت ثوبك»(2) و كان زين العابدين عليه السلام يقول: «العفو، العفو» ثلاثمائة مرة في الوتر(3) ، و كان الباقر، و الصادق عليهما السلام يدعوان بدعاء الفرج و يزيدان: «اللهم أنت نور السماوات و الأرض» إلي آخر الدعاء(4).

مسألة 7: يستحب أن يقرأ في الأوليين من صلاة الليل الحمد مرة و الإخلاص ثلاثين مرة،

فقد روي أنه (من قرأها انفتل و ليس بينه و بين اللّه تعالي ذنب)(5) ، و روي في الأولي بالإخلاص و في الثانية بالجحد(6) ، و يستحب الإطالة مع سعة الوقت بقراءة السور الطوال (فإن ضاق الوقت خفف و لو بقراءة الحمد وحدها)(7) فإن ضاق الوقت عن الصلاة صلّي ركعتين و أوتر بعدهما ثم صلي ركعتي الفجر و الغداة و قضي ما فاته، فإن كان قد طلع الفجر اقتصر علي ركعتيه و صلاة الغداة، و لو كان قد تلبس من نافلة الليل بأربع

ص: 269


1- الكافي 325:3-16، التهذيب 132:2-508.
2- التهذيب 131:2-504، الفقيه 309:1-1410.
3- الفقيه 310:1-1411.
4- الفقيه 310:1-1412.
5- الفقيه 307:1-1403، التهذيب 124:2-470.
6- الكافي 316:3-22، التهذيب 74:2-274، الفقيه 314:1-1427.
7- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (م).

زاحم بها الفريضة، لرواية محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام(1) ، و لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكرهما بعد الوتر قضاهما و أعاد الوتر.

و أفضل ما يقرأ في ركعتي الفجر الحمد و الجحد في الاولي، و في الثانية الحمد و الإخلاص، رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(2).

و من طريق الخاصة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام(3).

و يستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر علي جانبه الأيمن، و يقرأ خمس آيات من آخر آل عمران، و يدعو بالمنقول(4) - و لو سجد عوض الضجعة جاز - لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا صلي أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع).(5) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام، و قد سأله سليمان بن خالد عمّا أقول إذا اضطجعت بعد ركعتي الفجر؟: «اقرأ الخمس آيات التي في آخر آل عمران، و قل الدعاء»(6) ، و روي إبراهيم بن أبي البلاد، قال: صليت خلف الصادق عليه السلام صلاة الليل فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة(7) ، و أنكر أحمد كون الضجعة سنّة(8).

قال الشيخ: يجوز بدلا من الاضطجاع السجدة، و المشي، و الكلام1.

ص: 270


1- التهذيب 125:2-475، الاستبصار 282:1-1025.
2- سنن أبي داود 19:2-1256، سنن ابن ماجة 363:1-1148.
3- التهذيب 134:2-521، الاستبصار 284:1-1038 و فيهما عن يعقوب بن سالم. و رواه مرسلا الصدوق في الفقيه 313:1-1422.
4- انظر مصباح المتهجد: 158. و الآيات 190-194 من سورة آل عمران.
5- سنن أبي داود 21:2-126، سنن الترمذي 281:2-420.
6- التهذيب 136:2-530.
7- الكافي 448:3-26، التهذيب 137:2-531، و فيهما: صلّيت خلف الرضا عليه السلام و أورده كما في المتن في المعتبر: 132.
8- المغني 799:1، الشرح الكبير 769:1.

إلا أن الاضطجاع أفضل(1).

و روي أن (من صلي علي محمد و آله مائة مرة بين ركعتي الفجر و ركعتي الغداة و قي اللّه وجهه حر النار، و من قال مائة مرة سبحان ربي العظيم و بحمده أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه بني اللّه له بيتا في الجنّة، و من قرأ إحدي و عشرين مرة قل هو اللّه أحد بني اللّه له بيتا في الجنّة، فإن قرأها أربعين مرّة غفر اللّه له)(2) و يستحب السواك أمام صلاة الليل لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا استيقظ تسوك و توضأ(3).

مسألة 8: يستحب زيادة علي الرواتب التنفل بين المغرب و العشاء بأربع

اثنتان ساعة الغفلة، و اثنتان بعدها، لقول أنس في تأويل قوله تعالي:

تَتَجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ (4) قال: كانوا يتنفلون(5) ما بين المغرب و العشاء يصلّون(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من يصلي ركعتين يقرأ في الأولي الحمد، و من قوله وَ ذَا النُّونِ - الي قوله - نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (7) ، و في الثانية الحمد [و قوله:] (8)وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الي آخر الآية(9) ، ثم يدعو بدعائها و سأل اللّه حاجته أعطاه ما شاء»(10) ، و عن الباقر عن

ص: 271


1- التهذيب 137:2.
2- الفقيه 314:1-1426.
3- الكافي 445:3-13 و انظر صحيح مسلم 221:1-256، سنن ابن ماجة 1: 376-1191، سنن النسائي 241:3، سنن أبي داود 15:1-57 و 58، مسند أحمد 123:6.
4- السجدة: 16.
5- في بعض المصادر: يتيقظون. و في بعضها: ينتظرون.
6- سنن أبي داود 35:2-1321، سنن البيهقي 19:3، الدر المنثور 175:5، تفسير الطبري 63:21.
7- سورة الأنبياء: 87-88.
8- زيادة أثبتناها من المصدر.
9- سورة الانعام: 59.
10- مصباح المتهجد: 94.

آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولي الحمد، و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرّة، و في الثانية الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة، و من فعل ذلك في كل شهر كان من الموقنين، فإن فعل في كل سنة كان من المحسنين، فإن فعل في كل جمعة كان من المصلحين، فإن فعله في كل ليلة زاحمني في الجنّة و لم يحص ثوابه إلا اللّه)(1).

مسألة 9: و يسقط في السفر نوافل الظهرين، و نافلة العشاء

و ذلك سبع عشرة ركعة لأن هذه الفرائض يجب قصرها، و هو يشعر بكراهة التنفل لها، و لقول الصادق عليه السلام: «يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة»(2) و قال عليه السلام: «إنما فرض اللّه علي المسافر ركعتين ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلا صلاة الليل علي بعيرك حيث توجه بك»(3) و قال عليه السلام: «أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في سفر و لا حضر»(4).

و قال الرضا عليه السلام: «صل ركعتي الفجر في المحمل»(5) و قال الصادق عليه السلام: «كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر»(6).

ص: 272


1- مصباح المتهجد: 94.
2- الفقيه 285:1-1293، التهذيب 16:2-44، الاستبصار 221:1-780.
3- الفقيه 284:1-285-1292، التهذيب 16:2-43.
4- الكافي 439:3-2، التهذيب 14:2-35.
5- الكافي 441:3-12، التهذيب 15:2-38.
6- التهذيب 15:2-39.

و أما الركعتان من جلوس فالمشهور سقوطهما، و روي جوازهما عن الرضا عليه السلام قال: «إنما صارت العشاء مقصورة و ليس تترك ركعتيها، لأنهما زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع»(1).

مسألة 10: قال الصدوق: قال أبي رضي اللّه عنه في رسالته إليّ:

اعلم يا بني أن أفضل النوافل ركعتا الفجر، و بعدهما ركعة الوتر، و بعدها ركعتا الزوال، و بعدهما نوافل المغرب، و بعدها تمام صلاة الليل، و بعدها تمام نوافل النهار(2).

و ذهب الشافعي الي أن الوتر، و ركعتي الفجر أفضل من غيرها، و له في أن أيهما أفضل قولان: ففي القديم ركعتا الفجر أفضل - و به قال أحمد(3) - و عليه علماؤنا، لأن عائشة قالت: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم يكن علي شيء من النوافل أشد معاهدة منه علي ركعتين قبل الصبح(4) ، و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام في قوله تعالي إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (5) قال: «ركعتا الفجر يشهدهما ملائكة الليل و النهار»(6) و لأنها محصورة بعدد و اختلف في عدد الوتر.

ص: 273


1- الفقيه 290:1-1320، علل الشرائع: 267، عيون أخبار الرضا 113:2.
2- الفقيه 314:1-315.
3- المهذب للشيرازي 91:1، المجموع 26:4، فتح العزيز 260:4-261، المغني 1: 798، الشرح الكبير 767:1.
4- صحيح مسلم 501:1-94، سنن أبي داود 19:2-1254، مسند أحمد 54:6.
5- الاسراء: 78.
6- الكافي 341:8-536، الفقيه 291:1-1321، علل الشرائع: 324. (و فيها عن علي ابن الحسين عليهما السلام) و أورده كما في المتن في المعتبر: 131.

و قال في الجديد: الوتر أفضل - و به قال مالك(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (من لم يوتر فليس منا)(2) و لأنه اختلف في وجوبها(3) ، و الحديث يراد به من لم يعتقد مشروعيته إذ لا يمكن حمله علي ظاهره، و خطأ القول بالوجوب لا يثبت الأرجحية للإجماع علي أنه خطأ.

و اختلف أصحابه، فالمشهور أن المرجوحية تابعة للراجحة هنا، و قال بعضهم: الوتر أفضل، ثم صلاة الليل، ثم ركعتا الفجر(4).

مسألة 11: يكره الكلام بين المغرب و نوافلها،

لأن أبا الفوارس نهاه الصادق عليه السلام أن يتكلم بين الأربع التي بعد المغرب(5) ، و يستحب أن يسجد للشكر بعد السابعة لئلا يفصل بين الفريضة و نافلتها لقول أبي الحسن الهادي عليه السلام: «ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة»(6) و لو سجد بعد الفريضة جاز لأن الكاظم عليه السلام سجد عقيب الثالثة من المغرب و قال: «لا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب»(7).

مسألة 12: الأفضل في النوافل كلها أن يصلي ركعتين ركعتين
اشارة

كالرواتب إلا الوتر، و صلاة الأعرابي سواء في ذلك نوافل الليل و النهار - و به قال الحسن، و سعيد بن جبير، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(8) -

ص: 274


1- أقرب المسالك: 22، بلغة السالك 148:1، الشرح الصغير 148:1.
2- سنن أبي داود 62:2-1419، مسند أحمد 357:5.
3- المجموع 26:4، فتح العزيز 261:4، المهذب 91:1.
4- المجموع 26:4، فتح العزيز 261:4.
5- الكافي 443:3-444-7، التهذيب 114:2-425.
6- التهذيب 114:2-426، الاستبصار 347:1-1308.
7- الفقيه 217:1-218-967، التهذيب 114:2-427، الاستبصار 347:1-1309.
8- المجموع 51:4، بداية المجتهد 207:1، المغني 796:1-797، الشرح الكبير 804:1-805.

لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يتطوع مثني مثني(1) و قال عليه السلام: (صلاة الليل مثني مثني(2) و قال عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور، و بين كل ركعتين تسليمة)(3) و لأنها أبعد من السهو، و منع أكثر العلماء من الزيادة علي الركعتين في تطوع الليل، و به قال أبو يوسف، و محمد(4).

و قال أبو حنيفة: إن شاء صلي ركعتين، أو أربعا، أو ستا، أو ثماني، في صلاة الليل، و أما صلاة النهار فإنه قال: يجوز أن يصلي ركعتين، أو أربعا لا أزيد - و هو رواية عن أحمد(5) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب السماء)(6):

و لأنّ الأربع مشروعة في الفرائض فاستحبت في النوافل، و الحديث طعن فيه الشافعية(7) ، و عورض بقول ابن عمر: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:

(صلاة الليل و النهار مثني مثني)(8) و لأنّه تطوع فكان ركعتين كركعتي3.

ص: 275


1- صحيح مسلم 508:1-122، سنن البيهقي 486:2.
2- صحيح البخاري 30:2 و 64، صحيح مسلم 516:1-749، الموطأ 123:1-13، سنن أبي داود 36:2-1326، سنن الترمذي 300:2-437، سنن النسائي 228:3.
3- المغني 796:1.
4- شرح فتح القدير 389:1، اللباب 92:1، الهداية للمرغيناني 67:1، المغني 796:1، الشرح الكبير 804:1.
5- المبسوط للسرخسي 158:1، اللباب 91:1، المغني 796:1-797، الشرح الكبير 804:1-805، بداية المجتهد 207:1.
6- سنن أبي داود 23:2-1270.
7- انظر المجموع 10:4.
8- سنن الترمذي 491:2-597، سنن أبي داود 29:2-1295، سنن النسائي 227:3، سنن ابن ماجة 419:1-1322، سنن الدار قطني 417:1-2 و 3.

الفجر، و جميع الرواتب، و ينتقض قياسهم بالمغرب فإنّها مشروعة في الفرض، و لا يستحب التنفل بالثلاث.

فروع:

أ - لا يجوز الزيادة علي الركعتين في التنفل ليلا و نهارا قاله الشيخ، و ابن إدريس(1) - و به قال مالك، و أحمد في رواية(2) - لأنها عبادة شرعية فيقف علي مورد النص، و قد ثبت أن تطوعات النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مثني(3).

و قال أبو حنيفة: لا يزيد علي الثماني في نوافل الليل و لا علي الأربع في نوافل النهار(4).

و قال الشافعي: لا يكره أي عدد أراد، لكن الأفضل إذا جمع أن يتشهد في كل ركعتين ثم يسلّم في الأخير، و لو صلي الجميع بتشهد واحد جاز، و كذا يجوز لو تشهد عقيب كل ركعة، و يجوز أن يصلي شفعا، أو وترا، و أن يصلي بغير عدد، و في وجه: لا يزيد علي ثلاث عشرة ركعة،

ص: 276


1- المبسوط للشيخ الطوسي 71:1، السرائر: 39.
2- بداية المجتهد 207:1، المغني 796:1-797، الشرح الكبير 804:1.
3- انظر صحيح مسلم 508:1-122، سنن البيهقي 486:2، سنن ابن ماجة 1: 418-1318 و 1321.
4- المبسوط للسرخسي 158:1-159، شرح فتح القدير 389:1، بدائع الصنائع 1: 295، اللباب 91:1-92، المجموع 56:4، فتح العزيز 274:4-275، المغني 796:1-797، الشرح الكبير 804:1-805.

و المشهور عندهم الأول، قالوا: له أن يزيد في عدد الركعات ما أراد و لكن لا يزيد في التشهد علي تشهدين، و يكون بين التشهدين ركعتان، حتي لو أراد أن يصلي ثمان ركعات و يتشهد بعد الرابعة و الثامنة لا يجوز(1).

ب - قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز الاقتصار في التنفل علي الواحدة إلاّ في الوتر(2).

و قال أبو حنيفة: الركعة الواحدة ليست صلاة(3) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن البتيراء(4) يعني الركعة الواحدة، و لأنه مخالف للتقدير الشرعي فيكون منفيا.

و قال الشافعي، و أحمد في رواية: يجوز(5) لأن عمر تطوع في المسجد فصلي ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال له: إنما صليت ركعة، قال:

هو تطوع فمن شاء زاد و من شاء نقص(6). و لا حجة في فعله مع مخالفة فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

ج - لو نوي النفل مطلقا صلي ركعتين لأنه الكيفية المشروعة، و قال الشافعي: يصلي ما شاء و الأولي عنده أن يسلم عن ركعتين، و في كراهة التسليم عن ركعة عنده وجهان مبنيان علي أنه لو نذر الصلاة مطلقا هل يبرأ3.

ص: 277


1- المجموع 49:4، فتح العزيز 273:4، الوجيز 54:1.
2- الخلاف 536:1 مسألة 274.
3- المجموع 56:4، فتح العزيز 276:4.
4- نيل الأوطار 39:3، المبسوط للسرخسي 164:1، نصب الراية 120:2.
5- المجموع 49:4، فتح العزيز 273:4، المغني 797:1.
6- سنن البيهقي 24:3.

بالواحدة أم لا؟(1).

د - لو شرع في النفل بأربع سلم عن ركعتين، و قال الشافعي: إن لم يقصد الاقتصار علي ركعتين فإن سلم ناسيا عاد و بني علي صلاته، و إن تعمد بطلت صلاته(2) ، و لو شرع بنية ركعتين ثم قال إلي الثالثة فإن كان ساهيا عاد، و إن تعمد بطلت، و قال الشافعي: إن قصد أن يصلي أربع ركعات، أو ست ركعات جاز قياسا علي المسافر إذا نوي الإتمام في أثناء الصلاة، و إن لم يقصد بطلت كما لو زاد في الفرض عامدا(3).

ه - قال الشافعي: لو تحرّم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا، و إن تحرّم بعشر فله أن يقتصر علي واحدة لكن بشرط أن يغير النيّة قبل الزيادة و النقصان، فلو زاد أو نقص قبل تغيير النيّة بطلت صلاته، كما لو نوي ركعتين ثم قام إلي الثالثة قبل نيّة الزيادة عمدا بطلت صلاته، و لو قام سهوا عاد و سجد للسهو و سلم عن ركعتين، فلو بدا له بعد القيام أن يزيد فيجب القعود ثم القيام في أصح الوجهين، و لو نوي أربعا ثم سلم عن ركعتين قبل تغيير النيّة بطلت صلاته إن كان عامدا، و إن كان ساهيا أتم الأربع و سجد للسهو، و إن أراد الاقتصار فذلك السلام غير محسوب فيسجد للسهو و يسلم(4).

مسألة 13: صلاة الضحي عندنا بدعة

لقول عائشة: ما رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلي الضحي قط(5) ، و سألها عبد اللّه بن شفيق أ كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلي الضحي ؟ قالت: لا إلاّ أن يجيء من مغيبه(6) ،

ص: 278


1- المجموع 49:4-50، فتح العزيز 273:4 و 276.
2- المجموع 50:4، فتح العزيز 273:4.
3- المجموع 50:4، فتح العزيز 273:4.
4- المجموع 50:4، فتح العزيز 273:4.
5- مصنف ابن أبي شيبة 406:2، الموطأ 152:1-29، سنن البيهقي 50:3.
6- سنن أبي داود 28:2-1292، سنن البيهقي 50:3.

و قال عبد الرحمن بن أبي ليلي: ما حدّثني أحد أنّه رأي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلي الضحي إلاّ أم هاني فإنها حدّثت: أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دخل بيتها يوم فتح مكّة فصلّي ثمان ركعات ما رأيته قط صلّي صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع و السجود(1).

و من طريق الخاصة إنكار علي عليه السلام لها(2) ، و سأل زرارة، و ابن مسلم، و الفضيل، الباقر، و الصادق عليهما السلام عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا: «إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صعد علي منبره فحمد اللّه و أنثي عليه ثم قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة جماعة بدعة، و صلاة الضحي بدعة فلا تجمعوا في رمضان لصلاة الليل، و لا تصلوا الضحي فإن ذلك بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها الي النار»(3) و لو كانت مشروعة لما خفي عن نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و لا عن أولاده و أهل بيته.

و أطبق الجمهور علي استحبابها(4) لما روي أبو هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، و ركعتي الضحي، و أن أوتر قبل أن أرقد(5). و يبعد أن يوصي بما لا يهتم به، و لو اهتم به لعرفته عائشة، و لا دلالة في حديث أم هاني(6) لجواز أن يكون فعله عليه السلام شكرا لفتح مكة.4.

ص: 279


1- سنن أبي داود 28:2-1291، سنن الترمذي 338:2-474، سنن الدارمي 338:1.
2- الكافي 452:3-8.
3- الفقيه 87:2-88-394، التهذيب 69:3-70-226، الاستبصار 467:1-1807.
4- المجموع 36:4، المغني 802:1، الشرح الكبير 811:1، عمدة القارئ 240:7، السراج الوهاج: 65، سبل السلام 405:2، بلغة السالك 145:1.
5- صحيح مسلم 499:1-721، سنن النسائي 229:3، سنن الدارمي 339:1.
6- صحيح مسلم 497:1-336، سنن الدارمي 338:1، سنن الترمذي 338:2 - 474.

لا يقال: قد ورد أن الصلاة خير موضوع(1). لأنا نقول: لامتناع في الإتيان بها باعتبار كونها نافلة مبتدأة، أما فعلها مع اعتقاد مشروعيتها في هذا الوقت بالخصوصية فإنه يكون بدعة.

و وقتها عندهم من حين ترتفع الشمس قليلا الي أن تزول، و أقلها ركعتان، و أكثرها ثمان(2).

مسألة 14: يستحب نافلة رمضان

عند علمائنا - و به قال الجمهور(3) - لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(4). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة، و أنا أزيد فزيدوا»(5) ، و لأنه أفضل من غيره من الشهور، و اختص بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و يضاعف الحسنات فيه فناسب مشروعية زيادة أهم العبادات عند الشارع.

مسألة 15: و قدرها ألف ركعة

عند علمائنا لقول الصادق عليه السلام:

«يصلي في شهر رمضان ألف ركعة»(6).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد: يصلي في كل ليلة عشرين ركعة

ص: 280


1- كنز العمال 288:7-1896، عن الطبراني في الأوسط.
2- المجموع 36:4، فتح العزيز 257:4 و 258، المغني 803:1، الشرح الكبير 811:1.
3- المجموع 31:4، فتح العزيز 266:4، المغني 833:1، الشرح الكبير 781:1، اللباب 122:1، بداية المجتهد 209:1-210.
4- صحيح البخاري 16:1، سنن أبي داود 49:2-1371 و 1372، سنن الدارمي 26:2، الموطأ 113:1-2، سنن النسائي 155:4، سنن الترمذي 172:3 - 808.
5- التهذيب 60:3-204، الاستبصار 461:1-1793.
6- التهذيب 66:3-218، الاستبصار 466:1-1802.

خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات، بتسليمتين(1) لأن عمر لما جمع الناس علي أبيّ صلي بهم عشرين ركعة(2) ، و نحن نقول بموجبه إذ في العشر الأواخر يزاد في عدد الركعات لأن ليلة القدر ترجي فيها فناسب الزيادة، و قد كان أبيّ يصلي العشرين في كل ليلة إلي العشر الأواخر فيتخلف في بيته فيها و كانوا يقولون: أبق ابيّ(3).

و قال مالك: ست و ثلاثون لأن أهل المدينة فعلوا ذلك(4) و الراوي ضعيف، و لأنهم قصدوا ما رواه أهل مكة حيث كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات(5).

إذا عرفت هذا فقد روي زيادة علي الألف مائة ركعة ليلة النصف يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و الإخلاص مائة مرّة(6).

مسألة 16: و في كيفية توزيعها روايتان:

إحداهما في كل ليلة عشرون ركعة ثم في الليالي الأفراد، و هي ليلة تسع عشرة، و إحدي و عشرين، و ثلاث و عشرين في كل ليلة زيادة مائة، ثم زيادة عشر في العشر الأواخر فذلك ألف ركعة لرواية مسعدة بن صدقة(7) و سماعة(8).

ص: 281


1- المجموع 32:4، فتح العزيز 264:4، المغني 833:1-834، الشرح الكبير 784:1، المبسوط 144:2، بدائع الصنائع 288:1، بداية المجتهد 210:1.
2- المغني 834:1، الشرح الكبير 784:1.
3- سنن أبي داود 65:2-1429، سنن البيهقي 498:2.
4- بداية المجتهد 210:1، المجموع 32:4، فتح العزيز 264:4-265، المغني 834:1، الشرح الكبير 784:1-785، المبسوط للسرخسي 144:2.
5- انظر فتح العزيز 265:4.
6- انظر مصباح المتهجد: 497.
7- التهذيب 62:3-213، الاستبصار 462:1-1796.
8- الفقيه 88:2-397، التهذيب 63:3-214 و 64-217، الاستبصار 462:1-1797 و 464-1801، إقبال الأعمال: 12.

و الأخري كذلك إلا أنه يقتصر في ليالي الأفراد علي مائة مائة فتبقي ثمانون فيصلي في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي عليه السلام، و فاطمة، و جعفر، و في ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين بصلاة علي عليه السلام، و في عشية تلك الجمعة ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة عليها السلام، لرواية المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام(1) ، و إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام(2). إذا عرفت هذا فينبغي أن يقرأ - في المئات - في كل ركعة بالحمد مرّة و الإخلاص مائة مرة.

مسألة 17: المشهور أنه يصلي بعد المغرب ثماني ركعات و الباقي بعد العشاء

لرواية مسعدة(3) ، و في رواية سماعة يصلي بعد المغرب اثنتي عشرة ركعة و الباقي بعد العشاء(4) ، و كلاهما لا بأس به، و روي أن عليا عليه السلام كان يصلي في آخر عمره في كل يوم و ليلة من رمضان ألف ركعة(5).

مسألة 18: و لا تجوز الجماعة في هذه الصلاة

عند علمائنا أجمع لقول زيد بن ثابت: إن الناس اجتمعوا فلم يخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إليهم فرفعوا أصواتهم و حصّبوا الباب فخرج مغضبا و قال: (ما زال بكم صنيعكم حتي ظننت أنها ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)(6) و لو كانت الجماعة مستحبة لم يزهد فيها.

و من طريق الخاصة قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «إن النبيّ

ص: 282


1- التهذيب 66:3-218، الإستبصار 466:1-1802، إقبال الأعمال: 13.
2- نقله في المعتبر: 225.
3- التهذيب 62:3-213، الإستبصار 462:1-1796، إقبال الاعمال: 13.
4- الفقيه 88:2-89-397، التهذيب 63:3-214، الإستبصار 462:1-1797.
5- الكافي 154:4-1، التهذيب 63:3-64-215، الاستبصار 463:1-1798.
6- صحيح مسلم 539:1-540-781، سنن أبي داود 69:2-1447.

صلّي اللّه عليه و آله خرج أول ليلة من شهر رمضان ليصلي فاصطف الناس خلفه فهرب الي بيته و تركهم، ففعل ذلك ثلاث ليال، و قام في اليوم الرابع علي منبره و قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في رمضان نافلة في جماعة بدعة فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، فإن ذلك معصية، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها الي النار، ثم نزل و هو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة»(1).

و أطبق الجمهور علي تسويغ الجماعة فيها(2) لأن عمر جمع الناس علي أبي(3) ، و لا حجة فيه لانقضاء زمان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و أبي بكر علي عدم الاجتماع، و لهذا قال عمر: نعمت البدعة(4) و نسبت الجماعة في التراويح إليه و لو كانت سنة لما كانت بدعة.

و اختلفوا في الأفضلية فقال مالك: قيام رمضان في البيت لمن قوي أحب إلي(5) و كان ربيعة و جماعة من العلماء ينصرفون و لا يقومون مع الناس(6).

و قال أبو يوسف: من قدر علي أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إليّ أن يصلي في بيته. و هو أحد قولي الشافعي(7) لقول2.

ص: 283


1- الفقيه 87:2-394، التهذيب 69:3-226، الاستبصار 467:1-1807.
2- المجموع 31:4، فتح العزيز 266:4، المغني 835:1، الشرح الكبير 785:1، بدائع الصنائع 288:1، كفاية الأخيار 55:1.
3- صحيح البخاري 58:3، سنن أبي داود 65:2-1429، سنن البيهقي 493:2.
4- صحيح البخاري 58:3، الموطأ 114:1-3، سنن البيهقي 493:2.
5- المدونة الكبري 222:1، فتح العزيز 266:4، المغني 835:1، الشرح الكبير 1: 785، المبسوط 144:2.
6- المدونة الكبري 222:1.
7- المجموع 31:4، فتح العزيز 266:4، المغني 835:1، الشرح الكبير 785:1، المبسوط للسرخسي 144:2.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلاّ المكتوبة)(1).

و هذا يدل علي انتفاء المشروعية إذ لو كانت الجماعة مشروعة لكانت أفضل كغيرها من الصلوات.

و القول الثاني للشافعي: الاجتماع أفضل - و به قال أحمد في رواية - و هو مروي عن الليث بن سعد(2) لأن أحمد روي أن عليا عليه السلام، و جابرا و عبد اللّه صلوها في جماعة(3) ، و قد بينا أن عليا عليه السلام أنكر ذلك(4) و أهل بيته، و قد أنكر جماعة قيام علي عليه السلام مع الصحابة.

مسألة 19: ينبغي أن يفصل بين كل ركعتين بالأدعية المأثورة

عن أهل البيت عليهم السلام، و لا يستحب قيام ليلة الشك لأنها لم تثبت من رمضان فصلاة رمضان فيها بدعة، كما أن صومه بنية رمضان بدعة، و لأن الصحابة و التابعين لم يصلوها، و نقل عن أحمد أنه صلاها(5) لقوله عليه السلام: (إن اللّه فرض عليكم صيامه و سننت لكم قيامه)(6) فجعل القيام مع الصيام، و نحن نقول بموجبه فإن الصيام يوم الشك بنيّة رمضان حرام عندنا.

و يستحب أن يقرأ في ليلة ثلاث و عشرين سورة العنكبوت و الروم. قال الصادق عليه السلام: «من قرأ سورتي العنكبوت و الروم في شهر رمضان ليلة»

ص: 284


1- صحيح البخاري 186:1، صحيح مسلم 540:1-781، سنن النسائي 198:3، مسند أحمد 182:5.
2- المجموع 31:4 و 35، فتح العزيز 266:4، المغني 835:1، الشرح الكبير 785:1.
3- المغني 835:1، الشرح الكبير 785:1.
4- الكافي 62:8-21، تفسير العياشي 275:1-272، السرائر: 491.
5- المغني 838:1، الشرح الكبير 789:1.
6- سنن النسائي 158:4، سنن ابن ماجة 421:1-1328.

ثلاث و عشرين فهو و اللّه - يا أبا محمد - من أهل الجنّة، لا أستثني فيه أبدا و لا أخاف أن يكتب اللّه علي في يميني إثما، و أن لهاتين السورتين من اللّه مكانا»(1) و يستحب أن يقرأ فيها أيضا ألف مرّة سورة القدر.

مسألة 20: و يستحب من النوافل الموقتة غير ما تقدم صلوات:

ا - صلاة ليلة الفطر و هي ركعتان يقرأ في الأولي الحمد مرّة و الإخلاص ألف مرة، و في الثانية الحمد مرّة و الإخلاص مرّة واحدة، و يدعو بعدهما بالمنقول.

ب - يستحب أن يصلي أول يوم من ذي الحجة صلاة فاطمة عليها السلام، و فيه زوّجها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من علي عليه السلام، و روي أنه يوم السادس، ثم يدعو بالمنقول(2).

ج - صلاة يوم الغدير مستحبة بعد الغسل قبل الزوال بنصف ساعة و هي ركعتان: يقرأ في كل واحدة الحمد مرّة و كل واحدة من الإخلاص، و آية الكرسي، و سورة القدر عشر مرات، ثم يدعو بالمنقول(3) ، و قد روي أبو الصلاح هنا استحباب الجماعة، و الخطبة، و التصافح، و التهاني(4) لبركة هذا اليوم و شرفه بتكميل الدين بنصب أمير المؤمنين عليه السلام.

د - يستحب أن يصلي قبل الزوال بنصف ساعة يوم الصدقة بالخاتم - و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة - شكرا للّه ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة

ص: 285


1- التهذيب 100:3-261، مصباح المتهجد: 571، ثواب الأعمال: 136، المقنعة: 50.
2- مصباح المتهجد: 613، أمالي الطوسي 42:1.
3- مصباح المتهجد: 691.
4- الكافي في الفقه: 160.

الحمد مرّة، و الإخلاص عشر مرات، و آية الكرسي إلي قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ (1) عشر مرات، و القدر عشر مرات.

قال الشيخ: و هذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير(2) و هي تعطي أن آية الكرسي في يوم الغدير الي قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ .

ه - يستحب أن يصلي يوم المباهلة - و هو الخامس و العشرون من ذي الحجة - ما أراد من الصلاة، و يستغفر اللّه عقيب كلّ ركعتين سبعين مرة، و يدعو بالمنقول(3).

و - يستحب أن يصلي صلاة عاشوراء. قال الصادق عليه السلام لعبد اللّه ابن سنان و قد رآه باكيا لمصاب جده عليه السلام: «إن أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد الي ثياب طاهرة فتلبسها و تتسلب» قلت: و ما التسلب ؟ قال: «تحلل أزرارك ثم تحسر عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصاب، ثم تخرج إلي أرض مقفرة، أو مكان لا يراك به أحد، أو تعمد الي منزل لك خال، أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار، فتصلي أربع ركعات، تحسن ركوعها، و سجودها، و تسلم بين كلّ ركعتين، تقرأ في الركعة الأولي سورة الحمد و قل يا أيها الكافرون، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد، ثم تصلي ركعتين أخريين. تقرأ في الأولي الحمد و سورة الأحزاب، و في الثانية الحمد و إذا جاءك المنافقون، أو ما تيسر من القرآن ثم تسلّم، و تحول وجهك نحو قبر الحسين صلوات اللّه و سلامه عليه و مضجعه»(4) الحديث.5.

ص: 286


1- البقرة: 255-257.
2- مصباح المتهجد: 703-704.
3- مصباح المتهجد: 704.
4- مصباح المتهجد: 725.

ز - يستحب أن يصلي ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كلّ ركعة الحمد و سورة، فإذا فرغ قرأ الحمد و المعوذتين و سورة الإخلاص و آية الكرسي أربع مرات، و يدعو بالمنقول(1).

ح - يستحب أن يصلي ليلة المبعث - و هي ليلة السابع و العشرين من رجب - أي وقت كان من الليل اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد، و المعوذتين، و الإخلاص أربع مرات ثم يدعو بالمنقول(2).

ط - يستحب أن يصلي يوم المبعث اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد، و يس. فإذا فرغ قرأ الحمد أربع مرات، و كذا الإخلاص، و المعوذتين، و دعا بالمنقول(3).

ي - يستحب أن يصلي في أيام رجب ثلاثين ركعة في كل ركعة الحمد مرة، و الإخلاص ثلاث مرات، و الجحد ثلاث مرات، يصلي عشرا في العشر الأول، و عشرا في الأوسط، و عشرا في الأخير، و يدعو بالمنقول.

رواه سلمان عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(4).

يا - يستحب أن يصلي ليلة نصف شعبان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد، و الإخلاص مائة مرّة، و يدعو بالمنقول عن الباقر و الصادق عليهما السلام(5) و في رواية عن الصادق عليه السلام استحباب ركعتين يقرأ في الأولي الحمد و الجحد مرّة، و في الثانية الحمد و الإخلاص مرة، و يدعو بالمنقول(6).1.

ص: 287


1- مصباح المتهجد: 742.
2- مصباح المتهجد: 749.
3- مصباح المتهجد: 750.
4- مصباح المتهجد: 752.
5- مصباح المتهجد: 762-763.
6- مصباح المتهجد: 762، أمالي الطوسي 303:1.

و قال الباقر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من صلي ليلة النصف من شعبان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد عشر مرات، لم يمت حتي يري منزله من الجنّة أو يري له»(1) و روي الكاظم عليه السلام عن الصادق عليه السلام: «صلاة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و الإخلاص مائتين و خمسين مرّة ثم يدعو بالمنقول»(2) و عن الرضا عليه السلام استحباب صلاة جعفر عليه السلام(3) ، و في هذه الليلة ولد مولانا القائم عليه السلام، و روي فيها صلوات غير ذلك(4).

يب - يستحب أن يصلي في ليلة كل سبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي ثلاث مرات، و قل هو اللّه أحد، فإذا سلم قرأ آية الكرسي ثلاث مرات، و يصلي يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و ثلاث مرات الجحد، فإذا فرغ قرأ آية الكرسي ثلاث مرات.

و يصلي ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي و الأعلي و الإخلاص.

و يصلي يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد، و آمَنَ الرَّسُولُ (5) الي آخرها.

و ليلة الاثنين اثنتي عشرة ركعة كل ركعة بفاتحة الكتاب و آية الكرسي، فإذا فرغ قرأ الإخلاص اثنتي عشرة مرّة، و استغفر اللّه اثنتي عشرة مرّة، و صلّي5.

ص: 288


1- مصباح المتهجد: 768.
2- مصباح المتهجد: 769.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 293-45، أمالي الصدوق: 32-1، مصباح المتهجد: 769.
4- مصباح المتهجد: 765-767 و 769-770.
5- البقرة: 285.

علي النبيّ و آله عليهم السلام اثنتي عشرة مرة.

و في يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي و الإخلاص و المعوذتين مرة مرة، فإذا فرغ استغفر اللّه عشر مرات، و صلي علي النبيّ و آله عليهم السلام عشر مرّات.

و يصلي ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد، و آية الكرسي و الإخلاص، و شَهِدَ اللّهُ (1) مرّة مرّة.

و في يوم الثلاثاء عشرين ركعة بعد انتصاف النهار في كل ركعة فاتحة الكتاب، و آية الكرسي مرة و الإخلاص ثلاث مرات.

و يصلي ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد و آية الكرسي و الإخلاص و القدر مرة مرة.

و في يوم الأربعاء اثنتي عشرة ركعة في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و الإخلاص ثلاث مرات، و الفلق ثلاث مرات، و الناس كذلك.

و يصلي ليلة الخميس بين العشاءين ركعتين يقرأ في كل واحدة فاتحة الكتاب مرة، و آية الكرسي خمس مرات، و الجحد و التوحيد و المعوذتين كل واحدة خمس مرات، فإذا فرغ استغفر اللّه تعالي خمس عشرة مرة.

و يصلي يوم الخميس بين الظهرين ركعتين يقرأ في الأولي الحمد، و آية الكرسي مائة مرة، و في الثانية الحمد، و الإخلاص مائة مرة، ثم يستغفر اللّه مائة مرة بعد فراغه، و يدعو بالمنقول(2).

و يصلي ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين يقرأ في كل ركعة5.

ص: 289


1- آل عمران: 18.
2- مصباح المتهجد: 224-225.

فاتحة الكتاب، و الإخلاص إحدي و أربعين مرّة، و روي عشرون ركعة في كل ركعة الحمد، و الإخلاص إحدي عشرة مرة(1) ، و روي ركعتان في كل واحدة الحمد، و الزلزلة خمس عشرة مرة(2) ، و رويت صلوات كثيرة ليلة الجمعة(3).

و يصلي يوم الجمعة صلاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و هي ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد، و إنا أنزلناه خمس عشرة مرة، فإذا ركع قرأها خمس عشرة مرة، فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد ثانيا قرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه من السجود إلي الثانية و يصلي كذلك، فإذا سلّم دعا بالمنقول(4).

و صلاة علي عليه السلام و هي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و خمسين مرة الإخلاص، ثم يدعو بالمنقول(5) ، و في رواية: أربع ركعات، الحمد مرّة، و التوحيد، و الم تنزيل، و في الثانية يس، و في الثالثة الدخان، و في الرابعة تبارك، و يقول خمس عشرة مرة في الأحوال كلها(6) و يدعو بالمنقول(7).

و صلاة فاطمة عليها السلام ركعتان يقرأ في الأولي الحمد مرة، و القدر4.

ص: 290


1- مصباح المتهجد: 228.
2- مصباح المتهجد: 228.
3- مصباح المتهجد: 228 و ما بعدها، جمال الأسبوع: 144-149.
4- انظر مصباح المتهجد: 255.
5- انظر مصباح المتهجد: 256-258.
6- انظر تفصيل الحالات و الدعاء في مصباح المتهجد: 263.
7- مصباح المتهجد: 263-264.

مائة مرة، و في الثانية الحمد، و الإخلاص مائة مرة، ثم يدعو بالمنقول(1).

و صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام و تسمي صلاة التسبيح، و صلاة الحبوة، و هي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولي الحمد و الزلزلة، و في الثانية الحمد و العاديات، و في الثالثة الحمد و النصر، و في الرابعة الحمد و التوحيد، فإذا فرغ من القراءة في كل ركعة قال خمس عشرة مرة: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، ثم يركع و يقولها عشرا، ثم يرفع رأسه و يقولها عشرا، ثم يسجد و يقولها عشرا، ثم يرفع و يقولها عشرا، ثم يسجد ثانيا و يقولها عشرا، ثم يجلس و يقولها عشرا، ثم يقوم إلي الثانية و كذا باقي الركعات، ثم يدعو بالمنقول(2).

و الصلاة الكاملة و هي أربع ركعات قبل الزوال يقرأ في كل ركعة الحمد عشر مرات، و كذا المعوذتين، و التوحيد، و الجحد، و آية الكرسي، و القدر، شَهِدَ اللّهُ (3) عشر مرات، فإذا فرغ استغفر اللّه مائة مرّة، و دعا بالمنقول(4).

و صلاة الأعرابي و هي عشر ركعات يصلي ركعتين ثم يسلم، و يصلي أربعا ثم يسلم، و يصلي أربعا أخري، عند ارتفاع نهار الجمعة، يقرأ في الأولي الحمد مرة، و الفلق سبع مرات، و في الثانية الحمد مرّة، و الناس سبع مرات، فإذا سلم قرأ آية الكرسي سبعا، ثم يصلي ثماني ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، و النصر مرّة و الإخلاص خمسا و عشرين مرة، ثم0.

ص: 291


1- انظر مصباح المتهجد: 265-266.
2- انظر مصباح المتهجد: 268-270.
3- آل عمران: 18.
4- انظر مصباح المتهجّد: 280.

يدعو بالمنقول(1).

و روي صلاة فاطمة عليها السلام أربع ركعات بعد الغسل، يقرأ في الأولي الحمد، و الإخلاص خمسين مرة. و في الثانية الحمد و العاديات خمسين مرة. و في الثالثة الحمد و الزلزلة خمسين مرة. و في الرابعة الحمد و النصر خمسين مرة. ثم يدعو بالمنقول(2).

و صلاة الهدية يصلي يوم الجمعة ثمان ركعات يهدي أربعا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أربعا إلي فاطمة عليها السلام، و في يوم السبت أربع ركعات يهدي الي أمير المؤمنين عليه السلام، ثم كذلك في كل يوم الي واحد من الأئمة عليهم السلام الي يوم الخميس يصلي أربع ركعات يهدي الي جعفر بن محمد عليهما السلام، ثم يوم الجمعة يصلّي ثمان ركعات يهدي أربعا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أربعا إلي فاطمة عليها السلام، ثم يوم السبت أربع ركعات يهدي الي الكاظم عليه السلام، ثم كذلك الي يوم الخميس أربع ركعات يهدي الي صاحب الزمان عليه السلام(3).

و صلاة الحسين عليه السلام يوم الجمعة أربع ركعات بثمانمائة مرة الحمد و الإخلاص يقرأ في الأولي بعد التوجه الحمد خمسين مرّة و كذا الإخلاص. فإذا ركع قرأ الحمد عشرا و الإخلاص عشرا، و كذا في الأحوال في كل ركعة مائتي مرّة، ثم يدعو بالمنقول(4).

و يستحب أن يختم القرآن يوم الجمعة ثم يدعو بدعاء زين العابدين عليه السلام(5).2.

ص: 292


1- انظر مصباح المتهجد: 281.
2- انظر مصباح المتهجد: 282.
3- انظر مصباح المتهجد: 285.
4- انظر جمال الأسبوع: 270-271، و ليس فيه ذكر يوم الجمعة.
5- انظر الصحيفة السجادية: 211 دعاء رقم 42.

يج - يستحب صلاة الحاجة يوم الجمعة. روي عن الباقر عليه السلام ركعتين، يدعو بعدهما بالمنقول(1) ، و عن الصادق عليه السلام: «فليصم الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، ثم يغتسل يوم الجمعة و يلبس ثوبا نظيفا، ثم يصعد إلي أعلي موضع في داره و يصلي ركعتين، و يدعو بالمنقول(2) ، و في أخري: صلاة جعفر عليه السلام بعد صوم الثلاثة، و الصدقة عشية الخميس بعشرة أمداد علي عشرة مساكين(3).

و عن الرضا عليه السلام: «فليصم الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، ثم ليغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة، و يلبس أنظف ثيابه، و يتطيب، و يتصدق علي امرئ مسلم بما تيسر، ثم ليبرز الي آفاق السماء، و يستقبل القبلة، و يصلّي ركعتين في الأولي الحمد و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرة، ثم يركع و يقرؤها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يسجد فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يسجد ثانيا فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم ينهض و يفعل مثل ذلك، و يقولها قبل التشهد خمس عشرة مرة، ثم يسلم بعد التشهد، و يقرؤها بعد التسليم خمس عشرة مرة، ثم يسجد فيقرأها خمس عشرة مرّة، ثم يضع خدّه الأيمن فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم الأيسر و يقرؤها خمس عشرة مرة، ثم يعود الي السجود فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يقول و هو ساجد يبكي:

يا جواد يا ماجد، يا واحد يا أحد يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، يا من هو هكذا [و](4) لا هكذا غيره، أشهد أن كلّ معبود منر.

ص: 293


1- مصباح المتهجد: 286.
2- مصباح المتهجد: 287 و 477.
3- مصباح المتهجد: 293.
4- الزيادة من المصدر.

لدن عرشك الي قرار أرضك باطل إلاّ وجهك جل جلالك، يا معز كلّ ذليل، و يا مذل كل عزيز، تعلم كربتي، فصلّ علي محمد و آل محمد، و فرج عني، ثم يقلّب خده الأيمن و يقول ذلك ثلاثا، ثم الأيسر كذلك، و يتوجه في حاجته الي اللّه بمحمد و آله عليه و عليهم السلام، و يسميهم عن آخرهم»(1) و نقل غير ذلك من الصلوات.

يد - يستحب أن يزاد في نوافل الجمعة أربع ركعات زيادة علي سائر الأيام، و روي عن الصادق عليه السلام: «إن فيه ساعتين يستجاب فيهما الدعاء إحداهما ما بين فراغ الإمام من الخطبة الي أن تستوي الصفوف بالناس و الأخري من آخر النهار الي غروب الشمس»(2).

يه - يستحب أن يصلي في أول كل شهر ما كان الباقر عليه السلام يصليه و هو في أول كل يوم منه ركعتان يقرأ في الأولي الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد لكل يوم، الي آخره، و في الثانية الحمد و القدر كذلك، و يتصدق بما يتسهل يشتري به سلامة ذلك الشهر كله(3).

يو - صلاة الشكر مستحبة عند تجدد النعم، و دفع النقم، قال الصادق عليه السلام: «تصلي ركعتين تقرأ في الأولي الحمد و التوحيد، و في الثانية الحمد و الجحد» و تدعو بالمنقول(4).

يز - صلاة الاستخارة مستحبة، كان زين العابدين عليه السلام إذا همّ بأمر حج، أو عمرة، أو بيع، أو شراء، أو عتق تطهر ثم صلي ركعتين للاستخارة يقرأ فيهما الحشر و الرحمن، و المعوذتين، ثم يدعو بالمنقول(5) ،1.

ص: 294


1- مصباح المتهجد: 303.
2- الكافي 414:3-4، التهذيب 235:3-619.
3- انظر مصباح المتهجد: 470، إقبال الأعمال: 87.
4- الكافي 481:3-1، التهذيب 184:3-185-418، مصباح المتهجد: 479.
5- الكافي 470:3-2، التهذيب 180:3-408، المحاسن: 600-11.

و رويت صلوات كثيرة للاستخارة(1).

يح - يستحب صلاة الاستسقاء علي ما يأتي، و كذا تحية المسجد، و صلاة الإحرام، و هذه لأسباب.

مسألة 21: و التطوع قائما أفضل، و يجوز جالسا
اشارة

بإجماع العلماء، قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (من صلي قائما فهو أفضل، و من صلي قاعدا فله نصف أجر القائم)(2) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:

«ما أصلي النوافل إلا قاعدا منذ حملت هذا اللحم»(3) و لأن كثيرا من الناس يشق عليه طول القيام، فلو لم يشرع الجلوس لزم الحرج، أو ترك النوافل التي هي في مظنة الرخصة، و لهذا صليت علي الراحلة.

فروع:

أ - ينبغي أن يحتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام لأن أجره نصف أجر القائم فاستدراك فائت أجر القيام بتضعيف العدد، و لقول الصادق عليه السلام: «تضعف ركعتين بركعة»(4) و لو احتسب بركعتين جاز لقول الباقر عليه السلام و قد سأله أبو بصير من صلي و هو جالس من غير عذر كانت صلاته ركعتين بركعة ؟ فقال: «ليس هو هكذا هي لكم تامة»(5) و لا بأس بالجمع باحتساب ركعة بركعة مع التعذر، و ركعتين بركعة لا معه.

ص: 295


1- انظر علي سبيل المثال: الكافي 470:3، و التهذيب 179:3 (باب صلاة الاستخارة).
2- صحيح البخاري 59:2، سنن الترمذي 207:2-371، سنن ابن ماجة 1: 388-1231، سنن النسائي 224:3، الموطأ 136:1-19 و 20 نحوه.
3- الكافي 410:3-1، التهذيب 169:2-674.
4- التهذيب 166:2-655، الإستبصار 293:1-1080.
5- الكافي 410:3-2، الفقيه 238:1-1048، التهذيب 170:2-677، الاستبصار 1: 294-1084.

ب - يستحب له أن يتربع حال قراءته، و يثني رجليه راكعا و ساجدا - و به قال ابن عمر، و أنس، و ابن سيرين، و مجاهد، و سعيد بن جبير، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو حنيفة في رواية(1) - لأن القيام يخالف القعود فينبغي مخالفة هيئة البدل له، و قال أبو حنيفة: يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته(2).

و لا يلزم من سقوط القيام للمشقة سقوط ما لا مشقة فيه، و روي عن سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و ابن سيرين، و عمر بن عبد العزيز، و عطاء الخراساني أنهم كانوا يحتبون في التطوع، و اختلف فيه عن عطاء و النخعي(3).

ج - ثني الرجلين في الركوع و السجود مستحب، و هو رواية عن أحمد، و به قال الثوري لأن أنسا صلّي متربعا فلما ركع ثني رجليه(4) ، و حكي ابن المنذر عن أحمد، و إسحاق أنه لا يثني إلا حال السجود، و يكون في الركوع كهيئة القيام - و هو قول أبي يوسف، و محمد - لأنّ هيئة الراكع في رجليه هيئة القيام(5).

د - لو قام للركوع بعد فراغ القراءة كان أفضل لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يصلّي الليل قائما فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتي إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع(6) ، و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «إذا أردت أن تصلي و أنت جالس فاقرأ و أنت جالس3.

ص: 296


1- المغني 812:1، الشرح الكبير 809:1.
2- المغني 812:1، الشرح الكبير 809:1.
3- المغني 812:1، الشرح الكبير 809:1.
4- المغني 812:1، الشرح الكبير 810:1.
5- المغني 812:1 و 813، الشرح الكبير 810:1.
6- صحيح البخاري 60:2، صحيح مسلم 505:1-731، الموطأ 137:1-22، سنن النسائي 220:3.

فإذا كنت في آخر السورة فقم و أتمّها و اركع تحسب لك بصلاة قائم»(1).

مسألة 22: النوافل التي لا سبب لها هي ما يتطوع بها الإنسان ابتداء،

و هي أفضل من نفل العبادات، لأن فرض الصلاة أفضل من جميع الفرائض، و التنفل بالليل أفضل لقوله تعالي وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ (2) و لأنه وقت غفلة الناس فكانت العبادة فيه أفضل.

و لا يستحب استيعاب الليل بالصلاة لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بلغه عن بعض أصحابه أنه يصوم فلا يفطر، و يقوم فلا ينام، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لا تفعل إن لعينك، و نفسك عليك حقا، و لأهلك عليك حقا)(3) و آخر الليل أفضل من أوله، قال تعالي وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (4)وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (5).

و ينبغي أن ينام نصف الليل، و يصلي ثلثه، و ينام سدسه، لأنه روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (أحب الصلاة الي اللّه تعالي صلاة داود. كان ينام نصف الليل، و يقوم ثلثه، و ينام سدسه)(6).

ص: 297


1- التهذيب 170:2-676.
2- الاسراء: 79.
3- صحيح البخاري 40:7 و 38:8، صحيح مسلم 817:2 و 818-123، سنن النسائي 4: 211، مسند أحمد 268:6.
4- الذاريات: 18.
5- آل عمران: 17.
6- صحيح البخاري 63:2، صحيح مسلم 816:2-189، سنن أبي داود 2: 327 و 328-2448، سنن ابن ماجة 546:1-1712، مسند أحمد 160:2.

ص: 298

الفصل الثاني: في الأوقات.
و فيه مباحث:
اشارة

الأول: في وقت الرفاهية للفرائض اليومية.

مقدمة: لا خلاف في جواز تطابق الوقت و الفعل، كالصوم. و منع القصور عند العدلية إلا مع قصد القضاء.

و اختلف في توسيع الوقت، فمنعه جماعة منهم أبو حنيفة و جعل الوجوب مختصا بآخر الوقت(1) ، و آخرون بأوله(2) ، و آخرون قالوا: إن بقي علي صفة المكلفين الي آخر الوقت، فما فعله واجب و إلاّ كان نفلا(3).

و الكلّ خطأ نشأ بسبب الجهل بمعني الواجب الموسع، و التحقيق أنه كالواجب المخير، فإن اللّه تعالي أوجب علي المكلف الإتيان به في هذا الوقت لا بمعني شغل جميع الوقت بالفعل، و لا اختصاص بجزء معين لانتفاء

ص: 299


1- المجموع 47:3، فتح العزيز 41:3، المغني 415:1، الشرح الكبير 464:1، المنتقي 3:1، بدائع الصنائع 95:1.
2- المجموع 47:3، المهذب للشيرازي 60:1، المغني 414:1، الشرح الكبير 1: 464، المنتقي 3:1، بدائع الصنائع 95:1.
3- المجموع 47:3.

المرجح بل بمعني وجوب الإتيان بهذا الفعل في أي جزء كان من الوقت و لا يجوز إخلاؤه عنه.

و اختلف مثبتوه، فالسيد المرتضي علي وجوب العزم، ليقع الفصل بينه و بين الندب(1) ، و التحقيق أن وجوب العزم من أحكام الإيمان لا باعتبار التوسعة، و الفرق بينه و بين الندب ظاهر.

مسألة 23: لكل صلاة وقتان:

أول و آخر، فالأول: وقت الفضيلة، و الآخر وقت الإجزاء، و به قال المرتضي، و ابن الجنيد(2) لقول الباقر عليه السلام: «أحب الوقت الي اللّه حين يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتي تغيب الشمس»(3).

و قال الشيخان: الأول وقت من لا عذر له، و الثاني لمن له عذر(4) ، - و به قال الشافعي(5) - لقول الصادق عليه السلام: «لكل صلاة وقتان، و أول الوقت أفضله، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر»(6) و هو محمول علي الفضيلة لدلالة قوله: «أول الوقت أفضله» و (أفعل) يقتضي التشريك في الجواز.

مسألة 24: أول وقت الظهر زوال الشمس

بإجماع علماء الإسلام لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (وقت الظهر زوال الشمس)(7) و من طريق

ص: 300


1- الذريعة 146:1-147.
2- حكي قولهما المحقق في المعتبر: 134.
3- التهذيب 24:2-69، الإستبصار 260:1-935.
4- المقنعة: 14، المبسوط للطوسي 72:1.
5- فتح العزيز 3:3، المغني 414:1-415، الشرح الكبير 464:1.
6- الكافي 274:3-3، التهذيب 39:2-40-124، الاستبصار 244:1-870.
7- سنن الترمذي 283:1-151، سنن الدار قطني 262:1-22، مسند احمد 223:2.

الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر»(1) و معني زوالها: ميلها عن كبد السماء، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب، و كلّما ارتفعت الشمس انتقص الظل، فإذا استوت انتهي نقصانه، و قد لا يبقي منه شيء في بعض البلاد في أطول أيام السنة، فإن الظل ينتفي بمكة قبل أن ينتهي طول السنة بستة و عشرين يوما، و كذا بعد ما انتهي بستة و عشرين يوما، و قد يبقي، و يختلف باختلاف البلاد و الفصول، فإذا مالت الشمس الي المغرب زاد الظل الباقي و تحوّل الي المشرق و يحدث شيء من الظل مائلا إلي المشرق حيث لم يبق شيء عند الاستواء، و ذلك هو الزوال.

و الفيء عند الزوال يقلّ في الصيف، و يكثر في الشتاء، لقرب الشمس من سمت الرأس و بعدها عنه، و كلّ يوم يزيد الظلّ أو ينقص. و قد روي عن الصادق عليه السلام تقدير ذلك في أوساط الشهور فقال: «تزول الشمس في نصف حزيران علي نصف قدم، و في النصف من تموز و أيار علي قدم و نصف، و في النصف من آب و نيسان علي قدمين و نصف، و في النصف من أيلول و آذار علي ثلاثة و نصف، و في النصف من تشرين الأول و شباط علي خمسة و نصف، و في النصف من تشرين الثاني و كانون الآخر علي سبعة و نصف، و في النصف من كانون الأول علي تسعة و نصف»(2).

و قال بعض الفضلاء: الشمس تزول في نصف حزيران علي قدم و ثلث و هو أقل ما يزول عليه الشمس، و في نصف تموز و نصف أيار علي قدم و نصف و ثلث، و في نصف آب و نيسان علي ثلاثة أقدام، و في نصف آذار و أيلول علي أربعة أقدام و نصف، و هو وقت استواء الليل و النهار، و في نصف3.

ص: 301


1- الكافي 276:3-2، التهذيب 21:2-57، الاستبصار 250:1-898.
2- الفقيه 144:1-672، التهذيب 276:2-1096، الخصال: 460-3.

تشرين الأول و شباط علي ستة أقدام و نصف، و في نصف تشرين الثاني و كانون الثاني علي تسعة أقدام، و في نصف كانون الأول علي عشرة أقدام و سدس، و هذا أنهي ما تزول عليه الشمس في إقليم العراق و الشام و ما سامتهما من البلدان(1).

و لا تنافي بينهما، لاحتمال أن يكون قصد الصادق عليه السلام بلد المدينة.

مسألة 25: الدلوك في الآية هو الزوال و يطلق علي الغروب

و المراد الأول في قوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (2) و هو قول أكثر العلماء(3) ، لأن ابن عمر قال: دلوك الشمس ميلها، و كذا عن ابن عباس، و أبي هريرة(4) و لأنه لنظم جميع الصلوات، و لأن الدلوك الانتقال و التحويل.

و قال عبد اللّه بن مسعود: الدلوك الغروب، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام(5) لاقتضاء الآية إقامة الصلاة من الدلوك الي غسق الليل فيحمل علي الغروب لأن إقامة الصلاة لا يمكن من الزوال الي الغسق لوجود النهي عن الصلاة عند اصفرار الشمس، و النهي إنما يتناول الندب.

مسألة 26: آخر وقت الفضيلة للظهر

إذا صار ظل كل شيء مثله، و آخر وقت الإجزاء إذا بقي للغروب قدر العصر، و هو اختيار المرتضي و ابن

ص: 302


1- المغني 414:1، الشرح الكبير 463:1.
2- الاسراء: 78.
3- تفسير القرطبي 303:10، أحكام القرآن لابن العربي 1219:3.
4- المجموع 25:3، تفسير القرطبي 303:10، احكام القرآن لابن العربي 1219:3، أحكام القرآن للجصاص 266:2، المبسوط للسرخسي 141:1.
5- المجموع 25:3، تفسير القرطبي 303:10، أحكام القرآن لابن العربي 1219:3.

الجنيد(1) - و به قال مالك، و طاوس(2) - لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (3) و الغسق الظلمة فجعل الزمان ظرفا للصلاة، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين في الحضر(4) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «أحب الوقت الي اللّه عزّ و جلّ أوله حين يدخل وقت الصلاة فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتي تغيب الشمس»(5).

و قال الشيخ: آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كل شيء مثله(6).

و تحقيقه: أن الفيء إذا زاد علي ما زالت عليه الشمس من الظل بقدر الشخص فذلك آخر وقت الظهر، و معرفته بأن يضبط ما زالت عليه الشمس و هو الظل الذي بقي بعد تناهي النقصان، ثم ينظر قدر الزيادة عليه فقد انتهي وقت الظهر، و قد قيل: إنّ مثل الإنسان ستة أقدام و نصف بقدمه، فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدر الزيادة من الفيء بقدمك بأن تقف في موضع مستو من الأرض، و تعلّم علي الموضع الذي انتهي إليه الفيء، و تعرف قدر ما زالت عليه الشمس و يقدر فيه بالأقدام، فيضع قدمه اليمني بين يدي قدمه اليسري و يلصق عقبة بإبهامه، فإذا مسحه بالأقدام أسقط منه القدر الذي زالت عليه الشمس، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام و نصف فقد بلغ المثل، فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الظهر، و ما زاد عليه فهو من وقت العصر - و به قال الشافعي،1.

ص: 303


1- الناصريات: 229 المسألة 72، و حكي المحقق قول ابن الجنيد في المعتبر: 135.
2- المغني 416:1، الشرح الكبير 465:1.
3- الاسراء: 78.
4- صحيح مسلم 489:1-490-705، سنن النسائي 290:1، سنن الترمذي 1: 355-187، مسند أحمد 223:1، الموطأ 144:1-4، سنن البيهقي 166:3.
5- التهذيب 24:2-69، الاستبصار 260:1-935.
6- المبسوط للطوسي 72:1.

و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و الثوري، و أحمد، و أبو يوسف(1) - لأنّ ابن عباس روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (أمّني جبرئيل عند البيت مرتين فصلّي بي الظهر الأول منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلّي العصر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله، ثم صلّي المغرب حين وجبت الشمس و أفطر الصيام، ثم صلّي العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّي الفجر حين برق الفجر، و حرم الطعام علي الصائم، و صلّي في المرة الثانية الظهر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلّي العصر حين صار ظلّ كلّ شيء مثليه، ثم صلّي المغرب لوقته الأول، ثم صلّي العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلّي الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبرئيل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، و الوقت فيما بين هذين)(2) و معني قوله: (حين كان الفيء مثل الشراك) أنه إذا حدث الظل أو زاد و إن كان قليلا مثل الشراك فقد زالت الشمس.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أتي جبرئيل عليه السلام بالمواقيت فأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يصلّي الظهر حين زالت الشمس، و العصر حين زاد الظلّ قامة، و المغرب حين غربت الشمس، و العشاء حين سقط الشفق. ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلّي الظهر، ثم لمّا زاد قامتين أمره فصلي العصر، ثم لمّا غربت الشمس أمره فصلّي المغرب و العشاء حين ذهب ثلث الليل، و قال: ما بينهما وقت»(3) و لا دليل فيه إذ وصف ذلك بكونه وقتا، و كذا ما بينهما لا يدل علي نفي ما زاد إلا بدليل الخطاب، أو يحمل علي الفضيلة.2.

ص: 304


1- المجموع 21:3، احكام القرآن للجصاص 269:2، المغني 416:1، الشرح الكبير 465:1.
2- سنن الترمذي 279:1-149، سنن أبي داود 107:1-393.
3- التهذيب 252:2-1001، الاستبصار 257:1-922.

و قال أبو حنيفة: يبقي وقت الظهر إلي أن يصير الفيء مثليه(1) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلي مغرب الشمس في النهار، و إنما مثلكم و مثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال: من يعمل لي من الغداة إلي نصف النهار بقيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلي صلاة العصر بقيراط؟ فعملت النصاري، ثم قال: من يعمل لي إلي آخر النهار بقيراطين ؟ فعملتم أنتم، فغضب اليهود و النصاري و قالوا: نحن أكثر عملا و أقل أجرا. فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء)(2) قالوا: و هذا يدل علي أن من الظهر الي العصر أكثر من العصر الي المغرب(3) و نحمله علي وقت الفضيلة.

و قال عطاء: لا يفرط بتأخيرها حتي تدخل في الشمس صفرة(4).

و قال المزني، و أبو ثور، و إسحاق، و ابن جرير: إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله دخل وقت العصر و لم يخرج وقت الظهر حتي يمضي قدر أربع ركعات يشترك فيهما الوقتان(5) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (صلّي بي جبرئيل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كل شيء مثله قدر العصر بالأمس)(6) فدلّ علي اشتراك الوقتين، و هو محمول علي أنه فرغ منها.3.

ص: 305


1- المبسوط للسرخسي 142:1، فتح العزيز 9:3-10، المغني 417:1، الشرح الكبير 465:1، المحلي 175:3.
2- صحيح البخاري 207:4، سنن الترمذي 153:5-2871.
3- المغني 417:1، الشرح الكبير 465:1.
4- المغني 416:1، الشرح الكبير 465:1، حلية العلماء 14:2.
5- المجموع 21:3، فتح العزيز 11:3-12، المغني 418:1، الشرح الكبير 469:1، حلية العلماء 14:2.
6- سنن الترمذي 279:1-149، سنن أبي داود 107:1-393.
مسألة 27: الأكثر علي أن المعتبر بزيادة الظل قدر الشخص المنصوب

لأن يزيد بن خليفة قال للصادق عليه السلام: إن عمر بن حنظلة نبّأنا عنك بوقت، فقال: «إذن لا يكذب علينا» قلت: ذكر أنك قلت: إذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر الي أن يصير الظلّ قامة، و هو آخر الوقت، ثم لا تزال في وقت العصر حتي يصير الظلّ قامتين و ذلك المساء، قال: «صدق»(1) و عن الصادق عليه السلام قال: «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر، و إذا صار مثليك فصل العصر»(2).

و قال الشيخ: المعتبر قدر الظل الأول لا قدر الشخص(3) ، لأن يونس روي عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام قال: سألته عمّا جاء في الحديث أن: (صلّ الظهر إذا كانت الشمس قامة و قامتين، و ذراعا و ذراعين، و قدما و قدمين) كيف هذا و قد يكون الظلّ في بعض الأوقات نصف قدم ؟ قال:

«إنما قال: ظل القامة، و لم يقل: قامة الظل، و إذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظلّ القامة، و إذا كان ظلّ القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع و الذراعين، فهذا تفسير القامة و القامتين، و الذراع و الذراعين»(4) و الرواية مرسلة، و في طريقها صالح بن سعيد، و هو مجهول.

مسألة 28: أول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر،

و التحقيق أنه إذا زالت الشمس اختص الوقت بالظهر الي أن يمضي مقدار أربع ركعات في الحضر، و ركعتين في السفر و هو قدر أدائها، ثم يشترك الوقتان الي أن يبقي

ص: 306


1- الكافي 275:3-1، التهذيب 20:2-56، الاستبصار 260:1-932.
2- التهذيب 22:2-62، الاستبصار 248:1-891.
3- المبسوط للطوسي 73:1.
4- الكافي 277:3-7، التهذيب 24:2-67.

للغروب مقدار العصر إما أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) - و به قال مالك في رواية(2) - لأن أبا أمامة قال: صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا علي أنس و هو يصلي العصر فقلنا: يا أبا عمرة ما هذه الصلاة ؟! قال:

العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله التي كنّا نصلّي معه(3).

و لا يحتمل وقوعها بعد الظل، لانتفاء الموجب للتعجب حينئذ، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر(4) ، و لأنه يجوز الجمع بينهما في السفر، و لو لم يكن وقتا لهما لما جاز، كما لا يجوز الجمع بين العصر و المغرب في وقت إحداهما.

و قال ابن عباس: ألا أخبركم بصلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في السفر؟ كان إذا زالت الشمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال، و إذا سافر قبل الزوال أخّر الظهر حتي يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة»(6).

و قال بعض علمائنا: إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاّ أن3.

ص: 307


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 72:1، و سلاّر في المراسم: 62، و ابن إدريس في السرائر: 39، و المحقق في شرائع الإسلام 60:1.
2- المغني 416:1، حلية العلماء 14:2.
3- صحيح البخاري 144:1 و 145.
4- صحيح مسلم 489:1-705 و 491-54، سنن الترمذي 355:1-187، سنن النسائي 1: 290، سنن البيهقي 166:3، الموطأ 144:1-4.
5- سنن البيهقي 163:3.
6- الكافي 286:3-1، التهذيب 19:2-53.

الظهر قبل العصر(1) - و به قال ربيعة(2) - لقول العبد الصالح عليه السلام:

«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(3).

و قال الشافعي: أول وقت العصر من حين الزيادة علي المثل متصلا بوقت الظهر فلا يدخل الوقت إلا بعد أن يصير ظلّ كل شيء مثله(4) لحديث جبرئيل عليه السلام(5) و هو يدل علي الأفضلية.

و قال أبو حنيفة: يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه و زاد عليه أقل زيادة لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (6) و لو كان وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله كان وسط النهار(7).

و يضعف بأن الطرف إن قصد الحقيقي فهو آخر النهار كما يذهب إليه، و إن كان ما تراخي عن الوسط لم يبطل به قول الشافعي.

مسألة 29: آخر وقت العصر للفضيلة

إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه، و للإجزاء إلي الغروب عند أكثر علمائنا(8) - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(9) - لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (10) و قوله تعالي:

ص: 308


1- الفقيه 139:1-647.
2- المغني 418:1، الشرح الكبير 469:1.
3- التهذيب 244:2-966، الاستبصار 246:1-876.
4- المجموع 21:3، الام 73:1، فتح العزيز 14:3 و 19، المغني 417:1، الشرح الكبير 469:1.
5- سنن الترمذي 279:1-149، سنن أبي داود 107:1-393، سنن البيهقي 366:1.
6- هود: 114.
7- المبسوط للسرخسي 142:1، المغني 417:1، الشرح الكبير 469:1، المحلي 165:3.
8- منهم: المرتضي في الناصريات: 229 المسألة 72، و ابن زهرة في الغنية: 494، و المحقق في المعتبر: 137، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 60.
9- المجموع 21:3، كفاية الأخيار 51:1، بدائع الصنائع 123:1، حلية العلماء 15:2.
10- الاسراء: 78.

أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (1) و قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)(2). و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «وقت العصر الي غروب الشمس»(3).

و قال الشيخ في الخلاف: إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه للمختار، و للمعذور الي الغروب(4) ، و هو وجه للشافعي(5).

و قال أبو سعيد الإصطخري: إذا جاوز المثلين فقد خرج وقت العصر - و به قال مالك، و الثوري، و أحمد في رواية(6) - لحديث جبرئيل عليه السلام: (أنّه صلّي العصر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كلّ شيء مثليه، ثم قال: الوقت فيما بين هذين الوقتين)(7).

و من طريق الخاصة قول أبي الحسن عليه السلام: «كما أن رجلا لو أخّر العصر الي قرب أن تغيب الشمس لم تقبل منه»(8) و هما محمولان علي الأفضلية.

قال ابن عبد البر: أجمع العلماء علي أن من صلّي العصر و الشمس6.

ص: 309


1- هود: 114.
2- صحيح مسلم 424:1-608، الموطأ 6:1-5، سنن النسائي 258:1، سنن ابن ماجة 229:1-699 و 700، سنن الدارمي 278:1، سنن الترمذي 353:1-186، مسند أحمد 462:2، سنن أبي داود 112:1-412.
3- التهذيب 25:2-71، الاستبصار 261:1-937.
4- الخلاف 259:1 مسألة 5 و 271 مسألة 13 و انظر المبسوط للطوسي 72:1.
5- المجموع 27:3، عمدة القارئ 33:5، المهذب للشيرازي 59:1، حلية العلماء 15:2.
6- بداية المجتهد 94:1، القوانين الفقهية: 50، مقدمات ابن رشد 105:1، المغني 1: 418 و 419، الشرح الكبير 470:1، المجموع 25:3 و 26.
7- سنن الترمذي 279:1-280-149، سنن أبي داود 107:1-393، سنن الدار قطني 1: 256-1.
8- التهذيب 26:2-74، الاستبصار 258:1-259-926.

بيضاء نقية فقد صلاّها في وقتها(1).

و قال أحمد في رواية: آخر وقتها اصفرار الشمس - و به قال أبو ثور، و أبو يوسف، و محمد، و الأوزاعي(2) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(وقت العصر ما لم تصفر الشمس)(3).

و يحمل علي الفضيلة لأنه مجهول فلا يناط به الفعل.

مسألة 30: أول وقت المغرب غروب الشمس

بإجماع العلماء، و اختلف علماؤنا في علامته فالمشهور - و عليه العمل - إذا ذهب الشفق المشرقي لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا أقبل الليل من هنا، و أدبر النهار من هنا، و غربت الشمس، أفطر الصائم)(4) و قول الصادق عليه السلام: «وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق و ذهبت الصفرة و قبل أن تشتبك النجوم»(5) و عنه عليه السلام: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»(6).

و قال بعضهم: سقوط القرص(7) و هو ظاهر في الصحاري، و أما في العمران و الجبال فيستدل عليه بأن لا يبقي شيء من الشعاع علي رءوس الجدران، و قلل الجبال، و عليه الجمهور كافة(8).

ص: 310


1- المغني 419:1، الشرح الكبير 470:1.
2- المغني 419:1، الشرح الكبير 470:1.
3- سنن أبي داود 109:1-396، سنن النسائي 260:1، مسند احمد 210:2 و 223.
4- صحيح مسلم 772:2-1100، سنن أبي داود 304:2-2351، سنن البيهقي 216:4.
5- التهذيب 257:2-1024.
6- الكافي 278:3-1، التهذيب 29:2-83، الاستبصار 265:1-959، علل الشرائع: 349 باب 60 الحديث 1.
7- قاله الشيخ في المبسوط 74:1.
8- المجموع 29:3، فتح العزيز 20:3 و 21، المغني 424:1، الشرح الكبير 472:1، بداية المجتهد 95:1.
مسألة 31: و آخره للفضيلة إلي ذهاب الشفق،

و للإجزاء الي أن يبقي لانتصاف الليل قدر العشاء، لأن عبد اللّه بن عباس قال: الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلي المغرب و العشاء(1) ، و لو لم يكن الوقت ممتدا لما وجب، لأن عذرها قد عمّ الوقت.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه افترض أربع صلوات، صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الي غروبها إلا أن هذه قبل هذه و اثنتان وقتهما من غروب الشمس الي انتصاف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه»(2) و لأن وقت العشاء ممتد الي الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنهما صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر و العصر.

و قال الشيخ، و المرتضي، و ابن أبي عقيل: آخره للمختار الي ذهاب الشفق، و للمضطر الي الانتصاف بقدر العشاء(3) و في قول آخر للشيخ: آخره ثلث الليل(4) و في رواية إلي ربع الليل(5) ، و به قال ابن الجنيد، و هو قول للمرتضي(6).

و للمضطر الي أن يبقي لطلوع الفجر قدر العشاء.

و قال الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق، و داود، و أبو ثور، و ابن المنذر، و الزهري: آخره غيبوبة الشفق المغربي، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(7) ، لأن النبيّ عليه السلام قال: (وقت المغرب ما لم يسقط ثور

ص: 311


1- سنن البيهقي 376:1.
2- التهذيب 25:2-72، الاستبصار 261:1-938.
3- المبسوط 74:1-75 و حكاه عنهم المحقق في المعتبر: 137.
4- لم نجده في المصادر المتوفرة لدينا.
5- التهذيب 31:2-94، الاستبصار 267:1-964.
6- حكي قولهما المحقق في المعتبر: 137.
7- اللباب 56:1، المغني 424:1، الشرح الكبير 472:1، المنتقي 14:1، المجموع 3: 290، حلية العلماء 16:2.

الشفق)(1) و ثور الشفق هو انتشار الشفق، و قال الشافعي في الجديد و القديم: إنّ لها وقتا واحدا - و هو قول مالك - و هو يدخل بسقوط جميع القرص(2).

و اختلفت الشافعية في قدره، فبعضهم قال: قدره بقدر الطهارة، و لبس الثياب، و الأذان و الإقامة، و فعل ثلاث ركعات بسور قصار، و السنة ركعتين خفيفتين، فإذا جاز ذلك فقد خرج وقت المغرب و صارت قضاء.

و قال آخرون: مقدار الأذان و الإقامة، و خمس ركعات قصار، فأمّا الطهارة، و لبس الثياب فيمكن تقديمهما علي الوقت فلا يكون قدر إمكانهما من الوقت(3) لأن جبريل عليه السلام صلي المغرب في اليومين في وقت واحد(4).

و قال مالك: يمتد وقتها الي طلوع الفجر - و به قال عطاء، و طاوس(5) - كما يقول في الظهر و العصر.

مسألة 32: أول وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب،

لكن الأفضل تأخيرها إلي سقوط الشفق، و هو اختيار المرتضي في الجمل، و ابن الجنيد(6) - لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جمع بين المغرب و العشاء من غير خوف و لا سفر(7) ، و في رواية أخري: من

ص: 312


1- صحيح مسلم 427:1-172، سنن أبي داود 109:1-396، سنن النسائي 260:1.
2- المجموع 29:3 و 34، فتح العزيز 23:3، المنتقي 14:1، المغني 424:1، الشرح الكبير 472:1، سنن الترمذي 305:1 ذيل الحديث 164.
3- المجموع 31:3 و 32، فتح العزيز 23:3 و 24، كفاية الأخيار 52:1، حلية العلماء 16:2.
4- سنن أبي داود 107:1-393.
5- مقدمات ابن رشد 106:1، المجموع 34:3، المغني 424:1، الشرح الكبير 472:1.
6- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 138 و يوجد قول السيد في الجمل: 30 (ضمن المجموع الرائق).
7- صحيح مسلم 489:1-705، سنن النسائي 290:1، الموطأ 144:1-4، سنن البيهقي 166:3.

غير خوف و لا مطر(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الي نصف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه»(2) و عن الصادق عليه السلام «صلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله المغرب و العشاء قبل الشفق من غير علّة في جماعة»(3).

و للشيخ قول آخر: إن أول وقتها سقوط الشفق - و هو قول آخر للمرتضي(4) ، و قول الجمهور كافة(5) - لأن جبرئيل أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يصلي العشاء حين غاب الشفق، و في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(6). و هو محمول علي الاستحباب.

مسألة 33: و اختلفوا في الشفق،

فذهب أصحابنا إلي أنه الحمرة لا البياض، و به قال ابن عمر، و ابن عباس، و عطاء، و مجاهد، و سعيد بن جبير، و الزهري، و مالك، و الشافعي، و الثوري، و ابن أبي ليلي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو يوسف، و محمد(7) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت

ص: 313


1- سنن النسائي 290:1، سنن الترمذي 355:1-187، سنن البيهقي 167:3.
2- الكافي 281:3-12، التهذيب 27:2-78، الإستبصار 262:1-941.
3- الكافي 286:3-1، التهذيب 263:2-1046، الاستبصار 271:1-981.
4- المبسوط للطوسي 75:1، النهاية: 59، الخلاف 262:1، المسألة 7، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 229، المسألة 74.
5- المجموع 38:3، فتح العزيز 27:3، المغني 426:1، الشرح الكبير 474:1، بداية المجتهد 96:1.
6- سنن النسائي 263:1، سنن الترمذي 279:1-149، سنن أبي داود 107:1-393، سنن الدار قطني 256:1.
7- الام 74:1، المجموع 38:3 و 42 و 43، رحمة الأمة 37:1 و 38، المغني 1: 426، الشرح الكبير 473:1، الهداية للمرغيناني 39:1.

الصلاة)(1).

و قال أبو حنيفة، و زفر، و الأوزاعي، و المزني: أنه البياض(2) لأن أبا مسعود الأنصاري قال: رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلي هذه الصلاة حين يسودّ الأفق(3). و لا حجة فيه لأنه إذا غابت الحمرة اسود الأفق، لأنّ البياض ينزل و يخفي، علي أنه يجوز تأخيرها الي ذلك.

و حكي عن أحمد: أن الشفق: البياض في الحضر، لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران، فإذا غاب البياض علم الدخول(4).

مسألة 34: و آخر وقت العشاء للفضيلة إلي ثلث الليل، و للإجزاء إلي نصفه

- و هو قول المرتضي، و ابن الجنيد(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و به قال ابن المبارك، و الثوري، و أبو ثور، و أحمد في رواية(6) - لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص (و وقت العشاء الي نصف الليل)(7) ، و عن أنس قال: أخّر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله العشاء الي نصف الليل(8).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها غسق الليل»(9) و هو نصف الليل.

ص: 314


1- سنن البيهقي 373:1، سنن الدار قطني 269:1-3.
2- المجموع 43:3، المبسوط للسرخسي 144:1، الهداية للمرغيناني 39:1، المغني 1: 426، الشرح الكبير 473:1.
3- سنن أبي داود 108:1-394، سنن الدار قطني 250:1-1.
4- المغني 425:1، مسائل أحمد: 27.
5- حكي قولهما في المعتبر: 138.
6- المجموع 39:3، فتح العزيز 28:3، المغني 428:1، الشرح الكبير 474:1.
7- صحيح مسلم 427:1-172.
8- صحيح البخاري 150:1.
9- الفقيه 141:1-657، التهذيب 30:2-88، الاستبصار 264:1-953.

و للشيخ قول آخر: أنه ثلث الليل(1) ، و هو القول الثاني للشافعي - و به قال أبو هريرة، و عمر بن عبد العزيز، و مالك، و أحمد في رواية(2) لأن جبريل عليه السلام صلّي العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(3) و لأن الثلث متيقن، و الزائد عليه مشكوك فيه فلا يصار إليه.

و قال أبو حنيفة: آخره طلوع الفجر(4) - و هو رواية لنا(5) - لقوله عليه السلام: (لا يخرج وقت صلاة حتي يدخل وقت أخري)(6) و نحن نقول بموجبه إذ بعد نصف الليل يدخل وقت صلاة الليل، و لم يتعرض في الحديث للوجوب.

و اختلفت الشافعية فقال بعضهم: إذا خرج النصف، أو الثلث فقد خرج وقت الاختيار، و وقت الأداء باق الي طلوع الفجر(7) ، و علي قياس قول أبي سعيد يخرج الوقت(8) ، و قال أبو حامد: إذا خرج ثلث الليل فات الوقت(9).1.

ص: 315


1- النهاية: 59.
2- المجموع 39:3، فتح العزيز 28:3، الوجيز 33:1، المهذب للشيرازي 59:1، بداية المجتهد 97:1، القوانين الفقهية: 50، أقرب المسالك: 12، المغني 427:1، الشرح الكبير 474:1.
3- سنن الترمذي 279:1-149، سنن أبي داود 107:1-393، سنن الدار قطني 256:1-1.
4- المبسوط للسرخسي 145:1، شرح فتح القدير 197:1، الهداية للمرغيناني 39:1، شرح العناية 196:1، بدائع الصنائع 124:1، اللباب 57:1.
5- التهذيب 270:2-1076.
6- المبسوط للسرخسي 145:1.
7- المجموع 39:3-40، الوجيز 33:1، كفاية الأخيار 52:1.
8- المجموع 36:3.
9- انظر الوجيز 33:1.
مسألة 35: أول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني

- و هو البياض المعترض في أفق السماء - و يسمي الصبح الصادق، لأنه صدقك عن الصبح، و سمّي صبحا لأنه جمع بين حمرة و بياض، و لا عبرة بالأول الكاذب الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان، و يسمي الخيط الأسود - و هو قول العلماء كافّة - و لا يتعلق بالفجر الأول حكم بحال.

قال الباقر عليه السلام: «الفجر هو الخيط الأبيض، و ليس هو الأبيض صعدا، و لا تصلّ في سفر و لا حضر حتي تتبيّنه»(1).

مسألة 36: و آخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح، و للإجزاء إلي طلوع الشمس
اشارة

- و به قال أبو حنيفة(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (وقت الفجر ما لم تطلع الشمس)(3) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:

«وقت الغداة ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس»(4).

و قال الشيخ: وقت المختار الي أن يسفر الصبح، و للمضطر الي طلوع الشمس(5) ، و به قال الشافعي و أحمد(6) لأنّ جبرئيل عليه السلام صلي الصبح في اليوم الثاني حين أسفر(7) ، و هو يدل علي الأفضلية.

البحث الثاني: في وقت النوافل اليومية.
مسألة 37: وقت نافلة الظهر من الزوال الي أن يصير ظل كل شيء

ص: 316


1- التهذيب 36:2-37-115، الاستبصار 274:1-994، و الكافي 282:3-1 و فيه عن أبي جعفر الثاني عليه السلام.
2- بدائع الصنائع 122:1، بداية المجتهد 97:1.
3- صحيح مسلم 427:1-172، سنن أبي داود 109:1-396، سنن البيهقي 378:1.
4- التهذيب 36:2-114، الاستبصار 275:1-998.
5- الخلاف 267:1 المسألة 10.
6- المجموع 43:3، المغني 429:1.
7- سنن الترمذي 280:1-149، سنن أبي داود 107:1-393، سنن الدار قطني 256:1-1.

مثله، و نافلة العصر حتي يصير الظل مثليه، قاله الشيخ في الخلاف و الجمل و المبسوط(1).

و في النهاية: نافلة الظهر حتي تبلغ زيادة الظل قدمين، و العصر أربعة أقدام(2) - لقول الصادق عليه السلام: «كان حائط مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قامة، فإذا مضي من فيئه ذراع صلّي الظهر، و إذا مضي ذراعان صلّي العصر. ثم قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان ؟ لمكان الفريضة، لك أن تتنفل من زوال الشمس الي أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة»(3) و هو يدل علي بلوغ المثل و المثلين لأن التقدير أن الحائط ذراع، فحينئذ ما روي من القامة و القامتين(4) جار هذا المجري لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: القامة ذراع»(5).

و قال الشافعي في أحد الوجهين: وقت نافلة الظهر ما لم تصل الفرض و في الآخر: ما لم يخرج وقت الفرض(6).

و قال أحمد: كلّ سنّة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها الي فعل الصلاة، و كلّ سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة الي خروج وقتها(7).

مسألة 38: وقت نافلة المغرب بعدها الي أن تذهب الحمرة المغربية

ص: 317


1- الخلاف 257:1 المسألة 4 و 525 المسألة 266، الجمل و العقود: 174، المبسوط 76:1.
2- النهاية: 60.
3- المعتبر: 139، الفقيه 140:1-653، التهذيب 19:2-20-55، الاستبصار 250:1-899، و في غير المعتبر: عن أبي جعفر عليه السلام.
4- التهذيب 19:2-52 و 251-994، و الاستبصار 247:1-883 و 256-917.
5- التهذيب 251:2-995، الاستبصار 251:1-900.
6- المجموع 11:4.
7- المغني 800:1، الشرح الكبير 770:1.

- و به قال الشافعي في وجه(1) - لأنه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فينبغي اشتغاله بالنافلة، و لقول الصادق عليه السلام: «كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلّي ثلاثا المغرب، و أربعا بعدها»(2) و في وجه للشافعي: تمتد سنّة المغرب إلي أن يصلّي صلاة العشاء(3) ، فإذا ذهب الشفق خرج وقتها، لأنه ابتداء وقت فريضة أخري فلا يسوغ التطوع، لقول الباقر عليه السلام: «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع»(4).

و أما وقت الوتيرة فيمتد بامتداد وقت العشاء، لأنها نافلة تتبعها فيمتد وقتها بامتداد وقت متبوعها، و للشافعي وجهان: أحدهما: امتداد وقت نافلة العشاء الي طلوع الفجر، لأنه وقت العشاء عنده، و الثاني: الي أن يصلّي الصبح(5).

مسألة 39: و وقت صلاة الليل بعد انتصافه،

و كلّما قرب من الفجر كان أفضل، و عليه علماؤنا.

و قال الشافعي: الأفضل أن يوقعها بعد نصف الليل قبل الفجر بسدس الليل(6) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك.

و هو معارض بقول عائشة: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ينام أول الليل و يحيي آخره(7) ، و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «أفضل

ص: 318


1- المجموع 11:4.
2- الكافي 443:3-5، التهذيب 4:2-4، الاستبصار 218:1-219-774.
3- المجموع 11:4.
4- التهذيب 167:2-661 و 247-982، الاستبصار 252:1-906.
5- المجموع 11:4.
6- الام 143:1، المجموع 44:4، كفاية الأخيار 54:1.
7- صحيح البخاري 66:2، صحيح مسلم 510:1-739، سنن ابن ماجة 1: 434-1365، سنن النسائي 218:3، مسند احمد 102:6 و 253.

ساعات الليل الثلث الباقي»(1) و سئل الصادق عليه السلام متي أصلّي صلاة الليل ؟ قال: «صلّها آخر الليل»(2) و قوله تعالي وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3) يدل عليه، و لأنه يكره النوم بعدها لقول أبي الحسن الهادي عليه السلام: «إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر، و لك ضجعة بغير نوم، فإن صاحبه لا يحمد علي ما قدّم من صلاته»(4).

مسألة 40: ركعتا الفجر، لعلمائنا قولان،

أحدهما: أنهما يدخلان بطلوع الفجر الأول، قاله المرتضي(5) لقول الصادق عليه السلام: «صلّهما بعد ما يطلع الفجر»(6) ، و الثاني: بعد صلاة الليل و إن لم يكن قد طلع الفجر، اختاره الشيخان(7) لقول الباقر عليه السلام و قد سئل الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: «قبل طلوع الفجر»(8) و عنه عليه السلام: «أنّهما من صلاة الليل»(9) و الأقوي جواز فعلهما بعد صلاة الليل، و استحباب تأخيرهما إلي طلوع الفجر الأول جمعا بين الأدلة.

و قال الشافعي: يدخل وقتهما بطلوع الفجر(10).

و آخر وقتهما طلوع الحمرة فيقدم علي الفريضة إلي أن تطلع الحمرة،

ص: 319


1- التهذيب 339:2-1401.
2- التهذيب 335:2-1382.
3- الذاريات: 18.
4- التهذيب 137:2-534.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 141.
6- التهذيب 134:2-523، الإستبصار 284:1-1040.
7- المقنعة: 13، الجمل و العقود: 174، المبسوط للطوسي 76:1.
8- الكافي 448:3-25، التهذيب 132:2-509، الاستبصار 283:1-1027.
9- التهذيب 133:2-513، الاستبصار 283:1-1031.
10- المجموع 11:4، فتح العزيز 276:4.

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا أذّن المؤذّن، و طلع الفجر صلّي ركعتين(1) ، و قال الصادق عليه السلام و قد سئل عن ركعتي الفجر: «صلّهما قبل الفجر، و مع الفجر، و بعد الفجر»(2).

و قال الشافعي: ما لم يصلّ الصبح، لأنّه لم ينقل عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله تأخيرهما عن الفرض، و له قول: الي طلوع الشمس، لأنّهما تابعتان للفريضة، و كان وقتهما وقت الفريضة، و بعض الشافعية قال: يمتد وقتهما الي زوال الشمس كالوتر(3).

فإن ظهرت الحمرة و لم يصلّهما بدأ بالفرض، و قضاهما بعد الغداة لقول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الرجل لا يصلي الغداة حتي يسفر و تظهر الحمرة، و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخرهما؟ قال:

«يؤخرهما»(4).

و روي استحباب إعادتهما بعد الفجر لو صلاّهما قبله، قال الباقر عليه السلام: «إني لأصلّي صلاة الليل فأفرغ و أصلّي الركعتين و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما»(5).

البحث الثالث: في وقت المعذورين.
اشارة

و نعني بالعذر ما أسقط القضاء، و بوقت المعذورين الوقت الذي يصير فيه الشخص من أهل وجوب الصلاة عليه بزوال الأسباب المانعة من الوجوب، و هي أربعة: الجنون، و في معناه الإغماء، و الصبي، و الكفر،

ص: 320


1- سنن الدارمي 336:1 و 337.
2- التهذيب 134:2-522، الاستبصار 284:1-1039.
3- المجموع 11:4، فتح العزيز 276:4.
4- التهذيب 340:2-1409.
5- التهذيب 136:2-528، الاستبصار 285:1-1045.

و الحيض، و في معناه النفاس، و كل واحد من هذه إما أن يوجد أول الوقت، أو آخره، أو يعم الجميع.

مسألة 41: إذا وجد العذر في أول الوقت و زال في آخره
اشارة

فإن بقي من الوقت مقدار الطهارة و أداء الصلاة وجب فعلها، فإن أهمل وجب القضاء بلا خلاف، و لو قصر الوقت فإن وسع الطهارة و أداء ركعة من الصلاة فكالأول بلا خلاف، لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، و من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)(1).

و لو قصر عن ركعة لم تجب عندنا - و به قال مالك، و المزني، و الشافعي في قول(2) - لأن الحديث دلّ علي اعتبار الركعة في إدراك الصلاة، و للإجماع علي أن المسبوق يدرك الجمعة بإدراك ركعة لا ما دونها فكذا هنا، و لأنه أدرك ما لا يقع فيه ما يكون صلاة بانفراده فلا يكون مدركا لها كما لو قصر عن إدراك التكبيرة.

و للشافعي قول آخر: إدراك الصلاة بإدراك تكبيرة الافتتاح - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(3) - لأنه أدرك جزءا من الوقت، و تمكّن من الفعل، فصار كما لو أدرك ركعة من الصلاة، و لأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب استوي فيه الركعة و غيرها كالمسافر إذا اقتدي بالمقيم في الركعة الأخيرة فإنّا نلزمه بالإتمام و إن أدركه بعد الركوع. و نمنع التمكن من الفعل، و ينتقض بما لو أدرك بعض

ص: 321


1- صحيح البخاري 151:1، صحيح مسلم 424:1-608، سنن الترمذي 353:1-186، سنن النسائي 257:1 و 258، سنن الدارمي 278:1.
2- المجموع 65:3. فتح العزيز 70:3، مختصر المزني: 12، بداية المجتهد 100:1، المغني 420:1، الشرح الكبير 478:1.
3- مختصر المزني: 12، المجموع 65:3، فتح العزيز 68:3، بدائع الصنائع 1: 96، المغني 421:1، الشرح الكبير 478:1.

التكبيرة، و نمنع الأصل في الثاني، و سيأتي.

فروع:

أ - إذا أدرك من الصلاة ركعة وجبت تلك و لا يجب ما قبلها، أمّا إذا كانت مما لا يجمع إليها فبالإجماع كالظهر مع الصبح، و أما إذا كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر، و المغرب مع العشاء فكذا عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد أقواله(1) - لأن الظهر و المغرب خرج وقتهما في حال العذر فلا يجبان عليه، كما لو خرج وقت العصر و العشاء معذورا، و لأنّ التكليف يستدعي وقتا يتسع له، و إلاّ لزم التكليف بما لا يطاق، و مع سقوط الوجوب أداء يسقط قضاء، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأت المرأة الطهر في وقت الصلاة، ثم أخرت الغسل حتي يدخل وقت صلاة أخري كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها»(2) و سئل الباقر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولي ؟ قال: «لا، إنّما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها»(3) و قال الصادق عليه السلام: «إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر و العصر، و إن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر»(4).

و للشافعي أربعة أقوال أخر:

أ - إنها تدرك الفريضتين بإدراك ركعة واحدة فيدرك الظهر و العصر بإدراك ركعة من العصر، لأن عبد الرحمن بن عوف، و عبد اللّه بن عباس أوجبا علي الحائض التي تطهر قبل طلوع الفجر بركعة المغرب و العشاء، و لا نعرف لهما مخالفا، و لأنّ وقت الثانية وقت الاولي في حال العذر فإنه من أدرك عصر يوم

ص: 322


1- المجموع 66:3، فتح العزيز 74:3 و 77، حلية العلماء 26:2، المغني 441:1.
2- الكافي 103:3-3، التهذيب 391:1-1208، الإستبصار 145:1-496.
3- الكافي 102:3-2، التهذيب 389:1-1198، الاستبصار 142:1-484.
4- التهذيب 390:1-1201، الاستبصار 142:1-487.

فقد أدرك ظهره، و لهذا لو أفاق المجنون فيه لزمه الفرضان(1).

و الأصل فيه أن آخر وقت العصر هل يصلح وقتا للظهر؟ قولان عنده(2) ، فإن كان وقتا صلح لهما فوجبا معا، و إلاّ فلا، و يحمل قول ابن عباس علي الاستحباب.

و قد روي من طريق الخاصة نحوه، قال الصادق عليه السلام: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر»(3) و هو محمول علي إدراك ما زاد علي أربع، و نمنع اتحاد الوقت و الحكم في الأصل.

ب - بإدراك أربع و تكبيرة، أو ثلاث و تكبيرة(4).

ج - أنّها تدرك الفرضين بإدراك تكبيرة خاصة(5).

د - بإدراك ركعة و تكبيرة.

ب - لا بد من اعتبار إدراك الطهارة مع الركعة - و هو أحد قولي الشافعي - لأنه (لا صلاة إلاّ بطهور)(6) فلا يدرك الصلاة بدون إدراك الطهور، و أصح وجهي الشافعي: المنع، لأنّ الطهارة لا تشترط في الإلزام بل في الصحة(7).3.

ص: 323


1- المجموع 65:3 و 66، فتح العزيز 73:3، المغني 442:1، الشرح الكبير 482:1.
2- فتح العزيز 74:3، المهذب للشيرازي 61:1.
3- التهذيب 390:1-1203، الاستبصار 143:1-489.
4- المجموع 66:3، فتح العزيز 80:3-81.
5- مختصر المزني: 12، المجموع 66:3، فتح العزيز 74:3 و 80، مغني المحتاج 132:1.
6- الفقيه 22:1-67، التهذيب 140:2-45 و 546.
7- المجموع 66:3، فتح العزيز 79:3.

أما الصبي، فإن قلنا: إن طهارته شرعية، فتطهّر ثم بلغ بغير المبطل لم يشترط سوي إدراك الركعة له خاصة.

ج - المشترط إدراك ركعة تامة الأفعال الواجبة خاصة دون المندوبة و هو يحصل بإدراك النية، و تكبيرة الافتتاح، و قراءة الفاتحة، و أخف السور إن قلنا بوجوبها، و الركوع ذاكرا فيه أقل الواجب، و السجدتين ذاكرا فيهما أقل الواجب، و الطمأنينة في ذلك كله أقل الواجب، و في الرفع من الركوع و السجدتين.

د - شرط اللزوم أن يبقي سليما عن الموانع مدة إمكان الوضوء و الصلاة، فلو عاد المانع قبل ذلك سقط كما لو طهرت الحائض ثم جنّت، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت.

ه - لو أدرك مقدار خمس ركعات فالأشهر وجوب الصلاتين، و للشيخ قول باستحبابهما(1) ، و ليس بجيد. و هل الأربع في مقابلة العصر و الزائدة في مقابلة الظهر أو بالعكس ؟ الظاهر عندنا الأول، لورود النص عن الأئمة عليهم السلام أنه لو بقي لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجبت العشاء خاصة(2) - و هو أحد قولي الشافعية - لأن الظهر تابعة للعصر في الوقت و اللزوم، فليكن الأكثر في مقابلة المتبوع. و الثاني: الأولي لأنها السابقة(3).

و تظهر الفائدة فيما لو أدرك في آخر وقت العشاء مقدار أربع، فإن قلنا في الصورة الأولي الأربع للظهر وجبت هنا الصلاتان ثلاث للمغرب، و ركعة للعشاء، و إن قلنا الأربع للعصر وجبت العشاء خاصة و لا تجب المغرب إلاّ3.

ص: 324


1- المبسوط للطوسي 73:1.
2- التهذيب 28:2-82، الاستبصار 263:1-945.
3- فتح العزيز 76:3.

بإدراك خمس.

و - قال الشيخ في التهذيب: الذي أعوّل عليه أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس - قبل أن يمضي منه أربعة أقدام - فإنه يجب عليها قضاء الظهر و العصر، و إن طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير، و يستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها قبل مغيب الشمس(1).

و هو بناء علي الأقدام، و الراوي الفضل بن يونس(2) و هو واقفي.

ز - قد بيّنا أن إدراك الركعة سبب لإدراك الفريضة إجماعا، لكن الخلاف في أنه يكون مؤديا للجميع، أو قاضيا لما يقع خارج الوقت ؟ و عندي فيه إشكال ينشأ من قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الصبح)(3). و من أنّها عبادة موقتة فعلت بعد خروج وقتها، و لا معني للقضاء سوي ذلك.

إذا ثبت هذا فإن قلنا إن الواقع خارجا قضاء فهل ينوي القضاء أم لا؟ الأقرب العدول بالنية إليه إذ الأفعال إنّما تقع علي الوجوه و الاعتبارات المقصودة.

و للشافعي ثلاثة أوجه: المذكوران، و كون الجميع قضاءا نظرا الي آخر الصلاة(4) - و هو اختيار المرتضي(5) - و له قول رابع: إن أدرك ركعة في الوقت1.

ص: 325


1- التهذيب 391:1 ذيل الحديث 1207.
2- هذا الراوي يقع في سند الحديث 1199 من التهذيب 389:1 فراجع.
3- صحيح البخاري 151:1، صحيح مسلم 424:1-608، سنن الترمذي 353:1-186، سنن النسائي 257:1 و 258، سنن الدارمي 278:1.
4- المجموع 62:3-63، المهذب للشيرازي 60:1.
5- حكاه عنه الشيخ في الخلاف 268:1 المسألة 11.

فالكل أداء و إلاّ فالجميع قضاء - و به قال أحمد(1) - لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)(2).

و عند أبي حنيفة لو طلعت الشمس في أثناء صلاة الصبح بطلت و لم يكن أداء و لا قضاء(3).

مسألة 42: لو وجد العذر في آخر الوقت،
اشارة

بأن يطرأ بعد دخول الوقت و إنما يتحقق في الحيض، و النفاس، و الجنون، و الإغماء، دون الصبا، و الكفر الأصلي، فإن كان الماضي من الوقت قدر ما يتسع للطهارة و الصلاة الكاملة استقرت في الذمة، و عليه القضاء مع الإهمال بعد زوال العذر عند علمائنا - و هو أصح قولي الشافعي(4) - لأنه تمكن من الأداء و قد خوطب به و أهمل فلزمه القضاء كما لو تجدد العذر بعد الوقت.

و قال أبو حنيفة، و مالك: لا تلزمه تلك الصلاة ما لم يدرك آخر الوقت - و هو قول للشافعي(5) - لأن المسافر لو دخل عليه الوقت في بلده ثم سافر في أثناء الوقت قبل الصلاة قصّر، و لو كان قد استقر الفرض في ذمته لما جاز القصر، و هو ممنوع.

فروع:

أ - المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة، فلو طوّلت الصلاة بالقراءة فحاضت في خلالها و الماضي بقدر الخفيفة وجب القضاء، و لا بدّ من إدراك

ص: 326


1- المجموع 63:3، المغني 420:1.
2- صحيح البخاري 151:1، صحيح مسلم 424:1-608، سنن الترمذي 353:1-186، سنن النسائي 257:1 و 258، سنن الدارمي 278:1.
3- المبسوط للسرخسي 152:1، حلية العلماء 18:2.
4- المجموع 67:3، فتح العزيز 89:3، الوجيز 34:1، المهذب للشيرازي 61:1.
5- المجموع 67:3، فتح العزيز 90:3.

الطهارة إن كان محدثا في أول الوقت، و لو كان متطهرا لم يشترط قدر زمانها.

و عند الشافعي يشترط إن كان ممن لا يصح طهره قبل الوقت كالمتيمم، و المستحاضة، و إن كان ممن يصح طهره قبل الوقت فوجهان: الاعتبار، لأن الصلاة لا تصح بدونها. و عدمه، لأن الطهارة لا تختص بوقت(1).

ب - لو أدرك من أول الوقت مقدار ركعة أو ركعتين، ثم طرأ العذر لم يلزمه قضاء الصلاة عندنا بعد العذر - و به قال الشافعي - لعدم تمكنه من الفعل، و قال بعض الشافعية: يجب القضاء كما لو أدرك هذا الوقت من آخره(2) ، و الفرق تمكنه من إتمام الفعل لو أدرك قدر الركعة آخر الوقت بخلاف صورة النزاع فإنه لا يتمكن من إتمامه.

ج - لو أدرك من أول الوقت مقدار خمس ركعات لم يلزمه العصر - و هو ظاهر مذهب الشافعية - لما تقدم(3) ، و قال بعضهم: يلزمه العصر كما لو أدرك هذا الوقت من آخر وقت العصر يلزمه قضاء الظهر، و الفرق أن وقت الظهر جعل وقتا للعصر علي سبيل التبع للظهر، و لهذا لو بدأ بالعصر قبل الظهر لم يصح و لم يلزم العصر بإدراكه، و أما وقت العصر فقد جعل وقتا للظهر لا علي سبيل التبع للعصر، بل إنّه لو ابتدأ بالظهر قبل العصر صحت صلاته(4). أمّا لو مضي مقدار الطهارة و أداء ثمان ركعات فإن الصلاتين تجب عليه عندنا، إذ وقت العصر بعد الفراغ من الظهر، و قال الشافعي: تجب الظهر خاصة(5).1.

ص: 327


1- المجموع 67:3-68، فتح العزيز 91:3.
2- المجموع 67:3، المهذب للشيرازي 61:1، فتح العزيز 91:3.
3- تقدم في فرع (ب).
4- المهذب للشيرازي 61:1، فتح العزيز 92:3.
5- فتح العزيز 93:3، الوجيز 34:1.

د - لو خلا الوسط عن العذر و حصل في الطرفين كان حكمه حكم هذا القسم، لا حكم الخالي آخره، فلو بلغ صبي في أول الوقت ثم جنّ، أو أفاقت المجنونة في أثناء الوقت ثم حاضت، أو تجدد الجنون فإن كان وقت زوال العذر يتسع للطهارة و تمام الصلاة وجب القضاء و إلاّ فلا.

مسألة 43: لو عمّ العذر الوقت سقط القضاء،
اشارة

فلو أسلم الكافر بعد خروج الوقت لم يكن عليه قضاء أيام كفره لقوله تعالي إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (1).

أما المرتد، فإنه يقضي أيام ردته بعد العود إلي الإسلام، لأنه التزم الصلوات بالإسلام فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين، و به قال الشافعي، و احمد في رواية، و في الثانية: لا يجب القضاء كالكافر الأصلي، و به قال أبو حنيفة، و مالك(2) ، و الفرق ظاهر.

و الحائض و النفساء إذا استغرق عذرهما الوقت سقط القضاء، و الصبي و المجنون لا تلزمهما الصلاة و لا قضاؤها إجماعا لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يبلغ، و عن النائم حتي يستيقظ، و عن المجنون حتي يفيق)(3) و إنما وجب القضاء علي النائم لقوله عليه السلام: (إذا نسي أحدكم صلاة، أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها)(4).

ص: 328


1- الأنفال: 38.
2- مختصر المزني: 16، المجموع 4:3، فتح العزيز 95:3، المهذب للشيرازي 57:1، الوجيز 34:1، المغني 444:1، الشرح الكبير 412:1-413، مغني المحتاج 130:1، تفسير القرطبي 403:7، بدائع الصنائع 95:1.
3- صحيح البخاري 59:7، سنن أبي داود 139:4-140-4398، سنن الترمذي 32:4-1، سنن ابن ماجة 658:1-2041، مسند أحمد 100:6، سنن الدارمي 171:2، و فيها نحوه.
4- سنن الترمذي 334:1-177، سنن أبي داود 119:1-435، سنن ابن ماجة 1: 228-298، سنن النسائي 294:1.

و أما الإغماء، فإن عم الوقت سقطت أداء و قضاءا كالجنون لأنه مسقط للتكليف - و به قال الشافعي، و مالك(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال و قد سئل عن المغمي عليه: (ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمي عليه فيفيق في وقتها فيصليها)(2). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه ؟ قال: «لا، إلا الصلاة التي أفاق في وقتها»(3).

و قال أبو حنيفة: إن أغمي عليه في خمس صلوات فما دون وجب عليه قضاؤها، و إن زادت علي ذلك سقط عنه فرض القضاء في الكل(4).

و قال أحمد: يجب القضاء في الجميع بكل حال(5) ، و احتجا بأن عمار ابن ياسر أغمي عليه يوما و ليلة فقضي(6) ، و هو محمول علي الاستحباب، و قد روي ذلك من طرقنا عن الصادق عليه السلام سئل عن المغمي عليه شهرا ما يقضي من الصلاة ؟ قال: «يقضيها كلها، إن أمر الصلاة شديد»(7).

فروع:

أ - المرتد إذا ترك شيئا حال إسلامه قبل الردة وجب قضاؤه عندنا - و به

ص: 329


1- الوجيز 34:1-35، مغني المحتاج 131:1، المنتقي 24:1، بداية المجتهد 1: 100، المغني 446:1، الشرح الكبير 411:1.
2- المغني 446:1، الشرح الكبير 411:1.
3- الفقيه 236:1-1040، التهذيب 304:3-933، الإستبصار 459:1-1780.
4- المغني 446:1، الشرح الكبير 411:1، المنتقي 24:1، المحلي 233:2، بداية المجتهد 100:1.
5- المغني 446:1، الشرح الكبير 411:1.
6- المغني 446:1.
7- التهذيب 305:3-938، الاستبصار 459:1-1785.

قال الشافعي، و أحمد في رواية(1) - لأن الردة غير مسقطة علي ما تقدم، و لأنه قد كان واجبا عليه و مخاطبا به قبل الردة فبقي الوجوب بحاله لأنه لم يأت به، و قال أبو حنيفة: لا يجب(2). لما تقدم.

ب - لو شرب مسكرا، أو دواء مرقدا، أو مزيلا للعقل فإن علم حاله وجب عليه القضاء و إلاّ فلا.

و لو شرب دواء فذهب عقله فإن شربه للتداوي و ليس الغالب فيه ذهاب العقل سقط القضاء، و إن شربه لزوال عقله لم يسقط.

و لو شرب مسكرا لم تصح صلاته إن لم يحصّل ما يفعله، و لا يسقط عنه فرض الصلاة بذلك لإجماع العلماء علي تكليف السكران لقول علي عليه السلام: «إنه إذا شرب سكر، و إذا سكر هذي، و إذا هذي افتري، فاجلدوه جلد المفتري»(3). فألزمه الصحابة بذلك حكم الافتراء في حال سكره.

ج - لو ارتد ثم جن فالوجه عدم قضاء أيام الجنون، و كذا لو سكر ثم جن لسقوط التكليف.

و قال الشافعي: يقضي المرتد أيام الجنون، و في قضاء السكران وجهان: القضاء لأن السكران يغلظ عليه أمر الصلاة كالمرتد، و المنع لأن المرتد في أيام جنونه مرتد حكما، و السكران في دوام الجنون ليس بسكران قطعا(4). و لو ارتدت المرأة، أو سكرت ثم حاضت لم يكن عليها قضاء أيام1.

ص: 330


1- المجموع 5:3، المغني 444:1، الشرح الكبير 413:1.
2- المجموع 4:3، بدائع الصنائع 95:1.
3- الموطأ 842:2-2، سنن البيهقي 321:8، سنن الدار قطني 166:3-245.
4- المجموع 9:3، فتح العزيز 99:3 و 101.

الحيض، و لا فرق بين أن يطرأ الحيض علي الردة، أو السكر.

د - لو عم النوم الوقت ثم انتبه بعد خروج الوقت فعليه القضاء إجماعا لقوله عليه السلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها)(1).

ه - لو شربت دواء فأسقطت و نفست لم تصلّ أيام النفاس، و لا قضاء بعد الطهر و ان قصدته، لأن النفاس ليس مقصود جنايتها، و للشافعية وجه في وجوبه لأنها عاصية به فكان حكمها حكم السكران(2) ، و الفرق أن السكران قصد بجنايته زوال عقله فأبقينا حكم الخطاب عليه.

مسألة 44: الصبي لا تجب عليه الصلاة ما لم يبلغ،
اشارة

لكن يستحب تمرينه بفعلها، و يستحب مطالبته بها إذا بلغ سبع سنين، و ضربه عليها إذا بلغ عشرا لقوله عليه السلام: (مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر)(3) و إنما ضرب بعد العشر لاحتمال البلوغ بالاحتلام، و هذا و إن لم يكن تكليفا لهم إلا أنه سائغ لاشتماله علي اللطف لهم بالتعويد علي ملازمة الصلاة عند البلوغ. و هل صلاته شرعية معتد بها؟ المشهور ذلك - و به قال الشافعي(4) خلافا لأبي حنيفة(5) - و لا قضاء عليه لو أخل بها

ص: 331


1- صحيح مسلم 477:1-315، سنن الترمذي 334:1-177، سنن النسائي 294:1، سنن ابن ماجة 228:1-698، سنن الدارمي 280:1، مسند أحمد 100:3.
2- المجموع 10:3، فتح العزيز 101:3.
3- سنن الترمذي 259:2-407، سنن أبي داود 133:1-494 و 495، سنن الدارمي 333:1.
4- المجموع 12:3، مغني المحتاج 132:1، المغني 445:1.
5- بدائع الصنائع 95:1، المجموع 12:3، المغني 445:1.

إجماعا لأن الأمر لم يكن أمر إيجاب بل إنما ثبت للتخلق، و مراعاة حق الوقت و حرمته، فإذا فات الوقت سقط.

فروع:

أ - لو صلي حالة الصغر ثم بلغ و الوقت باق فلا خلاف في استحباب الإعادة، و هل تجب ؟ الأقوي عندي ذلك - و به قال أبو حنيفة، و المزني، و حكاه القفال عن الشافعي(1) - لأنه الآن تعلق به الخطاب، و الفعل الأول لم يكن واجبا فلا يسقط ما تجدد وجوبه، و ظاهر مذهب الشافعي عدم الوجوب(2) ، و أصل اختلاف قوليه أنه إذا نوي الظهر و لم يقيّد النيّة بالفرضية هل تصح صلاته ؟ و سيأتي، فإن قيل بالصحة هناك فلا إعادة هنا، لأن الصبي قد نوي الظهر، و إن قلنا بالعدم وجبت هنا الإعادة، لأنّه ليس من أهل نية الفرضية.

ب - لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل استحب له أن يتم و يعيد بعد ذلك، و في وجوب الإعادة ما تقدم من الاختلاف، و لو ضاق الوقت إلاّ عن ركعة استأنف و نوي الفرضية، و لو قصر عن ركعة لم يجب الاستئناف و لا الإعادة و استحب الإتمام.

ج - الصبي إذا صلي الظهر يوم الجمعة، ثم بلغ قبل فواتها وجب عليه استئناف الجمعة - و هو قول بعض الشافعية(3) - لأنه مأمور بالجمعة لا الظهر.

و قال أكثر الشافعية: لا إعادة كالعبد إذا صلّي الظهر ثم عتق(4) ، و هو

ص: 332


1- مختصر المزني: 11، المجموع 12:3، الوجيز 34:1، بدائع الصنائع 95:1، المغني 445:1، الشرح الكبير 415:1.
2- المجموع 12:3، الوجيز 34:1، مغني المحتاج 132:1، المغني 445:1، الشرح الكبير 415:1.
3- المجموع 12:3، مغني المحتاج 132:1، فتح العزيز 85:3.
4- المجموع 12:3، الوجيز 34:1، مغني المحتاج 132:1، فتح العزيز 85:3.

غلط لأن العبد مأمور بالظهر فإذا صلاّها خرج عن العهدة فلم تلزمه الإعادة بخلاف الصبي.

د - لو بلغ في أثناء الوقت قبل الصلاة، فإن بقي من الوقت مقدار ركعة و الطهارة إن لم يكن متطهرا أو قدر ركعة إن كان وجب عليه الفعل، فإن أهمل وجب القضاء، و إن قصر عن ذلك لم يجب بل استحب.

البحث الرابع: في الأوقات المكروهة.
مسألة 45: الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة:

أ - عند طلوع الشمس الي ارتفاعها.

ب - عند غروبها.

ج - عند قيامها وسط النهار الي أن تزول إلاّ يوم الجمعة.

د - بعد صلاة الصبح الي طلوع الشمس.

ه - بعد العصر حتي تغرب الشمس.

اثنان من هذه متعلقة بالفعل و هما ما بعد صلاة الصبح حتي تطلع الشمس، و ما بعد العصر حتي تغرب، و ثلاثة للوقت لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إن الشمس تطلع و معها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، ثم إذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها)(1) و نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الصلاة في تلك الأوقات(2) ،

ص: 333


1- سنن ابن ماجة 397:1-1253، الموطأ 219:1-44، سنن النسائي 275:1، مسند أحمد 348:4.
2- سنن ابن ماجة 397:1-1253، الموطأ 219:1-44، سنن النسائي 275:1، مسند احمد 348:4.

و به قال الشافعي، و أحمد(1).

و قال ابن المنذر: لا يكره بعد العصر حتي تصفر الشمس، و إنما المنهي عنه ما رواه عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتي ترتفع، و حين يقوم قائم الظهيرة حتي تميل، و حين تتضيف الشمس للغروب حتي تغرب(2) ، و معني تتضيف أي تميل، و منه سمي الضيف، و التخصيص يدل علي نفي ما عداه، و عن علي عليه السلام أنه دخل فسطاطه فصلي ركعتين بعد العصر(3) ، و قال داود: يجوز فعل النافلة بعد العصر حتي تغرب الشمس(4).

مسألة 46: النهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة

فمن لم يصلّ لم يكره له التنفل و إن صلي غيره، و لو صلي العصر كره له التنفل و إن لم يصلّ غيره، و لا نعلم فيه خلافا بين المانعين.

و أما النهي بعد الصبح فإنه كذلك - و به قال الحسن، و الشافعي(5) - لأن النبي عليه السلام قال: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس، و لا صلاة بعد صلاة الفجر حتي تطلع الشمس)(6) و لقول الصادق عليه السلام: «لا صلاة بعد العصر حتي تصلي المغرب، و لا بعد الفجر حتي تطلع

ص: 334


1- الام 149:1، المجموع 166:4، المغني 790:1، الشرح الكبير 830:1.
2- سنن ابن ماجة 486:1-1519، سنن الترمذي 349:3-1030، سنن النسائي 275:1، سنن الدارمي 333:1، و انظر المغني 790:1، و الشرح الكبير 835:1.
3- سنن البيهقي 459:2.
4- المجموع 172:4.
5- المجموع 166:4، المغني 790:1، الشرح الكبير 832:1.
6- سنن الترمذي 343:1-345-183، سنن أبي داود 24:2-1276، سنن النسائي 1: 278، سنن الدارمي 333:1.

الشمس»(1).

و قال أصحاب الرأي: النهي متعلق بطلوع الفجر - و به قال ابن المسيب، و النخعي، و عن أحمد روايتان(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)(3) و في حديث آخر: (إذا طلع الفجر لا صلاة إلا ركعتا الفجر)(4).

مسألة 47: إنما تكره في هذه الأوقات نافلة

لا سبب لها متقدم علي هذه الأوقات و لا مقارن لها، فالنوافل الفائتة، و ذات السبب لا تكره في هذه الأوقات - و به قال الشافعي(5) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رأي قيس بن فهد يصلي بعد الصبح ركعتين فقال صلّي اللّه عليه و آله: (ما هاتان الركعتان يا قيس ؟) فقال: لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(6) ، و دخل صلّي اللّه عليه و آله علي أم سلمة بعد العصر فصلّي ركعتين فقالت أم سلمة: ما هاتان الركعتان ؟ فقال صلّي اللّه عليه و آله:

(ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد)(7).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قضاء النوافل فقال: «ما بين طلوع الشمس الي غروبها»(8) و سئل الكاظم عليه السلام

ص: 335


1- التهذيب 174:2-695، الإستبصار 290:1-1066.
2- المغني 790:1، الشرح الكبير 832:1.
3- سنن أبي داود 25:2-1278، سنن البيهقي 465:2.
4- كنز العمال 414:7-19583 (عن الطبراني).
5- المجموع 170:4، فتح الباري 46:2-47، المغني 793:1-795، الشرح الكبير 838:1.
6- سنن أبي داود 22:2-1267، سنن الترمذي 284:2-422، مسند أحمد 447:5.
7- سنن أبي داود 23:2-24-1273، سنن الدارمي 324:1 و 325.
8- التهذيب 272:2-1084، الاستبصار 290:1-1064.

عن قضاء صلاة الليل قال: «نعم بعد طلوع الفجر الي طلوع الشمس، و بعد العصر الي الليل»(1).

و قال المفيد رحمه اللّه: يكره النوافل أداء و قضاء عند طلوع الشمس و غروبها. و أجاز قضاءها بعد الصبح و العصر(2) ، و منع أبو حنيفة و مالك من قضاء النوافل في أوقات النهي، و ابتدائها و إن كان لها سبب(3) - و عن أحمد روايتان(4) - لعموم النهي(5) ، و الجواب: الخاص مقدم.

مسألة 48: النهي إنما هو كراهة عند علمائنا لا نهي تحريم
اشارة

لتعارض الأحاديث في المنع و التسويغ، و ورود لفظ الكراهة، و قال أبو حنيفة: لا يجوز لأن النهي يدل علي التحريم(6) ، و هو ممنوع خصوصا مع قيام المعارض.

إذا عرفت هذا فإن النهي عن التنفل لا عن الفرائض، فلا يكره عندنا قضاء الفرائض، و لا ابتداؤها في هذه الأوقات - و به قال علي عليه السلام، و النخعي، و الشعبي، و الحكم، و حماد، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور، و ابن المنذر، و أحمد بن حنبل(7) - لقوله عليه السلام:

ص: 336


1- التهذيب 173:2-689، الإستبصار 290:1-1060.
2- المقنعة: 23 و 35.
3- المبسوط للسرخسي 152:1 و 153، بدائع الصنائع 296:1، المنتقي 362:1 و 363، القوانين الفقهية: 53، الهداية للمرغيناني 40:1، فتح العزيز 113:3، فتح الباري 2: 46-47، المغني 794:1.
4- المغني 794:1، الشرح الكبير 841:1، فتح العزيز 113:3.
5- انظر علي سبيل المثال: سنن ابن ماجة 486:1-1519، سنن الترمذي 349:3-1030، سنن النسائي 275:1، سنن الدارمي 333:1.
6- شرح فتح القدير 202:1، الهداية للمرغيناني 40:1، الكفاية 202:1، بداية المجتهد 103:1.
7- فتح العزيز 109:3، المغني 783:1 و 784، الشرح الكبير 833:1، القوانين الفقهية: 53، بداية المجتهد 103:1.

(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل صلي بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها: «يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها»(2).

و قال أصحاب الرأي: لا يقضي الفرض و لا النفل في الأوقات الثلاثة إلاّ عصر يومه عند اصفرار الشمس، و أما الوقتان الآخران المتعلقان بالفعل فلا يجوز فيهما فعل شيء من النوافل سواء كان لها سبب أو لم يكن، لعموم النهي(3) ، المتناول للفرائض و النوافل و لأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل(4). و النهي مخصوص بعصر يومه، و بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع علي المخصوص، و قياسهم ينتقض بذلك.

فروع:

أ - لو طلعت الشمس و هو في صلاة الصبح أتمها - و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل ان تغيب الشمس فليتم صلاته، و إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)(6).

ص: 337


1- صحيح البخاري 154:1، صحيح مسلم 477:1-315، سنن الترمذي 334:1-177، سنن النسائي 294:1، سنن أبي داود 119:1-435، سنن ابن ماجة 228:1-698، سنن الدارمي 280:1، مسند أحمد 100:3 و 282.
2- الكافي 292:3-3، التهذيب 266:2-1059، الاستبصار 286:1-1046.
3- سنن ابن ماجة 486:1-1519، سنن الترمذي 349:3-1030، سنن النسائي 275:1.
4- فتح العزيز 113:3، المغني 784:1، الشرح الكبير 833:1، بداية المجتهد 1: 103، القوانين الفقهية: 53، الهداية للمرغيناني 40:1، اللباب 88:1-89، المبسوط للسرخسي 150:1.
5- المجموع 47:3، المهذب للشيرازي 60:1، المغني 784:1، الشرح الكبير 1: 834، المبسوط للسرخسي 152:1.
6- صحيح البخاري 146:1، سنن النسائي 257:1.

و قال أصحاب الرأي: تفسد صلاته لأنها صارت في وقت النهي(1).

و الخاص مقدم.

ب - في انعقاد النوافل في هذه الأوقات إشكال ينشأ من النهي، فأشبهت صوم يوم العيد، و من الترغيب في الصلاة مطلقا، و هذه الأوقات قابلة للصلاة في الجملة لصحة الفرائض فيها فصارت كالصلاة في الحمام، و للشافعية وجهان(2) ، إذا ثبت هذا، فلو نذر أن يصلي في هذه الأوقات انعقد نذره إن قلنا بانعقاد الصلاة فيها و إلاّ فلا.

ج - يجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو موقتا - و به قال الشافعي(3) - لاختصاص النهي بالنافلة، و النذر واجب.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأن وجوبها معلق بفعله و هو النذر فأشبه النافلة الواجبة بالدخول فيها(4). و يبطل بسجود التلاوة، فإنه متعلق بفعله و هو التلاوة، و لا تشبه المنذورة ما وجب بالدخول فيه لأن الدخول مكروه و النذر غير مكروه في الجملة.

مسألة 49: لو صلي الصبح، أو العصر، أو المغرب منفردا ثم أدرك جماعة
اشارة

استحب له إعادتها عندنا - و به قال الشافعي، و الحسن البصري، و أبو ثور(5) - لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صلّي الصبح في مسجد خيف،

ص: 338


1- المبسوط للسرخسي 152:1، المجموع 47:3، المغني 784:1، الشرح الكبير 834:1.
2- المجموع 181:4، فتح العزيز 128:3.
3- المجموع 170:4، فتح الباري 47:2، المهذب للشيرازي 99:1، الميزان 171:1، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 65:1.
4- المبسوط للسرخسي 153:1، فتح الباري 47:2، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 1: 65، الميزان 171:1، المغني 784:1، الشرح الكبير 834:1.
5- المجموع 223:4، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 68:1، المهذب للشيرازي 1: 102، المغني 786:1، الشرح الكبير 836:1.

فلما انصرف رأي رجلين في زاوية المسجد، فقال لهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لما ذا لم تصليا معنا؟) فقالا: كنا قد صلينا في رحالنا، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا جئتما فصلّيا معنا، و إن كنتما قد صليتما في رحالكما تكن لكما سبحة)(1).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز الإعادة لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهي(2) لعموم الحديث(3) و ما ذكرناه أخص فتقدم.

و قال مالك، و الثوري، و الأوزاعي: يعاد الجميع إلاّ المغرب لئلا يتطوع بوتر(4). و قال ابن عمر، و النخعي: تعاد الصلوات كلها إلاّ الصبح، و المغرب(5). و قال الحكم: إلاّ الصبح وحدها(6).

فروع:

أ - لا فرق في استحباب الإعادة بين أن تقام الصلاة و هو في المسجد أو لا، و لا بين أن يدخل و هم يصلّون أو لا، و شرط أحدهما أحمد(7).

ص: 339


1- سنن الترمذي 424:1-219، سنن النسائي 112:2 و 113، سنن أبي داود 1: 157-575، سنن الدارمي 317:1، مسند أحمد 161:4، موارد الظمآن: 122-434، سنن البيهقي 301:2.
2- المجموع 225:4، الميزان 174:1، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة 68:1، المغني 1: 786، الشرح الكبير 837:1 و 7:2.
3- سنن ابن ماجة 486:1-1519، سنن النسائي 275:1.
4- المدونة الكبري 87:1، المنتقي 234:1، بلغة السالك 154:1، المجموع 4: 225، الميزان 174:1، رحمة الأمة 68:1، المغني 786:1، الشرح الكبير 7:2.
5- المجموع 225:4، المغني 876:1، الشرح الكبير 7:2.
6- المغني 786:1، الشرح الكبير 7:2.
7- المغني 786:1، الشرح الكبير 836:1 و 6:2.

ب - لا فرق في جواز الإعادة في وقت النهي بين أن يكون مع إمام الحي و غيره للعموم - خلافا لبعض أصحاب أحمد(1) - و لا بين أن يكون قد صلّي وحده أو مع جماعة، قال أنس: صلّي بنا أبو موسي الغداة في المربد فانتهينا الي المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة(2).

ج - إذا أعاد المغرب صلاها ثلاثا لأن القصد المتابعة للإمام، و المفارقة مكروهة سواء كانت بالزيادة أو النقصان.

و قال الشافعي، و الزهري، و أحمد: يصلي أربعا - و هو مروي عن سعيد بن المسيب - لأنها نافلة و لا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولي من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته(3) ، و عن حذيفة يصلي ركعتين(4).

د - إذا أقيمت الصلاة و هو خارج المسجد استحب له الدخول، و إن كان وقت نهي، عملا بالعموم، خلافا لأحمد(5).

ه - إذا أعاد الصلاة فالأولي فرضه - و به قال علي عليه السلام، و الثوري، و أبو حنيفة، و إسحاق، و الشافعي في الجديد(6) - لقوله عليه السلام: (تكن لكما نافلة)(7) و لأن الأولي وقعت فريضة فأسقطت الفرض لأنها لا4.

ص: 340


1- المغني 786:1، الشرح الكبير 836:1.
2- المغني 787:1 و 788، الشرح الكبير 7:2.
3- المجموع 225:4، المغني 788:1، الشرح الكبير 7:2.
4- المغني 788:1، الشرح الكبير 7:2.
5- المغني 788:1، الشرح الكبير 7:2.
6- المغني 788:1، الشرح الكبير 7:2.
7- سنن النسائي 112:2 و 113، سنن الدارمي 317:1، مسند أحمد 161:4، سنن البيهقي 301:2، موارد الظمآن: 122-434.

تجب ثانيا، و إذا برئت الذمة بالأولي استحال كون الثانية فريضة و جعل الأولي نافلة.

و عن سعيد بن المسيب، و عطاء، و الشعبي: التي صلّي معهم المكتوبة(1) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا جئت الي الصلاة فوجدت الناس فصلّ معهم، و إن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة و هذه مكتوبة)(2) و لا تصريح فيه فيجب أن يحمل معناه علي ما في الأحاديث الباقية سواء.

إذا عرفت هذا فإنه ينوي بالثانية النفل لا الفرض، و يجوز أن ينويها ظهرا معادة و لا تجب الإعادة بلا خلاف لأنها نافلة، و قال عليه السلام: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)(3) معناه واجبتان، و عن أحمد رواية أنها تجب مع إمام الحي(4) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بها(5) ، و الأمر للاستحباب، فعلي هذا إن قصد الإعادة فلم يدرك إلا ركعتين جاز أن يسلّم معهم لأنها نافلة، و يستحب أن يتمها لأنه قصد أربعا.

و قال أحمد: يجب(6) لقوله عليه السلام: (و ما فاتكم فأتموا)(7) و هو9.

ص: 341


1- المغني 788:1، الشرح الكبير 8:2.
2- سنن أبي داود 157:1-577، سنن البيهقي 302:2.
3- سنن أبي داود 158:1-579، مسند أحمد 41:2، سنن البيهقي 303:2.
4- المغني 789:1، الشرح الكبير 8:2.
5- سنن أبي داود 157:1-577، سنن البيهقي 302:2.
6- المغني 789:1، الشرح الكبير 8:2.
7- صحيح البخاري 163:1 و 9:2، صحيح مسلم 420:1 و 421-602، سنن الترمذي 2: 149-327، سنن أبي داود 156:1-572، سنن ابن ماجة 255:1-775، سنن الدارمي 294:1، مسند أحمد 237:2 و 239 و 452 و 460 و 472 و 529.

للاستحباب، أو في غير الإعادة.

مسألة 50: ركعتا الطواف الواجب واجبتان، و ركعتا المستحب مستحبتان،

و لهما سبب فيجوز أن يصليهما في أوقات النهي. و ممن طاف بعد الصبح و العصر و صلي الركعتين الحسن و الحسين عليهما السلام، و ابن عباس، و ابن عمر، و ابن الزبير، و عطاء، و طاوس، و مجاهد، و القاسم بن محمد، و عروة. و به قال عطاء، و الشافعي، و أحمد، و أبو ثور(1) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلّي في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)(2) و منع من ذلك أبو حنيفة، و مالك و احتجا بعموم أحاديث النهي(3) ، و هو مخصوص بما لا سبب له، و لأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع.

مسألة 51: و يصلّي علي الجنائز في جميع الأوقات،

قال ابن المنذر:

أجمع المسلمون علي الصلاة علي الجنازة بعد العصر و الصبح(4). و أما باقي الأوقات الثلاثة فعندنا يجوز - و به قال الشافعي، و مالك(5) - لأنها صلاة فرض ذات سبب، و لأنها تباح بعد الصبح و العصر فأبيحت في الباقي كالفرائض.

ص: 342


1- المجموع 57:8 و 170:4، المغني 785:1، الشرح الكبير 836:1، المبسوط للسرخسي 153:1.
2- سنن أبي داود 180:2-1894، سنن ابن ماجة 398:1-1254، سنن الترمذي 3: 220-868، سنن النسائي 284:1، سنن الدارمي 70:2، سنن الدار قطني 1: 424-2، سنن البيهقي 461:2.
3- المبسوط للسرخسي 153:1، بداية المجتهد 103:1، المغني 785:1، الشرح الكبير 836:1.
4- المجموع 171:4 و 172، المغني 785:1، الشرح الكبير 835:1.
5- المجموع 170:4، فتح الباري 47:2، بداية المجتهد 103:1، المغني 785:1 الشرح الكبير 835:1.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(1) - و عن أحمد روايتان(2) - للنهي(3) و لأنها صلاة من غير الخمس، فلم يجز فعلها كالنوافل المطلقة.

و النهي مخصوص بالنوافل المطلقة. و الفرق ظاهر، لأنها ذات سبب.

مسألة 52: قضاء السنن في سائر أوقات النهي جائز علي ما تقدم،

و كذا فعل غيرها من الصلوات التي لها سبب، كتحية المسجد، و إعادة صلاة الكسوف، و سجود التلاوة - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتي يركع ركعتين)(5).

و قال في الكسوف: (فإذا رأيتموها فصلوا)(6) و هذا خاص فيقدم علي العام، و لأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ما ثبت جوازه، و لأنها عندنا واجبة فأشبهت الفرائض.

و قال أصحاب الرأي، و أحمد: لا يجوز لأن النهي للتحريم، و الأمر للندب و ترك المحرم أولي من فعل المندوب(7).

و الأولي ممنوعة، و ليس بعام، و ثبت تخصيصه.

ص: 343


1- المبسوط للسرخسي 152:1، اللباب 88:1، فتح الباري 47:2.
2- المغني 785:1 و 786، الشرح الكبير 835:1.
3- انظر علي سبيل المثال سنن أبي داود 208:3-3192، صحيح مسلم 568:1-831.
4- المجموع 170:4، فتح الباري 47:2، المغني 795:1، الشرح الكبير 841:1.
5- صحيح البخاري 70:2، صحيح مسلم 495:1-70، سنن الترمذي 129:2 - 316، سنن النسائي 53:2، الموطأ 162:1-57، المعجم الصغير 137:1.
6- صحيح البخاري 42:2 و 48، صحيح مسلم 630:2-914، سنن أبي داود 1: 309-1185، سنن ابن ماجة 400:1-1261، سنن النسائي 126:3 و 127 و 131، سنن الدارمي 359:1، مسند أحمد 109:2 و 122:4.
7- المغني 794:1 و 795، الشرح الكبير 840:1 و 841.

فروع:

أ - لو نذر صلاة تحية المسجد في أحد الأوقات فإن كان له غرض في الدخول سوي الصلاة صحّ و لزم، و إن لم يكن له غرض سواها فهو كما لو نذر النافلة في هذه الأوقات، و للشافعي وجهان: المنع لأنه قصد التنفل، و الجواز لوجود السبب و هو الدخول(1).

ب - إذا فاته شيء من النوافل فقضاه بعد العصر هل يكون ذلك سببا في فعل مثلها في هذا الوقت ؟ الوجه المنع عملا بعموم النهي(2) ، و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: الجواز(3) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قضي بعد العصر ركعتين ثم داوم عليهما(4) ، و الفرق ظاهر لأنه عليه السلام كان ملتزما للمداومة علي أفعاله.

ج - يجوز قضاء سنّة الفجر بعد الفجر - و به قال عطاء، و الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد - و هو مروي عن ابن عمر، و عبد اللّه بن عمرو، و سعيد بن المسيب، و النخعي(5) لأن قيس بن فهد صلاّهما بعد صلاة الفجر، فقال له النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (ما هاتان الركعتان ؟) قلت: لم أكن صليت ركعتي الفجر(6) ، و سكوته عليه السلام يدل علي الجواز.4.

ص: 344


1- المجموع 170:4، فتح العزيز 110:3 و 111، المهذب للشيرازي 100:1.
2- صحيح مسلم 566:1-825 و 826، سنن ابن ماجة 395:1-1249 و 1250.
3- المجموع 171:4، فتح العزيز 131:3-134.
4- صحيح مسلم 572:1-835، سنن أبي داود 23:2-24-1273، سنن الدارمي 324:1-325.
5- بدائع الصنائع 287:1، المغني 793:1، الشرح الكبير 841:1، معالم السنن للخطابي 2: 78.
6- سنن الترمذي 285:2-422، سنن أبي داود 22:2-1267، سنن ابن ماجة 365:1 - 1154.

و قال مالك: لا يجوز(1) لعموم النهي(2).

د - ركعتا الإحرام يجوز فعلهما في هذه الأوقات، و كذا الاستخارة لأن لهما أسبابا، و قال الشافعي بالمنع، لأن سببها يتأخر عنها، فأشبهت ما لا سبب له(3).

ه - سجود الشكر في هذه الأوقات ليس بمكروه، لأن كعب بن مالك لما بشر بأن اللّه تاب عليه و علي صاحبيه سجد للشكر بعد صلاة الصبح، و لم ينكره عليه السلام(4).

و - الصلوات التي لها أسباب إذا قصد تأخيرها في هذه الأوقات كانت كالمبتدأة لقوله عليه السلام: (لا يتحري أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس و لا عند غروبها)(5).

ز - يكره التنفل بعد الفجر قبل الفريضة لما روي عنه عليه السلام: (لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر)(6).

ح - سجود التلاوة يجوز في كل الأوقات لأنه ليس صلاة، و لأن له سببا و به قال الشافعي(7) و منعه مالك، و أبو حنيفة لأنه أشبه جزء الصلاة(8).2.

ص: 345


1- المنتقي للباجي 228:1.
2- سنن أبي داود 24:2-1276، سنن الدارمي 333:1.
3- المجموع 170:4، فتح العزيز 109:3، كفاية الأخيار 81:1.
4- صحيح مسلم 2121:4-2769، سنن البيهقي 370:2 و 460.
5- صحيح البخاري 152:1، صحيح مسلم 567:1-828، سنن النسائي 277:1، الموطأ 220:1-47، مسند أحمد 33:2 و 63.
6- سنن الدار قطني 246:1-2، سنن البيهقي 465:2 و 466.
7- المجموع 170:4، فتح العزيز 110:3، فتح الباري 47:2، المهذب للشيرازي 1: 99، كفاية الأخيار 81:1.
8- المنتقي للباجي 364:1، المبسوط للسرخسي 152:1، اللباب 89:1، فتح الباري 47:2.

ط - لا بأس بصلاة الاستسقاء في هذه الأوقات لوجود الحاجة الداعية إليها في الوقت، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: الكراهة لأن غرضها الدعاء و السؤال و هو لا يفوت بالتأخير(1).

مسألة 53: لا يكره التنفل يوم الجمعة بركعتين نصف النهار

- و به قال الشافعي، و الحسن، و طاوس، و الأوزاعي، و سعيد بن عبد العزيز، و إسحاق(2) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة(3) ، و لأن الناس في هذا الوقت ينتظرون الجمعة، و يشق عليهم مراعاة الشمس، و في ذلك قطع للنوافل، و يحتاجون الي الاشتغال بالصلاة عن النوم أيضا.

و قال مالك: أكرهه إذا علمت انتصاف النهار، و إذا كنت في موضع لا أعلم و لا أستطيع أن أنظر فإني أراه واسعا(4) ، و أباحه عطاء في الشتاء دون الصيف (لأن شدة الحر من فيح جهنم)(5) و ذلك الوقت حين تسجر جهنم(6) ، و منع منه مطلقا في يوم الجمعة أبو حنيفة، و أحمد(7) لعموم

ص: 346


1- المجموع 170:4، فتح العزيز 112:3، كفاية الأخيار 81:1.
2- المجموع 176:4، فتح العزيز 117:3، فتح الباري 50:2، المهذب للشيرازي 100:1، كفاية الأخيار 81:1، المغني 796:1، الشرح الكبير 842:1.
3- كنز العمال 418:7-19597، سنن البيهقي 464:2.
4- المغني 796:1.
5- صحيح البخاري 142:1، صحيح مسلم 430:1-431-615 و 616، سنن أبي داود 110:1-401، سنن الدارمي 274:1، سنن الترمذي 295:1-157، سنن ابن ماجة 222:1-677، الموطأ 15:1-27 و 28، مسند أحمد 53:3، المحرر في الحديث 160:1-163، المعجم الصغير 137:1، السنن المأثورة: 192-122، متن عمدة الاحكام: 60-142، مسند أبي يعلي 480:2-1309.
6- المغني 796:1، الشرح الكبير 842:1.
7- المبسوط للسرخسي 151:1، المغني 795:1، الشرح الكبير 842:1، المجموع 177:4، فتح العزيز 118:3.

النهي(1).

فروع:

أ - جواز الصلاة هل يختص بهذا الوقت ؟ للشافعية قولان: هذا أحدهما(2) لعموم النهي(3) ، إلاّ فيما ورد فيه الاستثناء، و الثاني: أنه يستثني جميع يوم الجمعة(4) لأنه روي أن جهنم تسجر في الأوقات الثلاثة في سائر الأيام إلاّ يوم الجمعة(5).

ب - الأقرب عموم الاستثناء لكل أحد لإطلاق الخبر، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: عدم العموم، لأن الاستثناء لأحد معنيين: الأول: أن عند اجتماع الناس تشق مراقبة الشمس، و التمييز بين حالة الاستواء و غيره، و الثاني: أن الناس يبكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون الي طرده فلا يستثني القاعد في بيته، و علي المعني الأول يستثني جميع الحاضرين، و علي الثاني يستثني من بكر و يغلبه النعاس(6).

ج - إن علّلنا بغلبة النعاس، أو مشقة المراقبة، و عدم العلم بدخول الوقت جاز أن يتنفل بأكثر من ركعتين، و إلاّ اقتصرنا علي المنقول.

مسألة 54: و لا فرق بين مكة و غيرها من البلاد في المنع من التطوع

في

ص: 347


1- سنن ابن ماجة 397:1-1253، سنن النسائي 275:1، الموطأ 219:1-44، سنن البيهقي 454:2.
2- المجموع 176:4، فتح العزيز 118:3 و 119.
3- كنز العمال 418:7-19595 و 19596 و 19597، سنن البيهقي 464:2.
4- المجموع 176:4، فتح العزيز 118:3 و 123.
5- كنز العمال 418:7-19595، سنن البيهقي 464:2.
6- المجموع 176:4، فتح العزيز 119:3-123.

أوقات النهي - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(1) - لعموم النهي(2) ، و لأنه معني يمنع من التنفل فاستوت فيه مكة و غيرها كالحيض.

و قال الشافعي: لا يكره التنفل بمكة في شيء من الأوقات الخمسة(3) لقوله عليه السلام: (لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلي في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)(4) و هو مختص بركعتي الطواف، و في اختصاص المسجد بجواز التنفل عند الشافعي وجهان: أحدهما ذلك لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر هذا البيت شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت و صلي أية ساعة شاء من ليل أو نهار)(5) و الثاني:

جواز التنفل في جميع بيوت مكة(6) لعموم قوله عليه السلام: (إلا بمكة)(7).).

ص: 348


1- المبسوط للسرخسي 151:1، المغني 795:1، الشرح الكبير 842:1، المجموع 180:4.
2- صحيح مسلم 566:1 و 569-825 و 831، صحيح البخاري 152:1، سنن النسائي 1: 275 و 277، الموطأ 219:1-44، سنن ابن ماجة 396:1 و 397-1250 و 1253، سنن البيهقي 454:2.
3- المجموع 179:4، فتح العزيز 125:3، المغني 795:1، الشرح الكبير 842:1، المبسوط للسرخسي 151:1.
4- سنن أبي داود 180:2-1894، سنن ابن ماجة 398:1-1254، سنن الترمذي 3: 220-868، سنن النسائي 284:1، سنن الدارمي 70:2، سنن الدار قطني 424:1-2، سنن البيهقي 461:2.
5- سنن البيهقي 461:2، سنن الدار قطني 425:1-8.
6- المجموع 179:4 و 180، فتح العزيز 127:3.
7- كنز العمال 422:7-19612، سنن الدار قطني 424:1 و 425-6، سنن البيهقي 461:2. و تمام الحديث: (لا صلاة بعد الصبح حتي تطلع الشمس، و لا بعد العصر حتي تغرب الشمس إلاّ بمكة إلا بمكة إلا بمكة).
البحث الخامس: في القضاء
اشارة

و سببه فوات الصلاة الواجبة، أو النافلة علي المكلّف.

مسألة 55: إذا فاتت الصلاة الواجبة اليومية وجب قضاؤها

بإجماع العلماء لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)(1) فإن ذلك وقتها، لا وقت لها غيره، و لأن الصوم يجب قضاؤه بنص القرآن(2) ، و الصلاة آكد من الصوم فهي أولي بوجوب القضاء.

و إنما يجب القضاء تبعا لوجوب الأداء، فلا يجب علي الصبي و المجنون القضاء إجماعا، و كذا الكافر لقوله عليه السلام: (الإسلام يجب ما قبله)(3) و إن كان الأداء واجبا عليه إلاّ أنه سقط عنه القضاء دفعا للمشقة و الحرج، و ترغيبا له في الإسلام، و يجب علي النائم، و السكران، و المرتد، و يستحب للمغمي عليه.

و في الوجوب علي فاقد الطهر لعلمائنا قولان: الوجوب قاله الشيخ، و المرتضي(4) - و به قال الليث بن سعد، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد، و الشافعي،

ص: 349


1- صحيح البخاري 154:1، صحيح مسلم 471:1-680 و 477-684، سنن الترمذي 334:1-177، سنن النسائي 293:1 و 294، سنن ابن ماجة 227:1-696 و 698، سنن الدارمي 280:1، مسند احمد 100:3 و 282، سنن البيهقي 456:2.
2- إشارة الي الآية 184 و 185 من سورة البقرة.
3- مسند احمد 199:4 و 204 و 205، جامع الصغير 474:1-3064، عوالي اللئالي 2: 54-145، طبقات ابن سعد 497:7.
4- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 235.

و أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي(1) - لأنّ الصلاة لا تسقط بفوات شرط كالسترة.

و العدم، قاله المفيد(2) و به قال مالك، و داود(3).

و هو المعتمد، لأنها صلاة لا تجب في وقتها فلا تجب بعد خروجه، و لأن القضاء إنما يجب بأمر مجدد و لم يوجد.

مسألة 56: و وقت الفائتة حين الذكر

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل صلي بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟: «يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه، فهذه أحق بوقتها»(5).

مسألة 57: و الأقوي عندي أن هذا الوجوب موسّع لا مضيق،

فله مع الذكر التأخير الي أن يغلب علي الظن الموت فيتضيق الفعل، كالواجبات

ص: 350


1- الام 51:1، المجموع 278:2 و 280، المهذب للشيرازي 42:1، المغني 284:1، الشرح الكبير 286:1 و 287، بدائع الصنائع 50:1 و 54، المحلي 139:2، نيل الأوطار 338:1.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 235.
3- المنتقي للباجي 116:1، المجموع 280:2، المغني 284:1، الشرح الكبير 287:1، نيل الأوطار 338:1.
4- سنن البيهقي 219:2، سنن الدار قطني 423:1-1، المحرر في الحديث 1: 156-157.
5- الكافي 293:3-3، التهذيب 266:2-1059، الإستبصار 286:1-1046.

التي مدتها العمر، لأن وقت الأداء فات، و لا اختصاص لوقت بالقضاء دون غيره و إلاّ لزم أن يكون قاضيا للقضاء لو فات ذلك الوقت و هو خلاف الإجماع.

نعم يستحب المبادرة إليه للأمر بالمسارعة إلي فعل الخير(1) ، و للخلاص من الخلاف و ليس واجبا، لما روي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نزل في بعض أسفاره بالليل في واد فغلبهم النوم و ما انتبهوا إلاّ بعد طلوع الشمس فارتحلوا و لم يقضوا الصلاة في ذلك الموضع بل في آخر(2).

و لا فرق بين أن يتعمّد تفويت الصلاة و أن لا يتعمد، و قال الشافعي:

إن تعمد لزمه القضاء علي الفور، و لا يجوز له التأخير لأنه عاص بتأخير الصلاة، و لو وسعنا الأمر عليه في القضاء صارت المعصية سببا للتخفيف و هو غير جائز(3) ، و نمنع ذلك.

مسألة 58: الحواضر تترتب

بلا خلاف بين العلماء فيجب أن يصلي الظهر سابقة علي العصر، و المغرب علي العشاء لقول الصادق عليه السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) و قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «من نسي الظهر حتي دخل وقت العصر بدأ بالظهر ثم بالعصر، و لو دخل في العصر ثم ذكر الظهر عدل بنيّته»(5).

و كذا الفوائت يترتب بعضها علي بعض فلو فاته صلاة يوم وجب أن يبدأ

ص: 351


1- كما في الآية الكريمة (148) من سورة البقرة، و (48) من سورة المائدة.
2- صحيح البخاري 93:1-94، مسند احمد 434:4، مستدرك الحاكم 274:1.
3- المجموع 69:3، المهذب للشيرازي 61:1.
4- الكافي 276:3-5، التهذيب 26:2-73، الإستبصار 260:1-934.
5- الكافي 292:3-2، التهذيب 172:2-684، الإستبصار 287:1-1050.

في القضاء بصبحه قبل ظهره ثم بظهره قبل عصره، و هكذا، و لو فاته ظهر يوم، و عصر سابق وجب أن يقدم في القضاء العصر علي الظهر عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر، و الزهري، و النخعي، و ربيعة، و يحيي الأنصاري، و مالك، و أحمد، و الليث، و أبو حنيفة، و إسحاق(1) ، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(2) و لأن القضاء إنما هو الإتيان بعين الفائت في غير الوقت المضروب له، و لأن النبي صلي اللّه عليه و آله فاتته صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا(3). فيجب اتباعه للتأسي، و لقوله عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن(5) فأذّن لها، و أقم، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة»(6).

و قال الشافعي: الأولي الترتيب، فإن قضاها بغير ترتيب أجزأه و سقط عنه الفرض(7) ، لأن كل صلاة مستقلة بنفسها منفردة بحكمها، و إنما ترتبها لترتب أوقاتها فإذا فاتت الأوقات صارت دينا في ذمته و لا ترتيب فيما يقضي من الذمة و كقضاء رمضان.1.

ص: 352


1- بداية المجتهد 183:1 و 184، القوانين الفقهية: 72، مقدمات ابن رشد 147:1، الشرح الكبير 483:1، المغني 676:1، المبسوط للسرخسي 154:1، بدائع الصنائع 1: 132، اللباب 87:1.
2- عوالي اللئالي 54:2-143 و 107:3-150.
3- صحيح البخاري 141:5، مسند أحمد 25:3 و 106:4.
4- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدار قطني 273:1-1 و 346-10، سنن البيهقي 345:2، مسند أحمد 53:5، ترتيب مسند الشافعي 108:1-319.
5- كذا في الأصلين و المصادر، و الأصح: «أولاهن».
6- الكافي 291:3-1، التهذيب 158:3-340.
7- المجموع 70:3، المغني 676:1، الشرح الكبير 483:1، المبسوط للسرخسي 1: 153، بداية المجتهد 184:1.

و الاستقلال لا يخرج الحقيقة عن لوازمها، و من جملة أوصافها اللازمة الترتيب، و لهذا لو قدم المتأخرة في الوقت المشترك لم يصح فكذا بعد الفلوات، و ترتب الفوائت لمعني فيها، و ترتيب أيام رمضان لتحصيل أيام الشهر لمعني يختص بترتيب الأيام.

مسألة 59: و لا فرق بين كثرة الصلوات و قلتها

عند علمائنا في وجوب الترتيب، فلو فاتته صلوات سنة فما زاد وجب فيها الترتيب - و به قال أحمد(1) - لأنها صلوات واجبة تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها الترتيب كالخمس، و لقوله عليه السلام: (فليقضها كما فاتته)(2).

و قال أبو حنيفة، و مالك: لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم و ليلة للمشقة(3). و هو ممنوع.

تذنيب: هذا الترتيب شرط عندنا، فلو أخل به عمدا بطلت صلاته - و به قال أحمد(4) - لأنه ترتيب واجب فكان شرطا كالركوع و السجود.

مسألة 60: تترتب الفائتة علي الحاضرة استحبابا
اشارة

ما لم يتضيق الحاضرة فيتعين فعلها سواء تعددت الفوائت أو اتحدت علي الأقوي - و به قال الشافعي(5) - لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (6) و هو

ص: 353


1- المغني 677:1، الشرح الكبير 484:1، المجموع 70:3.
2- عوالي اللئالي 54:2-143 و 107:3-150.
3- المبسوط للسرخسي 154:1، بدائع الصنائع 135:1، بداية المجتهد 183:1، اللباب 1: 87-88، المجموع 70:3، المغني 677:1.
4- المغني 677:1، الشرح الكبير 484:1، المجموع 70:3.
5- الام 78:1، المجموع 70:3، بداية المجتهد 184:1.
6- الاسراء: 78.

عام، و قول الصادق عليه السلام: «إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس»(1). و لأن الأصل عدم الترتيب، و لأنه يفضي الي فوات مصلحة مطلوبة للشارع لا يمكن استدراكها فلا يكون مشروعا لأنه يفضي الي المنع من الصلاة في أوّل وقتها و هو أمر مطلوب للشارع، و لأن الترتيب يفضي الي عدمه، أو المنع من أداء الحاضرة في وقتها المضيق، و القسمان باطلان.

بيان الملازمة أنّه إما أن يقضي الفوائت عند تضييق الحاضرة فيلزم الأمر الثاني، أو يشتغل بالحاضرة فلا يثبت الترتيب، و أكثر علمائنا(2) ، و الجمهور علي وجوب الترتيب إلاّ فيما زاد عن يوم عند أبي حنيفة(3) ، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها)(4) و لا يقتضي التخصيص و اعلم أن جماعة من علمائنا(5) ضيّقوا الأمر في ذلك، و شدّدوا علي المكلّف غاية التشديد، حتي حرّم السيد المرتضي(6) و آخرون الاشتغال بغير الصلاة الفائتة إلاّ قدر الأمر الضروري في النوم، و الأكل، و الشرب،2.

ص: 354


1- التهذيب 270:2-1077، الاستبصار 288:1-1054.
2- منهم: السيد المرتضي في رسائله 364:3، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 150، و ابن البراج في المهذب 126:1، و ابن زهرة في الغنية: 500، و ابن إدريس في السرائر: 41 و 59.
3- المبسوط للسرخسي 154:1، اللباب 88:1، بدائع الصنائع 134:1، المجموع 70:3، المغني 676:1.
4- المحرر في الحديث 156:1-157، سنن الدار قطني 423:1-1، سنن البيهقي 219:2.
5- منهم: أبو الصلاح في الكافي: 150، و ابن البراج في المهذب 125:1، و ابن إدريس في السرائر: 59.
6- رسائل الشريف المرتضي 365:2.

و المعاش، و منعوا من الشبع، و اكتساب أكثر من قوت يومه له و لمن تجب نفقته، و أن يتحقق الإنسان آخر الوقت بحيث لا يتسع لأكثر من الواجب في الحاضرة، و ذلك كله مكابرة، لمنافاته قوله عليه السلام: (بعثت بالحنيفية السمحة السهلة)(1).

فروع:

أ - لو ضاق وقت الحاضرة تعينت، و لا يجوز الاشتغال بالفائتة لئلاّ تفوت الحاضرة عند علمائنا أجمع، و به قال سعيد بن المسيب، و الحسن، و الأوزاعي، و الشافعي، و الثوري، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و أحمد في رواية(2) ، و في اخري: أنه يجب عليه الفائتة و إن خرج وقت الحاضرة، و به قال عطاء، و الزهري، و الليث، و مالك.

و لا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها، لأن الترتيب واجب(3) ، و هو ممنوع.

ب - الترتيب إنما يجب مع الذكر فلو صلي الحاضرة ناسيا ثم ذكر بعد الفراغ الفائتة لم يعد، أمّا عندنا فظاهر لأنّا لا نوجب الترتيب، و أمّا عند القائلين بوجوبه فلأنه مشروط بالذكر عند علمائنا، و لقوله صلّي اللّه عليه و آله:

(عفي لأمتي الخطأ و النسيان)(4).

ص: 355


1- الجامع الصغير 486:1-3150، مسند أحمد 266:5.
2- الام 78:1، المجموع 70:3، اللباب 87:1، المغني 679:1، الشرح الكبير 1: 485، مسائل أحمد: 49.
3- المغني 679:1، الشرح الكبير 485:1، بداية المجتهد 183:1، القوانين الفقهية: 72.
4- سنن البيهقي 84:6 (و فيه وضع)، و انظر المغني 678:1، و الشرح الكبير 489:1.

و قال مالك، و زفر: يجب الترتيب مع النسيان أيضا(1) للحديث(2).

و هو ممنوع، و يلزم منه الحرج فإنه لا ينفك من نسيان صلاة، فإذا ذكرها بعد مدة طويلة وجب قضاء الجميع.

ج - لو تلبس بالحاضرة ناسيا في الوقت المتسع ثم ذكر أن عليه سابقة عليها عدل بنيّته إلي السابقة، كما لو دخل في العصر فذكر أنّه لم يصلّ الظهر فإنه يعدل بنيّته و لو قبل التسليم، و كذا لو كان في العشاء فذكر أن عليه المغرب، و لو لم يمكن العدول بأن ركع في الرابعة أتم صلاته ثم صلّي السابقة إن كان في الوقت المشترك، أو دخل قبل الفراغ من الاولي، و لو فرغ مما شرع فيه قبل دخول الوقت المشترك أعاد ما صلاّه بعد فعل السابقة، و كذا لو كمل العصر ثم ذكر أن عليه الظهر، أو كمل العشاء ثم ذكر أن عليه المغرب فإن كان ما فعله في الوقت المشترك، أو دخل و هو فيه صحت و أتي بالسابق، فإن الترتيب إنما يجب مع الذكر، و إن كان في الوقت المختص بالسابقة أعاد بعد فعل السابقة.

مسألة 61: لو دخل في الحاضرة و عليه فائتة نسيها ثم ذكر في الأثناء
اشارة

فإن كان الوقت ضيقا لا يفضل عن الحاضرة أتمها إجماعا منّا، و إن كان الوقت متسعا فإن أمكن العدول بالنيّة إلي الفائتة عدل استحبابا عندنا، و وجوبا عند أكثر علمائنا(3).

و قال أحمد: يتمها، و يقضي الفائتة، ثم يعيد الصلاة التي كان فيها

ص: 356


1- المدونة الكبري 129:1، المغني 678:1، بدائع الصنائع 136:1، الشرح الكبير 1: 489.
2- مسند أحمد 106:4.
3- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم (في رسائله) 38:3، و الشيخ الطوسي في النهاية: 126، و ابن البراج في المهذب 126:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 150، و ابن زهرة في الغنية: 500، و ابن إدريس في السرائر: 59.

سواء كان إماما، أو مأموما، أو منفردا - و به قال ابن عمر، و مالك، و الليث، و إسحاق في المأموم(1) و عن أحمد رواية اخري أن هذا في المأموم، و أما المنفرد فإنه يقطع الصلاة و يقضي الفائتة، و به قال النخعي، و الزهري، و ربيعة، و يحيي الأنصاري في السفر دون غيره(2).

و قال طاوس، و الحسن، و الشافعي، و أبو ثور: يتم صلاته، و يقضي الفائتة لا غير(3) - كما قلناه نحن - لقوله تعالي وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (4) إلاّ أن الشافعي قال: يستحب له إذا تمم صلاته و أعاد الفائتة أن يعيد صلاة الوقت بعد قضاء الفائتة، و لا تجب الإعادة(5).

و قال أبو حنيفة: يجعل صلاته نفلا ركعتين، و يقضي الفائتة، ثم يصلي صلاة الوقت، فلو تمم صلاته لم تحتسب له(6).

فروع:

أ - لو تلبس بنافلة فذكر أن عليه فريضة أبطلها و استأنف الفريضة، و لا يجزيه العدول لفوات الشرط و هو نيّة الفرض.

ب - لو ذكر فائتة و هناك قوم يصلّون فرض الوقت جماعة فالأولي أن يصلّي معهم بنية القضاء لأنا لا نشترط توافق الصلاتين مع اتحاد النظم.

و قال الشافعي: الاشتغال بقضاء الفائتة منفردا أولي من الفرض لأن

ص: 357


1- المغني 677:1، الشرح الكبير 484:1، المحرر في الفقه 34:1 و 35، المجموع 3: 70، مسائل أحمد: 48 و 49، المدونة الكبري 132:1-133.
2- المغني 677:1، الشرح الكبير 484:1.
3- الام 78:1، المغني 677:1، المجموع 70:3.
4- محمد: 33.
5- المجموع 70:3.
6- المبسوط للسرخسي 154:1، بدائع الصنائع 132:1.

الترتيب في قضاء الصلوات مختلف فيه، و فرض الوقت منفردا صحيح، فلو أراد أن يصلي الفائتة مع الجماعة كان فعلها منفردا أولي لأن القضاء خلف الأداء مختلف فيه أيضا، و الخروج من الفرض علي وجه مقطوع به أولي من فعله علي وجه يكون مختلفا فيه بين العلماء(1).

ج - لو شرع في الفائتة علي ظن السعة فظهر الضيق، فالوجه العدول بالنيّة إلي الحاضرة ما دام العدول ممكنا، فإن تعذّر قطعها و صلّي الحاضرة ثم اشتغل بالفائتة.

و قال الشافعي: يقطع الفائتة و يصلّي صلاة الوقت ثم يعيد الفائتة، و له وجه: أنّه يتمها و لا يقطعها(2).

د - لو فاته ظهر و عصر من يومين و جهل الترتيب فالأقرب ثبوت الترتيب فيصلي الظهر مرتين بينهما العصر، أو بالعكس لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه علي هيئته فيتعين عليه و لا يمنع منه زيادة علي الواجب، كما لو نسي فريضة و جهل تعيينها، و يحتمل سقوطه إذ التكليف به مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق، و الأصل براءة الذمة من الزائد فيتخير حينئذ في الإتيان بأيتهما شاء أوّلا.

و لأحمد ثلاثة أوجه: الترتيب كما قلناه. و عدمه، و يتحرّي كالقبلة عنده. و تقديم الظهر مطلقا، لأن التحري فيما فيه أمارة و لا أمارة هنا فيرجع فيه الي ترتيب الشرع(3).

و ليس بجيد فإن الشارع لم يقدّم أيّ ظهر كان علي أيّ عصر كان.1.

ص: 358


1- المجموع 70:3.
2- المجموع 70:3.
3- المغني 681:1، الشرح الكبير 487:1.

و لو كان معهما مغرب من ثالث قضي الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب، ثم الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، و كذا الزائد، و لو فاته مغربان من يومين نوي تقديم السابق منهما، و كذا لو فاته أيام متعددة صلّي بنية تقديم السابق.

ه - لو فاته صلوات سفر و حضر، و جهل السابق فالوجه الاحتياط فيصلّي عدد الأيام و يصلّي مع كلّ رباعية صلاة قصر، فلو فاته شهر صلّي شهرا لكن الرباعية يصليها مرتين تماما و تقصيرا و إن اتحدت إحداهما.

و - لا ترتيب بين الفوائت اليومية و غيرها من الواجبات، و لا بين الواجبات أنفسها، فلو فاته كسوف و خسوف بدأ بأيهما شاء مع احتمال تقديم السابق.

ز - لو تعددت المجبورات يترتب الاحتياط بترتبها، و كذا الأجزاء المنسية كالسجدة و التشهد، سواء اتحدت الصلاة أو تعددت.

ح - لا تنعقد النافلة لمن عليه فريضة فائتة لعموم قوله عليه السلام:

(لا صلاة لمن عليه صلاة)(1).

ط - لا يعذر الجاهل بالترتيب في تركه كالركوع.

و قال زفر: يعذر لأنه يسقط بالنسيان فيسقط بالجهل، كالطيب في الإحرام(2).

مسألة 62: من فاتته فريضة من يوم و نسي تعيينها لعلمائنا قولان:
اشارة

ص: 359


1- لم نعثر عليه في المصادر التي بأيدينا، و ذكره الشيخ الطوسي في المبسوط 127:1، و ابنا قدامة في المغني 680:1، و الشرح الكبير 485:1.
2- المغني 681:1، الشرح الكبير 487:1.

أحدهما: وجوب خمس(1) ، و عليه أكثر الجمهور(2) ، لأن التعيين شرط في صحة الصلاة الواجبة و لا يمكن إلاّ بإعادة الجميع.

و الثاني: وجوب صبح، و مغرب، و أربع ينوي بها ما في ذمته إن ظهرا فظهرا، و إن عصرا فعصرا، و إن عشاء فعشاء(3) - و هو الأشهر عندنا - لأنّ الثابت في الذمة فريضة واحدة و لا يجب سواها لكن لما اختلفت الصلوات و كانت الزيادة مبطلة، و كذا النقصان، أوجبنا المختلفة، أما المتحدة فلا يجب تكثيرها عملا بأصالة البراءة، و التعيين في النيّة يسقط لعدم العلم به، و لقول الصادق عليه السلام: «من نسي صلاة من صلاة يومه، و لم يدر أيّ صلاة هي صلي ركعتين، و ثلاثا، و أربعا»(4).

فروع:

أ - لو كانت الصلاة المنسية من يوم سفر وجب عند الأكثر(5) ثلاث و ركعتان خاصة، و عند الباقين تجب الخمس - و به قال ابن إدريس. مع أنه أوجب الثلاث في الحضر(6) - و ليس بمعتمد.

ب - يسقط الجهر و الإخفات في الرباعية دون الثنائية و الثلاثية، و في

ص: 360


1- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 150، و علاء الدين علي بن أبي الفضل في إشارة السبق: 123، و ابن زهرة في الغنية: 500.
2- المجموع 71:3، المهذب للشيرازي 61:1، المغني 681:1، الشرح الكبير 488:1، بدائع الصنائع 133:1.
3- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم (ضمن رسائله) 39:3، و سلاّر في المراسم: 91، و ابن البراج في المهذب 126:1، و الشيخ في النهاية: 127، و ابن إدريس في السرائر: 59، و المحقق في المعتبر: 237.
4- التهذيب 197:2-774.
5- منهم: ابن البراج في المهذب 126:1.
6- السرائر: 59.

صلاة السفر تسقط في الثنائية دون الثلاثية.

ج - لو كان عليه منذورة، و يومية، و نسي فعل إحداهما، فإن اتفقتا عددا صلّي ذلك العدد بنية مشتركة و إلاّ صلاهما معا.

د - لو ذكر في الأثناء التعيين عدل بنية الإطلاق إليه في الرباعية، و بنيّة المعين إلي الفائتة إن خالفت ما دام العدول ممكنا.

ه - لو فاتته معينة فاشتغل بقضائها فذكر سابقة عليها عدل بنيته - ما دام العدول ممكنا - واجبا، و لو لم يمكن العدول أتم ما نواه أوّلا، ثم قضي السابقة.

مسألة 63: لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد

صلّي من تلك الصلوات الي أن يتغلب في ظنّه الوفاء، لاشتغال الذمة بالفائت، فلا تحصل البراءة قطعا إلاّ بذلك، و لو كانت واحدة و لا يعرف العدد صلّي تلك الصلاة مكرّرا لها حتي يظن الوفاء.

و يحتمل هنا أمران: إلزامه بقضاء المشكوك فيه فإذا قال: أعلم أني تركت ظهرا في بعض أيام شهر و صليتها في البعض الآخر، قيل له: كم المعلوم من صلاتك ؟ فإذا قال: عشرة أيام كلّف بقضاء ظهر عشرين لعلمنا باشتغال ذمته بالفرض فلا يسقط إلاّ بيقين و إلزامه بقضاء المعلوم تركه، فيقال: كم المعلوم من ترك الصلاة ؟ فإذا قال: عشرة أيام و أشك في الزائد كلّف قضاء العشرة خاصة، لأن الظاهر أن المسلم لا يفوّت الصلاة، و الأول أحوط، و كلا الوجهين للشافعية(1).

و لو علم ترك صلاة واحدة من كلّ يوم و لا يعلم عددها و لا عينها صلّي اثنتين، و ثلاثا، و أربعا، مكررا حتي يظن الوفاء، و لو علم أن الفائت الصلوات الخمس صلّي صلوات أيام حتي يظن الوفاء، و لو فاتته صلوات سفر و حضر و جهل

ص: 361


1- المجموع 72:3.

التعيين صلّي مع كل رباعية صلاة قصر و لو اتحدت إحداهما.

مسألة 64: يستحب قضاء النوافل الموقتة

عند علمائنا أجمع لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل عليه من صلواته النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته فكيف يصنع ؟: «يصلّي حتي لا يدري كم صلّي من كثرته، فيكون قد صلّي بقدر ما عليه»(1) ، و لأنها عبادة موقتة فاستحب قضاؤها كالفرائض، و هو أحد أقوال الشافعي(2). و الثاني: لا يقضي، و به قال أبو حنيفة قياسا علي الخسوف(3). و الأصل ممنوع لأنه عندنا واجب يجب قضاؤه علي تفصيل يأتي، و الثالث: يقضي نوافل النهار نهارا و نوافل الليل ليلا(4).

و لو تعذّر القضاء استحب له أن يتصدق عن كل صلاة ركعتين بمد، فإن تعذّر فعن كل يوم لقول الصادق عليه السلام و قد سئل أنه لا يقدر علي القضاء: «يتصدق بصدقة مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت: و كم الصلاة ؟ قال: «مدّ لكلّ ركعتين من صلاة الليل، و كلّ ركعتين من صلاة النهار» قلت: لا يقدر، قال: «مدّ لكل أربع» قلت: لا يقدر، قال: «مدّ لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل»(5).

أما لو فاتت بمرض فإنه لا يتأكد القضاء و إن كان مستحبا لقول الصادق عليه السلام و قد سأله مرازم عليّ نوافل كثيرة كيف أصنع ؟ قال:

«اقضها» قلت: إنها كثيرة. قال: «اقضها»، قلت: لا أحصيها،

ص: 362


1- الكافي 453:3-13، الفقيه 359:1-1577، التهذيب 11:2-25، المحاسن: 315-33.
2- المجموع 41:4، المبسوط للسرخسي 161:1.
3- المجموع 42:4، المبسوط للسرخسي 161:1، المغني 794:1، فتح العزيز 277:4.
4- المجموع 42:4، فتح العزيز 279:4.
5- الكافي 453:3-454-13، الفقيه 359:1-1577، التهذيب 11:2-12-25، المحاسن: 315-33.

قال: «توخّ» قلت: كنت مريضا لم أصلّ نافلة، فقال: «ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب اللّه عليه فهو أولي بالعذر فيه»(1).

مسألة 65: و القضاء كالفوائت في الهيئة و العدد
اشارة

عند علمائنا أجمع، فلو فاتته صلاة حضر قضاها تماما في السفر و الحضر بغير خلاف بين العلماء إلاّ ما حكي عن المزني أنه قال: يقضي قصرا اعتبارا بحالة الفعل، و قياسا علي المريض فإنه يقضي من قعود و إن فاتته حال الصحة، و كذا فاقد الماء يقضي متيمما(2).

و هو غلط فإن الأربع قد استقرت في ذمته فلا تسقط بركعتين، و المريض عاجز و القصر رخصة فاعتبر سبب الرخصة عند وجوبها.

و لو فاتته صلاة سفر قضاها قصرا سفرا إجماعا، و حضرا عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و الثوري و الشافعي في الجديد، و أصحاب الرأي - لأنه إنما يقضي ما فاته و لم يفته إلا ركعتان(3).

و قال الأوزاعي، و داود، و الشافعي في الآخر، و المزني، و أحمد:

يقضيها في الحضر تماما، لأنّ القصر رخصة من رخص السفر فتبطل بزواله، و لأنّها وجبت عليه في الحضر(4) لقوله عليه السلام: (فليصلّها إذا

ص: 363


1- الكافي 451:3-4، الفقيه 316:1-1434، التهذيب 12:2-26، علل الشرائع: 362 باب 82-2 و الذي في المصادر أنه لم يسأل مرازم إلا ما في الشطر الأخير من الحديث، و أمّا صدر الحديث فقد سأله إسماعيل بن جابر. فلاحظ.
2- المجموع 367:4، فتح العزيز 458:4، الميزان 183:1، كفاية الأخيار 87:1.
3- المجموع 367:4، فتح العزيز 459:4، المهذب للشيرازي 110:1، مغني المحتاج 263:1، الميزان 183:1، بداية المجتهد 183:1، المدونة الكبري 1: 119، المغني 127:2، اللباب 109:1.
4- مختصر المزني: 25، المجموع 367:4، فتح العزيز 459:4، مغني المحتاج 1: 263، الميزان 183:1، كفاية الأخيار 88:1، المغني 127:2، مسائل أحمد: 75.

ذكرها)(1).

و الرخصة إنما تبطل فيما وجب في الحضر، و الحديث لا دلالة فيه لقوله عليه السلام: (كما فاتته)(2).

فروع:

أ - لو نسيها في سفر فذكرها فيه قضاها مقصورة إجماعا، و كذا إن ذكرها في سفر آخر إذا لم يذكرها في الحضر، و لو ذكرها في الحضر فكذلك عندنا، و عند الأكثر(3) ، و قال الشافعي: يلزمه تامة لأنه ذكرها تامة فثبتت في ذمته(4). و الأصل ممنوع.

ب - يجب الإتيان بالجهر و الإخفات كالأصل، لقوله عليه السلام:

(فليقضها كما فاتت)(5) و كذا يستحب لها الأذان و الإقامة كما يستحبان للأصل، فإن كثر أذّن لأول ورده، و أقام للبواقي، و لو لم يستحب لها الأذان لم يستحب في القضاء كعصر الجمعة و عرفة.

ج - لا يستحب الإتيان بالنافلة التابعة لها إذ التنفل مشروط ببراءة الذمة من الصلاة الواجبة فإنه لا يجوز لمن عليه صلاة فريضة أن يأتي بالنافلة قضاء و لا أداء، نعم يستحب بعد الفراغ من قضاء الفرائض الاشتغال بقضاء النافلة الفائتة.

ص: 364


1- صحيح البخاري 154:1، سنن الترمذي 335:1-178، سنن الدارمي 280:1، سنن الدار قطني 386:1-14، كنز العمال 537:7-20143.
2- عوالي اللئالي 107:3-150.
3- المجموع 367:4، المغني 128:2، المهذب للشيرازي 111:1، حلية العلماء 202:2.
4- المجموع 367:4، مختصر المزني: 25، مغني المحتاج 263:1، كفاية الأخيار 88:1، الميزان 1: 183، المغني 127:2.
5- عوالي اللئالي 107:3-150.

د - لا تجوز المساواة في كيفية قضاء صلاة الخوف بل في الكمية و إن كانت في الحضر إن استوعب الخوف الوقت و إلاّ تمام.

البحث السادس: في الجمع.
مسألة 66: قد بيّنا فيما سلف أن لكل من الظهر و العصر وقتين:

مختص و مشترك، فالمختص بالظهر من زوال الشمس إلي قدر أدائها، و بالعصر قدر أدائها في آخر الوقت، و المشترك ما بينهما، و للمغرب و العشاء وقتين فالمختص بالمغرب قدر أدائها بعد الغروب، و بالعشاء قدر أدائها عند الانتصاف، و المشترك ما بينهما فلا يتحقق معني الجمع عندنا، أما القائلون باختصاص كلّ من الظهر و العصر بوقت، و كذا المغرب و العشاء فإنّه يتحقق هذا المعني عندهم.

و قد ذهب الي الجمع بين الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء في السفر ابن عباس، و ابن عمر، و معاذ بن جبل، و سعد بن أبي وقاص، و سعيد بن زيد، و أبو موسي الأشعري، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1) لأن ابن عباس روي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا زالت الشمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال، و إذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتي يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر، و كذا في المغرب و العشاء(2).

و قال الحسن البصري، و ابن سيرين، و النخعي، و مكحول،

ص: 365


1- الام 77:1، المجموع 370:4-371، الوجيز 60:1، مغني المحتاج 1: 271-272، الميزان 183:1، فتح العزيز 489:4، كفاية الأخيار 88:1، المدونة الكبري 116:1-117، بداية المجتهد 172:1، المنتقي للباجي 252:1، القوانين الفقهية: 81، المغني 113:2، الشرح الكبير 116:2، مسائل أحمد: 75.
2- سنن البيهقي 163:3.

و أصحاب الرأي: لا يجوز الجمع، لأن المواقيت قد ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر الواحد(1).

مسألة 67: و يتخير في الجمع

بين تقديم الثانية إلي الاولي و بين تأخير الاولي إلي الثانية إلاّ أنّ الأولي فعل ما هو أرفق به، فإن كان وقت الزوال في المنزل، و يريد أن يرتحل، قدّم العصر الي الظهر حتي لا يحتاج الي أن ينزل في الطريق، و إن كان وقت الزوال في الطريق و يريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر، لحديث ابن عباس(2) ، فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولي التقديم، فإذا أراد تقديم الثانية إلي الأولي جاز مطلقا عندنا، و اشترط الشافعي أمورا أربعة:

أ - وجود السفر من أول الصلاتين الي آخرهما، حتي لو أقام في أثناء الظهر، أو بعد الفراغ عنها قبل الشروع في العصر لم يجز أن يصلي العصر(3) ، و إن نوي الإقامة بعد التلبس بالعصر لم تحتسب له عن الفرض، و هل تبطل أو تنقلب نفلا؟ قولان لأنّ الجمع أبيح بعلة السفر فيعتبر بقاء العلة إلي وقت الفراغ عن موجبها.

و لو نوي الإقامة بعد الفراغ من الصلاتين قبل دخول وقت العصر، أو وصل الي مقصده احتسبت العصر له عندنا، و للشافعي وجهان: هذا أحدهما لأنّ الفعل وقع صحيحا فلا يبطل حكمه، و الثاني: العدم(4) ، لأنّ التقديم سوغ رخصة، فإذا زالت الشرائط قبل الوجوب لم يقع فرضا، كما لو عجّل

ص: 366


1- المجموع 371:4، فتح العزيز 471:4، الميزان 183:1، المغني 113:2، الشرح الكبير 116:2، بداية المجتهد 171:1، القوانين الفقهية: 81.
2- سنن البيهقي 163:3.
3- المجموع 376:4، فتح الوهاب 72:1.
4- المجموع 376:4-377، الوجيز: 60-61، فتح العزيز 478:4.

زكاة ماله ثم هلك المال.

ب - نية الجمع، و ليست شرطا عندنا - و به قال المزني(1) - و قال الشافعي: أنّها معتبرة للاحتساب بالعصر، فلو صلّي الظهر و أراد أن يصلّي العصر عقيب الظهر من غير أن يكون قد نوي الجمع لم يجز، و له قولان في وقت النية: أحدهما عند افتتاح أول الصلاة، و الثاني في أثناء الأولي قبل السلام، فلو شرع في الظهر فسارت السفينة في الأثناء فنوي الجمع صحت علي الثاني لوجود علّة الجمع و هي السفر و النية في وقتها، و علي الأول لا يجوز لأن علة الجمع و نيته لم تكن في الابتداء(2).

ج - الترتيب بأن يصلّي الظهر أولا - و هو وفاق - لأن وقت العصر لم يدخل بعد و إنما جوز فعلها تبعا فلا يتقدم المتبوع(3).

د - الموالاة بينهما ليست شرطا عندنا، فلو تنفل بينهما جاز - و به قال أبو سعيد من الشافعية(4) - لأنّ كل واحدة منهما منفردة عن الأخري، و لهذا جاز أن يأتم في الثانية بغير إمام الاولي.

و قال الشافعي: الموالاة شرط لأنّ هذه رخصة جمع، و إنما سمي جمعا بالمقارنة أو المتابعة، و المقارنة ممتنعة، فتتعين المتابعة، و شرط عدم الفصل الطويل فيجوز أن يتكلم بكلمة و كلمتين و أن يقيم للثانية، فإن أطال1.

ص: 367


1- المجموع 374:4، مختصر المزني: 25-26، المهذب للشيرازي 111:1.
2- المجموع 374:4، الوجيز 60:1، فتح العزيز 475:4، مغني المحتاج 272:1، كفاية الأخيار 88:1.
3- المجموع 374:4، الوجيز 60:1، فتح العزيز 475:4، مغني المحتاج 272:1، كفاية الأخيار 88:1.
4- المجموع 375:4، فتح العزيز 476:4، المهذب للشيرازي 112:1.

الفصل بأكثر من الإقامة لم يجز له فعل الثانية إلاّ في وقتها(1).

و لو جمع بين الظهر و العصر فلمّا فرغ ذكر أنه ترك سجدتين من الظهر بطلتا، أما الظهر فلعدم السجود، و أما العصر فلأنه لم يقدّم عليها الظهر، و لو أراد أن يجمع بينهما جاز.

و إن علم أنهما من العصر صحت الظهر، و ليس له الجمع عنده لحصول الفصل بين الصلاتين.

و إن جهل من أيهما هما أخذ بأسوإ الأحوال، ففي الصلاة يجعل تركها من الظهر حتي يلزمه إعادة الصلاتين، و في الجمع من العصر حتي لا يجوز الجمع.

و أما إذا أراد تأخير الظهر الي وقت العصر فإنه يجوز عندنا مطلقا، و شرط الشافعي أمرين:

أ - نية الجمع، فلو أخّر و لم ينو الجمع عصي عنده و صارت الصلاة فائتة.

ب - بقاء السفر الي وقت الجمع و الفراغ منهما، فلو أخّر الظهر ثم نوي الإقامة قبل أن يصلّيها صارت فائتة و لا يكون لها حكم الأداء(2).

و يعتبر عندنا تقديم الظهر علي العصر - و هو أحد وجهي الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (إلاّ أن هذه قبل هذه)(4).5.

ص: 368


1- المجموع 375:4، فتح العزيز 476:4، الوجيز 60:1، كفاية الأخيار 88:1، مغني المحتاج 273:1، السراج الوهاج: 82.
2- المجموع 377:4، فتح العزيز 478:4، السراج الوهاج: 83، المهذب للشيرازي 112:1.
3- المجموع 376:4، مغني المحتاج 273:1.
4- الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) انظر الكافي 276:3-5.

و أصح الوجهين عنده: جواز تقديم العصر علي الظهر(1) لأن وقت الظهر قد دخل و فات، و هذا الزمان صالح للظهر لأنه لو فوّت الظهر بغير نيّة الجمع عصي، و يجوز له فعلها في وقت العصر قبل العصر و بعدها و يجمع و يفرق، فإذا أخّرها بوجه هو معذور فيه كان أولي، و نحن عندنا أن الوقت مشترك الي أن يبقي للغروب قدر أداء العصر.

مسألة 68: يجوز للحاج الجمع بين الظهرين بعرفة، و بين العشاءين بالمزدلفة

لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خطب يوم عرفة حين زالت الشمس ثم صلّي الظهر و العصر معا، و صلّي المغرب و العشاء جمعا بمزدلفة(2).

و أجمع الناس عليه و اختلفوا في علة الجمع، فعندنا اشتراك الوقتين، و أما الجمهور فقال الأكثر: علّة الجمع السفر(3) ، و قال آخرون: النسك حتي يتصل وقوفه بعرفة فلا تقطعه الصلاة عن الاشتغال بالدعاء، و في المغرب و العشاء يتعجل حصوله بمزدلفة فإن المبيت بها من المناسك(4).

و جوّز الشافعي الجمع بين الظهرين للجماعة و للمنفرد، و بين العشاءين لهما(5).

و منع أبو حنيفة من الجمع بين الظهرين للمنفرد بعرفة، و جوّز الجمع بين العشاءين له بمزدلفة(6).

ص: 369


1- المجموع 376:4، مغني المحتاج 273:1.
2- الفقيه 186:1-885، صحيح البخاري 201:2 و 202، صحيح مسلم 937:2-1288.
3- المجموع 371:4، فتح العزيز 472:4، عمدة القارئ 11:10.
4- المجموع 371:4، فتح العزيز 472:4، عمدة القارئ 11:10.
5- المجموع 92:8، المبسوط للسرخسي 15:4.
6- المبسوط للسرخسي 15:4-16، فتح العزيز 473:4.

و المقيم بعرفة و مزدلفة يباح له الجمع إن علّل بالنسك و إن علّل بالسفر فلا.

و لو أراد المسافر الجمع بين الظهرين في وقت العصر و بين العشاءين في وقت المغرب جاز إن علّل بالسفر، و إن علّل بالنسك لم يجز لأنه يفوت الغرض المطلوب و هو اتصال الدعاء في الموقف و تعجيل الحصول بمزدلفة.

مسألة 69: يجوز الجمع بين الظهرين، و كذا بين العشاءين

في السفر الطويل و القصير، و هو ظاهر عندنا.

و للشافعي في السفر القصير قولان: ففي القديم: الجواز - و به قال مالك - لأن أهل مكة يجمعون و هو سفر قصير(1). و الثاني: المنع - و به قال أحمد - لأنها رخصة ثبتت لدفع المشقة فاختصت بما يجب فيه القصر كالقصر(2).

و نمنع الأولي، و منع أبو حنيفة من الجمع في السفر مطلقا(3).

و لا يجوز الجمع بين العصر و المغرب، و لا بين العشاء و الصبح إجماعا - لعدم التشريك في الوقت، و هو يعطي ما ذهبنا نحن إليه، و الصلاة في أول الوقت أفضل من الجمع لأن في الجمع إخلاء وقت العبادة عنها.

مسألة 70: يجوز الجمع بين الظهرين في المطر، و كذا بين العشاءين.
اشارة

ص: 370


1- المجموع 370:4، المهذب للشيرازي 111:1، الوجيز 60:1، فتح العزيز 4: 469، أقرب المسالك: 28، الشرح الصغير 174:1، المغني 116:2، الشرح الكبير 117:2.
2- المجموع 370:4، فتح العزيز 469:4، المهذب للشيرازي 111:1، الوجيز 60:1، المغني 116:2، الشرح الكبير 117:2.
3- المبسوط للسرخسي 149:1، المجموع 371:4، فتح العزيز 471:4.

و هو قول فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و القاسم بن محمد، و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، و خارجة بن زيد، و عبيد اللّه ابن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، و سليمان بن يسار، و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1) لأن عبد اللّه بن عمر روي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع في المدينة بين الظهر و العصر في المطر(2).

و قال أصحاب الرأي، و المزني: لا يجوز لأن المواقيت ثبتت بالتواتر(3).

و قال مالك، و أحمد: إنما يجوز بين العشاءين لمشقة الظلمة و لا يجوز بين الظهرين(4). و ينتقض بالليلة المقمرة.

فروع:

أ - يجوز تقديم العصر الي الظهر لأجل المطر، و كذا تأخير الظهر الي العصر عندنا، و هو القديم للشافعي - و به قال أحمد - لأن كلّ عذر أباح تقديم العصر الي الظهر أباح تأخير الظهر الي العصر كالسفر، و في الجديد: لا يجوز لأدائه الي أن يجمع مع زوال العذر(5). و يمنع بطلان اللازم عندنا.

ص: 371


1- المجموع 384:4، مختصر المزني: 25، فتح العزيز 479:4، المنتقي للباجي 1: 252، بداية المجتهد 173:2، المغني 117:2، الشرح الكبير 118:2.
2- انظر المغني 118:2 و الشرح الكبير 118:2.
3- المبسوط للسرخسي 149:1، المجموع 381:4 و 384، المغني 117:2، الشرح الكبير 118:2.
4- المنتقي للباجي 256:1-257، بداية المجتهد 173:1، المغني 117:2-118، الشرح الكبير 118:2، المجموع 384:4.
5- فتح العزيز 479:4، المهذب للشيرازي 112:1، المجموع 380:4.

ب - يجوز الجمع لمنفرد في بيته، أو في المسجد، أو من كان بينه و بين المسجد ظل يمنع وصول المطر إليه، و هو أحد قولي الشافعي(1) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع في المطر(2) و ليس بين حجرته و بين مسجده شيء، و لأن العذر إذا تعلقت به الرخصة استوي فيه وجود المشقة و عدمها كالسفر، و في الآخر: لا يجوز، لأنّ الرخصة للمشقة و قد انتفت.

ج - الوحل بغير مطر يبيح الجمع - و به قال مالك، و أحمد(3) - للمشقة فجري مجري المطر، و لهذا جاز معه ترك الجمعة.

و قال الشافعي: لا يجوز لأن أذي المطر أكثر من أذي الوحل، فإن الزلق و البلل يحصلان بالمطر دون الوحل(4).

د - لو نزل ثلج جاز الجمع، و شرط الشافعي نزوله ذائبا كالمطر، و لو لم يذب لم يجز إلا أن يكون كبارا(5).

ه - لو افتتح الظهر و لا مطر، ثم مطرت لم يجز الجمع عند الشافعي لأنه يحتاج الي وجود العذر المبيح في جمع الصلاتين كالسفر، و نحن لمّا لم نشترط العذر سقط هذا عنّا.

قال: و لو افتتح الصلاة مع المطر ثم انقطع قبل الشروع في الثانية4.

ص: 372


1- المجموع 381:4، فتح العزيز 479:4.
2- انظر سنن أبي داود 6:2-1210، سنن البيهقي 166:3، المغني 120:2.
3- بداية المجتهد 173:1، المغني 119:2، الشرح الكبير 119:2، المجموع 4: 383، فتح العزيز 481:4.
4- المجموع 383:4، فتح العزيز 481:4، كفاية الأخيار 89:1، المغني 119:2، الشرح الكبير 119:2.
5- فتح العزيز 479:4.

فإنه لا يجمع إلاّ أن ينقطع في الاولي ثم يعود فيها فإنه يجوز(1).

و - يجوز الجمع للريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة - و به قال عمر ابن عبد العزيز(2) - لأنّه يجوز عندنا الجمع مطلقا، و للحنابلة وجهان(3).

مسألة 71: يجوز الجمع حالة المرض و الخوف و شبه ذلك

- و به قال عطاء، و مالك، و إسحاق، و أحمد(4) - لأن الجمع عندنا مطلقا جائز، و لأن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء من غير خوف و لا مطر(5) ، و في رواية: من غير خوف و لا سفر(6) ، و لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر سهلة بنت سهيل، و حمنة بنت جحش لمّا كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر و تعجيل العصر(7).

و قال الشافعي، و أصحاب الرأي: لا يجوز لأن أخبار التوقيت ثابتة فلا تترك بأمر محتمل(8) ، و قد بيّنا نحن اشتراك الوقت.

مسألة 72: و يجوز الجمع عندنا من غير عذر

سفر، أو مطر، أو

ص: 373


1- المجموع 378:4، فتح العزيز 479:4-480.
2- المغني 119:2، الشرح الكبير 19:2.
3- المغني 119:2، الشرح الكبير 119:2.
4- المنتقي للباجي 252:1 و 254، المغني 120:2، الشرح الكبير 117:2.
5- صحيح مسلم 491:1-54، سنن أبي داود 6:2-1211، سنن النسائي 290:1.
6- صحيح مسلم 489:1-705، الموطأ 144:1-4، سنن أبي داود 6:2-1210، سنن النسائي 290:1.
7- سنن الترمذي 225:1 ذيل الحديث 128، سنن أبي داود 76:1-287.
8- المجموع 383:4، فتح العزيز 481:4، المبسوط للسرخسي 149:1، المغني 2: 120، الشرح الكبير 117:2.

خوف، أو مرض، أو غير ذلك - و به قال ابن المنذر، و ابن سيرين(1) - لأن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بين الظهر و العصر بالمدينة من غير خوف و لا سفر، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: و لم تراه فعل ذلك ؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته(2) ، و عن ابن عباس أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء من غير خوف، و لا مطر(3).

و منع باقي الجمهور من ذلك، لأنّ أخبار التوقيت معلومة(4) ، و نحن نقول به فإن الاشتراك بين الوقتين معلوم.

البحث السابع: في الأحكام.
مسألة 73: الصلاة عندنا تجب بأول جزء من الوقت وجوبا موسعا،

و تستقر بإمكان الأداء، فلا يجب القضاء لو قصر عن ذلك - و به قال الشافعي، و إسحاق(5) - و قال أحمد: يستقر الوجوب بإدراك جزء(6).

فإذا دخل عليه وقت الصلاة وجب عليه عندنا بأول الوقت للمختار و للمعذور بأول جزء أدركه بعد زوال عذره، فإذا زال المانع من التكليف كالحيض و الجنون في أثناء الوقت، أو في آخره وجبت الصلاة عليه - و به قال

ص: 374


1- المجموع 384:4، كفاية الأخيار 89:1، حلية العلماء 207:2.
2- صحيح مسلم 490:1-705، سنن أبي داود 6:2-1211، سنن النسائي 290:1.
3- صحيح مسلم 491:1-54، سنن أبي داود 6:2-1210.
4- المجموع 384:4، المغني 122:2، المبسوط للسرخسي 149:1، بداية المجتهد 173:1.
5- المجموع 47:3، المغني 415:1، الشرح الكبير 481:1.
6- المغني 415:1، الشرح الكبير 481:1.

الشافعي(1) - لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (2) فالتقديم و التأخير تحكم، و من فعلها في أول الوقت فعلها بالأمر فكانت واجبة كما لو فعلها في آخره.

و قال أصحاب الرأي: تجب بآخر الوقت(3) إلاّ أنّ أبا حنيفة، و أبا يوسف و محمدا يقولون: تجب إذا بقي من الوقت مقدار تكبيرة(4). و زفر يقول:

تجب إذا بقي من الوقت قدر الصلاة(5). و قال الكرخي: إنما يعتبر قدر التكبيرة في حق المعذورين و أما غير المعذورين فتجب بقدر أربع ركعات(6) كقول زفر عندهم أجمعين.

فإذا فعلها في أول الوقت فمنهم من يقول: تقع مراعاة إن بقي علي صفة التكليف الي آخره تبيّنا الوجوب و إلاّ كانت نفلا، و منهم من يقول: تقع نفلا و تمنع وجوب الفرض(7) و قال الكرخي: إذا فعلها وقعت واجبة لأن الصلاة تجب بآخر الوقت، أو بالدخول فيها(8).

احتجوا بأنها لو كانت واجبة لما جاز تركها.

و نمنع الملازمة فإن المخير يجوز تركه بشرط الإتيان ببدله.

تذنيب: قال شيخنا المفيد: إن أخرها ثم اخترم(9) في الوقت قبل أدائها».

ص: 375


1- المجموع 65:3، المهذب للشيرازي 60:1، المغني 414:1 و 415، الشرح الكبير 481:1.
2- الاسراء: 78.
3- المجموع 47:3، فتح العزيز 41:3.
4- بدائع الصنائع 96:1، المجموع 47:3.
5- المجموع 47:3، بدائع الصنائع 96:1.
6- بدائع الصنائع 96:1.
7- حلية العلماء 20:2.
8- حلية العلماء 20:2.
9- المخترم: الهالك مجمع البحرين 56:6 «خرم».

كان مضيعا لها، و إن بقي حتي يؤديها في آخر الوقت، أو فيما بين الأول و الآخر عفي عن ذنبه(1). و قال في موضع آخر: إن أخّرها لغير عذر كان عاصيا و يسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت(2).

و للشافعي وجهان فيما لو أخّرها لغير عذر و مات في أثناء الوقت:

العصيان لأنه ترك ما وجب عليه، و أصحهما عنده: المنع لأنه أبيح له التأخير(3).

مسألة 74: تقديم الصلاة أفضل إلاّ في مواضع:
اشارة

أ - المغرب للمفيض من عرفة يستحب له تأخيرها إلي مزدلفة و إن صار الي ربع الليل.

ب - يستحب تأخير العشاء حتي يسقط الشفق.

ج - المتنفل يؤخر الفرض ليصلي سبحته.

د - القاضي للفرائض يستحب له تأخير الأداء الي آخر الوقت عندنا، و عند الأكثر يجب(4).

ه - الظهر في الحرّ لمن يصلّي جماعة يستحب الإبراد بها لقوله عليه السلام: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)(5) و لو صلاّها في منزله، أو في

ص: 376


1- المقنعة: 14.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 134.
3- المجموع 50:3، فتح العزيز 41:3، الوجيز 33:1.
4- منهم السيد المرتضي في جوابات المسائل الرسّية الأولي (ضمن رسائله) 364:2، و ابن البراج في المهذّب 125:1 و 126، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 149-150 و ابن زهرة في الغنية: 500.
5- علل الشرائع: 247 باب 181 حديث 1، صحيح البخاري 142:1، صحيح مسلم 1: 430-615، سنن الترمذي 295:1-157، سنن أبي داود 110:1-401، سنن النسائي 248:1، سنن ابن ماجة 222:1-677، سنن الدارمي 274:1، الموطأ 15:1-27 و 28، مسند أحمد 238:2، مسند أبي يعلي 480:2-1309، السنن المأثورة: 192-122.

المواضع الباردة كان التعجيل أفضل - و هو أحد وجهي الشافعي - لزوال المقتضي للتأخير. و في الآخر: الإبراد أفضل(1) للعموم(2). و هو ممنوع.

و - المستحاضة ينبغي أن تؤخر الظهر لتجمع بينهما و بين العصر في أوله بغسل واحد.

ز - أصحاب الأعذار يستحب لهم التأخير لرجاء زوال عذرهم، و عند بعض علمائنا يجب(3) ، و أما ما عدا هذه المواضع فإن المستحب التقديم - و به قال الشافعي(4) - لقوله عليه السلام: (الوقت الأول رضوان اللّه، و الآخر عفو اللّه)(5).

و قال أبو حنيفة: التأخير لصلاة الصبح أفضل إلاّ غداة مزدلفة، و التأخير بالظهر أفضل في غير الشتاء، و التأخير بالعصر أفضل إلاّ في يوم الغيم(6).

فروع:

أ - الإبراد أفضل من التعجيل لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر به(7) ، و هو أحد وجهي الشافعي. و الثاني: التعجيل لكثرة الثواب بزيادة المشقة(8).

ص: 377


1- المجموع 60:3، فتح العزيز 52:3، المغني 434:1، الشرح الكبير 467:1.
2- علل الشرائع: 247 باب 181 حديث 1، صحيح البخاري 142:1، صحيح مسلم 1: 430-615، سنن النسائي 248:1، سنن الترمذي 295:1-157، سنن أبي داود 1: 110-401، سنن ابن ماجة 222:1-677، سنن الدارمي 274:1، الموطأ 1: 15-27 و 28، مسند أحمد 238:2، مسند أبي يعلي 480:2-1309، السنن المأثورة: 192-122.
3- الخلاف 146:1 مسألة 94.
4- المجموع 54:3، المهذب للشيرازي 60:1.
5- سنن الترمذي 321:1-172، سنن الدار قطني 249:1-20 و 21.
6- المبسوط للسرخسي 146:1 و 147 و 148، بدائع الصنائع 124:1-125.
7- صحيح البخاري 142:1، صحيح مسلم 430:1-615، سنن أبي داود 1: 110-401 و 402، سنن النسائي 248:1، سنن ابن ماجة 222:1-677-681، الموطأ 15:1-27 و 28، سنن الدارمي 274:1، مسند أحمد 238:2.
8- فتح العزيز 51:3، المجموع 59:3.

ب - الأقرب استحباب الإبراد بصلاة الجمعة لوجود المقتضي، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: العدم لاستحباب المباكرة(1) فيكون في التأخير تطويل الأمر علي الناس، و ربما تأذوا في الانتظار بحرّ المسجد(2).

ج - الأفضل في العشاء تعجيلها بعد غيبوبة الشفق - و هو أحد قولي الشافعي - للعموم، و الآخر: يستحب التأخير - و به قال أبو حنيفة(3) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (لو لا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء الي ثلث الليل)(4) و في رواية: (الي نصف الليل)(5) و ما تمنّاه لأمته كان أفضل من غيره.

د - الأفضل في المغرب التعجيل بلا خلاف في غير حال العذر، لأنّ جبرئيل عليه السلام صلاّها في اليومين في وقت واحد(6) ، و هو يعطي ما قلناه.

ه - المشهور استحباب تعجيل العصر بكل حال، ذهب إليه علماؤنا - و به قال ابن مسعود، و عمر، و عائشة، و أنس، و ابن المبارك، و أهل المدينة، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(7) - لأن رافع بن خديج قال:

كنا نصلّي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صلاة العصر، ثم ننحر الجزور،1.

ص: 378


1- بكّر: أتي الصلاة في أول وقتها. و كلّ من أسرع إلي شيء فقد بكّر إليه. النهاية لابن الأثير 1: 148 «بكر».
2- المجموع 60:3، المهذب للشيرازي 60:1، فتح العزيز 43:3-44، حلية العلماء 2: 21.
3- المجموع 55:3-56، فتح العزيز 54:3، المهذب للشيرازي 60:1، بدائع الصنائع 126:1، اللباب 58:1.
4- سنن الترمذي 310:1-167، سنن ابن ماجة 226:1-691، مسند أحمد 114:4.
5- مستدرك الحاكم 146:1، سنن الترمذي 310:1-167.
6- سنن أبي داود 107:1-394، سنن الترمذي 279:1-149.
7- المجموع 54:3، فتح العزيز 54:3، المغني 436:1، الشرح الكبير 471:1.

فتقسم عشرة أجزاء، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس(1).

و قال أصحاب الرأي، و أبو قلابة، و ابن شبرمة: الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار(2) ، لأن رافع بن خديج قال: كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يأمر بتأخير العصر(3). و منعه الترمذي(4).

إذا ثبت هذا فالتعجيل المستحب هو أن تفعل بعد مضي أربعة أقدام بلا تأخير، و لو قدمت علي هذا جاز.

و - التغليس بالصبح أفضل، لما فيه من المبادرة إلي فعل الواجب، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(5) ، و عن أحمد رواية أخري: الاعتبار بالمأمومين، فإن أسفروا فالأفضل الإسفار(6).

و قال أصحاب الرأي: الأفضل الإسفار مطلقا(7) لقوله عليه السلام:

(أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)(8) و المراد به التأخير الي أن يتبين الفجر.

ز - ينبغي تأخير الظهر و المغرب في الغيم ليتيقن دخول الوقت،9.

ص: 379


1- صحيح البخاري 180:3، صحيح مسلم 435:1-625، مسند أحمد 141:4.
2- المغني 436:1، الشرح الكبير 471:1.
3- مجمع الزوائد 307:1.
4- سنن الترمذي 300:1 ذيل الحديث 159.
5- المغني 439:1، الشرح الكبير 476:1، الام 75:1، المدونة الكبري 56:1، المحلي 190:3.
6- المغني 439:1، الشرح الكبير 476:1.
7- بدائع الصنائع 124:1، المغني 439:1، الشرح الكبير 477:1.
8- سنن الترمذي 289:1-154، سنن أبي داود 115:1-424، سنن ابن ماجة 221:1-672، سنن النسائي 272:1، سنن الدارمي 277:1، مسند أحمد 429:5، سنن البيهقي 457:1، مسند الطيالسي: 129-959، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 23:3-1489.

و يستحب تعجيل العصر و العشاء حذرا من العوارض، و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، و أحمد(1).

و عن ابن مسعود: تعجّل الظهر و العصر، و تؤخّر المغرب(2) ، و قال الحسن: تؤخر الظهر(3) ، و قال الشافعي: يستحب تعجيل الظهر في غير الحرّ، و المغرب في كل حال، و قال: متي غلب علي ظنه دخول الوقت باجتهاده استحب له التعجيل(4) ، و ما قلناه أحوط.

ح - لو أخّر ما يستحب تقديمه، أو عكس لم يأثم إذا اقترن التأخير بالعزم، فإن لم يعزم أثم، و لو أخّرها بحيث لا يتسع الوقت لجميعها أثم و إن اقترن بالعزم، لأن الركعة الأخيرة من جملة الصلاة فلا يجوز تأخيرها عن الوقت.

مسألة 75: لو صلّي قبل الوقت لم تجزئه صلاته

عمدا، أو جهلا، أو سهوا، كلّ الصلاة، و بعضها، عند علمائنا أجمع - و هو قول الزهري، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - لأن الخطاب بالصلاة توجّه الي المكلّف عند دخول وقتها فلا تبرأ الذمة بدونه(5).

و لقول الصادق عليه السلام: «من صلي في غير وقت فلا صلاة له»(6).

ص: 380


1- المبسوط للسرخسي 148:1، المغني 435:1، الشرح الكبير 467:1، فتح العزيز 60:3.
2- المغني 435:1، الشرح الكبير 467:1.
3- المغني 435:1، الشرح الكبير 467:1.
4- المجموع 54:3 و 55، المهذب للشيرازي 60:1، المغني 435:1، الشرح الكبير 1: 467 و 468.
5- عمدة القارئ 5:5، المغني 440:1 و 441، الشرح الكبير 480:1.
6- الكافي 285:3-6، التهذيب 140:2-547، الاستبصار 244:1-868.

و روي عن ابن عباس في مسافر صلّي الظهر قبل الزوال يجزيه، و نحوه قال الحسن، و الشعبي(1).

و عن مالك فيمن صلّي العشاء قبل مغيب الشفق جاهلا أو ناسيا: يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شيء عليه(2).

مسألة 76: لا يجوز التعويل في دخول الوقت علي الظن مع القدرة علي العلم،
اشارة

لقضاء العقل بقبح سلوك طريق لا يؤمن معه الضرر مع التمكن من سلوك ما يتيقن معه الأمن، فإن تعذّر العلم اكتفي بالظن المبني علي الاجتهاد لوجود التكليف بالفعل، و تعذر العلم بوقته، فإن ظن دخول الوقت صلي، فإن استمر علي ظنه، أو ظهرت صحته أجزأ، و إن انكشف فساده قبل دخول الوقت استأنف بعد الوقت.

و إن دخل الوقت و هو متلبس و لو قبل التسليم أجزأ علي الأقوي - و اختاره الشيخ في المبسوط(3) - لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا صلّيت و أنت تري أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»(4).

و قال المرتضي، و ابن الجنيد: يعيد علي كل حال، لأنه أدي غير المأمور به فلا يجزي عن المأمور به(5) ، و لقول الصادق عليه السلام: «من صلي في غير وقت فلا صلاة له»(6).

و الجواب: المنع من كون المأتي به غير مأمور به، و من دخول صورة

ص: 381


1- المغني 441:1، الشرح الكبير 480:1.
2- المغني 441:1، الشرح الكبير 480:1.
3- المبسوط للطوسي 74:1.
4- الكافي 286:3-11، الفقيه 143:1-666، التهذيب 35:2-110.
5- رسائل الشريف المرتضي 350:2، و حكاه المحقق في المعتبر: 143.
6- الكافي 285:3-6، التهذيب 140:2-547، الاستبصار 244:1-868.

النزاع تحت العموم لأنّا نقول: إنّه وقت الصلاة.

و للشيخ قول آخر في النهاية ضعيف، و هو: أن من دخل قبل الوقت في الصلاة عامدا، أو ناسيا، فإن دخل و لم يفرغ منها فقد أجزأته(1).

فروع:

أ - لو شك في الوقت لم تجز الصلاة حتي يتيقن، أو يظن دخوله إن لم يتمكن من العلم لأصالة البقاء فيكون الدخول مرجوحا.

ب - لو فقد العلم بالدخول و الظن كالأعمي و المحبوس في موضع مظلم يجوز له التقليد، لتعذر علم الوقت و ظنّه، و هو أحد وجهي الشافعي(2) ، و حكي أبو حامد عنه المنع لأن من كان من أهل الاجتهاد في شيء لا يجوز له التقليد فيه كالعالم لا يقلد في الحوادث(3) ، و لو تمكن من الاجتهاد بعمل راتب له، أو درس مثلا عمل عليه و لم يجز له التقليد.

ج - لو أخبره العدل بدخول الوقت عن علم و لا طريق سواه بني عليه، و لو كان له طريق لم يعول علي قوله لأن الظن بدل عن العلم فيشترط عدم الطريق إليه كالمبدل.

د - لو سمع الأذان من ثقة عارف جاز أن يقلده في موضع جوازه لقوله عليه السلام: (المؤذن مؤتمن)(4) ، و لا يجوز التعويل علي أصوات الديكة. و قالت الشافعية: يجوز إذا عرف أن عادتها الصياح بعد الوقت(5).

ص: 382


1- النهاية: 62.
2- المجموع 72:3، فتح العزيز 58:3، مغني المحتاج 127:1.
3- فتح العزيز 59:3، المجموع 72:3، حلية العلماء 18:2.
4- التهذيب 282:2-1121 و انظر سنن أبي داود 143:1-517، سنن الترمذي 1: 402-207، مسند أحمد 232:2، مسند الطيالسي: 316-2404.
5- المجموع 74:3، فتح العزيز 58:3، مغني المحتاج 127:1.

ه - التعويل علي المؤذن الثقة إنما هو للأعمي غير المتمكن من الاجتهاد، أو البصير كذلك.

و قال بعض الشافعية: يجوز تقليد المؤذن مطلقا لأن الأذان بمنزلة الإخبار بالوقت فيجب قبوله(1) ، و قال بعضهم: يجوز في الصحو دون الغيم لأنه في الصحو إنما يؤذن عن مشاهدة و علم، و في الغيم عن اجتهاد فيقلد في الأول دون الثاني(2).

و - لو صلي المحبوس أو الأعمي من غير اجتهاد و لا تقليد أعادا الصلاة و إن وافقا الوقت، و به قال الشافعي(3).

ز - لو صلي قبل الوقت فقد بيّنا عدم صحتها، و هل نقع نفلا؟ الوجه:

المنع لأنه لم يقصده، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: تقع نفلا لئلاّ يضيع عمله(4) ، و ليس بجيد.

ح - معرفة الوقت واجبة لأن الامتثال إنما يحصل معها.

مسألة 77: لا فرق في المنع من التقديم علي الوقت بين الفرائض، و النوافل إلا في موضعين:
اشارة

أحدهما: نوافل الظهرين يوم الجمعة فإنه يجوز تقديمها علي الزوال للحاجة الداعية، و هي الشروع في الخطبة، و الاستماع لها، و لأنّه زمان شريف فتساوت أجزاؤه في إيقاع النوافل علي ما يأتي.

و الثاني: صلاة الليل لشاب يمنعه من القيام بالليل رطوبة رأسه، أو

ص: 383


1- المجموع 74:3، فتح العزيز 59:3، مغني المحتاج 127:1.
2- المجموع 74:3، فتح العزيز 59:3، مغني المحتاج 127:1.
3- الام 72:1، المجموع 72:3، فتح العزيز 60:3، مغني المحتاج 127:1.
4- الوجيز 40:1، فتح العزيز 264:3، حلية العلماء 88:2.

مسافر يصدّه سيره عن التنفل ليلا فإنه يجوز لهما تقديم نافلة الليل بعد العشاء، اختاره الشيخ(1) رحمه اللّه (لأنهما معذوران فجاز لهما التقديم محافظة علي السنن)(2).

و منعه آخرون(3) و هو الوجه عندي لأنّها عبادة موقتة فلا تفعل قبل وقتها كغيرها (من العبادات)(4) ، و لأن معاوية بن وهب قال للصادق عليه السلام:

رجل من مواليك يريد القيام لصلاة الليل فيغلبه النوم فربما قضي الشهر و الشهرين. قال: «قرّة عين له» و لم يرخص له في أول الليل، و قال:

«القضاء بالنهار أفضل»(5).

فروع:

أ - قضاء صلاة الليل بالنهار أفضل من تقديمها في أوله.

ب - لو طلع الفجر و قد صلي أربعا من صلاة الليل أتمها، و زاحم بها الفريضة، لرواية محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام قال: «إذا صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع»(6).

أما نوافل الظهرين فإن خرج الوقت و قد صلي ركعة أتمها، و زاحم بها الفرضين، لقول الصادق عليه السلام: «فإن مضي قدمان قبل أن يصلي

ص: 384


1- النهاية: 61.
2- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (م).
3- منهم ابن إدريس في السرائر: 67.
4- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (ش).
5- الكافي 447:3-20، الفقيه 302:1-1381، التهذيب 119:2-447، الاستبصار 279:1-1015.
6- التهذيب 125:2-475، الإستبصار 282:1-1025.

ركعة بدأ بالأولي»(1).

و نوافل المغرب إن خرج وقتها و لم يكملها، صلّي العشاء و قضاها بعدها.

ج - لو نسي ركعتين من صلاة الليل و أوتر ثم ذكرهما، قضاهما و أعاد الوتر.

مسألة 78: وقت الوتر بعد صلاة الليل
اشارة

عند علمائنا لقوله عليه السلام:

(الوتر ركعة من آخر الليل)(2) و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يوتر آخر الليل(3).

و قال الجمهور: وقته ما بين العشاء و طلوع الفجر الثاني(4) لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (الوتر جعله اللّه لكم ما بين صلاة العشاء الي طلوع الفجر)(5) و نحن نقول بموجبه، فإنّ آخر وقت العشاء نصف الليل.

فروع:

أ - يجوز تقديمه علي الانتصاف إذا قدم صلاة الليل للسفر، أو تعذر الانتباه، و قضاؤه من الغد أفضل.

ب - لا خلاف في أنّ تأخيره عن صلاة الليل أفضل إلاّ أن الشافعي قال: إن لم تكن له عادة بالتهجد فإنه يصلي الوتر عقيب العشاء، و إن كان له عادة بذلك فالأولي أن يؤخر الوتر حتي يصلّي التهجد، فإن أوتر في أول الليل

ص: 385


1- التهذيب 273:2-1086.
2- صحيح مسلم 518:1-752 و مسند أحمد 33:2 و 51.
3- صحيح مسلم 512:1-745.
4- المجموع 13:4 و 14، المغني 829:1، الشرح الكبير 746:1، مغني المحتاج 1: 221، المبسوط للسرخسي 150:1، أقرب المسالك: 23.
5- سنن ابن ماجة 369:1-1168، سنن أبي داود 61:2-418، سنن الدارمي 370:1.

ثم قام للتهجد صلي مثني مثني و لا يعيد الوتر، و عنه قول آخر: إن التعجيل مطلقا أفضل(1). و ما ذهبنا نحن إليه أولي.

ج - لو اعتقد أنه صلي العشاء فأوتر، ثم ذكر، لم يعتد بالوتر عندنا - و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد(2) - لأنه فعله قبل وقته و إن كان مخطئا، كما لو ظن دخول الوقت فصلي قبله.

و قال أبو حنيفة: يعتد به، لأنّ الوقت لهما و إنما بينهما ترتيب فإذا نسيه سقط بالنسيان كترتيب الفوائت(3).

د - آخر وقت الوتر طلوع الفجر لأنه آخر صلاة الليل، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يمتد وقته الي أن يشتغل بفريضة الصبح(4).

مسألة 79: صلاة الصبح من صلوات النهار

لأن أول النهار طلوع الفجر الثاني عند عامة أهل العلم لأن الإجماع علي أن الصوم إنما يجب بالنهار، و النص دلّ علي تحريم الأكل و الشرب بعد طلوع الفجر(5).

و حكي عن الأعمش أنها من صلاة الليل، و أن ما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الطعام و الشراب(6) لقوله تعالي

ص: 386


1- المجموع 14:4، فتح العزيز 237:4-238.
2- المجموع 13:4، فتح العزيز 231:4 و 232، بدائع الصنائع 272:1، المغني 1: 829، الشرح الكبير 746:1.
3- المبسوط للسرخسي 150:1، بدائع الصنائع 272:1، فتح العزيز 232:4، المغني 1: 829، الشرح الكبير 746:1.
4- المجموع 14:4.
5- إشارة إلي قوله تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. البقرة: 187.
6- المجموع 45:3.

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (1) و آية النهار الشمس، و قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

(صلاة النهار عجماء)(2) ، و قول أمية بن أبي الصلت:

و الشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يبصر لونها يتوقد(3)

.

و لا دلالة في الآية، لأن الآية قد تتأخر إذ لا دلالة فيها علي حصر الآية فيها، و يقال: الفجر صاحب الشمس، و الحديث نسبه الدار قطني إلي الفقهاء(4) و يحتمل إرادة الأكثر.

و أما الشعر فحكي الخليل أنّ النهار هو الضياء الذي بين طلوع الفجر و غروب الشمس(5) ، و سمي طلوع الشمس في آخر كل ليلة لمقارنتها(6) لذلك.

مسألة 80: قال الشيخ في الخلاف: الصلاة الوسطي هي الظهر

(7) . و به قالت عائشة، و زيد بن ثابت، و حكي عن أبي حنيفة و أصحابه(8) - لأنها وسط صلوات النهار و هي مشقة لكونها في شدة الحر، و وقت القيلولة، و قد روي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يصلي الظهر بالهاجرة فاشتد ذلك علي

ص: 387


1- الاسراء: 12.
2- عوالي اللئالي 421:1-98 و نسبه الي الحسن البصري كل من الزمخشري في الفائق 2: 395 و الهروي في غريب الحديث 282:1 و ابن الأثير في النهاية 187:3 «عجم».
3- خزانة الأدب 280:1.
4- حكاه النووي في المجموع 46:3، و الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة: 66 و العجلوني في كشف الخفاء 36:2-1609.
5- العين 44:4.
6- في نسخة (ش): لمقاربتها.
7- الخلاف 294:1 مسألة 40.
8- أحكام القرآن للجصاص 442:1، المغني 421:1، الشرح الكبير 468:1، احكام القرآن لابن العربي 225:1، المجموع 61:3.

أصحابه فنزلت حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي (1)(2) و عن عائشة أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قرأ: حافظوا علي الصلوات و الصلاة الوسطي و صلاة العصر(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و العصر»(4).

و قال السيد المرتضي: إنها العصر(5) ، و حكاه ابن المنذر عن علي عليه السلام، و أبي هريرة، و أبي أيوب، و أبي سعيد، و هو قول أبي حنيفة، و ابن المنذر(6) لأن عليا عليه السلام قال: «لمّا كان يوم الأحزاب صلّينا العصر بين المغرب و العشاء، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: شغلونا عن الصلاة الوسطي صلاة العصر، ملأ اللّه قلوبهم و أجوافهم نارا»(7).

و قال قبيصة بن ذويب: إنّها المغرب، لأنها أوسط أعداد الصلوات،ا.

ص: 388


1- البقرة: 238.
2- سنن أبي داود 112:1-411.
3- سنن أبي داود 112:1-410، الموطأ 138:1-25.
4- الكافي 271:3-1، الفقيه 125:1-600، التهذيب 241:2-954، علل الشرائع: 355 باب 67 حديث 1، معاني الأخبار: 332-5.
5- رسائل الشريف المرتضي 275:1.
6- عمدة القارئ 124:18، المجموع 61:3، فتح الباري 158:8، إرشاد الساري 7: 40، المغني 421:1.
7- سنن أبي داود 112:1-409، سنن ابن ماجة 224:1-684، سنن الدارمي 1: 280، مسند أحمد 81:1-82 بتفاوت فيها.

و وقتها ضيّق فنهي عن تأخيرها(1).

و قال الشافعي: صلاة الصبح، و به قال مالك، و حكاه الشافعي في البويطي عن علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و حكاه ابن المنذر عن ابن عمر أيضا(2) لقوله تعالي وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (3) عقيب الوسطي، و القنوت مسنون في الصبح، و هو ممنوع، و لأن الفجر لا تجمع الي ما قبلها و لا الي ما بعدها فهي منفردة، قبلها صلاة الليل، و بعدها صلاة النهار.

مسألة 81: قال الشيخ: يكره تسمية العشاء بالعتمة

(4) ، و لعلّه استند في ذلك الي ما روي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا تغلبنكم الأعراب عل اسم صلاتكم فإنها العشاء فإنهم يعتمون بالإبل)(5) فإنهم كانوا يؤخرون الحلب الي أن يعتم الليل، و يسمون الحلبة العتمة، و به قال الشافعي(6).

قال الشيخ: و كذا يكره تسمية الصبح بالفجر، بل يسمي بما سماه اللّه تعالي في قوله فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (7)(8).

و قال الشافعي: يستحب أن تسمي بأحد اسمين إما الفجر، أو الصبح

ص: 389


1- المجموع 61:3، فتح الباري 158:8، عمدة القارئ 124:18، أحكام القرآن للجصاص 443:1.
2- المجموع 60:3، المغني 421:1، الشرح الكبير 468:1، الموطأ 139:1-28، احكام القرآن لابن العربي 224:1-225.
3- البقرة 238.
4- المبسوط للطوسي 75:1.
5- صحيح مسلم 445:1-644، سنن أبي داود 296:4-4984، سنن ابن ماجة 1: 230-704، سنن النسائي 270:1، مسند أحمد 10:2.
6- الام 74:1، المجموع 41:3، المهذب للشيرازي 59:1، السراج الوهاج: 35.
7- الروم: 17.
8- المبسوط للطوسي 75:1.

لأن اللّه تعالي سماها فجرا، و سماها النبي صلّي اللّه عليه و آله صبحا، و لا يستحب أن تسمي الغداة(1) ، و الأشبه انتفاء الكراهة، و روي البخاري أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا تغلبنكم الأعراب علي اسم صلاتكم إنّها المغرب، و العرب يسمونها العشاء)(2).

مسألة 82: الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا،
اشارة

و تستقر بإمكان الأداء، و هو اختيار أكثر علمائنا كالشيخ، و ابن أبي عقيل(3) و به قال الشافعي(4) لقوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلي غَسَقِ اللَّيْلِ (5).

و لقول محمد بن مسلم قال: دخلت علي الباقر عليه السلام و قد صليت الظهر و العصر، فيقول: «صليت الظهر» فأقول: نعم و العصر، فيقول: «ما صليت الظهر» فيقوم مسترسلا غير مستعجل، فيغتسل أو يتوضأ، ثم يصلي الظهر، ثم يصلي العصر(6).

و من علمائنا من قال: تجب بأول الوقت وجوبا مضيّقا إلاّ أنّه متي لم يفعلها لم يؤاخذ به عفوا من اللّه تعالي(7).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: يجب بآخر الوقت(8). و قد مضي تفصيل مذاهبهم(9).

ص: 390


1- الام 74:1، المهذب للشيرازي 60:1، المجموع 46:3.
2- صحيح البخاري 147:1.
3- المبسوط للطوسي 77:1، الخلاف 18276:1، و حكي قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر: 134.
4- المجموع 47:3، فتح العزيز 41:3، الوجيز 33:1.
5- الاسراء: 78.
6- التهذيب 252:2-999، الاستبصار 256:1-920.
7- الشيخ المفيد في المقنعة: 14.
8- المجموع 47:3، فتح العزيز 41:3.
9- تقدم في المسألة 73.
فروع:

أ - لو أخّر حتي مضي إمكان الأداء و مات لم يكن عاصيا، و يقضي الولي لأن التقدير أنه موسع يجوز له تركه فلا يعاقب علي فعل الجائز، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: يعصي كالحج(1) ، و الفرق تضييق الحج عندنا، و عنده: أن آخر وقت الصلاة معلوم، فلم يكن في التأخير عذر، و آخر زمان يؤدي فيه الحج غير معلوم فكان جواز التأخير بشرط السلامة.

ب - لو ظنّ التضييق عصي لو أخر إن استمر الظن، و إن انكشف بطلانه فالوجه عدم العصيان.

ج - لو ظن الخروج صارت قضاء، فإن كذب الظن فالأداء باق.

د - لو صلّي عند الاشتباه من غير اجتهاد لم يعتد بصلاته و إن وقعت في الوقت.

ه - لو كان يقدر علي درك اليقين بالصبر احتمل جواز المبادرة بالاجتهاد لأنّه لا يقدر علي اليقين حالة الاشتباه، و عدمه، و للشافعي كالوجهين(2).

خاتمة:
اشارة

تارك الصلاة الواجبة مستحلا يقتل إجماعا إن كان مسلما ولد علي الفطرة من غير استتابة، لأنه جحد ما هو معلوم من دين الإسلام ضرورة فيكون مرتدا، و لو تاب لم يسقط عنه القتل، و إن لم يكن مسلما لم يقتل إن كان من أهل الذمة.

و لو كان مسلما عن كفر فهو مرتد لا عن فطرة يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، و إلاّ قتل.

و لو كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية و زعم أنّه لا يعرف

ص: 391


1- المجموع 50:3، فتح العزيز 41:3.
2- المجموع 73:3، الوجيز 34:1، مغني المحتاج 127:1، السراج الوهاج: 35.

وجوبها عليه قبل منه و منع من العود، و عرّف الوجوب.

و لو كان غير مستحل لم يكن مرتدا بل يعزر علي تركها، فإن امتنع عزّر ثانيا، فإن امتنع عزّر ثالثا، فإن امتنع قتل في الرابعة، و قال بعض علمائنا:

قتل في الثالثة(1).

فروع:

أ - إذا ترك محرّما طولب بها الي أن يخرج الوقت، فإذا خرج أنكر عليه و أمر بقضائها، فإن لم يفعل عزر، فإن انتهي و صلي برئت ذمته، و إن أقام علي ذلك حتي ترك ثلاث صلوات و عزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة، و لا يقتل حتي يستتاب، و يكفن، و يصلّي عليه، و يدفن في مقابر المسلمين، و ميراثه لورثته المسلمين.

ب - لو اعتذر عن الترك بالمرض أو الكسل لم يقبل عذره و طولب المريض بالصلاة علي حسب حاله و مكنته قائما، أو جالسا، أو مضطجعا، أو مستلقيا فإن الصلاة لا تسقط عنه بحال، و إن كان لكسل الزم بها و لم يقبل منه فإن صلي و إلاّ عزّر ثلاثا، و يقتل في الرابعة علي ما قلناه لقولهم عليهم السلام: «أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»(2).

و قال مالك: لا يقتل حتي يحبس ثلاثا و يضيّق عليه فيها، و يدعي في وقت كلّ صلاة إلي فعلها، و يخوف بالقتل، فإن صلّي و إلاّ قتل بالسيف - و به قال حماد بن زيد، و وكيع، و الشافعي(3) - لقوله تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ

ص: 392


1- قاله الشيخ الطوسي في الخلاف 689:1، المسألة 465 (صلاة الاستسقاء) و ابن إدريس في السرائر: 467.
2- أورده نصّا في المبسوط 129:1 و 284:7، و الذي عثرنا عليه في المصادر التالية «.. يقتلون في الثالثة» انظر: الكافي 191:7-2، الفقيه 51:4-182، التهذيب 62:10-228 و 95 - 96-369، الاستبصار 212:4-791.
3- الام 255:1، المجموع 15:3، المهذب للشيرازي 58:1، المغني 297:2.

- إلي قوله: - فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (1) شرط في التخلية إقامة الصلاة فإذا لم يقم الصلاة بقي علي وجوب القتل، و قال عليه السلام: (من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة)(2).

و قال الزهري: يضرب، و يسجن، و لا يقتل - و به قال أبو حنيفة(3) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدي ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق)(4) و لا حجة فيه لأنّ ترك العموم لدليل مخصص واجب، و حكي عن بعضهم ترك التعرض له(5) لأن الصلاة أمانة بينه و بين اللّه تعالي. و هو مدفوع بالإجماع.

ج - لا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة و لا بما زاد ما لم يتخلل التعزير ثلاثا لأنّ الأصل حفظ النفس، و ظاهر كلام الشافعي أنه يقتل بصلاة واحدة - و هو رواية عن أحمد(6) - لأنه تارك للصلاة فيقتل كتارك الثلاث، و الفرق ظاهر.

د - الظاهر من قول علمائنا أنّه بعد التعزير ثلاثا عند ترك الفرائض الثلاث يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة، و هو ظاهر مذهب الشافعي(7) لشبهه بالمرتد، و قال بعض الشافعية: يضرب حتي يصلّي أو يموت(8).2.

ص: 393


1- التوبة: 5.
2- سنن ابن ماجة 1339:2-4034، مسند أحمد 238:5.
3- المغني 297:2، القوانين الفقهية: 50، مقدمات ابن رشد: 102.
4- سنن الترمذي 460:4-2158.
5- الام 255:1، فتح العزيز 290:5.
6- المجموع 14:3، المهذب للشيرازي 58:1، الانصاف 401:1، مقدمات ابن رشد: 100، المغني 298:2.
7- المهذب للشيرازي 58:1، المغني 297:2.
8- المجموع 15:3، المهذب للشيرازي 58:1، السراج الوهاج: 102.

ه - يقتل حدّا و لا يكفر بذلك - و به قال الشافعي، و مالك(1) - لقوله عليه السلام: (خمس كتبهن اللّه علي عباده في اليوم و الليلة فمن جاء بهن و لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة، و من لم يأت بهن فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه و إن شاء أدخله الجنّة)(2).

و قال أحمد: يكفر بتركها، و إسلامه أن يصلي، و لو أتي بالشهادتين لم يحكم بإسلامه إلاّ بالصلاة - و به قال الحسن، و الشعبي، و النخعي، و أبو أيوب السجستاني، و الأوزاعي، و ابن المبارك، و حماد بن زيد، و إسحاق، و محمد بن الحسن(3) - لقوله عليه السلام: (بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة)(4) و هو محمول علي التارك مستحلا.

و - صلاة الكافر ليست إسلاما عندنا مطلقا، لأنه عبارة عن الشهادتين.

و قال أبو حنيفة: إنّها إسلام في دار الحرب و دار الإسلام معا(5) ، و قال الشافعي: أنّها إسلام في دار الحرب خاصة(6) ، و سيأتي.

ز - قال في المبسوط: إذا امتنع من الصلاة حتي خرج وقتها و هو قادر أنكر عليه، و أمر بأن يصلّيها قضاء، فإن لم يفعل عزّر، فإن انتهي و صلّي برئت ذمته، و إن أقام علي ذلك حتي ترك ثلاث صلوات و عزّر فيها ثلاث2.

ص: 394


1- المجموع 16:3، السراج الوهاج: 101، مغني المحتاج 327:1، بداية المجتهد 1: 90، المغني 299:2، مقدمات ابن رشد: 101، القوانين الفقهية: 50.
2- الموطأ 123:1-14، سنن النسائي 230:1، سنن ابن ماجة 449:1-1401، سنن أبي داود 62:2-1420.
3- المغني 299:2، مقدمات ابن رشد: 101، بداية المجتهد 90:1، كشاف القناع 1: 228.
4- سنن ابن ماجة 342:1-1078، سنن الدارمي 280:1، سنن الدار قطني 53:2-4 و انظر المغني 299:2.
5- بدائع الصنائع 103:7، المجموع 252:4.
6- المجموع 251:4، حلية العلماء 169:2.

مرات قتل في الرابعة، لما روي عنهم عليهم السلام: «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»(1) و هو يقتضي أنه لا يقتل حتي يترك أربع صلوات و يعزّر ثلاثا.

و ظاهر مذهب الشافعي أنه يستحق القتل بترك الواحدة فإذا ضاق وقتها يقال له: إن صلّيت قبل خروج الوقت و إلا قتلناك بعد خروج الوقت(2).

و اختلف أصحابه فقال بعضهم: إذا خرج وقتها المختص وجب القتل(3) ، و قال القفال: لا يقتل حتي يخرج الوقت، فتارك الظهر لا يقتل حتي تغرب الشمس(4).

و هل يقتل في الحال ؟ قولان: أحدهما: يمهل ثلاثة أيام رجاء لتوبته.

و الثاني: يقتل معجلا(5).

ح - إذا اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان، أو بعدم المطهر قبل عذره إجماعا، و يؤمر بالقضاء فإن صلّي فلا بحث، و إن امتنع لم يقتل، لأن القضاء ليس علي الفور، و هو ظاهر مذهب الشافعي، و له وجه أنّه يقتل، لامتناعه عن الإبان بها مع التمكن منها(6).

ط - لا فرق بين تارك الصلاة و تارك شرط مجمع عليه كالطهارة، أو جزء منها كذلك كالركوع، أما المختلف فيه كإزالة النجاسة، و قراءة الفاتحة، و الطمأنينة فلا شيء عليه، و لو تركه معتقدا تحريمه لزمه إعادة الصلاة، و لا يقتل بذلك لأنه مختلف فيه.2.

ص: 395


1- لقد أشرنا إلي مصادر الحديث في فرع «ب».
2- المجموع 14:3، السراج الوهاج: 101.
3- المجموع 14:3-15، فتح العزيز 294:5-295.
4- المجموع 15:3. لم ينص فيه علي اسم القفال، بل نسبه الي الأصحاب و هكذا في فتح العزيز 5: 303-305.
5- المجموع 15:3، الام 255:1، مختصر المزني: 34، المهذب للشيرازي 58:1.
6- حلية العلماء 11:2-12.

ص: 396

الفصل الثالث: في المكان و مباحثه ثلاثة:الأول: في ما يصلّي فيه
مسألة 83: تصح الصلاة في كلّ مكان مملوك، أو في حكمه، خال من نجاسة
اشارة

بغير خلاف بين العلماء.

و اختلف في المغصوب فذهب علماؤنا إلي بطلان الصلاة فيه اختيارا مع العلم بالغصبية، و هو قول الجبّائيين، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(1) ، لأنه فعل منهي عنه، إذ القيام و القعود، و الركوع، و السجود التي هي أجزاء الصلاة تصرّف في مال الغير بغير إذنه فيكون قبيحا، و النهي يدل علي الفساد في العبادات.

و قال أبو حنيفة، و مالك: تصح، و هو القول الثاني للشافعي، و الرواية الثانية عن أحمد، لأنّ النهي لا يعود إلي الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلّي و هو يري غريقا يمكن إنقاذه فلم ينقذه(2). و ليس بجيد، إذ النهي وقع عن

ص: 397


1- المغني 758:1، الشرح الكبير 513:1، كشاف القناع 295:1، المجموع 3: 164، و حكي قول الجبّائيين المحقق في المعتبر: 156.
2- المجموع 164:3، المهذب للشيرازي 71:1، المغني 758:1، الشرح الكبير 1: 513.

هذه التصرفات التي هي أجزاء من حقيقة الصلاة فبطلت، و الصلاة حال الغرق مأمور بها، و إنقاذ الغريق مأمور به لكنه آكد فافترقا، علي أنّا نمنع حكم الأصل.

فروع:

أ - لا فرق بين غصب رقبة الأرض بأخذها، أو دعواه ملكيتها، و بين غصب المنافع بادعاء الإجارة ظلما، أو يضع يده عليها مدة، أو يخرج روشنا، أو ساباطا في موضع لا يحل له، أو يغصب راحلة فيصلّي عليها، أو سفينة، أو لوحا فيجعله في سفينة و يصلّي عليه.

ب - لا فرق بين الجمعة و غيرها عند علمائنا لما تقدم. و قال أحمد:

يصلّي الجمعة في موضع الغصب، و كذا العيد، و الجنازة، لأن الإمام إذا صلّي في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الجمعة، و لهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج، و المبتدعة(1).

و هو غلط، لأن صلاة الإمام مع علمه باطلة فلا تفوت الجمعة بفعلها في غير الموضع، و نمنع من جواز الصلاة خلف الخوارج، و المبتدعة علي ما يأتي.

ج - لا فرق بين الغاصب و غيره في بطلان الصلاة سواء أذن له الغاصب أو لا، و تصح للمالك الصلاة فيه، و لا أعلم فيها خلافا إلاّ من الزيدية، فإنهم أبطلوا صلاته فيه للعموم. و هو خطأ.

د - لو أذن المالك اختص المأذون و إن كان الغاصب، و لو أطلق الإذن

ص: 398


1- المغني 758:1 و 759، الشرح الكبير 514:1، كشاف القناع 296:1.

انصرف الإطلاق عرفا الي غير الغاصب.

ه - لو أذن له في الدخول الي داره و التصرف جاز له أن يصلّي، لأنه من جملة التصرف، و كذا لو علم بشاهد الحال.

و - تجوز الصلاة في البساتين، و الصحاري و إن لم يحصل الإذن ما لم يكره المالك، لأن الإذن معلوم بالعادة، و لو كانت مغصوبة لم تصح إلا مع صريح الإذن.

ز - جاهل الحكم غير معذور، و في الناسي إشكال ينشأ من التفريط و من سقوط القلم عنه.

ح - لو أمره بعد الإذن بالخروج تشاغل به فإن ضاق الوقت خرج مصلّيا، و لو صلّي من غير خروج لم يصح، و كذا الغاصب.

ط - لو أمره بالكون فتلبس بالصلاة فأمره بالخروج مع الاتّساع احتمل الإتمام لمشروعية الدخول، و القطع لأنه غير مأذون له في الصلاة صريحا و قد وجد المنع صريحا، و الخروج مصلّيا كما في حالة التضيق (للمنع من قطع عبادة مشروعة فأشبهت المضيق)(1) ، و لو أذن في الصلاة فالإتمام.

ي - لا فرق بين النوافل و الفرائض في ذلك كله بخلاف الصوم الواجب في المكان المغصوب فإنه سائغ، أما لو نذر قراءة القرآن فالوجه عدم الإجزاء في المكان المغصوب، و كذا أداء الزكاة، و يجزي أداء الدين، و الطهارة كالصلاة في المنع، و المشتبه بالمغصوب كالمغصوب في الحكم.

مسألة 84: يشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية إليه مما لم يعف
اشارة

ص: 399


1- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (م).

عنها إجماعا منّا - و به قال أكثر العلماء(1) - لقوله تعالي وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2) ، و لقوله عليه السلام: (أكثر عذاب القبر من البول)(3) و روي عن ابن عباس، و ابن مسعود، و سعيد بن جبير، و أبي مجلز عدم اشتراط الطهارة(4) عملا بالأصل. و هو غلط.

أما ما لا يتعدي كالنجاسات اليابسة فلا يشترط طهارة المكان عنها إلاّ موضع جبهة السجود خاصة عند أكثر علمائنا(5) ، و قد أجمع كل من اشترط الطهارة علي اعتبار طهارة موضع الجبهة، و هو حجة.

و أما عدم اشتراط غيرها فهو الأشهر عندنا للأصل، و لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة، و لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الشاذكونة(7) يصلّي عليها و قد أصابتها الجنابة: «لا بأس»(8).

و قال أبو الصلاح منّا: يشترط طهارة مساقط أعضاء السجود(9) كالجبهة.

و نمنع القياس.0.

ص: 400


1- الشرح الكبير 509:1.
2- المدثر: 4.
3- سنن ابن ماجة 125:1-348، مسند أحمد 326:2 و 388.
4- انظر: الشرح الكبير 509:1.
5- منهم: المفيد في المقنعة: 10، و الشيخ الطوسي في المبسوط 87:1، و المحقق في المختصر النافع: 26
6- صحيح البخاري 91:1، سنن الترمذي 131:2-317، سنن أبي داود 132:1 - 489، سنن ابن ماجة 188:1-567، مسند أحمد 145:5.
7- الشاذكونة: هي بفتح الذال ثياب غلاظ مضرّبة تعمل باليمن، و قيل: انها حصير صغير يتخذ للافتراش. مجمع البحرين 273:5 «شذك».
8- التهذيب 274:1-806، الإستبصار 393:1-1500.
9- الكافي في الفقه: 140.

و قال السيد المرتضي: يشترط طهارة المكان(1) - و به قال الشافعي(2) - لأنه عليه السلام نهي عن الصلاة في المزبلة و المجزرة(3) ، و لا علة سوي النجاسة. و نقول بموجبه، لأنها نجاسات متعدية، أو نمنع نهي التحريم.

و قال الشافعي: يشترط الطهارة في جهة الصلاة، و الجوانب أيضا بحيث يكون ما يلاقي بدن المصلّي و ثيابه طاهرا حتي لو وقف تحت سقف يحتك به أو بجدار نجس لم تصح صلاته، و به قال أحمد(4).

و قال أبو حنيفة: لا يشترط إلاّ طهارة موضع القدمين، و في رواية موضع القدمين و الجبهة، و لا تضر نجاسة ما سواه إلاّ أن يتحرك بحركته(5).

و الكل ممنوع.

فروع:

أ - لو كان علي رأسه عمامة و طرفها يسقط علي نجاسة صحت صلاته عندنا، خلافا للشافعي، و أحمد في رواية، و في اخري: أنه لا يشترط طهارة ما تقع عليه ثيابه(6) ، و لو كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلّي الي

ص: 401


1- حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز 143:1-144.
2- المجموع 151:3، المهذب للشيرازي 68:1، فتح العزيز 34:4.
3- سنن ابن ماجة 246:1-746، سنن الترمذي 178:2-346 و انظر المهذب للشيرازي 69:1.
4- المجموع 152:3، المغني 750:1، الشرح الكبير 509:1، فتح العزيز 35:4.
5- بدائع الصنائع 82:1، فتح العزيز 34:4، حلية العلماء 49:2، شرح فتح القدير 168:1.
6- مغني المحتاج 190:1، كفاية الأخيار 56:1، المغني 750:1 و 751، الشرح الكبير 1: 509.

جانبه أو حائط لا يستند إليه صحّت صلاته عندنا، خلافا للشافعي، و أحمد(1).

ب - قال أبو حنيفة: إن كان تحت قدميه أكثر من قدر درهم من النجاسة لم تصح صلاته، و لو وقعت ركبته أو يده علي أكثر من قدر درهم صحّت صلاته، و لو وضع جبهته علي نجاسة تزيد علي قدر الدرهم فروايتان(2) ، و عند الشافعي لا تصح في الجميع(3) ، و عندنا تصح في الجميع إلاّ موضع الجبهة فإن النجاسة إن استوعبته لم تصح صلاته و إن قلّت عن الدرهم، و لو وقع ما يجزي من الجبهة علي موضع طاهر و الباقي علي نجاسة فالأقوي عندي الجواز.

ج - لو كان ما يلاقي بدنه و ثيابه طاهرا أو ما يحاذي بطنه أو صدره في السجود نجسا صحّت صلاته عندنا - و به قال أحمد، و الشافعي في أحد الوجهين - لأنه لم يباشر النجاسة فصار كما لو صلّي علي سرير و تحته نجاسة، و في الآخر: لا تصح(4) لأن ذلك الموضع منسوب إليه فإنه مكان صلاته، و يبطل بما لو صلّي علي خمرة طرفها نجس فإن صلاته تصح و إن نسبت إليه بأنّها مصلاّه.

د - يجوز أن يصلّي علي بساط تحته نجاسة، أو سرير قوائمه علي النجاسة و إن تحرك بحركته، و به قال الشافعي(5) ، و قال أبو حنيفة: إن تحرك4.

ص: 402


1- المجموع 152:3، المغني 751:1، الشرح الكبير 509:1، كشاف القناع 289:1 و 290.
2- المبسوط للسرخسي 204:1، بدائع الصنائع 82:1، حلية العلماء 49:2.
3- المجموع 151:3 و 152، فتح العزيز 34:4.
4- المجموع 152:3، مغني المحتاج 190:1، المغني 751:1، الشرح الكبير 509:1.
5- المجموع 152:3، فتح العزيز 35:4.

بحركته بطلت(1) و لا يصح ذلك في المغصوب سواء كان الساتر أو ما تحته.

ه - لو اشتبه موضع النجاسة لم يضع جبهته علي شيء منه إن كان محصورا كالبيت و البيتين، بخلاف المواضع المتسعة كالصحاري، و لا يجوز التحري عندنا.

و قال الشافعي: يتحري إن وقع الاشتباه في بيتين، و لو اشتبه الموضع النجس من بيت أو بساط لم يتحر علي أصح الوجهين(2).

و - لو اضطر إلي الصلاة في المشتبه وجب تكرير الصلاة كالثوبين.

مسألة 85: تكره الصلاة في أماكن:

أ - معاطن الإبل: و هي مباركها، سواء خلت من أبوالها أو لا عندنا لأنّ أبوالها طاهرة علي ما تقدم(3).

لقوله عليه السلام: (إذا أدركتك الصلاة و أنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة و بركة، و إذا أدركتك الصلاة و أنت في معاطن الإبل فاخرج منها و صل فإنها جن من جن خلقت)(4).

و الفرق ظاهر فإن الغنم لا يمنعه السكون في مراحها من الخشوع، و الإبل يخاف نفورها فتمنعه من الخشوع و السكون، و قيل: إن عطنها مواطن الجن(5).

و منع الشافعي من الصلاة فيها مع وجود أبوالها فيها لأنها نجسة

ص: 403


1- المجموع 152:3، فتح العزيز 35:4.
2- المجموع 153:3 و 154، فتح العزيز 35:4.
3- تقدم في المسألة 15 من كتاب الطهارة.
4- سنن البيهقي 449:2.
5- فتح العزيز 38:4 و انظر حياة الحيوان للدميري 25:1.

عنده و قد تقدم، و سوّغ الصلاة مع الخلوّ، و به قال مالك، و أبو حنيفة(1) للحديث(2).

و قال أحمد: لا تصح الصلاة فيها و إن خلت، و به قال ابن عمر، و جابر ابن سمرة و الحسن، و إسحاق، و أبو ثور(3) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الصلاة فيها(4) ، و النهي يدل علي الفساد، و هو ممنوع لأن النهي للكراهة.

و لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم عملا بالأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم»(5).

ب - المقابر: و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و ابن عمر، و عطاء، و النخعي، و ابن المنذر، فإن صلي صحّت سواء استقبلها، أو صلّي بينها في الكراهة، و الصحة، و به قال الشافعي، و مالك(6) - لأنها بقعة طاهرة فصحت الصلاة فيها كغيرها.

و قال أحمد: لا يجوز و إن تحقق طهارتها أو استقبلها - و في صحة1.

ص: 404


1- المجموع 161:3، بداية المجتهد 117:1، عمدة القارئ 182:4، المغني 753:1، الشرح الكبير 512:1.
2- سنن الترمذي 131:2-317، مسند أحمد 145:5، صحيح البخاري 91:1، سنن أبي داود 132:1-489، سنن ابن ماجة 188:1-567.
3- عمدة القارئ 182:4، المغني 753:1، نيل الأوطار 141:2.
4- سنن ابن ماجة 246:1-746 و 747، سنن الترمذي 181:2-348، سنن النسائي 2: 56، سنن الدارمي 323:1، مسند احمد 451:2 و 491 و 509، سنن أبي داود 1: 133-493، سنن البيهقي 449:2.
5- الكافي 388:3-2، التهذيب 22:2-868، الاستبصار 395:1-1507.
6- المجموع 158:3، بداية المجتهد 117:1، المغني 753:1.

الصلاة عنه روايتان(1) - للنهي(2) ، و نحن نحمله علي الكراهة.

و لو جعل بينه و بين القبر حائلا و لو عنزة(3) ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه، و يساره، و قدامه زالت الكراهة، و قد روي جواز الصلاة الي قبور الأئمة عليهم السلام في النوافل خاصة(4) ، قال الشيخ: و الأحوط الكراهة(5).

و لو صلّي علي قبر كره سواء تكرر الدفن فيه و نبش أو لا، إلاّ أن تمازجه نجاسة متعدية فيحرم.

و قال الشافعي: إن تكرر الدفن فيه و نبش بطلت صلاته، لأنه صلّي علي النجاسة لمخالطة صديد الموتي و لحومهم، و إن كان جديدا لم ينبش كره(6) للنهي(7) ، و إن لم يعلم التكرر، و لا عدمه فقولان لأصالة الطهارة و قضاء العادة بتكرر الدفن(8).

و كره الاستقبال إلي القبر، إلاّ الي قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فإنّه منعه(9) لقوله عليه السلام: (لعن اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم4.

ص: 405


1- المغني 753:1، المجموع 158:3، الشرح الكبير 512:1.
2- سنن النسائي 67:2، سنن ابن ماجة 246:1-746 و 747.
3- العنزة بالتحريك: أطول من العصا و أقصر من الرمح و فيه زجّ كزج الرمح. الصحاح 3: 887 «عنز».
4- كامل الزيارات: 122-1.
5- المبسوط للطوسي 85:1.
6- الام 92:1، المجموع 158:3، المهذب للشيرازي 70:1، رحمة الأمة 57:1 نيل الأوطار 137:2.
7- سنن الترمذي 131:2-317، سنن ابن ماجة 246:1-746 و 747، سنن البيهقي 2: 329.
8- المجموع 158:3، فتح العزيز 39:4.
9- المجموع 158:3، فتح العزيز 39:4.

مساجد)(1) و إنما قاله تحذيرا لأمته أن يفعلوا.

ج - الحمام إن علمت طهارته أو جهلت - و به قال الشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «عشرة مواضع لا يصلي فيها: الطين، و الماء، و الحمام، و القبور، و مسان الطرق(3) ، و قري النمل، و معاطن الإبل، و مجري الماء، و السبخ، و الثلج»(4).

و قال أحمد: لا تجوز الصلاة فيه(5) للنهي(6).

و لو علمت نجاسته فإن لم تتعد إليه كرهت الصلاة فيه أيضا - خلافا للشافعي(7) - و إلاّ بطلت.

و هل تكره في المسلخ ؟ فيه احتمال ينشأ من علة النهي إن قلنا:

النجاسة لم تكره، و إن قلنا: كشف العورة فيكون مأوي (الشيطان)(8) كره.

د - بيوت الغائط لعدم انفكاكها عن النجاسة، و لو صلّي صحت ما لم تتعد نجاستها إليه - و به قال الشافعي(9) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل3.

ص: 406


1- الفقيه 114:1-532، صحيح البخاري 116:1، صحيح مسلم 376:1-529 و 531، مسند أحمد 218:1.
2- حلية العلماء 50:2، المجموع 159:3.
3- مسان الطرق: المسلوك منها. مجمع البحرين 269:6 «سنن».
4- الكافي 390:3-12، التهذيب 219:2-863، الإستبصار 394:1-1504.
5- المغني 753:1، عمدة القارئ 190:4، نيل الأوطار 137:2.
6- سنن ابن ماجة 246:1-747، سنن البيهقي 329:2.
7- الام 92:1، المجموع 159:3.
8- في نسخة (ش): الشياطين.
9- المجموع 162:3.

أقوم في الصلاة فأري بين يدي العذرة: «تنح عنها ما استطعت»(1). و لأنها لا تناسب العبادة المأمور بالتنظيف حال إيقاعها.

و قال أحمد: لا تصح، و لا علي سطحها(2) ، و ليس بجيد.

ه - بيوت النيران لئلاّ يتشبه (بعبّادها)(3).

و - بيوت المجوس لعدم انفكاكها من النجاسة، فإن رشت الأرض زالت الكراهة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في بيوت المجوس: «رش و صلّ»(4).

و لا بأس بالبيع و الكنائس مع النظافة - و به قال الحسن البصري، و عمر ابن عبد العزيز، و الشعبي، و الأوزاعي(5) - لقوله عليه السلام: (أينما أدركتني الصلاة صليت)(6) و سأل عيص، الصادق عليه السلام عن البيع و الكنائس يصلّي فيها؟ قال: «لا بأس»(7) و قال الصادق عليه السلام:

«صل فيها قد رأيتها ما أنظفها»(8).

و كره ابن عباس، و مالك الكنائس من أجل الصور(9). و نحن نقول1.

ص: 407


1- الكافي 391:3-17، التهذيب 376:2-1563، المحاسن: 365-109.
2- المغني 753:1 و 756، كشاف القناع 294:1.
3- في نسخة (م) بعبادتها.
4- التهذيب 222:2-877.
5- المجموع 158:3-159، المغني 759:1، عمدة القارئ 190:4 و 192.
6- مسند أحمد 222:2.
7- التهذيب 222:2-874.
8- التهذيب 222:2-876، و الفقيه 157:1-731 و فيه: «صلّ فيها» بدون الذيل.
9- المجموع 158:3، عمدة القارئ 190:4 و 192، المغني 759:1، المدونة الكبري 90:1-91.

بموجبه إن كان فيها صور.

ز - بيوت الخمور و المسكر لعدم انفكاكها من النجاسة، و لقول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر»(1).

ح - جواد الطرق - و به قال الشافعي(2) - لأنّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الصلاة في محجة الطريق(3) و معناه الجادة المسلوكة، و في حديث:

(عن قارعة الطريق)(4) يعني التي تقرعها الأقدام، ففاعلة هنا بمعني مفعولة، و لقول الصادق عليه السلام: «فأما علي الجواد فلا»(5) و لأنها لا تنفك غالبا عن النجاسة، و يمنع السابلة من الاستطراق.

و قال أحمد: لا تصح(6) للنهي(7). و هو عندنا للكراهة.

و لا بأس بالصلاة علي الظواهر التي بين الجواد للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يصلّي في الظواهر التي بين الجواد»(8) و لا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن للعموم.

ط - مساكن النمل لما تقدم في الحديث(9) ، و لعدم انفكاكه من ضررها، أو قتل بعضها.».

ص: 408


1- الكافي 392:3-24، التهذيب 220:2-864 و 377-1568.
2- المجموع 162:3، فتح العزيز 36:4، المهذب للشيرازي 71:1، مغني المحتاج 1: 203.
3- سنن ابن ماجة 246:1-747، سنن البيهقي 329:2.
4- سنن الترمذي 178:2-346، سنن ابن ماجة 246:1-746.
5- الكافي 388:3-5، التهذيب 220:2-865.
6- المغني 754:1-755، العدة شرح العمدة: 69، المحرر في الفقه 49:1.
7- سنن ابن ماجة 246:1-746 و 747، سنن البيهقي 329:2، سنن الترمذي 178:2-346.
8- الكافي 389:3-10، التهذيب 425:5-1475.
9- تقدم في فرع «ج».

ي - مرابط الخيل، و البغال، و الحمير لكراهة أرواثها، و أبوالها فلا تنفك أمكنتها منها، و لقول الصادق عليه السلام: «فأما مرابط الخيل و البغال فلا»(1).

يا - بطون الأودية لجواز هجوم السيل، و لأنها مجري المياه، و كذا يكره في مجري الماء لذلك، و للحديث، و قد سبق(2).

يب - الأرض السبخة لعدم تمكن الجبهة من الأرض، قال أبو بصير:

سألت الصادق عليه السلام عن الصلاة في السبخة لم تكرهه ؟ قال: «لأن الجبهة لا تقع مستوية» فقلت: إن كان فيها أرض مستوية، قال:

«لا بأس»(3).

يج - أرض الثلج كذلك أيضا، قال داود الصيرفي: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثلج فقال: «إن أمكنك أن لا تسجد عليه فلا تسجد، و إن لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه»(4).

يد - أرض الخسف كالبيداء(5) ، و ذات الصلاصل(6) ، و ضجنان(7) ،».

ص: 409


1- التهذيب 220:2-867، الاستبصار 395:1-1506.
2- تقدم في فرع «ج».
3- التهذيب 221:2-873، الإستبصار 396:1-1509.
4- الكافي 390:3-14، الفقيه 169:1-798، التهذيب 310:2-1256، الاستبصار 336:1-1263 و فيها عن (داود الصرمي).
5- البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكة و المدينة و هي إلي مكة أقرب. معجم البلدان 1: 523.
6- اسم لموضع مخصوص في طريق مكة. مجمع البحرين 407:5-408 «صلصل».
7- ضجنان: هو موضع أو جبل بين مكة و المدينة. معجم البلدان 453:3، النهاية لابن الأثير 74:3، القاموس المحيط 243:4 «ضجن».

و كذا كل موضع خسف به - و به قال أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لأصحابه يوم مرّ بالحجر: (لا تدخلوا علي هؤلاء المعذبين إلاّ أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم)(2) و عبر علي عليه السلام من أرض بابل إلي موضع ردّت له الشمس فيه و صلّي(3) ، و قال الصادق عليه السلام:

«تكره الصلاة في ثلاثة مواطن بالطريق: البيداء و هي ذات الجيش، و ذات الصلاصل، و ضجنان»(4).

يه - وادي الشقرة(5) و اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: إنّه موضع مخصوص خسف به، و قيل: ما فيه شقائق النعمان(6) لئلاّ يشتغل النظر، لقول الصادق عليه السلام: «لا تصل في وادي الشقرة»(7).

يو - المزابل، و مذابح الأنعام لعدم انفكاكها من النجاسة، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الصلاة في سبعة مواطن: ظهر بيت اللّه، و المقبرة، و المزبلة، و المجزرة، و الحمام، و عطن الإبل، و محجة الطريق(8).

يز - أن يصلّي و في قبلته نار مضرمة - و به قال أحمد(9) - لئلاّ يتشبه بعبّاد النار، و لقول الكاظم عليه السلام: «لا يصلح أن يستقبل المصلّي1.

ص: 410


1- المغني 759:1، الشرح الكبير 514:1.
2- صحيح مسلم 2285:4-2980، سنن البيهقي 451:2، مسند احمد 72:2.
3- الفقيه 130:1-131-611، بصائر الدرجات: 237-1.
4- الكافي 389:3-10، التهذيب 375:2-1560.
5- شقرة: بضم الشين و سكون القاف و قيل بفتح الشين و سكون القاف. موضع في طريق مكة. مجمع البحرين 352:3-353 «شقر».
6- حكي القولين المحقق في المعتبر: 158.
7- المحاسن: 366-115، الكافي 390:3-11، التهذيب 375:2-1561.
8- سنن الترمذي 178:2-346، سنن ابن ماجة 246:1-747، سنن البيهقي 2: 329.
9- المغني 73:2، الشرح الكبير 663:1.

النار»(1) و قال عمار للصادق عليه السلام: أ له أن يصلّي و في قبلته مجمرة شبه ؟ قال: «نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي فيها حتي ينحيها عن قبلته» و في القنديل المعلق قال: «لا يصلّي بحياله»(2).

و في رواية: «يجوز أن يصلّي و النار، و السراج، و الصورة بين يديه، إن الذي يصلّي له أقرب من الذي بين يديه»(3) و جعلها الشيخ رحمه اللّه شاذّة(4).

يح - أن يصلّي الي التماثيل، و الصور - و به قال أحمد(5) - لقول محمد بن مسلم قلت: أصلّي و التماثيل قدّامي و أنا أنظر إليها؟ فقال: «لا، اطرح عليها ثوبا و لا بأس إذا كانت علي يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت رجليك، أو فوق رأسك فإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا»(6).

يط - قال أبو الصلاح: تكره الي باب مفتوح، أو إنسان مواجه(7) - و به قال أحمد(8) - و هو جيد، لاستحباب السترة بينه و بين ممر الطريق علي ما يأتي.1.

ص: 411


1- الكافي 391:3-16، الفقيه 162:1-763، التهذيب 225:2-889، الإستبصار 396:1-1511.
2- الكافي 391:3-15، الفقيه 165:1-776، التهذيب 225:2-888.
3- التهذيب 226:2-890، الاستبصار 396:1-1512.
4- التهذيب 226:2 ذيل الحديث 890، و الاستبصار 396:1 ذيل الحديث 1512.
5- المغني 73:2، الشرح الكبير 663:1، كشاف القناع 280:1.
6- الكافي 391:3-20، التهذيب 226:2-891، الاستبصار 394:1-1502، المحاسن: 617-50.
7- الكافي في الفقه: 141.
8- المغني 73:2، الشرح الكبير 661:1.

ك - أن يصلّي و في قبلته مصحف مفتوح لئلاّ يشتغل عن الإقبال علي العبادة.

و عن عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلّي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلته قال: «لا» قلت: فإن كان في غلاف قال:

«نعم»(1) ، و هل يتعدي الحكم الي كل ما يشغل النظر من كتاب و نقش (و غيره)(2) ؟ الأقرب ذلك، و يحتمل المنع، لعدم القطع بالعلة.

كا - أن يكون قبلته حائط ينز من بالوعة يبال فيها، لأنه ينبغي تعظيم القبلة فلا تناسب النجاسة، و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن مسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال: «إن كان نزّه من بالوعة فلا تصلّ فيه و إن كان من غير ذلك فلا بأس»(3) ، و هل يتعدي الحكم الي الماء النجس ؟ عموم اللفظ يقضي بالمنع، لقوله عليه السلام: «و إن كان من غير ذلك فلا بأس»(4) و العلّة تقضي بالمساواة لكن العلّية ليست قطعية.

مسألة 86: و يكره الفريضة جوف الكعبة، و تستحب النافلة

عند علمائنا لأنه بالصلاة في الكعبة ربما تتعذر عليه الجماعة، و الجماعة أفضل من الانفراد، و لأنه باستقبال أي جهة شاء يستدبر قبلة اخري، و لقول أحدهما عليهما السلام: «لا تصلّ المكتوبة في الكعبة»(5) و هذا النهي ليس للتحريم فإنه يجوز فعل الفريضة فيها - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(6) -

ص: 412


1- الكافي 391:3-15، الفقيه 165:1-776، التهذيب 225:2-888.
2- لم ترد في نسخة (ش).
3- الكافي 388:3-4، التهذيب 221:2-871.
4- الكافي 388:3-4، التهذيب 221:2-871.
5- الكافي 391:3-18، التهذيب 376:2-1564، المقنعة: 70.
6- الأم 98:1، المجموع 194:3، فتح العزيز 220:3، الوجيز 38:1، المهذب للشيرازي 74:1، اللباب 135:1، المغني 757:1.

لقوله تعالي وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (1) و لا يمنع تحريم الطواف تحريم الصلاة، لأن الطواف به لا يحصل بطوافه فيه، و الصلاة لا تجب الي جميعه، و لأن كل بقعة جاز أن يتنفل فيها جاز أن يفترض كالمسجد.

و قال مالك، و أحمد، و إسحاق: تجوز النافلة، و لا تجوز الفريضة(2) - و به قال الشيخ في الخلاف(3) - لقوله تعالي وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (4) أي نحوه، و إذا كان فيه لم يول وجهه نحوه و لأنه مستدبر لبعضه فأشبه [ما](5) إذا استدبر و هو خارجه، و قد بيّنا أن الصلاة لا تجب الي جميعه، بل إنّما يتوجه إلي جهة منه فيتوجه إليها و إلي ما يحاذيها دون باقي الجهات، و إذا استدبر و هو خارج لم يستقبل شيئا منه بخلاف ما لو كان فيه.

و حكي عن ابن جرير الطبري أنه قال: لا يجوز فعل الفريضة و النافلة(6) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل البيت و لم يصلّ(7) ، و لأن الطواف لا يجوز فيه فكذا الصلاة، و نمنع عدم صلاته عليه السلام فيه فإنه عليه السلام صلّي9.

ص: 413


1- الحج: 26.
2- المغني 757:1، 758، المجموع 195:3، فتح العزيز 220:3، القوانين الفقهية: 55، الكافي في فقه أهل المدينة: 39.
3- الخلاف 439:1 مسألة 186.
4- البقرة: 144 و 150.
5- زيادة يقتضيها السياق.
6- المجموع 194:3، حلية العلماء 60:2.
7- صحيح مسلم 968:2-1331، سنن أبي داود 214:2-2027، سنن البيهقي 2: 329.

فيه ركعتين(1) ، قال بلال: ترك [صلّي اللّه عليه و آله](2) عمودا عن يمينه، و عمودا عن يساره، و ثلاثة أعمدة من ورائه فإن البيت إذ ذاك علي ستة أعمدة(3). و المثبت أولي من النافي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال: الصلاة إن كانت فريضة فرادي أو نافلة فهي في الكعبة أفضل، لأنها أطهر موضع، و إن كانت جماعة فإن أمكنت في الكعبة فهو أفضل و إلاّ فالخارج أفضل(4). و قد بينا ضعفه.

مسألة 87: و تكره الفريضة علي ظهر الكعبة
اشارة

إن كان بين يديه قطعة من السطح - و به قال أبو حنيفة(5) - لأن بين يديه بعض الكعبة فصح الاستقبال إليه كما لو كان خارجا عنها.

و قال الشافعي: يجوز إن كان بين يديه سترة و إلا فلا(6) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الصلاة علي ظهر بيت اللّه العتيق(7) و لا علة للنهي إلا ما ذكرناه، و لأنه يصلّي عليها لا إليها كالراحلة يقال: صلّي عليها لا إليها، و ينتقض بما لو كان قدامه سترة، و قال أحمد: لا تجوز الفريضة مطلقا لأنه لم يستقبلها(8). و هو ممنوع.

ص: 414


1- سنن أبي داود 214:2-2026، مسند احمد 15:6، سنن البيهقي 328:2-329.
2- زيادة من المصدر.
3- صحيح البخاري 134:1، الموطأ 398:1-193، سنن أبي داود 213:2 - 2023، مسند أحمد 113:2 و 138، سنن النسائي 63:2، سنن البيهقي 326:2 - 327.
4- الام 98:1-99، المجموع 195:3-196.
5- المبسوط للسرخسي 207:1.
6- الام 99:1، المجموع 198:3، فتح العزيز 221:3، المبسوط للسرخسي 207:1.
7- سنن الترمذي 178:1-346، سنن ابن ماجة 246:1-746 و 747، سنن البيهقي 329:2.
8- المغني 757:1.
فروع:

أ - لا يشترط السترة علي ما تقدم، و شرط الشافعي سترة مبنية بجص و آجر، أو بطين و آجر، أو بخشبة مسمرة لأنها كالجزء، و لهذا تدخل في (المبيع)(1) ، و لو غرز عصي أو خشبة فلأصحابه قولان(2) ، و كذا لو كان بين يديه آجرا معبأ.

ب - روي علماؤنا أنه إذا صلّي علي ظهر الكعبة الفريضة استلقي علي قفاه، و صلّي بالإيماء متوجها الي البيت المعمور(3). و الوجه: أنه يصلّي قائما كما لو صلّي أسفل.

ج - لو صلّي علي موضع أعلي كجبل أبي قبيس صحّت صلاته إجماعا و يتوجه إلي الكعبة.

د - لو صلّي داخل الكعبة استقبل ايّ جدرانها شاء و إن كان الي الباب و كان مفتوحا و ليس له عتبة مرتفعة، و أوجب الشافعي صلاته إلي حائط، أو باب مغلق، أو عتبة مرتفعة و إن قلّت(4) و ليس بمعتمد.

مسألة 88: و في جواز الصلاة و الي جانب الرجل المصلي أو قدامه امرأة تصلي
اشارة

لعلمائنا قولان: أحدهما: المنع، ذهب إليه الشيخان و أبطلا صلاتهما معا(5) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (أخروهن من حيث أخرهن اللّه)(6) فأمر بتأخيرهن، فمن خالف وجب أن تبطل صلاته، و سئل الصادق عليه

ص: 415


1- في نسخة (م): البيع.
2- المجموع 199:3-200، فتح العزيز 221:3، المهذب للشيرازي 74:1.
3- و هو قول الشيخ الطوسي في الخلاف 441:1 المسألة 188 و ادّعي عليه إجماعا الفرقة، و يدلّ عليه من الروايات ما في التهذيب 376:2-1566، و الكافي 392:3-21.
4- الام 98:1، المجموع 195:3، فتح العزيز 220:3، الوجيز 38:1.
5- المقنعة: 25، النهاية: 100-101.
6- التذكرة في الأحاديث المشتهرة: 62، كشف الخفاء 69:1-156، جامع الأصول 11: 16-8480.

السلام عن الرجل و المرأة يصلّيان جميعا في بيت، و المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال: «لا حتي يكون بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه»(1) و لا دلالة في الخبرين لحملهما علي الاستحباب عملا بالأصل، مع منع دلالة الأول علي صورة النزاع.

و قال المرتضي رضي اللّه عنه بالكراهة، و لا تبطل به صلاة أحدهما(2) - و به قال الشافعي، و أحمد(3) - و هو الأقوي للأصل فإن الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد إلا بدليل، و لأنّها لو وقفت في غير الصلاة، أو نامت مستورة، أو غير مستورة لم تبطل صلاته، و كذا لو كانت مصلية.

و قال أبو حنيفة: إن وقفت الي جنبه، أو أمامه و لم تكن المرأة في الصلاة، أو كانا في الصلاة من غير اشتراك لم تبطل صلاة واحد منهما، و الشركة عنده أن ينوي الإمام إمامتها، و إن اشتركا فإن وقفت بين رجلين بطلت صلاة من إلي جانبيها و لم تبطل صلاة من الي جانب من الي جانبيها، لأنهما حجزا بينها و بينه، فإن وقفت الي جانب الإمام بطلت صلاة الإمام فتبطل صلاتهما، و صلاة كل الجماعة لبطلان صلاة الجماعة ببطلان صلاة الإمام، و إن صلّت أمام الرجال بطلت صلاة من يحاذيها و من وراءها، و لم تبطل صلاة من يحاذي من يحاذيها. و تسمي هذه مسألة المحاذاة، اللهم إلاّ أن يكون الصف الأول نساء كلّه فتبطل صلاة أهل الصف الأول، و القياس أن لا تبطل صلاة أهل الصف الثاني، و الثالث، لكن صلاة أهل الصفوف كلّها تبطل استحسانا(4).1.

ص: 416


1- التهذيب 230:2-908، الاستبصار 399:1-1523.
2- نقله في المعتبر: 156 عن المصباح.
3- المجموع 252:3 و 299:4، المهذب للشيرازي 107:1، المغني 37:2-38، الشرح الكبير 67:2.
4- المجموع 252:3، اللباب 81:1.

و تحقيق الخلاف بين الشافعي و أبي حنيفة أن سنّة الموقف إذا خالفها لم تبطل الصلاة عند الشافعي، و تبطل عند أبي حنيفة، و عند الشافعي المخالفة منهما، و عند أبي حنيفة من الرجل دونها فلهذا بطلت صلاته دونها.

فروع:

أ - لا فرق عند علمائنا بين أن تكون المرأة محرما، أو زوجة، أو أجنبية، و لا بين أن تكون مصلّية بصلاته، أو منفردة في التحريم و الكراهة.

ب - قال في المبسوط: لو صلّت خلفه في صف بطلت صلاة من علي يمينها، و شمالها، و من يحاذيها من خلفها، و لا تبطل صلاة غيرهم، و إن صلّت بجنب الإمام بطلت صلاتها و صلاة الإمام، و لا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول(1).

ج - لو كانت بين يديه أو الي أحد جانبيه قاعدة لا تصلّي، أو من خلفه و إن كانت تصلّي لم تبطل صلاة واحد منهما.

د - لو اجتمعا في محمل صلّي الرجل أولا أو المرأة، و لا يصلّيان معا دفعة واحدة.

ه - لو كان بينهما ساتر، أو بعد عشرة أذرع صحّت صلاتهما و إن كانت متقدمة، و في الحديث: «شبر أو ذراع»(2).

و - الأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان الصلاتين، فلو

ص: 417


1- المبسوط للطوسي 86:1.
2- التهذيب 230:2-908، الاستبصار 399:1-1523.

صلّت الحائض، أو غير المتطهرة و إن كان نسيانا لم تبطل صلاته، و في الرجوع إليها حينئذ نظر.

ز - ليس المقتضي للتحريم النظر لجواز الصلاة و إن كانت قدامه عارية فيمنع الأعمي، و من غمض عينيه.

ح - لو صلّت المرأة خلف الرجل صحّت صلاتها معه، و به قال الشافعي، و غيره من الفقهاء(1) ، إلاّ أبا حنيفة، و صاحبيه(2).

مسألة 89: يستحب أن يصلي الي سترة
اشارة

فإن كان في مسجد، أو بيت صلّي إلي حائط، أو سارية، و إن صلّي في فضاء أو طريق صلّي إلي شيء شاخص بين يديه، أو ينصب بين يديه عصي، أو عنزة، أو رحلا، أو بعيرا معقولا بلا خلاف بين العلماء في ذلك، و لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان تركز له الحربة فيصلّي إليها، و يعرض البعير فيصلّي إليه، و ركزت له العنزة فتقدم، و صلّي الظهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار و الكلب لا يمنع(3).

و لا يتقدر بقدر بل الأولي بلوغها ذراعا فما زاد، و قال الثوري، و أصحاب الرأي: قدرها ذراع(4). و قال مالك، و الشافعي: قدر عظم الذراع(5). و عن أحمد روايتان(6) ، و لا حدّ لها في الغلظ و الدقة إجماعا،

ص: 418


1- المجموع 301:4، المهذب للشيرازي 106:1، المغني 37:2، الشرح الكبير 67:2، المبسوط للسرخسي 183:1.
2- المبسوط للسرخسي 183:1، المغني 38:2، الشرح الكبير 67:2، حلية العلماء 181:2.
3- صحيح البخاري 133:1 و 135، صحيح مسلم 359:1-501-502 و 360-503، مسند أحمد 308:4 و 309.
4- عمدة القارئ 277:4، المغني 68:2، الشرح الكبير 659:1.
5- المدونة الكبري 113:1، المغني 68:2، الشرح الكبير 659:1.
6- المغني 68:2، الشرح الكبير 659:1.

فإنه يجوز الاستتار بالسهم، و الخشبة، و الحائط، نعم ما كان أعرض فهو أولي.

فروع:

أ - يستحب أن يدنو من سترته، لقوله عليه السلام: (إذا صلّي أحدكم إلي سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)(1) و لأنه أصون لصلاته و أبعد من حيلولة المار به، و قدّره الشافعي بثلاثة أذرع(2).

ب - يجوز أن يستتر بالبعير و الحيوان - و به قال أحمد(3) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يعرض راحلته و يصلّي إليها(4) ، و منع الشافعي من الاستتار بالدابة(5).

ج - لو لم يجد سترة خط خطا و صلّي إليه - و به قال سعيد بن جبير، و الأوزاعي، و أحمد(6) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (فإن لم تكن معه عصي فليخط خطا ثم لا يضره من مرّ أمامه)(7) ، و أنكر مالك، و الليث بن سعد، و أبو حنيفة الخط(8) و قال الشافعي بالخط بالعراق، و قال بمصر: لا يخط المصلّي خطا

ص: 419


1- سنن أبي داود 185:1-695، سنن النسائي 62:2، مسند احمد 2:4.
2- المجموع 247:3، المهذب للشيرازي 76:1، مغني المحتاج 200:1، المغني 2: 70، الشرح الكبير 660:1.
3- المغني 70:2، الشرح الكبير 660:1.
4- صحيح البخاري 135:1، صحيح مسلم 359:1-502.
5- المجموع 248:3، المغني 70:2، الشرح الكبير 660:1.
6- المغني 71:2، الشرح الكبير 661:1، مسائل أحمد: 44.
7- سنن أبي داود 183:1-689، سنن ابن ماجة 303:1-943.
8- المبسوط للسرخسي 192:1، المغني 71:2، الشرح الكبير 661:1.

إلاّ أن تكون فيه سنة تتبع(1) ، و الظاهر أنه بالعرض، و هو رواية عن أحمد، و عنه أنه كالهلال، و عنه أنّه بالطول، و عنه أنه بالتدوير(2).

د - لو كان معه عصي لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا - و به قال الأوزاعي، و سعيد بن جبير، و أحمد(3) - لأنه يقوم مقام الخط، بل هو أولي لارتفاع حجمه، و كرهه النخعي(4).

ه - قال أحمد: يستحب إذا صلّي الي عمود، أو عود أن ينحرف عنه و يجعله علي حاجبه الأيمن، أو الأيسر و لا يجعله وسطا(5). و هو ممنوع.

و - يكره أن يصلّي الي من يتحدث قدّامه لئلاّ يشتغل بحديثهم، و كره ابن مسعود، و سعيد بن جبير الصلاة الي النائم في الفريضة و النافلة(6) ، و كره أحمد [في](7) الفريضة خاصة(8).

ز - و لا بأس بأن يصلّي في مكة الي غير سترة، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي هناك و ليس بينه و بين الطّواف سترة(9) ، و لأن الناس يكثرون هناك لأجل قضاء نسكهم، و سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون و يدفع بعضهم بعضا، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق علي الناس، و حكم الحرم كلّه كذلك لأن ابن عباس قال: أقبلت راكبا علي حمار6.

ص: 420


1- المغني 71:2، الشرح الكبير 661:1.
2- المغني 71:2، الشرح الكبير 662:1، مسائل أحمد: 44.
3- المغني 72:2، الشرح الكبير 662:1.
4- المغني 72:2، الشرح الكبير 662:1.
5- المغني 72:2، الشرح الكبير 662:1.
6- المغني 72:2، الشرح الكبير 663:1.
7- الزيادة يقتضيها السياق.
8- المغني 72:2، الشرح الكبير 663:1.
9- سنن أبي داود 211:2-2016، مسند أحمد 399:6.

أتان(1) ، و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلّي بالناس بمني الي غير جدار(2).

و لأنه محل المشاعر، و المناسك.

ح - و ليست السترة شرطا، و لا واجبة بالإجماع، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أتي نادي العباس فصلّي الي غير سترة(3) ، و للأصل.

ط - سترة الإمام سترة لمن خلفه إجماعا، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي إلي سترة و لم يأمر أصحابه بنصب سترة أخري(4).

ي - لو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.

مسألة 90: الفريضة في المسجد أفضل

إجماعا لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله واظب علي ذلك و حثّ عليه(5) ، و قال علي عليه السلام: «صلاة في البيت المقدس بألف صلاة، و صلاة في المسجد الأعظم بمائة صلاة، و صلاة في مسجد القبيلة بخمس و عشرين صلاة، و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، و صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة»(6). و لأنه موضع العبادة، و موضوع لها فكان فعلها فيه أولي، و أمّا النافلة فإنها في المنزل أفضل، خصوصا نافلة الليل، لأن العبادة في السر أبلغ في الإخلاص، و قال عليه السلام: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) و جاء رجال يصلّون بصلاته عليه السلام فخرج مغضبا، و أمرهم أن يصلّوا النوافل

ص: 421


1- الأتان بالفتح: الأنثي من الحمير. مجمع البحرين 197:6 «أتن».
2- صحيح البخاري 132:1، صحيح مسلم 361:1-504، سنن أبي داود 190:1 - 715، الموطأ 155:1-38.
3- سنن أبي داود 191:1-718، سنن الدار قطني 369:1-9.
4- سنن أبي داود 188:1-708.
5- التهذيب 25:3-87 و انظر صحيح مسلم 452:1-653 و 459-649.
6- الفقيه 152:1-703، التهذيب 253:3-698، ثواب الأعمال: 51-1، المحاسن: 55-84 و 57-89-91.

في بيوتهم(1).

البحث الثاني: في المساجد
مسألة 91: يستحب اتخاذ المساجد،

لقوله تعالي إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (2) الآية، و قال الصادق عليه السلام: «من بني مسجدا و لو كمفحص قطاة بني اللّه له بيتا في الجنّة»(3).

و لا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة، و لا في الطرق المسلوكة المضرة بالمارة، و لا بأس بوضعه علي بئر الغائط إذا طم و انقطعت رائحته لزوال المانع، و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن المكان يكون حشّا، ثم ينظف و يجعل مسجدا قال: «يطرح عليه من التراب حتي يواريه فهو أطهر»(4) و منع أحمد من الصلاة علي سطح الحش(5).

و لو كانت الأرض نجسة فطيّنها بطين طاهر، أو بسط عليها شيئا طاهرا صحّت الصلاة - و به قال طاوس، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق(6) - و عن أحمد روايتان، للعموم(7) ، و احتج أحمد بأنها مدفن النجاسة أشبهت المقبرة(8) ، و هو ممنوع.

و لا يجوز تطيين المسجد بطين نجس، و لا تطبيقه بطوابيق نجسة، و لا

ص: 422


1- صحيح مسلم 539:1-781، سنن النسائي 198:3.
2- التوبة: 18.
3- المحاسن: 55-85.
4- الكافي 368:3-2، التهذيب 259:3-727، الإستبصار 441:1-1701.
5- المغني 756:1، الشرح الكبير 515:1.
6- المجموع 153:3، المهذب للشيرازي 69:1، المغني 759:1، الشرح الكبير 1: 510.
7- المغني 759:1، الشرح الكبير 510:1.
8- المغني 759:1، الشرح الكبير 510:1.

بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس للمنع من إدخال النجاسة إليها.

مسألة 92: يستحب اتخاذها جمّا، و يكره أن تكون مشرفة

لأن عليا عليه السلام رأي مسجدا قد شرّف فقال: «كأنه بيعة» و قال: «إن المساجد تبني جمّا»(1).

و يكره أن تكون مظلّلة، قال الحلبي: سألته عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟ قال: «نعم، و لكن لا يضرّكم الصلاة فيها اليوم، و لو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك»(2).

و يكره اتخاذ المحاريب فيها، لأن عليا عليه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد و يقول: «كأنها مذابح اليهود»(3).

و ينبغي وضع الميضاة علي أبوابها لا داخلها لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (جنّبوا مساجدكم صبيانكم، و مجانينكم، و شراءكم و بيعكم، و اجعلوا مطاهركم علي أبواب مساجدكم)(4).

و ينبغي وضع المنارة مع حائطها لا في وسطها، و لا ترفع عليه، لأن عليا عليه السلام مرّ علي منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال: «لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد»(5) ، و لئلاّ يشرف المؤذن علي الجيران.

مسألة 93: و الإتيان إلي المساجد مستحب،

مندوب إليه، مرغّب فيه، إذ القصد بالعمارة إيقاع العبادة فيها، و اجتماع الناس في

ص: 423


1- الفقيه 153:1-709، التهذيب 253:3-697، علل الشرائع: 320 باب 8.
2- الكافي 368:3-4، الفقيه 152:1-706، التهذيب 253:3-695.
3- الفقيه 153:1-708، التهذيب 253:3-696، علل الشرائع: 320 باب 7.
4- التهذيب 254:3-702. و انظر سنن ابن ماجة 247:1-750.
5- الفقيه 155:1-723، التهذيب 256:3-710.

الصلوات، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من اختلف الي المسجد أصاب إحدي الثمان: أخا مستفادا في اللّه، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدلّه علي الهدي، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردي، أو يترك ذنبا خشية أو حياء»(1) و قال الصادق عليه السلام: «من مشي الي المسجد لم يضع رجله علي رطب و لا يابس إلاّ سبحت له الأرض إلي الأرضين السابعة»(2).

و يشتد الاستحباب في المساجد المعظّمة كمسجد الكوفة، و قال الصادق عليه السلام: «يا هارون بن خارجة كم بينك و بين مسجد الكوفة، يكون ميلا؟» قلت: لا، قال: «أ فتصلّي فيه الصلوات كلّها؟» قلت: لا فقال: «أمّا أنا لو كنت حاضرا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة، و تدري ما فضل ذلك الموضع ؟ ما من عبد صالح، و لا نبي إلاّ و قد صلّي في مسجدكم، حتي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لما أسري اللّه به، قال له جبرئيل عليه السلام: أ تدري أين أنت يا رسول اللّه الساعة ؟ أنت مقابل مسجد كوفان، قال: فاستأذن لي ربي عزّ و جلّ حتي آتيه فأصلّي فيه ركعتين فاستأذن له، و أنّ ميمنته لروضة من رياض الجنة، و أن وسطه لروضة من رياض الجنّة، و أن مؤخره لروضة من رياض الجنّة، و أن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة، و أن النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة، و أن الجلوس فيه بغير تلاوة و لا ذكر لعبادة، و لو علم الناس ما فيه لأتوه و لو حبوا»(3).2.

ص: 424


1- الفقيه 153:1-714، التهذيب 248:3-681، ثواب الأعمال: 46-1، الخصال: 409-10، أمالي الطوسي 46:2-47، أمالي الصدوق: 318-16.
2- الفقيه 152:1-702، التهذيب 255:3-706، ثواب الأعمال: 46-1.
3- الكافي 490:3-1، التهذيب 250:3-688، أمالي الصدوق: 315-4، المحاسن: 56-86، كامل الزيارات: 28-6، أمالي الطوسي 43:2.

و جاء علي بن الحسين عليهما السلام إلي مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّي فيه ركعتين ثم عاد حتي ركب راحلته و أخذ الطريق(1). و قال الصادق عليه السلام: «جاء رجل الي أمير المؤمنين عليه السلام و هو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، فردّ عليه السلام، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصي فأردت أن أسلّم عليك و أودعك، فقال له: فأي شيء أردت بذلك ؟ فقال: الفضل جعلت فداك، قال: فبع راحلتك، و كل زادك، و صلّ في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة و النافلة عمرة مبرورة، و البركة منه علي اثني عشر ميلا، يمينه يمن، و يساره مكر، و في وسطه عين من دهن و عين من لبن، و عين من ماء شراب للمؤمنين، و عين من ماء طهر للمؤمنين، منه سارت سفينة نوح عليه السلام، و كان فيه نسر، و يغوث، و يعوق، صلّي فيه سبعون نبيا، و سبعون وصيّا أنا أحدهم، و قال بيده علي صدره: ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه اللّه و فرج عنه كربته»(2).

و كذا يستحب قصد مسجد السهلة، قال الصادق عليه السلام و ذكر مسجد السهلة، فقال: «أما أنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله»(3) و قال الصادق عليه السلام: «بالكوفة مسجد يقال له: مسجد السهلة، لو أن عمّي زيد أتاه فصلّي فيه و استجار اللّه لأجار له اللّه عشرين سنة، فيه مناخ الراكب بيت إدريس النبيّ عليه السلام، و ما أتاه مكروب قط فصلّي ما بين العشاءين فدعا اللّه عزّ و جلّ إلاّ فرج اللّه كربته»(4).3.

ص: 425


1- التهذيب 32:6-59.
2- الكافي 491:3-2، التهذيب 251:3-689، كامل الزيارات: 32-18.
3- الكافي 495:3-2، التهذيب 252:3-692.
4- الكافي 495:3-3، التهذيب 252:3-693.

و قال الباقر عليه السلام: «بالكوفة مساجد ملعونة، و مساجد مباركة، فأما المباركة فمسجد غني، و اللّه إن قبلته لقاسطة، و إن طينته لطيبة، و لقد وضعه رجل مؤمن، و لا تذهب الدنيا حتي تنفجر عنده عينان، و تكون عليه جنتان، و أهله ملعونون، و هو مسلوب منهم. و مسجد بني ظفر - و هو مسجد السهلة - و مسجد الحمراء، و مسجد جعفي، و ليس هو مسجدهم اليوم، قال: درس، و أما المساجد الملعونة: فمسجد ثقيف، و مسجد الأشعث، و مسجد جرير و مسجد سماك، و مسجد الحمراء بني علي قبر فرعون من الفراعنة»(1).

و قال الباقر عليه السلام: «جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين عليه السلام: مسجد الأشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث بن ربعي»(2).

و يكره للنساء الإتيان إلي المساجد لما فيه من التبرج المنهي عنه، قال الصادق عليه السلام: «خير مساجد نسائكم البيوت»(3) و يكره تمكين الصبيان و المجانين من الدخول إليها لعدم انفكاكهم من النجاسة، و لما تقدم في الحديث(4).

مسألة 94: و يستحب للداخل أن يقدم رجله اليمني دخولا، و اليسري خروجا

لأن اليمني أشرف. و يتعاهد نعله عند الدخول تنزيها لها عن الأقذار، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) و نهي أن ينتعل الرجل و هو قائم(5) و خلع نعله يوما فخلع الصحابة فقال:

ص: 426


1- الكافي 489:3-1، التهذيب 249:3-685، الخصال: 300-75.
2- الكافي 490:3-2، التهذيب 250:3-687.
3- الفقيه 154:1-719، التهذيب 252:3-253-694.
4- التهذيب 254:3-702 و انظر سنن ابن ماجة 247:1-750، و تقدم في المسألة 92.
5- التهذيب 255:3-256-709 و كنز العمال 663:7-20799 (نقلا عن الطبراني في الكبير) و سنن الترمذي 243:4-1776.

(إن أخي جبرئيل أخبرني أنها قذرة)(1).

و يستحب الطهارة، و الدعاء دخولا، و خروجا، قال الباقر عليه السلام: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلاّ طاهرا، و إذا دخلته فاستقبل القبلة، ثم ادع اللّه و اسأله، و سمّ حين تدخله، و احمد اللّه و صلّ علي النبي صلّي اللّه عليه و آله»(2) قال سماعة: إذا دخلت المسجد فقل: بسم اللّه، و السلام علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و صلاة ملائكته علي محمد و آل محمد، و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته، رب اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب فضلك. و إذا خرجت فقل مثل ذلك(3).

و يستحب تلاوة القرآن في المساجد، و المداومة عليه، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من كان القرآن حديثه، و المسجد بيته، بني اللّه له بيتا في الجنّة)(4).

و ينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات - كالثوم، و البصل - تجنّب المساجد لئلاّ يؤذي غيره برائحته، قال علي عليه السلام: «من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد»(5).

مسألة 95: يستحب كنس المساجد

لما فيه من التنظيف، و تعظيم مشاعر العبادات، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من كنس المسجد يوم

ص: 427


1- سنن أبي داود 175:1-650، سنن الدارمي 320:1، مسند أحمد 92:3.
2- التهذيب 263:3-743.
3- التهذيب 263:3-744.
4- التهذيب 255:3-707.
5- التهذيب 255:3-708.

الخميس و ليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر اللّه له)(1).

و يستحب الإسراج فيها، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا لم تزل الملائكة، و حملة العرش يستغفران له ما دام في المسجد ضوء من ذلك)(2).

و يكره إنشاد الشعر فيها، و تعريف الضوال، و إقامة الحدود، و رفع الصوت، و البيع، و الشراء، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا: فضّ اللّه فاك إنما نصبت المساجد للقرآن)(3) و قال الصادق عليه السلام: «جنّبوا مساجدكم البيع، و الشراء، و المجانين، و الصبيان، و الأحكام، و الضالة، و الحدود، و رفع الصوت»(4).

و يكره إخراج الحصي منها فإن أخرج أعيد، قال الباقر عليه السلام:

«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها، أو في مسجد آخر فإنها تسبح»(5).

و يكره البصاق فإن فعل غطّاه بالتراب، قال علي عليه السلام: «البزاق في المسجد خطيئة و كفارته دفنه»(6).

و يكره قتل القمل فإن فعل غطاه بالتراب، و يكره الطهارة فيها من البول4.

ص: 428


1- الفقيه 152:1-701، التهذيب 254:3-703، ثواب الأعمال: 51-1، أمالي الصدوق: 405-15.
2- الفقيه 154:1-717، التهذيب 261:3-733، ثواب الاعمال: 49-1، المحاسن: 57-88.
3- الكافي 369:3-5، التهذيب 259:3-725.
4- الفقيه 154:1-716، التهذيب 249:3-682، علل الشرائع: 319، باب 6، الخصال: 410-13.
5- الفقيه 154:1-718، التهذيب 256:3-711، علل الشرائع: 320 الباب 9 الحديث 1.
6- التهذيب 256:3-712، الاستبصار 442:1-1704.

و الغائط لأن الصادق عليه السلام كرهه منهما(1).

و يكره النوم فيها، لأن الشحام سأل الصادق عليه السلام عن قوله تعالي:

لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري (2) قال: «سكر النوم»(3) و تشتد الكراهة في المسجدين، لأن زرارة سأل الباقر عليه السلام ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: «لا بأس إلاّ في المسجدين مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، و المسجد الحرام»(4) و ليس بمحرم، لأن معاوية بن وهب سأل الصادق عليه السلام عن النوم في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله قال: «نعم أين ينام الناس!؟»(5).

و يكره سائر الصناعات في المساجد، لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن سلّ السيف، و عن بري النبل في المسجد و قال: إنما بني لغير ذلك(6).

و يحرم تصوير المساجد، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: «أكره ذلك، و لكن لا يضركم ذلك اليوم، و لو قد قام العدل رأيتم كيف يصنع ذلك»(7).

و كذا يحرم زخرفتها و نقشها بالذهب، لأن ذلك لم يفعل في زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله، و لا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة.6.

ص: 429


1- الكافي 369:3-9.
2- النساء: 43.
3- الكافي 371:3-15، التهذيب 258:3-722.
4- الكافي 370:3-11، التهذيب 258:3-721.
5- الكافي 369:3-370-10، التهذيب 258:3-720.
6- الكافي 369:3-8، التهذيب 258:3-259-724.
7- التهذيب 259:3-726، و عن الامام الباقر عليه السلام في الكافي 369:3-6.
مسألة 96: و يحرم نقضها،

لقوله تعالي وَ سَعي فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ (1) و كذا استعمال آلتها و اتخاذها في ملك أو طريق، و يجوز هدم ما استهدم لإعادته لما فيه من العمارة، و للأمن علي الداخل، و لو تعذرت إعادته جاز استعمال آلته في غيره من المساجد لاشتراكها في كونها موضعا للعبادة، و كذا لو فضل من أحد المساجد عن قدر الحاجة، و من أخذ شيئا من آلة المسجد وجب أن يرده إليه أو إلي غيره من المساجد.

و لو نذر شيئا لعمارة مسجد اختص به ما لم يفضل عنه إذا كان بحيث ينتابه الناس، و لو فضل منه شيء جاز صرفه إلي عمارة غيره من المساجد.

و إذا انهدم المسجد و خرب ما حوله لم يعد ملكا، لخروجه عن الملك الي اللّه تعالي فلا يعود الي الملك(2).

و يجوز نقض البيع و الكنائس و استعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها أو كانت في دار حرب، لأن عيصا سأل الصادق عليه السلام عن البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ قال: «نعم»(3).

و أن تبني مساجد، و لا يجوز اتخاذهما في ملك، و لا استعمال آلتهما في الأملاك، و لو كان لها أهل ذمّة يؤدّون الجزية، و يلتزمون بشرائط الذمة لم يجز التعرض لها علي حال.

مسألة 97: من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة جاز له تغييره،

ص: 430


1- البقرة: 114.
2- في نسخة (م): المالك.
3- الكافي 368:3-3، التهذيب 260:3-732.

و تبديله، و توسيعه، و تضييقه حسب ما يكون أصلح له، لأنه لم يجعله عاما و إنما قصد اختصاصه بنفسه و أهله، و لأنّ أبا الجارود سأل الباقر عليه السلام عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه، أو يحولونه الي غير مكانه قال: «لا بأس بذلك»(1).

و هل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال النجاسة إليه، و منع الجنب من استيطانه، و غير ذلك ؟ الأقرب المنع، لنقص المعني فيه، و لا يخرج عن ملكه فيجوز له بيعه و شراؤه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ.

و لو بناه خارج داره في ملكه لم يزل ملكه عنه أيضا، و لو نوي به أن يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه بالعقد و القبض، أو بصلاة واحد فيه.

مسألة 98: لا يجوز دفن الميت في المساجد،

لأنّه مناف لما وضعت له.

و يكره كشف العورة فيها، لما فيه من الاستخفاف بالمساجد، و كذا كشف السرة، و الركبة، و الفخذ، و روي الباقر عليه السلام: «أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: كشف السرة، و الفخذ، و الركبة في المسجد من العورة»(2).

و يكره رمي الحصي فيه خذفا لما لا يؤمن معه من الأذي للغير، و روي الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: «أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال: ما زالت تلعن حتي وقعت، ثم قال: الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط» ثم تلا عليه السلام:

ص: 431


1- الكافي 368:3-2، التهذيب 259:3-727.
2- التهذيب 263:3-742.

وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (1) قال: «هو الخذف»(2).

و نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن رطانة(3) الأعاجم في المساجد(4) ، و قال عليه السلام: «الاتكاء في المسجد رهبانية العرب، المؤمن مجلسه مسجده و صومعته بيته»(5) و قال بعض أصحابنا للصادق عليه السلام: إني لأكره الصلاة في مساجدهم. فقال: «لا تكره فما من مسجد بني الاّ علي قبر نبي أو وصي نبي قتل، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب اللّه أن يذكر فيها، فأدّ فيها الفريضة و النوافل، و اقض ما فاتك»(6).

و في كتاب ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الوقوف علي المساجد، فقال: «لا يجوز لأن المجوس وقفوا علي بيت النار»(7) و هذه الرواية مرسلة و تحمل علي الوقف علي تزويقها و تصويرها.

مسألة 99: لا يجوز لأحد من المشركين دخول المساجد مطلقا

سواء أذن له المسلم أو لا، و لا يجوز للمسلم الإذن فيه - و به قال مالك(8) لقوله تعالي فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا (9) و غيره من المساجد

ص: 432


1- العنكبوت: 29.
2- التهذيب 262:3-741.
3- الرطانة: الكلام بالأعجمية. مجمع البحرين 255:6 «رطن».
4- الكافي 369:3-7، التهذيب 262:3-739.
5- الكافي 485:2-1، التهذيب 249:3-684.
6- الكافي 37:3-14، التهذيب 258:3-723.
7- الفقيه 154:1-720.
8- تفسير القرطبي 104:8-105، أحكام القرآن لابن العربي 913:2، تفسير الآلوسي 77:10، التفسير الكبير 26:16، عمدة القارئ 237:4، المحلي 243:4.
9- التوبة: 28.

مشارك له في كونه مسجدا، و لقوله عليه السلام: (جنّبوا مساجدكم النجاسة) و قال تعالي إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (1).

و قال الشافعي: لا يجوز له دخول المسجد الحرام بكلّ حال، و يجوز له دخول غيره بإذن المسلمين(2) لأن النبيّ عليه السلام أنزل المشركين في المسجد(3) ، و ربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية المسجد و هو كافر(4).

و نمنع ذلك بعد التحريم.

و قال أحمد: لا يجوز له دخول الحرمين، و في سائر المساجد روايتان: المنع، و الجواز بالإذن(5).

و قال أبو حنيفة: يجوز له دخول سائر المساجد، و المسجد الحرام أيضا(6) لقوله عليه السلام يوم الفتح: (من دخل المسجد فهو آمن)(7) و هو خطاب للمشركين، و أنه مسجد كسائر المساجد. و الآية ناسخة لقول أبي حنيفة.2.

ص: 433


1- التوبة: 28.
2- المجموع 174:2، عمدة القارئ 237:4، أحكام القرآن لابن العربي 913:2 و 914، تفسير القرطبي 105:8، التفسير الكبير 26:16، تفسير الآلوسي 77:10.
3- سنن البيهقي 444:2 و 445.
4- صحيح البخاري 125:1 و 127، سنن النسائي 46:2، مسند أحمد 452:2، سنن البيهقي 444:2.
5- المغني 605:10-606 و 607 و 608، الشرح الكبير 611:10 و 614.
6- المغني 605:10 و 606، الشرح الكبير 611:10، أحكام القرآن لابن العربي 2: 914، تفسير القرطبي 105:8، التفسير الكبير 26:16.
7- سنن أبي داود 162:3-3022.
البحث الثالث: فيما يسجد عليه
مسألة 100: لا يجوز السجود علي ما ليس بأرض، و لا من نباتها
اشارة

كالجلود، و الصوف، عند علمائنا أجمع، لأن السجود عبادة شرعية فتقف كيفيتها علي نص الشرع، و قد وقع الإجماع علي السجود علي الأرض، و النابت منها فيقتصر عليه، و لقوله عليه السلام: (لا تتم صلاة أحدكم حتي يتوضأ كما أمره اللّه تعالي، ثم يسجد ممكّنا جبهته من الأرض)(1) و قال خباب: شكونا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و أنفنا فلم يشكنا(2) ، و لو كان السجود علي الفرش سائغا لما شكوا.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يصلّي علي البساط من الشعر، و الطنافس(3): «لا يسجد عليه و إن قمت عليه و سجدت علي الأرض فلا بأس، و إن بسطت عليه الحصر و سجدت علي الحصر فلا بأس»(4) و قال هشام بن الحكم للصادق عليه السلام:

أخبرني عمّا يجوز السجود عليه، و عمّا لا يجوز، قال: «السجود لا يجوز إلاّ علي الأرض أو ما أنبتت الأرض»(5).

و أطبق الجمهور علي الجواز لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه صلّي في نمرة(6) - قال الشافعي: و النمرة تعمل من الصوف(7) - و لأنّه بساط

ص: 434


1- سنن أبي داود 227:1-858، و انظر المعتبر: 158.
2- صحيح مسلم 433:1-619، سنن ابن ماجة 222:1-675، سنن النسائي 1: 247، مسند أحمد 108:5 و 110، سنن البيهقي 105:2.
3- الطنافس جمع، و الطنفيس: البساط الذي له خمل رقيق. مجمع البحرين 82:4 «طنفس».
4- المعتبر: 158.
5- الفقيه 177:1-840، التهذيب 234:2-925، علل الشرائع: 341 باب 42 الحديث 1.
6- الام 91:1.
7- الام 91:1.

طاهر يجوز له الصلاة فيه فجازت عليه كالقطن.

و الرواية ممنوعة، و محمولة علي أنه عليه السلام كان يضع جبهته علي ما يصح السجود عليه، و الأصل ممنوع.

فروع:

أ - لا بأس بالسجود علي الفرش من الصوف و غيره حالة التقية للضرورة، و سأل علي بن يقطين الكاظم عليه السلام عن السجود علي المسح(1) و البساط، فقال: «لا بأس في حال التقية»(2) و لا يعيد للامتثال.

ب - لا يشترط ذلك إلا في الجبهة خاصة.

ج - لا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها بل ما تتمكن به من الجبهة علي الأرض، و بعضهم قدّره بالدرهم.

مسألة 101: لا يجوز السجود علي ما خرج باستحالته عن الأرض كالمعادن

كالعقيق، و الذهب و الفضة، و الملح، و القير اختيارا، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يفعله، و دوام علي غيره(3) ، و قال صلّي اللّه عليه و آله: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(4) و لقول الصادق عليه السلام: «السجود لا يجوز إلاّ

ص: 435


1- المسح، بالكسر فالسكون: يعبّر عنه بالبلاس و هو كساء معروف. مجمع البحرين 414:2 «مسح».
2- الفقيه 176:1-831، التهذيب 235:2-930 و 307-1245، الاستبصار 1: 332-1244.
3- انظر علي سبيل المثال: سنن أبي داود 236:1-894.
4- صحيح البخاري 162:1، مسند أحمد 53:5، سنن الدارمي 286:1، ترتيب مسند الشافعي 108:1-319.

علي الأرض، أو ما أنبتت الأرض»(1) و هذا ليس أحدهما، و لو لم يخرج بالاستحالة عن اسم الأرض جاز كالسبخة، و الرمل، و أرض الجص، و النورة علي كراهية.

مسألة 102: إنّما يجوز السجود علي الأرض أو ما أنبتته الأرض بشرط أن لا يكون مأكولا في العادة، و لا ملبوسا،
اشارة

فلو كان أحدهما لم يصح لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سجد علي الخمرة(2) ، و هي معمولة من سعف النخل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يجوز السجود إلاّ علي الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس»(3).

فروع:

أ - لا فرق بين القطن و الكتان و بين غيرهما عند أكثر علمائنا(4) لقول الباقر عليه السلام: «لا يسجد علي الثوب الكرسف، و لا الصوف، و لا علي شيء من الحيوان، و لا علي طعام، و لا علي شيء من الثمار، و لا علي شيء من الرياش»(5).

و قال المرتضي في المسائل الموصلية: إنّه مكروه لا محظور(6) ، لأن ياسر الخادم قال: مرّ بي أبو الحسن عليه السلام و أنا أصلّي علي الطبري(7).

و قد ألقيت شيئا فقال: «ما لك لا تسجد عليه ؟! أ ليس هو من نبات

ص: 436


1- الفقيه 177:1-840، التهذيب 234:2-925، علل الشرائع: 341 باب 42 الحديث 1.
2- مسند أحمد 111:6.
3- الفقيه 177:1-840، التهذيب 234:2-925، علل الشرائع 341 باب 42 الحديث 1.
4- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 89:1، و سلار في المراسم: 66، و ابن إدريس في السرائر: 57.
5- الكافي 330:3-2، التهذيب 303:2-1226، الإستبصار 331:1-1242.
6- رسائل الشريف المرتضي 174:1.
7- الطبري: كتان منسوب الي طبرستان. مجمع البحرين 376:3.

الأرض ؟»(1). و سأل داود الصرمي أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود علي القطن، و الكتان من غير تقية ؟ قال: «جائز»(2) و يحملان علي التقية، أو علي غير الجبهة جمعا بين الأدلة.

ب - لو كان مأكولا لا بالعادة جاز السجود عليه، و لو كان معتادا عند قوم دون آخرين عمّ التحريم.

ج - الحنطة، و الشعير يجوز السجود عليهما قبل الطحن، لأن القشر حاجز بين المأكول و الجبهة، و كذا البحث في الملبوس، و يجوز السجود علي ما لم تجر العادة بلبسه كالورق، و الليف و إن كان ملبوسا نادرا.

د - الكتان قبل غزله و نسجه، الأقرب عدم جواز السجود عليه، و علي الغزل علي إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس و الزيادة في الصفة، و من كونه حينئذ غير ملبوس، أما الخرقة الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها و إن صغرت جدا.

ه - القنّب لا يجوز السجود عليه إن لبس عادة.

و - لو اتخذ ثوب من الملبوس عادة، و من غيره كغزل الكتان و الليف ففي السجود عليه إشكال.

ز - يجوز السجود علي القرطاس إن كان متخذا من النبات، و إن كان من الإبريسم فالوجه المنع، لأنه ليس بأرض، و لا من نباتها، و إطلاق علمائنا يحمل علي الأول، و لو كان مكتوبا كره لقول الصادق عليه السلام: «يكره6.

ص: 437


1- الفقيه 174:1-827، التهذيب 235:2-927 و 308-1249، الاستبصار 1: 331-1243، علل الشرائع: 341-342 باب 42 الحديث 4.
2- التهذيب 307:2-1246، الاستبصار 332:1-1246.

السجود علي قرطاس فيه كتابة»(1) و لئلاّ يشغله نظره.

و في زوال الكراهة عن الأعمي و شبهه إشكال ينشأ من الإطلاق من غير ذكر علّة، و لو سلّمت لكن الاعتبار بالضابط و إن خلا عن الحكمة نادرا.

مسألة 103: يشترط فيما يسجد عليه - بعد ما تقدّم - أمور:

أ - تمكن الجبهة منه، فلا يجوز علي الوحل لعدم تمكنه من الطمأنينة حالة السجود، و هي واجبة.

ب - الطهارة فلا يجوز علي النجس و إن لم تتعدّ نجاسته إليه، و إنّما يشترط طهارة موضع الجبهة لا باقي المساقط إن لم تتعد إليه، و قد تقدم.

ج - أن لا يكون مشتبها بالنجس لوجوب الاحتراز عنه كوجوب الاحتراز عن النجس، هذا إن كان الاشتباه في موضع محصور كالبيت، و لو لم ينحصر جاز السجود كالصحاري.

د - الملك أو حكمه كالمباح، و المأذون فيه.

ه - أن لا يكون جزءا منه فلو سجد علي كفه أو غيرها من بدنه لم يجز لأنا شرطنا كون المسجد أرضا أو ما ينبت منها، و لو خاف الحر جاز للضرورة، و لقول الباقر عليه السلام لما سئل أخاف الرمضاء، قال: «اسجد علي بعض ثوبك» قلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد علي طرفه و لا ذيله، قال: «اسجد علي ظهر كفك فإنها إحدي المساجد»(2).

ص: 438


1- الكافي 332:3-12، التهذيب 304:2-1232، الاستبصار 334:1-1256.
2- التهذيب 306:2-1240، الإستبصار 333:1-1249.
مسألة 104: و يحرم السجود علي أشياء:

أ - الزجاج، قاله في المبسوط، لما فيه من الاستحالة، و كذا منع من الرماد(1).

ب - الخمرة(2) إن كانت معمولة بالسيور بحيث يعم موضع الجبهة لم يجز السجود عليها، و إن كانت معمولة بالخيوط، أو كان المجزي من الجبهة يقع علي ما يصح السجود عليه جاز، و في رواية: كراهة السجود علي شيء ليس عليه سائر الجسد(3) ، و في طريقها غياث بن إبراهيم، و أكثر الروايات علي الجواز(4) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يسجد علي الخمرة(5).

و عن أحدهما عليهما السلام قال: «كان أبي يصلّي علي الخمرة، فإذا لم تكن خمرة جعل حصي علي الطنفسة حيث يسجد»(6).

ج - القير، و الصهروج، و في رواية المعلي بن خنيس عن الصادق عليه السلام الجواز(7) ، و هي محمولة علي الضرورة.

د - أن لا يكون حاملا له مثل كور العمامة و طرف الرداء، قاله الشيخ

ص: 439


1- المبسوط للطوسي 89:1.
2- الخمرة، بالضم: سجّادة صغيرة تعمل من سعف النخل و تزمّل بالخيوط. مجمع البحرين 292:3 «خمر».
3- الكافي 332:3-10، التهذيب 305:2-1233، الاستبصار 335:1-1261.
4- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 305:2-1234 و 1235، قرب الاسناد: 93 و 95.
5- مسند أحمد 111:6.
6- الكافي 332:3-11، التهذيب 305:2-1234، الاستبصار 335:1-1259.
7- الفقيه 175:1-828، التهذيب 303:2-1224، الإستبصار 334:1-1255.

في الخلاف(1) ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: يجوز السجود علي كور العمامة(3) ، و كان شريح يسجد علي برنسه(4) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يسجد علي كور العمامة(5) ، و لأن الجبهة عضو من أعضاء السجود فلا يجب كشفه كسائرها.

و التحقيق أن نقول: إن كان ما هو حامل له كالعمامة مما لا يجوز السجود عليه كالقطن، و الكتان، و الصوف، و الشعر، فالحق قول الشيخ لا من حيث إنّه حامل كما قاله الشافعي، بل لأنه لم يسجد علي ما يصح السجود عليه، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رأي رجلا يسجد و قد اعتمّ علي جبهته فحسر عنها و قال: (إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض، قال: «لا يجزيه ذلك حتي تصل جبهته إلي الأرض»(7) و الحديث الذي رووه عن سجود النبيّ صلّي اللّه عليه و آله علي العمامة لم يثبته أكثرهم، و يحمل علي ما إذا أصاب بعض جبهته الأرض، و المشقة ثابتة في كشف غيرها دونها.9.

ص: 440


1- الخلاف 357:1 مسألة 113.
2- المجموع 424:3-425، فتح العزيز 456:3، المغني 593:1، الشرح الكبير 1: 593.
3- الشرح الصغير 115:1، المغني 593:1، الشرح الكبير 593:1، المجموع 3: 425، فتح العزيز 457:3.
4- المغني 593:1، الشرح الكبير 593:1.
5- مصنّف عبد الرزاق 400:1-1564، مجمع الزوائد 125:2.
6- الفردوس 281:1-1103، عوالي اللئالي 331:1-84، كنز العمال 429:7 - 19634 عن الطبراني في الكبير.
7- الكافي 334:3-9، التهذيب 86:2-319.

و إن كانت العمامة مما يصح السجود عليه صح كما لو كانت من خوص أو شيء من النباتات.

ص: 441

ص: 442

الفصل الرابع: في اللباس- الأول: ستر العورة
و مباحثه ثلاثة:
مسألة 105: ستر العورة عن العيون بما لا يصف البشرة واجب في الصلاة و غيرها،

لقوله عليه السلام: (لعن اللّه الناظر و المنظور إليه)(1) و قال عليه السلام: (لا تكشف فخذك و لا تنظر الي فخذ حي و لا ميت)(2) و لا يجب في غير الصلاة في الخلوة إجماعا منا - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(3) - لأنه ليس معه من يستتر عنه، و هو أحد وجهي الشافعي، و أصحهما عنده:

الوجوب(4) لعموم الخبر(5) ، و للتستر عن الجن و الملائكة.

ص: 443


1- الكافي 503:6-36، الفردوس 465:3-5441، الكامل لابن عدي 325:1، سنن البيهقي 99:7، الجامع الكبير 643:1.
2- سنن أبي داود 196:3-3140 و 40:4-4015، سنن ابن ماجة 469:1-1460، سنن البيهقي 388:3، سنن الدار قطني 225:1-4.
3- فتح العزيز 79:4.
4- المجموع 166:3، كفاية الأخيار 57:1، المهذب للشيرازي 71:1.
5- سنن أبي داود 196:3-3140 و 40:4-4015، سنن ابن ماجة 469:1 - 1460، سنن البيهقي 388:3، سنن الدار قطني 225:1-4.

و الخبر ممنوع إرادة التحريم منه لأن الفخذ عند جماعة ليس من العورة(1) ، و التستر عن الجن و الملائكة غير ممكن.

مسألة 106: و ستر العورة شرط في الصلاة

إجماعا منا، فلو صلّي مكشوف العورة في خلوة أو غيرها بطلت صلاته - و هو قول أكثر العلماء كالشافعي، و أبي حنيفة و أحمد(2) - قال ابن عبد البر: أجمعوا علي فساد صلاة من ترك ثوبه و هو قادر علي الاستتار به و صلّي عريانا(3) ، لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة حائض إلا بخمار)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل ما تري للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال: «إذا كان كثيفا فلا بأس»(5) يدل علي ثبوت البأس مع عدم الكثافة.

و قال مالك: ليس بشرط و إن كان واجبا في الصلاة و غيرها لأن وجوبه لا يختص بالصلاة فليس من فروضها فإذا عدم فيها لم يبطلها كالصلاة في الدار المغصوبة(6). و ينتقض بالإيمان و الطهارة فإنّها تجب لمس المصحف، و نمنع الأصل أيضا، و قال بعض أصحابه: إنّه شرط مع الذكر دون النسيان(7).

ص: 444


1- عمدة القارئ 80:4-81.
2- المجموع 166:3 و 167، الوجيز 48:1، كفاية الأخيار 57:1، اللباب 61:1، المغني 651:1، بداية المجتهد 114:1، كشاف القناع 263:1.
3- المغني 651:1، كشاف القناع: 263:1.
4- سنن ابن ماجة 215:1-655، سنن الترمذي 215:2-377، سنن أبي داود 1: 173-641، مسند أحمد 150:6 و 218 و 259، مستدرك الحاكم 251:1.
5- الكافي 394:3-2، التهذيب 217:2-855.
6- فتح العزيز 81:4، بداية المجتهد 114:1، القوانين الفقهية: 50، حلية العلماء 52:2.
7- المجموع 167:3، المغني 651:1، فتح العزيز 81:4.
مسألة 107: و عورة الرجل عند أكثر علمائنا قبله و دبره لا غير
اشارة

(1) - و به قال عطاء، و داود، و ابن أبي ذئب، و هو وجه للشافعي، و رواية عن أحمد(2) - لأن أنسا قال: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتي لأني أنظر الي بياض فخذ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «الفخذ ليس من العورة»(4).

و لأنه ليس بمخرج للحدث فلم يكن عورة كالساق.

و قال جماعة منّا: العورة ما بين السرة و الركبة(5) - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أصحاب الرأي(6) ، لقوله عليه السلام: (لا تكشف فخذك و لا تنظر الي فخذ حيّ و لا ميت)(7) و هو محمول علي الكراهة جمعا بين الأدلة.

فروع:

أ - السرة ليست من العورة علي الرأيين عندنا، و كذا الركبة لقوله عليه

ص: 445


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 87:1، و قطب الدين الراوندي في فقه القرآن 95:1، و يحيي بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 65، و ابن إدريس في السرائر: 55، و المحقق في المعتبر: 154.
2- المجموع 168:3 و 169، المغني 651:1-652، نيل الأوطار 49:2.
3- صحيح البخاري 103:1-104.
4- الفقيه 67:1-253، التهذيب 374:1-1150.
5- منهم: ابن البراج في المهذب 83:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 139، و ابن حمزة في الوسيلة: 89.
6- المجموع 168:3-169، بداية المجتهد 114:1، المغني 651:1، المنتقي للباجي 247:1، العدة شرح العمدة: 66، المبسوط للسرخسي 146:10، شرح العناية 1: 224، تفسير الرازي 202:23.
7- سنن أبي داود 196:3-3140 و 40:4-4015، سنن ابن ماجة 469:1. 1460، سنن البيهقي 388:3، سنن الدار قطني 225:1-4.

السلام: (أسفل السرة و فوق الركبتين من العورة)(1) و كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يقبّل سرّة الحسن(2) ، و قبّلها أبو هريرة(3) ، و هو ظاهر مذهب الشافعي(4).

و عند أبي حنيفة الركبة من العورة دون السرة، و هو وجه للشافعي(5) و له وجه ثالث: أن السرة و الركبة جميعا من العورة(6) ، و عن مالك: الفخذ ليس من العورة(7).

ب - لا فرق بين الحر و العبد إجماعا، و لا بين البالغ و الصبي.

ج - الواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لعدم الستر به، و إن ستر اللون و وصف الخلقة و الحجم جازت الصلاة لعدم التحرز منه.

مسألة 108: و عورة المرأة جميع بدنها إلاّ الوجه

بإجماع علماء الأمصار، عدا أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام فإنه قال: كلّ شيء من المرأة عورة حتي ظفرها(8) ، و هو مدفوع بالإجماع.

و أما الكفان فكالوجه عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و الشافعي،

ص: 446


1- سنن البيهقي 229:2.
2- سنن البيهقي 232:2.
3- سنن البيهقي 232:2.
4- الام 89:1، المجموع 168:3، الوجيز 48:1، المغني 652:1، تفسير الرازي 202:23.
5- تفسير الرازي 202:23، المغني 652:1، المحلي 323:3، المجموع 168:3-169.
6- المجموع 168:3.
7- تفسير الرازي 202:23.
8- المجموع 169:3، المغني 672:1، بداية المجتهد 115:1، عمدة القارئ 4: 90.

و الأوزاعي، و أبو ثور(1) - لأن ابن عباس قال في قوله تعالي وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (2) قال: الوجه و الكفان(3).

و سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام قلت: ما تري للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال: «إذا كان كثيفا فلا بأس، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا» يعني إذا كان ستيرا،(4) فاجتزأ عليه السلام بالدرع - و هو القميص - و المقنعة - و هي للرأس - فيستحب ما عدا ذلك.

و قال أحمد، و داود: الكفان من العورة(5) لقوله تعالي إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (6) و الظاهر منها الوجه. و يبطل بقول ابن عباس.

و أما القدمان فالظاهر عدم وجوب سترهما - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و المزني - لأن القدمين يظهر منهما في العادة فلم تكن عورة كالكفين(7).3.

ص: 447


1- الام 89:1، المجموع 169:3، تفسير الرازي 202:23، المنتقي للباجي 1: 251، مقدمات ابن رشد 133:1، بداية المجتهد 115:1، المغني 672:1، الشرح الكبير 492:1.
2- النور: 31.
3- المغني 672:1، الشرح الكبير 492:1، العدة شرح العمدة: 66، الدر المنثور 5: 41، المحلي 221:3 و 222.
4- الكافي 294:3-2، الفقيه 243:1-1081، التهذيب 217:2-855.
5- المغني 672:1-673، الشرح الكبير 492:1، المحرر في الفقه 42:1، حلية العلماء 2: 53.
6- النور: 31.
7- المجموع 169:3، المبسوط للسرخسي 153:10، اللباب 62:1، شرح العناية 225:1، عمدة القارئ 90:4، المغني 672:1، الشرح الكبير 493:1، بداية المجتهد 115:1، المحلي 223:3.

و قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أبو ثور: إنهما عورة(1) لحديث ابن عباس، و لا يعطي نفي الزائد.

مسألة 109: الأمة الكبيرة يجوز أن تصلّي مكشوفة الرأس
اشارة

بإجماع العلماء إلاّ ما نقل عن الحسن البصري من إيجاب الخمار عليها إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه(2).

و استحب لها عطاء أن تقنع إذا صلّت و لم يوجبه(3) لأن عمر كان ينهي الإماء عن القنع، و ضرب جارية لآل أنس رآها مقنعة فقال: اكشفي رأسك و لا تشبهي بالحرائر(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله محمد بن مسلم الأمة تغطي رأسها إذا صلّت، فقال: «ليس علي الأمة قناع»(5).

فروع:

أ - القناع و إن لم يجب لكنه مستحب لأنه أنسب بالخفر(6) ، و هو أمر مطلوب من الحرائر و الإماء، و أنكر الجمهور - إلاّ عطاء - استحبابه(7) لفعل

ص: 448


1- الام 89:1، المجموع 169:3، المنتقي للباجي 251:1، مقدمات ابن رشد 1: 133، عمدة القارئ 90:4.
2- المجموع 169:3، المغني 674:1، الشرح الكبير 492:1، بداية المجتهد 1: 116.
3- المغني 674:1، بداية المجتهد 116:1.
4- المغني 674:1، المبسوط للسرخسي 151:10.
5- الكافي 394:3-2، التهذيب 217:2-855.
6- في نسخة (م): بالحصن.
7- المغني 674:1، بداية المجتهد 116:1.

عمر، و ليس بجيد لما فيه من ترك الستر، و جاز أن يكون فعله عن رأي رآه.

ب - عورة الأمة كالحرة إلاّ في الرأس عند علمائنا أجمع - و به قال بعض الشافعية(1) - لأن الأنوثة تناسب الستر فكانت علة، و إنما سوغنا لها كشف الرأس لما فيه من النص(2) ، و لأنه ظاهر في أكثر الأوقات فأشبه وجه الحرة.

و قال بعض الشافعية: إنّ عورتها كالرجل ما بين السرة إلي الركبة، و هو رواية عن أحمد(3) ، لأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن بدنه عورة كالرجل.

و الفرق أن للمرأة محاسن بخلاف الرجل.

و قال بعضهم: جميعها عورة إلاّ ما يحتاج الي تغليبه و كشفه للخدمة كالرأس، و الذراع و الساق للحاجة الي ذلك، و هو رواية عن أحمد أيضا(4) و المعتمد ما تقدم.

ج - أم الولد، و المدبّرة، و المكاتبة المشروطة، و غير المؤدّية(5) كالقنة - و به قال الشافعي، و أحمد في إحدي الروايتين(6) - لبقاء الملك فيها، و لأنها تضمن بالقيمة فأشبهت القنة، و قال محمد بن سيرين: أم الولد تصلّي1.

ص: 449


1- المجموع 168:3، مغني المحتاج 185:1، المهذب للشيرازي 71:1.
2- انظر علي سبيل المثال التهذيب 218:2-859، الاستبصار 390:1-1483.
3- المجموع 169:3، فتح العزيز 91:4، المغني 674:1، الشرح الكبير 491:1.
4- فتح العزيز 91:4، المغني 674:1، المهذب للشيرازي 71:1، حلية العلماء 54:2.
5- اي المكاتبة المطلقة التي لم تؤدّ شيئا من المال عن كتابتها.
6- المجموع 168:3، فتح العزيز 91:4، المغني 675:1، الشرح الكبير 493:1.

مقنعة، و هو رواية عن أحمد لثبوت سبب الحرية لها(1). و هو ممنوع.

د - لو انعتق بعضها كانت كالحرة أخذا بالاحتياط، و تغليبا للحرية، و لحصول يقين البراءة.

و قال الشافعي: أنّها كالأمة لأنّ وجوب ستر الرأس من أمارات الحرية، و علامات الكمال(2). و هو ممنوع إن قصد في الجميع و إلاّ لم يتم.

ه - لو اعتقت في أثناء الصلاة و هي مكشوفة الرأس فكالعاري يجد السترة في الأثناء، إن أمكنها ستره من غير فعل كثير وجب و بنت - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(3) - و إن لم تتمكن إلاّ بفعل كثير فإن خافت فوت الصلاة أتمت، و إن لم تخف استأنفت، و المرجع في كثرة الفعل إلي العرف لعدم التوقيف(4) فيه.

و - لو وجدت السترة و احتاجت الي الانتظار الطويل بحيث لا يفوت الوقت احتمل وجوبه لأنه انتظار واحد، و البطلان لأنها صلّت في زمان طويل عارية مع إمكان الستر فلم تصح.

ز - لو اعتقت في الأثناء و لم تعلم حتي فرغت، أو كانت عتقت قبل الصلاة و لم تعلم ففي وجوب الإعادة نظر ينشأ من اشتراط العلم في التكليف.

و من كونها صلّت جاهلة بوجوب الستر فلا تصح، كما لو علمت العتقت.

ص: 450


1- المغني 676:1، الشرح الكبير 493:1، المجموع 169:3.
2- المجموع 168:3، فتح العزيز 91:4.
3- المجموع 184:3، فتح العزيز 102:4، المحلي 224:3.
4- في نسخة (م): التوقيت.

و جهلت وجوب الستر، و للشافعي قولان(1).

ح - لو اعتقت و لم تقدر علي سترة مضت في صلاتها و لم تلزمها الإعادة لعدم وجوب الستر عليها لعجزها عنه.

ط - الصبية الحرة كالأمة في تسويغ كشف الرأس لها و نعني بها من لم تبلغ، و لو بلغت في الأثناء بغير المبطل فكالأمة إذا أعتقت فيه إلاّ أنها متي تمكنت من الاستئناف وجب، لأن ما فعلته أولا لم يكن واجبا.

مسألة 110: يستحب للرجل ستر جميع بدنه بقميص، و إزار، و سراويل

لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا صلّي أحدكم فليلبس ثوبيه فإن اللّه تعالي أحق أن يتزين له)(2) و لما فيه من المبالغة في الستر، و تعظيم حال الصلاة. و أشد منه استحبابا ستر ما بين الركبة و السرة لوقوع الخلاف في وجوبه، و يجزي الثوب الواحد، لأن الباقر عليه السلام صلّي فيه(3).

و يستحب التحنك، لقول الصادق عليه السلام: «من تعمّم و لم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلاّ نفسه»(4).

و عنه عليه السلام: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه»(5).

و يجوز أن يصلّي في ثوب واحد يأتزر ببعضه و يرتدي بالآخر، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الرجل يصلّي في ثوب واحد قال: «يأتزر به إذا

ص: 451


1- المجموع 184:3، فتح العزيز 102:4.
2- كنز العمال 331:7-19120 (عن الطبراني في الأوسط).
3- التهذيب 216:2-848.
4- الكافي 460:6-1، التهذيب 215:2-846.
5- الكافي 461:6-7، التهذيب 215:2-847، المحاسن 378-157.

رفعه الي الثديين»(1).

و يستحب للمرأة ثلاثة أثواب: درع، و خمار، و إزار، لاشتماله علي المبالغة في الستر لقول الصادق عليه السلام: «تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: درع، و خمار، و إزار، و لا يضرها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما و تقنع بالآخر» قلت: و إن كان درعا و ملحفة ليس عليها مقنعة ؟ فقال: «لا بأس إذا تقنعت بالملحفة، فإن لم تكفها فلتلبسها طولا»(2).

و الدرع يريد به القميص السابغ الذي يغطي ظهور قدميها، و الخمار هو الجلباب و هو ما يغطي رأسها و عنقها.

و يستحب أن يكون الإزار غليظا، و تجافيه عن جسمها، لئلاّ يصفها في حال الركوع و السجود.

مسألة 111: و يجوز أن يصلّي عاريا ساترا لعورتيه خاصة

لكن يستحب أن يجعل علي عنقه شيئا و لو كالخيط و ليس بواجب - و به قال الشافعي(3) - لأن العنق ليس بعورة فلا يجب ستره كسائر البدن.

و قال أحمد: إنه واجب(4) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا يصلّي الرجل في الثوب الواحد ليس علي عاتقه منه شيء)(5) و هو محمول علي الاستحباب.

ص: 452


1- الكافي 395:3-9، التهذيب 216:2-849.
2- الكافي 395:3-11، التهذيب 217:2-856.
3- الام 89:1، المجموع 175:3، المهذب للشيرازي 72:1، المغني 654:1.
4- المغني 655:1، الشرح الكبير 495:1، المحرر في الفقه 43:1، العدة شرح العمدة: 67، المجموع 175:3.
5- صحيح مسلم 368:1-516، مسند أحمد 243:2.

و قال الصادق عليه السلام: «و لكن إذا لبس السراويل جعل علي عاتقه شيئا و لو حبلا»(1).

و يجوز أن يصلّي في ثوب واحد و إن كان واسع الجيب إذا لم تبد منه العورة حالة الركوع و غيرها لحصول الستر و إن لم يزرّه علي نفسه، لقول الباقر عليه السلام: «لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة، إن دين محمد صلّي اللّه عليه و آله حنيف»(2).

مسألة 112: لو انكشف بعض العورة في الصلاة بطلت قلّ أو كثر
اشارة

عند علمائنا، سواء الرجل و المرأة - و به قال الشافعي(3) - لأنه حكم يتعلق بالعورة فاستوي فيه قليلها و كثيرها كالنظر.

و قال أبو حنيفة: إن انكشف من العورة المغلظة - و هي القبل و الدبر - قدر الدرهم لم تبطل و إن انكشف أكثر بطلت و إن انكشف من المخففة - و هي ما عدا ذلك - أقل من الربع لم تبطل، و أما المرأة فإن انكشف ربع شعرها، أو ربع فخذها، أو ربع بطنها بطلت صلاتها، و إن كان أقل من ذلك لم تبطل(4).

و قال أبو يوسف: إن انكشف أقل من النصف لم تبطل، لأن ستر

ص: 453


1- الكافي 393:3-1، التهذيب 216:2-852.
2- الكافي 395:3-8، الفقيه 174:1-823، التهذيب 357:2-1477، الاستبصار 392:1-1492.
3- المجموع 166:3، المهذب للشيرازي 71:1، الام 89:1، المغني 653:1، الشرح الكبير 497:1.
4- الهداية للمرغيناني 43:1-44، المبسوط للسرخسي 197:1 بدائع الصنائع 117:1، الجامع الصغير للشيباني: 82، المجموع 167:3، فتح العزيز 82:4، الميزان 1: 157، المغني 654:1، الشرح الكبير 497:1.

العورة حكم يسقط حال العذر، فيختلف قليله و كثيره في غير حالة العذر كإزالة النجاسة(1). و لا دليل علي هذا التقدير، و ينتقض قولهم بالوضوء.

فروع:

أ - قال الشيخ في المبسوط: لو انكشفت العورتان في الصلاة سترهما و لا تبطل صلاته به سواء كان ما انكشفت عنه قليلا أو كثيرا، بعضه أو كله(2). و فيه نظر من حيث ان ستر العورة شرط و قد فات فتبطل.

أما لو لم يعلم به فالوجه الصحة للعذر، و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل صلي و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله ؟: «لا إعادة عليه و قد تمت صلاته»(3).

ب - لو وجد من الثوب ما يستر به بعض العورة لزمه الستر بخلاف ما لو وجد من الماء ما يكفي بعض الأعضاء، و لو كان الموجود يكفي إحداهما خاصة فالقبل أولي - و به قال الشافعي(4) - لظهوره و استقبال القبلة به، و لا يجوز صرفه في غير ستر العورة، خلافا لبعض الشافعية(5).

ج - لو كان في ثوبه خرق فجمعه و أمسكه بيده فصلاته صحيحة، و لو وضع يده علي موضع الخرق و ستره بيده فوجهان: الصحة لحصول الستر،

ص: 454


1- المبسوط للسرخسي 197:1، الجامع الصغير للشيباني: 82، بدائع الصنائع 117:1، الهداية للمرغيناني 44:1، المجموع 167:3.
2- المبسوط للطوسي 87:1.
3- التهذيب 216:2-851.
4- الام 91:1، المجموع 181:3، فتح العزيز 99:4، المهذب للشيرازي 73:1، السراج الوهاج: 53.
5- المجموع 181:3، فتح العزيز 99:4، المهذب للشيرازي 73:1، السراج الوهاج: 53.

و المنع لأنّ إطلاق السترة علي ما يغطي العورة من غير البدن.

مسألة 113: لو لم يجد ساترا لم تسقط عنه الصلاة

إجماعا، فإن وجد ورق الشجر و تمكن من الستر به وجب، و كذا لو وجد طينا وجب عليه أن يطيّن عورته لأنه يستر العورة، قال الصادق عليه السلام: «النورة سترة»(1). و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: المنع، لأنه يلوث نفسه و يجف و يتناثر و لا يستر العورة(2). و لا حجة فيه لأن التناثر بعد الاستظهار لا يضر.

و لو وجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله فإن لم يكن فيه مضرة وجب و إلاّ فلا.

و لو وجد حفرة دخلها وجوبا، و صلي قائما مع أمن المطلع، و هل يركع و يسجد؟ قال بعض فقهائنا: نعم(3) ، لأن الستر قد حصل و ليس التصاقه بالبدن شرطا.

و لقول الصادق عليه السلام: «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها فيسجد فيها و يركع»(4).

مسألة 114: لو لم يجد العاري سترة قال علماؤنا: يصلّي جالسا
اشارة

إن لم يأمن المطلع، و يكون ركوعه و سجوده بالإيماء، و إن أمن المطلع صلّي قائما و يركع و يسجد بالإيماء لأنّ القيام قد يسقط أحيانا فيسقط مع خوف المطلع لئلا تبدو عورته و فيه فحش، و لو أمنه صلّي قائما لعدم الموجب لسقوط القيام، و لا يركع و لا يسجد إلاّ بالإيماء لما فيه من الفحش.

ص: 455


1- المعتبر 155، و عن الباقر عليه السلام في الكافي 497:6-7، و الفقيه 65:1-250.
2- المجموع 180:3، كفاية الأخيار 57:1، المهذب للشيرازي 73:1، السراج الوهاج: 52.
3- القائل هو المحقق في المعتبر: 155.
4- التهذيب 365:2-366-1517.

و لقول الصادق عليه السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال: «يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّي جالسا»(1).

و قال الباقر عليه السلام فيمن خرج من سفينة عريانا، قال: «إن كانت امرأة جعلت يدها علي فرجها، و إن كان رجلا وضع يده علي سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما»(2).

و قال مالك، و الشافعي: يصلّي قائما بركوع و سجود. و أطلق، لأنه مستطيع للقيام من غير ضرر فلم يجز له تركه، كما لو لم يجد السترة(3).

و نمنع انتفاء الضرر فإن اطلاع الغير ضرر.

و قال الأوزاعي، و أحمد، و المزني: يصلّون قعودا(4) و أطلقوا لأنه قادر علي ستر العورة فلم يجز له كشفها، و الستر ممنوع بل الأرض تستر بعضها عندهم.

و قال أبو حنيفة: يتخير بين القيام و القعود، و القعود أفضل: لأنه لا بد من ترك فرض في كل من الفعلين فيتخير فيهما(5).

فروع:

أ - للشافعي قول بالصلاة قاعدا مطلقا، فتجب الإعادة، لأنه أخل بالقيام

ص: 456


1- الفقيه 168:1-793، التهذيب 365:2-1516.
2- الكافي 396:3-16، التهذيب 364:2-1512 و 178:3-403.
3- الام 91:1، الميزان 157:1، المغني 664:1.
4- المجموع 183:3، المهذب للشيرازي 73:1، المغني 664:1، الشرح الكبير 1: 500، المحرر في الفقه 46:1.
5- الكفاية 230:1، الهداية للمرغيناني 44:1، الميزان 157:1، اللباب 1: 62-63، المجموع 183:3.

و هو واجب مقدور عليه(1). و نمنع وجوبه، و الصلاة صحيحة، لأنه فعل المأمور به علي وجهه فأجزأ.

ب - لو وجد بائع الثوب بثمن المثل وجب مع المكنة، و كذا لو آجره، و لو لم يكن معه ثمن أو احتاج إليه لم يجب، و لو كثر الثمن عن المثل و تمكن وجب كالماء.

ج - لو وجد المعير وجب القبول لتمكنه حينئذ مع انتفاء الضرر، و لو وهب منه لم يجب القبول لما فيه من المنة، و به قال الشافعي في أحد الوجهين(2) ، و قال الشيخ: يجب القبول(3). و فيه إشكال.

د - لو وجد السترة في أثناء صلاته فإن تمكن من الستر بها من غير فعل كثير وجب و لو احتاج الي مشي خطوة أو خطوتين، أما لو احتاج الي فعل كثير أو الي استدبار القبلة بطلت صلاته إن كان الوقت متسعا و لو لركعة و إلاّ استمر، و في قول للشافعي: أنه لو احتاج الي فعل كثير مشي و لبس و بني علي صلاته كمن سبقه الحدث(4) ، و الأصل ممنوع.

و لو وقف في موضعه حتي حمل إليه فالوجه الصحة، و للشافعي وجهان(5).

و قال أبو حنيفة: لو وجد السترة في الأثناء بطلت صلاته كالمستحاضة3.

ص: 457


1- المجموع 335:2-336، فتح العزيز 362:2-363.
2- المجموع 187:3، فتح العزيز 103:4، المهذب للشيرازي 74:1، كفاية الأخيار 57:1.
3- المبسوط للطوسي 88:1.
4- المجموع 184:3.
5- المجموع 184:3.

إذا انقطع دمها(1). و ينتقض بالأمة إذا أعتقت في الأثناء فإن صلاتها لا تبطل عنده إذا كانت مكشوفة الرأس(2).

ه - لو لم يجد إلاّ ثوب حرير صلّي عاريا لفقدان الشرط، و هو وجدان الساتر، للنهي عن هذه السترة، و به قال أحمد(3).

و قال الشافعي: يصلّي فيه وجوبا لأن ثوب الحرير صالح للسترة(4).

و هو ممنوع، و تخصيص النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عبد الرحمن بن عوف، و الزبير، لمعني الحكة(5) لا يقاس عليه.

و لو خاف البرد من نزعه صلّي فيه و أجزأ.

مسألة 115: لو لم يجد إلاّ الثوب النجس صلّي عاريا إن تمكن من نزعه،

لقول الصادق عليه السلام في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلاّ ثوب واحد و أصابه منيّ قال: «يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا و يصلّي و يومئ إيماء»(6).

و إن لم يتمكن من نزعه صلّي فيه و لا إعادة عليه، للضرورة في الموضعين لقول الصادق عليه السلام في الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه

ص: 458


1- المبسوط للسرخسي 125:1.
2- شرح فتح القدير 229:1.
3- المغني 661:1، الشرح الكبير 499:1.
4- المجموع 180:3، فتح العزيز 104:4.
5- صحيح البخاري 50:4 و 195:7، صحيح مسلم 1646:3-2076، سنن أبي داود 50:4-4056، سنن الترمذي 218:4-1722، سنن النسائي 202:8، سنن ابن ماجة 1188:2-3592، مسند الطيالسي: 265-1973، مسند أحمد 122:3 و 127 و 180 و 192 و 215 و 252 و 255 و 273.
6- التهذيب 406:1-1278 و 223:2-882، الاستبصار 168:1-583.

بول و ليس معه غيره قال: «يصلّي فيه إذا اضطر إليه»(1).

و علي هذا التفصيل يحمل قول الكاظم عليه السلام في رجل أصاب ثوبه دم نصفه أو كلّه و حضرت الصلاة يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: «إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّي فيه و لم يصل عريانا»(2).

و للشيخ رحمه اللّه قول بالإعادة لو صلّي فيه للضرورة(3) ، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب لا تحل الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله كيف يصنع ؟ قال: «يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة»(4).

و هي ضعيفة السند، و مدفوعة بأن الأمر للإجزاء.

و بالصلاة عاريا فلا إعادة قال الشافعي في المذهب المشهور، و الليث بن سعد(5).

و قال أبو حنيفة: يتخير إن شاء صلّي فيه، و إن شاء صلّي عاريا، و لم يفرق بين مقادير النجاسة في رواية أبي يوسف(6).

و في رواية محمد: إن كان الدم أكثر من قدر درهم لم يجز أن يصلّي عريانا، و إن كان مملوءا دما يتخير لأن ترك السترة إخلال بواجب، و الصلاة2.

ص: 459


1- التهذيب 224:2-883، الاستبصار 169:1-584.
2- الفقيه 160:1-756، التهذيب 224:2-884، الاستبصار 169:1-585، قرب الاسناد: 89.
3- المبسوط للطوسي 91:1.
4- التهذيب 407:1-1279 و 224:2-886، الاستبصار 169:1-587.
5- المجموع 142:3، فتح العزيز 104:4، المهذب للشيرازي 68:1، كفاية الأخيار 57:1، المغني 666:1، الشرح الكبير 499:1.
6- المجموع 143:3، الشرح الكبير 499:1، حلية العلماء 46:2.

بالنجاسة كذلك، و لا يمكن الجمع بينهما فيتخير(1). و ينتقض بجلد الميتة.

و قال مالك، و الأوزاعي: يصلّي فيه و لا إعادة(2) لأنّ النجاسة لا تجب إزالتها عن المصلّي عنده، و قد سبق.

مسألة 116: لو كان جماعة عراة استحب لهم الجماعة،
اشارة

ذهب إليه علماؤنا سواء كانوا رجالا أو نساء يصلّون صفا واحدا جلوسا يتقدمهم الإمام بركبتيه لعموم الأمر بالجماعة(3).

و قول الصادق عليه السلام: «يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه يومي الإمام بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه علي وجوههم»(4).

و قال الشافعي: يصلّون جماعة و فرادي قياما، و يقف الإمام وسطهم، و له قول آخر: أنّ الأفضل الانفراد لعدم تمكنهم من الإتيان بسنة الجماعة و هي الموقف(5) ، و استدراك فضيلة الجماعة أولي من استدراك سنة الموقف، و قال أبو حنيفة: يصلّون فرادي، و إن كانوا في ظلمة صلّوا جماعة(6).

ص: 460


1- حلية العلماء 46:2.
2- بلغة السالك 104:1، القوانين الفقهية: 59، المجموع 143:3، المغني 666:1 و 667، الشرح الكبير 499:1.
3- انظر علي سبيل المثال الكافي 372:3-5.
4- التهذيب 365:2-1514.
5- الام 91:1، المجموع 185:3 و 186، فتح العزيز 98:4، المهذب للشيرازي 1: 73، المغني 668:1، الشرح الكبير 503:1.
6- المغني 668:1، الشرح الكبير 502:1.
فروع:

أ - لو كان مع العراة مكتس وجب عليه أن يصلّي في ثوبه، و ليس له إعارته و الصلاة عريانا لوجود السترة، نعم يستحب له إعارته بعد صلاته لقوله تعالي وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي (1) و لا تجب عليه الإعارة، و يجب القبول لتمكنه من الساتر حينئذ.

ب - لو بذل لهم الثوب لم يجز لهم الجماعة مع سعة الوقت و صلّي كل واحد بعد آخر، لإمكان ستر العورة مع الانفراد و هو واجب فلا يترك للندب، فإن خافوا فوت الوقت بالانتظار لم يجز، و صلّوا عراة - عند علمائنا - محافظة علي تحصيل المشروط، و لأنه موضع ضرورة فصار كالفاقد، و قال الشافعي:

يجب الانتظار و إن فات الوقت تحصيلا للسترة(2). و ليس بجيد.

ج - لو لم يعرهم و أراد أن يصلّي بهم قدم إن كان قارئا و إلاّ صلّوا فرادي، و ليس له أن يأتم بعار، لأن قيام الإمام شرط في إمامة القائم.

و قال الشافعي: يصح، لعدم سقوط القيام(3) و ليس بجيد.

د - لو اجتمع النساء و الرجال فإن قلنا بتحريم المحاذاة لم تجتمع النساء معهم إلاّ مع حائل، و إن قلنا بالكراهة جاز أن يقف الجميع صفا، و لو كان معهم مكتس استحب له إعارة النساء بعد صلاته.

ص: 461


1- المائدة: 2.
2- الام 91:1، المجموع 246:2، المهذب للشيرازي 74:1، المغني 669:1.
3- المجموع 186:3، المهذب للشيرازي 73:1.

ه - يجوز مع الحاجة أن يصلّي الرجال في أكثر من صف واحد، لأن القيام يسقط حينئذ، و كذا الركوع و السجود، إلاّ بالإيماء فيغضوا أبصارهم.

و - يجوز للنساء العراة أن يصلّين جماعة فتجلس إمامتهن وسطهن.

ز - جوّز الشيخ للعاري الصلاة في أول الوقت(1) لعموم الأمر، و تحصيلا لفضيلة أول الوقت، و حذرا من تجويز المسقط، و أوجب المرتضي، و سلاّر التأخير إلي آخر الوقت رجاء لحصول السترة كالمتيمم(2).

ح - إذا صلّوا جماعة جلسوا، و تقدم إمامهم بركبتيه، قال المرتضي:

و يصلّون كلهم بالإيماء لأنه أستر(3) ، و قال الشيخ: يومي الإمام و يركع من خلفه و يسجد(4) ، للرواية السابقة(5).

ط - ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة، لأنها دعاء، خلافا للشافعي(6).

ي - لو كان علي سطح تري عورته من أسفل لم تصح صلاته لعدم الستر. و قال الشافعي: تصح، لأن الستر إنما يلزمه من الجهة التي يعتاد النظر منها، و النظر من الأسفل لا يعتاد(7). و المقدمتان ممنوعتان.3.

ص: 462


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 156.
2- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 49:3، المراسم: 76.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي): 49:3.
4- المبسوط للطوسي 130:1، النهاية: 130.
5- التهذيب 365:2-1514، و سبق في صدر المسألة.
6- المجموع 222:5، فتح العزيز 185:5، المهذب للشيرازي 139:1، مغني المحتاج 344:1.
7- المجموع 171:3، فتح العزيز 94:4، مغني المحتاج 186:1، السراج الوهاج: 53.

يا - لو صلي في قميص واسع الجيب تري عورته حالة الركوع منه أو السجود بطلت صلاته حالة الركوع لا قبلها، و تظهر الفائدة في المأموم إذا نوي الانفراد حينئذ.

يب - لا يكفي في الستر إحاطة الفسطاط الضيق به، لأنه ليس بلبس.

البحث الثاني: في جنسه
مسألة 117: يجوز الصلاة في كل ثوب متخذ من النباتات

كالقطن، و الكتان، و القنب، و سائر أنواع الحشيش بالإجماع، و كذا في جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية لا بدونها و إن دبغ عند علمائنا أجمع، و به قال عمر، و ابن عمر، و عائشة، و عن مالك روايتان، و كذا عن أحمد(1) لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (لا تستنفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تصل في شيء منه و لا شسع»(3) ، و قال الباقر عليه السلام و قد سئل عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة ؟ فقال: «لا و لو دبغ سبعين مرّة»(4) و لأن الميتة نجسة، و الدباغ غير مطهر، و قد سبق.

و قال الشافعي: يطهر بالدباغ إلاّ جلد الكلب و الخنزير، و نقله عن علي

ص: 463


1- بداية المجتهد 78:1، القوانين الفقهية: 37، المغني 84:1، الشرح الكبير 1: 94، المجموع 217:1، تفسير الرازي 17:5، الحاوي للفتاوي 12:1.
2- سنن الترمذي 222:4-1729، سنن أبي داود 67:4-4128، سنن ابن ماجة 2: 1194-3613، سنن النسائي 175:7، مسند أحمد 310:4 و 311.
3- التهذيب 203:2-793.
4- الفقيه 160:1-750، التهذيب 203:2-794.

عليه السلام، و ابن مسعود(1) ، و قد تقدم.

و قال مالك: يطهر ظاهره دون باطنه فيصلّي عليه لا فيه(2) ، و قال أبو حنيفة: تطهر الجلود كلها إلاّ الخنزير و الإنسان(3). و قد سبق، فجوزوا الصلاة فيه.

تذنيب: يكفي في الحكم بالتذكية انتفاء العلم بموته، و وجوده في يد مسلم لا يستبيح جلد الميتة، أو في سوق المسلمين، أو في بلد الغالب فيه المسلمون، لقول العبد الصالح عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام» قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس»(4).

و إنما اعتبرنا في المسلم انتفاء استباحته ليحصل الظن بالتذكية، إذ لا فرق في انتفاء الظن بين المستبيح من المسلم و الكافر إذ الأصل الموت و لا معارض له حينئذ، أما من لا يستبيح الميتة فإن إسلامه يمنعه من الإقدام علي المحرم غالبا.

و لو جهل حال المسلم فإشكال ينشأ من كون الإسلام مظنة للتصرفات2.

ص: 464


1- الام 91:1، المجموع 215:1 و 217، فتح العزيز 288:1، مختصر المزني: 1، كفاية الأخيار 8:1، الوجيز 10:1، المهذب للشيرازي 17:1، تفسير الرازي 17:5، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1، الحاوي للفتاوي 12:1، بدائع الصنائع: 85:1، أحكام القرآن للجصاص 115:1، نيل الأوطار 74:1، الأشباه و النظائر للسيوطي: 433.
2- المجموع 217:1، تفسير الرازي 17:5، الحاوي للفتاوي 12:1 و 13.
3- المبسوط للسرخسي 202:1، اللباب 24:1، بدائع الصنائع 85:1، أحكام القرآن للجصاص 115:1، تفسير الرازي 17:5، سبل السلام 42:1.
4- التهذيب 368:2-1532.

الصحيحة، و من أصالة الموت. و لو جهل إسلامه لم يجز استباحته.

مسألة 118: و جلد ما لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة فيه و إن ذكي و دبغ،

سواء كان هو الساتر أم لا عند علمائنا أجمع، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن جلود السباع، و الركوب عليها(1) ترك العمل به في غير الصلاة، فيبقي في الصلاة.

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في جلود السباع فقال: «لا تصلّ فيها»(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: يطهر بالذكاة فيصلّي فيه(3) ، و قال الشافعي:

يطهر بالدباغ(4).

و كذا المسوخ إذا ذكيت يجوز استعمال جلودها في غير الصلاة، و هي ما رواه محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «الفيل مسخ كان ملكا زنّاء، و الذئب أعرابيا ديوثا، و الأرنب كانت امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط كان يسرق تمور الناس، و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة علي عيسي بن مريم عليه السلام لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في البر، و فرقة في البحر، و الفأرة و هي الفويسقة، و العقرب كان

ص: 465


1- سنن أبي داود 68:4-4131، سنن الدارمي 85:2، الجامع الصغير 697:2 - 9458، سنن البيهقي 21:1.
2- الكافي 400:3-12، التهذيب 205:2-801.
3- بدائع الصنائع 86:1، شرح فتح القدير 83:1، الهداية في شرح البداية: 45، الهداية للمرغيناني 21:1، الكفاية 83:1، المغني 88:1، الشرح الكبير 101:1.
4- الام 9:1 و 91، مختصر المزني: 1، المهذب للشيرازي 17:1، الوجيز 10:1، بدائع الصنائع 86:1.

نمّاما، و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان»(1).

و أطلق الشيخان، و المرتضي النجاسة(2) و الوجه: الطهارة، لرواية أبي العباس الفضل(3) الدالة علي طهارة أسئار هذه الحيوانات.

مسألة 119: الصوف، و الشعر، و الوبر، و الريش تابعة
اشارة

فإن كانت أصولها مما لا يؤكل لحمه لم تصح الصلاة فيه، و إن كانت مما يؤكل لحمه صحت عند علمائنا أجمع، إلاّ ما يستثني من الأول، لأن الصادق عليه السلام كان يكره الصلاة في وبر كلّ شيء لا يؤكل لحمه(4).

و أما الجمهور فالقائلون بطهارته سوّغوا الصلاة فيه، و القائلون بنجاسته منعوا، و قد سبق تفصيل مذاهبهم.

فروع:

أ - لا بأس بالصلاة في الثوب الذي يكون وبر الأرانب فوقه أو تحته - خلافا للشيخ(5) - لأنه طاهر.

ب - لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه مع صوف ما يؤكل لحمه و نسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة علي إشكال ينشأ من إباحة المنسوج من الكتان و الحرير، و من كونه غير متخذ من مأكول اللحم. و كذا لو أخذ قطعا و خيطت و لم يبلغ كلّ واحد منها ما يستر العورة.

ج - لا يشترط في صوف ما يؤكل لحمه، و ريشه، و شعره، و وبره

ص: 466


1- الكافي 246:6-14، التهذيب 39:9-166، علل الشرائع: 485 باب 239 الحديث 1.
2- المقنعة: 89، الخلاف، كتاب الأطعمة و الأشربة، المسألة 2، و حكي قول السيد المرتضي المحقق في المعتبر: 148.
3- التهذيب 225:1-646، الاستبصار 19:1-40.
4- التهذيب 209:2-820، علل الشرائع: 342 باب 43 الحديث 1.
5- المبسوط للطوسي 82:1.

التذكية بل لو أخذ من الميتة جزّا كان طاهرا، و صحت الصلاة فيه إجماعا منّا، و به قال أبو حنيفة، و أحمد(1) - خلافا للشافعي(2) - لأنه طاهر قبل موت الحيوان فكذا بعده عملا بالاستصحاب السالم عن معارضة كونه ميتا.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح»(3).

و احتجاج الشافعي بنموه فيكون حيا(4) ، ممنوع الملازمة فيه.

د - لا يشترط الجز بل لو قلع و غسل موضع الاتصال بالميتة، أو قطع موضع الاتصال كان طاهرا.

مسألة 120: لا تصح الصلاة في جلود الثعالب، و الأرانب،

لأنّ الرضا عليه السلام سئل عن جلود الثعالب الذكية فنهي عن الصلاة فيها(5) ، و لأنه غير مأكول اللحم فيدخل تحت العموم.

و في رواية جميل عن الصادق عليه السلام و قد سأله عن الصلاة في جلود الثعالب فقال: «إذا كانت ذكية فلا بأس»(6) و الأحوط للعبادة الأول،

ص: 467


1- شرح فتح القدير 84:1، الكفاية 84:1، الهداية للمرغيناني 21:1، شرح العناية 84:1، الهداية في شرح البداية: 45، أحكام القرآن للجصاص 121:1، المغني 95:1، الشرح الكبير 105:1، زاد المستقنع: 4، المجموع 236:1، كشاف القناع 1: 57، بداية المجتهد 78:1، المحلي 122:1.
2- المجموع 236:1، المهذب للشيرازي 18:1، المغني 95:1، الشرح الكبير 1: 105، بداية المجتهد 78:1، الهداية في شرح البداية: 45، الهداية للمرغيناني 1: 21، الكفاية 84:1 و 85، شرح العناية 84:1، المحلي 123:1.
3- التهذيب 368:2-1530.
4- المغني 95:1، الشرح الكبير 105:1.
5- التهذيب 206:2-808، الإستبصار 381:1-1446، الكافي 399:3-8 و في الأخير عن الماضي عليه السلام.
6- التهذيب 206:2-809، الاستبصار 382:1-1447.

و يحمل الثاني علي الضرورة، أو التقية.

مسألة 121: لو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه قلنسوة، أو تكة فالأحوط المنع،

لعموم النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه(1).

و لأن إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إليه عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية ؟ فكتب:

«لا تجوز الصلاة فيها»(2).

و هو أحد قولي الشيخ(3) ، و له قول بالكراهة(4) لما رواه محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله هل أصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير، أو تكة من وبر الأرانب ؟ فكتب: «لا تحل الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه»(5) و القول أرجح من الكتابة.

مسألة 122: تجوز الصلاة في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب
اشارة

عند علمائنا أجمع لأن الرضا عليه السلام سئل عن الصلاة في الخز فقال: «صلّ فيه»(6) ، و به قال أحمد(7) لأن الحسن بن علي عليهما السلام، و محمد بن الحنفية لبسا الخز(8) و كسي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رجلا عمامة خز(9).

ص: 468


1- انظر الكافي 397:3-1، التهذيب 209:2-818، الإستبصار 383:1-384-1454.
2- الكافي 399:3-9، التهذيب 206:2-806، الإستبصار 383:1-1451.
3- النهاية: 97.
4- المبسوط للطوسي 84:1.
5- التهذيب 207:2-810، الاستبصار 383:1-1453.
6- التهذيب 212:2-829.
7- المغني 663:1، الشرح الكبير 507:1، كشاف القناع 281:1.
8- المغني 663:1.
9- سنن أبي داود 45:4-4038.

و الخز دابة بحريّة ذات أربع، تصاد من الماء، فإذا فقدته ماتت.

و لا فرق بين كونه مذكي أو ميتا عند علمائنا، لأنّه طاهر في حال الحياة، و لا ينجس بالموت فيبقي علي الطهارة.

و روي عن الصادق عليه السلام: «إن اللّه أحله و جعل ذكاته موته كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها»(1) و هو محمول علي طهارتها، و إباحة الصلاة فيها لا علي جواز أكلها للإجماع علي المنع من أكل ما ليس بسمك، و من السمك ما لا فلس له.

فروع:

أ - الأقرب جواز الصلاة في جلده، لأن سعد بن سعد سأل الرضا عليه السلام عن جلود الخز قال: «هو ذا تلبس» فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: «إذا حل وبره حل جلده»(2) و منع ابن إدريس من ذلك(3).

ب - لا تجوز الصلاة في المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب لقول الصادق عليه السلام: «الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، أما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصلّ فيه»(4).

ج - لو مزج بالحرير المحض صحت الصلاة كما في القطن الممتزج به لأن الباقر عليه السلام نهي عن لباس الحرير للرجال و النساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز، أو كتان، أو قطن(5).

ص: 469


1- الكافي 399:3-400-11، التهذيب 211:2-212-828.
2- الكافي 452:6-7، التهذيب 372:2-1547.
3- السرائر: 56.
4- الكافي 403:3-26، التهذيب 212:2-830، الاستبصار 387:1-1469، علل الشرائع: 357 باب 71 الحديث 2.
5- التهذيب 367:2-1524، الإستبصار 386:1-1468.
مسألة 123: و في السنجاب قولان:

المنع، اختاره الشيخ في موضع من النهاية(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «أنّ كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره، و شعره، و جلده، و بوله، و روثه، و كلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة»(2).

و الجواز اختاره في النهاية أيضا و المبسوط(3) لقول أبي الحسن عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في السمّور، و السنجاب، و الثعالب: «لا خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب، فإنّه دابة لا تأكل اللحم»(4).

و في رواية عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: «صلّ في الفنك و السنجاب، فأما السمور فلا تصلّ فيه»(5). و الأحوط الأول أخذا بالمتيقن، أما الفنك و السمور فالأشهر فيهما التحريم.

مسألة 124: و يحرم لبس الحرير المحض للرجال
اشارة

بإجماع علماء الإسلام، و لا تصح الصلاة فيه عند علمائنا أجمع - و هو رواية عن أحمد(6) - لأنّ النهي يدل علي الفساد في العبادات.

و قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (حرّم لباس الحرير و الذهب علي ذكور أمتي، و أحلّ لأناثهم)(7).

و من طريق الخاصة ما رواه محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام هل يصلّي في قلنسوة حرير أو ديباج ؟ فكتب: «لا تحل

ص: 470


1- النهاية: 586-587.
2- الكافي 397:3-1، التهذيب 209:2-818، الإستبصار 383:1-1454.
3- النهاية: 97، المبسوط للطوسي 82:1-83.
4- الكافي 401:3-16، الاستبصار 384:1-1456.
5- الكافي 400:3-14، التهذيب 210:2-822، الإستبصار 384:1-1457.
6- المغني 661:1، الشرح الكبير 505:1، المجموع 180:3.
7- سنن الترمذي 217:4-1720، سنن النسائي 161:8.

الصلاة في حرير محض»(1).

و قال الشافعي: تصح الصلاة، و كذا لو كان معه ثوب هو وديعة عنده لا يجوز له لبسه، فإن لبسه و صلّي فيه ضمن و صحت صلاته، لأن النهي ليس لأجل الصلاة فإنّ لبسه في غير الصلاة محرّم و إذا لم يكن التحريم لأجل الصلاة لم يمنع صحتها(2). و الملازمة ممنوعة.

فروع:

أ - الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال، و كذا الخاتم المموّه به، للنهي عن لبسه.

ب - لا فرق في التحريم بين كونه ساترا للعورة أو لا، لأن الصلاة فيه محرمة علي التقدير الثاني، و فاقدة للشرط علي الأول.

ج - لا بأس بالحرير و الذهب للنساء إجماعا، و الصلاة لهن فيهما، إلاّ الصدوق فإنه منع من صلاتهن في الحرير لإطلاق النهي(3) ، و هو ممنوع في حقهن، و في الخنثي المشكل الأولي التحريم تغليبا للحرمة.

د - يجوز لبس الحرير للضرورة كالبرد الشديد، و هو إجماع لسقوط التكليف معها، و كذا يجوز حالة الحرب لأنه يعطي قوّة القلب - و به قال أحمد، و عروة، و عطاء - لأن عروة كان له يلمق(4) من ديباج بطانته من سندس محشو قزا، و كان يلبسه في الحرب(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن لباس الحرير

ص: 471


1- الكافي 399:3-10، التهذيب 207:2-812، الإستبصار 385:1-1462.
2- الام 91:1، المجموع 180:3، المهذب للشيرازي 73:1.
3- الفقيه 171:1 ذيل الحديث 807.
4- يلمق: القباء المحشو. معرب يلمه بالفارسية. لسان العرب 332:10 «لمق».
5- المغني 662:1، الشرح الكبير 507:1.

و الديباج فقال: «أما في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل»(1) ، و لأن لبسه منع للخيلاء.

و هو سائغ في الحرب، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رأي بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيه فقال عليه السلام: (إنها لمشية يبغضها اللّه و رسوله إلاّ في هذا الموطن)(2).

و عن أحمد رواية بالمنع للعموم، و لو احتاج إليه بأن يكون بطانة لدرع جاز عنده قطعا، و كذا درع مموّه من ذهب لا يستغني عن لبسه(3).

ه - يجوز لبس الحرير للقمل، و صاحب الحكمة و المرض إذا كان ينفعه لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رخص للزبير و عبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير لمّا شكوا إليه القمل(4) ، و به قال أحمد في رواية(5) ، و في أخري بالمنع - و به قال مالك - للعموم، و الرخصة مختصة بهما(6).

و هو خطأ، لأن ما ثبت رخصة في حق صحابي ثبت في غيره لقوله صلّي1.

ص: 472


1- الكافي 453:6-3، الفقيه 171:1-807، التهذيب 208:2-816، الإستبصار 386:1-1466.
2- السيرة النبوية لابن هشام 71:3، دلائل النبوة للبيهقي 233:3-234، مجمع الزوائد 109:6، الجامع الكبير 304:1، كنز العمال 317:4-10685، المغازي للواقدي 259:1.
3- المغني 662:1، الشرح الكبير 507:1.
4- صحيح البخاري 195:7، صحيح مسلم 1646:3-1647-2076، سنن أبي داود 50:4-4056، سنن الترمذي 218:4-1722، سنن ابن ماجة 1188:2 - 3592، سنن النسائي 202:8.
5- المغني 662:1، الشرح الكبير 506:1.
6- القوانين الفقهية: 430، المغني 662:1، الشرح الكبير 506:1.

اللّه عليه و آله: (حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة)(1). و لا يشترط السفر للعموم، و في وجه للشافعية: يشترط لأن السفر يشغل عن التفقد(2).

و - الأقوي جواز مثل التكة، و القلنسوة من الحرير المحض، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة، و الخف، و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه»(3).

و في رواية محمد بن عبد الجبار و قد كتب الي أبي محمد عليه السلام هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب: «لا تحل الصلاة في حرير محض»(4) و تحمل علي الكراهة.

ز - الأقرب جواز افتراش الحرير المحض، و الوقوف عليه، و النوم للرجال، لوجود المقتضي و هو أصالة الإباحة السالم عن معارضة النهي المختص باللبس لانتفاء اللبس هنا.

و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن فراش حرير، و مثله من الديباج، و مصلّي حرير، و مثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه و التكأة، و الصلاة ؟ قال: «يفرشه، و يقوم عليه، و لا يسجد عليه»(5).

و قال الشافعي، و أحمد بالمنع(6) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي1.

ص: 473


1- عوالي اللئالي 456:1-197، الأربعون للشهيد الأول: 23، كشف الخفاء 436:1 - 1161، و انظر المغني 405:2، نيل الأوطار 30:1.
2- نيل الأوطار 81:2.
3- التهذيب 357:2-1478.
4- الكافي 399:3-10، التهذيب 207:2-812، الإستبصار 385:1-1462.
5- الكافي 477:6-8، التهذيب 373:2-1553.
6- المجموع 435:4، المهذب للشيرازي 73:1 و 115، كفاية الأخيار 99:1، المغني 661:1، الشرح الكبير 506:1، المحرر في الفقه 139:1.

عن الجلوس عليه(1). و هو محمول علي اللبس.

و لا يحرم علي النساء افتراشه لجواز لبسه، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني: المنع و إن جاز اللبس للخيلاء(2) ، و هو ممنوع.

ح - لو كان الحرير ممتزجا بغيره مما تصح الصلاة فيه كالقطن، و الكتان صحت الصلاة فيه عند علمائنا سواء تساويا، أو كثر أحدهما ما لم يخرج الي اسم الحرير فيحرم، و به قال ابن عباس، و جماعة من العلماء(3). لقول ابن عباس: إنما نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن الثوب المصمت من الحرير، و أما المعلم و سدي الثوب فليس به بأس(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه، و علمه، و زرّه حريرا، إنما كره الحرير المبهم للرجال»(5).

و للشافعية قولان: اعتبار الأكثر فإن تساويا فوجهان، و اعتبار الظهور فيحرم مع ظهور الإبريسم لا بدونه(6).

ط - لا بأس بالمكفوف بالإبريسم المحض، بأن يجعل الإبريسم في رءوس الأكمام، و الذيل، و حول الزيق(7) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي».

ص: 474


1- صحيح البخاري 194:7-195.
2- المجموع 180:3، المهذب للشيرازي 73:1، كفاية الأخيار 100:1.
3- المغني 662:1، الشرح الكبير 506:1.
4- سنن أبي داود 49:4-4055، مسند أحمد 321:1، جامع الأصول لابن الأثير 10: 687-8342.
5- الفقيه 171:1-808، التهذيب 208:2-817، الاستبصار 386:1-1467.
6- المجموع 438:4، المهذب للشيرازي 115:1، كفاية الأخيار 100:1، المغني 1: 662-663.
7- زيق القميص: ما أحاط بالعنق. مجمع البحرين 179:5 «زوق».

عن الحرير إلاّ موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع(1).

و من طريق الخاصة قول جراح المدائني: إن الصادق عليه السلام كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج(2).

ي - ما يخاط من الحرير بالكتان، أو القطن لا يزول التحريم عنه، و كذا لو بطّن به الثوب، أو ظهر به لعموم النهي.

يا - المحشو بالإبريسم تبطل الصلاة فيه لتناول النهي له، و لما فيه من السرف، و تضييع المال.

و قال الشافعي: يجوز لأنه لا خيلاء فيه(3). و نمنع التعليل.

يب - لا يحرم علي الولي تمكين الصغير من لبس الحرير لارتفاع التكليف عنه، و قال أحمد: يحرم(4) ، و للشافعي وجهان(5) لقوله عليه السلام: (حرام علي ذكور أمتي)(6).

و قال جابر: كنا ننزعه عن الصبيان(7) ، و المراد البالغون، و فعل جابر للتمرين و زيادة الورع.7.

ص: 475


1- صحيح البخاري 193:7، صحيح مسلم 1644:3-15، سنن الترمذي 217:4-1721 سنن أبي داود 47:4-4042.
2- الكافي 403:3-27 و 454:6-6، التهذيب 364:2-1510.
3- المجموع 438:4، الام 221:1، المهذب للشيرازي 115:1، المغني 663:1.
4- المغني 664:1، الشرح الكبير 507:1، المحرر في الفقه 139:1.
5- المجموع 435:4-436، كفاية الأخيار 100:1، مغني المحتاج 306:1.
6- سنن ابن ماجة 1189:2-1190-3595 و 3597، سنن أبي داود 50:4-4057، سنن الترمذي 217:4-1720، سنن النسائي 190:8.
7- سنن أبي داود 50:4-4059، جامع الأصول لابن الأثير 686:10-687.

يج - لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموه به بطلت صلاته للنهي عن الكون فيه(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «جعل اللّه الذهب حلية أهل الجنّة، فحرم علي الرجال لبسه، و الصلاة فيه»(2).

مسألة 125: يشترط في الثوب الملك، أو الإباحة صريحا، أو فحوي،
اشارة

فلا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصب عند علمائنا أجمع - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3) - لأنها عبادة قد اشتملت علي وجه قبح فلا تقع مجزية لأنها غير مأمور بها فيبقي في العهدة، و لأنّ الكون فيه محرم لأن النهي عن المغصوب منع عن وجوه الانتفاع به، و الكون فيه انتفاع فيكون محرما و هو جزء من الصلاة.

و الثانية عن أحمد: الصحة، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة و إن اتفقوا علي التحريم، لأن النهي لا يعود إلي الصلاة فلا يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه بالماء النجس(4).

و ليس بجيد، لأن الحركة التي هي القيام، و القعود، و الركوع، و السجود في هذا الثوب منهي عنها و عصيان فلا يكون متقربا بما هو عاص

ص: 476


1- صحيح البخاري 90:2 و 31:7 و 61:8، صحيح مسلم 1635:3-2066، سنن النسائي 191:8، سنن أبي داود 89:4-90-4222، سنن الترمذي 226:4 - 1737-1738، سنن ابن ماجة 1202:2-3642 و 3643، مسند أحمد 81:1 و 2: 468.
2- التهذيب 227:2-894.
3- المغني 660:1، الشرح الكبير 498:1، المحرر في الفقه 43:1، العدة شرح العمدة: 66، المجموع 180:3.
4- المجموع 180:3، المغني 660:1، الشرح الكبير 498:1، المحرر في الفقه 1: 43، العدة شرح العمدة: 67، المبسوط للسرخسي 206:1.

به، و لا مأمورا بما هو منهي عنه.

فروع:

أ - لو جهل الغصب لم تبطل الصلاة لارتفاع النهي، و لو علمه و جهل الحكم لم يعذر.

ب - لا فرق بين أن يكون الثوب هو الساتر أو غيره، بل لو كان معه خاتم، أو درهم، أو غير ذلك مغصوب و صلّي فيه لم يصح، و كذا لو كان غاصبا لشيء غير مصاحب له، إلاّ أنه هنا لو صلّي آخر الوقت صحت بخلاف المصاحب.

ج - لا فرق بين أن يكون لابسا له، أو قائما عليه، أو ساجدا.

د - لو نسي الغصب فالأشبه الإعادة لتفريطه بالنسيان.

ه - لو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت صلاته لزوال المانع، و لو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب عملا بظاهر الحال.

و - الأقوي صحة الصلاة في المبيع فاسدا مع الجهل بالفساد، أو الحكم، أما العالم فالوجه البطلان إن لم يعلم البائع الفساد، و يحتمل الصحة للإذن، و كذا البحث في الإجارة.

مسألة 126: يشترط في الثوب و البدن الطهارة - إلاّ ما يستثني
اشارة

- عند علمائنا أجمع، فلو صلّي في النجس مع العلم بالنجاسة بطلت صلاته سواء كان هو الساتر أم لا، و به قال أكثر العلماء منهم ابن عباس، و سعيد بن المسيب، و قتادة، و مالك، و الشافعي، و أحمد و أصحاب الرأي(1) لقوله تعالي:

ص: 477


1- الام 55:1، المجموع 132:3، فتح العزيز 14:4، تفسير الرازي 191:30، الوجيز 46:1، المهذب للشيرازي 66:1 و 67، مغني المحتاج 188:1، الشرح الصغير 26:1، المغني 750:1، الشرح الكبير 509:1، المبسوط للسرخسي 60:1، بدائع الصنائع 114:1، مسائل أحمد: 41.

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (1) قال ابن سيرين: هو الغسل بالماء(2).

و قال عليه السلام: (إنهما يعذبان و ما يعذبان في كبيرة، أما أحدهما فكان لا يستنزه(3) من بوله)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن أصاب ثوب الرجل الدم و علم قبل أن يصلّي فيه و نسي و صلّي فيه فعليه الإعادة»(5) و لأنها إحدي الطهارتين فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث.

و روي عن ابن عباس: ليس علي الثوب جنابة، و نحوه عن أبي مجلز، و سعيد بن جبير، و النخعي(6). و قال ابن أبي ليلي: ليس في ثوب إعادة(7). و هو مدفوع بالإجماع.

و كذا طهارة الجسد شرط بالإجماع، و قوله عليه السلام للمستحاضة:

(اغسلي عنك الدم)(8).6.

ص: 478


1- المدثر: 4.
2- المغني 750:1، الشرح الكبير 509:1، تفسير القرطبي 65:19.
3- في نسخة (م) و بعض المصادر: لا يستبرئ.
4- صحيح البخاري 64:1، صحيح مسلم 240:1-292، سنن ابن ماجة 125:1-347، سنن النسائي 29:1، سنن أبي داود 6:1-20، سنن الترمذي 47:1 و 48-70، سنن الدارمي 188:1، مسند أحمد 225:1.
5- التهذيب 254:1-737، الإستبصار 182:1-637.
6- المغني 750:1، الشرح الكبير 509:1.
7- المغني 750:1، الشرح الكبير 509:1.
8- صحيح البخاري 84:1، صحيح مسلم 262:1-333، سنن ابن ماجة 203:1 - 621، سنن النسائي 122:1 و 124، سنن أبي داود 74:1-282، سنن الترمذي 1: 217-125، سنن الدارمي 198:1، مسند أحمد 194:6.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الكلب يصيبه جسد الرجل قال: «يغسل الموضع الذي أصابه»(1).

فروع:

أ - لو سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه، أو أزالها في الحال من غير فعل كثير صحت صلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النجاسة عفي عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها.

ب - لو كان طرف ثوبه نجسا لم تجز الصلاة إذا كان حاملا له، أو كان ينتقل بقيامه و يقلّها من الأرض، و لو كان الطرف موضوعا علي الأرض و الآخر حامل له صحت صلاته إذا لم يقلّه بالحركة، و قال الشافعي: تبطل صلاته(3).

ج - لو كان طرف ثوبه متصلا بالنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة إلاّ أن يكون لو قام أقلّه من الأرض، و لا عبرة بحركتها بحركته و هي علي الأرض - و به قال أبو حنيفة(4) - عملا بأصالة الصحة السالم عن معارضة لبس النجاسة، و قال الشافعي: تبطل و إن لم يتحرك بحركته(5).

و لو كان أحد طرفي الحبل نجسا و قبض الطاهر صحت صلاته، و إن تحرك النجس بحركته، خلافا للشافعي فيما إذا تحرك بحركته، و له فيما إذا

ص: 479


1- التهذيب 23:1-61 و 260-758، الاستبصار 90:1-287.
2- الوجيز 46:1، فتح العزيز 11:4، المغني 752:1، الشرح الكبير 512:1.
3- فتح العزيز 22:4.
4- المجموع 148:3، فتح العزيز 22:4.
5- المجموع 148:3، الوجيز 46:1، فتح العزيز 22:4، المهذب للشيرازي 68:1، مغني المحتاج 190:1.

لم يتحرك وجهان بخلاف العمامة لأنها ملبوسة(1).

د - لو شدّ وسطه بحبل و طرفه الآخر مشدود بكلب صحت صلاته إذا لم يقل الكلب بحركته - خلافا للشافعي(2) - و لو كان طرفه الآخر مشدودا في ساجور(3) كلب صحت صلاته أيضا و إن انتقل الساجور خاصة بقيامه خلافا للشافعي في أحد الوجهين(4).

و لا فرق بين كون الكلب صغيرا أو كبيرا حيا أو ميتا، و أوجب الشافعي الإعادة فيما إذا كان الكلب صغيرا أو ميتا قطعا بخلاف الكبير لأن له قوة الامتناع(5).

و لو كان الطرف تحت رجله لم يكن به بأس إجماعا، لأنّ ما تحت قدمه طاهر، و ليس هو بحامل للنجاسة، و لا لما هو متصل بها.

ه - لو كان طرف مصلاه نجسا خارجا عن مسقط جسده جاز و كان كما لو اتصلت الأرض بموضع نجس.

و - لو وضع علي النجس بساط أو شبهه طاهر صحت الصلاة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المنازل التي ينزلها الناس فيها أبوال الدواب و السرجين، و يدخلها اليهود و النصاري كيف يصنع بالصلاة فيها؟: «صلّ علي ثوبك»(6).

ز - لو كان الحبل مشدودا في زورق فيه نجاسة، و الآخر في وسطه،6.

ص: 480


1- المجموع 149:3، الوجيز 46:1، فتح العزيز 22:4-23، مغني المحتاج 190:1.
2- المجموع 148:3، فتح العزيز 23:4، المهذب للشيرازي 68:1.
3- الساجور: خشبة تجعل في عنق الكلب. الصحاح 677:2 «سجر».
4- الوجيز 46:1، فتح العزيز 23:4، مغني المحتاج 190:1.
5- المجموع 148:3، فتح العزيز 25:4، المهذب للشيرازي 68:1.
6- الكافي 392:3-25، الفقيه 157:1-733، التهذيب 374:2-1556.

فإن كان الشدّ في موضع نجس صحت صلاته عندنا علي ما تقدم، خلافا للشافعي، و إن كان في طاهر فله قولان(1).

ج - لو صلّي و في كمه قارورة مضمومة فيها نجاسة لم تصح صلاته، لأنه حامل للنجاسة. و قال ابن أبي هريرة من الشافعية: تصح إذا كانت مضمومة بالرصاص، لأنّه يجري مجري باطن الحيوان(2).

و هو غلط، لأن تلك نجاسة في معدنها، و هذه في غير معدنها.

ط - لو صلّي و في كمه حيوان طاهر غير مأكول اللحم صحت صلاته، لأن باطن الحيوان معفوّ عنه، فإن المصلّي في باطنه نجاسة - و به قال الشافعي(3) - لأن الحسن و الحسين عليهما السلام ركبا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و هو ساجد(4).

و لو كان نجسا كالكلب و الخنزير لم تصح صلاته.

و لو حمل حيوانا مذبوحا و قد غسل موضع الدم منه، فإن كان مأكول اللحم صحّت صلاته - خلافا للشافعي(5) - و إن كان غير مأكول لم تصح، لأن باطن الحيوان لا حكم له إذا كان حيا فإذا زالت الحياة صار حكم الظاهر و الباطن سواء، و جري مجري القارورة.

مسألة 127: كلّ ما لا تتم الصلاة فيه منفردا
اشارة

كالتكة، و الجورب، و القلنسوة، و الخف، و النعل تجوز الصلاة فيه و إن كان نجسا، ذهب إليه

ص: 481


1- المجموع 148:3، المهذب للشيرازي 68:1.
2- المجموع 150:3، فتح العزيز 41:4.
3- المجموع 150:3، المهذب للشيرازي 68:1.
4- مستدرك الصحيحين 165:3-166 و 167 و 626، سنن البيهقي 263:2، أسد الغابة 2: 389، مجمع الزوائد 175:9 و 181 و 182.
5- المجموع 150:3، فتح العزيز 41:4، مغني المحتاج 192:1.

علماؤنا عملا بالأصل. و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما كان علي الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر مثل القلنسوة، و التكة، و الخفين و ما أشبه ذلك»(1).

و خالف الجمهور في ذلك، لأنه حامل نجاسة، و الجواب المنع من الفساد مطلقا، فإنّ الحاجة قد تدعو الي هذه الأشياء فوجب العفو عنها.

فروع:

أ - خصّ بعض علمائنا هذه الأشياء الخمسة بالرخصة(2) ، و الوجه:

العموم فيها و فيما شابهها كالسوار، و الخاتم، و شبهه.

ب - لو كان الخاتم، أو أحد هذه، و شبهها نجسا و صلّي في المسجد لم تصح صلاته للنهي عن الكون في المسجد بنجاسة، و كذا لو كانت النجاسة معفوا عنها في الثوب كالدم اليسير.

و لو كانت النجاسة خارجة عن ثوبه و بدنه، بل في نفس المسجد، أمكن بطلان الصلاة في أول وقتها مع تمكنه من إزالتها.

ج - الأقرب أنّ العفو عن هذه الأشياء إنّما هو إذا كانت في محالّها فلو كانت القلنسوة في يده فالوجه: المنع.

د - ألحق ابن بابويه العمامة بها(3) ، و يحمل علي عمامة صغيرة ليست ساترة للعورة بانفرادها.

مسألة 128: لو نجس أحد الثوبين و اشتبه طرحهما و صلّي في غيرهما،
اشارة

ص: 482


1- التهذيب 275:1-810.
2- هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 140.
3- الفقيه 42:1 ذيل الحديث 167.

لأن المشتبه بالنجس كالنجس في وجوب الامتناع منه، لعدم العلم بالشرط الذي هو الطهارة فيه.

و لو لم يجد غيرهما لعلمائنا قولان: النزع و أن يصلّي عريانا(1) - و به قال أبو ثور، و المزني(2) - كالأواني النجسة.

قال ابن إدريس: لا يجوز له أن يشرع في صلاة يشك في صحتها، و العلم بأنّه صلّي في ثوب طاهر بعد صلاته فيهما غير نافع، لأنّ الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عنه(3).

و ليس بجيّد، فإن الفرق واقع بين الثياب و الأواني لعدم تمكنه من استعمالها، و ينجس به في الحال و فيما بعد، و الثوب النجس قد تباح الصلاة فيه إذا لم يجد غيره، بخلاف الماء النجس، و الشك ممنوع فإن ستر العورة شرط و هو متمكن منه بفعل صلاتين فتجبان معا، و ليس اليقين بالطهارة شرطا، بل عدم العلم بالنجاسة، و هو حاصل في الثوبين.

و الوجه لو سلّم مقارنته فإنه مقارن هنا، لأنّ المقتضي لوجوبهما تحصيل ستر العورة، كما أنّ المأمور بالصلاة يجب عليه الوضوء لتوقفها عليه، و إن كانت الصلاة متأخرة لأنه ليس وجه وجوب الوضوء الصلاة بل التمكن منها، و كونها لا تتم إلاّ به.

الثاني: أن يصلّي في كلّ ثوب بعدد النجس و يزيد واحدة(4) و هو الأقوي.1.

ص: 483


1- قال به ابن إدريس في السرائر: 37، و يحيي بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 24.
2- المغني 82:1، الشرح الكبير 82:1.
3- السرائر: 37.
4- قال به الشيخ الطوسي في المبسوط 90:1-91، و الخلاف 481:1 المسألة 224، و النهاية: 55، و المحقق في المعتبر: 121.

عندي - و به قال أحمد، و ابن الماجشون(1) - لأنه تمكن من أداء الصلاة في ثوب طاهر بيقين فيجب، كما لو اشتبه الطهور بالطاهر، و كما لو نسي صلاة من يوم.

و لما رواه صفوان بن يحيي قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام في رجل معه ثوبان أصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع ؟ قال: «يصلّي فيهما جميعا»(2).

و قال أبو حنيفة، و الشافعي: يتحري فيهما كالقبلة(3).

و الفرق مشقة اعتبار اليقين في القبلة لكثرة الاشتباه فيها، و لأنّ الاشتباه في الثوبين حصل بالتفريط لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله، و لا يمكنه ذلك في القبلة، و لأنّ القبلة عليها أدلة من النجوم، و الشمس، و القمر، و غيرها فيصح الاجتهاد في طلبها و يقوي دليل الإصابة لها بحيث لا يبقي احتمال الخطأ إلاّ و هما ضعيفا بخلاف الثياب.

فروع:

أ - لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين صلّي في المتيقن، لأنّ وجه الوجوب و هو التمكن من الصلاة في ثوب طاهر موجود في الثوب فيتعين.

ب - لو لم يعلم عدد النجس صلّي فيما يتيقن أنه صلّي في ثوب طاهر، فإن كثر ذلك و شق فالوجه: التحري دفعا للمشقة.

ص: 484


1- المغني 82:1، الشرح الكبير 82:1، بلغة السالك 33:1.
2- الفقيه 161:1-757، التهذيب 225:2-887.
3- المجموع 144:3، فتح العزيز 21:4، مختصر المزني: 18، مغني المحتاج 1: 189، المهذب للشيرازي 68:1، المغني 82:1، الشرح الكبير 82:1.

ج - لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع صلّي فيما يحتمله الوقت و إن كانت واحدة، و يتخير في الساقطة و المأتي بها إذا لم يتغلب عنده النجس.

د - لو أداه اجتهاده إلي نجاسة أحدهما فإن كان لأمارة فالوجه: لزوم الصلاة فيه مع ضيق الوقت، و يحتمل مع اتساعه تعدد الصلاة.

و الشافعي جوّز التحري فأوجب الصلاة فيه مطلقا و لا إعادة عليه، فلو غسل الثوب الآخر فصلّي فيه صحت صلاته(1).

و لو جمع بين المغسول و الطاهر بالتحري و الاجتهاد، ثم صلّي فيهما لم تصح عندنا، لأنّ المشتبه بالنجس كالمتيقن نجاسته في المنع.

و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: لا تصح، لأنه قد تيقن حصول النجاسة و لم يتيقن زوالها لأنّ الذي غسله يحتمل أن يكون هو الطاهر.

و قال آخرون: تصح، لأن المغسول طاهر قطعا، و الآخر طاهر اجتهادا، فيجري مجري اليقين، و لهذا يصح أن يصلّي فيه(2). و هو ممنوع.

ه - لو لم يغلب علي ظنّه طهارة أحد الثوبين صلّي في كلّ منهما منفردا علي ما اخترناه، و عريانا علي قول بعض علمائنا(3). و به قال الشافعي، لكنه أوجب الإعادة خلافا لنا، لأنّ معه ثوبا طاهرا بيقين، قال: و لا يجوز أن يصلّي في كل منهما لأنّه يؤدي الي أن يصلّي بنجاسة متيقنة و هو حرام(4).4.

ص: 485


1- المجموع 145:3، فتح العزيز 18:4-19.
2- المجموع 145:3، فتح العزيز 20:4-21، المهذب للشيرازي 68:1.
3- السرائر: 37.
4- المجموع 144:3، فتح العزيز 21:4 و 104.

و نحن لا نوجب الإعادة لو قلنا بنزعهما، لأنّه فعل المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة.

و تحريم الصلاة في الثوب النجس لا يستلزم تحريمها في المشتبه لاستدراك مصلحة الصلاة في الثوب الطاهر.

و - لو اشتبه الثوبان - و لا ظنّ - و معه من الماء ما يغسل أحدهما، لزمه عندنا تحصيلا ليقين الطهارة. و هو أظهر مذهبي الشافعي، و في الآخر: لا يجب، لأن الثوب الذي يريد غسله لا يعلم نجاسته، و لا يمكن أن يؤمر بغسل ما لا يعلم نجاسته(1). و الثانية ممنوعة.

ز - لو اشتبه الثوبان و معه ثالث طاهر بيقين لم يجز له الاجتهاد عندنا، و يصلّي في الطاهر، و هو ظاهر. و للشافعي وجهان(2). و كذا لو قدر علي غسل أحدهما منع من الاجتهاد. و للشافعي وجهان(3).

ح - لو تلف أحد الثوبين لم يجتهد عندنا، و هو ظاهر علي مذهبنا.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، إذ المقصود من الاجتهاد معرفة الطاهر من النجس بالتمييز بينهما و قد تعذر، و ثبوته لتمكنه من التوصل إلي معرفة صفة الباقي من طهارة أو نجاسة بأمارات تدله عليه(4).

إذا ثبت المنع من الاجتهاد فما ذا يصنع ؟ يحتمل وجهان:

الصلاة فيه و إعادتها عريانا، لأنه إن كان طاهرا حصل بالصلاة فيه3.

ص: 486


1- المجموع 145:3، فتح العزيز 21:4.
2- المجموع 144:3.
3- المجموع 144:3.
4- المجموع 146:3.

الصلاة في ثوب طاهر، و هو المأمور به فيخرج عن العهدة، و إن كان نجسا أجزأته الصلاة عاريا.

و الصلاة عاريا خاصة، لأصالة البراءة السالم عن معارضة اليقين بالصلاة في ثوب طاهر مع التعذر بخلاف الثوبين، و كذا لو انصب أحد المشتبهين بالمضاف احتمل استعمال الآخر مع التيمم، و الاكتفاء بالتيمم.

ط - لو غسل أحدهما من غير اجتهاد تعين عليه الصلاة فيه، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني: له أن يصلّي في الآخر(1).

ي - لو خفي موضع النجاسة من الثوب الواحد غسل الثوب كلّه و لم يجز التحري، و هو مذهب الشافعي أيضا(2) خلافا له في الثوبين.

مسألة 129: يجوز أن يصلّي في ثوب عمله المشرك
اشارة

إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة، لأصالة الطهارة.

و لأنّ المعلي بن خنيس سمع الصادق عليه السلام يقول: «لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس، و النصاري، و اليهود»(3).

و قال معاوية بن عمار سألت الصادق عليه السلام عن الثياب السابرية(4) يعملها المجوس و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نساؤهم علي تلك الحال ألبسها، و لا أغسلها، و أصلّي فيها؟ قال: «نعم»(5).

ص: 487


1- المجموع 146:3.
2- المجموع 143:3، مختصر المزني: 18، المهذب للشيرازي 68:1، المغني 1: 766، كفاية الأخيار 56:1.
3- التهذيب 361:2-1496.
4- الثياب السابرية: و هو ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور و هو موضع بفارس. مجمع البحرين 322:3 «سبر».
5- التهذيب 362:2-1497.

و سأله عليه السلام عبيد اللّه الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال: «يرش بالماء»(1).

و وجه الجمع حمل الثاني علي الاستحباب، أو علي علم المباشرة بالرطوبة، أو الظن، و الشيخ منع في المبسوط من ذلك(2) ، و هو حسن، لغلبة الظن بالمباشرة بالرطوبة.

فروع:

أ - يستحب غسل هذه الثياب إذا لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، فإن علم أو ظن وجب.

ب - تجوز الصلاة في ثياب الصبيان، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يصلّي و هو حامل لامامة بنت أبي العاص(3).

ج - يجوز أن يصلّي في ثوب الحائض، لأصالة الطهارة، و قال عليه السلام لعائشة: (ناوليني الخمرة) فقالت: إني حائض، فقال صلّي اللّه عليه و آله: (ليس حيضتك في يدك)(4).

د - يجوز أن يصلّي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم يعلم فيه نجاسة لطهارته.

ص: 488


1- التهذيب 362:2-1498.
2- المبسوط للطوسي 84:1.
3- صحيح البخاري 137:1، صحيح مسلم 385:1-543، سنن النسائي 10:3، الموطأ 170:1-81، سنن أبي داود 241:1-242-917-920.
4- صحيح مسلم 245:1-298 و 299، سنن النسائي 146:1 و 192، سنن الترمذي 1: 241-134، سنن ابن ماجة 207:1-632، سنن أبي داود 68:1-261، سنن الدارمي 248:1، مسند أحمد 70:2، سنن البيهقي 189:1، المنتقي لابن الجارود: 51-102، معرفة السنن و الآثار 441:1، مسند الطيالسي: 203-1430.

و لو أصابه مني لم يجز الصلاة فيه عندنا، لأنه نجس خلافا للشافعي(1).

و لو أصابه مذي صحت الصلاة فيه عندنا، لأنه طاهر. خلافا للشافعي(2).

و لو أصابه من رطوبة فرج المرأة فهو طاهر إن لم يكن منيا، و للشافعي وجهان: النجاسة كالمذي، و الطهارة، لأنه عرق الفرج(3).

ه - لو أعار ثوبه من لا يتقي النجاسة استحب له غسله و لا يجب عملا بالأصل، لأن عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي، و يشرب الخمر، فيردّه أ يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال: «لا يصلّي فيه حتي يغسله»(4).

و - المسك طاهر يجوز أن يصلّي فيه عملا بالأصل، و لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل يصلّي و هي في جيبه أو ثيابه فقال: «لا بأس بذلك»(5).

و كتب عبد اللّه بن جعفر الي أبي محمد العسكري عليه السلام يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة مسك ؟ فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيا»(6).0.

ص: 489


1- الام 55:1، مختصر المزني: 18، المجموع 553:2 و 554، المهذب للشيرازي 1: 54، المغني 772:1، بداية المجتهد 82:1.
2- المجموع 552:2، الام 55:1، المهذب للشيرازي 53:1 و 54.
3- المجموع 570:2، المهذب للشيرازي 55:1.
4- التهذيب 361:2-1494، الاستبصار 393:1-1498 و فيهما: عن عبد اللّه بن سنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام.. فلاحظ.
5- الفقيه 164:1-165-775، التهذيب 362:2-1499.
6- التهذيب 362:2-1500.
مسألة 130: لو صلّي في ثوب نجس عالما بذلك أعاد
اشارة

بالإجماع عند من شرط الطهارة، و مع الخروج القضاء، لأنّه لم يفعل المأمور به علي وجهه فيبقي في العهدة.

و لو علم النجاسة ثم نسيها و صلّي فقولان:

أحدهما: أنه يعيد مطلقا في الوقت و خارجه اختاره الشيخان، و المرتضي(1) ، و هو المعتمد - و به قال الشافعي(2) - لأنه أخل بالشرط بتفريطه بالنسيان فلزمه القضاء.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّي فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه، و إن علم قبل أن يصلّي فنسي و صلّي فيه فعليه الإعادة»(3).

و قال الشيخ في موضع: لا يعيد مطلقا(4) - و به قال أحمد(5) - لأن العلاء سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشيء فينجسه فينسي أن يغسله و يصلّي فيه، ثم يذكر أنه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة ؟ فقال: (لا يعيد و قد مضت صلاته و كتبت له»(6).

و لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان، بل النسيان أولي لورود النص بالعفو فيه، لقوله عليه السلام: (عفي عن أمّتي الخطأ و النسيان)(7).

ص: 490


1- المقنعة: 24، المبسوط للطوسي 38:1، و حكي قول المرتضي المحقق في المعتبر: 122.
2- المجموع 131:3 و 157، كفاية الأخيار 57:1، المحلي 207:3.
3- التهذيب 254:1-737، الاستبصار 182:1-637.
4- لم نعثر علي قوله كما في المتن، و الذي في الاستبصار 184:1 ذيل الحديث 642: عدم الإعادة خارج الوقت لا مطلقا، فلاحظ.
5- المغني 751:1، الشرح الكبير 512:1، كشاف القناع 292:1.
6- التهذيب 423:1-1345 و 360:2-1492، الاستبصار 183:1-184-642.
7- سنن البيهقي 84:6.

قال الشيخ في التهذيب: هذا الخبر شاذ(1) ، و أشار الي رواية العلاء، و نحن نحمله علي ما إذا لم يعلم، و النسيان حقيقة في الترك، فيحمل علي الترك لعدم العلم.

و هذا و إن كان بعيدا لكن فيه جمع بين الأدلة فيكون أولي، و العفو عن النسيان لا يوجب ترك القضاء بل مفهومه هنا عدم الإثم، و نحن نقول به.

و هنا قول ثالث مشهور لعلمائنا: أنه يعيد في الوقت دون خارجه، لأنه ما دام في الوقت يكون في عهدة التكليف لعدم فعل ما أمر به، و بعد الخروج يكون قضاء، و الأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد.

و لو لم يعلم بالنجاسة حتي فرغ من صلاته و تيقن حصولها في ثوبه أو بدنه حال الصلاة فقولان لعلمائنا:

أحدهما: الإجزاء، اختاره الشيخان، و المرتضي(2) - و به قال ابن عمر، و عطاء، و سعيد بن المسيب، و سالم، و مجاهد، و الشعبي، و النخعي، و الزهري، و يحيي الأنصاري، و إسحاق، و ابن المنذر، و الأوزاعي، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لما رواه أبو سعيد قال: بينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صلاته قال: (ما حملكم علي إلقائكم نعالكم ؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال صلّي اللّه عليه و آله: (إن1.

ص: 491


1- التهذيب 360:2 ذيل الحديث 1492.
2- النهاية: 52، و حكي قول المفيد و المرتضي، المحقق في المعتبر: 122.
3- المجموع 156:3 و 157، المهذب للشيرازي 69:1، المغني 751:1، الشرح الكبير 511:1.

جبرئيل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا)(1) و لو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم لوجب استئناف الصلاة.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة، أو دم حتي فرغ من صلاته ثم علم قال: «قد مضت صلاته و لا شيء عليه»(2).

و لأنه مأمور بالصلاة في ثوب لا يعلم فيه نجاسة فيخرج عن العهدة بالامتثال.

الثاني: وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه، اختاره الشيخ في موضع من النهاية(3) - و به قال ربيعة، و مالك - لأنه لم يفعل ما أمر به(4) و هو الصلاة في ثوب طاهر، فوجبت الإعادة، و لا يجب القضاء، لأنه بأمر مجدد و لم يثبت.

و قال الشافعي: يعيد مطلقا، و هو رواية عن أحمد، و قول أبي قلابة، لأنّها طهارة مشترطة للصلاة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث(5).

و الفرق أن طهارة الحدث آكد، لأنّه لا يعفي عن يسيرها.

فروع:

أ - لو صلّي ثم رأي النجاسة علي ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة لاحتمال تجددها، و الأصل عدمها في الصلاة، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما

ص: 492


1- سنن الدارمي 320:1، سنن أبي داود 175:1-650، مسند أحمد 20:3 و 92.
2- الكافي 405:3-6، التهذيب 360:2-1489، الإستبصار 181:1-634.
3- النهاية: 8.
4- المدونة الكبري 34:1، المغني 751:1، الشرح الكبير 511:1.
5- المجموع 157:3، المغني 751:1، الشرح الكبير 511:1.

روي عن أبي حنيفة: أن النجاسة إن كانت رطبة أعاد صلاة واحدة، و إن كانت يابسة و كان في الصيف فكذلك، و إن كان في الشتاء أعاد صلوات يوم و ليلة(1).

ب - لو رآها علي ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة رماها عنه، و أتم صلاته، لعدم العلم بالسبق، و لو لم يتمكن من رميها، و لا رمي الثوب عنه، استأنف الصلاة في ثوب طاهر، تحصيلا للشرط، و لما رواه محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول»(2).

ج - لو وقعت عليه نجاسة و هو في الصلاة ثم زالت و هو لا يعلم ثم علم استمر علي حاله علي أحد قولي الشيخ، و يستأنف علي الآخر(3).

مسألة 131: المربية للصبي إذا لم يكن لها إلاّ ثوب واحد أجزأها غسله في اليوم مرة واحدة،
اشارة

و تصلي باقي الصلوات و إن كان فيه نجاسة دفعا للمشقة الحاصلة بالتكليف بغسله عند كل صلاة، و ربما تعذر يبسه و لبسه رطبا. و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص و لها مولود يبول كيف تصنع ؟ قال: «تغسل القميص في اليوم مرّة»(4).

و لأنّ تكرار بول الصبي يجري مجري دم القرح أو السلس الذي لا يمنع استصحاب الثوب في الصلاة.

ص: 493


1- فتح العزيز 70:4.
2- التهذيب 252:1-730 و 223:2-880.
3- يستفاد ذلك مما ذكره في النهاية: 52 و المبسوط 90:1 فلاحظ.
4- الفقيه 41:1-161، التهذيب 250:1-719.
فروع:

أ - المراد باليوم هنا الليل و النهار لدخولهما تحته، و في حديث عن الكاظم عليه السلام و قد سأله عبد الرحيم القصير عن خصيّ يبول فيلقي من ذلك شدة و يري البلل بعد البلل فقال: «يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة»(1). و الراوي ضعيف، و الوجه وجوب تكرار الغسل فإن تعسّر فلا بأس بالرواية دفعا للمشقة.

ب - في المربية للصبية إشكال ينشأ من عدم التنصيص علي العلة فيقتصر علي مورد النص، خصوصا مع غلظ نجاسة بولها، و من الاشتراك في المشقة.

ج - الظاهر مشاركة المربي للصبي للمربية إذ لا مدخل للأنوثة هنا.

د - لو نجس بعذرته فإشكال منشؤه ما تقدم، و لو نجس بغير البول و العذرة - كدمه - فالوجه عدم الإلحاق.

ه - تتخير في وقت غسله و الأفضل أن تؤخره الي أن تجتمع الصلوات الأربع عدا الصبح فيه، و في وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق، و من أولوية طهارة أربع علي طهارة واحدة.

و - لو كان لها ثوب طاهر لم يجز لها الصلاة في النجس، و إن غسلته مرة، و لو كان لها ثوبان لم تكتف بالمرّة أيضا لزوال المشقة مع التعدد.

مسألة 132: النجاسات المغلّظة يعفي عنها في مواضع أربعة:
اشارة

الأول: ما لا تتم الصلاة فيه منفردا، خلافا للجمهور.

ص: 494


1- الكافي 20:3-6، الفقيه 43:1-168، التهذيب 353:1-1051 و 424 - 1349.

الثاني: محل الاستنجاء من الغائط خاصة بعد الاستجمار، لأنه طاهر عندنا - و به قال أحمد - (1) لقوله صلّي اللّه عليه و آله في الروث و الرمّة(2):

(انهما لا يطهران)(3) مفهومه أنّ غيرهما يطهر.

الثالث: أسفل الخف و الحذاء و القدم إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض حتي زالت عينها طهرت عندنا، و به قال الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في إحدي الروايات(4).

و قال الشافعي: لا يطهّرها إلاّ الماء كسائر النجاسات. و هو رواية عن أحمد(5) ، و في ثالثة: يجب غسل البول و الغائط خاصة(6).

و لا فرق بين الدلك حال يبوسة النجاسة أو رطوبتها مع زوال الرطوبة.

الرابع: إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب، و الخنزير، و الكافر، فإن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب لئلا يصلّي مع النجاسة، و إن تعذر لخوف ضرر لم يجب قلعه - و به قال الشافعي، و أحمد(7) - لأنه حرج فيكون منفيا، و لأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون معفوا عنها.

و قال بعض الشافعية: يجب قلعه و إن أدي الي التلف، لجواز قتل الممتنع من صلاته فكذا هذا، لأنّه منع صحة صلاته بالعظم النجس(8) ، و هو1.

ص: 495


1- المغني 764:1، المحرر في الفقه 7:1.
2- الرمّة: العظام البالية. لسان العرب 252:12.
3- سنن الدار قطني 56:1-9، و انظر: المغني 765:1.
4- المغني 765:1، المحرر في الفقه 7:1.
5- فتح العزيز 45:4، كفاية الأخيار 56:1، المغني 765:1، المحرر في الفقه 7:1.
6- المغني 765:1.
7- المجموع 138:3، فتح العزيز 27:4، السراج الوهاج: 54، المغني 1: 766.
8- المجموع 138:3، فتح العزيز 27:4، المهذب للشيرازي 67:1، الوجيز 46:1.

خطأ، لأنّ النجاسة يعفي عنها مطلقا في مواضع، و للضرورة مطلقا، و لا يعفي عن الصلاة مطلقا.

و قال أبو حنيفة: لا يجب قلعه مطلقا و إن لم يلحقه ضرر و لا ألم(1) ، لأنّه صار باطنا، كما لو شرب خمرا أو أكل ميتة. و الفرق مع تسليم الأصل أنه أوصل نجاسة إلي معدنها، و يتعذر في العادة إخراجها، و في صورة النزاع أوصلها الي غير معدنها فأشبه ما إذا وصل شعره بشعر غيره.

فروع:

أ - لو جبر عظمه بعظم طاهر العين في الحياة جاز، لأنّ الموت لا ينجس عظمه و لا شعره.

و لو جبره بعظم آدمي فإشكال ينشأ من وجوب دفنه، و من طهارته، و رواية الحسين بن زرارة عن الصادق عليه السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سنّ ميت مكانه قال: «لا بأس»(2).

ب - لو مات المجبور عظمه بالعظم النجس لم ينزع، لسقوط التكليف عنه، و به قال الشافعي(3). و قال أبو إسحاق من أصحابه: نزعه أولي، لئلا يلقي اللّه تعالي بمعصية(4)(5). و هو خطأ لعدم زوالها بنزعه.

ج - التدليس بوصل شعر المرأة بشعر غيرها حرام عندنا، و لو وصلت

ص: 496


1- المجموع 138:3، فتح العزيز 27:4، الوجيز 46:1.
2- مكارم الأخلاق: 95.
3- الام 54:1، المجموع 138:3، فتح العزيز 27:4، الوجيز 47:1.
4- في نسخة (ش): بغضبه.
5- فتح العزيز 27:4، المجموع 138:3 و فيهما نسب هذا القول الي أبي العباس.

بشعر غير الآدمي جاز، و كرهه الشافعي للخالية من زوج و مولي، للغش(1) ، و كرهه أحمد مطلقا(2). و لا بأس بالقرامل - و به قال أحمد، و سعيد بن جبير(3) و هي ما تواصل بالذوائب.

د - لو سقطت سنه جاز أن يردها - و به قال أحمد(4) لأنها طاهرة، و لما تقدم من الحديث(5) علي إشكال سبق. و منعه الشافعي(6) لقوله عليه السلام: (ما أبين من حي فهو ميت)(7) و المراد ما تحله الحياة.

و لو لم تسقط جاز ربطها إجماعا - و لو بالذهب - لأنّه موضع حاجة، و جوّز رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لعرفجة بن أسعد لمّا أصيب أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضّة فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب(8).

ه - لو شرب خمرا أو أكل ميتة لغير ضرورة فالأقرب وجوب قيئه، لحرمة الاغتذاء به، و هو ظاهر قول الشافعي(9). و قال بعض أصحابه: لا يجب، لأنّ المعدة معدن النجاسات(10).

و - لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه إخراج ذلك الدم مع عدم3.

ص: 497


1- المجموع 140:3، فتح العزيز 32:4.
2- المغني 107:1، الشرح الكبير 137:1.
3- المغني 107:1، الشرح الكبير 137:1.
4- كشاف القناع 293:1.
5- مكارم الأخلاق: 95.
6- الام 54:1، المجموع 139:3.
7- سنن ابن ماجة 1073:2-3217، سنن أبي داود 111:3-2858، سنن الترمذي 18:4-1480، مسند أحمد 218:5، مستدرك الحاكم 239:4، كنز العمال 6: 266-15631.
8- سنن النسائي 164:8، مسند أحمد 342:4 و 23:5.
9- المجموع 139:3.
10- المجموع 139:3.

الضرر، و إعادة كلّ صلاة صلاّها مع ذلك الدم.

ز - لو خاط جرحه بخيط نجس فكالعظم النجس، و لو كان مغصوبا فإن تعذّر النزع لضرر أو خوف تلف الخيط وجبت القيمة.

مسألة 133: لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم

كالنعل السندي(1) ، و الشمشك قاله الشيخان(2) ، و مستند ذلك فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الصحابة، و التابعين. و قال في المبسوط: يكره الصلاة في الشمشك، و النعل السندي(3).

أما ما له ساق كالخف و الجرموق فلا بأس بالصلاة فيه إجماعا - و الجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: «اشتر وصل فيها حتي تعلم أنه ميّت بعينه»(4).

و قال إبراهيم بن مهزيار: و سألته عن الصلاة في جرموق و أتيته بجرموق بعثت به إليه فقال: «يصلّي فيه»(5).

و تستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام.

ص: 498


1- نعل سندية: منسوبة إلي بلاد السند أو الي السندية قرية معروفة من قري بغداد. مجمع البحرين 71:3 «سند».
2- المقنعة: 25، النهاية: 98.
3- المبسوط للطوسي 83:1.
4- الكافي 403:3-28، التهذيب 234:2-920.
5- الكافي 404:3-32، التهذيب 234:2-923.

قال محمد بن إسماعيل: رأيته يصلّي في نعليه لم يخلعهما و أحسبه قال: ركعتي الطواف(1).

و قال معاوية بن عمّار: رأيت الصادق عليه السلام يصلي في نعليه غير مرّة و لم أره ينزعهما قط(2).

و قال الصادق عليه السلام: «إذا صليت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال: ذلك من السنة»(3).

مسألة 134: لا يجوز أن يصلّي الرجل و عليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها،

و كذا النقاب للمرأة إن منعها شيئا من ذلك لما فيه من ترك واجب.

و لو لم يمنع شيئا من الواجبات كره، و لم يحرم، لقول الباقر عليه السلام و قد سأله محمد بن مسلم يصلّي الرجل و هو متلثم: «أمّا علي الأرض فلا، و أمّا علي الدابة فلا بأس»(4).

و سأل سماعة الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و يقرأ بأم القرآن و هو متلثم فقال: «لا بأس»(5). و هو محمول علي ما إذا لم يمنع شيئا من الواجبات.

و كذا قول أحدهما عليهما السلام: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة

ص: 499


1- التهذيب 233:2-915.
2- التهذيب 233:2-916.
3- التهذيب 233:2-917.
4- الكافي 408:3-1، الفقيه 166:1-778، التهذيب 229:2-900، الاستبصار 397:1-1516.
5- التهذيب 229:2-901، الاستبصار 397:1-1517.

و ثوبه علي فيه»(1) لما رواه الحلبي قال: سألت الصادق عليه السلام هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه علي فيه ؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة»(2).

و سأله سماعة عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن و هو متلثم، فقال: «لا بأس به، و إن كشف عن فيه فهو أفضل» قال: و سألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال: «إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل»(3).

البحث الثالث: فيما يكره فيه الصلاة

و هي أشياء:

أ - يكره الثياب السود ما عدا العمامة و الخف، لقول النبي عليه السلام:

(البسوا ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم)(4) و أمره عليه السلام بهذا اللون يدل علي اختصاصه بالفضيلة فيكون أشد الألوان معاندة له و هو السواد مكروها.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يكره السواد إلاّ في ثلاث. العمامة، و الخف، و الكساء»(5).

ص: 500


1- التهذيب 229:2-902، الإستبصار 398:1-1518.
2- الكافي 315:3-15، الفقيه 173:1-818، التهذيب 229:2-903، الاستبصار 398:1-1519.
3- التهذيب 230:2-904.
4- سنن الترمذي 319:3-994، سنن أبي داود 8:4-3878 و 51-4061، مسند أحمد 328:1.
5- الكافي 449:6-1، التهذيب 213:2-835.

ب - يكره للرجل المعصفر و المزعفر لأنّ ابن عمر قال: رأي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عليّ ثوبين معصفرين فقال: (هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)(1) ، و نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله الرجال عن المزعفر(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يكره الصلاة في المشبع بالعصفر و المضرج بالزعفران»(3).

ج - الثوب الأحمر إذا كان مشبعا بالصبغ لقول الصادق عليه السلام:

«يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم»(4) و المفدم بسكون الفاء:

المصبوغ المشبع بالحمرة.

و اختلفت الرواية عن أحمد، و روي عنه الكراهة(5) ، و به قال ابن عمر(6) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مرّ عليه رجل عليه بردان أحمران فسلّم فلم يردّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عليه(7).

و الجواز لقول البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(8).8.

ص: 501


1- صحيح مسلم 1647:3-2077، سنن النسائي 203:8، مسند أحمد 162:2 و 211 و فيها عن عبد اللّه بن عمرو.
2- صحيح البخاري 197:7، سنن أبي داود 80:4-4179، سنن النسائي 189:8، سنن الترمذي 121:5-2815.
3- التهذيب 373:2-1550.
4- الكافي 402:3-22، التهذيب 373:2-1549.
5- المغني 659:1، الشرح الكبير 508:1، الإنصاف 481:1-482، كشاف القناع 284:1.
6- المغني 659:1.
7- سنن الترمذي 116:5-2807، سنن أبي داود 53:4-4069.
8- صحيح مسلم 1818:4-2337، سنن الترمذي 219:4-1724، سنن أبي داود 4: 81-4183، سنن النسائي 133:8.

و كان عليه السلام يخطب إذ رأي الحسن و الحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران، فنزل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(1) و لم ينكر لباسهما ذلك. و الوجه الجواز مع عدم الشبع، و لا يكره شيء من الألوان سوي ما تقدم عملا بالأصل، و روي الجمهور: أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يصبغ ثيابه كلّها حتي عمامته بالصفرة، و لبس عليه السلام بردين أخضرين، و دخل مكة و عليه عمامة سوداء(2).

د - يكره اشتمال الصمّاء إجماعا، و اختلفوا في تفسيره، فقال الشيخ:

هو أن يلتحف بالإزار و يدخل طرفيه من تحت يده و يجمعهما علي منكب واحد كفعل اليهود(3).

لقول الباقر عليه السلام لزرارة: «إياك و التحاف الصمّاء» قلت: و ما التحاف الصمّاء؟ قال: «أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله علي منكب واحد»(4) و روي أبو سعيد أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: نهي عن اشتمال الصماء(5) و هو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن و يردّ طرفه علي الأيسر، و روي ابن مسعود قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يلبس الرجل ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه(6) فتدعي تلك الصماء.8.

ص: 502


1- سنن الترمذي 658:5-3774، سنن ابن ماجة 1190:2-3600، سنن النسائي 3: 108، مسند أحمد 354:5.
2- سنن أبي داود 52:4-4064 و 4065، سنن الترمذي 225:4-1735، سنن النسائي 211:8، سنن ابن ماجة 1186:2-3585.
3- المبسوط للطوسي 83:1.
4- الكافي 394:3-4، الفقيه 168:1-792، التهذيب 214:2-841.
5- صحيح البخاري 102:1، سنن النسائي 210:8، سنن أبي داود 54:4-4076، سنن ابن ماجة 1179:2-3559-3561، مسند أحمد 6:3.
6- المغني 658:1، و انظر سنن البيهقي 236:2 و 238.

و قال بعض الشافعية: هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره فتبدو عورته(1).

و قال أبو عبيد: اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوب يجلّل به جسده كلّه و لا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنه يذهب به الي أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراز منه فلا يقدر عليه(2).

و تفسير الفقهاء: أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه علي منكبه فربما بدئ منه فرجه. و الفقهاء أعرف بالتأويل لما ورد عن الأئمة عليهم السلام، و هل يكره اشتمال الصماء لمن عليه ثوب ؟ يحتمل ذلك، لعموم النهي، و به قال أحمد(3).

ه - قيل: يكره السدل و هو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين و لا يرد أحد طرفيه علي الكتف الأخري و لا يضم طرفيه بيده - و به قال ابن مسعود، و مجاهد، و عطاء، و النخعي، و الثوري، و الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن السدل في الصلاة(5).

و رخص فيه جابر، و ابن عمر، و فعله الحسن، و ابن سيرين، و مكحول، و الزهري، و عبد اللّه بن الحسن(6) ، قال ابن المنذر: لا أعلم8.

ص: 503


1- المغني 658:1، الشرح الكبير 504:1.
2- المغني 658:1، الشرح الكبير 504:1.
3- الشرح الكبير 504:1، الإنصاف 470:1، المحرر في الفقه 77:1-78.
4- المجموع 177:3 و 178، المهذب للشيرازي 72:1، المغني 658:1، الشرح الكبير 504:1، نيل الأوطار 68:2.
5- سنن أبي داود 174:1-643، سنن الترمذي 217:2-378، مسند أحمد 295:2 و 341 و 345.
6- المجموع 177:3 و 178، المغني 658:1، الشرح الكبير 504:1، نيل الأوطار 2: 68.

فيه حديثا يثبت(1).

و - يكره أن يأتزر فوق القميص لما فيه من التشبّه بأهل الكتاب و قد نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن التشبه بهم(2) لقول الصادق عليه السلام: «لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص إذا صلّيت، فإنه من زيّ الجاهلية»(3).

و ليس بمحرم، لأن موسي بن عمر بن بزيع قال للرضا عليه السلام: أشد الإزار و المنديل فوق قميصي في الصلاة ؟ فقال: «لا بأس به»(4).

و استحبه أحمد(5) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا يصلّي أحدكم إلاّ و هو محتزم)(6) و هو كناية عن شد الوسط، و لا بأس أن يكون تحت القميص إجماعا.

ز - يكره أن يؤم بغير رداء، و هو الثوب الذي يجعل علي المنكبين، لأن سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء فقال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها»(7).1.

ص: 504


1- المجموع 178:3، المغني 658:1، الشرح الكبير 504:1.
2- انظر علي سبيل المثال سنن أبي داود 172:1-635 و كنز العمال 653:6-17222 و 17223.
3- الكافي 395:3-7، التهذيب 214:2-840، الاستبصار 388:1-1473.
4- الفقيه 166:1-780، التهذيب 214:2-842، الإستبصار 388:1-1475.
5- المغني 659:1، الشرح الكبير 505:1، و فيهما: لا بأس.
6- مسند أحمد 458:2.
7- الكافي 394:3-3، التهذيب 366:2-1521.

ح - يكره استصحاب الحديد ظاهرا، و لو كان مستورا جاز من غير كراهة، روي موسي بن أكيل عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل في السفر تكون معه السكين في خفّه لا يستغني عنه، أو في سراويله مشدودا، و المفتاح يخشي الضياع قال: «لا بأس بالسكين، و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، و لا بأس بالسيف، و كل آلة السلاح في الحرب، و في غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد فإنه نجس مسخ»(1). و الرواية ضعيفة و تحمل علي الكراهة في موضع الاتفاق و هو البروز.

و عن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يصلّي الرجل و في يده خاتم حديد»(2).

ط - تكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه فيه إما بعد التوقي من النجاسة أو بالغصب، و شبهه، و ليس بمحرّم عملا بالأصل.

ي - تكره في ثوب فيه تماثيل أو صور، و للشيخ قول: إنه لا يجوز(3) ، و للحنابلة قولان: التحريم أحدهما(4) لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا صورة)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إن جبرئيل أتاني فقال: إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه2.

ص: 505


1- الكافي 400:3-13، التهذيب 227:2-894.
2- الكافي 404:3-35، الفقيه 163:1-771، التهذيب 227:2-895، علل الشرائع: 348 باب 57، الحديث 2.
3- المبسوط للطوسي 84:1.
4- المغني 663:1، الشرح الكبير 505:1، الإنصاف 473:1.
5- صحيح البخاري 138:4، صحيح مسلم 1665:3-2106، سنن أبي داود 72:4 - 4152، سنن النسائي 141:1، الموطأ 966:2.

كلب و لا تمثال جسد»(1) و نفور الملائكة يدل علي الكراهة، أما التحريم فلا.

و في رواية عمار عن الصادق عليه السلام في الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أ يصلّي فيه ؟ قال: «لا»(2).

و الأصل الإباحة فيحمل ما تقدم علي الكراهة، و لأنه مباح افتراشه و الاتكاء عليه فكذا إذا كان ملبوسا.

يا - يكره التصليب في الثوب، لأن عائشة قالت: إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه(3) ، يعني قطعه، و لما فيه من التشبه بالنصاري.

يب - يكره الصلاة في خاتم فيه صورة، لقول الصادق عليه السلام في الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال: «لا تجوز الصلاة فيه»(4).

يج - يكره للمرأة الصلاة في خلخال له صوت لاشتغالها به.

يد - يكره في عمامة لا حنك لها، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الاقتعاط، و أمر بالتلحي(5) ، و الاقتعاط هو أن لا يدير العمامة تحت ذقنه.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه»(6).7.

ص: 506


1- الكافي 393:3-27، التهذيب 377:2-1570، المحاسن: 615-39.
2- الفقيه 165:1-776، التهذيب 372:2-1548.
3- سنن أبي داود 72:4-4151، مسند أحمد 237:6.
4- الفقيه 166:1-776، التهذيب 372:2-1548.
5- الفائق للزمخشري 310:3، غريب الحديث للهروي 431:1.
6- الكافي 461:6-7، الفقيه 173:1-814، التهذيب 215:2-847.

يه - تكره الصلاة في القباء المشدود في غير الحرب، قال الشيخ ذكره علي بن الحسين بن بابويه، و سمعناه من الشيوخ مذاكرة، و لم أجد به خبرا مسندا(1).

يو - منع الشيخ من أن يصلّي الرجل و هو معقوص الشعر(2) ، و هو جمعه في وسط الرأس و شده - و لم يعتبر أحد من فقهاء الجمهور ذلك - و الوجه الكراهة، و به قال أبو حنيفة(3) عملا بالأصل الدال علي نفي التحريم.

و احتجاج الشيخ برواية مصادف عن الصادق عليه السلام في رجل صلّي صلاة فريضة و هو معقص الشعر، قال: «يعيد صلاته»(4) ضعيف لضعف مصادف، و لا بأس به للنساء إجماعا، و لو منع السجود بأن وضع علي الجبهة لم يجز للرجل و لا للمرأة.

خاتمة: تشتمل علي فوائد:

أ - لو كان بين يديه وسادة و عليها تمثال طرح عليها ثوبا و صلّي، لقول الصادق عليه السلام: «ربما قمت فأصلّي و بين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا»(5).

و سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام أصلّي و التماثيل قدامي و أنا أنظر إليها؟ قال: «لا، اطرح عليها ثوبا، و لا بأس بها إذا كانت عن يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت رجلك، أو فوق رأسك، و إن

ص: 507


1- التهذيب 232:2 ذيل الحديث 913.
2- الخلاف 510:1 مسألة 255.
3- اللباب 84:1، الهداية للمرغيناني 64:1.
4- الكافي 409:3-5، التهذيب 232:2-914.
5- التهذيب 226:2-892.

كانت في القبلة فألق عليها ثوبا و صلّ»(1). و ظاهر هذه الرواية يشعر تعليل المنع بالاشتغال بالنظر إليها.

ب - يجوز أن يصلّي الرجل و المرأة و هما مختضبان، أو عليهما خرقة الخضاب مع الطهارة للأصل.

و لأن رفاعة سأل أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود و القراءة أيضا أ يصلّي في حنائه ؟ قال: «نعم إذا كانت خرقته طاهرة و كان متوضئا»(2).

و الأفضل نزع ذلك، لأنّ أبا بكر الحضرمي سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و عليه خضابه فقال: «لا يصلّي و هو عليه و لكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي» قلت: إنّ حناءه و خرقته نظيفة فقال: «لا يصلّي و هو عليه، و المرأة لا تصلّي و عليها خضابها»(3).

ج - لا بأس أن يصلّي الإنسان و يده تحت ثيابه، و إن أخرجها كان أفضل، لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه من ثوبه فقال: «إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس»(4).

د - لا ينبغي أن يصلّي الرجل محلول الإزار إذا لم يكن عليه إزار لئلاّ تبدو عورته لقول الباقر عليه السلام: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار»(5).5.

ص: 508


1- التهذيب 370:2-1541، الاستبصار 394:1-1502.
2- الفقيه 173:1-819، التهذيب 356:2-1470، الإستبصار 391:1-1487.
3- الكافي 408:3-2، التهذيب 355:2-1469، الاستبصار 390:1-1486.
4- الفقيه 174:1-822، التهذيب 356:2-1474، الاستبصار 391:1-1491.
5- التهذيب 357:2-1476، الاستبصار 392:1-1495.

ه - لو استعار ثوبا و صلّي فيه ثم أخبره المالك بنجاسته لم تجب عليه الإعادة، خصوصا إذا خرج الوقت عملا بالأصل، و لأن قول الغير لا يقبل في حقه.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العيص في الصحيح عن رجل صلّي في ثوب رجل أياما ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه قال:

«لا يعيد شيئا من صلاته»(1).

و - روي محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يري في ثوب أخيه دما و هو يصلّي قال: «لا يؤذنه(2) حتي ينصرف»(3).

ز - روي عبد اللّه بن سنان في الصحيح قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلّي ؟ فقال الصادق عليه السلام:

«صلّ فيه، و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتي تستيقن أنّه نجسه»(4).

ح - روي يونس بن يعقوب قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و عليه البرطلّة فقال: «لا يضره»(5).

ط - روي محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال:1.

ص: 509


1- الكافي 404:3-1، التهذيب 360:2-1490، الإستبصار 180:1-631.
2- في نسخة (م) و بعض المصادر: لا يؤذيه.
3- الكافي 406:3-8، التهذيب 361:2-1493.
4- التهذيب 361:2-1495، الاستبصار 392:1-1497.
5- الفقيه 172:1-813، التهذيب 362:2-1051.

«لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه»(1).

و عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في الصحيح قال: «لا بأس أن تصلّي علي كلّ التماثيل إذا جعلتها تحتك»(2).

ي - يجوز أن يصلّي الرجل في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة لعدم المانع، و لرواية العيص الصحيحة عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي في ثوب المرأة في إزارها و يعتم بخمارها، قال: «نعم، إذا كانت مأمونة»(3).

يا - روي الحلبي قال: سألته عن لبس الخز فقال: «لا بأس به إنّ علي ابن الحسين عليهما السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدق بثمنه، و كان يقول: إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه»(4).

يب - روي عن علي عليه السلام قال: «لا تصلّي المرأة عطلا»(5).

يج - سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي علي الرف المعلّق بين نخلتين ؟ قال: «إن كان مستويا يقدر علي الصلاة عليه فلا بأس» و عن فراش حرير و مثله من الديباج، و مصلّي حرير و مثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه و التكاءة و الصلاة ؟ قال: «يفرشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه»(6).6.

ص: 510


1- التهذيب 363:2-1503.
2- الفقيه 158:1-740، التهذيب 363:2-1505.
3- الكافي 402:3-19، الفقيه 166:1-781، التهذيب 364:2-1511.
4- التهذيب 369:2-1534.
5- التهذيب 371:2-1543.
6- الكافي 477:6-8، التهذيب 373:2-1553، قرب الإسناد: 86.

المجلد 3

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثالث

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

تتمة كتاب الصلاة

تتمة المقصد الأول
الفصل الخامس: في القبلة
اشارة

و مباحثه ثلاثة:

الأول: الماهيّة.
مسألة 135: القبلة كانت أوّلا بيت المقدس،

و كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يحبّ التوجّه إلي الكعبة؛ لأنّها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، و كان بمكة يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس، و يتوجّه إليهما، فلمّا انتقل إلي المدينة، تعذّر ذلك، فبقي سبعة عشر شهرا يصلّي إلي بيت المقدس خاصة، فدعا اللّه أن يحوّل قبلته إلي الكعبة، و كان يقلّب وجهه إلي السماء، و ينتظر الوحي فأنزل اللّه تعالي قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها (1) الآية.

و كان الناس بقبا في صلاة الصبح، فأتاهم آت، فقال: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد انزل عليه الليلة قرآن، و قد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها و كانت وجوههم إلي الشام، فاستداروا إلي الكعبة(2).

ص: 5


1- البقرة: 144.
2- صحيح البخاري 111:1، صحيح مسلم 375:1-526، سنن النسائي 244:1-245 و 61:2، سنن الدارمي 281:1، الموطّأ 195:1-6، مسند أحمد 16:2 و 113.
مسألة 136: القبلة هي الكعبة

مع المشاهدة إجماعا لقوله تعالي:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و لإجماع العلماء عليه.

و روي أسامة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّي قبل الكعبة و قال:

(هذه القبلة)(2).

و من كان في حكم المشاهد يجري مجراه كالكائن بمكة و بينه و بين الكعبة حائل لتمكّنه من العلم، و كذا الأعمي بمكة، و كذا المصلّي بالمدينة يجعل محراب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قبلته من غير اجتهاد؛ لعدم الخطأ في حقه عليه السلام.

و أمّا من بعد فالواجب عليه الاستقبال الي جهتها، قاله المرتضي(3) ، و أبو حنيفة، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(4) ، لقوله تعالي وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (5) للإجماع علي الاستقبال إلي الكعبة، و لحديث أسامة(6).

و من طريق الخاصة ما روي عن أحدهما عليهما السلام أنّ بني

ص: 6


1- البقرة: 144.
2- صحيح مسلم 968:2-1330، سنن النسائي 220:5، سنن البيهقي 9:2 مسند أحمد 201:5.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 29:3.
4- فتح العزيز 242:3، المهذب للشيرازي 74:1، تفسير الرازي 128:4، الام 1: 94، اللباب 63:1 و 64، بدائع الصنائع 118:1، المغني 491:1، الشرح الكبير 519:1، المحرر في الفقه 51:1 و 52، بداية المجتهد 111:1-112، نيل الأوطار 179:2 و 180.
5- البقرة: 144.
6- صحيح مسلم 968:2-1330، سنن النسائي 220:5، سنن البيهقي 9:2، مسند أحمد 201:5.

عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين الي بيت المقدس فقيل لهم: إن نبيكم قد صرف إلي الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلي الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلي قبلتين، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين(1). و ليقين البراءة بالتوجه نحوه.

إذا ثبت هذا فالجهة يريد بها هنا ما يظن أنه الكعبة، حتي لو ظن خروجه عنها لم تصح.

و قال أبو حنيفة: المشرق قبلة لأهل المغرب و بالعكس، و الجنوب قبلة لأهل الشام و بالعكس(2). و هو غلط.

و قال الشافعي في الآخر: الواجب التوجه الي عين الكعبة للقريب و البعيد - و به قال الجرجاني من الحنفية(3) - لقوله تعالي وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (4) يعني نحوه.

و هو غلط؛ لاستلزامه التكليف بالمحال إذ مع البعد يمتنع التوجه إلي عين الكعبة مع صغر حجمها، و ظهور التفاوت الكثير مع يسير الانحراف، و قد أجمعنا علي صحة صلاة الصف الطويل علي خط مستو مع العلم بأن المتوجه إلي الكعبة من كان بقدرها.

و قال الشيخ رحمه اللّه - و به قال مالك(5) -: الكعبة قبلة لمن كان في4.

ص: 7


1- التهذيب 44:2-138.
2- فتح العزيز 242:3.
3- المجموع 207:3 و 208، فتح العزيز 242:3، شرح فتح القدير 235:1، الكفاية 235:1، شرح العناية 235:1، عمدة القارئ 126:4، المغني 491:1 - 492 و 519، نيل الأوطار 180:2.
4- البقرة: 144.
5- فتح العزيز 243:3، تفسير الرازي 127:4.

المسجد الحرام، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم قبلة لمن نأي عنه من أهل الدنيا(1) ؛ لما روي مكحول عن عبد اللّه بن عبد الرحمن قال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة لأهل الآفاق)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه تعالي جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا»(3).

و لأنّ البعد يستلزم خروج المصلين عن التوجه، لصغر الكعبة بخلاف الحرم المتطاول، و الروايات ممنوعة لعدم الوثوق بالرواة، و الخروج آت في الحرم. فإن أجاب بطلب الجهة فهو جوابنا.

مسألة 137: و لا فرق بين المصلي فوق الكعبة و غيره في وجوب التوجه إليها

- عند أكثر العلماء(4) - لعموم الأمر.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول بأنه يستلقي علي قفاه و يصلّي الي البيت المعمور - و هو في السماء الرابعة بحذاء الكعبة يسمي بالضراح - بالإيماء(5) ، لما رواه عبد السلام عن الرضا عليه السلام قال في الذي تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة فقال: «إن قام لم يكن له قبلة، و لكن يستلقي علي قفاه و يفتح عينيه الي السماء - و يعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور - و يقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح

ص: 8


1- الخلاف 295:1 مسألة 41، النهاية: 62-63.
2- سنن البيهقي 10:2 عن ابن عباس.
3- الفقيه 177:1-841، التهذيب 44:2-139.
4- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 85:1، و ابن إدريس في السرائر: 58، و المحقق في المعتبر: 144.
5- الخلاف 441:1 مسألة 188.

عينيه، و السجود علي نحو ذلك»(1).

و لم يثبت صحة السند فلا يعوّل عليه مع منافاته للأصل و هو ترك القيام الذي هو ركن و الاستقبال.

إذا ثبت هذا فإنه يجب عليه أن يبرز بين يديه شيئا منها و إن قلّ، و به قال أبو حنيفة(2).

مسألة 138: قال الشيخ: يستحب لأهل العراق و من والاهم التياسر قليلا

الي يسار المصلّي(3) - و هو بناء علي مذهبه من أن التوجه الي الحرم - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الي اليسار؟ فقال: «لأنّ للكعبة ستة حدود: أربعة منها علي يسارك و اثنان منها علي يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف علي اليسار»(4). و سأل المفضل ابن عمر الصادق عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة، و عن السبب فيه فقال: «إن الحجر الأسود لما نزل به من الجنّة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، و عن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم، و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة»(5). و الروايتان مرسلتان مع ضعف المفضل.

ص: 9


1- الكافي 392:3-21، التهذيب 376:2-1566.
2- المجموع 198:3-199، فتح العزيز 220:3-221.
3- النهاية: 63، المبسوط للطوسي 78:1، الخلاف 297:1 مسألة 42 ظاهر عبارة الشيخ فيها الوجوب لا الاستحباب فلاحظ.
4- الكافي 487:3-6، التهذيب 44:2-141.
5- الفقيه 178:1-842، التهذيب 44:2-142، علل الشرائع: 318 باب 3 الحديث 1.
مسألة 139: المصلّي جوف الكعبة يستقبل أيّ جدرانها شاء،
اشارة

و صلاته صحيحة فريضة كانت أو نافلة عند أكثر علمائنا(1) - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(2) - خلافا للشيخ في بعض أقواله(3) ، و لمالك، و أحمد(4) ، و قد سلف تحقيقه، و كلّ من قال بصحة الصلاة سوغ استقبال أي الجدران شاء.

و لا فرق بين أن يصلّي الي الباب أو غيره (و سواء كان الباب مفتوحا أو لا، و سواء كانت له عتبة مرتفعة أو لا)(5) و سواء نصب بين يديه شيئا أو لا، عند علمائنا، خلافا للشافعي(6) و قد سبق.

فروع:
أ - المصلّي خارج الكعبة و هو مشاهد لها يستقبل أي جدرانها شاء،

و كذا لو كان في حكم المشاهد. و لو تعددوا و أرادوا الاجتماع ففي صلاتهم مستديرين حولها إشكال، و لا إشكال لو كانوا منفردين.

ب - لو انهدمت الكعبة - و العياذ باللّه - صحت صلاته

خارج العرصة متوجها إليها للامتثال، و لو وقف فيها وجب أن يبرز بين يديه بعضها، و لا

ص: 10


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 86:1، و ابن إدريس في السرائر: 57، و المحقق في المعتبر: 144.
2- الام 98:1، المجموع 195:3، فتح العزيز 220:3، الوجيز 38:1، المهذب للشيرازي 74:1، اللباب 135:1، السراج الوهاج: 40، المبسوط للسرخسي 2: 79، بدائع الصنائع 121:1.
3- الخلاف 439:1 مسألة 186.
4- المدونة الكبري 91:1، الشرح الصغير 108:1-109، الإنصاف 496:1، المجموع 195:3، فتح العزيز 220:3، المبسوط للسرخسي 79:2، بدائع الصنائع 1: 121.
5- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (ش).
6- الأم 98:1، المجموع 195:1، فتح العزيز 220:3، الوجيز 38:1.

يجب نصب شيء يصلّي إليه، خلافا للشافعي(1).

ج - المصلّي علي جبل أبي قبيس يستقبل هواء البيت،

و كذا كلّ موضع أرفع من الكعبة.

د - يجب أن يستقبل الكعبة بجميع بدنه

فلو وقف علي طرف من أطراف البيت و بعض بدنه خارج عن المحاذاة لم تصح صلاته، و هو أظهر وجهي الشافعي لصحة نفي الاستقبال، و إنّما استقبل بعض الكعبة، و الآخر: يصح لحصول التوجه بالوجه(2).

ه - الاجتزاء بالجهة في حق البعيد،

أمّا القريب فلا بدّ له من التوجه الي عين الكعبة - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالي فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4) و قال أبو حنيفة: الجهة كافية في القريب و البعيد(5).

فلو استطال صف المأمومين حتي خرج بعضهم عن المحاذاة بطلت صلاة الخارج عندنا - خلافا لأبي حنيفة(6) - و لو تراخي الصف الطويل و وقفوا آخر المسجد صحت صلاة المتوجه دون الخارج، و جوّزه هنا الشافعي، لأنهم مع البعد يعدّون مستقبلين(7).

و - المصلّي بمكة خارج المسجد إن كان يعاين الكعبة توجه إليها،

فلو سوّي محرابه بناء علي المعاينة صلّي إليه أبدا، و إن كان يصلّي حيث لا

ص: 11


1- المجموع 198:3-199، فتح العزيز 220:3-221، الوجيز 38:1، المهذب للشيرازي 74:1.
2- المجموع 192:3، فتح العزيز 222:3، الوجيز 38:1.
3- المجموع 192:3، فتح العزيز 222:3، المهذب للشيرازي 74:1.
4- البقرة: 144.
5- شرح فتح القدير 235:1، اللباب 63:1، فتح العزيز 222:3.
6- فتح العزيز 222:3.
7- فتح العزيز 223:3، الوجيز 38:1.

يمكنه المعاينة وجب أن يصعد علي سطح داره إن كان بحيث يشاهد الكعبة، و يستدل علي القبلة إن لم يتمكن.

مسألة 140: كلّ إقليم يتوجهون الي سمت الركن الذي يحاذيهم

و يقابلهم، و قد وضع الشارع لهم علامات يستدل بها علي القبلة فالعراقي - و هو الذي فيه الحجر - لأهل العراق و من والاهم. و أهل الشام يتوجهون الي الركن الشامي. و أهل الغرب إلي الغربي. و أهل اليمن إلي اليماني.

و علامة أهل العراق جعل الجدي خلف منكبه الأيمن، و الفجر موازيا لمنكبه الأيسر، و الشفق لمنكبه الأيمن، و عين الشمس عند الزوال علي طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.

و علامة الشام جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الاذن اليمني، و الجدي خلف الكتف اليسري إذا طلع، و مغيب سهيل علي العين اليمني، و طلوعه بين العينين، و الصبا علي الخدّ الأيسر، و الشمال علي الكتف الأيمن.

و علامة المغرب جعل الثريا علي اليمين، و العيوق علي اليسار، و الجدي علي صفحة الخد الأيسر.

و علامة اليمن جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين، و سهيل وقت غيبوبته بين الكتفين، و الجنوب علي مرجع الكتف الأيمن. و أوثق أدلتها النجوم قال اللّه تعالي وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (1) و لإمكان ضبطه بخلاف غيره.

و آكدها القطب الشمالي، و هو نجم خفيّ حوله أنجم دائرة في أحد

ص: 12


1- النحل: 16.

طرفها الفرقدان، و في الآخر الجدي، و بين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق و ثلاثة من أسفل، يدور حول القطب في كلّ يوم و ليلة دورة واحدة، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.

و يمكن الاستدلال بها علي ساعات الليل و الأزمنة لمن عرفها و عرف كيفية دورانها و حولها مما يلي الفرقدين بنات النعش تدور حولها، و القطب لا يتغير عن مكانه إلاّ يسيرا لا يبين عند الحس، و هو نجم خفي يراه حديد النظر، إذا استدبر في الأرض الشامية كان مستقبلا للقبلة، و ينحرف في دمشق و ما قاربها الي الشرق قليلا، و كلّما قرب الي المغرب كان انحرافه أكثر.

و إن كان بحرّان و ما يقاربها اعتدل، و جعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف، و في العراق يجعله بحذاء ظهر أذنه اليمني علي علوّها فيكون مستقبلا باب الكعبة إلي المقام.

و الشمس تطلع في المشرق، و تغرب في المغرب، و تختلف مطالعها و مغاربها علي حسب اختلاف منازلها، و تكون في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلّي، و في الصيف محاذية لقبلته.

و القمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلّي ثم يتأخر كلّ ليلة نحو المشرق منزلا حتي يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلّي أو مائلا عنها يسيرا، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما، و ليلة احدي و عشرين يكون في قبلة المصلّي أو قريبا منها وقت الفجر.

و منازل الشمس و القمر ثمانية و عشرون و هي: الشرطين، و البطين، و الثريا، و الدبران، و الهقعة، و الهنعة، و الذراع، و النثرة، و الطرف، و الجبهة، و الزبرة، و الصرفة، و العوّا، و السماك، و الغفر، و الزبانا،

ص: 13

و الإكليل، و القلب، و الشولة، و النعايم، و البلدة، و سعد الذابح، و سعد بلع، و سعد السعود، و سعد الأخبية، و الفرع المقدم، و الفرع المؤخر، و بطن الحوت.

منها أربعة عشر دائما فوق الأرض، و مثلها تحتها، فأربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة عنه الي الشمال قليلا، أولها الشرطين و آخرها السماك، و أربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة الي التيامن، أولها الغفر و آخرها بطن الحوت.

و لكلّ نجم من الشامية رقيب من اليمانية و إذا طلع أحدها غاب رقيبه، فالقمر ينزل كلّ ليلة بمنزل منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلي المنزل الذي يليه، و الشمس تنزل بكل منزل منها ثلاثة عشر يوما فيكون عودها الي المنزل الذي نزلت به عند تمام حول كامل من أحوال السنة الشمسية.

و هذه المنازل يكون منها فيما بين غروب الشمس و طلوعها أربعة عشر منزلا، و من طلوعها الي غروبها مثل ذلك، و وقت الفجر منها منزلان، و وقت المغرب منزل، و سواد الليل اثنا عشر منزلا، و كلّها تطلع من المشرق و تغرب في المغرب إلاّ أنّ أول الشامية و آخر اليمانية تطلع من وسط المشرق بحيث إذا جعل الطالع منها محاذيا لكتفه الأيسر كان مستقبلا للكعبة.

و أمّا الرياح فكثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء:

فالجنوب: تهب من الزاوية التي بين القبلة و المشرق، مستقبلة بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه إلي يمينه.

و الشمال: مقابلها تهب من الزاوية التي بين المغرب و الشمال، مارة إلي مهب الجنوب.

و الدبور: تهب من الزاوية التي من المغرب و اليمين مستقبلة شطر وجه

ص: 14

المصلي الأيمن، مارة إلي الزاوية المقابلة لها.

و الصبا: مقابلها تهب من ظهر المصلّي.

و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن القبلة، قال: «ضع الجدي في قفاك و صلّ»(1).

البحث الثاني: فيما يستقبل له
مسألة 141: يجب الاستقبال في فرائض الصلوات

إجماعا مع التمكن فلو صلّي فريضة غير مستقبل مع قدرته بطلت صلاته، أمّا النافلة في الحضر و القدرة فالأقرب وجوب الاستقبال فيها أيضا - و به قال الشافعي(2) - لمداومة النبي و أهل بيته عليهم السلام علي ذلك.

و قال أبو سعيد من الشافعية: يجوز ترك الاستقبال بالنافلة حضرا، لأنّه يجوز في السفر لمصلّي النافلة، و هذا موجود في الحضر(3). و هو خطأ؛ لمداومة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله علي الاستقبال، و الفرق ظاهر بين الحضر و السفر، فإن الحضر الغالب فيه الكف، و الغالب في السفر السير.

و لا فرق بين جميع الفرائض كقضاء الواجب، و صلاة النذر، و الطواف، و الكسوف، و الجنائز.

و أما سجود التلاوة، و سجود الشكر فلا يجب فيه الاستقبال عملا بالأصل، و أوجبه الشافعي(4).

و يجب عندنا الاستقبال بالذبيحة عند الذبح، و بالميت عند احتضاره،

ص: 15


1- التهذيب 45:2-143.
2- المجموع 239:3، فتح العزيز 212:3.
3- المجموع 239:3، فتح العزيز 212:3.
4- الام 93:1، المجموع 63:4 و 68.

و تغسيله، و الصلاة عليه، و دفنه علي ما تقدم البحث فيه، خلافا للشافعي(1).

و يستحب للجلوس للقضاء و الدعاء.

مسألة 142: لا تجوز الصلاة الفريضة علي الراحلة اختيارا؛

لاختلال أمر الاستقبال بلا خلاف.

و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام يصلّي الرجل شيئا من الفرائض راكبا من غير ضرورة ؟ فقال: «لا»(2).

و إن تمكن من استيفاء الأفعال علي إشكال ينشأ من الإتيان بالمأمور به فيخرج عن العهدة. و المنع للاختلال منتف لانتفاء سببه، و من عموم النهي علي الراحلة(3).

و كذا لا تجوز صلاة الجنائز علي الراحلة؛ لأنّ الركن الأعظم فيها القيام، و الأقرب صحة الصلاة علي بعير معقول، و أرجوحة معلّقة بالحبال، و قد سبق.

و لا تصلّي المنذورة علي الراحلة لأنّها فرض عندنا، و للشافعي وجهان مبنيان علي أنّ المنذورة يسلك بها مسلك الواجبات أو يحمل علي أقل ما يتقرب به(4).

و عن أبي حنيفة: أن الصلاة التي نذرها علي وجه الأرض لا تؤدي علي الراحلة، و التي نذرها و هو راكب تؤدّي عليها(5). و ليس بشيء.

ص: 16


1- المجموع 116:5 و 86:9، الوجيز 212:2.
2- التهذيب 308:3-954.
3- التهذيب 308:3-954.
4- فتح العزيز 208:3، الوجيز 37:1.
5- فتح العزيز 208:3.

و لا بأس بالصلاة في السفينة واقفة كانت أو سائرة.

مسألة 143: يسقط فرض الاستقبال حالة الخوف في الفرائض و النوافل
اشارة

إجماعا لعدم التمكن، و لقوله تعالي فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (1) و قال عليه السلام: (إن كان الخوف أشد فصلّوا مستقبليها و مستدبريها)(2) و سيأتي.

و لا يختص الخوف بالقتال بل لو انكسرت السفينة و بقي علي لوح منها و خاف الغرق لو ثبت متوجها الي القبلة يجوز له ترك الاستقبال. و لا يرخص مطلق القتال بل السائغ.

و كذا يسقط في النوافل سفرا - للراكب و الماشي - و حضرا.

و يجوز التنفل علي الراحلة في السفر الطويل إجماعا حيث توجهت به لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يصلّي علي راحلته في السفر حيث توجهت به(3) ، و لتمكن صاحب الأوراد من أوراده مع كفاية مصالح السفر.

فروع:
أ - لا يجب حالة القتال الاستقبال في الفريضة

سفرا، و حضرا، راكبا كان أو راجلا - و به قال الشافعي(4) - لقوله تعالي:

ص: 17


1- البقرة: 115.
2- صحيح البخاري 38:6، سنن البيهقي 8:2 و روي عن ابن عمر.
3- أمالي الطوسي 13:2، قرب الإسناد: 10، تفسير العياشي 57:1-82.
4- الام 222:1، المجموع 231:3 و 425:4-426، مختصر المزني: 13، كفاية الأخيار 91:1، السراج الوهاج: 93، الوجيز 68:1.

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (1) قال ابن عمر: مستقبل القبلة و غير مستقبلها(2). و قال أبو حنيفة:

يجوز للراكب ترك الاستقبال حالة القتال، أمّا الراجل فلا(3).

ب - يجوز للمريض الصلاة علي الراحلة للضرورة،

الدالّ عليها فحوي قوله تعالي فَإِنْ خِفْتُمْ (4) و قول الصادق عليه السلام: «لا يصلّي علي الدابة إلاّ مريض»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الفريضة في المحمل في يوم وحل و مطر»(6).

و لا تجب عليه الإعادة عندنا؛ لأنه فعل المأمور به، و كذا لو صلّي علي لوح و لم يتمكن من الاستقبال.

و قال الشافعي: يعيد، لأنه ترك القبلة لعذر نادر لا يدوم(7). و ليس بجيد؛ للامتثال فيخرج عن العهدة.

و كذا المريض العاجز عن الحركة إذا لم يجد من يصرف وجهه إلي القبلة يصلّي علي حسب حاله و لا إعادة عليه عندنا، خلافا للشافعي(8).

ج - يجوز التنفل ماشيا

لاشتماله علي المصلحة الناشئة من مداومة

ص: 18


1- البقرة: 239.
2- الأم 96:1 و 222، المجموع 231:3، مغني المحتاج 142:1، أحكام القرآن للكيا الهراسي 218:1.
3- بدائع الصنائع 245:1.
4- البقرة: 239.
5- التهذيب 308:3-952.
6- التهذيب 232:3-602.
7- المجموع 243:3.
8- المجموع 243:3.

الطاعة، و استيفاء وجوه الانتفاع - و به قال الشافعي(1) - لأنه أحد اليسيرين، فأشبه الراكب، و لقوله تعالي فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2) قال الصادق عليه السلام: «إنها نزلت في النافلة»(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز ماشيا لأنه عمل كثير(4) و الضرورة سوّغته.

د - الراكب في النافلة يتوجه الي حيث توجهت دابته،

لأن عليا عليه السلام كان يوتر علي راحلته، و كذا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(5) ، و لا يجب عليه الاستقبال إلي القبلة دفعا للحرج و لا في أول الصلاة.

أمّا الفريضة إذا اضطر إلي الصلاة علي الراحلة وجب عليه أن يستقبل ما أمكن، فإن تعذر و قدر علي الاستقبال في تكبيرة الإحرام وجب و إلاّ فلا.

ه - يجوز التنفل علي الراحلة في السفر

- طويله و قصيره - و هو أظهر قولي الشافعي للمقتضي في الطويل، و له قول: إنّه لا يتنفل علي الراحلة في السفر القصير، و هو الذي لا تقصر في مثله الصلاة - و به قال مالك(6) - لأنّها رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصر و المسح.

و أمّا الحضر فالأقرب جواز الصلاة نفلا فيه راكبا، و به قال أبو سعيد من

ص: 19


1- الام 97:1، المجموع 237:3، فتح العزيز 211:3، كفاية الأخيار 62:1.
2- البقرة: 115.
3- تفسير العياشي 56:1-57-81 و 82 و انظر النهاية للشيخ الطوسي: 64.
4- المجموع 237:3، فتح العزيز 211:3.
5- قرب الإسناد: 54، و انظر صحيح البخاري 110:1، و سنن النسائي 243:1.
6- الام 97:1، مختصر المزني: 13، المجموع 234:3، مغني المحتاج 142:1، المهذب للشيرازي 76:1، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 62:1، القوانين الفقهية: 60، المنتقي للباجي 269:1، المغني 485:1.

الشافعية، خلافا للباقين(1).

و - المتنفل في السفر ماشيا لا يجب عليه الاستقبال

كالراكب، و قال الشافعي: يجب في ثلاثة مواضع: حالة تكبيرة الافتتاح، و ركوعه، و سجوده(2). و إن كان راكبا في كنيسة(3) واسعة جاز أن يصلّي الي غير القبلة للعذر، خلافا للشافعي(4).

و إن كانت ضيقة، أو علي قتب، أو سرج، أو ظهر فإن كانت واقفة مقطرة صلّي الي حيث ما توجهت لتعذر إدارتها إلي القبلة، و إن كانت مفردة فكذلك، خلافا للشافعي(5).

و إن كانت سائرة مقطرة افتتح إلي جهة سيره، و إن كانت مفردة صعبة لم يلزمه إدارتها للمشقة، و كذا إن كانت سهلة، و للشافعي وجهان(6).

و إن دخل بلد إقامته جاز أن يتنفل علي الراحلة - خلافا للشافعي(7) - و كذا إن كان مجتازا.

ز - لو صرف وجه الدابة عن الطريق عامدا فالأقرب عدم البطلان،

و قال الشافعي: يبطل(8). و إن أخطأ فصرفه الي غير الطريق ظنّا أنه الطريق أو غلطت الدابة فالصلاة صحيحة و إن لم يكن وجهه إلي القبلة، و قال

ص: 20


1- المجموع 239:3، فتح العزيز 212:3، المهذب للشيرازي 76:1.
2- الام 97:1، المجموع 237:3، المغني 488:1.
3- الكنيسة: هي شيء يغرز في المحمل أو الرحل و يلقي عليه ثوب يستظل به الراكب و يستتر به. مجمع البحرين 100:4 «كنس».
4- المجموع 232:3، مغني المحتاج 142:1.
5- المجموع 234:3، مغني المحتاج 143:1.
6- المجموع 234:3 و 235، مغني المحتاج 143:1.
7- المجموع 238:3، كفاية الأخيار 62:1-63.
8- المجموع 236:3، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 62:1.

الشافعي: إن كثر بطلت(1).

و لو كان ظهره في طريقه الي القبلة فركب مقلوبا و جعل وجهه إلي القبلة صحت صلاته؛ لأنه إذا صحت الي غير القبلة فإليها أولي.

و قال بعض الشافعية: لا يصح لأن قبلة المتنفل علي الدابة طريقه(2).

و هو خطأ؛ لأنّه جعل رخصة.

و راكب التعاسيف(3) - و هو الهائم الذي لا مقصد له، بل يستقبل تارة و يستدبر اخري - له أن يتنفل في سيره كغيره خلافا للشافعي(4).

ح - لو اضطر الي الفريضة علي الراحلة و الدابة إلي القبلة فحرفها عمدا لا لحاجة بطلت صلاته،

لأنه ترك الاستقبال اختيارا، و إن كان لجماح الدابة لم تبطل و إن طال الانحراف إذا لم يتمكن من الاستقبال.

و قال الشافعي: تبطل مع الطول، و مع القصر وجهان(5).

و لو كان مطلبه يقتضي الاستدبار لم تبطل صلاته.

ط - يجب علي المفترض الاستقبال بتكبيرة الافتتاح

إن أمكن، و كذا باقي الأفعال، و يسقط مع العذر كالمطارد، و الدابة الصائلة، و المتردية.

ي - المصلّي علي الراحلة يومئ للركوع و السجود،

و يجعل السجود أخفض، و كذا الماشي.

ص: 21


1- المجموع 236:3، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 62:1.
2- المجموع 241:3، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 62:1.
3- التعسيف: السير علي غير علم و لا أثر. لسان العرب 245:9 «عسف».
4- المجموع 240:3، فتح العزيز 215:3، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 63:1.
5- فتح العزيز 215:3 و 216، الوجيز 37:1، كفاية الأخيار 61:1 و 62، مغني المحتاج 1: 143.
البحث الثالث: في المستقبل
مسألة 144: القادر علي معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد عند علمائنا،

كما أن القادر علي العمل بالنص في الأحكام لا يجوز له الاجتهاد لإمكان الخطأ في الثاني دون الأول.

و يحصل اليقين لمن كان معاينا للكعبة أو كان بمكة من أهلها، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان، و كذا إن كان بمسجد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله؛ لليقين بصحة قبلته.

و لو كان الحائل أصليا كالجبل و لا يمكنه أن يعرف القبلة حتي يصعد الجبل و تمكن منه وجب أن يصعد طلبا لليقين.

و قال الشافعي: يجوز أن يجتهد و يصلّي بغلبة الظن. و في الحادث عنده قولان(1).

و هل له أن يستقبل الحجر مع تمكنه من استقبال الكعبة، الوجه ذلك لأنه عندنا من الكعبة. و منعه بعض الشافعية، حيث إن كونه من البيت مجتهد فيه غير مقطوع به(2).

مسألة 145: فاقد العلم يجتهد بالأدلة التي وضعها الشارع علامة،
اشارة

فإن غلب علي ظنه الجهة للأمارة بني عليه بإجماع العلماء؛ لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة، و لقول الباقر عليه السلام: «يجزي التحري أبدا إذا لم

ص: 22


1- المجموع 212:3 و 213، فتح العزيز 228:3، المهذب للشيرازي 75:1، مغني المحتاج 145:1.
2- المجموع 193:3، فتح العزيز 226:3.

يعلم أين وجه القبلة»(1).

فلا يجوز للعارف بأدلة القبلة المتمكن من الاستدلال عليها بمطالع النجوم، و هبوب الرياح، و غيرها التقليد، و كذا الذي لا يعرف أدلة القبلة لكنه إذا عرّف عرف؛ لتمكنه من العلم، بخلاف العاميّ حيث لا يلزمه تعلّم الفقه، لأن ذلك يطول زمانه و يشق تعلّمه بخلاف دلائل القبلة، و به قال الشافعي(2).

و أمّا الذي لا يحسن و إذا عرّف لم يعرف فإنه و الأعمي علي حدّ واحد، و للشيخ فيه قولان، أحدهما: الرجوع الي العارف و التقليد للثقة(3) - و به قال الشافعي(4) - كالعاميّ في أحكام الشرع، و له قول آخر، و هو أن يصلّي الي أربع جهات كالفاقد للاجتهاد و التقليد معا(5). و الأول أقرب لتعذر العلم، و الأصل براءة الذمة من التكليف الزائد، و قول الثقة يثمر الظن فيصار إليه كالاجتهاد.

و قال داود: إنه يسقط عنه فرض القبلة و يصلّي إلي حيث شاء(6) لقوله تعالي فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (7) و هو غلط؛ لقوله تعالي وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (8) و الآية نزلت في النافلة.4.

ص: 23


1- الكافي 285:3-7، الفقيه 179:1-845، التهذيب 45:2-146، الاستبصار 295:1-1087.
2- المجموع 228:3، فتح العزيز 225:3، الوجيز 38:1، المهذب للشيرازي 75:1.
3- المبسوط للطوسي 79:1.
4- المجموع 228:3، المهذب للشيرازي 75:1، كفاية الأخيار 59:1.
5- الخلاف 302:1 المسألة 49.
6- حلية العلماء 64:2.
7- البقرة: 115.
8- البقرة: 144.
فروع:
أ - تعلّم دلائل القبلة واجب،

و هل هو علي الأعيان أو علي الكفاية ؟ إشكال، ينشأ من أنه من واجبات الصلاة فيعم كالأركان، و من كونه من دقائق مسائل الفقه، و كلاهما للشافعي(1).

ب - إذا اجتهد في صلاة قال الشيخ: يجب التجديد في أخري،

و هكذا ما لم يعلم بقاء الأمارات(2). و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر:

لا يجب؛ لأن اجتهاده قائم لم يتغير(3).

ج - لو اجتهد فأدّي اجتهاده إلي جهة فصلّي الي غيرها لم تصح صلاته

و إن ظهر أنها القبلة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي(4) - لأنه لم يفعل المأمور به و هو التوجه الي ما أدي إليه اجتهاده فيبقي في عهدة التكليف.

و قال الشيخ في المبسوط(5) - و به قال أبو يوسف -: يجزيه(6) ، لأن المأمور به هو التوجه إلي القبلة و قد فعل، كمن شك في إناءين فتوضأ بأحدهما من غير اجتهاد ثم بان له أنه الطاهر أجزأه.

و هو غلط، فإنه إن بان له ذلك بعد دخوله في الصلاة لم تصح

ص: 24


1- المجموع 209:3، فتح العزيز 230:3.
2- المبسوط للطوسي 81:1.
3- المجموع 216:3، فتح العزيز 245:3، المهذب للشيرازي 75:1، الوجيز 1: 39، المغني 500:1، الشرح الكبير 527:1.
4- بدائع الصنائع 119:1، شرح فتح القدير 236:1.
5- المبسوط للطوسي 80:1.
6- شرح فتح القدير 236:1، بدائع الصنائع 119:1.

صلاته، و إن كان قبله جاز.

و الفرق ظاهر بين الطهارة و الصلاة، فإن الطهارة تقع قبل وجوبها و إنما الواجب منها ما صحت به الصلاة فإذا علمها في حال وجوبها أجزأه و لم يضرّه الشك قبل ذلك.

د - الأعمي العاجز يقلّد شخصا مكلفا، عدلا، عارفا بأدلة القبلة،

و في المبسوط: يقلّد الصبي و المرأة لحصول الظن(1) ، و ظاهر قوله في الخلاف: وجوب أربع صلوات(2). و ما قلناه أولي.

ه - يجوز التعويل علي المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين،

و لا يجب عليه الاجتهاد في طلب القبلة، و هو إجماع. و لو عرف أنها وضعت علي الغلط وجب الاجتهاد.

و - لا يجوز التعويل علي قول الكافر و الفاسق؛

لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) و لا يقبل قول الكافر في شيء إلاّ في الإذن في دخول الدار، و في قبول الهدية، و لو وجد قبلة للنصاري احتمل الاستدلال بها لغلبة الظن بانتفاء الكذب، و عدمه للعموم.

ز - لو دخل بلدا خرابا فوجد فيه مساجد، و محاريب و لم يعلم الواضع لم يكن له الصلاة إليها

بل يجتهد، لجواز أن يكون بناه المشركون فإن علم أنه من بناء المسلمين لم يلزمه الاجتهاد.

مسألة 146: إذا تعدد المجتهدون فإن اتحدت الجهة جاز أن يصلّوا جماعة و فرادي،
اشارة

و إن اختلفوا صلّوا منفردين و ليس لهم الجماعة عندنا - و به قال

ص: 25


1- المبسوط للطوسي 80:1.
2- الخلاف 302:1 مسألة 49.
3- هود: 113.

الشافعي(1) - لأنّ العالم بالقبلة ليس له أن يجتهد، و المجتهد ليس له أن يقلد.

فلو قلّد بعضهم بعضا بطلت صلاة المأموم قطعا؛ لأنّ إمامه إن كان علي الحق فلا صلاة له و إلاّ فصلاة الإمام فاسدة، و لا يجوز الاقتداء بمن صلاته فاسدة.

و قال أبو ثور: تصح صلاة المأمومين و شبّهه بالواقفين في الكعبة، و يستقبل كلّ واحد منهم بعض الحيطان فإنّ صلاتهم صحيحة و إن اختلفت الجهة، و لأنّه لا يقطع بخطإ إمامه و صواب نفسه(2). و يفارق الواقفين حول الكعبة لأن كلّ واحد منهم مستقبل قطعا و هنا المأموم يعتقد خطأ إمامه، و الخطأ و إن لم يقطع به لكنه يقطع بحكمه، و قول أبي ثور ليس بعيدا كالمصلّين في حال شدة الخوف.

فروع:
أ - لو كانوا في بيت مظلم فاجتهدوا و جمعوا

فلما أصبحوا علموا أن كل واحد صلّي إلي جهة أخري و لم يعلموا الي أيّ جهة صلّي الإمام فالوجه صحة صلاتهم؛ لأنّه لم يعلم الخطأ في فعل إمامه، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(3).

ب - لو أدي اجتهاد الجماعة إلي جهة ثم تغير اجتهاد بعض المأمومين انحرف و بني علي صلاته و نوي الانفراد،

و لو تغير اجتهاد الإمام خاصة انحرف و استمر المأمومون منفردين.

ص: 26


1- المجموع 214:3، فتح العزيز 246:3، المهذب للشيرازي 75:1، كفاية الأخيار 60:1، المغني 503:1.
2- المجموع 214:3، المغني 504:1.
3- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

و للشافعي قول في الأولي بفساد صلاة المأموم بناء علي أن المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة إمامه يستأنف أو يتم ؟ قولان، أما الثانية فلا لأن المأموم لم يختر مخالفة إمامه بل الإمام هو الذي خالفه، و لو قطع الإمام صلاته عمدا لم تبطل صلاة المأموم(1).

ج - لو اختلف الإمام و المأموم في التيامن و التياسر لم يكن له الائتمام؛

لاختلافهما في جهة القبلة، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني: له ذلك لقلة الانحراف(2) ، و هما مبنيان علي أنّ الواجب إصابة العين أو الجهة.

د - لو ضاق الوقت إلاّ عن صلاة و أدي اجتهاد أحدهم إلي جهة جاز للآخر أن يقلّده

و يأتم به عندنا، لأن فرضه التخيير، و هل يجب عليه التقليد حينئذ؟ إشكال ينشأ من عدم جواز التقليد للمجتهد مع اتساع الوقت، و تخييره مع ضيقه، و من حصول ظن بالجهة راجح علي التخيير فيتعين اتباعه.

ه - من فرضه التقليد كالأعمي و الجاهل بأدلة القبلة إن لم نوجب عليه الأربع يقلّد الأوثق الأعلم بالأدلة

لو تعدد المجتهدون، فإن قلّد المفضول فالأقرب المنع؛ لأنه ترك ما يغلب علي ظنه أنّ الصواب فيه.

و قال الشافعي: تصحّ؛ لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذا لو كان مع غيره(3). و ليس بجيد لحصول المعارض الراجح حالة الاجتماع دون الانفراد فصار كما لو تضاد الدليلان، و لو تساويا قلّد من شاء.

مسألة 147: العارف بأدلة القبلة إذا لم يتمكن من الاجتهاد

لضيق

ص: 27


1- الأم 95:1، المجموع 226:3، فتح العزيز 247:3.
2- المجموع 226:3، فتح العزيز 247:3.
3- المجموع 228:3، كفاية الأخيار 59:1، المغني 506:1، الشرح الكبير 1: 524.

الوقت يتخير إجماعا إن لم يتمكن من التقليد، و لو تمكن فإشكال تقدم، و لا إعادة عليه إن استمر الجهل، و كذا لو كان ممنوعا برمد، أو مرض، أو غيرهما.

و لو كان الوقت متسعا و لم يحصل له الظن بعد الاجتهاد فإن كان يرجو حصوله بانكشاف الغيم مثلا احتمل وجوب التأخير إلي آخر الوقت ثم يتخير، و جواز التقديم فيصلّي إلي أربع جهات كلّ فريضة، ذهب إليه علماؤنا؛ لأن الاستقبال واجب و قد أمكن حصوله بتعدد الفرائض فيجب كما لو اشتبه الثوبان.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل أن هؤلاء المخالفين يقولون: إذا أطبقت علينا و أظلمت و لم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد. فقال:

«ليس كما يقولون، إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه»(1).

و قال أبو حنيفة، و أحمد: يصلّي ما بين المشرق و المغرب، و يتحري الوسط، ثم لا يعيد(2) ، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (ما بين المشرق و المغرب قبلة)(3) و نحن نقول بموجبه علي تقدير معرفة المشرق و المغرب.

و قد روي معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيري أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا.

قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة»(4).

و لو ضاق الوقت صلّي ثلاثا و يتخير في الساقطة فإن ضاق صلّي اثنتين5.

ص: 28


1- التهذيب 45:2-144، الإستبصار 295:1-1085.
2- المغني 491:1، الشرح الكبير 519:1.
3- سنن الترمذي 171:2-342 و 173-344، سنن ابن ماجة 323:1-1011، سنن الدارقطني 270:1 و 271-1 و 2.
4- الفقيه 179:1-846، التهذيب 48:2-157، الاستبصار 297:1-1095.

فإن ضاق صلي واحدة، و يتخير في المأتي بها.

مسألة 148: لو صلّي بالاجتهاد، أو مع ضيق الوقت ثم تبين الخطأ في الصلاة استدرك
اشارة

إن كان الانحراف يسيرا، لأن ذلك لا يقع عن يقين و إنما هو ظن لأن الجهة الواحدة لا تتبين فيها الكعبة يقينا، و هو قول الشافعي، و له قول آخر: أنّه يستأنف لأن صلاة واحدة لا تقع الي جهتين كالحادثة لا يحكم فيها بحكمين(1) ، و إن كان كثيرا استأنف.

و لو ظهر بعد الفراغ فإن كان قد استدبر أعاد الصلاة سواء كان الوقت باقيا أو لا، اختاره الشيخان(2) ، لما رواه عمار بن موسي عن الصادق عليه السلام في رجل صلّي إلي غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال: «إن كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلي القبلة حتي يعلم، و إن كان متوجها الي دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلي القبلة ثم يفتتح الصلاة»(3) و الراوي ضعيف.

و قال المرتضي: يعيد في الوقت لا خارجه(4) لأنه في الوقت لم يأت بالمأمور به فيبقي في العهدة، و بعد الوقت يكون قاضيا، و الأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا صلّيت و أنت علي غير القبلة و استبان لك أنك صلّيت و أنت علي غير القبلة و أنت في الوقت فأعد، و إن فاتك فلا تعد»(5) و الإطلاق يتناول الاستدبار، و هو الأقوي عندي.

و قال مالك، و أحمد، و أبو حنيفة، و المزني، و الشافعي في أحد

ص: 29


1- المجموع 225:3-226، مغني المحتاج 147:1، كفاية الأخيار 59:1.
2- المفيد في المقنعة: 14 و الشيخ الطوسي في المبسوط 80:1.
3- الكافي 285:3-8، التهذيب 49:2-159، الاستبصار 298:1-1100.
4- الناصريات: 230 مسألة 80.
5- الكافي 284:3-3، التهذيب 48:2-154، الاستبصار 296:1-1090.

القولين: إذا تبين الخطأ بعد الصلاة لم يعد(1) و أطلقوا فلم يفصّلوا الي الاستدبار و غيره، و الي الوقت و خروجه؛ لأن عامر بن ربيعة قال: كنا مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة فجعل كلّ واحد منّا يصلّي و بين يديه أحجار فلما أصبحنا إذا نحن علي غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فأنزل اللّه تعالي وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2)(3) و لأنه صلّي إليها للعذر فإذا زال العذر لم تجب الإعادة كالخائف.

و في الآخر للشافعي: يعيد(4) و أطلق لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يؤمر مثله في القضاء فلزمه الإعادة كالحاكم إذا تيقن الخطأ، و المصلّي بمكة.

فروع:
أ - إذا صلّي الي ما أداه اجتهاده ثم أعاد الاجتهاد فأدّاه إلي أخري صلّي الثانية إلي الجهة الأخري

و لا يعيد الاولي - و به قال الشافعي(5) - و لا نعلم فيه خلافا لأنّ الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.

ب - لو تغير اجتهاده في أثناء الصلاة استدار

إن كان الانحراف يسيرا و بني، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و في الأخري: لا ينتقل و يمضي

ص: 30


1- المجموع 243:3، مختصر المزني: 13، كفاية الأخيار: 59:1، بداية المجتهد 112:1، المغني 513:1 و 514، الشرح الكبير 526:1، كشاف القناع 1: 312، بدائع الصنائع 119:1، اللباب 64:1.
2- البقرة: 115.
3- سنن الترمذي 176:2-345، سنن الدارقطني 272:1-5، سنن البيهقي 11:2.
4- المجموع 243:3، كفاية الأخيار 59:1، المغني 514:1 و 515، الشرح الكبير 526:1.
5- المجموع 219:3، مغني المحتاج 147:1، المهذب للشيرازي 75:1، كفاية الأخيار 59:1، المغني 500:1، الشرح الكبير 527:1.

علي اجتهاده الأول، لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد(1).

و هو غلط، لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلي جهة فلا يجوز العدول عنها، و ليس نقضا للاجتهاد بل يعمل في المستقبل كما يعمل في الصلاة الثانية.

و لو كان الانحراف كثيرا استأنف.

ج - لو تغير اجتهاده في الأثناء و لم يؤدّه اجتهاده إلي جهة أخري بني علي ما مضي من صلاته

لأنه لم يظهر له جهة أخري يتوجه إليها.

و إن بان له يقين الخطأ في الصلاة و لم يعلم غيرها فإن كان الوقت متسعا استأنف الاجتهاد و إلاّ استمر علي حاله، و إن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأنّ الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك.

د - لو صلّي باجتهاده فعمي في الأثناء استمر،

لأنّ اجتهاده أولي من اجتهاد غيره، فإن استدار استدرك إن تمكن و إلاّ أبطلها و بحث أو قلّد.

و إن شرع فيها و هو أعمي فأبصر في أثنائها فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمران استمر، لأنه دخل دخولا مشروعا.

و قال بعض الجمهور: تبطل مع الخفاء لأن فرضه الاجتهاد(2).

و لو ظهر البطلان استدار إن كان يسيرا و إلاّ استأنف.

ه - لا فرق بين المسافر و الحاضر.

و قال أحمد: لو ظهر للحاضر الخطأ في اجتهاده استأنف سواء صلّي بدليل أو غيره، لأن الحضر ليس محل الاجتهاد(3).

ص: 31


1- المغني 501:1، الشرح الكبير 527:1، كشاف القناع 310:1-311.
2- المجموع 229:3، المغني 511:1-512، الشرح الكبير 525:1.
3- المغني 522:1، الشرح الكبير 525:1، المحرر في الفقيه 52:1، كشاف القناع 311:1.

و قال في الأعمي: إذا كان في حضر فكالبصير لأنه يقدر علي الاستدلال بالخبر، و المحاريب فإنه إذا لمس المحراب و علم أنّه محراب و أنّه متوجه إليه فهو كالبصير(1).

و - لو صلّي الأعمي بقول البصير، فقال له آخر: قد أخطأ بك فإن كان الثاني أعدل انحرف،

و إن انعكس، أو تساويا استمر، و لو أخبره بالخطإ متيقن استدار إن كان بين المشرق و المغرب و إلاّ استأنف.

مسألة 149: الأعمي يجب عليه الاستقبال إجماعا

إلاّ داود فإنه قال:

يصلّي إلي أيّ جهة شاء لأنّه عاجز(2) ، و هو خطأ لعموم الأمر، و العجز ينتفي بالسؤال كالعاميّ أو بالصلاة إلي أربع جهات؛ و لا يجوز له تقليد الفاسق، و ظاهر مذهب الشافعي: الجواز لانتفاء التهمة في مثل هذا(3). و الحق خلافه. و له في تقليد الصبيّ قولان(4) ، و الوجه: المنع لأنّه ليس من أهل التكليف، و يعلم انتفاء الحرج عنه.

مسألة 150: من ترك الاستقبال عمدا بطلت صلاته،

و أعاد في الوقت و خارجه، بإجماع العلماء لانتفاء شرط الصلاة.

و لو صلّي ظانا ثم ظهر الخطأ فإن كان بين المشرق و المغرب و هو في الصلاة استدار، و لو تبين بعد فراغه لم يعد إجماعا؛ لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (ما بين المشرق و المغرب قبلة)(5).

ص: 32


1- المغني 523:1، الشرح الكبير 525:1، كشاف القناع 311:1.
2- حلية العلماء 64:2.
3- المجموع 201:3.
4- المجموع 200:3، حلية العلماء 61:2، فتح العزيز 226:3.
5- سنن الترمذي 171:2 و 173-342 و 344، سنن ابن ماجة 323:1-1011، سنن الدارقطني 270:1 و 271-1 و 2.

و لو بان أنه صلّي الي المشرق أو المغرب أعاد في الوقت، لأنه أخلّ بشرط الصلاة مع بقاء وقته، و لو خرج الوقت احتمل مساواته للاستدبار فيعيد، و عدم القضاء لأنه تكليف ثان و الأصل عدمه.

و لما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي الي غير القبلة، و يصحي فيعلم أنه صلّي الي غير القبلة كيف يصنع ؟ قال: «إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن مضي الوقت فحسبه اجتهاده»(1).

و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يعيد مطلقا. و للشافعي قولان(2) و قد سبق.

قال الشيخ: إذا صلّي الي غير القبلة ناسيا، أو لشبهة أعاد إن كان الوقت باقيا، و لو كان قد خرج لم يعد(3). فألحقه بالظانّ، و فيه إشكال.

مسألة 151: قد بيّنا أن المجتهد ليس له أن يقلد بل يجتهد

فإن ضاق الوقت فالأقرب أنّ له التقليد، و لو فقد من يقلده صلّي الي أيّ جهة شاء و لا إعادة عليه لأنه امتثل المأمور به، و هو أحد وجوه الشافعي. و له ثان: أنّه يصلي كيف اتفق ثم يجتهد و يقضي. و ثالث: أنه لا يصلّي الي أن يتم الاجتهاد و إن خرج الوقت(4).

ص: 33


1- الكافي 285:3-9، التهذيب 47:2-152، الاستبصار 296:1-1091.
2- اللباب 64:1، بداية المجتهد 112:1، المغني 514:1، الشرح الكبير 526:1، فتح العزيز 233:3، السراج الوهاج: 40، المجموع 225:3، المهذب للشيرازي 75:1، الوجيز 39:1.
3- النهاية: 64.
4- المجموع 230:3، فتح العزيز 227:3 و 228، السراج الوهاج: 40، كفاية الأخيار 59:1.

و لو كان محبوسا أو في ظلمة صلّي إلي أربع جهات مع السعة، و مع الضيق الي أيّ جهة شاء. و للشافعي قولان: أحدهما: أنه يقلد، و في القضاء وجهان، و الثاني: أنه لا يقلد و يصلّي كيف اتفق و يقضي(1).

و لو صلّي أربع صلوات إلي أربع جهات بأربع اجتهادات و لم يتبين الخطأ فلا قضاء عليه.

و لو قال للأعمي: الشمس وراءك و هو عدل وجب قبول قوله لأنه إخبار عن محسوس لا اجتهاد.

مسألة 152: تجوز الصلاة في السفينة فرضا و نفلا،

و الأفضل الشط مع التمكن، فإن صلّي فيها وجب القيام، و الاستقبال مع المكنة، فإن تعذر القيام و الشط صلّي جالسا مستقبلا، فإن دارت السفينة فليدر معها و يستقبل القبلة، فإن تعذر استقبل بتكبيرة الافتتاح ثم يصلّي كيف ما دارت، و يجوز أن يصلّي النوافل الي رأس السفينة إذا تعذر الاستقبال.

سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال: «إن استطعتم أن تخرجوا الي الجدد فاخرجوا، و إن لم تقدروا فصلّوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحروا القبلة»(2).

و قال سليمان بن خالد: سألته عن الصلاة في السفينة، فقال: «يصلّي قائما فإن لم يستطع القيام فليجلس و يصلّي و هو مستقبل القبلة، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر علي ذلك، و إن لم يقدر علي ذلك فليثبت علي مقامه و ليتحر القبلة بجهده»، و قال: «يصلّي النافلة مستقبل صدر

ص: 34


1- المجموع 230:3، كفاية الأخيار 59:1، السراج الوهاج: 40، المهذب للشيرازي 75:1. فتح العزيز 228:3-229.
2- الكافي 441:3-1، التهذيب 170:3-374، الاستبصار 454:1-1761، قرب الإسناد: 11.

السفينة و هو مستقبل القبلة إذا كبّر ثم لا يضره حيث دارت»(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يصلّي مختارا في السفينة قائما أو قاعدا(2).

و الحق ما ذكرناه، و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد(3).1.

ص: 35


1- التهذيب 171:3-377.
2- المبسوط للسرخسي 2:2، بدائع الصنائع 109:1.
3- المجموع 242:3، مغني المحتاج 153:1، الميزان 138:1، المبسوط للسرخسي 2:2، بدائع الصنائع 109:1.

ص: 36

الفصل السادس: في الأذان و الإقامة
اشارة

و مباحثه أربعة:

الأول: الماهيّة
مسألة 153: الأذان لغة الإعلام، و شرعا الإعلام بأوقات الصلوات بألفاظ مخصوصة:

و هو عند أهل البيت عليهم السلام مستفاد من الوحي علي لسان جبرئيل عليه السلام تلقينا؛ لقول الصادق عليه السلام: «لمّا هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان رأسه في حجر علي عليه السلام فأذن جبرئيل عليه السلام و أقام، فلما انتبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: يا علي سمعت ؟ قال: نعم، قال: حفظت ؟ قال: نعم، قال: أدع بلالا فعلّمه فدعا علي عليه السلام بلالا و علّمه»(1).

و لأنه أمر مشروع مأمور به من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و قد قال اللّه تعالي وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (2) و لأنّ الأمور

ص: 37


1- الكافي 302:3-2، الفقيه 183:1-865، التهذيب 277:2-1099.
2- النجم: 3 و 4.

الشرعية منوطة بالمصالح و الفطنة(1) البشرية تعجز عن إدراكها، و لا يعلمها مفصّلة إلاّ اللّه تعالي فلا خيرة فيها للنبي صلّي اللّه عليه و آله، و لأن ما هو أقل منها ذكرا مستفاد من الوحي فكيف هذا المهم.

و أطبق الجمهور علي أنّ محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربه قال:

حدثني أبي عبد اللّه بن زيد قال: لمّا أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي - و أنا نائم - رجل يحمل ناقوسا في يده، قلت: يا عبد اللّه أ تبيع الناقوس ؟ قال: و ما تصنع به ؟ قلت: ندعو به الي الصلاة قال: أ فلا أدلّك علي ما هو خير من ذلك ؟ فقلت له: بلي، فقال: تقول: اللّه أكبر إلي آخر الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: تقول إذا قمت إلي الصلاة: اللّه أكبر إلي آخر الإقامة، فلمّا أصبحت أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فأخبرته بما رأيت، فقال: (إنّها رؤيا حق إن شاء اللّه تعالي، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندي منك صوتا) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه و يؤذّن به(2).

و هذا الحديث مدفوع من وجوه:

أ - اختلاف الرواية فيه فإن بعضهم روي أن عبد اللّه بن زيد لمّا أمره النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بتعليم بلال قال: ائذن لي حتي أؤذن مرّة فأكون أول مؤذن في الإسلام، فأذن له فأذّن(3).8.

ص: 38


1- في نسخة «ش»: و الفطرة.
2- سنن أبي داود 135:1-499، سنن ابن ماجة 232:1-706، سنن الترمذي 1: 359-189، سنن الدارمي 268:1، سنن الدارقطني 245:1-56، سنن البيهقي 390:1.
3- أورد نحوه أبو داود في سننه 141:1-512 و انظر الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار: 67-68.

ب - شهادة المرء لنفسه غير مسموعة، و هذا منصب جليل فلا يسمع قوله عن نفسه فيه.

ج - كيف يصح أن يأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالناقوس مع أنه صلّي اللّه عليه و آله نسخ شريعة عيسي.

د - كيف أمر بالناقوس ثم رجع عنه ؟! إن كان الأمر به مصلحة استحال نسخه قبل فعله و إلاّ استحال أمره به.

ه - إن كان أمره بالناقوس بالوحي لم يكن له تغييره إلاّ بوحي مثله فإن كان الأذان بوحي فهو المطلوب و إلاّ لزم الخطأ، و إن لم يكن الأمر بالناقوس بالوحي كان منافيا لقوله تعالي وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي (1).

و - كيف يصح استناد هذه العبادة الشريفة العامة البلوي المؤبدة الموضوعة علامة علي أشرف العبادات و أهمّها الي منام من يجوز عليه الغلط؟!! و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يلق عليه، و لا علي أجلاء الصحابة.

ز - أهل البيت عليهم السلام أعرف بمواقع الوحي و التنزيل، و قد نصّوا علي أنه بوحي.

و قال الباقر عليه السلام: «لما اسري برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل عليه السلام و أقام فتقدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فصف الملائكة و النبيون خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(2). و مثل هذا الذي تعبّد به الملائكة و غيرهم يستحيل استناده إلي الاجتهاد الذي تجوّزونه علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.4.

ص: 39


1- النجم: 3.
2- الكافي 302:3-1، التهذيب 60:2-210، الإستبصار 305:1-1134.
مسألة 154: و الأذان من وكيد السنن إجماعا،

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ثلاثة علي كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون و الآخرون:

رجل ينادي بالصلوات الخمس في كلّ يوم و ليلة، و رجل يؤم قوما و هم به راضون، و عبد أدّي حقّ اللّه و حقّ مواليه)(1).

و قال عليه السلام: (من أذّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، و كتب له بكل أذان ستون حسنة، و بكلّ إقامة ثلاثون حسنة)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة»(3).

و قال الصادق عليه السلام: «ثلاثة في الجنّة علي المسك الأذفر:

مؤذن أذن احتسابا، و إمام أمّ قوما و هم به راضون، و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه»(4).

و قال الباقر عليه السلام: «من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له»(5).

مسألة 155: الإمامة أفضل من الأذان

و هو أحد قولي الشافعي(6) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعل الإمامة و لم يشتغل بالأذان و الإقامة بل قام بهما غيره، و لا يجوز أن يترك الأفضل لغيره، و لأن الإمام يحتاج إلي معرفة أحوال الصلاة

ص: 40


1- الكافي 307:3-27، عوالي اللئالي 16:4-41، سنن الترمذي 697:4 - 2566، مسند أحمد 26:2.
2- سنن ابن ماجة 241:1-728، مستدرك الحاكم 205:1.
3- الفقيه 185:1-881، التهذيب 283:2-1126، ثواب الاعمال: 52-1.
4- التهذيب 283:2-1127.
5- الفقيه 186:1-883، التهذيب 283:2-1128، ثواب الاعمال: 52-1.
6- المجموع 78:3-79، فتح العزيز 193:3، المهذب للشيرازي 61:1، مغني المحتاج 138:1، كفاية الأخيار 70:1، السراج الوهاج: 38.

و القيام بما تحتاج إليه الإمامة، و تحصيل الفضيلة، و لهذا نقل أنّه ضامن و المؤذن أمين(1)سنن أبي داود 143:1-517، سنن الترمذي 402:1-207، مسند أحمد 382:2، سنن البيهقي 430:1.(2) ، و الضامن أكثر عملا من الأمين فثوابه أكثر، و في الآخر:

الأذان أفضل(3) لقوله عليه السلام: (الأئمة ضمناء و المؤذنون أمناء، فأرشد اللّه الأئمة، و غفر للمؤذّنين)(3) [و به](4) قال الشيخ(5).

و الإقامة أفضل من الأذان. و يؤيّده: شدّة تأكيد الطهارة و الاستقبال و القيام و ترك الكلام و غير ذلك في الإقامة علي الأذان.

مسألة 156: و عدد فصول الأذان ثمانية عشر فصلا عند علمائنا:
اشارة

التكبير أربع مرات، و كلّ من الشهادتين، و الدعاء إلي الصلاة، و الي الفلاح، و الي خير العمل، و التكبير، و التهليل مرتان مرتان؛ لأن الصادق عليه السلام حكي الأذان فقال: «اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن محمدا رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) أشهد أن محمدا رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، حي علي الصلاة حي علي الصلاة، حي علي الفلاح حي علي الفلاح، حي علي خير العمل حي علي خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، لا إله إلاّ اللّه»(6).

و قال الباقر عليه السلام: «الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا، الأذان ثمانية عشر حرفا. و الإقامة سبعة عشر حرفا» (7)

و خالف الجمهور في

ص: 41


1- انظر: الهامش
2- من هذه الصفحة: و التهذيب 282:2-1121.
3- المهذب للشيرازي 61:1، المجموع 87:3-79، فتح العزيز 193:3.
4- زيادة يقتضيها السياق، و الضمير راجع الي عنوان المسألة.
5- المبسوط للطوسي 98:1.
6- التهذيب 60:2-211، الإستبصار 306:1-1135.
7- الكافي 302:3-3، التهذيب 59:2-208، الاستبصار 305:1-1132.

مواضع:

أ - قال مالك، و أبو يوسف: التكبير في أوله مرّتان(1) - و وافقنا الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد، و الثوري(2) - لأن عبد اللّه بن زيد قال له الرجل في المنام: اللّه أكبر مرتين(3).

و هو غلط، لما بيّنا من أن الأذان بوحي إلهي، و قد روي محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال، قلت: يا رسول اللّه علّمني سنة الأذان. فمسح مقدم رأسه، و قال: (تقول: اللّه أكبر) فذكر أربع مرات(4).

ب - منع الجمهور من قول: حيّ علي خير العمل(5) ، و أطبقت الإمامية علي استحبابه لتواتر النقل به عن الأئمّة عليهم السلام(6) ، و الحجة في قولهم.3.

ص: 42


1- المدونة الكبري 57:1، بلغة السالك 91:1، بداية المجتهد 105:1، القوانين الفقهية: 53، المبسوط للسرخسي 129:1، بدائع الصنائع 147:1، المجموع 3: 93، فتح العزيز 160:3، سبل السلام 200:1.
2- الام 84:1-85، المجموع 93:3، فتح العزيز 160:3، مختصر المزني: 12، المهذب للشيرازي 62:1، مغني المحتاج 135:1، المبسوط للسرخسي 129:1، بدائع الصنائع 147:1، اللباب 59:1، المغني 450:1، المحرر في الفقه 36:1، العدة شرح العمدة: 60، بداية المجتهد 105:1، القوانين الفقهية: 53-54.
3- سنن الدارقطني 241:1-29، و انظر أيضا سنن الترمذي 360:1 ذيل الحديث 189.
4- سنن أبي داود 136:1-500، سنن البيهقي 394:1.
5- المجموع 98:3، المغني 450:1، المحلي 149:3.
6- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 60:2-210، الاستبصار 305:1-1133.

ج - أطبقت الإمامية علي استحباب التهليل مرتين في آخر الأذان، و خالف فيه الجمهور كافة و اقتصروا علي المرة،(1) و هو مدفوع بأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بلالا أن يشفع الأذان و يوتر الإقامة، رواه أنس(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لمّا وصف الأذان: «لا إله إلاّ اللّه لا إله إلاّ اللّه»(3).

و كذا في حديث الباقر عليه السلام لمّا وصف أذان جبرئيل لمّا اسري بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله(4).

مسألة 157: الإقامة عندنا سبعة عشر فصلا

كالأذان إلاّ أنه ينقص التكبير من أولها مرتين و التهليل من آخرها مرة و يزيد: (قد قامت الصلاة) بعد (حيّ علي خير العمل) مرتين - و به قال أبو حنيفة(5) - لما رواه أبو محذورة أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علّمه الإقامة سبع عشر كلمة(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و الإقامة مثني مثني»(7).

ص: 43


1- مختصر المزني: 12، المغني 450:1، المهذب للشيرازي 63:1، مغني المحتاج 135:1، الشرح الصغير 92:1، المدونة الكبري 57:1، العدة شرح العمدة: 61، القوانين الفقهية: 54، المحلي 150:3.
2- صحيح البخاري 157:1، صحيح مسلم 286:1-378، سنن ابن ماجة 241:1 - 729، سنن الترمذي 369:1-370-193، سنن الدارمي 270:1، سنن أبي داود 141:1-508، سنن النسائي 3:2.
3- التهذيب 59:2-209، الاستبصار 305:1-1133.
4- التهذيب 60:2-210، الاستبصار 305:1-1134.
5- المبسوط للسرخسي 129:1، بدائع الصنائع 148:1، اللباب 59:1، المجموع 3: 94، فتح العزيز 158:3،، المغني 451:1، بداية المجتهد 110:1، القوانين الفقهية: 55.
6- سنن الترمذي 367:1-192، سنن ابن ماجة 235:1-709، سنن النسائي 4:2، سنن الدارمي 271:1.
7- الكافي 303:3-4، التهذيب 62:2-217، الاستبصار 307:1-1141.

و قال الشافعي: الإقامة أحد عشر كلمة، التكبير مرتان، و الشهادتان مرتان، و الدعاء إلي الصلاة مرة، و الدعاء الي الفلاح مرة، و الإقامة مرتان، و التكبير مرتان، و التهليل مرة. و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1).

قال ابن المنذر: و هو مذهب عروة بن الزبير، و الحسن البصري، و عمر بن عبد العزيز، و مكحول، و الزهري(2) ، لأنّ أنسا روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر أن يوتر الإقامة(3) ، و هو استناد الي المنام الذي ضعفناه.

و للشافعي في القديم: أنها عشر كلمات. فجعل الإقامة مرة. و به قال مالك، و داود(4) للحديث(5) و قد بينا ضعفه.

مسألة 158: قد ورد عندنا استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات

ص: 44


1- المغني 451:1، الشرح الكبير 431:1-432، مسائل أحمد: 27، العدة شرح العمدة: 60، الأم 85:1، المجموع 92:3، فتح العزيز 161:3، المهذب للشيرازي 1: 64، مغني المحتاج 136:1، بداية المجتهد 110:1، القوانين الفقهية: 55.
2- المجموع 94:3 و فيه: البيهقي بدل ابن المنذر فلاحظ.
3- صحيح البخاري 157:1، صحيح مسلم 286:1-378، سنن ابن ماجة 241:1 - 729، سنن الترمذي 369:1-370-193، سنن الدارمي 270:1، سنن أبي داود 141:1-508، سنن النسائي 3:2.
4- المجموع 92:3 و 94، المهذب للشيرازي 64:1، فتح العزيز 161:3 و 162، المدونة الكبري 58:1، بداية المجتهد 110:1، القوانين الفقهية: 55، المغني 1: 452، الشرح الكبير 432:1، المبسوط للسرخسي 129:1، بدائع الصنائع 148:1، نيل الأوطار 21:2.
5- صحيح البخاري 157:1، صحيح مسلم 286:1-378، سنن ابن ماجة 241:1 - 729، سنن الدارمي 270:1. سنن الترمذي 369:1-370-193، سنن أبي داود 141:1-508، سنن النسائي 3:2.

كأوله، و الباقي كما تقدم(1) ، و روي أيضا استحباب التكبير في أول الإقامة أربعا، و في آخرها أربعا، و التهليل في آخرها مرتين(2) ، قال الشيخ: و لو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما، فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول:

«أن عليا ولي اللّه، و آل محمد خير البرية» فممّا لا يعمل عليه في الأذان فمن عمل به كان مخطئا(3).

و يجوز في حال الاستعجال، و السفر إفراد الفصول، جمعا بين فضيلة الأذان و إزالة المشقة عن المسافر و المستعجل، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح قال: رأيت الباقر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم تكبّر واحدة ؟ فقال: «لا بأس به إذا كنت مستعجلا»(4).

و قال الباقر عليه السلام: «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحدا واحدا، و الإقامة واحدة»(5).

تذنيب: تثنية الإقامة أفضل من إفراد الأذان و الإقامة؛ لقول الصادق عليه السلام: «لأن أقيم مثني مثني أحب إليّ من أن أؤذّن و أقيم واحدا واحدا»(6).

مسألة 159: يكره الترجيع عند علمائنا

- و هو تكرار الشهادتين مرتين في

ص: 45


1- مصباح المتهجد: 26.
2- مصباح المتهجد: 26.
3- النهاية: 69. و قال في المبسوط 1.
4- التهذيب 62:2-216، الاستبصار 307:1-1140.
5- التهذيب 62:2-219، الاستبصار 308:1-1143.
6- التهذيب 62:2-218، الإستبصار 308:1-1142.

الأذان، و به قال الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أصحاب الرأي(1).

و ربما قال أبو حنيفة: إنّه بدعة(2). و هو جيد عندي؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (الأذان مثني)(3) و لم يذكر الترجيع عبد اللّه بن زيد الذي أسندوا الأذان إليه(4).

و من طريق الخاصة حكاية الباقر و الصادق عليهما السلام صفة الأذان و لم يذكرا الترجيع(5).

و قال الشافعي، و مالك: باستحبابه(6) ، و روي ابن المنذر عن أحمد أنه قال: إن رجع فلا بأس و إن ترك فلا بأس(7) ، حتي أن للشافعي قولين في الاعتداد بالأذان مع تركه(8) لأنّ أبا محذورة قال: علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سنّة الأذان ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فذكر مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه فذكر مرتين، تخفض بها صوتك، ثم3.

ص: 46


1- المغني 450:1، الشرح الكبير 430:1، العدة شرح العمدة: 60، المحرر في الفقه 36:1، المبسوط للسرخسي 128:1.
2- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
3- انظر سنن النسائي 3:2.
4- سنن أبي داود 135:1-499، سنن ابن ماجة 232:1-706، سنن الدارمي 1: 268، سنن الترمذي 359:1-189، سنن البيهقي 390:1، سنن الدارقطني 1: 241-29.
5- التهذيب 60:2-210 و 211 و 61-212، الاستبصار 305:1-1133 و 1134.
6- مختصر المزني: 12، المجموع 91:3، فتح العزيز 165:3، مغني المحتاج 1: 136، السراج الوهاج: 37، الميزان 133:1، بداية المجتهد 105:1، بلغة السالك 92:1، المنتقي 135:1، القوانين الفقهية: 53، المغني 450:1، الشرح الكبير 430:1، المبسوط للسرخسي 128:1.
7- مسائل أحمد: 27، العدة شرح العمدة: 61، الانصاف 413:1.
8- المجموع 91:3-92، فتح العزيز 168:3.

ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا اللّه. فذكر مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه. فذكر مرتين(1).

و ليس حجة؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعل به ذلك ليقر بالشهادتين لأنه كان يحكي أذان مؤذن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله مستهزئا فسمع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صوته فدعاه فأمره بالأذان قال: و لا شيء عندي و لا أنقص من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و لا مما يأمرني به(2) فقصد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك، و لم يوجد هذا في أمر بلال و لا غيره ممن كان ثابت الإسلام.

تذنيب: قال الشيخ: لو أراد المؤذن تنبيه غيره جاز له تكرار الشهادتين مرتين(3) لقول الصادق عليه السلام: «لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي علي الصلاة، أو حي علي الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس»(4).

مسألة 160: التثويب عندنا بدعة،
اشارة

و هو قول الصلاة خير من النوم، في شيء من الصلوات - و به قال الشافعي في الجديد(5) - لأن عبد اللّه بن زيد لم

ص: 47


1- صحيح مسلم 287:1-379، سنن أبي داود 136:1-500، سنن النسائي 2: 6، مسند احمد 408:3-409، سنن البيهقي 393:1، سنن الدارقطني 233:1 - 1.
2- سنن ابن ماجة 234:1-708، مسند احمد 409:3، سنن البيهقي 393:1، سنن الدارقطني 233:1-1.
3- المبسوط للطوسي 95:1.
4- الكافي 308:3-34، التهذيب 63:2-225، الإستبصار 309:1-1149.
5- الام 85:1، المجموع 92:3، فتح العزيز 169:3، مختصر المزني: 12، بداية المجتهد 106:1، بدائع الصنائع 148:1.

يحكه في أذانه(1) ، و أهل البيت عليهم السلام لمّا حكوا أذان الملك لم يذكروه(2).

و قال الشافعي في القديم: باستحباب التثويب بعد الحيعلتين في الصبح خاصة. و به قال مالك، و الأوزاعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(3) لأنّ أبا محذورة قال: لما علمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال بعد قوله حي علي الفلاح: فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم(4).

و هو معارض بإنكار الشافعي - في كتاب استقبال القبلة - للتثويب و قال:

إنّ أبا محذورة لم يحكه(5). قال أبو بكر بن المنذر: هذا القول سهو من الشافعي و نسيان حين سطر هذه المسألة فإنه حكي ذلك في الكتاب العراقي عن أبي محذورة.

و عن أبي حنيفة روايات: إحداها كقول الشافعي في القديم(6) ، و الثانية: أنه يقول بين الأذان و الإقامة: حي علي الصلاة حي علي1.

ص: 48


1- سنن أبي داود 135:1-499، سنن ابن ماجة 232:1-706، سنن الدارمي 1: 268، مسند احمد 43:4.
2- التهذيب 60:2-210.
3- مختصر المزني: 12، المجموع 92:3 و 94، فتح العزيز 169:3، الوجيز 36:1، المدونة الكبري 57:1، المنتقي 135:1، الشرح الصغير 91:1، القوانين الفقهية: 54، المغني 453:1-454، الشرح الكبير 433:1، مسائل أحمد: 27، العدة شرح العمدة: 62، المحرر في الفقه 36:1.
4- مسند احمد 408:3، سنن أبي داود 136:1-500، سنن النسائي 7:2، سنن الدارقطني 234:1-3 و 235-4.
5- فتح العزيز 170:3.
6- فتح العزيز 172:3، المبسوط للسرخسي 130:1، اللباب 59:1، شرح فتح القدير 212:1، الهداية للمرغيناني 41:1.

الفلاح(1) ، و الثالثة: أن الأولي في نفس الأذان، و الثانية بعده(2) ، و الرابعة: أنه يقول: الصلاة خير من النوم بين الأذان و الإقامة(3) ، لأن بلالا كان إذا أذن أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فسلّم عليه، ثم قال: حي علي الصلاة، حي علي الفلاح، يرحمك اللّه(4).

و أذن بلال يوما، فتأخر خروج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فجاء الي باب الحجرة، فقيل: إنّه نائم فنادي بلال الصلاة خير من النوم مرتين فخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أقرّه عليه(5).

و هذا كلّه باطل عندنا؛ لأنه ليس للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يجتهد في الأحكام، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان.

فروع:
أ - كما أنّه لا تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره،

و بنفي غيره ذهب أكثر العلماء(6) ، لأن ابن عمر دخل مسجدا يصلّي فسمع رجلا يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه فقيل له: إلي أين تخرج ؟ فقال: أخرجتني البدعة(7).

ص: 49


1- المبسوط للسرخسي 130:1 و 131، بدائع الصنائع 148:1، فتح العزيز 172:3، المغني 454:1، الشرح الكبير 433:1.
2- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
3- المبسوط للسرخسي 130:1، بدائع الصنائع 148:1، رحمة الأمة 36:1.
4- الطبقات الكبري لابن سعد 234:3.
5- مصنف ابن أبي شيبة 208:1، سنن ابن ماجة 237:1-716، سنن الدارمي 1: 270، سنن البيهقي 422:1، المحرر في الحديث 165:1 ذيل الحديث 178.
6- منهم: ابنا قدامة في المغني 454:1، و الشرح الكبير 433:1.
7- أورده ابنا قدامة في المغني 454:1، و الشرح الكبير 433:1.

و حكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء؛ لأنه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة(1).

و قال النخعي: إنه مستحب في جميع الصلوات؛ لأن ما يسن في الأذان لصلاة يسن لجميع الصلوات كسائر الألفاظ(2).

و الأصل في الأول، و العلة في الثاني ممنوعان.

ب - لا يستحب أن يقول بين الأذان و الإقامة: حي علي الصلاة حي علي الفلاح

- و به قال الشافعي(3) - لأن عمر قدم مكة فأتاه أبو محذورة و قد أذن فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين حي علي الصلاة، حي علي الفلاح فقال: ويحك أ مجنون أنت ؟ ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتي تأتينا(4).

و حكي ابن المنذر عن الأوزاعي أنه سئل عن التسليم علي الأمراء فقال: أول من أحدثه معاوية و أقره عمر بن عبد العزيز(5) ، و قال النخعي: إن الناس أحدثوا حي علي الصلاة حي علي الفلاح و ليس بسنّة(6) ، و قال عليه السلام: (كل محدث بدعة)(7).

ج - التثويب: الرجوع،

فالمؤذن يقول: حي علي الصلاة، ثم عاد بقوله:

الصلاة خير من النوم، إلي الدعاء إلي الصلاة، و حيّ معناه: هلمّ، و يقرن

ص: 50


1- المجموع 98:3، الميزان 133:1، رحمة الأمة 36:1، المحلي 161:3.
2- المجموع 98:3، الميزان 133:1، رحمة الأمة 36:1.
3- حكاه الشيخ الطوسي عنه في الخلاف 289:1 مسألة 33.
4- كنز العمال 340:8-23168.
5- انظر كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري: 164.
6- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
7- سنن ابن ماجة 18:1-46، سنن النسائي 188:3-189، سنن البيهقي 214:3.

ب (علي) و (الي) معا، و الفلاح: البقاء و الدوام و هو ثواب الصلاة.

مسألة 161: الترتيب شرط في الأذان و الإقامة

لأنّهما أمران شرعيان فيقفان علي مورده، و لقول الصادق عليه السلام: «من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد علي الأول الذي أخّره حتي يمضي علي آخره»(1) و لأنّ الأذان يتميز بترتيبه عن جميع الأذكار فإذا لم يرتبه لم يعلم أنه أذان و لم تحصل الفائدة؛ و به قال الشافعي(2).

مسألة 162: يكره الكلام خلال الأذان و الإقامة
اشارة

لئلا ينقطع توالي ألفاظه، فإن تكلّم في الأذان لم يعده، عامدا كان أو ساهيا - و به قال الشافعي - لأنّ الكلام لا يقطع الخطبة و هي آكد من الأذان(3) ، و حكي عن سليمان بن صرد أنّه كان يأمر بحاجته في أذانه و كان له صحبة(4). و للشافعي قول باستحباب إعادة الأذان(5).

فروع:
أ - لو طال الكلام

حتي خرج عن نظام الموالاة أعاد.

ب - لو كان الكلام لمصلحة الصلاة لم يكره

إجماعا لأنّه سائغ في الإقامة ففي الأذان أولي.

ج - لو سكت طويلا يخرج به في العادة عن الأذان أعاد

و إلاّ فلا لعدم الانفكاك من القليل كالتنفس و الاستراحة، و به قال الشافعي(6).

ص: 51


1- الكافي 305:3-15، التهذيب 280:2-1115.
2- المجموع 113:3، فتح العزيز 183:3، الوجيز 36:1، المهذب للشيرازي 1: 65، السراج الوهاج: 37-38.
3- المجموع 113:3، فتح العزيز 185:3-186، المهذب للشيرازي 65:1.
4- فتح الباري 77:2، المغني 471:1، الشرح الكبير 440:1.
5- المجموع 114:3، فتح العزيز 185:3.
6- المجموع 114:3، فتح العزيز 185:3-186، الوجيز 36:1.
د - لو أغمي عليه. أو جنّ، أو نام في خلاله استحب له الاستئناف

لخروجه عن التكليف، و لو تمم غيره ثم أفاق جاز البناء عليه قاله الشيخ(1).

ه - لو ارتد في أثنائه ثم رجع الي الإسلام استأنف،

و هل يبني عليه ؟ للشافعي وجهان: المنع - و هو الأقوي عندي - لبطلانه بالردة، و الجواز؛ لأنّ الردة لا تحبط العمل إلاّ إذا اتصل بها الموت فصار كاعتراض الجنون و الإغماء لو بني عليه جاز(2).

و لو ارتد بعد فراغه من الأذان، قال الشيخ: جاز أن يعتد به، و يقيم غيره، لأنّه أذّن أذانا مشروعا محكوما بصحته فلا يؤثر فيه الارتداد المتعقب(3).

و قال الشافعي: لا يعتد بأذانه(4).

و - لو تكلّم خلال الإقامة أعادها

- و به قال الزهري(5) - لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها، و لقول الصادق عليه السلام: «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة»(6).

و قال الشافعي: لا يعيد لأنّها دعاء إلي الصلاة فلم يقطعها الكلام كالأذان(7) ، و الفرق ما تقدم.

ص: 52


1- المبسوط للطوسي 96:1.
2- المجموع 115:3، فتح العزيز 187:3، المهذب للشيرازي 65:1، الوجيز 1: 36.
3- المبسوط للطوسي 96:1.
4- المجموع 99:3 و 115، فتح العزيز 186:3-187.
5- مصنف ابن أبي شيبة 213:1، حلية العلماء 38:2.
6- التهذيب 55:2-191، الإستبصار 301:1-1112.
7- الام 85:1.
ز - الكلام و إن كره في الأذان فإنه في الإقامة آكد،

و قال الشيخان، و المرتضي: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة حرم الكلام علي الحاضرين إلاّ بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام، أو تسوية صف(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام»(2) و هو محمول علي شدة الكراهة، و في الطريق ضعف.

مسألة 163: يستحب ترك الإعراب في أواخر فصول الأذان و الإقامة

عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد(3) - و حكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة(4) ، لأن إبراهيم النخعي قال: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان و الإقامة(5). و هذا إشارة إلي جماعتهم.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر»(6) و نحوه عن الصادق عليه السلام(7).

و قال الباقون: يستحب الإعراب فيهما.

مسألة 164: يستحب أن يترسل في أذانه

بأن يتمهل فيه مأخوذ من قولهم جاء فلان علي رسله أي علي هنيئة من غير عجل و لا متعب نفسه، و أن يحدر الإقامة و يدرجها إدراجا مبينا لألفاظها مع الإدراج - و لا نعلم فيه خلافا - لقول

ص: 53


1- المقنعة: 15، النهاية: 66-67، المبسوط للطوسي 99:1، و نقل المحقق قول المرتضي في المعتبر: 165.
2- التهذيب 55:2-190، الإستبصار 302:1-1117.
3- المغني 453:1، الشرح الكبير 434:1، الإنصاف 414:1، كشاف القناع 1: 238.
4- عمدة القارئ 108:5، المغني 453:1، الإنصاف 414:1.
5- المغني 453:1، الشرح الكبير 434:1، الإنصاف 414:1.
6- التهذيب 58:2-203.
7- الفقيه 184:1-871، التهذيب 58:2-204.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لبلال: (إذا أذّنت فرتّل، و إذا أقمت فاحدر)(1)(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر»(3).

و لأن القصد من الأذان إعلام الغائبين، و التثبت فيه أبلغ للإعلام، و الإقامة لإعلام الحاضرين، و افتتاح الصلاة فلا فائدة للتطويل فيها، و لو أخلّ بهذه الهيئة أجزأه لأنّها مستحبة فيه و لا يخلّ تركها به.

مسألة 165: يستحب رفع الصوت بالأذان،

و عليه إجماع العلماء، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (يغفر للمؤذن مدي صوته، و يشهد له كل رطب و يابس)(4).

و قال أبو سعيد الخدري لرجل: إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك جن و لا إنس إلاّ شهد لك يوم القيامة، سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا أذّنت فلا تخفين صوتك فإن اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه»(6) ، و لأن القصد به الإعلام و هو يكثر برفع الصوت فيكون النفع به أتم.

ص: 54


1- فاحدر: أي أسرع. لسان العرب 172:4 مادة حدر.
2- سنن الترمذي 373:1-195، سنن البيهقي 428:1.
3- التهذيب 58:2-203.
4- المقنعة: 15، سنن أبي داود 142:1-515، سنن النسائي 13:2، سنن ابن ماجة 240:1-724.
5- صحيح البخاري 158:1، سنن النسائي 12:2، سنن ابن ماجة 239:1-723، الموطأ 69:1-5، مسند أحمد 43:3.
6- التهذيب 58:2-205.

و قد روي أن رفع الصوت بالأذان في المنزل يزيل العلل و الأسقام و يكثر النسل، فإن هشام بن إبراهيم شكا الي الرضا عليه السلام سقمه و أنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال: ففعلت، فأذهب اللّه عني سقمي، و كثر ولدي.

قال محمد بن راشد: و كنت دائم العلّة ما انفك منها في نفسي و جماعة خدمي فلما سمعت كلام هشام عملت به فأذهب اللّه عني و عن عيالي العلل(1).

و لا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة علي طاقته لئلاّ يضر بنفسه و ينقطع صوته، فإن أذّن لعامة الناس جهر بجميع الأذان، و لا يجهر ببعض، و يخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان و هو الإعلام، و إن أذّن لنفسه أو لجماعة حاضرين جاز أن يخافت و يجهر، و يخافت ببعض و يجهر ببعض.

مسألة 166: يستحب الفصل بين الأذان و الإقامة

بجلسة، أو سجدة، أو سكتة، أو خطوة، أو صلاة ركعتين في الظهرين إلاّ المغرب فإنه لا يفصل بينهما إلاّ بخطوة، أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لبلال: (اجعل بين أذانك و إقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، و الشارب من شربه، و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجته)(3).

و من طريق الخاصة ما رواه سليمان بن جعفر قال: سمعته يقول:

«افرق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين»(4).

ص: 55


1- الكافي 308:3-33، الفقيه 189:1-903، التهذيب 59:2-207.
2- المغني 457:1، الشرح الكبير 444:1، الإنصاف 421:1.
3- سنن الترمذي 373:1-195، المستدرك للحاكم 204:1.
4- التهذيب 64:2-227.

و قال الصادق عليه السلام: «بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب فإن بينهما نفسا»(1).

و قال الصادق عليه السلام أو الكاظم عليه السلام: «يؤذن للظهر علي ست ركعات، و يؤذن للعصر علي ست ركعات بعد الظهر(2).

و روي عن الصادق عليه السلام «من جلس بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه»(3) و لأنّ الأذان للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة.

إذا عرفت هذا فقد قال أحمد باستحباب الفصل في المغرب بجلسة خفيفة(4). و حكي عن أبي حنيفة، و الشافعي أنه لا يسن في المغرب(5).

و سئل الصادق عليه السلام ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان و الإقامة، قال: «يقول: الحمد للّه»(6).

و قد روي أنه يقول إذا جلس بعد الأذان: «اللهم اجعل قلبي بارا، و رزقي دارا، و اجعل لي عند قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قرارا و مستقرا»(7).0.

ص: 56


1- التهذيب 64:2-229، الإستبصار 309:1-1150.
2- التهذيب 286:2-1144.
3- التهذيب 65:2-231، الاستبصار 309:1-1151، المحاسن: 50-70.
4- المغني 457:1، الشرح الكبير 444:1، المجموع 121:3.
5- المجموع 121:3، المبسوط للسرخسي 139:1، الهداية للمرغيناني 42:1، بدائع الصنائع 150:1، عمدة القارئ 138:5، المغني 457:1، الشرح الكبير 1: 444.
6- التهذيب 280:2-1114.
7- الكافي 308:3-32، التهذيب 64:2-230.
البحث الثاني: المحلّ
مسألة 167: لا يسن الأذان لشيء من النوافل،

و لا لشيء من الفرائض - عدا الخمس اليومية - كالعيدين، و الكسوف، و الأموات، بل يقول المؤذن في الكسوف و العيدين: الصلاة ثلاثا، و كذا في الاستسقاء، و في الجنازة إشكال ينشأ من العموم، و من انتفاء الحاجة لحضور المشيعين - و للشافعي وجهان(1) - و عليه إجماع علماء الأمصار، و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله هذه الصلوات من غير أذان(2).

و يستحب في الفرائض الخمس اليومية، و يتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه بالقراءة، و آكده الغداة، و المغرب؛ لأنّ في الجهر دلالة علي طلب الإعلام فيها؛ و التنبيه بالأذان زيادة في المطلوب شرعا، و شدّة تأكيده في الصبح و المغرب لعدم التقصير فيهما فلا يقصر مندوباتهما، و ليكون افتتاح النهار و الليل بذكر اللّه تعالي.

و قال الصادق عليه السلام: «لا تدع الأذان في الصلوات كلّها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب و الفجر، فإنه ليس فيهما تقصير»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «إنّ أدني ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان و إقامة، و يفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان»(4).

مسألة 168: يستحب الأذان و الإقامة للفوائت من الخمس
اشارة

كما يستحب

ص: 57


1- الام 83:1، المجموع 77:3، فتح العزيز 148:3.
2- انظر علي سبيل المثال: صحيح مسلم 604:2-887.
3- التهذيب 49:2-161، الاستبصار 299:1-1104.
4- الفقيه 186:1-885.

للحاضرة عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(2) و لأنّ ما يسنّ للصلاة في أدائها يسنّ في قضائها كسائر الأذكار.

و قال الشافعي: يقيم لكلّ صلاة، و في الأذان له ثلاثة أقوال، أحدها:

لا يستحب الأذان - و به قال مالك، و الأوزاعي، و إسحاق(3) - لرواية أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتي كان بعد المغرب بهويّ(4) من الليل فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاّها ثم أقام العصر فصلاّها(5) ، و لأنّ الأذان وضع للإعلام بدخول الوقت و هو منتف هنا.

و يحمل علي العذر بالسفر، و الخوف، و ضيق وقت المغرب حينئذ، مع أنه روي أنه أمر بلالا فأذّن ثم أقام فصلّي الظهر ثم أقام فصلّي العصر(6) ، و نفي المظنة لا يوجب نفي السبب كالمشقة، و ينتقض بالإقامة، و نمنع العلية.

الثاني: يؤذن للأولي خاصة - و به قال أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر(7) - لأن عمران بن حصين قال: سرنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه1.

ص: 58


1- المبسوط للسرخسي 136:1، الهداية للمرغيناني 42:1، شرح فتح القدير 219:1، اللباب 60:1، الشرح الكبير 447:1، المغني 463:1.
2- عوالي اللئالي 54:2-143 و 107:3-150.
3- المجموع 84:3 و 85، الوجيز 36:1، فتح العزيز 149:3، المدونة الكبري 1: 61-62، الشرح الصغير 91:1، المغني 463:1، الشرح الكبير 446:1.
4- الهوي: الساعة الممتدة من الليل. لسان العرب 372:15 مادة هوا.
5- سنن النسائي 17:2، مسند احمد 49:3، سنن البيهقي 402:1.
6- سنن البيهقي 403:1.
7- المجموع 84:3، فتح العزيز 150:3، المهذب للشيرازي 62:1، السراج الوهاج: 37، المغني 463:1، الشرح الكبير 446:1.

و آله في غزاة أو سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما أيقظنا إلاّ حرّ الشمس فأمرنا فارتحلنا ثم سرنا حتي ارتفعت الشمس و نزلنا فقضي القوم حوائجهم، و أمر بلالا فأذّن فصلّينا ركعتين، ثم أمره فأقام فصلّي الغداة(1). و لا حجة فيه.

الثالث: إن كان يرجو اجتماع الناس أذّن(2) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يؤذن بعرفات للعصر، و لا بمزدلفة للعشاء(3) لاجتماع الناس. و لا حجة فيه لسقوطه هناك للاشتغال بالعبادة.

فروع:
أ - الأذان و إن استحب

لكنّه في الأداء أفضل إجماعا.

ب - يجزيه مع التعدد الأذان لأول ورده، ثم الإقامة للبواقي،

و إن اقتصر علي الإقامة في الجميع أجزأه.

ج - إذا جمع بين صلاتين أذّن للأولي منهما و أقام، و يقيم للثانية

خاصة سواء كان في وقت الأولي أو الثانية و في أي موضع كان؛ لأنّ الصادق عليه السلام روي عن أبيه عن جابر: «أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله جمع بين المغرب و العشاء بالمزدلفة بأذان واحد و إقامتين»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يقيم و لا يؤذّن للعشاء بمزدلفة(5) لأنّ ابن عمر صلّي

ص: 59


1- مسند احمد 441:4، سنن الدارقطني 385:1-11.
2- المجموع 84:3، فتح العزيز 150:3، المهذب للشيرازي 62:1، المغني 1: 463، الشرح الكبير 447:1.
3- سنن النسائي 15:2 و 16، سنن ابن ماجة 1005:2-3021.
4- سنن النسائي 16:2.
5- المبسوط للسرخسي 19:4، الهداية للمرغيناني 145:1، عمدة القارئ 12:10 فتح العزيز 156:3، الموطأ برواية الشيباني: 165 ذيل الحديث 490.

المغرب ثلاثا، و العشاء ركعتين بمزدلفة بإقامة واحدة، و قال: صليتها مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كذلك(1). و عمله ليس حجة.

و نقل ابن عمر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه جمع بينهما بمزدلفة كل واحدة بإقامة(2).

و قال الشافعي: إن جمع في وقت الاولي فكقولنا، و إن جمع في وقت الثانية فالأقاويل الثلاثة السابقة له(3).

د - يسقط الأذان الثاني يوم الجمعة؛

لأنّ الجمعة يجمع صلاتاها و يسقط ما بينهما من النوافل، و لقول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين بأذان و إقامتين، و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين»(4).

و كذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة، و العشاءين بمزدلفة؛ لقول الصادق عليه السلام: «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلّي، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان»(5) ، و لأن الأذان للإعلام بدخول الوقت فإذا صلّي في وقت الأولي أذّن لوقتها ثم أقام للأخري لأنه لم يدخل وقت يحتاج إلي الإعلام به، و إن جمع في وقت الثانية أذّن لوقت الثانية و صلّي الاولي لترتب الثانية عليها، ثم لا يعاد الأذان للثانية.

مسألة 169: و يستحب الأذان لصلاة المنفرد كالجامع
اشارة

و إن تأكد فيه، سواء كان مسافرا أو حاضرا، و به قال الشافعي في المسافر، و له في الحاضر

ص: 60


1- سنن أبي داود 192:2-1929 و 1932، سنن النسائي 16:2.
2- صحيح البخاري 201:2.
3- الام 86:1، المجموع 86:3، فتح العزيز 155:3.
4- التهذيب 18:3-66.
5- التهذيب 282:2-1122.

قولان، أحدهما: الاكتفاء بأذان المصر(1) لقوله عليه السلام: (إذا كان أحدكم في أرض فلاة و دخل عليه وقت الصلاة فإن صلّي بغير أذان و إقامة صلّي وحده، و إن صلّي بإقامة صلّي معه ملكاه، و إن صلّي بأذان و إقامة صلّي خلفه صف من الملائكة أوّلهم بالمشرق و آخرهم بالمغرب)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لمحمد بن مسلم: «إنك إذا أذّنت و أقمت صلّي خلفك صفان من الملائكة، و إن أقمت بغير أذان صلّي خلفك صف واحد»(3).

و يدل علي الرجحان في الجماعة قول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي عن الرجل هل يجزئه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان ؟ قال:

«نعم لا بأس به»(4) و قال عليه السلام لعبد اللّه بن سنان: «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»(5).

فروع:
أ - المنفرد يقيم، و هو أحد قولي الشافعي،

لأن الإقامة للحاضرين، و الآخر: لا يقيم كما لا يؤذن(6).

ب - يستحب رفع الصوت به للمنفرد،

و هو أصح وجهي الشافعي(7) ، لقوله عليه السلام: (لا يسمع صوتك شجر و لا مدر إلاّ شهد لك يوم القيامة)(8).

ص: 61


1- المجموع 82:3 و 85، فتح العزيز 142:3.
2- فتح العزيز 145:3. و انظر التلخيص الحبير 145:3 و قال: هذا الحديث بهذا اللفظ لم أره.
3- التهذيب 52:2-174.
4- التهذيب 52:2-171.
5- التهذيب 50:2-166.
6- المجموع 85:3، فتح العزيز 142:3.
7- الام 87:1، المجموع 85:3، فتح العزيز 142:3 و 143.
8- صحيح البخاري 158:1، سنن ابن ماجة 239:1-723، الموطأ 69:1-5.
ج - لا فرق بين السفر و الحضر؛

لقول الصادق عليه السلام: «إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّي خلفك صفّان من الملائكة، و إن أقمت قبل أن تؤذن صلّي خلفك صف واحد»(1).

مسألة 170: يسقط الأذان و الإقامة في الجماعة الثانية

إذا لم تتفرق الجماعة الأولي عن المسجد، و هو أحد قولي الشافعي(2) ، لأنّهم مدعوون بالأذان الأول فإذا أجابوا كانوا كالحاضرين في المرة الاولي، و مع التفرّق تصبر كالمستأنفة.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل قلت: الرجل يدخل المسجد و قد صلّي القوم أ يؤذّن و يقيم ؟ قال: «إن كان دخل و لم يتفرق الصف صلّي بأذانهم و إقامتهم، فإن كان الصف تفرق أذّن و أقام»(3).

و في الآخر: يستحب مطلقا - و به قال أبو حنيفة(4) - كما في الأولي، لكن لا يرفع الصوت دفعا للالتباس، و قال الحسن البصري، و النخعي، و الشعبي: الأفضل لهم الإقامة(5) و أطلقوا، و قال أحمد: إن شاءوا أذّنوا و أقاموا، و إن شاءوا صلّوا من غير أذان و لا إقامة(6) و أطلق.

مسألة 171: و يستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن و تقيم
اشارة

ص: 62


1- التهذيب 52:2-173.
2- المجموع 85:3، فتح العزيز 146:3.
3- التهذيب 281:2-1120.
4- فتح العزيز 146:3، الجامع الصغير للشيباني: 86.
5- المغني 467:1، الشرح الكبير 447:1.
6- المغني 467:1، الشرح الكبير 447:1.

لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا - و هو أحد أقوال الشافعي(1) -، لأنّ عائشة كانت تؤذن و تقيم(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تؤذن: «حسن إن فعلت»(3) و لأنّه ذكر في جماعة فاستحب كما في الرجال.

و الثاني: لا يستحبان؛ لأنّ الأذان للإعلام، و إنّما يحصل برفع الصوت(4).

و الثالث: و هو الأصح عندهم، استحباب الإقامة خاصة؛ لأنّها لاستفتاح الصلاة و انتهاض الحاضرين، و به قال جابر، و عطاء، و مجاهد، و الأوزاعي(5) ، و قال أحمد: إن أذّن فلا بأس(6).

فروع:
أ - الاستحباب في حق الرجال

آكد.

ب - يجزيها التكبير و الشهادتان؛

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تؤذّن للصلاة: «حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبّر، و أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أن محمدا رسول اللّه»(7) و سأل جميل بن درّاج

ص: 63


1- المجموع 100:3، الوجيزا: 35، فتح العزيز 147:3، مغني المحتاج 135:1، المغني 467:1، الشرح الكبير 424:1، المحلي 129:3.
2- سنن البيهقي 408:1.
3- التهذيب 58:2-202.
4- المجموع 100:3، الوجيز 35:1، فتح العزيز 147:3، مغني المحتاج 135:1.
5- المجموع 100:3، الوجيز 35:1، فتح العزيز 146:3، السراج الوهاج: 37، مغني المحتاج 135:1، المغني 467:1، الشرح الكبير 424:1.
6- المغني 467:1، الشرح الكبير 424:1.
7- التهذيب 58:2-202.

الصادق عليه السلام عن المرأة أ عليها أذان و إقامة ؟ فقال: «لا»(1).

ج - لو أذّنت للرجال لم يعتدّوا به؛

لأنّه عورة فالجهر منهي عنه، و النهي يدلّ علي الفساد - و به قال الشافعي - لأنّ المرأة كما لم يجز أن تكون إماما لم يجز أن تؤذّن للرجال(2).

و قال الشيخ في المبسوط: يعتدون به و يقيمون(3) و ليس بجيد، نعم، لو كانوا أقارب يجوز لهم سماع صوتهن، فالوجه ما قاله الشيخ، و نمنع الملازمة بين الأذان و الإمامة.

د - الخنثي المشكل لا يؤذن للرجال

لاحتمال أن يكون امرأة.

مسألة 172: إذا سمع الإمام أذان منفرد جاز أن يستغني به

عن أذان الجماعة؛ لأنّ أبا مريم الأنصاري قال: صلّي بنا أبو جعفر الباقر عليه السلام في قميص بغير إزار، و لا رداء، و لا أذان، و لا إقامة فلمّا انصرف قلت له:

صلّيت بنا في قميص بلا إزار، و لا رداء، و لا أذان، و لا إقامة، فقال:

«قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء، و إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فأجزأني ذلك»(4).

أما لو أذّن بنية الانفراد ثم أراد أن يصلّي جماعة استحب له الاستئناف؛ لأن الصادق عليه السلام سئل عن رجل يؤذن و يقيم ليصلّي وحده، فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة. هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة ؟ قال: «لا و لكن يؤذن و يقيم»(5).

ص: 64


1- الكافي 305:3-18، التهذيب 57:2-200.
2- الأم 84:1، المجموع 100:3، المهذب للشيرازي 64:1.
3- المبسوط للطوسي 97:1.
4- التهذيب 280:2-1113.
5- الكافي 304:3-13، الفقيه 258:1-1168، التهذيب 282:3-834.
البحث الثالث: في المؤذن
مسألة 173: يشترط في المؤذن العقل بإجماع العلماء

لعدم الاعتداد بعبارة المجنون، و الإسلام بالإجماع، و لقوله عليه السلام: (الإمام ضامن، و المؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، و اغفر للمؤذنين)(1) و الكافر لا يصح الاستغفار له. و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا يجوز أن يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف»(2).

و الذكورة أيضا شرط في حقّ الرجال و قد سلف، أما البلوغ فلا يشترط مع التمييز عند علمائنا أجمع، و به قال عطاء، و الشعبي، و ابن أبي ليلي، و الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية(3) ؛ لأن عبد اللّه بن أبي بكر بن أنس قال: كان عمومتي يأمرونني أن أؤذّن لهم و أنا غلام و لم أحتلم، و أنس ابن مالك شاهد و لم ينكر(4).

و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم»(5) و لأنّه ذكر تصح صلاته فاعتدّ بأذانه كالبالغ.

و قال أحمد في الأخري: لا يعتد به؛ لأنه وضع للإعلام فلا يصح منه لأنّه لا يقبل خبره و لا روايته، و الأذان أخف من الرواية و الخبر(6) ، و قال داود: لا يعتبر إذا أذّن للرجال(7) ، أما غير المميز فلا عبرة بأذانه إجماعا.

ص: 65


1- سنن أبي داود 143:1-517، سنن الترمذي 402:1-207، مسند أحمد 232:2.
2- الكافي 304:3-13، التهذيب 277:2-1101.
3- الوجيز 36:1، المبسوط للسرخسي 138:1، شرح فتح القدير 216:1، المغني 459:1، الشرح الكبير 448:1.
4- المغني 459:1، الشرح الكبير 448:1.
5- الفقيه 188:1-896، التهذيب 53:2-181.
6- المغني 459:1، الشرح الكبير 449:1.
7- انظر المجموع 100:3 و فيه: انه لا يعتبر مطلقا.
مسألة 174: و يعتد بأذان العبد إجماعا

لأن الألفاظ الدالة علي الحث علي الأذان عامة تتناول العبد كما تتناول الحر، و لأنه يصح أن يكون إماما فجاز أن يؤذّن، و الأقرب: اشتراط إذن مولاه؛ إذ له منعه من العبادات المندوبة، و الأذان مندوب.

و المدبّر، و أم الولد كالقن، أمّا المكاتب فيحتمل مشاركته؛ إذ ليس له التصرف في نفسه إلاّ بالاكتساب، و الجواز لانقطاع ولاية المولي عنه.

مسألة 175: و يستحب أن يكون عدلا بالإجماع،

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (يؤذن لكم خياركم)(1) و لأنّه مخبر عن الوقت فيكون عدلا ليقبل إخباره، و لأنه لا يؤمن من اطلاعه علي العورات، و يعتدّ بأذان مستور الحال إجماعا لعدم العلم بفسقه.

و هل يعتد بأذان الفاسق ؟ قال به علماؤنا، و الشافعي، و عطاء، و الشعبي، و ابن أبي ليلي، و أحمد في رواية؛ لأنّه ذكر بالغ فاعتدّ بأذانه كالعدل، و في الأخري: لا يعتد به لأنه شرّع للإعلام و لا يحصل بقوله؛ و شرع الإعلام لا يقتضيه بل يقتضي النظر في الدخول و عدمه(2).

و هل يصح أذان السكران ؟ الأقرب نعم إن كان محصلا - و به قال الشافعي(3) - أما لو كان مخبطا فالوجه عدم صحته كالمجنون، و للشافعي وجهان(4).

و أما الملحن فلا يصح أذانه، لأنّه معصية فلا يكون مأمورا به فلا يكون مجزيا عن المشروع، و كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مؤذّن يطرب، فقال

ص: 66


1- سنن أبي داود 161:1-590، سنن ابن ماجة 240:1-726.
2- المجموع 101:3، مغني المحتاج 138:1، المغني 459:1، الشرح الكبير 449:1.
3- المجموع 100:3، فتح العزيز 189:3، حاشية إعانة الطالبين 231:1.
4- المجموع 100:3، فتح العزيز 189:3.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إنّ الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا و إلاّ فلا تؤذن)(1) و عن أحمد روايتان، إحداهما: الجواز؛ لحصول المقصود منه فكان كغير الملحن(2) و الفرق ظاهر للنهي عن الأول.

مسألة 176: يستحب أن يكون بصيرا إجماعا

فإن الأعمي لا يعرف الوقت فإن أذن صح فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و كان يؤذن بعد بلال(3) ، فتزول الكراهة إن تقدمه أذان بصير، أو كان معه بصير عارف بالوقت.

و ينبغي أن يكون المؤذن بصيرا بالأوقات لئلاّ يغلط فيقدم الأذان علي وقته أو يؤخره فإن أذن الجاهل صحّ كالأعمي إذا سدده غيره.

و يستحب أن يكون صيّتا لعموم النفع به، فإن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لعبد اللّه بن زيد: (ألقه علي بلال فإنّه أندي منك صوتا)(4) أي أرفع، و يستحب أن يكون حسن الصوت لأنّه أرق لسماعة.

مسألة 177: يستحب أن يكون متطهرا إجماعا،
اشارة

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (حقّ و سنّة أن لا يؤذن واحد إلاّ و هو طاهر)(5) و لأنه يستحب أن يصلّي عقيب الأذان ركعتين.

فإن أذّن جنبا أو محدثا أجزأه - و به قال أكثر العلماء(6) - لأن قوله عليه

ص: 67


1- سنن الدارقطني 239:1-11.
2- المغني 459:1، الشرح الكبير 449:1، كشاف القناع 245:1، زاد المستقنع: 10.
3- صحيح مسلم 287:1-381، سنن أبي داود 147:1-535.
4- سنن ابن ماجة 232:1-706، سنن الدارمي 269:1، سنن أبي داود 135:1-499، سنن البيهقي 391:1.
5- سنن البيهقي 397:1.
6- المغني 458:1-459، الشرح الكبير 436:1.

السلام: (حق و سنّة)(1) يعطي الندب.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تؤذّن و أنت علي غير طهور، و لا تقيم إلاّ و أنت علي وضوء»(2).

و عن علي عليه السلام: «و لا بأس أن يؤذّن المؤذّن و هو جنب، و لا يقيم حتي يغتسل»(3).

و قال أحمد، و إسحاق بن راهويه: لا يعتدّ بأذان غير المتطهر؛ لأنّه ذكر يتقدم الصلاة فافتقر إلي الطهارة كالخطبة(4).

و نمنع الأصل، و يفرّق بوجوبها و إقامتها مقام الركعتين.

إذا ثبت هذا فإذا أذّن الجنب لم يقف في المسجد فإن أذّن فيه مقيما فالوجه عدم الاعتداد به للنهي، و استحباب الطهارة من الجنابة آكد من الحدث.

فروع:
أ - لو أحدث في حال الأذان

أ - لو أحدث في حال(5) الأذان تطهر و بني.

ب - الطهارة في الإقامة أشد لأنّها أقرب الي الصلاة،

و الإقامة مع الجنابة أشدّ كراهة من الحدث، و ليست شرطا فيها - و به قال الشافعي(6) - لأن الأصل الجواز.

ص: 68


1- سنن البيهقي 392:1 و 397.
2- التهذيب 53:2-179.
3- الفقيه 188:1-896، التهذيب 53:2-181.
4- المغني 458:1-459، الشرح الكبير 436:1، المجموع 105:3.
5- في نسخة (م): خلال.
6- المجموع 104:3، فتح العزيز 191:3، مغني المحتاج 138:1.

و قال المرتضي: الطهارة شرط في الإقامة(1) لقول الصادق عليه السلام: «و لا تقيم إلاّ و أنت علي وضوء»(2).

ج - لو أحدث في خلال الإقامة

استحب له استئنافها.

مسألة 178: يستحب أن يكون مستقبل القبلة حال الأذان
اشارة

بإجماع العلماء لأنّ مؤذّني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كانوا يستقبلون القبلة(3) ، و قال عليه السلام: (خير المجالس ما استقبل به القبلة)(4) فإن أذّن غير مستقبل جاز إجماعا لحصول المقصود.

فروع:
أ - الاستقبال في الإقامة أشدّ،

و أوجبه المرتضي(5) ، و هو ممنوع للأصل.

ب - يكره الالتفات به يمينا و شمالا

سواء كان في المأذنة أو علي الأرض - عند علمائنا - في شيء من فصوله - و به قال ابن سيرين(6) - لأنه ذكر مشروع يتقدم الصلاة فلا يستحب فيه الالتفات كالخطبة، و لمنافاته الاستقبال.

و قال الشافعي: يستحب للمؤذّن أن يلتوي في قوله: حيّ علي الصلاة، حيّ علي الفلاح، برأسه و عنقه، و لا يدير بدنه سواء كان في

ص: 69


1- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 30:3.
2- التهذيب 53:2-179.
3- المغني 472:1، كشاف القناع 239:1.
4- الغايات: 87 و الكامل لابن عدي 785:2، كنز العمال 139:9-25401 و 140-25403.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 30:3.
6- المجموع 107:3.

المأذنة أو لا(1) ، لأن بلالا أذّن و لوي عنقه يمينا و شمالا عند الحيّعلتين(2).

و فعله ليس حجة.

و قال أحمد: إن كان علي المنارة فعل ذلك و إلاّ فلا(3). و قال أبو حنيفة: إن كان فوق المنارة استدار بجميع بدنه، و إن كان علي الأرض لوي عنقه؛ لأنّ بلالا دار في المأذنة(4). و فعله ليس حجة.

ج - يستحب أن يضع إصبعيه في أذنيه حالة الأذان

- و به قال الشافعي(5) - لأن بلالا وضع يديه في أذنيه(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «السنّة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان»(7).

و قال أحمد: يستحب أن يجعل أصابعه مضمومة علي أذنيه(8).

مسألة 179: و يستحب أن يكون قائما إجماعا،
اشارة

لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (يا بلال قم فناد بالصلاة)(9).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «لا يؤذّن جالسا إلاّ راكب

ص: 70


1- المجموع 107:3، الوجيز 36:1، فتح العزيز 175:3، مغني المحتاج 1: 136، المهذب للشيرازي 64:1.
2- سنن أبي داود 144:1-520، سنن البيهقي 395:1.
3- المغني 473:1، كشاف القناع 240:1، الإنصاف 416:1، المحرر في الفقه 38:1.
4- شرح فتح القدير 213:1، بدائع الصنائع 149:1، اللباب 60:1، حلية العلماء 38:2.
5- المجموع 108:3، فتح العزيز 192:3، مغني المحتاج 137:1، المهذب للشيرازي 64:1.
6- سنن ابن ماجة 236:1-711، سنن الترمذي 375:1-197، مسند أحمد 308:4.
7- الفقيه 184:1-873، التهذيب 284:2-1135.
8- المغني 468:1، الشرح الكبير 438:1، الإنصاف 417:1، النكت و الفوائد السنيّة 38:1.
9- صحيح مسلم 285:1-377، سنن النسائي 3:2، سنن الترمذي 363:1-190.

أو مريض»(1) و لأنه أبلغ لصوته.

و أن يكون علي مرتفع إجماعا، لأنه أبلغ لصوته، و لقول الصادق عليه السلام: «كان طول حائط مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قامة فكان عليه السلام يقول لبلال إذا دخل الوقت: يا بلال اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان فإن اللّه تعالي قد وكّل بالأذان ريحا ترفعه الي السماء، فإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا: هذه أصوات أمّة محمد صلّي اللّه عليه و آله بتوحيد اللّه عزّ و جلّ، و يستغفرون لأمّة محمد صلّي اللّه عليه و آله حتي يفرغوا من تلك الصلاة»(2).

قال الشيخ: يكره الأذان في الصومعة(3). و سأل علي بن جعفر أخاه موسي عليه السلام عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال: «إنما كان يؤذّن النبي صلّي اللّه عليه و آله في الأرض و لم يكن يومئذ منارة»(4).

فروع:
أ - يجوز أن يؤذّن جالسا إجماعا؛

لأنّ الأذان غير واجب فلا تجب هيئته، و لقول محمد بن مسلم قلت: يؤذّن الرجل و هو قاعد؟ قال: «نعم»(5).

ب - القيام في الإقامة أشد استحبابا؛

لقول العبد الصالح عليه السلام:

«و لا يقيم إلاّ و هو قائم»(6).

ج - يجوز أن يؤذّن راكبا و ماشيا، و تركه أفضل،

و يتأكد في الإقامة

ص: 71


1- التهذيب 57:2-199، الإستبصار 302:1-1120.
2- الكافي 307:3-31، التهذيب 58:2-206، المحاسن: 48-67.
3- المبسوط للطوسي 96:1.
4- التهذيب 284:2-1134.
5- التهذيب 56:2-194، الاستبصار 302:1-1118.
6- التهذيب 56:2-195، الاستبصار 302:1-1119.

لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يؤذن راكبا، أو ماشيا، أو علي غير وضوء و لا تقيم و أنت راكب، أو جالس إلاّ من علّة، أو تكون في أرض ملصّة»(1).

د - يستحب له أن يستقبل القبلة حال تشهده؛

لقول أحدهما عليهما السلام و قد سئل عن الرجل يؤذّن و هو يمشي و علي ظهر دابته و علي غير طهور فقال: «نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس»(2).

ه - لا بأس أن يقيم و هو ماش إلي الصلاة،

لأن الصادق عليه السلام سئل أؤذن و أنا راكب ؟ فقال: «نعم» فقلت: فأقيم و أنا راكب ؟ فقال:

«لا» فقلت: فأقيم و أنا ماش ؟ فقال: «نعم ماش إلي الصلاة» قال: ثم قال لي: «إذا أقمت فأقم مترسلا فإنك في الصلاة» فقلت له: قد سألتك أقيم و أنا ماش فقلت لي: نعم، أ فيجوز أن أمشي في الصلاة ؟ قال: «نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع إمام عادل ثم مشيت إلي الصلاة أجزأك ذلك»(3).

مسألة 180: لا يختص الأذان بقبيل بل يستحب لمن جمع الصفات
اشارة

عند علمائنا لتواتر الأخبار علي الحث عليه مطلقا، فلا يتقيد إلاّ بدليل.

و قال الشافعي: أحب أن يجعل الأذان إلي أولاد المؤذنين في عهد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كأولاد أبي محذورة، و سعد القرظ، فإن انقرضوا ففي أولاد أحد الصحابة(4).

فإن تشاح اثنان(5) في الأذان قال الشيخ: يقرع(6) لقول النبيّ صلّي اللّه

ص: 72


1- الفقيه 183:1-868، التهذيب 56:2-192.
2- الفقيه 185:1-878، التهذيب 56:2-196.
3- التهذيب 57:2-198.
4- المجموع 102:3، المهذب للشيرازي 64:1.
5- في «ش»: نفسان. بدل اثنان.
6- المبسوط للطوسي 98:1.

عليه و آله: (لو يعلم الناس ما في الأذان و الصف الأول ثم لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لفعلوا)(1) فدل علي جواز الاستهام فيه.

و هذا القول جيّد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين، و إن لم يتساووا قدم من كان أعلا صوتا، و أبلغ في معرفة الوقت، و أشد محافظة عليه، و من يرتضيه الجيران، و أعف عن النظر.

فروع:
أ - يجوز أن يؤذّن جماعة في وقت واحد،

كلّ واحد في زاوية عملا باستحباب عموم الأذان، و انتفاء المانع، و ظاهر كلام الشافعي ذلك(2) ، و في قول بعض أصحابه: لا يتجاوز أربعة، لأنّ عثمان اتخذ أربعة مؤذنين(3) ، و لا مانع فيه من الزيادة.

ب - قال الشيخ في المبسوط: إذا كانوا اثنين جاز أن يؤذنوا في موضع واحد

فإنه أذان واحد، فأما إذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون(4) و هو جيد، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها، نعم لو احتيج الي ذلك لانتظار الإمام، أو كثرة المأمومين فالوجه الجواز.

ج - يكره التراسل

و هو أن يبني أحدهما علي فصول الآخر.

د - لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب بل يؤذن بعده،

لأنّ أبا محذورة، و بلالا لم يسبقهما أحد فيه.

ه - يجوز أن يؤذن واحد و يقيم غيره

- و به قال أبو حنيفة، و مالك(5) - لأن

ص: 73


1- صحيح البخاري 159:1، صحيح مسلم 325:1-437، سنن النسائي 23:2، الجامع الصغير 440:2-7502.
2- المجموع 123:3، فتح العزيز 199:3.
3- المجموع 123:3، فتح العزيز 199:3، المهذب للشيرازي 66:1، نيل الأوطار 35:2.
4- المبسوط للطوسي 98:1.
5- بدائع الصنائع 151:1، المنتقي للباجي 138:1، القوانين الفقهية: 54، الحجة علي أهل المدينة 78:1، المجموع 122:3، المغني 460:1، الشرح الكبير 438:1.

بلالا أذّن، و أقام عبد اللّه بن زيد(1).

و من طريق الخاصة ما روي أنّ الصادق عليه السلام كان يقيم بعد أذان غيره، و يؤذّن و يقيم غيره(2).

و قال الشافعي، و أحمد، و الثوري، و الليث، و أبو حنيفة في رواية:

يستحب أن يتولاهما الواحد لأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما الواحد كالخطبتين(3). و الفرق ظاهر.

و - يجوز أن يفارق موضع أذانه ثم يقيم

عملا بالأصل، و لأن الأذان يستحب في المواضع المرتفعة، و الإقامة في موضع الصلاة. و قال أحمد:

يستحب أن يقيم موضع أذانه و لم يبلغني فيه شيء(4). و إذا لم يبلغه فيه شيء كيف يصير إلي ما ذهب إليه ؟!

ز - لا يقيم حتي يأذن له الإمام،

لأن عليا عليه السلام قال: «المؤذن أملك بالأذان، و الإمام أملك بالإقامة»(5).

ح - قال الشيخ: إذا أذن في مسجد جماعة دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكلّ من يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد،

و يجوز أن يؤذن و يقيم

ص: 74


1- سنن أبي داود 142:1-512.
2- الكافي 306:3-25، التهذيب 281:2-1117.
3- المجموع 122:3، المهذّب للشيرازي 66:1، المغني 460:2، الشرح الكبير 438:1، بدائع الصنائع 151:1.
4- المغني 461:1، الشرح الكبير 439:1، الانصاف 418:1، كشاف القناع 239:1.
5- مصنف ابن أبي شيبة 414:1.

فيما بينه و بين نفسه(1).

ط - يكره أذان اللاّحن لأنّه ربما غيّر المعني،

فإذا نصب (رسول اللّه) أخرجه عن الخبريّة، و لا يمدّ (أكبر) لأنه يصير جمع كبر و هو الطبل(2) و لا يسقط الهاء من اسمه تعالي، و اسم الصلاة، و لا الحاء من الفلاح، قال عليه السلام: (لا يؤذن لكم من يدغم الهاء) قلنا: و كيف يقول ؟ قال: يقول:

(أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه)(3).

و إن كان ألثغ غير متفاحش جاز أن يؤذن، فإن بلالا كان يجعل الشين سينا.

البحث الرابع: في الأحكام
مسألة 181: الأذان و الإقامة مستحبان في جميع الفرائض اليومية

للمنفرد و الجامع علي أقوي الأقوال - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(4) - لأنّ عبد اللّه بن عمر صلّي بغير أذان و لا إقامة(5).

و من طريق الخاصة ما تقدم في حديث الباقر عليه السلام حيث صلّي لمّا سمع مجتازا أذان الصادق عليه السلام(6).

و لأن الأصل عدم الوجوب. و لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال

ص: 75


1- المبسوط للطوسي 98:1.
2- المصباح المنير: 524، مجمع البحرين 469:3 «كبر».
3- حكاه ابن قدامة في المغني 479:1 عن الدارقطني في الافراد.
4- المجموع 82:3، فتح العزيز 136:3، المهذب للشيرازي 62:1، مغني المحتاج 133:1، بدائع الصنائع 147:1، اللباب 59:1، المغني 461:1، الشرح الكبير 425:1، بداية المجتهد 1: 107، نيل الأوطار 10:2.
5- نسب ذلك الي عبد اللّه بن مسعود، انظر مصنف ابن أبي شيبة 220:1، صحيح مسلم 1: 378-534، سنن البيهقي 406:1، سنن النسائي 49:2-50.
6- التهذيب 280:2-1113.

للأعرابي المسيء في صلاته: (إذا أردت صلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر)(1) و لم يأمره بالأذان.

و قال السيد المرتضي، و ابن أبي عقيل: بوجوب الأذان و الإقامة في الغداة و المغرب(2) لقول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ الغداة و المغرب إلاّ بأذان و إقامة»(3) و هو محمول علي الاستحباب، و معارض بقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال: «ليس به بأس و ما أحب يعتاد»(4).

و قال السيد: يجبان فيهما سفرا و حضرا(5). و هو ممنوع؛ لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان ؟: «نعم لا بأس به»(6).

و قال السيد المرتضي، و ابن أبي عقيل: تجب الإقامة علي الرجال في جميع الصلوات(7) لقول الصادق عليه السلام: «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»(8) و مفهوم الإجزاء الوجوب. و هو ممنوع فإن الإجزاء كما يأتي في الصحة يأتي في الفضيلة.

و قال الشيخان، و المرتضي: يجبان في صلاة الجماعة(9) لقول3.

ص: 76


1- سنن البيهقي 372:2-373.
2- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 29:3، و حكي قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر: 162.
3- التهذيب 51:2-167، الاستبصار 299:1-1106.
4- التهذيب 51:2-169، الاستبصار 300:1-1108.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 29:3.
6- التهذيب 52:2-171.
7- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 29:3، و حكي قول ابن أبي عقيل المحقق في المعتبر: 162.
8- التهذيب 50:2-166.
9- المقنعة: 15، المبسوط للطوسي 95:1، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 29:3.

أحدهما عليهما السلام: «إن صليت جماعة لم يجزئ إلاّ أذان و إقامة»(1) و هو محمول علي شدة الاستحباب، و للشيخ قول في الخلاف: أنّهما مستحبان في الجماعة أيضا، و استدل بأصالة براءة الذمة(2) ، و به قال الشافعي(3) ، و هو الحق عندي.

و قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: بأنّ الأذان من فروض الكفاية، فإن وقع في قرية كفي الواحد، و في البلد يجب في كلّ محلّة، و إن اتفق أهل بلد علي تركه قاتلهم الإمام(4).

و قال داود بوجوب الأذان و الإقامة علي الأعيان إلاّ أنهما ليسا بشرط في الصلاة(5) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لمالك بن الحويرث و لصاحبه (إذا سافرتما فأذّنا و أقيما و ليؤمكما أكبركما)(6) و الأمر للوجوب. و هو ممنوع.

و قال أحمد: إنّه فرض علي الكفاية(7). و قال الأوزاعي: من نسي الأذان أعاد في الوقت(8) ، و قال عطاء: من نسي الإقامة أعاد الصلاة(9).

مسألة 182: لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت
اشارة

في غير الصبح بإجماع علماء الإسلام، لأنّه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله.

ص: 77


1- الكافي 303:3-9، التهذيب 50:2-163، الاستبصار 299:1-1105.
2- الخلاف 284:1 مسألة 28.
3- المجموع 82:3، المهذب للشيرازي 62:1، فتح العزيز 135:3، عمدة القارئ 105:5.
4- المجموع 81:3-82، فتح العزيز 139:3.
5- المجموع 82:3، حلية العلماء 31:2.
6- سنن النسائي 9:2، سنن الترمذي 399:1-205، مسند أحمد 436:3.
7- المغني 461:1، الشرح الكبير 424:1، الإنصاف 407:1، المحرر في الفقه 39:1، المجموع 82:3، فتح العزيز 140:3.
8- المغني 461:1، المجموع 82:3.
9- المجموع 82:3، المغني 461:1، الشرح الكبير 425:1.

أمّا في صلاة الصبح فيجوز تقديمه رخصة لكن يعاد بعد طلوعه - و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو يوسف(1) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتي يؤذن ابن أم مكتوم)(2).

و من طريق الخاصة مثل ذلك رواه الصدوق رحمه اللّه، إلاّ أنه قال: «إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتي يؤذن بلال» قال: و كان ابن أم مكتوم يؤذن قبل الفجر و بلال بعده، فغيّرت العامة النقل(3).

و قول الصادق عليه السلام و قد قال له ابن سنان: إن لنا مؤذنا يؤذن بليل: «إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلي الصلاة، و أما السنّة فإنه ينادي من طلوع الفجر»(4). و لأن فيه تنبيها للنائمين، و منعا للصائمين عن التناول، و احتياطهم في الوقت.

و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يجوز إلاّ بعد طلوع الفجر(5) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لبلال: (لا تؤذن حتي يستبين لك الفجر)(6) ، و لأنّها صلاة فلا يقدم أذانها كغيرها من الصلوات.

و يحتمل أنّه عليه السلام أراد الأذان الثاني، و هذه الصلاة تخالف سائر5.

ص: 78


1- المجموع 89:3، المهذب للشيرازي 62:1، أقرب المسالك: 13، بلغة السالك 92:1، بداية المجتهد 107:1، المغني 455:1، الشرح الكبير 441:1، المبسوط للسرخسي 134:1، بدائع الصنائع 154:1.
2- صحيح البخاري 160:1، سنن الترمذي 394:1-203، مسند أحمد 9:2 و 57 و 44:6 و 54.
3- الفقيه 194:1-905.
4- التهذيب 53:2-177.
5- المبسوط للسرخسي 135:1، بدائع الصنائع 154:1، الحجة علي أهل المدينة 71:1، المجموع 89:3، المغني 455:1، الشرح الكبير 441:1، نيل الأوطار 32:2.
6- سنن أبي داود 147:1-534، كنز العمال 693:7-20959 و 696-20975.

الصلوات لدخول وقتها و الناس نيام.

و استحب علماؤنا إعادته بعد الفجر؛ لقول الصادق عليه السلام: «و أما السنّة فإنه ينادي من طلوع الفجر»(1) و لأن الأول يعلم به قرب الوقت، و الثاني دخوله، لئلاّ يتوهم بذلك طلوع الفجر.

فروع:
أ - لا ينبغي تقديمه بزمان طويل لئلاّ يفوت المقصود منه

و هو الاستعداد للصلاة طلبا لفضيلة أول الوقت، و قد روي أن بين أذان بلال و ابن أم مكتوم أن ينزل هذا و يصعد هذا(2).

و قال الشافعي: يجوز بعد نصف الليل، و به قال أحمد(3).

ب - لا يشترط أن يكون معه مؤذن آخر

بل لو كان المؤذن واحدا استحب له إعادته بعد الفجر، و إن أراد الاقتصار علي المرة أذّن بعده، و قال أحمد: يشترط كبلال و ابن أم مكتوم(4). و هو اتفاقي.

ج - ينبغي أن يجعل المقدم أذانه في وقت واحد

ليعلم الناس عادته فيعرفوا الوقت بأذانه.

د - لا يكره قبل الفجر في رمضان

لأنّ بلالا كان يفعل ذلك(5) ، و قال

ص: 79


1- التهذيب 53:2-177.
2- مسند الطيالسي: 231-1661.
3- المجموع 88:3، المهذب للشيرازي 62:1، مغني المحتاج 139:1، المغني 457:1، الشرح الكبير 443:1، الإنصاف 420:1، المبسوط للسرخسي 134:1.
4- المغني 456:1، الشرح الكبير 443:1، الإنصاف 420:1.
5- صحيح البخاري 160:1، صحيح مسلم 768:2-1092، سنن النسائي 10:2، سنن الترمذي 392:1-203. مسند الطيالسي: 231-1661، مسند أبي عوانة 1: 373، مسند أحمد 9:2 و 57، سنن البيهقي 427:1، المحرر في الحديث 169:1-190.

عليه السلام: (لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال)(1) ، و هو يعطي تسويغه.

و قال أحمد: يكره في رمضان لئلاّ يمتنعوا من السحور(2).

ه - يستحب أن يؤذن في أول الوقت

ليعلم الناس فيتأهبوا للصلاة في أول وقتها بلا خلاف.

مسألة 183: لو ترك الأذان و الإقامة متعمدا و صلّي استمر علي حاله

و لا يعيد صلاته، و إن كان ناسيا تداركهما ما لم يركع، و يستقبل صلاته استحبابا لا وجوبا - و به قال المرتضي(3) - لأنّ النسيان عذر فجاز أن يستدركه قبل الركوع، لأن الركوع يحصل معه أكثر أركان الصلاة فلا تبطل بعده.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن و تقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف فأذن و أقم و استفتح الصلاة، و إن كنت ركعت فأتم صلاتك»(4) و ليس هذا بواجب إجماعا.

و لما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل ينسي الأذان و الإقامة حتي يكبر قال: «يمضي في صلاته و لا يعيد»(5).

و قال الشيخ: إن تركهما متعمدا استأنف ما لم يركع، و إن كان ناسيا استمر(6).

و قال ابن أبي عقيل: إن تركه متعمدا و استخفافا فعليه الإعادة(7).

ص: 80


1- سنن الترمذي 86:3-706، مسند أحمد 13:5.
2- المغني 457:1، الشرح الكبير 443:1، الإنصاف 421:1.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 161.
4- التهذيب 278:2-1103، الاستبصار 304:1-1127.
5- التهذيب 279:2-1106، الإستبصار 302:1-1121.
6- النهاية: 65.
7- حكاه المحقق في المعتبر: 162.

و الأصل صحة الصلاة و المنع من إبطالها، خولف في النسيان لمصلحة الاستدراك، فيبقي في العمد علي أصله.

مسألة 184: يحرم أخذ الأجرة علي الأذان
اشارة

- و به قال أبو حنيفة، و أحمد، و الأوزاعي(1) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لعثمان بن أبي العاص:

(اتخذ مؤذّنا لا يأخذ علي الأذان أجرا)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال: «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي إذا صليت فصلّ صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذنّ مؤذّنا يأخذ علي أذانه أجرا»(3) ، و لأنها قربة لنفسه فيحرم فيها الأجرة كالصلاة.

و قال المرتضي: يكره، عملا بالأصل(4). و قال الشافعي، و مالك بالجواز؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه(5) ، و الملازمة ممنوعة.

فروع:
أ - يجوز أخذ الرزق عليه إجماعا؛

لحاجة المسلمين إليه و قد لا يوجد متطوع به.

ص: 81


1- المبسوط للسرخسي 140:1، بدائع الصنائع 152:1، المغني 460:1، الشرح الكبير 427:1، المجموع 127:3، فتح العزيز 198:3، المحلي 145:3-146، نيل الأوطار 44:2.
2- سنن الترمذي 409:1-209، سنن النسائي 23:2، سنن أبي داود 146:1-531، سنن ابن ماجة 236:1-714، مسند أحمد 217:4، مستدرك الحاكم 199:1.
3- الفقيه 184:1-870، التهذيب 283:2-1129.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 163.
5- المجموع 127:3، فتح العزيز 198:3، مغني المحتاج 140:1، المدونة الكبري 62:1، بلغة السالك 94:1، المغني 460:1، الشرح الكبير 428:1، المحلي 146:3، نيل الأوطار 44:2.
ب - يرزقه الإمام من بيت المال مع عدم التطوع،

و من خاص الإمام، قال الشيخ: و لا يعطيه من الصدقات، و لا من الأخماس؛ لأنّ لها أقواما مخصوصين(1).

و قال الشافعي: يعطيه من خمس خمس الغنيمة، و الفيء؛ لأنّه معدّ للمصالح. و أما أربعة أخماس الفيء فله قولان: أحدهما: أنه معدّ للمجاهدين، و الثاني: للمصالح(2) ، و سيأتي.

ج - إذا وجد المتطوع الأمين لم يرزق أحدا،

و لو وجد الفاسق قال الشافعي: جاز أن يرزق العدل(3). و لا بأس به، و لو احتاج البلد الي أكثر من مؤذن واحد رزق ما تندفع به الحاجة.

مسألة 185: تستحب الحكاية لسامع الأذان إجماعا؛
اشارة

لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر: «يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر اللّه علي كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي الأذان و أنت علي الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جل و قل كما يقول»(5).

قال ابن بابويه: روي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه(6).

ص: 82


1- المبسوط للطوسي 98:1.
2- الام 84:1، مختصر المزني: 13، المجموع 126:3، فتح العزيز 196:3-197.
3- المجموع 126:3، فتح العزيز 197:3.
4- صحيح البخاري 159:1، صحيح مسلم 288:1-383، سنن الترمذي 407:1-208، سنن أبي داود 144:1-522، سنن ابن ماجة 238:1-720، سنن النسائي 23:2، الجامع الصغير 106:1-691.
5- الفقيه 187:1-892.
6- الفقيه 189:1-904.
فروع:
أ - لو كان يقرأ القرآن قطعه، و حكي الأذان

للعموم، و لأنّ القراءة لا تفوت، و القول مع المؤذن يفوت، و به قال الشافعي(1).

ب - لو كان مصليا فرضا أو نفلا لم يحك الأذان

و اشتغل بصلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنّه يقطعه عن الإقبال علي الصلاة.

و قال مالك، و الليث: يعيد في النافلة خاصة إلاّ في الحيعلتين فإنه يقول فيهما: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم(3).

ج - لو حكي في الصلاة قال الشيخ: لا تبطل صلاته؛

لجواز الدعاء فيها إلاّ أنه لا يقول: حي علي الصلاة؛ لأنه ليس بتحميد و لا تكبير بل هو كلام الآدميين، فإن قال بدلا من ذلك: لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه. لم تبطل(4) ، و به قال الشافعي(5).

د - لو فرغ من صلاته و لم يحكه فيها كان مخيرا بين الحكاية و عدمها،

قال الشيخ: لا مزية لأحدهما من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه تسبيحا و تكبيرا(6).

و قال الشافعي: يستحب دون استحباب ما يسمعه في غير الصلاة(7).

ص: 83


1- الام 88:1، المجموع 118:3، فتح العزيز 205:3.
2- الام 88:1، المجموع 118:3، فتح العزيز 205:3، مغني المحتاج 140:1.
3- المدونة الكبري 59:1-60، بلغة السالك 93:1، المنتقي للباجي 131:1، المجموع 120:3.
4- المبسوط للطوسي 97:1.
5- الام 88:1، المجموع 118:3، فتح العزيز 205:3.
6- المبسوط للطوسي 97:1.
7- انظر المجموع 118:3 و 120.
ه - روي أنه يستحب إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه، أن يقول: و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه

وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، رضيت باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا، و بالأئمة الطاهرين أئمة. و يصلّي علي النبي و آله عليهم السلام، و يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته، و ارزقني شفاعته يوم القيامة(1).

و - قال الصادق عليه السلام: «من قال حين يسمع أذان الصبح:

اللهم إني أسألك بإقبال نهارك، و إدبار ليلك، و حضور صلواتك، و أصوات دعاتك أن تتوب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، و قال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا»(2).

ز - لو نقص المؤذن استحب له إتمام ما نقصه

تحصيلا لكمال السنّة، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا نقّص المؤذن الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه»(3).

ح - ليس من السنّة أن يلتفت الإمام بعد الفراغ من الإقامة يمينا و شمالا

و لا يقول: استووا يرحمكم اللّه لعدم دليله.

مسألة 186: لو أحدث في الصلاة أعادها

و لم يعد الإقامة، لأن الطهارة ليست شرطا فيها فلا تؤثر في إعادتها.

أما لو تكلم أعاد الإقامة و الصلاة لقول الصادق عليه السلام: «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة»(4).

ص: 84


1- المبسوط للطوسي 97:1.
2- الفقيه 187:1-890.
3- التهذيب 280:2-1112.
4- التهذيب 55:2-191، الإستبصار 301:1-1112.
مسألة 187: لو صلّي خلف من لا يقتدي به أذن لنفسه و أقام،

و لو خاف فوت الصلاة اقتصر علي تكبيرتين، و قد قامت الصلاة لأن ذلك أهم فصول الإقامة.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتم بصاحبه فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع الإمام فليقل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، و ليدخل في الصلاة»(1).

قال الشيخ: و قد روي أنه يقول ما يتركه من قول حي علي خير العمل(2).

مسألة 188: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة قام المصلون

- و به قال مالك، و أحمد(3) - لأنه وقت المبالغة في الاستدعاء الي القيام كما في إيجاب البيع، و لأن حفص بن سالم سأل الصادق عليه السلام إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة أ يقوم القوم علي أرجلهم أو يجلسون حتي يجيء إمامهم ؟ قال:

«بل يقومون علي أرجلهم، فإن جاء إمامهم و إلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم»(4).

و قال الشافعي: إذا فرغ المؤذن من الإقامة(5) ، و قال أبو حنيفة: إذا قال: حي علي الصلاة، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبّر(6).

ص: 85


1- الكافي 306:3-22، التهذيب 281:2-1116.
2- المبسوط للطوسي 99:1.
3- المغني 538:1، الشرح الكبير 538:1، المجموع 253:3.
4- الفقيه 252:1-1137، التهذيب 285:2-1143.
5- المجموع 253:3، مغني المحتاج 252:1، المغني 538:1، الشرح الكبير 538:1.
6- المجموع 253:3، المغني 538:1، الشرح الكبير 538:1، بداية المجتهد 147:1.

ص: 86

المقصد الثاني: في أفعال الصلاة و تروكها
اشارة

و كلّ منهما إمّا واجب أو ندب، و يجب معرفة ذلك كلّه إمّا بالدليل، أو التقليد للمجتهد، فلو قلّد غير مجتهد في الأحكام لم تصح صلاته.

و يجب إيقاع كلّ من الواجب و الندب علي وجهه فلو أوقع الواجب علي جهة الندب بطلت صلاته لعدم الامتثال.

و لو أوقع الندب علي جهة الوجوب فإن كان ذكرا فيها بطلت صلاته؛ إذ المأتي به غير مشروع فيدخل تحت من تكلّم في الصلاة عامدا، و ليس الجهل عذرا - خلافا للشافعي - لأنه لم يوقعه علي وجهه فلا يكون من الصلاة، و احتجاجه بأن السنة تؤدي بنية الفرض - ممنوع.

و إن كان فعلا فإن كان كثيرا أبطل الصلاة و إلاّ فلا.

و أنا أسوق إليك إن شاء اللّه تعالي الأفعال الواجبة، و هي القيام، و النية، و تكبيرة الإحرام، و القراءة، و الركوع و السجود، و أذكارهما، و التشهد، و في التسليم قولان، ثم أعقب بالمندوبة، ثم أتلو ذلك كله بالتروك في فصول

ص: 87

ص: 88

الفصل الأول: الأفعال الواجبة.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأول: في القيام
مسألة 189: القيام واجب في الصلاة الواجبة إجماعا، و ركن فيها،

لقوله تعالي وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1) أي مطيعين، و لقوله عليه السلام لرافع ابن خديج: (صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلي جنب)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في المريض: «يصلّي قائما، فإن لم يقدر علي ذلك صلّي جالسا»(3).

و لا فرق في وجوبه بين أن يعجز عن الركوع و السجود مع القدرة علي

ص: 89


1- البقرة: 238.
2- صحيح البخاري 60:2، سنن أبي داود 250:1-952، سنن الترمذي 208:2-372، سنن ابن ماجة 386:1-1223، مسند أحمد 426:4، سنن الدارقطني 380:1-3، سنن البيهقي 304:2 و في الجميع عن عمران بن الحصين فلاحظ.
3- الفقيه 235:1-1033، التهذيب 176:3-393.

القيام، و بين أن لا يعجز عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - فيقوم و يومئ للركوع و السجود للآية و الأخبار(2) ، و لأن القيام ركن فلا يسقط بعجزه عن غيره كالقراءة.

و قال أبو حنيفة، و صاحباه: إذا عجز عن الركوع و السجود دون القيام سقط عنه القيام، لأنّ كلّ صلاة لا يجب فيها الركوع و السجود لا يجب فيها القيام(3) ، كالنافلة علي الراحلة، و النافلة لا يجب فيها شيء من ذلك بخلاف الفريضة.

مسألة 190: و حدّ القيام الإقلال منتصبا

مسألة 190: و حدّ القيام الإقلال(4) منتصبا

مع القدرة فلا يجوز له الاتكاء و الاستناد من غير حاجة بحيث لو سلّ السناد لسقط، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يكره الاستناد(5).

فإن عجز عن الإقلال جاز أن يستند الي جدار و غيره، و أن يتكيء عليه منتصبا علي أي جانبيه شاء - و هو أحد وجهي الشافعي(6) - لوجود المقتضي للقيام، و هو الأمر فلا يسقط بالعجز عن هيئته، و لقول الصادق عليه السلام:

«لا تستند الي جدار و أنت تصلي إلاّ أن تكون مريضا»(7) و للشافعي قول بسقوط القيام في هذه الحالة(8).

ص: 90


1- المجموع 263:3، فتح العزيز 284:3، مغني المحتاج 154:1، المغني 814:1.
2- إشارة الي الآية 238 من سورة البقرة، و للأخبار: انظر علي سبيل المثال الفقيه 1: 235-1033 و صحيح البخاري 60:2.
3- المبسوط للسرخسي 213:1، اللباب 100:1، المغني 814:1.
4- الإقلال: التحمل و التمكن. انظر النهاية لابن الأثير 103:4 و مجمع البحرين 453:5 «قلل».
5- المجموع 259:3، فتح العزيز 284:3، مغني المحتاج 154:1.
6- المجموع 260:3، فتح العزيز 284:3، مغني المحتاج 154:1.
7- الفقيه 198:1-917، التهذيب 176:3-394.
8- المجموع 260:3، فتح العزيز 284:3، مغني المحتاج 154:1.

و لو عجز عن الانتصاب قام منحنيا، و المعتبر نصب الفقار فلا يضر إطراق الرأس، و لا يجوز له مع القدرة أن ينحني قليلا و لا كثيرا، و هو أظهر وجهي الشافعي، و في الآخر: يجوز في اليسير(1).

تذنيب: يستحب حال قيامه أن يفصل بين رجليه من أربع أصابع إلي شبر، و أن يستقبل بأصابعهما القبلة، و قال بعض علمائنا: يجب(2). و ليس بمعتمد للأصل.

مسألة 191: القيام ركن مع القدرة،

لو أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته لعدم الامتثال، و يجب مدّة القراءة فلو ركع قبل إكمالها مع القدرة بطلت صلاته، و لو عجز عنه مدة القراءة وجب أن يقوم مدة قدرته، لأنّ القيام يجب في جميع القراءة فالعجز عن البعض لا يسقط الآخر.

و لو عجز عن القيام و كان كالراكع خلقة لكبر و غيره، وجب أن يقوم بقدر مكنته، و هو الأظهر من مذهبي الشافعي، و في الآخر: يقعد لئلاّ يتأدي القيام بهيئة الركوع(3) ، و الوقوف علي هيئة الراكع أقرب الي القيام فيجب، فإذا ركع وجب أن ينحني يسيرا ليفرق بين ركوعه و قيامه. و يحتمل السقوط؛ لأنّ ذلك واجب الركوع.

مسألة 192: و لو عجز عن القيام أصلا صلّي قاعدا
اشارة

بإجماع العلماء، و في حدّ العجز روايتان، إحداهما: المصير الي ظنّه بانتفاء قدرته علي الإقلال و الاتكاء لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟ قال: «إنّ الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه إذا قوي

ص: 91


1- المجموع 261:3، فتح العزيز 284:3، مغني المحتاج 154:1.
2- قاله الشيخ في النهاية: 70 و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 142.
3- المجموع 262:3، فتح العزيز 284:3.

فليقم»(1) و قال الباقر عليه السلام: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه»(2).

الثانية: العجز عن المشي قدر الصلاة؛ لأنّ سليمان بن حفص قال:

قال الفقيه عليه السلام: «المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها علي المشي مقدار صلاته إلي أن يفرغ قائما»(3) و الأولي أولي.

و لو عجز عن القيام و قدر علي المشي وجب المشي و لا يصلّي حينئذ قاعدا.

فروع:
أ - لو صلّي قاعدا لعجزه و تمكّن من القيام للركوع وجب،

لأنّها حالة يجب فيها القيام فلا يسقط مع القدرة.

ب - لو صلّي قاعدا و عجز عن الركوع و السجود أومأ بهما

كما يومي القائم للضرورة، و يدني جبهته من الأرض إلي أقصي ما يقدر عليه، و لو قدر أن يسجد علي صدغه وجب لقرب جبهته من الأرض.

ج - لو افتقر الي نصب مخدة و شبهها جاز

و لم يجز الإيماء، لأنه أتم من الإيماء - و جوّزه الشافعي، و أبو حنيفة(4) - و لا فرق بين أن يكون علي فخذيه، أو علي يديه، أو علي الأرض. و قال الشافعي: إن وضعها علي يديه لم يجزئ لأنّه سجد علي ما هو حامل له(5). و نمنع بطلان اللازم.

مسألة 193: يستحب للقاعد أن يتربع قارئا،

و يثني رجليه راكعا، و يتورك

ص: 92


1- الكافي 410:3-3، التهذيب 169:2-673 و 177:3-400.
2- التهذيب 177:3-399.
3- التهذيب 178:3-402.
4- الام 81:1، المجموع 436:3 و 312:4، فتح العزيز 468:3، المهذب للشيرازي 108:1، المبسوط للسرخسي 218:1، بدائع الصنائع 108:1.
5- الام 81:1.

متشهدا، لقول أحدهما عليهما السلام: «كان أبي عليه السلام إذا صلّي جالسا تربع، فإذا ركع ثني رجليه»(1).

و للشافعي قولان، أحدهما: يتربع حالة القيام و يفترش متشهدا كالقائم - و به قال مالك، و الثوري، و أبو يوسف، و أحمد، و إسحاق، و الليث(2) - لأن عائشة قالت: رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يصلّي النفل متربعا(3). و لأن هذا الجلوس بدل عن القيام فينبغي أن يخالف هيئته هيئة غيره كمخالفة القيام لغيره، الثاني: أنه يجلس كما يجلس في التشهد(4).

و عن أبي حنيفة روايتان: إحداهما كقولنا. و الثانية: يجلس كيف شاء لأنّ القيام سقط تخفيفا فتسقط هيئته(5) ، و هو غلط، لأنه سقط ما عجز عنه فلا يسقط غيره.

و قال زفر: يجلس مفترشا؛ لأنّ ابن مسعود كره التربع(6). و حديث النبيّ و الأئمة عليهم السلام أولي من [أثر](7) ابن مسعود.

مسألة 194: لو عجز عن القعود صلّي مضطجعا علي جانبه الأيمن

موميا مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالموضوع في اللحد - و به قال الشافعي،

ص: 93


1- الفقيه 238:1-1049، التهذيب 171:2-679.
2- المجموع 311:4، فتح العزيز 287:3، الوجيز 41:1، مغني المحتاج 154:1، المهذب للشيرازي 108:1، المدونة الكبري 76:1-77، بداية المجتهد 178:1، أقرب المسالك: 19، بلغة السالك 130:1، الشرح الصغير 130:1، السراج الوهاج: 42، القوانين الفقهية: 62، رحمة الأمة 41:1، بدائع الصنائع 106:1، المغني 812:1، الشرح الكبير 809:1.
3- سنن النسائي 224:3، سنن الدارقطني 397:1-3.
4- المجموع 311:4، فتح العزيز 287:3، الوجيز 41:1، مغني المحتاج 1: 154، المهذب للشيرازي 108:1، السراج الوهاج: 42، رحمة الأمة 41:1.
5- بدائع الصنائع 106:1، اللباب 99:1، المغني 812:1، الشرح الكبير 809:1، فتح العزيز 287:3، رحمة الأمة 41:1.
6- سنن البيهقي 306:2 و انظر المجموع 311:4، بدائع الصنائع 106:1، بداية المجتهد 178:1.
7- الزيادة يقتضيها السياق.

و أحمد(1) - لقوله تعالي اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي جُنُوبِهِمْ (2) تلاها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لعمران بن حصين حين قال له: (صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلي جنبك)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام علي جانبه الأيمن و يومي بالصلاة، فإن لم يقدر علي جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز و يستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء»(4).

و للشافعي قول آخر: أنه يستلقي علي ظهره و يجعل رجليه إلي القبلة - و به قال أبو حنيفة - لأنّه أمكن للتوجه إلي القبلة(5). و هو ممنوع؛ لأنه حينئذ يستقبل السماء.

إذا عرفت هذا فإنّه يكون معترضا بين يدي القبلة، و لو اضطجع علي شقه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز، و لبعض الشافعية: تكون رجلاه في القبلة حتي إذا ما أومأ يكون إيماؤه إلي ناحية القبلة(6).

مسألة 195: لو عجز عن الاضطجاع صلّي مستلقيا علي قفاه

موميا برأسه،

ص: 94


1- المجموع 316:4، فتح العزيز 290:3، الوجيز 41:1، المهذب للشيرازي 108:1، مغني المحتاج 155:1، السراج الوهاج: 43، المغني 815:1، العدة شرح العمدة: 99، المحرر في الفقه 124:1-125، حاشية اعانة الطالبين 137:1.
2- آل عمران: 191.
3- صحيح البخاري 60:2، سنن أبي داود 250:1-952، سنن الترمذي 208:2-372، سنن ابن ماجة 386:1-1223، مسند أحمد 426:4، سنن البيهقي 304:2.
4- التهذيب 175:3-392.
5- المجموع 316:4، فتح العزيز 290:3، المبسوط للسرخسي 213:1، اللباب 100:1، بدائع الصنائع 106:1.
6- المجموع 317:4، فتح العزيز 291:3.

فإن عجز عن الإيماء بالرأس أومي بعينيه - و به قال الشافعي(1) - لأن عليا عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: يصلّي المريض قائما فإن لم يستطع صلّي جالسا، فإن لم يستطع صلّي علي جنب مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلّي مستلقيا علي قفاه و رجلاه في القبلة و أومي بطرفه»(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «المريض إذا لم يقدر علي الصلاة جالسا صلّي مستلقيا يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد و ينصرف»(3).

و قال أبو حنيفة: تسقط الصلاة و يقضي، لأنّه عجز عن القيام و عمّا يقوم مقامه(4). و هو ممنوع، و قال مالك: تسقط و لا يقضي(5).

إذا عرفت هذا فإنّه يصلّي بالإيماء، فإن عجز جعل الإيماء بطرف العين، فإن لم يقدر أجري أفعال الصلاة علي قلبه و حرك بالقراءة و الذكر لسانه، فإن لم يقدر أخطرها بالبال، و كذا الأعمي، أو وجع العين يكتفي بالأذكار.

مسألة 196: لو كان به رمد و هو قادر علي القيام فقال العالم بالطب: إذا صلّي مستلقيا رجي له البرء. جاز ذلك
اشارة

- و به قال أبو حنيفة، و الثوري(6) -

ص: 95


1- السراج الوهاج: 43، مغني المحتاج 155:1، كفاية الأخيار 77:1، حاشية اعانة الطالبين 137:1.
2- سنن البيهقي 307:2، سنن الدارقطني 42:2-1.
3- الكافي 411:3-12، الفقيه 235:1-1033، التهذيب 176:3-393.
4- شرح فتح القدير 459:1، بدائع الصنائع 107:1، اللباب 100:1.
5- فتح العزيز 291:3.
6- المبسوط للسرخسي 215:1، بدائع الصنائع 106:1، المغني 816:1.

للمشقة فيسقط موجبها، و لأنّ الصوم يترك للرمد.

و قال مالك، و الأوزاعي: لا يجوز(1) ؛ لأنّ ابن عباس لم ترخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا(2).

فروع:
أ - لا يجوز أن يأتم القائم بالقاعد،

و قال الشافعي: يلزمه القيام(3).

و قال أحمد: يصلّي جالسا كإمامه(4). و سيأتي.

ب - لو كان يقدر علي القيام لم يسقط بجهله بالقراءة و الذكر

بل يجب عليه القيام، و به قال الشافعي(5) ، و قال مالك: لا يلزمه القيام(6).

ج - لو كان لا يتمكّن من القيام إلاّ بمعاون وجب

فإن لم يجد المتبرع استأجر و إن زاد علي أجرة المثل وجوبا، فإن عجز صلّي جالسا.

د - لو صلّي في السفينة و خاف دوران رأسه مع القيام و لم يقدر علي الشط صلّي جالسا

للضرورة، و قال الشافعي: يجب القيام(7).

ه - لو خاف من القيام أن يراه العدوّ صلّي قاعدا و أجزأه

للضرورة، و هو أصح وجهي الشافعي، و في الآخر: يقضي(8)

ص: 96


1- المدونة الكبري 78:1، المجموع 314:4، المغني 816:1.
2- سنن البيهقي 309:2.
3- الام 171:1، مختصر المزني: 22، مغني المحتاج 240:1.
4- المغني 50:2، الشرح الكبير 50:2، العدة شرح العمدة: 96، المحرر في الفقه 105:1.
5- المجموع 379:3، فتح العزيز 343:3، مغني المحتاج 160:1، المهذب للشيرازي 80:1.
6- المجموع 379:3، فتح العزيز 340:3.
7- كذا في «م و ش»، و الموجود في المصادر الآتية: لا يجب القيام. انظر: المجموع 242:3 و 310:4، حاشية إعانة الطالبين 136:1، مغني المحتاج 153:1، رحمة الأمة 41:1، الميزان 138:1.
8- الام 223:1، المجموع 275:3، مغني المحتاج 153:1.
و - الكمين إذا صلّوا في وهدة قعودا صحت صلاتهم،

لأنّ لهم غرضا و هو التوصل الي قهر العدو، و للشافعية وجهان(1).

ز - لو تمكن من القيام منفردا، و عجز في الجماعة لتطويل الإمام لم تجز له الجماعة،

و قال الشافعي: يجوز فيجلس إذا عجز(2).

ح - كلّ ذي عذر يمنعه عن القيام و القعود يصلّي مستلقيا

دفعا للحرج لأن الصادق عليه السلام جوّزه و قال: «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أباحه لمن اضطر إليه»(3) و قال مالك: لا يجوز(4). و ليس بجيد.

مسألة 197: ينتقل كلّ من القادر و العاجز عن حالة إلي أخري

عند حصول سببها، فلو قدر القاعد علي القيام وجب و يبني - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أبو يوسف(5) - لأنّ زوال العذر إذا لم يورث عملا طويلا لم يبطل الصلاة.

و قال محمد: تبطل و لا يبني إحداهما علي الأخري فإن لم يفعل بطلت صلاته - و هو أحد قولي الشافعي(6) - لأنّه قادر علي الامتثال و لم يفعل.

و إن قام فإن كان الخفّ قبل القراءة قام ثم قرأ، و لا يجوز أن يقرأ و هو آخذ في القيام؛ لأنّ فرض القراءة توجه عليه في حالة الانتصاب و هو قادر،

ص: 97


1- الام 223:1، المجموع 275:3، مغني المحتاج 153:1.
2- الام 81:1، المجموع 313:4، المهذب للشيرازي 108:1، مغني المحتاج 1: 153، حاشية إعانة الطالبين 136:1.
3- الفقيه 235:1-1035، التهذيب 306:3-945.
4- المدونة الكبري 77:1، بلغة السالك 130:1، أقرب المسالك 19:1، القوانين الفقهية: 62، المغني 815:1.
5- الام 81:1، المجموع 318:4 و 321، فتح العزيز 296:3، المهذب للشيرازي 108:1، مغني المحتاج 155:1، المبسوط للسرخسي 218:1، الهداية للمرغيناني 77:1-78، بدائع الصنائع 108:1، اللباب 101:1.
6- المجموع 321:4، بدائع الصنائع 108:1، الهداية للمرغيناني 78:1، اللباب 101:1.

فإن فعل استأنف.

و إن كان في الأثناء سكت الي أن ينتصب، و ليس له القراءة في حالة أخذه للقيام كما تقدم، فإذا انتصب تخيّر بين الاستئناف ليقع جميع القراءة منتصبا، و بين الإتمام للإجزاء فيما فعل.

و إن قدر بعد القراءة وجب أن يقوم للركوع، و لا يجب عليه الطمأنينة في هذا القيام، و هل يستحب له إعادة القراءة ؟ قال الشافعي: نعم(1).

و ليس بجيّد لأنّ القراءة لا تتكرر في الركعة الواحدة و قد فعل المأمور به.

و لو خف في ركوعه قبل الطمأنينة وجب أن يرتفع منحنيا الي حدّ الراكعين، و لا يجوز له أن ينتصب ثم يركع لئلاّ يزيد ركوعا، و لو خف بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه.

و إن خف في الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فعليه أن يقوم بالاعتدال و يطمئن فيه، و إن اطمأن فهل عليه أن يقوم ليسجد عن قيام ؟ إشكال، و للشافعي وجهان(2) ، و لو عجز حالة القيام عنه قعد، فإن اتفق حال القراءة قعد قارئا؛ لأن الهوي أكمل من القعود.

و لو صلّي بالإيماء فقدر علي القعود وجب، و كذا لو قدر علي القيام و لا تبطل صلاته بل يتم، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة، و صاحباه: تبطل صلاته. مع أن أبا حنيفة قال:

القاعد إذا قدر علي القيام قام و بني، و القائم إذا عجز عنه يقعد، فأمّا المضطجع إذا قدر علي القيام أو علي القعود بطلت صلاته و لا يبني عليها،1.

ص: 98


1- المجموع 320:4، فتح العزيز 297:3، مغني المحتاج 155:1.
2- المجموع 321:4، فتح العزيز 289:3، مغني المحتاج 155:1.
3- المجموع 318:4، فتح العزيز 296:3، مغني المحتاج 155:1، المهذب للشيرازي 108:1.

و كذا القاعد إذا عجز عن القعود لا يضطجع بل يستأنف. و حاصل مذهبه أن الاضطجاع لا يبني علي القيام، و لا علي القعود، و لا بالعكس(1).

مسألة 198: لا يجب القيام في النافلة إجماعا

و إن كان قادرا، لأن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص قال لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: بلغني انك قلت:

صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة، و أنت تصلي قاعدا؟ فقال: (أجل و لكني لست كأحد منكم)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ و أنت جالس، فإذا بقي من السورة آيتان فقم فأتم ما بقي و اركع و اسجد»(3) و لأن النوافل تكثر فلو لا تسويغ الجلوس لزم المشقة.

و هل يجوز مضطجعا مع القدرة علي القعود، و القيام ؟ إشكال ينشأ من عدم وجوبها فلا تجب كيفيتها، و من أنّه يمحو صورة الصلاة. و للشافعية قولان(4). و لو قلنا بجواز الاضطجاع فالأقرب جواز الإيماء للركوع و السجود.

و إذا صلي جالسا استحب احتساب كلّ ركعتين بركعة من قيام، و هل يحتسب في الاضطجاع كذلك، أو أربعا؟ نظر؛ لعدم التنصيص.

البحث الثاني: النية
مسألة 199: النية ركن بمعني أنّ الصلاة تبطل مع الإخلال بها

عمدا

ص: 99


1- المبسوط للسرخسي 218:1، بدائع الصنائع 108:1، شرح فتح القدير 460:1، اللباب 101:1.
2- سنن أبي داود 250:1-950، سنن النسائي 223:3، سنن الدارمي 321:1، الموطأ 1: 136-19، مسند أحمد 162:2 و 203.
3- الفقيه 238:1-1046، التهذيب 295:2-1188.
4- المجموع 276:3، الوجيز 42:1، فتح العزيز 299:3، السراج الوهاج: 43، مغني المحتاج 155:1.

و سهوا بإجماع العلماء لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1) و لا يتحقق الإخلاص من دونها، و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات)(2).

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «لا عمل إلاّ بالنيّة»(3).

و لأنّ الأفعال يمكن أن تقع علي وجوه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلاّ بالنيّة.

و هي عبارة عن القصد، فمحلّها القلب، و لا اعتبار فيها باللّسان عندنا لافتقار تخصيص الأفعال بالوجوه و الاعتبارات إلي الإرادة، و هي من أفعال القلوب، و لا أثر للّفظ في الاختصاص، فيسقط اعتباره، و قال بعض الشافعية: يستحب التلفظ بها مع القصد. و قال بعضهم: يجب(4).

و كلاهما ممنوع.

و هل هي شرط أو جزء من الصلاة، لأنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة و إلاّ لتعلّقت بنفسها؟ إشكال.

مسألة 200: و كيفيتها أن يقصد إيقاع صلاة معينة لوجوبها أو ندبها،
اشارة

أداء أو

ص: 100


1- البينة: 5.
2- التهذيب 186:4-519، أمالي الطوسي 231:2 و صحيح البخاري 2:1، صحيح مسلم 3: 1515-1907، سنن الترمذي 179:4-6147، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، مسند الطيالسي: 9، سنن البيهقي 341:7، مسند الحميدي 1: 16-28، شعار أصحاب الحديث: 45، المحرر في الحديث 651:2-1199، الجامع الكبير 288:1، الجامع الصغير 5:1-1، الايمان لابن مندة 363:1، الأذكار للنووي: 13، متن عمدة الاحكام: 20 (باختلاف يسير في بعضها).
3- التهذيب 186:4-520، الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 378.
4- المجموع 277:3، فتح العزيز 263:3، مغني المحتاج 150:1، حاشية اعانة الطالبين 130:1، المهذب للشيرازي 77:1، السراج الوهاج 41:1.

قضاء، متقربا الي اللّه تعالي.

أمّا قصد الصلاة فهو واجب إجماعا فلا يكفي فعلها من غير قصدها.

و أمّا التعيين فواجب عند علمائنا أجمع، فيأتي بظهر، أو عصر، أو جمعة. و لا تكفي نية فريضة الوقت عن نيّة الظهر أو العصر مثلا، و هو أصح وجهي الشافعية، و في وجه: الاكتفاء(1).

و لا يصح الظهر بنية الجمعة، و للشافعية وجه ضعيف(2). و لا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر، و هل تصح بنية ظهر مقصورة ؟ الأقرب المنع، خلافا للشافعي(3).

و أما الفرضية أو الندبية فلا بدّ من التعرض لهما عندنا - و هو أحد وجهي الشافعي(4) - لأن الظهر مثلا تقع علي وجهي الفرض و النفل كصلاة الصبي، و من أعادها للجماعة فلا يتخصص بأحدهما إلاّ بالقصد.

و قال أبو حنيفة: تكفي صلاة الظهر عن نية الفرض - و به قال ابن أبي هريرة من الشافعية - لأن الظهر لا تكون إلاّ واجبة(5). و تقدم بطلانه.

و أما الأداء أو القضاء فهو شرط عندنا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأن الفعل مشترك بينهما فلا يتخصص بأحدهما إلاّ بالنيّة إذ القصد بها تمييز بعض1.

ص: 101


1- المجموع 279:3، فتح العزيز 261:3، حاشية اعانة الطالبين 127:1، كفاية الأخيار 63:1.
2- المجموع 279:3، فتح العزيز 261:3.
3- المجموع 279:3، فتح العزيز 261:3.
4- المجموع 279:3، الوجيز 40:1، فتح العزيز 261:3، مغني المحتاج 149:1، السراج الوهاج: 41، حاشية اعانة الطالبين 128:1، المهذب للشيرازي 77:1، كفاية الأخيار 63:1.
5- المهذب للشيرازي 77:1، المبسوط للسرخسي 10:1، بدائع الصنائع 128:1، شرح فتح القدير 233:1، اللباب 63:1.

الأفعال عن بعض، و الآخر: لا يشترط(1) ، لأنّه لو صلّي في يوم غيم ثم بان أنه صلّي بعد الوقت أجزأه و إن لم ينو الفائتة، و كذا لو اعتقد فوات الوقت فنوي القضاء ثم بان الخلاف.

و الفرق ظاهر، فإنه نوي صلاة وقت بعينه، و هو ظهر هذا اليوم فكيف وقعت أجزأه، سواء وقعت أداء أو قضاء لأنه عين وقت وجوبها، و يجري مجري من نوي صلاة أمس فإنه تجزئه عن القضاء، و إنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر إذا صلّي وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة فإنّ هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت عندنا، و تقع عند المجوزين.

و إذا كان نسي أنه صلّي فصلّي ثانيا ينوي صلاة الفريضة فإنّه لا تجزئه عن القضاء عندنا، و هل تقع نافلة ؟ للشافعي وجهان(2) ، و تجزي عن القضاء عند الآخرين(3) ، و يلزمهم أنّ من اعتقد دخول الوقت و لم يكن دخل فصلّي ظهره أنها تجزئه عن الفائتة.

و أمّا التقرب الي اللّه تعالي فلا بدّ منه عندنا، لأنّ الإخلاص يتحقق به، و للشافعية وجه آخر: عدم الوجوب؛ لأن العبادة لا تكون إلاّ للّه(4).

فروع:
أ - لو نوي أداء فرض الظهر أجزأه

علي الأقوي لأنّ الظهر عرفا اسم للصلاة، و للشافعية وجهان: أحدهما: المنع؛ لأنه اسم للوقت دون العباد(5)

ص: 102


1- المجموع 279:3، فتح العزيز 262:3، المهذب للشيرازي 77:1، كفاية الأخيار 63:1، السراج الوهاج: 41، مغني المحتاج 149:1.
2- لم نعثر عليهما في المصادر المتوفرة بأيدينا.
3- لم نعثر عليهما في المصادر المتوفرة بأيدينا.
4- المجموع 279:3، فتح العزيز 262:3، كفاية الأخيار 63:1، الوجيز 40:1، مغني المحتاج 1، 149، السراج الوهاج: 41.
5- المجموع 279:3، فتح العزيز 261:3، كفاية الأخيار 63:1.

فلا بدّ و أن يقول: فريضة صلاة الظهر و إلاّ لم يقصد أداء العبادة.

ب - لو نوي القضاء لم يصح به الأداء

و بالعكس - و للشافعي وجهان(1) - لأنّ قصد الأداء مع العلم بخروج الوقت و القضاء مع العلم ببقائه عبث و ملاعبة بالصلاة.

ج - النوافل المقيدة كصلاة الاستسقاء، و العيد المندوب لا بدّ فيه من نية الفعل

و التقييد، أما غير المقيدة كصلاة الليل، و سائر النوافل فتكفي نية الفعل عن القيد.

و قال الشافعي: لا بد في الرواتب من تعيين إضافتها إلي الفرائض في وجه. و في آخر: يشترط في ركعتي الفجر خاصة، و في الوتر لا يضيفها الي العشاء(2) و في التعرض للنفلية إشكال ينشأ من أصالتها، و الشركة.

د - لو نوي الفرض قاعدا و هو قادر علي القيام لم تنعقد صلاته

فرضا قطعا و لا نفلا - و هو أصح وجهي الشافعي(3) - لأنه متلاعب بصلاته، و لأنه نوي الفرض و لم يحصل له فأولي أن لا يحصل ما لم ينوه، و كذا في التحريم بالظهر قبل الزوال، و بالجملة كل حال ينافي الفريضة دون النفلية.

ه - لو نوي في النفل عددا جاز له الزيادة عليه و النقصان منه.
و - لا بدّ من نية الائتمام، فلو صلّي خلفه من غير أن يقتدي به لم تكن صلاة جماعة

إجماعا، و لا يقع منفردا، و هو أحد وجهي الشافعي(4).

ص: 103


1- المجموع 280:3، فتح العزيز 262:3، كفاية الأخيار 63:1، السراج الوهاج: 41، مغني المحتاج 149:1.
2- المجموع 280:3-281، فتح العزيز 262:3-263.
3- المجموع 286:3-287، فتح العزيز 265:3، مغني المحتاج 150:1.
4- المجموع 201:4، فتح العزيز 363:4، الوجيز 57:1، السراج الوهاج: 74، كفاية الأخيار 83:1، مغني المحتاج 253:1.
ز - لا يجب اشتراط نيّة الإمام للإمامة،

فإذا تقدم و صلّي بقوم و لم ينو الإمامة صحت صلاته إجماعا، و تكون جماعة أيضا - و هو أحد قولي الشافعي - لأن سبب الفضيلة اجتماع القوم علي العبادة، و لهذا تزداد الفضيلة بكثرة العدد و إن لم يقصده الإمام، و في الآخر: لا تنعقد جماعة؛ لأنه لم ينوها(1).

و تظهر الفائدة فيما لو نوي صلاة الجمعة و وقف القوم خلفه و دخلوا معه و لم ينو الإمامة، فإن قلنا: تصح جماعته صحت جمعته و إلاّ فلا.

ح - يشترط في صلاة الجمعة نيّة الإمامة

لأنها لا تصح منفردا.

مسألة 201: لا يشترط نية عدد الركعات،

لانحصاره شرعا؛ فلو ذكره علي وجهه لم يضر، و لو أخطأ بأن نوي الظهر ثلاثا لم تصح صلاته.

و لا يشترط نية القصر و التمام؛ لأنّ الفرض متعين، و مع التخيير - كما لو كان في أحد الأماكن الأربعة - لا يتعين أحدهما بالنية بل يجوز أن يقصّر، و أن يتمّم و إن نوي الضد.

و لا يشترط نية الاستقبال بل الشرط أن يعلم كونه مستقبلا كما لا يشترط أن يقول: و أنا علي طهر، و قال بعض الشافعية: تجب(2). و ليس بشيء.

و لا يشترط تعيين اليوم؛ فلو نوي ظهر الجمعة صحت صلاته و إن أخطأ؛ لأنّ الوقت معين شرعا و قد نوي فرضه إلاّ أنه سمّي الوقت بغير اسمه فلا يضره الخطأ في التسمية.

أما في القضاء فيجب أن ينوي اليوم السابق علي اللاحق؛ و لا يجب عليه تعيين اليوم الذي فاتت فيه الصلاة، فإن عين و أخطأ لم يسقط فرضه، لأن

ص: 104


1- المجموع 202:4-203، فتح العزيز 366:4-367، الوجيز 57:1، كفاية الأخيار 81:1، مغني المحتاج 253:1، السراج الوهاج: 74.
2- المجموع 280:3، فتح العزيز 262:3، كفاية الأخيار 63:1، مغني المحتاج 149:1، حاشية اعانة الطالبين 130:1.

وقت الفعل غير متعين له بالشرع و إنما يقضي عن ذمته، فالواجبة لم ينوها و المنوية ليست واجبة.

و قال الشافعي: يكفيه أن ينوي قضاء فائتة الظهر الي أن يقضي جميع ظهر عليه، و لا يشترط التقييد بأول فائتة ظهر أو آخرها(1).

مسألة 202: لو فاتته صلاة نسي تعيينها، قال أكثر علمائنا: يصلّي أربعا، و ينوي إحدي الثلاث، و صبحا، و مغربا

مسألة 202: لو فاتته صلاة نسي تعيينها، قال أكثر علمائنا: يصلّي أربعا، و ينوي إحدي الثلاث، و صبحا، و مغربا(2).

و قال بعضهم: يصلّي خمس صلوات(3). و هو قول أكثر الشافعية(4).

و قال المزني: يصلّي أربع ركعات و يتشهد عقيب الثانية و الثالثة و الرابعة، و يجهر في الأوليين، و أجزأه؛ لأنّ الفائتة إن كانت صبحا فقد صلّي ركعتين إلاّ أنه صلّي ركعتين علي ظن أن عليه ركعتين فيصير كما لو غلط و قام و صلّي ركعتين بعد ما تشهد ساهيا، و إن كانت الفائتة المغرب فقد تشهد عقيب الثالثة، و إن كانت رباعية فقد صلّي أربعا و تشهده بعد الثالثة كأنه سهو(5).

مسألة 203: لو فاتته رباعية لم يدر أ ظهر أم عصر أجزأه نية مرددة

بينهما عند أكثر علمائنا(6).

ص: 105


1- المجموع 280:3، مغني المحتاج 149:1.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 24، و الشيخ الطوسي في النهاية: 127، و المبسوط 101:1 و 127، و الصدوق في المقنع: 32، و سلاّر في المراسم: 91، و ابن البراج في المهذب 126:1، و المحقق في المعتبر: 237.
3- قاله أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 150، و ابن زهرة في الغنية: 500.
4- الام 100:1، المجموع 71:3، المهذب للشيرازي 61:1.
5- المجموع 71:3، المهذب للشيرازي 61:1.
6- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 24، و الشيخ الطوسي في المبسوط 101:1 و 127، و ابن البراج في المهذب 126:1، و ابن إدريس في السرائر: 59.

و قال الشافعي: لا بدّ من الرباعية مرتين(1) ، و هو قول بعض علمائنا و قد سلف.

و لو نواهما جميعا في صلاة واحدة لم تجزئه؛ لأن تشريكه بينهما يمنع من وقوعها بإحداهما.

و لو دخل بنية إحداهما ثم شك فلم يدر أيتهما نوي لم يجزئه عن إحداهما، و لو شك هل دخلها بنية ثم ذكرها قبل أن يحدث عملا أجزأته، أما لو عمل بعد الشك فقد عري عن النيّة.

و لو صلّي الظهر و العصر و ذكر نسيان النية في إحداهما أو تعيين النيّة وجب عليه إعادة رباعية ينوي بها عمّا في ذمته إن ظهرا فظهرا و إن عصرا فعصرا، و عند الشافعي، و بعض علمائنا يعيدهما معا(2).

مسألة 204: وقت النيّة عند التكبير
اشارة

فلو تقدمت عليه بزمان يسير لم تصح صلاته - و به قال الشافعي(3) - لأن تكبيرة الإحرام أول أفعال العبادة فيجب أن تقارنها النيّة.

و قال أبو حنيفة، و أحمد: لو تقدمت بزمان يسير و لم يتعرض بشاغل أجزأه لأنّها عبادة من شرطها النيّة فجاز تقديم النية علي وقت الدخول فيها كالصوم(4).

ص: 106


1- الام 100:1، المجموع 72:3.
2- المجموع 289:3.
3- الام 99:1-100، المجموع 277:3، الوجيز 40:1، فتح العزيز 257:3، مغني المحتاج 152:1، المهذب للشيرازي 77:1، مختصر المزني: 14، فتح الوهاب 39:1، حاشية اعانة الطالبين 130:1، المغني 546:1، الشرح الكبير 529:1.
4- المبسوط للسرخسي 10:1، بدائع الصنائع 129:1، شرح فتح القدير 231:1، الهداية للمرغيناني 44:1، الكفاية 231:1 المغني 546:1، العدة شرح العمدة: 71، الشرح الكبير 529:1، المحرر في الفقه 52:1.

و الفرق جواز تقدم نيّة الصوم بالزمان الكثير.

إذا عرفت هذا فالواجب اقتران النيّة بالتكبير، بأن يأتي بكمال النيّة قبله ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل، و هذا تصح صلاته إجماعا.

و لو ابتدأ بالنيّة بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة - و هو أحد وجهي الشافعية - (1) لأنه قرن بالنية صلاته، و الآخر: لا تصح لأن التكبير من الصلاة فلا يقدم منه شيء علي تمام النيّة، و به قال داود(2).

فروع:
أ - لو قدّم النيّة علي التكبير فإن استصحبها فعلا حالة التكبير صحت صلاته

و إلاّ فلا، و لو عزبت قبل التكبير لم تنعقد و إن لم يطل الفصل، خلافا لأبي حنيفة(3).

ب - هل يجب استصحاب النيّة إلي تمام التكبير؟ الأقرب ذلك؛

لأنّ الشرط مقارنة النية عند الصلاة، و العقد لا يحصل إلاّ بتمام التكبير، و لهذا لو رأي المتيمم الماء قبل انتهاء التكبير بطل تيممه.

ج - لا يجب استصحاب النية إلي آخر الصلاة فعلا

إجماعا لما فيه من العسر لكن يجب حكما إلاّ في مواضع تأتي؛ فيمتنع عن القصود المنافية للنية الجازمة.

د - تحصل المقارنة بأن يحضر في العلم صفات الصلاة

التي يجب

ص: 107


1- المجموع 277:3، الوجيز 40:1، مغني المحتاج 152:1، كفاية الأخيار 64:1.
2- المحلي 232:3.
3- المبسوط للسرخسي 10:1، شرح فتح القدير 231:1، بدائع الصنائع 129:1.

التعرض لها و يقصد فعل هذا الذي أحضره في الذهن و يقرن قصده بأول التكبير و يستديمه الي آخره.

ه - لو فصل بين لفظتي الجلالة في آخر النيّة و ابتداء التكبير بقوله: تعالي 1 فإن استصحب النيّة فعلا صحت

و إلاّ بطلت لعدم الاقتران.

مسألة 205: يجب استدامة النية حكما
اشارة

حتي يفرغ من صلاته إجماعا فلو قصد ببعض الأفعال كالقيام، أو الركوع، أو السجود غير الصلاة بطلت صلاته.

و لو نوي الخروج من الصلاة في الحال، أو تردد، أو أنه سيخرج، قال الشيخ في الخلاف: لا تبطل صلاته(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنها عبادة صح دخوله فيها فلا تفسد إذا نوي الخروج منها كالحج و الصوم. ثم قوّي الشيخ البطلان(3) - و به قال الشافعي(4) - لأنه قطع حكم النية قبل إتمام الصلاة فأشبه إذا سلّم و نوي الخروج، و نمنع في الصوم، و الحج أن لا يخرج عنه بمحظوراته فهذا آكد.

فروع:
أ - لو نوي الخروج في الركعة الثانية، أو علّقه بما يوجد في الصلاة لا محالة احتمل البطلان؛

لأنه قطع موجب النيّة الجازمة، و عدمه في الحال، فلو رفض هذا القصد قبل البلوغ الي تلك الغاية صحت الصلاة.

ص: 108


1- الخلاف 307:1 مسألة 55.
2- المجموع 286:3، المغني 545:1، الشرح الكبير 529:1.
3- الخلاف 307:1 مسألة 55.
4- الأم 100:1، المجموع 282:3 و 285، الوجيز 40:1، فتح العزيز 258:3، كفاية الأخيار 63:1، المهذب للشيرازي 77:1، المغني 545:1، الشرح الكبير 529:1.

أما لو علق الخروج بما لا يتيقن حصوله في الصلاة كدخول زيد احتمل البطلان في الحال كما لو قصد ترك الإسلام إن دخل فإنه يكفر في الحال، و عدمه؛ لأنه ربما لا يدخل فيستمر علي مقتضي النية فإن دخل احتمل البطلان قضية للتعليق، و عدمه؛ لأنّها إذا لم تبطل حالة التعليق لم يكن للتردد أثر.

ب - لو عزم علي فعل ما ينافي الصلاة من حدث، أو كلام ثم لم يفعل لم تبطل صلاته؛

لأنّه ليس رافعا للنية الاولي، و يحتمل البطلان؛ للتنافي بين إرادتي الضدّين.

ج - لو شك هل أتي بالنيّة المعتبرة فإن كان في محله استأنفها،

و إن تجاوزه لم يلتفت و بني علي ما هو فيه.

و قال الشافعي: إن مضي مع الشك ركن فعلي كالركوع و السجود بطلت صلاته، و إن مضي ركن قولي كالفاتحة، و التشهد، و لم يطل الزمان فوجهان(1).

د - لو شك هل نوي ظهرا أو عصرا، أو فرضا أو نفلا فإن كان في موضعه استأنف،

و إن تجاوز محل النيّة فإن كان يعلم ما عليه فعله استمر عملا بالأصل و إلاّ استأنف ما يريد.

مسألة 206: لا يجوز نقل النية من صلاة إلي غيرها إلاّ في مواضع مستثناة

فلو نقل نيته من صلاة إلي أخري لم تصح ما نقل عنه حيث قطع حكمه، و لا ما عدل إليه لأنه لم ينوه في أول صلاته، أما لو صلّي بنية الظهر ثم نقل الي عصر فائت ذكره كان جائزا؛ للحاجة إلي استدراك فعل الفائت قبل الحاضر، و لو نقل الي عصر متأخر بطلت الصلاتان.

و لو نقل من فرض الي تطوع جاز في مواضع الإذن كطالب الجماعة،

ص: 109


1- المجموع 281:3، الوجيز 40:1، فتح العزيز 260:3، كفاية الأخيار 63:1-64.

و ناسي الأذان، و سورة الجمعة، و لا يجوز في غير مواضع الإذن؛ لأنه دخل مشروعا، و منع الشافعي؛ لأن النفل لم ينوه في أول الصلاة(1) ، و هو ممنوع لأنّ عنده النفل يدخل في الفرض و لهذا قال: لو صلّي قبل الوقت انعقدت نافلة(2).

و سأل عبد اللّه بن أبي يعفور، الصادق عليه السلام عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّي ركعة و هو يري أنها نافلة فقال: «إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة، و إنما تحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته»(3).

مسألة 207: لو نوي الرياء بصلاته أو ببعضها بطلت صلاته

لأنه لم يقصد القربة و هو شرط، و لو كان ذكرا مندوبا، أما زيادة علي الواجب من الهيئات كالطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة، و كذا الحكم لو نوي ببعض الصلاة غيرها.

و لو نوي المحبوس الأداء مع ظنه بالبقاء فبان الخروج أجزأ، و لو بان عدم الدخول أعاد لمشروعية القضاء دون السبق.

و لو ظن الخروج فنوي القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الإجزاء مع خروج الوقت، أما مع بقائه فالأقرب الإعادة.

و لا يجوز نقل النية من النفل الي الفرض فإن فعله بطلت(4) لأن الفرض أقوي فلا يبني علي الضعيف.

ص: 110


1- الام 100:1، المجموع 286:3-287، فتح العزيز 264:3، المغني 546:1.
2- المجموع 287:3، فتح العزيز 264:3، الوجيز 40:1.
3- التهذيب 343:2-1420 و 382-1594.
4- في نسخة (ش): بطلتا.

و قال بعض الشافعية: تصح نفلا لأنه لم يترك مما قصده شيئا بل طلب زيادة لم تحصل فيبقي ما شرع فيه(1). و هو غلط لاختلاف الوجهين.

و لو فرغ من الصلاة ثم شك هل أدي الظهر أو العصر احتمل أن يصلّي صلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته إن كانتا عليه، و الصرف الي ما يجب عليه أولا منهما.

البحث الثالث: التكبير
مسألة 208: تكبيرة الإحرام ركن في الصلاة

تبطل بتركها عمدا و سهوا، و لا تنعقد بمجرد النيّة - و هو قول عامّة العلماء - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يفتتح بالتكبير(2) الي أن فارق الدنيا، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(3) و قال صلّي اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتي يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول: اللّه أكبر)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة و غيره عن الرجل ينسي تكبيرة الافتتاح: «يعيد»(5).

و قال الزهري: تنعقد بالنيّة خاصة من غير لفظ قياسا علي الصوم و الحج(6). و الفرق أن الصلاة يعتبر الذكر في أوسطها و آخرها فاعتبر في أولها

ص: 111


1- حلية العلماء 74:2.
2- انظر علي سبيل المثال: الفقيه 200:1-921 و صحيح مسلم 292:1-390.
3- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، مسند أحمد 53:5، عوالي اللئالي 198:1 ذيل الحديث 8.
4- فتح العزيز 267:3، المبسوط للسرخسي 36:1، و ذكر ابن حجر نحوه و قال: هذا أقرب ما وجدته في السنن الي لفظ الحديث. انظر التلخيص الحبير 267:3.
5- التهذيب 142:2-556، الاستبصار 351:1-1325.
6- المجموع 290:3، عمدة القارئ 268:5، رحمة الأمة 40:1.

بخلاف الصوم.

مسألة 209: يشترط عين التكبير فلا يجزئ ما عداه

و إن تضمن الثناء علي اللّه تعالي - و به قال الشافعي، و الثوري، و أبو ثور، و داود، و إسحاق، و مالك، و أحمد، و أبو يوسف(1) - لمداومة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عليه(2).

و قال أبو حنيفة، و محمد: تنعقد بكل اسم للّه تعالي علي وجه التعظيم كقوله: اللّه عظيم، أو جليل، أو الحمد للّه، أو سبحان اللّه، أو لا إله إلا اللّه(3) - و لو قال: اللّه من غير وصف أو الرحمن ففيه عنه روايتان(4) ، فإن أتي باسم اللّه تعالي علي وجه النداء مثل يا اللّه لم تنعقد عنده، و كذا أستغفر اللّه(5) و به قال النخعي، و الحكم بن عيينة(6) - لأن هذا اللفظ ذكر للّه تعالي علي وجه التعظيم فأشبه التكبير، كالخطبة فإنه لا يعتبر لها لفظ معين، و كالإسلام، و ينتقض بقوله: يا اللّه اغفر لي.

و لأن في قوله: أكبر. معني العظمة و القدم قبل كلّ شيء، و لا يحصل

ص: 112


1- الام 100:1، المجموع 292:3، فتح العزيز 265:3، الوجيز 40:1، كفاية الأخيار 64:1، المهذب للشيرازي 77:1، بداية المجتهد 123:1، المغني 540:1، الشرح الكبير 540:1، المبسوط للسرخسي 36:1، عمدة القارئ 268:5، المحلي 233:3.
2- صحيح مسلم 301:1-401، سنن أبي داود 192:1 و 193 و 194-722 و 723 و 724 و 726 و 730 و 198-744 و 199-747، سنن ابن ماجة 264:1-803، سنن النسائي 126:2 و 129 و 130، سنن الدارمي 281:1 و 282.
3- المبسوط للسرخسي 35:1، اللباب 67:1، عمدة القارئ 268:5، الهداية للمرغيناني 47:1، شرح العناية 246:1، الجامع الصغير للشيباني: 95، المجموع 302:3، فتح العزيز 3: 266، بدائع الصنائع 130:1، الميزان 137:1، المغني 540:1، الشرح الكبير 540:1، رحمة الأمة 40:1، بداية المجتهد 123:1، نيل الأوطار 185:2، المحلي 233:3.
4- شرح فتح القدير 246:1، بدائع الصنائع 131:1، المجموع 303:3، حلية العلماء 76:2.
5- فتح العزيز 266:3 و 267.
6- الأصل: 14، مصنف ابن أبي شيبة 238:1.

بغيره، و حذف قولنا: (من غيره)، أو (من كل شيء) لعادة العرب بحذف ما يبقي من الكلام ما يدل عليه.

مسألة 210: و لا يجزئ من التكبير إلاّ قولنا: اللّه أكبر
اشارة

- و به قال مالك، و أحمد(1) - لمداومته صلّي اللّه عليه و آله عليه إلي أن فارق الدنيا(2) ، و هو يدل علي منع العدول عنه.

و قال الشافعي: ينعقد بقوله: اللّه أكبر، و بقوله: اللّه الأكبر معرّفا - و به قال الثوري، و أبو ثور، و داود، و إسحاق(3) و ابن الجنيد منّا، لكن كرهه(4) - لأنه لم يغيره عن لغته و معناه، و هو ممنوع؛ لأنه مع التنكير يكون فيه إضمار أو تقدير (من) بخلاف المعرّف.

فروع:
أ - لو غير الترتيب فقال: أكبر اللّه لم تنعقد

- و هو أحد قولي الشافعي - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله داوم علي قوله: اللّه أكبر(5) ، و لأن التقديم لاسم اللّه تعالي أولي، و الثاني: الجواز لأنه خبر فجاز تقديمه(6).

ص: 113


1- بداية المجتهد 123:1، المغني 540:1، الشرح الكبير 540:1، المجموع 3: 292 و 302، فتح العزيز 267:3، المبسوط للسرخسي 36:1، الهداية للمرغيناني 47:2، شرح العناية 247:1، المحلي 233:3.
2- انظر علي سبيل المثال الفقيه 200:1-921 و صحيح مسلم 292:1-390.
3- الام 100:1، المجموع 292:3 و 302، الوجيز 40:1، فتح العزيز 267:3، كفاية الأخيار 64:1 السراج الوهاج: 41، المهذب للشيرازي 77:1، فتح الوهاب 39:1، المغني 540:1، الشرح الكبير 540:1، المبسوط للسرخسي 36:1، الهداية 1: للمرغيناني 47:1، شرح العناية 247:1، بداية المجتهد 123:1.
4- حكي قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر: 168.
5- انظر علي سبيل المثال: الفقيه 200:1-921 و صحيح مسلم 292:1-390.
6- المجموع 292:3، الوجيز 41:1، فتح العزيز 268:3، كفاية الأخيار 64:1، السراج الوهاج: 42، المهذب للشيرازي 77:1.

و لو أضاف (أكبر) إلي أي شيء كان، أو قرنه بمن كذلك و إن عمّم و إن كان هو المقصود بطلت.

ب - لا يجوز الإخلال بحرف منه،

فلو حذف الراء(1) أو التشديد لم يصح، و كذا لا يجوز الزيادة فلو قال: «أكبار» لم تصح؛ لأنه جمع كبر و هو الطبل، فيبطل لو قصده، و إلاّ فلا، و كذا لا يجوز مد الهمزة في لفظة الجلالة و لا لفظة أكبر و إلاّ كان استفهاما.

ج - يشترط أن يأتي بهيئة التركيب،

فلو قاله علي حد تعديد أسماء العدد بطل، و كذا لو فصل بين لفظتي اللّه و أكبر بسكون أو بوصف مثل اللّه تعالي أكبر، لأنّ ذلك يغير نظم الكلام، و لا بأس بالفصل للتنفس، و للشافعي في قوله: اللّه الجليل أكبر وجهان(2).

د - يجب الإتيان به قائما كماله،

فلو شرع فيه و في القيام، أو ركع قبل انتهائه بطل، و هل يشترط القيام في النيّة ؟ الأقرب ذلك.

ه - يجب أن يقصد بالتكبير الافتتاح،

فالمسبوق لو نوي به الهويّ إلي الركوع لم يجزئ؛ لقول الصادق عليه السلام في الرجل يصلّي و لم يفتتح بالتكبير هل يجزئه تكبيرة الركوع ؟ قال: «لا بل يعيد صلاته»(3).

و لو نواهما لم يصح لاختلاف وجههما، و لو نذر تكبيرة الركوع و نواهما فكذلك؛ لاستقلال كلّ من الافتتاح و الركوع بالتعليل فيتغاير المعلول - و به قال الشافعي(4) - خلافا لمن اغتسل بنية الجنابة و الجمعة عنده(5) ، و عند كثير من

ص: 114


1- في نسخة (ش): الباء.
2- المجموع 292:3، الوجيز 41:1، فتح العزيز 267:3، السراج الوهاج: 42.
3- الكافي 347:3-2، التهذيب 143:2-562، الإستبصار 353:1-1333.
4- الام 101:1، المجموع 214:4، فتح العزيز 399:4، المهذب للشيرازي 102:1، كفاية الأخيار 65:1، مغني المحتاج 261:1.
5- المجموع 326:1، فتح العزيز 329:1 و 330 و 400:4، الوجيز 12:1.

علمائنا(1) ، لأنه لو اقتصر علي الجنابة حصل له غسل الجمعة، و لا تنعقد صلاته نفلا؛ لأنه لم ينوه، و للشافعي قولان(2).

و - يجب النطق به بحيث يسمع نفسه،

فلو حرّك لسانه و لم يسمع نفسه لم تصح؛ لأن النطق شرط، و غير المسموع يكون خاطرا لا لفظا، و به قال الشافعي(3) ، و يستحب للإمام إسماع من خلفه بها ما لم يبلغ صوته حد العلو، و به قال الشافعي(4).

ز - التكبير جزء من الصلاة

- و به قال الشافعي(5) - لقوله عليه السلام:

(إنما هي التكبير، و التسبيح، و قراءة القرآن)(6) ، و لأن العبادة إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان.

و قال الكرخي: الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أنه ليس منها؛ لأنه ذكر لم يتقدمه جزء من الصلاة فلا يكون منها كالخطبة(7). و الفرق عدم افتقار الخطبة إلي النيّة.

مسألة 211: لا تجزئ الترجمة، و لا غير العربية للعارف
اشارة

عند علمائنا - و به

ص: 115


1- منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 40:1 و ابن إدريس في السرائر: 23 و المحقق في المعتبر: 99. و ابن حمزة في الوسيلة: 56.
2- المجموع 214:4، فتح العزيز 400:4، مغني المحتاج 261:1.
3- الام 101:1، المجموع 295:3، فتح العزيز 268:3، المهذب للشيرازي 78:1، فتح الوهاب 39:1.
4- المجموع 294:3 و 295، فتح الوهاب 39:1، المهذب للشيرازي 78:1.
5- المجموع 289:3، فتح الوهاب 38:1، الميزان 136:1.
6- صحيح مسلم 381:1-537، سنن النسائي 17:3، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن البيهقي 249:2 و 250.
7- المجموع 290:3، حلية العلماء 80:2، فتح الباري 173:2.

قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد(1) - لأن النبيّ عليه السلام لم يعدل عن قوله: اللّه أكبر(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز(3) لقوله تعالي وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّي (4). و لم يفصّل، و ما ذكرناه مخصص.

و لا ينتقض بالتشهد بالفارسية للمنع عندنا و عند الإصطخري من الشافعية(5) ، و بالفرق فإن المقصود الإخبار عمّا في نفسه من الإيمان و هنا لفظ وضع لعقد الصلاة.

فروع:
أ - لو لم يحسن العربية وجب عليه التعلم إلي أن يضيق الوقت

فإن صلّي قبله مع التمكن لم تصح - و به قال الشافعي(6) - و إن ضاق كبّر بأي لغة كانت، ثم يجب عليه التعلم بخلاف التيمم في الوقت إن جوزناه؛ لأنا لو جوزنا له التكبير بالعجمية في أول الوقت سقط فرض التكبير بالعربية أصلا؛ لأنه بعد أن صلّي لا يلزمه التعلم في هذا الوقت و في الوقت الثاني مثله بخلاف الماء فإن وجوده لا يتعلق بفعله، و البدوي إذا لم يجد في موضعه المعلم

ص: 116


1- المجموع 299:3 و 301، الوجيز 4:1، المهذب للشيرازي 77:1، المبسوط للسرخسي 36:1، المغني 542:1، الشرح الكبير 542:1.
2- انظر علي سبيل المثال الفقيه 200:1-921 و صحيح مسلم 292:1-390.
3- المبسوط للسرخسي 36:1، المجموع 301:3، المغني 542:1، الشرح الكبير 542:1.
4- الأعلي: 15.
5- المجموع 301:3.
6- الام 100:1، المجموع 293:3، فتح العزيز 269:3، مغني المحتاج 152:1، كفاية الأخيار 65:1، فتح الوهاب 39:1، المغني 543:1، الشرح الكبير 542:1.

وجب قصد بلدة أو قرية للتعلّم، و لا تجزيه الترجمة، و هو أحد وجهي الشافعي(1).

ب - باقي الأذكار كالقراءة، و التشهد، و التسبيح كالتكبير في اعتبار لفظ العربية،

و به قال الشافعي(2).

ج - لو لم يكن له نطق كالأخرس وجب أن يحرّك لسانه

أقصي ما يقدر عليه و يشير بإصبعه؛ لأن التحريك جزء من النطق فلا يسقط بسقوط المركب، و به قال الشافعي(3).

و لو كان مقطوع اللسان من أصله وجب استحضاره علي الترتيب، و قال بعض الجمهور: يسقط فرض التكبير؛ لأن الإشارة و حركة اللسان تبع اللفظ(4). و هو ممنوع.

د - يستحب للأب تعليم ولده الصغير،

و لا يحرم تركه، أمّا المولي فيحرم عليه المنع من التعليم.

ه - الألثغ يجب عليه التعلّم بقدر الإمكان.
مسألة 212: يستحب التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية
اشارة

واحدة منها واجبة و هي تكبيرة الإحرام، يكبر ثلاثا و يدعو، ثم يكبر اثنتين و يدعو، ثم يكبر اثنتين و يتوجه، و يتخير أيها شاء جعلها تكبيرة الإحرام فيوقع النيّة

ص: 117


1- المجموع 293:3، فتح العزيز 269:3، كفاية الأخيار 65:1، مغني المحتاج 152:1.
2- الام 100:1، المجموع 299:3، فتح العزيز 518:3-519، كفاية الأخيار 69:1، فتح الوهاب 46:1، مغني المحتاج 177:1.
3- الام 101:1، المجموع 293:3 و 294، فتح العزيز 268:3، مغني المحتاج 152:1، فتح الوهاب 39:1.
4- حكاه المحقّق في المعتبر: 168، و راجع: المغني و الشرح الكبير 543:1.

عندها، قال في المبسوط: و الأفضل الأخيرة(1).

فإن جعلها أولاهن جاز الدعاء بعد تكبيرة الافتتاح مع باقي التكبيرات و كذا وسطاهنّ؛ لقول الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبّر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللّهمّ أنت الملك الحق - الي آخره - ثم كبّر تكبيرتين، ثم قل: لبّيك - الي آخره - ثم كبّر تكبيرتين، ثم تقول: وجّهت وجهي الي آخره»(2).

فروع:
أ - لو كبّر للافتتاح، ثم كبر ثانيا له، ثم كبر ثالثا له انعقدت صلاته بالأولي، و بطلت بالثانية؛

لأنه فعل منهيّ عنه فيكون باطلا و مبطلا للصلاة فتنعقد بالثالثة، هذا إذا لم ينو الخروج من الصلاة قبل الثانية فإن نواه بطلت الاولي، و صحت الثانية، و صار حكم الثالثة مع الثانية كحكم الثانية مع الاولي.

ب - منع كثير من الجمهور استحباب الدعاء قبل تكبيرة الإحرام

(3) لقوله تعالي فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلي رَبِّكَ فَارْغَبْ (4) و ليس فيه حجة؛ لأن الرغبة إليه بالدعاء أعم من التكبير و القراءة.

ج - قال الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا،

كلّ ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة»(5) و سأله

ص: 118


1- المبسوط للطوسي 104:1.
2- الكافي 310:3-7، الفقيه 198:1-199-917، التهذيب 67:2-244.
3- المغني 536:1.
4- الانشراح: 7 و 8.
5- التهذيب 66:2-239.

الحلبي عن أخف ما يكون من التكبير، قال: «ثلاث تكبيرات»(1).

و منع الجمهور من استحباب الزائدة علي تكبيرة الإحرام(2) علي أنها مخصوصة بهذا الموضع، بل هو مستحب في هذا الموضع كغيره.

د - يستحب التوجه بالسبع في سبعة مواضع في أول كلّ فريضة،

و أول صلاة الليل، و الوتر، و أول نافلة الزوال، و أول نوافل المغرب، و أول ركعتي الإحرام، و الوتيرة، و عمّم بعض علمائنا الاستحباب(3).

مسألة 213: يستحب رفع اليدين بالتكبير في كل صلاة فرض و نفل،

لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعله، و كذا الأئمة عليهم السلام(4) ، و قال بعض علمائنا(5) ، و بعض الجمهور بالوجوب(6). و هو ممنوع للأصل.

و كذا يستحب عندنا الرفع في كل تكبيرات الصلاة، و استحبه الشافعي عند الافتتاح، و الركوع، و الرفع منه - و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق و أبو ثور، و مالك في رواية(7) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله رفع في هذه

ص: 119


1- التهذيب 287:2-1151.
2- المجموع 304:3.
3- القائل هو المحقق في المعتبر: 169.
4- الكافي 310:3-7، الفقيه 198:1-199-917، التهذيب 67:2-244 و انظر صحيح البخاري 187:1-188، سنن ابن ماجة 279:1-281-858-868، سنن أبي داود 191:1-193-721-728، سنن الترمذي 35:2-255.
5- القائل هو السيد المرتضي في الانتصار: 44.
6- المجموع 305:3، بداية المجتهد 133:1، نيل الأوطار 189:2 و 190، المحلي 236:3.
7- المجموع 309:3، مغني المحتاج 152:1 و 164 و 165، المهذب للشيرازي 1: 78 و 82، كفاية الأخيار 71:1، المغني 547:1 و 574 و 583، الشرح الكبير 1: 546 و 574 و 581، المنتقي للباجي 142:1، بداية المجتهد 133:1، القوانين الفقهية: 62.

المواضع(1).

و منع الشافعي من الرفع في السجدتين(2) ، و ليس بجيد؛ لأن الحسن قال: رأيت الصحابة يرفعون أيديهم إذا كبّروا، و إذا ركعوا، و إذا رفعوا رءوسهم من الركوع كأنها المراوح، و إنما يكون حال الرفع من الركوع للسجود(3).

و قال أبو حنيفة، و الثوري، و ابن أبي ليلي: ترفع في تكبيرة الافتتاح خاصة - و هو رواية عن مالك(4) - لأن البراء قال: كان النبيّ عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه الي قريب من أذنيه ثم لا يعود(5). و هو محمول علي أنه لا يعود الي رفعهما في ابتداء الركعة الثانية و الثالثة، و ضعّف الجمهور(6) الحديث.

مسألة 214: و يبسط كفيه حال الرفع إجماعا،

قال الصادق عليه السلام:

«إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا»(7) و يستحب أن يستقبل

ص: 120


1- صحيح البخاري 187:1، سنن ابن ماجة 279:1-281-858 و 859 و 860 و 863 و 867 و 868، سنن أبي داود 191:1-193-721 و 722 و 726، سنن الترمذي 2: 35-255.
2- الوجيز 44:1، فتح العزيز 472:3، مغني المحتاج 170:1، السراج الوهاج: 47.
3- مصنف ابن أبي شيبة 235:1، سنن البيهقي 75:2.
4- المبسوط للسرخسي 14:1، بدائع الصنائع 199:1، الموطأ برواية الشيباني: 58، عمدة القارئ 272:5، الحجة علي أهل المدينة 94:1، القوانين الفقهية: 62، الشرح الصغير 188:1، مقدمات ابن رشد 116:1، المجموع 400:3، المغني 574:1، الشرح الكبير 574:1.
5- سنن أبي داود 200:1-749، سنن الدارقطني 293:1-21 و 294-24، سنن البيهقي 2: 26.
6- سنن أبي داود 200:1 ذيل الحديث 752، سنن البيهقي 26:2، المجموع 402:3، المغني 575:1-576، الشرح الكبير 575:1.
7- الكافي 310:3-7، الفقيه 198:1-917، التهذيب 67:2-244.

بباطن كفيه القبلة؛ لأن الصادق عليه السلام فعله(1) ، و لأن الاستقبال مأمور به.

و يستحب ضم الأصابع؛ لأنّ الصادق عليه السلام أرسل يديه علي فخذيه قد ضم أصابعه(2). و قال المرتضي، و ابن الجنيد: يجمع بين الأربع و يفرق الإبهام(3). و قال الشافعي: يفرق أصابعه(4) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان ينشر أصابعه(5) ، و هو يحصل ببسط الكف و إن كانت أصابعه مضمومة كما يقال: نشرت الثوب.

و لو كانت يداه تحت ثيابه رفعهما؛ لأن الصحابة كانوا يرفعون أيديهم في الشتاء في ثيابهم(6) ، و يستحب للمرأة كالرجل للعموم، و لا فرق بين الإمام و المأموم، و كذا القاعد للمرض أو في النافلة يرفع يديه.

مسألة 215: و يستحب رفعهما الي حذاء أذنيه
اشارة

- و به قال أبو حنيفة، و الثوري(7) - لأن وائل بن حجر الحضرمي قال: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يرفع يديه حيال أذنيه(8).

و من طريق الخاصة، قال معاوية بن عمار: رأيت الصادق عليه السلام

ص: 121


1- التهذيب 66:2-240.
2- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 169.
4- المجموع 307:3، المهذب للشيرازي 78:1، مغني المحتاج 152:1، المغني 1: 548، الشرح الكبير 547:1.
5- سنن الترمذي 5:2-239، سنن البيهقي 27:2.
6- سنن البيهقي 28:2.
7- المبسوط للسرخسي 11:1، شرح فتح القدير 245:1، عمدة القارئ 272:5، بدائع الصنائع 199:1، الحجة علي أهل المدينة 94:1، المجموع 307:3، فتح العزيز 3: 270.
8- سنن أبي داود 193:1-728، سنن الدارقطني 292:1-14، سنن البيهقي 25:2.

يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(1).

و قال الشافعي: يرفع يديه حذو منكبيه - و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق(2) - لأنّ عليا عليه السلام قال: «رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه»(3) و هو مستحب فجاز أن يفعل أقل مراتبه تارة، و الأعلي أخري.

و للشافعي قول ثان: الرفع الي أن تحاذي رءوس أصابعه شحمة أذنيه، و ثالث: الي أن تحاذي أطراف أصابعه أعلا أذنيه و كفاه منكبيه(4).

فروع:
أ - لو كان بيده عذر لا يتمكن من استيفاء الرفع استحب الإتيان بالمقدور،

و لو قدر علي الرفع فوق المنكبين و دون الأذنين فالأول أولي لاشتماله علي المسنون.

ب - مقطوع الكفين يرفع ساعديه، و مقطوع الذراعين يرفع العضدين، و مقطوع إحداهما يرفع الأخري.
ج - قال ابن سنان: رأيت الصادق عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح

ج - قال ابن سنان: رأيت الصادق عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(5).

و ظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع و انتهائه عند انتهائه، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: يرفع ثم يكبر عند الإرسال(6) ،

ص: 122


1- أورده في المعتبر: 169 عن ابن عمار، و في التهذيب 66:2-236 عن ابن سنان.
2- الام 104:1، المجموع 305:3 و 307، مختصر المزني: 14، فتح العزيز 269:3، مغني المحتاج 152:1، المهذب للشيرازي 78:1، بلغة السالك 118:1، المغني 1: 547، الشرح الكبير 547:1، المحرر في الفقه 53:1، العدة شرح العمدة: 74.
3- سنن أبي داود 198:1-744، سنن البيهقي 24:2، سنن الدارقطني 287:1-1.
4- الوجيز 41:1، فتح العزيز 269:3.
5- التهذيب 66:2-236.
6- المجموع 308:3، الوجيز 41:1، مغني المحتاج 152:1.

و هو عبارة بعض علمائنا(1) ، و ظاهر كلام الشافعي أنه يكبر بين الرفع و الإرسال(2).

د - يكره أن يتجاوز بهما رأسه

لقول الصادق عليه السلام: «و لا تتجاوز أذنيك»(3) و عن علي عليه السلام: «إن النبيّ عليه السلام مرّ برجل يصلّي و قد رفع يديه فوق رأسه فقال: ما لي أري قوما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها آذان خيل شمس»(4).

مسألة 216: المأموم يكبر بعد تكبير الإمام

و إن كبّر معه جاز - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و محمد(5) - لأن له أن يركع مع ركوعه فكذا التكبير.

و قال الشافعي: لا يجوز أن يكبّر إلاّ بعد الإمام - و به قال مالك، و أبو يوسف(6) - لقوله عليه السلام: (فإذا كبّر فكبّروا)(7) و هو يعطي ما قلناه أيضا.

و لو كبّر المأموم أولا، قال الشيخ: يجب أن يقطعها بتسليمة ثم يكبّر

ص: 123


1- قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 349:2: و في الذكري عن الكراجكي أن محلّ تكبير الركوع عند إرسال اليدين بعد الرفع انتهي. فلاحظ.
2- الام 104:1، المجموع 307:3.
3- التهذيب 65:2-233.
4- المعتبر: 169، و رواه جابر بن سمرة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله بتفاوت كما في صحيح مسلم 322:1-430 و سنن أبي داود 262:1-998 و سنن النسائي 4:3-5 و مسند أحمد 101:5 و 107 و سنن البيهقي 280:2 و الجامع الكبير 711:1.
5- المبسوط للسرخسي 38:1، بدائع الصنائع 200:1، المجموع 235:4، المغني 1: 544، الشرح الكبير 544:1، بداية المجتهد 154:1.
6- المجموع 235:4، فتح العزيز 380:4، مغني المحتاج 256:1، الشرح الصغير 1: 162، بداية المجتهد 153:1-154، القوانين الفقهية: 70، بدائع الصنائع 200:1.
7- صحيح البخاري 187:1، صحيح مسلم 308:1-411 و 310-414، سنن أبي داود 1: 164-603، سنن الدارقطني 327:1-10 و 329-12.

معه أو بعده؛ لأنه ائتم بمن ليس في الصلاة(1) ، و كذا قال الشافعي(2) ، و قال مالك، و الثوري، و أصحاب الرأي: يعيد تكبيرته(3).

البحث الرابع: القراءة.
مقدمة: يستحب التوجه بعد تكبيرة الافتتاح

فيقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين. و به قال الشافعي(4) ، لأنّ عليا عليه السلام روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ذلك(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «يجزيك أن تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ علي ملة إبراهيم حنيفا» إلي آخره(6).

قال الشيخ: و إن قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض علي ملة إبراهيم، و دين محمد صلّي اللّه عليه و آله، و منهاج علي عليه السلام حنيفا مسلما الي آخر الكلام كان أفضل(7).

و قال مالك: لا يدعو بشيء بعد الافتتاح(8) لأن النبيّ عليه السلام كان

ص: 124


1- المبسوط للطوسي 103:1.
2- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
3- المبسوط للسرخسي 37:1.
4- الام 106:1، المجموع 318:3، الوجيز 42:1، فتح العزيز 300:3، مغني المحتاج 155:1، المهذب للشيرازي 78:1، كفاية الأخيار 72:1، بداية المجتهد 123:1.
5- سنن الدارمي 282:1، سنن أبي داود 201:1-760، سنن البيهقي 32:2، سنن الدارقطني 297:1-1 و 2.
6- التهذيب 67:2-245.
7- النهاية: 70.
8- بداية المجتهد 123:1، المجموع 321:3، فتح العزيز 301:3.

يفتتح الصلاة ب: الحمد للّه رب العالمين(1) ، و المراد استفتاح القراءة.

و قال أبو حنيفة: يقول: سبحانك اللهم و بحمدك تبارك اسمك و تعالي جدك و لا إله غيرك، و به قال الثوري، و أحمد(2) - و روي عن أبي يوسف أنه يقول معه: وجهت وجهي أيضا(3) - لأن أبا سعيد الخدري رواه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(4).

و ما قلناه أولي؛ لأنّه من ألفاظ القرآن، و التسبيح تعوّد في الركوع و السجود، و لو قاله عندي لم يكن به بأس.

قال الشافعي: و إذا فرغ من التوجه قال: اللهم أنت الملك الحق إلي آخره، ثم يقول: لبيك و سعديك(5) ، الي آخره. و نحن نستحبه متقدما علي التوجه.

مقدمة أخري: يستحب التعوذ قبل القراءة في أول كل صلاة
اشارة

- و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق(6) -

ص: 125


1- سنن ابن ماجة 267:1-812 و 813 و 814، سنن الترمذي 15:2-246، سنن أبي داود 1: 208-783، سنن الدارمي 281:1.
2- المبسوط للسرخسي 12:1، اللباب 68:1، بدائع الصنائع 202:1، الهداية للمرغيناني 48:1، شرح العناية 251:1، عمدة القارئ 294:5، المغني 550:1، الشرح الكبير 550:1، المجموع 321:3، فتح العزيز 301:3، بداية المجتهد 123:1.
3- المبسوط للسرخسي 12:1، الهداية للمرغيناني 48:1، شرح العناية 251:1، بدائع الصنائع 202:1، عمدة القارئ 296:5، المجموع 321:3، بداية المجتهد 123:1.
4- سنن ابن ماجة 264:1-804، سنن الترمذي 9:2-242، سنن أبي داود 1: 206-775، سنن الدارقطني 298:1-4.
5- فتح العزيز 302:3، المهذب للشيرازي 78:1، مغني المحتاج 156:1.
6- المجموع 326:3، مغني المحتاج 156:1، المهذب للشيرازي 79:1، المبسوط للسرخسي 13:1، اللباب 68:1، بدائع الصنائع 202:1، شرح فتح القدير 1: 252، الهداية للمرغيناني 48:1، شرح العناية 252:1، الكفاية 253:1، المغني 1: 554، الشرح الكبير 551:1، الانصاف 47:2.

لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقول قبل القراءة: (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم)(1). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب»(2).

و قال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة بل في قيام رمضان(3) ، لأن أنسا روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يفتتح الصلاة ب «الحمد للّه رب العالمين»(4). و تقدم جوابه.

و قال النخعي، و محمد بن سيرين: يتعوذ بعد القراءة(5) لقوله تعالي:

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ (6) و المراد إذا أردت القراءة.

فروع:

أ - صورة التعوذ: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي(7) - لأنه لفظ القرآن، و قال الثوري، و ابن سيرين:

يزيد بعد ذلك إن اللّه هو السميع العليم(8). و قال أحمد: أعوذ باللّه السميع

ص: 126


1- سنن أبي داود 206:1-775، سنن الدارمي 282:1، سنن البيهقي 35:2.
2- الكافي 311:3-7، التهذيب 67:2-244.
3- المدونة الكبري 64:1، الشرح الصغير 122:1، القوانين الفقهية: 63، المجموع 3: 325، فتح العزيز 304:3، المغني 554:1، الشرح الكبير 552:1، شرح فتح القدير 253:1.
4- سنن أبي داود 207:1-782، سنن الدارمي 281:1، سنن الترمذي 15:2-246، سنن ابن ماجة 267:1-813.
5- المجموع 325:3، المحلي 250:3.
6- النحل: 98.
7- المجموع 323:3 و 325، فتح العزيز 304:3، بدائع الصنائع 203:1، شرح فتح القدير 253:1، الهداية للمرغيناني 48:1، الكفاية 253:1، شرح العناية 253:1، المغني 554:1، الشرح الكبير 552:1.
8- المجموع 325:3، حلية العلماء 83:2.

العليم من الشيطان الرجيم(1).

و قال الحسن بن صالح بن حي: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم(2). و احتجوا بقوله تعالي وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3) و الأخير ليس بداخل في الأمر بالاستعاذة بل خبر بعده، و الأمر قبله.

ب - يستحب الإسرار بها و لو في الجهرية. و هو أحد قولي الشافعي(4) ، لأنّ ابن عمر كان يتعوذ في نفسه(5) ، و الآخر: يجهر به في الجهرية(6) ، لأنّ أبا هريرة جهر به(7). و عمل الأئمة عليهم السلام أولي.

ج - إنما يستحب التعوذ في الركعة الأولي خاصة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد القولين(8) - لأن الصلاة كالفعل الواحد فيكفي استعاذة واحدة كالتوجه، و في الآخر: في كل ركعة(9) لقوله تعالي:1.

ص: 127


1- المغني 554:1، الشرح الكبير 552:1، الانصاف 47:2، المجموع 325:3.
2- المجموع 325:3.
3- فصلت: 36.
4- الام 107:1، المجموع 324:3 و 326، فتح العزيز 305:3، مغني المحتاج 156:1.
5- سنن البيهقي 36:2 و انظر الام 107:1، المهذب للشيرازي 79:1.
6- المجموع 324:3، فتح العزيز 305:3، مغني المحتاج 156:1.
7- سنن البيهقي 36:2، الام 107:1، المهذب للشيرازي 79:1.
8- الام 107:1، مغني المحتاج 156:1، فتح العزيز 306:3، المهذب للشيرازي 1: 79، كفاية الأخيار 72:1، المبسوط للسرخسي 13:1، اللباب 71:1، الهداية للمرغيناني 48:1، شرح العناية 255:1.
9- المجموع 324:3 و 326، فتح العزيز 305:3، مغني المحتاج 156:1، المهذب للشيرازي 79:1، كفاية الأخيار 72:1.

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ (1) و ليس المراد كل آية بل قراءة واحدة، و الصلاة كلّها واحدة.

د - لو نسيه في الأولي لم يأت به في الثانية لفوات محله، و قال الشافعي - علي القول الثاني - باستحباب إعادته(2).

مسألة 217: القراءة واجبة في الصلاة و شرط فيها

عند علمائنا أجمع، و به قال عامة العلماء إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي، و ابن عليّة، و الأصم فإنهم قالوا: باستحبابها(3).

لنا قوله تعالي فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (4) و ليس واجبا في غير الصلاة فيجب فيها إجماعا، و لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بقراءة)(5) و خلاف المذكورين منقرض، و احتجاجهم بقول عمر - عمن نسي القراءة -:

لا بأس(6). و ليس حجة، و يحمل علي النسيان خاصة لوروده فيه.

مسألة 218: و تتعين الفاتحة في كل فريضة ثنائية،

و في الأوليين من غيرها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و الثوري، و أحمد، و أبو ثور، و مالك، و إسحاق، و داود(7) - لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ

ص: 128


1- النحل: 98.
2- المجموع 324:3، فتح العزيز 307:3، مغني المحتاج 156:1.
3- المجموع 330:3، عمدة القارئ 9:6، الكفاية 255:1.
4- المزمل: 20.
5- صحيح مسلم 297:1-396، مسند أحمد 308:2 و 443، كنز العمال 7: 443-19697.
6- المجموع 330:3، بداية المجتهد 125:1، عمدة القارئ 9:6.
7- الام 107:1، المجموع 326:3، فتح العزيز 308:3، مغني المحتاج 156:1، المغني 555:1، الشرح الكبير 556:1، الشرح الصغير 112:1، بلغة السالك 1: 112، المنتقي للباجي 156:1، بداية المجتهد 126:1.

فيها بأم القرآن)(1).

و من طريق الخاصة قول محمد بن مسلم: سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال: «لا صلاة له إلاّ أن يقرأها في جهر أو إخفات»(2) و لأن القراءة جزء من الصلاة فكانت متعينة كالركوع و السجود.

و قال أبو حنيفة: أي شيء قرأ أجزأه(3) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال للأعرابي: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)(4) و لأنّ الفاتحة كغيرها في جميع الأحكام فكذا الصلاة.

و الرواية: (ثم اقرأ بأم القرآن و ما شاء اللّه أن يقرأ)(5) ، و التساوي ممنوع للإجماع علي إساءة من ترك الفاتحة دون غيرها.

و قال محمد، و أبو يوسف: ثلاث آيات أو آية كبيرة كآية الدّين(6)(7).

و هو تحكم.

و عن أحمد رواية: يجزئ مقدار آية(8).2.

ص: 129


1- صحيح مسلم 295:1-394، سنن أبي داود 217:1-822، كنز العمال 7: 437-19664 و 19667.
2- الكافي 317:3-28، التهذيب 146:2-573 و 147-576، الاستبصار 1: 310-1152 و 354-1339.
3- المبسوط للسرخسي 221:1، الهداية للمرغيناني 48:1، شرح العناية 255:1، بدائع الصنائع 160:1، اللباب 77:1.
4- صحيح مسلم 298:1-397، سنن ابن ماجة 336:1-1060، سنن النسائي 124:2، مسند أحمد 437:2، سنن الترمذي 104:2-303، كنز العمال 7: 425-19625 و 426-19626.
5- مسند أحمد 340:4، كنز العمال 425:7-19624.
6- إشارة الي الآية 282 من سورة البقرة.
7- المبسوط للسرخسي 221:1، بدائع الصنائع 112:1، المجموع 327:3.
8- المغني 555:1، الشرح الكبير 556:1، الانصاف 112:2.

و هل تجب الفاتحة في النافلة ؟ الأقوي عندي عدم الوجوب - خلافا للشافعي(1) - عملا بالأصل.

مسألة 219: و في وجوب سورة بعد الحمد في الثنائية و أوليي غيرها قولان: الأشهر: الوجوب

- و به قال بعض أصحاب الشافعي(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقرأ في الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب و سورتين، يطوّل في الاولي و يقصّر في الثانية، و كذا في العصر(3) ، و قال لمعاذ: (اقرأ بالشمس و ضحيها و سبح اسم ربك الأعلي، و الليل إذا يغشي)(4).

و روي الجمهور عنه عليه السلام أنه قال: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب و معها غيرها)(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السّلام و قد سئل ما تقول فيمن قرأ أم الكتاب فلمّا صار الي غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي [1]: ليس بذلك بأس. فكتب بخطه: «يعيدها مرتين علي رغم أنفه»(6).

ص: 130


1- المجموع 326:3، مغني المحتاج 156:1.
2- المجموع 388:3.
3- صحيح البخاري 193:1 و 197، صحيح مسلم 333:1-451، سنن النسائي 166:2، سنن أبي داود 212:1-798.
4- صحيح مسلم 340:1-197، سنن النسائي 173:2، سنن البيهقي 393:2.
5- سنن الترمذي 3:2-238، سنن ابن ماجة 274:1-839، سنن البيهقي 374:2، سنن الدارقطني 321:1-15 بتفاوت.
6- الكافي 313:3-2، التهذيب 69:2-252، الاستبصار 311:1-1156.

و قال الشيخ في موضع: إنّه مستحب لا واجب(1). و هو مذهب الجمهور كافة إلاّ عثمان بن أبي العاص فإنه أوجب بعد الفاتحة قدر ثلاث آيات(2) لأن النبيّ عليه السلام قال: (لا صلاة إلا بقراءة و لو بفاتحة الكتاب)(3) و هو يعطي حالة الضرورة.

مسألة 220: يجوز في حال الضرورة، و الاستعجال الاقتصار علي الحمد

إجماعا، و لقول الصادق عليه السّلام: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار»(4) و سئل عليه السلام أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شيء؟ فقال: «لا بأس»(5).

و لأنّها حالة مشقة فيسقط التكليف بها، و قال الصادق عليه السلام:

«لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو يخاف شيئا»(6).

و كذا يجوز أن يقرأ بعض السورة حالة الضرورة؛ لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن السورة تصلّي في الركعتين من الفريضة، فقال: «نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاولي و النصف الآخر في الركعة الثانية»(7) و حملناه علي الضرورة جمعا بين الأدلة.

ص: 131


1- النهاية: 75.
2- المجموع 388:3-389، كفاية الأخيار 73:1، المغني 568:1، الشرح الكبير 568:1، الهداية للمرغيناني 48:1، المبسوط للسرخسي 19:1، اللباب 69:1، الشرح الصغير 116:1.
3- كنز العمال 443:7-19697، تاريخ بغداد 216:4.
4- الكافي 314:3-9، التهذيب 70:2-256، الإستبصار 315:1-1171.
5- الكافي 314:3-7، التهذيب 70:2-255، الاستبصار 315:1-1170.
6- التهذيب 71:2-261، الاستبصار 315:1-1172.
7- التهذيب 294:2-1182، الاستبصار 316:1-1175.

و سئل الباقر عليه السلام عن رجل قرأ سورة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة و يتحول منها الي غيرها؟ قال: «كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع»(1).

مسألة 221: لا يقرأ في الثالثة و الرابعة في الثلاثية و الرباعية بعد الحمد شيئا

عند علمائنا - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(2) - لأنّ عليا عليه السلام كتب الي شريح أن: «اقرأ في الركعتين الأوليين أم القرآن و سورة، و في الأخريين بأم القرآن»(3).

و الآخر للشافعي: قراءة غيرها معها(4) لأن أبا سعيد الخدري قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقوم في الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية و في الأخريين نصف ذلك(5) و لأنهما يساويان الأوليين في الواجب من القراءة فكذا في المستحب. و يحمل الحديث مع ثبوته علي نافلة الظهر، و نمنع التساوي.

مسألة 222: البسملة آية من الحمد، و من كلّ سورة عدا براءة،

و في النمل آية و بعض آية، و به قال الشافعي، و الزهري، و عطاء(6). قال ابن

ص: 132


1- التهذيب 293:2-1181.
2- المجموع 361:3، إرشاد الساري 97:2، بداية المجتهد 128:1، المبسوط للسرخسي 18:1، عمدة القارئ 19:6، شرح فتح القدير 274:1، اللباب 73:1، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1.
3- لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة لدينا الاّ أنّه ورد في المصنّف لابن أبي شيبة 370:1 هكذا: كتب عمر الي شريح.. الي آخر ما في المتن. فلاحظ.
4- الام 107:1، المجموع 382:3.
5- سنن البيهقي 64:2 و 66.
6- الام 107:1-108، تفسير الرازي 194:1، مختصر المزني: 14، المغني 558:1، الشرح الكبير 554:1، بداية المجتهد 124:1، احكام القرآن لابن العربي 2:1.

المبارك: من ترك بسم اللّه الرحمن الرحيم فقد ترك مائة و ثلاث عشرة آية، و روي عن أبي عبيد، و أبي ثور(1) لأن أبا هريرة قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، ثم قرأ الحمد، ثم قال: و الذي نفسي بيده إني لأشبهكم بصلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(2) ، و لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرحيم و عدّها آية، الحمد للّه رب العالمين آيتين(3) و قال عليه السلام: (إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، و أنها السبع المثاني، و بسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمار إذا قمت إلي الصلاة أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن ؟ قال:

«نعم» قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع السورة ؟ قال: «نعم»(5).

و قد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخط المصحف مع تشددهم في كتبة ما ليس من القرآن فيه، و منعهم من النقط و التعشير، و لا يكفر جاحدها للشبهة.

و قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود: إنّها ليست من القرآن إلاّ في سورة النمل(6).ِ.

ص: 133


1- المغني 558:1، الشرح الكبير 554:1، المبسوط للسرخسي 15:1.
2- سنن البيهقي 46:2، سنن الدارقطني 305:1-14، مستدرك الحاكم 232:1، الدر المنثور 8:1.
3- سنن البيهقي 44:2، سنن الدارقطني 307:1-21.
4- سنن الدارقطني 312:1-36، كنز العمال 437:7-19665.
5- الكافي 312:3-1، التهذيب 69:2-251، الاستبصار 311:1-1155.
6- المبسوط للسرخسي 15:1، شرح العناية 253:1، عمدة القارئ 28:5، أحكام القرآن لابن العربي 2:1، بداية المجتهد 124:1-125، تفسير الرازي 1: 194، حلية العلماء 86:2، المغني 558:1، الشرح الكبير 554:1. و يريدون بذلك الآية 30 من سورة النمل و هي قوله تعالي إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

و قال أبو الحسن الكرخي: إنها آية في مكانها ليست من السورة، و هو مروي عن أحمد(1) لأن النبيّ عليه السلام قال: (يقول اللّه تبارك و تعالي:

قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد للّه ربّ العالمين، يقول اللّه: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: الرحمن الرحيم، يقول اللّه اثني علي عبدي، فإذا قال: ملك يوم الدين، يقول اللّه تعالي:

مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد و إياك نستعين، يقول اللّه: هذه بيني و بين عبدي، فإذا قال العبد: إهدنا الصراط المستقيم الي آخر السورة، يقول اللّه تعالي: هذه لعبدي و لعبدي ما سأل)(2) و لم يذكر البسملة.

و قال عليه السلام: (سورة ثلاثون آية شفعت لقارئها ألا و هي تبارك الذي بيده الملك)(3) و هي ثلاثون [آية](4) سوي البسملة، و أجمعوا علي أن الكوثر ثلاث آيات(5).

و الحديث رواه أبو هريرة: فإذا قال العبد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يقول اللّه تعالي: ذكرني عبدي(6). و سورة الملك و الكوثر يحتمل أن تكون البسملة بعض آية مضمومة إلي أولها، أو قال: قبل نزول البسملة، أو أراد ما5.

ص: 134


1- تفسير الرازي 194:1، أحكام القرآن للجصاص 8:1.
2- صحيح مسلم 296:1-395، سنن الترمذي 201:5-2953، سنن النسائي 136:2، مسند أحمد 241:2 و 285 و 460.
3- سنن الترمذي 164:5-2891.
4- زيادة يقتضيها السياق.
5- تفسير الرازي 117:32، غرائب القرآن 174:30، فنون الأفنان: 162.
6- سنن الدار قطني 312:1-35.

تختص به السورة من آياتها و أن البسملة آية منها و من غيرها.

مسألة 223: يجب أن تقرأ بالعربية و لا يجزئ مرادفها

سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لا - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لقوله تعالي بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ (2)قُرْآناً عَرَبِيًّا (3) و لأن النبيّ عليه السلام داوم عليه و قال (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(4) و لأنه معجز بلفظه و نظمه فلو كان معناه قرآنا لم يتحقق الإعجاز.

و قال أبو حنيفة: هو مخير إن شاء قرأ بالفارسية، أو تلفظ بالعربية ما يكون تفسيره لفظ القرآن(5). و قال أبو يوسف، و محمد: إن كان يحسن القراءة فلا يجوز أن يقرأ بلسان غيرها، و إن كان لا يحسنها جاز أن يقرأ بلسان غيرها يفسرها(6) لقوله تعالي لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ (7) و لا يمكن أن ينذر الفرس إلاّ بلسانهم، و لأن كل ذكر وجب في الصلاة فإنما يعتبر معناه خاصة كالخطبة.

و القرآن حجة علي العجم لقصور العرب عنه، و لأنه إذا فسّره لهم كان الإنذار به دون التفسير، و يخالف الخطبة؛ لأن غيرها مثلها و لا مثل للقرآن، و ألفاظها لا إعجاز فيها بخلاف القرآن.

مسألة 224: لو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم،
اشارة

و كذا لو لم يحسن العربية لإجماع العلماء علي القراءة، و لأن وجوب القراءة يستدعي وجوب

ص: 135


1- المجموع 379:3 و 380، المهذب للشيرازي 80:1، المغني 562:1.
2- الشعراء: 195.
3- طه: 113.
4- صحيح البخاري 162:1-163، سنن الدارمي 286:1، سنن الدارقطني 272:1-1.
5- المبسوط للسرخسي 37:1، بدائع الصنائع 112:1.
6- المبسوط للسرخسي 37:1، بدائع الصنائع 112:1.
7- الانعام: 19.

التعلم لتوقف أداء الواجب عليه فإن لم يفعل مع المكنة لم تصح صلاته.

و لو خشي ضيق الوقت قبل التعلم فإن أمكنه القراءة من المصحف وجب، و هل تكفي مع إمكان التعلم ؟ الأقرب ذلك؛ للامتثال، فإن عجز أو لم يحسن تخير في الحفظ و تعلم الكتابة إن جوّزناه.

فإن أحسن غير الفاتحة من القرآن فعليه أن يقرأ سبع آيات و لا يعدل الي الذكر؛ لأن القرآن أقرب الي القرآن، و لا يجوز أن ينقص عن سبع آيات مع المعرفة، فلو قرأ آية طويلة بقدر الفاتحة فالأقرب الإجزاء، و هو أحد قولي الشافعي(1) ، و الأقرب اشتراط عدم قصور الآيات السبع عن آيات الفاتحة، و للشافعي قولان(2).

و يجوز أن يجعل آيتين بدلا من آية، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يجب تعديل حروف كل آية من البدل بآية من الفاتحة(3).

و لو لم يحسن الفاتحة و لا غيرها من القرآن سبّح اللّه، و هلّله، و كبّره بقدر القراءة.

و لا يقرأ بغير العربية، و لا معني القرآن - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال له رجل: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزئني في الصلاة. فقال صلّي اللّه عليه و آله: (قل: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه).

فقال الرجل: هذا للّه فما لي ؟ فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:3.

ص: 136


1- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
2- المجموع 374:3، المهذب للشيرازي 80:1، السراج الوهاج: 44.
3- المجموع 375:3، فتح العزيز 337:3-338.
4- المجموع 379:3، الوجيز 43:1، فتح العزيز 336:3.

(قل: اللهم ارحمني و عافني و ارزقني)(1).

فروع:
أ - هل يجب أن يذكر بقدر الفاتحة ؟

إشكال ينشأ من وجوب سبع آيات عن(2) الحمد فكذا الذكر، و من أنه بدل من الجنس فاعتبر العدد بخلاف الذكر فإنه من غير الجنس فيجوز أن يكون دون أصله كالتيمم، و هو أولي؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله اقتصر في التعليم علي ما ذكره، و به قال أحمد(3) ، و قال الشافعي بالأول(4).

ب - هذا الذكر

واجب - و به قال الشافعي(5) - لأنه بدل عن الواجب، و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه إذا لم يحسن القرآن بل يقوم ساكتا(6). و قال مالك: لا يلزمه الذكر و لا القيام(7).

و لا يجب هذا الترتيب علي إشكال ينشأ من أنه بدل عن الحمد في الأخريين علي ما يأتي فكذا في الأوليين مع العجز.

ج - لو لم يحسن هذه الكلمات كرّر ما يحسن منها بقدرها،

و الأقرب استحباب ذلك لا وجوبه.

د - لو أحسن منها آية اقتصر عليها،

لأنها أقرب إليها من الذكر،

ص: 137


1- سنن أبي داود 220:1-832.
2- في نسخة (م): غير.
3- المغني 564:1، كشاف القناع 341:1.
4- المجموع 377:3، فتح العزيز 342:3، السراج الوهاج: 44.
5- المجموع 376:3 و 379، الوجيز 43:1، فتح العزيز 339:3، كفاية الأخيار 66:1، السراج الوهاج: 44.
6- المجموع 379:3، فتح العزيز 339:3.
7- المجموع 379:3، فتح العزيز 340:3.

و الأقرب وجوب تكررها سبعا حينئذ، و به قال أحمد، و الشافعي في أحد القولين(1).

و لو كان يحسن غيرها قرأ ما يحسنه منها ثم قرأ من غيرها بقدر باقيها؛ لأن هذه الآية سقط فرضها بقراءتها، و قال أحمد: يكرر ما يحسنه منها دون غيرها لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها(2). و للشافعية وجهان(3).

ه - لو عرف بعض آية فالأولي عدم لزوم تكرارها،

و يعدل الي غيرها لأنّه عليه السلام أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول: الحمد للّه و غيرها(4) و هي بعض آية و لم يأمره بتكرارها، هذا إذا لم يسمّ ذلك البعض قرآنا، فإن سمّي فالوجه تكرره - كآية الدين(5) - لو نقصت كلمة.

و - لو لم يحسن القرآن و لا الذكر فالوجه وجوب الوقوف بقدر القراءة،

و لو كان يحسن الذكر المنقول و غيره فالوجه وجوب ما نص عليه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لأنّه بدل عن القراءة في الأخيرتين دون غيره من الأذكار، خلافا للشافعي في أحد الوجهين(6).

و لو لم يحسن بالعربية لم تجزئه ترجمتها بخلاف التكبير بل يأتي بسبع آيات، فإن لم يحسن فالذكر، و لو لم يحسن الذكر بالعربية أجزأت الترجمة، و هل هو أولي من ترجمة القرآن ؟ الأقرب العكس.

ص: 138


1- المجموع 375:3، فتح العزيز 339:3، المهذب للشيرازي 80:1، المغني 562:1، الشرح الكبير 566:1.
2- المغني 563:1، الشرح الكبير 566:1.
3- المجموع 375:3-376، فتح العزيز 344:3، المهذب للشيرازي 80:1.
4- سنن أبي داود 220:1-832.
5- إشارة إلي الآية 282 من سورة البقرة.
6- المجموع 377:3، فتح العزيز 341:3-342، المهذب للشيرازي 80:1.
ز - لو أحسن سبع آيات متوالية لم يجز له التفرقة

علي إشكال، و لو لم يحسن المتوالية أجزأه التفرقة قطعا، و لو كان يحسن بعض الحمد و غيرها كان الغير أولي من الذكر.

ح - لو أحسن النصف الأول من الحمد قرأه و قرأ عوض الباقي من غيرها

فإن لم يحسنه ذكر بقدره، و لو كان يحسن النصف الثاني أتي به و بالذكر.

و هل تترتب القراءة علي الذكر؟ الأقرب عدم الوجوب عملا بالأصل، و للشافعي وجهان(1). فعلي الترتيب لو أحسن آية من وسط الحمد وسّطها بين ذكرين.

ط - لو افتتح يصلّي بالأذكار لعجزه فحصل من يحسن الفاتحة فيلقّن منه في الأثناء، أو حضر مصحف يمكنه القراءة منه، فإن لم يكن قد شرع في البدل قرأ الفاتحة،

و إن قرأ بعض البدل فعليه قراءة ما لم يأت ببدله و قراءة ما أتي ببدله، و هو أصح وجهي الشافعي(2).

و كذا لو تعلّم بعده قبل الركوع، لكن أصح وجهي الشافعي هنا الاكتفاء لأن الفرض يؤدّي بالبدل(3). و هو منقوض بالتيمم قبل الصلاة.

أمّا لو تعلّم بعد الركوع فقد مضت الركعة علي الصحة، و يحتمل عندي استحباب العدول الي النفل لثبوته في استدراك سورة الجمعة مع استحبابه، فاستدراك الواجب أولي.

ي - هذا الذكر بدل عن الفاتحة لا عن السورة

إذا لم يعلم غير الفاتحة بل يكتفي بالفاتحة، و لو أحسن بعض السورة وجب عليه قراءته بعد الحمد

ص: 139


1- الوجيز 43:1، فتح العزيز 345:3، كفاية الأخيار 67:1.
2- المجموع 378:3-379، فتح العزيز 346:3.
3- المجموع 379:3، فتح العزيز 346:3.

و التعلّم مع سعة الوقت.

يا - الأخرس يحرك لسانه بالقراءة و يعقد بها قلبه؛ لأنهما واجبان علي القادر(1).

مسألة 225: و يجب أن يأتي بحروف الفاتحة أجمع
اشارة

حتي التشديد و هو أربع عشرة شدة في الفاتحة إجماعا، فلو أخل بحرف منها عمدا قادرا بطلت صلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنه مع إخلال حرف لم يأت بالفاتحة.

و كذا التشديد لأنّ المشدّد أقيم مقام حرفين فإن شدّة راء الرحمن و دال الدّين أقيمت مقام اللام، فإذا أخلّ بها أخلّ بالحرف و ما يقوم مقامه.

و قال بعض الجمهور: لا تبطل بترك الشدّة لعدم ثبوتها في المصحف، و هي صفة الحرف، و يسمي تاركها قارئا(3). و ليس بجيد.

و لو فك الإدغام فهو لحن لا يغير المعني، و لا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد علي قدر حرف ساكن لأنها في كل موضع أقيمت مقام حرف ساكن.

تذنيب: يجب إخراج الحروف من مواضعها مع القدرة

فإن أخل بها و أمكنه التعلم أعاد الصلاة و إلاّ فلا، و لا يعذر بالجهل، و لو أخرج الضاد من مخرج الظاء أو بالعكس أعاد مع إمكان التعلم، و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: لا يعيد لعسر التمييز بينهما(4).

ص: 140


1- في نسخة م: الفاقد.
2- الوجيز 42:1، فتح العزيز 326:3، كفاية الأخيار 66:1، السراج الوهاج: 43، المغني 559:1، الشرح الكبير 562:1-563.
3- المغني 559:1، الشرح الكبير 563:1.
4- المجموع 392:3، الوجيز 42:1، فتح العزيز 326:3، السراج الوهاج: 43.
مسألة 226: الإعراب شرط في القراءة

علي أقوي القولين، فلو لحن عمدا فالأقرب الإعادة سواء كان عالما، أو جاهلا، و سواء غيّر المعني مثل أن يكسر كاف إياك، أو يضم تاء أنعمت، أو لا مثل أن نصب اللّه، أو رفعه، و سواء كان خفيا، أو لا.

و للشافعي فيما إذا لم يتغير المعني وجهان(1) لقوله تعالي بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ (2) و لأنّه عليه السلام أعرب و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(3).

مسألة 227: يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءات

و هي السبعة، و لا يجوز أن يقرأ بالشواذ، و لا بالعشرة، و جوّز أحمد قراءة العشرة، و كره قراءة حمزة و الكسائي من السبعة، لما فيها من الكسر و الإدغام(4).

و يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات و هو ما تضمنه مصحف علي عليه السلام؛ لأن أكثر الصحابة اتفقوا عليه، و حرق عثمان ما عداه، فلا يجوز أن يقرأ بمصحف ابن مسعود، و لا أبيّ، و لا غيرهما، و عن أحمد رواية بالجواز إذا اتصلت به الرواية(5) ، و هو غلط لأن غير المتواتر ليس بقرآن.

و المعوذتان من القرآن يجوز أن يقرأ بهما، و لا اعتبار بإنكار ابن مسعود(6) للشبهة الداخلة عليه بأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يعوّذ بهما الحسن و الحسين عليهما السلام(7) ، إذ لا منافاة بل القرآن صالح للتعوذ به

ص: 141


1- المجموع 393:3.
2- الشعراء: 195.
3- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدارقطني 346:1-10.
4- المغني 570:1، الشرح الكبير 571:1.
5- المغني 571:1، الشرح الكبير 571:1.
6- المجموع 396:3، الدر المنثور 416:6، تفسير الآلوسي 279:30.
7- مسند أحمد 130:5.

لشرفه و بركته، و قال الصادق عليه السلام: «اقرأ المعوذتين في المكتوبة»(1) و صلّي عليه السلام المغرب فقرأهما فيها(2).

مسألة 228: يجب أن يقرأ الفاتحة و السورة علي ترتيبهما المخصوص،

فلو قدم آية علي المتأخرة أعاد - و به قال الشافعي(3) - و كذا يجب أن يقدم الحمد علي السورة فإن خالف أعاد الصلاة إن فعله عمدا، و إلاّ القراءة؛ لأن الأمر ورد بالتلاوة علي الترتيب فلا يكون المخلّ به آتيا بالمأمور به، و يجب أن يأتي بالجزء الصوري؛ لأنّ الإعجاز فيه فلو قرأه مقطعا كأسماء العدد لم يجزئ.

و لو سكت في أثناء القراءة بالخارج عن المعتاد إمّا بأن ارتج عليه فطلب التذكر، أو قرأ من غيرها سهوا لم تقطع القراءة و قرأ الباقي.

و إن سكت طويلا عمدا لا لغرض حتي خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة، و كذا لو قرأ في أثنائها ما ليس منها و لا تبطل صلاته.

و لو سكت بنية القطع بطلت قراءته، و لو سكت لا بنية القطع أو نواه و لم يسكت صحت لأن الاعتبار بالفعل لا بالنيّة، بخلاف ما لو نوي قطع الصلاة فإنها تبطل و إن لم يقطع الأفعال لأن الصلاة تحتاج إلي نيّة فتبطل بتركها بخلاف القراءة.

و لو كرر آية من الفاتحة لم تبطل قراءته سواء أو صلها بما انتهي إليه أو ابتدأ من المنتهي، خلافا لبعض الشافعية في الأول(4).

ص: 142


1- التهذيب 96:2-356.
2- الكافي 314:3-8 و 317-26، التهذيب 96:2-357.
3- المجموع 357:3، فتح العزيز 328:3، كفاية الأخيار 66:1.
4- المجموع 358:3 و يستفاد منه أنّ خلاف بعض الشافعية في الثاني لا الأول. فلاحظ.

و لو كرر الحمد عمدا ففي إبطال الصلاة به إشكال ينشأ من مخالفة المأمور به، و من تسويغ تكرار الآية فكذا السورة.

و لو سأل الرحمة عند آيتها، أو تعوّذ من النقمة عند آيتها كان مستحبا و لا تبطل بهما الموالاة؛ لأنّه ندب إليهما، قال حذيفة: صليت خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذات ليلة فقرأ سورة البقرة فكان إذا مرّ علي آية فيها تسبيح سبح، و إذا مرّ بسؤال سأل، و إذا سرّ بتعوذ تعوذ(1). و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: تبطل، و كذا لو عطس فحمد اللّه(2).

و لو ترك الموالاة سهوا لم تبطل و بني، و هو قول أكثر الشافعية(3) ، و قال إمام الحرمين: تبطل كما لو ترك الترتيب سهوا(4).

مسألة 229: قراءة الفاتحة متعينة في الأوليين من كل صلاة،
اشارة

و لا تجب عينا في ثالثة المغرب، و الأخريين من الرباعيات، بل يتخير بينها و بين التسبيح عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و النخعي، و الثوري، و أحمد في رواية(5) - لأن عليا عليه السلام قال: «اقرأ في الأوليين و سبّح في الأخريين»(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة ما يجزئ من

ص: 143


1- صحيح مسلم 536:1-772، سنن النسائي 225:3.
2- المجموع 359:3، الوجيز 42:1-43، كفاية الأخيار 66:1، فتح العزيز 3: 329-330.
3- المجموع 357:3، فتح العزيز 331:3.
4- المجموع 358:3، فتح العزيز 331:3.
5- المبسوط للسرخسي 19:1، اللباب 73:1، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1، المجموع 361:3.
6- مصنّف ابن أبي شيبة 372:1.

القول في الركعتين الأخيرتين: «أن يقول: سبحان اللّه، و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، و يكبر و يركع»(1) و لأنها لو وجبت في باقي الركعات لسنّ الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين.

و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد في رواية: تجب الفاتحة في كل ركعة من الأوائل و الأواخر(2) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قرأ في الأخريين من الظهر بأم الكتاب(3) ، و نحن نقول بموجبه إذ هو واجب مخيّر.

فروع:
أ - تجب الفاتحة في الأوليين خاصة،

و قال الحسن: تجب في ركعة واحدة أيّها شاء(4) لقوله تعالي فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (5) و عن مالك أنه يجب أن يقرأ في معظم الصلاة، ففي الثلاثية يقرأ الفاتحة في ركعتين، و في الرباعية تجب في ثلاث إقامة للأكثر مقام الجميع(6).

ب - قال أبو حنيفة: لا يجب التسبيح و لا القراءة في الأخيرتين

بل يجزئه السكوت، و لو لم يقرأ في الأوليين قرأ في الأخيرتين(7).

ص: 144


1- الكافي 319:3-2، التهذيب 98:2-367، الإستبصار 321:1-1198.
2- الام 107:1، المجموع 361:3، فتح العزيز 313:3، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1، المبسوط للسرخسي 18:1، نيل الأوطار 232:2.
3- صحيح البخاري 197:1، صحيح مسلم 333:1-451، سنن أبي داود 212:1-799، سنن النسائي 165:2، سنن البيهقي 63:2.
4- المجموع 361:3، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1، المبسوط للسرخسي 1: 18، بداية المجتهد 126:1، نيل الأوطار 233:2.
5- المزمل: 20.
6- بلغة السالك 113:1، الشرح الصغير 113:1، المجموع 361:3، فتح العزيز 3: 313، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1، المبسوط للسرخسي 18:1.
7- المبسوط للسرخسي 19:1، عمدة القارئ 8:6، المجموع 361:3، فتح العزيز 3: 313، المغني 561:1، الشرح الكبير 560:1، نيل الأوطار 233:2.
ج - روي أن التسبيح أفضل من القراءة،

و روي العكس، و روي استحباب القراءة للإمام و التسبيح للمأموم، و هو حسن، و روي التساوي، و قال سفيان: يكره القراءة في الأخيرتين(1).

د - لو نسي القراءة في الأوليين قيل: تجب في الأخيرتين

لئلاّ تخلو الصلاة من قراءة، و قيل: لا يسقط التخيير(2). و هو أقوي.

ه - لا يجب فيه ما يجب في الفاتحة من الإخفات.
مسألة 230: و اختلف في كيفية التسبيح
اشارة

فالأقوي الاكتفاء بقوله: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر مرّة واحدة لحديث الباقر عليه السلام(3).

و للشيخ قولان: أحدهما: أن يكرر ذلك ثلاث مرات عدا التكبير فإنه يقول في آخره فيكون عشر مرات، و به قال ابن أبي عقيل، و المرتضي(4).

و قال حريز بن عبد اللّه السجستاني: تسع تسبيحات(5). فأسقط التكبير من الثالث؛ لقول الباقر عليه السلام: «و إن كنت إماما فقل: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه ثلاث مرات ثم تكبر و تركع»(6) و به قال الصدوق(7).

ص: 145


1- تفسير الرازي 216:1.
2- قال به الشيخ الطوسي في المبسوط 106:1، و المحقق في المعتبر: 172.
3- الكافي 319:3-2، التهذيب 98:2-367، الاستبصار 321:1-1198.
4- المبسوط للطوسي 106:1، و حكي المحقق قول ابن أبي عقيل و المرتضي في المعتبر: 178.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 178.
6- الفقيه 256:1-1158.
7- الهداية: 31.

و الثاني للشيخ: اثنتا عشرة مرة فيضيف اللّه أكبر في الثلاث(1).

و الأصل براءة الذمة من الوجوب، فتحمل هذه الروايات علي الاستحباب جمعا بين الأدلة.

تذنيب: الأقرب وجوب هذا الترتيب عملا بالمنقول،

و قد روي عن الصادق عليه السلام: «فقل: الحمد للّه، و سبحان اللّه، و اللّه أكبر»(2) و الأولي الأول؛ لحصول يقين البراءة به.

مسألة 231: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم الأربع
اشارة

عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور كافة - لقول الباقر عليه السلام أو الصادق عليه السلام: «لا يقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة»(3).

و لأن سجود التلاوة واجب، و زيادة السجود في الصلاة مبطل. و أطبق الجمهور علي جوازه للأصل، و إنما يكون حجة لو لم يطرأ المعارض.

فروع:
أ - لو قرأ عزيمة في فريضة عمدا بطلت صلاته،

و يجيء علي قول الشيخ(4) أنه يسقط آية السجود و يجزئه.

ب - يجوز أن يقرأ في النافلة فيسجد واجبا،

و كذا إن استمع ثم يقوم فيتم القراءة، و إن كانت السجدة آخر السورة استحب له بعد القيام قراءة الحمد ليركع عن قراءة، و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل الرجل يقرأ السجدة في

ص: 146


1- النهاية: 76.
2- التهذيب 99:2-372، الإستبصار 322:1-1203.
3- الكافي 318:3-6، التهذيب 96:2-361.
4- المبسوط للطوسي 108:1.

آخر السورة: «يسجد ثم يقوم و يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يركع و يسجد»(1).

و قال الشيخ: يقرأ الحمد و سورة، أو آية منها(2).

ج - لو سها في الفريضة فقرأ عزيمة رجع عنها

ما لم يتجاوز النصف وجوبا علي إشكال، فإن تجاوزه ففي جواز الرجوع عنها إشكال، فإن منعناه قرأها كملا ثم أومي أو يقضيها بعد الفراغ بالسجدة؛ لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عمار عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم فقال: «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها و إن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة رجع الي غيرها»(3).

د - لو سمع في الفريضة

فإن أوجبناه بالسماع أو استمع أومأ أو قضي.

ه - لو نسي السجدة حتي ركع سجدها

إذا ذكر؛ لأن محمد بن مسلم سأل أحدهما عليهما السلام عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتي يركع و يسجد قال: «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»(4).

و - لو كان مع إمام و لم يسجد الإمام و لم يتمكن من السجود فليوم إيماء

لقول الصادق عليه السلام: «إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق، أو شيئا من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم لها»(5).

مسألة 232: لا يجوز أن يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته
اشارة

لاستلزامه الإخلال بالواجب، و هل يجوز أن يقرن بين سورتين مع الحمد في ركعة ؟ منعه

ص: 147


1- الكافي 318:3-5، التهذيب 291:2-1167، الإستبصار 319:1-1189.
2- النهاية: 79، المبسوط للطوسي 108:1.
3- التهذيب 293:2-1177.
4- التهذيب 292:2-1176.
5- الكافي 318:3-4، التهذيب 291:2-1168، الاستبصار 320:1-1192.

الشيخ(1) لقول أحدهما عليهما السلام و قد سأله محمد بن مسلم أ يقرأ الرجل السورتين في ركعة قال: «لا لكل سورة ركعة»(2) و لأنّه صلّي اللّه عليه و آله كذا صلّي(3).

و قال المرتضي رضي اللّه عنه: يكره(4) لقول الباقر عليه السلام: «إنما يكره الجمع بين السورتين في الفريضة»(5) و يحمل علي التحريم لوروده فيه، و جوزه الشافعي(6) ، لأن ابن عمر فعله(7). و ليس حجة.

فروع:
أ - قال في المبسوط: لو قرن ما بين سورتين بعد الحمد لم يحكم بالبطلان

أ - قال في المبسوط: لو قرن ما بين سورتين بعد الحمد لم يحكم بالبطلان(8).

ب - لو قرأ السورة الواحدة مرتين فهو قارن،

و كذا لو كرر الحمد، و لا يجزئه تكريرها عن السورة الأخري؛ لأن الفاتحة في الركعة مضيقة و الشيء الواحد لا يؤدي به المضيق و المخير في محل.

ج - يجوز أن يكرر السورة الواحدة في الركعتين

و أن يقرأ فيهما بسورتين

ص: 148


1- النهاية: 75، الخلاف 336:1 مسألة 87.
2- التهذيب 70:2-254، الاستبصار 314:1-1168.
3- انظر علي سبيل المثال الكافي 482:3-1 و صحيح البخاري 193:1.
4- صريح السيد المرتضي (قدس سره) في الانتصار: 44 و جوابات المسائل الموصليات الثالثة «ضمن رسائل الشريف المرتضي» 220:1 هو عدم الجواز لا القول بالكراهة ليحمل علي التحريم، و لعل العلاّمة نقله عن مصدر آخر لم نعثر عليه.
5- الكافي 314:3-10، التهذيب 70:2-258 و 72-267، الاستبصار 317:1-1180.
6- المجموع 385:3، فتح الباري 202:2.
7- سنن البيهقي 64:2، الموطأ برواية الشيباني: 64-133، و انظر المغني 572:1.
8- المبسوط للطوسي 107:1.

متساويتين أو متفاوتتين - و به قال الشافعي(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سوّي بينهما(2).

و قال أبو حنيفة: يستحب في الفجر قراءة أطول السورتين في الاولي و أقصرهما في الثانية - و به قال الثوري(3) - و هو مذهبنا علي ما يأتي لفائدة تلاحق الناس.

د - يجوز أن يقرأ في الثانية السورة التالية

لما قرأه في الاولي من غير استحباب - خلافا للشافعي(4) - للأصل، و لو قرأ «الناس» في الأولي قال:

يقرأ في الثانية من البقرة(5).

مسألة 233: الضحي و ألم نشرح سورة واحدة

لا تفرد إحداهما عن الأخري في الركعة الواحدة، و كذا الفيل و لإيلاف عند علمائنا؛ لقول زيد الشحام في الصحيح: صلّي بنا الصادق عليه السلام الفجر فقرأ الضحي و ألم نشرح في ركعة واحدة(6) ، و قد بينا التحريم أو الكراهة فلا يقع من الإمام عليه السلام إلاّ و هو واجب.

و سمع المفضل الصادق عليه السلام يقول: «لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحي و ألم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف»(7).

ص: 149


1- فتح العزيز 357:3، المجموع 387:3، حلية العلماء 94:2.
2- صحيح مسلم 334:1-452، سنن أبي داود 213:1-804، سنن النسائي 237:1، مسند أحمد 2:3، سنن البيهقي 66:2.
3- عمدة القارئ 9:6، الجامع الصغير للشيباني: 96، المجموع 387:3، فتح العزيز 357:3.
4- المجموع 385:3.
5- المجموع 385:3.
6- التهذيب 72:2-266، الاستبصار 317:1-1182.
7- المعتبر: 178، مجمع البيان 544:5.

و هل تعاد البسملة بينهما؟ الأقرب ذلك؛ لأنّها ثابتة في المصحف، و للإجماع علي أنها آية من كل سورة، و الاستثناء في رواية المفضل يدل علي الاثنينية.

و قال الشيخ رحمه اللّه في التبيان: لا تعاد؛ لأنهما سورة واحدة(1).

و الإجماع علي أنها ليست آيتين من سورة واحدة. و الأولي ممنوعة و إن وجبت قراءتهما.

مسألة 234: يجوز العدول من سورة إلي أخري
اشارة

ما لم يتجاوز نصفها إلاّ في سورة الجحد و الإخلاص فإنه لا ينتقل عنهما إلاّ الي سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة و ظهريها؛ لقول الصادق عليه السلام: «يرجع من كل سورة إلاّ قل هو اللّه أحد، و قل يا أيها الكافرون»(2).

فروع:
أ - قال المرتضي: يحرم الرجوع عن سورة التوحيد و الجحد

أ - قال المرتضي: يحرم الرجوع عن سورة التوحيد و الجحد(3).

و يحتمل الكراهة.

ب - لو وقفت عليه آية من السورة وجب العدول عنها إلي سورة أخري

و إن تجاوز النصف، تحصيلا لسورة كاملة.

ج - إذا رجع عن السورة إلي أخري وجب أن يعيد البسملة؛

لأنها آية من كل سورة، فالمتلوة آية من المرجوع عنها فلو لم يأت بها ثانيا لم تكمل السورة، و كذا من سمي بعد الحمد من غير قصد سورة معيّنة يعيدها مع القصد، و لو نسي آية ثم ذكرها بعد الانتقال إلي أخري قرأها و أعاد ما بعدها

ص: 150


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 178 و انظر أيضا تفسير التبيان 371:10.
2- الكافي 317:3-25، التهذيب 190:2-752 و 290-1166.
3- الانتصار: 44.

و إن قرأ إلي آخر السورة.

مسألة 235: قد بيّنا جواز القراءة من المصحف -

و به قال الشافعي، و مالك، و أبو يوسف، و محمد(1) - لأن من جاز له القراءة ظاهرا جاز باطنا(2) كالآية القصيرة من المصحف.

و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته إلاّ أن يقرأ آية قصيرة؛ لأنه عمل طويل(3).

و هو ضعيف، لأن الفكر و النظر لا يبطل الصلاة كما لو أفكر في إشغاله، و نظر الي المارة، و لا فرق بين الحافظ و غيره.

مسألة 236: يجب الجهر بالقراءة خاصة

دون غيرها من الأذكار في صلاة الصبح و أولتي المغرب، و أولتي العشاء، و الإخفات في الظهرين، و ثالثة المغرب، و آخرتي العشاء عند أكثر علمائنا(4) - و به قال ابن أبي ليلي(5) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(6).

و لقول الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو

ص: 151


1- حلية العلماء 89:2، مغني المحتاج 156:1، الميزان 143:1، الجامع الصغير للشيباني: 97، المبسوط للسرخسي 201:1.
2- في «م» ناظرا. بدل باطنا.
3- المبسوط للسرخسي 201:1، الجامع الصغير للشيباني: 97، المغني 649:1، الشرح الكبير 675:1، الميزان 143:1، حلية العلماء 89:2.
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 33، و الشيخ الطوسي في المبسوط 108:1، و المحقق في المعتبر: 175.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 175.
6- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدارقطني 346:1-10، سنن البيهقي 345:2، ترتيب مسند الشافعي 108:1-319، مسند أحمد 53:5.

أخفي فيما لا ينبغي الإخفات فيه فقال: «إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، و إن فعل ذلك ناسيا، أو ساهيا و لا يدري فلا شيء عليه و قد تمت صلاته»(1).

و قال المرتضي(2) ، و باقي الجمهور كافة: بالاستحباب عملا بالأصل(3). و هو غلط للإجماع علي مداومة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و جميع الصحابة، و الأئمة عليهم السلام فلو كان مسنونا لأخلّوا به في بعض الأحيان.

مسألة 237: يجب الجهر بالبسملة في مواضع الجهر،
اشارة

و يستحب في مواضع الإخفات في أول الحمد و أول السورة عند علمائنا، لأنّها آية من السورة تتبعها في وجوب الجهر، و أما استحبابه مع الإخفات فلأن أم سلمة قالت: إن النبي صلّي اللّه عليه و آله صلّي فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم(4) ، و هو إخبار عن السماع و لا نعني بالجهر إلاّ سماع الغير.

و من طريق الخاصة قول صفوان: صلّيت خلف الصادق عليه السلام أيّاما و كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللّه الرحمن الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و أخفي ما سوي ذلك(5).

و قال الشافعي: يستحب الجهر بها قبل الحمد، و السورة في

ص: 152


1- الفقيه 227:1-1003، التهذيب 147:2-577، الاستبصار 313:1-1163.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 175.
3- المجموع 389:3، مغني المحتاج 162:1، الشرح الكبير 569:1، المهذب للشيرازي 81:1، الميزان 146:1، المبسوط للسرخسي 17:1، العدة شرح العمدة: 75.
4- سنن البيهقي 44:2، مستدرك الحاكم 232:1.
5- الكافي 315:3-20، التهذيب 68:2-246، الإستبصار 311:1-1154.

الجهرية، و الإخفاتية - و به قال عمر، و ابن الزبير، و ابن عباس، و ابن عمر، و أبو هريرة، و هو مذهب عطاء، و طاوس، و سعيد بن جبير، و مجاهد(1) - و هو موافق لقولنا في الإخفاتية، و قد بيّنا وجوب الجهر في الجهرية.

و قال الثوري، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و أحمد، و أبو عبيد: لا يجهر بها بحال. و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود، و عمار(2) لأنّ أنسا قال: صليت خلف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فلم أسمعه يجهر بها(3). و لا حجة فيه لصغره أو بعده. و قال النخعي: جهر الإمام بها بدعة(4). و قال مالك: المستحب أن لا يقرأها(5). و قال ابن أبي ليلي، و الحكم، و إسحاق: إن جهرت فحسن و إن أخفيت فحسن(6).

فروع:
أ - أقلّ الجهر أن يسمع غيره القريب تحقيقا، أو تقديرا،

و حدّ

ص: 153


1- الميزان للشعراني 141:1، الشرح الكبير 553:1، حلية العلماء 86:2.
2- المبسوط للسرخسي 15:1، شرح فتح القدير 254:1، اللباب 68:1، المغني 1: 557، العدة شرح العمدة: 74، المجموع 342:3، الميزان 141:1، المنتقي للباجي 150:1، القوانين الفقهية: 63، بداية المجتهد 124:1، الحجة علي أهل المدينة 96:1، نيل الأوطار 216:2، الشرح الكبير 553:1.
3- صحيح مسلم 299:1-399، سنن النسائي 135:2، سنن الدارمي 283:1، سنن الدارقطني 314:1-1، سنن البيهقي 50:2 و 51.
4- الميزان 141:1، نيل الأوطار 217:2، حلية العلماء 87:2.
5- المدونة الكبري 64:1، المنتقي للباجي 150:1، بداية المجتهد 124:1، الميزان 1: 141، المغني 556:1، الشرح الكبير 552:1، المبسوط للسرخسي 15:1، شرح فتح القدير 253:1، نيل الأوطار 218:2.
6- المجموع 342:3، الميزان 141:1، المبسوط للسرخسي 17:1، نيل الأوطار 218:2.

الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعا بإجماع العلماء، و لأنّ ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة؛ لقول الباقر عليه السلام: «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه»(1).

ب - لا جهر علي المرأة بإجماع العلماء،

و لأن صوتها عورة، و لا تخافت دون إسماع نفسها.

ج - قال ابن إدريس: ما لا يتعين فيه بالقراءة لا يجهر فيه بالبسملة

لو قرأ(2). و هو تخصيص لعموم الروايات، و تنصيص علمائنا.

د - كل صلاة تختص بالنهار و لا نظير لها ليلا فالسنّة فيها الجهر

كالصبح، و كل صلاة تختص بالليل و لا نظير لها نهارا فالسنة فيها الجهر كالمغرب، و كل صلاة تفعل نهارا و لها نظير بالليل فما تفعل نهارا فالسنّة فيه الإخفات كالظهرين، و ما تفعل ليلا فالسنّة الجهر كالعشاء، فصلاة الجمعة، و العيد سنتهما الجهر؛ لأنهما يفعلان نهارا و لا نظير لهما ليلا، و أصله قوله عليه السلام: (صلاة النهار عجماء)(3).

و كسوف الشمس يستحب فيها الإسرار؛ لأنها تفعل نهارا، و لها نظير بالليل و هي صلاة خسوف القمر، و يجهر في الخسوف.

أما صلاة الاستسقاء فعندنا كصلاة العيد، و قال الشافعي: إن فعلت نهارا أسرّ بها، و إن فعلت ليلا جهر، و نوافل النهار يسرّ فيها، و نوافل الليل

ص: 154


1- الكافي 313:3-6، التهذيب 97:2-363، الإستبصار 320:1-1194.
2- السرائر: 45.
3- عوالي اللئالي 421:1-98 و نسبه الي الحسن البصري كل من الزمخشري في الفائق 2: 395، و الهروي في غريب الحديث 282:1، و ابن الأثير في النهاية 187:3 «عجم». و انظر كشف الخفاء 36:2-1609 و التذكرة في الأحاديث المشتهرة: 66 و المجموع 46:3.

تجهر(1).

و لا قراءة في صلاة الجنائز عندنا، أما الشافعي فاستحب الجهر ليلا لا نهارا(2).

ه - القضاء كالفوائت

فإن كان الفائت صلاة جهر جهر في قضائها وجوبا و إن فعلت نهارا، و إن كانت صلاة إخفات أسرّ فيها و إن فعلت ليلا، و به قال بعض الشافعية(3) ، و قال الباقون: الاعتبار بوقت القضاء(4). و ليس بجيد لقوله عليه السلام: (فليقضها كما فاتته)(5).

و - لا فرق بين الإمام و المنفرد عندنا

- و به قال الشافعي(6) - لأن المنفرد ليس تابعا لغيره فهو كالإمام، و قال أبو حنيفة: لا يسن الجهر للمنفرد(7).

ز - ليس للمأموم الجهر و إن سوّغنا له القراءة؛

لأنّ صحابيا جهر خلف النبي صلّي اللّه عليه و آله فلمّا فرغ من الصلاة قال: (ما لي أنازع القرآن ؟)(8) و لما فيه من تشويش الإمام.

ص: 155


1- المجموع 391:3، مغني المحتاج 162:1.
2- انظر: المجموع 234:5، و حلية العلماء 295:2.
3- المجموع 390:3، المهذب للشيرازي 81:1.
4- المجموع 390:3، مغني المحتاج 162:1، المهذب للشيرازي 81:1، الشرح الكبير 570:1.
5- عوالي اللئالي 107:3-150 و 54:2-143 و المهذب البارع 460:1.
6- المجموع 389:3، المهذب للشيرازي 81:1، الشرح الكبير 570:1.
7- المجموع 389:3، شرح العناية 283:1.
8- سنن أبي داود 218:1-826، سنن النسائي 141:2، سنن الترمذي 118:2-312، الموطأ 86:1-44، موارد الظمآن: 126-454.
ح - يستحب الجهر في صلاة الجمعة و ظهرها

- خلافا لابن إدريس(1) - و في صلاة الليل.

مسألة 238: القراءة ليست ركنا عند أكثر علمائنا

مسألة 238: القراءة ليست ركنا عند أكثر علمائنا(2)

فلو أخلّ بها سهوا لم تبطل صلاته - و به قال الشافعي في القديم(3) - لأنّ عمر صلّي المغرب فلم يقرأ فيها فقيل له في ذلك، فقال: كيف كان الركوع و السجود؟ قالوا: كان حسنا. قال: فلا بأس(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله منصور بن حازم إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلي، فقال: «قد تمت صلاتك»(5).

و عند بعض علمائنا أنها ركن لو أخل بها سهوا بطلت صلاته(6) ، و هو قول الشافعي في الجديد(7) ، لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)(8) و لا حجة فيه لافتقاره إلي إضمار.

ص: 156


1- السرائر: 65.
2- منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 105:1، و ابن إدريس في السرائر: 50، و المحقق في المعتبر: 172.
3- المجموع 332:3، عمدة القارئ 9:6، المهذب للشيرازي 79:1.
4- مصنّف ابن أبي شيبة 396:1.
5- الكافي 348:3-3، التهذيب 146:2-570، الاستبصار 353:1-1336.
6- حكي ذلك الشيخ في المبسوط 105:1.
7- الام 107:1، المجموع 332:3، المهذب للشيرازي 79:1، كفاية الأخيار 65:1، المغني 1: 555، الشرح الكبير 556:1.
8- صحيح البخاري 192:1، صحيح مسلم 295:1-394، سنن الترمذي 25:2-247، سنن البيهقي 59:2، مستدرك الحاكم 239:1.
مسألة 239: يستحب له ترتيل القراءة، و التسبيح، و التشهد

ليلحقه من خلفه ممّن يثقل لسانه. قال اللّه تعالي وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (1) و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي للعبد إذا صلّي أن يرتل قراءته، و إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النار سأل اللّه الجنّة و تعوّذ باللّه من النار، و إذا مرّ بيا أيّها الناس و يا أيها الذين آمنوا قال: لبيك ربّنا»(2).

و لو أطال الدعاء في خلال القراءة كره، و ربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتاد فيبين الحروف و لا يمده مدة يشبه الغناء، و لو أدرج و لم يرتل و أتي بالحروف بكمالها صحت صلاته، و يستحب تعمد الإعراب و الوقوف في مواضعه، و لا يستحب له التطويل كثيرا فيشق علي من خلفه؛ لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من أمّ الناس فليخفف)(3) و للمنفرد الإطالة.

و لو عرض عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه استحب للإمام التخفيف، قال عليه السلام: (إنّي لأقوم في الصلاة و أنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز فيها كراهية أن يشق علي أبيه)(4).

مسألة 240: يستحب له أن يسكت قليلا بعد الحمد و بعد السورة

- و به قال عروة بن الزبير(5) - لقول الباقر عليه السلام: «إن رجلين اختلفا في صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كم كان له من سكتة فكتبا الي أبيّ بن كعب فقال: كان له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن، و إذا فرغ من

ص: 157


1- المزمل: 4.
2- التهذيب 124:2-471.
3- صحيح البخاري 180:1، صحيح مسلم 341:1-467، سنن الترمذي 1: 461-236، سنن النسائي 94:2، الموطأ 134:1-13، مسند أحمد 271:2.
4- صحيح البخاري 181:1، سنن أبي داود 209:1-789، سنن ابن ماجة 317:1-991، سنن النسائي 95:2، سنن البيهقي 118:3، و فيها (.. كراهية أن يشق علي أمّه).
5- المغني 567:1.

السورة»(1) و لأن المقتضي للسكوت عقيب الحمد مقتض له عقيب السورة.

و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق: يسكت بعد تكبيرة الافتتاح و بعد الفاتحة(2) ، لأنّ سمرة بن جندب حدّث أنه حفظ عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سكتتين: سكتة إذا كبّر، و سكتة إذا فرغ من قراءة الفاتحة فأنكر عليه عمر(3) فكتبا في ذلك الي أبيّ بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ(4).

و حديثنا أولي، لأنّ أهل البيت عليهم السلام أعرف، و كره ذلك كله مالك، و أصحاب الرأي(5).

مسألة 241: يستحب أن يقرأ في الظهرين، و المغرب بقصار المفصل

كالقدر و النصر، و في العشاء بمتوسطاته كالطارق و الأعلي، و في الصبح بمطولاته كالمدثر و المزمل، قاله الشيخ في المبسوط(6).

و روي محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قلت: القراءة في الصلاة فيها شيء موقت ؟ قال: «لا، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة و المنافقين» قلت له: فأيّ السور أقرأ في الصلوات ؟ قال: «أما الظهر و العشاء فتقرأ فيهما سواء، و العصر و المغرب سواء، و أما الغداة فأطول، ففي الظهر

ص: 158


1- التهذيب 297:2-1196.
2- المجموع 395:3، مغني المحتاج 163:1، المغني 567:1، الشرح الكبير 568:1، العدة شرح العمدة: 75، نيل الأوطار 265:2.
3- الصحيح عمران بن الحصين كما في المصادر التالية.
4- سنن الترمذي 31:2-251، سنن ابن ماجة 275:1-844، سنن أبي داود 1: 207-779، سنن الدارقطني 309:1-28.
5- المغني 567:1، الشرح الكبير 568:1، نيل الأوطار 265:2.
6- المبسوط للطوسي 108:1.

و العشاء بسبح اسم ربك الأعلي و الشمس و ضحاها و نحوها، و العصر و المغرب إذا جاء نصر اللّه و ألهاكم التكاثر، و نحوها، و الغداة بعم يتساءلون، و هل أتاك، و لا أقسم بيوم القيامة، و هل أتي»(1) و قال الشافعي: يقرأ في الصبح كما قلناه(2) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله قرأ «ق» في الصبح(3).

و يقرأ في الظهر نصف ما يقرأ في الصبح، و يقرأ في العصر بنحو ما يقرأ في العشاء سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و يقرأ في المغرب بالعاديات و شبهها، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يقرأ في المغرب بقصار المفصّل(4).

و قال أبو حنيفة: يقرأ في الاولي من الصبح من ثلاثين آية إلي ستين آية، و في الثانية من عشرين الي ثلاثين، و في الظهر نصف ما قرأ في الصبح، و في العصر و العشاء عشرين آية في كل ركعة غير الفاتحة في الأوليين(5). و قال أحمد: يقرأ في العشاء خمس عشرة آية(6).

و لو خالف ذلك كلّه جاز بإجماع العلماء فإن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قرأ في المغرب بالأعراف، و تارة بالمرسلات، و تارة بالطور(7).

مسألة 242: يستحب أن يقرأ في ظهري يوم الجمعة الجمعة و المنافقين،

ص: 159


1- التهذيب 95:2-354.
2- المجموع 385:3، مختصر المزني: 18، السراج الوهاج: 44، المهذب للشيرازي 80:1، مغني المحتاج 163:1.
3- صحيح مسلم 337:1-458.
4- سنن البيهقي 391:2.
5- بدائع الصنائع 206:1.
6- المغني 643:1، حلية العلماء 95:2.
7- سنن الترمذي 112:2-113-308، سنن أبي داود 214:1-810 و 811 و 215 - 812، سنن الدارمي 296:1، سنن البيهقي 392:2.

و كذا في الجمعة سواء الجامع و المنفرد، و المسافر و الحاضر؛ لأن الباقر عليه السلام قال: «إن اللّه أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بشارة لهم، و المنافقين توبيخا للمنافقين فلا ينبغي تركهما، و من تركهما متعمدا فلا صلاة له»(1).

و ليستا واجبتين في الجمعة أيضا، خلافا لبعض علمائنا(2) ، و المراد نفي الكمال؛ لقول الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، فقال: «لا بأس»(3).

و يستحب أن يقرأ في غداة يوم الجمعة، الجمعة و التوحيد، و روي المنافقين(4) ، و في مغرب ليلة الجمعة و عشائها بالجمعة و الأعلي، و في رواية عن الصادق عليه السلام قراءة الجمعة، و التوحيد في المغرب، و في العشاء بالجمعة و سبح اسم(5).

و يستحب لمن قرأ غير الجمعة و المنافقين في الجمعة، و الظهرين الرجوع إليهما إن كان ناسيا و لم يتجاوز النصف، فإن تجاوز فليتمها ركعتين نافلة، و يصلّي الفريضة بهما.

و قال المرتضي: إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الأولي بالجمعة، و في الثانية بالمنافقين يجهر بهما لا يجزئه غيرهما(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «من صلّي الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد3.

ص: 160


1- الكافي 425:3-4، التهذيب 6:3-16، الاستبصار 414:1-1583.
2- هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 152-153.
3- التهذيب 7:3-19 و 20، الاستبصار 414:1-1586.
4- التهذيب 7:3-18، الاستبصار 414:1-1585.
5- التهذيب 5:3-13.
6- جمل العلم و العمل «ضمن رسائل الشريف المرتضي» 42:3.

الصلاة»(1) و المراد الاستحباب؛ لقول الرضا عليه السلام و قد سأله علي بن يقطين عن الجمعة ما أقرأ فيهما؟ قال: «اقرأهما بقل هو اللّه أحد»(2).

مسألة 243: يستحب أن يقرأ في غداة الاثنين و الخميس هل أتي،

و أن يقرأ الجحد في سبعة مواضع: في أول ركعة من ركعتي الزوال، و أول ركعة من نوافل المغرب، و أول ركعة من صلاة الليل، و أول ركعة من ركعتي الإحرام، و ركعتي الفجر و الغداة إذا أصبح بها، و ركعتي الطواف، لقول الصادق عليه السلام: «لا تدع أن تقرأ قل هو اللّه أحد، و قل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بهما، و ركعتي الطواف»(3).

قال الشيخ: و في رواية اخري أنه: «يقرأ في هذا كلّه بقل هو اللّه أحد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون»(4).

و يستحب أن يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرّة قل هو اللّه أحد في كل ركعة، و في باقي صلاة الليل بالسور الطوال كالأنعام و الكهف مع السعة فإن تضيق الوقت خفف القراءة.

مسألة 244: لو أراد المصلي التقدم خطوة، أو خطوتين، أو التأخر كذلك سكت عن القراءة

حالة التخطي لأنها ليست حالة القيام بل حالة المشي، و هل ذلك علي سبيل الوجوب ؟ يحتمل ذلك إن سلبنا القيام عنه و إلاّ مستحبا.

ص: 161


1- الكافي 426:3-7، التهذيب 7:3-21، الاستبصار 415:1-1588.
2- الفقيه 268:1-1224، التهذيب 8:3-23، الإستبصار 415:1-1590.
3- الكافي 316:3-22، الفقيه 314:1-1427، التهذيب 74:2-273.
4- التهذيب 74:2-274.
مسألة 245: يحرم قول آمين آخر الحمد عند الإمامية، و تبطل الصلاة بقولها
اشارة

سواء كان منفردا، أو إماما، أو مأموما، لقوله عليه السلام: (إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين)(1) و التأمين من كلامهم.

و قال عليه السلام: (إنما هي التسبيح، و التكبير، و قراءة القرآن)(2) و «إنما» للحصر.

و لأن جماعة من الصحابة نقلوا صفة صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله منهم أبو حميد الساعدي قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قالوا: أعرض علينا، ثم وصف الي أن قال: ثم يقرأ ثم يكبر(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لجميل في الصحيح:

«إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للّه رب العالمين، و لا تقل آمين»(4) و سأل الحلبي الصادق عليه السلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين ؟ قال: «لا»(5).

و لأن معناه اللّهم استجب، و لو نطق به أبطل صلاته، فكذا ما قام مقامه، و لأنّه يستدعي سبق دعاء و لا يتحقق إلاّ مع قصده فعلي تقدير عدمه يخرج التأمين عن حقيقته فيلغو، و لأنّ التأمين لا يجوز إلاّ مع قصد الدعاء و ليس ذلك شرطا إجماعا أمّا عندنا فللمنع مطلقا، و أمّا عند الجمهور

ص: 162


1- صحيح مسلم 381:1-382-537، سنن النسائي 17:3، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن أبي داود 244:1-930.
2- صحيح مسلم 381:1-382-537، سنن النسائي 17:3، سنن أبي داود 1: 244-930، مسند أحمد 447:5 و 448.
3- سنن أبي داود 194:1-730، سنن البيهقي 72:2.
4- الكافي 313:3-5، التهذيب 74:2-275، الاستبصار 318:1-1185.
5- التهذيب 74:2-276، الاستبصار 318:1-1186.

فللاستحباب مطلقا.

و أطبق الجمهور علي الاستحباب(1) لقول أبي هريرة: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين فقولوا آمين)(2) و نمنع صحة الرواية فإنّ عمر شهد عليه بأنه عدوّ اللّه و عدوّ المسلمين، و حكم عليه بالخيانة، و أوجب عليه عشرة آلاف دينار ألزمه بها بعد ولايته البحرين(3) ، و مثل هذا لا يسكن الي روايته، و لأن ذلك من القضايا الشهيرة التي يعمّ بها البلوي فيستحيل انفراد أبي هريرة بنقلها.

فروع:
أ - قال الشيخ رحمه اللّه: آمين تبطل الصلاة

سواء وقعت بعد الحمد، أو بعد السورة، أو في أثنائهما(4). و هو جيد؛ للنهي عن قولها مطلقا.

ب - لو كانت حال تقية جاز له أن يقولها،

و لهذا عدل الصادق عليه السلام عن الجواب و قد سأله معاوية بن وهب أقول: آمين إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين ؟ قال: «هم اليهود، و النصاري»(5) و لم يجب فيه بشيء كراهة لهذه اللفظة، و لم يمكنه عليه السلام التصريح بها، و عليه يحمل قوله عليه السلام و قد سأله جميل عنها: «ما أحسنها، و أخفض الصوت بها»(6).

ص: 163


1- المجموع 371:3 و 373، المهذب للشيرازي 79:1، السراج الوهاج: 44، كفاية الأخيار 72:1، المغني 564:1، المبسوط للسرخسي 32:1، المحرر في الفقه 1: 54، اللباب 69:1.
2- سنن الدارمي 284:1، سنن الدارقطني 329:1-12.
3- طبقات ابن سعد 335:4، الفائق للزمخشري 102:1.
4- المبسوط للطوسي 106:1، الخلاف 332:1 مسألة 84 و فيهما: سواء كان في خلال الحمد أو بعده.
5- التهذيب 75:2-278، الاستبصار 319:1-1188.
6- التهذيب 75:2-277، الاستبصار 318:1-1187.
ج - اختلف الجمهور فقال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود:

يجهر الإمام بها،

لأنه تابع للفاتحة(1). و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يجهر بها؛ لأنه دعاء مشروع في الصلاة فاستحب إخفاؤه كالدعاء في التشهد(2).

و عن مالك روايتان: هذا إحداهما، و الثانية: لا يقولها الإمام(3) ، لأنه عليه السلام قال: (إذا قال الإمام: و لا الضالين فقولوا: آمين)(4) فدل علي أن الإمام لا يقولها.

أما المأموم فللشافعي قولان: الجديد: الإخفاء - و به قال الثوري، و أبو حنيفة(5) - و القديم: الجهر. و به قال أحمد، و أبو ثور، و إسحاق، و عطاء من التابعين(6).

و إذا أسرّ بالقراءة أسرّ به اتفاقا منهم، و استحبت الشافعية التأمين عقيب قراءة الحمد مطلقا للمصلّي و غيره. و فيه لغتان: المدّ مع التخفيف، و القصر، و لو شدّد عمدا بطلت صلاته إجماعا.

ص: 164


1- المجموع 410:3، حلية العلماء 98:2-90.
2- المبسوط للسرخسي 32:1، اللباب 69:1، عمدة القارئ 50:6، الميزان 143:1، رحمة الأمة 44:1، المحلي 264:3، حلية العلماء 90:2.
3- شرح الزرقاني علي موطّإ مالك 179:1-180، حلية العلماء 90:2، عمدة القارئ 50:6 و 52.
4- صحيح البخاري 198:1 و 21:6، سنن أبي داود 246:1-935، سنن النسائي 97:2، صحيح مسلم 310:1-415، سنن ابن ماجة 276:1-846، سنن الدارمي 284:1، مسند أحمد 233:2، سنن الدارقطني 329:1-12.
5- الام 109:1، فتح العزيز 348:3، الميزان 143:1، رحمة الأمة 44:1، حلية العلماء 90:2، اللباب 69:1، عمدة القارئ 50:6.
6- المجموع 371:3، فتح العزيز 348:3، الميزان 143:1، رحمة الأمة 44:1، السراج الوهاج: 44، المغني 565:1، الشرح الكبير 565:1، عمدة القارئ 50:6.
البحث الخامس: الركوع
مسألة 246: الركوع واجب في الصلاة في كلّ ركعة مرّة

بإجماع علماء الإسلام إلاّ في الكسوف، و الآيات علي ما يأتي(1). قال اللّه تعالي:

وَ ارْكَعُوا (2) . و علّمه الأعرابي لمّا علّمه الصلاة(3). و هو ركن في الصلاة إجماعا لو أخلّ به سهوا مع القدرة عليه، أو عمدا بطلت صلاته؛ لأنه لم يأت بالمأمور به علي وجهه فيبقي في عهدة التكليف.

و لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسي الركوع حتي يسجد و يقوم، قال: «يستقبل»(4) ، و سئل الكاظم عليه السلام عن الرجل ينسي أن يركع قال: «يستقبل حتي يضع كل شيء من ذلك موضعه»(5) ، و لم يجعله الشيخ ركنا في أواخر الرباعيات في بعض أقواله(6) ، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه.

مسألة 247: و يجب فيه الانحناء إلي أن تبلغ راحتاه إلي ركبتيه

إجماعا إلاّ من أبي حنيفة فإنه اكتفي بأصل الانحناء، لأنه لا يخرج عن حد القيام إلاّ

ص: 165


1- فتح العزيز 347:3، السراج الوهاج: 44، فتح الوهاب 41:1.
2- الحج: 77.
3- المشهور انه حديث المسيء في صلاته انظر: صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 226:1-856، سنن النسائي 124:2 سنن الترمذي 103:2-104-303، سنن البيهقي 372:2.
4- الكافي 348:3-2، التهذيب 148:2-581 و 582، الاستبصار 1: 355-1344 و 1345.
5- التهذيب 149:2-583، الاستبصار 356:1-1347.
6- المبسوط للطوسي 109:1.

بذلك(1) ، و لقوله عليه السلام: (إذا ركعت فضع كفّيك علي ركبتيك)(2) و هو يستلزم الانحناء المذكور.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و تمكّن راحتيك من ركبتيك»(3) و سنبين أن الوضع غير واجب فتعين الانحناء بقدره.

و العاجز يأتي بالممكن لأنّ الزيادة تكليف بما لا يطاق، و لو تعذر أومأ لأنه القدر الممكن فيقتصر عليه، و لأنّ إبراهيم الكرخي سأل الصادق عليه السلام عن رجل شيخ لا يستطيع القيام إلي الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود فقال: «ليؤم برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة»(4).

و الراكع خلقة يزيد يسير انحناء ليفرق بين القيام و الركوع و إن لم يفعل لم يلزمه لأنه حدّ الركوع فلا يلزمه الزيادة عليه.

و لو انخنس(5) و أخرج ركبتيه و صار بحيث لو مدّ يديه نالتا ركبتيه لم يكن ركوعا، لأنّ هذا التمكن لم يحصل بالانحناء، و طويل اليدين ينحني كالمستوي، و كذا قصيرهما.

مسألة 248: و يجب فيه بعد الانحناء الطمأنينة
اشارة

و معناها السكون بحيث تستقرّ أعضاؤه في هيئة الركوع و ينفصل هويه عن ارتفاعه منه عند علمائنا

ص: 166


1- المجموع 410:3، حلية العلماء 97:2، بدائع الصنائع 162:1.
2- سنن أبي داود 227:1-859.
3- الكافي 319:3-320-1، التهذيب 77:2-78-289 و 83-308.
4- الفقيه 238:1-1052، التهذيب 307:3-951.
5- الخنس: الانقباض. لسان العرب 72:6.

أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال للمسيء في صلاته: (ثم اركع حتي تطمئن راكعا)(2) و من طريق الخاصة رواية حماد - الطويلة - قال: «ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات»(3) و لأنه فعل مفروض في الصلاة فوجبت فيه الطمأنينة كالقيام.

و قال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة(4) لقوله تعالي وَ ارْكَعُوا (5) و قد حصل مع عدمها فيخرج عن العهدة. و الآية بيّنها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بفعله.

فروع:
أ - الطمأنينة ليست ركنا

لأنّا سنبيّن أن الصلاة لا تبطل بالإخلال بها سهوا و إن بطلت عمدا.

و قال الشيخ في الخلاف: إنّها ركن. و به قال الشافعي(6).

ب - حدّ زمانها قدر الذكر الواجب

لوجوب الذكر فيه علي ما يأتي فلا بدّ من السكون بقدر أداء الواجب.

ج - لو زاد في الهويّ ثم ارتفع و الحركات متواصلة لم تقم زيادة الهويّ مقام الطمأنينة.

ص: 167


1- المجموع 410:3، مختصر المزني: 17، الوجيز 43:1، كفاية الأخيار 67:1، السراج الوهاج: 45، المغني 577:1.
2- صحيح البخاري 193:1 و 201، سنن النسائي 124:2.
3- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
4- بدائع الصنائع 162:1، المجموع 410:3، المغني 577:1.
5- البقرة: 43.
6- الخلاف 348:1، المسألة 98، و راجع المجموع 410:3، و حلية العلماء 97:2، و المغني 577:1.
د - يجب أن لا يقصد بهويّه غير الركوع

فلو قرأ آية سجدة فهوي ليسجد ثم لمّا بلغ حدّ الراكعين أراد أن يجعله ركوعا لم يجز بل يعود إلي القيام ثم يركع لأن الركوع الانحناء و لم يقصده.

ه - لو عجز عن الركوع إلاّ بما يعتمد عليه وجب،

و لو عجز و تمكن من الانحناء علي أحد جانبيه وجب، و لو عجز عن الطمأنينة سقطت، و كذا الرفع.

و - لو لم يضع راحتيه فشك بعد القيام هل بلغ بالركوع قدر الإجزاء احتمل العود

عملا بالأصل - و به قال الشافعي(1) - و عدمه لأنه شك بعد انتقاله.

مسألة 249: و يجب فيه الذكر
اشارة

عند علمائنا أجمع، و به قال أحمد، و إسحاق، و داود إلاّ أنه قال: إذا تركه عمدا لم تبطل صلاته(2) لقوله صلّي اللّه عليه و آله لما نزل فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (3) قال: (ضعوها في ركوعكم)(4) و الأمر للوجوب.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله هشام بن سالم عن التسبيح في الركوع و السجود فقال: «تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، و في السجود: سبحان ربي الأعلي. الفريضة من ذلك تسبيحة،

ص: 168


1- المجموع 410:3.
2- المغني 579:1، الشرح الكبير 578:1، المجموع 414:3، الميزان 148:1، رحمة الأمة 45:1، سبل السلام 300:1، نيل الأوطار 271:2، المحلي 255:3، حلية العلماء 97:2.
3- الواقعة: 74.
4- الفقيه 207:1-932، التهذيب 313:2-1273، علل الشرائع: 333 باب 30 حديث 6 و انظر مسند أحمد 155:4، مستدرك الحاكم 225:1 و 477:2، سنن البيهقي 2: 86، مسند الطيالسي: 135-1000.

و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع»(1) ، و لأنّه هيئة في كون فيجب فيه الذكر كالقيام.

و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك: بعدم الوجوب(2) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يعلمه الأعرابي(3). و هو ممنوع لقوله عليه السلام:

(إذا ركع أحدكم و قال: سبحان ربي العظيم و بحمده؛ فقد تم ركوعه، و ذلك أدناه)(4) و هو يدل علي عدم تمام الركوع لو لم يذكر.

فروع:
أ - الأقوي أنّ مطلق الذكر واجب،

و لا يتعين التسبيح؛ لأنّ هشام بن الحكم، و هشام بن سالم سألا الصادق عليه السلام يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر؟ فقال: «نعم كلّ هذا ذكر»(5) علل بالذكر.

و قال بعض علمائنا: يتعين التسبيح، و هو سبحان ربي العظيم و بحمده، ثلاثا(6). و بعضهم مرّة، أو ثلاث مرات سبحان اللّه(7) - و أحمد

ص: 169


1- التهذيب 76:2-282، الاستبصار 323:1-1204.
2- المجموع 414:3، الوجيز 43:1، السراج الوهاج: 45، كفاية الأخيار 73:1، المبسوط للسرخسي 21:1-22.
3- صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن الترمذي 103:2-104-303، سنن النسائي 124:2، سنن البيهقي 371:2-372.
4- مصنف ابن أبي شيبة 250:1-251.
5- الكافي 329:3-5 و 321-8، التهذيب 302:2-1217 و 1218.
6- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 118.
7- كالشيخ الطوسي في النهاية: 81 و المحقق في المعتبر: 180.

أوجب التسبيح أيضا(1) - لما تقدم في حديث الصادق عليه السلام: «يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم»(2).

و سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال: «ثلاث تسبيحات مترسلا، يقول: سبحان اللّه، سبحان اللّه، سبحان اللّه»(3) و لا حجة فيهما؛ لأن السؤال وقع أولا عن التسبيح، و ثانيا عن أخفه.

ب - إذا قال: سبحان ربي العظيم، أو سبحان ربّي الأعلي استحب أن يقول: و بحمده

- و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم و بحمده) ثلاثا(5) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «تقول: سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا»(6) و قال ابن المنذر: قيل لأحمد: تقول: سبحان ربي العظيم و بحمده ؟ قال: أمّا أنا فلا أقول: و بحمده(7).

ج - يجب أن يأتي بالذكر حال الطمأنينة،

فلو شرع فيه قبل انتهائه في الهويّ الواجب، أو شرع في الرفع قبل إكماله بطلت صلاته.

د - يستحب أن يقول ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم و بحمده

د - يستحب أن يقول(8) ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم و بحمده

ص: 170


1- المغني 578:1، الشرح الكبير 578:1، الانصاف 60:2، المجموع 414:3.
2- التهذيب 76:2-282، الاستبصار 323:1-1204.
3- التهذيب 77:2-288، الاستبصار 324:1-1212.
4- المجموع 412:3، فتح العزيز 394:3، كفاية الأخيار 73:1.
5- مصنّف ابن أبي شيبة 248:1، سنن أبي داود 230:1-870، سنن الدارقطني 341:1-1.
6- الكافي 329:3-1، التهذيب 80:2-300، الإستبصار 324:1-1213.
7- المغني 579:1، الشرح الكبير 581:1.
8- في نسخة ش: يقرأ.

إجماعا؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات(1) ، و أفضل منه خمسا و الأكمل سبعا، و إن زاد فهو أفضل.

قال أبان بن تغلب: دخلت علي الصادق عليه السلام و هو يصلّي فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة(2).

و حكي الطحاوي عن الثوري أنه كان يقول: ينبغي للإمام أن يقول:

سبحان ربي العظيم، خمسا حتي يدرك الذي خلفه ثلاثا(3) ، و أنكره الشافعي(4) لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قاله ثلاثا(5) ، و لأن المأموم يركع مع الإمام فما أمكن الإمام أمكن المأموم.

ه - ينبغي للإمام التخفيف،

قال سماعة: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن ؟ قال: «نعم» قول اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (6) فقلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال: «أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللّه، سبحان اللّه ثلاثا»(7).

و من كان يقوي علي أن يطول الركوع و السجود فليطول ما استطاع يكون

ص: 171


1- مصنّف ابن أبي شيبة 248:1، سنن أبي داود 230:1-870، سنن الدارقطني 341:1-1.
2- الكافي 329:3-2، التهذيب 299:2-1205.
3- الميزان 149:1، رحمة الأمة 46:1، المبسوط للسرخسي 22:1، بداية المجتهد 129:1، حلية العلماء 98:2.
4- المجموع 412:3، فتح العزيز 397:3.
5- مصنف ابن أبي شيبة 248:1، سنن أبي داود 230:1-870، سنن الدارقطني 341:1-1.
6- الحج: 77.
7- التهذيب 77:2-287، الاستبصار 324:1-1211.

ذلك في تسبيح اللّه، و تحميده، و التمجيد، و الدعاء، و التضرع فإن أقرب ما يكون العبد إلي ربّه و هو ساجد(1).

فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم فإن في الناس الضعيف و من له الحاجة، فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله (كان إذا صلّي بالناس)(2) خف بهم(3).

مسألة 250: و يجب بعد انتهاء الذكر الرفع من الركوع و الاعتدال، و الطمأنينة قائما

حتي يرجع كل عضو إلي موضعه عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي، و أحمد(4) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله للمسيء في صلاته:

(ثم ارفع حتي تعتدل قائما)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه»(6) و لأنّه ركن هو خفض فالرفع منه فرض كالسجود.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الرفع، و لا الاعتدال، و لا الطمأنينة بل ينحط من ركوعه ساجدا(7).

ص: 172


1- إشارة الي الحديث المروي في الكافي 323:3 و 324-7 و 11 و صحيح مسلم 1: 350-482 و سنن أبي داود 231:1-875 و سنن النسائي 226:2 و سنن البيهقي 110:2.
2- ما بين القوسين لم يرد في نسخة (م).
3- صحيح البخاري 181:1، صحيح مسلم 342:1-469.
4- المجموع 416:3-417 و 419، فتح العزيز 399:3، الوجيز 43:1، السراج الوهاج: 45، كفاية الأخيار 67:1، المغني 582:1 و 583، الشرح الكبير 582:1 و 583، بداية المجتهد 135:1.
5- سنن البيهقي 97:2.
6- الكافي 320:3-6، التهذيب 78:2-290.
7- المجموع 419:3، حلية العلماء 99:2، فتح العزيز 401:3، المغني 583:1، الشرح الكبير 1: 583، الهداية للمرغيناني 49:1، شرح العناية 261:1.

و اختلف أصحاب مالك في مذهبه علي القولين؛ لأنّ القيام لو وجب لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول، فلمّا لم يتضمن ذكرا واجبا لم يجب كقيام القنوت(1).

و ينتقض بالركوع، و السجود، و الرفع من السجود، فإن الذكر عنده ليس بواجب في شيء منها(2).

مسألة 251: و السنة في الركوع أن يكبر له قائما ثم يركع،
اشارة

و المشهور بين العلماء مشروعية التكبير لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يكبر في كل رفع، و خفض، و قيام، و قعود(3).

و من طريق الخاصة قول حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم رفع يديه حيال وجهه و قال: اللّه أكبر و هو قائم ثم ركع(4). و لأنه شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة ابتداء الصلاة.

و قال سعيد بن جبير، و عمر بن عبد العزيز، و سالم، و القاسم: لا يكبر إلاّ عند افتتاح الصلاة(5) لقوله عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور، و تحريمها التكبير)(6) فدلّ علي أنّه لا يكون في غير التكبير. و لا حجة فيه فإنه لا يدل علي أن التكبير لا يكون في غير التحريم.

ص: 173


1- بداية المجتهد 135:1، المجموع 419:2، حلية العلماء 99:2.
2- المجموع 414:3.
3- مصنف ابن أبي شيبة 239:1، سنن النسائي 230:2 و 62:3، سنن الترمذي 2: 34-253، سنن البيهقي 67:2-68، سنن الدارمي 285:1.
4- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
5- المجموع 397:3، المغني 573:1، الشرح الكبير 575:1، مصنف ابن أبي شيبة 242:1.
6- مصنف ابن أبي شيبة 229:1، سنن البيهقي 15:2-16، سنن الترمذي 3:2-238، كنز العمال 428:7-19632.
فروع:
أ - هذا التكبير ليس بواجب عند أكثر علمائنا

(1) ، و أكثر أهل العلم(2) عملا بالأصل، و لقوله عليه السلام للمسيء: (ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع)(3) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن أدني ما يجزئ من التكبير في الصلاة، قال: «تكبيرة واحدة»(4).

و قال بعض علمائنا بالوجوب(5) - و به قال إسحاق، و داود، و عن أحمد روايتان(6) - لقوله عليه السلام: (لا تتم صلاة أحد من الناس حتي يكبر ثم يركع حتي يطمئن)(7) و نفي التمام لا يدل علي نفي الصحة.

ب - يستحب أن يكبّر قائما ثم يركع -

و به قال أبو حنيفة(8) - لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (يقرأ ثم يرفع يديه حتي يحاذي منكبيه ثم يركع)(9) و من طريق الخاصة رواية حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم رفع يديه حيال وجهه و قال: اللّه أكبر

ص: 174


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 110:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذب 98:1، و المحقّق في المعتبر: 180.
2- المجموع 397:3، المغني 579:1.
3- صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن الترمذي 103:2-104-303، سنن النسائي 124:2، سنن البيهقي 372:2.
4- التهذيب 66:2-238.
5- المراسم: 69.
6- المغني 579:1، العدة شرح العمدة: 82، المحرر في الفقه 70:1-71، المجموع 397:3، عمدة القارئ 58:6.
7- سنن أبي داود 226:1-857، جامع الأصول 420:5-3577.
8- الهداية للمرغيناني 49:1، اللباب 69:1.
9- سنن أبي داود 194:1-730، سنن الدارمي 313:1، سنن البيهقي 72:2.

و هو قائم ثم ركع(1). و قال الشافعي: يهوي بالتكبير(2).

ج - لا ينبغي المد في التكبير بل يوقعه جزما

- و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في القديم(3) - لقوله: (التكبير جزم)(4) أي لا يمد فيه، و لأنّه ربما غيّر المعني، و في الجديد للشافعي: يمد إلي تمام الهوي لئلاّ يخلو جزء من صلاته عن الذكر(5).

د - يستحب رفع اليدين بالتكبير

في كل مواضعه عند أكثر علمائنا(6) لأن الجمهور رووا أن المشروع أوّلا رفع اليدين، ثم ادّعوا النسخ(7) و لم يثبت و روي سالم عن أبيه قال: رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه و إذا أراد أن يركع و بعد ما يرفع رأسه من الركوع، و لا يرفع بين السجدتين(8). و من طريق الخاصة رواية حماد(9) ، و قد سلفت. و قال

ص: 175


1- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
2- المجموع 396:3، السراج الوهاج: 45، الوجيز 43:1، مغني المحتاج 164:1.
3- المجموع 299:3، فتح العزيز 388:3، الوجيز 43:1، المبسوط للسرخسي 23:1، شرح فتح القدير 258:1، الهداية للمرغيناني 49:1، الكفاية 258:1، شرح العناية 1: 258، اللباب 69:1.
4- قال ابن حجر في التلخيص الحبير 283:3: هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ و انما هو قول إبراهيم النخعي، و قال: قال الدارقطني في العلل: الصواب موقوف و هو من رواية قرة بن عبد الرحمن و هو ضعيف اختلف فيه. انتهي و انظر سنن الترمذي 95:2.
5- الام 110:1، المجموع 299:3، فتح العزيز 389:3، الوجيز 43:1، مغني المحتاج 164:1.
6- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 107:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 122، و المحقّق في المعتبر: 181.
7- انظر اختلاف الحديث: 126-130 باب رفع الأيدي في الصلاة.
8- صحيح البخاري 187:1، صحيح مسلم 292:1-390، سنن أبي داود 1: 191-192-721.
9- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.

بعض علمائنا بوجوب الرفع في التكبير كلّه للأمر(1). و قد بيّنا أن التكبير مستحب فكيفيته أولي.

و قال الشافعي: يرفع في تكبير الركوع و الرفع منه، و لا يرفع بين السجدتين(2) لحديث سالم(3). و نفي الرؤية لا يدل علي نفيه لإمكان غفلته، و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و روي عن مالك(4).

و قال أبو حنيفة، و الثوري، و ابن أبي ليلي: لا يرفع إلاّ في تكبير الافتتاح(5).

و الصحيح ما قلناه؛ لأن الأئمة عليهم السلام أعرف، قال الباقر عليه السلام: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا»(6) و لأنّه تكبير فاستحب فيه الرفع كالافتتاح.

ه - لو صلي قاعدا، أو مضطجعا رفع يديه

- و به قال الشافعي(7) - لأن القعود ناب مناب القيام.

ص: 176


1- الانتصار: 44.
2- المجموع 399:3، فتح العزيز 390:3 و 472، مغني المحتاج 164:1 و 165 و 171.
3- صحيح البخاري 187:1، صحيح مسلم 292:1-390، سنن أبي داود 1: 191-192-721.
4- المغني 574:1، الشرح الكبير 574:1، العدة شرح العمدة: 76، الانصاف 2: 59 و 61، بداية المجتهد 133:1، المجموع 399:3، عمدة القارئ 272:5، المحلي 87:4 و 90.
5- المبسوط للسرخسي 14:1، الهداية للمرغيناني 52:1، عمدة القارئ 272:5، إرشاد الساري 73:2، اللباب 71:1، المجموع 400:3، المغني 574:1، الشرح الكبير 574:1، حلية العلماء 96:2.
6- الكافي 335:3-1، التهذيب 84:2-308.
7- السراج الوهاج: 42، مغني المحتاج 152:1، المجموع 398:3.
و - لو نسي الرفع لم يعد التكبير

لأنه هيئة له فسقط بفوات محلّه.

ز - يرفع يديه حذاء وجهه،

و في رواية إلي أذنيه(1) ، و قال الشافعي: إلي منكبيه(2). و الأشهر رواية حماد: ثم رفع يديه حيال وجهه(3).

ح - ينبغي أن يبتدئ برفع يديه عند ابتداء التكبير،

و ينتهي الرفع عند انتهاء التكبير، و يرسلهما بعد ذلك؛ لأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلاّ كذلك.

مسألة 252: يستحب أن يضع يديه علي عيني ركبتيه مفرّجات الأصابع

بإجماع العلماء إلاّ عبد اللّه بن مسعود، و صاحبيه: الأسود بن يزيد، و عبد الرحمن بن الأسود فإنهم قالوا: إذا ركع طبق يديه و جعلهما بين ركبتيه(4) لأن ابن مسعود رواه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(5). و هو مدفوع بالنقل عنه عليه السلام: إنه كان إذا ركع وضع راحتيه علي ركبتيه و فرّج بين أصابعه(6).

و من طريق الخاصة رواية حماد عن الصادق عليه السلام: ثم ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرجات(7). و بأنه منسوخ.

ص: 177


1- التهذيب 65:2-233.
2- الام 104:1، مختصر المزني: 14، المجموع 398:3 و 417، السراج الوهاج: 42 و 45، المهذب للشيرازي 78:1، الوجيز 41:1.
3- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
4- المجموع 411:3، المغني 577:1، الشرح الكبير 576:1، المبسوط للسرخسي 1: 19 و 20، عمدة القارئ 64:6، رحمة الأمة 45:1، إرشاد الساري 105:2، حلية العلماء 97:2.
5- صحيح مسلم 378:1 و 379-534، سنن النسائي 184:2-185، سنن أبي داود 1: 229-868، سنن البيهقي 83:2، سنن الدارقطني 339:1-1.
6- سنن ابن ماجة 283:1-874، سنن البيهقي 85:2.
7- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.

قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: صلّيت إلي جنب أبي فطبقت يدي و جعلتهما بين ركبتي فضرب في يدي و قال لي: يا بني إنا كنّا نفعل ذلك فأمرنا أن نضرب بالأكف علي الركب(1).

و لو كانتا عليلتين أو إحداهما انحني كمال الركوع و أرسلهما.

مسألة 253: و يستحب أن يسوي ظهره

و لا يتبازخ به بأن يخرج صدره و يطأ من ظهره فيكون كالسرج، و لا يحدودب فيعلي وسط ظهره، و يجعل رأسه و عنقه حيال ظهره، و يمد عنقه محاذيا ظهره لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا ركع لم يرفع رأسه و لم يصوّبه و لكن بين ذلك(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و أقم صلبك و مدّ عنقك»(3).

و يستحب أيضا ردّ ركبتيه إلي خلفه عند علمائنا أجمع لقول حماد عن الصادق عليه السلام: ورد ركبتيه إلي خلفه(4).

و قال الشافعي: بنصب ركبتيه و أن يجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه، و لا يجاوز في الانحناء استواء الظهر و الرقبة(5).

مسألة 254: يستحب الدعاء أمام التسبيح

لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (أما الركوع فعظّموا الرب فيه، و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء

ص: 178


1- صحيح البخاري 200:1، صحيح مسلم 380:1-535، سنن أبي داود 229:1-867، سنن النسائي 185:2، سنن ابن ماجة 283:1-873، سنن البيهقي 83:2.
2- صحيح مسلم 357:1-498، سنن ابن ماجة 282:1-869، سنن البيهقي 85:2.
3- الكافي 319:3-320-1، التهذيب 78:2-289.
4- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
5- الام 111:1-112، المجموع 409:3، فتح العزيز 375:3 و 378 و 380، المهذب للشيرازي 82:1.

فقمن [1] أن يستجاب لكم)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فاركع و قل: رب لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكلت، فأنت ربي خشع لك سمعي، و بصري، و شعري، و بشري، و لحمي، و دمي، و مخي، و عصبي، و ما أقلت قدماي، غير مستنكف، و لا مستكبر، و لا مستحسر، سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا»(2) و بنحوه قال الشافعي إلاّ أنه قدّم التسبيح(3).

و لا يستحب أن يقرأ في ركوعه، و سجوده، و تشهده، بل يكره، قاله الشيخ في المبسوط(4) - و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لأنّ عليا عليه السلام قال: «إن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا، أما الركوع فعظّموا فيه الرب، و أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم»(6).

و يكره أن تكون يداه تحت ثيابه حالة الركوع بل يستحب أن تكون بارزة أو في كمّه، و لو خالف لم تبطل صلاته.1.

ص: 179


1- صحيح مسلم 348:1-479، سنن أبي داود 232:1-876، سنن النسائي 218:2.
2- الكافي 319:3-1، التهذيب 77:2-289.
3- الام 111:1، المجموع 411:3 و 412، فتح العزيز 390:3 و 394، السراج الوهاج: 45، المهذب للشيرازي 82:1.
4- المبسوط للطوسي 111:1.
5- الام 111:1، المجموع 414:3، فتح العزيز 399:3، المغني 580:1، الشرح الكبير 581:1.
6- مسند أحمد 155:1.
مسألة 255: يستحب إذا انتصب أن يقول: سمع اللّه لمن حمده،
اشارة

سواء الإمام و المأموم - و به قال عطاء، و محمد بن سيرين، و إسحاق بن راهويه، و الشافعي(1) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقوله(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ثم قل: سمع اللّه لمن حمده، و أنت منتصب»(3) و لأن ما سنّ للإمام في الانتقال من ركن إلي ركن سنّ للمأموم كسائر الأذكار.

و قال أبو حنيفة، و مالك: يقولها الإمام دون المأموم - و به قال ابن المنذر، و الثوري، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد(4) - لقوله عليه السلام:

(إذا قال الإمام: سمع اللّه لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد)(5) و هذا يدل علي أن المأموم لا يقولها.

فروع:
أ - هذا القول عندنا مستحب لا واجب

للأصل، و لأنّه عليه السلام لم

ص: 180


1- الام 112:1، المجموع 417:3 و 419، فتح العزيز 404:3 و 405، الوجيز 43:1، كفاية الأخيار 73:1، السراج الوهاج: 45.
2- صحيح البخاري 200:1 و 202، صحيح مسلم 346:1-476، سنن النسائي 195:2، سنن أبي داود 223:1-846، سنن ابن ماجة 284:1-878، سنن البيهقي 93:2 و 94 و 95 و 96، سنن الدارقطني 288:1-3 و 4 و 289-9.
3- الكافي 319:3-1، التهذيب 77:2-289.
4- المبسوط للسرخسي 20:1، اللباب 69:1، المغني 584:1، الشرح الكبير 583:1 - 584، المجموع 419:3، فتح العزيز 405:3.
5- صحيح البخاري 201:1 و 203، سنن النسائي 196:2، سنن أبي داود 224:1-848، سنن ابن ماجة 284:1-876 و 877، سنن البيهقي 96:2 و 97، سنن الدارقطني 329:1-12.

يعلّمه المسيء في صلاته(1) و هو وقت الحاجة، و أكثر العلماء علي ذلك(2) ، و قال إسحاق: بوجوبه(3) - و عن أحمد روايتان(4) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله:

(لا تتم صلاة أحدكم) و ساق الحديث حتي قال: (ثم يقول: سمع اللّه لمن حمده)(5).

و التمام يطلق علي جملة الأفعال الواجبة و المندوبة.

ب - يستحب الدعاء بعده

فيقول: الحمد للّه رب العالمين أهل الكبرياء و العظمة. إماما كان، أو مأموما، أو منفردا؛ لقول حذيفة: صلّيت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع اللّه لمن حمده) ثم قال: (الحمد للّه ذي الملكوت و الجبروت، و الكبرياء و العظمة)(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ثم قل: سمع اللّه لمن حمده أهل الجود و الكبرياء و العظمة»(7) و لأن قوله: سمع اللّه لمن حمده إذكار بالحمد، و حث عليه فيستحب.

و قال الشافعي: يقول بعده: ربنا لك الحمد ملء السماوات و ملء الأرض و ملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء و المجد، أحق ما قال العبد: كلنا

ص: 181


1- انظر صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن ابن ماجة 1: 336-337-1060، سنن الترمذي 100:2-104-302 و 303، سنن النسائي 2: 124، سنن أبي داود 226:1-856، سنن البيهقي 371:2-372.
2- المغني 579:1، المجموع 414:3.
3- المغني 579:1.
4- المغني 579:1.
5- سنن أبي داود 226:1-227-857.
6- مسند أحمد 388:5.
7- الكافي 320:3-1، التهذيب 78:2-289.

لك عبد. اللّهمّ لا مانع لما أعطيت و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ(1).

و رووه عن علي عليه السلام(2) - إماما، أو مأموما، أو منفردا، و به قال عطاء، و ابن سيرين، و إسحاق(3).

و قال أبو حنيفة، و مالك: يقول الإمام: سمع اللّه لمن حمده، و المأموم يقول: ربنا لك الحمد. و اختاره ابن المنذر(4).

و قال الثوري، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد: يقول الإمام: سمع اللّه لمن حمده ربنا لك الحمد، و يقول المأموم: ربنا لك الحمد. لا يزيد عليه(5) قال الشيخ: و لو قال: ربنا و لك الحمد، لم تفسد صلاته(6). و هو جيّد لأنه نوع تحميد، لكن المنقول عن أهل البيت عليهم السلام أولي، و قال الطحاوي: خالف الشافعي الإجماع فيما قاله.1.

ص: 182


1- المجموع 417:3، مختصر المزني: 14، فتح العزيز 406:3، مغني المحتاج 1: 166، المهذب للشيرازي 82:1، السراج الوهاج: 45-46. و انظر صحيح مسلم 1: 347-477 و الأذكار للنووي: 63.
2- سنن الترمذي 53:2-266، سنن الدارقطني 342:1-3، مسند الطيالسي: 22-152، الأذكار للنووي: 63 و فيها الي قوله: و ملء ما شئت من شيء بعد. فلاحظ.
3- المجموع 419:3، المغني 583:1، الشرح الكبير 583:1.
4- الهداية للمرغيناني 49:1، شرح فتح القدير 259:1 و 260، شرح العناية 259:1 و 260، اللباب 69:1 و 70، الشرح الصغير 119:1.
5- المغني 584:1 و 585، الشرح الكبير 583:1 و 584 و 585، المجموع 419:3، فتح العزيز 405:3 و 406.
6- المبسوط للطوسي 112:1.
ج - من الجمهور من أسقط الواو، و منهم من أثبتها

(1) ، لأنها قد تزاد لغة.

د - لو عكس فقال: من حمد اللّه سمع له لم يأت بالمستحب؛

لأنه خلاف المنقول.

ه - لو عطس فقال: الحمد للّه رب العالمين و نوي المستحب بعد الرفع جاز؛

لأن انضمام هذه النيّة لم يغير شيئا من المقصود.

و - لو منعه عارض عن الرفع من الركوع سجد،

و سقط الذكر، و لو ركع ثم اطمأنّ ثم سقط علي الأرض فإنه يقوم منتصبا و لا يعيد الركوع، لأن الركوع سقط بفعله فالانتصاب منه يحصل بقيامه، و يحتمل أن يسجد من غير قيام لفوات محلّه لعذر.

ز - لو سجد ثم شك هل رفع رأسه من الركوع لم يلتفت عندنا.

و قال الشافعي: يجب أن ينتصب فإذا انتصب سجد(2).

ح - لو ركع و لم يطمئن فسقط احتمل إعادة الركوع

لعدم الإتيان به علي وجهه، و عدمها لأنّ الركوع حصل فلو أعاد زاد ركوعا.

ط - لو منعته العلّة عن الانتصاب سجد،

فإن زالت العلّة قبل بلوغ

ص: 183


1- المجموع 418:3، الوجيز 43:1، فتح العزيز 405:3، كفاية الأخيار 73:1، المغني 585:1، الشرح الكبير 585:1، المهذب للشيرازي 82:1، السراج الوهاج: 45، المحرر في الفقه 62:1، كشاف القناع 349:1، المبسوط للسرخسي 20:1، اللباب 70:1، المدونة الكبري 72:1، مقدمات ابن رشد 1: 117، القوانين الفقهية: 65، حاشية إعانة الطالبين 157:1، الجامع الصغير للشيباني: 88.
2- المجموع 416:3، فتح العزيز 402:3 و 403، كفاية الأخيار 67:1، حاشية اعانة الطالبين 157:1.

جبهته الأرض فإنه يرفع و ينتصب و يسجد لزوال العلّة قبل الشروع في الركن، و في المبسوط: يمضي في صلاته(1). و ليس بجيد؛ لأن الانتصاب و الطمأنينة واجبان، و إن زالت بعد الوضع سقط؛ لأنه شرع في السجود.

ي - هذا الذكر و هو: سمع اللّه لمن حمده يقوله عند الانتصاب

لحديث الباقر عليه السلام(2) ، و قال الشافعي: يبتدئ عند ابتداء الرفع. و له قول آخر: أنه يقول: سمع اللّه لمن حمده و هو راكع فإذا انتصب قال:

ربنا لك الحمد(3).

يا - إذا قام من الركوع لا يستحب رفع اليدين

بل إذا كبّر للسجود قائما رفعهما، و استحبه الشافعي(4) ، خلافا لأبي حنيفة(5).

يب - لو ترك الاعتدال عن الركوع و السجود في صلاة النفل صحت صلاته،

و يكون قد ترك الأفضل، و للشافعية وجهان(6).

يج - يستحب للإمام رفع صوته بالذكر

في الركوع و الرفع.

البحث السادس: السجود
مسألة 256: السجود واجب بالنص و الإجماع
اشارة

و هو في كلّ ركعة سجدتان

ص: 184


1- المبسوط للطوسي 112:1.
2- الكافي 320:3-1، التهذيب 78:2-289.
3- المجموع 417:3 و 419، فتح العزيز 404:3 و 405، كفاية الأخيار 73:1، السراج الوهاج: 45، المهذب للشيرازي 82:1، حلية العلماء 98:2.
4- الام 104:1، المجموع 399:3، فتح العزيز 403:3، كفاية الأخيار 71:1، إرشاد الساري 72:2، السراج الوهاج: 45، المهذب للشيرازي 82:1، الوجيز 43:1، بداية المجتهد 133:1، المحلي 87:4.
5- اللباب 71:1، فتح العزيز 404:3، إرشاد الساري 73:2، بداية المجتهد 133:1، المحلي 87:4.
6- المجموع 419:3، حاشية اعانة الطالبين 156:1.

هما معا ركن في الصلاة، لو أخل بهما عمدا أو سهوا بطلت صلاته بإجماع العلماء. و يجب علي الأعضاء السبعة في كلّ سجدة: الجبهة، و الكفّان، و الركبتان، و إبهاما الرجلين عند علمائنا أجمع، إلاّ المرتضي فإنه قال عوض الكفين: مفصل الكفين عند الزندين(1).

و ما قلناه ذهب إليه أحمد، و إسحاق، و الشافعي في أحد القولين(2) ، لأنّ ابن عباس قال: أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أن يسجد علي سبع:

يديه، و ركبتيه، و أطراف أصابعه، و جبهته(3).

و من طريق الخاصة قول حمّاد في صفة صلاة الصادق عليه السلام:

و سجد علي ثمانية أعظم: الكفين، و الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة، و الأنف و قال: سبع منها فرض، و وضع الأنف علي الأرض سنة(4).

و القول الآخر للشافعي: لا يجب إلاّ علي الجبهة دون باقي السبعة. و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أكثر الفقهاء(5) لقوله عليه السلام: (سجد2.

ص: 185


1- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 32:3.
2- الام 114:1، المجموع 423:3 و 427، فتح العزيز 451:3 و 452، الوجيز 44:1، إرشاد الساري 119:2، كفاية الأخيار 68:1، المهذب للشيرازي 1: 83، المغني 590:1 و 591، الشرح الكبير 591:1، نيل الأوطار 287:2.
3- صحيح البخاري 206:1، صحيح مسلم 354:1-490، سنن النسائي 2: 209 و 210.
4- الكافي 312:3-8، التهذيب 82:2-301.
5- المجموع 423:3 و 427، فتح العزيز 451:3 و 452 و 454، كفاية الأخيار 68:1، المهذب للشيرازي 83:1، الوجيز 44:1، اللباب 70:1، بدائع الصنائع 105:1، الهداية للمرغيناني 50:1، شرح العناية 263:1، المغني 591:1، الشرح الكبير 1: 591، نيل الأوطار 287:2.

وجهي)(1) و هو يدل علي أن السجود للوجه، و لأنه لا يجب كشفها في السجود.

و الحديث لا دلالة فيه، و التخصيص بالذكر لأنه أبلغ في الخضوع و قد قال: (سجد لحمي و عظمي و ما أقلته قدماي)(2) و لا يلزم من عدم الكشف انتفاء وجوب السجود عليها كما لا يلزم انتفاء استحبابه عنده.

فروع:
أ - لو أخل بالسبعة أو بأحدها عمدا بطلت صلاته،

و ناسيا لا يعيد لعدم وجوبه حينئذ.

ب - يجب وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه

ممّا لا يؤكل، و لا يلبس و قد سلف، دون باقي الأعضاء، لكن يستحب في اليدين، و يسقط مع الضرورة.

و للشافعي علي تقدير وجوب السجود عليها قولان في وجوب كشف اليدين، أشهرهما: ذلك(3) لأن خباب بن الأرت قال: شكونا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و أكفنا فلم يشكنا(4) ، و الثاني:

العدم(5) كقولنا؛ لأنه عضو يغطي عادة فأشبه الركبتين. و الحديث محمول علي

ص: 186


1- صحيح مسلم 535:1-771، سنن الترمذي 486:5-488-3421-3423، سنن ابن ماجة 335:1-1054، سنن أبي داود 60:2-1414، سنن النسائي 222:2، مسند أحمد 95:1، سنن البيهقي 109:2.
2- أورده المحقق في المعتبر: 183.
3- المجموع 429:3، فتح العزيز 464:3، الوجيز 44:1، المهذب للشيرازي 83:1، عمدة القارئ 91:6.
4- سنن البيهقي 105:2.
5- المجموع 429:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 465:3، المهذب للشيرازي 83:1، عمدة القارئ 91:6.

أنه لم يشكهم في السؤال لأجل الجبهة.

ج - لا يجب استيعاب الجبهة بالوضع

بل يكفي المسمي مع التمكين لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سجد بأعلي جبهته(1).

و لقول الباقر عليه السلام: «ما بين قصاص شعر الرأس إلي موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك»(2) و شرط بعض علمائنا قدر الدرهم(3) ، و كذا لا يجب استيعاب كل مسجد بل يكفي الملاقاة ببعضه، و الأفضل الاستيعاب.

د - لا يجزئ أحد جانبي الجبهة عنها،

و به قال الشافعي(4).

مسألة 257: يتعين وضع الجبهة مع القدرة
اشارة

فلا يجزئ الأنف عنها عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي، و أحمد(5) لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض)(6) و الأمر للوجوب، و لقول الصادق عليه السلام: «سبعة منها فرض»(7) و عدّ الجبهة.

و قال أبو حنيفة: إذا سجد علي أنفه أجزأه عن جبهته؛ لأن الأنف و الجبهة عضو واحد، فإذا سجد علي الأنف أجزأه كما لو سجد علي بعض

ص: 187


1- سنن الدارقطني 349:1-4.
2- الكافي 333:3-1، التهذيب 85:2-313.
3- المقنع: 26.
4- المجموع 423:3، فتح العزيز 452:3.
5- المجموع 423:3 و 424، فتح العزيز 451:3، المغني 592:1، عمدة القارئ 6: 90، بداية المجتهد 138:1.
6- مسند أحمد 287:1، الفردوس 281:1-1103 و انظر عوالي اللئالي 331:1-84.
7- الكافي 312:3-8، التهذيب 82:2-301.

الجبهة(1). و يبطل بعظم الرأس فإنه متصل بعظم الجبهة.

فروع:
أ - لو سجد علي خدّه أو رأسه لم يجزئه،

و به قال الشافعي(2).

ب - لا يجب السجود علي الأنف

بل يستحب استحبابا مؤكدا، فلو اقتصر علي الجبهة أجزأه عند علمائنا، و به قال عطاء، و طاوس، و عكرمة، و الحسن، و ابن سيرين، و الشافعي، و أبو ثور، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد في رواية، و أبو حنيفة، و الثوري، و مالك(3) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (أمرت أن أسجد علي سبعة أعظم)(4) و لم يذكر الأنف.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و وضع الأنف علي الأرض سنة»(5).

و قال الأوزاعي، و أحمد في الرواية الأخري، و إسحاق: يجب السجود علي الأنف أيضا(6) ، لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لا يصيب

ص: 188


1- المبسوط للسرخسي 34:1، عمدة القارئ 90:6، المجموع 424:3، فتح العزيز 3: 451، فتح الباري 236:2، إرشاد الساري 120:2، المغني 592:1، بداية المجتهد 138:1، سبل السلام 305:1، نيل الأوطار 288:2.
2- الام 114:1، المجموع 423:3.
3- المجموع 425:3، فتح العزيز 455:3، فتح الباري 236:2، المغني 592:1، الشرح الكبير 592:1، المحرر في الفقه 63:1، عمدة القارئ 90:6، بداية المجتهد 138:1.
4- صحيح البخاري 206:1، صحيح مسلم 354:1-490، سنن ابن ماجة 1: 286-883، سنن الدارمي 302:1، سنن البيهقي 103:2.
5- الكافي 312:3-8، التهذيب 82:2-301.
6- المغني 592:1، الشرح الكبير 592:1، المجموع 425:3، فتح العزيز 455:3، فتح الباري 236:2، عمدة القارئ 90:6.

أنفه من الأرض ما يصيب الجبين)(1) و هو محمول علي نفي الفضيلة.

ج - يستحب الإرغام بطرف الأنف الأعلي،

قاله المرتضي(2).

مسألة 258: لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلي من موقف المصلي

بالمعتد اختيارا عند علمائنا، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله ابن سنان عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه ؟ فقال: «لا، و لكن يكون مستويا»(3) و لأنه يخرج عن الهيئة المشروعة.

و يجوز العلوّ بمقدار لبنة لأنه لا يعدّ علوّا، و لعدم التمكن من الاحتراز عنه إذ علوّ ذلك غالب، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله ابن سنان عن السجود علي الأرض المرتفعة فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»(4) و لو كان مساويا أو أخفض جاز إجماعا.

مسألة 259: و يجب فيه الذكر،

و الخلاف فيه كالركوع لقوله عليه السلام لمّا نزل سبح اسم ربك الأعلي: (اجعلوها في سجودكم)(5) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يقول في السجود: سبحان ربي الأعلي الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع»(6).

و أما إجزاء الذكر، فلقول الصادق عليه السلام و قد سئل أ يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر؟

ص: 189


1- سنن البيهقي 104:2، سنن الدارقطني 348:1-3.
2- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 32:3.
3- الكافي 333:3-4، التهذيب 85:2-315.
4- الكافي 333:3 ذيل الحديث 4، التهذيب 313:2-1271.
5- الفقيه 206:1-932، التهذيب 313:2-1273، علل الشرائع: 333 باب 30 حديث 6.
6- التهذيب 76:2-282، الاستبصار 322:1-1204.

فقال: «نعم كل هذا ذكر»(1) و قد تقدم.

مسألة 260: و يجب فيه الطمأنينة بقدر الذكر

في كل واحدة منهما، و إيقاع الذكر مطمئنا، فلو شرع فيه قبل وصول الجبهة الأرض، أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله للأعرابي: (ثم اسجد حتي تطمئن ساجدا)(3).

و من طريق الخاصة حديث حماد - الطويل - لمّا وصف صلاة الصادق عليه السلام: ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال: «سبحان ربي الأعلي و بحمده» ثلاث مرات(4).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة لأنه أمر بالسجود و قد امتثل(5).

و نمنع الامتثال؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بيّن الهيئة(6) ، و قال الشيخ في الخلاف: إنه ركن(7).

مسألة 261: فإذا أكمل الذكر وجب عليه رفع رأسه من السجود،

و الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي،

ص: 190


1- الكافي 321:3-8 و 329-5، التهذيب 302:2-1217 و 1218.
2- المجموع 410:3 و 432، فتح العزيز 469:3، كفاية الأخيار 68:1، المهذب للشيرازي 83:1، السراج الوهاج: 47، مغني المحتاج 169:1، بدائع الصنائع 1: 162، حاشية اعانة الطالبين 168:1.
3- صحيح البخاري 193:1 و 201، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن ابن ماجة 336:1-1060، سنن الترمذي 103:2-303، سنن النسائي 124:2، سنن البيهقي 117:2.
4- الكافي 311:3-8، الفقيه 197:1-916، التهذيب 81:2-301.
5- الهداية للمرغيناني 49:1، الكفاية 262:1، شرح العناية 261:1، بدائع الصنائع 1: 162، المجموع 432:3، فتح العزيز 469:3، المغني 577:1 و 589.
6- صحيح البخاري 193:1 و 201، صحيح مسلم 298:1-397، سنن البيهقي 117:2.
7- الخلاف 359:1 مسألة 116.

و أحمد(1) - لقوله عليه السلام للأعرابي: (ثم ارفع رأسك حتي تطمئن)(2).

و من طريق الخاصة في حديث حماد: فلما استوي جالسا قال: «اللّه أكبر» ثم قعد علي فخذه الأيسر(3) و لأنه رفع واجب فكان إلي الاعتدال واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة من الصلاة.

و قال أبو حنيفة: لا يجب ذلك. و اكتفي أبو حنيفة بأن يرفع رأسه مثل حدّ السيف و معه تتحقق السجدتان لأنها جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة كالتشهد الأول(4) ، و نمنع الحكم في الأصل علي ما يأتي، ثم يفرق علي مذهبه بأنّ هذه مقصودة في نفسها بخلاف جلسة التشهد فإنها تقصد لذكر غير واجب عنده.

و قال الشيخ في الخلاف: إن ذلك ركن(5). فإن قصد به الفرض فهو مسلّم، و إن قصد إبطال الصلاة بالإخلال به سهوا فهو ممنوع.

مسألة 262: و السجود الثاني واجب كالأول

بإجماع العلماء، و هيئته كهيئته في السجود علي الأعضاء السبعة، و وجوب الذكر فيه، و الطمأنينة بقدره، و وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه، و وجوب الرفع منه إمّا للقيام أو الجلوس

ص: 191


1- المجموع 437:3 و 440، فتح العزيز 477:3، الوجيز 44:1، كفاية الأخيار 68:1، السراج الوهاج: 47، المهذب للشيرازي 84:1، المغني 598:1، الشرح الكبير 1: 598، حاشية اعانة الطالبين 168:1.
2- صحيح البخاري 193:1 و 201، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن ابن ماجة 336:1-1060، سنن النسائي 124:2.
3- الكافي 312:3-8، التهذيب 82:2-301.
4- اللباب 71:1، المجموع 440:3، فتح العزيز 477:3، المغني 598:1، الشرح الكبير 598:1، حلية العلماء 102:2.
5- الخلاف 360:1 مسألة 117.

لا خلاف بينهما إجماعا.

مسألة 263: يستحب إذا أراد السجود الأول أن يكبر له
اشارة

عند علمائنا - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يكبر حين يسجد(2) ، و رووا أيضا أنه كان يكبّر عند كل رفع و خفض(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا»(4) و لأنه انتقال إلي ركن فشرع فيه الذكر.

و قال بعض علمائنا بوجوبه(5) ، و به قال أحمد(6) ، و قد تقدم في تكبير الركوع.

فروع:
أ - يستحب رفع اليدين به عند علمائنا،

و قال المرتضي بوجوبه(7).

و قال الشافعي: لا يستحب؛ لأنه يصل طرفه بسجود فهو كالتكبير بين السجدتين(8). و نمنع الحكم في الأصل، و قول الباقر عليه السلام: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير»(9).

ص: 192


1- المجموع 421:3، المهذب للشيرازي 82:1، المغني 579:1 و 589، الشرح الكبير 589:1.
2- صحيح البخاري 200:1، سنن النسائي 233:2.
3- سنن الترمذي 34:2-253، سنن النسائي 230:2، سنن البيهقي 67:2.
4- الكافي 334:3-1، التهذيب 83:2-308.
5- قاله سلاّر في المراسم: 69.
6- المغني 579:1، الشرح الكبير 589:1، المجموع 397:3.
7- الانتصار: 44.
8- المجموع 446:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 472:3، المهذب للشيرازي 84:1، مغني المحتاج 170:1.
9- الكافي 334:3-1، التهذيب 83:2-308.
ب - يستحب التكبير قائما، فإذا فرغ منه أهوي إلي السجود

عند علمائنا، و قال الشافعي، و أحمد: يهوي بالتكبير ليكون انتهاء التكبير مع انتهاء الانحطاط، و ابتداؤه مع ابتدائه لأنه هيئة من هيئات الانحطاط(1).

و حديث حماد عن الصادق عليه السلام(2) يبطل ذلك، و نمنع أنه هيئة من هيئات الانحطاط بل هو ابتداء ذكر لركن فشرع قبله كالتحريم.

ج - الأجود الإتيان به جزما مؤخرا،

و للشافعية وجهان: أحدهما: أنه يستحب أن يمده مدّا لينتهي مع انتهاء الهوي(3).

مسألة 264: يستحب إذا أهوي إلي السجود أن يبتدئ بوضع يديه علي الأرض

يتلقاها بهما عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي، و مالك، و أحمد في رواية(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، و ليضع يديه قبل ركبتيه)(5) و عن ابن عمر: قبل اليدين(6) أولا(7).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ابدأ بيديك تضعهما قبل ركبتيك»(8).

ص: 193


1- فتح العزيز 472:2، إرشاد الساري 113:2، المغني 589:1، الشرح الكبير 1: 589.
2- الكافي 311:3-8، التهذيب 81:2-301.
3- فتح العزيز 472:3، المجموع 421:3.
4- القوانين الفقهية: 66، المغني 590:1، الشرح الكبير 590:1، المجموع 421:3، عمدة القارئ 78:6.
5- سنن أبي داود 222:1-840، سنن الدارمي 303:1، سنن النسائي 207:2، مسند أحمد 381:2، سنن الدارقطني 344:1-345-3، سنن البيهقي 99:2.
6- كذا في النسختين «م و ش» و الظاهر كون العبارة هكذا: أقبل باليدين أوّلا.
7- صحيح البخاري 202:1، سنن البيهقي 100:2.
8- الكافي 334:3-1، التهذيب 83:2-308.

و قال أبو حنيفة، و الثوري، و الشافعي، و أحمد في رواية، و إسحاق، و عمر بن الخطاب، و النخعي: أول ما يقع علي الأرض ركبتاه(1) لأن وائل بن حجر قال: رأيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه(2) ، و لأنّ اليدين لمّا تقدم رفعهما تأخر و ضعهما كالجبهة. و القول مقدم خصوصا مع ندبيّة الفعل فجاز أن يتركه عليه السلام أحيانا لبيان الندبية، و نمنع سبق رفع اليدين.

و لو غيّر إحدي الهيئتين بالأخري جاز إجماعا و يكون قد ترك الأفضل، قال الصادق عليه السلام: «لا بأس إذا صلّي الرجل أن يضع ركبتيه علي الأرض قبل يديه»(3).

مسألة 265: يستحب أن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه؛

لأنه أنسب بالاعتدال المطلوب في السجود، و أمكن للساجد، و قال الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن الرجل يرفع جبهته في المسجد: «إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي» و كرهه(4).

فإن وقعت علي المرتفع فإن كان بمقدار لبنة فما دون جاز، و إن كان أزيد رفع رأسه ثم وضعه علي المعتدل، و لا تكون هنا زيادة سجود؛ لأن الوضع الأول ليس بسجود.

أما لو وقعت علي لبنة فإنه يستحب جر الجبهة إلي المعتدل، و لا يجوز

ص: 194


1- الام 113:1، المجموع 421:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 472:3، فتح الباري 231:2، السراج الوهاج: 47، المهذب للشيرازي 82:1، المغني 590:1، الشرح الكبير 590:1، الفتاوي الهندية 75:1.
2- سنن الترمذي 56:2-268، سنن ابن ماجة 286:1-882، سنن النسائي 234:2، سنن أبي داود 222:1-838.
3- التهذيب 78:2-294، الاستبصار 326:1-1218.
4- التهذيب 85:2-316.

رفعها حينئذ لئلاّ تزيد سجدة، و لو بقي علي حاله جاز، و كذا التفصيل لو سجد علي ما يكره السجود عليه أو يحرم.

مسألة 266: يستحب الدعاء أمام التسبيح

بإجماع العلماء؛ لقوله عليه السلام: (و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا سجدت فكبّر، و قل: اللّهم لك سجدت، و بك آمنت، و عليك توكلت، و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، و شق سمعه و بصره، و الحمد للّه رب العالمين، تبارك اللّه أحسن الخالقين، ثم قل: سبحان ربي الأعلي ثلاث مرات»(2).

و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام أدعو اللّه و أنا ساجد؟ فقال:

«نعم، ادع اللّه للدنيا و الآخرة»(3).

مسألة 267: و يستحب التخوية في السجود

بأن يفرق بين فخذيه و ساقيه، و بين بطنه و فخذيه، و بين جنبيه و عضديه، و بين عضديه و ساعديه، و بين ركبتيه و مرفقيه، و يفرق بين رجليه، و سمي تخوية؛ لأنه إلقاء الخوابين الأعضاء.

و هذا للرجل خاصة دون المرأة بل تضم بعضها إلي بعض؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا سجد فرج يديه عن جنبيه و جخّي - و الجخ الخاوي - و فرج بين رجليه(4) ، و قال عليه السلام: (إذا سجد أحدكم فلا

ص: 195


1- صحيح مسلم 348:1-479، سنن أبي داود 232:1-876، سنن النسائي 218:2.
2- الكافي 321:3-1، التهذيب 79:2-295.
3- الكافي 323:3-6، التهذيب 299:2-1207، و فيهما عن عبد الرحمن بن سيابة، و أورده عن عبد اللّه بن سنان المحقق في المعتبر: 185.
4- سنن أبي داود 237:1-899، سنن النسائي 212:2.

يفترش ذراعيه افتراش الكلب)(1) و معناه أن يضعهما بالأرض و لا يتجافي بهما.

و من طريق الخاصة رواية حماد عن صفة صلاة الصادق عليه السلام:

و لم يضع شيئا من جسده علي شيء منه لمّا سجد(2) ، و قول الباقر عليه السلام: «لا تفترش ذراعيك افتراش السبع»(3).

و يستحب الاعتدال في السجود إجماعا؛ لقوله عليه السلام: (اعتدلوا في السجود)(4).

قال الجمهور: لا ينبغي أن يجمع ثيابه، و شعره في سجوده(5) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رأي رجلا يجمع ثيابه في الصلاة فقال عليه السلام:

(دعها فإنها تركع بركوعك، و تسجد بسجودك) و نهي [صلّي اللّه عليه و آله] أن يكفت منه الشعر و الثياب(6) أي يجمعهما. قال عطاء: و كانوا يكرهون أن يسجد و هو عاقص شعره، و لعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة.4.

ص: 196


1- سنن أبي داود 237:1-901، سنن ابن ماجة 288:1-891، سنن الترمذي 2: 65-275، سنن البيهقي 115:2.
2- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
3- الكافي 335:3-1، التهذيب 84:2-308.
4- صحيح البخاري 208:1، صحيح مسلم 355:1-493، سنن أبي داود 236:1-897، سنن ابن ماجة 288:1-892، سنن النسائي 214:2، سنن الترمذي 66:2-276، سنن البيهقي 113:2.
5- المجموع 98:4، مغني المحتاج 201:1، المهذب للشيرازي 96:1، المغني 1: 697، المبسوط للسرخسي 34:1، بدائع الصنائع 216:1، كشاف القناع 372:1، المحلي 7:4.
6- صحيح مسلم 354:1-490، سنن البيهقي 103:2، مصنف عبد الرزاق 2: 179-180-2970-2974.
مسألة 268: يستحب التورك في الجلوس بين السجدتين

عند علمائنا أجمع و معناه أن يجلس علي وركه الأيسر، و يخرج رجليه جميعا، و يجعل رجله اليسري علي الأرض، و ظاهر قدمه اليمني علي باطن قدمه اليسري، و يفضي بمقعدته إلي الأرض؛ لأن ابن مسعود روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يجلس في وسط الصلاة و آخرها متوركا(1).

و من طريق الخاصة رواية حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم قعد علي جانبه الأيسر، و وضع ظاهر قدمه اليمني علي طرف قدمه اليسري(2). و قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس علي يمينك و اجلس علي يسارك»(3).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد: المستحب الافتراش و هو أن يثني رجله اليسري، فيبسطها، و يجلس عليها، و ينصب رجله اليمني، و يخرجها من تحته، و يجعل بطون أصابعه علي الأرض معتمدا عليها ليكون أطراف أصابعها إلي القبلة(4) لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: ثم ثنّي رجله اليسري و قعد عليها(5). و لا حجة فيه لاحتمال جلوسه علي فخذه. و للشافعي قول باستحباب الإقعاء(6) ، و سيأتي.

ص: 197


1- أورده المحقق في المعتبر: 185.
2- الكافي 312:3-8، الفقيه 197:1-916، التهذيب 82:2-301.
3- التهذيب 83:2-307.
4- المجموع 437:3، الوجيز 44:1، السراج الوهاج: 48، المبسوط للسرخسي 24:1، اللباب 71:1-72، المغني 598:1-599، الشرح الكبير 599:1.
5- مسند أحمد 424:5، سنن البيهقي 118:2.
6- المجموع 439:3.
مسألة 269: يستحب التكبير إذا استوي جالسا عقيب الاولي، ثم يكبر للثانية قاعدا، ثم يسجد، ثم يكبر بعد جلوسه

لرواية حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: فلمّا استوي جالسا قال: اللّه أكبر، ثم قعد علي فخذه الأيسر، و وضع قدمه الأيمن علي بطن قدمه الأيسر، و قال: أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه، ثم كبر و هو جالس، و سجد ثانية و قال كما قال في الاولي(1).

و قال المرتضي: قد روي إذا كبّر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه، و للخروج بعد الانفصال عنه(2). و ما تقدم يدل علي إكمال التكبير قبل الدخول، و الابتداء به بعد الخروج، و كلاهما جائز لكن الأول أولي.

و قال الشافعي، و أحمد: يكبر عند شروعه في الرفع(3). و قد سبق.

مسألة 270: يستحب الدعاء بين السجدتين

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقول بين السجدتين: (اللّهم اغفر لي، و ارحمني، و اجبرني، و ارزقني، و اهدني السبيل الأقوم، و عافني)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك بين السجدتين فقل: اللهم اغفر لي، و ارحمني، و اجبرني، و عافني، إني لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللّه ربّ العالمين»(6).

ص: 198


1- الكافي 312:3-8، الفقيه 197:1-916، التهذيب 82:2-301.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 185.
3- المجموع 442:3، فتح العزيز 489:3، المهذب للشيرازي 84:1، المغني 598:1، الشرح الكبير 598:1.
4- المجموع 436:3، الوجيز 44:1، المهذب للشيرازي 84:1.
5- مصنف ابن أبي شيبة 534:2، سنن الترمذي 76:2-284، سنن أبي داود 1: 224-850، سنن البيهقي 122:2، مستدرك الحاكم 271:1.
6- الكافي 321:3-1، التهذيب 79:2-295.

و أنكر ذلك أبو حنيفة(1) ، و قال أحمد: تكرر رب اغفر لي رب اغفر لي، الواجب منه مرّة و أدني الكمال ثلاث(2). و الأصل عدم الوجوب، و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يعلّمه الأعرابي(3).

مسألة 271: جلسة الاستراحة مستحبة
اشارة

عند أكثر علمائنا(4) - و به قال الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إلي أن قال: ثم ثنّي رجليه فقعد عليها، ثم هوي ساجدا، فقال: اللّه أكبر، ثم ثنّي رجليه، و قعد، و اعتدل، ثم نهض(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا، ثم قم»(7).

و عن علي عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتي يطمئن، ثم يقوم، فقيل له: كان أبو بكر، و عمر إذا رفعا من السجود نهضا علي صدور إقدامهما كما تنهض الإبل؛ فقال: «إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من

ص: 199


1- العناية 260:1، فتح العزيز 483:3.
2- المغني 600:1، الشرح الكبير 600:1.
3- انظر صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن ابن ماجة 336:1-1060، سنن الترمذي 100:2-302، سنن النسائي 60:3، سنن البيهقي 371:2-372.
4- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 113:1، و ابن البراج في المهذب 98:1، و المحقق في المعتبر: 185.
5- المجموع 443:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 487:3، كفاية الأخيار 74:1، السراج الوهاج: 48، مغني المحتاج 171:1 و 172، الميزان 152:1، رحمة الأمة 47:1، المغني 603:1، الشرح الكبير 605:1، نيل الأوطار 302:2.
6- سنن الترمذي 107:2-304، مسند أحمد 424:5، سنن البيهقي 123:2.
7- التهذيب 82:2-303، الاستبصار 328:1-1229.

الناس إن هذا من توقير الصلاة»(1).

و قال المرتضي بالوجوب لأنه مأمور به، و الأمر للوجوب(2). و نمنع الكبري؛ لأنّ زرارة قال: رأيت الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام إذا رفعا رءوسهما من الثانية نهضا و لم يجلسا(3).

و قال مالك، و الثوري، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و الشافعي في القول الآخر، و أحمد في الرواية الأخري: يقوم و لا يجلس(4). و رووه عن علي عليه السلام، و عمر، و ابن مسعود، و ابن عمر، و ابن عباس(5) لأن وائل ابن حجر روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا رفع رأسه من السجود استوي قائما بتكبيرة(6). و لا حجة فيه؛ لأنه مندوب فجاز له تركه ليعلم ندبيته، و للشافعية قول باستحبابها للضعيف لا القويّ(7).

فروع:
أ - يستحب الدعاء؛

لقول الصادق عليه السلام: «إذا قمت من السجود قلت: اللهم رب بحولك و قوتك، أقوم و أقعد، و إن شئت قلت: و أركع و أسجد»(8).

ص: 200


1- التهذيب 314:2-1277.
2- الانتصار: 46.
3- التهذيب 83:2-305، الاستبصار 328:1-1231.
4- المجموع 443:3، فتح العزيز 486:3، رحمة الأمة 47:1، مغني المحتاج 1: 172، المهذب للشيرازي 84:1، الميزان 152:1، بدائع الصنائع 211:1، المغني 602:1، الشرح الكبير 605:1، الانصاف 71:2.
5- المجموع 443:3، المغني 602:1-603، الشرح الكبير 605:1.
6- تلخيص الحبير 486:3.
7- المجموع 441:3، المهذب للشيرازي 84:1، حلية العلماء 102:2.
8- التهذيب 86:2-320.
ب - يستحب الجلوس متوركا كما تقدم،

و قال الشافعي: يجلس مفترشا كما بين السجدتين(1) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ثنّي رجليه و قعد و اعتدل حتي يرجع كل عضو إلي موضعه(2). و أحمد وافقنا(3) ليفرّق بينه و بين الجلوس بين السجدتين فيأمن الشك، هل جلس عن الأولي، أو الثانية ؟.

ج - قالت الشافعية: إن قلنا بالجلوس أنهي التكبير حالة الجلوس،

و يقوم بغير تكبير، و إن قلنا لا يجلس أنهاه مع انتهاء الرفع و ذلك عند ابتداء القيام. و قال بعضهم: يتم التكبير عند انتهاء القيام فيمدّه(4). و قد بينا أنه يكبر عند انتهاء الجلوس.

مسألة 272: يستحب الاعتماد علي يديه

سابقا برفع ركبتيه عند القيام من السجدة الثانية، أو من جلسة الاستراحة عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر، و عمر بن عبد العزيز، و مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(5) - لأن مالك بن الحويرث لما وصف صلاة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: فلمّا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الاولي و استوي قاعدا، قام و اعتمد علي الأرض بيديه(6).

و من طريق الخاصة قول محمد بن مسلم: رأيت الصادق عليه السلام

ص: 201


1- المجموع 442:3، الوجيز 44:1، كفاية الأخيار 74:1، المغني 603:1.
2- سنن الدارمي 314:1، سنن البيهقي 123:2.
3- المغني 602:1، الشرح الكبير 605:1.
4- المجموع 441:3 و 442، فتح العزيز 489:3.
5- الام 117:1، المجموع 444:3، السراج الوهاج: 51، المهذب للشيرازي 86:1، المنتقي للباجي 166:1، المغني 603:1، الشرح الكبير 603:1، المحرر في الفقه 64:1، الجوهر النقي 125:2.
6- سنن النسائي 234:2، صحيح البخاري 209:1، سنن البيهقي 124:2.

إذا سجد و أراد القيام، رفع ركبتيه قبل يديه(1) ، و لأنه أشبه بالتواضع و أعون للمصلي.

و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يعتمد علي يديه بل يرفعهما أولا و يقوم علي صدور قدميه معتمدا علي ركبتيه. و هو رواية عن أحمد، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود(2) لقول أبي هريرة: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ينهض من الصلاة معتمدا علي صدور قدميه(3) ، و خبرنا زائد و الزائد أولي.

مسألة 273: يكره الإقعاء بين السجدتين، و هو أن يعتمد بصدور قدميه علي الأرض

و يجلس علي عقبيه، و قال بعض أهل اللغة: هو أن يجلس علي ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب(4). و تفسير الفقهاء أولي لأن البحث علي تقديره.

و بالكراهة قال علي عليه السلام، و أبو هريرة، و مالك، و قتادة، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي، و عليه العمل عند أكثر أهل العلم(5) - و فعله ابن عمرو قال: لا تفتدوا بي فإني قد كبرت(6) - لأن عليا عليه السلام

ص: 202


1- التهذيب 78:2-291.
2- شرح فتح القدير 268:1، الهداية للمرغيناني 51:1، شرح العناية 268:1، عمدة القارئ 99:6، اللباب 71:1، المغني 603:1، الشرح الكبير 603:1، سنن البيهقي 125:2، المجموع 444:3.
3- سنن البيهقي 124:2.
4- الصحاح 2465:6، مجمع البحرين 348:1.
5- المجموع 439:3، المهذب للشيرازي 84:1، مغني المحتاج 154:1، السراج الوهاج: 42، المدونة الكبري 73:1، المنتقي للباجي 166:1، بداية المجتهد 1: 139-140، المغني 599:1، الانصاف 91:2، المبسوط للسرخسي 26:1.
6- سنن البيهقي 124:2.

قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لا تقع بين السجدتين)»(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تقع بين السجدتين»(2) و النهي للكراهة لا التحريم، لقول الصادق عليه السلام:

«لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين»(3).

و للشافعي قول آخر باستحبابه(4) لأنّ طاوسا قال لابن عباس في الإقعاء علي القدمين فقال: هي السنّة(5). قال طاوس: رأيت العبادلة - ابن عمر، و ابن الزبير، و ابن العباس - يقعون بين السجدتين(6).

و الأصح الأول؛ لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف جلوسه عليه السلام في (عشرة)(7) من الصحابة قال: ثم ثني رجله اليسري فقعد عليها ثم هوي ساجدا، فصدقه كلهم(8).

مسألة 274: يستحب له رفع اليدين بالتكبير عند القيام من السجود،

و بالجملة عند كل تكبير، و به قال ابن المنذر(9) ، قال: و هذا باب (أغفله)(10) كثير من أصحابنا قد ثبت فيه حديث أبي حميد

ص: 203


1- سنن الترمذي 72:2-282، سنن ابن ماجة 289:1-894، سنن البيهقي 120:2.
2- الكافي 336:3-3، التهذيب 301:2-1213، الاستبصار 327:1-1225.
3- التهذيب 301:2-1212، الاستبصار 327:1-1226.
4- المجموع 438:3-439، مغني المحتاج 154:1.
5- صحيح مسلم 380:1-381-536، سنن الترمذي 73:2-283، سنن أبي داود 1: 223-845.
6- المجموع 438:3، المغني 599:1.
7- في نسخة (ش): غيره.
8- سنن الترمذي 105:2-107-304، سنن الدارمي 313:1-314، مسند أحمد 424:5، سنن البيهقي 118:2.
9- المجموع 446:3، المهذب للشيرازي 84:1-85.
10- و في نسخة (م): أغلقه.

الساعدي(1) ، و روي في حديث علي عليه السلام أيضا(2) ، و لأنه ابتداء ركعة فكان بمنزلة تكبيرة الافتتاح.

و قال الشافعي: لا يستحب الرفع(3) ، لأن ابن عمر قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، و إذا أراد أن يركع، و بعد ما رفع، و لا يرفع بين السجدتين(4) ، و لأنها تكبيرة يتصل طرفها بسجود أو قعود فلا يرفع يديه فيها كتكبيرة السجود من القيام.

و لا تقبل رواية النفي مع الإثبات، و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 275: قد بينا وجوب وضع الجبهة علي الأرض،

فإن كان عليها دمل حفر حفيرة ليقع الدمل فيها، و الصحيح علي الأرض لأن مصادفا قال:

خرج بي دمل فكنت أسجد علي جانب، فرآني الصادق عليه السلام فقال:

«ما هذا؟» فقلت: لا استطيع أن أسجد لمكان الدمل. فقال: «احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتي تقع جبهتك علي الأرض»(5).

فإن كانت مستوعبة سجد علي أحد اللحيين؛ لأنه أشبه بالسجود علي الجبهة من الإيماء، و الإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولي.

فإن تعذّر سجد علي ذقنه و هو مجمع اللحيين؛ لقوله تعالي يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (6) و إذا صدق عليه اسم السجود وجب أن يكون مجزئا، و قد سئل الصادق عليه السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر علي السجود عليها،

ص: 204


1- سنن الترمذي 105:2-107-304، سنن أبي داود 194:1-730، مسند أحمد 424:5.
2- سنن أبي داود 198:1-744.
3- المجموع 446:3، المهذب للشيرازي 84:1.
4- سنن البيهقي 23:2.
5- الكافي 333:3-5، التهذيب 86:2-317.
6- الاسراء: 107.

فقال: «يضع ذقنه علي الأرض، إن اللّه سبحانه يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (1)»(2) فإن تعذّر أومأ.

مسألة 276: لو عجز عن التنكيس - و هو الانحناء إلي أن تستعلي الأسافل - لمرض، وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها

أو رفع ما يسجد عليه عند علمائنا - و به قال أحمد(3) - لأن السجود فرض فيجب أن يؤدّي علي القدر الممكن، و لأنه أشبه بالسجود من الإيماء، و قول الصادق عليه السلام:

«و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد»(4) ، و لأن علي الساجد هيئة التنكس و وضع الجبهة فلا يسقط الثاني بتعذر الأول.

و قال أبو حنيفة: لا يجب(5). و للشافعي قولان: أحدهما: وجوبه، و الآخر: وجوب الهوي بقدر الإمكان لأن هيئة السجود فاتته، و إن وضع الجبهة فيكتفي بالانحناء المقدور عليه(6) ، و لو تعذر رفع شيء أجزأه الإيماء إجماعا، و لو عجز عن الطمأنينة سقطت.

مسألة 277: يجب أن لا يقصد بهويّه غير السجود،

فلو سقط لا للسجود لم يجزئه، و الأقرب بطلان الصلاة لوجود ما ينافيها، و لأنه تغيير لهيئة الصلاة، و لو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته إرادته السابقة، إذ لا يجب في كل فعل تجديد قصد مقارن علي التفصيل، و لو لم تسبق منه نيّة السجود ففي الإجزاء إشكال أقربه ذلك، لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة الصلاة و نيّتها.

ص: 205


1- الاسراء: 107.
2- الكافي 334:3-6، التهذيب 86:2-318.
3- المغني 591:1، الشرح الكبير 592:1.
4- الفقيه 238:1-1052، التهذيب 307:3-951.
5- بدائع الصنائع 105:1.
6- المجموع 436:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 467:3-468، كفاية الأخيار 1: 68.

و لو هوي ليسجد فسقط علي بعض جسده ثم انقلب علي وجهه فماست جبهته الأرض، قال الشافعي: لا يعتد بهذا السجود لأنه لم يرده بانقلابه و إنما أراد انقلابه فقطع بذلك نية السجود كما لو نوي الطهارة ثم نوي بغسل بعض الأعضاء التبرد، و قطع بذلك نيّة الطهارة(1).

و لو انقلب يريده أجزأه فلو سجد فعرض له ألم ألقاه علي جنبه ثم عاد للسجود، فإن تطاول انقلابه لم يجزئه، و إلاّ أجزأه لبقائه علي النيّة.

مسألة 278: و يجب الاعتماد علي موضع السجود

فلا يتحامل عنه بثقل رأسه و عنقه، و لو كان يسجد علي قطن، أو حشيش ثقّل عليه حتي ينكبس و تمكن جبهته عليه. و يجب أن يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب علي وجهه و مدّ يديه و رجليه و وضع جبهته علي الأرض منبطحا لم يجزئه؛ لأن ذلك لا يسمّي سجودا. و لو كان به مرض و لا يتمكن من السجود إلاّ علي هذا الوجه أجزأه. و هل يجب أن يلقي الأرض ببطون راحتيه، أو يجزئه إلقاء زنديه ؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول، و كلام المرتضي(2) الثاني.

و لو ضم أصابعه إلي كفه، و سجد عليها، ففي الإجزاء إشكال أقربه المنع؛ لأنه عليه السلام جعل يديه مبسوطتين حالة السجود(3). و لو قلب يديه و سجد علي ظهر راحتيه لم يجزئه - و به قال الشافعي(4) - لأنّه مناف لفعله عليه السلام.

و يستحب أن يفرج بين رجليه في السجود؛ لأنه عليه السلام صلّي

ص: 206


1- الام 114:1، المجموع 434:3-435، فتح العزيز 471:3، مغني المحتاج 169:1.
2- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 32:3.
3- سنن البيهقي 113:2.
4- الام 114:1، المجموع 429:3، كفاية الأخيار 68:1.

كذلك(1) - و به قال الشافعي(2) - و هل يجزئه وضع الأصابع دون الكف و بالعكس ؟ الأقرب ذلك، و به قال الشافعي(3).

مسألة 279: المريض الذي يصلي مضطجعا يومئ برأسه بالركوع و السجود،

و يجعل إشارته بالسجود أخفض من إشارته بالركوع، فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، فإن عجز عن ذلك تفكّر بقلبه.

و لا يسقط فرض الصلاة ما دام عقله تاما(4) - و به قال الشافعي(5) - للعموم(6) ، و لما رووه عن علي عليه السلام: «فإن لم يستطع صلّي مستلقيا علي قفاه و رجلاه إلي القبلة و أومي بطرفه»(7).

و قال أبو حنيفة: إذا عجز عن الإشارة بالرأس سقط عنه فرض الصلاة(8).

و قد تقدم.

خاتمة: السجدات الخارجة عن الصلاة ثلاث:
الأولي: سجدة التلاوة و هي في خمسة عشر موضعا:
اشارة

في الأعراف، و الرعد، و النحل، و بني إسرائيل، و مريم، و الحج في موضعين،

ص: 207


1- مصنف ابن أبي شيبة 257:1، سنن البيهقي 115:2.
2- مختصر المزني: 14، المجموع 431:3، المهذب للشيرازي 83:1، مغني المحتاج 170:1.
3- الام 114:1، المجموع 429:3.
4- في نسخة (م): ثابتا.
5- فتح العزيز 291:3، الوجيز 41:1-42، كفاية الأخيار 68:1، المهذب للشيرازي 108:1، الميزان 138:1.
6- انظر الآية 114 من سورة هود.
7- سنن الدارقطني 42:2-1، سنن البيهقي 307:2.
8- المبسوط للسرخسي 216:1-217، بدائع الصنائع 107:1، فتح العزيز 291:3، الوجيز 42:1، المغني 818:1، الميزان 138:1.

و الفرقان، و النمل، و الم تنزيل و هي سجدة لقمان، و ص، و حم السجدة، و النجم، و الانشقاق، و اقرأ باسم ربّك، ثلاث منها في المفصل و هي النجم، و الانشقاق، و اقرأ عند علمائنا، لأن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال:

أقرأني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل، و سجدتان في الحج(1).

و الخلاف مع الجمهور في المفصّل [1]، و الثانية في الحج، و «ص»، فأما المفصّل فقال الشافعي في القديم: ليس فيه سجود - و به قال مالك في المشهور عنه(2) - لان ابن عباس روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلي المدينة(3).

و قال في الجديد: فيه سجود - و به قال أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق(4) - كما قلناه نحن، لأن أبا رافع صلّي خلف أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت و سجد، فقلت: ما هذه السجدة ؟ فقال: سجدت1.

ص: 208


1- سنن أبي داود 58:2-1401، سنن ابن ماجة 335:1-1057، سنن الدارقطني 1: 408-8، مستدرك الحاكم 223:1، و فيها: عبد اللّه بن منين عن عمرو بن العاص. فلاحظ.
2- مختصر المزني: 16، المجموع 60:4 و 62، فتح العزيز 185:4، الميزان 165:1، المهذب للشيرازي 92:1، بلغة السالك 150:1، الشرح الصغير 150:1، المنتقي للباجي 349:1 و 351، بداية المجتهد 223:1، الموطأ 207:1، المغني 683:1، الشرح الكبير 820:1، بدائع الصنائع 193:1.
3- سنن أبي داود 58:2-1403.
4- الام 137:1 و 138، مختصر المزني: 16، المجموع 62:4، المهذب للشيرازي 1: 92، الميزان 165:1، بدائع الصنائع 193:1، اللباب 102:1، الحجة علي أهل المدينة 109:1، المغني 683:1، الشرح الكبير 820:1، المنتقي للباجي 349:1، بداية المجتهد 223:1، سبل السلام 353:1.

فيها خلف أبي القاسم صلّي اللّه عليه و آله و لا أزال أسجدها حتي ألقاه(1).

و أبو هريرة متأخر أسلم بالمدينة(2) ، و هو مثبت فيقدم علي النافي.

و قال أبو ثور: ليس في النجم خاصة سجدة(3). و يدفعه حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص(4).

و أما الحج فقال الشافعي كقولنا بالسجدتين فيها - و به قال أحمد و إسحاق، و أبو ثور(5) - لأن عقبة بن عامر قال: قلت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: في سورة الحج سجدتان ؟ فقال: (نعم من لم يسجدهما فلا يقرأهما)(6) و سجدهما علي عليه السلام، و عمر، و ابن عباس، و أبو الدرداء، و أبو موسي الأشعري، و ابن عمر(7). قال أبو إسحاق: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين(8) ، و هذا إجماع.

و قال أبو حنيفة، و مالك: الثانية ليست سجدة؛ لأنه جمع فيها بين1.

ص: 209


1- صحيح البخاري 52:2، صحيح مسلم 407:1-110، سنن أبي داود 59:2-1408، سنن النسائي 162:2.
2- أسد الغابة 316:5، الاستيعاب بهامش الإصابة 208:4.
3- نيل الأوطار 124:3.
4- سنن ابن ماجة 335:1-1057، جامع الأصول 554:5، مستدرك الحاكم 223:1.
5- الام 133:1، المجموع 62:4، فتح العزيز 187:4، الوجيز 53:1، مختصر المزني: 16، السراج الوهاج: 61، المهذب للشيرازي 92:1، الميزان 165:1، المغني 684:1، الشرح الكبير 823:1، بدائع الصنائع 193:1، المنتقي للباجي 1: 349، بداية المجتهد 224:1.
6- سنن أبي داود 58:2-1402، سنن الترمذي 470:2-471-578، مسند أحمد 151:4، سنن الدارقطني 408:1-9، مستدرك الحاكم 221:1.
7- الام 133:1، المجموع 62:4، المغني 684:1، الشرح الكبير 823:1، المنتقي للباجي 349:1، سبل السلام 356:1.
8- المجموع 62:4، المغني 685:1، الشرح الكبير 823:1.

الركوع و السجود(1) فقال اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (2) كقوله لمريم:

وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي (3) و لا حجة فيه.

و أما (ص)، فعند الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة - و به قال أحمد في إحدي الروايتين(4) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قرأ علي المنبر (ص) فلمّا بلغ السجدة نزل فسجد و سجد الناس معه فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السجود (تشزن)(5) الناس للسجود، فقال:

(إنما هي توبة نبي و لكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزلت و سجدت)(6) فبيّن أنها توبة و ليست سجدة.

و قال أبو حنيفة، و مالك، و أبو ثور، و إسحاق، و أحمد في الرواية الأخري: إنها من عزائم السجود(7) لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص(8) ، و عن ابن عباس أن النبي صلّي اللّه عليه و آله سجدها(9) ،7.

ص: 210


1- اللباب 102:1، بدائع الصنائع 193:1، المنتقي للباجي 349:1، بلغة السالك 1: 150، الشرح الصغير 150:1، المغني 684:1، الشرح الكبير 823:1، الميزان 1: 165، المجموع 62:4.
2- الحج: 77.
3- آل عمران: 43.
4- المجموع 62:4، مختصر المزني: 16، المهذب للشيرازي 92:1، السراج الوهاج: 62، الميزان 165:1، المغني 684:1، الشرح الكبير 822:1، بداية المجتهد 1: 223، القوانين الفقهية: 87-88، بدائع الصنائع 193:1.
5- التشزن: التأهب و التهيؤ للشيء و الاستعداد له.. لسان العرب 237:13.
6- سنن أبي داود 59:2-1410، سنن الدارقطني 408:1-7.
7- اللباب 102:1، بدائع الصنائع 193:1، بداية المجتهد 223:1، القوانين الفقهية: 87، المغني 684:1، الشرح الكبير 821:1-822، المجموع 62:4، الميزان 1: 165، سبل السلام 353:1.
8- سنن أبي داود 58:2-1401، سنن ابن ماجة 335:1-1057.
9- صحيح البخاري 50:2، سنن أبي داود 59:2-1409، سنن النسائي 159:2، سنن الترمذي 469:2-577.

و روي غيره أنه سجدها و قرأ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (1)(2).

مسألة 280: موضع السجود في (حم) عند قوله تعالي وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ

مسألة 280: موضع السجود في (حم) عند قوله تعالي وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (3)

- و به قال ابن عمر، و الحسن البصري، و مالك، و حكاه مسروق عن أصحاب ابن مسعود(4) - لأن الأمر بالسجود فيها فيجب عندها.

و قال الشافعي: في الآية الثانية عند قوله وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ (5) - و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد، و هو مروي عن ابن عباس(6) - لأن تمام الكلام في الثانية فكان السجود عقيبها، و أولوية السجود عند الذكر راجحة عليه عند التتمة.

أما الأعراف فآخرها وَ لَهُ يَسْجُدُونَ (7) و الرعد وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (8) و النحل وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (9) و بني إسرائيل:

وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (10) و مريم خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (11) و الحج:

ص: 211


1- الانعام: 90.
2- سنن الدارمي 342:1، سنن أبي داود 59:2-1410، سنن الدارقطني 408:1-7.
3- فصلت: 37.
4- الشرح الصغير 150:1، المنتقي للباجي 352:1، المجموع 60:4، المغني 1: 685، الشرح الكبير 824:1.
5- فصلت: 38.
6- المجموع 60:4، المهذب للشيرازي 92:1، بدائع الصنائع 194:1، المغني 1: 685، الشرح الكبير 824:1.
7- الأعراف: 206.
8- الرعد: 15.
9- النحل: 50.
10- الاسراء: 109.
11- مريم: 58.

يَفْعَلُ ما يَشاءُ (1) وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (2) و الفرقان وَ زادَهُمْ نُفُوراً (3) و النمل:

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (4) و الم تنزيل وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (5) و النجم:

فَاسْجُدُوا لِلّهِ (6) و الانشقاق وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (7) و القلم وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ (8).

مسألة 281: سجود التلاوة واجب في العزائم الأربع:

سجدة لقمان، و حم، و النجم، و القلم. و مستحب في البواقي عند علمائنا أجمع؛ لأنّ عليا عليه السلام قال: «عزائم السجود أربع»(9) و قال الصادق عليه السلام:

«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و ان كنت علي غير وضوء، و ان كنت جنبا، و ان كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار»(10) و لأنها تتضمن الأمر بالسجود فتكون واجبة؛ لأن الأمر للوجوب، و غير الأربع ليس بصريح في الأمر فيكون ندبا.

و قال أبو حنيفة، و أصحابه: السجود واجب في الجميع(11) و لم يفصل لقوله تعالي وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (12) و هذا ذم، و لأنه

ص: 212


1- الحج: 18.
2- الحج: 77.
3- الفرقان: 60.
4- النمل: 26.
5- السجدة: 15.
6- النجم: 62.
7- الانشقاق: 21.
8- العلق: 19.
9- سنن البيهقي 315:2.
10- الكافي 318:3-2، التهذيب 291:2-1171.
11- المبسوط للسرخسي 4:2، اللباب 103:1، المغني 687:1، الميزان 164:1، المنتقي للباجي 351:1، بداية المجتهد 222:1، القوانين الفقهية: 87.
12- الانشقاق: 21.

سجود يفعل في الصلاة فكان واجبا كسجودها، و الذم علي ترك السجود الواجب و هي العزائم الأربع، أو غير معتقد فضله و لا مشروعيته. و نمنع المشترك، و ينتقض بسجود السهو فإنه ليس بواجب عندهم.

و قال مالك، و الأوزاعي، و الليث، و الشافعي، و أحمد: الكل مستحب، لأن عمر خطب يوم الجمعة و لم يسجد في النحل(1). و نقول بموجبه فإنه ليس بواجب عندنا.

مسألة 282: و تجب الأربع علي القاري و المستمع بلا خلاف عندنا

و عند الموجبين، و مستحب في الباقي عندنا لهما و عند الباقين لأن ابن عمر قال:

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد و نسجد معه حتي لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته(2).

أما السامع غير القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع عندنا عملا بالأصل، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عبد اللّه بن سنان عن رجل يسمع السجدة تقرأ قال: «لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا، مستمعا لها، أو يصلّي بصلاته، فأما أن يكون يصلّي في ناحية و أنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت»(3).

و قال أبو حنيفة: يجب علي السامع أيضا. و نحوه عن ابن عمر،

ص: 213


1- الام 136:1، الوجيز 53:1، الميزان 164:1، بلغة السالك 149:1، الشرح الصغير 149:1، المنتقي للباجي 350:1 و 351، بداية المجتهد 222:1، المغني 1: 687، الشرح الكبير 814:1، المبسوط للسرخسي 4:2.
2- صحيح البخاري 51:2 و 52، صحيح مسلم 405:1-575، سنن أبي داود 2: 60-1412.
3- الكافي 318:3-3، التهذيب 291:2-1169.

و النخعي، و سعيد بن جبير، و نافع، و إسحاق(1) ، لأنه سامع للسجدة فأشبه المستمع.

و قال الشافعي: لا أوكد عليه السجود، و إن سجد فحسن(2).

و قال مالك، و أحمد: لا يستحب للسامع، و هو مروي عن عثمان، و ابن عباس و عمران بن الحصين(3) ، لأن عثمان مرّ بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد و قال: إنما السجدة علي من استمع(4).

مسألة 283: هذا السجود ليس بصلاة،

و لا بجزء منها فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة عند علمائنا - و به قال عثمان، و سعيد بن المسيب، و الشعبي(5) - عملا بالأصل، و قول الصادق عليه السلام: «فاسجد و إن كنت علي غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي»(6).

و قال الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة، و مالك: تشترط الطهارة من الحدث و الخبث، و ستر العورة، و الاستقبال(7) لقوله صلّي اللّه عليه و آله:

ص: 214


1- المبسوط للسرخسي 4:2، شرح فتح القدير 466:1، الكفاية 466:1، الهداية للمرغيناني 78:1، المجموع 61:4، المغني 688:1، الشرح الكبير 815:1 - 816، بداية المجتهد 225:1، اللباب 103:1.
2- المجموع 58:4، الوجيز 53:1، السراج الوهاج: 62، المغني 688:1، الشرح الكبير 816:1.
3- المغني 688:1، الشرح الكبير 814:1 و 815 و 816، المجموع 58:4، العدة شرح العمدة: 92.
4- المغني 688:1، الشرح الكبير 816:1.
5- المغني 685:1، الشرح الكبير 813:1، سبل السلام 354:1.
6- الكافي 318:3-2، التهذيب 291:2-1171.
7- المجموع 63:4، السراج الوهاج: 62، المغني 685:1، الشرح الكبير 813:1، المبسوط للسرخسي 4:2، شرح العناية 464:1، المنتقي للباجي 352:1، بلغة السالك 150:1، الشرح الصغير 149:1.

(لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور)(1) فيدخل في عمومه السجود، و لأنّ ما نافي الصلاة نافي السجود كالكفر.

و لا دلالة في الخبر؛ لأنها ليست صلاة، و الكفر مناف للعبادات الواجبة و المندوبة المشروطة فيها الطهارة و غير المشروطة بها.

أما النية فلا بدّ منها؛ لأنه فعل مشترك فيفتقر التخصيص إلي نيته.

فروع:

أ - لو سمع السجود و هو علي غير طهارة لم يلزمه الوضوء

و لا التيمم - و به قال أحمد(2) - لأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها، و نحن نوجب السجود، أو نستحبه و إن لم يتطهر؛ لعدم اشتراط الطهارة كما تقدم.

و قال النخعي: يتيمم و يسجد، و عنه: يتوضأ و يسجد، و به قال الثوري و أصحاب الرأي(3).

ب - لو توضأ سجد،

و قال أحمد: لا يسجد؛ لفوات سببها، و لا يتيمم لها مع وجود الماء(4).

ج - لو عدم الماء فتيمم سجد عندنا،

و به قال أحمد إذا لم يطل؛ لعدم بعد سببها، بخلاف الوضوء عنده(5).

مسألة 284: و لا تكبير فيها للسجود

عندنا - و به قال أبو حنيفة في رواية،

ص: 215


1- صحيح مسلم 204:1-224، سنن الترمذي 5:1-1.
2- المغني 686:1، الشرح الكبير 813:1.
3- المبسوط للسرخسي 4:2، المغني 686:1، الشرح الكبير 813:1.
4- المغني 686:1، الشرح الكبير 814:1.
5- الشرح الكبير 814:1.

و ابن أبي هريرة(1) - عملا بالأصل، قال الشيخ: و يكبّر للرفع منه(2) لقول الصادق عليه السلام: «إذا قرأت السجدة فاسجد، و لا تكبّر حتي ترفع رأسك»(3) و قال عليه السلام فيمن يقرأ السجدة من القرآن من العزائم: «فلا يكبّر حين يسجد و لكن يكبّر حين يرفع رأسه»(4).

و قال الشافعي: إن كان في غير صلاة نوي الساجد، و كبّر للافتتاح، و رفع يديه حذو منكبيه كما في افتتاح الصلاة(5) - خلافا لأبي حنيفة في الرفع(6) - ثم يكبّر تكبيرة أخري للهويّ من غير رفع، فإذا رفع رأسه كبّر.

و في وجه: لا يكبّر للافتتاح.

ثم هو مستحب أو شرط؟ وجهان.

و إن كان في الصلاة فلا يكبّر للافتتاح، و يكبّر للهوي من غير رفع اليدين ثم يكبّر عند رفع الرأس(7).

و قال ابن أبي هريرة: لا يكبّر للسجود، و لا للرفع في غير الصلاة(8).

و قال النخعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - كقول الشافعي -:

باستحباب التكبير للسجود، و الرفع منه؛ لأنها صلاة ذات سجود فوجب أن4.

ص: 216


1- بدائع الصنائع 192:1، حلية العلماء 124:2.
2- المبسوط للطوسي 114:1.
3- التهذيب 292:2-1175.
4- الكافي 317:3-1، التهذيب 291:2-1170.
5- المجموع 64:4-65، الوجيز 53:1، فتح العزيز 192:4، مغني المحتاج 216:1، المهذب للشيرازي 93:1، السراج الوهاج: 62، المغني 686:1.
6- شرح فتح القدير 476:1، اللباب 104:1، الهداية للمرغيناني 80:1، شرح العناية 476:1.
7- المجموع 63:4.
8- المجموع 63:4.

تفتقر إلي تكبيرة الإحرام كسائر الصلوات(1). و الصغري ممنوعة.

فروع:

أ - منع أحمد من تثنية التكبير في الابتداء

و إن كان خارجا من الصلاة(2) ، و قال الشافعي: إذا سجد خارجا من الصلاة كبّر واحدة للافتتاح، و اخري للسجود؛ لأنها صلاة فيكبّر للافتتاح غير تكبيرة السجود(3).

و الصغري ممنوعة.

ب - قال الشافعي، و أحمد: يرفع يديه عند تكبيرة الابتداء

إن كان في غير الصلاة؛ لأنها تكبيرة إحرام(4). و إن سجد في الصلاة، قال أحمد:

يرفع(5) ، خلافا للشافعي(6).

ج - ليس فيها ذكر موظف؛

لأصالة براءة الذمة فإن الأمر تعلق بالسجود خاصة، و قال أحمد: يقول ما يقول في سجود صلب صلاته(7). و هو ممنوع، نعم يستحب الذكر.

مسألة 285: و ليس في سجود التلاوة تشهد، و لا تسليم

عند علمائنا أجمع - و هو قول أبي حنيفة، و أحد قولي الشافعي(8) - لأن الأمر بالسجود

ص: 217


1- المغني 686:1، الشرح الكبير 824:1، العدة شرح العمدة: 93، المحرر في الفقه 1: 80، المبسوط للسرخسي 10:2، الميزان 166:1.
2- المغني 686:1، الشرح الكبير 825:1.
3- المجموع 64:4-65، السراج الوهاج: 62، المهذب للشيرازي 93:1.
4- المجموع 64:4-65، الوجيز 53:1، فتح العزيز 192:4، المهذب للشيرازي 1: 93، السراج الوهاج: 62، المغني 686:1، الشرح الكبير 827:1.
5- المغني 686:1، الشرح الكبير 827:1.
6- الوجيز 53:1، فتح العزيز 195:4.
7- المغني 686:1، الشرح الكبير 826:1.
8- المجموع 65:4، الوجيز 53:1، المهذب للشيرازي 93:1، السراج الوهاج: 62، الميزان 166:1، اللباب 104:1، المغني 687:1.

لا يتناول غيره فيكون منفيا بالأصل، و لأنه لم ينقل عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و لا عن أحد من الأئمة عليهم السلام تشهد و لا تسليم، و لأن التشهد في مقابلة القيام و لا قيام، و لأنه لا تشهد فيه عند أحمد فلا يستحب له التسليم كغير الصلاة، و به قال النخعي، و الحسن، و سعيد بن جبير(1).

و قال بعض الشافعية: يتشهد؛ لأنه سجود يحتاج إلي الإحرام و السلام فيكون كسجود الصلاة(2). و الصغري ممنوعة، و هو خلاف نص الشافعي(3).

و القول الثاني للشافعي: أنه يسلّم من غير تشهد - و به قال أحمد(4) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (تحريمها التكبير و تحليلها التسليم)(5) و لأنّها ذات تكبيرة إحرام فافتقرت إلي التسليم. و الصغري ممنوعة، و ضمير الحديث راجع إلي الصلاة.

إذا ثبت هذا فاختلفت الرواية عن أحمد فروي إيجاب تسليمتين، و روي واحدة(6).

مسألة 286: لا يقوم الركوع مقام السجود

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(7) - لأنه سجود مشروع فلا يقوم الركوع مقامه كسجود الصلاة، و لأن الأمر ورد بالسجود و الركوع مغاير.

ص: 218


1- المغني 687:1، الشرح الكبير 825:1-826.
2- المجموع 66:4، الوجيز 53:1، فتح العزيز 194:4، المهذب للشيرازي 93:1.
3- المجموع 65:4-66، الوجيز 53:1، المهذب للشيرازي 93:1.
4- المجموع 66:4، الوجيز 53:1، الميزان 166:1، المغني 687:1، الشرح الكبير 825:1.
5- سنن أبي داود 16:1-61، سنن الدارمي 175:1، سنن ابن ماجة 1: 101-275 و 276، سنن الترمذي 8:1-3، مسند أحمد 123:1.
6- المغني 687:1، الشرح الكبير 826:1.
7- المجموع 72:4، المغني 689:1، الشرح الكبير 818:1.

و قال أبو حنيفة: يقوم مقامه استحسانا(1) ؛ لقوله تعالي وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ (2) و إنما يقال: خرّ ساجدا لا راكعا فعبّر بالركوع عن السجود مجازا، و لأن المروي عن داود [عليه السلام] السجود(3).

مسألة 287: يجوز السجود في الأوقات المكروهة

عند علمائنا - و به قال الحسن، و الشعبي، و سالم، و عطاء، و عكرمة، و الشافعي، و أحمد في رواية(4) - لإطلاق الأمر بالسجود فيتناول بإطلاقه جميع الأوقات، و لأنها ذات سبب.

و قال أبو ثور، و ابن عمر، و سعيد بن المسيب، و أحمد في رواية، و إسحاق: إنّه لا يسجد(5) لقوله عليه السلام: (لا صلاة بعد الفجر حتي تطلع الشمس، و لا بعد العصر حتي تغرب الشمس)(6) و نحن نقول بموجبه فإنها ليست صلاة، و كره مالك قراءة السجدة في وقت النهي(7).

مسألة 288: لا يشترط لسجود المستمع سوي الاستماع

لعموم الأمر، و قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و قتادة: يشترط كون التالي ممّن يصلح أن يكون إماما للمستمع، فإن كان التالي امرأة أو خنثي مشكلا لم يسجد الرجل باستماعه منهما، و لو كان التالي أمّيا سجد القارئ المستمع

ص: 219


1- المبسوط للسرخسي 8:2-9، المجموع 72:4، المغني 689:1، الشرح الكبير 818:1.
2- ص: 24.
3- سنن النسائي 159:2، سنن الدارقطني 407:1-3 و 4.
4- المجموع 170:4، فتح العزيز 110:3، الوجيز 35:1، الميزان 171:1، المهذب للشيرازي 99:1، المغني 687:1.
5- المغني 687:1، الشرح الكبير 840:1.
6- الكامل لابن عدي 1225:3 و نحوه في صحيح البخاري 152:1، صحيح مسلم 1: 567-827، تاريخ بغداد 36:5.
7- المغني 687:1.

لسجوده؛ لأن القراءة ليست بركن في السجود، و إن كان صبيا ففي سجود الرجل بسجوده عند أحمد وجهان بناء علي صحة إمامته(1) ، و الكل عندنا باطل؛ لما تقدم.

و لو لم يسجد التالي سجد المستمع عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - لأن السبب و هو الاستماع موجود.

و قال أحمد: لا يسجد؛ لأنه تابع له فإنّ الاستماع إنما يحصل بالقراءة، و لا يسجد بدون سجوده(3). و هو ممنوع.

و لا فرق بين أن يكون التالي إماما، أو لا.

و قال الشافعي: إن كان التالي إماما و لم يسجد تبعه في تركها كما يتبعه في ترك سائر المسنونات(4).

و تحقيق مذهبنا أن الإمام إن كان ممّن يقتدي به و قرأ العزيمة في فرض ناسيا أومأ بالسجود عند آيته، و كذا المأموم، و إن كان في نافلة تسوغ فيها الجماعة فإن سجد الإمام سجد المأموم، و كذا إن لم يسجد إن كانت السجدة عزيمة، و إلاّ فلا، و إن كان ممّن لا يقتدي به و قرأ في فرض لم يتابعه المأموم في سجوده بل يومئ، و إن لم يسجد الإمام تابعه في الترك و أومي.

و لو كان التالي في غير الصلاة و المستمع في الصلاة حرم عليه الاستماع فإن فعله احتمل السجود إذا فرغ - و به قال أبو حنيفة(5) - لوجود سبب2.

ص: 220


1- الشرح الصغير 149:1، بداية المجتهد 225:1، المغني 688:1-689، الشرح الكبير 816:1-817.
2- المجموع 58:4، المهذب للشيرازي 92:1.
3- المغني 689:1، الشرح الكبير 817:1.
4- فتح العزيز 190:4، الوجيز 53:1، السراج الوهاج: 63، المجموع 59:4.
5- اللباب 103:1، الهداية للمرغيناني 79:1، شرح العناية 468:1، حلية العلماء 123:2.

(السجود)(1) و امتنع منه لعارض فإذا زال سجد، و الإيماء.

و قال الشافعي، و أحمد: لا يسجد؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته، و لا يسجد إذا فرغ(2) و إن كان التالي في صلاة و المستمع في غير الصلاة سجد.

مسألة 289: لو قرأ السجدة ماشيا سجد

فإن لم يتمكن أومي - و به قال أبو العالية، و أبو زرعة، و أحمد، و أصحاب الرأي(3) - و قال عطاء، و مجاهد:

يومئ(4).

و إن كان راكبا سجد علي راحلته إن تمكن، و إلاّ نزل، و فعله علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن الزبير، و النخعي، و عطاء، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي(5) ، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب و الساجد في الأرض، حتي أن الراكب يسجد علي يده(6).

قيل: يكره اختصار السجود و هو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها و يسجد فيها. و به قال الشعبي، و النخعي، و الحسن، و إسحاق(7) ، و رخص فيه أبو حنيفة، و محمد، و أبو ثور(8) ، و قيل: اختصار السجود أن

ص: 221


1- في نسخة (م): الوجوب.
2- المجموع 59:4، المغني 689:1.
3- المغني 689:1-690، الشرح الكبير 820:1.
4- المغني 690:1، الشرح الكبير 820:1.
5- المجموع 68:4، فتح العزيز 207:4-208، المغني 689:1، المبسوط للسرخسي 7:2.
6- سنن أبي داود 60:2-1411، سنن البيهقي 325:2.
7- المجموع 73:4، المغني 690:1، الشرح الكبير 827:1.
8- المبسوط للسرخسي 4:2، المجموع 73:4، المغني 690:1، الشرح الكبير 827:1.

يقرأ القرآن و يحذف آيات السجود(1). و الأخير عندي أولي.

مسألة 290: لو فاتت، قال في المبسوط: يجب قضاء العزائم،

و في الندب هو بالخيار(2) ، و قال في الخلاف: تعلّقت ذمته بفرض أو سنة و لا تبرأ إلاّ بقضائه(3). و يحتمل أن يقال بالأداء لعدم التوقيت.

و قال الشافعي: إذا لم يسجد في موضع السجود لم يسجد بعد ذلك، لأنها تتعلق بسبب فإذا فات سقطت، و لأنه لا يتقرب إلي اللّه تعالي بسجدة ابتداء كصلاة الاستسقاء(4). و الكبري ممنوعة في الأول، و الصغري في الثاني؛ لأنها عندهم صلاة، و تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، و له قول:

بالقضاء(5).

و لو كرر آية السجدة في مجلس واحد و لم يسجد للمرة الأولي احتمل الاكتفاء بسجدة واحدة - و به قال الشافعي(6) - و وجوبهما معا. و لو سجد للأولي سجد للثانية أيضا لوجود السبب. و قال أبو حنيفة: تكفيه الاولي(7).

و للشافعي قولان: أظهرهما الأول(8).

أما لو طال الفصل فإنه يسجد مرة أخري، و الركعة الواحدة في الصلاة كالمجلس الواحد عند الشافعي، و الركعتان كالمجلسين(9).

ص: 222


1- حكاه ابن قدامة في الشرح الكبير 827:1.
2- المبسوط للطوسي 114:1.
3- الخلاف 433:1 مسألة 181.
4- المجموع 71:4، الوجيز 53:1، السراج الوهاج: 63، فتح العزيز 199:4.
5- المجموع 71:4، فتح العزيز 200:4.
6- المجموع 71:4، فتح العزيز 191:4، السراج الوهاج: 63.
7- المبسوط للسرخسي 5:2، الهداية للمرغيناني 79:1، بدائع الصنائع 181:1، اللباب 104:1، المجموع 71:4، الميزان 167:1.
8- المجموع 71:4، الوجيز 53:1، فتح العزيز 191:4.
9- المجموع 71:4، فتح العزيز 192:4.
الثانية: سجدة الشكر،
اشارة

و هي مستحبة عقيب الفرائض، و عند تجدد النعم، و دفع النقم عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا جاءه شيء يسره خرّ ساجدا(2).

و قال عبد الرحمن بن عوف: سجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فأطال فسألناه فقال: (أتاني جبرئيل فقال: من صلّي عليك مرّة صلّي اللّه تعالي عليه عشرا فخررت شكرا للّه)(3).

و سجد علي عليه السلام شكرا يوم النهروان لمّا وجدوا ذا الثدية(4) و سجد أبو بكر لمّا بلغه فتح اليمامة، و قتل مسيلمة(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «سجدة الشكر واجبة علي كل مسلم تتم بها صلاتك، و ترضي بها ربك، و تعجب الملائكة منك، و أن العبد إذا صلي ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالي الحجاب بين الملائكة و بين العبد»(6).

و قال مالك: إنه مكروه(7). و قال الطحاوي: و أبو حنيفة لا يري

ص: 223


1- المجموع 68:4 و 70، الوجيز 53:1، المهذب للشيرازي 93:1، الميزان 167:1، المغني 690:1، الشرح الكبير 828:1.
2- سنن أبي داود 89:3-2774، سنن ابن ماجة 446:1-1394، سنن الترمذي 4: 141-1578.
3- مسند أحمد 191:1، سنن البيهقي 370:2-371 باختصار. و انظر أيضا: التلخيص الحبير بهامش المجموع 204:4، و الضعفاء الكبير - للعقيلي - 468:3-1523.
4- مصنّف ابن أبي شيبة 483:2 و 484، مصنّف عبد الرزّاق 358:3-5962، سنن البيهقي 371:2.
5- مصنف ابن أبي شيبة 483:2، مصنّف عبد الرزاق 358:3-5963، سنن البيهقي 2: 371.
6- الفقيه 220:1-978، التهذيب 110:2-415.
7- بلغة السالك 151:1، الشرح الصغير 151:1، المدونة الكبري 108:1، المجموع 70:4، فتح العزيز 203:4، الميزان 187:1، المغني 690:1، الشرح الكبير 828:1.

سجود الشكر شيئا(1) ، و روي محمد عن أبي حنيفة الكراهة(2) ، و محمد لا يكرهه(3).

و احتجوا بأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قد كانت في أيامه الفتوح و استسقي علي المنبر و سقي و لم ينقل أنه سجد(4). و تركه أحيانا لا ينفي الاستحباب.

فروع:

أ - يستحب عقيب الصلوات علي ما بينا

- خلافا للجمهور(5) - لأنها مظنّة التعبد، و موضع الخضوع، و الشكر علي التوفيق لأداء العبادة، و حديث الصادق عليه السلام(6) يدل عليه.

ب - يستحب فيها التعفير عند علمائنا

- و لم يعتبره الجمهور - لأنها وضعت للتذلل و الخضوع بين يدي الرب، و التعفير أبلغ في الخضوع و الذل، و قال إسحاق بن عمار: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «كان موسي بن عمران عليه السلام إذا صلّي لم ينفتل حتي يلصق خده الأيمن بالأرض، و خده الأيسر بالأرض» قال إسحاق: رأيت من يصنع ذلك، قال محمد بن سنان: يعني موسي بن جعفر عليهما السلام، في الحجر في جوف الليل [1].

ص: 224


1- حلية العلماء 126:2، الميزان للشعراني 167:1.
2- الميزان 167:1، حلية العلماء 126:2.
3- حلية العلماء 126:2.
4- المغني 690:1، الشرح الكبير 828:1.
5- انظر علي سبيل المثال المجموع 68:4، المغني 690:1، الشرح الكبير 828:1.
6- الفقيه 220:1-978، التهذيب 110:2-415.

ج - يستحب الدعاء بما روي، أو بما يتخيره الإنسان من الأدعية،

و يستحب أن يقول: شكرا شكرا مائة مرّة، و إن قال: عفوا عفوا جاز.

د - روي هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام قال: «إذا أنعم اللّه عزّ و جلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين

تقرأ في الأولي بفاتحة الكتاب، و قل هو اللّه أحد، و تقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب، و قل يا أيها الكافرون، و تقول في الركعة الاولي في ركوعك و سجودك: الحمد للّه شكرا شكرا و حمدا، و تقول في الركعة الثانية في ركوعك و سجودك: الحمد للّه الذي استجاب دعائي، و أعطاني مسألتي»(1).

ه - الأقرب استحباب السجدة عند تذكر (النعمة)(2)

و إن لم تكن متجددة - خلافا للجمهور(3) - لأن دوام النعمة نعمة، و عن إسحاق بن عمار قال: «إذا ذكرت نعمة اللّه عليك و كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض، و إذا كنت في ملء من الناس فضع يدك علي أسفل بطنك، و أحن ظهرك، و ليكن تواضعا للّه، فان ذلك أحب»(4).1.

ص: 225


1- الكافي 481:3-1، التهذيب 184:3-418.
2- في نسخة (م): النعم.
3- المجموع 68:4، فتح العزيز 205:4، المغني 690:1، الشرح الكبير 828:1، الانصاف 200:2، الميزان 167:1.
4- التهذيب 112:2-421.

و - يستحب السجود إذا رأي مبتلي ببليّة أو فاسقا

شكرا للّه و ستره عن المبتلي لئلاّ يتأذي به، و يظهره للفاسق ليرجع عن فسقه.

ز - ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح،

و لا تكبير السجود، و لا تشهد، و لا تسليم.

و قال في المبسوط: يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود(1). و قال الشافعي: إنه كسجود التلاوة(2). و المعتمد ما قلناه للامتثال بإيقاعه كيف كان.

ح - هل يجب وضع الأعضاء السبعة في السجود الواجب في التلاوة،

و يستحب في مندوبها، و الشكر؟ إشكال ينشأ من أصالة البراءة و صرف السجود إلي وضع الجبهة، و من صرف السجود في الصلاة إلي ما وضع فيه الأعضاء.

ط - يجوز أن يؤدي هذا السجود، و سجود التلاوة أيضا علي الراحلة

عندنا - خلافا للشافعي(3) - لحصول المسمي.

ي - لو تجددت عليه نعمة و هو في الصلاة فإنه لا يسجد فيها؛

لأن سبب السجدة ليس منها، و به قال الشافعي(4). لكن لو قرأ (ص) فإن سجدتها عنده للشكر فهل يسجد؟ وجهان: السجود؛ لأن سببه وجد في الصلاة، و العدم؛ لأنها سجدة شكر، و ليست متعلقة بالتلاوة(5).

الثالثة: سجدة السهو،

و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّه تعالي.

ص: 226


1- المبسوط للطوسي 114:1.
2- المجموع 68:4، فتح العزيز 205:4-206.
3- الوجيز 53:1، المجموع 68:4، فتح العزيز 206:4.
4- المجموع 68:4، فتح الوهاب 56:1، فتح العزيز 206:4.
5- المجموع 61:4، فتح العزيز 186:4-187.
البحث السابع: في التشهد

التشهد واجب في كل ثنائية مرّة في آخرها، و مرتين في الثلاثية بعد الثانية و الثالثة، و الرباعية بعد الثانية و الرابعة، عند علمائنا أجمع - و به قال الليث بن سعد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أحمد في رواية(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعل ذلك و داوم عليه، و كذا الصحابة و الأئمة عليهم السلام، و أمر به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في حديث ابن عباس(2) ، و الأمر للوجوب، و سجد ابن عباس لما نسيه(3) ، و عن ابن مسعود: علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله التشهد في وسط الصلاة و آخرها(4). و من طريق الخاصة ما رواه البزنطي: «التشهد تشهدان في الثانية، و الرابعة»(5).

و قال الشافعي: الأول سنة، و كذا الجلوس فيه - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية - لأنه يسقط بالسهو فأشبه السنن(6). و هو ممنوع

ص: 227


1- المغني 606:1، المجموع 450:3 و 462، عمدة القارئ 107:6 و 115، نيل الأوطار 304:2.
2- سنن البيهقي 140:2، صحيح مسلم 302:1-403.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 187، و انظر أيضا المغني 607:1.
4- مسند أحمد 459:1.
5- أوردها عن الجامع البزنطي المحقق في المعتبر: 187.
6- المجموع 449:3 و 450، فتح العزيز 493:3-494، المنتقي للباجي 168:1، عمدة القارئ 106:6، المغني 606:1.

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل ينسي التشهد، قال: «يرجع فيتشهد»(1).

و أوجب الشافعي التشهد الأخير، و هو الذي يتعقبه التسليم، سواء كانت الصلاة ثنائية، أو ثلاثية، أو رباعية - و به قال عمر، و ابنه، و أبو مسعود البدري، و الحسن البصري، و أحمد كما قلناه(2) - لأن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام علي اللّه قبل عباده، السلام علي جبرئيل و ميكائيل، السلام علي فلان، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (لا تقولوا: السلام علي اللّه فإن اللّه هو السلام، و لكن قولوا: التحيات للّه، إلي آخره)(3) و لأنه ذكر قدّر به ركن من أركان الصلاة فكان واجبا كالقراءة.

و قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري: إنه غير واجب كالأول(4) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول: الجلوس في الثاني قدر التشهد واجب(5) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يعلّمه الأعرابي(6) ، و لأنه أحد التشهدين فلم يكن واجبا كالأول. و نمنع عدم تعليم التشهد، أو أنه كان يعرفه، أو كان قبل فرضه. و نمنع عدم وجوب الأول، و قد سبق، و أيضا الفرق: أن محله غير واجب عندهم، و الثاني قدّر به ركن.0.

ص: 228


1- التهذيب 158:2-622، الاستبصار 363:1-1376.
2- المجموع 462:3، فتح العزيز 503:3، المغني 613:1، الشرح الكبير 1: 634، نيل الأوطار 314:2.
3- صحيح البخاري 212:1، سنن ابن ماجة 290:1-899، سنن الدارقطني 350:1 - 4، سنن البيهقي 138:2.
4- المغني 613:1، الشرح الكبير 634:1، حلية العلماء 107:2، الشرح الصغير 116:1، المنتقي للباجي 168:1، نيل الأوطار 314:2.
5- الهداية للمرغيناني 46:1، حلية العلماء 107:2، المغني 613:1، الشرح الكبير 634:1.
6- انظر: سنن الترمذي 100:2-102-302، سنن النسائي 59:3-60.
مسألة 291: يجب فيه الجلوس بقدره مطمئنا

في الأول و الثاني، فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا، بطلت صلاته عند علمائنا - و به قال في الثاني أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله داوم عليه، و كذا الصحابة و التابعون، و هو يعطي الوجوب، و لأنه عليه السلام فعله بيانا.

إذا ثبت هذا فعلي أي هيئة جلس أجزأه للامتثال بأيّ نوع، إلاّ أن الأفضل التورك فيهما - و به قال مالك(2) - لقول ابن مسعود: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يجلس وسط الصلاة و آخرها متوركا(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض، و فرّج بينهما، و ليكن ظاهر قدمك اليسري علي الأرض، و ظاهر قدمك اليمني علي باطن قدمك اليسري، و أليتاك علي الأرض و طرف إبهام اليمني علي الأرض، و إياك و القعود علي قدميك.. فلا تصبر للتشهد و الدعاء»(4).

و قال الشافعي: الجلسات في الصلاة أربع: الجلسة بين السجدتين، و التشهّد الأخير، و هما واجبتان، و جلسة التشهد الأول، و جلسة الاستراحة و هما مستحبتان.

و يستحب في جميع الجلسات الافتراش بأن يفرش رجله اليسري

ص: 229


1- المجموع 462:3، المغني 613:1، الشرح الكبير 634:1، حلية العلماء 107:2.
2- المنتقي للباجي 165:1-166، المغني 607:1 و 612، الشرح الكبير 607:1 و 633.
3- مسند أحمد 459:1، نيل الأوطار 305:2.
4- الكافي 334:3-335-1، التهذيب 83:2-84-308 و فيهما عن الامام الباقر عليه السلام، و أمّا عن الصادق عليه السلام فيدلّ عليه حديث حماد بن عيسي في صفة صلاته عليه السلام. انظر: الكافي 311:3-312-8 و التهذيب 81:2-82-301.

و يجلس عليها، و ينصب اليمني إلاّ التشهد الأخير الذي يتعقبه التسليم و إن كان واحدا فإنه يستحب فيه التورك(1) لحديث أبي حميد الساعدي: فلما جلس بين السجدتين ثنّي رجله اليسري فجلس عليها، و نصب قدمه اليمني، و إذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه و أفضي بمقعدته إلي الأرض و نصب وركه اليمني(2) ، و قد ضعّفه الطحاوي فلا حجة فيه(3).

و قال أبو حنيفة و الثوري: يجلس في جميعها مفترشا(4) لقوله عليه السلام: (إذا جلست فاجعل عقبك تحت أليتيك)(5) قال الشافعي: لو أدرك من الصبح ركعة مع الإمام قعد معه مفترشا و يتورك في الثاني، و لو أدرك الثانية من المغرب جلس أربع مرات يفترش في ثلاثة و يتورك في الأخير(6).

مسألة 292: و يجب فيه الشهادتان بالتوحيد، و الرسالة

في الأول و الثاني عند علمائنا أجمع - و به قال كل من أوجبه - قال محمد بن مسلم للصادق عليه السلام: التشهد في الصلاة قال: «مرتان» قلت: و كيف مرتان ؟ قال:

«إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله»(7).

و أقل الواجب فيه الشهادتان؛ لقول سورة بن كليب، قلت: أدني ما يجزي من التشهد؟ قال: «الشهادتان».(8) و قول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة ما يجزي من التشهد في الأخريين ؟ قال: «الشهادتان»(9).

ص: 230


1- المجموع 449:3.
2- الام 116:1.
3- شرح معاني الآثار 259:1 و انظر عمدة القارئ 105:6 و المجموع 443:3.
4- بدائع الصنائع 211:1، عمدة القارئ 105:6، المجموع 450:3.
5- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر المتوفرة.
6- المجموع 451:3 و 452، فتح العزيز 495:3.
7- التهذيب 101:2-379، الإستبصار 342:1-1289.
8- الكافي 337:3-3، التهذيب 101:2-375، الاستبصار 341:1-1285.
9- التهذيب 100:2-374، الاستبصار 341:1-1284.

و قال الشافعي: يجب خمس كلمات، أن يقول: التحيات اللّه، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه، السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أن محمدا رسول اللّه؛ لاختلاف ورود الأخبار و سقوط ما سوي هذا في بعضها(1).

و نحن لا نوجب التحيات؛ للأصل، و قول محمد بن مسلم للصادق عليه السلام قلت: قول العبد: التحيات للّه و الصلوات الطيبات، قال:

«ذلك اللطف يلطف العبد ربه»(2) و أيضا لو وجب لتواتر؛ لأنه ممّا تعم به البلوي، و لأن الواجب التشهد و هو مأخوذ من الشهادة و لفظ التحيات ليس منها.

و نمنع من تقديم: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، و تبطل به الصلاة؛ لأن التسليم مخرج عن الصلاة لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (تحليلها التسليم)(3).

لا يقال: المخرج قوله: السلام عليكم. لأنا نقول: إنه تحكم لتناول إطلاق التسليم ذلك، و لأن قوله: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين يتناول الحاضرين و الغائبين من الصلحاء، و قوله: السلام عليكم يختص الحاضرين فإذا كان السلام علي الحاضرين مخرجا كان السلام علي8.

ص: 231


1- الام 118:1، المجموع 458:3-459، الوجيز 45:1، السراج الوهاج: 49، كفاية الأخيار 68:1، فتح العزيز 512:3.
2- التهذيب 101:2-379، الاستبصار 342:1-1289.
3- سنن الترمذي 3:2-238، مصنف ابن أبي شيبة 229:1، سنن البيهقي 15:2، سنن الدارقطني 359:1-1 سنن ابن ماجة 101:1-275 و 276، سنن أبي داود 1: 16-61، مسند أحمد 123:1 و نحوه في الكافي 69:3-2 و الفقيه 23:1-68.

الحاضرين و الغيّاب أولي.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(1) و سأله أبو كهمش عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما، فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ قال عليه السلام: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف»(2).

مسألة 293: و يجب الصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في التشهدين

عند علمائنا أجمع لقوله تعالي صَلُّوا عَلَيْهِ (3) و الأمر للوجوب، و لا يجب في غير الصلاة إجماعا فيجب فيها، و لأن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (لا يقبل صلاة إلاّ بطهور، و بالصلاة عليّ)(4) و لقول الصادق عليه السلام: «من صلّي و لم يصلّ علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و تركه عامدا فلا صلاة له»(5).

و قال الشافعي: إنها واجبة في التشهد الأخير خاصة. و به قال أحمد في إحدي الروايتين، و إسحاق، و أبو مسعود الأنصاري(6) ، و في مشروعيتها في الأول للشافعي قولان(7) ، لأن العبادة إذا شرط فيها ذكر اللّه تعالي بالشهادة

ص: 232


1- الكافي 337:3-6، التهذيب 316:2-1293.
2- التهذيب 316:2-1292.
3- الأحزاب: 56.
4- سنن الدارقطني 355:1-4.
5- التهذيب 109:4-314، الاستبصار 343:1-1292 و نحوه في الفقيه 119:2-515.
6- المجموع 465:3 و 467، فتح العزيز 503:3، مغني المحتاج 173:1، المغني 1 614، الشرح الكبير 613:1 و 614.
7- المجموع 460:3، فتح العزيز 505:3.

شرط فيها ذكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كالأذان، و لحديث عائشة(1).

و قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و الأوزاعي: لا يجب(2) لأن ابن مسعود علّمه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله التشهد، ثم قال: (إذا قلت هذا تمت صلاتك)(3) و يحمل علي قرب التمام، أو علي سبق المشروعية بالصلاة.

مسألة 294: و تجب الصلاة علي آله عليهم السلام
اشارة

عند علمائنا أجمع، و أحمد في إحدي الروايتين، و بعض الشافعية(4) - و للشافعية وجهان، و قيل: قولان(5) - لأن كعب بن عجرة قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول في صلاته: (اللهم صلّ علي محمد و آل محمد كما صلّيت علي إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد)(6) فتجب متابعته؛ لقوله عليه السلام:

(صلّوا كما رأيتموني أصلي)(7).

و عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

(من صلّي صلاة و لم يصلّ فيها عليّ و علي أهل بيتي لم تقبل منه)(8) و قال الشافعي: بالاستحباب للأصل(9). و هو ممنوع لثبوت المخرج منه.

ص: 233


1- سنن الدارقطني 355:1-4.
2- المبسوط للسرخسي 29:1، شرح فتح القدير 275:1، شرح العناية 275:1، بدائع الصنائع 213:1، بلغة السالك 117:1، المجموع 467:3، فتح العزيز 3: 503، المغني 614:1، الشرح الكبير 614:1.
3- سنن أبي داود 255:1-970، سنن الدارقطني 353:1-13 و 354-14.
4- المجموع 465:3، المغني 616:1، الشرح الكبير 616:1.
5- المجموع 465:3، فتح العزيز 503:3 و 504، المغني 616:1، الشرح الكبير 616:1.
6- صحيح مسلم 305:1-406، سنن أبي داود 257:1-976، سنن الدارمي 309:1، سنن البيهقي 147:2.
7- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1.
8- سنن الدارقطني 355:1-6.
9- المجموع 466:3.
فروع:
أ - قال بعض الناس: آل محمد هم بنو هاشم و بنو المطلب؛

لأنهم أهل النبيّ، و آل منقلب عن أهل(1). فلو قال: و علي أهل محمد أجزأه عند بعض الجمهور، و كذا لو صغّر فقال: اهيل(2) و الحق عدم الإجزاء؛ لأنه أمر مشروع فيتبع فيه النقل.

و قيل: آل محمد من كان علي دينه(3) ، لأنه سئل عليه السلام من آل محمد؟ فقال: (كل تقي)(4) و لقوله تعالي أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (5) و الوجه: أن الآل هنا المعصومون من أهل بيته إذ لا تجب الصلاة علي غيرهم.

ب - من لا يحسن التشهد و الصلاة وجب عليه التعلّم،

فإن ضاق الوقت أو عجز أتي بالممكن، و لو عجز سقط.

ج - لا يجزئ بغير العربية و لو لم يقدر وجب التعلم،

فإن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة، و كذا الأذكار الواجبة، أما الدعاء بغير العربية فإنه جائز.

د - يجب الترتيب فيبدأ بالشهادة بالتوحيد، ثم بالنبوة، ثم بالصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، ثم علي آله،

و لو عكس لم يجزئه وقوفا علي المأخوذ عن صاحب الشرع.

ص: 234


1- المجموع 466:3، فتح العزيز 508:3، نيل الأوطار 327:2.
2- المغني 617:1، الشرح الكبير 616:1.
3- سنن البيهقي 151:2، المجموع 466:3، المغني 617:1، الشرح الكبير 616:1، نيل الأوطار 328:2.
4- سنن البيهقي 152:2، كشف الخفاء 17:1-17، الفردوس 418:1-1692.
5- المؤمن: 46.

و قال الشافعي: يجزئه لحصول المعني فيكفي(1). و هو ممنوع.

ه - يجب فيه التتابع فلو تركه لم يجزئه،

و به قال الشافعي(2).

و - يجب في الصلاة ذكر اسم الرسول صلّي اللّه عليه و آله،

فلو قال:

اللّهم صلّ علي الرسول لم يجزئه؛ لأنه عليه السلام سئل كيف يصلّي عليك ؟ فقال: (قولوا: اللهم صل علي محمد و آل محمد)(3).

مسألة 295: قد بينا أن الواجب الشهادتان، و الصلاتان،
اشارة

و أقلّه: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه، اللهم صلّ علي محمد و آل محمد.

و في وجوب (وحده لا شريك له) عقيب الشهادة بالتوحيد إشكال ينشأ من حديث محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام(4) و قد سلف، و من أصالة البراءة.

و لو أسقط الواو في الثاني، أو اكتفي به، أو أضاف الآل إلي المضمر، فالوجه: الإجزاء للامتثال، أما لو حذف لفظة الشهادة ثانيا و الواو فإنه لا يجزئه قطعا.

و لا بدّ من الإتيان بصيغة الشهادة، فلو قال: أعلم أو أخبر عن علم لم يجزئ؛ و كذا لو قال: أشهد أن اللّه واحد، و لو أتي عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه ك «غير» و «سوي» فالوجه: عدم الإجزاء؛ لأنه خلاف المنقول.

ص: 235


1- المجموع 460:3، المهذب للشيرازي 86:1، المغني 618:1، الشرح الكبير 618:1.
2- مغني المحتاج 175:1.
3- سنن ابن ماجة 293:1-904، سنن الدارمي 309:1، سنن أبي داود 257:1-976، سنن البيهقي 146:2 و 147.
4- التهذيب 101:2-379، الإستبصار 342:1-1289.
مسألة 296: و يستحب الزيادة في التشهد بالأذكار المنقولة

عن أهل البيت عليهم السلام، لأنهم أعرف بمواقع الشرع و كيفيته لأنهم مهبط الوحي، قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الثانية، فقل: بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، و أشهد أن ربّي نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، اللهم صلّ علي محمد و آل محمد، و تقبّل شفاعته في أمته و ارفع درجته، ثم تحمد اللّه مرتين، أو ثلاثا، ثم تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، التحيات للّه الصلوات الطاهرات، الطيبات، الزاكيات، الغاديات، الرائحات، السابغات، الناعمات للّه، ما طاب، و زكي، و طهر و خلص، و صفي فللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أن ربي نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، و أشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن اللّه يبعث من في القبور، الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، الحمد للّه رب العالمين، اللهم صلي علي محمد و آل محمد، و بارك علي محمد و آل محمد، و سلّم علي محمد و آل محمد، و ترحم علي محمد و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت علي إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل علي محمد و آل محمد، و امنن عليّ بالجنّة و عافني من النار»(1) و قد روي زيادة علي ذلك.

ص: 236


1- التهذيب 99:2-373.

أما الجمهور فالمشهور عندهم ثلاث روايات:

إحداها: ما رواه ابن عباس: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات للّه، سلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، سلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه(1).

الثانية: عن ابن مسعود: التحيات للّه، و الصلوات، و الطيبات، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و هي مذكورة في الصحيحين(2).

الثالثة: عن عمر بن الخطاب: التحيات للّه، الزاكيات للّه، الطيبات للّه، الصلوات للّه، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله(3).

و اختار الشافعي الأول(4) ، و أبو حنيفة الثاني، و به قال الثوري،1.

ص: 237


1- صحيح مسلم 302:1-403، سنن النسائي 242:2، سنن الترمذي 83:2-290، سنن الدارقطني 350:1-2، سنن البيهقي 377:2.
2- صحيح البخاري 211:1-212، صحيح مسلم 301:1-402، سنن النسائي 238:2، سنن الترمذي 81:2-289، سنن الدارقطني 350:1-4 و 352-10 و 353 - 12 و 13 و 354-14.
3- الموطأ 90:1-53، سنن البيهقي 144:2.
4- المجموع 457:3، فتح العزيز 509:3، مغني المحتاج 174:1، شرح العناية 1: 272، عمدة القارئ 115:6، المغني 609:1، الشرح الكبير 609:1، بداية المجتهد 130:1، نيل الأوطار 315:2، سبل السلام 323:1.

و أحمد، و إسحاق، و ابن المنذر(1) ، و اختار مالك الثالث(2).

و الكل عندنا باطل، لأن التسليم مخرج عن الصلاة.

إذا ثبت هذا، فإنه يستحب عندنا تقديم التسمية؛ لما تقدم في الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام(3) ، و رواه الجمهور عن جابر(4) ، و أنكره الشافعي، و ابن المنذر(5) ، لأن ابن عباس سمع رجلا يقول: بسم اللّه، فانتهره(6).

تنبيه: قال ابن عباس: التحيات للّه يعني العظمة للّه، الصلوات يريد الصلوات الخمس، الطيبات الأعمال الصالحة(7).

و قال أبو عمرو: التحيات للّه، معناه الملك للّه، و قيل: الطيبات هو الثناء علي اللّه(8).

و في السلام قولان: أحدهما: أن معناه اسم السلام، و السلام هو اللّه1.

ص: 238


1- المبسوط للسرخسي 27:1، اللباب 72:1-73، بدائع الصنائع 211:1، المغني 1: 608، الشرح الكبير 609:1، العدة شرح العمدة: 79، المجموع 457:3، فتح العزيز 510:3، بداية المجتهد 130:1، نيل الأوطار 315:2.
2- المدونة الكبري 143:1، المنتقي للباجي 167:1، بداية المجتهد 130:1، المجموع 457:3، فتح العزيز 510:3، المغني 608:1، الشرح الكبير 609:1، عمدة القارئ 115:6، نيل الأوطار 315:2.
3- انظر علي سبيل المثال التهذيب 99:2-373.
4- سنن ابن ماجة 292:1-902، سنن النسائي 243:2.
5- المجموع 458:3، فتح العزيز 511:3، مغني المحتاج 175:1، المغني 611:1، الشرح الكبير 611:1.
6- المغني 611:1، الشرح الكبير 611:1.
7- المغني 617:1، الشرح الكبير 617:1.
8- المغني 617:1، الشرح الكبير 617:1.

كما يقال: اسم اللّه عليك، و الثاني: سلام اللّه عليك تسليما و سلاما.

مسألة 297: يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين،

و ليس علي المأموم ذلك، قال أبو بصير: صليت خلف الصادق عليه السلام، فلمّا كان في آخر تشهده رفع صوته حتي أسمعنا، فلما انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه ؟ قال: «نعم»(1) و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد و لا يسمعونه شيئا»(2) و ليس علي الوجوب إجماعا، و لأن علي بن يقطين سأل أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرجل هل يصلح أن يجهر بالتشهد، و بالقول في الركوع و السجود و القنوت ؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر»(3).

و قال أحمد: يستحب إخفاء التشهد؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يكن يجهر به(4). و هو ممنوع؛ لأن عدم السماع لا يدل علي العدم، و لأنه مندوب فجاز تركه أحيانا.

مسألة 298: يجوز الدعاء في التشهد،
اشارة

و في جميع أحوال الصلاة كالقنوت، و الركوع، و السجود، و القيام قبل القراءة، و بعدها بالمباح من أمر الدين و الدنيا عند علمائنا أجمع، سواء كان مما ورد به الشرع، أو لا - و به قال الشافعي(5) - لأن أبا هريرة روي أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع: من عذاب النار، و عذاب القبر، و فتنة المحيي و فتنة الممات، و فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه ما بدا

ص: 239


1- التهذيب 102:2-382.
2- الكافي 337:3-5، الفقيه 260:1-1189، التهذيب 102:2-384.
3- التهذيب 102:2-385.
4- المغني 617:1، الشرح الكبير 618:1.
5- المجموع 469:3 و 471، فتح العزيز 516:3، مغني المحتاج 176:1، المغني 620:1-621، الشرح الكبير 620:1، عمدة القارئ 118:6.

له)(1) و قال عليه السلام لابن مسعود: (ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه)(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله بكر بن حبيب أيّ شيء أقول في التشهد و القنوت ؟ قال: «قل بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس»(3) و لأنه دعاء للّه تعالي يجوز خارج الصلاة فجاز في الصلاة كالدعاء المأثور.

و قال أبو حنيفة، و أصحابه: لا يدعو إلاّ بما يشبه ألفاظ القرآن، و الأدعية المأثورة، و لا يدعو بما يشبه كلام الناس(4). و من أصحابه من قال:

ما لا يطلب إلاّ من اللّه تعالي يجوز، و ما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأله اللّه تعالي في الصلاة أفسدها، لأنه ذكر لو أتي به علي غير وجه الدعاء أفسدها كالدعاء المحظور(5). و ينتقض بالدعاء المأثور فإنه لو ذكر الفتنة و المسيح الدجال علي غير وجه الدعاء أبطل الصلاة.

فروع:
أ - يجوز الدعاء بغير العربية

علي قول أكثر علمائنا(6) للأصل، و عند

ص: 240


1- سنن النسائي 58:3، سنن البيهقي 154:2.
2- سنن النسائي 50:3-51، سنن أبي داود 254:1-968.
3- الكافي 337:3-2، التهذيب 102:2-381.
4- بدائع الصنائع 213:1، اللباب 73:1 و 74، شرح فتح القدير 277:1، عمدة القارئ 6: 118، المجموع 471:3، فتح العزيز 516:3، سبل السلام 322:1.
5- المجموع 471:3، فتح العزيز 516:3، حلية العلماء 109:2، اللباب 74:1.
6- منهم: محمد بن الحسن الصفار، و الصدوق كما في الفقيه 208:1 ذيل الحديث 935، و المحقق في المعتبر: 192.

بعضهم لا يجوز(1) ، لأن المنقول عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله الدعاء بالعربية(2) ، و قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)(3) و للشافعية كالقولين(4).

ب - الدعاء أفضل من تطويل القراءة.

سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن و كانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا و كان دعاؤه أكثر من تلاوته، أيّهما أفضل ؟ قال: «كلّ فيه فضل» قلت: قد علمت أن كلا حسن، فقال: «الدعاء أفضل، أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (5) هي و اللّه العبادة، هي و اللّه أفضل»(6).

ج - لا ينبغي للإمام التطويل في الدعاء

إرفاقا بمن خلفه، و للشافعي قولان: أحدهما: يدعو أقل من التشهد و الصلاة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و الثاني: بقدرهما(7). أما المنفرد فيجوز له أن يطوّل ما لم يخرجه ذلك إلي السهو.

د - يكره قراءة القرآن في التشهد؛

لأن كل ركن لا تشرع فيه القراءة كرهت فيه كالركوع و السجود.

ه - الدعاء مستحب في التشهد الأول أيضا

كالثاني عند علمائنا، و به

ص: 241


1- منهم سعد بن عبد اللّه انظر الفقيه 208:1 ذيل الحديث 935 و المعتبر: 192.
2- انظر علي سبيل المثال الفقيه 308:1-1405 و صحيح مسلم 466:1-675.
3- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1.
4- المجموع 300:3، فتح العزيز 519:3، مغني المحتاج 177:1.
5- المؤمن: 60.
6- التهذيب 104:2-394.
7- الام 121:1، المجموع 469:3، فتح العزيز 518:3، مغني المحتاج 176:1.

قال مالك(1) ، و قال الشافعي: لا يستحب(2).

و - يجوز الدعاء لمن شاء من أهله، و إخوانه،

و غيرهم من المؤمنين من الرجال، و النساء، و الصبيان - و به قال الشافعي(3) - لعموم قوله تعالي قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ (4)وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها (5).

و قال أبو هريرة: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لمّا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الفجر قال: (اللهم انج الوليد بن الوليد، و سلمة بن هشام، و عياش بن أبي ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين، و اشدد وطأتك علي مضر، و رعل، و ذكوان، و اجعل عليهم سنين كسني يوسف)(6) و قنت علي عليه السلام فدعا فيه علي قوم بأعيانهم و أسمائهم(7).

البحث الثامن: التسليم
مسألة 299: اختلف علماؤنا في وجوبه،

فقال المرتضي، و جماعة من علمائنا به(8) - و به قال الشافعي، و الثوري(9) - لقوله عليه السلام: (مفتاح

ص: 242


1- المنتقي للباجي 168:1، حلية العلماء 106:2.
2- فتح العزيز 517:3.
3- المجموع 468:3، فتح العزيز 516:3، الوجيز 45:1، المهذب للشيرازي 86:1، المحلي 150:4.
4- الاسراء: 110.
5- الأعراف: 180.
6- صحيح مسلم 466:1-675، سنن النسائي 201:2، سنن البيهقي 197:2 و 244.
7- سنن البيهقي 245:2، مصنف عبد الرزاق 113:3 و 114-4976.
8- منهم: أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 119، و سلاّر في المراسم: 69، و ابن حمزة في الوسيلة: 95، و المحقق في المعتبر: 190.
9- المجموع 475:3، 481، الوجيز 45:1، فتح العزيز 520:3، المهذب للشيرازي 87:1، الميزان 154:1، كفاية الأخيار 69:1، مغني المحتاج 177:1 المغني 623:1، الشرح الكبير 623:1، نيل الأوطار 344:2، المحلي 276:3.

الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم)(1) و لأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة فكان واجبا كالتكبير.

و قال الشيخان، و من تبعهما: بالاستحباب(2) ؛ و به قال أبو حنيفة(3) ، و هو الأقوي عندي عملا بالأصل، و لأن الحدث المتخلل بين الصلاة علي النبيّ و آله عليهم السلام و بينه غير مبطل للصلاة؛ لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل يصلّي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم، قال:

«تمت صلاته»(4) و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يعلّمه المسيء في صلاته(5) ، و لأن التسليمة الثانية ليست واجبة فكذا الاولي. و نمنع الحديث و الحصر، و نمنع كونه طرفا بل الصلاة علي النبيّ و آله عليهم السلام.

إذا ثبت هذا، فقال أبو حنيفة: الخروج من الصلاة واجب، و إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل، أو حدث، أو غير ذلك كطلوع الشمس، أو وجدان المتيمم الماء أجزأه(6).3.

ص: 243


1- سنن الدارقطني 360:1-4، سنن ابن ماجة 101:1-275 و 276، سنن أبي داود 1: 16-61، سنن الترمذي 9:1-3، مسند أحمد 123:1، سنن البيهقي 15:2 و نحوها في الكافي 69:3-2.
2- المقنعة: 23، النهاية: 89، الخلاف 376:1 مسألة 134، و ابن البراج في المهذب 98:1 - 99، و ابن إدريس في السرائر: 51.
3- عمدة القارئ 124:6، المجموع 481:3، الميزان 154:1، المغني 623:1، الشرح الكبير 623:1، بداية المجتهد 131:1.
4- التهذيب 320:2-1306، الاستبصار 345:1-1301.
5- صحيح البخاري 192:1-193، صحيح مسلم 298:1-397، سنن أبي داود 1: 226-856، سنن الترمذي 100:2-302، سنن النسائي 124:2، سنن ابن ماجة 1: 336-1060، سنن البيهقي 371:2.
6- بدائع الصنائع 194:1، اللباب 85:1، المغني 623:1، الشرح الكبير 623:1، المجموع 481:3، فتح العزيز 520:3، المحلي 276:3.
مسألة 300: و تجزئ التسليمة الواحدة عند علمائنا أجمع

- و به قال علي عليه السلام، و عمار، و ابن مسعود، و الشافعي، و أبو حنيفة، و الثوري، و إسحاق، و مالك، و الأوزاعي(1) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه(2).

و قال الحسن بن صالح بن حي: تجب التسليمتان. و هو أصح الروايتين عن أحمد(3) ، لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يسلم عن يمينه و شماله(4) ، و هو محمول علي الاستحباب.

و للشافعي قول في القديم: إنه إن اتسع المسجد، و كثر الناس و اللغط من حول المسجد وجب أن يسلم اثنتين، و إن قلّوا و سكتوا فواحدة(5).

إذا عرفت هذا فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة إلي القبلة، و يومئ إلي يمينه بمؤخر عينه، و الإمام يومئ بصفحة وجهه.

و المأموم كالإمام إن لم يكن علي يساره أحد، و إن كان علي يساره غيره سلّم تسليمتين بوجهه يمينا و شمالا، لقول الصادق عليه السلام: «إن كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن

ص: 244


1- الأم 122:1، المجموع 482:3، الميزان 155:1، بدائع الصنائع 194:1، المدونة الكبري 143:1، مغني المحتاج 177:1، المنتقي للباجي 169:1، أقرب المسالك: 18، القوانين الفقهية: 68، المغني 624:1، الشرح الكبير 624:1، المحلي 276:3.
2- سنن الترمذي 91:2-296، سنن ابن ماجة 297:1-918 و 919، سنن الدارقطني 358:1-7، مستدرك الحاكم 230:1.
3- المحرر في الفقه 66:1، كشاف القناع 361:1، المجموع 482:3، فتح العزيز 524:3.
4- سنن ابن ماجة 296:1-914-917، مسند أحمد 60:5، سنن الدارقطني 357:1 - 4 و 6، سنن الترمذي 89:2-295، سنن الدارمي 310:1.
5- المجموع 477:3، فتح العزيز 521:3، المهذب للشيرازي 87:1.

لم يكن علي يسارك أحد فسلّم واحدة»(1) و قال عليه السلام: «إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).

مسألة 301: و له عبارتان:
اشارة

السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، أو السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، لقوله عليه السلام: (و تحليلها التسليم)(3) و هو يقع علي كل واحد منهما، و لقولهم عليهم السلام:

«و تقول: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة»(4).

و سئل الصادق عليه السلام عن السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ قال: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين فهو انصراف»(5) و قال الصادق عليه السلام: «فإن قلت:

السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(6).

و أما العبارة الثانية فعليها علماء الإسلام كافة، و منع الجمهور من الخروج بالأولي(7) ، و هو مدفوع بما تقدم.

ص: 245


1- التهذيب 92:2-345، الاستبصار 346:1-1303.
2- المعتبر: 191.
3- الكافي 69:3-2، الفقيه 23:1-68 و سنن ابن ماجة 101:1-275-276، سنن أبي داود 16:1-61، سنن الترمذي 9:1-3، مسند أحمد 123:1، سنن الدارقطني 1: 359-1 و 360-4 و 361-5.
4- التهذيب 93:2-349، الاستبصار 347:1-1307.
5- التهذيب 316:2-1292، الفقيه 229:1-1014.
6- الكافي 337:3-6، التهذيب 316:2-1293.
7- المجموع 475:3-476، فتح العزيز 520:3، مغني المحتاج 177:1، المغني 1: 626، الشرح الكبير 626:1، المحرر في الفقه 66:1، العدة شرح العمدة: 80، المبسوط للسرخسي 30:1، بدائع الصنائع 195:1، شرح فتح القدير 278:1، اللباب 74:1، أقرب المسالك: 16، المدونة الكبري 143:1-144، المنتقي للباجي 169:1، عمدة القارئ 124:6.

إذا عرفت هذا فبأيّهما بدأ كان الثاني مستحبا، و كذا الأول عندنا، و أما الموجبون منّا فإنهم أوجبوا الأول، و استحبوا الثاني.

فروع:
أ - علي القول بالوجوب لا يخرج بقول: السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته عندهم.
ب - إذا اقتصر علي الاولي وجب أن يأتي بالصورة

فلو نكس أو قرأ الترجمة لم يجزئه، و تبطل صلاته لو فعله عمدا؛ لأنه كلام في الصلاة غير مشروع.

ج - لو اقتصر علي الثانية أجزأه السلام عليكم

عند ابن بابويه، و ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد(1) - و به قال الشافعي(2) - لأن عليا عليه السلام كان يسلم عن يمينه و شماله السلام عليكم، السلام عليكم(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يقول: السلام عليكم»(4).

و قال أبو الصلاح: الفرض أن يقول: السلام عليكم و رحمة اللّه(5).

د - لو نكس فقال: عليكم السلام، أو ترك حرفا بأن قال: السلام عليك، أو قال: سلام عليكم بضم الميم من غير تنوين لم يجزئه

- و به قال

ص: 246


1- الفقيه 210:1، و حكي قول ابن أبي عقيل و ابن الجنيد المحقق في المعتبر: 191.
2- الام 122:1، المجموع 475:3-476، فتح العزيز 520:3، كفاية الأخيار 69:1، مغني المحتاج 177:1.
3- مصنف عبد الرزاق 219:2-3131، كنز العمال 159:8-22380.
4- المعتبر: 191.
5- الكافي في الفقه: 119.

الشافعي - إلاّ في النكس فله قول بالجواز(1).

و لو قال: سلام عليكم منونا فالأقرب: الإجزاء؛ لأنّ عليا عليه السلام كان يقول: سلام عليكم عن يمينه و شماله(2) ، و ظاهر مذهب الشافعي:

العدم؛ لأنه نقص الألف و اللام(3). و ليس بجيد، لأنه نوّن و هو يقوم مقامهما.

ه - يستحب أن يضيف و رحمة اللّه و بركاته.
مسألة 302: قال في المبسوط: من قال: إن التسليم فرض فتسليمة واحدة تخرج من الصلاة،

و ينبغي أن ينوي بها ذلك، و الثانية ينوي بها السلام علي الملائكة، أو علي من في يساره(4).

إذا عرفت هذا فهل تجب نية الخروج عن الصلاة بالسلام ؟ الأقرب:

العدم؛ لأنه فعل من أفعال الصلاة فصار كسائر الأفعال، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: تجب؛ لأنه أحد طرفي الصلاة فصار كالتكبير في وجوب مقارنة النية له(5).

و لا يجب تعيين النية في الخروج؛ لأن الصلاة تعينت بالشروع فيها فيكون الخروج عما هو متلبس به يخالف حالة الافتتاح.

قال الشافعي: يستحب أن ينوي الإمام بالتسليمة الأولي ثلاثة

ص: 247


1- المجموع 476:3، فتح العزيز 520:3، المهذب للشيرازي 87:1، مغني المحتاج 1: 177، كفاية الأخيار 69:1.
2- سنن البيهقي 178:2، كنز العمال 159:8-22380.
3- المجموع 476:3، فتح العزيز 520:3، مغني المحتاج 177:1، كفاية الأخيار 69:1.
4- المبسوط للطوسي 116:1.
5- المجموع 476:3، فتح العزيز 520:3، مغني المحتاج 177:1، كفاية الأخيار 69:1.

أشياء: الخروج من الصلاة، و السلام علي الحفظة، و علي من علي يمينه من المأمومين، و بالثانية شيئين: السلام علي الحفظة، و علي المأمومين الذين علي يساره، و المأموم إن كان الإمام عن يمينه ينوي أربعة أشياء:

الخروج من الصلاة، و السلام علي الحفظة، و السلام علي الإمام، و السلام علي من علي يمينه، و إن سلم عن يساره نوي الحفظة و المأمومين، و إن كان الإمام عن يساره نوي بالسلام عن يمينه ثلاثة أشياء، و عن يساره ثلاثة أشياء، و إن كان تجاهه فإن شاء نواه بالسلام عن يمينه، و إن شاء بالسلام عن يساره، و المنفرد ينوي عن يمينه الخروج، و السلام علي الحفظة(1).

إذا عرفت هذا فالتسليمة الأوّلة من الصلاة - و به قال الشافعي(2) - لأنه ذكر مشروع في محل الصلاة يجوز أن يرد عليه ما يفسد الصلاة فكان منها كالتشهد.

و قال أبو حنيفة: ليست من الصلاة(3) لقوله عليه السلام: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما هي التسبيح، و التكبير، و قراءة القرآن)(4) و لأن السلام ينافيها فلم يكن منها كالكلام. و الخبر محمول علي ما لم يشرع لها، و بهذا فارق الكلام أيضا.

مسألة 303: إذا فرغ من التسليم كبّر اللّه تعالي ثلاث مرات

يرفع بها يديه إلي شحمتي أذنيه، ثم إن كان له حاجة انصرف في جهتها، و إن لم تكن له حاجة في جهة أو غرض كان الأولي أن ينصرف في جهة اليمين - و به قال الشافعي(5) - لقول الصادق عليه السلام: «إذا انصرفت من الصلاة فانصرف

ص: 248


1- المجموع 478:3، فتح العزيز 522:3-524، المهذب للشيرازي 87:1.
2- المجموع 482:3، مغني المحتاج 177:1، كفاية الأخيار 69:1.
3- المجموع 481:3.
4- سنن النسائي 17:3، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن البيهقي 249:2.
5- الام 128:1، المجموع 490:3، المهذب للشيرازي 88:1.

عن يمينك»(1).

و قال أبو حنيفة: ينصرف عن يساره(2). و ليس بجيّد؛ لأنه ربما كان معه مأموم واحد فإذا دار إلي اليسار (جعل)(3) ظهره إليه بخلاف اليمين.

و يستحب للإمام أن لا ينصرف من مكانه حتي يتم المسبوق صلاته، و لو لم يكن فيهم مسبوق ذهب حيث شاء، لقول الصادق عليه السلام: «أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم، و لا يخرج من ذلك الموضع حتي يتمّ الذين سبقوا صلاتهم، ذلك علي كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، و إن علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء»(4) و لو كان في الجماعة نساء استحب له اللبث حتي يخرجن لئلاّ يمتزجن بالرجال.7.

ص: 249


1- التهذيب 317:2-1294، و في الفقيه 245:1-1090 عن الامام الباقر عليه السلام.
2- المجموع 490:3.
3- في نسخة (ش): حصل.
4- الكافي 341:3-2، التهذيب 103:2-387.

ص: 250

الفصل الثاني: في مندوبات الصلاة
اشارة

و قد سلف بعضها، و بقي أمور:

الأول: وضع اليدين حالة القيام علي فخذيه مضمومتي الأصابع محاذيا بهما عيني ركبتيه
اشارة

عند علمائنا؛ لأنّه أبلغ في الخضوع، و لقول الباقر عليه السلام: «أرسل يديك، و ليكونا علي فخذيك قبالة ركبتيك»(1) و قول(2) الصادق عليه السلام: أرسل يديه جميعا علي فخذيه قد ضم أصابعه(3).

و لا يجوز التكفير و هو وضع اليمين علي الشمال، و هو مبطل عندنا علي ما يأتي، و أطبق الجمهور علي جواز الإرسال، و اختلفوا في الأفضل، فقال الشافعي: التكفير سنّة فإن أرسلهما و لم يعبث فلا بأس - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود(4) - لأنّ عليا عليه السلام قرأ

ص: 251


1- الكافي 334:3-1، التهذيب 83:2-308.
2- كذا في الأصلين، و الصحيح: ما حكاه حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام.
3- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.
4- المجموع 310:3 و 311، فتح العزيز 273:3-274، مغني المحتاج 181:1، المهذب للشيرازي 78:1، المبسوط للسرخسي 23:1-24، اللباب 67:1، شرح فتح القدير 1: 249 و 250، عمدة القارئ 279:5، بدائع الصنائع 201:1، المغني 549:1، الشرح الكبير 549:1، المحرر في الفقه 53:1، الانصاف 46:2.

هذه الآية فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (1) فوضع يده اليمني علي ساعده اليسري ثم وضعهما علي صدره(2).

و عن مالك روايتان: إحداهما: أن ذلك مستحب، و الثاني: أنه مباح(3). و روي ابن المنذر عن ابن الزبير أنه كان يرسل يديه، و هو مروي عن الحسن، و ابن سيرين، و النخعي(4). و قال الليث: يرسل يديه إلاّ أن يطيل القيام فيعيي(5) و قال الأوزاعي: من شاء فعل، و من شاء ترك(6).

مسألة 304: و يستحب وضعهما حالة الركوع علي عيني الركبتين مفرجات الأصابع

عند علمائنا - و به قال الشافعي(7) - لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في عشرة من الصحابة، أحدهم أبو قتادة، فوصف ركوعه كما قلناه(8).

و من طريق الخاصة وصف حماد صلاة الصادق عليه السلام، قال: ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات(9). و قال الباقر عليه السلام: «و مكّن راحتيك من ركبتيك تدع يدك اليمني علي ركبتك اليمني و تلقم بأطراف

ص: 252


1- الكوثر: 3.
2- سنن البيهقي 30:2، سنن الدارقطني 285:1-6.
3- المنتقي للباجي 281:1، الكفاية 250:1، الروضة الندية شرح الدرر البهية 98:1، القوانين الفقهية: 56.
4- المجموع 311:3، المغني 549:1، الشرح الكبير 549:1، عمدة القارئ 279:5.
5- المجموع 311:3، عمدة القارئ 279:5.
6- المجموع 312:3، المبسوط للسرخسي 23:1، عمدة القارئ 279:5.
7- المجموع 409:3، فتح العزيز 378:3، المهذب للشيرازي 82:1، مغني المحتاج 164:1.
8- سنن الترمذي 106:2-304، سنن أبي داود 194:1-730، سنن النسائي 187:2، مسند أحمد 424:5، سنن البيهقي 85:2.
9- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-916، التهذيب 81:2-301.

أصابعك عين الركبة، و فرج بين أصابعك»(1).

و روي عن عبد اللّه بن مسعود أنه كان إذا ركع طبق يديه و جعلهما بين ركبتيه و يرويه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(2) ، و هو منسوخ(3). و منع بعض علمائنا من جواز التطبيق(4).

مسألة 305: و يستحب وضعهما حالة السجود حيال منكبيه مضمومتي الأصابع مبسوطتين موجهتين إلي القبلة

- و هو مذهب العلماء - لأن وائل بن حجر قال: إن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان إذا سجد ضم أصابعه و جعل يديه حذو منكبيه(5). و عن البراء أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا سجدت فضم كفيك و ارفع مرفقيك)(6).

و من طريق الخاصة ما رواه زرارة قال: «و لا تلزق كفيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، و لا تفرجن أصابعك(7) و لكن اضممهنّ جميعا»(8).

مسألة 306: و يستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد و غيره علي فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه

عند علمائنا، لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا قعد يدعو، يضع يده اليمني علي فخذه اليمني،

ص: 253


1- الكافي 319:3-320-1، التهذيب 77:2-78-289.
2- مصنف ابن أبي شيبة 246:1، صحيح مسلم 379:1-534، سنن الترمذي 2: 44 ذيل الحديث 258.
3- صحيح مسلم 380:1-535، سنن الترمذي 44:2-259.
4- ابن إدريس في السرائر: 46.
5- سنن البيهقي 112:2، سنن الدارقطني 339:1-3.
6- صحيح مسلم 356:1-494، سنن البيهقي 113:2.
7- في المصدر: و لا تفرجن بين أصابعك.
8- الكافي 334:3-1، التهذيب 83:2-84-308.

و يده اليسري علي فخذه اليسري، و يشير بإصبعه(1) ، و نحوه من طريق الخاصة(2).

و وافقنا الشافعي، و أحمد في اليسري(3) ، و في اليمني ثلاثة أقوال للشافعي: أن يقبض أصابعها إلاّ المسبحة، و هو مروي عن ابن عمر، و ابن الزبير(4).

و في وضع الإبهام وجهان: علي حرف راحته أسفل من المسبّحة كأنه قابض علي ثلاثة و خمسين، و علي حرف إصبعه الوسطي.

و أن يقبض الخنصر و البنصر و الوسطي، و يبسّط المسبّحة و الإبهام، و أن يقبض الخنصر و البنصر و يجعل الوسطي مع الإبهام خلفه، و يشير بالمسبّحة متشهدا(5).

مسألة 307: و يستحب جعلهما حالة القنوت حيال وجهه مبسوطتين

لقول الصادق عليه السلام: «و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك، و إن شئت تحت ثوبك»(6) و هو يعطي عدم الوجوب.

الثاني: شغل النظر بما يمنعه عن الاشتغال بالصلاة

فينظر حالة قيامه إلي موضع سجوده، و حالة ركوعه إلي بين رجليه، و في سجوده إلي طرف أنفه أو يغمضهما، و في جلوسه إلي حجره، و حالة القنوت إلي باطن كفيه، و به قال شريك بن عبد اللّه(7) لقول علي عليه السلام: «لا تتجاوز بطرفك في

ص: 254


1- سنن البيهقي 131:2، سنن أبي داود 251:1-957 و 259-987 و 988.
2- انظر: الكافي 312:3-8، التهذيب 82:2-301.
3- المجموع 453:3، فتح العزيز 497:3، المهذب للشيرازي 85:1، المغني 607:1.
4- صحيح مسلم 408:1-579 و 580.
5- المهذب للشيرازي 85:1، المجموع 453:3 و 454، فتح العزيز 497:3-499.
6- الفقيه 310:1-1410، التهذيب 131:2-504.
7- المغني 696:1.

الصلاة موضع سجودك»(1) و قول الباقر عليه السلام: «و ليكن نظرك إلي ما بين قدميك»(2) يعني حالة الركوع.

و روي جواز التغميض أيضا في رواية حماد عن صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم ركع، و سوي ظهره، و مد عنقه، و غمض عينيه(3).

و يكره النظر إلي السماء؛ لقول الباقر عليه السلام: «اجمع بصرك، و لا ترفعه إلي السماء»(4).

و قال الشافعي: ينظر المصلي في صلاته إلي موضع سجوده، و إن رمي بصره أمامه كان حقيقيا. و به قال أبو حنيفة، و الثوري(5).

و قال مالك: يكون بصره أمام قبلته(6).

الثالث: القنوت
اشارة

و هو مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا كانت أو نفلا، أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع، و آكده ما يجهر فيه بالقراءة؛ لقوله تعالي وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (7).

و لما رواه أحمد بن حنبل أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

(الصلاة مثني مثني، و تشهد في كل ركعتين، و تضرع و تخشع، ثم تقنع يديك ترفعهما إلي ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك، فتقول: يا رب يا رب)(8) و عن البراء بن عازب قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لا

ص: 255


1- التهذيب 326:2-1334.
2- الكافي 334:3-335-1، التهذيب 83:2-84-308.
3- الكافي 311:3-8، الفقيه 196:1-197-916، التهذيب 81:2-301.
4- الكافي 300:3-6، الفقيه 180:1-856، التهذيب 286:2-1146.
5- المجموع 314:3، المهذب للشيرازي 78:1، مغني المحتاج 180:1، السراج الوهاج: 51، المبسوط للسرخسي 25:1، حلية العلماء 82:2.
6- حلية العلماء 82:2.
7- البقرة: 238.
8- مسند أحمد 211:1.

يصلي صلاة مكتوبة إلاّ قنت فيها(1). و روي عن علي عليه السلام أنه قنت في صلاة المغرب علي أناس و أشياعهم(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع»(3) و قوله عليه السلام: «القنوت في كل ركعتين في التطوع و الفريضة»(4) و سأل محمد بن مسلم الصادق عليه السلام القنوت في كل الصلوات ؟ فقال: «أما ما لا يشك فيه فما يجهر فيه بالقراءة»(5).

و لأنه دعاء فيكون مأمورا به لقوله تعالي اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (6). و لأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافيا للصلاة.

و قال الثوري، و أبو حنيفة: إنه غير مسنون(7) ، و رواه الجمهور عن ابن عباس، و ابن عمر، و ابن مسعود، و أبي الدرداء(8) ، لأنّ أم سلمة روت أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن القنوت في الفجر(9) ، و روي ابن مسعود، و أنس أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قنت شهرا و ترك(10) ، و ضعّفه2.

ص: 256


1- سنن البيهقي 198:2، سنن الدارقطني 37:2-4.
2- سنن البيهقي 245:2، مصنف عبد الرزاق 113:3-114-4976.
3- الكافي 340:3-7، التهذيب 89:2-330، الاستبصار 338:1-1271.
4- الفقيه 207:1-934، التهذيب 90:2-336، الاستبصار 339:1-1277.
5- التهذيب 90:2 ذيل الحديث 336، الاستبصار 339:1 ذيل الحديث 1277.
6- غافر: 60.
7- المبسوط للسرخسي 165:1، المنتقي للباجي 282:1، رحمة الأمة 51:1، المغني 1: 823، الشرح الكبير 760:1، فتح العزيز 416:3-417.
8- المجموع 504:4، المغني 823:1، الشرح الكبير 760:1.
9- سنن البيهقي 214:2، سنن الدارقطني 38:2-5.
10- صحيح مسلم 469:1-304، سنن أبي داود 68:2-1445، سنن النسائي 204:2، سنن البيهقي 201:2، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ: 93، و انظر أيضا: الشرح الكبير 761:1، و المغني 823:1، و مصنف ابن أبي شيبة 310:2.

الشافعي(1) ، و يحمل علي أن المراد الدعاء علي الكفار، و كذا حديث أنس.

و قال الشافعي: إنه مستحب في الصبح خاصة دون باقي الصلوات إلاّ أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلّها إن شاء الإمام - و به قال مالك، و ابن أبي ليلي، و الحسن بن صالح بن حي، و رواه الشافعي عن الخلفاء الأربعة، و أنس، و هو مذهب الحسن البصري(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقنت في الفجر حتي فارق الدنيا(3). و لا يدل علي نفي غيره، و لأنها صلاة فشرع فيها القنوت كالصبح.

و قال أبو يوسف: إذا قنت الإمام فاقنت معه(4). و قال أحمد: القنوت للأئمة يدعون للجيوش و ان ذهب إليه ذاهب فلا بأس(5). و قال إسحاق: هو سنة عند الحوادث لا تدعه الأئمة(6). و قال أبو حنيفة: القنوت مكروه إلاّ في الوتر(7). و قال مالك، و الشافعي: إنما يستحب في الوتر في النصف الأخير من رمضان(8).

مسألة 308: و محلّه قبل الركوع في الثانية

عند علمائنا أجمع - و به قال

ص: 257


1- انظر: المجموع 505:3.
2- المجموع 504:3، المهذب للشيرازي 88:1، السراج الوهاج: 46، رحمة الأمة 1: 51، المنتقي للباجي 282:1، القوانين الفقهية: 64، المغني 823:1، الشرح الكبير 760:1، المبسوط للسرخسي 165:1، حلية العلماء 111:2، نيل الأوطار 397:2.
3- سنن البيهقي 201:2، سنن الدارقطني 39:2-9 و 10.
4- بدائع الصنائع 274:1، حلية العلماء 111:2.
5- المجموع 504:3، حلية العلماء 111:2.
6- المجموع 504:3، حلية العلماء 111:2.
7- المبسوط للسرخسي 165:1، اللباب 77:1، المغني 823:1.
8- الوجيز 54:1، السراج الوهاج: 64، المهذب للشيرازي 90:1، المنتقي للباجي 1: 282، المبسوط للسرخسي 164:1.

مالك، و أبو حنيفة، و الأوزاعي، و ابن أبي ليلي(1) - لأن عمر قال: كان بعض أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يقنت قبل الركوع(2) ، و روي ابن مسعود أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قنت قبل الركوع، و روي ذلك عن أبيّ، و ابن عباس، و أنس(3) ، و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:

«القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع»(4).

و قال الشافعي: إنه بعد الركوع(5) ، لأن العوام بن حمزة قال لأبي عثمان النهدي: القنوت قبل الركوع أو بعده ؟ فقال: بعده، فقلت: عمن أخذت هذا؟ فقال: عن أبي بكر، و عمر، و عثمان(6). و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أولي، مع أن عمر قال: إنه قبل الركوع(7).

مسألة 309: و تقنت في الجمعة مرتين:
اشارة

في الأولي قبل الركوع، و في الثانية بعده، قاله الشيخان(8) ، و قال المرتضي: اختلفت الرواية فروي أن الإمام يقنت في الأولي قبل الركوع و كذا من خلفه، و من صلاها منفردا

ص: 258


1- المبسوط للسرخسي 164:1، اللباب 76:1، بدائع الصنائع 273:1، المغني 821:1، الشرح الكبير 756:1.
2- انظر الخلاف 382:1 مسألة 138. و فيه عن ابن عمر، و لم نعثر عليه في حدود المصادر المتوفرة عندنا.
3- مصنف ابن أبي شيبة 302:2، صحيح مسلم 469:1-301، سنن ابن ماجة 374:1-1182 و 1183، سنن البيهقي 207:2.
4- الكافي 340:3-7، التهذيب 89:2-330، الاستبصار 338:1-1271.
5- المجموع 506:3، المهذب للشيرازي 90:1، المغني 821:1، الشرح الكبير 1: 756، المبسوط للسرخسي 165:1.
6- مصنف ابن أبي شيبة 312:2، سنن البيهقي 202:2.
7- مصنف ابن أبي شيبة 313:2، سنن البيهقي 208:2-209.
8- الاشراف: 7، النهاية: 106، المبسوط للطوسي 151:1، الخلاف 379:1 مسألة 137.

[أو](1) في جماعة ظهرا قنت في الثانية قبل الركوع، و روي أنه إذا صلاها جمعة مقصورة قنت قنوتين في الأولي قبل الركوع، و في الثانية بعده(2).

و أنكر ابن بابويه القنوتين و اقتصر علي الواحد في الصلوات كلّها(3) ، و ذكر أن زرارة تفرد به(4) ، و أطبق الجمهور علي خلاف ذلك.

و الأقرب: أن الإمام إن صلاها جمعة قنت قنوتين، و غيره يقنت مرة و إن كان في جماعة لقول الصادق عليه السلام: «كل القنوت قبل الركوع إلاّ الجمعة فإن القنوت في الأولي قبل الركوع و في الأخيرة بعد الركوع»(5).

تذنيب: و يستحب في المفردة من الوتر القنوت

قبل الركوع و بعده لأن الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك» إلي آخر الدعاء(6).

مسألة 310: و يستحب الدعاء فيه بالمأثور

مثل كلمات الفرج، و أدناه:

«رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم» أو يسبح ثلاث تسبيحات.

و ليس فيه شيء معلوم لا يجوز التجاوز عنه إجماعا، لأن إسماعيل بن الفضل سأل الصادق عليه السلام عن القنوت، و ما يقال فيه ؟ فقال عليه السلام:

«ما قضي اللّه علي لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقتا»(7) و سئل عليه السلام عن أدني القنوت، فقال: «خمس تسبيحات»(8).

ص: 259


1- ورد في المخطوطتين (و) و ما أثبتناه هو الصحيح.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 193 و انظر كذلك رسائل الشريف المرتضي 42:3.
3- الفقيه 267:1 ذيل الحديث 1217.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 193.
5- التهذيب 17:3-62، الإستبصار 418:1-1606.
6- الكافي 325:3-16، التهذيب 132:2-508.
7- الكافي 340:3-8، التهذيب 314:2-1281.
8- الكافي 340:3-11، التهذيب 315:2-1282.

و يجوز الدعاء بالعربية و غيرها - و به قال الصدوق(1) - لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام: «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي به ربه عزّ و جلّ»(2) و لقول الصادق عليه السلام: «كل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي»(3).

قال محمد بن الحسن بن الوليد: كان سعد بن عبد اللّه لا يجيز الدعاء في القنوت بالفارسية(4).

و استحب الشافعي الكلمات الثماني التي رواها عن الحسن بن علي عليهما السلام، قال: «علمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كلمات في القنوت أقولهن: اللهم اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولني فيمن توليت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شر ما قضيت، إنك تقضي و لا يقضي عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربّنا و تعاليت»(5).

مسألة 311: القنوت سنّة،

ليس بفرض عند علمائنا، و قد يجري في بعض عبارات علمائنا: الوجوب(6) و القصد: شدة الاستحباب عملا بالأصل، و لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يقنت تارة، و يترك اخري(7).

ص: 260


1- الفقيه 208:1 ذيل الحديث 935.
2- الفقيه 208:1-936.
3- الفقيه 208:1-937.
4- الفقيه 208:1 ذيل الحديث 935.
5- مصنف ابن أبي شيبة 300:2، سنن أبي داود 63:2-1425، سنن الترمذي 2: 328-464، سنن ابن ماجة 372:1-1178، سنن الدارمي 373:1-374، سنن النسائي 248:3، مسند أحمد 199:1، سنن البيهقي 209:2، و انظر أيضا المجموع 3: 495، و المهذب للشيرازي 88:1، و فتح العزيز 421:3-430.
6- هو الصدوق في الفقيه 207:1.
7- انظر: سنن أبي داود 67:1-1440 و مصنف ابن أبي شيبة 311:2، و صحيح مسلم 1: 468-676 و 470-678، و سنن النسائي 202:2.

و قال الباقر عليه السلام في القنوت: «إن شئت فاقنت، و إن شئت لا تقنت»(1).

و قول الصادق عليه السلام: «فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له»(2) محمول علي نفي الفضيلة، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه يعطي كون التارك مستخفا بالعبادات و هذا لا صلاة له حينئذ.

و لو تركه ناسيا لم يعد إجماعا لقول الصادق عليه السلام: «إن نسي الرجل القنوت في شيء من الصلاة حتي يركع فقد جازت صلاته، و ليس عليه شيء، و ليس له أن يدعه متعمدا»(3).

مسألة 312: و يستحب فيه الجهر

لقول الباقر عليه السلام: «القنوت كلّه جهار»(4).

قال المرتضي: إنه تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه، و يخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة(5).

و قال الشافعي: يخافت به مطلقا لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول(6).

و الأصل ممنوع.

مسألة 313: لو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده

لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسي القنوت حتي يركع قال: «يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر حتي ينصرف فلا شيء عليه»(7).

و لو لم يذكر حتي ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله - و هو الثانية - و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سها الرجل في

ص: 261


1- التهذيب 91:2-340، الاستبصار 340:1-1281.
2- التهذيب 90:2-335، الاستبصار 339:1-1276.
3- التهذيب 315:2-1285.
4- الفقيه 209:1-944.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 192.
6- المجموع 501:3، فتح العزيز 441:3 و 443.
7- التهذيب 160:2-629، الاستبصار 344:1-1296.

القنوت قنت بعد ما ينصرف و هو جالس»(1).

مسألة 314: إذا قنت الإمام تبعه المأموم فيه،

و للشافعية قولان: أحدهما:

ذلك، و الثاني: التأمين لدعاء الإمام(2) و قال بعضهم: إن كان ثناء علي اللّه تعالي تابعه، و إن كان دعاء أمّن عليه(3) و قولنا أولي.

و قد بيّنا استحباب رفع اليدين بالقنوت، و به قال الشافعي(4) لأن أنسا قال: رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله كلما صلّي الغداة رفع يديه يدعو علي الذين قتلوا القراءة ببئر معونة(5)(6).

فإذا فرغ من القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه(7) لأن ابن عباس روي قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «إذا دعوت اللّه فادع اللّه ببطون كفيك، و لا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح راحتيك علي وجهك»(8) و لا يستحب مسح غير الوجه، و منع القفال من رفع اليدين في القنوت قياسا علي الدعاء في التشهد(9).

و كره الشافعي تخصيص الإمام نفسه بالدعاء(10) لقوله عليه السلام:

ص: 262


1- التهذيب 160:2-631، الاستبصار 345:1-1298.
2- المجموع 501:3، الوجيز 44:1، فتح العزيز 443:3 و 444.
3- المجموع 502:3، فتح العزيز 444:3، السراج الوهاج: 46، مغني المحتاج 1: 167.
4- المجموع 500:3، فتح العزيز 445:3، السراج الوهاج: 46، رحمة الأمة 51:1.
5- بئر معونة: قال ابن إسحاق: بئر معونة بين أرض بني عامر و حرّة بني سليم.. معجم البلدان 1: 302.
6- سنن البيهقي 211:2.
7- المجموع 500:3، مغني المحتاج 167:1.
8- سنن ابن ماجة 373:1-1181.
9- المجموع 499:3، فتح العزيز 448:3-449، حلية العلماء 112:2.
10- كفاية الأخيار 71:1، و انظر أيضا المجموع 496:3، فتح العزيز 430:3.

(إذا خصّ الإمام نفسه بالدعاء فقد خان)(1).

و روي واحد من الصحابة صورتين: إحداهما: (اللهم إنا نستعينك، و نستغفرك، و نستهديك، و نستنصرك، و نؤمن بك، و نتوكل عليك، و نثني عليك الخير كله، نشكرك، و لا نكفرك، و نخلع و نترك من يفجرك).

و الثانية: (اللهم إياك نعبد، و لك نصلي و نسجد، و إليك نسعي و نحفد، و نرجو رحمتك، و نخشي عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق)(2) ، فقال عثمان: اجعلوهما في القنوت، و لم يثبتهما في المصحف لانفراد الواحد، و كان عمر يقنت بذلك(3) ، و لم ينقل ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام، فلو قنت بذلك جاز لاشتماله علي الدعاء.

الرابع: التكبيرات الزائدة علي تكبيرة الإحرام

منها ما هو خارج عن الصلاة، و هي ست متقدمة، و ثلاث بعد التسليم، و منها ما هو في الصلاة، و قد اتفق علماؤنا علي ثبوت أربع و تسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع، و السجودين، و الرفع منهما.

و اختلف الشيخان في إثبات تكبيرة أخري، و الأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلي الثالثة بالتكبير، و يسقط تكبير القنوت(4) ، و الشيخ الطوسي يقوم إلي الثالثة كما يقوم إلي الثانية بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد(5) ، و تكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد و تكبير القيام إلي الثالثة في الصبح(6).

ص: 263


1- سن ابن ماجة 298:1-923، سنن أبي داود 22:1-90، سنن الترمذي 2: 189-357 و فيها نحوه.
2- سنن البيهقي 210:2، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار: 90-91 باختلاف في اللفظ.
3- مصنف ابن أبي شيبة 314:2-315، سنن البيهقي 210:2 و 211.
4- حكي قول المفيد المحقق في المعتبر: 189 و 193.
5- المبسوط للطوسي 111:1.
6- أي سقوط التكبير إلي الثالثة في الصبح لأجل أنها سالبة بانتفاء الموضوع.

و قول الشيخ أجود لقول الصادق عليه السلام: «التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس و تسعون تكبيرة منها القنوت خمس(1).

و عن عبد اللّه بن المغيرة: و فسّرهن في الظهر إحدي و عشرون تكبيرة، و في العصر إحدي و عشرون تكبيرة، و في المغرب ستة عشر تكبيرة، و في العشاء الآخرة إحدي و عشرون تكبيرة، و في الفجر إحدي عشرة تكبيرة، و خمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات(2).

و قال علي عليه السلام: «خمس و تسعون تكبيرة في اليوم و الليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت»(3).

و قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهدت ثم قمت، فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد»(4).

و قال عليه السلام: «إذا قمت من الركعتين فاعتمد علي كفّيك، و قل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، فإن عليّا عليه السلام كان يفعل ذلك»(5).

الخامس: التعقيب:
اشارة

و قد أجمع العلماء علي استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة: جاء الفقراء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقالوا:

ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلي، و النعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي، و يصومون كما نصوم، و لهم فضول أموال يحجّون بها، و يعتمرون، و يتصدّقون، فقال: (ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، و لم يدرككم أحد بعدكم، و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم، إلاّ من عمل

ص: 264


1- الكافي 310:3-5، التهذيب 87:2-323، الإستبصار 336:1-1264.
2- الكافي 310:3-6، التهذيب 87:2-324، الاستبصار 336:1-1265.
3- التهذيب 87:2-325، الإستبصار 336:1-1266.
4- الكافي 338:3-11، التهذيب 88:2-326، الإستبصار 337:1-1267.
5- الكافي 338:3-10، التهذيب 89:2-328، الاستبصار 338:1-1269.

مثله، تسبحون، و تحمدون، و تكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» قال الراوي: يعني بالتعقيب: الدعاء عقيب الصلوات(2) و هو أفضل من التنفل بعد الفريضة، لقول الباقر عليه السلام: «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا»(3).

مسألة 315: و يستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت عليهم السلام،

و أفضله تسبيح الزهراء عليها السلام، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث و ثلاثون تسبيحة، و ثلاث و ثلاثون تحميدة، و أربع و ثلاثون تكبيرة»(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ما عبد اللّه بشيء أفضل من تسبيح الزهراء عليها السلام، و لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام»(5) و كان يقول: «تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم»(6).

و إنما نسب التسبيح إليها عليها السلام لأنها عليها السلام السبب في تشريعه، روي الصدوق أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: «إلا أحدثكم عني، و عن فاطمة أنها كانت عندي فاستقت بالقربة

ص: 265


1- صحيح البخاري 213:1، صحيح مسلم 416:1-595.
2- التهذيب 104:2-391.
3- الكافي 342:3-5، الفقيه 216:1-962، التهذيب 103:2-389.
4- صحيح مسلم 418:1-596، سنن النسائي 75:3، سنن الترمذي 5: 479-3412.
5- الكافي 343:3-14، التهذيب 105:2-398.
6- الكافي 343:3-15، التهذيب 105:2-399.

حتي أثر في صدرها، و طحنت بالرحا حتي مجلت [1] يداها، و كسحت [2] البيت حتي أغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ؟ فأتت النبي صلّي اللّه عليه و آله فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت و انصرفت، فعلم عليه السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا و نحن في لفاعتنا(1) ، فقال: السلام عليكم، فسكتنا و استحيينا لمكاننا، ثم قال:

السلام عليكم، فسكتنا، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، و قد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فإن اذن له و إلا انصرف، فقلت: و عليك السلام يا رسول اللّه ادخل، فدخل و جلس عند رءوسنا، فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا و اللّه أخبرك يا رسول اللّه إنّها استقت بالقربة حتي أثر في صدرها، و جرّت بالرحا حتي مجلت يداها، و كسحت البيت حتي أغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل، قال: أ فلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا و ثلاثين تكبيرة، و سبّحا ثلاثا و ثلاثين، و أحمدا ثلاثا و ثلاثين، فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها فقالت: رضيت عن اللّه و عن رسوله، رضيت عن اللّه و عن رسوله»(2).

مسألة 316: المشهور: أنه يبدأ بالتكبير، ثم بالتحميد، ثم بالتسبيح،

قال محمد بن عذافر: دخلت علي الصادق عليه السلام فسألته عن تسبيح فاطمة

ص: 266


1- و في المصدر: لحافنا و هما بمعني.
2- الفقيه 211:1-947، علل الشرائع: 366 باب 88.

عليها السلام، فقال: «اللّه أكبر أربعا و ثلاثين مرّة، ثم قال: الحمد للّه حتي بلغ سبعا و ستين، ثم قال: سبحان اللّه حتي بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة»(1). و عن الصادق عليه السلام قال: «من سبّح تسبيح الزهراء عليها السلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه له و يبدأ بالتكبير»(2). و في رواية: تقديم التسبيح علي التحميد(3).

و يستحب قول سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر ثلاثين مرة، قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لأصحابه: أ رأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب و الآنية، ثم وضعتم بعضها علي بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا: لا يا رسول اللّه، فقال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر ثلاثين مرة، و هنّ يدفعن الهدم، و الغرق، و الحرق، و التردي في البئر، و أكل السبع، و ميتة السوء، و البلية التي نزلت علي العبد في ذلك اليوم»(4).

مسألة 317: قال الصادق عليه السلام: «أدني ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة

أن تقول: اللهم صلّ علي محمد و آل محمد، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك، و نعوذ بك من كل شر أحاط به علمك، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها، و نعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة»(5).

و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أحب أن يخرج من الدنيا و قد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه، و لا يطلبه أحد

ص: 267


1- الكافي 342:3-8، التهذيب 105:2-400.
2- الكافي 342:3-6، الفقيه 210:1-946، التهذيب 105:2-395.
3- الفقيه 211:1-947، علل الشرائع: 366 باب 88 حديث 1.
4- التهذيب 107:2-406، معاني الأخبار: 324-1.
5- الفقيه 212:1-948، التهذيب 107:2-407.

بمظلمة، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك و تعالي(1) اثنتي عشرة مرة، ثم يبسط يده فيقول: اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون، الطاهر الطهر المبارك، و أسألك باسمك العظيم، و سلطانك القديم، أن تصلي علي محمد و آل محمد، يا واهب العطايا، يا مطلق الأساري، يا فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي علي محمد و آل محمد، و أن تعتق رقبتي من النار، و تخرجني من الدنيا آمنا، و تدخلني الجنّة سالما، و أن تجعل دعائي أوله فلاحا، و أوسطه نجاحا، و آخره صلاحا إنك أنت علاّم الغيوب» ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: «هذا من المخبيات مما علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أمرني أن أعلّمه الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام»(2).

و قال الباقر عليه السلام: «تقول في دبر كل صلاة: اللهم اهدني من عندك، و أفض عليّ من فضلك، و انشر عليّ من رحمتك، و انزل عليّ من بركاتك»(3).

و قال الجواد عليه السلام: «إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل:

رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بالقرآن كتابا، و بمحمد نبيّا، و بعلي، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الحجة بن الحسن بن علي أئمة، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه، و من خلفه، و عن يمينه، و عن شماله، و من فوقه، و من تحته، و امدد في عمره، و اجعله القائم بأمرك و المنتصر لدينك، و أره ما يحب، و تقر به عينه في نفسه، و في ذريته، و أهله، و ماله، و في شيعته، و في عدوّه، و أرهم منه ما يحذرون، و أره فيهم ما يحب و تقرّ به4.

ص: 268


1- المقصود من نسبة الرب، سورة التوحيد. أنظر الكافي 71:1-1.
2- الفقيه 212:1-949، التهذيب 108:2-410.
3- الفقيه 213:1-951، التهذيب 107:2-404.

عينه، و اشف صدورنا و صدور قوم مؤمنين»(1).

و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: (قال اللّه جلّ جلاله: يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة، و بعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك)(2).

و قال الباقر عليه السلام: «ما بسط عبد يده إلي اللّه عز و جل إلا استحي اللّه أن يردها صفرا، حتي يجعل فيها من فضله، و رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتي يمسح بهما علي رأسه و وجهه»، و في خبر آخر: «علي وجهه و صدره»(3) و الأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها(4).0.

ص: 269


1- الكافي 398:2-6، الفقيه 215:1-959.
2- الفقيه 216:1-964، التهذيب 138:2-536.
3- الفقيه 213:1-953.
4- أنظر مصباح المتهجد: 177 و ما بعدها، جمال الأسبوع: 401 و 419 و غيرها، الأذكار للنووي: 80.

ص: 270

الفصل الثالث: في التروك
اشارة

و فيه بحثان:

الأول: في التروك الواجبة
مسألة 318: يجب ترك الحدث فإن فعله عمدا أو سهوا في الصلاة بطلت

إجماعا لأنه مخل بالطهارة، و هي شرط و فساد الشرط يقتضي فساد المشروط، فإن وجد بعد الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله قبل التسليم فمن جعل التسليم واجبا أبطل الصلاة، و به قال الشافعي(1) و من جعله ندبا لم تبطل صلاته، و به قال أبو حنيفة(2) ، و قد تقدم.

أما لو سبقه الحدث فللشيخ، و المرتضي قول: باستئناف الوضوء، و البناء(3) و به قال الشافعي في القديم، و أبو حنيفة، و ابن أبي ليلي، و داود(4) لقوله عليه السلام: (من قاء أو رعف، أو أمذي فلينصرف و ليتوضأ

ص: 271


1- المجموع 481:3، الوجيز 45:1، فتح العزيز 520:3، المهذب للشيرازي 1: 89، سنن الترمذي 262:2 ذيل الحديث 408.
2- الهداية للمرغيناني 59:1-60، الكفاية 334:1، المجموع 481:3، اللباب 85:1.
3- المبسوط للطوسي 117:1، الخلاف 409:1 مسألة 157 و حكي قول المرتضي المحقق في المعتبر: 194.
4- المجموع 75:4 و 76، الوجيز 46:1، فتح العزيز 5:4، المهذب للشيرازي 1: 93-94، الميزان 158:1، رحمة الأمة 54:1، المبسوط للسرخسي 169:1، الهداية للمرغيناني 59:1، اللباب 85:1، بدائع الصنائع 220:1، حلية العلماء 127:2.

و ليبن علي ما مضي من صلاته ما لم يتكلم)(1).

و من طريق الخاصة ما رواه فضيل بن يسار، قال: قلت للباقر عليه السلام: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذي أو ضربانا فقال:

«انصرف ثم توضّأ و ابن علي ما مضي من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا، و إن تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا» قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة ؟ قال: «نعم و إن قلب وجهه عن القبلة»(2) قال المرتضي: لو لم يكن الأذي و الغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف(3) ، و قد بيّنا أن الرعاف، و القيء، و المذي، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء علي غسل ما أصابه للتحسين، لأنه الحقيقة الأصلية، و كذا الأز، و الغمز، و الأذي ليست ناقضة.

و قال أكثر علمائنا: ببطلان الصلاة(4) و به قال الشافعي في الجديد، و مالك، و ابن شبرمة(5). و قال الثوري: إن كان حدثه من رعاف أو قيء توضأ و بني، و إن كان من بول، أو ريح، أو ضحك أعاد الوضوء و الصلاة(6) لقوله عليه السلام: (إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف، و ليتوضأ، و ليعد صلاته)(7) ، و هو إلزامي، و قوله عليه السلام: (إذا فسا2.

ص: 272


1- سنن ابن ماجة 385:1-1221، سنن البيهقي 142:1.
2- الفقيه 240:1-1060، التهذيب 332:2-1370، الاستبصار 401:1-1533.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 194.
4- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 120، و ابن إدريس في السرائر: 49، و المحقق في المعتبر: 194.
5- المجموع 76:4، الوجيز 46:1، فتح العزيز 4:4، الميزان 158:1، رحمة الأمة 54:1، المهذب للشيرازي 93:1، بلغة السالك 102:1، المنتقي للباجي 1: 83، المحلي 156:4.
6- الميزان 158:1، رحمة الأمة 54:1.
7- سنن البيهقي 255:2.

أحدكم و هو في الصلاة فلينصرف و ليتوضأ و ليعد الصلاة)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا يقطع الصلاة إلا أربع: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت»(2).

و لأن الطهارة شرط و قد بطلت فيبطل المشروط، و لأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما لو رمي بحجر فشج، فإن أبا حنيفة سلم ذلك(3) و كذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا: بالبطلان فلا بحث، و إن لم نقل به، فلو انصرف من الصلاة و أخرج باقي الحدث و توضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.

و قالت الشافعية بناء علي القديم: إن له البناء، و اختلفوا في التعليل، فمنهم من قال: إنما لم تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها، و منهم من قال: إنه محتاج إلي إخراج بقيته و هو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله(4) و يلزم الأول أنه إذا أحدث حدثا آخر لا تبطل صلاته.

قال الشيخ تفريعا علي البناء: لو سبقه الحدث فأحدث ناسيا استأنف - و به قال أبو حنيفة(5) - للتمسك بإطلاق الأحاديث(6) ، و قال الشافعي في القديم: يبني لأنه حدث طرأ علي حدث فلم يكن له حكم(7).4.

ص: 273


1- سنن أبي داود 263:1-264-1005، سنن البيهقي 255:2 و انظر فتح العزيز 5:4.
2- الكافي 364:3-4، التهذيب 331:2-1362، الإستبصار 400:1-401-1530.
3- بدائع الصنائع 221:1.
4- المجموع 75:4، فتح العزيز 8:4 و 9، المهذب للشيرازي 94:1.
5- بدائع الصنائع 222:1.
6- الخلاف 412:1 مسألة 158.
7- المجموع 75:4، المهذب للشيرازي 94:1، فتح العزيز 8:4.
مسألة 319: يجب ترك الكلام بحرفين فصاعدا
اشارة

مما ليس بقرآن، و لا دعاء، فلو تكلم عامدا بحرفين، و إن لم يكن مفهما بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة، أو لا عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و سعيد بن المسيب، و النخعي، و حماد بن أبي سليمان، و هو محكي عن عبد اللّه بن مسعود، و عبد اللّه بن الزبير، و عبد اللّه بن عباس، و أنس بن مالك، و الحسن البصري، و عطاء، و عروة بن الزبير، و قتادة، و ابن أبي ليلي(1) - لقوله عليه السلام: (إنما صلاتنا هذه تكبير، و تسبيح، و قرآن، ليس فيها شيء من كلام الناس)(2) و هو خبر يراد به النهي فيكون منافيا للصلاة.

و قال مالك، و الأوزاعي: إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإمام، و دفع المار بين يديه(3) لأن ذا اليدين تكلم عامدا، و لم يأمره النبي صلّي اللّه عليه و آله بالإعادة(4).

و قال الأوزاعي أيضا: إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمي: البئر أمامك، أو يري من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته(5). و هو غلط، لأنه خطاب أوقعه علي وجه العمد فأبطل الصلاة كما لو لم يكن لمصلحة.

و خبر ذي اليدين عندنا باطل؛ لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لا يجوز عليه

ص: 274


1- المجموع 85:4، الوجيز 49:1، فتح العزيز 113:4 و 114، المغني 741:1.
2- مصنف ابن أبي شيبة 432:2، صحيح مسلم 381:1 و 382-537، سنن النسائي 3: 17، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن البيهقي 249:2 و 250.
3- بداية المجتهد 119:1، المجموع 85:4، الميزان 158:1، رحمة الأمة 55:1، المغني 740:1، الشرح الكبير 713:1، نيل الأوطار 365:2.
4- صحيح البخاري 86:2 و 108:9، صحيح مسلم 403:1-573، الموطأ 1: 93-58، سنن النسائي 22:3، سنن الترمذي 247:2-399.
5- الميزان 158:1، رحمة الأمة 55:1، بداية المجتهد 119:1.

السهو، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه(1) ، لأن رواية أبو هريرة و كان إسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر و ذلك بعد الهجرة بسنتين، و أسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين(2).

قال المحتجون به: إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين و اسمه عبد اللّه بن عمرو بن نضلة(3) الخزاعي، و ذو اليدين عاش بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و مات في أيام معاوية و قبره بذي خشب [1] و اسمه الخرباق [2] لأن عمران بن الحصين روي هذا الحديث فقال فيه: فقام الخرباق فقال:

أ قصرت الصلاة ؟(4).

و أجيب بأن الأوزاعي قال: فقام ذو الشمالين، فقال: أ قصرت الصلاة ؟ و ذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة(5) و روي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال:

أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال: (كل ذلك لم يكن)(6)2.

ص: 275


1- انظر: إرشاد الساري 365:2، عمدة القارئ 264:4.
2- الطبقات الكبري 327:4، تهذيب التهذيب 290:12،، تهذيب الأسماء و اللغات 1: 186، شرح صحيح مسلم للنووي 245:3، الإصابة 422:1.
3- و في نسخة (ش): فضلة.
4- سنن ابن ماجة 384:1-1215. سنن النسائي 26:3، سنن أبي داود: 267:1-1018.
5- حكاه الشيخ في الخلاف 405:1، المسألة 154.
6- صحيح مسلم 404:1-99، سنن النسائي 22:3، الموطأ 94:1-59، سنن البيهقي 335:2.

و روي أنه قال: (إنما أسهو لأبين لكم)(1) و روي أنه قال: (لم أنس و لم تقصر الصلاة)(2) و روي من طريق الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادق عليه السلام.(3)

فروع:
أ - الكلام الواجب يبطل الصلاة أيضا

كإجابة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لما تقدم، و قال الشافعي: لا تبطل الصلاة(4) لأن أبا هريرة قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي أبيّ بن كعب و هو يصلّي في المسجد، فقال: (السلام عليك يا أبيّ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه، ثم إن أبيّا خفف الصلاة، ثم انصرف إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال: السلام عليك يا نبي اللّه، فقال: (و عليك السلام، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ؟) فقال:

يا رسول اللّه كنت أصلي؛ قال: (أ فلم تجد فيما أوحي إليّ أن اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ؟!)(5) قال: بلي يا رسول اللّه لا أعود(6).

و لا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة و غيرها.

ب - للشافعية في تنبيه الأعمي علي بئر يخاف من التردي فيها، و الصبي علي نار يقع فيها قولان: أحدهما: البطلان

- كما قلناه نحن - لجواز أن لا يقع، بخلاف إجابة النبي عليه السلام، و الثاني: عدمه لأنه واجب كإجابة

ص: 276


1- أورده الشيخ في الخلاف 406:1 المسألة 154، و انظر الموطأ 100:1-2.
2- صحيح البخاري 86:2، سنن أبي داود 265:1-1008، الموطأ 94:1-60، سنن النسائي 21:3، سنن ابن ماجة 383:1-1214، سنن الدارقطني 366:1-1.
3- انظر الكافي 357:3-6، التهذيب 345:2-1433.
4- المجموع 81:4، المغني 739:1، المهذب للشيرازي 94:1، الشرح الكبير 1: 715.
5- الأنفال: 24.
6- سنن الترمذي 155:5-2875.

النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(1) ، و الأصل ممنوع.

و أما ردّ الوديعة، و تفرقة الزكاة فإنهما و إن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملا كثيرا لأنه لا يتعين في الصلاة لإمكان حصوله قبلها و بعدها بخلاف إجابة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و إنقاذ الأعمي.

ج - الجاهل و هو الذي يقصد الكلام و يعتقد أنه جائز في الصلاة كالعالم

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لقوله عليه السلام: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين)(3) و لأن علمه مبطل فكذا جهله كالحدث.

و قال الشافعي: لا تبطل به الصلاة؛ و به قال مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(4) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لما انصرف من اثنتين قال ذو اليدين: أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال:

(أصدق ذو اليدين ؟) فقال الناس: نعم، فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فصلّي اثنتين أخريين، ثم سلّم، ثم كبّر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع(5).

و قد بيّنا بطلان الحديث، و لأنه عليه السلام يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.

ص: 277


1- المجموع 81:4 و 82، المهذب للشيرازي 94:1، المغني 739:1، الشرح الكبير 715:1.
2- المبسوط للسرخسي 170:1، اللباب 85:1، بدائع الصنائع 233:1 و 234، الهداية للمرغيناني 61:1، شرح العناية 344:1، حاشية الحلبي 344:1.
3- صحيح مسلم 381:1-537، سنن النسائي 17:3، مصنف ابن أبي شيبة 432:2، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن البيهقي 249:2 و 250.
4- المجموع 80:4، الوجيز 49:1، فتح العزيز 110:4، مغني المحتاج 1: 195، الميزان 158:1، السراج الوهاج: 56، الشرح الكبير 712:1.
5- صحيح البخاري 108:9، صحيح مسلم 403:1-573، سنن الترمذي 2: 247-399، سنن النسائي 22:3، الموطأ 93:1-58.

و لا فرق بين أن يكون قريب العهد بالإسلام أو لا - خلافا للشافعي في قول له(1) - و لو علم تحريم الكلام و لم يعلم أنّه مبطل لم يعذر، و به قال الشافعي(2) ، لأنّه لما عرف التحريم كان حقه الامتناع منه.

د - لو تكلّم ناسيا لم تبطل صلاته،

و يسجد للسهو عند علمائنا - و به قال مالك، و الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(3) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم، قال: «يتم ما بقي من صلاته»(5) و سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسيا يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتم صلاته، ثم يسجد سجدتين»(6).

و قال أبو حنيفة: تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهيا(7) لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. و الفرق أن الحدث يبطل الطهارة أو يوجبها.

ه - لا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر

لأنه خطاب الآدمي علي وجه السهو، و للشافعي قول بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل(8).1.

ص: 278


1- المجموع 80:4، فتح العزيز 110:4، مغني المحتاج 195:1، الوجيز 49:1، السراج الوهاج: 56.
2- المجموع 80:4، فتح العزيز 111:4، مغني المحتاج 196:1.
3- المجموع 85:4، مغني المحتاج 195:1، كفاية الأخيار 75:1، بلغة السالك 1: 124، بداية المجتهد 119:1، أحكام القران لابن العربي 227:1.
4- الجامع الصغير 16:2-4461، كنز العمال 233:4-10307، نيل الأوطار 360:2.
5- التهذيب 191:2-756، الإستبصار 378:1-1434.
6- الكافي 356:3-4، التهذيب 191:2-755، الاستبصار 378:1-1433.
7- المبسوط للسرخسي 170:1 و 171، الكفاية 345:1، الميزان 158:1.
8- المجموع 80:4، الميزان 158:1، مغني المحتاج 195:1، السراج الوهاج: 56، الشرح الكبير 715:1.

و نمنع الأصل، و يفرق بأن الفعل آكد، فإن عتق المجنون لا ينفذ، و ينفذ إحباله.

و - لا خلاف في أن الحرف الواحد ليس مبطلا

لأنه لا يعد كلاما، و لعدم انفكاك الصوت منه غالبا، نعم في الحرف الواحد المفهم ك (ق) و (ش) و (ع) إشكال ينشأ من حصول الإفهام به فأشبه الكلام، و من دلالة مفهوم النطق بحرفين علي عدم الإبطال به.

و أما الحرف بعد مدّه ففيه نظر أيضا ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة و لا يعد حرفا، و من أنه إما ألف، أو واو، أو ياء.

ز - لو تكلّم مكرها عليه فالأقوي الإبطال به

لأنه مناف للصلاة فاستوي الاختيار فيه و عدمه كالحدث، و يحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه(1) و للشافعي قولان(2).

ح - لا يجوز أن يئنّ بحرفين، و لا يتأوّه بهما

لأنّه يعدّ كلاما.

ط - السكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصليا أبطل،

و إلاّ فلا.

مسألة 320: يجوز التنبيه علي الحاجة
اشارة

إمّا بالتصفيق، أو بتلاوة القرآن، كما لو أراد الإذن لقوم فقال اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (3) أو قال لمن أراد التخطي علي البساط بنعله فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً (4) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيي يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (5) أو

ص: 279


1- الجامع الصغير 16:2-4461، كنز العمال 233:4-10307.
2- المجموع 80:4-81، الوجيز 49:1، السراج الوهاج: 56، فتح العزيز 112:4، مغني المحتاج 196:1، كفاية الأخيار 60:1 و 76.
3- الحجر: 46.
4- طه: 12.
5- مريم: 12.

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا (1) أو أتي بتسبيح، أو تهليل، و قصد القرآن، و التنبيه - و به قال الشافعي(2) - لأن عليا عليه السلام قال: «كانت لي ساعة أدخل فيها علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فإن كان في الصلاة سبّح و ذلك إذنه، و إن كان في غير الصلاة أذن»(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «نعم» لمّا قال له ناجية أبو حبيب: أضرب الحائط لأوقظ الغلام ؟(4).

و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته إلا أن ينبه إمامه، و المارّ بين يديه(5).

لأنه قصد به خطاب الآدمي لا لإصلاح الصلاة، فأشبه رد السلام.

و الأصل ممنوع، و الفرق بأنه خطاب لآدمي بالوضع.

فروع:

أ - لو لم يقصد إلاّ التفهيم بطلت صلاته

لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآنا، و فيه إشكال ينشأ من أن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده.

ب - لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك

- و به قال مالك - (6) لعموم قوله عليه السلام: (من نابه في صلاته شيء فليسبح)(7).

ص: 280


1- يوسف: 29.
2- المجموع 83:4، السراج الوهاج: 56، الوجيز 49:1، مغني المحتاج 1: 196، المهذب للشيرازي 95:1، فتح العزيز 115:4.
3- سنن البيهقي 247:2، مسند أحمد 77:1.
4- الكافي 301:2-8، الفقيه 243:1-1080، التهذيب 325:2-1329.
5- بدائع الصنائع 235:1، فتح العزيز 115:4:3، الميزان 159:1.
6- المدونة الكبري 100:1، بداية المجتهد 198:1، الميزان 159:1.
7- صحيح البخاري 175:1، صحيح مسلم 137:1-421، سنن أبي داود 1: 248-940، الموطأ 164:1-61.

و قال الشافعي: يسبح الرجل، و تصفق المرأة(1) لقوله عليه السلام:

(إذا نابكم شيء في الصلاة فالتسبيح للرجال، و التصفيق للنساء)(2) و لو خالفا فسبحت المرأة، و صفق الرجل لم تبطل الصلاة عنده بل خالفا السنة(3).

ج - لو صفقت المرأة أو الرجل علي وجه اللعب لا للإعلام بطلت صلاتهما

لأن اللعب ينافي الصلاة، و يحتمل ذلك مع الكثرة خاصة.

مسألة 321: إذا سلّم عليه و هو في الصلاة وجب عليه الرد لفظا
اشارة

عند علمائنا - و به قال سعيد بن المسيب، و الحسن، و قتادة(4) - لقول الباقر عليه السلام:

«إن عمارا سلّم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فردّ عليه السلام»(5).

و قال محمد بن مسلم: دخلت علي الباقر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك» قلت: كيف أصبحت فسكت، فلما انصرف، قلت له: أ يرد السلام و هو في الصلاة ؟ قال: «نعم مثل ما قيل له»(6). و لأن الأمر بالرد مطلق فيتناول حال الصلاة كغيرها، و لأنه واجب فلا تبطل الصلاة به كالكلام الواجب عند الشافعي(7).

و قال الشافعي: يرد السلام بالإشارة(8) لأن أبا مسعود لمّا قدم من

ص: 281


1- المجموع 82:4، السراج الوهاج: 56، الميزان 159:1، مغني المحتاج 197:1 - 198، المهذب للشيرازي 95:1.
2- صحيح البخاري 89:2، صحيح مسلم 317:1-421، سنن أبي داود 248:1-941، سنن النسائي 88:2، سنن الدارمي 317:1.
3- المجموع 82:4، مغني المحتاج 198:1، المهذب للشيرازي 95:1.
4- الميزان 159:1، بداية المجتهد 181:1.
5- الفقيه 241:1-1066.
6- التهذيب 329:2-1349.
7- المجموع 81:4 و 82، فتح العزيز 115:4.
8- المجموع 93:4، الميزان 159:1، المهذب للشيرازي 95:1، فتح العزيز 4: 117.

الحبشة سلّم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هو في الصلاة فلم يرد عليه، قال أبو مسعود: فأخذني ما قرب و ما بعد، فلما فرغ، قلت: يا رسول اللّه أنزل فيّ شيء؟ قال: (لا و لكن اللّه يحدث من أمره ما يشاء، و أن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة)(1) و ليس حجة لجواز أن يكون قبل الأمر بالرد، أو أنه حيّاه بغير السلام و سماه سلاما مجازا.

و قال أبو حنيفة: لا يرد عليه و تبطل(2) ، فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دخل مسجد بني عمرو بن عوف يصلي، و دخل معه صهيب، فدخل معه رجال من الأنصار يسلّمون عليه، فسألت(3) صهيبا كيف كان يصنع إذا سلّم عليه ؟ فقال: كان يشير بيده(4).

و قال عطاء، و النخعي، و الثوري: يرد بعد فراغه، و نقله الجمهور عن أبي ذر(5).

فروع:

أ - لا يكره السلام علي المصلي -

و به قال ابن عمر، و أحمد -(6) للأصل، و لقوله تعالي فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلي أَنْفُسِكُمْ (7) و هو عام، و حكي ابن المنذر عن عطاء، و أبي مجلز، و الشعبي، و إسحاق بن

ص: 282


1- صحيح البخاري 187:9، سنن النسائي 9:3، سنن أبي داود 243:1-924، مسند أحمد 435:1 و 463 و في جميع المصادر ورد عن ابن مسعود.
2- اللباب 84:1، بدائع الصنائع 237:1.
3- كذا في الأصلين. و السائل هو عبد اللّه بن عمر كما في المصادر.
4- سنن البيهقي 259:2.
5- المجموع 105:4، الميزان 159:1، المغني 748:1.
6- المغني 748:1، المجموع 105:4.
7- النور: 61.

راهويه، و جابر الكراهة(1) ، و عن أحمد روايتان(2) ، و ظاهر كلام الشافعي الكراهة لأنه كره السلام علي الإمام حال الخطبة(3) فحال الصلاة أولي.

ب - إذا سلّم بقوله: سلام عليكم رد مثله،

و لا يقول: و عليكم السلام لأنه عكس القرآن، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عثمان بن عيسي عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة: «يقول: سلام عليكم، و لا يقول:

و عليكم السلام، فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان قائما يصلي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه فرد عليه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله هكذا»(4).

ج - لو سلّم عليه بغير اللفظ المذكور فإن سمّي تحية فالوجه: جواز الرد به،

و بقوله: سلام عليكم، لعموم قوله تعالي فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (5) و لو لم تسم تحية جاز إجابته بالدعاء له إذا كان مستحقا له و قصد الدعاء، لا ردّ السلام، و لو سلّم عليه بقوله: عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال ينشأ من النهي، و من جواز الرد مثل التحية.

د - لو اتّقي رد فيما بينه و بين نفسه

تحصيلا لثواب الرد و تخليصا من الضرر، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك»(6) و في رواية أخري: «ترد عليه خفيّا»(7).

مسألة 322: يجوز تسميت العاطس بأن يقول المصلي له: يرحمك اللّه

لأنه.

ص: 283


1- المجموع 105:4، المغني 748:1، الشرح الكبير 720:1.
2- كشاف القناع 378:1.
3- مختصر المزني: 27، المجموع 523:4.
4- التهذيب 328:2-1348، الكافي 366:3-1 و فيه: عثمان بن عيسي عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام. فلاحظ.
5- النساء: 86.
6- الفقيه 240:1-1064، التهذيب 331:2-1365.
7- الفقيه 241:1-1065، التهذيب 332:2-1366.

دعاء، و قد دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لقوم، و دعا علي آخرين(1) و هو محكي عن الشافعي(2) و ظاهر مذهبه: البطلان(3) لأن معاوية بن الحكم السلمي قال: صليت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: و أثكل أماه و ما شأنكم تنظرون إليّ؟ قال: فجعلوا يضربون بأيديهم علي أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتوني، فلما صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير و قراءة القرآن)(4) و لا حجة فيه لأن إنكاره عليه السلام وقع علي كلامه لا علي تسميته.

إذا عرفت هذا فإنه يجوز أن يحمد اللّه تعالي إن عطس هو أو غيره لأنه شكر للّه تعالي علي نعمه، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا عطس الرجل فليقل: الحمد للّه»(5) و قال له أبو بصير: أسمع العطسة فأحمد اللّه و أصلي علي النبي عليه السلام و أنا في الصلاة ؟ قال: «نعم و لو كان بينك و بين صاحبك البحر»(6).

مسألة 323: التنحنح جائز لأنه لا يعد كلاما،

و أظهر وجوه الشافعية:

البطلان به إن ظهر منه حرفان، و إن لم يبن كما إذا استرسل سعال لا يبين منه

ص: 284


1- انظر علي سبيل المثال: سنن البيهقي 197:2 و ما بعدها، مصنف ابن أبي شيبة 2: 316، مصنف عبد الرزاق 445:2.
2- المجموع 84:4، فتح العزيز 117:4.
3- المجموع 84:4، فتح العزيز 117:4، مغني المحتاج 197:1، السراج الوهاج: 56.
4- صحيح مسلم 381:1-537، سنن النسائي 14:3-17، سنن أبي داود 244:1-930، سنن الدارمي 353:1، مسند أحمد 447:5 و 448، سنن البيهقي 249:2، مسند الطيالسي: 150-1105.
5- الكافي 366:3-2، التهذيب 332:2-1367.
6- الكافي 366:3-3، التهذيب 332:2-1368.

حرف لم يبطل(1) ، و الثاني: عدم البطلان و إن بان منه حرفان لأنه ليس من جنس الكلام(2) ، و الثالث: إن كان مطبقا شفتيه لم يضر كقرقرة البطن، و إن كان فاتحا فمه فإن بان منه حرفان بطلت و إلاّ فلا(3).

و لو تعذرت القراءة إلاّ به فهو معذور، و إن أمكنه القراءة و تعذر الجهر فوجهان عندهم: أحدهما: إنه كالقراءة لإقامة شعار الجهر، و الثاني: المنع لأن الجهر سنة فلا ضرورة إلي التنحنح له(4).

و لو تنحنح الإمام و بان منه حرفان فللشافعية وجهان في مداومة المأموم:

أظهرهما: ذلك لأن الأصل بقاء عبادته و الظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة، و أنه غير مختار فيه، و الثاني: المنع(5) لأن العاقل لا يفعل إلاّ عن قصد، فالظاهر أن الإمام قاصد فبطلت صلاته فلا يجوز له المتابعة.

مسألة 324: الدعاء المحرّم مبطل للصلاة إجماعا

لأنه ليس بقرآن، و لا دعاء مأمور به بل هو منهي عنه، و النهي يدل علي الفساد، أما الدعاء بالمباح فقد بيّنا جوازه في جميع أحوال الصلاة.

و لو جهل تحريم المطلوب ففي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من عدم التحريم لجهله، و من تفريطه بترك التعلّم، أما لو جهل تحريم الدعاء فالوجه: البطلان.

مسألة 325: القهقهة عمدا تبطل الصلاة
اشارة

إجماعا منّا، و عليه أكثر العلماء(6)

ص: 285


1- المجموع 79:4، فتح العزيز 107:4، مغني المحتاج 195:1، السراج الوهاج: 55-56، كفاية الأخيار 60:1.
2- المجموع 79:4، فتح العزيز 107:4، السراج الوهاج: 56، مغني المحتاج 1: 195.
3- المجموع 79:4-80، فتح العزيز 107:4.
4- المجموع 80:4، الوجيز: 49، كفاية الأخيار 60:1، فتح العزيز 107:4.
5- المجموع 80:4، فتح العزيز 4، 107، كفاية الأخيار 60:1.
6- المغني 741:1.

سواء غلب عليه أو لا لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من قهقه فليعد صلاته)(1) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة»(2).

و قالت الشافعية: إن غلب عليه لم تبطل صلاته لعدم الاختيار فأشبه الناسي(3) ، و إن كان مختارا فإن لم يظهر في صوته حرفان لم تبطل صلاته و إن ظهر فقولان: البطلان لأن التفوه بما يتهجي حرفين قد وجد علي وجه يسمع من قصده، و هو الظاهر من مذهبه، و العدم لعدم تسميته كلاما(4).

و نحن لا نبطل من حيث الكلام بل للنص، و الحكمة هتك الحرمة.

فروع:

أ - القهقهة لا يبطل بها الوضوء

- خلافا لبعض علمائنا(5) - لحديث الباقر عليه السلام(6) ، و قد سبق.

ب - لو قهقهه ناسيا لم تبطل صلاته

إجماعا.

ج - لو تبسّم - و هو ما إذا لم يكن له صوت - لم تبطل صلاته

إجماعا.

مسألة 326: البكاء خوفا من اللّه تعالي، و خشية من عقابه غير مبطل للصلاة

و إن نطق فيه بحرفين، و إن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته و إن لم ينطق بحرفين عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(7) - لقوله تعالي:

ص: 286


1- كنز العمال 491:7-19925.
2- الكافي 364:3-6، الفقيه 240:1-1062، التهذيب 324:2-1324 (و في الجميع عن الصادق عليه السلام).
3- كفاية الأخيار 60:1 و 75، المهذب للشيرازي 94:1.
4- المجموع 79:4 و 89، كفاية الأخيار 60:1، مغني المحتاج 195:1.
5- حكاه المحقق عن ابن الجنيد في المعتبر: 30.
6- الكافي 364:3-6، الفقيه 240:1-1062، التهذيب 324:2-1324 و فيها عن الصادق عليه السلام.
7- الهداية للمرغيناني 61:1، بدائع الصنائع 235:1، فتح العزيز 108:4.

إِذا تُتْلي عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (1) و لأن أبا مطرف قال: أتيت النبي صلي اللّه عليه و آله و هو يصلّي و لصدره أزيز كأزيز المرجل(2) ، و الأزيز غليان صدره و حركته بالبكاء.

و سأل أبو حنيفة الصادق عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة ؟ فقال: «إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة(3).

و قال الشافعي: إن كان مغلوبا لم تبطل صلاته، و إن كان مختارا:

فإن لم يظهر فيه حرفان لم تبطل سواء كان لمصاب الدنيا أو الآخرة لعدم الاعتبار بما في القلب، و إنما يعتبر الظاهر و هو في الحالتين واحد(4).

و هو ممنوع لأنه مأمور به في أمور الآخرة لأنه من الخشوع المأمور به بخلاف أمر الدنيا.

و إن ظهر فيه حرفان فوجهان: الظاهر: عدم البطلان(5) لأن الشمس كسفت علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فلمّا كان في السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض و يبكي(6) ، و لأنه لا يسمي كلاما من غير تفصيل.

مسألة 327: النفخ بحرفين يوجب الإعادة،

و كذا الأنين، و التأوّه، و لو كان بحرف واحد لم تبطل - و هو أحد قولي الشافعي(7) - لأن تعمد الكلام مناف

ص: 287


1- مريم: 58.
2- سنن النسائي 13:3، مسند أحمد 25:4-26، سنن أبي داود 238:1-904.
3- الفقيه 208:1-941، التهذيب 317:2-1295، الاستبصار 408:1-1558.
4- المجموع 79:4، فتح العزيز 108:4.
5- فتح العزيز 107:4 و 108، مغني المحتاج 195:1.
6- سنن النسائي 138:3 و 149.
7- المجموع 79:4 و 89، فتح العزيز 108:4، المهذب للشيرازي 94:1، السراج الوهاج: 56، مغني المحتاج 195:1.

للصلاة، و لقول علي عليه السلام: «من أنّ في صلاته فقد تكلم»(1) و للشافعي قول آخر: أنه لا يبطلها و إن كان بحرفين(2) لأنه لا يعد كلاما.

و هو ممنوع.

و قال أبو حنيفة: النفخ يبطلها و إن كان بحرف واحد، و التأوّه للخوف من اللّه تعالي عند ذكر المخوفات لا يبطلها و لو كان بحرفين، و يبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده(3). و لا دليل علي هذا التفصيل.

مسألة 328: الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان قليلا لم تبطل به الصلاة
اشارة

كالإشارة بالرأس، و الخطوة، و الضربة، و إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف في الحكمين لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية، و العقرب(4) ، و دفع عليه السلام المار بين يديه(5) و حمل أمامة بنت أبي العاص، و كان إذا سجد وضعها و إذا قام رفعها(6) ، و قتل عقربا و هو يصلي(7) ، و أخذ بأذن ابن عباس و أداره عن يساره إلي يمينه(8).

و اختلف الفقهاء في حدّ الكثرة، فالذي عوّل عليه علماؤنا البناء علي

ص: 288


1- التهذيب 330:2-1356.
2- السراج الوهاج: 56، مغني المحتاج 195:1، فتح العزيز 107:4 و 108.
3- بدائع الصنائع 234:1 و 235، المجموع 89:4، اللباب 85:1، المغني 1: 742، و في المصادر: إن سمع النفخ فهو بمنزلة الكلام [فتبطل الصلاة] و إلاّ فلا يضر.
4- سنن النسائي 10:3، سنن ابن ماجة 394:1-1245، سنن الدارمي 354:1، مسند أحمد 233:2 و 248 و 255 و 284 و 473 و 475 و 490.
5- سنن ابن ماجة 305:1-948.
6- صحيح البخاري 137:1، صحيح مسلم 385:1 و 386-543، سنن النسائي 10:3، سنن أبي داود 241:1-917 و 918 و 242-919 و 920، الموطأ 170:1-81، سنن البيهقي 262:2-263.
7- سنن ابن ماجة 395:1-1247.
8- سنن أبي داود 166:1-610، سنن النسائي 87:2، سنن البيهقي 95:3.

العادة فما يسمي في العادة كثيرا فهو كثير و إلاّ فلا لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلي عرفهم، و به قال بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: القليل ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة، و الكثير ما يسع(2).

و قال بعضهم: ما لا يحتاج إلي فعل اليدين معا كرفع العمامة و حل الإزار فهو قليل، و ما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة و عقد السراويل فهو كثير(3).

و قال بعضهم: القليل ما لا يظن الناظر إلي فاعله أنه ليس في الصلاة، و الكثير ما يظن به الناظر إلي فاعله الإعراض عن الصلاة(4).

إذا عرفت هذا فالخطوة الواحدة و الضربة قليل، و الثلاث كثير، و في الفعلين للشافعية وجهان: أحدهما: أنه كثير لتكرره. و الأصحّ خلافه(5) لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله خلع نعليه في الصلاة و هما فعلان(6).

فروع:

أ - الكثير إذا توالي أبطل،

أما مع التفرّق فإشكال ينشأ من صدق الكثرة عليه، و عدمه للتفرق، فإن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يضع أمامة و يرفعها، فلو خطا خطوة ثم بعد زمان خطوة أخري لم تبطل صلاته، و قال بعض الشافعية: ينبغي أن يقع بين الاولي و الثانية قدر ركعة(7).

ص: 289


1- المجموع 93:4، فتح العزيز 129:4، مغني المحتاج 199:1.
2- المجموع 93:4، فتح العزيز 126:4، مغني المحتاج 199:1.
3- المجموع 93:4، فتح العزيز 126:4، مغني المحتاج 199:1.
4- المجموع 93:4، فتح العزيز 127:4.
5- المجموع 93:4، المهذب للشيرازي 95:1، فتح العزيز 129:4.
6- سنن الدارمي 320:1، سنن أبي داود 175:1-650، مسند أحمد 20:3 و 92.
7- المجموع 93:4، فتح العزيز 129:4، مغني المحتاج 199:1.

ب - الفعلة الواحدة لا تبطل،

فإن تفاحشت فإشكال، كالوثبة الفاحشة فإنها لإفراطها و بعدها عن حال المصلّي توجب البطلان.

ج - الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة،

أمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في مسبحة، أو حكمه فالأقرب منع الإبطال بها لأنها لا تخل بهيئة الخشوع و الاستكانة فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل، و يحتمل الإبطال للكثرة، و للشافعية وجهان(1).

د - لا يكره قتل الحية و العقرب في الصلاة

- و به قال الشافعي(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر به(3) ، و قال النخعي: يكره(4).

ه - الفعل الكثير إنما يبطل مع العمد

أمّا مع النسيان فلا خلاف عند علمائنا لقوله عليه السلام: (رفع عن أمتي الخطأ، و النسيان، و ما استكرهوا عليه)(5) و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: أنه مبطل(6) لأن النسيان بالفعل الكثير قلّما يقع، و يمكن الاحتراز عنه في العادة.

و ينتقض عندهم بقصة ذي اليدين، فإنهم رووا أن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سلّم عن اثنتين، ثم قام إلي خشبة في مقدم المسجد، فوضع يديه عليها و خرج سرعان القوم من المسجد، و قالوا: قصرت الصلاة، ثم لما عرف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنه ساه عاد فبني علي صلاته، و الذين خرجوا1.

ص: 290


1- المجموع 94:4، فتح العزيز 130:4، مغني المحتاج 199:1.
2- المجموع 105:4، الميزان 160:1، المغني 699:1.
3- سنن النسائي 10:3، سنن ابن ماجة 394:1-1245، سنن الدارمي 354:1، مسند أحمد 233:2 و 248 و 255 و 284 و 473 و 475 و 490.
4- المجموع 105:4، الميزان 160:1، المغني 699:1، الشرح الكبير 646:1.
5- الجامع الصغير 16:2-4461، كنز العمال 233:4-10307.
6- المجموع 94:4، فتح العزيز 130:4، مغني المحتاج 200:1.

من المسجد بنوا علي الصلاة، و الرسول صلّي اللّه عليه و آله ما أمرهم بالإعادة(1) ، و هو إلزام لامتناع السهو علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عندنا.

و - لو قرأ كتابا بين يديه في نفسه من غير نطق لم تبطل صلاته

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (تجاوز اللّه لأمتي عما حدثت به نفوسها ما لم يتكلموا)(2) و لأن الإنسان لا ينفك من التصورات، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته و إن قرأ القرآن من المصحف(4) لأن النظر عمل دائم، و قد سبق.

ز - ما ليس من أفعال الصلاة إذا كان من جنس أفعالها و زاده المصلي ناسيا لم تبطل صلاته

كما لو صلي خمسا ناسيا إن كان قد قعد في الرابعة بقدر التشهد، و أطلق الشافعي، و أبو حنيفة الصحة(5).

أما لو زاد عامدا فإن الصلاة تبطل كما لو زاد ركوعا أو سجدة - و به قال الشافعي(6) - لأن الزيادة كالنقصان، و الثاني مبطل مع العمد فكذا الأول.5.

ص: 291


1- صحيح مسلم 403:1-573، سنن النسائي 20:3-25.
2- صحيح البخاري 190:3 و 59:7 و 168:8، صحيح مسلم 116:1-127، سنن أبي داود 264:2-2209، سنن النسائي 156:6، سنن ابن ماجة 658:1 و 659-2040 و 2044، سنن الترمذي 489:3-1183 و انظر عدة الداعي: 212، الفقه المنسوب إلي الإمام الرضا عليه السلام: 385.
3- المجموع 95:4، فتح العزيز 130:4.
4- شرح فتح القدير 351:1، الهداية للمرغيناني 62:1، شرح العناية 351:1، الكفاية 351:1.
5- المجموع 91:4، فتح العزيز 119:4، مغني المحتاج 198:1، المهذب للشيرازي 1: 95، بدائع الصنائع 164:1.
6- المجموع 91:4، فتح العزيز 119:4، مغني المحتاج 198:1، المهذب للشيرازي 1: 95.

و قال أبو حنيفة: لا تبطل ما لم تبلغ الزيادة ركعة(1).

ح - يجوز عدّ الركعات و التسبيحات بأصابعه، أو بشيء يكون معه من الحصي، و النوي

إذا لم يتلفظ به، و لا كراهة فيه - و به قال مالك، و الثوري، و إسحاق، و أبو ثور، و ابن أبي ليلي، و النخعي(2) - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يسبّح ثلاث تسبيحات(3) ، و ذلك إنما يكون بالعدد.

و قال أبو الدرداء: إني لأدعو في صلاتي لسبعين رجلا من إخواني(4) ، و علّم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله العباس صلاة التسبيح، و أمره في كل ركن بتسبيحات مقدرة(5) ، و ليس ذلك بعقد القلب لاشتغاله به عن الخشوع فلا بدّ و أن يكون بعقد الأصابع.

و قال أبو حنيفة: يكره - و به قال محمد(6) - لأنه ليس من الصلاة.

و قال أبو يوسف: لا بأس به في التطوع(7). و قال الشافعي: تركه أحب إليّ(8).

ط - الأكل و الشرب مبطلان

لأنهما فعل كثير إذ تناول المأكول و مضغه1.

ص: 292


1- بدائع الصنائع 171:1، حلية العلماء 132:2.
2- المجموع 100:4، المغني 698:1، الشرح الكبير 645:1، حلية العلماء 134:2.
3- سنن أبي داود 230:1-870، سنن ابن ماجة 287:1-888، سنن الدارقطني 1: 341-1.
4- سنن البيهقي 245:2 و فيه:.. لثلاثين. و الرواية موجودة نصّا في المعتبر 192، و الخلاف 376:1 ذيل المسألة 133.
5- سنن أبي داود 29:2-1297، مستدرك الحاكم 318:1.
6- الهداية للمرغيناني 65:1، بدائع الصنائع 216:1، حلية العلماء 134:2، الجامع الصغير للشيباني: 100.
7- حلية العلماء 134:2.
8- المجموع 100:4، فتح العزيز 130:4، المهذب للشيرازي 96:1.

و ابتلاعه أفعال متعددة، و كذا المشروب، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(1).

و حكي عن سعيد بن جبير أنه شرب الماء في صلاته النفل(2) ، و عن طاوس أنه قال: لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة(3) - و به قال الشيخ في الخلاف(4) - لأن الأصل الإباحة. و هو ممنوع، و منع الشافعي من ذلك في النافلة و الفريضة(5).

و استدلّ الشيخ(6) بقول الصادق عليه السلام، إني أريد الصوم و أكون في الوتر فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قلة بيني و بينها خطوتان، أو ثلاثة قال: «تسعي إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدعاء»(7).

و يحتمل الاقتصار علي ذلك للحاجة فيختص الترخص بالوتر مع إرادة الصوم و خوف العطش و كونه في دعاء الوتر، و قال الشافعي: إن قليله مبطل لأنه إعراض، و له وجه: أنه غير مبطل(8).

و لو كان في فيه شيء من الطعام، أو بين أسنانه فازدرده لم تنقطع صلاته إذا كان يمر مع الريق من حيث لا يملكه بلا مضغ، و لا علك،5.

ص: 293


1- المجموع 89:4، المهذب للشيرازي 95:1، مغني المحتاج 200:1، المبسوط للسرخسي 195:1، الهداية للمرغيناني 64:1.
2- المجموع 90:4، الميزان 159:1، الشرح الكبير 706:1، حلية العلماء 133:2.
3- المجموع 90:4، الميزان 159:1، حلية العلماء 133:2.
4- الخلاف 413:1، مسألة 159.
5- المجموع 89:4، الميزان 159:1، المهذب للشيرازي 95:1.
6- الخلاف 413:1 مسألة 159.
7- الفقيه 313:1-1424، التهذيب 329:2-1354.
8- المجموع 89:4، فتح العزيز 134:4 و 135.

و للشافعية في امتصاص سكرة من غير مضغ وجهان، و أقواهما: البطلان(1) لأن الإمساك شرط في الصلاة كما هو في الصوم بل الصلاة آكد فإن الكلام يبطلها بخلاف الصوم.

و لو أكل ناسيا لم تبطل صلاته و إن كثر، و أبطلها الشافعي مع الكثرة في أصح الوجهين(2) ، و لو كان مغلوبا بأن نزلت النخامة و لم يقدر علي إمساكها لم تبطل صلاته إجماعا، و لو كان في فمه شيء لا يذوب صحت صلاته إن لم تمنعه القراءة.

مسألة 329: الالتفات إلي ما وراءه مبطل للصلاة

لأن الاستقبال شرط و الالتفات بكلّه مفوت لشرطها، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، إن اللّه تعالي يقول لنبيه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (3)(4) و قال الباقر عليه السلام: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(5).

و يكره الالتفات بوجهه يمينا و شمالا، و ليس بمحرم لدلالة مفهوم قول الباقر عليه السلام: «إذا كان بكله»(6) و مفهوم قول الصادق عليه السلام: «إذا التفت في صلاة المكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد»(7).

ص: 294


1- المجموع 90:4، فتح العزيز 135:4.
2- المجموع 90:4، فتح العزيز 135:4، كفاية الأخيار 77:1، السراج الوهاج: 57.
3- البقرة: 144.
4- الكافي 300:3-6، التهذيب 199:2-782، الاستبصار 405:1-1545.
5- التهذيب 199:2-780، الاستبصار 405:1-1543.
6- التهذيب 199:2-780، الإستبصار 405:1-1543.
7- الكافي 365:3-10، التهذيب 323:2-1322، الاستبصار 405:1-406 - 1547.

و قال بعض الحنفية: تبطل(1) لرواية عبد اللّه بن سلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله: (لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت)(2) - و عبد اللّه ضعيف - و نقول بموجبه فإن الالتفات هنا يراد به الالتفات بالجميع، و لأن نفي الصلاة لا يستلزم نفي جميع الأحكام فيحمل علي نفي الفضيلة.

مسألة 330: التكفير مبطل للصلاة
اشارة

و هو وضع اليمين علي الشمال في القراءة عند علمائنا لإجماع الفرقة عليه - قاله الشيخ و المرتضي(3) - و لأنه فعل كثير فيكون مبطلا، و لأنه أحوط لوقوع الخلاف فيه دون الإرسال، و لقول الباقر عليه السلام: «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه.. و لا تكفّر، إنما يصنع ذلك المجوس»(4) و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن الرجل يضع يده في الصلاة اليمني علي اليسري، فقال: «ذلك التكفير لا تفعله»(5).

و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و سفيان، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود: إنّ وضع اليمين علي الشمال مسنون مستحب(6) إلاّ أن الشافعي قال: وضع اليمين علي الشمال فوق السرّة(7). و قال أبو حنيفة: تحت

ص: 295


1- البحر الرائق 21:2.
2- كنز العمال 505:7-19987 نقلا عن الطبراني في الأوسط.
3- المبسوط للطوسي 117:1 و 118، و حكي قول السيد المرتضي المحقق في المعتبر: 195.
4- الكافي 336:3-9، التهذيب 84:2-309.
5- التهذيب 84:2-310.
6- المجموع 311:3، فتح العزيز 273:3، كفاية الأخيار 71:1، رحمة الأمة 1: 41، المبسوط للسرخسي 23:1، عمدة القارئ 279:5، بدائع الصنائع 201:1، المغني 549:1، الشرح الكبير 549:1، نيل الأوطار 201:2.
7- المجموع 313:3، فتح العزيز 281:3، كفاية الأخيار 71:1، الميزان 138:1، رحمة الأمة 41:1، المغني 550:1، الشرح الكبير 549:1، المبسوط للسرخسي 24:1، عمدة القارئ 279:5، نيل الأوطار 203:2.

السرّة. و هو مذهب أبي هريرة(1) ، و عن مالك روايتان: إحداهما مثل قول الشافعي، و الثانية: الإرسال(2) و روي عنه أيضا أنه يفعل ذلك في النافلة إذا طالت فإن لم تطل لم يفعل فيها و لا في الفرض(3).

و قال الليث بن سعد: إن أعيي فعل و إن لم يعي لم يفعل(4) ، و روي ابن المنذر عن ابن الزبير: أنه كان يرسل يديه، و هو مروي عن الحسن، و ابن سيرين، و النخعي(5) ، و قال الأوزاعي: من شاء فعل و من شاء ترك(6).

و احتجوا برواية وائل بن حجر قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا دخل في الصلاة يأخذ شماله بيمينه(7) ، و لا حجة فيه لعدم الدلالة، و لوقوع الخلاف في مضمونها بينهم فدل علي ضعفها.

فروع:

أ - يجوز فعل ذلك للتقية.

ب - قال الشيخ: لا فرق بين وضع اليمين علي الشمال و بالعكس،

و لا

ص: 296


1- المبسوط للسرخسي 24:1، اللباب 67:1، عمدة القارئ 279:5، بدائع الصنائع 1: 201، المجموع 313:3، فتح العزيز 281:3، رحمة الأمة 41:1، الميزان 1: 138، المغني 550:1، الشرح الكبير 549:1، نيل الأوطار 203:2.
2- المجموع 312:3، فتح العزيز 274:3، الميزان 138:1، رحمة الأمة 41:1، المنتقي للباجي 281:1، المغني 549:1، الشرح الكبير 549:1، عمدة القارئ 279:5، نيل الأوطار 204:2.
3- المنتقي للباجي 281:1، المدونة الكبري 74:1، بداية المجتهد 137:1.
4- المجموع 311:3، عمدة القارئ 279:5.
5- المجموع 311:3، المغني 549:1، الشرح الكبير 549:1، عمدة القارئ 279:5، نيل الأوطار 201:2.
6- المجموع 312:3، الميزان 138:1، رحمة الأمة 41:1، المبسوط للسرخسي 23:1، عمدة القارئ 279:5، نيل الأوطار 201:2.
7- سنن ابن ماجة 266:1-810، سنن الترمذي 32:2 ذيل الحديث 252.

فوق السرة، و لا تحتها(1).

ج - لا فرق في المنع بين أن يكون بينهما حائل أو لا،

و في تحريم وضع الكف علي الساعد إشكال ينشأ من إطلاق اسم التكفير عليه، و من أصالة الإباحة.

د - قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز التطبيق في الصلاة

- و هو أن يطبّق إحدي يديه إلي الأخري و يضعهما بين ركبتيه - و به قال جميع الفقهاء، و أوجبه ابن مسعود، و احتج الشيخ بالإجماع، و خلاف ابن مسعود منقرض(2).

البحث الثاني: في التروك المندوبة و قد تقدم بعضها، و بقي أمور:
اشارة

أ - نفخ موضع السجود، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و تأذي المجاور، و لقوله عليه السلام: (أربع من الجفاء: أن ينفخ في الصلاة، و أن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة، و أن يبول قائما، و أن يسمع المنادي فلا يجيبه)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل الرجل ينفخ في الصلاة، قال: «لا»(4) ، و ليس للتحريم لقول الصادق عليه السلام: «لا

ص: 297


1- الخلاف 321:1 مسألة 74.
2- الخلاف 347:1، مسألة 97، و انظر المغني 577:1، و المجموع 411:3، و حلية العلماء 96:2 و 97.
3- سنن البيهقي 285:2 و 286 بتفاوت.
4- الكافي 334:3-8، التهذيب 303:2-1222، الإستبصار 329:1-330-1235.

بأس بالنفخ في الصلاة موضع السجود ما لم يؤذ أحدا»(1).

ب - فرقعة الأصابع، لقوله عليه السلام لعلي عليه السلام: (لا تفرقع أصابعك و أنت تصلّي)(2) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام:

«إذا قمت إلي الصلاة فاعلم أنك بين يدي اللّه، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك، فأقبل قبل صلاتك و لا تمتخط، و لا تبصق، و لا تنقض أصابعك، و لا تورك فإن قوما عذّبوا بنقض الأصابع، و التورك في الصلاة»(3).

ج - العبث، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و ترك الخشوع.

د - التثاؤب.

ه - التمطي، لما فيها من الاستراحة و تغيير هيئة الصلاة المشروعة.

و - التنخم.

ز - البصاق لأنه عليه السلام كان يأخذ النخامة في ثوبه و هو يصلي(4).

ح - مدافعة الأخبثين و الريح لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: لا تصل و أنت تجد شيئا من الأخبثين»(5) و قال عليه السلام: «لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة»(6).

ط - لبس الخف الضيق لما يحصل معه من الشغل عن الصلاة.

ي - التورك - و هو أن يعتمد بيديه علي وركيه و هو التخصر - لأن النبيّ2.

ص: 298


1- التهذيب 329:2-1351، الاستبصار 330:1-1236.
2- سنن ابن ماجة 310:1-965.
3- التهذيب 325:2-1332.
4- سنن ابن ماجة 327:1-1024.
5- التهذيب 326:2-1333.
6- التهذيب 333:2-1372.

صلّي اللّه عليه و آله نهي عن التخصر في الصلاة(1) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و لا تورك»(2).

يا - السدل - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي(3) - لما فيه من الخيلاء، و لم يكرهه مالك(4) ، و معناه وضع الثوب علي الرأس أو الكتف، و إرسال طرفيه.

مسألة 331: يحرم قطع الصلاة لغير حاجة

لقوله تعالي وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (5) و يجوز للحاجة كما لو رأي دابة له انفلتت، أو غريما يخاف فوته، أو مالا يخاف ضياعه، أو غريقا يخاف هلاكه، أو طفلا يخاف سقوطه لئلا يلحقه الضرر و هو منفي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حية تخافها علي نفسك فاقطع الصلاة و اتبع الغلام أو الغريم، و اقتل الحية»(6).

و سأله سماعة عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسي كيسه، أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع صلاته، و يحرز متاعه، ثم يستقبل الصلاة» قلت: فيكون في الصلاة فتفلت دابته و يخاف أن تذهب، أو

ص: 299


1- صحيح البخاري 84:2، صحيح مسلم 387:1-545، سنن الترمذي 2: 222-383، سنن الدارمي 332:1، سنن أبي داود 249:1-947، سنن النسائي 127:2، مسند أحمد 232:2، سنن البيهقي 287:2.
2- التهذيب 325:2-1332.
3- المجموع 177:3، الهداية للمرغيناني 64:1، الكفاية 359:1، نيل الأوطار 68:2.
4- المجموع 177:3، نيل الأوطار 68:2.
5- محمد: 33.
6- الكافي 367:3-5، الفقيه 242:1-1073، التهذيب 331:2-1361.

يصيب منها (عنتا)(1) ؟ قال: «لا بأس أن يقطع صلاته»(2).

مسألة 332: لا يقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي
اشارة

حيوانا كان أو إنسانا، ذكرا كان أو أنثي، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال عروة، و الشعبي، و الثوري، و مالك، و الشافعي، و أصحاب الرأي(3) - لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لا يقطع الصلاة شيء»(4).

و قال الفضل بن عباس: أتانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نحن في بادية فصلي في صحراء ليس بين يديه سترة، و حمارة لنا و كلبة تعبثان بين يديه، فما بالي ذلك(5) ، و قالت عائشة: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلي صلاته من الليل كلها و أنا معترضة بينه و بين القبلة(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا يقطع الصلاة شيء كلب، و لا حمار، و لا امرأة، و لكن استتروا بشيء»(7) و سأل ابن أبي يعفور الصادق عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شيء مما يمر به ؟ قال: «لا يقطع صلاة المسلم شيء، و لكن ادرءوا ما استطعتم»(8).

ص: 300


1- في نسخة (م) و بعض نسخ الكافي: عيبا.
2- الكافي 367:3-3، الفقيه 241:1-1071، التهذيب 330:2-1360.
3- المجموع 250:3، الميزان 160:1، مغني المحتاج 201:1، المدونة الكبري 114:1، القوانين الفقهية: 61، المبسوط للسرخسي 191:1، بدائع الصنائع 217:1، شرح فتح القدير 352:1، المغني 82:2، المحلي 12:4.
4- سنن أبي داود 191:1-719، سنن البيهقي 278:2، سنن الدارقطني 367:1-3 و 368-5 و 6.
5- سنن أبي داود 191:1-718، سنن البيهقي 278:2، سنن الدارقطني 1: 369-11.
6- صحيح مسلم 366:1-268، سنن أبي داود 189:1-711، سنن ابن ماجة 1: 307-956، سنن البيهقي 275:2.
7- الكافي 297:3 ذيل الحديث 3، التهذيب 323:2-1319، الإستبصار 406:1-1551.
8- الكافي 297:3-3، التهذيب 322:2-1318، الاستبصار 406:1-1552.

و قال أحمد: يقطعها الكلب الأسود، و المرأة، و الحمار(1) لأن أبا هريرة قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (يقطع الصلاة المرأة، و الحمار، و الكلب)(2) و هو منسوخ بما تقدم من الأحاديث للإجماع علي نسخ حكم المرأة.

فروع:

أ - لو جعل بينه و بين ما يمر به حاجزا زالت الكراهة،

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلّ، و لا يبالي ما وراء ذلك)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام «كان رحل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذراعا، و كان إذا صلي وضعه بين يديه يستتر به ممن يمرّ بين يديه»(4).

ب - لو لم يتفق له سترة استحب له دفع المار بين يديه

لقوله عليه السلام: (لا يقطع الصلاة شيء، فادرؤا ما استطعتم)(5) ، و كذا قول الصادق عليه السلام(6).

ج - لا فرق بين فرض الصلاة و نفلها إجماعا.

د - لو كان الكلب واقفا بين يديه لم تبطل صلاته

علي قولنا، و عن

ص: 301


1- المغني 81:2، الانصاف 106:2-107، المحرر في الفقه 76:1، مسائل أحمد: 44، المجموع 250:3.
2- صحيح مسلم 365:1-366-511، سنن ابن ماجة 305:1-950، مسند أحمد 2: 425، سنن البيهقي 274:2.
3- صحيح مسلم 358:1-499، سنن الترمذي 156:2-335.
4- الكافي 296:3-2، التهذيب 322:2-1317، الاستبصار 406:1-1549.
5- سنن أبي داود 191:1-719، سنن البيهقي 278:2.
6- الكافي 297:3-3، التهذيب 322:2-1318، الإستبصار 406:1-1552.

أحمد روايتان: إحداهما: البطلان لشبهه بالمارّ(1).

مسألة 333: لا يقطع الصلاة رعاف، و لا قيء،

و لو عرض الرعاف في الصلاة أزاله و أتم الصلاة ما لم يحتج إلي فعل كثير، أو كلام، أو استدبار لأن ذلك ليس بناقض للطهارة، و هو إجماع منّا، و الأصل يعطيه.

مسألة 334: حكم المرأة حكم الرجل في جميع الأحكام

لكن لا جهر عليها، و لا أذان، و لا إقامة، فإن أذنت و أقامت خافتت فيهما.

و يستحب لها اعتماد ما رواه زرارة، قال: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرج بينهما، و تضم يديها إلي صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها علي فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا، فإذا جلست فعلي أليتيها كما يقعد الرجل، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض، و إذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها، فإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع عجيزتها أوّلا»(2).

و في رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها»(3) و بهذا قال الشافعي أيضا(4) ، و قال أبو حنيفة: تجلس كأستر ما يكون(5). و قال الشعبي: تجلس كما يتيسر عليها(6). و كان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن متربعات(7).

ص: 302


1- المغني 84:2، الانصاف 108:2.
2- الكافي 335:3-2، الفقيه 243:1، التهذيب 94:2-350.
3- الكافي 336:3-4، التهذيب 94:2-351.
4- حلية العلماء 113:2.
5- انظر: المبسوط للسرخسي 25:1.
6- حلية العلماء 113:2، المغني 636:1.
7- حلية العلماء 113:2، المغني 636:1، الشرح الكبير 636:1.
الفصل الرابع:
اشارة

في أحكام السهو، و فيه مباحث:

الأول: فيما يوجب الإعادة:
مسألة 335: من أخل بشيء من واجبات الصلاة عمدا بطلت صلاته

سواء كان شرطا كالطهارة، و الاستقبال، و ستر العورة، أو جزءا منها، سواء كان ركنا كالركوع، أو غيره كالتسبيح فيه، أو كيفية كالطمأنينة. و سواء كان عالما، أو جاهلا لأن الإخلال بالشرط يستلزم الإخلال بالمشروط، فلو صحت بدونه لم يكن ما فرضناه شرطا بشرط، هذا خلف.

و الإخلال بجزء من الماهية يستلزم الإخلال بها لتوقف وجود المركب علي وجود أجزائه فلا يكون المخلّ ببعض الأجزاء آتيا بالصلاة المأمور بها شرعا، فيبقي في عهدة التكليف عدا الجهر و الإخفات، فقد عذر الجاهل فيهما بالإخلال بهما باتفاق الموجبين له لقول الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفي فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: «إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته، و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا، أو ساهيا و لا يدري فلا شيء عليه»(1) و كذا لو فعل شيئا لا يجوز فعله في الصلاة عمدا بطلت صلاته كالكلام و شبهه و قد تقدم.

و لو جهل غصبية الثوب الذي يصلّي فيه، أو المكان، أو نجاسة

ص: 303


1- الفقيه 227:1-1003، التهذيب 147:2-577.

الثوب، أو البدن، أو موضع السجود فلا إعادة، و لو توضأ بماء مغصوب مع علم الغصبية و صلّي أعاد الطهارة و الصلاة، و لو جهل الغصبية لم يعد إحداهما، و لا يعذر جاهل الحكم، و لا الناسي علي إشكال ينشأ من إلحاقه بالعامد، و بالنجس إن قلنا بالعذر فيه.

و لو لم يعلم أن الجلد ميتة و صلي فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم غير مستحل، أو شراه من سوق المسلمين، فإن أخذه من غير مسلم أو منه و كان مستحلا، أو وجده مطروحا أعاد لأصالة الموت، و لو لم يعلم أنه من جنس ما يصلّي فيه أعاد لتفريطه.

مسألة 336: و تبطل الصلاة لو أخل بركن سهوا أو عمدا،

و قد عرفت أن الركن هو ما تبطل بتركه الصلاة عمدا و سهوا.

و اختلف علماؤنا في عدد الأركان فالمشهور أنها خمسة: النية، و القيام، و تكبيرة الافتتاح، و الركوع، و مجموع السجدتين في ركعة، و أسقط بعضهم القيام(1) ، و أثبت آخرون مع الخمسة القراءة(2).

و في كون النيّة من الأركان أو الشروط احتمال من حيث انها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها و إلاّ لتعلقت بنفسها، و من إمكان تعلقها بسائر الأركان و هي من الصلاة.

هذا إذا تجاوز المحل كما لو سها عن القيام حتي نوي، أو عن النيّة حتي كبّر للإحرام، أو عن تكبيرة الإحرام حتي قرأ، أو عن الركوع حتي سجد، أو عن السجدتين حتي ركع؛ لقول الكاظم عليه السلام: «يعيد الصلاة» لما سئل عن الرجل ينسي التكبيرة حتي قرأ(3).

ص: 304


1- هو ابن أبي عقيل كما في المختلف - للمصنّف -: 91، و مفتاح الكرامة 302:2.
2- هو ابن حمزة كما نسبه اليه الفاضل السيوري في التنقيح الرائع 197:1، و ليس في الوسيلة لذلك ذكر، و إنّما عدّ الاستقبال فيها ركنا. انظر: الوسيلة: 93.
3- المعتبر: 228، و في التهذيب 143:2-560، و الاستبصار 351:1-352-1329: ينسي أن يفتتح الصلاة حتي يركع.

أما لو كان في محله فإنه يأتي به لإمكانه علي وجه لا يخل بهيئة الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام لمّا سأله أبو بصير عن رجل يشك و هو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع، قال: «يركع و يسجد»(1).

و عند الشافعية أن الصلاة تشتمل علي أركان و أبعاض و هيئات، فالركن ما إذا تركه عمدا بطلت صلاته، و إن تركه سهوا لزمه العود إليه و لا يجبر بالسجود، و هي خمسة عشر:

النية، و التكبير، و القيام، و القراءة، و الركوع و الاعتدال عنه، و الرفع و الاعتدال عنه، و السجود و الاعتدال عنه، و الجلسة بين السجدتين، و القعود للتشهد الأخير، و قراءة التشهد الأخير، و الصلاة علي الرسول صلّي اللّه عليه و آله في الأخير، و التسليم الأول، و مراعاة الترتيب بين الأركان، و الموالاة بين الأفعال حتي لو فرقها لم تصح صلاته.

و زاد بعضهم: الطمأنينة في الركوع و السجود، و الصلاة علي الآل عليهم السلام، و نيّة الخروج عن الصلاة.

و أما الأبعاض فهي التي لا تبطل الصلاة بتركها و لكنها تقتضي السجود، و هي القنوت في صلاة الصبح، و القعود في التشهّد الأول، و قراءة التشهد الأول، و الصلاة علي النبيّ في التشهّد الأول علي قول، و الصلاة علي آله في الأخير في وجه.

و أما الهيئات فما عدا ذلك، و لا يقتضي تركها بطلان الصلاة، و لا سجود السهو(2).

مسألة 337: و لا فرق بين الأولتين و الآخرتين في الإبطال بترك الركن
اشارة

ص: 305


1- الكافي 348:3-1، التهذيب 150:2-590، الاستبصار 357:1-1352.
2- المجموع 512:3-517، فتح العزيز 253:3-257، الوجيز 39:1 و 40، كفاية الأخيار 1: 63-69 و 71-74 و 80، السراج الوهاج: 41 و ما بعدها، مغني المحتاج 148:1 و ما بعدها، فتح الوهاب 38:1 و ما بعدها باختلاف في كميّة الأركان في جميعها.

سهوا عند أكثر علمائنا(1) فلو نسي ركوع الأولي، أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة بطلت صلاته، و كذا لو ترك سجدتين من ركعة واحدة أيها كانت لأنه أخلّ بركن من الصلاة حتي دخل في آخر فسقط الثاني، فلو أعاد الأول لزاد ركنا، و لو لم يأت به نقص ركنا، و كلاهما مبطل، و لأن الزائد لا يكون من الصلاة و هو فعل كثير فيكون مبطلا.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع استأنف الصلاة»(2) و سئل عليه السلام عن الرجل ينسي الركوع حتي يسجد، و يقوم، قال: «يستقبل»(3).

و قال الشيخ: إن كان في الأولتين أبطل الصلاة، و إن كان في الأخيرتين حذف الزائد و أتي بالفائت فيلفّق فلو ترك الركوع في الثالثة حتي سجد سجدتيها أسقطهما و ركع و أعاد السجدتين، و كذا لو ترك سجدتيها حتي ركع في الرابعة أسقط الركوع و سجد للثالثة، ثم أتي بالرابعة(4) لقول الباقر عليه السلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع، قال: «إذا استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما، و يبني علي صلاته، و إن لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ و انصرف فليصل ركعة و يسجد سجدتين و لا شيء عليه»(5).

و هو معارض بالأحاديث الكثيرة، و يحمل علي النافلة جمعا بين الأدلة، و بعض علمائنا(6) يلفق مطلقا لا يعتد بالزيادة.9.

ص: 306


1- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 35:3، و سلاّر في المراسم: 88-89، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 118، و ابن البراج في المهذب 1: 153، و ابن إدريس في السرائر: 51-52.
2- التهذيب 148:2-580 و 149-587، الاستبصار 355:1-1343 و 356-1349.
3- التهذيب 148:2-581، الاستبصار 355:1-1344.
4- المبسوط للطوسي 119:1.
5- الفقيه 228:1-1006، التهذيب 149:2-585، الاستبصار 356:1-1348.
6- هو أبو علي ابن الجنيد و علي بن بابويه كما في المختلف: 129.
تذنيب: لو ترك ركوعا من رباعية و لم يدر من أي الركعات أعاد علي ما اخترناه

- و علي مذهب الشيخ أيضا(1) - لاحتمال أن يكون من الأوّلتين، و لو تيقن سلامتهما أضاف إليهما ركعة، و علي مذهب من يلفق مطلقا يضيف إليها ركعة.

و لو ترك سجدتين و لم يدر من أي الأربع أعاد علي ما اخترناه مطلقا، و كذا علي قول الشيخ(2) ، إلاّ أن يتحقق سلامة الأولتين فتصير الرابعة ثالثة و يتمم بركعة و يسقط حكم الركوع المتخلل لأنه وقع سهوا، و علي المذهب الآخر يتم له ثلاث ركعات و يضيف إليها ركعة.

و لو لم يعلم هل هما من ركعة أو ركعتين أعاد مراعاة للاحتياط.

مسألة 338: زيادة الركن عمدا و سهوا مبطلة كنقصانه

لما فيه من تغيير هيئة الصلاة إلا زيادة القيام سهوا، فلو زاد ركوعا أو سجدتين دفعة أعاد، و لأنه فعل كثير فتبطل الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام في رجل صلّي و ذكر أنه زاد سجدة: «لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»(3).

و قال الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة: لا يعيد لو زاد سهوا بل يسجد للسهو(4) لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله الظهر خمسا، فلمّا قيل له سجد للسهو(5).

و نمنع تطرق السهو إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، سلّمنا لكن جاز أن

ص: 307


1- المبسوط للطوسي 119:1.
2- المبسوط للطوسي 120:1.
3- الفقيه 228:1-1009، التهذيب 156:2-610.
4- المجموع 91:4، المغني 718:1، الشرح الكبير 701:1، بدائع الصنائع 164:1.
5- سنن ابن ماجة 380:1-1205، سنن البيهقي 341:2.

يكون قعد بعد الرابعة، سلّمنا لكن يحتمل أنه لم يكن يظن قولهم بل حدث عنده شك، و الشك في الزيادة لا يبطل بل يسجد للسهو.

مسألة 339: لو زاد علي الرباعية خامسة سهوا فإن لم يكن قد جلس عقيب الرابعة وجب عليه إعادة الصلاة
اشارة

عند علمائنا أجمع.

و إن كان قد جلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد صحّت صلاته و تشهّد، و سلّم، و سجد للسهو عند بعض علمائنا(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لأن أبا سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك، و ليبن علي اليقين، و إذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة نافلة له و السجدتان، و إن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته و كانت السجدتان مرغمتي الشيطان)(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في رجل استيقن أنه صلّي الظهر خمسا فقال: «إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة و يضيف إلي الخامسة ركعة و يسجد سجدتين فيكونان نافلة و لا شيء عليه»(4). و لأن نسيان التشهّد غير مبطل، فإذا جلس قدر التشهد يكون قد فصل بين الفرض و الزيادة.

أما إذا لم يجلس عقيب الرابعة فإن النافلة قد اختلطت بالفرض فصار جميعه نفلا، و مع الجلوس يكون قد خرج من الصلاة لأن التشهد ليس بركن

ص: 308


1- نسب هذا القول المصنّف في المختلف: 135 الي ابن الجنيد.
2- المبسوط للسرخسي 228:1، اللباب 98:1، كتاب الحجة 240:1، المجموع 4: 163، المغني 721:1، الشرح الكبير 702:1.
3- سنن ابن ماجة 382:1-1210، سنن الدارقطني 372:1-21، مستدرك الحاكم 322:1.
4- التهذيب 194:2-765، الاستبصار 377:1-1430.

و التسليم ليس بواجب، و لقول الصادق عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) و لأنها زيادة مغيّرة لهيئة الصلاة فتكون مبطلة.

و قال الشافعي: يسجد للسهو و تصح صلاته مطلقا - و به قال الحسن البصري، و عطاء، و الزهري، و مالك، و الليث بن سعد، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لأن عبد اللّه بن مسعود قال: صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خمسا فلمّا انفتل تشوش القوم بينهم فقال: (ما شأنكم ؟) قالوا: يا رسول اللّه هل زيد في الصلاة ؟ قال: (لا) قالوا: فإنك قد صليت خمسا، فانفتل فسجد سجدتين ثم سلّم ثم قال: (إنّما أنا بشر أنسي كما تنسون)(3) و هذا لا يصح علي ما بيّناه في علم الكلام من عصمة النبي صلّي اللّه عليه و آله عن السهو(4).

فروع:

أ - لو ذكر الزيادة قبل الركوع جلس، و تشهد، و سلم، و سجد للسهو

- و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك، و أحمد(5) - لأنه لم يأت بركن يغيّر هيئة الصلاة.

ب - لو ذكر الزيادة بعد السجود

و كان قد جلس بعد الرابعة احتمل أن يضيف إلي الخامسة ركعة و يسجد سجدتين و تكون نافلة، لقول الباقر عليه السلام: «و يضيف إلي الخامسة ركعة، و يسجد سجدتين فتكونان نافلة(6) ،

ص: 309


1- الكافي 355:3-5، التهذيب 194:2-764، الاستبصار 376:1-1429.
2- المجموع 139:4، المهذب للشيرازي 97:1، الأم 131:1، مختصر المزني: 17، المدونة الكبري 135:1، القوانين الفقهية: 75، المغني 720:1-721، الشرح الكبير 702:1.
3- سنن البيهقي 342:2.
4- أنظر الباب الحادي عشر مع شرحيه: 37.
5- المجموع 139:4، حلية العلماء 141:2 المغني 720:1-721، الشرح الكبير 702:1.
6- التهذيب 194:2-765، الاستبصار 377:1-1430.

و به قال أبو حنيفة(1) ، و يحتمل التسليم و يسجد للسهو و يلغي الركعة إذا لم يقصد النفل بها.

ج - لو ذكر الزيادة بعد الركوع قبل السجود احتمل الجلوس، و التشهد، و التسليم، و يسجد للسهو

لأنه لو أكمل الركعة فعل ذلك ففي بعضها أولي، و البطلان لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر، و إن لم نأمره زاد ركوعا غير معتد به بخلاف الركعة لصلاحيتها للنفل، و يحتمل إتمامها و إضافة أخري، و يسجد للسهو كما لو كان بعد السجدة.

أما الشافعي فقال: إن ذكر في الخامسة فإن كان بعد ما جلس و تشهد فإنه يسجد للسهو و يسلّم، و إن ذكر بعد ما سلّم فكذلك، و إن ذكر قبل أن يجلس بأن يذكر في القيام إليها، أو الركوع، أو السجود، فإن كان لم يتشهد في الرابعة جلس و تشهد و سجد للسهو و سلّم، و إن كان تشهد في الرابعة جلس و سجد للسهو و سلم(2) ، و في إعادة التشهد قولان(3).

د - لو ذكر الزيادة بعد السجود فقد بيّنا أنها تبطل

إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد، و به قال أبو حنيفة إلاّ أن أبا حنيفة قال: تبطل فرضا و تكون نافلة فيضيف إليها سادسة(4) ، و هو ممنوع إذا لم يقصد النفل.

مسألة 340: لو نقص من عدد صلاته ناسيا و سلّم ثم ذكر
اشارة

بعد فعل المبطل عمدا و سهوا، كالحدث إجماعا، و الاستدبار خلافا للشافعي(5) بطلت

ص: 310


1- المبسوط للسرخسي 228:1، اللباب 98:1، المجموع 162:4-163، فتح العزيز 163:4، المغني 721:1، الشرح الكبير 702:1.
2- الام 131:1، مختصر المزني: 17، المجموع 139:4 و 163، فتح العزيز 162:4، المغني 1: 720-721، الشرح الكبير 702:1، الميزان 162:1، حلية العلماء 141:2.
3- المجموع 139:4، فتح العزيز 163:4، حلية العلماء 141:2.
4- المبسوط للسرخسي 227:1، اللباب 97:1، فتح العزيز 163:4، المغني 721:1، الشرح الكبير 702:1.
5- المجموع 115:4، فتح العزيز 215:3.

صلاته، كما لو سلّم في الأولتين من الرباعية، أو الثلاثية، أو تشهد في الاولي من الثنائية و سلّم ناسيا، ثم أحدث أو استدبر، لأن ذلك يبطل صلاة المصلّي حقيقة فكيف من هو في حكمه ؟! و لأنه لا يمكن الإتيان بالفائت من غير خلل في هيئة الصلاة، و لأنه قد فعل المنافي للصلاة فلا يصح معه الإتمام.

و لقول أحدهما عليهما السلام: «إذا حوّل وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا»(1) و لقول الصادق عليه السلام: «إن كنت انصرفت فعليك الإعادة»(2).

و إن كان بعد فعل المبطل عمدا كالكلام فللشيخ قولان: أحدهما:

الإتمام و يسجد للسهو(3) - و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(4) - لحديث ذي اليدين(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الرجل يتكلم ثم يذكر أنه لم يتم صلاته، قال: «يتم ما بقي من صلاته، و لا شيء عليه»(6).

و قال أبو حنيفة: يعيد مع الكلام(7) و هو الثاني للشيخ(8) لقوله عليه1.

ص: 311


1- التهذيب 184:2-732، الإستبصار 367:1-368-1401.
2- الكافي 383:3-11، التهذيب 183:2-731، الاستبصار 368:1-1400.
3- المبسوط للطوسي 118:1.
4- الأم 124:1، المهذب للشيرازي 97:1-98، المغني 738:1، الشرح الكبير 1: 710، و انظر المدونة الكبري 133:1.
5- صحيح البخاري 86:2، صحيح مسلم 404:1-573، سنن الترمذي 2: 247-399، سنن النسائي 22:3، الموطأ 93:1-58.
6- التهذيب 191:2-757، الإستبصار 379:1-1436.
7- بدائع الصنائع 233:1، المبسوط للسرخسي 170:1، الهداية للمرغيناني 61:1، اللباب 1: 85، المغني 738:1، سبل السلام 344:1.
8- المبسوط للطوسي 118:1.

السلام: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين»(1) و نحن نقول بموجبه إذ الظاهر حمله علي العمد.

فروع:

أ - لو فعل المبطل عمدا علي وجه السهو و تطاول الفصل، ظاهر كلام علمائنا: عدم البطلان

- و به قال الأوزاعي، و الليث، و يحيي الأنصاري(2) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال: أ قصرت الصلاة يا رسول اللّه ؟ فخرج مغضبا فصلّي الركعة التي كان ترك، ثم سلّم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلّم(3) و هو عندنا ممنوع.

و قال الشافعي: إن طال الفصل استأنف الصلاة - و به قال مالك، و أحمد - لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها علي بعض في طول الفصل كما لو انتقض الوضوء(4) و لا بأس عندي بهذا القول لخروجه عن كونه مصليا.

ب - إن قلنا بالأخير رجع في حد التطاول إلي العرف

- و هو ظاهر كلام الشافعي في الأم - (5) و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: حدّه ما زاد علي فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(6) فإنه بعد ما سلم قام و مشي إلي مقدم المسجد و جلس و راجعه ذو اليدين فسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الصحابة عن الحال فأخبروه فعاد إلي الصلاة(7).

ص: 312


1- صحيح مسلم 381:1-537، سنن النسائي 17:3، مسند أحمد 448:5.
2- المغني 701:1، الشرح الكبير 709:1.
3- سنن ابن ماجة 384:1-1251، سنن البيهقي 359:2.
4- المجموع 113:4، كفاية الأخيار 78:1، المهذب للشيرازي 96:1، المغني 1 : 701، الشرح الكبير 709:1.
5- حكاه النووي نقلا عن الام في المجموع 114:4، و أيضا الرافعي في فتح العزيز 166:4.
6- المجموع 115:4، فتح العزيز 166:4.
7- صحيح مسلم 403:1-98، سنن البيهقي 357:2.

و قال آخرون: أن يمضي مقدار ركعة تامة، و هو قول الشافعي في البويطي(1) ، و قال آخرون: مقدار الصلاة التي هو فيها(2) و هو غلط لأدائه إلي اختلاف التطاول باختلاف عدد الصلوات.

ج - لو ذكر بعد أن شرع في صلاة أخري فإن طال الفصل بطلت الاولي و صحت الثانية،

و إن لم يطل الفصل عاد إلي الأولي فأتمها، و به قال الشافعي(3) و يحتمل البطلان لأنه زاد ركنا هو النية، و التكبير و هو مبطل، و إن كان سهوا، و يمكن الجواب بأنه ليس ركنا في تلك الصلاة فلا يبطلها.

و هل تبني الثانية علي الاولي ؟ يحتمل ذلك فيجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تمام الاولي فيكون وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه، و يحتمل بطلان الثانية، لأنها لم تقع بنيّة الاولي فلا تصير بعد عدمه منها، فحينئذ لا فرق بين أن يكون ما شرع فيه ثانيا فرضا أو نفلا، أما علي احتمال البناء، فقال بعض الشافعية: إن كان فرضا صح له البناء بخلاف النافلة لأنه لا يتأدي الفرض بنية النفل.

و لو نوي المسافر القصر فصلي أربعا ناسيا ثم نوي الإقامة لم يحتسب له بالركعتين، و عليه أن يصلي ركعتين بعد نية الإتمام، لأن وجوب الركعتين بعد الفراغ من الزائدتين، فلم يعتد بهما، و علي ما اخترناه نحن إن كان جلس عقيب الركعتين صحت صلاته و إلاّ فلا.

د - إذا أراد أن يبني علي صلاته لم يحتج إلي النية،

و لا إلي التكبير لأن التحريمة الأولي باقية فلو كبر و نوي الافتتاح بطلت صلاته.1.

ص: 313


1- المجموع 115:4، فتح العزيز 166:4، المهذب للشيرازي 96:1-97، المغني 702:1.
2- المجموع 114:4، فتح العزيز 166:4، المهذب للشيرازي 97:1، المغني 702:1.
3- مغني المحتاج 214:1، المغني 702:1، الشرح الكبير 709:1.

ه - لو كان قد قام عن موضعه لم يعد إليه

بل يبني علي الصلاة في الموضع الذي ذكر فيه، لأن عوده إلي مكان الصلاة ليس من مصلحتها.

و - لو شك بعد أن سلم هل ترك بعض الركعات أم لا؟ لم يلتفت إليه

لأنه قد شك في شيء بعد انتقاله عنه فلا يؤثر فيه، و إلاّ لزم الحرج لتطرق الشك دائما في الصلوات الماضية، و الأصل صحة الصلاة، و هو قول الشافعي في القديم، و في الجديد: يلزمه إتمام الصلاة لأنها في الذمة بيقين فلا يبرأ بدونه، فإن كان الفصل قريبا بني، و إن طال استأنف(1).

ز - لو سلّم عن ركعتين، فقال له إنسان: سلّمت عن ركعتين فإن تداخله شك احتمل عدم الالتفات

عملا بالأصل، و الإتمام، لأن إخبار المسلم علي أصل الصحة.

و لو اشتغل بجوابه فلم يذكر فأراد العود إلي صلاته جاز لأن الكلام وقع ناسيا، و منعت الشافعية منه، أما لو لم يتداخله شك فأجابه، و قال: بل أتممت، ثم ذكر النقصان فإنه يبني عندهم أيضا لخبر ذي اليدين(2).

مسألة 341: لو شك في عدد الركعات
اشارة

فإن كان في الثنائية كالصبح، و صلاة المسافر، و الجمعة، و العيدين، و الكسوف، أو في الثلاثية كالمغرب، أو في الأوليين من الرباعية أعاد عند علمائنا.

و إن كان في الأخيرتين من الرباعية احتاط بما يأتي.

ص: 314


1- المجموع 116:4، الوجيز 51:1، السراج الوهاج: 60، فتح العزيز 165:4، مغني المحتاج 210:1، المهذب للشيرازي 97:1.
2- صحيح البخاري 86:2، صحيح مسلم 404:1-573، سنن الترمذي 2: 247-399، سنن النسائي 22:3، الموطأ 93:1-58.

و لم يفرق أحد من الجمهور بين الصلوات بل سوّوا بينها في الحكم(1) - و هو قول الصدوق منا(2) - و الحق ما قلناه، لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا يخرج عن العهدة بدونه، و لأنّه إن أمر بالانفصال احتمل النقصان و هو مبطل قطعا، و إن أمر بالإتمام احتملت الزيادة و هي مبطلة قطعا فيكون المأتي به مترددا بين الصحة و البطلان فلا يبرأ عن عهدة التكليف.

و لا ينتقض بالأخيرتين لأن عناية الشارع بالأولتين أتم، و لهذا سقطت الأخيرتان في السفر، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العلاء عن الشك في الغداة: «إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها»(3) ، و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن السهو في المغرب، قال:

«يعيد حتي يحفظ أنها ليست مثل الشفع»(4).

و قال الصادق عليه السلام: «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك»(5) و سأله العلاء عن الرجل يشك في الفجر فقال عليه السلام:

«يعيد» قلت: و المغرب، قال: «نعم، و الوتر و الجمعة» من غير أن أسأله(6).

و احتجاج الصدوق بقول الكاظم عليه السلام في الرجل لا يدري صلّي5.

ص: 315


1- مغني المحتاج 209:1، الميزان 162:1، المغني 711:1، الشرح الكبير 727:1، المجموع 106:4.
2- لم نعثر علي قوله، و نسبه المصنّف في المختلف: 132 الي علي بن بابويه. فلاحظ.
3- التهذيب 179:2-720، الاستبصار 366:1-1394، و الحديث مضمر مروي عن سماعة، و أورده عن العلاء في المعتبر: 230.
4- التهذيب 179:2-717، الاستبصار 370:1-1406.
5- التهذيب 179:2-717، الاستبصار 370:1-1406.
6- التهذيب 180:2-722، الإستبصار 366:1-1395.

ركعة أو ركعتين ؟: «يبني علي الركعة»(1) محمول علي النوافل لأنها مطلقة، و ما قلناه مقيد.

فروع:

أ - لو شك في جزء منهما لا في عدد كالركوع، أو السجود، أو الذكر فيهما، أو الطمأنينة، أو القراءة كان حكمه حكم الشك في غيرهما

- و سيأتي - عند أكثر علمائنا(2) لأصالة البراءة، و قال الشيخان: يعيد(3) لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تحفظ الأولتين فأعد صلاتك»(4) و المشهور الأول، و تحمل الرواية علي العدد.

ب - لا فرق عند علمائنا بين الركن و غيره

من الواجبات بل أوجب الشيخان الإعادة بالشك في الجزء من الأولتين مطلقا(5) و الباقون علي الصحة مطلقا(6) و ليس بعيدا من الصواب الفرق بين الركن و غيره، لأن ترك الركن سهوا مبطل كعمده فالشك فيه في الحقيقة شك في الركعة إذ لا فرق بين الشك في فعلها و عدمه، و بين الشك في فعلها علي وجه الصحة و البطلان.

ج - هل الشك في أجزاء ثالثة المغرب و كيفياتها الواجبة كالشك في الأولتين أو في الأخيرتين ؟

لم ينص علماؤنا علي شيء منهما و كلاهما يحتمل لإجراء الثالثة مجري الثانية في الشك عددا فكذا كيفية للمساواة في طلب المحافظة عليها، و عدم التنصيص الثابت في الأولتين.

ص: 316


1- التهذيب 177:2-178-711، الاستبصار 365:1-1388.
2- منهم: المحقق في المعتبر 230-231.
3- المقنعة: 24، النهاية: 92، و انظر المبسوط 120:1.
4- التهذيب 177:2-707، الإستبصار 364:1-1384.
5- المقنعة: 24 و انظر النهاية: 92، و المبسوط 120:1.
6- منهم: المحقق في المعتبر: 230-231.

د - لو شك في ركعات الكسوف أعاد

علي قول الشيخ، و علي ما اخترناه من الفرق بين الركن و غيره، أما علي قول الباقين فإنه يأتي به لأنه لم يتجاوز محله إن شك في العدد مطلقا أو في الأخير، أما لو شك في سابق كما لو شك هل ركع عقيب قراءة التوحيد - مثلا و كان قد قرأها - أو لا فإنه لا يلتفت لانتقاله عن محله.

ه - لو شك في عدد الثنائية ثم ذكر قبل فعل المبطل أتم صلاته

علي ما ذكره و إلاّ بطلت.

مسألة 342: لو شك فلا يدري كم صلّي أعاد

إذ لا طريق له إلي براءة ذمته إلاّ ذلك، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين، أم في واحدة، أو أربع فأعد، و لا تمض علي الشك»(1) و قول الكاظم عليه السلام: «إذا لم تدر كم صليت و لم يقع و همك علي شيء فأعد الصلاة»(2).

مسألة 343: لو شك في الإتيان بركن أو غيره من الواجبات فإن كان قد تجاوز المحل لم يلتفت
اشارة

مثل أن يشك في النيّة و قد كبّر، أو في تكبيرة الافتتاح و قد قرأ، أو في القراءة و قد ركع، أو في الركوع و قد سجد، أو في السجود، أو التشهد و قد قام - و إن كان في محلّه لم يتجاوز عنه فإنّه يأتي به - لأنّ الأصل - بعد التجاوز - الفعل؛ إذ العادة قاضية بأن الإنسان لا ينتقل عن فعل إلاّ بعد إكماله. و لأنّ اعتبار الشك بعد الانتقال حرج؛ لعروضه غالبا.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(3).

ص: 317


1- الكافي 358:3-3، التهذيب 187:2-743، الإستبصار 373:1-1418.
2- الكافي 358:3-1، التهذيب 187:2-744، الإستبصار 373:1-1419.
3- التهذيب 352:2-1459.

أما في المحل فإن الأصل عدم الفعل، و الإتيان به ممكن من غير خلل و لا تغيير لهيئة الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام: «يركع و يسجد» لمّا سأله أبو بصير عن رجل شك و هو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع(1).

و قال الشافعي: لو شك الراكع في ترك القراءة، أو الساجد في ترك الركوع فعليه أن يعود في الوقت إلي ما شك في فعله لأنّ الفرض قد توجه عليه فلا يسقط إلاّ بيقين(2). و نمنع التوجه مطلقا.

إذا ثبت هذا فإن ذكر أنه كان قد فعله قبل أعاد الصلاة إن كان ركنا كالركوع و السجدتين لأن زيادته مطلقا مبطلة، و إن لم يكن ركنا كالسجدة الواحدة، و التشهد، و القراءة لم يعد لعدم الإبطال بسهوه، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يعيد الصلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(3).

فروع:

أ - لو شك في الركوع و هو قائم فأتي به ثم ذكر أنه كان قد ركع قبل أن ينتصب أعاد

- و به قال ابن أبي عقيل منّا(4) - لأن الركوع الانحناء و قد وجد فيكون قد زاد ركنا و صار كما لو ذكر بعد الانتصاب.

و قال الشيخ، و المرتضي: يهوي للسجود و لا يرفع رأسه لأن ركوعه مع هويه لازم فلا يعد زيادة(5). و هو ممنوع لأن مسمّي الركوع و هو الانحناء قد حصل، و الرفع ليس جزءا منه بل انفصال عنه و قد قصد الركوع.

ب - لو شك في قراءة الفاتحة و هو في السورة قرأ الفاتحة و أعاد السورة

ص: 318


1- الكافي 348:3-1، التهذيب 150:2-590، الإستبصار 357:1-1352.
2- فتح العزيز 331:3، مغني المحتاج 179:1، السراج الوهاج: 50، حاشية إعانة الطالبين 179:1.
3- الفقيه 228:1-1009، التهذيب 156:2-610.
4- حكاه المحقق في المعتبر: 231 عنه.
5- النهاية: 92، المبسوط للطوسي 122:1، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 3: 36.

لأن محل القراءتين واحد.

ج - لو شك في السجود و هو قائم، أو في التشهد، قال الشيخ: يرجع و يسجد أو يتشهد ثم يقوم

(1) لأن القيام و القراءة ليسا ركنين فيكون في حكم ركن السجود، و لقول الصادق عليه السلام: «يسجد» في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر سجد أم لم يسجد(2). و قد بيّنا أن القيام ركن و قبل الاستواء مغاير للاستواء، و النزاع في الثاني، و الوجه عدم الالتفات لقول الصادق عليه السلام: «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شيء شك فيه و قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»(3).

د - لو سها عن ركن و لم يذكر إلاّ بعد انتقاله أعاد الصلاة

لأن ترك الركن مبطل سواء كان عن عمد أو سهو.

البحث الثاني: فيما لا حكم له
مسألة 344: لو نسي القراءة حتي ركع مضي في صلاته

و لم يجب عليه تدارك القراءة، و كذا لو نسي الحمد أو السورة لأنه عذر فيسقط معه الوجوب، و لأن الأصل براءة الذمة، و لقول الصادق عليه السلام و قد قال له منصور بن حازم: صليت المكتوبة و نسيت أن أقرأ في صلاتي كلها: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلي، قال: «تمت صلاتك»(4).

و قال الشافعي: يتدارك القراءة ثم يأتي بما بعدها(5).

و هل تجب سجدتا السهو؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: الوجوب و هو

ص: 319


1- المبسوط للطوسي 122:1.
2- التهذيب 153:2-603، الاستبصار 362:1-1371.
3- التهذيب 153:2-602، الاستبصار 358:1-1359، و فيه عن الامام الباقر عليه السلام.
4- الكافي 348:3-3، التهذيب 146:2-570، الاستبصار 353:1-1336.
5- المجموع 332:3.

أقوي لما يأتي، و الثاني: المنع عملا بالبراءة.

مسألة 345: لو نسي الجهر و الإخفات حتي فرغ من القراءة مضي في صلاته

و لا يستأنف القراءة و إن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به و هو القراءة، و الكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر، و لقول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه و أخفي فيما لا ينبغي الإخفات فيه و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه و قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال: «إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه»(1) و لأنه لو ترك أصل القراءة ناسيا صحت صلاته فالكيفية أولي.

و هل يسجد له ؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: الوجوب بناء علي أن كل سهو يلحق الإنسان يجب فيه السجدتان علي ما يأتي.

و الثاني: المنع لأن قول الباقر عليه السلام: «لا شيء عليه»(2) يقتضي نفي السجود.

و بالأول قال مالك(3) لقوله عليه السلام: (لكل سهو سجدتان)(4) و بالثاني قال الشافعي، و الأوزاعي(5) لأن أنسا جهر في العصر فلم يسجد له(6) ، و لأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.

و لا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي، و نمنع الجامع لأنه عندنا

ص: 320


1- التهذيب 147:2-577.
2- التهذيب 147:2-577.
3- المدونة الكبري 140:1، القوانين الفقهية: 77، المجموع 128:4، فتح العزيز 4: 139، الميزان 163:1، المغني 720:1.
4- سنن ابن ماجة 385:1-1219، مسند أحمد 280:5.
5- المجموع 126:4 و 128، مختصر المزني: 17، الميزان 163:1، المهذب للشيرازي 1: 98، المغني 720:1.
6- المغني 720:1، فتح العزيز 140:4.

واجب، و عن أحمد روايتان كهذين(1).

و قال أبو حنيفة: إن كان إماما سجد(2). و نقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه و إن جهر بما يسرّ فعليه سجود السهو(3). ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث آيات، و منهم من اعتبر الجهر بآية(4) ، و نقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في الصلاة سواء كان ذكرا أو عملا(5).

مسألة 346: لو سها عن الذكر في الركوع أو السجود فإن كان بعد لم يرفع رأسه سبّح، و إن كان قد رفع مضي في صلاته

لما تقدم، و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا، قال: «تمت صلاته»(6) و سئل الكاظم عليه السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه و سجوده قال: «لا بأس بذلك»(7).

و هل يسجد للسهو؟ لعلمائنا قولان، و قال الشافعي: لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل هيئات لها؛ و به قال أبو حنيفة أيضا(8).

مسألة 347: لو ترك الطمأنينة في الركوع، أو الرفع منه، أو في إحدي السجدتين،

أو في الرفع من الأولي، أو في إكماله، أو في الرفع من الركوع، أو في الجلوس للتشهد، أو ترك عضوا من السبعة لم يسجد عليه فما زاد

ص: 321


1- المغني 719:1-720، المجموع 128:4، فتح العزيز 140:4.
2- المبسوط للسرخسي 222:1، اللباب 95:1، الكفاية 440:1، الهداية للمرغيناني 74:1، الميزان 163:1، المغني 720:1.
3- المبسوط للسرخسي 222:1.
4- المبسوط للسرخسي 222:1، الهداية للمرغيناني 75:1.
5- حكاه الرافعي في فتح العزيز 140:4.
6- التهذيب 157:2-613.
7- التهذيب 157:2-614.
8- الأم 115:1، المجموع 126:4 و 128، مختصر المزني: 17، فتح العزيز 139:4، بدائع الصنائع 166:1.

سهوا، فإن كان في محله أتي به، و إن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.

مسألة 348: لا حكم للسهو في السهو

لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا، فلا ينفك عن التدارك و هو حرج فيكون منفيا، و لأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته، و لقول الصادق عليه السلام: «ليس علي السهو سهو، و لا علي الإعادة إعادة»(1).

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال: إن استيقن أنه سها و شك هل سجد للسهو أم لا، يسجد لأن الأصل أنه لم يسجد، و كذا إذا سجد و شك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة أخري، و النفل أولي(2).

أما لو شك هل سها أم لا فإنه لا يلتفت و لا شيء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو النقصان.

و قال الشافعي: إن كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهوا أم لا، أو هل جري في صلاته ما يقتضي سجودا أم لا فإنه لا سهو فيه و لا سجود عليه. و إن كان في النقصان فإن كان قد شك في نقصان فعل واجب كسجود و غيره أتي به و سجد للسهو. و إن كان في مسنون يسجد له كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه(3).

مسألة 349: و لا سهو علي من كثر سهوه و تواتر

بل يبني علي وقوع ما شك فيه، و لا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(4) و قول الباقر عليه

ص: 322


1- الكافي 359:3-7، التهذيب 344:2-1428.
2- الأم 131:1، المجموع 128:4، مختصر المزني: 17، فتح العزيز 168:4، مغني المحتاج 209:1.
3- المجموع 128:4، فتح العزيز 167:4-168، المهذب للشيرازي 98:1.
4- التهذيب 343:2-1423.

السلام: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان»(1).

إذا عرفت هذا فالمرجع إلي العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلي عرفهم فيما لم ينص عليه.

و قال بعض علمائنا: حدّه أن يسهو في شيء واحد، أو فريضة واحدة ثلاث مرات، أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة(2).

قال الشيخ في المبسوط: قيل: إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية(3).

مسألة 350: و لا سهو علي المأموم إذا حفظ عليه الإمام، و بالعكس

عملا بأصالة البراءة، و لقوله عليه السلام: (ليس علي من خلف الإمام سهو)(4).

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الافتتاح»(5) و قول الصادق عليه السلام: «ليس علي من خلف الإمام سهو»(6).

و لو اختص المأموم بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسيا أو يقوم في موضع قعود الإمام ناسيا أو بالعكس كان وجود سهوه كعدمه، و لا شيء

ص: 323


1- الكافي 359:3-8، الفقيه 224:1-989، التهذيب 343:2-1424.
2- هو ابن إدريس في السرائر: 52.
3- المبسوط للطوسي 122:1.
4- سنن الدارقطني 377:1-1.
5- الفقيه 264:1-1205، التهذيب 144:2-563.
6- الكافي 359:3-7، التهذيب 344:2-1428.

عليه عملا بالأحاديث السابقة - و هو قول الجمهور كافة(1) - لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فلم يأمره بالسجود(2) ، إلاّ ما نقل عن مكحول: أنه قام مع قعود إمامه فسجد للسهو(3). و لا عبرة بخلافه مع انقراضه.

و إن كان بالنقصان فإن كان في محلّه أتي به لأنه مخاطب بفعله و لم يحصل فيبقي في العهدة، و إن تجاوز المحل فإن كان ركنا بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع و ذكر بعد سجوده مع الإمام، و إن لم يكن ركنا كالسجدة قضاها بعد التسليم.

و لو كان مما لا يقضي كالذكر في السجود، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملا بما تقدم من الأخبار، و لو قيل: بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجها لقول أحدهما عليهما السلام: «ليس علي الإمام ضمان»(4).

مسألة 351: لو انفرد الإمام بالسهو لم يجب علي المأموم متابعته
اشارة

لأن المقتضي للسجود - و هو السهو - منتف عنه فينتفي معلوله.

و قال الشيخ: يجب علي المأموم(5) - و هو قول الجمهور كافة - لقوله

ص: 324


1- الام 131:1، المجموع 143:4، الوجيز 52:1، فتح العزيز 174:4، المغني 1: 731، الشرح الكبير 730:1، الميزان 161:1، بداية المجتهد 197:1.
2- صحيح مسلم 381:1-537، سنن النسائي 14:3-17، سنن أبي داود 244:1 - 930 و 245-931، سنن الدارمي 353:1، سنن البيهقي 249:2، مسند الطيالسي: 150-1105.
3- المغني 731:1، الشرح الكبير 730:1.
4- الكافي 378:3-3، الفقيه 264:1-1207، التهذيب 269:3-772، الاستبصار 440:1-1695.
5- المبسوط للطوسي 123:1-124.

عليه السلام: (ليس علي من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه و علي من خلفه)(1) و لأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإمام، و إنما يتم صلاة الإمام بالسجود للسهو، و نمنع الحديث، و نمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب الإعادة.

أما لو اشترك السهو بين الإمام و المأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعا لوجود المقتضي في حق كل منهما.

فروع:

أ - لو اختص الإمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم

- و به قال أبو حنيفة، و إبراهيم النخعي، و حماد، و المزني، و أحمد في رواية(2) - لأنه لم يسه و لم يسجد إمامه فيتابعه.

و قال الشافعي: يسجد المأموم - و به قال مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و أبو ثور، و أحمد في رواية(3) - لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها الإمام جبرها المأموم.

و نمنع المقدمة الأولي.

ب - لو اشترك السهو بينهما فإن سجد الإمام تبعه المأموم

بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء، و لو لم يسجد الإمام سجد المأموم و بالعكس.

ج - لو سها الإمام لم يجب علي المسبوق بعده متابعته في سجود

ص: 325


1- سنن الدارقطني 377:1-1.
2- الهداية للمرغيناني 75:1، الكفاية 442:1، شرح العناية 442:1، اللباب 1: 96، المغني 732:1، الشرح الكبير 731:1، المجموع 145:4 و 147، فتح العزيز 4: 177.
3- المجموع 145:4 و 146-147، الوجيز 52:1، فتح العزيز 177:4، مغني المحتاج 1: 212، الشرح الصغير 139:1، أقرب المسالك: 21، المغني 732:1، الشرح الكبير 731:1.

السهو لعدم الموجب في حقه سواء قلنا: إنّ السجود قبل التسليم، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد و يسلم، و إن شاء انتظر إمامه ليسلم معه - و به قال ابن سيرين(1) - لأن هذا ليس موضع سجود السهو في حق المأموم.

و قال الجمهور كافة: يتابعه المأموم(2) لقوله عليه السلام: (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا)(3) و يحمل علي سجود الصلاة.

فإن سلم الإمام ثم سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته - و به قال الشافعي(4) - خلافا لأبي حنيفة لأن عنده الإمام يسجد بعد السلام و يعود إلي حكم صلاته فيتابعه فيه(5).

إذا عرفت هذا فإذا قضي المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإمام بموجبه - و هو القديم للشافعي(6) - لأن سجود الإمام قد كملت به الصلاة في حق الإمام و المأموم فلا حاجة به إلي السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.

و في الجديد: أنه يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإمام2.

ص: 326


1- المجموع 146:4، المغني 731:1، الشرح الكبير 730:1.
2- المجموع 146:4، مغني المحتاج 212:1، المغني 731:1، الشرح الكبير 730:1، بدائع الصنائع 175:1-176، بداية المجتهد 197:1.
3- صحيح البخاري 106:1، صحيح مسلم 308:1-411 و 309-414، سنن أبي داود 164:1-603، سنن الترمذي 194:2-361، سنن النسائي 83:2، سنن ابن ماجة 276:1-846 و 392-1238، سنن الدارمي 300:1، مسند أحمد 2: 314.
4- حلية العلماء 148:2.
5- بدائع الصنائع 176:1، حلية العلماء 148:2.
6- المجموع 148:4، المهذب للشيرازي 98:1، مغني المحتاج 212:1، حلية العلماء 148:2.

فيسجد له موضع السجود، و ما فعله مع الإمام كان متابعا له(1).

إذا ثبت هذا فلو سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.

و قال الشافعي: إن كان قد سجد مع إمامه و قلنا: لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به سجدتين، و إن قلنا: يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين، و كفاه عن سهو الإمام و سهو نفسه. و من الشافعية من قال: يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين(2).

د - لو سها الإمام فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإمام

لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره أولي - و هو قول لبعض الشافعية(3) - لأنه كان، منفردا عنه.

و قال الشافعي، و مالك: يلزمه حكم سهو الإمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه(4).

و علي القول الأول لو سجد إمامه، قال الشافعي: يتبعه و إذا أتم صلاته لا يعيد، و كذلك إن لم يسجد إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته(5).

ه - لو قام الإمام إلي الخامسة ساهيا فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد،

و البقاء علي الائتمام، فلا يجوز له متابعة الإمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا أن صلاة الإمام لا تبطل بها لسهوه، بل ينتظر قاعدا حتي يفرغ من الركعة و يعود إلي التشهد و يتشهد معه.

فإن سجد الإمام للسهو لم يسجد المأموم، و قال الشافعي:4.

ص: 327


1- المجموع 148:4، مغني المحتاج 212:1.
2- المجموع 149:4، المهذب للشيرازي 98:1، حلية العلماء 148:2.
3- المجموع 148:4، فتح العزيز 178:4، المهذب للشيرازي 99:1، حلية العلماء 149:2.
4- المجموع 148:4، فتح العزيز 178:4، المهذب للشيرازي 98:1-99، المغني 1: 731، الشرح الكبير 730:1، حلية العلماء 148:2.
5- المجموع 148:4، فتح العزيز 178:4.

يسجد(1). و إن لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم أيضا، و قال الشافعي:

يسجد(2).

فلو كان المأموم مسبوقا بركعة و قام الإمام إلي الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له المتابعة، و إن لم يعلم و تابعه احتسب له الركعة.

و - لو صلي ركعة فأحرم إمام بالصلاة فنوي الاقتداء به احتمل البطلان و الصحة،

و القولان للشافعي(3) ، و سيأتي، فإن سوغناه و كان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق الإمام و أراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة و إلاّ فسجدتان عما اختص به.

ز - لو ترك الإمام سجدة و قام سبح به المأموم فإن رجع، و إلاّ فللمأموم متابعته

بعد أن يسجد لأن صلاة الإمام صحيحة.

و قال الشافعي: لا يجوز له متابعته لأن فعل الإمام بعد ذلك غير معتد به(4). و هو ممنوع.

فإن أخرج نفسه عن متابعة الإمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه و لا يسجد المأموم.

و قال الشافعي: إن أخرج قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته(5).4.

ص: 328


1- حلية العلماء 144:2.
2- حلية العلماء 144:2.
3- المجموع 208:4 و 209، المهذب للشيرازي 101:1، مغني المحتاج 260:1.
4- المجموع 240:4، فتح العزيز 377:4، المهذب للشيرازي 103:1، حلية العلماء 144:2.
5- انظر المجموع 146:4.

فإن أراد أن ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الأولي فإن أراد أن ينتظره في الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها، فلو أراد أن يسجد السجدة الثانية و ينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلاّ أنه لو فعل ذلك لم تبطل صلاته.

ثم إذا سجد الإمام فيصبر المأموم ساجدا إلي أن يرفع الإمام رأسه من السجدتين جميعا إن أراد، و إن أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإمام رأسه من السجدة الأولي جاز لأن المحسوب للإمام السجدة الأولي علي ظاهر المذهب.

و لو رفع رأسه من السجود قبل أن يسجد الإمام بطلت صلاته، لأن الإمام ما شرع في السجدة الثانية و هو قد فرغ منها، و المأموم إذا سبق الإمام بركن كامل بطلت صلاته.

ثم إذا رفع الإمام رأسه و كان قد ترك السجود من الركعة الأولي فأراد الإمام أن يجلس للتشهد الأول فالمأموم لا يتابعه في التشهد و لكن ينتظره قائما فإذا صلّي ركعة أخري فقد تمت للمأموم ركعتان و هو موضع التشهد إلاّ أن الإمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد و يترك المأموم التشهد أيضا متابعة له.

فإذا صلّي ركعة أخري فاعتقاد الإمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد و المأموم لا يتابعه بعد ذلك، فإن تابعه بطلت صلاته، فإن أحسّ بقيامه و بعد لم يرفع رأسه من السجدة الأولي، فأراد أن ينتظره فيها جاز؛ لأن السجود ركن ممتد.

ثم إذا أراد الإمام أن يسجد فعلي المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإمام قد فرغ من سجدة فالمحسوب له السجدة الاولي، فلو لم يرفع رأسه حتي زاد الإمام و لكن سجد معه السجدة الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة و لو فعل بطلت صلاته. و هذا كله ساقط عندنا.

ح - لو ظن المأموم أن الإمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم

بعد

ص: 329

احتمل خروجه عن الصلاة باستيفاء أفعاله و سلامه، و خطؤه ليس بمفسد لشيء من أفعاله، و أن يسلم مع الإمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به و إلاّ فلا، لأنه سهو في حالة الاقتداء، و به قال الشافعي(1).

و لو ذكر في التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا، و قال الشافعي:

إذا سلّم الإمام قام إلي ركعة أخري و لا يسجد للسهو، لأن سهوه كان خلف الإمام و كذا لو ذكر أنه ترك ركوعا(2) و عندنا تبطل صلاته لأنه ركن.

و لو سلّم الإمام فسلم المسبوق ناسيا ثم تذكّر بني علي صلاته و سجد للسهو - و به قال الشافعي(3) - لأنّ سلامه وقع بعد انفراده، و لو ظنّ المسبوق أن الإمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه و فعله و جلس، ثم علم أن الإمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوي الانفراد و له ذلك.

و قال الشافعي: لا يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإمام عن الصلاة أو بقطع القدوة حيث يجوز ذلك و لم يوجد واحد منهما، فلا يسجد للسهو بما أتي به لبقاء حكم الاقتداء(4).

و لو تبين له في القيام أن الإمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر علي التدارك و قصد الانفراد فهو مبني علي أن المقتدي هل له قطع القدوة ؟ فإن منعناه رجع، و إن جوّزناه فوجهان:

أحدهما: ذلك لأن نهوضه غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.1.

ص: 330


1- المجموع 143:4، فتح العزيز 175:4، كفاية الأخيار 78:1، مغني المحتاج 211:1.
2- المجموع 143:4، فتح العزيز 175:4، كفاية الأخيار 78:1، مغني المحتاج 211:1.
3- المجموع 143:4، فتح العزيز 175:4، مغني المحتاج 211:1.
4- المجموع 143:4-144، فتح العزيز 175:4، كفاية الأخيار 78:1، مغني المحتاج 211:1.

و الثاني: لا يجب لأن الانتهاض ليس متعينا لعينه، و إنما المقصود القيام و ما بعده فصار كما لو قصد القطع في ابتداء النهوض.

و إن لم يقطع القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائما سلام الإمام، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما عليه.

ط - إن قلنا بالتحمل - كما هو قول الشيخ(1) و الشافعي(2) - فإنما يكون لو كانت صلاة الإمام صحيحة

فلو تبيّن كون الإمام جنبا لم يسجد لسهوه و لا يتحمل هو عن المأموم، و لو عرف أن الإمام مخطئ فيما ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.

ي - كل موضع يلحقه سهو الإمام فإنه يوافقه،

فإن ترك عمدا ففي إبطال الصلاة نظر - و جزم به الشافعي(3) - و لو رأي الإمام يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلي المأموم أن يتابعه حملا علي أنه قد سها، و إن لم يعرف سهوه.

يا - لو اعتقد الإمام سبق التسليم علي سجدتي السهو فسلم و اعتقد المأموم خلافه لم يسلّم

بل يسجد و لا ينتظر سجود الإمام لأنه فارقه بالسلام، و هو وجه للشافعي، و له اثنان: أن يسلم معه و يسجد معه، و أنه لا يسلم، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه، فإذا فرغ من تشهده سلّم معه(4).

يب - لو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه علي الأقوي،

و علي الآخر: يتبعه - و به قال الشافعي - لأن عليه متابعته،4.

ص: 331


1- المبسوط للطوسي 123:1-124.
2- المجموع 144:4 و 146، فتح العزيز 177:4، مغني المحتاج 211:1، المهذب للشيرازي 98:1.
3- المجموع 144:4، فتح العزيز 177:4.
4- المجموع 146:4، فتح العزيز 178:4.

و فيه وجه آخر: أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة(1).

و إذا سجد معه فهل يعيد في آخر صلاته ؟ له قولان:

أصحهما: الإعادة، لأن المأتي به كان للمتابعة و قد تعدي الخلل إلي صلاته بسهو الإمام و محل الجبر بالسجود آخر الصلاة.

و العدم؛ لأنه لم يسه، و المأتي به سببه المتابعة و قد ارتفعت بسلام الإمام(2).

يج - لو اشترك الإمام و المأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا

فإن رجع الإمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ، فلا يتبعه فيه و ينوي الانفراد، و لو ركع المأموم أوّلا قبل الذكر رجع الإمام و تبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه، و إن تعمد استمر علي ركوعه و قضي السجدة و سجد للسهو.

يد - المسبوق إذا قضي ما فاته مع الإمام لا يسجد للسهو

إذ المقتضي و هو السهو منفي هنا - و به قال الشافعي(3) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فأتموا)(4) و لم يأمر بالسجود.

و حكي عن ابن عمر، و ابن الزبير، و أبي سعيد الخدري أنهم قالوا:

يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه(5) ،2.

ص: 332


1- المجموع 148:4، فتح العزيز 178:4، مغني المحتاج 212:1، السراج الوهاج: 61.
2- فتح العزيز 178:4، المجموع 148:4.
3- المجموع 163:4.
4- صحيح البخاري 163:1 و 164 و 9:2، صحيح مسلم 420:1 و 421-602، سنن الترمذي 149:2-327، سنن ابن ماجة 255:1-775، سنن الدارمي 294:1، مسند أحمد 237:2 و 239 و 270 و 452.
5- المجموع 163:4، المغني 733:1، الشرح الكبير 732:1، سنن أبي داود 1: 39 ذيل الحديث 152.

و هو غلط لأن الزيادة إنما تفتقر إلي الجبران لو نقصت صلاته، و هذه الزيادة واجبة فلا يجبرها إذا فعلها.

مسألة 352: لا حكم للسهو في النافلة

فلو شك في عددها بني علي الأقل استحبابا، و إن بني علي الأكثر جاز، و لا يجبر سهوه بركعة، و لا سجود عند علمائنا أجمع لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر علي ما أراد، و به قال ابن سيرين(1).

و قال الشافعي: يسجد للنافلة كالفريضة لأن السجود لترك ما اقتضاه الإحرام، أو لفعل شيء يمنع منه الإحرام و هو موجود في النفل كالفرض(2) ، و نمنع اقتضاء مطلق الإحرام بل الواجب.

البحث الثالث: فيما يوجب التلافي.
اشارة

كلّ ساه أو شاك في شيء و إن كان ركنا و هو في محله فإنه يأتي به علي ما تقدم، و إن تجاوز المحل فمنه ما يجب معه سجدتا السهو إجماعا منّا، و هو نسيان السجدة أو السجدتين و تذكر قبل الركوع، و نسيان التشهد كذلك، و منه ما لا يجب علي خلاف، و نحن نذكر ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 353: لو ترك سجدة في الأولي ساهيا ثم ذكر قبل الركوع في الثانية رجع فسجد ثم قام فاستقبل الثانية
اشارة

- و بالرجوع قال العلماء - و لأن القيام ليس ركنا يمنع عن العود إلي السجود، و لقول الصادق عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتي قام، قال: «فليسجد ما لم يركع»(3).

و كذا لو ترك سجدة في الثانية فذكر قبل أن يركع في الثالثة، أو في الثالثة فذكر قبل أن يركع في الرابعة، و يجب عليه بعد ذلك سجدتا السهو

ص: 333


1- المجموع 161:4، المغني 734:1.
2- الام 132:1، المجموع 161:4، مغني المحتاج 204:1.
3- التهذيب 153:2-602، الاستبصار 359:1-1361.

لقول الكاظم عليه السلام في الرجل ينسي السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بني علي صلاته، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه»(1).

و هل تجب جلسة الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس، أو كان نيته جلسة الاستراحة ؟ إشكال ينشأ من عدم النص، و قيام القيام مقامه في الفصل، و أصالة البراءة، و من أنها واجبة فيأتي بها.

و كذا لو نسي السجدتين معا و ذكر قبل الركوع فإنه يرجع و يسجدهما ثم يقوم لأن محل السجود قبل الركوع باق و إلاّ لما صح الرجوع إلي السجدة الواحدة، و يسجد أيضا سجدتي السهو.

أما لو ذكر بعد الركوع أنه نسي سجدة واحدة من السابقة فإنه يتم الصلاة و يقضيها بعد التسليم، و يسجد سجدتي السهو، و لا يرجع إلي السجود لما فيه من تغيير هيئة الصلاة، و زيادة الركن، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتي يسلّم ثم يسجدها، فإنها قضاء»(2).

و لو ذكر بعد الركوع ترك سجدتين من السابقة بطلت صلاته لأنّه أخلّ بركن.

و قال الشافعي: إذا ذكر و هو قائم في الثانية أو بعد ركوعها قبل أن يسجد للثانية نسيان سجدة من الأولي أتي بها كما يذكر.

ثم إن لم يجلس عقيب السجدة المأتي بها فيكفيه أن يسجد عن قيام، أو يجلس مطمئنا ثم يسجد؟ وجهان:

أحدهما: أن القيام كالجلسة لأن الغرض الفصل بين السجدتين.1.

ص: 334


1- التهذيب 154:2-606، الاستبصار 359:1-1363.
2- التهذيب 153:2-602، الاستبصار 359:1-1361.

و أصحهما عنده: أنه يجلس مطمئنا ثم يسجد، لأن مقصود الجلسة و إن كان هو الفصل فالواجب الفصل بهيئة الجلوس.

و إن كان قد جلس، إن جلس علي قصد الجلسة بين السجدتين، فإن اكتفينا في الصورة السابقة بأن يسجد عن قيام فهنا أولي، و إن قلنا: يجلس ثم يسجد فقد قيل بمثله هنا لينتقل من الجلوس إلي السجود، و الأصح: أنه يكفيه أن يسجد عن قيامه فإنه الذي تركه.

و إن قصد بتلك الجلسة الاستراحة فوجهان: من حيث ان السنة لا تقوم مقام الفرض، و أن ظن الاستراحة بتلك الجلسة لا يقدح.

و إن ذكر بعد أن سجد للثانية فإن السجدة التي سجدها تقع عن الاولي و يبطل عمله في الثانية و تحصل له ركعة ملفقة.

و إن ذكر بعد فراغه من الثانية فإن لم يقيّد سجوده في الثانية بنيّة تمت الاولي بسجود الثانية و لغت أعماله في الثانية، و إن نوي أنها للثانية فأكثرهم علي تمام الاولي بسجوده لأن نية الصلاة تشتمل علي جميع أفعالها و قد فعل السجود حال توجه الخطاب عليه بفعله(1).

و قال ابن سريج: لا يتم الاولي بهذه السجدة لأن نية الصلاة يجب استدامتها حكما و قد وجدت نية حقيقية تخالفها فكانت الحقيقية أغلب.

و قال أبو حنيفة: إن ذكر نسيان السجدة الأولي قبل ركوعه في الثانية عاد إليها كما قلناه نحن، و إن كان بعد ركوعه أو سجوده في الثانية سجد ثلاث سجدات متواليات فتلتحق سجدة بالأولي و اثنتان عن الركعة الثانية و تتم له الركعتان، و إن ذكر بعد اشتغاله بالتشهد سجد سجدة كما تذكر و تلتحق بالركعة الأولي(2).1.

ص: 335


1- مختصر المزني: 17، المجموع 118:4-119، فتح العزيز 149:4-151، مغني المحتاج 179:1، المهذب للشيرازي 97:1.
2- المبسوط للسرخسي 113:2-114، بدائع الصنائع 167:1، فتح العزيز 150:4-151.

و قال مالك: إن لم يكن قد ركع عاد إلي السجود - كما قلناه - و إن كان قد ركع لغت الاولي و صار الحكم للثانية فيتمها بسجدتين(1).

فروع:

أ - إذا ذكر نسيان سجدة بعد سجدتي الثانية فقد بيّنا أنه يستمر و يقضي المنسية،

و عند الشافعي يلفق فيجعل سجدة منهما للأولي و يبطل المتخلل بينهما، و أيّ السجدتين تحتسب له بها؟ أكثر أصحابه علي أنها تتم بالأولي و تلغو السجدة الثانية سواء كان قد جلس أولا للفصل أو لا(2) ، و علي قول أبي إسحاق: يتم ركعته بالسجدة الثانية لأن عليه أن ينتقل إليهما من القعود(3).

ب - لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الركعة الأخيرة

لأنّ المحل باق ثم يعيد التشهد و يسلم و يقضي السجدات الثلاث لفوات محلّها، و يسجد سجدتي السهو لكلّ سهو، و إن ذكر بعد التسليم قضي السجدات الأربع ولاء، و يسجد السهو أربع مرات لفوات المحل.

و قال الشافعي: يتم الأولي بما في الثانية، و الثانية بما في الثالثة، و الثالثة بما في الرابعة فتصح له ركعتان لأن السجود الأول من الثانية يحسب عن الاولي، و يبطل المتخلل بينهما، و الثالثة تحسب ثانية، و سجود الرابعة يكمل الثالثة ثانية، هذا إن كان قد جلس للفصل.

ص: 336


1- المدونة الكبري 134:1-135، الشرح الصغير 141:1، حلية العلماء 139:2، فتح العزيز 150:4.
2- المجموع 119:4، فتح العزيز 151:4، المهذب للشيرازي 97:1، حلية العلماء 2: 139.
3- حلية العلماء 139:2.

و إن ترك الجلسة أيضا فإن كان جلس للتشهد الأول صحت له ركعتان إلاّ سجدة لأن التشهد الأول قام مقام جلسة الفصل للركعة الاولي و وقعت السجدة الاولي في الركعة الثالثة تمامها فصحت له ركعة بالثالثة، و صحت له الرابعة بسجدة واحدة فيبني علي ذلك.

و إن لم يجلس للتشهّد الأول صحّت له ركعة إلا سجدة إن كان جلس في الرابعة فيسجد أخري و يتم له ركعة و يبني عليها، و من اجتزأ بالقيام في الفصل حصل له ركعتان، و إن ذكر بعد التسليم و لم يطل الفصل فكما لو ذكر قبله، و إن طال وجب الاستئناف(1).

و قال مالك: تصح الرابعة إلاّ سجدة و يبطل ما قبلها(2). و عن أحمد روايتان، إحداهما: كقول مالك، و الأخري: بطلان الصلاة(3).

و قال أبو حنيفة: يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات و يتم صلاته. و به قال الثوري، و الأوزاعي، و حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري(4) و حكي الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي: أنّه لو نسي ثمان سجدات أتي بهن متواليات لأن الركعة إذا سجد فيها فقد أتي بأكثرها، و الحكم يتعلق بالأكثر في صحة البناء كما إذا أدرك الركوع مع الإمام، و السجود متكرر فلا يعتبر فيه الترتيب كأيام رمضان(5).

ج - لو صلّي الظهر فنسي سجدة و ذكر أنّها من الأولي أتم صلاته و قضاها بعد التسليم و سجد للسهو،

و قال الشافعي: تمت الأولي بالثانية2.

ص: 337


1- المجموع 119:4 و 120 و 121، فتح العزيز 151:4-152، الوجيز 50:1، المغني 727:1، الشرح الكبير 722:1، القوانين الفقهية: 76، حلية العلماء 137:2 و 139.
2- المجموع 122:4، القوانين الفقهية: 76، المغني 726:1، الشرح الكبير 722:1، حلية العلماء 139:2.
3- المجموع 122:4، المغني 726:1، الشرح الكبير 722:1، فتح العزيز 155:4.
4- المجموع 121:4، فتح العزيز 154:4، المغني 727:1، الشرح الكبير 723:1، القوانين الفقهية: 76، حلية العلماء 139:2.
5- المغني 727:1، حلية العلماء 139:2.

و تصير الثالثة ثانية(1) و الرابعة ثالثة(2) ، و تبقي عليه ركعة، و كذا لو كانت من الثانية أو الثالثة(3).

و لو لم يعلم من أي ركعة هي حمل علي أحسن الأحوال عنده، و هو أنه تركها من ركعة قبل الرابعة، فلا تصح الركعة التي بعدها فيأتي بركعة لتتم الصلاة بيقين.

و لو نسي سجدتين من الرباعية و لا يدري كيف تركهما أخذ بأسوإ الأحوال و يجعل كأنه ترك من الأولي سجدة، و من الثالثة سجدة فيتم الأولي بالثانية، و الثالثة بالرابعة و تحصل له ركعتان.

و لو نسي ثلاث سجدات جعل كأنه ترك من الأولي سجدة و لم يترك من الثانية شيئا فتمت الأولي بالثانية، و ترك من الثالثة سجدة، و من الرابعة سجدة فتحصل من مجموعها ركعتان.

و لو نسي أربع سجدات قدر كأنه ترك من الأولي سجدة، و من الثانية لم يترك شيئا و من الثالثة ترك سجدة، و ما سجد شيئا من الرابعة فتحصل له ركعتان إلاّ سجدة.

و لو ترك خمس سجدات جعل كأنه ترك من الأولي سجدة، و من الثانية سجدتين، و من الثالثة سجدتين، و لم يترك من الرابعة شيئا فتمت الاولي بالرابعة و حصل له ركعة(4).

و علي مذهبنا أنه إذا ترك سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته علي ما تقدم، و إن لم يعلم أ هما من ركعة أو ركعتين ؟ رجحنا جانب الاحتياط، و أبطلنا الصلاة، لاحتمال أن يكونا من ركعة فتبطل الصلاة لفوات ركن فيها، و كذا لو علم أنهما من ركعة و لم يعلم أ هما من الرابعة أو مما سبق ؟1.

ص: 338


1- في نسخة (ش): ثانيته.
2- في نسخة (ش): ثالثته.
3- المجموع 120:4-131، المهذب للشيرازي 97:1.
4- المجموع 120:4-121، فتح العزيز 153:4-154، المهذب للشيرازي 97:1.

د - لو نسي جميع السجود بطلت صلاته عندنا، و قال الشافعي: صح له القيام، و القراءة، و الركوع الأول(1). و قال بعض أصحابه: بل الركوع الأخير.

مسألة 354: لو نسي التشهّد الأول، ثم ذكر قبل الركوع رجع إليه و تشهد،
اشارة

ثم قام فاستقبل الثالثة، و في سجود السهو قولان، و لو لم يذكر حتي ركع مضي في صلاته، و قضاه بعد التسليم، و سجد للسهو - و به قال الحسن البصري(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سأله سليمان بن خالد عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتي يركع فليتم الصلاة حتي إذا فرغ فليسلّم و يسجد سجدتي السهو»(3) و لأنه قبل الركوع في محل التشهد كالسجود.

و قال الشافعي: إن ذكر قبل انتصابه عاد إليه، و إن ذكر بعد انتصابه لم يعد(4) لقوله عليه السلام: (إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس، و إذا استتم قائما فلا يجلس و يسجد سجدتي السهو)(5).

و قال مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضي و لا يرجع(6). و قال

ص: 339


1- المجموع 121:4، فتح العزيز 154:4، المهذب للشيرازي 97:1.
2- المجموع 140:4، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1، المغني 713:1، الشرح الكبير 724:1.
3- التهذيب 158:2-618، الاستبصار 362:1-363-1374.
4- المجموع 122:4 و 130 و 140، فتح العزيز 156:4 و 158، الوجيز 50:1 و 51، المهذب للشيرازي 97:1، السراج الوهاج: 59، الميزان 162:1، رحمة الأمة 1: 58، المغني 712:1 و 713، الشرح الكبير 724:1.
5- سنن ابن ماجة 381:1-1208، مسند أحمد 254:4.
6- المنتقي للباجي 178:1، الشرح الصغير 142:1، المجموع 140:4، فتح العزيز 4: 158، الميزان 162:1، المغني 713:1، الشرح الكبير 724:1.

النخعي: يرجع ما لم يستفتح القراءة(1). و قال أحمد: إن ذكر قبل أن يستوي قائما وجب أن يرجع، و إن ذكر بعد أن يستوي قائما و قبل القراءة تخيّر و الأولي أن لا يرجع(2).

فروع:
أ - إذا ذكر قبل انتصابه رجع إلي التشهّد عندنا

و عند الشافعي(3) ، و كذا يرجع عندنا قبل الركوع و إن أنهي القراءة.

و هل يسجد للسهو؟ قولان:

أحدهما: الوجوب لما تقدم من وجوبهما لكل زيادة و نقصان - و به قال أحمد، و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنه زاد في الصلاة من جنسها علي وجه السهو فأشبه زيادة سجود.

و الثاني: عدمه - و به قال الشافعي أيضا، و الأوزاعي، و علقمة، و الأسود(5) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يسهو في الصلاة فينسي التشهد: «يرجع فيتشهد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال:

«ليس في هذا سجدتا السهو»(6).

ص: 340


1- المجموع 140:4، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1، المغني 713:1، الشرح الكبير 724:1.
2- المغني 712:1 و 713، الشرح الكبير 724:1، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1.
3- المجموع 140:4، الوجيز 51:1، فتح العزيز 158:4، المهذب للشيرازي 97:1، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1، المغني 712:1 و 713، الشرح الكبير 724:1.
4- المجموع 127:4 و 130، الوجيز 51:1، فتح العزيز 159:4، المهذب للشيرازي 1: 98، المغني 713:1 و 714، الشرح الكبير 725:1، حلية العلماء 141:2.
5- المجموع 127:4، فتح العزيز 158:4، المهذب للشيرازي 98:1، حلية العلماء 2: 141.
6- التهذيب 158:2-622، الاستبصار 363:1-1376.
ب - لو ذكر قبل الركوع بعد الانتصاب فقد قلنا: إنه يجب عليه الرجوع،

خلافا للشافعي فإنه يمنع منه لأن القيام فرض و التشهّد سنة عنده و الفرض لا يقطع بالسنة(1) ، و قد بيّنا وجوبه.

فلو خالف و عاد عامدا عالما بأنه لا يجوز علي مذهبه بطلت صلاته عنده(2) ، و إن كان ناسيا لم تبطل و يقوم كما يذكر، و إن عاد جاهلا بأنه لا يجوز فوجهان: البطلان لتقصيره بترك العلم و أصحهما: الصحة لأنه قد يخفي فيعذر(3).

هذا في المنفرد، و كذا الإمام لا يرجع بعد الانتصاب عنده و المأموم يوافقه، فإن نوي مفارقته ليتشهد جاز، و إن نهض المأموم ناسيا فأصح الوجهين عنده: العود لوجوب متابعة الإمام، و الآخر: الصبر إلي أن يلحقه الإمام لأنه ليس فيما فعله إلا التقدم علي الإمام بركن و هو غير مبطل، و إن كان عمدا فلا حاجة إلي الرجوع(4) ، و هذا كلّه عندنا باطل لوجوب الرجوع قبل الركوع.

ج - المراد بالانتصاب الاعتدال قائما،

و هو أحد وجهي الشافعية و الآخر: أن يصير أرفع من حدّ أقل الركوع(5) ، و عند أبي حنيفة، و مالك:

إن صار أقرب إلي القيام لم يعد(6).

ص: 341


1- المجموع 140:4، الوجيز 50:1-51، فتح العزيز 156:4، المهذب للشيرازي 97:1، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1.
2- المجموع 123:4 و 130، الوجيز 51:1، فتح العزيز 156:4، كفاية الأخيار 1: 79.
3- المجموع 130:4، فتح العزيز 156:4 و 157.
4- المجموع 131:4 و 132، فتح العزيز 157:4، الوجيز 51:1، كفاية الأخيار 1: 79، السراج الوهاج: 59.
5- المجموع 134:4، فتح العزيز 158:4، كفاية الأخيار 79:1.
6- اللباب 97:1، الهداية للمرغيناني 75:1، شرح العناية 443:1، المجموع 140:4، فتح العزيز 158:4.
د - إذا عاد قبل الانتصاب فالأقرب وجوب سجدتي السهو

لزيادة بعض القيام، و هو أحد قولي الشافعي(1) ، و قال بعض علمائنا: لا يجب(2).

و هو ثاني الشافعي(3).

و قال بعض الشافعية: إن عاد قبل أن ينتهي إلي حدّ الراكعين لم يسجد، و إن عاد بعد الانتهاء إليه سجد لأنه زاد ركوعا سهوا(4).

ه - لا فرق بين نسيان التشهد و نسيان بعض الواجب فيه،

و كذا لو نسي الصلاة علي النبي و آله عليهم السلام، و لو لم يذكر إلاّ بعد الركوع قضي الصلاة عليهم دون التشهد لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل ينسي من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشيء منها، ثم يذكر بعد ذلك، فقال:

«يقضي ذلك بعينه» فقلت: يعيد الصلاة ؟ قال: «لا»(5).

و - لو أخلّ بالتشهد الأخير حتي سلم قضاه و سجد للسهو،

و لو أحدث قبل قضائه، قال بعض أصحابنا: يعيد الصلاة لأنه أحدث فيها و وقع التسليم في غير موضعه(6). و ليس بجيّد لأن التسليم وقع موقعه مع السهو فحينئذ يتطهر، و يقضي التشهد، و يسجد للسهو إن لم يبطل الحدث المتخلل بين الصلاة و الجزء المنسي الصلاة.

مسألة 355: لو ذكر - و هو في السورة - نسيان قراءة الحمد استأنف الحمد و أعاد السورة

أو غيرها، لأن محل القراءة باق، و كذا لو نسي الركوع ثم ذكر قبل السجود قام و ركع، ثم سجد، و كذا لو نسي سجدة أو سجدتين و ذكر قبل

ص: 342


1- المجموع 134:4، فتح العزيز 158:4 و 159، السراج الوهاج: 60.
2- قاله المحقق في المعتبر: 230.
3- المجموع 134:4، فتح العزيز 159:4، كفاية الأخيار 79:1.
4- المجموع 134:4، فتح العزيز 159:4.
5- التهذيب 150:2-588، الإستبصار 357:1-1350.
6- حكاه عن بعض الأصحاب أيضا المحقق في المعتبر: 230.

الركوع قعد و فعل ما نسيه، ثم قام فقرأ.

و هل تجب السجدتان للسهو في هذه الأماكن ؟ قولان و قد سلف البحث في ذلك كله.

البحث الرابع: فيما يوجب الاحتياط:
مسألة 356: قد بيّنا أن الشك في عدد الثنائية، أو الثلاثية، أو الأوليين من الرباعية مبطل،
اشارة

خلافا للجمهور(1).

أما لو شك في الزائد علي الاثنتين في الرباعية مثل أن يشك بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع، أو بين الاثنتين و الأربع، أو بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فإنه يبني علي الأكثر و يسلم بعد إكمال الصلاة، و يأتي بالفائت، أو مساوية احتياطا، فيبني في الأول علي الثلاث، ثم يتمم صلاته و يسلم، ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، و في الثانية يبني علي الأربع و يفعل ما تقدم، و في الثالثة يبني علي الأربع و يسلّم، ثم يصلّي ركعتين من قيام، و في الرابعة يبني علي الأربع و يصلي ركعتين من قيام و ركعتين من جلوس فإن كان قد صلّي اثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة و الركعتان من جلوس نافلة و إن كان قد صلّي ثلاثا فبالعكس.

و إن كان قد صلّي أربعا فالجميع نفل لأن البناء علي الأقل يحتمل زيادة الركعة و هي مبطلة عمدا و سهوا، و القول بإعادة الصلاة باطل هنا إجماعا فتعين العمل بما قلناه، و لأن التسليم في غير موضعه لا يبطل الصلاة سهوا فكذا هنا لأنه يجري مجري السهو.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سهوت فابن علي الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت أتممت لم يكن

ص: 343


1- المجموع 106:4 و 107، فتح العزيز 165:4، الوجيز 51:1، المهذب للشيرازي 1: 96، المغني 711:1، الشرح الكبير 727:1، الشرح الصغير 137:1، شرح العناية 452:1 و 453.

عليك في هذا شيء، و إن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»(1).

هذا عند أكثر علمائنا(2) ، و قال الصدوق رحمه اللّه: يتخير بين ذلك و بين البناء علي الأقل(3) لقول الرضا عليه السلام: «يبني علي يقينه و يسجد سجدتي السهو»(4) و المشهور الأول، فيتعين المصير إليه، و تحمل الرواية علي الظن.

و قال الشافعي: يبني علي الأقل و يأتي بالتمام - و به قال مالك، و إسحاق، و أبو ثور(5) - لقوله عليه السلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك و ليبن علي اليقين، و إذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له و السجدتان، و إن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته و كانت السجدتان مرغمتي الشيطان)(6) و فيما قلناه إلغاء للشك و أخذ باليقين أيضا.

و قال أبو حنيفة: إن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة(7) لقوله عليه1.

ص: 344


1- التهذيب 349:2-1448.
2- منهم: أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 148، و القاضي ابن البراج في المهذب 155:1، و ابن إدريس في السرائر: 54، و المحقق في المعتبر: 231 و 232.
3- انظر: الفقيه 230:1-231.
4- الفقيه 230:1-1023.
5- المجموع 111:4، فتح العزيز 165:4، الوجيز 51:1، المهذب للشيرازي 1: 96، الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1، القوانين الفقهية: 78، الشرح الصغير 1: 137، الشرح الكبير 727:1، عمدة القارئ 312:7-313، و فيها الثوري بدل «أبو ثور».
6- سنن أبي داود 269:1-1024.
7- المبسوط للسرخسي 219:1، الهداية للمرغيناني 76:1، شرح العناية 452:1، عمدة القارئ 313:7، اللباب 98:1، المجموع 111:4، رحمة الأمة 58:1، الشرح الكبير 728:1.

السلام: (لا غرار في الصلاة)(1) و إن تكرر تحري و عمل علي ما يؤديه تحريه إليه لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، و ليبن عليه، و يسلم، و يسجد سجدتين)(2) و نحن نقول بموجبه، فإن تحري الصواب هو ما قلناه لما تقدم.

و عن أحمد في المنفرد كالشافعي، و في الإمام روايتان: إحداهما:

ذلك، و الثانية: يبني علي غالب ظنه(3) ، و عن الثوري روايتان: إحداهما:

يتحري، و الثانية: يبني علي اليقين(4).

و قال الحسن البصري: يسجد سجدتي السهو و يجزيه(5) لقوله عليه السلام: (يأتي الشيطان أحدكم فيلبس عليه صلاته فلا يدري أ زاد أم نقص فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين و هو جالس)(6) و حديثنا أولي لأنه مبين.

فروع:
أ - لو غلب علي ظنه أحد طرفي ما شك فيه بني علي ظنه

و لا شيء عليه لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا و وقع رأيك علي الثلاث فابن علي الثلاث، و إن وقع رأيك علي الأربع فسلّم

ص: 345


1- سنن أبي داود 244:1-929، مسند أحمد 461:2، مستدرك الحاكم 264:1، سنن البيهقي 260:2 و 261. و الغرار في الصلاة: هو نقصان هيئاتها و أركانها - النهاية 3: 356 «غرر».
2- صحيح البخاري 111:1، صحيح مسلم 400:1-572، سنن النسائي 28:3، سنن ابن ماجة 382:1-1211، سنن أبي داود 268:1-1020.
3- المغني 702:1 و 703، كشاف القناع 406:1، عمدة القارئ 312:7 و 313، القواعد في الفقه الإسلامي: 344 و 345، حلية العلماء 136:2-137.
4- المجموع 111:4، المغني 703:1.
5- الميزان 162:1، رحمة الأمة 58:1، عمدة القارئ 312:7، حلية العلماء 137:2.
6- صحيح مسلم 398:1-389، سنن الترمذي 244:2-397، الموطأ 100:1-1، سنن النسائي 31:3.

و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(1).

و يدل علي التخيير بين الركعة من قيام و الركعتين من جلوس قول الصادق عليه السلام: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلي ركعة و هو قائم، و إن شاء صلي ركعتين و أربع سجدات»(2).

ب - يتخير الشاك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بين صلاة ركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و بين ركعتين من قيام و يسلّم و ركعة أخري من قيام

إذ الركعة قائما تعدل الركعتين جالسا و هي إلي الفائت المعوض عنه أقرب فكان أولي، و كذا يتخير بين أن يفعل الركعتين من قيام أولا، أو الركعتين من جلوس، أو الركعة من قيام.

و قول الصادق عليه السلام: «يقوم فيصلّي ركعتين و يسلم، ثم يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كان قد صلّي أربعا كانت الركعات نافلة و إلاّ تمت الأربع»(3) الظاهر أنه لا يراد فيه الترتيب و هذه الصورة لا تنفك من وجوب نافلة، و ليس له أن يصلي ركعتين قائما يفصل بينهما بالتسليم، و لا ست ركعات من جلوس، و لا ركعة من قيام و أربعا من جلوس.

ج - لو شك بين الأربع و الخمس بني علي الأربع و تشهد و سلم و سجد سجدتي السهو

- و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد(4) - لقوله عليه السلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلّي خمسا أو أربعا فليطرح الشك و ليبن علي اليقين ثم يسجد سجدتين)(5).

ص: 346


1- الكافي 353:3-7، التهذيب 184:2-733.
2- الكافي 353:3-9، التهذيب 184:2-734.
3- الكافي 353:3-6، التهذيب 187:2-742.
4- المجموع 111:4، فتح العزيز 165:4، الوجيز 51:1، الميزان 162:1، رحمة الأمة 1: 58، اللباب 99:1، المغني 703:1، الشرح الكبير 727:1.
5- سنن أبي داود 269:1-1014 باختصار، و أورده نصّا في المعتبر: 233.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلّم بعدهما»(1) و لأن الشك هنا لا يوجب تلافيا و لا إعادة فيجبر بسجدتي السهو.

مسألة 357: المراد بقولنا: بين كذا و كذا، الشك في الزائد علي العدد الأول بعد إكماله.

فلو قال: لا أدري قيامي لثانية أو لثالثة بطلت صلاته لأنه في الحقيقة شك بين الاولي و الثانية.

و لو قال: لثالثة أو رابعة فهو شك في الاثنتين و الثلاث، فيكمل الرابعة و يتشهد و يسلم و يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.

و لو قال: لرابعة أو خامسة فهو شك بين الثلاث و الأربع فيقعد و يتشهد و يسلم ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن يكون القيام إلي رابعة، و يسجد للسهو إن قلنا بوجوبه علي من قام في حال قعود.

و لو قال: لثالثة أو خامسة قعد و سلّم و صلي ركعتين من قيام و سجد للسهو، و لو قام من الركوع فقال قبل السجود: لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة فالأقرب البطلان لأنه لم يحرز الأولتين، و يحتمل الصحة تنزيلا للأكثر منزلة الجميع و بركوعه حصل أكثر الثانية.

و لو قال: لرابعة أو خامسة بطلت صلاته، إذ مع الأمر بالإتمام يحتمل الزيادة المبطلة، و بعدمه يحتمل النقصان المبطل، و إنما تصح الصلاة لو صحت قطعا علي أحد التقديرين و كذا تبطل لو قال: لثالثة أو خامسة.

أما لو قال: لثالثة أو رابعة فإنه يتم الركعة و يتشهد و يسلم و يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن تكون ثالثة فيجبرها الاحتياط و رابعة فتكون الركعة نفلا.

ص: 347


1- الكافي 355:3-3.
مسألة 358: لا بدّ في الاحتياط من النية و تكبيرة الافتتاح،

لأنها صلاة فعلت بعد تسليم فيجب فيها ذلك كغيرها، و هل تجب الفاتحة عينا أم يتخير بينها و بين التسبيح ؟ قال بعض علمائنا: بالأول، لأنها صلاة منفردة فتجب الفاتحة(1) لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب)(2) و قال آخرون: بالثاني لأنها بدل عن الثالثة أو الرابعة فيثبت فيها ما ثبت في حكم المبدل(3). و نمنع المقدمتين، و لا خلاف في إجزاء الفاتحة و عدم الزيادة عليها.

مسألة 359: لو أحدث قبل الاحتياط، قال بعض علمائنا: تبطل الصلاة

و يسقط الاحتياط لأنه في معرض التمامية للصلاة، و كما تبطل الصلاة بتخلل الحدث بين أجزائها كذا تبطل بتخلله بين ما يقوم مقام الأجزاء، و يحتمل أن يكون جزءا، و قال بعضهم: لا تبطل لأنها صلاة منفردة، و لا يلزم من كونها بدلا مساواتها للمبدل في كل حكم(4) و الأول أحوط.

أما السجدة المنسية، أو التشهد المنسي، أو الصلاة علي النبي و آله عليهم السلام فالوجه اشتراط عدم تخلل الحدث بين الصلاة و بينها، و كذا الركعة المنسيّة.

و يشترط في السجدة المنسيّة الطهارة لأنها جزء من الصلاة التي تجب الطهارة في جميع أجزائها، و كذا الاستقبال، و الأداء في الوقت، فإن خرج الوقت قبل فعلها عمدا بطلت صلاته، و إن خرج سهوا قضاها، و يتأخر حينئذ عن الفائتة السابقة.

ص: 348


1- منهم: الصدوق في المقنع: 31، و الشيخ الطوسي في النهاية: 90، و ابن حمزة في الوسيلة : 102، و المحقق في شرائع الإسلام 118:1.
2- صحيح البخاري 192:1، صحيح مسلم 295:1-394، سنن أبي داود 1: 216-820، سنن البيهقي 37:2، سنن الدارقطني 321:1-16 و 17، عوالي اللئالي 196:1-2.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 24، و ابن إدريس في السرائر: 54.
4- حكي القولين، المحقق في شرائع الإسلام 118:1.
البحث الخامس: في سجدتي السهو و باقي مسائله.
مسألة 360: قال الشيخ في الخلاف: لا تجب سجدتا السهو إلاّ في أربعة مواضع:

من تكلم في الصلاة ناسيا، أو سلّم في غير موضعه ناسيا أو نسي سجدة و لم يذكر حتي يركع، أو التشهد و لا يذكر حتي يركع في الثالثة، و لا يجب في غير ذلك فعلا كان أو قولا، زيادة كان أو نقصانا، متحققة كانت أو متوهمة، و علي كل حال.

و في أصحابنا من قال: تجب سجدتا السهو في كل زيادة و نقصان(1).

و زاد في المبسوط: من شك بين الأربع و الخمس(2) ، و قال المرتضي: من قعد في حال قيام فتلافاه و بالعكس سجد للسهو(3).

و الوجه وجوبهما في كل زيادة و نقصان لقول الصادق عليه السلام «يسجد للسهو في كل زيادة و نقصان»(4).

و قال الشافعي: يجب سجود السهو لأمرين: إما لزيادة أو نقصان، فالزيادة أما قول أو فعل، فالقول مثل أن يسلّم ساهيا في غير موضعه، أو يتكلم ساهيا، أو يقرأ في غير موضع القراءة كالركوع و السجود.

و الفعل إما زيادة متحققة كأن يقعد في موضع قيامه عقيب الاولي و الثالثة أكثر من جلسة الاستراحة، أو يقوم في موضع قعوده و هو أن يقوم عن الثانية ثم يعود للقعود، أو يقوم بعد الرابعة إلي الخامسة يعتقدها رابعة.

و إما زيادة متوهمة و هو البناء علي اليقين في الشك مثل أن يشك هل

ص: 349


1- الخلاف 459:1 مسألة 202، و انظر أيضا: أمالي الصدوق: 153 المجلس 93، و الفقيه 1: 225-993.
2- المبسوط للطوسي 123:1.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 37:3.
4- التهذيب 155:2-608، الاستبصار 361:1-1367.

صلّي ثلاثا أو أربعا فإنه يضيف إليها أخري، و ضابط ذلك أن كلّ ما إذا فعله عامدا بطلت صلاته لو فعله ساهيا جبره بسجود السهو.

و أما النقصان فأن يترك التشهد الأول أو الجلوس له، و كذلك القنوت في الفجر و في النصف الأخير من شهر رمضان من صلاة الوتر، و أما الصلاة علي النبي في التشهد الأول ففي الجديد علي قولين: أحدهما: أنه سنة فيجبره بالسجود، و الثاني، أنه ليس بسنة فلا يجبره.

و أما ما لا يجبر به فأركان الصلاة و هيئاتها فإن ترك ركنا لم يجبر بسهو لكن إن ذكره قريبا أتي به و سجد للسهو لأجل ما زاد من الفعل بتركه، و إن ذكره بعيدا بطلت صلاته.

و أما الهيئات فإن ترك دعاء الافتتاح، و التعوّذ، و الجهر فيما يسر به و بالعكس، و ترك القراءة بعد الفاتحة، و التكبيرات بعد الإحرام، و التسبيحات في الركوع و السجود.

و أما الأفعال فترك رفع اليدين مع الافتتاح، و عند الركوع و الرفع منه، و وضع اليمين علي الشمال حال القيام، و ترك وضعهما علي الركبتين حال الركوع، و علي الفخذين حال الجلوس، و ترك جلسة الاستراحة عقيب الاولي و الثالثة، و ترك هيئة ركن من الأفعال كالافتراش في موضع التورك، و التورك في موضع الافتراش، و كذلك إذا خطا خطوة أو خطوتين، أو التفت، أو لفّ عمامته لفّة أو لفّتين كل هذا ترك هيئات الأركان فلا يجبره بسجود السهو.

و الحاصل أن الصلاة تشتمل علي أركان فلا تجبر بالسهو، و علي هيئات فكذلك، و علي مسنونات تجبر بسجدتي السهو(1).

و وافقه أبو حنيفة علي ذلك و زاد عليه في خمس مسائل، فقال: إن جهر8.

ص: 350


1- الام 130:1-132، المجموع 125:4-127، فتح العزيز 138:4-142، المهذب للشيرازي 97:1-98.

فيما يسر، أو أسر فيما يجهر به - يعني الإمام - فإن المأموم عنده لا يجهر، أو ترك فاتحة الكتاب، أو قرأ سورة قبل الفاتحة، أو أخر القراءة عن الأولتين إلي الأخريين، أو ترك التكبيرات المتوالية في العيدين، أو تورك في موضع الافتراش سجد للجميع(1).

و قال مالك: متي ترك الهيآت سجد، و دعاء الافتتاح و التعوذ عنده في الصلاة لكن بتكبيرات الصلاة غير الافتتاح، و ترك التسبيح في الركوع و السجود، و ترك الإسرار أو الجهر فمذهبه أنه يجبر كل سهو يقع في الصلاة(2).

و قال ابن أبي ليلي: إن أسر فيما يجهر فيه، أو جهر فيما يسر فيه بطلت صلاته(3) كقولنا، و قد ذكرنا أكثر هذه المسائل علي سبيل التفصيل.

مسألة 361: لو جلس في الأولي أو الثالثة للتشهد و تشهد، ثم ذكر قام و صلّي و تشهّد،

و يسجد سجدتي السهو عند بعض علمائنا علي ما تقدم و به قال الشافعي(4) لما تقدم.

و حكي عن علقمة و الأسود أنهما قالا: لا يسجد لأن الجبران إنما يكون للنقصان لا للزيادة(5) و هو ممنوع.

و لأن الزيادة تؤثر نقصانا، و لهذا إذا كانت عمدا أبطلتها، و إن ذكر قبل أن يتشهد، فإن كان قد جلس قدر جلسة الاستراحة لم يسجد، و إن زاد

ص: 351


1- المبسوط للسرخسي 220:1 و 221 و 222، الهداية للمرغيناني 74:1-75، اللباب 95:1 - 96، المجموع 128:4، فتح العزيز 139:4، الميزان 163:1، رحمة الأمة 59:1.
2- المدونة الكبري 140:1، القوانين الفقهية: 77، المجموع 128:4، فتح العزيز 139:4 - 140.
3- المجموع 128:4.
4- المجموع 138:4، فتح العزيز 160:4، مغني المحتاج 208:1.
5- المجموع 127:4، المغني 712:1، شرح الأزهار 315:1.

سجد، و به قال الشافعي(1).

مسألة 362: لا سجود لترك المندوب
اشارة

لجواز تركه مطلقا فلا يستعقب تركه نسيانا تكليفا، فلو ترك القنوت في صلاة الصبح أعاده بعد الركوع استحبابا و لا يسجد للسهو، و قال الشافعي: يسجد(2).

و لو ذكر بعد الانحطاط إلي السجود لم يعد لفوات محله، و قال الشافعي: إن سجد لم يجز أن يرجع لأنه تلبس بالفرض فلا يعود إلي السنّة و إن لم يكن وضع جبهته علي الأرض عاد إليه، و يسجد للسهو إن كان قد بلغ حد الراكعين أو زاد، و إلاّ فلا(3).

و لو ترك الإمام القنوت لاعتقاده لم يسجد المأموم لأجله - و به قال القفال(4) - إذ لا خلل في صلاة الإمام، و قال بعض الشافعية: يسجد المأموم لأنه اعتقد أن إمامه ترك مأمورا فاختلت صلاته فعليه جبرها بالسجود(5).

فروع:
أ - ترك التكبيرات المستحبة لا يقتضي سجود السهو،

و به قال الشافعي(6). و قال أبو حنيفة: إذا ترك تكبيرات العيدين خاصة سجد لها لأنه

ص: 352


1- المجموع 138:4-139، الوجيز 51:1، فتح العزيز 160:4، مغني المحتاج 1: 208.
2- المجموع 125:4، مغني المحتاج 205:1، الميزان 163:1، كفاية الأخيار 79:1.
3- المجموع 136:4، فتح العزيز 159:4-160، مغني المحتاج 208:1، السراج الوهاج: 60.
4- حلية العلماء 171:2.
5- حلية العلماء 171:2.
6- الام 130:1، مختصر المزني: 17، المجموع 126:4، فتح العزيز 139:4، كفاية الأخيار 80:1، المهذب للشيرازي 98:1.

ذكر في محل واحد، فإذا تركه سجد له كالتشهد و القنوت(1) و ينتقض بدعاء الاستفتاح.

ب - لو زاد فعلا مندوبا أو واجبا في غير موضعه سجد للسهو،

فلو قنت في الركعة الأولي ساهيا سجد للسهو - و به قال الشافعي - لما تقدم، و اختلف أصحابه في العلّة.

فقيل: إنه نقل ذكرا مقصودا من محله إلي غير محله فيجعل كتركه في محله.

و قيل: إن قيام الاعتدال ركن قصير و قد طوّله بالقنوت(2).

و تظهر الفائدة فيما لو قنت في الاولي من الصبح عامدا هل تبطل صلاته أم لا؟ أما عندنا فإنها تبطل لأنه زاد ذكرا غير مشروع فيكون حكمه حكم ما لو تكلم في الصلاة بما ليس منها عامدا.

و أما الشافعية فمن علل بالأول لم يبطل، لأن الصلاة محل الذكر، و في سجود السهو قولان.

و من علل بالثاني أبطلها، لأن تطويل الركن القصير كزيادة ركن في الصلاة(3).

و لو قنت قبل الركوع لم يسجد عندنا لأنه المأمور به، و الشافعية قالوا:

إنه بعده فهل يسجد؟ إن علل بالأول سجد، و إلاّ فلا لأن القيام ركن ممتد(4).

ص: 353


1- الهداية للمرغيناني 74:1، شرح العناية 439:1، اللباب 95:1، المجموع 128:4، فتح العزيز 139:4، رحمة الأمة 59:1.
2- انظر المجموع 126:4-127، فتح العزيز 144:4-145.
3- انظر المجموع 126:4-127، فتح العزيز 144:4-145.
4- المجموع 494:3 و 495.

و لو تشهد قائما متعمدا بطلت صلاته، لأن التشهد عندنا فرض في محله و قد أخلّ به عمدا، و عند الشافعية أنّه مستحب(1) فلا تبطل لأن الذكر في الصلاة لا يبطلها نقله.

و القيام و القعود ركن ممتد، و لو فعله ساهيا سجد عندنا و تداركه، و من علّل من الشافعية بالأول سجد لأنه نقل الذكر، و من علّل بالثاني لم يسجد لأن الركن طويل في نفسه.

ج - لو عزم أن يفعل فعلا مخالفا للصلاة أو أن يتكلم عامدا و لم يفعل لم يلزمه سجود السهو

لأن حديث النفس مرفوع عن هذه الأمة(2) ، و لا سجود إلاّ في عمل البدن.

د - لو سها في صلاة النفل بني علي الأقل

استحبابا، و يجوز البناء علي الأكثر، و به قال ابن سيرين، و هو قول الشافعي، و عنه السجود لترك ما اقتضت التحريمة فعله(3).

ه - لو سها في سجود السهو

بأن ظن ترك سجدة و قلنا بفعله في الصلاة فسجد، ثم ذكر أنه لم يتركها و أن سجوده للسهو كان سهوا في الصلاة لم يسجد له لما تقدم من أنه لا سهو في سهو، و عند الشافعية يسجد لوجود السبب و هو السهو(4).

ص: 354


1- المجموع 450:3، فتح العزيز 493:3 و 494، حلية العلماء 104:2.
2- صحيح البخاري 190:3 و 59:7 و 168:8، صحيح مسلم 116:1-201 و 202، سنن النسائي 156:6-157، سنن ابن ماجة 658:1-2040 و 659-2044، سنن الترمذي 489:3-1183.
3- المجموع 161:4.
4- فتح العزيز 173:4-174.
و - لو سها بعد سجود السهو

إذا جعلناه في الصلاة بأن فرغ من السجود و قبل أن يسلّم تكلم ناسيا، أو قام علي ظن أنه رفع رأسه من سجدات الصلوات سجد ثانيا لوجود السبب، و سجود السهو يجبر ما قبله لا ما بعده، و به قال بعض الشافعية(1) ، و ظاهر مذهبهم: أنه لا يسجد ثانيا لأنه ربما (يسهو)(2) فيحتاج إلي سجود آخر فيؤدي إلي ما لا يتناهي(3).

ز - المسبوق إذا أدرك الإمام بعد السجود تابعه

و لا سجود عليه، و لو أدركه بعد الرفع من الركوع فإن سوغنا الدخول معه و الاعتداد بهذه النية و التكبير لم يسجد للسهو، و به قال الشافعي(4).

و قال عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير: يسجد لوجود زيادة في صلاته لا يعتد بها(5). و يبطله قوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فاقضوا)(6) و لم يأمر بسجود.

مسألة 363: سجدتا السهو بعد التسليم
اشارة

مطلقا عند أكثر علمائنا(7) - و به قال علي عليه السلام، و ابن مسعود، و عمار، و سعد بن أبي وقاص، و النخعي، و ابن أبي ليلي، و الثوري، و أصحاب الرأي، و هو قول

ص: 355


1- المجموع 141:4، فتح العزيز 173:4، المهذب للشيرازي 98:1.
2- بدل ما بين القوسين في «م، ش» و الطبع الحجري تشهد. و الأنسب بالعبارة ما أثبتناه.
3- المجموع 141:4، فتح العزيز 173:4، المهذب للشيرازي 98:1، مغني المحتاج 1: 213.
4- المجموع 163:4.
5- المجموع 163:4، المغني 733:1، الشرح الكبير 732:1.
6- صحيح البخاري 163:1 و 9:2، سنن أبي داود 156:1-572، سنن الترمذي 2: 149-327، سنن ابن ماجة 255:1-775، سنن الدارمي 294:1، مسند أحمد 238:2 و 270 و 318 و 489 و 533، صحيح مسلم 420:1-602، مسند أبي عوانة 413:1، الموطأ 68:1-4.
7- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 37:3، و الشيخ الطوسي في المبسوط 125:1، و المحقق في المعتبر: 233.

الشافعي(1) - لقوله عليه السلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب و ليبن عليه و يسلم و يسجد سجدتين)(2) و قوله عليه السلام: (لكل سهو سجدتان بعد أن يسلم)(3).

و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «سجدتا السهو بعد السلام و قبل الكلام»(4) و لأنه زيادة في الصلاة و فعل كثير ليس منها فيكون مبطلا، و لأن فيه تغييرا لهيئة الصلاة إذ السجود لا يتبع التشهد في شيء من صور الصلاة.

و قال بعض علمائنا: إنّهما قبل التسليم سواء زاد في الصلاة أو نقص(5) - و هو قول أبي هريرة، و أبي سعيد الخدري، و الزهري، و سعيد بن المسيب، و ربيعة، و الأوزاعي، و الليث بن سعد(6) - لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنه صلّي صلاة العشاء فقام في ركعتين فقام الناس معه فلما انتظروا تسليمه كبر فسجد سجدتين و هو جالس قبل التسليم ثم سلّم(7).2.

ص: 356


1- المجموع 154:4 و 155، فتح العزيز 180:4 و 181، فتح الباري 72:3، المبسوط للسرخسي 219:1، عمدة القارئ 301:7، المغني 710:1، الشرح الكبير 734:1، سنن الترمذي 237:2.
2- صحيح البخاري 111:1، سنن ابن ماجة 382:1-1211، سنن أبي داود 1: 268-1020، سنن البيهقي 335:2 و 336، سنن الدارقطني 375:1-1.
3- سنن ابن ماجة 385:1-1219، مسند أحمد 280:5، سنن البيهقي 337:2.
4- الفقيه 225:1-994، التهذيب 195:2-768، الاستبصار 380:1-1438.
5- هو المحقق في شرائع الإسلام 119:1.
6- المجموع 155:4، المغني 710:1، الشرح الكبير 734:1، عمدة القارئ 301:7، سنن الترمذي 237:2.
7- صحيح البخاري 85:2، صحيح مسلم 399:1-570، الموطأ 96:1-65، سنن الدارمي 353:1، سنن النسائي 19:3 و 20، سنن البيهقي 334:2.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنّهما قبل التسليم فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك»(1).

و الحديث الأول ممنوع لمنافاته الأصول الدالة علي عصمة النبيّ صلي اللّه عليه و آله عن السهو. و الثاني ضعيف السند.

و قال بعض علمائنا بالتفصيل فإن كان للنقصان ففي الصلاة و إن كان للزيادة فبعد التسليم(2) - و به قال مالك، و المزني، و إسحاق، و أبو ثور، و الشافعي في القديم - (3) لأن خبر ذي اليدين(4) ذكر السجود بعد السلام لأن السهو في الزيادة، و الخبر السابق ذكر السجود في الصلاة لأنه للنقصان.

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «إذا نقصت فقبل التسليم و إذا زدت فبعده»(5) و الأولان بيّنا ضعفهما، و الثالث معارض بالأخبار الكثيرة فتكون أرجح.

و قال أحمد: السجود قبل السلام إلاّ في موضع ورد فيه الأثر خاصة، و اختاره ابن المنذر(6).2.

ص: 357


1- التهذيب 195:2-770، الاستبصار 380:1-1440، و فيها عن الامام الباقر عليه السلام، و أورده عن الامام الصادق عليه السلام في المعتبر: 233-234.
2- انظر المبسوط للطوسي 125:1، و المعتبر: 233.
3- المجموع 155:4، فتح العزيز 180:4، السراج الوهاج: 61، الميزان 162:1، القوانين الفقهية: 73، بداية المجتهد 193:1، المغني 710:1، الشرح الكبير 1: 734، المبسوط للسرخسي 220:1، عمدة القارئ 302:7، المحلي 171:4، الموطأ 95:1 ذيل الحديث 61، سنن الترمذي 237:2 و 238.
4- صحيح البخاري 108:9، صحيح مسلم 403:1-573، سنن الترمذي 2: 247-399، سنن النسائي 20:3، الموطأ 93:1-58.
5- التهذيب 195:2-769، الإستبصار 380:1-1439.
6- المغني 709:1 و 710، الشرح الكبير 733:1 و 734، العدة شرح العمدة: 86، فتح العزيز 181:4، عمدة القارئ 302:7، حلية العلماء 151:2.
فروع:
أ - لو تعدد الموجب - و قلنا بالاتحاد و قبل التسليم إن كان للنقصان و بعده إن كان للزيادة - و اختلف، قالت الشافعية: يسجد قبله

(1) لأن القائل بأن السجود بعده يسوغه قبله، و لأنها حالة متقدمة فاعتبارها أولي.

ب - إذا قلنا بأنه قبل التسليم فإذا فرغ من التشهد سجدهما ثم سلم بعد الرفع

و لا يحتاج إلي إعادة التشهد عند الشافعي(2) ، و الوجه عندنا وجوبه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنهما مستقلان بوجوبه فالتشهد لهما.

ج - لو نسي السجود فسلم ثم ذكر سجد

لوجود المقتضي، و قال الشافعي: إن كان الفصل قصيرا سجد و إن طال فقولان(4).

مسألة 364: لا سجود فيما يترك عمدا

لأنه إن كان واجبا أبطل الصلاة، و إن كان مندوبا لم يشرع له السجود كما تقدم - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنه سجود يضاف إلي السهو فيختص به كسجود التلاوة.

و قال الشافعي: يسجد لو ترك التشهد و القنوت عمدا لأنه يسجد لهما

ص: 358


1- الام 130:1، المجموع 160:4، المهذب للشيرازي 99:1، السراج الوهاج: 61، مغني المحتاج 212:1 و 213.
2- الأم 130:1، مختصر المزني: 17، فتح الباري 76:3، عمدة القارئ 303:7.
3- عمدة القارئ 303:7 و 309، الجامع الصغير للشيباني: 104، الحجة علي أهل المدينة 223:1، الهداية للمرغيناني 74:1.
4- الام 131:1، المجموع 156:4، مغني المحتاج 213:1، المهذب للشيرازي 1: 99.
5- المغني 734:1، الشرح الكبير 700:1.

للسهو فالعمد أولي(1).

و المقدمتان ممنوعتان.

مسألة 365: سجود السهو واجب.
اشارة

قال الشيخ في الخلاف: و شرط في صحة الصلاة(2) - و به قال مالك(3) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أمروا به(4) و الأمر للوجوب، و لأنه جبران يفعل في العبادة فكان واجبا كجبران الحج.

و قال أحمد: إنه واجب(5). و حكي أبو الحسن الكرخي عن أبي حنيفة: أنه واجب و ليس بشرط في الصلاة(6) ، و حكي أصحاب مالك عنه: أنه واجب في النقصان(7).

و قال الشافعي: إنه ليس بواجب مطلقا(8) لقوله عليه السلام في حديث

ص: 359


1- المجموع 125:4، فتح العزيز 138:4 و 139، المهذب للشيرازي 98:1، المغني 734:1، الشرح الكبير 700:1.
2- الخلاف 462:1 مسألة 203.
3- بداية المجتهد 191:1، القوانين الفقهية: 73، المجموع 152:4.
4- انظر علي سبيل المثال الفقيه 230:1-1018، التهذيب 196:2-772، الاستبصار 1: 380-1441، صحيح البخاري 87:2، صحيح مسلم 398:1-569 و 400-572، سنن ابن ماجة 380:1-1203 و 1204، سنن النسائي 27:3، و 28، و 30 و 31، سنن البيهقي 353:2، سنن الدارقطني 374:1-375-1
5- المغني 725:1، الشرح الكبير 733:1، المجموع 152:4، فتح العزيز 138:4، الميزان 161:1، رحمة الأمة 57:1.
6- المجموع 152:4، حلية العلماء 150:2.
7- بداية المجتهد 191:1، المجموع 152:4، فتح العزيز 138:4، فتح الباري 3: 71، الميزان 161:1، رحمة الأمة 57:1.
8- المجموع 152:4، فتح العزيز 138:4، الوجيز 50:1، المهذب للشيرازي 99:1، فتح الباري 71:3، رحمة الأمة 57:1، الميزان 161:1، بداية المجتهد 191:1.

أبي سعيد الخدري: «فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة و السجدتان نافلة)(1) و لأنها تفعل تكملة للصلاة و ليس بشرط فيها فلم يكن واجبا كسائر المسنونات.

و لا حجة في الحديث إذ كونها نافلة علي تقدير لا يقتضي كونها نافلة مطلقا، و نمنع القياس علي المسنونات فإنّ العلّة موجودة في الواجبات.

فروع:
أ - قول الشيخ: إنهما شرط في صحة الصلاة

أ - قول الشيخ: إنهما شرط في صحة(2) الصلاة(3)

إن قصد بذلك بطلان الصلاة بتركهما مع الذكر منعناه عملا بأصالة البراءة و الصحة، و إن قصد وجوبهما فهو مسلم، فعلي هذا لو لم يسجد لم تبطل صلاته بل يجب عليه السجود دائما إلي أن يفعله.

ب - لو نسي السجدتين أتي بهما إذا ذكر

سواء تطاولت المدة أو لا - و به قال الأوزاعي(4) - لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسي سجدتي السهو:

«يسجدهما متي ذكر»(5) و لأنه مأمور بهما فيأتي بهما عند الذكر ليتحقق الامتثال.

و قال أبو حنيفة: إن تكلم بعد الصلاة أو خرج من المسجد سقط عنه السجود(6).

ص: 360


1- سنن البيهقي 351:2، سنن الدارقطني 372:1-21.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- الخلاف 462:1 مسألة 203.
4- المحلي 163:4 و 166.
5- التهذيب 353:2-354-1466.
6- بدائع الصنائع 175:1، المجموع 161:4، المغني 722:1، الشرح الكبير 1: 735.

و قال الشافعي: إن لم يطل الفصل سجد، و إن طال ففي القديم:

يأتي به لأنه جبران يفعل لنقص في العبادة فلا يسقط بتطاول الفصل كجبران الحج، و الثاني: يسقط لأنه يبني علي الصلاة(1).

فإذا طال الفصل منع من البناء عليها كما لو ترك من الأخيرة سجدة و تطاول الفصل فإن الصلاة تبطل، و الفرق أن المنسي هنا جزء بخلاف سجدتي السهو.

و قال مالك: إن كان لزيادة أتي بهما و لو بعد شهر و إن كان لنقصان فإن ذكرهما قريبا سجدهما، و إن تطاول أعاد الصلاة(2). و قال ابن شبرمة: إذا خرج من المسجد أعاد الصلاة(3).

و قال الحسن و ابن سيرين: إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد(4).

و قال أحمد: ما كان منه في الصلاة إذا تركه عامدا بطلت، و إن تركه ناسيا حتي يسلم فإن لم يطل الفصل أتي به و إن طال لم يأت به(5).

ج - لو تحقق السهو و شك هل سجد أم لا؟ سجد،

لأن الأصل العدم، أما لو شك أنه سجد واحدة أو اثنتين احتمل البناء علي اليقين فيسجد ثانية و لا يسجد للسهو - و به قال الشافعي(6) - و إلاّ لزم عدم التناهي لو سها ثانيا، و يحتمل البناء علي الأكثر لعموم قولهم عليهم السلام: «لا سهو في

ص: 361


1- المجموع 156:4، فتح العزيز 181:4، مغني المحتاج 1، 213، المهذب للشيرازي 99:1، المغني 722:1، و 723، الشرح الكبير 735:1.
2- المدونة الكبري 137:1، القوانين الفقهية: 73، المجموع 161:4، فتح العزيز 4: 181، المغني 723:1، الشرح الكبير 736:1.
3- المغني 724:1، الشرح الكبير 736:1 و 740، عمدة القارئ 304:7.
4- المجموع 161:4، المغني 722:1، الشرح الكبير 735:1.
5- المغني 722:1 و 723، الشرح الكبير 735:1.
6- الام 131:1، المجموع 128:4، فتح العزيز 168:4، الوجيز 51:1، مغني المحتاج 209:1، السراج الوهّاج: 60، مختصر المزني: 17، فتح الوهاب 54:1.

سهو»(1).

د - عند القائلين بأن السجود في الصلاة فإنه يقع آخرها قبل التسليم

فلو سجد علي أن المحل آخر صلاته فتبين البقية أمر بإعادة السجود - و به قال الشافعي - و يحتمل إعادة الصلاة لزيادة ركن.

فلو سها الإمام في صلاة الجمعة فتشهد و سجد فأطال ثم رفع رأسه فظهر خروج وقت الجمعة أتم صلاته جمعة عندنا، لأنها تدرك بإدراك ركعة.

و قال الشافعي: يتمم صلاته ظهرا، و يؤمر بإعادة السجود آخر الصلاة(2).

أما المسافر إذا فرغ من التشهد فسجد فاتصلت السفينة(3) بدار إقامته، أو نوي المقام فإنه يلزمه إتمام الصلاة و إعادة السجود آخر الصلاة.

مسألة 366: يجب في سجدتي السهو النية لأنها عبادة،

و السجود علي الأعضاء السبعة، و الطمأنينة فيهما و في الرفع لأنه المتبادر في عرف الشرع، و الجلوس بينهما مطمئنا لأن التعدد في صلب الصلاة لا يحصل بدونه فكذا هنا. أما التشهد فأوجبه علماؤنا لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم يدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت، أم زدت فتشهد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا»(4).

و يسلم عقيبه لقول الصادق عليه السلام: «فاسجد سجدتي السهو بعد

ص: 362


1- الكافي 358:3-5، الفقيه 231:1-1028، التهذيب 54:3-187.
2- المجموع 141:4، الوجيز 1، 52، فتح العزيز 173:4، مغني المحتاج 214:1، السراج الوهاج: 61.
3- في نسخة (م): البقية.
4- الفقيه 230:1-1019، التهذيب 196:2-772، الاستبصار 380:1-1441.

تسليمك ثم تسلّم بعدهما»(1) و بوجوب التشهد و التسليم عقيبهما قال أبو حنيفة(2).

و قال الشافعي: إن قلنا: السجود للزيادة بعد السلام فإنه يتشهد و يسلم عقيبهما - و إليه ذهب أكثر من يقول: إنه بعد السلام - و إن قلنا: إنه قبل السلام فإنه يكفيه أن يسلم(3).

فإن نسي السجود حتي سلّم، و قلنا: إن موضعه قبل السلام لو كان لنقصان اختلف أصحابه، فبعض قال: يتشهد و يسلم، و بعض قال: يسلم لأنه سجود تركه من الصلاة فلا يلزمه أن يعيد ما قبله(4).

مسألة 367: قال الشيخ: إذا أراد السجود افتتح بالتكبير

و سجد عقيبه(5) ، فإن أراد بذلك الوجوب - كما هو قول أبي حنيفة، و الشافعي(6) - منعنا ذلك للأصل و لقول الصادق عليه السلام لما سأله عمار عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح ؟ فقال: «لا إنما هما سجدتان فقط»(7).

و هل تجب فيهما الطهارة و الاستقبال ؟ إن قلنا بوقوعهما في الصلاة وجب و إلاّ فإشكال ينشأ من أصالة البراءة، و من أنه سجود واجب فاشترطا له كسجود الصلاة. و قال الشافعي: يشترط فيهما ما يشترط في سجود الصلاة(8).

ص: 363


1- الكافي 355:3-3، التهذيب 195:2-767.
2- اللباب 95:1، عمدة القارئ 309:7، بدائع الصنائع 173:1 و 174، الحجة علي أهل المدينة 223:1.
3- الأم 130:1 و 131، مختصر المزني: 17، حلية العلماء 151:2.
4- حلية العلماء 151:2، المجموع 159:4، المغني 723:1، الشرح الكبير 739:1.
5- المبسوط للطوسي 125:1.
6- فتح العزيز 183:4 و 192، فتح الباري 77:3، عمدة القارئ 310:7، بدائع الصنائع 173:1.
7- الفقيه 226:1-996، التهذيب 196:2-771، الاستبصار 381:1-1442.
8- فتح العزيز 183:4، و 192، مغني المحتاج 212:1.
مسألة 368: و هل يجب فيهما الذكر؟ أكثر علمائنا عليه

مسألة 368: و هل يجب فيهما الذكر؟ أكثر علمائنا عليه(1)

لما رواه الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو:

«بسم اللّه و باللّه، اللهم صلّ علي محمد و آل محمد» قال: و سمعته مرة أخري يقول: «بسم اللّه، و باللّه، و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته»(2) فيجب أحدهما و يتخير فيهما.

و قال بعض علمائنا: بعدم الوجوب(3) لمنافاة الرواية المذهب، لامتناع تطرق السهو علي الإمام عليه السلام، و لقول الصادق عليه السلام لما سأله عمار عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح ؟: «لا إنما هما سجدتان فقط»(4).

و لا منافاة بين الرواية و المذهب، إذ سماعه يقول في سجدتي السهو، لا يدل علي أنه عليه السلام قاله في سجوده له بل المراد سماعه هذا الحكم في هذا الفرض كما يقال: سمعته يقول: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل»(5).

و عمار ضعيف، و لا حجة فيه لأن نفي وجوب التكبير و التسبيح لا يدل علي نفي ما ذكره.

و قال الشافعي، و أبو حنيفة: يسبح فيهما كما يسبح في سجدات الصلاة(6). و لا جامع بينهما مع الفرق بأن ذاك جزء من الصلاة و هذا جبران فلا يجب التساوي.

ص: 364


1- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 37:3، و الصدوق في المقنع: 33، و الشيخ الطوسي في المبسوط 125:1.
2- الكافي 356:3-5، الفقيه 226:1-997، التهذيب 196:2-773.
3- هو المحقق في المعتبر 234.
4- الفقيه 226:1-996، التهذيب 196:2-771، الإستبصار 381:1-1442.
5- الكافي 281:7-3، الفقيه 77:4-240، التهذيب 158:10-635، الاستبصار 259:4-976.
6- المجموع 161:4، فتح العزيز 179:4، الفتاوي الهندية 125:1.
مسألة 369: إذا تعدد السهو في الصلاة الواحدة تعدد جبرانه
اشارة

سواء اختلف أو تجانس لأن كل واحد سبب تام في وجوب السجدتين فكذا حالة الاجتماع لأن الاجتماع لا يخرج الحقيقة عن حقيقتها، و لما رواه الجمهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لكل سهو سجدتان)(1).

و قال الأوزاعي: يتداخل المتجانس دون المختلف قياسا علي جبران الحج فإنه لو كرر اللبس اتحد الجبران، و لو لبس و تطيب تعدد(2). و نمنع الأول مع تكثر المجلس.

و قال الشافعي، و باقي الجمهور: بالتداخل تجانس أو اختلف(3) لأن في خبر ذي اليدين أنه عليه السلام سلم من اثنتين، و تكلم و سجد سجدتين(4). و قد بيّنا امتناع ذلك علي أصولنا.

فروع:
أ - لو تعدد السهو في صلوات تعدد الجبران

إجماعا أما عند القائلين بسبقه علي التسليم فظاهر. و أما عند الآخرين فلأن الصلاة لا تبني علي غيرها.

ب - لا يكفي الاحتياط عن سجود الجبران لو حصلا

و إن قلنا بتداخل

ص: 365


1- سنن أبي داود 273:1-1038، سنن ابن ماجة 385:1-1219، كنز العمال 7: 472-19834، مسند أحمد 280:5.
2- المجموع 143:4، الميزان 163:1، رحمة الأمة 60:1، المغني 729:1، الشرح الكبير 737:1، عمدة القارئ 303:7.
3- المجموع 141:4، فتح العزيز 172:4، مغني المحتاج 212:1، الميزان 1: 163، رحمة الأمة 60:1، المغني 729:1، الشرح الكبير 736:1، الإنصاف 2: 157، أقرب المسالك: 20، بلغة السالك 136:1، المدونة الكبري 138:1، عمدة القارئ 303:7.
4- صحيح البخاري 86:2، صحيح مسلم 403:1-404-573، سنن الترمذي 2: 247-399، سنن النسائي 20:3، الموطأ 93:1-58.

السجود لاختلاف الفرضين.

ج - لو نسي أربع سجدات من أربع ركعات قضاهنّ أولا و رتب في القضاء

ثم يسجد بعد قضاء الجميع ثمان سجدات للسهو. و هل له التفريق بينها بالجبران ؟ إشكال.

د - لو كان السهو لزيادة و نقصان كالكلام و نسيان سجدة فإنه يبدأ بقضاء السجدة.

و هل يجب تقديم جبرانها علي جبران الزيادة و إن تأخرت عن الزيادة ؟ إشكال ينشأ من أنها كالتتمة للسجدة المنسية التي هي من صلب الصلاة، و من أصالة البراءة و عدم الترتيب.

مسألة 370: لو صلي المغرب أربعا سهوا قال الشيخ: أعاد

مسألة 370: لو صلي المغرب أربعا سهوا قال الشيخ: أعاد(1) ، و أطلق، و الوجه التفصيل و هو أنه إن كان قد جلس عقيب الثالثة بقدر التشهد أجزأه و قعد و تشهد و سلم و سجد سجدتي السهو و إلاّ أعاد.

و قال الأوزاعي، و قتادة: يضيف إليها أخري و يسجد للسهو لأنه إذا لم يضف صارت شفعا(2) ، و قال باقي الجمهور: يسجد للسهو(3) و أطلقوا لأنه عليه السلام صلّي الظهر خمسا فلمّا قيل له سجد للسهو و لم يضف أخري لتصير شفعا(4). و قد بينا امتناع السهو علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

مسألة 371: لو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا

سواء كان في الوقت أو بعده لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.

و لو ذكر قبله أكمل الصلاة و سجد للسهو ما لم يحدث لأنه ساه في فعله فلا يبطل صلاته إلاّ الحدث.

ص: 366


1- الخلاف 466:1 مسألة 211.
2- المجموع 163:4، المغني 721:1، الشرح الكبير 702:1.
3- المجموع 163:4، المغني 720:1.
4- صحيح مسلم 401:1-91، سنن ابن ماجة 380:1-1205، سنن النسائي 3: 31، سنن الترمذي 248:2-392، سنن أبي داود 268:1-1019.

و لو ذكره في أثنائه استأنف الصلاة لأنه ذكر النقصان بعد فعل كثير قبل خروجه عن العهدة، و يحتمل الصحة لأنه مأمور به و هو من الصلاة.

و لو شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فذكر بعد الركعتين من جلوس أنها ثلاث صحت صلاته و سقط الباقي لظهور بطلان شكه فيما يوجبه.

و لو ذكر أنها اثنتان بطلت لأنه ذكر النقصان قبل فعل الجبران.

و لو بدأ بالركعتين من قيام انعكس الحكم فتبطل صلاته لو ذكر الثلاث و تصح لو ذكر الاثنتين.

و لو ذكر الثلاث بعد أن رفع رأسه من السجدة الثانية احتمل أن يتشهد و يسلم لأن الاحتياط المساوي قد فعله و هو الركعة و التشهد ليس من الأصل بل وجب لكونه جزءا من كلّ صلاة.

و البطلان لأن التشهد جزء من الجبران و لم يأت به.

تم الجزء الثاني من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه، يتلوه في الثالث بتوفيق اللّه تعالي المقصد الثالث في باقي الصلوات، و الحمد للّه وحده و صلي اللّه علي سيدنا محمد و آله الطاهرين، فرغت من تسويده في ثامن عشر شعبان من سنة ثلاث و سبعمائة، و كتب حسن بن يوسف بن مطهر مصنف الكتاب حامدا مصليا مستغفرا [1].

ص: 367

المجلد 4

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الرابع

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

تتمة كتاب الصلاة

المقصد الثالث: في باقي الصلوات
اشارة

و فيه فصول:

الأول: في الجمعة
اشارة

و فيه مطالب

ص: 5

ص: 6

الأول: الشرائط
مقدمة
مسألة 372: الجمعة واجبة بالنص و الإجماع.

قال اللّه تعالي فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (1) و الأمر للوجوب، و النهي للتحريم، و إنما يجب السعي و يحرم البيع لأجل الواجب، و توبيخهم بتركه قائما إنما يكون لو وجب، و ليس المراد من السعي الإسراع بل الذهاب إليها.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في خطبته: (اعلموا أن اللّه قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا، فمن تركها في حياتي، أو بعد موتي و له إمام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع اللّه له شمله، و لا بارك له في أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حج له، ألا و لا صوم له، ألا و لا برّ له حتي يتوب، فإن تاب تاب اللّه عليه)(2).

ص: 7


1- الجمعة: 9.
2- سنن ابن ماجة 343:1-1081، سنن البيهقي 171:3، الترغيب و الترهيب 510:1 - 511-9، مجمع الزوائد 169:2، مسند أبي يعلي 381:3-382-1856، و انظر رسالة صلاة الجمعة للشهيد الثاني: 61.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فرض اللّه علي الناس من الجمعة إلي الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عز و جل في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة»(1) الحديث.

و أجمع المسلمون كافة علي وجوب الجمعة.

مسألة 373: و وجوبها علي الأعيان بالإجماع،

إلاّ ما حكي عن الشافعي أنها فرض كفاية(2) و نسبت الحكاية إلي الغلط، لأن الأمر عام، و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (الجمعة حق واجب علي كل مسلم، إلاّ أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ، أو مريض)(3).

إذا عرفت هذا فيشترط للجمعة أمور ستة زائدة علي الشرائط اليومية:

أ: الوقت. ب: السلطان. ج: العدد. د: الخطبتان. ه:

الجماعة. و: الوحدة.

فهنا مباحث:

الأول: الوقت
مسألة 374: أول وقت الجمعة زوال الشمس يوم الجمعة

عند علمائنا - إلاّ المرتضي فإنه قال: يجوز أن يصلّي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة(4) - و بما اخترناه قال الشافعي، و مالك، و أصحاب الرأي(5) ، لأن أنس

ص: 8


1- الكافي 419:3-6، التهذيب 21:3-77، الفقيه 266:1-1217، أمالي الصدوق: 319-17، الخصال: 533-11.
2- المجموع 483:4، فتح العزيز 484:4، الميزان 185:1
3- سنن أبي داود 280:1-1067، سنن البيهقي 172:3، الجامع الصغير للسيوطي 1: 561-3630.
4- حكاه الشيخ في الخلاف 620:1، المسألة 390، و قال ابن إدريس في السرائر: 64: لم أجد للسيد المرتضي تصنيفا و لا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه، بل بخلافه.. و لعلّ شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضي في الدرس و عرفه منه مشافهة دون المسطور.
5- المجموع 511:4، بداية المجتهد 157:1.

ابن مالك قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلي الجمعة إذا زالت الشمس(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول»(2) الحديث.

و لأنها بدل عن عبادة، فلا تجب قبل وقتها كالتيمم. و لأن آخر وقتهما واحد فكذا الأول.

و قال أحمد بن حنبل: يجوز فعل الجمعة قبل زوال الشمس(3). فمن أصحابه من قال: أول وقتها وقت صلاة العيد. و منهم من قال: تجوز في الساعة السادسة(4).

لأنّ [وكيعا روي عن عبد اللّه السلمي](5) قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته و خطبته قبل نصف النهار(6).

و لا حجة فيه، مع مخالفته لفعل الرسول صلّي اللّه عليه و آله.

مسألة 375: آخر وقت الجمعة هو آخر وقت الظهر

عند الأكثر، إلاّ أن عندنا آخر وقت الظهر للإجزاء الغروب، و آخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ

ص: 9


1- صحيح البخاري 8:2، سنن الترمذي 377:2-503، سنن أبي داود 284:1-1084، مسند أحمد 150:3، سنن البيهقي 190:3
2- التهذيب 12:3-42
3- المغني 209:2، الشرح الكبير 163:2، المجموع 511:4، فتح العزيز 486:4، بداية المجتهد 157:1
4- المغني 209:2، الشرح الكبير 163:2، المجموع 511:4
5- ورد في نسختي «م» و «ش»: وكيع الأسلمي. و صحّح الي ما تراه، و ما بين المعقوفتين أثبتناه من مصادر الحديث و التراجم في الهامش التالي.
6- سنن الدار قطني 17:2-1، و انظر أيضا: تهذيب التهذيب 109:11 رقم 211، و أسد الغابة 182:3، و الإصابة 323:2 رقم 4739.

كل شيء مثله، و المراد هنا هذا الأخير فلا تجوز الجمعة بعده. و كذا يقول الشافعي(1).

و أبو حنيفة جعل آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثليه(2) ، فتجوز الجمعة عنده إلي ذلك.

و الوجه الأول، لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يصلّي دائما بعد الزوال بلا فصل، فلو جاز التأخير عمّا حدّدناه، لأخّرها في بعض الأوقات.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أبا الصلاح منّا قال: إذا مضي مقدار الأذان و الخطبة و ركعتي الجمعة فقد فاتت، و لزم أداؤها ظهرا(3).

و يدفعه قول الباقر عليه السلام: «وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة»(4).

و احتجاجه: بقول الباقر عليه السلام: «إنّ من الأمور أمورا مضيّقة، و أمورا موسّعة، و إنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»(5) متأول بالمبالغة في استحباب التقديم.

مسألة 376: بقاء الوقت ليس شرطا،
اشارة

فلو انعقدت الجمعة و تلبّس بالصلاة - و لو بالتكبير - فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعة، إماما كان أو مأموما - و به قال أحمد و مالك(6) - لأنه دخل فيها في وقتها فوجب إتمامها كسائر الصلوات. و لأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط فلا يسقط مع التلبس

ص: 10


1- المجموع 21:3، فتح العزيز 7:3-8.
2- المبسوط للسرخسي 142:1، المجموع 21:3.
3- الكافي في الفقه: 153.
4- الفقيه 267:1-1223 نقلا بالمعني.
5- التهذيب 13:3-46.
6- المغني 163:2، المجموع 513:4، فتح العزيز 488:4.

بفوات البعض كالجماعة.

و قال الشافعي: تفوت الجمعة، حتي لو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة، لكنه يتمها ظهرا، لأن ما كان شرطا في ابتداء الجمعة كان شرطا في جميعها كسائر الشرائط(1). و ينتقض بالجماعة.

و قال أبو حنيفة: لا يبني عليها، و يستأنف الظهر، لأنهما صلاتان مختلفتان فلا تبني إحداهما علي الأخري(2). و يرد علي الشافعي لا علينا.

و قال بعض الجمهور: إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة، و إلاّ فلا(3). و لا بأس به.

فروع:

أ: لو شك في خروج الوقت أتمها جمعة

إجماعا، لأن الأصل بقاء الوقت.

ب: لو أدرك المسبوق ركعة مع الإمام صحت له الجمعة

إن كانت المدركة في الوقت ثم يقوم لتدارك الثانية، فلو خرج الوقت قبل إكمالها صحت عندنا، لما تقدم(4).

و للشافعية وجهان: الفوات كغيره، و الإدراك، لأن جمعتهم صحيحة فيتبعهم فيها كما يتبعهم في الوقت و القدوة(5).

ج: لو تشاغلوا عن الصلاة حتي ضاق الوقت

فإن علم الإمام أن الوقت يتسع لخطبتين خفيفتين و ركعتين كذلك وجبت الجمعة، و إلاّ جاز أن يصلّوها

ص: 11


1- المجموع 510:4 و 513، الوجيز 61:1، المغني 164:2.
2- المجموع 513:4، المغني 164:2
3- المغني 163:2.
4- تقدّم في أول المسألة.
5- المجموع 510:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 490:4.

ظهرا قبل خروج وقت الجمعة، و به قال الشافعي(1). و لا تكفي الركعة الواحدة هنا، خلافا لأحمد(2).

د: يستحب تعجيل الجمعة

كغيرها من الصلوات.

مسألة 377: الفرض في الوقت هو الجمعة،

و هي صلاة قائمة بنفسها ليست ظهرا مقصورة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - فليس له إسقاط الجمعة بالظهر، لأنه مأمور بالجمعة، فيكون منهيا عن الظهر، فلا يكون المنهي عنه فرضا.

و قال عليه السلام: (كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلي يوم القيامة)(4) و هو يدل علي الوجوب علي التعيين.

و قال أبو حنيفة: فرض الوقت الظهر، و يسقط بالجمعة، و هي ظهر مقصورة(5) ، لقوله عليه السلام: (أول وقت الظهر حين تزول الشمس)(6) و هو عام فيتناول يوم الجمعة كغيره.

و نحن نقول بموجبه، و لا دلالة فيه علي أن الفرض الظهر.

و قال محمد بن الحسن الشيباني: الفرض الجمعة، و له إسقاطه بالظهر.

و هو قول للشافعي(7).

إذا عرفت هذا فإذا فاتت الجمعة صلّي أربعا ظهرا بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقيا، و إن خرج الوقت صلّي أربعا بنية قضاء الظهر لا الجمعة، لأن مع

ص: 12


1- المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 509:4-510، فتح العزيز 487:4-488.
2- المغني 164:2، الشرح الكبير 169:2.
3- المجموع 531:4، المهذب للشيرازي 117:1.
4- أورده في المعتبر: 201
5- بدائع الصنائع 256:1، الاختيار 109:1، تحفة الفقهاء 159:1، حلية العلماء 2: 227.
6- سنن الدار قطني 262:1-22.
7- الاختيار 109:1، تحفة الفقهاء 159:1، المجموع 531:4.

الفوات تسقط الجمعة و تجب الظهر أداء لسعة وقت الظهر، و إمكان فوات الجمعة مع بقائه، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر، لانتقال الوجوب إليه.

و لو فاتته الجمعة بعد انعقادها بأن زوحم و خرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإمام، استأنف الظهر، لتغاير الفرضين.

و من جعلها ظهرا مقصورة جوّز نقل النية إلي الظهر كالمسافر إذا نوي الإقامة في الأثناء فإنه يتم أربعا.

مسألة 378: لو صلّي المكلّف بها الظهر قبل أن يصلّي الإمام الجمعة، لم تصح صلاته،
اشارة

و يلزمه السعي إلي الجمعة، فإن صلاّها سقط عنه الفرض، و إن لم يصلّها حتي فاتت وجب عليه إعادة الظهر، لما تقدّم(1) من أنهما فرضان متغايران، فلا يجزي أحدهما عن الآخر عند علمائنا أجمع، و به قال مالك و أحمد و الثوري في الجديد، و إسحاق(2).

و قال أبو حنيفة: تصح ظهره قبل فوات الجمعة، و يلزمه السعي إلي الجمعة، فإذا سعي بطلت، و إن لم يسع أجزأته(3).

و قال أبو يوسف، و محمد: تصح(4).

و قال الشافعي في القديم: تصح الظهر، و يجب عليه السعي، فإن صلّي الجمعة احتسب اللّه تعالي له بأيتهما شاء أو آجر كلتيهما، و إن فاتته

ص: 13


1- تقدّم في المسألة 377.
2- المغني 197:2، الشرح الكبير 156:2، المجموع 496:4-497، فتح العزيز 612:4 و 613، القوانين الفقهية: 79.
3- المبسوط للسرخسي 33:2، اللباب 112:1، المجموع 497:4، المغني 197:2، الشرح الكبير 156:2 و 157.
4- المبسوط للسرخسي 33:2، بدائع الصنائع 257:1، المجموع 497:4.

الجمعة أجزأته الظهر التي صلاّها(1).

و ليس بجيّد، لأن الظهر الواقعة إن كانت صحيحة أسقطت الفرض، إذ لا تجبان عليه في وقت واحد إجماعا، و إلاّ أعادها.

و لأنه يأثم بترك الجمعة و إن صلّي الظهر، و لا يأثم بفعل الجمعة و ترك الظهر إجماعا، و الواجب هو الذي يأثم بتركه دون ما لا يأثم به.

فروع:

أ: فوات الجمعة برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية.

و سيأتي في الجماعة.

ب: لو صلّي الظهر ثم شك هل صلّي قبل صلاة الإمام أو بعدها، لزمه الإعادة،

لأن الأصل البقاء

ج: لو صلّي الظهر مع صلاة الإمام الجمعة لم تصح

- إن كان يمكنه إدراكها - ظهره لأنه يمكنه الجمعة، أمّا لو صلاّها قبل فراغ الإمام من الجمعة - إذا فاته إدراكها - فإنه يجوز - و به قال بعض الشافعيّة(2) - لأن الجمعة فاتت فتجب الظهر، إذ لا يمكن سقوط الصلاتين.

و ظاهر كلام الشافعي أنه لا يجوز أن يصلّيها إلاّ بعد فراغ الإمام(3).

مسألة 379: من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر و العبد، له أن يصلّي الظهر قبل صلاة الإمام
اشارة

و معه و بعده - و إن جاز أن يصلّي جمعة - في قول أكثر العلماء(4) ، لأنه لم يخاطب بالجمعة، فتصح منه الظهر، كالبعيد من موضع الجمعة.

ص: 14


1- المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 496:4 و 497، الوجيز 65:1، فتح العزيز 4: 612 و 613.
2- حلية العلماء 228:2.
3- حلية العلماء 228:2.
4- المغني 198:2، الشرح الكبير 159:2

و قال بعض الجمهور: لا تصح صلاته قبل الإمام، لأنه لا يتيقن بقاء العذر، فلم تصح صلاته، كغير المعذور(1).

و الظاهر البقاء و الاستمرار كالمريض يصلّي جالسا.

فروع:

أ: لا يستحب للمعذور تأخير الظهر حتي يفرغ الإمام،

لأن فرضه الظهر فيستحب تقديمها.

ب: أصحاب الأعذار المكلّفون إذا حضروا الجامع، وجبت عليهم الجمعة،

و سقط عنهم فرض الوقت، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا عنهم، و وجبت علي أهل الكمال، لانتفاء المشقة في حقهم، فإذا حضروا الجامع سقطت المشقة المبيحة للترك.

ج: لو صلّوا الظهر في منازلهم ثم سعوا إلي الجمعة، لم تبطل ظهرهم

سواء زال عذرهم أوّلا - و به قال أحمد و الشافعي(2) - لأنها صلاة صحيحة أسقطت الفرض فلا تبطل بعده.

و قال أبو حنيفة: تبطل ظهرهم بالسعي إلي الجمعة كغير المعذور(3) و الفرق ظاهر.

و قال أبو يوسف و محمد: تبطل إذا أحرموا بالجمعة(4).

د: لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهلها أن يصلّي الظهر

ص: 15


1- المغني 198:2، الشرح الكبير 159:2، الإنصاف 372:2.
2- المغني 198:2، الشرح الكبير 159:2، كشاف القناع 25:2، المجموع 495:4، حلية العلماء 227:2.
3- المبسوط للسرخسي 32:2 و 33، اللباب 112:1، بدائع الصنائع 257:1، المغني 2: 198، الشرح الكبير 159:2، حلية العلماء 227:2.
4- المبسوط للسرخسي 33:2، اللباب 112:1.

جماعة - و به قال أحمد و الأعمش و الشافعي و إسحاق(1) - لعموم قوله عليه السلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس و عشرين درجة)(2).

و صلّي ابن مسعود بعلقمة و الأسود لمّا فاتته الجمعة(3).

و قال أبو حنيفة و مالك: يكره - و هو قول الحسن و أبي قلابة - لأنه لم ينقل في زمن النبي عليه السلام من صلّي جماعة من المعذورين(4).

و هو ممنوع، لما تقدّم.

إذا ثبت هذا فالأقرب استحباب إعادتها جماعة في مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، و غيره من المساجد، لعموم استحباب طلب الجماعة.

و لا تكره أيضا في المسجد الذي أقيمت الجمعة فيه.

و كره أحمد ذلك كله(5) ، و ليس بجيّد.

نعم لو نسب إلي الرغبة عن الجمعة، أو أنه لا يري الصلاة خلف الإمام، أو خيف فتنة، و لحوق ضرر به و بغيره كره ذلك.

ه: الأقرب لمن صلّي الظهر من أصحاب الأعذار السعي إلي الجمعة

استحبابا، طلبا لفضيلة الجماعة، لأنها تنوب مناب الظهر فأشبهت المنوب، و الأول هو الفرض.

و قال أبو إسحاق: قال الشافعي في القديم: يحتسب اللّه تعالي له بأيتهما شاء(6) ، لأنه كان في الابتداء مخيرا بين الظهر و الجمعة، فإذا فعلها2.

ص: 16


1- المغني 199:2، الشرح الكبير 160:2، الإنصاف 373:2، كشاف القناع 25:2، المجموع 493:4-494.
2- صحيح البخاري 166:1، سنن الترمذي 420:1-421-215، سنن البيهقي 60:3.
3- المغني 199:2، الشرح الكبير 161:2.
4- المبسوط للسرخسي 35:2-36، اللباب 112:1، بدائع الصنائع 270:1، بلغة السالك 182:1، المغني 199:2، الشرح الكبير 160:2، المجموع 494:4.
5- المغني 199:2، الشرح الكبير 161:2.
6- المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 495:4، حلية العلماء 227:2.

لم يتعين واحد منهما.

و هو غلط، لسقوط فرضه مما فعله أولا، فإذا فعل الجمعة كان متطوعا بها، و ما ذكره إنّما يتحقق قبل الفعل.

مسألة 380: لا يجوز إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة،
اشارة

و استكمال الشرائط(1) ، بعد الزوال قبل أن يصلّيها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد(2) - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من سافر من دار إقامة(3) يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب في سفره، و لا يعان علي حاجته)(4) ، و الوعيد لا يلحق المباح.

و لأن ذمته مشتغلة فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع عنها كاللهو و التجارة.

و قال أبو حنيفة و الأوزاعي: يجوز(5) ، لقول عمر: الجمعة لا تحبس عن سفر(6) ، و لأنّ الصلاة تجب بآخر الوقت، و لأنّ كلّ صلاة يجوز السفر بعدها يجوز قبلها كسائر الصلوات.

و الفرق أنّ السفر يسقط الجمعة دون غيرها، و قول عمر ليس حجة خصوصا مع مخالفته(7) القرآن، و قد بيّنا وجوب الصلاة بأول الوقت.

فروع:

أ: لا يجوز السفر بعد الزوال لأجل الجهاد

إلاّ مع الضرورة.

ص: 17


1- كذا، و المناسب للعبارة: و استكملت الشرائط فيه.
2- المجموع 499:4، الوجيز 65:1، مغني المحتاج 278:1، الميزان 187:1، بلغة السالك 183:1، المنتقي للباجي 199:1، المغني 217:2، الشرح الكبير 161:2.
3- في «م»: إقامته.
4- كنز العمال 715:6-17540.
5- المجموع 499:4، المغني 217:2، الشرح الكبير 161:2
6- سنن البيهقي 187:3، و انظر: الام 189:1، و المغني 217:2، و الشرح الكبير 2: 161.
7- في «م» و الطبعة الحجرية: مخالفة.

و نقل عن أحمد الجواز(1) ، لأنّه عليه السلام لمّا وجّه زيد بن حارثة، و جعفر بن أبي طالب، و عبد اللّه بن رواحة في جيش مؤتة فتخلّف عبد اللّه، فرآه النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (ما خلّفك ؟) فقال: الجمعة، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لروحة في سبيل اللّه أو غدوة خير من الدنيا و ما فيها) فراح منطلقا(2).

و الذي نقله أصحابه إنّ ذلك كان قبل الزوال(3).

ب: يجوز السفر بعد الزوال لأصحاب الأعذار المتجددة

بعد الوجوب، كمريد الصحبة إذا خاف فوتها مع ضرورته إليها، لأنها تسقط الوجوب، و بالجملة كلّ ما يخاف معه علي نفسه أو ماله فهو عذر، و كذا لو ضلّ له ولد أو رقيق أو حيوان.

ج: يجوز السفر قبل الزوال بعد الفجر،

لكنّه مكروه عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد - و الحسن و ابن سيرين - في رواية، و الشافعي في القديم، و أصحاب الرأي(4) - لحديث عبد اللّه بن رواحة(5). و لأنّ ذمته خالية من وجوب فلا يمنعه إمكان وجوبها.

و قال الشافعي في الجديد: لا يجوز - و به قال ابن عمر و أحمد - إلاّ في الجهاد، لأنّه وقت الرواح إلي الجمعة، و قد يجب فيه السعي علي من بعد طريقه، فلا يجوز له ترك الجمعة بالسفر فيه كما بعد الزوال(6).1.

ص: 18


1- الشرح الكبير 162:2.
2- مسند أحمد 256:1، سنن البيهقي 187:3، و انظر: المغني 218:2.
3- المغني 218:2.
4- المغني 218:2، الشرح الكبير 162:2، المجموع 499:4، حلية العلماء 228:2، الوجيز 65:1، المهذب للشيرازي 117:1، الميزان 187:1، مغني المحتاج 278:1، المنتقي للباجي 199:1.
5- مسند أحمد 256:1، سنن البيهقي 187:3.
6- المجموع 499:4، الوجيز 65:1، المهذب للشيرازي 117:1، الميزان 187:1، المغني 218:2، الشرح الكبير 162:2، حلية العلماء 228:2، مغني المحتاج 278:1.

و الفرق شغل الذمة في الأول دون الثاني، و السعي يجب فيه علي من تجب عليه و هو بسفره خرج عن ذلك.

و استثناء الشافعي الجهاد، لحديث ابن رواحة.

د: لا يكره السفر ليلة الجمعة

إجماعا.

البحث الثاني: السلطان
مسألة 381: يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه

عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(1) - للإجماع علي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يعيّن لإمامة الجماعة - و كذا الخلفاء بعده - كما يعيّن للقضاء.

و كما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة.

و لرواية محمد بن مسلم قال: «لا تجب الجمعة علي أقل من سبعة:

الإمام، و قاضيه، و مدّع حقا، و مدّعي عليه، و شاهدان، و من يضرب الحدود بين يدي الإمام»(2).

و لأنّه إجماع أهل الأعصار، فإنه لا يقيم الجمعة في كلّ عصر إلاّ الأئمة.

و قال الشافعي و مالك و أحمد: ليس السلطان شرطا و لا إذنه(3) ، لأنّ عليا

ص: 19


1- المبسوط للسرخسي 23:2 و 25، بدائع الصنائع 259:1، 261، اللباب 110:1، المجموع 583:4، المغني 173:2-174، الشرح الكبير 188:2، بداية المجتهد 1: 159، الميزان 188:1.
2- الفقيه 267:1-1222، التهذيب 20:3-75، الإستبصار 418:1-1608.
3- الام 192:1، المجموع 509:4 و 583، مختصر المزني: 28، الوجيز 62:1، المهذب للشيرازي 124:1، بداية المجتهد 160:1، المغني 173:2، الشرح الكبير 188:2.

عليه السلام صلّي بالناس الجمعة و عثمان محصور(1) ، و لم ينكر أحد.

و لأنها عبادة بدنية فلا تفتقر إقامتها إلي السلطان كالحج.

و فعل علي عليه السلام حجة لنا، لأنّه عليه السلام الإمام عندنا، و لأنّ عثمان بمنع المسلمين له عن التصرف خرج عن الإمامة، إذ الإمامة عندهم تثبت بالاختيار من أهل الحلّ و العقد فتزول لزوال سببها.

و الفرق في الحج عدم احتياجه إلي رئيس يتقدّم عليهم فيها، بخلاف الجمعة المفتقرة إلي إمام يتقدّمهم.

مسألة 382: أجمع علماؤنا كافة علي اشتراط عدالة السلطان

و هو الإمام المعصوم، أو من يأمره بذلك - خلافا للجمهور كافة(2) لأن الاجتماع مظنة التنازع، و الحكمة تقتضي انتفاء ذلك، و لا يحصل إلاّ بالسلطان، و مع فسقه لا يزول، لأنّه تابع في أفعاله لقوته الشهوية لا مقتضي الشرع و مواقع المصلحة، و ليس محلا للأمانة فلا يكون أهلا للاستنابة.

احتجّوا بقوله عليه السلام: (فمن تركها في حياتي أو بعد موتي و له إمام عادل، أو جائر فلا جمع اللّه شمله)(3).

و لأن السلطان يسوّي بين الناس في إيقاعها فلا يفوت بعضا.

و نمنع الحديث أوّلا، و دلالته علي المطلوب، لأنه وعيد علي من تركها مستخفا بها، و لا شك في أنه مستحق للوعيد سواء كان الإمام عادلا أو جائرا، بل يستحب الاجتماع فيها و عقدها و إن كان السلطان جائرا.

ص: 20


1- انظر سنن البيهقي 124:3، و المغني 174:2.
2- المجموع 253:4، المغني 149:2، المبسوط للسرخسي 25:2، بدائع الصنائع، 261.
3- سنن ابن ماجة 343:1-1081، سنن البيهقي 171:3، مجمع الزوائد 169:2 نقلا عن الطبراني في الأوسط، مسند أبي يعلي 381:3-382-1856، الترغيب و الترهيب 1: 510-511-9.

و نمنع من تسوية السلطان الفاسق لجواز أن يغلبه هواه علي تقديم أو تأخير.

مسألة 383: يشترط إمّا السلطان المعصوم، أو استنابته لمن يرتضيه،

و يشترط في النائب أمور:

الأول: البلوغ. فلا تصح إمامة الصبي - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(1) - لعدم التكليف في حقه، فإن لم يكن مميزا لم يعتد بفعله، و إلا عرف ترك المؤاخذة علي فعله، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم في صلاته.

و لأن العدالة شرط و هي منوطة بالتكليف.

و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: تصح كغيرها من الفرائض(2).

و نمنع الأصل، و نفرق باختصاص الجمعة بشرائط زائدة الثاني: العقل. فإن المجنون لا اعتبار بفعله، و من يعتوره لا يكون إماما، و لا في وقت إفاقته، لجواز عروضه له حينئذ. و لأنه لا يؤمن احتلامه في نوبته و هو لا يعلم. و لنقصه عن المراتب الجليلة.

الثالث: الذكورة. فإن المرأة لا تؤم الرجال و لا الخناثي، و كذا الخنثي.

الرابع: الحرية. و في اشتراطها للشيخ قولان:

أحدهما: ذلك(3) - و به قال أحمد و مالك(4) - لأن الجمعة لا تجب

ص: 21


1- بدائع الصنائع 262:1، بلغة السالك 157:1، الشرح الصغير 157:1، المنتقي للباجي 197:1، بداية المجتهد 144:1، المغني 55:2، الإنصاف 266:2، كشاف القناع 1: 479.
2- الام: 192:1، المجموع 249:4، فتح العزيز 327:4، المهذب للشيرازي 104:1، كفاية الأخيار 83:1.
3- النهاية: 105.
4- المغني 196:2، المحرّر في الفقه 142:1، بلغة السالك 157:1، الشرح الصغير 1: 157، المنتقي للباجي 197:1.

عليه، فلا يكون إماما فيها، كالصبي و المرأة.

و الثاني: العدم(1) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(2) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (اسمعوا و أطيعوا و لو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع ما أقام فيكم الصلاة)(3).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام - و قد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قراءة -: «لا بأس به»(4).

و لأنه ذكر يؤدّي فرض الجمعة، فجاز أن يكون إماما فيها كالحرّ. و هو عندي أقوي.

مسألة 384: العدالة شرط عند علمائنا كافة،
اشارة

فلو أمّ الفاسق لم تنعقد و أعيدت ظهرا - خلافا للجمهور(5) كافّة - لأنّ الائتمام ركون إلي الفاسق و هو ظالم، فيكون منهيا عنه، لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (6).

و قول جابر: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (لا تؤمّنّ امرأة رجلا، و لا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره سلطان، أو يخاف سيفه، أو سوطه)(7).

و من طريق الخاصة: ما رواه سعد بن إسماعيل، عن أبيه قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل يقارف(8) الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي

ص: 22


1- الخلاف 627:1، المسألة 398.
2- الام 192:1، المجموع 250:4، فتح العزيز 327:4، المبسوط للسرخسي 36:2، بدائع الصنائع 261:1 و 266، شرح فتح القدير 26:2، اللباب 112:1.
3- سنن البيهقي 88:3، الخراج للقاضي أبي يوسف: 9 بتفاوت و اختصار، و أورده نصّا في فتح العزيز 328:4، و تلخيص الحبير 327:4.
4- التهذيب 29:3-99، الاستبصار 423:1-1628.
5- المجموع 253:4، فتح العزيز 330:4 و 331، المهذب للشيرازي 104:1، المغني 2: 149، اللباب 79:1، بدائع الصنائع 156:1.
6- هود: 113.
7- سنن ابن ماجة 343:1-1081.
8- قارف الذنب: داناه و لاصقه. لسان العرب 280:9 «قرف».

خلفه ؟ قال: «لا»(1).

و قال أبو عبد اللّه البرقي: كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام: أ تجوز الصلاة خلف من وقف علي أبيك و جدّك صلوات اللّه عليهما؟ فأجاب:

«لا تصلّ وراءه»(2).

و لانتفاء الزاجر له عن ترك شرط أو فعل مناف فلا تصح، كالصبي و الكافر.

احتجّوا: بعموم قوله تعالي فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ (3).

و بقوله عليه السلام: (صلّوا خلف من قال: لا إله إلاّ اللّه)(4).

و بأن الحسن و الحسين عليهما السلام صلّيا مع مروان(5).

و الآية تدلّ علي السعي لا علي حال الإمام. و العام قد يخصّص، و أحاديثنا أخصّ فتقدّم.

و فعل الإمامين عليهما السلام لقهرهما، كما تضمّنه حديث جابر(6).

و لأنه حكاية حال فيمكن أنّ صلاتهما بعد فعلها في منازلهما، كما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأبي ذر: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟) قلت: فما تأمرني ؟ قال: (صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة)(7).1.

ص: 23


1- الفقيه 249:1-1116، التهذيب 31:3-110 و 277-808.
2- الفقيه 248:1-1113، التهذيب 28:3-98.
3- الجمعة: 9.
4- سنن الدار قطني 56:2-3، بلوغ المرام: 85-450.
5- الجعفريات: 52، نوادر الراوندي: 30 و انظر سنن البيهقي 122:3.
6- سنن ابن ماجة 343:1-1081.
7- صحيح مسلم 448:1-648، سنن أبي داود 117:1-431، سنن الترمذي 332:1 - 333-176، سنن البيهقي 124:3، مسند احمد 159:5، سنن النسائي 75:2، المعجم الصغير للطبراني 218:1.
فروع:

أ: عن أحمد رواية أنه يصلّي خلف الفاسق جمعة ثم يعيدها(1).

و هو غلط، لأنّها إن كانت مأمورا بها خرج عن العهدة بفعلها فلا إعادة، و إلاّ فلا تصح الصلاة خلفه.

ب: لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع و انعقدت جمعة علي الأقوي

- و سيأتي - و لا تجب، لفوات الشرط و هو الإمام أو من نصبه.

و أطبق الجمهور علي الوجوب.

ج: لو خفي فسقه ثم ظهر بعد الصلاة أجزأ،

لأنّه مأمور بها فتقع مجزئة.

د: لا تصح الصلاة خلف الكافر بالإجماع،

فلو ظهر كفره صحّت الصلاة، للامتثال، سواء كان الكفر ممّا لا يخفي كالتهوّد و التنصّر، أو يخفي كالزندقة، و به قال المزني(2).

و عند الشافعي تجب الإعادة في الأوّل، لتفريطه(3).

ه: لو شك في إسلامه لم تنعقد الجمعة،

لأنّ ظهور العدالة شرط، و هو منتف مع الشك.

و قال بعض الجمهور: تصحّ، عملا بالظاهر من أنه لا يتقدّم للإمامة إلاّ مسلم(4).

و: الاختلاف في فروع الفقه - مع اعتقاد الحق - لا يمنع الإمامة،

للإجماع علي تعديل بعضهم بعضا و إن اختلفوا في المسائل الاجتهادية.

ص: 24


1- المغني 149:2، الشرح الكبير 206:2.
2- المغني 34:2، المجموع 251:4، فتح العزيز 327:4.
3- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 251:4، فتح العزيز 326:4.
4- المغني 28:2 و 35، الشرح الكبير 34:2.

ز: إذا اعتقد المجتهد شيئا من الفروع و فعل ضدّه - مع بقاء اعتقاده - قدح في عدالته،

و كذا المقلّد إذا أفتاه العالم، أمّا لو عدل من عالم إلي أعلم أو مساو، لم يقدح في العدالة.

مسألة 385: الإيمان شرط في الإمام في الجمعة و غيرها

إجماعا عندنا، لأنّ غيره فاسق، و قد بيّنا اشتراط العدالة.

و قال أحمد: تجب سواء كان من يقيمها سنّيا، أو مبتدعا، أو عدلا، أو فاسقا. و سئل عن الصلاة خلف المعتزلة يوم الجمعة، فقال: أما الجمعة فينبغي شهودها، و إن كان الذي يصلّي منهم أعاد و إلاّ فلا(1).

و قال الشافعي: إذا صلّي خلف مبتدع - و هو كلّ من زاد في الدين ما ليس منه، سواء كان قربة أو معصية - فإن كانت بدعته بزيادة طاعة تخالف(2) المشروع - كما لو صلّي العيد في غير وقته - صحّت خلفه، و إن كانت معصية - كالطعن في الصحابة، أو خلل في معتقده - فإن أوجبت تكفيرا، لم تصحّ خلفه، و إلاّ صحّت(3).

و عندنا أنه لا تجوز خلف المبتدع سواء أوجبت كفرا، أو لا، لأنّها توجب فسقا، لقوله عليه السلام: (كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار)(4).

مسألة 386: يشترط في الإمام طهارة المولد

عند علمائنا، فلا تصحّ إمامة ولد الزنا، لأنّها من المناصب الجليلة، فلا تليق بحاله، لنقصه. و لعدم انقياد القلوب إلي متابعته. و لأنّها رئاسة دينية فلا ينالها مثله، لتكوّنه من المعصية الكبيرة.

ص: 25


1- المغني 149:2، الشرح الكبير 205:2.
2- في نسخة «م»: بخلاف.
3- انظر: المجموع 253:4، و فتح العزيز 331:4.
4- سنن النسائي 189:3.

و بعض علمائنا حكم بكفره(1). و ليس بمعتمد.

و لأنّ رجلا لا يعرف أبوه أمّ قوما بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز(2) ، و لم ينكر عليه أحد.

و قال الشافعي: تكره إمامته(3) ، لحديث عمر بن عبد العزيز.

و قال أحمد: لا تكره(4).

مسألة 387: اشترط أكثر علمائنا كون الإمام سليما من الجذام و البرص و العمي

مسألة 387: اشترط أكثر علمائنا كون الإمام سليما من الجذام و البرص و العمي(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يؤمّون الناس علي كلّ حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»(6).

و الأعمي لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا. و لأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل.

و قال بعض أصحابنا المتأخرين: يجوز(7).

و اختلفت الشافعية في أنّ البصير أولي، أو يتساويان علي قولين(8).

مسألة 388: إذا حضر إمام الأصل لم يؤمّ غيره إلاّ مع العذر

إجماعا، لأنّ الإمامة متوقّفة علي إذنه، فليس لغيره التقدّم عليه، و كذا نائب الإمام، لأنّ الرسول صلّي اللّه عليه و آله لم يحضر موضعا إلاّ أمّ بالناس، و كذا خلفاؤه،

ص: 26


1- هو ابن إدريس في السرائر: 183 و 241 و 287.
2- مصنف ابن أبي شيبة 216:2-217.
3- الام 166:1، المجموع 288:4، المغني 60:2، الشرح الكبير 59:2، عمدة القارئ 226:5.
4- المغني 60:2، الشرح الكبير 59:2، الإنصاف 274:2، كشاف القناع 484:1.
5- منهم: الشيخ في المبسوط 155:1، و ابن البراج في المهذب 80:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 143، و ابن حمزة في الوسيلة: 104.
6- الكافي 375:3-1، التهذيب 26:3-92، الاستبصار 422:1-1626.
7- كما ذكره المحقق في شرائع الإسلام 97:1.
8- المجموع 286:4-287، المهذب للشيرازي 106:1، فتح العزيز 328:4-329.

و السرايا الذين بعثهم كان يصلّي بهم الأمير عليهم.

و لقول الباقر عليه السلام: «قال علي عليه السلام: إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس ليس ذلك لأحد غيره»(1).

و مع العذر يجوز أن يصلّي غيره، و يشترط إذنه، لما تقدّم.

مسألة 389: و هل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة و التمكن من الاجتماع و الخطبتين صلاة الجمعة ؟

أطبق علماؤنا علي عدم الوجوب، لانتفاء الشرط، و هو ظهور الإذن من الإمام عليه السلام.

و اختلفوا في استحباب إقامة الجمعة، فالمشهور ذلك، لقول زرارة:

حثّنا الصادق عليه السلام علي صلاة الجمعة حتي ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك ؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم»(2).

و قال الباقر عليه السلام لعبد الملك: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللّه» قلت: كيف اصنع ؟ قال: «صلّوا جماعة» يعني صلاة الجمعة(3).

و قال الفضل بن عبد الملك: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(4).

و قال سلاّر و ابن إدريس: لا تجوز، لأصالة الأربع، فلا تسقط إلاّ بدليل(5).

ص: 27


1- التهذيب 23:3-81.
2- التهذيب 239:3-635، الاستبصار 420:1-1615.
3- التهذيب 239:3-638، الاستبصار 420:1-1616.
4- التهذيب 238:3-239-634، الاستبصار 420:1-1614.
5- المراسم: 261، السرائر: 66.

و الأخبار السابقة متأولة، لأنّ قول الصادق عليه السلام لزرارة، و قول الباقر عليه السلام لعبد الملك إذن لهما فيها، فيكون الشرط قد حصل.

و قول الصادق عليه السلام: «فإن كان لهم من يخطب» محمول علي الإمام أو نائبه.

و لأنّ شرط الوجوب الإمام أو نائبه إجماعا، فكذا هو شرط في الجواز.

مسألة 390: يجوز أن يكون الإمام مسافرا

- و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(1) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة، فجاز أن يكون إماما كالحاضر.

و قال أحمد بن حنبل: لا يجوز، لأنّه ليس من أهل فرض الجمعة، فلا يجوز أن يكون إماما كالمرأة(2).

و الفرق ظاهر، فإنّ المرأة لا تصح أن تكون إماما للرجل في حال من الأحوال، و المسافر لو نوي الإقامة صحّ أن يكون إماما إجماعا.

مسألة 391: لو أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها، أو خرج بسبب آخر، جاز أن يستخلف غيره
اشارة

ليتمّ بهم الصلاة، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الثوري و الشافعي في الجديد، و أحمد و إسحاق و أبو ثور(3) - لأن أبا بكر كان يصلّي بالناس في مرض النبي صلّي اللّه عليه و آله، فسأل النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من يصلّي بالناس ؟) فقيل:

ص: 28


1- المبسوط للسرخسي 25:2، اللباب 112:1، الهداية للمرغيناني 84:1، المدونة الكبري 158:1، المنتقي للباجي 196:1، المغني 196:2، الشرح الكبير 155:2، المحلّي 5: 51، المجموع 248:4 و 250، الوجيز 62:1، فتح العزيز 540:4، السراج الوهاج: 86، مغني المحتاج 284:1.
2- المغني 196:2، الشرح الكبير 155:2، المجموع 250:4، فتح العزيز 541:4، الإنصاف 368:2.
3- بلغة السالك 167:1، الشرح الصغير 166:1، الام 207:1، المجموع 242:4 و 245 و 578، فتح العزيز 554:4-555 و 557، حلية العلماء 248:2، المغني 1: 779.

أبو بكر، فخرج يتهادي بين اثنين، فدخل المسجد و أبو بكر يصلّي بالناس، فمنعه من إتمام الإمامة بهم، و تقدّم فصلّي بهم و تأخّر أبو بكر(1). فصارت الصلاة بإمامين علي التعاقب.

و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «من وجد أذي فليأخذ بيد رجل فليقدّمه»(2) يعني إذا كان إماما.

و لأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام، فإذا قدّم من يصلح للإمامة كان كما لو أتمّها، و لا ينفك المأموم من الجماعة و العمل بالفضيلة فيها.

و قال الشافعي في القديم: لا يجوز الاستخلاف(3) ، لما رووا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه صلّي بأصحابه، فلمّا أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب، فقال لأصحابه: (كما أنتم) و مضي و رجع و رأسه يقطر ماء، و لم يستخلف(4). فلو كان سائغا لفعله.

و هذا عندنا ممتنع، لما بيّنا غير مرة من استحالة السهو علي النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و للشافعي قول آخر: جوازه في غير الجمعة لا فيها(5).

فروع:

أ: لا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتين قبل التحريم و بعدها،

فإذا استخلف صلّي بهم من غير خطبة، لخروج العهدة عنها بفعلها أوّلا.

ص: 29


1- مسند أحمد 209:1، سنن أبي داود 247:1-940 بتفاوت.
2- الكافي 366:3-11، التهذيب 325:2-1331، الاستبصار 404:1-1940.
3- المهذب للشيرازي 124:1، المجموع 578:4، فتح العزيز 554:4، حلية العلماء 2: 248، السراج الوهاج: 90.
4- صحيح البخاري 77:1، سنن أبي داود 60:1-61-233-235 - سنن ابن ماجة 1: 385-1220، مسند أحمد 88:1 و 99، ترتيب مسند الشافعي 114:1-341.
5- انظر: فتح العزيز 555:4.

و قال الشافعي: علي تقدير جوازه يجوز، و علي تقدير عدمه لا يجوز أن يصلّي غيره بهم الجمعة، لأنّ الخطبتين تقوم مقام ركعتين فيخطب بهم غيره و يصلّي، فإن لم يتّسع الوقت، صلّي بهم الظهر أربعا(1).

ب: لو أحدث بعد التحريم استخلف عندنا،

و أتمّوها جمعة قطعا، و به قال الشافعي علي تقدير الجواز، و علي تقدير العدم لا يجوز، فيصلّي المأمومون فرادي ركعتين.

و عنه آخر: إن كان بعد أن صلّي ركعة أتموها جمعة ركعتين، و إن كان أقل من ركعة صلّوا ظهرا أربعا(2).

ج: يجب أن يستخلف من هو بشرائط الإمامة،

فلو استخلف امرأة لإمامة الرجال فهو لغو، فلا تبطل صلاتهم إذا لم يقتدوا بها، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: تبطل الصلاة بالاستخلاف صلاتهم و صلاتها(4).

د: لا يشترط في المستخلف كونه قد سمع الخطبة، أو أحرم مع الإمام،

سواء أحدث الإمام في الركعة الأولي أو الثانية قبل الركوع، للأصل.

و لقول معاوية بن عمّار: سألت الصادق عليه السلام، عن رجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر، فينفتل الإمام فيأخذ بيده و يكون أدني القوم إليه فيقدّمه، فقال: «يتمّ القوم الصلاة، ثم يجلس حتي إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم عن اليمين و الشمال، و كان الذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم، و أتمّ هو ما كان فاته إن بقي عليه»(5).1.

ص: 30


1- فتح العزيز 561:4-562.
2- المجموع 578:4، المهذب للشيرازي 124:1.
3- المجموع 243:4، فتح العزيز 555:4.
4- المبسوط للسرخسي 180:1، فتح العزيز 555:4.
5- الكافي 382:3-7، التهذيب 41:3-144، الاستبصار 433:1-1672، الفقيه 258:1-1171.

و قال الشافعي: إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم بالصلاة، جاز أن يستخلف من حضرها و سمعها، لأنّه ثبت له حكمها بسماعه إيّاها، و لهذا لو بدر أربعون ممّن سمع الخطبة فعقدوها، صحّت، و لو صلّي أربعون ممّن لم يسمعها، لم تنعقد بهم، و لا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها.

و إن أحدث بعد التحريم، فإن كان في الركعة الأولي جاز أن يستخلف من أحرم معه قبل حدثه، سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده - و إن لم يكن سمع الخطبة - لأنّه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها.

و لا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه، لأنه يكون مبتدئا للجمعة، و لا يجوز عقد جمعة بعد جمعة، بخلاف المسبوق، لأنه متبع لا مبتدئ.

و إن أحدث في الثانية، جاز أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه، و يتمّون معه الجمعة.

و هل يتمّ هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه: بالأول. و هو جيّد عندنا، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعا.

و إن استخلف من دخل معه بعد الركوع، قال أكثر أصحابه: لا يجوز، لأنّ فرضه الظهر، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة.

و قال بعضهم: يجوز، كالمسبوق و المسافر يأتمّ بالمقيم(1).

و عندي في ذلك تردّد، و كذا التردّد لو استناب من يبتدئ بالظهر.

ه: لو أحدث في الأولي فاستخلف من قد أحرم معه صحّ،

ثم صلّي المستخلف لهم الثانية، فلمّا قام أحدث و استخلف من أدرك الركعة الثانية صلّي المستخلف الثاني ركعة، و أشار إليهم أن يسلّم بهم أحدهم، و قام هو فأتمّها جمعة، لأنه أدرك ركعة من جمعة صحيحة.2.

ص: 31


1- المهذب للشيرازي 124:1، المجموع 579:4-582، حلية العلماء 249:2.

و قال الشافعي: يتمّها ظهرا، لأنّ للمأمومين اتّباعه، فلا يمكن بناء حكمه علي حكمهم، و لا يمكن أن يبني حكمه علي حكم الإمام الأول، لأنّه ما تمّت له الجمعة، فلا وجه لإتيان حكم الجمعة في حقّه. و هو ممنوع.

ثم قال: لو جاء مسبوق آخر و اقتدي بهذا المسبوق، و قلنا: إنّ المحسوب له ركعة من الظهر، فيحسب للمقتدي به ركعة من الجمعة، لأنّه في حق المأمومين يتنزّل منزلة إمامه(1).

و: لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه،

فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون و قدّموا من يتمّ بهم الصلاة، و للواحد منهم أن يتقدّم، بل هو أولي، لأنّ الإمام قد خرج و المأمومون في الصلاة. و به قال الشافعي(2).

و فيه إشكال ينشأ من اشتراط الإمام أو إذنه عندنا، و من كونها جمعة انعقدت صحيحة، فيجب إكمالها.

و الإذن شرط في الابتداء لا في الإكمال. فإن قلنا بالأول احتمل أن يتمّوها جمعة فرادي كما لو ماتوا إلاّ واحدا، و أن يتمّوها ظهرا، لعدم الشرط و هو الجماعة مع التعدّد.

و إن كان في الأولي قبل الركوع، احتمل إتمامها ظهرا، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة، فلم يدركوا الصلاة، و جمعة، لانعقادها صحيحة، فتكمل كما لو بقي الإمام. و كلا الوجهين للشافعي(3).

ز: لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يحدث الإمام عمدا أو سهوا

- و به قال الشافعي(4) - لما بيّنّا من أنّ بطلان صلاة الإمام لا يقتضي بطلان صلاة المأموم.4.

ص: 32


1- انظر المجموع 581:4-582، و فتح العزيز 559:4 و 560.
2- المجموع 583:4، فتح العزيز 561:4.
3- المجموع 578:4، المهذب للشيرازي 124:1.
4- المجموع 578:4، الوجيز 62:1، فتح العزيز 557:4.

و قال أبو حنيفة: إن تعمّد بطلت صلاتهم كلّهم(1).

ح: الأقرب وجوب اتّحاد الإمام و الخطيب إلاّ لعذر،

كالحدث و شبهه، لأنّ العادة قاضية بأنّ المتولّي لهما واحد من زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي الآن.

و يحتمل عدمه، لجواز تعدّد الأئمة في صلب الصلاة في المحدث فجاز في غيره.

ط: لو استناب لم يجب علي المأمومين استئناف نية القدوة،

لأنّه خليفة الأول، و الغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول و إدامة الجماعة.

و هو أحد وجهي الشافعية(2).

و فيه إشكال ينشأ من وجوب تعين الإمام فيجب استئناف نية القدوة.

و في الآخر: يشترط، لأنّهم انفردوا بخروج الإمام من الصلاة(3).

و كذا لو لم يستنب الإمام و قدّم المأمومون إماما.

ي: لو مات الإمام فاستناب المأمومون، لم تبطل صلاة المتلبّس

و أتمّ جمعة، أمّا غيره فيصلّي الظهر، و يحتمل الدخول معهم، لأنّها جمعة مشروعة.

البحث الثالث: العدد
مسألة 392: العدد شرط بإجماع العلماء كافة،

لأنّ تسميتها جمعة من الاجتماع المستلزم للتكثير، و لأنّ الإمام شرط و لا يتحقّق مسمّاه إلاّ بالمأموم.

ص: 33


1- بدائع الصنائع 226:1، فتح العزيز 557:4.
2- المجموع 582:4، الوجيز 62:1، فتح العزيز 560:4.
3- المجموع 582:4، فتح العزيز 560:4.

و اختلفوا في أقلّ عدد تجب معه الجمعة، فقال بعض علمائنا: أقلّه خمسة نفر الإمام أحدهم، لأنّ الخطاب متوجّه بصيغة الجمع، و أقلّ عدد يحتمله حقيقة الثلاثة، و إنّما أوجب عند النداء الحاصل من الغير فيثبت رابع، و إنّما يجب السعي عند النداء مع حصول الشرائط التي من جملتها الإمام فيجب الخامس(1).

و لأنّها إنّما تجب علي المقيمين، و الاستيطان مع الاجتماع مظنّة التنازع، فلا بدّ من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث.

ثم لمّا كانت الحوادث و العوائق تعتور الإنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه لو عرض له حادث يمنعه عن فصل المتنازعين فوجب الرابع.

ثم لمّا كان الاجتماع مظنة التنازع المفضي إلي الافتراء احتيج إلي من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب الخامس.

فثبت أنّ الأمور الضرورية لا بدّ فيها من حصول خمسة نفر.

و لقول الباقر عليه السلام: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين علي أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(2).

و قال الصادق عليه السلام: «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة»(3).

و قال الشيخ: سبعة نفر، أحدهم: الإمام(4) ، لافتقار الاستيطان إلي متنازعين و شاهدين، و حاكم، و نائبه، و مستوفي الحدود.

و لقول الباقر عليه السلام: «تجب الجمعة علي سبعة و لا تجب علي1.

ص: 34


1- هو المحقق في المعتبر: 202.
2- الكافي 419:3-4، التهذيب 240:3-640، الاستبصار 419:1-1612.
3- التهذيب 239:3-636، الاستبصار 419:1-1610.
4- الخلاف 598:1 المسألة 359، النهاية: 103، المبسوط للطوسي 143:1.

أقلّ منهم»(1).

و حمل ما تقدّم من الروايتين علي استحبابها للخمسة(2).

و لا ضرورة إلي الشاهدين، و الرواية ليست ناصّة علي المطلوب، لأنّ أقلّ من السبعة قد يكون أقلّ من الخمسة، فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة، و لأنّ روايتنا أكثر رواة و أقرب إلي مطابقة القرآن، و لأنّ الخيار مع الخمسة يستلزم الوجوب، لقوله تعالي فَاسْعَوْا (3).

و قال الشافعي: لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلا علي الشرائط الآتية، و هل الإمام أحدهم ؟ وجهان - و به قال عمر بن عبد العزيز و مالك و أحمد - لقول جابر بن عبد اللّه: مضت السنّة أنّ في كلّ أربعين فما فوقها جمعة(4). و قول الصحابي: مضت السنّة، كقوله: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله(5).

و تعليق الحكم علي العدد لا يقتضي نفيه عمّا هو أقلّ أو أكثر.

و نمنع مساواة (مضت السنّة) لقوله: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و قال أحمد في رواية: لا تنعقد إلاّ بخمسين، لقوله عليه السلام:

(تجب الجمعة علي خمسين رجلا)(6).

و دلالة المفهوم ضعيفة.3.

ص: 35


1- الفقيه 267:1-1222، التهذيب 20:3-75، الإستبصار 418:1-1608.
2- الاستبصار 419:1 ذيل الحديث 1609.
3- الجمعة: 9.
4- سنن الدار قطني 3:2-4-1، سنن البيهقي 177:3.
5- المغني 172:2 و 173، الشرح الكبير 174:2 و 175، المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 502:4 و 503، فتح العزيز 510:4، حلية العلماء 230:2.
6- المغني 172:2، الشرح الكبير 174:2، و راجع سنن الدار قطني 4:2-2 و 3.

و قال أبو حنيفة و الثوري و محمد: تنعقد بأربعة، أحدهم: الإمام، لأنّ الأربعة عدد يزيد علي أقلّ الجمع المطلق، فجاز عقد الجمعة به كالأربعين(1).

و نمنع العلّية.

و قال الأوزاعي و أبو يوسف: تنعقد بثلاثة، لعموم الأمر(2).

و قد بيّنّا خصوصه.

و قال ربيعة: تنعقد باثني عشر رجلا، لأنّ النّبي صلّي اللّه عليه و آله كتب إلي مصعب بن عمير قبل الهجرة، و كان مصعب بالمدينة، فأمره أن يصلّي الجمعة بعد الزوال ركعتين، و أن يخطب قبلها، فجمّع مصعب في بيت سعد ابن خيثمة باثني عشر رجلا(3).

و هو حجّة علي الشافعي لا علينا.

و قال الحسن بن صالح بن حيّ: تنعقد باثنين، لأنّ كلّ عدد انعقدت به الجماعة انعقدت به الجمعة كالأربعين(4).

و هو غلط، لأنّ الأمر بصيغة الجمع فلا يتناول الاثنين.

مسألة 393: يشترط في العدد أمور:

الأول: أن يكونوا ذكورا إجماعا، فلا تنعقد بالنساء، و لا بالرجال إذا تكمّل العدد بامرأة، و لا خنثي مشكل، و تنعقد بالخنثي الملحق بالرجال.

الثاني: يشترط: أن يكونوا مكلّفين، فلا تنعقد بالصبي و إن كان مميزا،

ص: 36


1- المبسوط للسرخسي 24:2، الهداية للمرغيناني 83:1، المجموع 504:4، فتح العزيز 510:4، المغني 172:2، الشرح الكبير 175:2، حلية العلماء 230:2.
2- المبسوط للسرخسي 24:2، الهداية للمرغيناني 83:1، المجموع 504:4، حلية العلماء 230:2، المغني 172:2.
3- المجموع 504:4، حلية العلماء 230:2، المغني 172:2، الشرح الكبير 175:2.
4- المجموع 504:4، حلية العلماء 230:2.

و لا بالمجنون و إن كان يعتوره، إلاّ أن يكون حال الإقامة مفيقا.

الثالث: هل يشترط الحرية ؟ للشيخ قولان:

الاشتراط، فلا تنعقد بالعبد قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا أو أمّ ولد - و هو قول الشافعي و أحمد(1) لأن الجمعة إنّما تصح منه تبعا لغيره، فلو انعقدت به صار التبع متبوعا، و لأنه لو انعقدت به، لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار(2).

و الثاني: عدمه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة فانعقدت به كالحر(4).

الرابع: و هل يشترط الحضر؟ قولان للشيخ: الاشتراط(5) - و به قال الشافعي(6) - فلا تنعقد بالمسافر، لما تقدّم في العبد. و عدمه(7) - و به قال أبو حنيفة(8) - لما تقدّم.

الخامس: لا يشترط الصحة، و لا زوال الموانع من المطر و الخوف، فلو حضر المريض أو المحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم، و انعقدت2.

ص: 37


1- الام 191:1، مختصر المزني: 26، المجموع 505:4، فتح العزيز 512:4، المهذب للشيرازي 117:1، مغني المحتاج 282:1، السراج الوهاج: 86، المغني 196:2، الشرح الكبير 155:2.
2- المبسوط للطوسي 143:1.
3- المبسوط للسرخسي 25:2، شرح العناية 31:2، اللباب 112:1، المغني 196:2، الشرح الكبير 155:2.
4- الخلاف 610:1 مسألة 375.
5- المبسوط للطوسي 143:1.
6- الام 191:1، مختصر المزني: 26، المجموع 502:4، فتح العزيز 512:4، مغني المحتاج 282:1، المهذب للشيرازي 117:1، السراج الوهاج: 86، المبسوط للسرخسي 25:2.
7- الخلاف 610:1 مسألة 375.
8- المبسوط للسرخسي 25:2، اللباب 112:1، المغني 196:2، الشرح الكبير 155:2.

به إجماعا - إلاّ في قول بعيد للشافعي: إنّها لا تنعقد بالمريض كالمسافر(1) - لأنّ سقوطها عنهم لمشقّة السعي، فإذا تكلّفوه، زالت المشقة، فزال مانع الوجوب و الانعقاد به، فيثبتان.

السادس: لا يشترط مغايرة الإمام للعدد، و قد تقدّم(2). و للشافعي قولان(3).

السابع: يشترط الإسلام، لعدم انعقادها بالكافر إجماعا، و لا تشترط العدالة، فتنعقد بالفاسق إجماعا.

الثامن: يشترط عدم العلم بحدث أحدهم، فلو أحدث أحدهم مع العلم به و العدد يتمّ به، لم تنعقد به ما لم يتطهّر، و لو لم يعلم صحّت الجمعة للمتطهّرين.

و كذا لو ظهر حدث أحدهم و كان جاهلا به، كما لو وجد بعد الجمعة جنابة علي ثوبه المختص به، فإنّ الجمعة قد صحّت لغيره، و يقضي هو الظهر.

مسألة 394: قال الشيخ: أقسام الناس في الجمعة خمسة:

من تجب عليه و تنعقد به و هو: الذكر، الحرّ، البالغ، العاقل، الصحيح، السليم من العمي و العرج و الشيخوخة التي لا حراك معها، الحاضر أو من هو بحكمه.

و من لا تجب عليه و لا تنعقد به و هو: الصبي و المجنون و العبد و المسافر و المرأة. لكن يجوز لهم فعلها، إلاّ المجنون.

ص: 38


1- المجموع 503:4، فتح العزيز 515:4-516، مغني المحتاج 283:1، السراج الوهاج: 86.
2- تقدم في أول البحث الثالث.
3- المجموع 502:4-503، الوجيز 61:1، فتح العزيز 516:4، مغني المحتاج 1: 283، السراج الوهاج: 86.

و من تنعقد به و لا تجب عليه و هو: المريض و الأعمي و الأعرج و من كان علي رأس أكثر من فرسخين.

و من تجب عليه و لا تنعقد به و هو: الكافر، لأنّه مخاطب بالفروع عندنا.

و مختلف فيه و هو: من كان مقيما في بلد من طلاّب العلم و التجّار و لمّا يستوطنه، بل متي قضي وطره خرج، فإنّها تجب عليه و تنعقد به عندنا، و عندهم خلاف(1).

مسألة 395: لا يشترط بقاء العدد مدة الصلاة،
اشارة

فلو انعقدت بهم ثم انفضّوا أو ماتوا - إلاّ الإمام بعد الإحرام - لم تبطل الجمعة، بل يتمّها جمعة ركعتين.

و حكي المزني عن الشافعي خمسة أقوال:

أحدها: هذا - و به قال أبو يوسف و محمّد(2) - لأنّها انعقدت فوجب الإتمام، لتحقّق شرط الوجوب. و اشتراط الاستدامة منفي(3) بالأصل، و لا يلزم من اشتراط الابتداء بشيء اشتراط استدامته به، كعدم الماء في حق المتيمم.

الثاني - و هو الأصح عندهم -: أنّ العدد شرط في الاستدامة، كما في الابتداء، فلو نقص واحد قبل التسليم بطلت جمعة و يتمّها ظهرا - و به قال أحمد(4) - لأنه شرط في الجمعة يختص بها، يعتبر في ابتدائها فيعتبر في استدامتها كالوقت.

ص: 39


1- المبسوط للطوسي 143:1-144.
2- الهداية للمرغيناني 83:1، بدائع الصنائع 267:1، حلية العلماء 231:2.
3- في «ش» و الطبعة الحجرية: ينتفي.
4- المغني 179:2، الشرح الكبير 176:2، فتح العزيز 528:4، حلية العلماء 231:2.

و الأصل ممنوع علي ما تقدّم.

الثالث: إن بقي معه اثنان أتمّها جمعة، لأنّه بقي عدد تنعقد به الجماعة و اختلف في انعقاد الجمعة به، فلم يبطلها بعد انعقادها.

الرابع: إن بقي معه واحد أتمّها جمعة، لذلك أيضا.

الخامس: إن انفضّوا بعد ما صلّوا ركعة بسجدتيها أتمّها جمعة. و اختاره المزني - و هو قول مالك(1) - لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخري)(2).

و لا بأس بهذا القول عندي.

و قال أبو حنيفة: إن انفضّوا بعد ما صلّي ركعة بسجدة واحدة أتمّها جمعة و إلاّ فلا، لأنّه أدرك معظم الركعة من الجمعة فاحتسبت له الجمعة، كالمسبوق يدرك الركوع(3).

و ينتقض بمن أدرك القيام و القراءة و الركوع، فإنّه يدرك معظمها و لا يتمّ جمعة.

فروع:

أ: لا اعتبار بانفضاض الزائد علي العدد

مع بقاء العدد إجماعا.

ب: لو انعقدت بالعدد فحضر مساويه

و أدركوا ركوع الثانية ثم انفضّ الأولون صحّت الجمعة و إن فاتهم أول الصلاة، لأنّ العقد و العدد موجود فكان له الإتمام.

ص: 40


1- حلية العلماء 231:2، فتح العزيز 532:4.
2- سنن الدار قطني 10:2-1، سنن ابن ماجة 356:1-1121، المستدرك للحاكم 1: 291، و راجع: المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 506:4-507، فتح العزيز 528:4 و 531-534، حلية العلماء 231:2.
3- بدائع الصنائع 266:1، الهداية للمرغيناني 83:1، الجامع الصغير للشيباني: 112، شرح العناية 31:2، فتح العزيز 532:4، المغني 179:2، الشرح الكبير 176:2.

ج: الأقرب أنّ الإمام

كغيره.

د: لو انفضّوا قبل الإتيان بأركان الخطبة و سكت ثم عادوا، أتمّ الخطبة

سواء طال الفصل أو لا، لحصول مسمّي الخطبة، و ليس لها حرمة الصلاة.

و لأنّه لا يؤمن الانفضاض بعد إعادتها، و هو قول أبي إسحاق(1).

و نمنع اشتراط الموالاة.

و قال الشافعي: أن طال استأنف الخطبة، و إلاّ فلا.

و عنه: أنّه مع طول الفصل يصلّي أربعا إن لم يعد الخطبة، لبطلانها، و لا يأمن الانفضاض في الإعادة و الصلاة فيصلّي ظهرا(2).

ه: لو انفضّوا بعد الخطبة و هناك غيرهم، فالوجه إعادة الخطبة،

و يصلّي جمعة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه متمكّن من الجمعة بشرائطها.

و له قول: إنه يصلّي ظهرا(4).

و: لو اشترطنا الركعة فانفضّوا قبل إكمالها، احتمل العدول إلي الظهر،

لأنّها صلاة انعقدت صحيحة، فيجوز العدول، كذاكر الفائتة، و الذي قد زوحم، و الاستئناف، لبطلان ما عقدها له.

ز: لو انفضّ العدد قبل التلبّس و لو بعد الخطبتين، سقطت

إن لم يعودوا في الوقت، و لو انفضّوا في أثناء الخطبة، أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها أوّلا، و إن سمعوا الواجب أجزأ.2.

ص: 41


1- المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 507:4.
2- مختصر المزني: 26، المجموع 507:4، فتح العزيز 518:4 و 521-522، حلية العلماء 237:2.
3- المجموع 507:4، فتح العزيز 521:4-522.
4- المجموع 507:4، فتح العزيز 521:4-522.
البحث الرابع: الجماعة
مسألة 396: الجماعة شرط في الجمعة،

فلا تصح فرادي، و عليه إجماع العلماء كافة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صلاّها كذلك، و قال:

(صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(1).

و لأن تسميتها جمعة من الاجتماع، فلا تتحقّق من دونه.

و لما رواه زرارة قال: «فرض اللّه من الجمعة إلي الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، واحدة فرضها اللّه في جماعة و هي الجمعة»(2).

و هي شرط في الابتداء لا في الاستدامة، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتمّ به في الأثناء لم تنعقد.

و لو ابتدأ إماما ثم انفضّ العدد بعد التحريم، لم تبطل علي ما تقدّم.

مسألة 397: إذا انعقدت الجمعة و دخل المسبوق لحق الركعة
اشارة

إن كان الإمام راكعا، و يدرك الجمعة لو أدركه راكعا في الثانية، ثم يتم بعد فراغ الإمام - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و زفر و محمد، و هو مروي عن ابن مسعود و ابن عمر و أنس، و من التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و النخعي و الزهري(3) - لقوله عليه السلام: (من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخري، و من أدرك دونها صلاّها أربعا)(4).

ص: 42


1- صحيح البخاري 162:1، سنن البيهقي 345:2، سنن الدار قطني 272:1 - 273-1.
2- الكافي 419:3-6، الفقيه 266:1-1217، التهذيب 21:3-77، أمالي الصدوق: 319-17، الخصال: 422-21 و 533-11.
3- الام 206:1، المجموع 556:4 و 558، فتح العزيز 552:4، المغني 158:2، الشرح الكبير 177:2، بدائع الصنائع 267:1، شرح العناية 35:2.
4- سنن الدار قطني 10:2-11-1-6، سنن ابن ماجة 356:1-1121، المستدرك للحاكم 291:1، مصنف ابن أبي شيبة 129:2.

و من طريق الخاصة: رواية المفضّل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة و إن فاتته فليصلّ أربعا»(1).

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الحكم و حمّاد: أيّ قدر أدرك من صلاة الإمام أدرك به الجمعة و لو سجود السهو بعد التسليم، لأنّ سجود السهو يعيده إلي حكم الصلاة(2) ، لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(3).

و لأنّ من لزمه أن يبني علي صلاة الإمام إذا أدرك منها ركعة لزمه و إن أدرك دون ذلك، كالمسافر إذا أدرك المقيم.

و الرواية نقول بموجبها، و نمنع الإدراك بعد فوات الركوع، و الفرق مع المسافر ظاهر، فإنّ إدراكه إدراك إيجاب و التزام لتمام العدد، و هنا إدراكه يسقط به فرض العدد فاختلفا.

فروع:

أ: لا يشترط إدراك الخطبة،

لأنّ إدراك الاولي ليس بشرط، فالخطبة أولي.

و لقول الصادق عليه السلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، فقال:

«يصلّي ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا»(4).

و هو قول جمهور العلماء.

ص: 43


1- الفقيه 270:1-1232، التهذيب 243:3-657، الاستبصار 422:1-1623.
2- المبسوط للسرخسي 35:2، اللباب 113:1، الهداية للمرغيناني 84:1، المجموع 4: 558، فتح العزيز 552:4، حلية العلماء 233:2.
3- مسند أحمد 238:2 و 270 و 318 و 489 و 533، سنن النسائي 114:2-115.
4- الكافي 427:3-1، التهذيب 160:3-343 و 243-656، الاستبصار 1: 421-1622.

و قال عطاء و طاوس و مجاهد و مكحول: يدرك الجمعة بإدراك الخطبتين، فمن فاتته الخطبتان فاتته الجمعة و إن أدرك الصلاة(1).

ب - المشهور أنه يدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا

و إن لم يدرك تكبيرة الركوع بل يدرك الركعة لو اجتمع مع الإمام في جزء منه - و به قال الشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك»(3).

و قال الشيخ: إن أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة و إلاّ فلا(4) ، لقول الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(5).

و هو محمول علي ما إذا خاف فوت الركوع، إذ الغالب أنّ من لم يدرك تكبيرة الركوع إذا دخل المسجد فاتته الركعة، لافتقاره إلي قطع المسافة بينه و بين القوم، و النية، و تكبيرة الإحرام.

و تكبير الركوع ليس واجبا فلا يفوت الاقتداء بفواته.

و قول الشيخ ليس بعيدا من الصواب، لفوات واجب الركوع فيكون الباقي مستحبا، فلا تحصل الركعة بالمتابعة فيه، لفوات الركوع الواجب.

ج: لو ذكر ترك سجدة ناسيا و لم يعلم أ هي من التي أدركها مع الإمام، أو الثانية ؟ فإنّه يقضي السجدة،

و يسجد سجدتي السهو إن كان بعد التسليم،6.

ص: 44


1- المجموع 558:4، المغني 158:2، الشرح الكبير 177:2.
2- المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 556:4 و 558، فتح العزيز 552:4.
3- الكافي 382:3-5، الفقيه 254:1-1149، التهذيب 43:3-153، الاستبصار 1: 435-1680.
4- المبسوط للطوسي 158:1.
5- التهذيب 43:3-149، الاستبصار 434:1-1676.

و إن كان قبله، فالأقرب فعلها قبل التسليم و إعادة التشهد، لأنّه شاك في الأولي بعد فواتها فلا يلتفت.

و لأنّه مأموم فلا عبرة بشكّه فتتعيّن الأخري.

و تحتمل المساواة للأولي، فيسلّم ثم يقضي السجدة، و يسجد سجدتي السهو. و علي كلا التقديرين يدرك الجمعة.

و قال الشافعي: يأخذ بأسوإ الحالين، و هو: نسيانها من الاولي، فيتمّ الثانية، و يحصل له من الركعتين ركعة، و لا يدرك الجمعة، لاحتمال أن تكون من الاولي فلم يدرك مع الإمام ركعة كاملة، فيتمّها ظهرا(1). و قد سبق البحث فيه.

د: لو كبّر للإحرام و الإمام راكع، ثم رفع الإمام قبل ركوعه أو بعده قبل الذكر، فقد فاتته تلك الركعة.

و لو شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ رجّحنا الاحتياط علي الاستصحاب.

ه: لو أدرك مع الإمام ركعة فلمّا جلس مع الإمام ذكر أنه ترك فيها سجدة فإنه يسجد

و قد أدرك الركعة عندنا - و هو أصح وجهي الشافعي(2) - لأنه أتي بالركعة مع الإمام إلاّ أنه أتي بالسجدة في حكم متابعته، فلم يمنع ذلك من إدراكها، و كذا لو ذكرها بعد تسليم الإمام عندنا.

و قال الشافعي: يتمها ظهرا(3).

و الأصل في ذلك: أنّ فوات السجدة مع الإمام هل يقتضي فوات الركعة معه أم لا؟.

و: لو قام الإمام إلي الثالثة سهوا فأدركه في الثالثة فصلاّها معه،

لم يكن4.

ص: 45


1- المجموع 556:4.
2- في «ش»: الشافعية. و راجع: المجموع 556:4، و فتح العزيز 553:4.
3- الام 206:1، و انظر: المجموع 556:4، فتح العزيز 553:4.

مدركا للجمعة إجماعا، لأنّها ليست من صلاة الجمعة بل خطأ.

(و لو ذكر الإمام ترك سجدة)(1) لا يعلم موضعها فكذلك عندنا.

و قال الشافعي: تمّت صلاته، لأنّها إن كانت من الأولي فقد تمّت بالثانية، و كانت الثالثة ثانيته، و إن تركها من الثانية تمّت بالثالثة. و لا تتم جمعة المأموم، لجواز أن تكون من الثانية فتتم بالثالثة فلم تكن الثالثة من أصل الجمعة، لأنّ المحسوب منها للإمام سجدة واحدة(2).

و يجيء قول الشافعي علي من يختار من علمائنا التلفيق لو كان الترك لسجدتين من ركعة.

و لو ذكر الإمام أنّها من الأوّلة، أدرك المأموم الجمعة، لأن الأولي تمّت بالثانية فكانت الثالثة ثانيته و قد أدركها المأموم.

ز: لو ترك الإمام سجدة من الأولي سهوا و قام إلي الثانية فاقتدي به و صلّي معه ركعة، فإن جلس الإمام للتشهّد و سلّم، صحّت صلاته و صلاة المأموم،

و يسجد الإمام المنسيّة، و يسجد لها سجدتي السهو.

و قال الشافعي: تبطل صلاة الإمام، لتركه ركعة، فإنّه لا يحتسب له من الركعة إلاّ سجدة، و يحتسب للمسبوق ركعة من الظهر و لا يجعل بها مدركا للجمعة، لأنّ المحسوب للإمام منها سجدة.

فإن قام الإمام إلي الثالثة سهوا قبل جلوسه فهي ثانيته، لأنّ المحسوب له من الركعتين ركعة فقد أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة و قد صلّي قبل ذلك ركعة صحيحة فيتمّ له بهما صلاة الجمعة.

و هذه المسألة عكس مسائل الجمعة، لأنّه رتّب الجمعة علي ركعة4.

ص: 46


1- و رد بدل ما بين القوسين في «ش»: و الإمام إذا ترك سجدة.
2- المجموع 557:4.

وقعت محسوبة من الظهر، و جعلها من الجمعة، و الظهر أبدا تبني علي الجمعة إذا عرض ما يمنع تمامها(1). و قد بيّنا مذهبنا فيما تقدّم.

مسألة 398: لو كان الإمام متنفّلا - بأن يكون مسافرا قد صلّي الظهر أوّلا - فالوجه أنه لا جمعة

إن تمّ العدد به، إذ ليس من أهل التكليف بالجمعة، فلا يتعلّق وجوب غيره به، و إن تمّ بغيره ففي جواز الاقتداء به وجهان: لنقص صلاته، و جواز اقتداء المفترض بالمتنفّل. و كلاهما للشافعي(2).

و لو بان محدثا أو جنبا، صحّت جمعة المأمومين، سواء تمّ العدد به أو لا.

و قال الشافعي: إن تمّ به فلا جمعة، و إن تمّ دونه فقولان: أصحّهما عنده: ما قلناه كسائر الصلوات. و الثاني: أنه لا جمعة، لأنّ الجماعة شرط فيها، و الجماعة تقوم بالإمام(3).

مسألة 399: إذا ركع المأموم مع الإمام في الأولي ثم زوحم عن السجود لم يجز له السجود

علي ظهر غيره أو رأسه أو رجله عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و عطاء و الزهري(4) - بل ينتظر حتي يقدر علي السجود علي الأرض، لقوله عليه السلام: (و مكّن جبهتك من الأرض)(5).

و قال مجاهد و أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور:

يسجد علي ظهر غيره أو رأسه أو رجله، و يجزئه ذلك إن تمكّن، و إلاّ صبر، لأنّ عمر بن الخطاب قال: إذا اشتدّ الزحام فليسجد أحدكم علي ظهر أخيه.

ص: 47


1- انظر: حلية العلماء 232:2 و 233.
2- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 273:4، حلية العلماء 176:2.
3- الام 191:1، المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 259:4.
4- المدونة الكبري 146:1 و 147، المجموع 575:4، فتح العزيز 563:4، المغني 2: 160، الشرح الكبير 179:2.
5- الفردوس 281:1-1103.

و لأنّ أكثر ما فيه أنه يسجد علي نشز(1) من الأرض(2).

و فعل عمر ليس حجّة، و السجود إنّما يصح علي الأرض أو ما أنبتته، و لما فيه من ترك حرمة المسلم.

و قال الحسن البصري: هو مخيّر بين أن يسجد و بين أن ينتظر زوال الزحمة، فبسجوده يخلّ بكمال السجود و يتابع الإمام، و بتأخيره يأتي بكمال السجود و يخلّ بالمتابعة، فاستوت الحالان(3).

و ينتقض: بصلاة المريض حيث لا يؤمر بالتأخير للتكميل.

مسألة 400: إذا رفع الإمام رأسه من السجود و زال الزحام قبل أن يركع الإمام في الثانية فإنّ المأموم يشتغل بقضاء السجدتين
اشارة

و إن كان الإمام قائما، للحاجة و الضرورة.

و لأنّ مثله وقع في صلاة عسفان، حيث صلّي النبي عليه السلام و كان العدوّ تجاه القبلة، فسجد و بقي صف لم يسجد معه، فلمّا قام إلي الثانية سجدوا(4). و المشترك الحاجة.

و ليس له أن يركع مع الإمام قبل قضاء السجدتين، لئلاّ يزيد ركنا.

إذا عرفت هذا، فإنه يستحب للإمام تطويل القراءة ليلحق به، فإن فرغ و الإمام قائم ركع معه، و إن كان الإمام راكعا انتصب ثم لحقه في الركوع، و لا يجوز له المتابعة في الركوع قبل الانتصاب، لما فيه من الإخلال بواجب.

و لا يشتغل بالقراءة عندنا، لسقوطها عن المأموم.

ص: 48


1- النشز: المكان المرتفع. الصحاح 899:3، القاموس المحيط 194:2 «نشز».
2- الام 206:1، المجموع 563:4 و 575، فتح العزيز 563:4، المغني 160:2، الشرح الكبير 179:2، و انظر: مصنف ابن أبي شيبة 264:1، سنن البيهقي 182:3-183، مسند الطيالسي 13-70، علل الحديث للرازي 108:1-294.
3- المجموع 575:4، حلية العلماء 243:2 و 244.
4- سنن الدار قطني 59:2-60-8، سنن البيهقي 257:3.

و للشافعي وجهان: هذا أصحّهما، لأنّ القراءة سقطت عنه حيث لم يدركها مع الإمام، لأنّ فرضه الاشتغال بقضاء السجود و لم يتابعه في محلّها فهو كالمسبوق. و الآخر: يقضي القراءة، لأنّه أدرك محلّها مع الإمام، بخلاف المسبوق(1).

و الأولي ممنوعة.

و علي الأول يلحق الجمعة، و علي الثاني يقرأ ما لم يخف فوت الركوع، فإن خاف فهل يتمّ أو يركع ؟ قولان.

و إن زال الزحام و الإمام قد رفع رأسه من الركوع الثانية - و لا فرق حينئذ بين أن يكون الإمام قائما أو ساجدا - فإنه يتبعه و يسجد السجدتين، و ينوي بهما الاولي، فتحصل له ركعة ملفّقة، و لا يشتغل بقضاء ما عليه، و يدرك بها الجمعة - و به قال الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سأله حفص بن غياث عن رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس فدخل مع الإمام و ركع و لم يقدر علي السجود، ثم قام و ركع الإمام و لم يقدر علي الركوع في الثانية، و قدر علي السجود كيف يصنع ؟ قال الصادق عليه السلام: «أمّا الركعة الأولي فهي إلي الركوع تامة، فلمّا سجد في الثانية فإن نوي الركعة الأولي فقد تمّت الأولي، فإذا سلّم الإمام قام فصلّي ركعة يسجد فيها ثم يتشهّد و يسلّم، و إن لم ينو تلك السجدة للركعة الأولي لم تجزئ عنه الاولي، و عليه أن يسجد سجدتين، و ينوي أنّهما للركعة الاولي، و عليه بعد ذلك ركعة تامة»(3).ي.

ص: 49


1- المجموع 564:4 و 565، الوجيز 62:1، فتح العزيز 564:4، السراج الوهاج: 91، حلية العلماء 244:2.
2- المجموع 565:4، الوجيز 62:1، فتح العزيز 565:4، السراج الوهاج: 91، حلية العلماء 244:2-245.
3- التهذيب 21:3-22-78، الفقيه 270:1-1235، الكافي 429:3-430-9 و فيه الي قوله: لم تجزئ عنه الاولي.

و قال أبو حنيفة: لا يتبعه، و يشتغل بقضاء ما عليه بناء علي أنّ المأموم لا يخالف الإمام في صفة الفعل، فما كان أول صلاة الإمام كان أول صلاة المأموم، و ما كان آخر صلاة الإمام كان آخر صلاة المأموم(1). و سيأتي.

إذا عرفت هذا، فقد بيّنّا أنه يلحق الجمعة، لأنه أدرك ركعة منها.

و للشافعي وجهان: أصحّهما: هذا، لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخري)(2).

و الثاني: لا يلحقها، لأنّ إدراكها بركعة تامة و هذه ملفّقة(3).

و ليس بجيّد، فإنّ المسبوق يدرك الثانية للإمام و هي أولي له، فاحتساب بعض الثانية عن الأولي أولي.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا بدّ و أن ينوي بهاتين السجدتين أنّهما للأولي، و لا يكفيه استصحاب النية - كما هو ظاهر قول ابن إدريس(4) - لأنّ صلاته تابعة لصلاة الإمام و قد نوي الإمام بهاتين أنّهما للثانية، فلا بدّ و أن ينفرد بنية أخري أنّهما للأولي، لئلاّ يلحقه حكم الإمام.

و لو نوي بهما الثانية، بطلت صلاته، قاله الشيخ في النهاية(5) ، لأنّ الأولي لم تكمل و قد شرع في الثانية بسجدتين قبل قراءة و ركوع، و الزيادة و النقصان للأركان مبطلان.

و قال في المبسوط: يحذفهما و يأتي بسجدتين أخريين ينوي بهما7.

ص: 50


1- المبسوط للسرخسي 118:2، فتح العزيز 567:4، حلية العلماء 245:2.
2- مصنف ابن أبي شيبة 129:2، سنن ابن ماجة 356:1-1121، سنن الدار قطني 2: 10-1، المستدرك للحاكم 291:1.
3- المجموع 566:4، فتح العزيز 568:4، حلية العلماء 245:2.
4- السرائر: 65.
5- النهاية: 107.

الاولي، و يكمل له ركعة، و يتمّها بأخري(1) ، لحديث حفص بن غياث(2).

و هو ضعيف.

و إن زال الزحام و الإمام راكع في الثانية، فإنّ المأموم يشتغل بالقضاء، ثم إن لحقه في الركوع انتصب و ركع معه، و إن لم يلحقه إلاّ بعد رفعه منه، فقد فاتته تلك الركعة، فيأتي بأخري بعد فراغ الإمام، و لا يتابعه في السجدتين لئلاّ يزيد ركنا.

و للشافعي قولان في الاشتغال بالقضاء لو أدركه راكعا.

أحدهما: القضاء و لا يتابعه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنه قد شارك الإمام في الركوع الأول فيشتغل بعده بالسجود كما لو زال الزحام و الإمام قائم.

و الثاني: المتابعة - و به قال مالك(4) - لقوله عليه السلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا)(5) و هذا إمامه راكع(6).

و ليس بجيّد، لما فيه من الزيادة المبطلة، و تمام الحديث: (فإذا سجد فاسجدوا) و كما أمر بالركوع أمر بالسجود و الإمام قد يسجد قبل الركوع للأولي، فيتابعه المأموم في ذلك.

و للشافعي قولان علي تقدير وجوب المتابعة في الركوع لو تابعه:2.

ص: 51


1- المبسوط للطوسي 145:1.
2- الفقيه 270:1-1235، التهذيب 21:3-22-78.
3- المبسوط للسرخسي 118:2، حلية العلماء 245:2، المغني 160:2-161، فتح العزيز 4: 567.
4- المنتقي للباجي 192:1، حلية العلماء 245:2، المغني 160:2-161، فتح العزيز 566:4.
5- صحيح البخاري 187:1، صحيح مسلم 308:1-411، سنن النسائي 83:2، سنن الترمذي 194:2-361، سنن الدارمي 300:1، مسند أحمد 314:2.
6- المهذب للشيرازي 123:1، المجموع 565:4-566، فتح العزيز 566:4-567، حلية العلماء 245:2، المغني 161:2.

احتساب الركوع الثاني، لأنّه أدرك إمامه فيه، فهو كالمسبوق، فيدرك الجمعة، لإدراك ركعة تامة.

و الأول، لصحته، و لا يبطل بترك ما بعده، كما لو نسي سجدة من الأولي، فإنّها تتمّ بالثانية عنده، ففي إدراك الجمعة من حيث إنّها ملفّقة وجهان(1).

و لو لم يتابعه و اشتغل بالسجود - علي تقدير وجوب المتابعة - فإن اعتقد أنّ فرضه السجود، لم تبطل صلاته بالسجود، لأنه بمنزلة الناسي، و لم يعتدّ به، لأنّه أتي به في غير موضعه.

ثم إن فرغ و الإمام راكع، تبعه، كما لو اتّبعه في الركوع ابتداء، و إن فرغ و الإمام رافع أو ساجد، فإنه يتبعه، و يعتدّ بما فعله من السجود، و يحصل له ركعة ملفّقة، و في إدراك الجمعة حينئذ وجهان.

و إن فرغ من سجوده و الإمام جالس في التشهّد، تبعه، فإذا سلّم قضي السجود، و لا يكون مدركا لركعة مع الإمام، و إنّما أدرك القيام و القراءة و الركوع، و هل يبني الظهر علي ذلك أو يبتدئها؟ قولان(2).

و إن اعتقد أنّ فرضه الاتّباع، فخالف عامدا، فإن لم ينو مفارقة الإمام، بطلت صلاته، لأنّه زاد عمدا عملا كثيرا.

ثم إن كان الإمام في الركوع، أحرم بالصلاة و تبعه و يدرك الركعة و يدرك بها الجمعة، و إن وجده رافعا من الركوع، أحرم و اتّبعه، و بني علي ذلك الظهر وجها واحدا، لأنّه أحرم بعد فوات الجمعة.

و إن نوي مفارقة الإمام، فإن قلنا المفارقة لغير عذر مبطلة، فكما تقدّم، و إن لم تبطل فما أدرك ركعة بل بعضها، و هل يستأنف ؟ إن قلنا في غير2.

ص: 52


1- المجموع 566:4-567، فتح العزيز 567:4-568، المهذب للشيرازي 123:1، حلية العلماء 245:2.
2- الوجيز 63:1، فتح العزيز 568:4-574، حلية العلماء 246:2.

المعذور ببطلان صلاته لو صلّي الظهر قبل فوات الجمعة استأنف، و إلاّ أتم ظهرا.

و علي تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اشتغل تمّت له الاولي مع الإمام.

ثم إن كان الإمام راكعا تبعه و حصلت له الجمعة كاملة، و إن أدركه ساجدا أو جالسا فهل يتبعه أو يشتغل بقضاء ما فاته من القراءة و الركوع ؟ من أصحابه من قال: يشتغل بالقضاء، لأنّ بهذا القول ألزمناه الاشتغال بالقضاء.

و منهم من قال: يتبع الإمام لأنّ هذه الركعة لم يدرك منها شيئا بخلاف الأولي فإنّه أدرك أكثرها(1).

و الأخير عندهم أصح فقد أدرك ركعة بعضها فعله مع الإمام و بعضها فعله في حكم إمامته و هو السجود، ففي إدراك الجمعة بذلك وجهان(2).

و علي تقدير عدم الإدراك ففي البناء للظهر علي ذلك أو الاستئناف قولان.

فإن فرغ من السجود بعد تسليم الإمام لم يدرك ركعة مع الإمام، لأنّ المفعول بعد التسليم لا يكون في حكم صلاته فلا يكون مدركا للجمعة وجها واحدا، و هل يبني عليها الظهر أو يستأنف ؟ قولان.

و إن خالف و اتّبع الإمام في الركوع علي تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اعتقد أنّ فرضه المتابعة لم تبطل صلاته، لأنه كالناسي، و لم يعتد بالركوع لأنّه أتي به في غير موضعه، فإذا سجد تمّت الأولي و كانت ملفّقة.

و إن اعتقد انّ فرضه القضاء، بطلت صلاته، فيبتدئ الإحرام مع الإمام إن كان راكعا، و يدرك ركعة تامة يدرك بها الجمعة، و إن أدركه رافعا من1.

ص: 53


1- المجموع 567:4-569، فتح العزيز 571:4-572، المهذب للشيرازي 123:1، حلية العلماء 246:2-247.
2- المجموع 568:4، المهذب للشيرازي 123:1.

الركوع، أحرم معه و كانت ظهرا(1). و قد بيّنا مذهبنا في ذلك.

فروع:

أ: لو زوحم عن سجود الاولي

فقضاه قبل ركوع الإمام في الثانية ثم ركع مع الإمام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهّد، تبع الإمام في التشهّد، و تمّت جمعته - خلافا لبعض الشافعية(2) - لأنّه أدرك جميع الصلاة، بعضها فعلا و بعضها حكا، فثبت له حكم الجماعة.

ب: لو أدرك الإمام راكعا في الثانية فأحرم و ركع معه ثم زوحم عن السجدتين

ثم قضاه حال تشهّد الإمام، فالأقرب إدراك الجمعة - و للشافعية وجهان(3) - فيتابع الإمام في التشهّد، و يسلّم. و لو لم يزل الزحام حتي سلّم الإمام، فاتت الجمعة.

ج: لو أحرم مع الإمام فزوحم عن الركوع فزال الزحام و الإمام راكع في الثانية، فإنّه يركع معه،

و تحصل له ركعة، و يكون مدركا للجمعة، لأنّه لو أدرك الركوع في الثانية، كان مدركا للجمعة، فما زاد علي ذلك من الركعة الأوّلة لا يمنعه من إدراك الجمعة، و هو قول بعض الشافعية.

و قال آخرون: يحتمل أن تكون ملفّقة، ففي الإدراك وجهان(4).

د: لو زوحم عن الركوع و السجود في الأولي، صبر حتي يتمكّن منهما ثم يلتحق،

و هي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام(5).

فإن لحق الإمام راكعا في الثانية، تابعه و أدرك الجمعة.

و لو لحقه رافعا من ركوع الثانية، ففي إدراك الجمعة إشكال ينشأ: من أنّه لم يلحق ركوعا مع الإمام، و من إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام حكما.

ص: 54


1- المجموع 567:4-568.
2- المجموع 572:4-573، حلية العلماء 247:2.
3- المجموع 572:4، فتح العزيز 573:4، حلية العلماء 247:2-248.
4- المجموع 572:4، فتح العزيز 573:4، حلية العلماء 247:2-248.
5- الكافي 381:3-1، التهذيب 46:3-159، الاستبصار 437:1-1684.

و لو لم يتمكّن من القضاء حتي ركع الإمام في الثانية فزوحم عن المتابعة حتي سجد الإمام، أتمّها ظهرا.

ه: لو قضي سجدتي الاولي ثم نهض فوجد الإمام رافعا من الركوع، فالأقرب جلوسه

حتي يسجد الإمام و يسلّم، و لا يتابعه فيهما، ثم ينهض إلي الثانية. و له العدول إلي الانفراد، فيستمر علي قيامه قاضيا للثانية.

البحث الخامس: الوحدة
مسألة 401: لا تنعقد جمعتان بينهما أقل من فرسخ،

سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين فصل بينهما نهر عظيم كدجلة أو لا، عند علمائنا أجمع، لقول الباقر عليه السلام: «لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال، فإذا كان بين الجماعتين من الجمعة ثلاثة أميال، فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و هؤلاء»(1).

و لأنها لو صحّت مع التقارب، لصحّت في كلّ مسجد، مع أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لم يجمّع إلاّ في مسجد واحد، و كذا الخلفاء بعده، و لم يعطّلوا المساجد، بل كان إقامتها في موضعين أولي من موضع واحد، و مع بعد المسافة يشقّ الإتيان، فلا بدّ من تقدير يرفع المشقة، و القدر الذي يمكن تكلّفه لأكثر الناس فرسخ فكان الاعتبار به.

و لا اعتبار باتّحاد البلد، فقد يكثر عن فرسخ، فتحصل المشقة بالحضور.

و قال الشافعي: لا تقام الجمعة في المصر الواحد إلاّ في موضع واحد

ص: 55


1- الكافي 419:3-7، التهذيب 23:3-79.

و إن تباعدت أقطاره - و به قال مالك(1) - لأنّ النبي عليه السلام كذا فعل(2).

و نحن نقول بموجبه لأنّ المدينة لم تبلغ أقطارها فرسخا، فلهذا اتّحدت الجمعة.

و قال أبو يوسف: إذا كان للبلد جانبان ليس بينهما جسر، كانا كالبلدين، فجاز أن يقام في كلّ جانب جمعة، و إلاّ فلا.

و عنه: جواز ذلك في بغداد خاصة، لأنّ الحدود تقام فيها في موضعين، و الجمعة حيث تقام الحدود(3).

فلو وجد بلد تقام فيه الحدود في موضعين جاز إقامة الجمعة فيهما بمقتضي قوله. و هو قول ابن المبارك، و إليه ذهب أبو الطيب بن سلمة(4).

و قال محمد: تقام فيه جمعتان سواء كان جانبا واحدا أو أكثر(5) ، لأنّ عليا عليه السلام كان يخرج يصلّي العيد في الجبّان، و يستخلف أبا مسعود البدري يصلّي بضعفة الناس(6) ، و حكم الجبّان حكم البلد، و الجمعة عنده كالعيد.

و يحمل علي بعده عليه السلام فرسخا.

و ليس عن أبي حنيفة فيه شيء(7).2.

ص: 56


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 71، التفريع 233:1، المغني 182:2، الشرح الكبير 2: 190، المجموع 591:4، حلية العلماء 250:2.
2- الام 192:1، المجموع: 585:4 و 591، المهذب للشيرازي 124:1، فتح العزيز 498:4، حلية العلماء: 250:2، المغني 182:2، الشرح الكبير 190:2
3- المبسوط للسرخسي 120:2، المجموع 585:4 و 591، حلية العلماء 251:2، المغني 2: 182، الشرح الكبير 190:2.
4- المغني 182:2، الشرح الكبير 190:2، حلية العلماء 251:2.
5- المبسوط للسرخسي 120:2، شرح فتح القدير 25:2، حلية العلماء 251:2، المجموع 591:4، المحلّي 53:5.
6- سنن النسائي 181:3، مصنف ابن أبي شيبة 184:2.
7- كما في حلية العلماء 251:2.

و قال أحمد: إذا كبر و عظم - كبغداد و البصرة - جاز أن تقام فيه جمعتان و أكثر مع الحاجة، و لا يجوز مع عدمها، فإن حصل الغني باثنتين لم تجز الثالثة، و كذا ما زاد دفعا للمشقة(1). و هي مشقة يسيرة فلا يكون عذرا.

و قال داود و عطاء: يجوز أن يصلّوا الجمعة في مساجدهم كما يصلّون سائر الصلوات(2) ، لأنّ عمر كتب إلي أبي هريرة بالبحرين أن جمّعوا حيث كنتم(3).

و ليس حجّة، و يحتمل: في أيّ بلد كنتم.

و اعتذر أصحاب الشافعي له - لمّا دخل بغداد و فيها جامع المنصور و جامع المهدي -: بكبره فحصلت المشقة - و هو مصير إلي قول أحمد - أو بأنّها كانت قري متفرقة فاتّصلت العمارة، أو بأنّها ذات جانبين فصارت كالبلدين - و هو قول أبي يوسف(4) - أو لأنّها اجتهادية و لا يجوز التقليد(5).

مسألة 402: لو صلّيت جمعتان بينهما أقلّ من فرسخ،

فالأقسام خمسة:

أ: أن تسبق إحداهما الأخري و تعلم السابقة، فهي الصحيحة إن كان الإمام الراتب فيها إجماعا و إن كان في الثانية، فكذلك عندنا، لأنّ السابقة انعقدت صحيحة، لحصول الشرائط و انتفاء الموانع، فلم يتقدّمها ما يفسدها، و لا تفسد بعد صحتها بما بعدها، فلا تفسد بعقد الثانية. و هو أشهر قولي الشافعي.

و الثاني: أنّ الصحيحة التي فيها الإمام، لأنّ الحكم ببطلان جمعة

ص: 57


1- المغني 182:2، الشرح الكبير 190:2، حلية العلماء 251:2.
2- المجموع 591:4، حلية العلماء 252:2، المغني 182:2، الشرح الكبير 190:2.
3- انظر: مصنّف ابن أبي شيبة 101:2-102.
4- المبسوط للسرخسي 120:2، حلية العلماء 251:2.
5- المجموع 585:4-586، فتح العزيز 499:4-501.

الإمام تتضمن افتتانا عليه، و تفويتا له الجمعة و لمن يصلّي معه، و يفضي إلي أنه متي شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يجتمعوا في موضع و يسبقوا أهل البلد بفعلها(1).

و لا يرد علينا، لأنّ إمام الأصل لا يتقدّم عليه أحد غيره، و إن كان نائبه، اشترط فيه العدالة، فلا يتأتّي فيه طلب إبطال جمعة غيره.

و لو كانت المسبوقة في الجامع، و الأخري في مكان صغير لا يسع المصلّين، أو لا تمكنهم الصلاة فيه، لاختصاص السلطان و جنده به، أو غير ذلك، أو كانت إحداهما في قصبة(2) البلد، و الأخري في أقصاه، بطلت المسبوقة خاصة عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لما تقدّم.

و قال مالك و أحمد: المسبوقة صحيحة خاصة، لأنّهم أهل القصبة، و لهذه المعاني مزية تقتضي التقدّم فقدّم بها كجمعة الإمام(4).

و نمنع الأصل.

ب: أن تقترنا، فإنّهما تبطلان معا، سواء كان الإمام الراتب في إحداهما أولا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لامتناع صحتهما معا، و اختصاص إحداهما بالفساد، إذ المقتضي للفساد المقارنة و هي ثابتة فيهما معا. و لعدم الأولوية، كما في الولّيين إذا زوّجا من كفوين دفعة.

ثم إن كان الوقت باقيا، وجب عليهم إقامة الجمعة، لأنّهم لم يؤدّوا6.

ص: 58


1- الام 192:1-193، المجموع 587:4-588، الوجيز 61:1، فتح العزيز 504:4، المهذب للشيرازي 125:1، حلية العلماء 252:2.
2- قصبة البلد: مدينته. و قصبة القرية: وسطها. لسان العرب 676:1-677.
3- انظر: المجموع 587:4.
4- المغني 187:2-188، الشرح الكبير 191:2.
5- المجموع 588:4-589، الوجيز 61:1، فتح العزيز 505:4 و 509-510، المهذب للشيرازي 125:1، السراج الوهاج: 86.

فرضها، و إلاّ صلّوا الظهر.

ج: لو لم يعلم السبق و عدمه، حكم ببطلانهما معا، و لهم إقامة جمعة واحدة كالأول، لتردّد كلّ واحدة منهما بين الصحة و البطلان، و لو لم يتّسع الزمان أعادوا ظهرا، و به قال الشافعي(1) ، و إليه مال الشيخ(2).

و يحتمل إعادة الظهر و إن اتّسع الزمان، فإنّ الظاهر صحة إحداهما، لأنّ الاقتران نادر جدّا، فيجري مجري المعدوم.

و لأنّنا شككنا في شرط إقامة الجمعة، و هو: عدم سبق اخري، فلم تجز إقامتها مع الشك في شرطها، و به قال بعض الجمهور(3).

و الوجه عندي أنهم يعيدون جمعة و ظهرا، لاحتمال الاقتران، فتجب الجمعة، و السبق فتجب الظهر، و يتولّي إمامة الجمعة من غير القبيلين، أو يفترقان بفرسخ.

د: علم سبق إحداهما و لم يعلم عينها.

ه: علم السابق عينا ثم أشكل.

و حكمهما واحد، و هو: وجوب الإعادة عليهما معا، لحصول الشك في كلّ واحدة، و التردّد بين الصحة و البطلان.

و لا تصحّ كلّ واحدة حتي يعلم أنّها السابقة، و يسقط بها الفرض.

فإذا عقدوها و لم يعلموا أنّ غيرها ما سبقها فقد أخلّوا بالشرط، و هو علم ذلك، و هو قول الشافعية(4) ، إلاّ المزني فإنّه قال: لا تجب عليهم الإعادة و تكونان صحيحتين، لأنّ كلّ واحدة منهما عقدت علي الصحة، فلا يفسدها1.

ص: 59


1- المجموع 588:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 505:4-506، المهذب للشيرازي 1: 125، السراج الوهاج: 86.
2- المبسوط للطوسي 149:1.
3- المغني 191:2، الشرح الكبير 192:2.
4- المجموع 589:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 506:4، المهذب للشيرازي 125:1.

الشك(1).

و هو غلط، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

إذا عرفت هذا، فإنّهم في الصورتين يقضون ظهرا، لأنّه بلد صلّي فيه جمعة صحيحة فلا تتعقّبها اخري، و إنّما أوجبنا الإعادة عليهما، للجهل بالتعيين، و به قال بعض الشافعية(2).

و قال الشيخ: يصلّون جمعة مع اتّساع الوقت(3) - و هو قول بعض الشافعية(4) - لأنّا حكمنا بوجوب الإعادة عليهما، فكأنّ المصر ما صلّيت فيه جمعة صحيحة.

و هو غلط، لأنّ السابقة صحيحة قطعا و لم تفسد و لم يتبيّن(5) لها حكم الصحة، للجهل بعينها.

مسألة 403: و يحصل السبق بتقدّم إحداهما بتكبيرة الإحرام
اشارة

- و به قال بعض الشافعية(6) - لأنه متي أحرم إحداهما حرم إحرام الأخري.

و قال بعضهم: يعتبر بالفراغ، فأيّهما سبقت بالسلام صحّت دون الأخري(7) ، لأنّا قبل التمام لا نعلم صحتها و إتمامها.

ص: 60


1- المجموع 589:4، فتح العزيز 506:4، مغني المحتاج 282:1.
2- المجموع 589:4، فتح العزيز 507:4-508، المهذب للشيرازي 125:1، السراج الوهاج: 86، مغني المحتاج 282:1.
3- المبسوط للطوسي 149:1.
4- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 589:4، فتح العزيز 508:4، مغني المحتاج 1: 282.
5- في نسخة «م»: و لم يثبت.
6- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 586:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 502:4، مغني المحتاج 281:1.
7- المهذب للشيرازي 124:1، المجموع 586:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 503:4، مغني المحتاج 281:1.

و هو خطأ، لأدائه إلي المضي في جمعتين صحيحتين، فإنّه قبل الفراغ لا يعلم السبق و يعلم انعقاد جمعة بعد جمعة.

و قال آخرون منهم: بالشروع في الخطبة، لقيامها مقام ركعتين(1).

و ليس بجيّد، إذ الحرمة بالتحريمة تحصل.

تذنيب: لو صلّي فأخبر أنّه قد سبق، استأنف الظهر،

و لا يعتد بذلك الإحرام، لأنّه قد ظهر فساده.

و قال بعض الجمهور: يتمّ ظهرا كالمسبوق إذا أدرك أقلّ من ركعة(2).

و الفرق: صحة الإحرام هنا دون الأول.

البحث السادس: الخطبتان
مسألة 404: الخطبة شرط في الجمعة،

و هو قول عامة العلماء، لقوله تعالي فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ (3) و الذكر هو الخطبة(4).

و لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله، خطب دائما، و وقع فعله بيانا للواجب، فكان واجبا، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).

و لم يزل المسلمون يخطبون قبل الصلاة، و لو لم تكن شرطا لجاز تركها في بعض الأوقات.

ص: 61


1- المجموع 586:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 503:4، مغني المحتاج 282:1.
2- المجموع 588:4، فتح العزيز 505:4، مغني المحتاج 282:1.
3- الجمعة: 9.
4- انظر: التبيان للطوسي 8:10، مجمع البيان 288:5، تفسير الطبري 66:28، أحكام القرآن للجصاص 446:3، أحكام القرآن لابن العربي 1805:4، أحكام القرآن للكيا هراسي 415:4.
5- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن البيهقي 345:2، سنن الدار قطني 273:1-1 و 346-10.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا جمعة إلاّ بخطبة»(1).

و قول الباقر أو الصادق عليهما السلام: «يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب»(2).

و قال الحسن البصري: لا تجب، لأنّها خطبة مشروعة للصلاة، فلم تكن واجبة كسائر الخطب(3).

و هو خطأ، لأنّ الخطبتين هنا أقيمتا مقام الركعتين، فلم يجز تركهما بخلاف سائر الخطب.

قال عمر: قصرت الصلاة لأجل الخطبة(4).

و قال سعيد بن جبير: جعلت الخطبة مكان الركعتين(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(6).

و خلافه منقرض، و قوله متروك بالإجماع و فعل النبي و أهل بيته عليهم السلام.

مسألة 405: و يشترط للجمعة خطبتان عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي و أحمد في رواية(7) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يخطب

ص: 62


1- المعتبر: 203.
2- التهذيب 238:3-633، الاستبصار 419:1-1613.
3- المجموع 514:4، الميزان 190:1، المغني 150:2، الشرح الكبير 181:2.
4- المغني 150:2، الشرح الكبير 181:2.
5- المغني 150:2، المدونة الكبري 158:1.
6- التهذيب 238:3-634، الاستبصار 420:1-1614.
7- المجموع 513:4-514، الوجيز 64:1، فتح العزيز 576:4، المهذب للشيرازي 1: 118، المغني 151:2، الشرح الكبير 181:2، الانصاف 386:2، عمدة القارئ 6: 229، بداية المجتهد 161:1.

خطبتين(1).

و لأنهما أقيمتا مقام ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بركعة.

و قال مالك و الأوزاعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية، و أصحاب الرأي: تجزئه خطبة واحدة(2) ، لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله كتب إلي مصعب بن عمير: (أن أجمع من قبلك و ذكّرهم باللّه و ازدلف إليه بركعتين)(3).

و خطب عثمان في أول جمعة، فقال: الحمد للّه، ثم ارتج عليه، فقال: إنكم إلي إمام فعّال أحوج منكم إلي إمام قوّال، و إنّ أبا بكر و عمر كانا يرتادان لهذا المقام مقالا، و ستأتيكم الخطب من بعد، و أستغفر اللّه العظيم لي و لكم، و نزل فصلّي(4).

و تذكير اللّه يحتمل بالخطبتين كما يحتمل بالخطبة، فيبقي دليلنا سالما.

و فعل عثمان ليس حجّة، و لحصول العذر بتعذّر الخطبة، فلا يلزم الترخّص مع زواله.

مسألة 406: و يجب في كلّ خطبة منهما حمد اللّه تعالي،

و يتعيّن «الحمد للّه» عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله، داوم علي ذلك.

ص: 63


1- انظر علي سبيل المثال: الجعفريات: 43، صحيح البخاري 12:2 و 14.
2- بداية المجتهد 160:1-161، المغني 151:2، الشرح الكبير 181:2، الانصاف 2: 386، عمدة القارئ 229:6، المجموع 514:4.
3- أورده في المعتبر: 203.
4- المبسوط للسرخسي 30:2-31، شرح فتح القدير 30:2، بدائع الصنائع 262:1.
5- المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 519:4، الوجيز 63:1، فتح العزيز 576:4، السراج الوهاج: 87، المغني 152:2، الشرح الكبير 182:2.

و لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب و هو قائم يحمد اللّه و يثني عليه»(1).

و لحصول البراءة قطعا معه، بخلاف غيره.

و قال أبو حنيفة: لا تجب الحمد، و لا ذكر معيّن، و لا وعظ، بل يجزئ أن يخطب بتسبيحة واحدة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة، فلو صعد المنبر و قال: سبحان اللّه، أجزأه و نزل و صلّي بالناس(2) ، لقوله تعالي فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ (3) و لم يفرّق.

و لأن رجلا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال له: علّمني عملا أدخل به الجنة، فقال: (لئن قصّرت الخطبة لقد أعرضت المسألة)(4) فسمّي كلامه خطبة.

و الذكر مجمل بيّنه بفعله عليه السلام، فتجب متابعته. و السؤال ليس بخطبة إجماعا، فسمّاه مجازا.

و قال مالك: لا يجزئه إلاّ ما تسمّيه العرب خطبة - و به قال أبو يوسف و محمد - أيّ كلام كان. و عنه: إن هلّل أو سبّح، أعاد ما لم يصلّ(5).

إذا عرفت هذا، فهل يجزئه لو قال: «الحمد للرحمن - أو - لرب العالمين:؟ إشكال ينشأ من التنصيص علي لفظة «اللّه» تعالي، و من المساواة2.

ص: 64


1- الكافي 421:3-1، التهذيب 243:3-655.
2- المبسوط للسرخسي 30:2، اللباب 110:1، بدائع الصنائع 262:1، المجموع 4: 522، المغني 152:2، الشرح الكبير 182:2.
3- الجمعة: 9.
4- مسند أبي داود الطيالسي: 100-739، سنن البيهقي 273:10.
5- المنتقي للباجي 204:1-205، الشرح الصغير 178:1، بداية المجتهد 161:1، المبسوط للسرخسي 30:2، اللباب 110:1-111، بدائع الصنائع 262:1، المجموع 522:4، حلية العلماء 236:2.

في الاختصاص به تعالي.

مسألة 407: و تجب فيهما الصلاة علي النبي و آله عليهم السلام عند علمائنا،
اشارة

لقول الصادق عليه السلام: «و يصلّي علي محمّد و آله و علي أئمة المسلمين»(1).

و أوجب الشافعي الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله(2) ، لقوله تعالي وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (3) لا اذكر إلاّ و تذكر معي(4).

و لقوله تعالي إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (5).

و أنكر الباقون ذلك، للأصل.

و تجب فيهما الوصية بتقوي اللّه تعالي، و الوعظ - و به قال الشافعي(6) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (ألا إنّ الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر، ألا و إنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر)(7).

و قال الصادق عليه السلام: «ثم يوصي بتقوي اللّه»(8) و لم يوجب ذلك

ص: 65


1- الكافي 421:3-1، التهذيب 243:3-655.
2- المهذب للشيرازي 119:1، المجموع 519:4، الوجيز 63:1، فتح العزيز 576:4، حلية العلماء 235:2، السراج الوهاج: 87.
3- الانشراح: 4.
4- حكي الشافعي في الرسالة: 16-37 عن مجاهد في قوله تعالي وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قال: لا اذكر إلاّ ذكرت معي. و انظر أيضا: تفسير التبيان 373:10، مجمع البيان 508:5، دلائل النبوّة للبيهقي 63:7، و الدر المنثور 363:6.
5- الأحزاب: 56.
6- الام 200:1، المجموع 519:4، مختصر المزني: 27، الوجيز 64:1، المهذب للشيرازي 119:1، مغني المحتاج 285:1، السراج الوهاج: 87.
7- كنز العمال 934:15-43602، ترتيب مسند الشافعي 148:1-429.
8- الكافي 421:3-1، التهذيب 243:3-655.

أبو حنيفة و أصحابه(1).

و يجب أن يقرأ في كل منهما سورة خفيفة من القرآن - قاله الشيخ(2) - لقول الصادق عليه السلام: «ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن»(3).

و لأنهما بدل فتجب فيهما القراءة كالمبدل.

و للشافعي في إيجاب مطلق القراءة في كلّ منهما قولان: الوجوب كالمبدل، و في أيّتهما كان، و له ثالث: عدم الوجوب - و به قال أبو حنيفة(4) - للأصل(5). و المشهور: الأول، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقرأ فيهما القرآن(6).

و قال صفوان بن يعلي: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يقرأ علي المنبر وَ نادَوْا يا مالِكُ (7)(8).

و قالت أم هاشم: تلقفت سورة «ق» من فيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا خطب يوم الجمعة علي المنبر(9).

إذا عرفت هذا، فقال الشيخ: يجب في كلّ خطبة حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة علي النبي و آله عليهم السلام، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من5.

ص: 66


1- المبسوط للسرخسي 30:2 و 31، بدائع الصنائع 263:1.
2- المبسوط للطوسي 147:1.
3- الكافي 421:3-1، التهذيب 243:3-655.
4- المبسوط للسرخسي 30:2 و 31، اللباب 110:1.
5- الام 200:1، المجموع 520:4، حلية العلماء 235:2.
6- صحيح مسلم 589:2-862، سنن أبي داود 286:1-1094، سنن النسائي 110:3.
7- الزخرف: 77.
8- صحيح مسلم 594:2-595-871، سنن الترمذي 382:2-508، سنن البيهقي 211:3.
9- مصنف ابن أبي شيبة 115:2 و فيه أم هاشم، و في صحيح مسلم 595:2-873، سنن أبي داود 288:1-1100، مسند أحمد 435:6-436 و 463، المستدرك للحاكم 1: 284، الدرّ المنثور 101:6: أم هشام و هما متحدتان، انظر: أسد الغابة 623:5.

القرآن(1).

و قال المرتضي رضي اللّه عنه: يحمد اللّه، و يمجّده، و يثني عليه، و يشهد لمحمد بالرسالة، و يوشّح الخطبة بالقرآن، ثم يفتتح الثانية بالحمد و الاستغفار و الصلاة علي النبي، و الدعاء لأئمّة المسلمين(2).

و في حديث سماعة عن الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب و هو قائم يحمد اللّه، و يثني عليه، ثم يوصي بتقوي اللّه، ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن، ثم يجلس، ثم يقوم فيحمد اللّه، و يثني عليه، و يصلّي علي محمد و آله، و علي أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ أقام المؤذّن و صلّي بالناس ركعتين»(3).

أمّا الشافعي فأوجب في كلّ منهما الحمد للّه و الصلاة علي رسوله عليه السلام، و الوعظ بأيّ لفظ اتّفق، و يكفيه «أطيعوا اللّه» و في الثانية الدعاء للمؤمنين، فلو أتي به في الأولي لم يحتسب عن الثانية. و قراءة آية تتمّ بها الفائدة لا غيرها، كقوله تعالي ثُمَّ نَظَرَ (4) في إحداهما لا بعينها علي أقوي الوجوه عنده(5).

فروع:

أ: كلام المرتضي يقتضي الاكتفاء بمسمّي القرآن في الخطبة الاولي،

و هو أحد وجهي الشافعي(6).

ب: لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.

ص: 67


1- المبسوط للطوسي 147:1.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 203.
3- الكافي 421:3-1، التهذيب 423:3-655.
4- المدثر: 21.
5- المهذب للشيرازي 118:1-119، المجموع 519:4-521، الوجيز 63:1-64، فتح العزيز 576:4-578، مغني المحتاج 285:1-286.
6- المجموع 520:4، الوجيز 64:1، فتح العزيز 578:4، مغني المحتاج 286:1.

ج: كلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين،

و هو أحد وجهي الشافعي(1).

و كلام المرتضي يقتضي الاستغفار للمؤمنين.

و أوجب الشافعي - في قول - الدعاء لهم في الثانية(2).

و قال بعض أصحابه: يجب تخصيصه بالحاضرين فيما تعلق بأمور الآخرة(3).

و كلام المرتضي يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الاولي، و الصلاة عليه في الثانية.

و في وجه للشافعي: وجوب الصلاة عليه في إحداهما(4).

د: لا يكفيه أن يأتي بآيات تشتمل علي الأذكار

فإنّه لا يسمّي خطبة في العادة.

ه: لا تصحّ الخطبة إلاّ بالعربية،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، دوام علي ذلك و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).

و يحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم(6) العربية علي الأقوي، إذ القصد الوعظ و التخويف، و إنّما يحصل لو فهموا كلامه.

مسألة 408: يشترط في الخطبتين أمور:
اشارة

الأول: الوقت. و هو ما بعد الزوال علي الأشهر، فلا يجوز تقديمهما

ص: 68


1- المجموع 521:4، فتح العزيز 577:4، مغني المحتاج 286:1، السراج الوهاج: 87.
2- المجموع 521:4، فتح العزيز 577:4-578.
3- المجموع 521:4، فتح العزيز 577:4-578.
4- المجموع 520:4، فتح العزيز 577:4.
5- صحيح البخاري 162:1-163، سنن الدارمي 286:1، سنن البيهقي 345:2، سنن الدار قطني 273:1-1 و 346-10.
6- كذا في النسخ الخطبة المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية، و الأنسب: لمن لم يفهم.

و لا شيء منهما عليه عند أكثر علمائنا(1) - و به قال الشافعي(2) - لأنّ إيجاب السعي مشروط بالنداء الثابت بعد الزوال، و لأنّهما بدل عن الركعتين، فلهما حكم مبدلهما.

و للشيخ قول بجواز إيقاعهما قبل الزوال عند وقوف الشمس بمقدار ما إذا فرغ زالت(3) - و به قال مالك حيث جوّز تقديم الخطبة دون الصلاة(4). و أحمد حيث جوّز تقديم الصلاة أيضا عليه(5) - لأن أنسا قال: كنّا نصلّي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الجمعة إذا مالت الشمس(6). و هو دليل جواز إيقاع الخطبة قبل ميلها.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يخطب في الظل الأول»(7).

و يحتمل إرادة الابتداء بالتأهب للخطبة و الصعود علي المنبر، و غيرها من مقدّمات الخطبة.

الثاني: تقديمهما علي الصلاة، لأنّهما شرط فيها، و الشرط مقدّم و لأنّ النبي عليه السلام داوم علي ذلك، و قال: (صلّوا كما رأيتموني2.

ص: 69


1- منهم: أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 151، و ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 498، و ابن أبي عقيل كما في المعتبر: 204، و ابن إدريس في السرائر: 64 و فيه أيضا نسبة هذا القول الي السيد المرتضي.
2- الأم 194:1، المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 514:4 و 522، الوجيز 64:1، فتح العزيز 580:4، كفاية الأخيار 92:1.
3- النهاية: 105.
4- بداية المجتهد 157:1، المجموع 514:4، فتح العزيز 580:4.
5- المغني 144:2، الروضة الندية 138:1، المجموع 514:4، فتح العزيز 580:4.
6- صحيح البخاري 8:2، سنن الترمذي 377:2-503، سنن أبي داود 284:1-1084، مسند أحمد 150:3، مسند الطيالسي: 285-2139، المنتقي لابن الجارود: 123-289.
7- التهذيب 12:3-42.

أصلّي)(1).

و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن خطبة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قبل الصلاة أو بعد؟ قال: «قبل الصلاة ثم يصلّي»(2).

الثالث: قيام الخطيب حال خطبته عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(3) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله، خطب قائما(4) ، فتجب متابعته.

و لقول الصادق عليه السلام: «أول من خطب و هو جالس معاوية، استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه» ثم قال عليه السلام: «الخطبة و هو قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصلا بين الخطبتين»(5).

و لأنّه ذكر مفروض في قيام مشروع، فكان واجبا، كالتكبير و القراءة.

و قال أبو حنيفة و احمد: يجوز الجلوس مع الاختيار - و هو رواية عن مالك، و وجه للشافعية(6) - لأنّه ذكر ليس من شرطه الاستقبال، فلا يجب له القيام كالأذان(7).

و لا يعتبر القيام بالاستقبال، لسقوطه في صلاة الخوف دون القيام،2.

ص: 70


1- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدار قطني 273:1-1 و 346-10.
2- الكافي 421:3-3، التهذيب 20:3-72.
3- الام 199:1، المجموع 514:4، المهذب للشيرازي 118:1، الوجيز 64:1، فتح العزيز 581:4، كفاية الأخيار 92:1.
4- صحيح البخاري 12:2، صحيح مسلم 589:2-861، سنن ابن ماجة 1: 351-1106، سنن الدارمي 366:1، سنن أبي داود 286:1-1093، سنن البيهقي 197:3، الجعفريات: 43، المناقب لابن شهر آشوب 146:2.
5- التهذيب 20:3-74.
6- فتح العزيز 581:4، المجموع 514:4 و 515.
7- الهداية للمرغيناني 83:1، المغني 150:2، الشرح الكبير 186:2، المجموع 4: 515، فتح العزيز 580:4، حلية العلماء 234:2.

فافترقا.

فروع:

أ: لو كان له عذر يمنعه عن القيام، جاز أن يخطب جالسا،

و هل تجب الاستنابة ؟ إشكال.

ب: لو عجز عن القعود، اضطجع،

و في وجوب الاستنابة إشكال.

ج: لو خطب جالسا مع القدرة، بطلت صلاته،

لفوات شرط الخطبة، و به قال الشافعي(1) ، و اختاره الشيخ أيضا(2).

أمّا صلاة المأمومين فإن علموا بقدرته و جلوسه، بطلت صلاتهم أيضا، و إن اعتقدوا عجزه، أو لم يعلموا بقعوده أو بصحته، صحّت صلاتهم مطلقا.

و قال الشافعي: إن كان الإمام من جملة العدد، لم تصح الجمعة، و إن كان زائدا عن العدد، صحّت صلاتهم، كما لو كان جنبا و لا يعلمون(3).

و الأصل ممنوع.

و لو علم البعض خاصة، صحّت صلاة الجاهل دونه.

د: يجب في القيام الطمأنينة

كما تجب في المبدل.

ه: الجلوس بين الخطبتين مطمئنّا ليفصل بينهما به،

و هو شرط في الخطبتين، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، و به قال الشافعي(5) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، فصل بينهما بجلسة(6). و فعله واجب.

ص: 71


1- المجموع 514:4.
2- المبسوط للطوسي 147:1.
3- المجموع 514:4.
4- المبسوط للطوسي 147:1.
5- المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 514:4 و 515، الوجيز 64:1، فتح العزيز 4: 581 و 582، حلية العلماء 234:2، السراج الوهاج: 87، المغني 153:2.
6- صحيح البخاري 14:2، سنن ابن ماجة 351:1-1103، سنن الدارمي 366:1، سنن الترمذي 380:2-506، سنن أبي داود 286:1-1093 و 1094، مسند أحمد 2: 35، سنن البيهقي 198:3، المستدرك للحاكم 286:1.

و قول الصادق عليه السلام: «يخطب و هو قائم ثم يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها»(1).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: لا تجب الجلسة بل تستحب، عملا بالأصل.(2)

و هو مدفوع بالطارئ.

و لو عجز عن القعود، فصلّ بالسكتة. فإن قدر علي الاضطجاع، فإشكال، أقربه: الفصل بالسكتة أيضا. و لو خطب جالسا لعجزه، فصّل بالسكتة أيضا مع احتمال الفصل بالضجعة.

و: الطهارة من الحدث و الخبث شرط في الخطبتين،

قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، و هو قول الشافعي في الجديد، لأنّه عليه السلام كان يخطب متطهّرا، و كان يصلّي عقيب الخطبة(4) ، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).

و لأنّه ذكر هو شرط في الصلاة، فشرطت فيه الطهارة كالتكبير.

و قال في القديم: لا يشترط - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد - لأنّه ذكر يتقدّم الصلاة، فلا يشترط له الطهارة كالأذان(6).1.

ص: 72


1- التهذيب 20:3-704.
2- المبسوط للسرخسي 26:2، المغني 153:2، الشرح الكبير 185:2، المجموع 515:4، حلية العلماء 234:2.
3- المبسوط للطوسي 147:1.
4- المجموع 515:4-516، المهذب للشيرازي 118:1، حلية العلماء 235:2، السراج الوهاج: 88.
5- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدار قطني 273:1-1 و 346-10.
6- المجموع 515:4، المهذب للشيرازي 118:1، المنتقي للباجي 205:1، المبسوط للسرخسي 26:2، بدائع الصنائع 263:1، اللباب 111:1، المغني 154:2، النكت و الفوائد السنيّة 147:1.

و الفرق: أنّه ليس شرطا في الصلاة، بخلاف الخطبة.

إذا عرفت هذا، فإن خطب في المسجد، شرطت الطهارة من الخبث و الحدث الأكبر إجماعا منّا.

ز: العدد: قال الشيخ رحمه اللّه: شرط الخطبتين: العدد

المشترط في الجمعة(1). و به قال الشافعي و أبو حنيفة في إحدي الروايتين(2) ، لأنّه ذكر هو شرط في الجمعة، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير. و لأنّ وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.

و عن أبي حنيفة: أنّه ليس بشرط، فيجوز أن يخطب وحده، لأنّه ذكر متقدّم، فلا يشترط فيه العدد كالأذان(3).

و الفرق: اشتراط الخطبة دون الأذان. و لأنه موضوع لإعلام الغيّاب، فلا يشترط فيه الحضور، و الخطبة مشتقّة من الخطاب و إنما يكون للحاضرين.

إذا ثبت هذا، فإن خطب و العدد حاضر ثم انفضّوا في الأثناء، فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب، لأنّ القصد بها الإسماع، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء علي ما مضي حال سماعهم، كما لو سلّم ثم ذكر قبل طول الفصل.

و إن طال، فالأقرب البناء أيضا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ غرض الوعظ يحصل مع تفرّق الكلمات.

و أصحّهما عنده: الاستئناف، لأنّ النبي عليه السلام كان يوالي(5).9.

ص: 73


1- المبسوط للطوسي 147:1.
2- المهذب للشيرازي 118:1، المجموع 514:4، بدائع الصنائع 266:1، المغني 2: 178.
3- المجموع 514:4، المغني 178:2.
4- المجموع 507:4، فتح العزيز 518:4-519.
5- المجموع 507:4، فتح العزيز 518:4-519.

و قد ظهر ممّا اخترناه: عدم اشتراط الموالاة في الخطبة، و للشافعي قولان(1).

أمّا لو اجتمع بدل الأوّلين العدد، فلا بدّ من استئناف الخطبة مطلقا.

و إن انفضوا بعد تمام الخطبة و عادوا قبل طول الفصل، بنيت الصلاة علي الخطبة، و لو عادوا بعد الطول فكذلك. و للشافعي قولان(2).

فإن أوجبنا الموالاة، لم تجز الصلاة بتلك الخطبة، بل تجب إعادتها و الصلاة جمعة مع سعة الوقت.

و للشافعي عدمه في وجه ضعيف، بل يصلّي الظهر(3).

و العدد إنّما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها إجماعا.

ح: ارتفاع الصوت بهما بحيث يسمعه العدد

- و هو أظهر وجهي الشافعي(4) - لأنّ مقصود الوعظ لا يحصل إلا بالإسماع، فلا يكفي أن يخطب سرّا، لمنافاة الغرض.

و لأن النبي عليه السلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش(5).

و عن أبي حنيفة: عدم الوجوب. و هو وجه للشافعي(6) أيضا.

و لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ و لكن كانوا أو بعضهم صمّا، فالأقرب:

الإجزاء.

و لا يجهد نفسه في رفع الصوت، لما فيه من المشقّة، و لا تسقط الجمعة4.

ص: 74


1- المجموع 507:4، فتح العزيز 519:4، مغني المحتاج 288:1، السراج الوهاج: 88.
2- المجموع 507:4، فتح العزيز 521:4.
3- المجموع 507:4-508، حلية العلماء 237:2.
4- الام 200:1، المجموع 523:4، الوجيز 64:1، فتح العزيز 585:4، مغني المحتاج 287:1، السراج الوهاج: 87.
5- صحيح مسلم 592:2-867، سنن ابن ماجة 17:1-45، سنن النسائي 188:3 - 189، سنن البيهقي 206:3.
6- فتح العزيز 586:4، المجموع 523:4.

و لا الخطبة و إن كانوا كلّهم صمّا.

ط: الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة،

فلو قدّم الصلاة أو غيرها علي الحمد، أو قدّم الوعظ علي الصلاة، استأنف، للتأسّي.

مسألة 409: و في تحريم الكلام علي العدد و وجوب الإنصات للخطيب قولان
اشارة

للشيخ:

أحدهما: تحريم الكلام و وجوب الإنصات. و اختاره المرتضي و البزنطي(1) منّا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي و أحمد، و الشافعي في القديم، و ابن المنذر(2) - لأنّ أبا هريرة قال: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، و الإمام يخطب، فقد لغوت)(3).

و اللغو: الإثم، لقوله تعالي وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (4).

و قال الصادق عليه السلام: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتي يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلّم ما بينه و بين أن تقام الصلاة»(5).

و الآخر: عدم تحريم الكلام، و عدم وجوب الإنصات، بل يستحب(6) - و به قال الشافعي في الجديد، و به قال عروة بن الزبير و الشعبي

ص: 75


1- النهاية: 105، و حكي قول المرتضي و البزنطي، المحقق في المعتبر: 206.
2- بدائع الصنائع 263:1 و 264، عمدة القارئ 229:6، المنتقي للباجي 188:1، القوانين الفقهية: 80، المغني 165:2، الشرح الكبير 215:2، المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 523:4، الوجيز 64:1، فتح العزيز 587:4، مغني المحتاج 287:1، بداية المجتهد 161:1.
3- صحيح البخاري 16:2، صحيح مسلم 583:2-851، سنن النسائي 104:3، سنن أبي داود 290:1-1112، الموطأ 103:1-6، سنن البيهقي 218:3.
4- المؤمنون: 3.
5- الكافي 421:3-2، التهذيب 20:3-71 و 73.
6- المبسوط للطوسي 146:1.

و النخعي و سعيد بن جبير و الثوري(1) - لأنّ رجلا سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله، السقيا و هو يخطب، و في الجمعة الآتية سأله رفعها(2).

و قام إليه رجل و هو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول اللّه متي الساعة ؟ فأعرض النبي صلّي اللّه عليه و آله، و أومأ الناس إليه بالسكوت، فلم يقبل و أعاد الكلام، فلمّا كان الثالثة، قال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ويحك ما ذا أعددت لها؟) فقال: حبّ اللّه و رسوله، فقال: (إنّك مع من أحببت)(3).

و لو كان الكلام محرّما، لأنكر عليه. و للأصل.

و نمنع كون اللغو الإثم، لقوله تعالي لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (4) بل المراد جعله لاغيا لكلامه في موضع الأدب فيه السكوت.

و قول الصادق عليه السلام يعطي الكراهة عرفا، فيحمل عليه.

و الأقرب: الأول إن لم يسمع العدد، و إلاّ الثاني.

فروع:

أ: قال المرتضي رحمه اللّه: يحرم من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة(5).

و فيه إشكال ينشأ من قوة حرمة الصلاة. و كونها بدلا من الركعتين لا يقتضي المساواة لو سلّم.

ب: قال المرتضي رحمه اللّه: لا بأس أن يتكلّم بعد فراغ الإمام

من

ص: 76


1- المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 523:4، فتح العزيز 587:4، مغني المحتاج 1: 287، المغني 165:2، الشرح الكبير 215:2 و 216، عمدة القارئ 229:6.
2- صحيح البخاري 15:2، سنن أبي داود 304:1-305-1174، سنن البيهقي 3: 221.
3- مسند أحمد 167:3، سنن البيهقي 221:3، و أورده أيضا كما في المتن ابنا قدامة في المغني 166:2 و الشرح الكبير 216:2.
4- البقرة: 225.
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 206.

الخطبة إلي أن تقام الصلاة(1).

ج: لو سلّم عليه، وجب عليه الرّد،

لأنّه واجب، و الإنصات مستحب، فلا يترك لأجله. و لأنّه ليس أبلغ من الصلاة و قد أوجبنا الردّ فيها.

و به قال الشافعي علي تقدير استحباب الإنصات، و علي تقدير الوجوب ليس له الرّد، لأنّه سلّم في غير موضعه، و فرض الإنصات سابق(2).

و هل له تسميت العاطس ؟ الوجه: ذلك إن قلنا باستحباب الإنصات، و إلاّ فالأقرب ذلك كالصلاة - و هو قول الشافعي(3) - بخلاف السلام، لأنّه سلّم في غير موضعه، و العاطس لم يختر العطسة.

و له المنع، لما تقدّم في السلام.

د: الخلاف إنّما هو في القريب السامع للخطبة،

أمّا البعيد أو الأصمّ:

فإن شاء سكت، و إن شاء قرأ أو سبّح. و للشافعية وجهان(4).

و كذا الخلاف فيما إذا لم يتعلّق بحقّ أحد من المسلمين.

أمّا لو رأي جدارا ينقضّ فإنّه يحذّر منه - و كذا العقرب، و الأعمي يتردّي في بئر - إجماعا.

ه: هل يحرم الكلام في الجلسة بين الخطبتين ؟

الأقرب: المنع، لعدم المقتضي للتحريم، و هو: السماع. و للأصل.

و للشافعي قولان(5).

و: لا بأس بالكلام بين الخطبة و الإقامة

ثم يكره بعدها، لقول الصادق4.

ص: 77


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 206.
2- مختصر المزني: 28، المجموع 523:4-524، فتح العزيز 590:4 و 591، مغني المحتاج 287:1، كفاية الأخيار 93:1.
3- مختصر المزني: 28، المجموع 524:4، فتح العزيز 590:4، مغني المحتاج 288:1، المهذب للشيرازي 122:1، عمدة القارئ 230:6.
4- المجموع 524:4، الوجيز 64:1، فتح العزيز 590:4، عمدة القارئ 230:6.
5- المجموع 523:4.

عليه السلام: «فإذا فرغ - يعني من خطبته - تكلّم ما بينه و بين أن تقام الصلاة»(1).

و قال أبو حنيفة: يكره ما بين الخطبة و الصلاة(2).

و قال الشافعي: لا يكره بعد الخطبة إلي الصلاة(3).

ز: لا بأس بشرب الماء حال الخطبة

- و به قال الشافعي(4) - عملا بالأصل.

و كلام المرتضي يعطي التحريم لأنها كالركعتين(5).

و قال الأوزاعي: تبطل جمعته(6).

ح: هل يحرم الكلام علي الخطيب في الأثناء؟ الأقرب: العدم،

للأصل.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة(7).

و لأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلاّ يشغله عن الاستماع. و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: يحرم - و به قال أبو حنيفة و مالك - كالركعتين(8). و هو ممنوع2.

ص: 78


1- الفقيه 269:1-1229، الكافي 421:3-2، التهذيب 20:3-71 و 73.
2- المبسوط للسرخسي 29:2.
3- المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 523:4.
4- المجموع 529:4.
5- تقدّم نقل كلامه في الفرع «أ».
6- المجموع 529:4.
7- سنن البيهقي 221:3-222.
8- المجموع 523:4، فتح العزيز 587:4 و 589، حلية العلماء 241:2، المبسوط للسرخسي 27:2.

ط: التحريم إن قلنا به علي السامعين متعلّق بالعدد،

أمّا الزائد فلا.

و للشافعي قولان(1).

و الأقرب: عموم التحريم إن قيل(2) به، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معيّن منهم حتي يحرم الكلام عليهم خاصة.

ي: لا يحرم الكلام قبل الشروع في الخطبة

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - للأصل.

و لأنّ عمر كان إذا جلس علي المنبر و أذّن المؤذّنون جلسوا يتحدّثون حتي إذا سكت المؤذّن و قام عمر سكتوا فلم يتكلّم أحد(4). و هذا يدلّ علي اشتهاره بينهم.

و قال أبو حنيفة: إذا خرج الإمام حرم الكلام في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه(5) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من اغتسل يوم الجمعة و استاك، و مسّ من طيب إن كان عنده، و لبس أحسن ثيابه، ثم جاء إلي المسجد و لم يتخطّ رقاب الناس، ثم ركع ما شاء اللّه أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتي يصلّي، كان كفّارة لما بينها و بين الجمعة التي قبلها)(6).

و هو يدلّ علي أنّ خروج الإمام يوجب الإنصات.

و لأنه إذا نهي عن الركوع كان الكلام أولي.1.

ص: 79


1- المجموع 524:4، الوجيز 64:1.
2- في «م»: إن قلنا.
3- المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 523:4 و 555، المغني 169:2.
4- سنن البيهقي 199:3.
5- المبسوط للسرخسي 29:2، شرح فتح القدير 37:2، بدائع الصنائع 264:1، عمدة القارئ 230:6، المغني 169:2.
6- مسند أحمد 81:3، المستدرك للحاكم 283:1.

و الخبر قد روي فيه (و أنصت إذا خطب إليه)(1).

مسألة 410: لا ينبغي التنفّل و الإمام يخطب،

سواء كانت التحية للداخل حال الخطبة أو غيرها، بل ينبغي أن ينصت لها - و به قال الثوري و الليث بن سعد و أبو حنيفة و مالك(2) - لقوله تعالي وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا (3).

قال المفسّرون: المراد بالقرآن هنا الخطبة(4).

و لأنّ رجلا جاء يتخطّي رقاب الناس، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (اجلس فقد آذيت و آنيت(5)(6).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا صعد الإمام المنبر فخطب فلا يصلّي الناس ما دام الإمام علي المنبر»(7).

و لأنه مناف لمشروعية الخطبة.

و قال الشافعي: يستحب أن يصلّي تحية المسجد ركعتين - و به قال الحسن و مكحول و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(8) - لأنّ سليكا الغطفاني جاء يوم الجمعة و النبي عليه السلام يخطب، فجلس فقال له: (يا سليك قم فاركع

ص: 80


1- صحيح البخاري 4:2 نحوه.
2- المبسوط للسرخسي 29:2، اللباب 113:1، شرح فتح القدير 37:2، الهداية للمرغيناني 84:1-85، المدونة الكبري 148:1، القوانين الفقهية: 80، المجموع 552:4.
3- الأعراف: 204.
4- تفسير القرطبي 353:7، أحكام القرآن لابن العربي 828:2، أحكام القرآن للجصاص 39:3.
5- آناه يؤنيه ايناء، أي: أخّره و حبسه و أبطأه. و المعني: أخّرت المجيء و أبطأت. الصحاح 6: 2273 «أنا» و انظر النهاية لابن الأثير 78:1.
6- سنن ابن ماجة 354:1-1115، سنن النسائي 103:3.
7- الكافي 424:3-7، التهذيب 241:3-648 و فيهما مضمرة.
8- المهذب للشيرازي 122:1، المجموع 551:4 و 552، الوجيز 64:1، فتح العزيز 4: 593، كفاية الأخيار 94:1، المغني 164:2، الشرح الكبير 214:2.

ركعتين و تجوّز(1) فيهما) ثم قال: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة و الإمام يخطب فليركع ركعتين و ليتجوّز فيهما)(2).

و تمام الرواية: أنّه قال لسليك: (لا تعودنّ لمثل هذا)(3).

إذا عرفت هذا، فالكراهة تتعلّق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس علي المنبر، لقول الصادق عليه السلام: «.. فخطب، فلا يصلّي الناس»(4).

و لأنّه المقتضي للمنع.

و لا خلاف أنّه لو دخل و الإمام في آخر الخطبة و خاف فوت تكبيرة الإحرام، لم يصلّ التحية، لأنّ إدراك الفريضة من أولها أولي.

مسألة 411: يستحب حال الخطبة أمور:
أ: أن يصعد الإمام حال الخطبة علي المنبر،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لمّا دخل المدينة خطب مستندا إلي جذع، فلمّا بني له المنبر صعد عليه(5). و لأنّ فيه إبلاغا للبعيد.

ب: ينبغي وضع المنبر علي يمين القبلة،

و هو: الموضع الذي علي يمين الإمام إذا توجّه إلي القبلة، اقتداء بالنبي عليه السلام.

ج: أن يعتمد علي شيء حال الخطبة

من سيف أو عكاز أو قضيب أو عنزة [1]، اقتداء بالنبي صلّي اللّه عليه و آله، فإنّه كان يعتمد علي عنزته

ص: 81


1- تجوّز في صلاته، أي: خفّف. الصحاح 871:3، القاموس المحيط 170:2 «جوز».
2- صحيح مسلم 597:2-59، سنن أبي داود 291:1-1116 و 1117، سنن الدار قطني 13:2-1-3.
3- سنن الدار قطني 16:2-11.
4- الكافي 424:3-7، التهذيب 241:3-648.
5- سنن النسائي 102:3، سنن البيهقي 195:3.

اعتمادا(1).

و قول الصادق عليه السلام: «و يتوكّأ علي قوس أو عصا»(2).

د: أن يكون متعمّما شتاء و صيفا،

مرتديا ببرد يمنية، لأنّ النبي عليه السلام كان يعتمّ، و يرتدي، و يخرج في الجمعة و العيدين علي أحسن هيئة(3) ، لأنّه أدخل في الوقار.

ه: أن يسلّم علي من عند المنبر إذا انتهي إليه،

لعموم استحباب التسليم(4)في «م، ش» و الطبعة الحجرية: ثم سلّم و جلس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.(5) ، فإذا صعد المنبر، و بلغ دون الدرجة - دون درجة المستراح - و استقبل الناس بوجهه سلّم ثم جلس(5) - و اختاره السيد المرتضي(6) رضي اللّه عنه، و به قال الشافعي(7) - لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلّم علي من عند منبره من الجلوس، ثم صعد، و إذا استقبل الناس بوجهه سلّم ثم قعد(8).

و من طريق الخاصة: رواية عمرو بن جميع رفعه عن علي عليه السلام قال: «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس»(9).

و قال أبو حنيفة و مالك: يكره السلام، لأنّه إذا خرج سلّم فلا يعيد،

ص: 82


1- سنن ابن ماجة 352:1-1107، سنن أبي داود 287:1-1096، سنن البيهقي 3: 300.
2- التهذيب 245:3-664.
3- سنن ابن ماجة 351:1-1104، سنن البيهقي 246:3 و 247.
4- انظر علي سبيل المثال: الكافي 471:2 باب التسليم، صحيح البخاري 65:8، صحيح مسلم 1705:4 حديث
5- من كتاب السلام.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 204.
7- المهذب للشيرازي 119:1، المجموع 527:4، المغني 144:2.
8- سنن البيهقي 205:3.
9- التهذيب 244:3-662.

كالمؤذّن إذا قام إلي الأذان، لأنّ الإمام استدبرهم لمّا صعد ثم أقبل عليهم(1).

و قد كان أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله يحول بين بعضهم و بعض شجرة فيسلّم بعضهم علي بعض(2).

و بالأذان لا يغيب عنهم. نعم لو صعد المنارة ثم نزل سلّم.

إذا عرفت هذا، فإذا سلّم وجب علي السامعين الردّ علي الكفاية.

و: أن يجلس بعد السلام علي المستراح

حتي يفرغ المؤذّن فيستريح بقعوده عن تعب صعوده.

و لأنّه لا فائدة بقيامه حالة الأذان، و قد كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يخطب خطبتين، و يجلس جلستين(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا خرج إلي الجمعة قعد علي المنبر حتي يفرغ المؤذّنون»(4).

مسألة 412: يستحب أن يكون الخطيب بليغا ليأتي بالألفاظ الناصّة علي التخويف و الإنذار،

مواظبا علي الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب، حافظا لمواقيت الفرائض، و استقبال الناس بوجهه، فلا يلتفت يمينا و لا شمالا - و به قال الشافعي(5) - لأنّ النبي عليه السلام كان يفعل ذلك(6) ، و لئلاّ يخصّ قوما دون آخرين، بل يخطب تلقاء وجهه.

ص: 83


1- عمدة القارئ 221:6، المنتقي للباجي 189:1، المجموع 527:4، الميزان للشعراني 1: 191، المغني 144:2.
2- الترغيب و الترهيب 428:3-16.
3- سنن أبي داود 286:1-1092.
4- التهذيب 244:3-663.
5- المهذب للشيرازي 119:1، المجموع 528:4.
6- أورد أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 119:1 رواية عن سمرة بن جندب، أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا خطبنا استقبلناه بوجوهنا و استقبلنا بوجهه.

و قال أبو حنيفة: يلتفت يمينا و شمالا كالمؤذّن(1).

و الأصل ممنوع. و لأنّه خطاب مع الغيّاب و الخطبة مع الحاضرين، فلا يخصّص بها البعض دون غيرهم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يضع يمينه علي شماله(2).

و هو جيّد كالصلاة، بل يشتغل بما يعتمد عليه يسراه، و يقبض باليمين حرف المنبر.

و ينبغي أن يكون صادق اللهجة لا يلحن في الخطبة، و لا يأتي بألفاظ غريبة أو وحشية، لبعدها عن الأفهام، و لا يقول في خطبته ما تستنكره عقول الحاضرين، لقول علي عليه السلام: «كلّموا الناس علي قدر عقولهم، أ تحبّون أن يكذّبوا اللّه و رسوله ؟!»(3).

و أن يأتي بالكلمات علي تأنّ و ترسّل و سكون، و لا يمدّها مدّا يشبه الغناء، و لا يدرجها بحيث لا يفهم، و لا يطوّل الخطبة بل يقصّرها، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بذلك، بل يطوّل الصلاة، و قال عليه السلام: (إنّه من فقه الرجل)(4).

مسألة 413: يستحب أن تكون السورة التي يقرؤها في الخطبة خفيفة.

و اجتزأ بعض علمائنا بالآية(5).

و نقل الجمهور أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقرأ كثيرا سورة «ق» في الخطبة(6).

ص: 84


1- عمدة القارئ 221:6، المجموع 528:4.
2- المبسوط للطوسي 148:1.
3- صحيح البخاري 44:1 بتفاوت.
4- صحيح مسلم 594:2-869.
5- حكي المصنف في المختلف: 105 عن ابن الجنيد، الاجتزاء بالآية الواحدة في الخطبة الثانية.
6- صحيح مسلم 595:2-873، سنن أبي داود 288:1-1100، سنن النسائي 107:3.

و لو قرأ إحدي العزائم، جاز، إذ السجود ليس بمبطل لها.

قال الشيخ: ثم ينزل، و يسجد و يسجد المأمومون معه(1).

و الوجه: أنّه إن كان في المنبر سعة يمكنه السجود عليها، سجد قبل نزوله، و إلاّ نزل و سجد.

و لو كانت السجدة من غير العزائم، جاز تركها، و له أن يسجد، و الاشتغال بالخطبة أولي.

فإن نزل و سجد، عاد إلي الخطبة إن لم يطل الفصل، و كذا إن طال علي الأقوي.

و للشافعي في الطول وجهان(2).

المطلب الثاني: فيمن تجب عليه
مسألة 414: شرائط الوجوب عشرة:

البلوغ، و العقل، و الذكورة، و الحرّيّة، و السلامة من المرض و العمي و العرج و الشيخوخة المانعة من الحركة، و السفر، و الزيادة علي فرسخين.

و ليس الإسلام شرطا للوجوب، لأنّ الكفّار عندنا مخاطبون بالفروع، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4).

و العقل شرط في الوجوب و الجواز معا، و باقي الشروط شرط في الوجوب لا الجواز.

ص: 85


1- المبسوط للطوسي 148:1.
2- المهذب للشيرازي 119:1، المجموع 521:4.
3- المجموع 4:3 و 484:4، حاشية اعانة الطالبين 21:1-22، شرح البدخشي 207:1، شرح الاسنوي بهامش شرح البدخشي 203:1-204.
4- أصول السرخسي 74:1-75، شرح الاسنوي بهامش شرح البدخشي 204:1.

و الصبي و إن لم تجب عليه، و لا المجنون، لانتفاء التكليف عنهما، إلاّ أنّه يستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين، كما يمرّن بالعبادات، خصوصا المراهق.

مسألة 415: الذكورة شرط في الوجوب، فلا تجب علي المرأة

إجماعا، لقوله عليه السلام: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فعليه الجمعة إلاّ علي امرأة، أو مسافر، أو عبد، أو صبي، أو مريض)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه فرض في كلّ سبعة أيام خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة علي كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(2).

و لأنّ شرطها الاجتماع، و في وجوبه علي النساء مشقّة و افتتان.

أمّا العجائز فإنّهنّ كالشواب، لعموم الأمر بالستر لهنّ(3).

و قال الشافعي: يستحب لهنّ الحضور مع إذن أزواجهنّ، لانتفاء الفتنة فيهنّ(4).

مسألة 416: الحرّية شرط في الوجوب،
اشارة

فلا تجب علي العبد عند علمائنا أجمع - و به قال عامة العلماء(5) - لما تقدّم في الحديثين. و لأنّه محبوس علي السيد، فأشبه المحبوس في الدّين.

ص: 86


1- سنن الدار قطني 3:2-1، مصنف ابن أبي شيبة 109:2، سنن البيهقي 184:3.
2- الكافي 418:3-1، التهذيب 19:3-69.
3- إشارة الي الآية 31 من سورة النور.
4- الام 189:1، المجموع 484:4، مغني المحتاج 277:1.
5- الام 189:1، المجموع 485:4، فتح العزيز 603:4، المغني 194:2، الشرح الكبير 152:2، بداية المجتهد 157:1، الميزان 185:1.

و قال داود: تجب(1). و عن أحمد روايتان(2).

و قال الحسن البصري و قتادة: تجب علي العبد المخارج(3) - و هو الذي يؤدّي الضريبة - لعموم الآية(4).

و الخاص مقدّم.

و لو أذن له السيد، استحبّ له الحضور و لا يجب عليه، لأنّ الحقوق الشرعية تتعلّق بخطاب الشرع لا بإذن السيد.

و لا فرق بين القنّ، و المدبّر، و المكاتب المطلق و المشروط، و أمّ الولد، لبقاء الرقّ فيهم.

و قال الحسن البصري و قتادة: يجب علي المكاتب، لأنّ منفعته له فأشبه الحر(5) ، و هو ممنوع.

فروع:
أ: من بعضه حرّ و بعضه رقّ لا تجب عليه الجمعة،

سواء تساويا، أو كانت الحرّية أكثر، لأنّ رقّ البعض يمنع من الكمال و الاستقلال، كرقّ الجميع.

ب: لو هاياه مولاه و اتّفقت الجمعة لنصيب الحرية لم تجب عليه أيضا،

ب: لو هاياه(6) مولاه و اتّفقت الجمعة لنصيب الحرية لم تجب عليه أيضا، لقيام المانع، و هو الظاهر من قول الشافعية.

ص: 87


1- المحلّي 49:5، المجموع 485:4، الميزان 185:1، رحمة الأمة 79:1، بداية المجتهد 157:1، حلية العلماء 223:2.
2- المغني 194:2، الشرح الكبير 152:2، الإنصاف 369:2، المحرر في الفقه 142:1، المجموع 485:4، فتح العزيز 603:4-604، الميزان 185:1، رحمة الأمة 79:1.
3- المجموع 485:4، المغني 194:2، الشرح الكبير 153:2، حلية العلماء 223:2.
4- الآية 9 من سورة الجمعة.
5- المغني 194:2، الشرح الكبير 153:2.
6- المهايأة في كسب العبد: أنهما (المولي و العبد) يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه و يكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة، مجمع البحرين 485:1 «هيأ».

و لهم وجه: أنّها تجب، لانقطاع سلطنة السيد عن استخدامه(1).

و اختاره الشيخ في المبسوط(2).

ج: لو ألزمه مولاه بالحضور، احتمل وجوبه،

لوجوب طاعته فيما ليس بعبادة ففيها أولي، و العدم، لما تقدّم.

مسألة 417: لا تجب علي المريض الجمعة،

لما تقدّم من الأحاديث، و للمشقّة، سواء خاف زيادة المرض أو المشقّة غير المحتملة، أو لا.

و قال الشافعي: المرض المسقط هو ما يخاف فيه أحدهما، و ليس شرطا(3) ، للعموم.

و لو كان المريض قريبه أو ضيفه أو زوجته أو مملوكه، جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه، و كذا تترك لصلاة الميت و تجهيزه، لأنّ ابن عمر كان يستجمر للجمعة فاستصرخ(4) علي سعيد بن زيد فترك الجمعة و مضي إليه بالعقيق(5).

و لو كان المريض لا قرابة له به و لا صحبة، فإن كان له من يمرّضه، لم يترك الجمعة له، و إن لم يكن من يقوم، جاز له تركها للقيام بأمره.

و كذا لو اشتغل فيه بأخذ الكفن و حفر القبر أو غيرهما، سواء كان مشرفا أو لا - خلافا للشافعي(6) - و سواء اندفع بحضوره ضرر عن غير المشرف أو لا، خلافا له(7).

ص: 88


1- المجموع 485:4، الوجيز 65:1، فتح العزيز 607:4.
2- المبسوط للطوسي 145:1.
3- الام 189:1، المجموع 486:4.
4- استصرخ مبنيا للمجهول: أستغيث. و المستصرخ: المستغيث. الصحاح 426:2 «صرخ».
5- مصنف ابن أبي شيبة 153:2، سنن البيهقي 185:3.
6- المهذب للشيرازي 116:1، المجموع 490:4، الوجيز 65:1، فتح العزيز 606:4.
7- الوجيز 65:1، فتح العزيز 606:4.

و كذا لو كان عليه حقّ قصاص يرجو بالاستتار الصلح فيه، جاز، و لو كان عليه حدّ قذف لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة، لأنّه حق واجب و لا بدل له، و لا يجوز له القصد إلي إسقاطه. و كذا غيره من الحدود للّه تعالي بعد ثبوتها بالبيّنة.

و المديون المعسر يجوز له الاختفاء، و كذا الخائف من ظالم علي مال أو نفس أو ضرب أو شتم.

مسألة 418: الأعمي لا تجب عليه الجمعة

عند علمائنا، سواء كان قريبا من الجامع يتمكّن من الحضور إليه من غير قائد، أو بعيدا يحتاج إلي القائد أو لا - و به قال أبو حنيفة(1) - للمشقّة بالحضور.

و لقول الباقر عليه السلام: «فرض اللّه الجمعة و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمي و من كان علي رأس أزيد من فرسخين»(2).

و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه مع المكنة(3) ، لأنّ عتبان بن مالك قال: يا رسول اللّه إنّي رجل محجوب البصر و إن السيول تحول بيني و بين المسجد، فهل لي من عذر؟ فقال صلّي اللّه عليه و آله: (أ تسمع النداء؟) قال: نعم. قال: (ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء)(4).

و المراد نفي العذر في الحضور مطلقا الشامل للاستحباب و الوجوب، لا

ص: 89


1- المبسوط للسرخسي 22:2، الهداية في شرح البداية: 152، المجموع 486:4، فتح العزيز 607:4، المغني 195:2، الشرح الكبير 150:2.
2- الكافي 419:3-6، الفقيه 266:1-1217، التهذيب 21:3-77، أمالي الصدوق: 319-17، الخصال: 422-21 و فيها: و من كان علي رأس فرسخين.
3- المجموع 486:4، فتح العزيز 607:4، مغني المحتاج 277:1، السراج الوهاج: 84، المغني 195:2، الشرح الكبير 150:2.
4- مسند أحمد 43:4.

الحضور الواجب.

فلو لم يجد قائدا سقطت عنه إجماعا، فإن وجد لكن بأجرة يتمكّن منها لم يجب بذلها عندنا، خلافا للشافعي(1).

مسألة 419: الأعرج و الشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهما

عند علمائنا أجمع إن بلغ العرج الإقعاد، للمشقّة.

و لقول الباقر عليه السلام: «و الكبير»(2).

و لأنّ المشقّة هنا أعظم من المشقّة في المريض، فثبتت الرخصة هنا كما ثبتت هناك.

أمّا لو لم يكن العرج بالغا حدّ الإقعاد، فالوجه: السقوط مع مشقّة الحضور، و عدمه مع عدمها.

و الشيخ أطلق الإسقاط(3). و لم يذكره المفيد في المسقطات، و لا الجمهور.

أمّا الحرّ الشديد فإن خاف معه الضرر، سقط عنه.

و كذا البرد الشديد و المطر المانع من السعي، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»(4). و لا خلاف فيه.

و الوحل كذلك، للمشاركة في المعني.

مسألة 420: الإقامة أو حكمها شرط في الجمعة،
اشارة

فلا تجب علي المسافر عند عامة العلماء، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (الجمعة واجبة

ص: 90


1- المجموع 486:4، فتح العزيز 607:4، مغني المحتاج 277:1.
2- الكافي 419:3-6، الفقيه 266:1-1217، التهذيب 21:3-77، أمالي الصدوق: 319-17، الخصال: 422-21.
3- المبسوط للطوسي 143:1.
4- الفقيه 267:1-1221، التهذيب 241:3-645.

إلاّ علي خمسة: امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر أو عبد)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و وضعها عن تسعة» و عدّ منهم «المسافر»(2).

و لم ينقل عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و لا أحد من الأئمّة عليهم السلام أنّهم صلّوها في أسفارهم.

و لأنّ الجمعة ظهر مقصورة بشرائط، و المسافر يباح له القصر دون تلك الشرائط، فلم يكن لاعتبار تلك الشرائط في حقّه و إيجاب الجمعة عليه معني.

و لأنّه خفّف عنه العبادات الراتبة فغيرها أولي.

و قال الزهري و النخعي: تجب عليه الجمعة إن سمع النداء(3) ، للآية(4).

و لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (الجمعة علي من سمع النداء)(5).

و الخاص مقدّم.

فروع:
أ: إنّما تسقط الجمعة في السفر المباح،

أمّا المحرّم فلا، لمنافاته الترخّص.

ب: إنّما تسقط في السفر المبيح للقصر

فلو لم يوجبه كمن كان سفره أكثر من حضره، فإنّ الجمعة لا تسقط عنه، و كذا لو لم يكن القصر واجبا بل

ص: 91


1- كنز العمال 722:7-21095 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير 51:2-52-1257.
2- الكافي 419:3-6، الفقيه 266:1-1217، التهذيب 21:3-77، أمالي الصدوق: 319-17، الخصال: 422-21.
3- المجموع 485:4، المغني 193:2.
4- الجمعة: 9.
5- سنن أبي داود 278:1-1056، سنن الدار قطني 6:2-3، سنن البيهقي 173:3.

جائزا، كالمواضع التي يستحب الإتمام فيها.

ج: لو نوي المسافر إقامة عشرة أيام، صار بحكم المقيم،

و وجب عليه الجمعة، و عند الشافعي أربعة(1).

و هل تنعقد به ؟ عندنا أنّها تنعقد و إن لم ينو المقام علي أحد القولين، أمّا لو نواه فإنّها تنعقد به عندنا قولا واحدا - و هو أحد وجهي الشافعية(2) - لأنه من أهل وجوب الجمعة فانعقدت به كالمستوطن، و الآخر: لا تنعقد به، لأنّ الاستيطان شرط(3). فمن أقام في بلد للتفقه أو التجارة مدة طويلة لا تنعقد به الجمعة عنده(4) و إن وجبت عليه، لأنّ له عزم الرجوع.

مسألة 421: و تسقط عمّن كان بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخين،
اشارة

إلاّ إذا جمع الشرائط عنده. و تجب علي من بينه و بين الجامع فرسخان فما دون عند أكثر علمائنا(5) - و به قال الزهري(6) - لقول الصادق عليه السلام:

«الجمعة تجب علي من كان منها علي فرسخين، فإن زاد فليس عليه شيء»(7).

و قول الباقر عليه السلام: «تجب الجمعة علي من كان منها علي فرسخين»(8).

ص: 92


1- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 485:4، الميزان 182:1، المغني 133:2، عمدة القارئ 117:7.
2- المجموع 503:4، فتح العزيز 607:4.
3- المجموع 503:4، فتح العزيز 607:4.
4- انظر: المجموع 503:4،
5- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 143:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 151. و المحقق في المعتبر: 205 كما أنّ فيه أيضا قول السيد المرتضي عن المصباح.
6- المجموع 488:4، عمدة القارئ 198:6.
7- الكافي 419:3-3، التهذيب 240:3-641، الإستبصار 421:1-1619.
8- الكافي 419:3-2، التهذيب 240:3-643، الاستبصار 421:1-1620.

و قال ابن أبي عقيل منّا: تجب علي من إذا صلّي الغداة في أهله أدرك الجمعة(1) - و نحوه قال عبد اللّه بن عمر و أنس بن مالك، و أبو هريرة، و الأوزاعي، و أبو ثور فإنّهم قالوا: تجب علي من كان يؤوي الليل(2)(3). و هو قريب ممّا قال - لعموم الأمر.

و لقول الباقر عليه السلام: «الجمعة واجبة علي من إذا صلّي الغداة في أهله أدرك الجمعة»(4).

و المشهور عندنا: الأول، للمشقّة، و لأنّ شغل النهار بالسعي إليها و الرجوع إلي أهله يوجب القصر، و يلحقه بالمسافرين، فيكون مسقطا للجمعة.

و قال الشافعي: كلّ من كان من أهل المصر وجبت عليه الجمعة فيه، سواء سمع النداء أو لا، و سواء اتّسعت أقطاره و تعدّدت محالّه أو لا.

و أمّا الخارج عن المصر من أهل القري، فإن لم يسمعوا النداء، و كانوا أقلّ من أربعين، لم تجب عليهم الجمعة، و إن بلغوا أربعين و كانوا مستوطنين في القرية، وجبت عليهم الجمعة سواء سمعوا النداء أو لا، و هم بالخيار بين الصلاة في قريتهم، و الحضور إلي المصر لإقامة الجمعة معهم.

و إن كانوا أقلّ من أربعين و سمعوا النداء، وجب عليهم الحضور - و به قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص و سعيد بن المسيب و إسحاق(5) - لقوله عليه6.

ص: 93


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 205.
2- كذا، و في المصادر: تجب علي من أواه الليل إلي أهله.
3- المجموع 488:4، المغني 214:2-215، الشرح الكبير 146:2، عمدة القارئ 6: 198.
4- التهذيب 238:3-631، الاستبصار 421:1-1621.
5- المجموع 488:4، المحلي 55:5-56.

السلام: (الجمعة علي من سمع النداء)(1).

و هو يدلّ من حيث المفهوم فالمنطوق أولي مع انتشار النداء و عدم ضبطه، فلا يجوز أن يجعله الشارع مناطا للأحكام.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا تجب الجمعة علي من هو خارج المصر و إن سمع النداء - و قال محمّد: قلت لأبي حنيفة: تجب الجمعة علي أهل زبارا(2) بأهل الكوفة ؟ فقال: لا(3) - و بين زبارا و الكوفة الخندق، و هي قرية بقرب الكوفة - لأنّ عثمان لمّا وافق الجمعة العيد، قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف، و من أراد أن يقيم حتي يصلّي الجمعة فليقم.

و لأنّهم خارجون عن المصر، فلا جمعة عليهم، كأصحاب الحلل(4)(5).

و الحديث نقول بموجبه، للتخيير عندنا، أمّا من يوجب الحضور كالشافعي، فإنّه أنكر الحديث و قال: لم يذكره أحد من أصحاب الحديث.

و أهل الحلل إن كانوا مستوطنين، وجبت الجمعة، و إلاّ فلا.

و قال مالك و احمد و الليث بن سعد: تجب علي أهل المصر مطلقا، و أمّا الخارج فإن كان بينه و بين الجامع فرسخ، وجب عليه الحضور و إلاّ فلا، لغلبة السماع منه(6). و قد بينا بطلان هذا المناط.8.

ص: 94


1- المجموع 487:4، فتح العزيز 608:4-609، المحلّي 56:5.
2- في المصدر: «زرارة». و هي محلّة في الكوفة. و «زبارا» من نواحي الكوفة، و الظاهر صحة «زبارا» لكون أهلها من خارج المصر. انظر: معجم البلدان 129:3 و 135.
3- الأصل للشيباني 366:1.
4- الحلل جمع حلّة: القوم النزول. لسان العرب 164:11 «حلل».
5- المغني 215:2، الشرح الكبير 146:2، و راجع: المبسوط للسرخسي 23:2، و بدائع الصنائع 259:1، و فتح العزيز 609:4، و المحلّي 56:5.
6- المدونة الكبري 153:1، بداية المجتهد 165:1، المغني 214:2 و 216، المجموع 4: 488.

و قال عطاء: إن كانوا علي عشرة أميال، وجب عليهم الحضور، و إلاّ فلا(1).

و قال ربيعة: إن كانوا علي أربعة أميال حضروا، و إلاّ فلا(2).

فروع:
أ: من كان بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخ يتخيّر بين الحضور و بين إقامة الجمعة عنده

إن حصلت الشرائط، و إن فقد أحدها وجب عليه الحضور، و لا يسوغ له ترك الجمعة.

و من كان بينه و بينها أزيد من فرسخين، فإن حصلت الشرائط فيه، تخيّر بين إقامتها عنده و بين الحضور، و لا يسوغ له تركها، و إن فقدت الشرائط، سقطت عنه، و لم يجب عليه الحضور.

ب: تشترط الزيادة علي الفرسخين بين منزله و الجامع الذي تقام فيه الجمعة،

لا بين البلدين، فلو كان بين البلدين أقلّ من فرسخين، و بين منزله و الجامع أزيد من فرسخين، فالأقرب: السقوط، لأنّه المفهوم من كلام الباقر و الصادق عليهما السلام.

ج: قد بيّنّا عدم اعتبار النداء.

و قال الشافعي: النداء الذي تجب به الجمعة أن يكون المنادي صيّتا، و تكون الرياح ساكنة، و الأصوات هادئة، و كان من ليس بأصمّ مصغيا مستمعا، غير لاه و لا ساه، و أن لا تكون البلدة بين آجام و أشجار تمنع من بلوغ الصوت، فإن كان، اعتبر أن يصعد علي شيء يعلو به علي الأشجار كسور البلد و المنارة، و لا يعتبر في غيره، و أن تكون الأرض مستوية، فلو كانت قرية في واد لا يسمع أهلها لهبوطها و لو كانت في استواء الأرض سمعت، وجبت،

ص: 95


1- المجموع 488:4، عمدة القارئ 198:6، نيل الأوطار 278:3.
2- المجموع 488:4، عمدة القارئ 198:6، نيل الأوطار 278:3.

و لو كانت علي قلّة جبل يسمع لعلّوها، لم يجب عند بعضهم، و لا اعتبار بأذان الجمعة(1).

و اختلفت الشافعية في الموضع الذي يعتبر فيه سماع النداء، فقال بعضهم: من الموضع الذي يصلّي فيه الجمعة، إذ الغرض الحضور في ذلك الموضع.

و قال بعضهم: من وسط البلد، لاستواء الجوانب و عدم أولوية بقعة علي اخري.

و قال آخرون: يعتبر من آخر موضع تجوز إقامة الجمعة فيه من الجانب الذي يلي تلك القرية، فإنّه ربما يكون البلد كبيرا، و إذا نودي من الجانب الآخر ربما لا يسمع أهل هذا الجانب من البلد(2).

و لو كان طرف القرية يسمعون النداء، و باقي القرية لا يسمعون، قال:

يجب علي الجميع الحضور، لأنّ حكم القرية لا يختلف في الجمعة.

و لو سمعوا النداء من قريتين فأيّتهما حضروا جاز. و الأولي أن يحضروا الموضع الذي تكثر فيه الجماعة(3).

و لو كانت قريتان علي جبلين يصلّي في إحداهما الجمعة، و الأخري يسمعون النداء و بينهما قرية لا يسمعون، وجب علي المستمعين الحضور للسماع. و في الأخري وجهان: العدم، لانتفاء موجبه، و الوجوب، لأنّ إيجاب الحضور علي الأبعد يستلزم أولوية إيجابه علي الأقرب(4).

و هذا كلّه عندنا ساقط، فإنّ من الناس الأصمّ و ثقيل السمع، و قد يكون2.

ص: 96


1- المجموع 487:4، المهذب للشيرازي 116:1، الوجيز 65:1، فتح العزيز 608:4 - 609، حلية العلماء 224:2.
2- المجموع 487:4، فتح العزيز 608:4، حلية العلماء 224:2-225.
3- المجموع 487:4 و 488.
4- حلية العلماء 225:2.

النداء بين يدي المنبر فلا يسمعه إلاّ من في الجامع، و قد يكون المؤذّن خفي الصوت أو في يوم ذي ريح، و قد يكون المستمع نائما أو مشغولا بما يمنع السماع و يسمع من هو أبعد، فيفضي ذلك إلي إيجابها علي البعيد دون القريب، و هو باطل بالإجماع.

مسألة 422: قد بيّنّا وجوب الجمعة علي من سقطت عنه للعذر
اشارة

لو حضر، لانتفاء المشقّة.

و لقول حفص بن غياث عن بعض مواليه: «إنّ اللّه فرض الجمعة علي المؤمنين و المؤمنات، و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها فإذا حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأول» فقلت: عمّن هذا؟ فقال: عن مولانا الصادق عليه السلام(1).

و في المرأة نظر، و إطلاق الشيخ(2) يقتضيه.

تذنيب: إذا صلّي من سقطت عنه، الظهر، ثم زال المانع قبل أداء الجمعة، لم تجب عليه،

كالعبد يصلّي ثم يعتق و الوقت باق، و كذا المسافر إذا صلّي ثم نوي الإقامة.

أمّا الصبي إذا صلّي ثم بلغ، فالوجه عندي: وجوب الحضور عليه، لأنّ مبدأ التكليف الآن، و ما فعله أوّلا لم يكن واجبا، فلم يسقط به فرضا عنه.

و قال الشافعي: لا يجب عليه، لأنّ الصبي إذا صلّي في الوقت ثم بلغ، لم تجب عليه الإعادة كذا هنا(3).

و الأصل ممنوع.

ص: 97


1- التهذيب 21:3-22-78.
2- المبسوط للطوسي 143:1.
3- المهذب للشيرازي 116:1 و 117، المجموع 495:4، الوجيز 65:1، فتح العزيز 4: 612، حلية العلماء 226:2.
المطلب الثالث: في ماهيتها و آدابها و لواحقها
مسألة 423: الجمعة ركعتان كسائر الصلوات،
اشارة

و تتميّز بما تقدّم من الشرائط، و الآداب الآتية، و تسقط معها الظهر بالإجماع.

و يستحب أن يقرأ في الأولي بعد الحمد سورة الجمعة، و في الثانية بعد الحمد سورة المنافقين عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ عبد اللّه بن أبي رافع - و كان كاتبا لعلي عليه السلام - قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة علي المدينة، فاستخلفه مرّة فصلّي الجمعة، فقرأ في الأوّلة الجمعة، و في الثانية المنافقين، فلمّا انصرف مضيت إلي جنبه، فقلت: يا أبا هريرة لقد قرأت بسورتين قرأهما علي عليه السلام، فقال: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان يقرأ بهما(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ بسورة الجمعة و المنافقين»(3).

و قال الشافعي في القديم: يقرأ في الأولي «سبّح اسم» و في الثانية «الغاشية»(4). و ينسب إلي رواية النعمان بن بشير(5).

و قال أبو حنيفة: يكره تعيين سورة في الصلاة(6).

ص: 98


1- المهذب للشيرازي 120:1، المجموع 530:4، الوجيز 66:1، حلية العلماء 238:2، المغني 157:2.
2- صحيح مسلم 597:2-598-877، سنن أبي داود 293:1-1124، سنن ابن ماجة 355:1-1118، سنن الترمذي 396:2-397-519، سنن البيهقي 200:3.
3- التهذيب 5:3-6-13.
4- المجموع 530:4-531، فتح العزيز 622:4.
5- الناسب هو الصيدلاني كما في فتح العزيز 622:4، و راجع: صحيح مسلم 2: 598-878.
6- اللباب 111:1، المجموع 531:4، فتح العزيز 622:4، الميزان 191:1.

و قال مالك: يقرأ في الأولي الجمعة، و في الثانية الغاشية(1).

فروع:
أ: لو قرأ غير هاتين السورتين عمدا، لم تبطل جمعته:

عملا بالأصل.

و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا، قال: «لا بأس بذلك»(2).

ب: لو نسي فقرأ في الأولي غير الجمعة، احتمل قراءتها في الثانية،

لتدارك فضلها، و قراءة المنافقين، لأنّه محلّها.

و قال الشافعي: يقرؤهما معا في الثانية(3) ، و قد بيّنّا(4) بطلان القران.

و لو قرأ المنافقين في الأولي قرأ في الثانية الجمعة، تحصيلا لفضيلة السورتين.

ج: يستحب الجهر بالجمعة إجماعا،

و في الظهر يوم الجمعة قولان:

فالشيخ علي استحبابه جماعة و فرادي(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «نعم» و قد سأله الحلبي عن القراءة يوم الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة ؟(6).

و المرتضي علي استحبابه جماعة لا فرادي(7) ، لقول الصادق عليه السلام: «صلّوا في السفر صلاة جمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا

ص: 99


1- المدونة الكبري 158:1، بداية المجتهد 164:1، المجموع 531:4، فتح العزيز 4: 622-623.
2- التهذيب 7:3-19، الاستبصار 414:1-1586.
3- المجموع 531:4، الوجيز 66:1، فتح العزيز 622:4.
4- تقدم في المسألة 232.
5- المبسوط للطوسي 151:1.
6- الكافي 425:3-5، التهذيب 14:3-49، الاستبصار 416:1-1593.
7- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 208.

بالقراءة»(1).

و قال بعض علمائنا: لا يجهر في الظهر جماعة أيضا(2) ، لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(3) و العمل بهذه أحوط.

مسألة 424: تستحب الزينة يوم الجمعة بحلق الرأس

إن كان من عادته، و إلاّ غسله بالخطمي، و قصّ الأظفار، و أخذ الشارب، و التطيّب، و لبس أفضل الثياب، و السعي علي سكينة و وقار، و الغسل مقدّما علي الصلاة.

قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (4) قال: «في العيدين و الجمعة»(5).

و قال عليه السلام: «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة، و يتطيّب، و يسرّح لحيته، و يلبس أنظف ثيابه، و ليتهيّأ للجمعة، و يكون عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار»(6).

و يستحب له ترك الركوب مع القدرة، لأنّ النبي عليه السلام ما ركب في عيد و لا جنازة قطّ(7). و الجمعة أولي، إلاّ أنّه لم ينقل فيها قول عنه عليه السلام، لأنّ باب حجرته في المسجد.

و يستحب السواك، و قطع الروائح الكريهة، لئلاّ يؤذي من يقاربه.

ص: 100


1- التهذيب 15:3-51، الاستبصار 416:1-1595.
2- هو ابن إدريس في السرائر: 65.
3- التهذيب 15:3-53، الإستبصار 416:1-1597.
4- الأعراف: 31.
5- الكافي 424:3-8، التهذيب 241:3-647.
6- الكافي 417:3-1، التهذيب 10:3-32، الفقيه 64:1-244.
7- أورده ابنا قدامة في المغني 148:2، و الشرح الكبير 205:2.

و أفضل الثياب البيض، لقوله عليه السلام: «أحب الثياب إلي اللّه تعالي البيض، يلبسها أحياؤكم، و يكفّن فيها موتاكم»(1).

و ينبغي للإمام الزيادة في التجمّل، لأنّه المنظور إليه، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، يعتمّ و يرتدي، و يخرج في الجمعة و العيدين علي أحسن هيئة(2).

مسألة 425: تستحب المباكرة إلي الجامع
اشارة

- خلافا لمالك، فإنّه أنكر استحباب السعي قبل النداء(3) - لقوله عليه السلام: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ الجنان لتزخرف و تزيّن يوم الجمعة لمن أتاها، و إنّكم تتسابقون إلي الجنّة علي قدر سبقكم إلي الجمعة، و إنّ أبواب الجنة لتفتح لصعود أعمال العباد»(5).

و لما فيه من المسارعة إلي الطاعات، و التفرّغ للعبادة في المسجد الأعظم.

ص: 101


1- مصنف عبد الرزاق 429:3-1698 (نحوه).
2- انظر: سنن البيهقي 246:3 و 247.
3- التفريع 231:1، المغني 147:2، الشرح الكبير 203:2.
4- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 582:2-850، سنن الترمذي 372:2-499، سنن أبي داود 96:1-351، سنن النسائي 99:3، الموطأ 101:1-1.
5- الكافي 415:3-9، التهذيب 3:3-4-6.
فروع:
أ: المراد بالساعة الأولي هنا بعد الفجر،

لما فيه من المبادرة إلي الجامع المرغّب فيه و إيقاع صلاة الصبح فيه، و لأنّه أول النهار، و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: بعد طلوع الشمس، لأنّ أهل الحساب يعدّون أول النهار طلوع الشمس(2).

ب: يستحب الدعاء أمام التوجّه،

لقول الباقر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: «ادع في العيدين و يوم الجمعة إذا تهيّأت للخروج بهذا الدعاء:

اللّهم من تهيّأ و تعبّأ»(3) إلي آخره.

ج: قال الشيخ في الخلاف: الوقت الذي يرجي استجابة الدعاء فيه:

ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلي أن يستوي الناس في الصفوف،

لقول الصادق عليه السلام: «الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلي أن يستوي الناس في الصفوف»(4).

و قال الشافعي: هو آخر النهار عند غروب الشمس(5).

و في رواية لنا: استجابة الدعاء في الساعتين معا عن الصادق عليه السلام - في الصحيح - قال: «الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلي أن يستوي الناس في الصفوف، و ساعة أخري من آخر النهار إلي غروب الشمس»(6).

ص: 102


1- المجموع 540:4، المهذب للشيرازي 121:1.
2- المجموع 540:4، المهذب للشيرازي 121:1.
3- التهذيب 142:3-316.
4- الكافي 414:3-4، التهذيب 235:3-619.
5- الخلاف 617:1، المسألة 385، و راجع: المجموع 541:4 و 549.
6- الكافي 414:3-4، التهذيب 235:3-619
د: يستحب الإكثار من الصلاة علي النبي و آله عليهم السلام،

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (أقربكم منّي في الجنّة أكثركم صلاة عليّ، فأكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغرّاء و اليوم الأزهر)(1).

قال الصادق عليه السلام عن يوم الجمعة و ليلتها: «ليلتها ليلة غرّاء، و يومها يوم أزهر»(2).

و قال عليه السلام: «إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذّر في أيديهم أقلام الذهب، و قراطيس الفضّة، لا يكتبون إلي ليلة السبت إلاّ الصلاة علي محمد و علي آل محمد، فأكثروا منها» ثم قال: «إن من السنّة أن تصلّي علي محمد و علي أهل بيته في كلّ جمعة ألف مرة و في سائر الأيام مائة مرة»(3).

ه: يكره لغير الإمام أن يتخطّي رقاب الناس

قبل ظهور الإمام و بعده، سواء كانت له عادة بالصلاة في موضع أو لم تكن - و به قال عطاء و سعيد بن المسيب و الشافعي و أحمد(4) - لأنّ رجلا جاء يتخطّي رقاب الناس و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله يخطب، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (اجلس فقد آذيت)(5).

و لما فيه من أذي الغير.

و قال مالك: إن لم يكن الإمام ظهر لم يكره، و كذا إن ظهر و كان له عادة بالصلاة في موضع معيّن، و إلاّ كره(6).

ص: 103


1- أورد نحوه البيهقي في سننه 249:3.
2- الكافي 428:3-2.
3- الكافي 416:3-13، التهذيب 4:3-9.
4- المجموع 546:4، المهذب للشيرازي 121:1، كفاية الأخيار 93:1، المغني 203:2.
5- سنن ابن ماجة 354:1-1115، سنن أبي داود 292:1-1118، سنن النسائي 3: 103.
6- المدونة الكبري 159:1، المنتقي للباجي 203:1، المجموع 546:4-547.
و: لا يجوز له أن يقيم أحدا من مجلسه الذي سبق إليه،

لقوله عليه السلام: (لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، و لكن يقول:

تفسّحوا و توسّعوا)(1).

و لا تكره إقامته في مواضع: إمّا بأن يجلس في مصلّي الإمام، أو في طريق الناس، أو يستقبل المصلّين و الموضع ضيّق عليهم، و لو كان متسعا تنحّوا عنه يمينا و شمالا، لئلاّ يستقبلوه بالصلاة.

نعم إذا اعتاد إنسان القعود في موضع، كره لغيره مزاحمته له، كما في السوق، و لو قام لحاجة عرضت له بنيّة العود، فجاء غيره و قعد، استحب للقاعد أن يقوم من موضعه حتي يعود إليه، من غير وجوب.

و لو فرش له منديل أو مصلّي، لم يكن موجبا للاختصاص لو رفعه غيره و إن كان مخطئا.

و لو ازدحم الناس في آخر المسجد و بين أيديهم فرجة، لم يكره التخطّي.

ز - قصد الجامع لمن اختلّت شرائط الجمعة في حقّه مستحب،

لأنّ الباقر عليه السلام كان يبكر إلي المسجد الجامع يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك(2).

ح - لو لم يكن الإمام مرضيا، قدّم المصلّي ظهره علي صلاة الإمام،

و يجوز أن يصلّي معه ركعتين ثم يتمّ الظهر بعد فراغ الإمام، لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم و لا تقومنّ من مقعدك حتي تصلّي ركعتين أخريين»(3).

و لو صلّي في منزله أوّلا جاز، لأنّ أبا بكر الحضرمي قال للباقر عليه

ص: 104


1- مسند أحمد 102:2.
2- الكافي 429:3-8، التهذيب 244:3-660.
3- التهذيب 28:3-96.

السلام: إنّي أصلّي في منزلي ثم أخرج فأصلّي معهم، قال: «كذا أصنع»(1).

مسألة 426: يستحب التنفّل يوم الجمعة زيادة علي نوافل الظهرين

بأربع ركعات.

قال الشيخ: و يستحب تقديم نوافل الظهر قبل الزوال، و لم أجد لأحد من الفقهاء وفاقا في ذلك، و يستحبّ بالإجماع منّا، لأنّ منّا من يستحبّ تقديمها، و منّا من يستحبّ تقديم أكثرها.

و لما رواه علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي تصلّي يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال: «قبل الصلاة»(2)(3). و عليها عمل الشيخ في أكثر كتبه(4).

إذا عرفت هذا، فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «أمّا أنا إذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ست ركعات، فإذا انتفخ النهار صلّيت ست ركعات، فإذا زاغت الشمس صلّيت ركعتين، ثم صلّيت الظهر، ثم صلّيت بعدها ستّا»(5).

و مثله عن الرضا عليه السلام(6).

و لو أخّرها جاز إجماعا منّا.

و استحبّ أحمد ركعتين بعد الجمعة، و إن شاء أربعا، و إن شاء ستا(7).

ص: 105


1- التهذيب 246:3-671.
2- التهذيب 12:3-38 و 246-672، الاستبصار 411:1-1570.
3- الخلاف 632:1 المسألة 406.
4- راجع: المبسوط للطوسي 150:1، و النهاية: 104، و الخلاف 632:1، المسألة 406.
5- الكافي 428:3-2، التهذيب 11:3-35، الإستبصار 410:1-1566.
6- الكافي 427:3-1، التهذيب 10:3-34، الإستبصار 409:1-1565.
7- المغني 219:2، الشرح الكبير 196:2، مسائل أحمد: 59.

و استحبّ أبو حنيفة أربعا(1).

مسألة 427: الأذان الثاني بدعة عند علمائنا،

لقول الباقر عليه السلام: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(2).

و سمّاه بالثالث - كما هو في عبارة بعض علمائنا(3) - بالنسبة إلي الإقامة.

و لأن النبيّ عليه السلام لم يفعله اتّفاقا، و شرّع للصلاة أذانا واحدا و إقامة، فالزيادة الثالثة بدعة.

و كان الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام علي المنبر علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و علي عهد أبي بكر و عمر، فلّما كان زمن عثمان كثر الناس، فأمر بالأذان الثالث بالزوراء(4) [1].

و لا اعتبار بما فعله عثمان مخالفة للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

و قال عطاء: أول من فعله معاوية(5).

قال الشافعي: ما فعله النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و أبو بكر و عمر أحبّ إليّ(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ أن يؤذّن بعد جلوس الإمام علي المنبر، قاله الشافعي، قال: و أن يكون المؤذّن واحدا، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله

ص: 106


1- شرح فتح القدير 310:2، الهداية للمرغيناني 133:1، كتاب الحجة علي أهل المدينة 294:1
2- الكافي 421:3-5، التهذيب 19:3-67.
3- كما في السرائر: 64، و المعتبر: 206.
4- صحيح البخاري 10:2، سنن أبي داود 285:1-1087، سنن الترمذي 2: 392-516، سنن النسائي 100:3-101، سنن البيهقي 205:3، مسند أحمد 3: 450.
5- الام 195:1.
6- الام 195:1.

كان له مؤذّن واحد(1).

و عندي فيهما إشكال.

إذا ثبت هذا، فإنّ الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة مكروه، بل إذا فرغ من الظهر صلّي العصر بغير أذان، للمشقّة بالحضور إلي الجامع، و الإعلام قد حصل.

إذا ثبت هذا، فالأقرب أنّه لا يستحبّ حكاية هذا الأذان لو وقع، إذ الأمر بالحكاية ينصرف إلي المشروع. و كذا أذان المرأة، و الأذان المكروه كأذان العصر يوم الجمعة و يوم عرفة و مزدلفة.

و الوجه: استحباب حكاية أذان الفجر لو وقع قبله و إن استحبّ إعادته بعده، و أذان من أخذ عليه اجرة و إن حرمت، دون أذان المجنون و الكافر.

مسألة 428: البيع بعد النداء يوم الجمعة حرام
اشارة

بالنص و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (2) و الأمر للوجوب، و النهي للتحريم.

و لا خلاف بين العلماء في تحريمه.

و النداء الذي يتعلّق به التحريم هو النداء الذي يقع بعد الزوال و الخطيب جالس علي المنبر، قاله الشيخ رحمه اللّه - و به قال الشافعي و عمر بن عبد العزيز و عطاء و الزهري(3) - لأنّه تعالي علّق التحريم بالنداء، و إنّما ينصرف إلي الأذان الذي فعله النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، دون الوقت، فينتفي التحريم قبل النداء(4).

ص: 107


1- الام 195:1، المجموع 124:3.
2- الجمعة: 9.
3- كما في الخلاف للشيخ الطوسي 630:1، المسألة 402، و راجع: المجموع 500:4، و فتح العزيز 624:4، و عمدة القارئ 204:6.
4- الخلاف 629:1-630، المسألة 402، و المبسوط للطوسي 150:1.

و قال مالك و أحمد: إذا زالت الشمس حرم البيع جلس الإمام أو لم يجلس(1).

و ليس بجيّد، لما تقدّم.

فروع:
أ - لو جوّزنا الخطبة قبل الزوال - كما ذهب إليه بعض علمائنا - لم يسغ الأذان قبله

أ - لو جوّزنا الخطبة قبل الزوال - كما ذهب إليه بعض علمائنا(2) - لم يسغ الأذان قبله مع احتماله.

و متي يحرم البيع حينئذ؟ إن قلنا بتقديم الأذان، حرم البيع معه - و به قال أحمد(3) - لأنّ المقتضي - و هو سماع الذكر - موجود. و إلاّ فإشكال ينشأ:

من تعليق التحريم بالنداء، و من حصول الغاية.

ب - البيع بعد الزوال قبل النداء مكروه عندنا،

لما فيه من التشاغل عن التأهّب للجمعة، و به قال الشافعي(4).

و عند أحمد و مالك أنّه محرّم(5). و قد تقدّم.

ج - لو كان بعيدا من الجمعة يفتقر إلي قطع المسافة قبل الزوال، وجب السعي و حرم البيع

إن منع، و إلاّ فلا.

د - لو تبايعا بعد السعي حال الأذان فإشكال، و بالجملة لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة، أو منع و قلنا بعدم الوجوب و منع تحريم الكلام فالوجه:

التحريم، للعموم(6).

ص: 108


1- حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 630:1، المسألة 402، و راجع: المغني 2: 145، و تفسير القرطبي 108:18.
2- ذهب إليه الشيخ الطوسي في النهاية: 105، و المبسوط 151:1، و المحقق في شرائع الإسلام 95:1، و المعتبر: 204.
3- انظر: المغني 144:2 و 145.
4- المجموع 500:4، فتح العزيز 426:4، رحمة الأمة 80:1.
5- المغني 145:2، و انظر لقولهما أيضا: الخلاف 630:1 المسألة 402.
6- المستفاد من الآية 9 من سورة الجمعة.
ه - التحريم مختص بمن يجب عليه السعي

دون غيرهم، كالنساء و الصبيان و المسافرين و غيرهم عند علمائنا، و به قال الشافعي(1).

و عن أحمد رواية بالتحريم(2).

و قال مالك: يمنع العبيد كالأحرار أيضا(3).

و ليس بمعتمد، لأنّ النهي عن البيع متوجّه إلي من أمر بالسعي.

و لو كانوا في قرية لا جمعة علي أهلها، لم يحرم البيع و لا كره أيضا إجماعا.

و - لو كان أحد المتبايعين مخاطبا دون الآخر، حرم بالنسبة إلي المخاطب

إجماعا، و هل يحرم علي الآخر؟ قال الشيخ: إنّه يكره، لأنّ فيه إعانة علي فعل محرّم، و هو يقتضي التحريم، لقوله تعالي وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (4)(5).

و الوجه عندي: التحريم في حقّه أيضا، للآية(6) ، و به قال الشافعي(7).

ز - لو تبايعا، فعلا حراما، و هل ينعقد البيع ؟ لعلمائنا قولان:

المنع(8) - و به قال أحمد و مالك و داود(9) - لأنّ النهي يقتضي الفساد.

ص: 109


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 630:1، المسألة 403، و راجع: الام 195:1.
2- المغني 146:2.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 630:1، المسألة 403، و راجع: المدوّنة الكبري 154:1.
4- المائدة: 2.
5- المبسوط للطوسي 150:1.
6- الجمعة: 9.
7- المجموع 500:4، المهذب للشيرازي 117:1.
8- ممّن قال بعدم الانعقاد: الشيخ الطوسي في الخلاف 631:1 المسألة 404، و المبسوط 1: 150، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 177:1.
9- المجموع 501:4، بلغة السالك 183:1، تفسير القرطبي 108:18، أحكام القرآن للجصاص 448:3، فتح العزيز 624:4.

و الصحّة(1) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(2) - لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، بل في العبادات.

و لأنّ البيع غير مقصود بالنهي، فإنّه لو ترك الصلاة و المبايعة، كان عاصيا، و إذا لم يكن مقصودا، فالتحريم لا يمنع انعقاده، كما لو ترك الصلاة المفروضة بعد ضيق الوقت و اشتغل بالبيع، فإنّه يصحّ إجماعا.

ح - هل يحرم غير البيع من الإجارة و النكاح و الصلح و غيرها؟ إشكال

ينشأ: من اختصاص النهي بالبيع فلا يتعدّاه. و من المشاركة في العلّة.

مسألة 429: المصر ليس شرطا في الجمعة،

فتجب علي أهل القري مع الاستيطان عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و مالك و أحمد و إسحاق و الشافعي(3) - لعموم الأمر(4).

و لأنّ ابن عباس قال: إنّ أول جمعة جمّعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمّعت بجواثا [1] من البحرين من قري عبد القيس(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة

ص: 110


1- ممّن قال بصحّة البيع: المحقق في المعتبر: 207، و شرائع الإسلام 98:1، و مختصر النافع: 36، و يحيي بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 96.
2- الام 195:1، المجموع 500:4 و 501، المهذب للشيرازي 117:1، أحكام القرآن للجصاص 448:3.
3- المجموع 505:4، كفاية الأخيار 90:1، المنتقي للباجي 196:1، المغني 175:2، الشرح الكبير 173:2، المبسوط للسرخسي 23:2.
4- الجمعة: 9.
5- صحيح البخاري 6:2، سنن أبي داود 280:1-1068، سنن البيهقي 176:3.

نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(1).

و لأنه بناء استوطنه العدد، فيجب عليهم الجمعة، كأهل المصر.

و قال أبو حنيفة و الثوري: لا تصح إقامة الجمعة إلاّ في مصر جامع، فلا تجب علي أهل القري و السواد، لقول علي عليه السلام: «لا جمعة و لا تشريق إلاّ في مصر جامع»(2)(3).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ الاعتبار بكونه جامعا للعدد و الشرائط الباقية، لا بكونه مصرا.

قال أبو يوسف: المصر ما كان فيه سوق، و قاض يستوفي الحقوق، و وال يستوفي الحدود(4).

فإن سافر الإمام فدخل قرية، فإن كان أهلها يقيمون الجمعة، صلّي الجمعة، و إلاّ لم يصلّها.

مسألة 430: و ليس البنيان شرطا عندنا،

بل الاستيطان، فتجب علي أهل الخيم و البادية إذا كانوا مستوطنين - و هو أحد قولي الشافعي، و قول أبي ثور(5) - للعموم(6).

و لقوله عليه السلام: (جمّعوا حيث كنتم)(7).

و الآخر: لا يجب إلاّ علي أهل مصر أو قرية مبنيّة بالحجارة، أو الآجر،

ص: 111


1- التهذيب 238:3-634، الاستبصار 420:1-1614.
2- مصنّف ابن أبي شيبة 101:2، سنن البيهقي 179:3.
3- المبسوط للسرخسي 23:2، الهداية للمرغيناني 82:1، بدائع الصنائع 259:1، المجموع 505:4، حلية العلماء 229:2، المغني 175:2، الشرح الكبير 173:2.
4- المبسوط للسرخسي 23:2، بدائع الصنائع 259:1.
5- المجموع 501:4، فتح العزيز 495:4، حلية العلماء 229:2.
6- المستفاد من الآية 9 من سورة الجمعة.
7- مصنّف ابن أبي شيبة 101:2، و فيه هذا القول منسوب الي عمر، كما أنّ المصنّف نسبه إليه في المنتهي 320:1.

أو اللّبن، أو السعف و الجريد و الشجر متّصلة البناء، فلو كانت متفرّقة، فإن تقاربت، فكالواحدة، و إن تباعدت، لم تجب الجمعة(1).

و اختلف أصحابه في القرب، فقيل: إذا كان بين منزلين دون ثلاثمائة ذراع، فقريب كما هو قريب في الائتمام.

و قيل: بتجويز القصر عند إرادة السفر، فإن كان البعد بين المنزلين قدرا إذا خرج من منزله بقصد السفر يشترط أن يتجاوزه في استباحة القصر فقريب، و إلاّ فلا(2).

فإن انهدمت أو احترقت، فإن بقي العدد ملازمين ليصلحوها، جمّعوا و إن لم يكونوا تحت ظلال، لأنّهم لم يخرجوا بذلك عن الاستيطان في ذلك المكان.

مسألة 431: و لا يشترط استيطانهم شتاء و صيفا في منزل واحد

لا يظعنون عنه إن قحطوا، و لا يرغبون عنه بخصب غيره - و به قال أبو ثور(3) - للعموم(4).

و لأنّ عبد اللّه بن عمر كان يري أهل المياه بين مكّة و المدينة يجمّعون فلا يعتب(5) عليهم(6).

و قال الشافعي: يجب ذلك إن أوجبنا الجمعة عليهم، لأنّ قبائل العرب كانت حول المدينة فلم ينقل أنّه عليه السلام أمرهم بإقامة الجمعة و لا أقاموها، و لو كان ذلك، لنقل فدلّ علي أنّها لا تقام في بادية، بل إن سمعوا النداء

ص: 112


1- الام 190:1، المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 501:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 495:4، حلية العلماء 229:2، كفاية الأخيار 90:1.
2- انظر: فتح العزيز 496:4.
3- حلية العلماء 229:2.
4- المستفاد من الآية 9 من سورة الجمعة.
5- في نسخة «ش»: فلا يعيب.
6- مصنف عبد الرزاق 174:3-5185.

من بلد أو قرية، لزمهم قصدها و إلاّ فلا(1). و هو ممنوع.

إذا عرفت هذا، فإن استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلي مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في مسيرهم بل في مقصدهم إن عزموا إقامة المدّة فيه، و كذا لو سافروا إلي ما دون المسافة، فإنّه تجب عليهم الجمعة في المسافة و المقصد معا.

و لو أقاموا دون عشرة ثم سافروا إلي المسافة، فالوجه: وجوبها عليهم في المسافة و المقصد، لوجوب الإتمام عليهم. و إن كان فيه إشكال ينشأ: من مفهوم الاستيطان هل المراد منه المقام، أو ما يجب فيه التمام ؟

مسألة 432: تجوز إقامة الجمعة خارج المصر

- و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - للامتثال بالإتيان بالجمعة، و لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع و الخطبة، فجاز فعلها خارج المصر كالعيد.

و قال الشافعي: لا يجوز أن يصلّي الإمام الجمعة بأهل المصر خارج المصر، لأنّه موضع يجوز لأهل المصر قصر الصلاة فيه، فلم يجز لهم إقامة الجمعة فيه كالبعيد، بخلاف العيد، لأنّها ليست مردودة من فرض إلي فرض، و هذه مردودة، فجاز أن يختص فعلها بمكان(3).

و تجويز الاختصاص لا يستلزمه.

و نمنع في البعيد أيضا إذا لم يبلغ المسافة، خلافا لأبي حنيفة(4).

ص: 113


1- المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 501:4 و 505، الوجيز 61:1، فتح العزيز 4: 495، مغني المحتاج 281:1، كفاية الأخيار 91:1.
2- بدائع الصنائع 260:1، المغني 176:2، الشرح الكبير 172:2، المجموع 505:4، فتح العزيز 493:4، الميزان 188:1.
3- المهذب للشيرازي 117:1، المجموع 501:4، الوجيز 61:1، فتح العزيز 493:4، الميزان 188:1، مغني المحتاج 280:1، السراج الوهاج: 85، المغني 176:2، الشرح الكبير 172:2.
4- بدائع الصنائع 260:1، فتح العزيز 493:4، الميزان 188:1، المغني 176:2، الشرح الكبير 172:2، المجموع 505:4.

و القصر باعتبار السفر لا باعتبار خروجه عن المصر، لأنّ الأصل عدم الاشتراط، و لا نصّ في اشتراطه و لا معني نصّ.

مسألة 433: يسقط وجوب الجمعة عمّن صلّي العيد

لو اتّفقا في يوم واحد عدا الإمام، فإنّه يجب عليه الحضور، و غيره يتخيّر، و يستحبّ له إعلامهم ذلك، ذهب إليه علماؤنا، عدا أبا الصلاح(1) - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عثمان و سعيد و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و الشعبي و النخعي و الأوزاعي و عطاء و أحمد(2) - لأنّه اجتمع علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، عيدان، فصلّي العيد و خطب فقال: (أيها الناس قد اجتمع عيدان في يوم، فمن أراد أن يشهد الجمعة فليشهد، و من أراد أن ينصرف فلينصرف)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «اجتمع علي عهد أمير المؤمنين عليه السلام عيدان، فقال: هذا يوم قد اجتمع فيه عيدان، فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل، و من لم يفعل فإنّ له رخصة»(4).

و لأن الجمعة إنّما زادت علي الظهر بالخطبة و قد حصل سماعها في العيد، فأجزأ عن سماعها ثانيا.

و لأنّ وقتهما متقارب، فتسقط إحداهما بالأخري، كالجمعة مع الظهر.

و لأنّه يوم عيد جعل للراحة و اللذّة، فإن أقام المصلّي إلي الزوال، لحقته المشقّة، و إن عاد، لحقته المشقّة أيضا.

ص: 114


1- الكافي في الفقه: 155.
2- المغني 212:2، الشرح الكبير 193:2، المحرر في الفقه 159:1، الإنصاف 403:2، المجموع 492:4، بداية المجتهد 219:1.
3- مصنف عبد الرزاق 304:3-305-5729 نحوه
4- الكافي 461:3-8، التهذيب 137:3-306.

و قال أبو الصلاح منّا(1) و باقي الفقهاء من الجمهور: لا تسقط(2) ، للعموم(3).

و لأنّها ليست من فرائض الأعيان فلا يسقط بها ما هو من فرائض الأعيان.

و العموم مخصوص بالأدلّة، و كونها ليست من فرائض الأعيان ممنوع علي ما يأتي.

أمّا الإمام فلا يجوز له التخلّف إجماعا طلبا لإقامتها مع من يحضر وجوبا، أو استحبابا.

خاتمة: قال الرضا عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

إنّ الجمعة سيد الأيام

تضاعف فيه الحسنات، و تمحي فيه السيئات، و ترفع فيه الدرجات، و تستجاب فيه الدعوات، و تكشف فيه الكربات، و تقضي فيه الحاجات العظام، و هو يوم المزيد، للّه فيه عتقاء و طلقاء من النار، ما دعا اللّه فيه أحد من الناس و عرف حقّه و حرمته إلاّ كان حقّا علي اللّه أن يجعله من عتقائه و طلقائه من النار، فإن مات في يومه و ليلته مات شهيدا، و بعث آمنا، و ما استخفّ أحد بحرمته و ضيّع حقّه إلاّ كان حقّا علي اللّه عزّ و جلّ أن يصليه نار جهنم إلاّ أن يتوب»(4).

و قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يستحبّ إذا دخل و إذا خرج في الشتاء أن يكون في ليلة الجمعة»(5).

و قال الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه تعالي لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق

ص: 115


1- الكافي في الفقه: 155.
2- الام 239:1، المجموع 492:4، فتح العزيز 67:5، المهذب للشيرازي 161:1، المغني 212:2، الشرح الكبير 193:2، بداية المجتهد 219:1.
3- المستفاد من الآية 9 من سورة الجمعة.
4- الكافي 414:3-5، التهذيب 2:3-2، المقنعة: 25، مصباح المتهجد: 230.
5- الكافي 413:3-3، التهذيب 4:3-10.

عرشه من أول الليل إلي آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته و دنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه، ألا عبد مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه، ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده و أوسّع عليه، ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه و أخلّي سربه، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له، و آخذ له بظلامته» قال: «فلا يزال ينادي بهذا حتي يطلع الفجر»(1).

و قال الباقر عليه السلام: «إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل: اللهم صلّ علي محمّد و آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، و بارك عليهم بأفضل بركاتك، و عليهم السلام و علي أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته» قال: «من قالها في دبر العصر كتب اللّه له مائة ألف حسنة، و محا عنه مائة ألف سيّئة، و قضي له مائة ألف حاجة، و رفع له بها مائة ألف درجة»(2).

و قال زين العابدين عليه السلام: «جاء أعرابي إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله يقال له: قليب، فقال له: يا رسول اللّه إنّي تهيّأت إلي الحجّ كذا و كذا مرّة فما قدّر لي، فقال له: يا قليب عليك بالجمعة فإنّها حجّ المساكين»(3).

و يستحب الصلاة علي محمّد و آل محمد عليهم السلام، بأن يقول:

اللهم صلّ علي محمّد و آل محمد، و عجّل فرجهم، و أهلك عدوّهم من الجنّ و الإنس من الأولين و الآخرين، مائة مرة، أو ما قدر عليه.5.

ص: 116


1- الفقيه 271:1-1237، التهذيب 5:3-11، المقنعة: 25.
2- التهذيب 19:3-68.
3- التهذيب 236:3-237-625.

و يستحبّ أن يقرأ ليلة الجمعة: بني إسرائيل، و الكهف، و الطواسين الثلاث [1]، و سجدة لقمان [2]، و «حم» السجدة [3]، و «حم» الدخان، و الواقعة.

ص: 117

ص: 118

الفصل الثاني: في صلاة العيدين
اشارة

و فيه مطلبان:

الأول: الماهية
مسألة 434: صلاة العيدين واجبة علي الأعيان

عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(1) ، إلاّ أنّه لم يسمّها فرضا، و هي منازعة لفظية - لقوله تعالي فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2).

و المشهور في التفسير: أنّ المراد صلاة العيد(3).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، داوم عليها و لم يخلّ بها في وقت من الأوقات، و لو كانت تطوّعا، لأهملها(4) في بعض الأوقات، ليدلّ بذلك علي نفي وجوبها.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «صلاة العيد

ص: 119


1- المبسوط للسرخسي 37:2، شرح فتح القدير 39:2، الهداية للمرغيناني 85:1، اللباب 115:1، الميزان 194:1، رحمة الأمة 86:1، عمدة القارئ 273:6، المغني 223:2، الشرح الكبير 223:2، بدائع الصنائع 274:1-275، فتح العزيز 4:5 و 5.
2- الكوثر: 2.
3- انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1986:4، تفسير الطبري 211:30، تفسير غرائب القرآن 179:30، الكشاف للزمخشري 291:4.
4- في هامش الطبعة الحجرية نسخة بدل: «لأخلّ بها».

فريضة»(1).

و لأنّها لو لم تجب لم يجز قتال تاركيها كسائر السنن، لأنّ القتال عقوبة فلا يتوجّه إلي تارك المندوب.

و لأنّها من شعائر الدين الظاهرة و أعلامه، فتكون واجبة علي الأعيان كالجمعة.

و قال أحمد بن حنبل: إنّها واجبة علي الكفاية لا علي الأعيان - و هو قول للشافعية(2) - لأنّها صلاة سنّ فيها تكبير متكرّر متوال، فكانت واجبة علي الكفاية، كصلاة الجنازة(3).

و الملازمة ممنوعة. و لأنّ الأصل في الوجوب عدم السقوط بفعل البعض.

و قال مالك و أكثر الشافعية: إنّها مندوبة لا واجبة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ذكر للأعرابي خمس صلوات، فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال:

(لا، إلاّ أن تطوّع)(4).

و لأنّها صلاة ذات ركوع لم يسنّ لها الإقامة، فلم تكن واجبة بالشرع ابتداء، كصلاة الاستسقاء(5).

و السقوط عن الأعرابي لا يستلزمه في حقّ غيره، لعدم الاستيطان فيه.4.

ص: 120


1- الفقيه 320:1-1457، التهذيب 127:3-269 و 270، الاستبصار 443:1-1710 و 1711.
2- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 2:5، فتح العزيز 4:5، حلية العلماء 2: 253.
3- المغني 223:2-224، الشرح الكبير 223:2، فتح العزيز 4:5.
4- صحيح مسلم 40:1-41-11، سنن أبي داود 106:1-391، سنن البيهقي 361:1، الموطّأ 175:1-94.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 77، المغني 224:2، الشرح الكبير 223:2، المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 2:5 و 3، فتح العزيز 3:5-4.

و لأنّه سأل عن نفسه.

و يمكن اختصاصه بحال تسقط عنه صلاة العيد، فلا تسقط في حقّ غيره.

و الجامع الذي ذكروه مع الاستسقاء ينتقض بالجنازة و المنذورة، مع أنّه وصف سلبي و الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الأحكام.

مسألة 435: شرائط الجمعة هي شرائط العيدين

إلاّ الخطبتين.

و تجبان علي كلّ من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية، و الشافعي في القديم(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلاّها مع شرائط الجمعة، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(2).

و لأنّ كلّ من أوجبها علي الأعيان اشترط ذلك، و قد ثبت الوجوب، فيجب الاشتراط، لعدم الفارق.

و لقول الباقر عليه السلام: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحي إلاّ مع إمام»(3).

و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة، لأنّها أحد العيدين.

و قال الحسن و الشافعي في الجديد، و أحمد في رواية: ليس لها

ص: 121


1- المبسوط للسرخسي 37:2، الهداية للمرغيناني 85:1، المغني 245:2، الشرح الكبير 2: 237-238، الام 240:1، مختصر المزني: 30، المجموع 3:5 و 26، فتح العزيز 5: 5 و 9.
2- صحيح البخاري 162:1، سنن الدارمي 286:1، سنن الدار قطني 346:1-10، سنن البيهقي 345:2.
3- الكافي 459:3-2، التهذيب 128:3-272، الاستبصار 444:1-1713، ثواب الأعمال: 103-3.

شرط، فيصلّيها المنفرد و العبد و المسافر و النساء، لأنّ الاستيطان ليس شرطا فيها، فلم تكن من شرطها الجماعة(1).

و الصغري ممنوعة، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يصلّها في سفره و لا خلفاؤه.

إذا عرفت هذا، فإنّ الشيخ قال في المبسوط: صلاة العيدين فريضة عند حصول شرائطها، و شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد و الخطبة و غير ذلك(2).

و في هذه العبارة نظر.

إذا ثبت هذا، فلو امتنع من إقامتها مع الشرائط، قهر عليه، و لو امتنع قوم من أدائها، قوتلوا لإقامتها، لأنّها واجبة.

مسألة 436: لو فقدت الشرائط أو بعضها، سقط وجوبها

دون استحبابها، بل يستحبّ الإتيان بها جماعة و فرادي، سفرا و حضرا - و به قال الشافعي(3) - لأنّها عبادة فات شرط وجوبها، فاستحبّ الإتيان بها كالحجّ.

و لقول الصادق عليه السلام: «من لم يشهد الجماعة في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد، و ليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة»(4).

و منع أبو حنيفة من فعلها إلاّ مع الجماعة(5).

ص: 122


1- الام 240:1، مختصر المزني: 31، المجموع 26:5، فتح العزيز 9:5، الميزان للشعراني 1: 194، مغني المحتاج 310:1، المغني 245:2، الشرح الكبير 238:2، الإنصاف 2: 424 و 426.
2- المبسوط للطوسي 169:1.
3- فتح العزيز 9:5، الميزان للشعراني 194:1، مغني المحتاج 310:1، المغني 245:2، الشرح الكبير 238:2.
4- الفقيه 320:1-1463، التهذيب 136:3-297، الاستبصار 444:1-1716.
5- المبسوط للسرخسي 37:2، اللباب 115:1، فتح العزيز 9:5، رحمة الأمة 86:1 - 87، المغني 245:2، الشرح الكبير 238:2.

و عن أحمد روايتان كالجمعة(1).

و الفرق: أنّها بدل عن الظهر، فمع فوات الشرط ينتقل إلي المبدل، بخلاف العيد.

إذا عرفت هذا، فإنّه يصلّيها كما يصلّيها لو كانت واجبة. و لو صلاّها في جماعة، استحبّت الخطبة كما تجب في الواجبة. و لو صلاّها منفردا، فالأقرب: أنّه لا يخطب.

قال الشيخ في المبسوط: و قد روي أنّه إن أراد أن يصلّيها أربع ركعات، جاز(2).

مسألة 437: هل يشترط بين فرضي العيدين بعد فرسخ كما قلنا في الجمعة ؟ إشكال

ينشأ: من اتّحادهما في الشرائط. و من كونه شرطا، فإنّ علماءنا عدّوا الشروط و لم يذكروه شرطا بالنصوصية و إن حكموا بالبطلان مع الاقتران و صحّة السابق منهما.

مسألة 438: و وقت صلاة العيدين من طلوع الشمس إلي الزوال

عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ عبد اللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، خرج في يوم عيد فطر أو أضحي فأنكر إبطاء الإمام، فقال: إنّا كنّا قد فرغنا ساعتنا هذه، و ذلك حين صلاة التسبيح(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «ليس في الفطر و لا الأضحي أذان و لا إقامة، أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا»(5).

ص: 123


1- المغني 245:2، الشرح الكبير 237:2-238، الإنصاف 424:2.
2- المبسوط للطوسي 169:1، و انظر التهذيب 135:3-295، و الاستبصار 1: 446-1725.
3- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 4:5، الوجيز 69:1، فتح العزيز 7:5، مغني المحتاج 310:1، كفاية الأخيار 95:1، السراج الوهاج: 95.
4- سنن ابن ماجة 418:1-1317، سنن أبي داود 295:1-296-1135.
5- الكافي 459:3-1، التهذيب 129:3-276، ثواب الأعمال: 103-104-7 و فيها عن الإمام الباقر عليه السلام.

و قال أحمد: حين ترتفع قدر رمح، لأنّ النافلة تكره قبل ذلك(1). و قد بيّنا وجوبها.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ تأخيرها إلي أن تنبسط الشمس ليتوفّر الناس علي الحضور.

و سأل سماعة الصادق عليه السلام، عن الغدوّ إلي المصلّي في الفطر و الأضحي، فقال: «بعد طلوع الشمس»(2).

قال الشيخ في المبسوط: وقت صلاة العيد إذا طلعت الشمس و ارتفعت و انبسطت، فإن كان يوم الفطر أصبح بها أكثر، لأنّ من المسنون يوم الفطر أن يفطر أوّلا علي شيء من الحلاوة، ثم يصلّي و في يوم الأضحي لا يذوق شيئا حتي يصلّي و يضحّي، و يكون إفطاره علي شيء ممّا يضحّي به(3).

و لأنّ الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة، فيؤخّرها ليتّسع الوقت لذلك، و الأضحي يقدّمها ليضحّي بعدها، فإنّ وقتها بعد الصلاة.

مسألة 439: و هي ركعتان كالصبح،

إلاّ أنّه يزيد فيها خمس تكبيرات في الاولي، و أربعا في الثانية غير تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الركوعين، فيكون الزائد تسعا عند أكثر علمائنا(4) ، لأنّ البراء بن عازب قال: كبّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في العيد تسعا: خمسا في الاولي، و أربعا في الثانية(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التكبير في الفطر و الأضحي اثنتا عشرة تكبيرة: يكبّر في الاولي، ثم يقرأ، ثم يكبّر بعد القراءة

ص: 124


1- المغني 232:2-233، الشرح الكبير 224:2.
2- التهذيب 287:3-859.
3- المبسوط للطوسي 169:1.
4- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 170:1، و ابن إدريس في السرائر: 70، و المحقق في المعتبر: 210.
5- أورده المحقق في المعتبر: 211.

خمس تكبيرات، و السابعة يركع بها، ثم يقرأ في الثانية و يكبّر أربعا، و الخامسة يركع بها»(1). و مثله عن الكاظم عليه السلام(2).

و قال المفيد و المرتضي: يكبّر في الأولي خمسا زائدة علي تكبيرة الإحرام و تكبيرة الركوع، و يقوم إلي الثانية مكبّرا، ثم يقرأ و يكبّر ثلاث مرات و يركع بالرابعة(3).

و قال الشافعي و الأوزاعي و إسحاق: الزائد علي تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الركوعين اثنتا عشرة تكبيرة: سبع في الاولي، و خمس في الثانية، لقول عائشة: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يكبّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوي تكبيرة الافتتاح(4)(5).

و لعلّه و هم من عائشة في العدد بواحد [1].

و قال أحمد: يكبّر في الأولي ستّا غير تكبيرة الإحرام و الركوع، و في الثانية خمسا غير تكبيرة النهوض و الركوع. و هو مروي عن فقهاء المدينة6.

ص: 125


1- التهذيب 131:3-286، الاستبصار 449:1-1736.
2- التهذيب 132:3-287، الإستبصار 449:1-1737.
3- المقنعة: 32، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 239، المسألة 111.
4- سنن الدار قطني 46:2-12، المستدرك للحاكم 298:1.
5- المهذب للشيرازي 127:1، المجموع 17:5 و 19، فتح العزيز 46:5، المغني 2: 236، الشرح الكبير 246:2-247، بداية المجتهد 217:1، حلية العلماء 255:2 - 256.

السبعة [1]، و عمر بن عبد العزيز و الزهري و مالك و المزني(1).

و قال أبو حنيفة و الثوري: في كلّ من الاولي و الثانية ثلاث ثلاث، لأنّ أبا موسي روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه كان يكبّر في الأضحي، و الفطر أربعا تكبيرة علي الجنازة(2)(3).

و ضعّفها الخطّابي(4) ، فلا يعتدّ بها.

و قال ابن عباس و أنس و المغيرة بن شعبة و سعيد بن المسيب و النخعي:

يكبّر سبعا سبعا(5).

مسألة 440: موضع التكبيرات الزائدة بعد القراءة قبل الركوع

في الركعتين معا عند أكثر علمائنا(6) ، لأنّه قنوت في صلاة فرض، فيكون بعد القراءة كالفرائض اليومية.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سأله معاوية بن عمّار عن صلاة العيدين، فقال: «ركعتان يفتتح ثم يقرأ، ثم يكبّر خمس تكبيرات، ثم يكبّر و يركع بالسابعة، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبّر أربع تكبيرات» قال: «و كذا صنع

ص: 126


1- المغني 236:2، الشرح الكبير 246:2، بداية المجتهد 217:1، بلغة السالك 187:1، الشرح الصغير 187:1، المجموع 20:5، فتح العزيز 46:5، المحلّي 83:5.
2- سنن أبي داود 299:1-1153، سنن البيهقي 289:3-290.
3- الهداية للمرغيناني 86:1، اللباب 116:1، المغني 236:2، الشرح الكبير 247:2، فتح العزيز 46:5، بداية المجتهد 217:1، المحلّي 83:5.
4- معالم السنن 31:2، و المغني 236:2، و الشرح الكبير 254:2.
5- المجموع 20:5، المغني 236:2، الشرح الكبير 247:2.
6- منهم: السيد المرتضي في الانتصار: 56-57، و الشيخ الطوسي في المبسوط 170:1، و المحقق في المعتبر: 211.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(1).

و قال بعض علمائنا: أنّه في الأولي قبل القراءة، و في الثانية بعدها(2) - و به قال أبو حنيفة، و هو رواية عن أحمد، و عن ابن مسعود و حذيفة و أبي موسي و الحسن و ابن سيرين و الثوري(3) - لما روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يوالي بين القراءتين(4).

و من طريق الخاصة: رواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام في صلاة العيدين، قال: «تصل القراءة بالقراءة»(5).

و قال الشافعي و مالك: يكبّر قبل القراءة في الركعتين معا - و عن أحمد روايتان(6) - لرواية عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه كبّر قبل القراءة فيهما(7)(8).

و ما ذكرناه أولي، لموافقتها لباقي الصلوات.

إذا عرفت هذا، فإنّ القائلين بالتقديم اختلفوا، فقال الشافعي: يكبّر للإحرام ثم يدعو بعدها بدعاء الاستفتاح، ثم تكبيرات العيد، ثم يتعوّذ، ثم4.

ص: 127


1- الكافي 460:3-3، التهذيب 129:3-278، الاستبصار 448:1-1733.
2- هو ابن الجنيد كما في المعتبر: 211.
3- المبسوط للسرخسي 38:2، اللباب 116:1-117، المغني 235:2، الميزان للشعراني 195:1، رحمة الأمّة 87:1.
4- أوردها ابنا قدامة في المغني 235:2، و الشرح الكبير 247:2 عن أبي موسي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، و قالا: رواه أبو داود. و ليس في سنن أبي داود [299:1-1153] أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الي بين القراءتين.
5- التهذيب 284:3-847، الإستبصار 450:1-1744.
6- المغني 235:2، الشرح الكبير 253:2.
7- سنن أبي داود 299:1-1152، سنن البيهقي 286:3.
8- المهذّب للشيرازي 127:1، المجموع 17:5 و 18، فتح العزيز 46:5 و 50، حلية العلماء 256:2، بداية المجتهد 217:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 78، المغني 2: 235-236، الشرح الكبير 253:2-254.

يقرأ - و به قال أحمد و محمد بن الحسن(1) ، و لا نعرف لأبي حنيفة في ذلك شيئا - لأنّ أبا سعيد الخدري قال: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يتعوّذ قبل القراءة(2).

و لأنّ التعوّذ تابع للقراءة، فلا يفصل بينهما(3).

و عن أحمد رواية: أنّ الاستفتاح بعد التكبيرات. و هو قول الأوزاعي(4).

و قال أبو يوسف: يتعوّذ قبل التكبير، لأنّه عقيب دعاء الاستفتاح في جميع الصلوات(5).

مسألة 441: و يقنت عقيب كلّ تكبيرة،

و يدعو بما شاء - و الأفضل ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام. و باستحباب الدعاء قال الشافعي و أحمد(6) - لأنّ ابن مسعود قال للوليد بن عقبة و قد سأله عن كيفية الصلاة: يكبّر، و يحمد اللّه، و يثني عليه، و يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله(7).

و من طريق الخاصة: قول محمد بن مسلم: سألت أحدهما عليهما السلام، عن الكلام الذي يتكلّم به بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما

ص: 128


1- المغني 237:2، الشرح الكبير 244:2، حلية العلماء 256:2، المجموع 21:5، المبسوط للسرخسي 42:2، بدائع الصنائع 277:1.
2- سنن البيهقي 35:2.
3- المجموع 17:5-18 و 21، فتح العزيز 46:5، حلية العلماء 256:2، المغني 2: 237، الشرح الكبير 244:2-245.
4- المغني 237:2، الشرح الكبير 244:2-245، المجموع 21:5.
5- المبسوط للسرخسي 42:2، بدائع الصنائع 277:1، المجموع 20:5، حلية العلماء 2: 256، المغني 237:2، الشرح الكبير 245:2.
6- المجموع 17:5 و 21، فتح العزيز 48:5 و 49، المغني 238:2، الشرح الكبير 2: 251.
7- سنن البيهقي 291:3-292.

شئت من الكلام الحسن»(1).

و لأنها تكبيرات متكرّرة في حال القيام، فاستحبّ أن يتخلّلها الذكر، كتكبيرات الجنازة.

و نقل عن مالك أنّه قال: يقف بين كلّ تكبيرتين و لا يذكر شيئا(2).

و قال أبو حنيفة: يوالي بين التكبيرات، لأنّ الدعاء لو كان مسنونا، لنقل عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، كما نقل عنه التكبير.

و لأنّه ذكر مسنون في محلّ واحد متكرّر، فكان متواليا، كالتسبيح في الركوع و السجود(3).

و النقل موجود، و التسبيح ذكر يخفي و لا يظهر، بخلاف التكبيرات.

مسألة 442: و أفضل ما يقال ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام،

لأنّهم أعرف بكيفيات العبادات و ما يناجي به الربّ، لاستفادة علومهم من الوحي.

قال الباقر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا كبّر في العيدين قال بين كلّ تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله صلّي اللّه عليه و آله، اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوي و المغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلّي اللّه عليه و آله، ذخرا و مزيدا، أن تصلّي علي محمد و آل محمد، كأفضل ما صلّيت علي عبد من عبادك، و صلّ علي ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، و أعوذ بك

ص: 129


1- التهذيب 288:3-863.
2- كما في فتح العزيز 49:5، و حكاه عنه القفّال الشاشي في حلية العلماء 258:2، و راجع: الكافي في فقه أهل المدينة: 78.
3- المغني 238:2، فتح العزيز 49:5، حلية العلماء 258:2.

ممّا استعاذ منه عبادك المرسلون»(1).

و مثله عن الصادق عليه السلام(2) ، لكن لم يذكر الشهادتين.

و قال الشافعي: يقول: اللّه أكبر كبيرا، و الحمد للّه كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، و صلّي اللّه علي سيدنا محمد النبي و آله و سلّم تسليما(3).

مسألة 443: اختلف علماؤنا في التكبيرات الزائدة، و القنوت بينها هل هو واجب، أو مستحب ؟

قال الشيخ في التهذيب: من أخلّ بالتكبيرات، لم يكن مأثوما، لكن يكون تاركا فضلا(4).

و قال في الخلاف: يستحبّ أن يدعو بين التكبيرات بما يسنح له(5).

و يدلّ عليه قول أحدهما عليهما السلام، و قد سئل عن الكلام الذي يتكلّم به بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما شئت من الكلام الحسن»(6). و به قال الشافعي(7).

و قال بعض علمائنا: بالوجوب(8) ، اتّباعا لما فعله النبي عليه السلام، و تنزيلا لفعله عليه السلام علي الواجب، و للفرق بين هذه الصلاة و بين الفرائض اليومية.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يأتي بالدعاء بين تكبيرة الافتتاح و التكبير للعيد إن

ص: 130


1- التهذيب 140:3-315.
2- التهذيب 139:3-314.
3- الام 241:1، المجموع 17:5، فتح العزيز 49:5، مغني المحتاج 311:1.
4- التهذيب 134:3 ذيل الحديث 290.
5- الخلاف 661:1 المسألة 433.
6- التهذيب 288:3-863.
7- المجموع 17:5، فتح العزيز 48:5، مغني المحتاج 310:1، المغني 238:2.
8- ذهب إليه السيد المرتضي في الانتصار: 57، و هو الظاهر من قول أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 154 حيث قال: و يلزمه أن يقنت بين كلّ تكبيرتين.

قلنا بالتقديم - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الذكر من سنّة تكبير العيد، و تكبيرة الافتتاح لا يختص بالعيد.

تذنيب: لو نسي التكبير و قلنا بالتقديم حتي شرع في القراءة، فإن قلنا بوجوبه، قطع القراءة و كبّر ثم استأنف القراءة، و إن ذكر بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع كبّر.

و هل يعيد القراءة ؟ إشكال ينشأ: من أنّها وقعت موقعها، و من تقديم التكبير.

و للشافعي قولان: ففي القديم: لا يسقط التكبير لو نسيه، و يقطع القراءة و يكبّر، ثم يستأنف القراءة، و لا يبني، لأنّه قطع القراءة بغيرها متعمّدا، و إن ذكر بعد الفراغ كبّر، و لا تجب إعادة القراءة لكن تستحبّ، لتكون القراءة بعد التكبيرات.

و في الجديد: يسقط التكبير(2).

إذا عرفت هذا، فعلي ما اخترناه من تأخير التكبير لو نسيه أو بعضه ثم ذكر قبل الركوع أتي به، لأنّه محلّه. و إن ذكر بعد الركوع، لم يلتفت، لفوات محلّه، و لا يقضيه، سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه، عملا بالأصل، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: يأتي بها راكعا(4).

و قال الشيخ: يقضيها(5). و الوجه: ما تقدّم.1.

ص: 131


1- المجموع 17:5، فتح العزيز 49:5.
2- المجموع 18:5، فتح العزيز 61:5، حلية العلماء 257:2.
3- المجموع 18:5، فتح العزيز 61:5، السراج الوهاج: 95-96، مغني المحتاج 1: 311.
4- بدائع الصنائع 278:1، فتح العزيز 61:5، المغني 239:2، الشرح الكبير 256:2.
5- المبسوط للطوسي 171:1.
مسألة 444: و يستحب رفع اليدين مع كلّ تكبيرة
اشارة

عند علمائنا، و به قال عطاء و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(1) - لأن النبي عليه السلام قال: (لا ترفع الأيدي إلاّ في سبعة مواطن) و ذكر من جملتها تكبيرات العيد(2).

و من طريق الخاصة: قول يونس: سألته عليه السلام عن تكبير العيدين، فقال: «يرفع يديه مع كلّ تكبيرة»(3).

و لأنّه تكبير في الصلاة، فاستحبّ رفع اليدين به(4) ، كاليومية.

و قال مالك و الثوري: لا يرفعهما في غير تكبيرة الإحرام، لأنّها تكبيرات في أثناء الصلاة، فأشبهت تكبيرات السجود(5).

و الحكم في الأصل ممنوع، كما تقدّم.

فروع:
أ: لو شك في عدد التكبير

و هو قائم بني علي اليقين.

ب: لو قدّمها علي القراءة ناسيا، أعاد علي الرواية الأخري

ب: لو قدّمها علي القراءة ناسيا، أعاد علي الرواية الأخري(6) ، لأنّ موضعها باق.

ج: لو أدرك المأموم بعض التكبيرات مع الإمام أتمّ مع نفسه قبل أن يركع

ثم يدرك الإمام، فإن خاف فوت ركوع الإمام كبّر بغير قنوت، فإن خاف الفوت تركها و قضي بعد التسليم عند الشيخ(7). و علي ما اخترناه فلا قضاء.

ص: 132


1- المبسوط للسرخسي 39:2، الام 237:1، المجموع 21:5، الوجيز 70:1، فتح العزيز 51:5، السراج الوهاج: 95، المغني 237:2، الشرح الكبير 249:2.
2- لم نعثر عليه في المصادر الحديثية المتوفرة لدينا، و جاء في الهداية للمرغيناني 86:1، و المبسوط للسرخسي 39:2.
3- التهذيب 288:3-866.
4- في «ش» و الطبعة الحجرية زيادة: مع كل تكبيرة.
5- المدونة الكبري 169:1، الشرح الصغير 188:1، المجموع 21:5، فتح العزيز 51:5. المغني 237:2، الشرح الكبير 249:2.
6- و هي رواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، و تقدّمت في المسألة 440.
7- المبسوط للطوسي 171:1.

و قال الشافعي: إذا أدرك مع الإمام البعض كبّر ما فاته علي القديم من أنّه لا يسقط التكبير لو نسيه حتي قرأ - و به قال أبو حنيفة(1) - و كذا لو أدركه و هو يقرأ فإنّه يكبّر، و علي الجديد: لا يكبّر ما فاته(2).

د: لو أدرك الإمام و هو راكع، كبّر و ركع معه،

و لا يقضي التكبير - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف(3) - لأنّه ذكر فات محلّه، فيفوت بفواته، كذكر الركوع.

و علي قول الشيخ: يقضي. و به قال أبو حنيفة و محمد.

لكن الشيخ يقول: يقضي بعد الصلاة التكبير(4). و أبو حنيفة و محمد يقولان: يقضيه في الركوع، لأنّ الركوع بمنزلة القيام، لأنّه يدرك به الركعة(5).

و هو ممنوع، لتغاير الفعلين.

ه: لو كبّر تكبيرات العيد قبل القراءة

عند من قال بالتقديم، ثم شكّ هل نوي مع التكبيرة الأولي نية الافتتاح أم لا، فالوجه: أنّه لا يلتفت، لأنّه شكّ في شيء بعد انتقاله عنه.

و قال الشافعي: لم يكن داخلا في الصلاة، فيكبّر و ينوي الافتتاح(6).

فإن شك هل نوي مع الأولي أو مع الأخيرة، بني علي أنّه نوي مع الاولي، لما تقدّم.

ص: 133


1- بدائع الصنائع 278:1، فتح العزيز 61:5.
2- المجموع 19:5، فتح العزيز 61:5، حلية العلماء 257:2
3- المجموع 19:5، فتح العزيز 61:5، المغني 239:2، الشرح الكبير 256:2، بدائع الصنائع 278:1.
4- المبسوط للطوسي 171:1.
5- بدائع الصنائع 278:1، فتح العزيز 61:5.
6- الام 237:1، المجموع 18:5، فتح العزيز 51:5.

و عند الشافعي يبني علي أنّه نوي مع الأخيرة(1).

مسألة 445: و تتعيّن الفاتحة في كلّ ركعة إجماعا

ممّن يوجبها في الصلوات، و تجب سورة أخري في كلّ ركعة و لا يجب تعيينها إجماعا كغيرها من الصلوات، لكن اختلفوا في الأفضل، فلعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يقرأ في الأولي بعد الحمد «الأعلي» و في الثانية بعدها «الشمس»(2) ، لقول الباقر عليه السلام: «يقرأ في الأولي: سبّح اسم ربّك الأعلي، و في الثانية: و الشمس و ضحاها»(3).

و الثاني: في الأولي ب «الشمس» و في الثانية ب «الغاشية»(4) ، لرواية معاوية بن عمّار قال: سألته، إلي أن قال: «ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يقرأ: و الشمس و ضحاها» ثم قال: «ثم يقوم فيقرأ: فاتحة الكتاب، و هل أتاك حديث الغاشية»(5).

و للشيخ كالقولين(6).

و قال الشافعي: في الأولي ب «ق» و في الثانية ب «القمر» لقول أبي واقد لمّا سأله عمر عن قراءة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في العيدين: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يقرأ ب «ق و القرآن المجيد» و «اقتربت

ص: 134


1- المجموع 18:5، فتح العزيز 51:5.
2- قال به الصدوق في الفقيه 324:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 111، و ابن إدريس في السرائر: 70.
3- التهذيب 132:3-288، الاستبصار 449:1-1738.
4- قال به المفيد في المقنعة: 32، و السيد المرتضي في جمل العلم و العمل ضمن رسائله 44:3، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 153-154، و ابن البراج في المهذب 122:1، و ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 499-500.
5- الكافي 460:3-3، التهذيب 129:3-278، الاستبصار 448:1-1733.
6- ذهب إلي القول الأوّل في المبسوط 170:1، و النهاية: 135. و إلي القول الثاني في الخلاف 662:1 المسألة 434.

الساعة»(1)(2).

و قال مالك و أحمد: يقرأ في الأولي ب «سبّح اسم» و في الثانية ب «الغاشية» لرواية نعمان بن بشير: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقرأ بذلك في العيدين و الجمعة(3)(4).

و قال أبو حنيفة: ليس بعض السور أولي من بعض، لقوله تعالي:

فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ (5) (6) .

و فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله، غير ما ذكرناه لا ينافي ما قلناه من الاستحباب. و المراد من الآية: صلّوا ما تيسّر من الصلاة.

مسألة 446: و يستحبّ الجهر بالقراءة في العيد إجماعا،

لأنّ النبي عليه السلام فعل ذلك.

و نقل الجمهور عن علي عليه السلام: أنّه كان إذا قرأ في العيد أسمع من يليه، و لم يجهر ذلك الجهر(7).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «يجهر الإمام

ص: 135


1- صحيح مسلم 607:2-891، سنن أبي داود 300:1-1154، سنن ابن ماجة 1: 408-1282، سنن الترمذي 415:2-534، سنن النسائي 184:3، موطإ مالك 1: 180-8، سنن الدار قطني 45:2-11، سنن البيهقي 294:3.
2- الام 237:1، المجموع 18:5، مختصر المزني: 31، فتح العزيز 50:5، كفاية الأخيار 95:1، السراج الوهاج: 96، المغني 235:2، الشرح الكبير 252:2.
3- سنن ابن ماجة 408:1-1281، سنن الدارمي 377:1، سنن الترمذي 2: 413-533، سنن النسائي 184:3 و 194، سنن البيهقي 294:3.
4- بداية المجتهد 217:1، المغني 235:2، الشرح الكبير 252:2، فتح العزيز 50:5.
5- المزمل: 20.
6- بدائع الصنائع 277:1، المغني 235:2، الشرح الكبير 253:2، فتح العزيز 50:5.
7- المغني 234:2، الشرح الكبير 252:2، مصنّف ابن أبي شيبة 180:2، سنن البيهقي 295:3.

بالقراءة»(1).

و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة.

و يستحبّ أن يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب تكبيرة الإحرام، و هو:

«وجّهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض» إلي آخره، كغيرها من الفرائض، فإذا فرغ تعوّذ ثم قرأ.

مسألة 447: تجب الخطبتان بعد الصلاة،
اشارة

و قد أجمع المسلمون كافّة علي أنّهما بعد الصلاة إلاّ بني أميّة، فإنّ عثمان و مروان و ابن الزبير خطبوا قبل الصلاة(2). و هو خلاف الإجماع، و مخالفة لسنّة النبي عليه السلام، و سنّة خلفائه.

و روي طارق بن شهاب قال: قدّم مروان الخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: خالفت السنّة، كانت الخطبة بعد الصلاة. فقال: ترك ذاك يا أبا فلان، فقال أبو سعيد الخدري: أمّا هذا فقد قضي ما عليه، سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (من رأي منكم منكرا فلينكره بيده، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه، و ذلك أضعف الإيمان)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الخطبة بعد الصلاة، و إنّما أحدثها قبل الصلاة عثمان»(4).

ص: 136


1- التهذيب 130:3-282.
2- صحيح البخاري 22:2، سنن البيهقي 296:3-297، المستدرك للحاكم 296:1 و انظر المغني 239:2، الشرح الكبير 242:2، المنتقي للباجي 316:1.
3- مسند أبي داود الطيالسي: 292-2196.
4- الكافي 460:3-3، التهذيب 129:3-278.
فروع:
أ - الخطبتان هنا كما هي في الجمعة

بإجماع العلماء إلاّ أنّه ينبغي أن يذكر في خطبته ما يتعلّق بالفطرة و وجوبها، و شرائطه، و قدر المخرج، و جنسه، و مستحقّه، و وقته. و في الأضحي: حال الأضحية و ما يتعلّق بها، و استحبابها، و ما يجزئ فيها، و وقت ذبحها، و كيفية تفريقها، و غير ذلك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال في خطبته: (من ذبح قبل أن يصلّي فإنّما هو شاة لحم عجّله لأهله، ليس من النسك في شيء، و من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها اخري، و من ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه، و قد أصاب سنّة المسلمين)(1).

ب - ينبغي أن يخطب قائما،

لأنّ جابرا قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يوم فطر أو أضحي، فخطب قائما ثم قعد ثم قام(2).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «الصلاة قبل الخطبتين، يخطب قائما، و يجلس بينهما»(3).

و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت خطبة الجمعة.

ج - يجلس بينهما،

لما تقدّم من الحديثين(4).

و هل القيام و الجلوس بينهما واجبان ؟ إشكال ينشأ: من أصالة البراءة، و من الأمر بالقيام، و هو ظاهرا للوجوب.

و قد روي الجمهور عن علي عليه السلام، أنّه صلّي يوم عيد فبدأ

ص: 137


1- صحيح البخاري 21:2 و 128:7 و 132، صحيح مسلم 1551:3-1960 و 1552-1961 و 1553-7، سنن النسائي 224:7، مسند أحمد 282:4 و 313، و انظر المغني 241:2.
2- سنن النسائي 186:3، سنن ابن ماجة 409:1-1289.
3- المعتبر: 214.
4- تقدّما في الفرع «ب».

بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب علي دابته(1).

د - ينبغي للإمام إذا صعد المنبر أن يبدأ بالسلام

كما قلنا في الجمعة، فإذا سلّم فهل يجلس جلسة خفيفة قبل الخطبة ؟ احتمال ينشأ: من المساواة لخطبة الجمعة فيجلس للاستراحة عن تعب الصعود، و للتأهّب للخطبة و تأهّب الناس لاستماعها. و من أنّ الجلوس في الجمعة لانتظار الأذان، و هو منفي هنا.

ه - قال أصحابنا: الخطبة هنا كالخطبة في الجمعة.

و ظاهره: عدم استحباب التكبير و إن كان التكبير في نفسه حسنا، إلاّ أنّ المنع من اعتقاد مشروعيته هنا بالخصوصية.

و قال الشافعي: أول ما يبدأ في الخطبة الأولي بالتكبير تسع مرات، و في الثانية سبع مرات نسقا(2).

قال أصحابه: و ليس التكبير من الخطبة(3).

و - الخطبتان واجبتان كما قلنا،

للأمر، و هو للوجوب.

و قال الجمهور: بالاستحباب(4).

ز - لا يجب حضورهما و لا استماعهما إجماعا

- و لهذا أخّرتا عن الصلاة ليتمكّن المصلّي من تركهما - بل يستحبّ.

روي عبد اللّه بن السائب أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال بعد صلاته:

(إنّا نخطب، فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، و من أحبّ أن يذهب

ص: 138


1- المغني 241:2، الشرح الكبير 258:2، مصنّف ابن أبي شيبة 189:2، سنن البيهقي 298:3.
2- المهذب للشيرازي 127:1، المجموع 23:5، الوجيز 70:1، فتح العزيز 53:5، حلية العلماء 258:2.
3- المجموع 23:5، و راجع: حلية العلماء 259:2.
4- المهذب للشيرازي 127:1، المجموع 22:5، المغني 241:2، الشرح الكبير 257:2.

فليذهب)(1).

ح - يستحب للنساء استماع الخطبتين

كالرجال، لأنّ النبي عليه السلام، لمّا صلّي العيد قام متوكّئا علي بلال، فأمر بتقوي اللّه، و حثّ علي طاعته، و وعظ الناس فذكّرهم، ثم مضي حتي أتي النساء فوعظهنّ و ذكّرهن(2).

و من طريق الخاصة: ما روت أمّ عطية، قالت: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتي نخرج البكر و الحيّض يرجون بركة ذلك اليوم(3).

إذا عرفت هذا، فالأولي بالشوابّ أن لا يخرجن من بيوتهنّ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يخرجن، و ليس علي النساء خروج، أقلّوا لهنّ من الهيئة حتي لا يسألن الخروج»(4).

و قد وردت رخصة بذلك للتعرّض للرزق.

روي عبد اللّه بن سنان قال: إنّما رخّص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، للعواتق في الخروج في العيدين للتعرّض للرزق(5).

ص: 139


1- سنن النسائي 185:3، سنن أبي داود 300:1-1155، سنن ابن ماجة 1: 410-1290، المستدرك للحاكم 295:1، سنن الدار قطني 50:2-30، سنن البيهقي 301:3.
2- صحيح البخاري 23:2 و 26 و 27، صحيح مسلم 603:2-885، سنن النسائي 3: 186، سنن الدارمي 377:1، سنن أبي داود 297:1-1141.
3- أوردها المحقّق في المعتبر: 212 بعد نقل حديث من طريق الخاصة بعنوان ما روي.
4- التهذيب 289:3-290-872.
5- التهذيب 287:3-858.
المطلب الثاني: في سننها و لواحقها
مسألة 448: يستحبّ الغسل يوم الفطر و الأضحي

- و قد تقدّم(1) - بلا خلاف، لأنّ عليا عليه السلام كان يغتسل في الفطر و الأضحي(2).

و وقته بعد طلوع(3) الفجر، لأنّه مضاف إلي اليوم، و هو أحد قولي الشافعي و أحمد.

و الثاني لهما: يجوز قبل الفجر، لأنّ الصلاة تفعل بعد طلوع الشمس، فيضيّق وقته، بخلاف الجمعة(4).

و نمنع التضيّق.

و للشافعي قولان علي التقديم: هل يجوز من أول الليل أو بعد نصفه ؟(5).

و نحن عندنا يستحبّ غسلان: أحدهما ليلا، و الثاني نهارا.

و يستحبّ لمن يريد حضور العيد و من لا يريده إجماعا، لأنّه يوم زينة، بخلاف الجمعة عند من خصّصه بالحضور، لأنّه للاجتماع خاصة.

مسألة 449: و يستحبّ أن يتطيّب و يلبس أحسن ثيابه،

و يتعمّم شتاء و صيفا بالإجماع.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما علي أحدكم أن يكون له ثوبان سوي ثوبي مهنته لجمعته وعيده)(6).

ص: 140


1- تقدّم في المسألة 274 من كتاب الطهارة.
2- ترتيب مسند الشافعي 152:1-440، و انظر: الام 231:1.
3- كلمة «طلوع» لم ترد في «ش».
4- المهذب للشيرازي 126:1، المجموع 7:5، فتح العزيز 21:5، المغني 229:2، الشرح الكبير 227:2.
5- المجموع 7:5، حلية العلماء 254:2.
6- أورده نصّا ابنا قدامة في المغني 228:2، و الشرح الكبير 230:2، و في سنن ابن ماجة 348:1-1095 و 1096، و سنن أبي داود 282:1-1078، و الموطأ 110:1-17 بدون (وعيده).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في قوله تعالي:

خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1) قال: «العيدان و الجمعة»(2).

و قال عليه السلام: «يجهر الإمام بالقراءة، و يعتمّ شاتيا و قائظا» و قال:

«إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يفعل ذلك»(3).

مسألة 450: يستحبّ الإصحار بالصلاة،

إلاّ بمكّة عند علمائنا - و به قال علي عليه السلام، و الأوزاعي و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يخرج إلي المصلّي، و يدع مسجده(5).

و لا يترك النبي عليه السلام، الأفضل مع قربه، و يتكلّف فعل الناقص مع بعده. و لم ينقل أنّه عليه السلام، صلّي العيد بمسجده إلاّ لعذر(6).

و لأنّه إجماع المسلمين، فإنّ الناس في كلّ عصر و مصر يخرجون إلي المصلّي، فيصلّون العيد مع سعة المساجد و ضيقها، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، يصلّي في المصلّي(7) ، مع شرف مسجده.

و قيل لعلي عليه السلام: قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس فلو

ص: 141


1- الأعراف: 30.
2- الكافي 424:3-8، التهذيب 241:3-647.
3- التهذيب 130:3-282.
4- المغني 229:2، الشرح الكبير 239:2، زاد المستقنع: 20، المحرر في الفقه 161:1، شرح فتح القدير 41:2.
5- صحيح البخاري 22:2، سنن النسائي 187:3، سنن أبي داود 301:1-1158، سنن الدار قطني 44:2-6، سنن البيهقي 280:3.
6- سنن ابن ماجة 416:1-1313، سنن أبي داود 301:1-1160، المستدرك للحاكم 1: 295.
7- صحيح البخاري 22:2، سنن النسائي 187:3، سنن أبي داود 301:1-1158، سنن الدار قطني 44:2-6، سنن البيهقي 280:3.

صلّيت بهم في المسجد، فقال: «أخالف السنّة إذا، و لكن نخرج إلي المصلّي» و استخلف من يصلّي بهم في المسجد أربعا(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «يخرج الإمام البرّ حيث ينظر إلي آفاق السماء، و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يخرج إلي البقيع فيصلّي بالناس»(2).

و أما استثناء مكّة: فلقول الصادق عليه السلام: «السنّة علي أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلاّ أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد(3)(4)».

و لتميّزه عن غيره من المساجد بوجوب التوجّه إليه من جميع الآفاق، فلا يناسب الخروج عنه.

و قال الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعا، كانت الصلاة فيه أولي، لأنّ أهل مكّة يصلّون في المسجد الحرام، و لأنّ المسجد خير البقاع و أطهرها، و إن كان ضيّقا لا يسع الناس، خرج إلي المصلّي(5).

و نحن قد بيّنّا استحباب الصلاة بمكّة في مسجدها دون غيرها.

و لو كان هناك مطرا، استحبّ أن يصلّي في المسجد، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي في مسجده يوم مطر(6).5.

ص: 142


1- أورده ابنا قدامة في المغني 230:2، و الشرح الكبير 240:2، و انظر أيضا: مصنف ابن أبي شيبة 148:2، و سنن البيهقي 310:3.
2- الكافي 460:3-3، التهذيب 129:3-278.
3- في المصدر: المسجد الحرام.
4- الكافي 461:3-10، التهذيب 138:3-307.
5- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 5:5، مغني المحتاج 312:1، فتح الوهاب 1: 83، كفاية الأخيار 96:1.
6- سنن ابن ماجة 416:1-1313، سنن أبي داود 301:1-1160، المستدرك للحاكم 1: 295.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا ينبغي للإمام أن يخلّف أحدا يصلّي العيدين في المساجد بضعفة الناس، لأنّ العاجز تسقط عنه، فيصلّيها مستحبا.

و لقول الباقر عليه السلام: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا تخلّف رجلا يصلّي العيدين بالناس ؟ فقال: لا أخالف السنّة»(1).

و قال الشافعي: يستحب ذلك، لأنّ عليّا عليه السلام، استخلف أبا مسعود يصلّي بهم في المسجد(2).

و هو ممنوع، لأنّ عليّا عليه السلام، قيل له: لو أمرت من يصلّي بضعفة الناس هونا [1] في المسجد الأكبر، قال: «إنّي إن أمرت رجلا يصلّي أمرته أن يصلّي بهم أربعا» رواه الجمهور(3).

مسألة 451: و يستحبّ الخروج ماشيا علي سكينة و وقار،

ذاكرا، بإجماع العلماء، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يركب في عيد و لا جنازة(4).

و قال علي عليه السلام: «من السنّة أن تأتي العيد ماشيا، و ترجع ماشيا»(5).

و أن يكون حافيا، لأنّه أبلغ في الخضوع، لأنّ بعض الصحابة كان يمشي إلي الجمعة حافيا، و قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،

ص: 143


1- التهذيب 137:3-302.
2- المهذب للشيرازي 125:1، المجموع 5:5، فتح العزيز 41:5، مغني المحتاج 1: 313.
3- أورده ابن قدامة في المغني 230:2 نقلا عن سنن سعيد بن منصور.
4- أورده الشافعي في الأم 233:1، و النووي في المجموع 10:5، و ابن قداسة في المغني 2: 231، و قال ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير 41:5: هذا الحديث لا أصل له.
5- أورده المحقّق الحلّي في المعتبر: 212 و في مصنف ابن أبي شيبة 163:2 و سنن الترمذي 2: 410-530 و سنن ابن ماجة 411:1-1296 و سنن البيهقي 281:3 إلي قوله: «العيد ماشيا».

يقول: (من اغبرّت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما اللّه علي النار)(1).

و مشي الرضا عليه السلام، إلي المصلّي حافيا(2).

و لو كان هناك عذر يمنع المشي، جاز الركوب إجماعا.

و في العود يستحبّ المشي أيضا إلاّ من عذر، لأنّ النبي عليه السلام كان يخرج إلي العيد ماشيا و يرجع ماشيا(3). و لما تقدّم(4) في حديث علي عليه السلام.

مسألة 452: وقت الخروج إلي العيد بعد طلوع الشمس،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يخرج يوم الفطر و الأضحي، فأول شيء يبدأ به الصلاة(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «فإذا طلعت خرجوا»(6).

و قال سماعة: سألته عن الغدوّ إلي المصلّي في الفطر و الأضحي، فقال: «بعد طلوع الشمس»(7).

و قال الشافعي: يستحبّ لغير الإمام التبكير ليأخذ الموضع(8).

و يستحبّ أن يسجد علي الأرض، لأنّ الصادق عليه السلام، أتي بخمرة يوم الفطر فأمر بردّها، و قال: «هذا يوم كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 144


1- صحيح البخاري 9:2، سنن الترمذي 170:4-1632، سنن النسائي 14:6، سنن الدارمي 202:2، مسند أحمد 479:3.
2- الكافي 408:1-7، الإرشاد للمفيد: 312-313، عيون أخبار الرضا 149:2-21.
3- سنن ابن ماجة 411:1-1294 و 1295، سنن البيهقي 281:3.
4- تقدّم في صدر المسألة نفسها.
5- صحيح البخاري 22:2، صحيح مسلم 605:2-889، سنن النسائي 187:3.
6- المعتبر: 210، و في الكافي 459:3-1، و التهذيب 129:3-276 عن الإمام الباقر عليه السلام.
7- التهذيب 287:3-859.
8- المجموع 10:5.

و آله يحبّ أن ينظر إلي آفاق السماء، و يضع جبهته علي الأرض»(1).

مسألة 453: يستحبّ أن يطعم في الفطر قبل خروجه،

فيأكل شيئا من الحلوة، و بعد عوده في الأضحي ممّا يضحّي به - و هو قول أكثر العلماء(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان لا يخرج يوم الفطر حتي يطعم، و لا يطعم يوم الأضحي حتي يرجع(3).

و قال ابن المسيّب: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة و لا يفعلون ذلك يوم النحر(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي و لا تطعم يوم الأضحي حتي ينصرف الإمام»(5).

و لأنّ الصدقة قبل الصلاة فاستحبّ الأكل ليشارك المساكين فيه، بخلاف الأضحي، لأن الصدقة فيه بالأضحية بعدها.

و لأنّ الفطر واجب، فاستحبّ تعجيله، لإظهار المبادرة إلي طاعة اللّه تعالي، و ليتميز عمّا قبله من وجوب الصوم و تحريم الأكل، بخلاف يوم النحر حيث لم يتقدّمه صوم واجب و تحريم الأكل، فاستحبّ تأخير الأكل منه ليتميّز عن الفطر.

و قال أحمد: إن كان له ذبح، أخّر و إلاّ فلا يبالي أن يطعم قبل خروجه(6).

ص: 145


1- الكافي 461:3-7، التهذيب 284:3-846.
2- المهذب للشيرازي 126:1، المجموع 6:5، المغني 229:2، الشرح الكبير 226:2، بداية المجتهد 222:1.
3- سنن الترمذي 426:2-542، سنن الدار قطني 45:2-7، المستدرك للحاكم 294:1، سنن البيهقي 283:3.
4- مختصر المزني: 31.
5- الكافي 168:4-2، التهذيب 138:3-310.
6- المغني 229:2، الشرح الكبير 227:2.

و ليس بشيء.

نعم لو لم يقدر علي الصبر، جاز أن يطعم قبل الخروج، للعذر.

قال الباقر عليه السلام: «لا تأكل يوم الأضحي إلاّ من أضحيتك إن قويت، و إن لم تقو فمعذور»(1).

إذا ثبت هذا فإنه يستحبّ أن يأكل في الفطر شيئا من الحلوة، لأنّ النبي عليه السلام قلّما كان يخرج يوم الفطر حتي يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا، و أقلّ من ذلك أو أكثر(2).

مسألة 454: الأذان و الإقامة في صلاة العيدين بدعة
اشارة

عند علمائنا أجمع، و هو قول علماء الأمصار(3) ، لأنّ جابر بن سمرة قال: صلّيت مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، غير مرّة و لا مرّتين بغير أذان و لا إقامة(4).

و من طريق الخاصة: قول إسماعيل بن جابر: سألت الصادق عليه السلام صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة ؟ قال: «لا، و لكن ينادي:

الصلاة، ثلاث مرّات»(5).

و روي أنّ ابن الزبير أذّن و أقام لصلاة العيدين(6).

قال ابن المسيّب: أوّل من أذّن لصلاة العيد معاوية(7) ، لأنّها صلاة يسنّ لها الاجتماع، فسنّ لها الأذان، كالجمعة.

ص: 146


1- الفقيه 321:1-1469.
2- المستدرك للحاكم 294:1، سنن البيهقي 283:3.
3- المهذب للشيرازي 127:1، المجموع 14:5، المغني 234:2، الشرح الكبير 241:2، المنتقي للباجي 315:1، القوانين الفقهية: 84، بدائع الصنائع 276:1.
4- صحيح مسلم 604:2-887، سنن الترمذي 412:2-532، سنن أبي داود 1: 298-1148.
5- الفقيه 322:1-1473، التهذيب 290:3-873.
6- المجموع 14:5، المغني 234:2، الشرح الكبير 241:2.
7- مصنف ابن أبي شيبة 169:2، عمدة القاري 282:6.

و هو غلط، لأنّه قياس مناف للإجماع.

فرعان:

الأوّل: ينبغي أن يقول المؤذّن عوض الأذان: الصلاة، ثلاثا، لما تقدّم(1) في حديث الصادق عليه السلام، و به قال الشافعي و أكثر الفقهاء(2).

و قال أحمد: لا يستحبّ شيء من الألفاظ، لقول جابر: لا أذان و لا إقامة يوم الفطر، و لا نداء، و لا شيء، لا نداء يومئذ و لا إقامة(3)(4).

و هو مصروف إلي النداء المعهود للصلاة، و هو الأذان.

و قول جابر ليس حجّة، بل ضدّه أولي، لأنّ التنبيه علي الصلاة مطلوب للشارع، إذ قد يخفي اشتغال الإمام بالصلاة.

الثاني: لو قال: الصلاة جامعة، أو: هلمّوا إلي الصلاة، جاز، لكن الأفضل أن يتوقّي ألفاظ الأذان، مثل: حيّ علي الصلاة.

مسألة 455: لا ينقل المنبر من موضعه، بل يعمل منبر من طين، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم ينقله.

و قال الصادق عليه السلام: «لا يحرّك المنبر من موضعه، و لكن يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب الناس»(5).

و عليه إجماع العلماء.

مسألة 456: يستحبّ التكبير في عيد الفطر

عند أكثر علمائنا(6) - و به

ص: 147


1- تقدّم في المسألة 454.
2- المجموع 14:5، حلية العلماء 254:2، فتح الباري 362:2، إرشاد الساري 2: 211.
3- صحيح مسلم 604:2-886، سنن البيهقي 284:3.
4- المغني 234:2، الشرح الكبير 241:2.
5- الفقيه 322:1-1473، التهذيب 290:3-873.
6- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 169:1، و القاضي ابن البراج في المهذب 123:1، و سلاّر في المراسم: 78، و المحقق في المعتبر: 212.

قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو حنيفة في رواية(1) - لقوله تعالي وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلي ما هَداكُمْ (2).

قال المفسّرون: لتكملوا عدّة صوم رمضان، و لتكبّروا اللّه عند إكماله علي ما هداكم(3).

و لأنّ عبد اللّه بن عمر روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يخرج يوم الفطر و الأضحي رافعا صوته بالتكبير(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون(5)(6)».

و كان علي عليه السلام يكبّر، و كذا باقي الصحابة(7).

و قال بعض علمائنا: بوجوبه - و به قال داود الظاهري(8) - للآية(9) - (10).

و ليست أمرا، بل هي إخبار عن إرادته تعالي في قوله تعالي يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلي ما هَداكُمْ (11).85

ص: 148


1- المهذب للشيرازي 128:1، المجموع 32:5، المنتقي للباجي 321:1، التفريع 1: 234، الكافي في فقه أهل المدينة: 77، المغني 225:2، الشرح الكبير 262:2، حلية العلماء 261:2.
2- البقرة: 185.
3- حكاه عن بعض أهل العلم، ابنا قدامة في المغني 226:2، و الشرح الكبير 262:2.
4- سنن الدار قطني 44:2-6، سنن البيهقي 279:3.
5- في «ش» و الطبعة الحجرية: مستحب.
6- الكافي 166:4-1، الفقيه 108:2-464، التهذيب 138:3-311.
7- سنن الدار قطني 44:2-4-5 و 8، سنن البيهقي 279:3.
8- المغني 226:2، الشرح الكبير 262:2، المجموع 41:5، حلية العلماء 261:2.
9- البقرة: 185.
10- حكاه عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه، المحقّق في المعتبر: 212.
11- البقرة: 185

و لأنّه تكبير شرّع يوم عيد، فلا يكون واجبا، كالتكبير في الأضحي.

و قال أبو حنيفة: لا يكبّر في الفطر - و قال النخعي: إنّما يفعل ذلك الحوّاكون(1) - لأنّ ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر، فقال: ما شأن الناس ؟ فقلت: يكبّرون. فقال: أ مجانين الناس ؟!(2).

و لا حجة فيه، لمعارضته فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله، و فعل علي عليه السلام، و باقي الصحابة.

علي أنّ ابن عباس كان يقول: يكبّرون مع الإمام و لا يكبّرون منفردين(3). و هو خلاف ما قالوه.

مسألة 457: و هو عقيب أربع صلوات: أولاهنّ مغرب ليلة الفطر و آخرهنّ صلاة العيد.

و قال الشافعي: أوّله إذا غربت الشمس من آخر يوم من شهر رمضان(4).

و به قال سعيد بن المسيّب و عروة بن الزبير و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، هؤلاء من الفقهاء السبعة، و هو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن و زيد بن أسلم(5). فيندرج فيه ما تقدّم من الصلوات الأربع.

لأنّ التكبير في الأضحي عقيب الصلوات، فيكون الفطر كذلك. و لأنّ التكبير عقيب الفرائض يحصل معه الامتثال، فيكون الزائد منفيا بالأصل.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن التكبير أين هو؟: «في ليلة

ص: 149


1- حلية العلماء 261:2، المغني 231:2.
2- بدائع الصنائع 279:1، المجموع 41:5، فتح العزيز 13:5، حلية العلماء 2: 261، المغني و الشرح الكبير 231:2.
3- المغني 231:2، الشرح الكبير 232:2، المجموع 41:5، بداية المجتهد 221:1.
4- المهذّب للشيرازي 128:1، المجموع 32:5 و 41، فتح العزيز 14:5، حلية العلماء 262:2.
5- المجموع 41:5، و نسبه إليهم، الشيخ الطوسي في الخلاف 652:1، المسألة 425.

الفطر في المغرب و العشاء و الفجر و صلاة العيد»(1).

و لأنّ الغروب سبب لصلاة المغرب، فينبغي تقديمها، فيبقي التكبير عقيبها.

و لأنّ الغروب زمان بين إكمال العدّة و بين صلاة العيد بالنهار.

و قال مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه، و أحمد: التكبير يوم الفطر دون ليلته، لما رووه عن علي عليه السلام(2). و هو ممنوع.

و قال أبو ثور و أبو إسحاق من الشافعية: يكبّر إذا غدا إلي المصلّي(3).

و أمّا آخره فصلاة العيد كما تقدّم، فإنّه يكبّر عقيبها كما قلناه علي الأشهر.

و زاد ابن بابويه: عقيب ظهر العيد و عصره أيضا(4).

و للشافعي أربعة أقوال: أحدها: آخره خروج الإمام إلي الصلاة. نقله المزني.

و ثانيها رواية البويطي: آخره افتتاح الإمام الصلاة.

و ثالثها قال في القديم: حتي ينصرف الإمام من الصلاة.

الرابع رواية أبي حامد: حتي ينصرف الإمام من الصلاة و الخطبتين(5).

ثم قسّم الشافعي التكبير إلي مطلق في جميع الأحوال و هو مستحب،3.

ص: 150


1- الكافي 166:4-167-1، الفقيه 108:2-464، التهذيب 138:3-311.
2- نسبه إليهم، الشيخ الطوسي في الخلاف 652:1-653، المسألة 425، و راجع: المدونة الكبري 167:1، و بداية المجتهد 221:1، و المجموع 41:5، و فتح العزيز 14:5، و حلية العلماء 262:2.
3- المجموع 41:5، حلية العلماء 262:2، بداية المجتهد 221:1، و فيها: أبو ثور و إسحاق.
4- أمالي الصدوق: 517، و انظر الفقيه 108:2-109-464.
5- المهذب للشيرازي 128:1، المجموع 32:5، فتح العزيز 14:5-15، حلية العلماء 262:2-263.

و إلي مقيّد مختص بأدبار الصلوات.

و في استحبابه وجهان: الاستحباب، لأنّ كلّ زمان استحبّ فيه التكبير المرسل استحبّ فيه التكبير المختص بأدبار الصلوات كالأضحي. و عدمه، لأنّه لم يرو عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه فعله. و قد بيّنّا أنّه مستحبّ.

و علي تقدير الاستحباب قال: إنّه يستحبّ في ثلاث صلوات خاصة:

المغرب و العشاء ليلة الفطر، و صبح الفطر(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ رفع الصوت به، لأنّ فيه إظهارا لشعائر الإسلام، و تذكيرا للغير.

مسألة 458: يكبّر في الأضحي بمني عقيب خمس عشرة صلاة،

أوّلها: ظهر النحر، و آخرها: صبح الثالث من أيام التشريق عند علمائنا أجمع - و هو أحد أقوال الشافعي، و به قال عثمان و زيد بن ثابت و ابن عمر، و أبو سعيد الخدري و ابن عباس و مالك(2) - لقوله تعالي وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ (3) و هي أيام التشريق، و ليس فيها ذكر مأمور به سوي التكبير، و عرفة ليس منها.

و لأنّ عليا عليه السلام بدأ بالتكبير(4) كما قلناه.

و لأنّ الناس تبع للحاج، و الحاج يقطعون التلبية مع أوّل حصاة، و يكبّرون مع الرمي، و إنّما يرمون يوم النحر، فأوّل صلاة بعد ذلك الظهر، و آخر صلاة يصلّون بمني فجر الثالث من أيام التشريق.

و قول الصادق عليه السلام: «التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة

ص: 151


1- المهذب للشيرازي 128:1، المجموع 32:5، فتح العزيز 17:5.
2- المجموع 33:5 و 34، المهذب للشيرازي 128:1، الوجيز 70:1، فتح العزيز 57:5 - 58، فتح الوهاب 84:1، حلية العلماء 263:2، المغني 246:2، الشرح الكبير 2: 265، المدونة الكبري 172:1، بداية المجتهد 221:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 78.
3- البقرة: 203.
4- نقله المحقّق في المعتبر: 213، و الصدوق في الفقيه 328:1.

الظهر يوم النحر، ثم يكبّر عقيب كلّ فريضة إلي صبح الثالث من أيام التشريق»(1).

و القول الثاني للشافعي: عقيب المغرب ليلة النحر إلي صبح الثالث(2) من أيام التشريق، و ذلك ثماني عشرة صلاة، لأنّ التكبير في الفطر عقيب المغرب، فكذا الأضحي(3).

و الثالث: بعد الصبح يوم عرفة إلي العصر من آخر أيام التشريق ثلاث و عشرون صلاة(4).

و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عن عمر، و به قال الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و محمد و ابن المنذر(5) ، لأنّ جابر بن عبد اللّه قال:

صلّي النبي صلّي اللّه عليه و آله، الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا، فقال:

(اللّه أكبر اللّه أكبر) و مدّ التكبير إلي العصر من آخر أيام التشريق(6).

و قال الأوزاعي: يكبّر من يوم النحر إلي الظهر من اليوم الثالث. و به قال المزني و يحيي بن سعيد الأنصاري(7).

و قال داود: يكبّر من الظهر من يوم النحر إلي العصر من آخر أيام التشريق(8).3.

ص: 152


1- أورده نصّا، المحقق في المعتبر: 213 و في الكافي 516:4-1، و التهذيب 269:5-920 نحوه.
2- ورد في «ش، م» و الطبعة الحجرية: الثاني. و ما أثبتناه هو الصحيح، للسياق و كما في المصادر.
3- المهذّب للشيرازي 128:1، المجموع 34:5، فتح العزيز 58:5، حلية العلماء 264:2، المغني 246:2-265، الشرح الكبير 246:2-265.
4- المهذّب للشيرازي 128:1، المجموع 34:5، فتح العزيز 58:5، حلية العلماء 264:2، المغني 246:2-265، الشرح الكبير 246:2-265.
5- المغني 246:2، الشرح الكبير 264:2-265، المجموع 40:5، فتح العزيز 58:5، حلية العلماء 264:2.
6- سنن الدار قطني 50:2-29، سنن البيهقي 315:3، المغني 246:2، الشرح الكبير 2: 265.
7- حلية العلماء 264:2، فتح العزيز 58:5، المجموع 40:5.
8- حلية العلماء 264:2، نيل الأوطار 388:3.

و قال أبو حنيفة: يكبّر عقيب الصبح من يوم عرفة إلي العصر من يوم النحر ثمان صلوات. و هو مروي عن ابن مسعود، لقوله تعالي وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ (1) قالوا: و المعلومات هي العشر. و أجمعنا علي أنّ فيما قبل عرفة لا يكبّر، فيجب أن يكبّر يوم عرفة و يوم النحر(2).

و هو ممنوع، فإنّ المراد بذلك التكبير علي الهدي في أيام العشر، أو الذكر علي الأضحية.

مسألة 459: و يكبّر في الأضحي من كان بغير مني عقيب عشر صلوات،

أوّلها: ظهر النحر، و آخرها: صبح الثاني من أيام التشريق - و لم يفرّق أحد من الجمهور بين من كان بمني و غيرها - لقول الصادق عليه السلام:

«التكبير في الأمصار عقيب عشر صلوات، فإذا نفر الحاج النفر الأوّل، أمسك أهل الأمصار، و من أقام بمني فصلّي الظهر و العصر فليكبّر»(3).

و لأنّ الناس في التكبير تبع الحاج، و مع النفر الأول يسقط التكبير، فيسقط عمّن ليس بمني.

و في وجوب هذا التكبير لعلمائنا قولان(4) ، أقواهما: الاستحباب، لأصالة البراءة.

مسألة 460: اختلف علماؤنا في كيفيته،
اشارة

فقال الشيخ في المبسوط:

يكبّر مرّتين، ثم يقول: لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر علي ما هدانا، و للّه الحمد، و الحمد للّه علي ما هدانا، و له الشكر علي ما أولانا.

ص: 153


1- الحج: 28.
2- الهداية للمرغيناني 87:1، شرح فتح القدير 48:2-49، شرح العناية 48:2، عمدة القارئ 293:6، حلية العلماء 264:2، المغني 246:2، الشرح الكبير 265:2.
3- الكافي 516:4-1، التهذيب 269:5-920.
4- من القائلين بوجوبه: السيد المرتضي كما في الانتصار: 57 و حكاه أيضا عن ابن الجنيد، الشهيد في الذكري: 241.

و يزيد في الأضحي: «و رزقنا من بهيمة الأنعام»(1).

و في الخلاف: يكبّر مرّتين ثم يقول: لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر، و للّه الحمد و هو إحدي الروايتين عن علي عليه السلام، و به قال ابن مسعود و الثوري و أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّ التكبير إذا توالي، كان شفعا، كالأذان و تكبير الجنازة.

و لأنّ جابرا قال: لمّا صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صبح عرفة أقبل علي أصحابه، فقال: (علي مكانكم) ثم قال: (اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد)(3)(4).

و قال ابن بابويه: كان علي عليه السلام يبدأ بالتكبير في الأضحي إذا صلّي الظهر يوم النحر، و يقطع عند الغداة من أيام التشريق، يقول في دبر كلّ صلاة: «اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد»(5).

و قال البزنطي: يكبّر في الأضحي ثلاثا(6). و به قال الشافعي و مالك، لأنّ جابرا صلّي في أيام التشريق فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ثلاثا.

و لا يقوله إلاّ توقيفا.

و لأنّ التكبير إذا كان بشعار العيد كان وترا كتكبير الصلاة(7).

و القول عن الرسول صلّي اللّه عليه و آله، أولي من الفعل.5.

ص: 154


1- المبسوط للطوسي 171:1.
2- المغني 247:2، الشرح الكبير 270:2، المجموع 40:5.
3- سنن الدار قطني 50:2-29.
4- الخلاف 669:1-670، المسألة 443.
5- الفقيه 328:1 ذيل رقم 1487، و حكاه عنه أيضا المحقق في المعتبر: 213.
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 213.
7- الام 241:1، المجموع 39:5 و 40، فتح العزيز 11:5، المدوّنة الكبري 172:1، بداية المجتهد 221:1، المغني 247:2، الشرح الكبير 270:2، و راجع: صحيح مسلم 888:2-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 184:2-1905.

قال الشافعي: و ما زاد فحسن، فإن زاد زيادة فليقل بعد التكبيرات الثلاث: اللّه أكبر كبيرا، و الحمد للّه كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، لا إله إلاّ اللّه لا نعبد إلاّ إيّاه مخلصين له الدين و لو كره الكافرون، لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قاله علي الصفا في حجة الوداع(1).

و ما قلناه أولي، للنقل عن أهل البيت عليهم السلام و هم أعرف.

قال الباقر عليه السلام: «يقول في أيام التشريق: اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر علي ما هدانا، و اللّه أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(2).

تذنيب: لو أدرك الإمام في بعض الصلاة، أتمّ بعد تسليم الإمام

و لا يتابعه في التكبير، لأنّ الإمام يكبّر بعد خروجه، فإذا أتمّ المأموم صلاته كبّر عقيبها.

مسألة 461: يكبّر خلف الفرائض المذكورة كلّها عند علمائنا،

دون النوافل، إلاّ علي رواية(3) - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام قالا: «التكبير بمني في دبر خمس عشرة صلاة، و في سائر الأمصار عقيب عشر صلوات»(5) و جعلا آخرها

ص: 155


1- الام 241:1، المجموع 39:5، فتح العزيز 11:5-12، و راجع: صحيح مسلم 2: 888-1218، و سنن ابن ماجة 1023:2-3074، و سنن أبي داود 184:2-1905.
2- الكافي 516:4-2.
3- انظر: التهذيب 289:3-869.
4- المبسوط للسرخسي 44:2، الحجة علي أهل المدينة 310:1، المدونة الكبري 172:1، القوانين الفقهية: 84، المغني 247:2، الشرح الكبير 266:2-267، المهذب للشيرازي 129:1، حلية العلماء 264:2.
5- الكافي 516:4-2، التهذيب 269:5-921، الاستبصار 299:2-1069، علل الشرائع: 447 باب 199، الخصال 5:2-4، و أورد نحوه عن الإمام الصادق عليه السلام، الكليني في الكافي 516:1-1.

صبح الثالث أو الثاني. و لأنّها نوافل فلا يكبّر(1) عقيبها كنوافل يوم عرفة.

و قال الشافعي: يكبّر عقيب النوافل أيضا، لأنّها صلاة مفعولة يوم النحر، فكان التكبير مستحبا عقيبها كالفرائض(2).

و به رواية عندنا عن علي عليه السلام أنّه قال: «علي الرجال و النساء أن يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلوات و علي من صلّي وحده و من صلّي تطوّعا»(3).

مسألة 462: و التكبير مستحبّ للمنفرد
اشارة

كالجامع، و لمن صلّي في سفر أو حضر، في بلد كان أو في قرية، صغيرا كان المصلّي أو كبيرا، رجلا كان أو امرأة عند علمائنا - و به قال مالك و الأوزاعي و قتادة و الشعبي و الشافعي(4) - لعموم الأخبار.

و قول علي عليه السلام: «و علي من صلّي وحده»(5).

و لأنّ كلّ ذكر يستحب للمسبوق يستحبّ للمنفرد كالتسليمة الثانية. و لأنّ المنفرد يؤذّن و يقيم كالجماعة.

و قال أبو حنيفة: المنفرد يكبّر(6) ، لأنّ عمر لم يكبّر لمّا صلّي وحده أيام التشريق(7). و لقول ابن مسعود: ليس علي الواحد و الاثنين أيام التشريق

ص: 156


1- في «ش»: فلا تكبير.
2- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 36:5 و 39، رحمة الأمّة 90:1، كفاية الأخيار 1: 96، السراج الوهاج: 97، و مختصر المزني: 32.
3- التهذيب 289:3-869.
4- المدونة الكبري 171:1، المجموع 40:5، رحمة الأمة 90:1.
5- التهذيب 289:3-869.
6- المبسوط للسرخسي 44:2، الهداية للمرغيناني 87:1، بدائع الصنائع 197:1، عمدة القارئ 293:6، المجموع 40:5، المغني 247:2، الشرح الكبير 266:2.
7- نسبه إلي بن عمر، ابن قدامة في المغني 247:2.

تكبير(1). و قولهما ليس حجّة.

فروع:
أ: إذا فاتته صلاة من هذه الصلوات فقضاها، كبّر لها

و إن فاتت أيام التشريق، لقولهم عليهم السلام: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته»(2) و قد فاتته صلاة يكبّر عقيبها فقضاؤها كذلك.

و قال الشافعي: لا يكبّر، لأنّ التكبير من سنّة الوقت و قد فات(3).

ب: لو صلّي خلف إمام، تابعه في التكبير،

فإن ترك الإمام التكبير، كبّر هو.

ج: لو نسي التكبير، كبّر حيث ذكر

- و به قال الشافعي(4) - لأنّه من هيئات أيام التشريق، و لهذا لا يأتي به عقيب غيرها.

و قال أبو حنيفة: إذا سلّم و نسي التكبير، فإن تحدّث قبل التكبير، أو خرج من المسجد، أو أحدث عامدا، لم يكبّر، و إن ذكر قبل أن يحدّث، كبّر. و لو ذكر قبل أن يخرج من المسجد، عاد إلي مكانه و جلس فيه كما يجلس للتشهد، و كبّر فيه، و إن لم يكبّر حتي سبقه الحدث، كبّر، لأنّه تابع للصلاة فسقط بتركه كسجود السهو(5).

د: لا يستحب التكبير في غير أدبار الصلوات المعيّنة،

للتنصيص عليها.

و قال الشافعي: يستحبّ أن يفعل في المنازل و المساجد و الطرق من غير

ص: 157


1- حكاه ابنا قدامة في المغني 247:2، و الشرح الكبير 266:2، و النووي في المجموع 5: 40.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 672:1 ذيل المسألة 446.
3- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 31:5 و 36.
4- المجموع 38:5، حلية العلماء 265:2، مغني المحتاج 315:1.
5- المبسوط للسرخسي 45:2، بدائع الصنائع 196:1، شرح فتح القدير 50:2، البحر الرائق 165:2.

قيد بوقت أو حال(1).

ه: يستحب إحياء ليلتي العيدين بفعل الطاعات،

لقوله عليه السلام:

(من أحيي ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(2).

و ما يضاف إلي القلب فإنّه أعظم وقعا، لقوله تعالي فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (3) و موت القلب: الكفر في الدنيا، و الفزع في الآخرة.

مسألة 463: يكره التنفّل في العيدين قبل صلاة العيد، و بعدها

إلي الزوال للإمام و المأموم - و به قال علي عليه السلام، و الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة(4) - لأنّ ابن عباس روي أنّ النبي عليه السلام خرج يوم الفطر، فصلّي ركعتين لم يتنفّل قبلهما و لا بعدهما(5).

و رأي علي عليه السلام قوما يصلّون قبل العيد، فقال: «ما كان يفعل ذلك علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(6).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام في صلاة العيدين: «ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة»(7).

ص: 158


1- فتح العزيز 13:5، المجموع 32:5.
2- كنز العمال 548:8-24107، مجمع الزوائد 198:2 نقلا عن الطبراني في الكبير و الأوسط، ثواب الأعمال للصدوق: 101-102-1 و 2 بتفاوت يسير.
3- البقرة: 283.
4- شرح فتح القدير 42:2، الهداية للمرغيناني 85:1، شرح العناية 42:2، المجموع 5: 13، المغني 242:2، الشرح الكبير 258:2.
5- صحيح البخاري 30:2، صحيح مسلم 606:2-884، سنن النسائي 193:3، سنن ابن ماجة 410:1-1291، سنن الترمذي 417:2-537، سنن أبي داود 1: 301-1159، سنن البيهقي 295:3 و 302.
6- نقله ابنا قدامة في المغني 242:2، و الشرح الكبير 258:2، و انظر: كنز العمال 8: 642-24529.
7- الكافي 459:3-1، التهذيب 129:3-276، الاستبصار 443:1-444-1712، و ثواب الأعمال: 103-104-7.

و قال الصادق عليه السلام: «ليس قبلهما و لا بعدهما شيء»(1).

و قال الشافعي: يكره للإمام قبل الصلاة و بعدها، لئلاّ يتشاغل بغير الخطبة و الصلاة، و أمّا المأموم فيجوز أن يصلّي قبلها و بعدها، لعدم المعني فيه(2). و به قال الحسن البصري، و هو مروي عن أنس و أبي هريرة و سهل بن سعد الساعدي و رافع بن خديج(3).

و عن مالك إذا صلّي العيد في المسجد روايتان: إحداهما: يجوز التنفّل - و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر(4) - و إن صلّي في غير المسجد، لم يتنفّل قبلها و لا بعدها(5).

و قال أحمد: إنّما يكره التنفّل في موضع الصلاة، فأمّا في غيره فلا بأس به. و كذا لو خرج منه ثم عاد إليه بعد الصلاة فلا بأس بالتطوّع فيه(6).

و العموم ينافيه.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أصحابنا استحبّوا صلاة ركعتين في مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلي العيد، لقول الصادق عليه السلام: «ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلاّ بالمدينة تصلّي في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله، في العيد قبل أن يخرج إلي المصلّي، ليس ذلك إلاّ بالمدينة، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله2.

ص: 159


1- ثواب الأعمال: 103-4 و 6، الكافي 460:3-3، التهذيب 128:3-271، الاستبصار 446:1-1722 و 1723، و في الكافي و المورد الثاني من الاستبصار: مضمرا.
2- المجموع 12:5 و 13، فتح العزيز 44:5، حلية العلماء 255:2، مختصر المزني: 31، المغني 242:2، الشرح الكبير 259:2.
3- المجموع 13:5.
4- المغني 242:2، الشرح الكبير 258:2، المجموع 13:5.
5- فتح العزيز 44:5، المغني 242:2، الشرح الكبير 258:2، المدونة الكبري 170:1، المنتقي للباجي 320:1.
6- المغني 243:2، الشرح الكبير 260:2.

فعله»(1).

و لو أقيمت صلاة العيد في المسجد لعذر، استحبّت صلاة التحية فيه أيضا و إن كان الإمام يخطب، و لا يصلّي العيد، لأنّه إنّما يسنّ له الاشتغال مع الإمام بما أدرك لا قضاء ما فاته، و إنّما يصلّي تحية المسجد، لأنّه موضع ذلك و ليس بموضع صلاة العيد، و به قال بعض الشافعية.

و قال بعضهم: يصلّي العيد، لأنها أولي من تحية المسجد و يغني عنها، كما لو دخل المسجد و صلّي الفريضة أغني ذلك عن تحية المسجد(2).

و لو أقيمت في المصلّي، اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة، لأنّ المصلّي لا تحية له حيث لم يكن مسجدا، و لا يشتغل بقضاء العيد، لقول الصادق عليه السلام: «تجلس حتي يفرغ من خطبته، ثم تقوم فتصلّي»(3).

و لأن الخطبة من تمامها، فينبغي أن يشتغل بما أدرك.

مسألة 464: لو فاتت لم تقض، سواء كانت فرضا أو نفلا، عمدا كان الفوات أو نسيانا،
اشارة

عند أكثر علمائنا(4) - و به قال مالك و أبو ثور و داود و المزني(5) - لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع و الخطبة، فلا تقضي بعد فوات وقتها كالجمعة.

و لقول الباقر عليه السلام: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة

ص: 160


1- الكافي 461:3-11، الفقيه 322:1-1475، التهذيب 138:3-308.
2- المهذب للشيرازي 127:1، المجموع 24:5، فتح العزيز 54:5، حلية العلماء 2: 259.
3- التهذيب 136:3-301.
4- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 169:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 111، و المحقق في المعتبر: 210.
5- بداية المجتهد 219:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 78، التفريع 235:1، المجموع 5: 29، الميزان للشعراني 195:1، رحمة الأمّة: 78، عمدة القاري 307:6، و الذي عثرنا عليه من مذهب أبي ثور أنّه إذا فاتت يصلّي ركعتين. انظر: عمدة القارئ 308:6، بداية المجتهد 219:1، المغني 244:2، المجموع 29:5.

له، و لا قضاء عليه».(1)

و لأنّ القضاء منفي بالأصل و لم يوجد المعارض.

و قال أحمد: إنّها تقضي ركعتان - و للشافعي كالقولين، و كذا عن أبي حنيفة روايتان(2) - لأنّ ركبا جاءوا إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فشهدوا أنّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أن يفطروا، و إذا أصبحوا أن يغدوا إلي مصلاّهم(3). و لأنّها صلاة أصل مؤقتة، فلا تسقط بفوات الوقت كالفرائض(4).

و لا حجة في الحديث، لاحتمال عدم الوثوق بهم، فلزمهم الإفطار تديينا لهم بما عرفوه، و لم يثبت بشهادتهم الهلال، و المضيّ إلي العيد تبعا لعمل الناس، و القضاء في الفرائض بالنص.

و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: لا تقضي أبدا. و قال بعضهم:

تقضي أبدا. و قال بعضهم: لا تقضي إلاّ في الحادي و الثلاثين. و قال بعضهم: تقضي في شهر العيد كلّه(5).

فروع:
أ: قال الشيخ: إن شاء صلّي أربعا، و إن شاء اثنتين من غير أن يقصد القضاء

أ: قال الشيخ: إن شاء صلّي أربعا، و إن شاء اثنتين من غير أن يقصد القضاء(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا»(7).

ص: 161


1- التهذيب 128:3-273، الاستبصار 444:1-1714.
2- المهذب للشيرازي 128:1، المجموع 27:5 و 29، الوجيز 70:1، حلية العلماء 2: 260.
3- سنن أبي داود 300:1-1157، سنن النسائي 180:3، سنن البيهقي 316:3.
4- المغني 244:2-245، الشرح الكبير 225:2.
5- المجموع 28:5-29، الوجيز 70:1، فتح العزيز 62:5.
6- التهذيب 134:3، ذيل الحديث 292.
7- التهذيب 135:3-295، الاستبصار 446:1-1725.

و السند ضعيف. و بقول الشيخ قال أحمد و الثوري(1).

ب: لو أدرك الإمام في التشهّد، جلس معه،

فإذا سلّم الإمام قام فصلّي ركعتين - إن قلنا بالقضاء - يأتي فيهما بالتكبير.

ج: لو أدركه في ركوع الثانية، وجبت المتابعة،

لأنّه مدرك للفرض حينئذ، فيركع، فإذا سلّم الإمام، قام فأتمّ الصلاة و قد فاته تكبير الاولي، و في قضائه ما تقدّم.

و لو أدركه رافعا من ركوعها، فاتته الصلاة.

و لو أدركه في أثناء التكبير، تابعه في الباقي، فإن تمكّن بعد ذلك من التكبير ولاء قضاء عمّا فات، فعل، و إلاّ سقط.

د: يحرم السفر بعد طلوع الشمس علي المكلّف بها

حتي يصلّي العيد، لتوجّه الأمر حينئذ، فيحرم عليه الإخلال به، و يكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس، لقرب وقت العبادة، فلا ينبغي الإخلال بها.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح و أنت في البلد، فلا تخرج حتي تشهد ذلك العيد»(2).

و لا بأس به قبل الفجر إجماعا.

مسألة 465: إذا أصبح صائما يوم الثلاثين فشهد شاهدان أنّ الهلال كان بالأمس

و أنّ اليوم يوم عيد فعدّلا قبل الزوال، أو شهدا ليلة الثلاثين و عدّلا يوم الثلاثين قبل الزوال، خرج الإمام و صلّي بالناس العيد، صغيرا كان البلد أو كبيرا، إجماعا، لأنّ الوقت باق إلي زوال الشمس.

و لو شهدا يوم الحادي و الثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين، أو شهدا بعد غروب الشمس ليلة الحادي و الثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين و عدّلا،

ص: 162


1- المغني 244:2، الشرح الكبير 261:2، العدة شرح العمدة: 113، رحمة الأمة 87:1 - 88.
2- الفقيه 323:1-1480، التهذيب 286:3-853.

فقد فات العيد، و فات وقت صلاته، و لا قضاء عندنا، و به قال أبو حنيفة.

و قال الشافعي: يصلّي بالناس يوم الحادي و الثلاثين قبل الزوال، و تكون الصلاة أداء لا قضاء. و به قال الأوزاعي و الثوري و أحمد و إسحاق.

لقوله عليه السلام: (فطركم يوم تفطرون، و أضحاكم يوم تضحّون، و عرفتكم يوم تعرفون)(1).

و هو محمول علي ما إذا لم يثبت.

و إن شهدا قبل الزوال يوم الثلاثين أنّ الهلال كان البارحة و عدّلا بعد الزوال، أو شهدا بعد الزوال و عدّلا بعده، فلا قضاء في ذلك، لفوات وقت الصلاة - و هو أحد قولي الشافعي، و إحدي الروايتين عن أبي حنيفة، و به قال مالك و المزني و أبو ثور و داود - لأنّها لو قضيت في غد يومها لقضيت في يومها بل كان أولي.

و القول الثاني للشافعي: إنّها تقضي، و به قال أحمد، لما تقدّم في حديث الركب(2).

ثم قال - علي تقدير القضاء -: إن كان البلد صغيرا يمكن اجتماع الناس في بقية اليوم، جمع الناس، و إن لم يمكن ذلك لكبر البلد قضي من الغد.

و عند أصحاب أبي حنيفة و أحمد أنّها تقضي من الغد مطلقا. و قد تقدّم.

فإن شهد يوم الثلاثين قبل الزوال و عدّلا يوم الحادي و الثلاثين أو ليلته، أو شهدا بعد الزوال و عدّلا يوم الحادي و الثلاثين أو ليلته، فلا قضاء عندنا - و هو أحد قولي الشافعي - لما تقدّم.4.

ص: 163


1- سنن البيهقي 176:5، و الام 230:1، و كنز العمال 488:8-23761، و الجامع الصغير للسيوطي 218:2-5891.
2- تقدّم في المسألة 464.

و في الثاني: تقضي، لأنّ الاعتبار بالشهادة إذا عدّلا بحال إقامتها لا بحال التعديل، فإذا عدّلا يوم الحادي و الثلاثين و كانت الشهادة يوم الثلاثين حكمنا بأنّ الفطر كان حين الشهادة فيكون فطرهم بالأمس، و يكون فعلها قضاء(1).

مسألة 466: و يستحب إذا مشي في طريق أن يرجع في غيرها

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(2) - لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فعله(3) ، إمّا قصدا لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه بكثرة خطواته إلي الصلاة، و يعود في الأقرب، لأنّه أسهل و هو راجع إلي منزله، أو ليشهد له الطريقان، أو ليساوي بين أهل الطريقين من الضعفاء في التبرّك بمروره و سرورهم برؤيته، و ينتفعون بمسألته، أو ليتصدّق علي أهل الطريقين من الضعفاء، أو ليتبرّك الطريقان بوطئه عليهما، فينبغي الاقتداء به، لاحتمال بقاء المعني الذي فعله من أجله.

و لأنّه قد يفعل الشيء لمعني و يبقي في حقّ غيره سنّة مع زوال المعني كالرمل [1] و الاضطباع [2] في طواف القدوم، فعله هو و أصحابه(4) لإظهار الجلد

ص: 164


1- راجع بشأن الفروع المذكورة من قوله: و لو شهدا يوم الحادي و الثلاثين، إلي آخره: الخلاف 672:1-673، المسألة 447.
2- المدونة الكبري 168:1، بداية المجتهد 222:1، المهذب للشيرازي 126:1، المجموع 12:5، الوجيز 70:1، فتح العزيز 56:5، المغني 243:2، الشرح الكبير 235:2.
3- صحيح البخاري 29:2، سنن الترمذي 424:2-541، سنن أبي داود 1: 300-1156، سنن ابن ماجة 412:1-1298-1301، المستدرك للحاكم 296:1.
4- راجع: سنن أبي داود 177:2-1883 و 1884، و سنن ابن ماجة 983:2-984-2950 و 2951 و 2954، و سنن البيهقي 79:5.

للكفّار و بقي سنّة بعد زوالهم، و لهذا قال عمر: فيم الرمل الآن ؟ و لم نبدي مناكبنا و قد نفي اللّه المشركين ؟(1).

مسألة 467: يكره الخروج بالسلاح إلي صلاة العيدين،

لمنافاته الخضوع و الاستكانة إلاّ أن يخاف العدوّ فيجوز. و لقول الباقر عليه السلام:

«نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يخرج السلاح في العيدين إلاّ أن يكون عدوّ ظاهر»(2).

مسألة 468: يستحب التعريف عشية عرفة

بالأمصار في المساجد، لما فيه من الاجتماع لذكر اللّه تعالي. و فعله ابن عباس بالبصرة(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب، و ليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة، و في يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون اللّه عزّ و جلّ»(4).

مسألة 469: يحرم علي الرجال التزين يوم العيد و غيره بلبس الحرير المحض

- و قد تقدّم(5) - و القز من الحرير.

و فيه وجه للشافعية، لأنّه ليس من ثياب الزينة(6).

و المركّب من الإبريسم و غيره سائغ إن تساويا، أو كان الإبريسم أكثر ما لم يخرج بالاسم إليه.

و للشافعي قولان: أحدهما: إن كان الإبريسم أكثر كالخز سداه إبريسم

ص: 165


1- المغني 243:2، الشرح الكبير 236:2، و في سنن أبي داود 178:2-1887، و سنن ابن ماجة 984:2-2952، و سنن البيهقي 79:5 نحوه.
2- الكافي 460:3-6، التهذيب 137:3-305.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 250:2، و الشرح الكبير 271:2.
4- التهذيب 136:3-297 و 298.
5- تقدم في ج 2 ص 470، المسألة 124.
6- فتح العزيز 29:5.

و لحمته صوف لم يحرم، و إن انعكس حرم، و إن تساويا فوجهان:

أصحّهما: أنّه لا يحرم. و الثاني: أنّه لا ينظر إلي القلّة و الكثرة، بل إلي الظهور، فإن ظهر حرم و إن كان أقل، و إلاّ حلّ و إن كان أكثر(1).

و لا بأس بافتراشه - خلافا للشافعي(2) - للرجال و النساء، و عنده في النساء وجهان(3).

و يجوز للمسافر لخوف القمّل و الحكة، و كذا للحكة في الحضر.

و للشافعية فيه وجهان(4).5.

ص: 166


1- الوجيز 69:1، فتح العزيز 29:5، كفاية الأخيار 100:1.
2- فتح العزيز 34:5، كفاية الأخيار 99:1.
3- المجموع 180:3، الوجيز 69:1، فتح العزيز 34:5-35، كفاية الأخيار 100:1.
4- الوجيز 70:1، فتح العزيز 37:5.
الفصل الثالث: صلاة الكسوف و فيه مطلبان:
الأول: الماهية
مسألة 470: هذه الصلاة فرض علي الأعيان عند علمائنا أجمع،

لقوله تعالي لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ الآية(1) ، ذكر اللّه تعالي جميع الآيات، و خصّ هاتين بالسجود عند ذكرهما، فاختصّا بتلك العبادة.

و قال ابن عباس: خسفت الشمس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يصلّي و الناس معه، ثم قال:

(أيّها الناس: إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه سبحانه، لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فأفزعوا إلي ذكر اللّه تعالي)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «هي فريضة»(3).

و قول الكاظم عليه السلام: «إنّه لما قبض إبراهيم ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، جرت ثلاث سنن: أمّا واحدة، فإنّه لمّا مات انكسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله المنبر، فحمد اللّه و أثني عليه، ثم قال: يا أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان

ص: 167


1- فصّلت: 37.
2- صحيح البخاري 48:2، اختلاف الحديث 135 و 140، سنن البيهقي 321:3.
3- الكافي 464:3-4، التهذيب 293:3-886.

من آيات اللّه، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا، ثم نزل فصلّي بالناس صلاة الكسوف»(1).

و الأمر للوجوب، و قد حصل من النبي صلّي اللّه عليه و آله قولا و فعلا.

و قال الجمهور كافّة: بالاستحباب(2) ، للأصل.

و ما ذكرناه يقتضي العدول عنه.

مسألة 471: و هي ركعتان تشتمل كلّ ركعة علي خمس ركوعات، و سجدتين

عند علمائنا أجمع، لقول أبي بن كعب: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ركع خمس ركوعات، ثم سجد سجدتين، و فعل في الثانية مثل ذلك(3).

و مثله روي جابر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله(4).

و صلّي عليّ عليه السلام بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مثل ذلك(5).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «هي عشر ركعات بأربع سجدات»(6).

و قال أبو حنيفة و إبراهيم النخعي و الثوري: إنّها ركعتان كالفجر، فإن زاد ركوعا بطلت صلاته، لأنّ قبيصة روي: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله،

ص: 168


1- الكافي 208:3-7 و 463-1، التهذيب 154:3-329.
2- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 44:5، فتح العزيز 69:5، الوجيز 71:1، بدائع الصنائع 280:1، الشرح الصغير 189:1، المدونة الكبري 164:1، المغني 2: 273، الشرح الكبير 273:2.
3- سنن البيهقي 329:3.
4- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.
5- مصنف ابن أبي شيبة 468:2، مجمع الزوائد 207:2، سنن البيهقي 329:3.
6- الكافي 463:3-464-2، التهذيب 156:3-335.

قال: (إذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة)(1)(2).

و لا حجّة فيه، لأنّه مرسل. و لاحتمال أنّه صلّي ركعتين في كلّ ركعة خمس ركوعات. و لأنّ أخبارنا أولي، لاشتمالها علي الزيادة مع عدم لفظ يدلّ علي المنافاة.

و قال الشافعي: يصلّي ركعتين في كلّ ركعة ركوعان و سجدتان و قيامان و قراءتان - و به قال مالك و أحمد و إسحاق، و روي عن ابن عباس و عثمان - لأنّ ابن عباس و عائشة وصفا صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: في كلّ ركعة ركوعان و سجدتان و قيامان(3)(4).

و أحاديثنا أولي، لاشتمالها علي الزيادة. و لأنّ أبيّا أسنّ من ابن عباس و عائشة، و أعرف بأفعال النبي صلّي اللّه عليه و آله، لعدم مخالطة عائشة الرجال، و صغر ابن عباس، خصوصا مع فعل علي عليه السلام، و أهل بيته، كما قلناه.

و قال إسحاق و ابن المنذر: إنّه يصلّي ست ركعات و أربع سجدات. و هو مروي عن ابن عباس و عائشة. و رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام. و جوّزه أحمد(5).

مسألة 472: و كيفيتها عند علمائنا
اشارة

أن يكبّر للافتتاح أوّلا ثمّ يقرأ الحمد

ص: 169


1- سنن أبي داود 308:1-309-1185، سنن النسائي 144:3، سنن البيهقي 334:3.
2- المغني و الشرح الكبير 276:2، المبسوط للسرخسي 74:2، بدائع الصنائع 280:1، المجموع 62:5، بداية المجتهد 210:1،
3- سنن أبي داود 307:1-1180 و 1181، سنن ابن ماجة 401:1-1263، سنن البيهقي 327:3.
4- الام 245:1، المجموع 47:5 و 62، حلية العلماء 267:2-268، بداية المجتهد 1: 210، الكافي في فقه أهل المدينة: 79، التفريع 235:1، المغني و الشرح الكبير 275:2.
5- مصنف ابن أبي شيبة 470:2، سنن البيهقي 327:3-328، المغني 279:2، الشرح الكبير 281:2 و 282.

و سورة أيّها شاء أو بعضها، ثم يركع فيذكر اللّه تعالي، ثم ينتصب، فإن كان قد قرأ أوّلا السورة كملا، قرأ الحمد ثانيا، و سورة أو بعضها، ثم يركع فيذكر اللّه تعالي، ثم ينتصب، فإن كان قد أتمّ السورة، قرأ الحمد و سورة أو بعضها، و هكذا خمس مرّات، ثم يسجد سجدتين إذا انتصب من الركوع الخامس بغير قراءة، ثم يقوم فيعتمد ما فعله أوّلا خمس مرّات، ثم يسجد مرّتين، ثم يتشهد و يسلّم و كلّ قيام لم يكمل فيه السورة إذا انتصب من الركوع بعده تمّم السورة أو بعضها من غير أن يقرأ الحمد.

لقول أحدهما عليهما السلام: «تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الثالثة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الرابعة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللّه لمن حمده، ثم تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولي» قال: قلت:

و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها بينها؟ قال: «أجزأه أمّ الكتاب في أول مرّة، و إن قرأ خمس سور، فمع كلّ سورة أمّ الكتاب»(1).

فروع:
أ: لو قرأ في القيام الأول الحمد و بعض السورة

هل يتعيّن عليه في الثاني الابتداء من الموضع الذي انتهي إليه، أم يجوز له أن يقرأ من أيّ موضع اتفق ؟ الأحوط: الأول.

ب: لو قرأ بعض السورة في الأول هل يجوز له العدول إلي سورة أخري ؟

ظاهر كلامه في المبسوط(2) ذلك، فيتعيّن أن يقرأ الحمد أوّلا علي

ص: 170


1- التهذيب 155:3-333.
2- المبسوط للطوسي 173:1.

إشكال.

ج: لو قرأ بعض السورة في الأول و سوّغنا العدول، أو الابتداء بأيّ موضع شاء، جاز له أن يبتدئ من أول السورة التي قطعها.

و هل تتعيّن حينئذ الفاتحة ؟ إشكال ينشأ: من إجزاء بعضها بغير الحمد فالكلّ أولي، و من وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.

د: الأقرب: وجوب كمال السورة في الخمس

لصيرورتها حينئذ بمنزلة ركعة فيجب فيها الحمد و سورة.

و هل يجوز تفريق سورتين أو ثلاث ؟ إشكال ينشأ: من تجويز قراءة خمس و سورة فجاز الوسط، و من كونها بمنزلة ركعة فلا تجوز الزيادة أو خمس فيجب الخمس. و الأقرب: الجواز.

ه: الأقرب: جواز أن يقرأ في الخمس سورة

و بعض أخري، فإذا قام إلي الثانية، ابتدأ بالحمد وجوبا، لأنّه قيام عن سجود، فوجب فيه الفاتحة، ثم يبتدئ بسورة من أولها، ثم إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها.

و يحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهي إليه أوّلا من غير أن يقرأ الحمد، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معا.

و: الأقرب: أنّه ليس له إذا قرأ في قيام بعض السورة أن يقرأ في القيام الذي بعده بعضا من سورة أخري،

بل إمّا أن يكملها، أو يقرأ من الموضع الذي انتهي إليه بعضها.

ز: يستحب له بعد تكبيرة الافتتاح أن يدعو بالتوجّه

كغيرها من الفرائض.

مسألة 473: يستحب أن يقرأ السور الطوال مع السعة،

مثل:

الكهف و الأنبياء، لقول زرارة و محمد بن مسلم: كان الباقر عليه السلام

ص: 171

يستحب أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر، إلاّ أن يكون إماما يشقّ علي من خلفه(1).

و في رواية أبي بصير: «مثل يس و النور»(2).

و قال الشافعي: يقرأ في الأولي سورة البقرة أو بقدر آيها، و كذا في القيام الثاني، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ بعد الحمد مائة و خمسين آية من البقرة، و في القيام الثاني بقدر مائة آية من البقرة، و لو ضاق الوقت لم تجز الإطالة(3).

مسألة 474: يستحب الإطالة بقدر الكسوف،

و به قال الفقهاء - خلافا لأبي حنيفة(4) - لأنّ عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في المسجد بالناس، و قرأ قراءة طويلة، و ركع ركوعا طويلا(5).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كسفت الشمس في زمن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصلّي بالناس ركعتين، و طوّل حتي غشي علي بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام»(6).

و لأنّ الغاية استدفاع المخوف و طلب ردّ النور، فينبغي الاستمرار باستمراره.

مسألة 475: و يستحب إطالة الركوع و السجود.

ص: 172


1- الكافي 464:3-2، التهذيب 156:3-335.
2- التهذيب 294:3-890.
3- الام 245:1، المجموع 48:5، مختصر المزني: 32، الوجيز 70:1، فتح العزيز 5: 73، حلية العلماء 267:2، بداية المجتهد 212:1.
4- المبسوط للسرخسي 74:2 و 75، اللباب 119:1-120.
5- صحيح مسلم 618:2-619-901، سنن أبي داود 307:1-1180، سنن الترمذي 2: 449-561، سنن النسائي 130:3، سنن ابن ماجة 401:1-1263، سنن الدار قطني 63:2-3، سنن البيهقي 321:3.
6- التهذيب 293:3-885.

أمّا إطالة الركوع: فقال علماؤنا: يستحب أن يكون بقدر قراءته، لأنّ عبد اللّه بن عمر قال في صفة صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: قام قياما طويلا، و ركع ركوعا طويلا(1). و ظاهره المساواة في نظيره.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «و تطيل القنوت علي قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن تجلّي قبل أن تفرغ أتمّ ما بقي»(2).

و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور(3).

و في الآخر: يركع فيسبّح في الأول بقدر مائة آية من سورة البقرة، و في الركوع الثاني بقدر ثلثي الركوع الأول، و في الركوع الثالث - الذي هو أول ركوع الثانية - بقدر سبعين من سورة البقرة، و في الرابع - و هو ثاني الثانية - بقدر خمسين آية من سورة البقرة، لرواية ابن عباس(4)(5).

و قال أبو حنيفة: يركع مثل ركوع الفجر(6).

و أمّا إطالة السجود: فاستحبّه علماؤنا - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(7) - لقول ابن عمر في صفة صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في الكسوف: ثم سجد فلم يكد يرفع(8).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «تطيل الركوع3.

ص: 173


1- سنن أبي داود 310:1-1194، سنن البيهقي 324:3.
2- الكافي 463:3-464-2، التهذيب 156:3-335.
3- المجموع 49:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 79، التفريع 236:1، الشرح الصغير 1: 190، المغني و الشرح الكبير 275:2.
4- صحيح البخاري 46:2، صحيح مسلم 626:2-907، سنن البيهقي 321:3.
5- الام 245:1، مختصر المزني: 32، المهذب للشيرازي 129:1، فتح العزيز 73:5، مغني المحتاج 318:1-319.
6- المبسوط للسرخسي 74:2، الهداية للمرغيناني 88:1، المجموع 62:5، حلية العلماء 268:2، المغني و الشرح الكبير 276:2.
7- المجموع 49:5، المغني و الشرح الكبير 275:2، كشاف القناع 63:2.
8- سنن أبي داود 310:1-1194، سنن البيهقي 324:3.

و السجود»(1).

و قال الشافعي في الآخر: لا يستحب إطالة السجود، لأنّه لم ينقل(2).

و هو ممنوع.

مسألة 476: يستحب له أن يكبّر كلّما انتصب من الركوع،

إلاّ في الخامس و العاشر، فإنّه يقول فيهما: سمع اللّه لمن حمده، عند علمائنا، لأنّ التكبير أعظم و أتمّ في الإجلال فكان أولي.

و لأنّ الركوعات و إن تكرّرت فهي تجري مجري ركعة واحدة، فيكون «سمع اللّه» في آخرها كغيرها من الفرائض.

و قول الصادق عليه السلام: «تركع و تكبّر و ترفع رأسك بالتكبير، إلاّ في الخامسة و العاشرة، تقول: سمع اللّه لمن حمده»(3).

و قال الجمهور: تقول في كلّ رفع: سمع اللّه لمن حمده ربّنا و لك الحمد، لأنّه قيام عن الركوع، فاستحبّ هذا القول كغيرها من الفرائض(4).

و الفرق ما تقدّم.

مسألة 477: يستحب أن يقنت خمس مرّات: في القيام الثاني من الركوعات، و الرابع و السادس و الثامن و العاشر

- خلافا للجمهور، فإنّهم أنكروا القنوت(5) - لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع، ثم في الرابعة و السادسة و الثامنة و العاشرة»(6).

و لأن القنوت مظنّة إجابة الدعاء، فشرّع للحاجة، كما قنت النبي صلّي

ص: 174


1- الكافي 464:3-2، التهذيب 156:3-335.
2- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 49:5، الوجيز 71:1، فتح العزيز 73:5.
3- الكافي 464:3-2، التهذيب 156:3-335 و فيهما عن الإمام الباقر عليه السلام.
4- المجموع 52:5، المغني و الشرح الكبير 275:2.
5- كما في المعتبر للمحقق الحلّي: 218.
6- التهذيب 155:3-156-333.

اللّه عليه و آله، علي المشركين(1).

مسألة 478: يستحب إيقاعها تحت السماء،

لأنّه في موضع سؤال و طلب حاجة ردّ النور، فاستحبت تحت السماء، كغيرها من صلوات الحوائج.

و لأنّه مقام خضوع و استكانة و استعطاف، فشرّع فيها البروز تحت السماء، كالاستسقاء.

و قول الباقر عليه السلام: «و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك(2) بيت فافعل»(3).

و قال الشافعي: يكون في المساجد، و أطلق، و كذا أحمد(4) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلاّها في المسجد(5).

و لأنّ وقته ضيّق، فلو خرج إلي المصلّي احتمل الانجلاء قبل فعلها.

و لا يلزم من صلاته عليه السلام في المسجد منافاة ما قلناه، لأنّ مسجده عليه السلام كان بارزا.

و لا نقول بالخروج إلي المصلّي مع ضيق الوقت، بل أين صلّيت تصلّي تحت السماء.

مسألة 479: يستحب الجهر بالقراءة في الكسوفين عند علمائنا

- و به قال أحمد و أبو يوسف و محمد و إسحاق(6) - لأنّ عائشة قالت: خسفت الشمس

ص: 175


1- صحيح البخاري 32:2، صحيح مسلم 468:1-677، سنن أبي داود 68:2-1442 و 1443، سنن النسائي 200:2، مسند أحمد 196:3.
2- جنّ: ستر. القاموس المحيط 210:4 «جنن».
3- الكافي 463:3-464-2، التهذيب 156:3-157-335.
4- المجموع 44:5، فتح العزيز 75:5، المغني و الشرح الكبير 274:2.
5- صحيح البخاري 43:2، صحيح مسلم 619:2-3، سنن أبي داود 307:1-1180، سنن البيهقي 341:3، سنن الدار قطني 63:2-3.
6- المغني و الشرح الكبير 275:2، المجموع 52:5، بداية المجتهد 212:1، المبسوط للسرخسي 76:2، اللباب 119:1، سبل السلام 507:2، حلية العلماء 268:2.

علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصلّي، و جهر في صلاته بالقراءة(1).

و من طريق الخاصة: قول الشيخ في الخلاف: روي عن علي عليه السلام أنه صلّي لكسوف الشمس، فجهر فيها بالقراءة(2).

قال الشيخ: و عليه إجماع الفرقة(3).

و قال الشافعي: يسر في خسوف الشمس، و يجهر في خسوف القمر - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّ سمرة بن جندب قال: خسفت الشمس فصلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقام أطول قيامه في صلاة قطّ، و لم أسمع له حسّا(5).

و لأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر(6).

و هذا القول عندي لا بأس به، لقول الباقر عليه السلام، في حديث صحيح: «و لا تجهر بالقراءة»(7) و هو أصحّ حديث بلغنا في هذا الباب.».

ص: 176


1- صحيح البخاري 49:2، صحيح مسلم 620:2-5، سنن الترمذي 452:2-563، سنن النسائي 148:3، سنن الدار قطني 63:2-5.
2- الخلاف 681:1 المسألة 455 و انظر: سنن البيهقي 336:3.
3- الخلاف 681:1 المسألة 455.
4- المبسوط للسرخسي 76:2، الهداية للمرغيناني 88:1، الاختيار 91:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 79، التفريع 235:1، بداية المجتهد 212:1، فتح العزيز 76:5، المغني و الشرح الكبير 275:2، حلية العلماء 268:2.
5- سنن أبي داود 308:1-1184، سنن ابن ماجة 402:1-1264، سنن البيهقي 3: 335.
6- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 52:5، فتح العزيز 76:5، حلية العلماء 2: 268، المغني و الشرح الكبير 275:2-276.
7- لم نعثر علي هذه الرواية بهذا اللفظ، بل الموجود في الكافي 463:3-464-2، و التهذيب 156:3-335: رواية زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «.. و تجهر بالقراءة». و قد اختلف كلام المصنف - رحمه اللّه - في هذه المسألة و كيفيّة استدلاله بهذه الرواية: ففي هذا الكتاب خالف ما ذهب إليه علماؤنا، و رجّح قول الشافعي بالسرّ في كسوف الشمس.. مستدلاّ برواية الإمام الباقر عليه السلام و بلفظ «و لا تجهر بالقراءة». و في المنتهي 351:1 أيّد ما ذهب إليه علماؤنا، و استدلّ أيضا بقول الباقر عليه السلام، لكنّه أورده بلفظ «و تجهر بالقراءة».

و علي كلّ تقدير، فإنّ الخلاف في الاستحباب لا الوجوب، فلو جهر في الكسوف و خافت في خسوف القمر، جاز إجماعا.

المطلب الثاني: في الموجب و اللواحق
مسألة 480: كسوف الشمس سبب لهذه الصلاة

إجماعا، وجوبا عندنا، و استحبابا عند الجمهور.

و كذا خسوف القمر عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الحسن و النخعي و الشافعي و أحمد و إسحاق(1) - لقوله عليه السلام: (إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(2) فأمر بالصلاة لهما أمرا واحدا.

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «فصعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله المنبر، فحمد اللّه و أثني عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا انكسفا أو واحدة منهما فصلّوا، ثم نزل فصلّي بالناس صلاة الكسوف»(3).

ص: 177


1- المجموع 44:5، فتح العزيز 69:5، مغني المحتاج 316:1، المغني و الشرح الكبير 2: 273.
2- صحيح البخاري 43:2، صحيح مسلم 630:2-914 و 915، سنن الدار قطني 2: 65-11، سنن البيهقي 320:3.
3- الكافي 208:3-7 و 463-1، التهذيب 154:3-329.

و لأنّه أحد الكسوفين، و هو من الأمور المخوفة، و يطلب فيه ردّ النور، فشرّعت الصلاة له كالشمس.

و قال مالك: ليس لكسوف القمر سنّة(1).

مسألة 481: و تجب هذه الصلاة عند الزلزلة عند علمائنا أجمع

- و به قال أبو ثور و إسحاق و أبو حنيفة لا وجوبا بل استحبابا كالكسوفين(2) - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (إنّ هذه الآيات التي يرسل اللّه لا تكون لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(3).

و لأنّه عليه السلام علّل الكسوف: بأنه آية من آيات اللّه يخوّف بها عباده(4).

و صلّي ابن عباس للزلزلة بالبصرة(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام:

«إنّ صلاة كسوف الشمس و القمر، و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات، و أربع سجدات»(6).

و لأنّ المقتضي - و هو الخوف - موجود هنا، فثبت معلوله.

و قال مالك و الشافعي: لا يصلّي لغير الكسوفين، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يفعله(7).

ص: 178


1- المدونة الكبري 164:1.
2- بدائع الصنائع 282:1، الحجة علي أهل المدينة 324:1، المغني و الشرح الكبير 282:2.
3- صحيح البخاري 48:2، صحيح مسلم 628:2-629-912، سنن النسائي 154:3.
4- صحيح البخاري 48:2، صحيح مسلم 628:2-629-912، سنن النسائي 154:3.
5- مصنف عبد الرزاق 101:3-4929، مصنف ابن أبي شيبة 472:2، سنن البيهقي 3: 343.
6- التهذيب 155:3-333.
7- بلغة السالك 190:1، القوانين الفقهية: 85، الوجيز 72:1، فتح العزيز 84:5-85، حلية العلماء 270:2، المغني 282:2-283، الشرح الكبير 283:2.

و هو ممنوع بما تقدّم

مسألة 482: و تجب هذه الصلاة لأخاويف السماء،

كالظلمة العارضة و الحمرة الشديدة و الرياح العظيمة و الصيحة - و به قال أبو حنيفة استحبابا(1) - لعموم قوله عليه السلام: (إنّ هذه الآيات)(2). و لأنّه علّل الكسوف: بأنّه آية(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتي يسكن»(4).

و لأنّه أمر مخوف، فشرّع فيه الصلاة، كالكسوف.

و قال باقي الجمهور: لا يصلّي لها شيء، لعدم النقل(5). و قد بيّناه.

مسألة 483: وقت صلاة الكسوفين من حين الابتداء في الكسف إلي ابتداء الانجلاء

عند علمائنا، لزوال الحذر.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا انجلي منه شيء فقد انجلي»(6).

و قال أبو حنيفة و الشافعي و احمد: إلي أن ينجلي بكماله(7) ، لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلي ذكر اللّه تعالي، و الصلاة حتي

ص: 179


1- المبسوط للسرخسي 75:2، بدائع الصنائع 282:1، المغني و الشرح الكبير 282:2.
2- صحيح البخاري 48:2، صحيح مسلم 628:2-629-912، سنن النسائي 3: 154.
3- صحيح البخاري 48:2، صحيح مسلم 628:2-629-912، سنن النسائي 3: 154.
4- الكافي 464:3-3، الفقيه 346:1-1529، التهذيب 155:3-330.
5- المغني و الشرح الكبير 283:2، بلغة السالك 190:1، الميزان للشعراني 200:1، حلية العلماء 270:2، الوجيز 72:1، فتح العزيز 84:5-85.
6- الفقيه 347:1-1535، التهذيب 291:3-877.
7- المجموع 54:5، فتح العزيز 79:5، مغني المحتاج 319:1، المغني 280:2، الشرح الكبير 279:2، و انظر: المبسوط للسرخسي 76:2، بدائع الصنائع 282:1، و عمدة القارئ 79:7.

ينجلي)(1).

و لأنّ المطلوب ردّ النور بكماله.

و لأنّه لو انكسف بعضها في الابتداء صلّي لها و كذلك إذا بقي بعضها.

و نحن نقول بموجب الحديث، لأنّه إذا انجلي البعض فقد انجلي.

و الحذر قد زال بسبب الشروع في ردّ النور.

و الفرق بين ابتداء الكسوف و ابتداء الانجلاء ظاهر.

مسألة 484: وقت الرياح المظلمة و الظلمة الشديدة و الحمرة الشديدة:

مدّتها، أما الزلزلة: فإنّ وقتها مدّة العمر، فتصلّي أداء و إن سكنت، لأنّها سبب في الوجوب. و كذا الصيحة. و بالجملة كلّ آية يضيق وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما، أمّا ما نقص عن فعلها وقتا دون آخر، فإنّ وقتها مدّة الفعل، فإن قصر، لم تصلّ.

مسألة 485: إذا علم بالكسوف أو الخسوف، و أهمل الصلاة عمدا أو نسيانا، أعاد

سواء احترق القرص كلّه أو بعضه، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها)(2).

و قوله عليه السلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها)(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «من نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها»(4).

ص: 180


1- مصنف ابن أبي شيبة 468:2، سنن البيهقي 324:3 و 325.
2- أورده المحقق في المعتبر: 235.
3- صحيح البخاري 155:1، صحيح مسلم 477:1-684، مصنف ابن أبي شيبة 2. 64، سنن الدارمي 280:1، سنن أبي داود 119:1-435، سنن النسائي 3:1: و 294، سنن ابن ماجة 228:1-698، سنن الترمذي 334:1-177، سنن الدار قطني 386:1-14، مسند أحمد 100:3.
4- الكافي 292:3-3، التهذيب 266:2-1059 و 159:3-341، الاستبصار 286:1-1046.

و قول الصادق عليه السلام، في صلاة الكسوف: «إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها»(1).

و قال الشيخ: إن احترق البعض و تركها نسيانا، لم يقض(2).

و ليس بجيّد.

و قال الجمهور كافّة: لا قضاء مطلقا، لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلي ذكر اللّه و الصلاة حتي ينجلي)(3) فجعل الانجلاء غاية للصلاة، فلم يصلّ بعده. و لأنّها شرّعت لردّ النور و قد حصل(4).

و الحديث المراد به الأداء. و نمنع العليّة، بل يجوز أن يكون علامة لوجوب الصلاة.

سلّمنا، لكن لا نسلّم أنّ الرغبة إلي ردّه تستلزم عدم الشكر علي الابتداء بردّه.

سلّمنا، لكن ينتقض عندهم بالاستسقاء، فإنّهم يصلّون بعد السقي(5) و إن كانت صلاتهم رغبة في ذلك.

مسألة 486: لو لم يعلم بالكسوف حتي انجلي، فإن كان قد احترق القرص كلّه، وجب القضاء، و إلاّ فلا،

عند علمائنا - إلاّ في قول للمفيد:

إنّه يقضي لو احترق البعض فرادي لا جماعة(6) - لقول الصادق عليه السلام:

«إذا انكسف القمر و لم تعلم حتي أصبحت، ثم بلغك، فإن احترق كلّه،

ص: 181


1- التهذيب 291:3-876، الاستبصار 454:1-1760.
2- المبسوط للطوسي 172:1.
3- مصنف ابن أبي شيبة 468:2، سنن البيهقي 324:3 و 325.
4- الام 244:1، المجموع 54:5، فتح العزيز 79:5، المهذب للشيرازي 129:1، المغني 280:2، الشرح الكبير 279:2، الشرح الصغير 187:1.
5- راجع: المغني 294:2، و المجموع 89:5-90.
6- المقنعة: 35.

فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّه، فلا قضاء عليك»(1).

و قوله عليه السلام: «إذا انكسفت الشمس كلّها و لم تعلم و علمت، فعليك القضاء، و إن لم تحترق كلّها فلا قضاء عليك»(2).

و قال الجمهور: لا قضاء(3) ، لما تقدّم في المسألة السابقة.

و الجواب قد تقدّم.

أمّا جاهل غير الكسوف، مثل الزلزلة و الرياح و الظلمة الشديدة، فالوجه سقوطها عن الجاهل عملا بالأصل السالم عن المعارض.

مسألة 487: لا تسقط هذه الصلاة بغيبوبة الشمس منخسفة،

لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(4) و الأصل البقاء.

و قال الجمهور: لا يصلّي، لأنّها إذا غابت فقد ذهب سلطانها، و فات وقتها، فلم يصلّ لردّها(5).

و هو ممنوع، و نمنع أنّ مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه. مع أنّه اجتهاد، فلا يعارض النصّ. و ينتقض بالقمر عندهم(6).

و لا تسقط صلاة الخسوف بغيبوبة القمر منخسفا إجماعا، لأنّ وقته باق و هو الليل، و الحاجة داعية إليه.

و لا تسقط صلاة الخسوف و الكسوف بستر السحاب إجماعا، لأنّ الأصل بقاؤهما.

و لو طلعت الشمس و القمر منخسف، لم تسقط صلاته، عملا

ص: 182


1- التهذيب 157:3-336.
2- التهذيب 157:3-158-339.
3- أوعزنا الي مصادره في الهامش (4) من الصفحة السابقة.
4- صحيح البخاري 43:2، صحيح مسلم 623:2-10، سنن البيهقي 332:3.
5- الام 244:1، المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5، المهذب للشيرازي 130:1، المغني و الشرح الكبير 280:2.
6- المغني و الشرح الكبير 280:2، المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5.

بالموجب.

و قال الجمهور: تسقط، لفوات وقته، و ذهاب سلطانه(1).

و لو طلع الفجر فكذلك عندنا لا تسقط - و هو الجديد للشافعي(2) - لبقاء سلطانه قبل طلوع الشمس، لقوله تعالي فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (3) فما لم تطلع الشمس فالسلطان باق.

و القديم: لا يصلّي، لذهاب سلطانه بطلوع الفجر، لأنّه من النهار، و الفجر حاجب الشمس(4).

و لو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الفجر صلاّها عندنا، خلافا للشافعي في القديم(5).

و لو كان قد شرع في الصلاة فطلعت الشمس، لم تبطلها إجماعا، لأنّها صلاة مؤقّتة، فلا تبطل بخروج وقتها، و عندنا أنّ وقتها باق.

مسألة 488: و هذه الصلاة مشروعة مع الإمام و عدمه،

عند علمائنا أجمع - و هو قول أكثر العلماء(6) - لعموم الأخبار.

و لأنّ صفوان بن عبد اللّه بن صفوان قال: رأيت ابن عباس علي ظهر زمزم يصلّي الخسوف للشمس و القمر(7). و الظاهر أنّه صلّي منفردا.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في صلاة الكسوف:

ص: 183


1- المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5، المغني و الشرح الكبير 280:2، بلغة السالك 1: 191.
2- المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5.
3- الإسراء: 12.
4- المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5.
5- المجموع 54:5، فتح العزيز 80:5.
6- المغني و الشرح الكبير 273:2.
7- مصنف عبد الرزاق 102:3-103-4934، سنن البيهقي 328:3.

«تصلّي جماعة و فرادي»(1).

و لأنّها صلاة ليس من شرطها البنيان و الاستيطان، فلم يكن من شرطها الجماعة، كغيرها من النوافل.

و قال الثوري و محمد: إن صلّي الإمام صلّوها معه، و لا يصلّون منفردين، لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع و الخطبة، فلا يصلّيها المنفرد كالجمعة(2).

و نمنع العلّيّة، فإنّ الخطبة عندنا ليست مشروعة.

مسألة 489: و تستحبّ الجماعة في هذه الصلاة إجماعا منّا
اشارة

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلاّها في الجماعة(4).

و صلّي ابن عباس خسوف القمر في جماعة في عهد علي عليه السلام(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا انكسفت الشمس و القمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلي الإمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده»(6).

و لأنّ خسوف القمر أحد الكسوفين، فاستحبّت فيه الجماعة كالآخر.

ص: 184


1- التهذيب 292:3-882.
2- المجموع 45:5، المغني و الشرح الكبير 274:2، حلية العلماء 270:2.
3- الام 242:1، المجموع 44:5 و 45، الوجيز 71:1، فتح العزيز 74:5، مغني المحتاج 318:1، بداية المجتهد 210:1، المغني و الشرح الكبير 274:2.
4- صحيح البخاري 43:2، صحيح مسلم 619:2-3، سنن ابن ماجة 1: 401-1263، سنن النسائي 127:3، سنن الدارمي 359:1، سنن أبي داود 1: 306-1177 و 1178، سنن الدار قطني 63:2-3، سنن البيهقي 320:3.
5- سنن البيهقي 338:3.
6- التهذيب 292:3-881.

و قال أبو حنيفة: يصلّون للقمر فرادي في بيوتهم، لأنّ في خروجهم ليلا مشقّة(1).

و ينتقض: بالتراويح.

تذنيب: لو أدرك المأموم الإمام راكعا في الأول، فقد أدرك الركعة.

و لو أدركه في الركوع الثاني، أو الثالث، فالوجه: أنّه فاتته تلك الركعة - و به قال الشافعي(2) - لأن الركوع ركن فيها، و لا يتحمّل الإمام شيئا سوي القراءة، لا فعل الركوع، فحينئذ ينبغي المتابعة حتي يقوم في الثانية، فيستأنف الصلاة معه، فإذا قضي صلاته أتمّ هو الثانية، و يجوز الصبر حتي يبتدئ بالثانية.

و تحتمل المتابعة بنية صحيحة، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو، بل ينتظر الإمام إلي أن يقوم، فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولي، فإذا انتهي إلي الخامس بالنسبة إليه سجد، ثم لحق الإمام، و يتمّ الركعات قبل سجود الثانية.

و الوجه: الأول.

مسألة 490: لا خطبة لهذه الصلاة عند علمائنا أجمع،

و به قال أبو حنيفة، و مالك(3) ، عملا بالأصل السالم عن المعارض.

و لأنّه لو كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، قد خطب، لنقل كما نقلت خطبته في العيد و الجمعة و غيرهما.

و قال الشافعي: تستحب الخطبة بعد الصلاة علي المنبر - و لم يذكر

ص: 185


1- المغني و الشرح الكبير 273:2، المبسوط للسرخسي 75:2-76، اللباب 120:1، الهداية للمرغيناني 88:1.
2- المجموع 61:5، الوجيز 71:1، فتح العزيز 78:5، مغني المحتاج 319:1.
3- الهداية للمرغيناني 88:1، شرح فتح القدير 57:2، اللباب 120:1، بلغة السالك 1: 191، الكافي في فقه أهل المدينة: 80، المنتقي للباجي 327:1، بداية المجتهد 213:1، المجموع 53:5، فتح العزيز 75:5-76، المغني و الشرح الكبير 278:2.

أحمد الخطبة(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا خسفت الشمس صلّي، فوصفت عائشة صلاته إلي أن قالت: فلمّا فرغ و قد تجلّت انصرف و ذكر اللّه تعالي فأثني عليه و قال: (يا أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه تعالي لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه تعالي، و كبّروا و انصرفوا) ثم قال: (يا امّة محمّد ما أحد أغير من اللّه تعالي أن يزني، عبده أو أمته، و اللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا)(2)(3).

و لا حجّة فيه، لتضمّنه الدعاء و التكبير و الإعلام بحكم الكسوف، و ليس ذلك من الخطبة في شيء.

مسألة 491: و تجب هذه الصلاة علي النساء و الرجال و الخناثي،

إجماعا منّا و للعموم.

و عند الجمهور بالاستحباب(4) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر قالت: فزع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يوم كسفت الشمس، فقام قياما، فرأيت المرأة التي أكبر منّي، و المرأة التي أصغر منّي قائمة، فقلت: أنا أحري بالصبر علي طول القيام(5).

إذا ثبت هذا، فإنّه يستحب للعجائز، و من لا هيئة لها الصلاة جماعة مع الرجال، و يكره ذلك للشواب، و يستحب لهنّ الجماعة تصلّي بهنّ

ص: 186


1- انظر: المغني و الشرح الكبير 278:2.
2- صحيح البخاري 42:2-43، صحيح مسلم 618:2-901، سنن النسائي 130:3 - 133، مسند أحمد 164:6، سنن البيهقي 322:3.
3- الام 244:1، المجموع 52:5، فتح العزيز 75:5-76، المغني و الشرح الكبير 2: 278.
4- المجموع 44:5-45، المغني 280:2، الشرح الكبير 273:2، بدائع الصنائع 1: 280، المنتقي للباجي 326:1.
5- صحيح مسلم 625:2-626-906، سنن البيهقي 342:3.

إحداهنّ.

و استحبّه الشافعي مطلقا، لكنه لم يستحبّ الخطبة لو صلّين جماعة، لأنّ الخطبة ليست من سنن النساء، فإن قامت إحداهنّ و ذكّرتهنّ و وعظتهنّ، كان حسنا عنده(1).

و لو حصل رجل في قرية مع النساء و لا رجل سواه، تقدّم و صلّي بهنّ و إن كنّ أجانب - خلافا للشافعي(2) - إلاّ أن يخاف الافتتان، فيصلّين فرادي.

إذا ثبت هذا، فإنّ هذه الصلاة تجب علي المسافر كما تجب علي الحاضر، و ليس الاستيطان، و لا البنيان شرطا فيهما إجماعا، و لا المصر و لا الإمام، للعموم.

مسألة 492: اختلف علماؤنا في الإعادة بعد الفراغ من الصلاة قبل الانجلاء، فالأشهر: استحباب إعادة الصلاة،

لأنّ المقتضي للمشروعية باق.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(3).

و قال آخرون منّا: بالوجوب، لثبوت المقتضي له، و هو: بقاء الكسوف. و لهذا الحديث(4).

و الحقّ خلافه، لأصالة البراءة.

و لقول الباقر عليه السلام: «فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد، و ادع اللّه حتي ينجلي»(5).

و نمنع كون الكسوف سببا، بل علامة و وقتا.

ص: 187


1- الام 246:1، المجموع 59:5.
2- الام 246:1، المجموع 59:5.
3- التهذيب 156:3-334.
4- الذي مرّ آنفا.
5- الكافي 463:3-2، التهذيب 156:3-335.

و الخبر محمول علي الاستحباب، جمعا بين الأدلّة.

و قال آخرون منّا: لا تعاد الصلاة وجوبا و لا استحبابا - و هو قول الجمهور كافة(1) - لأنّه لم ينقل عنه عليه السلام التكرّر.

و لا حجّة فيه، لأنّه عليه السلام كان يطيل الصلاة بقدر زمانه(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ الشافعي استحب الخطبة بعدها(3). و قد أبطلناه.

و يستحب الدعاء و الذكر و الاستغفار و التكبير و التضرع إلي اللّه تعالي، لقوله عليه السلام: (فافزعوا إلي ذكر اللّه تعالي، و دعائه و استغفاره)(4).

و قالت أسماء: كنّا نؤمر بالعتق في الكسوف(5).

و لأنّه تخويف من اللّه تعالي، فينبغي أن يبادر إلي طاعة اللّه ليكشفه عن عباده.

مسألة 493: تصلّي هذه الصلاة في أيّ وقت حصل السبب

و إن كان أحد الأوقات(6) الخمسة المكروهة لابتداء النوافل عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(7) - لأنّها صلاة فرض مؤقتة، فلا يتناولها النهي.

ص: 188


1- الام 244:1، المجموع 54:5، فتح العزيز 71:5، المنتقي للباجي 327:1، المغني و الشرح الكبير 280:2.
2- صحيح البخاري 43:2 و 44 و 46، صحيح مسلم 618:2-901 و 624-905، سنن ابن ماجة 401:1-1263، سنن الدار قطني 63:2-3، سنن البيهقي 321:3 و 323، المستدرك للحاكم 329:1.
3- المهذب للشيرازي 129:1، المجموع 52:5، فتح العزيز 75:5، حلية العلماء 2: 269.
4- سنن النسائي 153:3-154.
5- صحيح البخاري 47:2، سنن أبي داود 310:1-1192، مسند أحمد 354:6.
6- و هي: طلوع الشمس، و غروبها، و قيامها إلي أن تزول، و بعد صلاتي الصبح و العصر.
7- الام 149:1 و 243، المجموع 170:4، فتح العزيز 69:5، بداية المجتهد 213:1، عمدة القاري 62:7 و 79.

و لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها»(2).

و لأنّها ذات سبب، فجاز فعلها في الأوقات الخمسة.

و قال مالك و أبو حنيفة: بالمنع، و عن أحمد روايتان: المنع أشهرهما، لأنّ عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات(3) كان النبي عليه السلام ينهانا أن نصلّي فيها، و أن نقبر موتانا(4)(5).

و هو مختص بالنوافل، و قد بيّنّا وجوب هذه الصلاة.

مسألة 494: لو اتّفق في وقت فريضة حاضرة، فإنّ اتّسع الوقتان، قدّم الحاضرة استحبابا،
اشارة

لشدة اعتناء الشارع بها، و لهذا سوّغ قطع الكسوف و الاشتغال بالحاضرة، فتقديمها أولي.

و لو تضيّق الوقتان، قدّمت الحاضرة وجوبا، لما تقدّم، ثم إن فرّط في صلاة الكسوف بالتأخير مع الإمكان قضي و إلاّ فلا.

و لو تضيّقت إحداهما، تعيّنت للفعل، ثم يصلّي الأخري بعد إكمالها.

و لا يجب مع اتّساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة، لقول الصادق عليه السلام: «خمس صلوات لا تترك علي حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت

ص: 189


1- صحيح البخاري 43:2، صحيح مسلم 623:2-10.
2- الكافي 464:3-4، التهذيب 293:3-886.
3- الساعات الثلاث هي: طلوع الشمس و غروبها و زوالها. و انظر: المصادر في الهامش التالي.
4- صحيح مسلم 568:1-831، سنن ابن ماجة 486:1-1519، سنن الترمذي 3: 348-1030، سنن النسائي 275:1 و 277، مسند أحمد 152:4.
5- بداية المجتهد 213:1، بدائع الصنائع 282:1، فتح العزيز 69:5، المغني 794:1 و 281:2-282، الشرح الكبير 840:1.

أن تحرم، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الكسوف و الجنازة»(1) و لا خلاف فيه.

فروع:

أ: لو تلبّس بصلاة الكسوف و تضيّق وقت الحاضرة و خاف فوتها لو أتمّ الكسوف، قطع إجماعا،

و صلّي بالحاضرة، تحصيلا للفرض.

و لقول الصادق عليه السلام في صلاة الكسوف يخشي فوت الفريضة قال: «اقطعوها و صلّوا الفريضة و عودوا إلي صلاتكم»(2).

و سأله محمد بن مسلم: ربما ابتلينا بعد المغرب قبل العشاء، فإن صلّينا الكسوف، خشينا أن تفوت الفريضة، قال: «إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثم عد فيها»(3).

إذا ثبت هذا، فإذا قطع الكسوف و صلّي الفريضة هل يعود إلي الكسوف من حيث قطع، أو يستأنف الصلاة ؟.

قال الشيخان و المرتضي: بالأول(4) ، للروايتين.

و فيه إشكال ينشأ: من أنّ صلاة الفرض يبطلها العمل الكثير، و دلالة الحديثين ليست قطعيّة، لاحتمال العود إلي ابتداء الصلاة.

ب: لو اشتغل بالكسوف و خشي فوت الحاضرة لو أتمّها و فوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة، احتمل تقديم الحاضرة،

لأولويتها، فيقطع الكسوف و يستأنف.

و إتمام الكسوف، لأولويته بالشروع فيه، و النهي عن إبطال العمل،

ص: 190


1- الكافي 287:3-2، التهذيب 172:2-683.
2- التهذيب 293:3-888.
3- التهذيب 155:3-332.
4- النهاية: 137، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 45:3، و حكاه عن الثلاثة، المحقق في المعتبر: 218.

و مساواته بالحاضرة في الوجوب.

و يحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة و إلاّ استأنف.

ج: لو اتّسع وقت الحاضرة، و شرع القرص في الكسوف، أو حدثت الرياح المظلمة، فالوجه: تقديم الكسوف و الرياح

- و به قال الشافعي(1) - لجواز عدم طول اللبث، فيفوت بالاشتغال بالحاضرة.

د: الزلزلة متأخّرة عن الحاضرة

مطلقا إن قلنا: وقتها العمر. و إن قلنا:

وقتها حدوثها، فتجب و إن سكنت، كما قال بعض علمائنا(2) ، و كالكسوف.

ه: لو اتّفقت مع صلاة منذورة موقّتة، بدأ بما يخشي فواته،

و لو أمن فواتهما، تخيّر فيهما.

و: الكسوف أولي من النافلة الموقّتة كصلاة الليل

و غيرها و إن خرج وقتها، ثم يقضي ندبا.

ز: لو اجتمع الكسوف و العيد و صلاة الجنازة و الاستسقاء، قدّم من الفرائض ما يخشي فواته

أو التغيّر، و إن تساويا، تخيّر، أمّا الاستسقاء فتؤخّر، لأنّ المندوب لا يزاحم الواجب.

و قال الشافعي: تقدّم الجنازة، لأنّها فرض، و للخوف من التغيّر، ثم الخسوف، لتعلّقها بسبب يخاف فواته، إلاّ أن تتضيّق العيد فتقدّم، لأنّ فواته متحقّق و فوات الخسوف غير متحقّق، ثم الاستسقاء، لأنّها تصلّي في أيّ وقت كان(3).

لا يقال: لا يمكن اجتماع العيد و الكسوف، لأنّ الشمس لا تنكسف في العادة إلاّ في التاسع و العشرين من الشهر، فلا يتصوّر كونه في الفطر و لا الأضحي.5.

ص: 191


1- المهذب للشيرازي 130:1، المجموع 55:5 و 56، فتح العزيز 81:5، الام 243:1.
2- قاله المحقق في شرائع الإسلام 103:1.
3- الام 243:1، مختصر المزني: 32، المجموع 57:5.

لأنّا نقول: نمنع عدم الإمكان، و العادة لا تخرج نقيضها عن حدّ الإمكان، و اللّه علي كلّ شيء قدير، و الفقهاء يفرضون الممكن و إن لم يقع عادة ليبيّنوا الأحكام المنوطة به، كما يفرضون مائة جدّة و ما أشبه ذلك.

ثم هذا لا يرد علينا، لأنّ هذه الصلاة لا تختص بكسوف الشمس، بل هي واجبة لباقي الآيات الخارجة عن الضابط الزماني.

ح: لو خاف خروج وقت العيد، قدّمت صلاته

و لم يخطب لها حتي يصلّي الخسوف، فإذا صلّي الخسوف، خطب للعيد خاصة عندنا - و عند الشافعي يخطب لهما(1) - و ذكر ما يحتاج إلي ذكره لهما.

ط: لو اجتمع الخسوف و الجمعة، فإن اتّسع وقت الجمعة، بدأ بالخسوف،

و يقصّر في قراءته، فيقرأ السور القصار، فإذا فرغ، اشتغل بخطبة الجمعة خاصة.

و قال الشافعي: يخطب للخسوف و الجمعة، ثم يصلّي الجمعة(2).

و لو تضيّق الوقت، بدأ بالخطبة للجمعة مخفّفة، ثم بالجمعة ثم بالخسوف.

ي: لو كان في الموقف حالة الكسوف، قدّمت صلاته علي الدعاء

و لا خطبة.

و قال الشافعي: يخطب راكبا و يدعو(3).

و إن كسفت و هو في الموضع الذي يصلّي فيه الظهر، قدّمت صلاته علي الدفع إلي عرفة لئلاّ تفوته.

يا: لو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة و هو بها، صلّي صلاة الخسوف

و إن كان يؤدّي إلي ان يفوته الدفع منها إلي مني قبل طلوع الشمس.8.

ص: 192


1- المجموع 57:5، فتح العزيز 82:5.
2- الام 243:1، المجموع 57:5، حلية العلماء 269:2، فتح العزيز 82:5.
3- الام 244:1، المجموع 57:5-58.

و يستحب التخفيف ليدفع قبله.

يب: لو خسفت الشمس يوم الثامن بمكة، و خاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته فعل الظهر بمني، قدّم صلاة الخسوف،

لأنّها واجبة، بخلاف فعل الظهر بمني.

يج: لو اتّفق الكسوف مع نافلة، قدّم الكسوف

و لو فاتت النافلة، راتبة كانت أو لم تكن عند علمائنا، لأنّها واجبة.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن صلاة الكسوف و صلاة الليل بأيّتهما نبدأ؟: «صلّ صلاة الكسوف، و اقض صلاة الليل حين تصبح»(1).

و قال أحمد: يقدّم أكدهما(2) ، و هو بناء علي أنّ صلاة الكسوف مندوبة، و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 495: قال الشيخ: صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر سواء

مسألة 495: قال الشيخ: صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر سواء(3). و هو صحيح إن قصد المساواة في الهيئة، أمّا في الإطالة ففيه نظر، لقول الباقر عليه السلام: «صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر، و هما سواء في القراءة و الركوع و السجود»(4).

مسألة 496: لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة، لم تجب،

بخلاف الزلزلة، فإنّها سبب في الوجوب لا وقت له.

(و لو اتّسع لركعة و قصر عن أخفّ صلاة، ففي الوجوب إشكال ينشأ:

من قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)(5) و من

ص: 193


1- التهذيب 155:3-332.
2- المغني و الشرح الكبير 280:2.
3- الخلاف 682:1 مسألة 457.
4- الكافي 463:3-464-2، التهذيب 156:3-157-335.
5- صحيح البخاري 151:1، صحيح مسلم 423:1-607، سنن ابن ماجة 356:1-1123، سنن الدارمي 277:1، سنن النسائي 274:1، الموطأ 10:1-15، سنن الترمذي 403:2-524.

استحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلا، إلاّ أن يكون القصد القضاء، و لم يثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المكلّفين بها في الابتداء و خرج الوقت و قد أكمل ركعة، فعلي الأوّل يجب عليه الإكمال، و علي الثاني لا يجب، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء علي التقديرين) [1].

إذا ثبت هذا، فلو ضاق الوقت عن العدد، لم يجز الاقتصار علي الأقلّ.

و لو اتّسع للأكثر، لم تجز الزيادة، لأنّها فريضة معيّنة.

و للشافعي في كلّ من التقديرين وجهان(1).

مسألة 497: لا يجوز أن تصلّي هذه الصلاة علي الراحلة اختيارا

و لا مشيا إلاّ مع الضرورة عند علمائنا - خلافا للجمهور - لأنّها فريضة فلا تجوز علي الراحلة و مشيا اختيارا، كغيرها من الفرائض.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض علي الراحلة ؟ فقال: «لا»(2).

أمّا مع الضرورة فتجوز، دفعا للمشقّة، كغيرها من الفرائض.

و كتب علي بن فضل الواسطي إلي الرضا عليه السلام: إذا كسفت

ص: 194


1- المجموع 47:5-48، فتح العزيز 71:5.
2- التهذيب 308:3-954.

الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر علي النزول، فكتب عليه السلام: «صلّ علي مركبك الذي أنت عليه»(1).

مسألة 498: هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضا،

أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم: إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ: من عدم التنصيص، و خفائه، إذ الحسّ لا يدلّ عليه، و إنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم، و من كونه آية مخوفة، فتشارك النيّرين في الحكم.

و الأول أقوي.

ص: 195


1- الكافي 465:3-7، الفقيه 346:1-531، التهذيب 291:3-878، قرب الإسناد: 174.

ص: 196

الفصل الرابع: في صلاة النذر
مسألة 499: صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعا.

و لقوله تعالي يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (1) و قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (3) و لقوله تعالي وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (4).

و يشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة و الاستقبال و غيرهما إجماعا إلاّ الوقت، و تزيد الصفات التي عيّنها في نذره، و لا يجب لو وقع في معصية، لقبحه إلاّ علي وجه الزجر، و سيأتي.

و لو عيّن الزمان، تعيّن سواء كان فيه مزية كيوم الجمعة و غيره من الأوقات الشريفة، أو لا، لأنّ البقاء غير معلوم، و التقدّم فعل للواجب قبل وجوبه، فلا يقع مجزئا، كما لو صلّي الفرض قبل وقته، فتعيّن.

و لو قيّده بوقت مكروه للنوافل، فالأقرب الانعقاد، لاختصاص الكراهة

ص: 197


1- الإنسان: 7.
2- المائدة: 1.
3- الإسراء: 34.
4- النحل: 91.

بالنوافل، و هذه بالنذر خرجت عن كونها نافلة، و صارت واجبة ذات سبب.

مسألة 500: لو قيّد نذر الصلاة بزمان فأوقعها في غيره، فقد بيّنّا عدم الإجزاء.

ثم إن كان الفعل متقدّما علي الزمان، وجب عليه الإعادة عند حضور الزمان، فإن أهمل وجب القضاء و كفّارة خلف النذر.

و إن تأخّر الفعل، فإن كان لعذر أجزأ و لا كفّارة، و إن كان لغير عذر، فإن أوقعه بنيّة القضاء، أجزأ و كفّر، و إلاّ وجب عليه الفعل ثانيا و الكفّارة.

و لو نذر إيقاعه في زمان يتكرّر مثله كيوم الجمعة، لم يجب في الجمعة الأولي إلاّ مع النذر، بل يجزئه فعلها في أيّ جمعة شاء، فإن أوقعها في خميس مثلا لم يجزئه، و وجب إيقاعها في الجمعة الأخري أداء لا قضاء.

مسألة 501: لو قيّد نذر الصلاة بمكان، فإن كان له مزيّة، تعيّن

كالمسجد.

و إن لم يكن له مزيّة، ففي وجوب القيد نظر ينشأ: من أنّه نذر طاعة في موضع مباح فيجب، و من أنّ القيد لا مزيّة فيه فلا تجب، كما لو نذر المشي و لم يعيّن مقصدا، و هو الأقرب، فيجوز إيقاعها حينئذ في أيّ موضع شاء.

أمّا لو كان له مزيّة، فصلاّها في مكان مزيّته أعلي، فالأقرب: الجواز، إذ زيادة المزية بالنسبة إلي الآخر كذي المزية بالنسبة إلي غير ذي المزيّة.

و يحتمل العدم، لأنّه نذر انعقد، فلا يجوز غيره، فإن قلنا بالجواز فلا بحث، و إلاّ وجب القضاء.

و لو قيّده بزمان و مكان، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان ممّا يساويه أو يزيد عليه في المزيّة، أجزأ علي إشكال، و إلاّ وجب القضاء في ذلك المكان بعينه، و الكفّارة، لفوات الوقت.

مسألة 502: لو أطلق العدد، أجزأه ركعتان إجماعا.

و هل تجزئه الواحدة ؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: ذلك، للتعبّد بمثلها

ص: 198

في الوتر. و الآخر: المنع، صرفا للإطلاق إلي المتعارف و هو الركعتان.

و لو صلاّها ثلاثا أو أربعا، أجزأ إجماعا، و في وجوب التشهّدين إشكال. و لو صلاّها خمسا فإشكال.

و لو قيّد نذره بعدد، تعيّن إن تعبّد بمثله.

ثم إن أطلق، احتمل وجوب التسليم عقيب كلّ ركعتين، و وجوبه عقيب أربع أو ما زاد علي إشكال.

و إن لم يتعبّد بمثله، كالخمس و الست، قال ابن إدريس: لا ينعقد(1).

و يحتمل انعقاده، لأنّها عبادة، و عدم التعبّد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادة.

مسألة 503: لو قيّد النذر بقراءة سورة معيّنة، أو آيات مخصوصة، أو تسبيح معلوم، تعيّن،

فيعيد مع المخالفة، فإن كان مقيّدا بوقت و خرج، أعاد و كفّر.

و لو نذر أن يقرأ آيات معيّنة عوض السورة ففي الإجزاء نظر ينشأ: من أنّها واجبة، فتجب السورة مع الحمد كغيرها من الفرائض، و من أنّ وجوبها علي هذا الحدّ فلا يجب غيره، فعلي الأول يحتمل عدم انعقاد النذر مطلقا، كما لو نذر صلاة بغير طهارة، و انعقاده فتجب سورة كاملة.

و لو نذر آيات من سورة معيّنة عوض السورة، و قلنا بوجوب السورة في الأول، وجب هنا عين تلك السورة ليدخل ما نذره ضمنا، و يحتمل إجزاء غيرها، لعدم انعقاد النذر في التبعيض.

مسألة 504: لو نذر النافلة في وقتها، صارت واجبة،

فلو نذر صلاة العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما، لزم، و لو نذرهما في غير وقتهما،

ص: 199


1- السرائر: 357.

فالأقرب: عدم الانعقاد، لعدم التعبّد بمثله في هذا الوقت. و يحتمل الانعقاد، لأنّها طاعة تعبّد بمثلها في وقت ما، فكذا في غيرها.

و لو نذر إحدي المرغّبات، وجبت، فإن كانت مقيّدة بوقت، تقيّد النذر به و إن أطلقه، كما لو نذر نافلة الظهر، و إلاّ فلا، و لو كان الوقت مستحبّا لها، كصلاة التسبيح المستحب إيقاعها يوم الجمعة، لم ينعقد إلاّ مع تقيّد النذر به.

و لو نذر صلاة الليل، وجب ثمان ركعات، و لا يجب الدعاء. و كذا لو نذر نافلة رمضان، لم يجب الدعاء المتخلّل بينها إلاّ مع التقييد.

و لو نذر الفريضة اليومية، فالوجه الانعقاد، لأنّها طاعة، بل أقوي الطاعات لوجوبها، و الفائدة: وجوب الكفّارة مع المخالفة.

مسألة 505: لو نذر النافلة علي الراحلة، انعقد

المطلق لا المقيّد، لأولويّة غيره. و كذا لو نذر الصلاة النافلة في إحدي الأماكن المكروهة. و لو فعل ما قيّد النذر به، أجزأه، إذ غيره لم يجب، لعدم نذره.

و لو نذر التنفّل جالسا أو مستدبرا، فإن أوجبنا القيام أو الاستقبال، احتمل بطلان النذر، كما لو نذر الصلاة بغير طهارة، و الانعقاد للمطلق، فيجب الضّد.

و إن جوّزنا إيقاعها جالسا أو مستدبرا، أجزأ لو فعلها عليهما أو قائما أو مستقبلا.

و اليمين و العهد في ذلك كلّه كالنذر.

ص: 200

الفصل الخامس: في صلاة الاستسقاء
اشارة

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا غضب اللّه تعالي علي امّة ثم لم ينزل بها العذاب، غلت أسعارها، و قصرت أعمارها، و لم تربح تجّارها، و لم تزك ثمارها، و لم تعذب أنهارها، و حبس عنها أمطارها، و سلّط عليها أشرارها)(1).

و قال الصادق عليه السلام: «إذا فشت أربعة، ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا، ظهرت الزلازل، و إذا أمسكت الزكاة، هلكت الماشية، و إذا جار الحكّام في القضاء، أمسك القطر من السماء، و إذا خفرت الذمة، نصر المشركون علي المسلمين»(2).

مسألة 506: الاستسقاء مشروع بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ إِذِ اسْتَسْقي مُوسي لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ (3).

و قال تعالي فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (4).

ص: 201


1- الفقيه 332:1-1492، التهذيب 148:3-319.
2- الفقيه 332:1-1491، التهذيب 147:3-148-318.
3- البقرة: 60.
4- نوح: 10 و 11.

و قال ابن عباس: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في الاستسقاء متبذلا متواضعا متضرّعا حتي أتي المصلّي(1).

و روي أنس قال: أصاب أهل المدينة قحط، فبينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يخطب إذ قام رجل، فقال: هلك الكراع و الشاء، فادع اللّه أن يسقينا، فمدّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يديه و دعا، قال أنس: و السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عزاليها [1]، فخرجنا نخوض الماء حتي أتينا قبل منازلنا، فلم تزل تمطر إلي الجمعة الأخري، فقام إليه الرجل أو غيره، فقال: يا رسول اللّه تهدّمت البيوت و احتبس الركبان، فادع اللّه أن يحبسه، فتبسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم قال:

(اللهم حوالينا و لا علينا) فنظرت إلي السماء تنصدع حول المدينة كأنه إكليل(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلّي الاستسقاء ركعتين»(3) الحديث.

و صلّي أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الاستسقاء، و خطب طويلا، ثم بكي و قال: «سيدي انصاحت جبالنا، و أغبرت أرضنا، و هامت دوابّنا، و قنط ناس منّا، و تاهت البهائم و تحيّرت في مراتعها، و عجّت عجيج الثكلي علي أولادها، و ملت الدوران في مراتعها [حين](4) حبست عنها قطر السماء، فرقّ لذلك عظمها، و دقّ لحمها، و ذاب شحمها، و انقطع درّها، اللهم ارحم أنينل.

ص: 202


1- سنن أبي داود 302:1-1165، سنن ابن ماجة 403:1-1266، سنن الترمذي 2: 445-558، سنن النسائي 163:3، مسند أحمد 355:1، سنن الدار قطني 2: 68-11، المستدرك للحاكم 326:1، سنن البيهقي 344:3.
2- سنن أبي داود 304:1-1174، سنن البيهقي 356:3.
3- الفقيه 338:1-1505، التهذيب 150:3-326، الإستبصار 451:1-1748.
4- زيادة من المصدر، و وردت في الطبعة الحجرية بعنوان نسخة بدل.

الآنة و حنين الحانة، و ارحم تحيّرها في مراتعها، و أنينها في مرابضها»(1).

و قال الصادق عليه السلام: «إنّ سليمان بن داود عليه السلام، خرج ذات يوم مع أصحابه ليستقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلي السماء و هي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك، لا غني بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، فقال سليمان عليه السلام، لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم»(2).

و أجمع المسلمون كافة علي مشروعية الاستسقاء و إن اختلفوا في كيفيّته علي ما يأتي.

مسألة 507: و يستحب فيه الصلاة عند قلّة الأمطار و غور الأنهار و الآبار

و الجدب، عند علمائنا كافة - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن المسيب و مكحول و الشافعي و أحمد و محمد و أبو يوسف(3) - لما تقدّم من الأحاديث.

و لما رواه الجمهور عن الصادق عن الباقر عليهما السلام: «أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء»(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام في الاستسقاء: «يصلّي ركعتين»(5).

و قال أبو حنيفة: لا صلاة للاستسقاء، و إنّما هو دعاء و استغفار، و الصلاة بدعة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله استسقي علي المنبر، و لم يصلّ

ص: 203


1- التهذيب 154:3-328، مصباح المتهجد: 477، الفقيه 338:1-1504.
2- الفقيه 333:1-1493.
3- الام 246:1، المهذب للشيرازي 130:1، المجموع 64:5، الوجيز 72:1، فتح العزيز 87:5، الميزان للشعراني 20:1، المغني و الشرح الكبير 283:2، بداية المجتهد 1: 214-215.
4- مصنف عبد الرزاق 85:3-4895، و نقله ابنا قدامة في المغني 284:2 و الشرح الكبير 284:2-285.
5- التهذيب 148:3-321.

لها(1).

و كذلك عمر استسقي بالعباس عام الرمادة(2) ، فأخذ بضبعي العباس و أشخصه قائما، و أومأ به نحو السماء، فقال: اللهم إنّا جئناك نستسقيك، و نستشفع إليك بعمّ نبيك. فما انقضي قوله و الناس ينظرون إليهما و إلي السماء حتي نشأت سحابة فلم يلبث أن طبقت الأفق ثم أرسلت عزاليها، فما رجعوا إلي رحالهم حتي بلّهم الغيث(3)(4).

و لا حجّة فيه، لأنّها ليست واجبة، و الغرض بها إرسال الغيث، فإذا حصل، سقط سبب الاستحباب. مع أنه عليه السلام، لم يصلّ يوم الجمعة لاشتغاله بالجمعة، و هذه الصلاة ليست واجبة بالإجماع.

مسألة 508: و هي ركعتان يقرأ في كلّ واحدة: الحمد و سورة، و يكبّر فيهما مثل تكبير العيد،

عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد ابن المسيب و مكحول و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أحمد في أشهر الروايتين(5) - لأنّ الصادق عليه السلام روي عن الباقر عليه السلام: «أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء، يكبّرون فيها سبعا و خمسا»(6).

ص: 204


1- صحيح البخاري 34:2 و 35، صحيح مسلم 612:2-897، سنن أبي داود 1: 304-1174، مصنف عبد الرزاق 91:3-4909 و 92-4911، سنن البيهقي 353:3 و 354 و 356.
2- الرمادة: الهلاك. و عام الرمادة كانت سنة جدب و قحط في عهد عمر. النهاية لابن الأثير 2: 262.
3- صحيح البخاري 34:2، سنن البيهقي 352:3 باختصار فيهما.
4- المبسوط للسرخسي 76:2، بدائع الصنائع 282:1، اللباب 120:1، الهداية للمرغيناني 88:1، عمدة القارئ 25:7، المجموع 100:5، المغني 285:2، الشرح الكبير 283:2.
5- الام 250:1، المجموع 74:5، اللباب 121:1، المغني و الشرح الكبير 284:2، حلية العلماء 273:2.
6- مصنف عبد الرزاق 85:3-4895، و نقله ابنا قدامة في المغني 284:2، و الشرح الكبير 284:2-285.

و قال ابن عباس: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله متبذلا، متواضعا حتي أتي المصلّي، فصلّي ركعتين كما يصلّي في العيد(1).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلّي للاستسقاء ركعتين، و بدأ بهما قبل الخطبة، و كبّر سبعا و خمسا، و جهر بالقراءة»(2).

و قال مالك: يصلّي ركعتين بلا تكبير زائد - و هي الرواية الأخري عن أحمد، و قول الأوزاعي و أبي ثور و إسحاق - لأنّ أبا هريرة قال: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، خرج للاستسقاء، فصلّي ركعتين(3)(4).

و ليس حجّة، إذ لم يبيّن الكيفية، و الإطلاق لا ينافي التفصيل.

مسألة 509: قال الشيخ: و يقرأ فيهما أيّ سورة شاء

مسألة 509: قال الشيخ: و يقرأ فيهما أيّ سورة شاء(5) ،

لعدم و التنصيص.

و يحتمل أن يقرأ، كما يقرأ في العيد، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن كيفيّة صلاة الاستسقاء: «مثل صلاة العيدين»(6).

و قال الشافعي: يقرأ في الأولي بسورة (ق)، و في الثانية (اقتربت)

ص: 205


1- سنن أبي داود 302:1-1165، سنن ابن ماجة 403:1-1266، سنن الترمذي 2: 445-558، سنن النسائي 156:3-157 و 163، مسند أحمد 355:1، سنن البيهقي 344:3، سنن الدار قطني 68:2-11، المستدرك للحاكم 326:1-327، مصنف عبد الرزاق 84:3-4893.
2- التهذيب 150:3-326، الاستبصار 451:1-1748.
3- سنن الترمذي 244:2-556، سنن ابن ماجة 403:1-1268، سنن البيهقي 347:3.
4- المغني 284:2-285، الشرح الكبير 285:2، المدوّنة الكبري 166:1، بداية المجتهد 215:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 81، المجموع 103:5، حلية العلماء 274:2.
5- النهاية: 138، المبسوط للطوسي 134:1.
6- الكافي 462:3-2، التهذيب 149:3-323، الإستبصار 452:1-1750.

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر و الأضحي(1).

و قال بعض أصحابه: يقرأ في الثانية بسورة نوح، لأنّ فيها ذكر الاستسقاء(2).

و روي الجمهور عن أنس أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقرأ - في العيدين و الاستسقاء - في الأولي بفاتحة الكتاب، و سبّح اسم ربك الأعلي، و في الثانية بفاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية(3).

مسألة 510: و يقنت عقيب كلّ تكبيرة زائدة كما في العيد،

إلاّ أنّه يدعو هنا بالاستعطاف و سؤال الرحمة و إنزال الغيث و توفير المياه.

و أفضل ما يقال: الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، لأنّهم أعرف بكيفيات العبادات.

مسألة 511: و يستحب الصوم لهذه الصلاة ثلاثة أيام،

فيخطب الإمام يوم الجمعة و يشعر الناس بفعلها، و يأمرهم بصوم ثلاثة أيام: السبت و الأحد و يخرج بهم يوم الاثنين و هم صيام، و إن شاء خرج بهم يوم الجمعة، فيصوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة، عند علمائنا، لأنّ دعاء الصائم في مظنّة الإجابة.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (دعوة الصائم لا تردّ)(4).

و قال حمّاد السرّاج: أرسلني محمد بن خالد إلي الصادق عليه السلام يقول له: إنّ الناس قد كثّروا عليّ في الاستسقاء، فما رأيك في الخروج غدا؟

ص: 206


1- الام 237:1، المجموع 74:5، فتح العزيز 97:5، حلية العلماء 274:2.
2- الام 237:1، المجموع 74:5، فتح العزيز 97:5، المهذب للشيرازي 131:1، حلية العلماء 274:2.
3- نقله ابن قدامة في المغني 285:2 عن غريب الحديث لابن قتيبة.
4- سنن ابن ماجة 557:1-1752 و 1753، مسند أحمد 305:2 و 445، سنن البيهقي 345:3.

فقلت ذلك للصادق عليه السلام، فقال لي: «قل له: ليس الاستسقاء هكذا، قل له: يخرج فيخطب الناس، و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا، و يخرج بهم يوم الثالث و هم صيام» قال: فأتيت محمّدا فأخبرته بمقالة الصادق عليه السلام، فجاء فخطب بالناس، و أمرهم بالصيام كما قال الصادق عليه السلام، فلمّا كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج ؟ و في رواية اخري: أنّه أمره أن يخرج يوم الاثنين فيستسقي(1).

و قال الشافعي: يصوم ثلاثة أيام ثم يخرج يوم الرابع صائما(2) ، لقوله عليه السلام: (دعوة الصائم لا تردّ)(3).

و لا حجّة فيه، و الأصل سقوط التكليف، و أهل البيت عليهم السلام أعرف بالأحكام.

مسألة 512: و يستحب الإصحار بها إجماعا،

إلاّ من أبي حنيفة، فإنّه قال: لا يسنّ الخروج، لأنّ النبي عليه السلام استسقي علي المنبر يوم الجمعة(4)(5).

و لا يعتدّ بخلافه إلاّ بمكّة، فإنّه يصلّي في المسجد الحرام، لأنّ عبد اللّه ابن زيد قال: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، خرج بالناس إلي المصلّي يستسقي(6).

و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «مضت السنّة أنّه

ص: 207


1- التهذيب 148:3-320.
2- الام 248:1، المهذب للشيرازي 130:1، المجموع 70:5، فتح العزيز 91:5-92، مغني المحتاج 321:2-322.
3- سنن ابن ماجة 557:1-1752 و 1753، مسند أحمد 305:2 و 445، سنن البيهقي 345:3.
4- صحيح مسلم 614:2-9، سنن البيهقي 353:3.
5- المغني 285:2، الشرح الكبير 283:2.
6- صحيح مسلم 611:2-3، سنن النسائي 155:3، سنن البيهقي 344:3.

لا يستسقي إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلي السماء، و لا يستسقي في المساجد إلاّ بمكة»(1).

و لأنّه يستحب إخراج النساء و الأطفال و البهائم و لا يحمل ذلك إلاّ المصلّي.

و لأنّهم في المصلّي في الصحراء يعلمون ما ينشأ من السحاب، أو يجيء من المطر.

و هل يخرج المنبر معه ؟ قال المرتضي: نعم(2) ، و به قال الشافعي(3) ، لرواية عائشة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أخرج المنبر(4) ، و لم يخرجه في العيد، بل خطب علي بعيره(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام لمحمد بن خالد:

«يخرج المنبر ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين، و بين يديه المؤذّنون في أيديهم عنزهم حتي إذا انتهي إلي المصلّي صلّي بالناس ركعتين بغير أذان و لا إقامة»(6).

و قال بعض علمائنا: لا يخرج بل يعمل شبه المنبر من طين(7).

مسألة 513: يستحب أن يخرج الناس حفاة علي سكينة و وقار،

لأنّه أبلغ في التذلّل و الخضوع.

و لقول الصادق عليه السلام: «يخرج كما يخرج في العيدين»(8).

ص: 208


1- التهذيب 150:3-325، قرب الإسناد: 64.
2- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 72.
3- الام 249:1.
4- سنن أبي داود 304:1-1173.
5- سنن البيهقي 298:3.
6- الكافي 462:3-1، التهذيب 148:3-149-322.
7- ذهب إليه ابن إدريس في السرائر: 72، و نسبه أيضا الي بعض أصحابنا.
8- الكافي 462:3-1، التهذيب 148:3-149-322.

و يستحب أن يتنظّف الخارج بالماء و ما يقطع الرائحة من سواك و غيره، لئلاّ يتأذّي غيره برائحته. و لا يتطيّب، لأنّ التطيّب للزينة و ليس يوم زينة.

و يخرج في ثياب بذلته و تواضعه و لا يجدّد.

و لأنّ النبي عليه السلام، خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا(1).

و يكون مشيه و جلوسه و كلامه في تواضع و استكانة.

مسألة 514: يستحب الخروج لكافة الناس، لأنّ اجتماع القلوب علي الدعاء مظنة الإجابة.

و يخرج الإمام من كان ذا دين و صلاح و شرف(2) و عفاف و علم و زهد، لأنّ دعاءهم أقرب إلي الإجابة.

و يخرج الشيوخ و العجائز و الأطفال، لأنّهم أقرب إلي الرحمة و أسرع للإجابة، لقوله عليه السلام: (لو لا أطفال رضّع، و شيوخ ركّع، و بهائم رتّع(3) ، لصبّ عليكم العذاب صبّا)(4).

و قال عليه السلام: (إذا بلغ الرجل ثمانين سنة، غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر)(5).

و لا تخرج الشواب من النساء ليؤمن الافتتان بهنّ.

و يمنع الكفّار من الخروج معهم و إن كانوا أهل ذمة، لأنّهم مغضوب

ص: 209


1- سنن أبي داود 302:1-1165، سنن ابن ماجة 403:1-1266، سنن الترمذي 2: 445-558، سنن النسائي 156:3، سنن البيهقي 344:3، مسند أحمد 355:1، المحرر في الحديث 296:1-493، موارد الظمآن: 159-603.
2- في «م»: و ستر.
3- رتعت الماشية: أكلت ما شاءت. الصحاح 1216:3 «رتع».
4- سنن البيهقي 345:3، الجامع الصغير للسيوطي 443:2-7523، نثر الدر 153:1، مجمع الزوائد 227:10 نقلا عن البزار و الطبراني في الأوسط.
5- مسند أحمد 89:2 و فيه: التسعين، بدل ثمانين، و في الخصال للصدوق: 545-21 بلفظ: (من عمّر ثمانين..).

عليهم و ليسوا أهلا للإجابة.

و لقوله تعالي وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (1).

و لأنّه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعمّ من حضرهم، فإنّ قوم عاد استسقوا، فأرسل اللّه تعالي عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم.

و قال إسحاق: لا بأس بإخراج أهل الذمة مع المسلمين - و به قال مكحول و الأوزاعي و الشافعي في قول - لأنّ اللّه تعالي ضمن أرزاقهم، كما ضمن أرزاق المؤمنين، فجاز أن يخرجوا ليطلبوا رزقهم(2).

و قال الشافعي و أحمد: يكره للإمام إخراجهم، فإن خرجوا، لم يمنعوا لكن لا يختلطون بنا(3).

قال الشافعي: و لا أكره من اختلاط صبيانهم بنا ما أكره من اختلاط رجالهم، لأن كفرهم تبع لآبائهم لا عن عناد و اعتقاد(4).

و الحقّ ما قلناه أوّلا.

و كذا يكره إخراج المتظاهر بالفسق و الخلاعة، و المنكر من أهل الإسلام.

و يخرج معهم البهائم، لأنّهم في مظنة الرحمة و طلب الرزق مع انتفاء الذنب.

و لقوله عليه السلام: (و بهائم رتّع)(5) فجعلها سببا في دفع العذاب.

و قال الشافعي: لا آمر بإخراجها، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم9.

ص: 210


1- الرعد: 14.
2- الوجيز 72:1، المجموع 72:5، حلية العلماء 273:2، مغني المحتاج 323:1.
3- المهذب للشيرازي 131:1، المجموع 71:5 و 72، فتح العزيز 95:5، الام 248:1، حلية العلماء 273:2.
4- الام 248:1، المجموع 71:5 و 72.
5- تقدمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (4) من ص 209.

يخرجها، فإن أخرجت فلا بأس(1).

و لا حجّة في الترك، للاكتفاء به صلّي اللّه عليه و آله، عن كلّ أحد.

و قال بعض الشافعية: يخرجهم لعلّ اللّه أن يرحمها(2).

و لأنّ سليمان عليه السلام خرج ليستسقي فرأي نملة قد استلقت علي ظهرها و هي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك (لا غني بنا)(3) عن رزقك، فقال سليمان عليه السلام: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم(4).

و يأمر السادة بإخراج عبيدهم و عجائزهم و إمائهم ليكثر الناس، و التضرّع و الاستغفار، و يأمرهم الإمام بالخروج من المظالم، و الاستغفار من المعاصي، و الصدقة، و ترك التشاجر ليكون أقرب لإجابتهم، فإنّ المعاصي سبب الجدب، و الطاعة سبب البركة.

قال اللّه تعالي وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (5).

و يفرّق بين الأطفال و أمّهاتهم ليكثروا البكاء و الخشوع بين يدي اللّه تعالي، فيكون أقرب للإجابة، و يخرج هو و القوم يقدّمونه ذاكرين إلي أن ينتهوا إلي المصلّي.

مسألة 515: و لا أذان لها و لا إقامة،

بإجماع العلماء، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلاّها ركعتين بغير أذان و لا إقامة(6). بل يقول المؤذن:

الصلاة ثلاثا.

ص: 211


1- الام 248:1، المجموع 71:5، فتح العزيز 93:5.
2- قاله أبو إسحاق المروزي كما في المهذب للشيرازي 131:1، و حلية العلماء 272:2.
3- بدل ما بين القوسين في «م» و الطبعة الحجرية: و ليس بنا غني.
4- الفقيه 333:1-1493.
5- الأعراف: 96.
6- سنن ابن ماجة 403:1-1268، سنن البيهقي 347:3.

و قال الشافعي و أحمد: يقول: الصلاة جامعة(1). و لا بأس بهما.

و في أيّ وقت خرج جاز، و صلاّها في أيّ زمان، إذ لا وقت لها بلا خلاف.

و الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأنّ ما بعد العصر أشرف.

قال ابن عبد البرّ: الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء(2). و هذا علي سبيل الاختيار لا أنّه يتعيّن فعلها فيه.

و يجوز فعلها في الأوقات المكروهة - خلافا للجمهور(3) - لأنّها ذات سبب، و قد تقدّم.

مسألة 516: و تصلّي جماعة و فرادي

إجماعا، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من صلّي جماعة ثم سأل اللّه حاجته قضيت له)(4) و صلاّها عليه السلام جماعة(5).

و أنكر أبو حنيفة الجماعة لو صلّيت، لأنّها نافلة(6).

و ينتقض بالعيد.

و تصح من المسافر و الحاضر و أهل البوادي و غيرهم، لأنّ الاستسقاء إنّما شرّع للحاجة إلي المطر، و الكلّ متشاركون فيه.

و إذا صلّيت جماعة، لم يشترط إذن الإمام - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(7) - لأنّ علّة تسويغها حاصلة، فلا يشترط فيها الإذن كغيرها من النوافل.

ص: 212


1- المهذب للشيرازي 131:1، المجموع 72:5، فتح العزيز 97:5، المغني 286:2، الشرح الكبير 285:2، الانصاف 459:2.
2- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 286:2، و الشرح الكبير 285:2.
3- المجموع 76:5، المغني 286:2، الشرح الكبير 285:2، الانصاف 452:2.
4- أورده المحقق في المعتبر: 224.
5- انظر: سنن ابن ماجة 403:1-1268، و سنن البيهقي 344:3 و 347.
6- الهداية للمرغيناني 88:1، شرح العناية 58:2، اللباب 120:1، بدائع الصنائع 1: 282.
7- الام 247:1، مغني المحتاج 325:1، المغني 293:2، الشرح الكبير 297:2.

و في رواية: يشترط، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يأمر بها، و إنّما فعلها علي صفة، فلا تتعدّي(1).

و نمنع انتفاء الأمر.

مسألة 517: إذا فرغ من الصلاة، خطب عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي و مالك و محمّد بن الحسن و أحمد في أشهر الروايتين(2). قال ابن عبد البرّ: و عليه جماعة الفقهاء(3) - لقول أبي هريرة: صلّي ركعتين ثم خطبنا(4).

و قول ابن عباس: صنع في الاستسقاء كما صنع في العيدين(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلّي الاستسقاء ركعتين، و بدأ بالصلاة قبل الخطبة»(6).

و سأل هشام بن الحكم، الصادق عليه السلام عن صلاة الاستسقاء، قال: «مثل صلاة العيدين يقرأ فيهما و يكبّر فيهما، يخرج الإمام فيبرز إلي مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللّه و يمجّده و يثني عليه، و يجتهد في الدعاء، و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام، قلّب ثوبه، و جعل الجانب الذي علي المنكب الأيمن علي المنكب الأيسر، و الذي علي الأيسر علي الأيمن، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله،

ص: 213


1- المغني 293:2، الشرح الكبير 297:2.
2- المجموع 83:5، حلية العلماء 274:2، الميزان للشعراني 200:1، بلغة السالك 1: 192، بداية المجتهد 215:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 81، اللباب 121:1، بدائع الصنائع 283:1، المغني 286:2 و 287، الشرح الكبير 287:2 و 288.
3- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 287:2، و الشرح الكبير 288:2.
4- سنن ابن ماجة 403:1-404-1268، سنن البيهقي 347:3، و انظر: المغني 2: 287، و الشرح الكبير 288:2.
5- سنن الدار قطني 68:2-10، سنن البيهقي 348:3، و انظر أيضا: المغني 287:2.
6- التهذيب 150:3-326، الاستبصار 451:1-1748.

كذلك صنع»(1) و التشبيه بالعيد يستلزم التساوي في تأخير الخطبة.

و لأنّها صلاة ذات تكبير، فأشبهت صلاة العيد في تأخير الخطبة عنها.

و قال الليث بن سعد و ابن المنذر: إنّها قبل الصلاة - و هو مروي عن عمر و ابن الزبير و أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز لأنّ أنسا و عائشة قالا: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، خطب و صلّي(2)(3).

و في رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة»(4).

و في إسحاق قول(5) ، و في طريقها أبان(6) أيضا، فالمعتمد الأول.

و عن أحمد رواية ثالثة: التخيير بين إيقاعها قبل الصلاة و بعدها، لورود الأخبار بهما(7). و لا بأس به.

و عنه رابعة: أنّه لا يخطب أصلا، إنّما يدعو و يتضرّع، لقول ابن عباس: لم يخطب خطبتكم هذه، و لكن لم يزل في الدعاء و التضرّع(8)(9).

و نحن نقول بموجبه، فالخطبة هنا بسؤال إنزال الغيث، و ليس فيه نفي الخطبة، بل نفي الصفة.

مسألة 518: إذا صعد المنبر، جلس بعد التسليم،

كما في باقي

ص: 214


1- الكافي 462:3-2، التهذيب 149:3-323.
2- سنن أبي داود 304:1-1173، سنن البيهقي 349:3 و فيهما رواية عائشة، و نقله عن أنس و عائشة ابنا قدامة في المغني 287:2، و الشرح الكبير 288:2.
3- المجموع 93:5، المغني 287:2، الشرح الكبير 288:2، بداية المجتهد 215:1.
4- التهذيب 150:3-327، الاستبصار 451:1-1749.
5- قال المصنّف في الخلاصة: 200-1: و الأولي عندي التوقف فيما ينفرد به.
6- و هو ناووسي، راجع: الخلاصة: 21-3.
7- المغني و الشرح الكبير 288:2.
8- مصنف عبد الرزاق 84:3-4893، سنن أبي داود 302:1-1165، سنن البيهقي 3: 347.
9- المغني 288:2، الشرح الكبير 287:2.

الخطب، و يخطب بالخطبة المرويّة عن علي عليه السلام(1).

و هل يخطب خطبتين ؟ الأقرب ذلك، للنصّ علي مساواة صلاة العيد(2) ، و به قال الشافعي و مالك(3).

و عن أحمد رواية: أنه يخطب واحدة، إذ الغرض الدعاء بإرسال الغيث، و لا أثر لكونها خطبتين(4). و هو ممنوع، لزيادة المشقة.

إذا عرفت هذا، فإن الخطب عندنا ثمانية: يوم الفطر و الأضحي و الاستسقاء و الجمعة، و أربع في الحج: يوم السابع من ذي الحجة بمكة، و يوم عرفة، و يوم النحر بمني، و يوم النفر الأول، و هو ثاني أيام التشريق.

و زاد بعض علمائنا: خطبة الغدير(5).

و قال الشافعي: عشرة. و أسقط الغدير، و زاد الكسوف و الخسوف(6).

مسألة 519: و يستحب للإمام أن يستقبل القبلة بعد فراغه من الصلاة،

و يكبّر اللّه تعالي مائة مرة، ثم يلتفت عن يمينه، و يسبّح اللّه تعالي مائة مرة، ثم يلتفت عن يساره و يهلّل اللّه تعالي مائة مرة، ثم يستدبر القبلة و يستقبل الناس و يحمد اللّه تعالي مائة مرة يرفع بذلك صوته و الناس يتابعونه في ذلك كلّه، لقول الصادق عليه السلام: «ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي علي يمينه علي يساره، و الذي علي يساره علي يمينه، ثم يستقبل القبلة، فيكبّر اللّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلي الناس عن يمينه، فيسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلي الناس عن يساره،

ص: 215


1- الفقيه 335:1-1504، التهذيب 151:3-328، مصباح المتهجد: 474-477.
2- الكافي 462:3-2، التهذيب 149:3-323، الاستبصار 452:1-1750.
3- المهذب للشيرازي 131:1، المجموع 83:5، فتح العزيز 100:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 81، المدونة الكبري 166:1، الشرح الكبير 289:2.
4- المغني 288:2، الشرح الكبير 289:2.
5- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 160.
6- المجموع 52:5، الوجيز 71:1، فتح العزيز 75:5، كفاية الأخيار 97:1.

فيهلّل اللّه مائة تهليلة رافعا بها صوته، ثم يستقبل الناس، فيحمد اللّه مائة تحميدة»(1).

و لأن فيه إيفاء الجهات حقّ الاستغفار، لأنّه لا يعلم إدراك الرحمة من أيّ جهة هو.

مسألة 520: و اختلف علماؤنا في استحباب تقديم الخطبة علي هذه الأذكار و تأخيرها،

فقال المرتضي: بالأول، و تبعه ابن إدريس(2).

و قال الشيخ: بالثاني(3). و كلاهما عندي جائز.

أمّا تحويل الرداء: فإنّه قبل هذه الأذكار، لقول الصادق عليه السلام:

«ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه، فيجعل الذي علي يمينه علي يساره، و الذي علي يساره علي يمينه، ثم يستقبل القبلة فيكبّر اللّه مائة تكبيرة»(4).

و في حديث آخر عنه عليه السلام: «فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه»(5).

مسألة 521: و يستحب للإمام و المأموم بعد الفراغ من الخطبة تحويل الرداء،

قاله الشيخ في المبسوط(6).

و في الخلاف: يستحب للإمام خاصة(7).

و بالأول قال الشافعي و أكثر أهل العلم(8) ، للأمر بالامتثال. و التأسّي بفعله عليه السلام. و للمشاركة في المعني، و هو: التفاؤل بقلب الرداء ليقلب

ص: 216


1- الكافي 462:3-1، الفقيه 334:1-1502، التهذيب 148:3-149-322.
2- السرائر: 72، و حكاه ابن إدريس أيضا عن السيد المرتضي.
3- النهاية: 139، المبسوط للطوسي 134:1-135.
4- الكافي 462:3-1، التهذيب 148:3-322.
5- الكافي 462:3-2، التهذيب 149:3-323.
6- المبسوط للطوسي 135:1.
7- الخلاف 688:1، المسألة 463.
8- المجموع 85:5-86 و 103، فتح العزيز 103:5، حلية العلماء 274:2، الميزان للشعراني 200:1، بداية المجتهد 216:1، المغني 289:2، الشرح الكبير 293:2.

اللّه تعالي ما بهم من الجدب إلي الخصب.

سئل الصادق عليه السلام، عن تحويل النبي صلّي اللّه عليه و آله رداءه إذا استسقي، قال: «علامة بينه و بين أصحابه تحوّل الجدب خصبا»(1).

و بالثاني قال الليث بن سعد و أبو يوسف و محمد، و هو مرويّ عن سعيد ابن المسيب و عروة و الثوري(2) ، لأنّه نقل أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، حوّل رداءه دون أصحابه(3).

و قال أبو حنيفة: لا يسنّ التحويل لا للإمام و لا للمأموم، لأنّه دعاء، فلم يستحب فيه تغيير الثياب كسائر الأدعية(4).

و القياس لا يعارض النصّ، خصوصا مع منع العلّيّة.

مسألة 522: و صفة التقليب أن يجعل ما علي اليمين علي اليسار و بالعكس،

سواء كان مربّعا أو مقوّرا(5) عند علمائنا أجمع - و به قال أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز و أحمد و مالك و الشافعي(6) - أولا، لأنّ عبد اللّه بن زيد قال: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، حوّل رداءه، و جعل عطافه

ص: 217


1- الكافي 463:3-3، الفقيه 338:1-506، علل الشرائع: 346، الباب 55 الحديث 2، التهذيب 150:3-324.
2- المجموع 103:5، الميزان للشعراني 200:1، المغني 289:2، الشرح الكبير 293:2، بداية المجتهد 216:1، اللباب 121:1، الهداية للمرغيناني 89:1، شرح العناية 2: 61، بدائع الصنائع 284:1.
3- صحيح البخاري 34:2، صحيح مسلم 611:2-894، سنن الدارمي 360:1، سنن النسائي 157:3، سنن أبي داود 303:1-1166 و 1167، سنن الدار قطني 66:2-2 - 4 و 67-5 و 6 و 8.
4- الهداية للمرغيناني 89:1، شرح العناية 61:2، بدائع الصنائع 284:1، المجموع 5: 103، الميزان للشعراني 200:1، المغني 289:2، الشرح الكبير 293:2.
5- التقوير: التدوير، و قوّره: قطعه مدوّرا. الصحاح 799:2 «قور».
6- المغني 289:2، الشرح الكبير 294:2، المجموع 85:5-86، فتح العزيز 103:5، المدونة الكبري 166:1، بلغة السالك 192:1.

الأيمن علي عاتقه الأيسر و عطافه الأيسر علي عاتقه الأيمن(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي علي المنكب الأيمن علي المنكب الأيسر، و الذي علي الأيسر علي الأيمن، فإن النبي صلّي اللّه عليه و آله، كذلك صنع»(2).

و قال الشافعي: إن كان مقوّرا فكذلك، و إن كان مربّعا فقولان:

أحدهما: ذلك، و الثاني: أنّه يجعل طرفه الأسفل الذي علي شقّه الأيسر علي عاتقه الأيمن، و طرفه الأسفل الذي علي شقّه الأيمن علي عاتقه الأيسر(3) ، لأنّ النبي عليه السلام، كان عليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها، فلمّا ثقلت عليه جعل العطاف الذي علي الأيسر علي عاتقه الأيمن و الذي علي الأيمن علي عاتقه الأيسر(4).

و الزيادة ظنّ الراوي، و قد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم النكس، و يبعد أن يترك النبي صلّي اللّه عليه و آله، ذلك في جميع الأوقات، لنقل الرداء.

و قال إمام الحرمين: يقلب أسفل الرداء إلي الأعلي، و ما علي اليمين علي اليسار، و ما كان باطنا يلي الثياب ظاهرا(5).

و جمع الثلاثة غير ممكن بل الممكن اثنان لا غير.

مسألة 523: و يكثر من الاستغفار و التضرّع إلي اللّه تعالي، و الاعتراف بالذنب، و طلب المغفرة و الرحمة، و الصدقة.

ص: 218


1- سنن أبي داود 302:1-1163، سنن البيهقي 350:3 و فيهما: عن عباد بن تميم عن عمّه. و عمّه عبد اللّه بن زيد. انظر: أسد الغابة 168:3 و الإصابة 264:2 و 312.
2- الكافي 462:3-2، التهذيب 149:3-323.
3- المجموع 85:5-86، فتح العزيز 103:5، مغني المحتاج 325:1.
4- سنن أبي داود 302:1-1164، مسند أحمد 42:4، سنن البيهقي 351:3، المستدرك للحاكم 327:1.
5- فتح العزيز 104:5.

قال اللّه تعالي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّي. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّي (1).

و قال حكاية عن آدم عليه السلام رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (2).

و عن نوح عليه السلام وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (3).

و عن يونس عليه السلام فَنادي فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (4).

و عن موسي عليه السلام إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5).

و لأنّ المعاصي سبب انقطاع الغيث، و الاستغفار يمحو المعاصي المانعة من الغيث، فيأتي اللّه تعالي به.

و يصلّي علي النبي و علي آله صلّي اللّه عليه و آله، لقول علي عليه السلام: «إذا سألتم اللّه تعالي فصلّوا علي النبي و آله، فإنّ اللّه سبحانه و تعالي إذا سئل عن حاجتين يستحي أن يقضي إحداهما دون الأخري»(6).

مسألة 524: إذا تأخّرت الإجابة، استحب الخروج ثانيا و ثالثا

و هكذا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(7) - لقوله عليه

ص: 219


1- الأعلي: 14 و 15.
2- الأعراف: 23.
3- هود: 47.
4- الأنبياء: 87.
5- القصص: 16.
6- نهج البلاغة 238:3 رقم 361.
7- الكافي في فقه أهل المدينة: 81، الشرح الصغير 191:1، المغني 294:2، الشرح الكبير 296:2، المجموع 88:5، الوجيز 72:1، فتح العزيز 89:5.

السلام: (إنّ اللّه يحب الملحّين في الدعاء)(1).

و لأنّ سبب ابتداء الصلاة باق، فيبقي الاستحباب. و لأنّه أبلغ في الدعاء و التضرّع.

و أنكر إسحاق الخروج ثانيا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يخرج إلاّ مرة، و لكن يجتمعون في مساجدهم، فإذا فرغوا من الصلاة، ذكروا اللّه تعالي، و دعوا، و يدعو الإمام يوم الجمعة علي المنبر و يؤمّن الناس(2).

و ليس حجّة، لاستغناء النبي صلّي اللّه عليه و آله، عن المعاودة بإجابته أول مرة.

إذا ثبت هذا، فإنّ الخروج ثانيا كالخروج أوّلا، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يعودون من الغد للصلاة، و توالي الصلاة يوما بعد يوم(3). و لو فعل ذلك جاز.

مسألة 525: لو تأهّبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم، لم يخرجوا.

و كذا لو سقوا قبل الصلاة لم يصلّوا، لحصول الغرض بالصلاة.

نعم تستحب صلاة الشكر، و يسألون زيادته، و عموم خلقه بالغيث.

و كذا لو سقوا عقيب الصلاة، و هو أصح وجهي الشافعي(4).

و يستحب الدعاء عند نزول الغيث، لقوله عليه السلام: (اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: التقاء الجيوش، و إقامة الصلاة، و نزول الغيث)(5).

و إذا كثر الغيث و خافوا ضرره، دعوا اللّه تعالي أن يخفّفه، و يصرف

ص: 220


1- الكامل لابن عدي 2621:7، الجامع الصغير للسيوطي 286:1-1876.
2- المغني 294:2، الشرح الكبير 296:2.
3- المجموع 88:5، فتح العزيز 90:5.
4- المهذب للشيرازي 132:1، المجموع 89:5، فتح العزيز 90:5، مغني المحتاج 1: 321.
5- كنز العمال 102:2-3339.

مضرّته عنهم، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دعا كذلك(1).

و لأنّه أحد الضررين، فاستحب الدعاء لإزالته كانقطاعه.

و يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، رفعهما فيه حتي رئي بياض إبطيه(2).

و يجوز أن يستسقي الإمام بغير صلاة، بأن يستسقي في خطبة الجمعة و العيدين، و هو دون الأول في الفضل. و كذا يجوز أن يخرج فيدعو دعاء مجدّدا، و هو دون الثاني.

و يستحب لأهل الخصب أن يستسقوا لأهل الجدب، لأنّ اللّه تعالي أثني علي قوم دعوا لإخوانهم بقوله وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (3). و يدعون لأنفسهم بزيادة الخصب.

مسألة 526: لو نذر الإمام أن يستسقي، انعقد نذره،

لأنّه طاعة، فإن سقي الناس، وجب عليه أن يخرج فيوفّي نذره، و ليس له إخراج غيره، و لا إلزامه بالخروج، لأنّه لا يملكهم، و ليس له أن يكرههم عليه في غير جدب، و لو لم يسقوا، وجب عليه الخروج بنفسه، و ليس له إلزام غيره بذلك، بل يأمرهم أمر ترغيب لا أمر إلزام.

و لو نذر أن يخرج بالناس، انعقد نذره في نفسه خاصة، و وجب عليه إشعار غيره، و ترغيبه في الخروج، فإن فعل، و إلاّ لم يجز جبره عليه، و لو نذر غير الإمام ذلك فكذلك.

ص: 221


1- صحيح البخاري 40:2، صحيح مسلم 612:2-614-897، سنن أبي داود 1: 304-1174، سنن النسائي 159:3-160.
2- صحيح البخاري 39:2-40، صحيح مسلم 612:2-895، سنن أبي داود 1: 303-1170 و 1171 و 304-1173، سنن ابن ماجة 373:1-1180، سنن النسائي 158:3، سنن البيهقي 357:3، سنن الدار قطني 68:2-69-12.
3- الحشر: 10.

و يستحب له أن يخرج في من يطيعه من أهله و أقاربه و أصحابه.

فإن أطلق النذر، لم تجب الخطبة، و إن نذرها، خطب، و لا يجب القيام لها.

و إن نذر أن يخطب علي المنبر، قال الشيخ: انعقد نذره، و لم يجز أن يخطب علي حائط و شبهه(1).

و قال الشافعي: لا يجب، لأنّه لا طاعة فيه إلاّ ليستمع الناس، فإن كان إماما، لزمه ذلك، و يجزئه أن يخطب علي جدار، أو قائما(2). و ليس بجيّد.

و إذا نذر أن يستسقي، جاز أن يصلّي أين شاء، و يجزئه في منزله.

و قال الشيخ: يصلّي في الصحراء(3).

و إن قيّد صلاته بالمسجد، وجب، فإن صلاّها في الصحراء حينئذ، قال الشيخ: لا يجزئه(4).

و عندي فيه إشكال ينشأ: من أولويّة إيقاعها في الصحراء.

و لو نذر أن يصلّي في المسجد، لم يجز أن يصلّي في بيته، خلافا للشافعي(5).

و كما تجوز صلاة الاستسقاء عند قلّة الأمطار، كذا تجوز عند نضب ماء العيون أو مياه الآبار، للحاجة.

قال الشيخ: و لا يجوز أن يقول: مطرنا بنوء كذا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن ذلك(6).).

ص: 222


1- المبسوط للطوسي 135:1.
2- الام 249:1، المجموع 95:5.
3- المبسوط للطوسي 135:1.
4- المبسوط للطوسي 135:1.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 689:1، المسألة 464.
6- المبسوط للطوسي 135:1، و انظر: صحيح مسلم 1744:4-106، مسند أحمد 2: 397، سنن أبي داود 17:4-3912، و لفظ الحديث: (لا عدوي و لا هامة و لا نوء..).

روي زيد بن خالد الجهني قال: صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلاة الصبح بالحديبيّة في أثر سماء كانت من الليل، فلمّا انصرف أقبل علي الناس فقال: (هل تدرون ما ذا قال ربكم ؟) قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بالكوكب، و كافر بي و مؤمن بالكوكب، فمن قال: مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلك مؤمن بي و كافر بالكوكب، و أمّا من قال: مطرنا بنوء كذا و كذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)(1).

و الظاهر أن قصده عليه السلام أنّ من قصد أنّ النوء هو الممطر و المنزل للغيث كما يقول المشركون فهو كافر، و أمّا من قصد الوقت الذي أجري اللّه تعالي عادته بمجيء المطر فيه فليس بكافر، كما أجري العادة بمجيء الحرّ و البرد، و الكسوف و الخسوف في أوقات معيّنة.

و النوء: سقوط كوكب و طلوع رقيبه.

و ينبغي أن يجلس بحيث يصيبه أول المطر، لأنّ ابن عباس كان إذا مطرت السماء قال لغلامه: أخرج فراشي و رحلي يصيبه المطر، فقال له أبو الجوزاء: لم تفعل هذا يرحمك اللّه ؟ قال: لقول اللّه سبحانه و تعالي:

وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً (2) فأحبّ أن تصيب البركة فراشي و رحلي(3).

و روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يتمطّر في أول المطر(4).

و كان عليه السلام إذا برقت السماء أو رعدت، عرف ذلك في وجهه،3.

ص: 223


1- صحيح البخاري 41:2، الموطّأ 192:1-4، سنن النسائي 164:3-165، سنن البيهقي 357:3-358.
2- ق: 9.
3- الدر المنثور 102:6 بتفاوت.
4- سنن البيهقي 359:3.

فإذا مطرت سرّي(1) عنه(2).

و لا ينبغي لأحد أن يسبّ الريح، لأنّه روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (الريح من روح اللّه تعالي تأتي بالرحمة و تأتي بالعذاب، فلا تسبّوها و اسألوا اللّه تعالي خيرها، و تعوّذوا من شرّها)(3).3.

ص: 224


1- أي: كشف عنه الخوف. النهاية لابن الأثير 364:2.
2- صحيح مسلم 616:2-899، سنن البيهقي 361:3.
3- سنن أبي داود 326:4-5097، سنن ابن ماجة 1228:2-3727، مسند أحمد 2: 250، سنن البيهقي 361:3.
المقصد الرابع: في التوابع
اشارة

و فيه فصول

ص: 225

ص: 226

الأول: في الجماعة
اشارة

و فيه مطالب:

الأول: في فضل الجماعة
اشارة

الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة، و هي من جملة شعائر الإسلام و علاماته.

و الأصل فيه قوله تعالي وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ (1).

و داوم النبي صلّي اللّه عليه و آله، علي إقامتها حضرا و سفرا، و كذا أئمّته و خلفاؤه. و لم يزل المسلمون يواظبون عليها بلا خلاف.

مسألة 527: و في الجماعة فضل كثير.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع و عشرين درجة)(2) و في رواية: (بخمس و عشرين)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الصلاة في جماعة

ص: 227


1- النساء: 102.
2- صحيح البخاري 166:1، مسند أحمد 65:2 و 112، سنن النسائي 103:2، سنن البيهقي 59:3.
3- مسند أحمد 55:3، سنن النسائي 103:2، سنن البيهقي 60:3.

تفضل علي صلاة الفذّ بأربع و عشرين درجة تكون خمسا و عشرين صلاة»(1).

و قال عليه السلام: «إنّ أناسا كانوا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أبطأوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

(ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نؤمر بحطب فيوضع علي أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم)(2).

مسألة 528: الجماعة ليست فرض عين في شيء من الصلوات

الخمس، بل في الجمعة و العيدين خاصة مع حصول الشرائط، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الثوري(3) - لقوله عليه السلام:

(تفضل صلاة الجماعة علي صلاة الفذّ بخمس و عشرين درجة)(4) و هو يدلّ علي جواز صلاة الفذّ.

و من طريق الخاصة: قول زرارة و الفضيل: قلنا له: الصلوات في جماعة فريضة هي ؟ فقال: «الصلوات فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنها سنّة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(5).

و لأنّ الجماعة لو وجبت، لكانت شرطا في الصلاة كالجمعة.

و قال الأوزاعي و أحمد و أبو ثور و داود و ابن المنذر: الجماعة فرض علي الأعيان، و ليست شرطا فيها(6) ، لأنّ ابن عباس روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه

ص: 228


1- التهذيب 25:3-85.
2- التهذيب 25:3-87.
3- المجموع 184:4، فتح العزيز 283:4، الوجيز 55:1، مغني المحتاج 229:1، اللباب 78:1، الهداية للمرغيناني 55:1، بلغة السالك 152:1، بداية المجتهد 141:1. المنتقي للباجي 228:1، المغني و الشرح الكبير 3:2.
4- مسند أحمد 55:3، سنن النسائي 103:2، سنن البيهقي 60:3.
5- الكافي 372:3-6.
6- المغني 3:2-4، الشرح الكبير 3:2، حلية العلماء 155:2، المجموع 189:4، فتح العزيز 283:4، عمدة القاري 161:5.

و آله قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلاّ من عذر)(1).

و هو محمول علي الجمعة، أو علي نفي الكمال، لا الإجزاء.

مسألة 529: و ليست الجماعة فرض كفاية في شيء من الصلوات،

عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أكثر الشافعية(2) - لما تقدّم. و للأصل.

و لأنّها فضيلة في الصلاة و لا تفسد بعدمها، فلا تكون واجبة كالتكبيرات.

و قال الشافعي: إنّها فرض كفاية، لقوله عليه السلام: (ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأخذ القاصية)(3)(4).

و هو يدلّ علي شدّة الاستحباب لا الوجوب، و لأنّ الاستحواذ علي عدم إقامة الصلاة لا علي الجماعة، و لأنّ المفهوم ترك ذلك دائما.

إذا ثبت هذا، فإن أهل البلد لو تركوها لم يأثموا و لم يقاتلوا - و هو أحد قولي الشافعية(5) - لأنّها مستحبّة.

مسألة 530: و في أيّ موضع جمّع جاز،

لكن تستحب المساجد، لأنّها مواطن العبادات، و ليس واجبا، فيجوز أن يصلّي في بيته، لقوله عليه السلام: (الاثنان فما فوقهما جماعة)(6) و لم يفصّل في موضع دون آخر،

ص: 229


1- سنن ابن ماجة 260:1-793، سنن البيهقي 57:3، المستدرك للحاكم 245:1.
2- الهداية للمرغيناني 55:1، شرح فتح القدير 299:1، المجموع 184:4 و 189، الوجيز 55:1، فتح العزيز 285:4.
3- سنن أبي داود 150:1-547، سنن النسائي 106:2، مسند أحمد 446:6، المستدرك للحاكم 211:1.
4- المهذب للشيرازي 100:1، المجموع 184:4 و 189، فتح العزيز 285:4، حلية العلماء 155:2.
5- المجموع 186:4، فتح العزيز 286:4.
6- سنن ابن ماجة 312:1-972، سنن الدار قطني 280:1-1، المستدرك للحاكم 334.4، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 61:2-248.

و هو أحد قولي الشافعي. و علي الآخر: لا يكفيه أن يصلّي في بيته جماعة إلاّ إذا ظهرت الجماعة في الأسواق، لأنّ فرضها يسقط بذلك(1).

و يستحب أن توقع في المسجد الذي تكثر فيه الجماعة، و هو الجامع، قريبا كان منه أو بعيدا، إلاّ أن يكون في جواره مسجد تكثر فيه الجماعات فالأقرب أولي. و كذا لو كانت جماعة المسجد القريب تختلّ ببعده عنه، أو كان إمام المسجد الأعظم مبدعا أو فاسقا، أو يعتقد ترك شيء من واجبات الصلاة.

و لا ينبغي لأحد ترك الجماعة و إن صلاّها بنسائه أو عبيده أو إمائه أو أولاده إذا لم يحضر المسجد.

مسألة 531: لو رأي رجلا يصلّي وحده، استحب أن يصلّي معه،

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، رأي رجلا يصلّي وحده، فقال: (ألا رجل يتصدّق علي هذا فيصلّي معه ؟)(2) فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.

مسألة 532: يستحب أن يمشي علي عادته إلي الجماعة و لا يسرع.

و إن خاف فوتها، فالأقرب عندي: الإسراع - و به قال إسحاق(3) - لما فيه من المحافظة علي الجماعة.

و عن ابن مسعود: أنّه اشتدّ إلي الصلاة، و قال: بادروا حدّ الصلاة، يعني التكبيرة الأولي.

ص: 230


1- المجموع 185:4، كفاية الأخيار 82:1.
2- سنن أبي داود 157:1-574، سنن الدارمي 318:1، سنن البيهقي 68:3-69، سنن الدار قطني 277:1-278-3، المستدرك للحاكم 209:1.
3- المجموع 207:4، و في حلية العلماء 157:2، و فتح العزيز 289:4، و المهذب للشيرازي 1: 101: أبو إسحاق، بدل: إسحاق.

و كان الأسود بن يزيد يهرول إذا ذهب إلي الصلاة [1].

و قال الشافعي: لا يسرع و إن خاف الفوت، لقوله عليه السلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها و أنتم تسعون، و لكن ائتوها و أنتم تمشون و عليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(1)(2).

و نمنع الحديث، أو نحمله علي الأمن من الفوات، فتستحب السكينة، فإن أدرك صلّي، و إلاّ قضي ما فاته، لا علي حالة الخوف.

مسألة 533: يجوز ترك الجماعة للعذر و إن لم تكن واجبة، و يكره لغير عذر.

و العذر: عام، كالمطر و الوحل و الريح الشديدة في الليلة المظلمة، و شدّة الحرّ، لأنّه عليه السلام كان يأمر مناديه في الليلة المظلمة و الليلة ذات الريح: (ألا صلّوا في رحالكم)(3).

و قال عليه السلام: (إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال)(4).

و قال عليه السلام: (إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالظهر)(5).

و خاص: كالأكل، لشدّة شهوته إلي الطعام، لقوله عليه السلام: (إذا حضر العشاء و أقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء)(6).

و لأنّه يمنعه من السكون في الصلاة، و الخشوع.

ص: 231


1- صحيح مسلم 420:1-602، سنن أبي داود 156:1-572، سنن النسائي 114:2 - 115، مسند أحمد 452:2 و 489.
2- المهذب للشيرازي 101:1، المجموع 206:4 و 207.
3- صحيح البخاري 163:1، سنن أبي داود 279:1-1062، سنن النسائي 111:2، سنن البيهقي 70:3-71.
4- سنن أبي داود 278:1-1059.
5- سنن ابن ماجة 222:1-678، الضعفاء الكبير للعقيلي 281:2-845.
6- سنن الترمذي 184:2-353، سنن النسائي 111:2، سنن البيهقي 73:3.

و كونه حاقنا، لقوله عليه السلام: (إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)(1).

أو مريضا أو خائفا من ظالم، أو فوت رفقة، أو ضياع مال، أو غلبة نوم إذا انتظر الجماعة، أو احتاج إلي تمريض غيره، أو أكل شيء من المؤذيات: كالبصل و الكراث، لقوله عليه السلام: (من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا)(2) فإن تمكن من إزالته لم يكن عذرا.

مسألة 534: و تصح الجماعة في كلّ مكان علي ما تقدّم

مسألة 534: و تصح الجماعة في كلّ مكان علي ما تقدّم(3) ،

سواء كان قريبا من المسجد، أو لا، لكن الأفضل قصد المسجد مع انتفاء المشقة، و ليس واجبا، و هو قول العلماء، لقوله عليه السلام: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: جعلت لي الأرض طيبة طهورا، و مسجدا، فأيّما رجل أدركته الصلاة صلّي حيث كان)(4).

و من طريق الخاصة: قوله عليه السلام: «صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة»(5).

و في رواية عن أحمد: أنّ حضور المسجد القريب منه واجب(6) ، لقول عليّ عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(7).

ص: 232


1- سنن النسائي 110:2-111، سنن البيهقي 72:3.
2- سنن ابن ماجة 324:1-1015، مسند أحمد 264:2 و 266، سنن البيهقي 76:3.
3- تقدّم في المسألة: 530.
4- سنن النسائي 210:1-211، مسند أحمد 304:3، مسند أبي عوانة 396:1.
5- الفقيه 152:1-703، التهذيب 253:3-698.
6- المغني 6:2، الشرح الكبير 5:2.
7- اختلفت المصادر في نسبة هذه الرواية كما اختلفت النسختان الخطيتان، ففي نسخة «م»: لقوله عليه السلام. و ظاهره قول النبي صلّي اللّه عليه و آله كما في المغني 6:2، و الشرح الكبير 5:2، و سنن الدار قطني 420:1-1 و 2، و سنن البيهقي 57:3، و المستدرك للحاكم 1: 246. و في نسخة «ش»: لقول علي عليه السلام كما في سنن البيهقي 57:3.

و هو محمول علي نفي الكمال.

مسألة 535: الجماعة في المسجد الحرام أفضل من غيره،

ثم بعده مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم المسجد الأقصي، ثم المسجد الأعظم من كلّ بلد، ثم كلّ مسجد تكثر فيه الجماعة، و التفضيل في الأول بسبب تفاوت الأمكنة في الشرف، و في الأخير بسبب الفعل، و قد تقدم(1).

و لو كان في جواره أو في غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلاّ بحضوره، ففعلها فيه أولي، لأنّه يعمره بإقامة الجماعة فيه، و يحصّلها لمن يصلّي فيه.

و إن كانت تقام فيه، و في قصده غيره كسر قلب إمامه، أو جماعته، فجبر قلوبهم أولي.

و هذا لا يتأتّي عندنا، لأنّ شرط الإمام العدالة، و العدل لا ينكسر قلبه بمثل هذا.

و إن لم يكن كذلك، ففي أولوية قصد الأبعد أو الأقرب احتمال ينشأ:

من كثرة الخطإ في طلب الثواب، و من الجواز.

و فيه عن أحمد روايتان(2).

مسألة 536: يكره تكرّر الجماعة في المسجد الواحد،

فإذا صلّي إمام الحيّ في مسجده و حضر قوم آخرون، صلّوا فرادي، قاله الشيخ(3) ، و به قال الليث و البتي و الثوري و مالك و أبو حنيفة و الأوزاعي و الشافعي(4) ، إلاّ أنّ الشيخ أطلق، و هؤلاء قالوا: يكره فيما له إمام راتب في غير ممرّ الناس لا في

ص: 233


1- تقدّم في المسألة: 530.
2- المغني 8:2-9، الشرح الكبير 6:2.
3- الخلاف 542:1، المسألة 280.
4- المدونة الكبري 89:1، التفريع 262:1، الشرح الصغير 159:1، المهذب للشيرازي 102:1، المجموع 222:4، المغني 11:2، الشرح الكبير 8:2.

غيره، و كذا لا يكره لو كان علي قارعة الطريق أو في محلة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة(1).

و احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بالأخبار، و لأنّ فيه اختلاف القلوب، و العداوة و التهاون بالصلاة مع إمامه.

و الذي روي أبو علي الحراني(2) عن الصادق عليه السلام كراهة أن يؤذّن الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الاولي(3).

و روي زيد عن أبيه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«دخل رجلان المسجد و قد صلّي علي عليه السلام بالناس، فقال لهما: إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم»(4).

و قال ابن مسعود و الحسن و النخعي و قتادة و أحمد و إسحاق: لا تكره الجماعة الثانية، لعموم قوله عليه السلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس و عشرين درجة)(5).

و جاء رجل و قد صلّي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (أيّكم يتّجر علي هذا؟) فقام رجل فصلّي معه(6).9.

ص: 234


1- المجموع 222:4، المغني 11:2، الشرح الكبير 8:2، و راجع أيضا: الخلاف 542:1، المسألة 280.
2- في «ش، م»: الجبائي. و الصحيح ما أثبتناه، و هو من جملة الرواة عن الإمام الصادق عليه السلام، و له كتاب، و روي عنه محمد بن أبي عمير و هارون بن مسلم. أنظر: رجال النجاشي: 456-1239 و الفهرست للطوسي: 187 و تنقيح المقال 27:3 من فصل الكني، و معجم رجال الحديث 251:21-14569.
3- التهذيب 55:3-190، الفقيه 266:1-1215.
4- التهذيب 56:3-191.
5- سنن النسائي 103:2، مسند أحمد 55:3، سنن البيهقي 60:3.
6- مصنف ابن أبي شيبة 322:2، سنن الترمذي 427:1-429-220، سنن البيهقي 3: 69.

و في حديث آخر: (ألا رجل يتصدّق علي هذا فيصلّي معه ؟)(1).

و في رواية زيادة: فلمّا صلّيا، قال: (و هذان جماعة)(2)(3).

و لا بأس بهذا القول عندي.

و كره أحمد إعادة الجماعة في المسجد الحرام، و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، لئلاّ يتواني الناس في حضور جماعة الإمام الراتب(4).

و الوجه: التسوية.

مسألة 537: و محل الجماعة الفرض دون النفل،

إلاّ في الاستسقاء و العيدين مع اختلال بعض الشرائط، عند علمائنا - خلافا للجمهور(5) - لأنّ زيد بن ثابت قال: جاء رجال يصلّون صلاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فخرج مغضبا، و أمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم(6).

و قال صلّي اللّه عليه و آله: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة)(7).

و من طريق الخاصة: قول الصادق و الرضا عليهما السلام: «لمّا دخل رمضان اصطف الناس خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: أيها الناس هذه نافلة فليصلّ كلّ منكم وحده، و ليعمل ما علّمه اللّه في كتابه، و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة، فتفرّق الناس»(8).

ص: 235


1- مصنف ابن أبي شيبة 322:2، مسند أحمد، 254:5 و 269، سنن أبي داود 1: 157-574، سنن الدارمي 318:1، سنن الدار قطني 278:1-3، المستدرك للحاكم 1: 209.
2- مسند أحمد 254:5 و 269، و انظر: المغني 13:2 و الشرح الكبير 9:2.
3- المغني 10:2-13، الشرح الكبير 8:2-9، المجموع 222:4.
4- المغني 14:2، الشرح الكبير 9:2، الانصاف 219:2 و 220.
5- المجموع 5:4، المغني 811:1، الشرح الكبير 808:1.
6- نقله المحقق في المعتبر: 238.
7- مصنف ابن أبي شيبة 245:2 و 256.
8- المعتبر: 238.

احتجّوا: بالجواز الأصلي.

و قد يخرج بالنص عن العمل به.

المطلب الثاني: في الشرائط
اشارة

و هي سبعة:

الأول: العدد،
اشارة

و أقلّه اثنان، أحدهما: الإمام في كلّ ما يجمّع فيه إلاّ الجمعة و العيدين مع الشرائط بالإجماع.

و لقوله عليه السلام: (الاثنان فما فوقهما جماعة)(1).

و لأنّها مأخوذة من الاجتماع و هو موجود هنا.

لا يقال: أقلّ الجمع ثلاثة عندكم، فكيف تذهبون إلي ذلك!؟ لأنّا نقول: ليس بينهما تناف، لتغايرهما، لأنّ المراد هنا أنّ فضيلة الجماعة تحصل من الاثنين، و المراد هنا صيغة الجمع ك «رجال» لا يطلق حقيقة علي أقلّ من الثلاثة.

و لا فرق في الجواز بين أن يكونوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق أو ذكورا و خناثي أو إناثا و خنثي(2).

و لا يجوز أن يكونوا إناثا و خناثي مشكل أمرهم، و لا خناثي منفردات، لامتناع أن تكون الإمامة خنثي لمثلها، لاحتمال أن تكون الإمام أنثي و المأموم رجلا.

مسألة 538: يستحب للنساء أن يصلّين جماعة

و إن لم يكن معهنّ رجل، في الفرض و النفل، كالرجال، عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الأوزاعي و الثوري و أبو ثور و الشافعي و أحمد و إسحاق(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أمر أمّ ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث بن نوفل - و كان يزورها و يسمّيها

ص: 236


1- سنن ابن ماجة 312:1-972، سنن الدار قطني 280:1-1، المستدرك للحاكم 4: 334، و عيون أخبار الرضا 61:2-248
2- المناسب للعبارة: و خناثي.
3- المجموع 199:4، المغني 36:2، الميزان للشعراني 173:1، و الام 164:1.

الشهيدة - بأن تؤمّ أهل دارها، و جعل لها مؤذّنا(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس» و قد سئل هل تؤمّ المرأة النساء؟(2).

و لأنّ النساء من أهل الفرض فسنّت لهنّ الجماعات، كالرجال.

و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه مكروه - و حكي عن نافع و عمر بن عبد العزيز - لأنّ الأذان يكره لهنّ، و هو دعاء إلي الجماعة، فكرهت لهنّ(3).

و علّة كراهة الأذان رفع الصوت المنهيّ عنه، بخلاف الجماعة.

و لأنّ من الصلوات ما لا يؤذّن لها و من سننها الجماعة.

و لأنّه يستحب لها الإقامة، فدلّ ذلك علي ثبوت الجماعة في حقّها.

مسألة 539: إذا أمّت المرأة النساء، استحب أن تقف وسطهنّ في صفّهنّ،

و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ صفوان بن سليم قال: من السنّة أن تصلّي المرأة بنساء تقف وسطهنّ(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه بعض أصحابنا عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقف وسطهنّ»(5).

و لأنّ ذلك أستر لها كالعراة.

فإن تقدّمت و صلّت، كره، و صحّت صلاتهنّ، كالرجل لو صلّي وسط الرجال.

مسألة 540: الحرّة أولي من الأمة بالإمامة،

لأنّها موضع فضيلة و الحرّة

ص: 237


1- سنن أبي داود 161:1-592، سنن البيهقي 130:3.
2- التهذيب 31:3-111، الاستبصار 426:1-1644.
3- المجموع 199:4، المغني 36:2، اللباب 80:1، المنتقي للباجي 236:1، الميزان للشعراني 173:1، و أمّا ما حكي عن نافع و عمر بن عبد العزيز فلم نجده فيما بين أيدينا من المصادر.
4- مختصر المزني: 24.
5- التهذيب 31:3-112، الإستبصار 426:1-1645.

أكمل.

و لأنّ الحرّة تستتر في الصلاة، و الأمة يجوز أن تكشف رأسها، فالمستّرة أولي.

فإن تقدّمت الأمة، جاز و إن كانت مكشوفة الرأس، لعدم وجوب ستره في حقّها.

فإن كانت قد عتقت و لم تعلم، فصلّت بغير خمار، جاز للعالمة به الائتمام بها، لأنّها صلاة شرعية.

و الأقرب: انسحاب ذلك علي العالم بنجاسة ثوب الإمام إذا لم توجب الإعادة مع تجدّد العلم في الوقت.

إذا ثبت هذا، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (المرأة عورة، و أنّها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان)(1) فأقرب ما تكون من وجه اللّه تعالي و هي في قعر بيتها.

و قال عليه السلام: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها) يعني: صحن دارها (و صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)(2) و المخدع هو: البيت جوف البيت.

و من طريق الخاصة: قولهم عليهم السلام: «خير مساجد نسائكم البيوت»(3).

مسألة 541: يصح أن يؤمّ الرجل النساء الأجنبيات،

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلّي بأنس و بامّه أو خالته(4). و للأصل.

ص: 238


1- سنن الترمذي 476:3-1173.
2- سنن أبي داود 156:1-570، سنن البيهقي 131:3، المستدرك للحاكم 209:1.
3- الفقيه 154:1-719، التهذيب 252:3-694.
4- صحيح البخاري 185:1 و 220، صحيح مسلم 457:1-458-660، سنن أبي داود 165:1-608 و 166-609.

و كذا يصلّي بالصبيّ في الفرض و النفل، عند علمائنا، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، أمّ ابن عباس و هو صبي(1).

و قال أحمد: لا تنعقد الجماعة بالصبي و إن كان مأموما، لنقص حاله، فأشبه من لا تصح صلاته(2).

و هو ممنوع، لأنّه متنفّل، فصحّ أن يكون مأموما لمفترض كالبالغ، و لهذا قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من يتصدّق علي هذا فيصلّي معه ؟)(3).

الشرط الثاني: عدم تقدّم المأموم في الموقف علي الإمام،
اشارة

فإن صلّي قدّامه، بطلت صلاته، سواء كان متقدّما عند التحريم، أو تقدّم في خلالها، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في الجديد(4) - لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به)(5).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، فعل ما قلناه، و كذا الصحابة و التابعون.

و لأنّه أخطأ موقفه إلي موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين بحال، فلم تصح صلاته، كما لو صلّي في بيته بصلاة الإمام في المسجد.

و لأنّه يحتاج في الاقتداء و المتابعة إلي الالتفات إلي ورائه.

و قال مالك و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في القديم: تصحّ، لأنّ مخالفة

ص: 239


1- صحيح البخاري 217:1، سنن أبي داود 166:1-610 و 611، سنن البيهقي 95:3.
2- المغني 55:2، الشرح الكبير 54:2، الانصاف 266:2، المجموع 249:4.
3- مسند أحمد 5:3.
4- المبسوط للسرخسي 43:1، المغني 44:2، الشرح الكبير 63:2، المهذب للشيرازي 1: 107، المجموع 299:4 و 300، فتح العزيز 238:4، الميزان للشعراني 179:1، مغني المحتاج 245:1.
5- صحيح البخاري 177:1 و 187، صحيح مسلم 308:1-411، سنن النسائي 83:2 و 98، سنن ابن ماجة 392:1-1237.

الموقف لا تبطل الصلاة، كما لو وقف علي يسار الإمام(1).

و الفرق: أنه موقف لبعض المأمومين كالعراة و النساء.

فروع:
أ: الأفضل تأخّر المأموم عن الإمام في الموقف

و ليس شرطا، لتحصل صورة التقدّم، فإن ساواه، صحّ إجماعا.

ب: الاعتبار في التقدّم و المساواة بالعقب،

فلو تقدّم عقب المأموم، بطل عندنا، خلافا لمالك و الشافعي في أحد القولين(2) علي ما تقدّم، و إن ساواه صح.

ج: لو كانت رجل الإمام أكبر،

فوقف المأموم بحيث حاذت أطراف أصابعه أصابع الإمام و لكن تقدّم عقبه علي عقب الإمام، فالوجه: البطلان.

و تحتمل: الصحة، لأنّه حاذي الإمام ببعض بدنه، و اعتبارا بالأصابع.

و كلاهما للشافعي(3).

و لو كانت رجل المأموم أطول، فوقف بحيث يكون عقبه محاذيا لعقب إمامه، و تقدّمت أطراف أصابعه، فالوجه: الصحة - و به قال الشافعي(4) علي تقدير المنع - لأنّ ابن مسعود صلّي بالأسود و علقمة، فأقام أحدهما عن يمينه و الآخر عن يساره، و كانا أطول قامة(5).

فالظاهر أنّهما أكبر رجلا، و لم يأمرهم بالتأخّر.

ص: 240


1- بلغة السالك 158:1، المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 299:4 و 300، فتح العزيز 339:4، الميزان للشعراني 179:1، مغني المحتاج 245:1، المغني 44:2، الشرح الكبير 63:2.
2- بلغة السالك 158:1، المجموع 299:4، فتح العزيز 339:4، مغني المحتاج 1: 245.
3- المجموع 299:4، فتح العزيز 339:4.
4- المجموع 299:4، مغني المحتاج 245:1.
5- صحيح مسلم 378:1-534، سنن أبي داود 166:1-613.

و يحتمل: المنع، للتقدّم ببعض البدن، فصار كما لو خرج بعضه عن سمت الكعبة، فحينئذ يكون الشرط في المساواة و التأخّر بالعقب و الأصابع معا.

مسألة 542: يستحب للمصلّين في المسجد الحرام بالجماعة أن يقف الإمام خلف المقام و يقف الناس خلفه.

و قال الشافعي: يستحب أن يقفوا مستديرين بالبيت(1).

و قد بيّنّا التردّد في جواز ذلك، فإن قلنا به و صلّوا كذلك، فإن كان بعضهم أقرب إلي البيت، فإن كان متوجّها إلي الجهة التي توجّه إليها الإمام، بطلت صلاته، لأنّه قد تقدّم إمامه.

و فيه للشافعي القولان(2).

و إن كان متوجّها إلي غيرها، احتمل ذلك، لئلاّ يكون متقدّما حكما، و الجواز - و به قال أبو حنيفة و أصحابه(3) - لأنّه لا يظهر به مخالفة منكرة.

و لأنّ قربه من الجهة لا يكاد يضبط، و يشق مراعاة ذلك، و في جهته لا يتعذّر أن يكونوا خلفه. و لأنّ المأموم إذا كان في غير جهة الإمام، لم يكن بين يديه و إن كان أقرب إلي الكعبة منه.

و كلا الوجهين للشافعي(4).

أمّا لو صلّوا وسط الكعبة، فالأقرب: وجوب اتّحاد الجهة.

و يحتمل جواز المخالفة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5).

ص: 241


1- المجموع 300:4، فتح العزيز 339:4.
2- المجموع 300:4، فتح العزيز 339:4.
3- المبسوط للسرخسي 78:2 و 79، فتح العزيز 339:4.
4- المجموع 300:4، فتح العزيز 339:4.
5- فتح العزيز 339:4، المبسوط للسرخسي 79:2.

فإن كان المأموم أقرب و اتّحدت الجهة، لم تصح صلاته. و للشافعي قولان(1).

و إن اختلف: فوجهان. و كلاهما للشافعي(2).

مسألة 543: المأموم إن كان واحدا ذكرا، استحب أن يقف عن يمين الإمام،

عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ ابن عباس قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلّي اللّه عليه و آله يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذني بيمينه فحوّلني عن يمينه(4).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «الرجلان يؤمّ أحدهما الآخر يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر، قاموا خلفه»(5).

و حكي ابن المنذر عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: يقيمه عن يساره(6).

و قال النخعي: يقيمه وراءه ما بين أن يركع، فإن جاء آخر، و إلاّ قام عن يمينه(7).

و في حديث ابن عباس عدّة فوائد:

أ: وقوف الواحد عن يمين الإمام.

ب: صحّة صلاته لو وقف علي يساره.

ص: 242


1- فتح العزيز 339:4.
2- المجموع 300:4، فتح العزيز 339:4.
3- فتح العزيز 339:4، المهذب للشيرازي 106:1، بداية المجتهد 148:1، بدائع الصنائع 158:1، المغني 43:2، حلية العلماء 180:2.
4- صحيح البخاري 179:1، سنن أبي داود 166:1-610، سنن النسائي 87:2.
5- التهذيب 26:3-89.
6- المجموع 294:4، المغني 43:2، رحمة الأمة 72:1، الميزان للشعراني 178:1، حلية العلماء 180:2.
7- المجموع 294:4، رحمة الأمة 72:1، الميزان للشعراني 178:1، عمدة القارئ 5: 235، حلية العلماء 180:2.

ج: لا يلزمه سجود السهو.

د: استحباب التحوّل إلي اليمين لو وقف علي اليسار.

ه: إذا لم يتحوّل لم يقرّه الإمام، و حوّله.

و: أن يؤخّره بيمينه دون يساره.

ز: أن يديره من خلفه.

ح: صلاة النفل يحرم فيها الكلام، لأنّه لم يكلّمه.

و نحن نمنع من الجماعة في النفل، فإن صحّت رواية ابن عباس فيها، حملناها علي التمرين، لأنّه صبيّ، لا أنّها صلاة شرعية، و تكون الفائدة تعليمه موقف المأموم في الفرض.

ط: عدم البطلان بالفعل اليسير.

ي: أنّ الصبي له موقف في الصف كالبالغ، لأنّ ابن عباس كان صبيّا.

إذا ثبت هذا، فإن وقف علي يساره و لم يكن علي يمينه أحد، لم يفعل السنّة، و صحّت صلاته إجماعا - إلاّ أحمد فإنّه أبطل صلاته إن صلّي ركعة كاملة(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يأمر ابن عباس باستئناف الصلاة.

و لأنّه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر، فكان موقفا و إن لم يكن آخر كاليمين.

و لأنّه أحد جانبي الإمام، فأشبه اليمين.

احتجّ أحمد: بأن النبي عليه السلام أدار ابن عباس(2).

و لا يدلّ علي الزجر.

و كذا إن وقف متأخرا.

مسألة 544: لو كان المأموم رجلين، وقفا خلفه،

عندنا و عند أكثر

ص: 243


1- المغني 42:2، الميزان للشعراني 178:1، رحمة الأمة 71:1-72.
2- المغني 43:2.

العلماء(1) ، لأنّ جابرا قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصلّي، فوقفت عن يمينه، فدخل جبّار بن صخر، فوقف عن يساره، فدفعنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حتي جعلنا خلفه، و لم ينكر عليه السلام إحرامه عن يساره(2).

و قال أنس: صلّيت خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنا و يتيم لنا، فصففت أنا و اليتيم صفّا و أمّ سليم خلفنا(3).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «فإن كانوا أكثر - يعني من واحد - قاموا خلفه»(4).

و حكي عن ابن مسعود: أنّهما يقفان عن جانبيه، فإن كانوا ثلاثة، تقدّم عليهم، لأنّه صلّي بين علقمة و الأسود، فلمّا فرغ قال: هكذا رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فعل(5).

فإن صحّ، كان منسوخا، لتأخّر من ذكرنا، و ابن مسعود من المتقدّمين.

مسألة 545: إذا كان المأموم جماعة، وقفوا خلف الإمام

صفّا أو صفوفا استحبابا بلا خلاف، و إن وقف بعضهم في صفّه عن يمينه و يساره أو عن أحدهما و الباقون خلفه، جاز.

و ينبغي تخصيص الصف الأول بأهل الفضل ثم الثاني بالأدون منهم ثم الثالث بالأدون منهما و هكذا، لقوله عليه السلام: (ليليني منكم أولو الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء)(6).

ص: 244


1- انظر: المغني 44:2، بدائع الصنائع 158:1.
2- سنن أبي داود 171:1-634، سنن البيهقي 95:3.
3- سنن البيهقي 96:3.
4- التهذيب 26:3-89.
5- سنن أبي داود 166:1-613، سنن البيهقي 406:1، و المغني 3:2.
6- صحيح مسلم 323:1-432، سنن أبي داود 180:1-674، سنن النسائي 87:2 و 90.

و قال عليه السلام: (خير صفوف الرجال أولها، و شرّها آخرها)(1).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام، و أفضل الصفوف أوّلها ما دنا من الإمام»(2).

و لأنه أفضل، لقربه من الإمام الأفضل، فخصّص به أفضل المأمومين.

و للحاجة إليهم في التنبيه لو سها الإمام أو غلط أو ارتجّ عليه أو احتاج إلي الاستخلاف.

إذا ثبت هذا، فإن تمّ الصف الأول بالرجال، وقف الصبيان صفّا آخر خلفه، و وقف النساء صفّا آخر خلف الصبيان.

و قال بعض الشافعية: يقف بين كلّ رجلين صبي ليتعلّم منهما(3) الصلاة(4).

و هو غلط، لقوله عليه السلام: (ليليني منكم أولو الأحلام و النهي)(5) و التعلّم ثابت إذا صلّوا خلفهم.

مسألة 546: الجماعة مشروعة للعراة

عند علمائنا - و به قال قتادة و أحمد(6) - لعموم الأمر بالجماعة.

و قال مالك و الأوزاعي و أصحاب الرأي: يصلّون فرادي(7).

ص: 245


1- صحيح مسلم 326:1-440، سنن أبي داود 181:1-678، سنن النسائي 93:2.
2- الكافي 372:3-7، التهذيب 265:3-751.
3- في «ش، م» منه. و ما أثبتناه أنسب بسياق العبارة.
4- المجموع 293:4، حلية العلماء 182:2، الميزان للشعراني 179:1، رحمة الأمة 72:1.
5- صحيح مسلم 323:1-432، سنن أبي داود 180:1-674، سنن النسائي 87:2 و 90.
6- المغني 668:1، المحرر في الفقه 118:1.
7- المدونة الكبري 95:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 64، المبسوط للسرخسي 186:1، المغني 668:1، المحلّي 226:3.

قال مالك: يتباعد بعضهم من بعض، و إن كانوا في ظلمة، صلّوا جماعة، و تقدّمهم إمامهم(1).

و الشافعي - في القديم - وافقهم(2).

و قال في موضع آخر: الجماعة و الانفراد سواء، لأن في الجماعة الإخلال بسنّة الموقف، و في الانفراد الإخلال بفضيلة الجماعة(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ إمامهم يجلس وسطهم، و يتقدّمهم بركبتيه، و هو قول من سوّغ الجماعة من الجمهور، إلاّ أنّهم قالوا: يصلّون قياما(4) ، إلاّ أحمد، فإنّه وافقنا في الجلوس، و به قال الأوزاعي(5).

و قول المخالف ليس بجيّد، لمنافاته الستر المطلوب شرعا.

و سأل عبد اللّه بن سنان، الصادق عليه السلام: عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم إمامهم بركبتيه، و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس»(6).

و كذا لو كان العراة نساء صلّين جماعة جلوسا، و تجلس إمامتهنّ وسطهنّ.

و قال الشافعي: يصلّين قياما(7).

و لو اجتمع الجنسان، صلّوا صفوفا جلوسا يتقدّمهم الإمام بركبتيه، و تتأخّر النساء.

و قال الشافعي: ينفرد النساء بجماعة، و يقفن كالرجال، و تقف إمامتهنّ3.

ص: 246


1- المدوّنة الكبري 95:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 64، المغني 688:1.
2- المهذب للشيرازي 73:1، حلية العلماء 58:2، المغني 668:1.
3- الام 91:1، المهذب للشيرازي 73:1، المجموع 186:3، المغني 668:1.
4- المجموع 185:3، المدونة الكبري 95:1.
5- المغني 664:1.
6- التهذيب 365:2-1513.
7- المجموع 186:3.

وسطهنّ، فإن ضاق الموضع ولّي النساء وجوههنّ عن الرجال حتي إذا صلّوا قياما ولّي الرجال وجوههم عنهنّ حتي يصلّين(1).

إذا عرفت هذا، فإنّهم يومئون للركوع و السجود، و يكون السجود أخفض من الركوع.

و عن أحمد روايتان، هذه إحداهما. و الأخري: يسجدون علي الأرض. و به قال الشافعي و مالك(2) ، و قد سبق.

مسألة 547: إذا كان المأموم امرأة أو نساء أو خناثي مشكل أمرهم، و الإمام رجل، وقفت أو وقفن خلفه

وجوبا علي القول بتحريم المحاذاة، و إلاّ ندبا، لقوله عليه السلام: (أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه)(3).

فإن كان المأموم خنثي واحدة وقفت خلفه.

و قال أحمد: لا يجوز، لجواز أن يكون رجلا، بل يقف عن يمينه، و لا تبطل صلاة الإمام بوقوف المرأة علي جانبه(4).

و الوجه: منع ائتمام أكثر من خنثي واحدة علي القول بتحريم المحاذاة.

فإن اجتمعت امرأة و خنثي، وقفت الخنثي خلف الإمام و المرأة خلفها، لجواز أن تكون رجلا.

و لو كان الإمام خنثي و المأموم امرأة، وقفت خلفه وجوبا علي القول بتحريم محاذاتها للرجل، و إلاّ ندبا، لجواز أن يكون رجلا.

و لو كان المأموم رجلا و امرأة و الإمام رجلا، وقف الرجل علي يمينه و المرأة

ص: 247


1- الام 91:1، المجموع 186:3، مغني المحتاج 247:1، المغني 669:1.
2- المغني 668:1-669، الشرح الكبير 500:1 و 501، الانصاف 464:1 و 465، الام 91:1، المدونة الكبري 95:1.
3- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 425:1 ذيل المسألة 171.
4- المغني 47:2، الشرح الكبير 69:2، الانصاف 283:2.

خلفه.

و إن حضر رجلان و امرأة، قام الرجلان خلفه و المرأة خلفهما.

و إن حضر رجل و امرأة و خنثي، وقف الرجل عن يمينه و الخنثي خلفهما و المرأة خلف الخنثي.

قال الشيخ رحمه اللّه: فإن اجتمع رجال و نساء و خناثي و صبيان، وقف الرجال وراء الإمام ثم الصبيان ثم الخناثي ثم النساء.

و أما جنائزهم فإنّه تترك جنائز الرجال بين يدي الإمام ثم جنائز الصبيان ثم جنائز الخناثي ثم النساء.

و أما دفنهم فالأولي أن يفرد لكلّ واحد منهم قبر، لما روي عنهم عليهم السلام أنّه: «لا يدفن في قبر واحد اثنان».

فإن دعت ضرورة إلي ذلك، جاز أن يجمع اثنان و ثلاثة في قبر واحد، كما فعل النبيّ عليه السلام يوم أحد.

فإذا اجتمع هؤلاء، جعل الرجال ممّا يلي القبلة، و الصبيان بعدهم، ثم الخناثي ثم النساء(1).

مسألة 548: إذا قام المأموم عن يمين الإمام فدخل مأموم آخر، فإن لم يكن الأول قد أحرم، تأخّر و وقفا خلف الإمام،

و إن كان قد أحرم فكذلك.

و قال الشافعي: يقف الآخر علي يسار الإمام و يحرم، ثم يتقدّم الإمام، أو يتأخّر المأمومان و يصطفّان خلفه.

و أيّهما أولي ؟ الأصحّ عندنا و عنده: الثاني، لأنّهما تابعان(2).

و لأنّه عليه السلام، دفع جابرا و جبّار بن صخر إلي خلفه(3).

ص: 248


1- المبسوط للطوسي 155:1.
2- المجموع 292:4، فتح العزيز 340:4، مغني المحتاج 246:1، السراج الوهاج: 71.
3- سنن أبي داود 171:1-634، سنن البيهقي 95:3 و انظر: المجموع 292:4.

و لو كان الموضع يحتمل التقدّم دون التأخّر، تقدّم الإمام حتي يحصلا خلفه، و لا يقف المأموم الواحد خلفه ابتداء.

و احتجّ: بأنّه إن تأخّر المأموم قبل أن يحرم الثاني، فقد صار منفردا خلفه، و إن أحرم الداخل خلفه أوّلا، فهو أيضا منفرد خلفه.

و ما قلناه أولي، محافظة للصلاة من الفعل الزائد.

و لو دخل و الإمام و المأموم جالسان للتشهّد، كبّر و جلس عن يساره، و لا يؤمر الإمام بالتقدّم، و لا المأموم بالتأخّر، لأنّه يشقّ حالة الجلوس.

مسألة 549: يكره لغير المرأة و خائف الزحام الانفراد بصف،

بل إذا دخل و وجد في صف المأمومين فرجة، دخل فيه و أحرم، و إن انفرد، صحّت صلاته عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و مالك و الأوزاعي و ابن المبارك، و هو مروي عن زيد بن ثابت(1) - لأنّ أبا بكرة جاء و النبي صلّي اللّه عليه و آله راكع، فركع دون الصف، ثم مشي إلي الصف، فلمّا قضي رسول اللّه عليه السلام قال: (أيّكم ركع دون الصف ثم مشي إلي الصف ؟) فقال أبو بكرة: أنا، فقال: (زادك اللّه حرصا، و لا تعد)(2) و لم يأمره بالإعادة، و النهي عن العود محمول علي الكراهة، أو:

لا تعد إلي التأخّر.

و لأنّه أخطأ موقفا سنّ له إلي موقف لمأموم بحال فأشبه ما إذا وقف علي يسار الإمام.

و قال أحمد و إسحاق: تبطل صلاته - و اختاره ابن المنذر - لأنّ وابصة بن معبد قال: صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأبصر رجلا خلف الصفوف

ص: 249


1- المجموع 298:4، الميزان للشعراني 179:1، بداية المجتهد 149:1، المغني 42:2، الشرح الكبير 64:2.
2- صحيح البخاري 199:1، سنن أبي داود 182:1-684، سنن النسائي 118:2، سنن البيهقي 90:2 و 106:3.

وحده، فأمره أن يعيد الصلاة(1)(2).

و هو محمول علي الاستحباب.

فروع:

أ: لو لم يجد في الصف الأخير فرجة، و وجدها في الصفوف المتقدّمة، فله أن يخرق الصفوف

حتي يصل إلي موضع الفرجة، لأنّ التقصير منهم حيث تركوا الفرجة.

ب: لو لم يجد في الصفوف فرجة، فوقف عن يسار الإمام، صحّت صلاته.

و عن أحمد روايتان(3).

ج: لو لم يجد في الصف مدخلا، صلّي خلف الصف.

و هل يجذب من الصف واحدا يصلّي معه ؟ الأقرب: الكراهة - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لما فيه من إحداث خلل في الصف، و حرمان المجذوب فضيلة الصف الأول.

و في الآخر: يجذب، و يستحب للرجل إجابته(5).

د: لو تقدّمت سفينة المأموم، فإن استصحب نية الائتمام، بطلت صلاته،

لفوات الشرط، و هو: عدم التقدّم.

و قال في الخلاف: لا تبطل، لعدم الدليل(6).7.

ص: 250


1- سنن الترمذي 445:1-230، سنن أبي داود 182:1-682، مسند أحمد 228:4، سنن البيهقي 104:3 و 105.
2- المغني 42:2، الشرح الكبير 64:2، المجموع 298:4، الميزان للشعراني 179:1، بداية المجتهد 149:1، حلية العلماء 181:2.
3- المغني 44:2، الشرح الكبير 66:2.
4- المجموع 297:4-298، حلية العلماء 182:2، مغني المحتاج 248:1.
5- المجموع 297:4-298، حلية العلماء 182:2، مغني المحتاج 248:1.
6- الخلاف 559:1، المسألة 307.

و إن عدل إلي نية الانفراد، صحّت.

الشرط الثالث: الاجتماع في الموقف،
اشارة

فلا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما لم تجر العادة به، و يسمّي كثيرا، إلاّ مع اتّصال الصفوف به، عند علمائنا - و هو قول أكثر العلماء(1) - سواء علم بصلاة الإمام أو لا، لقوله عليه السلام: (لو صلّيتم في بيوتكم لضللتم)(2) و هو يدلّ علي أنّ من علم بصلاة الإمام و هو في داره فلا يجوز أن يصلّي بصلاته.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إذا صلّي قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطي، فليس ذلك لهم بإمام، و أيّ صف كان أهله يصلّون و بينهم و بين الصف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّي فليس تلك بصلاة»(3).

و قال عليه السلام: «يكون قدر ذلك مسقط الجسد»(4).

لكن اشتراط ذلك مستبعد، فيحمل علي الاستحباب.

و قال عطاء: إذا كان عالما بصلاته، صحّ و إن كان علي بعد من المسجد و لم يراع قربا، لأنّه عالم بصلاة الإمام، فصحّت صلاته، كما لو كان في المسجد(5).

و هو غلط، لاستلزامه ترك السعي الواجب في قوله تعالي فَاسْعَوْا إِلي ذِكْرِ اللّهِ (6) في حق العالم، و كان يقتصر الناس علي الصلاة في بيوتهم.

ص: 251


1- المجموع 309:4.
2- سنن أبي داود 150:1-151-550، مسند أحمد 382:1 و 415.
3- الكافي 385:3-4، الفقيه 253:1-1144، التهذيب 52:3-182.
4- الكافي 385:3 - ذيل الحديث 4، التهذيب 52:3 ذيل الحديث 182، و الفقيه 1: 253-1143.
5- المجموع 309:4، حلية العلماء 187:2، رحمة الأمة 73:1.
6- الجمعة: 9.
مسألة 550: و لا فرق في المنع من التباعد بين أن يجمعهما مسجد أو لا،

للعموم.

و فرّق الشافعي بينهما، فسوّغ التباعد في المسجد و إن كان متّسعا بأزيد من ثلاثمائة ذراع - و ظاهر قول الشيخ في المبسوط(1) يعطيه - لأنّه بني للجماعة الواحدة، فكان موجبا للاتّصال بينهما(2).

قال الشافعي: و كذا المساجد الصغار المتّصلة بالمسجد الكبير حكمها حكمه، لأنّها بنيت للاتّصال به(3).

و نمنع إيجاب البناء الاتّحاد مطلقا.

و لا فرق عند الشافعية بين أن يكون الفضاء كلّه ملكا أو كلّه مواتا أو وقفا أو بالتفريق، و لا بين أن يكون محوطا أو غير محوط، و لا بين أن يكون الملك لواحد أو لجماعة.

و في وجه: يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصف كالأبنية، بخلاف الموات فإنه يشبه المسجد.

و في وجه لهم: إذا وقف أحدهما في ملك و الآخر في ملك آخر، يشترط اتصال الصف(4).

و قد بيّنا مذهبنا في ذلك.

مسألة 551: القرب و البعد المرجع بهما إلي العادة عندنا

- و به قال أحمد(5) - لعدم التنصيص شرعا، فيصرف إلي العرف كالإحراز و غيره.

و قدّر الشافعي البعد بما يزيد علي ثلاثمائة ذراع، و القرب بها و بما

ص: 252


1- أنظر: المبسوط للطوسي 156:1.
2- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 302:4، رحمة الأمّة 73:1.
3- المجموع 303:4.
4- المجموع 305:4، فتح العزيز 347:4-348، مغني المحتاج 249:1.
5- المغني 40:2، الشرح الكبير 75:2.

دونها، اعتبارا بصلاة النبي صلّي اللّه عليه و آله في الخوف، فإنه صلّي بطائفة، و مضت إلي وجه العدوّ و هو في الصلاة يحرسهم(1) ، و إنّما يحرس من وقع السهام، لأنّها أبعد وقعا من جميع السلاح، و أكثر ما يبلغ السهم ثلاثمائة ذراع(2).

و هذا ليس بشيء.

ثم اختلف أصحابه هل هو تقريب أو تحديد؟ علي قولين(3).

و لا خلاف في أنّه لو اتّصلت الصفوف إلي أيّ بعد كان، صحّت الصلاة، فعندنا الاتّصال بمجري العادة، و عند الشافعي أن يكون بين كلّ صفّين ثلاثمائة ذراع فما دون(4).

و لو كانت الصفوف في المسجد، جاز أن يصلّي المأموم خارجه مع المشاهدة و عدم البعد الكثير.

و حدّه الشافعي - علي تقريره - بما يزيد علي ثلاثمائة ذراع بينه و بين آخر المسجد و إن لم تكن الصفوف في المسجد متّصلة بآخره، لأنّ المسجد لا يحسب فصلا(5).

و الوجه عندنا: اعتبار الاسم بينه و بين آخر صف فيه.

و قال المرتضي: ينبغي أن يكون بين الصفّين قدر مسقط الجسد، فإن4.

ص: 253


1- انظر: سنن البيهقي 257:3-259.
2- مختصر المزني: 23، المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 303:4-304، فتح العزيز 345:4-346، مغني المحتاج 249:1، كفاية الأخيار 85:1.
3- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 303:4، حلية العلماء 183:2، فتح العزيز 4: 346-347، مغني المحتاج 249:1، كفاية الأخيار 85:1.
4- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 304:4، مغني المحتاج 249:1، رحمة الأمة 1: 73.
5- المجموع 307:4، فتح العزيز 355:4.

تجاوز ذلك إلي القدر الذي لا يتخطّي لم يجز(1) ، للرواية(2).

و الظاهر: الكراهة.

و لو وقف صفّ خلف الإمام علي حدّ ثلاثمائة ذراع عند الشافعي، و علي أبعد مراتب القرب عندنا، و صفّ آخر خلفهم علي النسبة، و هكذا، صحّت صلاتهم إجماعا، و يجعل كلّ صفّ مع الذي خلفه كالإمام مع المأموم.

و لو وقف علي يمين الصفّ قوم بينهما حدّ القرب، أو علي يسارهم، و اقتدوا بالإمام، جاز، و يكون ذلك حدّ القرب بين المأمومين، كما هو حدّ القرب بين الصفّين.

مسألة 552: يستحب قرب الصفّ من الإمام

- و قد قدّره الباقر عليه السلام: بمسقط الجسد استحبابا(3). و روي: «مربض عنز»(4) - ليندرجوا تحت قوله تعالي كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (5) و كذا بين كلّ صفّين.

و يستحب تسوية الصف، لما رواه الجمهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ اللّه بين قلوبكم)(6).

و الوقوف عن يمين الإمام أفضل، لقول البراء بن عازب: كان يعجبنا الوقوف عن يمين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(7).

و لأنّ الإمام يبدأ بالسلام عليهم.

ص: 254


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 238.
2- الكافي 385:3-4، التهذيب 52:3-182، و الفقيه 253:1-1143 و 1144، و تقدمت الرواية في الصفحة 251.
3- الكافي 385:3 ذيل الحديث 4، الفقيه 253:1-1143، التهذيب 52:3 ذيل الحديث 182.
4- الفقيه 253:1-1145.
5- الصف: 4.
6- سنن أبي داود 178:1-662 و 663.
7- صحيح مسلم 492:1-709، سنن النسائي 94:2 نحوه.

و ينبغي أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف، لما رواه أبو داود عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (وسّطوا الإمام و سدّوا الخلل)(1).

مسألة 553: حيلولة النهر و الطريق بين الإمام و المأموم لا تمنع الجماعة

مع انتفاء البعد، عند أكثر علمائنا(2) ، سواء كان النهر ممّا يتخطّي، أو لا - و به قال الشافعي و مالك(3) - لأنّ أنسا كان يصلّي في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام، و بينه و بين المسجد طريق(4) ، و لم ينكر ذلك منكر.

و لأنّ ما بينهما تجوز الصلاة فيه فلا يمنعها.

و قال أبو حنيفة: لا تجوز(5) ، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (من كان بينه و بين الإمام طريق فليس مع الإمام)(6).

و هو محمول علي البعد أو الكراهة.

إذا عرفت هذا، فإنّ الجماعة في السفن المتعدّدة جائزة، سواء اتّصلت أو انفصلت ما لم يخرج إلي حدّ البعد - و به قال الشافعي(7) - لأنّ المقتضي

ص: 255


1- سنن أبي داود 182:1-681.
2- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 557:1 و 558، المسألتان 303 و 306، و المحقق في المعتبر: 238.
3- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 309:4، حلية العلماء 186:2، فتح العزيز 4: 347، مغني المحتاج 249:1، الميزان للشعراني 175:1، المدونة الكبري 82:1، الشرح الصغير 160:1، المغني 41:2، الشرح الكبير 77:2.
4- سنن البيهقي 111:3.
5- المبسوط للسرخسي 193:1، المجموع 309:4، حلية العلماء 187:2، الميزان للشعراني 175:1، المغني 41:2، الشرح الكبير 77:2.
6- قال النووي في المجموع 309:4: هذا حديث باطل لا أصل له و إنّما يروي عن عمر من رواية ليث بن أبي سليم عن تميم. و نقله عن عمر أيضا السرخسي في المبسوط 193:1.
7- المجموع 307:4، فتح العزيز 353:4، حلية العلماء 187:2، مغني المحتاج 251:1، كفاية الأخيار 86:1، المغني 41:2، الشرح الكبير 77:2.

- و هو العموم - موجود، و المانع - و هو عدم المشاهدة - منفي، لوجودها.

و لأنّ الاستطراق ممكن و الماء مانع من ذلك، كما لو كان بينهما نار.

و قال أبو سعيد من الشافعية: بالمنع مع الانفصال مطلقا، لأنّ بينهما ماء يمنع الاستطراق(1).

و هو ممنوع، فإنّ الماء لو نضب(2) أمكن الاستطراق، فالحاصل: أنّ الماء ليس بمانع عندنا، خلافا لأبي حنيفة(3).

الشرط الرابع: عدم الحيلولة بين الإمام و المأموم الذكر
اشارة

بما يمنع المشاهدة للإمام أو المأموم سواء كان من جدران المسجد أو لا، و سواء كانا في المسجد أو لا، عند علمائنا، لتعذّر الاقتداء.

و لأنّ المانع من المشاهدة مانع من اتّصال الصفوف، بل هو في ذلك أبلغ من البعد.

و لقول الباقر عليه السلام: «و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّي فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان من حيال الباب»(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز مطلقا، لأنه يمكنه الاقتداء بالإمام فصحّ اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمي(5).

و نمنع الإمكان، للخفاء، بخلاف الأعمي القريب، لعلمه بحال

ص: 256


1- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 307:4، فتح العزيز 353:4، حلية العلماء 2: 187.
2- نضب الماء: غار في الأرض و سفل. الصحاح 226:1 «نضب».
3- المبسوط للسرخسي 193:1، حلية العلماء 187:2، المغني 41:2، الشرح الكبير 2: 77.
4- الكافي 385:3-4، الفقيه 253:1-1144، التهذيب 52:3-182.
5- المبسوط للسرخسي 193:1، المجموع 309:4.

الإمام.

و قال الشافعي: إن صلّيا في المسجد، صحّت صلاة المأموم إذا علم بصلاة الإمام، سواء كان بينهما جدار حائل من مشاهدة الإمام و مشاهدة من يشاهده، أو لا، لأنّ المسجد كلّه متصل حكما و إن انفصل إلي بيوت و مساكن(1).

و نمنع الاتّحاد للحائل فلم يجز، كالخارج.

و إن صلّي المأموم خارج المسجد، و حال بينهما حائطه، فقولان:

أصحّهما عنده: المنع من الائتمام، لأنّه بني للفصل بينه و بين غيره. و إن كان الحائل حائط بيته، منع من الائتمام(2).

و أيّ فرق بين كون الحائط للمسجد أو لغيره ؟

فروع:

أ: الصلاة في المقاصير التي في الجوامع غير المخرّمة باطلة،

لقول الباقر عليه السلام: «هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، ليس لمن صلّي خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة»(3).

و سوّغه الشافعي و أبو حنيفة(4).

ب: لو كان الحائل يمنع من الاستطراق دون المشاهدة،

كالشبابيك و الحيطان المخرّمة التي لا تمنع من مشاهدة الصفوف، للشيخ قولان:

أحدهما: المنع(5) ، لقول الباقر عليه السلام: «إن صلّي قوم و بينهم

ص: 257


1- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 302:4، فتح العزيز 343:4، كفاية الأخيار 1: 85، مغني المحتاج 248:1، رحمة الأمة 73:1.
2- المجموع 308:4، فتح العزيز 357:4، حلية العلماء 184:2، مغني المحتاج 251:1.
3- الكافي 385:3-4، التهذيب 52:3-182، و الفقيه 253:1-1144.
4- لم نجد قولهما فيما بين أيدينا من المصادر، نعم نقله عن أبي حنيفة، المحقق في المعتبر: 238-239، و راجع: المبسوط للسرخسي 193:1.
5- الخلاف 558:1، المسألة 305.

و بين الإمام ما لا يتخطّي، فليس ذلك الإمام لهم بإمام»(1).

و الثاني: الجواز، لأنّ القصد من التخطّي - و هو العلم بحال الإمام - حاصل كالنهر(2). و هو حسن.

و للشافعي قولان(3).

ج: لو كان الحائل قصيرا يمنع حالة الجلوس خاصة من المشاهدة، فالأقرب: الجواز.

د: لو وقف الإمام في بيت و بابه مفتوح، فوقف مأموم خارجا بحذاء الباب بحيث يري الإمام أو بعض المأمومين، صحّت صلاته.

و كذا إن صلّي قوم عن يمينه أو شماله أو من ورائه، صحّت صلاتهم و إن لم يشاهدوا من في البيت، لأنّهم يرون هذا و هو يري الإمام أو المأمومين في البيت.

فإن وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو شمالها لا يشاهدون من في المسجد، لم تصح صلاتهم إذا لم يكونوا علي سمت المحاذي للباب.

ه: لو صلّي في داره و بابها مفتوح يري منه الإمام أو بعض المأمومين، صحّت صلاته،

و لا يشترط اتّصال الصفوف به.

و للشافعي قولان(4).

و: لو صلّي بين الأساطين، فإن اتّصلت الصفوف به أو شاهد الإمام

أو4.

ص: 258


1- الكافي 385:3-4، التهذيب 52:3-182، و الفقيه 253:1-1144.
2- المبسوط للطوسي 156:1.
3- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 308:4، فتح العزيز 360:4، مغني المحتاج 1: 251.
4- المجموع 308:4، فتح العزيز 361:4-362، كفاية الأخيار 85:1، حلية العلماء 2: 184.

بعض المأمومين، صحّت صلاته، لقول الصادق عليه السلام: «لا أري بالصفوف بين الأساطين بأسا»(1).

ز: لو وقف الإمام في المحراب الداخل في الحائط،

فإنّ صلاة من خلفه صحيحة، لأنّهم يشاهدونه، و كذا باقي الصفوف التي من وراء الصف الأول.

أمّا من علي يمين الإمام و يساره، فإن حال بينهم و بين الإمام حائل، لم تصح صلاتهم، و إلاّ صحّت، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بوقوف الإمام في المحراب»(2).

ح: يجوز أن تصلّي المرأة من وراء الجدار مقتدية بالإمام

و إن لم تشاهده و لا من يشاهده، عند علمائنا، لأنّ عمّارا سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء هل يصلّين خلفه ؟ قال: «نعم» قلت: إنّ بينه و بينهنّ حائطا أو طريقا، قال: «لا بأس»(3).

و لأنّ المرأة عورة، و الجماعة مطلوبة للشارع، فتجمع بين الصيانة و طلب الفضيلة.

و لا فرق بين الحسناء الشابة و الشوهاء العجوز. و لم يفرّق الجمهور بين الرجال و النساء في المنع و الجواز.

ط: الماء ليس حائلا - علي ما بيّنّاه - مع المشاهدة و عدم البعد،

خلافا لأبي الصلاح(4) منّا، و لأبي حنيفة(5).2.

ص: 259


1- الكافي 386:3-6، الفقيه 253:1-1141، التهذيب 52:3-180.
2- أورده المحقق في المعتبر: 239، و الذي يظهر من التهذيب 52:3 ذيل الحديث 180: أنّ قوله: لا بأس، الي آخره من كلام الشيخ الطوسي رحمه اللّه، فراجع.
3- التهذيب 53:3-183.
4- الكافي في الفقه: 144-145.
5- المبسوط للسرخسي 193:1، المجموع 309:4، الميزان للشعراني 175:1، المغني 2: 41، الشرح الكبير 77:2.

ي: لو وقف المأموم في بيت دار و الإمام في آخر،

فإن كان عن يمينه أو يساره، و اتّصلت الصفوف به بتواصل المناكب، أو بقيت فرجة لا تتّسع للواقف، صحّت إذا كان الباب علي سمت الإمام أو صفّة.

و إن كان خلفه و الباب مفتوح يشاهد منه الإمام أو بعض المأمومين، صحّ أيضا، و إلاّ فلا.

الشرط الخامس: عدم علوّ الإمام علي موضع المأموم بالمعتدّ به،
اشارة

فلو صلّي الإمام علي موضع أرفع من موضع المأموم بما يعتدّ به، بطلت صلاة المأموم، عند علمائنا، سواء أراد تعليمهم أو لا، لما رواه الجمهور أنّ عمّار ابن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدّم عمّار، فقام علي دكان و الناس أسفل منه، فتقدّم حذيفة فأخذ بيده حتي أنزله، فلمّا فرغ من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يقول: (إذا أمّ الرجل القوم فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم)؟ قال عمّار: فلذلك اتّبعتك حين أخذت علي يدي(1).

و أمّ حذيفة بالمدائن علي دكان، فأخذ عبد اللّه بن مسعود(2) ، بقميصه فجبذه(3) ، فلمّا فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنّهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال: بلي ذكرت حين جبذتني(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن كان الإمام علي شبه دكان أو علي موضع أرفع من موضعهم، لم تجز صلاتهم، و لو كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع بقدر شبر، و كان(5) أرضا

ص: 260


1- سنن أبي داود 163:1-598، سنن البيهقي 109:3.
2- كذا في «ش، م» و في المصادر: أبو مسعود.
3- الجبذ لغة في الجذب. النهاية لابن الأثير 235:1 «جبذ».
4- سنن أبي داود 163:1-597، سنن البيهقي 108:3، و انظر المغني 41:2-42.
5- في الكافي: فإن كان. و في التهذيب: فإن كانت. و في الفقيه: و إن كانت.

مبسوطة، و كان في موضع منها ارتفاع، فقام الإمام في الموضع المرتفع، و قام من خلفه أسفل منه، و الأرض مبسوطة إلاّ أنّهم في موضع منحدر، قال:

لا بأس»(1).

و لأنّه يحتاج إلي معرفة حال إمامه في ركوعه و سجوده، فيحتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده، و هو منهي عنه في الصلاة.

و قال مالك و الأوزاعي و أصحاب الرأي: إنّه مكروه(2) - و هو قول الشيخ في الخلاف(3) - لحديث عمّار و حذيفة(4).

و هو يدلّ علي المنع و النهي، و ظاهرهما: التحريم.

و قال الشافعي: اختار للإمام الذي يعلّم من خلفه أن يصلّي علي الشيء المرتفع فيراه من خلفه فيقتدون بركوعه، لأنّ سهل بن سعد الساعدي قال:

صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هو علي المنبر لمّا صنع له، فصعد عليه فاستقبل القبلة فكبّر ثم قرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد، فلمّا فرغ من صلاته قال: (إنّما فعلت ذلك لتأتمّوا بي و تعلموا صلاتي)(5)(6).

و نمنع الحديث. سلّمنا، لكن الظاهر أنّه كان علي الدرجة السفلي لئلاّ يحتاج إلي عمل كثير في الصعود و النزول، فيكون ارتفاعا يسيرا.

و لأنّه من خصائصه، لأنّه فعل شيئا، و نهي عنه، فيكون فعله له و نهيه لغيره، و لهذا لا يستحب مثله لغير النبي عليه السلام.3.

ص: 261


1- الكافي 386:3-9، التهذيب 53:3-185، و الفقيه 253:1-254-1146.
2- المدونة الكبري 81:1، القوانين الفقهية: 70، المبسوط للسرخسي 39:1، المغني 41:2، الشرح الكبير 78:2.
3- الخلاف 556:1، المسألة 301.
4- تقدّما قريبا.
5- الام 172:1، المجموع 295:4، المغني 41:2، الشرح الكبير 78:2.
6- صحيح مسلم 386:1-544، مسند أحمد 339:5، سنن البيهقي 108:3.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يتم الصلاة علي المنبر، فإنّ سجوده و جلوسه إنّما كان علي الأرض، بخلاف ما وقع فيه الخلاف، أو أنّه عليه السلام علّم الصلاة، و لم يقتدوا به.

و حكي الطحاوي عن أبي حنيفة كراهيته إذا كان ارتفاعه يجاوز القامة(1).

فروع:

أ: لو صلّي الإمام علي سطح و المأموم علي آخر و بينهما طريق، صحّ

مع عدم التباعد و علوّ سطح الإمام.

ب: لو صلّي المأموم علي الموضع المنخفض بالمعتدّ به، بطلت صلاته

- و به قال الأوزاعي(2) - لأنّ النهي يقتضي الفساد.

و لقول الصادق عليه السلام: «لم تجز صلاتهم»(3).

و قال أصحاب الرأي: لا تبطل، لأنّ عمارا أتمّ صلاته(4) ، و لو كانت فاسدة، استأنفها(5).

و يحمل علي الجذب قبل التحريم.

ج: لو كان مع الإمام من هو مساو و أعلي و أسفل،

اختص التحريم بالأسفل، لوجود المعني فيه دون غيره.

د: لا تبطل صلاة الإمام لو صلّي علي المرتفع، بل يختص البطلان بالأسفل،

لاختصاص النهي بالأسفل.

و قال بعض الجمهور: تبطل صلاة الإمام، لأنّه منهي عن القيام في

ص: 262


1- حلية العلماء 183:2.
2- المغني 42:2، الشرح الكبير 79:2، المجموع 295:4.
3- الكافي 386:3-9، الفقيه 253:1-254-1146، التهذيب 53:3-185.
4- سنن أبي داود 163:1-598.
5- المغني 42:2، الشرح الكبير 79:2.

مكان أعلي من مقامهم(1).

و نمنع توجّه النهي إلي الإمام، بل إلي المأموم خاصة.

ه: لو كان العلوّ يسيرا، جاز

إجماعا، و هل يتقدّر بشبر أو بما لا يتخطّي ؟ الأقرب: الثاني.

و: لو كان المأموم أعلي من الإمام، صحّت صلاته

و إن كان علي شاهق و إن كان خارج المسجد أو كانت الصلاة جمعة، عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد و أصحاب الرأي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «إن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس».

و قال عليه السلام: «لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك و الإمام علي الأرض جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي به»(3).

و للأصل مع عدم النهي و ما في معناه.

و قال الشافعي: إذا صلّي في سطح داره بصلاة الإمام في المسجد، لم تصح، لأنّها بائنة من المسجد، و ليس بينهما قرار يمكن اتّصال الصفوف فيه، و إن كان السطح في المسجد و صلّي بإمام في صحنه، صحّت صلاته(4).

و قال مالك: إذا صلّي الجمعة فوق سطح المسجد، أعاد(5).

و ليس بجيّد، لعدم دليل التخصيص.

الشرط السادس: نية الاقتداء،
اشارة

بإجماع العلماء، إذ ليس للمرء من عمله إلاّ ما نواه.

ص: 263


1- المغني 42:2، و الشرح الكبير 79:2.
2- المغني 39:2، الشرح الكبير 79:2، الإنصاف 298:2.
3- الكافي 386:3-9، الفقيه 253:1-1146، التهذيب 53:3-185.
4- المهذب للشيرازي 107:1، المجموع 302:4 و 308، فتح العزيز 343:4-344 و 361، الميزان للشعراني 175:1، المغني 39:2 و الشرح الكبير 79:2.
5- المدونة الكبري 151:1، الشرح الصغير 61:1 و 179، القوانين الفقهية: 79، المغني 39:2، الشرح الكبير 79:2.

و لا تكفي نيّة الجماعة، لاشتراكها بين الإمام و المأموم، فليس في نية الجماعة المطلقة نيّة الاقتداء و ربط الفعل بفعل الغير.

و لأنّ المأموم تسقط عنه القراءة الواجبة علي المنفرد، فلا بدّ من نية الائتمام، ليسقط عنه وجوب القراءة.

فإن لم ينو الاقتداء، انعقدت صلاته منفردا، فإن ترك القراءة، بطلت صلاته، و إن قرأ معتقدا عدم الوجوب فكذلك، و إلاّ صحّت، سواء تابعه في أفعاله أو لا، لأنّه ليس فيه إلاّ أنّه قرن فعله بفعل غيره، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما: البطلان، لأنّه وقّف صلاته علي صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة، و فيه ما يبطل الخشوع و يشغل القلب(1).

و نمنع اقتضاء ذلك البطلان.

نعم لو طال الانتظار من غير عذر، فالوجه: البطلان.

و لو اتّفق انقضاء أفعاله مع أفعال الغير، فليس متابعة، و لا تبطل به الصلاة إجماعا.

و لو شك في نيّة الاقتداء خلال الصلاة، فهو كما لو شك في أصل النيّة، و قد بيّنّا البطلان إن كان المحلّ باقيا، و عدم الالتفات إن كان قد انتقل.

مسألة 554: يجب تعيين الإمام في نيّته إمّا باسمه أو بوصفه

و لو بكونه الإمام الحاضر، ليمكن متابعته.

و لو عيّن بغير وصف كونه الإمام الحاضر فأخطأ، بطلت صلاته، لأنّه لم ينو الاقتداء بهذا المصلّي، و ما نواه لم يقع له، لعدم إمكانه، فبطلت صلاته.

ص: 264


1- المجموع 200:4-201، فتح العزيز 363:4.

و كذا البحث لو عيّن الميت في صلاة الجنازة و أخطأ، فإنّه يجب عليه إعادة الصلاة عليه.

و لو كان بين يديه اثنان يصلّيان، فنوي الائتمام بأحدهما لا بعينه، لم تصحّ، لعدم إمكان متابعتهما علي تقدير الاختلاف، و عدم أولويّة أحدهما.

و لو نوي الائتمام بهما معا، لم تصح، للاختلاف، فلا يمكن متابعتهما.

و لو نوي الاقتداء بالمأموم لم تصحّ صلاته إجماعا، لأنّه لا يجوز أن يكون إماما و هو مأموم.

و لا فرق بين أن يكون عالما أو جاهلا للحكم أو للوصف.

فلو خالف المأموم سنّة الموقف، فوقف علي يسار الإمام، فنوي الداخل الاقتداء بالمأموم ظنّا أنّه الإمام، لم تصح صلاته - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لا يجوز أن يكون إماما و هو مأموم بحال، فلم يعف عن الخطأ في ذلك.

مسألة 555: لا تشترط نية الإمامة، فلو صلّي منفردا فدخل قوم و صلّوا بنية الاقتداء به، صحّت صلاتهم

و إن لم يجدّد نية الإمامة.

و كذا لو صلّي بنية الانفراد مع علمه بأنّ من خلفه يأتمّ به، عند علمائنا، و به قال الشافعي و مالك و الأوزاعي، و اختاره ابن المنذر، و به قال أبو حنيفة أيضا، إلاّ إذا أمّ النساء فإنه شرط نيّة الإمامة لهنّ(2).

لرواية أنس أن النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يصلّي في رمضان قال:

ص: 265


1- المجموع 202:4.
2- المجموع 202:4 و 203، فتح العزيز 366:4، حلية العلماء 157:2، الميزان للشعراني 173:1، مغني المحتاج 253:1، كفاية الأخيار 81:1، المدونة الكبري 86:1، بلغة السالك 161:1، المبسوط للسرخسي 185:1، بدائع الصنائع 128:1، و لم نعثر علي قول الأوزاعي و ابن المنذر بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

فجئت فقمت إلي جنبه، و جاء رجل فقام إلي جني حتي كنّا رهطا، فلمّا أحسّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّا خلفه جعل يتجوّز(1) في الصلاة، فقلنا له حين فرغ: أ فطنت بنا الليلة ؟ فقال: (نعم ذاك الذي حملني علي الذي صنعت)(2).

و لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد، فلا تعتبر نيّة الإمامة، لعدم الاختلاف في الهيئات و الأحكام.

و قال الثوري و أحمد و إسحاق: تشترط نية الإمامة، فإن لم ينو الإمام الإمامة، بطلت صلاة المأمومين(3) ، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (الأئمة ضمناء)(4) و لا يضمن إلاّ بعد العلم.

و نمنع اشتراط العلم في الضمان، و لم لا تكفي في ثبوت هذا الضمان نيّة المأموم ؟ إذ الإمام إنّما يتحمّل القراءة و السهو، فهو ضامن لذلك.

فروع:

أ: لو صلّي اثنان و نوي كلّ منهما أنّه إمام لصاحبه، صحّت صلاتهما

- و به قال الشافعي(5) - لأنّ كلاّ منهما احتاط لصلاته بما يجب علي المنفرد، فلم تلزمه الإعادة، و نيّة الإمامة ليست منافية لصلاة المنفرد، فلم تقدح في الصلاة.

و لقول علي عليه السلام: «صلاتهما تامة»(6).6.

ص: 266


1- تجوّز: خفّف. الصحاح 871:3، النهاية لابن الأثير 315:1 «جوز».
2- صحيح مسلم 775:2-1104.
3- المغني 60:2، الانصاف 27:2، المجموع 203:4، فتح العزيز 366:4، حلية العلماء 157:2، الميزان للشعراني 173:1.
4- سنن البيهقي 430:1، كنز العمّال 686:7-20919.
5- الام 177:1، المهذب للشيرازي 101:1، المجموع 201:4، فتح العزيز 317:4، مغني المحتاج 238:1.
6- الكافي 375:3-3، الفقيه 250:1-1123، التهذيب 54:3-186.

و قال أحمد: لا تصح، لأنّه نوي الإمامة و لا مأموم(1).

و نمنع اقتضاءه البطلان.

ب: لو نوي كلّ منهما أنّه مأموم لصاحبه، بطلت صلاتهما

إجماعا.

و لأنّهما قد أخلاّ بشرط الصلاة، و هو: وجوب القراءة.

و لقول علي عليه السلام، و قد سئل في رجلين اختلفا - إلي أن قال - فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك ؟ قال: «صلاتهما فاسدة ليستأنفا»(2).

ج: لو قال كلّ منهما: لم أدر نويت الإمامة أو الائتمام بعد الفراغ من الصلاة، احتمل أن يعيدا،

لأنّه لم يحصل الاحتياط في أفعال الصلاة بيقين.

و الصحة، لأنّه شك في شيء بعد الفراغ منه.

أما لو شكّا في أثناء الصلاة أيّهما الإمام، بطلت صلاتهما، لأنّهما لا يمكنهما المضيّ في الصلاة، و أن يقتدي أحدهما بالآخر.

د: لو صلّي بصلاة من سبقه منفردا بركعة فما زاد صحّ ائتمامه في الفرض و النفل

- و به قال الشافعي(3) - لأنّ نية الإمامة ليست شرطا.

و لأنّ جابرا و جبّارا دخلا المسجد و قد أحرم عليه السلام وحده، فأحرما معه في الفرض(4) ، و لم ينكر عليهما.

و قال أحمد: تصح في النفل، و في الفرض روايتان(5).

ه: لو عيّن الإمام إمامة معيّن فأخطأ، لم يضر،

لأنّ أصل النية غير واجب عليه، و الخطأ لا يزيد علي الترك من الأصل.

و: لو لم ينو الإمام الإمامة، صحّت صلاته

كما قلنا، و به قال0.

ص: 267


1- المغني 60:2، الانصاف 28:2.
2- الكافي 375:3-3، الفقيه 250:1-1123، التهذيب 54:3-186.
3- المهذب للشيرازي 101:1، المجموع 209:4.
4- سنن أبي داود 171:1-634، سنن البيهقي 95:3.
5- المغني 61:2-62، الانصاف 29:2-30.

الشافعي(1).

و هل ينال فضيلة الجماعة ؟ الأقرب ذلك، لحصولها من دون نيته.

و أصحّ وجهي الشافعية: العدم(2).

ز: لو لم ينو الإمامة في الجمعة، احتمل بطلان صلاته،

لأنّها لا تقع إلاّ جماعة، و لا تكفي نيّة الجمعة المستلزمة لنيّة مطلق الجماعة، لاشتراكها بين الإمام و المأموم. و الصحة، إذ لا يجب التعرّض للشرائط في النية.

مسألة 556: لو أحرم منفردا ثم نوي الائتمام، قال الشيخ: يجوز ذلك

مسألة 556: لو أحرم منفردا ثم نوي الائتمام، قال الشيخ: يجوز ذلك(3).

و هو أحد قولي الشافعي و المزني و أحمد في رواية(4).

و استدلّ الشيخ عليه: بإجماع الفرقة، و الأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم السلام. و بانتفاء المانع من الصحّة فيبقي الأصل سالما. و لأنّه يصح النقل من الانفراد إلي الإمامة للحاجة، فجاز إلي الائتمام طلبا للثواب.

و قال مالك و أبو حنيفة: لا يجوز. و هو قول للشافعي(5) ، لقوله عليه السلام: (إذا كبّر الإمام فكبّروا)(6).

و لأنّ هذا كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يصلّي المسبوق ما فاته ثم يدخل مع الإمام، فنسخ، فلا يجوز فعله.

و الحديث متوجّه إلي المأموم، و نحن نقول بموجبه بعد الائتمام،

ص: 268


1- المجموع 202:4 و 203، فتح العزيز 366:4، مغني المحتاج 253:1.
2- المجموع 203:4، فتح العزيز 367:4، مغني المحتاج 253:1.
3- الخلاف 552:1، المسألة 293.
4- المهذب للشيرازي 101:1، المجموع 209:4، فتح العزيز 408:4، حلية العلماء 2: 157. مختصر المزني: 23، مغني المحتاج 260:1، المغني 62:2.
5- المدونة الكبري 87:1، الشرح الصغير 161:1، القوانين الفقهية: 69-70، المهذب للشيرازي 101:1، المجموع 209:4، فتح العزيز 407:4، حلية العلماء 158:2.
6- صحيح مسلم 308:1-411 و 310-414 و 415 و 311-417، سنن النسائي 2: 97، سنن الترمذي 194:2-361، سنن البيهقي 18:2.

و الفرق بين قضاء المسبوق و دخول المنفرد ظاهر.

و ليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب، لورود نقل النية إلي النفل و إبطال الفرض مع إمام الأصل، و النقل(1) أولي منهما.

و للشافعي قول ثالث: المنع إن خالف الترتيب بأن يدخل معه بعد صلاة ركعة، و الجواز إن دخل مع الإمام قبل أن يركع في الاولي(2).

و لا دليل علي التفصيل مع أصالة الجواز، و وروده في المسبوق.

إذا عرفت هذا، فإن كان قد سبقه بركعة، فإذا قام الإمام إلي الرابعة لم يتابعه، و لكن يجلس و يتشهّد، ثم إن شاء سلّم بنيّة المفارقة، و إن شاء طوّل في الدعاء حتي يجلس الإمام و يسلّم معه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أن يحرم مأموما ثم يصير إماما في موضع الاستخلاف، أو إذا نوي مفارقة الإمام ثم ائتمّ به غيره، و كذا لو نقل نيّته(3) إلي الائتمام بإمام آخر.

و لو أدرك نفسان بعض الصلاة، أو ائتمّ بالمسافر مقيمان، فسلّم الإمام، جاز أن يأتمّ أحدهما بصاحبه، و لأحمد وجهان(4).

و لو نوي الإمام الائتمام بغيره لم تصح، و هو إحدي الروايتين عن أحمد. و في الثانية: الجواز(5) ، لقصّة أبي بكر(6). و هي عندنا باطلة.

مسألة 557: يجوز للمأموم أن ينقل نيته من الائتمام إلي الانفراد لعذر

ص: 269


1- أي: نقل النية إلي الائتمام.
2- المجموع 209:4، فتح العزيز 409:4.
3- في نسخة «ش»: نفسه.
4- المغني 64:2، الانصاف 36:2.
5- المغني 64:2، الانصاف 37:2.
6- صحيح مسلم 311:1-418، سنن الترمذي 197:2-362، سنن البيهقي 80:3.

كان أو لغيره، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة، ثم خرجت من صلاته و أتمّت منفردة(2).

و روي جابر قال: كان معاذ يصلّي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، العشاء، ثم يرجع إلي قومه فيؤمّهم، فأخّر النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلاة العشاء، فصلّي معه، ثم رجع إلي قومه، فقرأ سورة البقرة، فتأخّر رجل، فصلّي معه وحده، فقيل له: نافقت يا فلان، فقال: ما نافقت و لكن لآتينّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأخبره، فأتي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فذكر ذلك له، فقال له: (أ فتّان أنت يا معاذ؟ أ فتّان أنت يا معاذ؟) مرّتين، (اقرأ سورة كذا و سورة كذا) قال: و سورة ذات البروج، و الليل إذا يغشي، و السماء و الطارق، و هل أتاك حديث الغاشية(3). و لم ينكره النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في الرجل صلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(4).

و عن الرضا عليه السلام في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل التشهد فيأخذه البول(5) ، أو يخاف علي شيء أو مرض كيف يصنع ؟ قال: «يسلّم و ينصرف و يدع الإمام»(6).م.

ص: 270


1- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 246:4، فتح العزيز 402:4-403، مغني المحتاج 259:1.
2- صحيح البخاري 145:5، صحيح مسلم 575:1-842، سنن أبي داود 2: 13-1238، الموطأ 183:1-1، سنن النسائي 171:3.
3- صحيح مسلم 339:1-465، سنن أبي داود 210:1-790، سنن الدارمي 297:1، سنن النسائي 172:2-173، سنن البيهقي 392:2-393.
4- التهذيب 55:3-189.
5- في «ش» و الطبعة الحجرية بدل «البول»: «المرّة».
6- المعتبر: 246. و في الفقيه 261:1-1191، و قرب الإسناد: 95، و التهذيب 283:3-842 عن الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام.

و لأنّ الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة.

و لأنّه استفاد بصلاة الإمام فضيلة صلاته، فيترك بالخروج الفضيلة دون الصحّة.

و قال الشافعي في الآخر: إن ترك لعذر، جاز، و إن كان لغيره، لم يجز. و به قال أحمد في رواية(1).

و العذر: المشقّة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خوف غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوت مال أو تلفه أو فوت رفيقه.

و قال أبو حنيفة و مالك: تبطل صلاته، سواء كان لعذر أو لا(2) ، لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه)(3).

و نحن نقول بموجبه ما دام في المتابعة.

فروع:

أ: لو نوي الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة، قرأ هو.

و لو كان الإمام قد قرأ و فرغ، ركع و لم يقرأ. و لو كان قد فرغ من قراءة الفاتحة، فالوجه:

الاجتزاء بها عنها، فيقرأ السورة. و لو كان في أثناء الحمد، فالوجه: الابتداء بها، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة، و البطلان. و كذا لو كان في أثناء السورة.

ب: لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخري يصلّون جماعة، فأخرج نفسه عن متابعة إمامه و وصل صلاته بصلاة الإمام الآخر، فالوجه:

الجواز،

لما تقدّم. و الخلاف فيه كما سبق.

ج: لو أراد أن يصل صلاته بصلاة الجماعة، وجب نية الاقتداء.

و لو2.

ص: 271


1- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 246:4، الوجيز 58:1، فتح العزيز 404:4، مغني المحتاج 259:1، المغني 63:2، الانصاف 31:2.
2- الشرح الصغير 161:1، المجموع 247:4، حلية العلماء 167:2.
3- صحيح مسلم 309:1-310-414، سنن البيهقي 79:3، مسند أحمد 314:2.

أحدث الإمام فاستخلف غيره، لم يحتج المأموم إلي نيّة الاقتداء بالخليفة، لوجود نية الاقتداء في الابتداء، و الخليفة نائبه، فيمضي علي نظم صلاته، و يكتفي بالنية السابقة علي إشكال.

الشرط السابع: توافق نظم الصلاتين في الأركان و الأفعال،

فلا تصح مع الاختلاف، كاليومية مع صلاة الجنازة أو الخسوف أو العيد - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) - للنهي عن المخالفة، و لا تجوز المتابعة، لخروج صلاة المأموم عن هيئتها.

و الثاني للشافعي: الجواز، لأنّ القصد اكتساب فضيلة الجماعة(2).

و لم ينقل عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، ذلك، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(3).

و علي قوله: يراعي كلّ واحد واجبات صلاته، فإذا اقتدي في الفريضة بصلاة الجنازة، لا يتابعه في الأذكار بين التكبيرات و لا فيها، بل إذا كبّر الإمام الثانية، أخرج نفسه عن المتابعة، أو انتظر سلامه.

و إذا اقتدي بمن يصلّي الخسوف، تابعه في الركوع الأول، ثم إن شاء رفع رأسه و فارقه و إن شاء انتظره في الركوع إلي أن يعود الإمام إليه(4).

و الوجه: المنع من ذلك كلّه.

مسألة 558: لا يشترط اتّحاد الصلاتين نوعا و لا صنفا،
اشارة

فللمفترض أن يصلّي خلف المتنفّل و بالعكس، و من يصلّي الظهر خلف من يصلّي البواقي و بالعكس، سواء اختلف العدد أو اتّفق، عند علمائنا - و به قال عطاء و طاوس

ص: 272


1- المغني 54:2، الشرح الكبير 61:2، المجموع 270:4، فتح العزيز 370:4، حلية العلماء 176:2.
2- المجموع 270:4-271، فتح العزيز 370:4، حلية العلماء 177:2.
3- صحيح البخاري 162:1-163، سنن الدارمي 286:1، مسند أحمد 53:5، سنن الدار قطني 346:1-10، سنن البيهقي 345:2.
4- المجموع 270:4، فتح العزيز 370:4-371.

و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد في إحدي الروايتين، و اختاره ابن المنذر و الحميدي(1) - لأنّ معاذا كان يصلّي مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، العشاء، ثم يرجع فيصلّيها بقومه في بني سلمة، هي له تطوّع و لهم مكتوبة(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم» في رجل أمّ قوما فصلّي العصر و هي لهم ظهر(3).

و كتب محمد بن إسماعيل بن بزيع إلي الرضا عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيرتي فيأمروني بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم، و ربّما صلّي خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل، و أكره أن أتقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك، فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه، و أعمل به إن شاء اللّه، فكتب: «صلّ بهم»(4).

و لأنّهما صلاتان متّفقتان في الأفعال الظاهرة تصحان جماعة و فرادي، فجاز أن يكون الإمام في إحداهما، و المأموم في الأخري، كالمتنفّل خلف المفترض.

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في الرواية الأخري: لا يصلّي مفترض خلف متنفّل، و لا مفترض في غير فرض الإمام، و يصلّي المتنفّل خلف المفترض - و به قال الزهري و ربيعة - لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه)(5).

و أنّ صلاة المأمومين لا تتأدّي بنية الإمام، فأشبه الجمعة خلف من يصلّي2.

ص: 273


1- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 269:4-271، الوجيز 57:1، فتح العزيز 4: 372، المغني 53:2، الشرح الكبير 59:2-60، حلية العلماء 176:2.
2- صحيح مسلم 339:1-178 و 340-180 و 181، سنن أبي داود 163:1-599 و 600 و 210-790.
3- التهذيب 49:3-172، الإستبصار 439:1-1691.
4- الكافي 380:3-5، التهذيب 50:3-174.
5- صحيح مسلم 309:1-310-414، سنن البيهقي 79:3، مسند أحمد 414:2.

الظهر(1).

و المراد بالخبر: الأفعال الظاهرة، و يدلّ عليه قوله: (فإذا كبّر فكبّروا)(2) إلي آخره.

و القياس منقوض بمن يصلّي ركعتي الفجر خلف المفترض.

و الجمعة لا تصح خلف من يصلّي الظهر، لأنّ الإمام شرط في صحتها، بخلاف سائر الجماعات إن منعنا في الجمعة.

علي أنّ الفرق أنّ الجمعة من حضرها وجبت عليه، فلا تجزئه الظهر مع وجوب الجمعة.

و ينتقض بمن صلّي خلف الإمام و قد رفع رأسه من الركعة الأخيرة، فإنّه ينوي الظهر و يأتم به، لا الجمعة.

فروع:

أ: هل يصح أن يصلّي خلف المتنفّل بها،

كالمعذور إذا قدّم ظهره، أو خلف مفترض بغيرها، مثل أن يصلّي صبحا قضاء، أو ركعتين منذورة ؟ الأقرب: المنع.

ب: الأقرب عندي: منع اقتداء المفترض بالمتنفّل،

إلاّ في صورة النصّ، و هو: ما إذا قدّم فرضه.

ج: هل يصح أن يصلّي المتنفّل خلف مثله ؟ الوجه: المنع،

إلاّ في مواضع الاستثناء، كالعيدين المندوبين و الاستسقاء.

د: لو كانت صلاة المأموم ناقصة العدد، تخيّر

مع فراغها بين التسليم

ص: 274


1- اللباب 82:1، الهداية للمرغيناني 58:1، شرح العناية 323:1، الشرح الصغير 1: 154 و 162، الكافي في فقه أهل المدينة: 47، القوانين الفقهية: 70، المغني 52:2-53، الشرح الكبير 59:2-60، المحرر في الفقه 101:1، الانصاف 276:2، المجموع 4: 271، فتح العزيز 365:4، حلية العلماء 176:2.
2- راجع: المصادر في الهامش (5) من ص 273.

و ينوي مفارقة الإمام، و بين الصبر إلي أن يفرغ الإمام فيسلّم معه، و لا يجوز له المتابعة في أفعاله، لئلاّ يزيد في عدد صلاته.

و لو انعكس الحال، صلّي مع الإمام، و تخيّر عند قعود الإمام للتشهّد بين المفارقة، فيتمّ قبل سلامه، و بين الصبر إلي أن يسلّم الإمام، فيقوم و يأتي بما بقي عليه.

ه: لو قام الإمام إلي الخامسة سهوا، لم يكن للمسبوق الائتمام فيها.

و: يستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماما، أو مأموما.

و هل يجوز فيهما معا؟ الأقرب: ذلك في صورة واحدة، و هي: ما إذا صلّي إمام متنفّل بصلاته بقوم مفترضين، و جاء من صلّي فرضه، فدخل معهم متنفّلا، أمّا لو خلت الصلاة عن مفترض، فإشكال.

مسألة 559: استحباب إعادة الصلاة للمنفرد عام في جميع الصلوات اليومية

في أيّ وقت اتّفق، عند علمائنا، لقوله عليه السلام لبعض أصحابه:

(إذا جئت فصلّ مع الناس و إن كنت قد صلّيت)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز أن يعيد الصلاة معهم ؟ قال:

«نعم و هو أفضل» قلت: فإن لم يفعل ؟ قال: «ليس به بأس»(2).

و قال الشافعي: يشترط أن تقام و هو في المسجد، و يدخل و هم يصلّون. و قال: يعيد إن صلّي وحده إلاّ المغرب(3).

و هو تقييد لا وجه له.

و قال أبو حنيفة: لا تعاد الفجر و لا العصر، لأنّها نافلة، فلا تفعل في

ص: 275


1- سنن النسائي 112:2، سنن الدار قطني 415:1-1.
2- التهذيب 50:3-175.
3- المجموع 223:4، فتح العزيز 300:4، حلية العلماء 160:2، الميزان للشعراني 1: 174.

وقت النهي، و لا تعاد المغرب، لأنّ التطوع لا يكون بوتر(1).

و النهي عام، و ما ذكرناه خاص، فتقدّم، و لأنّها ذات سبب هو الاجتماع، و التنفّل بالوتر ثبت في الوتر.

تتمة: الأذان و الإقامة ليسا شرطا في الجماعة،

خلافا للشيخين(2) ، و قد سلف(3).

المطلب الثالث: في صفات الإمام
مسألة 560: العقل شرط في الإمام

بإجماع العلماء، فلا تصح الصلاة خلف المجنون المطبق، و لا من يعتوره حال جنونه، لأنّ صلاته لنفسه باطلة.

و لو كان الجنون يعتوره أدوارا، صحّت الصلاة خلفه حال إفاقته، لحصول الشرائط فيه، لكن يكره، لإمكان أن يكون قد احتلم حال جنونه و لا يعلم، و لئلاّ يعرض الجنون في الأثناء.

و كذا لا تصح إمامة الصبيّ غير المميّز إجماعا، لعدم تفطّنه بما ينبغي فعله.

مسألة 561: و هل يشترط البلوغ ؟

لعلمائنا قولان، أحدهما: أنّه شرط(4) ، فلا تصح إمامة الصبي و إن كان مميزا مراهقا في الفريضة - و به قال ابن مسعود و ابن عباس و عطاء و مجاهد و الشعبي و مالك و الثوري و الأوزاعي

ص: 276


1- الهداية للمرغيناني 58:1، الكفاية 414:1، الجامع الصغير للشيباني: 90، الهداية في شرح البداية للأنصاري: 135، المجموع 225:4، فتح العزيز 298:4.
2- المقنعة: 15، المبسوط للطوسي 95:1 و 152.
3- تقدّم في ج 3 ص 75، المسألة 181.
4- هذا قول الشيخ الطوسي في النهاية: 113، و القاضي ابن البراج في المهذب 80:1.

و أبو حنيفة و أحمد(1) - لقول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤمّ حتي يحتلم، فإن أمّ، جازت صلاته، و فسدت صلاة من خلفه»(2).

و لأنّ الإمامة من المناصب الجليلة و هي حالة كمال، و الصبي ليس من أهل الكمال، فلا يؤمّ الرجال كالمرأة.

و لأنّها فريضة، فلا يكون الصبي إماما فيها، كالجمعة.

و لأنّه عارف بعدم المؤاخذة له، فلا يؤمن أن يترك شرطا.

و الثاني لعلمائنا: عدم الاشتراط(3) ، فتصح إمامة المميّز المراهق - و به قال الشافعي و إسحاق و الحسن البصري و ابن المنذر(4) - لأنّ عمرو بن أبي سلمة قال: كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في نفر من قومه، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (يؤمّكم أقرؤكم لكتاب اللّه) فقدّموني فكنت أصلّي بهم و أنا ابن سبع سنين أو ثمان(5).

و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم و أن يؤمّ»(6).3.

ص: 277


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 46 و 47، الشرح الصغير 157:1، القوانين الفقهية: 68، اللباب 80:1، المغني 55:2، الشرح الكبير 54:2، زاد المستقنع: 17، المجموع 4: 249-250، فتح العزيز 327:4.
2- الفقيه 258:1-1169، التهذيب 29:3-103.
3- هذا قول السيد المرتضي في المصباح كما في المعتبر: 243، و القول الثاني للشيخ الطوسي في المبسوط 154:1، و الخلاف 553:1، المسألة 295.
4- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 248:4 و 249، الوجيز 55:1-56، فتح العزيز 327:4، حلية العلماء 168:2، مغني المحتاج 240:1، المغني 55:2، الشرح الكبير 54:2.
5- سنن أبي داود 159:1-585، سنن النسائي 80:2، سنن البيهقي 91:3.
6- التهذيب 29:3-104، الاستبصار 424:1-1633.

و لأنّ من جاز أن يكون إماما في النفل جاز أن يكون إماما في الفرض.

و النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يوجّه الخطاب إلي عمرو، بل إلي المكلّفين. و تقديمهم ليس بحجّة. و في طريق الرواية الثانية ضعف.

و الفرق بين الفرض و النفل ظاهر، فإنّ النفل مبني علي التخفيف.

علي أنّا نمنع الحكم في الأصل.

و هل يصحّ أن يكون إماما في النفل ؟ إن قلنا: إنّ فعله شرعيّ، صحّ، و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري(1) ، و إلاّ فلا، و به قال ابن عباس(2) ، و عن احمد روايتان(3).

و أمّا الجمعة، فالوجه: أنّه لا يصح أن يكون إماما فيها، و للشافعي قولان(4).

مسألة 562: الإسلام شرط في الإمام

بإجماع العلماء، فلا تصح الصلاة خلف الكافر و إن كان عدلا في دينه بالإجماع.

و لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (5).

و لأنّ الأئمة ضمناء و الكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.

و لا تصح خلف من يشكّ في إسلامه، لأنّ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط.

و قال أحمد: تصح صلاته، لأنّ الظاهر أنّه لا يتقدّم للإمامة إلاّ

ص: 278


1- بدائع الصنائع 157:1، اللباب 80:1، الشرح الصغير 157:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 47، المجموع 249:4 و 250، حلية العلماء 168:2.
2- المجموع 250:4، حلية العلماء 168:2.
3- المغني 57:2، الشرح الكبير 55:2، الانصاف 266:2-267، المجموع 249:4 - 250.
4- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 248:4، فتح العزيز 542:4، حلية العلماء 2: 168، مغني المحتاج 284:1.
5- هود: 113.

مسلم(1). و ليس بمعتمد.

مسألة 563: الإيمان شرط في الإمام،

فلا تصحّ الصلاة خلف أهل البدع و الأهواء و من خالف الحق، سواء أظهر البدعة أو لا - و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و به قال مالك(2) - لقول جابر: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، علي منبره يقول: (لا تؤمّنّ امرأة رجلا، و لا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أو سيفه)(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «عدوّ اللّه فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به»(4).

و كتب البرقي إلي أبي جعفر عليه السلام: أ تجوز الصلاة خلف من وقف علي أبيك و جدّك صلوات اللّه عليهما؟ فأجاب: «لا تصلّ وراءه»(5).

و سأل إسماعيل الجعفي، الباقر عليه السلام: رجل يحبّ أمير المؤمنين عليه السلام، لا يبرأ من عدوّه، فقال: «هذا مخلّط فهو عدوّ، و لا تصلّ خلفه إلاّ أن تتّقيه»(6).

و لأنّه ظالم، فيدخل تحت قوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (7).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و الحسن: إنّه مكروه ليس بمحرّم، لقوله عليه

ص: 279


1- المغني 35:2، الشرح الكبير 34:2.
2- المغني 22:2 و 23، الشرح الكبير 25:2، المدونة الكبري 84:1، الشرح الصغير 1: 157.
3- سنن ابن ماجة 343:1-1081، سنن البيهقي 171:3.
4- المعتبر: 242.
5- الفقيه 248:1-1113، التهذيب 28:3-98.
6- الفقيه 249:1-1118، التهذيب 28:3-97.
7- هود: 113.

السلام: (صلّوا خلف من قال: لا إله إلاّ اللّه)(1).

و لأنّ صلاته صحيحة، فصحّت إمامته، كالعدل(2).

و الخاص مقدّم، و القياس باطل، لقيام الفرق بين العدل المقبول إخباره و الفاسق المردود قوله.

قالت الشافعيّة: المختلفون في المذاهب ثلاثة أقسام: قسم لا نكفّرهم و لا نفسّقهم، و هم: المختلفون في الفروع كالحنفية و المالكيّة، و لا يكره الائتمام بهم. و قسم نكفّرهم، و هم: المعتزلة، فلا يجوز الائتمام بهم.

و قسم نفسّقهم و لا نكفّرهم، و هم: الذين يسبّون السلف، و الخطّابية، و حكم هؤلاء حكم من يفسق بالزنا و شرب الخمر و غيرهما، و يكره الائتمام بهم(3).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يكون إماما لمحق أو لمخالف مثله، و لا بين أن يستند في مذهب إلي شبهة أو تقليد.

مسألة 564: العدالة شرط في الإمام،
اشارة

فلا تصح خلف الفاسق و إن كان معتقدا للحق، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك(4) - لقوله عليه السلام:

(لا تؤمّن امرأة رجلا و لا فاجر مؤمنا)(5).

و قوله عليه السلام، لأبي ذر: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟) قال: قلت: فما تأمرني ؟ قال: (صلّ الصلاة لوقتها،

ص: 280


1- الام 166:1، المجموع 253:4، فتح العزيز 331:4، مغني المحتاج 242:1، بدائع الصنائع 157:1، عمدة القاري 232:5، و انظر: المغني 23:2، و الشرح الكبير 2: 25.
2- سنن الدار قطني 56:2-3.
3- حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 549:1، المسألة 290.
4- المجموع 253:4، حلية العلماء 170:2، الميزان للشعراني 177:1، بدائع الصنائع 156:1.
5- سنن ابن ماجة 343:1-1081، سنن البيهقي 171:3.

فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا»(2).

و عن الباقر عليه السلام «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه و أمانته»(3).

و سأل إسماعيل، الرضا عليه السلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي خلفه ؟ قال: «لا»(4).

و حكي المرتضي عن أبي عبد اللّه البصري أنه موافق لنا، و يحتجّ علي ذلك: بإجماع أهل البيت عليهم السلام، و كان يقول: إنّ إجماعهم حجّة(5).

و قال الشافعي و أبو حنيفة: تجوز علي كراهة(6) - و عن أحمد روايتان(7) - لقوله عليه السلام: (لا تكفّروا أحدا من أهل ملّتكم بالكبائر، الصلاة خلف كلّ إمام، و الجهاد مع كلّ أمير، و الصلاة علي كلّ ميت)(8).

و لأنّ الحسن و الحسين عليهما السلام، صلّيا خلف مروان(9). و صلّي ابن3.

ص: 281


1- صحيح مسلم 448:1-648، سنن البيهقي 128:3.
2- الفقيه 248:1-1111، الخصال: 154-193، و التهذيب 31:3-109 و 282-837.
3- الكافي 374:3-5، التهذيب 266:3-755.
4- الفقيه 249:1-1116، التهذيب 31:3-110 و 277-808.
5- نقله الشيخ الطوسي في الخلاف 560:1، المسألة 310.
6- الام 166:1، المجموع 253:4، فتح العزيز 331:4، حلية العلماء 170:2، الميزان للشعراني 176:1-177، مغني المحتاج 242:1، المبسوط للسرخسي 40:1، بدائع الصنائع 156:1.
7- المغني 24:2-25، الشرح الكبير 26:2، المحرّر في الفقه 104:1، الميزان للشعراني 176:1-177، حلية العلماء 170:2.
8- سنن الدار قطني 57:2-8.
9- سنن البيهقي 122:3.

عمر مع الحجّاج(1).

و أخبارنا أخصّ فتقدّم، مع أنّ حديثهم متروك الظاهر، فإنّ أمير البغاة أمير و لا يجاهد معه، و الميت منهم لا يصلّي عليه، و الصلاة خلف المعتزلة ينكرها أصحاب الشافعي(2) ، و تجوز للتقيّة، كما فعل الإمامان عليهما السلام، مع مروان.

فروع:
أ: لو كان فسقه خفيّا و هو عدل في الظاهر،

فالوجه أنّه لا يجوز لمن علم فسقه الائتمام به، لأنّه ظالم عنده، مندرج تحت قوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (3).

ب: لا فرق بين الفرائض اليومية و غيرها من الجمع و الأعياد عند علمائنا في اشتراط العدالة.

و قال أحمد: لا تشترط العدالة، بل يصلّي خلفهم، لأنّ اللّه تعالي أوجب الجمعة و هو يعلم أنّ بني العباس سيلونها(4).

و الوجوب منوط بالإمام العادل.

و هل تعاد عنده لو صلاّها خلف الفاسق ؟ روايتان(5).

و لو كان المباشر لها عدلا و المولّي له غير مرضي الحال لبدعته أو فسقه، صحّت الجمعة، و لا تعاد قولا واحدا.

ج: المخالف في الفروع الاجتهادية باجتهاد يصح أن يكون إماما.

ص: 282


1- سنن البيهقي 121:3.
2- المجموع 254:4.
3- هود: 113.
4- المغني و الشرح الكبير 27:2.
5- المغني و الشرح الكبير 27:2.

و لو علم أنّه يترك واجبا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام، فالأقوي عندي: عدم جواز الاقتداء به، لأنّه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة، فلم يصح ائتمامه، كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد فيها.

فلا يصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها و إن قرأها، لأنّه يوقعها علي وجه الندب، فلا تجزئ عن الواجب.

و كذا لا يصح أن يصلّي من يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلا خلف من يعتقد تسويغه مع لبسه لا مطلقا.

د: لو فعل الإمام شيئا يعتقد تحريمه من المختلف فيه، فإن كان ترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها، فصلاته فاسدة،

لأنّه مأمور بالعمل باجتهاده.

و صلاة من يأتمّ به كذلك و إن اعتقد تسويغ الترك، لأنّه صلّي خلف من يعتقد بطلان صلاته، و من شرط الاقتداء إسقاط صلاة الإمام القضاء.

و إن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة، كنكاح بنته المخلوقة من الزنا، فإن داوم عليه فهو فاسق لا تجوز الصلاة خلفه، و إلاّ فلا.

و إن كان الفاعل عاميّا و قلّد من يعتقد جوازه، فلم يكن عليه شيء، لأن فرضه التقليد.

و إن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة كالقران بين السورتين، بطلت صلاته و صلاة المأموم أيضا و إن اعتقد تسويغه، لما تقدّم.

مسألة 565: طهارة المولد شرط في الإمام،

فلا تصح إمامة ولد الزنا عند علمائنا، لقوله عليه السلام: (ولد الزنا شرّ الثلاثة)(1) و إذا كان شرّه أعظم من شرّ أبويه، و لا تصح إمامتهما، فكذا هو.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «لا تقبل شهادة ولد الزنا

ص: 283


1- سنن أبي داود 29:4-3963، مسند أحمد 311:2، المستدرك للحاكم 100:4.

و لا يؤمّ الناس»(1).

و لأنه غير مقبول الشهادة، فلا يصلح للإمامة، لأنّها تتضمّن معني الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.

و كرهه الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك(2). و سوّغه الثوري و أحمد و إسحاق من غير كراهة(3) ، لقول عائشة: ما عليه من وزر أبويه شيء(4).

و لا دلالة فيه.

أمّا من لا يعرف أبوه، و لا علم كونه ولد زنا، فالوجه: صحّة إمامته، لظهور العدالة و عدم علم المنافي.

نعم إنّه مكروه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك(5) - لأنّ رجلا كان يؤمّ الناس بالعقيق لا يعرف أبوه، فنهاه عمر بن عبد العزيز(6) ، و لم ينكر عليه أحد.

و لأنّ الإمامة موضع فضيلة، فلا ينبغي أن يتقدّم من لا يعرف أبوه لنقصانه.

و قال الثوري و أحمد و إسحاق: لا يكره، و اختاره ابن المنذر، و رواه عن7.

ص: 284


1- الكافي 396:3-8، التهذيب 244:6-614.
2- المجموع 288:4، بدائع الصنائع 157:1، الشرح الصغير 158:1، المغني 60:2، الشرح الكبير 59:2.
3- المغني 60:2، الشرح الكبير 59:2، زاد المستقنع: 17، كشاف القناع 484:1، المجموع 290:4.
4- مصنف ابن أبي شيبة 216:2، و المستدرك للحاكم 100:4 و فيه عن عائشة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله. و انظر: المغني 60:2، و الشرح الكبير 59:2.
5- الام 166:1، المجموع 288:4، حلية العلماء 179:2، الشرح الصغير 158:1، الميزان للشعراني 176:1.
6- مصنف ابن أبي شيبة 216:2-217.

مالك(1) ، لأن عائشة قالت: ما عليه من وزر أبويه شيء(2).

و نحن نقول بموجبه، إذ ليس عليه إثم الزنا، لكن الأبوان شرّان باعتبار فعل الزنا و هو عارض لهما، و هو شرّ باعتبار تولّده عنه.

و كذا تصح إمامة ولد الشبهة.

مسألة 566: يشترط في إمام الرجال و الخناثي: الذكورة،
اشارة

فلا تصح إمامة المرأة و لا الخنثي المشكل للرجل و لا للخنثي عند علمائنا أجمع - و به قال عامة الفقهاء(3) - لقوله عليه السلام في خطبته: (ألا لا تؤمّنّ امرأة رجلا)(4).

و قال عليه السلام: (أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه)(5).

و لأنّ المرأة لا تؤذّن للرجال، فلا تكون إمامة لهم كالكافر.

و لأنّهنّ مأمورات بالستر، و الإمام بالاشتهار، و هم ضدّان.

و قال أبو ثور و المزني و محمد بن جرير الطبري: تجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها، و تقف خلف الرجال(6) ، لأنّ النبي عليه السلام، كان يزور أمّ ورقة بنت نوفل في بيتها، فجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها، و أمرها أن تؤمّ أهل دارها(7). و هذا عام في الرجال و النساء.

و الدار قطني روي أنّه أمرها أن تؤمّ بنساء أهل دارها(8). و لأنّه محمول عليه، إذ لا يمكن جريانه علي عمومه في الفرائض، فكذا في النوافل،

ص: 285


1- الميزان للشعراني 176:1، حلية العلماء 179:2.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (4) من الصفحة 284.
3- المغني 34:2، الشرح الكبير 52:2.
4- سنن ابن ماجة 343:1-1081، سنن البيهقي 171:3.
5- مصنف عبد الرزاق 149:2-5115، كشف الخفاء 69:1-156، تمييز الطيب من الخبيث: 16-46، التذكرة في الأحاديث المشتهرة: 62، و فيها عن ابن مسعود.
6- حلية العلماء 170:2، المجموع 255:4، و انظر: المغني 34:2، و الشرح الكبير 52:2.
7- سنن أبي داود 161:1-162-592، سنن البيهقي 130:3.
8- سنن الدار قطني 279:1-2.

فتختص بالنساء.

فروع:
أ: يصلّي الرجال بالنساء ذوات محارمه،

و إن كنّ أجنبيات و لا رجل معهنّ، فكذلك.

و كرهه الشافعي(1) ، لأنّه عليه السلام، نهي عن أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية(2).

ب: لا يجوز أن يكون الخنثي المشكل إماما للرجل،

لجواز أن تكون امرأة، و لا يؤمّ خنثي مثله، و لا أن يأتم بامرأة.

ج: لو صلّي رجل أو خنثي خلف خنثي، فبان الإمام رجلا، لم تجزئه صلاته،

لأنّه دخل دخولا منهيّا عنه، و النهي يقتضي الفساد، و كان حالة الدخول شاكّا في صلاته. و هو أحد قولي الشافعي. و في الآخر: لا تجب، لأنّه ظهر أنّه ممّن تجوز الصلاة خلفه(3).

د: إذا وقف للصلاة، جاز للرجال و النساء الاقتداء به،

سواء نوي استتباع الرجال و النساء، أو استتباع الرجال خاصة، أو استتباع النساء خاصة، أو لم ينو استتباع أحد - و به قال الشافعي(4) - لأنّ كلّ طائفة تصح صلاتها خلف الإمام إذا نوي استتباعها جاز و إن لم ينوها، قياسا علي الرجال.

و قال أبو حنيفة: إن نوي استتباع الفرقتين، جازت صلاتهما معا خلفه.

و كذا إن نوي استتباع النساء خاصّة. و إن نوي استتباع الرجال خاصة، لم يجز للنساء الصلاة خلفه(5).

ص: 286


1- المهذب للشيرازي 105:1.
2- المستدرك للحاكم 114:1، و مجمع الزوائد 225:5 نقلا عن الطبراني في الأوسط.
3- المجموع 255:4، فتح العزيز 324:4، و قوله: لا تجب. أيّ: لا تجب إعادة الصلاة.
4- المجموع 202:4-203، الوجيز 57:1، فتح العزيز 366:4، كفاية الأخيار 81:1.
5- المبسوط للسرخسي 185:1، بدائع الصنائع 128:1، فتح العزيز 366:4، حلية العلماء 181:2.
مسألة 567: لا يؤمّ القاعد القيّام
اشارة

عند علمائنا أجمع، فلو أمّ قاعد قائما، بطلت صلاة المأموم - و هو قول محمد بن الحسن و مالك في إحدي الروايتين(1) - لقوله عليه السلام: (لا يؤمنّ أحد بعدي جالسا)(2).

و من طريق الخاصة: قول أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين و لا صاحب الفالج الأصحّاء»(3).

و لأنّ القيام ركن، فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه، كسائر الأركان.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و أبو ثور و مالك في الرواية الأخري:

يصلّون خلفه قياما و هو قاعد، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي في مرض موته جالسا و أصحابه قياما(4)(5).

و لا يجوز حمل غير النبي صلّي اللّه عليه و آله، عليه، لشرفه و عظم منزلته. و لأنّه أراد منع إمامة غيره في تلك الصلاة.

و قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر: يصلّون خلفه جلوسا، لأنّ أبا هريرة روي عنه عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا

ص: 287


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 48، المدونة الكبري 81:1، المنتقي للباجي 238:1، الشرح الصغير 156:1، المبسوط للسرخسي 213:1-214، الهداية للمرغيناني 58:1، اللباب 82:1، المغني 48:2، الشرح الكبير 45:2، حلية العلماء 173:2، عمدة القارئ 5: 191.
2- سنن الدار قطني 398:1-6، سنن البيهقي 80:3، و الفقيه 249:1-1119.
3- الكافي 375:3-2، التهذيب 27:3-94.
4- صحيح البخاري 59:2، صحيح مسلم 314:1-95، سنن البيهقي 304:2.
5- المبسوط للسرخسي 213:1، اللباب 83:1، الهداية للمرغيناني 58:1، شرح فتح القدير 320:1، عمدة القارئ 190:5-191، المجموع 265:4، فتح العزيز 320:4، حلية العلماء 173:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 48، بداية المجتهد 152:1، المنتقي للباجي 238:1، المغني 49:2، الشرح الكبير 46:2.

عليه.. و إذا صلّي جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون)(1)(2).

و لو سلّم، حمل علي عموم العذر.

فروع:
أ: إذا كان الإمام الراتب مريضا لا يقدر علي القيام، لم يجز أن يؤمّ بالقيّام،

لكن يستحب أن يستخلف غيره إجماعا، ليخرج عن الخلاف.

ب: لو صلّوا خلف القاعد قياما، بطلت صلاتهم عندنا،

و كذا إن صلّوا جلوسا، لإخلالهم بالركن.

و أبطل أحمد صلاتهم قياما خلفه في رواية(3).

و هي من أغرب الأشياء.

ج: شرط أحمد في إمامة القاعد للقادر علي القيام أمرين:

أن يكون القاعد إمام الحي، و أن يكون مرضه يرجي زواله(4).

و لا وجه للشرطين، بل الحقّ البطلان في الجميع علي ما تقدّم.

د: لو صلّي قائما فاعتلّ فجلس، أتمّوا الصلاة قياما

منفردين عنه، فإن استخلف أو استخلفوا صلّوا جماعة، و إلاّ انفردوا، و لا يجوز لهم الائتمام به، خلافا للجمهور.

و سوّغ أحمد هنا قيامهم، لأنّ القيام هو الأصل، فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالشارع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها(5).

ه: لو استخلف بعض الأئمة في وقتنا ثم زال عذره فحضر،

فهل يجوز

ص: 288


1- صحيح البخاري 184:1، صحيح مسلم 309:1-414، مسند أحمد 314:2، سنن أبي داود 164:1-603، سنن ابن ماجة 276:1-846، سنن البيهقي 97:2 و 156.
2- المغني 48:2، الشرح الكبير 45:2، زاد المستقنع: 17، الانصاف 261:2، المجموع 265:4، فتح العزيز 320:4، حلية العلماء 173:2، بداية المجتهد 152:1.
3- المغني و الشرح الكبير 50:2، الإنصاف 261:2.
4- المغني 50:2، الشرح الكبير 44:2، زاد المستقنع: 17، الانصاف 260:2.
5- المغني و الشرح الكبير 51:2، زاد المستقنع: 17، الإنصاف 262:2.

أن يفعل كفعل النبي عليه السلام مع أبي بكر(1) إن صلّي قاعدا؟ لم يجز عندنا و قد سبق.

و عن أحمد روايتان: المنع، لاختصاصه عليه السلام به، لأنّه مخالف للقياس، فإنّ انتقال الإمام مأموما و انتقال المأمومين من إمام إلي آخر إنّما يجوز مع العذر. و الجواز(2).

و: يجوز للعاجز عن القيام أن يؤمّ مثله إجماعا،

و لا يشترط كونه إماما راتبا، و لا ممّن يرجي زوال عذره(3) إجماعا.

ز: لا يجوز أن يكون المومئ إماما للقائم و القاعد

- و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لأنه أخلّ بركن لا يسقط في النافلة، فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالأمّي.

و لأنّه يصلّي بغير ركوع و سجود، فلا يجوز أن يكون إماما لمن يصلّي بركوع و سجود، كما لو صلّي صلاة الجنازة.

و قال الشافعي: يجوز، لأنّه فعل أباحه المرض، فلم يغيّر حكم الائتمام، كالقاعد إذا أمّ القائم(5).

ح: لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة القادر عليه

كالمضطجع، و من

ص: 289


1- انظر: صحيح البخاري 176:1، صحيح مسلم 312:1-418، سنن البيهقي 2: 304.
2- المغني و الشرح الكبير 51:2.
3- هذا هو الصحيح. و في نسختي «ش و م»: و لا ممّن يرجي زوال برئه.
4- الشرح الصغير 156:1، المغني 52:2، الشرح الكبير 42:2، المبسوط للسرخسي 1: 215، اللباب 82:1، حلية العلماء 174:2.
5- المجموع 264:4، حلية العلماء 173:2، مغني المحتاج 240:1، المغني 52:2، الشرح الكبير 42:2.

لا يتمكّن من ركوع أو سجود، و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(1) ، خلافا للشافعي(2) ، و التقريب ما تقدّم(3).

ط: لا يجوز أن يؤمّ المقيّد المطلقين،

لعجزه عن القيام، و لا صاحب الفالج الأصحّاء كذلك، للحديث(4) ، و يجوز أن يؤمّ الأعرج.

ي: تجوز إمامة أقطع اليدين أو الرّجل أو الثلاثة

- و هو إحدي الروايتين عن أحمد - للعموم. و في الأخري: لا تصح، لأنه يخلّ بالسجود علي بعض أعضاء السجود، فأشبه العاجز عن السجود(5). و الفرق ظاهر.

و لا تجوز إمامة أقطع الرجلين، و تجوز إمامة الخصيّ و الجندي.

مسألة 568: لا يجوز أن يأتمّ القارئ بالأمي في الجهرية و الإخفاتية
اشارة

عند علمائنا أجمع، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أحد أقواله(6).

و نعني بالأمّي من لا يحسن قراءة الفاتحة أو لا يحسن القراءة.

و قال الشافعي: الأمّي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها و لو كلمة واحدة(7).

و قالت الحنفية: الأمّي من لا يحسن من القرآن ما يصلّي به(8) ، لأنّ

ص: 290


1- بلغة السالك 156:1، الشرح الصغير 156:1، المغني 52:2، الشرح الكبير 42:2، المبسوط للسرخسي 215:1.
2- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 264:4، مغني المحتاج 240:1، المغني 52:2، الشرح الكبير 42:2.
3- تقدم في الفرع السابق.
4- الكافي 375:3-2، التهذيب 27:3-94، و تقدّم الحديث في صدر المسألة.
5- المغني و الشرح الكبير 31:2-32.
6- الهداية للمرغيناني 58:1، القوانين الفقهية: 69، الام 167:1، المجموع 267:4، فتح العزيز 318:4، حلية العلماء 174:2، المغني 32:2، الشرح الكبير 57:2.
7- المجموع 267:4، فتح العزيز 318:4.
8- اللباب 82:1.

القراءة واجبة مع القدرة، و مع الائتمام بالأمّي تخلو الصلاة عن القراءة، و قال عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب)(1).

و لأنّ الإمام يتحمّل القراءة عن المأموم، و مع عجزه لا يتحقّق التحمّل.

و قال أبو ثور و المزني و ابن المنذر و الشافعي في القديم: يجوز مطلقا - و هو مروي عن عطاء و قتادة - لأنّ القراءة ركن في الصلاة فجاز أن يكون العاجز عنه إماما للقادر كالقاعد يؤمّ القائم(2).

و الأصل ممنوع، و الفرق: أنّ القيام لا مدخل له في التحمّل، بخلاف القراءة.

و للشافعي قول ثالث: الجواز في صلاة الإخفات دون الجهر(3).

و الفرق: أنّ المأموم عنده لا تجب عليه القراءة في الجهرية، و تجب في الإخفاتية(4).

فروع:
أ: لو صلّي القارئ خلف الأمّي، بطلت صلاة المأموم خاصة

- و به قال الشافعي في الجديد، و أبو يوسف و محمد و أحمد(5) - لأنّه أمّ من لا يجوز له أن يأتمّ به، فتبطل صلاة المؤتمّ خاصة، كالمرأة تؤمّ الرجل.

ص: 291


1- سنن أبي داود 216:1-820، سنن ابن ماجة 273:1-837، سنن الدار قطني 1: 321-16، سنن البيهقي 37:2 بتفاوت يسير في الجميع.
2- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 267:4، مغني المحتاج 239:1، حلية العلماء 2: 174، المغني 32:2، الشرح الكبير 57:2.
3- المجموع 267:4، حلية العلماء 174:2، مغني المحتاج 239:1، المغني 32:2، الشرح الكبير 57:2.
4- المهذب للشيرازي 79:1، المجموع 364:3، فتح العزيز 309:3.
5- المجموع 268:4، حلية العلماء 174:2، الهداية للمرغيناني 58:1، المبسوط للسرخسي 181:1، المغني 32:2، الشرح الكبير 57:2.

و قال أبو حنيفة: تبطل صلاتهما معا(1).

و علّل أبو حازم: بأنّه أفسد صلاة الأمّي، لأنّه يمكنه أن يقتدي بالقارئ فيؤدّي صلاته بقراءة(2).

و هذا يدلّ علي أنّه لا يصلّي وحده.

و نحن نقول بموجبه إن كان القارئ مرضيّا عنده.

و علّل الكرخي: بأنّ الأمّي لمّا أحرم معه، صح إحرامه معه، فلمّا دخل معه لزمه القراءة عنه، فإذا عجز عنها، بطلت صلاته(3).

و ليس بجيّد، لأنّ هذا الأمّي بإحرامه لا تجب عليه القراءة لنفسه، فكيف يجب أن يتحمّل عن غيره ؟!

ب: يجوز أن يؤمّ الأمّي مثله بشرط عجز الإمام عن التعلّم أو ضيق الوقت،

لاستوائهما في الأفعال.

ج: الأمّي يجب عليه الائتمام بالقارئ المرضي مع القدرة و عدم التعلّم،

و ليس له أن يصلّي منفردا، هذا هو الأقوي عندي، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه.

و قال الشافعي: لا يجب(4) لأنّ رجلا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن، فقال: (قل: سبحان اللّه و الحمد للّه)(5) و لم يأمره بالائتمام بالقارئ.

و نحن نقول بموجبه، إذ الواجب عليه حالة الانفراد ذلك، و دليل

ص: 292


1- المبسوط للسرخسي 181:1، الهداية للمرغيناني 58:1، المجموع 268:4، حلية العلماء 175:2، المغني 32:2، الشرح الكبير 57:2.
2- حلية العلماء 175:2.
3- حلية العلماء 175:2.
4- المهذب للشيرازي 80:1، المجموع 374:3 و 379، فتح العزيز 335:3، مغني المحتاج 159:1-160.
5- سنن أبي داود 220:1-832، سنن النسائي 143:2.

الجماعة مستفاد ممّا قلناه.

د: لو أمّ الأمّي قارئا و أمّيا، أعاد القارئ خاصة.

و الأمّي إن وجد قارئا مرضيّا و إلاّ فلا. و لو أمّ قارئا واحدا، بطلت صلاة المؤتمّ علي ما قلناه.

و قال أحمد: تبطل صلاة الإمام أيضا، لأنّه نوي الإمامة و قد صار فذّا(1).

و ليس بجيّد، لأنّ نية الإمامة لا تخرجه عن الإتيان بصلاة المنفرد.

و لأنّه ينتقض بما لو مات المأموم أو أبطل صلاته.

ه: لو كان أحدهما يحسن الفاتحة، و الآخر السورة، فالأقرب:

ائتمام الآخر بمن يحسن الفاتحة،

للإجماع علي وجوبها و أولويتها لو عجز عنهما.

و لو جوّزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه، ائتم الثاني بالأول، فإذا قرأ الفاتحة، نوي الأول الايتمام بالثاني.

و لو كان معهما ثالث لا يحسن شيئا، اقتدي بمن يعرف الفاتحة، فإن لم يكن مرضيّا، اقتدي بمن يعرف السورة وجوبا علي إشكال.

و لو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة و الآخر سورة كملا، احتمل تخيّر ائتمام أحدهما بالآخر، و أولوية إمامة من يحسن بعض الفاتحة.

و: لو ائتم القارئ بالأمي و لم يعلم حاله في الإخفاتية، صحّت صلاته،

لأن الظاهر أنّه لا يتقدّم إلاّ و هو بشرائط الإمامة. و كذا في الجهرية لو خفيت عليه القراءة.

و هو يشكل باشتراط العدالة، و علم المأموم بها.

ز: لو أمّ الأخرس مثله، جاز، لتساويهما في الأفعال، فصار كالامّي بمثله.

ص: 293


1- المغني 33:2.

و قال أحمد: لا تجوز، لأنّه ترك ركنا - و هي القراءة - لعذر مأيوس من زواله، فلا تصح، كالعاجز عن الركوع و السجود(1).

و نمنع الحكم في الأصل إن تساويا، نعم لا يجوز أن يؤمّ بالصحيح.

ح: تصح إمامة الأصمّ،

لأنّه لا يخلّ بشيء من واجبات الصلاة و لا شروطها.

و قال بعض الجمهور: لا تجوز، لأنّه لا يمكن تنبيهه إذا سها بتسبيح و لا إشارة(2).

و احتمال العارض لا يمنع صحة الصلاة، كالمجنون حال إفاقته.

ط: هل يجوز أن يؤمّ الأخرس الأمّي ؟

يحتمل الجواز، لأنّ التكبير لا يتحمله الإمام، و هما سواء في القراءة. و المنع، لأنّ الأمّي قادر علي النطق بالتكبير، بخلاف الأخرس.

ي: لو كان كلّ منهما يحسن بعض الفاتحة، فإن اتّحد، صحّ ائتمام أحدهما بالآخر، و إلاّ فلا،

لأنّ كلّ واحد منهما أمّي في حقّ صاحبه.

مسألة 569: اللحن إن فعله القارئ عمدا، بطلت صلاته،

سواء أحال المعني، كمن يكسر كاف «إيّاك» أو لا، كمن يفتح همزة «إيّاك» لأنّه ليس بقرآن، فإنّ القرآن هو العربي، و اللحن ليس بعربي، فحينئذ لا يصح أن يكون إماما للمتقن.

و إن فعل ذلك سهوا، لم تبطل صلاته و لا صلاة من خلفه.

و إن كان جاهلا، فإن أمكنه التعلّم و اتّسع الزمان، لم تصح صلاته و لا صلاة من خلفه، و إن لم يتمكن أو ضاق الزمان، صحّ أن يكون إماما لمثله.

و هل يصح أن يكون إماما للمتقن ؟ الأقرب: المنع، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة، فلا يجوز العدول إلي الفاسد. و الجواز، لأنّها صلاة

ص: 294


1- المغني 31:2، الشرح الكبير 39:2.
2- المغني 31:2، الشرح الكبير 39:2.

صحيحة، فصحّ الائتمام فيها.

و الشيخ - رحمه اللّه - قال: تكره إمامة من يلحن في قراءته، سواء كان في الحمد أو غيرها، أحال المعني أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه، فإن كان يحسن و يتعمّد اللحن، فإنّه تبطل صلاته و صلاة من خلفه إن علموا بذلك(1).

و قال الشافعي: إن أمكنه الصواب، لم تصح صلاته و لا صلاة من خلفه، و إن لم يمكنه، صحّت صلاته(2).

و قال أحمد: تكره إمامة اللحّان الذي لا يحيل المعني، و تصحّ صلاته بمن لا يلحن، لأنّه أتي بفرض القراءة(3).

مسألة 570: لا يصح أن يؤمّ مؤوف 1 اللسان صحيحة،
اشارة

لأنّ الصحيح تلزمه القراءة، لتمكّنه، و مع عجز الإمام لا يصحّ التحمّل.

و يصح أن يؤمّ مثله إذا تساويا في النطق، لأنّهما تساويا في الأفعال، فصحّت الإمامة كالقارئين.

و التحقيق: أنّه إن تمكّن من إصلاح لسانه، وجب، فإن أهمل، لم تصح صلاته مع سعة الوقت و لا صلاة من خلفه، و إلاّ فلا.

فروع:
أ: لو أبدل الأعجمي حرفا مع تمكّنه من التعلّم، لم يصح،

كمن يبدّل الحاء في «الحمد» بالخاء أو بالهاء، أو يبدّل الميم في «المستقيم» بالنون، و لا تصح إمامته، و كذا العربي.

ص: 295


1- المبسوط للطوسي 153:1.
2- المجموع 268:4-269، فتح العزيز 319:4.
3- المغني 33:2، الشرح الكبير 58:2، زاد المستقنع: 17، الانصاف 272:2.
ب: من لا يفصح ببعض الحروف، كالصاد و القاف، لا تصح إمامته،

لأنّه أمّي بالنسبة إلي المفصح، و يجوز أن يؤمّ مثله.

ج: لو أبدل الضاد من «المغضوب» و «الضالّين» و غيرهما بالظاء، لم تصح صلاته مع إمكان التعلّم.

و قال بعض الشافعية: تجوز، لتقارب المخرج(1) ، و ليس بمعتمد.

د: تكره إمامة التمتام، و هو: الذي يردّد التاء ثم يأتي بها، و الفأفاء، و هو: الذي يردّد الفاء ثم يأتي بها،

لأنّهما يأتيان بالحروف علي الكمال، و الزيادة لا تضرّهما، لأنّهما مغلوبان عليها، و لكن يكره تقديمهما، لمكان هذه الزيادة.

ه: لا يجوز أن يؤمّ الأرت و لا الألثغ و لا الأليغ.

و نعني بالأرت: الذي يبدّل حرفا بحرف.

و الألثغ: الذي يعدل بحرف إلي حرف.

و قال الفرّاء: اللثغة بطرف اللسان هو: الذي يجعل الراء علي طرف لسانه لا ما، و يجعل الصاد ثاء. و الأرت: و هو الذي يجعل اللام تاء.

و قال الأزهري، الأليغ: بالياء المنقطة تحتها نقطتين، هو: الذي لا يبيّن الكلام(2).

و إنّما لم تصح إمامة هؤلاء، لأنّ من لا يحسن حرفا أمّي بالنسبة إلي عارفة.

و لو كانت له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف و لكن لا يبدّله بغيره، جاز أن يكون إماما للقارئ.

مسألة 571: و في إمامة الأجذم و الأبرص الصحيح قولان

لعلمائنا:

ص: 296


1- فتح العزيز 326:3.
2- تهذيب اللغة 199:8 «لغا».

المنع، اختاره الشيخ و المرتضي، لعدم انقياد النفس إلي طاعتهما(1). و قول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يؤمّون الناس علي كلّ حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»(2).

و قال بعض علمائنا: بالجواز(3) ، لأنّ عبد اللّه بن يزيد سأل الصادق عليه السلام، عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين ؟ قال: «نعم» قلت: هل يبتلي اللّه بهما المؤمن ؟ قال: «نعم، و هل كتب اللّه البلاء إلاّ علي المؤمن ؟»(4).

و حمله الشيخ في التهذيب علي الضرورة بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهم(5).

مسألة 572: لا يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين

- و به قال مالك و أبو مجلز(6) - لأنّه لا يعرف محاسن الإسلام و تفاصيل أحكامه.

و لقوله تعالي اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ (7).

و كذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة علي التفصيل.

و لم يكرهه عطاء و الثوري و إسحاق و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي،

ص: 297


1- النهاية: 112، المبسوط 155:1، الخلاف 561:1، المسألة 312، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 191، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضي) 39:3، و حكاه عن مصباح السيد المرتضي، المحقق في المعتبر: 245.
2- الكافي 375:3-1، التهذيب 26:3-92، الاستبصار 422:1-1626.
3- قاله المحقق في المعتبر: 245.
4- التهذيب 27:3-93 الاستبصار 422:1-1627.
5- التهذيب 27:3 ذيل الحديث 93.
6- المدونة الكبري 84:1، المنتقي للباجي 236:1، المغني 60:2، الشرح الكبير 59:2، و المجموع 279:4.
7- التوبة: 97.

لقوله عليه السلام: (يؤمّ القوم أقرؤهم)(1)(2).

و لا نزاع فيه، لكن وجود هذا الوصف فيه بعيد.

أمّا الأعرابي إذا كان قد وصل إليه ما يكفيه اعتماده في التكليف، و تديّن به، و لم يكن ممّن تلزمه المهاجرة وجوبا، جاز أن يكون إماما، لوجود الشرائط في حقّه.

مسألة 573: يجوز أن يكون الأعمي إماما لمثله و للبصراء

بلا خلاف بين العلماء، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس و كان أعمي(3).

قال الشعبي: غزا النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثلاث عشرة غزوة كلّ ذلك يقدّم ابن أمّ مكتوم يصلّي بالناس(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يصلّي الأعمي بالقوم و إن كانوا هم الذين يوجّهونه»(5).

و عن علي عليه السلام: «لا يؤمّ الأعمي في الصحراء إلاّ أن يوجّه إلي القبلة»(6).

و لأنّ العمي فقد حاسة لا يختلّ به شيء من شرائط الصلاة، فأشبه الأطروش.

ص: 298


1- صحيح البخاري 178:1، صحيح مسلم 465:1-290 و 291، سنن أبي داود 1: 159-582، سنن النسائي 76:2، سنن ابن ماجة 314:1-980، سنن الترمذي 1: 459-235، سنن البيهقي 125:3.
2- المجموع 279:4، المغني 59:2-60، الشرح الكبير 59:2، المبسوط للسرخسي 1: 40، بدائع الصنائع 156:1.
3- مصنف ابن أبي شيبة 213:2، سنن أبي داود 162:1-595، سنن البيهقي 88:3.
4- المغني 31:2.
5- التهذيب 30:3-105.
6- الكافي 375:3-2، التهذيب 27:3-94، و المقنع: 35.

و هل البصير أولي ؟ يحتمل ذلك، لأنّه يتوقّي النجاسات، و الأعمي لا يتمكّن من ذلك.

و يحتمل العكس، لأنّه أخشع في صلاته من البصير، لأنّه لا يشغله بصره عن الصلاة.

و كلاهما للشافعية، و نصّ الشافعي علي التساوي(1). و هو أولي، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قدّم الأعمي كما قدّم البصير.

مسألة 574: قال أصحابنا: الأغلف لا يصح أن يكون إماما.

و أطلقوا القول في ذلك، لما رواه زيد عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام، قال: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها، و لا تقبل له شهادة، و لا يصلّي عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا علي نفسه»(2).

و الوجه: التفصيل، و هو: أنّه إن كان متمكّنا من الاختتان و أهمل، فهو فاسق لا يصلح للإمامة، و إلاّ فليس بفاسق، و صحّ أن يكون إماما. و الرواية تدلّ علي هذا التفصيل. و الظاهر أنّ مراد الأصحاب التفصيل أيضا.

مسألة 575: تكره إمامة المحدود بعد توبته،

لأن فسقه و إن زال بالتوبة إلاّ أنّ نقص منزلته و سقوط محلّه من القلوب لم يزل، فكره لذلك و إن لم يكن محرّما.

أمّا السفيه فإن كان فاسقا، لم تصح إمامته، لما روي عن أبي ذر قال:

إنّ إمامك شفيعك إلي اللّه فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا(3).

ص: 299


1- الام 165:1، المهذب للشيرازي 106:1، المجموع 286:4، فتح العزيز 328:4 - 329، حلية العلماء 179:2.
2- التهذيب 30:3-108، الفقيه 248:1-1107، علل الشرائع: 327، الباب 22، المقنع: 35.
3- التهذيب 30:3-107، الفقيه 247:1-1103، علل الشرائع: 362، الباب 20، الحديث 1.

أما لو لم يكن فاسقا، ففي إمامته إشكال ينشأ: من نقصه، و علوّ منصب الإمامة.

و عاقّ أبويه لا يصح أن يكون إماما، لأنّه مرتكب للكبيرة، و لو صدر منه كلام سائغ يؤثر الغضب اليسير لم يؤثّر في الفسوق، لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادق عليه السلام، عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه ؟ قال: «لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا»(1).

مسألة 576: تجوز إمامة العبد مع الشرائط لمواليه و غيرهم

عند أكثر العلماء(2) ، لقوله عليه السلام: (اسمعوا و أطيعوا و لو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع(3) ، ما أقام فيكم الصلاة)(4).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «لا بأس» و قد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا(5).

و لأنّه يؤذّن للرجال فكان من أهل الإمامة كالحرّ. و لأنّ الرقّ حق يثبت عليه، فلم يمنع صحة إمامته، كالدّين.

و كره أبو مجلز إمامة العبد(6). و نقله الشيخ عن أبي حنيفة(7).

ص: 300


1- التهذيب 30:3-106، الفقيه 248:1-1114.
2- المغني 30:2، الشرح الكبير 23:2، حلية العلماء 178:2، المجموع 290:4، فتح العزيز 327:4.
3- الجدع: القطع في الأنف و الأذن و الشفة و اليد و نحوها. الصحاح 1193:3، القاموس المحيط 11:3، لسان العرب 41:8 «جدع».
4- صحيح البخاري 178:1، صحيح مسلم 448:1-240، مسند أحمد 403:6، سنن البيهقي 88:3 بتفاوت.
5- التهذيب 29:3-99، الاستبصار 423:1-1628.
6- المجموع 290:4، المغني 30:2، الشرح الكبير 23:2، حلية العلماء 178:2، مصنف ابن أبي شيبة 218:2، و عمدة القارئ 225:5.
7- الخلاف 547:1، المسألة 286.

و قال مالك: لا يؤمّ في جمعة و لا عيد(1).

و حكي عن الأوزاعي: أربعة لا يؤمّون الناس، فذكر العبد إلاّ أن يؤمّ أهله(2).

و للشيخ قول في التهذيب: إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلاّ أهله، لقول علي عليه السلام: «لا يؤمّ العبد إلاّ أهله»(3).

و في السند ضعف، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولي منه، لأنّه أكمل.

و حكم المعتق بعضه، و المكاتب و المدبّر و أمّ الولد حكم الرقّ.

مسألة 577: يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر و بالعكس،

و لا تفسد به الصلاة - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ الأصل يقتضي الجواز. و اشتمال الائتمام لكلّ منهما بصاحبه علي المفارقة يقتضي الكراهة.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا يؤمّ الحضري المسافر، و لا المسافر الحضري، فإن ابتلي بشيء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم، و إذا صلّي المسافر خلف المقيم(5) فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّي معهم الظهر، فليجعل الأوّلتين الظهر، و الأخيرتين العصر»(6).

و قال الشافعي: يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم، لأنّه يلزمه التمام إذا

ص: 301


1- المدونة الكبري 84:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 46، التفريع 223:1، حلية العلماء 178:2.
2- حلية العلماء 179:2، عمدة القارئ 225:5.
3- التهذيب 29:3 و الحديث 102، و رواه أيضا في الاستبصار 423:1-1631.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 56:1، المسألة 311.
5- في المصدر: خلف قوم حضور.
6- التهذيب 164:3-355، الاستبصار 426:1-1643.

صلّي خلفه، و يكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر(1).

و يمنع جواز التمام، لأنّ القصر عندنا عزيمة علي ما يأتي(2).

و لو أتمّ المسافر الإمام الصلاة، لم يجز عندنا، خلافا للجمهور(3).

و قال أحمد في رواية: لو أتمّ الإمام، لم تجز صلاة المأموم، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين(4).

و الأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ، صحّت صلاته و صلاة المأمومين خلفه، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها علي ما يأتي.

إذا عرفت هذا، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه، لمكان المفارقة، فلو لم تحصل، زالت الكراهة، كما في المغرب و الغداة.

مسألة 578: يكره أن يأتمّ المتوضّئ بالمتيمّم،

فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه، إلاّ من محمّد بن الحسن، فإنّه منعه استحبابا(5) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّي بأصحابه متيمّما، و بلغ النبي صلّي اللّه عليه و آله، فلم ينكره(6).

و أمّ ابن عباس أصحابه متيمّما و فيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلم ينكروه(7).

و لأنّه متطهّر طهارة صحيحة، فأشبه المتوضّئ.

ص: 302


1- حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 561:1، المسألة 311، و انظر: الأم 163:1.
2- يأتي في المسألة 612.
3- المغني 39:2، الشرح الكبير 23:2، المجموع 356:4، حلية العلماء 169:2.
4- المغني 39:2، الشرح الكبير 24:2.
5- المبسوط للسرخسي 111:1، بدائع الصنائع 56:1، الهداية للمرغيناني 57:1، عمدة القارئ 24:4.
6- سنن أبي داود 92:1-334، و نقله أيضا ابن قدامة في المغني 52:2.
7- نقله ابن قدامة في المغني 52:2، و انظر: صحيح البخاري 93:1.

و أمّا الكراهة: فلنقص طهارته.

و لقول علي عليه السلام: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين، و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(1).

و إنّما قلنا بالكراهة، لضعف السند.

فروع:

أ: يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة،

لأنّها متطهّرة، فأشبهت المتيمّم.

و للشافعي وجهان(2).

و منع أبو حنيفة و أحمد، لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة(3).

و هو ممنوع، و أجمعوا علي أنّه يجوز للغاسل رجليه أن يأتمّ بمن مسح علي خفّيه(4).

ب: يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس،

لأنّه متطهّر، و الحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم، خلافا لأحمد(5).

ج: يجوز ائتمام الطاهر بمن علي بدنه أو ثوبه نجاسة،

لأنّه كالمتيمّم، خلافا لبعض الجمهور(6).1.

ص: 303


1- الكافي 375:3-2، التهذيب 27:3-94.
2- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 263:4، فتح العزيز 320:4، حلية العلماء 2: 172، مغني المحتاج 241:1.
3- اللباب 82:1، الهداية للمرغيناني 57:1، المغني 52:2، الشرح الكبير 40:2.
4- المبسوط للسرخسي 214:1، و نقله أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 545:1، المسألة 283.
5- المغني 52:2، الشرح الكبير 40:2.
6- المغني 52:2، الشرح الكبير 40:2-41.

و للشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان(1).

د: لا يجوز للمتوضّئ و لا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء و التراب،

سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا، لأنّه غير متطهّر مطلقا.

ه: قال الشيخ: يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان،

و به قال الشافعي، خلافا لأبي حنيفة(2).

و عندي فيه إشكال، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعدا، فلا يجوز الائتمام به، أو قائما مومئا، فلا يصح الائتمام به، لإخلاله بالركوع و السجود.

نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.

و كذلك لا يجوز للقادر علي الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. و يصح لكلّ من هؤلاء الائتمام بمثله.

و: لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس، صحّت صلاتها،

لعدم وجوب سترة عليها. فإذا أعتقت في الأثناء، فإن كانت السترة قريبا منها، أخذتها، و أتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير، و إن حصل أو احتاجت إلي الاستدبار، استأنفت، و تنوي المأمومة المفارقة. و كذا العريان يجد السترة في الأثناء، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: العريان إذا وجد السترة، بطلت صلاته و استأنفها(4).

مسألة 579: يكره أن يؤمّ قوما و هم له كارهون،

لقوله عليه السلام: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتي يرجع، و امرأة

ص: 304


1- المجموع 263:4، مغني المحتاج 241:1.
2- الخلاف 545:1، المسألة 283، و انظر: المجموع 186:3، فتح العزيز 98:4، الهداية للمرغيناني 57:1، اللباب 82:1.
3- المجموع 183:3، فتح العزيز 102:4 و 103.
4- اللباب 86:1-87، الهداية للمرغيناني 60:1.

باتت و زوجها عليها ساخط، و إمام أمّ قوما و هم له كارهون)(1).

و قال علي عليه السلام، لرجل أمّ قوما و هم له كارهون: «إنّك لخروط(2)»(3).

و الأقرب: أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك، لم تكره إمامته، و الإثم علي من كرهه، و إلاّ كرهت.

المطلب الرابع: في ترجيح الأئمّة
مسألة 580: إذا حضر إمام الأصل، لم يجز لأحد التقدّم عليه،

و تعيّن هو للإمامة، لأنّ له الرئاسة العامة، و قال اللّه تعالي أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (4) و قال تعالي لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (5) و هو خليفته، فتكون له هذه المرتبة(6).

أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب من شاء، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.

إذا ثبت هذا، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة بأمور:

ا: القراءة.

ب: الفقه.

ج: السنّ.

د: الأقدم هجرة.

ص: 305


1- مصنف ابن أبي شيبة 407:1 و 408، سنن الترمذي 193:2-360.
2- الخروط: الذي يتهوّر في الأمور و يركب رأسه في كلّ ما يريد جهلا و قلّة معرفة. النهاية لابن الأثير 23:2 «خرط».
3- مصنف ابن أبي شيبة 407:1، كنز العمال 273:8-22889.
4- النساء: 59.
5- الحجرات: 1.
6- في نسخة «ش»: المنزلة.

ه: الأصبح وجها، و عند الشافعي عوضه: الأشرف نسبا(1).

و: صاحب المنزل و المسجد.

و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 581: إذا تعدّدت الأئمّة، قدّم من يختاره المأمومون

- لما تقدّم - إذا كان بصفات الإمام. و لو اختلف المأمومون، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا، فلعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يقدّم الأقرأ(2) - و به قال ابن سيرين و الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المنذر(3) - لقوله عليه السلام: (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّا)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن»(5).

و لأنّ القراءة ركن في الصلاة، فكان القادر عليها أولي، كالقادر علي القيام مع العاجز عنه.

و قال بعض علمائنا: يقدّم الأفقه علي الأقرأ [1] - و به قال عطاء و مالك

ص: 306


1- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 280:4، فتح العزيز 329:4.
2- و هو اختيار المحقق في المعتبر: 244 و نقله أيضا عن أكثر الأصحاب.
3- المغني 16:2، الشرح الكبير 18:2، الهداية للمرغيناني 56:1، حلية العلماء 177:2.
4- صحيح مسلم 465:1-673، سنن ابن ماجة 313:1-980، سنن الترمذي 1: 459-235، سنن أبي داود 159:1-584، سنن النسائي 76:2، سنن البيهقي 3: 125.
5- الكافي 376:3-5، التهذيب 31:3-113، علل الشرائع: 326 الباب 20، الحديث 2.

و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور(1) - إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحا، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة و هو يحفظها، و ما يحتاج إليه من الفقه غير محصور، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلي الفقه في معرفته فكان أولي كالإمامة الكبري و الحكم.

ثم تأوّلوا الخبر: بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.

قال ابن مسعود: كنّا لا نجاوز عشر آيات حتي نعرف أمرها و نهيها و أحكامها، فكان أقرؤهم لكتاب اللّه أفقههم(2).

و الاعتراض: اللفظ عام، فالعبرة به لا بخصوص السبب، و تتمّة الحديث تنافيه، و هو: قوله عليه السلام: (فإن استووا فأعلمهم بالسنّة).

إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح علي الآخر بكثرة القرآن، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلّ منهما و كان أحدهما أجود قراءة و إعرابا، فهو أولي، لأنّه أقرأ، و إن كان أحدهما أكثر حفظا، و الآخر أجود قراءة، فهو أولي، و الوجه أن المراد من قوله عليه السلام: (أقرؤهم): أجودهم قراءة.

مسألة 582: إذا تساووا في القراءة، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا

مسألة 582: إذا تساووا في القراءة، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا(3)

- و هو قول الجمهور(4) - لقوله عليه السلام: (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة)(5).

ص: 307


1- المدونة الكبري 83:1، الشرح الصغير 163:1، المجموع 282:4، فتح العزيز 332:4، حلية العلماء 177:2، المغني 16:2-17، الشرح الكبير 18:2.
2- المغني و الشرح الكبير 18:2.
3- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 157:1، و المحقق في المعتبر: 244 و نقله أيضا عن الشيخ المفيد.
4- المغني 19:2، حلية العلماء 177:2.
5- أوعزنا إلي مصادره في المسألة السابقة (581).

و لأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإتيان بواجباتها و سننها، و جبرها إن عرض ما يحوج إليه، و العلم بالسنّة أهمّ من السنّ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة، بخلاف السنّ.

و قال المرتضي: يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة(1) ، لما رواه مالك بن الحويرث و صاحبه قال: (يؤمّكما أكبركما)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن، فإن تساووا، فأقدمهم هجرة، فإن تساووا، فأسنّهم، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة»(3).

و لا حجّة في الأول، لإمكان علمه عليه السلام بتساويهما إلاّ في السنّ.

و الثاني يدلّ علي الجواز، و نحن نقول به، و الخلاف في الأولويّة.

إذا ثبت هذا، فإن اجتمع فقيهان قارئان، و أحدهما أقرأ و الآخر أفقه، قدّم الأقرأ علي الأول، للحديث، و الأفقه علي الثاني، لتميّزه بما لا يستغني عنه في الصلاة.

فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة و الآخر أعرف بما سواها، فالأعلم بأحكام الصلاة أولي، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة، بخلاف الآخر.

مسألة 583: إذا تساووا في الفقه، قدّم أقدمهم هجرة،

و المراد به:

سبق الإسلام، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلي دار الإسلام، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته، فيقدّم بذلك، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

ص: 308


1- حكاه المحقق في المعتبر: 244.
2- صحيح مسلم 466:1-293، سنن النسائي 77:2، سنن أبي داود 161:1-589.
3- الكافي 376:3-5، التهذيب 31:3-113، علل الشرائع: 326، الباب 20، الحديث 2.

و قوله عليه السلام: (لا هجرة بعد الفتح)(1) أراد أنه لا تجب، لقوة الإسلام، و التمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك، لأنّ الهجرة قربة و طاعة، فقدّم السابق إليها، لسبقه إلي الطاعة.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال:

يؤمّ القوم أقرؤهم، فإن كانوا في القراءة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا»(2).

و للشيخ قول: إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه: الأشرف، فإن تساويا في الشرف، قدّم الأقدم هجرة(3) - و به قال الشافعي في القديم(4) - لقوله عليه السلام: (الأئمّة من قريش)(5).

و المراد: الإمامة الكبري، فلا تعتبر في الصغري كالشجاعة.

مسألة 584: فإن تساووا في الهجرة إمّا لهجرتهما معا أو لعدمها فيهما، قدّم الأسنّ،

لحديث الصادق عليه السلام(6).

و لأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير و الإعظام و التقدّم، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإمامة.

ص: 309


1- صحيح البخاري 18:4، سنن الترمذي 148:4-1590، مسند أحمد 226:1 و 2: 215 و 22:3 و 468 و 187:5، سنن الدارمي 239:2، متن عمدة الأحكام: 101 - 102-273.
2- الكافي 376:3-5، التهذيب 31:3-113، علل الشرائع: 326، الباب 20، الحديث 2.
3- المبسوط للطوسي 157:1.
4- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 283:4، فتح العزيز 334:4.
5- مسند أحمد 129:3 و 183 و 421:4، سنن البيهقي 121:3.
6- الكافي 376:3-5، التهذيب 31:3-113، علل الشرائع: 326، الباب 20، الحديث 2.

و هذا قول أكثر العلماء، و هو قول الشافعي في القديم(1) ، لقوله عليه السلام: (فإن استووا في الهجرة، فأقدمهم سنّا)(2).

و قال في الجديد: إذا تساووا في الفقه و الشرف، قدّم الأسنّ، فإن تساووا، قدّم الأقدم هجرة(3) ، لقوله عليه السلام، لمالك بن الحويرث:

(إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم و ليؤمّكم أكبركم)(4).

و قد بيّنا أنّه حكاية حال.

مسألة 585: إذا تساووا في ذلك، قال الشيخان: يقدّم الأصبح وجها

مسألة 585: إذا تساووا في ذلك، قال الشيخان: يقدّم الأصبح وجها(5).

و رواه المرتضي رواية(6).

و نقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين، ثم اختلف الشافعية في تفسيره، فقال بعضهم: أراد أحسنهم صورة، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.

و قال آخرون: إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكرا بين الناس(7). و الأخير أحسن.

إذا ثبت هذا، فإن تساووا في ذلك كلّه، قدّم أشرفهم، أي: أعلاهم نسبا، و أفضلهم في نفسه، و أعلاهم قدرا، فإن استووا في هذه الخصال، قدّم أتقاهم و أورعهم، لأنه أشرف في الدين و أفضل و أقرب إلي الإجابة، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم

ص: 310


1- المغني و الشرح الكبير 20:2، معالم السنن للخطابي 304:1، المجموع 283:4، فتح العزيز 334:4.
2- سنن الترمذي 459:1-235، سنن أبي داود 159:1-582.
3- المهذب للشيرازي 105:1، المجموع 283:4، فتح العزيز 334:4.
4- صحيح البخاري 175:1، صحيح مسلم 465:1-674.
5- المبسوط للطوسي 157:1، و حكاه عنهما أيضا المحقق في المعتبر: 244.
6- جمل العلم و العمل ضمن رسائل الشريف المرتضي 40:3، و نقله عن مصباحه المحقق في المعتبر: 244.
7- المهذب للشيرازي 106:1، المجموع 283:4، فتح العزيز 335:4، حلية العلماء 2: 178.

إلي السفال إلي يوم القيامة)(1).

و الأقوي عندي تقديم هذا علي الأشرف، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن استووا في ذلك كلّه، فالأقرب القرعة - و به قال أحمد(2) - لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان(3) ، فالإمامة أولي.

و لأنّهم تساووا في الاستحقاق، و تعذّر الجمع، فأقرع بينهم، كسائر الحقوق.

و هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط و لا إيجاب، فلو قدّم المفضول جاز، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 586: صاحب المنزل أولي بالإمامة فيه

من غيره و إن كان فيهم من هو أقرأ منه و أفقه، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم و تصح صلاتهم وراءه، و لا نعلم فيه خلافا بين العلماء، لقوله عليه السلام: (لا يؤمّن الرجل في بيته و لا في سلطانه، و لا يجلس علي تكرمته إلاّ بإذنه)(4).

و المراد بالتكرمة: الفراش. و قيل: المائدة.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله و لا في سلطانه»(5).

ص: 311


1- الفقيه 247:1-1102، علل الشرائع: 326، الباب 20، الحديث 4، عقاب الأعمال: 246، التهذيب 56:3-194.
2- المغني 21:2، الشرح الكبير 20:2، الانصاف 247:2.
3- صحيح البخاري 159:1، سنن البيهقي 428:1 و 429، إرشاد الساري 9:2، عمدة القارئ 124:5، المغني 478:1.
4- صحيح مسلم 465:1-673، سنن الترمذي 459:1-235 و 99:5-2772، سنن أبي داود 159:1-582، سنن النسائي 77:2، سنن البيهقي 119:3 و 125.
5- الكافي 376:3-5، التهذيب 31:3-32-113، علل الشرائع: 326، الباب 20، الحديث 2.

و لو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه، فهو أولي، لأنّه حاكم علي صاحب البيت و غيره، و أمّ النبي صلّي اللّه عليه و آله عتبان(1) بن مالك و أنسا في بيوتهما(2).

مسألة 587: إمام المسجد الراتب أولي من غيره،

لأنّه في معني صاحب البيت و السلطان.

و لقوله عليه السلام: (من زار قوما فلا يؤمّهم)(3) و هو عام في المسجد كالمنزل.

و لأنّ تقديم غيره يورث وحشة.

و الوالي من قبل العادل أحقّ، لأنّه أولي من صاحب البيت مع أنّه مالك له، فمن إمام المسجد أولي.

و الولي و إن كان أحقّ من الوالي في الصلاة علي الميّت فليس أولي هنا، لأنّ الصلاة علي الميّت تستحقّ بالقرابة، و السلطان لا يشارك في ذلك، و هنا يستحقّ بضرب من الولاية علي الدار و المسجد، و السلطان أقوي ولاية و أعم.

و لأنّ الصلاة علي الميّت يقصد بها الدعاء و الشفقة و الحنوّ، و هو مختص بالقرابة.

فروع:

أ: لو أذن السلطان لغيره، جاز و كان أولي من غيره،

و كذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.

ص: 312


1- في النسخة الحجرية و النسختين الخطيتين «ش، م» المعتمدتين في التحقيق: غسّان. و ما أثبتناه هو الصحيح. أنظر: أسد الغابة 359:3، و تهذيب التهذيب 86:7، و انظر أيضا المصادر الحديثية التالية.
2- صحيح مسلم 455:1 (باب الرخصة في التخلّف عن الجماعة بعذر) و 457-658، صحيح البخاري 170:1 و 175، سنن النسائي 80:2 و 86، موطإ مالك 172:1 - 86، سنن أبي داود 166:1-612، سنن البيهقي 96:3.
3- سنن أبي داود 163:1-596، سنن الترمذي 187:2-356، سنن البيهقي 126:3.

ب: لو دخل السلطان بلدا فيه خليفة فهو أولي من خليفته،

لعموم ولايته.

ج: لو اجتمع العبد و سيّده في بيت العبد، فالسيد أولي،

لأنّه صاحب البيت. و لو اجتمع العبد و غير سيّده، فالعبد أولي.

د: لو اجتمع المالك و المستأجر في الدار المؤجرة، فالمستأجر أولي،

لأنّه أحقّ بالمنفعة و الاستيلاء.

ه: لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه، فالأقرب: أنّه أولي.

و: كلّ موضع حضره الإمام الأعظم أو النائب من جهته، فهو أولي

بالصلاة من غيره، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الأئمّة ما حضروا موضعا إلاّ و أمّوا بالناس.

ز: لو اجتمع المكاتب و السيّد في دار المكاتب، فالمكاتب أولي،

لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.

ح: لو اجتمع المستعير و المالك، فالأقرب: تقديم المالك،

لأنّ تسلّط المستعير ليس بتام من حيث إنّ للمالك أن يعزله متي شاء.

ط: لو حضر جماعة المسجد، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتي يحضر أو يستنيب.

و لو كان الموضع بعيدا و خافوا فوت أول الوقت (و أمنوا الفتنة)(1) صلّوا جماعة.

ي: الخصال المكتسبة، كالعلم و القراءة و الورع أولي من غير المكتسبة

كالسنّ و حسن الوجه.

و الأورع أولي من الأعلم، لأنّ الإمامة سفارة بين اللّه تعالي و بين خلقه، و إنّما يقدّم للسفارة من له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه، و المنزلة عند اللّهه.

ص: 313


1- بدل ما بين القوسين في «ش»: و اتّفق الفقيه.

تعالي للأتقياء، قال اللّه تعالي إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (1).

المطلب الخامس: في الأحكام
مسألة 588: لو كان الإمام ممّن لا يقتدي به، لم يجز الائتمام به.

فإن احتاج إلي الصلاة خلفه، جاز أن يتابعه في الأفعال، لكن لا ينوي الاقتداء به، و يقرأ مع نفسه و إن كانت الصلاة جهرية، للضرورة، و تجزئه صلاته، و هو قول أحمد في إحدي الروايتين. و في الأخري: يعيد(2).

و هو غلط، لأنّه أتي بأفعال الصلاة و شروطها علي الكمال، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال، كما لو لم يقصد الموافقة.

مسألة 589: لو كان الإمام كافرا، فإن علم المأموم بكفره قبل الصلاة، أعاد

إجماعا، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.

و إن علمه في الأثناء، عدل إلي الانفراد واجبا، فإن لم يفعل و استمرّ، وجبت الإعادة.

و إن علم بعد الفراغ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا(3) - و به قال أبو ثور و المزني(4) - لأنّه فعل المأمور به، فيخرج عن العهدة.

و الثانية ظاهرة، و أما الأولي: فلأنّه مأمور بالصلاة خلف من يظنّ إسلامه، لا من يعلمه كذلك، لامتناع الاطّلاع علي الباطن، فيكتفي بإصلاح الظاهر.

ص: 314


1- الحجرات: 13.
2- المغني و الشرح الكبير 30:2.
3- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 550:1، المسألة 292، و ابن إدريس في السرائر: 61، و المحقق في المعتبر: 242.
4- المغني 34:2، فتح العزيز 327:4.

و لأنّ الصادق عليه السلام، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلي الكوفة علموا أنّه يهودي، قال:

«لا يعيدون»(1).

و قال المرتضي: تجب الإعادة(2) - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة، فلا تصح صلاته، كما لو أئتمّ بمجنون.

و ينتقض: بالمحدث، فإنه لو أئتمّ به، صحّت صلاته إجماعا.

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة، كالزندقة أو لا، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: الفرق، فأوجب الإعادة فيما لا يخفي، كالتهوّد و التنصّر، دون ما يخفي، لمشقّة الوقوف عليه(4).

مسألة 590: صلاة الكافر لا تكون إسلاما منه ما لم تسمع منه الشهادتان،

سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام، و سواء صلّي جماعة أو فرادي، و سواء صلّي في المسجد أو لا - و به قال الشافعي(5) - لأنّ الصلاة من فروع الإسلام، فلا يصير مسلما بفعلها، كالحج و الصوم و الاعتكاف.

و لقوله عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها، عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها)(6).

ص: 315


1- الكافي 378:3-4، التهذيب 40:3-141.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 242.
3- الام 168:1، المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 251:4، الوجيز 55:1، فتح العزيز 326:4، مختصر المزني: 23، المغني 34:2، الشرح الكبير 33:2، الانصاف 2: 259.
4- المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 251:4، فتح العزيز 326:4، حلية العلماء 2: 169، مغني المحتاج 241:1.
5- المهذب للشيرازي 104:1، فتح العزيز 312:4.
6- صحيح البخاري 131:2، صحيح مسلم 53:1-35، سنن النسائي 79:7، سنن أبي داود 44:3-2640، سنن الترمذي 3:5-2606، سنن الدار قطني 232:1-7، المستدرك للحاكم 522:2.

و قال بعض الشافعية: إن صلّي في دار الإسلام، فليس بمسلم، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة و إخفاء دينه، و إن صلّي في دار الحرب، فهو مسلم، لأنّه لا تهمة في حقّه. و هو قول للشافعي(1) أيضا.

أمّا إذا أظهر التشهّد، فالوجه: أنّه إسلام، لأنّ الشهادة صريح في الإسلام، و به قال الشافعي، و له وجه آخر: أنّه لا يحكم بإسلامه، لاحتمال أن يكون ذلك علي سبيل الحكاية(2). و ليس بصحيح.

و قال أبو حنيفة: إن صلّي إماما أو مأموما في أيّ موضع كان، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة و قال: لم أسلم، كان مرتدّا، سواء سمع منه التشهّد أو لا، و كذا إن صلّي منفردا في المسجد، و إن أذّن حيث يؤذّن المسلمون، كان إسلاما منه، و إن حجّ و طاف، كان إسلاما منه، و إن صلّي منفردا في غير المسجد، لم يكن إسلاما(3).

و قال مالك و أحمد: يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال، فإن أقام بعد ذلك علي الإسلام، و إلاّ فهو مرتدّ، و إن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون، فإذا فعلها الكافر، كان إسلاما منه، كالشهادتين(4).

و الفرق: أنّ الشهادتين صريح في الإسلام.

و قال محمد بن الحسن: إذا صلي في المسجد منفردا أو في جماعة،2.

ص: 316


1- المجموع 251:4، فتح العزيز 313:4، المغني 35:2، الشرح الكبير 37:2.
2- المجموع 252:4، فتح العزيز 313:4.
3- المغني 35:2، الشرح الكبير 37:2، المجموع 252:4، فتح العزيز 312:4 و 313، حلية العلماء 169:2.
4- المغني 35:2، الشرح الكبير 36:2-37، فتح العزيز 313:4، حلية العلماء 169:2.

حكم بإسلامه، و إن صلّي منفردا في بيته، لم يحكم بإسلامه(1).

و البحث في ظهور فسق الإمام كالبحث في ظهور كفره، فقال المرتضي: يعيد(2) ، و به قال أحمد(3).

و قال الشيخ: لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم، فتكون مجزئة(4).

و لو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض، صحّت صلاة الجاهل خاصة و إن كان مستور الحال، مقبول الشهادة عند الحاكم.

فروع:

أ: الكافر إذا أمّ المسلمين، عزّر،

لأنّه غشّهم.

ب: لو صلّي خلف من أسلم من الكفّار، فلمّا فرغ من صلاته قال:

لم أكن أسلمت، و إنّما تظاهرت بالإسلام، لم يلزمه قبول قوله،

لكفره، و لا إعادة عليه.

ج: إذا كان يعرف لرجل إسلام و ارتداد، فصلّي رجل خلفه و لم يعلم في أيّ الحالين صلّي خلفه، لم يعد،

لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.

مسألة 591: لو كان الإمام جنبا أو محدثا، لم تصح صلاته،

سواء علم بحدثه، أو لا، و تصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه - و به قال علي عليه السلام، و عمر، و عثمان، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن عباس، و من التابعين: الحسن البصري و النخعي و سعيد بن جبير، و به قال الشافعي

ص: 317


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 551:1، المسألة 292.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 243.
3- المغني 22:2، الشرح الكبير 24:2-25، الانصاف 253:2.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 243.

و الأوزاعي و الثوري و أحمد و أبو ثور(1) - لأنّ أبا بكرة قال: دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في صلاة الفجر، فأومأ إليهم أن مكانكم، ثم ذهب و جاء و رأسه يقطر، فصلّي بهم(2).

و هو يدلّ علي أنّهم أحرموا معه، لأنّه أومأ إليهم و لم يكلّمهم، لأنّ كلام المصلّي مكروه، و هذا و إن كان باطلا عندنا، لكنّه ذكر للإلزام.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم و هو علي غير طهر، فلا يعلم حتي تنقضي صلاته ؟ قال:

«يعيد و لا يعيد من خلفه و إن أعلمهم أنّه علي غير طهر»(3).

و لأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به، فلم تبطل صلاته، كما لو سبق الإمام الحدث.

و قال الشعبي و ابن سيرين و حمّاد و أصحاب الرأي: تبطل صلاة المأمومين أيضا(4).

و قال مالك: إن كان الإمام غير عالم بحدث نفسه، صحّت صلاة المأمومين، و إن كان عالما، لم تصح(5).

و قال عطاء: إن كان حدثه جنابة، بطلت، و إن كان غير ذلك، أعادوا2.

ص: 318


1- الام 167:1-168، المهذب للشيرازي 104:1، المجموع 260:4، فتح العزيز 4: 324، حلية العلماء 171:2، المغني 777:1، الشرح الكبير 55:2 و 56، بداية المجتهد 156:1.
2- سنن أبي داود 60:1-233، سنن البيهقي 397:2.
3- التهذيب 39:3-137، الاستبصار 432:1-1668.
4- المبسوط للسرخسي 180:1، بدائع الصنائع 227:1، المجموع 260:4، الشرح الكبير 55:2، المغني 777:1، بداية المجتهد 156:1، حلية العلماء 172:2.
5- المدونة الكبري 33:1، الشرح الصغير 156:1، المجموع 260:4، فتح العزيز 4: 324، بداية المجتهد 156:1، حلية العلماء 172:2.

في الوقت(1).

و احتجّوا: بأنّ المأموم اقتدي بمن لا صلاة له، فتبطل صلاته، كما لو كان الإمام كافرا أو امرأة.

و قال مالك: إذا علم الإمام بحدثه فصلّي فسق، و لا تصح الصلاة خلف الفاسق(2).

و الأصل ممنوع، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.

و الفرق مع تسليم الأصل، لأنّه منسوب إلي التفريط بالائتمام بالمرأة و الكافر، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال، و الجنب و المحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.

مسألة 592: لو أحدث الإمام، فعلم المأمومون بحدثه، وجب عليهم مفارقته،

فينوون الانفراد، فإن تابعوه، بطلت صلاتهم.

فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها، فإن كان موضع طهارته قريبا، أومأ إليهم و مضي و توضّأ و عاد إلي الصلاة.

و هل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ: من جواز نقل نية الانفراد إلي الائتمام.

و قال الشافعي: ينوون الاقتداء(3) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.

و إن كان بعيدا، قال الشافعي في القديم: يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه من علّل: بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. و منهم من علّل: بأنّهم يصلّون فرادي ليخرجوا من

ص: 319


1- المجموع 260:4، حلية العلماء 172:2.
2- المجموع 260:4.
3- انظر: المجموع 262:4.

الخلاف، فإنّ الناس اختلفوا في الصلاة بإمامين(1).

و إن كان قد صلّي ركعة أو أكثر، فإنّهم لا ينتظرونه عنده(2) ، لأنّه إذا عاد و صلّي، فإنّهم يفارقونه إذا أتمّوا صلاتهم، و إذا لم يكن قد قرأ، لم ينتظروه، و كانوا علي فراقه.

تذنيب: لو أدرك الإمام راكعا، فدخل معه في الصلاة، فلمّا فرغ أخبره أنّه كان علي غير وضوء، فالوجه: عدم القبول في بطلان صلاة المأموم.

و قال الشافعي: لا يعتدّ بتلك الركعة، لأنّها لم تصح من الإمام، فلا ينوب عنه في القراءة فيها، فيأتي بركعة أخري(3). و ليس بجيّد.

مسألة 593: لو أحدث الإمام أو أغمي عليه أو مات أو مرض، قدّم هو أو المأمومون من يتمّ بهم الصلاة،

استحبابا لا وجوبا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في الجديد(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يمكّن أبا بكر من إتمام الإمامة في الصلاة، و خرج و هو مريض، فأتمّ هو الصلاة بالناس(5).

و قال الشافعي في القديم: لا يجوز(6).

و قد تقدم البحث في ذلك في باب الجمعة(7).

ص: 320


1- حلية العلماء 172:2، المجموع 262:4.
2- المجموع 262:4.
3- المجموع 258:4.
4- الشرح الصغير 166:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 52، المدونة الكبري 145:1، المبسوط للسرخسي 169:1، بدائع الصنائع 224:1، الهداية للمرغيناني 59:1، اللباب 84:1، المغني 779:1.
5- صحيح البخاري 169:1، صحيح مسلم 312:1-418، سنن الترمذي 197:2 ذيل الحديث 362.
6- المهذب للشيرازي 103:1، المجموع 242:4، حلية العلماء 166:2، بدائع الصنائع 224:1.
7- تقدم في المسألة 391.

فروع:

أ: يكره أن يستنيب المسبوق،

لقول الصادق عليه السلام: «إذا أحدث الإمام و هو في الصلاة فلا ينبغي له أن يقدّم إلاّ من شهد الإقامة»(1).

و يجوز أن يستنيب المنفرد و السابق، فإن استنابه، جاز أن يستنيب ثانيا.

ب: لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث أو أحدث عمدا.

و قال أبو حنيفة: إن سبقه، جاز أن يستخلف، و إن تعمّد، لم يجز و أتمّوا منفردين(2). بناء علي أصله من أنّ سبق الحدث لا يبطل الصلاة، فإذا بقي حكمها، بقي حكمها علي الجماعة في جواز الاستخلاف.

ج: استخلاف الإمام ليس بشرط،

فلو تقدّم بعض المأمومين بنفسه و أتمّ الصلاة، جاز، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا بدّ من الاستخلاف، فإن تقدّم بنفسه، لم يجز أن يصلّوا معه(4).

د: لو استخلف اثنين حتي يصلّي مع كلّ واحد منهما بعض الناس، جاز

في غير الجمعة.

مسألة 594: ما يدركه المسبوق مع الإمام يكون أول صلاته

و إن كان آخر صلاة الإمام، عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام،

ص: 321


1- التهذيب 42:3-146، الإستبصار 434:1-1674.
2- بدائع الصنائع 226:1.
3- الام 175:1، المجموع 244:4.
4- بدائع الصنائع 226:1، الهداية للمرغيناني 59:1.

و عمر و أبو الدرداء و الشافعي و الأوزاعي و إسحاق، و اختاره ابن المنذر(1) - لقول علي عليه السلام: «يجعل ما أدرك مع الإمام من الصلاة أوّلها»(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته، إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين، قرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أمّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة، أجزأته أمّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام فصلّي ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين»(3).

و لأنّها ركعة مفتتحة بالإحرام فكانت أول صلاته كالمنفرد.

و للإجماع علي أنّه إذا أدرك ركعة في المغرب صلّي أخري، و جلس للتشهّد، فدلّ علي أنّها أول صلاته.

و قال الثوري: يكون آخر صلاته - و به قال أحمد و أصحاب الرأي، و هو المشهور عن مالك - لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(4)(5).4.

ص: 322


1- المهذب للشيرازي 102:1، المجموع 220:4، الام 178:1، فتح العزيز 427:4، حلية العلماء 159:2، المغني 260:2، الشرح الكبير 11:2، و سنن البيهقي 299:2.
2- سنن البيهقي 298:2 و 299، و نحوه في التهذيب 46:3-161، و الاستبصار 1: 437-1685.
3- المعتبر: 246، و بتفاوت في الفقيه 256:1-1162، و التهذيب 45:3-158، و الاستبصار 436:1-1683.
4- مسند أحمد 238:2 و 270 و 318، سنن النسائي 114:2-115، سنن البيهقي 3: 93.
5- المغني 260:2، الشرح الكبير 11:2، المبسوط للسرخسي 190:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 48، المجموع 220:4، فتح العزيز 427:4، حلية العلماء 159:2، الميزان للشعراني 173:1-174.

و المروي: (فأتمّوا)(1) علي أنّ معناه: و ما أدركتموه فتابعوه فيه، و ما فاتكم فافعلوه، و حقيقة القضاء ما فعل بعد خروج وقته، و إنّما عبّر به عن الفعل.

فروع:

أ: إذا أدرك الأخيرتين من الرباعية، استحب له أن يقرأ - لما يأتي - لا واجبا، لأنّ القراءة تسقط عن المأموم و يقرأ الفاتحة في اخرييه لا غير، لأنّهما أخريان.

و الشافعي و إن وافقنا علي أنّهما أخريان، إلاّ أنّه قال: يقرأ فيهما بالفاتحة و سورة(2).

و اختلف أصحابه في علّة ذلك، فقال بعضهم: إنّ السورة لم يقرأها في الأوليين، و لا أدرك قراءة الإمام بها، فاستحب له أن يأتي بها، لتحصل له فضيلتها.

و قال بعضهم: إنّما قال ذلك بناء علي القول باستحباب السورة في جميع الركعات(3).

ب: يجب الإسرار في المأتي بها بعد مفارقة الإمام، لأنّهما أخريان، و هو أحد قولي الشافعي لكن لا وجوبا، و في الآخر: يجهر ليدرك ما فاته من الجهر(4).

ج: الأجود: أنّه يتخيّر في الأخيرتين بين القراءة و التسبيح و إن كان2.

ص: 323


1- صحيح مسلم 420:1-602، صحيح البخاري 163:1-164، سنن أبي داود 1: 156-572، سنن الدارمي 294:1، سنن ابن ماجة 255:1-775، سنن الترمذي 2: 149-327، مسند أحمد 239:2 و 270 و 452.
2- الام 178:1، المجموع 387:3 و 220:4، فتح العزيز 427:4، حلية العلماء 2: 159.
3- المجموع 387:3 و 388 و 220:4، فتح العزيز 427:4، حلية العلماء 160:2.
4- المجموع 388:3 و 220:4، حلية العلماء 160:2.

الإمام قد سبّح في اخرييه، لأنّهما أخريان، فلا يسقط حكمهما من التخيير.

و يحتمل: وجوب القراءة إن سبّح الإمام، لئلاّ تفوت الصلاة من قراءة.

د: إذا أحدث الإمام في الأولي، فسواء استخلف من شرع معه في الصلاة أو لا، فإنّه جائز، لأنّه لا يختلف نظم الصلاة و إن كان في الثانية أو الثالثة، فإن استخلف مأموما موافقا، جاز إجماعا، و إن استخلف مسبوقا، جاز أيضا، و يتمّ صلاته علي نظم صلاة نفسه.

و قال الشافعي: علي نظم صلاة الإمام(1).

مثاله: إذا استخلفه في الثانية، فإذا صلّي ركعة، قام إلي ثانيته، و تشهّد المأمومون تشهّدا خفيفا و لحقوا به.

و قال الشافعي: يقعد للتشهّد و إن لم يكن موضع قعوده(2).

فإذا صلّي ثانية، قعد عندنا، و تشهّد، و تبعه المأمومون في القعود لا التشهّد.

و قال الشافعي: لا يقعد، لأنّها الثالثة من صلاة الإمام و إن كان الموضع موضع قعوده(3).

و إذا صلّي ثالثة، فقد تمّت صلاة القوم، فينهض إلي الرابعة، ثم إن شاء المأمومون المفارقة، نووا الانفراد و تشهّدوا و سلّموا، و إن شاءوا انتظروا الإمام حتي يتشهّد و يسلّم بهم.

و قال الشافعي: يتشهّد في ثالثته، و إذا علم أنّ القوم قد فرغوا من التشهّد، أشار إليهم بالسلام و يتمّ لنفسه(4).

و لو استخلف من لم يشرع معه في الصلاة، جاز عندنا، خلافا4.

ص: 324


1- الأم 175:1-176، المجموع 243:4.
2- الأم 176:1، المجموع 243:4.
3- المجموع 243:4.
4- المجموع 243:4.

للشافعي(1).

مسألة 595: يدرك المأموم الركعة بإدراكها من أوّلها إجماعا، و بإدراك تكبيرة الركوع أيضا، لأنّه أدرك معظم الركعة، و القراءة ليست ركنا.

و هل يدركها بإدراك الإمام راكعا؟ الوجه: ذلك، خلافا للشيخ(2) ، و قد مضي البحث في ذلك في باب الجمعة(3).

إذا ثبت هذا، فإنّه إذا أدركه راكعا، كبّر للافتتاح واجبا، و كبّر ثانيا للركوع مستحبا، لأنّه ركوع معتدّ به، و من انتقل إلي ركوع معتدّ به فمن سننه التكبير كالإمام و المنفرد.

و لو خاف رفع الإمام، كبّر للافتتاح خاصة، و نوي الوجوب، و ليس له أن ينوي الافتتاح و الركوع، لتضادّ الوجهين.

و لو كبّر و لم ينو التحريم و لا الركوع، احتمل قويّا البطلان، لعدم نيّة الافتتاح. و الصحة، لأنّ قرينة الافتتاح تصرفها إليه.

و يعارض بأنّ قرينة الهويّ تصرفها إليه.

فروع:

أ: إذا اجتمع مع الإمام في الركوع، أدرك الركعة،

فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم، فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع، و هو: أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز - و هو بلوغ يديه إلي ركبتيه - فأدركه المأموم في ذلك و ذكر بقدر الواجب، أجزأه، و إن أدرك دون ذلك، لم يجزئه.

ب: لو رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ذكر أنه نسي التسبيح، لم يكن له الرجوع

إلي الركوع، فإن رجع جاهلا بالحكم فدخل مأموم معه، لم يكن مدركا للركعة، لأنّه ركوع باطل.7.

ص: 325


1- المجموع 243:4.
2- النهاية: 114، المبسوط للطوسي 158:1.
3- تقدّم في الفرع «ب» من المسألة 397.

و قال بعض الشافعية: يجوز(1). و ليس بمعتمد.

ج: لو أدركه بعد رفعه من الركوع، استحبّ له أن يكبّر للهويّ إلي السجود، و يسجد معه السجدتين،

و لا يعتدّ بهما، بل إذا قام الإمام إلي اللاحقة، قام و نوي و كبّر للافتتاح، و إن شاء أن يتربّص حتي يقوم الإمام و يستفتح معه، جاز.

و إنّما لم يعتد بالسجدتين، لأنّ زيادتهما زيادة ركن، فتبطل الصلاة بها.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها»(2).

و لو كان السجود للركعة الأخيرة، فعل ما قلناه، فإذا سلّم الإمام، قام فاستقبل صلاته بنيّة منفردة و تكبير متجدّد.

و لو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة، جاز أن يكبّر و يجلس معه في تشهّده يتشهّد، و إن شاء سكت، فإذا سلّم الإمام، قام و بني علي تلك التكبيرة إن كان قد نوي للافتتاح، و ليس ذلك فعلا كثيرا مبطلا، لأنّه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.

د: إذا لحقه بعد الركوع قبل السجود فقد قلنا: إنّه يكبّر للافتتاح ثم يكبّر للهويّ إلي السجود

- و هو أحد وجهي الشافعي(3) - لأنّه مأمور بالسجود متابعة للإمام، فسنّ له التكبير، كما لو كان السجود من صلب الصلاة.

و الثاني: لا يكبّر للسجود، لعدم الاعتداد به، و ليس متابعا للإمام، و التكبير كلا تكبير، بخلاف الركوع المعتدّ به، و الأول أصحّ عندهم(4).2.

ص: 326


1- المجموع 217:4.
2- التهذيب 48:3-166.
3- المهذب للشيرازي 102:1، حلية العلماء 159:2.
4- المهذب للشيرازي 102:1، حلية العلماء 159:2.

أمّا لو أدركه في التشهّد، فإنّه يكبّر للافتتاح خاصة، لأنّ الجلوس عن القيام لم يشرع في الصلاة، فلا تكبير له، فإذا قام الإمام إلي الثالثة، لم يتابعه المأموم في التكبير - خلافا للشافعي - لأنّه قيام أول بالنسبة إليه.

و قال الشافعي: يكبّر متابعة لإمامه(1).

فإذا صلّي ركعتين مع الإمام ثم سلّم الإمام، قام إلي ثالثته مكبّرا إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة، لأنّه يقوم إلي ابتداء ركعة، و به قال الشافعي(2).

و لو أدرك الإمام في التشهّد الأخير، كبّر و جلس بغير تكبير، فإذا سلّم الإمام، قام بغير تكبير، لأنه قد كبّر في ابتداء هذه الركعة.

و هل يتشهّد مع الإمام ؟ يحتمل ذلك، لأنّه إذا جاز أن يقعد في غير موضع قعوده متابعة للإمام، جاز أن يتبعه في التشهّد، و ليس واجبا عليه، لأنّ المتابعة تجب في الأفعال لا في الأذكار. و يحتمل العدم، لأنّه ليس بموضع للتشهّد. و كلاهما للشافعي(3).

ه: لو أدركه في التشهّد الأول و قعد معه ثم قام الإمام، تابعه المأموم و لا يقرأ دعاء الاستفتاح.

و لو كبّر المأموم و قصد أن يقعد فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم، دعا للاستفتاح.

و الفرق: أنّه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإتيان به، فلم يبق حكم الاستفتاح، و هنا لم يشتغل بفعل، فيؤمر بدعائه.

و: الأقرب: أنّه لا تحصل فضيلة الجماعة فيما إذا أدركه بعد رفعه من الركوع الأخير.

و يحتمل الإدراك، لقول محمد بن مسلم: قلت له: متي يكون يدرك1.

ص: 327


1- المجموع 218:4.
2- المجموع 218:4، مغني المحتاج 262:1.
3- المجموع 219:4، مغني المحتاج 261:1.

الصلاة مع الإمام ؟ قال: «إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام»(1). و هي مرسلة.

مسألة 596: إذا افتتح الصلاة ثم أحسّ بداخل في المسجد، لم يستحب له الزيادة في التلاوة

ليلتحق به الداخل، لأنّ غرضه يحصل من إدراك الركوع معه، فلو زاد في القراءة، لم يكره، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، روي عنه أنّه قال: (إنّي أحيانا أكون في الصلاة فأفتتح السورة أريد أن أتمّها فأسمع بكاء صبي فأتجوّز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمّه)(2) فإذا جاز الاختصار رعاية لحقّ الطفل، جازت الزيادة رعاية لحقّ اللاحق.

و لو ظنّ أنّه يفوته الركوع، فالوجه: استحباب زيادة القراءة.

و لو أحسّ بداخل و قد فرغ من القراءة و هو يريد الركوع، فلا يطوّل قيامه، لحصول غرضه بإدراك الركوع.

و لو أحسّ به و قد رفع من الركوع، أو كان في السجود أو التشهّد الأول، لم ينتظر إجماعا، إذ لا غرض فيه، لأنّ الذي أدرك من الأفعال لا اعتداد به.

و إن أحسّ بداخل و هو في الركوع، استحبّ له أن يطيل ركوعه ليلتحق به - و به قال الشعبي و النخعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي بطائفة صلاة الخوف ركعة، و انتظرها حتي أتمّت و مضت، و جاءت الأخري(4).

و من طريق الخاصة: رواية جابر عن الباقر عليه السلام، و قد سأله إنّي

ص: 328


1- التهذيب 57:3-197.
2- صحيح البخاري 181:1، صحيح مسلم 343:1-470، و سنن البيهقي 393:2 بتفاوت.
3- المغني 66:2، الشرح الكبير 17:2، المهذب للشيرازي 103:1، المجموع 230:4، فتح العزيز 294:4، حلية العلماء 162:2.
4- صحيح البخاري 17:2-18، صحيح مسلم 574:1-575-840.

أؤمّ قوما فأركع و يدخل الناس و أنا راكع فكم أنتظر؟ فقال الباقر عليه السلام:

«ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر!! انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلاّ فارفع رأسك»(1).

و لأنّه فعل يقصد به التقرّب إلي اللّه تعالي بتحصيل قربة لمسلم.

و قال الشافعي في الآخر: يكره الانتظار - و به قال مالك و داود و أصحاب الرأي، و اختاره ابن المنذر و المزني - لأنّه يفعل جزءا من الصلاة لأجل آدمي و قد أمر اللّه تعالي بأن يصلّي خالصا له تعالي(2).

و نمنع عدم الإخلاص، لأنّه تقرّب إليه تعالي بتحصيل القربة للداخل و إن قصد به لحوق آدمي الصلاة، فإنّ اللّه تعالي أمر بمنافع الآدميين.

و قال بعض الشافعية: إن كان يعرف الداخل، لا ينتظره، لأنّه لا يخلو من نوع مراءاة، و إن كان لا يعرفه، لم يكره(3).

فروع:

أ: إنّما ينتظر إذا كان قريبا

و كان لا يطوّل الأمر علي المأمومين، فأمّا إذا كان بعيدا و كان في الانتظار تطويل، لم ينتظر.

ب: لو أحسّ بداخل و هو في التشهّد الأخير، فالوجه: الانتظار،

لأنّ في إدراك التشهد غرضا صحيحا.

ج: لو انتظر، لم تبطل صلاته عندنا،

لأنّه مستحب، و كذا عند الشافعي علي أحد القولين، و علي الآخر: وجهان(4).

مسألة 597: لو دخل المسجد فركع الإمام فخاف فوت الركوع،

جاز

ص: 329


1- التهذيب 48:3-167.
2- المهذّب للشيرازي 103:1، المجموع 230:4 و 233، فتح العزيز 293:4، حلية العلماء 162:2.
3- المجموع 230:4، الوجيز 55:1، فتح العزيز 292:4.
4- المجموع 230:4، فتح العزيز 293:4، مغني المحتاج 232:1.

أن يكبّر و يركع، و يمشي راكعا حتي يلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام أو يأتي آخر فيقف معه، تحصيلا لفضيلة الجماعة.

و المشي في الركوع لإدراك الصف غير مبطل، و فعل ذلك ابن مسعود و زيد بن وهب و عروة و أبو بكر بن عبد الرحمن و سعيد بن جبير، و جوّزه الزهري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد(1).

و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام، في الرجل يدخل المسجد فيخاف أن يفوته الركوع، قال: «يركع قبل أن يبلغ القوم، و يمشي و هو راكع حتي يبلغهم»(2).

فروع:

أ: لو كان بعيدا من الصف، فإن كان يصح أن يأتمّ و هو في مكانه، وقف وحده

لئلاّ يفعل فعلا كثيرا، فإن مشي، احتمل الجواز، لأنّه من أفعال الصلاة. و المنع، لكثرته، و لا تبطل صلاته لو وقف وحده، لما بيّنّا من جوازه.

و إن كان لا يصح أن يأتمّ فيه لبعده، فالوجه: أنّه لا يعتدّ بذلك الركوع، و يصبر حتي يلتحق بالإمام في الثانية.

و إن كان لا يصح للحائل، لم يجز له أن يشرع حتي يخرج عن الحائل.

ب: لو ركع دون الصف و مشي فسجد الإمام قبل التحاقه، سجد علي حاله و قام و التحق بالصف،

فإن ركع الإمام ثانيا، ركع و مشي في ركوعه، و صحّت صلاته.

و كرهه الشافعي و أبو حنيفة و مالك، لما فيه من الانفراد بصف في ركعة تامّة(3).5.

ص: 330


1- المغني 64:2، الشرح الكبير 72:2.
2- الفقيه 257:1-1166، التهذيب 44:3-154، الاستبصار 436:1-1681.
3- المجموع 298:4، و حكاه عنهم المحقق في المعتبر: 245.

و قال أحمد: تبطل صلاته(1).

و ليس بشيء، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه، فكبّر و أركع، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام، فالحق بالصف، و إن جلس فاجلس مكانك، فإذا قام، فالحق بالصف» [1].

ج: لو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف، أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة، صحّت صلاته

عندنا، و كرهه مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(2) ، و لا تبطل صلاته، لأنّ أبا بكرة جاء و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله راكع، فركع دون الصف ثم مشي إلي الصف، فلمّا قضي النبي صلّي اللّه عليه و آله الصلاة، قال: (أيّكم الذي ركع دون الصف ثم مشي إلي الصف ؟) فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (زادك اللّه حرصا و لا تعد)(3) و لم يأمره بالإعادة.

و قال أحمد: إن كان جاهلا بتحريم ذلك، صحّت صلاته، و إن علم، لم تصح، لأنّ قوله عليه السلام لأبي بكرة: (لا تعد) يدلّ علي الفساد(4).

و هو بناء علي تحريم الانفراد بصف، و قد بيّنّا جوازه، و قوله عليه السلام: (لا تعد) المراد به إلي التأخّر.

مسألة 598: قد بيّنّا أنّه يستحب لمن صلّي منفردا إعادة تلك الصلاة

ص: 331


1- المغني 64:2، و حكاه عنه أيضا المحقق في المعتبر: 245.
2- انظر: المغني 64:2.
3- سنن أبي داود 182:1-684.
4- المغني 64:2-65، الشرح الكبير 72:2.

مع الجماعة، تحصيلا لفضيلة الجماعة أيّة صلاة كانت - و به قال علي عليه السلام، و أنس و حذيفة و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و الزهري و الشافعي(1) - لأنّ يزيد بن الأسود العامري قال: شهدت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، حجّته فصلّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف و أنا غلام شاب، فلمّا قضي صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلّيا معه، فقال:

(عليّ بهما) فاتي بهما ترعد فرائصهما، فقال: (ما منعكما أن تصلّيا معنا؟) فقالا: يا رسول اللّه كنّا قد صلّينا في رحالنا، فقال: (لا تفعلا، إذا صلّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم فإنّهما لكما نافلة)(2).

و أطلق و لم يفرّق.

و قال أحمد كذلك، إلاّ أنه قال: لا يصلّي العصر و الصبح إلاّ مع إمام الحيّ دون غيره(3).

و قال مالك: إن كان قد صلّي وحده، أعادها جماعة إلاّ المغرب، و إن صلاّها جماعة، لم يعدها(4).

و قال الأوزاعي: يصلّي ما عدا المغرب و الصبح(5).

و قال أبو حنيفة: لا يعيد إلاّ صلاتين: الظهر و العشاء(6).2.

ص: 332


1- المهذب للشيرازي 102:1، فتح العزيز 296:4، المجموع 223:4 و 225، حلية العلماء 160:2.
2- سنن أبي داود 157:1-575، سنن الترمذي 424:1-425-219، سنن النسائي 2: 112-113، سنن البيهقي 301:2.
3- حلية العلماء 161:2، المغني 786:1، الشرح الكبير 6:2 و 7.
4- حلية العلماء 161:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 50.
5- حلية العلماء 161:2.
6- حلية العلماء 161:2، المجموع 225:4، فتح العزيز 298:4، المغني 786:1، الشرح الكبير 7:2.

و احتجّوا: بقوله عليه السلام: (لا تصلّي صلاة في اليوم مرّتين)(1).

و قال: (لا صلاة بعد الفجر حتي تطلع الشمس، و لا بعد العصر حتي تغرب الشمس)(2) و المغرب وتر لا يتنفل بها(3).

و الخبر لا حجّة فيه، لأنّه لا يصلّيهما علي أنّهما واجبتان. و النهي بعد العصر محمول علي ما لا سبب له. و نمنع انتفاء التنفل بالوتر.

و قال بعض الشافعية: يضيف إليها رابعة، و رووه عن حذيفة بن اليمان(4). و ليس بشيء.

فروع:

أ: هل يستحب لمن صلّي جماعة إعادة صلاته في جماعة أخري ؟

قال الشافعي: نعم(5) و عموم قول الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز أن يعيد الصلاة معهم ؟ قال: «نعم و هو أفضل»(6).

و يحتمل العدم، لأنّ المطلوب حصل أوّلا، و هو: إدراك فضيلة الجماعة، و إنّما سوّغنا الإعادة، استدراكا لمصلحة الجماعة، و هو إنّما يتحقّق في المنفرد.

ب: لو صلّي في جماعة ثم حضر واحد و أراد الصلاة، استحبّ له أن يصلّي معه جماعة

إماما أو مأموما، تحصيلا لفضيلة الجماعة للحاضر.

ج: هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد؟

إشكال، أقربه: المنع.

د: الوجه: أنّ الفرض هو الاولي،

و الثانية سنّة - و به قال أبو حنيفة و أحمد5.

ص: 333


1- سنن أبي داود 158:1-579 و فيه: (لا تصلّوا..).
2- سنن أبي داود 24:2-1276، صحيح مسلم 567:1-827.
3- انظر: المغني 786:1، و الشرح الكبير 7:2.
4- المجموع 225:4، حلية العلماء 160:2-161.
5- المهذب للشيرازي 102:1، المجموع 223:4 و 225، حلية العلماء 161:2.
6- التهذيب 50:3-175.

و الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام: (فتكون لكم نافلة)(2).

و قول الصادق عليه السلام، لمّا حكم باستحباب الإعادة، قلت: فإن لم يفعل ؟ قال: «ليس به بأس»(3).

و لأنّ الأولي قد سقط بها الفرض، و لهذا لم يجب أن يصلّي ثانيا. و لأنّه صلّي المأمور به علي وجهه، فيخرج عن العهدة.

و قال في القديم: يحتسب اللّه له بأيّهما شاء، لأنّه استحبّ إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة، فلو كانت الثانية نافلة، لم تستحبّ لها الجماعة(4).

و ليس بجيّد، فإنّ الجماعة(5) استحبت، لأنّ الجماعة سببها.

و في رواية عن الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: «يصلّي معهم و يجعلها الفريضة»(6).

و هي محمولة علي ما إذا دخل في الصلاة ثم حضرت الجماعة، فإنّه يعدل بنيته إلي النفل، ثم يجعل الثانية هي الفريضة.

ه: إذا جعلنا الثانية نفلا، فالأقرب: أنّه ينوي النفل،

لأنّ الفعل يقع نفلا فكيف نأمره بنيّة الفرض!؟ و هو أحد قولي الشافعيّة، و أصحهما عندهم:

أنّه ينوي الفرض، لأنّ القصد إدراك فضيلة الجماعة، و لا تشرع الجماعة في6.

ص: 334


1- المهذب للشيرازي 102:1، المجموع 224:4، فتح العزيز 301:4، حلية العلماء 2: 161، الشرح الكبير 8:2، المغني 788:1.
2- سنن النسائي 113:2، سنن الترمذي 425:1-219، مسند أحمد 161:4 بتفاوت فيها.
3- التهذيب 50:3-175.
4- المهذب للشيرازي 102:1، المجموع 223:4-224، فتح العزيز 301:4، حلية العلماء 162:2.
5- أيّ: صلاة الجماعة.
6- الكافي 379:3-1، الفقيه 251:1-1132، التهذيب 50:3-176.

النوافل(1).

و ليس بجيّد، لأنّهم سلّموا أنّها نفل.

مسألة 599: إذا بلغ الطفل سبع سنين، كان علي أبيه أن يعلّمه الطهارة و الصلاة،

و يعلّمه الجماعة و حضورها، ليعتادها، لأنّ هذا السنّ يحصل فيه التمييز من الصبي في العبادة، و إذا بلغ عشر سنين، ضرب عليها - و إن كانت غير واجبة - لاشتماله علي اللطف، و هو: الاعتياد و التمرّن.

قال صلّي اللّه عليه و آله: (مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر، و فرّقوا بينهم في المضاجع)(2).

و كذا يفعل ولي الصبي و وصيّه.

و قال الصادق عليه السلام: «مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر، فإنّا نأمر أولادنا بالصلاة و هم أبناء خمس، و نضربهم عليها و هم أبناء سبع»(3).

و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (إذا بلغ الصبي سبع سنين أمر بالصلاة، فإذا بلغ عشرا، ضرب عليها، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة، فرّقوا بينهم في المضاجع، فإذا بلغ ثمانية عشر، علّم القرآن، فإذا بلغ إحدي و عشرين، انتهي طوله، فإذا بلغ ثمانية و عشرين، كمل عقله، فإذا بلغ ثلاثين، بلغ أشدّه، فإذا بلغ أربعين، عوفي من البلوي الثلاث: الجذام و الجنون و البرص، فإذا بلغ الخمسين، حبّبت إليه الإنابة، فإذا بلغ الستّين، غفرت ذنوبه، فإذا بلغ السبعين، عرفه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين، كتبت الحسنات و لم تكتب السيّئات، فإذا بلغ التسعين، كتب: أسير اللّه في

ص: 335


1- فتح العزيز 303:4.
2- مسند أحمد 180:2 و 187، سنن الدار قطني 230:1-2 و 3، سنن البيهقي 229:2.
3- الكافي 409:3-1، الفقيه 182:1-861، التهذيب 380:2-1584، الاستبصار 1: 409-1564 بتفاوت و اختصار فيها.

أرضه، فإذا بلغ المائة، شفع في سبعين من أهل بيته و جيرانه و معارفه)(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ الصلاة لا تجب عليه إلاّ مع البلوغ، و به قال الشافعي، و أحمد في رواية(2) ، لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة..

عن الصبي حتي يبلغ الحلم)(3).

و في رواية عن أحمد: إذا بلغ عشر سنين، وجبت عليه الصلاة، لأنّه أمر بضربهم عليها، و الأمر بالضرب لمصلحة الاعتياد، كما يضرب للتأديب(4).

مسألة 600: إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام، قطعها

إن خشي الفوات، تحصيلا لفضيلة الجماعة، سواء خاف فوت النافلة، أو لا، و لو لم يخف الفوات، أتمّ النافلة ثم دخل في الفريضة.

و لو كان في فريضة، استحب له أن ينقل النية إلي النفل، و يتمّها اثنتين استحبابا، ثم يدخل معه في الصلاة، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - للحاجة إلي فضل الجماعة.

و لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّي ركعة من فريضة، قال: «إن كان إماما عدلا فليصلّ اخري و لينصرف و ليجعلهما تطوّعا، و يدخل مع الإمام في صلاته»(6).

ص: 336


1- أورد نحوه بتفاوت و اختصار: الصدوق في الخصال: 546-547-28، و الهيثمي في مجمع الزوائد 204:10-206.
2- المغني 445:1، الشرح الكبير 414:1.
3- سنن أبي داود 140:4-141-4402، سنن الترمذي 32:4-1423، سنن ابن ماجة 1: 658-2041، سنن الدارمي 171:2، مسند أحمد 100:6-101 باختلاف في لفظ الحديث.
4- المغني 445:1، الشرح الكبير 414:1.
5- المجموع 208:4.
6- الكافي 380:3-7، التهذيب 51:3-177.

و في الآخر للشافعي: إذا نقل نيّته من الفرض إلي النفل، بطل الفرض، و لم يحصل له النفل، لأنّه لم ينوه في جميع الصلاة(1).

و ليس بجيد، لأنّ نيّة النفل دخلت في نيّة الفرض فقد وجدت في جميع الصلاة.

فروع:

أ: لو كان الإمام ممّن لا يقتدي به، استمرّ علي حاله،

لأنّه ليس بمؤتمّ في الحقيقة.

و لقول الصادق عليه السلام: «و إن لم يكن إمام عدل، فليبن علي صلاته كما هو، و يصلّي ركعة أخري معه يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، ثم يتمّ صلاته معه علي ما استطاع، فإنّ التقية واسعة، و ليس شيء من التقية إلاّ و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه تعالي»(2).

ب: لو كان في فريضة و أحرم إمام الأصل، قطعها و استأنف الصلاة معه،

لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته.

ج: لو تجاوز في الفريضة الاثنتين ثم أحرم الإمام، فإن كان إمام الأصل، قطعها،

لما تقدّم، و إلاّ فالأقرب: الإتمام ثم الدخول معه معيدا لها نافلة، إذ مفهوم الأحاديث يدلّ علي أنّ العدول إلي النفل في الركعتين.

د: لو ابتدأ بالنافلة فأحرم الإمام بالفرض، قال الشيخ رحمه اللّه: إن علم أنّه لا يفوته الفرض معه، تمّم نافلته،

و إن علم فوات الجماعة، قطعها7.

ص: 337


1- المجموع 212:4.
2- الكافي 380:3-7، التهذيب 51:3-177.

و دخل في الفريضة(1).

و هذا يحتمل وجهين: أحدهما، و هو الأظهر في اللفظ: أنّه لو علم فوات الجماعة حتي في الركعة الأخيرة، قطعها، و إن علم عدم الفوات بأن يلحق ركوع الأخيرة مثلا، أتمّ النافلة.

و الثاني: أنّه إذا خاف فوات ركعة ما، قطع النافلة، محافظة للجماعة فيها، و لئلاّ يصير مسبوقا، فيخالف الإمام في بعض أفعاله.

قال الشيخ: و إن أحرم الإمام بالفريضة قبل أن يحرم المأموم بالنافلة فإنّه يتبعه بكلّ حال، و يصلّي النافلة بعد الفريضة، سواء كان مع الإمام في المسجد أو خارجا منه، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: و إن كان في المسجد فكقولنا، و إن كان خارجا منه:

فإن خاف فوت الثانية، دخل معه كما قلناه، و إن لم يخف فواتها، تمّم ركعتين نافلة ثم دخل المسجد فصلّي معه(2).

ه: لو ابتدأ بقضاء الظهر و شرع الإمام في صلاة الصبح،

و خاف إن تمّم ركعتين نافلة، فاتته الصلاة مع الإمام، فإن كان إمام الأصل، أبطل صلاته، و إلاّ فالوجه: إتمام القضاء و تفويت الجماعة، لأنّ استدراكها بنقل النية من الفرض إلي النفل، و لا يحصل الاستدراك بذلك هنا، فيبقي وجوب الإتمام سالما عن المعارض.

مسألة 601: يستحب للإمام أن يخفّف صلاته بتخفيف الأذكار،

و يكمّل أفعالها مثل ركوعها و سجودها و قيامها، لأنّ أنسا قال: ما صلّيت خلف أحد قطّ أخفّ و لا أتمّ صلاة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(3).

ص: 338


1- الخلاف 565:1، المسألة 318، المبسوط للطوسي 157:1.
2- الخلاف 565:1، المسألة 318، و انظر: المجموع 56:4-57 و 212، و حلية العلماء 2: 121.
3- صحيح البخاري 181:1، سنن البيهقي 114:3.

و قال عليه السلام: (من صلّي بالناس فليخفّف فإنّ فيهم السقيم و الضعيف، و إذا صلّي لنفسه فليطل ما شاء)(1).

و لو أحبّ المأمومون خلفه التطويل، جاز و كان أولي، لقوله عليه السلام: (أفضل الصلاة ما طال قنوتها)(2).

مسألة 602: لا تجب علي المأموم القراءة،

سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية، و سواء سمع قراءة الإمام أو لا، و لا تستحب في الجهرية مع السماع، عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و سعيد بن المسيب و عروة و أبو سلمة بن عبد الرحمن و سعيد بن جبير و محمد بن كعب الزهري و النخعي و الثوري و ابن عيينة و مالك و ابن المبارك و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي، و كثير من السلف(3) - لقوله تعالي وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (4) نزلت في شأن الصلاة(5).

قال زيد بن أسلم و أبو العالية: كانوا يقرءون خلف الإمام فنزلت وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (6).

و قال عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا و إذا قرأ

ص: 339


1- صحيح البخاري 180:1، سنن أبي داود 211:1-794، سنن النسائي 94:2.
2- صحيح مسلم 520:1-756 بتفاوت.
3- المغني 636:1 و 640-641، الشرح الكبير 12:2 و 13، المجموع 365:3، حلية العلماء 88:2.
4- الأعراف: 204.
5- انظر: مجمع البيان 514:2-515، و التبيان 67:5-68، و تفسير أبي السعود 310:3، و تفسير القرطبي 354:7.
6- أحكام القرآن للجصاص 39:3، أسباب النزول - للواحدي -: 131، و المغني 637:1.

فأنصتوا)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت خلف إمام تتولاّه و تثق به فإنّه تجزئك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال اللّه تعالي وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »(2).

قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إنّ الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ، هذا النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الصحابة و التابعون، و هذا مالك في أهل الحجاز، و هذا الثوري في أهل العراق، و هذا الأوزاعي في أهل الشام، و هذا الليث في أهل مصر ما قالوا لرجل صلّي خلف إمام قرأ إمامه و لم يقرأ هو: إنّ صلاته باطلة(3).

و لأنّها قراءة لا تجب علي المسبوق، فلا تجب علي غيره.

و للشافعي قولان: أحدهما: أن المأموم كالمنفرد فيما يسرّ به، و لا يقرأ فيما يجهر به.

و أصحّهما عنده: أنّ المأموم يقرأ فيما أسرّ و جهر - و به قال الليث و الأوزاعي و أبو ثور، و اختاره ابن المنذر - لأنّ عبادة بن الصامت قال: صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الصبح فثقلت عليه القراءة، فلمّا انصرف قال: (إنّي لأراكم تقرءون وراء إمامكم) قلنا: أجل، قال: (لا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)(4).

و لأنّه يلزمه قيام القراءة، فلزمته القراءة كالمنفرد(5).2.

ص: 340


1- نقله ابن قدامة في الشرح الكبير 14:2 نقلا عن سعيد بن منصور.
2- التهذيب 33:3-120.
3- المغني 638:1، الشرح الكبير 14:2.
4- سنن الترمذي 116:2-117-311، سنن البيهقي 164:2، مسند أحمد 316:5 و 322.
5- المجموع 365:3، الوجيز 42:1، فتح العزيز 309:3-311، حلية العلماء 88:2، المغني 636:1-637، الشرح الكبير 14:2.

و الحديث محمول علي غير المأموم، فإنّ المأموم في حكم القارئ.

و يبطل القياس بالمسبوق.

فروع:

أ: قال الشيخان: لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام

و لو همهمة(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه»(2).

و قال عليه السلام: «و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(3).

و النهي للتحريم، و يحتمل الكراهة.

ب: لو لم يسمع القراءة في الجهريّة و لا همهمة، فالأفضل القراءة،

لا واجبا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت خلف من ترضي به في صلاة يجهر بها فلم تسمع قراءته فاقرأ، فإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(4).

و عن الكاظم عليه السلام، في الرجل يصلّي خلف من يقتدي به يجهر بالقراءة، فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ»(5).

و هو يدلّ علي نفي وجوب القراءة.

و قال أبو حنيفة و الثوري و سفيان بن عيينة: لا يقرأ المأموم بحال(6).

و قال مالك و أحمد و إسحاق و داود: لا يقرأ فيما جهر فيه، و يقرأ فيما أسرّ3.

ص: 341


1- المبسوط للطوسي 158:1، و حكي قول الشيخ المفيد، المحقّق في المعتبر: 239.
2- التهذيب 33:3-118، الإستبصار 428:1-1653.
3- الكافي 377:3-4، التهذيب 33:3-117، الإستبصار 428:1-1652.
4- الكافي 377:3-4، التهذيب 33:3-117، الاستبصار 428:1-1652.
5- التهذيب 34:3-122، الاستبصار 429:1-1657.
6- اللباب 78:1، حلية العلماء 88:2، المغني 640:1، الشرح الكبير 12:2 و 13.

فيه استحبابا(1) ، لقوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)(2).

و نحن نقول بموجبه.

ج: الأصمّ إن كان بعيدا، قرأ استحبابا في الجهريّة،

لعدم السماع في حقّه، و إن كان قريبا، قرأ مع نفسه، لئلاّ يشغل غيره عن السماع.

د: كما أنّ المأموم لا يقرأ كذا لا يستفتح و لا يستعيذ،

لأنّ الاستعاذة شرّعت لأجل القراءة، فإذا سقط الأصل سقط التبع، و إذا سقطت القراءة المؤكّدة لئلاّ يشتغل عن الاستماع، فالاستفتاح أولي.

و لو سكت الإمام قدرا يتّسع للاستفتاح أو استفتح، فالوجه: أنّه يستفتح و لا يستعيذ، لإمكان الاستفتاح مع زوال المانع.

ه: لو كانت الصلاة سرّا، قال الشيخ رحمه اللّه: تستحب قراءة الحمد خاصة

(3) . و به قال عبد اللّه بن عمر، و مجاهد و الحسن و الشعبي و سعيد ابن المسيّب و سعيد بن جبير و عروة و أبو سلمة بن عبد الرحمن و الحكم و أحمد(4).

و قال علي عليه السلام، و ابن عباس و ابن مسعود و أبو سعيد و زيد بن ثابت و عقبة بن عامر و جابر و ابن عمر، و حذيفة - هؤلاء التسعة من الصحابة -: لا يقرأ في الجهرية و لا في الإسرار، و به قال ابن سيرين و الثوري و ابن عيينة و أصحاب الرأي(5) ، لعموم قوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءة الإمام له3.

ص: 342


1- المغني 636:1 و 639، الشرح الكبير 13:2، حلية العلماء 88:2.
2- سنن ابن ماجة 277:1-850، سنن الدار قطني 323:1-1، سنن البيهقي 160:2.
3- النهاية: 113.
4- المغني 639:1-640، الشرح الكبير 13:2.
5- المغني 636:1 و 640، الشرح الكبير 12:2 و 13.

قراءة)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان مأمونا علي القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»(2).

احتجّ الشيخ: بقول الصادق عليه السلام: «أمّا الذي يجهر فيها فإنّما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، و إن لم تسمع فاقرأ»(3).

و هو يعطي استحباب القراءة في الإخفاتيّة.

و: لا تستحب القراءة في سكتات الإمام،

لقول الصادق عليه السلام:

«لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلي الإمام» و قد سئل: أ يقرأ الرجل في الاولي و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟(4).

و قال أكثر الجمهور إلاّ الثوري و أصحاب الرأي: للإمام سكتتان يستحب أن يقرأ فيهما(5). و النهي عام.

إذا ثبت هذا، فلو قرأ بعض الفاتحة فقرأ الإمام، سكت هو، ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الأخري، و هو لا يجيء علي قولنا.

ز: لو لم يقرأ مطلقا، صحّت صلاته عند علمائنا

- و هو قول أكثر أهل العلم، و به قال الزهري و النخعي و الثوري و مالك و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لقوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءته له قراءة)(7).3.

ص: 343


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الفرع «ب».
2- التهذيب 35:3-124.
3- الكافي 377:3-1، التهذيب 32:3-114، الاستبصار 427:1-1649.
4- التهذيب 33:3-119، الإستبصار 428:1-1654.
5- المغني 639:1، الشرح الكبير 13:2، المحلّي 238:3.
6- المغني 636:1، الشرح الكبير 12:2، حلية العلماء 88:2.
7- مصنّف ابن أبي شيبة 376:1، مسند أحمد 339:3.

و قال الشافعي و داود: تجب القراءة(1) ، لعموم الأخبار. و أخبارنا أخص.

ح: لا يشرع للمأموم الإجهار في شيء من الصلوات إجماعا،

فإن قضي الصلاة في جماعة، فإن كانت صلاة الظهرين، أسرّ، سواء قضاها ليلا أو نهارا إجماعا.

و إن كانت صلاة ليل فقضاها ليلا جهر، و إن قضاها نهارا فكذلك - و هو قول أبي حنيفة و أبي ثور و ابن المنذر(2) - لأنّ القضاء كالأداء. و هو رواية عن أحمد. و عنه اخري: جواز الإسرار - و هو مذهب الأوزاعي و الشافعي - لأنّها صلاة نهار(3). و هو ممنوع.

ط: لو كان الإمام ممّن لا يقتدي به، وجب أن يقرأ المأموم و لو سرّا

مع نفسه في الجهريّة، للضرورة.

و قال الصادق عليه السلام: «تجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس»(4).

فإن لم يتمكّن من قراءة السورة، فالأقوي الاجتزاء بالفاتحة. و لو عجز عن إكمال الفاتحة، فالوجه: إعادة الصلاة.

مسألة 603: يجب أن يتابع إمامه في أفعال الصلاة،

لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به)(5).

و روي عنه عليه السلام: (أما يخشي اللّه الذي يرفع رأسه و الإمام ساجد

ص: 344


1- المجموع 365:3، حلية العلماء 88:2، المغني 641:1، الشرح الكبير 12:2.
2- المغني 643:1، الشرح الكبير 570:1.
3- المغني 643:1، الشرح الكبير 570:1.
4- الكافي 315:3-16، الفقيه 260:1-1185، التهذيب 97:2-366 و 36:3-128، الاستبصار 321:1-1197 و 430-1662.
5- صحيح البخاري 177:1 و 187، صحيح مسلم 309:1-310-414، سنن الترمذي 194:2-361، سنن النسائي 98:2 بتفاوت يسير.

أن يحوّل اللّه رأسه رأس حمار)(1).

و لأنّه تابع له، فلا يسبقه. و به قال الشافعي(2).

إذا عرفت هذا، فلو رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإمام ناسيا، عاد معه، و إن كان عامدا أو خلف من لا يقتدي به، استمر، لأنّ النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة.

و لأنّ أبا الحسن عليه السلام، سئل عمّن ركع مع إمام يقتدي به، ثم رفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه»(3).

و عن الصادق عليه السلام، في الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(4).

و لا تعدّ هذه زيادة في الحقيقة، لأنّ فعل المأموم تابع لفعل الإمام و هو واحد، فكذا فعل المأموم.

و هل العود واجب ؟ الأقرب: المنع.

أمّا مع العمد: فإنّه يجب عليه الصبر، و لا يجوز له الرجوع، و إلاّ زاد ركنا، و لا عذر هنا.

و لقول الصادق عليه السلام، في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أ يعود يركع إذا أبطأ الإمام ؟ قال: «لا»(5).

و كذا لو كان الإمام ممّن لا يقتدي به، لأنّه كالمنفرد، فيقع ركوعه و سجوده في محلّه، فلا يسوغ له العود في العمد و النسيان.

و قال الشافعي: إن ركع قبل إمامه، رجع إلي القيام حتي يركع مع4.

ص: 345


1- صحيح البخاري 177:1، صحيح مسلم 320:1-427، سنن البيهقي 93:2.
2- المجموع 234:4.
3- التهذيب 47:3-163، الاستبصار 438:1-1688، و الفقيه 258:1-1172.
4- التهذيب 48:3-165، و الفقيه 258:1-1173.
5- التهذيب 47:3-164، الاستبصار 438:1-1689، و الكافي 384:3-14.

إمامه، فإن ثبت حتي يركع الإمام، أجزأه، فإن رفع قبل إمامه، عاد إلي الركوع معه، فإن ثبت قائما حتي رفع إمامه و اعتدل، جاز، لأنّه خالفه في ركن واحد، و إن سجد قبل أن يرفع إمامه، فقد خالفه بركنين، فإن كان عالما، بطلت صلاته، و إن كان جاهلا بأنّ هذا لا يجوز، لم تبطل، و لم يعتدّ بهذه الركعة(1).

تذنيب: أطلق الأصحاب الاستمرار مع العمد.

و الوجه: التفصيل، و هو: أنّ المأموم إن سبق إلي ركوع بعد فراغ الإمام من القراءة، استمرّ، و إن كان قبل فراغه و لم يقرأ المأموم، أو قرأ و منعناه منها، أو قلنا: إنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب، بطلت صلاته، و إلاّ فلا.

و إن كان إلي رفع أو سجود أو قيام عن تشهّد، فإن كان بعد فعل ما يجب عليه من الذكر، استمرّ و إن لم يفرغ إمامه منه، و إن كان قبله، بطلت و إن كان قد فرغ إمامه.

مسألة 604: لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام، استحب له أن يسبّح،

تحصيلا لفضيلة الذكر، و لئلاّ يقف صامتا.

و لقول الصادق عليه السلام، لمّا سأله زرارة: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبله، قال: «أمسك آية، و مجّد اللّه تعالي و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب أن يمسك عن قراءة الآية الأخيرة من السورة إلي أن يفرغ الإمام ثم يتمّ القراءة ليركع عن قراءة. و لدلالة الحديث عليه.

و الظاهر أنّ هذا فيما يخافت الإمام فيه لا فيما يجهر فيه بالقراءة، لأنّ

ص: 346


1- الأم 112:1، فتح العزيز 393:4-394، المجموع 237:4.
2- الكافي 373:3-1، التهذيب 38:3-135، المحاسن: 326-73.

الإنصات هناك أفضل من القراءة، أو أن يكون الإمام ممّن لا يقتدي به.

مسألة 605: يستحب للإمام أن يسمع من خلفه، القراءة و التشهّد و ذكر الركوع و السجود،

لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول»(1).

و يستحب للإمام أن لا يبرح من مكانه حتي يتمّ المسبوق ما فاته، لأنّ إسماعيل بن عبد الخالق سمعه يقول: «لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّي حتي يقضي كلّ من خلفه ما فاته من الصلاة»(2).

و يكره التنفّل بعد الإقامة، لأنّه وقت القيام إلي الفريضة، فلا يشغله بغيرها.

مسألة 606: يصحّ أن يكبّر المأموم بعد تكبير الإمام.

و هل يصحّ معه ؟ إشكال ينشأ: من تحقّق المتابعة معه أو لا. أمّا لو كبّر قبله، فإنّه لا يصحّ قطعا، و لا بأس بالمساوقة في غير التكبير من الأفعال.

و لو ركع الإمام و لم يركع المأموم حتي رفع الإمام رأسه، لم تبطل صلاته و إن تأخّر عنه بركن كامل، بخلاف التقدّم، للنهي عن التقدّم، و لو تأخّر عنه بركنين، ففي الإبطال نظر.

إذا عرفت هذا، فإنّ المأموم يكون مدركا لتكبيرة الإحرام بشهود تكبيرة الإمام و الاشتغال عقيبها بعقد الصلاة، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و لهم ثان:

بإدراك الركوع الأول، و ثالث: بإدراك شيء من القيام الأوّل، و رابع: إن اشتغل بأمر دنياوي، لم يكن بإدراك الركوع مدركا لها، و إن اشتغل بطهارة و شبهها، أدركها بإدراك الركوع(3).

ص: 347


1- التهذيب 49:3-170.
2- التهذيب 49:3-169.
3- المجموع 206:4-207، فتح العزيز 290:4.

ص: 348

الفصل الثاني: في صلاة السفر
اشارة

و فيه مطالب:

الأول: في القصر و محلّه
مسألة 607: أجمع المسلمون كافّة علي جواز القصر في السفر في الرباعية،

لقوله تعالي وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1) و قصّر النبي صلّي اللّه عليه و آله، في أسفاره حاجّا و غازيا(2).

و لا خلاف بين المسلمين فيه، حتي لو جحد جاحد جواز القصر في السفر، كفر.

مسألة 608: محلّ القصر الصلاة و الصوم.

أمّا الصلاة ففي الفرائض: الصلوات الرباعية التي هي الظهر و العصر و العشاء خاصّة.

و في النوافل: نوافل الظهرين، و الوتيرة مع الأداء في السفر، و لا قصر في غير ذلك إجماعا.

و القصر في الرباعية بحذف الشطر الأخير، فيقتصر علي الأوّلتين منها،

ص: 349


1- النساء: 101.
2- انظر علي سبيل المثال: سنن أبي داود 9:2-1229 و 10-1230-1233 و 11-1235، و سنن الترمذي 430:2-545، و سنن البيهقي 135:3 و 136.

و لا يجوز النقصان عن ذلك إجماعا.

و حكي عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: في سفر الأمن يقصّر إلي ركعتين و في سفر الخوف يقصّر إلي ركعة(1).

و ليس بجيّد، لأنّ غالب أسفار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان مع الخوف و لم ينقص عن الركعتين.

و لا مدخل للمغرب و الصبح في القصر إجماعا.

و لأنّه لم ينقل عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، القصر فيهما.

و لأنّ الصبح شفع في الأصل، فلو قصّر، صار وترا. و المغرب وتر في الأصل، و لا يمكن تنصيفه و لا ردّه إلي ركعتين، لئلاّ يخرج عن أصالته و هي كونه وترا، و لا إلي ركعة، لأدائه إلي ترك الأكثر.

مسألة 609: محلّ التقصير الأداء، أمّا القضاء فعلي حسب ما فات.

و تحقيقه: أنّه إذا ترك رباعية في الحضر ثم ذكرها في الحضر، قضاها تماما إجماعا، سواء تخلّل السفر بين الوقتين أو لا، لانتفاء العذر وقت استقرارها.

و إن ذكرها في السفر، فكذلك بغير خلاف نعلمه، إلاّ شيئا اختلف فيه عن الحسن البصري، فروي الأشعث عنه: اعتبار حال الفعل. و روي يونس عنه: اعتبار حال الترك(2).

و عن المزني: أنّه يقصّر، لأنّه لو ترك صلاة و هو صحيح ثم قضاها مريضا، فإنّه يأتي علي حسب حاله(3).

ص: 350


1- صحيح مسلم 479:1-687، سنن النسائي 119:3، سنن البيهقي 135:3.
2- المجموع 370:4، حلية العلماء 201:2-202، الميزان للشعراني 183:1، رحمة الأمّة 76:1.
3- المجموع 367:4 و 369 و 370، فتح العزيز 458:4، المهذب للشيرازي 111:1، حلية العلماء 202:2، الميزان للشعراني 183:1، رحمة الأمّة 76:1.

و هو خطأ، فإنّ الأفعال تترك بالعجز، و العدد يترك للترخّص.

و لأنّه لو أخّر، أدّي إلي التغرير بالفريضة، و الإتمام ممكن في الحال، و هذه قد تعيّن فعلها عليه أربعا، فلا يجوز النقصان، كما لو لم يسافر أو كانت نذرا.

و لأنّ التقصير منه، فلا يناسب الرخصة.

و إن تركها في السفر ثم ذكرها في السفر، فإنه يصلّيها قصرا إجماعا منّا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لوجود العذر حال الوجوب و الفعل، فأشبه ما لو فعلها في الوقت، و سواء تخلّل بين هذين السفرين حضر، أو لا.

و في الآخر للشافعي: التمام، لأنّ صلاة السفر مقصورة من أربع إلي ركعتين، فكان من شرطها الوقت، كالجمعة(2).

و الفرق: أنّ الجمعة لا تقضي، و يشترط لها الخطبتان و العدد و الاستيطان، فجاز اشتراط الوقت، بخلاف صورة النزاع.

و إن ذكرها في الحضر، وجب أن يقضيها قصرا فيه، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و الحسن البصري و حماد(3) - لأنّ القضاء معتبر بالأداء، و إنّما يقضي ما فاته و لم يفته إلاّ الركعتان، و قال عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(4).

و قال الشافعي في القديم: يجوز القصر. و في الجديد: يجب التمام4.

ص: 351


1- المهذب للشيرازي 111:1، المجموع 367:4، فتح العزيز 458:4، حلية العلماء 2: 202.
2- المهذب للشيرازي 111:1، المجموع 367:4، فتح العزيز 458:4.
3- المدونة الكبري 119:1، الشرح الصغير 170:1، اللباب 109:1، المجموع 370:4، حلية العلماء 202:2، الميزان للشعراني 183:1، المغني 127:2، الشرح الكبير 2: 102.
4- أورده المحقّق في المعتبر: 254.

- و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و المزني و داود - لأنّ القصر رخصة من رخص السفر، فيسقط بزواله، كما لو قدم قبل أن يفطر(1). و سيأتي أنّ القصر عزيمة(2).

مسألة 610: لو خرج إلي السفر بعد دخول الوقت، و مضيّ قدر الطهارة و الصلاة أربعا قبل أن يصلّي، فالأقرب عندي: وجوب الإتمام

- و هو القديم للشافعي، و رواية عن أحمد(3). قال المزني: و هو أولي بأصل الشافعي(4) - لقول الصادق عليه السلام، لبشير النبّال و قد خرج معه حتي أتيا الشجرة: «يا نبّال» قلت: لبيك، قال: «إنّه لم يجب علي أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري و غيرك، و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(5).

و لأنّ الأربع وجبت عليه، و استقرّت في ذمته، لما بيّنّا من أنّ الفعل واجب في جميع أجزاء الوقت، و لهذا لو أدركت هذا الوقت ثم حاضت لم يسقط عنها الفرض، و كذا المغمي عليه.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز له القصر، و يستحب الإتمام، لقوله تعالي وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (6)(7). و به قال مالك و الأوزاعي

ص: 352


1- المهذب للشيرازي 110:1-111، فتح العزيز 459:4، مختصر المزني: 25، حلية العلماء 202:2، رحمة الأمّة 76:1، المغني 127:2، الشرح الكبير 102:2.
2- يأتي في المسألة 612.
3- المجموع 369:4، المغني 128:2، الشرح الكبير 102:2.
4- مختصر المزني: 24.
5- الكافي 434:3-3، التهذيب 161:3-349 و 224-563، الاستبصار 1: 240-855.
6- النساء: 101.
7- الخلاف 577:1-578، المسألة 332.

و الشافعي و أصحاب الرأي(1).

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنّ له قصرها، لأنّه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها(2).

و لأنّه مؤدّ للصلاة، فوجب أن يؤدّيها بحكم وقت فعلها، كما لو كان في أول الوقت.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله إسماعيل بن جابر، قلت: يدخل وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتي أخرج، قال: «صلّ و قصّر فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(3).

قال الشيخ: و إذا اختلفت الأخبار حملنا هذه(4) علي الاستحباب، و الاولي(5) علي الإجزاء(6).

و الجواب: الفرق ظاهر، فإنّ المسافر قبل الوقت لم يجب عليه شيء، و الأداء لما ثبت في الذمة و قد ثبت الأربع بمضيّ وقتها، فلا اعتبار بالمتجدّد من العذر المسقط للبعض، كالمسقط للجميع. و الرواية محمولة علي ما لو خرج قبل مضي الوقت.

و جمع الشيخ ليس بجيّد، لدلالة الأولي علي وجوب الإتمام و هذه علي وجوب القصر، فليس وجه الجمع إلاّ ما قلناه.

و للشافعيّة وجه آخر: الفرق بين أن يسافر و قد بقي في الوقت سعة،2.

ص: 353


1- المدونة الكبري 119:1، المهذب للشيرازي 111:1، المجموع 368:4، فتح العزيز 4: 459، حلية العلماء 203:2، المغني 128:2، الشرح الكبير 102:2.
2- المغني 128:2، الشرح الكبير 102:2.
3- الفقيه 283:1-1288، التهذيب 13:2-29 و 163:3-353 و 222-558، الاستبصار 24:1-856.
4- و هي رواية بشير النبال، المتقدمة.
5- و هي رواية إسماعيل بن جابر.
6- الخلاف 578:1، المسألة 332.

و بين أن يبقي قدر أربع، لأنّه إذا تضيّق الوقت، تعيّن عليه صلاة الحضر(1).

فروع:

أ: لو دخل الوقت و هو مسافر ثم حضر قبل أن يصلّي و الوقت باق، وجب عليه الإتمام

- و هو قول واحد للشافعي(2) - لانتفاء سبب الرخصة.

و لقول الصادق عليه السلام، لإسماعيل بن جابر و قد سأله يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتي أدخل أهلي: «صلّ و أتمّ»(3).

و قال الشيخ: إن بقي مقدار ما يصلّي علي التمام، أتمّ، و إلاّ قصّر.

و كذا قال في الأولي أيضا في المبسوط و النهاية(4).

ب: لو سافر و قد بقي من الوقت مقدار ركعة أو ركعتين، قال الشيخ:

فيه خلاف بين أصحابنا،

فمن قال: إنّ الصلاة تكون أداء بإدراك ركعة - و هو الأظهر - أوجب القصر، لإدراك الوقت مسافرا. و منهم من يقول: إنّ بعضها أداء و الباقي قضاء، فلا يجوز له القصر، لأنّه غير مؤدّ لجميع الصلاة في الوقت(5).

و للشافعية كالقولين(6).

و علي ما اخترناه نحن يجب الإتمام.

ج: لو سافر و قد بقي من الوقت أقلّ من ركعة، وجب عليه القضاء تماما

إجماعا، لفواتها حاضرا.

مسألة 611: لو سافر أو حضر قبل الصلاة بعد دخول وقتها ثم فاتته،

ص: 354


1- المهذب للشيرازي 111:1، المجموع 369:4، فتح العزيز 460:4، حلية العلماء 2: 203.
2- المجموع 369:4، فتح العزيز 460:4.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الصفحة 353، الهامش (3).
4- المبسوط 141:1، النهاية: 123.
5- الخلاف 579:1، المسألة 334.
6- المجموع 369:4، فتح العزيز 460:4، حلية العلماء 203:2.

قضاها تماما علي ما اخترناه من وجوب الإتمام في الموضعين، لأنّ القضاء تابع للأداء.

و من قال: الاعتبار بحال الوجوب فكذلك في الاولي، و يوجب القصر في الثانية. و هو قول المرتضي و ابن الجنيد(1).

و قال بعض علمائنا: الاعتبار في القضاء بحال الفوات لا الوجوب(2).

احتج المرتضي بقول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة في رجل دخل عليه وقت الصلاة في السفر فأخّر الصلاة حتي قدم فنسي حين قدم أهله أن يصلّيها حتي ذهب وقتها: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي أن يصلّيها عند ذلك»(3).

احتج الآخرون بقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته)(4).

و قول الباقر عليه السلام: «يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر»(5).

و لا حجّة فيه، لأنّ الفوات تمام، فيجب عليه الأربع.

مسألة 612: القصر عزيمة في السفر واجب لا رخصة يجوز تركها عند علمائنا

أجمع، فلو أتمّ عامدا، بطلت صلاته، و به قال علي عليه السلام، و عمر، و حمّاد بن أبي سليمان و الثوري و أصحاب الرأي، إلاّ أن حمّاد أوجب

ص: 355


1- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 254.
2- و هو المحقق في المعتبر: 254.
3- التهذيب 13:2-30 و 162:3-351 و 225-567.
4- أورده المحقق في المعتبر: 254.
5- المعتبر: 254. و فيه و في «ش»:. و إن كانت صلاة الحضر فليقضها في الحضر صلاة الحضر. و في الكافي 435:3-7، و التهذيب 162:3-350 مضمرا.

الإعادة(1).

و أبو حنيفة قال: إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهّد، صحّت صلاته، و إلاّ بطلت(2).

و قال عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرهما(3).

و عن ابن عباس قال: من صلّي في السفر أربعا فهو كمن صلّي في الحضر ركعتين(4).

لقوله تعالي فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5) أوجب القصر(6) بنفس السفر، و كلّ من أوجب الفطر أوجب قصر الصلاة.

و لأنّ عمران بن الحصين قال: حججت مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، فكان يصلّي ركعتين حتي ذهب، و كذا مع أبي بكر و عمر حتي ذهبا(7). و لو كان القصر رخصة، لم يعدل النبي عليه السلام عن الأصل إليه.

و عن عائشة: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرّت صلاة السفر، و زيد في صلاة الحضر(8).6.

ص: 356


1- بدائع الصنائع 91:1، اللباب 106:1، المجموع 337:4، المغني 108:2، الشرح الكبير 100:2، بداية المجتهد 166:1، المحلّي 264:4، نيل الأوطار 245:3.
2- المبسوط للسرخسي 239:1، اللباب 106:1، بدائع الصنائع 93:1، المجموع 4: 337، فتح العزيز 430:4، المغني 108:2، الشرح الكبير 100:2-101، المحلّي 4: 264.
3- المغني 108:2-109، الشرح الكبير 101:2.
4- المغني 109:2.
5- البقرة: 184.
6- أي: القصر في الصوم.
7- سنن الترمذي 430:2-545، سنن البيهقي 135:3-136.
8- صحيح البخاري 55:2، صحيح مسلم 478:1-685، سنن البيهقي 135:3 و 136.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث»(1).

و قول الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء»(2).

و سأل الحلبي، الصادق عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، قال: «أعد»(3).

و لأنّ الأخريين يجوز تركهما إلي غير بدل، فلم تجز زيادتهما علي الركعتين المفروضتين، كما لو زادهما علي صلاة الفجر.

و قال الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد، و المشهور عن مالك: إنّ القصر رخصة و ليس عزيمة، و هو مخيّر إن شاء قصّر، و إن شاء أتمّ - و هو مروي عن عثمان و ابن مسعود و سعد بن أبي وقّاص و عائشة - لأنّ عائشة قالت:

خرجت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في عمرة رمضان، فأفطر و صمت، و قصّر و أتممت، فقلت: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه أفطرت و صمت، و قصّرت و أتممت، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (أحسنت)(4).

و لأنّه لو صلّي خلف مقيم صلّي أربعا، فالركعتان لا تزيد بالإتمام(5).

و لا حجّة في فعل عائشة، لجواز جهلها بالقصر، و لأنّها لو أحسنت بالتمام، لم يكن النبي صلّي اللّه عليه و آله محسنا بالقصر؟! و هو باطل1.

ص: 357


1- التهذيب 13:2-31، الاستبصار 220:1-778.
2- التهذيب 14:2-34، و المحاسن 371-128 و فيه عن الامام الباقر عليه السلام.
3- التهذيب 14:2-33.
4- سنن النسائي 122:3، سنن الدار قطني 188:2-39، سنن البيهقي 142:3.
5- المجموع 335:4 و 337، فتح العزيز 429:4، المغني 108:2-109، الشرح الكبير 2: 100-101، المبسوط للسرخسي 239:1، بدائع الصنائع 91:1.

بالإجماع. و النقض لا يرد علينا.

إذا عرفت هذا، فاختلف القائلون بالتخيير أيّهما أفضل ؟ فللشافعي قولان: أحدهما: أنّ القصر أفضل - و به قال مالك و أحمد - لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (خيار عباد اللّه تعالي الذين إذا سافروا قصّروا).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يداوم علي القصر، و لا يداوم إلاّ علي الأفضل.

و لأنّه إذا قصّر، أدّي الصلاة بالإجماع، و في إجزاء التمام خلاف(1).

و الثاني: الإتمام أفضل - و هو اختيار المزني - لأنّه الأصل، و القصر رخصة، و الأصل أولي. و لأنّه أكثر عملا(2).

مسألة 613: لا يتغيّر فرض المسافر بالائتمام بالمقيم عند علمائنا
اشارة

أجمع، فلو ائتمّ بمقيم، صلّي فرضه ركعتين و سلّم، و حرم عليه الإتمام، سواء كان قد أدرك أول الصلاة أو آخرها.

و قال طاوس و الشعبي و إسحاق بن راهويه: يجوز له أن يقصّر، و لا يجب عليه الإتمام(3).

لأنّ فرضه القصر، فلا تجوز الزيادة، كما لو صلّي الصبح خلف من يصلّي الظهر.

و لأنّه مأموم، فلا يتغيّر عدد فرضه بمجرّد الإمامة، كما لو أئتمّ المقيم بالمسافر.

ص: 358


1- المجموع 336:4 و 337، بداية المجتهد 166:1، المغني 111:2-112، الشرح الكبير 2: 100.
2- المجموع 336:4، المغني 112:2، الشرح الكبير 100:2.
3- المجموع 357:4-358، المغني 129:2، الشرح الكبير 103:2.

و لقول الصادق عليه السلام، في المسافر: «يصلّي خلف المقيم ركعتين و يمضي حيث شاء»(1).

و سئل عليه السلام، عن المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين قال: «فليصلّ صلاته ثم يسلّم، و ليجعل الأخيرتين سبحة»(2).

و قال الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي: يجب علي المأموم الائتمام متابعة لإمامه، و هو مروي عن عمر، و ابن عباس، لأنّ ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلّي ركعتين في حال الانفراد و أربعا إذا ائتمّ بمقيم ؟ فقال: تلك السنّة.

و لأنّها صلاة مردودة من الأربع، فلا يصلّيها خلف من يصلّي الأربع كالجمعة(3).

و قول ابن عباس و عمر ليس حجّة.

و نمنع المشترك بأنّ صلاة السفر فرض بانفرادها، و بالفرق، فإنّ الإمام شرط في الجمعة، فيجب أن يكون من أهلها.

و قال الحسن و النخعي و الزهري و قتادة و مالك: إن أدرك ركعة أتمّ، و إن أدرك دونها قصّر، لقوله عليه السلام: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)(4).

و لأنّ من أدرك من الجمعة ركعة أتمّها جمعة، و من أدرك أقلّ من ذلك،2.

ص: 359


1- الكافي 439:3-1، التهذيب 165:3-357، الاستبصار 425:1-1641.
2- التهذيب 165:3-356 و 227-575، الاستبصار 425:1-1640.
3- المجموع 356:4 و 357، فتح العزيز 461:4، المبسوط للسرخسي 247:1 - 248، بدائع الصنائع 102:1، المغني 129:2، الشرح الكبير 103:2.
4- صحيح البخاري 151:1، صحيح مسلم 423:1-607، سنن الترمذي 2: 402-524، سنن ابن ماجة 356:1-1122.

لم يلزمه فرضها(1).

و ليس حجّة علينا.

فروع:
أ: لو أحدث المسافر و استخلف مسافرا آخر، فللمأموم المسافر القصر،

لأنّهم لم يأتمّوا بمقيم. و إن استخلف مقيما فكذلك عندنا، و عند المخالف يجب الإتمام، لأنّهم ائتمّوا بمقيم، و للإمام الذي أحدث أن يصلّي صلاة المسافر، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(2).

و لو صلّي المسافر خلف مقيم فأحدث و استخلف مسافرا أو مقيما، لزمه القصر عندنا.

و قال المخالف: يجب الإتمام، لأنّه ائتمّ بمقيم(3).

فإن استخلف مسافرا لم يكن معهم في الصلاة، فله أن يصلّي صلاة السفر عند المخالف أيضا، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(4).

ب: لو أحرم المسافر خلف مقيم، أو من يغلب علي ظنّه أنه مقيم، أو من يشك هل هو مقيم أو مسافر، لزمه القصر عندنا،

و عند الجمهور يلزمه الإتمام و إن قصّر إمامه، لأنّ الأصل وجوب الصلاة تامّة، فليس له نيّة قصرها مع الشك في وجوب إتمامها، و يلزمه إتمامها، اعتبارا بالنية، و به قال الشافعي(5).

ص: 360


1- المدونة الكبري 120:1، المجموع 357:4، المغني 129:2، الشرح الكبير 2: 103.
2- المغني 129:2، الشرح الكبير 103:2.
3- المغني 130:2، الشرح الكبير 103:2-104
4- المغني 130:2، الشرح الكبير 104:2.
5- المجموع 356:4، مغني المحتاج 269:1، المغني 130:2، الشرح الكبير 2 104

و هو باطل عندنا علي ما يأتي.

و إن غلب علي ظنّه أنّ الإمام مسافر لرؤية حلية المسافرين عليه، فله أن ينوي القصر عند المخالف(1) أيضا. و إن قصّر إمامه قصّر معه، و إن أتمّ قصّر هو.

و قال الجمهور: تلزمه متابعته(2).

و إذا نوي الإتمام، لزمه الإتمام عند الجمهور - و سيأتي البحث فيه - سواء قصّر إمامه أو أتمّ، اعتبارا بالنية(3).

و إن نوي القصر فأحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر، لأنّ الظاهر أنّ إمامه مسافر.

ج: لو صلّي المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرّقهم فرقتين فأحدث قبل مفارقة الطائفة الاولي و استخلف مقيما، لزم الطائفتين القصر

عندنا، و عند الجمهور الإتمام، لوجود الائتمام بمقيم(4). و إن كان بعد مفارقة الاولي، أتمّت الثانية عندهم، لاختصاصها بالائتمام بالمقيم(5) و إن كان الإمام مقيما فاستخلف مسافرا ممّن كان معه في الصلاة، فعلي الجميع القصر عندنا، و عند الجمهور يتمّ الجميع، لأنّ المستخلف قد لزمه الإتمام باقتدائه بالمقيم(6). و إن لم يكن دخل معه في الصلاة و كان استخلافه قبل مفارقة الاولي، فعليها الإتمام عندهم، لائتمامها بمقيم، و يقصّر الإمام و الطائفة الثانية(7).

و إن استخلف بعد دخول الثانية معه فعلي الجميع التقصير عندنا، و عند

ص: 361


1- المجموع 356:4، المغني 130:2، الشرح الكبير 104:2.
2- المغني 130:2-131، الشرح الكبير 104:2.
3- المغني 130:2-131، الشرح الكبير 104:2.
4- المغني 130:2-131، الشرح الكبير 104:2.
5- المغني 130:2-131، الشرح الكبير 104:2.
6- المغني 130:2-131، الشرح الكبير 104:2.
7- المغني 131:2، الشرح الكبير 104:2.

الجمهور التمام، و للمستخلف القصر وحده، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(1).

د: لو ائتمّ المقيم بالمسافر و سلّم المسافر في ركعتين، أتمّ المقيم صلاته إجماعا.

و يستحب للإمام أن يقول بعد تسليمه: أتمّوا فأنا مسافر، كما قال عليه السلام بمكة عام الفتح(2) ، لئلاّ يشتبه علي الجاهل عدد الركعات.

ه: لو أمّ المسافر المقيمين فأتمّ بهم الصلاة عمدا، بطلت صلاته،

للزيادة، و صلاة المأمومين، للمتابعة في صلاة باطلة.

و قال الشافعي و إسحاق و أحمد: تصح صلاة الجميع، لأنّ المسافر يلزمه الإتمام بنيته(3).

و هو ممنوع.

و قال أبو حنيفة و الثوري: تفسد صلاة المقيمين، و تصح صلاة الإمام و المسافرين معه، لأنّ الركعتين الأخيرتين نفل من الإمام، فلا يؤمّ بها مفترضين(4).

و المقدّمتان ممنوعتان.

و: لو أمّ المسافر مسافرين فنسي فصلاّها تامّة، فإن كان الوقت باقيا، أعاد

عندنا، و إلاّ صحّت صلاتهم.

و قال الجمهور: تصح مطلقا، و لا يجب لها سجود سهو، لأنّها زيادة لا يبطل الصلاة عمدها، فلا يجب السجود لسهوها، كزيادات القراءة في الركوع و السجود(5).

و لو ذكر الإمام بعد قيامه إلي الثالثة، جلس واجبا، و حرم عليه الإتمام.

ص: 362


1- المغني 131:2، الشرح الكبير 104:2.
2- سنن أبي داود 9:2-1229، سنن البيهقي 157:3.
3- المغني 131:2، الشرح الكبير 105:2.
4- المغني 131:2، الشرح الكبير 105:2.
5- المغني 132:2، الشرح الكبير 105:2.

و عند الجمهور لا يلزمه الإتمام، لأنّ الموجب له نيته، أو الائتمام بمقيم، و لم يوجد واحد منهما(1).

و لو علم المأموم أنّ قيامه لسهو، لم يلزمه متابعته، و سبّح به، و له مفارقته إن لم يرجع، فإن تابعه، بطلت صلاته عندنا، و عندهم لا تبطل، لأنّها زيادة لا تبطل صلاة الإمام فلا تبطل صلاة المأموم. و لأنّه لو فارق و أتمّ، صحّت صلاته، فمع موافقته أولي(2). و هو ممنوع.

و لو لم يعلم هل قام سهوا أو عمدا، لم يجز له متابعته، لأنّها باطلة عندنا.

و قال الجمهور: تجب، لأنّ حكم وجوب المتابعة ثابت، فلا يزول بالشك(3).

ز: لو دخل مسافر بلدا و أدرك الجمعة فأحرم خلف الإمام فنوي قصر الظهر، لم تجز

عندنا، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.

و قال الشافعي: يجب عليه الإتمام، لأنّه مؤتمّ بمقيم(4).

ح: لو صلّي المسافر بأهل البلد الجمعة فدخل مسافر معه فنوي القصر، لم يجز،

و وجبت عليه الجمعة عندنا، لما تقدّم.

و قال الشافعي: يجب عليه الإتمام، لأنّ الإمام و إن كان مسافرا، إلاّ أنّه يصلّي صلاة المقيم. و عنه وجه آخر: أنّه يقصّر(5).

ط: لو اقتدي بمقيم ثم أفسد صلاته، لم يجز له التمام،

لأنّها زيادة في الفريضة.

ص: 363


1- المغني 132:2، الشرح الكبير 105:2-106.
2- المغني 132:2، الشرح الكبير 106:2.
3- المغني 132:2، الشرح الكبير 106:2.
4- المجموع 356:4، فتح العزيز 461:4، مغني المحتاج 269:1.
5- المجموع 356:4.

و عند أبي حنيفة لا يلزمه الإتمام، لأنّ وجوبه بسبب الاقتداء(1).

و قال الشافعي: لا يجوز القصر، لأنّه التزم الأربع باقتدائه، فلا يسقط الفرض بدونها، و كذا لو أفسد الإمام صلاته(2).

و لو اقتدي بمقيم ثم تبيّن أنّ الإمام كان محدثا أو جنبا، لم يلزمه الإتمام.

و عند الشافعية إن كانت الصلاة خلف الجنب صلاة انفراد لم يلزمه الإتمام، و إن كانت صلاة جماعة، لزمه، هذا إذا نوي القصر، فإن لم ينو، لزمه الإتمام عندهم(3).

ي: لو اقتدي المسافر بمثله، فإن نوي الإتمام، لم يجز،

و وجب عليه القصر عندنا، و عند الشافعية يجب الإتمام بنيّته، قصّر الإمام أو لا. و إن نوي القصر، فإن قصّر الإمام قصّر، و إن أتمّ أتمّ، للمتابعة عندهم(4).

يا: لو قال: نويت ما نوي إمامي من القصر و الإتمام، لم يكن له حكم،

و وجب عليه القصر عندنا.

و للشافعية وجهان: وجوب الإتمام، لأنّ النية لا تقع موقوفة في الصلاة كما لو كان عليه ظهر أو عصر، فنوي ما عليه لم تصحّ، إلاّ أنّ هناك لم تنعقد، لمخالفة إحدي الفريضتين للأخري، و ها هنا كلتاهما فرض الوقت، و القصر رخصة.

و الإجزاء، لأنّ صلاته لا تقع علي حسب نيته إذا نوي القصر، و إنّما تقع علي حسب صلاة الإمام، و لا طريق إلي معرفتها، فجاز التعليق(5).

ص: 364


1- فتح العزيز 463:4.
2- الام 181:1، المجموع 357:4، فتح العزيز 463:4، مغني المحتاج 269:1
3- المجموع 357:4، فتح العزيز 463:4.
4- انظر: المجموع 356:4 و فتح العزيز 461:4.
5- المجموع 356:4، فتح العزيز 462:4، مغني المحتاج 270:1.
يب: لو أحدث الإمام المسافر فأخبر بما نواه، قبلوا خبره

في القصر و الإتمام، و إن لم يخبرهم، قال الشافعي: يجب الإتمام، لجواز نيته، فلا يسقط الفرض إلاّ بيقين(1).

و قال ابن سريج: لا يجب، لأنّ الظاهر أنّه قصد القصر لوجوبه عند قوم، و أفضليته عند آخرين، و لا تترك الفضيلة(2).

و هذا عندنا ساقط، لما تقدّم من عدم تغيّر الفرض.

يج: لو اقتدي بإمام لا يدري أ مقيم أو مسافر، لم يتغيّر فرضه عندنا.

و قال الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ الأصل في الناس الإقامة، و السفر عارض، فيحمل علي الأصل(3).

يد: لو اقتدي بمقيم يقضي صلاة الصبح و نوي القصر،

لزمه، و لم يجز له الإتمام و إن نواه عندنا.

و قال الشافعي: يجب الإتمام و إن نوي القصر، لأنّه وصل صلاته بصلاة المقيمين، فلزمه حكمهم، فإن كان قاضي الصبح مسافرا، لم يلزمه الإتمام(4).

مسألة 614: القصر إنّما هو في عدد الركعات لا في غيره،
اشارة

و هو واجب علي ما بيّنّاه، إلاّ في أربعة مواطن: مسجد مكّة و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله بالمدينة، و جامع الكوفة، و الحائر علي ساكنه السلام، عند أكثر علمائنا(5) ، فإنّهم قالوا: الإتمام في هذه المواضع أفضل و إن جاز القصر، لقول الصادق عليه السلام: «تتمّ الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول

ص: 365


1- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 356:4-357، فتح العزيز 462:4.
2- المجموع 357:4، فتح العزيز 462:4.
3- الأم 181:1، المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 357:4، فتح العزيز 462:4.
4- انظر: المجموع 356:4 و فتح العزيز 461:4
5- كما في المعتبر: 253. و ممّن قال به الشيخ الطوسي في المبسوط 141:1، و المحقق في المختصر النافع: 51 و شرائع الإسلام 135:1.

و مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السلام»(1).

و قال الصدوق: يجب القصر ما لم ينو المقام عشرة أيام(2) ، عملا بالأصل، و حمل الروايات علي أفضلية نية المقام عشرة أيام، و المقام للتمام، لأنّ معاوية بن وهب سأل الصادق عليه السلام، عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال: «لا تتمّ حتي تجمع علي مقام عشرة أيام»(3).

و قد روي عن الصادق عليه السلام: «الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه تعالي، و حرم رسوله، و حرم أمير المؤمنين، و حرم الحسين عليهم السلام»(4).

قال الشيخ: فعلي هذه الرواية يجوز الإتمام بالكوفة خارج المسجد بالنجف(5).

و قال بعض علمائنا: يحمل حرم أمير المؤمنين عليه السلام علي مسجد الكوفة أخذا بالمتيقّن(6).

فروع:
أ: قال ابن إدريس: إنّما يجوز الإتمام في نفس المسجد الحرام،

و في نفس مسجد المدينة، عملا بالمتيقّن(7).

و قال الشيخ: يستحب الإتمام في مكّة و المدينة جميعها، لدلالة الرواية

ص: 366


1- الكافي 586:4-3، التهذيب 432:5-1500، الاستبصار 335:2-1194، و مصباح المتهجّد: 674.
2- الفقيه 283:1 ذيل الحديث 1284، و الخصال: 252 ذيل الحديث 123، و حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر: 253.
3- التهذيب 428:5-1485، الاستبصار 332:2-1181.
4- التهذيب 430:5-1494، الاستبصار 334:2-1191، و كامل الزيارات: 250، الخصال: 252-123.
5- المبسوط للطوسي 141:1.
6- قال به المحقّق في المعتبر: 254.
7- السرائر: 76.

عليه(1).

ب: قال المرتضي: يستحب الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدي عليهم السلام

ب: قال المرتضي: يستحب الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدي عليهم السلام(2).

و منعه ابن إدريس، للأصل(3) ، و هو الأقرب.

ج: قال ابن إدريس رحمه اللّه: المراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه

دون سور البلد، لأنّ الحائر هو الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه.

و قد ذكر المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين عليه السلام، لمّا ذكر من قتل معه من أهله، فقال: و الحائر محيط بهم إلاّ العباس رحمه اللّه، فإنّه قتل علي المسناة(4).

د: لو فاتت هذه الصلاة، احتمل وجوب القصر مطلقا

- سواء صلاّها فيها أو في غيرها، لفوات محلّ الفضيلة و هو الأداء، و وجوب القصر إن قضاها في غيرها، لفوات المكان الذي هو محلّ المزيّة، و التخيير إن قضاها فيها، لأنّ القضاء تابع للأداء، و التخيير مطلقا بين الإتمام و القصر، لأنّ الأداء كذلك.

مسألة 615: يستحب أن يقول المسافر عقيب كلّ صلاة: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرّة،

فإنّ ذلك جبران لصلاته علي ما روي(5).

و لأنّ هذه تقع بدلا عن الركعات في شدّة الخوف.

و يحتمل: تقييد ذلك عقيب الصلاة المقصورة، لأنّها محلّ النقص،

ص: 367


1- المبسوط للطوسي 141:1.
2- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 77.
3- السرائر: 77.
4- السرائر: 76-77، و راجع: الإرشاد - للمفيد - 249.
5- التهذيب 230:3-594.

كما قيّدناه نحن في القواعد(1) ، لقول العسكري عليه السلام: «يجب علي المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة»(2).

و يحمل الوجوب علي شدّة الاستحباب.

مسألة 616: لو سافر بعد الزوال قبل التنفّل، استحب له قضاء النافلة

و لو في السفر، لحصول السبب، و هو: الوقت، و عموم الأمر بقضاء الفائت و إن كان ندبا.

المطلب الثاني: في الشرائط
اشارة

و هي خمسة: قصد المسافة، و الضرب في الأرض، و استمرار القصد، و عدم زيادة السفر علي الحضر، و إباحته.

فهنا مسائل تنظمها خمسه مباحث.

الأول: قصد المسافة
مسألة 617: المسافة شرط، فلا يجوز القصر في قليل السفر عند عامة العلماء،

لإجماع الصحابة علي التقدير و إن اختلفوا في القدر.

و لما رواه الجمهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (يا أهل مكة لا تقصروا في أدني من أربعة برد من مكّة إلي عسفان)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا»(4).

ص: 368


1- قواعد الأحكام 49:1.
2- التهذيب 230:3-594.
3- سنن الدار قطني 1387:1-1، سنن البيهقي 137:3.
4- الفقيه 279:1-1269، التهذيب 207:3-493 و 223:4-652، الاستبصار 223:1-787.

و لأنّه رخصة للمشقّة، و لا مشقّة مع القلّة.

و قال داود: يقصّر في قليل السفر و كثيره، لقوله تعالي وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (1)(2) و لم يفصّل.

و الإجماع و الأحاديث أخصّ.

مسألة 618: و إنّما يجب التقصير في ثمانية فراسخ، فلو قصد أقلّ، لم يجز التقصير إجماعا،

إلاّ في رواية لنا أنّه يثبت في أربعة فراسخ(3).

و المعتمد: الأول.

و لا خلاف عندنا في وجوب التقصير في الثمانية، لأنّ سماعة سأله عن المسافر في كم يقصّر الصلاة ؟ فقال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ»(4).

و سأل أبو أيّوب، الصادق عليه السلام عن التقصير، قال: «في بريدين أو بياض يوم»(5).

و سأل علي بن يقطين، الكاظم عليه السلام، عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم، قال: «يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله»(6)

ص: 369


1- النساء: 101.
2- المجموع 325:4-326، رحمة الأمة 74:1، حلية العلماء 193:2.
3- التهذيب 208:3-500، الاستبصار 224:1-796.
4- التهذيب 207:3-492، الاستبصار 222:1-786.
5- التهذيب 210:3-506، الاستبصار 225:1-802.
6- التهذيب 209:3-503، الاستبصار 225:1-799.

و في رواية عن الباقر عليه السلام، قال: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ»(1).

و هي محمولة علي إرادة الرجوع ليومه، لأنّه حينئذ قد شغل يومه بالسفر، فحصلت المشقّة المبيحة للقصر، و كذا غيرها من الروايات.

و للشافعي أقوال:

أحدها: إباحة التقصير في ستة و أربعين ميلا بالهاشمي، و هو: مسير ليلتين قاصدا بين سير النقل(2) و دبيب الأقدام(3).

الثاني: ثمانية و أربعون ميلا بالهاشمي - و به قال عبد اللّه بن عباس و ابن عمر، و مالك و الليث و أحمد و إسحاق و أبو ثور - لقوله عليه السلام: (يا أهل مكّة لا تقصّروا في أدني من أربعة برد من مكّة إلي عسفان)(4)(5).

و هو معارض بما روي عنه عليه السلام من التقصير في مسير يوم(6).

و لأنّ القصر لو لم يثبت لمسير يوم، لما يثبت مع ما زاد، لزوال مشقّته براحة الليل.

و قد روي عن الرضا عليه السلام: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسير يوم للعامّة(7) و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسير يوم» قال: «و لو لم يجب في مسير يوم لما».

ص: 370


1- الكافي 432:3-1، التهذيب 223:4-653، الاستبصار 223:1-790.
2- ضرب من السير و هو المداومة عليه. الصحاح 1834:5 «نقل».
3- المجموع 323:4، فتح العزيز 453:4.
4- سنن الدار قطني 387:1-1، سنن البيهقي 137:3.
5- المدونة الكبري 120:1، المنتقي للباجي 262:1، المغني 91:2 و 92 و 95، الشرح الكبير 94:2 و 95، المجموع 323:4 و 325، فتح العزيز 453:4 و 454، كفاية الأخيار 87:1.
6- نقل ذلك عن عبد اللّه بن عمر و ابن عباس، انظر: سنن البيهقي 137:3 و المغني 93:2.
7- في «ش» و الطبعة الحجرية: «للقاصد» بدل «للعامّة».

وجب في مسير ألف سنة، لأنّ كل يوم بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم»(1).

الثالث: مسير يوم و ليلة(2).

الرابع في القديم: يقصّر فيما جاوز أربعين ميلا(3).

و قال أبو حنيفة و الثوري و الحسن بن صالح بن حي: لا يقصّر إلاّ في ثلاث مراحل: أربعة و عشرين فرسخا - و به قال النخعي و سعيد بن جبير و عبد اللّه بن مسعود و سويد بن غفلة - لأنّ النبي عليه السلام، قال: (يمسح المسافر ثلاثة أيام و لياليهن)(4) و هو يقتضي أن يكون كلّ مسافر له ذلك(5).

و لا حجّة فيه عندنا، للمنع من المسح علي الخفّين مطلقا و لأنّه يمكنه قطع سفره في ثلاثة أيام إذا كان مرحلتين و يمسح فيها، فالخبر لبيان مدّة المسح لا حدّ السفر.

و قال الأوزاعي: يقصّر في مسيرة يوم. و هو مروي عن أنس(6).

و حكي عن الزهري أنّه قال: مسيرة يوم تام ثلاثين ميلا(7).

مسألة 619: الفرسخ ثلاثة أميال اتّفاقا.
اشارة

و الميل: أربعة آلاف ذراع، لأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام، و هو يناسب ما قلناه. و كذا الوضع اللغوي، و هو: قدر مدّ البصر من

ص: 371


1- الفقيه 290:1-1320، علل الشرائع: 266 الباب 182، الحديث 9، عيون أخبار الرضا عليه السلام 113:2، الباب 34، الحديث 1.
2- المجموع 323:4، رحمة الأمّة 74:1، المبسوط للسرخسي 235:1.
3- المجموع 323:4، فتح العزيز 453:4.
4- سنن البيهقي 278:1.
5- المبسوط للسرخسي 235:1، المغني 93:2، الشرح الكبير 94:2، بداية المجتهد 1: 167-168، المجموع 325:4، حلية العلماء 193:2.
6- المجموع 325:4، المغني 93:2، الشرح الكبير 94:2، حلية العلماء 193:2.
7- حلية العلماء 193:2.

الأرض. و في بعض الروايات: «ثلاثة آلاف ذراع و خمسمائة»(1).

و قال بعض الشافعية: اثنا عشر ألف قدم، أو أربعة آلاف خطوة(2).

و أمّا الذراع فأربعة و عشرون إصبعا.

فروع:

أ: لو لم يعلم المسافة و شهد اثنان عدلان، وجب القصر،

و لو شكّ و لا بيّنة، وجب الإتمام، لأنّه الأصل، فلا يعدل عنه إلاّ مع اليقين. و كذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.

و لو تعارضت البيّنتان، وجب القصر، عملا ببيّنة الإثبات.

ب: التقدير تحديد لا تقريب

- و به قال الشافعي(3) - حتي لو نقصت شيئا قليلا، لم يجز القصر، لأنّه ثبت بالنصّ لا بالاجتهاد.

ج: الزمان ليس بتقدير، فلو قطع الثمانية في أيام، فله القصر

فيها.

و كذا لو قطعها في يوم، فله القصر.

د: البحر كالبرّ، فلو سافر فيه و بلغت المسافة، فله القصر

و إن كان ربما قطع المسافة في ساعة، لأنّ الاعتبار بالمسافة لا بالمدّة.

ه: اعتبار المسافة من حدّ الجدران

دون البساتين و المزارع، و غيبوبة الجدران و خفاء الأذان و إن شرطا في جواز القصر.

مسألة 620: لو قصد نصف المسافة و الرجوع ليومه، وجب القصر،
اشارة

لوجود المشقّة و شغل اليوم.

و لقول الباقر عليه السلام، و قد سأله محمد بن مسلم عن التقصير، قال: «في بريد» قلت: بريد؟ قال: «إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل

ص: 372


1- الكافي 432:3-3.
2- فتح العزيز 453:4.
3- المجموع 323:4، فتح العزيز 454:4، كفاية الأخيار 87:1.

يومه»(1).

و قال الشافعي: لا يجوز له القصر، لأنّ الذهاب سفر و الرجوع سفر آخر، و كلّ منهما أقلّ من المسافة(2).

و نمنع التعدّد.

و لو لم يرد الرجوع من يومه، وجب التمام - و هو قول المرتضي(3) - لعدم الشرط، و هو: قصد المسافة.

و قال الشيخ: يتخيّر في قصر الصلاة دون الصوم(4).

و قال الصدوق رحمه اللّه: يتخيّر مطلقا(5).

و الوجه ما تقدّم.

تذنيب: لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ فقصد التردّد ثلاثا، لم يقصّر،

لأنّه بالرجوع انقطع سفره و إن كان في رجوعه لم ينته إلي سماع الأذان و مشاهدة الجدران، و إلاّ لزم القصر لو تردّد في فرسخ واحد ثماني مرّات و أزيد.

و لو كانت المسافة خمسا و قصد الرجوع ليومه، وجب القصر، و إلاّ فلا.

مسألة 621: لو كان لبلد طريقان، أحدهما مسافة دون الآخر، فسلك الأقصر، لم يجز القصر،
اشارة

سواء علم أنّه القصير أو لا، لانتفاء المسافة فيه.

و إن سلك الأبعد، فإن كان لغرض كخوف في القريب، أو حزونة، أو قضاء حاجة في البعيد، أو زيارة صديق، أو لقاء غريم ليطالبه، فله القصر

ص: 373


1- التهذيب 224:4-658.
2- المجموع 324:4، فتح العزيز 455:4، كفاية الأخيار 87:1.
3- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 73، و المحقّق في المعتبر: 251.
4- النهاية: 122 و 161.
5- الفقيه 280:1.

إجماعا، لوجود المقتضي، و هو: سلوك المسافة.

و إن لم يكن له غرض سوي الترخّص، وجب القصر أيضا عندنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و المزني(1) - لأنّه سفر مباح، فيترخّص فيه، كما لو كان له فيه غرض.

و الآخر للشافعي: المنع - و اختاره أبو إسحاق - لأنّه طوّل الطريق علي نفسه لا لغرض سوي الترخّص، فأشبه ما إذا مشي في المسافة القصيرة يمينا و شمالا حتي طال سفره(2).

و منعوا الإباحة، لقوله عليه السلام: (إنّ اللّه تعالي يبغض المشّاءين من غير إرب)(3).

و الفرق ظاهر، فإنّ قاصد الأبعد قصد مسافة، بخلاف الماشي يمينا و شمالا، و الإرب موجود، و هو: الترخّص المباح.

تذنيب: إذا سلك الأبعد، قصّر فيه و في البلد

و في الرجوع و إن كان بالأقرب، لأنّه مسافر، و إنّما يخرج عن السفر بالعود إلي وطنه أو حكمه.

و لو سلك الأقصر، أتمّ في طريقه و البلد و إن قصد الرجوع بالأبعد، لأنّه لم يقصد أوّلا مسافة، و القصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.

نعم يقصّر في الرجوع بالأبعد، لوجود المقتضي، و هو: المسافة.

مسألة 622: لا قصر مع انتفاء القصد،
اشارة

فالهائم لا يترخّص، و كذا طالب الآبق و شبهه، لأنّ الشرط عزم قطع المسافة في الابتداء، و طالب الآبق و الغريم لم يقصد المسافة، بل متي ظفر رجع و هو لا يعرف موضعهما.

ص: 374


1- المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 331:4، فتح العزيز 455:4، حلية العلماء 2: 193، بدائع الصنائع 94:1.
2- الام 184:1، المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 331:4، فتح العزيز 455:4، حلية العلماء 193:2.
3- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

و إن تمادي سفره و زاد عن المسافة، فإذا وجده و عزم علي الرجوع و قد قطع المسافة، فهو منشئ للسفر من حينه.

و إنّما اشترط قصد قطع المسافة، لأنّ للسفر تأثيرا في العبادة، فاعتبرت النيّة فيه، كما تعتبر في العبادات.

فروع:

أ: لو بلغه خبر عبده في بلد فقصده بنيّة إن وجده في الطريق رجع، فليس له الترخّص،

لعدم يقين القصد.

ب: لو قصد البلدة ثم عزم في الطريق علي الرجوع إن وجده، قصّر

إلي وقت تغيّر نيّته، و بعده إن كان قد قطع مسافة بقي علي التقصير، و إلاّ أتمّ.

و للشافعي في الآخر وجهان، كما لو أنشأ سفرا مباحا ثم أحدث نيّة المعصية(1).

ج: الأسير في أيدي المشركين إن عرف مقصدهم و قصده، ترخّص،

و إن عزم علي الهرب متي قدر علي التخلّص، لم يترخّص، و لو لم يعرف المقصد لم يترخّص في الحال، لعدم علمه بالمسافة.

و إن ساروا به المسافة، لم يقصّر إلاّ في الرجوع.

و حكي عن الشافعي: القصر، لأنّه يتيقّن طول سفره(2).

د: لو سافر بعبده أو ولده أو زوجته، فإن علموا المقصد و قصدوا السفر، ترخّصوا.

و إن عزم العبد علي الرجوع متي أعتقه مولاه، و الزوجة عليه متي تخلّصت، و كذا الولد، فلا رخصة لهم.

ص: 375


1- فتح العزيز 455:4، المجموع 332:4.
2- المجموع 333:4.

و إن لم يعلموا المقصد، لم يترخّصوا، لانتفاء اختيارهم، و إنّما سفرهم بسفر غيرهم.

ه: منتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدار و الأذان، يقصّر

إن جزم علي السفر - سواء حصلت الرفقة أو لا - إلي شهر.

و إن تردّد في السفر لو لم يحصلوا، لم يقصّر، إلاّ أن يكون قد قطع المسافة، فيقصّر إلي شهر.

و اشتراط الشيخ أربعة فراسخ(1) ممنوع.

و: لو قصد ما دون المسافة فقطعه، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه، و هكذا دائما، فلا قصر

و إن تجاوز مسافة التقصير، و كذا لو خرج غير ناو مسافة، لم يقصّر و إن قطع مسافات كثيرة.

نعم يجب عليه التقصير في العود مع بلوغ المسافة، لأنّه ينوي المسافة، و عليه فتوي العلماء.

و لقول الرضا عليه السلام، و قد سأله صفوان: في الرجل يريد أن يلحق رجلا علي رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتي بلغ النهروان، قال: «لا يقصّر و لا يفطر، لأنّه لم يرد السفر ثمانية فراسخ، و إنّما خرج ليلتحق بأخيه فتمادي به السير»(2).

و لو قصد ما دون المسافة أوّلا ثم قصد ثانيا المسافة، قصّر حينئذ لا قبله.6.

ص: 376


1- النهاية: 124-125.
2- التهذيب 225:4-662، الاستبصار 227:1-806.
البحث الثاني: الضرب في الأرض
مسألة 623: الضرب في الأرض شرط في القصر،

و لا يكفي قصد المسافة من دونه إجماعا، لأنّ شرط القصر الضرب في الأرض، لقوله تعالي:

وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1) .

و لأنّ اسم السفر إنّما يتحقّق به لا بالقصد.

و يخالف ما لو دخل إلي بعض البلاد و نوي الإقامة، ففي الوقت يصير مقيما، لموافقة النية الحالة، لأنّه نوي الإقامة و هو مقيم، و هنا النية لا توافق الحالة، لأنّ السفر هو الضرب و السير عليها و هو مقيم، فلم يكن للنية حكم.

مسألة 624: و لا يشترط انتهاء المسافة إجماعا،

لتعلّق القصر بالضرب و هو يصدق في أوله.

و لا يشترط أيضا اختلاف الوقت بإجماع العلماء، إلاّ من مجاهد، فإنّه قال: إذا خرج نهارا، فلا يقصّر إلي الليل، و إن خرج ليلا، فلا يقصّر إلي النهار(2).

و لا وجه له، لوجود الشرط بدونه.

مسألة 625: إنّما يباح القصر في الصلاة و الصوم إذا تواري عنه جدران البلد أو خفي عنه أذانه،

لأنّ السفر شرط القصر، و لا يتحقّق في بلده و مع مشاهدة الجدران، فلا بدّ من تباعد يطلق علي من بلغه أنّه مسافر، و لا حدّ بعد مفارقة منازله إلاّ ذلك.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقصّر علي فرسخ من المدينة

ص: 377


1- النساء: 101.
2- المجموع 349:4، رحمة الأمّة 74:1، المغني و الشرح الكبير 98:2، حلية العلماء 195:2.

و فرسخين(1) ، فتكون بيانا.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان، فقصّر»(2).

و روي عن الحارث بن أبي ربيعة أنّه أراد سفرا، فصلّي بهم ركعتين في منزله و فيهم الأسود بن يزيد و غير واحد(3).

و هو غلط، لعدم الشرط. و لأنّ هذا الخلاف انقرض، فيبقي إجماعا.

و قال عطاء: إذا خرج من بيته، قصّر و إن لم يخرج من بيوت القرية(4).

و هو قول بعض أصحاب الحديث(5) منّا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلي أن تعود إليه»(6).

و يحمل علي بلوغ الموضع الذي لا يشاهد فيه جدران البلد و لا يسمع أذانه، جمعا بين الأدلّة.

و قال الشافعي: لا يجوز القصر حتي يفارق البلد الذي هو فيه و منازله.

و لم يشترط خفاء الجداران و الأذان - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و إسحاق - لأنّ بنيان بلده يقطع استدامة سفره فكذا يمنع الابتداء.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يبتدئ القصر إذا خرج من8.

ص: 378


1- صحيح مسلم 480:1-690، صحيح البخاري 54:2، سنن أبي داود 4:2-1202، سنن الترمذي 431:2-546، سنن النسائي 237:1.
2- التهذيب 230:4-675، الاستبصار 242:1-862.
3- المجموع 349:4، رحمة الأمّة 74:1، المغني و الشرح الكبير 98:2، حلية العلماء 194:2.
4- المجموع 349:4، المغني 97:2-98، الشرح الكبير 98:2، حلية العلماء 195:2.
5- حكاه عن بعض الأصحاب أيضا المحقق في المعتبر: 253، و لعلّه يقصد الشيخ الصدوق، و انظر المصدر في الهامش التالي.
6- الفقيه 279:1-1268.

المدينة(1)(2).

و هو محمول علي الخروج إلي حيث يخفي الأذان و الجدران.

و حكي ابن المنذر عن قتادة، أنّه قال: إذا جاوز الجسر أو الخندق، قصّر(3).

و قد تقدّم بطلانه.

مسألة 626: و كما أنّ خفاء الأذان و الجدران مبدأ السفر كذا هو منتهاه،

فلا يزال مقصّرا حتي يظهر الجدار أو يسمع الأذان، عند أكثر علمائنا(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان، فقصّر، و إذا قدمت من سفرك، فمثل ذلك»(5).

و قال المرتضي: لا يزال مقصّرا حتي يدخل منزله(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يزال المسافر مقصّرا حتي يدخل أهله أو منزله»(7).

و المشهور: الأول. و تحمل الثانية علي وصول سماع الأذان أو مشاهدة الجدران، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 627: لا اعتبار بأعلام البلدان، كالمنائر و القباب المرتفعة عن اعتدال البنيان،
اشارة

لأنّ الحوالة في الألفاظ المطلقة إلي المتعارف المعهود.

ص: 379


1- مصنف عبد الرزاق 528:2-529-4315-4318.
2- المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 347:4 و 349، فتح العزيز 434:4، 435، المبسوط للسرخسي 236:1، المدوّنة الكبري 118:1، المغني و الشرح الكبير 97:2 و 98.
3- حلية العلماء 194:2، مصنف عبد الرزاق 531:2-4327.
4- منهم: المحقق في المعتبر: 253.
5- التهذيب 230:4-675، الاستبصار 242:1-862.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 253.
7- المعتبر: 253، التهذيب 222:3-556، الاستبصار 242:1-864 و فيهما «.. حتي يدخل بيته».

و لأنّ المشقّة ربما حصلت عند مشاهدة الجدار من فراسخ بعيدة.

و الاعتبار بمشاهدة صحيح الحاسّة و سماع صحيح السمع، دون بالغ النهاية فيهما و فاقد كمال إحداهما.

و لا عبرة بالبساتين و المزارع، فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدار و الأذان، لأنّها ليست مبنية للسكني، سواء كانت محوطة أو لا، إلاّ إذا كان فيها دور و قصور للسكني.

و للشافعية وجه آخر، و هو: مجاوزة البساتين و المزارع مطلقا.

و المشهور عندهم: الأول(1).

فروع:

أ: لا فرق بين البلد و القرية في ذلك.

و شرط بعض الشافعيّة مجاوزة البساتين و المزارع المحوطة علي ساكن القرية دون البلد(2).

و ليس بمعتمد.

و بعضهم شرط مجاوزة البساتين في القري دون المزارع(3).

ب: لو جمع سور قري متفاصلة، لم يشترط في المسافر

من أحدها مجاوزة ذلك السور، بل خفاء جدران قريته و أذانها.

ج: لو كان خارج البلد علي طرفه خراب لا عمارة وراءه، لم تشترط مجاوزته،

لأنّه ليس موضع إقامة، و به قال الشافعي. و له آخر: اشتراط المجاوزة إذا كان بقايا الحيطان قائمة و لم يتّخذ مزارع(4).

د: لو سكن واديا و سار في عرضه أو طوله، اشترط خفاء الأذان.

و كذا لو سكن في الصحراء.

ص: 380


1- المجموع 348:4، فتح العزيز 436:4، حلية العلماء 195:2.
2- المجموع 347:4-348، فتح العزيز 436:4.
3- فتح العزيز 436:4، حلية العلماء 195:2.
4- المجموع 347:4، فتح العزيز 435:4-436، مغني المحتاج 263:1.

و قال الشافعي: لا بدّ من مجاوزة عرض الوادي. و قيّد بعض أصحابه بما إذا لم تفرط السعة، فلو أفرطت، شرط مجاوزة الموضع الذي ينسب إليه، و يعدّ حلّة(1) قومه(2).

ه: لو كان نازلا علي ربوة، فالشرط ما ذكرناه من خفاء الجدران أو الأذان.

و يحتمل خفاء الأذان خاصة و إن ظهرت الجدران.

و قال الشافعي: لا بدّ من أن يهبط عنها(3).

و لو كان في وهدة فكذلك يعتبر بنسبته الظاهرة. و عنده لا بدّ أن يصعد عنها(4).

و: لو كان من أهل الخيام، اشترط خفاء الأذان.

و يحتمل خفاء الجدران المقدّرة. و الحلّتان كالقريتين، و به قال الشافعي(5).

و لأصحابه وجه آخر: أن يفارق خيمته. و لا يعتبر مفارقة الخيام و إن كانت الحلّة واحدة(6).

ز: لو كان في وسط البلد نهر كبير فأراد من علي أحد الجانبين السفر من الآخر، فعبر النهر، لم يجز القصر

حتي يفارق عمارة الجانب الآخر و يخفي عليه أذانه و جدرانه، لأنّ الجميع بلد واحد.

ح: لو كانت قريتان متقاربتان فأراد أن يسافر من أحدهما علي طريقة الأخري، فإن اتّصل البناء، اشترط مفارقة الأخري،

لأنّهما صارتا كالقرية2.

ص: 381


1- الحلّة: منزل القوم. تاج العروس 283:7 «حلل».
2- المجموع 348:4، فتح العزيز 438:4.
3- المجموع 438:4، فتح العزيز 438:4 و 439.
4- المجموع 438:4، فتح العزيز 438:4 و 439.
5- المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 348:4-349، فتح العزيز 439:4، حلية العلماء 195:2، مغني المحتاج 264:1.
6- المجموع 349:4، فتح العزيز 440:4، حلية العلماء 195:2.

الواحدة.

و إن كان بينهما فصل، قصّر قبل مفارقة الأخري إن خفيت جدران قريته و أذانها، و هو ظاهر مذهب الشافعي(1).

و قال ابن سريج: لا يباح له القصر حتي يفارق أبنية الأخري، لأنّ أهل أحدهما يتردّدون إلي الأخري من غير تغيير هيئة و زيّ، فلا يحصل متشبّها بالمسافرين ما دام فيها(2).

مسألة 628: لو قصد المسافة و خرج فمنع عن السفر بعد خفاء الأذان و الجدران، فإن كان علي نيّة السفر، قصّر

إلي شهر، و إن غيّر النيّة أو تردّد، أتمّ، لبقاء القصد في الأول الذي هو الشرط، و انتفائه في الثاني.

و لو سافر في المركب فردّته الريح بعد خفائهما إلي أن ظهر أحدهما، أتم، لدخوله في حدّ الحضر.

و لو أحرم في السفينة قبل أن تسير و هي في الحضر ثم سارت حتي خفي الأذان و الجدران، لم يجز له القصر، لأنّه دخل في الصلاة علي التمام.

و لو خرج من البلد إلي حيث يجوز له الترخّص فرجع إليه لحاجة عرضت له، لم يترخّص حال رجوعه و خروجه ثانيا من البلد، لخروجه عن اسم المسافر بعوده إلي بلده.

و لو كان غريبا، فله استدامة الترخّص.

أمّا لو كان رجوعه بعد قطع المسافة، فإنّه يقصّر في رجوعه و خروجه ثانيا.

ص: 382


1- المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 348:4، فتح العزيز 437:4.
2- المهذب للشيرازي 109:1، المجموع 348:4، فتح العزيز 437:4.
البحث الثالث: استمرار القصد
مسألة 629: استمرار قصد السفر شرط في القصر،

فلو قطع نية السفر في أثناء المسافة، أتمّ.

و لو قطع المسافة ثم غيّر نيّة السفر و عزم علي الرجوع، قصّر. و إن عزم علي المقام عشرة أيام، أتمّ. و إن تردّد قصّر ما بينه و بين ثلاثين يوما ثم يتمّ بعد ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّ نهاية السفر تحصل بأحد أمور ثلاثة:

الأول: العود إلي الوطن، بأن يرجع إلي الموضع الذي يشترط مجاوزته في ابتداء السفر، لأنّ الموضع الذي يبتدأ الترخّص فيه إذا كان مسافرا يقطع الترخّص إذا كان راجعا.

و في معناه الوصول إلي المقصد الذي عزم علي الإقامة فيه إقامة تقطع الرخصة، أو إلي موضع له فيه ملك استوطنه ستة أشهر.

الثاني: نيّة الإقامة عشرة أيام - علي ما يأتي - في أيّ موضع نواه و إن كان في مفازة و نحوها، و هو أصحّ قولي الشافعي، و في الآخر: تشترط الإقامة في موضع يصلح لها(1).

الثالث: إقامة شهر مع التردّد، علي ما يأتي.

مسألة 630: يجب القصر ما دام مسافرا

و إن أقام في أثناء المسافة عشرة أيام أو وصل إلي مقصده إذا لم يكن يعزم الإقامة فيه إلي شهر، فإن نوي الإقامة فيه أو في أثناء المسافة عشرة أيام، وجب الإتمام عند علمائنا أجمع.

و إن نوي إقامة أقلّ من عشرة، قصّر - و به قال علي عليه السلام، و الباقر

ص: 383


1- المجموع 361:4.

و الصادق عليهما السلام، و الحسن بن صالح بن حي(1) - لقول علي عليه السلام: «يتمّ الصلاة الذي يقيم عشرا، و يقصّر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غدا شهرا»(2) و علي عليه السلام، كان لا يري الاجتهاد، فيكون قوله توقيفا.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام في المسافر إذا قدم بلده، قال: «إن دخلت أرضا و أيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين شهر»(3).

و قال الشافعي: إذا نوي مقام أربعة أيام غير يوم دخوله و يوم خروجه، وجب عليه الإتمام، لأنّ يوم الدخول في الحطّ، و يوم الخروج في الترحال، و هما من أشغال السفر - و عنه وجه: أنّهما يحسبان - و به قال عثمان بن عفّان و سعيد بن المسيّب و مالك و أبو ثور، لأنّ الثلاث آخر حدّ القلّة، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا)(4).

و كذلك عمر لمّا أجلي أهل الذمّة من الحجاز ضرب لمن قدم منهم تاجرا إلي الحجاز أن يقيم ثلاثة أيام(5).

فدلّ علي أنّ الثلاث في حكم السفر و ما زاد في حكم الإقامة(6).8.

ص: 384


1- مصنف ابن أبي شيبة 455:2، المجموع 365:4، المغني 133:2، المحلّي 22:5 - 23، نيل الأوطار 255:3.
2- المغني 133:2، الشرح الكبير 109:2، و المعتبر للمحقّق الحلّي: 255.
3- الكافي 435:3-1، التهذيب 219:3-546، الاستبصار 237:1-847.
4- صحيح مسلم 985:2-442، سنن النسائي 122:3، سنن البيهقي 147:3.
5- سنن البيهقي 148:3.
6- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 361:4 و 364، فتح العزيز 446:4-448، حلية العلماء 199:2، الميزان للشعراني 182:1، مغني المحتاج 264:1-265، المغني 2: 133، الشرح الكبير 109:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 68.

و لا حجّة فيه، لأنّ المقام يصدق في اليوم و اليومين، لكن لا تكون تلك إقامة تنافي السفر.

و قال أبو حنيفة: إن نوي مقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يدخل فيه و اليوم الذي يخرج فيه، بطل حكم سفره - و به قال الثوري و المزني و ابن عمر في إحدي الروايات - لأنّ ابن عباس و ابن عمر قالا: إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و في نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة، فأكمل الصلاة، و لم يعرف لهما مخالف(1).

و نمنع عدم المخالف، و قد روي البخاري عن ابن عباس أنه أقام بموضع تسع عشرة ليلة يقصّر الصلاة، و قال: نحن إذا أقمنا تسع عشرة ليلة، قصّرنا الصلاة، و إن زدنا علي ذلك، أتممنا(2).

و عن عائشة: إذا وضعت الزاد و المزاد، فأتمّ(3). و لا إجماع مع هذا الخلاف. و قولها ليس حجّة.

و عن ابن عباس: إن نوي مقام تسعة عشر يوما، وجب الإتمام و إن كان أقلّ، لم يجب، و به قال إسحاق بن راهويه(4) ، لأنّ ابن عباس قال: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلّي ركعتين. قال ابن عباس: فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلّي ركعتين، و إن زدنا علي ذلك أتممنا(5).5.

ص: 385


1- المبسوط للسرخسي 236:1، المجموع 364:4، فتح العزيز 448:4، المغني 133:2، الشرح الكبير 109:2، الميزان للشعراني 182:1، المحلّي 22:5.
2- صحيح البخاري 53:2 و 191:5.
3- مصنف ابن أبي شيبة 455:2، المغني 134:2، الشرح الكبير 109:2.
4- المجموع 364:4، حلية العلماء 199:2، الميزان للشعراني 182:1.
5- صحيح البخاري 191:5، سنن الترمذي 432:2-548، سنن ابن ماجة 1: 341-1075.

و ليس حجّة، لأنّ فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله، لا يقتضي العموم، فلعلّه لم ينو المقام عشرة أيام.

و قال الليث بن سعد: إن نوي مقام أكثر من خمسة عشر يوما، أتمّ.

و هو محكي عن سعيد بن جبير(1).

و قال الأوزاعي: إن نوي اثني عشر يوما، أتمّ. و هو مروي عن ابن عمر(2) أيضا.

و قال أحمد: إن نوي مقام مدّة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة، أتمّ - و هو قريب من مذهب الشافعي، و اختاره ابن المنذر، و هو مروي عن عائشة - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، دخل مكّة صبيحة يوم الأحد. الرابع من ذي الحجّة، و كان قد صلّي الصبح قبل دخوله، فأقام بها تمام الرابع و الخامس و السادس و السابع، و صلّي الصبح بها في اليوم الثامن، ثم دخل إلي مني، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، يقصّر في هذه الأيام، و كانت صلاته في هذه المدّة عشرين صلاة(3).

و لا حجّة فيه، لأنه يقصّر إلي تمام العشرة عندنا.

و حكي عن أنس بن مالك: أنه أقام بنيسابور سنتين، فكان يقصّر فيهما(4).

و روي النخعي: أنّ علقمة أقام بخوارزم سنتين، و كان يقصّر فيهما(5).2.

ص: 386


1- مصنف ابن أبي شيبة 455:2، المجموع 365:4، المغني 133:2، الشرح الكبير 2: 109، حلية العلماء 199:2، المحلّي 23:5.
2- المجموع 364:4، حلية العلماء 200:2، نيل الأوطار 256:3.
3- المجموع 356:4، الميزان للشعراني 182:1، حلية العلماء 200:2، المغني 133:2 و 134، الشرح الكبير 108:2-110، الانصاف 329:2 و في الثلاثة الأخيرة: إذا نوي المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدي و عشرين صلاة أتمّ. فلا حظ.
4- مصنّف ابن أبي شيبة 454:2، سبل السلام 448:1.
5- مصنف ابن أبي شيبة 454:2، المبسوط للسرخسي 237:1، الكفاية 11:2.

و فعلهما ليس حجّة.

مسألة 631: و لو ردّد نيّته، فيقول: اليوم أخرج، غدا أخرج، قصّر إلي ثلاثين يوما
اشارة

ثم يتمّ بعد ذلك و لو صلاة واحدة، سواء أقام عشرة أيام أولا - و به قال بعض الحنابلة(1) - لقول علي عليه السلام: «و يقصّر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غدا شهرا»(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «و إن لم تدر مقامك بها، تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين شهر»(3).

و قال الشافعي: إن لم يتم مقامه أربعا، فله القصر قولا واحدا، و إن أقام أربعة فصاعدا فأقوال:

أحدها: الإتمام، لأنّ الإقامة أكثر من قصدها، و لو نوي الإقامة أربعا، أتمّ فالإقامة أولي.

الثاني: أنّه يقصّر ثمانية عشر يوما تخريجا من مسألة الحرب، و هي:

أنّ المحارب إذا لم ينو المقام، قصّر إلي ثمانية عشر يوما، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أقام عام الفتح لحرب هوازن سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما و هو يقصّر(4).

فإن زاد أتمّ، لقول ابن عباس: فمن أقام أكثر من ذلك فليتمّ(5). و لأنّ الأصل الإتمام.

ص: 387


1- المغني 133:2 و 139، الشرح الكبير 109:2.
2- المغني 133:2، الشرح الكبير 109:2، و المعتبر للمحقّق الحلّي: 255.
3- الكافي 435:3-1، التهذيب 219:3-546، الإستبصار 237:1-847.
4- الام 186:1.
5- سنن أبي داود 10:2-1230.

الثالث: أنه يقصّر أبدا ما لم ينو مقام أربعة، و به قال أبو حنيفة(1) ، لأنّ المسور بن مخرمة قال: كنّا مع سعد بن أبي وقّاص في قرية من قري الشام أربعين ليلة و كنّا نصلّي أربعا و كان يصلّي ركعتين(2).

و فعله ليس حجّة.

فروع:

أ: لا فرق بين المحارب و غيره عندنا في وجوب الإتمام بعد شهر،

لعموم الحديث(3) ، و في وجوب الإتمام لو نوي العشرة.

و للشافعي في المحارب قولان: أحدهما: أنّه يقصّر الصلاة و إن قصد الأربع - و به قال أبو حنيفة - لعدم تحقّق عزمه، لأنّه ربما هزم أو هزم(4).

و الثاني و هو الجديد: أنّه يترك القصر، لأنّه مسافر عزم علي مقام أربع(5).

ب: لو لم يقصد المحارب المقام، قصّر إلي شهر

كما قلنا.

و للشافعي قولان: أحدهما: أحدهما: أنّه يقصّر مطلقا دائما إلي أن ينقضي القتال، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(6) ، لرواية جابر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أقام بتبوك عشرين يوما يقصّر الصلاة(7).

ص: 388


1- الام 187:1، المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 362:4، فتح العزيز 449:4 - 451، حلية العلماء 201:2، المبسوط للسرخسي 237:1، بدائع الصنائع 97:1.
2- المغني 139:2 الشرح الكبير 113:2.
3- مرّت الإشارة إلي مصادره في الهامش (3) من صفحة 387.
4- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 362:4، فتح العزيز 449:4، حلية العلماء 2: 200، الهداية للمرغيناني 81:1، المبسوط للسرخسي 248:1.
5- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 362:4، حلية العلماء 200:2.
6- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 362:4، المبسوط للسرخسي 348:1، بدائع الصنائع 98:1، الهداية للمرغيناني 81:1، اللباب 107:1، المدونة الكبري 122:1، بلغة السالك 172:1، المغني 138:2، الشرح الكبير 112:2.
7- سنن أبي داود 11:2-1235، سنن البيهقي 152:3.

و لا حجّة فيه علينا.

و الثاني: يقصّر إلي ثمانية عشر يوما كغيره(1) ، لقول ابن عباس: أقام النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، لحرب هوازن ثمانية عشر يوما يقصّر الصلاة، فمن أقام أكثر من ذلك فليتم(2).

و هو معارض برواية جابر.

ج: في بعض الروايات: يقصّر - يعني المتردّد - ما بينه و بين مضيّ شهر(3).

و في بعضها: ثلاثون يوما: قال الباقر عليه السلام: «فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتمّ»(4).

فلو كان الشهر هلاليا تسعة و عشرين يوما، و أقام من أوّله إلي آخره، أتمّ علي الأول دون الثاني.

و الوجه: التقصير، أمّا أوّلا: فللاستصحاب. و أمّا ثانيا: فلأنّ الشهر كالمجمل، و الثلاثين كالمبيّن.

د: لو دخل بلدا في طريقه، فقال: إن لقيت فلانا فيه أقمت عشرة أيام، قصّر

إلي أن يلقاه، أو يمضي ثلاثون يوما، فإن لقيه، حكم بإقامته ما لم يغيّر النيّة قبل أن يصلّي تماما و لو فريضة واحدة.

ه: لو دخل بلدا لحاجة و عزم أنّه متي قضيت خرج، فإن كانت تلك الحاجة لا تنقضي في عشرة أيام، صار حكمه حكم المقيم،

و إن جاز أن تنقضي في أقلّ، قصّر إلي أن يمضي ثلاثون يوما.

و: لو نوي مقام عشرة أيام في بعض المسافة، انقطع سفره،

فإذا خرجم.

ص: 389


1- المجموع 362:4.
2- الام 186:1.
3- انظر: الكافي 133:4-1، و التهذيب 219:3-546 و 221-553، و الاستبصار 1: 237-847 و 238-851.
4- الكافي 436:3-3، التهذيب 219:3-548 الاستبصار 238:1-849، و في الكافي و الاستبصار عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

إلي نهاية السفر، فإن كان بين موضع الإقامة و النهاية ثمانية فراسخ، قصّر، و إلاّ فلا.

و لو عزم في ابتداء السفر علي الإقامة في أثناء المسافة، فإن كان بين الابتداء و موضع الإقامة ثمانية فراسخ، قصّر، و إلاّ فلا.

ز: نيّة الإقامة عشرة أيام تقطع السفر،

سواء كان موضع إقامة، كالبلدان و القري و الحلل، أو لا، كالجبال و البراري.

و للشافعي في الثاني قولان: أحدهما كما قلناه، لوجود نيّة الإقامة.

و الثاني: القصر، لأنّ الإقامة في هذا الموضع لا تتحقّق، فلا ينقطع الترخّص بأمر لا حقيقة له(1).

و هو ممنوع.

ح: قطع السفر إنّما يحصل بنية مقام عشرة أيام كوامل.

و في اعتبار يوم الدخول و الخروج إشكال ينشأ: من أنّه من تتمّة السفر.

و من حصول المقام، فلو دخل ظهر الأول و خرج ظهر العاشر، قصّر علي الأول، و أتمّ علي الثاني.

و لو عزم علي أنّه يخرج ظهر الحادي عشر، أتمّ و لو خرج ضحوة الحادي عشر، فكالعاشر.

ط: لو نوي الإقامة في أثناء المسافة عشرة أيام، أتمّ

و إن بقي العزم علي السفر.

مسألة 632: لو كان في أثناء المسافة له ملك قد استوطنه ستة أشهر، انقطع سفره بوصوله إليه،
اشارة

و وجب عليه الإتمام فيه عند علمائنا، سواء عزم علي الإقامة فيه أو لا - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّ حاله فيه يشبه حال المقيمين.

ص: 390


1- المجموع 361:4، فتح العزيز 445:4.
2- فتح العزيز 444:4.

و لقول الرضا عليه السلام، و قد سأله محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرجل يقصّر في ضيعته: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت: ما الاستيطان ؟ فقال: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متي يدخلها»(1).

و لأنّه بلد إقامته، فلا يعدّ فيه مسافرا.

و الثاني للشافعي: القصر(2) ، لأنّ المهاجرين قدموا مكّة مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و لأكثرهم بمكة وطن و ما تركوا القصر(3). و لأنّه لم يعزم علي الإقامة، فكانت تلك البلدة و سائر البلاد سواء.

و نمنع أنّ لهم أملاكا و إن كان لهم قرابات، فلا اعتبار بها.

فروع:

أ: لا يشترط في الأشهر التوالي، بل لو استوطنه ستة أشهر متفرّقة، سقط الترخّص

إذا بلغ التلفيق الحدّ.

ب: لا يشترط استيطان الملك، بل البلد الذي فيه الملك.

و لا كون الملك صالحا للسكني، بل لو كان له مزرعة أو نخل و استوطن ذلك البلد ستة أشهر، أتمّ فيه، لرواية عمّار عن الصادق عليه السلام، في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(4).

ج: لو خرج الملك عنه، ساوي غيره من البلاد،

بخلاف ما لو أجره أو أعاره.

د: يشترط ملك الرقبة، فلو استأجر أو استعار أو ارتهن، لم يلحقه

ص: 391


1- الفقيه 288:1-1310، التهذيب 213:3-520، الإستبصار 231:1-821.
2- الام 187:1، فتح العزيز 444:4.
3- صحيح البخاري 53:2، صحيح مسلم 481:1-693، سنن البيهقي 153:3.
4- التهذيب 211:3-512، الاستبصار 229:1-814.

حكم المقيم و إن تجاوزت مدّة الإجارة عمره.

ه: لو غصب ملكه و كان قد استوطنه ستة أشهر، لم يخرج عن حكم المقيم.

و: لو كان بين الابتداء و الملك أو ما نوي الإقامة فيه مسافة، قصّر في طريقه

خاصة دون بلد الملك و الإقامة، و لو قصر عن المسافة، لم يقصّر لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج قال للصادق عليه السلام: الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض فيخرج فيطوف فيها أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «يتم»(1).

ز: كما تعتبر المسافة بين ابتداء السفر و موضع إقامته أو بلد استيطانه،

كذا يعتبر بينهما و بين مقصده، فإن كان دون المسافة، أتمّ في طريقه و مقصده، و إن كان مسافة، قصّر فيهما.

و لو كان مبدأ السفر إلي موضع الوطن أو ما نوي الإقامة فيه عشرة أيام مسافة، و منهما إلي مقصده دونها، قصّر في المسير إليهما دونهما، و دون المسافة بينهما و بين مقصده، و دون مقصده أيضا.

و لو انعكس الفرض، أتمّ في مبدأ السفر و فيهما، و قصّر في السفر منهما إلي مقصده و في مقصده. و لو قصرا معا، فلا قصر و إن زاد المجموع علي المسافة.

ح: لو تعدّدت المواطن أو ما نوي الإقامة فيه عشرة، قصّر بين كلّ موطنين بينهما مسافة خاصة،

دون المواطن و دون ما قصر عن المسافة.

ط: لو اتّخذ بلدا دار إقامته، كان حكمه حكم الملك

و إن لم يكن له فيه ملك، بحيث لو اجتاز عليه، وجب عليه الإتمام فيه ما لم تغيّر نية الإقامة(2).ه.

ص: 392


1- الكافي 438:3-6، الفقيه 282:1-1281، التهذيب 213:3-522، الإستبصار 1: 231-822.
2- في «م» زيادة: المؤبدة فيه.

و لو اتّخذ بلدين فما زاد موضع إقامته، كانا بحكم ملكه و إن لم يكن له فيهما ملك.

ي: لو نوي الإقامة في بلد قبل وصوله إليه عشرة أيام، و بينه و بين المبدإ مسافة، قصّر في الطريق

إلي أن ينتهي إلي ذلك البلد. و يحتمل إلي أن ينتهي إلي مشاهدة الجدران أو سماع الأذان، لصيرورته بحكم بلده.

و كذا يتمّ إذا خرج منه إلي أن يخفي عليه الجدران و الأذان، علي إشكال.

البحث الرابع: عدم زيادة السفر علي الحضر
مسألة 633: يشترط في القصر عدم زيادة السفر علي الحضر،
اشارة

كالمكاري، و الملاّح و الراعي و البدوي و الذي يدور في إمارته و الذي يدور في تجارته من سوق إلي سوق و البريد، علي معني أنّ أحد هؤلاء إذا حضر إلي بلده ثم سافر منه قبل أن يقيم عشرة أيام في بلده، خرج متمّما، فإن أقام عشرة أيام، قصّر في خروجه، لقول الباقر عليه السلام:

«سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلي سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(1).

و عن أحدهما عليهما السلام: «ليس علي الملاّحين في سفينتهم تقصير، و لا علي المكارين و لا علي الجمّالين»(2).

ص: 393


1- الفقيه 282:1-1282، التهذيب 214:3-524، الاستبصار 232:1-826، الخصال: 403-114.
2- الكافي 437:3-2، الفقيه 281:1-1277، التهذيب 214:3-525، الاستبصار 1: 232-827.

و عن الباقر عليه السلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري و الكري(1) و الراعي و الأشتقان، لأنّه عملهم»(2) و الأشتقان هو البيدر. و قيل: أمين البيدر(3).

و إنّما شرطنا العشرة، لأنّ السفر ينقطع بها.

و لقول الصادق عليه السلام: «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلاّ خمسة أيام، قصّر في سفره بالنهار، و أتمّ بالليل، و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر، قصّر في سفره و أفطر»(4).

فروع:

أ: لو أقام أحدهم في بلده خمسة أيام، قال الشيخ: قصّر صلاة النهار خاصة دون الصوم و صلاة الليل

(5) ، للرواية السابقة(6).

و المشهور: وجوب الإتمام ما لم يقم عشرة أيام.

ب: لو أقام أحدهم في غير بلده عشرة أيام،

فإن نوي إقامتها، خرج مقصّرا، و إلاّ فلا، و لم تشترط النية في إقامته في بلده بل الإقامة.

ج: الذي أهله معه و سفينته منزله لا يقصّر

- و به قال أحمد(7) - لأنّه مقيم في مسكنه و ماله، فأشبه ما إذا كان في بيته.

ص: 394


1- الكري: المكتري. لسان العرب 219:15 «كري».
2- الكافي 436:3-1، الفقيه 281:1-1276، التهذيب 215:3-256، الاستبصار 1: 232-828، الخصال: 252-122.
3- مجمع البحرين 272:6 «شقن».
4- الفقيه 281:1-1278، التهذيب 216:3-531، الاستبصار 234:1-836.
5- المبسوط للطوسي 141:1، و النهاية: 122-123.
6- تقدّمت آنفا عن الإمام الصادق عليه السلام.
7- المغني 105:2، الشرح الكبير 115:2، الانصاف 333:2.

و قال الشافعي: يقصّر(1) لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم و شطر الصلاة)(2).

د: المعتبر صدق اسم المكاري و مشاركيه في الحكم،

سواء كان بأول مرّة أو بأزيد.

ه: هل يعتبر هذا الحكم في غيرهم حتي لو كان غير هؤلاء يردّد في السفر اعتبر فيه ضابطة الإقامة عشرة، أو لا؟ إشكال

ينشأ: من الوقوف علي مورد النص، و من المشاركة في المعني.

البحث الخامس: إباحة السفر
مسألة 634: يشترط في جواز القصر إباحة السفر،
اشارة

بإجماع علمائنا، فلا يترخّص العاصي بسفره، كتابع الجائر، و المتصيّد لهوا و بطرا، و قاطع الطريق، و قاصد مال غيره أو نفسه بسفره، و الخارج علي إمام عادل، و الآبق من سيّده، و الناشزة من زوجها، و الغريم إذا هرب من غريمه مع تمكّنه، و الخارج إلي بلد ليفعل فيه المعاصي - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(3) - لقوله تعالي فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (4).

قال ابن عباس: غير باغ علي المسلمين، مفارق لجماعتهم، مخيف للسبيل، و لا عاد عليهم بسيفه(5).

ص: 395


1- الام 188:1، المغني 105:2، الشرح الكبير 115:2.
2- سنن ابن ماجة 533:1-1667، سنن الترمذي 94:3-715، سنن أبي داود 2: 317-2408، سنن النسائي 180:4، سنن البيهقي 231:4، مسند أحمد 347:4 و 29:5.
3- الام 185:1، المجموع 344:4، فتح العزيز 456:4، حلية العلماء 191:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 67، بلغة السالك 170:1، المغني 102:2، الشرح الكبير 92:2.
4- البقرة: 173.
5- المغني 102:2.

و لقول الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قال: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي علي المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(1).

و لأنّ السفر سبب لتخفيف الصلاة إذا كان مباحا، فلا يكون سببا و هو معصية، كالتحام الحرب.

و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و المزني: يجوز القصر و جميع الرخص في ذلك، لأنّه لو غصب خفّا، كان له المسح عليه و إن كان عاصيا بلبسه كذا هنا(2).

و المسح علي الخفّ عندنا باطل. و لأنّ سبب الرخصة السفر و لبس الخفّ شرط و ليس بسبب. و لأنّ المعصية لا تختص بلبسه، فإنّه غاصب و إن نزعه.

إذا عرفت هذا، فإن الوجه: أنّ العاصي لا يترخّص بأكل الميتة، و به قال الشافعي و أحمد(3) ، خلافا لأبي حنيفة، احتجّ: بأنّ منعه يؤدّي إلي تلف نفسه و هو حرام(4).

و يبطل بأن يتوب و يرجع عن سفره، فيحلّ له أكل الميتة، فلا يؤدّي إلي تلفه.

و لا رخصة عندنا غير القصر في الصلاة، و الصوم و أكل الميتة.4.

ص: 396


1- الكافي 438:3-7، التهذيب 217:3-539.
2- المجموع 344:4 و 346، فتح العزيز 456:4، المغني 102:2، الشرح الكبير 92:2، حلية العلماء 192:2.
3- المجموع 485:1-486 و 345:4، فتح العزيز 457:4-458، المغني 102:2، الشرح الكبير 92:2، الانصاف 316:2.
4- أحكام القرآن للجصاص 128:1، المجموع 346:4.

أمّا الشافعي و أبو حنيفة و غيرهما، فإنّهم أضافوا المسح ثلاثة أيام(1).

و لا يترخّص العاصي فيه أيضا عند الشافعي - خلافا لأبي حنيفة(2) - و كذا لا يترخّص بالتنفّل علي الراحلة و الجمع بين صلاتين(3).

فروع:

أ: لا يشترط انتفاء المعصية في سفره،

فلو كان يشرب الخمر في طريقه و يزني، يرخّص، إذ لا تعلّق لمعصيته بما هو سبب الرخصة.

ب: لو كانت المعصية جزءا من داعي السفر، لم يترخّص،

كما لو كانت هي الداعي بأجمعه.

ج: لو قصد سفرا مباحا ثم أحدث نيّة المعصية، انقطع ترخّصه،

لأنّها لو قارنت الابتداء، لم تفد الرخصة، فإذا طرأت، قطعت، كنية الإقامة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: لا ينقطع، لأنّ السفر انعقد مباحا مرخّصا، و الشروط تعتبر في الابتداء(4).

و لو انعكس الفرض، لم يترخّص في الابتداء، بل من حين العود إلي الطاعة إن كان الباقي مسافة، و إلاّ فلا، و للشافعية كالوجهين السابقين(5).

و لو ابتدأ بسفر الطاعة ثم عدل إلي قصد المعصية، انقطع سفره حينئذ، فإن عاد إلي سفر الطاعة عاد إلي الرخصة إن كان الباقي مسافة.

و إن لم يكن لكن بلغ المجموع من السابق و المتأخّر مسافة، احتمل القصر، لوجود المقتضي، و هو: قصد المسافة، مع انتفاء المانع، و هو:

ص: 397


1- المجموع 476:1 و 483، حلية العلماء 130:1، كفاية الأخيار 31:1، المغني 1: 322.
2- أحكام القرآن للجصاص 128:1.
3- المجموع 485:1-486 و 345:4، فتح العزيز 457:4، كفاية الأخيار 87:1.
4- المجموع 345:4، فتح العزيز 456:4.
5- المجموع 345:4، فتح العزيز 456:4-457.

قصد المعصية، و المنع، اعتبارا بالمنافي، كما لو قصد الإقامة في أثناء المسافة.

د: قد بيّنّا أنّ المسح علي الخفّ حرام،

أمّا من جوّزه فإنّه يجوّز في السفر ثلاثة أيام. و اشترط الشافعي إباحة السفر، و لو كان معصية، احتمل عنده أن يمسح يوما و ليلة، لأنّ للمقيم ذلك، و غاية الأمر فرض السفر كالمعدوم. و عدمه، لأنّ المسح رخصة، فلا يثبت للعاصي(1). و كذا لو لبس خفّا مغصوبا، ففي المسح عليه عنده وجهان(2).

ه: لو عدم الماء في سفر المعصية، وجب التيمّم

و لم يجز له ترك الصلاة.

و هل تجب الإعادة ؟ الأقرب: المنع، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

و لأنّ المعصية تأثيرها في منع الرخصة، و الصلاة بالتيمّم عند عدم الماء واجبة، فلا تؤثر فيها المعصية، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و الثاني: الإعادة، لأنّ الصلاة بالتيمّم من رخص السفر، فإنّ المقيم إذا تيمّم لعدم الماء، أعاد، فلا يثبت في حقّ العاصي بسفره(4).

و الأولي ممنوعة.

و: لو وثب من بناء عال أو جبل متلاعبا، فانكسرت رجله، صلّي قاعدا

و لا إعادة، لأنّ ابتداء الفعل باختياره دون دوام العجز، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: يعيد، لأنّه عاص بما هو سبب العجز عن القيام،4.

ص: 398


1- المجموع 485:1، الوجيز 59:1، فتح العزيز 457:4، حلية العلماء 136:1 و 2: 192.
2- المهذب للشيرازي 28:1، المجموع 509:1-510.
3- المجموع 345:4، حلية العلماء 192:2.
4- المجموع 345:4.

فلا يترخّص(1).

ز: لو سافر لزيارة القبور و المشاهد، قصّر

لأنّه مباح، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، يأتي قبا راكبا و ماشيا، و كان يزور القبور(2) ، و قال:

(زوروها تذكّركم الآخرة)(3).

و عند بعض الجمهور لا يجوز القصر، للنهي عن السفر إلي القبور(4).

و هو ممنوع.

ح: لو سافر للتنزّه و التفرج، فالأقرب: جواز القصر،

لأنّه مباح، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الأخري: المنع، لانتفاء المصلحة فيه(5). و هو ممنوع.

مسألة 635: اللاهي بسفره، كالمتنزّه بصيده بطرا و لهوا لا يقصّر،

عند علمائنا - خلافا لباقي الفقهاء - لقول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة عمّن يخرج من أهله بالصقورة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاث هل يقصّر من صلاته أم لا؟ فقال: «لا يقصّر، إنّما خرج في لهو»(6).

و لأنّ اللهو حرام، فالسفر له معصية. و لأنّ الرخصة لتسهيل الوصول إلي المصلحة، و لا مصلحة في اللهو.

و لو كان الصيد لقوته و قوت عياله، وجب القصر في الصلاة و الصوم إجماعا، لأنّه فعل مباح.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يخرج إلي الصيد

ص: 399


1- حلية العلماء 192:2.
2- سنن البيهقي 240:5 و 249.
3- سنن الترمذي 370:3-1054، سنن البيهقي 77:4.
4- المغني 104:2-105، الشرح الكبير 94:2.
5- المغني 104:2، الشرح الكبير 93:2-94.
6- التهذيب 218:3-540 و 220:4-641، الاستبصار 236:1-842.

مسيرة يوم أو يومين يقصّر أو يتمّ؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله، فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول، فلا و لا كرامة»(1).

و لو كان الصيد للتجارة، قال الشيخ في النهاية و المبسوط: يقصّر في صلاته دون صومه(2).

و الوجه: القصر فيهما، لأنّه مباح، و إلاّ لم يجز القصر في الصلاة.

قال الصادق عليه السلام: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت»(3).

تذنيب: قال الصدوق رحمه اللّه: لو قصد مسافة ثم مرّ في أثنائها إلي الصيد، أتمّ

حال ميله، و قصّر عند عوده(4). و هو جيّد.

آخر: سالك الطريق المخوف مع انتفاء التحرّز عاص،

فلا يجوز له الترخّص.

البحث السادس: في أمور ظنّ أنها شروط و ليست كذلك
مسألة 636: لا يشترط في القصر وجوب السفر عند علمائنا أجمع

ص: 400


1- الكافي 438:3-10، الفقيه 288:1-1312، التهذيب 217:3-538، الاستبصار 236:1-845.
2- اضطربت كتب المصنف في نقل فتوي الشيخ هذه، فهنا و في نهاية الإحكام 182:2، نقل عنه القصر في الصلاة دون الصوم، و نقله عنه أيضا المحقق في المعتبر: 252، و في المختلف: 161 نقل قوله بالإتمام في الصلاة و الإفطار في الصوم، كما نقله عنه أيضا العاملي في مفتاح الكرامة 579:3، و الصحيح - كما في النهاية: 122، و المبسوط 136:1 - التمام في الصلاة و الإفطار في الصوم.
3- الفقيه 280:1-1270، التهذيب 220:3-551.
4- الفقيه 288:1 ذيل الحديث 1314.

- و به قال أكثر العلماء(1) - لأنّه تعالي، علّق علي الضرب في الأرض(2).

و لقول ابن عباس: فرض اللّه الصلاة علي لسان نبيكم في الحضر أربعا، و في السفر ركعتين(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يخرج إلي الصيد أ يقصّر أو يتمّ؟: «يتمّ لأنّه ليس بمسير حق»(4).

و حكي عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال: لا يجوز القصر إلاّ في السفر الواجب، لأنّ الواجب لا يجوز تركه إلاّ بواجب(5).

و لو سلّمنا المقدّمتين، قلنا بموجبه، فإنّ القصر عندنا واجب. و ينتقض بمن لا يجب عليه الجهاد إذا خرج إليه.

مسألة 637: و لا يشترط في القصر كون السفر طاعة،

بل يثبت في السفر إذا كان مباحا، عند علماء الأمصار، لما تقدّم في المسألة الاولي(6).

و لأنّ الرخصة إذا تعلّقت بالسفر الطاعة، تعلّقت بالسفر المباح، كصلاة النافلة علي الراحلة.

و قال عطاء: لا يجوز القصر إلاّ في سفر الطاعة، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لم يقصّر إلاّ في سبل الخير، فلا يقصّر إلاّ في مثلها(7).

و هو خطأ، لأنّ وقوع ذلك اتّفاقي.

ص: 401


1- المجموع 346:4، المغني 100:2، الشرح الكبير 92:2، المهذب للشيرازي 109:1، بداية المجتهد 166:1.
2- إشارة إلي الآية 101 من سورة النساء.
3- صحيح مسلم 479:1-687، سنن ابن ماجة 339:1-1068، مسند أحمد 355:1.
4- الكافي 438:3-8، التهذيب 217:3-537، الاستبصار 236:1-841.
5- المجموع 346:4، المغني 100:2، الشرح الكبير 92:2.
6- برقم 636.
7- المجموع 346:4، حلية العلماء 191:2، المغني 100:2، الشرح الكبير 92:2.

و لأنّه عليه السلام، كان يترخّص في عوده(1) و هو مباح.

و لأنّه لو اختصّ بفعله صلّي اللّه عليه و آله، لاختصّ بالسفر إلي الموضع الذي سافر إليه.

مسألة 638: لا يشترط في القصر الخوف

بل يثبت القصر في سفر الأمن و الخوف معا، عند عامة العلماء، لأنّ يعلي بن أميّة قال لعمر: ما بالنا نقصّر و قد أمنّا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته)(2).

و قال ابن عباس: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، سافر بين مكة و المدينة أمنا لا يخاف إلاّ اللّه تعالي، فصلّي ركعتين(3).

و قال داود: لا يجوز القصر إلاّ في سفر الخوف(4) ، لظاهر قوله تعالي:

فَإِنْ خِفْتُمْ (5) .

و الحديث مبيّن.

مسألة 639: نيّة القصر ليست شرطا فيه،
اشارة

فلو صلّي و لم ينو القصر، وجب، و كذا لو نوي الإتمام، وجب القصر، عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور - لأنّ المقتضي لوجوب الإتمام و القصر ليس هو القصد التابع لحكم اللّه تعالي، بل حكمه تعالي، فلا يتغيّر الفرض بتغيّر النيّة، بل لو نوي المخالف، لم يجزئ و وجب عليه ما حكم اللّه تعالي به، و قد بيّنّا أنّ الواجب

ص: 402


1- صحيح البخاري 53:2، صحيح مسلم 481:1-693، سنن أبي داود 10:2-1233، سنن النسائي 121:3، سنن البيهقي 136:3.
2- صحيح مسلم 478:1-686، سنن أبي داود 3:2-1199، سنن ابن ماجة 1: 339-1065، سنن الدارمي 354:1، مسند أحمد 25:1، سنن البيهقي 134:3.
3- سنن الترمذي 431:2-547، سنن البيهقي 135:3.
4- حلية العلماء 191:2، الميزان للشعراني 180:1، رحمة الأمّة 73:1.
5- النساء: 101.

القصر.

امّا الجمهور، فإنّ القصر عند أكثرهم ليس واجبا، بل المسافر يتخيّر بين القصر و الإتمام(1).

و إنّما يجوز القصر عند الشافعي و أحمد لو نواه، فإن أحرم بنيّة القصر، جاز، و إن أحرم بنية الإتمام، وجب الإتمام عندهما، لأنّ المصلّي في أول الوقت يلزمه الإتمام و إن جاز التأخير قبل الشروع، فكذا هنا إذا نوي الإتمام، لزمه و إن كان مخيّرا في الابتداء(2).

و نحن نمنع التخيير، فإنّ القصر، عندنا واجب - و به قال أبو حنيفة(3) - فإذا نوي الإتمام، لم يتغيّر فرضه.

و إن أطلق النيّة، وجب القصر عندنا، لأنّه يجب لو نوي الإتمام، ففي الإطلاق أولي.

و اختلفت الشافعية، فعند المزني يجوز القصر، لأنّه أحرم بصلاة يجوز له قصرها و لم ينو إتمامها، فكان له قصرها، كما لو نوي القصر(4).

و قال آخرون: يجب الإتمام، لأنّه الأصل، و قد أجمعنا علي جواز القصر مع نيّته، فإذا لم ينو وجب الإتمام. و لأنّ إطلاق النية ينصرف إلي الأصل(5).

و الكل ممنوع بما تقدّم.4.

ص: 403


1- انظر: الام 179:1، مختصر المزني: 24، المجموع 337:4، فتح العزيز 429:4، المغني 108:2، الشرح الكبير 100:2، الشرح الصغير 169:1.
2- الأم 181:1، المجموع 353:4، فتح العزيز 466:4، المغني و الشرح الكبير 106:2 - 107.
3- اللباب 106:1، بدائع الصنائع 91:1، المجموع 337:4، فتح العزيز 430:4، المغني 108:1.
4- فتح العزيز 466:4، حلية العلماء 196:2.
5- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 353:4، الوجيز 60:1، فتح العزيز 466:4.
فروع:

أ: لو نوي القصر ثم أراد الإتمام، لم يجز،

و به قال مالك(1).

أمّا عندنا: فلوجوب القصر، و أمّا عنده: فلأن الزيادة لم تشتمل عليها نيّته.

و قال الشافعي: له ذلك(2).

ب: المواطن الأربعة التي يجوز فيها الإتمام، لو نواه فيها، لم يجب

و كذا لو نوي القصر، لم يجب، عملا بالأصل، و هو الاستصحاب.

ج: لو نوي الإتمام ثم أفسد الصلاة، أعادها قصرا

عندنا، لأنّه الواجب.

و عند الشافعي لا يجوز، لأنّه التزم العبادة(3) علي صفة(4) أمّا لو نوي الإتمام ثم بان أنّه كان محدثا، لم يلزمه الإتمام قولا واحدا، لعدم انعقادها.

و كذا لو فقد المطهّرين، فشرع مصلّيا بنية الإتمام ثم قدر علي الطهارة، لم يلزمه الإتمام.

أمّا عندنا: فلأنّ فرضه القصر. و أمّا عند الشافعي: فلأنّ ما شرع فيه ليس بحقيقة صلاة(5).

د: لو شكّ هل نوي القصر أم لا، لم يلزمه الإتمام، لما بيّنّا من وجوب القصر.

ص: 404


1- المجموع 355:4، المغني و الشرح الكبير 107:2.
2- المجموع 355:4، فتح العزيز 466:4، المغني و الشرح الكبير 107:2.
3- في نسخة «م»: انعقاده، و المثبت في المتن موافق لما في المصدر.
4- المجموع 357:4، المغني 107:2، الشرح الكبير 106:2.
5- المجموع 357:4.

و عند الشافعي: يجب الإتمام، لأنّه الأصل، و القصر رخصة، فإذا شكّ في سببها عاد إلي الأصل(1).

و لو شكّ في نية القصر ثم تذكّر في الحال، لزمه القصر.

و عند الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ فعله في زمان الشك احتسب به عن الإتمام، و من احتسب جزء من صلاته عن الإتمام وجب عليه(2).

ه: لو كان في الصلاة فشكّ هل نوي الإقامة أم لا، لزمه القصر،

عملا بالاستصحاب.

و عند الشافعي يجب الإتمام، لأنّ القصر رخصة، فإذا شكّ في الشرط، عاد إلي الأصل(3).

و: لو وصل إلي بلدة في السفينة، فشكّ هل هي بلدة إقامته ؟ لزمه الإتمام،

لوقوع الشك في سبب الرخصة.

و الأقرب: وجوب القصر، للاستصحاب.

ز: لو نوي القصر فصلّي ركعتين و قعد للتشهّد ثم قام، فإن قصد الإتمام، لم يجز

عندنا.

و قال الشافعي: يجوز(4).

و إن قام ساهيا، عاد إلي قعوده، و إن تعمّده و لم يقصد الإتمام، فسدت صلاته، كما لو قام إلي الخامسة عمدا، و به قال الشافعي(5).1.

ص: 405


1- المهذب للشيرازي 110:1، المجموع 357:4، فتح العزيز 466:4.
2- المجموع 351:4 و 357، فتح العزيز 466:4، فتح الوهاب 71:1، منهج الطلاب 71:1، كفاية الأخيار 88:1.
3- المجموع 357:4، فتح العزيز 468:4، السراج الوهاج: 81.
4- المجموع 354:4، فتح العزيز 467:4.
5- فتح العزيز 467:4-468، السراج الوهاج: 81، مغني المحتاج 270:1، فتح الوهّاب 71:1، منهج الطلاب 71:1.

قال: و لو نوي القصر ثم صلّي أربعا ساهيا فلمّا قعد للتشهد نوي الإتمام، لم يحتسب له ما فعله، و عليه أن يقوم فيصلّي ركعتين غيرهما، لأنّه ساه في فعلها، و السهو لا يحتسب به عن الفرض(1).

و عندنا ليس له الإتمام إلاّ مع تجديد نيّة الإقامة، فلو صلّي أربعا سهوا ثم عزم علي المقام عشرة قبل التسليم، احتمل قول الشافعي.

هذا إذا لم يقصد التمام، فإن قصده ساهيا، أعاد في الوقت خاصّة.

مسألة 640: و لا يشترط في القصر عدم الائتمام بالمقيم،

عند علمائنا أجمع، فلو ائتمّ مسافر بمقيم، قصّر المسافر و لا يتابع المقيم عندنا، و به قال إسحاق بن راهويه(2).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و الأوزاعي و أحمد و داود: يجب عليه الإتمام(3). و كذا قال مالك: إن أدرك ركعة، و إلاّ قصّر(4).

و قد تقدّم(5) البحث في ذلك في باب الجماعة.

المطلب الثالث: في الأحكام
مسألة 641: قد بيّنّا أنّ الواجب علي المسافر هو القصر،

عند علمائنا، فلو أتمّ فأقسامه ثلاثة:

ص: 406


1- المجموع 354:4، فتح العزيز 468:4.
2- المجموع 358:4، حلية العلماء 196:2، المغني 129:2، الشرح الكبير 103:2، الميزان للشعراني 182:1.
3- المجموع 357:4، فتح العزيز 461:4، حلية العلماء 196:2، الميزان للشعراني 1: 181، مغني المحتاج 269:1، بدائع الصنائع 93:1، المغني 129:2، الشرح الكبير 2: 103.
4- المدونة الكبري 120:1، المجموع 357:4، فتح العزيز 461:4، المغني 129:2، الشرح الكبير 103:2، حلية العلماء 196:2.
5- تقدم في المسألة 577.

الأول: أن يتعمّد ذلك، فيجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، سواء قعد قدر التشهّد، أو لا، عند علمائنا أجمع، لأنّه زاد في الفريضة عمدا، فأبطل صلاته، كما لو زاد في غيرها من الفرائض.

و لما رواه ابن عباس قال: من صلّي في السفر أربعا كمن صلّي في الحضر ركعتين(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر؟ قال: «أعد»(2).

و قال أبو حنيفة: يعيد إلاّ أن يقعد قدر التشهّد(3).

و ليس بجيّد، لأنّه جلوس لم ينو به الصلاة، فكانت الزيادة بعده كما لو كانت قبله.

و لأنّه فعل كثير ليس من الصلاة، فيكون مبطلا بعد الجلوس، كما هو قبله.

و باقي الجمهور علي صحة الصلاة، لعدم تعيّن القصر.

الثاني: أن يفعل ذلك جاهلا بوجوب القصر، فلا يعيد مطلقا عند أكثر علمائنا(4) ، لقوله عليه السلام: (الناس في سعة ما لم يعلموا)(5).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة و محمد ابن مسلم، عن رجل صلّي في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟: «إن كان قد قرئت عليه آية القصر و فسّرت له أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها، لم يعد»(6).4.

ص: 407


1- المغني 109:2.
2- التهذيب 14:2-33.
3- اللباب 106:1، المجموع 337:4-338، المغني 108:2.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 123، و ابن إدريس في السرائر: 77، و المحقق في المعتبر: 254.
5- أورده المحقق في المعتبر: 254.
6- الفقيه 278:1-279-1266، التهذيب 226:3-571، تفسير العياشي 271:1-254.

و لأنّ الأصل الإتمام، فمع الجهل و رجوعه إلي الأصل يكون معذورا.

و لاشتمال القضاء علي عقوبة، و الجهل شبهة، فلا تترتّب عليها العقوبة.

و قال أبو الصلاح: يعيد في الوقت(1).

الثالث: أن يفعله ساهيا، قال علماؤنا: يعيد في الوقت لا خارجه، لأنّه لم يفعل المأمور به علي وجهه، فيبقي في عهدة الأمر، بخلاف الجهل بالقصر، لأنّ التكليف منوط بالعلم، و بخلاف ما لو خرج الوقت، فإنّه لا يعيد، لأنّه يكون قضاء، و إنّما يجب بأمر جديد، إذ استدراك مصلحة الواجب في وقته غير ممكن.

و لقول الصادق عليه السلام - و قد سأله العيص، عن رجل صلّي و هو مسافر فأتمّ الصلاة -: «إن كان في الوقت فليعد، و إن كان الوقت مضي فلا»(2).

و قال عليه السلام، في الرجل ينسي فيصلّي في السفر أربع ركعات:

«إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتي مضي ذلك اليوم فلا إعادة»(3).

مسألة 642: لو قصّر المسافر اتّفاقا من غير أن يعلم وجوبه، أو جهل المسافة، فاتّفق أن كان الفرض ذلك، لم تجزئه الصلاة،

لأنّ القصر إنّما يجوز مع علم السبب أو ظنّه، فدخوله في هذه الصلاة منهي عنه في ظنّه، فلا تقع مجزئة عنه.

و لو ظنّ المسافة فأتم ثم علم القصور، احتمل الإجزاء، للموافقة،

ص: 408


1- الكافي في الفقه: 116.
2- الكافي 435:3-6، التهذيب 169:3-372 و 225-569، الاستبصار 1: 241-860.
3- الفقيه 281:1-1275، التهذيب 169:3-373، الاستبصار 241:1-861.

و لرجوعه إلي الأصل، و لأنّ القصر طار. و عدمه، لإقدامه علي عبادة يظنّ فسادها، فلا تقع مجزئة عنه.

مسألة 643: الشرائط في قصر الصلاة و قصر الصوم واحدة

إجماعا، و كذا الحكم مطلقا علي مذهب أكثر علمائنا(1) ، لقول الصادق عليه السلام:

«إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(2).

و عند الشيخ يجب علي من زاد سفره علي حضره إذا أقام خمسة أيام قصر صلاة النهار دون الصوم، و كذا قال - رحمه اللّه - في الصائد للتجارة: يقصّر في الصلاة خاصة(3).

و الوجه: ما قلناه للرواية. و لأنّه سبب في الترخّص في الصلاة، فكذا في الصوم، لأنّه أحد الرخصتين.

مسألة 644: إذا نوي المسافر الإقامة في بلد عشرة أيام،

أتمّ علي ما تقدّم، فإن رجع عن نيّته، قصّر ما لم يصلّ تماما و لو صلاة واحدة، فلو صلّي صلاة واحدة علي التمام، أتمّ، لأنّ النيّة بمجرّدها لا يصير بها مقيما، فإذا فعل صلاة واحدة علي التمام، فقد ظهر حكم الإقامة فعلا، فلزم الإتمام، لانقطاع السفر بالنيّة و الفعل.

و لو لم يصلّ صلاة واحدة علي التمام، كان حكم سفره باقيا، لأنّ المسافر لا يصير مقيما بمجرّد نيّة الإقامة، كما لو نوي الإقامة ثم رجع.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سأله أبو ولاّد: كنت نويت الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا لي بعد، فما تري ؟ قال: «إن كنت صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام، فليس لك أن تقصّر حتي تخرج منها، و إن كنت

ص: 409


1- منهم: ابن إدريس في السرائر: 89.
2- الفقيه 280:1-1270، التهذيب 220:3-551.
3- انظر: النهاية: 122 و 123، و المبسوط للطوسي 136:1 و 141، و راجع أيضا الهامش (2) من صفحة 400.

دخلتها و علي نيتك التمام فلم تصلّ فيها فريضة واحدة بتمام حتي بدا لك، فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتمّ، و إن لم تنو المقام، فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضي شهر، فأتمّ الصلاة»(1).

مسألة 645: لو رجع عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة، قال الشيخ:
اشارة

يتمّ،

لأنّه دخل في الصلاة بنيّة الإتمام(2).

و الوجه عندي: التفصيل، و هو: أنّه إن كان قد تجاوز في صلاته فرض القصر، بأن صلّي ثلاث ركعات، تعيّن الإتمام، و إلاّ جاز له القصر، لأنّ المناط في وجوب الإتمام صلاة تامة و لم توجد في الأثناء.

فروع:
أ: لو رجع عن نيّة الإقامة بعد خروج وقت الصلاة و لم يصلّ، فإن كان الترك لعذر مسقط، صحّ الرجوع، و وجب القصر،

و إن لم يكن لعذر مسقط، لم يصحّ، و وجب الإتمام إلي أن يخرج.

ب: لو نوي الإقامة فشرع في الصوم، فالوجه: أنّه كصلاة الإتمام،

لأنّه إحدي العبادتين المشروطتين بالإقامة و قد وجدت النيّة و أثرها، فأشبه العبادة الأخري.

و يحتمل صحة الرجوع، لأنّ المناط الصلاة تماما.

ج: إن جعلنا الصوم ملزما للإقامة، فإنّما هو الصوم الواجب المشروط بالحضر أو النافلة

إن شرطنا في صحتها الإقامة، أمّا ما لا يشترط بالحضر كالمنذور سفرا و حضرا، أو النافلة إن سوّغناها في السفر، فلا.

مسألة 646: لو أحرم بنيّة القصر ثم نوي في الأثناء المقام عشرة، أتمّ
اشارة

ص: 410


1- الفقيه 280:1-1271، التهذيب 221:3-553، الاستبصار 238:1-851.
2- المبسوط للطوسي 139:1.

الصلاة تماما، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(1) - لانتفاء سبب القصر - و هو السفر - لوجود نيّة الإقامة المضادّة للسفر، و لا يجتمع الضدّان.

و قال مالك: إذا رجع عن نيّة القصر، لم يبن علي صلاته، فإن كان قد صلّي ركعة بسجدتيها، أتمّها ركعتين نافلة، لأنّها صلاة ابتدئت بنيّة فرض، فلا يجوز نقله إلي غيره، كما لا تنقل صلاة الظهر إلي العصر(2).

و الجواب: منع حكم الأصل عندنا، سلّمنا لكنّها صلاة واحدة لا تختلف نيّتها إلاّ من جهة العدد، فإذا نواها ركعتين، جاز أن يجعلها أربعا، كالنافلة، بخلاف الظهر و العصر، لأنّ نيّة الصلاة مختلفة.

فروع:
أ: لو دخل بنيّة القصر ثم نوي الإتمام، لم يجز له الإتمام

عندنا، إلاّ أن ينوي المقام عشرا، لأنّ فرضه القصر، فلا يتغيّر بتغيّر النيّة علي ما سبق.

و قال الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ نيّة الزيادة في العدد لا تتغيّر به النيّة، و هو بناء علي أنّ القصر سائغ(3).

و قال مالك: لا يجب الإتمام، لأنّه نوي عددا، فإذا زاد عليه، حصلت الزيادة بغير نيّة، فلم تجز(4).

ب: لو أحرم و نوي القصر فصلّي أربعا ناسيا، فقد بيّنّا الإجزاء مع خروج الوقت، و الإعادة مع بقائه.

ص: 411


1- الام 181:1، المجموع 354:4، فتح العزيز 466:4، حلية العلماء 197:2، مغني المحتاج 270:1.
2- المدونة الكبري 120:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 67، التفريع 259:1، المنتقي للباجي 265:1، المجموع 355:4، حلية العلماء 197:2.
3- الام 181:1، مختصر المزني: 25، المجموع 355:4، فتح العزيز 466:4، حلية العلماء 197:2، المغني و الشرح الكبير 107:2.
4- المغني و الشرح الكبير 107:2، المجموع 355:4، فتح العزيز 468:4، حلية العلماء 2: 197.

و قال الشافعي: تجزئه مطلقا، و يسجد للسهو(1).

و لو تعمّد ذلك، لم يجز عندنا علي ما بيّنّاه.

و قال الشافعي: تجزئه و لا يسجد(2).

قالت الشافعية: و هو غريب، لأنّ الزيادة التي توجب سجود السهو إذا تعمّدها، أفسدت(3).

و حكي ابن المنذر عن الحسن البصري كقول الشافعي(4).

و قال بعض أصحاب مالك: لا تجزئه، لأنّ هذا السهو عمل كثير(5).

و ليس بجيّد، لأنّه من جنس الصلاة.

ج: لو أراد السفر إلي بلد ثم إلي آخر بعده، فإن كان الأدني ممّا يقصّر في مثله، قصّر،

و إلاّ لم يقصّر إن نوي الإقامة في الأقرب عشرة، و إلاّ قصّر إن بلغ المجموع المسافة.

و لو دخل الأقرب فأراد الخروج إلي الآخر، اعتبرت المسافة إليه.

و لو قصد بلدا ثم قصد أن يدخل في طريقه إلي بلد آخر يقيم فيه أقلّ من عشرة أيام، لم يقطع ذلك سفره، و اعتبرت المسافة من البلد الذي أنشأ منه السفر إلي البلد الذي قصده.

د: لو خرج إلي الأبعد فخاف في طريقه فأقام لطلب الرفقة أو ليرتاد الخبر ثم طلب غير الأبعد الذي قصده أوّلا، جعل مبتدئا للسفر

من موضع إقامته لارتياد الخبر، لأنّه قطع النية الاولي، و إن لم يبد له لكن أقام أقلّ من عشرة، قصّر.

ص: 412


1- المجموع 354:4، حلية العلماء 196:2، فتح العزيز 468:4.
2- حلية العلماء 196:2.
3- انظر: فتح العزيز 467:4-468.
4- حلية العلماء 196:2.
5- مقدمات ابن رشد 159:1، حلية العلماء 196:2.
ه: لو فارق البلد إلي حيث غاب الأذان و الجدران، ثم عاد إلي البلد لحاجة عرضت، لم يترخّص في رجوعه و خروجه ثانيا

إلي أن يغيب عنه الأذان و الجدران، إلاّ أن يكون غريبا عن البلد، أو يبلغ سيره مسافة، فله استدامة الترخّص و إن كان قد أقام أكثر من عشرة في بلد الغربة، و هو أظهر وجهي الشافعي(1).

و: لو عزم العشرة في غير بلده ثم خرج إلي ما دون المسافة عازما علي العود و الإقامة، أتمّ ذاهبا و عائدا

و في البلد، و إن لم يعزم، قصّر.

ز: لو قصّر في ابتداء السفر ثم رجع عن نيّة السفر، لم تجب عليه الإعادة،

لأنّها وقعت مشروعة و إن كان الوقت باقيا.

ح: لا يحتاج القصر إلي نيّته علي ما بيّناه، بل تكفي نيّة فرض الوقت،

و به قال أبو حنيفة(2).

و قال الشافعي: إنّما يجوز القصر بشروط ثلاثة: أن يكون سفرا يقصّر فيه الصلاة، و أن ينوي القصر مع الإحرام، و أن تكون الصلاة أداء لا قضاء(3).

و قال المزني: إن نوي القصر قبل السلام، جاز له القصر(4).

مسألة 647: قال الشيخ رحمه اللّه: صلاة السفر لا تسمّي قصرا،

لمغايرة فرض السفر فرض الحضر، و به قال أبو حنيفة و كلّ من وافقنا في وجوب القصر.

و قال الشافعي: إنّه يسمّي قصرا(5).

و هو نزاع لفظي.

ص: 413


1- المجموع 349:4، الوجيز 58:1، فتح العزيز 441:4، المغني 137:2.
2- المجموع 353:4.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 580:1، المسألة 335، و انظر: المجموع 353:4.
4- المجموع 353:4.
5- الخلاف 571:1، المسألة 322، و انظر: المجموع 353:4.
مسألة 648: الصوم في سفر القصر باطل،

و عليه الإعادة عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر، و أبو هريرة، و ثلاثة أخري من الصحابة(1) - لقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) أوجب عدّة أيام.

و قال داود: يصح صومه، و عليه القضاء(3). و قال باقي الفقهاء: إن شاء صام و إن شاء أفطر، فإن صام أجزأ(4). و سيأتي(5).

مسألة 649: نوافل النهار تسقط في السفر دون نوافل الليل،

عند علمائنا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يوتر علي الراحلة في السفر(6).

و كان يتنفّل علي الراحلة في السفر حيث ما توجّهت به راحلته(7). و أقام النبي صلّي اللّه عليه و آله، علي حرب هوازن ثمانية عشر يوما و كان يتنفّل(8).

و أمّا قصر نوافل النهار: فلأنّها تابعة لفرائض مقصورة، فاقتضت

ص: 414


1- المجموع 264:6، أحكام القرآن للجصاص 214:1، تفسير القرطبي 279:2-280، عمدة القارئ 43:11، نيل الأوطار 305:4.
2- البقرة: 184.
3- عمدة القارئ 43:11، نيل الأوطار 305:4.
4- انظر: المغني 43:3، و المجموع 264:6، و الام 102:2، و عمدة القاري 43:11، و نيل الأوطار 307:4.
5- يأتي في ج 6، كتاب الصوم، المسألة 62.
6- صحيح البخاري 55:2-56، صحيح مسلم 487:1-36 و 38 و 39، مصنف ابن أبي شيبة 303:2، سنن الترمذي 335:2-336-472، سنن النسائي 243:1-244 و 232:3، سنن أبي داود 9:2-1224، سنن الدار قطني 28:2-29-2 و 3، سنن البيهقي 491:2.
7- صحيح البخاري 55:2، صحيح مسلم 486:1-487-31 و 39، سنن الترمذي 2: 183-352، سنن أبي داود 9:2-1224، سنن النسائي 243:1-244، سنن البيهقي 491:2.
8- فتح العزيز 449:4، تلخيص الحبير 449:4.

الحكمة إسقاطها.

و قال الشافعي: يجوز أن يتنفّل بالنهار و الليل(1).

و منع بعض التابعين من التنفّل مطلقا، لأنّه إذا سقط بعض الفرض فلا يأتي بالنافلة(2).2.

ص: 415


1- الام 186:1، المجموع 400:4، المغني 141:2، الشرح الكبير 114:2.
2- المجموع 401:4، المغني 141:2، الشرح الكبير 114:2.

ص: 416

الفصل الثالث: في صلاة الخوف
اشارة

و فيه مطلبان:

الأول: الكيفية
مسألة 650: قيل: إنّ قبل نزول آية صلاة الخوف كان النبي صلّي اللّه عليه و آله، يؤخّر الصلاة إلي أن يحصل الأمن

ثم يقضيها، لأنّ الشرع كان كذلك، ثم نسخ إلي صلاة الخوف، و لهذا أخّر النبي صلّي اللّه عليه و آله (أربع صلوات)(1) يوم الخندق(2).

و الأصل في صلاة الخوف: الكتاب و السنّة و الإجماع:

قال اللّه تعالي وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ (3) و قد ثبت أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي يوم ذات الرقاع صلاة الخوف(4).

و سمّيت ذات الرقاع، لأنّ فيه جبلا ألوانه مختلفة بعضه أحمر، و بعضه أسود، و بعضه أصفر.

و قال أبو موسي الأشعري: موضع مرّ به ثمانية نفر حفاة، فتنقّبت

ص: 417


1- بدل ما بين القوسين في «ش»: صلاة.
2- المغني 251:2، الشرح الكبير 127:2، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ: 118-120.
3- النساء: 102.
4- صحيح البخاري 145:5، صحيح مسلم 575:1-842، سنن النسائي 171:3، سنن أبي داود 13:2-1238، مسند أحمد 370:5، موطإ مالك 183:1-1.

أرجلهم(1) ، و تساقطت أظفارهم، فكانوا يلفّون عليها الخرق، فسمّيت لذلك ذات الرقاع(2).

و صلّي عليه السلام، يوم عسفان ببطن النخل صلاة الخوف(3).

مسألة 651: صلاة الخوف ثابتة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،

و به قال عامة أهل العلم(4) ، لأنّه عليه السلام صلاّها، و ورد الكتاب بها، و قال تعالي فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا (5).

و سئل عليه السلام، عن القبلة للصائم، فأجاب بأنّني أفعل ذلك، فقال السائل: لست مثلنا، فغضب و قال: (إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم للّه، و أعلمكم بما أتّقي)(6) و لو اختصّ بفعله، لما كان الإخبار بفعله جوابا، و لا غضب من قول السائل: لست مثلنا.

و لأنّ الصحابة أجمعوا علي صلاة الخوف: صلّي علي عليه السلام، في حرب معاوية ليلة الهرير صلاة الخوف(7). و صلّي أبو موسي الأشعري صلاة الخوف بأصحابه(8). و كان سعيد بن العاص أميرا علي الجيش بطبرستان، فقال: أيّكم صلّي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة: أنا، فقدّمه فصلّي بهم(9).

ص: 418


1- أي: رقّت جلودها. النهاية لابن الأثير 102:5.
2- صحيح البخاري 145:5، معجم البلدان 56:3.
3- مسند أحمد 59:4 و 60، سنن الترمذي 243:5-3035، مسند الطيالسي: 192-1347، سنن البيهقي 257:3 بتفاوت.
4- المغني 250:2-251، الشرح الكبير 126:2.
5- الأنعام: 155.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 251:2، و الشرح الكبير 126:2-127، و نحوه في صحيح مسلم 779:2-1108، و الموطأ لمالك 291:1-13.
7- سنن البيهقي 252:3، المغني 251:2، و الشرح الكبير 126:2.
8- سنن البيهقي 252:3، المغني 251:2، و الشرح الكبير 126:2.
9- سنن البيهقي 252:3، سنن النسائي 168:3، سنن أبي داود 16:2-17-1246، مسند أحمد 395:5 و 399 و 404 و 406، و المغني 251:2، و الشرح الكبير 126:2.

و قال أبو يوسف: إنّها كانت تختصّ برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لقوله تعالي وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (1)(2) شرط كونه فيهم.

و قال المزني: الآية منسوخة، و قد أخّر النبي صلّي اللّه عليه و آله، يوم الخندق أربع صلوات، اشتغالا بالقتال، و لم يصلّ صلاة الخوف(3).

و خطابه لا يوجب اختصاصه، لوجوب التأسّي علينا، و لهذا أنكرت الصحابة علي مانعي الزكاة حيث قالوا: إنّ اللّه تعالي قال لنبيّه خُذْ (4) فخصّه بذلك. و يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف(5).

مسألة 652: و صلاة الخوف جائزة في السفر

بالإجماع، و كذا في الحضر، عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد(6) - لقوله تعالي وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ (7) و هو عام في كلّ حال.

و لأنّها حالة خوف، فجاز فيها صلاة الخوف، كالسفر.

و قال مالك: لا تجوز في الحضر، لأنّ الآية دلّت علي صلاة ركعتين، و صلاة الحضر أربع.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يفعلها في الحضر(8).

ص: 419


1- النساء: 102.
2- الهداية للمرغيناني 89:1، المجموع 405:4، حلية العلماء 208:2، المغني 251:2، و الشرح الكبير 126:2.
3- المجموع 405:4، حلية العلماء 208:2.
4- التوبة: 103.
5- المغني 251:2 و 269، الشرح الكبير 127:2 و 140، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار: 118-119.
6- الام 210:1، المجموع 419:4، حلية العلماء 213:2، الميزان للشعراني 184:1، المغني 258:2، الشرح الكبير 134:2.
7- النساء: 102.
8- المغني 258:2، الشرح الكبير 134:2، المجموع 419:4، حلية العلماء 213:2، الميزان للشعراني 184:1.

و نمنع عدم القصر في الحضر علي ما سيأتي(1).

سلّمنا، لكن قد يكون في الحضر ركعتان كالفجر و صلاة الجمعة، و المغرب ثلاث يجوز فعلها في الخوف في السفر إجماعا.

و ترك النبي صلّي اللّه عليه و آله، فعلها في الحضر، لغناه عن فعلها فيه.

مسألة 653: و هي مقصورة في السفر إجماعا

في عدد الرباعية إلي ركعتين خاصة، عند علمائنا أجمع - و هو قول الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أحمد و أكثر العلماء(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي يوم ذات الرقاع بكلّ طائفة ركعتين(3). و المراد أنّها صلّت ركعتين في حكم صلاته و لأنّ الإمام و المأموم علي صفة واحدة، فيجب أن يستوي حكمهما.

و حكي عن ابن عباس أنّه قال: صلاة الخوف لكلّ طائفة ركعة، و للإمام ركعتان، و به قال الحسن البصري و طاوس و مجاهد(4) ، لقوله تعالي وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (5) يعني تجاه القبلة.

أخبر أنّهم يصلّون قياما و سجودا، فقد ثبت أنّهم إنّما يصلّون ركعة واحدة.

ثم قال وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْري لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (6) يعني

ص: 420


1- يأتي في المسألة 654.
2- الام 210:1، الميزان للشعراني 184:1، بدائع الصنائع 243:1، شرح فتح القدير 2: 62، المدونة الكبري 161:1، المغني 252:2.
3- صحيح البخاري 147:5، صحيح مسلم 576:1-843، سنن النسائي 171:3.
4- المجموع 404:4، حلية العلماء 208:2، بدائع الصنائع 243:1، الكفاية 64:2 - 65.
5- النساء 102.
6- النساء 102.

يصلّون صلاتهم معك، و الذي بقي عليه ركعة.

و هي محمولة علي أنّ المراد بقوله فَإِذا سَجَدُوا و فعلوا الركعة الأخري، و عبّر عنها بالسجود.

مسألة 654: المشهور عند علمائنا: أنّ صلاة الخوف مقصورة في الحضر كالسفر،

سواء صلّيت جماعة أو فرادي - و شرط بعضهم(1) في القصر الجماعة - للآية، فإنّها دلّت علي أنّه يصلّي بكلّ طائفة ركعة.

و لقوله تعالي وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ (2) و ليس المراد بالضرب سفر القصر، و إلاّ لكان اشتراط الخوف لغوا.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي صلاة الخوف في المواضع التي صلاّها ركعتين(3) ، و لم يرو عنه أنّه صلّي أربعا في موضع من المواضع.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة عن صلاة الخوف و صلاة السفر تقصّران ؟ قال: «نعم و صلاة الخوف أحقّ أن تقصّر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه»(4) و لم يشترط الجماعة.

و لأنّ المشقّة بالإتمام أكثر من المشقّة في السفر، فكان الترخّص فيه أولي.

و قال بعض علمائنا: إنّما يقصّر العدد في السفر لا في الحضر، بل يصلّي أربعا جماعة و فرادي(5) - و عليه الجمهور كافة - لثبوت الأربع في الذمة،

ص: 421


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 165:1.
2- النساء: 101.
3- انظر: سنن الدار قطني 58:2-2 و 5-7، سنن الدارمي 357:1، الموطأ 183:1-1-3، سنن البيهقي 253:3.
4- الفقيه 294:1-1342، التهذيب 302:3-921.
5- حكاه عن بعض الأصحاب أيضا الشيخ الطوسي في المبسوط 163:1، و ابن إدريس في السرائر: 78، و المحقق في المعتبر: 248.

و لم يحصل الشرط الذي هو السفر، و غيره لم يثبت له حكم الإسقاط.

و قد دلّلنا علي ثبوت المسقط.

مسألة 655: و لها أربع صور:

الأولي: صلاة ذات الرقاع: و هي أن يلتحم القتال و يحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة، فيفرقهم الإمام فرقتين لينحاز(1) بطائفة إلي حيث لا تبلغهم سهام العدوّ، فيصلّي بهم ركعة، فإذا قام إلي الثانية، انفردوا واجبا و أتمّوا، و الأخري تحرسهم، ثم تأخذ الأولي مكان الثانية و تنحاز الثانية إلي الإمام و هو ينتظرهم فيقتدون به في الثانية، فإذا جلس للتشهّد في الثانية، قاموا فأتمّوا و لحقوا به، و سلّم بهم، فيحصل للطائفة الأولي تكبيرة الافتتاح و للثانية التسليم، و به قال مالك و داود و أحمد و الشافعي(2).

لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه صلّي يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فصفّت طائفة معه، و طائفة تجاه العدوّ، فصلّي بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما و أتمّوا لأنفسهم، ثم انصرفوا و صفّوا تجاه العدوّ، و جاءت الطائفة الأخري، فصلّي بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا، و أتمّوا لأنفسهم ثم سلّم بهم(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، و قد سأله الحلبي عن صلاة الخوف: «يقوم الإمام و تجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه، و طائفة

ص: 422


1- انحاز القوم: تركوا مكانا و مالوا إلي موضع آخر. العين - للخليل - 275:3 «حيز» و لسان العرب 340:5 «حوز».
2- الوجيز 67:1، كفاية الأخيار 98:1-99، السراج الوهاج: 92، المدونة الكبري 1: 163، الكافي في فقه أهل المدينة: 72-73، التفريع 237:1، حلية العلماء 209:2، الشرح الكبير 129:2-130.
3- صحيح مسلم 575:1-842، الموطأ 183:1-1، سنن أبي داود 13:2-1238، سنن البيهقي 253:3.

بإزاء العدوّ فيصلّي بهم الإمام ركعة، ثم يقوم و يقومون معه فيمثل قائما، و يصلّون هم الركعة الثانية، ثم يسلّم بعضهم علي بعض، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم و يجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الامام و يقومون هم فيصلّون ركعة أخري ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه»(1).

و قال ابن أبي ليلي كقولنا، إلاّ أنه قال: يحرم بالطائفتين معا، ثم يصلّي بإحداهما علي ما قلناه(2).

و قال أبو حنيفة: يصلّي بإحدي الطائفتين ركعة ثم تنصرف إلي وجه العدوّ و هي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الأخري إلي الإمام فيصلّي بها الركعة الأخري ثم يسلّم، ثم ترجع هذه الطائفة إلي وجه العدوّ و هي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الاولي إلي موضع الصلاة مع الإمام، فتصلّي ركعة منفردة و هي في الصلاة، و لا تقرأ فيها، لأنّها في حكم الائتمام، ثم تنصرف إلي وجه العدوّ، ثم تأتي الطائفة الأخري إلي موضع الإمام، فتصلّي الركعة الثانية منفردة، و تقرأ فيها، لأنّها فارقت الإمام بعد فراغه من الصلاة، فحكمها حكم المنفرد، لأنّ عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عمر رويا ذلك(3).

قال: و هو أولي ممّا ذهبتم إليه، لأنّكم تجوّزون للمأمومين مفارقة الإمام قبل فراغه من الصلاة و هم الطائفة الاولي، و تجوّزون للثانية المخالفة في الأفعال، فيكون جالسا و هم قيّام يأتون بركعة و هم في إمامته(4).2.

ص: 423


1- الكافي 455:3-1، التهذيب 171:3-172-379.
2- بدائع الصنائع 244:1، المبسوط للسرخسي 46:2، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 639:1، المسألة 410.
3- سنن أبي داود 15:2 و 16-1243 و 1244.
4- اللباب 123:1-124، الهداية للمرغيناني 89:1، المجموع 409:4، المغني 254:2 - 255، حلية العلماء 210:2.

و ما قلناه أشبه بالكتاب، و أحوط للصلاة، و أولي للحرب، لأنّ قوله:

فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (1) يقتضي أن يسجدوا بعد صلاتهم معه، و ذلك هو الركعة الأخري.

و قوله وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْري لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (2) يقتضي أنّ جميع صلاتها معه، و عنده تصلّي معه ركعة، و عندنا جميع صلاتها معه إحدي الركعتين توافقه في أفعاله و قيامه، و الثانية تأتي بها قبل سلامه، ثم تسلّم معه.

و من مفهوم قوله لَمْ يُصَلُّوا أنّ الطائفة الأولي قد صلّت جميع صلاتها، و علي قولهم لم تصلّ إلاّ بعضها.

و أمّا الاحتياط للصلاة: فإنّ كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية بعضها يوافق الإمام فيها فعلا، و بعضها يفارقه، و تأتي به وحدها كالمسبوق، و عنده تنصرف في الصلاة، فإمّا أن تمشي و إمّا أن تركب. و هذا عمل كثير، و تستدبر القبلة.

و هو ينافي الصلاة، و تفرّق بين الركعتين تفريقا كثيرا بما ينافيها.

ثم جعلوا الطائفة الأولي مؤتمّة بالإمام بعد سلامه. و لا يجوز أن يكون المأموم مأموما في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه.

و أمّا الأولوية للحرب: فإنّه يتمكّن من الضرب و الطعن و إعلام غيره بما يراه ممّا خفي عليه من أمر العدوّ، و تحذيره، و إعلام الذين مع الإمام بما يحدث، و لا يمكن علي قولهم ذلك.

و لأنّ مبني صلاة الخوف علي التخفيف، لأنّهم في موضع الحاجة إليه.

و علي قولهم تطول الصلاة أضعاف حال الأمن، لأنّ كلّ طائفة تحتاج إلي المضيّ إلي مكان الصلاة، و الرجوع إلي لقاء العدوّ، و انتظار مضيّ2.

ص: 424


1- النساء: 102.
2- النساء: 102.

الطائفة الأخري و رجوعها، فإن كان بين المكانين نصف ميل، احتاجت كلّ طائفة إلي مشي ميل، و انتظار الأخري قدر مشي ميل و هي في الصلاة، ثم تحتاج إلي تكليف الرجوع إلي موضع الصلاة لإتمام الصلاة من غير حاجة إليه، و لا مصلحة تتعلّق به، فلو احتاج الآمن إلي هذه الكلفة في الجماعة، سقطت، فكيف يكلّف الخائف و هو في مظنّة التخفيف و الحاجة إلي الرفق!؟ و مفارقة الإمام لعذر جائزة، و لا بدّ منها علي القولين، فإنّهم جوّزوا للطائفة الأولي مفارقة الإمام و الذهاب إلي وجه العدوّ، و هذا أعظم ممّا ذكرناه، فإنّه لا نظير له في الشرع، و لا يوجد مثله في موضع آخر.

إذا عرفت هذا، فإن صلّي بهم كمذهب أبي حنيفة، لم يجز، لما فيه من الفعل الكثير.

و قال أحمد و ابن جرير و بعض الشافعية: يجوز، لكن يكون قد ترك الأولي(1).

مسألة 656: يشترط في صلاة ذات الرقاع أمور أربعة:

الأول: كون الخصم في غير جهة القبلة بحيث لا يتمكّن من الصلاة حتي يستدبر القبلة، أو تكون عن يمينه أو شماله، أو الحيلولة بينهم و بين المسلمين بما يمنع من رؤيتهم لو هجموا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، فعلها علي هذه الصورة(3) ، فتجب متابعته.

و قال أحمد: لا يشترط، لأنّ العدوّ قد يكون في جهة القبلة علي وجه لا يمكن أن يصلّي بهم صلاة عسفان، لانتشارهم أو استتارهم أو الخوف من كمين(4).

ص: 425


1- المجموع 408:4-409، المغني 257:2، حلية العلماء 211:2.
2- المجموع 409:4، كفاية الأخيار 98:1، السراج الوهاج: 92، حلية العلماء 209:2.
3- سنن النسائي 171:3، الموطأ 183:1-2، سنن الدار قطني 60:2-11.
4- المغني 252:2، الشرح الكبير 129:2.

و الجواب: ليست الصلاة منحصرة في هذه و صلاة عسفان، فجاز أن يصلّوا منفردين.

و لو قيل بالجواز، كان وجها، لعدم المانع منه. و فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله وقع اتّفاقا، لا أنّه كان شرطا.

الثاني: كون الخصم قويّا بحيث يخاف هجومه علي المسلمين متي اشتغلوا بالصلاة، و إلاّ لانتفي الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة.

الثالث: أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين تقاوم كلّ فرقة العدوّ، و إلاّ لم تتحقّق هذه الصلاة.

الرابع: عدم الاحتياج إلي زيادة التفريق علي فرقتين، و إلاّ لحصل لكلّ فرقة أقلّ من ركعة، فلا يتحقّق الائتمام.

و هذه الصلاة تخالف غيرها في انفراد المؤتمّ واجبا و انتظار الإمام إتمام المأموم و ائتمام القائم بالقاعد.

مسألة 657: يستحب للإمام أن يخفّف القراءة في الأولي، للحاجة إليه، لما هم به من حمل السلاح. و كذا يخفّف في كلّ فعل لا يفتقر فيه إلي الانتظار. و كذا الطائفة التي تفارقه و تصلّي لنفسها تخفّف في قراءتها، و إذا قام الإمام إلي الثانية، تابعته الطائفة الأولي، فإذا انتصبوا، نووا مفارقته، لأنّهم لا فائدة لهم في مفارقته قبل ذلك، لاشتراكهم في النهوض، و لأنّ الرفع من السجدة الثانية من الركعة الاولي. و لو فارقوه بعد الرفع من السجود الثاني، جاز. و إذا انفردوا، بقي الإمام قائما ينتظرهم حتي يسلّموا و حتي تأتي الطائفة الثانية تدخل معه.

و هل يقرأ الإمام في انتظاره ؟ الأقرب: ذلك، لأنّه قيام للقراءة، فيجب أن يأتي بها فيه، فيطوّل حينئذ القراءة حتي تفرغ الطائفة الاولي، و تلتحق به الثانية، و هو أحد قولي الشافعي، و أحمد. و في الثاني: لا يقرأ بل يسكت، أو يأتي بأيّ ذكر شاء، لأنّه قد قرأ بالطائفة الأولي، فينبغي أن يؤخّر القراءة في

ص: 426

الثانية ليقرأ بالطائفة الثانية، لتحصل التسوية بينهما في القراءة(1). و هو ينافي التخفيف.

فإذا جاءت الطائفة الثانية، فإن كان قد فرغ من قراءته، ركع بهم، و لا يحتاج إلي أن يقرءوا شيئا، لأنّ قراءة المأموم عند أكثر علمائنا منهي عنها إمّا نهي تحريم أو كراهة(2).

و قال الشافعي علي الأول: يقرأ بقدر الفاتحة ليقرأوا بها خلفه(3).

و لو قرأ قبل مجيئهم ثم ركع عند مجيئهم أو قبله فأدركوه راكعا، ركعوا معه، و صحّت لهم الركعة مع تركه السنّة، و لو أدركوه بعد رفعه، فأتتهم الصلاة.

مسألة 658: إذا صلّي الثانية بالفرقة الثانية، جلس للتشهّد،

و يقومون هم إلي الثانية لهم، و يطوّل الإمام في تشهّده بالدعاء حتي يدركوه و يتشهّدوا معه، ثم يسلّم بهم - و هذا هو المشهور من مذهب الشافعي و أحمد(4) - لأنّها تعود إليه لتسلّم معه، فلا فائدة في تطويله عليها بالجلوس معه. مع أنّ هذه الصلاة مبينة علي التخفيف.

و القول الآخر للشافعي: إنّها تتشهّد معه، ثم تقوم إلي الثانية، فإذا صلّوها، سلّم بهم، لأنّ المسبوق لا يفارق الإمام إلاّ بعد سلامه(5).

ص: 427


1- المجموع 411:4، الوجيز 67:1، السراج الوهاج: 92، الشرح الكبير 130:2، الإنصاف 350:2، المغني 253:2، حلية العلماء 209:2.
2- منهم من ذهب إلي حرمة القراءة كالشيخ المفيد و الشيخ الطوسي كما في المعتبر: 239، و المبسوط 158:1، و النهاية: 113. و منهم من ذهب إلي كراهة القراءة كسلاّر في المراسم: 87.
3- المجموع 411:4، فتح العزيز 637:4، و فيهما: لينالوا فضيلة القراءة.
4- المجموع 412:4، الوجيز 67:1، فتح العزيز 637:4، حلية العلماء 209:2، المغني 254:2، الشرح الكبير 131:2.
5- المجموع 412:4، حلية العلماء 209:2.

و نقول بموجبه، لكن التشهّد وقع في غير موقعه، فلا يجوز.

و قال مالك: تتشهّد معه، فإذا سلّم الإمام، قامت الطائفة الثانية فقضوا ما فاتهم، كالمسبوق(1).

و تبطله رواية سهل بن أبي حثمة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، سلّم بالطائفة الثانية(2).

علي أنّ لنا رواية عن الصادق عليه السلام - في طريقها ضعف - كقول مالك.

قال: «و جاء أصحابهم، فقاموا خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصلّي بهم ركعة، ثم تشهّد و سلّم عليهم، فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة، و سلّم بعضهم علي بعض»(3).

و لو فعلوه جاز، لكن لا يتشهّدون، بل إذا سلّم الإمام، قاموا فأتمّوا ركعة أخري و تشهّدوا و سلّموا.

إذا ثبت هذا، فإنّها لا تنوي الانفراد حال قيامها إلي الثانية، فإن نؤته، ففي جواز نيّة الاقتداء بعده للتسليم وجهان.

مسألة 659: للإمام انتظار للطائفة الاولي في الركعة الثانية حتي تفرغ، و انتظار آخر فيها للطائفة الثانية حتي تأتي و تحرم معه،

كلاهما في حكم انتظار واحد، لاتّصاله.

و له انتظار آخر للطائفة الثانية حال تشهّده حتي تتمّ الصلاة.

و قد قلنا: إنّه يطوّل تشهّده و لا يقعد ساكتا.

و للشافعية وجهان، أحدهما: أنّ في ذلك قولين، كما تقدّم في انتظار

ص: 428


1- المدونة الكبري 161:1، المنتقي للباجي 324:1، الشرح الصغير 185:1-186، المغني 254:2، الشرح الكبير 131:2، حلية العلماء 210:2.
2- صحيح مسلم 575:1-841، سنن أبي داود 12:2-1237، سنن البيهقي 253:3.
3- الكافي 456:3-2، التهذيب 172:3-380، و الفقيه 293:1-1337.

القراءة.

و الثاني: أنّه يتشهّد قولا واحدا، لأنّ الطائفة الأولي قرأ بها، فينبغي أن ينتظر الثانية ليقرأ بها، بخلاف التشهّد، فإنّه لم يتشهّد بالأولي، فلا ينتظر الثانية بالتشهّد(1).

إذا ثبت أنّه يتشهّد، فإنّه ينتظر الثانية بتطويل الدعاء حتي تتمّ الصلاة، و يتشهّد خفيفا، ثم يسلّم بهم.

مسألة 660: لو انتظر الإمام الطائفة الثانية بعد رفعه من السجود الأخير من الركعة الأولي جالسا، فإن كان لعذر كمرض أو ضعف، جاز.

و إن كان قادرا علي القيام إلي الثانية و تركه عمدا إلي مجيء الثانية، قال الشيخ: بطلت صلاته، و لم تبطل صلاة الأولي، لأنّها فارقته حين رفع الرأس. و أمّا الثانية، فإن علمت أنّ ذلك يبطل صلاته و تابعته، بطلت صلاتها أيضا. و إن اعتقدت عذرا، أو جوّزت ذلك، لم تبطل صلاتها، لأنّ الظاهر من حاله العذر.

و إن فعل ذلك سهوا، لحقه حكم سهوه، دون الطائفة الأولي، لأنّها برفع الرأس قد فارقته(2).

و عندي في بطلان الصلاة، بذلك نظر.

مسألة 661: و إن كانت صلاة المغرب، تخيّر الإمام

إن شاء صلّي بالأولي ركعة و بالثانية ركعتين، و إن شاء بالعكس، لأنّ عليا عليه السلام

ص: 429


1- المجموع 412:4، الوجيز 67:1، فتح العزيز 637:4.
2- المبسوط للطوسي 164:1.

صلّي ليلة الهرير [1] بالطائفة الأولي ركعة و بالثانية ركعتين(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و في المغرب مثل ذلك يقوم الإمام و تجيء طائفة فيقومون خلفه، و يصلّي بهم ركعة يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و يصلّون الركعتين و يتشهّدون و يسلّم بعضهم علي بعض ثم ينصرفون، فيقومون في موقف أصحابهم، و يجيء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم و خلف الإمام، فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس و يتشهّد و يقوم و يقومون معه فيصلّي بهم ركعة أخري ثم يجلس و يقومون هم فيصلّون ركعة أخري ثم يسلّم عليهم»(2).

و اختلف في الأولوية، فقال مالك و أحمد و الأوزاعي و سفيان و الشافعي في أصح القولين: الأولي أن يصلّي بالأولي ركعتين، لئلاّ يكلّف الثانية زيادة جلوس(3).

و هي مبنيّة علي التخفيف.

و الثاني للشافعي: الأولي العكس، لأنّ عليا عليه السلام فعلها. و لأنّ الأولي أدركت معه فضيلة الإحرام و التقدّم، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات4.

ص: 430


1- أورده ابنا قدامة في المغني 262:2، و الشرح الكبير 133:2.
2- الكافي 455:3-456-1، التهذيب 171:3-379، الإستبصار 455:1-1766.
3- المدونة الكبري 160:1-161، المنتقي للباجي 324:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 73، المغني 262:2، الشرح الكبير 133:2، فتح العزيز 638:4، المجموع 415:4.

ليجبر نقصهم، و تساوي الأولي(1).

مسألة 662: إذا صلّي بالأولي ركعتين، جاز أن ينتظر الثانية في التشهّد الأول و في القيام الثالث.

فقيل: الأول أولي، ليدركوا معه ركعة من أولها(2).

و قيل: الثاني، لأنّ القيام مبنيّ علي التطويل، و الجلسة الأولي علي التخفيف(3).

فإن انتظرهم في القيام، فالأولي أن تفارقه الاولي عند الانتصاب.

و إذا صلّي بالثانية الثالثة و جلس للتشهّد، قامت الطائفة و لا تتشهّد، لأنّه ليس بموضع تشهّدها.

إذا عرفت هذا، فإن صلّي بالأولي ركعتين، تشهّد طويلا ثم أتمّت الأولي صلاتها و سلّمت، و قامت و جاءت الثانية فنهض الإمام و صلّي بهم الثالثة له و هي أولاهم، و إن شاء تشهّد خفيفا و قام إلي الثالثة، و قامت الاولي و طوّل في القراءة حتي تتم الاولي و تأتي الثانية.

و علي التقديرين إذا صلّي الثالثة و جلس للتشهّد، لا تجلس الطائفة، بل تقوم فتصلّي ركعة ثم تتشهّد خفيفا ثم تقوم إلي الثالثة ثم تتشهّد خفيفا و يسلّم بهم الإمام.

و إن صلّي بالأولي ركعة، قام إلي الثانية و طوّل قراءتها و نوت الاولي مفارقته حال انتصابها و خفّفت و صلّت الثانية و تشهّدت خفيفا و قامت إلي الثالثة و تشهّدت خفيفا و سلّمت.

ثم جاءت الطائفة الثانية فدخلت معه في ثانيته، فإذا جلس للتشهّد الأول، جلسوا معه يذكرون اللّه تعالي من غير تشهّد، فإذا قام إلي الثالثة،

ص: 431


1- المجموع 415:4، فتح العزيز 638:4، المغني 262:2، الشرح الكبير 133:2.
2- فتح العزيز 638:4، المجموع 415:4، حلية العلماء 212:2.
3- فتح العزيز 638:4، المجموع 415:4، حلية العلماء 212:2.

قاموا معه، فإذا جلس للتشهّد الثاني، جلسوا و تشهّدوا خفيفا(1) ، و طوّل إلي أن يتمّوا، ثم يتشهّدون خفيفا و يسلّم بهم.

الصورة الثانية(2): صلاة عسفان - و عسفان قرية جامعة علي اثني عشر فرسخا من مكة - بأن يقوم الإمام و يصفّ المسلمين صفّين وراءه، و يحرم بهم جميعا، و يركع بهم، و يسجد بالأولي خاصة و تقوم الثانية للحراسة.

فإذا قام الإمام بالأولي، سجد الصف الثاني، ثم ينتقل كلّ من الصفين مكان صاحبه، فيركع الإمام بهما، ثم يسجد بالذي يليه و يقوم الثاني الذي كان أوّلا لحراستهم، فإذا جلس بهم، سجدوا و سلّم بهم جميعا.

لأنّ أبا عياش الزرقي قال: كنّا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، بعسفان، فصلّي بنا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنّا حملنا عليهم و هم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر و العصر. فقال بعضهم: إنّ بين أيديهم صلاة هي أحبّ إليهم من أولادهم، فنزل جبرئيل عليه السلام، فأخبره بذلك، فلمّا حضرت العصر قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، مستقبل القبلة و المشركون أمامه، فصفّ خلف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صفّ، و صفّ بعد ذلك الصفّ صفّ آخر، فركع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ركعوا جميعا، ثم سجد و سجد الصفّ الذي يلونه، و قام الآخرون يحرسونهم، فلمّا صلّي هؤلاء السجدتين و قاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخّر الصف الذي يليه و تقدّم الصفّ الأخير إلي مقام الصفّ الآخر، ثم ركع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ركعوا جميعا، ثم سجد و سجد الصف الذي يليه، و قام الآخرون يحرسونهم، فلمّا جلس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و الصفّ الذي يليه، سجد الآخرون،ف.

ص: 432


1- في نسخة «ش»: جميعا.
2- من الصور الأربع لصلاة الخوف.

ثم جلسوا جميعا، فسلّم عليهم جميعا(1).

مسألة 663: و لهذه الصلاة ثلاث شرائط:
اشارة

الأول: أن يكون العدوّ في جهة القبلة، لأنّه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلاّ كذلك ليشاهدونهم فيحرسونهم.

الثاني: أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها حراسة بعضهم بعضا، و أن يفترقوا فرقتين تصلّي معه إحداهما و تحرس الثانية معه.

الثالث: أن يكونوا علي قلّة جبل أو مستو من الأرض لا يحول بينهم و بين أبصار المسلمين حائل من جبل و غيره ليتوقّوا كبساتهم و الحملات عليهم، و لا يخاف كمين لهم.

إذا عرفت هذا، فهذه الصلاة لم يثبت نقلها عندي من طريق صحيح عن أهل البيت عليهم السلام، فعندي في العمل بها نظر.

و الشافعي عكس ما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فاختار الحراسة للصفّ الأول، لأنّهم أقرب إلي العدوّ، فيكونون جنّة لمن خلفهم، و يمنعون المشركين من الاطّلاع علي عدد المسلمين و عدّتهم(2).

فروع:
أ: المشهور: أن الطائفتين يصلّون معه إلي الاعتدال عن ركوع الركعة الأولي،

فإذا سجد سجد معه أحد الصفّين، و كذا في الثانية، فالكلّ يركعون معه في الركعتين، و إنّما الحراسة في السجود.

و في وجه للشافعية: من يحرس في السجود يحرس في الركوع(3).

ب: لو رتّب الإمام القوم صفوفا و حرس صفّان أو صفّ أو ثلاثة، جاز،

ص: 433


1- سنن النسائي 176:3-177، سنن أبي داود 11:2-1236، سنن البيهقي 256:3 - 257، سنن الدار قطني 59:2-8.
2- المجموع 421:4، الوجيز 66:1.
3- المجموع 422:4، فتح العزيز 630:4.

و لو حرست فرقتان من صفّ واحد في الركعتين علي التناوب، جاز أيضا، و لو حرس في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت و لحقت، جاز.

و للشافعي قولان، أحدهما: المنع، لأنّ المتخلّف يتضاعف و يزيد علي ما ورد به الخبر(1).

و ليس بجيّد، لأنّ القدر المحتمل في ركعة للعذر لا يضرّ انضمام مثله إليه في ركعة أخري كالقدر المحتمل من المتخلّف بلا عذر.

ج: لو لم يتقدّم الصفّ الثاني إلي موقف الأول و لا تأخّر الأول عن مكانه إلي الثاني، جاز.

و هذه الفروع مبنيّة علي جواز هذه الصلاة، و لا بأس بها إن لزم كلّ طائفة مكانهم، أو كان التقدّم و التأخّر من الأفعال القليلة.

الصورة الثالثة(2): صلاة النبي صلّي اللّه عليه و آله، ببطن النخل، فإنّه صلّي الظهر فصفّ بعض أصحابه خلفه و بعضهم جعلهم بإزاء العدوّ للحراسة، فصلّي ركعتين ثم سلّم، فانطلق الذين صلّوا، فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة، ثم جاء أولئك فصلّي بهم الظهر مرّة ثانية ركعتين(3).

و هذه لا تحتاج إلي مفارقة الإمام و لا إلي تعريف كيفية الصلاة، و ليس فيها أكثر من أنّ الإمام في الثانية متنفّل يؤمّ مفترضين، و هو اختيار الحسن و أكثر الفقهاء(4).

و نختار هذه الصلاة إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة، و أن يكثر المسلمون و يقلّ العدوّ، و أن لا يأمنوا من هجوم العدوّ عليهم في الصلاة.

ص: 434


1- فتح العزيز 630:4، السراج الوهاج: 92.
2- من الصور الأربع لصلاة الخوف.
3- سنن الدار قطني 60:2-10.
4- سنن البيهقي 260:3، المغني 265:2، الشرح الكبير 137:2.

الصورة الرابعة(1): صلاة شدة الخوف، و ذلك عند التحام القتال و عدم التمكّن من تركه لأحد، أو اشتدّ الخوف و إن لم يلتحم القتال، فلم يأمنوا أن يهجموا عليهم لو ولّوا عنهم أو انقسموا، فيصلّون رجالا و مشاة علي الأقدام و ركبانا مستقبلي القبلة واجبا مع التمكّن، و غير مستقبليها مع عدمه علي حسب الإمكان.

فإن تمكّنوا من استيفاء الركوع و السجود، وجب، و إلاّ أومئوا لركوعهم و سجودهم، و يكون السجود أخفض من الركوع. و لو تمكّنوا من أحدهما، وجب، و يتقدّمون و يتأخّرون، لقوله تعالي فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (2).

و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (مستقبلي القبلة و غير مستقبليها)(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة و تلاحم القتال: «يصلّي كلّ إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ هذه الصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(5) - لاقتضاء الأمر الإجزاء. و لأنّه يجوز ذلك في النافلة اختيارا، فجاز في الفريضة اضطرارا.

مسألة 664: و لا يجوز تأخير الصلاة إذا لم يتمكّن من إيقاعها

إلاّ

ص: 435


1- من الصور الأربع لصلاة الخوف
2- البقرة: 239.
3- صحيح البخاري 38:6، الموطأ 184:1-3.
4- الكافي 457:3-458-2، التهذيب 173:3-384.
5- كفاية الأخيار 99:1 و انظر المجموع 426:4 و 433، و الام 222:1 و 223.

ماشيا - و به قال الشافعي(1) - لعموم قوله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (2) بل يصلّيها و لا يقضي.

و لأنّه مكلّف تصح طهارته، فلا يجوز له إخلاء الوقت من الصلاة من غير خوف القتل، كما إذا لم يكثر العمل.

و قال أبو حنيفة: لا تجوز الصلاة علي المشي، بل يؤخّرها، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، لم يصلّ يوم الخندق، و أخّرها لهذه العلّة. و لأنّ ما منع صحّة الصلاة في غير حال الخوف منع منها في الخوف كالصياح(3).

و يوم الخندق منسوخ، نقل أبو سعيد الخدري: أنّه كان قبل نزول فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (4)(5). و الصياح لا حاجة به إليه، بخلاف المشي.

مسألة 665: و لو انتهت الحال إلي المسايفة و تمكّن من الصلاة مع الأعمال الكثيرة - كالضرب المتواتر و الطعن المتوالي - وجب علي حسب حاله

بالإيماء في الركوع و السجود، مستقبل القبلة إن تمكّن، و إلاّ فلا، و لا إعادة عليه عند علمائنا، لأنّها صلاة مأمور بها، فلا يستعقب القضاء.

و لقول الباقر عليه السلام: «فإذا كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام، صلّي ليلة صفّين - و هي ليلة الهرير - لم تكن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كلّ صلاة إلاّ بالتكبير و التسبيح و التهليل و التحميد و الدعاء، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم

ص: 436


1- المجموع 426:4 و 433، كفاية الأخيار 99:1.
2- البقرة: 239.
3- بدائع الصنائع 244:1، المغني 268:2، الشرح الكبير 139:2، حلية العلماء 2: 217، و انظر: مسند أحمد 81:1-82 و 113.
4- البقرة: 239.
5- المغني 269:2، الشرح الكبير 140:2، الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار: 118 - 119.

بإعادة الصلاة»(1).

و للشافعي ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّ الأعمال الكثيرة مبطلة و إن دعت الحاجة إليها - و هو محكي عن أبي حنيفة - كغير الحاجة(2).

و الثاني: ما قلناه نحن، و هو أظهرها عنده، للحاجة، كالمشي و ترك الاستقبال(3).

و الثالث: المنع في شخص واحد، لأنّه لا يحتاج إلي تكرار الضرب، و الجواز في الأشخاص الكثيرة، للحاجة إلي توالي ضربهم(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ الإعادة لا تجب، لما قلناه.

و قال أبو حامد: إنّها تبطل و يمضون فيها و يعيدون(5). و ليس بجيّد.

و قال أبو حنيفة: لا يصلّي حال المسايفة و يؤخّر الصلاة(6).

و البحث قد تقدّم في المسايفة.

مسألة 666: و يجب عليه الاستقبال مع المكنة،
اشارة

فإن تعذّر، استقبل بتكبيرة الافتتاح إن تمكّن، لقول الباقر عليه السلام: «غير أنّه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجّه»(7).

فإن لم يتمكّن، سقط، لقوله عليه السلام، في حال المطاردة:

ص: 437


1- الكافي 457:3-2، التهذيب 173:3-384، و تفسير العياشي 272:1-257.
2- المجموع 427:4، فتح العزيز 647:4، السراج الوهاج: 93، بدائع الصنائع 244:1
3- المجموع 427:4، فتح العزيز 647:4، السراج الوهاج: 93.
4- المجموع 427:4، الوجيز 68:1، فتح العزيز 647:4.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
6- الهداية للمرغيناني 89:1، شرح فتح القدير 67:2، حلية العلماء 217:2.
7- الكافي 459:3-6، الفقيه 295:1-1348، التهذيب 173:3-383.

«يصلّي كلّ إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه»(1).

و يسجد الراكب علي قربوس(2) سرجه إن لم يمكن النزول، فإن عجز عنه، أومأ، لقول الباقر عليه السلام: «و يجعل السجود أخفض من الركوع»(3).

فروع:
أ: لو تمكّن من الاستقبال حالة التكبير، وجب.

و هل يجب لو تمكّن في الأثناء؟ إشكال ينشأ: من المشقة، و قول الباقر عليه السلام: «و لا يدور إلي القبلة و لكن أينما دارت دابته»(4) و من تمكّنه من الاستقبال في الفرض.

ب: لو لم يتمكّن من الاستقبال في الابتداء و تمكّن في الأثناء، فالوجه: الوجوب.
ج: لو تمكّن من النزول و السجود علي الأرض في الأثناء، وجب،

و إن احتاج إلي الركوب ركب، و لا تبطل صلاته و إن كان فعلا كثيرا، للحاجة.

و لو علم حالة تمكّنه من النزول احتياجه إلي الركوب في الأثناء، احتمل الوجوب و عدمه.

مسألة 667: لو اشتدّ الحال عن ذلك و عجز عن الإيماء، سقطت عنه أفعال الصلاة
اشارة

من القراءة و الركوع و السجود، و اجتزأ عوض كلّ ركعة بتسبيحة واحدة، صورتها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر.

و لا بدّ من النيّة، لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات، و إنّما لكل امرئ ما نوي)(5).

ص: 438


1- الكافي 457:3-2، التهذيب 173:3-384.
2- القربوس: مقدّم السرج. تاج العروس 214:4 «قربس».
3- الكافي 459:3-6، الفقيه 295:1-1348، التهذيب 173:3-383.
4- الكافي 459:3-6، الفقيه 295:1-1348، التهذيب 173:3-383.
5- صحيح البخاري 2:1، صحيح مسلم 1515:3-1516-1907، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن الترمذي 179:4-1647، سنن أبي داود 262:2-2201، مسند أحمد 25:1، سنن البيهقي 341:7.

و لأنّه فعل يجامع القتال، فلا تسقط به.

و تجب تكبيرة الإحرام، لقوله عليه السلام: (تحريمها التكبير)(1) و يمكن مجامعتها للقتال، فلا تسقط.

و في وجوب التشهّد إشكال ينشأ: من أنّه ذكر يمكن أن يجامع القتال، و من اختصاصه بحالة الجلوس، و أصالة براءة الذمة.

فروع:
أ: الأقرب: وجوب هذه الصيغة علي هذا الترتيب،

للإجماع علي إجزائه، و في غيره إشكال ينشأ: من مفهوم قوله عليه السلام: «لم تكن صلاتهم إلاّ بالتكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء»(2).

ب: هذه الأذكار تجزئ عن أذكار الركوع و السجود،

لأنّها تجزي عنهما فعن ذكرهما أولي. و لأنّه ذكر مختص بهيئة و قد سقطت فيسقط

ج: يجب في الثنائية تسبيحتان، و في الثلاثية ثلاث،

لأنّها علي عدد الركعات.

و لقول الصادق عليه السلام: «أقلّ ما يجزئ في حدّ المسايفة من التكبير تكبيرتان لكلّ صلاة إلاّ صلاة المغرب فإنّ لها ثلاثا»(3).

د: لو أمن أو تمكّن من الصلاة علي الأرض أو علي الدابة بالإيماء بعد التكبيرتين، سقطت عنه،

للإجزاء بفعل المأمور به، و لو تمكّن بعد تكبيرة واحدة، فالوجه: سقوط ركعة عنه، و وجوب الإتيان بأخري.

و لو أمن في أثناء التكبيرة، استأنف صلاة آمن، و كذا لو صلّي ركعة

ص: 439


1- سنن الترمذي 8:1-3، سنن ابن ماجة 101:1-275، سنن أبي داود 16:1-61، مسند أحمد 123:1.
2- الكافي 457:3-2، التهذيب 173:3-384.
3- الكافي 358:3-3، الفقيه 296:1-1351، التهذيب 174:3-387.

فاشتد الخوف، كبّر للأخري تكبيرة.

مسألة 668: نقل أحمد وجهين آخرين لصلاة الخوف،

و سوّغهما، بخلاف باقي المحقّقين.

أحدهما: أنّه يصلّي بالأولي ركعتين و بالثانية ركعتين، و تسلّم كلّ طائفة و تنصرف و لا تقضي شيئا، و الإمام يسلّم في أربع، فيكون للإمام أربع ركعات تماما، و للمصلّين ركعتان قصرا(1).

و ليس بجيّد، لعدم المخالفة بين فعل الإمام و المأموم في عدد الركعات في شيء من الصلوات.

الثاني: أن يصلّي بكلّ طائفة ركعة و لا تقضي شيئا، فيكون للإمام ركعتان و لكلّ طائفة ركعة، و هو مذهب ابن عباس و جابر، و به قال طاوس و مجاهد و الحسن و قتادة و الحكم(2).

قال إسحاق: يجزئك عند الشدّة ركعة(3).

و الحقّ ما تقدّم.

المطلب الثاني: في الأحكام
مسألة 669: قد بيّنا وجوب القصر في الحضر.

و قال بعض علمائنا: بوجوب الإتمام(4) - و عليه الجمهور - فحينئذ يصلّي بالأولي ركعتين و يتشهّد بهم، ثم يقوم إلي الثالثة بهم، فيطوّل القراءة و يخفّفون و يتمّون أربعا، ثم ينصرفون إلي موقف أصحابهم، و يجيء أصحابهم فيركع بهم الثالثة و هي الأولي لهم، ثم يصلّي بهم الثانية و يطوّل في

ص: 440


1- المغني 265:2-266، الشرح الكبير 137:2، الإنصاف 355:2-356.
2- المجموع 404:4، المغني 266:2-267، الإنصاف 356:2-357، الشرح الكبير 2: 137-138، حلية العلماء 208:2.
3- المجموع 404:4، المغني 267:2، الشرح الكبير 138:2.
4- حكاه المحقق عن بعض الأصحاب، في المعتبر: 248.

تشهّده حتي تتمّم صلاتها أربعا، ثم يسلّم بهم، فيكون انتظار الثانية في الثالثة و التشهّد الثاني، و يجوز انتظارهم في التشهّد الأول، و به قال الشافعي(1).

مسألة 670: قسمتهم فرقتين أولي من تفريقهم أربع فرق،
اشارة

لقلّة المخالفة و قلّة الانتظار.

فإن فرّقهم أربعا، فالوجه: الجواز، و صحة صلاة الإمام و المأمومين للأصل، و جواز المفارقة مع النيّة، فيصلّي بالأولي ركعة ثم يقوم إلي الثانية فيطوّل القراءة إلي أن تصلّي الطائفة ثلاث ركعات، ثم تذهب فتجيء الثانية، فيصلّي بهم الثانية له، و يطوّل في تشهّده أو قيامه حتي تتمّ صلاتها أربعا، ثم تأتي الثالثة فيصلّي بهم ركعة و يقوم إلي الرابعة فيطوّل حتي يتمّ من خلفه أربعا، ثم تأتي الرابعة فيصلّي بهم تمام الرابعة و يطوّل تشهّده حتي تتمّ أربعا ثم يسلّم بهم. و هو أحد أقوال الشافعي(2).

و قال الشيخ في الخلاف: تبطل صلاة الجميع: الإمام و المأمومين، لأنّ صلاة الخوف مقصورة، فلا يجزئه التمام.

قال: و إذا قلنا بالشاذّ من قول أصحابنا، ينبغي أن نقول أيضا ببطلان صلاتهم، لأنّه لم يثبت لنا في الشرع هذا الترتيب، و إذا لم يكن مشروعا كان باطلا(3). و هو قول الشافعي(4) أيضا، لأنّ للإمام انتظارين و قد انتظر أربعا فتبطل، كما إذا عمل في الصلاة عملا كثيرا.

و نمنع عدم النقل، فإن الانتظار و مفارقة المأموم ثابتان، و الزيادة في

ص: 441


1- المجموع 416:4، فتح العزيز 639:4.
2- المهذب للشيرازي 113:1، المجموع 416:4، فتح العزيز 639:4، حلية العلماء 2: 213.
3- الخلاف 643:1، المسألة 413.
4- الام 213:1، المهذب للشيرازي 113:1، المجموع 416:4، فتح العزيز 639:4، حلية العلماء 213:2.

أعمال الصلاة لمصلحة غير مبطلة، كما لو طوّل القيام قارئا.

و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه، بأن يكون العدوّ من أربع جهات، و يكون المسلمون أربعمائة، فيكون في التفريق صلاح للحرب و الصلاة.

و للشافعي قول ثالث: صحّة صلاة الإمام و الطائفة الرابعة خاصّة دون الثلاثة الأول، لأنّهم فارقوا الإمام بغير عذر، لأنّ وقت الخروج عن المتابعة نصف الصلاة، و الطائفة الرابعة أتمّت في حكم إمامته(1).

و قد بيّنّا أنّ المفارقة جائزة، و العذر ظاهر، و هو: طلب كلّ طائفة فضيلة الجماعة.

و له رابع: بطلان صلاته و صلاة الثالثة و الرابعة(2).

و خامس: بطلان صلاته و صلاة الرابعة خاصة(3).

و أصل هذين: الخلف في وقت بطلان صلاة الإمام، فعلي أحد القولين: إنّها تبطل بانتظاره للثالثة، فإذا أحرمت معه مع العلم ببطلان صلاته، بطلت صلاتها، و اختاره أبو إسحاق(4).

و علي الثاني، و هو اختيار أبي العباس: بطلانها بانتظار فراغ الثالثة، لأنّه عليه السلام، انتظر مرّتين: الاولي: حتي فرغت و جاءت الثانية.

و الثانية: حتي فرغت، فتبطل بالانتظار الثالث و هو انتظار فراغ الثالثة ففسدت صلاته بذلك بعد مفارقتها له و لم تبطل صلاتها(5).

فروع:
أ: لا سجود للسهو علي الإمام و المأمومين إن سوّغنا التفريق أربعا،

ص: 442


1- المجموع 418:4، فتح العزيز 641:4، حلية العلماء 213:2.
2- المجموع 418:4، فتح العزيز 641:4.
3- المجموع 418:4، فتح العزيز 641:4.
4- المهذب للشيرازي 114:1، المجموع 417:4، حلية العلماء 213:2.
5- المهذب للشيرازي 113:1-114، المجموع 417:4، فتح العزيز 640:4، حلية العلماء 213:2.

لانتفاء موجبه، و هو: السهو.

و عند الشافعي وجوبه(1) علي تقدير الصحّة.

ب: لو صلّي بطائفة ثلاث ركعات و بطائفة ركعة، فالوجه: الجواز،

و لا تبطل صلاته.

و كرهه الشافعي، لزيادة الانتظار، و أوجب علي الإمام و الأخري سجدتي السهو، لأنّه انتظار في غير موضعه(2).

و عدم السبب يقتضي عدم مسبّبه.

ج: الأقرب: جواز أن يفرّقهم في السفر و الحضر في المغرب ثلاث فرق، و كذا في الرباعية، فيصلّي بطائفة ركعتين و بكلّ طائفة ركعة.

و لا يجوز علي قول الشيخ.

مسألة 671: لا تجب التسوية بين الطائفتين،

لعدم دليله، نعم يجب كون الطائفة الحارسة ممّن تحصل الثقة بحراستها.

و لو خاف اختلال حالهم و احتيج إلي إعانتهم بالطائفة الأخري، فللإمام أن يكب بمن معه علي العدوّ، و يبنوا علي ما مضي من صلاتهم.

و يجوز أن تكون الطائفة واحدا، للأصل.

و شرط أحمد ثلاثة فما زاد، لأنّه جمع بقوله تعالي فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا (3) و أقلّه ثلاثة(4). و هو من باب توزيع الجميع علي الجمع(5).

و كره الشافعي كون الطائفة أقلّ من ثلاثة، فإن كانوا خمسة، صلّي

ص: 443


1- المجموع 418:4.
2- الام 213:1، المجموع 418:4، مغني المحتاج 303:1، المغني 261:2.
3- النساء: 102.
4- المغني 253:2، الشرح الكبير 130:2.
5- المراد: توزيع جميع المقاتلين علي الجمع الموجود في الآية، أي: أن تكون كلّ طائفة ثلاثة فما زاد.

باثنين ركعتين و مضوا إلي وجه العدوّ، و صلّي الآخران أحدهما بالآخر ركعتين(1).

و الحقّ ما قلناه.

قال ابن داود: قول الشافعي أقل الطائفة ثلاث خطأ لأن الواحد يسمي طائفة(2).

مسألة 672: لو عرض الخوف الموجب للإيماء أو للركوب في أثناء الصلاة، أتمّ مومئا أو ركب،

و كذا بالعكس لو صلّي بالإيماء للخوف أو راكبا فأمن، إمّا لانهزام العدوّ، أو للحوق النجدة، لم يجز أن يتمّ الصلاة بالإيماء و لا راكبا، لزوال العذر، فينزل لإتمامها بركوع و سجود عند علمائنا - و به قال أحمد(3) - لأنّ ما مضي كان صحيحا قبل الأمن، فجاز البناء عليه و إن أخلّ بشيء من واجباتها كالاستقبال و غيره كما لو لم يخلّ.

و قال الشافعي: لو صلّي ركعة آمنّا ثم صار إلي شدّة الخوف فركب، استأنف الصلاة، و لو صلّي راكبا ثم أمن، نزل و أتمّ، لأنّ النزول عمل قليل و الصعود كثير(4).

و ليس بجيّد، لأنّ الركوب قد يكون أخفّ من أن يكون فارسا، فإنّه أخفّ من نزول غيره.

سلّمنا، لكنه عمل أبيح للحاجة، فلا يمنع صحة الصلاة، كالهرب.

و له قول آخر(5) كقولنا.

ص: 444


1- المجموع 419:4.
2- المجموع 419:4-420.
3- المغني 271:2، الشرح الكبير 142:2.
4- المهذب للشيرازي 114:1، المجموع 430:4 و 431، فتح العزيز 652:4 و 653، حلية العلماء 217:2-218، مغني المحتاج 306:1، المغني 272:2.
5- المجموع 430:4، فتح العزيز 652:4، حلية العلماء 218:2.

تذنيب: لو ترك الاستقبال حال نزوله، استأنف الصلاة، لأنّه أخلّ بالشرط حالة الأمن.

و لو فعله حال ركوبه، فالوجه: الصحة - خلافا للشيخ(1) و الشافعي(2) - لأنّه لو صلّي مستدبرا للحاجة ابتداء صحّ و كذا في الأثناء، و كذا لو أخلّ بشيء من الواجبات حال نزوله أو ركوبه.

مسألة 673: إذا صلّي راكبا في شدّة الخوف، جاز أن يصلّيها فرادي،
اشارة

و الجماعة أفضل - و به قال الشافعي(3) - لعموم الآية(4) و الأخبار المرغّبة في الجماعة(5).

و لأنّ كلّ ركوب لا يمنع من فعل الصلاة منفردا لا يمنع في الجماعة، كركوب السفينة.

و قال أبو حنيفة: لا تجوز الجماعة، لأنّهم إذا كانوا ركبانا، كان بينهم و بين الإمام طريق، و هو مانع من صحة الجماعة(6).

و نمنع من المانعية. سلّمنا لكن يجوز أن يقوموا صفّا مع الإمام.

تذنيب: لو صلّوا في حال الشدّة غير مستقبلي القبلة، جاز إجماعا.

و هل يجوز أن يأتمّ بعضهم ببعض ؟ إن جوّزنا صلاة المستديرين حول الكعبة جماعة، جاز هنا - و به قال الشافعي(7) - لأنّ كلّ واحد يجوز له أن يصلّي

ص: 445


1- المبسوط للطوسي 166:1.
2- المجموع 431:4، فتح العزيز 652:4، مغني المحتاج 306:1.
3- المجموع 433:4، حلية العلماء 219:2، مغني المحتاج 304:1.
4- النساء: 102.
5- انظر: الكافي 371:3 باب فضل الصلاة في الجماعة، و الفقيه 245:1، باب (56) الجماعة و فضلها، و التهذيب 24:3، باب (2) فضل الجماعة.
6- المبسوط للسرخسي 48:2، بدائع الصنائع 245:1، شرح فتح القدير 67:2، المجموع 433:4، حلية العلماء 219:2، المغني 270:2.
7- المجموع 426:4، فتح العزيز 646:4، مغني المحتاج 304:1.

إلي جهته مع العلم بها، بخلاف من اختلف اجتهادهم.

مسألة 674: يجوز أن يضرب في الصلاة الضربة، و يطعن الطعنة
اشارة

و إن لم يحتج إليها، لأنّها فعل قليل، و به قال الشافعي(1). و كذا تجوز الاثنتان.

و له قولان، أحدهما: أنّه تبطل، لأنّه كثير، لأنّه تابع بين العملين.

و الثاني: أنّه قليل، لأنّ الثلاث أوّل حدّ الكثرة(2).

و أمّا الثلاث فإنّها في حدّ الكثرة، فإن فعلها لا لضرورة، بطلت صلاته، و إن كان لضرورة، لم تبطل عندنا - و به قال أبو العباس(3) - لأنّه موضع ضرورة، فأشبه المشي.

و قال الشافعي: لا تجزئه، و يمضي فيها و يعيد، لأنّه فعل كثير(4).

و ليس بجيّد، إذ الإبطال ينافي المضيّ فيها، و الكثير عفو كالمشي.

و لقول الباقر عليه السلام في صلاة الخوف: «عند المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال بالتكبير، و لم يأمرهم علي عليه السلام بالإعادة»(5).

تذنيب: يجوز أن يصلّي ممسكا لعنان فرسه،

لأنّه عمل يسير، فإن نازعه فجذبه إليه جذبة أو اثنتين أو ثلاثا، جاز و إن استدبر القبلة، للحاجة،

ص: 446


1- المهذب للشيرازي 114:1، المجموع 426:4، فتح العزيز 647:4، حلية العلماء 2: 219، و مختصر المزني: 29.
2- حلية العلماء 219:2.
3- المجموع 427:4، حلية العلماء 220:2.
4- حلية العلماء 219:2.
5- تقدّم نصّ الحديث و مصادره في صفحة 436-437، و الهامش (1).

أو كثرت مجاذبته.

و قال الشافعي: تبطل بكثرة المجاذبة لا بالثلاث، بخلاف الطعنات، لأنّ الجذبات أخفّ، فاعتبر كثرة العمل دون العدد(1).

و الكلّ غير مبطل عندنا، للحاجة.

مسألة 675: لو رأوا سوادا أو إبلا أو أشخاصا، فظنّوهم عدوّا، فصلّوا صلاة شدّة الخوف، ثم ظهر لهم كذب ظنّهم، لم تجب عليهم الإعادة،
اشارة

لأنّها وقعت مشروعة.

و هو أحد قولي الشافعي و أبي إسحاق من أصحابه. و الآخر: أنّ عليهم الإعادة - و به قال أبو حنيفة و المزني(2) - لأنّهم صلّوا صلاة شدّة الخوف مع عدم العدوّ، فأشبه إذا لم يظنّوا، كما لو ظنّ طهارة الماء ثم بان نجسا(3).

و الفرق ظاهر بين الظنّ و عدمه، و بين الطهارة، لأنّها شرط.

و للشافعي قول ثالث: إن صلّوا بخبر ثقة، فلا إعادة، و إلاّ أعادوا(4).

تذنيب: لو رأوا عدوّا فصلّوا صلاة الشدّة ثم بان بينهما حائل أو نهر أو خندق يمنع العدوّ من الوصول، لم يعيدوا،

لأنّها مأمور بها، فأجزأت، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يعيدون، لأنّهم فرّطوا بعدم الاطّلاع علي ما بينهم و بين العدوّ(5).

و ليس بجيّد.

و لو كان بينهم و بين العدوّ خندق أو حائط فخافوا إن تشاغلوا بالصلاة أن يطمّوا الخندق أو ينقضوا الحائط، جاز أن يصلّوا صلاة الخوف إيماء إذا ظنّوا

ص: 447


1- المجموع 428:4.
2- المجموع 432:4، فتح العزيز 651:4، حلية العلماء 218:2.
3- المجموع 431:4، الوجيز 68:1، فتح العزيز 651:4، حلية العلماء 218:2.
4- المجموع 432:4، حلية العلماء 218:2.
5- المجموع 432:4، حلية العلماء 219:2.

أنّهم يطمّون قبل أن يصلّوا، و إن ظنّوا أنّهم لا يطمّون إلاّ بعد فراغهم، لم يصلّوا صلاة الشدّة.

مسألة 676: يجب أخذ السلاح في الصلاة
اشارة

- و به قال مالك و داود و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله تعالي وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ (2) و الأمر للوجوب.

و الثاني للشافعي: عدمه - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّه لو وجب، لكان شرطا، كالسترة(3).

و الملازمة ممنوعة.

فروع:
أ: لا تبطل الصلاة بتركه إجماعا،

لأنّه ليس جزءا من الصلاة و لا شرطا.

ب: لا فرق بين الطاهر و النجس في وجوب أخذه،

عند بعض علمائنا(4). أمّا أوّلا: فللحاجة. و أمّا ثانيا: فلأنّه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفردا.

و شرط الشافعي(5) و بعض علمائنا(6) الطهارة. و هو ممنوع.

ج: إنّما يجوز أخذ السلاح إذا لم يمنع شيئا من واجبات الصلاة،

ص: 448


1- أحكام القرآن لابن العربي 494:1، تفسير القرطبي 371:5، المهذب للشيرازي 1: 114، المجموع 423:4، حلية العلماء 217:2، المغني 263:2، الشرح الكبير 2: 139.
2- النساء: 102.
3- المهذب للشيرازي 114:1، المجموع 423:4 و 424، حلية العلماء 217:2، أحكام القرآن لابن العربي 494:1، تفسير القرطبي 371:5، المغني 263:2، الشرح الكبير 2: 138.
4- و هو ابن إدريس في السرائر: 78.
5- المهذب للشيرازي 114:1، المجموع 423:4.
6- كالقاضي ابن البراج في المهذب 114:1.

كالركوع و السجود، فإن منع، لم يجز أخذه إلاّ مع الضرورة فيومئ بهما.

د: لو لم يمنع الفرض، لكن إكماله، كره إلاّ مع الضرورة.

و لو كان ممّا يتأذّي غيره به، كالرمح في وسط الناس، لم يجز، و لو كان في حاشية الصفوف، جاز.

مسألة 677: يجوز أن يصلّي الجمعة في الخوف علي صفة ذات الرقاع،
اشارة

بأن يفرقهم فرقتين إحداهما تقف معه للصلاة فيخطب بهم، و يصلّي بهم ركعة، ثم يقف في الثانية فتتمّ صلاتها، ثم تجيء الثانية فتصلّي معه ركعة جمعة، و لا خطبة لهم كالمسبوق، فإذا تشهّد، طوّل، فأتمّوا و سلّم بهم - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لعموم الأمر بها(2).

و الثاني: لا تصحّ، لأنّ بقاء العدد شرط عنده من أول الصلاة إلي آخرها و الإمام يبقي منفردا حتي تتمّ الاولي(3).

و قد بيّنّا بطلانه.

و يجوز أن يخطب بالفرقتين معا ثم يفرّقهم فرقتين.

لا يقال: لا يجوز انعقاد جمعة بعد اخري، و قد عقدتم للطائفة الثانية جمعة بعد فراق الاولي.

لأنّا نقول: الإمام لم يتمّ جمعة، و إنّما أدركت الاولي معه ركعة، و أصل الجمعة التي عقدها الإمام لم تتمّ، فلهذا عقدتها الثانية، و أشبهت المسبوق.

إذا ثبت هذا، فإنّ هذه الصلاة إنّما تجب بشروط الحضر دون السفر،

ص: 449


1- المجموع 419:4، فتح العزيز 642:4، حلية العلماء 216:2، المغني 257:2.
2- إشارة إلي الآية 9 من سورة الجمعة.
3- المجموع 419:4، فتح العزيز 642:4، حلية العلماء 216:2.

خلافا للشافعي(1) ، و كون الفرقة الأولي كمال العدد، و به قال الشافعي(2) ، فلو تمّ العدد بالفرقة الثانية، لم تصحّ هذه الصلاة و الخطبة للفرقة الاولي، فلو لم يخطب، لم تصحّ.

و لو خطب لها ثم مضت عنه إلي العدوّ و جاءت الطائفة الأخري، وجب إعادة الخطبة، فإن بقي من الفرقة الأولي كمال العدد و مضي الباقون و جاءت الأخري، جاز أن يعقد الجمعة، لبقاء العدد الذي سمع الخطبة معه.

فروع:
أ: لو كمّلت الاولي العدد و نقصت الثانية، صحّت الجمعة لهما.

و للشافعي في الثانية قولان(3).

و لو نقصت الاولي و كملت الثانية، فلا جمعة، لأنّه لا يصلّي بالأولي إلاّ الظهر، فلا يصلّي بعدها جمعة.

نعم يجوز أن يستنيب من الثانية من يصلّي بهم الجمعة، فيخرج عن هذه الصلاة.

ب: لا يجوز أن تصلّي الجمعة علي صفة صلاة بطن النخل،

لأنّه لا جمعتان في بلد واحد، و يجوز أن تصلّي علي صفة عسفان، بل هو أولي إن سوّغناه مطلقا أو لم يتقدّم أحد الصفّين، و يتأخّر الآخر كثيرا.

ج: يجوز أن يصلّي صلاة الاستسقاء علي صفة صلاة الخوف،

فيصلّي بالأولي ركعة ثم ينتظر حتي تتمّ، و يصلّي بالثانية أخري و ينتظر حتي تتمّ، و لو كان في الشدّة، دعا.

ص: 450


1- قال النووي في المجموع 419:4: ثم للجواز شرطان: أحدهما: أن يخطب بجميعهم ثم يفرّقهم فرقتين.. الثاني: أن تكون الفرقة الأولي أربعين فصاعدا. انتهي، و كذا قال الرافعي في فتح العزيز 642:4، و لم يذكرا شرطا آخر سواهما.
2- المجموع 419:4، فتح العزيز 642:4.
3- المجموع 419:4، فتح العزيز 642:4.

و يجوز أن يصلّي بالإيماء.

و قال الشافعي: لا يصلّي، لعدم خوف فوتها(1).

د: يصلّي العيدين و الخسوف و الكسوف في الخوف جماعة علي صفة المكتوبة،

فيصلّي بالأولي ركعة مشتملة علي خمس ركوعات و ينتظر حتي تتمّ، و كذا بالثانية.

و يجوز أن يصلّي الكسوفين فرادي، بخلاف العيد.

مسألة 678: قد بيّنّا أنّ حكم السهو مختص بمن يختص به السهو من الإمام و المأموم.
اشارة

و للشيخ قول بوجوب تعدّي حكمه إلي المأموم لو سها الإمام(2) ، و به قال الشافعي(3).

فعلي قول الشيخ، لو سها الإمام في الأولي، لزم حكمه الطائفة الأولي، فيشير إليهم بالسجود بعد فراغهم. و إن سها بعد ما فارقوه، لم يلحقهم حكمه، لأنّهم صاروا منفردين. فإن سهوا بعد سهوه في ثانيتهم، انفردوا بسجوده.

و في الاكتفاء بالسجدتين لعلمائنا قولان، و كلاهما للشافعي(4).

و أمّا الطائفة الثانية فيلحقها سهو الإمام فيما تابعته فيه عنده(5) ، دون الركعة الأولي.

قال رحمه اللّه: و إن تابعته فيه، كان أفضل(6). أمّا سهوه حال انتظاره، فلم يتعرّض له.

ص: 451


1- المجموع 428:4.
2- المبسوط للطوسي 165:1.
3- المجموع 413:4، حلية العلماء 211:2.
4- المجموع 411:4.
5- المبسوط للطوسي 165:1.
6- المبسوط للطوسي 165:1.

و أوجب الشافعي المتابعة، لأنّها في حكم ائتمامه(1). و هو ممنوع.

و إن سهت هي في حال الائتمام، لم تلتفت. و لو سهت حالة الانفراد، سجدت.

فروع:
أ: لا حكم لسهو المأمومين علي ما قلناه حال المتابعة،

بل حالة الانفراد.

و مبدأه رفع الإمام من سجود الاولي. و يحتمل اعتداله في قيام الثانية.

و الأقرب عندي: إيقاع نية الانفراد.

ب: الطائفة الثانية إن سهت في الركعة الثانية، فإن نوت الانفراد، سجدت،

و إلاّ احتمل ذلك، لأنّهم منفردون بها حقيقة، و عدمه، لأنّهم مقتدون، و إلاّ لاحتاجوا إلي إعادة نية الاقتداء. و كلاهما للشافعي(2).

ج: لا يرتفع حكم السهو بالقدوة الطارية إن جوّزنا نية الاقتداء في أثناء صلاة المنفرد.

و في المزحوم إذا سها في وقت تخلّفه إشكال.

مسألة 679: لو كانوا في صلاة الخوف فحملوا علي العدوّ مواجهين القبلة، فإن كان للضرورة، جاز،
اشارة

و إن لم يكن فإن كان قليلا، لم تبطل به الصلاة، كغيره من الأعمال القليلة، و إن كان كثيرا، بطلت.

و كذا لو توجّهوا فيه إلي غير القبلة، تبطل مع الكثير و القليل لغير الحاجة، و لا تبطل لها معهما.

و قال الشافعي: إذا حملوا مواجهين القبلة، بطلت صلاتهم و إن حملوا قدر خطوة، لأنّهم قصدوا عملا كثيرا لغير ضرورة، و عملوا شيئا منه(3).

و المبطل إنّما هو الفعل الكثير لا نيته و لا بعضه.

ص: 452


1- المجموع 411:4.
2- المجموع 410:4، فتح العزيز 644:4-645.
3- الام 215:1.

قال: و لو نووا القتال في الحال و عملوا شيئا منه و إن قلّ بطلت صلاتهم(1). و ليس بشيء.

و لو نووا أنّ العدو إذا أظلّهم، قاتلوه، لم تبطل إجماعا، لأنّهم لم يغيّروا النيّة في الحال.

مسألة 680: يجوز أن يصلّي صلاة الخوف بصفة ذات الرقاع أو بطن النخل في الأمن، و تصح صلاة الإمام و المأمومين. قال الشيخ: و صلاة عسفان(2).

و عندي فيه إشكال، لما فيه من تقدّم الصفّ و تأخّره، فإن قصد مع القلّة أو عدم الانتقال، جاز، و إلاّ فلا تجوز صلاة المأمومين و تصحّ صلاة الإمام.

أمّا صلاة شدّة الخوف فلا تجوز حالة الأمن بحال.

و للشافعي في صحة صلاة الإمام علي صفة ذات الرقاع وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: البطلان، لأنّه انتظر في غير موضعه(3).

و أما الطائفة الأولي فقد خرجت من الصلاة لغير عذر، و في ذلك عنده قولان، و أبطل صلاة الثانية، لأنّها خالفت الإمام في ركعة مع كونها في إمامته(4).

و أمّا صلاة عسفان، فإنّ صلاة الإمام و من تبعه صحيحة، و أمّا من خالفه في السجود فقد سبقه الإمام بسجدتين و جلسة بينهما، فبعض أصحابه أبطل صلاتهم، لأنّهم خالفوا الإمام بركنين، و بعضهم منع، لأنّ السجدتين كالركن الواحد، و الجلسة للفصل(5).2.

ص: 453


1- الأم 215:1.
2- المبسوط للطوسي 167:1، الخلاف 648:1 مسألة 420.
3- المجموع 434:4، حلية العلماء 215:2.
4- المجموع 434:4، حلية العلماء 215:2.
5- المجموع 433:4-434، حلية العلماء 215:2.
فروع:
أ: قال الشيخ: لا تجوز صلاة الخوف في طلب العدوّ،

لانتفاء الخوف(1).

و هو حقّ إن قصد صلاة الشدة.

ب: قال: كلّ قتال واجب كالجهاد،

أو مباح كالدفع عن النفس و المال جاز أن يصلّي فيه صلاة الخوف و الشدّة.

و أمّا المحرّم فلا تجوز صلاة الخوف، فإن صلّوا، صحّت صلاتهم، لأنّهم لم يخلّوا بركن، و لو صلّوا صلاة الشدّة، بطلت(2).

و الوجه: الجواز في الصورة الاولي، و إلاّ لوجبت الإعادة. و جعل الدفع عن النفس قسيما للواجب ليس بجيّد.

ج: لو انهزم العدوّ فلم يأمن المسلمون كرّتهم

عليهم و رجوعهم إليهم، جاز أن يصلّوا صلاة الخوف، للمقتضي.

مسألة 681: كلّ أسباب الخوف يجوز معها القصر و الصلاة بالإيماء
اشارة

مع الحاجة إليه، و لو عجز عنه صلّي بالتسبيح إن خشي من الإيماء، سواء كان الخوف من لصّ أو سبع أو غرق أو حرق، و لا قضاء عليه عند علمائنا، لقوله تعالي وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (3).

علّق الحكم علي الوصف، فكان مشعرا بالعلّية، و التعليق ب اَلَّذِينَ كَفَرُوا للأغلبية، فلا يقتضي عدمه عدم الحكم.

و لقول الصادق عليه السلام: «يكبّر و يومئ برأسه» و قد سئل عن الرجل

ص: 454


1- المبسوط للطوسي 167:1.
2- المبسوط للطوسي 168:1.
3- النساء: 101.

يخاف من لصّ أو عدوّ أو سبع كيف يصنع ؟(1).

و قال الباقر عليه السلام: «الذي يخاف اللصّ و السبع يصلّي صلاة المواقفة إيماء علي دابته» قلت: أ رأيت إن لم يكن المواقف علي وضوء و لا يقدر علي النزول ؟ قال: «يتيمّم من لبد سرجه، أو من معرفة دابته، فإنّ فيها غبارا، و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلي القبلة، و لكن أينما دارت دابته، و يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة و حين يتوجّه»(2).

و قال الكاظم عليه السلام: «يستقبل الأسد، و يصلّي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم و إن كان الأسد علي غير القبلة»(3).

و لأنّ في التأخير تغريرا بالصلاة، و تكليفه بالاستيفاء تكليف ما لا يطاق فكلّف علي حسب حاله، فلا إعادة، للامتثال.

و قال المزني: الهرب من الحيّة من الأعذار النادرة، و العذر النادر لا يسقط القضاء عند الشافعي(4).

و نمنع الكبري و الصغري أيضا، لأنّ الخوف ليس بنادر و إن اختلفت أسبابه في الندور، كما أنّ خوف المرض عذر غير نادر و إن كان فيها مرض نادر.

فروع:
أ: لا فرق بين خوف اللصّ و السّبع

و غيرهما في السفر و الحضر، لأنّ المناط الخوف.

ب: لو كان في واد و غشيه السيل، فخاف الغرق

إن ثبت مكانه فعدا في طول الوادي، و صلّي في حال عدوه صلاة الشدّة، فإن كان فيه موضع

ص: 455


1- الكافي 457:3-6، التهذيب 173:3-382.
2- الفقيه 295:1-1348، التهذيب 173:3-383.
3- الكافي 459:3-7، الفقيه 294:1-1339.
4- المهذب للشيرازي 115:1، المجموع 429:4.

مرتفع يمكنه أن يصلّي فيه من غير أن يلحقه ضرر بصعوده، مثل أن يعجز هو أو ركابه عن الترقّي، أو يخاف دوران الماء حوله فلا يمكنه التخلّص، لم تصح صلاته، و إن خاف، صحّت.

ج: لو كان محرما فخاف فوت الوقوف، فقصّر أو أومأ، احتمل الإجزاء،

لخوف لحوق الضرر بفوات الحج.

و يحتمل أن يصلّي علي سبيل التمكّن و الاستقرار، فلو فعل خلافه، استأنف، لأنّه لا يخاف فوات حاصل هنا، فهو كما إذا خاف فوات العدوّ و قد انهزموا.

و للشافعية كالوجهين، و ثالث: تأخير الصلاة و قضاؤها، لأن أمر الحج خطر، و قضاؤه عسر(1).

و الأقوي عندي الأول.

د: المديون المعسر إذا عجز عن إقامة بينة الإعسار و خاف الحبس، جاز أن يصلّي صلاة الشدّة في الهرب

عن مستحقّ الدين، و هو أحد وجهي الشافعية(2).

ه: لو كان عليه قصاص و توقّع العفو مع سكون الغليل، فهرب، فالأقوي

ه: لو كان عليه قصاص و توقّع العفو مع سكون الغليل، فهرب، فالأقوي(3): عدم جواز صلاة الشدّة

- خلافا لبعض الشافعية(4) - لعصيانه بهربه.

و: يجوز أن يصلّي صلاة الشدّة حالة المدافعة عن ماله

و إن لم يكن حيوانا - و هو أصحّ قولي الشافعي(5) - لأنّه مباح.

ص: 456


1- المجموع 429:4-430، الوجيز 68:1، فتح العزيز 649:4-650، مغني المحتاج 305:1.
2- المجموع 429:4، الوجيز 68:1، فتح العزيز 649:4، مغني المحتاج 305:1.
3- في نسخة «م»: فالأقرب.
4- المجموع 429:4، فتح العزيز 649:4، مغني المحتاج 305:1.
5- المجموع 403:4 و 428، فتح العزيز 648:4، السراج الوهاج: 94.

و الآخر: لا يجوز، لضعف حرمة المال(1). و هو ممنوع.

مسألة 682: الموتحل و الغريق يصلّيان بحسب الإمكان،

فإن تمكّنا من الركوع و السجود، وجب، و إن عجزا عن أحدهما أو عنهما معا، أومأ عمّا عجزا عنه.

و لا يقصّر أحدهما عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف، لوجود المقتضي، و هو: أصالة الإتمام، و عدم مانعية السفر و الخوف.

مسألة 683: يجوز لبس الحرير للرجال حالة الحرب

علي ما تقدّم(2) ، و كذا لبس الديباج الصفيق(3) الذي لا يقوم غيره مقامه في القتال.

و لا يجوز لبس الأعيان النجسة، لقوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (4).

و لو اضطرّ، فالأقرب: الجواز، كالثوب النجس حال الضرورة.

و للشافعي قولان(5).

و يجوز أن يلبس فرسه أو دابّته جلد الميتة و الكلب و الخنزير مع الحاجة لا بدونها.

و لو جلّل كلبه بجلد كلب، فالأقرب: المنع، لقوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (6) و هو يقتضي تحريم وجوه الانتفاع، لعدم أولوية التخصيص.

و أظهر وجهي الشافعي: الجواز، لاستوائهما في التغليظ(7).

و يجوز تسميد الأرض بالزبل. و يجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت

ص: 457


1- المجموع 403:4 و 428، فتح العزيز 648:4، السراج الوهاج: 94.
2- تقدّم في ج 3 ص 471 الفرع «د» ذيل المسألة 124.
3- الصفيق: الكثيف نسجه. لسان العرب 204:10 «صفق».
4- المدثر: 5.
5- الوجيز 69:1، فتح العزيز 654:4، السراج الوهاج: 95، مغني المحتاج 307:1.
6- المائدة: 3.
7- المجموع 448:4، فتح العزيز 655:4.

السماء لا تحت الظلال، بخلاف ما نجاسته ذاتية، كشحم الميتة.

و للشافعي قولان: إطلاق المنع، و إطلاق الجواز في الظلال و عدمه، و ذاتي النجاسة و عرضيّها(1) [1]4.

ص: 458


1- المجموع 448:4، الوجيز 69:1، فتح العزيز 655:4.

المجلد 5

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

كتاب الزكاة

اشارة

و فيه أبواب:

الباب الأول: في زكاة المال،
اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأول: في الشرائط.
اشارة

ص: 5

ص: 6

مقدّمة:

الزكاة لغة: النموّ و الطهارة، و شرعا: الحقّ الواجب في المال الذي يعتبر فيه النصاب، و سمّي زكاة، لازدياد الثواب و إثمار المال و طهارته من حقّ المساكين.

و وجوبها معلوم من الكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ آتُوا الزَّكاةَ (1).

و لمّا بعث النبي صلّي اللّه عليه و آله معاذا إلي اليمن، فقال: (أعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(2).

و أجمع المسلمون كافّة علي وجوبها في جميع الأعصار، و هي أحد أركان الإسلام الخمسة.

إذا عرفت هذا، فمن أنكر وجوبها ممّن ولد علي الفطرة، و نشأ بين المسلمين فهو مرتدّ يقتل من غير أن يستتاب و إن لم يكن عن فطرة، بل أسلم عقيب كفر استتيب - مع علم وجوبها -

ص: 7


1- البقرة: 43.
2- صحيح البخاري 130:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 104:2 - 105-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 3:5-4، و سنن البيهقي 96:4.

ثلاثا، فإن تاب و إلاّ فهو مرتد وجب قتله.

و إن كان ممّن يخفي وجوبها عليه، لأنّه نشأ بالبادية، أو كان قريب العهد بالإسلام عرّف وجوبها و لم يحكم بكفره.

مسألة 1: و لو اعتقد وجوبها، و منعها فهو فاسق

يضيّق الإمام عليه و يقاتله حتي يدفعها، لأنّه حق واجب عليه، فإن أخفي ماله حبسه حتي يظهره، فإذا ظهر عليه أخذ منه قدر الزكاة لا أزيد عند علمائنا أجمع، بل يعزّره - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام: (ليس في المال حقّ سوي الزكاة)(2).

و لأنّ منع العبادة لا يوجب عليه مالا كسائر العبادات و الكفّارات.

و قال الشافعي - في القديم - و إسحاق بن راهويه، و أبو بكر بن عبد العزيز: يأخذ مع الزكاة شطر ماله(3) ، لقوله عليه السلام: (و من منعها فأنا آخذها و شطر ماله عزمة من عزمات ربّنا ليس لآل محمّد فيها شيء)(4).

و لو سلّم، فإنّه منسوخ فإن العقوبات في ابتداء الإسلام كانت في المال ثم نسخ.

مسألة 2: و لا يحكم بكفر المانع مع اعتقاد وجوبها

عند علمائنا، و به قال عامّة أهل العلم(5).

ص: 8


1- المجموع 336:5-337، المغني 434:2، الشرح الكبير 668:2، حلية العلماء 11:3، الشرح الصغير 236:1، فتح العزيز 314:5، المنتقي - للباجي - 94:2.
2- سنن ابن ماجة 570:1-1789، سنن البيهقي 84:4.
3- المهذب للشيرازي 148:1، المجموع 334:5 و 337، حلية العلماء 12:3، المغني 434:2، الشرح الكبير 668:2.
4- سنن أبي داود 101:2-1575، سنن النسائي 16:5-17 و 25، سنن البيهقي 105:4، مسند أحمد 2:5 و 4، المستدرك للحاكم 398:1.
5- المغني 434:2 و 435، الشرح الكبير 668:2 و 669، المجموع 334:5.

و قال أحمد في رواية: إنّه يكفّر لقتاله عليها(1).

و هو لا يدلّ علي الكفر بل علي ارتكاب المحرّم، و لأنّ الزكاة من فروع الدين فلا يكفّر تاركها كالحج.

و قال عبد اللّه بن مسعود: ما تارك الزكاة مسلم(2). و هو محمول علي الترك مستحلاّ.

و عليه يحمل قول الصادق عليه السلام: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم، و هو قوله عزّ و جلّ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ (3)»(4) و في رواية أخري: «لا تقبل له صلاة»(5).

مسألة 3: و منعها مع المكنة و اعتقاد التحريم يشتمل علي إثم كبير، و لا تقبل صلاته في أول الوقت.

قال الباقر عليه السلام: «بينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان حتي أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون»(6).

و قال الصادق عليه السلام: «ما من رجل منع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه، و ما من رجل يمنع حقّا في ماله إلاّ طوّقه اللّه عزّ و جلّ حيّة من نار يوم القيامة»(7).

ص: 9


1- المغني 435:2، الشرح الكبير 669:2.
2- المغني 435:2، الشرح الكبير 669:2.
3- المؤمنون: 99 و 100
4- التهذيب 111:4-325، الكافي 503:3-3، الفقيه 7:2-18، المقنعة: 43.
5- التهذيب 111:4-326، الكافي 503:3 ذيل الحديث 3، الفقيه 7:2-19، المقنعة: 43.
6- التهذيب 111:4-327، الكافي 503:3-2، و الفقيه 7:2-20.
7- التهذيب 112:4-328، الكافي 504:3-7، الفقيه 6:2-15، المقنعة: 43.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله)(1).

و قال الصادق عليه السلام: «صلاة مكتوبة خير من عشرين حجّة، و حجة خير من بيت مملوء ذهبا ينفقه في برّ حتي ينفد - ثم قال - و لا أفلح من ضيّع عشرين بيتا من ذهب بخمسة و عشرين درهما» فقيل له: و ما معني خمسة و عشرين ؟ قال: «من منع الزكاة وقفت صلاته حتي يزكي»(2).

و قال عليه السلام: «ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلاّ بتضييع الزكاة، و لا يصاد من الطير إلاّ ما ضيّع تسبيحه»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتي يفرغ من الحساب، و هو قول اللّه عزّ و جل سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (4) يعني ما بخلوا به من الزكاة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، و سلّط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه، فإذا رأي أنه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّه عز و جلّ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر يطؤه كل ذات ظلف بظلفها، و ينهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاة ماله إلاّ طوّقه اللّه عز و جلّ ريعة أرضه1.

ص: 10


1- التهذيب 112:4-329، الكافي 506:3-20.
2- الكافي 504:3-12، الفقيه 7:2-22، التهذيب 112:4-330.
3- الكافي 505:3-15، الفقيه 7:2-23.
4- آل عمران: 180.
5- الكافي 502:3-1، الفقيه 6:2-14، ثواب الأعمال: 278-1.

إلي سبع أرضين إلي يوم القيامة»(1).

مسألة 4: ليس في المال حقّ واجب سوي الزكاة و الخمس،

و هو قول أكثر العلماء(2) لقوله عليه السلام: (ليس في المال حقّ سوي الزكاة)(3).

و قال الشعبي و مجاهد: يجب عليه يوم يحصد السنبل أن يلقي لهم شيئا منه و كذا إذا صرم النخل طرح لهم شيئا من الشماريخ(4).

و يخرج الزكاة عند الكمال، لقوله تعالي وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (5) و الزكاة لا تخرج يوم الحصاد، و هي متأولة بالزكاة.

و المراد إيجاب الحق يوم الحصاد، أو أنه محمول علي الاستحباب، فقد ورد عن أهل البيت عليهم السّلام استحباب إعطاء الحفنة و الحفنتين، و العذق و العذقين يوم الحصاد و الجذاذ(6) ، لهذه الآية.

و الشيخ - رحمه اللّه - أوجب ذلك أيضا في الخلاف، و استدلّ بالإجماع من الفرقة و الآية - و نمنع الإجماع - و نقله الشيخ عن الشافعي(7) أيضا.

و إذ قد تمهّدت هذه المقدّمة، فنقول: الشروط إمّا عامّة أو خاصة، أمّا العامّة فأربعة: البلوغ و العقل و الحرّيّة و الملك التام.

مسألة 5: البلوغ شرط في وجوب الزكاة،

فلا تجب في مال الطفل مطلقا، و به قال ابن شبرمة، و الحسن البصري، و سعيد بن المسيّب، و سعيد

ص: 11


1- الكافي 505:3-506-19، الفقيه 5:2-10، معاني الأخبار: 335-1، ثواب الأعمال: 279-3، المحاسن: 87-26.
2- المجموع 593:5، المغني 552:2.
3- سنن ابن ماجة 570:1-1789، سنن البيهقي 84:4.
4- المجموع 593:5-594، حلية العلماء 12:3، المغني 552:2.
5- الأنعام: 141.
6- الكافي 565:3-2 و 3، التهذيب 106:4-303 و 304.
7- الخلاف 5:2، المسألة 1.

ابن جبير، و أبو وائل، و النخعي، و أصحاب الرأي(1).

لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ و عن المجنون حتي يفيق..)(2).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام و قد سأله محمد بن مسلم عن مال اليتيم: «ليس فيه زكاة»(3).

و عن الباقر عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة»(4).

و عن الصادق عليه السلام: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة»(5).

و لأنّ شرط التكليف البلوغ و هو منفي فينتفي المشروط، و لأنّها عبادة محضة فلا تجب عليه كالصوم و الحج.

و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: تجب في مال الطفل. و أطلقوا.

و رووه عن علي عليه السلام، و عن الحسن بن علي عليهما السلام، و عن عمر، و ابن عمر، و عائشة، و جابر بن عبد اللّه، و جابر بن زيد، و ابن سيرين، و عطاء، و مجاهد، و ربيعة، و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلي، و ابن عيينة، و إسحاق، و أبي عبيد، و أبي ثور(6).2.

ص: 12


1- المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2، المجموع 331:5، الميزان - للشعراني - 3:2، فتح العزيز 517:5، حلية العلماء 10:3، المبسوط للسرخسي 162:2، اللباب 137:1.
2- مسند أحمد 100:6-101، الخصال 94:1-40، عوالي اللئالي 209:1-48.
3- التهذيب 26:4-61.
4- التهذيب 26:4-62.
5- التهذيب 27:4-63.
6- الأم 28:2، المجموع 329:5 و 331، حلية العلماء 9:3، الميزان للشعراني 3:2، المدوّنة الكبري 249:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 88، بداية المجتهد 245:1، بلغة السالك 206:1، المبسوط للسرخسي 162:2، عمدة القارئ 237:8، المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2.

و حكي عن ابن مسعود، و الثوري، و الأوزاعي أنّها تجب و لا تخرج حتي يبلغ(1).

و قال ابن مسعود: أحص ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإذا شاء زكّي و إن شاء لم يزكّ(2).

احتجّوا بقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من ولي يتيما له مال فليتّجر له، و لا يتركه حتي تأكله الصدقة»(3).

و إنّما تأكله الصدقة بإخراجها، و إنّما يجوز إخراجها لو كانت واجبة.

و لأنّ عليّا عليه السلام كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع، فلمّا بلغوا سلّمه إليهم، و كان قدره عشرة آلاف دينار، فوزنوه فنقص فعادوا إلي علي عليه السلام، و قالوا: إنّه ناقص. قال: «أ فحسبتم الزكاة ؟» قالوا: لا. قال:

«فاحسبوها» فحسبوها فخرج المال مستويا، فقال عليه السلام: «أ يكون عندي مال لا أؤدّي زكاته!»(4).

و لأنّ من يجب العشر في زرعه يجب ربع العشر في ورقه كالبالغ.

و الحديثان محمولان علي الاستحباب، و نمنع وجوب العشر.

تذنيب: لا زكاة في المال المنسوب إلي الجنين، لعدم التكليف، و عدم الوثوق بحياته و وجوده، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: يجب كمال الصبي(5). و الأصل ممنوع.

مسألة 6: لو اتّجر في مال الطفل من له ولاية في ماله

نظرا للطفل و شفقة

ص: 13


1- المجموع 331:5، حلية العلماء 9:3، الميزان للشعراني 3:2، المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2.
2- المجموع 329:5، المغني 488:2، المبسوط للسرخسي 162:2، و الام 29:2.
3- سنن الترمذي 32:3-641، سنن الدارقطني 109:2-110-1.
4- سنن الدارقطني 110:2-111-5 و 6، سنن البيهقي 107:4-108 بتفاوت.
5- المجموع 330:5، فتح العزيز 518:5.

عليه استحب له إخراج الزكاة.

لقول الصادق عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به»(1).

و لو ضمن الولي المال و اتّجر به لنفسه، و كان مليّا بالمال كان الربح له و الزكاة عليه استحبابا، لأنّ الولاية تسيغ التصرّفات، و تضمين المليّ سائغ.

و لأنّ منصور الصيقل سأل الصادق عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به ؟ قال، فقال: «إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»(2).

إذا ثبت هذا، فإذا لم يكن مليّا و إن كان وليّا، و ضمن المال، و اتّجر به لنفسه كان الربح لليتيم، و عليه ضمان المال و لا زكاة، لأنّه تصرّف غير سائغ فلا يملك ربحه بل صاحب المال.

و لقوله عليه السلام: «.. و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»(3).

و كذا إذا كان مليّا و لم يكن وليّا، لانتفاء ولايته عن المال.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أ يضمنه ؟ قال: «نعم» قلت: فعليه زكاة ؟ قال: «لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان و الزكاة»(4).

مسألة 7: و تستحب في غلاّت الطفل و مواشيه من غير وجوب،

لعدم التكليف في حقّه، و لأنّها عبادة يفتقر أداؤها إلي النية، فلا تجب علي من يتعذّر عليه.

و لأنّ أبا بصير سمع الصادق عليه السلام يقول: «ليس في مال اليتيم

ص: 14


1- الكافي 541:3-6، التهذيب 27:4-65، الاستبصار 29:2-83.
2- التهذيب 29:4-71، الاستبصار 30:2-89.
3- التهذيب 29:4-71، الاستبصار 30:2-89.
4- التهذيب 28:4-69، الإستبصار 30:2-87.

زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس علي جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ فليس عليه لما مضي زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتي يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما علي غيره من الناس»(1).

و أمّا الاستحباب: فلقول الباقر عليه السلام و الصادق عليه السلام:

«مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شيء، فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة واجبة»(2) و المراد تأكيد الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

و قال الشيخ: تجب في غلاّته و مواشيه(3) ، لهذا الحديث. و قد بيّنا جوابه.

و قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في غلاّت الأطفال(4).

مسألة 8: العقل شرط في وجوب الزكاة،

فلا زكاة علي المجنون المطبق، و الخلاف فيه كالخلاف في الطفل سواء.

و كذا حكمه حكم الطفل في استحباب الزكاة لو اتّجر له الولي بماله لأجله.

و لو اتّجر لنفسه، و ضمن المال، و كان مليّا ضمن، و الربح له، و زكاة التجارة عليه.

و لو انتفي أحدهما ضمن، و الربح للمجنون، و لا زكاة، كما تقدّم في الطفل.

و سأل موسي بن بكر أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة ؟ فقال: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة»(5).

ص: 15


1- التهذيب 29:4-30-73، الإستبصار 31:2-91، الكافي 541:3-4.
2- الكافي 541:3-5، التهذيب 29:4-72، الاستبصار 31:2-90.
3- المبسوط للطوسي 234:1.
4- بدائع الصنائع 56:2، المبسوط للسرخسي 4:3، المجموع 329:5، حلية العلماء 10:3، بداية المجتهد 245:1.
5- الكافي 542:3-3، التهذيب 30:4-76.

و سأل عبد الرحمن بن الحجاج، الصادق عليه السلام عن امرأة مختلطة عليها زكاة ؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا زكاة»(1).

تذنيب: لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول، فلو جنّ في أثنائه سقط، و استأنف من حين عوده.

و تجب الزكاة علي النائم و الساهي و المغفل دون المغمي عليه، لأنّه تكليف و ليس من أهله.

و هل تجب علي السفيه ؟ الوجه: ذلك، لوجود الشرط، و حجر الحاكم لمصلحته لا ينافي تمكّنه، لأنّه كالنائب عنه.

مسألة 9: الحرّيّة شرط في الزكاة فلا تجب علي العبد

بإجماع العلماء، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ عن عطاء و أبي ثور فإنّهما قالا: علي العبد زكاة ماله(2).

و هو خطأ، لأنّه غير مالك و لا متمكن.

و لو ملّكه مولاه، ففي تملّكه قولان: المنع، و هو الأقوي، لقوله تعالي ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (3).

و قوله تعالي ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (4).

و لأنّه مال فلا يملك المال كالبهائم، فعلي هذا الزكاة علي السيد، لعدم خروجه عن ملكه، فأشبه المال في يد المضارب و الوكيل، و هو أحد قولي الشافعي، و به قال سفيان، و إسحاق، و أحمد - في رواية - و أصحاب

ص: 16


1- الكافي 542:3-2، التهذيب 30:4-75.
2- المجموع 331:5، المغني 489:2، الشرح الكبير 437:2، بداية المجتهد 245:1، حلية العلماء 8:3.
3- النحل: 75.
4- الروم: 28.

الرأي(1).

و الثبوت - و هو القول الثاني للشافعي(2) - فلا تجب الزكاة علي السيد، لأنّه لا يملك، و لا علي العبد لنقص ملكه و ضعفه، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و به قال ابن عمر، و جابر، و الزهري، و قتادة، و مالك، و أبو عبيد(3).

تذنيب: المدبّر و أمّ الولد كالقنّ، لأنّه لا حريّة فيهما، و أمّا من انعتق بعضه فإن بلغ نصيب الحرية نصابا وجب عليه فيه الزكاة و إلاّ فلا - و به قال أحمد(4) - لتماميّة الملك فيه.

و قال الشافعي: لا زكاة فيه، لأنّ الرقّ الذي فيه يمنع من تمام ملكه(5).

و هو ممنوع، و لهذا أوجبنا عليه الفطرة في نصفه الحرّ.

مسألة 10: المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه،

سواء كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ، لا في المال الذي كسبه و لا عشر أرضه عند علمائنا، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(6).

لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لا زكاة في مال المكاتب)(7).

ص: 17


1- المهذب للشيرازي 147:1، المجموع 327:5، المغني 489:2، الشرح الكبير 439:2، بدائع الصنائع 6:2، المبسوط للسرخسي 164:2، بداية المجتهد 245:1، المحلّي 202:5.
2- المجموع 327:5، المغني 490:2، الشرح الكبير 439:2.
3- المغني 489:2، الشرح الكبير 439:2، بداية المجتهد 245:1، بلغة السالك 206:1، المحلّي 202:5.
4- المغني 490:2، الشرح الكبير 439:2.
5- المهذب للشيرازي 147:1، المجموع 326:5.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 88، المجموع 5، 326 و 330، الوجيز 87:1، المغني 490:2.
7- أورده ابن قدامة في المغني 491:2، و كذا أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 42:2، المسألة 43 عن ابن عمر و جابر قالا: لا زكاة.. و رواه الدارقطني في سننه 108:2-1 و كذا البيهقي في سننه 109:4 بلفظ: (ليس في مال المكاتب زكاة) إلاّ أنّه في الأوّل عن جابر عن النبي (ص) و في الثاني موقوف علي جابر.

و لأنّ الزكاة تجب علي طريق المواساة فلا تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب.

و قال أبو ثور: يجب ذلك كلّه، لأنّ الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر علي الصبي و المجنون(1). و نحن نمنع الأصل.

و حكي عن أبي حنيفة أنّه يجب العشر في الخارج من أرضه، بناء علي أصله من أنّ العشر مئونة الأرض و ليس بزكاة(2).

إذا عرفت هذا، فلا زكاة علي السيد أيضا، لانقطاع تصرّفاته عن ماله، فإن عجز و استرقّه مولاه، صار ما في يده لمولاه، يستأنف له الحول، و إن عتق ملك المكاتب ما في يده، و استأنف الحول من حين العتق.

مسألة 11: يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك،
اشارة

و أسباب النقص ثلاثة: منع التصرف، و تسلّط الغير، و عدم قرار الملك، فلا تجب الزكاة في المغصوب، و لا الضالّ، و لا المجحود بغير بيّنة، و لا المسروق، و لا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع، فإذا عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولا من حين عوده، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي - في القديم - و أحمد في إحدي الروايتين(3) ، لأنّه خرج عن يده و تصرّفه، فصار ممنوعا منه، فلا زكاة عليه فيه، كمال المكاتب.

ص: 18


1- المجموع 330:5، المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2.
2- المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2، المجموع 330:5، بدائع الصنائع 6:2.
3- بدائع الصنائع 9:2، المهذّب للشيرازي 149:1، المجموع 341:5، فتح العزيز 499:5، حلية العلماء 15:3، الميزان للشعراني 3:2، المغني 639:2، الشرح الكبير 445:2.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا صدقة علي الدّين، و لا علي المال الغائب عنك حتي يقع في يديك»(1).

و قال الشافعي في الجديد: تجب فيها الزكاة، فإذا وجدها زكّاها لما مضي(2) ، و هو رواية عن أحمد، لأنّ الحيلولة بينه و بين المال لا تسقط الزكاة، كما لو أسر أو حبس و حيل بينه و بين ماله(3).

و نمنع حكم الأصل إذا لم يكن في يد وكيله و إن كان ظهر الفرق، و علي كلا القولين لا زكاة قبل قبضه.

و للشافعي قول ثالث: إن عاد المغصوب بجميع نمائه زكّاه لما مضي(4).

و قال مالك: إذا قبضه زكّاه لحول واحد(5). و هو علي الاستحباب عندنا.

لقول الصادق عليه السلام و قد سأله رفاعة عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه و لا يدر علي كم يزكّيه ؟ قال: «سنة واحدة»(6).

فروع:

أ - لو ضلّت واحدة من النصاب أو أكثر، أو سرقت، أو غصبت فنقص النصاب فالحكم كما لو ضلّ جميعه، و من أوجب الإخراج هناك أوجب الإخراج عن الموجود، و إذا رجع الضالّ أخرج عنه.

ص: 19


1- التهذيب 31:4-78.
2- أي: لما مضي من الزمان الذي كان المال بيد الغاصب مثلا.
3- المهذّب للشيرازي 149:1، المجموع 341:5، حلية العلماء 15:3، الميزان للشعراني 3:2، فتح العزيز 499:5، و انظر: المغني 641:2.
4- المجموع 341:5، الوجيز 85:1، فتح العزيز 499:5.
5- بداية المجتهد 247:1، الشرح الصغير 218:1، حلية العلماء 15:3، فتح العزيز 499:5، المغني 639:2، الشرح الكبير 445:2.
6- الكافي 519:3-2، التهذيب 31:4-79، الاستبصار 28:2-82.

ب - لو أسر المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يمنع من التصرف في ماله، و إن منع سقطت، و الغائب لا زكاة فيه إذا لم يكن في يد وكيله و لم يتمكن منه.

ج - لو مضي علي المفقود سنون ثم عاد زكّاه لسنة استحبابا.

د - لو غصبت الماشية فلا زكاة علي ما قلناه، و الموجبون قالوا: إن كانت سائمة في يد المالك و الغاصب وجبت الزكاة، و إن كانت معلوفة عندهما فلا زكاة قولا واحدا.

و إن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب فوجهان: الوجوب لأن السوم من المالك يوجب الزكاة فكذا من الغاصب، كما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر في الخارج.

و العدم لعدم رضا المالك بإسامتها فلا تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب.

و لو سامها المالك و علفها الغاصب فوجهان: الزكاة، لأنّ علف الغاصب محرّم فلا يمنع من إيجاب الزكاة، و السقوط، لأنّ الشرط - و هو السوم - لم يوجد(1).

و الحقّ ما قلناه.

مسألة 12: المرتد إن كان عن فطرة خرجت أمواله عنه في الحال إلي ورثته، و لا تقبل توبته،

بل يقتل في الحال فيستأنف ورثته الحول من حين انتقال الملك إليهم و تمكنهم منه.

ثم إن كان عن غير فطرة انتظر به العود، فإن عاد إلي الإسلام بعد حلول الحول وجب عليه الزكاة بحلول الحول، و إن لم يعد فقتل بعد حلول الحول، أو لحق بدار الحرب وجب أن تخرج عنه الزكاة لبقاء ملكه إلي حين القتل، و منعه عن التصرف فيه مستند إلي اختياره لتمكنه من الرجوع إلي الإسلام.

ص: 20


1- راجع: المغني 639:2-640.

و للشافعي في مال المرتد مطلقا ثلاثة أقوال: بقاء الملك، و زواله، و كونه موقوفا، فإن أسلم ظهر البقاء، و إن قتل علي الردّة ظهر الزوال، فحكم الزكاة مبني عليه إن زال سقطت و إلاّ وجبت(1).

و قال أحمد: إذا ارتدّ قبل الحول و حال الحول مرتدّا فلا زكاة عليه، لأنّ الإسلام شرط في الوجوب(2).

و هو غلط، لما بيّنا من أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

قال: و لو رجع استأنف حولا(3).

و لو ارتدّ بعد الحول لم تسقط الزكاة سواء كان عن فطرة أو لا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه حق وجب فلا يسقط كالدّين.

و قال أبو حنيفة: تسقط، لأنّ من شرطها النيّة فسقطت بالردّة كالصلاة(5).

و الأصل ممنوع، نعم لا يطالب بفعلها، و لا تدخلها النيابة فإذا عاد وجبت عليه، و الزكاة تدخلها النيابة و يأخذها الإمام من الممتنع، فإن أسلم بعد أخذها لم تلزمه إعادتها، لأنّها سقطت عنه بأخذها، و لو أخذها غير الإمام و نائبه لم تسقط فإنه لا ولاية للآخذ عليه فلا يقوم مقامه، بخلاف نائب الإمام.

و لو أدّاها في حال ردّته لم تجزئه، لأنّه كافر فلا تصح منه كالصلاة.

مسألة 13: الدّين إن كان علي مليّ باذل فلعلمائنا قولان:
اشارة

وجوب الزكاة فيه علي صاحبه.

و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و به قال الثوري، و أبو ثور،

ص: 21


1- المجموع 328:5، الوجيز 87:1، فتح العزيز 518:5، حلية العلماء 8:3-9.
2- المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
3- المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
4- المجموع 328:5، حلية العلماء 8:3، الميزان - للشعراني - 3:2، المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
5- بدائع الصنائع 4:2، المجموع 328:5، المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2، حلية العلماء 8:3.

و أصحاب الرأي، و أحمد، إلاّ أنهم قالوا: لا يلزمه إخراجها حتي يقبضه فيؤدّي لما مضي(1).

و قال عثمان، و ابن عمر، و جابر، و طاوس، و النخعي، و جابر بن زيد، و الحسن، و ميمون، و الزهري، و قتادة، و حماد بن أبي سليمان، و إسحاق، و أبو عبيد، و الشافعي: عليه إخراج الزكاة في الحال و إن لم يقبضه، لأنّه مالك قادر علي أخذه و التصرف فيه فلزمه إخراج الزكاة عنه كالوديعة(2).

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يكون له الدّين أ يزكّيه ؟ قال: «كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر علي أخذه فليس عليه زكاة»(3).

و عدم الوجوب - و به قال عكرمة، و عائشة، و ابن عمر(4) - لأنّه غير تام فلا تجب زكاته كعرض القنية.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي ليس في الدين زكاة ؟ قال:

«لا»(5).

و سأل إسحاق أبا إبراهيم عليه السلام، الدين عليه زكاة ؟ فقال: «لا، حتي يقبضه» قلت: فإذا قبضه يزكّيه ؟ قال: «لا، حتي يحول عليه الحول في يديه»(6).

و قال سعيد بن المسيب، و عطاء بن أبي رباح، و عطاء الخراساني:9.

ص: 22


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، حلية العلماء 92:3، كفاية الأخيار 107:1، و فتح العزيز 202:5.
2- المهذب للشيرازي 165:1، حلية العلماء 92:3، المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، فتح العزيز 502:5، الأموال - لأبي عبيد -: 439.
3- التهذيب 32:4-82.
4- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، رحمة الأمّة 117:1.
5- التهذيب 32:4-80.
6- التهذيب 34:4-87، الاستبصار 28:2-79.

يزكّيه إذا قبضه لسنة واحدة(1).

فأما إن كان علي معسر، أو جاحد، أو مماطل فلا زكاة عليه عندنا، لعدم تمكّنه منه، فأشبه المغصوب، و به قال قتادة، و إسحاق، و أبو ثور، و أهل العراق، و أحمد في رواية(2).

و في الثانية: يزكّيه إذا قبضه، و به قال الثوري، و أبو عبيد(3).

لقول علي عليه السلام في الدين المظنون: «إن كان صادقا فليزكّه إذا قبضه لما مضي»(4).

و لأنّه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضي كالدّين علي الملي.

و الرواية للاستحباب، و الأصل ممنوع، و الفرق: التمكّن.

فروع:

أ - لا فرق بين الحالّ و المؤجّل في عدم الوجوب فيه عند قائله، لأنّ البراءة تصح من المؤجّل فيكون ملكا.

نعم هو في حكم الدّين علي المعسر، لعدم تمكّن قبضه في الحال.

ب - لو منع البائع المشتري من المبيع فحال الحول لم تجب الزكاة، لعدم التمكّن.

و لو مكّنه منه فلم يقبضه و حال الحول فإن كان معيّنا فالزكاة علي المشتري، و إن كان مطلقا فكالدّين، و كذا المال المسلم فيه.

و للشافعي ثلاثة أقوال: القطع بمنع الوجوب، لضعف الملك، إذ لا ينفذ بيعه قبل القبض، و القطع بالوجوب لتمكّنه من القبض، و الوجهان(5).

ص: 23


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2.
2- المغني 638:2، الشرح الكبير 445:2.
3- المغني 638:2، الشرح الكبير 445:2.
4- سنن البيهقي 150:4.
5- فتح العزيز 500:5-501.

ج - إذا قبّض المشتري الثمن عن السلم، أو عن غير المقبوض، و حال عليه الحول فالزكاة علي البائع لثبوت ملكه فيه، فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذّر المسلم فيه وجب ردّ الثمن، و الزكاة علي البائع.

د - الدّين المؤجّل لا زكاة فيه عندنا، و للشافعي قولان، أحدهما: أنه كالمغصوب إن تعذّر استيفاؤه لإعسار أو جحود فيجري فيه القولان.

و الثاني: أنّه كالغائب الذي يسهل إحضاره فتجب فيه الزكاة لحصول النماء في المدّة، فإنّ الشيء إذا بيع مؤجّلا زيد في ثمنه.

و له ثالث: القطع بالمنع، لأنّه لا ملك قبل الحلول.

و علي تقدير الوجوب ففي وجوب الإخراج في الحال قولان: الثبوت كالغائب الذي يسهل إحضاره، و المنع إلي أن يقبض لأنّ خمسة نقدا تساوي ستّة فيؤدّي إلي الإجحاف(1).

ه - الدّين إن لم يكن لازما - كمال الكتابة عند الشيخ(2) - لا زكاة فيه و - لو كان الدّين نعما فلا زكاة فيه، و من أوجبها في الدّين توقّف هنا، لأنّ السوم شرط و ما في الذمة لا يوصف بكونه سائما(3).

و يشكل بأنّهم ذكروا في السلم في الحيوان التعرّض لكونه لحم راعية أو معلوفة، فإذا جاز أن يثبت في الذمة لحم راعية جاز أن تثبت راعية(4).

مسألة 14: أوجب الشيخ في المبسوط الزكاة في الرهن

سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا - و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لوجود المقتضي و هو الملك.

قال: فإن كان للراهن مال سواه كلّف إخراج الزكاة منه، لأنّ الزكاة من

ص: 24


1- فتح العزيز 502:5، مغني المحتاج 410:1-411.
2- الخلاف، كتاب المكاتب، المسألة 17، المبسوط 91:6.
3- راجع فتح العزيز 501:5 و 299:9.
4- راجع فتح العزيز 501:5 و 299:9.
5- المجموع 343:5، فتح العزيز 501:5، حلية العلماء 21:3، المغني 543:2.

مئونة الرهن فتلزم الراهن كنفقة المضارب، و لا تخرج من النصاب لتعلّق حقّ المرتهن، و الزكاة لا يتعيّن إخراجها منه.

و إن كان معسرا أخذت الزكاة من الرّهن لتعلّق حقّ المساكين بالعين، و حقّ المرتهن في الذمة فإنّه لو هلك رجع علي الراهن بماله(1).

و قال في الخلاف: لو كان له ألف و استقرض ألفا، و رهن هذه لزمه زكاة القرض دون الرهن(2).

و هو يعطي عدم وجوب الزكاة في الرهن، و هو الوجه عندي، لعدم تمكّنه منه سواء كان في يده أو في يد المرتهن أو غيرهما.

مسألة 15: لا زكاة في المال الموقوف،

لعدم تمكّنه من التصرّف بأنواعه، و لعدم اختصاص أحد به.

و كذا مال الحبس و المعمّر، لأنّ الملك و إن كان باقيا إلاّ أنه ممنوع من التصرف فيه بأنواعه.

مسألة 16: تسلّط الغير مانع من وجوب الزكاة،
اشارة

فلو نذر الصدقة بالنصاب، فمضي الحول قبل الصدقة لم تجب الزكاة، لتعلّق النذر بعين المال، و كونه واجب الصرف إلي النذر قبل أن تجب فيه الزكاة، و هو أصحّ وجهي الشافعي.

و له آخر: وجوب الزكاة، لأنّ المال لا يتعيّن بتعيين الناذر، و الدّين لا يمنع الزكاة، و لأنّه لم يخرج عن ملكه قبل الصدقة(3).

و نمنع القاعدتين(4) ، و الملك و إن كان باقيا إلاّ أنّه ناقص لوجوب الصدقة

ص: 25


1- المبسوط للطوسي 208:1-209.
2- الخلاف 110:2، المسألة 129.
3- المجموع 345:5، فتح العزيز 509:5، حلية العلماء 20:3.
4- من القاعدتين: عدم منع الدّين للزكاة، و يأتي من المصنّف - رحمه اللّه - في الفرع «ب» و في المسألة اللاحقة ما ينافي هذا المنع، فلاحظ.

به.

فروع:

أ - لو جعل هذه الأغنام ضحايا، أو هذا المال صدقة بنذر و شبهه كان سقوط الزكاة فيه أقوي، لانتقال المال عنه إلي ما نذره، و لم يبق فيه حقيقة ملك.

ب - لو نذر الصدقة بعشرين دينارا و لم يعيّن لم تسقط الزكاة عندنا، سواء كان له أزيد أو لا، لأنّ الدّين لا يمنع الزكاة علي ما يأتي(1) ، و هو أحد وجهي الشافعي بناء علي عدم منع الدّين لضعف حقّ اللّه تعالي، إذ لا مطالب له فهو أضعف من دين الآدمي(2).

ج - لو كان النذر مشروطا فإشكال ينشأ من استصحاب الملك السالم عن معارضة تعلّق النذر لعدم الشرط الآن، و من تعلّق النذر به.

د - لو استطاع بالنصاب و وجب الحج، ثم مضي الحول علي النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة لتعلّق الزكاة بالعين بخلاف الحج.

مسألة 17: الدّين لا يمنع الزكاة
اشارة

عند علمائنا أجمع، فلو كان عليه دين بقدر النصاب أو أزيد، و حال الحول وجبت الزكاة سواء كان النصاب من الأموال الظاهرة - و هي الأنعام و الغلاّت - أو الباطنة - و هي النقدان - و به قال ربيعة، و حماد بن أبي سليمان، و الشافعي - في الجديد - و ابن أبي ليلي(3) ، لأنه حرّ مسلم ملك نصابا حولا فوجبت الزكاة عليه كمن لا دين عليه، و للعمومات.

و لأنّه لو لم تجب لم تجب في القرض لشغل الذمة بمثله و الثاني باطل.

لقول الباقر عليه السلام، و قد سئل عن زكاة القرض ؟ فقال: «علي

ص: 26


1- يأتي في المسألة اللاحقة.
2- المجموع 345:5، فتح العزيز 510:5، حلية العلماء 20:3.
3- المغني 633:2، الشرح الكبير 455:2، المجموع 344:5، حلية العلماء 16:3، فتح العزيز 505:5، مغني المحتاج 411:1.

المقترض لأنّه في يده»(1).

و قال مالك، و الثوري، و الأوزاعي، و عطاء، و سليمان بن يسار، و ميمون ابن مهران، و الحسن، و النخعي، و الليث، و إسحاق، و أبو ثور، و أصحاب الرأي، و أحمد: إنّ الدّين يمنع من الزكاة في الباطنة(2).

و أما الظاهرة، فقال مالك، و الأوزاعي، و الشافعي: إنّه لا يمنع(3) ، و عن أحمد فيها روايتان(4).

و احتجّوا برواية ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: «إذا كان لرجل ألف درهم، و عليه ألف درهم فلا زكاة عليه»(5).

و يحمل - مع صحّته - علي اختلال شرط الوجوب.

فروع:

أ - قال أبو حنيفة: الدّين يمنع في الأموال كلّها مع توجّه المطالبة إلاّ في الغلاّت، لأنّ الواجب فيها عنده ليس صدقة(6).

ب - القائلون بأنّ الدّين مانع شرطوا استغراق النصاب أو نقصه، و لا وجه لقضائه سوي النصاب أو ما لا يستغني عنه، فلو كان له عشرون دينارا و عليه

ص: 27


1- الكافي 520:3-6، التهذيب 33:4-85 نقلا بالمعني.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 95، مقدمات ابن رشد: 252، بدائع الصنائع 6:2، المغني 633:2، الشرح الكبير 454:2، المجموع 344:5، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 95، مقدمات ابن رشد 252:1، المجموع 344:5، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5، مغني المحتاج 411:1، المغني 2: 634، الشرح الكبير 455:2.
4- المغني 634:2، الشرح الكبير 454:2-455، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5.
5- أوردها ابنا قدامة في المغني 633:2، و الشرح الكبير 454:2.
6- اللباب 137:1، شرح العناية 117:2، المغني 634:2، الشرح الكبير 455:2، حلية العلماء 16:3، فتح العزيز 506:5، بداية المجتهد 246:1.

دينار و لا وجه سوي العشرين فلا زكاة عندهم، و لو كان له أحد و عشرون فعليه زكاة عشرين.

و لو كان له مائة من الغنم، و عليه ما يقابل ستّين فعليه زكاة أربعين.

و لو كان عليه ما يقابل أحدا و ستّين فلا زكاة(1) ، و عندنا تجب الزكاة.

ج - لو كان عليه دين و له مالان من جنسين، فعندنا تجب الزكاة، فلا بحث.

و المانعون اختلفوا، فقال بعضهم: يجعل الدّين في مقابلة ما الحظّ للمساكين في جعله في مقابلته، فلو كان عليه خمس من الإبل و له خمس من الإبل و مائتا درهم فإن كانت عليه سلما أو دية و نحوها ممّا يقضي بالإبل جعل الدّين في مقابلتها و وجبت زكاة الدراهم.

و إن كان قد أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم.

و إن كانت قرضا فإن كانت إذا جعلت في أحدهما فضلت فضلة تنقص النصاب الآخر دون العكس جعلت علي العكس، لأنّ له ما يقضي به الدّين، فلو كان له خمس من الإبل و مائتا درهم، و عليه ستّ من الإبل قيمتها مائتان جعل الدّين في مقابلة الدراهم.

و لو كان عليه مائتان و خمسون درهما، و له خمس من الإبل تساوي الدّين جعل الدّين في مقابلة الإبل.

و لو كان عليه مائة درهم، و له مائتان، و تسع من الإبل تساوي الأربعة الزائدة المائة وجبت الزكاة فيهما(2).

د - لو كان أحد المالين لا زكاة فيه كمن عليه مائتان و له مائتان و عروض للقنية يساوي الدّين جعل الدّين في مقابلة العروض، و به قال مالك و أبو2.

ص: 28


1- راجع المغني 635:2، الشرح الكبير 456:2.
2- المغني 635:2، الشرح الكبير 456:2.

عبيد(1).

و قال أصحاب الشافعي: إنّه مقتضي قوله، لأنّه مالك للنصاب زيادة عن دينه فوجبت عليه زكاتها، كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا(2).

و قال أبو حنيفة: يجعل الدّين في مقابلة ما يقضي منه فلا زكاة هنا، لأنّ الدّين يقضي من جنسه، و هو قول الليث بن سعد و أحمد(3).

ه - لو كان الدّين للّه تعالي كالكفّارة و النذر لم يمنع الزكاة عندنا.

و أمّا المانعون في الآدمي، ففيه(4) وجهان: المنع كدين الآدمي، لأنّه دين يجب قضاؤه.

و قال عليه السلام: «دين اللّه أحقّ أن يقضي»(5).

و عدمه، لأنّ الزكاة آكد، لتعلّقها بالعين(6).

و لو نذر أن يتصدّق بخمسة دراهم فحال الحول علي مائتي درهم لم يتداخلا، لاختلاف سببهما.

و عند بعض الجمهور يتداخلان إن نوي الزكاة، لأنّها صدقة(7).

و - لو حجر الحاكم عليه قبل الحول، ثم حال الحول علي الحجر فلا زكاة، لعدم تمكّنه من التصرّف.

و لو حجر بعد الحول و وجوب الزكاة لم يمنع من إخراجها، لأنّه واجب عليه متعلّق بالعين.

و قال بعض الجمهور: يمنع، لانقطاع تصرّفه في ماله. و قيل بالسقوط2.

ص: 29


1- المغني 635:2، الشرح الكبير 457:2، المدونة الكبري 272:1.
2- المجموع 350:5، المغني 636:2، الشرح الكبير 457:2.
3- المغني 636:2، الشرح الكبير 457:2.
4- أي: فلهم في دين اللّه تعالي وجهان.
5- صحيح البخاري 46:3، صحيح مسلم 804:2-154.
6- المغني 636:2، الشرح الكبير 458:2.
7- المغني 636:2، الشرح الكبير 458:2.

إذا حجر قبل إمكان الأداء كالتلف(1). و ليس بجيد.

و لو أقرّ بها بعد الحجر لم يقبل في حقّ الغرماء فتصير في ذمّته لا في المال، و يحتمل القبول.

و لو صدّقه الغرماء أو ثبت بالبينة أو بالإقرار قبل الحجر وجب إخراجها من المال.

و لو أقرّ الغرماء بها أخرجوها، و لم يقبل في حق المديون إلاّ مع تصديقه.

ز - لو جني عبد التجارة تعلّق أرشها برقبته، و منع وجوب الزكاة فيه إن نقص عن النصاب عند المانعين، لأنّه دين.

ح - لو مات بعد الحول و تعلّق الزكاة، و عليه دين مستوعب قدّمت الزكاة، لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدّين بها فإنّه إنّما يتعلّق بعد الموت، و هو أحد أقوال الشافعي.

و الثاني: تقديم حقّ الآدمي، لاحتياجه، كما يقدّم قطع القصاص علي السرقة. و الثالث: التوزيع، لتساويهما(2). و الحقّ ما تقدّم.

نعم لو كان عوضها كفّارة أو غيرها من الحقوق التي لا تتعلّق بالعين فإنّ الحقّ التقسيط.

مسألة 18: لو استقرض الفقير النصاب و تركه حولا وجبت الزكاة عليه،

لأنّه مالك للنصاب متمكّن منه فوجبت عليه زكاته، و من خالف في المديون خالف هنا.

و لو شرط الزكاة علي المقرض، قال الشيخ: كانت زكاته علي مالكه عملا بالشرط(3).

ص: 30


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 458:2-459.
2- فتح العزيز 511:5، مغني المحتاج 411:1.
3- المبسوط للطوسي 213:1.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن رجل استقرض مالا، و حال عليه الحول و هو عنده: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّي المستقرض»(1).

و فيه إشكال، لأنّه حقّ عليه يفتقر إلي النية، فلا يتعلّق بغيره بالشرط، و الحديث لا يدلّ علي مطلوبه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا: الدّين لا زكاة فيه فلا بحث، و إن أوجبنا فيه الزكاة فلا زكاة هنا علي المالك، لأنّ زكاته علي المقترض فلا تجب فيه اخري علي غيره.

و لقول الباقر عليه السلام: «زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا علي المقترض» قلت: فليس علي المقرض زكاتها؟ قال: «لا، لا يزكّي المال من وجهين في عام واحد، و ليس علي الدافع شيء لأنّه ليس في يده [شيء](2) لأنّ المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه» قال، قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله ؟ فقال: «إنّه ماله ما دام في يده، و ليس [ذلك المال](3) لأحد غيره - ثم قال - يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و علي من ؟» قلت: للمقترض، قال: «فله الفضل و عليه النقصان، و له أن يلبس و ينكح و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه ؟!(4) بل يزكّيه فإنّه عليه»(5).

إذا عرفت هذا فإنّ القرض يجري في الحول بالقبض، إذ قبضه شرط في الملك.

مسألة 19: من ترك لأهله نفقة بلغت النصاب فصاعدا،

و حال عليه

ص: 31


1- الكافي 520:3-5، التهذيب 32:4-33-83.
2- زيادة من المصدر.
3- زيادة من المصدر.
4- في التهذيب: «أن لا يزكّيه».
5- التهذيب 33:4-85، و الكافي 520:3-6 و فيه عن الإمام الصادق عليه السلام

الحول، فإن كان حاضرا وجبت عليه الزكاة، لأنّه مالك متمكّن لم يخرج عنه ملكه.

و إن كان غائبا فلا زكاة فيه، أمّا علي أهله، فلعدم الملك في حقّهم، و أمّا عليه، فلأنّها في معرض الإتلاف.

مسألة 20: عدم قرار الملك مقتض لنقصه،

فلو وهب نصابا لم يجر في الحول إلاّ بعد القبول و القبض، لأنّ الملك إنّما يتمّ بهما، فإن حال الحول علي ملكه وجبت الزكاة.

و إن رجع الواهب قبل إمكان الأداء فلا زكاة علي المتّهب و لا علي الواهب و إن كان الرجوع بعد الحول.

و لو رجع الواهب قبل الأداء مع التمكّن منه قدّم حقّ الفقراء، لتعلّقه بالعين حين الحول، و لا يضمنه المتّهب كما لو تلف قبل رجوعه.

مسألة 21: الموصي له إنّما يملك بأمرين: موت الموصي و القبول،

فلو أوصي له بنصاب لم ينتقل إليه إلاّ بهما، فإذا مات الموصي و قبل ابتدأ الحول حينئذ، لأنّه حين الملك، و ينبغي اشتراط القبض أو التمكّن منه.

و إن قلنا: القبول كاشف و الملك يحصل بالوصيّة و الموت فكذلك، لقصور الملك قبله.

و أمّا الوارث فإنّما يملك بموت المورّث لا بصيرورة حياته غير مستقرة، و إنّما يجري الحول من حين القبض أو تمكّنه منه، فلو مات المورّث و لم تصل التركة إليه لم يعتدّ من الحول.

مسألة 22: لا تجري الغنيمة في الحول إلاّ بعد القسمة،

و لا يكفي عزل الإمام بغير قبض الغانم، فلو تأخّرت قسمة الغنيمة حولا فلا زكاة، لعدم استقرار الملك فإنّ للإمام أن يقسّم بينهم قسمة بحكم فيعطي كلّ واحد من أيّ الأصناف شاء، فلم يتمّ ملكه علي شيء معيّن، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة.

ص: 32

هذا إذا كانت من أجناس مختلفة، و لو كانت الغنيمة من جنس واحد فالوجه ذلك أيضا، لأنّ ملكهم في غاية الضعف، و لهذا يسقط بالإعراض، و هو أحد وجهي الشافعي(1) ، و عن أحمد: الوجوب، للملك(2).

أما لو اختاروا التملّك و مضي حول من وقت التملّك، فإن كانت من جنس واحد وجبت الزكاة إن بلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب.

و إن كانت من أجناس مختلفة فلا زكاة سواء كانت جميعها ممّا تجب فيه الزكاة أو لا.

مسألة 23: لو آجر داره أربع سنين بمائة معجّلة فقبضها وجب عند كلّ حول زكاة الجميع

و إن كان في معرض التشطير، و به قال مالك و الشافعي - في أحد القولين - و أحمد(3) ، لأنّه ملكه ملكا تامّا بالعقد، و يجوز التصرّف فيه بجميع أنواعه، و لو كان جارية جاز له وطؤها.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في الثاني: لا يلزمه أن يخرج عند تمام كلّ سنة إلاّ زكاة القدر الذي استقرّ ملكه عليه، لأنّه قبل الاستقرار في معرض السقوط بالانهدام و هو يورث ضعف الملك(4). و ينتقض بالصداق.

قالوا: فيخرج في السنة الأولي زكاة ربع المال و هي: خمسة أثمان دينار، لاستقرار الملك علي الربع، و عند تمام الثانية يستقرّ ملكه في خمسين و قد ملكها منذ سنتين، فعليه زكاة خمسين لسنتين: ديناران و نصف، لكنّه يحطّ عنه ما أدّي في الأولي يبقي دينار و سبعة أثمان دينار، و عند تمام الثالثة

ص: 33


1- المجموع 353:5-354، الوجيز 68:1، فتح العزيز 512:5.
2- المغني 639:2، الشرح الكبير 447:2.
3- المجموع 23:6، الوجيز 86:1، فتح العزيز 514:5، المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.
4- المجموع 24:6، الوجيز 86:1، فتح العزيز 514:5، المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.

يستقرّ ملكه علي خمسة و سبعين و قد ملكها منذ ثلاث سنين، فعليه زكاتها لثلاث سنين: خمسة دنانير و خمسة أثمان دينار يحط ما أدّي في السنتين يبقي ثلاثة دنانير و ثمن، و عند تمام الرابعة يستقرّ علي الجميع و قد ملكه من أربع سنين فعليه زكاته لأربع [سنين](1) عشرة دنانير يحط عنه ما أدي و يخرج الباقي أربعة دنانير و ثلاثة أثمان دينار(2).

تذنيب: لو كانت الأجرة دينا فهي كالدّين إن أوجبنا الزكاة فيه وجبت هنا، و إلاّ فلا، و به قال أحمد(3).

و قال مالك و أبو حنيفة: لا يزكّيها حتي يقبضها و يحول عليها الحول، لأنّ الأجرة إنّما تستحق بانقضاء مدّة الإجارة لا بالعقد(4).

مسألة 24: لو اشتري نصابا جري في الحول حين العقد،
اشارة

لأنّه حين الملك، و لهذا يملك المشتري النماء المنفصل، و به قال أحمد(5) ، و عند الشيخ بانقضاء الخيار(6) - و به قال مالك و أحمد في رواية(7) - و إلاّ لم يعد بالفسخ، و الملازمة ممنوعة. و كذا لو شرطا خيارا زائدا جري في الحول من حين العقد أيضا، و عند الشيخ من حين انقضاء الخيار(8).

و قال أبو حنيفة: إن كان الخيار للبائع لم ينتقل، و إن كان للمشتري خرج عن البائع(9) و لم يدخل في ملك المشتري(10). و ليس بجيّد، لاستحالة

ص: 34


1- زيادة أثبتناها من المصدر.
2- فتح العزيز 514:5.
3- المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.
4- المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2، و المنتقي للباجي 114:2.
5- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.
6- المبسوط للطوسي 227:1، الخلاف 114:2، المسألة 135.
7- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.
8- المبسوط للطوسي 227:1، الخلاف 114:2، المسألة 135.
9- أي: خرج عن ملك البائع.
10- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.

ملك بغير مالك.

و للشافعي ثلاثة أقوال: قولان كقولنا و قول الشيخ، و الثالث: أنّه مراعي، فإن فسخاه ظهر عدم الانتقال، و إن أمضياه ظهر الانتقال(1).

فروع:

أ - لو كان الخيار أزيد من حول ففسخ البائع العقد بعد الحول فالزكاة علي المشتري لتعلّقها بالعين و يسقط من الثمن ما قابل الفريضة سواء فسخ قبل تمكّنه من الأداء أو بعده.

ب - الحول ينقطع عن البائع بمجرّد العقد و إن كان الخيار له، و لا فرق بين أن يقبض المشتري أو لا، فلو تمّ الحول في مدّة الخيار المشروط، أو تمّ و هما في المجلس فلا زكاة علي البائع، لانتقال ملكه عنه، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني: الزكاة علي البائع بناء علي عدم الانتقال(2).

ج - لو رجّع المبيع إلي المالك أو ردّ عليه استأنف حولا، لأنّه ملك متجدّد حدث بعد زواله، و كذا لو فسخ البيع في مدّة المجلس بخياره، لأنّه لا يمنع نقل الملك.

د - لو حال الحول في مدّة الخيار فالزكاة علي المشتري، لأنّه مالكه، و علي قول الشيخ الزكاة علي البائع.

فإن أخرجها من غيره فالبيع بحاله، و إن أخرجها منه بطل البيع في المخرج دون الباقي، لأنّ تفريق الصفقة لا يقتضي الفسخ.

و هل يثبت الخيار للمشتري ؟ إشكال ينشأ من التفريق، و من تقدير وجوده عند العقد لعلم المشتري به.

و إن لم يخرجها حتي سلّمه إلي المشتري، و انقضت مدّة الخيار لزم

ص: 35


1- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2، المجموع 351:5.
2- المجموع 351:5، فتح العزيز 504:5، و 517.

البيع فيه، و كان عليه الإخراج من غيره، كما لو باع ما وجبت الزكاة فيه.

مسألة 25: لو أصدقها نصابا، فإن كان في الذمّة كان دينا
اشارة

حكمه حكم الديون، و لا فرق بين ما قبل الدخول و بعده، لأنّه دين في الذمّة، و لا بين أن يكون حيوانا أو غيره.

و قال الشافعي: لا زكاة في الحيوان، لأنّ من شرط وجوب الزكاة السوم للنماء و هو غير حاصل في الدّين(1).

فإن طلّقها قبل الدخول و أخذت نصفه، فإن أوجبنا الزكاة في الدّين وجب فيما قبضته دون ما لم تقبضه، لأنّه دين لم يتعوّض عنه، و لم تقبضه فأشبه ما تعذّر قبضه لفلس أو جحود.

و كذا لو فسخت النكاح قبل الدخول فسقط المهر كلّه فلا زكاة.

و كذا كلّ دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه، أو يأس صاحبه من استيفائه، لأنّ الزكاة مواساة فلا تلزم فيما لم يحصل.

فروع:

أ - لو كان الصداق عينا ملكته بالعقد فتجب عليها الزكاة إذا حال عليه الحول سواء كان في يد الزوج الباذل أو في يدها و إن كان كلّه في معرض السقوط بالردّة، و الفسخ، أو بعضه بالطلاق.

ب - لو كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثم سقط نصفه و قبضت النصف فعليها زكاة المقبوض، لأنّ الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعني اختصّ به، فاختصّ السقوط به.

و لو مضي عليه حول ثم قبضته كلّه زكّته لذلك الحول، و لو مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكّته لما مضي كلّه ما لم ينقص عن النصاب، لأنّه مال تستحقّ قبضه، و يجبر المديون علي أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع،

ص: 36


1- فتح العزيز 501:5 و 513.

و به قال أحمد و الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليها الزكاة ما لم تقبضه، لأنّه بدل عمّا ليس بمال فلا تجب الزكاة فيه قبل قبضه كمال الكتابة(2).

و نمنع الأصل، و يفرّق بعدم استحقاق قبضه فإنّ للمكاتب أن يمتنع من أدائه.

ج - لو قبضت صداقها قبل الدخول و مضي عليه حول، فزكّته من العين، ثمّ طلّقها الزوج رجع عليها بنصفه و كانت الزكاة من النصف الباقي فيرجع في عشرين جزءا من الغنم من تسعة و ثلاثين جزءا، و هو قول للشافعي و أحمد(3) ، لقوله تعالي فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (4) و لأنّه يمكنه الرجوع في العين فلم يكن له العدول إلي القيمة.

و قال الشافعي في بعض أقواله: يرجع الزوج بنصف الموجود و نصف قيمة المخرج، لأنّه لو تلف الكلّ رجع عليها بنصف قيمته فكذلك إذا تلف البعض(5).

و الجواب: الفرق بأنّه مع تلف الكلّ لا يمكنه الرجوع في العين.

و له قول ثالث: التخيير بين نصف الموجود و نصف قيمة المفقود، و بين نصف قيمة الكلّ(6) ، لأنّه قد تبعّض عليه حقّه فلم يمكنه الرجوع إلي نصف العين فكان له العدول إلي القيمة.

و الوجه عندي الرجوع في نصف الموجود، و المطالبة بعوض الزكاة إمّا:5

ص: 37


1- المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2، المجموع 23:6، فتح العزيز 513:5.
2- المبسوط للسرخسي 184:2، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2، فتح العزيز 513:5.
3- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2.
4- البقرة: 237.
5- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2.
6- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5

مثلا أو قيمة علي التفصيل.

و لو زكّته من غير العين كان له الرجوع في نصف العين.

د - لو طلّقها بعد الحول و قبل الإخراج، قال الشيخ: فإن أخرجتها من عين المال أخذ الزوج نصف الباقي، و إن أخرجتها من غيره فكذلك.

و إن لم تكن أخرجت لكن اقتسمت هي و الزوج الصداق كان ما أخذه الزوج صحيحا، و عليها فيما أخذته حقّ الصدقة، فإن هلك نصيبها و بقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج، و يرجع الزوج عليها بقيمته، لأنّ الزكاة تجب في العين دون الذمة(1).

و هذا القول من الشيخ يشعر بأنّ لها أن تخرج من العين، و به قال الشافعي(2).

و منع أحمد من ذلك، لأنّ حقّ الزوج تعلّق به علي وجه الشركة، و الزكاة لم تتعلّق به علي وجه الشركة(3).

ه - للشافعي في جواز القسمة قبل أداء الزكاة علي تقدير تعلّقها بالعين، وجهان: المنع، لأنّ المساكين شركاء معهما فلا تجوز القسمة دونهم، و الجواز، لأنّ للمالك الدفع من أيّ الأموال شاء، فحينئذ للساعي الأخذ من نصيب الزوجة كلّ الزكاة، لأنّها وجبت عليها قبل ثبوت حقّ الزوج، فإذا لم يجد لها مالا أخذ من نصيب الزوج، لأنّ الزكاة وجبت بسببه.

فإذا أخذ الزكاة ففي بطلان القسمة وجهان: البطلان، لتعيّن حقّ الفقراء في المال المقسوم، و عدمه، لأنّ تعيينه حصل بعد صحّة القسمة، و يرجع الزوج عليها بقيمة الزكاة(4).1.

ص: 38


1- المبسوط للطوسي 208:1.
2- الام 25:2، المجموع 31:6.
3- المغني 643:2، الشرح الكبير 452:2.
4- المجموع 30:6 و 31.

و - لو كان الصداق دينا فأبرأته منه بعد الحول فالزكاة عليها علي تقدير وجوب الزكاة في الدّين - و هو إحدي الروايتين عن أحمد - لأنّها تصرّفت فيه فأشبه ما لو قبضته.

و الثانية: الزكاة علي الزوج، لأنّه ملك ما ملك عليه فكأنّه لم يزل ملكه عنه(1).

و هو غلط، فإنّ الزوج لم يملك شيئا، بل سقط الدّين عنه.

و يحتمل عدم الوجوب، فإنّ المرأة لم تقبض، فلم تلزمها زكاته، كما لو سقط بغير إسقاطها.

و كذا البحث في كلّ دين أبرأه صاحبه منه بعد الحول.

ز - لو طلّقها بعد الحول قبل الدخول و التمكّن من الأداء وجبت الزكاة و إن استحقّ الزوج النصف قبل التمكّن من الأداء، بخلاف التالف، لأنّ العين هنا باقية و قد أخذت عوضها و هو البضع، بخلاف التالف، إذ لا عوض له.

ح - لو تلف النصف بتفريطها تعلّق حقّ الساعي بالعين، و ضمنت للزوج.

مسألة 26: اللقطة إنّما تملك بالتعريف حولا،

و نيّة التملّك علي الأقوي، فلا تجري في حول الزكاة حتي يمضي حول التعريف، ثم ينوي التملّك فحينئذ يستقبل الحول، و به قال الشافعي(2).

و عند الشيخ تملك بمضيّ التعريف حولا و إن لم ينو التملّك(3) ، و هو ظاهر مذهب أحمد(4).

و إذا ملكها وجب عليه مثلها أو قيمتها إن لم تكن مثليّة، و به قال

ص: 39


1- المغني 644:2، الشرح الكبير 452:2.
2- المغني 641:2، الشرح الكبير 453:2، و انظر: المجموع 267:15.
3- النهاية: 320.
4- المغني 641:2، الشرح الكبير 453:2.

الشافعي(1) - و سيأتي(2) - فحينئذ تجب الزكاة عند الحول.

و مقتضي قول المانعين من الوجوب علي المديون المنع هنا، لأنّه دين(3).

و قيل: لا تجب بمعني آخر و هو عدم استقرار الملك، إذ لصاحبها أخذها متي وجدها(4).

مسألة 27: إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب،

فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتي تلفت لم يضمن، و لو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره، و سيأتي(5) البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة و إن وجبت عليه عندنا، لأنّه مخاطب بالفروع، و به قال الشافعي(6) - خلافا لأحمد و أبي حنيفة(7) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه و إن كان النصاب موجودا، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(8) و يستأنف الحول حين الإسلام.

و لو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان و إن أسلم.

و أما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإسلام.

ص: 40


1- حكاه ابنا قدامة في المغني 642:2، و الشرح الكبير 453:2.
2- يأتي في اللقطة (المقصد الخامس من كتاب الأمانات).
3- انظر: المغني 642:2، و الشرح الكبير 453:2.
4- القائل هو ابن عقيل من الجمهور. انظر: المغني 642:2، الشرح الكبير 453:2.
5- يأتي في المسألة 124.
6- المجموع 4:3 و 328:5، بدائع الصنائع 4:2.
7- بدائع الصنائع 4:2، المغني 488:2، الشرح الكبير 437:2.
8- مسند أحمد 199:4 و 204 و 205.

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلي ورثته في الحال و إلاّ بقيت عليه، فإذا حال الحول وجبت عليه.

و إذا أخرج في حال الردّة جاز، و به قال الشافعي(1) ، كما لو أطعم عن الكفارة، و فيه له وجه آخر(2).

و أمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء اللّه تعالي.5.

ص: 41


1- المجموع 328:5، فتح العزيز 518:5، مغني المحتاج 408:1.
2- و هو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. انظر: المجموع 328:5، و فتح العزيز 519:5.

ص: 42

المقصد الثاني في المحلّ
اشارة

و قد أجمع المسلمون كافّة علي إيجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل، و البقر، و الغنم، و الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و اختلفوا في ما زاد علي ذلك، و سيأتي(1) ، فهنا مطالب:

الأول: في زكاة الأنعام،
اشارة

و فيه فصول:

ص: 43


1- يأتي في المسائل 110-115.

ص: 44

الفصل الأول في زكاة الإبل
مسألة 28: يشترط فيها أربعة: الملك، و النصاب، و السوم، و الحول،

أمّا الملك، فلما تقدّم(1): أنّ غير المالك لا زكاة عليه، و أمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ليس فيما دون خمس ذود(2) صدقة)(3).

و قال الصادق عليه السلام: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء»(4).

إذا عرفت هذا، فالنصب في الإبل ثلاثة عشر نصابا: خمس، عشر، خمس عشرة، عشرون، خمس و عشرون، ستّ و عشرون، ستّ و ثلاثون، ستّ و أربعون، إحدي و ستّون، ستّ و سبعون، إحدي و تسعون، مائة

ص: 45


1- تقدّم في المسألة 11.
2- الذود من الإبل: ما بين الثنتين الي التسع. النهاية - لابن الأثير - 171:2 «ذود».
3- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 673:2-1، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن النسائي 40:5، سنن البيهقي 85:4 و 120.
4- التهذيب 20:4-52، الاستبصار 19:2-56.

و إحدي و عشرون، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغا ما بلغت عند علمائنا أجمع، و سيأتي(1) البحث في ذلك.

مسألة 29: يشترط فيها و في غيرها من الأنعام السوم،

و هي الراعية المعدّة للدرّ و النسل.

و احترزنا بذلك عن المعلوفة و إن كانت للدّر و النسل، و العوامل و إن لم تكن معلوفة، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع، و به قال علي عليه السلام و معاذ بن جبل و جابر بن عبد اللّه، و من التابعين: سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و الحسن البصري و النخعي، و من الفقهاء: الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد(2).

لقوله عليه السلام: (في أربعين من الغنم السائمة شاة)(3) دلّ بمفهومه علي انتفاء الزكاة عن المعلوفة، و إلاّ كان ذكر الوصف ضائعا، بل موهما للتخصيص، و لو لم يكن مرادا كان قبيحا.

و قال عليه السلام: (ليس في البقر العوامل صدقة)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس علي العوامل شيء، إنّما ذلك علي السائمة الراعية»(5).

و لأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة، و المعلوفة يستغرق علفها نماءها.

ص: 46


1- يأتي في المسائل 35-37.
2- المجموع 357:5، حلية العلماء 22:3، مختصر المزني: 45، المبسوط للسرخسي 165:2، المغني 438:2 و 456، الشرح الكبير 475:2 و 501، عمدة القارئ 22:9، المحلّي 45:6.
3- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن الدارقطني 114:2 و 115-2 و 3، سنن الدارمي 381:1، سنن البيهقي 100:4 بتفاوت فيها.
4- المعجم الكبير للطبراني 40:11-10974، سنن الدارقطني 103:2-2.
5- الكافي 532:3-1، التهذيب 22:4-55، الاستبصار 21:2-59.

و قال مالك: تجب في العوامل و المعلوفة. و به قال ربيعة و مكحول و قتادة(1).

و قال داود: تجب في عوامل البقر و الإبل و معلوفها دون الغنم(2).

لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة، و في ثلاثين من البقر تبيع)(3) و لأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

و الحديث يخصّه مفهوم الخطاب، و الفرق بين السائمة و المعلوفة لزوم المئونة في المعلوفة، و العوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة 30: لو سامت بعض الحول، و علفها البعض الآخر،
اشارة

قال الشيخ رحمه اللّه تعالي: يحكم للأغلب(4). و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعية، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة، و خفّة المئونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبة كالزرع إذا سقي سيحا و ناضحا(5).

و قال بعض الشافعية: إن علفها يوما أو يومين لم يبطل حكم السوم، و إن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف، و ما دون ذلك تصبر عن العلف، و لا تتلف بتركه(6).

و قال بعضهم: إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها و يفعله و إن كان مرّة، كما لو كان له ذهب فنوي صياغته و صاغه انقطع حوله(7).

ص: 47


1- المدونة الكبري 313:1، القوانين الفقهية: 107، المغني 456:2، الشرح الكبير 475:2، عمدة القارئ 22:9، حلية العلماء 22:3.
2- حلية العلماء 22:3.
3- سنن أبي داود 100:2-1572.
4- المبسوط للطوسي 198:1.
5- المبسوط للسرخسي 166:2، المغني 438:2، الشرح الكبير 476:2، المجموع 358:5، حلية العلماء 23:3.
6- المجموع 357:4، فتح العزيز 495:5، حلية العلماء 22:3.
7- حلية العلماء 23:3، المجموع 358:5، فتح العزيز 496:5.

و لأنّ السوم موجب، و العلف مسقط، و إذا اجتمعا غلّب الإسقاط، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب، تغليبا للمسقط، و الزرع اعتبر فيه الأكثر، لأنّه غير مسقط، بخلاف مسألتنا.

و الأقرب عندي اعتبار الاسم، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت و إلاّ سقطت.

فروع:

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود، و لا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

و لو علفها من ماله، فالأقرب إلحاقها بالسائمة، لعدم المئونة حينئذ، و لا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول و خرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

و قال الشافعي: لا ينقطع(1). و سيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(2).

ج - لو تساوي زمان العلف و السوم، فعندنا لا زكاة، و علي قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضا.

د - لو اعتلفت من نفسها حتي خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة، و من اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها، و أسقطها بعضهم، لخروجها عن اسم السوم(3).

ه - لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

ص: 48


1- المجموع 358:5.
2- يأتي في الفرع «و» من المسألة 71.
3- المجموع 358:5، فتح العزيز 496:5-497.

و من أوجبها في المغصوب فعنده وجهان: الوجوب، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر، و كذا لو غصب ذهبا و اتّخذ منه حليّا لا تسقط. و هو ممنوع.

و العدم، لفوات شرط السوم، كما لو ذبح بعض الماشية(1).

و لو غصب معلوفة و أسامها، فوجهان: الوجوب، لحصول الرفق، كما لو غصب حنطة و بذرها يجب العشر في النابت، و المنع(2) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل: تجب علي الغاصب، لأنّه من فعله. و قيل: علي المالك.

ففي رجوعه علي الغاصب وجهان: المنع، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك، و الرجوع، لأنّه لو لا الإسامة لم تجب.

و هل يرجع قبل الإخراج أو بعده ؟ وجهان(3) ، و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 31: المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان:

ما هو نماء في نفسه، و ما يرصد للنماء، فالأول الحبوب و الثمار، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة و لا يعتبر فيه حول.

و ما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ و النسل، و الذهب و الفضّة للتجارة، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتي يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه، و به قال جميع الفقهاء(4).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(5).

ص: 49


1- المهذب للشيرازي 149:1، فتح العزيز 497:5، المجموع 359:5، حلية العلماء 23:3.
2- المهذب للشيرازي 149:1-150، المجموع 359:5، فتح العزيز 497:5، حلية العلماء 23:3.
3- المجموع 359:5، فتح العزيز 497:5-498.
4- المجموع 361:5.
5- سنن أبي داود 100:2-101-1573، سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2-91-3، و سنن البيهقي 95:4.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «ليس علي العوامل من الإبل و البقر شيء، إنما الصدقات علي السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال الحول وجب عليه»(1).

و قول الباقر عليه السلام: «الزكاة علي المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه»(2).

و حكي عن ابن عباس و ابن مسعود أنهما قالا: إذا استفاد المال زكّاه في الحال، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(3) ، لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب و الثمار.

و الفرق: أن الغلاّت يتكامل نماؤها دفعة، و لهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة 32: يشترط بقاء النصاب طول الحول،

فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه و كمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال، و سقط حكم الأول عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(4).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(5) و هو يقتضي مرور الحول علي جميعه.

و لأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك و الإسلام.

و حكي عن أبي حنيفة: أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه

ص: 50


1- الكافي 534:3-1، التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-65.
2- التهذيب 35:4-90.
3- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 361:5، حلية العلماء 25:3، الميزان للشعراني 2:2.
4- المجموع 360:5، المغني 494:2، الشرح الكبير 464:2.
5- تقدمت مصادره في المسألة 31.

في وسطه(1). و ليس بجيّد.

مسألة 33: و حولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة علي المال،
اشارة

فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة و إن لم تكمل أيامه، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة: «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه الزكاة»(2).

فروع:

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقة، و من صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة، و بعده يجب الجميع إن فرّط و إلاّ فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول، و لو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة 34: لا تجب الزكاة في السخال
اشارة

و هي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتي يحول عليها الحول من حين سومها، و لا يبني علي حول الأمّهات، فلو كان عنده أربع، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولا.

و لو كان عنده خمس ستة أشهر، ثم نتجت خمسا، و تمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا، و به قال الحسن البصري و النخعي(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(4)

ص: 51


1- بدائع الصنائع 51:2، المغني 495:2.
2- الكافي 526:3-4، التهذيب 36:4-92.
3- المغني 470:2، الشرح الكبير 460:2، المجموع 374:5، حلية العلماء 29:3.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 31.

و لأصالة البراءة.

و قال الشافعي: السخال تضمّ إلي الأمّهات في حولها بثلاث شرائط:

أن تكون متولّدة منها، و أن تكون الأمّهات نصابا، و أن توجد معها في بعض الحول، فلو لم تكن متولّدة منها، بل كان الأصل نصابا، فاستفاد مالا من غيرها، و كانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها، و كان حول الفائدة معتبرا بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول علي خمسة من الإبل ستة أشهر، ثم تملّك خمسا منها أو من غير جنسها مثل أن حال علي خمسة من الإبل ستة أشهر، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

و لو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتي بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصابا سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها، لقصور الأمّهات عن النصاب.

و لو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

و احتجّ علي التبعيّة: بقول علي عليه السلام: «اعتد عليهم بالكبار و الصغار»(1).

و قال عمر لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة(2). و لا مخالف لهما فكان إجماعا، و لأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(3).

و الجواب: نقول بموجب الحديث، فإنّ السخال و الصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم، و نمنع حكم الأصل.

و نازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول، فقال: إذا استفاد سخالا5.

ص: 52


1- أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 150:1-151، و الرافعي في فتح العزيز 483:5، و انظر أيضا لقول عمر: الموطأ 265:1 ذيل الحديث 26، و سنن البيهقي 101:4.
2- أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 150:1-151، و الرافعي في فتح العزيز 483:5، و انظر أيضا لقول عمر: الموطأ 265:1 ذيل الحديث 26، و سنن البيهقي 101:4.
3- المهذب للشيرازي 150:1-151، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 483:5.

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلي ماله إذا كان من جنسه، و كان حول الأمّهات حول السخال، و إن لم تكن من جنسه كسخال الإبل مع الغنم لم تضمّ، فلو كان عنده خمس من الإبل حولا إلاّ يوما فملك خمسا من الإبل، ثم مضي اليوم زكّي المالين معا، و به قال مالك(1).

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّي بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإبل و مائتا درهم أخرج زكاة المائتين، ثم اشتري بها خمسا من الإبل لم تضمّ إلي التي كانت عنده في الحول، و إن لم يزكّ المبدل ضمّهما معا، و لو كان عنده عبد و أخرج زكاة الفطرة عنه، ثم اشتري به خمسا من الإبل ضمّها إلي ما عنده(2).

و احتجّ أبو حنيفة علي الضمّ و إن لم يكن من أصله: بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلي النصاب فيه كالنصاب - و ينتقض بالمزكّي بدله - و لأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

و ينتقض بقوله عليه السلام: (ليس في مال المستفيد زكاة حتي يحول عليه الحول)(3).

و لأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

و نازع مالك الشافعي في الشرط الثاني، فقال: لو كانت الغنم أقلّ من أربعين، و مضي عليها بعض الحول، ثم توالدت و تمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الأصول، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلي ما دون النصاب كأرباح التجارات(4).3.

ص: 53


1- المجموع 374:5، فتح العزيز 483:5-484، القوانين الفقهية: 107-108.
2- فتح العزيز 484:5.
3- سنن الدارقطني 90:2-2، سنن البيهقي 104:4.
4- المدونة الكبري 313:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 92، التفريع 283:1، المغني 470:2-471، حلية العلماء 29:3.

و نمنع الحكم في الأصل، و للفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال، لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع:

أ - لو نتجت بعد الحول و قبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا، و هو ظاهر.

و للشافعي قولان مبنيّان علي وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟ فإن قيل: بأنّه شرط الوجوب ضمّت، و إن قيل: إنّه شرط الضمان لم تضمّ(1).

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعا، أمّا عندنا، فلعدم الوجوب، و أمّا المخالف، فلقول عمر: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يديه و لا تأخذها منهم(2).

و لو كان النصاب كلّه صغارا جاز أخذ الصغيرة، و إنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كبارا بصغار في أثناء الحول، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصابا من الصغار ثم ماتت الأمّهات، و حال الحول علي الصغار، و هو ظاهر قول أحمد(3).

و قال مالك: لا يؤخذ إلاّ كبيرة تجزي في الأضحية(4) ، لقوله عليه السلام: (إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة)(5).

و هو محمول علي ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصابا من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا

ص: 54


1- المجموع 373:5، فتح العزيز 473:5، حلية العلماء 32:3.
2- نقله ابنا قدامة في المغني 470:2، و الشرح الكبير 509:2.
3- المغني 471:2، الشرح الكبير 506:2.
4- المغني 471:2، الشرح الكبير 506:2.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 471:1، و الشرح الكبير 506:2.

صدق عليه اسم السوم و إلاّ فلا.

و قال أبو حنيفة و أحمد - في رواية -: لا ينعقد عليه الحول حتي يبلغ سنّا يجزئ مثله في الزكاة، و هو محكي عن الشعبي(1).

لقوله عليه السلام: (ليس في السخال زكاة)(2).

و لأنّ السنّ معني يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

و في رواية عن أحمد: أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك و إن لم تكن سائمة، لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(3) ، و العلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال، و لا تضمّ مع الأمّهات، و عند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(4).

فلو اختلف الساعي و ربّ المال في شرط منها، فقال المالك: هذه السخال من غيرها، أو كانت أقلّ من نصاب، أو نتجتها بعد تمام الحول.

و خالف الساعي، قدّم قول المالك، لأنّه أمين فيما في يده، لأنّها تجب علي طريق المواساة و الرفق، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه - إذا ضمّت السخال إلي الأمّهات - علي رأي الشافعي - ثم تلف بعض الأمّهات أو جميعها و بقي نصاب لم ينقطع الحول، و به قال مالك(5) ، لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعا للأمّهات، فصارت كما لو كانت موجودة في جميع الحول، فموت الأمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها، كما أنّ ولد أمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد علي وجه التبع لأمّه، فإذا ماتت3.

ص: 55


1- المغني 473:2، الشرح الكبير 464:2، حلية العلماء 29:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 473:2، و الشرح الكبير 464:2.
3- المغني 473:2، الشرح الكبير 463:2.
4- المهذب للشيرازي 150:1-151، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 483:5
5- التفريع 281:1-282، بلغة السالك 207:1، فتح العزيز 379:5-380، حلية العلماء 29:3.

الامّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

و قال بعض الشافعية: إذا نقصت الأمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها و في السخال، لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها علي وجه التبع، فإذا نقصت الأمّهات لم تتبعها السخال، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصة(1).

و لو تلفت جميع الأمّهات، قال الشافعي: لا ينقطع الحول إذا كانت نصابا(2) ، لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا و الجذاع.

و قال أبو حنيفة: ينقطع الحول و إن كانت نصابا، و لو بقي واحدة لم ينقطع(3).

و لو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(4) ، خلافا له(5) ، لقوله عليه السلام: (ليس في السخال زكاة)(6).

و - لو كانت في الإبل فصلان، و في البقر عجاجيل، فإن سامت حولا اعتبرت، و إلاّ فلا، و المخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا، فلو كانت الإبل كلّها فصلانا و البقر عجاجيل أخذ واحد منها.».

ص: 56


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 380:5، حلية العلماء 29:3.
2- الام 12:2، مختصر المزني: 42، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 373:5، فتح العزيز 380:5، و 486.
3- بدائع الصنائع 31:2-32، شرح العناية 139:2، فتح العزيز 380:5 و 487، حلية العلماء 29:3.
4- فتح العزيز 380:5، مغني المحتاج 376:1.
5- المغني 473:2، الشرح الكبير 464:2، فتح العزيز 380:5، شرح فتح القدير 139:2-140.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الفرع «ج».

و قال بعض الشافعية: لا يؤخذ إلاّ السنّ المنصوص عليه، لأنّا لو أخذنا واحدا منها لسوّينا بين خمس و عشرين و إحدي و ستين، و أخذنا فصيلا من كلّ واحد من العددين و هو غير جائز، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول: كم قيمة خمس و عشرين كبارا؟ فإذا قيل: مائة، قيل: كم قيمة بنت مخاض ؟ فإذا قيل: عشرة، فيقال: كم قيمتها فصلانا؟ فيقال: خمسون. أخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(1).

و قال بعض الشافعية: إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر، فإذا تغيّر بالعدد كستّ و سبعين أخذ من الصغار(2).

و ليس بجيّد، لأدائه إلي التسوية بين الأربعين و الخمسين، و بين الثلاثين و الأربعين في البقر، و النبي صلّي اللّه عليه و آله فرّق بينهما(3).

مسألة 35: أوّل نصب الإبل خمس، و فيها شاة،

فلا يجب فيما دونها شيء، ثم عشر، و فيه شاتان، ثم خمس عشرة، و فيه ثلاث شياه، ثم عشرون، و فيه أربع شياه، و هذا كلّه بإجماع علماء الإسلام.

فإذا بلغت خمسا و عشرين، فأكثر علمائنا علي أنّ فيها خمس شياه إلي ست و عشرين، ففيها حينئذ بنت مخاض(4).

لقول علي عليه السلام: «في خمس و عشرين خمس شياه»(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في خمس

ص: 57


1- فتح العزيز 380:5-381.
2- فتح العزيز 381:5.
3- سنن أبي داود 100:2 و 101-1572 و 1576، سنن الترمذي 20:3-622، سنن النسائي 25:5-26، سنن الدارقطني 94:2-2، و سنن البيهقي 98:4-99.
4- منهم: السيد المرتضي في الانتصار: 80 و الشيخ الطوسي في المبسوط 191:1، و سلاّر في المراسم 129-130، و المحقّق في المعتبر: 259.
5- سنن البيهقي 93:4.

و عشرين خمس من الغنم»(1).

و لأنّ الخمس الزائدة علي العشرين كالخمس السابقة، و لأنّا لا ننتقل من الشاة إلي الجنس بزيادة خمس في شيء من نصب الزكاة المنصوصة.

و قال ابن أبي عقيل منّا: في خمس و عشرين بنت مخاض(2) ، و هو قول الجمهور(3) كافة، لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمّا وجّهه إلي البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: فإذا بلغت خمسا و عشرين إلي خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في كلّ خمس شاة حتي تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض»(5).

و نمنع الاحتجاج برواية أبي بكر، لجواز أن يكون رأيا له، أو يضمر فيها زيادة واحدة، و هو جواب الثانية.

و قال ابن الجنيد: يجب بنت مخاض أو ابن لبون، فإن تعذّر فخمس شياه(6).

مسألة 36: إذا بلغت ستّا و ثلاثين ففيها بنت لبون إلي خمس و أربعين،

فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلي ستين، فإذا زادت واحدة و بلغت إحدي و ستّين

ص: 58


1- المعتبر: 259، الفقيه 12:2-33 و فيه عن الإمام الباقر عليه السلام، و التهذيب 20:4-52، و الاستبصار 19:2-56 و فيهما عن الإمام الصادق عليه السلام.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 259.
3- المجموع 389:5، فتح العزيز 318:5، المغني 437:2، الشرح الكبير 482:2، بدائع الصنائع 26:2، بداية المجتهد 259:1، حلية العلماء 34:3.
4- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 96:2-1567، سنن النسائي 18:5-19، و سنن البيهقي 85:4.
5- الكافي 531:3-1، التهذيب 22:4-55، الاستبصار 20:2-59.
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 259.

ففيها جذعة إلي خمس و سبعين، فإذا صارت ستّا و سبعين ففيها بنتا لبون إلي تسعين، فإذا صارت إحدي و تسعين ففيها حقّتان إلي مائة و عشرين، و هذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلي خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا زادت واحدة علي خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثي إلي خمس و أربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلي ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلي [خمس و](2) سبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلي تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلي عشرين و مائة، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة»(3).

مسألة 37: إذا زادت علي مائة و عشرين و لو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة،

و في كل أربعين بنت لبون، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلي مائة و ثلاثين ففيها حقّة و بنتا لبون إلي مائة و أربعين ففيها حقّتان و بنت لبون إلي مائة و خمسين ففيها ثلاث حقاق، و علي هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا، و به قال ابن عمر و أبو ثور و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أحمد في إحدي الروايتين، و مالك في إحدي الروايتين(4).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (فإذا زادت علي عشرين و مائة ففي كلّ أربعين بنت لبون)(5) و الواحدة زيادة.

ص: 59


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة السابقة (35).
2- زيادة أثبتناها من المصدر.
3- التهذيب 20:4-52، الإستبصار 19:2-56
4- الام 4:2، المهذّب للشيرازي 152:1، المجموع 400:5، حلية العلماء 36:3، فتح العزيز 319:5، المغني 445:2-446، الشرح الكبير 486:2-487، التفريع 282:1، بداية المجتهد 259:1.
5- صحيح البخاري 146:2، سنن النسائي 20:5، سنن أبي داود 97:2-1567، و سنن البيهقي 85:4.

و في لفظ: (إلي عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون، و في كلّ خمسين حقه)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا زادت واحدة علي عشرين و مائة ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون»(2).

و لأنّ سائر ما جعله النبي صلّي اللّه عليه و آله غاية للفرض إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض.

و قال أحمد - في الرواية الأخري - و أبو عبيد: لا يتغيّر الفرض حتي تبلغ مائة و ثلاثين فيكون فيها حقّة و بنتا لبون، لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض، و لو سلّم فكذا هنا، لأنّ الواحدة إنّما (تغيّر)(3)المغني 445:2-446، الشرح الكبير 487:2، و المجموع 400:5، و فتح العزيز 320:5.(4) بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة علي الستين (و التسعين)(5)(5).

و قال مالك في الرواية الأخري: إذا زادت تغيّر الفرض إلي تخيير الساعي بين الحقّتين و ثلاث بنات لبون(6).

و قال ابن مسعود و النخعي و الثوري و أبو حنيفة: إذا زادت الإبل علي عشرين و مائة استؤنفت الفريضة في كلّ خمس شاة إلي مائة و أربعين ففيها3.

ص: 60


1- سنن الدارقطني 115:2-3.
2- الكافي 531:3-1، التهذيب 22:4-55، الإستبصار 20:2-59.
3- أي: تغيّر الفرض. و ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: يعتبر. و في الطبعة الحجرية: يعتد. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير. لاحظ: المصادر في الهامش
4- الآتي.
5- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: السبعين. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير. لاحظ: الهامش التالي.
6- التفريع 282:1، بداية المجتهد 259:1، الشرح الصغير 208:1، المجموع 400:5، فتح العزيز 320:5، حلية العلماء 36:3.

حقّتان و أربع شياه إلي خمس و أربعين و مائة، فيكون فيها حقّتان و بنت مخاض إلي مائة و خمسين، ففيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة أيضا بالغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثم حقّة، فيكون في كلّ خمس شاة إلي مائة و سبعين، فيكون فيها ثلاث حقاق و أربع شياه، فإذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ثلاث حقاق و بنت مخاض إلي مائة و خمس و ثمانين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث حقاق و بنت لبون إلي مائة و خمس و تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حقاق إلي مائتين، ثم يعمل في كلّ خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة و خمسين إلي أن ينتهي إلي الحقاق، فإذا انتهي إليها انتقل إلي الغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثمّ حقّة، و علي هذا أبدا(1).

لما روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات و الديات و غيرها، فذكر فيه: (إن الإبل إذا زادت علي مائة و عشرين استؤنفت الفريضة في كلّ خمس شاة، و في عشر شاتان)(2).

و قد روي عن عمرو بن حزم(3) مثل قولنا و إذا اختلفت روايته سقطت، أو تزاد إذا زادت في أثناء الحول، فإنّ الزيادة لها حكم نفسها، أو نقول:

استؤنفت بمعني استقرّت علي هذين الشيئين.

و قوله: (في كلّ خمس شاة) يحتمل أن يكون تفسير الراوي علي ظنّه.

و لأنّ ما قلناه موافق للقياس، فإن الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب فيه من غير جنسه، و إنّما جاز ذلك في الابتداء، لأنّه لم يحتمل أن يجب فيه1.

ص: 61


1- المغني 446:2، الشرح الكبير 488:2، بدائع الصنائع 37:2، المبسوط للسرخسي 151:2، اللباب 139:1-140، المجموع 400:5، حلية العلماء 36:3.
2- المراسيل - لأبي داود -: 111-1، سنن البيهقي 94:4 بتفاوت.
3- سنن البيهقي 89:4، المستدرك - للحاكم - 396:1.

من جنسه و قد زال هذا المعني.

و روي الجمهور عن علي عليه السلام و عبد اللّه مثل قول أبي حنيفة(1) و لم يثبت عنهما.

و قال ابن جرير: هو مخيّر بين مذهب الشافعي و أبي حنيفة(2).

مسألة 38: لو كانت الزيادة علي عشرين و مائة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض

إجماعا، لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة، و لأنّ الأوقاص كلّها لا يتغيّر فرضها بالجزء كذا هنا.

و قال أبو سعيد الإصطخري: يتغيّر الفرض به، لأنّ الزيادة مطلقة عامّة(3). و ما ذكرناه أخص.

مسألة 39: إذا اجتمع في نصاب الفريضتان كمائتين و كاربعمائة تخيّر المالك
اشارة

بين إخراج الحقاق و بنات اللبون عند علمائنا، و به قال أحمد في إحدي الروايتين(4).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله في كتاب الصدقات: (فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ السنين وجدت أخذت)(5).

و لأنّه قد اجتمع عددان كلّ واحد منهما سبب في إيجاب ما تعلّق به الفرض، و الجمع باطل، و تخصيص أحدهما ترجيح من غير مرجّح فوجب التخيير.

ص: 62


1- مصنّف ابن أبي شيبة 125:3، سنن البيهقي 92:4.
2- المجموع 400:5-401، حلية العلماء 37:3.
3- المهذّب للشيرازي 152:1، المجموع 390:5، فتح العزيز 318:5، حلية العلماء 37:3.
4- المغني 448:2، الشرح الكبير 489:2.
5- المستدرك - للحاكم - 393:1-394، سنن أبي داود 98:2-99-1570، و سنن البيهقي 91:4.

و قال الشافعي في القديم: تجب الحقاق لا غير، و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) ، لأنّ الفرض يتغيّر بالسنّ في فرائض الإبل أكثر من تغيّره بالعدد، فإنّ في مائة و ستين أربع بنات لبون، ثمّ كلّما زاد عشرا زاد سنّا فيكون في مائة و تسعين ثلاث حقاق.

و ليس بشيء، لأنّ كلّ عدد تغيّر الفرض فيه بالسنّ فإنّما تغيّر لقصوره عن إيجاب عدد الفرض.

فروع:

أ - الخيار إلي المالك عندنا، و به قال أحمد في رواية(2).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله لمعاذ: «إيّاك و كرائم أموالهم»(3).

و لأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لربّ المال، كالخيار في الجبران بين شاتين أو عشرين درهما و بين النزول و الصعود و تعيين المخرج.

و قال الشافعي في الجديد: يتخيّر الساعي فيأخذ أحظّهما للفقراء، فإن أخرج المالك لزمه أعلي الفرضين(4) ، لقوله تعالي وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (5).

و لأنّه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلي مستحقّه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية.

و لا دلالة في الآية، لأنّه إنّما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرائم

ص: 63


1- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 411:5، فتح العزيز 356:5، حلية العلماء 47:3، المغني 448:2، الشرح الكبير 489:2-490.
2- المغني 448:2، الشرح الكبير 490:2.
3- صحيح مسلم 50:1-29، سنن أبي داود 104:2-1584، سنن الترمذي 21:3-625، مسند أحمد 233:1، و مصنّف ابن أبي شيبة 126:3.
4- المغني 448:2، الشرح الكبير 490:2
5- البقرة: 267.

مثلها، و الأدني ليس بخبيث، و لهذا لو لم يوجد إلاّ سببه وجب إخراجه، و نمنع الأصل، و يبطل بشاة الجبران، و قياس الزكاة علي الزكاة أولي من قياسها علي الدية.

ب - التخيير إذا وجد الفرضان عنده، فإن وجد أحدهما احتمل تعيّن الفرض فيه، لعدم الآخر، و هو قول الشافعي(1) بناء علي التخيير، و تخيير المالك في إخراجه و شراء الآخر، لأنّ الزكاة لا تجب في العين، و هو قول بعض الجمهور(2) ، و هو أقوي.

و لو عدمهما تخيّر في شراء أيّهما كان، لاستقلال كلّ منهما بالإبراء، و لأنّه إذا اشتري أحدهما تعيّن الفرض فيه، لعدم الآخر، و به قال الشافعي(3).

ج - لو أراد إخراج الفرض من النوعين، فإن لم يحتج إلي تشقيص جاز مثل أن يخرج عن أربعمائة أربع حقاق و خمس بنات لبون، و به قال أكثر الشافعية(4).

و قال أبو سعيد الإصطخري: لا يجوز، لما فيه من تفريق الفريضة(5).

و هو غلط لأنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بفرضها.

و إن احتاج بأن يخرج عن المائتين حقّتين و بنتي لبون و نصف جاز بالقيمة لا بدونها، لعدم ورود الشرع بالتشقيص إلاّ من حاجة، و لهذا جعل لها أوقاصا دفعا للتشقيص عن الواجب فيها، و عدل فيما نقص عن ستّ و عشرين من الإبل عن إيجاب الإبل إلي إيجاب الغنم، فلا يصار إليه مع إمكان العدول عنه إلي إيجاب فريضة كاملة، أمّا بالقيمة فيجوز، لتسويغ إخراجها.3.

ص: 64


1- الام 6:2، المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 411:5.
2- قال به ابنا قدامة في المغني 449:2، و الشرح الكبير 491:2.
3- المجموع 411:5، فتح العزيز 352:5.
4- المهذب للشيرازي 155:1، فتح العزيز 357:5، حلية العلماء 49:3.
5- المهذب للشيرازي 155:1، فتح العزيز 356:5، حلية العلماء 49:3.

د - لو أخذ الساعي الأدني جاز، و لا يخرج ربّ المال الفضل وجوبا، لما بيّنا من تخيير المالك.

و قال الشافعي: يخرج الفضل وجوبا - في أحد الوجهين - لأنّه أخرج دون الواجب فكان عليه الإكمال، و في الآخر: مستحب(1) ، كما بيّنّاه.

فعلي الأول لو كان يسيرا لا يمكن شراء جزء حيوان به أخرجه دراهم، و إن أمكن فوجهان(2): الشراء، لعدم جواز إخراج القيمة عنده، و إخراج الدراهم، لمشقّة شراء الجزء و إخراجه و عدم النص فيه، بخلاف الكلّ.

و قال بعض الشافعية: إن كان المأخوذ باقيا ردّه الساعي و أخذ الأعلي و إلاّ ردّ قيمته و أخذ الأعلي(3).

و قال بعضهم: يخرج الفضل مع التلف(4).

مسألة 40: لو وجد أحد الفرضين ناقصا و الآخر كاملا أخذ الكامل،

مثل: أن يجد في المائتين خمس بنات لبون و ثلاث حقاق تعيّن أخذ الفريضة الكاملة، لأنّ الجبران بدل يشترط له عدم المبدل، نعم لو ساوت قيمته جاز.

و لو كانا ناقصين بأن كان فيه ثلاث حقاق و أربع بنات لبون تخيّر، إن شاء أخرج بنات اللبون و حقّة و أخذ الجبران، و إن شاء أخرج الحقاق و بنت اللبون مع الجبران.

و لو قال: خذ منّي حقّة و ثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة لم يجز إلاّ علي القيمة.

و للشافعي وجهان: المنع، لأنّه يعدل عن الفرض مع وجوده إلي

ص: 65


1- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 412:5-413، فتح العزيز 354:5، حلية العلماء 47:3-48.
2- فتح العزيز 354:5.
3- فتح العزيز 354:5.
4- حلية العلماء 48:3.

الجبران، و الجواز، لأنّه لا بدّ من الجبران، فكما جاز مع واحدة جاز مع أكثر(1).

و لو لم يجد إلاّ حقّة و أربع بنات لبون أدّاها و أخذ الجبران، و هل له دفع الحقّة و ثلاث مع الجبران ؟ إشكال.

مسألة 41: من وجب عليه سنّ و ليست عنده، و عنده أعلي بمرتبة
اشارة

كان له دفعها و استعادة الجبر بينهما و هو شاتان أو عشرون درهما.

و إن كان عنده أدون بمرتبة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، كمن وجب عليه بنت مخاض و عنده بنت لبون دفعها و استعاد، و بالعكس يدفع بنت المخاض و الجبران.

و كذا لو وجب عليه بنت لبون و عنده حقّة، أو بالعكس، أو وجب عليه حقّة و عنده جذعة، أو بالعكس عند علمائنا أجمع، و به قال النخعي و الشافعي و ابن المنذر و أحمد(2).

لقوله عليه السلام: (و من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليست عنده جذعة و عنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة، و يجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده و عنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين)(3) و ساق الحديث إلي باقي المراتب.

و من طريق الخاصة قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي كتبه بخطّه لعامله علي الصدقة: «من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة و ليست

ص: 66


1- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 414:5، فتح العزيز 355:5، حلية العلماء 49:3، الشرح الكبير 492:2.
2- المجموع 410:5، حلية العلماء 45:3-46، المغني 451:2، الشرح الكبير 494:2.
3- صحيح البخاري 145:2، سنن الدارقطني 113:2-2، سنن البيهقي 85:4.

عنده و عنده حقّة فإنّها تقبل منه، و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده و عنده جذعة قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته الحقّة و ليست عنده و عنده ابنة لبون قبلت منه و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت لبون و ليست عنده و عنده حقّة قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت لبون و ليست عنده و عنده بنت مخاض قبلت منه، و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت مخاض و ليست عنده و عنده بنت لبون قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما»(1).

و حكي عن الثوري و أبي عبيد و إسحاق في إحدي الروايتين، أنهم قالوا: الجبران شاتان أو عشرة دراهم.

لأنّ عليّا عليه السلام قال: «إذا أخذ الساعي في الإبل سنّا فوق سنّ أعطي شاتين أو عشرة دراهم»(2).

و لأنّ الشاة مقوّمة في الشرع بخمسة دراهم، لأنّ نصابها أربعون و نصاب الدراهم مائتان(3).

و الحديث ضعيف السند عندهم، و لا اعتبار بما ذكروه في النصب، فإنّ نصاب الإبل خمسة، و الذهب عشرون، و ليس البعير مقوّما بأربعة.

و قال أصحاب الرأي: يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة و فضل ما بينهما دراهم احترازا من ضرر المالك أو الفقراء(4).

و ليس بمعتمد، فإنّ التخريج لا يصار إليه مع وجود النصّ.

إذا ثبت هذا، فإنّ ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض و إن كان قادرا1.

ص: 67


1- الكافي 539:3-7، التهذيب 95:4-273، و المقنعة: 41.
2- مصنّف عبد الرزاق 39:4-6902.
3- المغني 451:2، الشرح الكبير 494:2، المجموع 410:5.
4- المغني 451:2، الشرح الكبير 495:2، الهداية للمرغيناني 101:1.

علي شراء بنت المخاض، و لا جبران إجماعا.

لقوله عليه السلام: (فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون)(1).

و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «و من لم تكن عنده ابنة مخاض علي وجهها و عنده ابن لبون فإنّه يقبل منه و ليس معه شيء»(2) و لأنّ علوّ السنّ جبر نقص الذكورة.

و لو وجدهما لم يجزئ ابن اللبون و إن كانت بنت المخاض أعلي من صفة الواجب، بل يخرجها أو يبتاع بنت مخاض مجزئة.

و لو كانت بنت المخاض مريضة أجزأه ابن اللبون، لأنّ المريضة غير مقبولة عن الصحاح فكانت كالمعدومة.

و لو عدمهما جاز أن يشتري مهما شاء، و به قال الشافعي(3) ، لأنّه مع ابتياعه يكون له ابن لبون فيجزئه.

و قال مالك: يجب شراء بنت مخاض، لأنّهما استويا في العدم فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود(4).

و الفرق: وجود بنت المخاض هنا، بخلاف العدم.

فروع:

أ - لو عدم السن الواجبة و التي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها و عدم الحقّة و وجد بنت لبون، أو وجب عليه بنت مخاض فعدمها و عدم بنت اللبون و وجد الحقّة فالأقرب جواز الانتقال إلي الثالث مع الجبران فيخرج بنت اللبون عن الجذعة، و يدفع معها أربع شياه أو أربعين درهما، و يخرج الحقّة عن بنت

ص: 68


1- سنن الدارمي 382:1.
2- الكافي 539:3-7، التهذيب 95:4-273، و المقنعة: 41.
3- فتح العزيز 349:5، حلية العلماء 43:3.
4- فتح العزيز 349:5، حلية العلماء 43:3، بداية المجتهد 261:1، الشرح الصغير 208:1.

المخاض و يستردّ أربع شياه أو أربعين درهما - و هو اختيار الشيخ(1) و الشافعي(2) - لأنّه قد جوّز الانتقال إلي السنّ الذي يليه مع الجبران، و جوّز العدول عن ذلك أيضا إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض، و هنا لو كان موجودا أجزأ، فإذا عدم جاز العدول إلي ما يليه مع الجبران.

و لأنّ الأوسط يجزئ بدله، لتساويهما في المصالح المطلوبة شرعا، و إلاّ لقبح قيامه مقامه، و مساوي المساوي مساو.

و قال ابن المنذر: لا يجوز الانتقال إلاّ بالقيمة، لأنّ النصّ ورد بالعدول إلي سنّ واحدة فيجب الاقتصار عليه(3). و هو ممنوع.

ب - يجوز العدول عن الجذعة إلي بنت المخاض، و بالعكس مع عدم الأسنان المتوسطة بينهما، فيؤدّي مع دفع الناقصة ستّ شياه أو ستّين درهما، و يستردّ مع دفع الكاملة ستّ شياه أو ستّين درهما.

ج - إذا وجد السنّ الذي يلي الواجب لم يجز العدول إلي سنّ لا يليه، لأنّ الانتقال عن السنّ التي تليه إلي السنّ الأخري بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل، فلو عدم الحقّة و بنت اللبون، و وجد الجذعة و بنت المخاض، و كان الواجب الحقّة لم يجز العدول إلي بنت المخاض، و إن كان الواجب بنت اللبون لم يجز إخراج الجذعة.

د - لو أراد في الجبر أن يعطي شاة و عشرة، فالأقرب عندي الجواز، لتساوي كلّ من الشاتين و العشرين.

و منعه الشافعي، لأنّه تبعيض للجبران فلا يجوز، كما لا يجوز تبعيض الكفّارة(4).5.

ص: 69


1- المبسوط للطوسي 194:1، النهاية: 180-181.
2- فتح العزيز 366:5-367، المغني 452:2، الشرح الكبير 496:2.
3- المجموع 408:5، المغني 452:2، الشرح الكبير 496:2، حلية العلماء 46:3.
4- المجموع 409:5، فتح العزيز 369:5.

و الفرق: جواز إخراج قيمة المنصوص هنا، بخلاف ثمّ.

و يجوز أن يخرج عن أربع شياه جبرانا شاتين و عشرين درهما، لأنّهما جبرانان فهما كالكفّارتين.

ه - لو أراد في فرض المائتين أن يخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض، أو عن أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم و بعضه شياها.

و - لو عدم الفريضة و وجد ما يليها من الطرفين تخيّر في إخراج أيّهما شاء، و يدفع مع الناقص و يستعيد مع الزائد، فلو وجب عليه بنت لبون و عنده بنت مخاض و حقّة تخيّر، و الأقرب إخراج ما فيه الغبطة للمساكين.

ز - لا اعتبار بالقيمة السوقية هنا، فلو زاد الجبران الشرعي أو نقص عن التفاوت السوقي لم يعتدّ به، لأنّه ساقط في نظر الشرع.

و الأقرب عندي أنّ ذلك مع التقارب أو الاشتباه، أمّا مع علم التفاوت الكثير فإشكال، لأدائه إلي عدم الإخراج بأن تكون بنت اللبون التي يدفعها عوضا عن بنت المخاض تساوي شاتين أو عشرين درهما.

ح - الأقرب إجزاء بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها، لأنّها تجزئ عن ستّ و عشرين فعن خمس و عشرين أولي.

و يحتمل عدمه، لأنّ الواجب الفريضة أو قيمتها و ليست إحداهما.

و كذا الإشكال في إجزائها عن شاة في الخمس مع قصور القيمة، لأنّها تجزئ عن ستّ و عشرين فعن خمس أولي.

ط - لا جبران بين ما نقص عن سنّ بنت المخاض و بينها و لا بين ما زاد عن سن الجذعة و بينها، لأنّ الأولي أقلّ أسنان الإبل في الزكاة، و الثانية أعلاها، نعم يجبر بالقيمة.

ي - الجبران مختص بالزكاة دون غيرها من المقادير، فلا جبران في الديات، و لا في المنذورات.

ص: 70

يا - لا مدخل للجبران في غير الإبل اقتصارا علي مورد النص، و ليس غيرها في معناها، و لا نعلم فيه خلافا، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم و وجد الأدون أو الأعلي أخرجها مع التفاوت أو استردّه بالتقويم السوقي.

و من منع من القيمة أوجب في الأدون شراءها، فإن تطوّع بالأعلي جاز، و إن وجب الأعلي كلّف شراؤه(1).

يب - لو كان النصاب كلّه مراضا و فريضته معدومة جاز له العدول إلي السفلي مع دفع الجبران المنصوص عليه، و ليس له الصعود مع أخذ الجبران، لأنّ الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين، و قد يكون الجبران خيرا(2) من الأصل فإنّ قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين فكذلك قيمة ما بينهما.

يج - لو كان المخرج ولي اليتيم و قلنا بالوجوب، فالأولي إخراج القيمة إن كان فيه الحظّ، و إلاّ أخرج الناقص مع الجبران، أو دفع الزائد و أخذ الجبران، و لو كان إخراج القيمة أولي لم يجز للولي دفع الناقص مع الجبران، أمّا لو كان إخراج القيمة أولي من العين فإنّه يجوز إخراج العين.

يد - لو أخرج بدل الجذعة ثنيّة فالأقرب عدم إجابة أخذ الجبران لو طلبه، لأنّ المؤدّي ليس من أسنان الزكاة فلا يؤخذ له الجبران، كما لو أخرج فصيلا مع الجبران، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: الجواز، لزيادة السنّ(3).

مسألة 42: شرط سلاّر منّا في زكاة الإبل و البقر و الغنم الأنوثة

في

ص: 71


1- انظر: المغني 453:2، و الشرح الكبير 498:2.
2- ورد في النسخ الخطية «ط و ف و ن»: جزءا. و هو تصحيف. و ما أثبتناه من نسخة «م» و هو الصحيح كما ورد كذلك في المنتهي 485:1 و مخطوطة نهاية الإحكام، كلاهما للمصنّف رحمه اللّه، و الكلمة ساقطة من مطبوعة النهاية، راجع ج 2 ص 326.
3- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 407:5، فتح العزيز 365:5-366.

النصاب، فلا زكاة في الذكران و إن بلغت النصاب(1) ، لدلالة الأحاديث علي أنّ في خمس من الإبل شاة(2) ، و إنما يتناول الإناث إذ مدلول إسقاط التاء من العدد ذلك، و لأنّ الشرط اتّخاذها للدرّ و النسل و إنّما يتحقّق في الإناث، و للبراءة الأصلية.

و باقي الأصحاب لم يشترطوا ذلك، لعموم قول الصادق عليه السلام:

«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة»(3).

و لا دلالة في الحديث، إذ ليس فيه منع من الوجوب في الذكورة فيبقي ما قلناه سالما عن المعارض، و نمنع الشرط، بل السوم و أن لا تكون عوامل، و البراءة معارضة بالاحتياط خصوصا مع ورود العمومات.2.

ص: 72


1- المراسم: 129.
2- انظر علي سبيل المثال: الكافي 531:3-1، و التهذيب 22:4-55، و الاستبصار 20:2-59.
3- التهذيب 25:4-59، الاستبصار 23:2-62.
الفصل الثاني في زكاة البقر
مسألة 43: زكاة البقر واجبة

بالسنّة و الإجماع.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما من صاحب إبل و لا بقر و لا غنم لا يؤدّي زكاتها إلاّ جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت و أسمن تنطحه بقرنها و تطؤه بأخفافها، كلّما نفدت اخراها عادت عليه أولاها حتي يقضي بين الناس)(1).

و قد أجمع المسلمون كافّة علي وجوب الزكاة فيها، و لأنّها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتها كالإبل.

مسألة 44: و شروطها أربعة كالإبل: الملك، و النصاب، و السوم، و الحول،

و هما متساويان فيها إلاّ النصاب فإنّ في البقر نصابين.

الأوّل: ثلاثون، فلا زكاة فيما نقص عن ثلاثين من البقر بإجماع علمائنا، و هو قول عامّة أهل العلم، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعث معاذا إلي اليمن و أمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعا أو تبيعة، و من كلّ أربعين مسنّة(2).

ص: 73


1- سنن ابن ماجة 569:1-1785، سنن النسائي 29:5، مسند أحمد 157:5-158، و سنن البيهقي 97:4.
2- سنن الترمذي 20:3-623، سنن ابن ماجة 576:1-1803، سنن النسائي 25:5-26، سنن أبي داود 101:2-1576.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقلّ من ذلك شيء، و في أربعين بقرة بقرة مسنّة»(1).

و حكي عن سعيد بن المسيب و الزهري أنهما قالا: في كلّ خمس من البقر شاة إلي أن تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ففيها تبيع(2) ، لأنّ النّبي صلّي اللّه عليه و آله سوّي بين البقرة و البدنة في الهدي، و جعل كلّ واحدة منهما بسبع شياه(3) ، فينبغي أن يقاس البقر عليها في إيجاب الشاة.

و هو غلط، لأنّ خمسا من الإبل تقوم مقامها خمس و ثلاثون من الغنم، و لا تجب فيها الشاة الواجبة في الإبل.

النصاب الثاني: أربعون، و عليه الإجماع فإنّا لا نعلم فيه مخالفا.

مسألة 45: و السوم شرط هنا كما تقدّم في الإبل

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر الجمهور(4).

لقول علي عليه السلام: «ليس في العوامل شيء»(5).

و قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ليس في البقر العوامل صدقة)(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس علي النيّف شيء، و لا علي الكسور شيء، و لا علي العوامل شيء، إنّما الصدقة علي السائمة الراعية»(7).

ص: 74


1- الكافي 534:3 باب صدقة البقر الحديث 1، التهذيب 24:4-57.
2- المغني 456:2، الشرح الكبير 501:2، المجموع 416:5، حلية العلماء 51:3.
3- صحيح مسلم 955:2-350-352، سنن الترمذي 248:3-904.
4- المغني 456:2.
5- سنن أبي داود 99:2-100-1572.
6- المعجم الكبير للطبراني 40:11-10974، سنن الدارقطني 103:2-2.
7- راجع: الهامش (1) من هذه الصفحة.

و لأنّ صفة النماء معتبرة في الزكاة و لا توجد إلاّ في السائمة.

و قال مالك: إنّ في العوامل و المعلوفة صدقة(1). كقوله في الإبل، و قد تقدّم(2).

مسألة 46: و الفريضة في الثلاثين تبيع أو تبيعة

يتخيّر المالك في إخراج أيّهما شاء، و في الأربعين مسنّة، ثم ليس في الزائد شيء حتي تبلغ ستّين، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو تبيعتان إلي سبعين، ففيها تبيع أو تبيعة و مسنّة، فإذا زادت ففي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، و في كلّ أربعين مسنّة عند علمائنا أجمع، و هو قول الشعبي، و النخعي، و الحسن، و مالك، و الليث، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبي عبيد، و أبي يوسف، و محمد، و أبي ثور،(3) لأنّ معاذا قال: بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اصدّق أهل اليمن، فعرضوا عليّ أن آخذ ممّا بين الأربعين و الخمسين، و بين الستّين و السبعين، و ما بين الثمانين و التسعين، فأبيت ذلك و قلت لهم: حتي أسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقدمت و أخبرته فأمرني أن آخذ من كلّ ثلاثين تبيعا، و من كلّ أربعين مسنّة، و من الستّين تبيعين، و من السبعين مسنّة و تبيعا، و من الثمانين مسنّتين، و من التسعين ثلاثة أتباع، و من المائة مسنّة و تبيعين، و من العشرة و مائة مسنّتين و تبيعا، و من العشرين و مائة ثلاث مسنّات أو أربعة أتباع، و أمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلاّ أن تبلغ مسنّة أو جذعا يعني تبيعا(4).

ص: 75


1- المدوّنة الكبري 313:1، بلغة السالك 207:1، المغني 456:2، الشرح الكبير 501:2، فتح العزيز 494:5، حلية العلماء 22:3.
2- تقدّم في المسألة 29.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 106، الشرح الصغير 209:1، حلية العلماء 50:3، المجموع 416:5، المغني 457:2، الشرح الكبير 501:2-502.
4- مسند أحمد 240:5.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس فيما بين الأربعين إلي الستّين شيء، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان»(1).

و عن أبي حنيفة ثلاث روايات: إحداها هذا، و الثانية: أنّ فيما زاد علي الأربعين بحسابه في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة، لأنّه لا يمكن أن يجعل الوقص تسعة عشر فإنّ جمع أوقاصها تسعة تسعة، و لا يمكن أن يجعل تسعة، لأنّه يكون إثباتا للوقص بالقياس، فيجب في الزيادة بحصّتها.

و الثالثة: أنّه لا شيء فيها حتي تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة و ربع، لأنّ سائر الأوقاص لا يزيد علي تسعة كذا هنا(2).

و كلاهما في مقابلة النص فلا يسمع، علي أنّ الزيادة لا يتمّ بها أحد العددين فلا يجب بها شيء، كما لو زاد علي الثلاثين و لم يبلغ الأربعين.

مسألة 47: لا يخرج الذكر في الزكاة إلاّ في البقر

فإنّ ابن اللبون ليس بأصل، إنّما هو بدل عن بنت مخاض، و لهذا لا يجزئ مع وجودها، و إنّما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين و ما تكرّر منها كالستّين و التسعين، و ما تركّب من الثلاثين و غيرها كالسبعين فيها تبيع أو تبيعة و مسنّة، و المائة فيها مسنّة و تبيعان أو تبيعتان، و لا يجزئ في الأربعين و ما تكرّر منها كالثمانين إلاّ الإناث، و كذا في الإبل غير ابن اللبون، فلو أخرج عن الحقّة حقّا، أو عن الجذعة جذعا، أو عن بنت المخاض ابن مخاض لم يجزئ.

و يجوز أن يخرج عن الذكر أنثي أعلي أو مساويا، فيجوز إخراج المسنّة عن التبيع، و يجوز أن يخرج تبيعين ذكرين عن المسنّة، لأنّهما يجزيان عن الستّين فعن الأربعين أولي، و لو أخرج أكبر من المسنّة جاز.

ص: 76


1- الكافي 534:3 باب صدقة البقر، الحديث 1، التهذيب 24:4-57.
2- حلية العلماء 51:3، بدائع الصنائع 28:2، المبسوط للسرخسي 187:2، اللباب 141:1، المغني 457:2، الشرح الكبير 502:2.

و لا مدخل للجبران هنا فلو وجبت عليه مسنّة و لم تكن عنده فأراد النزول إلي التبيع و إعطاء الجبران لم يجز إلاّ بالقيمة السوقية، لأنّ الزكاة لا يعدل فيها عن النصوص إلي غيره بقياس و لا نصّ هنا.

و لو أخرج مسنّا عن المسنّة لم يجز إلاّ مع ضمّ قيمة التفاوت، لأنّ الأنثي خير من الذكر، لفضيلتها بالدرّ و النسل.

مسألة 48: لو اجتمع الفرضان تخيّر المالك

كمائة و عشرين إن شاء أخرج ثلاث مسنّات أو أربعة أتبعة، لأنّ الواجب أحدهما فيتخيّر، و الخيرة إلي ربّ المال كما قلنا في زكاة الإبل، و هذا إنّما يكون لو كانت إناثا، فإن كانت كلّها ذكورا أجزأ الذكر بكلّ حال، لأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف المواساة من غير ماله.

و قال بعض الجمهور: لا يجزئه في الأربعينيّات إلاّ الإناث، لأنّه عليه السلام نصّ علي المسنّات(1).

و ليس بجيّد، لأنّا أجزنا الذكر في الغنم، مع أنّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث فالبقر أولي، لأنّ للذكر فيها مدخلا.

مسألة 49: الجواميس كالبقر

بإجماع العلماء، لأنّها من نوعها، كما أنّ البخاتي من نوع الإبل، فإن اتّفق النصاب كلّه جواميس وجبت فيه الزكاة، و إن اتّفق الصنفان أخرج الفرض من أحدهما علي قدر المالين، فلو كان عنده عشرون بقرة عرابا، و عشرون جواميس، و قيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر، و من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر و نصف.

و لو كان ثلث بقرة سوسيّا، و ثلثه نبطيّا، و ثلثه جواميس، و قيمة التبيع السوسي أربعة و عشرون، و النبطي ثلاثون، و الجاموس اثنا عشر، أخرج تبيعا

ص: 77


1- المغني 458:2، الشرح الكبير 504:2.

قيمته اثنان و عشرون ثلث قيمة كلّ واحد، اختاره الشيخ(1) رحمه اللّه، و به قال أحمد(2) ، لأنّها أنواع جنس من الماشية فجاز الإخراج من أيّها شاء.

و قال الشافعي: القياس أن يؤخذ من كلّ نوع ما يخصّه، و اختاره ابن المنذر، لأنّها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كلّ نوع منه كأنواع الثمرة و الحبوب(3).

و يشكل بأدائه إلي تشقيص الفرض، و قد عدل إلي غير الجنس فيما دون ستّ و عشرين لأجل التشقيص فالعدول إلي النوع أولي.

و قال عكرمة و مالك و إسحاق و الشافعي في قول: يخرج من أكثر العددين، فإن استويا أخرج من أيّهما شاء كالغلاّت(4).

و كذا البحث في الضأن و المعز و الإبل البخاتي و العراب، و السمان و المهازيل، و الكرام و اللئام.

و أما الصحاح مع المراض، و الذكور مع الإناث، و الكبار مع الصغار فيتعيّن صحيحة كبيرة أنثي علي قدر قيمة المالين إلاّ أن يتطوّع بالفضل.

و لو أخرج عن النصاب من غير نوعه ممّا ليس في ماله منه شيء أجزأ إن ساوي القيمة، لأنّه أخرج من جنسه فجاز، كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما.

و كذا (من منعه)(5) من إخراج القيمة، و يحتمل عنده العدم، لأنّهة.

ص: 78


1- المبسوط للطوسي 201:1.
2- المغني 474:2 و 475، الشرح الكبير 512:2-513، كشاف القناع 193:2.
3- المغني 474:2 و 475، الشرح الكبير 512:2، الام 10:2، المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 425:5، فتح العزيز 385:5، و حلية العلماء 56:3.
4- المغني 474:2، الشرح الكبير 512:2، المنتقي - للباجي - 133:2، الشرح الصغير 209:1، المبسوط للسرخسي 183:2، المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 425:5، فتح العزيز 385:5، و حلية العلماء 56:3.
5- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و حقّ العبارة أن تكون هكذا: و كذا عند من منع من إخراج القيمة.

أخرج من غير نوع ماله، فأشبه ما لو أخرج من غير الجنس(1).

مسألة 50: و لا زكاة في بقر الوحش، و لا يجبر بها النصاب،

و هو قول أكثر العلماء(2) ، لأنّ اسم البقر يطلق عليه مجازا، و لا يفهم منه عند الإطلاق، و لا يحمل عليه إلاّ مع القيد، فيقال: بقر الوحش.

و لعدم تحقّق نصاب منها سائما حولا.

و لأنّه حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية و الهدي فلا تجب فيه الزكاة كالظباء.

و لأنّها ليست من بهم الأنعام فلا تجب فيها الزكاة كسائر الوحوش.

و الأصل أنّ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام لكثرة النماء فيها من الدرّ و النسل و كثرة الانتفاع بها لكثرتها و خفّة مئونتها.

و عن أحمد رواية بوجوب الزكاة في بقر الوحش، لتناول اسم البقر لها فيدخل في مطلق الخبر(3).

و قد بيّنا أنّه مجاز، و لا خلاف في أنّه لا زكاة في الظباء.

مسألة 51: المتولّد من الوحشي و الإنسي تجب الزكاة فيه

إن أطلق عليه اسم الإنسي من غير حاجة إلي قيد و إلاّ فلا، كالمتولّد من بقر الوحش و الانس، و كذا المتولّد من الظباء و الغنم.

و قال أحمد: تجب فيه الزكاة سواء كانت الوحشية الفحول أو الأمّهات، لأنّها متولّدة ممّا تجب فيه الزكاة و ما لا تجب، فوجبت فيها الزكاة كالمتولّد من السائمة و المعلوفة، و لأنّ غنم مكّة يقال: إنّها متولّدة من الظباء و الغنم، و فيها الزكاة إجماعا(4).

ص: 79


1- راجع المغني 475:2، و الشرح الكبير 513:2.
2- المغني 459:2، الشرح الكبير 436:2.
3- المغني 459:2، الشرح الكبير 436:2.
4- المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2.

و الضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه، و علف الأمّهات لا يسري إلي الأولاد.

و يبعد ما قيل في غنم مكّة، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسّمع المتولّد من الذئب و الضبع(1) ، و كالبغال.

و قال الشافعي: لا تجب سواء كانت الأمّهات من الظباء أو الغنم، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

و لأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس، و الكلّ منفي هنا، لاختصاص النصّ و الإجماع بالإيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية و ليست هذه داخلة في اسمها و لا حكمها و لا حقيقتها و لا معناها، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه و جنسه و حكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ، و لا يمكن القياس، لتباعد ما بينهما و اختلاف حكمهما، فإنه لا يجزئ في هدي و لا أضحية و لا دية(2) ، و لا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

و قال أبو حنيفة و مالك: إن كانت الأمّهات أهلية وجبت الزكاة و إلاّ فلا، لأنّ ولد البهيمة يتبع امّه في الاسم و الملك فيتبعها في الزكاة، كما لو كانت الفحول معلوفة(3). و نمنع التبعيّة في الاسم.5.

ص: 80


1- انظر: الصحاح 1232:3.
2- المجموع 339:5، فتح العزيز 315:5، المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2.
3- المبسوط للسرخسي 183:2، بدائع الصنائع 30:2، المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2، المجموع 339:5، فتح العزيز 315:5.
الفصل الثالث في زكاة الغنم
اشارة

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإسلام.

قال عليه السلام: (كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها و تنطحه بقرونها كلّما انقضي آخرها عاد أولها حتي يقضي اللّه بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)(1).

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإبل و البقر بالإجماع، نعم تختلف في مقادير النصب، و الضأن و المعز جنس واحد بإجماع العلماء، و الظباء مخالف للغنم إجماعا.

مسألة 52: أول نصاب الغنم: أربعون، فلا زكاة فيما دونها،

فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني: مائة و إحدي و عشرون فلا شيء في الزائد علي الأربعين حتي تبلغ مائة و إحدي و عشرين ففيه شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، فلا زكاة في الزائد حتي تبلغ مائتين و واحدة ففيه ثلاث شياه، و الكلّ بالإجماع.

ص: 81


1- صحيح مسلم 682:2-26، سنن أبي داود 124:2-1658، سنن البيهقي 81:4.

و حكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة و إحدي و عشرين حتي تبلغ مائتين و اثنتين و أربعين ليكون مثلي مائة و إحدي و عشرين فيكون فيها ثلاث شياه(1).

و الإجماع علي خلافه، علي أنّ الراوي لها الشعبي و هو لم يلق معاذا(2).

الرابع: ثلاثمائة و واحدة و فيه روايتان: إحداهما: أنّه كالثالث ثلاث شياه، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين و واحدة حتي تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة، و به قال المفيد و السيد المرتضي(3) ، و هو قول أكثر الفقهاء، و الشافعي و مالك و أبي حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين(4).

لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله في كتابه للسّعاة: (إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاة إلي مائة و عشرين، فإذا زادت ففيها شاتان إلي أن تبلغ مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلي ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كلّ مائة شاة)(5).5.

ص: 82


1- المغني 462:2، الشرح الكبير 515:2.
2- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة، شهد بدرا و ما بعدها، مات بالشام سنة 18. و الشعبي هو: عامر بن شراحيل أبو عمرو، مات بعد المائة و له نحو من ثمانين. انظر: أسد الغابة 378:4، الاستيعاب بهامش الإصابة 355:3-360، و تهذيب التهذيب 59:5-110 و 170:10-349.
3- المقنعة: 39، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 123:3.
4- المجموع 417:5-418، فتح العزيز 338:5، حلية العلماء 52:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 106، بداية المجتهد 262:1، الشرح الصغير 209:1، المبسوط للسرخسي 182:2، بدائع الصنائع 28:2، اللباب 142:1، المغني 463:2، الشرح الكبير 515:2.
5- سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 29:5، سنن ابن ماجة 577:1 - 1805.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ليس فيما دون الأربعين شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلي عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلي المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلي ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة»(1).

الثانية(2): أنّها إذا زادت علي ثلاثمائة و واحدة ففيها أربع شياه، ثم لا يتغيّر الفرض حتي تبلغ خمسمائة، و هو اختيار الشيخ(3) - رحمه اللّه - و أحمد في الرواية الأخري، و به قال النخعي و الحسن بن صالح بن حي(4).

لقول الباقر عليه السلام في الشاة: «في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شاة شيء حتي تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زاد علي عشرين و مائة ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتي تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت علي المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتي تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتي تبلغ أربعمائة، فإن تمّت أربعمائة كان علي كلّ مائة شاة شاة»(5).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل ثلاثمائة حدّا للوقص و غاية له(6) ،4.

ص: 83


1- التهذيب 25:4-59، الإستبصار 23:2-62.
2- أي: الرواية الثانية.
3- المبسوط للطوسي 199:1، الخلاف 21:2، المسألة 17.
4- المغني 463:2، الشرح الكبير 515:2-516.
5- الكافي 534:3-1، التهذيب 25:4-58، الاستبصار 22:2-61، و فيها عن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام.
6- انظر: سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 29:5، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805، و سنن البيهقي 86:4.

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه، و في خمسمائة خمس، و هكذا بالغا ما بلغت.

ص: 84

الفصل الرابع في الأشناق
اشارة

الشّنق بفتح النون: ما بين الفرضين(1) ، و الوقص قال الفقهاء: بسكون القاف(2).

و قال بعض أهل اللغة: بفتحه(3) ، لأنّه يجمع علي (أوقاص) و (أفعال) جمع (فعل) لا جمع (فعل) فإنّ (فعلا) يجمع علي (أفعل).

و قد جاء - كما قال الفقهاء - هول و أهوال، و حول و أحوال، و كبر و أكبار، و بالجملة فهو ما بين النصابين(4) أيضا.

قال الأصمعي: الشنق يختص بأوقاص الإبل، و الوقص بالبقر و الغنم(5).

و بعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضا، و يجعل ناقص الغنم و النقدين و الغلاّت عفوا، و كلّ ذلك لفظي.

و قيل: الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلي الأربعين في البقر،

ص: 85


1- الصحاح 1503:4.
2- المجموع 392:5، و تهذيب الأسماء و اللغات 193:4.
3- الصحاح 1061:3.
4- الصحاح 1061:3.
5- المجموع 392:5، و تهذيب الأسماء و اللغات 193:4.

و الشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإبل(1).

مسألة 53: ما نقص عن النصاب الأول لا شيء فيه
اشارة

إجماعا، و كذا ما بين النصابين عند علمائنا، و إنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - و به قال الشافعي في كتبه القديمة و الجديدة، و أبو حنيفة، و المزني(2) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة، فلا تتعلّق به كالأربع.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس فيما بين الثلاثين إلي الأربعين شيء حتي يبلغ أربعين - إلي أن قالا عليهما السلام - و ليس علي النيّف شيء، و لا علي الكسور شيء»(3).

و قال الشافعي في الإملاء: تتعلّق الزكاة بالنصاب و بما زاد عليه من الوقص، و به قال محمد بن الحسن.

لقوله عليه السلام: (فإذا بلغت خمسا و عشرين إلي خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض)(4).

و لأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به و بما زاد عليه إذا وجد معه و لم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(5).

و النصّ أقوي من المفهوم و القياس.

فعلي قولنا، لو ملك خمسين من الغنم و تلفت العشرة الزائدة قبل

ص: 86


1- المغني 454:2.
2- المهذب للشيرازي 152:1، المجموع 391:5 و 393، حلية العلماء 37:3-38، المبسوط للسرخسي 187:2، الهداية للمرغيناني 99:1، اللباب 141:1.
3- الكافي 534:3-1، التهذيب 24:4-57.
4- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 96:2-1567، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 574:1-1799، سنن النسائي 19:5 و 28، مسند أحمد 11:1 و 15:2، و سنن البيهقي 85:4.
5- فتح العزيز 548:5 و 550، المهذب للشيرازي 152:1، حلية العلماء 38:3.

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شيء، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به، و لو تلف عشرون سقط ربع الشاة، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب، و إنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع:

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة، و بعده و بعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن، و إن تلف بعد الحول و قبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

و للشافعي قولان بناء علي أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان، فعلي الأول لا شيء، لنقصه قبل الوجوب(1).

ب - لو كان معه تسع من الإبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده و بعد الإمكان وجبت الشاة(2) ، و به قال الشافعي(3).

و إن كان بعد الحول و قبل الإمكان فكذلك عندنا.

و عند الشافعي كذلك علي تقدير أن يكون الإمكان شرطا في الوجوب، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له، و علي تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب و الوقص، و إن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(4).

و قال بعضهم - علي هذا التقدير -: لا يسقط شيء، لأنّ الزيادة لمّا لم تكن شرطا في وجوب الشاة لم يسقط شيء بتلفها و إن تعلّقت بها، كما لو شهد ثمانية بالزنا و رجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شيء، و لو رجع خمسة وجب

ص: 87


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5، الوجيز 89:1، فتح العزيز 547:5-548، حلية العلماء 32:3.
2- في نسخة «ط»: الزكاة.
3- المجموع 375:5، فتح العزيز 549:5.
4- المجموع 375:5، فتح العزيز 549:5.

عليهم الضمان، لنقص ما بقي من العدد المشترط(1).

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة، و إن كان بعده و قبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة، و به قال الشافعي علي تقدير أنّ الإمكان من شرائط الضمان و تعلّق الزكاة بالنصاب.

و علي تقدير كونه شرطا في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

و علي تقدير كونه شرطا في الضمان و تعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(2).

د - لو كان معه خمس و عشرون و أوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - و به قال الشافعي علي تقدير كونه شرطا في الضمان(3) ، و أبو يوسف و محمد(4) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض، بل كان التالف منه و من المساكين.

و قال أبو حنيفة: تجب أربع شياه(5). فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ: لو كان معه ستّ و عشرون فهلك خمس قبل الإمكان فقد هلك خمس المال إلاّ خمس الخمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلاّ أربعة أخماس خمسها، و علي المساكين خمس بنت مخاض إلاّ أربعة أخماس خمسها(6).

ه - حكم غير الإبل حكمها في جميع ذلك، فلو تلف من نصاب الغنم:1

ص: 88


1- المجموع 375:5 و 392، فتح العزيز 549:5.
2- المجموع 376:5، فتح العزيز 549:5.
3- المجموع 376:5، حلية العلماء 38:3-39.
4- حلية العلماء 39:3.
5- حلية العلماء 39:3.
6- المبسوط للطوسي 194:1

شيء سقط من الفريضة بنسبته.

و هل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة ؟ احتمالان(1) ، فعلي الأول لو تلف شيء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف، و علي الثاني يوزّع علي ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة 54: لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة

سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف، بل يزكّي كلّ منهما زكاة الانفراد، فإن كان نصيب كلّ منهما نصابا وجب عليه زكاة بانفراده.

و إن كان المال مشتركا كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب علي كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

و لو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا، و به قال أبو حنيفة و الثوري(2) ، لقوله عليه السلام: (إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شيء فيها)(3).

و قال: (ليس علي المرء في ما دون خمس ذود من الإبل صدقة)(4) و لم يفصّل.

و قال عليه السلام: «في أربعين شاة شاة»(5).

ص: 89


1- ورد في النسخ الخطية: احتمال. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.
2- المبسوط للسرخسي 184:2، المجموع 433:5، فتح العزيز 391:5، حلية العلماء 62:3، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2، بداية المجتهد 263:1.
3- صحيح البخاري 146:2، مسند أحمد 12:1، و سنن البيهقي 85:4، و 100 بتفاوت يسير.
4- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 675:2-980، سنن الترمذي 22:3 - 626، و سنن البيهقي 84:4 و 107 و 120.
5- سنن ابن ماجة 577:1-1805 و 578-1807، سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، و سنن البيهقي 116:4.

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

و لأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة، كما لو كان منفردا.

و قال الشافعي: الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزا عن الآخر، و إنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعي و المسرح - علي ما يأتي(1) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة و لآخر تسعة و ثلاثون، أو يكون لأربعين رجلا أربعون شاة لكلّ منهم شاة، و به قال عطاء و الأوزاعي و الليث و أحمد و إسحاق(2).

لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع)(3) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة و إن تفرّقت أماكنه، و قوله: (و لا يفرّق بين مجتمع) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق، و نحن نحمله علي أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب علي الواحد و إن تفرّقت أمواله.

و قال مالك: تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصابا(4).2.

ص: 90


1- يأتي في المسألة اللاحقة (55).
2- المجموع 432:5-433، فتح العزيز 389:5-390، حلية العلماء 60:3-61، الام 14:2، مختصر المزني: 43، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2.
3- صحيح البخاري 144:2، سنن النسائي 29:5، سنن ابن ماجة 576:1-1801 و 577-1805، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن الدارمي 383:1، مسند أحمد 12:1، و سنن البيهقي 105:4.
4- المدوّنة الكبري 331:1 و 334، الكافي في فقه أهل المدينة: 107، المنتقي - للباجي - 138:2، حلية العلماء 62:3، المجموع 433:5، فتح العزيز 391:5، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2.

و حكي بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر: أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(1).

مسألة 55: قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها

- خلافا للشافعي و من تقدّم(2) - فلا شرط عندنا و عند أبي حنيفة، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أمورا:

الأول: أن يكون مجموع المالين نصابا.

الثاني: أن يكون الخليطان معا من أهل فرض الزكاة، فلو كان أحدهما ذمّيّا أو مكاتبا لم تؤثّر الخلطة، و زكّي المسلم و الحرّ كما في حالة الانفراد، و هذان شرطان عامّان، و في اشتراط دوام الخلطة السنة ؟ ما يأتي.

و تختصّ خلطة الجوار بأمور:

الأول: اتّحاد المسرح، و المراد به المرعي.

الثاني: اتّحاد المراح، و هو مأواها ليلا.

الثالث: اتّحاد المشرع و هو أن يرد غنمهما ماء واحدا من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

و إنّما شرط(3) اجتماع المالين في هذه الأمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [الواحد](4) و ليس المقصود أن لا يكون لها إلاّ مسرح أو مرعي أو مراح واحد بالذات، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح و مراح، و ماشية الآخر بمسرح و مراح.

الرابع: اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - علي أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

ص: 91


1- فتح العزيز 390:5-391، المجموع 433:5.
2- تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (54).
3- في نسختي «ن و ف»: شرطوا.
4- زيادة يقتضيها السياق.

الخامس: اشتراكهما في الفحل، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة، و ماشية الآخر بأخري فلا خلطة - علي أظهر الوجهين - عنده.

السادس: اشتراكهما في موضع الحلب، فلو حلب هذا ماشيته في أهله، و الآخر في أهله فلا خلطة(1).

و هل يشترط الاشتراك في الحالب و المحلب ؟ أظهر الوجهين عنده عدمه، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ و آلات الجزّ(2).

و إن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن ؟ وجهان، أصحهما عنده: المنع، لأدائه إلي الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(3).

و قيل: لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم و إن اختلف أكلهم(4).

و ربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلي طعامه فكان إباحة، بخلافه هنا.

و هل يشترط نيّة الخلطة ؟ وجهان عندهم: الاشتراط، لأنّه معني يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفا كالشاة في الثمانين، و لو لا الخلطة لوجب شاتان، و تغليظا كالشاة في الأربعين، و لولاها لم يجب شيء فافتقر إلي النيّة، و لا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه، و لا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

و المنع، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المئونة باتّحاد المرافق و ذلك لا يختلف5.

ص: 92


1- المجموع 434:5-435، فتح العزيز 392:5-394، الام 13:2، مختصر المزني: 43، المغني 477:2، الشرح الكبير 528:2-530.
2- المجموع 435:5، فتح العزيز 397:5-398.
3- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 435:5، فتح العزيز 398:5-399.
4- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 435:5-436، فتح العزيز 399:5.

بالقصد و عدمه(1).

و هل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة و اتّفاق أوائل الأحوال ؟ قولان(2).

و في تأثير الخلطة في الثمار و الزرع ثلاثة أقوال له: القديم: عدم التأثير، و به قال مالك و أحمد في رواية.

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (و الخليطان ما اجتمعا في الحوض و الفحل و الرعي)(3) و إنّما تتحقّق في المواشي.

و الجديد: عدمه(4) ، و تأثير خلطة الشيوع دون الجوار(5) ، فعلي الجديد تؤثّر، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل و الناطور(6) و النهر الذي تسقي منه.

و قال بعض أصحاب مالك: لا يشترط من هذه الشروط شيء سوي الخلطة في المرعي، و أضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضا(7) ، و الكلّ عندنا باطل.

فروع علي القول بشركة الخلطاء:

أ - إذا اختلطا خلطة جوار و لم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكلّ عشرون، أخذ الساعي شاة من أيّهما كان، فإن لم يجد الواجب إلاّ في3.

ص: 93


1- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 436:5، فتح العزيز 399:5-400، حلية العلماء 61:3.
2- فتح العزيز 402:5-403.
3- سنن الدارقطني 104:2-1، سنن البيهقي 106:4 و فيهما: (الراعي) بدل (الرعي).
4- أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.
5- المجموع 450:5، فتح العزيز 404:5، حلية العلماء 71:3، المدوّنة الكبري 343:1، بلغة السالك 210:1-211، المغني 485:2، الشرح الكبير 544:2.
6- الناطور: حافظ الزرع و الثمر و الكرم. لسان العرب 215:5 «نطر».
7- المنتقي - للباجي - 137:2 و 138، المغني 477:2، الشرح الكبير 531:2، فتح العزيز 404:5، حلية العلماء 62:3.

مال أحدهما أخذ منه.

و إن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [واحد](1) منهما لو انفرد فوجهان: أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع، و أن يأخذ من عرض المال ما يتّفق، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد، و المأخوذ زكاة جميع المال(2).

فعلي هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما، فإذا أخذ من هذا شاة، و من هذا اخري رجع كلّ منهما علي صاحبه بنصف قيمة ما أخذ منه.

و لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما، و ثلاثون للآخر، فالتبيع و المسنّة واجبان علي الشيوع، علي صاحب الأربعين أربعة أسباعهما، و علي صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع علي صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما و بالعكس.

و لو أخذ التبيع من صاحب الأربعين و المسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع علي الآخر، و الآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة علي الأول.

و إن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين و التبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة علي الآخر، و الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع علي حسب ملكهما، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإبل فعليهما ستّ حقاق و لا تراجع.

و لو كان لأحدهما ثلاثمائة و للآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة، و هذا5.

ص: 94


1- زيادة يقتضيها السياق.
2- الوجهان للشافعية، راجع فتح العزيز 408:5.

يأتي علي مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعا و إداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة، و كذا لو ملك كلّ منهما دون النصاب ثم خلطا و بلغ النصاب(1).

و لو انعقد الحول علي مال كلّ منهما منفردا ثم طرأت الخلطة، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم و خلطا غرّة صفر، ففي الجديد: لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاولي - و به قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد، و الخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد علي الانفراد، و تجب علي كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(2).

و في القديم - و به قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظرا إلي آخر الحول، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول، فيجب علي كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(3).

و لو اختلف الحولان، فملك أحدهما غرّة المحرّم و الآخر غرّة صفر و خلطا غرّة ربيع، فعلي الجديد، إذا جاء المحرّم فعلي الأول شاة، و إذا جاء صفر فعلي الثاني شاة.

و علي القديم، إذا جاء المحرّم فعلي الأول نصف شاة، و إذا جاء صفر فعلي الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة علي القولين، فعلي الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة، و علي الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك، و به قال مالك و أحمد(4).

و قال ابن سريج: إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال، بل1.

ص: 95


1- فتح العزيز 441:5.
2- المجموع 440:5، الوجيز 83:1، فتح العزيز 443:5-446، المغني 478:2، الشرح الكبير 529:2.
3- المجموع 440:5، الوجيز 83:1، فتح العزيز 443:5-446، المغني 478:2، الشرح الكبير 529:2.
4- فتح العزيز 447:5-449، المجموع 440:5-441.

يزكّيان زكاة الانفراد أبدا(1).

و لو انعقد الحول علي الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم و الآخر غرّة صفر، و كما ملك خلطا، فإذا جاء المحرّم فعلي الأول شاة في الجديد، و نصف شاة في القديم(2).

و أمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - و في الجديد، وجهان: شاة، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول، و أظهرهما: نصف شاة، لأنّه كان خليطا في جميع الحول، و في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة علي القولين إلاّ عند ابن سريج(3).

و لو طرأت خلطة الشيوع علي الانفراد كما لو ملك أربعين شاة، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعا، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلي البائع نصف شاة و لا شيء علي المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك، لنقصان النصاب.

و إن أخرجها من غيره، و قلنا: الزكاة في الذمة، فعليه أيضا نصف شاة عند تمام حوله، و إن قلنا: تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان:

أرجحهما: الانقطاع، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(4).

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة، و اخري من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره و له أربعون ينفرد [بها](5) ففيما يخرجان الزكاة ؟ قولان مبنيّان علي أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة فيق.

ص: 96


1- الوجيز 83:1، المجموع 441:5، فتح العزيز 449:5.
2- المهذب للشيرازي 158:1-159، المجموع 441:5، فتح العزيز 453:5.
3- المهذب للشيرازي 158:1-159، المجموع 441:5، فتح العزيز 454:5.
4- المهذب للشيرازي 159:1، المجموع 442:5، فتح العزيز 459:5-462.
5- زيادة يقتضيها السياق.

كلّ ما في ملكه، لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد، و مال الواحد يضمّ بعضه إلي بعض و إن تفرّقت أماكنه، فعلي هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين، فعليه ثلاثة أرباع شاة، و علي الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها علي عين المخلوط، لأنّ خفّة المئونة إنّما تحصل في القدر المخلوط و هو السبب في تأثير الخلطة، فعلي صاحب العشرين نصف شاة، لأنّ جميع ماله خليط عشرين، و في أربعين شاة، فحصّة العشرين نصفها(1).

و في صاحب الستّين وجوه: أصحّها عنده: أنه يلزمه شاة، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط و الانفراد فغلّب حكم الانفراد، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين، و فيها شاة.

و الثاني: يلزمه ثلاثة أرباع شاة، لأنّ جميع ماله ستّون، و بعضه مختلط حقيقة، و ملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين، و واجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث: يلزمه خمسة أسداس شاة و نصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة و الانفراد، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ و هو شاة حصّة الأربعين ثلثا شاة، و في العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ و هي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون، و واجبها شاة.

الرابع: أنّ عليه شاة و سدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة، كما أنّه واجب خليطه في ماله، و ثلثا شاة في الأربعين المنفردة و ذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس: أنّ عليه شاة في الأربعين و نصف شاة في العشرين، كما لو0.

ص: 97


1- المهذب للشيرازي 159:1، المجموع 444:5، فتح العزيز 469:5-470.

كانا لمالكين(1).

و لو خلط عشرين بعشرين لغيره و لكلّ منهما أربعون منفردة، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة، لأنّ الكلّ مائة و عشرون و إن قلنا بخلطة العين فوجوه: أصحها: أنّ علي كلّ منهما شاة.

الثاني: ثلاثة أرباع، لأنّ كلاّ منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ، و الكلّ ثمانون، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث: علي كلّ منهما خمسة أسداس شاة و نصف سدس جمعا بين الاعتبارين، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين، و فيها شاة، فحصّة الأربعين منها ثلثا شاة، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين و المبلغ ثمانون، و فيها شاة، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

و قيل: علي كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا و هو مائة و عشرون و واجبها شاة، فحصة العشرين سدس شاة و في الأربعين ثلثا شاة(2).

الرابع: علي كلّ منهما شاة و سدس شاة، نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة علي الأربعين، و ثلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس: علي كلّ واحد شاة و نصف شاة، شاة للأربعين المنفردة، و نصف للعشرين المختلطة(3).

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحدا و ببعضه آخر و لم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها،5.

ص: 98


1- المجموع 444:5، الوجيز 84:1، فتح العزيز 471:5-473.
2- فتح العزيز 474:5.
3- المجموع 444:5، فتح العزيز 473:5-475.

و عشرين بعشرين لآخر كذلك، فإن قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الأربعين نصف شاة، لأنّه خليطهما و مبلغ الأموال ثمانون، و حصّة الأربعين منها النصف، و كلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلي جميع مال صاحب الأربعين.

و هل يضمّه إلي مال الآخر؟ وجهان: الضمّ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين، فعلي كلّ واحد منهما ربع شاة.

و العدم، لأنّ كلاّ منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلّ واحد منهما، فعلي كلّ واحد ثلث شاة.

و إن قلنا بخلطة العين فعلي كلّ من الآخرين نصف شاة، لأنّ مبلغ ماله و ما خالط ماله أربعون(1).

و في صاحب الأربعين وجوه:

أحدها: تلزمه شاة تغليبا للانفراد و إن لم يكن منفردا حقيقة لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطي حكم الانفراد، و يغلب حتي يصير كالمنفرد بالباقي أيضا، و كذا بالإضافة إلي الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحدا.

الثاني: يلزمه نصف شاة، تغليبا للخلطة، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقة، و اتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلي الآخر، فكلّ المال ثمانون، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث: يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة و الانفراد، بأن يقال:

لو كان جميع ماله مع [مال](2) زيد لكان المبلغ ستّين و واجبها شاة، حصّة العشرين الثلث، و كذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثلثان(3).

مسألة 56: قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة و إن تعدّدت
اشارة

ص: 99


1- المجموع 445:5، فتح العزيز 476:5-477.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- المجموع 445:5، فتح العزيز 477:5-478.

أماكنها، و سواء كان بينهما مسافة القصر أو لا عند علمائنا أجمع، و به قال عامة العلماء(1).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (في أربعين شاة شاة)(2).

و لأنّه ملك واحد فأشبه ما لو تقاربت البلدان.

و عن أحمد رواية: أنّه إن كان بينهما مسافة القصر فلكلّ مال حكم نفسه يعتبر علي حدته، إن كان نصابا ففيه الزكاة و إلاّ فلا، و لا يضمّ إلي المال الذي في البلد الآخر.

قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين مفترق)(3) و هذا مفترق فلا يجمع.

و لأنّه لمّا أثّر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثّر افتراق مال الرجل الواحد حتي يجعله كالمالين(4).

و قد بيّنا أنّ المراد لا يجمع بين متفرّق في الملك، و المقيس عليه ممنوع.

فروع:

أ - إذا كان له ثمانون شاة مضي عليها ستّة أشهر فباع منها النصف مشاعا أو أربعين معيّنة انقطع الحول في المبيع دون الباقي إجماعا، لأنّه نصاب فإذا تمّ الحول فزكاته علي البائع، و إذا حال حول المبيع كانت زكاته علي المشتري.

ص: 100


1- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2.
2- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805 و 578-1807، و سنن البيهقي 116:4.
3- صحيح البخاري 145:2، سنن ابن ماجة 576:1-1801 و 577-1805، سنن الترمذي 19:3-621، مسند أحمد 12:1 و 15:2، و سنن البيهقي 105:4.
4- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2.

و قال الشافعي: تكون زكاة المشتري زكاة الخلطة(1).

ب - إذا ملك أربعين في المحرّم، و أربعين في صفر، و أربعين في شهر ربيع، و حال الحول علي الجميع، فعليه في الأول شاة عندنا، و لا شيء عليه في الزائد، لقصوره عن النصاب، و الجميع لمالك واحد، و به قال أحمد في رواية(2).

و قال الشافعي - في القديم -: عليه في كلّ أربعين ثلث شاة، و - علي الجديد - في الأولي شاة، و في الثانية نصف شاة، لأنّها مختلطة بالأربعين الاولي في جميع الحول، و في الثالثة ثلث شاة، لاختلاطها بالثمانين في جميع الحول(3).

و له وجه آخر: وجوب شاة في كلّ واحدة(4).

ج - لو ملك ثلاثين من البقر و اشتري بعد ستّة أشهر عشرا، فعليه عند تمام حول الثلاثين تبيع، و عند تمام حول العشر ربع مسنّة، فإذا تمّ حول آخر علي الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنّة، و إذا حال حول آخر علي العشر فعليه ربع مسنّة، و هكذا، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال ابن سريج: لا ينعقد حول العشر حتّي يتمّ حول الثلاثين ثم يستأنف حول الكلّ(6). و لا بأس به.

و يحتمل وجوب التبيع عند تمام كلّ حول الثلاثين، و ربع المسنّة عند تمام كلّ حول العشرة.

و كذا لو ملك أربعين من الغنم ستّة أشهر، ثم ملك إحدي و ثمانين5.

ص: 101


1- المجموع 443:5، فتح العزيز 463:5.
2- المغني 483:2، الشرح الكبير 539:2.
3- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 366:5، فتح العزيز 455:5-457.
4- فتح العزيز 457:5.
5- المجموع 365:5، فتح العزيز 484:5.
6- المجموع 365:5، فتح العزيز 484:5.

فالأقرب أنّ عليه عند كمال حول الأولي شاة، و عند كمال حول الثانية شاة أخري، و هكذا.

و لو ملك أربعين شاة في المحرّم، و مائة في صفر، و مائة في ربيع فعليه عند تمام حول الأولي شاة، و كذا عند تمام حول الثانية و الثالثة، لأنّا نجعل ملكه في الإيجاب كملكه لذلك في حال واحدة فصار كأنّه ملك مائتين و أربعين فتجب ثلاث شياه عند تمام حول كلّ مال شاة.

و قال بعض الجمهور: يجب عليه في الشهر الثاني حصّة من فرض الثالث معا و هي شاة و ثلاثة أسباع شاة، لأنّه لو ملك المالين دفعة كان عليه فيهما شاتان حصّة المائة منهما خمسة أسباعهما و هو شاة و ثلاثة أسباع شاة، و عليه في الثالث شاة و ربع، لأنّه لو ملك الجميع دفعة - و هو مائتان و أربعون - كان عليه ثلاث شياه حصّة الثالث ربعهنّ و سدسهنّ و هو شاة و ربع(1).

د - لو ملك عشرين من الإبل في المحرّم و ستّا في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولها أربع شياه، و في الستّ عند تمام حولها ستّة أجزاء من ستّة و عشرين جزءا من بنت مخاض.

و لو ملك في المحرّم ستّا و عشرين، و في صفر خمسا فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض، و لا شيء عليه في الخمس الزائدة.

و قال بعض الجمهور: عليه فيها شاة، لأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه(2). و هو ممنوع.

و قال آخرون: عليه سدس بنت مخاض(3). بناء علي أنّ بنت المخاض تجب في خمس و عشرين.

و علي الخلطة، فإن ملك مع ذلك في ربيع ستّا اخري فعليه في الأول2.

ص: 102


1- المغني 484:2، الشرح الكبير 540:2.
2- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.
3- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.

عند تمام حوله بنت مخاض، و لا شيء في الخمس حتّي يتمّ حول الستّ فيجب فيها ربع بنت لبون و ربع تسعها.

و قال بعض الجمهور: عليه في الخمس سدس (بنت مخاض)(1) إذا تمّ حولها، و في الستّ سدس بنت لبون عند تمام حولها(2).

و قيل: عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها، و في الستّ شاة عند تمام حولها(3).2.

ص: 103


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية بدل ما بين القوسين: (شاة) و ما أثبتناه موافق للمصادر.
2- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.
3- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.

ص: 104

الفصل الخامس في صفة الفريضة
مسألة 57: أسنان الإبل المأخوذة في الزكاة أربع:

بنت مخاض و هي التي كملت سنة، و دخلت في الثانية، و سمّيت بذلك، لأنّ أمّها ماخض أي حامل، و المخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه، و الواحدة: خلفة.

و بنت لبون: و هي التي كمل لها سنتان، و دخلت في الثالثة، سمّيت بذلك، لأنّ أمّها قد ولدت و صار بها لبن.

و حقّة و هي التي لها ثلاث سنين، و دخلت في الرابعة، سمّيت بذلك، لاستحقاقها أن يطرقها الفحل، أو لأن يحمل عليها.

و جذعة - بفتح الذال - و هي التي لها أربع سنين، و دخلت في الخامسة، و هي أكبر سنّ تؤخذ في الزكاة.

و لا توجب حقيقة بنت المخاض أو بنت اللبون، بل ما كمل لها ما قدّر لها و إن لم تكن لها أمّ، و لا يجب ما زاد علي الجذعة في الزكاة.

و يسمّي ما دخل في السادسة ثنيّ، و ما دخل في السابعة رباع و رباعية، و ما دخل في الثامنة سديس و سدس، و ما دخل في التاسعة بازل، لأنّه طلع

ص: 105

نابه، ثم يقال: بازل عام، و بازل عامين، و هكذا، و البازل و المخلف واحد، و ما دون بنت المخاض يقال له: فصيل، و حوار: أوّل ما ينفصل الولد، ثم بنت مخاض.

و أسنان البقر: أوّلها: الجذع و الجذعة و هي التي لها حول، و يسمّي شرعا: تبيعا و تبيعة، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة)(1).

و كذا قال الباقر و الصادق عليهما السلام حيث فسّراهما بالحولي(2).

فإذا كمل سنتين و دخل في الثالثة فهو ثنيّ و ثنيّة و هي المسنّة شرعا، فإذا دخل في الرابعة فهو رباع و رباعية، فإذا دخل في الخامسة فهو سديس و سدس، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ - بالصاد غير المعجمة و الغين المعجمة - ثم لا اسم له، بل يقال: صالغ عام و عامين و ثلاثة. و هكذا.

و أمّا الغنم، فأوّل ما تلد الشاة يقال لولدها: سخلة، ذكرا كان أو أنثي في الضأن و المعز، ثم يقال بعد ذلك: بهمة، ذكرا كان أو أنثي فيهما، فإذا بلغت أربعة أشهر، ففي الغنم: جفر، للذكر، و جفرة، للأنثي، و جمعهما: جفار، فإذا جازت أربعة أشهر فهي العتود، و جمعها: عتدان، و عريض، و جمعها: عراض، و يقال لها من حين الولادة إلي هذه الغاية:

عناق، للأنثي، و للذكر: جدي، فإذا كملت سنة فالأنثي: عنز، و الذكر:

تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة، و الذكر: جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنيّة، و الذكر: ثنيّ، فإذا دخلت في الرابعة فرباع و رباعية، فإذا دخلت في الخامسة فهي سديس و سدس، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ، ثم صالغ عام و عامين دائما(3).2.

ص: 106


1- سنن البيهقي 99:4.
2- راجع: الكافي 534:3-1، و التهذيب 24:4-57.
3- فقه اللغة - للثعالبي -: 88-89، حياة الحيوان - للدميري - 123:2.

و أما الضأن فالسخلة و البهمة مثل ما في المعز سواء، ثم هو حمل للذكر و رخل للأنثي إلي سبعة أشهر، فإذا بلغتها، قال ابن الأعرابي: إن كان من شابين فهو جذع، و إن كان من هرمين فلا يقال: جذع حتي يستكمل ثمانية أشهر و هو جذع أبدا حتي يستكمل سنة، فإذا دخل في الثانية فهو ثنيّ و ثنيّة(1) علي ما ذكرناه في المعز سواء إلي آخرها.

و إنّما قيل في الضأن: جذع إذا بلغ سبعة أشهر، و أجزأ في الأضحية، لأنّه ينزو حينئذ و يضرب، و المعز لا ينزو حتي يدخل في الثانية.

مسألة 58: الشاة المأخوذة في نصب الإبل و الجبران و الغنم: الجذعة من الضأن، و الثنيّة من المعز،
اشارة

لقول سويد بن غفلة: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و قال: نهانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن نأخذ من المراضع(2) ، و أمرنا بالجذعة و الثنيّة(3) ، و به قال الشافعي و أحمد(4).

و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ إلاّ الثنيّة منهما(5).

و قال مالك: الجذعة فيهما(6).

ص: 107


1- راجع: لسان العرب 44:8.
2- سنن النسائي 30:5، سنن أبي داود 102:2-1579 نقلا بالمعني.
3- أورده ابنا قدامة في المغني 474:2، و الشرح الكبير 517:2.
4- الام 8:2، مختصر المزني: 41، الوجيز 80:1، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3، مغني المحتاج 370:1، المغني 473:2، الشرح الكبير 516:2.
5- المغني 473:2-474، الشرح الكبير 516:2-517، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3.
6- المنتقي - للباجي - 143:2، المدوّنة الكبري 312:1، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3، المغني 474:2، الشرح الكبير 517:2.
فروع:

أ - يجزئ الذكر و الأنثي، لأنّه صلّي اللّه عليه و آله أطلق لفظ الشاة(1) ، و هو يتناول الذكر و الأنثي، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني:

تجب الأنثي، لأنّ الغنم الواجبة في نصبها إناث(2).

ب - يجوز أن يخرج من غنم البلد و غيره، و من غنمه و غيرها، عملا بالإطلاق.

و قال الشافعي: يؤخذ من غالب غنم البلد سواء كانت شامية، أو مكيّة، أو عربيّة، أو نبطيّة(3) ، و اختاره الشيخ(4) ، فإن قصد بذلك الوجوب، منعناه عملا بالإطلاق.

و لا فرق بين أن يكون ما يخرجه من الغنم من جنس غالب غنم البلد أو لا، خلافا للشافعي(5).

و لو عدل من جنس بلده إلي جنس بلد آخر أجزأ و إن كان أدون من غنم بلده، خلافا للشافعي(6).

ج - يجوز أن يخرج من الضأن أو المعز سواء كان الغالب أحدهما أو لا، و سواء كان عنده أحدهما أو لا، لقول سويد بن غفلة: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثنيّ من

ص: 108


1- انظر علي سبيل المثال: سنن الدارقطني 113:2-1، سنن أبي داود 98:2-1568، و سنن البيهقي 116:4.
2- المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 422:5، الوجيز 82:1، فتح العزيز 374:5-376، حلية العلماء 55:3.
3- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.
4- المبسوط للطوسي 196:1.
5- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.
6- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.

المعز(1) ، و لأنّ اسم الشاة يتناولهما، و به قال الشافعي(2).

و قال مالك: ينظر إلي الغالب فيؤخذ منه، فإن تساويا أخرج من أيّهما شاء، و به قال عكرمة و إسحاق(3).

و ما قلناه أولي، فيخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين، فإذا تساويا عددا و كانت قيمة المخرج من أحدهما اثني عشر و من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر و نصف، و لو كان الثلث ضأنا و ثلثان ماعزا(4) أخرج ما قيمته ثلاثة عشر، و لو انعكس أخرج ما قيمته أربعة عشر.

د - يجزئ إخراج البعير عن الشاة و إن كانت قيمته أقلّ من قيمة الشاة، علي إشكال - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لأنّه يجزئ عن ستّ و عشرين فعن الأقلّ أولي.

و قال مالك و داود و أحمد: لا يجزئه، لأنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئه إلاّ بالقيمة(6) ، و لا بأس به.

و كذا يجزئ إخراج المسنّة عن التبيع.

ه - لو كانت الإبل كراما سمانا ففي وجوب كون الشاة كذلك إشكال ينشأ من الإطلاق، و من وجوب ذلك في المأخوذ من الإبل، و أوجب الشافعي2.

ص: 109


1- أورده ابنا قدامة في المغني 474:2، و الشرح الكبير 517:2.
2- الام 11:2، مختصر المزني: 41، المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 397:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 345:5.
3- المدوّنة الكبري 316:1 و 317، المنتقي - للباجي - 127:2 و 132، الشرح الصغير 209:1، المغني 474:2، فتح العزيز 346:5.
4- الماعز اسم جنس و هي العنز، و الجمع: معز. لسان العرب 410:5.
5- المهذب للشيرازي 153:1، المجموع 359:5 و 396، فتح العزيز 347:5، حلية العلماء 40:3، المغني 440:2، الشرح الكبير 481:2.
6- المجموع 395:5، فتح العزيز 347:5، حلية العلماء 41:3، المغني 440:2، الشرح الكبير 481:2.

المساواة(1).

أمّا لو كانت الإبل مراضا، فللشافعيّة في الشاة قولان(2): صحيحة تجزئ في الأضحية، و شاة بقيمة المراض، فيقال: كم قيمة الإبل صحاحا؟ فإذا قيل: مائة، قيل: و كم قيمتها مراضا؟ فإذا قيل: خمسون، قيل: كم قيمة الشاة الصحيحة المجزئة ؟ فإذا قيل: عشرة، أخذ شاة صحيحة قيمتها خمسة، فإن أمكن أن تشتري بحيث تجزئ في الأضحية بهذه الصفة و إلاّ فرّق الدراهم.

و - يخرج عن الماشية من جنسها علي صفتها، فيخرج عن البخاتي بختية، و عن العراب عربيّة، و عن الكرام كريمة، و عن السمان سمينة، فإن أخرج عن البخاتي عربيّة بقيمة البختية، أو عن السمان هزيلة بقيمة السمينة جاز، لأنّ القصد التساوي في القيمة مع اتّحاد الجنس.

و منع بعض الجمهور منه، لما فيه من تفويت صفة مقصودة فلم يجز، كما لو أخرج من غير الجنس(3).

و الحكم في الأصل ممنوع، و لو قصرت القيمة فالوجه: عدم الإجزاء.

و لو أخرج عن اللئيمة كريمة، و عن الهزيلة سمينة أجزأ بلا خلاف.

قال أبيّ بن كعب: بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مصدّقا، فمررت برجل فلمّا جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلاّ بنت مخاض، فقلت له:

أدّ بنت مخاض فإنّها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه و لا ظهر، و لكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت: ما أنا بآخذ ما لم اؤمر به، و هذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت2.

ص: 110


1- حلية العلماء 42:3.
2- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 395:5 و 399، فتح العزيز 348:5، حلية العلماء 41:3-42.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 445:2، و الشرح الكبير 513:2.

عليّ فافعل، فإن قبله منك قبلته، و إن ردّه عليك رددته، قال: فإنّي فاعل، فخرج معي و خرج بالناقة التي عرض عليّ حتي قدمنا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال له: يا نبي اللّه أتاني رسولك ليأخذ منّي صدقة مالي، و ايم اللّه ما قام في مالي رسول اللّه و لا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أنّ ما عليّ فيه بنت مخاض، و ذلك ما لا لبن فيه و لا ظهر، و قد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبي، و ها هي ذه قد جئتك بها يا رسول اللّه خذها، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ذاك الذي وجب عليك فإن تطوّعت بخير آجرك اللّه فيه و قبلناه منك) قال: فها هي ذه يا رسول اللّه قد جئتك بها، قال: فأمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بقبضها، و دعا له في ماله بالبركة(1).

و يحتمل إجزاء أيّ الصنفين شاء في جميع ذلك إذا كان بالصفة الواجبة.

مسألة 59: و لا تؤخذ مريضة من الصحاح، و لا هرمة، و لا ذات عوار
اشارة

أي: ذات عيب، لقوله تعالي وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (2).

و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لا تخرج في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس إلاّ ما شاء المصدّق)(3) أي: العامل.

فقيل: التيس لا يؤخذ، لنقصه، و فساد لحمه، و كونه ذكرا(4).

و قيل: لفضيلته، لأنّه فحلها(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار، إلاّ أن يشاء المصدّق، يعدّ صغيرها و كبيرها»(6).

ص: 111


1- سنن أبي داود 104:2-1583، مسند أحمد 142:5، سنن البيهقي 96:4-97.
2- البقرة: 267.
3- صحيح البخاري 147:2، الموطّأ 259:1-23، و سنن الدارقطني 114:2-2.
4- المغني 464:2، الشرح الكبير 518:2.
5- المغني 464:2، الشرح الكبير 518:2.
6- التهذيب 20:4-52، الاستبصار 19:2-56 و 23-62.
فروع:

أ - لو كانت الإبل كلّها مراضا جاز أن يأخذ مريضة، و لا تجب صحيحة، و به قال الشافعي و أحمد(1) ، لأنّ المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الخيار من الرديء كالحبوب.

و قال مالك: تجب عليه صحيحة من غير المال(2) ، لقوله عليه السلام:

(و لا ذات عوار)(3).

و هو محمول علي ما إذا كان النصاب صحاحا.

و لو كانت كلّها مراضا إلاّ مقدار الفرض تخيّر بين إخراجه و شراء مريضة.

و لو كان النصف صحيحا، و النصف مريضا أخرج صحيحة بقيمة المريضة.

ب - لو كانت كلّها مراضا، و الفرض صحيح لم يجز أن يعطي مريضا، لأنّ في الفرض صحيحا، بل يكلّف شراء صحيح بقيمة الصحيح و المريض، فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستّ و ثلاثين مراض كلّف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستّة و ثلاثين جزءا من صحيحة، و خمسة و ثلاثين جزءا من مريضة.

ج - لو كان المال كلّه صحاحا، و الفرض مريض لم يجز أخذه، و كان له الصعود و النزول مع الجبران، أو يشتري فرضا بقيمة الصحيح و المريض.

د - لو كانت كلّها مراضا و ليس فيها الفرض فأراد أن يصعد و يطلب

ص: 112


1- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 399:5، فتح العزيز 369:5، الوجيز 82:1، المغني 467:2، الشرح الكبير 508:2.
2- المنتقي - للباجي - 131:2، المغني 467:2، الشرح الكبير 508:2، فتح العزيز 369:5.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (3) من الصفحة 111.

الجبران لم يكن له ذلك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل الجبران بين الفرضين الصحيحين(1) ، فلا يدفعه بين المريضين، لأنّ قيمتهما أقلّ من قيمة الصحيحين، و كذلك قيمة ما بينهما.

و لو أراد النزول و دفع الجبران جاز، و المعيب كالمريض في ذلك كلّه.

ه - لو كان عليه حقّتان، و نصف ماله مريض، و نصفه صحيح كان له إخراج حقّة صحيحة و حقّة مريضة، لأنّ النصف الذي يجب فيه إحدي الحقّتين مريض كلّه.

و قال أحمد: لا تجزئ، لأنّ في ماله صحيحا و مريضا فلا يملك إخراج مريضة، كما لو كان نصابا واحدا(2).

و - لو كانت كلّها صغارا أخرج منها، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: تجب كبيرة(4).

ز - لو كان الصحيح دون قدر الواجب كمائتي شاة ليس فيها إلاّ صحيحة أجزأ إخراج صحيحة و مريضة، و هو أصح وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إلزامه بصحيحتين، لأنّ المخرجتين كما تزكّيان الباقي تزكّي كلّ واحدة منهما الأخري فيلزم أن تزكّي المريضة الصحيحة و هو ممتنع(5).

و نمنع كون كلّ منهما تزكّي الأخري.5.

ص: 113


1- انظر: صحيح البخاري 145:2، سنن الدارقطني 113:2-114-2، و سنن البيهقي 85:4.
2- المغني 466:2-467، الشرح الكبير 511:2.
3- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 423:5، فتح العزيز 380:5، حلية العلماء 54:3.
4- حلية العلماء 54:3، فتح العزيز 383:5.
5- المجموع 419:5-420، فتح العزيز 371:5.

ح - لو كان له أربعون بعضها صحيح، و بعضها مريض أخرج صحيحة قيمتها ربع عشر الأربعين التي يملكها، لأنّ الواحد ربع عشر الأربعين.

و لو كان عنده مائة و إحدي و عشرون منقسمة أخرج صحيحتين قيمتهما قدر جزءين من مائة و إحدي و عشرين جزءا من قيمة الجملة و هو يغني عن النظر في قيمة آحاد الماشية.

و يحتمل التقسيط بالنسبة، فلو كان نصف الأربعين صحاحا، و نصفها مراضا، و قيمة كلّ مريضة دينار، و قيمة كلّ صحيحة ديناران أخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة و نصف مريضة و هي دينار و نصف.

ط - لو كان المال كلّه معيبا أخذت معيبة، و لو كان فيها سليم طولب بسليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله، و إن كان الكلّ معيبا، و بعضها أردأ أخرج الوسط ممّا عنده.

و لو ملك ستّا و عشرين معيبة و فيها بنتا مخاض إحداهما أجود ما عنده لم يلزمه إخراجها، و في وجه للشافعي: وجوبه(1).

و العيب المعتبر في هذا الباب ما يثبت الردّ في البيع أو ما يمنع التضحية، و الوجهان للشافعية(2) ، و الأقرب: الأول.

ي - لو كانت ماشيته ذكرانا كلّها أجزأ أن يخرج منها ذكرا - و هو أحد وجهي الشافعي - كالمريضة، و في الآخر: لا يجوز - و به قال مالك - لورود النصّ بالإناث(3).

و قال بعضهم: إن أدّي أخذ الذكر في الإبل إلي التسوية بين نصابين لم يؤخذ و إلاّ أخذ، فلا يؤخذ ابن لبون من ستّ و ثلاثين، لأنّه مأخوذ من ستّ2.

ص: 114


1- فتح العزيز 372:5-373، المجموع 421:5.
2- المجموع 420:5، فتح العزيز 373:5.
3- المجموع 421:5، الوجيز 82:1، فتح العزيز 374:5-376، المنتقي - للباجي - 130:2.

و عشرين فيؤدّي إلي التسوية، و يؤخذ حقّ من ستّ و أربعين، و جذع من إحدي و ستّين، و ابن مخاض من ستّ و عشرين(1).

و الوجه عندي في ذلك اتّباع النصّ، فلا يجزئ في ستّ و عشرين ابن مخاض، و لا في ستّ و أربعين حقّ، و لا جذع في إحدي و ستّين، لورود النصّ بالأنثي، و يجزئ في غير ذلك كالغنم.

يا - لا يجزئ الصغار عن الكبار، لورود النصّ بالسنّ، نعم لو كانت كلّها صغارا أجزأ الواحد منها - و هو متعذّر في أكثر المواشي عند أكثر الجمهور، لاشتراط حولان الحول فيخرج إلي حدّ الإجزاء(2) ، و يتأتّي(3) علي مذهبنا، و مذهب أبي حنيفة(4) ، لأنّ الحول إنّما يبتدأ من وقت زوال الصغر - و هو أحد وجهي الشافعي(5).

و يتصوّر علي مذهبه(6) بأن يحدث من الماشية نتاج في الحول، ثم تموت الأمّهات، و يبقي من النتاج النصاب فتجب الزكاة في النتاج إذا تمّ حول الأصل - و به قال مالك - أو يمضي علي صغار المعز حول فتجب فيها الزكاة و إن لم تبلغ سنّ الإجزاء عنده علي الأظهر، لأن سنّ إجزاء المعز سنتان(7).

و في الثاني: لا يجوز أخذ الصغيرة عن الصغار.

و منهم من سوّغ في الغنم، و في الإبل و البقر ثلاثة أوجه:

المنع، لما فيه من التسوية بين ستّ و عشرين من الإبل و إحدي و ستّين5.

ص: 115


1- فتح العزيز 376:5.
2- راجع: فتح العزيز 379:5، و المجموع 423:5.
3- بهامش نسخة «ن»: أي: و يتأتّي التعذّر علي مذهبنا.
4- و هو: عدم انعقاد الحول علي الصغار. راجع: بدائع الصنائع 31:2-32، و فتح العزيز 379:5.
5- فتح العزيز 380:5، المجموع 423:5.
6- أي: مذهب الشافعي.
7- فتح العزيز 379:5-380، المجموع 423:5.

و ما بينهما من النصابين في أخذ فصيل، و بين ثلاثين من البقر و أربعين في أخذ عجل.

الثاني: المنع من أخذ صغيرة من إحدي و ستّين فما دونها، لأنّ الواجب واحد، و فيما جاوز ذلك يعتبر العدد كالغنم.

و الزم علي هذا أنّ الواجب في إحدي و تسعين حقّتان، و في ستّ و سبعين بنتا لبون، فالأولي علي هذا أن يقال: إن أدّي أخذ الصغيرة إلي التسوية لم تؤخذ و إلاّ أخذت.

الثالث - و هو الأظهر - جواز(1) أخذها كما يؤخذ من الغنم(2).

يب - الأقرب جواز إخراج ثنيّة من المعز عن أربعين من الضأن، و جذعة من الضأن عن أربعين من المعز - و هو أحد وجهي الشافعي - لاتّحاد الجنس.

و الثاني: المنع، فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس، لأنّ الضأن فوق المعز(3).

و لو اختلف النوع جاز إخراج مهما شاء المالك، و هو أحد وجهي الشافعي، و أظهرهما: التقسيط، و له آخر: التخيير إذا لم يمكن إخراج الصنفين، فإن أمكن كمائتين من الإبل نصفها مهرية(4) ، و نصفها عربية، تؤخذ حقّتان من هذه، و حقّتان من هذه، و له رابع: الأخذ من الأجود، و خامس: أن يؤخذ ا [ل] وسط(5).

مسألة 60: لا تؤخذ الربّي - و هي الوالد - إلي خمسة عشر يوما،
اشارة

و قيل:

ص: 116


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: عدم جواز.. و ما أثبتناه من المصادر.
2- المجموع 423:5-424، فتح العزيز 380:5-381.
3- المجموع 424:5، فتح العزيز 384:5، مغني المحتاج 374:1.
4- إبل مهرية: نسبة إلي قبيلة مهرة بن حيدان. لسان العرب 186:5.
5- المجموع 424:5-425، الوجيز 82:1، فتح العزيز 385:5-387، مغني المحتاج 375:1.

إلي خمسين، لاشتغالها بتربية ولدها.

و لا الماخض - و هي الحامل - و لا الأكولة - و هي السمينة المعدّة للأكل - و لا فحل الضراب، لقوله عليه السلام: (إيّاك و كرائم أموالهم)(1).

و نهي عليه السلام أن يأخذ شافعا(2) أي: حاملا، سمّيت به، لأنّ ولدها قد شفعها.

فإن تطوّع المالك بذلك أجزأ، و لو اتّصفت الكلّ بالماخض وجب إخراج ماخض، و كذا الأكولة مع السوم.

و أما الربّي ففي أخذها إشكال، للخوف علي الولد، فالأقرب إلزامه بالقيمة.

فروع:

أ - إذا وجب عليه جذعة و كانت حاملا لم يكن للساعي أخذها إلاّ أن يتطوّع المالك و كذا إذا وجب عليه سنّ فأعطي المالك أعلي جاز و كان متطوّعا بالفضل، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ من داود، فإنّه قال: لا يجوز أخذ الحامل و الأعلي من السنّ الواجب(3) ، لأنّه عدل المنصوص فلم يجزئه.

و لقوله عليه السلام لمعاذ: (إيّاك و كرائم أموالهم)(4).

و التنصيص علي الأخفّ إرفاقا بالمالك فلا يمنع من الأعلي.

ب - لو تعدّد الفرض في ماشيته كان الخيار إلي المالك أيّ واحدة مجزئة

ص: 117


1- صحيح البخاري 147:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 105:2-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 55:5، سنن الدارمي 384:1، سنن ابن ماجة 568:1-1783، سنن البيهقي 102:4، و مسند أحمد 233:1.
2- سنن أبي داود 103:2-1581، سنن النسائي 32:5، سنن البيهقي 100:4.
3- المجموع 427:5-428، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:2، المسألة 10.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صدر المسألة.

أخرجها جاز.

و قال بعض علمائنا: يقرع حتي تبقي الواجبة(1) ، و هو عندي علي الاستحباب.

ج - إذا لم يظهر بالبهيمة الحمل و لكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلاّ برضا المالك، و كانت كالحامل ينتقل إلي ما فوقها أو دونها.

المطلب الثاني في زكاة الذهب و الفضة
مسألة 61: الذهب و الفضّة تجب فيهما الزكاة

بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (2) و لا يتوعّد بهذه العقوبة إلاّ علي ترك الواجب.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما من صاحب ذهب و لا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلاّ إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوي جنبه و جبينه و ظهره كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتي يقضي بين العباد)(3).

و أجمع المسلمون كافّة علي الوجوب مع الشرائط.

مسألة 62: يشترط في وجوب الزكاة في هذين أمور أربعة:

الملك إجماعا، و الحول كذلك، و النصاب أيضا، و كونهما مضروبين منقوشين

ص: 118


1- حكاه أيضا المحقق في شرائع الإسلام 147:1، و انظر: الخلاف للشيخ الطوسي 25:2، المسألة 21.
2- التوبة: 34
3- صحيح مسلم 680:2-987، سنن أبي داود 124:2-1658، سنن البيهقي 4: 137.

دراهم و دنانير عند علمائنا خاصة، فلا زكاة في السبائك و النقار و التبر و الحليّ، لقوله عليه السلام: (ليس في الحليّ زكاة)(1).

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة زكاة»(2).

و قول الصادق و الكاظم عليهما السلام: «ليس علي التبر زكاة»(3).

و قال الكاظم عليه السلام: «كلّ مال لم يكن ركازا فلا زكاة فيه» قلت:

و ما الركاز؟ قال: «الصامت المنقوش»(4) و لأنّه يجري مجري الأمتعة.

و أوجب الجمهور كافّة الزكاة في غير المنقوش كالتبر و النقار(5) - و إن اختلفوا في الحليّ علي ما يأتي(6) - للعموم، و الخاصّ مقدّم.

مسألة 63: و لكلّ منهما نصابان و عفوان

عندنا علي ما يأتي(7) ، فأوّل نصاب الذهب عشرون مثقالا، و عليه إجماع العلماء - إلاّ ما حكي عن الحسن البصري(8) و شيخنا علي بن بابويه(9) فإنّهما قالا: لا شيء في الذهب حتي يبلغ أربعين مثقالا - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ليس في أقلّ من عشرين

ص: 119


1- سنن الدارقطني 107:2 ذيل الحديث 4، و فيه عن جابر مقطوعا.
2- الكافي 518:3-8، التهذيب 8:4-19، الاستبصار 6:2-13.
3- التهذيب 7:4-18، الاستبصار 7:2-16.
4- المصادر في الهامش (2) من هذه الصفحة.
5- الشرح الصغير 218:1، المدوّنة الكبري 243:1، المجموع 6:6، فتح العزيز 5:6، المبسوط للسرخسي 191:2، بدائع الصنائع 16:2-17، الهداية للمرغيناني 104:1، اللباب 148:1، المغني 597:2، الشرح الكبير 600:2.
6- يأتي في المسألة 70.
7- يأتي في نفس المسألة و المسألتين 66 و 68.
8- المجموع 17:6، حلية العلماء 90:3، المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2.
9- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 103.

مثقالا من الذهب، و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة)(1) و هو يدلّ بمفهومه علي وجوبه في العشرين، خصوصا مع اقترانه بالمائتين.

و قول علي عليه السلام: «علي كلّ أربعين دينارا دينار، و في كلّ عشرين نصف دينار»(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلي أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلي ثمانية و عشرين، فعلي هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(3).

احتجّ ابن بابويه بقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء، و لا في أقلّ من مائتي درهم شيء»(4).

و الجواب: يحتمل أن يكون أراد بالشيء المنفي فيما دون الأربعين هو الدينار الواجب في الأربعين لأنه مجمل فيجوز بيانه بما قلناه جمعا بين الأدلّة.

مسألة 64: أوّل نصاب الفضة مائتا درهم

بإجماع العلماء.

لقوله عليه السلام: (و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة)(5).

و قال عليه السلام: (في الرقّة ربع العشر، فإن لم يكن إلاّ تسعين و مائة

ص: 120


1- الأموال - لأبي عبيد -: 449-1291، و نقله عنه ابنا قدامة في المغني 599:2، و الشرح الكبير 598:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 599:2، و الشرح الكبير 598:2 نقلا عن سعيد و الأثرم، و في مصنف ابن أبي شيبة 119:3 نحوه.
3- الكافي 515:3-516-3، التهذيب 6:4-13، الاستبصار 12:2-35.
4- التهذيب 11:4-29، الاستبصار 13:2-39.
5- المصادر في الهامش (1) من هذه الصفحة.

فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربّها)(1) و الرقّة: الدراهم المضروبة.

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس في الفضّة زكاة حتي تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم»(2).

و اعلم أنّ المثاقيل لم تختلف في جاهلية و لا إسلام، و أمّا الدراهم فإنّها مختلفة الأوزان، فكانت في صدر الإسلام صنفين: سودا و طبريّة، و كانت السود كلّ درهم ثمانية دوانيق، و الطبريّة أربعة دوانيق، فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين، كلّ درهم ستّة دوانيق، فالدراهم التي يعتبر فيها النصاب هي الدراهم التي كلّ عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، فكلّ درهم نصف مثقال و خمسه، و هي الدراهم الإسلامية التي يقدّر بها نصب الزكاة، و مقدار الجزية، و الديات، و نصاب القطع في السرقة، و غير ذلك، و الدانق: ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير.

مسألة 65: نصاب الذهب عشرون مثقالا، و لا تعتبر قيمته بالفضّة

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(3).

لقول علي عليه السلام: «في كلّ عشرين دينارا نصف دينار»(4).

و لأنّه نصاب تجب الزكاة في عينه فلا يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية.

و قال طاوس و الزهري و سليمان بن حرب و أيوب السجستاني: إنّه معتبر بالفضّة، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة و إلاّ فلا، لأنّه لم يثبت عن النبي صلّي اللّه عليه و آله تقدير في نصابه فيحمل علي الفضّة(5) ، و قد بيّنا النقل

ص: 121


1- صحيح البخاري 146:2-147، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 23:5.
2- التهذيب 12:4-30.
3- المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2.
4- أوعزنا إلي مصادره في المسألة 63.
5- المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2، و 598، حلية العلماء 90:3.

عنه و عن أهل بيته عليهم السّلام.

مسألة 66: لو نقص نصاب الذهب أو الفضّة شيئا يسيرا كالحبّة سقطت الزكاة

عند علمائنا، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و إسحاق و ابن المنذر(1).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(2) و الأوقية:

أربعون درهما إجماعا.

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس في الفضّة زكاة حتي تبلغ مائتي درهم، و ليس في الذهب زكاة حتي يبلغ عشرين مثقالا»(3).

و قول الصادق عليه السلام: «في كلّ مائتين خمسة دراهم من الفضّة، و إن نقص فليس عليك زكاة، و من الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شيء»(4).

و هو رواية عن أحمد، و في اخري: إن كان النقص يسيرا كالحبّة و الحبّتين من الفضّة وجبت الزكاة، لأنّه لا يضبط غالبا فهو كنقص الحول ساعة و ساعتين، و إن كان نقصا بيّنا كالدانق و الدانقين فلا زكاة.

و عن أحمد: إنّ الذهب إن نقص ثلث مثقال زكّاه - و به قال عمر بن عبد العزيز و سفيان - و إن نقص نصفا فلا زكاة، و عن أحمد أيضا: إن نقص ثمنا فلا زكاة(5).

و عن مالك روايتان: إحداهما: إن نقص النصاب نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة، لأنّها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة.

ص: 122


1- المجموع 7:6 و 18، فتح العزيز 7:6، حلية العلماء 89:3، المغني 597:2.
2- صحيح مسلم 673:2-979، سنن الدارقطني 93:2-5 و 6، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن النسائي 36:5، الموطأ 244:1-1.
3- التهذيب 12:4-30.
4- الكافي 515:3 (باب زكاة الذهب و الفضة)، حديث 1، التهذيب 12:4-31.
5- المغني 597:2، حلية العلماء 90:3.

الثانية: إن نقص الحبّة و الحبّتين في جميع الموازين وجبت الزكاة(1) ، و هي المعروفة من مذهبه.

و قال الأبهري: ليس هذا مذهب مالك، و إنّما مذهبه أنّها إن نقصت في بعض الموازين و هي كاملة في بعضها ففيها الزكاة(2).

و الأحاديث تدلّ علي اعتبار النصاب تحقيقا.

تذنيب: المعتبر في نصاب الفضّة الوزن و هو أن يكون كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و كلّ درهم ستّة دوانيق، و لا اعتبار بالعدد، و لا بالسود البغليّة(3) التي في كلّ درهم درهم و دانقان، و لا بالطبرية الخفيفة التي في كلّ درهم أربعة دوانيق، و به قال عامّة فقهاء الإسلام(4).

و قال (المغربي من أهل الظاهر)(5): الاعتبار بالعدد دون الوزن، فإذا بلغت المائتين عددا ففيها الزكاة، سواء كانت وافية(6) أو من الخفيفة، و إن كانت أقلّ من المائتين عددا فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفة أو وافية(7).

و هو مدفوع بالإجماع، و خلاف المغربي قد انقرض، و انعقد الإجماع علي خلافه، فعلي هذا لو زاد العدد عن مائتين و لم تبلغ مائة و أربعين مثقالا فلا زكاة، و لو نقص عن مائتين و بلغ مائة و أربعين مثقالا وجبت.

مسألة 67: إذا بلغ أحدهما النصاب وجب فيه ربع العشر،

فيجب في العشرين مثقالا نصف دينار، و في المائتين من الفضّة خمسة دراهم بإجماع

ص: 123


1- المغني 597:2، الموطأ 247:1، المنتقي للباجي 95:2، المجموع 7:6.
2- المنتقي للباجي 96:2.
3- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: التغلبية. و الصحيح ما أثبتناه.
4- المجموع 19:6.
5- ورد في النسخ الخطية بدل ما بين القوسين هكذا: المغربي و أهل الظاهر. و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
6- درهم واف: وفي بزنته لا زيادة فيه و لا نقص. لسان العرب 399:15 «وفي».
7- المجموع 19:6، حلية العلماء 89:3.

علماء الإسلام.

قال عليه السلام: (هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهما درهما، و ليس في تسعين و مائة شيء)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا فعليه(2) نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شيء، و في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شيء»(3).

مسألة 68: النصاب الثاني للذهب: أربعة دنانير و فيها قيراطان، و للفضّة: أربعون درهما و فيها درهم واحد،

و لا شيء في الزائد علي النصاب الأول منهما ما لم يبلغ ما قلناه عند علمائنا كافّة، و به قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و الحسن و الشعبي و مكحول و الزهري و عمرو بن دينار و أبو حنيفة(4).

لقوله عليه السلام: (من كلّ أربعين درهما درهما)(5).

و قال عليه السلام: (إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم، ثم لا شيء فيه حتي يبلغ إلي أربعين درهما)(6) و هذا نصّ.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا كملت

ص: 124


1- أورده ابن قدامة في المغني 600:2 و نحوه في سنن الترمذي 16:3-620.
2- في المصدر: ففيه.
3- التهذيب 7:4-15.
4- المجموع 16:6-17، المغني 600:2، بدائع الصنائع 17:2-18، اللباب 146:1 و 148.
5- أوعزنا إلي مصادره في الهامش (1) من هذه الصفحة.
6- أورده كما في المتن، ابن قدامة في المغني 601:2، و نحوه في سنن الدارقطني 93:2-1، و سنن البيهقي 135:4.

عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلي أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلي ثمانية و عشرين، فعلي هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(1).

و عن الباقر عليه السلام: «ليس فيما دون المائتين شيء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون علي المائتين فليس فيها شيء حتي تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير علي هذا الحساب»(2).

و لأنّ له عفوا في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية.

و قال مالك و الثوري و ابن أبي ليلي و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو ثور و أبو عبيد و ابن المنذر و أحمد: لا يعتبر نصاب أحدهما بل تجب الزكاة في زيادتهما و إن قلّت.

و رواه الجمهور عن علي عليه السلام و ابن عمر و عمر بن عبد العزيز و النخعي.

لما روي عن علي عليه السلام عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه، قال:

(هاتوا ربع العشر عن كلّ أربعين درهما درهما، و ليس عليكم شيء حتي تتمّ مائتين، و إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك)(3).

و لأنّه مال متجر(4) فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب(5).8.

ص: 125


1- الكافي 515:3-3، التهذيب 6:4-13، الاستبصار 12:2-35.
2- التهذيب 7:4-15.
3- سنن أبي داود 99:2-100-1572، سنن الدارقطني 92:2-3، و سنن البيهقي 135:4.
4- ورد في النسخ الخطية: يتجر. و الصحيح ما أثبتناه.
5- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 16:6، فتح العزيز 3:6، حلية العلماء 91:3، بداية المجتهد 256:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بدائع الصنائع 17:2-18.

و لا دلالة في الحديث، لأنّ ما زاد علي المائتين بحساب المائتين في كلّ أربعين درهم و ليس في الناقص عنها شيء، إذ لا يسمّي أربعين فهو حجّة لنا، و القياس مدفوع بما تقدّم.

إذا ثبت هذا، فكلّما زاد الذهب أربعة أربعة كان فيها قيراطان في كلّ أربعة، و إذا زادت الفضّة أربعين أربعين ففيها درهم في كلّ أربعين بلا خلاف عندنا، و لا زكاة فيما نقص عن ذلك و إن خرج بالتامّ.

تذنيب: لا فرق في النصاب الأول و الثاني في أنّه لو نقص منه شيء يسير كالحبّة تسقط الزكاة سواء اتّفقت الموازين في النقص أو اختلفت فيه كما قلناه في الأول، و لو اختلفت بما جرت العادة به فالأقرب عدم الوجوب

مسألة 69: لا تجب الزكاة في المغشوشة حتي يبلغ الصافي نصابا، و كذا المختلط بغيره
اشارة

عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(1).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)(2).

و لأنّ المناط كونه ذهبا و فضّة، و الغشّ ليس أحدهما.

و قال أبو حنيفة: إن كان الغشّ النصف أو أكثر كانت كالعروض تعتبر بالقيمة، و إن كان الغشّ دون النصف سقط حكم الغشّ و كانت كالفضّة الخالصة التي لا غشّ فيها، لأنّ الفضّة لا تنطبع إلاّ بالغشّ(3) ، و ليس حجّة.

ص: 126


1- المجموع 9:6 و 19، فتح العزيز 11:6-12، حلية العلماء 92:3، مغني المحتاج 390:1، المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.
2- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 675:2-980، سنن النسائي 36:5، الموطأ 244:1-245-2، و سنن البيهقي 134:4.
3- المبسوط للسرخسي 194:2، بدائع الصنائع 17:2، الهداية للمرغيناني 104:1، اللباب 147:1، شرح فتح القدير 162:2، المجموع 19:6، فتح العزيز 12:6، و حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر: 266.
فروع:

أ - لا يجوز أن يخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة مغشوشة - و به قال الشافعي(1) - لأنّه من رديء المال فلا يجزئ عن الجيّد.

و قال أبو حنيفة: يجوز(2).

ب - لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشّ أم لا وجبت الزكاة، لأصالة الصحّة و السلامة.

و لو علم أنّ فيه غشّا و شك هل بلغ الصافي نصابا أو لا لم يؤمر بالسبك و لا الإخراج منها و لا من غيرها، لأنّ بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شيء.

و قال أحمد: يلزمه أحدهما(3).

ج - لو عرف أنّ فيه نصابا خالصا و جهل الزيادة عليه، قال الشيخ: يؤمر بسبكها إن لم يتبرّع بالاحتياط في الإخراج(4) - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأنّ الذمّة مشغولة، و لا يحصل يقين البراءة إلاّ بالسبك أو الاحتياط في الإخراج.

و الوجه: أخذ ما تيقّن وجوبه، و يطرح المشكوك فيه عملا بأصالة البراءة، و لأنّ الزيادة كالأصل، فكما لو شكّ هل بلغ الصافي نصابا تسقط كذا لو شكّ هل بلغت الزيادة نصابا آخر.

د - لو أخرج عن المغشوشة منها فإن اتّفق مثل أن يكون في كلّ دينار سدسه و علم ذلك أجزأ، لأنّه يكون مخرجا لربع العشر، و إن اختلف أو لم

ص: 127


1- المجموع 8:6، فتح العزيز 12:6، حلية العلماء 91:3، مغني المحتاج 390:1.
2- المجموع 19:6، فتح العزيز 12:6، حلية العلماء 91:3.
3- المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.
4- المبسوط للطوسي 210:1، و عنه في المعتبر: 266.
5- المجموع 10:6، المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.

يعلم لم يجزئه إلاّ الاستظهار بأن يتيقّن أنّ ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة، و لو أخرج ذهبا لا غشّ فيه فهو أفضل.

ه - لو أراد إسقاط الغشّ و إخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب كمن معه أربعة و عشرون دينارا سدسها غشّ فأسقطه و أخرج نصف دينار عن عشرين جاز، لأنّه لو سبكها لم يلزمه إلاّ ذلك، و لأنّ غشّها لا زكاة فيه.

و - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة فيه أيضا إن بلغ نصابا أو كمل ما معه من جنسه نصابا.

ز - كره الشافعي ضرب الدراهم المغشوشة(1).

و الوجه: التحريم إلاّ مع الاعتياد بإخراجها.

ثم إن كانت مضبوطة صحّت المعاملة بها، و إن كانت مجهولة النقرة احتمل جواز المعاملة كما يجوز بيع المعجونات و إن جهلت مقادير بسائطها، و المنع، لأنّها تطلب لما فيها من النقرة و هي مجهولة القدر.

ح - لو علم النصاب و قدر الغشّ أخرج عن الخالصة مثلها و عن المغشوشة منها.

ط - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت عنهما علي ما تقدّم، فإن أشكل الأكثر منهما و لم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة، فلو كان أحد النقدين ستمائة و الآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا و أربعمائة فضّة إن كان الذهب أكثر قيمة، و إلاّ فالعكس.

ي - لو تساوي العيار و اختلفت القيمة كالرضوية و الراضية استحب الأفضل، و الوجه: عدم إجزاء الأنقص قيمة و إن تساوي قدرا، بل يجب التقسيط، و لو أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب و قيمته أجزأ، و لو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيّد احتمل الإجزاء اعتبارا بالقيمة6.

ص: 128


1- المجموع 10:6، فتح العزيز 13:6.

و عدمه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نصّ علي نصف دينار(1) فلم يجز النقص منه، و لو أخرج من الأردأ و زاد في القدر بقدر ما يفي بقيمة الواجب جاز.

يا - يكمل جيّد النقرة برديئها كالنعام و الخشن، و كذا الذهب العالي و الدون، ثم يخرج من كلّ جنس بقدره، و كذا الدراهم و الدنانير الصحاح و المكسّرة يضمّ بعضها إلي بعض ما لم يخرج بالكسر عن اسم المضروبة كما لو سحقت أجزاء صغارا لا يظهر الضرب و النقش فيها، ثم يخرج عن كلّ جنس بقدره، و لو أخرج من المكسّرة بقدر الواجب قيمة أجزأ، و كذا من الصحيحة و إن قصر الوزن علي إشكال.

يب - لو أخرج بهرجا عن الجيّد و زاد بقدر ما يساوي قيمة الجيّد جاز، لأنّه أخرج القيمة.

و قال الشافعي: لا يجوز(2) ، و هل يرجع فيما أخرجه من المعيب ؟ وجهان عند أصحابه(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز إخراج الرديئة عن الجيّدة من غير جبران، لأنّ الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها(4).

مسألة 70: لا زكاة في الحليّ المباح استعماله كالسوار للمرأة،

و المنطقة للرجل عند علمائنا أجمع، و به قال في الصحابة: ابن عمر و جابر و أنس و عائشة و أسماء، و في التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن البصري و الشعبي و القاسم و قتادة و محمد بن علي الباقر عليه السلام و أبو عبيد و قالوا:

ص: 129


1- سنن أبي داود 100:2-101-1573، و سنن البيهقي 138:4
2- المجموع 8:6، فتح العزيز 11:6، حلية العلماء 91:3، المغني 601:2-602، الشرح الكبير 604:2.
3- المجموع 8:6، حلية العلماء 91:3، المغني 602:2، الشرح الكبير 604:2.
4- بدائع الصنائع 42:2، المغني 602:2، الشرح الكبير 603:2، حلية العلماء 91:3.

زكاته إعارته كما يقوله علماؤنا.

و في الفقهاء: مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي - في القديم - و البويطي، و أحد قوليه في الأم، و عليه أصحابه، و به يفتون(1).

لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (لا زكاة في الحليّ)(2).

قالت فريعة بنت أبي أمامة: حلاّني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رعاثا، و حلّي أختي، و كنّا في حجره فما أخذ منّا زكاة حليّ قطّ(3) ، و الرعاث:

الحلق(4).

لا يقال: ترك الزكاة لأنّه لم يبلغ نصابا.

لأنّا نقول: إنّما يقال: ما أخذ زكاة، إلاّ و المال ممّا تجب فيه الزكاة.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحليّ فيه الزكاة ؟ فقال: «لا و إن بلغ مائة ألف»(5).

و قال عليه السلام: «زكاة الحليّ أن يعار»(6) و لأنّه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل و ثياب القنية.

و قال الشافعي في الجديد: تجب فيه الزكاة، و به قال عمرو ابن مسعوده.

ص: 130


1- الام 41:2، المغني 603:2، الشرح الكبير 611:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 89، المدونة الكبري 245:1، الشرح الصغير 217:1-218، المجموع 35:6 و 46، فتح العزيز 20:6 و 21، حلية العلماء 96:3، سنن الترمذي 29:3 ذيل الحديث 636، المحلّي 75:6 و 76.
2- لم نجده في المصادر الحديثية المتوفّرة لدينا، نعم أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 88:2، المسألة 102.
3- سنن البيهقي 141:4، و أورده الشيخ الطوسي أيضا في الخلاف 89:2، المسألة 102.
4- الرعاث: القرطة و هي من حليّ الاذن، واحدتها رعثة. و هو القرط. لسان العرب 152:2 «رعث».
5- التهذيب 8:4-20، الاستبصار 7:2-17، و الكافي 518:4-4.
6- التهذيب 8:4-22، و الكافي 518:4-6 بتفاوت فيه.

و ابن عباس و عبد اللّه بن عمر، و ابن العاص و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و جابر بن زيد و ابن سيرين و الزهري و الثوري و أحمد - في رواية - و أصحاب الرأي(1).

لقوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر)(2) و (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(3) دلّ بمفهومه علي وجوب الزكاة إذا بلغت خمسا.

و لأنّ امرأة من اليمن أتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و معها ابنة لها في يديها مسكتان(4) من ذهب، فقال: (هل تعطينّ زكاة هذا؟) فقالت: لا، فقال: (أ يسرّك أن يسوّرك اللّه بسوارين من نار؟)(5) و لأنّه من جنس الأثمان فأشبه التبر.

و الرقّة هي الدراهم المنقوشة، قال أبو عبيد: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المنقول عن العرب إلاّ علي الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس(6).

و كذا الأواقي معناها الدراهم، كلّ أوقية أربعون درهما.

و المسكتان طعن في حديثهما، قال الترمذي: ليس يصحّ في هذا الباب شيء(7).2.

ص: 131


1- المجموع 36:6 و 46، فتح العزيز 19:6-20، حلية العلماء 96:3، المغني 604:2، الشرح الكبير 611:2، أحكام القرآن للجصاص 107:3، بدائع الصنائع 17:2.
2- صحيح البخاري 146:2، سنن النسائي 18:5-23، سنن أبي داود 96:2-97-1567، و سنن البيهقي 134:4.
3- صحيح البخاري 144:2، صحيح مسلم 674:2-3 و 5، الموطّأ 244:1-1.
4- تثنية مسكة، بالتحريك، و هي نوع من السوار. النهاية لابن الأثير 331:4 «مسك».
5- سنن أبي داود 95:2-1563، سنن النسائي 38:5، و سنن البيهقي 140:4.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 604:2، و الشرح الكبير 612:2.
7- سنن الترمذي 30:3 ذيل الحديث 637، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 604:2، و الشرح الكبير 612:2.

و يحتمل إرادة العارية و الأصل ممنوع.

و قال مالك: يزكّي عاما واحدا(1).

إذا ثبت هذا فقولنا: زكاته إعارته، محمول علي الاستحباب لا الوجوب عملا بالأصل.

مسألة 71: الحليّ المحرّم استعماله
اشارة

كالمنطقة و حلية السيف للمرأة إذا قصدت لبسها، و السوار و الدملج و الخلخال للرجل إذا قصد التحلّي به لا زكاة فيه عند علمائنا، لعموم قوله عليه السلام: (لا زكاة في الحليّ)(2).

و أطبق الجمهور كافّة علي إيجاب الزكاة فيه، لأنّ المحظور شرعا كالمعدوم حسّا(3).

و لا حجّة فيه، لأنّ عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة، فإنّ المناط كونهما مضروبين بسكّة المعاملة.

فروع:

أ - لا فرق في سقوط الزكاة في المباح بين أن يعدّ للّبس أو للإجارة و القنية.

و قال أحمد: لا تجب في الأول علي إحدي الروايتين، و تجب في الثاني، لأنّ الزكاة سقطت عمّا أعدّ للاستعمال لصرفه عن جهة النماء فتجب فيما عداه علي الأصل(4) ، و نمنع الإيجاب في الأصل.

و كذا لا فرق بين كون الحليّ المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره، أو لرجل يحلّي به أهله، أو يعيره، أو يعدّه لذلك.

ص: 132


1- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 604:2.
2- راجع: الهامش (2) من الصفحة 130.
3- المجموع 35:6 و 37، فتح العزيز 23:6، المغني 606:2، الشرح الكبير 614:2، الشرح الصغير 217:1-218، المبسوط للسرخسي 192:2، اللباب 148:1.
4- المغني 604:2، الشرح الكبير 613:2 و 614.

ب - قليل الحليّ و كثيره سواء في الإباحة و الزكاة.

و قال بعض الجمهور: يباح ما لم يبلغ مائة ألف، فإن بلغها حرم و فيه الزكاة، لأنّه يخرج إلي السرف و الخيلاء، و لا يحتاج إليه في الاستعمال(1).

و ليس بجيّد، لأنّ الشرع أباح التحلّي مطلقا من غير تقييد، و قال تعالي قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ (2).

ج - يباح للمرأة من حليّ الذهب و الفضة كلّ ما جرت عادتهنّ بلبسه كالسوار و الخلخال و القرط(3) و الخاتم، و ما تلبسه علي وجهها و عنقها و يدها و رجلها و اذنها و غيرها، فأمّا ما لم تجر عادتها بلبسه كالمنطقة و شبهها من حليّ الرجال فهو محرّم.

و أمّا الرجل فيحرم عليه التحلّي بالذهب إجماعا، و يحرم التمويه به و إن لم يحصل منه ذهب، و للشافعي وجهان(4).

أمّا اتّخاذ أنف لمن جدع(5) أنفه، فالأقرب الجواز، و يجوز أن يتحلّي بمثل المنطقة و السيف و السكّين و غيرها من آلات الحرب بالفضّة خاصّة.

قال الشيخ: و لا يجوز ذلك في حليّ الدواة و القوس(6) ، لأنّه من الآلات، و آلات الفضّة يحرم استعمالها.

ثم قال: و إن قلنا بالإباحة كان قويّا، قال: و لا يجوز أن يحلّي المصحف بالفضّة، و المرآة و المشط و الميل و المكحلة و غيرها، لأنّه منت.

ص: 133


1- هو ابن حامد كما في المغني 605:2، و الشرح الكبير 621:2 و 622 و فيهما: (ألف مثقال) بدل (مائة ألف).
2- الأعراف: 32.
3- القرط: نوع من حليّ الإذن. لسان العرب 347:7 «قرط».
4- المجموع 38:6، فتح العزيز 27:6.
5- الجدع: قطع الأنف. الصحاح 1193:3، القاموس المحيط 11:3 «جدع».
6- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: (الفرس) بدل (القوس) و ما أثبتناه من المبسوط هو الصحيح بقرينة الآلات.

الأواني و الآلات، و أمّا تضبيب الأواني فإنّه مكروه للحاجة و غيرها، فيجتنب موضع الفضّة في الاستعمال(1).

و قال الشافعي: لا يحلّ للرجل التحلّي بالفضّة إلاّ التختّم به، و تحلية آلات الحرب، و في السرج و اللجام وجهان، و يحرم علي المرأة آلات الحرب، لما فيه من التشبّه بالرجال، و أمّا في غير التحلّي فقد حرّم الشرع اتّخاذ الأواني من الذهب و الفضّة علي الرجال و النساء(2).

و للشافعيّة في تحلية المصحف بالفضة وجهان، و في تحليته بالذهب ثلاثة أوجه، يفرّق في الثالث بين الرجال و النساء، و أمّا تحلية غير المصحف من الكتب فإنّه حرام(3).

و في تحلية الكعبة و المساجد بالقناديل من الذهب و الفضّة إشكال ينشأ من كون تجويزه إكراما.

و ما يجري علي السقوف و الحيطان من الذهب، قال الشيخ: لا نصّ في تحريمها، و لا في تحلية المصاحف و ربط الأسنان بالذهب، و الأصل الإباحة، و لا زكاة في الجميع(4).

و قال الشافعي و باقي الفقهاء: إن كان لو جمع و سبك بلغ نصابا وجبت الزكاة(5).

د - لا زكاة في نفائس الأموال إلاّ في النقدين.

ه - لو كان معه خلخال وزنه مائتا درهم، و قيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لم تجب الزكاة عندنا.7.

ص: 134


1- المبسوط للطوسي 212:1-213.
2- المجموع 38:6 و 39، الوجيز 94:1، فتح العزيز 28:6-29 و 32-33.
3- المجموع 42:6، الوجيز 94:1، فتح العزيز 34:6-35.
4- الخلاف 89:2-90، المسألة 103.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 267.

و قال أبو حنيفة: تجزئه خمسة دراهم، و لا عبرة بالصنعة(1).

و قال الشافعي: لا تجزئه، لأنّ القيمة تضم إلي وزنه(2).

و - لو فرّ بالسبك من الزكاة، فإن كان بعد الحول لم تسقط لسبق الوجوب، و إن كان قبله فروايتان: أقربهما: السقوط، لفوات الشرط.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله هارون بن خارجة إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء أعمالا، و أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه الزكاة ؟ قال: «ليس علي الحليّ زكاة، و ما أدخل علي نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة»(3).

و الأخري: وجوب الزكاة عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحليّ فيه الزكاة ؟ قال: «لا إلاّ ما فرّ به من الزكاة»(4).

و تحمل علي الاستحباب، أو علي ما إذا جعله بعد الحول.

ز - لا تضمّ النقار إلي الدراهم، و لا السبائك إلي الذهب، لفوات الشرط.

و أطبق الجمهور علي الضمّ، لأنّه جنس واحد(5) ، و هو ممنوع، لأنّ أحدهما لا تجب فيه.

مسألة 72: يشترط ملك النصاب في النقدين بتمامه في جميع الحول

كما قلنا في المواشي عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(6).

ص: 135


1- انظر: حلية العلماء 92:3.
2- المجموع 45:6، فتح العزيز 36:6، حلية العلماء 91:3.
3- الكافي 518:3-7، التهذيب 9:4-26، الاستبصار 8:2-23.
4- التهذيب 9:4-24، الاستبصار 8:2-21.
5- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 77:2، المسألة 90، و المحقّق في المعتبر: 267.
6- المجموع 8:6 و 19-20، فتح العزيز 8:6.

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فإن كانت مائة و خمسين فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتي يحول علي المائتين الحول»(2).

و قال أبو حنيفة: يشترط النصاب في أول الحول و آخره، و لا يضر نقصانه في خلال الحول(3) ، و قد سلف في المواشي(4).

مسألة 73: لو كان في يده أقلّ من النصاب و كان له دين يتمّ به،

فإن أوجبنا الزكاة في الدّين ضمّمناه هنا إن كان علي مليّ باذل، لأنّه قادر علي أخذه فوجب إخراج زكاته كالوديعة، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجب الإخراج حتي يقبضه، لأنّه دين فلا يجب الإخراج عنه حتي يقبضه كما لو كان علي جاحد(6).

و الفرق ظاهر، فإنّه لا يقدر علي أخذه من الجاحد.

و لو كان جاحدا في الظاهر دون الباطن لم يلزمه إخراجها حتي يقبضه.

و هل تجب فيه ؟ قال الشافعي: نعم، لأنّه مليّ مقرّ به فأشبه ما إذا أقرّ عند الحاكم(7).

ص: 136


1- سنن أبي داود 101:2-1573، سنن الدارقطني 91:2-3 و 5، سنن ابن ماجة 571:1-1792، و سنن البيهقي 95:4.
2- الكافي 525:3-4، التهذيب 35:4-92 قطعة من الحديث.
3- الهداية للمرغيناني 105:1، شرح فتح القدير 168:2، اللباب 149:1، المجموع 20:6، فتح العزيز 8:6.
4- سلف في المسألة 32.
5- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 92:3، الميزان للشعراني 8:2، رحمة الأمّة 117:1.
6- المبسوط للسرخسي 194:2-195، المغني 637:2، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 92:3، الميزان للشعراني 8:2، رحمة الأمّة 117:1.
7- حلية العلماء 92:3.

و قال أبو يوسف: لا زكاة فيه، لأنّه لا يقدر علي قبضه فهو كالمجحود(1) ، و هو أوجه عندي.

و إن كان جاحدا في الظاهر و الباطن، أو كان معسرا فلا زكاة، و للشافعي قولان(2).

و لو كان له بيّنة بالمال، أو علمه الحاكم فالأقرب الوجوب - و به قال الشافعي(3) - لتمكّنه.

و قال محمد بن الحسن: إن علمه الحاكم وجبت، و إن كان له بيّنة لم تجب، لأنّ الحاكم قد لا يقبلها(4).

و يشكل بأنّه إذا ترك إقامة البيّنة حولا فقد ترك الأخذ مع إمكانه و أمّا المؤجّل فلا زكاة فيه، لعدم تمكّنه منه، و للشافعي قولان(5).

و إن قلنا بعدم الوجوب في الدّين - و هو القديم للشافعي(6) - فلا زكاة هنا.

مسألة 74: لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض

مسألة 74: لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض(7) التجارة

عند علمائنا، لنقص النصاب، و مال التجارة لا تجب فيه الزكاة، و إن وجبت إلاّ أنّه لا يضمّ جنس إلي غيره علي ما يأتي(8).

و أطبق الجمهور علي الضمّ هنا، لأنّ الزكاة إنّما تجب في القيمة و يقوّم

ص: 137


1- المبسوط للسرخسي 195:2، حلية العلماء 92:3.
2- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 93:3، المغني 638:2.
3- المجموع 21:6، فتح العزيز 503:5، حلية العلماء 93:3.
4- حلية العلماء 93:3.
5- المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 93:3.
6- المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5.
7- العرض: المتاع. الصحاح 1083:3.
8- يأتي في المسألة التالية (75).

بكلّ واحد منهما فيضمّ و لو كان له ذهب و فضّة و عروض وجب ضمّ الجميع عندهم في تكميل النصاب، لأنّ العرض مضموم إلي كلّ واحد منهما فيجب ضمّهما إليه و جمع الثلاثة(1).

مسألة 75: و لا يضمّ أحد النقدين إلي الآخر لو كمل النصاب بهما

عند علمائنا أجمع، فلو كان له من كلّ من الذهب و الفضّة ما لا يبلغ نصابا بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما و أقلّ من نصاب من الآخر كما لو كان له مائتا درهم و أربعة دنانير أو عشرون دينارا و أربعون درهما لم يضمّ أحدهما إلي الآخر، و به قال ابن أبي ليلي و الحسن بن صالح بن حي و شريك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و أحمد في رواية(2).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ليس في الكسور شيء»(4).

و لأنّهما مالان يختلف نصابهما فلا يضمّ أحدهما إلي الآخر كأجناس الماشية.

و قال مالك و الأوزاعي و الثوري و أحمد - في رواية - و الحسن و قتادة و أصحاب الرأي: يضمّ أحدهما إلي الآخر، لأنّ أحدهما يضمّ إلي ما يضمّ إليه الآخر و هو مال التجارة فيضمّ إلي الآخر كأنواع الجنس، و لأنّ نفعهما

ص: 138


1- المغني 597:2، الشرح الكبير 610:2.
2- المجموع 18:6، فتح العزيز 9:6، حلية العلماء 90:3، الأموال لأبي عبيد: 424-425، بداية المجتهد 257:1، المغني 597:2، الشرح الكبير 605:2.
3- سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن الدارمي 384:1، الموطّأ 244:1-1، و سنن البيهقي 120:4 و 121.
4- التهذيب 7:4-15، و عن أحدهما عليهما السلام في صفحة 12-30.

واحد، و المقصود منهما متّحد فإنّهما قيم المتلفات و أروش الجنايات و أثمان البياعات(1)(2).

إذا عرفت هذا فالقائلون بالضمّ اختلفوا، فقال مالك و أبو يوسف و محمد و الأوزاعي و أحمد في رواية: يضمّ إلي الآخر بالأجزاء يعني أنّه يحسب كلّ واحد منهما من نصابه، فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما، و نصف نصاب أو أكثر من الآخر، أو ثلث من أحدهما و ثلثان أو أكثر من الآخر، فلو ملك مائة درهم و عشرة دنانير، أو مائة و خمسين درهما و خمسة دنانير، أو مائة و عشرين درهما و ثمانية دنانير وجبت الزكاة فيهما.

و إن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما بأن يكون عنده ثمانية دنانير و مائة درهم، لأنّ كلّ واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة إذا كان منفردا فلا تعتبر إذا كان مضموما كالحبوب(3).

و قال أبو حنيفة: يضمّ بالأحوط من الأجزاء و القيمة معا، و معناه أنّه يقوّم الغالي منهما بقيمة الرخيص، فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما، فلو ملك مائة درهم و تسعة(4) دنانير قيمتها مائة درهم، أو عشرةة.

ص: 139


1- البياعات: الأشياء التي يتبايع بها في التجارة. لسان العرب 25:8.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بداية المجتهد 257:1، حلية العلماء 90:3، المغني 598:2، الشرح الكبير 605:2، الهداية للمرغيناني 105:1، المبسوط للسرخسي 192:2 و 20:3، اللباب 149:1، المجموع 18:6، فتح العزيز 9:6.
3- المغني 598:2، الشرح الكبير 609:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بداية المجتهد 257:1، المبسوط للسرخسي 193:2، و 20:3، الهداية للمرغيناني 105:1، المجموع 18:6، حلية العلماء 90:3.
4- في المغني و الشرح الكبير: سبعة.

دنانير و تسعين(1) درهما قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - و هو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلي الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(2). و الكلّ باطل عندنا، لما تقدّم.

مسألة 76: يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة

- و هو أصحّ الروايتين عن أحمد(3) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ، فإنّ المقصود منهما جميعا الثمنية، و التوصّل بهما إلي المقاصد، و هما يشتركان فيه علي السواء فأشبه إخراج الجنس، و إذا كان المقصود حاصلا وجب الإجزاء، إذ لا فائدة في اختصاص الإجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

و لأنّه قد يكون أرفق بالمعطي و الفقير، و أنفع لهما، و يندفع به الضرر عنهما، فإنّ إخراج العين قد يشقّ علي من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار، و يحتاج إلي التشقيص، و مشاركة الفقير له في دينار من ماله، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك و الفقير، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير، و سهل ذلك عليه، و انتفع من غير كلفة و لا ضرر.

و لأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر علي قضاء حاجته، و لو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلي كلفة البيع و ربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا، و ربّما نقص عوضها عن قيمتها.

و الرواية الثانية لأحمد: المنع من الجواز، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس

ص: 140


1- في المغني و الشرح الكبير: سبعين.
2- المغني 598:2، الشرح الكبير 609:2.
3- المغني 602:2، الشرح الكبير 606:2.

أولي(1).

و الأولي ممنوعة علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و علي ما قلناه، لا يجوز الإبدال في موضع يلحق الفقير ضرر، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضا عمّا ينفق، لأنّه كالمعيب.

و لو اختار المالك الدفع من الجنس و اختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في (أخذ الجنس)(2) لم يلزم المالك إجابته، لأنّه أدّي فرض اللّه عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث في زكاة الغلاّت و الثمار
اشارة

و فيه بحثان:

الأول: فيما تجب الزكاة فيه منها.
مسألة 77: الزكاة في الغلاّت و الثمار واجبة

بالنصّ و الإجماع:

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (3) و الزكاة تسمّي نفقة، لقوله تعالي وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ (4).

و قال تعالي وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (5) قال ابن عباس: حقّه:

ص: 141


1- المغني 602:2، الشرح الكبير 605:2.
2- ورد في النسخ الخطية: أحد الجنسين. و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
3- البقرة: 267.
4- التوبة: 34.
5- الأنعام: 141.

الزكاة المفروضة(1).

و أجمع علماء الإسلام علي وجوب الصدقة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

مسألة 78: و يشترط في الزكاة في هذه الأنواع أمور ثلاثة:

النصاب، و بدوّ الصلاح، و تملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع و الاتّهاب.

و النصاب في الأربعة واحد و هو خمسة أوسق، فلا يجب فيما دونها شيء بإجماع علمائنا، و هو قول أكثر أهل العلم منهم: ابن عمر و جابر و عمر بن عبد العزيز و جابر بن زيد و الحسن البصري و عطاء و مكحول و النخعي و مالك و أهل المدينة و الثوري و الأوزاعي و ابن أبي ليلي و الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمد(2).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(3).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة»(4).

و قال الصادق عليه السلام: «ليس في النخل صدقة حتي تبلغ خمسة

ص: 142


1- مجمع البيان 375:2، تفسير الطبري 43:8، تفسير التبيان 295:4، التفسير الكبير للرازي 213:13، و المغني 547:2.
2- المغني 552:2-553، الشرح الكبير 554:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 100-101 و 103، المنتقي - للباجي - 91:2، بداية المجتهد 265:1، الشرح الصغير 213:1، اللباب 150:1، المجموع 458:5 و 502، حلية العلماء 74:3.
3- صحيح البخاري 156:2، صحيح مسلم 673:2-979، سنن الترمذي 22:3-626، سنن أبي داود 94:2-1558 و 1559، سنن النسائي 40:5-41، سنن الدارمي 384:1، و سنن البيهقي 121:4.
4- التهذيب 14:4-35، الإستبصار 14:2-41.

أوساق، و العنب مثل ذلك»(1).

و لأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

و قال أبو حنيفة و مجاهد: تجب الزكاة في قليل ذلك و كثيره(2) ، لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

و لأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب و الخاصّ مقدّم، و لم يعتبر الحول، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه، و اعتبر الحول في غيره، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال، و النصاب اعتبر ليبلغ حدّا يحتمل المواساة.

مسألة 79: الوسق ستّون صاعا

(4) بالإجماع و النصّ، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (الوسق ستّون صاعا)(5).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلّي اللّه عليه و آله»(6).

و أمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا، و المدّ رطلان و ربع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين و سبعمائة رطل.

ص: 143


1- التهذيب 18:4-46، الاستبصار 18:2-52.
2- الاختيار لتعليل المختار 147:1، بدائع الصنائع 59:2، اللباب 150:1، الهداية للمرغيناني 109:1، المغني 553:2، الشرح الكبير 554:2، المجموع 458:5، حلية العلماء 74:3.
3- صحيح البخاري 155:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن ابن ماجة 580:1-1816 و 581-1817، سنن النسائي 41:5، سنن الدارقطني 97:2-9، و سنن البيهقي 130:4.
4- انظر: النهاية - لابن الأثير - 185:5.
5- سنن ابن ماجة 586:1-1832 و 587-1833، مسند أحمد 83:3، و سنن البيهقي 121:4.
6- التهذيب 14:4-35، الاستبصار 14:2-41.

و لتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها، لعدم الأولويّة، و يصار إلي الأصل و هو البراءة، و صيانة مال المسلم عن التسلّط.

و لأنّ النصاب شرط لما بيّنا، و لا نعلم حصوله إلاّ مع التقدير الأعلي فيقف الوجوب عليه.

و لقول الصادق عليه السلام: «الصاع أربعة أمداد»(1).

و قول أبي الحسن عليه السلام: «الصاع ستّة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي»(2).

و قول الباقر عليه السلام: «و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستّة أرطال»(3) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(4).

و قال الشافعي و أحمد: وزن المدّ رطل و ثلث، و الصاع: خمسة أرطال و ثلث(5) ، لأنّ مالكا أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين و الأنصار، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلي النبي عليه السلام بهذا الصاع(6).

و هو ممنوع، فإنّه لو كان مشتهرا في المدينة لم يخف عن أهلها، مع1.

ص: 144


1- التهذيب 81:4-233، الإستبصار 47:2-154.
2- الكافي 172:4-9، التهذيب 83:4-243، الفقيه 115:2-493، معاني الأخبار: 249-2.
3- التهذيب 136:1-137-379.
4- قوله: بأرطال - إلي - بالعراقي، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب 137:1 ذيل الحديث 379، فلاحظ.
5- المجموع 128:6، فتح العزيز 565:5 و 194:6، حلية العلماء 74:3 و 129، مغني المحتاج 382:1 و 405، المغني 255:1 و 558:2 و 657، الشرح الكبير 254:1، و 660:2.
6- أورده كما في المتن، المحقّق في المعتبر 268، و انظر أيضا: المغني و الشرح الكبير 255:1، و سنن البيهقي 170:4-171.

أنّ الباقر عليه السلام سيّدهم و قد أخبر بخلاف ذلك و هو أعرف من عوامهم، و لما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّي صاع عمر(1) ، فإنّ صاع النبي صلّي اللّه عليه و آله أولي بالتحرّي.

و قال أبو حنيفة: المدّ رطلان، فالصاع ثمانية أرطال(2) ، لأنّ أنسا روي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع ثمانية أرطال(3).

و هي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة 80: هذا التحديد تحقيق لا تقريب،
اشارة

و هو أحد قولي الشافعيّة(4) ، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)(5).

و لأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّدا كسائر الأوقاص، و لأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدّ من حدّ فاصل.

و قال بعضهم: إنّه تقريب، فإن نقص قليلا وجبت الزكاة، لأنّ الوسق في اللغة: الحمل(6). و هو يزيد و ينقص(7) ، و نحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

ص: 145


1- نقله المحقق في المعتبر: 268.
2- بدائع الصنائع 73:2، الهداية - للمرغيناني - 117:1، اللباب 160:1، المغني و الشرح الكبير 255:1، حلية العلماء 129:3.
3- سنن الدارقطني 153:2-72 و 154-73، و انظر: المغني و الشرح الكبير 255:1، و بدائع الصنائع 73:2.
4- المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5-566، حلية العلماء 74:3.
5- صحيح البخاري 147:2-148، صحيح مسلم 675:2-980، سنن النسائي 36:5، سنن الدارقطني 93:2-5 و سنن البيهقي 120:4.
6- انظر: الصحاح 1566:4، القاموس المحيط 289:3.
7- المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5.
فروع:

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة، لقوله عليه السلام:

(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(1) و هو قول بعض الشافعية.

و قال آخرون: لا اعتبار باليسير منه(2).

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل علي النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية، لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل، لأنّ الأوساق مكيلة، و إنّما نقلت إلي الوزن لتضبط و تحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب و الثمار بل مهما زاد علي النصاب اخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

و لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

مسألة 81: إذا وجب العشر مرّة لم يجب عليه عشر آخر و إن بقيت عنده أحوالا

إجماعا - إلاّ من الحسن البصري(4) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل، بل هي إلي النقص أقرب.

و لقول الصادق عليه السلام: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شيء و لو بقيت ألف عام إذا كان بعينه و إنّما عليه صدقة العشر، فإذا أدّاها مرّة فلا شيء عليه»(5).

و لأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية، فإن اشتري من ذلك شيئا

ص: 146


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 78.
2- راجع: المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5-566، و تعرّض لخلاف الشافعية أيضا، المحقّق في المعتبر: 268.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 78.
4- المجموع 568:5، حلية العلماء 86:3.
5- الكافي 515:3-1 (باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة) التهذيب 40:4-102 بتفاوت.

للتجارة صار عرضا تتعلّق به زكاة التجارة استحبابا أو وجوبا علي الخلاف، و كذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة و الثمار و حال عليه الحول وجبت و إلاّ فلا.

مسألة 82: وقت وجوب الزكاة في الحبّ إذا اشتدّ، و في الثمرة إذا بدا صلاحها

علي الأقوي، لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(1).

و لأنّ أهل اللغة نصّوا علي أنّ البسر (نوع)(2) من التمر، و من أوجب في الثمرة أوجبها في الحبّ.

و قال بعض علمائنا: إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، لتعلّق الحكم علي الاسم(3).

و قد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

و علي كلا القولين، إنّما يجب الإخراج و يستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(4) ، و الزرع في البيدر(5) بعد التصفية من التبن و القشر، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

و إنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

و علي القول الآخر لا شيء عليه، لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه

ص: 147


1- راجع المصادر في المسألة 78.
2- كذا، و لعلّ المصنّف - رحمه اللّه - يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. و انظر: الصحاح 589:2.
3- هو المحقّق في المعتبر: 268.
4- الجرين: موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح 2091:5 «جرن».
5- البيدر: الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح 587:2، القاموس المحيط 369:1 «بدر».

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

و لو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ و قبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف، و وجب في الباقي بقدره و إن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصابا.

مسألة 83: و النصاب المعتبر - و هو خمسة أوسق

- إنّما يعتبر وقت جفاف التمر، و يبس العنب و الغلّة، فلو كان الرطب خمسة أوسق، أو العنب، أو الغلّة و لو جفّت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة إجماعا و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

أمّا ما لا يجفّ مثله و إنّما يؤكل رطبا كالهلباث(1) و البرني و شبههما من الدّقل(2) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضا، لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3) و إنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا.

و هل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه ؟ الأقرب: الأول و إن كان التمر يقلّ كغيره.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: يعتبر بغيره، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمرا، و كان هذا مثله رطبا، وجبت فيه الزكاة، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(4).

مسألة 84: لو اشتري الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتي بدا صلاحها وجبت الزكاة علي المشتري

لحصول السبب في ملكه، و لو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة علي البائع.

ص: 148


1- الهلباث: ضرب من التمر. لسان العرب 198:2 «هلبث».
2- الدّقل: أردأ التمر. الصحاح 1698:4، القاموس المحيط 376:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 78.
4- المجموع 458:5-459، فتح العزيز 568:5.

و من أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفردا لا بشرط القطع كان الملك باقيا علي البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة 85: لو مات و عليه دين مستوعب،

فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة، لتعلّقها بالعين و محلّ الدّين الذمّة و كان حقّ الزكاة مقدّما و إن ضاع علي صاحب الدّين دينه.

و لو مات قبل بدوّ الصلاح، فلا زكاة علي الوارث و لا علي الميّت، أمّا علي الميّت: فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح، و أمّا علي الوارث: فلعدم الانتقال إليه إلاّ بعد قضاء الدّين عند قوم، و لاشتغاله بتعلّق الدّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه، و قد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدّين مستوعبا، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة و إلاّ فلا.

مسألة 86: قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلاّت و الثمار إلاّ إذا نمت في الملك،

لا ما يبتاع(1) ثمرا، و لا ما يستوهب إجماعا.

و أمّا عامل المساقاة و المزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب و إلاّ فلا عند أكثر علمائنا(2) ، لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

و قال بعض علمائنا: لا زكاة عليه، لأنّه ملكه اجرة(3) ، و ليس بمعتمد.

و أمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضا إن بلغت النصاب إجماعا.

مسألة 87: الواجب في هذه الغلاّت و الثمار العشر
اشارة

إن لم يفتقر سقيه

ص: 149


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: لا ما يباع. و الصحيح ما أثبتناه.
2- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب المساقاة، المسألة 13، و المبسوط 220:3، و ابن إدريس في السرائر: 265 و 268، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 160:2.
3- هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 540 (فصل: في المزارعة و المساقاة).

إلي مئونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج، أو تسقيه الأنهار بغير آلة و إنّما تفيض إليها في زيادتها، أو بحبس الماء عليه، أو يشرب بعلا و هو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي، أو كانت عروقه تصل إلي نهر أو ساقية.

و أمّا ما يفتقر إلي مئونة كالذي يشرب بالدوالي و الدواليب و ما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العشر، و لا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء و الأنهار و العيون أو كان بعلا(1) العشر، و فيما سقي بالسواني و النّضح نصف العشر)(2) و السواني: النواضح و هي الإبل يستقي بها الماء لشرب الأرض(3).

و قال عليه السلام: (فيما سقت العيون أو كان عثريّا العشر، و ما سقي بالنّضح نصف العشر)(4) و العثري: ما تسقيه السماء و هو العذي(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ما كان منه يسقي بالرشاء(6) و الدوالي(7) و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء و السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا»(8).

و لأنّ للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولي.0.

ص: 150


1- البعل: ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب 57:11.
2- سنن أبي داود 108:2-1596، سنن النسائي 41:5، سنن ابن ماجة 581:1-1817، و سنن البيهقي 130:4.
3- انظر: الصحاح 2384:6 «سنا».
4- صحيح البخاري 155:2، و سنن البيهقي 130:4.
5- قاله أبو عبيد. راجع: الأموال: 480، و انظر: لسان العرب 541:4.
6- الرشا: الحبل. و الجمع: أرشية. لسان العرب 322:14.
7- الدوالي، جمع دالية. و هي: الناعورة يديرها الماء. لسان العرب 266:14.
8- التهذيب 13:4-14-34، الاستبصار 14:2-40.
فروع:

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار و السواقي في نقصان الزكاة، لأنّ المئونة تقلّ، و لأنّه من جملة إحياء الأرض، و لا يتكرّر، و لأنّه يجري مجري الكراب(1).

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلي الأرض و يستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلاّ بدولاب و شبهه فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة، لأنّ مقدار الكلفة و قرب الماء و بعده لا يعتبر.

و الضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلي الأرض إلي آلة من دولاب، أو دالية، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج المؤن، و الفرق بينهما باق، إذ تقديم المئونة من الكلفة فلهذا وجب نصف العشر.

مسألة 88: لو سقي بعض المدّة بالسيح، و بعضها بالآلة،
اشارة

فإن تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك فأخذ للسيح نصف العشر، و للدوالي ربع العشر، فتجب ثلاثة أرباع العشر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) ، و لا نعلم فيه خلافا - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل الأرض تكون عندنا تسقي بالدوالي ثم يزيد الماء و تسقي سيحا: «النصف و النصف نصف بنصف العشر و نصف بالعشر»(3).

و لأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

و إن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا، و به قال عطاء و الثوري و أبو

ص: 151


1- كرب الأرض يكربها كربا و كرابا: قلبها للحرث. لسان العرب 714:1-715 «كرب».
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 103، الشرح الصغير 214:1، المنتقي - للباجي - 158:2، المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3، المغني 557:2، الشرح الكبير 563:2.
3- الكافي 514:3-6، التهذيب 16:4-41، الإستبصار 15:2-44.

حنيفة و الشافعي - في أحد القولين - و أحمد في إحدي الروايتين(1).

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الأرض تسقي بالدوالي فتسقي السقية و السقيتان سيحا، فقال: «و كم تسقي السقية و السقيتان سيحا؟» قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، و قد مكث [قبل](2) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر، قال: «نصف العشر»(3).

و لأنّ اعتبار مقدار السقي و عدد مرّاته و قدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ و يتعذّر، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب علي الإنسان كان عدلا و إن ندرت منه المعصية.

و قال الشافعي - في الثاني -: يعتبر قدرهما و تقسّم الزكاة عليهما بالحصّة، فإن كان السيح الثلثان أخذ ثلثا العشر، و كذا إن زاد، لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(4). و الفرق: عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع:

أ - إذا سقي بهما و لم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي، و اخرج من كلّ واحد بالحصة.

ب - لو شرب أحد القراحين(5) سيحا، و الآخر ناضحا ضمّ أحدهما إلي الآخر في النصاب و اخرج من السيحي العشر و من النضحي نصف العشر.

ص: 152


1- بدائع الصنائع 62:2، الهداية للمرغيناني 110:1، اللباب 151:1، المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3، المغني 557:2، الشرح الكبير 563:2.
2- ما بين المعقوفين مثبت من المصدر.
3- الكافي 514:3-6، التهذيب 16:4-17-41، الاستبصار 15:2-16-44
4- المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3.
5- القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر. الصحاح 396:1 «قرح».

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عددا أو نفعا و نموّا؟ الأقرب:

الثاني، لاقتضاء ظاهر النصّ(1) أنّ النظر إلي مدّة عيش الزرع و نمائه أ هو بأحدهما أكثر أو لا.

و يحتمل الأول، لأنّ المئونة تقلّ و تكثر بهما، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلي الإدراك ثمانية أشهر و احتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء و الربيع إلي سقيتين، و في شهرين في الصيف إلي ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء و الثلاث بالنضح، فإن اعتبر العدد وجب نصف العشر.

و علي أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خمسا العشر و ثلاثة أخماس نصف العشر(2).

و إن اعتبر مدّة العيش وجب العشر، لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول، و علي التقسيط يجب ثلاثة أرباع العشر و ربع نصف العشر.

و لو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له و إلاّ فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع علي إحدي السقيتين، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: الاستصحاب(3) ، و علي التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلي ما سقي بذاك في حقّ النصاب و إن اختلف قدر الواجب.

مسألة 89: الزكاة في الغلاّت و الثمار إنّما تجب بعد المئونة
اشارة

كأجرة السقي و العمارة و الحافظ و الحاصد و مصفّي الغلّة و قاطع الثمرة و غير ذلك من المؤن.

ص: 153


1- قوله: لاقتضاء ظاهر النص. إلي آخره. هذا دليل بعض الشافعية أيضا علي الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع، و المراد من النصّ، نصّ الشافعي، لاحظ فتح العزيز 579:5، و المجموع 463:5.
2- راجع: المجموع 463:5-464، و فتح العزيز 579:5.
3- المجموع 464:5، فتح العزيز 580:5.

و قال عطاء(1): إنّ المئونة سبب زيادة المال فيكون علي الجميع كالخرج علي غيره من الأموال المشتركة، و لأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه و إضرار به فيكون منفيّا.

و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: إنّها علي المالك خاصة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد(2) ، لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(4).

و لا يتناول محلّ النزاع، لأنّ العشر فيما يكون نماء و فائدة.

فروع:

أ - الأقرب أنّ المئونة لا تؤثّر في نقصان النصاب و إن أثّرت في نقصان الفرض، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة، و إذا أسقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي.

ب - الأقوي أنّ البذر من المئونة فلا تجب فيه زكاة، و لأنّه لو وجبت لأدّي إلي تثنية الزكاة و تكرّرها في الغلاّت.

ج - ثمن الثمرة من المئونة، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة 90: تجب الزكاة في زرع أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها

بإجماع العلماء.

ص: 154


1- المجموع 467:5.
2- المجموع 467:5 و 532 و 578، مغني المحتاج 386:1، الهداية - للمرغيناني - 110:1، شرح فتح القدير 194:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 101، المغني 570:2، الشرح الكبير 566:2.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 78.
4- الخلاف 67:2، المسألة 78، المبسوط للطوسي 217:1.

أمّا ما فتح عنوة فإنّها للمسلمين و يقبلها الإمام ممّن شاء، فإذا زرعها و أدّي مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع، و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و يحيي الأنصاري و ربيعة و الأوزاعي و مالك و الثوري و المغيرة و الليث و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلي، و ابن المبارك، و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أحمد(1).

لقوله تعالي وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2).

و قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج اللّه منها ما قاطعك عليه، و ليس علي جميع ما أخرج اللّه منها العشر، و إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(4).

و لأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما علي المسلم و لا تنافي بينهما، فجاز اجتماعهما كالكفّارة و القيمة في صيد الحرم المملوك.

و قال أصحاب الرأي: لا عشر في الأرض الخراجية، لقوله عليه السلام: (لا يجتمع العشر و الخراج في أرض مسلم)(5).7.

ص: 155


1- المدوّنة الكبري 345:1، المجموع 535:5، فتح العزيز 566:5 و 543-545، حلية العلماء 86:3، الأموال - لأبي عبيد -: 95، المغني 587:2، الشرح الكبير 576:2.
2- البقرة: 267.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 78.
4- الكافي 513:3-4، التهذيب 36:4-93، الاستبصار 25:2-70.
5- انظر: سنن البيهقي 134:4، و الكامل في ضعفاء الرجال 2710:7.

و لأنّهما حقّان سبباهما متنافيان و لا يجتمعان كزكاة السائمة و التجارة(1).

و الحديث يرويه يحيي بن عنبسة - و هو ضعيف - عن أبي حنيفة، و أيضا الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر، و القياس ضعيف، لأنّ التجارة و زكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج و الزكاة، لأنّ الخراج يجب في الأرض، و الزكاة في الزرع، و المستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك: يقول اللّه تعالي وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(3).

تذنيب: لو ضرب الإمام علي الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنّه كالدّين.

و لو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عشر فيه و ما فيه العشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

و قال بعض الجمهور: يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافيا بالخراج، و به قال عمر بن عبد العزيز(4).

مسألة 91: لو استأجر أرضا فزرعها، فالعشر علي الأجير دون مالك الأرض
اشارة

عند علمائنا، و به قال مالك و الثوري و شريك و ابن المبارك و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(5) ، لأنّه واجب في المزروع فكان علي مالكه.

و قال أبو حنيفة: إنّه علي مالك الأرض، لأنّه من مئونتها فأشبه

ص: 156


1- المبسوط للسرخسي 8:3، بدائع الصنائع 57:2، المغني 587:2، الشرح الكبير 576:2-577، فتح العزيز 566:5، حلية العلماء 86:3.
2- البقرة: 267.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 587:2، و الشرح الكبير 577:2.
4- المغني 588:2، الشرح الكبير 577:2.
5- المدوّنة الكبري 345:1، بداية المجتهد 247:1، المجموع 562:5، فتح العزيز 566:5، حلية العلماء 86:3، الميزان - للشعراني - 7:2، المغني 589:2، الشرح الكبير 575:2.

الخراج(1).

و ليس بجيّد، لأنّه لو كان من مئونة الأرض لوجب فيها و إن لم تزرع كالخراج، و لتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع، و لوجب صرفه إلي مصارف الفيء دون مصرف الزكاة، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإجارة من المئونة يندر(2) كثمن الثمرة.

فروع:

أ - لو استعار أرضا فزرعها فالزكاة علي صاحب الزرع، لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها و أخذ الزرع فالعشر عليه أيضا، لأنّه المالك، و عليه أجرة الأرض و تحسب من المئونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعشر علي من يجب الزرع له، فإن وجب لصاحب الأرض أندر أجرة العامل من المئونة، و إن وجب للعامل أندر أجرة مثل الأرض.

مسألة 92: يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي و إجارتها منه
اشارة

لأدائه إلي إسقاط عشر الخارج منها، فإن باعها من ذمّي أو آجره و كانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعا صحّ البيع و الإجارة، و به قال الثوري و الشافعي و أحمد(3).

و قال مالك: يمنعون من شرائها، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس - و هو رواية عن أحمد(4) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة

ص: 157


1- المبسوط للسرخسي 5:3، اللباب 152:1، بداية المجتهد 247:1، المجموع 562:5، حلية العلماء 86:3، المغني 589:2، الشرح الكبير 575:2.
2- الإندار: الإسقاط. لسان العرب 199:5.
3- المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
4- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3، المبسوط للسرخسي 6:3.

هذه الأرض إضرارا بالفقراء و تقليلا لحقّهم، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العشر. و هذا قول أهل البصرة و أبي يوسف و الحسن و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(1).

و عند علمائنا قريب منه، فإنّهم أوجبوا علي الذمّي الخمس إذا اشتري أرضا من مسلم سواء وجب فيها الخمس كالمفتوحة عنوة أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعا و أرض الصلح.

و قال محمد بن الحسن: العشر بحاله(2).

و قال أبو حنيفة: تصير أرض خراج(3).

و إنّما أوجب أصحابنا الخمس لإجماعهم، و لقول الباقر عليه السلام:

«أيّما ذمي اشتري من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس»(4).

إذا ثبت هذا، فإنّ مستحقّ هذا الخمس علي مقتضي قول علمائنا مستحقّ خمس الغنائم.

و يحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة، و عليه قول من أوجبه من الجمهور، لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها، و نمنع العلّة.

و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج(5).2.

ص: 158


1- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3، المبسوط للسرخسي 6:3.
2- حلية العلماء 87:3، المجموع 560:5-561، المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
3- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المبسوط للسرخسي 6:3، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3.
4- الفقيه 22:2-81، التهذيب 123:4-124-355 و 139-393.
5- المجموع 560:5، حلية العلماء 86:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
فروع:

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتي اشتدّ فإنّه لا عشر عليه، لكفره لا بمعني سقوطها عنه بل بمعني تعذيبه عليها، و لا علي البائع، لانتقالها عنه، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العشر في زرع المكاتب - خلافا لأبي حنيفة(1) - و به قال الشافعي(2) ، هذا إن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ، و لو أدّي تحرّر بقدره، فإن بلغ نصيبه نصابا وجبت، و لم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - و هم نصاري العرب - أرضا من مسلم وجب علي المسلم فيها العشر أو نصف العشر و لا خراج عليه، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العشر.

و قال الشافعي: عليه العشر(3).

و قال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران(4).

فإن اشتري تغلبي من ذمّي أرضا لزمته الجزية كما تلزم الذمّي، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: عليه عشران و هما خراج يؤخذ باسم الصدقة(5).

و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج(6).

ص: 159


1- المبسوط للسرخسي 4:3، المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2، المجموع 330:5، فتح العزيز 519:5، حلية العلماء 8:3.
2- الام 27:2، المجموع 330:5 و 564، الوجيز 90:1، فتح العزيز 519:5، حلية العلماء 8:3.
3- حكي قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 86.
4- حكي قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 86.
5- حكي قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 87.
6- حكي قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 87.
مسألة 93: لو مات و له نخل و عليه دين مستوعب تعلّق الدّين بالنخل،

فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة، لأنّ الدّين - علي ما اخترناه نحن - لا يمنع انتقال الملك إلي الورثة، و الثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدّين بها، فإذا بدا صلاحها وجب العشر أو نصفه، و به قال الشافعي(1) ، و من منع الانتقال جعل الدّين متعلّقا بالثمرة و الأصل معا.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدّين بالأصل و الثمرة معا، و انتقل الملك في الأصول و الثمرة إلي الورثة، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة علي الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم، لأنّ الوجوب حصل في ملكهم، و تعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون و ما حدث من الزيادة في ملك الورثة، فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة، و وجوبها، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين و هي استحقاق جزء من المال فتقدّم علي حقوق الغرماء.

مسألة 94: تضمّ الزروع المتباعدة و الثمار المتفرقة في الحكم

سواء اتّفقت في الإيناع أو اختلفت، و سواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها، و آخر بنجد يبطئ لبرودتها، و بلغا معا خمسة أوسق وجبت الزكاة و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

و لو كان له نخل في بعضها رطب، و في بعضها بسر، و في بعضها طلع، فجذّ الرطب، ثم بلغ البسر فجذّ، ثم بلغ الطلع فجذّ، فإنّه يضمّ بعضها إلي بعض، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد، و إن كانت في نخلة واحدة.

ص: 160


1- المجموع 588:5-589.

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإدراك لم تجب الزكاة غالبا، و قد أجمع المسلمون علي ضمّ ما يدرك إلي ما تأخّر.

و لو كان له نخل بتهامة و أخر بنجد فأثمرت التهامية و جذّت، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلي التهامية.

و لو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين، قال الشيخ: لا يضمّ الثاني إلي الأول، لأنّه في حكم ثمرة سنتين(1) ، و به قال الشافعي(2).

و قيل: تضمّ، لأنّها ثمرة عام واحد(3) ، و هو الأقوي.

و لو كان بعضه يحمل مرة و الباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

و علي قول الشيخ، يضمّ الأول منهما إلي الحمل الواحد، و يكون للثاني حكم نفسه.

مسألة 95: الثمرة إن كانت كلّها جنسا واحدا أخذ منه

سواء كان جيّدا، كالبردي، و هو أجود نخل بالحجاز، أو رديئا كالجعرور و مصران الفأرة، و عذق ابن حبيق، و لا يطالب بغيره.

و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد، و عن الفقراء بأخذ الرديء، و هو قول عامة أهل العلم(4).

و قال مالك و الشافعي: إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط(5).

و الأولي أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

ص: 161


1- المبسوط للطوسي 215:1.
2- المجموع 460:5، فتح العزيز 573:5، المغني 594:2، الشرح الكبير 558:2.
3- القائل هو المحقّق في المعتبر: 268.
4- المغني 571:2، الشرح الكبير 573:2-574، و المجموع 488:5.
5- المغني 571:2، الشرح الكبير 574:2، حلية العلماء 81:3، بداية المجتهد 1: 266، المنتقي - للباجي - 158:2، و انظر: المجموع 488:5-489، و فتح العزيز 581:5.

و لا يجوز إخراج الرديء، لقوله تعالي وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1).

و نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يؤخذ الجعرور و عذق ابن حبيق(2) ، لهذه الآية، و هما ضربان من التمر، أحدهما يصير قشرا علي نوي، و الآخر إذا أثمر صار حشفا(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يترك معافارة(4) و أم جعرور لا يزكّيان»(5).

و لا يجوز أخذ الجيّد عن الرديء، لقوله عليه السلام: (إيّاك و كرائم أموالهم)(6) فإن تطوّع المالك جاز و له ثواب عليه.

و العذق بفتح العين، و قيل: بكسرها(7).

تذنيب: لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

و هل يجوز علي سبيل القيمة ؟ الأقرب ذلك، و يجوز أن يأخذ كلاّ من الرطب و العنب عن مثله.

مسألة 96: يجوز الخرص علي أرباب الغلاّت و الثمار
اشارة

بأن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرّف المالك ذلك، و به قال الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و أحمد و أبو

ص: 162


1- البقرة: 267.
2- سنن أبي داود 110:2-111-1607، و سنن الدارقطني 131:2 ذيل الحديث 11.
3- الحشف من التمر: ما لم ينو، فإذا يبس صلب و فسد. لسان العرب 47:9 «حشف».
4- معافارة: ضرب رديء من التمر. مجمع البحرين 409:3 «عفر».
5- الكافي 514:3-7، و التهذيب 18:4-47.
6- سنن أبي داود 104:2-1584، سنن النسائي 55:5، و مسند أحمد 233:1.
7- العذق، بالفتح: النخلة. و بالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية - لابن الأثير - 199:3.

عبيد و أبو ثور و أكثر العلماء(1) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبعث إلي الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم(2).

و قال الشعبي: الخرص بدعة(3).

و قال أصحاب الرأي: أنّه ظنّ و تخمين لا يلزم به حكم، و إنّما كان الخرص تخويفا للأكرة(4) لئلاّ يخونوا، فأمّا أن يلزم به حكم فلا(5).

و نمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة و إدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع:

أ - وقت الخرص حين بدوّ الصلاح، لأنّه عليه السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه(6).

و لأنّ فائدته معرفة الزكاة و إطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها، و الحاجة إنّما تدعو إلي ذلك حين بدوّ الصلاح، و تجب الزكاة فيه.

ب - محلّ الخرص: النخل و الكرم، أمّا الغلاّت فقول الشيخ يعطي جوازه، فإنّه قال: يجوز الخرص في الغلاّت(7) ، لوجود المقتضي و هو

ص: 163


1- المنتقي - للباجي - 159:2، الشرح الصغير 216:1، المجموع 478:5، حلية العلماء 78:3، المغني 564:2-565، الشرح الكبير 568:2.
2- انظر علي سبيل المثال: سنن الترمذي 36:3-644، و سنن ابن ماجة 582:1-1819.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 565:2، و الشرح الكبير 568:2.
4- أكرة: جمع أكّار: الفلاّح. الصحاح 580:2، القاموس المحيط 365:1 «أكر».
5- المغني 565:2، الشرح الكبير 568:2، بداية المجتهد 266:1، حلية العلماء 79:3.
6- راجع: سنن أبي داود 110:2-1606.
7- الخلاف 60:2، المسألة 73.

الاحتياج إلي الأكل منه كالفريك(1) و غيره.

و منع عطاء و الزهري و مالك و أحمد، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه(2).

ج - صفة الخرص - إن كان نوعا واحدا - أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة و ينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا، ثم يقدّر ما يجيء منه تمرا، و إن كان أنواعا خرص كلّ نوع علي حدته، لأنّ الأنواع تختلف، فمنها ما يكثر رطبه و يقلّ تمره، و منها بالعكس، و كذا العنب يختلف، و لأنّه يحتاج إلي معرفة كلّ نوع حتي يخرج عشرة.

مسألة 97: إذا خرص الخارص خيّر المالك

بين أن يضمن الحصّة للفقراء، و يسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل و بيع و غير ذلك، و بين إبقائه أمانة إلاّ أنّه لا يجوز له التصرف في شيء منه بأكل أو بيع، و بين أن يضمن الخارص حصّة المالك، لأنّ عبد اللّه بن رواحة خرص علي أهل خيبر، و قال:

إن شئتم فلكم و إن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه(3).

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص، و إن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف، و الفرق: أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي، و لهذا لو أتلف أضحيته المعيّنة ضمن أضحية مكانها، و إن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

و لو تلفت بجائحة(4) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص و الضمان عن المتعهد إجماعا، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة، و يقبل قول المالك لو

ص: 164


1- أفرك السنبل. أي: صار فريكا، و هو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب 473:10 «فرك».
2- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2، المنتقي - للباجي - 159:2، الشرح الصغير 216:1.
3- سنن الدارقطني 133:2-23، و سنن البيهقي 123:4.
4- الجائحة: كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب 431:2 «جوح».

ادّعي التلف بغير تفريط.

مسألة 98: لو لم يضمن المالك و لا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانة جاز،

فإذا حفظها إلي وقت الإخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها علي سبيل الأمانة، و سواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة.

و قال مالك: يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة، لأنّ الحكم انتقل إلي ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال(2).

و يمنع الانتقال، و إنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة و لم يعلم قدرها، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة 99: يجزي الخارص الواحد

- و به قال مالك و أحمد(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبعث عبد اللّه بن رواحة فيخرص وحده(4) ، و لأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و في الثاني: لا بدّ من اثنين، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله بعث مع عبد اللّه بن رواحة غيره(6) ، و لأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوّمين(7).

ص: 165


1- فتح العزيز 588:5، المغني 567:2، الشرح الكبير 569:2.
2- المنتقي - للباجي - 162:2، المغني 567:2، الشرح الكبير 569:2.
3- المنتقي - للباجي - 160:2، الشرح الصغير 217:1، المغني 566:2، الشرح الكبير 569:2، حلية العلماء 79:3.
4- سنن أبي داود 110:2-1606، سنن ابن ماجة 582:1-1820.
5- المجموع 479:5، فتح العزيز 586:5، حلية العلماء 79:3.
6- نقله في الأم 34:2.
7- الام 34:2، المجموع 480:5، فتح العزيز 586:5، حلية العلماء 79:3.

و إنفاذ غيره معه لا يدلّ علي أنّه خارص، و يحتمل أن يكون معينا و كاتبا، و لأنّه جائز عندنا، و الكلام في الوجوب، و يخالف الخارص المقوّمين، لأنّهم ينقلون ذلك إلي الحاكم فافتقر إلي العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

و له قول ثالث: إن كان الخرص علي صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين(1).

إذا ثبت هذا، فيشترط في الخارص الأمانة و المعرفة إجماعا، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة 100: و علي الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه

من أكل أضيافه و إطعام جيرانه و أصدقائه و سؤّاله - المستحقّين للزكاة - و يحسبه منها، و ما يتناثر من الثمرة و يتساقط و ينتابه الطير، و يأكل منها المارّة، فلو استوفي الكلّ أضرّ بالمالك.

و قد روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (خفّفوا علي الناس فإنّ في المال العريّة و الواطية و الآكلة)(2).

و العرية: النخلة و النخلات تهب إنسانا ثمرتها(3). و قد قال عليه السلام: (ليس في العرايا صدقة)(4).

و الواطية: السابلة. سمّوا به، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين(5).

و الآكلة: أرباب الثمار و أهلهم(6) ، و قال عليه السلام: (إذا خرصتم

ص: 166


1- المجموع 480:5، فتح العزيز 587:5.
2- سنن البيهقي 124:4.
3- راجع: الأموال - لأبي عبيد -: 488، و الصحاح 2423:6 «عرا».
4- الأموال - لأبي عبيد -: 487-1451، سنن البيهقي 124:4.
5- راجع: الأموال - لأبي عبيد -: 487، و النهاية - لابن الأثير - 200:5.
6- راجع أيضا: الأموال - لأبي عبيد -: 488.

فخذوا و دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)(1).

و تأوّل الشافعي ذلك بأمرين:

أحدهما: إذا خرصتم فدعوا لهم الثلث أو الربع ليفرّقوه بأنفسهم علي جيرانهم و من يسألهم و يتبعهم.

و الثاني: إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه، و يضمنوا حقّه بقدر ما يجيء من الباقي(2).

مسألة 101: يخرص الخارص الجميع،

لإطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر، و هو الجديد للشافعي، و في القديم: يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو و أهله، و يختلف ذلك بقلّة العيال و كثرتهم(3).

و الوجه: المنع، لتعلّق حقّ الفقراء.

و قال أحمد: لا يحتسب علي المالك ما يأكله بالمعروف(4).

و ليس بجيّد، لأنّ الفقراء شركاء، نعم لو قلّ جدّا لم يحتسب، لعسر الاحتراز منه.

مسألة 102: لو ادّعي المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين،

و به قال أحمد(5).

و قال الشافعي: لا بدّ من اليمين(6) ، و سيأتي.

ص: 167


1- مصنّف ابن أبي شيبة 194:3، سنن الترمذي 35:3-643، سنن أبي داود 110:2-1605، سنن النسائي 42:5، سنن البيهقي 123:4.
2- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
3- المجموع 479:5، فتح العزيز 585:5، مغني المحتاج 387:1.
4- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2.
5- المغني 567:2، الشرح الكبير 570:2.
6- المجموع 486:5، فتح العزيز 591:5.

و إن ادّعي غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

و هل يحطّ القدر المحتمل ؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه و من ادّعاء القليل ضمنا، و للشافعيّة وجهان(1).

و لو ادّعي تعمّد الإجحاف لم يلتفت إلي قوله كما لو ادّعي الكذب علي الشاهد، و الجور علي الحاكم.

و لو قال: أخذت كذا و بقي كذا و لا أعلم غير ذلك، قبل قوله و إن كان ممّا لا يقع غلطا في الخرص، لأنّه لم يضف ذلك إلي خطأ الخارص.

مسألة 103: لو لم يخرج الإمام خارصا فاحتاج ربّ المال إلي التصرّف في الثمرة

فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك، و لو خرص هو و أخذ بقدر ذلك جاز أيضا، و يحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [له](2) أخذه، و لو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئا و إن قلّ - خلافا لأحمد(3) - إن كان بعد بدوّ الصلاح، و يجوز قبله.

مسألة 104: لو ادّعي المالك التلف أو تلف البعض قبل قوله بغير يمين،

لأنّه حقّ للّه تعالي فلا يمين فيه كالصلاة و الحدّ - خلافا للشافعي(4) - سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد، أو خفي كالسرقة، إلاّ أن يعلم كذبه، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه، لقوله عليه السلام للساعي: (قل لهم: هل للّه في مالكم حقّ؟).

و قال الشافعي: إن ادّعي سببا ظاهرا افتقر إلي البيّنة، لأنّه مدّع(5).

ص: 168


1- المجموع 486:5، فتح العزيز 591:5-592.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2.
4- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 485:5، فتح العزيز 591:5، حلية العلماء 79:3-80.
5- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 485:5، فتح العزيز 591:5، حلية العلماء 79:3-80.

و تجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله و كان الباقي نصابا، و لو كان بعد بدوّ الصلاح و قصر الباقي عن النصاب وجبت أيضا لو بلغ مع التالف، خلافا لبعض الجمهور حيث قال: إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد(1).

و لو ادّعي أنّها سرقت بعد نقلها إلي البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء و إلاّ فلا.

مسألة 105: لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة

إجماعا، و كذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا، لعدم المقتضي و أصالة البراءة، و به قال الشافعي(2).

و قال أحمد و مالك: إن فعله فرارا وجبت الزكاة(3) ، و ليس بجيّد.

و كذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فرارا، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حليّا و غيره.

مسألة 106: لو احتاج إلي قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلاّ تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع

إجماعا، لأنّ الزكاة تجب علي طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به و يهلك أصل ماله، و لأنّ في حفظ الأصول حظّا للفقراء لتكرّر حقّهم.

و لا يضمن المالك خرصها، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بسرا أو رطبا، و له بيع الجميع، و يأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن، و لو كفي تجفيف الثمرة جفّفها و أخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

و هل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة ؟ الوجه ذلك، لأنّ الزكاة

ص: 169


1- المغني 561:2، الشرح الكبير 564:2.
2- المجموع 484:5، فتح العزيز 589:5.
3- المغني 564:2، الشرح الكبير 564:2.

وجبت مواساة فلا يجوز تفويت مصلحته(1) بسببها فيقاسم.

و في قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة، و من عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

و منع الشافعي من قطعها مطلقا بدون إذن الساعي(2).

و لو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

و قال بعض الجمهور: إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابسا(3) ، و هو رواية عن أحمد(4) ، و ليس بمعتمد.

مسألة 107: يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ و بعده،

و هو أحد قولي الشافعي، لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

و في الثاني: لا تجوز علي رءوس النخل بناء علي أنّ القسمة بيع(5) ، و هو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عشرها مشاعا إلي الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء و إن ملكوا جزءا من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

و يجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره، أو يبيعا(6) جميعا و يقتسما الثمن، و إذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص و يأخذ نصيبهم نخلات منفردة و يأخذ ثمرها.

ص: 170


1- في نسخة «ط»: مصلحة.
2- المجموع 472:5، فتح العزيز 592:5.
3- و هو قول أبي بكر.. من فقهاء الحنابلة. راجع: المغني 571:2، و الشرح الكبير 567:2.
4- المغني 571:2، الشرح الكبير 567:2.
5- المجموع 473:5، فتح العزيز 592:5.
6- أي: يبيع الساعي و صاحب الثمرة.

و لو قطعها المالك جاز قسمتها كيلا أو وزنا، و للشافعي قولان:

أحدهما: المنع، لاشتماله علي الربا، بل يأخذ الساعي العشر مشاعا و يبيعه(1).

و هو ممنوع، للتعديل، و لأنّ للمالك أن يدفع إلي الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة 108: إذا خرص الخارص و ضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء

من أكل و بيع و غير ذلك، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عشرها بسرا، و إن كان لا لحاجة فكذلك.

و قال الشافعي: يأخذ عشرها تمرا، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلي إدراكها، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش(2). و اختاره الشيخ في المبسوط(3).

و أمّا طلع الفحال فلا شيء فيه إجماعا، لأنّه لا يجيء منه شيء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

و إذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطبا ضمن الزكاة بحكم الخرص تمرا، و إن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه، و لا يمين عندنا - خلافا للشافعي(4) - و يضمن الحصة رطبا، لأنّه الواجب عليه و المالك يضمن الزكاة بالمثل، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر:

يضمن قيمة الرطب، لأنّ الرطب لا مثل له(5) ، و هو ممنوع.

ص: 171


1- المجموع 473:5-474، فتح العزيز 593:5، حلية العلماء 82:3.
2- المجموع 475:5-476.
3- المبسوط - للطوسي - 217:1.
4- الام 32:2.
5- المجموع 471:5-472 و 484، فتح العزيز 589:5.

و حكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة 109: يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص و بعده

بالبيع و الهبة و غيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء، فإذا باع كانت الصدقة عليه، و كذا لو وهبها - و به قال الحسن و مالك و الثوري و الأوزاعي(1) - لأنّها كانت واجبة عليه، و لأنّ الزكاة في العين.

و لو شرطها علي المشتري جاز - و به قال الليث(2) - لأنّه شرط سائغ، و لأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلي المشتري فتجب علي المشتري عملا بالشرط.

و لو لم يضمن البائع الزكاة و لا شرطها علي المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة، لأنّه تصرف في مال الغير، و بطلان البيع في قدر نصيب الفقراء، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلاّت و ليس كذلك
مسألة 110: لا زكاة في شيء من الثمار و الغلاّت إلاّ في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير

عند علمائنا أجمع، و هو رواية عن أحمد، و به قال ابن عمر و موسي بن طلحة و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح بن حي و ابن أبي ليلي و ابن المبارك و أبو عبيد(3).

ص: 172


1- المغني 563:2، الشرح الكبير 565:2، المنتقي - للباجي - 159:2.
2- المغني 563:2، الشرح الكبير 565:2.
3- المجموع 456:5، المغني 548:2، الشرح الكبير 549:2، بداية المجتهد 253:1، الأموال - لأبي عبيد -: 472-473 و 478.

لقول عبد اللّه بن عمر: إنّما سنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب(1).

و بعث(2) أبا موسي و معاذا إلي اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلاّ من هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلاّ أربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب»(4).

و قول الصادق عليه السلام: «وضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الزكاة علي تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و عفا عمّا سوي ذلك»(5).

و لأنّ ما عدا هذه الغلاّت لا نصّ فيها و لا إجماع، و لا هي في معناها في غلبة «الاقتيات»(6) بها و كثرة نفعها و وجودها، فلا يصح قياسه عليها، و لا إلحاقه بها فبقي الأصل، و خالف جماعة من الجمهور في ذلك(7) ، و نحن نذكره في مسائل:

مسألة 111: لا زكاة في الحبوب

غير ما قلناه عند علمائنا، و ذهب

ص: 173


1- سنن الدارقطني 94:2-1.
2- أي: بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.
3- سنن الدارقطني 98:2-15، سنن البيهقي 125:4، المستدرك - للحاكم - 401:1.
4- التهذيب 19:4-50.
5- الكافي 510:3-3، التهذيب 5:4-11، الاستبصار 5:2-11.
6- ورد في الطبعة الحجرية و النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: الأصناف. و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
7- راجع: المجموع 456:5، و المغني و الشرح الكبير 548:2، و بداية المجتهد 1: 253.

الشافعي و مالك إلي أنّه ليس فيما عدا النخل و الكرم من الشجر زكاة، و أمّا الحبوب فلا تجب إلاّ فيما يصان و يدّخر(1).

و قال أبو حنيفة: تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلاّ الحطب و القصب و الحشيش(2).

و قال أبو يوسف و محمد: تجب في الحبوب و الثمار الباقية(3).

و قال أحمد: تجب في جميع الثمار و الحبوب التي تكال و تدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه - و أوجب الزكاة من اللوز دون الجوز، لأنّ اللوز يكال(4) - لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء.. العشر)(5).

و هو معارض بقوله عليه السلام: (ليس في الخضراوات صدقة)(6) و لأنّه أعم، و لأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة 112: لا زكاة في الزيتون

عند علمائنا أجمع - و هو الجديد

ص: 174


1- المجموع 456:5، المغني 548:2، حلية العلماء 72:3، بداية المجتهد 253:1، المدونة الكبري 294:1، المنتقي - للباجي - 164:2.
2- بدائع الصنائع 58:2، اللباب 150:1، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3، بداية المجتهد 253:1، المغني و الشرح الكبير 549:2، الميزان - للشعراني - 6:2
3- بدائع الصنائع 59:2، اللباب 150:1، المغني و الشرح الكبير 548:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3.
4- المغني و الشرح الكبير 548:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3، الميزان - للشعراني - 6:2.
5- صحيح البخاري 156:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن الترمذي 31:3-639، سنن ابن ماجة 580:1-1816، سنن الدارقطني 97:2-9، سنن البيهقي 129:4، المستدرك - للحاكم - 401:1.
6- سنن الدارقطني 95:2-96-3-6 و 97-10، مصنّف عبد الرزاق 119:4-7185.

للشافعي، و قول ابن أبي ليلي و الحسن بن صالح و أبي عبيد و أحمد في رواية(1) - لأنّه لا يدّخر يابسا فأشبه الخضراوات، و لأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار، و لأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولي.

و قال في القديم: تجب فيه الزكاة، و به قال الزهري و الأوزاعي و مالك و الليث و الثوري و أبو ثور و أحمد - في رواية - و أصحاب الرأي(2) ، لقوله تعالي:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (3) في سياق وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ (4).

و لا حجّة فيه، لأنّها لم يرد بها الزكاة، لنزولها(5) بمكة، و الزكاة فرضت بالمدينة، و لهذا ذكر الرمان و لا زكاة فيه.

و الموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق(6).

و الذي يطلب زيته كالشامي و المدقوقي يخرج عشره زيتونا أو زيتا، و ما لا يطلب زيته، بل يؤكل أدما كالبغدادي يخرج عشرة إذا بدا صلاحه، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة 113: لا زكاة في الورس

عند علمائنا أجمع - و هو قول الشافعي في الجديد و أحمد - لأنّه ليس بمقتات.

و في القديم: تجب فيه - و هو رواية عن أحمد - و لا يوسق بل يجب من

ص: 175


1- المهذب للشيرازي 160:1، المجموع 456:5، فتح العزيز 561:5، حلية العلماء 73:3، بداية المجتهد 245:1، المغني و الشرح الكبير 552:2.
2- المهذب للشيرازي 160:1، فتح العزيز 561:5-562، حلية العلماء 73:3، الميزان - للشعراني - 6:2، المدونة الكبري 294:1، بداية المجتهد 254:1، المغني و الشرح الكبير 552:2.
3- الأنعام: 141.
4- الأنعام: 141.
5- يقصد بالضمير في (لأنها) و (بها) و (لنزولها) الآية.
6- المغني 552:2 و 555، الشرح الكبير 553:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3.

قليله و كثيرة، لأنّ أبا بكر بعث إلي بني خفّاش أن أدّوا زكاة الذرة و الورس(1) ، و جاز أن يكون عن اجتهاد.

و كذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر و الخطمي و الأشنان و السعتر و الآس، لأنّه ليس بمنصوص و لا في معناه.

مسألة 114: لا زكاة في الأزهار كالزعفران و العصفر و القطن

عند علمائنا أجمع - و هو قول أحمد في رواية(2) - للأصل، و لأنّه ليس بحبّ و لا تمر فأشبه الخضراوات.

و لقول علي عليه السلام: «ليس في الفاكهة و البقل و التوابل(3) و الزعفران زكاة»(4).

و للشافعي قولان في الزعفران: الوجوب و عدمه(5).

و أما القرطم - و هو حبّ العصفر - فلا زكاة فيه عندنا - و هو الجديد للشافعي(6) - لأنّه ليس بمقتات، و لأنّ السّمسم لا تجب فيه الزكاة و دهنه أنفع فهذا أولي.

و في القديم: تجب و تعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران، لحديث أبي بكر(7). و لا حجّة فيه، و حكي عن أحمد أنّ في القطن زكاة(8).

ص: 176


1- المهذب - للشيرازي - 160:1، المجموع 455:5، فتح العزيز 562:5، حلية العلماء 73:3، المغني 551:2، الشرح الكبير 550:2-551، و انظر: سنن البيهقي 126:4.
2- المغني و الشرح الكبير 551:2.
3- التوابل: جمع، واحدها: تابل. و تبل القدر: جعل فيه التابل. و التابل: أبزار الطعام. القاموس المحيط 340:3 «تبل».
4- أورده ابن قدامة في الشرح الكبير 551:2.
5- المجموع 455:5، فتح العزيز 562:5، حلية العلماء 73:3.
6- المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
7- المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
8- المغني و الشرح الكبير 551:2.
مسألة 115: العسل لا زكاة فيه

عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و ابن أبي ليلي و الحسن بن صالح بن حي و ابن المنذر(1) - للأصل، و الأحاديث الدالّة علي نفي الزكاة عن غير التسعة، و لأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

و قال عمر بن عبد العزيز و مكحول و الزهري و سليمان بن موسي و الأوزاعي و أحمد و إسحاق: تجب فيه بكلّ حال(2) ، لأنّ عمرو بن شعيب روي عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها(3).

و قال أبو سيّارة: يا رسول اللّه إنّ لي نحلا، قال صلّي اللّه عليه و آله:

(أدّ العشر) قال: فاحم إذن جبلها. فحماه له(4).

و لا حجّة فيه، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خمسا و نصفه لنفسه عليه السلام.

و قال أبو حنيفة: إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العشر، لأنّ العشر و الخراج لا يجتمعان(5).

و لا حجّة فيه علينا بل علي أحمد.

ص: 177


1- المنتقي - للباجي - 172:2، المهذب - للشيرازي - 160:1، المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 73:3-74، المغني 572:2، الشرح الكبير 579:2.
2- المغني 572:2، الشرح الكبير 579:2، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
3- الأموال - لأبي عبيد -: 496-1489.
4- الأموال - لأبي عبيد -: 496-1488، سنن ابن ماجة 584:1-1823، سنن البيهقي 126:4، و انظر: المغني 573:2، و الشرح الكبير 580:2.
5- بدائع الصنائع 62:2، اللباب 152:1، المغني 573:2، الشرح الكبير 579:2 و 580، الميزان - للشعراني - 6:2، حلية العلماء 74:3.

و اختلف الموجبون، فقال أبو يوسف و محمد: نصابه خمسة أوساق(1) ، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(2).

و قال أبو حنيفة: تجب في قليله و كثيره، بناء علي أصله في الحبوب و الثمار(3).

و قال أحمد: نصابه عشرة أفراق، و الفرق ستّة عشر رطلا بالعراقي، و هو قول الزهري، لقول عمر: إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقا حميناها لكم(4) ، و لا حجّة فيه.

مسألة 116: قال الشيخ: العلس نوع من الحنطة، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة

حينئذ، و يضمّ إلي نصاب الحنطة لو قصر إلاّ به(5).

و أمّا السّلت، فقال: إنّه شعير، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذ(6).

و قال بعض الشافعية: بل يضمّ إلي الحنطة، لأنّه علي طبعها(7).

و قال آخرون: إنّه أصل بنفسه(8).

ص: 178


1- المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
2- صحيح مسلم 673:2-979، صحيح البخاري 147:2، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن الترمذي 22:3-626، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن النسائي 17:5.
3- بدائع الصنائع 62:2، اللباب 152:1، الميزان - للشعراني - 6:2، المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
4- المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
5- المبسوط - للطوسي - 217:1.
6- الخلاف 65:2، المسألة 77.
7- المجموع 510:5.
8- المجموع 509:5.

و للشافعي قولان: الضمّ إلي الشعير، و عدم ضمّه مطلقا(1) ، و هو الأقرب عندي.

و جعل الشافعي نصاب العلس عشرة أوسق لأجل قشره(2).

مسألة 117: لا شيء في الأرز عندنا، و لا في غيره من الحبوب سوي الحنطة و الشعير،

سواء كان من القطنيّات التي تقطن في البيت و هي اللوبيا و العدس و الماش و الحمّص و الباقلاء و الهرطمان، أو من الأبازير(3) كالكسفرة و الكمّون، أو البزور كبزر الكتّان و القثّاء و الخيار، أو حبّ البقول كالرشاد، و حبّ الفجل و القرطم و السّمسم و سائر الحبوب - خلافا لأحمد(4) - للأصل.

و قال الشافعي: لا تجب الزكاة في الزرع إلاّ أن يكون ممّا ييبس و يدّخر و يقتات و ينبته الآدميون و هي القطنيّة إذا بلغ كلّ منها نصابا، و لا يضمّ بعضها إلي بعض(5).

و اختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ(6).

و جعل الشافعي نصاب الأرز عشرة أوسق لأجل قشره(7).

و قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلاّ الحطب و القصب و الحشيش(8).

ص: 179


1- المجموع 509:5-510، فتح العزيز 570:5.
2- المجموع 503:5، فتح العزيز 569:5.
3- الأبازير جمع الجمع ل (أبزار) واحدها: بزر. بمعني: التابل. و هو ما يتطيّب به الطعام. لسان العرب 56:4 «بزر».
4- المغني و الشرح الكبير 548:2.
5- المهذب للشيرازي 163:1، المجموع 496:5، حلية العلماء 83:3.
6- المغني 591:2، الشرح الكبير 559:2.
7- المجموع 504:5، مغني المحتاج 383:1.
8- بدائع الصنائع 58:2، اللباب 150:1، المغني و الشرح الكبير 549:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 84:3، بداية المجتهد 253:1.

و أمّا الخضراوات فلا صدقة فيها إجماعا، لقوله عليه السلام: (ليس في الخضراوات صدقة)(1).

مسألة 118: و لا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلاّ بأخذه

كالبطم و العفص و الزعبل و هو شعير الجبل، و بزر قطونا، و بزر البقلة، و بزر الأشنان إجماعا إلاّ عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه(2).

المطلب الرابع في اللواحق
مسألة 119: يشترط بقاء عين النصاب طول الحول،

فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه، و سواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة، و به قال الشافعي(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(4).

و لأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله علي غيره كالجنسين.

و قال الشيخ: إن بادل بجنسه بني علي حوله، و إن كان من غير جنسه استأنف مطلقا(5) ، و له قول آخر: إن بادل بالجنس أو بغيره فرارا وجبت و إلاّ

ص: 180


1- سنن الدارقطني 95:2-1 و 96-4-6.
2- المغني 551:2، الشرح الكبير 561:2.
3- الام 24:2-25، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 361:5، فتح العزيز 489:5، حلية العلماء 26:3.
4- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الترمذي 25:3-631، سنن الدارقطني 90:2-91-5، و سنن البيهقي 95:4.
5- المبسوط للطوسي 206:1.

فلا(1).

و بأوّلهما قال مالك، إلاّ أنّه فصّل، فقال في غير الحيوان بذلك، و في الحيوان روايتان، و إن أبدل الحيوان بالأثمان لم يبن علي حوله(2).

و قال أبو حنيفة في الماشية كقولنا، و في الذهب و الفضّة يبني حول أحدهما علي الآخر(3).

و قال أحمد: يبني حول الجنس علي جنسه من الحيوان، و لا يبني علي غير جنسه منه، و يبني حول الفضّة علي الذهب إذا بادل به، لأنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول فيبني حول بدله من جنسه علي حوله كالعروض، و لأنّهما مالان زكاتهما واحدة فيبني حول أحدهما علي الآخر كعروض التجارة، و لأنّ التهمة تلحقه في الفرار من الزكاة، لأنّ الفرض بالجنس الواحد لا يختلف(4).

و نمنع ضمّ النماء، و الزكاة في التجارة تتعلّق بالقيمة و هو جنس واحد، و الفرار لا اعتبار به لما يأتي، و الجنسان لا يضمّ أحدهما إلي الآخر مع وجودهما فأولي أن لا يبني حول أحدهما علي الآخر.

مسألة 120: إذا نقص النصاب قبل الحول بطل الحول
اشارة

سواء نقص لحاجته إلي نقصه أو قصد بإتلافه الفرار من الزكاة، و سواء تلف البعض أو أبدله بغير جنسه أو بجنسه، و سواء كان الإبدال أو الإتلاف عند قرب الوجوب أو في

ص: 181


1- نسبه الي جمل الشيخ الطوسي أيضا، السيد العاملي في مدارك الأحكام 74:5 و لم نجده.
2- المدونة الكبري 321:1-322، بداية المجتهد 272:1، الشرح الصغير 207:1، فتح العزيز 490:5، حلية العلماء 26:3، الميزان - للشعراني - 3:2.
3- بدائع الصنائع 15:2، المبسوط - للسرخسي - 166:2، فتح العزيز 490:5، المغني 533:2، الشرح الكبير 469:2، حلية العلماء 26:3، الميزان - للشعراني - 3:2.
4- المغني 533:2، الشرح الكبير 468:2، فتح العزيز 490:5، حلية العلماء 26:3.

أول الحول، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه قبل تمام حوله فوجب أن ينقطع حوله، و لا تجب الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.

و قال مالك و أحمد: إن أتلف جزءا أو أبدل عند قرب الوجوب فرارا لتسقط الزكاة لم تسقط و وجبت عليه الزكاة التي كانت تجب قبل الفرار، لقوله تعالي إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. وَ لا يَسْتَثْنُونَ. فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ.

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (2) عاقبهم اللّه تعالي بذلك لفرارهم من الصدقة.

و لأنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته(3).

و الآية قيل: إنّما كان لأنّهم لم يستثنوا بقولهم: إن شاء اللّه(4) ، و الفرق في المطلّقة ظاهر، لتعلّق حقّها بماله في حالة المرض، و الفقراء لم يتعلّق حقّهم به إلاّ بحؤول الحول.

فروع:

أ - إذا حال الحول أخرج الزكاة في المعاوضة - علي رأي الشيخ - من جنس المبيع دون الموجود، لأنّه الذي وجبت الزكاة بسببه.

ب - قال في الخلاف: إذا كان معه نصاب من جنس ففرّقه في أجناس

ص: 182


1- الام 24:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 361:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3، بدائع الصنائع 51:2-52، المغني 534:2، الشرح الكبير 465:2.
2- القلم: 17-20.
3- الشرح الصغير 213:1، المغني 534:2، الشرح الكبير 465:2، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3.
4- انظر: مجمع البيان 336:5.

مختلفة فرارا من الزكاة لزمته إذا حال الحول علي أشهر الروايات، لأنّ إسحاق ابن عمار سأل الكاظم عليه السلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة ؟ فقال: «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» قلت: لم يفرّ بها، ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال: «ليس عليه زكاة» قلت: لا يكسر الدراهم علي الدنانير و لا الدنانير علي الدراهم ؟ قال: «لا»(1).

ج - لو سبك الذهب و الفضة أو اتّخذهما حليّا فرارا من الزكاة قبل الحول سقطت، و بعده لا تسقط.

و قال الشيخ: تجب في الأول(2) ، و قد تقدّم(3).

د - لو كان البيع فاسدا لم ينقطع حول الزكاة في النصاب، و بني علي حول الأول، لأنّ الملك لم ينتقل فيه، ثم إن تمكّن من استرداده وجبت الزكاة و إلاّ فكالمغصوب.

ه - لو باع غنمه بضعفها كان عليه زكاة الأصل إن أوجبناها.

و قال أحمد: يزكّي الجميع، لأنّ نماءها معها(4).

و لو باع النصاب بنصفه كمائتين يبيعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها.

و - لو لم يقصد الفرار بالمبادلة انقطع حول الأول عند أكثر القائلين بالوجوب، و استأنف بما استبدل به حولا إن كان محلّلا للزكاة.

و يكره الفرار قبل الحول إجماعا، لما فيه من التوصّل إلي ترك المواساة و إعانة الفقراء المطلوبة شرعا.

مسألة 121: لو بادل نصابا بمثله في الأثناء، فإن كانت صحيحة زال

ص: 183


1- التهذيب 94:4-270، الاستبصار 40:2-122، و الخلاف 57:2، المسألة 66.
2- المبسوط 210:1.
3- تقدم في الفرع (و) من المسألة 71.
4- المغني 533:2، الشرح الكبير 469:2.

ملكه عن النصاب و انقطع الحول، فإذا وجد بما وصل إليه عيبا(1) فإن كان قبل الحول ردّه و استرجع ماله، و استأنف به الحول، لتجدّد ملكه، و لهذا لا يستحق نماءه الحاصل في يد مشتريه.

و إن وجده بعد الحول قبل الأداء لم يكن له الردّ لتعلّق الزكاة بالعين و الشركة عيب، و به قال الشافعي علي تقديري وجوبها في العين أو الذمة(2) ، لأنّ قدر الزكاة مرهون فلا يملك الردّ كما لو اشتري شيئا ثم رهنه ثم وجد به عيبا لم يكن له الردّ، أو اشتري عبدا فجني لم يكن له الردّ، و ليس له الرجوع بأرش العيب، لأنّه لم ييأس من الردّ.

و إن كان بعد الأداء من الغير فله الردّ، لبقاء المبيع بحاله، و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: منع الرد، لأنّ الزكاة استحقاق جزء من العين، لزوال ملكه عنه و رجوعه إليه(3).

و إن أخرج من العين لم يكن له الردّ، لتفريق الصفقة علي البائع، و للشافعي قولان(4).

فعلي التفريق يردّ ما بقي، و يسقط من الثمن بقدر الشاة المأخوذة فيقوّم و يقوّم ما بقي و يبسط الثمن عليهما.

قال الشيخ: و لا أرش له، لأنّه قد تصرّف فيه(5) ، و ليس بجيّد، لأنّ التصرّف يسقط الردّ لا الأرش.

فإن اختلفا في الشاة المفقودة، فقولان: تقديم المشتري، لأنّ الشاة تلفت في ملكه فكان منكرا، و تقديم البائع، لأنّه يجري مجري الغارم لأنّه إذا1.

ص: 184


1- في نسختي «ف ط»: عيب.
2- الام 24:2، المجموع 362:5، فتح العزيز 490:5، مغني المحتاج 379:1.
3- المجموع 362:5، فتح العزيز 491:5.
4- المجموع 363:5، فتح العزيز 491:5.
5- المبسوط - للطوسي - 207:1.

كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه، فإذا قلّت كثر.

و علي عدم التفريق كان له الرجوع بالأرش، و هو مذهبنا إلاّ أنّه جعل له ذلك إن أيس من الردّ، و إن لم ييأس لم يكن له الأرش.

مسألة 122: الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة

بالبيع و الهبة و أنواع التصرفات، و ليس للساعي فسخ البيع و لا شيء من ذلك، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه، و تعلّق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا، لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية.

و لأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيه فإنّ له إسقاط حقّهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختيارا بدفع غيره.

إذا ثبت هذا، فإن أخرج الزكاة من غيره و إلاّ كلّف إخراجها، و إن لم يكن متمكنا فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة و تؤخذ منه و يرجع المشتري عليه بقدرها، لأنّ علي الفقراء إضرارا في إتمام البيع و تفويتا لحقّهم فوجب فسخه، ثم يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) ، إلاّ أنّ أحمد قال: إذا عجز عن أداء الزكاة بقيت في ذمته كسائر الديون، و لا تؤخذ من النصاب.

و أبو حنيفة يقول: إن كان تصرفه يقطع الحول بأن يبيعه أو يجعله عوضا في نكاح أو خلع ضمن الزكاة، و إن كان تصرّفا لا يقطع الحول لم يضمن.

و قال الشافعي في صحة بيع قدر الزكاة قولان: الصحة إن تعلّقت الزكاة بالعين، لعدم استقرار ملك المساكين، و لهذا له أن يسقط حقّهم منه بدفع غيره، و البطلان إن تعلّقت بالذمة، لأنّ قدر الزكاة إمّا مستحق أو مرتهن، و أمّا بيع باقي النصاب فإنّه يصحّ علي تقدير صحة البيع في قدر الزكاة، و علي تقدير

ص: 185


1- المغني 535:2 و 536، الشرح الكبير 468:2.

الفساد فقولان مبنيّان علي تفريق الصفقة، فإن قيل بعدمه بطل في الباقي، و إلاّ صح فيتخيّر المشتري(1).

و لو عزل قدر الزكاة من النصاب، ثم باع الباقي صحّ، لأنّه باع حقّه من المال.

و للشافعي وجهان، أحدهما: المنع، لعدم تعيّن الزكاة إلاّ بالدفع(2).

مسألة 123: الزكاة تجب في العين لا في الذمة
اشارة

عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي - في الجديد - و أحمد في أظهر الروايتين.

لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة)(3) و (فيما سقت السماء.. العشر)(4) إلي غير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف «في»(5) و هي للظرفية، و لأنّها تجب بصفة المال و تسقط بتلفه(6).

و قال الشافعي في القديم: إنّها تتعلّق بالذمة و العين مرتهنة بذلك، لأنّها زكاة فكان محلّها الذمة كزكاة الفطرة، و لأنّه يجوز الإخراج من غيرها فلا تتعلّق بالعين، و لأنّه لا يتبعها النماء فلا تتعلّق بالعين، و زكاة الفطرة لا تتعلّق بالمال

ص: 186


1- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 362:5 و 468-469، فتح العزيز 553:5، المغني 535:2، الشرح الكبير 468:2.
2- المجموع 470:5، فتح العزيز 555:5.
3- سنن ابن ماجة 578:1-1807، سنن أبي داود 98:2-1568، سنن البيهقي 88:4.
4- صحيح البخاري 155:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن النسائي 41:5 و 42، سنن الترمذي 31:3-639، سنن ابن ماجة 580:1 و 581-1816 و 1817، مسند أحمد 341:3، و سنن البيهقي 129:4 و 130.
5- كقوله عليه السلام: (في خمس من الإبل شاة) و (في عشرين مثقالا نصف مثقال) و (في الرقة ربع العشر).
6- المهذّب للشيرازي 151:1، المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5، اللباب 146:1، المغني 536:2-537، الشرح الكبير 469:2، حلية العلماء 33:3.

فلهذا تعلّقت بالذمّة(1).

و جواز الإخراج من الغير للإرفاق بالمالك، و ملك المساكين غير مستقر حيث كان للمالك العدول فلم يتبعه النماء، علي أنّ لمانع أن يمنع ذلك.

فروع:

أ - الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: لا يستحق بها جزء منها و إنّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية(2) بالعبد الجاني - و هو إحدي الروايتين عن أحمد - لأنّ تعلّق الزكاة بالمال لا يزيل ملك المالك عن شيء من ماله كالشاة المتعلّقة بالخمس(3) من الإبل(4).

و عندي فيه إشكال تقدّم.

ب - لو ملك أربعين شاة فحال عليها حولان و لم يؤدّ الزكاة وجب عليه شاة واحدة، لتعلّق الزكاة بالعين عندنا فنقصت في الحول الثاني، و من أوجب الزكاة في الذمّة أوجب شاتين(5).

ج - لو كان له أربعون فحال عليها الحول و قد نتجت شاة، ثم حال آخر و قد نتجت فيه اخري، ثم ثالث و نتجت فيه ثالثة فإنّه يجب عليه ثلاث شياه، لأنّ الحول الأول حال و هي إحدي و أربعون فوجبت شاة و بقي أربعون فحال الثاني و هي إحدي و أربعون، و هكذا في الثالث، إلاّ أنّ هذا علي قول من يجعل حول السخال تابعا للأمّهات، أمّا عندنا فإن حصل السوم حولا فكذلك، و كذا إذا ملك في أول كلّ حول شاة.

ص: 187


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5، حلية العلماء 33:3، المغني 536:2، الشرح الكبير 469:2.
2- يعني أرش الجناية.
3- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: بالخمسة. و الصحيح ما أثبتناه.
4- حلية العلماء 33:3، المغني 536:2، الشرح الكبير 469:2، فتح العزيز 552:5.
5- انظر: المغني 537:2، الشرح الكبير 472:2، و المجموع 380:5.

د - لو كان عنده أكثر من النصاب و حال عليه أحوال تعدّدت الزكاة و جبر الناقص من النصاب بالزائد عليه إلي أن يقصر عن النصاب فتسقط حينئذ.

ه - لو ملك خمسا من الإبل فلم يؤدّ زكاتها أحوالا فعليه شاة واحدة لا غير - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شيء كما لو ملك أربعا و جزءا من بعير.

و قال أحمد: عليه في كلّ سنة شاة علي تقدير الوجوب في العين أيضا، لأنّ الواجب هنا من غير النصاب فلا ينقص به النصاب كما لو أدّاه(2) ، بخلاف سائر الأموال فإنّ الزكاة يتعلّق وجوبها بعينه (فتنقصه)(3) كما لو أدّاه من النصاب(4).

و نمنع الوجوب من غير النصاب، بل الواجب هنا في العين قيمة شاة.

و - لو ملك ستّا و عشرين و حال عليها أحوال فعليه للأول بنت مخاض، و للثاني خمس شياه، و للثالث أربع، و هكذا إلي أن يقصر عن عشرين فتجب ثلاث شياه، و هكذا إلي أن يقصر (عن عشر فتجب شاتان، و هكذا إلي أن يقصر عن خمس)(5).

و قال أحمد: عليه للحول الأول بنت مخاض، و لكلّ حول بعده أربعة.

ص: 188


1- المهذب - للشيرازي - 151:1، المجموع 380:5-381، فتح العزيز 556:5، المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2.
2- أي أدّاه من غير النصاب.
3- في النسخ الخطية: «فسقط» و في الحجرية: «فقط» «فسقط خ ل» و ما أثبتناه من المصدر، و هو أقرب لسياق العبارة.
4- المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2.
5- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و الظاهر أنّ الصواب - كما في هامش «ط، ن» - هكذا: عن خمسة عشر فتجب شاتان و هكذا إلي أن يقصر عن عشر فتجب شاة.

شياه، و لو بلغت (قيمة الشاة)(1) الواجبة أكثر من خمس من الإبل وجب عليه للأول بنت مخاض، و للثاني خمس من الغنم، و للثالث ثلاث(2).

ز - الزكاة و إن وجبت في العين إلاّ أنّ لرب المال أن يعيّن ذلك من أيّ جزء شاء منه، و له أن يعطي من غيره إجماعا إلاّ من شذّ.

مسألة 124: إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب،

فإذا حال الحول علي النصاب وجبت سواء تمكّن من الأداء أو لم يتمكّن، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(4) مفهومه الوجوب عند الحول.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا حال الحول وجبت عليه»(5).

و قال مالك و الشافعي في القديم: إمكان الأداء شرط في الوجوب، فشرط في الوجوب ثلاث شرائط: الحول، و النصاب، و إمكان الأداء، حتي أنّ مالكا قال: لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لم تكن عليه زكاة إذا لم يقصد الفرار من الزكاة، لأنّ إمكان الأداء شرط في وجوب سائر العبادات من الصلاة و الصوم و الحج فكذا الزكاة.

ص: 189


1- الظاهر أن الصحيح: قيم الشياه. كما في الشرح الكبير.
2- المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2، و فيهما إلي قوله: أكثر من خمس من الإبل. و علي هذا يكون الواو في «و لو بلغت» وصليّة لا استئنافية.
3- بدائع الصنائع 22:2، المغني 538:2، الشرح الكبير 470:2، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5 و 377، فتح العزيز 547:5، حلية العلماء 31:3.
4- سنن أبي داود 100:2-101-1573، سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2-91-3، سنن البيهقي 95:4.
5- التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-61.

و لأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت فدلّ علي أنّها لم تجب، و إمكان الأداء شرط في استقرارها، و تلك عبادات أيضا كلّف فعلها ببدنه، فإذا تعذّر لم تجب، و هنا عبادة مالية يمكن مشاركة المساكين في ماله و حصوله قبل أدائه فوجبت.

و أمّا سقوطها بتلفها: فلأنّه أمين لم يوجد من جهته تفريط فلا يضمن كالمودع(1).

و يعارض: بأنّه لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه عند الشافعي(2) ، و لو لم تجب أوّلا لسقطت كما لو أتلفه قبل الحول، و لأنّه لو لم يمكنه الأداء حتي مضي حول آخر لوجبت زكاة حولين و لا يجب فرضان في نصاب واحد في حالة واحدة.

و قول مالك ضعيف، لأنّه إسقاط حقّ وجب في المال و تمكّن من أدائه.

مسألة 125: إذا حال الحول و لم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب سقطت الزكاة

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الحسن بن صالح بن حي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر، و حكاه أيضا عن أحمد(3) - لأنّها تجب علي سبيل المواساة، فلا تجب علي وجه يجب أداؤها مع عدم المال و فقر من تجب عليه، و لأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فإذا تلف قبل إمكان أدائها سقط فرضها كالحج.

و لقول الباقر عليه السلام: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها

ص: 190


1- حلية العلماء 31:3، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5 و 377، الوجيز 89:1، فتح العزيز 547:5، المغني 539:2-540، الشرح الكبير 470:2-471، المنتقي للباجي 145:2.
2- الام 52:2، فتح العزيز 547:5، بدائع الصنائع 22:2.
3- المجموع 376:5 و 377، فتح العزيز 547:5-548، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، المبسوط للسرخسي 174:2، بدائع الصنائع 3:2 و 22.

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه»(1).

و قال أحمد: لا تسقط الزكاة بتلف المال فرّط أو لم يفرّط، لأنّه مال وجب في الذمة فلا تسقط بتلف النصاب كالدّين(2).

و نمنع الأولي.

إذا ثبت هذا، فلو تلف بعض النصاب قبل إمكان الأداء سقط عنه بقدر ما تلف و قال الشافعي في القديم: يسقط الجميع(3) بناء علي أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب.

مسألة 126: لو تلف المال بعد الحول و إمكان الأداء وجبت الزكاة

عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أحمد و الحسن بن صالح بن حي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(4).

و لا فرق بين أن يكون من الأموال الظاهرة أو الباطنة، و لا بين أن يطالبه الإمام أو لا، لأنّها زكاة واجبة مقدور علي أدائها فإذا تلفت ضمنها كما لو طالبه الإمام و كغير المواشي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتي يدفعها»(5).

ص: 191


1- الكافي 553:3-2، الفقيه 16:2-47، التهذيب 47:4-123.
2- المغني 539:2، الشرح الكبير 470:2، الإنصاف 40:3-41.
3- الام 12:2، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5، الوجيز 89:1، فتح العزيز 548:5-549، حلية العلماء 32:3.
4- مختصر المزني: 42، الام 12:2، المجموع 333:5، فتح العزيز 546:5، حلية العلماء 10:3، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، بدائع الصنائع 22:2، المبسوط للسرخسي 174:2.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-46، التهذيب 47:4-125.

و قال أبو حنيفة: تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول و إمكان الأداء علي كلّ حال إلاّ أن يكون الإمام أو الساعي طالبه بها فمنعها(1).

و لا مطالبة عنده في الأموال الباطنة و إنما تتوجه المطالبة إلي الظاهرة فإذا أمكنه الأداء لم يلزمه الأداء إلاّ بالمطالبة فإذا لم يؤدّ حتي هلكت فلا ضمان.

و قال أبو سهل الزجاجي من أصحابه: لا يضمن أيضا و إن طالبه الإمام بالأموال الظاهرة(2).

و قال مالك كقولنا في غير المواشي، و في المواشي كقول أبي حنيفة(3).

و احتجّوا بأنه أمين فإذا تلفت قبل مطالبة من له المطالبة لم يضمن كالوديعة.

و الفرق: عدم وجوب الدفع قبل المطالبة في الوديعة و هنا تجب.

إذا ثبت هذا، فعادم المستحق و البعيد عن المال، و عدم الفرض في المال، و فقدان ما يشتريه، أو الساعي في طلب الشراء، أو نحو ذلك غير مفرّطين.

مسألة 127: لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول

و إن لم يتمكّن من إخراجها، و تخرج من ماله و إن لم يوص عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الحسن البصري و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(4) - لأنّها حقّ واجب تصح الوصيّة به فلا تسقط بالموت كالدّين،

ص: 192


1- بدائع الصنائع 22:2 و 52-53، المبسوط للسرخسي 174:2، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، المجموع 377:5، فتح العزيز 546:5، حلية العلماء 10:3.
2- حلية العلماء 10:3.
3- بداية المجتهد 249:1، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2.
4- المغني 540:2-541، الشرح الكبير 474:2، الشرح الصغير 213:1، بداية المجتهد 249:1، الام 15:2، المجموع 335:5-336.

و لأنّها حق مالي واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كدين الآدمي.

و قال الأوزاعي و الليث: يؤخذ من الثلث مقدّما علي الوصايا، و لا يجاوز الثلث(1).

و قال ابن سيرين و الشعبي و النخعي و حمّاد بن أبي سليمان و داود بن أبي هند و البتي و الثوري و أصحاب الرأي: لا تخرج بل تسقط إلاّ أن يوصي بها فتخرج من الثلث، و يزاحم بها أصحاب الوصايا، لأنّها عبادة من شرطها النيّة فسقطت بموت من هي عليه كالصوم و الصلاة(2).

و يمنع الأصل عندنا.

و من وافقهم يفرّق بأنّهما عبادتان بدنيّتان لا تصلح الوصية بهما، و لا النيابة فيهما.

إذا ثبت هذا فإنّ الزكاة تسقط بإسلام المالك إذا كان كافرا أصليّا، لأنّ الزكاة تجب عليه عندنا، فإذا أسلم سقطت سواء تمكّن من الأداء أو لا، و سواء تلفت بتفريطه أو أتلفها هو أو لا، و سواء كانت العين باقية أو لا.

مسألة 128: لو استفاد مالا ممّا يعتبر فيه الحول و لا مال سواه،

أو كان أقلّ من النصاب، فبلغ بالمستفاد نصابا، انعقد حول الزكاة من حينئذ، فإذا تمّ وجبت الزكاة إجماعا، و إن كان عنده نصاب، فالمستفاد إن كان من نمائه (كربح مال)(3) التجارة و نتاج السائمة، استقبل الحول بالفائدة من حال حصولها، عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور(4) كافة - لأنّه مال منفرد بنفسه

ص: 193


1- المغني 541:2، الشرح الكبير 474:2، المجموع 336:5.
2- المغني 541:2، الشرح الكبير 474:2، المجموع 336:5، بدائع الصنائع 53:2، المبسوط للسرخسي 185:2.
3- ورد في النسخ الخطية و الحجرية: كمال. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- المغني 492:2، الشرح الكبير 460:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 373:5، فتح العزيز 65:6-66، المنتقي للباجي 144:2-145.

فكان له حكم نفسه، و لا يجوز حمله علي النماء المتصل باعتبار كونه تابعا له من جنسه، للمنع من علّية المشترك و ثبوت الفرق.

و إن كان من غير جنس ما عنده، فهذا له حكم نفسه، لا يضمّ إلي ما عنده في حول و لا نصاب، بل إن كان نصابا، استقبل به حولا، و زكّاه، و إلاّ فلا شيء فيه، و هو قول عامة أهل العلم(1).

و حكي عن ابن مسعود و ابن عباس: أنّ الزكاة تجب فيه حين استفاده(2).

و عن الأوزاعي فيمن باع داره أو عبده أنّه يزكّي الثمن حين يقع في يده إلاّ أن يكون له شهر يعلم، فيؤخّره حتي يزكّيه مع ماله(3).

و جمهور العلماء علي خلافه(4) ، و لم يقل به أحد من أئمة الفتوي.

و لو كان المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول بسبب مستقلّ بأن يكون له أربعون من الغنم مضي عليها بعض حول، ثم ملك مائة فلا تجب فيه الزكاة حتي يمضي عليه حول أيضا، و به قال الشافعي و أحمد(5).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و كلّ ما لم يحل عليه حول عند ربه فلا شيء عليه فيه»(7).

و لأنّه مملوك أصلا فيعتبر فيه الحول شرطا كالمستفاد من غير الجنس.1.

ص: 194


1- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 356:5.
2- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 361:5، حلية العلماء 25:3.
3- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2.
4- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2.
5- المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 365:5، حلية العلماء 27:3، المغني 493:2، الشرح الكبير 462:2.
6- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 91:2-3، سنن البيهقي 95:4.
7- التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-65، و الكافي 534:3 (باب صدقة البقر) الحديث 1، و 535 (باب صدقة الغنم) الحديث 1.

و قال أبو حنيفة: يضمّه إلي ما عنده في الحول فيزكّيهما عند تمام حول المال الذي كان عنده إلاّ أن يكون عوضا عن مال مزكّي لأنّه يضمّ إلي جنسه في النصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنتاج، لأنّ النصاب سبب و الحول شرط فإذا ضمّ في السبب فأولي أن يضمّ في الشرط(1).

و نمنع الأصل.

مسألة 129: إذا كانت إبله كلّها فوق الثنية تخيّر صاحبها

بين أن يشتري الفرض، و بين أن يعطي واحدة منها، و بين أن يدفع القيمة.

و إن كانت واحدة منها معيّنة بقدر قيمة الفرض أجزأ بأن تكون عوراء إلاّ أنّها سمينة، لأنّه يجوز إخراج القيمة عندنا، و لأنّ زيادة الثمن جبرت العيب بالصفة كابن اللبون المجزئ عن بنت المخاض.

و قال الشافعي: لا يجوز بناء علي عدم إجزاء القيمة(2).

مسألة 130: لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد عشرون وجبت فيها شاة

و إن تباعدا، و إن كان له في كلّ بلد أربعون وجبت شاة واحدة و إن تباعدا أيضا، و به قال الشافعي(3).

لقوله عليه السلام: (في أربعين من الغنم شاة)(4) و لم يفصّل، و لأنّه ملك لواحد فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.

و قال أحمد: لا يجب عليه شيء مع التباعد، و في الثاني(5) تجب عليه

ص: 195


1- المغني 493:2، الشرح الكبير 462:2، حلية العلماء 27:3، بداية المجتهد 271:1، المبسوط للسرخسي 164:2.
2- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 429:5، المغني 671:2، الشرح الكبير 521:2.
3- الام 19:2، حلية العلماء 57:3.
4- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805، سنن النسائي 29:5.
5- أي الفرع الثاني المذكور في صدر المسألة.

شاتان معه(1) ، لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع)(2)(3) و المراد في الملك.

إذا ثبت هذا فإنّه يجزئ أن يخرج الشاة في أيّ البلدين شاء أو في غيرهما عندنا، للامتثال فيخرج عن العهدة، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني:

لا يجوز، لما فيه من نقل الزكاة(4).

و هو ممنوع، بل هو إخراج عمّا في البلد الآخر إرفاقا بالمالك، لما في تبعيض الحيوان من المشقّة.

مسألة 131: يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين و الغلاّت

عند علمائنا أجمع، و اختلفوا في المواشي، فجوّزه الأكثر(5) أيضا، و منع منه المفيد إلاّ مع عدم الفريضة(6).

و الوجه: الجواز مطلقا علي أنّ القيمة بدل لا علي أنّها أصل في نفسها - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنّ معاذا كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضا عن الزكاة(8).

ص: 196


1- أي: مع التباعد.
2- صحيح البخاري 145:2، سنن الترمذي 19:3-621، سنن الدارقطني 104:2-1 و 5 و 105-7، سنن أبي داود 98:2-1568 و 100-1572، سنن النسائي 29:5، سنن الدارمي 383:1، و سنن البيهقي 105:4.
3- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2، حلية العلماء 57:3.
4- راجع: حلية العلماء 165:3.
5- منهم: السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائله) 75:3، و الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59، و المحقق في المعتبر: 264.
6- المقنعة: 41.
7- الاختيار لتعليل المختار 134:1، المبسوط للسرخسي 156:2، اللباب 144:1، المجموع 429:5، المغني 671:2-672، الشرح الكبير 521:2، حلية العلماء 167:3.
8- صحيح البخاري 144:2، سنن البيهقي 113:4.

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، و عن الدنانير دراهم أ يحلّ ذلك له ؟: «لا بأس»(1).

و كتب البرقي إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة و الشعير، و ما يجب علي الذهب دراهم بقيمة ما يسوي أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب عليه السلام: «أيّما تيسّر يخرج»(2).

و لأنّ القصد بالزكاة سدّ الخلّة و رفع الحاجة و ذلك حاصل بالقيمة فساوت العين، و لأنّها وجبت جبرا لهم و معونة، و ربّما كانت الأعواض في وقت أنفع فاقتضت الحكمة التسويغ.

و قال الشافعي: لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة بل يجب المنصوص - و به قال مالك و أحمد، إلاّ أنّ مالكا جوّز إخراج كلّ من النقدين عن صاحبه علي وجه البدل لا قيمة(3) ، و عن أحمد في إخراج الذهب عن الورق قيمة روايتان(4) - لأنّه عدل عن المنصوص عليه إلي غيره بقيمته فلم يجزئه، كما لو أخرج سكني دار، أو أخرج نصف صاع جيّد عن صاع رديء(5).

و إنّما خصّص مالك بالذهب و الفضّة، لأنّهما يجريان مجري واحدا و هما أثمان فجاز ذلك فيهما.2.

ص: 197


1- الكافي 559:3-2، الفقيه 16:2-51، التهذيب 95:4-272.
2- الكافي 559:3 (باب الرجل يعطي عن زكاته العوض) الحديث 1، الفقيه 16:2-17-52، التهذيب 95:4-271.
3- حلية العلماء 167:3، المدونة الكبري 300:1، المنتقي للباجي 93:2، الشرح الكبير 521:2.
4- المغني 602:2، الشرح الكبير 605:2-606، حلية العلماء 167:3.
5- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 428:5-429، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.

و نمنع الأصل، و لأنّ فيه تأخيرا للحقّ عن وقته، و كذا نمنع عدم إجزاء نصف صاع جيّد بقيمة المجزئ، و بالفرق بما فيه من شائبة الربا.

إذا عرفت هذا، فإنّ القيمة المخرجة تخرج علي أنّها قيمة لا أصل كما تقدّم، و به قال أبو حنيفة(1).

و قال بعض أصحابه: الواجب أحد الشيئين فأيّما اخرج كان أصلا(2).

و يدفعه: التنصيص علي المعيّن و إنّما عدل إلي القيمة، للإرفاق.

تذنيب: إنّما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة علي نفسه، و لو قوّمها و ضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه: وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد و الناقص و إن كان قد فرّط بالتأخير حتي انخفض السوق أو ارتفع، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج.

مسألة 132: قد بيّنا أنّ الزكاة تتعلّق بالعين،

لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

و لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة)(3).

و هل يصير أهل السّهمان(4) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال ؟ الأقرب:

المنع - و هو أحد قولي الشافعي(5) - و إلاّ لما جاز للمالك الإخراج من غيره.

و يحتمل - ضعيفا - الشركة، و به قال مالك و الشافعي(6) - في الآخر - لأنّ للإمام أخذها من عين النصاب قهرا إذا امتنع المالك من الأداء.

ص: 198


1- حكي القولين الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59.
2- حكي القولين الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59.
3- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805.
4- السّهمان، جمع، واحدها: السهم. بمعني: النصيب. الصحاح 1956:5 «سهم».
5- المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5.
6- المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5 و 552، حلية العلماء 33:3.

و لا حجّة فيه، لجواز أخذ المماثل للحقّ من الممتنع.

فعلي عدم الشركة لا خلاف في أنّ الزكاة تتعلّق بالمال، فيحتمل تعلّق الدّين بالرهن، إذ لو امتنع المالك من الأداء و لم يشتمل المال علي الواجب باع الإمام بعض النصاب فيه كما يباع المرهون في الدّين، و تعلّق الأرش برقبة الجاني، لأنّها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرض بهلاك الجاني، و الأخير مروي عن أبي حنيفة و أحمد(1).

و لا فرق في جريان هذه الاحتمالات بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غير جنسه.

فإذا باع النصاب بعد الحول و قبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة يبني علي الأقوال، فمن أوجبها في الذمّة جوّز البيع، و من جعل المال مرهونا فالأقوي الصحة - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّه تعلّق ثبت بغير اختيار المالك، و لا يثبت لمعيّن فيسامح فيه بما لا يسامح في سائر الرهون.

و إن قيل بالشركة فالأقوي الصحة أيضا، و هو أضعف قولي الشافعي، علي تقديره، لعدم استقرار حقّ المساكين فإنّ له إسقاطه بالإخراج من غيره، و أصحّهما عنده: المنع، لأنّهم شركاء، و إن قيل: تعلّق أرش الجاني، ابتني علي بيع الجاني(3).

و الوجه ما قلناه من صحّة البيع مطلقا، و يبيع الساعي المال إن لم يؤدّ المالك فينفسخ البيع فيه علي ما تقدّم.

و لو لم يؤدّ المالك من غيره و لم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار، لتزلزل ملكه، و يعرض الساعي به متي شاء، و هو أحد وجهي5.

ص: 199


1- فتح العزيز 552:5، حلية العلماء 33:3، الانصاف 38:3.
2- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.
3- المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.

الشافعية، و الثاني: لا خيار، لحصول الملك في الحال و قد يؤدّي المالك الزكاة من غيره(1).

و لو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري، لزوال العيب، و يحتمل ثبوته، لإمكان أن يخرج المدفوع مستحقا فيبيع الساعي المال، و لو أخرج الزكاة ثم باع فلا خيار.

و لو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة - كما اختاره الشيخ(2) و الشافعي(3) - صحّ البيع في الباقي، فللمشتري الخيار، و لا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر، لأنّ العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحا بذلك.

مسألة 133: لو ادّعي المالك تلف النصاب أو إبداله في الحول أو عدم انتهاء الحول قبل قوله

من غير يمين سواء في ذلك السبب الظاهر و الخفي، و سواء ادّعي ما هو الظاهر أو خلافه - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّه أمين فيما في يده، لأنّ الزكاة تجب علي طريق المواساة و الرفق فقبل قوله فيه.

و القول الثاني للشافعي: إن ادّعي الظاهر مثل عدم حولان الحول كان القول قوله و لا تجب اليمين بل يستحب أن يعرضها الساعي عليه للاستظهار و زوال التهمة.

فإن حلف فلا كلام، و إن امتنع لم يطالبه بشيء، لأنّ اليمين ليست واجبة، بخلاف المستودع إذا ادّعي التلف أو الردّ فإنّ اليمين تجب و إن كان أمينا، لأنّ الوديعة حقّ للآدمي المتعيّن فكانت مبنيّة علي التضيّق، و الزكاة حقّ للّه تعالي وجبت علي طريق المواساة، و لا يتعيّن فيها حقّ الآدمي و إنّما هو جهة لصرفها فافترقا.

ص: 200


1- المجموع 469:5، فتح العزيز 554:5.
2- المبسوط للطوسي 208:1.
3- المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.
4- المجموع 173:6-174.

و إن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه، أو ادّعي أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه، أو ادّعي دفع الزكاة إلي غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلاّ أنّ القول قوله، لأنّه أمين.

و في وجوب اليمين وجهان: الوجوب، لأنّه خلاف الظاهر، و ليس بجيّد، لما تقدّم، و عدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلي الأول لو امتنع طولب بالزكاة و لا يحلف الساعي، لأنّه نائب عن الفقراء، و النائب كالوكيل لا يحلف، و لا يمكن إحلاف الفقراء، لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض علي نفسه: بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول و قد ثبت هنا.

و أجاب: بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولا، و إنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها، فإذا لم يحلف أخذ منه بالسبب المتقدّم، كما لو امتنعت من اللعان(1) حدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

و علي الثاني: إذا امتنع لم يطالب بالزكاة(2).

تذنيب: لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت و الزم بالزكاة.

مسألة 134: لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلي أهلها

إمّا المستحق أو الإمام أو الساعي، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن و لم تسقط عنه، و وجبت عليه شاة أخري لا قيمة التالفة و إن كانت أزيد.

و إن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط، و به قال مالك(3) ،

ص: 201


1- يعني: كما في اللعان إذا لا عن الزوج، لزم المرأة حدّ الزنا، فإن لاعنت سقط، و ان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. انظر: الهامش التالي.
2- المجموع 174:6.
3- بداية المجتهد 248:1، مقدمات ابن رشد 235:1-236، المدونة الكبري 344:1-345، حلية العلماء 146:3.

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي، و لأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه، فإذا تلف لم ينتقل إلي غيره، لأصالة البراءة.

و قال الشافعي: لا تسقط(1) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

و الأولي ممنوعة، نعم علي تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض، و علي تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف، و وجب الباقي.

مسألة 135: لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة

و إن كانت لو جمعت زادت - عند علمائنا أجمع - سواء في ذلك المواشي و الغلاّت و النقدان.

و قد وقع الاتّفاق علي عدم ضمّ جنس إلي جنس آخر في غير الحبوب و الأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس: الإبل و البقر و الغنم لا يضمّ جنس منها إلي الآخر، و الأثمار لا يضمّ جنس إلي غيره فلا يضمّ التمر إلي الزبيب، و لا تضم الأثمان إلي شيء من السائمة و لا من الحبوب و الاثمار.

و لا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلي بعض في إكمال النصاب، و لا خلاف في أنّ العروض للتجارة و الأثمان لها يضمّ بعضها إلي بعض إلاّ أنّ الشافعي لا يضمّها [إلاّ](2) إلي جنس ما اشتريت به، لأنّ نصابها معتبر به(3).

و اختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلي بعض، و في ضمّ أحد النقدين إلي الآخر.

ص: 202


1- حلية العلماء 146:3.
2- زيادة أثبتناها من المصدر.
3- المغني 591:2، الشرح الكبير 559:2.

فعن أحمد ثلاث روايات: إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقا، و يعتبر النصاب في كلّ جنس منها - و به قال عطاء و مكحول و ابن أبي ليلي و الأوزاعي و الثوري و الحسن بن صالح بن حي و شريك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و أصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفردا كالثمار و المواشي(1).

و قال عكرمة و أحمد - في رواية - و حكاه ابن المنذر عن طاوس: إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلي بعض في إكمال النصاب(2) - قال أبو عبيد: لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلاّ عكرمة(3) - لقوله عليه السلام: (لا زكاة في حب و لا تمر حتي يبلغ خمسة أوسق)(4).

و قال مالك و الليث و أحمد في رواية: يضمّ الحنطة إلي الشعير، و القنطيّات(5) بعضها إلي بعض(6).

و في ضم الذهب إلي الفضة عن أحمد روايتان، فعلي الضمّ يؤخذ من كل جنس علي قدر ما يخصّه، و لا يؤخذ من جنس عن غيره إلاّ الذهب و الفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين(7).2.

ص: 203


1- المغني 591:2-592، الشرح الكبير 559:2، المجموع 512:5، حلية العلماء 84:3، بداية المجتهد 266:1، الأموال لأبي عبيد: 475.
2- المغني 592:2، الشرح الكبير 559:2، المجموع 513:5.
3- الأموال لأبي عبيد: 475، المغني 592:2.
4- أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني 592:2، و الشرح الكبير 559:2، و انظر أيضا: سنن البيهقي 128:4.
5- القطنيات، جمع، واحدتها: قطنية بكسر القاف، و هي: الحبوب التي تدّخر كالحمّص و العدس و نحوهما. لسان العرب 344:13 «قطن».
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 103، بداية المجتهد 26:1، المدونة الكبري 348:1، المنتقي للباجي 167:2-168، المغني 592:2، الشرح الكبير 560:2، المجموع 513:5، فتح العزيز 569:5، حلية العلماء 84:3، الأموال لأبي عبيد: 474.
7- المغني 594:2، الشرح الكبير 561:2.

ص: 204

المقصد الثالث فيما تستحب فيه الزكاة
اشارة

و فيه فصلان:

الأوّل: في مال التجارة.
اشارة

و فيه بحثان:

الأوّل: في تحقيق ماهية مال التجارة.
مسألة 136: مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك،

فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القنية ابتداء أو انتهاء لم يصر مال تجارة، و لا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

و اقتران القصد بالملك(1) ، فلو كان يملك عرضا لقنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة، و لم ينعقد الحول عليه - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2) - لأنّ الأصل القنية، و التجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوي الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

ص: 205


1- يعني: لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضا.
2- الأم 48:2، المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 48:6-49، فتح العزيز 41:6، حلية العلماء 99:3، المغني 624:2، الشرح الكبير 631:2.

و عن أحمد رواية: أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية، لقول سمرة:

أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع(1) ، و بالنيّة يصير معدّا للبيع(2).

و ليس بجيّد، فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟ و في وجه للشافعي: أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوي جعله للقنية فإنّه يصير للقنية(3).

و الفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء، و التجارة عارضة، و بمجرّد النيّة يعود حكم الأصل، و لا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة 137: و يشترط أن يملكه بفعله

إجماعا، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

و يشترط أن يملكه بعوض عندنا - و به قال الشافعي(4) - فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية، لم يصر مال التجارة.

و كذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتي لو اشتري عرضا للقنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو ردّ عليه ما باعه فأخذه(5) علي قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادق عليه السلام: «إن أمسك التماس الفضل علي رأس ماله

ص: 206


1- سنن أبي داود 95:2-1562، سنن البيهقي 146:4-147، سنن الدارقطني 127:2-128-9.
2- المغني 624:2، الشرح الكبير 631:2.
3- المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 49:6، فتح العزيز 41:6-42، حلية العلماء 100:3، و هو قول الكرابيسي من الشافعية.
4- المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 48:6 و 49، فتح العزيز 42:6 و 43، حلية العلماء 99:3.
5- في «ط، ف» و الطبعة الحجرية: فأخذ. و ما أثبتناه من «ن».

فعليه الزكاة»(1) و هو يدلّ علي اعتبار رأس المال فيه.

و لأنّ القصد بالتجارة الاكتساب، و لا يتحقّق المعني إلاّ إذا كان للسلعة رأس مال، و لأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

و قال بعض الجمهور: لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض(2).

و الفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا، فإن كان عنده ثوب قنية فاشتري به عبدا للتجارة، ثمّ ردّ الثوب بعيب انقطع حول التجارة، و لا يكون الثوب مال تجارة، لأنّه لم يكن مال تجارة حتي يعود عند انقطاع البيع علي ما كان عليه.

و لو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقنية، ثم ردّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة، لأنّ قصد القنية قطع حول التجارة.

مسألة 138: يشترط كونها معاوضة محضة،

فلو اشتري بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد، و سواء اشتراه بعين أو دين، و سواء كان الثمن مال قنية أو مال تجارة.

و لو صالح علي عرض للتجارة بدين أو عين للقنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

و لو خالع امرأته و قصد التجارة في عرض الخلع، أو نكحت امرأة و نوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة، لأنّ النكاح و الخلع ليسا من عقود التجارات و المعاوضات المحضة، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: إنّه مال تجارة، لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفي به في تعلّق الزكاة كما يكتفي به لثبوت

ص: 207


1- الكافي 527:3 (باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه و المضاربة) الحديث 1، التهذيب 68:4-185، الاستبصار 10:2-28، بتفاوت يسير.
2- المغني 624:2، الشرح الكبير 629:2.

الشفعة(1).

و الأصل ممنوع.

مسألة 139: يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة

إجماعا، فلو ملك مالا للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(2) و هو عام.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا حال الحول فليزكّها» و قد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها(3).

مسألة 140: و يشترط النصاب - في الثمن في زكاة التجارة - في الحول من أوله إلي آخره،

فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتي بلغ نصابا أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشتري بنصاب، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب، ثم ينقص السعر في أثناء الحول، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا، و به قال الثوري و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و الشافعي - في قول - لأنّه قال: يعتبر الحول فيه و النصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك(4).

و قال أبو حنيفة: يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول، و في آخره، لأنّه وقت الوجوب، و لا يعتبر فيما بينهما - و هو قول للشافعي أيضا - لأنّ الأسعار

ص: 208


1- المجموع 49:6، فتح العزيز 43:6.
2- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2 و 91-1 و 3.
3- الكافي 528:3-2، التهذيب 68:4-186، الإستبصار 10:2-29.
4- المغني و الشرح الكبير 625:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 45:6، حلية العلماء 101:3.

تنخفض و ترتفع و يعسر ضبطها و مراقبتها(1).

و نمنع المشقّة، فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلي تقويم لظهور معرفته، و إن قارب سهل عليه التقويم، و إلاّ بني علي أصالة البقاء لو كان نصابا، و عدم الزيادة لو قصر.

و قال مالك: إنّه يعتبر في آخر الحول - و هو أصح وجوه الشافعي - لكثرة اضطراب القيم(2) ، و قد تقدّم.

مسألة 141: يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلي آخره،

فلو نقص رأس المال و لو حبّة (في الحول)(3) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به، و إن عادت القيمة(4) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور(5) كافة - لأنّ الزكاة شرّعت إرفاقا بالمساكين فلا يكون سببا لإضرار المالك فلا يشرع مع الخسران، و لأنّها تابعة للنماء عندهم و هو منفي مع الخسران.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن أمسك متاعه و يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله»(6).

احتجّوا بالعموم. و الخاص مقدّم.

ص: 209


1- المبسوط للسرخسي 172:2، اللباب 149:1، المغني 625:2، الشرح الكبير 626:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 44:6، حلية العلماء 101:3.
2- المغني 625:2، الشرح الكبير 626:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 45:6، حلية العلماء 101:3.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و الطبعة الحجرية: (في أثناء الحول) و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- أي: إذا بلغ رأس المال.
5- كما في المعتبر للمحقق الحلّي: 273.
6- الكافي 528:3-2، التهذيب 68:4-186، الاستبصار 10:2-29.
البحث الثاني في الأحكام
مسألة 142: زكاة التجارة مستحبة غير واجبة

عند أكثر علمائنا(1) ، و به قال ابن عباس و أهل الظاهر كداود و أصحابه و مالك(2) ، و قال الشافعي: هو القياس(3) ، لقوله عليه السلام: (عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق)(4) و لم يفصّل بين ما يكون للتجارة و الخدمة.

و قوله عليه السلام: (ابتغوا في أموال اليتامي لا تأكلها الزكاة)(5) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة و تمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «ليس في المال المضطرب به زكاة»(6).

و قال الباقر عليه السلام: «يا زرارة إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا علي عهد

ص: 210


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 40، و الشيخ الطوسي في النهاية: 176، و المبسوط 220:1، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 204، و الخلاف 91:2، المسألة 106، و السيد المرتضي في جمل العلم و العمل ضمن رسائله 75:3، و المحقق في شرائع الإسلام 142:1.
2- المجموع 47:6، فتح العزيز 39:6، المغني و الشرح الكبير 623:2، حلية العلماء 99:3.
3- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 92:2، المسألة 106.
4- شرح معاني الآثار 28:2، مسند أحمد 121:1، سنن البيهقي 118:4.
5- أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 92:2، و بتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد: 454-1300.
6- التهذيب 70:4-190، الاستبصار 9:2-25.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال عثمان: كل مال [من](1) ذهب أو فضة يدار و يعمل به و يتجر [به](2) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر:

أما ما اتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: فقال: القول ما قال أبو ذر»(3).

و لأصالة البراءة، و لدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة علي نفيه عمّا سواها، و غير ذلك.

و قال بعض علمائنا بالوجوب(4) ، و هو قول الجمهور كالفقهاء السبعة و طاوس و النخعي و الثوري و الأوزاعي و الشافعي - في الجديد - و أبي عبيد و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(5) ، لقول سمرة: كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع(6).

و الأمر للندب تارة، و للوجوب اخري، فيحمل علي الأول جمعا بين الأدلّة، و لو حمل علي الوجوب حمل المعدّ للبيع علي أحد النصب التسعة، و الفائدة: إيجاب الزكاة و إن لم يتّخذ للقنية.

مسألة 143: قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران،

و أن لا يطلب بنقص من رأس المال، فإن بقي ناقصا أحوالا استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العلاء عن المتاع لا أصيب به رأس المال

ص: 211


1- زيادة من المصدر.
2- زيادة من المصدر.
3- التهذيب 70:4-192، الاستبصار 9:2-27.
4- يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه 11:2.
5- المغني و الشرح الكبير 623:2، المجموع 47:6، فتح العزيز 38:6، حلية العلماء 99:3، بدائع الصنائع 20:2، اللباب 148:1.
6- سنن أبي داود 95:2-1562، سنن الدارقطني 127:2-128-9، سنن البيهقي 146:4-147.

عليّ فيه زكاة ؟ قال: «لا» قلت: أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال:

«سنة واحدة»(1).

مسألة 144: لو طلب في أثناء الحول بزيادة أو نمي المتاع

بأن كانت مواشي فتوالدت، أو نخلا و غيره فأثمر لم يبن حول النماء علي حول الأصل، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصابا، و الزيادة من حين ظهورها، لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(2).

و قال مالك و إسحاق و أبو يوسف و أحمد: حول النماء مبني علي حول الأصل، لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال و النتاج(3).

و نمنع الحكم في الأصل و علّية المشترك.

و قال أبو حنيفة: يبني حول كل مستفاد علي حول جنسه نماء كان أو غيره(4).

و قال الشافعي: إن نضّت(5) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها علي حول النصاب و استأنف لها حولا، لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن علي حوله كما لو استفاد من غير الربح.

و لو اشتري سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة، و يزكّي عن الجميع، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من

ص: 212


1- التهذيب 69:4-189، الاستبصار 11:2-32.
2- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن أبي داود 101:2-1573، سنن الترمذي 26:3-632، سنن الدارقطني 90:2-1، سنن البيهقي 95:4.
3- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2، بداية المجتهد 271:1، المنتقي للباجي 144:2.
4- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2.
5- المال الناضّ، هي: الدراهم و الدنانير. الصحاح 1107:3 «نضض».

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب، و يستأنف للزيادة حولا(1).

و لا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب: لو اشتري للتجارة بما ليس بنصاب فنمي حتي صار نصابا انعقد الحول عليه من حين صار نصابا في قول أكثر العلماء، لأنّه لم يحل الحول علي نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره(2).

و قال مالك: لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول و قد بلغت نصابا تعلّقت بها الزكاة(3) ، و قد سلف بطلانه.

مسألة 145: لو اشتري شقصا للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين،

فإن جاء الشفيع أخذه بألف، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة، و الزكاة علي المشتري، لأنّها ثبتت و هو في ملكه، و لو لم يأخذه الشفيع لكن وجد(4) به عيبا فردّه فإنّه يأخذ من البائع (ألفا)(5).

و لو انعكس الفرض فاشتراه بألفين و حال الحول و قيمته ألف فلا زكاة عندنا، للنقصان عن رأس المال.

و عند الجمهور عليه زكاة ألف، و يأخذه الشفيع إن أخذه و يردّه بالعيب بالألفين، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به(6).

ص: 213


1- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2، المهذب للشيرازي 167:1، المجموع و فتح العزيز 58:6.
2- المغني 630:2، الشرح الكبير 625:2.
3- المغني 630:2، الشرح الكبير 626:2، المدونة الكبري 261:1، بداية المجتهد 271:1.
4- أي: وجد المشتري.
5- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: (أيضا) و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
6- المغني 631:2، الشرح الكبير 643:2، المجموع 74:6.
مسألة 146: لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الأجرة،

فالأشهر الأول.

و من قال: إنّه يملك الحصة، اختلفوا علي قولين: أحدهما: أنّه يملك بالظهور، و الآخر: يملك بالإنضاض، و سيأتي(1) البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

فإن قلنا لا يملك حصّة، فالزكاة بأجمعها علي المالك، لأنّه يملك الربح و الأصل معا، و إن قلنا: يملك بالظهور - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(2) - فعلي المالك زكاة الأصل و نصيبه من الربح.

و في حصة العامل قولان: عدم الزكاة، لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

و الثاني: الثبوت، للملك، و التمكّن من التصرف فيه كيف شاء، و القسمة، و تعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقاية لخسران يعرض، و قوّاه الشيخ(3) ، و للشافعي كالقولين(4).

و له آخر: أنّه كالمغصوب، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه علي حسب مشيئته(5).

و إن قلنا: إنّه يملك بالقسمة و الإنضاض - و هو أصح قولي الشافعي، و به قال مالك و المزني(6) - فزكاة رأس المال علي المالك.

ص: 214


1- يأتي في المبحثين: الأول و الرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.
2- المهذب للشيرازي 394:1، المجموع 71:6 و 377:14-378، حلية العلماء 341:5، المغني 169:5.
3- المبسوط للطوسي 224:1 و فيه: و لو قلنا: إنّ ذلك له كان أحوط.
4- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 71:6-72، فتح العزيز 85:6-86.
5- المجموع 72:6، فتح العزيز 86:6.
6- المهذب للشيرازي 168:1 و 394، المجموع 71:6 و 377:14، فتح العزيز 85:6، حلية العلماء 341:5.

و قيل: كذا الربح بأجمعه، لأنّ الجميع له(1).

و يحتمل في نصيب العامل العدم، أمّا علي المالك: فلأنّه يجري مجري المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه، و أمّا العامل:

فلعدم ملكه به.

و إيجاب الزكاة في الربح كلّه علي المالك ضعيف، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له، أو تتلف فلا يكون له و لا للمالك شيء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ و كونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه، لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولا نصابا، أو يضمّها إلي ما عنده من أموال التجارة غيرها و تبلغ نصابا.

و لا يبني حول نصيب العامل علي حول رأس المال عند علمائنا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

و الثاني للشافعية: البناء، لأنّه ربح كنصيب المالك(2). و ليس بجيّد.

و علي ما اخترناه، فابتداء الحول من حين الظهور، لحصول الملك حينئذ، أو الإنضاض و القسمة، لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذ.

و يحتمل من يوم تقويم المال علي المالك لأخذ الزكاة، و لا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضي من الأحوال - كالدّين يستوفيه - عند الشافعية(3).

و الأقوي عندي: أنّه يخرج في الحال، لتمكّنه من القسمة.

تذنيب: لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن6.

ص: 215


1- القول للشافعية، انظر: المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 71:6، فتح العزيز 85:6.
2- فتح العزيز 86:6.
3- فتح العزيز 86:6، المجموع 72:6.

يستبد به، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاجرة الدلاّل و الكيّال.

و يحتمل أنّ للمالك منعه، لأنّ الربح وقاية لرأس المال، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتي يسلّم إليه رأس المال، و يبني علي الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

و يحتمل احتسابه من رأس المال، لأنّه مصروف إلي حقّ لزم المالك، فكان كما لو ارتجع شيئا من المال.

و يحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال، لأنّه يختص بلزومه.

مسألة 147: إذا حال الحول علي العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به
اشارة

سواء كان نصابا أو أقلّ، و سواء كان من الأثمان أو لا، و لا يعتبر نقد البلد، و به قال الشافعي إلاّ أنّه قال: إذا كان من جنس الأثمان و كان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان: أحدهما: أن يقوّم بما اشتراه. و الثاني: يقوّم بغالب نقد البلد(1).

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب، أمّا إذا اشتري للتجارة بمائة درهم و هو يملك مائة أخري فإنه يقوّم بما ملك به أيضا، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

و وافقنا أبو يوسف(2) في التقويم بما اشتراه مطلقا، لأنّ نصاب العرض مبني علي ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه، و يعتبر به كما لو لم يشتر به شيئا.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن طلب برأس المال فصاعدا ففيه

ص: 216


1- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 64:6، فتح العزيز 70:6، حلية العلماء 103:3.
2- بدائع الصنائع 21:2، الهداية للمرغيناني 105:1، حلية العلماء 104:3.

الزكاة، و إن طلب بالخسران فليس فيه زكاة»(1) و لا يمكن أن يعرف رأس المال إلاّ أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب و بالذهب نصابا قوّمت به و إن كان الثمن فضة، و بالعكس، لأنّ قيمته بلغت نصابا فتثبت الزكاة فيه، كما لو اشتراه بعرض و في البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصابا، و لأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل(2).

و الفرق في الأول ظاهر، فإنّ الثمن بلغ نصابا، بخلاف المتنازع، و مراعاة الفقراء ليست أولي من مراعاة المالك.

فروع:

أ - إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء، ثم يقوّم في أثناء الحول إلي آخره بثمنه الذي اشتري به، و قوّم الثمن بالنقدين، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلي أن يعود إلي السعر، و إلاّ ثبتت.

و لو قصر أحدهما و زاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلاّ أن يكون العرض للتجارة.

ب - لو بلغت قيمته نصابا بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضا.

ص: 217


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 100:2 ذيل المسألة 114، و المحقق في المعتبر: 272.
2- بدائع الصنائع 21:2، الهداية للمرغيناني 105:1، اللباب 148:1-149، المغني 625:2-626، الشرح الكبير 634:2، فتح العزيز 70:6، حلية العلماء 104:3.

و قال أحمد: يقوّم بما شاء إلاّ أنّ الأولي إخراج النقد المستعمل في البلد، لأنّه أحظّ للمساكين، و لو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال، و لو تساويا تخيّر(1).

ج - لو بلغت السلعة نصابا بأحد النقدين و قصرت بالآخر ثبتت الزكاة، لأنّه بلغ نصابا بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عينا.

مسألة 148: تثبت زكاة التجارة في كلّ حول،

و به قال الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد و أصحاب الرأي(2) ، لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب و لم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله، و لأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

و قال مالك: لا يزكّيه إلاّ لحول واحد، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينا(3).

و نمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة 149: تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها،

قاله الشيخ(4) - رحمه اللّه - علي القول بالوجوب - و به قال الشافعي في أحد القولين، و أحمد(5) - لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

ص: 218


1- المغني 626:2، الشرح الكبير 635:2.
2- المغني 623:2-624، الشرح الكبير 627:2.
3- المغني 624:2، الشرح الكبير 627:2، فتح العزيز 39:6.
4- الخلاف 95:2، المسألة 109.
5- الام 47:2، المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 68:6، فتح العزيز 67:6، المغني 624:2، الشرح الكبير 628:2.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ عرض فهو مردود إلي الدراهم و الدنانير»(1) و هو يدلّ علي تعلّق الزكاة بالقيمة.

و قال أبو حنيفة: يتخيّر بين الإخراج من العين أو من القيمة، لكن الأصل العين، فالزكاة تتعلّق بالسلعة و تجب فيها لا بالقيمة، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب، و إن عدل عنه إلي القيمة فقد عدل إلي بدل الزكاة - و هو الثاني للشافعي - لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال(2). و لا بأس بهذا القول.

و يمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإخراج منه، و كذا الرواية.

مسألة 150: القدر المخرج هو ربع العشر إمّا من العين أو القيمة

- علي الخلاف - إجماعا، و قد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به و إن كان غالب نقد البلد غيره، لكن الأولي إخراج نقد البلد.

و لو ملكه بعرض للقنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

و قال الشافعي: يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير، فإن بلغ به نصابا أخرج زكاته، و إلاّ فلا، و إن كان يبلغ بالآخر نصابا أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب، فإن استويا و بلغ بهما نصابا فوجوه: التخيير بأن يقوّم بما شاء و يخرجه، و مراعاة الأغبط للفقراء، و التقويم بالدراهم، لأنّها أرفق و أصلح، و اعتبار الغالب في أقرب البلاد(3).

تذنيب: لو اشتري بنصاب من النقد و بعرض قنية قوّم ما يقابل الدراهم

ص: 219


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 96:2 ذيل المسألة 109، و المحقق في المعتبر: 273.
2- بدائع الصنائع 21:2، المغني 624:2، الشرح الكبير 628:2، المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 69:6، فتح العزيز 68:6.
3- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 66:6، فتح العزيز 73:6-74، الوجيز 95:1، حلية العلماء 103:3.

بمثلها و ما يقابل العرض بمثله عندنا، و عند المخالف بنقد البلد(1).

مسألة 151: النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين:

الذهب أو الفضة دون غيرهما، فلو اشتري بأحد النصب في المواشي مال التجارة و قصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

و لو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشتري بأربع من الإبل متاع التجارة و كانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون دينارا أو مائتا درهم، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني و هو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة و هو ربع عشرة أيضا، و إلاّ فلا، و لم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين، و قد سلف.

مسألة 152: إذا اشتري سلعا للتجارة في أشهر متعاقبة، و قيمة كلّ واحد نصاب

يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها، و لم يضمّ بعضها إلي بعض.

و إن كانت الاولي نصابا فحال حولها و هي نصاب و حال حول الثانية و الثالثة و قيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم، و من الثاني و الثالث من كلّ أربعين درهما درهم.

و لو كان العرض الأول ليس بنصاب و كمل بالثاني نصابا فحولهما من حين ملك الثاني، و لا يضمّ الثالث إليهما، بل ابتداء الحول من حين ملكه، و تثبت فيه الزكاة - و إن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني، لأنّ قبله نصابا.

مسألة 153: إذا اشتري عرضا للتجارة بأحد النقدين،
اشارة

و كان الثمن

ص: 220


1- المجموع 66:6-67، فتح العزيز 76:6.

نصابا، قال الشيخ رحمه اللّه: كان حول السلعة حول الأصل(1) ، و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أصحاب الرأي، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة و قيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرة فخفيت.

و لأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [لأجله](2) مانعا منها(3).

و لو قيل: إن كان الثمن من مال تجارة بني علي حوله و إلاّ استأنف، كان وجها.

و لو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة، فإن ظهر ربح حتي بلغ به نصابا جري في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: أنّه يبني علي الحول من حين الشراء، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول علي الأقوي من وجهيه(4).

فروع:

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقنية فالأقرب انقطاع حول السائمة، و يبتدئ حول التجارة من يوم الشراء، لاختلاف الزكاتين في القدر و التعلّق، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يبني عليه كالنقدين(5).

و إن كانت للتجارة فالوجه البناء علي حولها.

ب - البناء علي حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب، و لو

ص: 221


1- الخلاف 94:2، المسألة 108، و المبسوط للطوسي 220:1-221.
2- زيادة أثبتناها من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 626:2، الشرح الكبير 635:2-636، المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 58:6، فتح العزيز 53:6-54.
4- المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6.
5- المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6، حلية العلماء 101:3.

اشتراه في الذمة و نقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقدا كان أو ماشية، و ابتدأ حول التجارة من يوم الشراء، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلي هذه الجهة.

ج - لو اشتري عرضا للتجارة بعرض للقنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و قال مالك: لا يدور في حول التجارة إلاّ أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب و الفضة(2).

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة و قصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول، و به قال الشافعي(3) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

و قال أحمد: لا ينقطع، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(4).

و الفرق: أنّ قصد التجارة انقطع، و تعلّقت به حول زكاة أخري.

و لو قصد بالثمن التجارة، فالأقرب عدم الانقطاع، و بني علي حول الأول، لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القيم.

ه - لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة و لم ينو به التجارة لم يبن حول أحدهما علي الآخر إجماعا، لأنّهما مختلفان، و إن أبدله بعرض للقنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن علي حوله إجماعا، لأنّهما مختلفان.2.

ص: 222


1- المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6، حلية العلماء 102:3، المغني 627:2، الشرح الكبير 637:2.
2- حلية العلماء 103:3.
3- المغني 626:2، الشرح الكبير 636:2.
4- المغني 626:2، الشرح الكبير 636:2.

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعا، بل قيمتها و بلوغ القيمة النصاب.

مسألة 154: لا تجتمع زكاة التجارة و المالية في مال واحد
اشارة

اتّفاقا، لقوله عليه السلام: (لا ثني(1) في الصدقة)(2).

فلو ملك نصابا من السائمة فحال الحول، و السوم و نية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا، لأنّها واجبة دون زكاة التجارة، لاستحبابها.

و من قال بالوجوب اختلفوا، فالذي قاله الشيخ - تفريعا علي الوجوب -:

تقديم المالية أيضا(3) ، و به قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوي، لانعقاد الإجماع عليها و اختصاصها بالعين فكانت أولي(4).

و قال أبو حنيفة و الثوري و مالك و أحمد و الشافعي في القديم: يزكّيه زكاة التجارة، لأنّها أحظّ للمساكين، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا(5).

و نمنع اعتبار ترجيح المساكين، بل مراعاة المالك أولي، لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سببا لإضرار المالك و لا موجبة للتحكّم في ماله.

ص: 223


1- أي: لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير 224:1.
2- كنز العمّال 332:6-15902.
3- الخلاف 104:2، المسألة 120، و المبسوط للطوسي 222:1.
4- الام 48:2، المجموع 50:6، فتح العزيز 81:6، حلية العلماء 100:3، المغني 627:2، الشرح الكبير 638:2.
5- المبسوط للسرخسي 170:2، المغني 627:2، الشرح الكبير 638:2، المجموع 50:6، فتح العزيز 81:6، حلية العلماء 100:3، المنتقي للباجي 121:2، و فيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين، علي خلاف ما نسب إليه المصنّف رحمه اللّه، و أمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.
فروع:

أ - لو انتفي السوم ثبتت زكاة التجارة و إن كان النصاب ثابتا، و كذا لو انتفي النصاب و حصل السوم، لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعا، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال، لثبوت المقتضي في آخر الحول، السالم عن معارضة المانع.

و قال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتي يتم حول التجارة، لأنّه أنفع للفقراء(1). و هو ممنوع.

و علي ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب، لأنّه قد زكّي العين فلا يتعلّق بالقيمة.

و قال بعض الجمهور: تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول و هو نصاب(2).

و هو ممنوع، لوجود المانع و هو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشتري أرضا أو نخلا للتجارة فزرعت الأرض و أثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة و اشتداد الحبّ عند تمام الحول، و كانت قيمة الأرض و النخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة و الحبّ زكاة العشر، و يزكّي الأصل زكاه القيمة، و لا تثبت في الثمرة الزكاتان، و به قال أبو حنيفة و أبو ثور(3) ، لأنّ زكاة العشر أحظّ للفقراء فإنّ العشر أكثر من ربع العشر، و لأنّ زكاة المال متّفق عليها.

ص: 224


1- المغني 627:2، الشرح الكبير 639:2.
2- المغني 627:2، الشرح الكبير 639:2.
3- المغني 628:2، الشرح الكبير 641:2.

و قال أحمد: يزكّي الجميع زكاة التجارة، لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(1).

و الفرق: زكاة السوم أولي، علي أنّا نقول بموجبه هناك.

ه - لو اشتري أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(2) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضا، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت و ثبتت زكاة التجارة، لعدم المانع، و إلاّ أوجبنا زكاة المال.

و لو عارضها بأربعين للقنية سقطت زكاة التجارة و انعقد حول المالية من المعارضة.

و لو اشتري أربعين للقنية و أسامها، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - علي الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة و زكاة التجارة علي ما يأتي.

ز - لو اشتري معلوفة للتجارة ثم أسامها، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل، و انعقد حول الماليّة من حين الإسامة، و إن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول، لعدم المانع، و انعقاد حول الماليّة من حين الإسامة.

مسألة 155: إذا نوي بعرض التجارة القنية صار للقنية و سقطت الزكاة

عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّ القنية الأصل، و يكفي في الردّ إلي الأصل مجرّد النيّة، و لأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في

ص: 225


1- المغني 628:2، الشرح الكبير 641:2.
2- المعارضة: بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - 214:3 «عرض».
3- المجموع 49:6-50، حلية العلماء 100:3، المغني 628:2، الشرح الكبير 630:2-631.

العروض، فإذا نوي القنية زال الشرط.

و قال مالك في رواية: لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوي بالسائمة العلف(1).

و الفرق أنّ الإسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلاّ بانتفاء السوم.

و إذا صار العرض للقنية بنيّتها فنوي به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية علي ما قدّمناه، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(2).

تذنيب: لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوي بها الإسامة و قطع نية التجارة انقطع حول التجارة و استأنف حولا للماليّة - و به قال الثوري و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء، و حول السوم لا يبني علي حول التجارة.

و الوجه: أنّها إن كانت سائمة ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - و به قال إسحاق(4) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خاليا عن المعارض فتجب به الزكاة، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة 156: المشهور عندنا و عند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضا
اشارة

- و هو أحد قولي الشافعي(5) - لأنّ الولد بعض الامّ فحكمه حكمها، فلو اشتري جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعة لها، هذا إذا لم تنقص قيمة الأمّ بالولادة، فإن(6) نقصت جعل الولد جابرا بقدر قيمته، لأنّ

ص: 226


1- المغني 628:2، الشرح الكبير 631:2، حلية العلماء 100:3.
2- المغني 629:2، الشرح الكبير 631:2، حلية العلماء 99:3، المجموع 48:6، فتح العزيز 41:6.
3- المغني 629:2، الشرح الكبير 632:2-633.
4- المغني 629:2، الشرح الكبير 633:2.
5- فتح العزيز 65:6.
6- في «ف» و الطبعة الحجرية: فلو.

سبب النقصان انفصاله.

و للشافعي قول آخر: إنّه ليس مال التجارة، لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(1). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله، و لا يبني علي حول الأصل، خلافا للشافعي(2) ، و قد سبق(3).

فروع:

أ - لو اشتري من الماشية السائمة نصابا للتجارة فنتجت، فعندنا تقدّم زكاة المال، و لا يتبع النتاج الأمّهات في الحول، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج، فيبقي سبب التجارة سالما عن المعارض، فينعقد حولها من حين الانفصال، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبني النصاب هنا علي نصاب الأمّهات بمعني أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين دينارا تعلّقت الزكاة به، و لا يضمّ إلي الأمّهات في النصاب، لأنّ الأمّهات لها زكاة بانفرادها، و لا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهما أو أربعة دنانير، و إن كانت قيمة الأمهات نصابا فإشكال.

ج - لو اشتري حديقة للتجارة فأثمرت عنده، و قلنا: إنّ ثمار التجارة مال تجارة، أو اشتراها و هي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة علي ما قدّمناه.

و لا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - و هو أحد وجهي

ص: 227


1- فتح العزيز 65:6.
2- فتح العزيز 66:6.
3- سبق في المسألة 34.

الشافعية(1) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتي تسقط بها زكاة التجارة.

و في الآخر: تسقط، لأنّ المقصود منها ثمارها و قد أخذنا زكاتها(2).

و هو ممنوع.

و كذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

و للشافعية طريقان: أحدهما: طرد الوجهين(3). و الثاني: القطع بعدم السقوط، لبعد الأرض عن التبعية، لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة، و الشجرة حاصلة ممّا أودع في الأرض لا من نفسها(4).

و أمّا الثمار التي أخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضا، و تثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة و إن كانت الماليّة لا تتكرر، و يحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح، لأنّ عليه [بعد](5) بدوّ الصلاح تربية [الثمار](6) للمساكين، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشتري أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع، و الحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية، و للشافعية الوجوه السابقة(7) في الثمرة.

و لو اشتري أرضا للتجارة و زرعها ببذر القنية فعليه العشر في الزرع، و زكاة التجارة في الأرض، و لا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العشر إجماعا.

ه - الدّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.6.

ص: 228


1- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6.
2- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6.
3- أي: الوجهان اللذان تقدّما آنفا.
4- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6-84.
5- زيادة يقتضيها السياق.
6- زيادة يقتضيها السياق.
7- سبق في المسألة 154 الوجهان للشافعي، و انظر: فتح العزيز 83:6، و المجموع 52:6.
الفصل الثاني في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة
مسألة 157: كلّ ما يخرج من الأرض من الغلاّت غير الأربع تستحب فيها الزكاة

إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس و الماش و الأرز و الذرّة و غيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلاّت الأربع - و هو خمسة أوسق - لعموم قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(1).

و القدر المخرج هو العشر إن سقي سيحا أو بعلا أو عذيا، و نصفه إن سقي بالقرب و الدوالي كما في الغلاّت.

و لو اجتمعا حكم للأغلب، فإن تساويا قسّط و يؤخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر، و تثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

و لا زكاة في الخضراوات.

و في ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر، و كذا الدّخن، و الأقرب: الضمّ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

ص: 229


1- صحيح البخاري 133:2، صحيح مسلم 673:2-979، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن الدارقطني 99:2-20، مسند أحمد 403:2، و 97:3، و سنن البيهقي 121:4.

و يدلّ علي استحباب الزكاة بعد ما تقدّم: قول الصادق عليه السلام:

«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» و قال: «جعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شيء أنبتته الأرض إلاّ الخضر و البقول و كلّ شيء يفسد من يومه»(1).

و قال عليه السلام و قد سأله زرارة في الذرة شيء؟ فقال: «الذرّة و العدس و السّلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(2).

أمّا الخضر فلا زكاة فيها إلاّ أن تباع، و يحول علي ثمنها الحول، و تكون الشرائط موجودة فيه، لقول الصادق عليه السلام: «ليس علي الخضر و لا علي البطيخ و لا علي البقول و أشباهه زكاة إلاّ ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة»(3).

و سأل زرارة الصادق عليه السلام هل في القضب(4) شيء؟ قال:

«لا»(5).

و سأل الحلبي، الصادق عليه السلام ما في الخضرة ؟ قال: «و ما هي ؟» قلت: القضب و البطيخ و مثله من الخضر. فقال: «لا شيء عليه إلاّ أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة» و عن شجر العضاة(6) من الفرسك(7) و أشباهه فيه زكاة ؟ قال: «لا» قلت: فثمنه(8) ؟ قال: «ما حاله.

ص: 230


1- التهذيب 65:4-176، و الكافي 510:3-2.
2- التهذيب 65:4-177.
3- الكافي 511:3-1، التهذيب 66:4-179.
4- القضب: كلّ نبت اقتضب و أكل طريّا. مجمع البحرين 144:2 «قضب».
5- التهذيب 66:4-180.
6- العضاة: كلّ شجر يعظم و له شوك. الصحاح 2240:6 «عضه».
7- الفرسك: ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح 1603:4 «فرسك».
8- في «ف» و التهذيب: قيمته.

عليه الحول من ثمنه فزكّه»(1).

مسألة 158: لا تجب الزكاة في الخيل

بإجماع أكثر العلماء، و به قال - في الصحابة - علي عليه السلام و عمر و ابنه، و في التابعين: عمر بن عبد العزيز و عطاء و النخعي و الشعبي و الحسن البصري، و في الفقهاء: مالك و الشافعي و الأوزاعي و الليث بن سعد و احمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمد(2).

لما رواه علي عليه السلام: «أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق»(3).

و قال عليه السلام: (ليس في الجبهة و لا في النخّة و لا في الكسعة صدقة)(4) و الجبهة: الخيل، و النخة: الرقيق، و الكسعة: الحمير(5).

و قال ابن قتيبة: هي العوامل من الإبل و البقر و الحمير.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء»(6) و عني الإبل و البقر و الغنم.

و للأصل، و لأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه، و لكونه كالحمر.

و قال أبو حنيفة: إن كانت ذكورا و إناثا وجب فيها، و إن كانت إناثا منفردة فروايتان، و كذا إن كانت ذكورا منفردة، لما رواه الصادق عليه السلام عن الباقر

ص: 231


1- الكافي 512:3-3، التهذيب 67:4-182.
2- المغني 486:2-487، المجموع 339:5، بداية المجتهد 252:1، بدائع الصنائع 34:2، حلية العلماء 13:3.
3- سنن البيهقي 118:4، و شرح معاني الآثار 28:2، و مسند أحمد 121:1 و 145.
4- سنن البيهقي 118:4، و غريب الحديث - للهروي - 7:1.
5- قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - 7:1.
6- التهذيب 2:4-2، الاستبصار 2:2-2.

عليه السلام عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار)(1).

و لأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(2).

و الحديث محمول علي الاستحباب، و النعم يضحّي بجنسها، و تجب(3) فيها من عينها، بخلاف الخيل.

مسألة 159: أجمع علماؤنا علي استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الأنوثة و الحول، لأنّ زرارة قال للصادق عليه السلام: هل في البغال شيء؟ قال: «لا» فقلت: فكيف صار علي الخيل و لم يصر علي البغال ؟ فقال: «لأنّ البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس علي الخيل الذكور شيء» قال، قلت: هل علي الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شيء؟ فقال: «لا، ليس علي ما يعلف شيء، إنّما الصدقة علي السائمة المرسلة في مرجها(4) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوي ذلك فليس فيه شيء»(5).

مسألة 160: قدر المخرج عن الخيل

عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول، و عن البرذون دينار واحد عند علمائنا، لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «وضع أمير المؤمنين عليه السلام علي الخيل العتاق الراعية في كلّ

ص: 232


1- سنن البيهقي 119:4.
2- المغني 486:2-487، بدائع الصنائع 34:2، حلية العلماء 13:3-14، فتح الباري 255:3.
3- أي: تجب الزكاة.
4- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: مراحها. و ما أثبتناه من المصادر، و المرج: الموضع الذي ترعي فيه الدواب. الصحاح 340:1، القاموس المحيط 207:1 «مرج».
5- الكافي 530:3-2، التهذيب 67:4-68-184.

فرس في كلّ عام دينارين، و جعل علي البراذين دينارا»(1).

و قال أبو حنيفة: يتخيّر صاحبها إن شاء أعطي من كلّ فرس دينارا، و إن شاء قوّمها و أعطي ربع عشر قيمتها، لما رواه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام عن جابر: (أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار)(2).

و هو دليل لنا لا له.

مسألة 161: العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله،

و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب، للعموم، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العشر، فإن بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة، لوجود المقتضي، و لا تستحب الزكاة في شيء غير ذلك من الأثاث و الأمتعة و الأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

ص: 233


1- الكافي 530:3-1، التهذيب 67:4-183، الإستبصار 12:2-34.
2- بدائع الصنائع 34:2، المغني 486:2-487، فتح الباري 255:3، حلية العلماء 14:3، و انظر أيضا: سنن البيهقي 119:4.

ص: 234

المقصد الرابع في الإخراج
اشارة

و فيه فصول:

الأول: في من تخرج الزكاة إليه.
اشارة

و فيه مباحث

ص: 235

ص: 236

الأول: في الأصناف
مسألة 162: أصناف المستحقين للزكاة ثمانية

بإجماع العلماء، و هم الذين ذكرهم اللّه تعالي في قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1).

و قد اختلف الفقهاء في الفقراء و المساكين أيّهما أسوأ حالا، فقال الشيخ: الفقير: الذي لا شيء له، و المسكين هو: الذي له بلغة من العيش لا تكفيه(2). فجعل الفقير أسوأ حالا، و به قال الشافعي و الأصمعي(3) ، لأنّه تعالي بدأ به، و الابتداء يدلّ علي شدّة العناية و الاهتمام في لغة العرب.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله استعاذ من الفقر(4) ، و قال: (اللّهم أحيني مسكينا، و أمتني مسكينا، و احشرني في زمرة المساكين)(5).

ص: 237


1- التوبة: 60.
2- المبسوط للطوسي 246:1، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 206.
3- المجموع 196:6-197، حلية العلماء 151:3-152، المغني 313:7.
4- سنن النسائي 261:8، سنن البيهقي 12:7، المستدرك - للحاكم - 540:1-541، مسند أحمد 305:2، 325، 354.
5- سنن الترمذي 577:4-2352، سنن ابن ماجة 1381:2-4126، سنن البيهقي 12:7، المستدرك - للحاكم - 322:4.

و لقوله تعالي أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (1) و هي تساوي جملة من المال.

و لأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار و ذلك مهلك.

و قال آخرون: المسكين أسوأ حالا من الفقير(2). و به قال أبو حنيفة و الفراء و ثعلب و ابن قتيبة، و اختاره أبو إسحاق(3) ، لقوله تعالي أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (4) و هو المطروح علي التراب، لشدّة حاجته، و لأنّه يؤكّد به، و لقول الشاعر:

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد(5)

و المروي عن أهل البيت عليهم السّلام هذا، قال الصادق عليه السلام: «الفقير: الذي لا يسأل، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم»(6).

و لا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب، لأنّ الزكاة تدفع إلي كلّ منهما، و العرب تستعمل كلّ واحد منهما في معني الآخر.

نعم يحتاج إلي الفرق بينهما في باب الوصايا و النذور و غيرهما، و الضابط في الاستحقاق: عدم الغني الشامل لهما.

مسألة 163: قد وقع الإجماع علي أنّ الغني لا يأخذ شيئا من الزكاة

من

ص: 238


1- الكهف: 79.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 39، و سلاّر في المراسم: 132.
3- المبسوط - للسرخسي - 8:3، اللباب 153:1-154، المجموع 196:6، حلية العلماء 152:3، المغني 313:7، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة -: 188، أحكام القرآن - للجصّاص - 122:3.
4- البلد: 16.
5- البيت للراعي، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - 114:9.
6- الكافي 501:3-16، التهذيب 104:4-297.

نصيب الفقراء، للآية(1) ، و لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني)(2).

و لكن اختلفوا في الغني المانع من الأخذ، فللشيخ قولان، أحدهما:

حصول الكفاية حولا له و لعياله(3) ، و به قال الشافعي و مالك(4) ، و هو الوجه عندي، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَي اللّهِ (5) أي المحاويج إليه، و من لا كفاية له محتاج.

و قوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة إلاّ لثلاثة:.. رجل أصابته فاقة حتي يجد سدادا من عيش، أو قواما من عيش)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تحل(7) لغني» يعني الصدقة، قال هارون بن حمزة فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟ قال:

«فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»(8).0.

ص: 239


1- التوبة: 60.
2- سنن أبي داود 118:2-1634، سنن ابن ماجة 589:1-1839، سنن الترمذي 42:3-652، سنن النسائي 99:5، المستدرك - للحاكم - 407:1، مسند أحمد 164:2، 192، 389 و 375:5.
3- الخلاف، كتاب قسم الصدقات، المسألة 24، المبسوط للطوسي 256:1.
4- المجموع 193:6، حلية العلماء 153:3، المغني 522:2 و 315:7، الشرح الكبير 689:2.
5- فاطر: 15.
6- صحيح مسلم 722:2-1044، سنن أبي داود 120:2-1640، سنن الدارقطني 120:2-2، سنن الدارمي 396:1، و فيها بدل (لا تحل الصدقة): (لا تحل المسألة).
7- في المصدر: «لا تصلح».
8- التهذيب 51:4-130.

و في رواية سماعة: «و قد تحلّ لصاحب سبعمائة، و تحرم علي صاحب خمسين درهما» (قلت)(1) له: كيف هذا؟ فقال: «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير، فلو قسّمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فإنّه تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء اللّه»(2).

و القول الثاني للشيخ: أنّ الضابط: من يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه(3) ، و به قال أبو حنيفة(4) ، لقوله عليه السلام لمعاذ: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و تردّ في فقرائهم)(5).

و للمنافاة بين جواز أخذها و وجوب دفعها.

و الجواب: أنّه عليه السلام لم يقصد بيان مصرف الزكاة، و ما قلنا بيان له فكان أولي، و نمنع التنافي.

و قال أحمد: إذا ملك خمسين درهما لم يجز له أن يأخذ(6) ، لقوله عليه السلام: (من سأل و له ما يغنيه جاء يوم القيامة و في وجهه خدوش) قيل: يا رسول اللّه ما الغني ؟ قال: (خمسون درهما)(7).2.

ص: 240


1- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: قيل.
2- الكافي 561:3-562-9، التهذيب 48:4-127.
3- الخلاف 146:2، المسألة 183.
4- المبسوط للسرخسي 14:3، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 115:1، المغني 523:2 و 315:7، حلية العلماء 153:3.
5- صحيح البخاري 130:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 104:2 - 105-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 3:5-4، و سنن البيهقي 96:4، بتفاوت يسير في الجميع.
6- المغني 522:2، الشرح الكبير 688:2، حلية العلماء 153:3.
7- سنن ابن ماجة 589:1-1840، سنن أبي داود 116:2-1626، سنن النسائي 97:5، و مسند أحمد 441:1 بتفاوت في الجميع، و انظر أيضا: المغني 522:2، و الشرح الكبير 688:2.

و هو محمول علي أنّه إذا كان تحصل به الكفاية علي ما فسّره أهل البيت عليهم السّلام.

و قال الحسن البصري و أبو عبيد: الغني: من يملك أربعين درهما(1) ، لما روي أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من سأل و له قيمة أوقية فقد ألحف(2)(3) و الأوقية: أربعون درهما(4).

و لا دلالة فيه.

و في رواية عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما»(5).

و لا حجّة فيه أيضا، لأنّ حولان الحول عليها يدلّ علي استغنائه عنها فيحرم عليه أخذها.

مسألة 164: لو كان له بضاعة يتّجر بها أو ضيعة يستغلّها،
اشارة

فإن كفاه الغلّة له و لعياله، أو الربح لم يجز له أن يأخذ الزكاة، و إن لم يكفه جاز أن يأخذ من الزكاة ما يتمّ به كفايته، و لم يكلّف الإنفاق من البضاعة و لا من ثمن الضيعة، لما فيه من التضرّر.

و لأنّ سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال:

«نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه و عياله، فإن

ص: 241


1- المغني 523:2، الشرح الكبير 689:2، الأموال - لأبي عبيد -: 550-551.
2- ألحف في المسألة: إذا ألحّ فيها و لزمها. النهاية لابن الأثير 237:4.
3- سنن أبي داود 116:2-117-1628، سنن النسائي 98:5، سنن الدارقطني 118:2-1، مسند أحمد 7:3 و 9، شرح معاني الآثار 20:2، و انظر أيضا: المغني 523:2، و الشرح الكبير 689:2.
4- انظر: الصحاح 2527:6.
5- التهذيب 51:4-131.

لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا»(1) فقد نصّ علي جواز الأخذ مع عدم الاكتفاء بالغلّة مع قطع النظر عن الثمن.

و لا فرق بين الدار و البضاعة و الضيعة، إذ المشترك - و هو المالية - هو الضابط دون خصوصيّات الأموال.

فروع:

أ - لو لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة و إن لم يملك شيئا، و إن كان محتاجا حلّت له الصدقة و إن ملك نصبا سواء في ذلك الأثمان و غيرها، و به قال مالك و الشافعي(2) ، لأنّ الحاجة هي: الفقر، و ضدّها: الغني، فمن كان محتاجا فهو فقير، و من استغني دخل في عموم النصوص المحرّمة.

ب - لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا و إن ملك نصبا، و به قال الثوري و النخعي و ابن المبارك و إسحاق و غيرهم(3).

ج - لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحلّ له الصدقة، و به قال الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و ابن المنذر(4) ، لقوله عليه السلام: (لا تحل الصدقة لغني و لا لقوي مكتسب)(5).

ص: 242


1- التهذيب 48:4-49-127 و 107-108-308، الكافي 561:3-4، و الفقيه 17:2-18-57.
2- المغني 522:2، الشرح الكبير 689:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 115، المجموع 197:6.
3- المغني 522:2، الشرح الكبير 688:2.
4- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2، المجموع 190:6، المنتقي للباجي 152:2.
5- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن النسائي 99:5-100، سنن البيهقي 14:7، و مسند أحمد 224:4 و 362:5، و في الجميع: (لا حظّ فيها لغني..).

و لأنّه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقراء.

و قال أبو يوسف: إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح، و أرجو أن يجزئه(1).

و قال أبو حنيفة و محمد و زفر: يجوز دفع الزكاة إليه، لأنّه ليس بغني(2) ، لما مرّ من قوله عليه السلام: (أعلمهم أنّ عليهم الصدقة)(3).

د - لو ملك نصابا زكويّا أو نصبا تقصر عن مئونته و مئونة عياله حلّت له، و به قال الشافعي و أحمد(4) ، لأنّه لم يملك ما يغنيه، و لا يقدر علي كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي، و لأنّ الفقر: الحاجة. و هي متحقّقة فيه.

و قال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ، لأنّه تجب عليه الزكاة فلا تجب له، للخبر(5).

و الغني المانع من الأخذ ليس هو الغني الموجب للدفع.

ه - لو كان له مال معدّ للإنفاق و لم يكن مكتسبا و لا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولا كاملا له و لعياله و من يمونه، لأنّ كلّ واحد منهم مقصود دفع حاجته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد، لأنّه لا يسمّي فقيرا بالعادة.

و يحتمل أن يمنع من الزكاة حتي يخرج ما معه بالإنفاق.

و الحقّ: الأول، لما روي من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو2.

ص: 243


1- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2.
2- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 163.
4- المجموع 197:6، المغني 524:2، الشرح الكبير 689:2.
5- الهداية للمرغيناني 114:1، المبسوط للسرخسي 14:3، بداية المجتهد 276:1، المجموع 197:6، المغني 524:2، الشرح الكبير 689:2.

سبعمائة مع التكسب القاصر(1) ، فمع عدمه أولي.

و - لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب و إن قصر عن الكفاية، فلو كان له عائلة جاز أن يأخذ لعياله حتي يصير لكلّ واحد منهم ما يحرم معه الأخذ، لأنّ الدفع إنّما هو إلي العيال و هذا نائب عنهم في الأخذ.

ز - لو كان للولد المعسر، أو الزوجة الفقيرة، أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون، و كلّ منهم ينفق علي من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم، لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة، فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.

و إن لم ينفق أحد منهم و تعذّر ذلك جاز الدفع إليهم، كما لو تعطّلت منفعة العقار.

مسألة 165: و يعطي من ادّعي الفقر إذا لم يعلم كذبه

سواء كان قويّا قادرا علي التكسب أو لا، و يقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخا ضعيفا أو شابا ضعيف البنية أو زمنا أو كان سليما قويّ البنية جلدا، و هو أحد وجهي الشافعية(2) ، لأنّ رجلين أتيا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هو يقسّم الصدقة، فسألاه شيئا منها، فصعّد بصره فيهما و صوّبه(3) ، و قال لهما: (إن شئتما أعطيتكما و لا حظّ فيها لغني و لا ذي قوة مكتسب)(4) و دفع إليهما و لم يحلّفهما.

و الثاني للشافعي: أنّه يحلف إن كان قويّا في بنيته ظاهرة الاكتساب، لأنّ

ص: 244


1- انظر: المعتبر: 278، و الكافي 560:3-1.
2- الام 73:2، المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 195:6، الوجيز 294:1، حلية العلماء 151:3-152.
3- صوّبه: خفضه. النهاية لابن الأثير 57:3.
4- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن النسائي 99:5-100، سنن البيهقي 14:7، مسند أحمد 224:4 و 362:5 بتفاوت يسير.

ظاهره يخالف ما قاله(1).

و ليس بجيّد، لأنّه مسلم ادّعي ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه.

و لو عرف له مال و ادّعي ذهابه، قال الشيخ: يكلّف البيّنة، لأنّه ادّعي خلاف الظاهر، و الأصل البقاء(2) ، و به قال الشافعي(3).

و الأقرب: أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلا علي صحة اخبار المسلم. و كذا البحث في العبد لو ادّعي العتق أو الكتابة.

و لو ادّعي حاجة عياله، فالوجه القبول من غير يمين، لأنّه مسلم ادّعي أمرا ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه.

و يحتمل الإحلاف، لإمكان إقامة البيّنة علي دعواه. و للشافعي كالوجهين(4).

مسألة 166: العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة

و هم السّعاة في جباية الصدقات عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(5) ، لقوله تعالي إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها (6).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوله تعالي إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها أ كلّ هؤلاء يعطي ؟: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا»(7).

ص: 245


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 195:6، الوجيز 294:1، حلية العلماء 151:3-152.
2- المبسوط للطوسي 247:1.
3- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 195:6، حلية العلماء 152:3.
4- المجموع 197:6، حلية العلماء 152:3.
5- الام 71:2-72، المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، الوجيز 292:1، حلية العلماء 149:3، تفسير الرازي 110:16.
6- التوبة: 60.
7- الكافي 496:3-1، التهذيب 49:4-128، الفقيه 2:2-3-4.

و قال أبو حنيفة: يعطي عوضا و اجرة لا زكاة، لأنّه لا يعطي إلاّ مع العمل، و لو فرّقها الإمام أو المالك لم يكن له شيء، و الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا، و لأنّه يأخذها مع الغني و الصدقة لا تحلّ لغني(1).

و لا يلزم من توقّف الإعطاء علي العمل سقوط الاستحقاق، و المدفوع ليس عوضا، بل استحقاقا مشروطا بالعمل.

و نمنع عدم الدفع إلي الغني مطلقا، لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر، و ابن السبيل يأخذ و إن كان غنيّا في بلده فكذا هنا.

مسألة 167: يجب علي الإمام أن يبعث ساعيا في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبعثهم في كلّ عام، فيجب اتّباعه، و لأنّ تحصيل الزكاة غالبا إنّما يتمّ به، و تحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتمّ إلاّ به.

إذا ثبت هذا فينبغي للإمام أن يوصيه كما وصّي أمير المؤمنين عليه السلام عامله.

قال الصادق عليه السلام: «بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدّقا من الكوفة إلي باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوي اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثرنّ دنياك علي آخرتك، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ اللّه فيه حتي تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتي تقوم بينهم فسلّم عليهم، و قل: يا عباد اللّه أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم حقّ فتؤدّوه إلي وليّه ؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلاّ خيرا.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه، فإنّ أكثره له، فقل له: يا عبد اللّه

ص: 246


1- بدائع الصنائع 44:2، تحفة الفقهاء 299:1.

أ تأذن لي في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلّط عليه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثم خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثم اصدع الباقي صدعين، ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له فلا تزال كذلك حتي يبقي ما فيه وفاء لحقّ اللّه عزّ و جلّ في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أوّلا حتي تأخذ حقّ اللّه في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشيء منها، ثم احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جل.

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يفرّق بينهما، و لا يصرّنّ(1) لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها، و لا يجهد بها ركوبا، و ليعدل بينهن في ذلك، و ليوردهن كلّ ماء يمرّ به، و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلي جوادّ الطرق في الساعة التي فيها تريح(2) و تغبق(3) و ليرفق بهنّ جهده حتي تأتينا بإذن اللّه سحاحا(4) سمانا غير متعبات و لا مجهدات، فنقسمهنّ بإذن اللّه علي كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّي اللّه عليه و آله علي أولياء اللّه فإنّ ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك، ينظر اللّه إليها و إليك و إلي جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: ما ينظر اللّه عزّ و جلّ إلي وليّ له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة لإمامه إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلي».».

ص: 247


1- الصرار - وزان كتاب - خرقة تشدّ علي أطباء الناقة لئلاّ يرتضعها فصيلها. و أطباء جمع طبي. و هي لذات الخف و الظلف كالثدي للمرأة. المصباح المنير: 338 و 369.
2- الإراحة: ردّ الإبل و الغنم من العشي الي مراحها حيث تأوي إليه ليلا. لسان العرب 464:2 «روح».
3- الغبوق: الشرب بالعشي. الصحاح 1535:4 «غبق».
4- سحت الشاة: اسمنت. و غنم سحاح: أي سمان. الصحاح 373:1 «سحح».

ثم بكي الصادق عليه السلام، و قال لبريد بن معاوية: «يا بريد و اللّه ما بقيت للّه حرمة إلاّ انتهكت، و لا عمل بكتاب اللّه و لا سنّة نبيّه صلّي اللّه عليه و آله في هذا العالم، و لا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض اللّه أمير المؤمنين عليه السلام، و لا عمل بشيء من الحقّ إلي يوم الناس هذا».

ثم قال: «أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي حتي يحيي اللّه الموتي، و يميت الأحياء، و يردّ الحق إلي أهله، و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه و نبيّه صلّي اللّه عليه و آله، فأبشروا ثم أبشروا، و اللّه ما الحقّ إلاّ في أيديكم»(1).

مسألة 168: إذا تولّي الرجل إخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها،

لأنّه إنّما يأخذ بالعمل.

و كذا لو تولّي الإمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحق شيئا، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال، لأنّه يتولّي أمور المسلمين، و هذا من جملة المصالح.

أمّا الساعي فإن رأي الإمام أن يجعل له اجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة، و إن لم يجعل له شيئا كان له نصيب من الزكاة.

و يتخيّر الإمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة بأجرة معلومة، أو يعقد له جعالة، فإذا عمل ما شرط عليه، فإن كان أجر مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردودا علي أهل السّهمان، و إن كان السهم أقلّ من أجرته جاز للإمام أن يعطيه الباقي من بيت المال، لأنّه من المصالح، و هو أحد قولي الشافعي(2).

و يجوز أن يعطيه من باقي الصدقة و يقسّم الفاضل عن أجرته بين باقي المستحقين، لأنّ الفاضل لمّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم، و هو القول الثاني للشافعي(3).

ص: 248


1- الكافي 536:3-538-1، التهذيب 96:4-97-274.
2- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
3- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.

و له ثالث: تخيير الإمام بينهما(1) كما قلناه.

و له رابع: أنّه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السّهمان فضل، و إن فضل أخذ من الصدقة(2).

و الوجه: أنّه لا يشترط تقدير الأجرة أو السهم، لأنّ له نصيبا بفرضه تعالي، فلا يشترط في استعماله غيره.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي ما يعطي المصدّق ؟ قال:

«ما يري الإمام، و لا يقدّر له شيء»(3).

مسألة 169: و اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لهم نصيب من الزكاة

بالنص و الإجماع، و هم الذين يستمالون إلي الجهاد بالإسهام و إن كانوا كفّارا، و حكمهم باق عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و الزهري و أحمد، و نقله الجمهور عن الباقر عليه السلام(4) - للآية(5) ، فإنّه تعالي سمّي المؤلّفة في الأصناف الذين سمّي الصدقة لهم.

و روي زياد بن الحارث الصدائي، قال: أتيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فبايعته، قال: فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إنّ اللّه لم يرض بحكم نبي و لا غيره في الصدقات حتي حكم فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك)(6).

و من طريق الخاصة: رواية سماعة، قال: سألته عن الزكاة لمن يصلح

ص: 249


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
2- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
3- الكافي 563:3-13، التهذيب 108:4-311.
4- المغني 526:2، الشرح الكبير 693:2.
5- التوبة: 60.
6- سنن أبي داود 117:2-1630، سنن البيهقي 174:4 و 6:7.

أن يأخذها؟ قال: هي محلّلة للّذين وصف اللّه في كتابه لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (1) الحديث(2).

و قال الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي: انقطع سهم المؤلّفة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لأنّ اللّه تعالي أعزّ الإسلام، و أغناه عن أن يتألّف عليه رجال فلا يعطي مشرك تألّفا بحال. و روي هذا عن عمر(3).

و هو مدفوع بالآية(4) ، و بعمل النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي أن مات، و لا يجوز ترك الكتاب و السنّة إلاّ بنسخ، و النسخ لا يثبت بعد موته عليه السلام، فلا يجوز ترك الكتاب و السنّة بمجرّد الآراء و التحكّم، و لا بقول صحابي.

علي أنّهم لا يعملون بقول الصحابي إذا عارض القياس فكيف إذا عارض الكتاب و السنّة! قال الزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلّفة(5).

علي أنّ ما ذكروه لا يعارض حكم الكتاب و السنّة، فإنّ الاستغناء عنهم لا يوجب رفع حكمهم، و إنّما يمنع عطيّتهم حال الغني عنهم، فإذا دعت الحاجة إلي إعطائهم أعطوا، كما أنّ باقي الأصناف إذا عدم منهم صنف في زمان سقط حكمه في ذلك الزمان، فإذا وجد عاد حكمه.

قال الشيخ: يجوز للإمام القائم مقام النبي عليه السلام أن يتألّف2.

ص: 250


1- التوبة: 60.
2- الكافي 560:3-9، التهذيب 48:4-127.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 114، التفريع 298:1، المنتقي للباجي 153:2، المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6، حلية العلماء 155:3، المغني 526:2، الشرح الكبير 693:2، المبسوط للسرخسي 9:3، بدائع الصنائع 45:2.
4- التوبة: 60.
5- المغني 526:2.

الكفّار، و يعطيهم سهمهم الذي سمّاه اللّه تعالي، و لا يجوز لغير الإمام القائم مقامه عليه السلام ذلك، و سهم المؤلّفة مع سهم العامل ساقط اليوم(1).

مسألة 170: قال الشيخ: المؤلّفة عندنا هم: الكفّار الذين يستمالون بشيء من الصدقات إلي الإسلام

يتألّفون ليستعان بهم علي قتال المشركين، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام(2).

و قال المفيد رحمه اللّه: المؤلّفة ضربان: مسلمون و مشركون(3) ، و به قال الشافعي(4).

و هو الأقوي عندي، لوجود المقتضي و هو المصلحة الناشئة من الاجتماع و الكثرة علي القتال.

و قسّم الشافعي المؤلّفة قسمين: مشركون و مسلمون(5) ، فالمشركون ضربان: أحدهما: من له نيّة حسنة في الإسلام و المسلمين فيعطي من غير الصدقة، بل من سهم المصالح لتقوي نيّتهم في الإسلام فيميلون إليه فيسلمون.

لما روي أنّ صفوان بن أميّة لمّا أعطاه النبي صلّي اللّه عليه و آله يوم فتح مكة خرج معه إلي هوازن، و استعار النبي صلّي اللّه عليه و آله منه ثلاثين درعا، و كانت أوّل الحرب علي المسلمين، فقال قائل: غلبت هوازن و قتل محمد صلّي اللّه عليه و آله، فقال صفوان: بفيك الحجر، لربّ من قريش أحب إلينا

ص: 251


1- المبسوط للطوسي 249:1.
2- المبسوط للطوسي 249:1.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 279.
4- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6، الوجيز 293:1، حلية العلماء 154:3.
5- رفعهما بناء علي تقدير مبتدأ محذوف.

من ربّ من هوازن(1).

و لمّا أعطي النبي صلّي اللّه عليه و آله العطايا، قال صفوان: ما لي، فأومأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي واد فيه إبل محمّلة، فقال: (هذا لك) فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشي الفقر(2).

الثاني: مشركون لم يظهر منهم ميل إلي الإسلام، و لا نيّة حسنة في المسلمين لكن يخاف منهم، فإن أعطاهم كفّوا شرّهم و كفّ غيرهم معهم.

روي ابن عباس أنّ قوما كانوا يأتون النبي صلّي اللّه عليه و آله، فإن أعطاهم مدحوا الإسلام و قالوا: هذا دين حسن، و إن منعهم ذمّوا و عابوا(3).

فهذان الضربان هل يعطون بعد موت النبي عليه السلام ؟ قولان:

أحدهما: يعطون، لأنّه عليه السلام أعطاهم، و معني العطاء موجود.

و الثاني: لا يعطون، لأنّ مشركا جاء إلي عمر يلتمس المال فلم يعطه، و قال: من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر(4) ، و لأنّه تعالي أظهر الإسلام و قمع المشركين، فلا حاجة بنا إلي ذلك.

فإن قلنا: يعطون، فإنّهم يعطون من سهم المصالح لا من الزكاة، لأنّها لا تصرف إلي المشركين.

و هو ممنوع، للآية(5).

و أما المؤلّفة من المسلمين فعلي أربعة أضرب:

ضرب أشراف مطاعون، علم صدقهم في الإسلام، و حسن نيّتهم فيه، إلاّ أنّ لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلامي.

ص: 252


1- سنن البيهقي 18:7-19 نحوه.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.
3- عنه في الدرّ المنثور - للسيوطي - 251:3، و المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.
4- ذكره ابنا قدامة في المغني 319:7، و الشرح الكبير 693:2.
5- التوبة: 60. و قوله: (و هو ممنوع..) جواب من المصنف عن الشافعي.

فهؤلاء يعطون، لأنّ النبي عليه السلام أعطي عدي بن حاتم و الزبرقان بن بدر(1) مع ثباتهم و حسن نيّتهم.

و ضرب أشراف مطاعون في قومهم نيّاتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا رجي حسن نيّاتهم و ثباتهم فإنّهم يعطون، لأنّه عليه السلام أعطي أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، و أعطي صفوان بن أمية مائة، و أعطي الأقرع بن حابس مائة، و أعطي عيينة مائة، و أعطي العباس بن مرداس أقلّ من مائة، فاستعتب فتمّم المائة(2).

و هل يعطون بعد النبي عليه السلام ؟ قولان:

أحدهما: المنع - و به قال أبو حنيفة(3) - لظهور الإسلام، و لأنّ أحدا من الخلفاء لم يعط شيئا من ذلك.

و الثاني: يعطون، لأنّ النبي عليه السلام أعطي، و أعطي أبو بكر عدي ابن حاتم - و قد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة - ثلاثين بعيرا(4).

و حينئذ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلّفة، للآية، أو من سهم المصالح، لأنّه منها؟ قولان.

الضرب الثالث: قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة و طاقة بمن يليهم من المشركين، فإذا جهّز الإمام إليهم جيشا لزمه مئونة ثقيلة، و إذا أعطي من يقربهم من أصحاب القوّة و الطاقة أعانوهم و دفعوا المشركين.2.

ص: 253


1- نقله أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 179:1.
2- صحيح مسلم 737:2-1060، سنن البيهقي 17:7، أسد الغابة 112:3-113.
3- المبسوط للسرخسي 9:3، اللباب 153:1، الميزان للشعراني 14:2، حلية العلماء 155:3.
4- سنن البيهقي 19:7-20، و ذكره أيضا ابنا قدامة في المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.

و الضرب الرابع: مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدّون الزكاة إلاّ خوفا من هؤلاء الأعراب، فإن أعطاهم الإمام جبوها و حملوها إليه، و إن لم يعطهم لم يفعلوا ذلك، و احتاج الإمام إلي مئونة ثقيلة في إنفاذ من يحصّلها، فإنّه يعطيهم.

و من أين يعطيهم ؟ أربعة أقوال:

الأول: من سهم المؤلّفة من الصدقة، لأنّهم يتألّفون علي ذلك.

الثاني: من سهم الغزاة، لأنّهم غزاة أو في معناهم.

الثالث: من سهم المصالح، لأنّ هذا في مصالح المسلمين.

الرابع: من سهم المؤلّفة، و سهم الغزاة من الصدقة.

و اختلف أصحابه في هذا القول، فقال بعضهم: إنّما أعطاهم من السهمين بناء علي جواز أخذ من اجتمع فيه سببان بهما، و علي المنع لا يعطون منهما.

و قال آخرون: يعطون من السهمين، لأنّ معناهما واحد و هو أنّه يعطي منهما، لحاجتنا إليهم و هم المؤلّفة و الغزاة، بخلاف أن يكون فقيرا و غازيا، لاختلاف السببين.

و قال آخرون: إنّه أراد أنّ بعضهم يعطي من سهم الغزاة و هم الذين يغزون منهم، و بعضهم من سهم المؤلّفة و هم الذين ألّفوا علي استيفاء الزكاة(1).

قال الشيخ: و هذا التفصيل لم يذكره أصحابنا، غير أنّه لا يمتنع أن نقول: إنّ للإمام أن يتألّف هؤلاء القوم و يعطيهم إن شاء من سهم المؤلّفة، و إن شاء من سهم المصالح، لأنّ هذا من فرائض الإمام، و فعله حجّة، و ليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم، و فرضنا تجويز ذلك و الشك فيه و عدم القطع6.

ص: 254


1- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6-199، حلية العلماء 154:3-156.

بأحد الأمرين(1).

مسألة 171: و الرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن،

و أجمع المسلمون عليه، و اختلفوا في المراد.

فالمشهور عند علمائنا: أنّ المراد به صنفان: المكاتبون يعطون من الصدقة، ليدفعوه في كتابتهم. و العبيد تحت الشدّة يشترون و يعتقون، لقوله تعالي وَ فِي الرِّقابِ (2) و هو شامل لهما، فإنّ المراد إزالة رقّيته.

و شرطنا في الثاني الضرّ و الشدّة، لما روي عن الصادق عليه السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة و يعتقها، فقال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم - ثم قال - إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه»(3).

و الجمهور رووا المكاتبين عن علي عليه السلام(4) ، و العبد يشتري ابتداء عن ابن عباس(5).

و روي علماؤنا ثالثا و هو: أنّ من وجب عليه كفّارة في عتق في ظهار و شبهه و لم يجد ما يعتق جاز أن يعطي من الزكاة ما يشتري به رقبة و يعتقها في كفارته.

لرواية علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالم عليه السلام:

«وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو الظهار أو الأيمان و ليس عندهم ما يكفّرون جعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم»(6).

ص: 255


1- المبسوط للطوسي 250:1.
2- التوبة 60:.
3- الكافي 557:3-2، التهذيب 100:4-282.
4- المجموع 200:6، حلية العلماء 158:3، أحكام القرآن لابن العربي 967:2.
5- المغني 322:7، الشرح الكبير 695:2، المجموع 200:6، حلية العلماء 158:3، و الدرّ المنثور للسيوطي 252:3.
6- التهذيب 49:4-50-129، و تفسير القمي 299:1.

قال الشيخ: و الأحوط عندي أن يعطي ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه(1). و هو جيد.

و لو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضرّ و شدّة، و عليه فقهاؤنا.

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعا يدفعها إليه فنظر مملوكا يباع فاشتراه بها فأعتقه فهل يجوز ذلك ؟ قال: «نعم»(2).

و قال الشافعي: المراد بقوله تعالي وَ فِي الرِّقابِ المكاتبون خاصة يعطيهم من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم(3) - و رووه عن علي عليه السلام، و هو مذهب سعيد بن جبير و النخعي و الليث بن سعد و الثوري و أصحاب الرأي - لأنّ مقتضي الآية الدفع إليهم بدليل قوله وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ يريد الدفع إلي المجاهدين، فكذا هنا(4).

و هو لا يمنع ما قلناه.

و قال مالك: المراد به أن يشتري العبيد من الصدقة و يبتدئ عتقهم - و رووه عن ابن عباس و الحسن البصري، و به قال أحمد و إسحاق، و لم يشرطوا الشدة - لقوله تعالي وَ فِي الرِّقابِ و الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلي القنّ كقوله تعالي فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (5)(6).

و نمنع الحصر.5.

ص: 256


1- المبسوط للطوسي 250:1.
2- الكافي 557:3-3، التهذيب 100:4-281.
3- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (كتابته) و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
4- الام 72:2، المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 200:6-201، حلية العلماء 158:3، المغني 322:7، الشرح الكبير 695:2، المبسوط للسرخسي 9:3.
5- النساء: 92.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 114، أحكام القرآن لابن العربي 967:2، تفسير القرطبي 183:8، حلية العلماء 158:3، المغني 321:7 و 322، الشرح الكبير 694:2 و 695.

و أجاب الشافعيّة: بأنّ الزكاة يعود نفعها حينئذ إلي المعطي و يثبت له الولاء.

و نمنع اختصاص النفع بالمعطي و ثبوت الولاء للمعتق علي ما يأتي.

مسألة 172: و الغارمون لهم سهم من الصدقات
اشارة

بالنص و الإجماع، و هم: المدينون في غير معصية، و لا خلاف في صرف الصدقة إلي من هذا سبيله.

و لو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع - و به قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية(1) - لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه، كما لو لم يثبت، و لما فيه من الإغراء بالمعصية، إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضي عنه ما استدانه في معصية أصرّ علي ذلك، فيمنع حسما لمادّة الفساد.

و لقول الرضا عليه السلام: «يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، و إن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له علي الإمام»(2).

و قال أبو إسحاق من الشافعية: يدفع إليه(3) ، لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي و افتقر دفع إليه من سهم الفقراء، و كذلك إذا خرج في سفر معصية، ثم أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

و الفرق: أنّ متلف ماله يعطي للحاجة في الحال، و هنا يراعي الاستدانة في الدين و كان للمعصية، فافترقا.

ص: 257


1- قال النووي في المجموع 208:6: فإن تاب فهل يعطي ؟.. أصحّهما: لا يعطي، و به قال أبو علي بن أبي هريرة.
2- تفسير العياشي 155:1-520.
3- المجموع 208:6، و فيه بعد عنوان التوبة.
فروع:

أ - لو لم يعلم فيما ذا أنفقه، قال الشيخ: يمنع(1) ، لأنّ رجلا من أهل الجزيرة يكنّي أبا محمد سأل الرضا عليه السلام، قلت: فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية ؟ قال: «يسعي في ماله فيردّه عليه و هو صاغر»(2).

و لأنّ الشرط - و هو الإنفاق في الطاعة - غير معلوم.

و قال أكثر علمائنا: يعطي، بناء علي أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو علي الوجه المشروع دون المحرّم. و لأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة علي اعتباره. و في سند الرواية ضعف(3).

ب - لو أنفقه في معصية و تاب احتمل جواز الدفع و عدمه.

و قال الشيخ: يدفع إليه من سهم الفقراء إن كان منهم لا من سهم الغارمين(4). و هو حسن.

ج - لو كان المدفوع كلّ الدين جاز للإمام أن يدفعه إلي الغرماء، لأنّه قد استحقّ عليه الدفع فناب عنه، و لو كان لا يفي و أراد أن يتّجر به دفع إليه، لما فيه من المصلحة.

مسألة 173: الغارمون صنفان:

أحدهما: من استدان في مصلحته و نفقته في غير معصية، و عجز عن أدائه، و كان فقيرا، فإنّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدّي ذلك.

و إن كان غنيّا لم يجز أن يعطي عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و(5) لأنّه

ص: 258


1- النهاية: 306، و فيه: لم يجب عليه القضاء عنه. و حكي المحقق في المعتبر: 280 عنه هكذا: لا يقضي عنه.
2- تفسير العياشي 155:1-520.
3- منهم: ابن إدريس في السرائر: 162، و المحقّق في المعتبر: 280، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 254:1.
4- المبسوط للطوسي 251:1.
5- كذا في جميع النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و الظاهر زيادة حرف الواو.

يأخذ لا لحاجتنا إليه، فاعتبر فقره كالمكاتب و ابن السبيل.

و الثاني: يأخذ لعموم الآية(1)(2).

الثاني: من تحمّل حمالة لإطفاء الفتنة، و سكون (نائرة)(3) الحرب بين المتقاتلين و إصلاح ذات البين، و هو قسمان:

أحدهما: أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمّل رجل ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك، لقوله تعالي وَ الْغارِمِينَ (4).

و لا فرق بين أن يكون غنيّا أو فقيرا، لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمس: غاز في سبيل اللّه، أو عامل عليها، أو غارم..)(5).

و لأنّه إنّما يقبل ضمانه و تحمّله إذا كان غنيّا فيه حاجة إلي ذلك مع الغني، فإن أدّي ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ، لأنّه قد سقط عنه الغرم.

و إن كان قد استدان و أدّاها جاز أن يعطي من الصدقة، و يؤدّي الدين لبقاء الغرم و المطالبة.

الثاني: أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال و لا يعلم من أتلفه، و خشي من الفتنة، فتحمّل ذلك المال حتي سكنت النائرة، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين، لصدق اسم الغرم عليه، و للحاجة إلي إصلاح ذات البين، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.3.

ص: 259


1- التوبة: 60.
2- الأم 72:2، المهذّب للشيرازي 179:1، المجموع 207:6، حلية العلماء 159:3، الحاوي الكبير 508:8.
3- في «ن»: ثائرة بدل نائرة.
4- التوبة: 60.
5- مصنّف عبد الرزاق 109:4-1751، سنن ابن ماجة 590:1-1841، سنن أبي داود 119:2-1635، موطّإ مالك 268:1-29، و مسند أحمد 56:3.

و الثاني: لا يدفع، لأنّ النائرة إنّما تدفع بسبب الدم في العادة، و ما يتعلّق بالدم لا يتعلّق بإتلاف المال كالكفارة(1). و هو ممنوع.

مسألة 174: لسبيل اللّه سهم في الصدقة

بالنص و الإجماع، و اختلف قول الشيخ في معناه.

ففي بعض أقواله: أنه الجهاد(2) يصرف إلي الغزاة الذين يغزون إذا نشطوا، و هم غير الجند المقرّرين الذين هم أهل الفيء - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة(3) - لأنّ العرف في ذلك الغزاة، لقوله تعالي في عدّة مواضع يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (4) يريد الجهاد فوجب حمله عليه.

و في البعض الآخر: أنّه أعمّ من ذلك، و هو كلّ مصلحة و قربة إلي اللّه تعالي، فتدخل فيه الغزاة و معونة الحاج و قضاء الديون عن الحي و الميت و بناء القناطر و عمارة المساجد و جميع المصالح(5).

و هو أولي، لأنّ السبيل هو الطريق، فإذا أضيف إلي اللّه تعالي كان عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلي ثوابه.

و لقول العالم عليه السلام: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون إلي الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون، و قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به، و في جميع سبل الخير»(6).

و قال أحمد: يجوز أن يصرف ذلك في الحج فيدفع إلي من يريد الحج

ص: 260


1- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 207:6.
2- النهاية: 184، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 206.
3- الام 72:2، المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 212:6، حلية العلماء 161:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 114، تفسير القرطبي 185:8، أحكام القرآن لابن العربي 969:2، المبسوط للسرخسي 10:3.
4- التوبة: 111، و المزّمّل: 20.
5- المبسوط للطوسي 252:1، الخلاف، كتاب قسم الصدقات، المسألة 21.
6- التهذيب 49:4-50-129، تفسير القمي 299:1.

- و هو محكي عن ابن عمر - لأنّ رجلا جعل ناقة له في سبيل اللّه فأرادت أمر الحج، فقال لها النبي صلّي اللّه عليه و آله: (اركبيها فإنّ الحج من سبيل اللّه)(1).

و نمنع اختصاص السبيل بالجهاد، أو به و بالحج، و لا يلزم من إرادة أحدهما في بعض الصور انصرافه عند الإطلاق إلي أحدهما.

مسألة 175: و ابن السبيل له سهم في الصدقة

بالنص و الإجماع، و هو المنقطع به و الضيف إذا كان سفرهما مباحا، و لا خلاف في أنّ المجتاز ابن سبيل.

و هل منشئ السفر داخل فيه ؟ منعه الشيخ(2) - و به قال مالك و أبو حنيفة(3) - لأنّه إنّما سمّي ابن سبيل بملازمته الطريق و كونه فيه، و من يريد إنشاء السفر فليس بابن الطريق.

و لقول العالم عليه السلام: «اِبْنِ السَّبِيلِ هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة اللّه فينقطع بهم، و يذهب مالهم، فعلي الإمام أن يردّهم إلي أوطانهم من مال الصدقات»(4).

و قال الشافعي: إنّه داخل(5) ، لأنّه يريد إنشاء سفر لغير معصية فجاز أن يدفع إليه من سهم أبناء السبيل، كمن دخل إلي بلد و نوي إقامة خمسة عشر

ص: 261


1- المغني 327:7، الشرح الكبير 698:2، المجموع 212:6، أحكام القرآن للجصاص 127:3، سنن الدارمي 428:2، و أورد أبو داود في سننه 204:2-1989 ما بمعني الحديث.
2- المبسوط للطوسي 252:1، الخلاف، كتاب قسمة الصدقات، المسألة 22.
3- المغني 328:7، الشرح الكبير 699:2، المجموع 216:6، حلية العلماء 162:3.
4- التهذيب 49:4-50-129، تفسير القمي 299:1.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6 و 216، حلية العلماء 161:3، المغني 328:7، الشرح الكبير 699:2.

يوما، ثم أراد الخروج، فإنّه يدفع إليه من الصدقة و هو منشئ للسفر.

و نمنع كونه منشئا للسفر، و لا يلزم من كونه منشئا بالنسبة إلي القصر كونه كذلك في نفس الأمر، فإنّا نحكم عليه بالغربة، و (بكونه)(1) مسافرا عرفا و إن أقام أكثر من خمسة عشر يوما.

البحث الثاني في الأوصاف
مسألة 176: الإسلام شرط في الأصناف المذكورة إلاّ المؤلّفة

بإجماع العلماء، فلا يجوز إعطاء كافر غير مؤلّف من الزكاة، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما حكي عن الزهري و ابن شبرمة أنّهما قالا: يجوز صرفها إلي المشركين(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز صرف صدقة الفطرة إلي أهل الذمة خاصة(3).

و هو مدفوع بالإجماع.

و لقوله عليه السلام لمعاذ: (أعلمهم أنّ في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(4).

احتجّ الزهري بقوله عليه السلام: (أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم)(5)

ص: 262


1- في نسختي «ط، ف»: يكون.
2- حلية العلماء 170:3، المجموع 228:6.
3- المبسوط للسرخسي 111:3، بدائع الصنائع 49:2، المجموع 228:6، حلية العلماء 170:3، المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بداية المجتهد 282:1.
4- صحيح البخاري 147:2، صحيح مسلم 50:1-29، سنن الترمذي 21:3-625، سنن ابن ماجة 568:1-1783، سنن الدارقطني 136:2-4.
5- مصنف ابن أبي شيبة 177:3 بتفاوت.

و احتجّ أبو حنيفة بأنّ صدقة الفطرة ليس للإمام فيها حق القبض، فجاز دفعها إلي أهل الذمة كالتطوع.

و الأول محمول علي التطوع.

و نمنع العلّة في القياس، و ينتقض بالأموال الباطنة.

ثم التطوع يجوز صرفها إلي الحربي(1) و هذا لا يجوز!؟ و شرط علماؤنا أيضا الإيمان، فلا يعطي غير المؤمن عندنا - خلافا للجمهور، فإنّهم اقتصروا علي الإسلام خاصة(2) - لأنّ مخالف الحقّ محادّ للّه و رسوله فلا تجوز مودّته، و الزكاة معونة و مودّة فلا تصرف إليه.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر، و يحسن رأيه، يعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك ؟ قال: «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية»(3) و هذا الحديث حسن الطريق.

و هل هو مطلق ؟ نصّ علماؤنا علي أنّه في الحج إذا لم يخلّ بشيء من أركانه لا تجب عليه إعادته، أمّا الصلاة و الصوم ففيهما إشكال من حيث إنّ الطهارة لم تقع علي الوجه المشروع، و الإفطار قد يقع (منهم)(4) في غير وقته.ه.

ص: 263


1- أشار المصنّف - رحمه اللّه - بهذه الجملة إلي مذهب الحنفية حيث ذهبوا إلي جواز صرف صدقة التطوع إلي الحربي. انظر: الفتاوي الهندية 188:1.
2- انظر: المغني 515:2، و المجموع 228:6، و بداية المجتهد 282:1.
3- الكافي 545:3-1، علل الشرائع: 373، الباب 102، الحديث 1.
4- في «ط»: منه.

و يمكن الجواب بأنّ الجهل عذر كالتقية، فصحّت الطهارة، و الإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء، كالظلمة الموهمة، فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة مشكلة.

مسألة 177: اختلف علماؤنا في اشتراط العدالة،

فذهب الشيخ و المرتضي إليه إلاّ في المؤلّفة، للاحتياط، و حصول يقين البراءة، و لأنّ الدفع إلي الفاسق إعانة علي المعصية(1).

و الاحتياط لا يستلزم الوجوب و لا تقييد الألفاظ العامة في القرآن، و معارض بالأصل، و نمنع كونه إعانة علي المعصية.

و قال بعض أصحابنا: يشترط مجانبة الكبائر(2) ، لأنّ داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطي من الزكاة شيئا؟ قال: «لا»(3) و لا قائل بالفرق بين الخمر و غيره، فثبوت الحكم فيه يستلزم ثبوته في غيره.

و قال بعض علمائنا: لا تشترط العدالة، و لا مجانبة الكبائر(4) - و هو قول الجمهور - عملا بإطلاق الآية، و الأصل عدم اشتراط ما لم ينطق به.

و لقوله عليه السلام: (أعط من وقعت في قلبك له الرحمة)(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل أعطي سائلا لا أعرفه مسلما: «أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحق، و لا تطعم من نصب

ص: 264


1- المبسوط للطوسي 251:1، الانتصار: 82، و حكي قولهما أيضا المحقق في المعتبر: 281.
2- حكاه أيضا المحقق في المعتبر: 281.
3- الكافي 563:3-15، التهذيب 52:4-138.
4- و هو المحقق في المعتبر: 281.
5- أورده عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في المعتبر: 281، و ورد نصّه عن الإمام الصادق عليه السلام في الكافي 14:4 (باب الصدقة علي من لا تعرفه) الحديث 2، و التهذيب 107:4-307، و الفقيه 39:2-169.

لشيء من الحق، أو دعا إلي شيء من الباطل»(1).

و هو الأقوي، و خبر داود ليس حجّة، لعدم تعيين المسئول، فلعلّه غير الإمام.

مسألة 178: يشترط أن لا يكون الآخذ ممّن تجب نفقته عليه،
اشارة

فلا يجوز له أن يعطي أحدا من والديه و إن بعد كآباء الأبوين و أمّهاتهما، و أبوي أب الأب و امّه، و أبوي أب الأم و أمّها، و هكذا ما علوا، من يرث و من لا يرث، و لا واحدا من أولاده و إن نزلوا من أولاد البنين و البنات و أولاد أولادهم الوارث و غيره، لأنّه من عمود النسب، فأشبه الوارث، و لا زوجته، و لا مملوكه بالإجماع، لأنّه غني به، فلا يجوز دفعها إليه، و لأنّ دفعها إليه يستلزم عود نفعها عليه، لسقوط النفقة عنه حينئذ.

و لقول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:

الأب، و الام، و الولد، و المملوك، و المرأة»(2).

أمّا من لا تجب نفقته من الأقارب فإنّه يجوز دفع الزكاة إليه، بل هو أولي و أفضل من الأجانب، إذ «لا صدقة و ذو رحم محتاج»(3) و لعدم المانع، و كون ذلك صلة للرحم.

و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله إسحاق بن عمار عن إعطاء القرابة من الزكاة: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم»(4).

فروع:

أ - إنّما منعنا من الأخذ للقريب بسبب الفقر أو المسكنة، أمّا لو كان من

ص: 265


1- الكافي 13:4 (باب الصدقة علي من لا تعرفه) الحديث 1، التهذيب 107:4-306.
2- الكافي 552:3-5، التهذيب 56:4-150، الاستبصار 34:2-101.
3- الفقيه 273:4-828.
4- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.

غير هذين فإنّه يجوز له أخذها، كما لو كان الأب أو الولد غازيا، أو مؤلّفا، أو غارما في إصلاح ذات البين، أو عاملا، لعدم المانع، و لأنّ هؤلاء يأخذون مع الغني و الفقر فكان للأب(1) ذلك.

ب - لو كان القريب ممّن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان، سواء كان وارثا أو غير وارث، و هو قول أكثر العلماء و أحمد في رواية(2).

لقوله عليه السلام: (الصدقة علي المسكين صدقة، و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة)(3) فلم يشترط نافلة و لا فريضة، و لم يفرّق بين الوارث و غيره.

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام و قد سئل: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك، و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته ؟ قال:

«نعم»(4).

و عن الكاظم عليه السلام و قد سأله بعض أصحابنا، قلت له: لي قرابة أنفق علي بعضهم، و أفضّل بعضهم علي بعض، فيأتيني إبّان(5) الزكاة أ فاعطيهم منها؟ قال: «أ مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم» قال، قلت: فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتي لا أحسب الزكاة عليه ؟ قال: «أبوك و أمّك» قلت: أبي و أمّي ؟ قال: «الوالدان و الولد»(6).0.

ص: 266


1- في «ف» زيادة: أو غيره.
2- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2، المجموع 229:6.
3- سنن ابن ماجة 591:1-1844، سنن الترمذي 47:3 ذيل الحديث 658، سنن النسائي 92:5، و سنن البيهقي 174:4.
4- الكافي 552:3-7، التهذيب 54:4-144، الإستبصار 35:2-104.
5- إبّان، بالكسر و التشديد: الوقت. الصحاح 2066:5 «ابن».
6- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.

و عن أحمد رواية أخري: منع الموروث، لأنّ علي الوارث مئونة الموروث، فيغنيه بزكاته عن مئونته، و يعود نفع زكاته إليه، فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلي والده أو قضاء دينه(1).

و نمنع وجوب المئونة علي ما يأتي.

ج - لو كان أحدهما يرث الآخر دون العكس كالعتيق مع معتقه، و العمة مع ابن أخيها - عندهم(2) - جاز لكلّ منهما دفع زكاته إلي الآخر عندنا علي ما تقدّم.

و قال أحمد: علي الوارث منهما نفقة موروثة فليس له دفع زكاته إليه، و ليس علي الموروث منهما نفقة وارثه، فلا يمنع من دفع زكاته إليه(3).

و لو كان أخوان لأحدهما ابن، و الآخر لا ولد له، فعلي أبي الابن نفقة أخيه - عنده(4) - فليس له دفع زكاته إليه، و للّذي لا ولد له دفع زكاته إلي أخيه، و لا يلزمه نفقته، لأنّه محجوب عن ميراثه، و نحو هذا قول الثوري(5).

و الحقّ ما ذهبنا نحن إليه.

د - ذوو الأرحام يجوز دفع الصدقة إليهم، و به قال أحمد - علي رواية منع الوارث في الحال التي يرثون فيها - لأنّ قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة و لا ذي فرض غير أحد الزوجين - عنده - فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين، فإنّ ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارث(6).

ه - يعطي من تجب نفقته من غير نصيب الفقراء و المساكين مطلقا، سواء كان عاملا، أو غازيا، أو ابن سبيل، أو غير ذلك إلاّ ابن السبيل، فإنّه2.

ص: 267


1- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
2- أي عند الجمهور.
3- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
4- أي عند أحمد، و انظر: الهامش التالي.
5- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
6- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.

يعطي الزائد عن النفقة مع الحاجة إليه كالحمولة.

مسألة 179: العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(1) ، فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه، لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة، و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل.

و عن أحمد رواية بالمنع، لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته(2).

و لو سلّم لم يضرّ، فإنّه نفع لا يسقط واجبا عنه، إذ العيلولة ليست واجبة.

مسألة 180: يشترط أن لا يكون هاشميّا،

و قد أجمع المسلمون كافة علي تحريم الصدقة المفروضة علي بني هاشم.

لقوله عليه السلام: (إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ الناس)(3).

و أخذ الحسن عليه السلام - و هو صغير - تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (كخ كخ) ليطرحها، و قال: (أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لبني عبد

ص: 268


1- المغني 512:2، الشرح الكبير 712:2.
2- المغني 512:2، الشرح الكبير 712:2.
3- صحيح مسلم 753:2-1072، سنن البيهقي 31:7، موطإ مالك 1000:2 (باب ما يكره من الصدقة) الحديث 13، شرح معاني الآثار 7:2.
4- صحيح البخاري 157:2، سنن الدارمي 387:1، سنن البيهقي 29:7، و مسند أحمد 409:2.

المطلب»(1).

مسألة 181: تحلّ صدقة بعضهم علي بعض

عند علمائنا - و هو محكي عن أبي يوسف(2) - لأنّ مفهوم قوله عليه السلام: (الصدقة أوساخ الناس) ترفّعهم عن غيرهم، و امتياز الجنس عن الجنس بعدم قبول صدقته تنزيها له، فلا ينقدح فيه امتياز أشخاص الجنس بعضها عن بعض لتساويهم في المنزلة، فلا يليق ترفّع بعضهم علي بعض.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصدقة التي حرّمت علي بني هاشم ما هي ؟ قال: «الزكاة» قلت: فتحلّ صدقة بعضهم علي بعض ؟ قال: «نعم»(3).

و أطبق باقي الجمهور علي المنع، للعموم.

و قد بيّنا أنّ مفهومه خروج بني هاشم منه.

مسألة 182: الصدقة المفروضة محرّمة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله

إجماعا.

و أمّا المندوبة، فالأقوي عندي: التحريم أيضا، لعلوّ منصبه، و زيادة شرفه و ترفّعه، فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة، لأنّها تسقط المحلّ من القلب.

و لأنّ سلمان الفارسي أتي النبي صلّي اللّه عليه و آله فحمل إليه شيئا، فقال: (ما هذا؟) فقال: صدقة، فردّه، ثم أتاه به من الغد، فقال:

هديّة، فقبله(4).

ص: 269


1- الكافي 58:4-2، التهذيب 58:4-155، الإستبصار 35:2-106.
2- أحكام القرآن - للجصّاص - 131:3-132.
3- الكافي 59:4-5، التهذيب 58:4-156، الاستبصار 35:2-107.
4- مسند أحمد 354:5، المعجم الكبير 232:6-233-6076 و 244-245-6117 و 249-6121 و 259-6155، المستدرك - للحاكم - 16:2، و شرح معاني الآثار 10:2.

و لعموم قوله عليه السلام: (إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة)(1).

و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّها تحلّ، كما تحلّ لآله(2).

و الفرق: فضيلته عليهم، و تميّزه عنهم.

و الوجه عندي: أنّ حكم الأئمة عليهم السلام حكمه في ذلك.

و أمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة، علي ما تقدّم(3).

و هل تحلّ المندوبة ؟ المشهور ذلك، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(4) ، لأنّ عليّا و فاطمة عليهما السلام وقفا علي بني هاشم(5) ، و الوقف صدقة.

و روي الجمهور عن الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة، فقلت له: تشرب من الصدقة ؟ فقال: «إنّما حرّمت علينا الصدقة المفروضة»(6).

و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء، و من النذور.

و عن أحمد رواية بالمنع، لعموم قوله عليه السلام: (إنّا لا تحلّ لنا الصدقة)(7).2.

ص: 270


1- شرح معاني الآثار 10:2، و صحيح مسلم 751:2 ذيل الحديث 1069، و كنز العمال 457:6-16527 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
2- المجموع 239:6-240، حلية العلماء 169:3، أحكام القرآن - للجصاص - 132:3.
3- تقدم في المسألة 180.
4- المجموع 239:6، حلية العلماء 169:3، المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2.
5- الكافي 48:7-2 و 4.
6- المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، المهذب للشيرازي 183:1، مختصر المزني: 159.
7- المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، و انظر: صحيح مسلم 751:2 ذيل الحديث 1069، و سنن أبي داود 123:2-1650، و مسند أحمد 444:2.

و الجواب: الحمل علي المفروضة، جمعا بين الأدلّة.

أمّا الكفّارة فيحتمل التحريم، لأنّها واجبة، فأشبهت الزكاة.

و الأقوي: الجواز، للأصل و انتفاء المانع، فإنّها ليست زكاة، و لا هي أوساخ الناس.

مسألة 183: و تحلّ الصدقة الواجبة و المندوبة لموالي بني هاشم

- و هم من أعتقهم هاشمي - عند علمائنا أجمع - و هو قول أكثر العلماء، و الشافعي في أحد القولين(1) - لوجود المقتضي و هو: العموم، و أصالة الإباحة، و ثبوت الفقر، و انتفاء المانع و هي القرابة، فلم يمنعوا كسائر الناس، و لأنّهم لم يعوّضوا عنها بالخمس، فإنّهم لا يعطون منه، فلا يجوز أن يحرموها كسائر الناس.

و لقول الصادق عليه السلام: «تحلّ لمواليهم»(2).

و قال أحمد بالتحريم، و هو الثاني للشافعي، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعث رجلا من بني مخزوم علي الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا، حتي آتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فأسأله، فانطلق إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فسأله، فقال: (إنّا لا تحلّ لنا الصدقة، و أنّ موالي القوم منهم)(3).

و لأنّهم ممّن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم(4).

ص: 271


1- المغني 517:2، الشرح الكبير 709:2، المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.
2- التهذيب 60:4-160، الاستبصار 37:2-114.
3- سنن الترمذي 46:3-657، سنن النسائي 107:5، سنن أبي داود 123:2-1650، و سنن البيهقي 32:7.
4- المغني 517:2-518، الشرح الكبير 709:2-710، المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.

و جاز اختصاص أبي رافع بالمنع، لكونه مولي لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فيتميّز عن غيره. و نمنع العلّة في الثاني.

مسألة 184: و قد أجمع العلماء علي تحريم الصدقة علي بني عبد المطلب

و هم الآن أولاد أبي طالب و العباس و الحارث و أبي لهب، لقوله عليه السلام: (يا بني عبد المطّلب [إنّ الصدقة](1) لا تحلّ لي و لا لكم)(2).

و قال عليه السلام: (إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ الصدقة لا تحلّ لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم»(4).

و هل تحرم علي أولاد المطّلب ؟ أكثر علمائنا علي المنع من التحريم(5) ، و به قال أبو حنيفة(6) ، للعموم و الأصل.

و لأنّ بني المطلب و بني نوفل و [بني](7) عبد شمس قرابتهم واحدة، و إذا لم يمنع بنو نوفل و بنو عبد شمس فكذا بنو المطّلب.

و قال الشافعي بالتحريم عليهم(8). و هو قول شاذ للمفيد(9) منّا، لقوله عليه السلام: (نحن و بنو المطّلب هكذا - و شبّك بين أصابعه - لم نفترق في جاهلية و لا إسلام)(10).

ص: 272


1- زيادة من المصدر.
2- المعتبر: 282، و التهذيب 58:4-154.
3- المعتبر: 282، و التهذيب 58:4-155.
4- التهذيب 59:4-158، الاستبصار 35:2-36-109.
5- كما في المعتبر: 282.
6- المغني 518:2، الشرح الكبير 714:2، حلية العلماء 169:3.
7- زيادة تقتضيها العبارة.
8- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 168:3.
9- حكي قوله عن الرسالة العزّية، المحقق في المعتبر: 282.
10- سنن أبي داود 146:3-2980.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلي صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، و لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا، و يكون ممّن تحلّ له الميتة»(1).

و يحمل الأول علي الاتّحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا علي صورة النزاع.

و الثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب، فلا يخصّ به العموم المقطوع.

مسألة 185: و لا تحرم علي زوجات النبي صلّي اللّه عليه و آله

عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء، للعموم و الأصل.

و عن أحمد رواية بالتحريم، لأنّ عائشة ردّت سفرة من الصدقة و قالت:

إنّا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة(2).

و هو نادر لم يعمل به أكثر العلماء، فلا يخصّ به عموم القرآن.

مسألة 186: و لو لم يحصل للهاشمي من الخمس بقدر كفايته جاز أن يأخذ الزكاة المفروضة

عند علمائنا، و به قال أبو سعيد الإصطخري(3) ، لأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخمس، و حرمت عليهم الصدقة، و جعل لهم الخمس في مقابلة ذلك، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة، و لهذا قال النبي صلّي اللّه عليه و آله للفضل بن العباس: (أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس ؟)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم علي النبي و علي الإمام الذي

ص: 273


1- التهذيب 59:4-159، الإستبصار 36:2-111.
2- المغني 519:2، الشرح الكبير 710:2، و انظر: مصنف ابن أبي شيبة 214:3.
3- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.
4- أورده ابن قدامة في المغني 518:2.

يكون بعده و علي الأئمة»(1).

و ليس المراد بذلك حالة الاستغناء بالخمس، لتحريمها عليهم إجماعا، فتعيّن أن يكون حال الضرورة. و فارقوا النبي و الأئمة عليهم السلام، لعلو منصبهم و زيادة شرفهم، فلا تحلّ لهم حال الضرورة.

و قال الباقون بالتحريم(2) ، لأنّ الصدقة حرمت في مقابلة استحقاق خمس الخمس، و الاستحقاق باق و إن لم يكن ما يستحقّ أو لم يصل إليهم و هو ممنوع، بل التحريم في مقابلة الاستغناء، لمفهوم الحديث(3).

البحث الثالث في الأحكام
مسألة 187: لو اجتمع لواحد سببان

يستحقّ بكلّ منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما و بالزائد عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ سبب الاستحقاق موجود في كلّ واحد من النصيبين، فاستحقّ الأخذ، كما أنّ الغانمين إذا كان فيهم مسكين من ذوي القربي استحقّ سهم الحضور و ذي القربي.

و قال في الآخر: لا يجوز الأخذ بهما، بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء(5) ، لأنّ قوله تعالي إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (6) يقتضي

ص: 274


1- الكافي 59:4-6، الفقيه 19:2-65، التهذيب 60:4-161.
2- كالفيروزآبادي في المهذب 181:1، و القفّال الشاشي في حلية العلماء 168:3-169 و أكثر الشافعية كما في المجموع 227:6.
3- و هو قوله عليه السلام: (أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم ؟) الي آخره. و مرّ الحديث آنفا.
4- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 219:6، حلية العلماء 163:3.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 219:6، حلية العلماء 163:3.
6- التوبة: 60.

تغايرهما، و أنّ كلّ صنف غير الصنف الآخر.

و لا حجّة فيه، لعدم دلالة الآية علي تضادّهما، و لأنّ التقدير اجتماعهما و كلّ منهما علّة، فيقتضي معلوله، و هو الاستحقاق.

تذنيب: للإمام أن يعطيه بأحد الوجهين و بهما معا، فإن أعطاه بواحد، فإن كان بالفقر كان أخذا مستقرا، و إن كان بالغرم كان مراعي بقضاء الدّين، و لو كان بالدفع بأحد السببين يخرج من الاندراج تحت السبب الآخر، منع مع الدفع، كالعامل الفقير إذا دفع اليه سهم العمالة فاستغني به.

مسألة 188: يجوز دفع الزكاة إلي صاحب دار السكني و عبد الخدمة و فرس الركوب و ثياب التجمّل،
اشارة

و لا نعلم فيه خلافا، لإمساس الحاجة إلي هذه الأشياء، و عدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلي الغني.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال: «نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج من غلّتها دراهم تكفيه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا»(1).

فروع:

أ - لو كانت دار السكني تزيد عنه و في بعضها كفاية له ففي منعه بسبب الزيادة إذا كانت قيمتها تكفيه حولا إشكال.

ب - لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة لم يكلّف بيعها و شراء الأدون، و كذا في العبد و الفرس.

ج - الوجه اختصاص ذلك بمن يعتاد استخدام العبد و ركوب الفرس

ص: 275


1- الكافي 560:3-561-4، التهذيب 48:4-49-127 و 107-308، و الفقيه 17:2-18-57.

و ثياب التجمّل دون غيره.

د - لو احتاج إلي أكثر من واحد فكالواحد.

مسألة 189: لو قصر التكسّب عن (مئونته)

مسألة 189: لو قصر التكسّب عن (مئونته)(1) و مئونة عياله جاز أن يأخذ الزكاة

إجماعا، و اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: يأخذ قدر التتمة لا أزيد(2) ، لأنّه حينئذ يصير غنيّا فتحرم عليه الزيادة.

و قال آخرون يجوز أن يأخذ أزيد(3). و هو الأقوي، كما يجوز دفع ما يزيد علي الغني إلي الفقير دفعة، و الغني إنّما يحصل بالدفع.

و نحن نمنع من الدفع ثانيا بعد دفع ما يعوزه من المئونة.

مسألة 190: لو كان القريب الذي تحرم الصدقة عليه يحتاج إلي ما يزيد عن نفقته جاز دفع ذلك إليه

كنفقة زوجته و خادمه و التوسعة عليه و قضاء دينه، لثبوت المقتضي و هو الاحتياج.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه تكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج اليه ؟ فقال: «لا بأس»(4).

مسألة 191: يشترط في العامل: البلوغ و العقل
اشارة

إجماعا، لأنّ ذلك نوع ولاية، و الصغير و المجنون ليسا أهلا لها.

و شرط الشيخ الحرّية(5). و به قال الشافعي(6) ، لأنّ الرقّ ينافي الولاية.

ص: 276


1- بدل ما بين القوسين في «ط» و «ن»: كفايته.
2- حكاه المحقق في شرائع الإسلام 159:1-160.
3- ممّن قال بذلك: المحقق في شرائع الإسلام 159:1 و 160.
4- الكافي 561:3-5، التهذيب 108:4-310.
5- المبسوط للطوسي 248:1.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 141:3-142، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.

و لو قيل بالجواز كان وجها، لأنّه نوع استئجار، مع أنّ قول الشيخ لا يخلو من قوة، لأنّه تعالي أضاف إليه بلام التمليك.

و يشترط فيه الإسلام إجماعا - إلاّ رواية عن أحمد أنّه يجوز أن يكون كافرا(1) - لقوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ (2) يعني من دون المسلمين.

و دفع أبو موسي الأشعري إلي عمر حسابا فاستحسنه فقال: من كتب هذا؟ فقال: كاتبي. فقال: و أين هو؟ قال: علي باب المسجد. قال أجنب هو؟ قال: لا و لكن هو نصراني. فقال: لا تأتمنوهم و قد خوّنهم اللّه و لا تقرّبوهم و قد (أبعدهم)(3) اللّه(4).

و لأنّ في ذلك ولاية علي المسلمين و قد قال اللّه تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5) و العموم مخصوص بهذه الأدلّة.

و يشترط فيه: الإيمان و العدالة، لأنّ غير المؤمن فاسق و الفاسق ليس أهلا للأمانة، فلا بدّ و أن يكون أمينا، لأنّه يلي مال غيره.

و يجب أن يكون فقيها في الزكاة ليكون عارفا بقدر الواجب و صفته و مصرفه، و به قال الشافعي(6).

و يجب أن لا يكون من ذوي القربي - و هو أحد وجهي الشافعية، و به قال الشافعي(7) - لأنّ الفضل بن العباس و المطّلب بن ربيعة سألا النبي عليه2.

ص: 277


1- المغني 317:7، الشرح الكبير 690:2.
2- آل عمران: 118.
3- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (بعّدهم) و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
4- راجع: المغني 318:7، و الشرح الكبير 690:2-691.
5- النساء: 141.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3.
7- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.

السلام أن يولّيهما العمالة، فقال لهما: (إنّما الصدقات أوساخ أيدي الناس و أنّها لا تحلّ لمحمد و آل محمد، أ ليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس ؟)(1).

و قال بعض الشافعية: يجوز، لأنّ ما يأخذه أجرة، فلا يمنع القرابة منه، كاجرة النقّال و الحافظ(2).

و يفارق النقّال و الحافظ، لأنّه يأخذ سهما من الصدقة.

فروع:

أ - يجوز أن يكون مولي ذوي القربي عاملا، لأنّه يستحق الزكاة بالفقر عندنا، فكذا بغيره من الأسباب. و للشافعي وجهان(3).

ب - يجوز أن يكون العامل من ذوي القربي، و لا يأخذ أجره من الصدقة، بل يتبرّع بالعمل، أو يدفع إليه الإمام شيئا من بيت المال - و به قال الشافعي(4) - لأنّ المقتضي للمنع الأخذ من الزكاة و هو منتف هنا.

ج - لو كان فقيرا لا يصل إليه من الخمس شيء جاز أن يكون عاملا عندنا، و يأخذ النصيب.

مسألة 192: الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير (تفريط)

مسألة 192: الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير (تفريط)(5) لم يضمن

إجماعا، لأنّ قبضه قبض أمانة، و كان له الأجرة من سهم المصالح إن كان الإمام قد جعل أجرته من بيت المال، و إن لم يجعل له ذلك ففي سقوط

ص: 278


1- راجع صحيح مسلم 752:2-754-167 و 168، و المهذب للشيرازي 175:1، و المغني 518:2.
2- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.
3- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3.
4- المجموع 168:6.
5- في «ن» و «ف»: تفريطه.

الأجرة هنا إشكال ينشأ من أنّه عامل لما يستحق به عوضا فلا تسقط أجرته بتلف ما تعلّقت الأجرة عليه، و من كون الأجرة قد فات محلّها فلا ينتقل إلي محلّ آخر.

و الأقرب: الأول.

مسألة 193: تعطي الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم، و لا يشترط عدالة الأب،
اشارة

لعموم الآية(1).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة ؟: «نعم فإذا بلغوا و عدلوا إلي غيركم فلا تعطوهم»(2).

إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون قد أكل الطعام أو لا عند علمائنا - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3) - لأنّه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم.

و لأنّه يحتاج إلي الزكاة لأجر رضاعه و كسوته و سائر مئونته، فيدخل في عموم النص.

و عنه رواية اخري: أنّه لا يجوز دفعها إلاّ إلي من أكل الطعام(4). و هذا ليس بشيء.

فروع:

أ - لا يجوز الدفع إلي الصغير و إن كان مميّزا، لأنّه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا.

و عن أحمد رواية: جواز دفعها إلي اليتيم المميّز، لأنّ أبا جحيفة قال:

بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ساعيا، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها في

ص: 279


1- التوبة: 60.
2- الكافي 548:3-549-1، التهذيب 102:4-287.
3- المغني 508:2.
4- المغني 508:2.

فقرائنا و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا(1)(2).

و لا دلالة فيه، لاحتمال الدفع إلي وليّه أو من يقوم بأمره، و لأنّه لا حجّة في فعل الساعي.

ب - لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره، فإنّ الدفع إلي الولي، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلي من يقوم بأمره و يعتني بحاله.

ج - حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز، أمّا السفيه فإنّه يجوز الدفع اليه لكن يحجر عليه الحاكم.

د - إنّما يعطي أطفال المؤمنين، لأنّهم بحكم آبائهم، و لا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقا بآبائهم، و كذا أولاد غير المؤمنين. و لو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء الأب و الام، و يأخذ الزكاة حينئذ.

ه - لا يجوز إعطاء المملوك، لأنّه لا يملك، فيكون العطاء لمولاه.

و لأنّه غني بمولاة فلا يستحقّ الزكاة.

مسألة 194: لا يشترط في الغازي الفقر

- و به قال الشافعي(3) - للعموم، و لأنّه كالأجرة، و كذا الغارم لإصلاح ذات البين.

و قال أبو حنيفة: يشترط، لقوله عليه السلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم)(4).

و هو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. و ينتقض بابن السبيل، فإنّه يعطي و إن كان غنيّا في بلده قادرا علي الاستدانة في سفره.

ص: 280


1- القلوص: الناقة الشابة. النهاية لابن الأثير 100:4.
2- المغني 509:2، و انظر: سنن الدارقطني 36:2-7.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 213:6، حلية العلماء 161:3، المبسوط للسرخسي 10:3، بدائع الصنائع 46:2.
4- المبسوط للسرخسي 10:3، بدائع الصنائع 46:2، حلية العلماء 161:3، و انظر: تفسير القرطبي 337:3 و 168:8 و 172.

و معارض بعموم وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (1) و بما رووه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لثلاثة) و ذكر من جملتهم الغازي(2).

مسألة 195: يشترط في المكاتب الإسلام،

فلو كان كافرا لم يجز دفع الزكاة إليه، و به قال الشافعي(3).

و يشترط فيه الحاجة إلي ما يدفعه في الكتابة، فلو كان معه وفاء بما عليه لم يدفع إليه، و به قال الشافعي(4) ، لأنّها جعلت إرفاقا بالمساكين و إعانة للفقراء، فإن كان قد حلّ عليه النجم و ليس معه وفاء دفع إليه.

و إن لم يكن قد حلّ اعطي أيضا، لوجود الحاجة، فإنّه قد يحلّ عليه و ليس معه فيفسخ الكتابة، و للعموم، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر:

لا يجوز، لانتفاء الحاجة في الحال(5). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإذا ادّعي المكاتب الكتابة، فإن صدّقه مولاه قبل، لأنّ الحقّ في العبد له، فإذا أقرّ بالكتابة قبل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يقبل، لإمكان التواطؤ(6).

و ليس بجيّد، لأصالة العدالة.

و إن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة.

و إن تجرّد عنهما إمّا لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير، و العدم، لإمكان إقامة البيّنة عليه، و به قال الشافعي(7).

ص: 281


1- التوبة: 60.
2- مصنف ابن أبي شيبة 210:3، مسند أحمد 31:3 و 97.
3- المجموع 205:6.
4- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 201:6.
5- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 200:6، حلية العلماء 157:3.
6- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 203:6، حلية العلماء 158:3.
7- انظر: المجموع 203:6.
مسألة 196: لو ادّعي الغارم الغرم،

فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر، فإذا علمه الإمام دفع إليه، و إن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدّقه المالك، و هو أحد وجهي الشافعي، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن.

و في الآخر: لا يقبل، لجواز التواطؤ(1).

و لو كذّبه لم يقبل قوله، لظنّ كذبه. و إن تجرّد عن الأمرين قبل، لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يقبل إلاّ بالبيّنة، لأنّه مدّع، فلا يقبل إلاّ بالبيّنة(2).

مسألة 197: إذا قال الغازي: أريد الغزو، قبل قوله

و دفع إليه دفعا مراعي، و إنّما يدفع إليه قدر كفايته لذهابه و عوده، و هو يختلف بكونه فارسا أو راجلا، و قرب المسافة و بعدها، و أحواله من كونه له صاحب أو لا، و غير ذلك.

و إذا جعلنا سبيل اللّه أعمّ من الغزو في الجهاد - كما اخترنا أوّلا - دخل فيه معونة الزوّار و الحجيج.

و هل يشترط حاجتهم ؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السّهمان، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.

و لا فرق بين قضاء الدين عن الحي و الميت، و سواء كان الميت الذي يقضي عنه - إذا لم يخلّف شيئا - ممّن تجب عليه نفقته في حال حياته أو لا، و لو خلّف ما يقضي به الدّين لم يجز القضاء عنه كالحي.

مسألة 198: ابن السبيل إذا كان مجتازا و كان محتاجا دفعنا إليه الزكاة

و إن كان غنيّا في بلده، لوجود الحاجة حال الدفع، و به قال الشافعي(3).

ص: 282


1- المهذب للشيرازي 179:1-180، المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
2- المهذب للشيرازي 179:1-180، المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6-215، حلية العلماء 161:3، الشرح الكبير 699:2.

و إن كان منشئا للسفر من بلده، فإن كان غنيّا لم يدفع إليه، و إن كان فقيرا دفعنا إليه لسفره و عوده.

و إن أراد لعوده، فإن ادّعي ابن السبيل الحاجة و لم يعلم له أصل مال قبل قوله.

و إن علم له أصل مال في مكانه فادّعي ذهابه قبل قوله، سواء ادّعي سببا ظاهرا أو خفيّا، من غير يمين - خلافا للشافعي(1) - لما تقدّم في الفقير.

و لو علم أنّ له ببلده مالا و لا يعلم له في موضعه قبل قوله إجماعا.

و الحاصل: أنّ الذي يأخذ مع الغني خمسة: العامل و المؤلّفة قلوبهم و الغارم لإصلاح ذات البين و الغازي و ابن السبيل إذا كان محتاجا في مكانه.

مسألة 199: يأخذ ابن السبيل إذا كان سفره واجبا

كالحج و العمرة، أو ندبا كزيارة النبي و الأئمة عليهم السلام، و لا يعطي إذا كان معصية كقطع الطريق و ما أشبه ذلك إجماعا.

و إن كان مباحا كسفر التنزّه جاز له الأخذ أيضا، لأنّه فعل سائغ غير معصية، فأشبه سفر الطاعة، و لهذا يترخّص في القصر كسفر الطاعة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: لا يعطي، لأنّه لا حاجة به إليه، فأشبه الغني(2). و العلّة ممنوعة.

مسألة 200: مستحقّو الزكاة ينقسمون،

فمنهم من يأخذ أخذا مستقرّا و هم أربعة: الفقراء و المساكين و العاملون عليها و المؤلّفة قلوبهم بمعني أنّ لهم صرف ما يأخذونه في أيّ شيء أرادوا، سواء صرفوه في السبب الذي أخذوا لأجله أو لا.

و منهم من يأخذ أخذا مراعي بمعني أنّه إن صرفه في السبب الذي أخذ لأجله استقرّ ملكه و إلاّ استعيد منه علي خلاف، و هم أربعة: الغارم و المكاتب

ص: 283


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 215:6، حلية العلماء 161:3.

و ابن السبيل و الغازي، لأنّ اللّه تعالي أضاف إلي الأربعة الأولي بلام التمليك، و عطف الأربعة الباقية بحرف (في) المقتضي للظرفية.

و الفرق: أنّ هؤلاء أخذوا لمعني لم يحصل بأخذهم للزكاة، و الأوّلون حصل المقصود بأخذهم و هو (غني)(1) الفقير و المسكين و تأليف المؤلّفين و أداء أجر العاملين.

إذا عرفت هذا فنقول: إذا دفع المكاتب المال في الكتابة و عتق فلا بحث، فإن عجز نفسه بأن يقصر ما معه عن مال الكتابة، فإن كان ما أخذه من الزكاة باقيا استردّ منه، لأنّه دفع إليه ليؤدّيه في العتق، فإذا لم يحصل المقصود استرجع، و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2).

و قال الشيخ: لا يسترجع منه، لأنّه أخذه باستحقاقه، فارتجاعه يفتقر إلي دليل، و ليس هنا ما يدلّ عليه(3).

و هو ممنوع، لأنّه دفع إليه ليصرفه في الكتابة فيرتجع بالمخالفة، لأنّ الخيار إلي المالك في صرف الزكاة في الأصناف.

و إن كان قد دفعه إلي السيد لم يستردّ، و هو اختيار الشيخ(4) و أحد وجهي الشافعية، لأنّه دفع إليه ليدفعه إلي سيده و قد فعل. و الثاني: يستردّ(5) ، لأنّ القصد به تحصيل العتق، فإذا لم يحصل به وجب استرجاعه، كما لو كان في يد المكاتب.3.

ص: 284


1- ورد بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية و النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (عين) و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
2- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 201:6، حلية العلماء 157:3، المغني 530:2، الشرح الكبير 702:2-703.
3- المبسوط للطوسي 250:1.
4- المبسوط للطوسي 254:1.
5- المجموع 201:6، حلية العلماء 157:3.

و الفرق ظاهر، لأنّ السيد ملك المدفوع بالدفع من المكاتب.

و لو تطوّع إنسان بالقضاء عنه أو أبرأه المالك من مال الكتابة فكالأول.

مسألة 201: لو صرف الغارم السهم المدفوع إليه في غير قضاء الدّين،

قال الشيخ: لا يرتجع سواء أبرئ من الدّين أو تطوّع غيره بالقضاء عنه(1) ، خلافا للشافعي(2) ، و قد سلف مثله في المكاتب.

أمّا لو قضاه من ماله أو قضاه من غيره فلا يجوز له أن يأخذ عوضه من مال الصدقة.

مسألة 202: لو دفع الإمام إلي الغازي السهم و لم يغز استردّ منه،

و هو اختيار الشيخ(3) أيضا، و به قال الشافعي(4) ، لأنّه أخذه لذلك فكان كالأجرة. و كذا لو غزا و رجع من الطريق قبل الغزو.

أمّا لو غزا و عاد و قد فضل معه شيء من الصدقة فإنّه لا يستردّ منه قولا واحدا، و به قال الشافعي(5) ، لأنّا دفعنا كفايته، و إنّما فضل بما ضيّق علي نفسه فلا يستردّ منه.

أمّا ابن السبيل فإذا دفع إليه مئونة السفر فلم يسافر، ردّها، و إن سافر و عاد و فضل معه شيء لم يستردّ، لأنّه ملكه بسبب السفر و قد وجد، فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه.

و قال الشافعي: يستردّ، بخلاف الغازي، لأنّا دفعنا إليه الكفاية لأجل الغزو، لحاجتنا إليه، فصار كالمعاوضة، و قد أتي به فلم يردّ، و هنا دفعنا إليه، لحاجته إلي سفره و قد حصل، فما فضل يردّه، لزوال حاجته إليه، و لأنّه

ص: 285


1- المبسوط للطوسي 251:1.
2- المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
3- المبسوط للطوسي 252:1.
4- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6.
5- المجموع 214:6.

غني في بلده، و لا فرق بين أن يضيّق علي نفسه أو يستعين بغيره(1).

أمّا لو صرف ما دفع إليه في غير مئونة السفر ففيه إشكال ينشأ من أنّه دفع إليه في هذا الوجه و لم يصرفه فيه فيستردّ منه كالغارم، و من منع الحكم في الأصل.

و الوجه: الأول، لأنّه دفع إليه لقصد الإعانة فيستردّ اقتصارا علي قصد الدافع.

هذا في حقّ المجتاز عند الشيخ(2) ، و هو الأظهر من مذهبنا، و علي قول ابن الجنيد و الشافعي(3) فإنّ الحكم ينسحب عليه و علي منشئ السفر من بلده.

قال الشيخ: لو كان المنشئ للسفر من بلده فقيرا اعطي من سهم الفقراء لا من سهم أبناء السبيل(4).

و لو قال: لا مال لي، اعطي و لم يكلّف بيّنة، كما تقدّم.

و لو قال: كان لي مال و تلف، قال الشيخ: لا يقبل إلاّ بالبيّنة(5).

و الوجه: القبول، لأنّه قد يتعذّر عليه البيّنة فيؤدّي المنع إلي إضراره، و لأنّه مسلم أخبر بأمر ممكن، و الأصل فيه الصدق، فيبني عليه إلي أن يظهر المنافي.

إذا ثبت هذا، فلو تلف المال المدفوع إلي من أخذه مراعي بغير تفريط قبل صرفه في وجهه لم يرجع عليهم بشيء.1.

ص: 286


1- المجموع 216:6.
2- انظر: المبسوط للطوسي 252:1.
3- حيث قالا بإطلاق ابن السبيل علي المجتاز و المنشئ للسفر. انظر: المهذب للشيرازي 180:1، و المجموع 214:6، و حلية العلماء 161:3، و المعتبر للمحقّق الحلّي: 281 حيث فيه حكاية قول ابن الجنيد.
4- المبسوط للطوسي 252:1.
5- المبسوط للطوسي 254:1.
مسألة 203: لا يجب إعلام المدفوع إليه أنّها زكاة،

فلو أستحيي الفقير من أخذها علانية استحبّ إيصالها إليه علي وجه الهدية، و لا يعلم أنّها زكاة، لما في الإعلام من إذلال المؤمن و الاحتقار به.

و لأنّ أبا بصير سأل الباقر عليه السلام: الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا اسمّي له أنّها من الزكاة ؟ قال: «أعطه و لا تسمّ له و لا تذلّ المؤمن»(1) و لا نعلم في ذلك خلافا.

ص: 287


1- الكافي 563:3-564-3، الفقيه 8:2-25، التهذيب 103:4-294.

ص: 288

الفصل الثاني في وقت الإخراج
اشارة

و فيه بحثان:

الأول في التأخير
مسألة 204: الأموال قسمان:

ما يراعي فيه الحول و هو الحيوان و الأثمان، و لا تجب الزكاة فيها حتي يحول عليها الحول، و هو: أن يمضي لها في ملكه أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر في ملكه، و تكون الشرائط موجودة طول الحول كلّه، و هي: النصاب و إمكان التصرف و زيادة السوم في الماشية و النقش في النقدين، و قد تقدّم بيان ذلك كلّه.

و ما لا يعتبر فيه الحول و هو: الثمار و الغلاّت، و لا تجب الزكاة فيها حتي يبدو صلاحها، و أمّا الإخراج منها فلا يجب حتي تجذّ الثمرة، و تشمّس و تجفّف، و تحصد الغلّة، و تصفي من التبن و القشر بلا خلاف.

إذا عرفت هذا، فإذا حال الحول أو صفّت الغلّة و جذّت الثمار وجب الإخراج علي الفور، و لا يجوز تأخيرها، و به قال الشافعي و أحمد و أبو الحسن

ص: 289

الكرخي من الحنفية(1) ، لقوله تعالي وَ آتُوا الزَّكاةَ (2) و الأمر علي الفور عند بعض علمائنا(3) ، و عند الحنفي علي الفور(4).

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتي يدفعها»(5).

و لأنّ المستحقّ مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالدّين الحالّ و الوديعة.

و لأنّ العبادة التي لا تتكرر لا يجوز تأخيرها إلي وجوب مثلها كالصلاة و الصوم.

و قال أبو بكر الرازي من الحنفية: إنّها علي التراخي، و به قال أبو حنيفة ما لم يطالب بها، لأنّ الأمر ورد بها مطلقا، فلا يختص زمانا كما لا يختص مكانا. و لأنّها لو هلكت لم تضمن(6).

و نمنع الإطلاق، بل الأمر بها معجّل، و الزمان يخالف المكان في الانتفاع بالتعجيل دون التخصيص بالمكان. و نمنع عدم الضمان مع التفريط بالتأخير.

مسألة 205: لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء و حضور الوقت أثم و ضمن،
اشارة

لأنّه أخّر الواجب المضيّق عن وقته، و فرّط بالتأخير فكان آثما ضامنا،

ص: 290


1- المجموع 335:5، فتح العزيز 520:5، حلية العلماء 11:3، المغني 541:2، الشرح الكبير 666:2، بدائع الصنائع 3:2.
2- الحج: 41، المزّمّل: 20.
3- و هو: الشيخ الطوسي في العدّة: 85-86.
4- الظاهر أنّ المراد ب (الحنفي) هو: أبو الحسن الكرخي. و انظر: أصول السرخسي 26:1.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.
6- بدائع الصنائع 3:2، المجموع 335:5، فتح العزيز 520:5، حلية العلماء 11:3، المغني 541:2، الشرح الكبير 666:2.

و به قال الزهري و الحكم و حمّاد و الثوري و أبو عبيد و أحمد و الشافعي(1) ، لما تقدّم.

و لأنّه حقّ علي رب المال تلف قبل وصوله إلي مستحقّه فلا يبرأ منه، كدين الآدمي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتي يدفعها»(2).

و قال أصحاب الرأي: يزكّي الباقي إلاّ أن يقصر عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط(3).

أمّا لو كان عليه ضرر في تعجيل الإخراج مثل أن يحول عليه الحول قبل مجيء الساعي، و يخاف إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرّة أخري، أو خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها، فله تأخيرها، لقوله عليه السلام: (لا ضرر و لا ضرار)(4).

فروع:

أ - لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيا علي ما قلناه، و لا تقبل منه صلاته في أول الوقت، و كذا جميع العبادات الموسّعة، لأنّ المضيّق أولي بالتقديم، و كذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكّنه من دفعه، أو خمس أو صدقة مفروضة.

ب - يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم، لأنّ الزكاة معونة

ص: 291


1- المغني 542:2-543، الشرح الكبير 667:2، المجموع 175:6.
2- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.
3- المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
4- سنن ابن ماجة 784:2-2340 و 2341، سنن الدارقطني 77:3-288 و 227:4-83، سنن البيهقي 70:6، 157 و 133:10، المستدرك - للحاكم - 57:2-58.

و إرفاق فلا تكون سببا لضرر المالك، و لا يضمن لو تلفت.

و هل يجوز لغير عذر مع العزل ؟ سوّغه الشيخان شهرا و شهرين(1) ، لأنّ معاوية بن عمار قال للصادق عليه السلام: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلي المحرّم، قال: «لا بأس»(2).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين»(3).

و الوجه: أنّ التأخير إنّما يجوز للعذر، و تحمل الرواية عليه فلا يتقدّر بوقت، بل بزوال العذر، فإنّه مع زوال العذر يكون مأمورا بالتسليم، و المستحق مطالب، فلا يجوز له التأخير.

و يدلّ عليه قول الصادق عليه السلام و قد سأله عبد اللّه بن سنان في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقي بعض يلتمس لها الموضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس»(4).

و لو أخّر مع إمكان التسليم ضمن علي ما قلناه أوّلا.

ج - لو أخّرها ليدفعها إلي من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة، فالأقرب: المنع و إن كان يسيرا.

و قال أحمد: يجوز اليسير دون العكس(5).

د - الأقرب: أنّ التأخير لطلب بسطها علي الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.

مسألة 206: يستحب له حال حئول الحول عزل الزكاة عن ماله،

لأنّه

ص: 292


1- النهاية: 183، و انظر: المقنعة: 39.
2- التهذيب 44:4-112، الاستبصار 32:2-94.
3- التهذيب 44:4-114، الإستبصار 32:2-96.
4- الكافي 523:3-7، التهذيب 45:4-118.
5- المغني 542:2، الشرح الكبير 666:2.

نوع إخراج و شروع في الدفع.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا حال الحول فأخرجها عن (ملكك)(1) و لا تخلطها بشيء، و أعطها كيف شئت»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ للمالك الاستقلال بالعزل من دون إذن الساعي، لأنّ له ولاية الإخراج، فله ولاية التعيين. و لأنّ الزكاة تجب في العين و هو أمين علي حفظها فيكون أمينا علي إفرادها. و لأنّ له دفع القيمة. و لقول الصادق عليه السلام(3).

إذا عرفت هذا، فلو تلفت بعد العزل من غير تفريط احتمل سقوط الزكاة - و به قال مالك(4) - لتعيّنها بتعيينه، إذ التعيين منوط به فيصير أمينا، كما لو دفعها إلي الساعي.

و عدمه، و به قال الشافعي و أحمد، إلاّ أنّ الشافعي قال: إن لم يكن فرّط في إخراج الزكاة و في حفظ ذلك يرجع إلي ماله، فإن كان فيما بقي زكاة أخرج و إلاّ فلا(5).

و قال أبو حنيفة: يزكّي ما بقي إلاّ أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط، لأنّه كالدّين، فلا يسقط بالتعيين قبل دفعه(6).

و لو دفع إلي فقير زكاته فقبل أن يقبضها قال: اشتر لي بها ثوبا أو غيره، فذهبت الزكاة، أو اشتري ما قال(7) ثم ضاع فعليه الزكاة علي الثاني، لأنّه.

ص: 293


1- في المصدر: مالك.
2- الكافي 522:3-3، التهذيب 45:4-46-119.
3- نفس المصدر.
4- الكافي في فقه أهل المدينة: 99، بداية المجتهد 248:1، المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
5- الام 52:2، المغني 542:2-543، الشرح الكبير 667:2.
6- المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
7- في «ف»: قاله.

الفقير لا يملك إلاّ بالقبض، فإذا وكّله في الشراء قبله كان التوكيل باطلا، لأنّه وكّله في الشراء بثمن لا يملكه، و بقيت علي ملك المالك، فإذا تلفت كانت من ضمانه.

و لا فرق بين أن يعزل الزكاة و ينوي أنّها زكاة أو لا.

مسألة 207: لو أخّر الإخراج مع التمكّن منه ثم أخرجها أجزأت عنه

إجماعا و إن كان قد أثم بالتأخير، لأنّه دفع الحقّ إلي مستحقّه. و لأنّه في كلّ آن مخاطب بالإخراج، فيحصل بالامتثال الخروج عن العهدة.

البحث الثاني في التعجيل
مسألة 208: المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة
اشارة

سواء وجد سبب الوجوب - و هو النصاب - أو لا - و به قال ربيعة و مالك و داود و الحسن البصري في رواية(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا تؤدّي زكاة قبل حلول الحول)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سأله عمر بن يزيد:

الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضي نصف السنة ؟ قال: «لا، و لكن حتي يحول عليه الحول و تحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها فكذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّي إذا حلّت»(3).

و سأل زرارة الباقر عليه السلام: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضي ثلث السنة ؟

ص: 294


1- المغني 495:2، الشرح الكبير 678:2، حلية العلماء 133:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 495:2، و الشرح الكبير 678:2.
3- الكافي 523:3-8، التهذيب 43:4-110، الاستبصار 31:2-92.

قال: «لا، أ يصلّي الاولي قبل الزوال ؟»(1).

و لأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

و لأنّ الزكاة عبادة مؤقتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

و قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد: يجوز إذا وجد سبب الوجوب و هو النصاب(2) ، لأنّ عليّا عليه السلام قال: «سأل العباس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك»(3).

و عن علي عليه السلام أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعمر: (إنّا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)(4).

و لأنّه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز، كتعجيل قضاء الدّين قبل الأجل، و أداء كفّارة اليمين قبل الحنث و كفّارة القتل بعد الجرح قبل الموت.

و تحمل الرواية علي القرض علي الصدقة، لا أنّها زكاة معجّلة، أو علي تخصيص العباس جمعا بين الأخبار، و صونا للروايات عن التناقض.

و نمنع الحكم في الأصل في الكفّارات، و إنّما هو لازم لمالك حيث جوّز تقديمها(5) ، و الدّين حقّ ثابت مستقر في الذمة فجاز تعجيله قبل وقته، بخلاف الزكاة، فإنّها لا تجب و لا تثبت في الذمة و لا في العين إلاّ بعد الحول.5.

ص: 295


1- الكافي 524:3-9، التهذيب 43:4-44-111، الإستبصار 32:2-93.
2- المغني 496:2، الشرح الكبير 678:2، بدائع الصنائع 52:2، المبسوط للسرخسي 177:2، المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 145:6 و 146، حلية العلماء 133:3، فتح العزيز 531:5.
3- سنن أبي داود 115:2-1624، سنن ابن ماجة 572:1-1795، سنن الدارمي 385:1، سنن البيهقي 111:4.
4- سنن الترمذي 63:3-679.
5- المغني 496:2، الشرح الكبير 679:2، فتح العزيز 531:5.

و عن بعض علمائنا جواز التقديم(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين»(2).

قال الشيخ: وجه الجمع حمل رخصة التقديم علي جواز القرض، فيكون صاحبه ضامنا له، متي جاء وقت الزكاة و الآخذ علي صفة الاستحقاق أجزأ عنه، و إن لم يبق علي صفته ضمن، لا أنّه زكاة معجّلة(3) ، و مثله قال ابن الجنيد(4) ، لرواية الأحول عن الصادق عليه السلام في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطي قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة»(5).

فروع:

أ - لمّا منعنا من تعجيل الزكاة كان ما يدفعه المالك قرضا علي الفقير، فإن دفعه علي أنّه زكاة معجّلة كان الدفع باطلا، و له استعادتها عندنا، خلافا للباقين(6).

ب - إذا دفع المالك قدر الزكاة فقد قلنا: إنّه قرض لا زكاة معجّلة، فللمالك المطالبة بالمدفوع، و للفقير دفع العوض و الامتناع من دفع العين و إن كانت باقية و كره المالك، لأنّه ملكها بالقبض.

ج - لو كان المدفوع ممّا يتمّ به النصاب سقطت الزكاة علي ما اخترناه، لأنّه قرض خرج عن ملك المالك، و ليس زكاة. و علي قول الآخرين هو زكاة

ص: 296


1- حكاه المصنّف في المختلف: 188، عن ابن أبي عقيل.
2- التهذيب 44:4-114، الاستبصار 32:2-96.
3- التهذيب 45:4 ذيل الحديث 115.
4- كما في المعتبر: 274.
5- الكافي 545:3-2، الفقيه 15:2-44، التهذيب 45:4-116، الاستبصار 33:2-98.
6- منهم: ابنا قدامة في المغني 499:2، و الشرح الكبير 682:2.

ليس له استعادتها(1).

مسألة 209: لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب

إجماعا، و لو ملك بعض نصاب فعجّل زكاته أو زكاة نصاب لم تجزئ إجماعا، لأنّه تعجيل للحكم قبل سببه.

و لو ملك نصابا فعجّل زكاته و زكاة ما يستفيده و ما ينتج منه أو يربح فيه لم تجزئه عندنا.

و أمّا المجوّزون للتقديم فقالوا: تجزئه عن النصاب دون الزيادة عند الشافعي و أحمد و زفر، لأنّه عجّل زكاة ما ليس في ملكه فلم تجزئ كالنصاب الأول. و لأنّ الزائد من الزكاة علي زكاة النصاب سببها الزائد في الملك و قد عجّل الزكاة قبل وجود سببها، فأشبه ما لو عجّل الزكاة قبل ملك النصاب(2).

و قال أبو حنيفة: تجزئه عن النصاب و الزيادة، لأنّه تابع لما هو مالكه(3).

و هو ممنوع، سلّمنا، لكنّه يتبع في الحول، أمّا الإيجاب فلا، فإنّ الوجوب ثبت بالزيادة لا بالأصل. و لأنّه إنّما يصير له حكم بعد الوجود لا قبله.

مسألة 210: لو عجّل زكاة ماشيته فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمّهات و حال الحول علي النتاج لم تجزئ

عندنا.

و للشافعية وجهان في إجزاء الشاة عن السخال: الإجزاء - و به قال أحمد(4) - لأنّ السخال دخلت في حول الأمّهات و قامت مقامها، و عدمه، لأنّه

ص: 297


1- كابني قدامة في المغني 498:2، و الشرح الكبير 682:2.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6، حلية العلماء 134:3، فتح العزيز 532:5، المغني 496:2، الشرح الكبير 680:2، المبسوط للسرخسي 177:2، بدائع الصنائع 51:2.
3- المبسوط للسرخسي 177:2، بدائع الصنائع 51:2، المغني 496:2، الشرح الكبير 680:2، حلية العلماء 134:3.
4- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.

عجّلها قبل ملكها مع تعلّق الزكاة بعينها(1).

فلو أخرج شاة عن أربعين معجّلة، ثم توالدت أربعين سخلة، و ماتت الأمّهات، و حال الحول علي السخال أجزأت علي أحد وجهي الشافعية(2) ، لأنّها كانت مجزئة عنها و عن أمّهاتها لو بقيت، فلأن تجزئ عن إحداهما أولي.

و لا تجزئ عندنا، و هو الآخر للشافعية(3).

و لو كان عنده ثلاثون من البقر فعجّل عنها تبيعا، ثم توالدت ثلاثين عجلة و ماتت الأمّهات، و حال الحول علي العجول لم تجزئ عندنا.

و أمّا المجوّزون للتعجيل فقال بعضهم: بالإجزاء، لأنّها تابعة لها في الحول، و بعضهم بعدمه، لأنّه لو عجّل تبيعا عنها مع بقاء الأمّهات لم تجزئ عنها فلأن لا تجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولي(4).

و كذا الحكم في مائة شاة إذا عجّل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الأمّهات و حال الحول علي السخال(5).

و إن توالد بعضها و مات نصف الأمّهات و حال الحول علي الصغار و نصف الكبار، فعلي الأول - و هو الإجزاء عندهم - أجزأ المعجّل عنهما معا، و علي عدمه عليه في الخمسين سخلة شاة، لأنّها نصاب لم يؤدّ زكاته، و ليس عليه في العجول إذا كانت خمس عشرة شيء، لأنّها لم تبلغ نصابا، و إنّما وجبت الزكاة فيها بناء علي أمّهاتها التي عجّلت زكاتها(6).2.

ص: 298


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6-148، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
3- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
4- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.
5- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.
6- المغني 497:2، الشرح الكبير 681:2.

و لو ملك ثلاثين من البقر فعجّل مسنّة زكاة لها و لنتاجها، فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر، و هو مذهبنا، و يجب عليه في العشر ربع مسنّة.

و قيل: بالإجزاء، لأنّ العشر تابعة للثلاثين في الوجوب و الحول، فإنّه لو لا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شيء(1) ، فصارت الزيادة علي النصاب علي أربعة أقسام:

أ - ما لا يتبع في وجوب و لا حول، و هو المستفاد من غير الجنس، فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده و كمال نصابه إجماعا.

ب - ما يتبع في الوجوب دون الحول، و هو المستفاد من الجنس بسبب مستقلّ، فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده علي الخلاف.

ج - ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج و الربح إذا بلغ نصابا، فإنّه يتبع أصله في الحول، فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده.

د - ما يتبع في الوجوب و الحول و هو الربح و النتاج إذا لم يبلغ نصابا، فإنّه لا يجزئ التعجيل قبل وجوده علي الخلاف.

مسألة 211: إذا عجّل الزكاة من ماله للفقراء كان ما عجّله في حكم الموجود في ماله

إن كانت عينه قائمة، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: إنّه في حكم التالف الذي زال ملكه عنه(3).

و يترتّب علي ذلك ثلاث مسائل:

الاولي: لو كان معه أربعون فعجّل منها شاة، ثم حال الحول فإنّها

ص: 299


1- راجع المغني 497:2، و الشرح الكبير 681:2.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6 و 148، المغني 498:2-499، الشرح الكبير 682:2.
3- المبسوط للسرخسي 176:2-177، المغني 499:2، الشرح الكبير 682:2، المجموع 148:6.

تجزئ عنه عند الشافعي و أحمد(1).

أمّا عندنا فإن كان المدفوع قرضا سقطت الزكاة، لأنّها تتمة النصاب، و إن كان زكاة معجلة لم تقع، و كانت باقية علي ملك صاحبها إن كان المال بحاله جاز أن يحتسبه من الزكاة و أن يعدل بها إلي غيره.

و أمّا عندهما: فلأنّه نصاب تجب فيه الزكاة بحلول الحول، فجاز تعجيلها منه، كما لو كان أكثر من أربعين، و لأنّ المعجّل في حكم الموجود(2).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الزكاة، و لا يكون ما عجّله زكاة، لأنّ المعجّل زال ملكه عنه فلم يحتسب من ماله، كما لو باعه أو أتلفه(3).

الثانية: لو كان معه مائة و عشرون فعجّل منها شاة ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يكن عليه شاة أخري عندنا، لعدم ضمّ السخال إلي الأمّهات عند علمائنا، فالنصاب لا يجب فيه أكثر من شاة، فله الاحتساب و الدفع إلي غير الآخذ.

و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه شاة أخري(4).

و قال أبو حنيفة: لا تجب اخري(5) ، كما قلناه.

الثالثة: لو كان معه مائتا شاة فعجّل منها شاتين ثم نتجت شاة، و حال عليها الحول لم تجب عليه شاة أخري عندنا، و به قال أبو حنيفة(6).6.

ص: 300


1- المهذب للشيرازي 173:1، فتح العزيز 531:5، المغني 498:2، الشرح الكبير 682:2.
2- انظر: المغني 499:2، و الشرح الكبير 682:2.
3- بدائع الصنائع 51:2، الشرح الكبير 682:2، المغني 499:2، المجموع 148:6.
4- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6-148، فتح العزيز 532:5، حلية العلماء 134:3-135، المغني 499:2.
5- بدائع الصنائع 51:2، حلية العلماء 135:3، المغني 499:2.
6- شرح فتح القدير 156:2، الشرح الكبير 682:2، المجموع 148:6.

و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه شاة أخري، لأنّه لو لم يعجّل الشاتين وجب عليه ثلاث شياه، و التعجيل رفق بالمساكين، فلا يكون سببا في إسقاط حقوقهم(1).

و ينتقض بالبيع و الإتلاف.

مسألة 212: لو كان معه خمس من الإبل فعجّل زكاتها

و له أربعون من الغنم فهلكت الإبل فأراد أن يجعل الشاة معجّلة عن الغنم ابتني علي ما إذا عيّن الزكاة من مال هل له أن يصرفه إلي غيره ؟ الأقرب ذلك، لأنّها لم تصر زكاة بعد، و سيأتي.

مسألة 213: و كما لا يجوز تقديم الزكاة في النقدين و المواشي فكذا في الزروع و الثمار

- و هو قول بعض الشافعية(2) - لأنّ زكاتها متعلّقة بسبب واحد و هو الإدراك، فإذا قدّم الزكاة فقد قدّمها قبل وجود سببها.

و قال ابن أبي هريرة منهم: يجوز(3) ، لأنّ وجود الزرع سبب فيها، و إدراكه بمنزلة حئول الحول فجاز تقديمها.

مسألة 214: و كما لا يجوز تقديم الزكاة عندنا لحول واحد فالحولان فصاعدا أولي بالمنع.

و اختلف المجوّزون في الأول هل يجوز تعجيل أكثر من زكاة حول واحد فقال الحسن البصري: يجوز لسنتين و ثلاث - و هو المشهور عند الشافعية، و هو قول أبي إسحاق منهم - لأنّ النصاب سبب في إيجاب الزكاة في هذين العامين فجاز تقديم الزكاة كالعام الأول (و لأنّ العباس استلف صدقة عامين

ص: 301


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، الشرح الكبير 682:2.
2- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 160:6، فتح العزيز 534:5، حلية العلماء 139:3.
3- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 160:6، فتح العزيز 534:5، حلية العلماء 139:3.

من الناس)(1)(2).

و قال بعض الشافعية: لا يجوز - كما قلناه - لأنّه قدّم الزكاة علي الحول الثاني (فلم يجز)(3) كما لو قدّمه علي الحول الأول(4).

و فرّق الأولون: بأنّ التقديم علي الحول الأول تقديم علي النصاب، بخلاف صورة النزاع.

إذا ثبت هذا فإن كان معه نصاب لا غير لم يجز له أن يعجّل أكثر من صدقة سنة واحدة إجماعا منهم، لأنّه إذا عجّل أكثر من ذلك نقص النصاب في الحول الثاني بوقوع زكاة الحول الأول موقعها، و انقطاع حكمها عن ماله.

و علي قولنا إن احتسب عند الحول الأول المدفوع من الزكاة سقطت في الثاني، و إن لم يحتسب سقطت أيضا، لتعلّق الزكاة بالعين فينقص عن النصاب حكما في الثاني.

مسألة 215: إذا مات المالك قبل الحول انتقل المال إلي الوارث،

و استأنف الحول، و بطل حكم الأول، و انقطع الحول بموت المالك عند علمائنا - و هو الجديد للشافعي(5) - لأنّه بموته خرج عن أهلية التملّك، و بقاء مال بغير مالك محال، فينتقل إلي الوارث، فيستأنف الحول كما لو باعه.

ص: 302


1- كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية، خلافا لما في المهذب للشيرازي 173:1، و فتح العزيز 531:5، و سنن البيهقي 111:4، حيث ورد فيها: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله تسلّف من العباس صدقة عامين. فلاحظ.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6، حلية العلماء 133:3، فتح العزيز 531:5-532، و المغني 498:2.
3- في «ط»: فلم يجزئه.
4- راجع المصادر في الهامش (2).
5- المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 363:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3-27.

و لقوله تعالي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) أضاف بلام التملّك.

و قال في القديم: لا ينقطع بموته، و يبني حول الوارث علي حول الموروث(2).

إذا عرفت هذا، فلو عجّل زكاة ماله قبل الحول ثم مات، و انتقل المال إلي ورثته، لم يجزئه التعجيل عندنا، لما مرّ، و هو قول بعض الشافعية، لأنّه يؤدّي إلي أن تكون الزكاة معجّلة قبل ملك النصاب.

و علي القديم يجزئه ما عجّله، لأنّه لمّا قام الوارث مقام الميت في ملكه قام مقامه في حقّه، و لهذا يرث منه الشفعة (فيأخذها)(3) بسبب ملك متجدّد(4).

و هو ممنوع، لأنّه يأخذها إرثا لا بسبب ملكه.

إذا ثبت هذا، فإن كان المالك حين الدفع شرط التعجيل رجع بها الوارث، و إلاّ فلا.

و فرّع الشافعي علي الإجزاء إن كان نصيب كلّ واحد يبلغ نصابا أجزأت عنهم إذا حال الحول، و إن قصر فإن اقتسموا بطل الحول، و كان لهم ارتجاع الزكاة إن شرط فيها التعجيل، و إن لم يقتسموا و بقي مختلطا إلي آخر الحول، فإن كانت ماشية أجزأت عنهم الزكاة، و إن كان غيرها (بني)(5) علي القولين في الخلطة فيه، إن جوّزناها كان كالماشية، و إلاّ كان كما لو اقتسموا(6).5.

ص: 303


1- النساء: 11.
2- الام 21:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 363:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 27:3.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: فيأخذ. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- المجموع 155:6، فتح العزيز 535:5 و 536، حلية العلماء 139:3.
5- في «ط»: يبني.
6- انظر: المجموع 155:6، فتح العزيز 536:5.
مسألة 216: إذا تسلّف الساعي أو الإمام الزكاة،

فإن كان بغير مسألة أهل السّهمان و لا أرباب الأموال فتلفت في يده ضمن - و به قال الشافعي(1) - لأنّهم أهل رشد لا يولّي عليهم، فإذا قبض لهم بغير إذنهم كان ضامنا، كالأب يقبض لابنه الكبير بغير إذنه.

لا يقال: الأب ليس له القبض، و هنا يجوز لحاجتهم.

لأنّا نقول: جواز القبض لا يدفع الضمان.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يضمن، لأنّ للإمام ولاية علي أهل السّهمان، فإذا استقرض لهم و تلف في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم(2).

و نمنع ولاية الإمام إذا لم يكن المالك مانعا، و يخالف ولي اليتيم، لأنّه لا إذن للمولّي عليه، بخلاف أهل السّهمان.

و إن قبضها بسؤال أهل السّهمان فتلفت (في يده)(3) من غير تفريط لم يضمن، و أجزأت عن رب المال، لأنّ يده كيدهم إذا نوي في القبض، و المالك مأمور بالدفع إليه، فحصل الإجزاء، للامتثال.

و إن قبضها بسؤال أرباب الأموال فلا ضمان عليه، لأنّه أمين قبض المال بإذن ربه علي سبيل الأمانة و لا تجزئ عن أربابها، بل تكون من أموالهم، لأنّه وكيل لهم فيها.

و إن كان بسؤالهما معا قال الشيخ: الأولي أن يكون منهما، لأنّ كلّ واحد منهما له إذن في ذلك، و لا ترجيح لأحدهما علي صاحبه في ذلك(4).

ص: 304


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 158:6، فتح العزيز 537:5، المغني 502:2.
2- بدائع الصنائع 52:2، المغني 502:2، الشرح الكبير 684:2، فتح العزيز 537:5.
3- ما بين القوسين لم يرد في «ن».
4- المبسوط للطوسي 228:1.

و للشافعي وجهان: أحدهما: يكون من ضمان أرباب الأموال، لأنّهم أقوي جنبة فإنّهم المالكون للمال. و الثاني: يكون من ضمان الفقراء، لأنّه قبضه لمنفعتهم بإذن، فكان من ضمانهم. و هو أصحّهما عند الشافعية(1).

مسألة 217: ما يتعجّله الوالي من الصدقة يقع متردّدا بين أن يقع زكاة أو يستردّ

- و به قال الشافعي(2) - لأنّا قد بيّنا أنّه لا يجوز تقديم الزكاة إلاّ علي جهة القرض، فإذا حال الحول فإن تمّت الشرائط و الدافع و المدفوع إليه علي الصفات، كان للمالك احتسابه من الزكاة و الاسترداد علي ما اخترناه نحن.

و عند الشافعي يقع زكاة معجّلة، فإن تغيّرت الأحوال لم يسقط عنه الدّين، بل يتأكّد قضاؤه عليه(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه متردّد بين أن يقع زكاة أو تطوّعا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المالك لم يقصد التطوّع، فلا ينصرف إلي غير ما قصده.

مسألة 218: إذا تسلّف الساعي الزكاة،
اشارة

فبعد الحول إن لم يتغيّر الحال في المال و الدافع و المدفوع إليه، فعلي ما اخترناه نحن من أنّها قرض لا زكاة معجّلة، للمالك استرجاعها منه، و دفعها إلي غيره، أو دفع عوضها، أو احتسابها من الزكاة، و للمدفوع إليه دفع المثل أو القيمة و إن كره المالك، لأنّه قرض.

و عند القائلين بأنّها زكاة معجّلة يقع الدفع موقعه و يجزئ، و ليس للمالك انتزاعها منه(5).

ص: 305


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 159:6، و 537:5 و 538، حلية العلماء 138:3، المغني 502:2، الشرح الكبير 684:2.
2- حلية العلماء 137:3.
3- حلية العلماء 136:3.
4- حلية العلماء 137:3، بدائع الصنائع 52:2.
5- المغني 500:2، و الشرح الكبير 683:2.

و إن تغيّرت حال المالك فمات قبل الأجل أو نقص النصاب أو ارتدّ لم يقع ما دفعه زكاة، و له استرجاعه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه مال دفعه عمّا يستحقّه القابض في الثاني(2) ، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب الردّ، كما لو دفع اجرة في سكني دار فانهدمت. و لأنّه دفع علي أنّها زكاة واجبة و قد ظهر البطلان.

و قال أبو حنيفة: ليس له استرجاعه إلاّ أن يكون في يد الإمام أو الساعي، لأنّها وصلت إلي يد الفقير، فلم يكن له استرجاعها، كما لو لم يشترط، لأنّه زكاة معجّلة(3).

و الفرق أنّه إذا لم يشترط التعجيل احتمل أن يكون تطوعا، فلم يقبل قوله في الرجوع.

و إن تغيّرت حال الفقير بأن يستغني بغير الزكاة، أو يرتدّ، فإنها لا تجزئ، و يجب استرجاعها ليدفعها إلي مستحقّها - و به قال الشافعي(4) و أحمد(5) - لأنّ ما كان شرطا في إجزاء الزكاة إذا (عدم)(6) قبل حلول الحول لم يجزئ كما لو مات رب المال.

و قال أبو حنيفة: وقعت موقعها، لأنّ تغيّر حال الفقير بعد وصول الزكاةه.

ص: 306


1- المجموع 155:6، فتح العزيز 539:5، حلية العلماء 135:3، المغني 501:2، الشرح الكبير 684:2.
2- أي: في العام القابل.
3- بدائع الصنائع 52:2، فتح العزيز 539:5، حلية العلماء 135:3.
4- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، المغني 500:2، الشرح الكبير 683:2.
5- يظهر من المغني 500:2، و الشرح الكبير 683:2، أنّ قول أحمد موافق لقول أبي حنيفة و مخالف لرأي المصنّف، و الشافعي. فلاحظ.
6- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: (تقدّم) و الصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

إلي يده لا يمنع من إجزائها، كما لو استغني بها(1).

و الفرق: أنّه إذا استغني بها حصل المقصود بالدفع، فلم يمنع ذلك من إجزائها.

فروع:

أ - لو مات المدفوع إليه جاز الاحتساب من الزكاة بعد الحول، لأنّ قضاء الدّين عن الميت من الزكاة سائغ علي ما أوضحناه. و لأنّه من سبيل اللّه.

و منع الشافعي من ذلك(2). و ليس بمعتمد.

ب - قال الشيخ: إذا عجّل الزكاة لمسكين ثم حال الحول و قد أيسر، فإن كان من هذا المال مثل أن كانت ماشية فتوالدت، أو مالا فاتّجر به و ربح، وقعت موقعها، و لا يجب استرجاعها، لأنّه يجوز أن يعطيه ما يغنيه، لقول الصادق عليه السلام: «أعطه و أغنه»(3).

و لأنّا لو استرجعناها منه افتقر و صار مستحقّا للإعطاء، و يجوز أن تردّ عليه، و إذا جاز ذلك جاز أن يحتسب به.

و إن كان قد أيسر بغير هذا المال بأن ورث أو غنم أو وجد كنزا، لم تقع موقعها، و وجب استرجاعها، أو إخراج عوضها، لأنّ ما أعطاه كان دينا عليه، و إنّما تحتسب عليه بعد حول الحول، و في هذه الحال لا يستحق الزكاة، لغنائه، فلا تحتسب له(4).

و في قول الشيخ إشكال، أمّا أوّلا: فلأنّ نماء المدفوع يقع ملكا

ص: 307


1- بدائع الصنائع 52:2، المغني 500:2، الشرح الكبير 683:2، حلية العلماء 137:3.
2- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 136:3.
3- نقله الشيخ الطوسي بالمعني، و انظر: الكافي 548:3-3 و 4، و التهذيب 63:4-170 و 64-174.
4- المبسوط للطوسي 230:1.

للقابض، لأنّه قرض علي ما تقدّم، و نماء القرض لمالكه، فإذا كان النماء موجبا للغناء لم يجز صرف الزكاة إليه كما لو كان غنيا بغيره.

و أمّا ثانيا: فلأنّ ما يأخذه علي سبيل القرض يملكه المقترض، و يخرج عن ملك الدافع، فلا يكون محسوبا من النصاب، فيجب علي المالك زكاة ما في يده إن كان نصابا، و لا يضمّ إليه ما أخذه القابض.

ج - إنّما يكون له الرجوع في موضعه إذا شرط حالة الدفع ثم ظهر الخلاف علي ما يأتي.

مسألة 219: إذا تسلّف الساعي الزكاة، و تغيّرت الحال،

و حكمنا باسترداد المدفوع، فإن كان باقيا بحاله استرجعه إن شرط حالة الدفع أنّها زكاة معجّلة، لفساد الدفع عندنا، و لفوات شرط الاستحقاق عند من سوّغه.

و إن كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن ردّ العين مع الزيادة، لأنّها تابعة لها، و إن كانت منفصلة كالولد ردّه أيضا مع العين، لفساد الدفع.

و قال الشافعي: لا يستردّ النماء، لأنّها حدثت في ملك الفقير(1). و هو ممنوع.

نعم لو دفعها قرضا ملكها الفقير، و لم يكن له الرجوع في العين، بل يطالب بالمثل أو القيمة سواء زادت أو لا، و النماء المنفصل للفقير حينئذ، لأنّه نماء ملكه.

و لو كانت العين ناقصة لم يضمن النقصان لفساد الدفع، فكانت العين أمانة في يده، أمّا لو قبضها قرضا فإنّه يضمن النقصان.

و قال الشافعي في الأم: لا يضمنها، لأنّ النقص حدث في ملكه فلا يضمنه(2).

ص: 308


1- الام 21:2، المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 152:6، فتح العزيز 543:5.
2- الام 21:2 و عنه في فتح العزيز 543:5.

و له آخر: الضمان، لأنّ من ضمن القيمة عند التلف ضمن النقص(1).

و لو كانت العين تالفة، فإن كان لها مثل وجب المثل و إلاّ القيمة.

و متي يعتبر؟ قال الشيخ: يوم القبض، لأنّه قبض العين علي جهة القرض، فيلزمه قيمة يوم القبض(2).

و هو حقّ إن دفعها علي جهة القرض، أمّا لو دفعها علي أنّها زكاة معجّلة فإنّ الدفع يقع فاسدا، و الملك باق علي مالكه.

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه تعتبر القيمة يوم القبض - و به قال أحمد - لأنّ ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنّما كانت في ملكه فلم يضمنه، كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم طلّقها فإنّها تضمن نصيبه يوم القبض.

و الثاني: يضمنه يوم التلف(3) ، لأنّ حقّه انتقل من العين إلي القيمة بالتلف، فاعتبر يوم التلف كالعارية، بخلاف الصداق، فإنّ حقّه في المسمّي خاصة، و لهذا لو زاد الصداق لم يرجع في العين مع الزيادة المتصلة و المنفصلة، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فإن استرجع المدفوع بعينه ضمّ إلي ماله، و أخرج زكاته إن كان قد دفع علي أنّها زكاة معجّلة، لبقاء الملك علي ربّه، و تمكّنه من أخذه، و به قال الشافعي(4).

و بعض أصحابه قال: إن كان غير الحيوان ضمّه كما يضمّ الدّين الي ماله، و إن كان حيوانا لم يضمّه، لأنّه لمّا استغني الفقير زال حكم الزكاة فيها،3.

ص: 309


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 153:6، فتح العزيز 543:5، حلية العلماء 136:3.
2- المبسوط للطوسي 229:1.
3- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 151:6، فتح العزيز 542:5، حلية العلماء 136:3، المغني 501:2، الشرح الكبير 684:2.
4- المهذب للشيرازي 174:1، حلية العلماء 136:3.

و تعلّق حقّه بعينها، و لم يملكها إلا بالرجوع فيها، فانقطع حكم الحول فيها(1).

و إن استرجع القيمة لم يضمّها الي ماله، لأنّه تجدّد ملكه عليها، و لم يكن حكمها حكم ماله.

مسألة 220: إذا عجّل الزكاة إلي فقير حال الدفع ثم استغني بغير الزكاة ثم افتقر

فحال الحول و هو فقير، جاز له أن يحتسب من الزكاة، لأنّ الاعتبار بحال الدفع و حال الحول، و إذا كان حال الدفع فقيرا حصل المقصود بالدفع، و إذا كان فقيرا حال الحول فهو ممّن يجوز دفع الصدقة إليه فيجزئه، و لا اعتبار بما بينهما، و هو أحد وجهي الشافعي(2).

و في الثاني: لا يجزئ(3) ، لأنّه بالاستغناء بطل قبضه، فصار كما لو دفعها إلي غني ثم صار فقيرا عند الحول.

و نمنع الحكم في الأصل.

و لو دفعها إلي غني إلاّ أنّه افتقر حال الحول، فالوجه الإجزاء، لأنّ الاعتبار إنّما هو بالحول، و هو حينئذ ممّن يستحقّ الزكاة.

و قال الشافعي: لا يجوز(4) ، لأنّ التعجيل جاز للإرفاق، فإذا لم يكن من أهله لم يصح التعجيل.

و ينتقض عليهم: بما لو أوصي لوارث ثم تغيّرت حاله(5) فمات و هو غير وارث، فإنّها تصح الوصية عندهم(6) اعتبارا بحال نفاذها. و لأنّه لا فائدة في

ص: 310


1- المهذب للشيرازي 174:1، حلية العلماء 136:3.
2- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 137:3.
3- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 137:3.
4- المجموع 156:6.
5- بارتداد مثلا.
6- لم نعثر عليه في مظانّه.

استعادتها منه ثم دفعها إليه.

مسألة 221: إذا عجّل الزكاة ثم تلف ماله قبل الحول

بطل الحول، و سقطت الزكاة عنه، و له الرجوع فيما دفعه إن كان حين الدفع قال:

هذه صدقة مالي عجّلتها أو زكاة مالي عجّلتها، لأنّه دفع دفعا مشروطا لا مطلقا، و قد ظهر بطلانه، فله الاستعادة.

و إن قال: هذه زكاة مالي، أو صدقة مالي، و أطلق، لم يكن له أن يرجع فيها، قاله الشيخ(1) - و هو مذهب الشافعي(2) - لأنّه إذا قال: هذه زكاة مالي، كان الظاهر أنّها واجبة عليه، و احتمل أن يكون عن هذا المال و عن غيره.

و إذا قال: هذه صدقة، كان الظاهر أنّها صدقة في الحال إمّا واجبة أو تطوّع.

فإن ادّعي علم المدفوع إليه أنّها معجّلة، كان له إحلافه، لأنّ المدفوع إليه منكر لو اعترف بما قاله الدافع وجب عليه ردّ ذلك، فإذا أنكره و ادّعي علمه احلف، كمن يدّعي علي ورثة الميت دينا عليه، و هو أحد وجهي الشافعي.

و في الثاني: لا يحلف، لأنّ دعوي الدافع يخالف ظاهر قوله فلم يسمع(3).

لا يقال: ألا جعلتم القول قول الدافع، لأنّه أعلم بنيّته، كما لو دفع مالا و قال: إنّه قرض، و قال المدفوع إليه: إنّه هبة، فالقول قول الدافع، و كما لو قضي أحد الدينين و ادّعي القابض قضاء الآخر، قدّم قول الدافع.

لأنّا نقول: إنّما كان القول في هاتين قول الدافع، لأنّه لا يخالف الظاهر، فكان أولي، و في مسألة الزكاة قول الدافع يخالف الظاهر، لأنّ الزكاة

ص: 311


1- المبسوط للطوسي 231:1.
2- المهذب للشيرازي 173:1-174، المجموع 150:6، مغني المحتاج 417:1.
3- المجموع 150:6، فتح العزيز 540:5.

ظاهرة في الوجوب، و المعجّلة ليست زكاة في الحال، فلم يقبل قوله.

أمّا الوالي إذا أطلق و كانت معجّلة، فإنّ له الرجوع، لأنّه نائب عن الفقراء، فيقبل قوله عليهم، و رب المال يدّعيها لنفسه، فلم يقبل قوله.

إذا ثبت هذا، فالدافع أعرف بنيّته إن كان صادقا و تمكّن من الاستيفاء، كان له ذلك، و إلاّ فلا. و لو علم الفقير ذلك وجب عليه الردّ مع الطلب و إن كان مستحقّا و لم يتغيّر الحال.

مسألة 222: قد بيّنا أنّه لا يجوز أن يعجّل الزكاة قبل إكمال النصاب

عند المجوّزين، فلو كان معه مائتا شاة فعجّل زكاة أربعمائة عن المائتين الموجودة و عمّا تتوالد، فتوالدت و بلغت أربعمائة لم تجزئ إلاّ عن المائتين عند القائلين منّا بالتعجيل - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - لأنّها لم توجد في ملكه، فأشبه ما إذا زكّي مائتي درهم قبل حصولها.

و الثاني: الإجزاء، لأنّ السخال تابعة للأمّهات، فإذا سلف عنها مع وجود الأمّهات صار ذلك كوجودها(2).

و لو كان عنده عشرون من الغنم حوامل، فعجّل شاة عنها و عن أولادها، فتوالدت و بلغت أربعين، لم تجزئ، لأنّها لا تتبع ما دون النصاب، و به قال الشافعي(3).

و لو كان معه سلعة للتجارة قيمتها مائتان، فأخرج زكاة أربعمائة، ثم زادت قيمتها، و صارت أربعمائة عند الحول، لم يجزئه عندنا، لما تقدّم.

و قال الشافعي: يجزئه، لأنّ الواجب في قيمة العرض، و الاعتبار بالقيمة في آخر الحول دون غيره، و لهذا لو نقصت القيمة ثم زادت لم ينقطع الحول(4).

ص: 312


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، حلية العلماء 134:3.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، حلية العلماء 134:3.
3- انظر: فتح العزيز 531:5، و المجموع 146:6.
4- فتح العزيز 532:5، المهذب للشيرازي 173:1.

و كذا لو كان معه أقلّ من نصاب للتجارة، فأخرج خمسة دراهم، و زادت القيمة، و بلغت نصابا، أجزأه(1).

و عندنا أنّ النصاب معتبر في أول الحول إلي آخره في القيمة، فلهذا قلنا بعدم الإجزاء.

و لو كان معه مائتا درهم فعجّل منها خمسة، فلمّا دنا الحول أتلف منها درهما انقطع الحول، و سقطت الزكاة عنه، لقصور المال عن النصاب، و له أن يرجع فيما عجّله إذا شرط أنّه زكاة معجّلة، لأنّ الزكاة لم تجب عليه.

و لا فرق في النقصان قبل الحول بين التفريط و عدمه، و لهذا نمنع وجوب الزكاة، و هو أحد وجهي الشافعية.

و الثاني: ليس له، لأنّه مفرط في ذلك، قاصد لاسترجاع ما عجّله، فلم يكن له الرجوع(2).

و قد تقدّم أنّ التفريط لا يمنع الرجوع.3.

ص: 313


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6 و 148.
2- فتح العزيز 542:5، حلية العلماء 136:3.

ص: 314

الفصل الثالث في المخرج
مسألة 223: يجوز أن يتولّي المالك الإخراج بنفسه في الأموال كلّها،

سواء كانت ظاهرة أو باطنة، و إن كان الأفضل في الظاهرة صرفها إلي الإمام أو الساعي، ليتولّيا تفريقها، عند علمائنا - و به قال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران و الثوري و طاوس و عطاء و الشعبي و النخعي و أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) - لأنّها حق لأهل السّهمان، فجاز دفعه إليهم، لأنّهم المستحقّون كسائر الحقوق، و كالدّين إذا دفعه إلي مالكه، و كالزكاة الباطنة. و لأنّه أحد نوعي الزكاة، فأشبه الآخر.

و لقول الصادق عليه السلام: «لو أنّ رجلا حمل زكاته علي عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا»(2).

و قال مالك: لا يفرّق الأموال الظاهرة إلاّ الإمام - و به قال أبو حنيفة

ص: 315


1- المغني 505:2 و 506، الشرح الكبير 671:2، المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، حلية العلماء 141:3.
2- الكافي 501:3-16، التهذيب 104:4-297.

و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله تعالي خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ (2).

و لأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة و قاتلهم عليها، و قال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لقاتلتهم عليها. و وافقه الصحابة علي هذا(3).

و لأنّ ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلي المولّي عليه كولي اليتيم(4).

و الجواب: نقول بموجب الآية، فإنّها تدلّ علي أنّ للإمام أخذها، و لا خلاف فيه.

و مطالبة أبي بكر، لمنعهم، و لو أدّوها إلي مستحقّها لم يقاتلهم.

و إنّما يطالب الإمام بحكم الولاية و النيابة عن مستحقّها، و إذا دفعها إليهم جاز، لأنّهم أهل رشد، فجاز الدفع إليهم، بخلاف اليتيم.

إذا ثبت هذا، فإنّ المالك يتخيّر في الصرف إلي الإمام أو العامل أو المساكين أو الوكيل، لأنّه فعل تدخله النيابة فجاز التوكيل فيه.

مسألة 224: الأفضل أن تدفع زكاة الأموال الظاهرة إلي الإمام العادل،

و به قال الباقر عليه السلام و الشعبي و الأوزاعي و أحمد(5) - لأنّ الإمام أعلم بمصارفها، و دفعها إليه يبرئه ظاهرا و باطنا، لاحتمال أن يكون الفقير غير مستحق، و يزيل التهمة عنه في منع الحق، و لأنّه يخرج من الخلاف.

ص: 316


1- بدائع الصنائع 35:2، المغني 506:2، الشرح الكبير 672:2، المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، حلية العلماء 141:3.
2- التوبة: 103.
3- صحيح البخاري 131:2، سنن البيهقي 114:4.
4- المنتقي - للباجي - 94:2، المغني 506:2، الشرح الكبير 672:2، حلية العلماء 141:3.
5- المغني 506:2، الشرح الكبير 671:2-672.

و قال بعض الجمهور: الأفضل أن يفرّقها بنفسه، لما فيه من توفير أجر العمالة و صيانة الحق عن خطر الخيانة و مباشرة تفريج كربة مستحقّها و إغنائه بها، مع إعطائها الأولي بها من محاويج أقاربه و ذوي رحمه و صلة الرحم بها فكان أفضل(1).

و لو تعذّر الصرف إلي الإمام حال الغيبة استحب دفعها إلي الفقيه المأمون من الإمامية، لأنّه أبصر بمواقعها. و لأنّه إذا دفعها إلي الإمام أو الفقيه برئ لو تلفت قبل التسليم، لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السّهمان، فجري مجري قبض المستحقّ.

مسألة 225: لو طلب الإمام الزكاة منه وجب دفعها إليه

إجماعا منّا، لأنّه معصوم تجب طاعته و تحرم مخالفته، فلو دفعها المالك إلي المستحقّين بعد طلبه و إمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا: الإجزاء - و هو الوجه عندي - لأنّه دفع المال إلي مستحقّه، فخرج عن العهدة، كالدّين إذا دفعه الي مستحقّه.

و عدمه، لأنّ الإخراج عبادة لم يوقعها علي وجهها، لوجوب الصرف إلي الإمام بالطلب، فيبقي في عهدة التكليف. و لا خلاف في أنّه يأثم بذلك.

مسألة 226: الطفل و المجنون إن أوجبنا الزكاة في مالهما أو قلنا باستحبابها فالولي هو المتولّي للإخراج،

و حكم الولي هنا حكم المالك، إن شاء فرّقها بنفسه، و إن شاء دفعها إلي الساعي أو إلي الإمام، و كذا الوكيل في الدفع له أن يدفع إلي الفقراء و إلي الإمام و إلي الساعي.

و لو أمره المالك بالمباشرة، فإن دفع الي الإمام العادل برئ، لأنّه أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و إن دفعها إلي الساعي فالوجه الضمان، للمخالفة.

مسألة 227: يجب أن ينصب الإمام عاملا لقبض الصدقات،

لأنّه من الأمر بالمعروف، و من المصالح التي تشتد الحاجة إليها من الفقراء

ص: 317


1- قاله ابنا قدامة في المغني 506:2-507، و الشرح الكبير 672:2.

للانتفاع، و من المالك لتخليص ذمته من الحقّ.

و يجب الدفع إليه مع طلبها، لأنّه كالنائب للإمام، و أمره مستند إلي أمره و لمّا كان امتثال أمر الإمام واجبا فكذا أمر نائبه.

و لقوله تعالي خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (1) و الأمر بالأخذ يستلزم الأمر بالإعطاء.

مسألة 228: و ليس للعامل أن يتولّي تفريق الصدقة إلاّ بإذن الإمام،

لأنّه لا ولاية له إلاّ من قبله عليه السلام، فتختص ولايته بما قصرها عليه، فإن فوّض إليه ذلك جاز.

ثم إن عيّن له الإمام الصرف إلي أقوام معيّنين علي التفضيل أو التسوية، لم يجز التخطّي(2) ، فإن تخطّي الي غيرهم أو فضّل و قد أمر بالتسوية أو بالعكس، ضمن القدر الذي فرّط فيه خاصة، و إن أطلق تصرّف هو كيف شاء ممّا يبرئ المالك.

و لو عيّن له المالك و عيّن له الإمام أيضا، و اختلف المحل أو التقسيط اتّبع تعيين الإمام خاصة.

و مع إطلاق الإمام و تعيين المالك هل يجوز له التخطّي(3) الي غير من عيّنه المالك ؟ إشكال ينشأ من أنّ للمالك التخيير لا لغيره، و من زوال ولايته بالدفع إلي الساعي.

إذا عرفت هذا، فإذا أذن الإمام في التفريق و أطلق، جاز أن يأخذ نصيبه من تحت يده، لأنّه أحد المستحقّين و قد أذن له في الدفع إليهم، فيندرج تحت الإذن كغيره.

مسألة 229: و إذا بعث الإمام الساعي لم يتسلّط علي أرباب المال،

بل يطلب منهم الحقّ إن كان عليهم، فإن قال المالك: أخرجت الزكاة، أو

ص: 318


1- التوبة: 103.
2- في النسخ الخطيّة و الحجرية: التخطئة. و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطيّة و الحجرية: التخطئة. و الصحيح ما أثبتناه.

لم يحل علي مالي الحول، أو أبدلته، صدّقه من غير يمين، خلافا للشافعي(1) ، علي ما تقدّم.

و لا يلزم المالك أن يدفع من خيار ماله، و لا يقبل منه الأدون، بل يؤخذ الأوسط، و يقسّم الشياه قسمين عندنا، و يخيّر المالك حتي تبقي الفريضة.

و قال بعض الجمهور: يقسّم ثلاثة أقسام: أجود و أدون و أوسط، و تؤخذ الفريضة من الأوسط(2).

و قولنا أعدل، لأنّ فيه توصّلا إلي الحقّ من غير تسلّط علي أرباب الأموال.

مسألة 230: و ينبغي أن يخرج العامل في أخذ صدقة الثمار و الغلاّت عند كمالها و قطفها

و جذاذها و تصفيتها، و الناحية الواحدة لا تختلف زروعها اختلافا كثيرا، و أمّا ما يعتبر فيه الحول فيخرج في رأس الحول استحبابا، لتنضبط الأحوال.

فإذا قدم العامل فإن كان حول الأموال قد تمّ، قبض الزكاة، و إن كان فيهم من لم يتمّ حوله وصّي عدلا ثقة يقبض الصدقة منه عند حلولها، و يفرّقها في أهلها إن أذن له الإمام دفعا لحرج العود.

و إن رأي أن يكتبها دينا عليه ليأخذ من قابل، فالوجه المنع، خلافا للشافعي(3).

و إن أراد أن يرجع في وقت حلولها لقبضها كان أولي.

و لا يكلّف أرباب الأموال أن يجلبوا المواشي إليه ليعدّها، و لا يكلّف الساعي أن يتبعها في مراتعها، لما فيه من المشقة، بل يقصد الساعي موارد

ص: 319


1- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 174:6، حلية العلماء 142:3.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 276.
3- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 173:6.

المياه أو مراحها، فإن تعدّدت الموارد كلّف أربابها الاجتماع في موضع واحد إذا كان يكفيها ليخفّ علي الساعي من غير ضرر علي أربابها، فإذا أراد عدّها ضمّ الغنم إلي حيطان أو جدار أو جبل، ثم يحصرها حتي لا يكون لها طريق إلاّ ما تمرّ فيه شاة شاة أو شاتين شاتين.

فإذا عدّها و ادّعي المالك الخطأ، و أنّها أقلّ، عدّت مرة ثانية و ثالثة، و كذا لو ظن العادّ أنّه أخطأ.

و لو أخبره المالك بالعدد و كان ثقة، قبل منه. و هو قول الشافعي(1).

مسألة 231: إذا فرّق المالك الزكاة بنفسه، لم يخرج نصيب العامل،

لأنّه لم يعمل فلم يستحق شيئا. و كذا لو فرّق الإمام بنفسه أو نائبه، و لا نعلم فيه خلافا. و لو فرّقها الساعي (أو الإمام)(2) فلا بحث.

و إن احتاج الساعي إلي بيعها لمصلحة من إزالة كلفة في نقلها أو مرضها أو نحوه، كان له ذلك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رأي في إبل الصدقة كوماء(3) ، فسأل عنها، فقال المصدّق: إنّي ارتجعتها بإبل، فسكت(4).

و الرجعة: أن يبيعها و يشتري بثمنها مثلها أو غيرها.

فإن لم تكن حاجة إلي بيعها، احتمل جوازه، لسكوته صلّي اللّه عليه و آله حين أخبره المصدّق بارتجاعها، و لم يستفصل. و عدمه، لأنّه مال الغير، فيبطل البيع، و عليه الضمان.

مسألة 232: و يستحب للعامل أن يسم نعم الصدقة

- و به قال الشافعي(5) - لما روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يسم الإبل في

ص: 320


1- المجموع 170:6.
2- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية. و الصحيح: بإذن الإمام
3- كوماء: الناقة العظيمة السنام. غريب الحديث - للهروي - 84:3.
4- أورد ما بمعناه، ابن أبي شيبة في مصنّفه 125:3 و 126.
5- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 176:6، حلية العلماء 143:3.

إفخاذها، و وسم الغنم في آذانها(1). و عليه إجماع الصحابة.

و لأنّ الحاجة تدعو إليه في تمييز إبل الصدقة من إبل الجزية و غيرها، و ربما شردت فعرفها من وجدها فردّها، و ربما رآها المالك فيكره شراءها.

و قال أبو حنيفة: يكره، لأنّه مثلة(2). و فعل النبي عليه السلام أولي.

و يستحب أن توسم في المواضع الصلبة المنكشفة كأفخاذ الإبل و آذان الغنم، و أن يكتب علي الميسم ما تؤخذ له، فعلي إبل الزكاة زكاة أو صدقة.

و علي إبل الجزية جزية أو صغار. و لو كتب عليها للّه، كان أبرك و أولي.

مسألة 233: لا يجوز دفع الزكاة إلي ولاة الجور

عند علمائنا أجمع، لانتفاء ولايتهم و استحقاقهم لها، فلا سبب يقتضي تسويغ الدفع إليهم.

و لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) و الجائر ظالم، و دفع الزكاة إليه ركون اليه، فيبقي في عهدة التكليف.

و قال الشافعي: يجوز الدفع الي ولاة الجور سواء عدل فيها أو جار، و سواء أخذها قهرا أو دفعها اليه اختيارا. و به قال أحمد و أبو ثور(4).

و اختلفوا، فقال أبو علي الطبري: دفعها الي الجائر أولي(5) ، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ستكون بعدي أمور تنكرونها) فقالوا: ما نصنع ؟ فقال: (أدّوا حقّهم و اسألوا اللّه حقّكم)(6).

ص: 321


1- صحيح البخاري 126:7، صحيح مسلم 1674:3-110-112، سنن ابن ماجة 1180:2-3565، مسند أحمد 171:3 و 254 و 259.
2- المجموع 176:6، حلية العلماء 143:3، عمدة القارئ 107:9، فتح الباري 286:3.
3- هود: 113.
4- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
5- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
6- صحيح مسلم 1472:3-1843، المعجم الصغير للطبراني 80:2، مسند أحمد 428:1 نحوه.

و لأنّ أبا صالح قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال و أريد أن اخرج زكاته و هؤلاء القوم علي ما تري فما تأمرني ؟ فقال: ادفعها إليهم، فأتيت ابن عمر فقلت فقال [مثل](1) ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك(2).

و لا حجة فيه، لأنّه ليس إجماعا، و لجواز علم الإكراه. و كذا في حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله إن حمل علي الزكاة.

مسألة 234: إذا أخذ الجائر الزكاة، قال الشيخ: لم يجزئ عنه

(3) ، لأنّ أبا أسامة قال للصادق عليه السلام: جعلت فداك هؤلاء المصدّقون يأتوننا فيأخذون منّا الصدقة نعطيهم إيّاها؟ فقال: «لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم، أو قال: ظلموكم و إنّما الصدقة لأهلها»(4).

و قال في التهذيب: الأفضل إعادتها(5). و هو يعطي الجواز، و به قال الشافعي و أحمد(6) ، لقول الصادق عليه السلام في الزكاة: «ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإنّ المال لا يبقي [علي هذا](7) أن يزكّي مرتين»(8).

و قال أبو حنيفة: تجزئ فيما غلبوا عليه. و قال: إذا مرّ علي الخوارج

ص: 322


1- زيادة يقتضيها السياق.
2- سنن البيهقي 115:4، و المغني 506:2، و الشرح الكبير 672:2.
3- الخلاف 32:2، المسألة 32.
4- التهذيب 40:4-101، الاستبصار 27:2-78.
5- التهذيب 39:4.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6 و 165، المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
7- زيادة من المصدر.
8- الكافي 543:3-4، التهذيب 39:4-40-99، الاستبصار 27:2-76.

فعشّروه لا تجزئ عن زكاته(1).

و قال أبو عبيد: في الخوارج يأخذون الزكاة علي من أخذوا منه الإعادة، لأنّهم ليسوا بأئمّة، فأشبهوا قطّاع الطريق(2).

و الشافعي قال: إن أخذها إمام غير عادل أجزأت عنه، لأنّ إمامته لم تزل بفسقه(3).

و قال أكثر الفقهاء من المحقّقين و أكثر أصحاب الشافعي: إنّ إمامته تزول بفسقه(4).

و قال أحمد و عامة أصحاب الحديث منهم: لا تزول الإمامة بفسقه(5).

و هذا كلّه عندنا باطل، لأنّ الإمام عندنا يجب أن يكون معصوما، فالدافع إلي غيره مفرّط فيضمن.

أمّا لو أخذها الظالم منه قهرا فالوجه عندي التفصيل، و هو: أنّه إن كان بعد عزل المالك لها و تعيينها، لم يضمن، و أجزأت، لأنّ له ولاية العزل، فتصير أمانة في يده بعد العزل، فإذا غصبت منه لم يضمن كسائر الأمانات، و إن كان قبله لم تجزئ، و لا تجب عليه فيما أخذ الظالم منه قهرا زكاة إجماعا.

مسألة 235: إذا قبض الإمام أو الساعي الصدقة دعا لصاحبها.

و هل هو واجب أو ندب ؟ للشيخ قولان:

أحدهما: الوجوب - و به قال داود(6) - لقوله تعالي وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ (7) و الأمر للوجوب(8).

ص: 323


1- المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
2- المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
3- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
4- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
5- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
6- المجموع 171:6، عمدة القارئ 94:9، حلية العلماء 147:3.
7- التوبة: 103.
8- الخلاف 125:2، المسألة 155.

و الثاني: الندب(1) - و به قال باقي الفقهاء(2) - عملا بأصالة البراءة، و لأنّه عليه السلام لمّا بعث معاذا الي اليمن قال: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(3) و لم يأمره بالدعاء.

و لأنّ ذلك لا يجب علي الفقير المدفوع إليه فالنائب أولي.

و أمّا الاستحباب: فللآية.

و لأنّ عبد اللّه بن أبي أوفي قال: كان أبي من أصحاب الشجرة، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللّهم صلّ علي آل فلان) فأتاه أبي بصدقته، فقال: (اللّهمّ صلّ علي آل أبي أوفي)(4) و الصلاة هنا الدعاء و التبرك.

مسألة 236: يكره أن يملك الإنسان ما تصدّق به اختيارا

كالشراء و شبهه من عقود المعاوضات عليه، و يجوز من غير كراهة تملّكه بميراث و شبهه، كقبضه في دين إذا دفعه الفقير، لوجوبه حينئذ.

و ليس الأول بحرام عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمسة: رجل

ص: 324


1- المبسوط للطوسي 244:1.
2- المغني 508:2، الشرح الكبير 675:2، المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 6: 171، حلية العلماء 147:3.
3- صحيح البخاري 147:2، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4.
4- صحيح البخاري 159:2 و 90:8 و 96، صحيح مسلم 756:2-757-1078، سنن ابن ماجة 572:1-1796، سنن أبي داود 106:2-1590، سنن النسائي 31:5، مسند أحمد 353:4، 355، 381، 383، سنن البيهقي 152:2، و 4: 157 و 5:7.
5- المجموع 241:6، المغني 513:2.

ابتاعها بماله)(1).

و تصدّق رجل علي امّه بصدقة ثم ماتت، فسأل النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: (قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث)(2) و هو في معني الشراء.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «فان تتبّعت نفس صاحب الغنم [من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليهم ثم ليأخذ صدقته](3) فإذا أخرجها (فليقوّمها)(4) فيمن يريد، فإذا قامت علي ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها»(5).

و لأنّ ما صحّ أن يملك إرثا صحّ أن يملك ابتياعا كسائر الأموال.

و قال أحمد و مالك و قتادة: يحرم عليه الشراء و لا ينعقد(6).

و قال أصحاب مالك: إن اشتراها لم ينقض البيع(7) ، لأنّ عمر قال:

حملت علي فرس في سبيل اللّه، فأضاعه الذي كان عنده، و ظننت أنّه بائعه برخص، فأردت أن أشتريه، فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال:

(لا تبتعه و لا تعد في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)(8).

و لا حجة فيه، لاحتمال كونه حبسا في سبيل اللّه فمنعه لذلك، أو أنّه محمول علي الكراهة، لما في الشراء من التوصّل الي استرجاع شيء منها،4.

ص: 325


1- سنن ابن ماجة 590:1-1841، سنن أبي داود 119:2-1635، سنن الدارقطني 121:2-3، مسند أحمد 56:3، سنن البيهقي 15:7 و 22.
2- المغني 513:2 نقلا عن سعيد بن منصور في سننه.
3- زيادة من المصدر.
4- في الكافي: فليقسمها.
5- الكافي 538:3-539-5، التهذيب 98:4-276.
6- المغني 513:2، المنتقي - للباجي - 180:2 و 181.
7- المغني 513:2، المنتقي - للباجي - 180:2 و 181.
8- صحيح البخاري 71:4، صحيح مسلم 1239:3-1620، سنن البيهقي 151:4.

فإنّ الفقير يستحي منه فلا يماكسه في الثمن، و ربما أرخصها له طمعا في أخذ صدقة اخري منه، و ربما علم أنّه إن لم يبعه إيّاها استرجعها منه، أو توهّم ذلك، و مثل هذا ينبغي اجتنابه.

و قال ابن عبد البر: كلّ العلماء يقولون: إذا رجعت إليه بالميراث طابت له، إلاّ ابن عمر و الحسن بن حي(1).

تذنيب: لو دعت الحاجة إلي الشراء، بأن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه، و لا يجد من يشتريه سوي المالك، و لو اشتراه غيره تضرّر المالك بالمشاركة، و الفقير بقلّة الثمن، زالت الكراهة و التحريم إجماعا، و كذا كلّ موضع دعت الحاجة إلي البيع.

مسألة 237: قد بيّنا أنّه يجوز الاحتساب من الزكاة في دين علي الفقير.

و منع منه أحمد، قال: و لو دفع الي المديون الفقير زكاته فردّها اليه قضاء عمّا عليه، جاز له أخذه إلاّ أن يكون حيلة. قال: فإن استقرض المديون مالا فقضاه ثم ردّه عليه و حسبه من الزكاة، فإن أراد بهذا إحياء ماله، لم يجز(2).

فحصل من كلامه: أنّ دفع الزكاة إلي الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفي حقّه ثم دفع ما استوفاه اليه، إلاّ أنّه متي قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دينه لم يجز، لأنّ الزكاة لحقّ اللّه، فلا يجوز صرفها إلي نفعه، و لا يجوز أن يحتسب الدّين الذي له من الزكاة قبل قبضه، لأنّه مأمور بأدائها، و هذا إسقاط.

و الحقّ ما قلناه من جواز ذلك كلّه.

ص: 326


1- المغني 514:2.
2- المغني 515:2.
الفصل الرابع في كيفية الإخراج
اشارة

و مباحثه ثلاثة:

الأول النية
مسألة 238: النية شرط في أداء الزكاة،

فلا تصح من دونها عند علمائنا أجمع، و هو قول عامة أهل العلم(1).

و لأنّه عبادة، فتفتقر إلي النية، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2).

و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات)(3) و أداؤها عمل.

و لأنّها عبادة تتنوّع إلي فرض و نفل، فافتقرت إلي النية، كالصلاة و الصوم.

و لأنّ الدفع يحتمل الوجوب و الندب، و الزكاة و غيرها، فلا تتعيّن لأحد الوجوه إلاّ بالنية.

و حكي عن الأوزاعي: أنّ النية لا تجب في الزكاة، لأنّها دين، فلا

ص: 327


1- المغني 502:2، الشرح الكبير 673:2.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن الترمذي 179:4-1647، سنن أبي داود 262:2-2201، مسند أحمد 25:1، سنن البيهقي 341:7.

تجب فيها النية، كسائر الديون، و لهذا يخرجها ولي اليتيم، و يأخذها السلطان من الممتنع(1).

و الفرق ظاهر لانحصار مستحقه، و قضاؤه ليس بعبادة و لهذا يسقط بإسقاط مستحقّه.

و وليّ الطفل و السلطان ينويان عند الحاجة.

مسألة 239: و النية: إرادة تفعل بالقلب مقارنة للدفع،

لأنّها مع (التقدم)(2) تكون عزما.

و يشترط فيها القصد الي الدفع، لأنّه الفعل، و الي مخصّصاته من كون المدفوع زكاة مال أو فطرة، و إلاّ لم ينصرف إلي أحدهما، لعدم الأولويّة.

و الوجه و هو: الوجوب أو الندب. و التقرب إلي اللّه تعالي. و أنّها زكاته.

و الوكيل و الولي و الحاكم و الساعي ينوون زكاة من يخرجون عنه.

و لا يجب أن يذكر عن مال بعينه، و لا تعيين الجنس المخرج عنه، و التلفّظ بالنية.

و قال الشافعي: كيفية النية أن ينوي أنّها زكاة ماله، و إن نوي أنّها واجبة أجزأه(3).

فإن قصد الاقتصار علي هذا لا غير، فليس بجيّد، و إن قصد مع انضمام ما شرطناه فهو مسلّم.

و لو نوي الزكاة و لم يتعرض بفرض لم تجزئ عندنا، و هو أحد وجهي الشافعية(4).

ص: 328


1- المغني 502:2، الشرح الكبير 673:2، المجموع 180:6، حلية العلماء 145:3.
2- في «ط»: التقديم.
3- المجموع 181:6، فتح العزيز 523:5.
4- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 181:6، فتح العزيز 523:5، حلية العلماء 146:3.

و اختلف أصحابه في تقديم النية، فجوّز بعضهم، لأنّها عبادة تجوز فيها النيابة بغير عذر، و يجوز تقديمها علي وجوبها، فجاز تقديم النية عليها - و هو اختيار أصحاب أبي حنيفة(1) - لأنّ ذلك يؤدّي الي إيقاف أجزائه علي نية وكيله، و في ذلك تغرير بماله مع إجازة النيابة و الحاجة إليها.

و قال آخرون: لا يجوز(2) ، كما قلناه، لأنّها عبادة تدخل فيها بفعله، فلا يجوز تقديم النية عليها كالصلاة، و دخول النيابة لا يقتضي جواز تقديم النية عليها كالحج.

و نمنع جواز تقديمها، و قد مضي، سلّمنا، لكن لا يصلح للعلّية، و نوجب نية الوكيل أو نيته عند دفعه.

مسألة 240: الزكاة إن فرّقها المالك تولّي النية حالة الدفع.

و إن دفعها إلي وكيله ليفرّقها، فإن نوي الموكّل حالة الدفع الي الوكيل، و نوي الوكيل حالة دفعه الي الفقراء، أجزأ إجماعا.

و إن لم ينويا معا، بأن ينويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

و إن نوي المزكّي حال دفعه إلي الوكيل و لم ينو الوكيل حالة الدفع إلي الفقراء، لم يجزئه عندنا، و هو أحد قولي الشافعية بناء علي الوجهين في جواز تقديم النية(3).

و منهم من قال: يجزئه هنا وجها واحدا، لأنّه لمّا أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة(4).

و ينتقض بالحج، و لأنّ نية الموكّل لم تقارن الدفع، فوقع الفعل بغير

ص: 329


1- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 182:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3، بدائع الصنائع 41:2.
2- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 181:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
3- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3.
4- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3.

نية، فلا يعدّ عملا.

و لو نوي الوكيل حال الدفع إلي الفقراء و لم ينو الموكّل حال الدفع الي الوكيل لم يجزئه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الفرض يتعلّق بالمالك، و الإجزاء يقع عنه.

و يحتمل الإجزاء لو نوي الوكيل، لأنّه نائب عن المالك، و الفعل ممّا تدخله النيابة، فصحّت نية الوكيل كالحج.

أمّا لو لم ينو المالك حالة الدفع إلي الوكيل، و نوي حالة دفع الوكيل إلي الفقراء و لم ينو الوكيل، أجزأ، لأنّ النائب لا اعتبار به مع فعل المنوب ما وقعت فيه النيابة.

مسألة 241: لو دفع المالك الزكاة إلي الإمام أو الي الساعي و نوي حالة الدفع إليهما أجزأ

و إن لم ينو أحدهما حالة الدفع الي الفقراء - و به قال أحمد(2) - لأنّ الإمام وكيل للفقراء.

و لا فرق بين أن يطول زمان دفع الإمام إلي الفقراء و بين أن يقصر.

و الساعي كالإمام، لأنّه نائب عنه، و هو نائب عن الفقراء.

و لو لم ينو المالك حالة الدفع الي الإمام أو الي الساعي و نوي أحدهما حالة الدفع الي الفقراء، قال الشيخ: إن أخذها الإمام أو الساعي منه طوعا لم يجزئه، و إن أخذها أحدهما منه كرها أجزأ(3). و هو قول بعض الشافعية(4) ، لأنّ تعذّر النية في حقّه أسقط وجوبها عنه كالصغير و المجنون، و مع الاختيار يكون الدفع إلي نائب الفقراء بغير نية فلا يجزئ، كما لو دفع الي الفقراء.

ص: 330


1- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3، المغني 503:2، الشرح الكبير 675:2.
2- المغني 503:2، الشرح الكبير 675:2.
3- المبسوط للطوسي 233:1.
4- المجموع 184:6، فتح العزيز 525:5.

قال الشيخ: إنّه حالة التطوع و إن لم تجزئه لكن ليس للإمام مطالبته بها ثانية(1).

و قال الشافعي: تجزئه سواء أخذها الإمام طوعا أو كرها. و فرّق بين دفعها الي الفقراء و بين دفعها الي الإمام، لأنّ أخذ الإمام بمنزلة القسم من الشركاء، فلا يحتاج إلي نية.

و لأنّ الإمام إنّما يأخذ الزكوات الواجبة، لأنّه لا نظر له إلاّ في ذلك، و لا يحتاج إلي نية.

و لأنّ للإمام ولاية الأخذ، و لهذا يأخذها من الممتنع اتّفاقا، و لو لم تجزئه لما أخذها، أو لأخذها ثانيا و ثالثا، لأنّ أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية، و إن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها(2).

و قال بعض الشافعية: لا تجزئ فيما بينه و بين اللّه تعالي(3) ، سواء أخذها طوعا أو كرها، لأنّ الإمام إمّا نائب للفقراء فلا يجزئ الدفع اليه بغير نية، كما لو دفع الي الفقراء(4) ، و إمّا نائب عن المالك، فيكون كالوكيل لا يجزئ عنه إلاّ مع نيته.

و لأنّها عبادة فلا تجزئ مع عدم نية من وجبت عليه إذا كان من أهل النية كالصلاة.

و إنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها، و لو صلّي بغير نية لم تجزئه عند اللّه تعالي.

و هو وجه عندي، و معني الإجزاء: عدم المطالبة بها ثانيا.

و يمكن الفرق: بأنّ الصلاة لا تدخلها النيابة، فلا بدّ من نية فاعلها.ة.

ص: 331


1- المبسوط للطوسي 233:1.
2- الام 23:2، المجموع 184:6، فتح العزيز 525:5.
3- المجموع 184:6-185، فتح العزيز 525:5 و 526.
4- أي: بغير نية.

و قوله: الإمام إمّا وكيل للمالك أو للفقراء.

قلنا: بل هو وال علي المالك، و لا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة، لأنّها ليست عبادة، و لا تعتبر لها نية، بخلاف الزكاة.

إذا عرفت هذا، ففي كلّ موضع قلنا بالإجزاء مع عدم نية المالك لو لم ينو الساعي أو الإمام أيضا حالة الدفع الي الفقراء، توجّه الإجزاء، لأنّ المأخوذ زكاة و قد تعيّنت بالأخذ.

و يحتمل عدمه، لخلوّ الفعل حينئذ عن نية.

مسألة 242: قد بيّنا أنّه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النية،

فلو كان له مالان و نوي عن أحدهما و لم يعيّنه، أجزأ، سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شيء منهما، و له صرفه الي أيّ الصنفين شاء سواء خالف أو لا.

و مع اختلاف القيمة وقت الإخراج و الاحتساب و اتّحاد المخرج مع أحد الجنسين إشكال: ينشأ من حصول الضرر للفقراء مع العدول عنه، و من تسويغه لو لم تختلف، فكذا معه.

و علي قول المانعين من إخراج القيمة - كالشافعي و من وافقه(1) - يتخرّج الانصراف الي الجنس خاصة.

مسألة 243: يشترط في النية الجزم، و عدم التشريك بين وجهي الفعل،

فينوي الفرض إن كان واجبا، و النفل إن كان تطوّعا، فلو نوي النفل عن الفرض لم يجزئ، لأنّه لم يوقع العبادة علي وجهها.

أمّا لو نوي الفرض عن النفل، فالوجه: الإجزاء، لأنّ نية الأقوي تستلزم نية الأضعف.

ص: 332


1- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 428:5 و 431، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.

و لو نوي بجميع ما أخرجه الفرض و النفل معا لم يجزئه عن الزكاة و كانت تطوّعا - و به قال الشافعي و محمد بن الحسن(1) - لأنّه شرّك بين الفرض و النفل في نيّته فلم يجزئ عن الفرض كالصلاة، و لأنّ الفعل الواحد لا يقع علي جهتين، و لم ينو الفرض، فلم يقع عنه.

و قال أبو يوسف: يجزئه عن الزكاة(2) ، لأنّ النفل لا يفتقر الي تعيين النية، فصار كأنّه نوي الزكاة و الصدقة.

و ليس بصحيح، لما تقدّم.

مسألة 244: لو كان له مال غائب، فأخرج الزكاة،

و قال: إن كان مالي سالما فهذه عنه، أو تطوّع، لم يجزئ عنه إن كان سالما - و به قال الشافعي(3) - لأنّه شرّك بين الفرض و النفل، فلم تتخلّص نية الفرض.

و قال الشيخ في المبسوط: يجزئه(4) و ليس بمعتمد.

و لو قال: إن كان سالما فهذه عنه، و إن كان تالفا فهي تطوع، فكان سالما، أجزأ عنه، لعدم التشريك في النية بين الفرض و النفل، و إنّما رتّب فيها النفل عن الفرض، و نوي كلّ واحد منهما علي تقدير لو لم يفعله لوقع لذلك، فإنّه لو نوي أنّها عن ماله، كان ذلك حكمها إن كان تالفا فهي تطوع، فإذا خرج بذلك أجزأه.

و لو أخرج و قال: هذه عن مالي الغائب إن كان سالما، و إن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر، أجزأه.

و كذا لو قال: عن مالي الغائب أو الحاضر، فإنّه يجزئه عن السالم منهما، لأنّه لا يجب عليه تعيين الزكاة بمال بعينه، و لهذا لو كان له أربعمائة، فأخرج

ص: 333


1- حلية العلماء 146:3-147، بدائع الصنائع 40:2.
2- حلية العلماء 146:3-147، بدائع الصنائع 40:2.
3- الام 22:2، مختصر المزني: 45، المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 182:6، فتح العزيز 524:5.
4- المبسوط للطوسي 232:1.

خمسة دراهم ينوي بها الزكاة أجزأه و إن لم يعيّنها عن إحدي المائتين.

و لو أخرج خمسة دراهم و قال: إن كان قد مات مورّثي فهذه زكاة عمّا ورثته منه، فكان قد ورث عنه، لم يجزئه، لأنّه أخرجها عن غير أصل يبني عليه النية، بخلاف ما إذا باع مال مورّثه ثم بان أنّه قد ورثه، فإنّه يصح البيع، لأنّه لا يفتقر إلي النية، و الزكاة تفتقر إليها.

و قال الشيخ: يجزئه إن قلنا بوجوب الزكاة في الغائب، و لو لم يكن قد مات ثم مات بعد ذلك، لم يجزئ، لفوات وقت النية(1).

مسألة 245: لو أخرج و قال: هذه عن مالي الغائب إن كان سالما،

و لم يقل غير ذلك، فبان سالما، أجزأه.

و إن بان تالفا، قال الشيخ: لم يكن له النقل الي غيره(2) - و به قال الشافعي(3) - لأنّه عيّنها لذلك المال، فأشبه ما لو كان عليه كفّارة، فأعتق عبدا عن اخري عيّنها فلم يقع عنها، لم يجزئه عمّا عليه، كما لو كان عليه كفّارة ظهار و يجرح رجلا و يقدّم العتق عن كفّارة القتل، فيبرأ المجروح، فإنّه لا يجزئه صرفها إلي الظهار و إن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفّارة بسببها، كذا الزكاة.

و الوجه عندي: الإجزاء، لأنّه نوي ما ليس ثابتا في ذمته، و لم ينو مطلق التطوع، فلم يزل ملكه عنه، فيجوز له العدول الي غيره.

مسألة 246: يجوز الإخراج عن المال الغائب مع الشك في سلامته،

و التمكّن منه، لأنّ الأصل بقاؤه، و تكون نية الإخراج صحيحة إجماعا، فلو دفعها الي الساعي أو الي الإمام باختياره و قال: هذه عن مالي الغائب، فبان تالفا قبل الوجوب، فإن كان المدفوع اليه قد فرّقها، لم يرجع عليه، و له أن يرجع علي الفقراء مع بقاء العين، لفساد الدفع، و إن كانت في يده رجع بها،

ص: 334


1- المبسوط للطوسي 232:1.
2- المبسوط للطوسي 232:1.
3- فتح العزيز 523:5، حلية العلماء 190:3.

و كان له أن يجعلها عن غيره - و به قال الشافعي(1) - لأنّه دفعها الي الوالي ابتداء من غير سؤال ليفرّقها، فيكون نائبا عنه، و لا يضمن بالدفع الي الفقير، لأنّه دفعها إليه بسؤاله.

مسألة 247: لو تصدّق بجميع ماله و لم ينو بشيء منه الزكاة لم يجزئه

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه لم ينو الفرض، فأشبه ما لو صلّي ألف ركعة بنية التطوّع، فإنّه لا يجزئه عن الفرض.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يجزئه استحسانا، لأنّه تصرّف فيه تصرّفا لم يتعدّ به، فلم يضمن الزكاة(3).

و هو ممنوع، لأنّه متعدّ بتصرّفه بقدر الزكاة بنية التطوّع.

و لو تصدّق ببعضه، قال محمد: أجزأه عن زكاة ذلك البعض(4) ، لأنّه لو تصدّق بجميعه أجزأه عن جميعه، فأجزأه إذا تصدّق بالبعض عن البعض.

و قال أبو يوسف: لا يجزئه(5) ، لأنّا أسقطنا عنه الزكاة لو تصدّق بجميعه، لزوال ملكه عن المال علي وجه القربة، و هنا لم يزل عن جميعه.

ص: 335


1- الام 23:2، مختصر المزني: 45، فتح العزيز 524:5.
2- المهذب للشيرازي 177:1، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
3- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
4- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3-35، حلية العلماء 145:3-146.
5- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3-35، حلية العلماء 146:3.
البحث الثاني في كيفية التقسيط
مسألة 248: يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة،

بل يجوز دفعها إلي واحد و إن كثرت، و لا يجب بسطها علي الجميع عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد، و هو أيضا قول عمر و حذيفة و ابن عباس و سعيد بن جبير و النخعي و عطاء و الثوري و أبو عبيد(1) - لقوله عليه السلام: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(2) أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، و لم يذكر سواهم.

ثم أتاه بعد ذلك مال، فجعله في صنف ثان سوي الفقراء، و هم اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و علقمة بن علاثة و زيد الخيل، قسّم فيهم ما بعثه علي عليه السلام من اليمن(3).

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر، لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمّل حمالة، و أتاه فسأله، فقال له عليه السلام: (أقم يا قبيصة حتي تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)(4).

ص: 336


1- المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، المجموع 186:6، المبسوط للسرخسي 10:3، الهداية للمرغيناني 113:1، شرح فتح القدير 205:2.
2- صحيح البخاري 158:2-159، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4 و 5، سنن الدارمي 379:1.
3- صحيح البخاري 155:9، صحيح مسلم 741:2-143 و 144، سنن أبي داود 243:4-4764، سنن النسائي 87:5، مسند أحمد 4:3، 31، 68، 72، 73.
4- صحيح مسلم 722:2-109، سنن النسائي 89:5، سنن أبي داود 120:2-1640.

و في حديث سلمة بن صخر البياضي: أنّه أمر له بصدقة قومه(1). و لو وجب صرفها إلي الثمانية لم يجز دفعها الي واحد.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم، و صدقة أهل الحضر في الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسوية، إنّما يقسّمها علي قدر من يحضره منهم» قال: «و ليس في ذلك شيء موقت»(2).

و لأنّها لا يجب صرفها الي جميع الأصناف إذا أخذها الساعي، فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك، كما لو لم يجد إلاّ صنفا واحدا.

و لأنّ القصد سدّ الخلّة و دفع الحاجة، و ذلك يحصل بالدفع إلي بعضهم، فأجزأ، كالكفّارات.

و قال عكرمة و الشافعي: إن دفعها الي الإمام فقد برئت ذمته، و الإمام يفرّقها علي الأصناف السبعة سوي العاملين، لسقوط حقّه(3) بانتفاء عمله(4) ، فإن كان السبعة موجودين، و إلاّ دفعها الي الموجودين من الأصناف يقسّمها بينهم، لكلّ صنف نصيبه، سواء قلّوا أو كثروا علي السواء.

و إن دفعها الي الساعي عزل الساعي حقّه، لأنّه عامل، و فرّق الباقي علي الأصناف السبعة، و إن فرّقها بنفسه سقط نصيب العامل أيضا، و فرّقها علي باقي الأصناف، و لا يجزئه أن يقتصر علي البعض، ثم حصة كلّ صنف منهم لا تصرف إلي أقلّ من ثلاثة إن وجد منهم ثلاثة - و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و عثمان البتي و عبد اللّه بن الحسن العنبري - لقوله تعالي:

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (5) الآية، فجعلها لهم بلام التمليك، و عطف0.

ص: 337


1- سنن البيهقي 390:7-391، مسند أحمد 37:4.
2- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
3- إفراد الضمير في (حقّه) و (عمله) باعتبار الصنف.
4- إفراد الضمير في (حقّه) و (عمله) باعتبار الصنف.
5- التوبة: 60.

بعضهم علي بعض بواو التشريك، و ذلك يوجب الاشتراك، و نمنع الاختصاص كأهل الخمس، و الآية وردت لبيان المصرف(1).

و حكي عن النخعي: أنّ المال إن كثر بحيث يحتمل الأصناف بسط عليهم، و إن كان قليلا جاز وضعه في واحد(2).

و قال مالك: يتحرّي موضع الحاجة منهم، و يقدّم الأولي فالأولي(3).

مسألة 249: و يستحب بسطها علي جميع الأصناف

- و هو قول كلّ من جوّز التخصيص - أو الي من يمكن منهم، للخلاص من الخلاف و تحصيل الإجزاء يقينا. و لتعميم الإعطاء، فيحصل شمول النفع.

و لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم، و صدقة أهل الحضر في الحضر»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب ترجيح الأشدّ حاجة في العطية، لقول الصادق عليه السلام: «و لا يقسّمها بينهم بالسوية، إنّما يقسّمها علي قدر من يحضره منهم» قال: «و ليس في ذلك شيء موقّت»(5).

و لأنّ المقتضي إذا كان في بعض الموارد أشدّ كان المعلول كذلك، و المقتضي هو: الحاجة.

و كذا يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب، لأفضليته، و لقول الباقر عليه السلام: «أعطهم علي الهجرة في الدين و الفقه و العقل»(6).

و كذا يستحب تخصيص غير السائل علي السائل بالزيادة، لحرمانه في

ص: 338


1- المهذب للشيرازي 178:1 و 180، المجموع 186:6 و 188، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، بداية المجتهد 275:1.
2- المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، حلية العلماء 148:3.
3- المدونة الكبري 295:1، بداية المجتهد 275:1، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، المجموع 186:6، حلية العلماء 149:3.
4- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
5- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
6- الكافي 549:3-1، الفقيه 18:2-59، التهذيب 101:4-285.

أكثر الأوقات، فكانت حاجته أمسّ غالبا.

و لقول الكاظم عليه السلام: «يفضّل الذي لا يسأل علي الذي يسأل»(1).

مسألة 250: و يستحب صرف صدقة المواشي إلي المتجمّلين و من لا عادة له بالسؤال،

و صرف صدقة غيرها الي الفقراء المدقعين(2) المعتادين بالسؤال، لأنّ عادة العرب صرف المواشي علي سبيل المنحة الأشهر و الشهرين، فربما لا يحصل للمدفوع إليه ذلّة في نفسه، جريا علي عادة العرب.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف تدفع الي المتجمّلين من المسلمين، فأمّا صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز و ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين» قال ابن سنان: قلت: و كيف صار هذا هكذا؟ فقال: «لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة»(3).

مسألة 251: و لا حدّ للإعطاء،

إلاّ أنّه يستحب أن لا يعطي الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول، و هو: خمسة دراهم، أو عشرة قراريط، قاله الشيخان(4) و ابنا بابويه(5) و أكثر علمائنا(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يعطي أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم»(7).

ص: 339


1- الكافي 550:3-2، التهذيب 101:4-284.
2- الدّقعاء: التراب. يقال: دقع الرجل. أي: لصق بالتراب ذلاّ. الصحاح 1208:3.
3- الكافي 550:3-3، علل الشرائع: 371، الباب 96، الحديث 1، التهذيب 101:4-286.
4- المقنعة: 40، النهاية: 189، الاقتصاد: 283، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207.
5- المقنع: 50، و حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 284.
6- منهم: السيد المرتضي في الانتصار: 82.
7- الكافي 548:3-1، التهذيب 62:4-167، الاستبصار 38:2-116.

و قال سلاّر: أقلّه ما يجب في النصاب الثاني، و هو: درهم أو قيراطان(1). و به قال ابن الجنيد(2).

و لم يقدّره علم الهدي و لا الجمهور بقدر، و ما قلناه علي الاستحباب لا الوجوب إجماعا.

و لقول الصادق عليه السلام و قد كتب اليه محمد بن أبي الصهبان هل يجوز أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة ؟ فقد يشتبه ذلك عليّ، فكتب: «ذلك جائز»(3).

و أمّا الأكثر فلا حدّ له، فيجوز إعطاء الفقير غناه دفعة و دفعات بلا خلاف، لأنّ المقتضي الحاجة، و ما دون الغني حاجة، فجاز الصرف فيها.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (خير الصدقة ما أبقت غني)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أعطه من الزكاة حتي تغنيه»(5).

و قوله عليه السلام: «إذا أعطيت فأغنه»(6).

و هل يجوز أن يعطي أكثر من غناه دفعة ؟ نصّ علماؤنا علي جوازه مع الحاجة - و به قال أصحاب الرأي(7) - لأنّه مستحق، فجاز صرف الزائد علي الغني اليه كالغني.

و قال الشافعي: لا يجوز - و به قال الثوري و مالك و أحمد و أبو ثور - لأنّ8.

ص: 340


1- المراسم: 133-134.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 284.
3- التهذيب 63:4-169، الاستبصار 38:2-118.
4- مسند أحمد 434:3، المعجم الكبير - للطبراني 149:2-12726، مصنف ابن أبي شيبة 212:3.
5- التهذيب 63:4-170.
6- الكافي 548:3-3، التهذيب 64:4-174.
7- بدائع الصنائع 48:2، المغني 529:2، تفسير القرطبي 190:8.

الغني لو كان سابقا منع، فيمنع إذا كان مقارنا كالجمع بين الأختين(1).

و الفرق ظاهر، فإنّ السابق مانع، بخلاف المقارن.

البحث الثالث في المكان
مسألة 252: لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه

عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و طاوس و النخعي و مالك و الثوري و أحمد(2) - لقوله عليه السلام لمعاذ: (فإن أجابوك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب في المهاجرين»(4).

و لأنّ الأداء واجب علي الفور، و هو ينافي النقل، لاستلزامه التأخير.

و قال أبو حنيفة: يجوز(5) - و للشافعي قولان(6) - لأنّ التعيين الي المالك، فكما جاز في البلد جاز في غيره.

و هو ممنوع، لما في الثاني من التأخير.

مسألة 253: لو خالف و نقلها أجزأته
اشارة

في قول علمائنا كافة - و هو قول

ص: 341


1- المغني 529:2 الشرح الكبير 700:2.
2- المغني 530:2، الشرح الكبير 676:2، تفسير القرطبي 175:8.
3- صحيح البخاري 158:2-159، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4 و 5.
4- الكافي 554:3-555-10، التهذيب 108:4-309.
5- عمدة القارئ 92:9، المجموع 221:6.
6- المجموع 221:6، حلية العلماء 163:3، عمدة القارئ 92:9.

أكثر العلماء(1) - لأنّه دفع الحقّ إلي مستحقّه، فبرئ منه كالدّين، و كما لو فرّقها.

و عن أحمد روايتان(2).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: عدم الإجزاء(3) ، لأنّه دفع الزكاة الي غير من أمر بدفعها إليه، أشبه ما لو دفعها الي غير الأصناف.

و هو ممنوع، لأنّ المدفوع اليه لو حضر البلد أجزأ الدفع إليه إجماعا، بخلاف غير الأصناف.

فروع:

أ - إذا كان الرجل في بلد و المال في بلد آخر، فالاعتبار بالمال، فإذا حال الحول أخرجها في بلد المال.

و أمّا زكاة الفطرة، فالاعتبار فيها ببلد المخرج، لأنّ الفطرة تجب عنه و هو بمنزلة المال.

و للشافعي في الفطرة وجهان، أحدهما هذا، و الثاني: الاعتبار ببلد المال أيضا، لأنّ الإخراج منه كزكاة المال(4).

ب - لو نقل زكاة المال مع وجود المستحق و التمكن من التفريق بوجود المستحق فيه، ضمن الزكاة، لأنّه مفرّط بنقل المال الممنوع منه و تأخيره مع شهادة الحال بالمطالبة، فيضمن، لأنّه عدوان.

و لقول الصادق عليه السلام في رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتي تقسم ؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتي يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الي أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده»(5).

ص: 342


1- المغني 531:2، الشرح الكبير 676:2، المجموع 221:6.
2- المغني 531:2، الشرح الكبير 676:2.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 221:6، حلية العلماء 163:3.
4- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 225:6، حلية العلماء 164:3.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.

ج - الوكيل و الوصي و المأمور بالتفريق إذا أخّروا ضمنوا، لأنّهم فرّطوا بالتأخير.

و لأنّ زرارة سأل الصادق عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس علي الرسول و لا المؤدّي ضمان» قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت(1) أو فسدت فهو لها ضامن (من حين أخّرها)(2)»(3).

د - لو لم يجد المستحق في بلده جاز النقل إجماعا، و لا ضمان، لعدم التفريط.

و لقول الصادق عليه السلام في الزكاة يبعث بها الرجل إلي بلد غير بلده، فقال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع»(4) الشك من الراوي(5).

و عن العبد الصالح عليه السلام: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته» قلت:

فإن لم يحضره منهم أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم»(6) و فعل المأمور به لا يستعقب الضمان.

ه - هل يجب عليه - مع عدم المستحق و اختيار النقل - القصد إلي أقرب الأماكن الي بلده ممّا يوجد فيه المستحق ؟ إشكال: ينشأ من جواز النقل مطلقا، لفقد المستحق. و من كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحق فيه.

و - لا فرق بين النقل الي بلد بعيد يقصر في مثله الصلاة و النقل الي1.

ص: 343


1- أي: هلكت.
2- في الكافي: «حتي يخرجها».
3- التهذيب 48:4-126، و الكافي 553:3-554-4.
4- التهذيب 46:4-120، و الكافي 554:3-6، و الفقيه 16:2-49.
5- و هو: ابن أبي عمير.
6- التهذيب 46:4-121.

قريب في المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعية(1) - لأنّه نقل من بلد المال، فكان بمنزلة البعيد.

و لهم آخر: الجواز، لأنّ المسافة القريبة بمنزلة الحضور، و لهذا لا يستبيح بها رخص السفر(2).

و الفرق: أنّ الرخص تتعلّق بالسفر المشقّ.

ز - لو كان بعض المال حيث المالك و البعض في مصره، فالأفضل أن يؤدّي زكاة كلّ مال حيث هو، فإن كان غائبا عن مصره و أهله و المال معه، أخرج في بلد المال.

و بعض(3) المانعين من الإجزاء بالنقل جوّز أن يعطي بعضه في هذا البلد و بعضه في الآخر.

أمّا لو كان المال في البلد الذي هو فيه حتي يمكث فيه حولا تاما، فلا يبعث بزكاته الي الآخر.

و لو كان المال تجارة فسافر به، فرّق زكاته حيث حال حوله في أيّ موضع كان.

و سوّغ أحمد أن يفرّقه في كلّ بلد أقام به في ذلك الحول(4).

ح - لا يجوز نقل الصدقة مع الخوف عليها، سواء عدم المستحق في بلده أو لا، لما فيه من التغرير بها و التفريط بالأمانة.

ط - تحريم النقل عام و إن كان الي بلد المالك، فيضمن و يأثم.

ي - لو عيّن الفطرة من غائب، ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه.2.

ص: 344


1- المهذب للشيرازي 180:1-181، المجموع 221:6، حلية العلماء 164:3.
2- المهذب للشيرازي 180:1-181، المجموع 221:6، حلية العلماء 164:3.
3- كابني قدامة في المغني 532:2، و الشرح الكبير 677:2.
4- المغني 532:2، الشرح الكبير 677:2.
الفصل الخامس في اللواحق
مسألة 254: إذا دفع الإمام الزكاة الي من ظاهره الفقر، فبان غنيا، لم يكن عليه ضمان
اشارة

- و به قال الشافعي(1) - لأنّ النبي عليه السلام أعطي الرجلين الجلدين، و قال: (إن شئتما أعطيتكما منها، و لا حظّ فيها لغني و لا لقوي مكتسب)(2).

و قال للرجل الذي سأله الصدقة: (إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقّك)(3) و لو اعتبر حقيقة الغني لما اكتفي بقولهم.

و لأنّ الاطّلاع علي الباطن عسر. و لأنّه نائب عن الفقراء، أمين لهم، لم يوجد من جهته تفريط، فلم يجب عليه الضمان.

و يكون له أن يستردّها من المدفوع إليه، سواء أعلمه الإمام أنّها زكاة أو لا، لأنّ الظاهر فيما يفرّقه الإمام و يقسّمه أنّه زكاة.

فإن وجد المدفوع استردّه، سواء زادت عينه أو لا، و سواء كانت الزيادة

ص: 345


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 230:6، حلية العلماء 170:3.
2- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن النسائي 99:5-100، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن البيهقي 14:7، و مسند أحمد 224:4 و 362:5.
3- سنن أبي داود 117:2-1630.

متصلة أو منفصلة، فإنّه يرجع بالجميع، لظهور فساد الدفع.

و إن لم يجده استردّ بدله، فإن تعذّر ذلك عليه، فقد تلفت من مال الفقراء.

فروع:

أ - لو كانت تالفة، رجع الإمام بالقيمة إن كانت من ذوات القيم، و حكم اعتبار القيمة هنا حكم اعتبار القيمة في الغاصب، لأنّه بغشّه أشبه الغاصب، فإن قلنا هناك: يرجع بأعلي القيم من حين القبض الي حين التلف، فكذا هنا، و إن قلنا هناك: تعتبر القيمة حين التلف، أو حين القبض، فكذا هنا.

ب - لو تلفت و كانت من ذوات الأمثال، استردّ المثل، لأنّه الواجب علي من عليه حق من غصب و غيره، و لا فرق بين نقص القيمة و زيادتها.

و لو تعذّر المثل، استردّ قيمته وقت الاسترجاع، و لا اعتبار بمساواته لقيمة التالف و نقصها.

ج - لو ظهر المالك علي غناه دون الإمام الدافع، جاز للمالك الاسترجاع للعين أو القيمة أو المثل إن تمكّن، باختيار المدفوع اليه أو بغير اختياره.

و هل للفقراء ذلك لو ظهروا عليه من دون إذن الإمام أو المالك ؟ الوجه ذلك، لأنّ القابض غاصب.

و يحتمل المنع، لعدم تعيّنهم للاستحقاق، إذ للمالك صرفه إلي غيرهم.

و البحث في نائب الإمام كالبحث في الإمام إذا لم يفرط في البحث عنه.

د - لا يجوز للمدفوع اليه الامتناع من ردّ العين بدفع القيمة أو المثل و إن سوّغناه في التعجيل، لأنّ الدفع هناك سائغ، و الأخذ صحيح، لأنّه علي وجه القرض يملك به، أمّا الأخذ هنا فإنّه باطل لا يملك به، فوجب ردّ العين.

ه - لو وجدها معيبة، كان له أخذ العين و المطالبة بأرش العيب، سواء

ص: 346

كان العيب من فعله، أو من فعل غيره، أو من اللّه تعالي، لأنّه قبض مضمون أشبه الغاصب.

أمّا لو دفعها إليه بنية الزكاة و لم يعلم المدفوع، بل ظنّ الهبة و الإيداع، فلا ضمان في العيب من اللّه تعالي و الأجنبي، و لا في التلف منهما.

و - لو كان حال الدفع غنيا، ثم تجدّد الفقر قبل الاسترداد، كان للإمام الاسترداد أيضا، لأنّ الدفع وقع فاسدا، و يجوز أن يتركها بحالها، و يحتسبها من الزكاة.

و هل يجب الأخذ - لو أراد الترك - ثم الدفع ؟ إشكال ينشأ من وجوب النية حال الدفع و لم توجد، لأنّ الدفع الأول باطل، و من كون الترك الآن كابتداء الدفع.

مسألة 255: لو دفع رب المال الزكاة إلي الفقير، فبان غنيّا وقت الدفع، قال الشيخ: لا ضمان عليه
اشارة

(1) - و به قال الحسن البصري، و أبو عبيد، و أبو حنيفة، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (قال رجل: لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق علي غني! فاتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد تقبّلت، لعلّ الغني أن يعتبر فينفق ممّا أعطاه اللّه)(3).

و لأنّه دفعها الي من ظاهره الاستحقاق، فلم يلزمه الضمان كالإمام.

و القول الثاني للشافعي و الرواية الأخري عن أحمد: وجوب الضمان

ص: 347


1- المبسوط للطوسي 261:1.
2- المغني 527:2، الشرح الكبير 714:2، اللباب 156:1-157، الهداية للمرغيناني 114:1، المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، حلية العلماء 170:3.
3- صحيح البخاري 137:2-138، صحيح مسلم 709:2-1022، سنن النسائي 55:5-56، سنن البيهقي 192:4 و 34:7، مسند أحمد 322:2.

- و به قال الثوري و الحسن بن صالح بن حي و أبو يوسف و ابن المنذر - لأنّه دفع حقا إلي غير مستحقه فلزمه الضمان، كالدّين يدفعه إلي غير مستحقه - و به رواية لنا عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل يعطي زكاة ماله رجلا، و هو يري أنّه معسر، فوجده موسرا، قال: «لا تجزئ عنه»(1) - و يخالف الإمام، لأنّه أمين لهم، و هنا يدفع حقّا عليه(2).

و الوجه عندي أن نقول: إن فرّط المالك في البحث عنه و الاجتهاد ضمن، لتقصيره، و إلاّ فلا، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة: رجل عارف أدّي الزكاة الي غير أهلها زمانا، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلي أهلها إذا علمهم ؟ قال: «نعم» قلت: فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها، أو لم يعلم أنّها عليه فيعلم بعد ذلك، قال: «يؤدّيها إلي أهلها لما مضي» قلت: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها الي من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع، قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرة أخري»(3).

و قال عليه السلام: «إن اجتهد فقد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا»(4).

فروع:

أ - إن كان المالك شرط حال الدفع أنّها صدقة واجبة، استرجعها سواء كانت باقية أو تالفة، فإن لم يقدر علي استرجاعها فقد تلفت من مال المساكين، قاله الشيخ(5).

ص: 348


1- الكافي 545:3 (باب الرجل يعطي من زكاة..) الحديث 1، الفقيه 15:2-45، التهذيب 102:4-289.
2- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، حلية العلماء 170:3، المغني 527:2، الشرح الكبير 715:2.
3- الكافي 546:3-2، التهذيب 102:4-103-290.
4- الكافي 546:3 ذيل الحديث 2، التهذيب 103:4-291.
5- المبسوط للطوسي 261:1.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّها تجزئه كان حكمه حكم الإمام - و قد تقدّم في المسألة السابقة - و إن قلنا: يضمنها وجب عليه إعادتها.

و له أن يرجع بها علي المدفوع إليه إن كان شرط أنّها زكاة، و إن لم يكن شرط لم يكن له الاسترجاع، بخلاف الإمام، لأنّ الظاهر من قسمة الإمام أنّه زكاة، بخلاف رب المال، لأنّه قد يتطوع(1).

و الأقرب: جواز الاسترجاع و إن لم يكن شرط، لفساد الدفع، و هو أبصر بنيته، و الظاهر أنّ الإنسان إنّما يدفع ما وجب عليه.

ب - لو شهد عند الحاكم عدلان بالفقر ثم ظهر الغني بعد الدفع، فإن كان الدافع المالك لا بأمر الحاكم، لم يضمن الشاهدان، و كذا لو رجعا عن شهادتهما. و كذا لو شهدا عند المالك، إذ الحكم إنّما هو الي الحاكم، و لأنّهما لم يأمراه بالدفع و لا وجب بشهادتهما، فلم يتلفا عليه شيئا، و مع فقد غيره إشكال.

و إن كان الدافع الحاكم أو المالك بإذنه، و هناك مستحق سواه، ثم رجعا فلا ضمان عليهما. و في وجوبه مع عدم مستحق غيره إشكال.

ج - لو بان عبدا لمالك لم تجزئه - و به قال أبو حنيفة(2) - سواء كان الدافع الإمام أو المالك، لعدم خروج المال عن ملكه، فجري مجري عزلها من غير تسليم.

مسألة 256: لو كان الخطأ في دفعها الي غير مسلم أو عبد أو من ذوي القربي أو ممّن تجب نفقته،

قال الشيخ: حكمه حكم الغني(3) - و قد تقدم - لأنّ الدفع واجب، فيكتفي في شرطه بالظاهر، تعليقا للوجوب علي الشرط

ص: 349


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6.
2- بدائع الصنائع 50:2، اللباب 157:1.
3- المبسوط للطوسي 261:1.

الممكن، فلا يضمن، لعدم العدوان في التسليم المشروع. و هو أحد قولي الشافعي.

و في الثاني: يضمن، و به قال أحمد، لعدم الطريق إلي معرفة الفقر، و تعذّر الوقوف علي حقيقته، و إنّما يعلم ظنّا، فكان الخطأ فيه عذرا، أمّا هنا فإنّ حاله لا يخفي مع البحث عنه و الفحص عن حاله(1).

و يبطل بتطرّق الخفاء هنا، كما تطرّق في الغني، نعم لو بان عبده لم تجزئه، لما تقدّم.

مسألة 257: الاعتبار بحال المستحقّ يوم القسمة،

فلا اعتبار بما سبق، و لا بما لحق من أحواله، و إنّما يملك أهل السّهمان حقّهم يوم القسمة بعد التسليم إليهم.

و هو الظاهر من مذهب الشافعي. و له قول آخر: إنّ الاعتبار بحال الوجوب(2).

فعلي هذا، لو مات بعض أهل السّهمان في قرية وجبت فيها الزكاة، لم ينتقل الي وارثه شيء عندنا، لعدم تعيّن الاستحقاق.

و قال الشافعي في أحد قوليه: إذا كانوا ثلاثة نفر في قرية تعيّنت الصدقة لهم، فيملك وارث أحدهم لو مات قبل القسمة نصيبه(3). و هو بناء علي وجوب التقسيط و تحريم النقل.

مسألة 258: العبد المشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له،

قال أكثر علمائنا: يرثه أرباب الزكاة(4) ، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عبيد بن

ص: 350


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، المغني 527:2-528، الشرح الكبير 714:2 و 715.
2- المجموع 226:6.
3- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 226:6
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 188، و ابن إدريس في السرائر: 107، و المحقق في المعتبر: 284.

زرارة عن رجل أخرج زكاته فلم يجد لها موضعا، فاشتري بها مملوكا، فأعتقه هل يجوز ذلك ؟ قال: «نعم لا بأس بذلك» قلت: فإنّه اتّجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه ؟ قال: «يرثه الفقراء الذين يستحقّون الزكاة، لأنّه إنّما اشتري بمالهم»(1).

و لو قيل: يرثه الإمام، لأنّه وارث من لا وارث له، كان وجها، لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لأنّه أحد مصارفها، فيكون سائبة.

و الرواية ضعيفة السند، لأنّ في طريقها: ابن فضال و ابن بكير، و هما فطحيان.

مسألة 259: إذا تلفت الزكاة بعد قبض الساعي أو الإمام أو الفقيه، لم يضمن المالك،

و برئت ذمته حين القبض، و قد تقدّم بيانه.

و لو عدم هؤلاء و المستحقّ، و أدركته الوفاة، وجب أن يوصي بها، لأنّها حقّ واجب عليه كالدّين، و هو ظاهر.

مسألة 260: يجوز أن تدفع المرأة زكاتها الي زوجها إذا كان فقيرا

- و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(2) - لأنّه مستحق للزكاة لا تجب نفقته عليها فجاز، كما لو دفع اليه غيرها، و كما لو دفعت الي غيره.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّه يعود نفعه إليها، فإنّه يلزمه أن ينفق عليها(3).

و ليس بجيّد، لأنّ وجوب حقّها عليه لا يمنع دفع زكاتها اليه، كمن لها عليه دين.

مسألة 261: قد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يدفع الزكاة إلي زوجته

من سهم

ص: 351


1- الكافي 557:3-3، التهذيب 100:4-281، المحاسن: 305-15.
2- المجموع 192:6، حلية العلماء 170:3، بدائع الصنائع 49:2-50، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 113:1، المغني 511:2، الشرح الكبير 713:2.
3- المجموع 192:6، حلية العلماء 170:3، بدائع الصنائع 49:2-50، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 113:1، المغني 511:2، الشرح الكبير 713:2.

الفقراء و المساكين، لأنّها غنيّة به.

و هل تكون عاملة أو مؤلّفه ؟ الأقرب: المنع. نعم يصح أن تكون مكاتبة، فيدفع إليها من سهم المكاتبين.

و كذا يصح أن تكون غارمة، فيدفع إليها من سهم الغارمين، لأنّ الزوج لا يجب عليه قضاء دينها. نعم لو استدانته في النفقة الواجبة عليه، لم يجز قضاؤه من الزكاة.

و لا تعطي من سهم الغزاة، لأنّها لا تندب الي الغزو.

و لو نشزت سقطت نفقتها، و لم يجز أن يدفع إليها من الصدقة، لأنّها يمكنها أن تدفع النشوز، فتجب عليه نفقتها، فجرت مجري القادر علي الاكتساب. أمّا لو منعها الزوج النفقة، فإنّه يجوز أن تعطي زكاة غيره للحاجة.

و هل يجوز أن تعطي من سهم ابن السبيل ؟ ينظر فإن سافرت مع زوجها بإذنه، لم تعط النفقة، لوجوبها عليه، و يجوز أن تعطي الحمولة، و لو كانت بغير إذنه، لم تعط الحمولة أيضا، لأنّها عاصية بالسفر.

و إن خرجت وحدها، فإن كان بإذنه لحاجة نفسها، فإنّ النفقة لا تسقط عن الزوج - و هو أحد قولي الشافعي(1) - فلا تعطي النفقة، و تعطي الحمولة، لأنّها غير عاصية بالسفر، و لا يجب علي الزوج.

و للشافعي قول آخر: عدم وجوب النفقة علي الزوج(2) ، فيدفع إليها من سهم ابن السبيل النفقة و الحمولة معا، لحاجتها الي ذلك.

و إن خرجت بغير إذنه، سقطت نفقتها، و لا يدفع إليها من سهم ابن السبيل، لأنّ سفرها معصية، و تدفع إليها النفقة من سهم الفقراء، بخلاف الناشز في الحضر، لأنّه يمكنها الرجوع الي يد الزوج، بخلاف المسافرة.7.

ص: 352


1- المجموع 192:6، و 243:18، حلية العلماء 395:7.
2- المجموع 192:6، و 243:18، حلية العلماء 395:7.

و لا تدفع إليها الحمولة، لأنّها عاصية بالسفر، إلاّ أن تريد الرجوع الي يد الزوج، فيكون سفرها - إذن - طاعة، فيجوز أن يدفع إليها الي أن تصل الي يده من سهم ابن السبيل.

مسألة 262: قد بيّنّا استحباب التعميم لا وجوبه،

خلافا للشافعي(1) ، فلو وجد صنف من أهل السّهمان في بلد، فإن كان الباقون مفقودين من جميع الأرض، فرّقها علي الموجودين من الأصناف إجماعا، لأنّ الصدقة وجبت عليه طهرة، فلا يجوز تركها عليه.

و لا يدفع الي غير الأصناف، لأنّه ليس فيهم معني الاستحقاق، و هؤلاء الأصناف هم أهل الاستحقاق، فكانوا أولي، بخلاف الموصي لاثنين إذا ردّ أحدهما، فإنّ حقّه يرجع الي الورثة، لأنّ الوصية لم تكن مستحقّة عليه، و إنّما تبرّع بها، فإذا لم يقبلها رجعت اليه، و قام ورثته مقامه، و الزكاة مستحقّة عليه فلم يرجع اليه.

و إن كان باقي الأصناف موجودين في بلد آخر، لم يجز النقل إليه عندنا، بل وجب التفريق علي الصنف الموجود في بلد المال، لأنّ التعميم مستحب و النقل حرام، فلا يرتكب الحرام لفعل المستحب.

و للشافعية قولان: أحدهما: وجوب النقل، لأنّه إنّما لم يجز إذا وجد أهلها، و حقّ الأصناف آكد من حق المكان، لأنّه لو عدل عن الأصناف مع وجودهم لم يجز قولا واحدا، و لو عدل عن المكان فقولان، و منهم من قال:

إنّه علي قولين: إن جوّزنا النقل وجب نقلها إلي بقية الأصناف، و إن حرّمناه لم يجز هنا، اعتبارا بالمكان الذي هو فيه(2).

ص: 353


1- المهذب للشيرازي 177:1 و 178، المجموع 216:6، المغني 508:2، الشرح الكبير 705:2، بداية المجتهد 275:1.
2- المهذب للشيرازي 180:1 و 181، المجموع 225:6.

فإذا قلنا بالنقل، فإنّه ينقل إلي أقرب المواضع الذي فيه بقية الأصناف، و إن قلنا: لا ينقل، فنقله، أجزأه عندنا، و للشافعية قولان(1).

و لو عدم جميع الأصناف في بلد المال، فإنّه ينقل إلي أقرب المواضع إليه، لأنّ ذلك لا بدّ منه.

مسألة 263: إذا احتيج في قبض الصدقة إلي مئونة الإقباض،

كما لو احتاجت الي كيل أو وزن، قال الشيخ: الأشبه: وجوب الأجرة علي المالك، لأنّ عليه إيفاء الزكاة، كما أنّ علي البائع أجرة الكيّال و الوزّان(2).

و هو أحد قولي الشافعية، و الآخر: أنّها علي أهل السّهمان، لأنّ الواجب في الزكاة مقدّر، فلا يزاد عليه(3). و أصحهما: الأول، لأنّ ذلك للإيفاء، لا أنه زيادة في الزكاة.

أمّا مئونة القبض كاجرة الكاتب و الحاسب، فإنّها علي العامل، و أمّا أجرة النقّال و الحمّال فمن الوسط. و يحتمل أن يكون علي العامل إن قبضها منه.

و إن نقلها المالك الي بلد الإمام فعلي المالك.

إذا ثبت هذا، فإذا قبض الساعي الصدقة، كان قبضه قبض أمانة، إذا تلفت من غير تفريط لم يضمن، و كان له الأجرة من سهم المصالح.

مسألة 264: إذا فوّض الإمام إلي الساعي تفرقة الصدقة،

ينبغي له أن يتعرّف المستحقّين للصدقة في كلّ بلد فوّض اليه تحصيل صدقته، ليفرّقها فيه، فيعرف أسماءهم و حاجاتهم و قدر كفايتهم، فإذا أحصي ذلك جبي الصدقة.

و إنّما استحببنا تقديم ذلك، لتقع التفرقة عقيب جمع الصدقة. و لأنّه

ص: 354


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 221:6.
2- المبسوط للطوسي 256:1.
3- المجموع 222:6، حلية العلماء 150:3.

إذا اشتغل بالجمع أوّلا، ثم شرع في التعريف لم يأمن من تلفها، فيضيع علي أربابها.

ثم يعزل سهم العامل قبل التفريق، لأنّه يأخذ علي طريق المعاوضة، فكان استحقاقه أقوي، و لهذا لو قصر النصيب عن أجرته تمّم له. و لأنّه ربما كان أكثر من أجرته فيردّ الباقي عليهم قبل القسمة، أو كان دون أجرته فيتمّم الباقي له من الصدقة علي أحد قولي الشافعي(1).

تذنيب: يعطي العريف - الذي يعرّف أهل الصدقات - و الذي يحسب و يكيل و يزن للقسمة بينهم من نصيب العامل، لأنّ ذلك كلّه من جملة العمل.

مسألة 265: إذا كان بيد المكاتب ما يفي بمال الكتابة لم يعط شيئا،

و إن قصر جاز أن يأخذ، و يتخيّر الساعي في الدفع إليه، لأنّه المصرف، و الي السيد، لأنّه المستحقّ، و إنّما يدفعه الي السيد بإذنه. و الأولي الصرف الي السيد بإذنه، لئلاّ يدفع اليه فينفقه.

و لو قبضه المكاتب جاز، فإن أراد أن ينفقه، منعه من ذلك، لأنّه إخراج في غير المصرف.

فإن قال المكاتب: هذا الذي بيدي لا يفي بمال كتابتي، فأريد أن اتّجر فيه ليحصل منه ربح، مكّن من التصرّف فيه و التجارة، تحصيلا للمصلحة.

مسألة 266: يعطي ابن السبيل ما يبلغه البلد الذي يريده لمضيّه و عوده

علي ما بيّنّاه، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيام، أخذ نفقة ذلك، لأنّه في حكم المسافر، و إن نوي إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل، لأنّه مقيم.

ص: 355


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6.

و الشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد(1).

و لو طلب الحمولة، فإن كان بينه و بين مقصده سفر طويل، أو كان ضعيفا عن القصير، دفع اليه، و إلاّ فلا.

و لو احتاج الي كسوة لسفره، كساه للصيف أو للشتاء.

إذا ثبت هذا، فإنّ السهم يجوز أن يدفعه الي واحد عندنا و إن وجد أكثر.

و قال الشافعي: لا يجوز أن يدفعه إلي أقلّ من ثلاثة مع وجودهم، فإن لم يجد إلاّ واحدا، فإن كانت كفايته ثلث نصيبهم دفع ذلك اليه.

و هل يردّ الباقي الي بقية الأصناف، أو ينقله إلي أقرب البلدان ؟ قولان(2).

فإن كانت كفايته تستغرق النصيب كلّه، قال الشافعي: دفع اليه.

و لأصحابه قولان(3).

مسألة 267: صاحب المال إن كان من أهل الأمصار، و أراد تفرقة الزكاة بنفسه،

ينبغي أن يفرّقها في بلد المال علي ما تقدّم، و أن يخص بها قوما دون غيرهم، و التفضيل و التسوية علي ما قلناه.

و الأقارب أولي من الأجانب، فإن عدل إلي الأجانب أجزأه إجماعا، و ليس له نقلها إلي الأقارب إذا بعد مكانهم عن المال، إلاّ بشرط الضمان علي ما تقدّم.

و إن كان من أهل البادية، فهم بمنزلة أهل المصر، ليس لهم نقل الصدقة من مكان الي غيره، للعموم.

و لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقسّم

ص: 356


1- المجموع 215:6.
2- المجموع 218:6، حلية العلماء 162:3، كفاية الأخيار 124:1.
3- المجموع 218:6، كفاية الأخيار 124:1.

صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر»(1).

إذا ثبت هذا، فإن كانوا أهل نجعة(2) يتّبعون العشب و مواقع القطر، دفعوا صدقتهم الي من فيهم من الفقراء الذين ينتجعون بانتجاعهم (و يرتحلون)(3) بارتحالهم، فإن وسعت الصدقة المناسبين منهم و الأباعد، دفع الي جميعهم، و إن ضاقت قدّموا المناسبين، كلّ ذلك علي جهة الأفضل.

و إن كانوا أهل حلّة و موضع ينزلون فيه لا ينتقلون عنه إلاّ إذا اجدب، فإذا أخصب عادوا اليه، فحكمهم حكم أهل المصر.

و من كان (منهم)(4) علي أقلّ من مسافة القصر فكالحاضر معهم، و إن كانت المسافة يقصّر فيها الصلاة فكالحاضر في البلد، هكذا قاله الشيخ(5) ، و به قال الشافعي(6).

و الوجه عندي: عدم اعتبار المسافة هنا، فلو كان البلد بينه و بين الفقير دون مسافة القصر، لم يجز النقل إلاّ مع الحاجة.

و لو كان بين البلدين مسافة لا يقصّر فيها الصلاة، لم تنقل الصدقة من أحدهما إلي الآخر - و به قال الشافعي(7) - لأنّ أحدهما لا يضاف الي الآخر و لا1.

ص: 357


1- الكافي 554:3-8، التهذيب 103:4-292، و الفقيه 16:2-48.
2- النجعة و الانتجاع: طلب الكلاء و مساقط الغيث. لسان العرب 347:8 «نجع».
3- في نسختي «ن» و «ف»: و يرحلون.
4- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: معهم. و المناسب للعبارة ما أثبتناه.
5- المبسوط للطوسي 258:1.
6- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 224:6، الوجيز 296:1، حلية العلماء 166:3.
7- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 222:6، الوجيز 296:1.

ينسب إليه.

مسألة 268: قد بيّنّا جواز التفضيل و التخصيص و لو لواحد،

خلافا للشافعي(1).

و لا فرق بين الإمام و المالك، و قد تقدّم و قال الشافعي: إن كان المفرّق الإمام، وجب أن يعمّ الجميع بالعطاء، و لا يقتصر علي بعضهم، و لا أن يخلّ بواحد منهم، لأنّ ذلك غير متعذّر علي الإمام(2). و قد بيّنّا بطلانه.

أمّا آحاد الرعية، فإن كان في بلد تتّسع صدقته لكفاية أهل السّهمان، عمّهم استحبابا، و إن ضاق ماله عنهم، جاز له الاقتصار علي بعض.

و لا يجب الثلاثة من كلّ صنف، خلافا للشافعي، حيث اعتبر الثلاثة التي هي أقلّ الجمع في قوله تعالي لِلْفُقَراءِ (3)(4).

و نحن نمنع التملّك، لأنّها لبيان المصرف، نعم هو أفضل.

فإن تساوت حاجة الثلاثة سوّي بينهم ندبا إجماعا، و له التفضيل عندنا، و به قال الشافعي(5) ، خلافا للإمام عنده(6) ، لأنّ علي الإمام أن يعمّ، فكان عليه أن يدفع علي قدر الكفاية.

و ليس علي الواحد من الرعية ذلك، فلم يتعيّن عليه قدر الكفاية.

فإن دفع الي اثنين و أخلّ بالثالث مع وجوده، صحّ الدفع، و لا غرم عندنا.

و أوجب الشافعي الغرم، لأنّه أسقط حقّه. و كم يغرم ؟ قولان: الثلث،

ص: 358


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2.
2- المجموع 217:6.
3- التوبة: 60.
4- المجموع 216:6، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6 و 217.
6- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6 و 217.

نصّ عليه، لأنّه قد كان له الاجتهاد و الاختيار في التفضيل مع إعطائهم، فإذا أخلّ بواحد سقط اجتهاده فيهم، فقد تعيّن سهمه. و الثاني: يدفع اليه القدر الذي لو دفعه إليه أجزأه. و هو أقيس عندهم(1).

مسألة 269: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يعطي من يجب نفقته من غير سهم الفقراء و المساكين، و هل يعطي لو كان مؤلّفا؟

قال الشيخ: نعم(2).

و شرط الشافعي الغني فيه، فإن كان فقيرا لم يعطه من المؤلّفة، لأنّه يعود نفع الدفع اليه، و إن كان مسافرا، أعطاه ما يزيد علي نفقة الحضر من سهم ابن السبيل لأجل السفر، لأنّه إنّما يجب عليه نفقته حاضرا(3).

مسألة 270: لو كانت الصدقة لا يمكن قسمتها بين المتعدّدين،

كالشاة و البعير، جاز للمالك دفع القيمة عندنا، خلافا للشافعي(4) ، و قد تقدّم(5). و جاز له التخصيص لواحد به خلافا له(6) أيضا.

و علي قوله، ليس للإمام بيعها، بل يجمعهم و يسلّمه إليهم، لأنّ الإمام و إن كان يلي عليهم فهو كالوكيل لهم ليس له بيع ما لهم في غير موضع الحاجة، فإن تعذّر عليه نقلها إليهم لسبب بها أو لخوف طريق، جاز له بيعها، و تفرقة ثمنها، لموضع الحاجة.

مسألة 271: لو أسلم في دار الحرب، و أقام بها سنين لا يؤدّي زكاة،

أو غلب الكفّار أو الخوارج علي بلده، و أقام أهله سنين لا يؤدّون الزكاة، ثم

ص: 359


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 218:6، حلية العلماء 162:3.
2- المبسوط للطوسي 258:1.
3- المجموع 229:6.
4- المجموع 428:5 و 429 و 431 و 233:6، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.
5- تقدّم في المسألة 131.
6- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6.

غلب عليهم الإمام، أدّوا لما مضي - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(1) - لأنّ الزكاة من أركان الإسلام، فلم تسقط عمّن هو في غير قبضة الإمام، كالصلاة و الصوم.

و قال أصحاب الرأي: لا زكاة عليهم لما مضي في المسألتين معا(2).

و لو (أسر)(3) المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يحل بينه و بين ماله، فإن حيل بينهما قبل التمكّن من الأداء، سقطت.

و قال أحمد: لا تسقط و إن حيل بينهما، لأنّ تصرّفه في ماله نافذ يصحّ بيعه و هبته و توكيله فيه(4). و قد سلف(5) بيان اشتراط تمامية التصرف.

مسألة 272: لو دفع المالك الي غيره الصدقة ليفرّقها، و كان مستحقّا لها،

فإن عيّن المالك له، لم يجز التعدّي إجماعا، فإنّ للمالك الخيرة في التعيين دون غيره.

و إن لم يعيّن، بل أطلق، فلعلمائنا قولان: الجواز، عملا بالأصل.

و لأنّه مستحق لنصيب منها و قد أمر بصرفها الي المستحقّين، و إبراء الذمة بالدفع إلي أربابها، فجاز أن يأخذ، لحصول الغاية به، لقول الرضا عليه السلام و قد سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره» قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن

ص: 360


1- المدونة الكبري 284:1، المغني 545:2، المجموع 337:5.
2- المبسوط للسرخسي 181:2، المغني 545:2، المجموع 337:5.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و الطبعة الحجرية: (أيسر). و المثبت يقتضيه السياق.
4- المغني 641:2.
5- سلف في المسألة 11.

يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه»(1).

و الثاني: المنع، لأنّ الأمر بالدفع و التفريق يستلزم المغايرة بين الفاعل و القابل.

و الأول أقرب.

إذا ثبت هذا، فإنّه يأخذ مثل ما يعطي غيره، و لا يجوز أن يفضّل نفسه، لقوله عليه السلام: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره»(2) و لقول الكاظم عليه السلام في رجل اعطي مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و لم يسمّ له ؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(3).

و يجوز أن يدفع الي من تجب نفقته عليه كولده و زوجته و أبويه مع الاستحقاق إجماعا و إن عاد النفع إليه.

مسألة 273: قد بيّنّا أنّه ينبغي لقابض الصدقة الدعاء لصاحبها،

فيقول: آجرك اللّه فيما أعطيت، و جعله لك طهورا، و بارك لك فيما أبقيت.

و في وجوبه للشيخ(4) و الشافعي(5) قولان تقدّما(6).

و هل يقول: صلّي اللّه عليك ؟ منع منه الشافعية، لأنّ الصلاة صارت مخصوصة بالأنبياء و الملائكة عليهم السلام، فلا تستعمل في حق غيرهم، فهو كما أنّ قولنا: عزّ و جلّ، مختص باللّه تعالي، فكما لا يقال: محمد عزّ و جلّ، و إن كان عزيزا جليلا، كذا لا يقال: صلّي اللّه عليك، لغير الأنبياء(7).

ص: 361


1- الكافي 555:3-3، التهذيب 104:4-296.
2- الكافي 555:3-3، التهذيب 104:4-296.
3- الكافي 555:3-2، التهذيب 104:4-295.
4- الخلاف 125:2، المسألة 155، و المبسوط للطوسي 244:1.
5- المجموع 171:6، فتح العزيز 529:5، مختصر المزني 53.
6- تقدّما في المسألة 235.
7- المجموع 171:6، فتح العزيز 529:5.

و قيل بالجواز، لأنّ النبي علي السلام قال لآل أبي أوفي: (اللّهم صلّ علي آل أبي أوفي)(1)(2).

و اتّفقوا علي تجويز جعل غير الأنبياء تبعا، كما يقال: اللّهمّ صلّ علي محمد و آل محمد.

و المراد به عند أكثر الشافعية: بنو هاشم و بنو المطلب(3).5.

ص: 362


1- صحيح البخاري 159:2 و 90:8، 96، صحيح مسلم 756:2-757-1078، سنن أبي داود 106:2-1590، سنن النسائي 31:5، سنن ابن ماجة 572:1-1796، مسند أحمد 353:4، 355، 381، 383، سنن البيهقي 152:2 و 157:4 و 5:7.
2- ممّن قال بذلك: أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 176:1، و ابن قدامة في المغني 508:2.
3- المجموع 172:6، فتح العزيز 530:5.
الباب الثاني في زكاة الفطرة
اشارة

و فيه فصول.

ص: 363

ص: 364

الفصل الأول من تجب عليه
مقدمة: زكاة الفطر واجبة

بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ صدقة الفطر فرض(1).

و قال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم(2).

و زعم ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك و داود يقولون:

هي سنّة مؤكّدة، و سائر العلماء علي وجوبها(3) ، لقوله تعالي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّي (4).

روي عن أهل البيت عليهم السلام، أنّها نزلت في زكاة الفطرة(5).

و لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (فرض زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كلّ حرّ و عبد، ذكر و أنثي من المسلمين)(6).

ص: 365


1- المغني و الشرح الكبير 646:2.
2- المغني و الشرح الكبير 646:2.
3- المغني و الشرح الكبير 646:2.
4- الأعلي: 14.
5- تفسير القمي 417:2، الفقيه 323:1-1478، و 119:2-515، التهذيب 108:4-109-314، الاستبصار 343:1-1292.
6- صحيح مسلم 677:2-984، سنن الدارقطني 139:2-5، سنن البيهقي 162:4، و فيها عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فرض زكاة.. إلي آخره.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ من ضممت الي عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه»(1).

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: إنّها واجبة، و ليست فرضا(2). و قال الباقون: هي فرض(3).

و الأصل في ذلك: أنّ أبا حنيفة كان يخصّ الفرض بما ثبت بدليل مقطوع به، و الواجب: ما ثبت بدليل مظنون(4).

و قد بيّنّا الإجماع علي الوجوب، و هو قطعي.

و أضيفت هذه الزكاة إلي الفطر، لأنّها تجب بالفطر من رمضان.

و قال ابن قتيبة: و قيل لها: فطرة، لأنّ الفطرة: الخلقة. قال تعالي:

فِطْرَتَ اللّهِ (5) أي: جبلّته، و هذه يراد بها الصدقة عن البدن و النفس، كما كانت الأولي صدقة عن المال(6).

مسألة 274: البلوغ شرط في الوجوب،

فلا تجب علي الصبي قبل بلوغه، موسرا كان أو معسرا، سواء كان له أب أو لا و إن وجبت علي الأب عنه، عند علمائنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن(7).

و قال الحسن و الشعبي: صدقة الفطر علي من صام من الأحرار و الرقيق(8).

ص: 366


1- الكافي 170:4-1، التهذيب 71:4-193.
2- بدائع الصنائع 69:2، المبسوط للسرخسي 101:3.
3- انظر: حلية العلماء 119:3، المجموع 104:6، المبسوط للسرخسي 101:3، بداية المجتهد 278:1، المغني 467:2، الشرح الكبير 646:2.
4- أصول السرخسي 110:1-111.
5- الروم: 30.
6- المغني 647:2، الشرح الكبير 646:2.
7- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2.
8- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2-647.

لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ)(1) و ظاهره سقوط الفرض و الحكم.

و لأنه غير مكلّف، و ليس محلا للخطاب، فلا يتوجه إطلاق الأمر اليه.

و من طريق الخاصة: قول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامي إذا لم يكن لهم مال ؟ فقال: «لا زكاة علي مال اليتيم»(2).

و قول الصادق عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة.. حتي يدرك، فإذا أدرك كان عليه مثل ما علي غيره من الناس»(3).

و أطبق باقي الجمهور علي وجوب الزكاة في ماله، و يخرج عنه الولي، لعموم قوله(4)آل عمران: 97.(5): إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فرض زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كلّ حرّ و عبد، ذكر و أنثي(6).

و لا دلالة فيه، لانصراف الوجوب إلي أهله، لقوله تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (6).

مسألة 275: و ليس الحضر (فيها)

مسألة 275: و ليس الحضر (فيها)(7) شرطا،

بل تجب علي أهل

ص: 367


1- سنن أبي داود 141:4-4402.
2- الكافي 541:3-8، الفقيه 115:2-495، التهذيب 30:4-74.
3- الكافي 541:3-4، التهذيب 29:4-30-73، الاستبصار 31:2-91.
4- الضمير راجع الي راوي الخبر، و هو: ابن عمر. لاحظ: المصادر في الهامش
5- من صفحة 365.
6- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2، و انظر أيضا: المصادر في الهامش (6) من صفحة 365.
7- كلمة (فيها) لم ترد في «ن» و «ط».

البادية عند أكثر العلماء(1) - و به قال ابن الزبير و سعيد بن المسيب و الحسن و مالك و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي(2) - للعموم. و لأنّها زكاة، فوجبت عليهم، كزكاة المال.

و قال عطاء و الزهري و ربيعة: لا صدقة عليهم(3). و هو غلط.

مسألة 276: و العقل شرط في الوجوب

عند علمائنا أجمع و البحث فيه كما تقدّم(4) في الصبي. و كذا لا تجب علي من أهلّ شوّال و هو مغمي عليه.

مسألة 277: يشترط فيه: الحرّية،
اشارة

فلا تجب الزكاة علي العبد عند علمائنا أجمع، بل يجب علي مولاه إخراجها عنه، و به قال جميع الفقهاء(5) ، لأنّه لا مال له.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ليس علي المسلم في عبده و لا في فرسه صدقة إلاّ صدقة الفطرة في الرقيق)(6).

و قال داود: تجب علي العبد، و يلزم المولي إطلاقه ليكتسب، و يخرجها عن نفسه(7) ، لعموم قوله عليه السلام: (علي كلّ حر و عبد)(8).

ص: 368


1- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، المنتقي - للباجي - 185:2.
2- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، المنتقي - للباجي - 185:2.
3- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2.
4- تقدّم في المسألة 274.
5- الام 63:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 120:6 و 140، حلية العلماء 120:3، المغني 649:2، الشرح الكبير 650:2، بدائع الصنائع 70:2، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 130:2، المسألة 158.
6- أورده كما في المتن - الشيخ الطوسي في الخلاف 131:2 ذيل المسألة 158، و في صحيح البخاري 149:2، و صحيح مسلم 675:2-676-982، و سنن أبي داود 108:2-1595، و سنن الترمذي 23:3-24-628، و سنن ابن ماجة 579:1-1812، و سنن النسائي 35:5 و 36، و سنن البيهقي 117:4، بتفاوت و نقيصة.
7- المجموع 120:6 و 140، حلية العلماء 121:3.
8- راجع: الهامش (6) من صفحة 365.

و نحن نقول بموجبه، إذ الزكاة تجب علي المالك.

فروع:

أ - العبد لا يجب عليه أن يؤدّي عن نفسه و لا عن زوجته، سواء قلنا:

إنّه يملك أو أحللناه.

ب - المدبّر و أمّ الولد كالقنّ.

ج - لا فرق بين أن يكون العبد في نفقة مولاه أو لا، في عدم الوجوب عليه.

مسألة 278: يشترط فيه الغني،

فلا يجب علي الفقير، و لا يكفي في وجوبها القدرة عليها عند أكثر علمائنا(1) ، و به قال أصحاب الرأي(2) ، لقوله عليه السلام: (لا صدقة إلاّ عن ظهر غني)(3) و الفقير لا غني له، فلا تجب عليه.

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام و قد سئل: علي الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟: «ليس عليه فطرة»(4).

و سئل الصادق عليه السلام: «رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال: «لا»(5).

و قال عليه السلام: «لا فطرة علي من أخذ الزكاة»(6).

و لأنّه تحلّ له الصدقة، فلا تجب عليه، كمن لا يقدر عليها.

و لأنّها تجب جبرا للفقير و مواساة له، فلو وجبت عليه، كان اضطرارا به

ص: 369


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 40، و الشيخ الطوسي في المبسوط 240:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 130، و المحقق في المعتبر: 285.
2- المبسوط للسرخسي 102:3، بدائع الصنائع 69:2، الهداية للمرغيناني 115:1.
3- مسند أحمد 230:2.
4- التهذيب 73:4-205، الاستبصار 41:2-129.
5- التهذيب 73:4-201، الاستبصار 40:2-125.
6- التهذيب 73:4-202، الاستبصار 40:2-41 ذيل الحديث 126.

و تضييقا.

و قال بعض علمائنا(1) - و نقله الشيخ - رحمه اللّه - في الخلاف عن كثير من أصحابنا(2) -: وجوبها علي من قدر عليها، فاضلا عن قوته و قوت عياله ليوم و ليلة - و به قال أبو هريرة و أبو العالية و الشعبي و عطاء و ابن سيرين و الزهري و مالك و ابن المبارك و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3) - لقوله عليه السلام: (أدّوا صدقة الفطر صاعا من قمح(4) عن كلّ إنسان، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك، غني أو فقير، ذكر أو أنثي، أمّا غنيكم فيزكّيه اللّه، و أمّا فقيركم فيردّ اللّه عليه أكثر ممّا أعطي)(5).

و لأنّه حقّ مال لا يزيد بزيادة المال، فلا يعتبر وجود النصاب فيه كالكفّارة.

و الحديث نقول بموجبه، فإنّها تجب علي الغني عن الفقير الذي يعوله.

و الفرق: أنّها زكاة تطهّر، فاعتبر فيها المال كزكاة المال، أمّا الكفّارة فإنّها وجبت لإسقاط الذنب.

مسألة 279: و حدّ الغني

هنا: ما تقدّم في صدقة المال، و هو: أن يملك قوته و قوت عياله علي الاقتصاد حولا، فمن ملك ذلك، أو كان له كسب أو صنعة تقوم بأوده و أود عياله مستمرا و زيادة صاع، وجب عليه دفعها، لأنّ وجود الكفاية يمنع من أخذ الزكاة، فتجب عليه، لقول الصادق عليه السلام:

«من حلّت له لا تحلّ عليه، و من حلّت عليه لا تحلّ له»(6).

ص: 370


1- كما في المعتبر: 288.
2- الخلاف 147:2، المسألة 183.
3- المغني 695:2، الشرح الكبير 648:2، حلية العلماء 125:3، المجموع 113:6، بداية المجتهد 279:1.
4- القمح: البرّ. لسان العرب 565:2.
5- سنن أبي داود 114:2-1619، سنن الدارقطني 148:2-41، سنن البيهقي 164:4.
6- التهذيب 73:4-203، الاستبصار 41:2-127.

و قال الشيخ في المبسوط: أن يملك نصابا زكويا(1).

و في الخلاف: أن يملك نصابا أو ما قيمته نصاب(2). و به قال أبو حنيفة(3) ، لوجوب زكاة المال عليه، و إنّما تجب علي الغني فتلزمه الفطرة.

و الثانية(4) ممنوعة.

تذنيب: يستحب للفقير إخراجها عن نفسه و عياله و لو استحقّ أخذها أخذها و دفعها مستحبا، و لو ضاق عليه أدار صاعا علي عياله، ثم تصدّق به علي الغير، للرواية(5).

مسألة 280: الإسلام ليس شرطا في الوجوب،
اشارة

بل تجب علي الكافر الفطرة و إن كان أصليا، عند علمائنا أجمع، لكن لا يصحّ منه أداؤها، لأنّه مكلّف بفروع العبادات، فصحّ تناول الخطاب له، فتجب عليه كما تجب علي المسلم، عملا بعموم اللفظ السالم عن معارضة مانعية الكفر، كغيرها من العبادات، و إنّما قلنا بعدم الصحة لو أدّاها، لأنّها عبادة تفتقر إلي النية.

و قال الجمهور: لا تجب عليه، لأنّ الزكاة طهرة و الكافر ليس من أهلها(6).

و هو ممنوع، لإمكان الطّهرة بتقدّم إسلامه، و من شرطها: النيّة، و قد كان يمكنه تقديمها.

فروع:

أ - لو أسلم بعد فوات الوقت، سقطت عنه إجماعا، لقوله عليه السلام:

ص: 371


1- المبسوط للطوسي 240:1.
2- الخلاف 146:2، المسألة 183.
3- بدائع الصنائع 48:2، بداية المجتهد 276:1، حلية العلماء 125:3.
4- أي: ما قيمته نصاب.
5- التهذيب 74:4-209، الاستبصار 42:2-133، و الكافي 172:4-10.
6- المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2، المجموع 106:6، بدائع الصنائع 69:2، مقدّمات ابن رشد 254:1.

(الإسلام يجبّ ما قبله)(1).

ب - لو كان الكافر عبدا لم تجب عليه الفطرة، و تجب عنه لو كان المالك مسلما علي ما يأتي(2).

ج - المرتدّ إن كان عن فطرة، لم تجب عليه، لانتقال أمواله إلي ورثته فهو فقير. و لأنّه مستحق للقتل في كل آن، فيضادّ الوجوب عليه.

و إن كان عن غير فطرة، وجبت عليه و إن حجر الحاكم علي أمواله، لإمكان رجوعه و توبته، فيزول حجره، و لا تسقط عنه بالإسلام، بخلاف الكافر الأصلي.

د - لو كان للكافر عبد مسلم، وجبت عليه الفطرة عنه، لكنه لا يكلّف إخراجها عنه، و هو قول أكثر العلماء(3).

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه [من أهل](4) العلم: أن لا صدقة علي الذمّي في عبده المسلم، لأنّها عبادة تفتقر إلي النية و لا تصح من الكافر. و لأنّه لا يكلّف الفطرة عن نفسه، فلا يكلّف عن غيره(5).

و قال أحمد: يلزم بالإخراج عنه، لأنّه من أهل الطّهرة، فوجب أن يؤدّي عنه الزكاة(6).

و هو ممنوع، لأنّه فقير، فلا تجب عليه الفطرة، و هذا إنّما يتمّ عندنا لو تعذّر بيعه عليه، أو كان قد أسلم آخر جزء من الشهر، ثم يهلّ قبل البيع.

مسألة 281: و الفطرة واجبة علي المسلمين من أهل الحضر و البادية

ص: 372


1- مسند أحمد 199:4 و 204 و 205.
2- يأتي في المسألة 282.
3- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.
4- زيادة من المصدر.
5- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.
6- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.

عند علمائنا أجمع - و به قال أكثر العلماء و جميع الفقهاء(1) - للعموم.

و قال عطاء و عمر بن عبد العزيز و ربيعة بن أبي عبد الرحمن و الزهري:

لا فطرة علي أهل البادية(2).

و هو مدفوع بالإجماع.2.

ص: 373


1- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، و المجموع 142:6، و الخلاف - للشيخ 2 لطوسي - 152:2، المسألة 192.
2- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، و المجموع 142:6، و الخلاف - للشيخ 2 لطوسي - 152:2، المسألة 192.

ص: 374

الفصل الثاني فيمن تخرج عنه
مسألة 282: يجب علي المكلّف بها أن يخرجها عن نفسه،

بلا خلاف بين العلماء في ذلك، و عن جميع من يعوله من صغير و كبير، حرّ أو عبد، ذكر أو أنثي، مسلم أو كافر، عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و النخعي و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي(1) - لقوله عليه السلام: (أدّوا عن كلّ حرّ و عبد، صغير أو كبير، يهودي أو نصراني أو مجوسي، نصف صاع من برّ)(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «علي الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد و صغير و كبير»(3) و هو علي إطلاقه يتناول الكافر و المسلم.

و قول الصادق عليه السلام: «يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه»(4) و هو و إن كان مرسلا، إلاّ أنّ علماءنا أفتوا بموجبه.

ص: 375


1- المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2، بدائع الصنائع 70:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 650:2، و الشرح الكبير 647:2.
3- التهذيب 76:4-215، الإستبصار 45:2-147.
4- الكافي 174:4-20، التهذيب 72:4-195.

و لأنّ كلّ زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر، كزكاة التجارة.

و قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور: لا يخرج عن العبد الكافر و لا عن الصغير المرتد، لقول ابن عباس: فرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث و اللغو(1). و الكافر ليس من أهل الطهرة(2).

و لا دلالة في قول الصحابي، إذ لا حجّة فيه. و لأنّ الأصل ذلك، و غيره يجب بالتبع. و لأنّها تجب عن الطفل و ليس أهلا للصوم.

مسألة 283: و لا فرق بين أن تكون العيلولة واجبة أو تبرّعا،

مثل أن يضمّ أجنبيا أو يتيما أو ضيفا و يهلّ الهلال و هو في عياله، عند علمائنا أجمع - و هو رواية عن أحمد(3) - لقوله عليه السلام: (أدّوا صدقة الفطر عمّن تمونون)(4) و المتبرّع بنفقته ممّن يمون.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من ضممت الي عيالك من حرّ (و عبد)(5) فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه»(6).

و سأل عمر بن يزيد، الصادق عليه السلام، عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة ؟ قال:

«نعم»(7).

ص: 376


1- سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827.
2- بداية المجتهد 280:1، المنتقي - للباجي - 185:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 118:6، فتح العزيز 143:6، حلية العلماء 121:3، المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2.
3- المغني 692:2، الشرح الكبير 652:2.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 692:2-693، و الشرح الكبير 652:2.
5- في الكافي و التهذيب: أو مملوك.
6- المعتبر: 287، الكافي 170:4-1، التهذيب 71:4-193.
7- الكافي 173:4-16، الفقيه 116:2-497، التهذيب 72:4-196.

و لأنّه شخص ينفق عليه، فتلزمه فطرته كعبده.

و قال باقي الجمهور: لا تجب، بل تستحب، لأنّ مئونته ليست واجبة، فلا تلزمه الفطرة عنه، كما لو لم يعله(1).

و الفرق: وجود المناط، و هو العيلولة في المعال دون غيره.

مسألة 284: سبب وجوب العيلولة ثلاثة:

الزوجية و القرابة و الملك، بلا خلاف علي ما يأتي، و هي سبب في وجوب الفطرة، فيجب علي الرجل الموسر، الفطرة عن زوجته الحرّة، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(2) - لقول ابن عمر: فرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صدقة الفطر عن كلّ صغير و كبير، حرّ و عبد ممّن تمونون(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فرض صدقة الفطر عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد و الذكر و الأنثي ممّن تمونون»(4).

و لأنّ النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك و القرابة.

و قال أبو حنيفة و الثوري و ابن المنذر من الشافعية: لا تجب عليه فطرة زوجته، و عليها فطرة نفسها، لقوله عليه السلام: (صدقة الفطر علي كلّ ذكر و أنثي)(5).

ص: 377


1- المغني 693:2، الشرح الكبير 652:2.
2- المنتقي - للباجي - 184:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 114:6 و 116، فتح العزيز 118:6-119، حلية العلماء 121:3، المغني 684:2، الشرح الكبير 649:2.
3- سنن الدارقطني 141:2-12، سنن البيهقي 161:4، و المغني 683:2-684، و الشرح الكبير 649:2.
4- المعتبر: 287.
5- سنن الدارقطني 140:2-10، سنن الترمذي 61:3-675، سنن البيهقي 160:4.

و لأنّها زكاة فوجبت عليها، كزكاة مالها(1).

و نحن نقول بموجب الحديث، لكنّ الزوج يتحمّل عنها الوجوب، جمعا بين الأدلّة، و زكاة المال لا تتحمّل بالملك و القرابة، فافترقا.

مسألة 285: الولد الموسر تجب عليه فطرة أبيه المعسر

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه تجب عليه نفقته، فتجب عليه فطرته، للحديث(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليه فطرة الأب و إن وجبت نفقته(4).

و كذا يجب علي الجدّ فطرة ولد الولد مع العيلولة، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: لا تجب(6).

مسألة 286: الولد إن كان صغيرا معسرا، وجبت نفقته علي والده،
اشارة

و عليه فطرته عنه، و به قال الشافعي و أبو حنيفة (لكن)(7) أبو حنيفة أوجبها عليه باعتبار الولاية، و عندنا باعتبار العيلولة، و عند الشافعي باعتبار وجوب النفقة عليه(8).

و إن كان موسرا، قال الشيخ: لزم أباه نفقته و فطرته و به قال محمد بن الحسن(9) - لأنّ كلّ خبر روي في أنّه تجب الفطرة علي الرجل يخرجها عن

ص: 378


1- المغني 684:2، الشرح الكبير 649:2، المجموع 118:6، فتح العزيز 119:6، حلية العلماء 121:3، الهداية للمرغيناني 115:1، بداية المجتهد 279:1.
2- الام 63:2، المجموع 120:6، و بدائع الصنائع 72:2.
3- المروي عن طريق الخاصة و العامة، الذي سبق في المسألة السابقة (284).
4- المبسوط للسرخسي 105:3-106، بدائع الصنائع 72:2، فتح العزيز 119:6.
5- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 141:6.
6- المبسوط للسرخسي 105:3، فتح العزيز 119:6-120، المجموع 141:6.
7- و الأحسن: و لكن.
8- المهذب للشيرازي 170:1 و 171، المجموع 120:6، حلية العلماء 121:3، المبسوط للسرخسي 102:3، الهداية للمرغيناني 116:1، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 133:2-134، المسألة 163.
9- المبسوط للسرخسي 104:3، الهداية للمرغيناني 115:1، المجموع 141:6، حلية العلماء 122:3، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 134:2، المسألة 164.

نفسه و عن ولده، يتناول هذا الموضع، فعلي مدّعي التخصيص الدلالة(1).

و قال مالك و أبو يوسف و الشافعي: نفقته و فطرته من مال نفسه(2).

و الوجه عندي: أنّ نفقته في ماله، و لا فطرة علي أبيه، إلاّ أن يعوله متبرّعا، لأنّه لم يعله، و لا علي الصغير، لصغره، فقد عدم شرط البلوغ في حقّه.

أمّا الولد الكبير، فإن كان موسرا، فله حكم نفسه بالإجماع، و إن كان فقيرا، كانت نفقته و فطرته علي أبيه. و كذا البحث في الوالد و الجدّ و الجدّة و الام. و ولد الولد حكمه حكم الولد للصّلب.

فروع:

أ - لا تجب الزكاة عن الجنين بإجماع العلماء. قال ابن المنذر: كلّ من نحفظ عنه من علماء الأمصار، لا يوجب علي الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن امّه(3).

و عن أحمد رواية: أنّها تجب، لأنّه آدمي تصحّ الوصية له و به، و يرث، فيدخل في عموم الأخبار، و يقاس علي المولود(4).

و ليس بجيّد، لمخالفة الإجماع. و لأنّه جنين، فأشبه أجنّة البهائم.

و لأنّ أحكام الدنيا لم تثبت له، إلاّ الوصية و الإرث بشرط خروجه حيّا.

ب - المولود تجب الزكاة عنه و إن ولد ليلة الهلال قبله بلا فصل.

ج - الكبير المعسر لو وجد ليلة الهلال قدر قوته ليلة العيد و يومه، سقطت

ص: 379


1- الخلاف 134:2، المسألة 164.
2- المبسوط للسرخسي 104:3، الهداية للمرغيناني 115:1، المجموع 120:6، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 134:2، المسألة 164.
3- المغني 713:2، الشرح الكبير 652:2، المجموع 139:6.
4- المغني 713:2، الشرح الكبير 652:2.

الزكاة عن أبيه إذا لم يعله، لسقوط النفقة عنه، و عن الولد، لفقره، و به قال الشافعي(1).

و لو كان المعسر صغيرا، و وجد قدر هذا القوت، فكذلك، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني: أنّ فطرته لا تسقط، لأنّ نفقته آكد، فإنّها قد ثبتت في الذمة، لأنّ للأمّ أن تستقرض علي الأب الغائب لنفقة الصغير، و نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال(2).

و الفرق ممنوع، لأنّ نفقة الكبير قد تثبت لو استدان له الحاكم عن الأب.

مسألة 287: يجب الإخراج عن الضيف و إن تبرّع بإطعامه،

مسلما كان أو كافرا، حرّا أو عبدا، عند علمائنا أجمع و قد تقدّم الخلاف في التبرّعات.

لكن اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: يشترط الضيافة جميع شهر رمضان(3).

و شرط آخرون: ضيافة العشر الأواخر(4).

و اقتصر آخرون علي آخر ليلة في الشهر، بحيث يهلّ هلال شوّال و هو في ضيافته(5). و هو الأقوي، لقوله عليه السلام: (عمّن تمونون)(6) و هو صالح للحال و الاستقبال. و حمله علي الحال أولي، لأنّه وقت الوجوب، و إذا علّق الحكم علي وصف، ثبت مع ثبوته، لا قبله و لا بعده.

و لإطلاق اسم الضيف عليه عند الهلال.

ص: 380


1- الوجيز 98:1، فتح العزيز 125:6-126.
2- الوجيز 98:1، فتح العزيز 126:6.
3- حكي الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولي. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضي في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
4- حكي الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولي. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضي في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
5- حكي الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولي. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضي في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 376، الهامش (4).
الفصل الثالث في قدرها و جنسها
مسألة 288: الجنس في الفطرة ما كان قوتا غالبا،

كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللّبن، لرواية أبي سعيد، قال: فرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط(1).

و من طريق الخاصة: قول العسكري عليه السلام: «و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط»(2).

و لأنّه مقتات، فجاز إخراجه كالبرّ، و هذا عام فيمن قوته الأقط و من لم يكن، و فيمن وجد الأصناف المنصوص عليها و من لم يجد.

و قال أبو حنيفة: لا يخرج من الأقط إلاّ علي وجه القيمة(3).

و عن أحمد روايتان في الواجد: إحداهما: الإجزاء كقولنا، و الأخري:

المنع، لأنّ الأقط جنس لا تجب الزكاة فيه، فلا يجزئ إخراجه للواجد غيره من باقي الأصناف(4).

ص: 381


1- سنن النسائي 51:5.
2- التهذيب 79:4-226، الإستبصار 44:2-140.
3- بدائع الصنائع 72:2-73، حلية العلماء 132:3، الميزان - للشعراني - 12:2
4- المغني 660:2-661، الشرح الكبير 662:2.

و قول أبي سعيد: كنّا نخرج صاعا من أقط(1) ، و هم من أهل الأمصار، يبطله.

و أمّا اللبن فإنّه يجوز إخراجه - عند علمائنا أجمع - لكلّ أحد سواء قدر علي غيره من الأجناس أو لا - و هو قول أحمد في رواية، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(2) - لأنّه يقتات به. و لأنّه أكمل من الأقط، لإمكان حصول الأقط منه.

و لقول الصادق عليه السلام: «الفطرة علي كلّ قوم ما يغذّون عيالاتهم:

لبن أو زبيب أو غيره»(3).

و عن أحمد رواية: أنّه لا يجزئ اللبن بحال، لعدم ذكره في خبر أبي سعيد(4).

و عدم ذكره فيه لا يدلّ علي العدم.

و عنه اخري: أنّه يجزئ عند عدم الأصناف(5).

و أمّا الأرز، فإنّه أصل عند علمائنا، لأنّه يقتات به.

و لقول أبي الحسن العسكري عليه السلام: «و علي أهل طبرستان الأرز»(6).

و منع منه أحمد، لعدم الذكر في خبر أبي سعيد(7). و قد سبق.2.

ص: 382


1- صحيح البخاري 161:2، سنن النسائي 51:5 و 53، سنن الدارقطني 146:2-31، سنن البيهقي 173:4، و الموطّأ 284:1-53.
2- المغني و الشرح الكبير 662:2.
3- التهذيب 78:4-221، الإستبصار 43:2-137.
4- المغني و الشرح الكبير 662:2.
5- المغني 663:2، الشرح الكبير 662:2.
6- التهذيب 79:4-226، الاستبصار 44:2-140.
7- انظر: المغني 665:2 و 666، و الشرح الكبير 661:2.
مسألة 289: يجوز إخراج ما كان قوتا
اشارة

و إن غاير الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و اللبن و الأقط، مع وجودها و عدمها بالقيمة، عند علمائنا - و هو رواية عن أحمد(1) - لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب)(2) و هو يحصل بالقوت.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الفطرة علي كلّ من أصاب قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت»(3).

و عن أحمد رواية: أنّه لا يجزئ إلاّ الخمسة المنصوصة، إلاّ مع عدمها(4).

و قال مالك: يخرج من غالب قوت البلد(5).

و قال الشافعي: أيّ قوت كان الأغلب علي الرجل، أدّي زكاة الفطرة منه(6).

و اختلف أصحابه، فقال بعضهم بقول مالك. و قال بعضهم: الاعتبار بغالب قوت المخرج، فإن عدل عن الواجب إلي أعلي منه جاز، و الي أدون قولان(7).

فروع:

أ - السّلت نوع من الشعير، أو شبهه، مقتات، فيجزئ بالأصالة إن

ص: 383


1- المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 666:2، و الشرح الكبير 661:2.
3- الكافي 173:4-14، التهذيب 78:4-220، الإستبصار 42:2-136.
4- المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
5- المغني 665:2 و 670، الشرح الكبير 661:2، المدوّنة الكبري 357:1، بداية المجتهد 281:1.
6- الام 68:2، المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 132:6، المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
7- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 133:6، حلية العلماء 130:3، المغني 665:2-666، الشرح الكبير 661:2.

كان شعيرا، و إن شابهه فبالقيمة. و كذا العلس بالنسبة إلي الحنطة.

ب - يجوز إخراج الدقيق من الحنطة و الشعير، و السويق، علي أنّهما أصلان - و به قال أحمد و أبو حنيفة(1) - لقوله عليه السلام: (أو صاعا من دقيق)(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو سلت»(3).

و لأنّهما أجزاء الحبّ تفرّقت، و يمكن كيلها و ادّخارها، فجاز إخراجها كما قبل الطحن.

ج - يجوز إخراج الخبز أصلا، لأنّه يقتات به. و لأنّه أنفع. و لأنّ الانتفاع الذاتي - و هو الاغتذاء - إنّما يتمّ بصيرورتها خبزا، فكفاية الفقير مئونة ذلك أولي.

و منع أحمد من ذلك، لخروجه عن الكيل و الادّخار(4).

و هو غلط، لأنّ الغاية الذاتية حاصلة، فلا اعتبار بالأمر العرضي.

د - لا يجزئ إخراج الهريسة و الكبولا و شبههما، و لا الخلّ و الدّبس إلاّ بالقيمة، لانتفاء الاقتيات.

ه - لا يجوز إخراج المعيب كالمسوّس و المبلول و متغيّر الطعم، لقوله تعالي وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (5).

و - تستحب تنقية الطعام لسلامته عن مخالطة غيره، و لو كان المخالط7.

ص: 384


1- المغني 667:2، الشرح الكبير 662:2، حلية العلماء 132:3، بدائع الصنائع 2: 72، الهداية - للمرغيناني - 116:1.
2- سنن الدارقطني 146:2-34.
3- التهذيب 82:4-236، الإستبصار 43:2-139.
4- المغني 669:2، الشرح الكبير 663:2.
5- البقرة: 267.

كثيرا بحيث يعدّ عيبا، وجبت تنقيته، و لو لم يكثر جاز، و لا تجب الزيادة علي الصاع إذا كان يخرج بالصاع عادة.

ز - من أيّ الأصناف المنصوص عليها أخرج جاز و إن لم يكن قوتا له و لا لبلده - و به قال أحمد(1) - للامتثال، لورود الأمر بحرف التخيير.

و قال مالك: يخرج من غالب قوت البلد(2).

مسألة 290: قد بيّنّا أنّه يجوز إخراج أحد هذه الأجناس المنصوص عليها و إن كان غالب قوت البلد غيرها،

عند علمائنا.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، للتخيير في الخبر. و في الآخر: لا يجوز، لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) و إنّما يحصل بقوت أهل البلد(3).

و هو ممنوع.

مسألة 291: أفضل هذه الأجناس: إخراج التمر، ثم الزبيب، ثم غالب قوته.

و بأولوية التمر علي الباقي قال مالك و أحمد، اقتداء بأفعال الصحابة(4).

و لقول الصادق عليه السلام: «التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنّه

ص: 385


1- المغني 670:2، الشرح الكبير 661:2.
2- المغني 670:2، الشرح الكبير 661:2، بداية المجتهد 281:1، المدوّنة الكبري 357:1، المنتقي - للباجي - 188:2.
3- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 132:6-133، الوجيز 100:1، فتح العزيز 210:6-213، و أورد لفظ الحديث، الرافعي في فتح العزيز 117:6 و 213 و أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 172:1. و في سنن البيهقي 175:4: (أغنوهم عن طواف هذا اليوم).
4- المغني و الشرح الكبير 663:2، المدوّنة الكبري 357:1، المنتقي - للباجي - 189:2، حلية العلماء 131:3.

أسرع منفعة»(1) و أقلّ كلفة.

و لاشتماله علي القوت و الحلاوة، فكان أولي.

و قال الشافعي و أبو عبيد: البرّ أولي، لأنّه أغلي ثمنا و أنفسها، و قد سئل عليه السلام عن أفضل الرقاب، فقال: (أغلاها ثمنا و أنفسها عند أهلها)(2).

و الأولي ممنوعة.

و أمّا أولوية الزبيب بعده: فلما تقدّم في التمر من اشتماله علي الحلاوة و القوت، و قلّة كلفة التناول و سرعته، و به قال بعض الحنابلة(3).

و قال الباقون: الأفضل بعد التمر البرّ(4).

مسألة 292: و يجوز إخراج القيمة

عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الثوري و عمر بن عبد العزيز و أبو حنيفة(5) - لأنّ معاذا طلب من أهل اليمن، العرض(6). و كان عمر بن الخطّاب يأخذ العروض في الصدقة(7).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالقيمة في الفطرة»(8).

و لأنّ القيمة أعمّ نفعا، و أكثر فائدة. و لأنّ الغاية دفع الحاجة، و هو

ص: 386


1- الكافي 171:4-3، الفقيه 117:2-505، علل الشرائع: 390، الباب 128، الحديث 1، التهذيب 85:4-248.
2- المغني و الشرح الكبير 663:2، فتح العزيز 217:6، المجموع 133:6-134، و انظر أيضا: صحيح البخاري 188:3، سنن ابن ماجة 843:2-2523، الموطّأ 779:2-15، مسند أحمد 388:2 و 150:5، سنن البيهقي 273:10، مصنف ابن أبي شيبة 107:9-108.
3- المغني و الشرح الكبير 664:2.
4- المغني و الشرح الكبير 664:2.
5- المغني 671:2-672، بدائع الصنائع 73:2، حلية العلماء 167:3.
6- سنن البيهقي 113:4، و المغني لابن قدامة 672:2، نقلا عن سعيد بن منصور.
7- المغني 672:2-673، نقلا عن سعيد بن منصور.
8- التهذيب 86:4-252، الاستبصار 50:2-167.

يحصل مع اختلاف صور الأموال.

و منع الشافعي و مالك و أحمد من ذلك، لما فيه من العدول عن النص(1).

و هو ممنوع، فإنّ إيجاب نوع لا يمنع من غيره.

و عن أحمد رواية اخري: أنّه لا تجزئ القيمة في الفطرة خاصة(2).

تذنيب: لا قدر معيّن للقيمة، بل المرجع فيه الي القيمة السوقية، لأنّ الواجب: العين، و القيمة السوقية بدل، فتعتبر وقت الإخراج.

و ما ورد من التقدير بدرهم(3) أو أربعة دوانيق(4) ، محمول علي أنّ القيمة وقت السؤال كانت ذلك.

مسألة 293: و قدر الفطرة عن كلّ رأس صاع من أحد الأجناس

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو سعيد الخدري و الحسن و أبو العالية(5) - لقول أبي سعيد الخدري: كنّا نخرج صاعا من طعام(6).

و من طريق الخاصة: قول الرضا عليه السلام: «صاع بصاع النبي صلّي اللّه عليه و آله»(7).

و قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و مجاهد و عروة بن الزبير و أصحاب

ص: 387


1- حلية العلماء 167:3، المغني 671:2.
2- المغني 671:2.
3- التهذيب 79:4-225، الاستبصار 50:2-168.
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 210، المقنعة: 41.
5- المغني 652:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 142:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بداية المجتهد 281:1، المنتقي - للباجي - 185:2.
6- صحيح البخاري 161:2، سنن الترمذي 59:3-673، سنن النسائي 51:5، سنن الدارقطني 146:2-32، سنن البيهقي 165:4.
7- الكافي 171:4-5، الفقيه 115:2-492، التهذيب 80:4-227، الإستبصار 46:2-148.

الرأي: يجزئ نصف صاع من البرّ(1) - و عن أبي حنيفة في الزبيب روايتان، إحداهما: صاع، و الأخري: نصف صاع(2) - لما روي عن النبي عليه السلام، قال: (صاع من قمح بين كلّ اثنين)(3).

و أنكر ابن المنذر هذا الحديث(4).

مسألة 294: و الصاع أربعة أمداد. و المدّ رطلان و ربع بالعراقي،

قدره: مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف. و الدرهم: ستة دوانيق.

و الدانق: ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير، يكون قدر الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و ستة بالمدني عند علمائنا، لأنّ النبي عليه السلام كان يتوضّأ بمدّ، و يغتسل بصاع(5). مع كثافة شعره، و تمام خلقه، و استظهاره في أفعال الغسل، و فعله للمندوب منه من المضمضة و الاستنشاق و تكرار الغسلات، و يتعذّر ذلك فيما هو أقلّ.

و من طريق الخاصة: قول أبي الحسن العسكري عليه السلام: «يدفع الصاع وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون

ص: 388


1- المغني 652:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بدائع الصنائع 72:2، الهداية للمرغيناني 116:1، اللباب 160:1.
2- المغني 653:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بدائع الصنائع 72:2، الهداية للمرغيناني 116:1، اللباب 160:1، شرح فتح القدير 225:2.
3- سنن أبي داود 114:2-1620، سنن الدارقطني 150:2-52، سنن البيهقي 167:4، و انظر أيضا: المغني 653:2، و الشرح الكبير 659:2.
4- المغني 655:2، الشرح الكبير 660:2.
5- صحيح مسلم 258:1-51، سنن الترمذي 83:1-84-56، سنن البيهقي 172:4، سنن الدارقطني 154:2-73.

درهما»(1).

و في رواية أخري عنه عليه السلام: «الصاع ستة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي»(2).

و قال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال(3) ، لقول أنس: إنّه عليه السلام كان يتوضّأ بالمدّ و يغتسل بالصاع. و المدّ رطلان(4).

و ليس حجّة، لأنّه(5) من كلام الراوي، مع أنّ أهل الحديث طعنوا فيه(6).

و قال الشافعي: الصاع خمسة أرطال و ثلث بالبغدادي - و به قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو يوسف(7) - لأنّ الرشيد غيّر الصاع بالمدينة فكان ذلك.

و هو مسلّم، فإنّ أرطال المدينة تقارب ذلك.

مسألة 295: و يجزئ من اللبن أربعة أرطال بالمدني، هي ستة بالعراقي،
اشارة

لخلوصه من الغش، و عدم احتياجه الي مئونة.

فروع:

أ - الأصل في الإخراج الكيل، و قدّره العلماء بالوزن(8) ، لأنّه أضبط،

ص: 389


1- التهذيب 79:4-226، الإستبصار 44:2-140.
2- الكافي 172:4-9، الفقيه 115:2-493، التهذيب 83:4-84-243، الإستبصار 49:2-163.
3- بدائع الصنائع 73:2، الهداية للمرغيناني 117:1، شرح معاني الآثار 48:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 195:6، حلية العلماء 129:3.
4- شرح معاني الآثار 50:2، سنن الدارقطني 154:2-73، سنن البيهقي 171:4.
5- أي: قوله: و المدّ رطلان.
6- كما في المعتبر - للمحقق الحلّي -: 289، و سنن البيهقي 171:4.
7- المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، المنتقي - للباجي - 186:2، المغني 657:2، الشرح الكبير 660:2، الهداية - للمرغيناني - 117:1، بدائع الصنائع 73:2، شرح معاني الآثار 48:2.
8- كما في المغني 657:2، و الشرح الكبير 660:2، و فتح العزيز 195:6.

فيجزئه الصاع من جميع الأجناس، سواء كان أثقل أو أخفّ.

و لو أخرج بالوزن، فالوجه: الإجزاء و إن نقص عن الكيل.

و منع محمد بن الحسن الشيباني، لما فيه من الاختلاف، فإنّ في البرّ أثقل و أخفّ(1).

ب - لو أخرج صاعا من جنسين أجزأ - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّه أخرج من المنصوص عليه. و لأنّ أحد النصفين إن ساوي الآخر قيمة أو كان أنقص أو أكثر، أجزأ.

و منع الشيخ منه - و به قال الشافعي(3) - لأنّه مخالف للخبر(4). و هو ممنوع.

ج - الأقرب: إجزاء أقلّ من صاع من جنس أعلي إذا ساوي صاعا من أدون، كنصف صاع من حنطة يساوي صاع شعير، لأنّ القيمة لا تخصّ عينا.

و لأنّ في بعض الروايات: «صاع أو نصف صاع حنطة»(5) و إنّما يحمل علي ما اخترناه.6.

ص: 390


1- بدائع الصنائع 73:2، المبسوط للسرخسي 113:3، المغني 658:2، الشرح الكبير 660:2.
2- بدائع الصنائع 73:2، الشرح الكبير 663:2.
3- المجموع 135:6، فتح العزيز 220:6.
4- المبسوط للطوسي 241:1.
5- التهذيب 85:4-246.
الفصل الرابع في الوقت
مسألة 296: تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان

- و به قال الشافعي في الجديد، و أحمد و إسحاق و الثوري و مالك في إحدي الروايتين(1) - لقوله عليه السلام: (فرض زكاة الفطر طهرة للصائم)(2) و لا يصدق عليه يوم العيد اسم الصوم.

و من طريق الخاصة عن الصادق عليه السلام: أنّه سئل عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» و سئل عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا»(3).

و لأنّها تضاف الي الفطر، فتجب به، كزكاة المال، لاقتضاء الإضافة

ص: 391


1- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6 و 128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3-127، المغني 678:2، الشرح الكبير 657:2، بداية المجتهد 282:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 111.
2- سنن الدارقطني 138:2-1، سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827، سنن البيهقي 163:4، المستدرك - للحاكم - 409:1، و في غير الأول: ابن عباس قال: فرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، زكاة الفطر طهرة للصائم. و في الأول: ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: زكاة الفطر. الي آخره.
3- الكافي 172:4-12، التهذيب 72:4-197

الاختصاص، و السبب أخصّ بحكمه من غيره.

و قال بعض علمائنا: إنّها تجب بطلوع الفجر الثاني يوم الفطر(1) - و به قال الشافعي في القديم، و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك في الرواية الأخري، و أبو ثور(2) - لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)(3).

و لا دلالة فيه، لحصول الإغناء بالدفع ليلة الفطر. و لأنّها واجب موسّع، فالوجوب بالغروب و الإخراج قبل الصلاة.

و قال بعض أصحاب مالك: تجب بطلوع الشمس يوم الفطر، للأمر بالإخراج قبل الخروج الي المصلّي(4).

و لا حجّة فيه.

و للشافعي ثالث: إنّما تجب بمجموع الغروب و طلوع الفجر، لتعلّقها بالفطر و العيد(5). و هو يصدق فيما قلناه أيضا.

مسألة 297: لو ولد له مولود، أو ملك عبدا، أو تزوّج، أو بلغ قبل الغروب بلحظة،
اشارة

وجبت عليه الفطرة عنهم، و لو كان بعد الغروب سقطت وجوبا - لا استحبابا - الي الزوال، و لو تجدّد ذلك بعد الزوال يوم الفطر، سقط الاستحباب أيضا.

ص: 392


1- كالشيخ المفيد في المقنعة: 41، و السيد المرتضي في جمل العلم و العمل (ضمن رسائله) 80:3، و سلاّر في المراسم: 134، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 169، و ابن الجنيد كما في المعتبر: 289.
2- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6-127 و 128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3، الهداية للمرغيناني 117:1، بداية المجتهد 282:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 111، المغني 678:2-679، الشرح الكبير 657:2.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 385، الهامش (3).
4- حلية العلماء 126:3، المجموع 128:6.
5- فتح العزيز 112:6، الوجيز 98:1، المجموع 127:6.

و كذا لو بلغ أو أسلم أو زال جنونه أو استغني قبل الهلال، وجبت عليه، و استحب لو كان بعده قبل الزوال، و بعده يسقط الاستحباب أيضا، لأنّ معاوية بن عمار سأل الصادق عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» و سأله عن يهودي أسلم ليلة (الفطر)(1) عليه فطرة ؟ قال: «لا»(2).

فروع:

أ - لو اتّهب عبدا فأهلّ شوّال قبل القبض، فالزكاة علي الواهب - و به قال الشافعي(3) - لأنّ القبض شرط ملك المتّهب.

و قال مالك: الزكاة علي المتّهب(4) ، لأنّ القبض ليس شرطا. و سيأتي بطلانه.

و لو مات فقبض الوارث قبل شوّال فلا انتقال أيضا.

ب - لو مات ولده أو عبده، أو أعتقه، أو باعه، أو ماتت زوجته، أو طلّقها قبل الغروب، فلا زكاة عليه إجماعا، و تجب بعده.

و علي اعتبار الوقتين: الغروب و الطلوع - كما هو مذهب الشافعي(5) - لو طلّق زوجته أو زال ملكه وسط الليل ثم عاد في الليل، ففي الزكاة عند الشافعية وجهان(6).

ج - لو مات العبد بعد الهلال قبل إمكان أداء الزكاة عنه، وجب الإخراج

ص: 393


1- في النسخ الخطية: (العيد) بدل (الفطر).
2- الكافي 172:4-12، التهذيب 72:4-197.
3- الام 63:2، المجموع 138:6، حلية العلماء 127:3.
4- انظر: حلية العلماء 127:3.
5- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6-128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3.
6- المجموع 127:6، الوجيز 98:1، فتح العزيز 113:6.

عنه، لوجود السبب.

و قال بعض الشافعية: تسقط، لتلف المال الذي هو سبب الوجوب، كالنصاب(1).

و الفرق: أنّ الزكاة تجب في عين النصاب فسقطت، و هنا الزكاة في الذمة، فلا تسقط بتلف السبب.

د - لو أوصي (له)(2) بعبد ثم مات بعد الهلال فالزكاة عليه، لعدم الانتقال. و قبله(3) إن قبل الموصي له قبله(4) فعليه، لتحقّق الملك قبل الهلال. و بعده(5) قال الشيخ: لا زكاة، لانتفاء المالك(6).

و الوجه: وجوب الزكاة علي الموصي إن جعلنا القبول سببا أو شرطا في الملك، و إن جعلناه كاشفا فعلي الموصي له.

و للشافعي كالقولين، و له ثالث: إنّه يدخل في ملك الموصي له بغير اختياره بموت الموصي، فالزكاة عليه(7).

ه - لو مات الموصي له قام وارثه مقامه في القبول، فإن قبل قبل الهلال فعليه في ماله، و علي القول بالكشف تجب في مال الموصي له.

و - لو مات - و عليه دين - بعد الهلال، ففطرة عبده عليه، لوجود المقتضي، و لو قصرت التركة، تحاصّ الدّيّان و أرباب الزكاة.

و إن مات قبله، قال الشيخ: لا يلزم أحدا فطرته، لعدم الانتقال الي3.

ص: 394


1- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 127:6، فتح العزيز 112:6.
2- ما بين القوسين لم يرد في «ط».
3- أي: مات قبل الهلال.
4- أي: قبل الهلال.
5- أي: كان القبول بعد الهلال.
6- الخلاف 145:2، المسألة 180.
7- المجموع 138:6، فتح العزيز 240:6-241، حلية العلماء 128:3.

الوارث، فإنّه لا إرث قبل الدّين. و لا الي الدّيّان، للآية(1)(2).

و الوجه: ثبوتها علي الوارث، لامتناع ثبوت ملك لا مالك له. و عدم صلاحية الميت للملك. و الدّيّان لا يملكون، و إلاّ لم يزل عنهم بالإبراء.

و لأنّ الحالف مع الشاهد هو الوارث لا الدّيّان. و لأنّه لو مات بعض الورثة ثم أبرئ الميت، كانت التركة بين الحي و ورثة الميت. و الآية محمولة علي القسمة.

ز - لو ملك الولد قبل الهلال قوت يوم العيد، سقط عن والده نفقة ذلك اليوم، فإن لم يعله فلا زكاة عليه، و لا علي الولد، لفقره.

ح - لو وقع بين المعتق نصفه و بين المولي مهاياة، فوقعت نوبة الهلال علي أحدهما، احتمل اختصاصه بالفطرة، لاختصاصه بالعيلولة. و الشركة، لأنّه كالنائب عن صاحبه.

مسألة 298: يستحب إخراجها يوم العيد قبل الخروج الي المصلّي، و يتضيّق عند الصلاة،
اشارة

لأنّ ابن عباس روي: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو و الرفث، و طعمة للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، و من أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات(3).

و من طريق الخاصة: عن الصادق عليه السلام نحوه(4).

و لأنّ الغرض إغناء الفقير عن السعي فيه، و إنّما يتحقّق قبل الصلاة.

فروع:

أ - لو أخّرها عن صلاة العيد اختيارا أثم عند علمائنا أجمع - و به قال

ص: 395


1- و هي: قوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِها أَوْ دَيْنٍ، النساء: 12.
2- الخلاف 144:2، المسألة 179.
3- سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827، المستدرك - للحاكم - 409:1، سنن البيهقي 163:4.
4- التهذيب 76:4-214، الإستبصار 44:2-45-143.

الشافعي(1) - لأنّ الإغناء في اليوم إنّما يتحقّق بالإخراج قبل الصلاة.

و لأنّ العيص سأل الصادق عليه السلام عن الفطرة متي هي ؟ قال:

«قبل الصلاة يوم الفطر»(2).

و لأنّه تأخير للواجب عن وقته، فكان حراما.

و قال عطاء و مالك و أحمد و أصحاب الرأي: يكره و ليس بمحرّم(3).

و عن أحمد رواية بالجواز من غير كراهية(4).

و لو أخّرها عن يوم العيد، قال أحمد: يأثم و عليه القضاء(5).

و حكي عن ابن سيرين و النخعي: أنّهما رخصا في تأخيرها عن يوم العيد(6).

ب - لو تمكّن من إخراجها يوم العيد و لم يخرج أثم علي ما تقدّم، و لا تسقط عنه، بل يجب عليه قضاؤها، إذ البراءة من الأمر بالإخراج إنّما يحصل به، و لو لم يتمكّن فلا إثم.

ثم إن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان، لتعيّنها للصدقة، فلا تسقط بفوات الوقت، كما لو عدم مستحق زكاة المال.

و إن لم يكن عزلها، فعليه القضاء أيضا، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(7).0.

ص: 396


1- حكاه المحقق في المعتبر: 290، و في المجموع 142:6 هكذا: لو أخّرها عن صلاة الإمام، و فعلها في يومه، لم يأثم، و كانت أداء، و إن أخّرها عن يوم الفطر أثم. و كذا في فتح العزيز 117:6.
2- التهذيب 75:4-212، الإستبصار 44:2-141.
3- المغني 676:2، الشرح الكبير 658:2.
4- المغني 677:2، الشرح الكبير 658:2.
5- المغني 677:2، الشرح الكبير 659:2.
6- المجموع 142:6، حلية العلماء 129:3، المغني 677:2، الشرح الكبير 659:2.
7- حكاه المحقّق في المعتبر: 290.

و قيل: تسقط(1). و ليس بمعتمد.

و قيل: تكون أداء(2). و ليس بجيّد، لأنّها عبادة فات وقتها قبل فعلها، فكانت قضاء.

ج - يجوز العزل كزكاة المال، فإذا عزلها و لم يخرجها مع القدرة ضمن، و إن لم يتمكّن فلا ضمان.

و قال أحمد: يضمنها مطلقا(3).

و يجوز نقلها الي غير البلد مع عدم المستحق فيه لا مع وجوده فيه.

و يجوز إخراجها من المال الغائب عنه. و الأفضل: إخراجها في بلد المالك و تفريقها فيه.

د - يجوز تقديم الفطرة من أول رمضان لا عليه، عند أكثر علمائنا(4) - و به قال الشافعي(5) - لأنّ سبب الصدقة الصوم و الفطر عنه، فإذا وجد أحدهما، جاز تعجيلها، كزكاة المال بعد ملك النصاب.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و هو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان»(6).

و قال أبو حنيفة: يجوز تقديمها من أول الحول، لأنّها زكاة مخرجة عن7.

ص: 397


1- القائل هو: الحسن بن زياد و داود، كما في المجموع 142:6، و بدائع الصنائع 74:2، كما حكاه عن الحسن بن زياد و عن بعض فقهائنا، المحقق في المعتبر: 290 و استحسنه.
2- القائل هو ابن إدريس في السرائر: 109.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 290.
4- منهم: الصدوقان كما في الفقيه 118:2 ذيل الحديث 511، و المقنع: 67، و الشيخ الطوسي في النهاية: 191، و المبسوط 242:1، و الخلاف 155:2، المسألة 198، و المحقّق في المعتبر: 290.
5- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 142:6، حلية العلماء 128:3، فتح العزيز 533:5، المغني 681:2، الشرح الكبير 658:2.
6- التهذيب 76:4-215، الاستبصار 45:2-46-147.

بدنه، فإذا كان المخرج عنه موجودا جاز إخراجها قبل الوقت، كزكاة المال بعد وجود النصاب(1).

و الفرق: وجود السبب في زكاة المال و هو النصاب، و زكاة الفطر سببها:

الفطر، لإضافتها اليه. علي أنّا نمنع حكم الأصل.

و قال أحمد: يجوز تقديمها قبل الهلال بيوم أو يومين خاصة(2).

و قال بعض الجمهور: يجوز تقديمها من بعد نصف الشهر(1).

الفصل الخامس في المستحق
مسألة 299: مصرف زكاة الفطر مصرف زكاة المال،

لعموم قوله تعالي إِنَّمَا الصَّدَقاتُ الآية(2).

و لا يجوز دفعها الي من لا يجوز دفع زكاة المال اليه، فلا تدفع إلي الذمّي عند علمائنا - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أبو ثور و أحمد(3) - لأنّها زكاة، فلا تدفع الي غير المسلم، كزكاة المال، و قد أجمع العلماء علي منع الذمّي من زكاة المال إلاّ لمصلحة التأليف.

و قال أبو حنيفة: يجوز(4) ، لقوله عليه السلام: (تصدّقوا علي أهل

ص: 398


1- المغني 681:2، الشرح الكبير 658:2.
2- التوبة: 60.
3- المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بداية المجتهد 282:1، المجموع 142:6.
4- المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بدائع الصنائع 74:2، الهداية للمرغيناني. 113:1، المجموع 242:6.

الأديان)(1).

و نمنع صحة السند، و يحمل علي المندوبة.

مسألة 300: و يشترط في المدفوع إليه: الأيمان،

سواء وجد المستحقّ أو لا، و ينتظر بها، و يحمل من بلده مع عدمه الي بلد آخر. و لا يعطي المستضعف - خلافا للشيخ(2) - لقول الباقر و الصادق عليهما السلام:

«الزكاة لأهل الولاية»(3).

و سئل الرضا عليه السلام عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟ قال:

«لا، و لا زكاة الفطرة»(4).

و لو دفع الي غير المؤمن أعاد، لأنّه دفع الحقّ الي غير مستحقّه، فيبقي في العهدة.

و لو كان الدافع غير مؤمن ثم استبصر، أعاد أيضا، للرواية(5).

و كذا يشترط فيه كلّ ما يشترط في مستحقّ زكاة المال من الفقر، و عدم وجوب الإنفاق عليه.

و يجوز صرفها في الأصناف الثمانية، لأنّها صدقة، فأشبهت صدقة المال.

مسألة 301: و يجوز دفعها الي الواحد

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و مالك و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(6) - لورود الآية(7) ببيان المصرف

ص: 399


1- مصنّف ابن أبي شيبة 177:3.
2- المبسوط للطوسي 242:1، النهاية: 192، و التهذيب 88:4 ذيل الحديث 259.
3- التهذيب 52:4-135.
4- التهذيب 52:4-137، و الكافي 547:3-6.
5- تقدّمت آنفا.
6- المغني 712:2-713، الشرح الكبير 664:2-665.
7- التوبة: 60.

و قال الشافعي: يجب تفرقة الصدقة علي ستة أصناف، و دفع حصة كلّ صنف الي ثلاث منهم(1) و قد سبق(2) البحث فيه.

و يجوز للجماعة دفع صدقتهم الواجبة إلي الواحد دفعة واحدة و علي التعاقب ما لم يبلغ حدّ الغناء. و كذا يجوز للواحد دفع صدقته الواجبة إلي الجماعة إجماعا.

مسألة 302: و يكره أن يملك ما أخرجه صدقة اختيارا، بشراء أو غيره،

لأنّها طهرة له فكره له أخذها.

و قال الجمهور: لا يجوز شراؤها(3) ، لقوله عليه السلام: (العائد في صدقته كالعائد في قيئه)(4).

و جوّز الشافعي و أحمد - في رواية - تملّكها بغير شراء اختيارا، كما لو دفعها الي مستحقّها فأخرجها آخذها الي دافعها، أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرّقها علي [أهل](5) السّهمان فعادت صدقته اليه(6).

و في الرواية الأخري عن أحمد: تحريم ذلك، قياسا علي الشراء(7).

و الأصل ممنوع.

أمّا لو عادت اليه بغير اختياره، كميراث (أو)(8) قضاء دين، فإنّه جائز غير مكروه إجماعا.

مسألة 303: و يستحب اختصاص القرابة بها، ثم الجيران

مع وجود

ص: 400


1- المغني 712:2-713، الشرح الكبير 664:2.
2- سبق في المسألة 248.
3- المغني 712:2، الشرح الكبير 665:2.
4- صحيح البخاري 157:2.
5- زيادة أضفناها من المغني و الشرح الكبير، لاقتضاء السياق.
6- حلية العلماء 132:3، المغني 711:2، الشرح الكبير 665:2.
7- المغني 711:2، الشرح الكبير 665:2.
8- في «ط، ن»: و.

الصفات المقتضية للاستحقاق، لقوله عليه السلام: (لا صدقة و ذو رحم محتاج)(1).

و قوله عليه السلام: (جيران الصدقة أحقّ بها)(2).

و لأنّ الاعتناء بهؤلاء في نظر الشرع أتمّ من غيرهم، فكان الدفع إليهم أولي.

و سئل الكاظم عليه السلام عن إعطاء القرابة من الزكاة، فقال:

«أ مستحقّون هم ؟» قيل: نعم. فقال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم»(3).

و قال لمّا سئل عن صدقة الفطرة: «الجيران أحقّ بها»(4) و لا نعلم في ذلك خلافا.

و يستحب تخصيص أهل الفضل بالعلم و الزهد و ترجيحهم، لأنّ السكوني قال للباقر عليه السلام: إنّي ربما قسّمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ فقال: «أعطهم علي الهجرة في الدين و الفقه و الفضل(5)»(6).

مسألة 304: يجوز أن يتولّي المالك تفريق الفطرة بنفسه

إجماعا، أمّا عندنا فظاهر، و أمّا عند المخالف: فلأنّها من الأموال الباطنة.

لكن يستحب صرفها الي الإمام أو نائبه، لأنّه أعرف بمواقعها، فإن تعذّر صرف الي الفقيه المأمون من فقهاء الإمامية، لأنّهم أبصر بمواقعها. و لأنّهم

ص: 401


1- الفقيه 38:2-166.
2- أورده المحقق في المعتبر: 291.
3- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.
4- الفقيه 117:2-506، التهذيب 78:4-224.
5- في المصادر بدل «و الفضل»: «و العقل».
6- الكافي 549:3-1، الفقيه 18:2-59، التهذيب 101:4-285.

نوّاب الإمام عليه السلام.

مسألة 305: يجوز أن يعطي صاحب الخادم و الدار و الفرس من الفطرة و زكاة المال،

لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام سئلا عن الرجل له دار و خادم و عبد يقبل الزكاة ؟ فقال: «نعم»(1).

و لا يعطي الفقير أقلّ من صاع استحبابا، لقول الصادق عليه السلام:

«لا تعط أحدا أقلّ من رأس»(2) و هو نهي تنزيه، للأصل و المواساة.

و يجوز أن يعطي الواحد أصواعا كثيرة دفعة مطلقا و علي التعاقب إذا لم يبلغ حدّ الغني.

مسألة 306: لا تسقط صدقة الفطر بعد وجوبها بالموت، بل تخرج من أصل التركة

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - لتعلّق الذمة به، فصارت دينا.

و قال أبو حنيفة: تسقط بالموت، إلاّ أن يوصي بها، فتخرج من الثلث حينئذ(4).

و ليس بمعتمد، لبقاء متعلّق الأمر شاغلا للذمة قبل فعله.

فإن لم يفضل من التركة شيء أخرجت بأجمعها في الزكاة كالدّين المستوعب، فإن كان عليه دين، و ضاقت التركة عنهما، بسطت بالنسبة.

مسألة 307: لا يملك المستحق الزكاة إلاّ مع القبض من المالك أو نائبه،

لأنّ للمالك التخيير في الدفع الي من شاء، فلو مات الفقير لم يكن لوارثه المطالبة بها و إن عيّنت له قبل القبض، و كذا زكاة المال.

و مال الغنيمة يملكه الغانمون بالحيازة، و يستقر بالقسمة، فلو بلغ نصيبه نصابا لم يجر في الحول إلاّ بعد القبض، لعدم تمكّنه منه، و لا يصير باعتباره

ص: 402


1- الكافي 561:3-7، الفقيه 17:2-56، التهذيب 51:4-133.
2- التهذيب 89:4-261، الإستبصار 52:2-174.
3- المغني 715:2، الشرح الكبير 656:2، بدائع الصنائع 53:2.
4- بدائع الصنائع 53:2.

غنيّا.

مسألة 308: صدقة التطوّع مستحبة في جميع الأوقات،

للآيات الدالّة علي الحثّ علي الصدقة(1).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب - و لا يصعد الي اللّه إلاّ الطيّب - فإنّ اللّه يقبلها بيمينه ثم يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوّه(2) حتي تكون مثل الجبل)(3).

و قال عليه السلام: (أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه)(4).

و قال الباقر عليه السلام: «البرّ و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان (عن)(5) سبعين ميتة سوء»(6).

و صدقة السرّ أفضل، للآية(7) ، إلاّ أن يتّهم بترك المواساة.

و يستحب الإكثار منها وقت الحاجة، لقوله تعالي أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (8) و في شهر رمضان، لتضاعف الحسنات فيه. و علي القرابة، لقوله تعالي يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (9).

ص: 403


1- انظر علي سبيل المثال: البقرة: 245، 254، 261، آل عمران: 134، الحديد: 18، التغابن: 17.
2- الفلوّ: المهر الصغير و هو: ولد الفرس. لسان العرب 185:5 و 162:15 «مهر» «فلا».
3- صحيح البخاري 134:2، مسند أحمد 331:2، سنن البيهقي 176:4-177، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 716:2.
4- الفقيه 37:2-155، ثواب الأعمال: 169-9.
5- في المصدر بدل ما بين القوسين: (عن صاحبهما) و في الطبعة الحجرية و «ف»: عنه. و ما أثبتناه من «ط» و «ن».
6- الفقيه 37:2 ذيل الحديث 155، ثواب الأعمال: 169-11.
7- البقرة: 271.
8- البلد: 14.
9- البلد: 15.

و قال عليه السلام: (الصدقة علي المسكين صدقة، و هي علي ذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة)(1).

و الأولي: الصدقة من الفاضل عن كفايته و كفاية من يموّنه علي الدوام.

قال عليه السلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غني، و ابدأ بمن تعول)(2).

و يستحب الصدقة أول النهار، و أول الليل، قال الصادق عليه السلام:

«باكروا بالصدقة فإنّ البلايا لا تتخطّاها، و من تصدّق بصدقة أول النهار دفع اللّه عنه ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدّق أول الليل دفع اللّه عنه شرّ ما ينزل من السماء في تلك الليلة»(3).

و يكره السؤال، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اتّبعوا قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من فتح علي نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر»(4).

و يكره ردّ السائل، قال الباقر عليه السلام: «كان فيما ناجي اللّه عزّ و جلّ به موسي عليه السلام، أن قال: يا موسي أكرم السائل ببذل يسير أو بردّ جميل، إنّك يأتيك من ليس بإنس و لا جانّ، ملائكة من ملائكة الرحمن، يبلونك فيما خوّلتك(5) ، و يسألونك عمّا نوّلتك(6) ، فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران»(7).0.

ص: 404


1- سنن الترمذي 47:3، سنن النسائي 92:5، سنن الدارمي 397:1، سنن البيهقي 174:4، و مسند أحمد 17:4 و 214، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 717:2.
2- صحيح البخاري 139:2 و 81:7، سنن البيهقي 180:4، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 717:2.
3- الفقيه 37:2-38-159.
4- الكافي 19:4-2، الفقيه 40:2-179.
5- خوّله المال: أعطاه إيّاه. لسان العرب 225:11.
6- النوال: العطاء: الصحاح 1836:5.
7- الكافي 15:4-3، الفقيه 39:2-170.

و الصدقة المندوبة علي بني هاشم أفضل، خصوصا العلويّون، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، و رجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذريتي باللسان و القلب، و رجل سعي في حوائج ذريتي إذا طردوا و شرّدوا)(1).

و قال عليه السلام: (من صنع الي أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة)(2).2.

ص: 405


1- الكافي 60:4-9، الفقيه 36:2-153.
2- الفقيه 36:2-152.

ص: 406

كتاب الخمس

اشارة

و فصوله أربعة

ص: 407

ص: 408

الأول فيما يجب فيه
اشارة

و هو أصناف:

الأوّل: الغنائم المأخوذة من دار الحرب، ما حواه العسكر و ما لم يحوه،

أمكن نقله كالثياب و الدواب و غيرها، أو لا كالأراضي و العقارات ممّا يصح تملّكه للمسلمين ممّا كان مباحا في أيديهم، لا غصبا من مسلم أو معاهد، قلّ أو كثر، و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: المعادن، و هي: كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة،

سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص و الصّفر و النحاس و الحديد، أو مع غيره كالزيبق، أو لم يكن منطبعا كالياقوت و الفيروزج.

و البلخش(1) و العقيق و البلّور و السبج(2) و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المغرة(3) و الملح، أو كان مائعا كالقير و النفط و الكبريت، عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد، إلاّ أنّه جعله زكاة(4) - لعموم قوله تعالي أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (5).

ص: 409


1- بلخش: لعل، ضرب من الياقوت. ملحقات لسان العرب: 68.
2- السبج: الخرز الأسود. الصحاح 321:1.
3- المغرة: الطين الأحمر. المصباح المنير: 576.
4- المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2-583، فتح العزيز 88:6.
5- البقرة: 267.

و لقوله عليه السلام: (ما لم يكن في طريق مأتي أو قرية عامرة ففيه و في الركاز(1) الخمس)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام لمّا سئل عن الصفر و الرصاص و الحديد: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة»(3).

و قال أبو حنيفة: لا يجب الخمس في المعادن إلاّ في المنطبعة خاصة(4).

و يبطل بما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يجب إلاّ في معدن الذهب و الفضة خاصة علي أنّه زكاة، لأنّه مال مقوّم مستفاد من الأرض، فأشبه الطين(5).

و ليس بجيّد، لأنّ الطين ليس بمعدن، لأنّه تراب.

مسألة 309: الواجب في المعادن الخمس لا الزكاة،

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(6) - لما تقدّم من الأحاديث.

و لقوله عليه السلام: (و في السيوب الخمس)(7) و السيوب: عروق

ص: 410


1- الركاز، عند أهل الحجاز: كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض. و عند أهل العراق: المعادن. النهاية - لابن الأثير - 258:2.
2- سنن النسائي 44:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 616:2-617، و الشرح الكبير 583:2، و قالا: رواه النسائي و الجوزجاني.
3- الكافي 459:1-19، الفقيه 21:2-73، التهذيب 121:4-346.
4- بدائع الصنائع 67:2، فتح العزيز 88:6، المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2 و 583، حلية العلماء 112:3.
5- الام 42:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 77:6، فتح العزيز 88:6، حلية العلماء 111:3-112، المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2 و 583.
6- بدائع الصنائع 67:2، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
7- أورده ابن الأثير في النهاية 432:2، و ابنا قدامة في المغني 617:2، و الشرح الكبير 583:2.

الذهب و الفضة التي تحت الأرض(1).

و قال الشافعي و مالك و أحمد: إنّه زكاة(2) ، لقوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر)(3) و المراد به الزكاة.

مسألة 310: قدر الواجب في المعادن الخمس،

عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و المزني و الشافعي في أحد أقواله(4) ، لما تقدّم.

و في آخر له: يجب ربع العشر، و به قال أحمد و مالك في إحدي الروايتين و إسحاق(5).

و للشافعي ثالث: إن احتاج الي مئونة فربع العشر، و إلاّ فالخمس - و هو رواية عن مالك، مع قطع الشافعي و مالك بأنّ الواجب زكاة - للفرق بين المحتاج الي المئونة و المستغني، كالزكاة في الغلاّت(6).

مسألة 311: يجب الخمس في المعدن بعد تناوله و تكامل نصابه
اشارة

إن اعتبرناه، و لا يعتبر الحول عند عامة أهل العلم(7) ، لعموم

ص: 411


1- النهاية لابن الأثير 432:2.
2- الام 43:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 77:6، فتح العزيز 88:6، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
3- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 23:5، مسند أحمد 12:1 و 121-122.
4- الهداية للمرغيناني 108:1، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، حلية العلماء 113:3، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
5- المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2، المدوّنة الكبري 287:1، بداية المجتهد 258:1، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، حلية العلماء 113:3.
6- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، حلية العلماء 113:3، المدوّنة الكبري 287:1 و 288.
7- المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2، حلية العلماء 112:3، فتح العزيز 91:6.

فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (1) .

و سئل الصادق عليه السلام عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس»(2) و تخصيص العموم و تقييد المطلق بالحول لا دليل عليه، فيكون منفيّا.

و قال إسحاق و ابن المنذر: لا شيء في المعدن حتي يحول عليه الحول(3) ، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول)(4).

و نفي الزكاة لا يستلزم نفي الخمس.

فروع:

أ - الخمس يجب في المخرج من المعدن، و الباقي يملكه المخرج، لقوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(5) و يستوي في ذلك(6) الصغير و الكبير.

و قال الشافعي: يملك الجميع، و تجب عليه الزكاة(7).

ب - المعدن إن كان في ملكه، فهو له يصرف منه الخمس لمستحقّيه، و إن كان في موضع مباح، فالخمس لأربابه، و الباقي لواجده.

ص: 412


1- الأنفال: 41.
2- الكافي 459:1-19، الفقيه 21:2-73، التهذيب 121:4-346.
3- المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2.
4- سنن ابن ماجة 571:1-1792.
5- صحيح البخاري 160:2 و 145:3 و 15:9، صحيح مسلم 1334:3-45 و 46، سنن أبي داود 181:3-3085، سنن ابن ماجة 839:2-2509 و 2510، سنن الترمذي 661:3-1377، سنن الدارمي 196:2، سنن البيهقي 152:4، مصنّف ابن أبي شيبة 225:3 و 255:12، المعجم الكبير للطبراني 14:17-6، مسند أحمد 186:2 و 335:3، الموطّأ 249:1-9.
6- أي: المستخرج.
7- حكاه عنه، المحقّق في المعتبر: 292.

ج - إذا كان المعدن لمكاتب، وجب فيه الخمس - و به قال أبو حنيفة(1) ، لعموم (و في الركاز الخمس)(2). و لأنّه غنيمة و هو من أهل الاغتنام.

د - العبد إن استخرج معدنا، ملكه سيّده، لأنّ منافعه له، و يجب علي السيد الخمس في المعدن.

ه - الذمّي يجب عليه الخمس فيه - و به قال أبو حنيفة(3) - للعموم.

و قال الشافعي: لا يجب، لأنّه لا يساوي المسلمين في الغنيمة، و لا يسهم له. و لأنّ المأخوذ زكاة و لا زكاة علي الذمّي(4).

و المقدّمتان ممنوعتان.

و قال الشيخ: يمنع الذمّي من العمل في المعدن، فإن أخرج منه شيئا ملكه، و أخرج منه الخمس(5).

و - المعادن تبع الأرض تملك بملكها، لأنّها من أجزائها.

و يجوز بيع تراب المعدن بغير جنسه في الرّبويّات، و في غيرها يجوز مطلقا، و الخمس لأربابه، فإن باع الجميع فالخمس عليه، و يجب خمس المعدن، لا خمس الثمن، لأنّ الخمس تعلّق بعين المعدن لا بقيمته.

الصنف الثالث: الركاز.

و هو المال المذخور تحت الأرض، و يجب فيه الخمس إجماعا، لعموم

ص: 413


1- المجموع 76:6 و 91، حلية العلماء 111:3.
2- تقدّم الحديث في الفرع (أ) و كذا الإشارة إلي مصادره.
3- بدائع الصنائع 65:2، المجموع 91:6.
4- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 76:6 و 91 و 102، الوجيز 97:1، فتح العزيز 101:6، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2، و حكاه أيضا المحقّق في المعتبر: 292.
5- الخلاف 120:2، المسألة 144.

قوله تعالي وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (1)وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (2).

و ما رووه عنه عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(3)المغني 610:2، الشرح الكبير 588:2.(4).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس»(5).

و لا فرق بين أرض الحرب و أرض العرب.

و فرّق الحسن بينهما، فأوجبه فيما يوجد في أرض الحرب، و الزكاة فيما يوجد في أرض العرب(5).

و هو خلاف الإجماع.

مسألة 312: الركاز إمّا أن يوجد في أرض موات أو غير معهودة بالتملّك،
اشارة

كآثار الأبنية المتقادمة علي الإسلام، و جدران الجاهلية و قبورهم، أو في أرض مملوكة للواجد، أو في أرض مسلم أو معاهد، أو في أرض دار الحرب.

و كلّ من هذه إمّا أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا.

و الأول: إن كان عليه أثر الإسلام فلقطة يعرّف سنة، و إن لم يكن عليه أثره، أخرج خمسه و ملك الباقي.

و الثاني: إن انتقل الملك اليه بالبيع، فهو للمالك الأول إن اعترف به، و إن لم يعرفه فللمالك قبله، و هكذا إلي أول مالك، فإن لم يعرفه فلقطة،

ص: 414


1- البقرة: 267.
2- الأنفال: 41.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 412، الهامش
4- .
5- التهذيب 122:4-347.

- و به قال الشافعي و أحمد في رواية(1) - لأنّ يد المالك الأول علي الدار، فتثبت علي ما فيها، و اليد تقضي بالملك.

و في الأخري عن أحمد: لواجده(2).

و إن انتقل بالميراث، فإن عرفه الورثة فلهم، و إن اتّفقوا علي نفي الملك عنهم فهو لأول مالك علي ما تقدّم. و إن اختلفوا فحكم المعترف حكم المالك، و حكم المنكر لأوّل مالك(3).

هذا إذا كان عليه أثر الإسلام، و إن لم يكن فللشيخ قولان: أحدهما:

أنّه لقطة. و الثاني: أنّه لواجده(4).

و الثالث: يكون لربّ الأرض إن اعترف به، و إلاّ فلأول مالك - و به قال أبو حنيفة و محمد و أحمد في رواية(5) - قضاء لليد.

و في الأخري لأحمد: إنّه للواجد، و به قال أبو ثور و الحسن بن صالح ابن حي(6).6.

ص: 415


1- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 97:6، الوجيز 97:1، فتح العزيز 107:6، المغني 611:2، الشرح الكبير 592:2.
2- المغني 611:2، الشرح الكبير 692:2.
3- أي: فحكم المعترف حكم المالك بكون نصيبه له، و حكم المنكر أن يكون نصيبه لأول مالك.
4- المبسوط للطوسي 236:1، و فيه القول الثاني. و لم نعثر علي القول الأول له في مظانّه. و قال المحقّق الحلّي في المعتبر: 292 بعد بيان تفسير الركاز و حكمه: و يشترط لتملّكه أن يكون في أرض الحرب، سواء كان عليه أثر الجاهلية أو أثر الإسلام، أو في أرض الإسلام و ليس عليه أثر الإسلام، كالسكّة الإسلامية، أو ذكر النبي صلّي اللّه عليه و آله، أو أحد ولاة الإسلام. و إن كان عليه أثر الإسلام، فللشيخ قولان، أحدهما: كاللقطة. و الثاني: يخمّس إذا لم يكن عليه أثر ملك. انتهي.
5- المبسوط للسرخسي 214:2، المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2، المجموع 102:6.
6- المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2، المجموع 102:6.

و الرابع: يكون لواجده، سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا، و يخرج منه الخمس، لأنّه آخذ من دار الحرب، فكان غنيمة، كالظاهر.

و قال أبو حنيفة: إن كان في موات دار الحرب، فغنيمة لواجده، و لا يخمّس(1).

و قال الشافعي: إن لم يكن عليه أثر الإسلام، فهو ركاز، و إن كان عليه أثره، كآية من القرآن أو اسم اللّه تعالي أو رسوله عليه السلام، كان لقطة تعرّف.

و إن كان عليه اسم أحد ملوك الشرك أو صورة أو صليب، فهو ركاز، و إن لم يكن مطبوعا و لا أثر عليه فهو ركاز في أظهر القولين، و في الآخر: أنّه لقطة(2).

فروع:

أ - لو وجد الكنز في أرض مملوكة لحربي معيّن، فهو ركاز فيه الخمس - و به قال أبو يوسف و أبو ثور(3) - لأنّه من دفن الكفّار، فأشبه ما لا يعرف صاحبه.

و قال الشافعي و أبو حنيفة: يكون غنيمة، و لا يجب الخمس(4).

ب - لو استأجر أجيرا ليحفر له في الأرض المباحة لطلب الكنز فوجده، فهو للمستأجر لا للأجير، فإن استأجره لغير ذلك، فالكنز للواجد.

ج - لو استأجر دارا فوجد فيها كنزا، فللمالك - و به قال أبو حنيفة

ص: 416


1- بدائع الصنائع 66:2، المبسوط للسرخسي 215:2، المجموع 94:6، فتح العزيز 108:6، حلية العلماء 115:3.
2- حلية العلماء 115:3-117، المهذب للشيرازي 169:1-170، المجموع 97:6 و 98، فتح العزيز 105:6.
3- حلية العلماء 115:3.
4- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 94:6، فتح العزيز 108:6، حلية العلماء 115:3، بدائع الصنائع 68:2، المغني 613:2، الشرح الكبير 594:2.

و محمد(1) - لأنّ يده علي الدار.

و قال بعض الجمهور: للمستأجر(2) ، لأنّ الكنز لا يملك بملكية الدار.

د - لو اختلف المالك و المستأجر في ملكية الكنز، فللشيخ قولان، أحدهما: القول قول المالك(3) - و به قال المزني(4) - لأنّ داره كيده.

و الثاني: قول المستأجر(5) ، و به قال الشافعي(6) - و عن أحمد روايتان(7) كالقولين - لأنّه مال مودع في الأرض، و ليس منها، فالقول قول من يده علي الأرض كالأقمشة، و لندور إيجاد دار فيها دفين.

و لو اختلفا في مقداره، فالقول قول المستأجر قطعا، لأنّه منكر.

مسألة 313: و يجب الخمس في كلّ ما كان ركازا،

و هو كلّ مال مذخور تحت الأرض، علي اختلاف أنواعه - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في القديم(8) - لعموم قوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(9).

و قول الباقر عليه السلام: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس»(10).

و لأنّه مال يجب تخميسه، فيستوي فيه جميع أصنافه كالغنيمة.

و قال الشافعي في الجديد: لا يؤخذ الخمس إلاّ من الذهب و الفضة،

ص: 417


1- المبسوط للسرخسي 214:2.
2- المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2.
3- المبسوط للطوسي 237:1.
4- المجموع 96:6، حلية العلماء 116:3.
5- الخلاف 123:2، المسألة 151.
6- المجموع 96:6، فتح العزيز 110:6، حلية العلماء 116:3.
7- المغني 613:2، الشرح الكبير 593:2.
8- المدوّنة الكبري 290:1، المنتقي - للباجي - 104:2، المغني 610:2، الشرح الكبير 588:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 91:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 115:3.
9- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 412، الهامش (5).
10- التهذيب 122:4-347.

لأنّه زكاة، فيجب الخمس في بعض أجناسه كالحبوب(1).

و الأولي ممنوعة.

مسألة 314: لا يعتبر فيه الحول
اشارة

إجماعا و إن اختلفوا في المعدن، لعموم (و في الركاز الخمس).

و يجب علي كلّ من وجده من مسلم و كافر و حرّ و عبد و صغير و كبير و ذكر و أنثي و عاقل و مجنون، إلاّ أنّ العبد إذا وجده، كان لسيده، و هو قول عامة العلماء(2) ، إلاّ الشافعي، فإنّه قال: لا يجب إلاّ علي من تجب عليه الزكاة، لأنّه زكاة(3).

و هو ممنوع، و العموم حجّة عليه.

فروع:

أ - ما يجده العبد لمولاه، يخرج خمسه و الباقي يملكه، لأنّه اكتساب.

ب - المكاتب يملك الكنز، لأنّه اكتساب، فكان كغيره.

ج - الصبي و المجنون يملكان الكنز، و يخرج الولي الخمس عنهما، و كذا المرأة، للعموم.

و حكي عن الشافعي: أنّ الصبي و المرأة لا يملكان الكنز(4).

و هو غلط، لأنّه اكتساب، و هما من أهله.

د - يجب إظهار الكنز علي واجده - و به قال الشافعي(5) - لقوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس).

ص: 418


1- فتح العزيز 103:6، المجموع 99:6.
2- المغني 614:2، الشرح الكبير 590:2.
3- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 91:6، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2-591.
4- كما في المغني 615:2، و الشرح الكبير 591:2.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 124:2، المسألة 154.

و إذا استحقّ الغير فيه حقّا، وجب دفعه اليه.

و قال أبو حنيفة: هو مخيّر بين إظهاره و إخراج خمسه، و بين كتمانه(1).

الصنف الرابع: الغوص،
اشارة

و هو: كلّ ما يستخرج من البحر، كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و غيرها.

و يجب فيه الخمس عند علمائنا - و به قال الزهري و الحسن و عمر بن عبد العزيز(2) - لأنّ المخرج من البحر مخرج من معدن، فيثبت فيه حكمه.

و سئل الصادق عليه السلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس»(3).

و سئل الكاظم عليه السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(4).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الثوري و ابن أبي ليلي و الحسن بن صالح بن حي و محمد بن الحسن و أبو ثور: لا شيء في الغوص(5) - و عن أحمد روايتان: هذه إحداهما، و الأخري: فيه الزكاة(6) - لقول ابن عباس:

ليس في العنبر شيء، إنّما هو شيء ألقاه البحر(7). و ليس بحجّة.

ص: 419


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 124:2، المسألة 154.
2- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2.
3- الكافي 461:1-28، التهذيب 121:4-346.
4- الكافي 459:1-21، الفقيه 21:2-72، التهذيب 124:4-356 و 139-392.
5- الام 42:2، المبسوط للسرخسي 212:2، المدوّنة الكبري 292:1، المغني 619:2-620، الشرح الكبير 587:2.
6- المغني 619:2 و 620، الشرح الكبير 587:2.
7- الأموال - لأبي عبيد -: 355، و سنن البيهقي 146:4، و المغني 620:2، و الشرح الكبير 587:2.
فروع:

أ - العنبر إن أخذ بالغوص، كان له حكمه في اعتبار النصاب، و إن (جبي)(1) من وجه الماء، كان له حكم المعادن.

ب - قال الشيخ: العنبر نبات من البحر(2).

و قيل: هو من عين في البحر(3).

و قيل: العنبر يقذفه البحر إلي جزيرة، فلا يأكله شيء إلاّ مات، و لا ينقله طائر بمنقاره إلاّ نصل(4) منقاره، و إذا وضع رجله عليه، نصلت أظفاره و يموت(5).

ج - قال الشيخ: الحيوان المصاد من البحر لا خمس فيه، فإن أخرج بالغوص أو أخذ قفّيّا(6) ففيه الخمس(7).

و فيه بعد، و الوجه: إلحاقه بالأرباح التي تعتبر فيها مئونة السنة.

د - السمك لا شيء فيه - و هو قول العلماء(8). إلاّ في رواية عن أحمد و عمر بن عبد العزيز(9) - لأنّه من صيد فلا شيء فيه.

الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و سائر الاكتسابات

بعد إخراج مئونة السنة له و لعياله علي الاقتصاد من غير إسراف و لا

ص: 420


1- في «ط و ف»: جني.
2- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 113.
3- حكاه عن كتاب منهاج البيان لابن جزلة، ابن إدريس في السرائر: 113.
4- أي: خرج. الصحاح 1830:5.
5- حكاه عن كتاب الحيوان للجاحظ [362:5] ابن إدريس في السرائر: 113.
6- أي: يصطاد بالقفّة، و هي زبيل يعمل من الخوص، انظر لسان العرب 287:9.
7- المبسوط للطوسي 237:1-238.
8- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2.
9- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2-588.

تقتير، عند علمائنا كافة - خلافا للجمهور كافة(1) - لعموم وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (2) و قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (3).

و للتواتر المستفاد من الأئمة عليهم السلام.

قال الصادق عليه السلام: «علي كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها السلام و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا، و حرم عليهم الصدقة، حتي الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق، فلنا منه دانق، إلاّ من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم الولادة، إنّه ليس عند اللّه شيء يوم القيامة أعظم من الزنا، إنّه يقوم صاحب الخمس يقول: يا رب سل هؤلاء بما أبيحوا(4)»(5).

و كتب بعض أصحابنا الي أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس، هل علي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع و كيف ذلك ؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة»(6).

إذا عرفت هذا، فالميراث لا خمس فيه، سواء كان محتسبا كالأب و الابن، أو غير محتسب كالنسب المجهول، لبعده.

و عن بعض علمائنا: يجب فيه الخمس مطلقا و في الهبة و الهدية(7).

و المشهور خلاف ذلك في الجميع.0.

ص: 421


1- كما في المعتبر: 293.
2- الأنفال: 41.
3- البقرة: 267.
4- في الاستبصار: بما نكحوا.
5- التهذيب 122:4-348، الاستبصار 55:2-180.
6- التهذيب 123:4-352، الإستبصار 55:2-181.
7- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 170.
الصنف السادس: الحلال إذا اختلط بالحرام و لم يتميّز

و لا عرف مقدار الحرام و لا مستحقّه، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي، لأنّ منعه من التصرف في الجميع ينافي المالية، و يستعقب ضررا عظيما بترك الانتفاع بالمال وقت الحاجة، و التسويغ للجميع إباحة للحرام، و كلاهما منفيان، و لا مخلص إلاّ إخراج الخمس إلي الذرية.

قال الصادق عليه السلام: «إن أمير المؤمنين عليه السلام أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال:

أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه تعالي قد رضي من المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعمل(1)»(2).

و لو عرف مقدار الحرام، وجب إخراجه، سواء قلّ عن الخمس أو كثر، و كذا لو عرفه بعينه.

و لو عرف أنّه أكثر من الخمس، وجب إخراج الخمس و ما يغلب علي الظن في الزائد.

و لو عرف صاحبه و قدره، وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر، صالحه، أو أخرج ما يغلب علي ظنّه، فإن لم يصالحه مالكه، أخرج خمسه إليه، لأنّ هذا القدر جعله اللّه تعالي مطهّرا للمال.

الصنف السابع: الذمّي إذا اشتري أرضا من مسلم،

وجب عليه الخمس عند علمائنا، لقول الباقر عليه السلام: «أيّما ذمّي اشتري من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس»(3).

و قال مالك: إن كانت الأرض عشرية، منع من شرائها - و به قال أهل

ص: 422


1- في الموضع الثاني من المصدر: «يعلم» بدل «يعمل» و هو الأنسب.
2- التهذيب 124:4-358 و 138-390.
3- التهذيب 123:4-124-355، و الفقيه 22:2-81.

المدينة و أحمد في رواية(1) - فإن اشتراها، ضوعف العشر عليه، فوجب عليه الخمس(2).

و قال أبو حنيفة: تصير أرض خراج(3).

و قال الثوري و الشافعي و أحمد في رواية أخري: يصح البيع و لا شيء عليه و لا عشر أيضا(4).

و قال محمد بن الحسن: عليه العشر(5).2.

ص: 423


1- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
2- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
3- المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
4- المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
5- المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.

ص: 424

الفصل الثاني في النصب
مسألة 315: النصاب في الكنز عشرون مثقالا، فلا يجب فيما دونه خمس
اشارة

عند علمائنا - و به قال الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام:

(ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(2).

و من طريق الخاصة: ما روي عن الرضا عليه السلام: أنّه سئل عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(3).

و لأنّه حقّ مالي يجب فيما استخرج من الأرض، فاعتبر فيه النصاب كالمعدن و الزرع.

و قال الشافعي في القديم: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب في قليله

ص: 425


1- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 99:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 118:3، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2.
2- صحيح البخاري 144:2، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن النسائي 18:5، مسند أحمد 6:3.
3- الفقيه 21:2-75.

و كثيرة(1) - و به قال مالك و أحمد و أبو حنيفة(2) - لعموم (و في الركاز الخمس)(3).

و لأنّه مال يخمّس، فلا يعتبر فيه النصاب كالغنيمة.

و الخبر ليس من صيغ العموم. سلّمنا، لكنّه مخصّص بما تقدّم.

و ينتقض قياسهم بالمعدن.

فروع:

أ - ليس للركاز نصاب آخر، بل يجب في الزائد مطلقا.

ب - هذه العشرون معتبرة في الذهب، و في الفضة مائتا درهم، و ما عداهما يعتبر فيه قيمته بأحدهما.

ج - لو وجد ركازا أقلّ من النصاب، لم يجب عليه شيء و إن كان معه مال زكوي، و سواء كان قد استفاد الكنز آخر حول المال أو قبله أو بعده، و سواء كان الزكوي نصابا، أو تمّ بالركاز، خلافا للشافعي(4) ، فإنّه ضمّه إليه، إذ جعل الواجب زكاة و إن أوجب الخمس.

د - لو وجد ركازا أقلّ، ثم وجد آخر كمل به النصاب، لم يجب شيء، كاللقطة المتعدّدة.

مسألة 316: اختلف علماؤنا في اعتبار النصاب في المعادن،

فقال الشيخ في بعض كتبه: يعتبر(5) - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(6) -

ص: 426


1- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 99:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 118:3، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2.
2- الشرح الصغير 230:1، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2، حلية العلماء 118:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 412، الهامش (5)
4- الام 45:2، حلية العلماء 118:3.
5- النهاية: 197، المبسوط للطوسي 237:1.
6- الام 43:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 90:6، فتح العزيز 92:6، حلية العلماء 112:3، المدونة الكبري 287:1، بداية المجتهد 258:1، المغني 618:2، الشرح الكبير 584:2.

لقوله عليه السلام: (ليس عليكم في الذهب شيء حتي يبلغ عشرين مثقالا)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه البزنطي، أنّه سأل الرضا عليه السلام، عمّا أخرج المعدن من قليل و كثير هل فيه شيء؟ قال: «ليس فيه شيء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»(2).

و قال الشيخ في بعض كتبه: لا يعتبر(3) - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه مال يجب تخميسه، فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء و الغنيمة.

و الفرق: أنّهما لا يستحقّان علي المسلم، و إنّما يملكه أهل الخمس من الكفّار بالاغتنام.

إذا ثبت هذا، ففي قدر النصاب عند من اعتبره من علمائنا قولان:

أحدهما: عشرون، لما تقدّم.

و الثاني: دينار واحد، لأنّ الرضا عليه السلام سئل عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة هل فيه زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(5).

مسألة 317: يعتبر النصاب بعد المئونة،

لأنّها وصلة الي تحصيله، و طريق الي تناوله فكانت منهما كالشريكين.

ص: 427


1- أورده ابن قدامة في المغني 618:2.
2- التهذيب 138:4-391.
3- الخلاف 119:2، المسألة 142.
4- المبسوط للسرخسي 211:2، المجموع 90:6، فتح العزيز 92:6، بداية المجتهد 258:1، حلية العلماء 112:3، المغني 618:2، الشرح الكبير 584:2.
5- الكافي 459:1-21، التهذيب 124:4-356.

و قال الشافعي و أحمد: المئونة علي المخرج، لأنّه زكاة(1). و هو ممنوع.

و يعتبر النصاب فيما أخرجه دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينها علي سبيل الإهمال، فلو عمل ثم أهمل ثم عمل، لم يضمّ أحدهما إلي الآخر. و لو ترك للاستراحة أو لإصلاح آلة أو لقضاء حاجة، ضمّ الثاني إلي الأول. و يعتبر النصاب في الذهب، و ما عداه قيمته.

و لو اشتمل علي جنسين، كذهب و فضة أو غيرهما، ضمّ أحدهما إلي الآخر، خلافا لبعض الجمهور، حيث قال: لا يضمّ مطلقا(2).

و قال بعضهم: لا يضمّ في الذهب و الفضة، و يضمّ في غيرهما(3).

مسألة 318: النصاب في الغوص دينار واحد، فما نقص عنه، لم يجب فيه شيء،

عند علمائنا - خلافا للجمهور كافة - لأنّ الرضا عليه السلام سئل عن معادن الذهب و الفضّة هل فيه زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(4).

و لا يعتبر في الزائد نصاب، و لو أخرج النصاب في دفعتين، فإن أعرض للإهمال فلا شيء، و إلاّ ضمّ أحدهما إلي الآخر.

مسألة 319: لا يجب في فوائد الاكتسابات و الأرباح في التجارات و الزراعات شيء

إلاّ فيما يفضل عن مئونته و مئونة عياله سنة كاملة، عند علمائنا، لقوله عليه السلام: (لا صدقة إلاّ عن ظهر غني)(5).

و لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام: «الخمس بعد المئونة»(6).

ص: 428


1- المجموع 91:6، حلية العلماء 113:3، المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2، و حكي قولهما أيضا المحقّق في المعتبر: 293.
2- المغني 618:2، و الشرح الكبير 585:2.
3- المغني 618:2، و الشرح الكبير 585:2.
4- التهذيب 124:4-356، و الكافي 459:1-21.
5- مسند أحمد 230:2.
6- التهذيب 123:4-352، الاستبصار 55:2-181.

و قوله عليه السلام: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان»(1).

مسألة 320: و لا يجب في الفوائد من الأرباح و المكاسب علي الفور،

بل يتربّص الي تمام السنة، و يخرج خمس الفاضل، لعدم دليل الفورية، مع أصالة براءة الذمة.

و لأنّ تحقيق قدر المئونة إنّما يثبت بعد المدّة، لجواز تجديد ما لم يكن كتزويج بنت و عمارة منزل و غيرهما من المتجدّدات.

و لا يراعي الحول في غيره، و لا فيه إلاّ علي سبيل الرفق بالمكتسب.

و لا يجب النصاب في الغنائم في دار الحرب، و لا في الممتزج بالحرام، و لا أرض الذمي، للعموم السالم عن المخصّص.

ص: 429


1- التهذيب 123:4-354، الاستبصار 55:2-56-183.

ص: 430

الفصل الثالث في قسمته و بيان مصرفه
مسألة 321: يقسّم الخمس ستة أقسام:

سهم للّه، و سهم لرسوله، و سهم لذي القربي، و سهم لليتامي، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، عند جمهور علمائنا - و به قال أبو العالية الرياحي(1) - للآية(2) المقتضية للتشريك.

و قول الكاظم عليه السلام: «يقسّم الخمس علي ستة أسهم»(3).

و قال بعض علمائنا: يقسّم خمسة أقسام: سهم لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و سهم لذي القربي، إلي آخره(4) ، و به قال الشافعي و أبو حنيفة، لأنّه عليه السلام، قسّم الخمس خمسة أقسام(5).

ص: 431


1- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب الفيء و قسمة الغنائم، المسألة 37، و المحقق في المعتبر: 294، و انظر: المغني 300:7-301، و الشرح الكبير 486:10.
2- الأنفال: 41.
3- التهذيب 128:4-366، الاستبصار 56:2-185.
4- حكاه أيضا المحقّق في شرائع الإسلام 182:1.
5- المهذب للشيرازي 247:2، حلية العلماء 687:7، المغني 300:7 و 301، الشرح الكبير 486:10 و 487، الهداية للمرغيناني 148:2، بدائع الصنائع 124:7، المبسوط للسرخسي 17:3.

و ليس بذاك، لجواز ترك بعض حقّه.

مسألة 322: سهم اللّه و سهم رسوله للرسول صلّي اللّه عليه و آله،

يصنع به في حياته ما شاء، و بعده للإمام القائم مقامه، لأنّه حقّ له باعتبار ولايته العامة، ليصرف بعضه في المحاويج، فينتقل الي من ينويه في ذلك.

و للروايات عن أهل البيت عليهم السلام(1).

و قال الشافعي: ينتقل سهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الي المصالح، كبناء القناطر و عمارة المساجد و أرزاق القضاة و شبهه(2).

و قال أبو حنيفة: يسقط بموته عليه السلام(3). و ليس بمعتمد.

مسألة 323: المراد بذي القربي الإمام عليه السلام خاصة

عند علمائنا، لوحدته لفظا، فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقة، و الأصل عدم المجاز. و للرواية(4).

و قال الشافعي: المراد به قرابة النبي عليه السلام من ولد هاشم و المطّلب أخيه، الصغير و الكبير و القريب و البعيد سواء، للذكر ضعف الأنثي، لأنّه ميراث(5).

و قال المزني و أبو ثور: يستوي الذكر و الأنثي، لأنّه مستحق بالقرابة(6).

ص: 432


1- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 128:4-366.
2- المهذب للشيرازي 247:2، الوجيز 288:1، حلية العلماء 688:7، المغني 302:7، الشرح الكبير 489:10.
3- الهداية للمرغيناني 148:2، المبسوط للسرخسي 17:3، بدائع الصنائع 125:7، المغني 301:7، الشرح الكبير 486:10، حلية العلماء 687:7.
4- التهذيب 125:4-361 و 126-127-364.
5- المهذب للشيرازي 248:2، الوجيز 288:1، حلية العلماء 688:7، المغني 305:7، الشرح الكبير 492:10.
6- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 688:7، المغني 305:7، الشرح الكبير 492:10.

إذا عرفت هذا فسهم ذي القربي للإمام بعد الرسول عليه السلام، فلا يسقط بموته، و بعدم السقوط قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يسقط بموته(2).

و هو خطأ، لأنّه تعالي أضاف السهم إلي ذي القربي بلام التمليك.

مسألة 324: المراد باليتامي و المساكين و أبناء السبيل في آية الخمس

(3) : من اتّصف بهذه الصفات من آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هم ولد عبد المطّلب بن هاشم - و هم الآن أولاد أبي طالب - و العباس و الحارث و أبي لهب خاصة دون غيرهم، عند عامة علمائنا، لأنّه عوض عن الزكاة، فيصرف الي من منع منها.

و لقول أمير المؤمنين عليه السلام وَ لِذِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (4) منّا خاصة(5).

و قال الشافعي: سهم ذي القربي لقرابة النبي عليه السلام، و هم أولاد هاشم و آل المطّلب(6).

و قال أبو حنيفة: إنّه لآل هاشم خاصة(7) ، مع اتّفاقهما علي أنّ اليتامي و المساكين و أبناء السبيل غير مختص بالقرابة، بل هو عام في المسلمين(8).

و أطبق الجمهور كافّة علي تشريك الأصناف الثلاثة من المسلمين في الأسهم الثلاثة(9).

ص: 433


1- المهذب للشيرازي 248:2، بدائع الصنائع 125:7.
2- المبسوط للسرخسي 18:3، الاختيار لتعليل المختار 207:4، حلية العلماء 688:7.
3- الأنفال: 41.
4- الحشر: 7.
5- الكافي 453:1-1.
6- المهذب للشيرازي 248:2.
7- أحكام القرآن - للجصّاص - 64:3، التفسير الكبير - للرازي - 166:15.
8- الام 147:4، المهذب للشيرازي 248:2، المغني 306:7 و 307، الشرح
9- الام 147:4، المهذب للشيرازي 248:2، المغني 306:7 و 307، الشرح الكبير 493:10 و 494، الاختيار لتعليل المختار 207:4.
مسألة 325: و لا يستحقّ بنو المطّلب شيئا من الخمس،

و تحلّ لهم الزكاة - و به قال أبو حنيفة(1) - لتساوي بني المطّلب و بني نوفل و عبد شمس في القرابة، فإذا لم يستحقّ بنو نوفل و عبد شمس فكذا مساويهم.

و لقول الكاظم عليه السلام: «الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي صلّي اللّه عليه و آله، و هم بنو عبد المطّلب الذكر و الأنثي منهم، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش، و لا من العرب أحد»(2).

و قال الشافعي: إنّ بني المطّلب يستحقّون(3) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (أنا و بنو المطّلب لم نفترق في جاهلية و لا إسلام)(4).

و المراد به النصرة لا استحقاق الخمس.

مسألة 326: و إنّما يستحقّ من بني عبد المطّلب من انتسب إليه بالأب لا من انتسب إليه بالأم

عند أكثر علمائنا - و هو قول الجمهور(5) - لقول الكاظم عليه السلام: «و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له، و ليس له من الخمس شيء، لأنّ اللّه تعالي يقول اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (6)»(7).

و قال السيد المرتضي: إنّ من انتسب إليهم بالأم يستحقّ الخمس(8) ،

ص: 434


1- المغني 518:2، الشرح الكبير 714:2.
2- التهذيب 129:4-366.
3- المهذب للشيرازي 248:2، الوجيز 288:1، الهداية للمرغيناني 148:2.
4- سنن أبي داود 146:3-2980.
5- الوجيز 288:1، المغني 305:7، الشرح الكبير 491:10.
6- الأحزاب: 5.
7- التهذيب 129:4-366.
8- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 295.

لقوله عليه السلام: (هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا)(1) يشير بذلك الي الحسن و الحسين عليهما السلام، و انتسابهما بالولادة إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إنّما هو بالأم.

و نمنع كونه حقيقة.

مسألة 327: يعتبر في آخذ الخمس: الإيمان،

للنهي عن مودّة غير المؤمن، و عمّن حادّ اللّه و رسوله(2). و لا تعتبر العدالة.

و لا يستحق الغني، لأنّه وضع للإرفاق، كما وضعت الزكاة لمحاويج العوام. نعم يستحقّ الإمام سهم ذي القربي عندنا و إن كان غنيّا.

و اليتيم من لا أب له ممّن لم يبلغ الحلم، و هو في آية الخمس(3) مختص بالذرية من هاشم، خلافا للجمهور(4).

و هل يشترط فقره ؟ قال الشيخ في المبسوط: لا يشترط، عملا بالعموم(5). و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: يشترط(6).

و لا يعتبر الفقر في ابن السبيل، بل الحاجة في بلد السفر.

مسألة 328: لا يحمل الخمس من بلد المال مع وجود المستحقّ فيه،

لأنّ المستحق مطالب من حيث الحاجة و الفقر، فنقله يستلزم تأخير إيصال الحقّ إلي مستحقّه مع القدرة و الطلب، فإن نقله حينئذ ضمن، و يبرأ مع التسليم.

ص: 435


1- اعلام الوري: 209، المناقب - لابن شهر آشوب - 367:3، كشف الغمة 533:1، و عوالي اللئالي 129:3-130-14.
2- المجادلة: 22.
3- الأنفال: 41.
4- انظر: المصادر في الهامش (8 و 9) من صفحة 433.
5- المبسوط للطوسي 262:1.
6- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 689:7، الوجيز 288:1، المغني 306:7-307، الشرح الكبير 493:10.

و لو فقد المستحقّ جاز النقل، للضرورة، و لا ضمان.

و يعطي من حضر البلد، و لا يتبع من غاب عند علمائنا، و به قال بعض الشافعية(1).

و قال الشافعي: ينقل من البلد الي غيره، و يقسّم في البلدان، لأنّه مستحقّ بالقرابة، فاشترك الحاضر و الغائب كالميراث(2).

و ليس بجيّد، و إلاّ لاختصّ به الأقرب كالميراث.

مسألة 329: ظاهر كلام الشيخ رحمه اللّه: وجوب قسمته في الأصناف،

عملا بظاهر الآية(3)(4).

و يحتمل المنع، لأنّ المراد بيان المصرف كالزكاة.

و يؤيّده: أنّ الرضا عليه السلام سئل عن قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (5) ، قال: «فما كان للّه فللرسول، و ما كان للرسول فهو للإمام» قيل: أ رأيت إن كان صنف أكثر من صنف أو أقلّ من صنف كيف يصنع ؟ قال: «ذلك الي الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كيف صنع ؟ إنّما كان يعطي علي ما يري، كذلك الإمام»(6).

نعم الأحوط ما قاله الشيخ.

مسألة 330: مستحقّ الخمس من الركاز و المعادن هو المستحقّ له من الغنائم

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنّه غنيمة، و كذا البحث في جميع

ص: 436


1- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 689:7.
2- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 688:7.
3- الأنفال: 41.
4- المبسوط للطوسي 262:1.
5- الأنفال: 41.
6- الكافي 457:1-7، التهذيب 126:4-363.
7- المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2، المجموع 102:6، فتح العزيز 104:6، حلية العلماء 117:3.

ما يجب فيه الخمس.

و قال الشافعي: مصرفه مصرف الزكوات(1) - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر صاحب الكنز أن يتصدّق به علي المساكين(3).

و يحتمل القسمة في المساكين من الذرية.

و لا يجوز صرف حقّ المعدن الي من وجب عليه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(4) - لأنّه مأمور بإخراجه، و لا يتحقق مع الدفع الي نفسه. و لأنّه حقّ وجب عليه، فلا يصرف اليه، كعشر الزرع.

و قال أبو حنيفة: يجوز(5). و ليس بمعتمد.

مسألة 331: الأسهم الثلاثة التي للإمام يملكها و يصنع ما شاء،

و الثلاثة الباقية للأصناف الأخر، لا يختص بها القريب دون البعيد، و لا الذكر دون الأنثي، و لا الكبير علي الصغير، بل يفرّقها الإمام علي ما يراه من تفضيل و تسوية، و يفرّق بين الحاضرين، و لا يتبع الأباعد.

و لو فضل عن كفاية الحاضرين جاز حمله الي بلد آخر، لاستغنائهم بحصول قدر الكفاية، و لا ضمان.

و إذا حضر الأصناف الثلاثة، استحبّ التعميم.

و لو لم يحضر في البلد إلاّ فرقة منهم، جاز أن يفرّق فيهم، و لا ينتظر غيرهم، و لا يحمل الي بلد آخر.

ص: 437


1- المجموع 102:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 117:3، المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2.
2- المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2، المجموع 102:6، فتح العزيز 104:6، حلية العلماء 117:3.
3- سنن البيهقي 156:4-157.
4- المجموع 90:6، حلية العلماء 113:3.
5- المجموع 90:6، حلية العلماء 113:3.

ص: 438

الفصل الرابع في الأنفال
اشارة

المراد بالأنفال كلّ ما يخصّ الإمام، فمنه: كلّ أرض انجلي أهلها عنها، أو سلّموها طوعا بغير قتال، و كلّ أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جري عليها ملك أحد، و كلّ خربة لم يجر عليها ملك أحد، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، للرواية(1)الكافي 455:3-4، التهذيب 130:4-366.(2).

و منه: رءوس الجبال و الآجام و الأرض الموات التي لا أرباب لها، لقول الكاظم عليه السلام: «و الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صولحوا عليها، و أعطوا بأيديهم علي غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا (وارث)(3) لها»(3).

و أمّا المعادن، فقال الشيخان: إنّها من الأنفال(4).

و منعه ابن إدريس(5) ، و هو الأقوي.

ص: 439


1- انظر: الهامش
2- من هذه الصفحة.
3- في المصدر بدل (وارث): (ربّ).
4- المقنعة: 45، النهاية للطوسي 419:1.
5- انظر: السرائر: 116.

و منه: صفايا الملوك و قطائعهم التي كانت في أيديهم علي غير وجه الغصب، علي معني أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب، و كان لملكها مواضع مختصّة به غير مغصوبة من مسلم أو معاهد، فإنّ تلك المواضع للإمام، لقول الصادق عليه السلام: «قطائع الملوك كلّها للإمام، ليس للناس فيها شيء»(1).

و قال الكاظم عليه السلام: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير جهة الغصب لأنّ المغصوب كلّه مردود»(2).

و منه: ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب، كالفرس و الثوب و الجارية و السيف و (شبه)(3) ذلك من غير إجحاف بالغانمين، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يصطفي من الغنائم: الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة خيبر و غيرها(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صوافي المال(5) ، و نحن الراسخون في العلم، و نحن المحسودون الذين قال اللّه تعالي فيهم أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلي ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (6)»(7).

و سأله أبو بصير عن صفو المال، فقال عليه السلام: «الإمام يأخذ الجارية الروقة(8) و المركب الفاره و السيف القاطع و الدّرع قبل أن تقسّم4.

ص: 440


1- التهذيب 134:4-377.
2- الكافي 455:1-4، التهذيب 130:4-366.
3- في «ف» و الطبعة الحجرية: غير.
4- انظر: سنن أبي داود 2991:3 و 2993 و 2995.
5- في المصدر: صفو الأموال.
6- النساء: 54.
7- التهذيب 132:4-367.
8- يقال: غلمان روقة و جوار روقة، أي: حسان. انظر: الصحاح 1468:4.

الغنيمة، هذا صفو المال»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه حقّ له لا يبطل بموت النبي صلّي اللّه عليه و آله - خلافا للجمهور(2) - لوجود المعني في حقّه، و هو: تحمّل أثقال غيره، و استناد الناس إليه في رفع ضروراتهم، و بعث الجيوش، و إقامة العساكر.

و منه: ميراث من لا وارث له عند علمائنا كافة، خلافا للجمهور كافة، فإنّ الشافعي قال: إنّه للمسلمين بالتعصيب(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه لهم بالموالاة(4) ، و سيأتي بيانه.

قال الصادق عليه السلام في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولي: «هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (5)»(6).

و قال الكاظم عليه السلام: «و هو وارث من لا وارث له»(7).

و منه: كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام، فإنّها له خاصة، لقول الصادق عليه السلام: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس»(8).

و قال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنه مكروه(9) ، لعموم الآية(10).1.

ص: 441


1- التهذيب 134:4-375.
2- كما في المعتبر - للمحقق الحلّي -: 296.
3- المهذب للشيرازي 32:2، المجموع 54:16، الهداية للمرغيناني 274:3.
4- النتف 841:2-842، الاختيار لتعليل المختار 69:4، الهداية للمرغيناني 274:3.
5- الأنفال: 1.
6- الكافي 459:1-18، التهذيب 134:4-374، الفقيه 23:2-89.
7- الكافي 455:1-4، التهذيب 130:4-366.
8- التهذيب 135:4-378.
9- المغني 522:10، الشرح الكبير 457:10، بدائع الصنائع 118:7.
10- الأنفال: 41.

و لا دلالة فيها، لأنّها تدلّ علي إخراج الخمس في الغنيمة، لا علي المالك.

و قال أبو حنيفة: إنّها للغانمين و لا خمس، لأنّه اكتساب مباح من غير جهاد، فأشبه الاحتطاب(1).

و نمنع المساواة، لأنّه منهي عنه إلاّ بإذنه عليه السلام.

و عن أحمد روايتان كالقولين، و ثالثة كقولنا(2).

مسألة 332: ما يختص بالإمام عليه السلام يحرم التصرّف فيه حال ظهوره إلاّ بإذنه،

لقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (3).

و قوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(4).

بل يصرف الخمس بأجمعه إليه، فيأخذ عليه السلام نصفه يفعل به ما يشاء، و يصرف النصف الآخر في الأصناف الثلاثة علي قدر حاجتهم و ضرورتهم.

فإن فضل شيء، كان الفاضل له، و إن أعوز كان عليه عليه السلام، لأنّ النظر إليه في قسمة الخمس في الأصناف، و تفضيل بعضهم علي بعض بحسب ما يراه من المصلحة و زيادة الحاجة و قلّتها.

و لقول الكاظم عليه السلام: «فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي»(5).

و إن عجز أو نقص عن استغنائهم، كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار عليه أن يمونهم، لأنّ له ما فضل عنهم.

ص: 442


1- بدائع الصنائع 118:7، المغني 522:10، الشرح الكبير 458:10.
2- المغني 522:10 و 523، الشرح الكبير 457:10 و 458.
3- البقرة: 188.
4- سنن الدارقطني 26:3-91 و 92، سنن البيهقي 100:6 بتفاوت يسير.
5- الكافي 453:1-4، التهذيب 129:4-366.

و منع ابن إدريس من ذلك، لأنّ الأسهم الثلاثة للأصناف الثلاثة بنص القرآن(1).

و هو ممنوع، لجواز أن يكون المراد بيان المصرف، و لهذا جاز أن يفضّل بعضهم و أن يحرمه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز لمن وجب عليه الخمس أن يفرّق ما يستحقّه الأصناف الثلاثة إليهم فيما يكتسبه بنفسه دون الغنائم - و هو قول أصحاب الرأي و ابن المنذر(2) - لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر واجد الكنز بصرفه الي المساكين(3). و لأنّه أدّي الحقّ إلي مالكه، فيخرج عن العهدة.

و قال أبو ثور: لا يجوز كالغنيمة(4).

و الفرق: أنّ التسلّط في الغنيمة كلّها للإمام، و النظر فيها إليه.

مسألة 333: و قد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح و المساكن و المتاجر حال ظهور الإمام و غيبته،

لعدم إمكان التخلّص من المآثم بدون الإباحة، و ذلك من أعظم أنواع الحاجة.

و لقول الصادق عليه السلام: «من وجد برد حبّنا علي كبده فليحمد اللّه علي أول النعم» قال: قلت: جعلت فداك ما أول النعم ؟ قال: «طيب الولادة» ثم قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:

أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا» ثم قال الصادق عليه السلام:

«إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(5).

و أمّا المتاجر، فقال ابن إدريس: المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان ما

ص: 443


1- السرائر: 114.
2- المبسوط للسرخسي 17:3، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2.
3- سنن البيهقي 156:4-157.
4- المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2.
5- التهذيب 143:4-401.

فيه حقوقهم عليهم السلام، و يتّجر في ذلك، و لا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس(1).

سئل الصادق عليه السلام أنّ لنا أموالا من غلاّت و تجارات و نحو ذلك، و قد علمت أنّ لك حقّا فيها، قال: «فلم أحللنا شيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم، و كلّ من والي آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلّغ الشاهد الغائب»(2).

مسألة 334: اختلف علماؤنا في الخمس حال غيبة الإمام عليه السلام،

فأسقطه قوم منهم(3) ، لقول الباقر عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ»(4) و غير ذلك من الأحاديث(5).

و ليس بمعتمد، للأصل الدالّ علي تحريم مال الغير، و الأحاديث الدالّة علي المنع(6) ، و أحاديث الإباحة محمولة علي المناكح و المساكن و المتاجر.

و قال بعضهم: يجب دفنه(7) ، لما روي أنّ الأرض تخرج كنوزها عند ظهور الإمام عليه السلام(8).

و قال آخرون: يصرف في الذرية و فقراء الشيعة علي وجه الاستحباب.

ص: 444


1- السرائر: 116.
2- التهذيب 143:4-399.
3- كما في المقنعة: 46.
4- علل الشرائع: 377، الباب 106، الحديث 2، المقنعة: 46، التهذيب 137:4-138-386، الاستبصار 58:2-59-191.
5- انظر علي سبيل المثال: الكافي 459:1-16، التهذيب 136:4-383، الاستبصار 57:2-58-188.
6- انظر علي سبيل المثال: الكافي 460:1-25، التهذيب 136:4-383، الاستبصار 59:2-195.
7- كما في المقنعة: 46.
8- كما في المقنعة: 46.

و قال آخرون: يعزل، فإذا خاف الموت وصّي به الي من يثق بدينه و عقله ليسلّمه الي الإمام أو إلي ثقة إذا خاف الموت، و هكذا الي أن يظهر عليه السلام(1).

و اختاره المفيد رحمه اللّه، لأنّه حقّ وجب لمالك لم يرسم فيه ما يجب الانتهاء اليه، فوجب حفظه، و جري مجري الزكاة عند عدم المستحقّ.

قال: و إن صرف النصف في اليتامي من آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و فعل بالنصف الذي يخصّه عليه السلام ما تقدّم من الحفظ، كان صوابا(2).

و اختار هذا شيخنا أبو جعفر(3) - رحمه اللّه - و متابعوه(4).

و للمفيد - رحمه اللّه - قول آخر: إنّه يصرف ما يخصّ الإمام عليه السلام أيضا في الأصناف الثلاثة أيضا(5) ، لأنّ الإتمام واجب عليه علي ما تقدّم في حال حضوره، فيجب حال غيبته، لأنّها لا تسقط الحقّ عمّن وجب عليه.

تذنيب: إذا جوّزنا صرف نصيبه إلي باقي الأصناف، فإنّما يتولاّه الفقيه المأمون من فقهاء الإمامية الجامع لشرائط الإفتاء علي وجه التتمة لمن يقصر عنه ما يصل إليه، لأنّه حكم علي الغائب، فيتولاّه الحاكم و نائبه.8.

ص: 445


1- كما في المقنعة: 46.
2- المقنعة: 46.
3- المبسوط للطوسي 264:1.
4- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 173، و القاضي ابن البراج في المهذب 180:1-181.
5- حكاه عنه، المحقّق في المعتبر: 298.

المجلد 6

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء السادس

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

كتاب الصوم

اشارة

و فيه مقدمة و فصول:

المقدمة

الصوم لغة: الإمساك(1) ، و شرعا: الإمساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس.

و ينقسم الي واجب و مندوب و مكروه و محظور.

أمّا الواجب فستة: صوم شهر رمضان، و الكفّارات، و دم المتعة، و النذر و ما في معناه، و الاعتكاف علي وجه، و قضاء الواجب.

و أمّا المندوب(2): فجميع أيام السنة إلاّ العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمني.

و يتأكّد أربعة عشر: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر: أول خميس من كلّ شهر، و آخر خميس منه، و أول أربعاء في العشر الثاني، و ثلاثة أيام البيض، و الغدير، و مولد النبي عليه السلام، و مبعثه، و دحو الأرض، و عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء، و عاشوراء علي جهة الحزن، و يوم المباهلة، و كلّ خميس، و كلّ جمعة، و أول ذي الحجة، و شهر رجب و شعبان.

و أمّا المكروه: فصوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء، أو يشك في الهلال،

********

(1) انظر: الصحاح 1970:5.

(2) في النسخ الخطية: الندب. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

ص: 5

و النافلة سفرا عدا ثلاثة أيّام بالمدينة للحاجة، و الضيف ندبا بدون إذن مضيفه، أو الولد بدون إذن الوالد، و الصوم ندبا للمدعوّ إلي طعام.

و أمّا المحظور فتسعة: صوم العيدين، و أيام التشريق لمن كان بمني، و يوم الشك بنية الفرض، و صوم نذر المعصية، و صوم الصمت، و صوم الوصال، و صوم المرأة و العبد ندبا بدون إذن الزوج و المالك، و صوم الواجب سفرا عدا ما استثني.

قيل: أول ما فرض صوم عاشوراء.

و قيل: كان تطوعا لا فرضا.

و قيل: لمّا قدم النبي عليه السلام [المدينة](1) أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، و هو قوله تعالي كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ (2) ثم نسخ بقوله تعالي شَهْرُ رَمَضانَ (3)(4).

و قيل: المراد بالأيام المعدودات شهر رمضان، فلا نسخ.

و قيل: أول ما فرض صوم رمضان لا عينا، بل مخيّرا بينه و بين الفدية، و كان الصوم أفضل؛ لقوله وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ (5) الآية، ثم نسخ بقوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (6).

قيل: و كان الصوم في بدء الإسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة، أو ينام إلي أن تغيب الشمس، فإذا غربت حلّ الأكل و الشرب إلي أن يصلّي العشاء أو ينام.

و صوم شهر رمضان واجب بالنص و الإجماع.

********

(1) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(2) البقرة: 183.

(3) البقرة: 185.

(4) أنظر: سنن البيهقي 200:4 و 201.

(5) البقرة: 184.

(6) البقرة: 185.

ص: 6

الفصل الأول في النيّة
مسألة 1: شرط صحة الصوم: النيّة،

واجبا كان أو ندبا، رمضان كان أو غيره، بإجماع علمائنا - و به قال أكثر الفقهاء(1) - لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2).

و قوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنّيات)(3).

و قوله عليه السلام: (من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)(4).

و من طريق الخاصة: قول الرضا عليه السلام: «لا عمل إلاّ بنيّة»(5).

و لافتقار قضائه إلي النيّة، فكذا أداؤه كالصلاة.

و حكي عن زفر بن الهذيل و مجاهد و عطاء: أنّ صوم رمضان إذا تعيّن، بأن كان مقيما صحيحا، لا يفتقر إلي النيّة؛ لأنّه فرض مستحق لعينه، فأشبه

ص: 7


1- انظر: المجموع 300:6، و المغني 18:3.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن أبي داود 2: 262-2201، سنن البيهقي 341:7.
4- سنن الدار قطني 171:2-1، سنن البيهقي 202:4 و 213.
5- أمالي الطوسي 202:2-203، و المعتبر: 36.

ردّ الوديعة(1).

و الفرق: أنّ الوديعة حقّ الآدمي.

مسألة 2: الصوم إن كان معيّنا بأصل الشرع كرمضان، كفي فيه نيّة القربة،
اشارة

و هو: أن ينوي الصوم لوجوبه متقربا إلي اللّه تعالي، لا غير، و لا يفتقر إلي التعيين، و هو: أن ينوي رمضان عند علمائنا - و به قال الشافعي في أحد قوليه(2) - لأنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر، و لا يتحقّق التعدّد هنا؛ فإنّه لا يقع في رمضان غيره، فأشبه ردّ الوديعة.

و في الثاني للشافعي: أنّه يفتقر - و به قال مالك - لأنّه صوم واجب فيشترط فيه التعيين كالقضاء(3).

و ليس بجيّد؛ لعدم تعيّن زمان القضاء.

و قال أبو حنيفة بالاكتفاء إن كان مقيما(4).

و إن كان معيّنا لا بأصل الشرع، بل بالنذر و شبهه، قال السيد المرتضي رحمه اللّه: تكفي فيه نية القربة كرمضان(5) - و به قال أبو حنيفة(6) - لأنّه زمان

ص: 8


1- المجموع 300:6، حلية العلماء 185:3، بدائع الصنائع 83:2، الهداية للمرغيناني 129:1، المبسوط للسرخسي 59:3.
2- المجموع 294:6، فتح العزيز 299:6.
3- المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 294:6 و 302، فتح العزيز 292:6 و 293، حلية العلماء 186:3، بداية المجتهد 292:1، المغني 26:3-27، الشرح الكبير 29:3.
4- المبسوط للسرخسي 60:3، بدائع الصنائع 84:2، بداية المجتهد 292:1، حلية العلماء 187:3، المجموع 302:6، فتح العزيز 292:6، المغني 27:3-28، الشرح الكبير 30:3.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 53:3.
6- بدائع الصنائع 84:2، حلية العلماء 187:3، فتح العزيز 292:6، المجموع 6: 302.

تعيّن للصوم بالنذر، فأشبه رمضان.

و قال الشيخ: لا تكفي، بل لا بدّ فيه من نيّة التعيين(1) - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2) - لأنّه لم يتعيّن بأصل الشرع، فأشبه النذر المطلق. و هو ممنوع.

و إن لم يكن معيّنا كالنذور المطلقة و قضاء رمضان و صوم الكفّارات و صوم النافلة، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين عند العلماء كافة؛ لأنّه زمان لا يتعيّن الصوم فيه، و لا يتحقّق وجهه، فاحتاج الي المخصّص.

فروع:
أ - لا بدّ من نية الفرض و إن كان الصوم معيّنا كرمضان،

و للشافعي قولان(3).

ب - ليس للمسافر أن يصوم رمضان بنيّة أنّه منه أو من غيره؛

لأنّ الصوم في سفر القصر حرام، و لا يقع في رمضان غيره، للنهي عن الصوم، المقتضي للفساد، و به قال الشافعي و أكثر الفقهاء(4).

و قال أبو حنيفة: يقع عمّا نواه إذا كان واجبا(5).

و قال أبو يوسف و محمد: يقع عن رمضان(6).

ص: 9


1- المبسوط للطوسي 278:1، الخلاف 164:2، المسألة 4.
2- المجموع 302:6، حلية العلماء 186:3، بداية المجتهد 292:1، المغني 3: 26-27، الشرح الكبير 29:3.
3- المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 294:6-295 و 302، فتح العزيز 293:6، حلية العلماء 187:3.
4- الوجيز 104:1، فتح العزيز 441:6، المهذب للشيرازي 196:1، المجموع 6: 263.
5- بدائع الصنائع 84:2، المبسوط للسرخسي 61:3، الهداية للمرغيناني 119:1، المجموع 263:6، فتح العزيز 441:6، حلية العلماء 187:3.
6- بدائع الصنائع 84:2، المبسوط للسرخسي 61:3، الهداية للمرغيناني 119:1.
ج - لو نوي الحاضر في رمضان صوما مطلقا، وقع عن رمضان إجماعا.

و لو نوي غيره مع الجهل فكذلك؛ للاكتفاء بنية القربة في رمضان و قد حصلت، فلا تضرّ الضميمة، و مع العلم كذلك؛ لهذا الدليل، و يحتمل البطلان؛ لعدم قصد رمضان و المطلق فلا يقعان؛ لقوله عليه السلام: (و إنّما لكلّ امرئ ما نوي)(1) و المقصود منهي في رمضان.

د - شرط النية الجزم،

فلو قال: أنا صائم غدا إن شاء اللّه؛ فإن قصد التبرّك أجزأ، و إلاّ فلا.

و لو نوي قضاء رمضان أو تطوّعا، لم يصح؛ لعدم التعيين، فلا جزم في كلّ منهما.

و قال أبو يوسف: يقع عن القضاء؛ لعدم افتقار التطوّع إلي التعيين، فكأنّه نوي القضاء و صوما مطلقا(2).

و قال محمد: يقع تطوّعا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع، فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك، بقيت نيّة الصوم، فوقع تطوّعا(4).

و كلاهما ضعيف.

مسألة 3: وقت النيّة في المعيّن كرمضان و النذر المعيّن: من أول الليل إلي أن يطلع الفجر،
اشارة

و لا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم، فيفسد صومه إذا أخّر عامدا؛ لمضيّ جزء من النهار بغير نيّة، و الصوم لا يتبعّض، و يجب عليه الإمساك.

و لو تركها ناسيا أو لعذر، جاز تجديدها الي الزوال؛ لأنّ أعرابيّا جاء الي

ص: 10


1- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، و سنن البيهقي 341:7.
2- بدائع الصنائع 85:2، المجموع 297:6، حلية العلماء 188:3.
3- المجموع 297:6، حلية العلماء 188:3.
4- بدائع الصنائع 85:2، المجموع 297:6، حلية العلماء 188:3.

النبي عليه السلام، و قد أصبح الناس يوم الشك، فشهد برؤية الهلال، فأمر النبي عليه السلام مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك(1) ، و إذا جاز مع العذر - و هو الجهل - جاز مع النسيان.

و قال الشافعي: لا يجزئ الصيام إلاّ بنيّة من الليل في الواجب كلّه، المعيّن و غيره؛ و به قال مالك و أحمد(2) - و في جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان(3) - لقوله عليه السلام: (لا صيام لمن لم يبيّت الصيام قبل الفجر)(4).

و نقول بموجبه في العمد.

و قال أبو حنيفة: يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال، و كذا كلّ صوم معيّن بالقياس علي التطوّع(5).

و الفرق: المسامحة في التطوّع تكثيرا له حيث قد يبدو له الصوم في النهار، و لو شرطت النيّة ليلا لمنع منه.

فروع:
أ - لو نوي أيّ وقت كان من الليل أجزأ؛

لقوله عليه السلام: (لا صيام

ص: 11


1- أورده المحقق في المعتبر: 299، و السرخسي في المبسوط 62:3.
2- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 289:6-290 و 301، حلية العلماء 186:3، فتح العزيز 302:6، الكافي في فقه أهل المدينة: 120، بداية المجتهد 293:1، المغني 18:3، الشرح الكبير 26:3.
3- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 290:6، فتح العزيز 304:6، حلية العلماء 186:3.
4- سنن الدار قطني 172:2-1، سنن الدارمي 7:2، سنن النسائي 196:4، سنن البيهقي 202:4 بتفاوت.
5- بدائع الصنائع 85:2، المبسوط للسرخسي 62:3، المجموع 301:6، فتح العزيز 302:6-303، حلية العلماء 186:3، بداية المجتهد 293:1، المغني 18:3، الشرح الكبير 26:3.

لمن لم يبيّت الصيام من الليل)(1) و هو عام.

و قال بعض الشافعية: إنّما تصح النية في النصف الثاني منه دون الأول؛ لاختصاصه بأذان الصبح و الدفع من مزدلفة(2).

و الفرق: جوازهما بعد الصبح، فلا يفضي منعهما في الأول إلي فواتهما، بخلاف النيّة؛ فإنّ أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني، و لا يذكر الصوم.

ب - تجوز مقارنة النيّة لطلوع الفجر؛ لأنّ محلّ الصوم النهار،

و النيّة مقارنة.

و قال بعض الشافعية: يجب تقديمها علي الفجر(3) ؛ لقوله عليه السلام: (من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له)(4).

و لا حجّة فيه؛ لأنّ المقارنة متعذّرة غالبا، و التأخير ممنوع منه، فتعيّن السبق؛ لإزالة مشقّة ضبط المقارنة، و مع فرض وقوعها يجب الإجزاء.

ج - يجوز أن يفعل بعد النيّة ما ينافي الصوم إلي قبل الفجر،

و أن ينام بعد النيّة؛ لقوله تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ (5) خلافا لأبي إسحاق من الشافعية(6).

د - لو نوي الصوم في رمضان، ثم نوي الخروج منه بعد انعقاده،

لم

ص: 12


1- سنن النسائي 197:4، سنن البيهقي 202:4 بتفاوت.
2- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 290:6 و 291، فتح العزيز 305:6.
3- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 290:6، فتح العزيز 304:6-305.
4- سنن أبي داود 329:2-2454، سنن البيهقي 202:4، سنن الترمذي 3: 108-730، سنن الدار قطني 172:2-3.
5- البقرة: 187.
6- المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 291:6، فتح العزيز 307:6-308، حلية العلماء 186:3.

يبطل عند الشيخ(1) و الشافعي في أحد قوليه؛ لانعقاده أوّلا، فلا يبطل بغير المفطر.

و في الآخر: يبطل؛ لمضي جزء من النهار بغير نيّة فعلا و قوّة، و لا عمل إلاّ بنيّة(2).

ه - لو شك هل يخرج أم لا، لم يخرج؛ لأنّه لا يخرج مع الجزم، فمع الشك أولي،

و للشافعية وجهان(3).

و - لو نوي أنّه يصوم غدا من رمضان لسنة تسعين، و كانت إحدي و تسعين، صحّ - خلافا لبعض الشافعية(4) - لوجود الشرط، فلا يؤثّر الغلط، كما لو نوي الثلاثاء فبان الأربعاء.

و لو كان عليه قضاء اليوم الأول، فنوي قضاء الثاني، أو كان عليه يوم من سنة خمس، فنواه من سنة ست، لم يصح؛ لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان، فلا بدّ فيه من النيّة، و الذي عليه لم ينوه.

مسألة 4: الواجب غير المعيّن كالقضاء و النذر المطلق، يستمر وقت النيّة فيه إلي الزوال

إذا لم يفعل المنافي نهارا؛ لعدم تعيّن زمانه، فجاز تجديد النيّة إلي الزوال، كالنافلة.

و لأنّ هشام بن سالم قال للصادق عليه السلام: الرجل يصبح لا ينوي الصوم، فإذا تعالي النهار، حدث له رأي في الصوم، فقال: «إن هو نوي الصوم قبل أن تزول الشمس، حسب له يوم، و إن نواه بعد الزوال، حسب له من الوقت الذي نوي»(5).

ص: 13


1- المبسوط للطوسي 278:1.
2- المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 297:6، حلية العلماء 187:3.
3- المجموع 297:6.
4- و هو القاضي أبو الطيب كما في حلية العلماء 189:3.
5- التهذيب 188:4-528.

و سأل صالح بن عبد اللّه، الكاظم عليه السلام، عن رجل جعل اللّه عليه صيام شهر فيصبح و هو ينوي الصوم، ثم يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال: «هذا كلّه جائز»(1).

و سأل عبد الرحمن بن الحجاج، الكاظم عليه السلام، عن الرجل يصبح لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما، و كان عليه يوم من شهر رمضان، إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة النهار؟ فقال: «نعم، له أن يصوم و يعتدّ له من شهر رمضان»(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجزئ إلاّ من الليل، و به قال الفقهاء(3) ؛ لقوله عليه السلام: (من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له)(4).

و المقصود منه المعيّن؛ لأنّه مخصوص بالنافلة، فكذا غير المعيّن.

مسألة 5: وقت النيّة لصوم النافلة من الليل، و يمتدّ الي الزوال.

(و بجواز التجديد بالنهار قال)(5) ابن مسعود و حذيفة و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و النخعي و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(6).

و وافقنا علي امتداده الي الزوال خاصة، أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه، و أحمد في إحدي الروايتين(7) ؛ لأنّ النبي عليه السلام، دخل علي

ص: 14


1- التهذيب 187:4-523.
2- التهذيب 187:4-526.
3- بدائع الصنائع 85:2 و 86، الكتاب - للقدوري - بشرح الميداني 163:1، المجموع 301:6، المغني 18:3، الشرح الكبير 26:3.
4- سنن النسائي 197:4، سنن البيهقي 202:4.
5- بدل ما بين القوسين في «ط» و الطبعة الحجرية هكذا: و يجوز التجديد بالنهار، قاله.
6- المغني 29:3، الشرح الكبير 33:3، المجموع 302:6، حلية العلماء 190:3، بدائع الصنائع 85:2.
7- بدائع الصنائع 85:2، المجموع 302:6، فتح العزيز 310:6-312، حلية العلماء 190:3، المغني 31:3، الشرح الكبير 35:3.

عائشة يوما، فقال: (هل عندكم شيء؟) قلنا: لا، قال: (فإنّي إذن صائم)(1).

و نحوه من طريق الخاصة، عن أمير المؤمنين عليه السلام(2).

و قال مالك: تجب النيّة من الليل، بمعني أنّه لا يصح الصوم إلاّ بنيّة من الليل - و به قال داود و المزني، و هو مروي عن عبد اللّه بن عمر(3) - لقوله عليه السلام: (لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل)(4).

و لتساوي نيّة فرض الصلاة و نفلها في الوقت، فكذا الصوم.

و الحديث مخصوص بالناسي و المعذور، و حديثنا أخصّ.

و الفرق: أنّ النيّة مع أول الصلاة في النفل لا يؤدّي الي تقليلها، بخلاف الصوم.

و قال السيد المرتضي(5) و أكثر علمائنا(6) و الشافعي في قول(7): إنّ النيّة في النفل تمتدّ بامتداد النهار؛ لتناول الأحاديث السابقة له.

و سأل هشام بن سالم، الصادق عليه السلام: الرجل يصبح لا ينوي الصوم، فإذا تعالي النهار، حدث له رأي في الصوم، فقال: «إن هو نوي الصوم قبل أن تزول الشمس، حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال، حسب3.

ص: 15


1- صحيح مسلم 809:2-170، سنن أبي داود 329:2-2455، سنن الترمذي 3: 111-733، سنن النسائي 193:4، سنن البيهقي 203:4.
2- التهذيب 188:4-531.
3- بداية المجتهد 293:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 120 و 121، المغني 29:3، الشرح الكبير 33:3، فتح العزيز 310:6-311، المجموع 302:6، حلية العلماء 191:3، معالم السنن - للخطّابي - بهامش مختصر سنن أبي داود 334:3.
4- سنن النسائي 197:4، سنن البيهقي 202:4 بتفاوت.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 53:3-54.
6- كالشيخ الطوسي في المبسوط 278:1.
7- الوجيز 101:1، فتح العزيز 311:6، حلية العلماء 191:3.

له من الوقت الذي نوي»(1) و لو صحّ الصوم من أول النهار لحسب له.

مسألة 6: جوّز الشيخ تقديم نيّة رمضان خاصة بيوم أو أيّام،

إن عرض له ليلة الصيام سهو أو نوم أو إغماء، أجزأته النيّة السابقة، و إلاّ فلا بدّ له من تجديدها(2) ؛ لأنّ اقتران النيّة بالفعل غير شرط إجماعا، و لهذا جاز تجديد الناقض بعدها قبل الفجر، فجاز تقدّمها قبل الهلال بيوم أو أيّام؛ لتقارب الزمان.

و الوجه: عدم الجواز؛ لقوله عليه السلام: (لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل)(3) و أجزأ من أوله؛ لعسر ضبط آخره.

مسألة 7: جوّز أصحابنا في رمضان صومه بنيّة واحدة في أوله لصومه أجمع،

و لا يحتاج إلي تجديد النيّة كلّ ليلة، بخلاف غيره - و به قال مالك و أحمد في إحدي الروايتين، و إسحاق و زفر(4) - لأنّه نوي في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم، لا يتخلّل بينه و بين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه، فأجزأه، كما لو نوي اليوم الأول من ليلته.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في رواية: إنّه لا بدّ من تجديد النيّة كلّ يوم كغير رمضان(5).

و هو الوجه؛ لأنّها عبادات متعدّدة لا يبطل بعضها بفساد البعض، بخلاف الصلاة الواحدة و اليوم الواحد.

ص: 16


1- التهذيب 188:4-528.
2- المبسوط للطوسي 276:1.
3- سنن النسائي 197:4، سنن البيهقي 202:4 بتفاوت.
4- الكافي في فقه أهل المدينة: المغني 23:3، الشرح الكبير 28:3، المجموع 302:6، فتح العزيز 291:6، حلية العلماء 185:3 و 186.
5- بدائع الصنائع 85:2، المجموع 302:6، فتح العزيز 291:6، حلية العلماء 3: 185، المغني 23:3، الشرح الكبير 28:3.

و ادّعي الشيخ و السيد المرتضي الإجماع(1)(2).

مسألة 8: يستحب صوم
اشارة

مسألة 8: يستحب صوم(3) يوم الشك من شعبان إذا لم ير الهلال،

و لا يكره صومه، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم و شبهه، أو لم يكن - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّ عليّا عليه السلام قال: «لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان»(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «صمه فإن يك من شعبان كان تطوّعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له»(6).

و لأنّ الاحتياط يقتضي صومه، فلا وجه للكراهية.

و قال شيخنا المفيد رحمه اللّه: إنّما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو و ارتفاع الموانع، و يكره مع الصحو و ارتفاع الموانع، إلاّ لمن كان صائما قبله(7) - و به قال الشافعي و الأوزاعي(8) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن صيام ستة أيام: اليوم الذي يشك فيه من رمضان(9).

و يحمل علي النهي عن صومه من رمضان.

و قال أحمد: إن كانت السماء مصحية، كره صومه، و إن كانت مغيمة، وجب صومه، و يحكم بأنّه من رمضان - و هو مروي عن ابن عمر - لأنّ النبي

ص: 17


1- أي: الإجماع علي إجزاء نيّة واحدة لصوم جميع شهر رمضان.
2- الخلاف 163:2-164، المسألة 3، الانتصار: 61-62.
3- في «ط، ن»: صيام.
4- الهداية للمرغيناني 119:1، المجموع 404:6 و 421، حلية العلماء 213:3.
5- الفقيه 79:2-348، سنن البيهقي 211:4.
6- الكافي 82:4-5، الفقيه 79:2-350، التهذيب 181:4-504، الاستبصار 78:2-236.
7- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 300.
8- المجموع 400:6 و 404، حلية العلماء 213:3.
9- سنن الدار قطني 157:2-6.

عليه السلام قال: (إنّما الشهر تسعة و عشرون يوما، فلا تصوموا حتي تروا الهلال، و لا تفطروا حتي تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)(1).

و معني الإقدار: التضييق، بأن يجعل شعبان تسعة و عشرين(2).

و قد سبق أنّ النهي عن الصوم من رمضان، و معارض بقوله عليه السلام:

(صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته، فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)(3).

و قال الحسن و ابن سيرين: و إن صام الإمام صاموا، و إن أفطر أفطروا و هو مروي عن أحمد(4) ؛ لقوله عليه السلام: (الصوم يوم تصومون، و الفطر يوم تفطرون، و الأضحي يوم تضحّون)(5).

فروع:
أ - لو نوي أنّه يصومه من رمضان، كان حراما،

و لم يجزئه لو خرج منه؛ لدلالة النهي علي الفساد.

قال مولانا زين العابدين عليه السلام عن يوم الشك: «أمرنا بصيامه، و نهينا عنه، أمرنا أن يصومه الإنسان علي أنّه من شعبان، و نهينا عن أن يصومه علي أنّه من شهر رمضان»(6).

ص: 18


1- صحيح مسلم 759:2-6، سنن الدارمي 4:2، سنن البيهقي 204:4، مسند أحمد 5:2
2- المغني 13:3-16، الشرح الكبير 5:3-6، فتح العزيز 412:6، المجموع 6: 403.
3- صحيح البخاري 35:3.
4- المغني 13:3، الشرح الكبير 6:3، المجموع 403:6، حلية العلماء 179:3.
5- سنن الترمذي 80:3-697.
6- المعتبر: 300، و بتفاوت يسير في الكافي 85:4-1، و الفقيه 47:2-208، و التهذيب 296:4-895.

و لو نواه ندبا علي أنّه من شعبان، أجزأ عنه و إن خرج من رمضان؛ لأنّه أتي بالمأمور به علي وجهه، فكان مجزئا عن الواجب؛ لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره، و نيّة الوجوب ساقطة، للعذر.

و لو نوي أنّه واجب أو ندب و لم يعيّن، لم يصحّ صومه، و لم يجزئه لو خرج من رمضان، إلاّ أن يجدّد النيّة قبل الزوال.

و لو نوي أنّه من رمضان، فثبت الهلال قبل الزوال، جدّد النيّة، و أجزأه، لبقاء محلّ النيّة.

و لو نوي أنّه إن كان من رمضان فهو واجب، و إن كان من شعبان فندب، لم يصحّ - و هو أحد قولي الشيخ(1) رحمه اللّه، و به قال الشافعي(2) - لأنّ شرط النيّة الجزم و لم يحصل.

و للشيخ قول آخر: الإجزاء لو بان من رمضان؛ لأنّه نوي الواقع علي التقديرين علي وجههما، و لأنّه نوي القربة و هي كافية(3).

ب - لو نوي الإفطار لاعتقاد أنّه من شعبان، فبان من رمضان قبل الزوال و لم يتناول، نوي الصوم الواجب،

و أجزأه؛ لبقاء محلّ النيّة، و الجهل عذر، فأشبه النسيان.

و لو بان بعد الزوال، أمسك بقية نهاره، و وجب عليه القضاء، و به قال أبو حنيفة(4).

و الشافعي أوجب القضاء في الموضعين(5).

ص: 19


1- انظر: النهاية: 151.
2- المجموع 295:6-296، فتح العزيز 323:6-324.
3- الخلاف 179:2، المسألة 22، المبسوط للطوسي 277:1.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 179:2، المسألة 20.
5- المجموع 271:6، فتح العزيز 436:6، حلية العلماء 179:3.

و قال عطاء: يأكل بقية يومه؛ و هو رواية عن أحمد(1) ، و لم يقل به غيرهما.

و لو أصبح بنيّة صوم شعبان، فبان أنّه من رمضان، نقل النيّة اليه و لو قبل الغروب، و أجزأه.

ج - لو أخبره عدل واحد برؤية الهلال، و أوجبنا الشاهدين، فنوي أنّه من رمضان، لم يجزئه لو بان منه.

و لو كان عارفا بحساب التسيير، أو أخبره العارف بالهلال، لم يصح بنيّة رمضان؛ لأنّ ذلك ليس طريقا الي ثبوت الأهلّة في نظر الشرع و إن أفاد الظنّ.

د - لو نوي ليلة الثلاثين من رمضان أنّه إن كان غدا من رمضان فإنّه صائم،

و إن كان من شوّال فهو مفطر، قال بعض الشافعية: يصحّ؛ لأصالة بقاء الشهر(2).

و يبطل؛ لعدم الجزم.

و لو نوي أنّه يصومه عن رمضان أو نافلة، لم يصحّ إجماعا.

ه - لو نوي يوم الشك عن فرض عليه، أجزأه من غير كراهة،

خلافا لبعض الشافعية(3).

و - صوم الصبي شرعي، و ينعقد بنيّته

و - صوم الصبي شرعي، و ينعقد بنيّته(4) ،

فإن بلغ قبل الزوال بغير المبطل، وجب عليه تجديد نيّة الفرض، و إلاّ فلا.

ص: 20


1- المغني 74:3، الشرح الكبير 15:3.
2- المجموع 296:6، فتح العزيز 326:6-327.
3- المهذب للشيرازي 195:1، المجموع 399:6، فتح العزيز 414:6، حلية العلماء 213:3.
4- في النسخ الخطية: و تنعقد نيّته. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
الفصل الثاني فيما يمسك عنه الصائم
اشارة

و هو أمور:

الأول: يجب الإمساك عن الأكل و الشرب نهارا من طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس
اشارة

بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (1).

و لا فرق بين المعتاد و غيره عند علمائنا، سواء يغذّي به أو لا - و هو قول عامة أهل العلم(2) - للعموم، و لأنّ حقيقة الصوم الإمساك، و هو غير متحقّق مع تناول غير المعتاد.

و قال الحسن بن صالح بن حي: لا يفطر بما ليس بطعام و لا بشراب(3).

و كان أبو طلحة الأنصاري يأكل البرد في الصوم، و يقول: ليس بطعام و لا شراب(4).

ص: 21


1- البقرة: 187.
2- المغني 37:3، الشرح الكبير 38:3.
3- المغني 37:3، الشرح الكبير 38:3، حلية العلماء 195:3، المجموع 317:6.
4- المغني 37:3، الشرح الكبير 38:3، المجموع 317:6، و مسند أحمد 279:3.

و قال أبو حنيفة: لو ابتلع حصاة أو فستقة بقشرها، لم تجب الكفّارة(1) ؛ فاعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغذّي به أو يتداوي به، و هو مذهب السيد المرتضي(2).

و الكلّ باطل بما تقدّم.

فروع:
أ - بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامدا نهارا، فسد صومه،

سواء أخرجها من فمه أو لا؛ لأنّه ابتلع طعاما عامدا فأفطر، كما لو أكل.

و قال احمد: إن كان يسيرا لا يمكنه التحرّز منه فابتلعه، لم يفطر، و إن كان كثيرا أفطر(3).

و قال الشافعي: إن كان ممّا يجري به الريق، و لا يتميّز عنه، فبلعه مع ريقه، لم يفطره، و إن كان بين أسنانه شيء من لحم أو خبز حصل في فيه، متميّزا عن الريق، فابتلعه مع ذكره للصوم، فسد صومه(4).

و قال أبو حنيفة: لا يفطر به؛ لأنّه لا يمكنه التحرّز منه، فأشبه ما يجري به الريق(5).

و هو خلاف الفرض، فإنّه مع عدم إمكان التحرّز عنه عفو.

ب - الريق إذا جري علي حلقه علي ما جرت العادة به، لا يفطر؛

لعدم إمكان التحرّز منه.

و كذا لو جمعه في فيه ثم ابتلعه، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر:

ص: 22


1- المبسوط للسرخسي 100:3 و 138، المغني 52:3، حلية العلماء 198:3.
2- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3.
3- المغني 46:3، الشرح الكبير 49:3-50.
4- المجموع 317:6، فتح العزيز 394:6-395، حلية العلماء 194:3.
5- المبسوط للسرخسي 93:3، المغني 46:3، الشرح الكبير 50:3، المجموع 6: 317.

يفطر(1).

أمّا لو خرج من فيه بين أصابعه أو ثوبه، ثم ابتلعه، فإنّه يفطر.

و لو أخرج حصاة و شبهها من فيه و عليها بلّة من الريق، ثم أعاده و عليه الريق، و ابتلع الريق، أفطر، خلافا لبعض الجمهور(2).

و لو ابتلع ريق غيره، أفطر.

و لو أبرز لسانه و عليه ريق، ثم ابتلعه، لم يفطر؛ لعدم انفصاله عن محلّه.

ج - لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو رأسه، لم يفطر؛

لأنّه معتاد في الفم، غير واصل من خارج، فأشبه الريق، و لعموم البلوي به.

و قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته»(3).

و قال الشافعي: يفطر - و عن أحمد روايتان(4) - لأنّه يمكن الاحتراز منه، فأشبه القيء(5).

و نمنع الصغري.

د - حكم الازدراد حكم الأكل،

فلو ابتلع المعتاد و غيره، أبطل صومه.

الثاني: الجماع،

و قد أجمع العلماء كافة علي إفساد الصوم بالجماع الموجب للغسل في قبل المرأة؛ للآية(6) ، سواء أنزل أو لم ينزل.

و لو وطأ في الدّبر فأنزل، فسد صومه إجماعا، و لو لم ينزل، فالمعتمد

ص: 23


1- المجموع 318:6، فتح العزيز 391:6، حلية العلماء 194:3.
2- المغني 41:3، الشرح الكبير 74:3.
3- الكافي 115:4 (باب في الصائم يزدرد نخامته..) الحديث 1، التهذيب 4: 323-995.
4- المغني 41:3، الشرح الكبير 74:3-75.
5- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 315:6، حلية العلماء 194:3، المغني 1: 41، الشرح الكبير 74:1-75.
6- البقرة: 187.

عليه الإفساد؛ لأنّه جماع في محلّ الشهوة، فأشبه القبل.

و لو جامعها في غير الفرجين، أفسد مع الإنزال، و إلاّ فلا.

و لا فرق بين وطء الحيّة و الميتة، و لا بين الغلام و المرأة، و الموطوء كالواطئ.

و لو وطأ الدابة فأنزل، أفسد، و إلاّ فلا.

الثالث: الإنزال نهارا عمدا مفسد،

سواء كان باستمناء أو ملامسة أو ملاعبة أو قبلة إجماعا؛ لأنّ الصادق عليه السلام، سئل عن الرجل يضع يده علي شيء من جسد امرأة فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة»(1).

و لو نظر إلي ما لا يحلّ النظر اليه عامدا بشهوة فأمني، قال الشيخ:

عليه القضاء(2).

و لو كان نظره الي ما يحلّ له النظر إليه فأمني، لم يكن عليه شيء.

و لو أصغي أو تسمّع الي حديث فأمني، لم يكن عليه شيء؛ عملا بأصالة البراءة.

و قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري: لا يفسد الصوم بالإنزال عقيب النظر مطلقا؛ لأنّه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الإنزال بالفكر(3).

و قال أحمد و مالك و الحسن البصري و عطاء: يفسد به الصوم مطلقا؛ لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به، و يمكن التحرّز عنه، فأشبه الإنزال باللمس(4).

و لو أنزل من غير شهوة - كالمريض - عمدا، أفسد صومه.

ص: 24


1- التهذيب 320:4-981.
2- المبسوط للطوسي 272:1.
3- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 322:6، حلية العلماء 196:3، المغني 3: 49، الشرح الكبير 43:3، المبسوط للسرخسي 70:3.
4- المغني 49:3، الشرح الكبير 43:3، حلية العلماء 196:3، المدونة الكبري 1: 199.

و لو قلنا بالإفساد بالنظر، فلا فرق بين التكرار و عدمه، و به قال مالك(1).

و قال أحمد: لا يفسد إلاّ بالتكرار(2).

و لو فكّر فأمني لم يفطر، و به قال الشافعي(3).

و قال أصحاب مالك: يفطر(4).

و تكره القبلة للشاب الذي تحرّك القبلة شهوته، و لا تكره لمن يملك إربه(5) ؛ لأنّ النبي عليه السلام، كان يقبّل و هو صائم، و كان أملك الناس لإربه(6).

و لو أمذي بالتقبيل، لم يفطر عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و هو مروي عن الحسن و الشعبي و الأوزاعي(7).

و قال مالك و أحمد: يفطر(8).

الرابع: إيصال الغبار الغليظ إلي الحلق اختيارا،

كغبار الدقيق و النفض، مفسد للصوم - خلافا للجمهور(9) - لأنّه أوصل إلي الجوف ما ينافي الصوم.

ص: 25


1- المدونة الكبري 199:1، المغني 49:3، الشرح الكبير 44:3، المجموع 322:6، فتح العزيز 396:6، حلية العلماء 204:3.
2- المغني 49:3، الشرح الكبير 43:3 و 44.
3- المجموع 322:6، فتح العزيز 396:6.
4- التفريع 305:1، فتح العزيز 396:6، و فيه: و عن أصحابه (مالك) في الفكر اختلاف.
5- الإرب و الإربة: الحاجة. لسان العرب 208:1، الصحاح 87:1.
6- صحيح البخاري 39:3، صحيح مسلم 777:2-66، سنن أبي داود 2: 311-2382، سنن البيهقي 233:4.
7- المجموع 323:6، حلية العلماء 196:3، المغني 47:3، الشرح الكبير 34:3.
8- المدونة الكبري 196:1، المجموع 323:6، المغني 47:3، الشرح الكبير 34:3، حلية العلماء 196:3.
9- المغني 40:3، الشرح الكبير 48:3-49، المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 327:6، المبسوط للسرخسي 98:3.

و لأنّ سليمان بن جعفر(1) سمعه يقول: «إذا شمّ رائحة غليظة، أو كنس بيتا، فدخل في أنفه و حلقه غبار؛ فإنّ ذلك له فطر، مثل الأكل و الشرب و النكاح»(2).

و لو كان مضطرّا أو لم يشعر به، لم يفطر إجماعا.

الخامس: من أجنب ليلا و تعمّد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر من غير ضرورة و لا عذر،
اشارة

فسد صومه عند علمائنا، و به قال أبو هريرة و سالم ابن عبد اللّه و الحسن البصري و طاوس و عروة، و به قال الحسن بن صالح بن حي و النخعي في الفرض خاصّة(3) ؛ لقوله عليه السلام: (من أصبح جنبا فلا صوم له)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثم ترك الغسل متعمّدا حتي أصبح، قال: «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا»(5).

و قال الجمهور: لا يفسد الصوم(6) ؛ للآية(7).

و لقول عائشة: أشهد علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أن كان

ص: 26


1- في المصدر: سليمان بن حفص المروزي.
2- التهذيب: 214:4-621، الاستبصار 94:2-305 بتفاوت يسير في الأخير.
3- المغني 78:3-79، الشرح الكبير 54:3، المجموع 307:6-308، حلية العلماء 192:3-193.
4- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 174:2، المسألة 13، و الرافعي في فتح العزيز 6: 424، و في مسند احمد 248:2 بتفاوت يسير.
5- التهذيب 212:4-616، الإستبصار 87:2-272.
6- المغني 78:3، الشرح الكبير 54:3، المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 6: 307، حلية العلماء 192:3، المدونة الكبري 206:1، بدائع الصنائع 92:2.
7- و هي قوله تعالي فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ البقرة: 187.

ليصبح جنبا من جماع غير احتلام، ثم يصومه(1).

و لا دلالة في الآية؛ لعود الغاية إلي الجملة القريبة.

و الحديث ممنوع، و محمول علي القرب من الصباح؛ لمواظبته عليه السلام، علي أداء الفرائض في أول وقتها.

فروع:
أ - لو طلع عليه الفجر و هو مجامع، نزع من غير تلوّم،

و وجب القضاء إن لم يراع الفجر، و لو نزعه بنيّة الجماع فكالمجامع.

و لو راعي الفجر، و لم يظنّ قربه، ثم نزع مع أول طلوعه، لم يفسد صومه؛ لأنّ النزع ترك الجماع، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(2).

و قال مالك و أحمد و المزني و زفر: يبطل صومه(3).

و أوجب أحمد الكفّارة(4).

ب - لو طلع الفجر و في فمه طعام، لفظه،

فإن ابتلعه، فسد صومه.

ج - قال ابن أبي عقيل: إنّ الحائض و النفساء لو طهرتا ليلا،

و تركتا الغسل حتي يطلع الفجر عمدا، وجب القضاء خاصة.

السادس: لو أجنب ليلا، ثم نام ناويا للغسل حتّي أصبح، صحّ صومه.

و لو لم ينو، فسد صومه، و عليه القضاء - خلافا للجمهور(5) - لما تقدّم من اشتراط الطهارة في ابتدائه، و بنومه قد فرّط في تحصيل الشرط.

و لو أجنب فنام علي عزم ترك الغسل حتي طلع الفجر، فهو كالتارك

ص: 27


1- صحيح البخاري 40:3، و سنن البيهقي 214:4.
2- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 309:6 و 311، فتح العزيز 403:6، حلية العلماء 193:3، المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3.
3- المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3، المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 6: 309 و 311، فتح العزيز 403:6-404، حلية العلماء 193:3.
4- المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3، المجموع 311:6.
5- المغني 78:3، الشرح الكبير 54:3، المجموع 307:6.

للغسل عمدا.

و لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتي طلع الفجر، فلا شيء عليه، فإن استيقظ ثم نام حتي يطلع الفجر، وجب القضاء خاصة؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتي يصبح في شهر رمضان، قال: «ليس عليه شيء» قلت: فإنّه استيقظ ثم نام حتي أصبح، قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة»(1).

و لو احتلم نهارا في رمضان من غير قصد، لم يفطر، و جاز له تأخير الغسل إجماعا.

السابع: القيء عمدا مبطل للصوم

عند أكثر علمائنا(2) ، و هو قول عامة العلماء(3) ؛ لقوله عليه السلام: (من ذرعه القيء و هو صائم فليس عليه قضاء، و من استقاء فليقض)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه»(5).

و قال السيد المرتضي و ابن إدريس: لا يفسد صومه(6) - و به قال عبد اللّه ابن عباس و ابن مسعود(7) - لقوله عليه السلام: (لا يفطر من قاء)(8).

ص: 28


1- التهذيب 212:4-615، الاستبصار 87:2-271.
2- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 154-155، و المبسوط 271:1-272، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 183، و القاضي ابن البراج في المهذب 192:1، و المحقق في المعتبر: 303، و شرائع الإسلام 192:1.
3- المغني 54:3، الشرح الكبير 41:3، المجموع 319:6-320.
4- سنن أبي داود 310:2-2380، سنن البيهقي 219:4.
5- الكافي 108:4-2، التهذيب 264:4-791.
6- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3، السرائر: 88.
7- المغني 54:3، الشرح الكبير 41:3، المجموع 320:6، حلية العلماء 195:3.
8- سنن أبي داود 310:2-2376، سنن البيهقي 220:4.

و نقول بموجبه فيما إذا ذرعه.

أمّا لو ذرعه القيء فإنّه لا يفطر بإجماع العلماء.

و حكي عن الحسن البصري في إحدي الروايتين عنه: أنّه يفطر(1). و هو غلط.

الثامن: اختلف علماؤنا في الاحتقان بالمائعات هل هو مفسد أم لا؟
اشارة

للشيخ قولان:

أحدهما: الإفساد(2) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(3) - لقول الرضا عليه السلام: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن»(4).

و لأنّه أوصل إلي جوفه ما يصلح بدنه و هو ذاكر للصوم، فأشبه الأكل.

و الثاني: لا يفسد(5) - و به قال الحسن بن صالح بن حي و داود(6) - لأنّ الحقنة لا تصل إلي المعدة، و لا الي موضع الاغتذاء، فلا يؤثّر فسادا، كالاكتحال، و لا يجري في مجري الاغتذاء، فلا يفسد الصوم، كالاكتحال.

و قال مالك: يفطر بالكثير منها دون القليل(7).

ص: 29


1- المجموع 320:6، حلية العلماء 196:3.
2- الخلاف 213:2، المسألة 73، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 213، المبسوط للطوسي 271:1-272.
3- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 313:6 و 320، فتح العزيز 363:6، حلية العلماء 194:3، بدائع الصنائع 93:2، المبسوط للسرخسي 67:3، المغني و الشرح الكبير 39:3.
4- الفقيه 69:2-292، التهذيب 204:4-589، الاستبصار 83:2-256، و الكافي 110:4-3 و فيه مضمرا.
5- انظر: النهاية: 156، و الاستبصار 83:2-84.
6- المجموع 320:6، حلية العلماء 194:3.
7- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 213:2، المسألة 73، و المحقّق في المعتبر: 302-303، و انظر: الكافي في فقه أهل المدينة: 126، و فتح العزيز 363:6، و حلية العلماء 195:3.

أمّا الاحتقان بالجامد: فإنّه مكروه لا يفسد به الصوم، خلافا للجمهور؛ فإنّهم لم يفرّقوا بين المائع و الجامد(1) ، و به قال أبو الصلاح و ابن البراج(2).

فروع:
أ - لو داوي جرحه فوصل الدواء إلي جوفه، أفسد صومه عند الشيخ

أ - لو داوي جرحه فوصل الدواء إلي جوفه، أفسد صومه عند الشيخ(3) ،

و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(4).

و قال مالك: لا يفطر(5) ، و به قال أبو يوسف و محمد(6) ، و هو الوجه.

ب - لو جرح نفسه برمح فوصل إلي جوفه، أو أمر غيره بذلك،

قال الشيخ: يفسد صومه(7) ، و به قال الشافعي(8).

و الوجه: أنّه لا يفسد، و به قال أبو يوسف و محمد(9).

ج - لو قطّر في اذنه دهنا أو غيره، لم يفطر؛

للأصل.

و لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام، عن الصائم يصب الدواء

ص: 30


1- انظر المصادر في الهامش (3) من الصفحة 29.
2- الكافي في الفقه: 183، المهذّب - للقاضي ابن البراج - 192:1.
3- حكاه عن مبسوط الشيخ، المحقق في المعتبر: 303 و لم نجده فيه.
4- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 320:6، فتح العزيز 362:6، حلية العلماء 195:3، المبسوط للسرخسي 68:3، بدائع الصنائع 93:2، المغني و الشرح الكبير 39:3.
5- حكاه عنه النووي في المجموع 320:6، و القفّال الشاشي في حلية العلماء 195:3، و انظر: المدوّنة الكبري 198:1.
6- المبسوط للسرخسي 68:3، بدائع الصنائع 93:2، المجموع 320:6، حلية العلماء 195:3.
7- المبسوط للطوسي 273:1.
8- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 320:6، فتح العزيز 380:6، حلية العلماء 195:3.
9- المجموع 320:6، حلية العلماء 195:3.

في أذنه، قال: «نعم»(1).

و قال بعض علمائنا: يفطر(2) ؛ و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد إذا وصل إلي الدماغ؛ لأنّه جوف فالواصل اليه يغذّيه، فيفطر به، كجوف البدن(3).

و هو منقوض: بالاكتحال.

د - لو قطّر في إحليله دواء أو غيره، لم يفطر،

سواء وصل الي المثانة أو لا - و به قال أبو حنيفة و أحمد(4) - لأنّ المثانة ليست محلا للاغتذاء، فلا يفطر بما يصل إليها؛ و لأنّه ليس بين باطن الذكر و الجوف منفذ، و إنّما يخرج البول رشحا.

و قال الشافعي: يفطر؛ و به قال أبو يوسف - و اضطرب قول محمد فيه(5) - لأنّ المثانة كالدماغ في أنّها من باطن البدن(6).

و نمنع المساواة.

التاسع: قال الشيخان: الكذب علي اللّه تعالي، و علي رسوله و الأئمّة

ص: 31


1- التهذيب 311:4-941، الإستبصار 95:2-307.
2- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 183.
3- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 314:6 و 320، حلية العلماء 194:3، فتح العزيز 367:6، المبسوط للسرخسي 67:3، بدائع الصنائع 93:2، الهداية للمرغيناني 125:1، المغني و الشرح الكبير 39:3، المدونة الكبري 198:1.
4- بدائع الصنائع 93:2، المبسوط للسرخسي 67:3، الاختيار لتعليل المختار 175:1، الهداية للمرغيناني 125:1، المجموع 320:6، فتح العزيز 370:6-371، حلية العلماء 194:3، المغني 46:3، الشرح الكبير 49:3.
5- الهداية للمرغيناني 125:1، المبسوط للسرخسي 67:3-60.
6- المجموع 320:6، فتح العزيز 370:6، المغني 46:3، الشرح الكبير 49:3، الهداية للمرغيناني 125:1، المبسوط للسرخسي 67:3، بدائع الصنائع 93:2، الاختيار لتعليل المختار 175:1.

عليهم السلام، مفسد للصوم(1) - و به قال الأوزاعي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم» قال أبو بصير: هلكنا، فقال عليه السلام: «ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب علي اللّه و علي رسوله صلّي اللّه عليه و آله، و علي الأئمّة عليهم السلام»(3).

و هو محمول علي المبالغة.

و قال السيد المرتضي: لا يفسده(4) ؛ و هو قول الجمهور(5) ، و هو المعتمد؛ لأصالة البراءة، و لا خلاف في أنّ الكذب علي غير اللّه تعالي و غير رسوله و الأئمّة عليهم السلام، غير مفسد.

و أمّا المشاتمة و التلفّظ بالقبيح فكذلك، إلاّ الأوزاعي، فإنّه أوجب بهما الإفطار(6) ؛ لقوله عليه السلام: (من لم يدع قول الزور و العمل به فليس للّه حاجة أن يدع طعامه و شرابه)(7).

و لا دلالة فيه، و الإجماع علي خلاف قوله.

العاشر: الارتماس في الماء،

قال الشيخان: إنّه يفسد الصوم(8) ؛ لقول الباقر عليه السلام: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال:

ص: 32


1- المبسوط للطوسي 270:1، المقنعة: 54.
2- حكاه عنه السيد المرتضي في الانتصار: 63، و المحقّق في المعتبر: 302.
3- الكافي 89:4-10، التهذيب 203:4-585.
4- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 302.
5- كما في المعتبر: 302.
6- انظر: حلية العلماء 207:3.
7- صحيح البخاري 33:3، سنن أبي داود 307:2-2362، سنن الترمذي 3: 87-707، سنن ابن ماجة 539:1-1689، سنن البيهقي 270:4، مسند أحمد 452:2-453.
8- النهاية: 148، المبسوط للطوسي 270:1، المقنعة: 54.

الأكل و الشرب و النساء و الارتماس في الماء»(1).

و لا حجّة فيه؛ لجواز التضرّر بالتحريم دون الإفساد، كما هو القول الآخر للشيخ(2) ؛ لأنّ إسحاق بن عمار قال للصادق عليه السلام: رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا أ عليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال: «ليس عليه قضاء و لا يعودنّ»(3).

قال الشيخ: لست أعرف حديثا في إيجاب القضاء و الكفّارة، أو إيجاب أحدهما علي من ارتمس في الماء(4).

و قال السيد المرتضي: لا يفسد الصوم، و هو مكروه(5) ؛ و به قال مالك و أحمد(6) و الحسن و الشعبي(7).

و قال باقي الجمهور: إنّه غير مكروه أيضا(8).

و لا بأس بصبّ الماء علي الرأس للتبرّد و الاغتسال من غير كراهة.

و لو ارتمس(9) فدخل الماء إلي حلقه، أفسد صومه، سواء كان دخول الماء اختيارا أو اضطرارا، إذا كان الارتماس اختيارا.ء.

ص: 33


1- التهذيب 189:4-535، و 202-584 و 318-319-971، و الاستبصار 2: 80-244 و فيه و في الموضعين الأوّلين من التهذيب: ثلاث خصال.
2- الاستبصار 85:2 ذيل الحديث 263.
3- التهذيب 209:4-210-607 و 324-1000، الاستبصار 84:2-85-263.
4- الاستبصار 85:2 ذيل الحديث 263.
5- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 302، و انظر: جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3.
6- حكاه عنهما، المحقق في المعتبر: 302، و انظر: المغني 44:3، و الشرح الكبير 3: 52.
7- المغني 44:3، الشرح الكبير 52:3.
8- حكاه المحقق في المعتبر: 302، و انظر: المهذب للشيرازي 193:1، و المجموع 6: 348.
9- في «ف» زيادة: في الماء.

و لو صبّ الماء علي رأسه، فدخل حلقه متعمّدا، أفسد صومه. و كذا لو كان الصبّ يؤدّي إليه قطعا مع الاختيار لا الاضطرار، و لو لم يؤدّ، لم يفسد.

الحادي عشر: قال المفيد و أبو الصلاح: السعوط

الحادي عشر: قال المفيد و أبو الصلاح: السعوط(1) الذي يصل إلي الدماغ

من الأنف مفسد للصوم مطلقا(2) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ النبي عليه السلام، قال للقيط بن صبرة: (و بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما)(4).

و لأنّ الدماغ جوف، فالواصل اليه يغذّيه، فيفطر به، كجوف البدن.

و المنع إنّما كان للخوف من النزول الي الحلق؛ لعروضه في الاستنشاق غالبا، و التغذية لا تحصل من ذلك. و اشتراك الدماغ و المعدة في اسم الجوف لا يقتضي اشتراكهما في الحكم.

و قال الشيخ: إنّه مكروه لا يفسد الصوم، سواء بلغ الي الدماغ أو لا، إلاّ ما نزل إلي الحلق؛ فإنّه يفطر، و يوجب القضاء(5) ؛ و به قال مالك و الأوزاعي و داود(6) ، و هو المعتمد؛ عملا بالأصل.

مسألة 9: يكره مضغ العلك، و ليس محرّما

- و به قال الشعبي و النخعي

ص: 34


1- السعوط: الدواء يصبّ في الأنف. الصحاح 1131:3.
2- المقنعة: 54، الكافي في الفقه 183.
3- المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 313:6، فتح العزيز 364:6، المبسوط للسرخسي 67:3، الهداية للمرغيناني 125:1، المغني و الشرح الكبير 39:3.
4- سنن أبي داود 35:1-36-142 و 308:2-2366، سنن الترمذي 155:3-788، سنن النسائي 66:1، سنن ابن ماجة 142:1-407، المستدرك - للحاكم - 1: 148.
5- المبسوط للطوسي 272:1.
6- المغني و الشرح الكبير 39:3، حلية العلماء 195:3، المجموع 320:6، فتح العزيز 364:6، المدونة الكبري 197:1.

و قتادة و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(1) - للأصل.

و لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام، عن الصائم يمضغ العلك، فقال: «نعم»(2).

و لا فرق بين ذي الطعم و غيره، و لا بين القوي الذي لا يتحلّل أجزاؤه و الضعيف الذي يتحلّل إذا تحفّظ من ابتلاع المتحلّل من أجزائه و إن وجد طعمه في حلقه.

مسألة 10: لا بأس بما يدخله الصائم في فمه إذا لم يتعدّ الحلق،

كمصّ الخاتم و مضغ الطعام و زقّ(3) الطائر و ذوق المرق؛ لقوله عليه السلام:

(أ رأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته(4)(5).

و سئل الصادق عليه السلام، عن صبّ الدواء في اذن الصائم، فقال:

«نعم و يذوق المرق و يزقّ الفرخ»(6).

فإن أدخل شيئا في فمه و ابتلعه سهوا، فإن كان لغرض صحيح، فلا قضاء عليه، و إلاّ لزمه.

و لو تمضمض فابتلع الماء سهوا، فإن كان للتبرّد، فعليه القضاء، و إن كان للصلاة، فلا شيء عليه.

و كذا لو ابتلع ما لا يقصده كالذباب و قطر المطر، فإن فعله عمدا أفطر.

ص: 35


1- المهذب للشيرازي 193:1، المجموع 353:6، المغني 44:3، الشرح الكبير 3: 76-77، الهداية للمرغيناني 125:1-126، الجامع الصغير للشيباني: 141.
2- التهذيب 324:4-1002.
3- زقّ الطائر فرخه: أطعمه بفيه. الصحاح 1491:4.
4- مجّ الرجل الشراب من فيه: إذا رمي به. الصحاح 40:1.
5- سنن أبي داود 311:2-2385، سنن الدارمي 13:2، سنن البيهقي 261:4، المصنّف - لابن أبي شيبة - 61:3، المستدرك - للحاكم - 431:1، و ليس فيها (ثم مججته).
6- التهذيب 311:4-941، الإستبصار 95:2-307.
مسألة 11: و لا بأس بالسواك للصائم،
اشارة

سواء الرطب و اليابس، في أول النهار أو آخره عند علمائنا - و به قال مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله، ما لا احصي يتسوّك و هو صائم(2).

و من طريق الخاصة: قول الحلبي: سألت الصادق عليه السلام:

أ يستاك الصائم بالماء و العود الرطب يجد طعمه ؟ فقال: «لا بأس به»(3).

و قال أحمد: يكره بالرطب مطلقا، و يكره باليابس بعد الزوال - و به قال ابن عمر و عطاء و مجاهد و الأوزاعي و إسحاق و قتادة و الشعبي و الحكم(4) - لقوله عليه السلام: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، و لا تستاكوا بالعشي فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلاّ كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة)(5).

و يحمل علي التسوّك لاستجلاب الريق؛ لدلالة آخر الحديث عليه.

تذنيب: يجوز أن يتسوّك بالماء و بالمبلول به،

و يتحفّظ من ابتلاع الرطوبة.

مسألة 12: إنّما يبطل الصوم بالمفطرات لو وقع عمدا،

أمّا لو وقع نسيانا فلا، علي ما يأتي الخلاف فيه.

و كذا ما يحصل من غير قصد، كالغبار الداخل من غير قصد، و ماء المضمضة، و كما لو صبّ في حلقه شيء كرها، فإنّه لا يفسد صومه إجماعا.

أمّا لو اكره علي الإفطار بأن توعّده و خوّفه حتي أكل، قال الشيخ: إنّه

ص: 36


1- المدونة الكبري 200:1-201، التفريع 308:1، المغني 46:3، الشرح الكبير 3: 76، المبسوط للسرخسي 99:3.
2- سنن أبي داود 307:2-2364، سنن الترمذي 104:3-725، سنن الدارقطني 2: 202-3.
3- التهذيب 262:4-782، الإستبصار 91:2-291.
4- المغني 45:3-46، الشرح الكبير 76:3، معالم السنن - للخطّابي - 240:3-241.
5- المعجم الكبير - للطبراني - 78:4-3696، سنن الدار قطني 204:2-7 و 8.

يفطر(1) ؛ و به قال أبو حنيفة و مالك(2) - و للشافعي قولان(3) - لأنّ الصوم الإمساك، و لم يتحقّق.

و لأنّه فعل ضدّ الصوم ذاكرا له، غايته أنّه فعله لدفع الضرر عن نفسه، لكنه لا أثر له في دفع الفطر، كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش.

و يحتمل: عدم الإفطار - و به قال أحمد و الشافعي في الثاني من قوليه(4) - لقوله عليه السلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(5).

و لأنّه غير متمكّن، فلا يصحّ تكليفه.

و لو فعل المفطر جاهلا بالتحريم، أفسد صومه؛ لأنّ له طريقا الي العلم، فالتفريط من جهته، فلا يسقط الحكم عنه.

و يحتمل: العدم كالناسي.

و لأنّ زرارة و أبا بصير سألا الباقر عليه السلام، عن رجل أتي أهله في شهر رمضان، و أتي أهله و هو محرم، و هو لا يري إلاّ أنّ ذلك حلال له، قال:

«ليس عليه شيء»(6).

و يمكن حمله علي الكفّارة و الإثم.

و لو أكل ناسيا، فظنّ إفساد صومه، فتعمّد الأكل، قال الشيخ: يفطر،3.

ص: 37


1- المبسوط للطوسي 273:1.
2- المبسوط للسرخسي 98:3، بدائع الصنائع 91:2، حلية العلماء 197:3، المجموع 326:6، فتح العزيز 398:6.
3- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 325:6، حلية العلماء 197:3، فتح العزيز 398:6.
4- المغني 51:3، الشرح الكبير 48:3، المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 325:6 و 326، حلية العلماء 197:3، فتح العزيز 398:6.
5- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
6- التهذيب 208:4-603.

و عليه القضاء و الكفّارة. قال: و قد ذهب بعض أصحابنا إلي أنّه يقضي و لا يكفّر(1).

و المعتمد: ما اختاره الشيخ.

مسألة 13: قد سبق

مسألة 13: قد سبق(2) أنّه لو نوي الإفطار بعد انعقاد الصوم، لم يفطر؛

لانعقاده شرعا، فلا يبطل إلاّ بوجه شرعي.

هذا إذا عاد إلي نيّة الصوم، و لو لم يعد، فالوجه القضاء - و به قال أصحاب الرأي و الشافعية في أحد الوجهين(3) - لأنّه لم يصم لفوات شرطه، و هو: النية المستمرة فعلا أو حكما، فلا يعتدّ بإمساكه.

و قال أحمد و أبو ثور و الشافعية في الوجه الثاني: يفطر مطلقا(4).

و علي كلّ تقدير، فلا كفّارة؛ لأصالة البراءة، السالم عن الهتك.

و لو نوي القطع في النفل، لم يصح صومه. و إن عاد فنواه، صحّ، كما لو أصبح غير ناو للصوم.

و لو نوي أنّه سيفطر بعد ساعة أخري، لم يفطر؛ لأنّه لو نوي الإفطار في الحال، لم يفطره، فالأولي في المستقبل عدمه.

و لو نوي أنّه إن وجد طعاما أفطر، و إن لم يجد لم يفطر، لم يبطل صومه؛ لأنّ نيّة الجزم بالإفطار غير مؤثّرة فيه، فمع التردّد أولي.

و قد نازع بعض المشترطين لاستمرار حكم النيّة في الموضعين.

و قال الشيخ: لو نوي الإفطار في يوم يعلمه من رمضان، ثم جدّد نيّة الصوم قبل الزوال، لم ينعقد(5).

و هو جيّد و إن كان فيه كلام.

ص: 38


1- المبسوط للطوسي 273:1.
2- سبق في الفرع «د» من المسألة 3.
3- المغني 56:3، الشرح الكبير 31:3، المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 297:6، حلية العلماء 187:3.
4- المغني 56:3، الشرح الكبير 31:3، المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 297:6، حلية العلماء 187:3.
5- المبسوط للطوسي 277:1.
الفصل الثالث فيما يوجب القضاء و الكفّارة أو القضاء خاصة
مسألة 14: الجماع عمدا في فرج المرأة يوجب القضاء و الكفّارة

عند علمائنا أجمع - و هو قول عامة العلماء(1) - لأنّ رجلا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: هلكت، فقال: (و ما أهلكك ؟) قال: وقعت علي امرأتي في رمضان، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (هل تجد رقبة تعتقها؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟) قال: لا، قال: فهل تستطيع إطعام ستين مسكينا؟) قال: لا أجد، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: (اجلس) فجلس، فبينا هو جالس كذلك، أتي بعرق(2) فيه تمر، فقال له النبي عليه السلام: (اذهب فتصدّق به) فقال: يا رسول اللّه، و الذي بعثك بالحق، ما بين لابتيها(3) أهل بيت أحوج منّا، فضحك

ص: 39


1- المغني 58:3، الشرح الكبير 57:3.
2- العرق: السفيفة المنسوجة من الخوص أو غيره قبل أن يجعل منه الزبيل. و منه قيل للزبيل: عرق. الصحاح 1522:4. و جاء في هامش «ن»: و بخط المصنّف: العرق: المكتل.
3- أي: لابتا المدينة المنورة. و اللاّبة: الحرّة. و هي: الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها. و المدينة تقع ما بين حرّتين عظيمتين. النهاية لابن الأثير 274:4 «لوب».

النبي عليه السلام، حتي بدت أنيابه، ثم قال: (اذهب و أطعم عيالك)(1).

و نحوه من طريق الخاصة(2).

و قال النخعي و الشعبي و سعيد بن جبير و قتادة: لا كفّارة عليه(3).

و هو خرق الإجماع، فلا يلتفت إليه.

إذا عرفت هذا، فقد أجمع العلماء علي وجوب القضاء مع الكفّارة، إلاّ الأوزاعي؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإطعام، قضي، و إن كفّر بالصيام، لم يقض؛ لأنّه صام شهرين(4).

و الإجماع يبطله، و لا منافاة.

و للشافعي قول: إنّه إذا وجبت الكفّارة، سقط القضاء؛ لأنّ النبي عليه السلام، لم يأمر الأعرابي بالقضاء(5).

و هو خطأ؛ لأنّه عليه السلام، قال: (و صم يوما مكانه)(6).

و لا فرق بين وطء الميتة و الحيّة و النائمة و المكرهة و المجنونة و الصغيرة و المزني بها.

مسألة 15: و يفسد الجماع صوم المرأة إجماعا، و عليها الكفّارة مع المطاوعة
اشارة

عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و أبو ثور و ابن المنذر و الشافعي في

ص: 40


1- صحيح البخاري 41:3-42، صحيح مسلم 781:2-1111، سنن ابن ماجة 1: 534-1671، سنن الترمذي 102:3-724، سنن الدارقطني 190:2-49، سنن أبي داود 313:2-2390، سنن البيهقي 221:4 بتفاوت يسير.
2- الكافي 102:4-2، الفقيه 72:2-309، التهذيب 206:4-595، الإستبصار 80:2-81-245.
3- المغني 58:3، الشرح الكبير 57:3، حلية العلماء 200:3.
4- حلية العلماء 200:3، المغني 58:3، بدائع الصنائع 98:2.
5- المجموع 331:6، فتح العزيز 452:6-453، حلية العلماء 200:3، المغني 3: 58، الشرح الكبير 56:3.
6- سنن ابن ماجة 534:1 ذيل الحديث 1671، سنن أبي داود 314:2-2393، سنن الدار قطني 190:2-51، سنن البيهقي 226:4 و 227.

أحد القولين(1) - لأنّها شاركت الرجل في السبب و حكم الإفطار، فتشاركه في الحكم الآخر، و هو وجوب الكفّارة.

و لعموم الروايات؛ لقول الرضا عليه السلام: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم»(2).

و في الآخر للشافعي: لا كفّارة عليها - و عن أحمد روايتان(3) - لأنّ النبي عليه السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة، و لم يأمر في المرأة بشيء(4).

و لا دلالة فيه؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم، و لجواز أن تكون مكرهة.

فروع:
أ - لو أكره زوجته علي الجماع، وجب عليه كفّارتان، و لا شيء عليها؛

لأنّه هتك يصدر من اثنين، و قد استقلّ بإيجاده، فعليه ما يوجبه من العقوبة، و هي الكفّارتان.

و خالف الجمهور، فقالوا: تسقط عنها و عنه؛ لصحة صومها(5).

و هو لا ينافي وجوب الكفّارة، و للرواية(6).

ص: 41


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 125، بداية المجتهد 304:1، بدائع الصنائع 98:2، الهداية للمرغيناني 124:1، المغني 61:3، الشرح الكبير 59:3، المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 331:6 و 334، فتح العزيز 443:6، حلية العلماء 200:3.
2- التهذيب 207:4-600، الإستبصار 96:2-311.
3- المغني 61:3-62، الشرح الكبير 59:3، فتح العزيز 443:6، حلية العلماء 3: 200.
4- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 331:6 و 334، فتح العزيز 443:6-444، حلية العلماء 200:3، المغني 62:3، الشرح الكبير 59:3.
5- انظر: المغني 62:3، و الشرح الكبير 60:3.
6- الكافي 103:4-104-9، الفقيه 73:2-313، التهذيب 215:4-625.

و لا قضاء عليها عندنا.

و قال أصحاب الرأي: يجب عليها القضاء. و هو قول الثوري و الأوزاعي(1).

و قال مالك: يجب علي المكرهة القضاء و الكفّارة(2).

و قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر: إن كان الإكراه بوعيد حتي فعلت، وجب القضاء و الكفّارة، و إن كان إلجاء، لم تفطر، و النائمة كالملجأة(3).

ب - لو وطأ المجنون،

فإن طاوعته، فعليها كفّارة واحدة عنها، و إن أكرهها، فلا كفّارة علي أحدهما.

ج - لو زني بامرأة، فإن طاوعته، فكفّارتان عليهما معا، و إن أكرهها، فعليه كفّارة.

قال الشيخ: و لا يجب عنها شيء؛ لأنّ حمله علي الزوجة قياس(4).

و هو مشكل؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ.

د - لو أكرهته علي الجماع،

فعليها كفّارة عن نفسها، و لا شيء عليه و لا عليها عنه؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل.

مسألة 16: لو وطأ امرأته أو أجنبية في دبرها فأنزل، وجب عليه القضاء و الكفّارة إجماعا،
اشارة

و إن لم ينزل فكذلك - و به قال الشافعي و أحمد و أبو حنيفة في رواية(5) - لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج، فوجب عليه الكفّارة، كالقبل.

ص: 42


1- المغني 62:3، الشرح الكبير 60:3.
2- المغني 62:3، الشرح الكبير 60:3.
3- المجموع 336:6، المغني 62:3، الشرح الكبير 60:3.
4- المبسوط للطوسي 275:1.
5- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 341:6 و 342، فتح العزيز 447:6، حلية العلماء 203:3، المغني 61:3، الشرح الكبير 59:3، المبسوط للسرخسي 3: 79، بدائع الصنائع 98:2

و لأنّه عليه السلام أمر من قال: واقعت أهلي، بالقضاء و الكفّارة(1) ، و لم يستفصله مع الاحتمال، فيكون عاما.

و في رواية عن أبي حنيفة: لا كفّارة؛ لعدم تعلّق الحدّ به(2).

و هو ممنوع، و أيضا لا ملازمة، كالأكل.

فروع:
أ - لو وطأ غلاما فأنزل، لزمته الكفّارة،

و كذا إذا لم ينزل - و به قال الشافعي(3) - لأنّه وطأ عمدا وطء يصير به جنبا، فوجبت الكفّارة.

و قال أبو حنيفة: لا كفّارة(4).

ب - لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل، وجب القضاء و الكفّارة،

و إن لم ينزل قال الشيخ: لا نص فيه، و يجب القول بالقضاء؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة(5).

و منع ابن إدريس القضاء(6) أيضا.

و قال بعض العامة: تجب به الكفّارة؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل، مفسد للصوم، فأشبه وطء الآدمية(7).

ج - إن أوجبنا الكفّارة علي الواطئ دبرا، وجب علي المفعول؛

لاشتراكهما في السبب، و هو: الهتك.

ص: 43


1- تقدمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 40 الهامش (6).
2- المبسوط للسرخسي 79:3، بدائع الصنائع 98:2، المجموع 342:6، حلية العلماء 203:3، المغني 61:3، الشرح الكبير 59:3.
3- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 341:6، فتح العزيز 447:6، حلية العلماء 203:3، المغني 61:3، الشرح الكبير 59:3.
4- المغني: 61:3، الشرح الكبير 59:3، حلية العلماء 203:3.
5- الخلاف 191:2، المسألة 42.
6- السرائر: 86.
7- المغني 61:3، الشرح الكبير 63:3.
مسألة 17: لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل، أو استمني بيده، لزمه القضاء و الكفّارة،
اشارة

و كذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل - و به قال مالك و أبو ثور(1) - لأنّه أجنب مختارا متعمّدا، فكان كالمجامع.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أمر المفطر بالكفّارة(2).

و لأنّ الصادق عليه السلام، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتي يمني، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما علي الذي يجامع»(3).

و عن رجل وضع يده علي شيء من جسد امرأته فأدفق، قال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة»(4).

و عن الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في(5) رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما علي الذي يجامع(6)»(7).

و قال الشافعي و أبو حنيفة: عليه القضاء دون الكفّارة(8).

و قال أحمد: تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإنزال(9).

و عنه في القبلة و اللمس روايتان(10).

ص: 44


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 124، المغني 59:3، الشرح الكبير 62:3، المجموع 342:6، حلية العلماء 204:3.
2- انظر: المصادر في الهامش (1) من الصفحة 40.
3- الكافي 102:4-103-4، التهذيب 206:4-597، الاستبصار 81:2-247.
4- التهذيب 320:4-981.
5- في المصدر زيادة: قضاء شهر.
6- في المصدر زيادة: في رمضان.
7- الكافي 103:4-7، التهذيب 321:4-983.
8- المجموع 341:6 و 342، فتح العزيز 446:6، حلية العلماء 204:3، المغني 3: 59، الشرح الكبير 62:3، بدائع الصنائع 100:2، المبسوط للسرخسي 65:3.
9- المغني 59:3، الشرح الكبير 62:3، المجموع 342:6، حلية العلماء 204:3.
10- الشرح الكبير 63:3، حلية العلماء 204:3، المجموع 342:6.
فروع:
أ - لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمني،

لم يفسد صومه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاولي.

أمّا لو كرّر النظر حتي أنزل، فالوجه: الإفساد.

و قال الشيخ: إن نظر إلي محلّلة، لم يلزمه شيء بالإمناء، و إن نظر إلي محرّمة، لزمه القضاء(2).

و قال مالك: إن أنزل من النظرة الأولي، أفطر و لا كفّارة، و إن استدام النظر حتي أنزل، وجبت عليه الكفّارة(3). و هو جيّد.

ب - قال أبو الصلاح: لو أصغي فأمني،

قضاه(4).

ج - لو قبّل أو لمس فأمذي، لم يفطر -

و به قال الشافعي(5) - لأنّه خارج لا يوجب الغسل، فأشبه البول.

و قال أحمد: يفطر، لأنّه خارج تخلّله الشهوة، فإذا انضمّ إلي المباشرة أفطر به، كالمني(6).

و الفرق: أنّ المني يلتذّ بخروجه و يوجب الغسل، بخلافه.

د - لو تساحقت امرأتان، فإن لم تنزلا، فلا شيء سوي الإثم،

و إن أنزلتا، فسد صومهما.

و الوجه القضاء و الكفّارة، لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ، فأشبه الزنا.

ص: 45


1- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 322:6، حلية العلماء 196:3، الوجيز 1: 102، فتح العزيز 396:6.
2- المبسوط للطوسي 272:1-273.
3- حلية العلماء 204:3، المجموع 322:6.
4- الكافي في الفقه: 183.
5- المجموع 323:6، حلية العلماء 196:3، المغني 47:3، الشرح الكبير 43:3.
6- المغني 47:3، الشرح الكبير 43:3، المجموع 323:6، حلية العلماء 196:3.

و عن أحمد روايتان(1).

و لو ساحق المجبوب فأنزل، فكالمجامع في غير الفرج.

ه - لو طلع الفجر و هو مجامع فاستدامه، وجب القضاء و الكفّارة

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(2) - لصدق المجامع عليه.

و قال أبو حنيفة: يجب القضاء خاصة، لأنّ وطأه لم يصادف صوما صحيحا، فلم يوجب الكفّارة، كما لو ترك النيّة و جامع(3).

و نمنع حكم الأصل.

و - لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم، لم يتعلّق به حكم، إلاّ أن يفرّط بترك المراعاة - و به قال أبو حنيفة و الشافعي(4) - لأنّه ترك للجماع، فلا يتعلّق به حكم الجماع.

و قال بعض الجمهور: تجب الكفّارة، لأنّ النزع جماع يلتذّ به، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة(5).

و ليس بحثنا فيه، بل مع عدم التلذّذ.

و قال مالك: يبطل صومه و لا كفّارة، لأنّه لا يقدر علي أكثر ممّا فعله في ترك الجماع، فأشبه المكره(6).

و نمنع وجوب القضاء.

مسألة 18: و يجب بالأكل و الشرب عامدا مختارا في نهار رمضان

علي

ص: 46


1- المغني 62:3-63، الشرح الكبير 62:3.
2- المغني 65:3، الشرح الكبير 66:3، المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 6: 338، حلية العلماء 202:3.
3- المغني 65:3، الشرح الكبير 66:3، حلية العلماء 202:3.
4- المبسوط للسرخسي 66:3، المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3، المهذب للشيرازي 189:1، المجموع 309:6 و 311، فتح العزيز 403:6، حلية العلماء 193:3.
5- المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3.
6- المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3، المجموع 311:6، حلية العلماء 193:3.

من يجب عليه الصوم: القضاء و الكفّارة عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الحسن البصري و الزهري و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبو حنيفة و مالك(1) - لأنّه أفطر بأعلي ما في الباب من جنسه، فوجب عليه الكفّارة، كالجماع، لما رواه الجمهور: أنّ رجلا أفطر، فأمره النبي صلّي اللّه عليه و آله، أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال: «يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»(3).

و قال الشافعي: لا تجب الكفّارة، بل القضاء خاصة - و به قال سعيد ابن جبير و النخعي و محمد بن سيرين و حمّاد بن أبي سليمان و أحمد و داود - لأصالة البراءة(4).

و الأصل قد يخالف، للدليل، و قد بيّناه.

و لا فرق بين الرجل و المرأة و العبد و الخنثي في ذلك، و لا بين أكل المحلّل و المحرّم، و لا المعتاد و غيره، خلافا للسيد المرتضي في الأخير(5) ،3.

ص: 47


1- الهداية للمرغيناني 124:1، المبسوط للسرخسي 73:3، الجامع الصغير للشيباني: 140، المجموع 330:6، المغني 52:3، الشرح الكبير 69:3، حلية العلماء 3: 199، اختلاف العلماء: 73، فتح العزيز 447:6.
2- صحيح مسلم 783:2-784-84، سنن أبي داود 313:2-2392، سنن البيهقي 225:4، سنن الدارقطني 191:2-53.
3- الكافي 101:4-102-1، الفقيه 72:2-308، التهذيب 321:4-984، الاستبصار 95:2-96-310.
4- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 328:6 و 329-330، فتح العزيز 446:6، حلية العلماء 198:3، اختلاف العلماء: 72-73، المغني 51:3، الشرح الكبير 3: 69، بداية المجتهد 302:1، المبسوط للسرخسي 73:3.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3.

و لأبي حنيفة و الشافعي(1).

مسألة 19: و يجب بإيصال الغبار الغليظ و الرقيق إلي الحلق عمدا:

القضاء و الكفّارة عند علمائنا،

لأنّه مفسد و أصل إلي الجوف، فأشبه الأكل.

و ما رواه سليمان بن جعفر المروزي، قال: سمعته يقول: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا، فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك له فطر، مثل الأكل و الشرب»(2).

مسألة 20: لو أجنب ليلا، و تعمّد البقاء علي الجنابة حتي طلع الفجر، وجب عليه القضاء و الكفّارة،
اشارة

لقوله عليه السلام: (من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثم ترك الغسل متعمّدا حتي أصبح، قال: «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا»(4).

و قال ابن أبي عقيل منّا: عليه القضاء خاصة. و هو ظاهر كلام السيد المرتضي(5) رحمه اللّه، و به قال أبو هريرة و الحسن البصري و سالم بن عبد اللّه و النخعي و عروة و طاوس(6).

ص: 48


1- الهداية للمرغيناني 124:1، بدائع الصنائع 99:2، المجموع 328:6 و 329-330، حلية العلماء 198:3، المغني 52:3، الشرح الكبير 69:3.
2- التهذيب 214:4-621، الاستبصار 94:2-305، و فيهما: سليمان بن حفص المروزي.
3- أورده السيد المرتضي في الانتصار: 63، و المحقق في المعتبر: 306.
4- التهذيب 212:4-616، الاستبصار 87:2-272.
5- انظر: جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 55:3.
6- المغني 78:3-79، الشرح الكبير 54:3، المجموع 307:6-308، حلية العلماء 192:3.

و قال الجمهور: لا قضاء و لا كفّارة، و صومه صحيح(1) ، لقوله تعالي:

حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ (2) .

و ما رووه عن النبي عليه السلام، أنّه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه(3).

و الجواب: لا يجب اشتراك المعطوف و المعطوف عليه في الغاية.

و الرواية ممنوعة، علي أنّها محمولة علي أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر، لا أنّه يفعله بعده، و إلاّ لكان مداوما لترك الأفضل و هو الصلاة في أول وقتها، فإنّ قولنا: كان يفعل، يدلّ علي المداومة.

تذنيب: لو أجنب ثم نام غير ناو للغسل حتي طلع الفجر، وجب عليه القضاء و الكفّارة،

لأنّه مع ترك العزم علي الغسل يسقط اعتبار النوم، و يصير كالمتعمّد للبقاء علي الجنابة.

و لو نام علي عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانيا ثم نام ثالثا علي عزم الاغتسال، و استمرّ نومه في الثالث حتي أصبح، وجب عليه القضاء و الكفّارة أيضا، لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظم عليه السلام، قال:

«إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه»(4) و هو يتناول صورة النزاع.

مسألة 21: أوجب الشيخان بالارتماس القضاء و الكفّارة

مسألة 21: أوجب الشيخان بالارتماس القضاء و الكفّارة(5).

ص: 49


1- المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 307:6، المغني 78:3، الشرح الكبير 3: 54، حلية العلماء 192:3، المدونة الكبري 206:1، المبسوط للسرخسي 56:3، بدائع الصنائع 92:2.
2- البقرة: 187.
3- صحيح البخاري 40:3، سنن البيهقي 214:4.
4- التهذيب 212:4-617، الاستبصار 87:2-273، و في الأول: سليمان بن حفص المروزي.
5- المقنعة: 54، المبسوط للطوسي 270:1.

و اختار السيد المرتضي - رحمه اللّه - الكراهية، و لا قضاء و لا كفّارة فيه(1) ، و به قال مالك و أحمد(2).

و للشيخ قول في الاستبصار: إنّه محرّم لا يوجب قضاء و لا كفّارة(3).

و هو الأقوي، لدلالة الأحاديث(4) علي المنع، و أصالة البراءة(5) علي سقوط القضاء و الكفّارة.

و قال ابن أبي عقيل: أنّه سائغ مطلقا. و به قال الجمهور(6) ، إلاّ من تقدّم.

مسألة 22: أوجب الشيخان القضاء و الكفّارة بتعمّد الكذب علي اللّه تعالي،

أو علي رسوله، أو علي الأئمّة عليهم السلام(7).

و خالف فيه السيد المرتضي(8) رحمه اللّه، و ابن أبي عقيل، و الجمهور(9) كافّة، و هو المعتمد، لأصالة البراءة.

احتجّ الشيخان: برواية أبي بصير، قال: سمعت الصادق عليه السلام، يقول: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم» قال: قلت: هلكنا، قال:

ص: 50


1- حكاه عنه، المحقّق في المعتبر: 302، و انظر: جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3.
2- حكاه عنهما، المحقّق في المعتبر: 302.
3- الاستبصار 85:2.
4- انظر: الكافي 106:4-1-3، و التهذيب 203:4-587 و 588، و الاستبصار 2: 84-258-260.
5- أي: و لدلالة أصالة البراءة..
6- المغني 44:3، الشرح الكبير 52:3، المهذب للشيرازي 193:1، المجموع 6: 348.
7- المقنعة: 54، المبسوط للطوسي 270:1.
8- جمل العلم و العلم (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 54:3، و حكاه عنه المحقق في المعتبر: 302.
9- كما في المعتبر: 302.

«ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب علي اللّه و علي رسوله صلّي اللّه عليه و آله، و علي الأئمّة عليهم السلام»(1).

و الإفطار يستلزم الكفّارة، لقول الصادق عليه السلام، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال: «يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر، تصدّق بما يطيق»(2).

و هي محمولة علي المفطرات الخاصة، و الحديث الأول اشتمل علي ما هو ممنوع عندهم، و هو: نقض الوضوء، فيحمل علي المبالغة.

مسألة 23: و القضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء

مسألة 23: و القضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء(3).

و حكي عن ربيعة أنّه قال: يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوما(4).

و قال سعيد بن المسيب: إنّه يصوم عن كلّ يوم شهرا(5).

و قال إبراهيم النخعي و وكيع: يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم(6).

و الكلّ باطل، لقوله عليه السلام للمجامع: (و صم يوما مكانه)(7).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «و يصوم يوما بدل يوم»(8).

ص: 51


1- الكافي 254:4-9، معاني الأخبار: 165، باب معني قول الصادق عليه السلام: الكذبة تفطر الصائم، الحديث 1، التهذيب 203:4-585.
2- الكافي 101:4-102 باب من أفطر متعمّدا من غير عذر.. الحديث 1، الفقيه 2: 72-308، التهذيب 321:4-984، الإستبصار 95:2-96-310.
3- المغني 52:3، حلية العلماء 199:3،
4- كما في المغني 52:3، و حلية العلماء 199:3، و المبسوط للسرخسي 72:3.
5- المغني 52:3، حلية العلماء 199:3.
6- المغني 52:3، حلية العلماء 199:3.
7- سنن ابن ماجة 534:1 ذيل الحديث 1671، سنن أبي داود 314:2-2393، سنن الدارقطني 190:2-51، سنن البيهقي 226:4 و 227.
8- التهذيب 207:4-600، الإستبصار 96:2-311.
مسألة 24: و الكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا علي التخيير عند أكثر علمائنا
اشارة

(1) ، و به قال مالك(2) ، لما رواه أبو هريرة: أنّ رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا»(4) و «أو» للتخيير.

و قال ابن أبي عقيل: إنّها علي الترتيب - و به قال أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و الأوزاعي(5) - لقوله عليه السلام للواقع علي أهله: (هل تجد رقبة تعتقها؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟) قال: لا، قال: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟)(6).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة، مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم»(7).

ص: 52


1- كالشيخ الطوسي في النهاية: 154، و المبسوط 271:1، و الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 212، و سلاّر في المراسم: 187، و ابن إدريس في السرائر: 86.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 124، بداية المجتهد 305:1، المغني 66:3، الشرح الكبير 69:3، المجموع 345:6، حلية العلماء 201:3، المبسوط للسرخسي 3: 71، فتح العزيز 452:6.
3- صحيح مسلم 782:2 و 783-83 و 84، سنن البيهقي 225:4.
4- الفقيه 72:2-308، التهذيب 321:4-984، الإستبصار 95:2-96-310.
5- بدائع الصنائع 96:5، المبسوط للسرخسي 71:3، المغني 66:3، الشرح الكبير 3: 69، المجموع 333:6 و 345، حلية العلماء 201:3، فتح العزيز 452:6، بداية المجتهد 305:1.
6- صحيح البخاري 41:3، صحيح مسلم 781:2-1111، سنن ابن ماجة 1: 534-1671، سنن الترمذي 102:3-724، سنن الدار قطني 190:2-49، سنن أبي داود 313:2-2390، سنن البيهقي 221:4.
7- التهذيب 207:4-600، الاستبصار 96:2-311.

و لا دلالة، لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها و بين غيرها، و إيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره.

و قال الحسن البصري: إنّه مخيّر بين عتق رقبة و نحر بدنة(1) ، لما رواه العامة عن جابر بن عبد اللّه عن النبي عليه السلام، أنّه قال: «من أفطر يوما في شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا»(2).

و رواية ضعيف فلا يعوّل عليه.

و للسيد المرتضي - رحمه اللّه - قولان: أحدهما: أنّها علي الترتيب، و الثاني: أنّها علي التخيير(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و التخيير عندنا أولي، لموافقة براءة الذمّة.

تذنيب: الأولي الترتيب،

لما فيه من الخلاص عن الخلاف، و لاشتماله علي العتق الذي هو أفضل الخصال.

مسألة 25: صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع

- و هو قول عامة أهل العلم(5) - لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبي عليه السلام، قال لمن واقع أهله: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟)(6).

ص: 53


1- المجموع 345:6، حلية العلماء 201:3.
2- سنن الدار قطني 191:2-54.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 306، و في الانتصار: 69 القول بالتخيير.
4- المغني 66:3، الشرح الكبير 69:3، المجموع 345:6، فتح العزيز 452:6، حلية العلماء 201:3.
5- المجموع 345:6، المغني 68:3، الشرح الكبير 70:3، المبسوط للسرخسي 3: 72.
6- أوعزنا إلي مصادرها في الهامش (1) من صفحة 40.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أو يصوم شهرين متتابعين»(1).

و لأنّها كفّارة فيها صوم شهرين، فكان متتابعا، كالظهار و القتل(2).

و قال ابن أبي ليلي: لا يجب التتابع(3) ، لما روي أبو هريرة أنّ رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا(4). و لم يذكر التتابع، و الأصل عدمه.

و حديثنا أولي، لأنّه لفظ النبي صلّي اللّه عليه و آله، و حديثكم لفظ الراوي، و لأنّ الأخذ بالزيادة أولي.

مسألة 26: الواجب في الإطعام مدّ لكلّ مسكين،

قدره رطلان و ربع بالعراقي، و الواجب خمسة عشر صاعا - و به قال الشافعي و عطاء و الأوزاعي(5) - لما رواه العامة في حديث المجامع، أنّه أتي النبي صلّي اللّه عليه و آله، بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال: (خذها و أطعم عيالك)(6).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا، قال: «عليه خمسة عشر صاعا، لكلّ مسكين مدّ بمدّ النبي صلّي اللّه عليه و آله»(7).

ص: 54


1- التهذيب 205:4-206-594، الاستبصار 95:2-96-310، و الفقيه 2: 72-308.
2- أي: كفّارة الظهار و القتل.
3- المجموع 345:6، المبسوط للسرخسي 72:3.
4- صحيح مسلم 783:2-784-84، سنن أبي داود 313:2-2392، سنن الدارقطني 191:2-53، و سنن البيهقي 225:4.
5- المغني 69:3، الشرح الكبير 71:3، المجموع 345:6، بداية المجتهد 305:1، المبسوط للسرخسي 89:3.
6- سنن أبي داود 313:2-2390، سنن الدارقطني 190:2-49، سنن البيهقي 222:4 بتفاوت يسير.
7- التهذيب 207:4-599، و الاستبصار 96:2-312 بتفاوت يسير في الأخير.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لكلّ مسكين مدّان من طعام(1).

و الأصل براءة الذمة.

و قال أبو حنيفة: من البرّ، لكلّ مسكين نصف صاع، و من غيره صاع(2) ، لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، في حديث سلمة بن صخر: (و أطعم وسقا من تمر)(3).

و هو ضعيف، لأنّه مختلف فيه.

و قال أحمد: مدّ من برّ و(4) نصف صاع من غيره(5) ، لما رواه أبو زيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله، للمظاهر: (أطعم هذا فإنّ مدّي شعير مكان مدّ برّ(6).

و ليس محلّ النزاع.

مسألة 27: قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة،

و علي القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه، جاز له المضيّ فيه، و الانتقال إلي الرقبة أفضل، لأنّ فرضه انتقل بعجزه الي الصيام و قد تلبّس به، فكان الواجب إتمامه، و سقط وجوب العتق، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة.

ص: 55


1- المبسوط للطوسي 271:1.
2- المبسوط للسرخسي 89:3، المغني 69:3، الشرح الكبير 71:3، بداية المجتهد 305:1.
3- سنن أبي داود 265:2-2213، مسند أحمد 37:4.
4- في المصدر: أو. و هو الصحيح.
5- المغني 69:3، الشرح الكبير 71:3، فتح العزيز 456:6.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 70:3، و الشرح الكبير 72:3.

و لأنّه بعد الرقبة(1) تعيّن عليه الصوم، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم.

و قال أبو حنيفة و المزني: لا يجزئه الصوم، و يكفّر بالعتق - و للشافعي قولان(2) - لأنّه قدر علي الأصل قبل أداء فرضه بالبدل، فيبطل حكم البدل، كالمتيمّم يري الماء(3).

و ليس حجّة، فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها، و لا يبطل تيمّمه، أمّا قبلها(4) فلا، و الفرق: أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له، فلم يظهر له حكم.

و لأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره، فإذا وجد الماء، ظهر حكمه، بخلاف الصوم، فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية.

مسألة 28: لو عجز عن الأصناف الثلاثة، صام ثمانية عشر يوما،
اشارة

فإن لم يقدر، تصدّق بما وجد، أو صام ما استطاع، فإن لم يتمكّن، استغفر اللّه تعالي و لا شيء عليه، قاله علماؤنا، لما رواه العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال للمجامع: (اذهب فكله أنت و عيالك)(5) و لم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال، و لو كان الوجوب ثابتا في ذمته، لأمره بالخروج عنه عند قدرته.

و من طريق الخاصة: قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (فخذه فأطعمه عيالك و استغفر اللّه عزّ و جل)(6).

ص: 56


1- أي: بعد فقدان الرقبة.
2- المغني 68:3، الشرح الكبير 71:3، الام 283:5، مختصر المزني: 206، المهذب للشيرازي 118:2، حلية العلماء 195:7، الحاوي الكبير 508:10.
3- بدائع الصنائع 98:5، المغني 68:3، الشرح الكبير 71:3، حلية العلماء 195:7، المهذب للشيرازي 118:2، مختصر المزني: 206.
4- في «ف»: قبله.
5- صحيح مسلم 781:2-782-1111، سنن البيهقي 221:4 بتفاوت.
6- التهذيب 206:4-595، الاستبصار 80:2-81-245، و الكافي 102:4-2.

و لأنّ الكفّارة حقّ من حقوق اللّه تعالي علي وجه البدل، فلا يجب مع العجز، كصدقة الفطر.

و قال الزهري و الثوري و أبو ثور: إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة، كانت الكفّارة ثابتة في ذمّته - و هو قياس قول أبي حنيفة(1) - لأنّ النبي عليه السلام، أمر الأعرابي أن يأخذ التمر و يكفّر عن نفسه، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة، و هو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز.

و لأنّه حقّ للّه تعالي في المال، فلا يسقط بالعجز، كسائر الكفّارات(2).

و ليس حجّة، لأنّه عليه السلام، دفع (التمر)(3) تبرّعا منه، لا أنّه واجب علي العاجز. و حكم الأصل ممنوع.

و قال الأوزاعي: تسقط الكفّارة عنه(4). و للشافعي قولان(5). و عن أحمد روايتان(6).

فروع:
أ - حدّ العجز عن التكفير:

أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلا عن قوته و قوت عياله ذلك اليوم.

ب - لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز،

بل يجب القضاء مع القدرة عليه، فإن عجز أيضا عنه، سقط، لعدم الشرط، و هو: القدرة.

ج - اختلفت عبارة الشيخين هنا،

فقال المفيد رحمه اللّه: لو عجز عن الأصناف الثلاثة، صام ثمانية عشر يوما متتابعات، فإن لم يقدر، تصدّق بما

ص: 57


1- المغني 72:3-73، الشرح الكبير 72:3.
2- المغني 72:3-73، الشرح الكبير 72:3.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و في الطبعة الحجرية: البرّ. و الصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.
4- المغني و الشرح الكبير 72:3.
5- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 343:6، فتح العزيز 454:6، حلية العلماء 204:3.
6- المغني 72:3-73، الشرح الكبير 72:3.

أطاق، أو فليصم ما استطاع(1). فجعل الصدقة مرتّبة علي العجز عن صوم ثمانية عشر.

و الشيخ - رحمه اللّه - عكس، فقال: إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه، فإن لم يتمكّن من الصدقة، صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه(2).

د - أطلق الشيخ - رحمه اللّه - صوم ثمانية عشر يوما

د - أطلق الشيخ - رحمه اللّه - صوم ثمانية عشر يوما(3).

و المفيد و المرتضي - رحمهما اللّه - قيّداها بالتتابع(4).

و رواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام، من قوله: «إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار و كفّارة اليمين»(5) يدلّ علي قول الشيخ رحمه اللّه تعالي.

ه - لو عجز عن صيام شهرين، و قدر علي صوم شهر مثلا، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوما إشكال.

أمّا في الصدقة، فلو عجز عن إطعام ستين، و تمكّن من إطعام ثلاثين، وجب قطعا، لقوله عليه السلام: (فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع)(6).

و كذا الإشكال لو تمكّن من صيام شهر و إطعام ثلاثين هل يجبان أم لا؟

مسألة 29: و إنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع، كرمضان، أو بغيره، كالنذر المعيّن،

و تجب أيضا في قضاء رمضان بعد الزوال

ص: 58


1- المقنعة: 55.
2- النهاية: 154.
3- النهاية: 154.
4- المقنعة: 55، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 55:3.
5- الكافي 120:4-1، الفقيه 95:2-428، التهذيب 274:4-830، الاستبصار 117:2-382.
6- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة، و نحوه من طريق الخاصة عن الإمام الصادق عليه السلام، في الكافي 101:4 و 102-1 و 3 و الفقيه 72:2-1، و التهذيب 205:4 و 206-594 و 596، و الاستبصار 95:2 و 96-310 و 313.

لا قبله، و في الاعتكاف عند علمائنا.

و أطبقت العلماء علي سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان(1) ، إلاّ قتادة، فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان(2).

أمّا قضاء رمضان: فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها، فتجب في قضائها كالحجّ.

و لما رواه بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، في رجل أتي أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: «إن كان أتي أهله قبل الزوال، فلا شيء عليه إلاّ يوما مكان يوم، و إن كان أتي أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق علي عشرة مساكين»(3).

و أمّا النذر المعيّن: فلتعيّن زمانه كرمضان.

و لأنّ القاسم الصيقل كتب اليه عليه السلام: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما للّه تعالي، فوقع في ذلك اليوم علي أهله، ما عليه من الكفارة ؟ فأجابه: «يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة»(4).

و أمّا الاعتكاف الواجب: فلأنّه كرمضان في التعيين.

و لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السلام عن المعتكف يجامع، فقال: «إذا فعل فعليه ما علي المظاهر»(5).

مسألة 30: قد بيّنا أنّه فرق بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال و بعده،
اشارة

فتجب الكفّارة لو أفطر بعده، و لا تجب لو أفطر قبله.

ص: 59


1- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3.
2- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3.
3- الكافي 122:4-5، الفقيه 96:2-430، التهذيب 278:4-279-844، الاستبصار 120:2-391.
4- التهذيب 286:4-865، الإستبصار 125:2-406.
5- الكافي 179:4 (باب المعتكف يجامع أهله) الحديث 1، الفقيه 122:2-532، التهذيب 291:4-887، الاستبصار 130:2-424.

و الجمهور كافة - إلاّ قتادة - علي سقوط الكفّارة فيهما(1).

و قتادة أوجبها قبل الزوال و بعده(2).

و ابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضا.

و المشهور ما بيّناه، لأنّه قبل الزوال مخيّر بين الإتمام و الإفطار، و بعده يتعيّن الصوم، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة و سقوطها، لقول الصادق عليه السلام: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متي ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الي زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر»(3).

تذنيب: لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال، لم يجب عليه شيء سوي الإعادة،

لأصالة البراءة، و إن كان في قول الصادق عليه السلام، دلالة ما علي الوجوب.

مسألة 31: المشهور في كفّارة قضاء رمضان: إطعام عشرة مساكين، فإن لم يتمكّن، صام ثلاثة أيام.
اشارة

و قد روي: أنّه لا شيء عليه(4). و روي: أنّ عليه كفّارة رمضان(5).

و تأوّلهما الشيخ - رحمه اللّه - بحمل الاولي علي العاجز(6) ، و الثانية علي المستخفّ بالعبادة، المتهاون بها(7).

ص: 60


1- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3، بداية المجتهد 307:1، حلية العلماء 3: 204.
2- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3، بداية المجتهد 307:1، حلية العلماء 3: 204.
3- التهذيب 278:4-841، الاستبصار 120:2-389.
4- التهذيب 280:4-847، الاستبصار 121:2-122-394.
5- التهذيب 279:4-846، الاستبصار 121:2-393.
6- المبسوط للطوسي 287:1.
7- التهذيب 279:4 ذيل الحديث 846، الاستبصار 121:2 ذيل الحديث 393.

و أمّا النذر المعيّن: فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان، لمساواته إيّاه في تعيين الصوم.

و ابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة، و هو قول العامّة(1).

تذنيب: لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان،

ثمّ أفطر بعد الزوال، ثمّ ظهر أنّه من رمضان، احتمل سقوط الكفّارة.

أمّا عن رمضان: فلأنّه لم يقصد إفطاره، بل قصد إفطار يوم الشك، و هو جائز له.

و أمّا عن قضاء رمضان: فلظهور أنّه زمان لا يصح(2) للقضاء.

و يحتمل: وجوب كفّارة رمضان، و يحتمل وجوب كفّارة قضائه.

مسألة 32: يشترط في إفساد الصوم بالإفطار أمور ثلاثة:

وقوعه عنه متعمّدا، مختارا، مع وجوب الصوم عليه.

أمّا شرط العمد: فإنّه عندنا ثابت إجماعا منّا، فإنّ المفطر ناسيا لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان، و لا يجب به قضاء و لا كفّارة عند علمائنا أجمع - و به قال أبو هريرة و ابن عمر و عطاء و طاوس و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(3) - لما رواه العامة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا، فليتمّ صومه، فإنّما أطعمه اللّه و سقاه)(4).

ص: 61


1- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3.
2- في «ن»: لا يصلح.
3- المغني 53:3، الشرح الكبير 46:3، المجموع 324:6، حلية العلماء 196:3، اختلاف العلماء: 69، الهداية للمرغيناني 122:1.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 53:3 و الشرح الكبير 46:3، و نحوه في صحيح البخاري 3: 40، و سنن الدار قطني 178:2-179-29، و سنن البيهقي 229:4.

و عن علي عليه السلام، قال: «لا شيء علي من أكل ناسيا»(1).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: من صام فنسي فأكل و شرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي، فإنّما هو رزق رزقه اللّه فليتمّ صيامه»(2).

و لأنّ التكليف بالإمساك يستدعي الشعور، و هو منفي في حقّ الناسي، فكان غير مكلّف به، لاستحالة تكليف ما لا يطاق.

و قال ربيعة و مالك: يفطر الناسي كالعامد، لأنّ الأكل ضدّ الصوم، لأنّ الصوم كفّ، فلا يجامعه، و تبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة(3).

و نمنع كون الأكل مطلقا ضدّا، بل الضدّ هو: الأكل العمد. و نمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام.

و لو فعل ذلك حالة النوم، لم يفسد صومه، لانتفاء القصد فيه و العلم، فهو أعذر من الناسي.

أمّا الجاهل بالتحريم فإنّه غير معذور، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر و يكفّر.

و أمّا المكره و المتوعّد بالمؤاخذة، فالأقرب: فساد صومهما، لكن لا تجب الكفّارة.

مسألة 33: قد بيّنا أنّ القصد لوصول شيء إلي الجوف شرط في الإفساد،

فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلي حلقه، لم يفطر بذلك إجماعا.

ص: 62


1- أورده ابنا قدامة في المغني 53:3، و الشرح الكبير 46:3، و انظر: سنن البيهقي 4: 229.
2- التهذيب 268:4-809.
3- المغني 53:3، الشرح الكبير 46:3، المدونة الكبري 208:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 125، حلية العلماء 197:3، اختلاف العلماء: 69، الهداية للمرغيناني 1: 122.

أمّا لو وصل غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلي جوفه، فإن كانا غليظين، و أمكنه التحرّز منه، فإنّه يفسد صومه، و لو كانا خفيفين، لم يفطر.

و العامة لم تفصّل، بل قالوا: لا يفطر(1).

و لو أمكنه إطباق فيه أو اجتناب الطريق، لم يفطر عندهم أيضا، لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج إليها عسر، فيكون منفيا(2) ، بل لو فتح فاه عمدا حتي وصل الغبار إلي جوفه، فأصحّ وجهي الشافعية: أنّه يقع عفوا(3).

و لو وطئت المرأة قهرا، فلا تأثير له في إفساد صومها، و كذا لو وجر في حلق الصائم ماء و شبهه بغير اختياره.

و للشافعي قولان فيما لو أغمي عليه فوجر في حلقه معالجة و إصلاحا، أحدهما: أنّه يفطر، لأنّ هذا الإيجار لمصلحته، فكأنّه بإذنه و اختياره.

و أصحّهما: أنّه لا يفطر، كإيجار غيره بغير اختياره(4).

و هذا الخلاف بينهم مفرّع علي أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإغماء (و إلاّ فالإيجار)(5) مسبوق بالبطلان(6).

و هذا الخلاف كالخلاف في المغمي عليه المحرم إذا عولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية ؟(7).

مسألة 34: ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا،
اشارة

سواء جمعه في فمه

ص: 63


1- انظر: فتح العزيز 386:6، و المجموع 327:6، و المغني 50:3-51، و الشرح الكبير 48:3-49.
2- فتح العزيز 386:6، المجموع 327:6-328.
3- فتح العزيز 386:6، المجموع 327:6-328.
4- فتح العزيز 386:6-387، المجموع 325:6.
5- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية: و لا بالإيجار. و ما أثبتناه - و هو الصحيح - من المصدر.
6- فتح العزيز 387:6.
7- فتح العزيز 387:6، المجموع 325:6.

ثم ابتلعه، أو لم يجمعه، و به قال الشافعي(1) ، و هو أصحّ وجهي الحنابلة(2).

أمّا إذا لم يجمعه: فلأنّ العادة تقتضي بلعه، و التحرّز منه غير ممكن، و به يحيي الإنسان، و عليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالي وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (3).

و أمّا إذا جمعه: فلأنّه يصل إلي جوفه من معدنه، فأشبه إذا لم يجمعه.

و قال بعض الحنابلة: إنّه يفطر، لأنّه يمكنه التحرّز عنه، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره(4). و هو ممنوع.

و شرط الشافعية في عدم إفطاره شروطا:
الأول: أن يكون الريق صرفا،

فلو كان ممزوجا بغيره متغيّرا به، فإنّه يفطر بابتلاعه، سواء كان ذلك الغير طاهرا، كما لو كان يفتل خيطا مصبوغا فغيّر ريقه، أو نجسا، كما لو دميت لثته و تغيّر ريقه.

فلو ابيضّ الريق و زال تغيّره، ففي الإفطار بابتلاعه للشافعية وجهان:

أظهرهما عندهم: الإفطار، لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته، و الريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه.

و الثاني: عدم الإفطار، لأنّ ابتلاع الريق مباح، و ليس فيه عين(5) آخر و إن كان نجسا حكما.

و علي هذا لو تناول بالليل شيئا نجسا و لم يغسل فمه حتي أصبح فابتلع الريق، بطل صومه علي الأول.

الثاني: أن يبتلعه من معدنه،

فلو خرج الي الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه

ص: 64


1- فتح العزيز 389:6، المجموع 317:6.
2- المغني 40:3، الشرح الكبير 73:3.
3- الأنبياء: 30، و انظر: فتح العزيز 389:6.
4- المغني 40:3، الشرح الكبير 73:3.
5- في الطبعة الحجرية بدل عين: شيء.

أو غير لسانه و ابتلعه، بطل صومه. و هذا عندنا كما ذكروا.

أمّا لو أخرج لسانه و عليه الريق ثم ردّه و ابتلع ما عليه، لم يبطل صومه عندنا - و هو أظهر وجهي الشافعية - لأنّ اللسان كيف ما يقلب معدود من داخل الفم، فلم يفارق ما عليه معدنه.

فلو بلّ الخيّاط الخيط بالريق، أو الغزّال بريقه، ثم ردّه إلي الفم علي ما يعتاد عند القتل، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل، فلا بأس، و إن كانت و ابتلعها، أفطر عندنا - و هو قول أكثر الشافعية - لأنّه لا ضرورة اليه و قد ابتلعه بعد مفارقة المعدن.

و الثاني للشافعية: أنّه لا يفطر، لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقي من الماء في الفم بعد المضمضة.

و خصّص بعض الشافعية، الوجهين بالجاهل بعدم الجواز، و إذا كان عالما يبطل صومه إجماعا.

الثالث: أن يبتلعه و هو علي هيئته المعتادة،

أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر، كما لو لم يجمعه.

و للشافعية وجهان: أحدهما: أنّه يبطل صومه، لإمكان الاحتراز منه.

و أصحّهما: أنّه لا يبطل - و به قال أبو حنيفة - لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه و لم يخرج من معدنه، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقا(1).

فروع:
أ - قد بيّنا أنّه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره و لا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه.

و ما روي عن عائشة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يمصّ لسانها و هو

ص: 65


1- فتح العزيز 389:6-391، المجموع 317:6-318، و بدائع الصنائع 90:2.

صائم(1) ، ضعيف، لأنّ أبا داود قال: إنّ إسناده ليس بصحيح(2).

سلّمنا، لكن يجوز أن يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه.

ب - لو ترك في فمه حصاة و شبهها و أخرجها و عليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها و ابتلع الريق، أفطر.

و إن كان قليلا فإشكال ينشأ: من أنّه لا يزيد علي رطوبة المضمضة، و من أنّه ابتلع ريقا منفصلا عن فمه فأفطر به كالكثير.

ج - قد بيّنا كراهة العلك، لما فيه من جمع الريق في الفم و ابتلاعه،

فتقلّ مشقّة الصوم، فيقصر الثواب. و لا فرق بين أن يكون له طعم أم لا.

و لو كان مفتّتا فوصل منه شيء إلي الجوف، بطل صومه، كما لو وضع سكرة في فمه و ابتلع الريق بعد ما ذابت فيه.

د - لو ابتلع دما خرج من سنّه أو لثته، أفطر،

بخلاف الريق.

ه - النخامة إذا لم تحصل في حدّ الظاهر من الفم، جاز ابتلاعها.

و إن حصلت فيه بعد انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلي أقصي الفم فوق الحلقوم، فإن لم يقدر علي صرفه و مجّه حتي نزل الي الجوف، لم يفطر، و إن ردّه الي فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه، أفطر عند الشافعية(3).

و إن قدر علي قطعه من مجراه و مجّه، فتركه حتي جري بنفسه، لم يفطر.

و للشافعية وجهان(4).

و - لو تنخّع

و - لو تنخّع(5) من جوفه ثم ازدرده، فالأقرب: عدم الإفطار،

لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج، فأشبه(6) الريق.

ص: 66


1- سنن أبي داود 311:2-312-2386، سنن البيهقي 234:4.
2- حكاه ابنا قدامة في المغني 41:3، و الشرح الكبير 74:3.
3- فتح العزيز 393:6، المجموع 319:6.
4- فتح العزيز 393:6، المجموع 319:6.
5- النخاعة: النخامة. الصحاح 1288:3.
6- في هامش «ن»: بخطّه [أي المصنّف]: أشبه.

و قال الشافعي: إنّه يفطر، لأنّه يمكنه(1) التحرّز منه، فأشبه الدم، و لأنّها من غير الفم فأشبه(2) القيء(3). و عن احمد روايتان(4).

مسألة 35: لا يفطر بالمضمضة و الاستنشاق مع التحفّظ إجماعا،

سواء كان في الطهارة أو غيرها.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال للسائل عن القبلة: (أ رأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أ كنت مفطرا؟)(5).

و لأنّ الفم في حكم الظاهر، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف و العين.

أمّا لو تمضمض للصلاة، فسبق الماء الي جوفه، أو استنشق، فسبق الي دماغه من غير قصد، لم يفطر عند علمائنا(6) - و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و الشافعي في أحد القولين، و هو مروي عن ابن عباس(7) - لأنّه وصل الماء الي جوفه من غير قصد و لا إسراف، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه.

و لأنّه وصل بغير اختياره، فلا يفطر به كالغبار.

و للشافعية طريقان: أصحّهما عندهم: أنّ المسألة علي قولين، أحدهما: أنّه يفطر - و به قال مالك و أبو حنيفة(8) - لأنّه وصل الماء الي جوفه

ص: 67


1- في «ن، ف»: أمكنه.
2- في «ن، ط»: أشبه.
3- المغني 41:3، الشرح الكبير 74:3.
4- المغني 41:3، الشرح الكبير 74:3-75.
5- سنن أبي داود 311:2-2385، سنن الدارمي 13:2، سنن البيهقي 261:4، المصنّف - لابن أبي شيبة - 61:3، المستدرك - للحاكم - 431:1 بتفاوت.
6- في «ف»: عندنا.
7- المغني 42:3، الشرح الكبير 50:3-51، المجموع 326:6 و 327، فتح العزيز 393:6.
8- المغني 42:3، الشرح الكبير 51:3، المجموع 327:6، فتح العزيز 393:6، المدونة الكبري 200:1، تحفة الفقهاء 354:1، بدائع الصنائع 91:2

بفعله، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه و أنفه. و الثاني - و به قال أحمد(1) - أنّه لا يفطر.

و الثاني: القطع بأنّه لا يفطر.

و علي القول بطريقة القولين، فما محلّهما؟ فيه ثلاث طرق، أصحّها عندهم: أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة و الاستنشاق، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف.

و ثانيها: أنّ القولين فيما إذا بالغ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف.

و الفرق علي الطريقين: أنّ المبالغة منهي عنها، و أصل المضمضة و الاستنشاق مرغّب فيه، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره.

و الثالث: طرد القولين في الحالتين، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار علي أصل المضمضة و الاستنشاق، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإفطار، و عند عدمها الصحّة(2).

هذا إذا كان ذاكرا للصوم، أمّا إذا كان ناسيا فإنّه لا يفطر بحال.

و سبق الماء عند غسل الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة، و كذا عند غسله من أكل الطعام.

و لو تمضمض للتبرّد، فدخل الماء حلقه من غير قصد، أفطر، لأنّه غير مأمور به.

مسألة 36: قد بيّنا أنّ الأكل و الشرب ناسيا غير مفطر عند علمائنا

مسألة 36: قد بيّنا أنّ الأكل و الشرب ناسيا غير مفطر عند علمائنا(3)

سواء قلّ أكله أو كثر.

ص: 68


1- المغني 42:3، الشرح الكبير 50:3، فتح العزيز 393:6، المجموع 327:6.
2- فتح العزيز 393:6-394.
3- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: عندنا. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

و قال مالك: إنّه يفطر(1). و للشافعي فيما إذا كثر أكله ناسيا قولان(2).

و لو أكل جاهلا، أفسد صومه.

و قال الشافعي: إن كان قريب العهد بالإسلام، أو كان قد نشأ في بادية، و كان يجهل مثل ذلك، لم يبطل صومه، و إلاّ بطل(3).

و لو جامع ناسيا للصوم، لم يفطر عندنا. و للشافعية طريقان، أصحّهما:

القطع بأنّه لا يبطل. و الثاني: أنّه يخرّج علي قولين(4).

مسألة 37: إذا أجنب الصائم ليلا في رمضان أو المعيّن ثم نام،

فإن كان علي عزم ترك الاغتسال و استمرّ به النوم الي أن أصبح، وجب عليه القضاء و الكفّارة.

و إن نام علي عزم الاغتسال ثم استيقظ ثانيا ثم نام ثالثا بعد انتباهتين، وجب القضاء و الكفّارة أيضا.

و إن نام من أول مرة عازما علي الاغتسال فطلع الفجر، لم يكن عليه شيء.

و إن نام ثانيا، و استمرّ به النوم علي عزم الاغتسال حتي طلع الفجر، وجب عليه القضاء خاصة، لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام:

الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتي يصبح، قال: «يتمّ يومه(5) و يقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتي يصبح أتمّ يومه و جاز له»(6).

و لأنّه فرّط في الاغتسال، فوجب عليه القضاء، و لا تجب الكفّارة، لأنّ المنع من النومة الأولي تضييق علي المكلّف.

مسألة 38: لو ظنّ بقاء الليل، فأكل أو شرب أو جامع،

و بالجملة

ص: 69


1- المغني 53:3، الشرح الكبير 46:3، حلية العلماء 197:3، المجموع 324:6، فتح العزيز 401:6.
2- فتح العزيز 401:6، المجموع 324:6.
3- فتح العزيز 401:6، المجموع 324:6.
4- فتح العزيز 401:6، المجموع 324:6.
5- في التهذيب و الفقيه و الطبعة الحجرية: صومه.
6- الاستبصار 86:2-269، التهذيب 211:4-612، و الفقيه 75:2-323.

فعل المفطر، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار، و أنّ الفجر قد كان طالعا، فإن كان قد رصد الفجر و راعاه فلم يتبيّنه، أتمّ صومه، و لا شيء عليه.

و إن لم يرصد الفجر مع القدرة علي المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه إتمام الصوم و القضاء خاصة، و لا كفّارة عليه، لأنّه مفرّط بترك المراعاة، فوجب القضاء، لإفساده الصوم بفعل المفطر، و لا كفّارة، لعدم الإثم، و أصالة البقاء.

و أمّا مع المراعاة: فلأنّ الأصل بقاء الليل، و قد اعتضد بالمراعاة، فكان التناول جائزا له مطلقا، فلا فساد حينئذ، و جري مجري الساهي.

و سئل الصادق عليه السلام، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن، فقال: «يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه»(1).

و إن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر.

و العامّة لم يفصّلوا، بل قال الشافعي: لا كفّارة عليه مطلقا، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل، و عليه القضاء، و هو قول عامة الفقهاء(2) ، إلاّ إسحاق به راهويه و داود، فإنّهما قالا: لا يجب عليه القضاء(3). و هو مذهب الحسن و مجاهد و عطاء و عروة(4).

و قال أحمد: إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع و يبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء و الكفّارة مطلقا(5). و لم يعتبر المراعاة.

و احتجّ موجبو القضاء مطلقا: بأنّه أكل مختارا، ذاكرا للصوم فأفطر، كما لو أكل يوم الشك، و لأنّه جهل وقت الصيام، فلم يعذر به، كالجهل بأول رمضان.3.

ص: 70


1- الكافي 96:4-1، التهذيب 269:4-812، الاستبصار 116:2-379.
2- المجموع 306:6 و 309، المغني 76:3، الشرح الكبير 53:3، حلية العلماء 193:3.
3- المجموع 306:6 و 309، المغني 76:3، الشرح الكبير 53:3، حلية العلماء
4- المجموع 306:6 و 309، المغني 76:3، الشرح الكبير 53:3، حلية العلماء
5- المغني 65:3، الشرح الكبير 67:3.

و احتجّ الآخرون: بما رواه زيد بن وهب، قال: كنت جالسا في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في رمضان في زمن عمر، فأتينا بعساس(1) فيها شراب من بيت حفصة، فشربنا و نحن نري أنّه من الليل، ثم انكشف السحاب، فإذا الشمس طالعة، قال: فجعل الناس يقولون: نقضي يوما مكانه، فقال عمر: و اللّه لا نقضيه، ما تجانفنا(2) لإثم(3).

و الجواب: المنع من الأكل في رمضان عالما مع المراعاة. و قول عمر ليس حجّة.

و احتجّ أحمد: بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل(4).

و الأمر إنّما كان للهتك، لأنّ الأعرابي شكا كثرة الذنب و شدّة المؤاخذة، و ذلك إنّما يكون مع قصد الإفطار.

مسألة 39: لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع،

فقلّده و ترك المراعاة مع قدرته عليها، ثم فعل المفطر و كان الفجر طالعا، وجب عليه القضاء خاصة، لأنّه مفرّط بترك المراعاة، فأفسد صومه، و وجب القضاء، و الكفّارة ساقطة عنه، لأنّه بناء علي أصالة بقاء الليل و علي صدق المخبر الذي هو الأصل في المسلم.

و سأل معاوية بن عمّار، الصادق عليه السلام: آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع، فآكل ثم أنظر(5) فأجده قد طلع حين نظرت، قال: «تتمّ يومك(6) و تقضيه، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك

ص: 71


1- العسّ: القدح الكبير. و جمعه عساس و أعساس. النهاية - لابن الأثير - 236:3.
2- الجنف: الميل. لسان العرب 32:9.
3- سنن البيهقي 217:4 و أورده ابنا قدامة في المغني 76:3-77، و الشرح الكبير 53:3.
4- المغني 66:3، الشرح الكبير 67:3.
5- في الكافي و «ف»: أنظره.
6- في النسخ المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية: يومه. و ما أثبتناه من الكافي و التهذيب

قضاؤه»(1).

و لو أخبره غيره بطلوع الفجر فظنّ كذبه، فتناول المفطر و كان الفجر طالعا، وجب القضاء، للتفريط بترك المراعاة مع القدرة، و لا كفّارة عليه، لعدم الإثم، لأصالة بقاء الليل.

و سأل عيص بن القاسم، الصادق عليه السلام، عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت، فنظر الي الفجر فناداهم، فكفّ بعضهم، و ظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل، قال: «يتمّ صومه و يقضي»(2).

و لا فرق بين أن يكون المخبر عدلا أو فاسقا، للإطلاق.

و لو أخبره عدلان بطلوع الفجر فلم يكفّ، ثم ظهر أنّه كان طالعا، فالأقرب: وجوب القضاء و الكفّارة، لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع، يجب العمل به، فتترتّب عليه توابعه.

مسألة 40: لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار، وجب القضاء خاصة،

لتفريطه حين بني علي وهمه.

و لو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه، أتمّ صومه، و وجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا(3) - و هو قول العامة(4) - لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامدا، فوجب عليه القضاء، و لا كفّارة، لحصول الشبهة.

و لما رواه العامة عن حنظلة، قال: كنّا في شهر رمضان و في السماء سحاب، فظننّا أنّ الشمس غابت، فأفطر بعضنا، فأمر عمر من كان أفطر أن

ص: 72


1- الكافي 97:4-3، التهذيب 269:4-813، و نحوه في الفقيه 83:2-368
2- الكافي 97:4-4، التهذيب 270:4-814، و الفقيه 83:2-367.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة: 57، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 183.
4- كما في المعتبر: 307.

يصوم مكانه(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام، في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنّه الليل، فقال: «علي الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (2) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمّدا»(3).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر: إنّه يمسك و لا قضاء عليه(4) ، لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة فأفطر، ثم إنّ السحاب انجلي فإذا الشمس لم تغب، فقال: «قد تمّ صومه و لا يقضيه»(5).

و الحديث ضعيف السند، لأنّ فيه محمد بن الفضيل و هو ضعيف.

و اعلم: أنّه فرق بين بقاء الليل و دخوله، فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء، و الثاني اعتضد بضدّه، و هو: أصالة عدم الدخول، مع أنّه متمكّن من الصبر الي أن يحصل اليقين.

و اعلم: أنّ المزني نقل عن الشافعي: أنّه لو أكل علي ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعد، أو أنّ الشمس قد غربت و كان غالطا فيه، لا يجزئه صومه، و وافقه أصحابه علي روايته في الصورة الثانية.

و أنكر بعضهم الاولي، و قال: لا يوجد ذلك في كتب الشافعي، و مذهبه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعد، لأصالة بقاء الليل،6.

ص: 73


1- أورده المحقّق في المعتبر: 307 و نحوه في سنن البيهقي 217:4.
2- البقرة: 187.
3- الكافي 100:4 (باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل) الحديث 2، التهذيب 4: 270-815، الاستبصار 115:2-377.
4- التهذيب 270:4 ذيل الحديث 815، و الاستبصار 116:2.
5- الاستبصار 115:2-374، التهذيب 270:4-271-816، و الفقيه 75:2-326.

بخلاف آخر النهار، فإنّ الأصل بقاء النهار، فالغلط في الأولي معذور، دون الثانية.

و منهم من صحّح الروايتين، و قال: لعلّه نقله سماعا، لأنّه تحقّق خلاف ظنّه، و اليقين مقدّم علي الظنّ، و لا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت و خروجه، كما في الجمعة(1).

إذا عرفت هذا، فالأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتي يتيقّن الغروب، لأصالة بقاء النهار، فيستصحب الي أن يتيقّن خلافه.

و لو اجتهد و غلب علي ظنّه دخول الليل، فالأقرب: جواز الأكل.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: لا يجوز، لقدرته علي تحصيل اليقين(2).

و أمّا في أول النهار فيجوز الأكل بالظنّ و الاجتهاد، لأصالة بقاء الليل.

و لو أكل من غير يقين و لا اجتهاد، فإنّ تبيّن له الخطأ، فالحكم ما تقدّم، و إن تبيّن الصواب، فقد استمرّ الصوم علي الصحّة.

لا يقال: مقتضي الدليل عدم صحّة الصوم، كما لو صلّي في الوقت مع الشك في دخوله، و كما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد، و تبيّن له الصواب، لا تصحّ صلاته.

لأنّا نقول: الفرق: أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد، و هنا انعقدت العبادة علي الصحّة و شك في أنّه هل أتي بما يفسدها ثم تبيّن عدمه.

و لو استمرّ الإشكال، و لم يتبيّن الخطأ من الصواب، فالأقرب: وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار، لأصالة البقاء، و لم يبن الأكل علي أمر يعارضه.6.

ص: 74


1- فتح العزيز 401:6.
2- فتح العزيز 402:6، المجموع 306:6.

و إن اتّفق في أوله، فلا قضاء، لأصالة بقاء الليل.

و نقل عن مالك: وجوب القضاء في هذه الصورة أيضا، لأصالة بقاء الصوم في ذمته، فلا يسقط بالشك(1).

و الأقوي ما قلناه من جواز الأكل حتي يتبيّن الطلوع أو يظنّه - و به قال ابن عباس و عطاء و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لقوله تعالي:

وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ (3) .

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يقول: (فكلوا و اشربوا حتي يؤذّن ابن أمّ مكتوم)(4) و كان أعمي لا يؤذّن حتي يقال له: أصبحت.

و السقوط إنّما هو بعد الثبوت، و الصوم مختص بالنهار.

مسألة 41: القيء عامدا يوجب القضاء خاصة

عند أكثر علمائنا(5) و أكثر العامة(6) ، لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من ذرعه القيء و هو صائم فليس عليه قضاء، و إن استقاء فليقض)(7).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا تقيّأ الصائم فقد

ص: 75


1- فتح العزيز 402:6-403، المجموع 306:6، و الكافي في فقه أهل المدينة: 130، المغني 77:3، الشرح الكبير 52:3.
2- المغني 77:3، الشرح الكبير 52:3، المجموع 306:6، فتح العزيز 401:6، الهداية للمرغيناني 129:1-130، تحفة الفقهاء 365:1-366، بدائع الصنائع 2: 105.
3- البقرة: 187.
4- صحيح البخاري 37:3، صحيح مسلم 768:2-38.
5- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 155، و المبسوط 271:1-272، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 183، و القاضي ابن البرّاج في المهذب 192:1، و المحقق الحلّي في شرائع الإسلام 192:1، و المعتبر: 308.
6- المغني 54:3، المجموع 319:6-320.
7- سنن أبي داود 310:2-2380، سنن البيهقي 219:4.

أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه»(1).

و قال أبو ثور: لو تعمّد القيء وجب القضاء و الكفّارة(2) ، لأنّه سلوك في مجري الطعام، فكان موجبا للقضاء و الكفّارة كالأكل.

و هو معارض بالروايات و أصالة البراءة.

و لو ذرعه القيء، فلا قضاء عليه و لا كفّارة بإجماع علمائنا - و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم(3) - لأنّه فعل حصل بغير اختياره. و للروايات(4).

و روي عن الحسن البصري: وجوب القضاء خاصة(5). و هو خارق للإجماع.

مسألة 42: إذا طلع الفجر و هو مجامع فاستدام الجماع، وجب عليه القضاء و الكفّارة عند علمائنا
اشارة

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(6) - لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به، لحرمة الصوم، فوجبت به الكفّارة، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه القضاء دون الكفّارة، لأنّ وطأه لم يصادف صوما صحيحا، فلم يوجب الكفّارة، كما لو ترك النيّة و جامع(7).

و الأصل ممنوع، مع أنّ تركه للصوم لترك النية، لا للجماع.

فأمّا لو نزع في الحال فأقسامه ثلاثة:

ص: 76


1- الكافي 108:4-2، التهذيب 264:4-791.
2- المجموع 320:6، معالم السنن - للخطابي - 261:3.
3- المجموع 320:6، المغني 54:3.
4- الكافي 108:4-1-3، التهذيب 264:4-790 و 791.
5- المجموع 320:6، حلية العلماء 196:3.
6- المغني 65:3، الشرح الكبير 66:3، المهذب للشيرازي 191:1-192، المجموع 309:6 و 338، فتح العزيز 404:6، حلية العلماء 202:3.
7- بدائع الصنائع 91:2، المغني 65:3، الشرح الكبير 66:3، فتح العزيز 404:6، حلية العلماء 202:3.

الأول: أن يحسّ و هو مجامع بعلامات الصبح، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع.

الثاني: أن يطلع الصبح و هو مجامع و يعلم بالطلوع كما طلع، و ينزع كما علم.

الثالث: أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به، ففي الثالثة الصوم باطل - و به قال الشافعي(1) - و إن نزع كما علم، لأنّ بعض النهار قد مضي و هو مشغول بالجماع.

و الوجه: أنّه إن تمكّن من المراعاة و لم يراع و صادف الجماع النهار، وجب عليه القضاء.

و علي القول الصحيح للشافعية: أنّه لو مكث في هذه الصورة، فلا كفّارة عليه، لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم(2).

و أمّا الصورتان الأوليان، فعندنا أنّه إن كان قد راعي و لم يفرط بترك المراعاة، لا قضاء عليه، و إلاّ وجب القضاء.

و عند الشافعي يصحّ صومه مطلقا(3) ، و لم يعتبر المراعاة.

و له قول آخر: إنّ الصورة الأولي يصحّ صومه فيها(4) ، لأنّ آخر النزع وافق ابتداء الطلوع، فلم يحصل النزع في النهار.

و هذا عندنا باطل، لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم.

و أمّا إذا طلع ثم نزع، فسد صومه عندنا و عند الشافعي(5) ، لأنّ الإخراج يستلزم التلذّذ، فيكون مجامعا.

و قال مالك و أحمد: لا يفسد صومه، لأنّ النزع ترك الجماع، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع، كما لو حلف أن لا يلبس ثوبا هو لابسه فنزعه في الحال، لا يحنث(6).4.

ص: 77


1- المجموع 309:6، فتح العزيز 403:6.
2- المجموع 309:6، فتح العزيز 403:6.
3- المجموع 309:6، فتح العزيز 403:6.
4- المجموع 309:6، فتح العزيز 403:6.
5- المجموع 309:6، فتح العزيز 403:6.
6- فتح العزيز 403:6-404.

و هو فاسد عندنا، لما قدّمناه من وجوب الطهارة.

و لو طلع الفجر و علم به كما طلع، و مكث فلم ينزع، فسد صومه، و به قال الشافعي(1).

و تجب عليه الكفّارة عندنا، خلافا للشافعي في أحد القولين(2).

(و ذكر فيما)(3) إذا قال لامرأته: إن وطأتك فأنت طالق ثلاثا، فغيّب الحشفة، و طلّقت، و مكث: أنّه لا يجب المهر(4).

و اختلف أصحابه علي طريقين: أحدهما: أنّ فيهما قولين نقلا و تخريجا، أحدهما: وجوب الكفّارة هنا و المهر ثمّ، كما لو نزع و أولج ثانيا.

و الثاني: لا يجب واحد منهما، لأنّ ابتداء الفعل كان مباحا.

و أصحّهما: القطع بوجوب الكفّارة و نفي المهر.

و الفرق: أنّ ابتداء الفعل لم يتعلّق به الكفّارة، فتتعلّق بانتهائه حتي لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمدا عن الكفّارة، و الوطء ثمّ غير خال عن المقابلة بالمهر، لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت(5).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الكفّارة بالمكث(6). و اختاره المزني من الشافعية(7).

و وافقنا مالك و أحمد علي الوجوب(8).

و الخلاف جار فيما إذا جامع ناسيا ثمّ تذكّر الصوم و استدام.6.

ص: 78


1- المجموع 309:6 و 338، فتح العزيز 404:6.
2- المجموع 309:6 و 338، فتح العزيز 404:6.
3- في النسخ الخطية الثلاث «ط، ف، ن» و الطبعة الحجرية: و ذكرهما. و الصحيح ما أثبتناه.
4- فتح العزيز 404:6، المجموع 339:6.
5- فتح العزيز 404:6، المجموع 339:6.
6- فتح العزيز 404:6.
7- فتح العزيز 404:6.
8- فتح العزيز 404:6.
تنبيه:

قيل: كيف يعرف طلوع الفجر المجامع(1) و شبهه ؟ فإنّه متي عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّما عليه.

أجيب بأمرين:

أحدهما: أنّ المسألة موضوعة علي التقدير، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها.

و الثاني: إنّا تعبّدنا بما نطّلع عليه، و لا معني للصبح إلاّ ظهور الضوء للناظر، و ما قبله لا حكم له.

فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات و منازل القمر، و كان بحيث لا حائل بينه و بين مطلع الفجر و رصد، فمتي أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع(2) ، و قد نبّه اللّه تعالي عليه بقوله حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ (3).

مسألة 43: قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة و الاستنشاق لها

لو سبق إلي الحلق من غير قصد، لم يفسد صومه، و لا كفّارة فيه - و لو كان للتبرّد أو العبث، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا - لأنّه في الصلاة فعل مشروعا، فلا تترتّب عليه عقوبة، لعدم التفريط شرعا، و في التبرّد و العبث فرّط بتعريض الصوم للإفساد بإيجاد ضدّه، و هو: عدم الإمساك، فلزمه العقوبة، للتفريط.

و لا كفّارة عليه، لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش، فدخل حلقه، قال: «عليه قضاؤه، و إن كان في وضوئه فلا

ص: 79


1- في النسخ الخطية الثلاث «ط، ف، ن»: للمجامع. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
2- تعرض للسؤال و الجواب، الرافعي في فتح العزيز 404:6-405، و النووي في المجموع 309:6.
3- البقرة: 187.

بأس»(1).

و لم يفصّل العامة، بل قال الشافعي: إن لم يكن بالغ و إنّما رفق فسبق الماء، فقولان: أحدهما: يفطر - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني(2) - لأنّه أوصل الماء إلي جوفه، ذاكرا لصومه، فأفطر، كما لو تعمّد شربه.

و الفرق ظاهر، للمشروعية في المتنازع، و عدمها في الأصل.

و الثاني: لا يفطر، و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور، و اختاره الربيع و الحسن البصري(3).

و إن بالغ بأن زاد علي ثلاث مرّات، فوصل الماء إلي جوفه، أفطر قولا واحدا(4). و به قال أحمد(5).

و روي عن عبد اللّه بن عباس: أنّه إن توضّأ لمكتوبة، لم يفطر، و إن كان لنافلة، أفطر، و به قال النخعي(6).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام، في الصائم يتوضّأ للصلاة، فيدخل الماء حلقه، قال: «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة، فليس عليه قضاء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة، فعليه القضاء»(7).

و نحن نتوقّف في هذه الرواية.9.

ص: 80


1- التهذيب 322:4-323-991، و الفقيه 69:2-290.
2- بدائع الصنائع 91:2، المغني 42:3، الشرح الكبير 51:3، حلية العلماء 197:3، فتح العزيز 393:6، المجموع 327:6، المدونة الكبري 200:1.
3- المغني 42:3، الشرح الكبير 50:3-51، فتح العزيز 393:6، حلية العلماء 3: 197.
4- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 326:6 و 327، فتح العزيز 393:6، حلية العلماء 197:3، المغني 42:3، الشرح الكبير 50:3-51.
5- المغني 43:3، الشرح الكبير 51:3.
6- المجموع 327:6، حلية العلماء 197:3.
7- التهذيب 324:4-999.
مسألة 44: لو ارتدّ عن الإسلام في أثناء الصوم، فسد صومه إجماعا،

و عليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلي الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، و سواء كانت ردّته باعتقاد ما يكفر به، أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه، أو بالنطق بكلمة الكفر، مستهزئا أو غير مستهزئ.

قال اللّه تعالي وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (1).

لأنّ الصوم عبادة من شرطها النيّة، فأبطلتها الردّة، كالصلاة و الحجّ، و لأنّه عبادة محضة، فنافاها الكفر كالصلاة.

مسألة 45: لو نوي الإفطار بعد عقد نية الصوم،
اشارة

و قد مضي جزء من النهار، فالأقوي أنّه يفطر - و به قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و أحمد في أظهر الروايتين(2) - لأنّ الصوم عبادة من شرطها النية، ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة.

و لأنّ الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة، لكن لمّا شقّ اعتبار حقيقة النية، اعتبر بقاء حكمها، و هو: ان لا ينوي قطعها، فإذا نواه، زالت حقيقة و حكما، ففسد الصوم، لزوال شرطه، لأنّه نوي الإفطار في جزء من النهار و قد قال عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات و إنّما لكلّ امرئ ما نوي)(3) فيتحقّق الإفطار في ذلك الجزء، و الصوم لا يقبل التبعيض، فكان مفطرا.

و الرواية الثانية عن أحمد: أنّه لا يفسد صومه، لأنّه عبادة يلزم المضيّ

ص: 81


1- التوبة: 65 و 66.
2- المغني 56:3، الشرح الكبير 31:3، المهذب للشيرازي 188:1، المجموع 6: 297، حلية العلماء 187:3.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن الترمذي 179:4-180-1647، و سنن البيهقي 341:7.

في فاسدها، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحجّ(1).

و هو غير مطّرد في غير رمضان. و القياس باطل، لأنّ الحجّ يصحّ بالنية المطلقة و المبهمة و بالنية عن غيره إذا لم يكن حجّ عن نفسه، فافترقا.

و لو عاد بعد أن نوي الإفطار و لم يفطر فنوي الصوم، فإن كان ذلك بعد الزوال، لم يصح عوده إجماعا، لفوات محلّ النية.

و إن كان قبله، أجزأه علي قول بعض علمائنا(2) - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ الصوم يصح بنية من النهار.

و أمّا صوم النافلة، فإن نوي الفطر ثم لم ينو الصوم بعد ذلك، لم يصح صومه، لأنّ النية انقطعت و لم توجد نية غيرها، فأشبه من لم ينو أصلا.

و إن عاد فنوي الصوم، صحّ صومه، كما لو أصبح غير ناو للصوم، لأنّ نية الفطر إنّما أبطلت الفرض، لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكما، و خلوّ بعض أجزاء الزمان عنها، و النفل بخلاف الفرض في ذلك، فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه.

و لأنّ نية الفطر لا تزيد علي عدم النية في ذلك الوقت، و عدمها لا يمنع صحة الصوم بعده، بخلاف الواجب، فإنّه لا تصحّ نيته من النهار.

و الأصل فيه أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يسأل أهله هل من غذاء؟ فإن قالوا: لا، قال: (إنّي إذن لصائم)(4).

تذنيب: لو نوي أنّه سيفطر ساعة أخري،

فالأقرب: أنّه بخلاف نية

ص: 82


1- المغني 56:3، الشرح الكبير 31:3.
2- المحقق في شرائع الإسلام 188:1.
3- المغني 56:3، الشرح الكبير 31:3.
4- صحيح مسلم 809:2-170، سنن الترمذي 111:3-733 و 734، مسند أحمد 6: 207، و أورده ابنا قدامة في المغني 57:3، و الشرح الكبير 32:3.

الفطر في وقته، خلافا لبعض العامة(1).

و لو تردّد في الفطر، فإشكال ينشأ من عدم الجزم بالصوم في زمان التردّد.

و من انعقاد الصوم قبله، و التردّد ليس من المفطرات.

و لو نوي أنّي إن وجدت طعاما أفطرت، و إن لم أجد أتممت صومي، فوجهان: الفطر، لانتفاء الجزم، و لهذا لا يصح ابتداء النية بمثل هذا.

و الثاني: لا يفطر، لأنّه لم ينو الفطر بنية صحيحة، فإنّ النية لا يصحّ تعليقها علي شرط، و لذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية.

مسألة 46: لو جامع أو أكل أو شرب في أول النهار بعد عقد صومه،

ثم تجدّد عذر مسقط للصوم - كجنون أو مرض أو حيض أو نفاس - في أثناء النهار، فالوجه عندي: سقوط الكفّارة - و هو قول بعض علمائنا(2) ، و قول أصحاب الرأي و الثوري و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّه زمان لا يصحّ الصوم فيه، فيستحيل من اللّه تعالي، العالم به الحكيم، الأمر بصومه، و إلاّ لزم تكليف ما لا يطاق، فيكون فعل المفطر قد صادف ما لا يصح صومه، فأشبه ما لو صادف الليل، و كما لو قامت البيّنة أنّه من شوّال.

و القول الثاني لعلمائنا و للشافعي و أحمد في الرواية الأخري: إنّه تجب عليه الكفّارة - و به قال مالك و ابن أبي ليلي و إسحاق و أبو ثور و داود - لأنّ هذه الأعذار معان طرأت بعد وجوب الكفّارة، فلم تسقطها، كالسفر.

و لأنّه أفسد صوما واجبا في رمضان بجماع و شبهه، فاستقرّت الكفّارة عليه، كما لو لم يطرأ عذر(4).

و نمنع وجوب الكفّارة، و نمنع وجوب الصوم في نفس الأمر، و وجوبه في

ص: 83


1- هو ابن عقيل كما في المغني 57:3، و الشرح الكبير 32:3.
2- حكاه المحقّق في شرائع الإسلام 194:1.
3- المغني 64:3، الشرح الكبير 66:3، المجموع 340:6، فتح العزيز 6: 450-451، حلية العلماء 203:3، المبسوط للسرخسي 75:3.
4- المغني 64:3، الشرح الكبير 66:3، المجموع 340:6، فتح العزيز 6: 450-451، حلية العلماء 203:3، المبسوط للسرخسي 75:3.

اعتقادنا غير مفيد إذا ظهر بطلان الاعتقاد.

و قال زفر: تسقط بالحيض و الجنون، دون المرض و السفر(1).

و قال بعض أصحاب مالك: تسقط بالسفر، دون المرض و الجنون(2).

إذا عرفت هذا، فلو أفطر ثم سافر سفرا ضروريّا، فهو كالعذر المتجدّد من جنون أو حيض.

و لو سافر سفرا اختياريّا، فإن لم يقصد به زوال الكفّارة عنه، فالأقرب:

أنّه كالعذر، و إن قصد به إسقاط الكفّارة، لم تسقط، و إلاّ لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره، و الإقدام علي المحرّمات.

مسألة 47: لو أفطر بالمحرّم،

كما لو زني في نهار رمضان، أو شرب خمرا، أو أكل (لحم خنزير)(3) فالأقوي: أنّ الواجب كفّارة واحدة يتخيّر فيها، كما لو أفطر بالمحلّل.

و قال بعض علمائنا: تجب به كفّارة الجمع(4) ، و هي: الخصال الثلاث: عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا، و به رواية عن أهل البيت عليهم السلام(5).

و المعتمد: الأول، لأصالة براءة الذمة.

مسألة 48: لو كرّر السبب الموجب للكفّارة،

بأن وطأ مرتين مثلا، فإن

ص: 84


1- المبسوط للسرخسي 75:3، المجموع 340:6، حلية العلماء 203:3.
2- المجموع 340:6، حلية العلماء 203:3.
3- بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية الثلاث «ط، ف، ن»: خنزيرا. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
4- كالصدوق في الفقيه 73:2-74، و الشيخ الطوسي في التهذيب 209:4، و الاستبصار 97:2 ذيل الحديث 315.
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 314:1-88، التهذيب 209:4-605، الاستبصار 97:2-316.

كان في رمضانين، تكرّرت الكفّارة إجماعا - إلاّ رواية عن أبي حنيفة(1) - سواء كفّر عن الأول أو لا.

و لو كرّر في يومين من رمضان واحد، وجبت عليه كفّارتان، سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و الليث و ابن المنذر، و هو قول عطاء و مكحول(2) - لأنّ كلّ فعل من هذين الفعلين لو انفرد، لاستقلّ بإيجاب الكفّارة، فكذا حالة الاجتماع، لأصالة بقاء الحقيقة علي ما كانت عليه.

و لأنّ كلّ واحد من الذنبين سبب في إيجاب عقوبة الكفّارة، فعند الاجتماع يبقي الحكم بطريق الأولي، لزيادة الذنب.

و لأنّ كلّ يوم عبادة قد هتكت، و هي منفردة عن العبادة الأخري لا تتّحد صحتها مع صحة ما قبلها و لا ما بعدها، و لا بطلانها مع بطلانها، فلا يتّحد أثر السببين فيهما.

و لأنّ أحد الأمرين لا يتّحد مع الآخر، و هو القضاء، فكذا الأمر الآخر.

و قال أبو حنيفة: إن لم يكفّر عن الأول فكفّارة واحدة، و إن كفّر فروايتان، إحداهما: أنّها كفّارة واحدة أيضا - و به قال أحمد و الزهري و الأوزاعي - لأنّ الكفّارة تجب علي وجه العقوبة، و لهذا تسقط بالشبهة، و هو: إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع، و ما هذا سبيله تتداخل العقوبة فيه كالحدود(3).

و الفرق: أنّ الحدود عقوبة علي البدن، و هذه كفّارة، فاعتبارها بالكفّارات أولي.1.

ص: 85


1- فتح العزيز 450:6، المجموع 337:6، و المبسوط للسرخسي 75:1.
2- المجموع 336:6 و 337، فتح العزيز 450:6، حلية العلماء 201:3، المغني 3: 73، الشرح الكبير 64:3.
3- حلية العلماء 201:3، المجموع 337:6، المغني 73:3، الشرح الكبير 64:3، بداية المجتهد 306:1.

و لأن الحدود تتداخل في سببين، و هي مبنية علي التخفيف، فتنافي التكرار.

و لو كرّر في يوم واحد، قال الشيخ(1) و بعض علمائنا(2): لا تتكرّر الكفّارة - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(3) - لأنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح، فلا يتحقّق الهتك به، فلا تثبت العقوبة.

و لأنّ أحد الأمرين - و هو القضاء - لا يتكرّر، فلا يتكرّر الآخر.

و قال السيد المرتضي رحمه اللّه: تتكرّر الكفّارة(4) ، لأنّ الجماع سبب تام في وجوب الكفّارة، فتتكرّر بتكرّره، عملا بالمقتضي.

و لدلالة الرواية عن الرضا(5) عليه السلام عليه.

و لأنّ الإمساك واجب كرمضان، و الوطء فيه محرّم كحرمة رمضان، فأوجب الكفّارة كالأول.

و نمنع السببية بدون الهتك، و إلاّ لوجب علي المسافر.

و الفرق بين تحريم الأول و الثاني ظاهر و إن اشتركا في مطلق التحريم، لصدق الهتك في الأول دون الثاني.

و قال ابن الجنيد من علمائنا: إن كفّر عن الأول كفّر ثانيا، و إلاّ كفّر واحدة عنهما(6) ، و به قال أحمد بن حنبل(7) ، و لا بأس به.3.

ص: 86


1- المبسوط للطوسي 274:1، الخلاف 189:2، المسألة 38.
2- المحقق في المعتبر: 308.
3- المبسوط للسرخسي 74:3، بداية المجتهد 306:1، المدونة الكبري 218:1، المجموع 337:6، حلية العلماء 201:3، المغني 73:3، الشرح الكبير 65:3.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 189:2-190، المسألة 38، و المحقّق في المعتبر: 308.
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 254:1-3، الخصال: 450-54.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 308-309.
7- المغني 73:3، الشرح الكبير 64:3، المجموع 337:6، حلية العلماء 202:3.

و اعلم: أنّ القضاء لا يتكرّر مع اتّحاد اليوم إجماعا.

و لو اختلف السبب في يوم واحد، كما لو جامع و أكل، فيه إشكال ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع و الأكل مطلقا و قد وجدا، فتتكرّر الكفّارة، بخلاف السبب المتّحد، لأنّ التعليق علي الماهية المتناولة للواحد و الكثير، و من كون السبب الهتك و إفساد الصوم الصحيح، و هو منتف في الثاني.

مسألة 49: لو أفطر نهار رمضان من وجب عليه الصوم مستحلا، فهو مرتدّ،

فإن كان عن فطرة، قتل من غير أن يستتاب.

و لو نشأ في برّيّة و لم يعرف قواعد الإسلام و لا ما يوجب الإفطار، عرّف و عومل بعد ذلك بما يعامل به المولود علي الفطرة.

و لو لم يولد علي الفطرة، استتيب، فإن تاب و إلاّ قتل.

و لو اعتقد التحريم، عزّر (فإن عاد، عزّر)(1) فإن عاد، قتل في الثالثة، لأنّ سماعة قال: سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان ثلاث مرّات و قد رفع الي الإمام ثلاث مرّات، قال: «فليقتل في الثالثة»(2).

و روي: أنّ الباقر عليه السلام، سئل عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام، قال: «يسأل هل عليك في إفطارك إثم ؟ فإن قال: لا، كان علي الإمام أن يقتله، و إن قال: نعم، كان علي الإمام أن يؤلمه ضربا»(3).

و قال بعض علمائنا: يقتل في الرابعة(4). و هو أحوط، لأنّ التهجّم علي الدم خطر.

ص: 87


1- ما بين القوسين أثبتناه من «ط».
2- الكافي 103:4-6، الفقيه 73:2-315، التهذيب 207:4-598.
3- الكافي 103:4-5، الفقيه 73:2-314، التهذيب 215:4-624 بتفاوت يسير في اللفظ.
4- كما في المعتبر: 309.

إذا ثبت(1) هذا، فإنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة علي الخلاف لو رفع في كلّ مرّة الي الإمام و عزّر، أمّا لو لم يرفع فإنّه(2) يجب عليه التعزير خاصة و لو زاد علي الأربع.

مسألة 50: لو أكره الصائم زوجته الصائمة علي الجماع،
اشارة

عزّر بخمسين سوطا عند علمائنا، و وجب عليه كفّارتان، إحداهما عنه، و الثانية عنها، و لا كفّارة عليها و لا قضاء، لأنّه سبب تام في صدور الفعل.

و لو طاوعته، عزّر كلّ واحد منهما بخمسة و عشرين سوطا، و وجب علي كلّ واحد القضاء و الكفّارة، لأنّ المفضّل بن عمر، سأل الصادق عليه السلام، في رجل أتي امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها، فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته، فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها، فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته، ضرب خمسة و عشرين سوطا، و ضربت خمسة و عشرين سوطا»(3).

فروع:
أ - قال الشيخ رحمه اللّه: لو وطأها نائمة أو مكرهة، لم تفطر،

و عليه كفّارتان(4).

و في النائمة إشكال.

ب - قال رحمه اللّه: لو أكرهها لا جبرا، بل ضربها حتي مكّنته من نفسها،

أفطرت، و لزمها القضاء، لأنّها دفعت عن نفسها الضرر بالتمكين كالمريض، و لا كفّارة(5).

ج - لو زني بها مكرها لها، تحمّل عنها الكفّارة،

لأنّه أغلظ من الوطء

ص: 88


1- في الطبعة الحجرية: إذا عرفت.
2- في الطبعة الحجرية بدل (فإنّه): (فإنّما).
3- الكافي 103:4-104-9، الفقيه 73:2-313، التهذيب 215:4-625.
4- الخلاف 183:2، المسألة 27، و حكاه عنه المحقق في المعتبر: 309.
5- الخلاف 183:2، المسألة 27، و حكاه عنه المحقق في المعتبر: 309.

المباح.

و يشكل: بأنّه لا يلزم من كون الكفّارة مسقطة لأقلّ الذنبين كونها مسقطة لأعلاهما.

د - لو أصبح مفطرا يعتقد أنّه من شعبان، فشهدت البيّنة بالرؤية، لزمه الإمساك و القضاء

في قول عامة الفقهاء(1) ، إلاّ عطاء، فإنّه قال: يأكل بقية يومه(2). و أحمد في رواية(3).

و هو خلاف الإجماع، مع أنّ أحمد قد نصّ علي إيجاب الكفّارة علي من وطأ ثم كفّر ثم عاد فوطأ في يومه، لأنّ حرمة اليوم لم تذهب، فإذا أوجب الكفّارة علي غير الصائم لحرمة اليوم كيف يبيح الأكل!؟(4).

لا يقال: إنّ المسافر إذا قدم و قد أفطر، جاز له الأكل، فليكن هنا مثله.

لأنّا نقول: المسافر كان له الفطر ظاهرا و باطنا، و هذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحا، فأشبه من أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع و قد كان طالعا.

إذا عرفت هذا، فكلّ من أفطر و الصوم لازم له، كالمفطر بغير عذر، و المفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع و قد كان طالعا، أو يظنّ الغروب فظهر خلافه، أو الناسي لنية الصوم، يلزمهم الإمساك إجماعا.

ه - من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرا و باطنا، كالحائض و النفساء

و الصبي و المجنون و الكافر، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، يستحب لهم الإمساك باقي النهار من غير وجوب - و به قال جابر بن زيد و ابن مسعود و مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - للاستصحاب.

ص: 89


1- المغني 74:3، الشرح الكبير 15:3.
2- المغني 74:3، الشرح الكبير 15:3.
3- المغني 74:3، الشرح الكبير 15:3.
4- المغني 74:3، الشرح الكبير 15:3.
5- المغني 75:3، الشرح الكبير 16:3، المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 6: 262، الوجيز 104:1، فتح العزيز 435:6، حلية العلماء 175:3، و الكافي في فقه أهل المدينة: 123.

و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح بن حي و العنبري:

يجب الإمساك، لأنّه معني لو وجد قبل الفجر، لوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر، وجب الإمساك، كقيام البيّنة بالرؤية(1). و الفرق ظاهر.

أمّا المسافر إذا قدم و المريض إذا برأ، فإن كان قبل الزوال و لم يتناولا شيئا، وجب الإمساك، و لا قضاء، و إن كان بعد الزوال، وجب القضاء.

و - المسافر و الحائض و المريض يجب عليهم القضاء إذا أفطروا إجماعا، لقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) و التقدير: فأفطر.

و قالت عائشة: كنّا نحيض علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فنؤمر بقضاء الصوم(3).

و إن أفاق المجنون أو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في أثناء النهار، فلا قضاء.

و عن أحمد روايتان(4).3.

ص: 90


1- المغني 75:3، الشرح الكبير 16:3، المجموع 262:6، فتح العزيز 435:6.
2- البقرة: 184.
3- صحيح مسلم 265:1-69، سنن الترمذي 154:3-787، سنن النسائي 191:4، و أورده ابنا قدامة في المغني 76:3، و الشرح الكبير 17:3.
4- المغني 76:3، الشرح الكبير 17:3.
الفصل الرابع فيما يستحب للصائم اجتنابه
مسألة 51: تكره مباشرة النساء للصائم

تقبيلا و لمسا و ملاعبة حذرا من الوقوع في الوطء، و أجمع العلماء علي كراهة التقبيل لذي الشهوة، لما رواه العامة عن عمر بن الخطاب، قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في المنام، فأعرض عنّي، فقلت له: ما لي ؟ فقال: (إنّك تقبّل و أنت صائم)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل الي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين اقبّل و أنا صائم ؟ فقال له:

«عفّ صومك، فإنّ بدء القتال اللطام»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّها تكره لذي الشهوة إذا لم يغلب علي ظنّه الإنزال، فإن غلب، فالأقرب أنّها كذلك.

و قال بعض الشافعية: إنّها محرّمة حينئذ(3) ، لأنّه لا يجوز أن يعرّض

ص: 91


1- أورده ابنا قدامة في المغني 48:3، و الشرح الكبير 78:3، و نحوه في سنن البيهقي 4: 332.
2- التهذيب 272:4-822، الاستبصار 82:2-252.
3- المجموع 355:6، فتح العزيز 397:6، حلية العلماء 196:3.

الصوم للإفساد.

و الجواب: التعريض للإفساد مشكوك فيه، و لا يثبت التحريم بالشك.

أمّا من يملك إربه كالشيخ الكبير، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه - و به قال أبو حنيفة و الشافعي(1) - لما رواه العامة أنّ رجلا قبّل امرأته، فأرسلت فسألت النبي صلّي اللّه عليه و آله، فأخبرها النبي عليه السلام، أنّه يقبّل و هو صائم، فقال الرجل: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ليس مثلنا و قد غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، فغضب النبي صلّي اللّه عليه و آله و قال: (إنّي أخشاكم للّه و أعلمكم بما أتّقي)(2).

و من طريق الخاصة: أنّ الباقر عليه السلام سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان ؟ فقال: «إنّي أخاف عليه، فليتنزّه عن ذلك، إلاّ أن يثق أن لا يسبقه منيّه»(3).

و ظاهر كلام الشيخ في التهذيب الكراهة مطلقا(4) ، و به قال مالك(5) - و عن أحمد روايتان(6) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أعرض عن عمر بمجرّد القبلة مطلقا(7).

و هو استناد الي منام أو لوجود الشهوة عند عمر.

إذا عرفت هذا، فلو قبّل، لم يفطر إجماعا، فإن أنزل، وجب عليه).

ص: 92


1- المغني 48:3، الشرح الكبير 79:3، المهذب للشيرازي 193:1، المجموع 6: 355، فتح العزيز 396:6.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 48:3، و الشرح الكبير 78:3، و رواه مسلم بمعناه في صحيحه 779:2-1108.
3- التهذيب 271:4-272-821، الاستبصار 82:2-251.
4- التهذيب 271:4 ذيل الحديث 820.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 127، عارضة الاحوذي 262:3، المجموع 355:6.
6- المغني 48:3، الشرح الكبير 79:3.
7- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 91، الهامش (1).

القضاء و الكفّارة عند علمائنا، و به قال أحمد و مالك(1) ، خلافا للشافعي(2) ، و قد سلف(3).

مسألة 52: يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صبر

مسألة 52: يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صبر(4) أو طعم يصل الي الحلق،

و ليس بمفطر و لا محظور عند علمائنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لما رواه العامة عن أبي رافع مولي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: نزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، خيبر و نزلت معه، فدعا بكحل إثمد(6) ، فاكتحل به في رمضان و هو صائم(7).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، في الصائم يكتحل، قال: «لا بأس به، ليس بطعام و لا شراب»(8).

و قال أحمد: إن وجد طعمه في حلقه، أفطر، و إلاّ فلا(9). و مثله قال أصحاب مالك(10).

و عن ابن أبي ليلي و ابن شبرمة: أنّ الكحل يفطر الصائم، لأنّه أوصل

ص: 93


1- المغني 47:3، الشرح الكبير 63:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 124، فتح العزيز 447:6.
2- المجموع 341:6، فتح العزيز 446:6، الشرح الكبير 63:3.
3- سلف في المسألة 17.
4- الصّبر: عصارة شجر مرّ. لسان العرب 442:4.
5- المجموع 348:6، فتح العزيز 365:6، حلية العلماء 206:3، الهداية للمرغيناني 123:1، المبسوط للسرخسي 67:3، تحفة الفقهاء 366:1، المغني و الشرح الكبير 40:3.
6- الإثمد: حجر يتّخذ منه الكحل. لسان العرب 105:3.
7- سنن البيهقي 262:4 بتفاوت.
8- الكافي 111:4 (باب الكحل و الذرور للصائم) الحديث 1، التهذيب 4: 258-765، الإستبصار 89:2-278.
9- المغني و الشرح الكبير 40:3، المجموع 348:6، فتح العزيز 367:6، حلية العلماء 206:3.
10- المغني و الشرح الكبير 40:3، المجموع 348:6، فتح العزيز 367:6، حلية العلماء 206:3.

الي حلقه ما هو ممنوع من تناوله، فأفطر به، كما لو أوصله من أنفه(1).

و هو غير مفيد، لأنّ الإيصال إلي الحلق غير مفطر(2) ما لم يبتلعه، و لأنّ الوصول من المسام غير مفطر، كما لو دلك رجله بالحنظل، فإنّه يجد طعمه مع عدم الإفطار.

و إنّما كره ما فيه صبر أو مسك أو شبهه، لأنّ سماعة سأله عن الكحل للصائم، فقال: «إذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق، فليس به بأس»(3).

مسألة 53: يكره إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة،

لئلاّ يتضرّر بالضعف، أو ربما أفطر.

و كذا يكره دخول الحمام إن خاف الضعف أو العطش، و إلاّ فلا، لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإفطار.

و روي أبو بصير أنّه سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم، فقال: «ليس به بأس»(4).

و سئل الباقر عليه السلام، عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم، فقال:

«لا بأس ما لم يخش ضعفا»(5).

و يكره شمّ الرياحين، و يتأكّد في النرجس، لأنّ للأنف اتّصالا بجوف الدماغ، و يكره الإيصال اليه.

و سئل الصادق عليه السلام: الصائم يشمّ الريحان، قال: «لا، لأنّه

ص: 94


1- المغني و الشرح الكبير 40:3، المجموع 348:6، حلية العلماء 206:3.
2- في الطبعة الحجرية: غير مبطل.
3- الكافي 111:4 (باب الكحل و الذرور للصائم) الحديث 3، التهذيب 259:4-770، الإستبصار 90:2-283.
4- الكافي 109:4-4، التهذيب 261:4-778.
5- الكافي 109:4-3، الفقيه 70:2-296، التهذيب 261:4-779.

لذّة، و يكره أن يتلذّذ»(1).

و قال محمّد بن العيص(2): سمعت الصادق عليه السلام ينهي عن النرجس، فقلت: جعلت فداك لم ذاك ؟ قال: «لأنّه ريحان الأعاجم»(3).

و كره علي عليه السلام أن يتطيّب الصائم بالمسك(4).

مسألة 54: الحجامة مكروهة، لخوف الضعف،

فإن أمن، فلا بأس.

و علي التقديرين فلا يفطر بها الصائم عند علمائنا أجمع - و به قال في الصحابة: الحسين بن علي عليهما السلام، و عبد اللّه بن عباس و عبد اللّه بن مسعود و أبو سعيد الخدري و زيد بن أرقم و أمّ سلمة، و في التابعين: سعيد بن المسيّب و الباقر و الصادق عليهما السلام، و سعيد بن جبير و طاوس و القاسم بن محمد و سالم و عروة و الشعبي و النخعي و أبو العالية، و به قال الشافعي و مالك و الثوري و أبو ثور و داود و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، احتجم و هو صائم محرم(6).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحسين بن أبي العلاء - في الصحيح - قال:

سألت الصادق عليه السلام، عن الحجامة للصائم، قال: «نعم إذا لم

ص: 95


1- الكافي 113:4-5، التهذيب 267:4-807، الإستبصار 93:2-301.
2- في الكافي و الفقيه و التهذيب: محمد بن الفيض.
3- الاستبصار 94:2-302، و التهذيب 266:4-804، و الكافي 112:4 (باب الطيب و الريحان للصائم) الحديث 2، و الفقيه 71:2-301.
4- الكافي 112:4-1، التهذيب 266:4-801.
5- المجموع 349:6، المغني 37:3، الشرح الكبير 44:3، فتح العزيز 372:6، حلية العلماء 207:3، اختلاف العلماء: 70، المدوّنة الكبري 198:1، المبسوط للسرخسي 57:3.
6- صحيح البخاري 43:3، سنن أبي داود 309:2-2373، سنن ابن ماجة 1: 537-1682، سنن البيهقي 263:4.

يخف ضعفا»(1).

و في الصحيح عن عبد اللّه بن ميمون عن الصادق عليه السلام، قال:

«ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء و الاحتلام و الحجامة، و قد احتجم النبي صلّي اللّه عليه و آله، و هو صائم، و كان لا يري بأسا بالكحل للصائم»(2).

و لأنّه خارج من ظاهر البدن، فلم يكن مفطرا، كالفصد.

و قال أحمد و إسحاق: يفطر الحاجم و المحجوم(3) - و في الكفّارة عن أحمد روايتان(4) - و اختاره ابن المنذر و محمد بن إسحاق و ابن خزيمة، و كان مسروق و الحسن و ابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم(5) - لما رواه أحد عشر نفسا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (أفطر الحاجم و المحجوم)(6).

و هو محمول علي مقاربتهما من الإفطار، للضعف.

و لأنّه منسوخ بما قدّمناه عنه صلّي اللّه عليه و آله(7).

مسألة 55: يكره الاحتقان بالجامد علي أشهر القولين

- خلافا للعامة، فإنّهم قالوا: إنّه مفطر(8) - لأنّ ابن يقطين سأل الكاظم عليه السلام، ما تقول

ص: 96


1- الكافي 109:4-2، التهذيب 260:4-773، الاستبصار 90:2-286.
2- التهذيب 260:4-775، الإستبصار 90:2-91-288.
3- المغني 37:3، الشرح الكبير 44:3، حلية العلماء 207:3.
4- حلية العلماء 207:3، المغني 51:3-52، الشرح الكبير 69:3.
5- المغني 37:3، الشرح الكبير 44:3.
6- كما في المغني 38:3، و الشرح الكبير 45:3، و راجع: صحيح البخاري 42:3، و سنن أبي داود 308:2-2367، و سنن ابن ماجة 537:1-1679، و سنن الترمذي 144:3-774، و سنن الدار قطني 182:2-183-12 و 14، و سنن البيهقي 4: 265.
7- راجع ص 95 و الهامش (6).
8- المغني و الشرح الكبير 39:3، المجموع 313:6 و 320، فتح العزيز 363:6، حلية العلماء 194:3.

في التلطّف(1) يستدخله الإنسان و هو صائم ؟ فكتب: «لا بأس بالجامد»(2).

و في المائع قولان تقدّما(3).

و يكره بلّ الثوب علي الجسد، لاقتضائه اكتناز(4) مسام البدن، فيمنع خروج الأبخرة، و يوجب احتقان الحرارة باطن البدن، فيحتاج معه الي التبريد.

و سأل الحسن الصيقل، الصادق عليه السلام، عن الصائم يلبس الثوب المبلول، فقال: «لا»(5).

و لا بأس أن يستنقع الرجل بالماء، للأصل، لأنّ(6) الحسن بن راشد سأل الصادق عليه السلام عن الحائض تقضي الصلاة ؟ قال: «لا» قلت:

تقضي الصوم ؟ قال: «نعم» قلت: من أين جاء هذا؟ قال: «إنّ أول من قاس إبليس» قلت: فالصائم يستنقع في الماء؟ قال: «نعم» قلت: فيبلّ ثوبا علي جسده ؟ قال: «لا» قلت: من أين جاء هذا؟ قال: «من ذاك»(7).

و أمّا المرأة فيكره لها الجلوس في الماء، و لا يبطل صومها، للأصل.

و قال أبو الصلاح من علمائنا: يلزمها القضاء(8) ، لأنّ حنان بن سدير سأل الصادق عليه السلام، عن الصائم يستنقع في الماء، قال: «لا بأس3.

ص: 97


1- التلطّف: إدخال الشيء في الفرج. مجمع البحرين 121:5.
2- التهذيب 204:4-590، الإستبصار 83:2-257.
3- في ص 29.
4- الاكتناز: الامتلاء. لسان العرب 402:5.
5- التهذيب 267:4-806، الاستبصار 93:2-300.
6- كذا في جميع النسخ. و لعلّ الصحيح: و لأنّ.
7- الكافي 113:4-5، التهذيب 267:4-807، الإستبصار 93:2-301.
8- الكافي في الفقه: 183.

و لكن لا يغمس رأسه، و المرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقبلها»(1).

و الرواية ضعيفة السند.89

ص: 98


1- الفقيه 71:2-307، و الكافي 106:4-5، و التهذيب 263:4-264-789
الفصل الخامس فيمن يصحّ منه الصوم
مسألة 56: العقل شرط في صحة الصوم و وجوبه إجماعا،

لأنّ التكليف يستدعي العقل، لقبح تكليف غير العاقل.

و لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة - و عدّ - المجنون حتي يفيق)(1).

و لا يؤمر بالصوم للتمرين - بخلاف الصبي - إجماعا، لانتفاء التمييز في حقّه.

هذا إذا كان جنونه مطبقا، أمّا لو كان يفيق وقتا يصحّ صومه، و وافق جميع نهار رمضان، وجب عليه صوم ذلك اليوم، لوجود الشرط فيه، و لأنّ صوم كلّ يوم عبادة بنفسها، فلا يؤثّر فيه زوال الحكم عن غيره.

و لو جنّ في أثناء النهار و لو لحظة، بطل صوم ذلك اليوم، و هو ظاهر مذهب الشافعي، و الثاني و هو القديم للشافعي: عدم البطلان(2).

و أمّا المغمي عليه، فإنّه كالمجنون إن استوعب الإغماء النهار،

ص: 99


1- المعجم الكبير - للطبراني - 89:11-11141 بتفاوت يسير في اللفظ.
2- فتح العزيز 405:6، حلية العلماء 206:3، المهذّب للشيرازي 192:1، المجموع 347:6.

و سيأتي(1).

و النائم لا يسقط عنه الصوم، فلو نوي من الليل و نام جميع النهار، صحّ صومه.

و قال بعض الشافعية: لا يصح، كما لو أغمي عليه جميع النهار(2).

و الفرق: أنّ الإغماء مخرج عن التكليف.

مسألة 57: البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء،
اشارة

فلا يجب علي الصبي، سواء كان مميّزا أم لا، إلاّ في رواية عن أحمد: أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه(3).

و يبطل بالإجماع و النص:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي يستيقظ) رواه العامة(4).

و من طريق الخاصة: رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام، في كم يؤخذ الصبي بالصيام ؟ فقال: «ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة و إن هو صام قبل ذلك فدعه»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «علي الصبي إذا احتلم الصيام، و علي الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار»(6).

ص: 100


1- سيأتي في المسألة 60.
2- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 346:6، فتح العزيز 405:6-406، حلية العلماء 205:3.
3- المغني 94:3، الشرح الكبير 14:3.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 94:3، و الشرح الكبير 14:3.
5- الكافي 125:4 (باب صوم الصبيان و متي يؤخذون به) الحديث 2، الفقيه 2: 76-332، التهذيب 326:4-1012.
6- التهذيب 281:4-851، الاستبصار 123:2-398.

احتجّ أحمد: بقوله عليه السلام: (إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام، وجب عليه صيام شهر رمضان)(1).

و الحديث مرسل، و حمل الوجوب علي تأكّد الاستحباب، جمعا بين الأدلّة.

تنبيه:

يستحب تمرين الصبي بالصوم إذا أطاقه، و حدّه الشيخ - رحمه اللّه - ببلوغ تسع سنين(2). و تختلف حاله بحسب المكنة و الطاقة.

و لا خلاف بين العلماء في مشروعية ذلك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أمر ولي الصبي بذلك، رواه العامة(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا»(4).

و لاشتماله علي التمرين علي الطاعات و المنع من الفساد.

تذنيب: الأقرب: أنّ صومه صحيح شرعي، و نيته صحيحة،

و ينوي الندب لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله، فلا ينوي غيره.

و قال أبو حنيفة: إنّه ليس بشرعي، و إنّما هو إمساك عن المفطرات تأديبا(5). و لا بأس به.

و قد ظهر بما قلناه أنّ البلوغ شرط في الوجوب لا في الصحة، و أنّ العقل

ص: 101


1- المغني 94:3، الشرح الكبير 14:3، و راجع كنز العمال 521:8-23951.
2- المبسوط للطوسي 266:1.
3- انظر: المغني 94:3، الشرح الكبير 15:3.
4- الكافي 124:4-125-1، التهذيب 282:4-853، الاستبصار 123:2-400.
5- قال الشاشي القفّال في حلية العلماء 173:3 نقلا عن أبي حنيفة: لا يصحّ صومه. و انظر: بدائع الصنائع 87:2.

شرط فيهما معا.

مسألة 58: الإسلام شرط في صحّة الصوم لا في وجوبه عند علمائنا،

لما عرف في أصول الفقه: أنّ الكافر مخاطب بفروع العبادات، و الكافر لا يصح منه الصوم، سواء كان كافرا أصليا، أو مرتدّا عن الإسلام، كما لا يصحّ منه سائر العبادات.

و هو شرط معتبر في جميع النهار حتي لو طرأت ردّة في أثناء النهار، بطل الصوم، لأنّه لا يعرف اللّه تعالي، فلا يصحّ أن يتقرّب اليه.

و لأنّ شرط صحة الصوم النية، و لا يصحّ وقوعها منه، و فوات الشرط يستلزم فوات المشروط.

مسألة 59: الطهارة من الحيض و النفاس جميع النهار شرط في صحة صوم المرأة بإجماع العلماء.

روي العامة عن عائشة قالت: كنّا نحيض علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة(1).

و من طريق الخاصة: رواية أبي بصير، قال: سألت الصادق عليه السلام، عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان، فلمّا ارتفع النهار، حاضت، قال: «تفطر»(2).

و لو وجد الحيض في آخر جزء من النهار، فسد صوم ذلك اليوم إجماعا.

و لو أمسكت الحائض و نوت الصوم مع علمها بالتحريم، لم ينعقد صومها، و كانت مأثومة عليه، و يجب عليها القضاء إجماعا.

مسألة 60: لعلمائنا في المغمي عليه قولان:

أحدهما: أنّه يفسد

ص: 102


1- سنن الترمذي 154:3-787، سنن النسائي 191:4، و أوردها ابن قدامة في المغني 83:3.
2- التهذيب 253:4-750.

صومه بزوال عقله، و هو قول الشيخ أبي جعفر(1) رحمه اللّه، و أكثر علمائنا(2) ، و أحد أقوال الشافعي(3) ، و هو المعتمد، لأنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا و ندبا، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.

و لأنّ كلّ ما يفسد الصوم إذا وجد في جميعه، أفسده إذا وجد في بعضه، كالجنون و الحيض.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّما غلب اللّه عليه فليس علي صاحبه شيء»(4).

و القول الثاني لعلمائنا: إنّه إن سبقت منه النية، صحّ صومه، و كان باقيا عليه، اختاره المفيد(5) رحمه اللّه، و هو ثاني أقوال الشافعي(6).

و ثالث الأقوال: إنّه إن أفاق في أوله أو وسطه أو آخره، صحّ صومه، و إلاّ فلا.(7)

و قال مالك: إن أفاق قبل الفجر و استدام حتي يطلع الفجر، صحّ صومه، و إلاّ فلا(8).

و قال أحمد: إذا أفاق في جزء من النهار، صحّ صومه(9).

و قال أبو حنيفة و المزني: يصحّ صومه و إن لم يفق في شيء منه، لأنّ6.

ص: 103


1- المبسوط للطوسي 266:1.
2- منهم: المحقّق الحلّي في المعتبر: 309، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 291:1 و 292.
3- المهذّب للشيرازي 192:1، المجموع 346:6، فتح العزيز 406:6-407، حلية العلماء 205:3-206.
4- التهذيب 245:4-726.
5- المقنعة: 56.
6- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 346:6، فتح العزيز 406:6-407، حلية العلماء 205:3-206.
7- المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 346:6، فتح العزيز 406:6-407، حلية العلماء 205:3-206.
8- الكافي في فقه أهل المدينة: 123-124، حلية العلماء 205:3، فتح العزيز 407:6.
9- المغني 33:3، الشرح الكبير 25:3، حلية العلماء 206:3، فتح العزيز 406:6.

النية قد صحّت، و زوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم(1).

و الفرق: أنّ النوم جبلّة و عادة، و لا يزيل العقل، و الإغماء عارض يزيل العقل، فأشبه الجنون، فكان حكمه حكمه.

و أمّا السكران و شارب المرقد فلا يسقط عنه الفرض، لأنّ الجناية من نفسه، فلا يسقط الفرض بفعله، و كذا النائم.

مسألة 61: الاستحاضة ليست مانعة من فعل الصوم و غيره من العبادات،

كالصلاة و شبهها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

و يجب عليها الصوم، و يصحّ منها مع فعل الأغسال إن وجبت عليها، لقول الصادق عليه السلام في المستحاضة: «تصوم شهر رمضان إلاّ الأيام التي كانت تحيض فيهن ثم تقضيها بعد»(2).

و لو أخلّت المستحاضة بالأغسال مع وجوبها عليها، لم ينعقد صومها، و تقضيه، لفوات شرطه، و لا تجب عليها الكفّارة، لأصالة البراءة.

و إنّما يعتبر الغسل في صحة الصوم في حقّ من يجب عليها الغسل، كالمستحاضة الكثيرة الدم، أمّا التي لا يظهر دمها علي الكرسف، فإنّه لا يعتبر في صومها غسل و لا وضوء.

و أمّا كثير الدم التي يجب عليها غسل واحد، فإذا أخلّت به، بطل صومها.

و التي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بغسلي النهار أو بأحدهما، بطل صومها.

و لو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين، فالأقرب صحة صومها، لأنّ هذا

ص: 104


1- مختصر المزني: 57، المهذب للشيرازي 192:1، المجموع 346:6، حلية العلماء 205:3، فتح العزيز 406:6 و 407، الهداية للمرغيناني 128:1.
2- الكافي 135:4-136-5، الفقيه 94:2-420، التهذيب 282:4-854 و 310-936.

الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم.

مسألة 62: شرط صحة الصوم الواجب: الحضر أو حكمه،

فلا يصحّ الصوم الواجب في السفر إلاّ ما نستثنيه، عند علمائنا - و به قال أهل الظاهر و أبو هريرة(1) - لقوله تعالي فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) أوجب عوض رمضان عدّة أيام غيره للمسافر، و إيجابها يستلزم تحريم صوم رمضان، لأنّه لا يصحّ صومه، و يجب قضاؤه إجماعا.

و ما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (ليس من البرّ الصيام في السفر)(3).

و قال عليه السلام. (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)(4).

و من طريق الخاصة: قول معاوية بن عمّار: سمعته يقول: «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه، و عليه الإعادة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «لم يكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره»(6).

أمّا الندب ففي صحته في السفر قولان: أشهرهما: الكراهة، لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن سفر، قال: «فريضة ؟» فقلت: لا و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة،

ص: 105


1- المجموع 264:6.
2- البقرة: 184 و 185.
3- سنن ابن ماجة 532:1-1664 و 1665، سنن الترمذي 90:3 ذيل الحديث 710، سنن النسائي 175:4-177، مسند أحمد 434:5، سنن البيهقي 242:4، و المعجم الكبير للطبراني 187:11-11447 و 374:12-1387، و 446-13618، و 19: 171-175-385-399، و شرح معاني الآثار 63:2.
4- تاريخ بغداد 383:11، و بتفاوت يسير في سنن ابن ماجة 532:1-1666.
5- التهذيب 221:5-645.
6- التهذيب 235:4-236-691، الاستبصار 102:2-333.

فقال: «تقول اليوم و غدا؟» قلت: نعم، فقال: «لا تصم»(1) و أقلّ مراتب النهي الكراهة.

مسألة 63: يصحّ الصوم الواجب في السفر في مواضع:
أ - من نذر صوم زمان معيّن، و شرط في نذره صومه سفرا و حضرا،

فإنّه يجب صومه و إن كان مسافرا، لقوله تعالي وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا (2) و للرواية(3).

ب - صوم ثلاثة أيام لبدل دم المتعة،

لقوله تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (4).

ج - صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات عامدا عالما قبل الغروب

و عجز عن البدنة.

د - من كان سفره أكثر من حضره، كالمكاري و الملاّح و البدوي و باقي الأصناف السابقة،

و من عزم علي مقام عشرة أيام، أو كان سفره معصية.

و قد تقدّم ذلك كلّه في كتاب الصلاة.

و أمّا ما عدا ذلك فيحرم صومه في السفر، لأنّ عمّار الساباطي سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل يقول: للّه عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟ قال: «إذا سافر فليفطر، لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية»(5).

و هو نص في الباب، و عمّار و إن كان فطحيا إلاّ أنّه ثقة اعتمد الشيخ - رحمه اللّه - علي روايته في مواضع.

ص: 106


1- التهذيب 235:4-690، الإستبصار 102:2-332.
2- البقرة: 177.
3- الكافي 143:4-9، التهذيب 235:4-688، الإستبصار 101:2-330.
4- البقرة: 196.
5- التهذيب 328:4-1022.
مسألة 64: يستحب صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة ندبا و إن كان مسافرا،

و هو مستثني من كراهة صوم النافلة سفرا، لضرورة السفر و المحافظة علي الصوم في ذلك الموضع.

روي معاوية بن عمار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام، صمت أول [يوم](1) يوم الأربعاء و تصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - و هي الأسطوانة التي كان يربط إليها نفسه حتي ينزل عذره من السماء - و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس [الأسطوانة](2) التي تليها ممّا يلي مقام النبي صلّي اللّه عليه و آله، ليلتك و يومك، و تصوم يوم الخميس، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلّي اللّه عليه و آله و مصلاّه ليلة الجمعة، فتصلّي عندها ليلتك و يومك، و تصوم يوم الجمعة، و إن استطعت أن لا تتكلّم بشيء في هذه الأيّام إلاّ ما لا بدّ لك منه و لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة و لا تنام في ليل و لا نهار، فافعل فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل»(3) الحديث.

مسألة 65: المريض الذي يضرّه الصوم

إمّا بزيادة أو استمرار أو منع برئه لا يجوز له الصوم، فإن تكلّفه و صام، لم يصح، لأنّه منهي عنه بقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (4) و النهي في العبادات(5) يدلّ علي الفساد.

و لو قدر علي الصوم و لا ضرر عليه بسببه البتة، وجب عليه الصوم.

مسألة 66: قد بيّنّا أنّ المغمي عليه يسقط عنه الصوم،
اشارة

و قد اضطرب

ص: 107


1- زيادة من المصدر.
2- زيادة من المصدر.
3- التهذيب 16:6-35.
4- البقرة: 184.
5- في «ط»: العبادة.

قول الشافعي فيه، و أثبت الأصحاب(1) في المسألة له طريقين: إثبات الخلاف و نفيه.

أمّا المثبتون للخلاف فلهم طرق، أظهرها: أنّ المسألة علي ثلاثة أقوال، أصحّها: أنّه إذا كان مفيقا في أول النهار(2) ، صحّ صومه - و به قال أحمد - لاقتضاء الدليل اشتراط النية مقرونة بجميع أجزاء العبادة، إلاّ أنّ الشرع لم يشترط ذلك، و اكتفي بتقديم العزم، دفعا للعسر، فلا بدّ و أن يقع المعزوم عليه بحيث يتصوّر القصد، و إمساك المغمي عليه لم يقع مقصودا، فإذا استغرق الإغماء، امتنع التصحيح، و إذا وجدت الإفاقة في لحظة، أتبعنا زمان الإغماء زمان الإفاقة.

و الثاني: اشتراط الإفاقة في أول النهار - و به قال مالك - لأنّها حالة الشروع في الصوم، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال، و لهذا خصّ أول الصلاة باشتراط النية فيه(3).

و الطريق الثاني: أنّه ليس في المسألة إلاّ قولان: الأول و الثاني.

و الثالث(4): أنّ المسألة علي خمسة أقوال: هذه الثلاثة و قولان آخران:

أحدهما ما ذكره المزني، و هو: أنّه إذا نوي من الليل، صحّ صومه و إن استغرق الإغماء جميع النهار كالنوم. و خرّجه من النوم. و به قال أبو حنيفة.

و الثاني: أنّه تشترط الإفاقة في طرفي النهار وقت طلوع الشمس و غروب الشمس، لأنّ الصلاة لمّا اعتبرت النية فيها و لم تعتبر في جميعها اعتبرت فيث.

ص: 108


1- أي: الأصحاب من الشافعية.
2- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و هو متّحد مع القول الثاني الآتي بعد عدّة أسطر. و من سياق العبارة و مراجعتنا للمصادر نستظهر أن تكون العبارة هكذا: في أول النهار أو وسطه أو آخره. أو: في جزء من النهار.
3- لم يذكر المصنّف - قدّس سرّه - القول الثالث لهم و هو: اشتراط الإفاقة في جميع النهار. راجع: فتح العزيز 407:6.
4- أي: الطريق الثالث.

طرفيها، كذلك حكم الإفاقة في الصوم.

و أمّا النافون للخلاف، فلهم طريقان:

أحدهما: أنّ المسألة علي قول واحد، و هو: اشتراط الإفاقة في أول النهار.

و أظهرهما: أنّ المسألة علي قول واحد، و هو: اشتراط الإفاقة في جزء من النهار(1).

و لو نوي من الليل ثم شرب مرقدا فزال عقله نهارا، فالأقرب: وجوب القضاء.

و رتّب الشافعية ذلك علي الإغماء، فإن قالوا: لا يصحّ الصوم في الإغماء، فهنا أولي، و إن قالوا: يصحّ، فوجهان، و الأصحّ عندهم: وجوب القضاء، لأنّه بفعله(2).

و لو شرب المسكر ليلا و بقي سكره في جميع النهار، فعليه القضاء، و إن بقي بعض النهار ثم صحا، فهو كالإغماء في بعض النهار عند الشافعية(3).

و قد رتّب الجويني للاختلال مراتب:
أ - الجنون، و هو يسلب خواص الإنسان

و يكاد يلحقه بالبهائم.

ب - الإغماء، و هو يغشي العقل و يغلب عليه

حتي لا يبقي في دفعه اختيار.

ج - النوم، و هو مزيل للتميز لكنه سهل الإزالة،

و العقل معه كالشيء المستور الذي يسهل الكشف عنه.

د - الغفلة، و لا أثر لها في الصوم إجماعا

د - الغفلة، و لا أثر لها في الصوم إجماعا(4).

ص: 109


1- فتح العزيز 406:6-407.
2- فتح العزيز 408:6.
3- فتح العزيز 408:6.
4- فتح العزيز 408:6-409.

ص: 110

الفصل السادس في الزمان الذي يصحّ صومه
مسألة 67: محلّ الصوم إنّما هو النهار دون الليل،

للنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (1).

و أجمع المسلمون كافة علي ذلك.

و لو نذر صوم الليل، لم ينعقد نذره، لأنّه نذر الصوم في الليل و ليس محلا له، فلم يكن الإمساك فيه عبادة شرعية، فلا ينعقد.

و لا فرق بين أن يفرده عن النهار في الصوم أو يضمّه إليه، لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده، فلا يصح منضمّا الي غيره، و لا ينعقد صوم النهار حينئذ، لأنّ المجموع لا يصحّ صومه، و لا ينعقد نذره، لأنّه نذر معصية، فلا ينعقد نذر صوم النهار.

مسألة 68: و يحرم صوم يومي العيدين في فرض أو نفل،

فإن صام واحدا منهما أو صامهما، فعل محرّما، و لم يجزئه عن الفرض بإجماع علماء

ص: 111


1- البقرة: 187.

الأمصار، لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن صيام يومين: يوم فطر و يوم أضحي(1) ، و النهي يدلّ علي التحريم.

و من طريق الخاصة: ما رواه الزهري عن سيد العابدين عليه السلام، قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام: «و أمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الأضحي»(2) الحديث.

مسألة 69: لو نذر صوم يومي العيدين،

لم ينعقد نذره و لم يصر العيد قابلا لإيقاع الصوم فيه باعتبار النذر - و به قال الشافعي(3) - لأنّه محرّم شرعا إجماعا، فلا يصح نذره.

و لأنّه معصية، لأنّه منهي عنه، لقوله عليه السلام: (ألا لا تصوموا هذه الأيام)(4) فلا يتقرّب بالنذر فيه الي اللّه تعالي، لتضادّ الوجهين.

و لقوله عليه السلام: (لا نذر في معصية)(5).

و لأنّه نذر صوما محرّما فلم ينعقد، كما لو نذرت صوم أيام حيضها.

و لأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق و الكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه كأيّام الحيض و النفاس.

و قال أبو حنيفة: صومه محرّم، و لو نذره انعقد، و لزمه أن يصوم غيره، و إن صام فيه أجزأه - و لو صام فيه عن نذر مطلق، لم يجزئه - لأنّه نذر صوم يوم مع أهليته للصوم فيه، فانعقد نذره كسائر الأيام(6).

ص: 112


1- صحيح مسلم 799:2-1138، سنن البيهقي 297:4.
2- الكافي 85:4-1، الفقيه 47:2-208، التهذيب 296:4-895.
3- المجموع 482:8، الوجيز 234:2، حلية العلماء 386:3.
4- سنن الدار قطني 187:2-33، و 212-33.
5- سنن أبي داود 232:3-3290 و 233-3292، سنن الترمذي 103:4-104-1524 و 1525، سنن ابن ماجة 686:1-2124 و 2125، سنن النسائي 26:7-30، المستدرك - للحاكم - 305:4، سنن البيهقي 69:10.
6- المبسوط للسرخسي 95:3-96، بدائع الصنائع 79:2-80، الهداية للمرغيناني 131:1، حلية العلماء 386:3، المجموع 440:6 و 482:8، فتح العزيز 409:6-410 و 416، المغني 360:11، الشرح الكبير 348:11.

و نمنع أهليته للصوم، لورود النهي عنه(1).

مسألة 70: و يحرم صوم أيام التشريق
اشارة

- و هي الحادي عشر من ذي الحجة و الثاني عشر و الثالث عشر - لمن كان بمني خاصة في الفرض و النفل عند علمائنا.

و قد قال أكثر أهل العلم بأنّه لا يحلّ صيامها تطوّعا(2) ، لأنّ العامة روت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (أيام التشريق أيام أكل و شرب و ذكر اللّه عزّ و جل)(3).

و عن عبد اللّه بن حذافة قال: بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أيام مني انادي: أيّها الناس إنّها أيام أكل و شرب و بعال(4)(5) ، يعني أيام التشريق.

و من طريق الخاصة: رواية الزهري عن زين العابدين عليه السلام:

«و أما صوم الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الأضحي و ثلاثة أيام التشريق»(6).

و أمّا صومها في الفرض: فعندنا أنّه لا يجوز، لما تقدّم من الأخبار من طريق العامة و الخاصة، و به قال أبو حنيفة(7).

و قال مالك: يجوز(8).

ص: 113


1- صحيح مسلم 799:2-1138، سنن البيهقي 297:4.
2- المغني 104:3، الشرح الكبير 111:3-112.
3- صحيح مسلم 800:2-1141، مسند أحمد 75:5، و أوردها ابنا قدامة في المغني 3: 104، و الشرح الكبير 111:3.
4- البعال: النكاح و ملاعبة الرجل أهله. النهاية لابن الأثير 141:1.
5- سنن الدارقطني 212:2-32، و أورده ابن قدامة في المغني 104:3.
6- الكافي 85:4-1، الفقيه 47:2-208، التهذيب 296:4-895.
7- المبسوط للسرخسي 81:3، بدائع الصنائع 79:2، المجموع 445:6.
8- بداية المجتهد 309:1، فتح العزيز 410:6 و 416، حلية العلماء 214:3، المجموع 445:6.

و للشافعي قولان: القديم: الجواز، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي و لم يصم الثلاثة في العشر أن يصوم أيام التشريق. و الجديد: التحريم(1).

و اعلم: أنّ بعض الشافعية خصّ جواز صومها بالمتمتّع في بدل الهدي، و منع غيره، لأنّ النهي عام، و الرخصة وردت في حقّ المتمتّع خاصة، و هو قول أكثرهم(2).

و قال بعضهم: إنّه يجوز صومها لغيره، لأنّ تجويز صومها للمتمتّع إنّما كان لأنّه صوم له سبب، فيجوز مثل هذا الصوم لكلّ أحد، دون التطوّعات المحضة(3).

فروع:
أ - قيّد أصحابنا التحريم لمن كان بمني، فلو كان في غيرها من الأمصار،

لم يحرم صوم أيام التشريق عليه، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام، عن الصائم(4) أيام التشريق، فقال: «أمّا بالأمصار فلا بأس به، و أمّا بمني فلا»(5).

ب - هل التحريم مطلق علي من كان بمني، أو بشرط أن يكون ناسكا؟

فيه إشكال.

ج - لو نذر صوم أيام التشريق، فإن كان بمني، لم ينعقد نذره،

لأنّه صوم محرّم، و ان كان بغيرها، صحّ.

د - قال الشيخ في النهاية: صوم ثلاثة أيام: يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة،

فإن فاته صوم هذه، فليصم يوم الحصبة - و هو يوم النفر - و يومان

ص: 114


1- المهذب للشيرازي 196:1، المجموع 445:6، فتح العزيز 410:6-411، حلية العلماء 214:3، و راجع: سنن الدار قطني 186:2-29.
2- فتح العزيز 411:6-412.
3- فتح العزيز 411:6-412.
4- في التهذيب: صيام. و في الاستبصار: الصيام.
5- التهذيب 297:4-897، الاستبصار 132:2-429.

بعده متواليات(1).

و يشكل: بأنّ يوم الحصبة من جملة أيام التشريق.

مسألة 71: لو نذر صوم يوم معيّن كالسبت مثلا، فاتّفق أنّه أحد العيدين، أو أيام التشريق،

لم يجز صومه.

و الأقوي: بطلان النذر، لأنّه لم يصادف محلا.

و يحرم صوم يوم الشك بنية أنّه من رمضان أو أنّه إن كان من رمضان، كان واجبا، و إن كان من غير رمضان(2) ، كان ندبا، و قد سبق(3) ذلك كله.

ص: 115


1- النهاية: 254-255.
2- في الطبعة الحجرية: من شعبان، بدل من غير رمضان.
3- سبق في الفرع (أ) من المسألة 8.

ص: 116

الفصل السابع في أقسام الصوم
اشارة

أقسام الصوم أربعة:

واجب و مندوب و مكروه و محظور فالواجب من الصوم ستة: شهر رمضان و الكفّارات و دم المتعة و النذر و شبهه، و الاعتكاف علي وجه، و قضاء الواجب، فهنا مطالب:

المطلب الأول: في شهر رمضان،
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأول: في علامته.
اشارة

يعلم دخول شهر رمضان و غيره من الشهور بأحد أمور ثلاثة: إمّا رؤية الهلال أو الإخبار أو الحساب.

النظر الأول: في رؤية الهلال
مسألة 72: أجمع العلماء كافة علي أنّ رؤية الهلال للزائد علي الواحد سبب في وجوب الصوم في شهر رمضان،

و علامة علي دخوله.

قال اللّه تعالي يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) دلّ علي أنّه تعالي اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ و غيره ممّا

ص: 117


1- البقرة: 189.

يعتبر فيه الوقت.

و أجمع المسلمون من عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الي زماننا هذا علي اعتبار الهلال و الترائي له، و التصدّي لإبصاره، و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يتصدّي لرؤيته و يتولاّها(1).

و شرّع عليه السلام قبول الشهادة(2) عليه، و الحكم في من شهد بذلك في مصر من الأمصار، و من جاء بالخبر من خارج المصر، و حكم المخبر به في الصحو، و خبر من شهد برؤيته مع العوارض، و ذلك يدلّ علي أنّ رؤية الهلال أصل من أصول الدين معلوم ضرورة من شرع الرسول عليه السلام، و الأخبار متواترة بذلك، و لا نعلم فيه خلافا.

و قد سئل الصادق عليه السلام عن الأهلّة، فقال: «هي أهلّه الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»(3).

مسألة 73: و يلزم صوم رمضان من رأي الهلال

و إن كان واحدا انفرد برؤيته، سواء كان عدلا أو غير عدل، شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو ردّت، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك و الليث و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي(4) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته)(5) و تكليف الرسول صلّي اللّه عليه

ص: 118


1- راجع: سنن الدارمي 3:2-4.
2- راجع: سنن الترمذي 74:3-691، و سنن الدار قطني 156:2-1 و 3 و 158 - 159-7-14، و سنن البيهقي 249:4، و سنن الدارمي 4:2-5.
3- الكافي 76:4-1، التهذيب 156:4-157-434، الإستبصار 63:2-204.
4- المدونة الكبري 193:1، بداية المجتهد 285:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 120، المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 280:6، فتح العزيز 449:6، حلية العلماء 183:3، المبسوط للسرخسي 64:3، بدائع الصنائع 80:2، الهداية للمرغيناني 1: 120، المغني 96:3، الشرح الكبير 11:3.
5- صحيح مسلم 762:2-18 و 19، صحيح البخاري 35:3، سنن الترمذي 3: 72-688، سنن النسائي 133:4 و 136 و 154، سنن الدارمي 2:2 و 3، سنن الدارقطني 158:2-7 و 160-161-15 و 20 و 162-163-27 و 28، سنن البيهقي 247:4.

و آله كما يتناول الواحد يتناول الجميع و بالعكس.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الأهلّة:

«هي أهلّه الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»(1).

و لأنّه يتيقّن أنّه من رمضان، فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم.

و لأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدين، بل الشاهدان يفيدان الظنّ، و الرؤية تفيد القطع، فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين فبالأقوي أولي.

و قال عطاء و الحسن و ابن سيرين و إسحاق: إذا انفرد الواحد برؤية الهلال، لا يصوم - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه يوم محكوم به من شعبان، فأشبه التاسع و العشرين(3).

و نمنع الحكم بكونه من شعبان في حق الرائي، لأنّه يتيقّن أنّه من شهر رمضان، فلزمه صيامه كالعدل.

إذا ثبت هذا، فإن أفطر هذا المنفرد، وجب عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع، لأنّه أفطر يوما من رمضان، فوجب عليه الكفّارة، كما لو قبلت شهادته.

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليه الكفّارة، لأنّها عقوبة، فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحدّ(4).0.

ص: 119


1- التهذيب 155:4-430، الإستبصار 62:2-63-200.
2- المغني 96:3، الشرح الكبير 11:3.
3- المغني 96:3، الشرح الكبير 11:3، المجموع 280:6، بداية المجتهد 285:1.
4- المبسوط للسرخسي 64:3، بدائع الصنائع 80:2، الهداية للمرغيناني 120:1، المجموع 280:6، المغني 96:3، بداية المجتهد 286:1، فتح العزيز 6: 449-450.

و نمنع كون الكفّارة عقوبة، و ينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة 74: يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان و رمضان،

و تطلّبه، ليحتاطوا بذلك لصيامهم، و يسلموا من الاختلاف.

و قد روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (أحصوا هلال شعبان لرمضان)(1).

و من طريق الخاصة: ما روي عن الباقر عليه السلام، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من ألحق في شهر رمضان يوما من غيره متعمّدا، فليس يؤمن باللّه و لا بي»(2).

و لأنّ الصوم واجب في أول رمضان، و كذا الإفطار في العيد، فيجب التوصّل إلي معرفة وقتهما، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

مسألة 75: يستحب لرائي الهلال الدعاء،

لأنّه انتقال من زمان الي آخر، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يقول إذا رأي الهلال:

(اللّه أكبر، اللّهم أهلّه علينا بالأمن و الإيمان، و السلامة و الإسلام، و التوفيق لما تحبّ و ترضي، ربّي و ربّك اللّه)(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا أهلّ شهر رمضان، استقبل القبلة، و رفع يديه، و قال:

اللّهم أهلّه علينا بالأمن و الإيمان، و السلامة و الإسلام، و العافية المجلّلة(4) ،

ص: 120


1- سنن الدار قطني 162:2-163-28، سنن الترمذي 71:3-687.
2- التهذيب 161:4-454.
3- سنن الدارمي 3:2-4، كنز العمّال 595:8-24309 نقلا عن تأريخ ابن عساكر، المعجم الكبير للطبراني 356:12-13330، و أوردها ابنا قدامة في المغني 10:3، و الشرح الكبير 5:3، و قالا: رواه الأثرم.
4- جلّل الشيء، أي: عمّ. لسان العرب 118:11 «جلل».

و الرزق الواسع، و دفع الأسقام، اللّهم ارزقنا صيامه و قيامه و تلاوة القرآن فيه، اللّهم سلّمه لنا، و تسلّمه منّا، و سلّمنا فيه»(1).

و كان أمير المؤمنين عليه السلام، إذا أهلّ هلال رمضان أقبل الي القبلة، و قال: «اللّهم أهلّه علينا بالأمن و الإيمان، و السلامة و الإسلام، و العافية المجلّلة، اللّهم ارزقنا صيامه و قيامه و تلاوة القرآن فيه، اللّهم تقبّله لنا، و تسلّمه منّا، و سلّمنا فيه»(2).

و كان عليه السلام أيضا يقول: «إذا رأيت الهلال، فلا تبرح و قل:

اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر و فتحه و نوره و نصره و بركته و طهوره و رزقه، أسألك خير ما فيه و خير ما بعده، و أعوذ بك من شرّ ما فيه و شرّ ما بعده، اللّهم أدخله علينا بالأمن و الإيمان، و السلامة و الإسلام، و البركة و التقوي، و التوفيق لما تحبّ و ترضي»(3).

و كان من قول أمير المؤمنين عليه السلام أيضا عند رؤية الهلال: «أيّها الخلق المطيع، الدائب(4) السريع، المتردّد في فلك التدوير(5) ، المتصرّف في منازل التقدير، آمنت بمن نوّر بك الظلم، و أضاء بك البهم، و جعلك آية من آيات سلطانه، و امتهنك(6) بالزيادة و النقصان و الطلوع و الأفول، و الإنارة و الكسوف، في كلّ ذلك أنت له مطيع، و الي إرادته سريع، سبحانه ما أحسن5.

ص: 121


1- الكافي 70:4-71-1، التهذيب 196:4-197-562.
2- الكافي 73:4-74-4، التهذيب 197:4-563.
3- الكافي 76:4-9، الفقيه 62:2-268، التهذيب: 197-564.
4- الدأب: الجدّ في العمل. مجمع البحرين 54:2.
5- في المصدر: التدبير.
6- في النسخ الخطية: و امتحنك، بدل و امتهنك. و امتهنه، أي: استعمله للمهنة. و المهنة: الخدمة. لسان العرب 424:13 و 425.

ما دبّر، و أتقن ما صنع في ملكه، و جعلك اللّه [هلال](1) شهر حادث لأمر حادث، جعلك اللّه هلال أمن و أمان، و سلامة و إسلام، هلال أمن(2) من العاهات، و سلامة من السيّئات، اللّهم اجعلنا أهدي من طلع عليه، و أزكي من نظر اليه، و صلّ علي محمد و آله، و افعل بي كذا و كذا يا أرحم الراحمين»(3).

مسألة 76: إذا رأي الهلال أهل بلد، و لم يره أهل بلد آخر،
اشارة

فإن تقاربت البلدان كبغداد و الكوفة، كان حكمهما واحدا: يجب الصوم عليهما معا، و كذا الإفطار، و إن تباعدتا كبغداد و خراسان و الحجاز و العراق، فلكلّ بلد حكم نفسه، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، و هو المعتمد، و به قال أبو حنيفة، و هو قول بعض الشافعية، و مذهب القاسم و سالم و إسحاق(5) ، لما رواه كريب أنّ أمّ الفضل بنت الحارث بعثته إلي معاوية بالشام، قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي و استهلّ عليّ رمضان، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد اللّه بن عباس و ذكر الهلال، فقال:

متي رأيتم الهلال ؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته ؟ قلت: نعم و رآه الناس و صاموا و صام معاوية، فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتي نكمل العدّة أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية و صيامه ؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(6).

ص: 122


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في النسخ الخطية: أمنه.
3- الفقيه 63:2-270.
4- المبسوط للطوسي 268:1.
5- فتح العزيز 271:6-272، المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 273:6 و 274، حلية العلماء 180:3، المغني 10:3، الشرح الكبير 7:3.
6- صحيح مسلم 765:2-1087، سنن الترمذي 76:3-77-693، سنن أبي داود 299:2-300-2332، سنن النسائي 131:4، سنن الدار قطني 171:2-21، سنن البيهقي 251:4.

و لأنّ البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع و الأرض كرة، فجاز أن يري الهلال في بلد و لا يظهر في آخر، لأنّ حدبة(1) الأرض مانعة من رؤيته، و قد رصد ذلك أهل المعرفة، و شوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جدّ في السير نحو المشرق و بالعكس.

و قال بعض الشافعية: حكم البلاد كلّها واحد، متي رئي الهلال في بلد و حكم بأنّه أول الشهر، كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار الأرض، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت، اختلفت مطالعها أو لا - و به قال أحمد بن حنبل و الليث بن سعد(2) ، و بعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، و في الباقي بالشهادة، فيجب صومه، لقوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3).

و قوله عليه السلام: (فرض اللّه صوم شهر رمضان)(4) و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

و لأنّ الدّين يحلّ به، و يقع به النذر المعلّق عليه.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»(5).

و قال عليه السلام، في من صام تسعة و عشرين، قال: «إن كانت له بيّنة عادلة علي أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين علي رؤية، قضي يوما»(6).

و لأنّ الأرض مسطّحة، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في3.

ص: 123


1- الحدبة: ما أشرف من الأرض و غلظ و ارتفع. لسان العرب 301:1.
2- فتح العزيز 272:6، المجموع 273:6 و 274، حلية العلماء 181:3، المغني 3: 10، الشرح الكبير 7:3.
3- البقرة: 185.
4- صحيح البخاري 31:3، سنن النسائي 121:4، سنن البيهقي 201:4 نقلا بالمعني.
5- التهذيب 157:4-158-439، الاستبصار 64:2-206.
6- التهذيب 158:4-443.

غيره شيء عارض، لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

و نمنع كونه يوما من رمضان في حق الجميع، فإنه المتنازع، و لا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة، فإنّه أول المسألة.

و قول الصادق عليه السلام محمول علي البلد المقارب لبلد الرؤية، جمعا بين الأدلّة.

و نمنع تسطيح الأرض، بل المشهور: كرؤيتها.

فروع:

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(1).

و قال بعضهم: الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر، للارتفاع و الانخفاض، و قد لا يوجد مع مجاوزتها لها، و هذا لا قائل به(2).

و بعضهم اعتبر ما قلناه و ضبطوا التباعد: بأن يكون بحيث تختلف المطالع، كالحجاز و العراق، و التقارب: بأن لا تختلف، كبغداد و الكوفة(3).

و منهم من اعتبر اتّحاد الإقليم و اختلافه(4).

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الي بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الأول،

فإن قلنا: لكلّ بلدة حكمها، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(5) يفطر؟ وجهان: أحدهما: أنّه يصوم معهم - و هو قول بعض الشافعية(6) - لأنّه بالانتقال الي بلدهم أخذ حكمهم، و صار من جملتهم.

و الثاني: أنّه يفطر، لأنّه التزم حكم البلدة الاولي، فيستمرّ عليه، و شبّه

ص: 124


1- فتح العزيز 273:6-275، و المجموع 273:6.
2- فتح العزيز 273:6-275، و المجموع 273:6.
3- فتح العزيز 273:6-275، و المجموع 273:6.
4- فتح العزيز 273:6-275، و المجموع 273:6.
5- في «ط» و الطبعة الحجرية: «أو» بدل «أم».
6- فتح العزيز 277:6.

ذلك بمن اكتري دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

و إن عمّمنا الحكم سائر(1) البلاد، فعلي أهل البلدة المنتقل إليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله، لعدالته، أو بطريق آخر، و عليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يري(2) فيها الهلال ليلة الجمعة إلي التي يري(3) فيها الهلال ليلة السبت،

و رئي هلال شوّال ليلة السبت، فعليهم التعييد معه و إن لم يصوموا إلاّ ثمانية و عشرين يوما، و يقضون يوما.

و علي قياس الوجه الأول لا يلتفتون الي قوله: رأيت الهلال، و إن قبل في الهلال قول عدل.

و علي عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال الي حيث رئي، فيعيّدوا التاسع و العشرين من صومه، فإن(4) عمّمنا الحكم، و قلنا: حكمه حكم البلد المنتقل اليه، عيّد معهم، و قضي يوما، و إن لم نعمّم الحكم و قلنا: إنّه بحكم البلد المنتقل عنه، فليس له أن يفطر.

د - لو رئي الهلال في بلد، فأصبح الشخص معيّدا،

و سارت به السفينة، و انتهي الي بلدة علي حدّ البعد، فصادف أهلها صائمين، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا: إنّ كلّ بلدة لها حكمها، و عدمه، لأنّه لم يرد فيه أثر، و يجزئه اليوم الواحد، و إيجاب إمساك بعضه بعيد.

و لو انعكس الحال، فأصبح الرجل صائما، و سارت به السفينة الي حيث عيّدوا، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا: إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل إليها، أفطر، و إلاّ فلا.

و إذا أفطر، قضي يوما، لأنّه لم يصم إلاّ ثمانية و عشرين يوما.ق.

ص: 125


1- «سائر» منصوب بنزع الخافض.
2- الأنسب في الموضعين: رئي.
3- الأنسب في الموضعين: رئي.
4- في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: «و إن» بدل «فإن» و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
مسألة 77: إذا رئي الهلال يوم الثلاثين، فهو للمستقبلة

مسألة 77: إذا رئي الهلال يوم الثلاثين، فهو للمستقبلة(1) ،

سواء رئي قبل الزوال أو بعده، فإن كان هلال رمضان، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم، و إن كان هلال شوّال، لم يجز لهم الإفطار إلاّ بعد غروب الشمس، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة(2) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(3) ، قال: جاءنا كتاب عمر و نحن بخانقين: أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار، فلا تفطروا(4) حتي تمسوا، إلاّ أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلاّه بالأمس عشيّة.

و من طريق الخاصة: ما روي محمد بن عيسي، قال: كتبت اليه عليه السلام: جعلت فداك ربما غمّ(5) علينا هلال شهر رمضان، فيري من الغد الهلال قبل الزوال، و ربما رأيناه بعد الزوال فتري أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه، أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام: «تمّم الي الليل، فإنّه إن كان تامّا رئي قبل الزوال»(6).

ص: 126


1- أي: للّيلة المستقبلة.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 120، المنتفي للباجي 39:2، المجموع 272:6، فتح العزيز 286:6، حلية العلماء 180:3، بدائع الصنائع 82:2، المغني 108:3، الشرح الكبير 7:3.
3- هكذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و في المصادر الحديثية: سفيان عن منصور عن أبي وائل. و اسم أبي وائل: شقيق بن سلمة، لا منصور بن سلمة. و نقل الرافعي في فتح العزيز 287:6 هذه الرواية عن سفيان بن سلمة، و نقلها ابنا قدامة في المغني 108:3، و الشرح الكبير 7:3، عن أبي وائل فقط. انظر: سنن الدار قطني 169:2-10، و سنن البيهقي 213:4، و أسد الغابة 3:3، و تهذيب التهذيب 317:4.
4- في النسخ الخطية: «فلا تفطرنّ» بدل «فلا تفطروا».
5- غمّ الهلال علي الناس: إذا ستره عنهم غيم أو غيره فلم ير. الصحاح 1998:5.
6- التهذيب 177:4-490، الاستبصار 73:2-221.

و قال الباقر عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو يشهد عليه عدل من المسلمين، فإن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار أو آخره، فأتمّوا الصيام الي الليل، فإنّ غمّ عليكم، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا»(1).

و قال الثوري: إن رئي قبل الزوال، فهو للّيلة الماضية، و إن رئي بعده، فهو للمستقبلة(2). و به قال أبو يوسف(3).

و قال أحمد: إن كان في أول شهر رمضان، و كان قبل الزوال، فهو للماضية، و إن كان في هلال شوّال، فروايتان: إحداهما: أنّها كذلك، و الثانية: لمستقبلة، لقوله عليه السلام: (صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته) و قد رأوه، فيجب الصوم و الفطر.

و لأنّ ما قبل الزوال أقرب الي الماضية(4)المغني 108:3، الشرح الكبير 7:3.(5).

و المراد في الخبر: إذا رأوه عشية، بدليل ما لو رئي بعد الزوال.

و علي الرواية التي لأحمد: أنّه عن الماضية في أول رمضان، يلزمه قضاء ذلك اليوم، و إمساك بقيته احتياطا للعبادة(5).

و هو غلط، لأنّ ما كان للّيلة المقبلة في آخره فهو لها في أوله، كما لو رئي بعد العصر.3.

ص: 127


1- الفقيه 77:2-337، التهذيب 158:4-440 و 177-491، الاستبصار 2: 64-207 و 73-222.
2- المغني 108:3، الشرح الكبير 7:3، المجموع 272:6-273، حلية العلماء 180:3، فتح العزيز 286:6-287، بداية المجتهد 285:1، شرح فتح القدير 2: 243.
3- المغني 108:3، الشرح الكبير 7:3، المجموع 272:6-273، حلية العلماء 180:3، فتح العزيز 286:6-287، بداية المجتهد 285:1، شرح فتح القدير 2: 243.
4- المغني 108:3، الشرح الكبير 7:3، فتح العزيز 287:6، حلية العلماء 180:3، و تقدّمت الإشارة إلي مصادر الحديث في الهامش
5- من ص 118.
النظر الثاني: في الإخبار
مسألة 78: لو لم ير الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لغمّ و شبهه أو لغير ذلك من الأسباب، اعتبر بالشهادة

بإجماع علماء الأمصار.

علي أنّ للشهادة اعتبارا في رؤية الهلال، و أنّها علامة علي الشهر، و إنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

و المشهور عند علمائنا: أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان و غيره إلاّ شهادة رجلين عدلين سواء الصحو و الغيم، و سواء كانا من نفس البلد أو خارجه - و به قال مالك و الليث و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين، فإن شهد ذوا عدل، فصوموا و أفطروا و انسكوا)(2).

و قال عليه السلام: (صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما إلاّ أن يشهد شاهدان)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ عليا عليه السلام قال: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين»(4).

ص: 128


1- بداية المجتهد 286:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 119، المهذب للشيرازي 1: 186، فتح العزيز 250:6، المجموع 277:6 و 282، المغني 96:3، الشرح الكبير 8:3.
2- أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني 97:3، و الشرح الكبير 8:3، و راجع: سنن الدارقطني 167:2-3، و سنن النسائي 133:4.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 250:6، و بتفاوت في سنن النسائي 133:4.
4- التهذيب 180:4-498.

و لأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعا، اعتبارا بالأعمّ الأغلب.

و قال سلاّر من علمائنا: يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل، و لا يقبل في غيره إلاّ شهادة عدلين(1) - و هو أحد قولي الشافعي، و الرواية الثانية عن أحمد، و قول ابن المبارك(2) - لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: رأيت الهلال، قال: (أ تشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله ؟) قال: نعم، قال: (يا بلال أذّن في الناس فليصوموا)(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين»(4).

و لأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

و لأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

و لأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبر و المخبر، فقبل من واحد عدل كالرواية.

و رواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها، فيحتمل أنّه شهد عند النبي صلّي اللّه عليه و آله شاهد آخر.2.

ص: 129


1- المراسم: 233.
2- المهذب للشيرازي 186:1، المجموع 282:6، فتح العزيز 250:6، حلية العلماء 180:3، بداية المجتهد 286:1، المغني 96:3، الشرح الكبير 8:3.
3- سنن أبي داود 302:2-2340، سنن الترمذي 74:3-691، سنن النسائي 4: 132، سنن الدارمي 5:2، المستدرك - للحاكم - 424:1، سنن البيهقي 211:4.
4- الفقيه 77:2-337، التهذيب 158:4-440 و 177-491، الاستبصار 2: 64-207 و 73-222.

و يحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ، فأمر النبي صلّي اللّه عليه و آله بالصوم غدا، ليتحفّظوا من الفطر، فربما شهد بعد ذلك في النهار(1) شاهد آخر، فيثبت أنّه من رمضان، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإفطار.

و قول أمير المؤمنين عليه السلام، نقول بموجبه، و لا يدلّ علي مطلوبهم، لأنّ لفظة «العدل» يصح إطلاقها علي الواحد فما زاد، لأنّه مصدر يصدق علي القليل و الكثير، تقول: رجل عدل. و رجلان عدل. و رجال عدل. و نمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. و الرواية قبل فيها الواحد، للإجماع، فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية، لعظم خطرها.

و للشيخ - رحمه اللّه تعالي - قولان:

قال في المبسوط: إن كان في السماء علّة و شهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته، وجب الصوم، و إن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلاّ شهادة القسامة خمسين رجلا من البلد أو خارجه(2).

و قال في النهاية: إن كان في السماء علة و لم يره جميع أهل البلد و رآه خمسون نفسا، وجب الصوم، و لا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، و ليس علي غيره شيء.

و متي كان في السماء علّة و لم ير في البلد الهلال و رآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصوم، و إن لم يكن في السماء علّة و طلب فلم ير، لم يجب الصوم إلاّ أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه(3) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج0.

ص: 130


1- في «ط»: في آخر النهار.
2- راجع: المبسوط للطوسي 267:1.
3- النهاية: 150.

المصر، و كان بالمصر علّة، فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية»(1).

و سأل إبراهيم بن عثمان الخزاز، الصادق عليه السلام: قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال ؟ فقال: «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه، فلا تؤدّوا بالتظنّي، و ليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد: رأيته، و يقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر»(2).

و لأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد و الاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة، فلم يكن قولهما مؤثّرا.

و نمنع صحة سند الخبرين. و قول الخمسين قد لا يفيد إلاّ الظنّ، و هو ثابت في العدلين.

و قال أبو حنيفة: لا يقبل في الصحو إلاّ الاستفاضة، و في الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد، و في غيره لا يقبل إلاّ اثنان، لأنّه لا يجوز أن ينظر الي مطلع الهلال مع صحة الحاسّة و ارتفاع الموانع جماعة، فيختص واحد برؤيته(3).

و نحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد، و لا تشترط الزيادة علي الاثنين، لجواز الاختلاف في الرؤية، لبعد المرئي و لطافته، و قوة الحاسّة و ضعفها، و التفطّن للرؤية و عدمه، و اختلاف مواضع نظرهم، و كدورة الهواء و صفوه.3.

ص: 131


1- التهذيب 159:4-448 و 317-963، الاستبصار 74:2-227.
2- التهذيب 160:4-451.
3- بدائع الصنائع 80:2-81، المغني 97:3، الشرح الكبير 8:3، المجموع 6: 282، فتح العزيز 258:6، حلية العلماء 182:3.

و لأنّه ينتقض: بما لو حكم برؤيته حاكم بشهادة الواحد أو الاثنين، فإنّه يجوز، و لو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة 79: لا تقبل شهادة النساء في ذلك،
اشارة

لقول علي عليه السلام:

«لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال»(1).

و قال الشافعي: إن قلنا: لا بدّ من اثنين، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. و لا عبرة بقول العبد. و لا بدّ من لفظ الشهادة. و تختص بمجلس القضاء، لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

و إن قبلنا قول الواحد، فهل هو علي طريق الشهادة أم علي طريق الرواية ؟ وجهان، أصحّهما عنده: الأول، إلاّ أنّ العدد سومح به، و البيّنات مختلفة المراتب.

و الثاني: أنّه رواية، لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئا، و هذا خبر عمّا يستوي فيه المخبر و غير المخبر، فأشبه رواية الخبر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، فعلي الأول لا يقبل قول المرأة و العبد، و علي الثاني يقبل.

و هل يشترط لفظ الشهادة ؟ وجهان عنده(2).

و قال أبو حنيفة: يقبل إخبار المرأة الواحدة، لأنّه خبر ديني، فأشبه الخبر عن القبلة، و الرواية، و هو قياس قول أحمد(3).

و لا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

و قال الجويني: فيه وجهان مبنيّان علي قبول رواية الصبيان(4).

و قال بعض الشافعية: إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال، لزم اتّباع قوله و إن لم يذكر عند الحاكم(5).

ص: 132


1- التهذيب 180:4-498.
2- فتح العزيز 253:6-255، و المجموع 277:6.
3- بدائع الصنائع 81:2، المغني 98:3، الشرح الكبير 10:3.
4- فتح العزيز 255:6.
5- فتح العزيز 255:6-256، المجموع 277:6.

و قالت طائفة: يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(1).

و لا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلاّ عدلان، إلاّ أبا ثور، فإنّه قال: تقبل شهادة الواحد فيه(2).

و هو غلط، لما تقدّم(3) من الأحاديث.

احتجّ: بأنّه خبر يستوي فيه المخبر و المخبر، فأشبه أخبار الديانات، و لأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة، فيقبل فيه قول الواحد كالأخبار عن دخول وقتها(4).

و نمنع كونه خبرا، و لهذا لا يقبل فيه: فلان عن فلان(5).

فروع:

أ - لا تقبل شهادة الفاسق،

لقوله تعالي إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (6).

و لا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلي الخبرة الباطنة و أقوال المزكّين - و هو أحد قولي الشافعية(7) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق، و إنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم ير الهلال بعد الثلاثين،

فالوجه: الإفطار - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(8) -

ص: 133


1- فتح العزيز 256:6، المجموع 277:6.
2- المغني 98:3، الشرح الكبير 10:3، حلية العلماء 182:3، المجموع 281:6، فتح العزيز 268:6.
3- تقدّم في المسألة 78.
4- المغني 98:3، الشرح الكبير 10:3، فتح العزيز 268:6-269.
5- أي قول المخبر: أخبرني فلان عن فلان أنّه رأي الهلال.
6- الحجرات: 6.
7- فتح العزيز 257:6، المجموع 277:6.
8- المغني 99:3، الشرح الكبير 10:3، المهذب للشيرازي 186:1-187، المجموع 278:6، فتح العزيز 258:6-259، حلية العلماء 182:3.

لأنّ الصوم ثبت شرعا بشهادة الواحد، فيثبت الإفطار باستكمال العدّة، و لا يكون إفطارا بالشهادة، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء، و تثبت بهن الولادة، فيثبت النسب بالفراش علي وجه التبع للولادة.

و الثاني للشافعي: لا يفطرون - و به قال محمد بن الحسن(1) - لأنّه يكون فطرأ بشهادة واحد(2).

و قد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشيء ضمنا بما لا يثبت به أصلا.

و ما موضع القولين ؟ للشافعية طريقان: أحدهما: مع الصحو، و لو كانت السماء مغيّمة، وجب الإفطار. و الثاني: أنّ الصحو و الغيم واحد(3).

ج - لو صاموا بشهادة عدلين و رئي الهلال بعد ثلاثين، فلا بحث،

و إن لم ير الهلال فإن كانت السماء متغيّمة، أفطر، و كذا إن كانت مصحية عند عامة العلماء(4) ، لأنّ العدلين لو شهدا ابتداء علي هلال شوّال، لقبلنا شهادتهما، و أفطرنا، فلأن نفطر علي ما أثبتناه بقولهما أوّلا أولي.

و قال مالك: لا يفطرون، لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناء علي الظنّ(5). و قد بيّنا خلافه.

و علي هذا القول لو شهد اثنان علي هلال شوّال ثم لم ير الهلال و السماء مصحية بعد ثلاثين، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه، لظهور أنّه من رمضان، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

و قال بعض الشافعية القائلين بقبوله: إنّا لا نوقع به العتق و الطلاق9.

ص: 134


1- حلية العلماء 182:3.
2- المهذب للشيرازي 186:1، المجموع 278:6، فتح العزيز 259:6، حلية العلماء 182:3.
3- فتح العزيز 261:6، المجموع 279:6.
4- فتح العزيز 262:6 و 269.
5- فتح العزيز 262:6 و 269.

المعلّقين بهلال رمضان، و لا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(1).

ه - لا يثبت الهلال بالشهادة علي الشهادة عند علمائنا،

لأصالة البراءة، و اختصاص ورود القبول بالأموال و حقوق الآدميين.

و للشافعية طريقان: أحدهما: أنّه علي قولين في أنّ حدود اللّه تعالي هل تثبت بالشهادة علي الشهادة ؟ و أصحّهما عندهم: القطع بثبوته كالزكاة و إتلاف بواري المسجد و الخلاف في الحدود المبنية علي الدفع و الدرء.

و علي هذا، فعدد الفروع مبني علي القول في الأصول، إن اعتبرنا العدد في الأصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات، و لا مدخل فيه لشهادة النساء و العبيد.

و إن لم نعتبر العدد، فإن قلنا: إنّ طريقه طريق الرواية، فوجهان:

أحدهما: الاكتفاء بواحد، كرواية الإخبار. و الثاني: لا بدّ من اثنين، و هو الأصحّ عندهم، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه، لأنّه لا يكفي أن يقول: أخبرني فلان عن فلان أنّه رأي الهلال.

و علي هذا، فهل يشترط إخبار حرّين ذكرين، أم يكفي امرأتان و عبدان ؟ وجهان(2).

و إن قلنا: إنّ طريقه طريق الشهادة، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين ؟ وجهان عندهم(3).

و - لو رأي اثنان هلال شوّال، و لم يشهدا عند الحاكم، جاز لمن سمع شهادتهما الإفطار

مع(4) معرفته بعدالتهما، و كذا يصوم لو شهدا برمضان، لقولهد.

ص: 135


1- فتح العزيز 269:6، و المجموع 281:6.
2- فتح العزيز 263:6-265، و المجموع 277:6-278.
3- فتح العزيز 265:6، المجموع 278:6.
4- في الطبعة الحجرية بدل مع: بعد.

عليه السلام: (إذا شهد اثنان فصوموا و أفطروا)(1).

و لو شهدا، فردّ الحاكم شهادتهما، لعدم معرفته بهما، جاز الإفطار أيضا في شوّال و الصوم في رمضان.

و يجوز لكلّ منهما أن يفطر عندنا، و به قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(2) ، و ليس شيئا.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان،

و لا تقبل شهادة مجهول الحال و لا مستور الظاهر.

مسألة 80: لو رئي الهلال في البلد رؤية شائعة، و اشتهر و ذاع بين الناس الهلال، وجب الصيام إجماعا،

لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

و لو لم يحصل العلم، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية، فالأقوي: التعويل عليه كالشاهدين، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث: في الحساب
مسألة 81: إذا غمّ هلال رمضان و لم يره أحد،

أكملت عدّة شعبان ثلاثين يوما، ثم صاموا وجوبا من رمضان، سواء كانت السماء متغيّمة أو صاحية، عند علمائنا، لما رواه العامة عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره، ثم يصوم رمضان لرؤيته، فإن غمّ عليه عدّ ثلاثين يوما ثم صام(3).

ص: 136


1- أورده ابنا قدامة في المغني 100:3، و الشرح الكبير 12:3.
2- المغني 101:3، الشرح الكبير 12:3.
3- سنن الدار قطني 156:2-157-4، سنن البيهقي 206:4، المستدرك - للحاكم - 1: 423، و مسند أحمد 149:6.

و من طريق الخاصة: قول أمير المؤمنين عليه السلام: «فإن غمّ عليكم، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(1).

مسألة 82: و لا يجوز التعويل علي الجدول، و لا علي كلام المنجّمين،

لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر و اجتماعه بالشمس، و لا يجوز المصير إلي كلام المنجّم و لا الاجتهاد فيه - و هو قول أكثر العامة(2) - لما تقدّم من الروايات، و لو كان قول المنجّم طريقا و دليلا علي الهلال، لوجب أن يبيّنه عليه السلام للناس، لأنّهم في محلّ الحاجة اليه، و لم يجز له عليه السلام حصر الدلالة في الرؤية و الشهادة.

و حكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا: يجتهد في ذلك، و يرجع الي المنجّمين(3). و هو باطل، لما(4) تقدّم.

و لقول الصادق عليه السلام: «ليس علي أهل القبلة إلاّ الرؤية، ليس علي المسلمين إلاّ الرؤية»(5).

و الأحاديث متواترة علي أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين، و قد شدّد النبي صلّي اللّه عليه و آله، في النهي عن سماع كلام المنجّم، فقال عليه السلام: (من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما انزل علي محمد)(6).

احتجّوا: بقوله تعالي وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (7).

ص: 137


1- الفقيه 77:2-337، و التهذيب 158:4-440.
2- راجع: المجموع 280:6، و فتح العزيز 266:6.
3- كما في حلية العلماء 178:3.
4- في «ط، ن»: بما.
5- الكافي 77:4-5، الفقيه 77:2-335، التهذيب،: 158-442، الإستبصار 64:2-209.
6- أورده المحقق في المعتبر: 311، و بتفاوت في المستدرك - للحاكم - 8:1، و مسند أحمد 429:2.
7- النحل: 16.

و لأنّ النبي عليه السلام قال: (فإن غمّ عليكم فاقدروا له)(1) و التقدير إنّما هو معرفة التسيير و المنازل، و لذلك رجعنا الي الكواكب و المنازل في القبلة و الأوقات، و هي أمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاما كثيرة.

و الجواب: الاهتداء بالنجم معرفة الطرق و مسالك البلاد و تعريف الأوقات، و نقول أيضا بموجبه، فإنّ رؤية الهلال تهدي الي معرفة أول الشهر، أمّا قول المنجّم فلا.

و أمّا الحديث: (فاقدروا له ثلاثين)(2) و المراد: أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم، و تسعة و عشرين عند آخرين.

و أمّا القبلة و الوقت فالطريق هو المشاهدة.

و للشافعية وجهان في من عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به ؟ و أصحّهما عندهم: المنع. و الثاني: أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(3).

و لو عرفه بالنجوم، لم يجز أن يصوم به عندهم(4) قولا واحدا.

مسألة 83: لا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية

ذهبوا الي أنّه معتبر، و أنّ شهور السنة قسمان: تام و ناقص، فرمضان لا ينقص أبدا، و شعبان لا يتمّ أبدا، لأحاديث منسوبة إلي أهل البيت عليهم السلام(5) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام، تارة بواسطة معاذ بن كثير، و اخري بغير واسطة، و اخري لم يسندها الي إمام: أنّ الصادق عليه السلام سأله معاذ: أنّ الناس يقولون: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، صام تسعة

ص: 138


1- صحيح البخاري 34:3، صحيح مسلم 759:2-760-6-9، سنن النسائي 4: 134، سنن الدارمي 3:2، سنن البيهقي 204:4 و 205، سنن الدار قطني 2: 161-22.
2- صحيح مسلم 759:2-4، سنن النسائي 133:4.
3- المجموع 280:6، فتح العزيز 266:6-267.
4- المجموع 280:6، فتح العزيز 266:6-267.
5- كما في المعتبر: 311.

و عشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين، فقال: «كذبوا، ما صام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الي أن قبض أقلّ من ثلاثين يوما، و لا نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه السماوات و الأرض من ثلاثين يوما و ليلة»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولا: فلأنّه لم يوجد في شيء من الأصول المصنّفة، و إنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

و أيضا، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث، و الكتاب مشهور، و لو كان الحديث صحيحا عنده، لضمنه كتابه.

و أيضا، فإنّه مختلف الألفاظ، مضطرب المعاني، لأنّه تارة يرويه عن الصادق عليه السلام، و تارة يفتي من قبل نفسه، و لا يسنده الي أحد، و روايته عن الإمام تارة بواسطة، و اخري بغير واسطة، و هذا دليل اضطرابه و ضعفه، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار و القرآن العزيز و عمل جميع المسلمين، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(2):

قال الصادق عليه السلام: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان، فإن تغيّمت السماء يوما، فأتمّوا العدة».

و قال عليه السلام في شهر رمضان: «هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «حدّثني أبي عليه السلام أنّ عليا عليه السلام قال: صمنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله تسعة و عشرين يوما، و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لمّا ثقل في مرضه: أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد، و ذو القعدة و ذو الحجّة2.

ص: 139


1- التهذيب 167:4-477، الاستبصار 65:2-211.
2- التهذيب 169:4.
3- التهذيب 160:4-452.

و المحرّم ثلاثة متواليات، ألا و هذا الشهر المفروض، صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته، و إذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين، [و](1) صوموا الواحد و ثلاثين»(2).

مسألة 84: و لا اعتبار بغيبوبة القمر بعد الشفق،

لقوله عليه السلام:

(الصوم للرؤية و الفطر للرؤية)(3).

و لأصالة براءة الذمة.

و قال بعض من لا يعتد به: إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية، و إن غاب قبله فهو لليلته(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين»(5).

و نمنع صحة سنده. و نعارضه بالأحاديث الدالّة علي حصر الطريق في الرؤية و الشهادة و مضيّ الثلاثين.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا إنّما يكون أمارة علي اعتبار دخول الشهر إذا كانت السماء مغيّمة، فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق و بتطوّق الهلال، فأمّا مع زوال العلّة فلا(6).

إذا ثبت هذا، فلا يجوز التعويل أيضا علي تطوّق الهلال.

و في رواية عن الصادق عليه السلام: «إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين»(7).

ص: 140


1- زيادة من المصدر.
2- التهذيب 161:4-454.
3- سنن النسائي 136:4 نحوه.
4- قال به الصدوق في المقنع: 58.
5- الكافي 77:4-7، الفقيه 78:2-343، التهذيب 178:4-494، الاستبصار 75:2-228.
6- التهذيب 178:4-179.
7- الكافي 78:4-11، الفقيه 78:2-342، التهذيب 178:4-495، الاستبصار 75:2-229.

و نمنع صحة سندها.

مسألة 85: لا اعتبار بعدّ خمسة أيام من الماضية

مسألة 85: لا اعتبار بعدّ خمسة أيام من الماضية(1) ،

عملا بالأصل، و ما تقدّم من الأحاديث الدالّة علي العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين، فعلي هذا لو غمّ هلال الشهور كلّها، عدّ كلّ شهر ثلاثين يوما.

و قد روي عمران الزعفراني عن الصادق عليه السلام: قلت له: إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة لا نري(2) السماء، فأيّ يوم نصوم ؟ قال: «انظر(3) اليوم الذي صمت من السنة الماضية، و صم يوم الخامس»(4).

و سأل عمران أيضا، الصادق عليه السلام: قلت: إنّما نمكث في الشتاء اليوم و اليومين لا نري سماء و لا نجما، فأيّ يوم نصوم ؟ قال: «انظر(5) اليوم الذي صمت من السنة الماضية، و عدّ خمسة أيام، و صم يوم الخامس»(6).

و الأول مرسل. و في طريق الثاني: سهل بن زياد، و هو ضعيف مع أنّ عمران الزعفراني مجهول.

و لو قيل بذلك بناء علي العادة القاضية بعدم تمامية شهور السنة بأسرها، كان وجها.

و لو غمّ هلال رمضان و شعبان، عدّدنا رجب ثلاثين، و كذا شعبان، فإن غمّت الأهلّة بأسرها، فالأقرب: الاعتبار برواية الخمسة بناء علي العادة، و هو

ص: 141


1- أي: السنة الماضية.
2- في «ن»: لا تري.
3- في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و في الطبعة الحجرية: أفطر. و ما أثبتناه - و هو الصحيح - من المصادر.
4- الكافي 80:4-1، التهذيب 179:4-496، الإستبصار 76:2-230.
5- في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و في الطبعة الحجرية: أفطر. و ما أثبتناه - و هو الصحيح - من المصادر.
6- الكافي 81:4-4، التهذيب 179:4-497، الاستبصار 76:2-231.

اختيار الشيخ في المبسوط(1).

و أكثر علمائنا قالوا: تعدّ(2) الشهور ثلاثين ثلاثين(3).

مسألة 86: لو كان بحيث لا يعلم الأهلّة، كالمحبوس، أو اشتبهت عليه الشهور، كالأسير مع الكفّار

إذا لم يعلم الشهر، وجب عليه أن يجتهد و يغلّب علي ظنّه شهرا أنّه من رمضان، فإن حصل الظنّ بني عليه.

ثم إن استمرّ الاشتباه، أجزأه إجماعا - إلاّ من الحسن بن صالح بن حي(4) - لأنّه أدّي فرضه باجتهاده، فأجزأه، كما لو ضاق الوقت و اشتبهت القبلة.

و إن لم يستمرّ، فان اتّفق وقوع الصوم في رمضان، أجزأه إجماعا، إلاّ من الحسن بن صالح بن حي، فإنّه قال: لا يجزئه(5).

و هو غلط، لأنّه أدّي العبادة باجتهاده، فإذا وافق الإصابة أجزأه، كالقبلة إذا اشتبهت عليه.

و لأنّه مكلّف بالصوم إجماعا، و العلم غير ممكن، فتعيّن الظنّ.

احتجّ: بأنّه صامه علي الشك، فلا يجزئه، كما إذا صام يوم الشك ثم بان أنّه من رمضان(6).

و الفرق: أنّ يوم الشك لم يضع الشارع الاجتهاد طريقا اليه.

و إن وافق صومه بعد رمضان، أجزأه أيضا عند عامّة العلماء(7) ، إلاّ الحسن بن صالح بن حي، فإنّه قال: لا يجزئه(8).

ص: 142


1- المبسوط للطوسي 268:1.
2- في «ن»: بدل تعدّ: بعدّ.
3- منهم: المحقق في شرائع الإسلام 200:1.
4- المغني 101:3، الشرح الكبير 12:3.
5- المجموع 285:6، حلية العلماء 184:3، المغني 101:3، الشرح الكبير 12:3.
6- كما في المغني 101:3، و الشرح الكبير 12:3، و المجموع 285:6.
7- المغني 101:3، الشرح الكبير 12:3.
8- المغني 101:3، الشرح الكبير 12:3.

و ليس بجيّد، لأنّه أدّي العبادة في أحد وقتيها - أعني وقت القضاء - فأجزأه، كما لو فعلها في الوقت الآخر، و هو وقت الأداء، و كما لو دخل الوقت و هو متلبّس بالصلاة.

و لأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه سأل الصادق عليه السلام: الرجل أسرته الروم، و لم يصم شهر رمضان، و لم يدر أيّ شهر هو، قال: «يصوم شهرا يتوخّاه، و يحسب، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزئه، و إن كان بعده أجزأه»(1).

و إن وافق صومه قبل رمضان، لم يجزئه عند علمائنا - و به قال أبو ثور و مالك و أحمد و الشافعي في أحد القولين(2) - لأنّه فعل العبادة قبل وقتها، فلا يقع أداء و لا قضاء، فلم يجزئه، كالصلاة يوم الغيم.

و لرواية عبد الرحمن، و قد تقدّمت(3).

و الثاني للشافعي: الإجزاء، لأنّه فعل العبادة قبل وقتها مع الاشتباه فأجزأه، كما لو اشتبه يوم عرفة فوقف قبله(4).

و نمنع حكم الأصل.

مسألة 87: لو لم يغلب علي ظنّ الأسير شهر رمضان، لزمه أن يتوخّي شهرا و يصومه

و يتخيّر فيه - و به قال بعض الشافعية(5) - لأنّه مكلّف بالصوم، و قد فقد العلم بتعيّن الوقت، فسقط عنه التعيين، و وجب عليه الصوم في شهر

ص: 143


1- الكافي 180:4-1، الفقيه 78:2-346، التهذيب 310:4-935.
2- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 286:6-287، المغني 102:3، الشرح الكبير 12:3، حلية العلماء 183:3، فتح العزيز 338:6، الكافي في فقه أهل المدينة: 121.
3- تقدّمت آنفا.
4- المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 286:6، حلية العلماء 183:3، فتح العزيز 338:6، المغني 102:3، الشرح الكبير 12:3-13.
5- المجموع 287:6، حلية العلماء 184:3.

يتوخّاه، كما لو فاته الشهر مع علمه و لم يصمه، فإنّه يسقط عنه التعيين، و يتوخّي شهرا يصومه للقضاء، و كما لو اشتبهت القبلة و ضاق الوقت.

و لرواية عبد الرحمن(1).

و قال بعض الشافعية: لا يلزمه ذلك، لأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان و لا ظنّه، فلا يلزمه الصيام، كما لو شك في دخول وقت الصلاة، فإنّه لا يلزمه الصلاة(2).

و الفرق ظاهر، لتمكّنه من العلم بوقت الصلاة بالصبر.

و لو وافق بعضه الشهر دون بعض، صحّ ما وافق الشهر و ما بعده دون ما قبله.

و لو وافق صومه شوّال، لم يصحّ صوم يوم العيد، و قضاه، و كذا ذو الحجّة.

و إذا توخّي شهرا، فالأولي وجوب التتابع فيه و إن كان له أن يصوم قبله و بعده.

و إذا وافق صومه بعد الشهر، فالمعتبر صوم أيام بعدّة ما فاته، سواء وافق ما بين هلالين أم لا، و سواء كان الشهران تامّين أو أحدهما أو ناقصين.

نعم لو كان رمضان تاما، فتوخّي شهرا ناقصا، وجب عليه إكمال يوم.

و قال بعض الشافعية: إذا وافق شهرا بين هلالين، أجزأه مطلقا، و إن لم يوافق، لزمه صوم ثلاثين و إن كان رمضان ناقصا، لأنّه لو نذر صيام شهر أجزأه عدّه بين هلالين و إن كان ناقصا(3).

و هو خطأ، لأنّه يلزم قضاء ما ترك، و الاعتبار بالأيام، لقوله تعالي:ظ.

ص: 144


1- تقدمت في المسألة السابقة.
2- المجموع 287:6، حلية العلماء 184:3
3- لم نقف عليه في كتب الشافعية، و نسب هذا القول في المغني 102:3، و الشرح الكبير 13:3، الي ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة، فلاحظ.

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1) .

و الإجزاء في النذر، لأنّ اسم الشهر يتناوله، أمّا هنا فالواجب عدد ما فات من الأيام.

و لو صام شوّالا و كان ناقصا و رمضان ناقص أيضا، لزمه يوم عوض العيد.

و قال بعض الشافعية: يلزمه يومان(2). و ليس بجيّد.

و إذا صام علي سبيل التخمين من غير أمارة، لم يجب القضاء، إلاّ أن يوافق قبل رمضان.

و لو صام تطوّعا، فبان أنّه رمضان، فالأقرب: الإجزاء - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ نية التعيين ليست شرطا، و كما لو صام يوم الشك بنيّة التطوّع و ثبت أنّه من رمضان.

و قال الشافعي: لا يجزئه. و به قال أحمد(4).

مسألة 88: وقت وجوب الإمساك هو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (5).

و يجوز له الأكل و الشرب الي أن يطلع الفجر.

و أمّا الجماع فيجوز الي أن يبقي للطلوع مقدار الغسل.

و يجب الاستمرار علي الإمساك إلي غروب الشمس الذي تجب به صلاة المغرب.

و لو اشتبه عليه الغيبوبة، وجب عليه الإمساك، و يستظهر حتي يتيقّن،

ص: 145


1- البقرة: 184 و 185.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- المغني 103:3، الشرح الكبير 14:3.
4- المغني 103:3، الشرح الكبير 14:3.
5- البقرة: 187.

لأصالة البقاء.

و يستحب له تقديم الصلاة علي الإفطار، إلاّ أن يكون هناك من ينتظره للإفطار، فيقدّم الإفطار معهم علي الصلاة.

سئل الصادق عليه السلام عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال:

«إن كان معه قوم يخشي أن يحسبهم عن عشائهم فليفطر معهم، و إن كان غير ذلك فليصلّ و ليفطر»(1).

البحث الثاني: في شرائطه.
اشارة

و هي قسمان:

الأول: شرائط الوجوب
مسألة 89: يشترط في وجوب الصوم: البلوغ و كمال العقل،

فلا يجب علي الصبي و لا المجنون و لا المغمي عليه إجماعا، إلاّ في رواية عن أحمد: أنّه يجب علي الصبي الصوم إذا أطاقه(2) ، و به قال عطاء و الحسن و ابن سيرين و الزهري و قتادة و الشافعي(3).

و قال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يخور(4) منهن و لا يضعف، حمّل(5) صوم رمضان(6).

ص: 146


1- الكافي 101:4-3، الفقيه 81:2-360، التهذيب 185:4-186-517.
2- المغني 94:3، الشرح الكبير 15:3.
3- المغني 94:3، الشرح الكبير 15:3، المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 6: 253، حلية العلماء 172:3.
4- خار الحرّ و الرجل: ضعف و انكسر. الصحاح 651:2.
5- في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية: حل. و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
6- المغني 94:3، الشرح الكبير 15:3.

و قد تقدّم(1) بطلانه.

فلو بلغ الصبي قبل الفجر، وجب عليه الصوم إجماعا، و لو كان بعد الفجر، لم يجب، و استحبّ له الإمساك، سواء كان مفطرا أو صائما بلغ بغير المفطر، و لا يجب عليه القضاء، لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة:

عن الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه)(2).

و قال(3): يجب عليه الإمساك، و لا يجب عليه القضاء، لأنّ نية صوم رمضان حصلت ليلا، فيجزئه كالبالغ.

و لا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلا و باقية فرضا، كما لو شرع في صوم يوم تطوّعا ثم نذر إتمامه.

و قال بعض الحنابلة: يلزمه القضاء، لأنّه عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضيّ بعض أركانها، فلزمه إعادتها، كالصلاة و الحجّ إذا بلغ بعد الوقوف.

و هذا لأنّه ببلوغه يلزمه صوم جميعه، و الماضي قبل بلوغه نفل، فلم يجزئ عن الفرض، و لهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم و الناذر صائم، لزمه القضاء(4).

و أمّا ما مضي من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه، و سواء كان قد صامه أو أفطره في قول عامة أهل العلم(5).3.

ص: 147


1- تقدم في المسألة 57.
2- أورده ابن قدامة في المغني 94:3 بتفاوت يسير.
3- كذا في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و في الطبعة الحجرية. و في المعتبر للمحقّق الحلّي: 312، و المنتهي للمصنّف: 596: قال أبو حنيفة. و في المغني 3: 95، و الشرح الكبير 16:3: قال القاضي: يتمّ صومه و لا قضاء عليه، مع اتّفاق الدليل المذكور لما في المغني و الشرح الكبير، فلا حظ. و قد وافق الحكم رأي الأحناف كما في الجامع الصغير للشيباني: 139، و الهداية للمرغيناني 127:1، و النتف 149:1، و الاختيار لتعليل المختار 177:1.
4- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
5- المغني 95:3، الشرح الكبير 17:3.

و قال الأوزاعي: يقضيه إن كان أفطره و هو مطيق لصيامه(1).

و هو غلط، لأنّه زمن مضي في حال صباه، فلم يلزمه قضاء الصوم فيه، كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان.

و إن بلغ الصبي و هو مفطر، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم و لا قضاؤه.

و عن أحمد روايتان في وجوب الإمساك و القضاء(2).

و قال الشافعي: إن كان أفطر، استحبّ له الإمساك، و في القضاء قولان.

و إن كان صائما فوجهان: أحدهما: يتمّه استحبابا، و يقضيه وجوبا، لفوات نية التعيين. و الثاني: يتمّه وجوبا، و يقضيه استحبابا(3).

مسألة 90: العقل شرط في الصوم،

فلا يجب علي المجنون بالإجماع، و للحديث(4).

و لو أفاق في أثناء الشهر، وجب عليه صيام ما بقي إجماعا، و لا يجب عليه قضاء ما فات حال جنونه - و به قال أبو ثور و الشافعي في الجديد، و أحمد(5) - لأنّه معني يزيل التكليف، فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر.

و قال مالك و الشافعي في القديم، و أحمد في رواية: يجب قضاء ما فات و إن مضي عليه سنون، لأنّه معني يزيل العقل، فلم يمنع وجوب الصوم كالإغماء(6).

و الأصل ممنوع.

و قال أبو حنيفة: إن جنّ جميع الشهر، فلا قضاء عليه، و إن أفاق في

ص: 148


1- المغني 95:3، الشرح الكبير 17:3.
2- المغني 95:3، الشرح الكبير 17:3.
3- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 256:6، فتح العزيز 438:6، حلية العلماء 173:3 و 175.
4- تقدم الحديث مع الإشارة إلي مصادره في المسألة السابقة (89).
5- المغني 95:3، الشرح الكبير 26:3، المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 6: 254.
6- المغني 96:3، الشرح الكبير 26:3، المجموع 254:6، حلية العلماء 173:3.

أثنائه، قضي ما مضي(1).

و لو تجدّد الجنون في أثناء النهار، بطل صوم ذلك اليوم.

و لو أفاق قبل طلوع الفجر، وجب عليه صيامه إجماعا، و إن أفاق في أثنائه، أمسك بقية النهار استحبابا لا وجوبا، و حكم المغمي عليه حكم المجنون.

مسألة 91: الإسلام شرط في صحة الصوم لا في وجوبه.

و لو أسلم في أثناء الشهر، وجب عليه صيام الباقي دون الماضي - و به قال الشعبي و قتادة و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(2) - لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(3).

و قال عطاء: يجب عليه قضاؤه(4). و عن الحسن كالمذهبين(5).

و هو غلط، إلاّ أن يكون مرتدّا، فيجب عليه القضاء إجماعا.

و اليوم الذي يسلم فيه إن كان إسلامه قبل طلوع فجره، وجب عليه صيامه، و إن كان بعده، أمسك استحبابا، لأنّ عيص بن القاسم روي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضي منه أيام، هل عليهم أن يقضوا ما مضي أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه إلاّ أن يكونوا أسلموا(6) قبل طلوع الفجر»(7).

ص: 149


1- بدائع الصنائع 88:2، المجموع 254:6، المغني 96:3، الشرح الكبير 26:3، حلية العلماء 173:3.
2- المغني 95:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 119.
3- مسند أحمد 199:4 و 204 بتفاوت.
4- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
5- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
6- في الطبعة الحجرية و الفقيه زيادة: «فيه».
7- الكافي 125:4 (باب من أسلم في شهر رمضان) الحديث 3، الفقيه 80:2-357 التهذيب 245:4-246-728، الاستبصار 107:2-349.

و قال أحمد: يجب عليه إمساكه - و به قال إسحاق - لأنّه أدرك جزءا من وقت العبادة فلزمته، كما لو أدرك جزءا من وقت الصلاة(1).

و الأصل ممنوع. و وافقنا مالك و أبو ثور و ابن المنذر.

و لو طرأ الكفر في آخر النهار، بطل الصوم.

مسألة 92: السلامة من المرض شرط في الصحة،

فلو كان المريض يتضرّر بالصوم، لم يصح منه.

و حدّ المرض الذي يجب معه الإفطار: ما يزيد في مرضه لو صام، أو يتباطأ البرء معه لو صام عند أكثر العلماء.

و حكي عن قوم لا عبرة بهم: إباحة الفطر بكلّ مرض، سواء زاد في المرض أو لم يزد، لعموم قوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً (2)(3).

و هو مخصوص، كتخصيص السفر بالطاعة، و قد سئل الصادق عليه السلام عن حدّ المرض الذي يفطر صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة(4) ، فقال بَلِ الْإِنْسانُ عَلي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (5) و قال: «ذلك اليه هو أعلم بنفسه»(6).

و كلّ الأمراض مساوية في هذا الحكم، سواء كان وجع الرأس أو حمي و لو حمّي يوم، أو رمد العين و غير ذلك، فإن صامه مع حصول الضرر به، لم يجزئه، و وجب عليه القضاء، لأنّه منهي عنه، و النهي في العبادة(7) يدلّ علي الفساد، لقوله تعالي:

ص: 150


1- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
2- البقرة: 184.
3- المغني 88:3، الشرح الكبير 18:3.
4- في الكافي و الاستبصار زيادة: قائما. و في التهذيب: من قيام.
5- القيامة: 14.
6- الكافي 118:4-2، التهذيب 256:4-758، الإستبصار 114:2-371.
7- في الطبعة الحجرية: العبادات.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1) و التفصيل قاطع للشركة.

و قال بعض العامة: إذا تكلّف، صحّ صومه و إن زاد في مرضه و تضرّر به(2). و ليس بجيّد.

أمّا الصحيح الذي يخشي المرض بالصوم، فإنّه لا يباح له الإفطار.

و كذا لو كان عنده شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشقّ أنثياه.

و لو خافت المستحاضة من الصوم التضرّر، أفطرت، لأنّ الاستحاضة مرض.

و لو جوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به، الإفطار، و أمكنه استدفاع ذلك بما لا يبطل منه الصوم، وجب عليه ذلك.

فإن لم يمكنه إلاّ بإفساد الصوم، فإشكال ينشأ: من تحريم الإفطار لغير سبب، و من مراعاة مصلحة بقاء النفس علي السلامة، كالحامل و المرضع، فإنّهما يفطران خوفا علي الولد، فمراعاة النفس أولي.

و لو كان له امرأتان: حائض و طاهر، و اضطرّ الي وطء إحداهما، و جوّزنا له ذلك، فالوجه وطء الطاهر، لأنّ اللّه تعالي حرّم وطء الحائض(3).

و قال بعض العامة: يتخيّر. و ليس شيئا.

و كذا لو أمكنه استدفاع الأذي بفعل محرّم كالاستمناء باليد، لم يجز، خلافا لبعضهم(4).

مسألة 93: الإقامة أو حكمها شرط في الصوم الواجب عدا ما استثني،
اشارة

فلا يجب الصوم علي المسافر سفرا مخصوصا بإجماع العلماء.

ص: 151


1- البقرة: 185.
2- المغني 88:3-89، الشرح الكبير 18:3-19.
3- البقرة: 222.
4- المغني 89:3، الشرح الكبير 19:3.

قال اللّه تعالي وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1) و التفصيل قاطع للشركة، فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضا لازما، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضا مضيّقا، و إذا وجب عليه القضاء مطلقا، سقط عنه فرض الصوم.

و روي العامة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (إنّ اللّه تعالي وضع عن المسافر الصوم و شطر الصلاة)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3) قال: «ما أبينها من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه»(4).

إذا عرفت هذا، فلو صام المسافر في سفره المبيح للقصر، لم يجزئه إن كان عالما عند علمائنا أجمع، و كان مأثوما - و به قال أبو هريرة و ستّة من الصحابة، و أهل الظاهر(5). قال أحمد: كان عمر و أبو هريرة يأمران المسافر بإعادة ما صامه في السفر(6). و روي الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف، أنّه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر(7) - لقوله تعالي فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (8) أوجب عدّة من أيام أخر، فلم يجز صوم5.

ص: 152


1- البقرة: 185.
2- سنن النسائي 181:4 و 182، سنن الترمذي 94:3-715، سنن البيهقي 154:3، و مسند أحمد 29:5.
3- البقرة: 185.
4- الكافي 126:4 (باب كراهية الصوم في السفر) الحديث 1، الفقيه 91:2-404، التهذيب 216:4-627.
5- المغني 90:3، الشرح الكبير 19:3، المحلّي 243:6، المجموع 264:6 و الخلاف للشيخ الطوسي 201:2، المسألة 53، و المعتبر للمحقق الحلّي: 312.
6- المغني 90:3، الشرح الكبير 19:3.
7- المغني 90:3، الشرح الكبير 19:3، و سنن النسائي 183:4.
8- البقرة: 184 و 185.

رمضان في السفر.

و ما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (ليس من البر الصيام في السفر)(1).

و قال عليه السلام: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)(2).

و أفطر صلّي اللّه عليه و آله في السفر، فلمّا بلغه أنّ قوما صاموا، قال:

(أولئك العصاة)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه»(4).

و قال عليه السلام: «الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر»(5).

و قال باقي العامة: إنّ صومه جائز(6). و اختلفوا في الأفضل.

فقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و الثوري و أبو ثور: إنّ الصوم في السفر أفضل من الإفطار(7).6.

ص: 153


1- المستدرك - للحاكم - 433:1، سنن ابن ماجة 532:1-1664 و 1665، سنن أبي داود 317:2-2407، سنن النسائي 176:4، سنن الدارمي 9:2، سنن البيهقي 4: 242.
2- سنن ابن ماجة 532:1-1666 بتفاوت.
3- صحيح مسلم 785:2-1114، سنن الترمذي 89:3-90-710، سنن البيهقي 246:4.
4- الكافي 128:4-7، الفقيه 91:2-405، التهذيب 217:4-629.
5- الكافي 127:4-3، الفقيه 90:2-403، التهذيب 217:4-630.
6- المغني 90:3، الشرح الكبير 19:3، المجموع 264:6، الهداية للمرغيناني 1: 126، بدائع الصنائع 95:2، تحفة الفقهاء 359:1، الاختيار لتعليل المختار 1: 176، الكافي في فقه أهل المدينة: 121.
7- الهداية للمرغيناني 126:1، الاختيار لتعليل المختار 176:1، تحفة الفقهاء 359:1، بدائع الصنائع 96:2، المدونة الكبري 201:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 121، المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 261:6 و 265، فتح العزيز 429:6.

و قال أحمد و الأوزاعي و إسحاق: الإفطار أفضل - و به قال عبد اللّه بن عباس و عبد اللّه بن عمر(1) - لما روت عائشة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لحمزة الأسلمي و قد سأله عن الصوم في السفر: (إن شئت فصم و إن شئت فأفطر)(2).

و قال أنس: سافرنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فصام بعضنا و أفطر بعضنا، فلم يعب الصائم علي المفطر و لا المفطر علي الصائم(3).

و لأنّ الإفطار في السفر رخصة، و من رخص له الفطر جاز له أن يتحمّل المشقة بالصوم كالمريض.

و الحديثان لو صحّا، حملا علي صوم النافلة، جمعا بين الأدلّة.

و التخيير ينافي الأفضلية و قد اتّفقوا علي أفضلية أحدهما و إن اختلفوا في تعيينه.

و نمنع الحكم في المريض فيبطل(4) القياس.

تذنيب: لو صام مع علمه بوجوب القصر، كان عاصيا،

لما تقدّم، و تجب عليه الإعادة، لأنّه منهي عن الصوم، و النهي في العبادة يدلّ علي الفساد.

أمّا لو صام رمضان في السفر جاهلا بالتحريم، فإنّه يجزئه الصوم، لأنّه معذور.

و لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام: قلت له: رجل صام في السفر،

ص: 154


1- المغني 90:3، الشرح الكبير 20:3، المجموع 265:6-266.
2- صحيح البخاري 43:3، صحيح مسلم 789:2-1121، سنن الترمذي 3: 91-711، سنن ابن ماجة 531:1-1662، سنن الدارمي 8:2-9، سنن البيهقي 243:4.
3- صحيح البخاري 44:3، صحيح مسلم 787:2-1118، سنن أبي داود 2: 316-2405، سنن البيهقي 244:4.
4- في «ط، ن»: فبطل.

فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن ذلك، فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه، فلا شيء عليه»(1) و غير ذلك من الأخبار.

مسألة 94: و إنّما يترخّص المسافر إذا كان سفره سفر طاعة، أو مباحا،

فإن كان سفر(2) معصية أو لصيد لهو و بطر، لم يجز له الإفطار عند علمائنا أجمع، لأنّ في رخصة الإفطار إعانة له علي المعصية و تقوية له عليها.

و لقول الصادق عليه السلام: «من سافر قصّر و أفطر، إلاّ أن يكون رجلا سفره في الصيد أو في معصية اللّه، أو رسولا لمن يعصي اللّه، أو في طلب شحناء(3) ، أو سعاية ضرر علي قوم من المسلمين»(4).

و جاء رجلان الي الرضا عليه السلام بخراسان، فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما: «وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني» و قال للآخر: «وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان»(5).

إذا ثبت هذا فإنّما يجوز التقصير في مسافة القصر، و هي: بريدان:

ثمانية فراسخ، لقول الصادق عليه السلام في التقصير: «حدّه أربعة و عشرون ميلا»(6).

و سئل الصادق عليه السلام في كم يقصّر الرجل ؟ فقال: «في بياض يوم أو بريدين»(7) و قد تقدّم ذلك في كتاب الصلاة(8).

ص: 155


1- الكافي 128:4 (باب من صام في السفر بجهالة) الحديث 1، الفقيه 93:2-417، التهذيب 220:4-221-643.
2- في «ف» و الطبعة الحجرية: سفره.
3- الشحناء: العداوة. لسان العرب 234:13.
4- الكافي 129:4-3، التهذيب 220:4-640.
5- التهذيب 220:4-642، الاستبصار 235:1-838.
6- التهذيب 221:4-647، الاستبصار 223:1-788.
7- التهذيب 222:4-651، الاستبصار 223:1-789.
8- تقدم في ج 4 ص 369 المسألة 618.

و إنّما يجوز التقصير إذا قصد المسافة، فالهائم لا يترخّص و إن سار أكثر من المسافة، و قد تقدّم(1).

و لو نوي المسافر الإقامة في بلدة عشرة أيام، وجب عليه التمام، و انقطع سفره.

و من كان سفره أكثر من حضره لا يجوز له الإفطار، لأنّ وقته مشغول بالسفر، فلا مشقة له فيه.

و لقول الصادق عليه السلام: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام، يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(2).

و لو أقام أحدهم في بلده عشرة أيام، أو أقام العشرة في غير بلده مع العزم علي إقامتها، وجب عليهم التقصير إذا خرجوا بعد العشرة، لأنّ بعض رجال يونس سأل الصادق عليه السلام عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتمّ، قال:

«أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار»(3).

و لو تردّد في السفر و لم ينو المقام عشرة أيام، و كان ممّن يجب عليه التقصير في السفر، وجب عليه التقصير الي شهر ثم يتمّ بعد ذلك.

مسألة 95: شرائط قصر الصلاة هي شرائط قصر الصوم،

لقول الصادق عليه السلام: «ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصّر فليفطر»(4).

ص: 156


1- تقدّم في ج 4 ص 374 المسألة 622.
2- الكافي 128:4 (باب من لا يجب له الإفطار و التقصير..) الحديث 1، التهذيب 218:4-634.
3- التهذيب 219:4-639، الاستبصار 234:1-837.
4- التهذيب 328:4-1021.

و هل يشترط تبييت النية من الليل ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم، فلو بيّت نيته علي السفر من الليل ثم خرج أيّ وقت كان من النهار، وجب عليه التقصير و القضاء. و لو خرج بعد الزوال، أمسك و عليه القضاء.

و إن لم يبيّت نيته من الليل، لم يجز له التقصير، و كان عليه إتمام ذلك اليوم، و ليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج، إلاّ أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر، فإنّه يجب عليه الإفطار علي كلّ حال.

و لو قصّر، وجب عليه القضاء و الكفّارة(1).

و قال المفيد رحمه اللّه: المعتبر خروجه قبل الزوال، فإن خرج قبله، لزمه الإفطار، فإن صامه، لم يجزئه، و وجب عليه القضاء، و لو خرج بعد الزوال، أتمّ، و لا اعتبار بالنية. و به قال أبو الصلاح(2).

و قال السيد المرتضي رحمه اللّه: يفطر و لو خرج قبل الغروب(3) - و هو قول علي بن بابويه(4) رحمه اللّه - و لم يعتبر التبييت.

و المعتمد: قول المفيد رحمه اللّه، لقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5) و هو يتناول بعمومه من خرج قبل الزوال بغير نية.

و من طريق العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله خرج من المدينة عام4.

ص: 157


1- النهاية: 161-162، و حكاه أيضا ابن إدريس في السرائر: 89.
2- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 319، و عن المفيد، ابن إدريس في السرائر: 89، و راجع: المقنعة: 56، و الكافي في الفقه: 182.
3- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 55:3-56 حيث قال: شروط السفر الذي يوجب الإفطار و لا يجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة و غير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة، الموجبة لقصرها. و هو يشعر بما نسب اليه. و حكاه عنه أيضا الفاضل الآبي في كشف الرموز 310:1.
4- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 89، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 310:1.
5- البقرة: 184.

الفتح، فلمّا بلغ الي كراع الغميم(1) أفطر(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم، قال: «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه»(3).

و لأنّه إذا خرج قبل الزوال، صار مسافرا في معظم ذلك النهار، فالحق بالمسافر في جميعه، و لهذا اعتبرت النية فيه لناسيها، و أمّا بعد الزوال فإنّ معظم النهار قد انقضي علي الصوم، فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب، كما لم يعتدّ بالنية فيه.

احتجّ الشيخ رحمه اللّه: بقول الكاظم عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله ؟ قال: «إذا حدّث نفسه بالليل في السفر، أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدّث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه، أتمّ صومه»(4).

و في الطريق ضعف، مع احتمال أن يكون عزم السفر تجدّد بعد الزوال.

احتجّ السيد: بقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ (5) و هو عام في صورة النزاع.4.

ص: 158


1- كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة و المدينة: و هو واد أمام عسفان بثمانية أميال. معجم البلدان 443:4.
2- صحيح مسلم 785:2-1114، سنن الترمذي 89:3-90-710، و سنن البيهقي 246:4 نقلا بالمعني.
3- الكافي 131:4-1، الفقيه 92:2-412، التهذيب 228:4-229-671، الإستبصار 99:2-321.
4- الاستبصار 98:2-319، التهذيب 228:4-669.
5- البقرة: 184.

و بما رواه عبد الأعلي في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال:

«يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل»(1).

و الآية مخصوصة بالخبر الذي رويناه. و الحديث ضعيف السند و مقطوع.

و أمّا العامة فنقول: المسافر عندهم لا يخلو من أقسام ثلاثة:

أحدها: أن يدخل عليه شهر رمضان و هو في السفر، فلا خلاف بينهم في إباحة الفطر له(2).

الثاني: أن يسافر في أثناء الشهر ليلا، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها و ما بعدها في قول عامة أهل العلم(3).

و قال عبيدة السلماني و أبو مجلز و سويد بن غفلة: لا يفطر من سافر بعد دخول الشهر، لقوله تعالي فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ و هذا قد شهده(4).

و لا حجّة فيها، لأنّها متناولة لمن شهد الشهر كلّه، و هذا لم يشهده كلّه.

و يعارض بما روي ابن عباس، قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتي بلغ الكديد(5) فأفطر و أفطر الناس(6).

الثالث: أن يسافر في أثناء اليوم من رمضان، فحكمه في اليوم الثاني حكم من سافر ليلا.

و في إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه قولان:

أحدهما: أنّه لا يجوز له فطر ذلك اليوم - و هو قول مكحول و الزهري و يحيي الأنصاري و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في3.

ص: 159


1- التهذيب 229:4-674، الإستبصار 99:2-100-324.
2- المغني 34:3، الشرح الكبير 21:3، و الآية 184 من سورة البقرة.
3- المغني 34:3، الشرح الكبير 21:3، و الآية 184 من سورة البقرة.
4- المغني 34:3، الشرح الكبير 21:3، و الآية 184 من سورة البقرة.
5- الكديد: موضع بالحجاز علي اثنين و أربعين ميلا من مكة. معجم البلدان 442:4.
6- صحيح البخاري 43:3، صحيح مسلم 784:2-1113.

إحدي الروايتين(1) - لأنّ الصوم عبادة تختلف بالسفر و الحضر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة.

و الفرق: أنّ الصلاة يلزمه إتمامها بنيته، بخلاف الصوم.

و الثاني: أنّه يفطر - و هو قول الشعبي و إسحاق و داود و ابن المنذر و أحمد في الرواية الثانية(2) - للرواية(3).

و لأنّ السفر معني لو وجد ليلا و استمرّ في النهار، لأباح الفطر، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض.

مسألة 96: و لا يجوز له الفطر حتي يتواري عنه جدران بلده و يخفي عنه أذان مصره،

لأنّه إنّما يصير ضاربا في الأرض(4) بذلك، و هو قول أكثر العامة(5).

و قال الحسن البصري: يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج(6).

و روي نحوه عن عطاء(7).

روي محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان و هو يريد سفرا و قد رحلت له راحلته و لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له:

سنّة ؟ فقال: سنّة، و ركب(8).

مسألة 97: لو نوي المسافر الصوم في سفره، لم يجز عندنا،

لأنّه محرّم، و عند العامة يجوز(9).

ص: 160


1- المغني 35:3، الشرح الكبير 22:3.
2- المغني 34:3، الشرح الكبير 22:3.
3- و هي - علي ما في المغني 34:3 و الشرح الكبير 23:3 - ما أورده أبو داود في سننه ج 3 ص 318، الحديث 2412.
4- إشارة الي الآية 101 من سورة النساء.
5- المغني 35:3، الشرح الكبير 23:3.
6- المغني 35:3، الشرح الكبير 23:3.
7- المغني 35:3، الشرح الكبير 23:3.
8- سنن الترمذي 163:3-799.
9- راجع: المغني 35:3، و الشرح الكبير 19:3، و المجموع 264:6، و فتح العزيز 6: 428.

و عندنا إنّما يجوز إذا نوي المقام عشرة أيام، فلو نوي المقام، لزمه الصوم.

فإن نوي المقام قبل الزوال و لم يكن قد تناول المفطر، وجب عليه تجديد نية الصوم و إتمامه، و أجزأ عنه.

و لو نوي بعد الزوال أو كان قد تناول، أمسك مستحبا، و كان عليه القضاء.

و من سوّغ الصوم في السفر - و هم العامّة - لو نوي الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر، فله ذلك عند أحمد(1)(2).

و للشافعي قولان، فقال مرة: لا يجوز له الفطر. و قال اخري: إن صحّ حديث الكديد، لم أر به بأسا أن يفطر(3).

و عني بحديث الكديد، الحديث الذي رواه ابن عباس، قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عام الفتح في شهر رمضان فصام حتي بلغ الكديد فأفطر و أفطر الناس(4)المغني 35:3، و الشرح الكبير 22:3.(5).

و قال مالك: إن أفطر، فعليه القضاء و الكفّارة، لأنّه أفطر في صوم(6) رمضان فلزمه ذلك، كما لو كان حاضرا(6).

إذا عرفت هذا، فإنّ له أن يفطر عندهم بالأكل و الشرب و غيرهما، إلاّ الجماع ففيه قولان: أحدهما: ليس له ذلك. و الثاني: الجواز.

و علي القول الأول هل تجب الكفّارة ؟ عن أحمد روايتان: إحداهما:

أنّه لا كفّارة عليه - و هو مذهب الشافعي - لأنّه صوم لا يجب المضيّ فيه، فلم3.

ص: 161


1- ورد في الطبعة الحجرية بدل عند أحمد: عنده. و: عند أحمد خ ل.
2- المغني 35:3، الشرح الكبير 22:3.
3- المغني 35:3، الشرح الكبير 22:3، المجموع 264:6، فتح العزيز 428:6.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 159، الهامش
5- .
6- ورد في الطبعة الحجرية بدل صوم: شهر. و: صوم. خ ل.

تجب الكفّارة بالجماع فيه، كالتطوّع.

و الثانية: أنّه تجب عليه الكفّارة، لأنّه أفطر بجماع، فلزمته الكفّارة، كالحاضر.

و الفرق: أنّ الحاضر يجب عليه المضيّ في الصوم، و لأنّ حرمة الجماع و غيره بالصوم، فتزول بزواله، كما لو زالت بمجيء الليل(1).

مسألة 98: و ليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر و القضاء،

لأنّ الفطر أبيح رخصة و تخفيفا عنه، فلا يجوز له الإتيان بما خفّف عنه، كالتمام و القصر في الصلاة.

و كذا ليس للحاضر أن يصوم غير رمضان فيه، لأنّه زمان لا يقع فيه غيره.

فإذا نوي المسافر الصوم في شهر رمضان للنذر أو القضاء، لم يصح صومه عن رمضان و لا عمّا نواه، لأنّه أبيح له الفطر للعذر، فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض، و هذا قول أكثر العلماء(2).

و قال أبو حنيفة: يقع ما نواه إذا كان واجبا، لأنّه زمن أبيح له الفطر فيه، فكان له صومه عن واجب عليه كغير رمضان(3).

و ينتقض: بصوم التطوّع.

مسألة 99: لو قدم المسافر أو بريء المريض و كانا قد أفطرا، استحب لهما الإمساك بقية النهار،

و ليس واجبا عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أبو ثور و داود(4) - لأنّه أبيح له الإفطار باطنا و ظاهرا في أول النهار، فإذا أفطر، كان له أن يستديمه الي آخر النهار، كما لو بقي العذر.

ص: 162


1- المغني 36:3.
2- المغني 36:3، الشرح الكبير 21:3-22، المجموع 263:6.
3- المغني 36:3، الشرح الكبير 22:3، المجموع 263:6، حلية العلماء 187:3، و بدائع الصنائع 84:2.
4- المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 262:6، فتح العزيز 435:6، حلية العلماء 175:3، المغني 74:3-75، بداية المجتهد 297:1.

و لأنّ الصوم غير قابل للتبعيض و قد أفطر في أول النهار فلا يصح صوم الباقي.

و إنّما استحب الإمساك تشبّها بالصائمين، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أ يواقعها؟ قال: «لا بأس به»(1).

و أمّا استحباب الإمساك: فلأنّ سماعة سأله عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل، قال: «لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا، و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل»(2).

و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي: لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقية النهار - و عن أحمد روايتان(3) - لأنّه معني لو طرأ قبل طلوع الفجر لوجب الصوم، فإذا طرأ بعد الفجر وجب الإمساك كقيام(4) البيّنة أنّه من رمضان(5).

و الفرق: جواز الإفطار باطنا و ظاهرا هنا، فإذا أفطر كان له استدامته، بخلاف البيّنة، لأنّه لم يكن له الفطر باطنا، فلمّا انكشف له خطؤه حرم عليه الإفطار.

و كذا البحث في كلّ مفطر كالحائض إذا طهرت، و الطاهر إذا حاضت، و الصبي إذا بلغ، و الكافر إذا أسلم.

مسألة 100: لو قدم المسافر قبل الزوال أو بريء المريض كذلك و لم يكونا قد تناولا شيئا،

وجب عليهما الإمساك بقية اليوم، و أجزأهما عن

ص: 163


1- الاستبصار 106:2-347 و 113-370، التهذيب 242:4-710 و 254-753.
2- الكافي 132:4-8، التهذيب 253:4-254-751، الإستبصار 113:2-368.
3- المغني 75:3، الشرح الكبير 17:3، و 65، فتح العزيز 435:6.
4- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و في الطبعة الحجرية بدل كقيام: لقيام. و الصحيح - كما هو موافق لما في المغني - ما أثبتناه.
5- المغني 75:3، بدائع الصنائع 102:2، بداية المجتهد 297:1، المجموع 6: 262، فتح العزيز 435:6. حلية العلماء 176:3.

رمضان، و لو كان بعد الزوال أمسكا استحبابا، و قضيا عند علمائنا، لأنّه قبل الزوال يتمكّن من أداء الواجب علي وجه يؤثّر النية في ابتدائه فوجب الصوم، و الإجزاء مخرج عن العهدة، و أمّا بعد الزوال: فلفوات محل النية، فلا يجب بالصوم، لعدم شرطه، و استحباب الإمساك لحرمة الزمان.

و لأنّ أحمد بن محمد سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان و لم يطعم شيئا قبل الزوال، قال: «يصوم»(1).

و سأله أبو بصير عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فقال: «إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم و يعتدّ به»(2).

مسألة 101: لو علم المسافر أنّه يصل الي بلده أو موضع إقامته قبل الزوال، جاز له الإفطار

- و لو أمسك حتي يدخل و يتم صومه كان أفضل، و أجزأه - لأنّ السفر المبيح للإفطار موجود، و المانع مفقود بالأصل.

و لما رواه رفاعة - في الحسن - أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصل(3) في شهر رمضان من سفر حتي يري أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار، قال: «إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر»(4).

و أما أولوية الصوم: فلحرمة الوقت، و لاشتماله علي المسارعة إلي فعل الواجب.

مسألة 102: الخلوّ من الحيض و النفاس شرط في الصوم بإجماع العلماء.
اشارة

و لو زال عذرهما في أثناء النهار، لم يصح لهما صوم و إن كان بعد الفجر

ص: 164


1- الكافي 132:4-7، التهذيب 255:4-755.
2- التهذيب 255:4-754.
3- في الكافي: يقدم، بدل يصل. و في الفقيه و التهذيب: يقبل.
4- الكافي 132:4-5، الفقيه 93:2-414، التهذيب 255:4-256-756.

بزمان يسير جدّا، لكن يستحب لهما الإمساك و يجب عليهما القضاء - و هو قول عامة أهل العلم(1) - لأنّ الوجوب سقط عنهما ظاهرا و باطنا، فلا يجب الإمساك.

و قال أبو حنيفة: يجب كما لو قامت البيّنة(2) ، و قد سلف(3).

و لو تجدّد عذرهما بعد طلوع الفجر و إن كان قبل الغروب بزمان يسير جدّا وجب عليهما الإفطار و القضاء بالإجماع.

تنبيه:

قيل: الصوم يجب علي الحائض و النفساء،

و لهذا وجب القضاء عليهما مع أنّه محرّم(4).

و هو خطأ، للتنافي بين الحكمين، نعم سبب الوجوب قائم في حقهما و لم يثبت الوجوب لمانع، و القضاء بأمر جديد.

القسم الثاني: في شرائط وجوب القضاء
اشارة

القسم الثاني: في شرائط وجوب القضاء(5).

مسألة 103: يشترط في وجوب القضاء: الفوات حالة البلوغ،

فلو فات الصبي الذي لم يبلغ في شهر رمضان، لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه، سواء كان مميّزا أو غير مميّز، بإجماع العلماء، لأنّ الصبي ليس محلّ الخطاب بالأداء، فلا يجب عليه القضاء، و لا نعلم فيه خلافا، إلاّ من الأوزاعي، فإنّه

ص: 165


1- راجع: الشرح الكبير 17:3، و المجموع 257:6.
2- الهداية للمرغيناني 129:1، بدائع الصنائع 102:2، المجموع 257:6، المغني 75:3، حلية العلماء 176:3.
3- سلف في المسألة 99.
4- راجع: المجموع 355:2، و فتح العزيز 420:2.
5- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: شرائط القضاء.

قال: يقضيه إن كان قد أفطر و هو قادر علي الصوم(1).

و كذا اليوم الذي بلغ فيه لا يجب عليه قضاؤه، لمضيّ جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه، فيكون الباقي كذلك، لعدم قبوله للتجزّي، و لا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا، و به قال أبو حنيفة(2).

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّه يجب قضاؤه و إن كان صائما.

و الثاني: لا يجب قضاؤه إذا(3) كان مفطرا، لأنّه يجب عليه صوم باقية لبلوغه، و تعذّر عليه صومه، للإفطار، و قضاؤه منفردا، فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلي صوم ما وجب عليه، كما إذا عدل الصوم بالإطعام، فبقي نصف مدّ، فإنّه يصوم يوما كاملا(4).

و هو غلط، لأنّا نمنع وجوب صوم باقية.

مسألة 104: كمال العقل شرط في القضاء،

فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق، لم يجب عليه قضاؤه عند علمائنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لأنّه ليس محلاّ للتكليف، فلا يجب عليه الأداء، فلا يجب عليه تابعه، و هو: القضاء.

و قال مالك: يجب عليه القضاء. و به قال بعض الشافعية - و عن أحمد

ص: 166


1- المغني 95:3، الشرح الكبير 17:3.
2- المبسوط للسرخسي 93:3، الهداية للمرغيناني 127:1، حلية العلماء 173:3، فتح العزيز 438:6.
3- في الطبعة الحجرية: و إن، بدل إذا.
4- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 256:6، فتح العزيز 438:6، حلية العلماء 173:3.
5- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 254:6، فتح العزيز 432:6، حلية العلماء 173:3، الهداية للمرغيناني 128:1، المبسوط للسرخسي 88:3، المغني 96:3، الشرح الكبير 26:3.

روايتان(1) - لأنّ الجنون معني يزيل العقل، فلا ينافي وجوب الصوم، كالإغماء(2).

و نمنع حكم الأصل، و الفرق: أنّ الإغماء مرض قد يلحق الأنبياء، بخلاف الجنون المزيل للتكليف لنقص فيه.

فإن أفاق في أثناء الشهر، لم يقض ما فاته حال جنونه و لا اليوم الذي يفيق فيه، إلاّ أن يكون أفاق قبل الفجر - و به قال الشافعي في أحد الوجهين(3) - لأنّ الجنون مزيل للخطاب و التكليف، فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر، كما لو فات جميعه.

و قال أبو حنيفة: يجب قضاء ما فات، لأنّ الجنون لا ينافي الصوم(4).

و هو ممنوع بخلاف الإغماء.

و قال محمد بن الحسن: إذا بلغ مجنونا ثم أفاق في أثناء الشهر، فلا قضاء عليه، أمّا إذا كان عاقلا بالغا ثم جنّ، قضي ما فاته حالة الجنون، لأنّ بلوغه في الأول لم يتعلّق به التكليف(5). و نمنع الأصل.

مسألة 105: اختلف علماؤنا في المغمي عليه هل يجب عليه القضاء؟

فالذي نصّ عليه الشيخ - رحمه اللّه - أنّه لا قضاء عليه، سواء كان مفيقا في أول الشهر ناويا للصوم ثم أغمي عليه، أو لم يكن مفيقا، بل أغمي

ص: 167


1- المغني 95:3-96، الشرح الكبير 26:3، حلية العلماء 173:3، فتح العزيز 6: 433.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 117، بداية المجتهد 298:1، المغني 96:3، الشرح الكبير 26:3، حلية العلماء 173:3، فتح العزيز 433:6.
3- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 254:6 و 256، الوجيز 103:1، فتح العزيز 433:6، حلية العلماء 173:3، المغني 95:3، الشرح الكبير 26:3.
4- الهداية للمرغيناني 128:1، الكتاب بشرح اللباب 173:1، بدائع الصنائع 89:2، حلية العلماء 173:3، فتح العزيز 433:6، المغني 96:3، الشرح الكبير 26:3.
5- الهداية للمرغيناني 128:1-129، بدائع الصنائع 89:2، حلية العلماء 173:3.

عليه من أول الشهر(1).

و هو المعتمد، لأنّ مناط التكليف العقل، و التقدير زواله، فيسقط التكليف.

و لأنّ أيوب بن نوح كتب إلي الرضا عليه السلام، يسأله عن المغمي عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة»(2).

و للشيخ قول آخر: إنّه إن سبقت منه النيّة، صحّ صومه، و لا قضاء عليه، و إن لم تسبق، بأن كان مغمي عليه من أول الشهر، وجب القضاء(3) - و به قال المفيد و السيد المرتضي(4) - لأنّه مريض، فوجب عليه القضاء كغيره من المرضي، لأنّ مدّته لا تتطاول غالبا.

و لقول الصادق عليه السلام: «يقضي المغمي عليه ما فاته»(5).

و نمنع مساواته للمرض الذي يبقي فيه العقل.

و الرواية محمولة علي الاستحباب.

و قال الشافعي و أبو حنيفة: يقضي زمان إغمائه مطلقا. و اختلفا في يوم إغمائه، فقال أبو حنيفة: لا يقضيه، لحصول النية فيه. و قال الشافعي:

يقضيه(6).1.

ص: 168


1- المبسوط للطوسي 285:1.
2- التهذيب 243:4-711، الاستبصار 458:1-1775، و الفقيه 237:1-1041، و فيها عن أبي الحسن الثالث عليه السلام.
3- الخلاف 198:2، المسألة 51، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 313.
4- المقنعة: 56، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 57:3، و حكاه عنهما المحقّق في المعتبر: 313.
5- التهذيب 243:4-716.
6- حكي هذه الأقوال عنهما، المحقّق في المعتبر: 313، و انظر: المهذب للشيرازي 184:1 و 192، و المجموع 255:6 و 347، و الوجيز 103:1، و فتح العزيز 432:6، و الهداية للمرغيناني 128:1، و الكتاب بشرح اللباب 172:1.
مسألة 106: الإسلام شرط في وجوب القضاء،

فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم، لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(1).

و لو أسلم في أثناء الشهر، فلا قضاء عليه لما فات، عند علمائنا أجمع، و هو قول عامة العلماء(2) ، لما تقدّم.

و لقوله تعالي قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (3).

و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: «ليس عليه قضاء إلاّ ما يستقبل»(4).

و لأنّ ما مضي عبادة خرجت في حال كفره، فلا يجب قضاؤها، كالرمضان الماضي.

و قال عطاء: عليه القضاء(5). و عن الحسن كالمذهبين(6).

و أمّا اليوم الذي أسلم فيه، فإن كان قبل طلوع الفجر، وجب عليه صيامه، و لو أفطر، قضاه و كفّر، و إن كان بعد الفجر، أمسك استحبابا، و لا قضاء عليه، و لا يجب عليه صيامه، لما تقدّم من أنّ الصوم لا يتبعّض. و كذا كلّ ذي عذر.

و للشافعي وجهان(7). و بقولنا أفتي مالك و أبو ثور و ابن المنذر(8).

ص: 169


1- مسند أحمد 199:4، مشكل الآثار 211:1-212 بتفاوت يسير
2- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
3- الأنفال: 38.
4- أورده المحقق في المعتبر: 313، و بتفاوت يسير في الكافي 125:4-2، و التهذيب 246:4-729، و الاستبصار 107:2-350.
5- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
6- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
7- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 256:6، حلية العلماء 173:3.
8- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.

و قال أحمد: يجب عليه الإمساك و يقضيه(1).

و ليس بجيّد، لأنّ عيص بن القاسم روي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضي منه أيام، هل عليهم أن يقضوا ما مضي منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ قال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»(2).

مسألة 107: يجب القضاء علي المرتدّ ما فاته زمان ردّته

- و به قال الشافعي(3) - لأنّه ترك فعلا وجب عليه مع علمه بذلك، فوجب عليه قضاؤه، كالمسلم.

و قال أبو حنيفة: لا يجب قضاؤه(4) ، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(5).

و المراد به الأصلي، لأنّه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره.

و لا فرق بين أن تكون الردّة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه.

و لو ارتدّ بعد عقد الصوم صحيحا ثم عاد، قال الشافعي: يفسد صومه(6). و هو جيد.

و لو غلب علي عقله بشيء من قبله، كشرب المسكر و المرقد، لزمه

ص: 170


1- المغني 95:3، الشرح الكبير 16:3.
2- التهذيب 245:4-246-728، الاستبصار 107:2-349.
3- المهذب للشيرازي 184:1، المجموع 253:6، الوجيز 103:1، فتح العزيز 6: 432، حلية العلماء 172:3، الشرح الكبير 14:3.
4- المجموع 253:6، فتح العزيز 432:6، حلية العلماء 172:3.
5- مسند أحمد 199:4، مشكل الآثار 211:1-212 بتفاوت يسير.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 313.

القضاء و لو كان بشيء من قبله تعالي، لم يلزمه.

و لو طرح في حلق المغمي عليه أو من زال عقله دواء، لم يجب عليه القضاء إذا أفاق، خلافا للشيخ(1).

و يستحب للمغمي عليه و للكافر القضاء.

البحث الثالث: في الأحكام
مسألة 108: من وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان

يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه و بين الرمضان الثاني، فلا يجوز له تأخيره إلي دخول الرمضان الثاني، فإذا فاته شيء من رمضان أو جميعه بمرض، وجب عليه القضاء عند البرء وجوبا موسّعا إلي أن يبقي إلي الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام.

فإن أخّر القضاء بعد برئه و تمكّنه من القضاء حتي دخل الرمضان الثاني، فإمّا أن يكون تأخيره علي وجه التواني أو لا.

فإن كان علي وجه التواني، صام الرمضان الحاضر، و قضي الأول بالإجماع، و كفّر عن كلّ يوم من الفائت بمدّين، و أقلّه مدّ، قاله شيخنا المفيد(2) رحمه اللّه - و به قال الشافعي و مالك و الثوري و أحمد و إسحاق و الأوزاعي، و هو قول ابن عباس و ابن عمر، و أبي هريرة، و مجاهد و سعيد بن جبير(3) - لما رواه العامة عن أبي هريرة، أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أوجب

ص: 171


1- المبسوط للطوسي 266:1.
2- المقنعة: 88.
3- المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 366:6، الوجيز 105:1، فتح العزيز 6: 462، حلية العلماء 207:3، بداية المجتهد 299:1، المبسوط للسرخسي 77:3، المغني 85:3-86، الشرح الكبير 86:3-87.

عليه إطعام مسكين عن كلّ يوم(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، عن رجل مرض فلم يصم حتي أدركه شهر رمضان آخر، فقال: «إن كان بريء ثم تواني قبل أن يدركه الصوم الآخر، صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام علي مسكين، و عليه قضاؤه، و إن كان لم يتمكّن من قضائه حتي أدركه شهر رمضان، صام الذي أدركه، و تصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّا لمسكين، و ليس عليه قضاؤه»(2).

و قال ابن إدريس منّا: لا كفّارة عليه - و به قال أبو حنيفة و الحسن البصري و النخعي(3) - لأصالة براءة الذمة(4) ، و لأنّه تأخير صوم واجب، فلا تجب به الكفّارة، كما لو أخّر القضاء و النذر.

و أصالة البراءة حجّة إذا لم يقم دليل علي شغلها، و الأخبار به كثيرة.

و القياس باطل عندنا، خصوصا إذا عارض النصّ.

مسألة 109: و لو ترك القضاء بعد برئه غير متهاون به،

بل كان عازما كلّ وقت علي القضاء و يؤخّره لعذر من سفر و شبهه، و علي كلّ حال لم يتهاون به، بل تركه لأمور عرضت، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء، كان معذورا يلزمه القضاء إجماعا، و لا كفّارة عليه، لعدم التفريط منه.

و لو استمرّ به المرض من الرمضان الأول إلي الرمضان الثاني و لم يصحّ.

فيما بينهما، صام الحاضر، و سقط عنه قضاء الأول، و تصدّق عن كلّ يوم

ص: 172


1- سنن الدار قطني 197:2-89.
2- الكافي 119:4-1، التهذيب 250:4-743، الاستبصار 110:2-361، و فيها: سألتهما.. فقالا.
3- المبسوط للسرخسي 77:3، المغني 86:3، الشرح الكبير 87:3، المجموع 6: 366، فتح العزيز 462:6، حلية العلماء 207:3، بداية المجتهد 299:1.
4- السرائر: 90.

بمدّين أو بمدّ، عند أكثر علمائنا(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «فإن كان لم يزل مريضا حتي أدركه شهر رمضان، صام الذي أدركه، و تصدّق عن الأول لكلّ يوم مدّا لمسكين، و ليس عليه قضاؤه»(2).

و نحوه روي زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام(3).

و قال الصدوق: يقضي الأول و لا كفّارة - و هو قول العامة(4) - لعموم قوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5)(6).

إذا عرفت هذا، فحكم ما زاد علي رمضانين حكم الرمضانين سواء، و لو أخّره سنين، تعدّدت الكفّارة بتعدّد السنين. و للشافعي وجهان(7).

و لو استمرّ به المرض إلي أن مات، سقط القضاء وجوبا لا استحبابا، و لا كفّارة عند جمهور العلماء(8) ، لأصالة البراءة.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام، عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر علي الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال، قال: «لا صيام عليه و لا يقضي عنه»(9).2.

ص: 173


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 286:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذب 195:1، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 203:1.
2- الكافي 119:4-1، التهذيب 250:4-743، الإستبصار 110:2-361.
3- الكافي 119:4-2، الفقيه 95:2-429، التهذيب 250:4-744، الإستبصار 111:2-362.
4- المغني 85:3، الشرح الكبير 86:3، المجموع 366:6.
5- البقرة: 184.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 314.
7- المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 364:6، فتح العزيز 462:6-463، حلية العلماء 207:3.
8- المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 372:6، حلية العلماء 208:3، المغني 84:3، الشرح الكبير 87:3.
9- التهذيب 247:4-733، الاستبصار 108:2-352.

و قال قتادة و طاوس: يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين، لأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه، فوجب الإطعام عنه، كالشيخ الهمّ إذا ترك الصيام لعجزه(1).

و الفرق ظاهر، فإنّ الشيخ يجوز ابتداء الوجوب عليه، بخلاف الميت، و قولهما مخالف للإجماع، فلا عبرة به.

ثم إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب القضاء عنه.

مسألة 110: لو برأ من مرضه زمانا يتمكّن فيه من القضاء و لم يقض حتي مات، قضي عنه عند علمائنا

- و به قال الشافعي في القديم و أبو ثور(2) - لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت و عليها صوم شهر أ فأقضيه عنها؟ قال: (لو كان علي أمّك دين كنت قاضيه ؟) قال: نعم، قال: (فدين اللّه أحقّ أن يقضي)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في الرجل يموت في شهر رمضان، قال: «ليس علي وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر، و إن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضا حتي مضي رمضان و هو مريض ثم مات في مرضه ذلك، فليس علي وليّه أن يقضي عنه الصيام، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات، فعلي وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب»(4).

ص: 174


1- المغني 84:3، الشرح الكبير 87:3، المجموع 372:6، حلية العلماء 208:3.
2- المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 368:6 و 372، فتح العزيز 457:6، حلية العلماء 208:3، المبسوط للسرخسي 89:3، المغني 84:3، الشرح الكبير 3: 88-89.
3- صحيح مسلم 804:2-155، سنن البيهقي 255:4.
4- التهذيب 249:4-739، الاستبصار 110:2-360.

و لأنّ الصوم يدخل في جبرانه المال، فتدخل النيابة فيه، كالحج.

و قال الشافعي في الجديد: يطعم عنه كلّ يوم مدّا، و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري - إلاّ أنّ مالكا يقول: لا يلزم الولي أن يطعم عنه حتي يوصي بذلك - و هو مروي عن ابن عباس و عائشة، لما رواه ابن عمر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من مات و عليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكينا)(1).

و لأنّ الصوم لا تدخله النيابة في حال الحياة، فكذا بعد الموت، كالصلاة(2).

و حديثه موقوف، و نقول بموجبه، لأنّ الصدقة تجب إذا لم يكن ولي، و قياسه ممنوع الأصل.

و قال أحمد: إن كان صوم نذر، صام عنه الولي، و إن كان صوم رمضان، أطعم عنه، لأنّ ابن عباس سئل عن رجل مات و عليه نذر صوم شهر، أو عليه صوم رمضان، قال: أمّا رمضان فليطعم عنه، و أمّا النذر فيصام عنه(3).

و قول ابن عباس ليس حجّة، أو قاله في شخصين لأحدهما وليّ دون الآخر.

مسألة 111: الذي يقضي عن الميت هو أكبر أولاده الذكور،
اشارة

و يقضي ما فاته من صيام بمرض و غيره إذا تمكّن من قضائه و لم يقضه، و إن لم يكن له

ص: 175


1- سنن ابن ماجة 558:1-1757، سنن الترمذي 96:3-718.
2- المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 368:6 و 372-373، فتح العزيز 456:6، حلية العلماء 208:3، المبسوط للسرخسي 89:3، بداية المجتهد 299:1-300، الكافي في فقه أهل المدينة: 122، المغني 84:3، الشرح الكبير 88:3.
3- المغني 84:3-85، الشرح الكبير 88:3-89 و 93، حلية العلماء 209:3.

ولد ذكر و كان له إناث، تصدّق عنه من ماله عن كلّ يوم بمدّين، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه.

و قال المفيد رحمه اللّه: إذا لم يكن إلاّ أنثي، قضت عنه(2).

و الوجه: قول الشيخ، لأصالة البراءة.

و لما رواه حمّاد بن عثمان عمّن ذكره عن الصادق عليه السلام، قال:

سألته عن الرجل يموت و عليه دين [من](3) شهر رمضان من يقضي عنه ؟ قال:

«أولي الناس به» قلت: فإن كان أولي الناس به امرأة ؟ قال: «لا إلاّ الرجال»(4).

إذا عرفت هذا، فلو لم يكن له ولي من الذكور، قال الشيخ رحمه اللّه:

يتصدّق عنه عن كلّ يوم بمدّين، و أقلّه مدّ(5).

و السيد المرتضي - رحمه اللّه - عكس، فأوجب الصدقة أوّلا، فإن لم يكن له مال، صام عنه وليه(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «فإن صحّ ثم مرض حتي يموت و كان له مال، تصدّق عنه، فإن لم يكن له مال، صام عنه وليه»(7).

و المعتمد: قول الشيخ، لأنّ الواجب في الأصل الصوم.

فروع:
أ - لو لم يكن له إلاّ ولد واحد ذكر، وجب عليه القضاء،

لأنّه ولي له.

ص: 176


1- المبسوط للطوسي 286:1.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 315.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- الكافي 124:4-4، التهذيب 246:4-247-731، الاستبصار 108:2-354.
5- المبسوط للطوسي 286:1.
6- الانتصار: 70-71.
7- الكافي 123:4-124-3، الفقيه 98:2-439، التهذيب 248:4-735 الاستبصار 109:2-356.
ب - لو كان له أولاد ذكور في سنّ واحد، قضوا بالحصص،

فإن قام بالجميع بعضهم، سقط عن الباقين.

ج - لو لم يكن له ولد ذكر و كان له إناث، سقط القضاء،

و وجب الصدقة، و كذا لو لم يكن له ولي. و لو كان له أولاد ذكور و إناث، و كان الأكبر أنثي، وجب القضاء علي أكبر الذكور.

د - لو تعدّد الولي، قضوا بالحصص،

فإن انكسر العدد، فاليوم المنكسر واجب عليهم علي الكفاية، كما لو كانوا ثلاثة في سنّ واحد و عليه أربعة.

ه - يجوز اتّحادهم في الزمان،

فلو فاته يومان مثلا و له ولدان فصاما معا يوما واحدا، كفاهما عن اليومين.

و - لو صام أجنبي عن الميت بغير قول الولي، سقط الصوم عن الميت و الولي معا،

و إن صام بأمر الولي، فالأقرب: الإجزاء.

و للشافعي فيه وجهان(1).

و كذا يجوز للولي أن يستأجر عنه من يصوم.

ز - قال الشيخ رحمه اللّه: كلّ صوم واجب علي المريض بأحد الأسباب الموجبة،

كاليمين و النذر و العهد، إذا مات من وجب عليه مع إمكان القضاء و لم يقضه، وجب علي وليّه القضاء عنه أو الصدقة(2).

و كذا يجب عليه قضاء ما فاته من صلاة.

ح - قال الشيخ رحمه اللّه: لو وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات،

تصدّق عنه من مال الميت عن شهر، و قضي وليّه شهرا آخر(3) ، تخفيفا

ص: 177


1- المجموع 368:6، فتح العزيز 457:6، حلية العلماء 209:3، و الوجهان في الشرطية الاولي لا الثانية.
2- المبسوط للطوسي 286:1.
3- النهاية: 158.

عن الوليّ.

و لو وجب عليه شهران علي التعيين فكذلك، خلافا لبعض(1) علمائنا.

و لو كان علي التخيير، مثل كفّارة رمضان، تخيّر الوليّ بين الصوم و الصدقة من مال الميت من الأصل أو بعض من الأصل، لأنّ الصوم وجب علي التخيير، و خرج الميت عن أهلية التخيير، فيكون للولي.

و لا فرق بين أنواع المرض في ذلك.

مسألة 112: قال الشيخ رحمه اللّه: حكم المرأة حكم الرجل

في أنّ ما يفوتها في زمن الحيض أو السفر أو المرض لا يجب علي أحد القضاء عنها و لا الصدقة، إلاّ إذا تمكّنت من قضائه و أهملته، فإنّه يجب علي وليّها القضاء أو الصدقة، علي ما مرّ في الرجل سواء(2). و هو قول أكثر العامّة(3).

و أنكر ابن إدريس ذلك(4).

و ليس بشيء، لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن امرأة [مرضت في رمضان](5) و ماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا، ماتت، قال: «لا تقض عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها» قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: «و كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها!؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم»(6) استفسره عليه السلام عن حصول البرء أوّلا، و لو لم يجب القضاء مع البرء، لم يكن للسؤال معني.

لا يقال: إنّه قد حصلت الوصية، فجاز أن يكون الوجوب بسببها.

ص: 178


1- و هو ابن إدريس في السرائر: 91.
2- النهاية: 158، المبسوط للطوسي 286:1.
3- المغني 84:3، الشرح الكبير 91:3، المجموع 368:6.
4- السرائر: 91.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية و الحجرية: صامت. و ما أثبتناه من المصدر.
6- التهذيب 248:4-737، الإستبصار 109:2-358.

لأنّا نقول: الوصية لا تقتضي الوجوب، أمّا مع عدم القبول: فظاهر، و أمّا معه: فلأنّه راجع إلي الوعد.

مسألة 113: قد بيّنّا أنّ المسافر لا يجوز له صوم رمضان في السفر

و لا غيره من الواجبات إلاّ ما استثني، بل يجب عليه الإفطار و القضاء مع حضور البلد، أو نيّة الإقامة عشرة أيام في غيره، أو إقامة ثلاثين يوما، فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء، وجب أن يقضي عنه، كما تقدّم.

و لو مات في سفره و لم يتمكّن من القضاء، فللشيخ في وجوب القضاء عنه قولان:

أحدهما: عدم الوجوب، لأنّه لم يستقرّ في ذمته الأداء و لا القضاء، لأنّ معني الاستقرار فيه أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء و يهمل(1).

و الثاني: وجوب القضاء(2) ، لقول الصادق عليه السلام، في الرجل يسافر في رمضان فيموت، قال: «يقضي عنه، و إن امرأة حاضت في رمضان فماتت، لم يقض عنها، و المريض في رمضان لم يصح حتي مات لا يقضي عنه»(3).

و لا بأس به. و الفرق: أنّ المرض حصل العذر فيه من قبل اللّه تعالي، و كذا الحيض، أمّا السفر فمن المكلّف.

مسألة 114: يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء رمضان،

لعدم تعيين زمانه.

و لأنّه محلّ تجديد النيّة، و كلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم يجوز فيه الإفطار.

و لا يجوز بعد الزوال، لأنّه قد استقرّ له الوجوب بمضيّ أكثر الزمان في

ص: 179


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 315، و راجع: 2 الخلاف 207:2-208، المسألة 64.
2- التهذيب 249:4 ذيل الحديث 739.
3- التهذيب 249:4-740.

الصوم، و فات محلّ تجديد النيّة.

و لقول الصادق عليه السلام: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل و متي ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلي زوال الشمس، فإذا زالت الشمس، فليس لك أن تفطر»(1).

إذا ثبت هذا، فإن أفطر بعد الزوال لعذر، لم يكن عليه شيء، و إن كان لغير عذر، وجب عليه القضاء و إطعام عشرة مساكين، فإن عجز، صام ثلاثة أيّام - و به قال قتادة(2) ، خلافا لباقي العامة(3) - لأنّه بعد الزوال يحرم عليه الإفطار علي ما تقدّم، و الكفّارة تتعلّق بارتكاب الإثم بالإفطار في الزمان المتعيّن للصوم، و هو متحقّق هنا.

و لأنّ بريد العجلي سأل الباقر عليه السلام، في رجل أتي أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: «إن كان أتي أهله قبل الزوال، فلا شيء عليه إلاّ يوما مكان يوم، و إن كان أتي أهله بعد الزوال، كان عليه أن يتصدّق علي عشرة مساكين»(4).

و قد روي: «أنّ عليه كفّارة رمضان»(5).

و حملها الشيخ - رحمه اللّه - علي من أفطر متهاونا بالفرض و مستخفّا به(6).4.

ص: 180


1- التهذيب 278:4-841، الإستبصار 120:2-389.
2- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3، المجموع 345:6، حلية العلماء 204:3، المحلّي 271:6.
3- المغني 64:3، الشرح الكبير 68:3، المجموع 345:6، حلية العلماء 204:3، المحلّي 271:6.
4- الكافي 122:4-5، الفقيه 96:2-430، التهذيب 278:4-279-844، الاستبصار 120:2-391.
5- التهذيب 279:4-846، الاستبصار 121:2-393، و النهاية للشيخ الطوسي: 164.
6- التهذيب 279:4 ذيل الحديث 846، و الاستبصار 121:2 ذيل الحديث 393، و النهاية: 164.

و روي أيضا: «أنّه لا شيء»(1).

و حملها الشيخ - رحمه اللّه - علي العاجز(2).

مسألة 115: من أجنب في شهر رمضان،

و ترك الاغتسال ساهيا من أول الشهر إلي آخره، قال الشيخ رحمه اللّه: عليه قضاء الصلاة و الصوم معا(3).

و منع ابن إدريس قضاء الصوم(4).

و الوجه: ما قاله الشيخ، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتي خرج شهر رمضان، قال: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام»(5).

و لأنّه مفرّط بتركه الغسل.

مسألة 116: يستحب التتابع في قضاء شهر رمضان

و ليس واجبا عند أكثر علمائنا(6) - و به قال ابن عباس و أنس بن مالك و أبو هريرة و مجاهد و أبو قلابة و أهل المدينة و الحسن البصري و سعيد بن المسيّب و مالك و أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق(7) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال في قضاء رمضان: (إن شاء فرّق و إن شاء تابع)(8).

ص: 181


1- التهذيب 280:4-847، الاستبصار 121:2-122-394، و النهاية: 164.
2- النهاية: 164.
3- النهاية: 165، المبسوط للطوسي 288:1.
4- السرائر: 93.
5- التهذيب 311:4-938.
6- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 163، و المبسوط 287:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 184، و القاضي ابن البراج في المهذب 203:1، و ابن إدريس في السرائر: 93.
7- المغني 91:3، الشرح الكبير 85:3، المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 6: 367، فتح العزيز 433:6-434، بدائع الصنائع 76:2.
8- سنن الدار قطني 193:2-74.

و سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، عن تقطيع قضاء رمضان، فقال عليه السلام: (لو كان علي أحدكم دين فقضاه من الدرهم و الدرهمين حتي يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضيا دينه ؟) قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: (فاللّه أحقّ بالعفو و التجاوز منكم)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان علي الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء أيّاما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، و ليحص الأيّام، فإن فرّق فحسن، و إن تابع فحسن»(2).

و قال عليه السلام: «من أفطر شيئا من رمضان في عذر، فإن قضاه متتابعا أفضل، و إن قضاه متفرّقا فحسن»(3).

و لأنّ التتابع يشبه الأصل، و ينبغي المشابهة بين القضاء و الأداء.

و قال بعض علمائنا: الأفضل التفريق(4) ، للفرق، لأنّ الصادق عليه السلام، سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال: «إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و إن كان عليه خمسة فليفطر بينها أيّاما»(5).

و الطريق ضعيف، و يحمل علي التخيير.

و قال بعض علمائنا: إن كان الذي فاته عشرة أيام أو ثمانية، فليتابع بين ثمانية أو بين ستة، و يفرّق الباقي(6).1.

ص: 182


1- المغني 92:3، الشرح الكبير 85:3-86 نقلا عن الأثرم.
2- التهذيب 274:4-829، الاستبصار 117:2-380، و الكافي 120:4-121-4، و الفقيه 95:2-427.
3- الكافي 120:4-3، التهذيب 274:4-829، الاستبصار 117:2-381.
4- كما في السرائر: 93.
5- التهذيب 275:4-831، الاستبصار 118:2-383.
6- الشيخ الطوسي في المبسوط 280:1-281.

و قال داود و النخعي و الشعبي: إنّه يجب التتابع - و نقله العامّة عن علي عليه السلام، و ابن عمر - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من كان عليه صوم شهر رمضان فليسرده و لا يقطعه)(1)(2).

و يحمل علي الاستحباب، مع ضعفه، فإنّه لم يذكره أهل السير، و قد بيّنّا أنّ الأفضل التتابع.

و قال الطحاوي: التفريق و التتابع سواء(3) ، لأنّه لو أفطر يوما من شهر رمضان لم يستحب له إعادة جميعه، لزوال التفريق، فكذا إذا أفطر جميعه.

و هو خطأ، لأنّ فعله في وقته يقع أداء، فإذا صامه، لم يكن صوم الفرض، فلم تستحب إعادته.

مسألة 117: لا يجوز لمن عليه صيام من شهر رمضان أو غيره من الواجبات أن يصوم تطوّعا حتي يأتي به

- و هو إحدي الروايتين عن أحمد(4) - لما رواه العامة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من صام تطوّعا و عليه من رمضان شيء لم يقضه فإنّه لا يقبل منه حتي يصومه)(5).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - أنّه سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع ؟ فقال: «لا، حتي يقضي ما عليه من شهر رمضان»(6).

و لأنّه عبادة يدخل في جبرانها المال، فلم يصح التطوّع بها قبل أداء

ص: 183


1- سنن الدار قطني 191:2-58، سنن البيهقي 259:4.
2- المغني 91:3، الشرح الكبير 85:3، المجموع 367:6، فتح العزيز 434:6، حلية العلماء 208:3.
3- المجموع 367:6، حلية العلماء 208:3.
4- المغني 86:3، الشرح الكبير 90:3.
5- مسند أحمد 352:2.
6- الكافي 123:4 (باب الرجل يتطوّع بالصيام..) الحديث 2، التهذيب 4: 276-835.

فرضها، كالحجّ.

و قال أحمد في الرواية الأخري بالجواز، لأنّها عبادة تتعلّق بوقت موسّع، فجاز التطوّع في وقتها قبل فعلها، كالصلاة(1).

و الأصل ممنوع.

مسألة 118: يجوز القضاء في جميع أيّام السنة، إلاّ ما استثني مثل

العيدين مطلقا، و أيّام التشريق لمن كان بمني ناسكا، و أيام الحيض و النفاس و السفر الذي يجب فيه القصر.

و قد أجمع العلماء كافة علي العيدين، لنهي النبي صلّي اللّه عليه و آله، عن صومهما(2).

و أمّا أيام التشريق: فعلماؤنا عليه، و كذا أكثر أهل العلم(3) - و عن أحمد روايتان(4) - لأنّ(5) صومها منهي عنه، فأشبهت العيدين.

و احتجّ أحمد: بجواز صومها لمن لا يجد الهدي، فيقاس كلّ فرض عليه، و القضاء مشابه له(6).

و نمنع حكم الأصل، و الفرق: أنّه في محلّ الضرورة للفاقد(7).

و أيّام الحيض و النفاس إجماع.

و أيام السفر، لقول الصادق عليه السلام، في رجل مرض في شهر

ص: 184


1- المغني 87:3، الشرح الكبير 91:3.
2- صحيح مسلم 799:2-1137 و 1138، سنن أبي داود 319:2-320-2416 و 2417، سنن الدار قطني 157:2-6، سنن الدارمي 20:2، سنن البيهقي 4: 260، الموطّأ 300:1-36 و 37.
3- انظر: المجموع 367:6.
4- المغني 104:3، الشرح الكبير 111:3 و 112.
5- في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية بدل لأنّ: انّ. و الصحيح ما أثبتناه.
6- المغني 104:3، الشرح الكبير 112:3.
7- أي: فاقد الهدي.

رمضان، فلمّا بريء أراد الحجّ، كيف يصنع بقضاء الصوم ؟ قال: «إذا رجع فليقضه»(1).

مسألة 119: لا يكره القضاء في عشر ذي الحجة عند علمائنا

- و به قال سعيد بن المسيّب و الشافعي و إسحاق و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لعموم قوله تعالي فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (3).

و ما رواه العامة: أنّ عمر كان يستحب قضاء رمضان في العشر(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السلام: أ رأيت إن بقي عليّ شيء من صوم شهر رمضان أقضيه في ذي الحجة ؟ قال: «نعم»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخري: إنّه مكروه. و رواه العامة عن علي عليه السلام، و الزهري و الحسن البصري(6) ، لقول علي عليه السلام: «لا يقضي صوم(7) رمضان في عشر ذي الحجة»(8). و الطريق ضعيف.

مسألة 120: لو أصبح جنبا في يوم يقضيه من شهر رمضان، أفطر ذلك اليوم،

و لم يجز له صومه، لما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سأله عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتي آخر الليل و هو يري أنّ الفجر قد طلع، قال: «لا يصوم ذلك اليوم و يصوم

ص: 185


1- التهذيب 276:4-834، الاستبصار 120:2-388.
2- المجموع 367:6، المغني 87:3، الشرح الكبير 91:3.
3- البقرة: 184 و 185.
4- المغني 87:3، الشرح الكبير 91:3، و سنن البيهقي 285:4.
5- التهذيب 274:4-828، الإستبصار 117:2-380.
6- المغني 87:3، الشرح الكبير 91:3-92، و سنن البيهقي 285:4.
7- في «ن» بدل صوم: شهر.
8- سنن البيهقي 285:4 بتفاوت.

غيره»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و كذا كلّ ما لا يتعيّن صومه و كذا صوم النافلة(2).

أمّا لو أكل أو شرب ناسيا في قضاء رمضان، فالوجه: أنّه يتمّ علي صومه، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثم ذكر، قال: «لا يفطر، إنّما هو شيء رزقه اللّه، فليتم صومه»(3) و هو يتناول صورة النزاع.

و سأل أبو بصير، الصادق عليه السلام، عن رجل صام يوما نافلة، فأكل و شرب ناسيا، قال: «يتمّ يومه ذلك، و ليس عليه شيء»(4).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر.

المطلب الثاني: في باقي أقسام الواجب
مسألة 121: صوم كفّارة قتل الخطأ واجب بالإجماع و النصّ:

قال اللّه تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ (5).

و إنّما يجب بعد العجز عن العتق. و هو: شهران متتابعان.

و يجب صوم كفّارة الظهار بالإجماع و النصّ:

قال اللّه تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (6).

و هو يجب مرتّبا علي العتق، مثل كفّارة قتل الخطأ صفة و قدرا.

ص: 186


1- التهذيب 277:4-837، و الفقيه 75:2-324.
2- المبسوط للطوسي 287:1.
3- الكافي 101:4 (باب من أكل أو شرب ناسيا في شهر رمضان) الحديث 1، الفقيه 2: 74-318، التهذيب 277:4-838.
4- التهذيب 277:4-840.
5- النساء: 92.
6- المجادلة: 4.

و أمّا كفّارة قتل العمد: فهي كفّارة الجمع يجب فيه العتق و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا.

مسألة 122: و صوم كفّارة من أفطر يوما من شهر رمضان واجب علي التخيير بينه و بين العتق و الصدقة،

و قدره شهران متتابعان، و لا خلاف في قدره و إن وقع الخلاف في صفته.

و صوم كفّارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان: إطعام عشرة مساكين علي ما تقدّم(1).

و قال بعض أصحابنا: يجب فيه كفّارة يمين(2). و ليس بجيّد.

و يجب صوم بدل الهدي للمتمتّع إذا لم يجد الهدي و لا ثمنه بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (3).

فإن أقام بمكّة، انتظر وصول أهل بلده أو شهرا، لقول الصادق عليه السلام: «إنّه إن كان له مقام بمكّة فأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر سيره إلي أهله أو شهرا ثم صام»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يكفي مقام عشرة أيام و إن نواها.

و صوم كفّارة اليمين و باقي الكفّارات كالنذر و العهد. و كفّارات الإحرام واجب إجماعا.

مسألة 123: و صوم الاعتكاف الواجب واجب عندنا،

لما يأتي من

ص: 187


1- المراد من العبارة أنّ صوم كفّارة من أفطر.. هو ثلاثة أيام بشرط عدم التمكن من إطعام عشرة مساكين كما تقدّم في المسألتين 31 و 114.
2- القاضي ابن البراج في المهذب 203:1.
3- البقرة: 196.
4- التهذيب 315:4-955، و الفقيه 303:2-1507.

اشتراط الصوم في الاعتكاف، فإذا نذر اعتكافا وجب عليه صوم أيامه، لأنّ شرط الواجب واجب، و لو كان الاعتكاف مندوبا، كان الصوم كذلك.

و صوم كفّارة من أفاض من عرفات قبل مغيب الشمس عامدا واجب مرتّب علي مقدار الجزور، و قدره ثمانية عشر يوما.

و كذا يجب صوم اليمين و النذر و العهد، و سيأتي بيانه في مواضعه إن شاء اللّه تعالي.

المطلب الثالث: في الصوم المندوب
مسألة 124: الصوم المندوب قد لا يختصّ وقتا بعينه،

و هو جميع أيام السنة، إلاّ الأيام التي نهي عن الصوم فيها.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (الصوم جنّة من النار)(1).

و قال عليه السلام: (الصائم في عبادة و إن كان نائما علي فراشه ما لم يغتب مسلما)(2).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (قال اللّه تعالي: الصوم لي و أنا أجزي به، و للصائم فرحتان: حين يفطر و حين يلقي ربّه عزّ و جلّ، و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك)(3).

و قال الصادق عليه السلام: «نوم الصائم عبادة، و صمته تسبيح، و عمله متقبّل، و دعاؤه مستجاب»(4).

و منه ما يختصّ وقتا بعينه نحن نذكره إن شاء اللّه تعالي، في المسائل

ص: 188


1- الكافي 62:4-1، الفقيه 44:2-196، التهذيب 151:4-418، سنن النسائي 167:4، و مسند أحمد 414:2.
2- الفقيه 44:2-197، الكافي 64:4-9، التهذيب 190:4-538.
3- الفقيه 44:2-198.
4- الفقيه 46:2-207، ثواب الأعمال: 75-3.

الآتية.

مسألة 125: يستحب صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر

- و هي أول خميس في الشهر، و أول أربعاء في العشر الثاني، و آخر خميس من الشهر - لقول الصادق عليه السلام: «صام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، حتي قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتي قيل: ما يصوم، ثم صام صوم داود عليه السلام، يوما و يوما لا، ثم قبض عليه السلام، علي صيام ثلاثة أيام في الشهر. و قال:

يعدلن صوم الشهر و يذهبن بوحر الصدر - و هو الوسوسة - و إنّما خصّت هذه الأيام، لأنّ من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل علي أحدهم العذاب، نزل في هذه الأيام المخوفة»(1).

و يجوز تأخيرها من الصيف إلي الشتاء للمشقّة، لأنّ أبا حمزة الثمالي سأل الباقر عليه السلام، عن صوم ثلاثة أيام في كلّ شهر أؤخّرها إلي الشتاء ثم أصومها؟ فقال: «لا بأس»(2).

و إذا أخّرها إلي الشتاء، قضاها متوالية و متفرّقة و كيف شاء، لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن قضائها متوالية أو متفرّقة، قال: «ما أحبّ، إن شاء متوالية و إن شاء فرّق بينها»(3).

و لو عجز عن(4) صيامها، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، لأنّه فداء يوم من رمضان.

و لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادق عليه السلام، عمّن لم يصم الثلاثة الأيام و هو يشتدّ عليه الصيام هل من فداء؟ قال: «مدّ من طعام في كلّ

ص: 189


1- الكافي 89:4-1، الفقيه 49:2-210، التهذيب 302:4-913.
2- الكافي 145:4-2، التهذيب 313:4-314-950.
3- الكافي 145:4-3، التهذيب 314:4-951.
4- في «ط، ف» و الطبعة الحجرية: من.

يوم»(1).

مسألة 126: يستحب صوم أيام البيض

- و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر من كلّ شهر - بإجماع العلماء.

روي العامة عن أبي ذر، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه الزهري عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، في حديث طويل: «و صوم أيّام البيض»(3).

و سميّت أيّام البيض، لابيضاض ليلها كلّه بضوء القمر. و التقدير: أيّام الليالي البيض.

و نقل الجمهور: أنّ اللّه تعالي تاب علي آدم فيها، و بيّض صحيفته(4).

مسألة 127: يستحب صوم أربعة أيام في السنة:

يوم مبعث النبي صلّي اللّه عليه و آله - و هو السابع و العشرون من رجب - و يوم مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله - و هو السابع عشر من ربيع الأول - و يوم دحو الأرض - و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة - و يوم الغدير - و هو الثامن عشر من ذي الحجة، و هو اليوم الذي نصب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام خليفة و إماما للناس - لأنّها أيام شريفة أنعم اللّه تعالي بأعظم البركات، فاستحب شكره بالصوم فيها.

ص: 190


1- الفقيه 50:2-217، و الكافي 144:4-4، و التهذيب 313:4-947، و في الأخيرين مضمرا.
2- سنن الترمذي 134:3-761، سنن النسائي 223:4، مسند أحمد 162:5.
3- الكافي 83:4-86-1، الفقيه 46:2-48-208، التهذيب 4: 294-296-895.
4- المغني 116:3، الشرح الكبير 97:3.

روي محمد بن عبد اللّه الصيقل، قال: خرج علينا أبو الحسن الرضا عليه السلام بمرو في خمسة و عشرين من ذي القعدة، فقال: «صوموا فإنّي أصبحت صائما» قلنا: جعلنا اللّه فداك أيّ يوم هو؟ قال: «يوم نشرت فيه الرحمة و دحيت فيه الأرض و نصبت فيه الكعبة»(1).

و سأل الحسن بن راشد، الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال: «نعم يا حسن أعظمهما و أشرفهما» قلت: فأيّ يوم هو؟ قال: «يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه علما للناس - إلي أن قال - و لا تدع صوم سبعة و عشرين من رجب، فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوة علي محمد صلّي اللّه عليه و آله»(2).

قال إسحاق(3) بن عبد اللّه العريضي العلوي: و جل في صدري ما الأيام التي تصام، فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام، و هو ب «صريا»(4) و لم أبد ذلك لأحد من خلق اللّه، فدخلت عليه، فلمّا بصر بي قال عليه السلام: «يا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهنّ و هي أربعة: أوّلهنّ يوم السابع و العشرين من رجب يوم بعث اللّه تعالي محمدا صلّي اللّه عليه و آله إلي خلقه رحمة للعالمين، و يوم مولده صلّي اللّه عليه و آله، و هو السابع عشر من شهر ربيع الأول، و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة، فيه دحيت الكعبة، و يوم الغدير، فيه أقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أخاه عليّا عليه السلام، علما للناس و إماما من بعده» قلت: صدقت4.

ص: 191


1- التهذيب 304:4-920، و الكافي 149:4-150-4.
2- الكافي 148:4-149-1، التهذيب 305:4-921 الفقيه 54:2-55-240، ثواب الأعمال: 99-1.
3- في المصدر: أبو إسحاق. و كذا في قوله الآتي: يا أبا إسحاق.
4- صريا: قرية أسّسها الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، علي ثلاثة أميال من المدينة. مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب - 382:4.

جعلت فداك لذلك قصدت، أشهد أنك حجّة اللّه علي خلقه(1).

مسألة 128: يستحب صوم يوم عرفة باتّفاق العلماء.

روي العامة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (صيام يوم عرفة كفّارة سنة و السنة التي تليها)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «صوم يوم التروية كفّارة سنة و يوم عرفة كفّارة سنتين»(3).

و لا يكره صومه للحاج، إلاّ أن يضعفهم عن الدعاء، و يقطعهم عنه - و به قال أبو حنيفة و ابن الزبير و إسحاق و عطاء(4) - لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السلام، عن صوم يوم عرفة، قال: «من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك عن الدعاء فإنّه يوم دعاء و مسألة فصمه، و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه»(5).

و قال باقي العامة: إنّه مكروه، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لم يصمه(6)(7).

و هو ممنوع، و لو سلّم فللضعف، أو لكونه مسافرا، أو أصابه عطش.

و لو شكّ في هلال ذي الحجة، كره صومه، لجواز أن يكون العيد.

مسألة 129: يستحب صوم يوم عاشوراء حزنا لا تبرّكا،

لأنّه يوم قتل

ص: 192


1- التهذيب 305:4-922.
2- سنن البيهقي 283:4، و مسند أحمد 296:5، بتفاوت.
3- الفقيه 52:2-231، ثواب الأعمال: 99-3.
4- المغني 114:3، الشرح الكبير 101:3، المجموع 380:6، حلية العلماء 211:3، تحفة الفقهاء 343:1.
5- التهذيب 299:4-904، الاستبصار 134:2-436.
6- صحيح البخاري 55:3، صحيح مسلم 791:2-1123 و 1124، سنن الترمذي 3: 124-750 و 125-751.
7- المجموع 380:6، المغني 114:3-115، الشرح الكبير 101:3.

أحد سيدي شباب أهل الجنة الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما، و هتك حريمه و جرت فيه أعظم المصائب علي أهل البيت عليهم السلام، فينبغي الحزن فيه بترك الأكل و الملاذ.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «صوموا العاشوراء التاسع و العاشر، فإنّه يكفّر ذنوب سنة»(1).

و قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا تصم يوم عاشوراء»(2) محمول علي التبرّك به.

إذا عرفت هذا، فإنّه ينبغي أن لا يتمّ صوم ذلك اليوم، بل يفطر بعد العصر، لما روي عن الصادق عليه السلام: «إنّ صومه متروك بنزول شهر رمضان، و المتروك بدعة»(3).

و المراد بيوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرّم، و به قال سعيد بن المسيّب و الحسن البصري(4).

و روي عن ابن عباس: أنّه التاسع من المحرّم(5). و ليس بمعتمد.

و قد اختلف في صوم عاشوراء - و لنا روايتان - هل كان واجبا أم لا؟ قال بعضهم: إنّه كان واجبا(6). و به قال أبو حنيفة(7).

و قال آخرون: إنّه لم يكن واجبا(8). و للشافعي قولان(9). و عن أحمد6.

ص: 193


1- التهذيب 299:4-905، الإستبصار 134:2-437.
2- الكافي 146:4-3، التهذيب 300:4-909، الإستبصار 134:2-440.
3- الكافي 146:4-4، التهذيب 301:4-910، الإستبصار 134:2-135-441.
4- المغني 113:3، الشرح الكبير 99:3.
5- المجموع 383:6، المغني 113:3، الشرح الكبير 99:3.
6- المجموع 383:6.
7- المجموع 383:6، حلية العلماء 211:3.
8- المغني 113:3، الشرح الكبير 100:3، المجموع 383:6.
9- المجموع 383:6.

روايتان(1).

مسألة 130: يستحب صوم يوم المباهلة،

و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة - أمر اللّه تعالي رسوله بأن يباهل بأمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، نصاري نجران. و فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه(2) ، و نزلت فيه الآية، و هي: قوله تعالي إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (3) - لأنّه يوم شريف أظهر اللّه تعالي فيه نبيّنا عليه السلام علي خصومه، و حصل فيه التنبيه علي قرب أمير المؤمنين عليه السلام من ربّه و اختصاصه و عظم منزلته و ثبوت ولايته و استجابة الدعاء به، و ذلك نعمة عظيمة يستحب مقابلتها بالشكر بالصوم.

مسألة 131: يستحب صوم أول يوم من ذي الحجة،

و هو يوم ولد فيه إبراهيم خليل اللّه تعالي(4) ، لعظم النعمة فيه بولادته عليه السلام.

قال الكاظم عليه السلام: «من صام أول يوم من ذي الحجة كتب اللّه له صوم ثمانين شهرا، فإن صام التسعة كتب اللّه له صوم الدهر»(5).

و قيل: إنّ فاطمة عليها السلام تزوّجت في ذلك اليوم(6).

و قيل: في السادس من ذي الحجّة(7).

و يستحب صوم عشر ذي الحجة إلاّ يوم العيد بالإجماع، لما روي العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (ما من أيّام العمل الصالح فيهنّ

ص: 194


1- المغني 113:3، الشرح الكبير 100:3.
2- مصباح المتهجد: 704.
3- المائدة: 55.
4- مصباح المتهجد: 612-613.
5- الفقيه 52:2-230، ثواب الأعمال: 98-99-2.
6- مصباح المتهجد: 613.
7- مصباح المتهجد: 613.

أحبّ إلي اللّه من هذه الأيام العشر)(1).

و من طريق الخاصة: ما تقدّم(2) في حديث الكاظم عليه السلام.

و يستحب صوم يوم الخامس و العشرين من ذي الحجة، و هو يوم نزل في علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام هَلْ أَتي (3).

و في السادس و العشرين منه طعن عمر بن الخطاب سنة ثلاث و عشرين من الهجرة(4). و في التاسع و العشرين منه قبض عمر بن الخطاب(5).

و يوم الثامن عشر منه هو يوم الغدير، و هو يوم قتل عثمان بن عفّان، و بايع المهاجرون و الأنصار عليّا عليه السلام، طائعين مختارين عدا أربعة أنفس منهم: عبد اللّه بن عمر و محمد بن مسلمة(6) و سعد بن أبي وقاص و أسامة ابن زيد(7).

مسألة 132: يستحب صوم رجب بأسره عند علمائنا،

لأنّه شهر شريف معظّم في الجاهلية و الإسلام، و هو أحد الأشهر الحرم.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من صام شهر رجب كلّه كتب اللّه تعالي له رضاه، و من كتب له رضاه لم يعذّبه)(8).

و كان أمير المؤمنين عليه السلام يصومه و يقول: «رجب شهري، و شعبان شهر رسول اللّه، و رمضان شهر اللّه»(9).

ص: 195


1- سنن الترمذي 130:3-757.
2- تقدم في صدر المسألة.
3- مسارّ الشيعة: 23-24، السرائر لابن إدريس: 96.
4- مسارّ الشيعة: 23-24، السرائر لابن إدريس: 96.
5- مسارّ الشيعة: 23-24، السرائر لابن إدريس: 96.
6- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية بدل مسلمة: مسلم. و الصحيح ما أثبتناه. راجع: تاريخ الخلفاء (الإمامة و السياسة) لابن قتيبة الدينوري 1: 53، و الإرشاد للشيخ المفيد 243:1.
7- الإمامة و السياسة 53:1، الإرشاد 243:1، مسارّ الشيعة: 20-22، السرائر: 96.
8- المقنعة: 59، مصباح المتهجّد: 734.
9- مسارّ الشيعة: 32-33، مصباح المتهجد: 734.

و قال أحمد: يكره صومه كلّه، إلاّ لصائم السنة فيدخل ضمنا، لأنّ خرشة بن الحرّ قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجّبين حتي يضعوها في الطعام، و يقول: كلوا فإنّما هو شهر كان تعظّمه الجاهلية(1).

و فعله ليس حجّة.

و يتأكّد استحباب أوّله و ثانية و ثالثة.

و في اليوم الأول منه ولد مولانا الباقر عليه السلام يوم الجمعة سنة سبع و خمسين(2).

و في الثاني منه كان مولد أبي الحسن الثالث عليه السلام(3). و قيل:

الخامس منه(4).

و يوم العاشر ولد أبو جعفر الثاني عليه السلام(5).

و يوم الثالث عشر منه ولد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة، ذكره الشيخ - رحمه اللّه - عن ابن عيّاش من علمائنا(6).

و في اليوم الخامس عشر خرج فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، من الشعب(7).

و في هذا اليوم لخمسة أشهر من الهجرة عقد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لأمير المؤمنين عليه السلام، علي ابنته فاطمة عليها السلام، عقدة النكاح(8).

و فيه حوّلت القبلة من بيت المقدس و كان الناس في صلاة العصر(9).

مسألة 133: و يستحب صوم شعبان بأسره.

ص: 196


1- المغني 106:3، الشرح الكبير 103:3.
2- مصباح المتهجد: 737.
3- مصباح المتهجد: 741.
4- مصباح المتهجد: 741.
5- مصباح المتهجد: 741.
6- مصباح المتهجد: 741-742
7- مصباح المتهجد: 741-742
8- مصباح المتهجد: 741-742
9- مصباح المتهجد: 741-742

قال الصادق عليه السلام: «صوم شعبان و شهر رمضان متتابعين توبة من اللّه»(1).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ألا إنّ شعبان شهري، فرحم اللّه من أعانني علي شهري)(2).

و يتأكّد صوم أول يوم منه.

قال الصادق عليه السلام: «من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتة، و من صام يومين نظر اللّه إليه في كلّ يوم و ليلة في دار الدنيا و دام نظره إليه في الجنّة، و من صام ثلاثة أيام زار اللّه في عرشه في جنته في كلّ يوم»(3).

و في الثالث منه ولد الحسين عليه السلام(4). و ليلة النصف منه ولد القائم عليه السلام(5). و هي إحدي الليالي الأربعة: ليلة الفطر و ليلة الأضحي و ليلة النصف من شعبان و أول ليلة من رجب.

مسألة 134: يستحب صوم التاسع و العشرين من ذي القعدة.

روي ابن بابويه: إن اللّه أنزل فيه الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة(6).

و في أول يوم من المحرّم دعا زكريا ربّه عزّ و جلّ، فمن صام ذلك اليوم استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا عليه السلام(7). و نحوه قال الشيخ(8)

ص: 197


1- الكافي 91:4-92-1، التهذيب 307:4-925، الاستبصار 137:2-449، الفقيه 57:2-248، ثواب الأعمال: 84-3.
2- مصباح المتهجد: 757.
3- الفقيه 56:2-247، ثواب الأعمال: 84-4.
4- مسارّ الشيعة: 37، مصباح المتهجد: 758.
5- مسارّ الشيعة: 37، الإرشاد 339:2، تاج المواليد: 61.
6- الفقيه 54:2-239.
7- الفقيه 55:2 ذيل الحديث 241.
8- مصباح المتهجد: 712-713.

رحمه اللّه.

قال: و في اليوم الثالث من المحرّم كان عبور موسي بن عمران عليه السلام، علي جبل طور سيناء. و في اليوم السابع منه أخرج اللّه سبحانه، يونس عليه السلام، من بطن الحوت. و في اليوم العاشر كان مقتل سيّدنا الحسين عليه السلام. و يستحب في هذا اليوم زيارته. و يستحب صوم هذا العشر، فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام و الشراب إلي بعد العصر ثم تناول شيئا من التربة(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و في اليوم السابع عشر من المحرّم انصرف أصحاب الفيل عن مكّة و قد نزل عليهم العذاب. و في اليوم الخامس و العشرين منه سنة أربع و تسعين كانت وفاة زين العابدين عليه السلام(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: يستحب صوم النصف من جمادي الأولي، ففي ذلك اليوم من سنة ست و ثلاثين كان فتح البصرة لأمير المؤمنين عليه السلام.

و في ليلته من هذه السنة بعينها كان مولد مولانا أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام(3).

مسألة 135: يستحب صوم ستة أيّام من شوّال بعد يوم الفطر

- و به قال الشافعي و أحمد و أكثر العلماء(4) - لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (من صام رمضان و أتبعه بستّ من شوّال فكأنّما صام الدهر)(5).

ص: 198


1- مصباح المتهجد: 713.
2- مصباح المتهجد: 729.
3- مصباح المتهجد: 733.
4- المغني 112:3، الشرح الكبير 97:3، المهذب للشيرازي 194:1، المجموع 6: 379، الوجيز 105:1، فتح العزيز 469:6-470، حلية العلماء 210:3.
5- سنن ابن ماجة 547:1-1716، سنن الترمذي 132:3-759، سنن أبي داود 2: 324-2433، سنن الدارمي 21:2، سنن البيهقي 292:4.

و من طريق الخاصة: ما رواه الزهري عن زين العابدين عليه السلام «و صوم ستة أيّام من شوّال»(1).

و قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياما خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة(2). و حكي مثل ذلك عن محمد بن الحسن(3).

و قال مالك: يكره ذلك. قال: و ما رأيت أحدا من أهل المدينة(4) يصومها، و لم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، و أنّ أهل العلم يكرهون ذلك و يخافون بدعته، و أن يلحق الجهّال برمضان ما ليس منه(5).

مسألة 136: يستحب صوم كلّ خميس و كلّ اثنين،

لأنّ أعمال الخلائق ترفع فيهما، فيستحب رفع هذه العبادة الشريفة.

روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يصوم يوم الاثنين و الخميس، فسئل عن ذلك، فقال: (إنّ أعمال الناس تعرض يوم الاثنين و الخميس)(6).

و من طريق الخاصة: ما رواه الزهري عن زين العابدين عليه السلام:

«و الخميس»(7).

ص: 199


1- الكافي 83:4-86-1، الفقيه 46:2-48-208، التهذيب 4: 294-296-895.
2- بدائع الصنائع 78:2، حلية العلماء 210:3.
3- انظر: حلية العلماء 210:3، فإنّ فيه بعد نقل قول أبي يوسف قال: و حكي مثل ذلك محمد ابن الحسن عن مالك.
4- في المصادر التالية: أهل العلم و الفقه، بدل أهل المدينة.
5- الموطّأ 311:1 ذيل الحديث 60، المغني 112:3، الشرح الكبير 97:3، فتح العزيز 470:6، المجموع 379:6، حلية العلماء 210:3، بدائع الصنائع 78:2، تحفة الفقهاء 344:1.
6- سنن أبي داود 325:2-2436، سنن الدارمي 20:2، سنن البيهقي 293:4.
7- الكافي 83:4-86-1، التهذيب 294:4-296-895، الفقيه 2: 46-48-208.

و كذا يستحب صوم كلّ جمعة - و به قال أبو حنيفة و مالك و محمد(1) - لأنّ الصوم في نفسه طاعة، و هذا يوم شريف تضاعف فيه الحسنات.

و لما رواه الزهري عن زين العابدين عليه السلام: «فأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة و الخميس»(2).

و قال ابن سنان عن الصادق عليه السلام: رأيته صائما يوم جمعة، فقلت له: جعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد، فقال: «كلاّ إنّه يوم خفض و دعة»(3).

و قال أحمد و إسحاق و أبو يوسف: يكره إفراده بالصوم، إلاّ أن يوافق ذلك صوما كان يصومه، مثل: من يصوم يوما و يفطر يوما، فيوافق صومه يوم الجمعة. و كذا من عادته صيام أول الشهر أو آخره فيوافقه، لما رواه أبو هريرة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي أن يفرد يوم الجمعة بالصوم(4).

و سأل رجل جابر بن عبد اللّه و هو يطوف، فقال: أسمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن صيام يوم الجمعة ؟ قال: نعم و ربّ هذا البيت(5)(6).

فإن صحّت هاتان الروايتان، حملتا علي من يضعف عن الفرائض3.

ص: 200


1- المغني 105:3، الشرح الكبير 104:3، حلية العلماء 214:3، المجموع 6: 438، بداية المجتهد 310:1 و فيها جميعا: لا يكره.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادرها في الهامش (7) من صفحة 199.
3- التهذيب 316:4-959.
4- صحيح مسلم 801:2-1144، صحيح البخاري 54:3، سنن الترمذي 3: 119-743، سنن ابن ماجة 549:1-1723، سنن البيهقي 302:4.
5- صحيح مسلم 801:2-1143، صحيح البخاري 54:3، سنن ابن ماجة 1: 549-1724، سنن الدارمي 19:2، سنن البيهقي 301:4-302.
6- المغني 105:3، الشرح الكبير 103:3-104، المجموع 438:6، حلية العلماء 214:3.

و نوافل الجمعة و الأدعية و أداء الجمعة علي وجهها و السعي إليها، جمعا بين الأدلّة.

و قد روي علماؤنا أنّ صوم داود علي نبيّنا و آله و عليه السلام، فعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(1).

قال رسول اللّه عليه و آله السلام: (أحبّ الصيام إلي اللّه تعالي صيام أخي داود عليه السلام، كان يصوم يوما و يفطر يوما، و أحبّ الصلاة إلي اللّه تعالي صلاة أخي داود، كان يرقد شطر الليل و يقوم ثلثه ثم يرقد آخره)(2).

المطلب الرابع: في صوم الإذن و التأديب
مسألة 137: لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعا إلاّ بإذن مولاه،

لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه، و منافعه مستحقّة لغيره، و ربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم، فإن أذن له مولاه، صحّ. هذا في صيام التطوّع.

و لقول زين العابدين عليه السلام: «و أمّا صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوّعا إلاّ بإذن زوجها، و العبد لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مولاه، و الضيف لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن صاحبه، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من نزل علي قوم فلا يصوم تطوّعا إلاّ بإذنهم»(3).

أمّا الفرض فلا، و كذا ليس له أن ينذر الصوم إلاّ بإذن مولاه. و هذا كلّه

ص: 201


1- الكافي 89:4-90-1 و 2، الفقيه 49:2-210، الخصال: 390-80، التهذيب 302:4-913.
2- صحيح البخاري 63:2 و 196:4، صحيح مسلم 816:2-189، سنن أبي داود 2: 327-328-2448، سنن ابن ماجة 546:1-1712، سنن النسائي 3: 214-215، سنن البيهقي 3:3 و 295:4-296.
3- الكافي 83:4-86-1، الفقيه 46:2-48-208، التهذيب 4: 294-296-895.

لا خلاف فيه. و لا فرق بين أن يكون المولي حاضرا أو غائبا.

مسألة 138: ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلاّ بإذن زوجها،

سواء كان الزوج حرّا أو عبدا، لأنّه مالك لبضعها، و له حقّ الاستمتاع، و ربما يمنعه الصوم عنه، فلم يكن سائغا لها إلاّ برضاه.

و لا فرق بين أن يكون زوجها حاضرا أو غائبا.

و اشترط الشافعي حضوره(1).

و ليس بجيّد، لما اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام(2).

و لو كان عليها صوم واجب، لم يعتبر إذنه، بل يجب عليها فعله، و لا يحلّ له منعها عنه.

و لو كان الواجب موسّعا، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال.

مسألة 139: الضيف لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مضيفه،

لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام(3).

و لما فيه من جبر قلب المؤمن و مراعاته، فكان مستحبّا.

و من صام ندبا و دعي إلي طعام، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمنا، و الإفطار عنده، لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم.

و لما رواه داود الرقّي عن الصادق عليه السلام، قال: «لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا»(4).

و لا ينبغي للمضيف أن يصوم إلاّ بإذن الضيف، لئلاّ يلحقه الحياء، رواه

ص: 202


1- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 392:6.
2- تقدّم في المسألة 137.
3- تقدّم في المسألة 137.
4- الكافي 151:4-6، الفقيه 51:2-221، علل الشرائع: 387، باب 120 حديث 2، ثواب الأعمال: 107-1.

الصدوق عن الصادق عليه السلام(1).

و كذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلاّ بإذن والده، لأنّ امتثال أمر الوالد و طاعته أولي، لما رواه الصدوق - رحمه اللّه - عن الصادق عليه السلام، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا إلاّ بإذنه و أمره، و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مولاه، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن أبويه و أمرهما، و إلاّ كان الضيف جاهلا، و كانت المرأة عاصية، و كان العبد فاسدا، و كان الولد عاقّا)(2).

مسألة 140: صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات:

المسافر و الحائض و النفساء و المريض و الكافر و الصبي، و ليس ذلك صوما حقيقيّا، لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار، و الصوم غير قابل للتجزّي، لكن يستحب الإمساك لهم، تشبّها بالصائمين.

فإذا قدم المسافر إلي أهله و قد أفطر في سفره، أمسك بقية النهار تأديبا، و كذا لو أفطر مسافرا ثم قدم بلدا عزم علي الإقامة فيه عشرة أيام فزائدا، سواء كان قدومه قبل الزوال أو بعده، استحبابا و ليس بفرض، و به قال الشافعي و مالك و أبو ثور و داود(3).

و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي: لا يجوز له الأكل بقية النهار(4).

ص: 203


1- علل الشرائع: 384-1.
2- الفقيه 99:2-100-445.
3- المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 262:6، فتح العزيز 435:6، حلية العلماء 175:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 123، التفريع 305:1، بداية المجتهد 1: 297، المغني 74:3-75.
4- النتف 149:1، بدائع الصنائع 102:2، المغني 75:3، بداية المجتهد 297:1، حلية العلماء 176:3، المجموع 262:6، فتح العزيز 435:6.

و عن أحمد روايتان(1) ، و قد تقدّم(2) ذلك.

و يجوز له أن يدخل مفطرا.

و ينبغي للمسافر الذي يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام و لا يتروّي من الماء، بل يتناول منهما قدر الحاجة و الضرورة، لحرمة الشهر.

و لما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كلّ(3) القوت و ما أشرب كلّ الري»(4).

و يشتدّ استحباب اجتناب النساء، فلا يواقع في نهار رمضان، و يكره له ذلك كراهة شديدة، و به قال الشافعي(5).

و ليس محرّما، لأنّ الصوم ساقط عنه، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل.

و روي عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان، أ له أن يصيب من النساء؟ قال:

«نعم»(6).

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز له مواقعة النساء(7) - و به قال أحمد، حتي أنّ أحمد قال: تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء(8) - لقول الصادق3.

ص: 204


1- المغني 74:3-75، الشرح الكبير 17:3 و 65، فتح العزيز 435:6.
2- تقدّم في المسألة 99.
3- في التهذيب و في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق بدل كلّ: إلاّ.
4- التهذيب 240:4-241-705، الاستبصار 105:2-342، و الفقيه 2: 93-416.
5- راجع: الحاوي الكبير 447:3.
6- الكافي 133:4-1، التهذيب 241:4-242-708.
7- المبسوط للطوسي 285:1.
8- المغني 75:3، الشرح الكبير 65:3، حلية العلماء 174:3.

عليه السلام: «إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه»(1).

و هو محمول علي شدّة الكراهة، جمعا بين الأخبار.

و لو قدم من سفره مفطرا، جاز له ترك الإمساك، و أن يأكل و يشرب و يجامع.

مسألة 141: يستحب للحائض و النفساء الإمساك إذا طهرتا بعد الفجر،

و ليس واجبا عليهما، لأنّهما مفطرتان برؤية الدم، و قد قلنا: إنّ الصوم لا يتجزّي، لكن يستحب لهما الإمساك، تشبّها بالصائمين، لحرمة الزمان، لقول الصادق عليه السلام، و قد سأله أبو الصباح الكناني، في امرأة تري الطهر في أول النهار في شهر رمضان و لم تغتسل و لم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم ؟ قال: «إنّما فطرها من الدم»(2).

و كذا الطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار، فإنّها تفطر ذلك اليوم، و يستحب لها الإمساك تأديبا، لما روي أبو الصباح عن الصادق عليه السلام، في امرأة أصبحت صائمة، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أ تفطر؟ قال: «نعم، و إن كان قبل الغروب فلتفطر»(3).

و أمّا المستحاضة: فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام، و يشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها، وجب عليها قضاء الصوم، لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم.

و لما رواه علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت و صامت شهر

ص: 205


1- علل الشرائع: 386-387، باب 119، حديث 1، التهذيب 240:4-704، الإستبصار 105:2-341.
2- الكافي 136:4-7، الفقيه 94:2-418.
3- الكافي 136:4-7، الفقيه 94:2-418.

رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان يأمر المؤمنات بذلك»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلا، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة، فأمّا مع العلم بذلك و الترك له علي التعمّد فإنّه يلزمها القضاء(2).

إذا عرفت هذا، فلو كان الدم كثيرا و أخلّت بغسل الغداة، وجب عليها القضاء. و كذا لو أخلّت بغسل الظهرين.

أمّا لو أخلّت بغسل العشاءين، فالأقرب عدم وجوب القضاء، إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار، و لم يذكره علماؤنا.

مسألة 142: المريض إذا بريء و كان قد تناول المفطر، أمسك بقية النهار تأديبا لا واجبا،

لقول زين العابدين عليه السلام، في حديث الزهري:

«و كذلك من أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا و ليس بفرض»(3).

هذا إذا كان قد تناول شيئا يفسد الصوم، فإن كان برؤه قبل الزوال، أمسك وجوبا، و احتسب به من رمضان، و إن كان برؤه بعد الزوال، أمسك استحبابا، و قضاه علي ما تقدّم.

مسألة 143: الكافر إذا أسلم و الصبي إذا بلغ في أثناء النهار، أمسكا استحبابا لا وجوبا،

سواء تناولا شيئا أو لم يتناولا، و سواء زال عذرهما قبل

ص: 206


1- الكافي 136:4-6، الفقيه 94:2-419، التهذيب 310:4-937.
2- التهذيب 311:4 ذيل الحديث 937.
3- الفقيه 46:2-48-208، التهذيب 294:4-296-895.

الزوال أو بعده، و هو أحد قولي الشيخ(1) رحمه اللّه.

و في الآخر: يجدّدان نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال و لم يتناولا، و لا يجب عليهما القضاء(2).

و المعتمد: الأول، لأنّ المتقدّم من الزمان علي الإسلام و البلوغ لا يصح صومه، و الصوم لا يقبل التجزّي.

و احتجاج الشيخ - رحمه اللّه - بأنّ الصوم ممكن في حقّهما، و وقت النية باق، و قد صار الصبي مخاطبا ببلوغه.

و بعض اليوم إنّما لا يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلي أوّله، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلي أول الصوم، فإنّه يصح، و هو هنا كذلك.

و هو ممنوع، لأنّ النية هنا لا يسري حكمها إلي أول الصوم، لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف، و النية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات، أمّا غيره فممنوع.

المطلب الخامس: في الصوم المحظور
مسألة 144: يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإسلام.

روي العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن صوم هذين اليومين، أمّا يوم الأضحي فتأكلون من لحم نسككم، و أمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم(3).

و من طريق الخاصة: قول زين العابدين عليه السلام: «و أمّا صوم

ص: 207


1- النهاية: 159-160، الخلاف 203:2، المسألة 57.
2- المبسوط للطوسي 286:1.
3- سنن أبي داود 319:2-2416.

الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الأضحي»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين و إن دخل فيهما العيدان و أيام التشريق(2) ، لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السلام عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام، قال: «يغلّظ عليه الدية، و عليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قلت:

فإنّه يدخل في هذا شيء، قال: «و ما هو؟» قلت: يوم العيد و أيام التشريق، قال: «يصوم فإنّه حقّ لزمه»(3).

و في طريقه سهل بن زياد و هو ضعيف، و مع ذلك فهو مخالف للإجماع.

مسألة 145: لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي و مالك(4) - لأنّ صومه حرام، فلا ينعقد النذر عليه، كالليل.

و لأنّه نذر في معصية فلا يصح، لقوله عليه السلام: (لا نذر في معصية اللّه)(5).

و قال عليه السلام: (لا نذر إلاّ ما ابتغي به وجه اللّه)(6).

ص: 208


1- الكافي 83:4-85-1، الفقيه 46:2-47-208، التهذيب 4: 294-296-895.
2- النهاية: 166، المبسوط للطوسي 281:1.
3- الكافي 139:4-8، التهذيب 297:4-896.
4- المجموع 440:6، فتح العزيز 409:6، الكافي في فقه أهل المدينة: 128.
5- سنن الترمذي 103:4-104-1525، سنن النسائي 19:7، سنن الدار قطني 4: 16-46، سنن البيهقي 69:10، و مسند أحمد 207:2 و 432:4 و 443.
6- سنن أبي داود 258:2-2192، و مسند أحمد 185:2.

و قال عليه السلام: (من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه)(1).

و قال أبو حنيفة: ينعقد، و عليه قضاؤه، و لو صامه أجزأ عن النذر، و سقط القضاء(2).

أمّا لو نذر صوم يوم، فظهر أنّه العيد، فإنّه يفطره إجماعا.

و الأقرب: أنّه لا يجب عليه قضاؤه، لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه، فلم ينعقد، كما لو علم.

مسألة 146: صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمني

عند علمائنا و أكثر العلماء(3) ، لما رواه العامة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (أيّام التشريق أيّام أكل و شرب و ذكر اللّه عزّ و جلّ)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن صوم ستة أيّام»(5) و ذكرها.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام، عن صيام أيّام التشريق، فقال: «أمّا بالأمصار فلا بأس به، و أمّا بمني فلا»(6).

و للشافعي قولان، أحدهما: الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي، لأنّ [ابن](7) عمر و عائشة قالا: لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلاّ لمتمتّع إذا

ص: 209


1- صحيح البخاري 177:8، سنن أبي داود 232:3-3289، سنن الترمذي 4: 104-1526، سنن النسائي 17:7، سنن ابن ماجة 687:1-2126، سنن الدارمي 184:2، سنن البيهقي 68:10، و مسند أحمد 36:6 و 41 و 208 و 224.
2- الهداية للمرغيناني 131:1، المجموع 440:6، فتح العزيز 409:6-410.
3- المغني 104:3، الشرح الكبير 111:3-112.
4- صحيح مسلم 800:2-1141، شرح معاني الآثار 245:2.
5- التهذيب 183:4-509، الاستبصار 79:2-241.
6- التهذيب 297:4-897، الاستبصار 132:2-429.
7- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

لم يجد الهدي(1)(2).

و قولهما ليس حجّة.

مسألة 147: يحرم صوم يوم الشك علي أنّه من شهر رمضان، و صوم نذر المعصية،

و هو: أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن و شبهه من المحارم صام (أو صلّي)(3) و قصد بذلك الشكر لا الزجر، لقوله عليه السلام: (لا نذر إلاّ ما أريد به وجه اللّه تعالي)(4).

و يحرم أيضا صوم الصمت - قاله علماؤنا - لأنّه غير مشروع عندنا، فيكون بدعة.

و لحديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام(5).

و يحرم صوم الوصال عند علمائنا - و للشافعي قولان(6) ، هذا أحدهما - لما رواه العامة عن ابن عمر قال: واصل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في رمضان فواصل الناس، فنهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، عن الوصال، فقالوا: إنّك تواصل، فقال: (إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني و يسقيني)(7).

و من طريق الخاصة: قول زين العابدين عليه السلام: «و صوم الوصال

ص: 210


1- سنن الدار قطني 185:2-186-27 و 29 و 30، سنن البيهقي 298:4 بتفاوت.
2- المهذب للشيرازي 196:1، المجموع 443:6 و 445، فتح العزيز 410:6.
3- ما بين القوسين لم يرد في «ط».
4- سنن أبي داود 228:3-3273، و مسند أحمد 185:2 بتفاوت.
5- الكافي 83:4-85-1، الفقيه 46:2-48-208، التهذيب 4: 294-296-895.
6- المهذب للشيرازي 193:1، المجموع 357:6، فتح العزيز 419:6، حلية العلماء 211:3، المغني 111:3، الشرح الكبير 107:3.
7- صحيح البخاري 48:3، صحيح مسلم 774:2-1102، مصنّف ابن أبي شيبة 3: 82، سنن أبي داود 306:2-2360، سنن البيهقي 282:4 بتفاوت.

حرام، و صوم الصمت حرام»(1)النهاية: 170، المبسوط للطوسي 283:1.(2).

و الثاني للشافعي: إنّه مكروه غير محرّم(3) - و هو قول أكثر العامة(4) ، و كان عبد اللّه بن الزبير يواصل(5) - لأنّه ترك الأكل و الشرب المباح، فلم يكن محرّما، كما لو تركه حال الفطر.

و يبطل بما لو ترك الأكل و الشرب يوم العيد.

و اختلف قول الشيخ - رحمه اللّه - في حقيقة الوصال، فقال في النهاية و المبسوط: هو أن يجعل عشاءه سحوره(5) ، لقول الصادق عليه السلام:

«الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره»(6).

و قال في الاقتصاد: هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلا(7) - و هو قول العامة(8) - لما روي عن الصادق عليه السلام، أنّه قال: «إنّما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار»(9).

مسألة 148: صوم الدهر حرام، لدخول العيدين و أيّام التشريق فيه،

و لا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام.

ص: 211


1- تقدمت الإشارة إلي مصادره في الصفحة السابقة الهامش
2- .
3- المهذب للشيرازي 193:1، المجموع 357:6، فتح العزيز 419:6، حلية العلماء 211:3.
4- المغني 110:3، الشرح الكبير 106:3.
5- المغني 110:3، الشرح الكبير 106:3، حلية العلماء 211:3، المجموع 6: 358.
6- الكافي 95:4-96-2، التهذيب 298:4-898، و الفقيه 112:2-477.
7- الاقتصاد: 293.
8- المغني 110:3، الشرح الكبير 106:3، المجموع 357:6، فتح العزيز 419:6، بدائع الصنائع 79:2.
9- الكافي 92:4-5، التهذيب 307:4-927، الاستبصار 138:2-139-452.

روي العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (من صام الدهر ضيّقت عليه جهنم)(1).

و من طريق الخاصة: قول زين العابدين عليه السلام: «و صوم الدهر حرام»(2)راجع: صحيح مسلم 814:2-815-186 و 187، و سنن ابن ماجة 544:1-1705 و 1706، و مصنف ابن أبي شيبة 78:3.(3).

إذا ثبت هذا، فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي ؟.

قال الشافعي و أكثر الفقهاء: ليس بمكروه(4) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن صيام ستّة أيام من السنة(5) ، فدلّ علي أنّ صوم الباقي جائز.

و قال أبو يوسف: إنّه مكروه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عنه(5) ، و لو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر(6).

و يحرم صوم الواجب سفرا - عدا ما استثني - و لا يجزئ. و يحرم صوم المرأة ندبا مع منع الزوج، و العبد مع منع المولي.2.

ص: 212


1- سنن البيهقي 300:4، مصنّف ابن أبي شيبة 78:3.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 210، الهامش
3- .
4- المهذب للشيرازي 195:1، المجموع 389:6، فتح العزيز 473:6، حلية العلماء 212:3، المغني 107:3، الشرح الكبير 108:3.
5- سنن الدار قطني 157:2-8.
6- المجموع 389:6، و بدائع الصنائع 79:2.
الفصل الثامن في اللواحق
مسألة 149: الشيخ و الشيخة إذا عجزا عن الصوم و جهدهما الجهد الشديد، جاز لهما الإفطار إجماعا.

و هل تجب الفدية ؟ قال الشيخ: نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام(1).

و بوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و سعيد بن جبير و طاوس و أحمد(2) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر(3).

ص: 213


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 319، و في النهاية: 159، و المبسوط للطوسي 285:1 هكذا: و تصدقا عن كل يوم بمدّين من طعام، فإن لم يقدر عليه فبمدّ منه.
2- المبسوط للسرخسي 100:3، الحجّة علي أهل المدينة 397:1، بدائع الصنائع 2: 97، النتف 148:1، الاختيار 177:1، المغني 82:3، الشرح الكبير 17:3، حلية العلماء 174:3، فتح العزيز 458:6، بداية المجتهد 301:1.
3- بدائع الصنائع 72:2 و 97، الحجّة علي أهل المدينة 397:1-398، المبسوط للسرخسي 100:3، المجموع 259:6، حلية العلماء 174:3، المغني 69:3، الشرح الكبير 71:3.

و قال أحمد: يطعم مدّا من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(1).

لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: الشيخ الكبير يطعم عن كلّ يوم مسكينا(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان، فقال:

«يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم»(3).

و قال المفيد(4) - رحمه اللّه - و السيد المرتضي(5) و أكثر علمائنا(6): لا تجب الكفّارة مع العجز - و به قال مالك و أبو ثور و ربيعة و مكحول(7) ، و للشافعي قولان(8) ، كالمذهبين - لأنّه ترك الصوم لعجزه، فلا يجب به الإطعام، كما لو ترك لمرضه.

و الفرق ظاهر.

أمّا لو لم يتمكّن من الصوم البتة، فإنّه يسقط عنه و لا كفّارة. و لو عجز عن الكفّارة، سقطت أيضا.

إذا عرفت هذا، فقد اختلف قول الشيخ - رحمه اللّه - في قدر الكفارة،6.

ص: 214


1- المغني: 69:3، الشرح الكبير 71:3، حلية العلماء 174:3.
2- صحيح البخاري 30:6، سنن الدار قطني 205:2-6، سنن البيهقي 230:4.
3- التهذيب 237:4-694، الإستبصار 103:2-336.
4- المقنعة: 55-56.
5- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 56:3.
6- منهم: سلاّر في المراسم: 96، و السيد ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 509، و ابن إدريس في السرائر: 91.
7- بداية المجتهد 301:1، المنتقي - للباجي - 70:2، المغني 82:3، الشرح الكبير 17:3، المجموع 259:6، فتح العزيز 458:6، حلية العلماء 174:3، بدائع الصنائع 97:2، المحلّي 265:6.
8- المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 258:6 و 259، فتح العزيز 458:6، حلية العلماء 174:3، المغني 82:3، الشرح الكبير 17:3، المحلّي 265:6.

فقال تارة: مدّان، فإن عجز فمدّ(1) ، لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام، قال: «و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام»(2).

و تارة قال: مدّ(3). و هو أقوي، عملا بالأصل.

و بما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: سمعته يقول: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما»(4).

مسألة 150: ذو العطاش الذي لا يرجي برؤه يفطر و يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام،

كما تقدّم. و هو أحد قولي الشيخ(5) رحمه اللّه.

و الثاني: أنّه يتصدّق بمدّين، فإن عجز فبمدّ(6) ، للضرر المبيح للإفطار، كما أبيح للمريض.

و لما رواه المفضّل بن عمر عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

إنّ لنا فتيانا(7) و بنات لا يقدرون علي الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال: «فليشربوا مقدار ما تروي به نفوسهم و ما يحذرون»(8).

و أمّا الصدقة: فلعجزه عن الصيام.

ص: 215


1- النهاية: 159، المبسوط للطوسي 285:1، التبيان 119:2.
2- التهذيب 238:4-698.
3- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 319.
4- الكافي 116:4-4، الفقيه 84:2-375، التهذيب 238:4-697، الاستبصار 104:2-338.
5- راجع: الاستبصار 104:2، الحديث 338 و 339، و ذيله.
6- النهاية: 159، المبسوط للطوسي 285:1، التبيان 119:2.
7- في «ط، ف» و الطبعة الحجرية: شبّانا. بدل فتيانا.
8- الكافي 117:4-7، التهذيب 240:4-703.

و لقول الصادق عليه السلام فيمن ترك الصيام، قال: «إن كان من مرض فإذا بريء فليصمه، و إن كان من كبر أو لعطش فبدل كلّ يوم مدّ»(1).

و أمّا سقوط القضاء: فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام و التقدير دوامه، فيدوم المسبّب.

و لتفصيل الصادق عليه السلام، و التفصيل قاطع للشركة.

و أمّا العطّاش الذي يرجي برؤه: فإنّه يفطر إجماعا، لعجزه عن الصيام، و عليه القضاء مع البرء، لأنّه مرض و قد زال، فيقضي، كغيره من الأمراض.

و هل تجب الكفّارة ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم(2) ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجي زواله.

و منع المفيد و السيد المرتضي(3).

إذا ثبت هذا، فلا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام و لا من الشراب و لا يقربوا النساء في النهار.

مسألة 151: الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن إذا خافتا علي أنفسهما، أفطرتا،

و عليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإسلام، و لا كفّارة عليهما، لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة و عن الحامل و المرضع الصوم)(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - قال:

سمعت الباقر عليه السلام، يقول: «الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن

ص: 216


1- التهذيب 239:4-700 و فيه: «فليقضه» بدل «فليصمه».
2- المبسوط للطوسي 285:1، الاقتصاد: 294.
3- المقنعة: 56، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 56:3.
4- سنن الترمذي 94:3-715، سنن ابن ماجة 533:1-1667، سنن البيهقي 4: 231، مسند أحمد 347:4.

لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد»(1).

إذا عرفت هذا، فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة.

و لو خافتا علي الولد من الصوم، أفطرتا إجماعا، لأنّه ضرر علي ذي نفس آدمي محترم، فأشبه الصائم نفسه. و يجب عليهما القضاء مع زوال العذر، و عليهما الصدقة عن كلّ يوم بمدّ من طعام، ذهب إليه علماؤنا و الشافعي و أحمد(2) - إلاّ أنّه يقول: مدّ من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(3) - و به قال مجاهد(4) ، لقوله تعالي وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (5).

قال ابن عباس: كانت رخصة للشيخ الكبير و المرأة الكبيرة و هما يطيقان الصيام أن يفطرا و يطعما لكلّ يوم مسكينا، و الحبلي و المرضع إذا خافتا علي أولادهما أفطرتا و أطعمتا. رواه العامة(6).

و من طريق الخاصة: ما تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام(7) ، فإنّه عليه السلام سوّغ لهما الإفطار مطلقا، و أوجب عليهما القضاء و الصدقة، و هو يتناول ما إذا خافتا علي الولد كما يتناول ما إذا خافتا علية.

ص: 217


1- الكافي 117:4-1، الفقيه 84:2-85-378، التهذيب 239:4-240-701.
2- الام 103:2، المهذّب للشيرازي 185:1، المجموع 267:6 و 268 و 269، الوجيز 105:1، فتح العزيز 460:6، حلية العلماء 176:3، مختصر المزني: 57، المغني 80:3، الشرح الكبير 23:3.
3- المغني 81:3، الشرح الكبير 24:3، حلية العلماء 177:3.
4- المجموع 269:6.
5- البقرة: 184.
6- سنن أبي داود 296:2-2318.
7- تقدّم الحديث في صدر المسألة.

أنفسهما.

و تتصدّقان بما تقدّم(1) في الشيخ و الشيخة، لأنّه جبر لإخلالهما بالصوم مع القدرة عليه.

و القول الثاني للشافعي: إنّ الكفّارة تجب علي المرضع دون الحامل - و هو رواية عن أحمد(2) ، و به قال الليث بن سعد - لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها، بخلاف الحامل.

و لأنّ الحمل متّصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف علي بعض أعضائها(3).

و الفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به، و هو: الآية و الأحاديث.

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليهما كفّارة - و هو مذهب الحسن البصري و عطاء و الزهري و ربيعة و الثوري و الأوزاعي و أبي ثور و أبي عبيد بن داود و المزني و ابن المنذر - لأنّ أنس بن مالك روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال:

(إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة، و عن الحامل و المرضع الصوم)(4).

و لأنّه فطر أبيح لعذر، فلم تجب به كفّارة كالمريض(5).6.

ص: 218


1- تقدم في المسألة 149.
2- في بعض المصادر: رواية عن مالك. و في بعضها الآخر: قول مالك. و لم نعثر علي رواية عن أحمد.
3- المغني 80:3، الشرح الكبير 23:3، المهذب للشيرازي 185:1، المجموع 267:6 و 269، فتح العزيز 460:6، حلية العلماء 177:3.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادرها في صفحة 216، الهامش (4).
5- المغني 80:3-81، الشرح الكبير 23:3-24، المجموع 269:6، حلية العلماء 176:3، بداية المجتهد 300:1، بدائع الصنائع 97:2، المبسوط للسرخسي 3: 99، مختصر المزني: 57، فتح العزيز 460:6.

و لا دلالة في الحديث علي سقوط الكفّارة. و المريض أحسن حالا منهما، لأنّه يفطر بسبب نفسه.

و للشافعي قول ثالث: إنّ الكفّارة استحباب(1).

و قال ابن عباس و ابن عمر: إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء - و هو قول سلاّر(2) من علمائنا - لأنّ الآية(3) تتناولهما، و ليس فيها إلاّ الإطعام.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (إنّ اللّه وضع عن الحامل و المرضع الصوم)(4)(5).

و الجواب: أنّهما تطيقان القضاء فلزمهما، كالحائض و النفساء. و الآية أوجبت الإطعام و لا إشعار لها بسقوط القضاء.

و المراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما، كما في قوله عليه السلام: (إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم)(6).

مسألة 152: لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعا

- و عن أحمد روايتان(7) - لما رواه العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من صام تطوّعا و عليه من رمضان شيء لم يقضه، فإنّه لا يتقبّل منه حتي يصومه)(8).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - أنّه سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع ؟ فقال: «لا،

ص: 219


1- المهذّب للشيرازي 186:1، المجموع 267:6، فتح العزيز 460:6.
2- المراسم: 97.
3- البقرة: 184.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 216، الهامش (4).
5- المغني 81:3، الشرح الكبير 24:3، المجموع 269:6.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في صفحة 216، الهامش (4).
7- المغني 86:3-87، الشرح الكبير 90:3-91.
8- مسند أحمد 352:2.

حتي يقضي ما عليه من شهر رمضان»(1).

و لأنّ الصوم عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصحّ التطوّع بها قبل أدائها فرضا كالحج.

احتجّ أحمد(2): بأنّها عبادة متعلّقة بوقت موسّع، فجاز التّطوّع في وقتها كالصلاة(3).

و هو قياس في مقابلة النص فلا يسمع.

و أيضا فإنّ أداء الصلاة لا يمنع من فعل النافلة، لأنّه لا يفوت وقتها، أمّا قضاء الصلاة فإنّه لا يجوز التطوّع لمن عليه القضاء.

مسألة 153: صوم النافلة لا يجب بالشروع فيه،

و يجوز إبطاله قبل الغروب، و لا يجب قضاؤه، سواء أفطر لعذر أو لغيره - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق(4) - لما رواه العامة عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (هل عندكم شيء؟) فقلت: لا، قال: (فإنّي صائم) ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم و قد اهدي إليّ حيس(5) ، فخبأت(6) له منه و كان يحبّ الحيس، قلت: يا رسول اللّه اهدي لنا حيس فخبأت لك منه، قال: (أدنيه أما إنّي قد أصبحت و أنا صائم) فأكل منه، ثم قال: (إنّما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء

ص: 220


1- الكافي 123:4-2، التهذيب 276:4-835.
2- علي قوله الثاني و هو الجواز.
3- المغني 87:3، الشرح الكبير 91:3.
4- المهذب للشيرازي 195:1، المجموع 393:6 و 394، حلية العلماء 212:3، اختلاف العلماء: 70، المغني 92:3، الشرح الكبير 113:3، بداية المجتهد 1: 311، المنتقي - للباجي - 68:2.
5- الحيس: هو الطعام المتّخذ من التمر و الأقط و السمن. النهاية لابن الأثير 467:1 «حيس».
6- خبأت الشيء: إذا أخفيته. النهاية لابن الأثير 3:2.

أمضاها و إن شاء حبسها)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان: «إنّه بالخيار إلي زوال الشمس، و إن كان تطوّعا فإنّه إلي الليل بالخيار»(2).

و قال أبو حنيفة: يجب المضيّ فيه، و لا يجوز الإفطار إلاّ لعذر، فإن أفطر قضاه(3).

و روي عن محمد أنّه إذا دخل علي أخ فحلف عليه، أفطر و عليه القضاء(4).

و قال مالك: يجب بالدخول فيه، و لا يجوز له الخروج عنه إلاّ لعذر، و إذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء - و به قال أبو ثور(5) - لأنّ عائشة قالت:

أصبحت أنا و حفصة صائمتين متطوّعتين فاهدي لنا حيس، فأفطرنا، ثم سألنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (اقضيا يوما مكانه)(6).

و لأنّها عبادة تلزم بالنذر، فلزمت بالشروع فيها كالحج و العمرة(7).

و الخبر ضعيف عند المحدّثين(8) ، و محمول علي الاستحباب.3.

ص: 221


1- سنن النسائي 193:4-194.
2- التهذيب 280:4-281-849، الاستبصار 122:2-396.
3- المبسوط للسرخسي 86:3، بدائع الصنائع 102:2، المجموع 394:6، حلية العلماء 212:3، المغني 92:3، الشرح الكبير 113:3، بداية المجتهد 311:1.
4- حلية العلماء 212:3.
5- المجموع 394:6، حلية العلماء 212:3.
6- أوردها ابنا قدامة في المغني 92:3، و الشرح الكبير 113:3، و في سنن أبي داود 2: 330-457، و سنن البيهقي 279:4 بتفاوت.
7- بداية المجتهد 311:1، المنتفي - للباجي - 68:2، اختلاف العلماء: 70، حلية العلماء 212:3، المجموع 394:6، المغني 92:3، الشرح الكبير 113:3.
8- راجع: المغني 93:3، و الشرح الكبير 115:3.

و إحرام الحجّ آكد من الشروع هنا، و لهذا لا يخرج منه باختياره و لا بإفساده.

إذا عرفت هذا، فإنّ جميع النوافل من سائر العبادات لا تجب بالشروع فيها إلاّ الحج و العمرة، فإنّهما يجبان بالشروع فيهما، لتأكّد إحرامهما.

و لعموم قوله وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1).

و عن أحمد رواية: أنّه لا يجوز قطع الصلاة المندوبة، فإن قطعها قضاها(2).

و ليس بجيّد، لأنّ ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة.

أمّا لو دخل في واجب، فإن كان معيّنا - كنذر معيّن - لم يجز له الخروج منه، و إن كان مطلقا - كقضاء رمضان أو النذر المطلق - فإنّه يجوز الخروج منه، إلاّ قضاء رمضان بعد الزوال.

مسألة 154: كلّ صوم يلزم فيه التتابع إلاّ أربعة:

صوم النذر المجرّد عن التتابع و ما في معناه من يمين أو عهد، لأصالة البراءة. و صوم قضاء رمضان، و صوم جزاء الصيد، و صوم السبعة في بدل الهدي.

أمّا ما عدا هذه الأربعة، كصوم كفّارة الظهار و القتل و الإفطار و كفّارة اليمين و أذي حلق الرأس و ثلاثة أيام الهدي، فإنّه يجب فيها التتابع.

قال الصادق عليه السلام: «صيام ثلاثة أيام في كفّارة اليمين متتابعا لا يفصل بينهن»(3).

مسألة 155: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين
اشارة

إمّا في كفّارة أو نذر أو شبهه إذا أفطر في الشهر الأول أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني

ص: 222


1- البقرة: 196.
2- المغني 93:3، الشرح الكبير 115:3.
3- الكافي 140:4-2، التهذيب 283:4-856، و فيهما: «متتابعات» بدل «متتابعا».

شيئا، استأنف.

و إن كان أفطر لعذر من مرض أو حيض و شبهه، لم ينقطع تتابعه، بل ينتظر زوال العذر ثم يتمّ صومه، عند علمائنا - و به قال الشافعي في الحيض، أمّا المرض فله قولان(1) - لمساواة المرض الحيض في كونه عذرا، فتساويا في سقوط التتابع.

و لاشتماله علي الضرر و ربما تجدّد عذر آخر فيستمرّ التكليف، و هو مشقة عظيمة.

و لأنّ رفاعة سأل الصادق عليه السلام - في الصحيح - عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا و مرض، قال: «يبني عليه، اللّه حبسه» قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيام حيضها، قال: «تقضيها» قلت: فإنّها قضتها ثم يئست من الحيض، قال: «لا تعيدها أجزأها»(2).

و لو أفطر في الشهر الأول أو بعد إكماله قبل أن يصوم من الثاني شيئا لغير عذر، استأنف، بإجماع فقهاء الإسلام، لأنّه لم يأت بالمأمور به علي وجهه، فيبقي في عهدة التكليف.

و لو صام من الشهر الثاني شيئا بعد الشهر الأول و لو يوما ثم أفطر، جاز له البناء، سواء كان لعذر أو لغير عذر، عند علمائنا كافة - خلافا للعامة كافّة(3) - لأنّه بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأول تصدق المتابعة، لأنّها أعمّ من المتابعة بالكلّ أو بالبعض، و الأعم من الشيئين صادق عليهما، فيخرج عن العهدة بكلّ واحد منهما.0.

ص: 223


1- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 320، و راجع: المهذب للشيرازي 118:2، و الإشراف علي مذاهب أهل العلم 444:1، و حلية العلماء 194:7، و فتح العزيز 534:6.
2- التهذيب 284:4-859، الاستبصار 124:2-402.
3- كما في المعتبر للمحقق الحلي: 320.

و لرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السلام: «في كفّارة الظهار صيام شهرين متتابعين، و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أيّاما أو شيئا منه»(1).

فروع:
أ - لا يجوز لمن عليه صوم شهرين متتابعين أن يصوم ما لا يسلم له الشهر الأول و من الثاني شيئا،

فليس له أن يصوم شعبان منفردا إلاّ إذا صام قبله و لو يوما من آخر رجب.

و لا تكفي متابعة شهر رمضان، لأنّه صوم استحقّ بأصل التكليف، و التتابع وصف لصوم الكفّارة، و أحدهما غير الآخر، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر.

ب - لا شك في أنّه إذا صام من الثاني شيئا ثم أفطر، يحصل به التتابع،

لكن هل يكون الإفطار له سائغا أو حراما؟ قولان لعلمائنا.

و المعتمد: الأول، لأنّ الصادق عليه السلام حدّ التتابع «بأن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أياما أو شيئا منه»(2).

نعم الأولي تركه، لاشتماله علي الخلاف و ترك المسارعة إلي فعل الطاعة.

ج - لو سافر قبل أن يصوم من الثاني شيئا، فإن تمكّن من ترك السفر،

انقطع تتابعه و وجب عليه الاستئناف، و إن كان مضطرّا، لم ينقطع و يتمّ بعد رجوعه.

د - المرض و الحيض و النفاس أعذار

يصحّ معها التتابع و البناء مطلقا.

مسألة 156: العبد إذا وجب عليه صوم شهر متتابع في كفّارة و شبهها،

ص: 224


1- الكافي 138:4-2، التهذيب 283:4-856.
2- الكافي 138:4-2، التهذيب 283:4-856.

و الحرّ إذا وجب عليه شهر متتابع بنذر و شبهه، فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر لعذر أو غيره، جاز له البناء، و إن أفطر قبل ذلك لغير عذر، استأنف، و لعذر يبني، لما روي عن الصادق عليه السلام، في رجل جعل عليه صيام شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، قال: «إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتي يصوم شهرا تامّا»(1).

مسألة 157: صوم ثلاثة أيام بدل الهدي في الحج متتابعة إجماعا،

فلو صام يوما ثم أفطر، استأنف مطلقا.

و إن صام يومين ثم أفطر فكذلك، إلاّ أن يصوم يوم التروية و عرفة، فإنّه يفطر العيد، و يأتي بثالث بعد انقضاء أيام التشريق، لأنّ يحيي الأزرق سأل أبا الحسن عليه السلام، عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا و ليس له هدي، فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: «يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»(2).

أمّا لو كان الثالث غير العيد، بأن صام يومين غير يوم التروية و عرفة ثم أفطر الثالث، استأنف.

و اعلم أنّ كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر، بني، و إن كان لغير عذر، استأنف، إلاّ في المواضع الثلاثة، و هي: تتابع الشهرين، أو الشهر، أو ثلاثة أيام بدل الهدي بالعيد(3).

مسألة 158: يكره للمسافر النكاح في نهار رمضان مع وجوب القصر،

و ليس محرّما، فإن كانت مسافرة معه، جاز لهما معا الجماع.

و كذا لو قدم من سفره و وجدها مفطرة لمرض أو حيض طهرت منه

ص: 225


1- الكافي 139:4-6، الفقيه 97:2-436، التهذيب 285:4-863.
2- التهذيب 231:5-781، الإستبصار 279:2-992.
3- أي: لا يستأنف صومه إذا كان إفطاره في صومه الثلاثة أيام حاصلا بالعيد.

حينئذ، لسقوط فرض الصوم عنهما.

و لو غرّته فقالت: إنّي مفطرة، فوطأها، أفطرت و لا كفّارة عليه عن نفسه، لإباحة الفطر له، و لا عنها، لغروره، و لا صنع له فيه، و يجب عليها كفّارة عن نفسها.

و لو علم بصومها، فإن طاوعته، وجب عليها الكفّارة عن نفسها، و لا يجب عليه شيء.

و إن أكرهها، فلا كفّارة عليه عن نفسه، و تجب عليه كفّارة عنها.

و لا فرق في الإكراه بين أن يغلبها علي نفسها، أو يتهدّدها بضرب و شبهه فتطاوعه، و لا تفطر في الحالين.

و قال الشافعي: لا تفطر في الاولي، و في التهدد قولان(1).

مسألة 159: يكره السفر في رمضان إلاّ لضرورة

- إلاّ إذا مضت ثلاثة و عشرون يوما من الشهر فتزول الكراهة - لما فيه من التعريض لإبطال الصوم، و لمنعه عن ابتداء العبادة و إحراز فضيلته في شهر رمضان، و بعد ثلاثة و عشرين مضي أكثر وقت العبادة مشغولا بها.

و كذا تنتفي الكراهة مع الضرورة، كالخوف علي فوات مال أو هلاك أخ أو المضيّ في حجّ أو زيارة، لأنّ الصادق عليه السلام قال: «إذا دخل شهر رمضان فليس للرجل أن يخرج إلاّ في حج أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه، و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء»(2).

و روي أبو بصير سأل الصادق عليه السلام: جعلت فداك يدخل عليّ

ص: 226


1- المهذب للشيرازي 190:1، المجموع 324:6 و 325 و 336، فتح العزيز 386:6 و 399.
2- التهذيب 216:4-626.

شهر رمضان فأصوم بعضه، فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبد اللّه عليه السلام، فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا أو أقيم حتي أفطر و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال: «أقم حتي تفطر» قلت له: جعلت فداك فهو أفضل ؟ قال: «نعم أما تقرأ في كتاب اللّه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (1)»(2).

و روي ابن بابويه أنّ تشييع المؤمن أفضل من المقام عن الصادق عليه السلام، عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة، فقال: «إن كان في شهر رمضان فليفطر» فسئل أيّهما أفضل يصوم أو يخرج يشيّع أخاه ؟ فقال:

«يشيّعه إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع الصوم عنه إذا شيّعه»(3).

مسألة 160: لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن ذلك، صام ثمانية عشر يوما،

لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام، قال:

سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر علي الصيام و لم يقدر علي العتق و لم يقدر علي الصدقة، قال: «فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(4).

إذا عرفت هذا، فلو قدر علي صيام شهر لا غير، ففي وجوبه إشكال، و كذا لو تمكّن من صيام شهرين لكن متفرّقة، ففي وجوبه إشكال.

و الأقرب: أنّ الثمانية عشر متتابعة، مع احتمال عدمه.

مسألة 161: لو نذر صوم يوم بعينه فوافق ذلك أن يكون مسافرا،

أفطر و قضاه، إلاّ أن يقيّد نذره بالسفر و الحضر فيصومه مسافرا.

و يصح نذر صوم يوم من شهر رمضان - خلافا لبعض(5) علمائنا - و إن

ص: 227


1- البقرة: 185.
2- التهذيب 316:4-961.
3- الفقيه 90:2-401.
4- التهذيب 312:4-944.
5- هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 185.

كان الصوم واجبا بغير النذر، لما فيه من التشديد في فعل الواجب.

و لو أفطره، فإن قلنا بعدم انعقاده، فلا بحث، و إن قلنا بانعقاده، ففي تعدّد الكفّارة إشكال.

أمّا لو نذر صومه في السفر عن رمضان أو غيره لم يصحّ.

و لو نذر صوم الدهر و استثني الأيام المحرّم صومها، انعقد.

فلو كان عليه قضاء من رمضان أو وجب عليه بغير ذلك، لزمه أن يصوم القضاء مقدّما علي صوم النذر، لأنّه واجب ابتداء بأصل الشرع.

فإذا صامه فالزمان الذي قضي فيه هل يدخل تحت النذر؟ إشكال ينشأ:

من ظهور استحقاقه للقضاء، فلم يدخل في النذر، كشهر رمضان، و من دخوله في النذر، لأنّه لو صامه عن النذر وقع عنه، و بقي القضاء في ذمته.

إذا ثبت هذا، فلا كفّارة عليه في هذه الأيام التي فاتته من نذره، لأنّه لا يمكنه فعلها، كالمريض إذا أفطر ثم اتّصل مرضه بموته.

و قال بعض الشافعية: تلزمه الكفّارة، لأنّه عجز عن صوم الواجب عجزا مؤبّدا فلزمته الكفّارة، كالشيخ الهم(1).

و هو معارض ببراءة الذمة.

و إذا وجب علي صائم الدهر واجبا، كفّارة مخيّرة أو مرتّبة، صام عن الكفّارة، لأنّه كالمستثني.

و إذا نذر صوم قدوم زيد، لم ينعقد، لأنّه إن قدم ليلا، لم يجب صومه، لعدم الشرط، و إن قدم نهارا، فلعدم التمكّن من صيام اليوم المنذور.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن وافق قدومه قبل الزوال و لم يكن تناول شيئا مفطرا، جدّد النيّة، و صام ذلك اليوم، و إن كان بعد الزوال، أفطر، و لا قضاء عليه فيما بعد(2).1.

ص: 228


1- المجموع 391:6، فتح العزيز 473:6، حلية العلماء 212:3.
2- المبسوط للطوسي 281:1.

و لو نذر يوم قدومه دائما، سقط وجوب اليوم الذي قدم فيه، و وجب صومه فيما بعد.

و لو اتّفق في رمضان، صامه عن رمضان خاصة، و سقط المنذور، لأنّه كالمستثني، و لا قضاء عليه.

و لو صامه عن النذر، وقع عن رمضان و لا قضاء عليه. و فيه إشكال.

و إذا نذر صوم يوم بعينه، فقدّم صومه، لم يجزئه، لأنّه قدّم الواجب علي وقته، فلا يحصل به الامتثال، كما لو قدّم رمضان.

مسألة 162: لو نذر صوم يوم بعينه دائما، فوجب عليه صوم شهرين متتابعين

لإحدي الكفّارات، قال الشيخ: يصوم في الشهر الأول عن الكفّارة، تحصيلا للتتابع، و إذا صام من الثاني شيئا، صام ما بقي عن النذر، لسقوط التتابع(1).

و قال بعض علمائنا: يسقط التكليف بالصوم، لعدم إمكان التتابع، و ينتقل الفرض إلي الإطعام(2). و ليس بجيّد.

و يحتمل صوم ذلك اليوم عن النذر، ثم لا يسقط التتابع لا في الأول و لا في الأخير، لأنّه عذر لا يمكنه الاحتراز عنه.

و لا فرق بين تقدّم وجوب الكفّارة عن النذر و تأخّره. و قول الشيخ فيه بعض القوة.

و إذا نذر أن يصوم في بلد معيّن، للشيخ قولان، أحدهما: يتعيّن البلد(3). و الثاني: أنّه يصوم أين شاء(4).

ص: 229


1- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 359، و المحقق في شرائع الإسلام 188:3.
2- ابن إدريس في السرائر: 359.
3- المبسوط للطوسي 282:1.
4- حكاه عنه المحقق في شرائع الإسلام 189:3.

و الوجه أن يقال: إن كان الصوم في بعض البلاد يتميّز عن الصوم في الآخر، تعيّن ما نذره، و إلاّ فلا. و الأقرب: عدم تميّز البلاد في ذلك.

مسألة 163: إذا نذر صوم سنة معيّنة،

وجب عليه صومها، إلاّ العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمني، فإن لم يشترط التتابع حتي أفطر في أثنائها، قضي ما أفطره، و صام الباقي، و وجب عليه الكفّارة في كلّ يوم يفطره، لتعيّنه للصوم بالنذر علي ما تقدّم.

و إن شرط التتابع، استأنف.

و قيل: إن جاز النصف، بني و لو فرّق(1).

هذا إذا كان إفطاره لغير عذر، و إن كان لعذر بني و يقضي و لا كفّارة عليه.

و لو نذر صيام سنة غير معيّنة، تخيّر في التتالي و التفريق إن لم يشترط التتابع.

و لو نذر صوم شهر، تخيّر بين ثلاثين يوما و بين صوم شهر هلالي من أول الهلال إلي آخره، و يجزئه و لو كان ناقصا.

و إذا صام في أثناء الشهر، أتمّ عدّة ثلاثين، سواء كان تامّا أو ناقصا.

و لو نذره متتابعا، وجب عليه أن يتوخّي ما يصحّ فيه ذلك، و يجتزئ بالنصف. و لو شرع في أول ذي الحجة، لم يجزئ، لانقطاع التتابع بالعيد.

و لو نذر أن يصوم يوما و يفطر يوما، فوالي الصوم، قال ابن إدريس:

وجب عليه كفّارة خلف النذر(2). و فيه نظر.

و يشترط في نذر الصوم التقرّب، فلو نذر صومه لا علي وجه التقرّب، بل لمنع النفس أو علي جهة اليمين، لم ينعقد.

ص: 230


1- حكاه عن بعض الأصحاب، المحقّق في شرائع الإسلام 192:3.
2- السرائر: 96.

و لو نذر صوما و لم يعيّن، أجزأه صوم يوم.

و لو نذر أن يصوم زمانا، وجب عليه صوم خمسة أشهر.

و لو نذر أن يصوم حينا، كان عليه أن يصوم ستة أشهر، لقوله تعالي:

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ (1) .

روي السكوني عن الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: «الزمان خمسة أشهر، و الحين ستة أشهر، لأنّ اللّه تعالي يقول تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ »(2).

و لا ينعقد نذر العبد إلاّ بإذن مولاه. و كذا الزوجة لا ينعقد إلاّ بإذن الزوج.

مسألة 164: يستحب السحور إجماعا.

روي العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (تسحّروا فإنّ في السحور بركة)(3).

و من طريق الخاصة: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: إنّ اللّه تعالي و ملائكته يصلّون علي المستغفرين و المتسحّرين بالأسحار، فليتسحّر أحدكم و لو بشربة من ماء»(4).

و يستحب تأخيره، لما رواه العامة عن زيد بن ثابت قال: تسحّرنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم قمنا إلي الصلاة، قلت: كم كان قدر

ص: 231


1- إبراهيم: 25.
2- الكافي 142:4-5، التهذيب 309:4-933، و فيهما: السكوني عن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام..
3- صحيح البخاري 38:3، صحيح مسلم 770:2-1095، سنن ابن ماجة 1: 540-1692، سنن الترمذي 88:3-708، سنن النسائي 140:4، مسند أحمد 2: 477.
4- الفقيه 87:2-389، المقنع: 64.

ذلك ؟ قال: خمسين آية(1).

و من طريق الخاصة: أنّ رجلا سأل الصادق عليه السلام، فقال: آكل و أنا أشكّ في الفجر، فقال: «كل حتي لا تشك»(2).

و لأنّ القصد القوّة علي الطاعة.

قال أحمد بن حنبل: إذا شكّ في الفجر يأكل حتّي يستيقن طلوعه. و هو قول ابن عباس و الأوزاعي(3) ، و هو الذي نقلناه عن الصادق عليه السلام.

و يستحب تعجيل الإفطار بعد صلاة المغرب إن لم يكن هناك من ينتظره للإفطار، و لو كان، استحبّ تقديمه علي الصلاة.

روي العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (يقول اللّه تعالي:

أحب عبادي إليّ أسرعهم فطرأ)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها، فقال: «إن كان(5) قوم يخشي أن يحبسهم عن عشائهم، فليفطر معهم، و إن كان غير ذلك، فليصلّ و ليفطر»(6).

مسألة 165: يستحب الإفطار علي التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن،

لأنّ الباقر عليه السلام قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يفطر علي

ص: 232


1- أوردها نصّا ابنا قدامة في المغني 109:3، و الشرح الكبير 82:3، و في صحيح مسلم 771:2-1097، و سنن ابن ماجة 540:1-1694، و سنن النسائي 143:4 بتفاوت.
2- الفقيه 87:2-390.
3- المغني 109:3، الشرح الكبير 83:3، مسائل أحمد: 93.
4- أوردها ابنا قدامة في المغني 110:3، و الشرح الكبير 81:3، و في سنن الترمذي 3: 83-700، و مسند أحمد 237:2-238: (أعجلهم) بدل (أسرعهم).
5- في المصادر زيادة: «معه».
6- الكافي 101:4 (باب وقت الإفطار) الحديث 3، التهذيب 185:4-186-517، و الفقيه 81:2-360.

الأسودين» قلت: رحمك اللّه و ما الأسودان ؟ قال: «التمر و الماء أو الزبيب و الماء»(1).

و أنّ عليا عليه السلام، كان يستحب أن يفطر علي اللبن(2).

و يستحب للصائم الدعاء عند إفطاره، فإنّ له دعوة مستجابة، لما رواه الباقر عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا أفطر قال:

اللهم لك صمنا و علي رزقك أفطرنا، فتقبّله منّا، ذهب الظمأ و ابتلّت العروق و بقي الأجر»(3).

و كان الباقر عليه السلام، يقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار إلي آخره: «الحمد للّه الذي أعاننا فصمنا و رزقنا فأفطرنا، اللهم تقبّل منّا و أعنّا عليه، و سلّمنا فيه، و تسلّمه منّا في يسر منك و عافية، الحمد للّه الذي قضي عنّا يوما من شهر رمضان»(4).

مسألة 166: يستحب تفطير الصائم.

قال الصادق عليه السلام: «من فطّر صائما فله مثل أجره»(5).

و رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله(6).

ص: 233


1- التهذيب 198:4-569.
2- التهذيب 199:4-574، و المحاسن: 491-578.
3- الكافي 95:4 (باب ما يقول الصائم إذا أفطر) الحديث 1، التهذيب 4: 199-200-576 و فيه: جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام.
4- الكافي 95:4 (باب ما يقول الصائم إذا أفطر) الحديث 2، التهذيب 200:4-577، و الفقيه 66:2-67-274، و فيها: أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «تقول في كلّ ليلة» إلي آخره.
5- الكافي 68:4-1، التهذيب 201:4-579، و الفقيه 85:2-380.
6- سنن الترمذي 171:3-807، سنن ابن ماجة 555:1-1746، سنن البيهقي 4: 240، المعجم الكبير للطبراني 255:5-5267، و المغني 111:3، و الشرح الكبير 84:3.

و عن الباقر عليه السلام قال: «خطب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في آخر جمعة من شعبان، فحمد اللّه و أثني عليه و تكلّم بكلام، ثم قال: قد أظلّكم شهر رمضان، من فطّر فيه صائما كان له بذلك عند اللّه عزّ و جلّ عتق رقبة و مغفرة ذنوبه فيما مضي، قيل له: يا رسول اللّه ليس كلّنا يقدر أن يفطّر صائما، قال: إنّ اللّه كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلاّ علي مذقة(1) من لبن يفطّر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر علي أكثر من ذلك»(2).

قال ابن عباس: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان أجود الناس بالخير، و كان أجود ما يكون في شهر رمضان، و كان أجود من الريح المرسلة(3).

مسألة 167: ليلة القدر ليلة شريفة نطق بفضلها القرآن العزيز،

و هي أفضل ليالي السنة، خصّ اللّه تعالي بها هذه الأمّة. و معني القدر الحكم.

قال ابن عباس: سمّيت ليلة القدر، لأنّ اللّه تعالي يقدّر فيها ما يكون في تلك السنة من خير و مصيبة و رزق و غير ذلك(4).

روي العامة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من صام رمضان و قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه)(5).

ص: 234


1- الممذوق: اللبن الممزوج بالماء. و المذقة: الشربة منه. لسان العرب 339:10 و 340.
2- الكافي 66:4-67-4، التهذيب 57:3-198 و 202:4-583، و في الكافي و الموضع الأول من التهذيب ضمن حديث.
3- صحيح مسلم 1803:4-2308، صحيح البخاري 5:1 و 33:3، سنن النسائي 4 125، مسند أحمد 288:1 و 363.
4- المغني 117:3، الشرح الكبير 116:3، تفسير القرطبي 130:20.
5- صحيح مسلم 523:1-524-760، صحيح البخاري 33:3، سنن الترمذي 3 67-683 بتفاوت.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «ليلة القدر هي أول السنة و هي آخرها»(1).

و «أري رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، في منامه بني أميّة يصعدون منبره من بعده يضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا؟ قال: (يا جبرئيل إنّي رأيت بني أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلّون الناس عن الصراط القهقري) فقال: و الذي بعثك بالحقّ إنّ هذا لشيء ما اطّلعت عليه، ثم عرج إلي السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها، منها:

أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْني عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (2) و أنزل عليه إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) جعل ليلة القدر لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله، خيرا من ألف شهر من ملك بني أميّة»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّها باقية لم ترتفع إجماعا، لما رواه العامة عن أبي ذر، قال، قلت: يا رسول اللّه ليلة القدر رفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلي يوم القيامة ؟ فقال: (باقية إلي يوم القيامة) قلت: في رمضان أو غيره ؟ فقال (في رمضان) فقلت: في العشر الأول أو الثاني أو الأخير؟ فقال: (في العشر الأخير)(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ليلة القدر تكون فيا.

ص: 235


1- الكافي 160:4-11، الفقيه 101:2-452.
2- الشعراء: 205-207.
3- القدر: 1-3.
4- الكافي 159:4-10، التهذيب 59:3-202، و الفقيه 101:2-453.
5- أوردها ابنا قدامة في المغني 117:3، و الشرح الكبير 116:3، و في المستدرك - للحاكم - 437:1 نحوها.

كلّ عام، لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن»(1).

إذا عرفت هذا، فأكثر العلماء علي أنّها في شهر رمضان(2).

و كان ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصبها(3) ، يشير بذلك إلي أنّها في السنة كلّها.

و يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان، و في العشر الآخر آكد، و في ليالي الوتر منه آكد.

روي العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر و اجتنب النساء و أحيي الليل و تفرّغ للعبادة»(5).

و قد اختلف العلماء، فقال أبيّ بن كعب و عبد اللّه بن عباس: هي ليلة سبع و عشرين(6).

و قال مالك: هي في العشر الأواخر، و ليس فيها تعيين(7).0.

ص: 236


1- الكافي 158:4-7، و الفقيه 101:2-454، و جملة «ليلة القدر تكون في كلّ عام» فيهما من كلام السائل.
2- المغني و الشرح الكبير 117:3، المجموع 450:6 و 459، و تفسير القرطبي 20: 135.
3- المغني و الشرح الكبير 117:3، تفسير القرطبي 135:20.
4- أوردها ابنا قدامة في المغني 118:3، و الشرح الكبير 117:3. و بتفاوت في مصنّف ابن أبي شيبة 511:2 و 76:3، و مسند أحمد 71:3.
5- الكافي 155:4-3، الفقيه 100:2-449.
6- المغني و الشرح الكبير 118:3، حلية العلماء 215:3، تفسير القرطبي 20: 134-135، المنتقي - للباجي - 88:2.
7- حلية العلماء 215:3، تفسير القرطبي 135:20.

و قال ابن عمر: إنّها ليلة ثلاث و عشرين(1).

و قال أبو حنيفة و أحمد: إنّها ليلة السابع و العشرين(2).

و ميل الشافعي إلي أنّها ليلة الحادي و العشرين(3).

و أمّا علماؤنا، فنقل الصدوق عن الصادق عليه السلام قال: «في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، و في ليلة إحدي و عشرين القضاء، و في ليلة ثلاث و عشرين إبرام ما يكون في السنة إلي مثلها، و للّه عزّ و جلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه»(4).

مسألة 168: شهر رمضان شهر شريف تضاعف فيه الحسنات، و تمحي فيه السيّئات.

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لمّا حضر شهر رمضان، و ذلك في ثلاث بقين من شعبان، قال لبلال: ناد في الناس، فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد اللّه و أثني عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم اللّه به، و هو سيد الشهور، فيه ليلة خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النار، و تفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه و لم يغفر له فأبعده اللّه، و من أدرك و الدية و لم يغفر له فأبعده اللّه، و من ذكرت عنده و لم يصلّ عليّ فأبعده اللّه»(5).

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير و أعطي كلّ سائل(6).

ص: 237


1- حلية العلماء 214:3، تفسير القرطبي 136:20.
2- الشرح الكبير 118:3، و أما قول أبي حنيفة فلم نعثر عليه في مظانّه.
3- المهذب للشيرازي 196:1، المجموع 449:6، حلية العلماء 214:3، تفسير القرطبي 135:20.
4- الفقيه 100:2-101-451.
5- الكافي 67:4-5، الفقيه 59:2-255، التهذيب 192:4-193-549.
6- الفقيه 61:2-263.

و ينبغي ترك المماراة في الصوم و التنازع و التحاسد.

قال الصادق عليه السلام: «إنّ الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده» ثم قال: «قالت مريم إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (1) أي:

صمتا، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا» قال: «و سمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، امرأة تسابّ جارية لها و هي صائمة، فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بطعام، فقال لها: كلي، فقالت: إنّي صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك!؟ إنّ الصوم ليس من الطعام و الشراب»(2).

و يكره إنشاد الشعر، لما فيه من المنع للاشتغال عن الذكر.

قال الصادق عليه السلام: «لا ينشد الشعر بليل و لا ينشد في شهر رمضان بليل و لا نهار» قال له إسماعيل: يا أبتاه فإنّه(3) فينا، قال: «و ان كان فينا»(4).

و روي حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «تكره رواية الشعر للصائم و المحرم في الحرم و في يوم الجمعة، و أن يروي بالليل» قلت: و إن كان شعر حقّ؟ قال: «و إن كان شعر حقّ»(5).8.

ص: 238


1- مريم: 26.
2- التهذيب 194:4-553، و الكافي 87:4-3.
3- في الطبعة الحجرية و الفقيه: فإن كان. بدل فإنّه.
4- الكافي 88:4-6، الفقيه 68:2-282، التهذيب 195:4-556.
5- التهذيب 195:4-558.
الفصل التاسع في الاعتكاف
اشارة

و مطالبة ستة:

المطلب الأول: الماهية.
اشارة

الاعتكاف لغة: اللبث الطويل.

قال اللّه تعالي ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (1).

و أمّا في الشرع: فإنّه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة.

و هو مشروع في شريعتنا و الشرائع السابقة، مستحب بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالي أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ (2).

و قال تعالي وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (3).

و روي العامة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف في العشر الأواخر(4).

ص: 239


1- الأنبياء: 2.
2- البقرة: 125.
3- البقرة: 187.
4- صحيح البخاري 62:3، صحيح مسلم 830:2-1171، سنن ابن ماجة 1: 564-1773، سنن الترمذي 166:3-803، سنن أبي داود 331:2-2262 و 2263.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر المئزر و طوي فراشه»(1).

مسألة 169: و قد أجمع أهل العلم كافة علي أنّه ليس بفرض

في ابتداء الشرع، و إنّما يجب بالنذر و شبهه.

روي العامة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر)(2) علّقه بالإرادة، و لو كان واجبا لما كان كذلك.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا اعتكف يوما و لم يك اشترط فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه، و إن أقام يومين و لم يك اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتي تمضي ثلاثة أيام»(3).

و قد أجمع المسلمون علي استحبابه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف في كلّ سنة و يداوم عليه.

و أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين)(4) و داوم علي اعتكافها حتي قبضه اللّه تعالي.

فمن رغب إلي المحافظة علي هذه السنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتي لا يفوته شيء من ليلة الحادي و العشرين،

ص: 240


1- الكافي 175:4-1، الفقيه 120:2-517، التهذيب 287:4-869، الإستبصار 130:2-131-426.
2- أوردها ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 123:3، و بتفاوت في صحيح مسلم 2: 825-215، و سنن البيهقي 315:4.
3- الكافي 177:4-3، الفقيه 121:2-526، التهذيب 289:4-290-879، الاستبصار 129:2-421، و في المصادر عن الإمام الباقر عليه السلام.
4- الفقيه 122:2-531.

و يخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، و إن بات ليلة العيد فيه إلي أن يصلّي فيه العيد أو يخرج منه إلي المصلّي كان أولي.

المطلب الثاني: في شرائطه
مسألة 170: إنّما يصح الاعتكاف من مكلّف مسلم،

لأنّه عبادة و شرطه الصوم علي ما يأتي(1) ، و إنّما يصحّ الصوم بالشرطين.

و يصحّ اعتكاف الصبي المميّز، كما يصحّ صومه.

و هل هو مشروع أو تأديب ؟ إشكال.

و لا يصحّ من المجنون المطبق و لا من يعتوره وقت جنونه، لانتفاء التكليف عنه.

و لا ينعقد من الكافر الأصلي، لفقدان الشرط، و هو: النيّة المشروطة بالتقرّب.

مسألة 171: يشترط في الاعتكاف النية،

فلو اعتكف من غير نية، لم يعتدّ به، لأنّه فعل يقع علي وجوه مختلفة، فلا يختص بأحدها إلاّ بواسطة النية التي تخلص بعض الأفعال أو الوجوه و الاعتبارات عن بعض.

و لأنّ الاعتكاف عبادة، فلا يصحّ من دون النية، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2) و لا معني للإخلاص إلاّ النية.

و لأنّه عمل و قد قال عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيّات)(3).

و تشترط نية الفعل، و الوجه من الوجوب أو الندب، و التقرّب إلي اللّه تعالي، لأنّ الفعل صالح للوجوب و الندب و التقرّب و اليمين أو منع النفس أو

ص: 241


1- يأتي في المسألة 175.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 215:1 و 341:7.

الغضب، فلا بدّ من التقرّب و الوجه.

و إذا نوي الاعتكاف مدّة لم تلزمه إجماعا.

نعم يشترط استمرار النية حكما، فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره، استأنف النية عند الرجوع إن بطل الاعتكاف بالخروج، و إلاّ فلا.

مسألة 172: يشترط في الاعتكاف اللبث

عند علمائنا أجمع، و هو قول أهل العلم، لأنّ الاعتكاف في اللغة عبارة عن المقام، يقال: عكف و اعتكف، أي: أقام.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّه لا يشترط اللبث، بل يكفي مجرّد الحضور، كما يكفي الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج.

ثم فرّع علي الوجهين، فقال: إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتي لو دخل من باب و خرج من باب و نوي، فقد اعتكف، و إن اعتبرنا اللبث، لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في أركان الصلاة، بل لا بدّ و أن يزيد عليه بما يسمّي إقامة و عكوفا، و لا يعتبر السكون، بل يصح اعتكافه قائما و قاعدا و متردّدا في أرجاء المسجد(1).

و هذا القول لا عبرة به عند المحصّلين.

مسألة 173: لا يجوز الاعتكاف عند علمائنا أقلّ من ثلاثة أيام بليلتين متواليات،

خلافا للعامة كافة، فإنّ الشافعي لم يقدّره بحدّ، بل جوّز اعتكاف ساعة واحدة فأقلّ، و هو رواية عن أحمد و أبي حنيفة(2).

و رواية أخري عن أبي حنيفة أنّه لا يجوز أقلّ من يوم واحد، و هو رواية عن مالك(3).

ص: 242


1- فتح العزيز 480:6.
2- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 491:6، الوجيز 106:1، فتح العزيز 6: 480، حلية العلماء 220:3، بدائع الصنائع 110:2، بداية المجتهد 314:1.
3- المبسوط للسرخسي 117:3، بدائع الصنائع 110:2، الهداية للمرغيناني 132:1. الكافي في فقه أهل المدينة: 131، حلية العلماء 220:3، المهذب للشيرازي 1: 198، المجموع 491:6، فتح العزيز 481:6.

و عن مالك رواية اخري أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيام(1).

لنا: ما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (لا اعتكاف إلاّ بصوم)(2) و الصوم لا يقع في أقلّ من يوم، فبطل قول الشافعي و من وافقه.

و أمّا التقدير بالثلاثة: فلأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول و في الشرع قيّد بالعبادة، و لا يصدق ذلك بيوم واحد، لأنّ التقدير بيوم لا مماثل له في الشرع، و التقدير بعشرة سيأتي إبطاله، فتتعيّن الثلاثة، كصوم كفّارة اليمين و كفّارة بدل الهدي و غير ذلك من النظائر.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام و من اعتكف صام»(3).

و احتجاج الشافعي: بأنّ الاعتكاف لبث، و هو يصدق في القليل و الكثير(4). و أبو حنيفة: بأنّ من شرطه الصوم، و أقلّه يوم(5). و مالك: بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف العشر الأواخر(6) ، باطل: بأنّ الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل، و الأصل بقاء الوضع، و قد بيّنّا أنّه لاة.

ص: 243


1- بداية المجتهد 314:1، التفريع 312:1-313، الكافي في فقه أهل المدينة: 131.
2- أوردها ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 125:3، و في سنن الدارقطني 2: 199-200-4 و سنن البيهقي 317:4 (بصيام) بدل (بصوم).
3- الكافي 177:4-2، الفقيه 121:2-525، التهذيب 289:4-876، الاستبصار 128:2-129-418.
4- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 489:6، فتح العزيز 480:6.
5- المبسوط للسرخسي 117:3، بدائع الصنائع 110:2، الهداية للمرغيناني 132:1.
6- كما في المعتبر للمحقق الحلي: 322، كما أنّ فيه أيضا التعرض لاحتجاج الشافعي و أبي حنيفة.

يكون أقلّ من ثلاثة أيام عن أهل البيت عليهم السلام. و فعل الرسول صلّي اللّه عليه و آله، لا يدلّ علي تحديد الأقلّ.

مسألة 174: و يشترط في الاعتكاف أن يكون في مكان خاص،
اشارة

و قد أجمع علماء الأمصار علي اشتراط المسجد في الجملة، لقوله تعالي وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (1) و لو صحّ الاعتكاف في غير المسجد، لم يكن للتقييد فائدة، لأنّ الجماع في الاعتكاف مطلقا حرام.

و لأنّ الاعتكاف لبث هو قربة، فاختصّ بمكان كالوقوف.

ثم اختلف العلماء بعد ذلك في أنّه هل يشترط مسجد معيّن أم لا؟ فالذي عليه أكثر علمائنا(2) أنّه يشترط أن يكون في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي نبي، و هي أربعة مساجد: المسجد الحرام و مسجد النبي عليه السلام، جمّع فيهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة و مسجد البصرة جمّع فيهما علي عليه السلام.

و قد روي في بعض الأخبار بدل «مسجد البصرة»: «مسجد المدائن» رواه الصدوق(3).

و قال ابن أبي عقيل منّا: إنّه يصح الاعتكاف في كلّ مسجد.

قال: و أفضل الاعتكاف في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة، و سائر الأمصار مساجد الجماعات(4). و به قال الشافعي و مالك(5).

ص: 244


1- البقرة: 187.
2- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 289:1، و القاضي ابن البراج في المهذب 204:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 186، و سلاّر في المراسم: 99.
3- الفقيه 120:2-520.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 323.
5- المهذب للشيرازي 197:1، المجموع 480:6 و 483، فتح العزيز 501:6، بداية المجتهد 313:1، مقدمات ابن رشد: 190، المغني 128:3، الشرح الكبير 3: 130.

و للشافعي قول قديم - كقول الزهري - إنّه يصحّ في كلّ جامع و غير جامع(1).

و قال المفيد رحمه اللّه: لا يكون الاعتكاف إلاّ في المسجد الأعظم، و قد روي: أنّه لا يكون إلاّ في مسجد جمّع فيه نبي أو وصي، و المساجد التي جمّع فيها نبي أو وصي هي أربعة مساجد(2). و عدّ ما اخترناه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز إلاّ في مسجد يجمّع فيه(3).

و عن حذيفة: أنّه لا يصحّ الاعتكاف إلاّ في أحد المساجد الثلاثة:

المسجد الحرام و المسجد الأقصي و مسجد الرسول عليه السلام(4).

لنا: أنّ الاعتكاف عبادة شرعية، فيقف علي مورد النصّ، و الذي وقع عليه الاتّفاق ما قلناه.

و لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادق عليه السلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: «لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة قد صلّي فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة3.

ص: 245


1- كذا، و لكن المنسوب إلي الشافعي في القديم، و الزهري، هو: اختصاص الاعتكاف بالمسجد الجامع. راجع المهذب للشيرازي 197:1، و المجموع 480:6، و فتح العزيز 501:6-502، و حلية العلماء 217:3، و المغني 128:3، و الشرح الكبير 3: 130.
2- المقنعة: 58.
3- بدائع الصنائع 113:2، الحجة علي أهل المدينة 415:1، تحفة الفقهاء 372:1، المغني 127:3، الشرح الكبير 129:3، حلية العلماء 217:3، المجموع 6: 483.
4- حلية العلماء 217:3، المجموع 483:6، المغني 128:3، الشرح الكبير 130:3.

و مسجد المدينة و مسجد مكّة و مسجد البصرة»(1).

و لأنّ الاعتكاف يتعلّق به أحكام شرعية من أفعال و تروك، و الأصل عدم تعلّقها بالمكلّف إلاّ مع ثبوت المقتضي و لم يوجد.

احتجّ المفيد: بقول أمير المؤمنين عليه السلام: «لا أري الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله، أو في مسجد جامع»(2).

و احتجّ ابن أبي عقيل: بقوله تعالي وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (3).

و لقول الصادق عليه السلام: «لا اعتكاف إلاّ بصوم و في المصر(4) الذي أنت فيه»(5).

و احتجّ أبو حنيفة: بقوله عليه السلام: (كلّ مسجد له إمام و مؤذّن يعتكف فيه)(6).

و لأنّه قد يأتي عليه الجمعة، فإن خرج، أبطل اعتكافه، و ربما كان واجبا، و إن لم يخرج، أبطل جمعته، فحينئذ يجب المسجد الذي يصلّي فيه جمعة.

و الجواب: أنّ قول أمير المؤمنين عليه السلام: «أو في مسجد جامع» مطلق، و ما قلناه مقيّد، فيحمل عليه، جمعا بين الأدلّة.2.

ص: 246


1- التهذيب 290:4-882 و 883، الاستبصار 126:2-409 و 410، الكافي 176:4 (باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيها) الحديث 1، و الفقيه 120:2-519.
2- التهذيب 291:4-885، الاستبصار 127:2-412، و راجع المعتبر: 323.
3- البقرة: 187.
4- في المصدر: و في مسجد المصر.
5- أورده المحقق في المعتبر: 323 نقلا عن جامع البزنطي.
6- أورده المحقق في المعتبر: 323. و في سنن الدار قطني 200:2-5 بتفاوت. و راجع: بدائع الصنائع 113:2.

و لا دلالة في الآية، لأنّ اللام قد تقع للعهد.

و قول الصادق عليه السلام، محمول علي المسجد الذي هو أحد الأربعة. و لا بدّ من التأويل، لأنّه يقتضي تحريم الاعتكاف إلاّ في مصره، و هو خلاف الإجماع.

و حجّة أبي حنيفة لنا.

تذنيب: ليس للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها

- و هو الذي عزلته و هيّأته للصلاة فيه - لأنّه ليس له حرمة المساجد، و ليس مسجدا حقيقة، و لهذا يجوز تبديله و توسيعه و تضييقه، فلم يكن مسجدا حقيقة، فأشبه سائر المواضع، و هو الجديد للشافعي، و به قال مالك و أحمد(1).

و قال في القديم: يجوز لها ذلك - و هذا التفريع علي رأي من يعمم الأماكن. و أبو حنيفة قال بالجواز(2) أيضا - لأنّه مكان صلاتها، كما أنّ المسجد مكان صلاة الرجل(3).

و ليس بجيّد، لأنّ نساء النبي صلّي اللّه عليه و آله، كنّ يعتكفن في المسجد(4) ، و لو جاز اعتكافهنّ في البيوت، لأشبه أن يلازمنها.

ص: 247


1- المجموع 480:6 و 484، الوجيز 107:1، فتح العزيز 502:6، حلية العلماء 3: 217، مقدمات ابن رشد: 119، المغني 129:3، الشرح الكبير 132:3، المبسوط للسرخسي 119:3.
2- بدائع الصنائع 113:2، المبسوط للسرخسي 119:3، الهداية للمرغيناني 132:1، المجموع 484:6، فتح العزيز 503:6، حلية العلماء 218:3، المغني 129:3، الشرح الكبير 132:3، مقدمات ابن رشد: 191.
3- فتح العزيز 503:6، المجموع 480:6، حلية العلماء 217:3.
4- صحيح البخاري 63:3، صحيح مسلم 831:2-1173، سنن ابن ماجة 1: 563-1771.

و علي الجواز ففي جواز الاعتكاف للرجل وجهان للشافعية، لأنّ(1) تنفّل الرجل في البيت أفضل، و الاعتكاف ملحق بالنوافل(2).

و كلّ امرأة يكره لها حضور الجماعات يكره لها الاعتكاف في المساجد.

مسألة 175: يشترط في الاعتكاف الصوم عند علمائنا أجمع

- و به قال ابن عمر، و ابن عباس و عائشة و الزهري و أبو حنيفة و مالك و الليث و الأوزاعي و الحسن بن صالح بن حي و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (لا اعتكاف إلاّ بصوم)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا اعتكاف إلاّ بصوم»(5).

و لأنّه لبث في مكان مخصوص، فلم يكن بمجرّده قربة، كالوقوف بعرفة.

و قال الشافعي: لا يشترط الصوم، بل يجوز من غير صوم - و به قال ابن مسعود و سعيد بن المسيّب و عمر بن عبد العزيز و الحسن و عطاء و طاوس و إسحاق و أحمد في الرواية الأخري - لأنّ عمر سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله، إنّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلّي اللّه

ص: 248


1- هذا وجه الجواز.
2- فتح العزيز 503:6، المجموع 480:6.
3- المغني و الشرح الكبير 125:3، المجموع 487:6، فتح العزيز 484:6، حلية العلماء 218:3، الهداية للمرغيناني 132:1، بدائع الصنائع 109:2، بداية المجتهد 1: 315، مقدّمات ابن رشد: 191، الكافي في فقه أهل المدينة: 131.
4- أوردها ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 125:3، و في سنن الدار قطني 2: 199-200-4، و سنن البيهقي 317:4: (بصيام) بدل (بصوم).
5- الكافي 176:4 (باب أنه لا يكون الاعتكاف إلا بصوم) الأحاديث 1-3، التهذيب 4: 288-873.

عليه و آله: (أوف بنذرك)(1) و لو كان الصوم شرطا لم يصح اعتكاف الليل.

و لقول ابن عباس: (ليس علي معتكف صوم)(2).

و لأنّه عبادة تصح في الليل، فلا يشترط لها الصيام، كالصلاة(3).

و الجواب: الليلة قد تطلق مع إرادة النهار معها، كما يقال: أقمنا ليلتين أو ثلاثا، و المراد: الليل و النهار و نمنع صحة الاعتكاف ليلا خاصة. و الفرق بينه و بين الصلاة ظاهر، لأنّه بمجرّده لا يكون عبادة، فاشترط فيه الصوم.

و قول ابن عباس لا يكون حجّة.

مسألة 176: لا يشترط صوم معيّن، بل أيّ صوم اتّفق صحّ الاعتكاف معه،

سواء كان الصوم واجبا أو ندبا، و سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا، وجب الصوم بالنذر، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به يكون واجبا.

فلو اعتكف في شهر رمضان، صحّ اعتكافه، و كان الصوم واقعا عن رمضان، و أجزأ عن صوم اعتكافه الواجب.

و كذا لو نذر صوم شهر و نذر اعتكاف شهر، و أطلق النذرين، أو جعل زمانهما واحدا، صحّ أن يعتكف في شهر صومه المنذور، و تقع نية الصوم عن النذر المعيّن أو غير المعيّن.

و كذا لو نذر اعتكافا و أطلق، فاعتكف في أيّام أراد صومها مستحبّا،

ص: 249


1- صحيح البخاري 63:3، سنن الدارقطني 198:2-199-1 و 2، سنن البيهقي 4: 318.
2- المستدرك للحاكم 439:1 بتفاوت يسير عن النبي صلّي اللّه عليه و آله.
3- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 485:6 و 487-488، الوجيز 106:1، فتح العزيز 484:6-485، حلية العلماء 218:3، المغني و الشرح الكبير 3: 125-126، بدائع الصنائع 109:2، مقدمات ابن رشد: 191-192.

جاز.

و القائلون بعدم اشتراط الصوم من العامة حكموا باستحبابه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف و هو صائم(1). و لا خلاف فيه، و جوّزوا اعتكاف بعض يوم أو بعض ليلة(2).

و من اشترطه منهم لم يسوّغوا اعتكاف بعض يوم و لا اعتكاف ليلة منفردة و لا بعضها، لأنّ الصوم المشترط لا يصح في أقلّ من يوم(3).

و يحتمل عندهم صحة اعتكاف بعض يوم إذا صام اليوم بأسره، لأنّ الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف، و لا يعتبر وجود المشروط في زمن كلّ زمان الشرط(4).

و علي مذهبنا من اشتراط الصوم لا يصح اعتكاف زمان لا يصح فيه الصوم، كيومي العيدين و أيام التشريق و المرض المضر و السفر الذي يجب فيه القصر، خلافا للشافعي، فإنّه جوّز الاعتكاف في يومي العيدين و أيام التشريق(5).

مسألة 177: يشترط في صحة اعتكاف الزوجة المندوب: إذن زوجها،

و كذا السيد في حق عبده، لأنّ منافع الاستمتاع و الخدمة مملوكة للزوج و السيد، فلا يجوز صرفهما إلي غيرهما إلاّ بإذنهما، و كذا المدبّر و أمّ الولد و من انعتق بعضه إلاّ مع المهايأة و إيقاع الاعتكاف في أيام نفسه.

ص: 250


1- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 485:6 و 487، المغني و الشرح الكبير 3: 126.
2- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 489:6-491، حلية العلماء 220:3، فتح العزيز 480:6.
3- المغني 127:3، الشرح الكبير 126:3، المجموع 491:6، فتح العزيز 484:6.
4- المغني 127:3، الشرح الكبير 126:3.
5- الام 107:2، المجموع 485:6 و 489، فتح العزيز 484:6، مختصر المزني: 60.

أمّا المكاتب فإنّه كالعبد إذا كان مشروطا، لأنّه لم يخرج عن الرقّ بالكتابة، فتوابع الرقّ لا حقة به.

و قال الشافعي: يجوز، لأنّ منافعه لا حقّ للمولي فيها(1).

و ليس بجيّد، لأنّ الرقّ لم يزل عنه، و إطلاق الإذن منصرف إلي الاكتساب دون غيره.

مسألة 178: لو أذن لعبده في الاعتكاف أو لزوجته، جاز له الرجوع

و منعهما ما لم يجب - و به قال الشافعي(2) - لأنّه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه، لأنّ التقدير أنّه لم يجب، لأنّ الشروع غير ملزم عندنا علي ما يأتي(3) ، كما لو اعتكف بنفسه ثم بدا له في الرجوع.

و لأنّ من منع غيره من الاعتكاف إذا أذن فيه و كان تطوّعا، كان له إخراجه منه، كالسيد مع عبده.

و قال أبو حنيفة: له منع العبد و ليس له منع الزوجة - و قال مالك: ليس له منعهما(4) - لأنّ المرأة تملك بالتمليك، فإذا أذن لها، أسقط حقّه عن منافعها، و أذن لها في استيفائها، فصار كما لو ملّكها عينا، بخلاف العبد الذي لا يملك البتة، و إنّما يتلف منافعه علي ملك السيد، فإذا أذن له في إتلافها، صار كالمعير(5).

ص: 251


1- المجموع 478:6، فتح العزيز 493:6، حلية العلماء 217:3.
2- المجموع 477:6، فتح العزيز 492:6، حلية العلماء 216:3، المغني 151:3، الشرح الكبير 127:3.
3- يأتي في المسألة 205.
4- المدونة الكبري 230:1، المغني 151:3، الشرح الكبير 127:3، المجموع 6: 477، فتح العزيز 492:6، حلية العلماء 216:3.
5- بدائع الصنائع 109:2، المبسوط للسرخسي 125:3، المغني 151:3-152، الشرح الكبير 127:3، المجموع 477:6، فتح العزيز 492:6، حلية العلماء 216:3.

قال مالك: إنّ السيّد قد عقد علي نفسه تمليك منافع كان يملكها لحقّ اللّه تعالي، فلم يكن له الرجوع فيه، كصلاة الجمعة(1).

و الجواب: أنّ منافع المرأة لزوجها، و لهذا يجب عليها بذلها، فإذا أذن لها في إتلافها، جري مجري المعير.

و الجمعة تجب بالدخول فيها، بخلاف الاعتكاف.

مسألة 179: لا ينعقد نذر المرأة للاعتكاف إلاّ بإذن زوجها،
اشارة

و كذا العبد إلاّ بإذن مولاه، فإذا أذنا فإن كان النذر لأيّام معيّنة، لم يجز للمولي و لا للزوج المنع و لا الرجوع، و إن كان لأيّام غير معيّنة، جاز المنع ما لم يجب بأن يمضي يومان، لأنّه ليس علي الفور.

و لو دخلا في المندوب بإذنه، جاز الرجوع أيضا.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجب عليه الصبر ثلاثة أيّام هي أقلّ الاعتكاف(2).

و ليس بجيّد، لأنّا لا نوجب المندوب بالشروع.

و لو نذرا غير معيّن بإذن الزوج و المولي، لم يجز لهما الدخول فيه إلاّ بإذنهما، لأنّ منافعهما حقّ مضيّق يفوت بالتأخير، بخلاف الاعتكاف.

و إذا أذن لعبده في الاعتكاف فاعتكف ثم أعتق، وجب عليه إتمام الواجب، و استحبّ إتمام المندوب.

و لو دخل في الاعتكاف بغير نذر(3) فأعتق في الحال، قال الشيخ رحمه

ص: 252


1- راجع: المغني 152:3، و الشرح الكبير 127:3.
2- المبسوط للطوسي 290:1، و حكاه عنه أيضا المحقق في المعتبر: 322.
3- كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية، إلاّ أنّ سياق العبارة يدلّ علي أنّ المراد: الإذن لا النذر. و يؤكّد ذلك ما أثبتته المصادر المذكورة في الهامش التالي، فراجع.

اللّه: يلزمه(1).

و ليس بجيّد، لأنّ الدخول منهي عنه، فلا ينعقد به الاعتكاف، فلا يجب إتمامه.

تذنيب: لا يجوز للأجير أن يعتكف زمان إجارته إلاّ بإذن المستأجر،

لأنّ منافعه مملوكة له. و كذا ينبغي في الضيف، لافتقار صومه تطوّعا إلي الإذن.

المطلب الثالث: في تروك الاعتكاف
مسألة 180: يحرم علي المعتكف الجماع بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها (2).

و أجمع العلماء كافّة علي تحريم الوطء للمعتكف، فإن اعتكف و جامع فيه متعمّدا، فسد اعتكافه إجماعا، لأنّ الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها، كالحجّ و الصوم.

و إن كان ناسيا، لم يبطل - و به قال الشافعي(3) - لقوله عليه السلام:

(رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(4).

و لأنّها مباشرة لا تفسد الصوم فلا تفسد الاعتكاف، كالمباشرة فيما دون

ص: 253


1- المبسوط للطوسي 290:1، و راجع: أيضا المعتبر للمحقّق الحلّي: 322، و المختلف - للمصنّف -: 252.
2- البقرة: 187.
3- المهذب للشيرازي 201:1، المجموع 524:6 و 527، فتح العزيز 481:6، حلية العلماء 225:3، المغني 139:3، الشرح الكبير 155:3.
4- الفتح الكبير 135:2، كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

الفرج.

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: يبطل الاعتكاف، لأنّ ما حرم في الاعتكاف استوي عمده و سهوه، كالخروج من المسجد(1).

و نمنع الأصل. و الفرق: أنّ الخروج ترك المأمور به، و هو مخالف لفعل المحظور فيه، فإنّ من ترك النية في الصوم لا يصح صومه و إن كان ناسيا، بخلاف ما لو جامع سهوا.

و لا فرق في التحريم بين الوطء في القبل و الدّبر، و لا بين الإنزال و عدمه، و كما يحرم الوطء نهارا يحرم ليلا، لأنّ المقتضي للتحريم الاعتكاف فيهما، و لا نعلم فيه خلافا.

و يجوز أن يلامس بغير شهوة بالإجماع، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف(2).

مسألة 181: القبلة حرام يبطل بها الاعتكاف،
اشارة

و كذا اللمس بشهوة و الجماع في غير الفرجين، لقوله تعالي وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ (3) و هو عام في كلّ مباشرة، و به قال مالك(4).

و قال أبو حنيفة: إن أنزل، أفسد اعتكافه، و إن لم ينزل، لم يفسد

ص: 254


1- المبسوط للسرخسي 123:3، الهداية للمرغيناني 133:1، المدوّنة الكبري 226:1، بداية المجتهد 316:1، المغني 139:3، الشرح الكبير 155:3، المجموع 6: 527، فتح العزيز 481:6، حلية العلماء 225:3.
2- كما في المعتبر للمحقّق الحلّي: 325، و راجع: صحيح البخاري 62:3، سنن أبي داود 332:2-333-2467-2469، سنن ابن ماجة 565:1-1778، سنن الترمذي 167:3-804.
3- البقرة: 187.
4- بداية المجتهد 316:1، حلية العلماء 226:3، المجموع 527:6، فتح العزيز 6: 482، المغني 142:3، الشرح الكبير 157:3.

و للشافعي كالقولين(1) - لأنّه لا يفسد الصوم فلا يفسد الاعتكاف، كما لو كان بغير شهوة(2).

و الفرق: أنّ هذه المباشرة لم تحرم في الصوم لعينها، بل إذا خاف الإنزال، و أمّا في الاعتكاف فإنّها محرّمة لعينها - كما ذهب إليه أبو حنيفة في وطء الساهي(3) - فلا يفسد الصوم و يفسد الاعتكاف.

فروع:
أ - لا فرق في تحريم الجماع بين أن يجامع في المسجد أو خارجه،

لعموم الآية(4).

و التقييد بالفيئية(5) في المساجد راجع إلي الاعتكاف لا المباشرة.

ب - لا فرق بين جماع و جماع.

و روي المزني عن الشافعي أنّه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلاّ ما يوجب الحدّ(6).

قال الجويني: قضية هذا أنّه لا يفسد بإتيان البهيمة إذا لم يوجب به الحدّ(7).

ص: 255


1- المهذب للشيرازي 201:1، المجموع 525:6، فتح العزيز 482:6، حلية العلماء 226:3، المغني 142:3، الشرح الكبير 157:3.
2- المبسوط للسرخسي 123:3، الهداية للمرغيناني 133:1، المغني 141:3-142، الشرح الكبير 157:3، المجموع 527:6، فتح العزيز 482:6، بداية المجتهد 1: 316.
3- المبسوط للسرخسي 123:3، الهداية للمرغيناني 133:1، المغني 141:3-142، الشرح الكبير 157:3، المجموع 527:6، فتح العزيز 482:6، بداية المجتهد 1: 316.
4- البقرة: 187.
5- ورد في هامش نسخة «ن» هكذا: أي تقييده تعالي في الآية بقوله فِي الْمَساجِدِ فالياء في «بالفيئية» ياء النسبة كالياء في «زيدي».
6- مختصر المزني: 61، المجموع 524:6، فتح العزيز 482:6.
7- فتح العزيز 482:6، المجموع 524:6-525.
ج - قد بيّنّا

ج - قد بيّنّا(1) أنّ القبلة بشهوة و اللمس كذلك متعمّدا مفسدان للاعتكاف

- خلافا(2) لأحد قولي الشافعي(3) - لأنّها مباشرة محرّمة في الاعتكاف، فأشبهت الجماع.

و الثاني(4): لأنّها مباشرة لا تبطل الحج فلا تبطل الاعتكاف، كالقبلة بغير شهوة(5).

و ما موضع القولين ؟ للشافعية ثلاث طرق:

أحدها: أنّ القولين فيما إذا أنزل، فأمّا إذا لم ينزل لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف، كالصوم.

و ثانيها: أنّ القولين فيما إذا لم ينزل، أمّا إذا أنزل بطل اعتكافه بلا خلاف، لخروجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة.

و ثالثها - و هو الأظهر عندهم -: طرد القولين في الحالين.

و الفرق علي أحد القولين فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف و الصوم: أنّ هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرّمة لعينها، و في الصوم ليست محرّمة لعينها، بل لخوف الإنزال، و لهذا يترخّص فيها إذا أمن أن لا تحرّك القبلة شهوته.

فحصل من هذا للشافعي ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّها لا تفسد الاعتكاف، أنزل أو لم ينزل.

ص: 256


1- في «ط، ف»: ثبت. بدل بيّنّا.
2- كذا في النسخ المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية. و الصحيح: وفاقا، لتستقيم العبارة.
3- فتح العزيز 482:6، المجموع 525:6.
4- أي: القول الثاني للشافعي، و هو: عدم الإفساد.
5- فتح العزيز 482:6، المجموع 525:6.

و الثاني: تفسده، أنزل أو لم ينزل، و به قال مالك(1).

و الثالث - و به قال أبو حنيفة(2) - أنّ ما أنزل منها أفسد الاعتكاف، و ما لا فلا(3).

د - الاستمناء باليد حرام مبطل للاعتكاف إذا وقع نهارا قطعا،

لإفساده الصوم.

و بالجملة استدعاء المني مطلقا نهارا و ليلا حرام.

و عند أكثر(4) الشافعية أنّ الاستمناء باليد مرتّب علي ما إذا لمس فأنزل، إن قلنا: إنّه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولي، و إن قلنا: إنّه يبطله فوجهان.

و الفرق: كمال الاستمتاع و الالتذاذ ثمّ باصطكاك السوأتين(5).

ه - يجوز للمعتكف أن يقبّل علي سبيل الشفقة و الإكرام،

و لا بأس أن يلمس بغير شهوة.

مسألة 182: يحرم علي المعتكف البيع و الشراء

- و به قال مالك و أحمد(6) - لما رواه العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، نهي عن البيع و الشراء في المسجد(7).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «المعتكف لا يشمّ

ص: 257


1- بداية المجتهد 316:1، المغني 142:3، الشرح الكبير 157:3، فتح العزيز 6: 482، حلية العلماء 226:3.
2- الهداية للمرغيناني 133:1، المبسوط للسرخسي 123:3، بداية المجتهد 316:1، المغني 141:3-142، الشرح الكبير 157:3، فتح العزيز 482:6، حلية العلماء 226:3.
3- فتح العزيز 482:6، المجموع 525:6-526.
4- و في المصادر: عند البغوي و الرافعي.
5- فتح العزيز 482:6-483، المجموع 526:6.
6- التفريع 314:1، المغني 145:3، الشرح الكبير 159:3.
7- سنن الترمذي 139:2-323، سنن ابن ماجة 247:1-749، سنن النسائي 2: 47-48.

الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري، و لا يبيع»(1).

و لأنّ الاعتكاف لبث للعبادة، فينافي ما غايرها.

و للشافعي قولان: أحدهما: الجواز - و به قال أبو حنيفة(2) - للأصل، و الثاني: الكراهة(3).

و الأصل يعدل عنه، للدليل، و قد بيّنّاه.

إذا عرفت هذا، فلو باع أو اشتري فعل محرّما، و لم يبطل البيع، للأصل.

و قال الشيخ: يبطل، للنهي(4).

و ليس بجيّد، لأنّه في المعاملات لا يدلّ علي الفساد.

و ينبغي المنع من كلّ ما يساوي البيع ممّا يقتضي الاشتغال، كالإجارة و شبهها.

قال السيد المرتضي رحمه اللّه: تحرم التجارة و البيع و الشراء(5).

و التجارة أعمّ.

و لا بأس بشراء ما يحتاج إليه، كشراء غذائه و مائه و قميصه الذي يستتر به و يبيع شيئا يشتري به قوته، للضرورة.

و كذا الأقرب: تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة، كالحياكة و الخياطة و أشباهها، إلاّ ما لا بدّ له منه، لأنّه يجري مجري الاشتغال بلبس4.

ص: 258


1- الكافي 177:4-178-4، التهذيب 288:4-872، الاستبصار 129:2-420، و الفقيه 121:2-527.
2- الهداية للمرغيناني 133:1، بدائع الصنائع 116:2، المجموع 535:6.
3- المجموع 529:6 و 530 و 535، فتح العزيز 483:6، المغني 145:3، الشرح الكبير 159:3.
4- المبسوط للطوسي 295:1.
5- الانتصار: 74.

قميصه و عمامته.

نعم يجوز له النظر في أمر معاشه و صنعته، و يتحدّث ما شاء من المباح، و يأكل الطيّبات.

مسألة 183: يحرم علي المعتكف المماراة،

لقول الباقر عليه السلام: «و لا يماري»(1).

و كذا يحرم عليه الكلام الفحش. و لا بأس بالحديث حالة الاعتكاف بإجماع العلماء، لما في منعه من الضرر.

و يحرم الصمت، لما تقدّم(2) من أنّ صوم الصمت حرام في شرعنا.

و قد روي العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «حفظت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: لا صمات يوم إلي الليل»(3).

و نهي [النبي صلّي اللّه عليه و آله](4) عن صوم الصمت(5).

فإن نذر الصمت في اعتكافه، لم ينعقد بالإجماع.

قال ابن عباس: بينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس و لا يقعد و لا يستظلّ و لا يتكلّم و يصوم، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (مره فليتكلّم و ليستظلّ و يقعد و ليتمّ صومه)(6).

و لأنّه نذر في معصية فلا ينعقد. و انضمامه إلي الاعتكاف لا يخرج به عن كونه بدعة.

ص: 259


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (1) من الصفحة السابقة.
2- تقدّم في المسألة 147.
3- سنن أبي داود 115:3-2873.
4- زيادة من المصدر.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 148:3، الشرح الكبير 160:3.
6- صحيح البخاري 178:8.

قيل: لا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من كلامه، و قد جاء: (لا يناظر(1) بكلام اللّه) و هو أن لا يتكلّم عند الشيء بالقرآن، كما يقال لمن جاء في وقته:

جِئْتَ عَلي قَدَرٍ يا مُوسي (2) و ما شابهه، لأنّ احترام القرآن ينافي ذلك و قد استعمله في غير ما هو له، فأشبه استعمال المصحف في التوسّد(3).

و يستحب دراسة القرآن و البحث في العلم و المجادلة فيه و دراسته و تعليمه و تعلّمه في الاعتكاف، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة - و به قال الشافعي(4) - لما فيه من القربة و الطاعة.

و قال أحمد: لا يستحب له إقراء القرآن و لا دراسة العلم، بل التشاغل بذكر اللّه و التسبيح و الصلاة أفضل، لأنّ الاعتكاف عبادة شرّع لها المسجد، فلا يستحب فيها إقراء القرآن و تدريس العلم، كالصلاة و الطواف(5).

و الفرق: أنّ الصلاة شرّع [لها](6) أذكار مخصوصة و خشوع، و اشتغاله بالعلم يقطعه عنها، و الطواف لا يكره فيه إقراء القرآن و لا تدريس العلم.

و لأنّ العلم أفضل العبادات، و نفعه متعدّ(7) ، فكان أولي من الصلاة.

مسألة 184: و في تحريم شم الطيب لعلمائنا قولان:

أحدهما: التحريم، و هو الأقوي، لقول الباقر عليه السلام:

ص: 260


1- في المصدر: لا تناظروا.
2- طه: 40.
3- القائل هو ابنا قدامة في المغني 148:3، و الشرح الكبير 161:3.
4- المجموع 528:6، فتح العزيز 484:6، المغني 147:3، الشرح الكبير 161:3.
5- المغني 147:3، الشرح الكبير 161:3، المجموع 528:6، الشرح الكبير 3: 161.
6- زيادة يقتضيها السياق.
7- في «ط»: متعدّد.

«المعتكف لا يشمّ الطيب و لا يتلذّذ بالريحان»(1).

و لأنّ الاعتكاف عبادة تختص مكانا، فكان ترك الطيب فيها مشروعا، كالحجّ.

و الثاني: الكراهة - و به قال أحمد(2) - عملا بأصالة الإباحة.

و الشافعي(3) نفي الكراهة و التحريم معا، للأصل.

و ليس بجيّد، لأنّ الاعتماد علي الرواية.

مسألة 185: كلّ ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف،

و هو ظاهر عندنا، لأنّ الاعتكاف مشروط بالصوم، فإذا بطل الشرط بطل المشروط.

و كلّ ما ذكرنا أنّه محرّم علي المعتكف نهارا، فإنّه يحرم ليلا، عدا الأكل و الشرب، فإنّهما يحرمان نهارا لا ليلا.

قال الشيخ رحمه اللّه: السكر يفسد الاعتكاف، و الارتداد لا يفسده، فإذا عاد بني(4).

و الوجه: الإفساد بالارتداد.

و قال الشيخ أيضا: لا يفسد الاعتكاف سباب و لا جدال و لا خصومة(5).

و لا بأس به، لأنّها غير مفسدة للصوم، فلا تفسد الاعتكاف.

و هل يبطل الاعتكاف بالبيع و الشراء؟ قيل: نعم، لأنّه منهي عنهما في

ص: 261


1- الكافي 177:4-178-4، الفقيه 121:2-527، التهذيب 288:4-872، الإستبصار 129:2-420.
2- حلية العلماء 226:3، و راجع: المغني 149:3، و الشرح الكبير 162:3، و المجموع 528:6، و فتح العزيز 483:6.
3- المهذّب للشيرازي 201:1، المجموع 528:6 و 536، فتح العزيز 483:6، حلية العلماء 226:3.
4- المبسوط للطوسي 294:1.
5- المبسوط للطوسي 295:1.

هذه العبادة(1).

و قيل: يأثم و لا يبطل الاعتكاف بهما(2).

مسألة 186: قال بعض علمائنا: يحرم علي المعتكف ما يحرم علي المحرم

مسألة 186: قال بعض علمائنا: يحرم علي المعتكف ما يحرم علي المحرم(3).

و ليس المراد بذلك العموم، لأنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعا، و لا إزالة الشعر، و لا أكل الصيد، و لا عقد النكاح، فله أن يتزوّج في المسجد و يشهد علي العقد، لأنّ النكاح طاعة، و حضوره مندوب، و مدّته لا تتطاول، فيتشاغل به عن الاعتكاف، فلم يكن مكروها، كتسميت العاطس و ردّ السلام. و يجوز له قصّ الشارب و حلق الرأس و الأخذ من الأظفار، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 187: يجوز للمعتكف أن يتزيّن برفيع الثياب

- و به قال الشافعي(4) - عملا بالأصل.

و لقوله تعالي قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ (5).

و قال أحمد: يستحب ترك التزيّن برفيع الثياب(6). و ليس بجيّد و يجوز له أن يأمر بإصلاح معاشه و بتعهّد متاعه، و أن يخيط و يكتب و ما أشبه ذلك إذا اضطرّ إليه.

أمّا إذا لم يضطرّ فإنّه لا يجوز، خلافا للشافعية(7).

ص: 262


1- كما في شرائع الإسلام 220:1.
2- كما في شرائع الإسلام 220:1.
3- كما في المعتبر: 325 نقلا عن الشيخ رحمه اللّه.
4- المجموع 528:6، فتح العزيز 483:6، حلية العلماء 226:3.
5- الأعراف: 32.
6- المغني 149:3، الشرح الكبير 162:3، المجموع 528:6، فتح العزيز 483:6 حلية العلماء 226:3.
7- فتح العزيز 483:6، المجموع 529:6، المغني 145:3، الشرح الكبير 159:3.

و قال مالك: إذا قعد في المسجد و اشتغل بحرفته، بطل اعتكافه(1).

و هو كما قلناه.

و نقل عن الشافعي في القديم مثله في الاعتكاف المنذور(2). و رواه بعضهم في مطلق الاعتكاف(3).

و المشهور عند الشافعية: الجواز مطلقا، لأنّ ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطل كثيره، كسائر الأفعال(4). و هو ممنوع.

مسألة 188: يجوز له الأكل في المسجد،

للحاجة إليه، و للأصل، و لأنّه مأمور باللبث فيه، و الأكل بدون الاعتكاف جائز في المسجد، فمعه أولي، لكن ينبغي أن يبسط سفرة و شبهها، لأنّه أبلغ في تنظيف المسجد.

و له غسل يده فيه، لكن ينبغي أن يكون ماء الغسالة في طست و شبهه، حذرا من ابتلال المسجد فيمنع غيره من الصلاة فيه و الجلوس.

و لأنّه قد يستقذر، فينبغي صيانة المسجد عنه.

و له أن يرشّ المسجد بالماء المطلق لا المستعمل إذا استقذرته النفس و إن كان طاهرا، لأنّ النفس قد تعافه(5).

و كذا يجوز الفصد و الحجامة في المسجد إذا لم يتلوّث، و الأولي الاحتراز عنه.

و لا يجوز أن يبول في المسجد في آنية - خلافا للشافعية في بعض أقوالهم(6) - لما فيه من القبح و الاستهانة بالمسجد، و اللائق تعظيم المساجد و تنزيهها، بخلاف الفصد و الحجامة، و لهذا لا يمنع من استقبال القبلة و استدبارها حالة الفصد و الحجامة، و يمنع منه حالة البول.

ص: 263


1- فتح العزيز 484:6، التفريع 314:1.
2- فتح العزيز 483:6 و 484.
3- فتح العزيز 483:6 و 484.
4- فتح العزيز 483:6 و 484.
5- عاف الشيء يعافه: كرهه. لسان العرب 260:9.
6- حلية العلماء 226:3، المجموع 533:6.

و لأنّ المساجد لم تبن لهذا، و هو ممّا يستخفي(1) به، فوجب صيانة المسجد عنه، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

و قال بعض الحنابلة: يمنع من الفصد و الحجامة فيه، لأنّه إراقة نجاسة في المسجد، فلم يجز، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

و لو دعت الحاجة الشديدة إليه، خرج من المسجد و فعله، و إن استغني عنه، لم يكن له الخروج الذي يمكن احتماله(2).

و الوجه: جوازه، لأنّ المستحاضة يجوز لها الاعتكاف، و يكون تحتها شيء يقع فيه الدم.

قالت عائشة: اعتكفت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت تري الحمرة و الصفرة، و ربما وضعنا الطست تحتها و هي تصلّي(3).

مسألة 189: السكر و الردّة إن قارنا ابتداء الاعتكاف، منعا صحّته،

إذ لا نيّة لهما. و كذا الإغماء و الجنون.

و لو ارتدّ في أثناء الاعتكاف، فالوجه عندي بطلان الاعتكاف، خلافا للشيخ(4).

و قال الشافعي في الأمّ: إنّه لا يبطل اعتكافه، بل يبني إذا عاد إلي الإسلام(5).

ص: 264


1- في «ط، ف» و الطبعة الحجرية: يستخف.
2- المغني 150:3، الشرح الكبير 163:3.
3- صحيح البخاري 64:3-65، سنن أبي داود 334:2-2476، سنن البيهقي 4: 323.
4- المبسوط للطوسي 294:1.
5- المهذب للشيرازي 200:1، المجموع 518:6، فتح العزيز 494:6، حلية العلماء 224:3، و في الجميع نقلا عن الام.

و قال: لو سكر في اعتكافه ثم أفاق، استأنف(1). و هذا حكم ببطلان الاعتكاف.

و لأصحابه طريقان:

أحدهما: تقرير القولين.

و الفرق: أنّ السكران ممنوع من المسجد، لقوله تعالي لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري (2) أي موضع الصلاة، فإذا شرب المسكر و سكر، فقد أخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد، فينزّل ذلك منزلة خروجه منه، و المرتدّ غير ممنوع من المسجد، بل يجوز استدامته(3) فيه، و تمكينه من الدخول لاستماع القرآن و نحوه، فلم يجعل الارتداد متضمّنا بطلان الاعتكاف.

و الثاني: التسوية بين الردّة و السكر، و في كيفيتها طريقان:

أحدهما: أنّهما علي قولين:

أحدهما: أنّهما لا يبطلان الاعتكاف.

أمّا الردّة: فلما سبق.

و أمّا السكر: فلأنّه ليس فيه إلاّ تناول محرّم، و ذلك لا ينافي الاعتكاف.

و الثاني: أنّهما يبطلان.

أمّا السكر: فلما سبق.

و أمّا الردّة: فلخروج المرتدّ عن أهلية العبادة.

و الأصحّ عندهم: الجزم في الصورتين، و في كيفيته طرق:

أحدها: أنّه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما. و كلام الشافعي فيه.

ص: 265


1- الأم 106:2، و المجموع 518:6، و فتح العزيز 494:6.
2- النساء: 43.
3- في المصدر: استتابته.

السكر محمول علي ما إذا خرج من المسجد أو اخرج لإقامة الحدّ عليه.

و ثانيها: أنّ السكر يبطله، لامتداد زمانه، و الردّة كذلك إن طال زمانها.

و ثالثها: أنّ الردّة تبطل، لأنّها تفوّت شرط العبادة، و السكر لا يبطله، كالنوم و الإغماء.

و رابعها: أنّهما جميعا مبطلان، فإنّ كلّ واحد منهما أشدّ من الخروج من المسجد، فإذا كان ذلك مبطلا للاعتكاف ففيهما أولي.

و قوله(1) في الردّة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعا، فإذا عاد إلي الإسلام بني علي ما مضي، لأنّ الردّة لا تحبط العبادات السابقة.

و قوله(2) في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع(3).

و هذا كلّه عندنا باطل، لأنّ المرتدّ لا يمكّن من الدخول إلي المسجد، و أنه مناف للعبادة، و كذا السكر.

إذا عرفت هذا، فالمفهوم من كلام الشافعي أنّ زمان الردّة و السكر لا اعتكاف فيه، فإنّ الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنّما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال(4). و المشهور عند أصحابنا(5) أنّ زمان الردّة غير محسوب من الاعتكاف، إذ ليس للمرتدّ أهلية العبادة، و أمّا زمان السكر ففي احتسابه لهم وجهان(6).

مسألة 190: إذا عرض الجنون أو الإغماء في أثناء الاعتكاف، بطل اعتكافه،

لفساد الشرط، و خروجه عن أهلية العبادة، سواء أخرجا من

ص: 266


1- أي: قول الشافعي.
2- أي: قول الشافعي.
3- فتح العزيز 494:6-497، المجموع 518:6-519.
4- فتح العزيز 497:6-498.
5- كذا، و الظاهر أنّ الصحيح: أصحابه. أي: أصحاب الشافعي.
6- فتح العزيز 498:6، المجموع 519:6.

المسجد أو لا.

و قال الشافعي: إن لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه، لأنّه معذور فيما عرض، و إن اخرج نظر، فإن لم يمكن حفظه في المسجد، فكذلك، لأنّه لم يحصل الخروج باختياره، فأشبه ما لو حمل العاقل و اخرج مكرها، و إن أمكن ذلك، ففيه خلاف مخرّج ممّا لو أغمي علي الصائم(1).

و لا تحسب أيّام الجنون من الاعتكاف، لأنّ العبادات البدنية لا تصحّ من المجنون.

و في زمان الإغماء للشافعية خلاف(2). و عندنا أنّه لا يحسب.

مسألة 191: الجنابة و الحيض مانعان من الاعتكاف ابتداء

- و به قال الشافعي(3) - لأنّهما ممنوعان من اللبث في المساجد. قال اللّه تعالي وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (4) و إذا منعا من اللبث منعا من الاعتكاف، لأنّه أخصّ منه.

و إذا طرأ الحيض علي المعتكفة، وجب عليها الخروج من المسجد، فإن لبثت فيه لم يحسب من الاعتكاف، لأنّه منهي عنه، و النهي في العبادات يدلّ علي الفساد.

و لأنّ الصوم شرط في الاعتكاف عندنا و الحيض لا يجامعه، و منافي الشرط مناف للمشروط.

و لو طرأت الجنابة، فإن كان ممّا يبطل الاعتكاف أو الصوم، بطل الاعتكاف قطعا، و إن طرأت بما لا يبطله، كالاحتلام و الجماع ناسيا، وجب عليه أن يبادر إلي الغسل، لئلاّ يبطل اعتكافه، فإن لم يمكنه الغسل، فهو

ص: 267


1- فتح العزيز 498:6، المجموع 517:6.
2- فتح العزيز 499:6، المجموع 517:6.
3- فتح العزيز 492:6، الوجيز 106:1، المجموع 476:6.
4- النساء: 43.

مضطر إلي الخروج، و إن أمكنه، عذر في الخروج أيضا، و لا يكلّف الغسل في المسجد، لأنّ الخروج أولي، لما فيه من صيانة حرمة المسجد.

و اعلم أنّ الجنابة الطارئة إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف، و بادر إلي الاغتسال، احتسب زمانها من الاعتكاف، كما في وقت الخروج لقضاء الحاجة، و إن أهمل، بطل الاعتكاف من حين الإهمال، و قبله يحسب من زمان الاعتكاف.

و للشافعية في احتساب زمان الجنابة من الاعتكاف مطلقا وجهان(1).

المطلب الرابع: في نذر الاعتكاف
مسألة 192: قد بيّنّا أنّ الاعتكاف عبادة مستحبة في أصلها

غير واجبة و إنّما يجب بالنذر أو شبهه، كاليمين و العهد، فإذا نذر الاعتكاف، وجب عليه.

ثمّ إمّا أن يطلق أو يعيّن، و التعيين إمّا أن يحصل بوصف الفعل أو بخارج عنه، كالمكان أو الزمان.

فإن أطلق، وجب عليه اعتكاف ثلاثة أيام، إذ لا يصحّ الاعتكاف أقلّ منها عند علمائنا أجمع، و يتخيّر في أيّ وقت شاء - ممّا يصحّ صومه - أوقعه فيه.

و يجب أن يكون صائما هذه الأيام الثلاثة، لأنّ الاعتكاف عندنا لا يصحّ إلاّ بالصوم، و ما لا يتمّ الواجب إلاّ به يكون واجبا. و يتخيّر أيضا في أحد المساجد الأربعة أيّها شاء اعتكف فيه.

مسألة 193: قد بيّنّا أنّ الصوم شرط في الاعتكاف،

فلو نذر اعتكاف أيام لا يجب فيها الصوم، وجب صومها عندنا و إن لم ينذر الصوم.

ص: 268


1- المجموع 526:6، فتح العزيز 500:6.

و لو نذر اعتكاف أيام يجب فيها الصوم، كرمضان و النذر المعيّن، أجزأ.

و من لم يشترط الصوم فيه من العامة إذا نذر الاعتكاف، لم يجب الصوم.

و لو نذر أن يعتكف أياما هو فيها صائم، لزم الاعتكاف في أيام الصوم، و وجب عليه الصوم إجماعا، لأنّ الاعتكاف بالصوم أفضل و إن لم يكن مشروطا به، فإذا التزمهم بالشرط، لزم، كما لو التزم التتابع فيه، و ليس له في هذه الصورة إفراد أحدهما عن الآخر إجماعا.

و لو اعتكف في رمضان، أجزأه، لأنّه لم يلتزم بهذا النذر صوما، و إنّما نذر الاعتكاف علي صفة و قد وجدت.

و لو نذر أن يعتكف صائما أو يعتكف بصوم، لزمه الاعتكاف و الصوم جميعا بهذا النذر، و لزمه الجمع بينهما عندنا.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: أنّه لا يجب الجمع، لأنّهما عبادتان مختلفتان، فأشبه ما إذا نذر أن يصلّي صائما.

و أصحّهما - و هو قول الشافعي في الأم -: أنّه يجب، لما تقدم من أنّ الاعتكاف بالصوم أفضل(1).

و لو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر، لزمه استئناف الصوم و الاعتكاف عند الشافعية علي الوجه الثاني، و يكفيه استئناف الصوم علي الأول(2).6.

ص: 269


1- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع و فتح العزيز 485:6-486، حلية العلماء 3: 219.
2- المجموع و فتح العزيز 486:6.

و لو نذر اعتكاف أيام و ليال متتابعة صائما و جامع ليلا، ففيه للشافعية هذان الوجهان(1).

و لو اعتكف عن نذره في رمضان، أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول، و عليه الصوم، و علي الثاني لا يجوز الاعتكاف أيضا(2).

و لو نذر أن يصوم معتكفا، انعقد نذره عندنا، لأنّها عبادة منذورة فلزمته.

و للشافعية طريقان، أظهرهما: طرد الوجهين. و الثاني: القطع بأنّه لا يجب الجمع.

و الفرق: أنّ الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم و الصوم يصلح وصفا للاعتكاف، فإنّه من مندوباته(3).

و لو نذر أن يعتكف مصلّيا أو يصلّي معتكفا، لزمه الصلاة و الاعتكاف، و يلزمه الجمع عندنا.

و للشافعية طريقان:

أحدهما: طرد الوجهين في لزوم الجمع.

و أصحّهما عندهم: القطع بأنّه لا يجب.

و الفرق: أنّ الصوم و الاعتكاف متقاربان، فإنّ كلّ واحد منهما كفّ و إمساك، و الصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها و بين الاعتكاف(4).

و يخرّج علي هذين الطريقين: ما لو نذر أن يعتكف محرما، فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف و الصلاة، فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر، و إن أوجبنا الجمع، لزمه ذلك القدر في يوم3.

ص: 270


1- المجموع و فتح العزيز 486:6.
2- المجموع و فتح العزيز 486:6.
3- فتح العزيز 486:6-487، المجموع 486:6.
4- المجموع 486:6، الوجيز 106:1، فتح العزيز 487:6، حلية العلماء 219:3.

اعتكافه، و لا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة(1).

و إن كان نذر اعتكاف أيام مصلّيا، لزمه ذلك القدر كلّ يوم.

و قال بعضهم: ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب، فإنّه جعل كونه مصلّيا صفة لاعتكافه(2).

و هذا هو الوجه عندي، لأنّا لو تركنا هذا الظاهر و لم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كلّ يوم و ليلة، اكتفي به في جميع المدّة(3).

و لو نذر أن يصلّي صلاة يقرأ فيها سورة كذا، لزم الجمع عندنا.

و للشافعية قولان، أحدهما: أنّه علي الخلاف(4).

مسألة 194: كما أنّه ليس للعبد و لا للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلاّ بإذن السيد و الزوج،

كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلاّ بإذن المولي و الزوج، فإن نذر أحدهما، لم ينعقد نذره.

و هل يقع باطلا أو موقوفا علي الإذن ؟ إشكال، أقربه: الثاني.

فإن أجازا نذرهما و أذنا في الشروع في الاعتكاف و كان الزمان معيّنا أو غير معيّن لكن شرطا التتابع، لم يجز لهما الرجوع، و إن لم يشترطا التتابع، فالأقرب أنّ لهما الرجوع، و هو أظهر وجهي الشافعية(5).

و لو نذرا بالإذن، فإن تعلّق بزمان معيّن، فلهما الشروع فيه بغير إذن، و إلاّ لم يشرعا فيه إلاّ بالإذن، و إذا شرعا بالإذن، لم يكن لهما المنع من

ص: 271


1- فتح العزيز 487:6-488.
2- الرافعي في فتح العزيز 488:6، و كما في المجموع 487:6.
3- ورد في هامش «ط، ن»: أي لو لم نعتبر التكرار في جميع أيام الاعتكاف و لياليه، لاكتفي منه بمرّة واحدة في أول يوم منه. قلت: و أيضا كان يكتفي بإدخال ماهية الصلاة في العمر مرّة لو نذر اعتكاف عمره مصلّيا.
4- فتح العزيز 488:6، المجموع 487:6.
5- المهذب للشيرازي 197:1، المجموع 477:6، فتح العزيز 493:6، حلية العلماء 217:3.

الإتمام. و هو مبني علي أنّ النذر المطلق إذا شرع فيه، لزم إتمامه.

و فيه إشكال. و للشافعية خلاف(1).

مسألة 195: لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام، تعيّن بالنذر،

سواء عقد عليهما في نذر واحد أو أطلق نذر الاعتكاف ثم نذر تعيين المطلق فيه.

و لا خلاف في تعيين المسجد الحرام لو عيّنه بالنذر، لما فيه من زيادة الفضل علي غيره، و تعلّق النّسك به.

و إن عيّن مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، بالمدينة، أو المسجد الأقصي، تعيّن أيضا عندنا - و به قال أحمد و الشافعي في أحد قوليه(2) - لأنّه نذر في طاعة، فينعقد و لا يجوز له حلّه.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (لا تشدّ الرحال إلاّ إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام و المسجد الأقصي و مسجدي هذا)(3) فأشبها المسجد الحرام.

و الثاني للشافعي: أنّه لا يتعيّن بالنذر، لأنّه لا يتعلّق بهما نسك، فأشبها سائر المساجد(4).

و ليس بجيّد، لأنّه لا يلزم من انتفاء تعلّق النّسك بهما مساواتهما لغيرهما من المساجد.

ص: 272


1- فتح العزيز 493:6، المجموع 478:6.
2- المغني 160:3 و 161، الشرح الكبير 133:3 و 134، المهذب للشيرازي 197:1، المجموع 481:6-482، الوجيز 107:1، فتح العزيز 504:6، حلية العلماء 3: 218.
3- صحيح البخاري 76:2، صحيح مسلم 1014:2-1397، سنن أبي داود 2: 216-2033، سنن النسائي 38:2-39.
4- المهذّب للشيرازي 197:1، المجموع 481:6-482، الوجيز 107:1، فتح العزيز 504:6، حلية العلماء 218:3، المغني 161:3، الشرح الكبير 134:3.

و لو عيّن غير هذه المساجد بالنذر، تعيّن عندنا، لاشتماله علي عبادة، فانعقد نذره، كغيره من العبادات.

و قال أحمد: لا يتعيّن بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة، لقوله عليه السلام: (لا تشدّ الرحال إلاّ إلي ثلاثة مساجد)(1)المغني 160:3-161، الشرح الكبير 133:3-134.(2).

و لو تعيّن غيرها بتعيينه، لزمه المضيّ إليه، و احتاج إلي شدّ الرحل لقضاء نذره فيه.

و لأنّ اللّه تعالي، لم يعيّن لعبادته مكانا فلم يتعيّن بتعيين غيره، و إنّما تعيّنت هذه المساجد الثلاثة، للخبر الوارد فيها.

و لأنّ العبادة فيها أفضل، فإذا عيّن ما فيه فضيلة، لزمه، كأنواع العبادة(3). و هو أحد قولي الشافعي(3) أيضا.

و له قول آخر: إنّه لا يتعيّن المسجد الأقصي، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام)(4)(5).

و هذا يدلّ علي التسوية فيما عدا هذين المسجدين، لأنّ المسجد الأقصي لو فضّلت الصلاة فيه علي غيره، للزم أحد أمرين: إمّا خروجه من عموم هذا الحديث، و إمّا كون فضيلته بألف مختصّا بالمسجد الأقصي.

و ليس بلازم، فإنّه إذا فضّل الفاضل بألف فقد فضّل المفضول بها أيضا.

و قد بيّنّا أنّ النذر عندنا يتعيّن به ما يعيّنه الناذر من المكان كالزمان، و التعيين و إن كان بالنذر لكن لمّا أوجب اللّه تعالي، الوفاء بالنذر، كان التعيين3.

ص: 273


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الصفحة السابقة الهامش
2- .
3- المغني 160:3-161، الشرح الكبير 133:3-134.
4- صحيح مسلم 1012:2-1394، سنن ابن ماجة 450:1-1404.
5- المغني 161:3، الشرح الكبير 134:3.

مستندا إليه تعالي.

مسألة 196: إذا نذر الاعتكاف في مسجد، تعيّن، و ليس له العدول إلي مسجد أدون شرفا.

و هل له العدول إلي مسجد أشرف ؟ إشكال، أقربه: الجواز.

فلو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام، لم يجز له أن يعتكف في غيره، لأنّه أشرفها.

و لو نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام، لأنّه أفضل منه، و لم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصي، لأنّ مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، أفضل منه.

و قال قوم: إنّ مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، أفضل من المسجد الحرام، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، إنّما دفن في خير البقاع، و قد نقله اللّه تعالي من مكّة إلي المدينة، فدلّ علي أنّها أفضل(1).

و المشهور: أنّ المسجد الحرام أفضل، لقوله عليه السلام: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام)(2).

و في خبر آخر أنّه قال عليه السلام: (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)(3) فيدخل في عمومه مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، فتكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سوي مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و لو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصي، جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين، لأنّهما أفضل منه.

و قد روي العامّة أنّ رجلا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، يوم الفتح

ص: 274


1- كما في المغني 161:3-162، و الشرح الكبير 134:3.
2- صحيح مسلم 1012:2-1394، سنن ابن ماجة 450:1-1404.
3- سنن ابن ماجة 451:1-1406.

و النبي عليه السلام في مجلس قريبا من المقام، فسلّم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم قال: يا نبي اللّه إنّي نذرت لئن فتح اللّه للنبي و المؤمنين مكّة لأصلّينّ في بيت المقدس، و إنّي وجدت رجلا من أهل الشام ها هنا في قريش مقبلا معي و مدبرا، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ها هنا فصلّ) فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ها هنا فصلّ) ثم قال الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (اذهب فصلّ فيه، فو الذي بعث محمّدا بالحقّ لو صلّيت ها هنا لقضي عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس)(1).

مسألة 197: قد بيّنّا أنّ الأقوي أنّ الاعتكاف إنّما يجوز في المسجد الحرام و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة و مسجد البصرة،

فلو نذر أن يعتكف في غير هذه الأربعة لم يجز.

و علي القول الآخر لعلمائنا بجواز الاعتكاف في غيرها لو نذر أن يعتكف في غيرها، انعقد نذره، و تعيّن ما عيّنه، و هو أحد قولي الشافعي(2).

يكن له الخروج منه، و لا الانتقال إلي مسجد آخر، لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلي مسجد آخر علي مثل تلك المسافة أو أقرب، كان له ذلك في أصحّ وجهي الشافعية(3).

و لو أوجب علي نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم، اعتكف في موضع منه، فإن لم يتمكّن، خرج، فإذا بني المسجد، رجع و بني علي اعتكافه.

و من لم يوجب التعيين بالنذر، له أن يخرج إلي أين شاء من المساجد ليعتكف فيه.

ص: 275


1- مسند أحمد 373:5.
2- فتح العزيز 504:6-505، المجموع 481:6.
3- فتح العزيز 507:6، المجموع 482:6.
مسألة 198: لو نذر أن يعتكف في زمان معيّن، تعيّن عليه

حتي أنّه لا يجوز له التقديم عليه و لا التأخير(1) عنه(2) ، فإن أخّر، كان قضاء، و هو أصحّ وجهي الشافعية(3).

و الثاني: لا يتعيّن الزمان بالتعيين، كما لا يتعيّن في نذر الصلاة و الصدقة(4).

و الحكم في الأصل ممنوع.

و الوجهان عندهم جاريان فيما إذا عيّن الزمان للصوم(5).

و الحقّ عندنا أنّه يتعيّن أيضا.

مسألة 199: إذا نذر اعتكافا مطلقا،

وجب عليه أن يعتكف ثلاثة أيام، لأنّ الاعتكاف لا يصح في أقلّ من ثلاثة، خلافا للشافعي، فإنّه جوّزه لحظة، و يبرأ بها من عهدة النذر عنده، لكن يستحب أن يعتكف يوما(6).

و إن نذر الاعتكاف مدّة من الزمان، فإمّا أن يطلق تلك المدّة أو يعيّنها، فإن أطلق تلك المدّة، فإمّا أن يشترط فيها التتابع، كأن يقول: للّه عليّ أن أعتكف ثلاثة أيام متتابعات، أو لا يشترطه.

فإن شرطه، لزم، لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلي فعل الخير، كما لو شرط التتابع في الصوم.

و إن لم يشترط التتابع، لم يلزمه إلاّ في ثلاثة ثلاثة، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام، وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعا أو متفرّقا ثلاثة ثلاثة، و لا يجب عليه تتابع الشهر بأسره، كما في الصوم، لأنّه معني يصح

ص: 276


1- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية: التأخّر. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- كلمة «عنه» لم ترد في النسخ الخطية.
3- المجموع 482:6، فتح العزيز 507:6.
4- المجموع 482:6، فتح العزيز 507:6.
5- المجموع 482:6، فتح العزيز 507:6.
6- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 490:6، فتح العزيز 480:6-481.

فيه التفريق، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر، كالصيام، و هو أحد قولي الشافعي و إحدي الروايتين عن أحمد(1).

و الثاني: أنّه يلزمه التتابع - و هو قول أبي حنيفة و مالك و أحمد في الرواية الأخري - لأنّه معني يحصل في الليل و النهار، فإذا أطلقه، اقتضي التتابع، كما لو حلف: لا يكلّم زيدا شهرا، و كمدّة الإيلاء و العدّة(2).

و الوجه: الأول، لأصالة براءة الذمة.

إذا عرفت هذا، فإنّ التتابع و إن لم يلزمه إلاّ في كلّ ثلاثة عندنا، و لا يلزمه مطلقا عند العامة، فإنّ الأفضل التتابع، لما فيه من المسابقة إلي فعل ما يوجب المغفرة.

و لو لم يتلفّظ بالتتابع في نذره، لكن نواه في ضميره، فإن قلنا: النذر ينعقد بالضمير، لزمه، و إلاّ فلا.

و لو شرط في نذره التفريق، لم يلزمه، و خرج عن العهدة بالتتابع، لأنّ الأولي التتابع، فلا ينعقد نذر خلافه عندنا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - كما لو عيّن غير المسجد الحرام، يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام.

مسألة 200: لو لم يقيّد بالتتابع، جاز له التفريق عندنا ثلاثة ثلاثة.

و هل يجوز التفريق يوما يوما، بأن يعتكف يوما عن نذره ثم يضمّ إليه يومين مندوبا؟ الأقرب: الجواز، كما لو نذر أن يعتكف يوما و سكت عن الزيادة و عدمها، فإنّه يجب عليه الإتيان بذلك اليوم، و يضمّ إليه يومين

ص: 277


1- فتح العزيز 508:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 493:6، حلية العلماء 220:3، المغني 157:3-158، الشرح الكبير 138:3.
2- المجموع 494:6، فتح العزيز 508:6، حلية العلماء 320:3، بدائع الصنائع 2: 111، المبسوط للسرخسي 119:3، بداية المجتهد 317:1، المدونة الكبري 1: 234، المغني 158:3، الشرح الكبير 138:3.
3- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 493:6، فتح العزيز 508:6.

آخرين، فحينئذ إذا نذر أن يعتكف ثلاثة أيام، فاعتكف يوما عن النذر، و ضمّ إليه آخرين لا عنه، بل تبرّع بهما، ثم اعتكف يوما آخر عن النذر، و ضمّ إليه آخرين ثم اعتكف ثالثا عن النذر و ضمّ إليه آخرين، جاز، سواء تابع التسعة أو فرّقها.

و لو نذر اعتكاف يوم، لم يجز تفريق الساعات علي الأيام، لأنّ الاعتكاف يجب فيه الصوم و لا يصح صوم الساعة بمفردها - و هو أصحّ وجهي الشافعية(1) - لأنّ المفهوم من لفظ «اليوم» المتصل.

قال الخليل بن أحمد: إنّ اليوم اسم لما بين طلوع الفجر و غروب الشمس(2).

و الثاني للشافعية: أنّه يجوز التفريق، تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر(3).

و لو دخل المسجد في أثناء النهار، و خرج بعد الغروب ثم عاد قبل طلوع الفجر و مكث إلي مثل ذلك الوقت، فهو علي هذين الوجهين(4).

و لو لم يخرج بالليل فعند أكثر الشافعية أنّه يجزئه، سواء جوّزوا التفريق أو منعوه، لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد.

و قال بعضهم: لا يجزئه، تفريعا علي الوجه الأول، لأنّه لم يأت بيوم متواصل الساعات، و الليلة ليست من اليوم، فلا فرق بين أن يخرج فيها من المسجد أو لا يخرج(5).6.

ص: 278


1- الوجيز 107:1، فتح العزيز 508:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 6: 494.
2- حكاه عنه النووي في المجموع 494:6، و كما في فتح العزيز للرافعي 508:6، و راجع: العين 433:8.
3- فتح العزيز 508:6، المهذب للشيرازي 198:1.
4- فتح العزيز 508:6، المجموع 494:6.
5- فتح العزيز 508:6-509، المجموع 494:6.

و لو قال في أثناء النهار: للّه عليّ أن أعتكف يوما من هذا الوقت، لم يصحّ عندنا إذا لم يكن صائما من أوله، و إن كان فإشكال.

و قالت الشافعية: إنّه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلي مثله من اليوم الثاني، و لا يجوز أن يخرج بالليل، ليتحقّق التتابع.

و قال بعضهم: إنّ الناذر التزم يوما و البعضان يوم(1) ، و الليلة المتخلّلة ليست من اليوم، فلا يمنع التتابع بينهما، كما أنّه لا يمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع(2).

و من جوّز تفريق الساعات من الشافعية في اليوم اكتفي بساعات أقصر الأيام، لأنّه لو اعتكف أقصر الأيام، أجزأه. و كذا لو فرّق علي ساعات أقصر الأيام في سنين(3).

و لو اعتكف في أيام متباينة الطول و القصر، فينبغي أن ينسب اعتكافه في كلّ يوم بالجزئية إليه إن كان ثلثا فقد خرج عن ثلث ما عليه، نظرا إلي اليوم الذي يوقع فيه الاعتكاف، و لهذا لو اعتكف بقدر ساعات أقصر الأيام من يوم طويل، لم يكفه.

مسألة 201: إذا نذر أن يعتكف مدّة معيّنة مقدّرة،

كما لو نذر أن يعتكف عشرة أيام من الآن، أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر، وجب عليه الوفاء به.

فإن أفسد آخره إمّا بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك، فإمّا أن يقيّد بالتتابع أو لا، فإنّ قيّد نذره بالتتابع بأن قال: أعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعا، وجب عليه الاستئناف، لأنّه لم يأت بما نذره فيجب القضاء، و يكفّر

ص: 279


1- أي: بعض هذا اليوم و بعض تاليه يقومان مقام يوم واحد.
2- فتح العزيز 509:6، المجموع 495:6.
3- فتح العزيز 510:6، المجموع 495:6.

لمخالفته(1) النذر.

و لو فاته الجميع لغير عذر، وجب عليه القضاء متتابعا - و هو أصحّ وجهي الشافعية(2) - لأنّه صرّح في نذره بالتتابع، فيكون مقصودا له بالذات.

و الثاني للشافعية: أنّه لا يلزمه الاستئناف لو أفسد آخره، و لا تتابع القضاء لو أهمل الجميع، لأنّ التتابع واقع من ضروراته، فلا أثر للفظه و تصريحه(3). و هو ممنوع.

و إن لم يقيّد بالتتابع، لم يجب الاستئناف لو أفسد آخره و لا تتابع القضاء لو أهمله، بل يجب القضاء مطلقا، لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت و ضروراته، لا أنّه وقع مقصودا، فأشبه التتابع في صوم رمضان.

مسألة 202: لو نذر اعتكاف شهر، لزمه شهر بالأهلّة أو ثلاثون يوما.

و هل يلزمه التتابع ؟ الأقرب: العدم، بل له أن يفرّقه ثلاثة ثلاثة، أو يوما و يضيف إليه آخرين مندوبين علي الإشكال السابق.

و قال الشافعي: لا يلزمه التتابع، لأنّه معني يصحّ فيه التفريق، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام. و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الثانية: يلزمه التتابع. و به قال أبو حنيفة و مالك(4).

فإن اعتكف شهرا بين هلالين، أجزأه و إن كان ناقصا. و إن اعتكف ثلاثين يوما من شهرين، جاز.

و يدخل فيه الليالي، لأنّ الشهر عبارة عنهما، و لا يجزئه أقلّ من ذلك - و به قال الشافعي(5) - إلاّ أن يقول: أيّام شهر أو نهار هذا الشهر، فلا يلزمه

ص: 280


1- في «ط، ن» لمخالفة.
2- الوجيز 107:1، فتح العزيز 512:6، المجموع 493:6.
3- الوجيز 107:1، فتح العزيز 512:6، المجموع 493:6.
4- حلية العلماء 220:3، المغني 157:3-158، الشرح الكبير 138:3، المدونة الكبري 234:1، بداية المجتهد 317:1، بدائع الصنائع 111:2.
5- الوجيز 107:1، فتح العزيز 513:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 493:6.

الليالي.

و لو قال: ليالي هذا الشهر، لم ينعقد عندنا، لأنّ من شرط الاعتكاف الصوم، و الليل ليس محلا للصوم.

و قال الشافعي: ينعقد و يلزم الاعتكاف ليلا، و لا يلزمه الأيّام(1).

و لو نذر اعتكاف يوم، قال الشافعي: لا يلزم ضمّ الليلة إلاّ أن ينوي، فحينئذ يلزم، لأنّ اليوم قد يطلق و يراد به اليوم بليلته(2).

و للشافعي قول آخر: إنّه تدخل الليلة إلاّ أن ينوي يوما بلا ليلة(3).

و لو نذر اعتكاف يومين، وجب عليه ضمّ ثالث إليهما عندنا، و عند العامّة لا يلزم.

فعلي قولهم هل تلزمه الليلة بينهما؟ للشافعية ثلاثة أوجه:

أحدها: لا تلزم إلاّ إذا نواها، لما سبق من أنّ اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر و غروب الشمس.

و الثاني: تلزم إلاّ أن يريد بياض النهار، لأنّها ليلة تتخلّل نهار الاعتكاف، فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر.

و الثالث: إن نوي التتابع أو قيّد به لفظا، لزمت ليحصل التواصل، و إلاّ فلا(4).

و لو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلّل بينهما هذا الخلاف.

و لو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو ثلاثين يوما، ففي لزوم الليالي المتخلّلة، الوجوه الثلاثة(5).6.

ص: 281


1- فتح العزيز 513:6، المجموع 493:6، حلية العلماء 218:3.
2- فتح العزيز 514:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 496:6.
3- فتح العزيز 514:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 496:6.
4- المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 496:6-497، فتح العزيز 514:6.
5- فتح العزيز 515:6، المهذب للشيرازي 198:1، المجموع 497:6.

و قال بعض الشافعية: إن نذر اليومين لا يستتبع شيئا من الليالي، و الخلاف في الثلاثة فصاعدا، لأنّ العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرّد النهار، و إذا أطلقت الأيّام عنت بلياليها(1).

مسألة 203: لا خلاف بين الشافعية في أنّ الليالي لا تلزم بعدد الأيّام،

فإذا نذر يومين لم تلزم(2) ليلتان بحال، و به قال مالك و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: تلزم(4) ليلتان(5).

و لو نذر اعتكاف يوم، لم يجز تفريقه، و يلزمه أن يدخل معتكفة قبل طلوع الفجر و يخرج منه بعد غروب الشمس.

و قال مالك: يدخل معتكفة قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم، كما لو نذر اعتكاف شهر، لأنّ الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعا(6).

و الوجه: ما قلناه من أنّ الليلة ليست من اليوم، و هي من الشهر.

و لو نذر اعتكاف ليلة، لزمه دخول معتكفة قبل غروب الشمس و يخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة(7). و ليس له تفريق الاعتكاف عند أحمد(8).

و قال الشافعي: له التفريق(9).

مسألة 204: لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور، دخل فيه الأيّام و الليالي،
اشارة

و تكون الليالي هنا بعدد الأيّام، كما في نذر الشهر، و قد تقدّم.

ص: 282


1- فتح العزيز 515:6-516.
2- في «ط، ف، ن» لم تلزمه.
3- المجموع 497:6، فتح العزيز 516:6، حلية العلماء 221:3، المغني 59:3، الشرح الكبير 139:3.
4- في «ف، ن»: تلزمه.
5- بدائع الصنائع 110:2، المبسوط للسرخسي 122:3-123، حلية العلماء 221:3، المغني 159:3، الشرح الكبير 139:3.
6- المغني 159:3، الشرح الكبير 140:3، بداية المجتهد 314:1-315.
7- المغني 159:3-160، الشرح الكبير 140:3.
8- المغني 159:3-160، الشرح الكبير 140:3.
9- المغني 159:3-160، الشرح الكبير 140:3.

و يخرج عن العهدة إذا استهلّ الهلال، كان الشهر كاملا أو ناقصا، لأنّ الاسم يقع علي ما بين العشرين إلي آخر الشهر.

و لو نذر أن يعتكف عشرة أيّام من آخر الشهر و دخل المسجد اليوم العشرين، أو قبيل الحادي و العشرين فنقص الشهر، لزمه قضاء يوم، لأنّه حدّد القصد إلي العشرة.

تذنيب: إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فيه، لم ينعقد،

لأنّه إن قدم ليلا، لم يلزمه شيء، و إن قدم نهارا، لم ينعقد، لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف.

و من لا شرط(1) الصوم أوجب عليه اعتكاف بقية النهار(2).

و للشافعي في قضاء ما مضي من النهار قولان:

أصحّهما عندهم: العدم، لأنّ الوجوب ثبت من حين القدوم.

و الثاني: الوجوب، لأنّا نتبيّن بقدومه أنّ ذلك يوم القدوم، فيجب أن يعتكف بقية اليوم، و يقضي بقدر ما مضي من يوم آخر(3).

و قال بعضهم: يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولا(4).

و لو كان الناذر وقت القدوم ممنوعا من الاعتكاف بمرض أو حبس، قضاه عند زوال العذر.

و قال بعضهم: لا شيء عليه، لعجزه وقت الوجوب، كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه(5).

ص: 283


1- أي: لم يشترط، و الدليل عليه قوله تعالي فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّي [القيامة: 31]. و المغني: لم يصدّق و لم يصلّ.
2- فتح العزيز 517:6، المجموع 540:6.
3- فتح العزيز 517:6-518، المجموع 540:6-541.
4- فتح العزيز 518:6، المجموع 541:6، مختصر المزني: 61.
5- فتح العزيز 518:6.
المطلب الخامس: في الرجوع من الاعتكاف، و أحكام الخروج من المسجد
مسألة 205: قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب إليه غير واجب بدون النذر و شبهه،

فإذا تبرّع به كان ندبا إجماعا، فإذا شرع في الاعتكاف، فلعلمائنا في صيرورته واجبا حينئذ أقوال ثلاثة:

أحدها: قال الشيخ - رحمه اللّه - في بعض مصنّفاته: إنّه يصير واجبا بالنيّة و الدخول فيه(1) - و به قال أبو الصلاح(2) من علمائنا، و هو قول مالك و أبي حنيفة(3) - لأنّ الأخبار دلّت علي وجوب الكفّارة بإفساد الاعتكاف بجماع و غيره علي الإطلاق، و لو لم ينقلب واجبا لم تجب الكفّارة، و بالقياس علي الحج و العمرة.

و الأخبار محمولة علي الاعتكاف الواجب. و أيضا لا استبعاد في وجوب الكفّارة في هتك الاعتكاف المستحب. و الفرق: احتياج الحجّ و العمرة إلي إنفاق مال كثير ففي إبطلاهما تضييع للمال و هو منهي عنه.

الثاني: أنّه إن اعتكف يومين وجب الثالث، و إن اعتكف أقلّ لم يجب الإكمال - و هو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(4) و مذهب ابن الجنيد(5) و ابن البرّاج(6) - لقول الباقر عليه السلام: «إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن

ص: 284


1- المبسوط للطوسي 289:1.
2- الكافي في الفقه: 186.
3- المدونّة الكبري 232:1، المنتقي - للباجي - 84:2، بدائع الصنائع 108:2، المغني و الشرح الكبير 123:3.
4- النهاية: 171، و حكاه عنه في ظاهر النهاية أيضا المحقق في المعتبر: 324.
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 324.
6- المهذب لابن البراج 204:1.

يخرج و يفسخ اعتكافه، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتي تمضي ثلاثة أيام»(1).

و في طريقها علي بن فضّال، و فيه ضعف.

الثالث: أنّ له إبطاله مطلقا، و فسخه متي شاء، سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث، اختاره السيد المرتضي(2) رضي اللّه عنه، و ابن إدريس(3) ، و به قال الشافعي و أحمد(4) ، و هو الأقوي، لأصالة بقاء ما كان علي ما كان، و براءة الذمة.

مسألة 206: لا يجب الاعتكاف بمجرّد النيّة

- و هو قول عامّة أهل العلم - للأصل.

و قال من لا يعتدّ به: إنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه، لأنّ عائشة روت أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمرت ببنائها(5) فضرب، و سألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ففعلت فأمرت ببنائها فضرب، فلمّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضرب.

قالت: و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا صلّي الصبح دخل معتكفة، فلمّا صلّي الصبح انصرف فبصر بالأبنية، فقال: (ما هذا؟) فقالوا: بناء عائشة و حفصة و زينب، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

ص: 285


1- التهذيب 289:4-290-879، الاستبصار 129:2-421.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 324.
3- السرائر: 97.
4- المجموع 490:6، المغني و الشرح الكبير 123:3.
5- البناء واحد الأبنية، و هي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء، فمنها: الطراف و الخباء و القبّة و المضرب. النهاية - لابن الأثير - 157:1-158.

(أ لبرّ أردتنّ؟ ما أنا بمعتكف) فرجع، فلمّا أفطر اعتكف عشرا من شوّال(1).

و لأنّها عبادة تتعلّق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها، كالحجّ(2).

و الرواية تدلّ علي النقيض، لأنّ تركه دليل علي عدم الوجوب بالعزم.

و الفرق بينه و بين الحجّ قد سبق.

مسألة 207: لو اعتكف ثلاثة أيّام، كان بالخيار

إن شاء زاد عليها و إن شاء لم يزد، و إن زاد يوما جاز له عدم الزيادة علي الأربعة.

فإن زاد علي الثلاثة يومين، قال الشيخ رحمه اللّه: يجب الإكمال ستة(3) ، فأوجب السادس - و به قال ابن الجنيد(4) و أبو الصلاح(5) - لقول الباقر عليه السلام: «من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أيّاما أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتي يستكمل ثلاثة أخر»(6).

و في طريقها علي بن فضّال، و الأصل براءة الذمة.

مسألة 208: لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلاّ لضرورة

بإجماع العلماء كافة، لما رواه العامة عن عائشة أنّها قالت: السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلاّ لما لا بدّ له منه(7).

و عنها: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا اعتكف يدني إليّ

ص: 286


1- أوردها ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 123:3، و في صحيح مسلم 2: 831-1173، و سنن ابن ماجة 563:1-1771، و سنن أبي داود 2: 331-332-2464 نحوها.
2- المغني و الشرح الكبير 123:3-124.
3- النهاية: 171، المبسوط للطوسي 290:1.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 324.
5- الكافي في الفقه: 186.
6- التهذيب 288:4-872، الاستبصار 129:2-420.
7- سنن أبي داود 333:2-334-2473، سنن البيهقي 320:4.

رأسه فأرجّله، و كان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا يخرج المعتكف من المسجد إلاّ في حاجة»(2).

و لأنّ الاعتكاف هو اللبث، فإذا خرج بطل الاسم.

و الممنوع إنّما هو الخروج بجميع بدنه، فلو أخرج يده أو رأسه، لم يبطل اعتكافه، لما تقدّم في رواية عائشة.

و لو أخرج إحدي رجليه أو كلتيهما و هو قاعد مادّ لهما، فكذلك، و إن اعتمد عليهما فهو خارج.

و الممنوع منه الخروج عن كلّ المسجد.

فلو صعد علي المنارة، فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رحبته و هي تعدّ من المسجد، جاز سواء كان الصعود للأذان أو لغيره، كما يصعد علي سطح المسجد و دخول بيت منه.

و إن كان الباب خارج المسجد، لم يجز، لأنّها لا تعدّ حينئذ من المسجد، و لا يصح الاعتكاف فيها.

و هل للمؤذّن صعودها للأذان ؟ الأقرب: المنع - و هو أحد وجهي الشافعية(3) - لأنّه لا ضرورة إليه، لإمكان الأذان علي سطح المسجد، فصار كما لو صعدها لغير الأذان، أو خرج لغير ضرورة، أو خرج إلي الأمير ليعلمه الصلاة.

و الثاني: الجواز، لأنّها مبنيّة للمسجد معدودة من توابعه.

و لأنّه قد اعتاد صعودها للأذان و قد استأنس الناس بصوته، فيعذر فيه.6.

ص: 287


1- سنن أبي داود 332:2-2467، سنن الترمذي 167:3-804، سنن البيهقي 4: 315، مسند أحمد 181:6.
2- التهذيب 293:4-891، الاستبصار 128:2-416.
3- فتح العزيز 530:6.

و يجعل زمان الأذان مستثني عن اعتكافه(1).

مسألة 209: يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة

بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفة للغائط و البول(2).

و لأنّ هذا ممّا لا بدّ منه، و لا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه، لم يصح لأحد أن يعتكف.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف، و من المعلوم أنّه كان يخرج لقضاء الحاجة.

و لما رواه العامة عن عائشة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه داود بن سرحان، قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت للصادق عليه السلام: إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول و ما ذا أفرض علي نفسي ؟ فقال: «لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك»(4).

و في معناه الخروج للاغتسال من الاحتلام.

و لو كان إلي جانب المسجد سقاية خرج إليها و لا يجوز التجاوز، إلاّ أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام(5) ، فيحصل له مشقّة بدخولها، فيجوز له العدول إلي منزله و إن كان أبعد.

ص: 288


1- فتح العزيز 530:6.
2- المغني 132:3، الشرح الكبير 142:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادرها في الصفحة السابقة، الهامش (1).
4- الكافي 178:4-2، الفقيه 122:2-528، التهذيب 287:4-288-870.
5- أي: الاستحياء. الصحاح 1900:5.

و لو بذل له صديق منزله - و هو قريب من المسجد - لقضاء الحاجة، لم تلزمه الإجابة، لما فيه من المشقّة بالاحتشام، بل يمضي إلي منزل نفسه، سواء كان منزله قريبا أو بعيدا بعدا متفاحشا أو غير متفاحش، إلاّ أن يخرج بالعبد عن مسمّي الاعتكاف.

و لو كان له منزلان أحدهما أقرب، تعيّن عليه القصد إليه، خلافا لبعض الشافعيّة حيث سوّغ له المضيّ إلي الأبعد(1).

و لو احتلم، وجب عليه المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل، لأنّ الاستيطان حرام.

مسألة 210: يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول و المشروب

إذا لم يكن له من يأتيه به بالإجماع، لأنّ الحاجة تدعو إليه، و الضرورة ثابتة فيه، فجاز كغيره من الضروريات.

و هل يجوز الخروج للأكل خارج المسجد؟ إشكال، أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة و يكون من أهل الاحتشام، و إلاّ فلا.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، لأنّه قد يستحيي منه و يشقّ عليه.

و الثاني: أنّه لا يجوز - و هو قول الشافعي في الأمّ(2) - لأنّ الأكل في المسجد ممكن(3).

و لو عطش و لم يجد الماء في المسجد، فهو معذور في الخروج.

و لو وجده فالأقرب منعه من الخروج للشرب - و هو أصحّ وجهي الشافعية - لأنّ فعله في المسجد ممكن، و لا يستحي منه، و لا يعدّ تركه من المروة،

ص: 289


1- المهذب للشيرازي 199:1، فتح العزيز 533:6، حلية العلماء 222:3.
2- قال الشافعي في الأم 105:2: و إن أكل المعتكف في بيته فلا شيء عليه. و كذلك حكاه عنه النووي في المجموع 505:6.
3- المهذب للشيرازي 199:1، المجموع 505:6، فتح العزيز 532:6، حلية العلماء 222:3.

بخلاف الأكل فيه(1).

و لو فجأه القيء خرج من المسجد ليتقيّأ خارجه صيانة للمسجد و أهله عن الاستقذار.

و كلّ ما لا بدّ منه و لا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه، و لا يفسد اعتكافه، و هو علي اعتكافه ما لم يطل المكث و يخرج به عن اسم المعتكف.

مسألة 211: لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة و أقيمت الجمعة في غيره

لضرورة، أو اعتكف في غيرها عند من سوّغه، خرج لأدائها، و لم يبطل اعتكافه عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّه خرج لأداء واجب عليه، فلا يبطل به اعتكافه، كما لو خرج لأداء الشهادة، أو لإنقاذ غريق، أو إطفاء حريق.

و قال الشافعي: يجب أن يخرج لصلاة الجمعة.

و في بطلان اعتكافه قولان، أحدهما: لا يبطل، كما اخترناه.

و الثاني: أنّه يبطل - و به قال مالك(3) - لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع.

و علي هذا لو كان اعتكافه المنذور أقلّ من أسبوع، ابتدأ من أول الأسبوع أين شاء من المساجد و في الجامع متي شاء، و إن كان أكثر من أسبوع، فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتي لا يحتاج إلي الخروج للجمعة.

فإن كان قد عيّن غير الجامع و قلنا بالتعيين، فلا يخرج عن نذره إلاّ بأن

ص: 290


1- فتح العزيز 532:6، المجموع 505:6، حلية العلماء 223:3.
2- الهداية للمرغيناني 132:1، بدائع الصنائع 114:2، المغني 132:3، الشرح الكبير 143:3، حلية العلماء 223:3.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 131، حلية العلماء 223:3، المجموع 514:6، فتح العزيز 540:6.

يمرض فتسقط عنه الجمعة، أو بأن يتركها عاصيا و يدوم علي اعتكافه(1).

و هذا يستلزم الجمع بين الضدّين في الحكمين.

و احتجّ علي بطلان الاعتكاف: بأنّه أمكنه أداء فرضه بحيث لا يخرج منه، فبطل بالخروج، كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة.

و ليس بجيّد، لأنّه إذا نذر أيّاما معيّنة فيها جمعة، فكأنّه استثني الجمعة بلفظه.

و يبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها.

مسألة 212: يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المرضي و شهادة الجنائز

عند علمائنا أجمع، سواء اشترط ذلك في اعتكافه أو لا - و به قال علي عليه السلام، و سعيد بن جبير و النخعي و الحسن(2) - لما رواه العامّة عن علي عليه السلام، أنّه قال: «إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة و ليعد المريض و ليحضر الجنازة و ليأت أهله و ليأمرهم بالحاجة و هو قائم»(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و لا يخرج في شيء إلاّ لجنازة أو يعود مريضا و لا يجلس حتي يرجع»(4).

و لأنّه مؤكّد الاستحباب، و الاعتكاف للعبادة، فلا يناسب منعها من مؤكّداتها.

و قال عطاء و عروة و مجاهد و الزهري و الشافعي و مالك و أصحاب الرأي:

ص: 291


1- المجموع 513:6-514، فتح العزيز 540:6.
2- المغني 136:3، الشرح الكبير 148:3، المجموع 512:6.
3- مصنّف ابن أبي شيبة 87:3-88، و أوردها ابنا قدامة في المغني 136:3، و الشرح الكبير 148:3.
4- الكافي 178:4-179-3، الفقيه 122:2-529، التهذيب 288:4-871.

ليس له الخروج في ذلك - و عن أحمد روايتان(1) - لما روته عائشة، قالت:

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان(2).

و عنها: أنّها قالت: السنّة علي المعتكف أن لا يعود مريضا و لا يشهد جنازة و لا يمسّ امرأة و لا يباشرها و لا يخرج لحاجة إلاّ لما لا بدّ منه(3).

و لأنّه ليس بواجب، فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله(4).

و الحديث نقول بموجبه، و لا دلالة فيه علي موضع النزاع.

و الحديث الثاني ليس مسندا إلي الرسول صلّي اللّه عليه و آله، فلا يكون حجّة.

و كونه ليس بواجب لا يمنع الاعتكاف من فعله، كقضاء الحاجة.

مسألة 213: لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة

و أمكنه فعلها في المسجد، لم يجز له الخروج إليها، فإن لم يمكنه ذلك، فله الخروج إليها.

و إن تعيّن عليه دفن الميت أو تغسيله، جاز له الخروج لأجله، لأنّه واجب متعيّن، فيقدّم علي الاعتكاف، كصلاة الجمعة.

و الشافعي لمّا منع من عيادة المريض و صلاة الجنازة قال: لو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضا، فإن لم يقف و لا ازورّ(5) عن الطريق، بل اقتصر علي السلام و السؤال، فلا بأس، و إن وقف و أطال، بطل اعتكافه، و إن لم يطل فوجهان، و الأصحّ: أنّه لا بأس به.

ص: 292


1- المغني 136:3، الشرح الكبير 148:3.
2- سنن أبي داود 332:2-2467، سنن الترمذي 167:3-804، سنن البيهقي 4: 315.
3- سنن أبي داود 333:2-334-2473، سنن البيهقي 321:4.
4- المدوّنة الكبري 235:1، بدائع الصنائع 114:2، المجموع 512:6، المغني 3: 136، الشرح الكبير 148:3-149.
5- ازورّ: عدل و انحرف. لسان العرب 335:4.

و لو ازورّ عن الطريق قليلا فعاده، فقد جعلوه علي هذين الوجهين.

و الأصحّ عندهم: المنع، لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء حاجة.

و قد روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان لا يسأل عن المريض إلاّ مارّا في اعتكافه و لا يعرّج عليه(1)(2).

و لو كان المريض في بيت الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة، فالعدول لعيادته قليل، و إن كان في دار اخري فكثير.

و لو خرج لقضاء حاجة فعثر في الطريق علي جنازة، فلا بأس إذا لم ينتظرها و لا يزورّ عن الطريق.

و فيه وجه آخر: أنّه لا يجوز، لأنّ في صلاة الجنازة يفتقر إلي الوقفة(3).

مسألة 214: يجوز الخروج للمعتكف لإقامة الشهادة عند الحاكم،

سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا، و سواء كان متتابعا أو غير متتابع، تعيّن عليه التحمّل و الأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دعي إليها، لأنّ إقامة الشهادة أمر واجب لا بدّ منه، فصار ضرورة، كقضاء الحاجة، فلا يكون مبطلا، و إذا دعي إليها مع عدم التعيين، تجب الإجابة، فلا يمنع منه الاعتكاف.

و قال الشافعي: إن تعيّن عليه التحمّل و الأداء، خرج، و لا يبطل اعتكافه المتتابع بخروجه، و يستأنف إذا عاد، و إن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء، فكما لو لم يتعيّنا عليه، و إن كان بالعكس فقولان، لأنّه خرج لغير حاجة، فأبطل التتابع(4).

و المقدّمة الأولي ممنوعة.

ص: 293


1- لا يعرّج عليه، أي: لم يقم و لم يحتبس. النهاية - لابن الأثير - 203:3.
2- أوردها الرافعي في فتح العزيز 533:6، و في سنن أبي داود 333:2-2472، و سنن البيهقي 321:4 بتفاوت في اللفظ.
3- فتح العزيز 533:6، و المجموع 511:6-512.
4- المجموع 515:6، فتح العزيز 538:6.
مسألة 215: يجوز للمعتكف أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن،

لأنّه طاعة فلا يمنع الاعتكاف منه.

و لما رواه الصدوق - رحمه اللّه - عن ميمون بن مهران، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي عليهما السلام، فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّه إنّ فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: «و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك» قال: فكلّمه فلبس عليه السلام نعله، فقلت له: يا ابن رسول اللّه أنسيت اعتكافك ؟ فقال: «لم أنس و لكني سمعت أبي يحدّث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: من سعي في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه عزّ و جلّ تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله»(1).

مسألة 216: قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن المسجد

و إن كان بينه و بين المسجد فضاء(2) ، و لا يكون مبطلا لاعتكافه، لأنّ هذه المنارة بنيت للمسجد و أذانه، فصارت كالمتّصلة به.

و لأنّ الحاجة قد تدعو إلي ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد و قد عرف الجيران صوته و وثقوا بمعرفته بالأوقات، فجاز ذلك.

و قال الشافعي: إن لم يكن بابها في المسجد و لا في رحبته المتّصلة به، ففي بطلان اعتكاف المؤذّن الراتب بصعودها للأذان وجهان.

و لو خرج إليها غير المؤذّن الراتب للأذان، فإن أبطلنا اعتكاف الراتب فإبطال هذا أولي، و إلاّ فقولان مبنيّان علي أنّها مبنيّة للمسجد، فتكون معدودة من توابعه، فلا يبطل اعتكافه، أو أنّ الراتب قد اعتاد صعودها للأذان، و استأنس الناس بصوته، فيبطل هذا(3) ، لفقد هذا المعني فيه(4).

ص: 294


1- الفقيه 123:2-124-538.
2- الخلاف 235:2، المسألة 106، و المبسوط للطوسي 294:1.
3- أي: اعتكاف المؤذّن غير الراتب.
4- المجموع 506:6، فتح العزيز 530:6-531.

قال الشيخ رحمه اللّه: لو خرج المؤذّن إلي دار الوالي و قال: حيّ علي الصلاة أيّها الأمير، أو قال: الصلاة أيّها الأمير، بطل اعتكافه(1).

و هو حسن، لأنّه خرج من معتكفة لغير ضرورة.

و للشافعي قول بالجواز، لأنّ بلالا جاء فقال: السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته، الصلاة يرحمك اللّه(2).

و نمنع كون بلال قاله حال اعتكافه، أو أنّه خرج من المسجد فجاز أن يكون وقف علي بابه.

سلّمنا، لكن فعله ليس حجّة.

و يجوز للمعتكف الصعود علي سطح المسجد، لأنّه من جملته، و به قال الفقهاء الأربعة(3). و كذا يجوز أن يبيت فيه.

و لو كان إلي جنب المسجد رحبة و ليست منه، لم يجز الخروج إليها إلاّ لضرورة، لأنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها، و هو إحدي الروايتين عن أحمد. و الثانية: الجواز، لأنّها تابعة له و معه، فكانت بمنزلته(4).

و المقدّمتان ممنوعتان. و لا فرق بين أن يكون عليها حائط و باب أو لم يكن.

مسألة 217: إذا خرج المعتكف لضرورة، حرم عليه المشي تحت الظلال و الوقوف فيه

- إلاّ لضرورة - إلي أن يعود إلي المسجد. و كذا لا يقف تحت غير الظلال، لأنّه مناف للاعتكاف الذي هو اللبث في المسجد خاصة، و لأنّ في المشي تحت الظلال نوع ترفّه.

قال الصادق عليه السلام: «و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي

ص: 295


1- المبسوط للطوسي 294:1.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- المغني 138:3، الشرح الكبير 150:3.
4- المغني 138:3-139، الشرح الكبير 150:3.

مجلسك»(1).

و قال الصادق عليه السلام: «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها ثم لا يجلس حتي يرجع و لا يخرج في شيء إلاّ لجنازة أو يعود مريضا و لا يجلس حتي يرجع»(2).

و به قال الثوري(3).

و حكي عنه الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلاّ أن يكون ممرّه فيه، فإن دخل فسد اعتكافه(4). و باقي العامّة يجيزون له الاستظلال بالسقف(5).

و [السيد المرتضي](6) رحمه اللّه، احتجّ عليهم: بإجماع الطائفة و الاحتياط.

مسألة 218: إذا خرج المعتكف لضرورة، لم يجز له أن يصلّي إلاّ في المسجد الذي اعتكف فيه إلاّ بمكّة خاصة،

فإنّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء، لأنّها حرم، فلها حرمة ليست لغيرها.

و لقول الصادق عليه السلام: «المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّي في المسجد أو في بيوتها» ثم قال عليه السلام بعد كلام.

«و لا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلاّ بمكّة»(7).

و قال الصادق عليه السلام: «المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها

ص: 296


1- الكافي 178:4-2، الفقيه 122:2-528، التهذيب 287:4-288-870.
2- الكافي 178:4-179-3، الفقيه 122:2-529، التهذيب 288:4-871.
3- كما في الانتصار للسيد المرتضي: 74.
4- كما في الانتصار للسيد المرتضي: 74.
5- كما في الانتصار للسيد المرتضي: 74.
6- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و في الطبعة الحجرية: الشيخ، بدل السيد المرتضي. و الظاهر كونه من سهو النسّاخ. و ما أثبتناه هو الصحيح الموافق لمنتهي المطلب [635:2] للمصنّف، و الانتصار [: 74] للسيد المرتضي، مضافا إلي عدم ورود أصل المسألة في الخلاف للشيخ الطوسي.
7- التهذيب 293:4-891، الاستبصار 128:2-416.

شاء، و المعتكف في غيرها لا يصلّي إلاّ في المسجد الذي سمّاه»(1).

و لو اعتكف في غير مكّة فخرج لضرورة فضاق وقت الصلاة عن عوده، صلّي أين شاء، و لا يبطل اعتكافه، لأنّه صار ضروريا، فيكون معذورا، كالمضيّ إلي الجمعة.

مسألة 219: أوقات الخروج للضرورة لا يجب تداركها،

و لا يخرج المعتكف فيها عن اعتكافه إذا لم يطل الزمان، بل يكون الاعتكاف مستمرّا في أوقات الخروج لقضاء الحاجة و شبهها، و لهذا لو جامع في هذا الوقت، بطل اعتكافه. و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: أنّه لا يستمرّ، بل يكون زمان الخروج لقضاء الحاجة كالمستثني لفظا عن المدّة المنذورة، لأنّه لا بدّ منه، فإن جعلناه كقضاء الحاجة، لم يحتج إلي تجديد النيّة، و إن جعلناه كالمستثني، فلأنّ اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوي تلك الأوقات(3).

و قال بعض الشافعية: إن طال الزمان، ففي لزوم التجديد وجهان(4).

و الحقّ: أنّ مع طول الزمان بحيث يخرج عن الاسم يبطل الاعتكاف.

و إذا خرج لقضاء الحاجة، لم يكلّف الإسراع، بل يمشي علي سجيّته المعهودة، لأنّ عليه مشقّة في إلزامه غير ذلك.

و إذا خرج لقضاء الحاجة، لم يجز له أن يجامع في مروره بأن يكون في هودج، أو فرض ذلك في وقفة يسيرة، فإن فعل بطل الاعتكاف.

و للشافعية في إبطال الاعتكاف وجهان: أصحهما: البطلان.

أمّا علي تقدير القول باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء

ص: 297


1- الفقيه 121:2-523، التهذيب 293:4-294-892، الاستبصار 2: 128-417.
2- فتح العزيز 532:6، المجموع 502:6-503.
3- فتح العزيز 532:6، المجموع 502:6-503.
4- فتح العزيز 532:6، المجموع 503:6.

الحاجة: فظاهر، لأنّ الجماع يكون قد صادف الاعتكاف.

و أمّا علي تقدير القول بعدم استمراره: فلأنّ الجماع عظيم الوقع، فالاشتغال به أشدّ إعراضا عن العبادة.

و الثاني: أنّه لا يبطل، لأنّه غير معتكف في تلك الحالة و لم يصرف إليه زمانا(1).

و إذا فرغ من قضاء الحاجة و استنجي، لم يلزمه نقل الوضوء إلي المسجد، بل يقع ذلك تابعا، بخلاف ما إذا احتاج إلي الوضوء بمعني غير قضاء الحاجة، كما لو قام من النوم، فإنّه لا يجوز له الخروج ليتوضّأ في أظهر وجهي الشافعية إذا أمكن الوضوء في المسجد(2).

و إذا منعنا من الأكل خارج المسجد أو مشي إلي منزله لقضاء الحاجة، جاز له أن يأكل لقمة أو لقمتين، و ليس له أن يأكل جميع أكله، لأنّ القليل لا اعتداد به.

مسألة 220: إذا حاضت المرأة أو نفست و هي معتكفة، لزمها الخروج من المسجد

بلا خلاف، لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد، فهو كالجنابة و آكد منه و قد قال عليه السلام: (لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب)(3).

و إذا خرجت لعذر الحيض، مضت إلي بيتها. و به قال الشافعي و مالك و ربيعة و الزهري و عمرو بن دينار(4).

أمّا خروجها من المسجد: فلما تقدّم من الإجماع و الحديث.

و أمّا رجوعها إلي منزلها: فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد و بطل

ص: 298


1- فتح العزيز 533:6-534، المجموع 504:6.
2- فتح العزيز 534:6، المجموع 503:6.
3- سنن أبي داود 60:1-232.
4- المغني 153:3، الشرح الكبير 146:3، المجموع 520:6، المنتقي - للباجي - 2: 85.

اعتكافها.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّها ترجع إلي بيتها»(1).

و قال أحمد: إن لم يكن في المسجد رحبة، رجعت إلي منزلها، و إن كان له رحبة خارجه يمكن أن تضرب فيها خباءها، ضربت خباءها فيها مدّة حيضها(2).

و قال النخعي: تضرب فسطاطها في دارها، فإذا طهرت، قضت تلك الأيّام، و إن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت(3).

لأنّ عائشة قالت: كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بإخراجهنّ من المسجد و أن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتي يطهرن(4).

و لا حجّة فيه، لجواز أن يكون عليه السلام أمر بذلك ليعرف الناس أنّ رحبة المسجد ليست منه، أو لأنّ الاعتكاف قد كان واجبا عليهنّ و علم عليه السلام من حالهنّ توهّم سقوطه بخروجهنّ من المسجد.

إذا عرفت هذا، فإن كان اعتكافها ثلاثة أيّام لا غير، فإذا حاضت في أثنائه بطل، و لم يجز لها البناء علي ما فعلته، لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا.

ثم إن كان واجبا، وجب عليها بعد الطهر الاستئناف، و إلاّ فلا.

و إن كان أكثر، فإن حاضت بعد الثلاثة، جاز لها البناء علي ما فعلته بعد الطهر، لأنّه عذر كقضاء الحاجة.

و لا يعدّ أيّام الحيض من الاعتكاف إجماعا. و من لا يشترط الصوم من3.

ص: 299


1- الكافي 179:4-2، الفقيه 123:2-536.
2- المغني 153:3، الشرح الكبير 146:3.
3- المغني 153:3، الشرح الكبير 146:3، المجموع 520:6.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 154:3، و الشرح الكبير 147:3.

العامّة يجوّز البناء علي ما تقدّم مطلقا(1).

إذا ثبت هذا، فالنفساء بحكم الحائض، لأنّ النفاس في الحقيقة حيض، و أمّا المستحاضة فإنّها بمنزلة الطاهر يجوز لها الاعتكاف مع الأغسال.

قالت عائشة: اعتكفت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت تري الحمرة و الصفرة، و ربما وضعنا الطست تحتها و هي تصلّي(2).

فإن لم يمكن صيانة المسجد عن التلويث، خرجت، لأنّه عذر، فإن كان الزمان يسيرا جدّا كقضاء الحاجة، بنت علي ما فعلت و حسبت زمان الخروج من الاعتكاف، كزمان قضاء الحاجة.

و قال الشافعي: إن كانت المدّة المنذورة طويلة لا تخلو عن الحيض غالبا، لم ينقطع التتابع، بل تبني إذا طهرت، كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفّارة.

و إن كانت بحيث تخلو عن الحيض، فقولان: أحدهما: أنّه لا ينقطع به التتابع، لأنّ جنس الحيض متكرّر بالجبلة، فلا يؤثّر في التتابع، كقضاء الحاجة. و أظهرهما: ينقطع، لأنّها بسبيل أن تشرع كما لو طهرت(3).

مسألة 221: إذا طلّقت المعتكفة رجعيّا، خرجت من اعتكافها إلي منزلها

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لقوله تعالي:

ص: 300


1- المغني 125:3 و 153 و 154، الشرح الكبير 125:3 و 146.
2- صحيح البخاري 64:3-65، سنن أبي داود 334:2-2476.
3- فتح العزيز 534:6، المجموع 519:6.
4- فتح العزيز 538:6-539، و قالا به في المتوفّي عنها زوجها في المغني 151:3، و الشرح الكبير 147:3.

لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ (1) .

و لأنّ الاعتداد في بيتها واجب فلزمها الخروج إليه، كالجمعة في حقّ الرجل.

و قال ربيعة و مالك و ابن المنذر: تمضي في اعتكافها حتي تفرغ منه ثم ترجع إلي بيت زوجها فتعتدّ فيه، لأنّ الاعتكاف المنذور واجب، و الاعتداد في بيت الزوج واجب، و قد تعارضا، فيقدّم الأسبق(2).

و ينتقض: بالخروج إلي الجمعة و سائر الواجبات.

أمّا استئناف الاعتكاف فإنّه يصحّ علي تقدير أن يكون الاعتكاف واجبا و لم يشترط الرجوع.

مسألة 222: إذا مرض المعتكف مرضا يخاف منه تلويث المسجد،

كإدرار البول و انطلاق البطن و الجرح السائل، فإنّه يخرج منه إجماعا صيانة للمسجد عن النجاسة، و إذا بريء بني علي اعتكافه، و لا يبطل ما تقدّم إلاّ أن يكون أقلّ من ثلاثة أيام عندنا. و ينقطع به التتابع.

و المشهور عند الشافعية أنّه لا ينقطع التتابع، لاضطراره إليه، كالخروج للحيض(3).

و للشافعي قول آخر: إنّه ينقطع(4).

فإن كان المرض خفيفا يمكنه معه المقام في المسجد، و لا يتضرّر بالصوم، وجب عليه إكمال اعتكافه الواجب، و يستحب إتمام المندوب، فإن خرج فيهما، بطل اعتكافه، و ذلك كوجع ضرس و صداع يسير و ما أشبهه ممّا لا يوجب الإفطار.

ص: 301


1- الطلاق: 1.
2- المدونة الكبري 231:1، المغني 151:3، الشرح الكبير 147:3-148، و فيهما قالوا به في المتوفّي عنها زوجها.
3- فتح العزيز 536:6، المجموع 517:6.
4- فتح العزيز 536:6، المجموع 517:6.

و إن كان المرض ثقيلا يفتقر معه إلي الإفطار، و يحتاج إلي الفراش و الطبيب و المعالجة، خرج إجماعا فإذا بريء أتمّ اعتكافه إن كان قد اعتكف أوّلا ثلاثة أيّام فما زاد، و إلاّ وجب عليه الاستئناف.

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه لا ينقطع به التتابع، لدعاء الحاجة إليه، فصار كالخروج لقضاء الحاجة.

و الثاني: أنّه ينقطع، لأنّ المرض لا يغلب عروضه، بخلاف قضاء الحاجة و الحيض، فإنّه يتكرّر غالبا، فيجعل كالمستثني لفظا(1).

إذا عرفت هذا، فالاعتكاف إن كان مندوبا، خرج المريض إلي بيته، و لا يجب قضاؤه، و إن كان واجبا، فإن كان ثلاثة لا غير، استأنف الاعتكاف، لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة و كذا ما مضي، فالماضي لا يجزئه عنه و كذا الباقي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة، فإنّه يأتي بيته ثم يعيد إذا بريء و يصوم»(2).

و إن كان أكثر من ثلاثة، فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج، فإذا عاد بني، فإن كان الباقي ثلاثة أيضا فما زاد، أتي به، و إن كان أقلّ، ضمّ إليه ما يكمله ثلاثة.

و إن حصل العارض قبل انقضاء الثلاثة، فالأقرب الاستيناف.

مسألة 223: إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحجّ أو عمرة حالة اعتكافه،

لزمه الإحرام، و يقيم في معتكفة إلي أن يتمّ ثم يمضي في إحرامه، لأنّها عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة و لا ضرورة هنا.

و لو خاف فوت الحجّ، ترك الاعتكاف، و مضي في الحج، فإذا فرغ

ص: 302


1- فتح العزيز 535:6-536، المهذب للشيرازي 200:1، المجموع 517:6.
2- الكافي 179:4-1، الفقيه 122:2-530، التهذيب 294:4-893.

استأنف واجبا إن كان الاعتكاف واجبا و لم تمض ثلاثة، و إلاّ ندبا، لأنّ الخروج حصل باختياره، لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف.

و لو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام، فإن كان فيه، اعتكف، و إن كان بعيدا عنه، دخل إليه و لم يدخله إلاّ بنسك إمّا حجّ أو عمرة.

و لو أغمي علي المعتكف أيّاما ثم أفاق، قال الشيخ رحمه اللّه: لم يلزمه قضاؤه، لعدم الدليل عليه(1).

و لو وقعت فتنة خاف منها علي نفسه أو ماله نهبا أو حريقا إن قعد في المسجد، فله ترك الاعتكاف، لأنّ اللّه تعالي أباح ترك الجمعة الواجبة و طهارة الماء بذلك فأولي أن يباح لأجله ترك ما أوجبه علي نفسه.

و قد روي عن الصادق عليه السلام: «إن واقعة بدر كانت في شهر رمضان، فلم يعتكف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوما، عشرة لعامه و عشرة قضاء لما فاته»(2) و إذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في أثنائه.

مسألة 224: لو خرج المعتكف من المسجد سهوا، لم يبطل اعتكافه

و لا تتابعه - و هو أحد قولي الشافعية(3) - لقوله عليه السلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(4).

و لأنّه فعل المنهي عنه ناسيا، فلا يقتضي فساد العبادة كالأكل في الصوم و غيره من المفطرات.

و الثاني للشافعية: أنّه يبطل التتابع، لأنّ اللبث مأمور به، و النسيان

ص: 303


1- المبسوط للطوسي 295:1.
2- الكافي 175:4-2، الفقيه 120:2-518.
3- المهذب للشيرازي 200:1، المجموع 521:6، الوجيز 108:1، فتح العزيز 6: 536.
4- كنز العمال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

ليس بمعذّر في ترك المأمورات(1).

و هو ممنوع، و للحنابلة قولان(2) كهذين.

مسألة 225: لو اكره علي الخروج، فإن طال زمانه، بطل اعتكافه،

لانتفاء المسمّي، و لو لم يطل لم يبطل بل يبني مع العود، لقوله عليه السلام:

(رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(3)المهذب للشيرازي 200:1، المجموع 521:6، الوجيز 108:1، فتح العزيز 6:

537، حلية العلماء 225:3.(4).

و للشافعي قولان، أحدهما: بطلان الاعتكاف و انقطاع التتابع بالإكراه علي الخروج. و الثاني: عدم البطلان(4).

و لو أخرجه السلطان، فإن كان ظلما، مثل أن يطالبه بما ليس عليه أو بما له عليه و هو معسر، لم يبطل اعتكافه إلاّ مع طول الزمان، و إن أخرجه بحقّ، مثل إقامة حدّ أو استيفاء دين يتمكّن من أدائه، بطل اعتكافه و استأنف.

و به قال الشافعي في المال خاصّة دون الحدّ، لأنّ التقصير منه في المال، و أحوج نفسه إلي الإخراج مع تمكّنه من تركه، فكان كمن يخرج مختارا.

أمّا في الحدّ: فلأنّه مكره علي الخروج إن ثبت بالبيّنة، و إن ثبت بإقراره انقطع تتابعه، و نصّ في الثابت بالبيّنة أنّه لا ينقطع تتابعه(5).

و فرّق بينه و بين إقامة الشهادة: أنّ الشهادة إنّما تتحمّل لتؤدّي، فاختياره للتحمّل اختيار للأداء، و الجريمة الموجبة للحدّ لا يرتكبها المجرم ليقام عليه

ص: 304


1- المجموع 521:6، الوجيز 108:1، فتح العزيز 536:6.
2- المغني 138:3، الشرح الكبير 153:3.
3- تقدمت الإشارة إلي مصدره في الصفحة السابقة، الهامش
4- .
5- المجموع 522:6، فتح العزيز 537:6 و 538.

الحدّ، فلم تحصل باختياره و لا اعتبار باختيار السبب(1).

و ينتقض: بأداء الشهادة إذا كان مختارا في تحمّلها، فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّا.

و لو حمل فاخرج فكالمضطرّ.

و قال الشافعي: لا يبطل، كما أنّه لو وجر الصائم الطعام لا يبطل صومه(2).

مسألة 226: الأعذار المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها

علي الأقوي، لأنّه كالمستثني.

و قال الشافعي: يجب قضاؤها إلاّ وقت قضاء الحاجة.

و هل يجب تجديد النيّة عند العود؟ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة فلا، و كذا ما لا بدّ منه، كالخروج للاغتسال و الأذان إذا جوّزنا الخروج إليه.

أمّا ما منه بدّ فوجهان، أحدهما: أنّه يجب، لأنّه خرج عن العبادة بما عرض. و الأظهر: عدم الوجوب، لشمول النيّة جميع المدّة(3).

مسألة 227: يستحب للمعتكف أن يشترط علي ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف،

بإجماع العلماء - إلاّ ما حكي عن مالك أنّه قال: لا يصح الاشتراط(4) - لأنّه عبادة في إنشائها الخيرة، فله اشتراط الرجوع مع العارض كالحجّ. و لأنّه عبادة يجب بعقده، فكان الشرط إليه فيه كالوقف. و لأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر، فإذا شرط الخروج، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه.

ص: 305


1- فتح العزيز 538:6.
2- المهذب للشيرازي 200:1، المجموع 521:6، فتح العزيز 537:6.
3- المجموع 502:6، فتح العزيز 532:6 و 541-542.
4- المدونة الكبري 228:1 و 229، المنتقي - للباجي - 80:2-81، تفسير القرطبي 2: 335، المغني 137:3، الشرح الكبير 149:3، فتح العزيز 520:6.

و قد قال الصادق عليه السلام: «و اشترط علي ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك (إنّ ذلك في)(1) اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه»(2).

و قال الصادق عليه السلام: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم»(3).

و احتجّ مالك: بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها، فلا يصح، كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة(4).

و نمنع شرط المنافي، بل هو بمنزلة من شرط الاعتكاف في زمان دون زمان، و هو صحيح، بخلاف أصله، لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز.

مسألة 228: قال الشيخ رحمه اللّه: إذا اشترط المعتكف علي ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه،

فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان، فإن مضي له يومان، وجب الثالث، و إن لم يشترط، وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام، لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام(5).

و قال في النهاية: متي شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء، و إن لم يشترط، لم يكن له الرجوع فيه إلاّ أن يكون أقلّ من يومين، فإن مضي عليه يومان، وجب عليه ثلاثة أيّام(6) ، لقول الباقر عليه السلام: «إذا اعتكف يوما

ص: 306


1- بدل ما بين القوسين في الاستبصار: «أن يحلّك من».
2- التهذيب 289:4-878، الإستبصار 129:2-419.
3- الكافي 177:4-2، الفقيه 121:2-10، التهذيب 289:4-876، الاستبصار 128:2-129-418.
4- انظر: المدونة الكبري 228:1، و المنتقي - للباجي - 81:2.
5- المبسوط للطوسي 289:1.
6- النهاية: 171.

و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط، فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتي تمضي ثلاثة أيام»(1).

و يجيء علي قول الشيخ - رحمه اللّه - تفصيل، و هو: أنّ الاعتكاف إن كان متبرّعا به، جاز له أن يرجع متي شاء، سواء شرط أو لا، لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها، و إن كان منذورا فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا، و علي التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا، و علي التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط علي ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا، فالأقسام ثمانية:

أ - أن يعيّن زمانا و يشترط التتابع و الرجوع مع العارض، فله الرجوع عند العارض، و لا يجب عليه إتمامه، عملا بالشرط، و لا قضاؤه، لأصالة البراءة السليمة عن المعارض.

ب - عيّن النذر و لم يشترط التتابع، لكن شرط الرجوع ثم عرض العارض، فله الخروج، عملا بالشرط، و لا يجب عليه الإتمام و لا القضاء.

ج - عيّن النذر و شرط التتابع و لم يشترط علي ربه، فإنّه يخرج مع العارض، و يقضي مع الزوال متتابعا.

د - عيّن النذر و لم يشترط التتابع و لا شرط علي ربّه ثم حصل العارض، فإنّه يخرج و يقضي الفائت.

ه - لم يعيّن زمانا لكن شرط التتابع و اشترط علي ربّه، فعند العارض يخرج ثم يأتي بما بقي عليه متتابعا عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة، و إن كان أقلّ استأنف.

و - لم يعيّن و اشترط التتابع و لم يشترط علي ربّه، فإنّه يخرج مع العارض ثم يستأنف اعتكافا متتابعا، لأنّه وجب عليه متتابعا، و لا يتعيّن بفعله إذا لم يعيّنه بنذره، فيجب عليه الإتيان به علي وصفه الذي شرط في نذره. و فيه1.

ص: 307


1- التهذيب 289:4-290-879، الإستبصار 129:2-421.

إشكال.

ز - لم يعيّن و اشترط علي ربّه و لم يشترط التتابع، فإنّه يخرج مع العارض، ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة، و إلاّ بني إن كان الواجب أزيد، و أتي بالباقي إن كان ثلاثة فما زاد، و إلاّ فثلاثة.

ح - لم يعيّن و لم يشترط التتابع و لا شرط علي ربّه، فإنّه يخرج مع العارض و يستأنف إن لم تحصل ثلاثة، و إلاّ أتمّ.

مسألة 229: الاشتراط إنّما يصح في عقد النذر،

أمّا إذا أطلقه من الاشتراط، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف، فإذا لم يشترط ثم عرض ما يمنع الصوم أو الكون في المسجد، فإنّه يخرج و يقضي الاعتكاف إن كان واجبا فواجبا، و إن كان ندبا فندبا.

و إنّما يصح اشتراط الرجوع مع العارض، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة و التنزّه أو البيع و الشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد، لم يجز، لأنّه مناف للاعتكاف.

مسألة 230: قد بيّنّا أنّه يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة

و لنفع المؤمن و الصلاة علي الجنازة و عيادة المريض و شراء مأكوله و مشروبه.

و أكثر العامّة منع من الخروج إلاّ لقضاء الحاجة و لما لا بدّ له منه، فإن خرج لما له منه بدّ، بطل اعتكافه و إن قلّ، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد(1).

و قال أبو يوسف و محمد: لا يفسد حتي يكون أكثر من نصف يوم، لأنّ اليسير معفوّ عنه، كما لو تأنّي في مشيه.

و لأنّ صفيّة أتت النبي صلّي اللّه عليه و آله، تزوره في معتكفة، فلمّا

ص: 308


1- المغني 135:3، الشرح الكبير 153:3، حلية العلماء 221:3، المبسوط للسرخسي 118:3، بدائع الصنائع 115:2.

قامت لتنقلب خرج معها ليقلبها(1)(2)(3).

و يحتمل أن لا يكون له عليه السلام منه بدّ، لأنّه كان ليلا فلم يأمن عليها.

مسألة 231: منع العامّة من الخروج لعيادة المريض و شهادة الجنازة إلاّ أن يشترط فعل ذلك

في اعتكافه، فيكون له فعله، سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا، و كذا ما كان قربة، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم، أو كان مباحا ممّا يحتاج إليه، كالأكل في منزله و المبيت فيه، فله فعله(4). و في المبيت إشكال.

و قد أجاز اشتراط الأكل في منزله الحسن و العلاء بن زياد و النخعي و قتادة(5).

و منع منه مالك و الأوزاعي(6).

قال مالك: لا يكون في الاعتكاف شرط(7).

و ليس بجيّد، إذ لا يجب بعقده، فكان الشرط فيه إليه كالوقف. و لأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر، فإذا شرط الخروج، فكأنّه نذر القدر الذي إقامة.

و إن قال: متي مرضت أو عرض لي عارض خرجت، جاز شرطه.

مسألة 232: إذا نذر اعتكافا بصفة التتابع، و شرط الخروج منه إن عرض عارض،

صحّ شرطه علي ما تقدّم، لأنّ الاعتكاف إنّما يلزم بالتزامه، فيجب بحسب الالتزام، و هو أظهر قولي الشافعي(8).

ص: 309


1- أي: فلمّا قامت لترجع خرج معها ليصحبها. النهاية - لابن الأثير - 96:4.
2- صحيح البخاري 64:3، سنن ابن ماجة 566:1-1779، سنن البيهقي 324:4.
3- المغني 135:3، الشرح الكبير 153:3، المبسوط للسرخسي 118:3، بدائع الصنائع 115:2، حلية العلماء 222:3.
4- المغني 135:3-137، الشرح الكبير 148:3-149.
5- المغني 137:3، الشرح الكبير 149:3.
6- المغني 137:3، الشرح الكبير 149:3.
7- المغني 137:3، الشرح الكبير 149:3.
8- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.

و له قول آخر: إنّه لا يصح - كما هو مذهب مالك - لأنّه شرط المنافي فيلغو، كما لو شرط أن يخرج للجماع(1).

و المشهور عند الشافعية: الصحة(2) ، و به قال أبو حنيفة(3). و بالثاني قال مالك(4). و عن أحمد روايتان(5).

فعلي القول بالصحة إن عيّن نوعا، مثل أن قال: لا أخرج إلاّ لعيادة المريض، أو عيّن ما هو أخصّ، فقال: لا أخرج إلاّ لعيادة زيد، خرج فيما عيّنه خاصة دون غيره و إن كان أهمّ منه عند الشافعي(6). و عندنا يجوز فيما عداه من القرب علي ما سبق، إلاّ أن يطول الزمان.

و إن أطلق و قال: لا أخرج إلاّ لشغل يعتري أو لعارض يعرض، كان له أن يخرج لكلّ شغل ديني، كحضور الجمعة و عيادة المرضي، أو دنيوي، كلقاء السلطان و اقتضاء الغريم، و لا يبطل التتابع بشيء من ذلك عنده(7).

و شرط في الشغل الدنيوي الإباحة.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّه لا يشترط(8).

و لا عبرة بالنزهة، لأنّه لا يعدّ من الأشغال، و لا يعتني به.

و لو قال: إن عرض لي عارض قطعت الاعتكاف، فالحكم كما لو شرط، إلاّ أنّه في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء الحاجة، و فيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك.

و كذا لو قال: عليّ أن أعتكف رمضان إلاّ أن أمرض أو أسافر، فإذا مرض أو سافر فلا شيء عليه.

و لو نذر صلاة و شرط الخروج إن عرض عارض، أو صوما و شرط الخروج إن جاع أو أضيف فيه، فلهم وجهان:6.

ص: 310


1- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.
2- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.
3- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.
4- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.
5- فتح العزيز 520:6، المجموع 537:6.
6- فتح العزيز 520:6-521، المجموع 538:6.
7- فتح العزيز 520:6-521، المجموع 538:6.
8- فتح العزيز 520:6-521، المجموع 538:6.

أحدهما - و هو قول أكثر الشافعيّة - أنّه يصحّ هذا الشرط، كما في الاعتكاف.

و الثاني: لا يصحّ و لا ينعقد النذر، بخلاف الاعتكاف، لأنّ ما يتقدّم منه علي الخروج عبادة، و بعض الصلاة و الصوم ليس بعبادة(1).

و لو فرض ذلك في الحج، انعقد النذر عندهم(2) ، كما ينعقد الإحرام المشروط، و لكن في جواز الخروج للشافعي قولان(3). و الصوم و الصلاة أولي لجواز الخروج منهما عند أكثرهم، لأنّهما لا يلزمان بالشروع، و الالتزام مشروط، فإذا وجد العارض فلا يلزم، و الحج يلزم بالشروع(4).

و لو نذر التصدّق بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلاّ أن تعرض حاجة و نحوها، فلهم وجهان، و الأظهر عندهم: صحة الشرط، فإذا احتاج فلا شيء عليه(5).

و لو قال: في هذه القربات إلاّ أن يبدو لي، فوجهان:

أحدهما: أنّه يصح الشرط، فلا شيء عليه إذا بدا له، كشرط سائر العوارض.

و أظهرهما عندهم: البطلان، لأنّه تعليق للأمر بمجرّد الخيرة، و ذلك يناقض صيغة الالتزام(6).

ثم هل يبطل النذر من أصله أو يصحّ و يلغو الشرط؟ للشافعيّة قولان(7).

و إذا شرط الخروج لغرض و قالوا بصحته، فخرج لذلك الغرض، هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه ؟ ينظر إن نذر مدّة غير معيّنة، كشهر مطلق أو عشرة مطلقة، فيجب التدارك ليتمّ المدّة المنذورة، و تكون فائدة الشرط:

تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به.0.

ص: 311


1- فتح العزيز 521:6-522، المجموع 538:6-539.
2- فتح العزيز 521:6-522، المجموع 538:6-539.
3- فتح العزيز 521:6-522، المجموع 538:6-539.
4- فتح العزيز 521:6-522، المجموع 538:6-539.
5- فتح العزيز 522:6-523، المجموع 539:6-540.
6- فتح العزيز 522:6-523، المجموع 539:6-540.
7- فتح العزيز 522:6-523، المجموع 539:6-540.

و إن عيّن المدّة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان، لم يجب التدارك، لأنّه لم ينذر إلاّ اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة(1).

مسألة 233: إذا نذر أن يعتكف شهرا بعينه،

دخل المسجد قبل غروب الشمس، و خرج منه يوم الثلاثين بعد غروب الشمس - و به قال مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لأنّه نذر الشهر، و أوّله غروب الشمس، و لهذا تحلّ الديون المعلّقة به، و يقع الطلاق و العتاق المعلّقان به، و وجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر، فإنّه لا يمكن إلاّ بذلك فيجب، كما يجب إمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم.

و قال أحمد في الرواية الثانية: إنّه يدخل قبل طلوع الفجر - و به قال الليث و زفر - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا أراد أن يعتكف صلّي الصبح ثم دخل معتكفة(3).

و لأنّ اللّه تعالي قال فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (4) و لا يلزم الصوم إلاّ من قبل طلوع الفجر.

و لأنّ الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه(5).

و لا حجّة في الخبر، لأنّه يدخل في التطوّع متي شاء.

قال ابن عبد البرّ: لا أعلم أنّ أحدا من الفقهاء قال به(6).

و الصوم محلّه النهار، فلا يدخل فيه شيء من الليل في أثنائه و لا ابتدائه

ص: 312


1- فتح العزيز 524:6-525، المجموع 540:6.
2- المغني 155:3، الشرح الكبير 136:3.
3- صحيح مسلم 831:2-1173، سنن ابن ماجة 563:1-1771، سنن الترمذي 3: 157-791، سنن البيهقي 315:4.
4- البقرة: 185.
5- المغني 155:3، الشرح الكبير 136:3.
6- المغني 156:3، الشرح الكبير 137:3.

إلاّ ما حصل ضرورة، بخلاف الاعتكاف.

و لو أحبّ اعتكاف العشر الأواخر تطوّعا، ففيه روايتان عن أحمد:

إحداهما: يدخل فيه قبل غروب الشمس من ليلة إحدي و عشرين، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتي إذا كان ليلة إحدي و عشرين، و هي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه، قال: (من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر).

و لأنّ العشر بغير «هاء» عدد الليالي(1). و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2).

و في الثانية: يدخل بعد صلاة الصبح - و به قال الأوزاعي و إسحاق - لما روت عائشة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان إذا صلّي الصبح دخل معتكفة(3).

و استحبّ أحمد لمن اعتكف العشر الأخير من رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفة(4).

و يستحبّ للمرأة إذا أرادت الاعتكاف أن تستتر بشيء، لأنّ أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله، لمّا أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهنّ فضربن في المسجد(5).

و إذا ضربت بناء، جعلته في مكان لا يصلّي فيه الرجال، لئلاّ تقطع صفوفهم و تضيّق عليهم.

و لا بأس للرجل أن يستتر أيضا، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، أمر4.

ص: 313


1- أي: إسقاط «الهاء» في العشر دليل علي إرادة الليالي. هامش «ن».
2- قوله: و هو إحدي الروايتين.. يفيده قوله المتقدّم عليه: ففيه روايتان عن أحمد، إحداهما.
3- المغني 156:3-157، الشرح الكبير 137:3.
4- المغني 156:3-157، الشرح الكبير 137:3.
5- سنن أبي داود 331:2-332-2464.

ببنائه فضرب(1). و لأنّه أستر له و أخلي(2).

المطلب السادس: في الكفّارة
مسألة 234: إذا جامع المعتكف في حال اعتكافه ليلا أو نهارا، وجبت عليه الكفّارة

عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الزهري و بعض الحنابلة و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لأنّه عبادة يفسدها الوطء بعينه، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها، كالحجّ و صوم رمضان.

و لأنّه زمان تعيّن للصوم، و تعلّق الإثم بإفساده، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع كرمضان.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام، عن معتكف واقع أهله، فقال: «هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان»(4).

و سأله أبو ولاّد الحنّاط عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت - حين بلغها قدومه - من المسجد إلي بيتها و تهيّأت لزوجها حتي واقعها، فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام و لم تكن اشترطت في اعتكافها كان عليها ما علي المظاهر»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخري: لا كفّارة عليه - و هو قول عطاء و النخعي

ص: 314


1- سنن أبي داود 331:2-2464.
2- أخلي: من الخلوة بالنفس عن الناس لأجل الاشتغال بالعبادة، لأن الاختلاط بهم يضادّ التفرّغ و يلهي عادة.
3- المغني 140:3، الشرح الكبير 155:3، المجموع 527:6، حلية العلماء 225:3.
4- الكافي 179:4-2، الفقيه 123:2-534، التهذيب 291:4-886، الإستبصار 130:2-423.
5- الكافي 177:4-1، الفقيه 121:2-524، التهذيب 289:4-877، الاستبصار 130:2-422.

و أهل المدينة و مالك و أهل العراق و الثوري و أهل الشام و الأوزاعي - لأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع، فلا تجب بإفسادها كفّارة، كالنوافل.

و لأنّها عبادة لا يدخل المال في جبرانها، فلم تجب الكفّارة بإفسادها، كالصلاة.

و لأنّ الكفّارة إنّما تثبت بالشرع و لم يرد الشرع بإيجابها، فتبقي علي الأصل(1).

و الفرق: أنّ النوافل لا يتعلّق بإفسادها إثم فلا كفّارة، لأنّ الكفّارة تتبع الإثم.

و القياس علي الصلاة ممنوع، و معارض بما قلناه، و بأنّه في مقابلة النصّ.

و قد بيّنّا ورود الشرع بالوجوب، و هي الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام، و هم أعرف بالأحكام من غيرهم، فإنّ الوحي في بيتهم نزل.

مسألة 235: كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان:

عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا - و به قال الحسن و الزهري إلاّ أنّهما قالا بالترتيب، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2) - لأنّها كفّارة في صوم واجب، فكانت مثل كفّارة رمضان.

و لما تقدّم من الروايتين(3) عن الصادق عليه السلام.

و لأنّ سماعة قال: سألت الصادق عليه السلام، عن معتكف واقع أهله، قال: «عليه ما علي الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا: عتق رقبة

ص: 315


1- المغني 139:3-140، الشرح الكبير 155:3-156، بداية المجتهد 1: 316-317.
2- المغني 141:3، الشرح الكبير 156:3.
3- تقدّمتا في المسألة السابقة (234).

أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا»(1).

و قال بعض الحنابلة: تجب كفّارة يمين(2).

و المشهور عن أحمد أنّه قال: من أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر، نقله عن الزهري. ثم قال: إذا كان نهارا، وجبت عليه الكفّارة(3).

مسألة 236: الذي عليه فتوي علمائنا في كفارة الاعتكاف أنّها كفّارة مخيّرة مثل كفّارة رمضان،

لما تقدّم من الروايات(4). و للأصل.

و في رواية عن الباقر عليه السلام، و اخري عن الصادق عليه السلام أنّ «عليه ما علي المظاهر»(5).

و هي محمولة علي المساواة في المقدار دون الترتيب، جمعا بين الروايات.

مسألة 237: الجماع إن وقع من المعتكف في نهار رمضان، وجب عليه كفّارتان:

إحداهما عن الاعتكاف، و الأخري عن رمضان، و إن وقع ليلا، وجبت كفّارة واحدة و إن كان في غير رمضان، و كذا إن وقع في نهار غير رمضان، لأنّ كلّ واحد من عبادتي الاعتكاف و رمضان يوجب الكفّارة، و الأصل عدم التداخل عند تغاير السبب.

و قد سأل عبد الأعلي بن أعين، الصادق عليه السلام، عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان، قال: «عليه الكفّارة» قال: قتلت:

فإن وطأها نهارا؟ قال: «عليه كفّارتان»(6).

ص: 316


1- التهذيب 292:4-888، الإستبصار 130:2-425.
2- المغني 141:3، الشرح الكبير 157:3.
3- المغني 141:3، الشرح الكبير 156:3.
4- منها: رواية سماعة، و قد تقدّمت في المسألة 235.
5- الكافي 179:4-1، الفقيه 122:2-532، التهذيب 291:4-887، الاستبصار 130:2-424، الجعفريات: 59.
6- الفقيه 122:2-123-533، التهذيب 292:4-889.

و السيد المرتضي - رحمه اللّه - أطلق، فقال: المعتكف إذا جامع نهارا، كان عليه كفّارتان، و إن جامع ليلا، كان عليه كفّارة واحدة(1). و الظاهر أنّ مراده رمضان.

مسألة 238: لو كانت المرأة معتكفة و وطأها مختارة،

وجب عليها مثل ما يجب علي الرجل، فإن أكرهها، تضاعفت الكفّارة عليه، فإن كان الإكراه في نهار رمضان، وجب عليه أربع كفّارات، و لا يبطل اعتكافها و لا صومها للإكراه، و إن كان في ليل غير رمضان، كان عليه كفّارتان لا غير، و لا يفسد اعتكافها أيضا، و مع المطاوعة يفسد اعتكافها كالرجل.

و قال بعض(2) علمائنا: لا يجب تضاعف الكفّارة بالإكراه، لأنّ الكفّارة تتبع إفساد الاعتكاف و هو غير متحقّق في طرف المرأة، لأنّ اعتكافها صحيح.

و لا بأس به، مع أنّ رواية التضعيف(3) ضعيفة، لأنّ في طريقها المفضّل ابن عمر، و فيه قول.

مسألة 239: المباشرة أثناء الاعتكاف دون الفرج إن كانت بغير شهوة، فلا بأس بها،

مثل أن تغسل رأسه أو تفليه(4) أو تناوله شيئا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، كان يدني رأسه إلي عائشة و هو معتكف فترجّله(5).

و إن كانت عن شهوة، فهي محرّمة، لقوله تعالي وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (6).

و لأنّه لا يأمن من إفضائها إلي إفساد الاعتكاف، و ما أفضي إلي الحرام

ص: 317


1- الانتصار: 73.
2- هو المحقّق في المعتبر: 326.
3- الكافي 103:4-104-9، الفقيه 73:2-313، التهذيب 215:4-625.
4- فلا رأسه، يفلوه و يفليه: بحثه عن القمل. لسان العرب 162:15.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 208.
6- البقرة: 187.

يكون حراما.

فإن فعل ما ينزل، فسد اعتكافه، و إن لم ينزل، لم يفسد - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه(1) - لأنّها مباشرة لا تفسد صوما و لا حجّا فلم تفسد الاعتكاف، كالمباشرة بغير شهوة.

و القول الثاني للشافعي: إنّها تفسد في الحالين - و به قال مالك - لأنّها مباشرة محرّمة، فأفسدت الاعتكاف، كما لو أنزل(2).

و الفرق: أنّها مع الإنزال تفسد الصوم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و يجب القضاء و الكفّارة بالجماع، و كذا كلّ مباشرة تؤدّي إلي إنزال الماء عمدا(3).

مسألة 240: اعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع

إجماعا، و كذا بالإنزال بالمباشرة و شبهها عند علمائنا و أكثر العامّة(4).

و هل تجب بالأكل و الشرب ؟ خلاف عند علمائنا، المشهور: أنّها تجب.

و قال بعض علمائنا: لا تجب(5) ، للأصل، و النصّ إنّما ورد في الجماع، و لا يجب سوي القضاء إن كان الصوم واجبا أو كان في ثالث

ص: 318


1- المبسوط للسرخسي 123:3، بدائع الصنائع 116:2، المغني 141:3-142، الشرح الكبير 157:3، المهذب للشيرازي 201:1، المجموع 525:6 و 527، فتح العزيز 482:6، حلية العلماء 226:3.
2- المهذب للشيرازي 201:1، المجموع 526:6-527، فتح العزيز 482:6، حلية العلماء 226:3، المنتقي - للباجي - 85:2، مقدّمات ابن رشد 191:1، المغني 3: 142، الشرح الكبير 157:3.
3- المبسوط للطوسي 294:1.
4- انظر: المغني 139:3 و الشرح الكبير 155:3، و المجموع 527:6، و بداية المجتهد 316:1.
5- هو المحقق في المعتبر: 326، و راجع: شرائع الإسلام 220:1.

المندوب، و إلاّ لم يجب القضاء أيضا.

قال المفيد رحمه اللّه، و السيد المرتضي رضي اللّه عنه: تجب الكفّارة بكلّ مفطر في شهر رمضان(1).

و قال بعض(2) علمائنا: إن كان الاعتكاف في نهار شهر رمضان، وجبت الكفّارة بكلّ مفطر، و كذا إن كان منذورا معيّنا، لأنّه بحكم رمضان، و لو كان الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير معيّن بزمان، لم تجب الكفّارة إلاّ بالجماع خاصة.

مسألة 241: لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه،

قال الشيخ رحمه اللّه: في أصحابنا من قال: يقضي عنه وليّه أو يخرج من ماله من ينوب عنه، لعموم ما روي أنّ من مات و عليه صوم واجب وجب علي وليّه القضاء عنه أو الصدقة(3).

و الأقرب أن يقال: إن كان واجبا فكذلك علي إشكال، و إن كان ندبا فلا.

قال الشيخ رحمه اللّه: قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون علي الفور(4).

فإن قصد الوجوب فهو ممنوع، لأصالة البراءة، و إن أراد الاستحباب فهو جيّد، لما فيه من المسارعة إلي فعل الطاعة و إخلاء الذمّة عن الواجب.

ثم قال رحمه اللّه: إذا أغمي علي المعتكف أيّاما ثم أفاق، لم يلزمه

ص: 319


1- حكاه عنهما، المحقّق في المعتبر: 325، و راجع: المقنعة: 58، و جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 61:3.
2- هو المحقق في المعتبر: 326.
3- المبسوط للطوسي 293:1-294.
4- المبسوط للطوسي 294:1.

قضاؤه، لأنّه لا دليل عليه(1).

و الوجه: الوجوب إن كان واجبا غير معيّن، و إن كان معيّنا و أغمي عليه في تلك الأيام، فالأولي السقوط، لأصالة البراءة.

ثم قال رحمه اللّه: متي كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر، كان دخوله في قضائه قبل الفجر، و يصوم يومه، و لا يعيد الاعتكاف ليله، و إن كان خروجه ليلا، كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلي آخر مدّة الاعتكاف المضروبة، فإن كان خرج وقته من مدّة الاعتكاف بما فسخه به ثم عاد إليه و قد بقيت مدّة من التي عقدها، تمّم باقي المدّة و زاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت(2).

مسألة 242: قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب، و لا يجب بالدخول فيه، و لا بمضيّ يومين

علي أقوي القولين، فينوي الندب إن لم ينذره.

و عند الشيخ - رحمه اللّه - ينوي الندب في اليومين الأوّلين، و في الثالث ينوي الوجوب(3).

و علي قوله الآخر من أنّه يجب بالدخول فيه(4) ينوي الوجوب في اليوم الثاني و الثالث.

و إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف، اعتكف ثلاثة ليصحّ ذلك اليوم، و ينوي الوجوب في الجميع، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

و كذا لو نذر أن يعتكف أول الشهر، أو قال: قدوم زيد، وجب أن يضمّ إليه آخرين، و ينوي الوجوب في الجميع.

ص: 320


1- المبسوط للطوسي 294:1.
2- المبسوط للطوسي 294:1.
3- النهاية: 171.
4- المبسوط للطوسي 289:1.

و لو نذر أن يعتكف يوما لا أزيد، أو نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد، لم ينعقد نذره.

و لو نذر أن يعتكف ثلاثة أيام دون لياليها، قيل: يصحّ(1).

و قيل: لا، لأنّه بخروجه عن الاعتكاف يبطل اعتكافه(2). و هو المعتمد.

و إذا اعتكف العبد بإذن مولاه ندبا، لم يجب بالدخول فيه، فإذا أعتق، لم يصر واجبا و لا اليوم الثالث علي الأقوي.

و يجيء علي قول الشيخ: الوجوب و إن لم يعتق.

و لو نذر اعتكاف شهر بعينه و لم يعلم به حتي خرج، كالمحبوس و الناسي، قضاه.

و إذا اعتكف ثلاثة متفرّقة، قيل: يصحّ، لأنّ التتابع لا يجب إلاّ بالاشتراط(3).

و قيل: لا يصحّ، لأنّ شرط الاعتكاف التتابع(4). و هو الحقّ.

تمّ الجزء الرابع(5) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه، في رابع عشر المحرّم سنة ست عشرة و سبعمائة. فرغت من تصنيفه و تصفيفه في هذا التاريخ، و يتلوه في الجزء الخامس(6) كتاب الحج.

و كتب حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي مصنّف الكتاب بالحلّة، و الحمد للّه رب العالمين، و صلّي اللّه علي سيّد المرسلين محمّد النبي و آله الطيّبين الطاهرين.ع.

ص: 321


1- كما في شرائع الإسلام 216:1.
2- كما في شرائع الإسلام 216:1.
3- كما في شرائع الإسلام 220:1.
4- كما في شرائع الإسلام 220:1.
5- حسب تجزئة المصنّف.
6- و حسب تجزئتنا المجلّد السابع.

المجلد 7

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء السابع

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

كتاب الحجّ و العمرة

اشارة

ص: 5

ص: 6

و فيه مقدّمة و مقاصد.

أمّا المقدّمة ففيها مسائل:
مسألة 1:

الحجّ لغة: القصد(1) ، و لهذا سمّي الطريق محجّة، لأنّه يوصل إلي المقصود.

و قال الخليل: الحجّ: كثرة القصد إلي من تعظّمه(2).

و سمّي الحجّ حجّا، لأنّ الحاجّ يأتي قبل الوقوف بعرفة إلي البيت ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلي مني ثم يعود إليه لطواف الوداع.

و فيه لغتان: بفتح الحاء و كسرها(3).

و أمّا في عرف الشرع فقال الشيخ رحمه اللّه: إنّه كذلك إلاّ أنّه اختصّ بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلّقة بزمان مخصوص(4).

و قال ابن إدريس: الحجّ في الشريعة: القصد إلي مواضع مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلّقة بزمان مخصوص ليدخل الوقوف بعرفة

ص: 7


1- الصحاح 303:1، القاموس المحيط 182:1.
2- العين 9:3.
3- العين 9:3.
4- المبسوط - للطوسي - 296:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 223.

و المشعر و مني(1).

و هو غير وارد علي الشيخ رحمه اللّه، لأنّ كلّ واحد من الوقوفين قد يسقط بصاحبه، و كذا قصد مني مع بقاء حقيقة الحجّ، بخلاف قصد البيت، فإنّه لا يصدق مسمّي الحجّ إلاّ به.

و قال بعض العامّة: الحجّ في الشرع اسم لأفعال مخصوصة(2).

و ما ذكرناه أولي، لأنّ التخصيص أولي من النقل [1].

و أمّا العمرة فهي في اللغة عبارة عن الزيارة(3) ، و في الشرع عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك عنده، و لا تختص المبتولة بزمان، بخلاف المتمتّع بها، فإنّ وقتها وقت الحجّ.

و النسك بإسكان السين: اسم لكلّ عبادة، و بضمّها: اسم للذبح، و المنسك موضع الذبح، و قد يراد به موضع العبادة.

مسألة 2:

الحجّ فريضة من فرائض الإسلام و من أعظم أركانه بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (4) قال ابن عباس: من كفر باعتقاده أنّه غير واجب(5).

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام، عن قوله تعالي:

وَ مَنْ كَفَرَ قال: قلت: و من لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال: «لا، و لكن من

ص: 8


1- السرائر: 118.
2- المغني و الشرح الكبير 164:3.
3- القاموس المحيط 95:2.
4- آل عمران: 97.
5- المغني و الشرح الكبير 164:3.

قال ليس هذا هكذا فقد كفر»(1).

و قال تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حجّ البيت)(3) ذكر فيها الحجّ.

و عن ابن عباس قال: خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس إن اللّه كتب عليكم الحجّ) فقام الأقرع بن حابس فقال: أ في كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فقال: (لو قلتها لوجبت و لو وجبت لم تعملوا بها، الحجّ مرّة فمن زاد فتطوّع)(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(5).

و عن ذريح المحاربي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيّا»(6).

و قد أطبقت الأمّة كافّة علي وجوب الحجّ علي جامع الشرائط في العمر مرّة واحدة.

مسألة 3:

و الحجّ فيه ثواب عظيم و أجر جزيل.

ص: 9


1- الكافي 265:4-266-5، التهذيب 16:5-48، الإستبصار 149:2-488.
2- البقرة: 196.
3- سنن الترمذي 5:5-2609، سنن البيهقي 81:4، مسند أحمد 93:2، 120.
4- سنن البيهقي 326:4، المستدرك - للحاكم - 293:2.
5- التهذيب 18:5-54.
6- الكافي 268:4-1، الفقيه 273:2-1333، التهذيب 462:5-1610.

روي معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: «أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لقيه أعرابي، فقال له: يا رسول اللّه إنّي خرجت أريد الحجّ ففاتني، و إنّي رجل ميّل [1]، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج، قال: فالتفت إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال له: انظر إلي أبي قبيس فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّه ما بلغت به مبلغ الحاج».

ثم قال: «إنّ الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه إلاّ كتب اللّه له عشر حسنات و محي عنه عشر سيّئات و رفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّا و لم يضعه إلاّ كتب له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعي بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمي الجمار خرج من ذنوبه».

قال: «فعدّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنّي لك أن تبلغ ما بلغ [2] الحاج».

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «و لا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر، و تكتب له الحسنات إلاّ أن يأتي بكبيرة»(1).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال:

«الحاج يصدرون علي ثلاثة أصناف: فصنف يعتقون من النار، و صنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذاك أدني ما يرجع به الحاج»(2).9.

ص: 10


1- التهذيب 19:5-20-56، و في الكافي 258:4-25 صدرها بتفاوت.
2- التهذيب 21:5-59.

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الحجّ و العمرة تنفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير [1] خبث الحديد» قال معاوية: فقلت له: حجّة أفضل أو عتق رقبة ؟ قال: «حجّة أفضل» قلت: فثنتين ؟ قال: «فحجّة أفضل» قال معاوية:

فلم أزل أزيده و يقول: «حجّة أفضل» حتي بلغت ثلاثين رقبة، قال:

«حجّة أفضل»(1).

و عن الصادق عليه السلام قال: «الحاج و المعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفعوا شفّعهم، و إن سكتوا بدأ بهم [2]، و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم»(2).

مسألة 4:

و العمرة واجبة - كالحجّ في وجوبه و هيئة وجوبه - علي من يجب عليه الحجّ عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و ابن عباس و زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و عطاء و طاوس و مجاهد و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الثوري و إسحاق و الشافعي في الجديد، و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لقوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (4) و الأمر للوجوب، و العطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.

و ما رواه العامة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، جاء إليه رجل فقال:

ص: 11


1- التهذيب 21:5-60.
2- الكافي 255:4-14، التهذيب 24:5-71.
3- المغني 174:3، الشرح الكبير 165:3، الوجيز 111:1، فتح العزيز 47:7-48، المجموع 7:7، حلية العلماء 230:3.
4- البقرة: 196.

أوصني، قال: (تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تحجّ و تعتمر)(1).

و قال عليه السلام: (الحجّ و العمرة فريضتان)(2).

و من طريق الخاصة: عن زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «العمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحجّ، لأنّ اللّه تعالي يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ »(3) و الأخبار في ذلك متواترة.

و قال الشافعي في القديم و أحمد في الرواية الثانية: إنّ العمرة ليست واجبة - و هو مروي عن ابن مسعود، و به قال مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي - لما رواه جابر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سئل عن العمرة أ واجبة هي ؟ قال:

(لا، و أن تعتمر فهو أفضل)(4).

و لأنّه نسك غير مؤقّت فلم يكن واجبا كالطواف المجرّد(5).

و الحديث نقله الترمذي عن الشافعي أنّه ضعيف لا تقوم بمثله الحجّة، و ليس في العمرة شيء ثابت بأنّها تطوّع(6).

و قال ابن عبد البرّ: روي ذلك بأسانيد لا تصح و لا تقوم بمثلها الحجة.3.

ص: 12


1- أوردها ابنا قدامة في المغني 175:3، و الشرح الكبير 166:3.
2- المستدرك - للحاكم - 471:1، سنن الدار قطني 284:2-217، سنن البيهقي 4: 350.
3- التهذيب 433:5-1502.
4- سنن الترمذي 270:3-931، و فيه: (.. و أن تعتمروا..).
5- المغني 174:3، الشرح الكبير 165:3، فتح العزيز 47:7-48، الحاوي الكبير 4: 34، المجموع 7:7، حلية العلماء 230:3، التفريع 352:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 171-172، مقدّمات ابن رشد: 304.
6- سنن الترمذي 271:3 ذيل الحديث 931، و راجع: المغني 175:3، و الشرح الكبير 166:3.

ثم نحمله علي المعهود، و هي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبية، أو علي العمرة التي اعتمروها مع حجّتهم مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، فإنّها لم تكن واجبة علي من اعتمر، أو نحمله علي من زاد علي العمرة الواحدة.

و قياسهم باطل بالفرق، فإنّ الإحرام شرط في العمرة و ليس شرطا في الطواف.

مسألة 5:

و لا فرق بين أهل مكة و غيرهم في وجوبها عليهم بإجماع علمائنا، لعموم الأدلّة، فالقرآن عمّم الحكم في الحجّ و العمرة علي الجمع المعرّف بلام الجنس، و الأخبار دالّة علي العموم أيضا.

و قال أحمد: ليس علي أهل مكة عمرة، و قال: كان ابن عباس يري العمرة واجبة و يقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنّما عمرتكم طوافكم بالبيت(1) ، و به قال عطاء و طاوس(2).

قال عطاء: ليس أحد من خلق اللّه إلاّ عليه حجّ و عمرة واجبان لا بدّ منهما لمن استطاع إليهما سبيلا إلاّ أهل مكة، فإنّ عليهم حجّة، و ليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت(3).

و لأنّ ركن العمرة و معظمها الطواف بالبيت و هم يفعلونه، فأجزأ عنهم(4).

و هو غلط، لأنّه قول مجتهد مخالف لعموم القرآن، فلا يكون حجّة، و ستأتي مباحث العمرة بعد ذلك إن شاء اللّه تعالي.

ص: 13


1- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
2- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
3- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
4- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.

ص: 14

و أمّا المقاصد فيشتمل الأول منها علي فصول

المقصد الأول
الفصل الأول في كيفية الوجوب
مسألة 6:

الحجّ يجب بأصل الشرع مرّة واحدة، و كذا العمرة، و لا يجب أزيد منها و هو قول عامّة أهل العلم(1).

و حكي عن بعض الناس أنّه قال: يجب في كلّ سنة مرّة(2). و هو خلاف النصّ:

قال اللّه تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (3) و مقتضي الأمر لا يقتضي التكرار، فإيجابه مخالفة له.

و ما رواه العامّة في حديث ابن عباس، و قد سبق(4).

و عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا) فقال رجل: أ كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فسكت حتي قالها ثلاثا، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لو

ص: 15


1- المغني و الشرح الكبير 165:3، المجموع 9:7، فتح العزيز 3:7، حلية العلماء 3: 231.
2- حلية العلماء 232:3، المجموع 9:7.
3- آل عمران: 97.
4- سبق في المسألة 2.

قلت: نعم، لوجبت و لما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم علي أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شيء فدعوه)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العمرة»(2).

و قال الصادق عليه السلام، في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له، قال:

«يجزئ عن العبد حجّة الإسلام، و يكتب للسيد أجران [1]: ثواب العتق و ثواب الحجّ»(3).

و لا خلاف بين المسلمين كافّة في ذلك، و لا عبرة بقول من شذّ من العامّة.

إذا عرفت هذا، فما زاد علي ذلك مستحب إلاّ ما يجب بسبب، كالنذر و شبهه، و الإفساد و القضاء، و كما يجب الإحرام بحجّ أو عمرة لدخول مكة علي ما يأتي، و الاستئجار، و سيأتي.

و ما ورد في أخبارنا من وجوبه علي أهل الجدة [2] في كلّ عام(4) ، فمحمول علي وجوبه علي البدل، علي معني أنّه إذا لم يفعله في أول عام تمكّنه، وجب عليه في ثاني العام و الثالث و هكذا، كما نقول: إنّ خصال الكفّارة كلّها واجبة علي هذا المنهاج.8.

ص: 16


1- صحيح مسلم 975:2-1337.
2- الكافي 533:4-1، التهذيب 433:5-1503، الاستبصار 325:2-1150.
3- الفقيه 265:2-1289.
4- راجع: الكافي 265:4-266، الأحاديث 5 و 6 و 8 و 9، و التهذيب 5: 16-46-48، و الاستبصار 148:2-149-486-488.

و أيضا فإنّ السند لا يخلو من ضعف، فإنّ الحديث الذي رواه حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام، قال: «أنزل اللّه فرض الحجّ علي أهل الجدة في كلّ عام»(1) في طريقه محمد بن سنان و فيه قول.

مسألة 7:

قد بيّنّا أنّ الواجب بأصل الشرع مرّة واحدة في الحجّ و العمرة، و ما عداها مستحب مندوب إليه إلاّ لعارض يقتضي وجوبه، كالاستئجار و غيره ممّا تقدّم ذكره، و يتكرّر الوجوب بتكرّر السبب.

و ليس من العوارض الموجبة: الردّة و الإسلام بعدها، فمن حجّ أو اعتمر ثم ارتدّ ثم عاد إلي الإسلام لم يلزمه الحجّ عند علمائنا، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة(3).

و مأخذ الخلاف: أنّ الردّة عنده(4) محبطة للعمل، و عندنا و عند الشافعي(5) أنّها إنّما تحبطه بشرط أن يموت عليها.

قال اللّه تعالي وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ (6) الآية.

و أحمد وافق أبا حنيفة في المسألة لكن لا من جهة هذا المأخذ(7).

مسألة 8:

و وجوب الحجّ و العمرة علي الفور لا يحلّ للمكلّف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و مالك و أحمد و المزني و أبو يوسف(8) ، و ليس لأبي حنيفة فيه نصّ(9) ، و من أصحابه من قال: هو

ص: 17


1- الكافي 266:4-6، التهذيب 16:5-46، الاستبصار 148:2-486.
2- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
3- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
4- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
5- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
6- البقرة: 217.
7- كما في فتح العزيز 5:7.
8- مقدّمات ابن رشد 288:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 467:1، المغني 196:3، الشرح الكبير 182:3، الحاوي الكبير 24:4، المجموع 102:7 و 103، فتح العزيز 31:7، تحفة الفقهاء 380:1، بدائع الصنائع 119:2، الهداية - للمرغيناني - 134:1.
9- كما في الحاوي الكبير 24:4، و المجموع 103:7.

قياس مذهبه(1) - لقوله تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ (2) الآية، مقتضاه الأمر، و هو للفور عند بعضهم(3).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال:

تعجّلوا الحجّ فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له(4).

و عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال:

من وجد زادا و راحلة تبلّغه البيت فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(5).

و لأنّها عبادة لها وقت معلوم لا يفعل في السنة إلاّ مرّة واحدة، فيجب علي الفور كالصوم.

و قال الشافعي: إنّه لا يجب علي الفور، بل يجوز له تأخيره إلي أيّ وقت شاء - و نقله العامّة عن ابن عباس و جابر و أنس، و من التابعين: عطاء و طاوس، و من الفقهاء: الأوزاعي و الثوري - لأنّ فريضة الحجّ نزلت سنة ست من الهجرة، و قيل: سنة خمس، و أخّره النبي صلّي اللّه عليه و آله من غير مانع، فإنّه خرج إلي مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم يحج، و فتح مكة سنة4.

ص: 18


1- الحاوي الكبير 24:4.
2- آل عمران: 97.
3- إحكام الفصول في أحكام الأصول: 102، الإحكام في أصول الأحكام 387:1، أصول السرخسي 26:1.
4- مسند أحمد 314:1، و أوردها الماوردي في الحاوي الكبير 24:4.
5- التهذيب 18:5-54.

ثمان، و بعث الحاج سنة تسع، و حجّ هو عليه السلام سنة عشر، و عاش بعدها ثمانين يوما، ثم قبض صلّي اللّه عليه و آله(1).

و الجواب: المنع أوّلا من تمكّنه من الحجّ، فإنّه عليه السلام أحرم بالعمرة عام الحديبية فأحصر(2).

و ثانيا بالمنع من تأخير النبي عليه السلام عن عام الوجوب، فإنّ الآية نزلت - و هي قوله تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (3) الآية - سنة تسع(4) ، و قيل: سنة عشر(5) ، فبادر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالحجّ من غير تأخير.

مسألة 9:

الحجّ واجب علي كلّ جامع للشرائط الآتية، من ذكر و أنثي و خنثي.

و إن كان أعمي فإن افتقر إلي قائد و تمكّن من تحصيله و الاستعانة به علي حجّة إمّا بإجارة أو غيرها، وجب عليه الحجّ بنفسه، و ليس له أن يستأجر من يحجّ عنه - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لعموم الآية(7) و الأخبار.

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه فرض الحجّ بنفسه، فإن استأجر من يحجّ عنه، جاز - و روي الكرخي عنه أنّه لا حجّ عليه(8) - لأنّ الحجّ عبادة تعلّقت

ص: 19


1- الحاوي الكبير 24:4-25، فتح العزيز 31:7، المجموع 102:7 و 103، المغني 196:3، الشرح الكبير 182:3، حلية العلماء 243:3.
2- كما في الحاوي الكبير 25:4.
3- آل عمران: 97.
4- كما في الحاوي الكبير 25:4.
5- كما في الحاوي الكبير 25:4.
6- الحاوي الكبير 14:4، المجموع 85:7، الوجيز 110:1، فتح العزيز 27:7، حلية العلماء 240:3.
7- آل عمران: 97.
8- فتح العزيز 27:7.

بقطع مسافة، فوجب أن لا تلزم الأعمي كالجهاد(1).

و هو خطأ، لأنّ العمي ليس فيه أكثر من فقد الهداية بالطريق و مواضع النسك، و الجهل بذلك لا يسقط وجوب القصد، كالبصير يستوي حكم العالم به و الجاهل إذا وجد دليلا، فكذا الأعمي.

و لأنّه فقد حاسّة، فلم يسقط بها فرض الحجّ بنفسه، كالأصمّ.

مسألة 10:

مقطوع اليدين أو الرّجلين إذا استطاع التثبّت علي الراحلة من غير مشقّة إمّا مع قائد أو معين إن احتاج إليه و وجده، أو بدونهما إذا استغني عنهما، وجب عليه الحجّ - و به قال الشافعي(2) - لعموم قوله تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ (3) الآية، و غيرها من الأدلّة.

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه كالأعمي(4). و الخلاف فيهما [1] واحد.

مسألة 11:

المحجور عليه للسفه يجب عليه الحجّ كغيره مع الشرائط، للعموم، إلاّ أنّه لا يدفع المال إليه، لأنّه ممنوع من التصرّف فيه، لتبذيره، بل يخرج الولي معه من ينفق عليه بالمعروف و يكون قيّما عليه.

و لو احتاج إلي زيادة نفقة لسفره، كان الزائد في ماله ينفق القيّم عليه منه، بخلاف الصبي و المجنون إذا أحرم بهما الولي، فإنّ نفقتهما الزائدة بالسفر في مال الولي - خلافا للشافعي في أحد القولين(5) - لأنّه لا وجوب عليهما، و إذا زال عذرهما، لزمهما حجة الإسلام، بخلاف المبذّر.

و لو شرع السفيه في حجّ الفرض أو في حجّ نذره قبل الحجر بغير إذن

ص: 20


1- المبسوط - للسرخسي - 154:4، بدائع الصنائع 121:2، الهداية - للمرغيناني - 1: 134، تحفة الفقهاء 384:1، فتح العزيز 27:7.
2- الحاوي الكبير 14:4-15، المجموع 85:7.
3- آل عمران: 97.
4- الحاوي الكبير 15:4، المجموع 85:7.
5- فتح العزيز 27:7.

الولي، لم يلزمه أن يحلله، و يلزمه أن ينفق عليه إلي أن يفرغ، لأنّه شرع في واجب عليه، فلزمه الإتمام.

و لو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه، فكذلك، لأنّه بدخوله فيه وجب عليه الإكمال.

أمّا لو شرع فيه بعد الحجر، فإن استوت نفقته سفرا و حضرا، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته، لم يكن له أن يحلله، و إن زادت نفقة السفر و لم يكن له كسب، كان له إحلاله.

مسألة 12:

الحجّ و العمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإسلام و عمرته: التكليف و الحرّية و الاستطاعة و مئونة سفره و مئونة عياله و إمكان المسير.

و شرائط النذر و شبهه من اليمين و العهد أربعة: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج و المولي.

و شرائط حجّ النيابة ثلاثة: الإسلام، و التكليف، و أن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإفساد.

و لو وجب عليه الحجّ وجوبا مستقرّا فعجز عن أدائه و لو مشيا صحّ أن يكون نائبا عن غيره.

و شرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب، و إذن الولي - كالزوج و المولي و الأب - علي من له عليه ولاية، كالزوجة و العبد و الولد، و سيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالي.

ص: 21

ص: 22

الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأول: في شرائط حجة الإسلام.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأول: البلوغ و العقل
مسألة 13:

لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ، لفقد شرط التكليف فيه.

و ما رواه العامة عن علي عليه السلام، قال: (قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتي يستيقظ، و عن الصبي حتي ينبت [1]، و عن المعتوه حتي يعقل)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة

ص: 23


1- سنن الترمذي 32:4-1423، و أوردها عنه ابنا قدامة في المغني 165:3، و الشرح الكبير 166:3-167.

الإسلام»(1).

و عن شهاب قال: سألته عن ابن عشر سنين يحجّ، قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت»(2) فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإعادة عنه بعد بلوغه.

مسألة 14:

الصبي إن كان مميّزا، صحّ إحرامه و حجّه إذا أذن له الولي.

و الأقرب: أنّه ليس للولي أن يحرم عن المميّز. و للشافعية وجهان(3).

و إن كان غير مميّز، جاز لوليّه أن يحرم عنه، و يكون إحرامه شرعيا.

و إن فعل ما يوجب الفدية، كان الفداء علي الولي.

و أكثر الفقهاء علي صحة إحرامه و حجّه إن كان مميّزا، و إن كان غير مميّز، أحرم عنه وليّه، فيصير محرما بذلك، و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و هو مروي عن عطاء و النخعي(4).

لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه مرّ بامرأة و هي في محفّتها، فقيل لها: هذا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأخذت بعضد صبيّ كان معها و قالت: أ لهذا حجّ؟ قال: (نعم و لك أجر)(5).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «مرّ رسول اللّه برويثة [1] و هو

ص: 24


1- التهذيب 6:5-15، الاستبصار 146:2-477، و الكافي 278:4-18.
2- الكافي 276:4-8، التهذيب 6:5-14، الإستبصار 146:2-476.
3- الحاوي الكبير 209:4، الوجيز 123:1، فتح العزيز 421:7، المجموع 23:7.
4- الحاوي الكبير 206:4، فتح العزيز 421:7، حلية العلماء 233:3-234، المجموع 22:7-23، بداية المجتهد 319:1، المغني 208:3، الشرح الكبير 169:3.
5- موطّإ مالك 422:1-244، و أوردها الماوردي في الحاوي الكبير 206:4.

حاج، فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللّه أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: «نعم و لك أجره»(1).

و لأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداء بالشرع عند وجود مال، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير، كصدقة الفطر.

و قال أبو حنيفة: إحرام الصبي غير منعقد، و لا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات، و لا يصير محرما بإحرام وليّه، لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يبلغ)(2).

و لأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله، كالمجنون، و لأنّها عبادة علي البدن، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير، كالصوم و الصلاة، و لأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم، فلم يصح من الصبي، كالنذر(3).

و الجواب: القول بموجب الحديث، فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ، و هو معني رفع القلم عنه، و ذلك لا يقتضي نفي صحته منه.

و القياس باطل، مع أنّا نقول بموجب العلّة، فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله، و إنّما يلزمه بإذن وليّه.

و الفرق ظاهر، فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت، فلم يجز أن يحرم عنه وليّه، لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه، و أمّا البلوغ فغير مرجوّ إلاّ في وقته، فجاز أن يحرم عنه وليّه، إذ لا يرجي بلوغه في هذا الوقت حتي يحرم بنفسه.

و لأنّ الصبي يقبل منه الإذن في دخول الدار و قبول الهدية منه إذا كان7.

ص: 25


1- التهذيب 6:5-7-16، الإستبصار 146:2-147-478.
2- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 206:4.
3- الحاوي الكبير 206:4، المغني 208:3، الشرح الكبير 169:3، بداية المجتهد 1: 319، فتح العزيز 420:7.

رسولا فيها، بخلاف المجنون فافترقا.

و الفرق: أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن الحي، بخلاف الحج.

و وافقنا أبو حنيفة علي أنّه يجنّب ما يجتنبه المحرم(1) ، و من جنّب ما يجتنبه المحرم كان إحرامه صحيحا، و النذر لا يجب به شيء، بخلاف مسألتنا.

مسألة 15:

الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلاّ بإذن وليّه، فإذا كان مراهقا مطيقا، أذن له الولي في الإحرام، و إن كان طفلا غير مميّز، أحرم عنه الولي.

فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه، لم يصحّ إحرامه، لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال، و الإحرام يتضمّن إنفاق المال و التصرّف فيه، لأنّ الإحرام عقد يؤدّي إلي لزوم مال، فجري مجري سائر أمواله و سائر عقوده التي لا تصحّ إلاّ بإذن وليّه، و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ إحرامه منعقد، كإحرامه بالصلاة(2).

و الفرق: أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال، و إحرام الحجّ يتضمّنه، فعلي الثاني للولي تحليله و ليس له الإحرام عنه، و علي الأول للولي أن يحرم عنه - و هو أحد وجهي الشافعية(3) - لأنّه مولّي عليه، و الثاني: المنع، لاستقلاله بعبادته(4).

مسألة 16:

أولياء الأطفال علي ثلاثة أقسام: أنساب و أمناء الحكّام و أوصياء الآباء، فالأنساب إمّا آباء و أجداد لهم أو أمّ أو غيرهم.

و الآباء و الأجداد للآباء لهم ولاية الإحرام بإجماع من سوّغ الحجّ

ص: 26


1- المغني 208:3، الشرح الكبير 170:3.
2- الحاوي الكبير 207:4، الوجيز 123:1، فتح العزيز 421:7، المهذّب - للشيرازي - 202:1، المجموع 22:7، حلية العلماء 233:3.
3- فتح العزيز 421:7.
4- فتح العزيز 421:7.

للصبيان - و هو قول علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(1) - لأنّ للأب و الجدّ للأب ولاية المال علي الطفل، فكان له ولاية الإذن في الحجّ.

و لا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب، و هو أحد وجهي الشافعية تخريجا ممّا إذا أسلم الجدّ، و الأب كافر، يتبعه الطفل علي رأي(2).

و أمّا الأم فقال الشيخ رحمه اللّه: إنّ لها ولاية بغير تولية، و يصحّ إحرامها عنه، لحديث المرأة التي سألت النبي صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك(3).

و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: المنع، و هو ظاهر كلام أحمد(4).

و أمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور و الإناث فلا يصحّ إذنهم، و لا ولاية لهم في الحجّ و الإحرام، كما أنّه لا ولاية لهم في المال، و ليس لأمناء الحكّام الإذن.

و قال الشيخ رحمه اللّه: الأخ و ابن الأخ و العمّ و ابن العمّ إن كان وصيّا أو له ولاية عليه وليها، فهو بمنزلة الأب، و إن لم يكن وليّا و لا وصيّا، فلا ولاية له عليه، و هو و الأجنبي سواء(5).

و هذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية، كما في الحاكم، لأنّ قوله: أو له ولاية عليه وليها، لا مصرف له إلاّ ذلك.

و الشافعية اتّفقوا علي ثبوت الولاية للأب و الجدّ للأب، و علي انتفائها عمّن لا ولادة فيه و لا تعصيب، كالإخوة للأم و الأعمام للأم و العمّات من الأب و الام، و الأخوال و الخالات من قبل الأب و الام و إن كانت لهم ولاية في9.

ص: 27


1- فتح العزيز 421:7، المجموع 24:7، الحاوي الكبير 207:4.
2- فتح العزيز 421:7، المجموع 24:7.
3- المبسوط - للطوسي - 329:1.
4- الحاوي الكبير 208:4، فتح العزيز 421:7، المجموع 25:7، حلية العلماء 3: 234، المغني 209:3، الشرح الكبير 170:3.
5- المبسوط - للطوسي - 328:1-329.

الحضانة.

و أمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا علي ثلاثة مذاهب بناء علي اختلافهم في معني إذن الأب و الجدّ له.

أحدها: أنّ المعني في إذن الأب و الجدّ له: استحقاق الولاية علي ماله، فعلي هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الام و لا إذن الأخ و العمّ، لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله.

و أمّا الأم و الجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها، فلا يصحّ إذنها له.

و علي قول بعض الشافعية: إنّها تلي عليه بنفسها، فعلي هذا يصحّ إذنها له، لقوله عليه السلام لام الصبي: (و لك أجره) و معلوم أنّ الأجر ثبت لها لإذنها له و نيابتها عنه.

الثاني: أنّ المعني في إذن الأب و الجدّ ما فيه من الولادة و العصبة، فعلي هذا يصحّ إذن سائر الآباء و الأمّهات، لوجود الولادة فيهم.

الثالث: أنّ المعني في إذن الأب و الجدّ وجود التعصيب فيهما، فعلي هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإخوة و الأعمام و أولادهما، و لا يصحّ إذن الام و لا الجدّ لها، لعدم التعصيب.

و أمّا أمناء الحكّام فقد اتّفقوا علي أنّه لا يصح إذنهم، لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه، فكانوا فيما سوي المال كالأجانب.

و لهم وجه آخر بعيد: الصحة، لأنّهم يتصرّفون في المال.

و أمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة إذنهم:

أحدهما: الصحة كالآباء لنيابتهم عنه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم - أنّ إذنهم لا يصحّ كامناء الحكّام(1).8.

ص: 28


1- الحاوي الكبير 207:4-208.
مسألة 17:

الصبي إن كان مراهقا مميّزا يطيق علي الأفعال، أذن له الولي فيها، فإذا أذن له، فعل الحجّ بنفسه، كالبالغ.

و إن كان طفلا لا يميّز، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة، كالوقوف بعرفة و المبيت بمزدلفة، أحضره الولي فيهما، و إن لم يصحّ من الطفل إلاّ بنيابة الولي عنه، فهو كالإحرام يفعله الولي عنه.

قال جابر: خرجنا مع النبي صلّي اللّه عليه و آله حجّاجا و معنا النساء و الصبيان، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان و رمينا عنهم(1).

و يجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم - و روي علماؤنا من فخ(2) - و إن صحّ منه بمعونة الولي، فإذا أحرم الولي عن الطفل، جاز.

و هل يجوز أن يكون الولي محرما؟ للشافعية وجهان:

أحدهما: المنع، فليس للولي أن يحرم عن الطفل إلاّ أن يكون حلالا، لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره.

و الثاني: يصح إحرام الولي عنه و إن كان محرما - و لا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإسلام أو قد حجّ عن غيره، و غيره - لأنّ الولي ليس يتحمّل الإحرام عنه فيصير به محرما حتي يمتنع من فعله إذا كان محرما، و إنّما يعقد الإحرام عن الصبي، فيصير الصبي محرما، فجاز أن يفعل الولي ذلك و إن كان محرما(3).

و الأخير أقرب.

فعلي الأول يقول عند الإحرام: اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني، و علي هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام و لا مشاهد له إذا كان الصبي

ص: 29


1- سنن ابن ماجة 1010:2-3038، و أورده ابنا قدامة في المغني 209:3، و الشرح الكبير 170:3-171 نقلا عن سنن سعيد بن منصور.
2- الكافي 303:4-2، الفقيه 265:2-1292، التهذيب 409:5-1421.
3- الحاوي الكبير 209:4.

حاضرا في الميقات. و علي قول آخر: إنّه لا يشترط حضوره.

و علي الثاني يقول عند الإحرام: اللّهم إنّي قد أحرمت بابني، و علي هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام، فإذا فعل ذلك، صار الصبي محرما دون الولي، فيلبسه ثوبين، و يجنّبه ما يجتنبه المحرم، و علي وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين و مني ليشهدها بنفسه.

و أمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصي في كفّه و رميها في الجمرة من يده، فعل، و إن عجز الصبي عن ذلك، أحضره الجمار و رمي الولي عنه، و يستحب للولي أن يضع الحصي في كفّ الصبي و أخذها من يده.

قال ابن المنذر: كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يري الرمي عن الصبي الذي لا يقدر علي الرمي، و به قال عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و إسحاق(1).

و أمّا الطواف و السعي فعلي وليّه أن يحمله و يطوف به و يسعي، و عليه أن يتوضّأ للطواف و يوضّئه.

فإن كانا غير متوضّئين، لم يجزئه الطواف.

و إن كان الصبي متطهّرا و الولي محدثا، لم يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا، لم يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا، فللشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجزئ، لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولي أن لا يكون الصبي محدثا.

و الثاني: أنّه يجزئ، لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزا ففعل الطهارة لا يصحّ منه، فتكون طهارة الولي نائبة عنه، كما أنّه لمّا لم يصح منه الإحرام صحّ إحرام الوليّ عنه(2).4.

ص: 30


1- المغني 209:3، الشرح الكبير 171:3.
2- الحاوي الكبير 209:4.

و يصلّي الوليّ عنه ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزا، و إن كان مميّزا صلاّهما بنفسه.

و لو أركبه الولي دابّة ليطوف به، وجب أن يكون الوليّ معه سائقا أو قائدا، لأنّ الصبي غير مميّز و لا قاصد، و الدابّة لا تصحّ منها عبادة.

و يرمل به في موضع الرمل.

و للشافعية في الرمل به وجهان(1).

مسألة 18:

لو كان علي الولي طواف، حمل الصبي و طاف به، و نوي بطوافه ما يختص به، و ينوي بطواف الصبي طوافه.

و قال الشافعي: يجب عليه أن يطوف عن نفسه أوّلا ثم يطوف بالصبي ثانيا، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناويا عنه.

فإن نوي الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان:

أحدهما: أن يكون علي الولي الحامل دون الصبي المحمول، لأنّ من وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره، انصرف إلي واجبة، كالحجّ عن نفسه.

و الثاني: أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه، لأنّ الحامل كالآلة للمحمول، فكان ذلك واقعا عن المحمول دون الحامل.

و إن نوي الطواف عن نفسه و عن الصبي المحمول، أجزأه عن طوافه.

و هل يجزئ عن الصبي ؟ وجهان مخرّجان من القولين.

و إن لم تكن له نية، انصرف إلي طواف نفسه، لوجوده علي الصفة الواجبة عليه، و عدم القصد المخالف له(2).

و قد بيّنّا نحن الصحيح عندنا.

مسألة 19:

مئونة حجّ الصبي و نفقته الزائدة في سفره تلزم الولي، مثل

ص: 31


1- الحاوي الكبير 210:4.
2- الحاوي الكبير 210:4.

آلة سفره و اجرة مركبة و جميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنيا عنه في حضره - و هو ظاهر مذهب الشافعي، و به قال مالك و أحمد(1) - لأنّ الحجّ غير واجب علي الصبي، فيكون متبرّعا، و سببه الولي، فيكون ضامنا.

و ليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج إليه و هو غير محتاج حال صغره إلي فعل الحج، لوجوبه عليه حال كبره، و عدم إجزاء ما فعله في صغره عمّا يجب عليه في كبره.

و له قول آخر: إنّه في مال الصبي، لأنّ ذلك من مصلحته كاجرة معلّمه و مئونة تأديبه، و لأنّ الحجّ يحصل له، فكان كما لو قبل له النكاح يكون المهر عليه(2).

و الفرق ظاهر، فإنّ التعلّم الذي إن فاته في صغره قد لا يدركه في كبره، و يخالف النكاح، فإنّ المنكوحة قد تفوت، و الحج يمكن تأخيره.

مسألة 20:

يحرم علي الصبي كلّ ما يحرم علي البالغ من محظورات الإحرام، لأنّ إحرامه شرعي علي ما تقدّم، فتترتّب عليه أحكامه، لا بمعني أنّه مخاطب بالتحريم و أنّ العقاب يترتّب علي فعله، بل بمعني أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المحرم.

فإن فعل الصبي شيئا من المحظورات فإن وجب به الفداء علي البالغ في حالتي عمده و خطئه كالصيد، وجب عليه الجزاء، لأنّ عمد الصبي كخطإ البالغ.

و يجب في مال الصبي، لأنّه مال وجب بجنايته، فوجب أن يجب في

ص: 32


1- الحاوي الكبير 210:4، فتح العزيز 423:7، المجموع 30:7، حلية العلماء 3: 235، الكافي في فقه أهل المدينة: 169، التفريع 353:1، المغني 210:3، الشرح الكبير 172:3.
2- الحاوي الكبير 210:4، فتح العزيز 423:7، المجموع 30:7، حلية العلماء 3: 235.

ماله، كما لو استهلك مال غيره.

و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: أنّه يجب في مال الولي - و هو الذي نصّ عليه الشافعي في الإملاء - لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه، فكان ذلك من جهته و منسوبا إلي فعله(1) و إن اختلف حكم عمده و سهوه في البالغ، كالطيب و اللبس، فإن فعله الصبي ناسيا، فلا فدية فيه، لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولي.

و إن فعله عمدا، قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة علي وليّه.

و إن قلنا: لا يتعلّق به شيء، لما روي عنهم عليهم السلام من أنّ «عمد الصبي و خطأه واحد»(2) و الخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين، كان قويّا(3).

و للشافعي قولان مبنيان علي اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجري الخطأ أو مجري العمد من العاقل ؟ علي قولين:

أحدهما: أنّه يجري مجري الخطأ، فلا فدية فيه، كالبالغ الناسي.

و الثاني: أنّه عمد صحيح، فالفدية واجبة(4).

و أين تجب ؟ علي الوجهين:

أحدهما: أنّه علي الصبي، لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه.

و أصحّهما في مال الولي - و به قال مالك - لأنّه الذي أوقعه و غرّر بماله(5).7.

ص: 33


1- الحاوي الكبير 210:4-211، فتح العزيز 245:7، المجموع 32:7.
2- التهذيب 233:10-920.
3- المبسوط - للطوسي - 329:1.
4- الحاوي الكبير 211:4، فتح العزيز 424:7، المجموع 31:7.
5- الحاوي الكبير 211:4، فتح العزيز 425:7، المجموع 32:7.

لكن لو طيّبه الولي كانت الفدية في ماله لا [1] في مال الصبي وجها واحدا(1).

هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي، و إن أحرم بغير إذنه، فلا فدية، و هو أحد وجهي الشافعية.

و لهم آخر: أنّه يجوز إحرامه، فالفدية في ماله(2).

مسألة 21:

إذا وجبت الفدية في مال الصبي، فإن كانت مترتّبة، فحكمها حكم كفّارة القتل، و إلاّ فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصغر؟ للشافعية وجهان مبنيان علي أنّه إذا أفسد الحجّ هل يجزئه قضاؤه في الصغر؟ و ليس [2] للولي و الحال هذه أن يفدي عنه بالمال، لأنّه غير متعيّن.

و لهم وجه آخر: أنّه إذا أحرم به الأب أو الجدّ، فالفدية في مال الصبي، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه(3).

مسألة 22:

لو وطأ الصبي في الفرج ناسيا، لم يكن عليه شيء، و لا يفسد حجّه، كالبالغ سواء.

و إن كان عمدا، قال الشيخ رحمه اللّه: علي ما قلناه من أنّ عمده و خطأه سواء لا يتعلّق به أيضا فساد الحجّ.

و لو قلنا: إنّ عمده عمد، لعموم الأخبار في من وطأ عامدا في الفرج من أنّه يفسد حجّه، فقد فسد حجّه، و عليه الإتمام، و لزمه القضاء.

قال: و الأقوي الأول، لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلي المكلّف و هذا

ص: 34


1- الحاوي الكبير 211:4، المجموع 33:7.
2- فتح العزيز 425:7، المجموع 32:7.
3- فتح العزيز 425:7-426، المجموع 33:7.

ليس بمكلّف(1).

و قالت الشافعية: إذا جامع ناسيا أو عامدا و قلنا: إنّ عمده خطأ، ففي فساد حجّه قولان، كالبالغ إذا جامع ناسيا.

و الأظهر أنّه لا يفسد.

و إن قلنا: إنّ عمده عمد، فسد حجّه.

و إذا فسد فهل عليه القضاء؟ فيه قولان:

أحدهما: لا، لأنّه ليس أهلا لوجوب العبادات البدنية.

و أصحّهما: نعم، لأنّه إحرام صحيح، فيوجب إفساده القضاء، كحجّ التطوّع(2).

إذا عرفت هذا، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا، بل يجب عليه بعد بلوغه.

و للشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ:

أصحّهما: نعم، اعتبارا بالأداء.

و الثاني: لا - و به قال مالك و أحمد - لأنّه فرض و الصبي ليس أهلا لأداء فرض الحج(3).

و علي هذا القول لو لم يقض حتي بلغ، نظر في ما أفسده، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإفساد، أجزأت عن حجة الإسلام، فإن بلغ قبل فوات الوقوف، أجزأ القضاء عن حجة الإسلام، و إن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإفساد، لم تجزئ عن حجة الإسلام، و عليه أن يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي(4).6.

ص: 35


1- المبسوط - للطوسي - 329:1.
2- فتح العزيز 426:7، الحاوي الكبير 211:4، المجموع 34:7-35.
3- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7، حلية العلماء 234:3-235.
4- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7-36.

فإن نوي القضاء أوّلا، قالت الشافعية: انصرف إلي حجة الإسلام(1).

و فيه إشكال.

و علي تقدير تجويز القضاء في الصّغر لو شرع فيه و بلغ قبل الوقوف، انصرف إلي حجة الإسلام، و عليه القضاء(2).

و إذا فسد حجّه و أوجبنا القضاء، وجبت الكفّارة أيضا، و إن لم نوجب القضاء، ففي الكفّارة للشافعية وجهان، و الأصحّ عندهم: الوجوب(3).

و إذا وجبت الكفّارة فهي علي الولي أو في مال الصبي ؟ فيه الخلاف(4).

مسألة 23:

لو فعل الولي في الصبي ما يحرم علي الصبي مباشرته، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطا أو حلق رأسه، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي، كما لو طيّبه تداويا، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي، لأنّه وليّه، و قد فعل شيئا لمصلحته، فيكون ما ترتّب عليه لازما للصبي.

و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ الفدية علي الولي، لأنّ المباشرة وقعت منه(5).

و الأقرب الأول

مسألة 24:

أجمع علماء الأمصار علي أنّ الصبي إذا حجّ في حال صغره، و العبد إذا حجّ في حال رقّه، ثم بلغ الصبي و عتق العبد، وجب عليهما حجة الإسلام إذا جمعا الشرائط.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي ذلك إلاّ من شذّ عنهم ممّن لا يعدّ قوله خلافا(6).

ص: 36


1- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7.
2- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7.
3- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7-37.
4- فتح العزيز 427:7، المجموع 37:7.
5- فتح العزيز 430:7، المجموع 34:7.
6- المغني 203:3، الشرح الكبير 167:3.

و به قال ابن عباس و عطاء و الحسن البصري و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1).

لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إنّي أريد أن اجدّد في صدور المؤمنين عهدا: أيّما صبي حجّ به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج، و أيّما مملوك حجّ به فمات أجزأت عنه، فإن أعتق فعليه الحجّ)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم، كانت عليه فريضة الإسلام، و لو أنّ مملوكا حجّ عشر حجج ثم أعتق، كانت عليه فريضة الإسلام إذا استطاع إليه سبيلا»(3).

و لأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها، فلا تقع مجزئة، كما لو صلّي قبل الوقت.

مسألة 25:

لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو أعتق في أثناء الحجّ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإسلام - و هو قول العلماء - لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان.

و ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

مملوك أعتق يوم عرفة، قال: «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»(4) دلّ بمفهومه علي عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقا.

و لا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا و لم يقف فيه أو قد فات، و هو

ص: 37


1- المغني 203:3، الحاوي الكبير 244:4، المجموع 57:7، بدائع الصنائع 2: 120.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 203:3، و الشرح الكبير 167:3 نقلا عن سعيد في سننه.
3- الكافي 278:4-18، التهذيب 6:5-15.
4- الفقيه 265:2-1290، التهذيب 5:5-13، الاستبصار 148:2-485.

قول أكثر الشافعية(1).

و قال ابن سريج: إذا بلغ و وقت الوقوف باق، يجزئه عن حجة الإسلام و إن لم يعد إلي الموقف(2).

و إن بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقا و فعل باقي الأركان، أجزأ عن حجة الإسلام، و كذا لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عباس، و هو مذهب الشافعي و أحمد و إسحاق(3) - لما قدّمناه في الحديث عن الصادق(4) عليه السلام.

و قال الحسن البصري في العبد: يجزئ(5).

و قال مالك: لا يجزئهما. و هو قول ابن المنذر(6).

و قال أصحاب الرأي: لا يجزئ العبد، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراما بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه، و إلاّ فلا، لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجبا، فلا يجزئ عن الواجب، كما لو بقيا علي حالهما(7).

و يعارض: بأنّه أدرك الوقوف حرّا بالغا، فأجزأه، كما لو أحرم تلك الساعة، و لا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو أعتق بعرفة و هما غير محرمين فأحرما و وقفا بعرفة و قضيا المناسك، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام.

و نقل عن ابن عباس أنه إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته، و إن3.

ص: 38


1- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7، حلية العلماء 3: 360.
2- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7، حلية العلماء 3: 360.
3- فتح العزيز 429:7، المجموع 58:7، حلية العلماء 360:3، الحاوي الكبير 4: 246، المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.
4- تقدّم آنفا.
5- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.
6- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3، حلية العلماء 360:3.
7- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.

أعتق بجمع، لم تجزئ عنه(1).

و قد تلخّص من هذا أنّ مالكا شرط في الصبي و العبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف(2) ، و أبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي(3).

و لا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعي عقيب طواف القدوم قبل البلوغ - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإحرام.

و أصحّهما عندهم: وجوب الإعادة، لوقوعه في حالة النقص، و يخالف الإحرام، فإنّه يستدام بعد البلوغ، و السعي لا استدامة له(5).

و الأصل براءة الذمة.

و قد بني الشافعية الوجهين علي أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإسلام فكيف تقدير إحرامه ؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضا أو نقول بأنّه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا؟ فإن قلنا بالأول، فلا حاجة إلي الإعادة، و إن قلنا بالثاني فلا بدّ منها(6).

مسألة 26:

إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإسلام بأن يدركا أحد الموقفين كاملين، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي.

و للشافعية طريقان، أظهرهما: أنّه علي قولين:

أحدهما: نعم، لأنّ إحرامه من الميقات ناقص، لأنّه ليس بفرض.

و أصحّهما: لا، لأنّه أتي بما في وسعه، و لم تصدر منه إساءة(7).

ص: 39


1- كما في المغني 204:3، و الشرح الكبير 168:3.
2- كما في فتح العزيز 429:7.
3- فتح العزيز 429:7.
4- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7-59.
5- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7-59.
6- فتح العزيز 429:7، المجموع 60:7.
7- فتح العزيز 429:7، المجموع 59:7.

و بني بعضهم القولين علي أصل التبيّن، فإن قلنا به، فلا دم عليه، و إن قلنا بانعقاد إحرامه نفلا ثم انقلب فرضا، لزم الدم(1).

و الطريق الثاني: أنّه لا دم عليه(2).

و هذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يعد بعد البلوغ إلي الميقات، فإن عاد إليه، لم يلزمه الدم بحال، لأنّه أتي بالممكن أوّلا و أخيرا، و بذل ما في وسعه(3).

و قد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة 27:

لو بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته و أمكنهما الإتيان بالحجّ، وجب عليهما ذلك، لأنّ الحجّ واجب علي الفور، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحرّ، خلافا للشافعي(4).

و متي لم يفعلا الحجّ مع إمكانه، فقد استقرّ الوجوب عليهما، سواء كانا موسرين أو معسرين، لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.

مسألة 28:

المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإجماع، لأنّه ليس محلاّ للتكليف، لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتي يستيقظ، و عن الصبي حتي ينبت، و عن المعتوه حتي يعقل) [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيي الخثعمي، قال: سأل

ص: 40


1- فتح العزيز 429:7-430.
2- فتح العزيز 430:7، المجموع 59:7.
3- فتح العزيز 430:7، المجموع 59:7.
4- الحاوي الكبير 24:4، المجموع 102:7 و 103، حلية العلماء 243:3.

حفص الكناسي أبا عبد اللّه عليه السلام - و أنا عنده - عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (1) ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه مخلّي سربه، له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ»(2) و المجنون غير صحيح، فلا يندرج تحت الخطاب.

إذا عرفت هذا، فلو حجّ حالة جنونه، لم يجزئه إجماعا.

و لو أحرم به الوليّ، صحّ إحرامه كالطفل، فإن عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به، أجزأه عن حجّة الإسلام، و إن كان بعد الوقوف، لم يجزئه، و وجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته و كمال الشرائط.

و لو كان المجنون يعتوره أدوارا، فإن وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده و إكماله و عوده، وجب عليه الحجّ، لأنّه عاقل مكلّف مستطيع، و إن قصر الوقت عن ذلك، سقط عنه الوجوب، و حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم.

و لو خرج الوليّ بالمجنون بعد ما استقرّ فرض الحجّ عليه و أنفق عليه من ماله، فإن لم يفق حتي فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر، و إن أفاق و أحرم و حجّ، فلا غرم عليه، لأنّه قضي ما وجب عليه.

و شرطت الشافعية إفاقته عند الإحرام و الوقوف و الطواف و السعي(3) ، و لم يتعرّضوا لحالة الحلق، و قياس كونه منسكا عندهم اشتراط الإفاقة كسائر الأركان(4).

و حكم المغمي عليه حكم المجنون لا يجب عليه الحجّ، و لا يحرم عنه غيره علي إشكال - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(5) - لأنّه ليس أهلا2.

ص: 41


1- آل عمران: 97.
2- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2.
3- فتح العزيز 428:7، المجموع 38:7.
4- فتح العزيز 428:7، المجموع 38:7.
5- المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3، المجموع 38:7، حلية العلماء 235:3، بدائع الصنائع 161:2.

للخطاب حالة الإغماء.

و قال أبو حنيفة: يحرم عنه رفيقه، فيصير محرما بإحرامه استحسانا(1).

و قد علم من ذلك أنّ التكليف شرط الوجوب دون الصحة، إذ يصح من غير المكلّف.

البحث الثاني: في شرط الحرّية
مسألة 29:

لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحرّية شرط في وجوب الحجّ و العمرة، و قد سبق البحث في ذلك.

و يصح من العبد الحجّ بإذن مولاه، و لا يجزئه عن حجّة الإسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلاّ أن يدرك أحد الموقفين معتقا علي ما تقدّم.

و ليس له أن يحرم بحجّ أو عمرة إلاّ بإذن مولاه بلا خلاف، لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه، و يجب عليه صرف زمانه في إشغاله، فلا يجوز أن يفوّت حقوق مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه، فإن أحرم بغير إذن مولاه، لم ينعقد إحرامه.

و للسيّد منعه منه. و لا يلزمه الهدي و لا بد له، لأنّ إحرامه لم ينعقد، و لأنّه لا يملك أن يحرم، لقوله تعالي عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (2).

و لما رواه الشيخ عن آدم عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ليس علي المملوك حجّ و لا جهاد، و لا يسافر إلاّ بإذن مالكه»(3) و النهي في العبادة يدلّ

ص: 42


1- المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3، المجموع 38:7، حلية العلماء 235:3، بدائع الصنائع 161:2.
2- النحل: 75.
3- التهذيب 4:5-5.

علي الفساد.

و قال أحمد: إنّ إحرامه ينعقد صحيحا، لأنّه عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده.

و لسيّده أن يحلّله - في إحدي الروايتين عنه - لأنّ في بقائه عليه تفويتا لحقّه من المنافع بغير إذنه، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم المضرّ ببدنه، و إذا حلّله منه، كان حكمه حكم المحصر.

و الثانية: ليس له تحليله، لأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده. و الأول أصح، لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه، فنظيره أن يحرم عبده بإذنه، و في مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره(1).

مسألة 30:
اشارة

لو أذن السيد في الإحرام فأحرم، انعقد إحرامه، و صحّ إجماعا، لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن أمّ الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أ يجوز [1] ذلك عنها من حجّة الإسلام ؟ قال: «لا» قلت: لها أجر في حجّتها؟ قال: «نعم»(2).

إذا عرفت هذا، فهل لسيّده بعد إذنه الرجوع ؟ إن لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعا، و إن كان المملوك قد تلبّس بالإحرام، لم يكن للمولي الرجوع فيه و لا تحليله، لأنّه إحرام انعقد صحيحا فلم يكن له إبطاله كالصلاة، و به قال الشافعي و أحمد، لأنّه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه، كالنكاح(3).

و قال أبو حنيفة: له تحليله، لأنّه ملك منافع نفسه، فكان له الرجوع،

ص: 43


1- المغني 205:3، الشرح الكبير 173:3.
2- الفقيه 265:2-1288، التهذيب 5:5-10، الاستبصار 147:2-482.
3- فتح العزيز 22:8، المجموع 45:7، الحاوي الكبير 251:4، المغني 3: 205-206، الشرح الكبير 173:3.

كالمعير يرجع في العارية(1).

و الفرق ظاهر، فإنّ العارية ليست لازمة، و لو أعاره شيئا ليرهنه فرهنه، لم يكن له الرجوع فيه.

فروع:

[الأول]

أ - لو أذن له سيّده في الإحرام ثم رجع و علم العبد رجوعه قبل الإحرام، بطل إحرامه، و صار كمن لم يؤذن له.

و لو لم يعلم حتي أحرم فهل للمولي تحليله ؟ قال الشيخ رحمه اللّه:

الأولي أن نقول: ينعقد إحرامه، غير أنّ للسيّد منعه منه، و قد قيل: إنّه لا ينعقد إحرامه أصلا(2).

و للعامّة في أنّه هل يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيّده ؟ وجهان(3).

[الثاني]

ب - لو باعه سيّده بعد ما أحرم فحكم مشتريه في تحليله حكم بائعه سواء، لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو المستأجرة، فإن علم المشتري بذلك، فلا خيار له، لأنّه دخل علي علم، فأشبه ما لو اشتري معيبا علم بعيبه.

و إن لم يعلم، فله فسخ البيع، لأنّه يتضرّر بمضيّ العبد في الحجّ، لفوات منافعه و عجزه عن تحليله [1]، و هو نقص يوجب الردّ، إلاّ في إحرام يكون لسيّده تحليله، فلا يملك الفسخ، لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه.

[الثالث]

ج - إذا باعه مولاه في إحرام له تحليله فيه، لم يكن ذلك تحليلا له و لا مقتضيا لذلك، و يكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل، فإن أمره

ص: 44


1- فتح العزيز 23:8، المجموع 45:7، الحاوي الكبير 251:4، المغني 205:3، الشرح الكبير 173:3.
2- المبسوط - للطوسي - 327:1.
3- المغني 206:3، الشرح الكبير 173:3.

البائع بالمضيّ في إحرامه و إتمام حجّه بعد البيع، لم يعتدّ بهذا الأمر و إن كان في زمن خياره، و لو أمره المشتري، لم يكن له تحليله و لا لبائعه و إن كان في زمن خياره.

مسألة 31:

لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل الموقفين، لم يجزئه إحرامه، و وجب عليه الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه إن أمكنه، و إن لم يمكنه، أحرم من موضعه، فإن فاته المشعر الحرام، فقد فاته الحجّ.

و إن أحرم بإذن سيّده، لم يلزمه الرجوع إلي الميقات، لأنّ إحرامه صحيح منعقد، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة الإسلام، و إن لم يدركه معتقا، لم يجزئه، و كان عليه الحجّ مع الشرائط.

و إذا أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسد الحجّ، لم يتعلّق به حكم، لأنّ إحرامه غير منعقد.

و إن أحرم بإذن سيّده ثم أفسده، لزمه المضيّ في فاسدة، كالحرّ، و ليس لسيّده إخراجه منه، لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسدة.

و قالت العامّة: إن كان إحرامه بغير إذن سيّده، كان له تحليله منه، لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولي(1).

و الحقّ ما قلناه.

مسألة 32:

إذا أفسد العبد حجّه، فإن كان مأذونا فيه، وجب عليه القضاء و المضيّ فيه، كالحرّ، لأنّه حجّ صحيح و إحرام معتدّ به، فيترتّب عليه أحكامه.

و يصحّ القضاء في حال رقّه، لأنّه وجب في حال الرقّ فيصحّ به، كالصلاة و الصيام، و ليس لسيّده منعه من القضاء، لأنّ إذنه في الحجّ الأول

ص: 45


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.

إذن في موجبه و مقتضاه، و من مقتضياته القضاء لما أفسده.

و إن لم يكن الأول [1] مأذونا فيه، كان للمولي منعه من القضاء، لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه، و هو قول بعض العامّة(1).

و قال بعضهم: لا يملك منعه من قضائه، لأنّه واجب، و ليس للسيّد [2] منعه من الواجبات(2).

و هو خطأ، لأنّا نمنع وجوبه، بل نمنع صحته فضلا عن وجوبه.

مسألة 33:

إذا أفسد العبد الحجّ و لزمه القضاء، فأعتقه مولاه، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام، كان عليه أن يتمّ هذه الحجّة، و يلزمه حجّة الإسلام و حجّة القضاء، و يجب عليه البدأة بحجّة الإسلام ثم يأتي بحجّة القضاء، و كذلك إذا بلغ و عليه قضاء، و لا يقضي قبل حجّة الإسلام، فإن فعل حجّة الإسلام بقي عليه حجّة القضاء، و إن أحرم بالقضاء، انعقد بحجّة الإسلام، لأنّها آكد، و كان القضاء في ذمّته، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، و هو مذهب العامة(4).

ثم قال الشيخ: و إن قلنا: لا يجزئ عن واحد منهما، كان قويّا(5).

و أطلق.

و الوجه: ما قوّاه الشيخ إن كان قد استطاع أو استقرّ الحجّ في ذمّته، و إلاّ فالوجه: الإجزاء عن القضاء.

ص: 46


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
2- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
3- المبسوط - للطوسي - 327:1-328.
4- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
5- المبسوط - للطوسي - 328:1.

و إن أعتق قبل الوقوف بالمشعر، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله، فإنّه يمضي في فاسدة، و لا تجزئه الفاسدة عن حجّة الإسلام، و يلزمه القضاء في القابل، و يجزئه القضاء عن حجّة الإسلام، لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإسلام و هذه قضاء عنها.

مسألة 34:

إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظورا يلزمه به الدم، كالتطيّب و اللبس و حلق الشعر و تقليم الأظفار و اللمس بشهوة و الوطء في الفرج أو في ما دونه و قتل الصيد أو أكله، ففرضه الصوم، و ليس عليه دم، كالمعسر.

و إن تحلّل بحصر عدوّ، فعليه الصوم، و لا يتحلّل قبل فعله، كالحرّ.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لسيّده منعه منه، لأنّه فعله بغير إذنه، و إن ملّكه سيّده هديا ليخرجه فأخرجه، جاز، و إن أذن له فصام، جاز أيضا، و إن مات قبل الصيام، جاز لسيّده أن يطعم عنه(1).

و قالت العامّة: ليس للسيّد أن يحول بينه و بين الصوم مطلقا(2).

و الوجه: ذلك إن أذن له في الإحرام، لأنّه صوم وجب عليه، فأشبه صوم رمضان.

و إن ملّكه السيد هديا و أذن له في إهدائه و قلنا: إنه يملكه، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلاّ به، و إن قلنا: لا يملكه، ففرضه الصيام.

و إن أذن له سيّده في تمتّع أو قران، فعليه الصيام بدلا عن الهدي الواجب.

و قال بعض العامّة: علي سيّده تحمّل ذلك عنه، لأنّه بإذنه، فكان علي من أذن فيه، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب(3).

و ليس بجيّد، لأنّ الحجّ للعبد و هذا من موجباته فيكون عليه، كالمرأة

ص: 47


1- المبسوط - للطوسي - 328:1.
2- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
3- المغني 207:3، الشرح الكبير 174:3.

إذا حجّت بإذن زوجها، بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب، فموجبه عليه.

و عندنا أنّ للسيّد الخيار بين أن يأمره بالصوم أو يهدي عنه.

و إن تمتّع أو قرن بغير إذن سيّده، لم يعتدّ به.

و قالت العامّة: إنّ عليه الصوم(1).

و إن أفسد حجّه، فعليه أن يصوم كذلك، فإنه لا مال له، فهو كالمعسر من الأحرار.

مسألة 35:

إذا نذر العبد الحجّ، فلا يخلو إمّا أن يكون مولاه قد أذن له في النذر أو لا، فإن كان قد أذن له، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون مقيّدا بوقت أو مطلقا، فإن كان مقيّدا بوقت، وجب عليه الوفاء به مع قدرته، و لا يجوز لمولاه منعه منه، لأنّه واجب عليه، و كان كما لو أذن له في الإحرام و تلبّس به.

و هل يجب علي مولاه دفع ما يحتاج إليه العبد زائدا عن نفقة الحضر؟ الأقرب: المنع، لأصالة البراءة.

و يحتمل وجوبه، كالإذن في الدّين.

و لو قدر العبد علي المشي، لم يجب علي المولي بذل الراحلة.

و لو كان مطلقا، أو مقيّدا و فرّط العبد، أو المولي يمنعه عن المبادرة حتي صار قضاء، فالأقرب: عدم وجوبه علي الفور، لأنّ حقّ السيّد مضيّق، و النذر المطلق و قضاء النذر المقيّد غير مضيّق، لأصالة البراءة.

فلو شرع العبد و بادر معجّلا فأحرم بغير إذن مولاه، فالأقرب أنّه ليس للمولي تحليله، لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه، فلم يملك تحليله، كما لو تلبّس بالإحرام بعد إذن مولاه.

و إن لم يكن مولاه قد أذن له في النذر، فالمشهور بين علمائنا: عدم انعقاده، لأنّ أوقاته مستحقّة للمولي.

ص: 48


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 174:3.

و قال بعض العامة: يصحّ نذره، لأنّه مكلّف، فانعقد نذره، كالحرّ، و لسيده منعه من المضيّ فيه، لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب، فيمنع منه، كما لو لم ينذر(1).

و روي عن أحمد أنّه لا يمنع من الوفاء به، لما فيه من أداء الواجب(2).

و اختلف أصحابه علي قولين:

أحدهما: أنّ ذلك علي الكراهية دون التحريم.

و الثاني: التحريم، لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات(3).

و هو غلط، لأنّا نمنع وجوبه.

فإن أعتق، وجب عليه الوفاء بما نذره بإذن مولاه، و في غيره الخلاف.

و تقدّم حجّة الإسلام مع وجوبها، و إطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة.

البحث الثالث: في الاستطاعة
مسألة 36:

الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ و العمرة، بإجماع العلماء و بالنصّ:

قال اللّه تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (4) دلّ بمفهومه علي سقوطه عن غير المستطيع.

و لا نعلم في ذلك خلافا، و لقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر.

إذا عرفت هذا، فنقول: الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد و الراحلة، بإجماع علمائنا، و به قال الحسن البصري و مجاهد و سعيد بن جبير و الشافعي و أحمد و إسحاق(5).

ص: 49


1- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
2- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
3- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
4- آل عمران: 97.
5- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.

قال الترمذي: و العمل عليه عند أهل العلم(1).

لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، سئل ما السبيل ؟ قال:

(الزاد و الراحلة)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيي الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي الصادق عليه السلام - و أنا عنده - عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه مخلّي سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ»(3).

و لأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة، و اشترط لوجوبها الزاد و الراحلة، كالجهاد.

و قال عكرمة: الاستطاعة هي الصحة(4).

و قال الضحّاك: إن كان شابّا فليؤاجر نفسه بأكله و عقبه [1] حتي يقضي نسكه(5).

و قال مالك: إن كان يمكنه المشي و عادته سؤال الناس، لزمه الحجّ، لأنّ هذه الاستطاعة في حقّه، فهو كواجد الزاد و الراحلة(6).

و ليس بجيّد، لأنّ هذا فعل شاقّ، فليس استطاعة و إن كان عادة،3.

ص: 50


1- سنن الترمذي 177:3 ذيل الحديث 813، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 168:3، و الشرح الكبير 178:3.
2- سنن الترمذي 225:5-2998، سنن الدار قطني 217:2 و 218-11 و 12، سنن البيهقي 327:4 و 330، المستدرك - للحاكم - 442:1.
3- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الإستبصار 139:2-454.
4- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.
5- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.
6- بداية المجتهد 319:1، المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.

و الشارع اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها، كما في مشقّة السفر، فإنّها غير معتبرة، بل المظنّة و إن كانت المشقّة منتفية.

مسألة 37: الراحلة إنّما هي شرط في حقّ البعيد عن مكة،

و أمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم، و كذا من كان بينه و بين مكة [مكان] [1] قريب لا يحتاج إلي الراحلة، و إنّما تعتبر الراحلة في حقّه، لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه، كالسعي إلي الجمعة، و لو لم يتمكّن من المشي، اشترط في حقّه وجود المحمولة، لأنّه عاجز عن المشي، فأشبه البعيد.

و أمّا الزاد فلا بدّ من اشتراطه في حقّ القريب و البعيد، فإن لم يجد زادا لم يلزمه الحج، لعجزه(1).

مسألة 38: الراحلة شرط في الحجّ للقادر علي المشي و العاجز عنه،
اشارة

و به قال الشافعي(2) ، لقوله عليه السلام لمّا سئل عن تفسير السبيل: (زاد و راحلة)(3).

و يعتبر راحلة مثله، فإن كان يستمسك علي الراحلة من غير محمل و لا يلحقه ضرر و لا مشقّة شديدة، فلا يعتبر في حقّه إلاّ وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها، و إن كان لا يستمسك علي الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقّة عظيمة، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل، و لو كان يجد مشقّة عظيمة

ص: 51


1- المغني 170:3، الشرح الكبير 179:3.
2- فتح العزيز 10:7.
3- سنن الدار قطني 218:2-13، سنن البيهقي 330:4.

في ركوب المحمل، اعتبر في حقّه الكنيسة [1].

و لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك.

و قال بعض الشافعية: إنّ المحمل معتبر في حقّ المرأة مطلقا(1).

و ليس بمعتمد، و الستر يحصل بالملحفة.

فروع:

أ - لا يشترط وجود عين الزاد و الراحلة،

بل المعتبر التمكّن منهما تملّكا أو استئجارا.

ب - إنّما يشترط الزاد و الراحلة في حقّ المحتاج إليهما لبعد المسافة،

أمّا القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته، و المكّي لا تعتبر الراحلة في حقّه، و يكفيه التمكّن من المشي.

ج - إذا وجد شقّ محمل و وجد شريكا يجلس في الجانب الآخر،

لزمه الحجّ، فإن لم يجد الشريك و لم يتمكّن إلاّ من مئونة الشقّ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلي المحمل، و إن تمكّن من المحمل بتمامه، احتمل وجوب الحجّ، لأنّه مستطيع، و عدمه، لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له.

د - القريب إلي مكة إذا شقّ عليه المشي أو الركوب بغير محمل،

اشترطت الراحلة و المحمل في حقّه، كالبعيد، و لا يؤمر بالزحف(2) و إن أمكن.

ه - يجب شراء الراحلة و المحمل مع الحاجة إليهما أو استيجارهما بثمن المثل و أجرته،

فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة، سقط الحج، و إن تمكّن منها، وجب، لأنّه مستطيع.

ص: 52


1- فتح العزيز 11:7، المجموع 67:7.
2- الزحف: المشي. لسان العرب 129:9.

و قيل: لا يجب(1). و ليس بمعتمد.

مسألة 39: الزاد شرط في وجوب الحجّ، لعدم التمكّن بدونه.

و المراد منه أن يملك ما يبلغه إلي الحجّ إمّا عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره و عوده إلي وطنه، سواء كان له أهل و عشيرة يأوي إليهم أو لم يكن، و هو أحد وجهي الشافعية(2).

و الثاني لهم: أنّه لا يشترط في حقّ من لا أهل له و لا عشيرة مئونة الإياب، لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية(3).

و ليس بجيّد، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

و لا فرق أيضا بين أن يملك في بلدته مسكنا أو لا.

و خصّص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد(4).

و يجري الوجهان لهم في الراحلة(5).

و لهم وجه آخر ضعيف عندهم: أنّه لا يعتبر مئونة الإياب مطلقا(6).

إذا عرفت هذا، فالمشترط في الراحلة و الزاد راحلة مثله و زاد مثله، لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش و نعومته، فيعتبر في حقّ الرفيع زيادة علي ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه.

مسألة 40: يشترط أن يكون الزاد و الراحلة فاضلين عن نفقته

و نفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه و رجوعه و دست ثوب يليق به.

و هل يشترط أن يكونا فاضلين عن مسكنه و عبده الذي يحتاج إلي خدمته لعجزه أو لمنصبه ؟ الوجه: ذلك، كما في الكفّارة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

ص: 53


1- كما في شرائع الإسلام 226:1، و راجع: المبسوط - للطوسي - 300:1.
2- المهذب - للشيرازي - 204:1، فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
3- المهذب - للشيرازي - 204:1، فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
4- فتح العزيز 13:7.
5- فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
6- فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.

و الثاني: لا يشترط، بل يباعان في المئونة - و به قال مالك - لأنّ الاستطاعة في الخبر [1] مفسّرة بالزاد و الراحلة و هو واجد لهما(1).

و الوجه: الأول، لحاجته إلي المسكن و العبد، فأشبها ثياب بدنه.

فعلي هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته و كانت سكني مثله و العبد عبد مثله، لم يبع شيئا منهما، و إن كانت الدار فاضلة عن حاجته و أمكن بيع بعضها أو كانت نفيسة أو العبد كذلك و أمكن شراء أدون منه ممّا تندفع به حاجته، احتمل وجوب البيع و الاقتصار علي الأدون، و عدمه، كما في الكفّارة.

و ربما يفرّق بين الحجّ و الكفّارة بأنّ الحجّ لا بدل له و العتق في الكفّارة له بدل.

إذا ثبت هذا، فالزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه و عوده من مأكول و مشروب و كسوة، فإن كان يملك ذلك أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء و الرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله، لزمه شراؤه، و إن كانت تجحف بماله، لم يلزمه شراؤه و إن تمكّن علي إشكال، كما قلنا في شراء الماء للوضوء، و إذا كان يجد الزاد في كلّ منزل، لم يلزمه حمله، و إن لم يجده كذلك، لزمه حمله.

و أمّا الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها علي حسب العادة، فلا كلام، و إن لم يوجد، لم يلزمه حمله من بلده و لا من أقرب البلدان إلي مكة كأطراف الشام و نحوها، لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به، و لا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق، و الطعام بخلاف ذلك.

مسألة 41: كما تعتبر قدرته علي المطعوم و المشروب

و التمكّن من

ص: 54


1- فتح العزيز 13:7.

حمله من بلده كذا تعتبر قدرته علي الآلات و الأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر [1] و نحوها، و أوعية الماء من القرب و غيرها، و جميع ما يحتاج إليه، كالسّفرة و شبهها، لأنّه ممّا لا يستغني عنه، فأشبه علف البهائم.

و كذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله علي ما بيّنّا إمّا بشراء أو بأجرة لذهابه و عوده، و يجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله.

فإن كان ممّن يكفيه الرحل و القتب و لا يخشي السقوط، أجزأ وجود ذلك، و إن كان ممّن لم تجر عادته بذلك و يخشي السقوط عنهما، يعتبر وجود محمل و ما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه و لا يخشي السقوط عنه، لأنّ الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر علي المشي لدفع المشقّة عنه، فيجب أن يعتبر هنا ما تندفع به المشقّة.

و إن كان ممّن لا يقدر علي خدمة نفسه و القيام بأمره، اعتبرت القدرة علي من يخدمه، لأنّه من سبيله.

مسألة 42: يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلة عمّا يحتاج إليه
اشارة

لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره ذاهبا و عائدا، لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه أبو الربيع الشامي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فقال: «ما يقول الناس ؟» قال: فقيل له: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا، فقال: هلك الناس إذن، لئن كان كلّ من له زاد و راحلة قدر ما يقوت

ص: 55


1- سنن أبي داود 132:2-1692، سنن البيهقي 467:7 و 25:9، المعجم الكبير - للطبراني - 382:12-13414، مسند أحمد 160:12.

عياله و يستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن» فقيل له: ما السبيل ؟ قال: فقال: «السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقي بعض لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّه الزكاة، فلم يجعلها إلاّ علي من ملك مائتي درهم»(1).

و لأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدميّين و هم أحوج و حقّهم آكد.

و يشترط أيضا أن تكون فاضلة عمّا يحتاج هو و أهله إليه من مسكن و خادم و ما لا بدّ منه من ثياب و غيرها، و أن يكون فاضلا عن قضاء دينه، لأنّ قضاء الدّين من حوائجه الأصلية، و تتعلّق به حقوق الآدميّين فهو آكد، و لهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربي به، و حاجتهم إليها، فالحجّ الذي هو خالص حقّ اللّه تعالي أولي.

و لا فرق بين أن يكون الدّين لآدمي معيّن أو من حقوق اللّه تعالي، كزكاة في ذمّته أو كفّارات و شبهها.

و لا فرق أيضا بين أن يكون الدّين حالاّ أو مؤجّلا محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب، لأنّه غير موصوف بالاستطاعة.

و للشافعية في وجوب الحجّ علي المديون إذا كان الدّين يحلّ بعد عرفة وجهان:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني: الوجوب، لأنّ الدّين المؤجّل غير مستحقّ عليه قبل حلوله(2).

و هو ممنوع.

تذنيب: لو احتاج إلي النكاح و خاف علي نفسه العنت،

قدّم الحجّ، لأنّه واجب و النكاح تطوّع، و يلزمه الصبر.

ص: 56


1- الكافي 267:4-3، الفقيه 258:2-1255، التهذيب 2:5-3-1، الإستبصار 139:2-453.
2- الحاوي الكبير 13:4.

و قال بعض العامّة: يقدّم النكاح، لأنّه واجب عليه، و لا غني به عنه، فهو كنفقته(1).

و نمنع الوجوب.

و لو لم يخف العنت، قدّم الحجّ إجماعا.

تذنيب آخر: لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق و ضيّعها،

قال بعض العامة: يصح حجّة، لأنّها متعلّقة بذمّته، فلا تمنع صحة فعله(2).

و فيه نظر، لأنّه مأمور بصرف المال إلي نفقة العيال مثلا، فإذا صرفه في غيره، كان قد فعل المنهي عنه، و النهي يدلّ علي الفساد في العبادات.

البحث الرابع: المئونة.
اشارة

و يشترط أن يكون له مال يصرفه في مئونة سفره ذهابا و عودا، و مئونة عياله الذين تلزمه نفقتهم علي الاقتصاد.

و هل يشترط الرجوع إلي كفاية من مال أو حرفة أو صناعة في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر؟ قال الشيخ: نعم(3).

فلو كان له زاد و راحلة و نفقة له و لعياله بقدر ذهابه و عوده و جميع ما تقدّم و ليس له ما يرجع إليه من مال أو ملك أو صناعة و حرفة يرجع إليها عند عوده من حجّه، سقط عنه فرض الحجّ - و به قال أبو العباس بن سريج من الشافعية(4) - خوفا من فقره و حاجته إلي المسألة، و في ذلك أعظم مشقّة.

ص: 57


1- المغني 172:3، الشرح الكبير 180:3.
2- المغني 173:3، الشرح الكبير 180:3.
3- المبسوط - للطوسي - 297:1، الخلاف 245:2، المسألة 2.
4- الحاوي الكبير 13:4، فتح العزيز 14:7، حلية العلماء 236:3، المهذّب - للشيرازي - 204:1، المجموع 73:7.

و لرواية أبي الربيع الشامي عن الباقر [1] عليه السلام.

و قال أكثر علمائنا: لا يشترط الرجوع إلي كفاية(1) - و هو قول الشافعي(2) - و هو المعتمد، لأنّه مستطيع بوجود الزاد و الراحلة و نفقته و نفقة عياله ذهابا و عودا.

و رواية أبي الربيع لا حجّة فيها علي ما قالوه، و المشقّة ممنوعة، فإنّ اللّه هو الرزّاق.

فروع:
أ - لو كان له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكني عياله،

أو يحتاج إلي أجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله، أو سائمة يحتاجون إليها، لم يلزمه الحجّ.

و لو كان له شيء من ذلك فاضل عن حاجته، لزمه بيعه و صرفه في الحجّ.

و لو كان مسكنه واسعا يكفيه للسكني بعضه، وجب بيع الفاضل و صرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة.

و كذا لو كان له كتب يحتاج إليها، لم يلزمه بيعها في الحجّ، و لو استغني عنها، وجب البيع.

و لو كان له بكتاب نسختان يستغني بإحداهما، وجب بيع الفاضل.

و لو كان له دار نفيسة أو عبد نفيس أو كتب نفيسة و أمكنه بيعها و شراء أقلّ من ثمنها و كان مسكن مثله أو عبد مثله و الحجّ بالفاضل عن مئونته من ثمنها، فالأقرب وجوب البيع و شراء الأدون ممّا تقوم به كفايته.

ص: 58


1- منهم: ابن إدريس في السرائر: 118، و المحقّق في المعتبر: 329، و شرائع الإسلام 1: 228، و المختصر النافع: 76، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 325:1-326.
2- الحاوي الكبير 13:4، المهذب - للشيرازي - 204:1، المجموع 73:7، فتح العزيز 14:7.
ب - لو كان له دين علي باذل له يكفيه للحجّ، لزمه،

لأنّه مستطيع، و لو كان علي معسر أو تعذّر استيفاؤه أو كان مؤجّلا، لم يلزمه الحجّ، لعدم الاستطاعة.

ج - لو كان له رأس مال يتّجر به و ينفق من ربحه و لو صرفه في الحج لبطلت تجارته، وجب عليه الحج

- و هو أصحّ وجهي الشافعية، و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه واجد.

و الثاني للشافعية: أنّه لا يكلّف الصرف إليه - و به قال أحمد - لئلاّ يلتحق بالمساكين، و كالعبد و المسكن(2).

و ليس بجيّد، لأنّ العبد و المسكن يحتاج إليهما في الحال، و هذا إمساك ذخيرة للمستقبل.

د - لو لم يجد الزاد و وجد الراحلة و كان كسوبا يكتسب ما يكفيه و قد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه و عوده،

فإن كان السفر طويلا، لم يلزمه الحجّ، لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقّة العظيمة، و لأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدّي إلي هلاك نفسه.

و إن كان السفر قصيرا، فإن كان تكسّبه في كلّ يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل، لم يلزمه الحجّ، لأنّه قد ينقطع عن كسبه في أيّام الحجّ فيتضرّر.

و إن كان كسبه في كلّ يوم يكفيه لأيّامه، لم يلزمه الحجّ أيضا، للمشقّة، و لأنّه غير واجد لشرط الحجّ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:

الوجوب - و به قال مالك - مطلقا(3).

ه - لو كان له مال فباعه نسيئة عند قرب وقت الخروج

إلي أجل يتأخّر

ص: 59


1- فتح العزيز 14:7.
2- فتح العزيز 14:7.
3- فتح العزيز 14:7-15.

عنه، سقط الفور في تلك السنة عنه، لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس، و قد يتوسّل المحتال بهذا إلي دفع الحجّ.

مسألة 43: لو كان له مال يكفيه لذهابه و عوده دون نفقة عياله،

سقط عنه فرض الحجّ، لما تقدّم من الأمر بالنفقة علي العيال، و لأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته، و فرض الحجّ [1] يتعلّق بالفاضل عن كفايته، فكان الإنفاق علي العيال أولي من الحجّ.

و المراد بالعيال هنا من تلزمه النفقة عليه دون من تستحب.

مسألة 44: لو لم يكن له زاد و راحلة أو كان و لا مئونة له لسفره أو لعياله،
اشارة

فبذل له باذل الزاد و الراحلة و مئونته ذاهبا و عائدا و مئونة عياله مدّة غيبته، وجب عليه الحجّ عند علمائنا، سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا، لأنّه مستطيع للحجّ.

و لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام سئلا عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيي من ذلك، أ هو ممّن يستطيع إلي ذلك سبيلا؟ قال: «نعم»(1).

و للشافعي قولان في وجوب الحجّ إذا كان الباذل ولدا:

أحدهما: الوجوب، لأنّ الابن يخالف غيره في باب المنّة.

و الثاني: عدم الوجوب، لأنّه لا يلزمه القبول، لاشتماله علي المنّة.

و إن لم يكن ولدا، لم يجب القبول(2).

و قال أحمد: لا يجب الحجّ مطلقا، سواء بذل له الركوب و الزاد أو بذل له مال، لأنّه غير مالك للزاد و الراحلة و لا لثمنهما، فسقط عنه فرض الحجّ(3).

ص: 60


1- الكافي 266:4-267-1، التهذيب 3:5-4-3 و 4، الاستبصار 140:2-455 و 456.
2- الوجيز 111:1، فتح العزيز 45:7-46.
3- المغني 169:3، الشرح الكبير 181:3.

و نمنع ثبوت المنّة و عدم الملك المشروط في الاستطاعة.

فروع:

[الأول]

أ - لو بذل له مال يتمكّن به من الحجّ و يكفيه في مئونته و مئونة عياله، لم يجب عليه القبول، سواء كان الباذل له ولدا أو أجنبيا، لاشتماله علي المنّة في قبول الطاعة.

و لأنّ في قبول المال و تملّكه إيجاب سبب يلزم به الفرض، و هو:

القبول، و ربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة، فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة و قضاء دين.

و لأنّ تحصيل شرط الوجوب غير واجب، كما في تحصيل مال الزكاة.

[الثاني]

ب - لو وجد بعض ما يلزمه الحجّ به و عجز عن الباقي فبذل له ما عجز عنه، وجب عليه الحجّ، لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من شيء أصلا يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولي.

[الثالث]

ج - لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة، لم يجب القبول، لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب.

نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي، وجب عليه الحجّ.

و كذا لو قبل مال الهبة، لأنّه صار الآن مالكا للاستطاعة.

[الرابع]

د - قال ابن إدريس من علمائنا: إنّ من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مئونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما يبذل له و يعرض عليه، لا وعدا بالقول دون الفعل، و كذا فيمن حجّ به بعض إخوانه(1).

ص: 61


1- السرائر: 121.

و التحقيق أن نقول: البحث هنا في أمرين:

الأول: هل يجب علي الباذل بالبذل الشيء المبذول أم لا؟ فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج علي المبذول له، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب.

و إن قلنا بعدم وجوبه، ففي إيجاب الحجّ إشكال، أقربه: العدم، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب.

الثاني: هل بين بذل المال و بذل الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله فرق أم لا؟ الأقرب: عدم الفرق، لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد و الراحلة و المؤن بغير منّة كالمال.

[الخامس]

ه - لو وهب المال، فإن قبل، وجب الحجّ، و إلاّ فلا، و لا يجب عليه قبول الاتّهاب، و كذا الزاد و الراحلة، لأنّ في قبول عقد الهبة تحصيل شرط الوجوب و ليس واجبا.

[السادس]

و - لا يجب الاقتراض للحجّ إلاّ أن يحتاج إليه و يكون له مال بقدره يفضل عن الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله ذهابا و عودا، فلو لم يكن له مال، أو كان له ما يقصر عن ذلك، لم يجب عليه الحجّ، لأصالة البراءة، و لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجبا.

[السابع]

ز - لو كان له ولد له مال، لم يجب عليه بذله لأبيه في الحجّ و لا إقراضه له، سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، و لا يجب علي الأب الحجّ بذلك المال.

و قال الشيخ رحمه اللّه: و قد روي أصحابنا أنّه إذا كان له ولد له مال، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به، و يجب عليه إعطاؤه(1).

و نحن نحمل ما رواه الشيخ علي الاستحباب.

[الثامن]

ج - لو حجّ فاقد الزاد و الراحلة ماشيا أو راكبا، لم يجزئه عن حجّة8.

ص: 62


1- الخلاف 250:2، المسألة 8.

الإسلام، لأنّ الحج علي هذه الحالة غير واجب عليه، فلم يكن ما أوقعه واجبا عليه، فإذا حصل شرط الوجوب الذي هو كالوقت له، وجب عليه الحجّ، لأنّ الفعل أوّلا كان فعلا للواجب قبل وقته، فلم يكن مجزئا كالصلاة.

مسألة 45:

لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد و الراحلة، و لا خادمه و لا ثياب بدنه و لا فرس ركوبه بإجماع العلماء، لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه، و يجب عليه بيع ما زاد علي ذلك من ضياع و عقار و غير ذلك من الذخائر و الأثاث التي له منها بدّ إذا حصلت الاستطاعة معه.

مسألة 46:

لو [1] فقد الاستطاعة فغصب مالا فحجّ به، أو غصب حمولة فركبها حتي أوصلته، أثم بذلك، و عليه أجرة الحمولة و ضمان المال، و لم يجزئه عن الحجّ.

أمّا لو كان واجدا للزاد و الراحلة و المئونة فغصب و حجّ بالمغصوب، أجزأه ذلك - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة، و المال و المحمولة يرادان للتوصّل إليه، فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه.

نعم لو طاف أو سعي علي الدابة المغصوبة، لم يصحّا.

و لو وقف عليها فالأقوي: الصحّة، لأنّ الواجب هو الكون في الموقف و قد حصل.

و قال أحمد: إذا حجّ بالمال المغصوب، لم يصح، و كذا لو غصب حمولة فركبها حتي أوصلته(2) ، لأنّ الزاد و الراحلة من شرائط الحجّ و لم يوجد علي الوجه المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة.

و ليس بجيّد، لأنّ الشرط [2] ليس تملّك عين الزاد و الراحلة، بل هما أو

ص: 63


1- المجموع 62:7.
2- المجموع 62:7.

ثمنهما، و البحث في القادر.

مسألة 47:
اشارة

الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعا، فلو بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه، لم يجب عليه أيضا - و به قال مالك و أبو حنيفة(1) - لقوله عليه السلام: (السبيل زاد و راحلة)(2).

و لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة فوجب أن لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها، كالصلاة و الصوم.

و لأنّ العبادات ضربان:

منها: ما يتعلّق بالأبدان، فتجب بالقدرة عليها، كالصلاة و الصيام.

و منها: ما يتعلّق بالأموال، فيعتبر في وجوبها ملك المال، كالزكاة، و لم يعهد في الأصول وجوب عبادة ببذل الطاعة [1].

و قال الشافعي: يجب، لما روي أنّ امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه في الحجّ علي عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك علي الراحلة، فهل تري أن أحجّ عنه ؟ فقال: (نعم) فقالت: أو ينفعه ؟ فقال: (أ رأيت لو كان علي أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ؟) فقالت:

نعم، قال: (فدين اللّه أحقّ أن يقضي)(3).

وجه الدلالة: أنّها بذلت الطاعة لأبيها، فأمرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر، فدلّ علي أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة.

ص: 64


1- بداية المجتهد 319:1-320، الحاوي الكبير 9:4، المجموع 101:7.
2- سنن الدار قطني 218:2-13، سنن البيهقي 330:4.
3- صحيح مسلم 973:2-1334، سنن ابن ماجة 971:2-2909، سنن البيهقي 4: 328 بتفاوت و اختصار.

و لأنّ المغصوب [1] الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال، و هذا في حكمه، لأنّه قادر علي فعل الحجّ عن نفسه فلزمه، كالقادر بنفسه(1).

و الحديث لا يدلّ علي الوجوب، و لهذا شبّهه عليه السلام بالدّين مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب علي أبيه من الدّين، بل يستحب له، فكذا هنا.

و نمنع وجوب الاستنابة علي المعضوب، و سيأتي(2) إن شاء اللّه.

تنبيه:

شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة شرائط، ثلاثة في الباذل:

أ - أن يكون الباذل من أهل الحجّ، فيجمع البلوغ و العقل و الحرّية و الإسلام، لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره.

ب - أن لا تكون عليه حجة الإسلام ليصحّ إحرامه [2] بالحجّ عن غيره.

ج - أن يكون واجدا للزاد و الراحلة، لأنّه لمّا كان ذلك معتبرا في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولي، إذ ليس حال الباذل أوكد في إلزام الفرض من المبذول له.

و بعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة و إن اعتبره في فرض نفسه، لأنّه التزم الطاعة باختياره، فصار كحجّ النذر المخالف للفرض بالأصالة.

ص: 65


1- الحاوي الكبير 9:4، فتح العزيز 46:7، المهذب - للشيرازي - 205:1، المجموع 97:7 و 101.
2- يأتي في المسألة 99.

و أربعة في المبذول له:

أ - أن يكون المبذول له واثقا بطاعة الباذل عالما أنّه متي أمره بالحجّ امتثل أمره، لأنّ قدرة الباذل قد أقيمت مقام قدرته، فافتقر إلي الثقة بطاعته.

ب - أن يكون الفرض غير ساقط عنه.

ج - أن يكون معضوبا آيسا من أن يفعل بنفسه.

د - أن لا يكون له مال، لأنّ ذا المال يجب عليه الحجّ بماله.

فإذا اجتمعت الشروط نظر في الباذل، فإن كان من غير ولد و لا والد، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان:

أحدهما - و هو الصحيح عندهم و نصّ عليه الشافعي -: أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته، لكونه مستطيعا للحجّ في الحالين.

و الثاني: أنّ الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده، لما يلحقه من المنّة في قبوله، و لأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص و حدّ القذف و الرجوع في الهبة، فخالف غيره في بذل الطاعة.

و إذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلي المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه، لوجوب الفرض عليه، و إذا أذن له و قبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متي شاء، و ليس له الرجوع بعد القبول.

إذا تقرّر هذا فعلي المبذول له أن يأذن و علي الباذل أن يحجّ.

فإن امتنع المبذول له من الإذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الإذن للباذل ؟ وجهان:

أحدهما: القيام فيأذن للباذل في الحجّ، لأنّ الإذن قد لزمه، و متي امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه، كالديون.

و الثاني - و هو الصحيح عندهم -: أنّ إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه، لأنّ البذل كان لغيره، فإن أذن المبذول له قبل وفاته، انتقل الفرض عنه إلي

ص: 66

الباذل، و إن لم يأذن حتي مات، لقي اللّه تعالي و فرض الحجّ واجب عليه.

فلو حجّ الباذل بغير إذن المبذول له، كانت الحجّة واقعة عن نفسه، لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه، و كان فرض الحجّ باقيا علي المبذول له(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

البحث الخامس: في إمكان المسير
اشارة

و يشتمل علي أمور أربعة: الصحة، و التثبّت علي الراحلة، و أمن الطريق في النفس و البضع و المال، و اتّساع الوقت، فالنظر هنا في أربعة:

النظر الأول: الصحة
مسألة 48:

أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار علي أنّ القادر علي الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإسلام يجب عليه إيقاعه مباشرة، و لا تجوز له الاستنابة فيه، فإن استناب غيره لم يجزئه، و وجب عليه أن يحجّ بنفسه.

فإن مات بعد استطاعته و استنابته و استقرار الحجّ في ذمّته، وجب أن يخرج عنه اجرة المثل من صلب ماله، لأنّ ما فعله أوّلا لم يفده براءة ذمّته، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة.

أمّا المريض مرضا لا يتضرّر بالسفر و الركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلي ما يزيد علي مئونة سفر الصحيح مع عجزه عنه، سقط عنه فرض المباشرة، و لو احتاج إلي الدواء

ص: 67


1- الحاوي الكبير 10:4-11، المهذب - للشيرازي - 205:1، المجموع 95:7 و 96 و 100، فتح العزيز 46:7.

فكالزاد.

مسألة 49:

المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجي زواله و كان مأيوسا من برئه لزمانة أو مرض لا يرجي زواله أو كان معضوبا نضو [1] الخلقة لا يقدر علي التثبّت علي الراحلة إلاّ بمشقّة غير محتملة أو كان شيخا فانيا و ما أشبه ذلك إذا كان واجدا لشرائط الحج من الزاد و الراحلة و غيرهما، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعا، لما فيه من المشقّة و الحرج و قد قال تعالي ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1).

و لما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت يهوديّا أو نصرانيّا)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيا»(3).

و هل تجب عليه الاستنابة ؟ قال الشيخ: نعم(4) ، و به قال في الصحابة: علي عليه السلام، و في التابعين: الحسن البصري، و من الفقهاء: الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق(5).

لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّه سئل عن شيخ يجد الاستطاعة،

ص: 68


1- الحج: 78.
2- حلية الأولياء 251:9، سنن الدارمي 28:2.
3- الكافي 268:4-1، الفقيه 273:2-1333، التهذيب 17:5-49.
4- المبسوط - للطوسي - 299:1، الخلاف 248:2، المسألة 6.
5- الحاوي الكبير 8:4، فتح العزيز 44:7، المجموع 94:7 و 100، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3، تفسير القرطبي 151:4.

فقال: «يجهّز من يحجّ عنه»(1).

و لحديث الخثعمية(2)قاله ابن إدريس في السرائر: 120.(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «إنّ عليّا عليه السلام رأي شيخا لم يحج قطّ و لم يطق الحجّ من كبره، فأمر أن يجهّز رجلا فيحجّ عنه»(4).

و لأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها، كالصوم إذا عجز عنه.

و قال بعض علمائنا: لا تجب الاستنابة(4) ، و به قال مالك، لأنّ الاستطاعة غير موجودة، لعدم التمكّن من المباشرة، و النيابة فرع الوجوب و الوجوب ساقط، لعدم شرطه، فإنّ اللّه تعالي قال مَنِ اسْتَطاعَ و هذا غير مستطيع.

و لأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز، كالصوم و الصلاة(5).

و نمنع عدم الاستطاعة، لأنّ الصادق عليه السلام فسّرها بالزاد و الراحلة(6) ، و هي موجودة، و القياس ضعيف، و هذا القول لا بأس به أيضا.

قال مالك: و لا يجوز أن يستأجر من يحجّ عنه في حال حياته، فإن وصّي أن يحجّ عنه بعد وفاته، جاز(7).1.

ص: 69


1- تفسير القرطبي 151:4، المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الصفحة 64، الهامش
3- .
4- التهذيب 14:5-38.
5- الحاوي الكبير 9:4، المجموع 100:7، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3، تفسير القرطبي 150:4.
6- الكافي 268:4-5.
7- الحاوي الكبير 9:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، تفسير القرطبي 150:4-151.

و قال أبو حنيفة: إن قدر علي الحجّ قبل زمانته، لزمه الحجّ، و إن لم يقدر عليه، فلا حجّ عليه(1).

مسألة 50:

لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجي برؤه مالا يستنيب به، لم يكن عليه حجّ إجماعا، لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه فالمريض أولي، و إن وجد مالا و لم يجد من ينوب عنه لم يجب عليه أيضا، لعدم تمكّنه من الاستئجار.

و عن أحمد روايتان في إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي، فإن قلنا: من شرائط لزوم السعي، ثبت الحجّ في ذمّته يحجّ عنه بعد موته، و إن قلنا: من شرائط الوجوب، لم يجب عليه شيء(2).

و هذا ساقط عندنا.

مسألة 51: المريض الذي لا يرجي برؤه لو استناب من حجّ عنه ثم عوفي،

و المعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ عن نفسه، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرة.

قال الشيخ رحمه اللّه: لأنّ ما فعله كان واجبا في ماله و هذا يلزمه في نفسه(3).

و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر، لأنّ هذا بدل إياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوسا منه، فلزمه الأصل كالآيسة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة(4).

ص: 70


1- الحاوي الكبير 8:4-9.
2- المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.
3- المبسوط - للطوسي - 299:1.
4- الأم 114:2 و 123، المهذّب - للشيرازي - 206:1، المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.

و قال أحمد و إسحاق: لا يجب عليه حجّ آخر، لأنّه فعل المأمور به، فخرج عن العهدة، كما لو لم يبرأ، و لأنّه أدّي حجة الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حجّ ثان، كما لو حجّ بنفسه، و لإفضائه إلي إيجاب حجّتين و ليس عليه إلاّ حجّة واحدة(1).

و نمنع فعله للمأمور به، و الفرق بينه و بين عدم البرء ظاهر، و نمنع أداء حجّة الإسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة علي المباشرة، و نمنع أنّه ليس عليه إلاّ حجّة واحدة.

إذا عرفت هذا، فلو عوفي قبل فراق النائب من الحجّ، قال بعض العامة: لم يجزئه الحجّ، لأنّه قدر علي الأصل قبل تمام البدل فلزمه، كالصغيرة و من ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور، و كالمتيمّم إذا رأي الماء في صلاته.

و يحتمل الاجزاء، كالمتمتّع إذا شرع في الصيام ثم قدر علي الهدي، و المكفّر إذا قدر علي الأصل بعد الشروع في البدل، و إن برأ قبل إحرام النائب، لم يجزئه بحال(2).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 52:

المريض إذا كان مرضه يرجي زواله و البرء منه، و المحبوس و نحوه إذا وجد الاستطاعة و تعذّر عليه الحجّ، يستحب أن يستنيب، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه.

و منع منه الشافعي و أحمد، فإن استناب غيره، لم يجزئه كالصحيح، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ، لأنّه يرجو القدرة علي الحجّ بنفسه، فلم تكن

ص: 71


1- المغني 182:3-183، الشرح الكبير 184:3.
2- المغني 183:3، الشرح الكبير 185:3.
3- المبسوط - للطوسي - 299:1.

له الاستنابة، و لا يجزئه إن فعل، كالفقير(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز له ان يستنيب، و يكون ذلك مراعي، فإن قدر علي الحج بنفسه، لزمه، و إلاّ أجزأه ذلك، لأنّه عاجز عن الحج بنفسه، فأشبه المأيوس من برئه(2).

و فرّق الشافعية بأنّ المأيوس عاجز علي الإطلاق، آيس من القدرة علي الأصل فأشبه الميت، و لأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ عن الشيخ الكبير و هو ممّن لا يرجي منه مباشرة الحج، فلا يقاس عليه إلاّ ما يشابهه(3).

و المعتمد: ما قاله الشيخ، لقول الباقر عليه السلام: «كان علي عليه السلام يقول: لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه»(4) و هو عام.

و لأنّه غير قادر علي الحجّ بنفسه، فجاز له الاستنابة، كالمعضوب.

إذا ثبت هذا، فلو استناب من يرجو القدرة علي الحجّ بنفسه ثم صار مأيوسا من برئه، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة أخري، لأنّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها، فأشبه الصحيح.

قال الشيخ: و لأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله و هذه عن بدنه(5).

و لو مات سقط الحج عنه مع الاستنابة و بدونها، لأنّه غير مستطيع للحجّ.

و للشافعي وجهان مع الاستنابة:1.

ص: 72


1- المهذّب - للشيرازي - 206:1، المجموع 94:7 و 116، فتح العزيز 40:7، حلية العلماء 246:3، الحاوي الكبير 14:4، المغني 184:3، الشرح الكبير 185:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 184:3، الشرح الكبير 185:3، الحاوي الكبير 14:4، حلية العلماء 246:3.
3- راجع: المغني 182:3، و الشرح الكبير 185:3.
4- الكافي 273:4-4، التهذيب 14:5-15-40.
5- المبسوط - للطوسي - 299:1.

أحدهما: عدم الإجزاء، لأنّه استناب و هو غير مأيوس منه، فأشبه ما إذا برأ.

و الثاني: الإجزاء، لأنّا تبيّنّا أنّ المرض كان مأيوسا منه حيث اتّصل الموت به(1).

مسألة 53:

قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب علي ذلك الغير القبول، خلافا للشافعي حيث أوجب القبول و الإذن للمطيع في الحجّ عنه.

و لو مات المطيع قبل أن يأذن له، فإن كان قد أتي من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه، استقرّ في ذمّته، و إن كان قبل ذلك، لم يجب عليه، لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعا.

و هل يلزم الباذل ببذله ؟ قال: إن كان قد أحرم لزم المضيّ فيه، و إلاّ فلا، لأنّه لا يجب عليه البذل، فلا يلزمه به حكم، لأنّه متبرّع به(2).

و هذه كلّها ساقطة عندنا، لأنّها مبنية علي وجوب الحج بالطاعة، و هو باطل، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سئل ما يوجب الحجّ؟ فقال: (الزاد و الراحلة)(3).

و لو كان علي المعضوب حجّتان: منذورة و حجة الإسلام، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة، لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما، و لا يؤدّي ذلك إلي وقوع المنذورة دون حجّة الإسلام، بل يقعان معا، فأجزأ ذلك، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان علي واحد.

ص: 73


1- الحاوي الكبير 14:4، المهذّب - للشيرازي - 206:1، المجموع 116:7، فتح العزيز 42:7.
2- فتح العزيز 45:7 و 46، المجموع 95:7 و 96، الحاوي الكبير 11:4.
3- سنن الترمذي 177:3-813، سنن ابن ماجة 967:2-2896، سنن الدار قطني 2: 215-3.

و للشافعي وجهان(1).

تذنيبان:

الأول: قال الشيخ: المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه، وجب عليه أن يحجّ غيره عن نفسه، و إن برأ فيما بعد، وجب عليه الإعادة(2).

و فيه نظر.

الثاني: يجوز استنابة الصرورة و غير الصرورة علي ما يأتي(3).

مسألة 54:

يجوز للصحيح الذي قضي ما عليه من حجّة الإسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع و إن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين(4) - لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب.

و قال الشافعي: لا يجوز - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض(5).

و هو خطأ، للفرق، فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرة و هنا قد أدّاه، فافترقا.

و لو لم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يستنيب أيضا في حجّ التطوّع، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا، و سواء تمكّن من أداء الواجب أو لا، لعدم المنافاة بينهما.

و لو كان قد أدّي حجّة الإسلام و عجز عن الحجّ بنفسه، صحّ أن يستنيب

ص: 74


1- فتح العزيز 36:7، المهذب - للشيرازي - 207:1.
2- المبسوط - للطوسي - 299:1.
3- يأتي في المسألة 84.
4- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3، المجموع 116:7.
5- المجموع 116:7، المغني 185:3، الشرح الكبير 212:3.

في التطوّع، لأنّ ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله، كالصدقة.

مسألة 55:

يجوز الاستئجار علي الحجّ، و به قال مالك و الشافعي و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(1) ، و منع في الرواية الأخري منه و من الاستئجار علي الأذان و تعليم القرآن و الفقه و نحوه ممّا يتعدّي نفعه و يختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة(2).

و جوّز ذلك كلّه الشافعي و مالك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال:

(أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه)(3).

و أخذ أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله الجعل علي الرقية بكتاب اللّه، و أخبروا النبي صلّي اللّه عليه و آله بذلك فصوّبهم.

و لأنّه تجوز النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد و القناطر(4).

و احتجّ المانعون: بأنّ عبادة بن الصامت كان يعلّم رجلا القرآن، فأهدي له قوسا، فسأل النبي صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك، فقال له: (إن سرّك أن تتقلّد قوسا من نار فتقلّدها)(5).

و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله لعثمان بن أبي العاص: (و اتّخذ مؤذّنا لا يأخذ علي أذانه أجرا)(6).

ص: 75


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقي - للباجي - 271:2، الام 124:2، فتح العزيز 49:7، الحاوي الكبير 14:4 و 257، المجموع 120:7 و 139، المغني و الشرح الكبير 186:3.
2- المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، فتح العزيز 49:7.
3- صحيح البخاري 121:3، سنن البيهقي 430:1.
4- الام 124:2، فتح العزيز 198:3 و 49:7، المجموع 127:3 و 120:7 و 139، الحاوي الكبير 257:4، المدوّنة الكبري 62:1 و 419:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 166 و 374 و 375، المغني و الشرح الكبير 186:3.
5- أورده ابن قدامة في المغني 186:3، و في سنن البيهقي 125:6، و مسند أحمد 315:5، و تفسير القرطبي 335:1 بتفاوت.
6- سنن أبي داود 146:1-531، سنن الترمذي 409:1-410-209، سنن النسائي 23:2، سنن البيهقي 429:1، المستدرك - للحاكم - 199:1، مسند أحمد 4: 21.

و لأنّها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كالصلاة و الصوم.

و الرقية قضية في عين، فتختص بها.

و أمّا بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، و يجوز أن يقع قربة و غير قربة، فإذا وقع بأجرة لم يكن قربة و لا عبادة، و لا يصح هنا أن يكون غير عبادة، و لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتي فعله من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم يصح.

و لا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الأجرة، كالقضاء و الشهادة و الإمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال، و هو نفقة في المعني، و لا يجوز أخذ الأجرة عليها(1).

و نمنع أنّه إذا فعل من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة، و إنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوي أخذ الأجرة، أمّا إذا جعله جزءا لمقصود فلا.

و فائدة الخلاف: أنّه متي لم يجز أخذ الأجرة عليها فلا يكون إلاّ نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقة، فلو مات أو أحصر أو مرض أو ضلّ الطريق، لم يلزمه الضمان لما أنفق، لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال، قاله أحمد(2) ، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق فانفتق و لم ينسد.

و إذا ناب عنه آخر، فإنّه يحجّ من حيث بلغ النائب الأول من الطريق، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة اخري، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق، فإنّه يحجّ عنه من حيث انتهي، و ما فضل معه من المال ردّه إلاّ أن يؤذن له في أخذه، و ينفق علي نفسه3.

ص: 76


1- المغني 186:3-187، الشرح الكبير 186:3.
2- المغني 187:3، الشرح الكبير 186:3.

بقدر الحاجة من غير إسراف و لا تقتير، و ليس له التبرّع بشيء منه إلاّ أن يؤذن له في ذلك.

و علي القول بجواز الاستئجار للحجّ يجوز أن يدفع إلي النائب من غير استئجار، فيكون الحكم فيه علي ما مضي.

و إن استأجره ليحجّ عنه أو عن ميت، اعتبرت فيه شرائط الإجارة من معرفة الأجرة و عقد الإجارة، و ما يأخذه أجرة له يملكه و يباح له التصرّف فيه و التوسّع في النفقة و غيرها، و ما فضل فهو له.

و إن أحصر أو ضلّ الطريق أو ضاعت النفقة منه، فهو في ضمانه، و الحجّ عليه، و إن مات، انفسخت الإجارة، لأنّ المعقود عليه تلف فانفسخ العقد، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة، و يكون الحجّ أيضا من موضع بلغ إليه النائب.

و ما يلزمه من الدماء فعليه، لأنّ الحجّ عليه.

النظر الثاني: التثبّت علي الراحلة

التثبّت علي الراحلة شرط في وجوب الحجّ، فالشيخ الهمّ و المعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك علي الراحلة لا يجب عليه الحجّ.

و كذا لو كان يتثبّت علي الراحلة لكن بمشقّة عظيمة، يسقط عنه فرض عامه، لقوله عليه السلام: (من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر و لم يحج فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا)(1).

إذا عرفت هذا، فمقطوع اليدين أو الرّجلين إذا أمكنه الثبوت علي الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ، و لا تجوز الاستنابة.

و لو احتاج المعضوب إلي حركة عنيفة يعجز عنها، سقط في عامه، فإن

ص: 77


1- سنن البيهقي 334:4.

مات قبل التمكّن، سقط.

النظر الثالث: أمن الطريق
اشارة

و هو شرط في وجوب الحجّ، فلو كان الطريق مخوفا أو كان فيه مانع من عدوّ و شبهه، سقط فرض الحجّ في ذلك العام و إن حصلت باقي الشرائط، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ اللّه تعالي إنّما فرض الحجّ علي المستطيع و هذا غير مستطيع.

و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ، فكان شرطا، كالزاد و الراحلة.

و لأنّ حفص الكناسي سأل الصادق عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (2) ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه، مخلّي سربه، له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحج»(3).

و قال أحمد في الرواية الأخري: إنّه ليس شرطا للوجوب، بل هو شرط لزوم السعي، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط، حجّ عنه بعد موته، و إن أعسر قبل وجوده، بقي في ذمته، لأنّ النبي عليه السلام لمّا سئل ما يوجب الحج ؟ قال: (الزاد و الراحلة)(4) و هذا له زاد و راحلة.

و لأنّ هذا عذر يمنع نفس الأداء، فلم يمنع الوجوب، كالعضب.

و لأنّ إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون و لم يبق من وقت الصلاة ما يمكن

ص: 78


1- بدائع الصنائع 123:2، الحاوي الكبير 13:4، المهذب - للشيرازي - 204:1، الوجيز 109:1، فتح العزيز 17:7، المغني 166:3، الشرح الكبير 195:3.
2- آل عمران: 97.
3- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الاستبصار 139:2-454.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 36.

أداؤها فيه(1).

و ليس بجيّد، لأنّ تكليف الخائف بالسعي تكليف بالمنهي عنه، فإنّ اللّه تعالي قال وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (2) و هو قبيح.

و المراد بقوله عليه السلام: (الزاد و الراحلة) ليس علي إطلاقه، بل مع حصول باقي الشرائط قطعا.

و نمنع الوجوب في حقّ المعضوب، و قد تقدّم(3).

و للفرق: بأنّ المعضوب يتمكّن من الاستنابة، بخلاف المتنازع، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع الخوف.

مسألة 56:

أمن الطريق علي النفس و البضع و المال شرط في وجوب الحجّ، فلو خاف علي نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق، لم يلزمه الحجّ، و لهذا جاز التحلّل عن الإحرام بمثل ذلك علي ما يأتي في باب الإحصار، و قد تقدّم الخلاف فيه.

هذا إذا لم يجد طريقا سواه، فإن وجد طريقا آخر آمنا، لزمه سلوكه و إن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه و اتّسع الزمان، و هو قول الشافعية(4).

و لهم وجه آخر: إنّه لا يلزمه، كما لو احتاج إلي بذل مئونة زائدة في ذلك الطريق(5).

و ليس بجيّد، لأنّه مستطيع، و ليس للطريق ضابط.

مسألة 57:

لو كان في الطريق بحر، و كان له في البرّ طريق آخر، فإن استويا في الأمن، تخيّر في سلوك أيّهما شاء، و إن اختصّ أحدهما بالأمن دون

ص: 79


1- المغني 166:3-167، الشرح الكبير 195:3.
2- البقرة: 195.
3- تقدّم في المسألة 47.
4- فتح العزيز 17:7، المجموع 81:7.
5- فتح العزيز 17:7، المجموع 81:7.

الآخر، تعيّن الآمن، لأنّه مستطيع، و لو استويا في عدم الأمن، سقط فرض الحجّ في ذلك العام، لانتفاء شرط الوجوب، و لا تجب الاستنابة علي ما تقدّم.

و لو خاف من ركوب البحر و لا طريق آمنا سواه، سقط الفرض في ذلك العام، و لو لم يخف من ركوبه، وجب عليه الحجّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما قوله في المختصر: لم يبن لي أن أوجب ركوب البحر.

و نصّ في الأم علي أنّه لا يجوز.

و قال في الإملاء: إن كان أكثر عيشه في البحر، وجب، فانقسم أصحابه قسمين: أحدهما أثبت الخلاف في المسألة، و الثاني نفاه.

و للمثبتين طريقان:

أحدهما: أنّ المسألة علي قولين مطلقا:

أحدهما: أنّه يلزمه الركوب، للظواهر المطلقة في الحجّ.

و الثاني: لا يلزمه، لما فيه من الخوف و الخطر.

و أظهرهما: أنّه إن كان الغالب منه الهلاك إمّا باعتبار خصوص ذلك البحر، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال، لم يلزم الركوب، و إن كان الغالب فيه السلامة، فقولان:

أظهرهما: اللزوم، لسلوك طريق البرّ عند غلبة السلامة.

و الثاني: المنع، لأنّ عوارض البحر عسرة الدفع.

و علي هذا فلو اعتدل الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك، تردّد فيه الشافعية(1).2.

ص: 80


1- فتح العزيز 17:7-18، و راجع: المهذب - للشيرازي - 204:1، و المجموع 83:7، و مختصر المزني: 62.

و أمّا النافون للخلاف فلهم طرق:

أحدها: القطع بعدم اللزوم و حمل نصّه في الإملاء علي ما إذا ركبه لبعض الأغراض، فصار أقرب إلي الشط الذي يلي مكة.

و الثاني: القطع باللزوم.

و الثالث: أنّه إن كان الغالب الهلاك، لم يلزم، و إن كان الغالب السلامة، لزم، و اختلاف القولين محمول علي حالين، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1).

و الرابع: تنزيل القولين علي حالين من وجه آخر: إن كان الرجل ممّن اعتاد ركوب البحر كالملاّحين و أهل الجزائر، لزمه، و إلاّ فلا، لصعوبته عليه.

و نقل الجويني عن بعض الشافعية: اللزوم عند جرأة الراكب، و عدمه عند استشعاره.

و من الشافعية من قال: لا يجب علي المستشعر، و في غيره قولان.

و منهم من قال: يجب علي غير المستشعر، و فيه قولان.

و علي القول بعدم وجوب ركوبه هل يستحب ؟ فيه وجهان لهم:

أحدهما: لا، لما فيه من التغرير بالنفس.

و أظهرهما: نعم، كما يستحب ركوبه للغزو.

و الوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة، أمّا إذا كان الغالب الهلاك، فيحرم الركوب، نقله الجويني، و حكي تردّد الشافعية فيما إذا اعتدل الاحتمال.

و إذا لم نوجب الركوب، فلو توسّط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي ؟ فيه قولان مبنيان علي القولين في المحصر إذا أحاط العدوّ به من3.

ص: 81


1- فتح العزيز 19:7، المغني 167:3.

الجوانب هل يجوز له التحلّل ؟ إن قلنا: له التحلّل، فله الانصراف، و إن قلنا: لا - لأنّه لا يستفيد الخلاص - فليس له الانصراف.

و الوجهان فيما إذا استوي ما بين يديه و ما خلفه في غالب الظنّ، فإن كان فيما بين يديه أكثر، لم يلزمه التمادي، و إن كان أقلّ، لزم.

قالوا: هذا في حقّ الرجل، أمّا المرأة ففيها خلاف بينهم مرتّب علي الرجل، و أولي بعدم الوجوب، لأنّها أشدّ تأثّرا بالأهوال، و لأنّها عورة و ربما تنكشف للرجال، لضيق المكان، و إذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضا.

و منهم من طرّد الخلاف.

و ليست الأنهار العظيمة - ك «جيحون» - في معني البحر، لأنّ المقام فيها لا يطول، و الخطر فيها لا يعظم(1).

مسألة 58:

المرأة كالرجل متي خافت علي نفسها أو المكابرة علي فرجها سقط الفرض عنها، فإن احتاجت إلي المحرم و تعذّر، سقط الفرض عنها أيضا، لعدم استطاعتها بدونه.

و ليس المحرم شرطا في وجوب الحجّ عليها مع الاستغناء عنه، عند علمائنا، و به قال ابن سيرين و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد في إحدي الروايات(2).

قال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به(3).

و قال مالك: تخرج مع جماعة النساء(4).

ص: 82


1- فتح العزيز 18:7-22، المجموع 83:7-85.
2- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3، بداية المجتهد 322:1، المجموع 8: 343، بدائع الصنائع 123:2.
3- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
4- الموطّأ 426:1 ذيل الحديث 254، المنتقي - للباجي - 82:3، المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3، معالم السنن - للخطّابي - 276:2، الحاوي الكبير 363:4، المجموع 343:8.

و قال الشافعي: تخرج مع حرة مسلمة ثقة(1).

و قال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول تتّخذ سلّما تصعد عليه و تنزل، و لا يقربها رجل إلاّ أنّه يأخذ رأس البعير و تضع رجلها [1] علي ذراعه(2).

قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، و اشترط كلّ واحد منهم شرطا لا حجّة معه عليه(3).

و الأصل في ذلك: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة(4) و قال لعدي بن حاتم: (يوشك أن تخرج الظعينة [2] من الحيرة يوم تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلاّ اللّه) [3] رواه العامّة(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من كان صحيحا في بدنه، مخلّي سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحج»(6).4.

ص: 83


1- الحاوي الكبير 363:4، المجموع 343:8، معالم السنن - للخطّابي - 276:2، المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
2- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
3- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 192:3، و الشرح الكبير 201:3.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 192:3، و الشرح الكبير 201:3، و بتفاوت في سنن الدار قطني 222:2-28.
6- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الاستبصار 139:2-454.

و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير وليها، قال: «نعم إذا كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم»(1).

و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم، فقال: «إذا كانت مأمونة و لم تقدر علي محرم فلا بأس بذلك»(2).

و لأنّه سفر واجب، فلا يشترط فيه المحرم، كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار.

و قال أحمد في رواية أخري: المحرم من السبيل، و إنّ المرأة الموسرة إذا لم يكن لها محرم لا يجب عليها الحجّ - و به قال الحسن البصري و النخعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي - فلو لم يكن محرم لم يجز لها الخروج إلاّ أن يكون بينها و بين مكة مسير ما دون ثلاثة أيام، لما رواه أبو هريرة قال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلاّ و معها ذو محرم)(3).

و لأنّها أنشأت سفرا في دار الإسلام، فلم يجز بغير محرم، كحجّ التطوّع(4).

و الحديث مخصوص بالمتخلّصة من أيدي الكفّار، فيكون مخصوصا بالحجّ، لاشتراكهما في الوجوب.

و يحمل أيضا علي السفر في غير الحجّ الواجب.2.

ص: 84


1- التهذيب 400:5-401-1393.
2- التهذيب 401:5-1394.
3- صحيح مسلم 977:2-420، سنن البيهقي 227:5.
4- المغني 192:3-193، الشرح الكبير 201:3-202، معالم السنن - للخطّابي - 2: 276، بداية المجتهد 322:1، بدائع الصنائع 123:2، النتف 204:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 24:2.

و نمنع اشتراط المحرم في حجّ التطوّع، فإنّ الزوج إذا أذن لزوجته في الحجّ، جاز لها المضيّ فيه و إن لم يصحبها.

تذنيبات:

المحرم عند المشترطين له هو الزوج أو من تحرم عليه علي التأبيد إمّا بنسب أو بسبب مباح كأبيها و ابنها و أخيها من نسب أو رضاع، لما رووه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلاّ و معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها)(1)(2).

قال أحمد: و يكون زوج أمّ المرأة محرما لها يحجّ بها، و يسافر الرجل مع أمّ ولد جدّه، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه(3).

و قال في أمّ امرأته: يكون محرما لها في حجّ الفرض دون غيره(4).

و أمّا من لا تحرم عليه مؤبّدا فليس بمحرم، كعبدها و زوج أختها، لأنّهما غير مأمونين عليها، و لا تحرم عليهما مؤبّدا، فهما كالأجنبي، قاله أحمد(5).

و قال الشافعي: عبدها محرم لها، لأنّه مباح له النظر إليها، فكان محرما لها، كذي رحمها(6).

و هو غلط، فإنّا نمنع إباحة نظره إليها، و سيأتي [1].

و أمّا أمّ الموطوءة بشبهة أو المزني بها أو ابنتها فليس بمحرم لهما، لأنّ تحريمهما بسبب غير مباح، فلم يثبت به حكم المحرمية، كالتحريم الثابت باللعان، و ليس له الخلوة بهما و لا النظر إليهما كذلك.3.

ص: 85


1- صحيح مسلم 977:2-1340، سنن الترمذي 472:3-1169.
2- المغني 193:3-194، الشرح الكبير 203:3-204.
3- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.
4- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.
5- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
6- المهذب - للشيرازي - 36:2، المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.

قال أحمد: و الكافر ليس محرما للمسلمة و إن كانت ابنته(1).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: هو محرم لها، لأنّها محرّمة عليه علي التأبيد(2).

و قول أحمد لا بأس به في كافر يعتقد حلّها، كالمجوسي.

و قال أحمد: يشترط في المحرم أن يكون بالغا عاقلا، لأنّ الصبي لا يقوم بنفسه قبل الاحتلام فكيف يخرج مع امرأة، و لأنّ المقصود بالمحرم حفظ المرأة، و لا يحصل إلاّ من البالغ العاقل(3).

و نفقة المحرم في الحجّ عليها، لأنّه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلي هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا و راحلة لها و لمحرمها، فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له نفقته، فهي كمن لا محرم لها.

و هل تلزمه إجابتها إلي ذلك ؟ عن أحمد روايتان(4).

و الصحيح: أنّه لا يلزمه الحجّ معها، لما في الحجّ من المشقّة الشديدة و الكلفة العظيمة، فلا يلزم أحدا لأجل غيره، كما لم يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضة.

و لو مات محرم المرأة في الطريق، قال أحمد: إذا تباعدت، مضت فقضت الحجّ(5).

مسألة 59:

لا يجوز للرجل منع زوجته الموسرة من حجّة الإسلام إذا حصلت الشرائط، عند علمائنا - و به قال النخعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي و الشافعي في أصحّ قوليه(6) - لما رواه العامة عن النبي صلّي

ص: 86


1- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3.
2- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3.
3- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3-206.
4- المغني 195:3، الشرح الكبير 206:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
5- المغني 195:3، الشرح الكبير 206:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
6- المغني 195:3، الشرح الكبير 176:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1، الحاوي الكبير 363:4، المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 327:8، الهداية - للمرغيناني - 135:1.

اللّه عليه و آله قال: (لا تمنعوا إماء اللّه عن مساجد اللّه)(1).

و من طريق الخاصة: رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: سألته عن امرأة لم تحجّ و لها زوج و أبي أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ؟ قال: «لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام»(2).

و لأنّه فرض، فلم يكن له منعها منه، كالصوم و الصلاة الواجبين.

و قال الشافعي في الآخر: له منعها منه، لأنّ الحجّ علي التراخي(3).

و هو ممنوع.

إذا عرفت هذا، فيستحب أن تستأذنه في ذلك، فإن أذن و إلاّ خرجت بغير إذنه.

و أمّا حجّ التطوّع فله منعها.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من يحفظ عنه من أهل العلم أنّ له منعها من الخروج إلي حجّ التطوّع، لأنّ حقّ الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب، كالسيد مع عبده(4).

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن المرأة5.

ص: 87


1- صحيح البخاري 7:2، صحيح مسلم 327:1-136، سنن أبي داود 155:1-565 و 566، سنن البيهقي 132:3، المعجم الكبير - للطبراني - 363:12-13350 و 425-13565، مصنّف ابن أبي شيبة 383:2، مسند أبي عوانة 59:2، مسند الحميدي 431:2-432، مسند احمد 438:2.
2- التهذيب 400:5-1391، الإستبصار 318:2-1126.
3- الحاوي الكبير 363:4، المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 327:8 و 328، المغني 195:3، الشرح الكبير 176:3، الهداية - للمرغيناني - 135:1.
4- المغني 195:3، الإجماع - لابن المنذر - 16-135.

الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام تقول لزوجها: حجّني من مالي، أ له أن يمنعها من ذلك ؟ قال: «نعم و يقول لها: حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا»(1).

و أمّا الحجّة المنذورة، فإن كانت قد نذرت الحجّ المعيّن بزمان معيّن حالة خلوّها من الزوج، أو قيّدت النذر بزمان معيّن بإذنه لو كانت مزوّجة به، فإنّه ليس له منعها منه، لأنّه واجب عليها، فأشبه حجّة الإسلام.

و إن نذرت حال الزوجية به، فإن أذن لها في النذر و كان مطلقا، فالوجه: أنّه يجوز له منعها في ذلك العام، لأنّه واجب مطلق.

و يحتمل عدم المنع، لأنّه أداء الواجب.

تذنيب:

حكم العبد حكم المزوّجة، فإن أعتق فكالمطلّقة بائنا، و الأمة المزوّجة يشترط في حجّها التطوّع و نذره إذن المولي و الزوج.

مسألة 60:

المعتدة عدّة رجعية كالزوجة، لأنّ للزوج الرجوع في طلاقها و الاستمتاع بها، و الحجّ يمنعه عن ذلك لو راجع، فيقف علي إذنه.

و لأنّ الصادق عليه السلام قال: «المطلّقة إن كانت صرورة، حجّت في عدّتها، و إن كانت حجّت، فلا تحجّ حتي تقضي عدّتها»(2).

و لها أن تخرج في حجّة الإسلام من غير إذن الزوج، لأنّ الزوجة لها ذلك فالمطلّقة أولي، لقول أحدهما عليهما السلام: «المطلّقة تحجّ في عدّتها»(3).

أمّا التطوّع فليس لها ذلك إلاّ بإذنه، لما تقدّم.

و لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تحجّ

ص: 88


1- التهذيب 400:5-1392، و الفقيه 268:2-1307.
2- التهذيب 402:5-1399، الاستبصار 318:2-1125.
3- التهذيب 402:5-1398، الاستبصار 317:2-1124، و الفقيه 269:2-1311.

المطلّقة في عدّتها»(1) و حملناه علي التطوّع، جمعا بين الأدلّة.

أمّا المطلّقة طلاقا بائنا فإنّها تخرج في الواجب و التطوّع من غير إذن الزوج، لانقطاع سلطنته عليها و صيرورته أجنبيا لا اعتبار بإذنه.

و أمّا المعتدّة عدّة الوفاة فإنّها تخرج في حجّ الإسلام عند علمائنا، لانقطاع العصمة.

و لما رواه زرارة - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السلام عن التي يتوفّي عنها زوجها أ تحجّ في عدّتها؟ قال: «نعم»(2).

و قال أحمد: لا يجوز لها أن تخرج، و تقدّم ملازمة المنزل علي الحجّ، لأنّه يفوت(3).

و الحقّ: اتّباع النقل.

مسألة 61:

لو كان في الطريق عدوّ يخاف منه علي ماله، سقط فرض الحجّ، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(4) - لأنّ بذل المال تحصيل لشرط الوجوب و هو غير واجب، فلا يجب ما يتوقّف عليه.

و في الرواية الأخري عن أحمد: أنّه لا يسقط فرض الحجّ، و يجب أن يستنيب(5).

و ليس بمعتمد.

و لا فرق بين أن يكون المال قليلا أو كثيرا.

و يحتمل أن يقال بالوجوب مع القلّة إذا لم يتضرّر.

ص: 89


1- التهذيب 401:5-1396، الاستبصار 317:2-1122.
2- الفقيه 269:2-1312، و التهذيب 402:5-1401 بتفاوت يسير فيه.
3- المغني 196:3، الشرح الكبير 177:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
4- فتح العزيز 24:7، المجموع 81:7-82، الحاوي الكبير 13:4، المغني 3: 166.
5- المغني 166:3-167.

و لو لم يندفع العدوّ إلاّ بمال أو خفارة، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجب، لأنّه لم تحصل التخلية(1).

و لو قيل بالوجوب مع إمكان الدفع من غير إجحاف، أمكن، لأنّه كأثمان الآلات.

و لو بذل باذل المطلوب فانكشف العدوّ، لزمه الحجّ، و ليس له منع الباذل، لتحقّق الاستطاعة.

أمّا لو قال الباذل: أقبل المال و ادفع أنت، لم يجب.

و لا فرق بين أن يكون الذي يخاف منه مسلمين أو كفّارا.

و لو تمكّن من محاربتهم بحيث لا يلحقه ضرر و لا خوف فهو مستطيع.

و يحتمل عدم الوجوب، لأنّ تحصيل الشرط ليس بواجب.

أمّا لو خاف علي نفسه أو ماله من قتل أو جرح أو نهب، لم يجب.

و لو كان العدوّ كفّارا و قدر الحاج علي محاربتهم من غير ضرر، استحب قتالهم، لينالوا ثواب الجهاد و الحجّ معا، أمّا لو كانوا مسلمين، فإنّه لا يستحب الحجّ، لما فيه من قتل المسلم، و ليس محرّما.

و لو كان علي المراصد من يطلب مالا، لم يلزمه الحجّ.

و كره الشافعية بذل المال لهم، لأنّهم يحرضون بذلك علي التعرّض للناس(2).

و لو بعثوا بأمان الحجيج و كان أمانهم موثوقا به، أو ضمن لهم أمير [ما يطلبونه] [1] و أمن الحجيج، لزمهم الخروج.

و لو وجدوا من يبذرقهم [2] بأجرة و لو استأجروا لأمنوا غالبا، احتمل وجوب7.

ص: 90


1- المبسوط - للطوسي - 301:1.
2- فتح العزيز 24:7، المجموع 82:7.

الاستئجار - و هو أحد وجهي الشافعية(1) - لأنّ بذل الأجرة بذل مال [بحقّ] [1] و المبذرق أهبة الطريق، كالراحلة و غيرها.

و يحتمل عدم الوجوب - و هو الوجه الثاني للشافعية(2) - لأنّه خسران لدفع الظلم، فأشبه التسليم إلي الظالم.

مسألة 62:

يشترط لوجوب الحجّ وجود الزاد و الماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد و الماء منها، فإن كان العام عام جدب و خلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه، لم يلزمه الحجّ، لأنّه إن لم يحمل معه، خاف علي نفسه، و إن حمله، لحقته مئونة عظيمة.

و كذلك الحكم لو كان يوجد الزاد و الماء فيها لكن بأكثر من ثمن المثل و هو القدر اللائق في ذلك المكان و الزمان.

و إن وجدهما بثمن المثل، لزم التحصيل، سواء كانت الأسعار رخيصة أو غالية إذا و في ماله.

و يحمل منها قدر ما جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة و الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه و وجد آلات الحمل.

و أمّا علف الدواب فيشترط وجوده في كلّ مرحلة.

و يشترط أيضا في الوجوب: وجود الرفقة إن احتاج إليها، فإن حصلت له الاستطاعة و حصل بينه و بين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق أو يحتاج أن يتكلّف إمّا بمناقلة [2] أو بجعل منزلين منزلا، لم يلزمه الحج تلك السنة، فإن بقي حالته في إزاحة العلّة إلي السنة المقبلة، لزمه، و إن مات قبل ذلك لا يجب أن يحجّ عنه، فإن فاتته السنة المقبلة و لم يحج، وجب حينئذ أن يحجّ

ص: 91


1- الوجيز 109:1، فتح العزيز 25:7، المجموع 82:7.
2- المصادر في الهامش (1).

عنه، و لو احتاج إلي حركة عنيفة يعجز عنها، سقط في عامه، فإن مات قبل التمكّن، سقط.

النظر الرابع: في اتّساع الوقت
مسألة 63:

اتّساع الوقت شرط في الوجوب، و هو أن يكمل فيه هذه الشرائط و الزمان يتّسع للخروج و لحوق المناسك، فلو حصلت الشرائط و قد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلي مكة، لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ اللّه تعالي إنّما فرض الحجّ علي المستطيع و هذا غير مستطيع، و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحج، فكان شرطا، كالزاد و الراحلة.

و قال أحمد في الرواية الثانية: إنّه ليس شرطا في الوجوب، و إنّما هو شرط للزوم الحج، لأنّه عليه السلام فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة(2).

و هو ضعيف و قد سلف(3).

و لو مات حينئذ، لم يقض عنه، و لو علم الإدراك لكن بعد طيّ المنازل و عجزه عن ذلك، لم يجب، و لو قدر، وجب.

تتمّة تشتمل علي مسائل:

الأولي: هذه الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة و الوجوب، و هو: العقل، لعدم الوجوب علي المجنون و عدم الصحة منه، و منها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب، و هو: الإسلام، فإنّ الكافر يجب عليه الحج و غيره من فروع العبادات عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي في

ص: 92


1- الحاوي الكبير 16:4، المجموع 88:7-89، فتح العزيز 29:7، المغني 3: 166، الشرح الكبير 195:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 466:1.
2- المغني 166:3-167، الشرح الكبير 195:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 466:1، المجموع 89:7، فتح العزيز 30:7.
3- راجع: بداية مبحث أمن الطريق.

أحد الوجهين.

و في الآخر: إنّه غير واجب عليه. و جعل الإسلام شرطا في الوجوب.

و به قال أبو حنيفة(1).

لنا: عموم قوله تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2) و العارض - و هو الكفر - لا يصلح للمانعية، كما لا يمنع من الخطاب بالإسلام.

و احتجاج أبي حنيفة: بأنّ الكافر إمّا أن يجب عليه حال كفره أو بعد إسلامه، و الأول باطل، لأنّه لو وجب عليه، لصحّ منه، و إلاّ لزم التكليف بالمحال، و الثاني باطل، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(3).

و هو غلط، لأنّ الوجوب حالة الكفر يستلزم الصحة العقلية، أمّا الشرعية فإنّها موقوفة علي شرط هو قادر عليه و هو: الإسلام، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة.

إذا عرفت هذا، فلو أحرم و هو كافر، لم يصح إحرامه، فإذا أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه الرجوع إلي الميقات و إنشاء الإحرام منه، و إن لم يتمكّن، أحرم من موضعه، و لو أسلم بعد فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه في المقبل.

مسألة 64:

المرتدّ إذا كان قد حجّ حالة إسلامه ثم حصل الارتداد بعد قضاء مناسكه، لم يعد الحجّ بعد التوبة - و به قال الشافعي(4) - لما رواه العامّة من قوله صلّي اللّه عليه و آله، لمّا سئل أحجّتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال:

(للأبد)(5).

ص: 93


1- شرح البدخشي 207:1-208، المجموع 4:3 و 19:7، بدائع الصنائع 120:2.
2- آل عمران: 97.
3- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 313:14، و في مسند أحمد 199:4 و 204 و 205، و دلائل النبوة - للبيهقي - 351:4، و الطبقات الكبري - لابن سعد - 497:7 بتفاوت.
4- فتح العزيز 5:7، المجموع 9:7.
5- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 6:4.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «من كان مؤمنا فحجّ ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله و لا يبطل منه شيء»(1).

و لأنّه أوقع الحجّ بشروطه، فخرج عن العهدة، لعدم وجوب التكرّر.

و تردّد الشيخ رحمه اللّه، و قوّي الإعادة(2) و جزم بها أبو حنيفة(3) ، لقوله تعالي وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (4).

و هو ممنوع، فإنّ الإحباط مشروط بالموافاة.

تذنيب:

المخالف إذا حجّ علي معتقده و لم يخلّ بشيء من أركان الحجّ، لم تجب عليه الإعادة، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به تجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضي فريضة ؟ قال: «قد قضي فريضة، و لو حجّ كان أحبّ إليّ»(5). الحديث.

[تذنيب] آخر:

لو أحرم ثم ارتدّ ثم عاد إلي الإسلام، كان إحرامه باقيا و بني عليه.

و للشافعي وجهان: أحدهما: الإبطال(6).

و ليس بجيّد، لأنّ الإحرام لا يبطل بالموت و الجنون، فلا يبطل بالردّة.

و منها: ما هو شرط في الوجوب دون الصحة، و هو: البلوغ و الحرّية و الاستطاعة و إمكان المسير، لأنّ الصبي و المملوك و من ليس معه زاد و لا راحلة3.

ص: 94


1- التهذيب 459:5-460-1597.
2- المبسوط - للطوسي - 305:1.
3- فتح العزيز 5:7، المجموع 9:7.
4- المائدة: 5.
5- الكافي 275:4-4، الفقيه 263:2-1281، التهذيب 10:5-25، الاستبصار 146:2-475.
6- المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 354:8، حلية العلماء 233:3.

و ليس بمخلّي السرب و لا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحج لصحّ منهم و إن لم يكن واجبا عليهم و لا يجزئهم عن حجّة الإسلام.

مسألة 65:

جامع الشرائط إذا قدر علي المشي، كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض، و لو خاف الضعف عن إكمال الفرائض و استيفاء الشرائط و الدعاء، كان الركوب أفضل، لقول الصادق عليه السلام: «ما عبد اللّه بشيء أشدّ من المشي و لا أفضل»(1).

و سئل الصادق عليه السلام عن فضل المشي، فقال: «الحسن بن علي عليهما السلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتي نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا و دينارا و دينارا، و حجّ عشرين حجّة ماشيا علي قدمه»(2).

و قد روي أنّ الصادق عليه السلام سئل: الركوب أفضل أم المشي ؟ فقال: «الركوب أفضل من المشي لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ركب»(3).

و هو محمول علي التفصيل الذي ذكرناه، لما روي عنه عليه السلام أيّ شيء أحبّ إليك نمشي أو نركب ؟ فقال: «تركبون أحبّ إليّ، فإنّ ذلك أقوي علي الدعاء و العبادة»(4).

تذنيب:

لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام ماشيا، وجب عليه الوفاء به مع القدرة، لأنّه نذر في طاعة، و لو عجز عن المشي، وجب الركوب.

و لو نذر أن يحجّ ماشيا غير حجّة الإسلام، فإن قيّده بوقت، تعيّن مع القدرة، فإن عجز في تلك السنة، احتمل وجوب الركوب مع القدرة، و عدمه، للعجز عن النذر فيسقط، و لو لم يكن مقيّدا، توقّع المكنة.

ص: 95


1- التهذيب 11:5-28، الاستبصار 141:2-460.
2- التهذيب 11:5-12-29، الاستبصار 141:2-142-461.
3- التهذيب 12:5-31، الاستبصار 142:2-463.
4- التهذيب 12:5-32، الإستبصار 142:2-464.
مسألة 66:

إذا كملت شرائط الحج فأهمل، أثم، فإن حجّ في السنة المقبلة، برئت ذمته، و يجب عليه المبادرة علي الفور و لو مشيا.

و إن مات، وجب أن يخرج عنه حجّة الإسلام و عمرته من صلب المال، و لا تسقط بالموت عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن و طاوس و الشافعي(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ امرأة سألت النبي صلّي اللّه عليه و آله عن أبيها مات و لم يحج، قال: (حجّي عن أبيك)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه سماعة بن مهران، قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»(3).

و لأنّه حقّ استقرّ عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدّين.

و قال أبو حنيفة و مالك: تسقط بالموت، فإن وصّي بها، فهي من الثلث - و به قال الشعبي و النخعي - لأنّها عبادة بدنية تسقط بالموت، كالصلاة(4).

و الفرق: أنّ الصلاة لا تدخلها النيابة.

مسألة 67:

و في وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب علي الميت الحج فيه إمّا من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه قولان:

أحدهما هذا، و به قال الحسن البصري و إسحاق و مالك في النذر(5).

و الثاني: أنّه يجب من أقرب الأماكن إلي مكة و هو الميقات - و به قال

ص: 96


1- مختصر المزني: 62، فتح العزيز 31:7، المهذب - للشيرازي - 206:1، المجموع 109:7 و 112، الحاوي الكبير 16:4، حلية العلماء 244:3، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.
2- سنن النسائي 117:5، المعجم الكبير - للطبراني - 284:18-272.
3- التهذيب 15:5-41.
4- حلية العلماء 244:3، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، التفريع 315:1.
5- المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.

الشافعي(1) - و هو الأقوي عندي، لأنّ الواجب أداء المناسك في المشاعر المخصوصة، و لهذا لو خرج بنيّة التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت، أجزأه فعله، فعلمنا أنّ قطع المسافة غير مطلوب للشرع.

و لما رواه حريز بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أعطي رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة، قال: «لا بأس إذا قضي جميع المناسك فقد تمّ حجّه»(2).

و سأل علي بن رئاب، الصادق عليه السلام عن رجل أوصي أن يحجّ عنه حجّة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين درهما، قال: «يحجّ عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من قرب»(3) و لم يستفصل الإمام عليه السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا؟ احتجّ الآخرون: بأنّ الحجّ وجب علي الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه، لأنّ القضاء يكون علي وفق الأداء، كقضاء الصلاة و الصيام(4).

و نحن نمنع الوجوب من البلد، و إنّما ثبت اتّفاقا، و لهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات، لم يجب عليه الرجوع إلي بلده لإنشاء الإحرام منه، فدلّ علي أنّ قطع المسافة ليس مرادا للشارع.

تذنيبات:

لو كان له موطنان، قال الموجبون للاستنابة من بلده: يستناب من أقربهما(5). فإن وجب عليه الحجّ بخراسان و مات ببغداد، أو وجب عليه3.

ص: 97


1- المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.
2- التهذيب 415:5-1445.
3- الاستبصار 318:2-1128، و التهذيب 405:5-1411.
4- المغني 198:3-199، الشرح الكبير 197:3.
5- المغني 196:3، الشرح الكبير 197:3.

ببغداد فمات بخراسان، قال أحمد: يحجّ عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته(1).

و يحتمل أن يحجّ عنه من أقرب المكانين، لأنّه لو كان حيّا في أقرب المكانين لم يجب عليه الحجّ من أبعد منه فكذا نائبه.

فإن خرج للحجّ فمات في الطريق، حجّ عنه من حيث مات، لأنّه أسقط بعض ما وجب عليه، فلم يجب ثانيا، و كذا إن مات نائبه استنيب من حيث مات كذلك.

قال أحمد: و لو أحرم بالحج ثم مات، صحّت النيابة عنه فيما بقي من النسك، سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره، لأنّها عبادة تدخلها النيابة، فإذا مات بعد فعل بعضها، قضي عنه باقيها، كالزكاة(2).

و لو لم يخلّف تركة تفي بالحج من بلده، حجّ عنه من حيث تبلغ، و إن كان عليه دين لآدمي، تحاصّا، و يؤخذ للحجّ حصّته فيستأجر بها من حيث تبلغ.

و لو أوصي أن يحجّ عنه و لم تبلغ النفقة، قال أحمد: يحجّ عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته، لقوله عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(3).

و لأنّه قدر علي أداء بعض الواجب فلزمه، كالزكاة(4).

و عنه رواية اخري أنّ الحجّ يسقط عمّن عليه دين، لأنّ حقّ الآدمي المعيّن أولي بالتقديم(5).3.

ص: 98


1- المغني 199:3، الشرح الكبير 197:3.
2- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 471:1.
3- صحيح البخاري 117:9، مسند أحمد 508:2.
4- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3.
5- المغني 200:3، الشرح الكبير 199:3.

و هو باطل، لقوله عليه السلام: (دين اللّه أحقّ أن يقضي)(1).

و لو أوصي بحجّ تطوّع بثلث ماله فلم يف الثلث بالحج من بلده، حجّ به من حيث يبلغ.

و يستناب عن الميت ثقة بأقلّ ما يوجد إلاّ أن يرضي الورثة بزيادة أو يكون قد أوصي بشيء فيجوز ما أوصي به ما لم يزد علي الثلث.

مسألة 68:

إذا أوصي أن يحجّ عنه فإمّا أن يكون بحجّ واجب أو مندوب، أو لا يعلم وجوبه و ندبه، فإن كان بواجب فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدرا أو لا، و إن عيّن فإن كان بقدر اجرة المثل، أخرجت من الأصل، و إن زادت عن اجرة المثل، أخرجت أجرة المثل من الأصل و الباقي من الثلث، و إن لم يعيّن، أخرجت أجرة المثل من أصل المال.

و إن كان مندوبا، اخرج ما يعيّنه من الثلث إن عيّن قدرا، و إلاّ اجرة المثل، و إن لم يعلم، اخرج من الثلث اجرة المثل أو ما عيّنه، حملا للإطلاق علي الندب، لأصالة البراءة.

و لو أوصي بالحجّ عنه دائما، حجّ عنه بقدر ثلث ماله إمّا مرّة واحدة أو أزيد.

و لو أوصي بالحجّ و لم يبلغ الثلث قدر ما يحجّ عنه من أقرب الأماكن و لم يوجد راغب فيه و كان عليه دين، صرف في الدّين، فإن فضل منه فضلة أو لم يكن دين، فالأولي الصدقة به، لخروجه بالوصية عن ملك الورثة.

و يحتمل صرفه إلي الميراث، لأنّه لمّا تعذّر الوجه الموصي به رجع إلي الورثة كأنّه لا وصية.

مسألة 69:

من مات قبل الحجّ فإمّا أن يكون قد وجب عليه الحجّ أو

ص: 99


1- صحيح البخاري 46:3، صحيح مسلم 804:2-155، المعجم الكبير - للطبراني - 15:12-12332.

لا، فإن كان قد وجب عليه الحجّ فإمّا أن يكون قد استقرّ عليه أو لا، فإن كان قد استقرّ عليه أوّلا ثم أهمل و تمكّن من الإتيان به و لم يفعل، وجب عليه القضاء، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال:

«يقضي عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله»(1).

و إن لم يكن قد استقرّ عليه بل حال ما تحقّق الوجوب أدركته الوفاة، فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ، و لا يجب الاستئجار، و كذا لو لم يجب عليه الحج لم يجب الاستئجار، لكن يستحب فيهما خصوصا الأبوين، رواه العامة(2) ، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر أبا رزين فقال: (حجّ عن أبيك و اعتمر)(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه عمّار بن عمير، قال: قلت للصادق عليه السلام: بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: «أشهد علي أبي أنّه حدّثني عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي مات و لم يحج حجّة الإسلام، فقال: حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه»(4).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض إخوانه هل يجزئ عنه ؟ أو هل هي ناقصة ؟ فقال: «بل هي حجة تامة»(5).

و لو أراد أن يحج عن أبويه، قال أحمد: ينبغي أن يقدّم الحج عن الام، لأنّها مقدّمة في البرّ.8.

ص: 100


1- التهذيب 403:5-404-1405.
2- المغني 200:3، الشرح الكبير 199:3.
3- سنن النسائي 117:5، سنن الترمذي 270:3-930، سنن ابن ماجة 2: 970-2906، سنن البيهقي 329:4، مسند أحمد 10:4.
4- التهذيب 404:5-1407.
5- التهذيب 404:5-1408.

قال أبو هريرة: جاء رجل إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمّك) قال: ثمّ من ؟ قال: (أمّك) قال: ثمّ من ؟ قال: (أبوك)(1).

و لو كان الحج واجبا علي الأب دونها، بدأ به، لأنّه واجب فكان أولي من التطوّع(2).

مسألة 70:

من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق، فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج، لم يجب إخراج شيء من تركته في الحج، سواء دخل الحرم و أحرم أو لا.

و إن كان الحج قد استقرّ في ذمّته بأن وجب عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها و أخّر إلي سنة أخري فخرج فمات في الطريق، فإن كان قد أحرم و دخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه، و سقط الحج عنه، سواء كان وجب عليه الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم، و تبرأ أيضا ذمّة المنوب، و إن مات قبل ذلك، وجب أن يقضي عنه من صلب ماله.

و قال أحمد: يستأجر عنه عمّا بقي من أفعاله(3). و لم يفصّل كما فصّلناه.

و نحن اعتمدنا في ذلك علي ما رواه الخاصة عن أهل البيت عليهم السلام:

روي بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل خرج حاجّا و معه جمل و نفقة و زاد فمات في الطريق، فقال: «إن كان صرورة فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة

ص: 101


1- صحيح البخاري 2:8، صحيح مسلم 1974:4-2548.
2- المغني و الشرح الكبير 200:3.
3- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 471:1.

الإسلام، و إن مات قبل أن يحرم و هو صرورة جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو لورثته» قلت: أ رأيت إن كانت الحجة تطوّعا فمات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما تركه ؟ قال:

«لورثته إلاّ أن يكون عليه دين فيقضي دينه، أو يكون أوصي بوصية فينفذ ذلك لمن أوصي و يجعل ذلك من الثلث»(1).

تذنيب:

استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإهمال بعد حصول الشرائط بأسرها و مضيّ زمان جميع أفعال الحجّ، و يحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه من الإحرام و دخول الحرم.

[تذنيب] آخر:

الكافر يجب عليه الحج علي ما تقدّم، و لا يصح منه قبل الإسلام، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج و مات، أثم، و لم يقض عنه، و لو أسلم، وجب عليه الإتيان به إن استمرّت الاستطاعة، و لو فقدت بعد إسلامه، لم يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره، و لو فقد الاستطاعة بعد الإسلام و مات قبل عودها، لم يقض عنه، و لو أحرم حال كفره، لم يعتد به، و أعاده بعد الإسلام، و لو استطاع المرتدّ حال ردّته، وجب عليه و صحّ منه إن تاب، و لو مات اخرج من صلب تركته و إن لم يتب علي إشكال.

مسألة 71:

من وجب عليه حجة الإسلام فنذر الإتيان بها صحّ نذره، لأنّ متعلّقه طاعة، و لا يجب عليه الإتيان بحجة اخري، و فائدة النذر: وجوب الكفّارة لو أهمل.

و لو نذر حجّة أخري وجب عليه النذر مغايرا لحجة الإسلام.

و لو أطلق النذر و لم ينو حجة الإسلام و لا المغايرة، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإسلام، و لا تجزئ إحداهما عن الأخري.

و قال بعض علمائنا: إن حجّ و نوي النذر أجزأ عن حجة الإسلام، و إن

ص: 102


1- التهذيب 407:5-1416.

نوي حجة الإسلام، لم يجز عن النذر(1) ، لما رواه رفاعة بن موسي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّه هل يجزئه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال: «نعم»(2).

و لا دلالة فيه، لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة الإسلام.

مسألة 72:

لو نذر الحجّ ماشيا، انعقد نذره، و وجب المشي إلي بيت اللّه تعالي، و أداء المناسك، فلو احتاج إلي عبور نهر عظيم في سفينة، قيل:

يقوم في السفينة(3).

و الوجه: الاستحباب.

و لو ركب طريقه بأسرها مختارا، قضاه إلاّ أن يكون معذورا بعجز و شبهه، فيركب و لا شيء عليه.

و لا يسقط عنه الحج لأنّ نذر الحج ماشيا نذر للمركّب فيستلزم نذر أجزائه، و بالعجز عن البعض لا يسقط الباقي، لما رواه رفاعة بن موسي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّه، قال: «فليمش» قلت: فإنّه تعب، قال: «فإذا تعب ركب»(4).

و لو ركب البعض مختارا و مشي البعض، قال بعض علمائنا: يجب القضاء ماشيا، لإخلاله بالصفة(5).

و قال بعضهم: يقضي و يمشي في القضاء ما ركبه و يركب فيه ما مشاة أوّلا(6).

ص: 103


1- النهاية: 205.
2- التهذيب 13:5-35، و الكافي 277:4-12.
3- القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية: 205 و 566، و المبسوط 303:1، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 231:1.
4- التهذيب 403:5-1402، الاستبصار 150:2-492.
5- ابن إدريس في السرائر: 357.
6- الشيخ الطوسي في المبسوط 303:1، و النهاية: 565-566.

و لو عجز عن المشي، قال بعض علمائنا: يركب و يسوق بدنة(1) ، لما رواه ذريح المحاربي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا، فعجز عن ذلك فلم يطقه، قال: «فليركب و ليسق الهدي»(2).

و قال بعض علمائنا: يركب و لا هدي عليه(3).

و قال بعضهم: إن كان النذر مطلقا، توقّع المكنة، و إن كان مقيّدا، سقط، للعجز عن فعل ما نذره(4).

مسألة 73:

لو مات و عليه حجة الإسلام و اخري منذورة مستقرّتان، وجب أن يخرج عنه من صلب ماله اجرة الحجّتين، لأنّهما كالدّين.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول: إنّ حجّة الإسلام تخرج من أصل المال، و ما نذره من الثلث(5) ، لوجوب تلك بالأصالة و وجوب هذه بالعرض، لأنّها كالمتبرّع بها، فأشبهت الندب.

و لما رواه ضريس بن أعين، أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام و نذر في شكر ليحجّنّ رجلا، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام و قبل أن يفي للّه بنذره، فقال: «إن كان ترك مالا، حجّ عنه حجّة الإسلام من جميع ماله، و يخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر، و إن لم يكن ترك مالا إلاّ بقدر حجّة الإسلام، حجّ عنه حجّة الإسلام في ما ترك، و حجّ عنه وليّه النذر، فإنّما هو دين عليه»(6).

ص: 104


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 205، و المبسوط 303:1.
2- التهذيب 403:5-1403، الاستبصار 149:2-490.
3- الشيخ المفيد في المقنعة: 69، و ابن إدريس في السرائر: 121 و 357.
4- كما في شرائع الإسلام 231:1.
5- المبسوط - للطوسي - 306:1.
6- التهذيب 406:5-1413.

قال الشيخ: قوله عليه السلام: «فليحجّ عنه وليّه ما نذر» علي جهة التطوّع و الاستحباب دون الفرض و الإيجاب(1).

و الوجه: ما تقدّم.

تذنيب:

لو أوصي بحجّ و غيره من الطاعات، فإن كان فيها واجب، قدّم، و لو كان الجميع واجبا و قصرت التركة، بسطت علي الجميع بالحصص، فإن لم يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج، صرف في الباقي.

و قال بعض علمائنا: يقدّم الحجّ(2) ، لأولويته، و للرواية [1].

و الوجه: ما قلناه.

[تذنيب] آخر:

لو أوصي أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن، فلم يسع ذلك القدر للحجّة، جعل مال سنتين لسنة، و لو قصرا، جعل نصيب ثلاث سنين، و هكذا، لما رواه إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب إليه علي بن محمد الحصيني [2] أنّ ابن [عمّي] [3] أوصي أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة فليس يكفي، فما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام «يجعل حجّتين حجّة، فإنّ اللّه تعالي عالم بذلك»(3).

مسألة 74:

لو كان عنده وديعة و مات صاحبها و عليه حجّة الإسلام و عرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه، فليستأجر من يحجّ عنه، و ليدفع الوديعة في الإجارة بأجرة المثل، لأنّه مال خارج عن الورثة، و يجب صرفه في الحجّ،

ص: 105


1- التهذيب 406:5 ذيل الحديث 1413.
2- القاضي ابن البرّاج في المهذّب 112:2.
3- الكافي 310:4 باب بعد باب الحج، الحديث 2، التهذيب 408:5-1418.

فليصرف فيه.

و لما رواه بريد العجلي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شيء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه، و ما فضل فأعطهم»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّما يسوغ له ذلك بشروط:

أ - علمه بأنّ الورثة لا يحجّون عنه إذا دفع المال إليهم.

ب - أمن الضرر، فلو خاف علي نفسه أو ماله، لم يجز له ذلك.

ج - أن لا يتمكّن من الحاكم، فإن تمكّن منه بأن يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته و امتناع الورثة من الاستئجار، لم يجز له الاستقلال به، و لو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم، جاز له الاستبداد بالاستئجار.

مسألة 75:

إذا نذر الحجّ مطلقا، لم يتعيّن الفور، بل يجوز التأخير إلي أن يغلب علي الظنّ الوفاة لو لم يفعله، فإن مضي زمان يمكنه فيه فعل الحجّ و لم يفعله حتي مات، وجب أن يقضي عنه من أصل التركة، لأنّه قد وجب عليه بالنذر، و استقرّ بمضيّ زمان التمكّن، و لا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية.

أمّا لو منعه مانع عن الفورية، فإنّه يصبر حتي يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع، لم يجب القضاء عنه، لفوات شرط الوجوب، و هو: القدرة.

و لو عيّن الوقت فأخلّ مع القدرة، قضي عنه. و إن منعه عارض - كمرض أو عدوّ - حتي مات، لم يجب قضاؤه عنه.

و لو نذر الحجّ أو أفسد حجّا و هو معضوب، فالأقرب وجوب الاستنابة، كحجّة الإسلام.

ص: 106


1- الكافي 306:4-6، الفقيه 272:2-1328، التهذيب 416:5-1448.
مسألة 76:

لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ و استقرّ أن يحجّ تطوّعا و لا نذرا لم يتضيّق وقته، فإن أحرم بتطوّع، قال الشيخ رحمه اللّه: يقع عن حجّة الإسلام(1). و به قال الشافعي و أحمد، و هو قول ابن عمر و أنس، لأنّه أحرم بالحجّ و عليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق(2).

و قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و إسحاق و ابن المنذر: يقع ما نواه. و هو رواية أخري عن أحمد(3).

و التحقيق أن نقول: إن كان قد وجب عليه و استقرّ، لم يجزئه عن أحدهما.

أمّا عن حجّ الإسلام: فلأنّه لم ينوه.

و أمّا عن حجّ التطوّع: فلأنّه لم يحصل شرطه، و هو: خلوّ الذمّة عن حجّ واجب.

و إن كان الحجّ لم يجب عليه، وقع عن التطوّع.

تذنيب:

لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع، لم يصح.

و هل يقع عن المنذورة ؟ الأقرب: المنع، لأنّ المنذورة واجبة، فهي كحجّة الإسلام.

و قال أحمد: يقع عن المنذورة، لأنّها واجبة، فهي كحجّة الإسلام(4).

[تذنيب] آخر:

العمرة كالحجّ فيما ذكرنا، لأنّها أحد النسكين، فأشبهت الآخر.

مسألة 77:

لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان، صحّ النذر، سواء كان قد

ص: 107


1- المبسوط - للطوسي - 302:1.
2- الحاوي الكبير 22:4، حلية العلماء 249:3، المغني 202:3، الشرح الكبير 3: 209، الكافي في فقه الإمام أحمد 472:1.
3- الحاوي الكبير 22:4، حلية العلماء 249:3، المغني 202:3، الشرح الكبير 3: 209، الكافي في فقه الإمام أحمد 472:1.
4- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3.

استقرّ عليه حجّة الإسلام أو لا، لعدم الفورية فيه علي الأقوي.

و إن قيّد النذر بزمان، فإن لم يكن جامعا لشرائط حجّة الإسلام، انعقد نذره و إن كان صرورة.

ثمّ إن استطاع بعد ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام نظر أقربه:

المنع، لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلي غير حجّة الإسلام، فلو قدّم حجّة النذر، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإسلام، و إن أوجبنا التقديم، احتمل البطلان و وقوع الحجّ عن حجّة الإسلام علي ما تقدّم البحث فيه.

و مع إطلاق الزمان في النذر لو كان مستطيعا، وجب أن يبدأ بحجّة الإسلام، و كذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة.

تذنيب:

لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإسلام فوقعت عن حجة الإسلام - كما اختاره بعض علمائنا(1) - لم تسقط المنذورة - و هو قول ابن عمر و أنس و عطاء و أحمد(2) - لأنّها حجّة واحدة، فلا تجزئ عن حجّتين، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة.

و قال أحمد في رواية أخري عنه: إنّها تجزئ عن المنذورة، لأنّه قد أتي بالحجّة ناويا بها نذره، فأجزأته، كما لو كان ممّن أسقط فرض الحجّ عن نفسه، و هذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم في يوم من رمضان، فنواه عن فرضه و نذره(3). و هو قول ابن عباس و عكرمة(4).

و روي سعيد بإسناده عن ابن عباس و عكرمة أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ و لم يكن حجّ الفريضة، قال: يجزئ لهما جميعا(5).

و سئل عكرمة عن ذلك، فقال: يقضي حجّة عن نذره و عن حجّة الإسلام، أ رأيتم لو أنّ رجلا نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّي العصر أ ليس3.

ص: 108


1- راجع: النهاية - للطوسي -: 205.
2- المغني 203:3، الشرح الكبير 208:3.
3- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
4- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
5- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.

ذلك يجزئه من العصر و من النذر؟ قال: و ذكرت قولي لابن عباس، فقال: أصبت و أحسنت(1).

و قد روي علماؤنا مثل ذلك عن الصادق(2) عليه السلام، و قد سلف(3).

المطلب الثاني: في شرائط باقي أقسام الحج.
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأول: في شرائط حجّ النذر و شبهه
مسألة 78:

يشترط في انعقاد النذر و اليمين و العهد: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج خاصة، فلا ينعقد نذر الصبي و إن كان مراهقا، و لا المجنون المطبق، و لا من يأخذه أدوارا إذا وقع حالة جنونه، و لا السكران و لا المغمي عليه و لا الساهي و لا الغافل و لا النائم و لا العبد إلاّ بإذن مولاه، فإن أذن له في النذر، لم يكن له منعه، و لا الزوجة إلاّ بإذن الزوج، و مع إذنه في النذر ليس له منعها منه. و للأب حلّ يمين الولد.

و لو نذر الكافر، لم ينعقد نذره و إن أسلم.

و لا يشترط في النذر شرائط حجّة الإسلام، لأنّ غير المستطيع بالزاد و الراحلة ينعقد نذره، و كذا المريض، و إذا صحّ النذر، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت، و إلاّ لم يجب الفور.

نعم لو تمكّن بعد وجوبه و مات، لم يأثم، و يقضي من صلب التركة.

و لو كان عليه حجّة الإسلام، قسّمت التركة بينهما، لتساويهما في الوجوب، و لو اتّسعت لإحداهما خاصّة، قدّمت حجّة الإسلام، لأنّ وجوبها بالأصالة. و لو لم يتمكّن من أدائها و مات، سقط النذر.

ص: 109


1- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
2- الكافي 277:4-12، التهذيب 13:5-35.
3- سلف في المسألة 71.

و لو قيّده بوقت فأخلّ به مع القدرة، أثم، و قضي عنه - لو مات - من صلب المال، و لو أخلّ لا مع القدرة لمرض و عدوّ و شبههما، سقط.

و لو نذر أو أفسد و هو معضوب، قيل: وجبت الاستنابة(1).

البحث الثاني: في شرائط النيابة
مسألة 79:

يشترط في النائب: كمال العقل و إسلام النائب و المنوب عنه و عدم شغل ذمّته بحجّ واجب، فلا تصح نيابة المجنون و لا الصبي غير المميّز، لارتفاع تحقّق القصد منهما.

و لو كان الصبي مميّزا، قيل(2): لا يصح أن يكون نائبا، لأنّه ليس بمكلّف، فلا تصحّ منه العبادة و لا نيّة القربة، و لأنّه يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف و لا مؤاخذ بما يصدر عنه، فلا تحصل الثقة بأفعاله.

و قيل(3): تصحّ، لأنّ حجّه عن نفسه صحيح فكذا عن غيره.

و يحتمل الفرق، لأنّ الصحة لا تقتضي الإجزاء فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإسلام.

مسألة 80:

الإسلام شرط في النائب، فلو حجّ الكافر عن غيره الكافر أو المسلم، لم يصح، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة، أو تطوّع بالتبرّع، لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل.

و كذا هو شرط في المنوب عنه، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر، لقوله تعالي ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبي (4).

و لأنّ ثواب الحج مقارن للتعظيم و الإجلال، و هو ممتنع في حقّ الكافر،

ص: 110


1- القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط 299:1.
2- كما في شرائع الإسلام 232:1.
3- كما في شرائع الإسلام 232:1.
4- التوبة: 113.

لاستحقاقه في الآخرة الخزي و العذاب و الاستخفاف، و إذا انتفي استحقاق الثواب، انتفي ملزومه و هو صحة الفعل عنه.

مسألة 81:

قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، إلاّ أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه(1).

و منع ابن إدريس هذا الاستثناء، و قال: لا يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره(2).

و الشيخ - رحمه اللّه - عوّل علي ما رواه وهب بن عبد ربه - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: أ يحجّ الرجل عن الناصب ؟ قال: «لا» قلت: فإن كان أبي ؟ قال: «إن كان أبوك [1] فنعم»(3) و الاحتجاج بالرواية أولي.

و لاشتمال ذلك علي البرّ بالأبوين.

إذا عرفت هذا، فالرواية مخصوصة بالناصب، و هو الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، و قول الأصحاب أعمّ، لأنّ الذي يستحقّ به الثواب الدائم هو الإيمان، فغير المؤمن لا يستحقّ ثوابا.

أمّا المخالف فيجوز أن ينوب عن المؤمن، و يجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن، لأنّها تجزئ عنه، و لا تجب عليه الإعادة لو استبصر، فدلّ ذلك علي أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلي الإيمان إلاّ الزكاة، لأنّه دفعها إلي غير مستحقّها.

و يدلّ علي ذلك كلّه: ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر، ثم منّ اللّه عليه

ص: 111


1- المبسوط - للطوسي - 326:1، النهاية: 280.
2- السرائر: 149.
3- الكافي 309:4 (باب الحج عن المخالف) الحديث 1، التهذيب 414:5-1441.

بمعرفته و الدينونة به، عليه حجّة الإسلام أو قد قضي فريضته ؟ فقال: «قد قضي فريضته، و لو حجّ لكان أحبّ إليّ».

قال: و سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب منذ برهة(1) منّ اللّه عليه بمعرفة هذا الأمر يقضي حجّة الإسلام ؟ فقال:

«يقضي أحبّ إليّ» و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه قد وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(2).

مسألة 82:

يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجّ واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإفساد، فلو وجب عليه حجّ بسبب أحد هذه، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلاّ بعد أداء فرضه، لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سمع رجلا يقول: لبّيك عن شبرمة، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من شبرمة ؟) قال: قريب لي، قال: (حججت قطّ؟) قال: لا، قال: (فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة)(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه سعد بن أبي خلف - في الصحيح - عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت ؟ قال: «نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتي يحجّ من ماله، و هي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال»(4).

ص: 112


1- في المصدر: متدين، بدل منذ برهة.
2- التهذيب 9:5-23، الاستبصار 145:2-472.
3- سنن ابن ماجة 969:2-2903، سنن أبي داود 162:2-1811، المغني 201:3.
4- الكافي 305:4-2، التهذيب 410:5-411-1427، الاستبصار 2: 319-320-1131.

و لأنّ ذمّته مشغولة بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره، لاستلزامه ترك الواجب، لتضادّهما.

مسألة 83:

لو وجب عليه حجّ الإسلام و استقرّ بأن مضي زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن غيره استئجارا أو نيابة، لم يصح حجّه عن غيره، و لا تقع النية عن نفسه، بل يقع باطلا، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه - و به قال أبو بكر بن عبد العزيز، و هو مروي عن ابن عباس(2) - لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه، لعدم نيّته، و لا عن غيره، لوجوب صرف هذا الزمان إلي حجّه، فكان صرفه إلي حجّ غيره منهيا عنه، و النهي في العبادات يدلّ علي الفساد.

و لأنّه لمّا كان من شرط طواف الزيارة تعيين النيّة، فمتي نواه لغيره لم يقع لنفسه، و لهذا لو طاف حاملا لغيره و لم ينو لنفسه، لم يقع عن نفسه.

و لرواية سعد، فإنّ قول الكاظم عليه السلام: «فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتي يحجّ من ماله»(3).

و لما رواه إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أ تجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه، فكتب عليه السلام:

«لا يجوز ذلك»(4).

قال الشيخ: إنّه محمول علي أنّه إذا كان للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه(5).

ص: 113


1- المبسوط - للطوسي - 302:1.
2- المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 82.
4- التهذيب 411:5-1430، الاستبصار 320:2-1134.
5- التهذيب 411:5 ذيل الحديث 1430، الاستبصار 320:2 ذيل الحديث 1134.

و قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين و إسحاق: يقع إحرامه و حجّه عن نفسه عن حجّة الإسلام، لحديث شبرمة، و لأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه، فلم يقع عن الغير، كما لو كان صبيّا(1).

و حديث شبرمة لا دلالة فيه، لأنّه لم يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع، فأمره النبي صلّي اللّه عليه و آله بإنشاء الإحرام عن نفسه، و رفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه، و لو فرضنا إكمال إحرامه فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه، و هو يكون بتجديد نيّة أخري و إبطال الاولي، فلا يدلّ علي صحته و وقوعه عن نفسه.

إذا عرفت هذا، فلو وجب عليه الحجّ و لم يستقرّ فخرج نيابة عن الغير، لم يجزئ عن أحدهما، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك و الوقت باق وجب عليه أداء حجّة الإسلام، و يجب عليه تجديد الإحرام، لأنّ الأول وقع باطلا، و لو أكمل حجّة عن الغير لم تقع عن أحدهما علي ما تقدّم، ثم يجب عليه الابتداء في العام المقبل بحجّة الإسلام عن نفسه إذا تمكّن منه و لو مشيا، و لا يشترط الزاد و الراحلة مع القدرة علي التسكّع و الحجّ.

و لو وجب عليه حجّة الإسلام و لم يفرّط في المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ و لم يتمكّن منه ثم لم يقدر علي الحجّ فيما بعد و لا حصلت له شرائطه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره، لأنّه لم يستقرّ في ذمّته، و لو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه، لم يجز أن يحجّ عن غيره، سواء عجز فيما بعد أو لم يعجز، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن.

مسألة 84:

الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإسلام أو وجب و لم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه، يجوز له أن يحجّ نائبا عن غيره

ص: 114


1- المهذب - للشيرازي - 207:1، المجموع 118:7، حلية العلماء 247:3، المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3-208.

عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و إبراهيم النخعي و أيوب السجستاني، و نقله العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، و به قال مالك و أبو حنيفة، و هو رواية أخري عن أحمد، و هو قول الثوري أيضا(1) - لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة، فجاز أن يؤدّيه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه، كالزكاة، لما تقدّم(2) في حديث سعد عن الكاظم عليه السلام.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، في رجل صرورة مات و لم يحج حجّة الإسلام و له مال: [قال] «يحجّ عنه صرورة لا مال له»(3) و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة»(4).

و قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد في رواية، و إسحاق: لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإسلام أن يحجّ عن غيره، فإن فعل، وقع إحرامه عن حجّة الإسلام، لحديث شبرمة(5).

و لا دلالة فيه، و قد تقدّم(6).

مسألة 85:

لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه، فلو كان علي إنسان حجّ و عمرة فحجّ، جاز أن يحجّ عن غيره، لسقوط فرض الحجّ عنه، و ليس له أن

ص: 115


1- المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3-208، المجموع 118:7، حلية العلماء 248:3.
2- تقدم في المسألة 82.
3- الكافي 306:4-3، التهذيب 411:5-1428، الاستبصار 320:2-1132.
4- التهذيب 411:5-1429، الاستبصار 320:2-1133.
5- المهذب - للشيرازي - 206:1-207، المجموع 118:7، حلية العلماء 247:3، المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3 و 208.
6- تقدّم في المسألة السابقة.

يعتمر قبل أن تبرأ ذمّته من العمرة.

و لو كان قد اعتمر و لم يحج جاز أن ينوب عن غيره في الاعتمار دون الحجّ.

مسألة 86:

الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحرّ بإذن مولاه، لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه، فجاز أن ينوب عن غيره كالحرّ.

و منع أحمد من نيابة العبد و الصبي في الفرض، لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما، فهما كالحرّ البالغ في ذلك و أولي منه.

قال: و يحتمل أنّ لهما النيابة في حجّ التطوّع دون الفرض، لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض، و لا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا فيها عن فرضهما، لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه، فلا يلزمهما ردّ ما أخذا لذلك، كالبالغ الحرّ الذي قد حجّ عن نفسه(1).

و ليس بجيّد، فإنّ الحرّ البالغ له أهلية استحقاق وجوب الحجّ عليه، بخلافهما، بل حملهما علي من أسقط فرضه بالحجّ أولي.

مسألة 87:

إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره، فقد بيّنّا صحته، و أنّه يجزئ عن المنوب، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة الإسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلا ثم عجز عنها، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه.

أمّا الإجزاء عن الميّت: فلما تقدّم(2) في حديث محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة».

و أمّا عدم الإجزاء عن النائب: فلأنّه علي تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلا بريء الذمّة من الحجّ، فلا يتحقّق عليه وجوب، فلا يتحقّق فيه أجزاء،

ص: 116


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 210:3.
2- تقدم في المسألة 84.

و أمّا إذا كان قد وجب عليه أوّلا: فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقي في عهدة التكليف، لأنّ الحجّ الذي أتي به كان عن المنوب، فيبقي ما ثبت عليه أوّلا.

و قد روي معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: معني قوله: «يجزئ عنه» ما دام معسرا لا مال له، فإذا أيسر، وجب عليه الحجّ(2).

أقول: و يحتمل أن يكون المراد: أنّه يجزئ عنه عمّا وجب عليه بالاستئجار.

مسألة 88:

النائب كالمنوب، قاله أحمد، فلو أحرم النائب بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإسلام، وقع عن حجّة الإسلام، لأنّ النائب يجري مجري المنوب عنه(3).

و التحقيق أن نقول: إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّ تطوّع أو نذر، ففعل ما استؤجر له، أجزأ عنه، و لا يجزئ عن المنوب إن كان عليه حجّة الإسلام، لأنّه لم ينوها. و إن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد النسكين: إمّا النذر أو التطوّع، لم ينقلب إلي حجّة الإسلام أيضا.

و إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّة الإسلام، فنوي التطوّع عنه أو عن المنوب، أو النذر كذلك، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما وقع عليه عقد الإجارة.

مسألة 89:

لو استناب رجلين في حجّة الإسلام و منذورة أو تطوّع في عام، فأيّهما سبق بالإحرام وقعت حجّته عن حجّة الإسلام، و تقع الأخري تطوّعا أو عن النذر - قاله أحمد - لأنّه لا يقع الإحرام عن غير حجّة الإسلام ممّن

ص: 117


1- التهذيب 411:5-412-1432، الاستبصار 320:2-1136.
2- التهذيب 412:5، الإستبصار 321:2.
3- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3-210.

هي عليه فكذا من نائبه(1). و فيه إشكال.

و الأقرب: أنّه إذا اتّفق الزمان، صحّ العقد، فإذا حجّا في ذلك العام، أجزأ حجّهما، و لا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما علي إحرام الآخر، بل إن كان السابق إحرام الواجب، فلا بحث، و إن كان إحرام المنذورة أو التطوّع، أجزأ أيضا، لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام.

و لو صدّ النائب في حجّة الإسلام أو أحصر و لم يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام، فالأقوي صحة حجّة التطوّع.

و لو تعدّد العام، فإن استأجر لحجّ التطوّع أوّلا، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإسلام، فالوجه: عدم الصحة، لكن لو حجّ النائب مع جهله، استحقّ الأجرة.

و لو لم يكن قد تمكّن من الاستئجار لحجّة الإسلام، فالأقرب:

الصحة، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة الإسلام.

مسألة 90:

إذا استؤجر ليحجّ عن غيره، و كان الحجّ لا يقع عن ذلك الغير، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإجارة مع علمه بذلك، لأنّه استؤجر لفعل لا يصح منه إيقاعه، فوجب عليه ردّ مال الإجارة.

و لو كان جاهلا، فالأقرب عدم وجوب الردّ - و يحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اجرة المثل - لتعبه، فحينئذ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز.

مسألة 91:

يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل و عن المرأة، و أن تنوب المرأة عن المرأة و عن الرجل في قول عامة أهل العلم(2) ، لا نعلم فيه مخالفا إلاّ الحسن بن صالح بن حي، فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل(3).

قال ابن المنذر: و هذه غفلة عن ظاهر السنّة، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها(4).

ص: 118


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 210:3.
2- المغني و الشرح الكبير 189:3.
3- المغني و الشرح الكبير 189:3.
4- المغني و الشرح الكبير 189:3.

و هذا هو الحقّ، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقالت: يا رسول اللّه أبي أدركته فريضة الحجّ و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت علي دابّته، فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (فحجّي عن أبيك)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه رفاعة عن الصادق عليه السلام - في الصحيح - قال: «تحجّ المرأة عن أخيها و عن أختها» و قال: «تحجّ المرأة عن أبيها»(2).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: المرأة تحجّ عن الرجل ؟ قال: «لا بأس»(3).

إذا عرفت هذا، فقد شرط الشيخ - رحمه اللّه - في حجّ المرأة عن الرجل شرطين:

أحدهما: أن تكون عارفة بمناسك الحج.

و الثاني: أن تكون قد حجّت أوّلا(4).

لما رواه مصادف عن الصادق عليه السلام، قال: سألته تحجّ المرأة عن الرجل ؟ قال: «نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجّت، ربّ امرأة خير من رجل»(5).

و عن زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول:

«يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحجّ المرأة الصرورة عن2.

ص: 119


1- مسند أحمد 212:1.
2- التهذيب 413:5-414-1438، الإستبصار 322:2-1140.
3- الكافي 307:4-2، التهذيب 413:5-1437، الاستبصار 322:2-1141.
4- التهذيب 414:5 ذيل الحديث 1438، الاستبصار 322:2 ذيل الحديث 1142، و النهاية: 279-280.
5- التهذيب 413:5-1436، الاستبصار 322:2-1142.

الرجل الصرورة»(1).

و ابن إدريس أنكر ذلك(2) إنكارا عظيما، و نحن نحمل هذه الروايات علي الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطا، و لهذا قال عليه السلام: «ربّ امرأة خير من رجل» و لا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة.

مسألة 92:

يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتا من غير إذن، سواء كان واجبا أو تطوّعا، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بالحجّ عن الميّت(3) ، و معلوم استحالة الإذن في حقّه، و ما جاز فرضه جاز نفله، كالصدقة.

و أمّا الحيّ: فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه إلاّ بإذنه، فرضا كان أو تطوّعا، لأنّها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل إلاّ بإذنه، كالزكاة(4).

و علّيّة المشترك و ثبوت الحكم في الأصل ممنوعان.

مسألة 93:

قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ تطوّعا و لا نذرا و لا نيابة حتي يؤدّي حجّة الإسلام، و يحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإهمال و اجتماع الشرائط.

و لو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس، تبيّن عدم الاستقرار، لظهور عدم الاستطاعة و انتفاء الإمكان، و هو مذهب أكثر الشافعية(5).

و قال بعضهم: يستقرّ الحجّ عليه(6).

ص: 120


1- التهذيب 414:5-1439، الإستبصار 323:2-1143.
2- السرائر: 149.
3- سنن الترمذي 269:3-929، سنن النسائي 117:5، سنن البيهقي 335:4.
4- المغني و الشرح الكبير 189:3.
5- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7.
6- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7.

و لو مات بعد ما حجّ الناس، استقرّ الوجوب عليه، و وجب الاستئجار عنه من صلب تركته، و ليس رجوع القافلة شرطا حتي لو مات بعد انتصاف ليلة النحر و مضيّ زمان يمكنه المسير إلي مني و الرمي بها و إلي مكة و الطواف للنساء، استقرّ الفرض عليه. و يحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه الإحرام و دخول الحرم.

و لو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الرجوع، استقرّ الحجّ.

و لو تلف المال بعد الحجّ قبل عودهم و قبل مضيّ إمكان عودهم، لم يستقرّ الحجّ أيضا، لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في الشرائط.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: الاستقرار، كما في الموت(1).

و ليس بجيّد، لما بيّنّا من اشتراط نفقة الرجوع هنا، بخلاف الميّت، فإنّه لا رجوع في طرفه، إذ بموته استغني عن المال للرجوع، و هنا نفقة الرجوع لا بدّ منها.

و لو أحصر الذين يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا، لم يستقرّ الفرض عليه، و لو سلكوا طريقا آخر فحجّوا، استقرّ، و كذا إذا حجّوا في السنة التي بعدها إذا عاش و بقي ماله.

و إذا دامت الاستطاعة و تحقّق الإمكان و لم يحج حتي مات، عصي عندنا، و وجب القضاء من صلب ماله، لأنّ الحج مضيّق، خلافا للشافعي حيث لم يوجب الفورية عليه(2).

و لأصحابه وجهان:

أحدهما: أنّه يعصي، و إلاّ لارتفع الحكم بالوجوب، و المجوّز إنّما هو7.

ص: 121


1- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7-32.
2- المجموع 103:7 و 111، فتح العزيز 31:7.

التأخير دون التفويت.

و الثاني: لا يعصي، لأنّا جوّزنا له التأخير(1).

قالوا: و الأظهر أنّه لو مات في وسط وقت الصلاة قبل أدائها، لم يعص.

و الفرق: أنّ وقت الصلاة معلوم، فلا ينسب إليه التقصير ما لم يؤخّر عنه، و في الحج أبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت، فإذا مات قبل الفعل، أشعر الحال بالتواني و التقصير.

و يجري الوجهان فيما إذا كان صحيح البدن و لم يحجّ حتي طرأ العضب.

و الأظهر: المعصية، و لا نظر إلي إمكان الاستنابة، فإنّها في حكم بدل، و الأصل المباشرة، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه.

و قال بعض الشافعية: إن كان من وجب عليه الحجّ شيخا، مات عاصيا، و إن كان شابا فلا(2).

و هل تتضيّق الاستنابة عليه لو صار معضوبا؟ الوجه عندنا: ذلك، لوجوب الفورية في الأصل، فكذا في بدله.

و للشافعي وجهان:

هذا أحدهما، لخروجه بتقصيره عن استحقاق الترفّه.

و الثاني: له التأخير، كما لو بلغ معضوبا عليه الاستنابة علي التراخي(3).

و في قضاء الصوم إذا تعدّي بتفويته هذان الوجهان هل هو علي الفور أو لا؟(4).3.

ص: 122


1- المجموع 103:7 و 110-111، فتح العزيز 32:7.
2- المجموع 111:7، فتح العزيز 32:7.
3- المجموع 111:7، فتح العزيز 32:7.
4- فتح العزيز 32:7-33.

و علي ما اخترناه من وجوب الفورية لو امتنع، أجبره القاضي علي الاستنابة، كما لو امتنع من أداء الزكاة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:

لا يجبره، لأنّ الأمر في ذلك موكول إلي دين الرجل(1).

و علي ما اخترناه من وجوب الفورية يحكم بعصيانه من أول سنة الإمكان، لاستقرار الفرض عليه يومئذ.

و للشافعية وجهان:

هذا أحدهما، و أظهرهما: من آخر سنة الإمكان، لجواز التأخير إليها(2).

و فيه وجه ثالث لهم: الحكم بكونه عاصيا من غير أن يسند إلي وقت معيّن.

و تظهر الفائدة بكونه عاصيا: أنّه لو كان قد شهد عند الحاكم و لم يقض بشهادته حتي مات لا يقضي، كما لو بان فسقه(3).

و لو قضي بشهادته بين الاولي من سني الإمكان و آخرها، نقض الحكم عندنا.

و للشافعي قولان:

فإن حكم بعصيانه من آخرها، لم ينقض ذلك الحكم بحال، و إن حكم بعصيانه من أولها، ففي نقضه قولان مبنيّان علي ما إذا بان فسق الشهود(4).

مسألة 94:

يجب الترتيب في الحج، فيبدأ بحجّة الإسلام ثم بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع، فلو غيّر الترتيب، وقع علي هذا الترتيب، و لغت نيّته عند الشافعي(5).

و الوجه: البطلان علي ما سبق.

ص: 123


1- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
2- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
3- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
4- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
5- الوجيز 110:1، فتح العزيز 33:7.

و صورة اجتماع حجّة الإسلام و القضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق، فعليه القضاء، و لا يجزئه عن حجّة الإسلام(1) ، و كذا عندنا، و أيضا لو استؤجر الصرورة أو حجّ تطوّعا فأفسد.

و كذا تقدّم حجّة الإسلام علي حجّة النذر، لأنّ حجّة الإسلام واجبة بالأصالة الشرعية، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعا من المكلّف.

و لو اجتمع القضاء و النذر و التطوّع و حجّة الإسلام، قدّمت حجّة الإسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع.

و من عليه حجّة الإسلام أو النذر أو القضاء لا يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا، و مطلقا عند الشافعي(2).

و أبو حنيفة و مالك(3) وافقا علي ما قلناه.

و لو استؤجر الصرورة فنوي الحجّ عن المنوب، فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ و تمكّن من فعله، بطلت حجّته عن نفسه و عن المنوب.

و عند الشافعية تقع عن المنوب، و تلغو نيّته عن نفسه(4).

و لو نذر الصرورة أن يحجّ في هذه السنة ففعل، فإن كان قد تمكّن، بطل حجّه، و لم يجزئه عن حجّة الإسلام، لعدم نيّتها، و لا عن النذر، لوجوب صرف الزمان إلي حجّة الإسلام.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام، و خرج عن نذره، لأنّه ليس في نذره إلاّ تعجيل ما كان له أن يؤخّره(5).

و لو استؤجر الصرورة للحج في الذمّة، جاز، ثم يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن و حصلت الاستطاعة، ثم يحجّ عن المنوب في السنة7.

ص: 124


1- فتح العزيز 33:7.
2- فتح العزيز 34:7، المجموع 118:7.
3- فتح العزيز 34:7، حلية العلماء 248:3.
4- فتح العزيز 35:7.
5- فتح العزيز 35:7.

الأخري.

أمّا لو استؤجر معيّنا لهذه السنة و هو مستطيع، لم يصح، لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإسلام.

و لو استؤجر للسنة الثانية، جاز عندنا، خلافا للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإجارة بمدّة العقد(1) ، و سيأتي البحث معه.

و إذا فسدت الإجارة، فإن كان المستأجر ظنّ أنّه قد حجّ فبان صرورة، لم يستحقّ الأجير أجره، لتغريره.

و إن علم أنّه صرورة و قال: يجوز في اعتقادي أن يحجّ الصرورة عن غيره، قال الشافعي: صحّ حجّ الأجير، و يقع لنفسه، و لكن في استحقاقه اجرة المثل قولان(2).

مسألة 95:

القران عندنا أن يقرن إلي إحرامه سياق الهدي، و لا يجوز أن يقرن في إحرامه بين حجّتين و لا بين عمرتين و لا بين حجّة و عمرة، خلافا للعامّة(3) ، فلو استؤجر من حجّ و لم يعتمر للحجّ، أو للعمرة من اعتمر و لم يحجّ، فقرن الأجير و أحرم بالنسكين جميعا عن المستأجر، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر و بالآخر عن نفسه، لم يصح عندنا، و لا يستحقّ أجرا، لفساد الفعل.

و للشافعي قولان:

الجديد: أنّهما يقعان عن الأجير، لأنّ نسكي القران لا يفترقان، و لا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه.

و الثاني: أنّ ما استؤجر له يقع عن المستأجر و الآخر عن الأجير.

ص: 125


1- فتح العزيز 35:7.
2- فتح العزيز 36:7، حلية العلماء 248:3.
3- المغني 251:3، الشرح الكبير 243:3، فتح العزيز 118:7، المجموع 171:7، المبسوط - للسرخسي - 25:4، بداية المجتهد 334:1.

و علي القولين لو استأجر رجلان من حجّ و اعتمر، أحدهما ليحجّ عنه و الآخر ليعتمر عنه، فقرن عنهما، فعلي الأول يقعان عن الأجير، و علي الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له(1).

و لو استأجر المعضوب رجلين ليحجّا عنه في سنة واحدة أحدهما حجّة الإسلام و الآخر حجّة القضاء أو النذر، صحّ عندنا.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجوز، لأنّ حجّة الإسلام لم تتقدّم علي غيرها.

و الأظهر: الجواز، لأنّ غيرها لم يتقدّم عليها، و هذا القدر كاف في الترتيب.

فعلي أول الوجهين لو اتّفق إحرام الأجيرين في الزمان، انصرف إحرامهما إلي نفسهما، و إن سبق إحرام أحدهما، وقع ذلك عن حجّة الإسلام عن المستأجر، و انصرف إحرام الآخر إلي نفسه(2).

و لو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجّا، نظر إن نذر بعد الوقوف، لم ينصرف حجّه إليه، و وقع عن المستأجر، و إن نذر قبله، فوجهان:

أظهرهما: انصرافه إلي الأجير(3).

و الحقّ عندنا وقوعه عن المستأجر.

و لو أحرم الرجل بحجّ تطوّعا ثم نذر حجّا بعد الوقوف، لم ينصرف إلي النذر، و إن كان قبله فعلي الوجهين(4).

مسألة 96:

العبادات قد تقبل النيابة علي بعد، لكن جازت في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموت أو كبر لا يتمكن معه من الركوب و التثبّت علي

ص: 126


1- فتح العزيز 36:7، المجموع 118:7-119، حلية العلماء 250:3.
2- فتح العزيز 36:7.
3- فتح العزيز 36:7، المجموع 119:7.
4- فتح العزيز 36:7، المجموع 119:7.

الدابّة، أو زمانة أو عضب كذلك، أو مرض لا يرجي زواله.

أمّا الموت: فلما روي أنّ امرأة أتت النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقالت: إنّ أمّي ماتت و لم تحجّ، فقال: (حجّي عن أمّك)(1).

و روي ابن عباس أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه إنّ أختي نذرت أن تحجّ و ماتت قبل أن تحجّ، أ فأحجّ عنها؟ فقال عليه السلام: (لو كان علي أختك دين أ كنت قاضيه ؟) قال: نعم، قال: (فاقضوا حقّ اللّه فهو أحقّ بالقضاء)(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: إن لم يوص، لا يحجّ عنه، و يسقط فرضه بالموت(3).

و نحن نقول: إن كان الميت قد وجب عليه الحج و استقرّ و فرّط في أدائه، وجب أن يستأجر عنه، سواء أوصي به أو لم يوص، و يستوي فيه الوارث و الأجنبي، كقضاء الدين، و هو قول الشافعي(4).

و أمّا الكبر: فلما رواه ابن عباس أنّ امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه علي عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك علي الراحلة، فأحجّ عنه ؟ قال: (نعم)(5).

و المعتبر أن لا يثبت علي الراحلة أصلا، أو لا يثبت إلاّ بمشقّة شديدة.

و مقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه التثبّت علي الراحلة من غير مشقّةر.

ص: 127


1- مسند أحمد 259:5، ترتيب مسند الشافعي 388:1-996.
2- صحيح البخاري 177:8، سنن النسائي 116:5، مسند أبي داود الطيالسي: 341-2621.
3- فتح العزيز 44:7، المجموع 112:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، المنتقي - للباجي - 271:2.
4- فتح العزيز 44:7، المجموع 112:7.
5- صحيح البخاري 163:2، صحيح مسلم 973:2-1334، سنن النسائي 117:5، سنن البيهقي 328:4 بتفاوت يسير.

شديدة لا تجوز النيابة عنه، لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه.

و هذا كلّه في حجّة الإسلام، و في معناها حجّة النذر و القضاء.

مسألة 97:

تجوز استنابة المعضوب في التطوّع.

و للشافعي قولان(1).

و كذا تجوز استنابة الوارث للميّت فيه.

و للشافعي قولان:

أصحّهما: الجواز - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد - لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله، كأداء الزكاة.

و الثاني: المنع، لبعد العبادات البدنية عن قبول النيابة، و إنّما جوّز في الفرض، للضرورة(2).

و لو لم يكن الميّت قد حجّ و لا وجب عليه، لعدم الاستطاعة، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان:

أحدهما: طرد القولين، لأنّه لا ضرورة إليه.

و الثاني: القطع بالجواز، لوقوعه عن حجّة الإسلام.

فإن جوّزنا الاستئجار للتطوّع، فللأجير الأجرة المسمّاة، و يجوز أن يكون الأجير عبدا أو صبيّا، بخلاف حجّة الإسلام، فإنّه لا يجوز استئجارهما عندهم، و وقع الحجّ عن الأجير، و لا يستحقّ المسمّي.

و علي هذا فالأصح أنّ الأجير يستحقّ اجرة المثل، لأنّ الأجير دخل في العقد طامعا في الأجرة، و تلفت منفعته عليه و إن لم ينتفع منها المستأجر، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فحمل، يستحقّ الأجرة.

و الثاني: لا يستحق، لوقوع الحجّ عنه(3).

ص: 128


1- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7.
2- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7.
3- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7-115.

إذا عرفت هذا، فإنّ الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1).

و قال الشافعي بالاختصاص(2).

و منع مالك من النيابة عن الحيّ في الفرض و التطوّع، و خصّها بالميّت(3).

مسألة 98:

قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجي زوال علّته ليس له أن يحجّ عنه نائبا، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته، لم يجزئه قولا واحدا، و إن مات أجزأه ذلك، لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و الثاني: لا يجزئه، لأنّ الاستنابة لم تكن جائزة(4).

و علي عكس ذلك لو كانت علّته غير مرجوّة الزوال، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي، فللشافعية طريقان:

أظهرهما: طرد القولين.

و الثاني: القطع بعدم الأداء، و به قال أبو حنيفة.

و الفرق: أنّ الخطأ في الصورة الأولي غير مستيقن، لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل، و هنا الخطأ متيقّن، إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلا ثم يزول.

و الطاردون للقولين في الصورتين قالوا: مأخذهما أنّ النظر إلي الحال أو إلي المآل، إن نظرنا إلي الحال، لم يجزئه في الصورة الاولي، و أجزأ في

ص: 129


1- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، فتح العزيز 41:7، المجموع 7: 116.
2- فتح العزيز 41:7، المجموع 116:7، المغني 185:3.
3- فتح العزيز 41:7، المجموع 116:7، و انظر: الكافي في فقه أهل المدينة: 133.
4- فتح العزيز 42:7، المهذب - للشيرازي - 206:1، المجموع 116:7، حلية العلماء 246:3.

الثانية، و إن نظرنا إلي المآل، عكسنا الحكم فيهما.

و قد شبّهوا القولين هنا بالقولين فيما إذا رأوا سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه، هل تجزئهم الصلاة ؟ و الأظهر عندهم: عدم الإجزاء(1).

و المعتمد عندنا: الإجزاء.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: إنّ الحجّة المأتي بها تجزئه، استحقّ الأجير الأجرة المسمّاة لا محالة.

و إن قلنا: لا تجزئه، فهل تقع عن تطوّعه أو لا تقع أصلا؟ فيه وجهان للشافعية:

أحدهما: أنّها تقع عن تطوّعه، و تكون العلّة الناجزة عذرا لتقديم التطوّع علي حجّة الإسلام.

و الثاني: أنّها لا تقع عنه أصلا، كما لو استأجر صرورة ليحجّ عنه(2).

و علي هذا فهل يستحقّ الأجير الأجرة ؟ فيه للشافعية قولان:

أصحهما: عدم الاستحقاق، لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله.

و الثاني: نعم، لأنّه عمل له في اعتقاده(3).

فعلي هذا الوجه فما ذا يستحقّ؟ الأجرة المسمّاة أم أجرة المثل ؟ للشافعية وجهان، مأخذهما: أنّا هل نتبيّن فساد الاستئجار أم لا؟ و إن قلنا: إنّه يقع عن تطوّعه، فالأجير يستحقّ الأجرة.

و ما ذا يستحقّ؟ المسمّي أو اجرة المثل ؟ وجهان مخرّجان عن الوجهين، لأنّ الحاصل غير ما طلبه(4).

و قد منع الشافعية من جواز الحجّ عن المعضوب بغير إذنه، بخلاف7.

ص: 130


1- فتح العزيز 42:7-43، المجموع 115:7.
2- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.
3- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.
4- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.

قضاء الدّين عن الغير، لأنّ الحجّ يفتقر إلي النيّة، بخلاف قضاء الدّين و هو من أهل الإذن و النيّة و إن لم يكن أهل المباشرة(1).

و روي عن بعضهم جواز الحجّ بغير إذنه(2).

مسألة 99:

الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ الحجّ في ذمّته و فرّط في أدائه.

و هل تجب عن المعضوب أو عن ميّت وجب عليه الحجّ و لم يستقر؟ مضي(3) الكلام فيهما.

و أوجبه الشافعي علي المعضوب في الجملة، و لا فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب و بين ان يبلغ واجدا للمال، و به قال أحمد(4).

و قال مالك: لا استنابة علي المعضوب بحال، لأنّه لا نيابة عن الحي عنده، و لا حجّ علي من لا يستطيع بنفسه(5). و هو حسن.

و عند أبي حنيفة لا حجّ علي المعضوب ابتداء و لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب، لم يسقط عنه، و عليه أن ينفق علي من يحجّ عنه(6).

و أخبارنا دلّت علي وجوب الاستئجار علي المعضوب، و قد سلفت.

و شرطه أن يكون للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ عنه، و أن يكون ذلك المال فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه، إلاّ أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلي الزاد و الراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلي الإياب، و هنا نعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم و كسوتهم يوم الاستئجار، و لا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه.

و هل تعتبر مدّة الذهاب ؟ الأقرب: أنّه لا تعتبر - و هو أصحّ وجهي

ص: 131


1- الوجيز 110:1، فتح العزيز 43:7، المجموع 98:7 و 114.
2- فتح العزيز 43:7-44، المجموع 98:7.
3- مضي في المسألتين 49 و 69.
4- فتح العزيز 44:7.
5- فتح العزيز 44:7.
6- فتح العزيز 44:7.

الشافعية(1) - بخلاف ما إذا كان يحجّ عن نفسه، فإنّه إذا لم يفارق أهله، يمكنه تحصيل نفقتهم، كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلاّ نفقة اليوم.

و كذا في الكفّارات المرتّبة إذا لم نشترط تخلّف رأس المال.

ثم ما في يده إن وفي بأجرة راكب، فلا يجب، و إن لم يف إلاّ بأجرة ماش، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا - و هو أصحّ وجهي الشافعية(2) أيضا - بخلاف ما كان يحجّ بنفسه، لا يكلّف المشي، لما فيه من المشقّة، و لا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير.

و الثاني: أنّه لا يلزم استئجار الماشي، لأنّ الماشي علي خطر، و في بذل المال في أجرته تغرير به(3).

و لو طلب الأجير أكثر من اجرة المثل، لم يلزم الاستئجار، و إن رضي بأقلّ منها، لزمه، و لو امتنع من الاستئجار، فالأقرب: إلزام الحاكم له.

و للشافعية وجهان، أشبههما عندهم: أنّه لا يستأجر عليه(4).

مسألة 100:

قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود المال للمعضوب، فلو لم يكن له مال و لكن بذل له الأجنبي مالا ليستأجر به، لم يلزمه القبول، كالصحيح.

و للشافعية في لزوم قبوله وجهان:

أحدهما: يلزم، لحصول الاستطاعة بالبذل.

و أصحّهما: أنّه لا يلزم، لما فيه من المنّة الثقيلة(5).

و لو كان الباذل واحدا من بنيه و بناته و [1] أولادهم للطاعة في الحجّ، فالأقرب: عدم وجوب القبول - و به قال أبو حنيفة و أحمد(6) - لأنّه غير

ص: 132


1- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
2- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
3- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
4- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
5- الوجيز 111:1، فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7 و 99.
6- فتح العزيز 45:7.

مستطيع.

و قال الشافعي: يجب، لأنّ وجوب الحجّ معلّق بوجود الاستطاعة و قد حصلت، لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس، و تارة تكون بالأنصار و الأعوان، و لهذا يصدق ممّن لا يحسن البناء أن يقول: أنا مستطيع للبناء إذا تمكّن منه بالأسباب و الأعوان.

ثم شرط في باذل الطاعة أن لا يكون صرورة و لا معضوبا، و أن يكون موثوقا بصدقه(1).

و إذا ظنّ تحقّق الطاعة، فهل يلزمه الأمر؟ [1] وجهان للشافعية:

أحدهما: لا، لأنّ الظنّ قد يخطئ.

و أظهرهما عندهم: نعم إذا وثق بالإجابة، لحصول الاستطاعة(2).

و لو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع، فهل ينوب الحاكم عنه ؟ فيه وجهان: أحدهما: لا، لأنّ الحجّ علي التراخي عندهم(3).

و إذا اجتمعت الشرائط و مات المطيع قبل أن يأذن، فإن مضي وقت إمكان الحجّ، استقرّ في ذمّته، و إلاّ فلا.

و لو كان له من يطيع و لم يعلم بطاعته، فهو كمن له مال موروث و لم يعلم به.

و لو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع، فإن كان بعد الإحرام، لم يكن له ذلك، و إن كان قبله، جاز له الرجوع، و هو أظهر وجهي الشافعية(4).

مسألة 101:

لو بذل الأجنبي الطاعة، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان:

أصحّهما: أنّه يلزم، لحصول الاستطاعة، كما لو كان الباذل الولد.

ص: 133


1- فتح العزيز 45:7-46، المجموع 95:7-96.
2- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.
3- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.
4- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.

و الثاني: لا يلزم، لأنّه يثقل استخدامه، بخلاف الولد، لأنّه [بضعة منه] [1].

و الأخ و الأب في بذل الطاعة كالأجنبي، لأنّ استخدامهما ثقيل.

و لهم قول آخر: إنّ الأب كالابن، لاستوائهما في وجوب النفقة(1).

و لو بذل الولد المال، فالأقوي عدم وجوب القبول.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: يلزم، كما لو بذل الطاعة.

و أصحّهما: عدمه، لأنّ قبول المال يستلزم منّة عظيمة، فإنّ الإنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير، و لا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال(2).

و بذل المال للابن كبذل الابن للأب، أو كبذل الأجنبي ؟ للشافعية وجهان(3).

و كلّ ما قلنا في بذل الطاعة فإنّه مفروض فيما إذا كان راكبا، أمّا إذا بذل الابن الطاعة علي أن يحجّ ماشيا، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يلزم، كما لا يلزم الحجّ ماشيا.

و الثاني: يلزم إذا كان قويّا، فإنّ المشقّة لا تناله(4).

هذا إذا كان الباذل للطاعة مالكا للزاد، فإن عوّل علي التكسّب في الطريق، ففي وجوب القبول وجهان(5) ، و هنا عدمه أولي، لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار.7.

ص: 134


1- فتح العزيز 46:7، المجموع 97:7.
2- فتح العزيز 46:7، المجموع 97:7.
3- فتح العزيز 47:7، المجموع 97:7.
4- فتح العزيز 47:7، المجموع 97:7.
5- فتح العزيز 47:7، المجموع 98:7.

و إن لم يكن كسوبا و عوّل علي السؤال فأولي بالمنع، لأنّ السائل قد يردّ.

و لو كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب و لا سؤال، لم يجب القبول إجماعا، لأنّ التغرير بالنفس حرام.

مسألة 102:

قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند علمائنا، و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز الاستئجار علي الحجّ، كما في سائر العبادات، و لكن يرزق عليه، و لو استأجر لكان ثواب النفقة للآمر، و يسقط عنه الخطاب بالحجّ، و يقع الحجّ عن الحاجّ(2). و قد تقدّم(3) القول فيه.

و عندنا و عند الشافعي يجوز الحجّ بالرزق، كما يجوز الإجارة، بأن يقول: حجّ عنّي و أعطيك نفقتك أو كذا. و لو استأجره بالنفقة، لم يصحّ، للجهالة(4).

ثم الاستئجار ضربان: استئجار عين الشخص، بأن يقول المؤجر:

آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا، و إلزام ذمّته العمل، بأن يستأجره ليحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره، و يلزم المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته، و يفترقان في ما يأتي.

و كلّ واحد من ضربي الإجارة إمّا أن يعيّن زمان العمل فيها أو لا يعيّن، و إن عيّن فأمّا السنة الأولي أو غيرها، فإن عيّن السنة الأولي، جاز بشرط أن

ص: 135


1- الأم 124:2، فتح العزيز 49:7، المجموع 120:7 و 139، الحاوي الكبير 257:4 و 258، الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقي - للباجي - 271:2، المغني 3: 186.
2- المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، فتح العزيز 49:7.
3- تقدّم في المسألة 55.
4- فتح العزيز 49:7.

يكون الخروج و الحجّ فيما بقي منها مقدورا للأجير، فلو كان الأجير مريضا لا يمكنه الخروج، أو كان الطريق مخوفا، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة، لم يصح العقد، لأنّ المنفعة غير مقدورة.

و إن عيّنا غير السنة الأولي، صحّ عندنا و عند أبي حنيفة(1) ، للأصل و العمومات، و سيأتي بيانه.

و قال الشافعي: لا يجوز، كاستئجار الدار الشهر المقبل، إلاّ إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة(2).

و أمّا في الإجارة الواردة علي الذمّة فيجوز تعيين السنة الاولي و غيرها، و هو بمثابة الدّين في الذمّة قد يكون حالاّ و قد يكون مؤجّلا.

و إن أطلقا، فهو كما لو عيّنا السنة الأولي، إلاّ في شيء سيأتي بيانه.

و لا يقدح في الإجارة في الذمّة كونه مريضا، لإمكان الاستنابة، و لا خوف الطريق و ضيق الوقت إنّ عيّنا غير السنة الأولي.

مسألة 103:
اشارة

إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة، لم يجز له التأخير.

و هل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة ؟ الأقرب: عدم الوجوب. و يجوز وقوع عقد الإجارة قبل خروج الناس، و له انتظار الرفقة، و لا يلزمه المبادرة وحده، بل و لا مع أول قافلة، و هو اختيار جماعة من الشافعية(3).

و قال أكثرهم: يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتي لا يصح استئجار المعيّن إلاّ في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد و نحوه، فإن كان قبله، لم يصح، لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز، و بنوا علي ذلك أنّه لو كان

ص: 136


1- راجع: الوجيز 111:1.
2- فتح العزيز 49:7، المجموع 120:7.
3- فتح العزيز 50:7، المجموع 123:7.

الاستئجار بمكة لم يجز إلاّ في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد(1).

و لو وقع العقد في وقت تراكم الثلوج و الانداء، فوجهان للشافعية:

أحدهما: الجواز، لأنّ توقّع زوالها مضبوط، و عدمه، لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال، بخلاف انتظار الرفقة، فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر(2).

هذا كلّه في إجارة العين، أمّا الإجارة الواردة علي الذمّة فيجوز تقديمها علي الخروج لا محالة عندنا و عندهم(3).

تذنيب:

ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره، لأنّ الفعل مضاف إليه، و الأغراض تختلف باختلاف الاجراء، و لو قال: لتحجّ عنّي بنفسك، فهو أوضح في المنع من الاستنابة.

و أمّا في الإجارة علي الذمّة، فإذا قال: ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّة، جاز أن يستنيب غيره، و لو قال: لتحجّ بنفسك، لم تجز الاستنابة.

و قال بعض الشافعية. تبطل لو قال: لتحجّ بنفسك، لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه(4). و ليس بجيّد.

و لو أمره بالاستئجار، لم يجز له المباشرة.

مسألة 104:

يجب أن تكون أعمال الحج معلومة عند المتعاقدين وقت العقد، لبطلان العقد علي المجهول، فإن علماها عند العقد، فلا بحث، و إن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإعلام.

و هل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ الأقرب: عدمه، عملا بالأصل.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: يشترط، لاختلاف

ص: 137


1- فتح العزيز 50:7، المجموع 123:7-124
2- فتح العزيز 50:7، المجموع 124:7.
3- فتح العزيز 50:7، المجموع 124:7.
4- فتح العزيز 50:7.

الأغراض باختلاف المواقيت(1).

لكن علماؤنا رووا أنه إذا أمره بالحجّ علي طريق معيّن، جاز له العدول عنه(2).

و لأصحابه طريقان، أظهرهما: أنّ المسألة علي قولين: أحدهما:

الاشتراط، لاختلاف الأغراض باختلافها [3]، و عدمه - و هو الأظهر عندهم - لأنّ الحمل علي ميقات البلدة علي العادة الغالبة.

و الطريق الثاني: تنزيل القولين علي حالين، و لمن قال به طريقان:

أظهرهما: حمل القول الأول علي ما إذا كان لبلدة طريق واحد و له ميقات واحد، و حمل الثاني علي ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات، أو كان يفضي طريقها إلي ميقاتين، كالعقيق و ذات عرق.

و الثاني: حمل الأول علي ما إذا كان الاستئجار لميّت، و الثاني علي ما إذا استأجر الحيّ.

و الفرق: أنّ الحيّ له غرض و اختيار، و الميّت لا غرض له و لا اختيار، و المقصود براءة ذمّته، و هي تحصل بالإحرام من أيّ ميقات كان، فإن شرطنا تعيّن الميقات، فسدت الإجارة بإهماله، لكن يقع الحجّ عن المستأجر، لوجود الإذن، و تلزم اجرة المثل(3).

و إذا وقعت الإجارة للحجّ و العمرة، فلا بدّ من بيان أنّه يفرد أو يقرن أو يتمتّع، لاختلاف الأغراض بها.

مسألة 105:

يشترط في لزوم الإجارة و صحتها: الإتيان بالصيغة علي الوجه المعتبر شرعا، فلو قال: من حجّ عنّي فله مائة، صحّ جعالة، و لا تكون

ص: 138


1- الوجيز 111:1، فتح العزيز 51:7، الحاوي الكبير 259:4، المجموع 121:7.
2- الكافي 307:4-2، الفقيه 261:2-1271، التهذيب 415:5-1445.
3- فتح العزيز 51:7، المجموع 121:7.

إجارة، و لا تلزم المائة إلاّ بالعمل.

و للشافعي قولان:

أحدهما: البطلان، لأنّ العامل غير معيّن، و إنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإجارة، للضرورة.

و الثاني: الصحة - كما قلناه - لأنّ الجعالة تصح علي كلّ عمل يصح إيراد الإجارة عليه، لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولا فمع العلم به تكون أولي بالجواز.

و علي القول بفساد الجعالة لو حجّ عنه إنسان، فالمسمّي ساقط، لفساد العقد، لكن الحج يقع عن المستأجر، و للعامل اجرة المثل، لوجود الإذن و إن فسد العقد.

و كذا الحكم عندهم لو قال: من خاط ثوبي فله كذا، فخاطه إنسان.

و لهم وجه: أنّه يفسد الإذن، لعدم تعيين المأذون له، كما لو قال:

وكّلت من أراد بيع داري، لا يصحّ التوكيل، لأنّه ليس موجّها نحو معيّن(1).

مسألة 106:

إذا أعطي الإنسان غيره حجّة ليحجّ عنه من بلد، فحجّ عنه من بلد آخر، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك، أجزأ، لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته، و إنّما المقصود بالذات الحجّ و قد حصل.

و لما رواه حريز بن عبد اللّه - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أعطي رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة، قال: «لا بأس إذا قضي جميع المناسك فقد تمّ حجّه»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب علي الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان.

ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه، لأنّ العادة قاضية بنقصان اجرة الأسهل عن

ص: 139


1- فتح العزيز 51:7-52، المجموع 122:7، الحاوي الكبير 275:4.
2- الكافي 307:4-2، التهذيب 415:5-1445.

أجرة الأصعب، و قد استؤجر للأصعب و لم يأت به، فيتعيّن عليه ردّ التفاوت.

و لو استؤجر للسلوك بالأسهل فسلك الأصعب، لم يكن له شيء.

هذا إذا لم يتعلّق غرض المستأجر بتعيين الطريق، و إن تعلّق غرض المستأجر بطريق معيّن، فاستأجر علي أن يسلكه الأجير، فسلك غيره، فالأقرب فساد المسمّي، و الرجوع إلي أجرة المثل، و يجزئ الحجّ عن المستأجر، سواء سلك الأصعب أو الأسهل، لأنّه استؤجر علي فعل و أتي ببعضه.

إذا ثبت هذا، فالأقرب أنّ الرواية تضمّنت مساواة الطريقين إذا كان الإحرام من ميقات واحد، أمّا مع اختلاف الميقاتين، فالأقرب المنع، لاختلافهما قربا و بعدا، و اختلاف الأغراض، و تفاوت الأجر بسبب تفاوتهما، و إطلاق الأصحاب ينبغي أن يقيّد بما دلّ مفهوم الرواية عليه.

إذا عرفت هذا، فلو خالف في سلوك ما شرطه [المستأجر] [1] من الطرق فأحصر، لم يستحق الأجير شيئا في الموضعين.

مسألة 107:

إذا استأجره ليحجّ عنه بنفسه، فإمّا أن يعيّن الزمان أو لا، فإن عيّنه، وجب أن يكون الأجير علي صفة يمكنه التلبّس بالإحرام في أشهر الحجّ، فإن لم يمكنه ذلك إمّا لضيق الوقت أو لمرض أو لغير ذلك، بطل القيد، لأنّه عقد علي ما لا يصح.

و إذا كان الأجير ممّن يصح منه الحجّ فأخّر حتي فات الوقت، و خالف إمّا لعذر أو لغير عذر، بطل العقد، لأنّ الوقت الذي عيّنه قد فات، و كان للمستأجر الخيار بين استئجاره في السنة الأخري و بين استئجار غيره.

و لو ضمن الأجير الحجّ في السنة الأخري، لم تجب إجابته، بل لو أجيب لافتقر إلي عقد آخر.

ص: 140

و للشافعية طريقان: أظهرهما: أنّه علي قولين كالقولين فيما لو حلّ السلم و المسلم فيه منقطع:

أحدهما: ينفسخ، لفوات مقصود العقد.

و أصحّهما: لا ينفسخ، كما لو أخّر أداء الدّين عن محلّه لا ينقطع.

و الثاني: القطع بالقول الثاني.

و علي القول بعدم الانفساخ ينظر إن صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه، فله الخيار، لتفويت المقصود، كما لو أفلس المشتري بالثمن، فإن شاء أخّر ليحجّ في السنة الأخري، و إن شاء فسخ، و استردّ الأجرة، و ارتفق بها إلي أن يستأجر غيره(1).

و إن كان الاستئجار لميّت من ماله، فقد قال بعضهم: لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد، لأنّ الأجرة معيّنة لتحصيل الحجّ، فلا انتفاع باستردادها(2).

و قال آخرون: له الخيار، لأنّ الورثة يقصدون باسترداد الأجرة صرفها إلي من هو أحري بتحصيل المقصود، و لأنّهم إذا استردّوها تمكّنوا من إبدالها بغيرها(3).

و قال بعضهم: إنّ علي الولي مراعاة النظر للميّت، فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل، ضمن(4).

أمّا لو كان الميّت قد أوصي بأن يحجّ عنه إنسان بمائة مثلا، لم يجز الفسخ، لأنّ الوصية مستحقّة الصرف إلي المعيّن.

و لو استأجر إنسان للميّت من مال نفسه تطوّعا عليه، فهو كاستئجار المعضوب لنفسه، فله الخيار.7.

ص: 141


1- فتح العزيز 53:7، المجموع 126:7، الحاوي الكبير 268:4-269.
2- الوجيز 112:1، فتح العزيز 53:7، المجموع 126:7.
3- فتح العزيز 53:7، المجموع 127:7.
4- فتح العزيز 53:7، المجموع 127:7.

و لو قدّم الأجير الحجّ علي السنة المعيّنة، فالأقرب: الجواز، لأنّه قد زاد خيرا، و به قال الشافعي(1).

و أمّا إن لم يعيّن الزمان بل أطلق، صحّ العقد، و اقتضي الإطلاق التعجيل.

و لو شرط التأخير عاما أو عامين، جاز، و مع الإطلاق إذا لم يحجّ في السنة الأولي، لم تبطل الإجارة، لأنّ الإجارة في الذمّة لا تبطل بالتأخير، و ليس للمستأجر فسخ هذه الإجارة لأجل التأخير، فإذا أحرم في السنة الثانية، كان إحرامه صحيحا عمّن استأجره.

و قال بعض الشافعية: إذا أطلقا العقد، لم يقتض التعجيل، و جاز للمستأجر التأخير مع القدرة، و يثبت للمستأجر الخيار، لتأخير المقصود(2).

مسألة 108:

إنّه سيأتي أنّ المواقيت المؤقّتة للإحرام مواضع معيّنة وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لكلّ إقليم ميقات معيّن(3) ، لا يجوز الإحرام قبلها عند علمائنا إلاّ لناذر علي خلاف بين علمائنا فيه. و كذا للمعتمر في شهر رجب إذا خاف تقضيه يجوز له الإحرام للعمرة قبل الميقات.

و أجمعت العامة علي جواز الإحرام قبل الميقات(4).

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا استأجره للحج فانتهي الأجير إلي الميقات المتعيّن شرعا أو بتعيينهما إن اعتبرناه فلم يحرم بالحج عن المستأجر و لكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد فراغه من عمرته، فإمّا أن لا يعود

ص: 142


1- فتح العزيز 53:7، المجموع 128:7.
2- فتح العزيز 52:7-53، المجموع 126:7.
3- الكافي 318:4-319-1-3، التهذيب 54:5-55-166-168، صحيح البخاري 165:2، صحيح مسلم 838:2-1181، سنن أبي داود 143:2-1737 و 1738، سنن الترمذي 194:3-831، سنن البيهقي 26:5.
4- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، الوجيز 114:1، فتح العزيز 95:7، بدائع الصنائع 164:2.

إلي الميقات بأن أحرم من جوف مكة، وقع الحجّ عن المستأجر بحكم الإذن، فكان يجوز أن يقال: المأذون فيه الحجّ من الميقات، و هذا الخصوص متعلّق الغرض، فلا يتناول الإذن غيره، فيحطّ شيء من الأجرة المسمّاة و إن وقع الحجّ عن المستأجر، لمجاوزته الميقات و كان الواجب عليه أن يحرم منه.

و قال أبو حنيفة: إذا أحرم عن نفسه ثم حجّ عن المستأجر بإحرام من مكة من غير أن يرجع إلي الميقات، لم يقع فعله عن الآمر، و يردّ جميع النفقة إليه، لأنّه أتي بغير ما أمر به(1).

و الأول مذهب الشافعي، لأنّه ما أخلّ إلاّ بما يجبره الدم، فلم تسقط أجرته(2).

و في قدر المحطوط اختلاف مبني علي أنّ الأجرة تقع في مقابلة أعمال الحجّ وحدها، أو يتوزّع علي المسير من بلد الإجارة و الأعمال، فإن قلنا بالثاني - و هو الأظهر عند الشافعية(3) - فقولان: أحدهما: أنّ المسافة لا تحتسب له هاهنا، لأنّه صرفه إلي غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات، فعلي هذا توزّع الأجرة المسمّاة علي حجّة منشأة من بلد الإجارة و إحرامها من الميقات، و علي حجّة منشأة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الحجّة المنشأة من بلد الإجارة مائة، و اجرة الحجّة المنشأة من مكة عشرة، حطّ من الأجرة المسمّاة تسعة أعشارها.

و أصحّهما عندهم: أنّها تحسب له، لأنّ الظاهر أنّه يقصد بها تحصيل الحجّ الملتزم، إلاّ أنّه أراد أن يربح في سفره عمرة، فعلي هذا تتوزّع الأجرة المسمّاة علي حجّة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و علي حجّة منشأه منها أيضا إحرامها من مكة، فإذا كانت أجرة الاولي مائة و اجرة الثانية:7

ص: 143


1- المغني و الشرح الكبير 190:3.
2- فتح العزيز 55:7، المجموع 129:7، المغني و الشرح الكبير 190:3.
3- فتح العزيز 55:7، المجموع 129:7

تسعين، حطّ من الأجرة المسمّاة عشرها(1).

و إن قلنا: إنّ الأجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها، فتوزّع الأجرة المسمّاة علي حجّة من الميقات، و هي التي قوبلت بها، و علي حجّة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الاولي خمسة و اجرة الثانية درهمين، حططنا من الأجرة ثلاثة أخماسها.

و لو جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم بالحج عن المستأجر، يلزمه دم الإساءة، و سيأتي الخلاف في أنّ الإساءة هل تنجبر بالدم حتي لا يحطّ شيء من الأجرة أم لا؟ قال بعض الشافعية: إنّ ذلك الخلاف عائد هنا، و إنّ الخلاف في قدر المحطوط مفرّع علي القول في قدر الحط، و يجوز أن يقطع هنا بأنّه لا تنجبر الإساءة، و يفرّق بأنّه ارتفق هاهنا بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه(2).

القسم الثاني [1]: أن يعود إلي الميقات بعد الفراغ من العمرة و أحرم بالحج، فإن قلنا: الأجرة في مقابلة الأعمال وحدها أو وزّعناها عليها و علي السير و احتسبنا المسافة هنا، وجبت الأجرة بتمامها، و هو الأظهر عندهم(3) ، و إن وزّعناها عليها و لم تحسب المسافة هاهنا، فتوزّع الأجرة علي حجة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و علي حجّة من الميقات من غير قطع مسافة.

و لو جاوز الميقات بلا اعتمار ثم أحرم بالحج عن المستأجر، فإن عاد إلي الميقات و أحرم منه عن المستأجر، فلا شيء عليه و لا حطّ من الأجرة، و إن لم يعد، فعليه دم الإساءة بالمجاوزة.

و هل ينجبر به الخلل حتي لا يحطّ شيء من الأجرة ؟ فيه قولان7.

ص: 144


1- فتح العزيز 56:7، المجموع 129:7.
2- فتح العزيز 56:7-57، المجموع 129:7.
3- فتح العزيز 57:7، المجموع 129:7.

للشافعية:

أحدهما: نعم، لأنّ الدم شرّع للجبر.

و أظهرهما: المنع، لأنّه نقص من العمل الذي استأجره له، و الدم يجب لحقّ اللّه تعالي، فلا ينجبر به حقّ الآدمي، كما لو جني المحرم علي صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء(1).

و منهم من قطع بالقول الثاني(2).

و علي القول بعدم الانجبار فقد المحطوط يبني علي أنّ الأجرة في مقابلة العمل وحده أو توزّع علي السير و العمل جميعا؟ إن قلنا بالأول، وزّعت الأجرة المسمّاة علي حجة من الميقات و حجّة من حيث أحرم، و إن قلنا بالثاني و اعتبرنا المسافة، وزّعت علي حجّة من بلدة الإجارة و إحرامها من الميقات و علي حجّة منها إحرامها من حيث أحرم.

و الخلاف في اعتبار المسافة هاهنا إذا رتّب علي الخلاف فيما إذا أحرم بعمرة عن نفسه، كانت هذه الصورة أولي بالاعتبار، لأنّه لم يصرفها إلي غرض نفسه.

ثم لهم وجهان في أنّ النظر إلي الفراسخ وحدها أم يعتبر ذلك مع ذكر السهولة و الحزونة ؟ و الأصحّ عندهم: الثاني(3).

و لو عدل الأجير عن طريق الميقات المتعيّن إلي طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد، فلا شيء عليه، و هو المذهب عند الشافعية(4).

هذا كلّه في الميقات الشرعي، أمّا إذا عيّنا موضعا آخر، فإن كان أقرب إلي مكة من الميقات الشرعي، فهذا الشرط فاسد مفسد للإجارة، فإنّه لا7.

ص: 145


1- فتح العزيز 57:7-58، المجموع 130:7.
2- فتح العزيز 58:7، المجموع 130:7.
3- فتح العزيز 58:7، المجموع 131:7.
4- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.

يجوز لمريد النسك أن يمرّ علي الميقات غير محرم، و إن كان أبعد، قال الشيخ في المبسوط: لا يلزمه ذلك، لأنّه باطل(1).

و التحقيق أن نقول: إن كان المستأجر قد نذر الإحرام قبل الميقات، لزمه الوفاء به عنده، فإذا استأجره لذلك، وجب علي الأجير الوفاء به، و إن لم يكن قد نذر، لم يلزم الأجير فعله.

إذا عرفت هذا، فإن استأجره للإحرام من قبل الميقات الشرعي و سوّغناه فتجاوزه غير محرم، فهل يجب علي الأجير الدم في مجاوزته غير محرم ؟ للشافعية وجهان:

أحدهما: عدم الوجوب، لأنّ الدم منوط بالميقات الواجب شرعا، فلا يلحق به غيره، و لأنّ الدم يجب حقّا للّه تعالي، و الميقات المشروط إنّما يتعيّن حقّا للمستأجر، و الدم لا يجبر حقّ الآدمي.

و أظهرهما عندهم: أنّه يلزم، لأنّ تعيّنه و إن كان لحقّ الآدمي فالشارع هو الذي يحكم به و يتعلّق به حقّه، فإن قلنا بالأول، حطّ قسط من الأجرة قطعا، و إن قلنا بالثاني، ففي حصول الانجبار الوجهان(2).

و كذلك لزوم الدم بسبب ترك المأمور به كالرمي و المبيت.

و إن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللّبس و القلم، لم يحط شيء من الأجرة، لأنّه لم ينقص شيء من العمل.

و لو شرط علي الأجير أن يحرم في أول شوّال فأخّره، لزم الدم، و في الانجبار الخلاف(3) ، و كذا لو شرط عليه أن يحجّ ماشيا فحجّ راكبا، لأنّه ترك شيئا مقصودا.

مسألة 109:

أنواع الحجّ ثلاثة علي ما يأتي(4): تمتّع و هو أفضلها،

ص: 146


1- المبسوط - للطوسي - 322:1.
2- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.
3- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.
4- يأتي في المسألة 125.

و قران و إفراد، فعندنا إنّ التمتّع فرض من نأي عن مكة لا يجوز له غيره إلاّ مع الضرورة، و القران و الإفراد فرض أهل مكة و حاضريها لا يجوز له غيرهما إلاّ مع الاضطرار.

إذا ثبت هذا، فإذا استأجره ليحجّ عنه، وجب تعيين أحد الأنواع، فإذا أمره بالحجّ متمتّعا فامتثل، أجزأه إجماعا، و دم المتعة لازم للأجير، لأنّه من مقتضيات العقد، كفعل من الأفعال، إلاّ أن يشترطه علي المستأجر فيلزمه، و إن خالفه إلي القران، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه.

و إن استأجره ليفرد فتمتّع أو قرن، أجزأه، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، لأنّه عدل إلي الأفضل و أتي بما استؤجر فيه و زيادة.

و إن استأجره للقران فقرن، صحّ، لأنّه استأجره له، و الهدي الذي به يكون قارنا لازم للأجير، لأنّ إجارته تتضمّنه، فإن شرطه علي المستأجر، جاز.

و إن خالفه و تمتّع، قال الشيخ رحمه اللّه: جاز، لأنّه عدل إلي ما هو الأفضل، و يقع النسكان معا عن المستأجر، و إن أفرد، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه(2).

و قال الشافعي: إذا أمره بالقران فامتثل، وجب دم القران علي المستأجر في أصحّ الوجهين، لأنّه مقتضي الإحرام الذي أمره، و كأنّه القارن بنفسه.

و الثاني: علي الأجير، لأنّه قد الزم القران، و الدم من تتمتّه.

فعلي الأول لو شرطا أن يكون علي الأجير، فسدت الإجارة، لأنّه جمع بين الإجارة و بيع المجهول، كأنّه يشتري الشاة منه و هي غير معيّنة و لا موصوفة، و الجمع بين الإجارة و بيع المجهول فاسد.

و لو كان المستأجر معسرا، فالصوم يكون علي الأجير، لأنّ بعض الصوم1.

ص: 147


1- المبسوط - للطوسي - 324:1.
2- المبسوط - للطوسي - 324:1.

ينبغي أن يكون في الحج، و الذي في الحج منهما هو الأجير(1).

و قال بعضهم: هو كما لو عجز عن الهدي و الصوم جميعا. و علي الوجهين يستحقّ الأجرة بتمامها(2).

و إن عدل إلي الإفراد فحجّ ثم اعتمر، قال الشافعي: يلزمه أن يردّ من الأجرة ما يخصّ العمرة(3).

و هو محمول عند أصحابه علي ما إذا كانت الإجارة علي العين، فإنّه لا يجوز له تأخير العمل فيها عن الوقت المعيّن.

و إن كانت في الذمّة، فإن عاد إلي الميقات للعمرة، فلا شيء عليه، و قد زاد خيرا، و لا شيء علي المستأجر أيضا، لأنّه لم يقرن، و إن لم يعد، فعلي الأجير دم، لمجاوزته الميقات للعمرة.

و هل يحطّ شيء من الأجرة أم تنجبر الإساءة بالدم ؟ فيه الخلاف السابق(4).

و إن عدل إلي التمتّع، فقد قال بعضهم: إن كانت الإجارة إجارة عين، لم يقع الحج عن المستأجر، لوقوعه في غير الوقت المعيّن، و إن كانت الإجارة علي الذمّة، نظر إن عاد إلي الميقات للحج، فلا دم عليه و لا علي المستأجر، و إن لم يعد، فوجهان: أحدهما: لا يجعل مخالفا، لتقارب [1] الجهتين، فإنّ في القران نقصانا في الأفعال و إحراما من الميقات، و في التمتّع كمالا في الأفعال و نقصانا في الإحرام، لوقوعه بعد مجاوزة الميقات، فعلي هذا: الحكم كما لو امتثل(5).

و في كون الدم علي الأجير أو المستأجر للشافعية وجهان(6).7.

ص: 148


1- فتح العزيز 60:7-61، المجموع 132:7.
2- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
3- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
4- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
5- فتح العزيز 62:7، المجموع 132:7.
6- فتح العزيز 62:7، المجموع 132:7.

و قال بعضهم: يجب علي الأجير دم، لتركه الإحرام من الميقات، و علي المستأجر دم آخر، لأنّ القران الذي أمر به يتضمّنه(1).

و لو أمره بالتمتّع فأفرد، فالأقرب أنّه لا يستحقّ أجرا، لأنّه لم يفعل ما استؤجر له.

و قال الشافعي: ينظر إن قدّم العمرة و عاد للحجّ إلي الميقات، فقد زاد خيرا، و إن أخّر العمرة فإن كانت الإجارة إجارة عين، انفسخت فيها، لفوات الوقت المعيّن للعمرة، فيردّ حصتها من المسمّي، و إن كانت الإجارة علي الذمّة و عاد للعمرة إلي الميقات، لم يلزمه شيء، و إن لم يعد، فعليه دم، لترك الإحرام بالعمرة من الميقات، و في حطّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.

و إن قرن فقد زاد خيرا، لأنّه أحرم بالنسكين من الميقات و كان مأمورا بأن يحرم بالعمرة منه و بالحجّ من مكة.

ثم إن عدّد الأفعال، فلا شيء عليه، و إلاّ فوجهان في أنّه هل يحطّ شيء من الأجرة، للاختصار في الأفعال و في أنّ الدم علي المستأجر، لأمره بما يتضمّن الدم، أو علي الأجير، لنقصان الأفعال ؟ و كلّ ذلك مخرّج علي الخلاف المقدّم في عكسه، و هو ما إذا تمتّع المأمور بالقران(2).

و لو أمره بالإفراد فقرن، فالأقرب: الإجزاء، و هدي القران علي الأجير، لتبرّعه.

و أمّا الشافعية فقالوا: إن كانت الإجارة علي العين، فالعمرة واقعة لا في وقتها، فهو كما لو استأجره للحجّ وحده فقرن، و إن كانت في الذمّة وقعا عن المستأجر، لأنّ القران كالإفراد شرعا في إخراج الذمّة عن العهدة، و علي الأجير الدم.

و هل يحطّ شيء من الأجرة أو ينجبر الخلل بالدم ؟ فيه الخلاف7.

ص: 149


1- فتح العزيز 63:7، المجموع 133:7.
2- فتح العزيز 63:7-64، المجموع 133:7.

المتقدّم.

و إن تمتّع، فإن كانت الإجارة علي العين و قد أمره بتأخير العمرة، فقد وقعت في غير وقتها، فيردّ ما يخصّها من الأجرة.

و إن أمره بتقديمها أو كانت الإجارة علي الذمّة، وقعا عن المستأجر، و علي الأجير دم إن لم يعد للحجّ إلي الميقات، و في حطّ شيء من الأجرة الخلاف السابق(1).

و اعلم أنّ بعض الشافعية استشكل هذه المسائل، فإنّها قد اشتركت في العدول عن الجهة المأمور بها إلي غيرها، و هو [غير] [1] قادح في وقوع النسكين عن المستأجر.

و فيه إشكال، لأنّ ما يراعي الإذن في أصله يراعي في تفاصيله المقصودة، فإذا خالف، كان المأتي به غير المأذون فيه(2).

مسألة 110:

إذا جامع الأجير قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجّه، و انقلبت الحجّة إلي الأجير، فتلزمه الكفّارة، و المضيّ في الفاسد، و القضاء للفاسد عنه، لأنّه استؤجر للحجّ الصحيح و لم يأت به بل بحجّ فاسد، فليصرف إليه، كما لو أمره بشراء شيء بصفة فاشتري علي غير تلك الصفة، يقع عن المأمور، و الحجّ قابل للنقل عن الحالة التي انعقد عليها، فإنّ حجّ الصبي ينعقد نفلا، فإذا بلغ قبل الوقوف، انقلب فرضا، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و الثاني: أنّه لا ينقلب الحجّ إلي الأجير و لا يجب القضاء، لأنّ الإحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلي غيره، و لا قضاء، لأنّ من له الحجّ لم

ص: 150


1- فتح العزيز 64:7، المجموع 133:7.
2- فتح العزيز 65:7.
3- فتح العزيز 66:7، المجموع 134:7.

يفسده، فلا يؤثّر فعل غيره فيه(1).

و في رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام في رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة، قال: «هي للأول تامّة، و علي هذا ما اجترح»(2).

إذا عرفت هذا، فعلي ما اخترناه إن كانت السنة معيّنة، انفسخت الإجارة، و لزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، و إن لم تكن معيّنة، بل كانت في الذمة، لم تنفسخ، و عليه أن يأتي بحجّة أخري في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه، و لم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه، و الحجّة الأولي فاسدة لا تجزئ عنه، و الثانية قضاء عنها عن نفسه، ثم يقضي بعد ذلك الحجّ الذي استؤجر له.

و قال الشافعي: إن كانت الإجارة علي العين، انفسخت، و القضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه، و إن كانت في الذمّة، لم تنفسخ.

و عمّن يقع القضاء قولان:

أحدهما: عن المستأجر، لأنّه قضاء للأول، و لو لا فساده لوقع عنه.

و أصحهما: عن الأجير، لأنّ القضاء بحكم الأداء، و الأداء وقع عن الأجير، فعلي هذا يلزمه سوي القضاء حجّة أخري للمستأجر، فيقضي عن نفسه ثم يحجّ عن المستأجر في سنة أخري، أو يستنيب من يحجّ عنه في تلك السنة. و حيث لا تنفسخ الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ عند الشافعي، لتأخّر المقصود(3).

مسألة 111:

إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإحرام إلي نفسه ظنّا منه بأنّه ينصرف، فأتمّ الحجّ علي هذا الظنّ، فالوجه عندي: فساد

ص: 151


1- فتح العزيز 66:7، المجموع 134:7.
2- الكافي 544:4-23، التهذيب 461:5-1606.
3- فتح العزيز 66:7-67، المجموع 134:7.

الحجّ.

أمّا بالنسبة إليه: فلعدم انصرافه إليه.

و أمّا بالنسبة إلي المستأجر: فلأنّه لم ينو بباقي الأفعال النيابة، بل نوي وقوعها لنفسه و لم يقع، لبطلان الإحرام لنفسه، و لاستحقاق المستأجر ذلك الزمان، و لا يستحق الأجير الأجرة، لأنّه لم يأت بالمقصود عليه.

و قال الشافعي: يقع الحجّ للمستأجر، و في استحقاق الأجير الأجرة قولان:

أحدهما: لا يستحقّ، لأنّه أعرض عنها حيث قصد بالحجّ نفسه.

و أصحّهما عنده: الاستحقاق، لانعقاد الحجّ للمستأجر، و حصول غرضه.

و هذا الخلاف جار فيما إذا دفع ثوبا إلي صبّاغ ليصبغه، فأمسكه لنفسه و جحده و صبغه لنفسه ثمّ ردّه، هل يستحقّ الأجرة ؟ و علي القول بالاستحقاق فالمستحقّ المسمّي أو اجرة المثل ؟ وجهان:

أصحهما عندهم: الأول(1).

مسألة 112:

إذا مات الحاجّ عن نفسه فلا يخلو إمّا أن يكون الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ أولا، فإن كان الحجّ لم يجب عليه قبل هذه السنة، سقط الحج عنه مطلقا.

و إن كان الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ و فرّط بالتأخير ثم خرج لأدائه فمات قبل فعله، فالأقرب - علي ما يقتضيه مذهبنا - التفصيل، و هو أنّه إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه عن الحجّ، و برئت ذمّته، لأنّ ذمّة الأجير تبرأ بذلك علي ما يأتي، فكذا الأصل، و إن مات قبل الإحرام و دخول الحرم، وجب أن يقضي عنه، و لم يعتدّ بما فعله.

ص: 152


1- فتح العزيز 67:7، المجموع 134:7-135.

و إن كان الميّت الأجير، فإن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه ما فعله عن نفسه و عن المنوب عنه، و سقط الحجّ عن المنوب عند علمائنا، و قد تقدّم.

و إن كان قبل ذلك، لم تبرأ ذمّة المنوب، و يجب علي الأجير [1] ردّ باقي مال الإجارة بعد إسقاط ما قابل فعله إن كان قد استؤجر لقطع المسافة و الحجّ، و إن كان قد استؤجر لفعل الحجّ خاصّة، لم يستحقّ شيئا في مقابلة قطع المسافة.

و قال الشافعي: إذا حجّ عن نفسه ثم مات في أثنائه، هل يجوز البناء علي حجّه ؟ فيه قولان، و شبّهوهما بالقولين في جواز البناء علي الأذان و الخطبة.

فالجديد - و هو الصحيح عندهم -: أنّه لا يجوز البناء علي الحجّ، لأنّه عبادة يفسد أوّلها بفساد آخرها، فأشبهت الصوم و الصلاة.

و لأنّه لو أحصر فتحلّل ثم زال الحصر فأراد البناء عليه، لا يجوز، فإذا لم يجز له البناء علي فعل نفسه فأولي أن لا يجوز لغيره البناء علي فعله.

و القديم: الجواز، لأنّ النيابة جارية في جميع أفعال الحج فتجري في بعضها، كتفرقة الزكاة.

فعلي القديم لو مات و قد بقي وقت الإحرام بالحجّ، أحرم الثاني بالحجّ، و وقف بعرفة إن لم يقف الأصل، و لا يقف إن وقف، و يأتي ببقيّة الأعمال.

و لا بأس بوقوع إحرام النائب وراء الميقات، فإنّه مبني علي إحرام أنشئ منه.

و إن لم يبق وقت الإحرام بالحجّ، فبم يحرم ؟ وجهان:

ص: 153

أحدهما: أنّه يحرم بعمرة، لفوات وقت الإحرام بالحجّ، ثم يطوف و يسعي، فيقعان عن الحجّ و لا يبيت و لا يرمي، فإنّهما ليسا من أعمال العمرة، لكنهما يجبران بالدم.

و الأصح عندهم: أن يحرم بالحجّ أيضا، و يأتي ببقية الأعمال، لأنّه لو أحرم بالعمرة، للزمه أفعال العمرة، و لما انصرفت إلي الحجّ، و الإحرام المبتدأ هو الذي يمنع تأخيره عن أشهر الحجّ، و هذا ليس إحراما مبتدأ، و إنّما هو مبني علي إحرام أنشئ في وقته.

و علي هذا فلو مات بين التحليلين، أحرم النائب إحراما لا يحرّم اللبس و القلم، و إنّما يحرّم النساء، لأنّ إحرام الأصل لو بقي لكان بهذه الصفة.

هذا كلّه فيما إذا مات قبل حصول التحليلين، فأمّا إذا مات بعد حصولهما، فقد قال بعضهم: لا يجوز البناء و الحال هذه، إذ لا ضرورة إليه، لإمكان جبر ما بقي من الأعمال بالدم(1).

مسألة 113:

لو مات الأجير، فعندنا قد تقدّم حكمه.

و أمّا الشافعي فقد قال: إن كان قد مات بعد الشروع في الأركان و قبل الفراغ منها فهل يستحقّ شيئا من الأجرة ؟ فيه قولان:

أحدهما: لا يستحق، لأنّه لم يسقط الفرض عن المستأجر، و هو المقصود، فأشبه ما لو التزم له مالا ليردّ عبده الآبق فردّه بعض الطريق ثم هرب.

و الثاني: نعم، لأنّه عمل بعض ما استؤجر له، فاستحقّ بقسطه من الأجرة، كما لو استؤجر لخياطة ثوب فخاط بعضه.

ثم اختلفوا فبعضهم بني القولين هنا علي القولين في أنّه هل يجوز البناء علي الحجّ؟ إن قلنا: لا، فلا شيء له، لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله، و إن

ص: 154


1- فتح العزيز 68:7-69، المجموع 135:7.

قلنا: نعم، فله القسط.

و بعضهم نازع في هذا البناء، و قالوا: الجديد هنا: أنّه يستحقّ القسط، و الجديد من القولين في أنّه هل يبني علي الحجّ؟: المنع.

و أيضا فقد رجّح كثير من الشافعية الاستحقاق هنا، و في خلاف البناء الراجح المنع بالاتّفاق(1).

و توسّط الجويني فقال: إن جوّزنا البناء، استحقّ الأجير قسطا من الأجرة، و إلاّ ففيه الخلاف.

و وجه الاستحقاق: أنّه لا تقصير من الأجير، و المأتي به ينفع المستأجر في الثواب.

و وجه المنع: أنّ ما كان علي المستأجر قد بقي بحاله، فكأنّ الأجير لم يعمل له شيئا(2).

و إذا قلنا: يستحقّ قسطا، فالأجرة تقسّط علي الأعمال وحدها أو عليها مع السير؟ فيه قولان.

وجه الأول: أنّ المقصود الأعمال، و السير وسيلة إليها، و الأجرة تقابل المقصود.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: أنّ الوسائل تأخذ حكم المقاصد، و التعب في السير أكثر منه في الأعمال، فيبعد أن لا يقابل بشيء(3).

و منهم من قال: لا خلاف في المسألة، و لكن إن قال: استأجرتك لتحجّ عنّي، فالتقسيط علي الأعمال خاصة، و لو قال: لتحجّ عنّي من بلد كذا، فالتقسيط عليهما معا(4).7.

ص: 155


1- فتح العزيز 70:7.
2- فتح العزيز 70:7-71.
3- فتح العزيز 71:7.
4- فتح العزيز 71:7، المجموع 136:7.

ثم إن كانت الإجارة علي العين انفسخت و لا بناء لورثة الأجير، كما لم يكن له أن يبني بنفسه.

و هل للمستأجر أن يستأجر من يتمّه ؟ فيه قولان مبنيّان علي القولين في جواز البناء، إن جوّزناه فله ذلك، و إلاّ فلا.

و إن كانت الإجارة علي الذمّة، فإن لم نجوّز البناء، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحجّ عمّن استؤجر له مورّثهم، فإن تمكّنوا منه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك، و إلاّ فللمستأجر الخيار، و إن جوّزنا البناء، فلهم أن يتمّوا الحجّ(1).

و إن مات الأجير بعد ما أخذ في السير و قبل أن يحرم، فالمنقول عن نصّ الشافعي في عامّة كتبه أنّه لا يستحقّ شيئا من الأجرة، لأنّه بسبب لم يتّصل بالمقصود، فأشبه ما لو قرّب الأجير علي البناء آلات البناء من موضع الي موضع البناء و لم يبن شيئا(2).

و فيه وجه لأصحابه: أنّه يستحقّ قسطا من الأجرة، لأنّ الأجرة في مقابلة السير و العمل جميعا، فإنّها تختلف باختلاف المسافة طولا و قصرا(3).

و لو مات بعد إتمام الأركان و قبل الفراغ من سائر الأعمال، فينظر إن فات وقتها أو لم يفت و لكن لم نجوّز البناء، فيجبر بالدم من مال الأجير. و في ردّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.

و إن جوّزنا البناء فإن كانت الإجارة علي المعيّن انفسخت، و وجب ردّ قسطها من الأجرة، و يستأجر المستأجر من يرمي و يبيت، و لا دم علي الأجير، و إن كانت علي الذمّة، استأجر وارث الأجير من يرمي و يبيت، و لا حاجة إلي الإحرام، لأنّهما عملان يفعلان بعد التحلّلين و لا يلزم الدم و لا ردّ شيء من7.

ص: 156


1- فتح العزيز 71:7-72، المجموع 136:7.
2- فتح العزيز 72:7، المجموع 136:7.
3- فتح العزيز 72:7، المجموع 137:7.

الأجرة(1).

مسألة 114:

لو صدّ الأجير عن بعض الطريق، قال الشيخان رحمهما اللّه: كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الذي يؤدّي فيه الحجّ إلاّ أن يضمن العود لأداء ما وجب(2).

و نحن نقول: إن كانت الإجارة في الذمّة، وجب علي الأجير الإتيان بها مرّة ثانية، و لم يكن للمستأجر فسخ الإجارة، و كانت الأجرة بكمالها للأجير، و إن كانت معيّنة، فله أن يرجع عليه بالمتخلّف، و لا يجب علي المستأجر الإجابة في قضاء الحج ثانيا، بل له فسخ العقد و استئجار غيره، و له أن يجيبه إلي ذلك.

مسألة 115:

لو أحصر الأجير، جاز له أن يتحلّل بالهدي، لعموم الآية(3).

و يقع ما فعله عن المستأجر، لأنّه قصد الفعل له.

و قال بعض الشافعية: يقع عن المحصر(4).

إذا عرفت هذا، فالدم علي الأجير.

و لم لم يتحلّل و أقام علي إحرامه حتي فات الحج، تحلّل بعمرة، و لا يستحقّ الأجرة علي ما فعله من وقت الوقوف الي التحلّل، لأنّ تلك الأفعال لم يفعلها للمستأجر، بل ليتحلّل من إحرامه، و أمّا ما فعله قبل ذلك فإنّه يستحقّ به الأجرة عندنا.

و قال الشافعي: لو أحصر الأجير، فله التحلّل، كما لو أحصر الحاج لنفسه، فإن تحلّل فعمّن يقع ما أتي به ؟ وجهان: أصحّهما: عن المستأجر،

ص: 157


1- فتح العزيز 72:7-73، المجموع 137:7.
2- المقنعة: 69، النهاية: 278.
3- البقرة: 196.
4- فتح العزيز 73:7، المجموع 137:7.

كما لو مات، إذ لم يوجد من الأجير تقصير. و الثاني: عن الأجير، كما لو أفسده، لأنّه لم يحصّل غرضه، فعلي هذا دم الإحصار علي الأجير، و علي الأول هو علي المستأجر، و في استحقاقه شيئا من الأجرة الخلاف المذكور في الموت.

و إن لم يتحلّل و أقام علي الإحرام حتي فاته الحج، انقلب الحجّ إليه، كما في صورة الإفساد، ثم يتحلّل بعمرة، و عليه دم الفوات.

و لو فرض الفوات بنوم أو تأخّر عن القافلة و غيرهما من غير إحصار، انقلب المأتي به إلي الأجير أيضا، كما في الإفساد، لاشتراكهما في إيجاب القضاء، و لا شيء للأجير(1).

مسألة 116:

يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب بالقلب، و يستحب ضمّ اللسان، و لا يجزئ لو تجرّد عن القلب، لأنّ الحجّ فعل يحتمل وجوها، و صرفه إلي الفاعل أقرب، فلا بدّ من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له.

و يستحب له أن يذكره في المواقف كلّها، لما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: ما يجب علي الذي يحجّ عن الرجل ؟ قال: «يسمّيه في المواطن و المواقف»(2).

و أمّا عدم وجوب التلفّظ بذلك: فللأصل.

و لما رواه مثني بن عبد السلام عن الصادق عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلّها؟ قال: «إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، اللّه يعلم أنّه قد حجّ عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها»(3).

و يستحب للنائب عند عقد الإحرام أن يقول ما رواه الحلبي عن الصادق

ص: 158


1- فتح العزيز 73:7-74، المجموع 137:7.
2- الكافي 310:4-311-2، التهذيب 418:5-419-1453، الاستبصار 2: 324-1148.
3- الفقيه 279:2-1368، التهذيب 419:5-1454، الاستبصار 324:2-1149.

عليه السلام، قال: قلت: الرجل يحجّ عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس، هل ينبغي له أن يتكلّم بشيء؟ قال: «نعم يقول بعد ما يحرم:

اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو سغب فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه» [1].

مسألة 117:

إذا فعل الأجير شيئا تلزمه الكفّارة به من محظورات الإحرام، كانت الكفّارة عليه في ماله من الصيد و اللباس و الطيب و غير ذلك، لأنّها عقوبة علي جناية صدرت عنه، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، فاختصّت بالجاني، و جري مجري الأجير إذا جني علي إنسان، فخرق ثوبه أو جرحه، يجب الأرش عليه لا علي المستأجر، كذلك هاهنا.

مسألة 118:

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا أخذ الأجير حجّة من غيره، لم يكن له أن يأخذ حجّة أخري حتي يقضي التي أخذها(1).

و التحقيق أن نقول: إن كانت الإجارة الأولي وقعت علي تلك السنة، لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها، لأنّ فعله صار مستحقا للأول، فلا يجوز صرفه إلي غيره.

و إن استأجره الأول مطلقا، فإن استأجره الثاني للسنة الأولي، فإن قلنا باقتضاء الإطلاق التعجيل، لم يصح العقد الثاني، لأنّ الإجارة الأولي و إن كانت غير معيّنة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الأولي، فلا يجوز حينئذ صرف العمل فيها إلي غيره، و إن استأجر للسنة الثانية، جاز.

و لو استأجره مطلقا، فالأقرب الجواز، للأصل، و اقتضاء التعجيل هنا مندفع بسبب استحقاق الأول.

و لو استأجره الأول للسنة الثانية، جاز للثاني أن يستأجره مطلقا و أن

ص: 159


1- المبسوط - للطوسي - 326:1.

يستأجره للسنة الأولي.

مسألة 119:

لا يجوز لحاضر مكة المتمكّن من الطواف الاستنابة فيه، لأنّه عبادة بدنية يمكن الإتيان بها مباشرة، فلا تجوز الاستنابة فيها كالحجّ.

و لو كان غائبا، جاز له أن يستنيب فيه مع وجوبه عليه و عدم تمكّنه منه، أو مع ندبيته، لأنّه بغيبته عاجز عن المباشرة، فجاز له الاستنابة.

و لما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران عمّن حدّثه عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكّة، قال:

«لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب» قلت: و كم قدر الغيبة ؟ قال: «عشرة أميال»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز للحاضر غير المتمكّن من الطواف، لعدم تمكّنه من الطهارة، بأن يكون مريضا لا يستمسك الطهارة، فإنّه يطاف عنه، و لو استمسك، طيف به.

و المغمي عليه و الكسير يطاف به و يرمي عنه، لما رواه حريز عن الصادق عليه السلام، قال: «المريض و المغمي عليه يرمي عنه و يطاف عنه»(2).

و في رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: «الكسير يحمل و يطاف به، و المبطون يرمي عنه و يطاف عنه»(3).

مسألة 120:

الأجير يملك الأجرة بالعقد، فإذا حجّ فإن فضل له شيء من الأجرة عن نفقة الحج، استحبّ له ردّه إلي المستأجر ليكون قصده بالحج القربة لا العوض، و ليس ذلك بلازم، لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: أعطيت الرجل دراهم ليحجّ بها عنّي، ففضل

ص: 160


1- التهذيب 419:5-1455.
2- التهذيب 123:5-403، الاستبصار 226:2-779.
3- التهذيب 125:5-409.

منها شيء فلم يردّه عليّ، قال: «هو له، و لعلّه ضيّق علي نفسه»(1).

و لأنّ عقد الإجارة سبب لتملّك الأجرة مع الإتيان بما وقع عليه الإجارة و قد وجد السبب فيوجد المسبّب.

و لو قصرت الأجرة عن النفقة، لم يجب علي المستأجر الإتمام، بل يستحب، لاشتماله علي المساعدة للمؤمن و إعانته علي طاعته و الإنفاق علي أفضل العبادات، و ليس واجبا، عملا بالأصل.

و أبو حنيفة منع من الإجارة، فيكون الأجير نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون رزقا لطريقة(2).

فلو مات أو أحصر أو ضلّ الطريق أو صدّ، لم يلزمه الضمان لما أنفق عليه، لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال.

فإذا ناب عنه آخر، فإنّه يحج من حين بلغ النائب الأول، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة اخري، و يردّ النائب ما فضل معه من المال، و لا يسرف و لا يقتر علي نفسه و لا يمشي و لا يدعو إلي طعامه و لا يتفضّل، أمّا لو أعطاه ألفا و قال: حجّ بهذه، كان له أن يتوسّع فيها، و إن فضل شيء فهو له.

و لو سلك النائب طريقا يمكنه سلوك أقرب منه، كان الفاضل من النفقة في ماله. و إن تعجّل عجلة يمكنه تركها فكذلك.

و إن أقام بمكة أكثر من مدّة القصر بعد إمكان السفر للرجوع، أنفق من ماله، لأنّه غير مأذون فيه، فأمّا من لا يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة، لأنّه مأذون فيه، و له نفقة الرجوع.

و إن مرض في الطريق فعاد، فله نفقة رجوعه، لأنّه لا بدّ له منه حصل7.

ص: 161


1- التهذيب 414:5-415-1442.
2- المبسوط - للسرخسي - 159:4، المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، المجموع 139:7.

بغير تفريطه، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو صدّ.

و إن قال: خفت أن أمرض فرجعت، فعليه الضمان، لأنّه مجرّد وهم.

مسألة 121:

يشترط في الاستئجار علي الحج: العلم بالعوض كغيره، فلو قال: استأجرتك للحج بنفقتك لم يصح - و به قال الشافعي(1) - لفوات شرط صحة العقد، و هو العلم بمال الإجارة.

و قال أبو حنيفة: يصح(2). و ليس بمعتمد.

و كذا البحث لو قال: حجّ عنّي بما شئت.

و إذا فسدت الإجارة فإن حجّ عنه، وجب له اجرة المثل، و صحّت الحجّة عن المستأجر.

و لو قال: أول من يحجّ عنّي فله مائة، صحّ جعالة.

و قال المزني: الإجارة فاسدة، و له اجرة المثل(3).

و احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بقوله: [صلّي اللّه عليه و آله]: (المؤمنون عند شروطهم)(4)(5).

و لو قال: حجّ عنّي أو اعتمر بمائة، قال الشيخ: يكون صحيحا، فمتي حجّ أو اعتمر، استحقّ المائة، لأنّه خيّره بين الحجّ و العمرة بأجرة معيّنة، و ليس بمجهول، و لا مانع يمنع منه.

و قال الشافعي: تبطل الإجارة، لجهالة العمل، فإن حجّ أو اعتمر،

ص: 162


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 393:2، المسألة 250، و راجع: الام 2: 129-130، و الحاوي الكبير 276:4.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 393:2، المسألة 250.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 387:2، المسألة 238، و راجع: الحاوي الكبير 275:4-276، و فتح العزيز 51:7-52، و المجموع 122:7.
4- التهذيب 371:7-1503، الاستبصار 232:3-835، تفسير القرطبي 33:6.
5- الخلاف 387:2-388، المسألة 238.

استحقّ اجرة المثل(1).

و التحقيق: أنّه إن كان إجارة، فالوجه ما قاله الشافعي، و إن كان جعالة، فالوجه ما قاله الشيخ.

و كذا لو قال: من حجّ عنّي فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم إن كان عقد إجارة، بطل، لجهالة العوض، و إن كان جعالة، صحّ، و يتخيّر المستأجر في دفع أيّها شاء.

و قال الشافعي: يبطل العقد، فإن حجّ، استحقّ اجرة المثل(2).

مسألة 122:

لو استأجره اثنان ليحجّ عنهما حجّة واحدة، فأحرم عنهما، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يصح إحرامه عنهما و لا عن واحد منهما، لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن شخصين، و ليس أحدهما أولي بها من صاحبه، و لا ينعقد عن نفسه، لأنّه لم ينوها عنه بل عنهما، فانقلابها اليه يحتاج الي دليل، و عدم صحتها عنهما و عن واحد منهما بلا خلاف، و لا يصح عندنا إحرامه عن نفسه و لا ينقلب اليه(3).

و قال الشافعي: ينقلب الإحرام اليه(4).

و ليس بجيّد، لأنّه لم يقصد الإيقاع لنفسه، فلا يقع عنها، لقوله عليه السلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(5) (و إنّما لكلّ امرئ ما نوي)(6).

و الوجه أن يقال: إن كانت الحجّة مندوبة، صحّ أن تقع عن واحد و أكثر، لأنّها طاعة تصح النيابة فيها عن واحد، فتصح عن أكثر.

ص: 163


1- الخلاف 393:2-394، المسألة 252.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 394:2، المسألة 253.
3- المبسوط - للطوسي - 323:1، الخلاف 388:2-389، المسألة 240.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 389:2، المسألة 240، و انظر: المجموع 7: 138، و الحاوي الكبير 271:4.
5- أمالي الطوسي 203:2.
6- صحيح البخاري 2:1.

و لما رواه علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يشرك في حجّة الأربعة و الخمسة من مواليه، فقال: «إن كانوا صرورة جميعا فلهم أجر، و لا تجزئ عنهم من حجّة الإسلام، و الحجّة للذي حجّ»(1).

مسألة 123:

إذا أحرم الأجير عن نفسه و عمّن استأجره، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينعقد الإحرام عنهما و لا عن واحد منهما، لأنّ شرط الإحرام النيّة، فإذا لم ينو عن نفسه بالاستقلال، لم يصح عنه، كما لا يصح عن المستأجر(2).

و قال الشافعي: ينعقد عن نفسه و لا يصح عن غيره، لأنّ الإحرام قد انعقد و لا يصح عن غيره، فيقع عن نفسه، كالصرورة(3).

و ليس بجيّد، لأنّ مجامعة غيره في النية إن كان مبطلا، لم يتخصّص الوقوع بالأجير، و نمنع من انعقاد الإحرام.

و لو أحرم عن المستأجر ثم نقل الحجّ إلي نفسه، لم يصح، فإذا أتمّ الحجّ، استحقّ الأجرة، لامتثال الشرط علي إشكال.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: صحة النقل، لقوله عليه السلام لمّا سمع ملبّيا عن شبرمة، قال: (حجّ عن نفسك ثم عن شبرمة)(4)(5).

و لو استأجره ليحجّ عنه فاعتمر، أو ليعتمر عنه فحجّ، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقع عن المستأجر سواء كان حيّا أو ميّتا، و لا يستحقّ شيئا من الأجرة،

ص: 164


1- التهذيب 413:5-1435، الاستبصار 322:2-1139 بتفاوت يسير.
2- المبسوط - للطوسي - 323:1، الخلاف 389:2، المسألة 241.
3- الام 125:2، الحاوي الكبير 271:4، المجموع 138:7.
4- المعجم الكبير - للطبراني - 42:12-43-1249.
5- راجع: فتح العزيز 67:7، المجموع 134:7.

لأنّه لم يفعل ما استؤجر له(1).

و قال الشافعي: إن كان المنوب حيّا، وقعت عن الأجير، و إن كان ميّتا، وقعت عن المنوب، و لا يستحق شيئا من الأجرة علي كلّ حال(2).

و الوجه: أنّه يقع عن المستأجر، لأنّه نسك نوي به صرفه الي غيره فيصرف اليه.

نعم لا يستحقّ شيئا من الأجرة، لتبرّعه بفعله، و الأجرة وقعت في مقابلة ما لم يفعله فيرجع الي المستأجر.

مسألة 124:

لو أحصر الأجير، تحلّل بالهدي علي ما تقدّم، و لا قضاء عليه، إذ ليس في ذمّته حجّ يأتي به، و يبقي المستأجر علي ما كان عليه، فإن كان الحجّ واجبا عليه، وجب عليه أن يستأجر من يأتي به، و إلاّ كان مستحبّا.

و لو فاته الموقفان بتفريط منه، لزمه التحلّل بعمرة لنفسه، و يعيد الأجرة إن كان الزمان معيّنا.

و إن لم يكن بتفريط، قال الشيخ: يستحق اجرة المثل الي حين الفوات(3).

و لو قيل: له من الأجرة بنسبة ما فعله من أفعال الحج و يستعاد الباقي، كان وجها.

و لو أفسد الحج، وجب عليه القضاء علي ما تقدّم، و لو أفسد القضاء، وجب عليه أن يأتي بقضاء آخر، كما يجب علي المنوب لو فعل ذلك.

ص: 165


1- الخلاف 395:2، المسألة 255، المبسوط - للطوسي - 325:1.
2- المجموع 134:7، الحاوي الكبير 266:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 395، المسألة 255.
3- المبسوط - للطوسي - 325:1-326.

ص: 166

الفصل الثالث في أنواع الحج و ما يتبعها
البحث الأول: في الأنواع
مسألة 125:

أنواع الحجّ ثلاثة: تمتّع و قران و إفراد، بلا خلاف بين العلماء و إن اختلفوا في تفسير بعضها.

و نحن نقول: العمرة إن تقدّمت علي الحجّ، كان تمتّعا، و إن تأخّرت فإن انضمّ اليه سياق هدي، فهو قران، و إلاّ فإفراد، لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «الحجّ ثلاثة أصناف: حجّ مفرد و قران و تمتّع بالعمرة إلي الحج، و بها أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلاّ بها»(1).

و في الصحيح عن منصور الصيقل عن الصادق عليه السلام، قال:

«الحج عندنا علي ثلاثة أوجه: حاج متمتّع و حاج مفرد ساق الهدي و حاج مفرد للحج»(2).

مسألة 126:

صورة التمتّع: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها

ص: 167


1- الكافي 291:4-1، التهذيب 24:5-72، الإستبصار 153:2-504.
2- الكافي 291:4-2، التهذيب 24:5-73، الإستبصار 153:2-154-505.

إلي الحج ثم يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت و يصلّي ركعتيه بالمقام ثم يسعي بين الصفا و المروة سبعة أشواط ثم يقصّر و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد، لكونه في الحرم، فإن خرج منه، جاز له الصيد أيضا.

فإذا كان يوم التروية، أحرم للحجّ، و لا يتعيّن هذا اليوم، بل يستحب، و الواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه، ثم يمضي الي عرفات فيقف بها الي الغروب من يوم عرفة ثم يفيض الي المشعر فيقف به بعد طلوع فجر العيد ثم يفيض إلي مني فيحلق بها يوم النحر و يذبح هديه و يرمي جمرة العقبة ثم يأتي مكة ليومه إن شاء، و إلاّ فمن غده، فيطوف طواف الحج و يصلّي ركعتيه و يسعي سعي الحج و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يعود إلي مني فيرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و إن شاء أقام بمني حتي يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر.

ثم إن اتّقي جاز له أن ينفر بعد الزوال إلي مكة للطوافين و السعي، و إلاّ أقام الي الثالث عشر.

و صورة الإفراد: أن يحرم من الميقات أو من حيث يصح له الإحرام منه بالحجّ ثم يمضي الي عرفات فيقف بها ثم يمضي إلي المشعر فيقف به ثم يأتي مني فيقضي مناسكه بها ثم يطوف بالبيت و يصلّي ركعتيه و يسعي بين الصفا و المروة و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج و الإحلال منه يأتي بها من أدني الحلّ.

و صورة القران كالإفراد، إلاّ أنّه يضيف إلي إحرامه سياق الهدي.

هذا مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.

و قالت العامّة: التمتّع: أن يهلّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه. و الإفراد: أن يهلّ بالحج مفردا.

و القران: أن يجمع بينهما في الإحرام بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها

ص: 168

الحج قبل الطواف(1).

مسألة 127:

أجمع علماؤنا كافة علي أنّ فرض من نأي عن مكة التمتّع لا يجوز لهم غيره إلاّ مع الضرورة، و أمّا النوعان الآخران فهما فرض أهل مكة و حاضريها.

و عندنا أنّه لا يجوز لهم غير هذين النوعين، و هو اختيار أكثر علمائنا(2) ، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الحج، فقال: «تمتّع» ثم قال: «إنّا إذا وقفنا بين يدي اللّه تعالي قلنا: يا ربّنا أخذنا بكتابك و قال الناس: برأينا و رأينا [1]، و يفعل اللّه بنا و بهم ما أراد»(3).

و أمّا أهل مكة و حاضريها - و هو من كان بينه و بين مكة دون ثمانية و أربعين ميلا - فإنّ فرضهم القران أو الإفراد دون التمتّع، لما رواه الحلبي و سليمان ابن خالد و أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4)»(5).

و في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: «يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين

ص: 169


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 244:3-245، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 171:7.
2- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 206، و السيد ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 511، و ابن إدريس في السرائر: 121.
3- التهذيب 26:5-76، الإستبصار 150:2-151-494.
4- البقرة: 196.
5- التهذيب 32:5-96، الاستبصار 157:2-514.

ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»(1).

و أطبقت العامة علي جواز الإحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء، لقول عائشة: خرجنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فمنّا من أهلّ بعمرة، و منّا من أهلّ بحج و عمرة، و منّا من أهلّ بحج(2)(3).

و لا حجّة فيه، لاختلافهم في الفرض لا التخيير بين الأنواع.

مسألة 128:

قال علماؤنا: التمتّع أفضل الأنواع - و به قال الحسن و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد و القاسم و سالم و عكرمة، و هو أحد قولي الشافعي و إحدي الروايتين عن أحمد، و هو قول أصحاب الحديث(4) - لقوله تعالي ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (5) و هو يدلّ علي أنّه فرضهم، فلا يجزئهم غيره.

و لما رواه العامة عن ابن عباس و جابر و أبي موسي و عائشة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يحلّوا و يجعلوها عمرة(6) ، فنقلهم من الإفراد و القران إلي المتعة، و لا ينقلهم إلاّ الي الأفضل.

و لم يختلف عندهم الرواية عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه لمّا قدم مكة أمر أصحابه أن يحلّوا إلاّ من ساق هديا، و ثبت علي إحرامه، و قال: (لو

ص: 170


1- التهذيب 33:5-98، الاستبصار 157:2-158-516.
2- صحيح البخاري 175:2، صحيح مسلم 872:2 و 873-117 و 118، سنن البيهقي 109:5.
3- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3، الحاوي الكبير 44:4، المجموع 151:7 و 153، معالم السنن - للخطّابي - 301:2.
4- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3، فتح العزيز 106:7، الحاوي الكبير 4: 44، معالم السنن - للخطّابي - 301:2، حلية العلماء 259:3.
5- البقرة: 196.
6- المغني 239:3، الشرح الكبير 240:3.

استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة)(1).

قال جابر: حججنا مع النبي صلّي اللّه عليه و آله يوم ساق البدن معه و قد أهلّوا بالحج مفردا، فقال لهم: (حلّوا من إحرامكم بطواف بالبيت و بين الصفا و المروة ثم أقيموا حلالا حتي إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحج و اجعلوا التي قدّمتم بها متعة) فقالوا: كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحج ؟ فقال: (افعلوا ما أمرتكم به، و لو لا إنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به)(2).

و في لفظ: فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (قد علمتم أنّي أتقاكم للّه و أصدقكم و أبرّكم و لو لا هديي لحللت كما تحلّون، و لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) فحللنا و سمعنا و أطعنا(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: «لمّا فرغ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من سعيه بين الصفا و المروة أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه من السعي و هو علي المروة فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي، فأقبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي الناس بوجهه، فقال: يا أيّها الناس هذا جبرئيل - و أشار بيده الي خلفه - يأمرني عن اللّه أن آمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي، فأمرهم بما أمر اللّه به، فقام اليه رجل، فقال: يا رسول اللّه نخرج إلي مني و رءوسنا تقطر من النساء، و قال آخرون: يأمرنا بشيء و يصنع هو غيره، فقال: يا أيّها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما3.

ص: 171


1- المغني 239:3-240، الشرح الكبير 240:3، شرح معاني الآثار 155:2.
2- صحيح البخاري 176:2، صحيح مسلم 884:2-885-143، سنن البيهقي 4: 356، المعجم الكبير - للطبراني - 145:7-6571، المغني 240:3، الشرح الكبير 240:3-241.
3- صحيح البخاري 138:9، صحيح مسلم 883:2-884-1216، سنن البيهقي 5: 19، المغني 240:3، الشرح الكبير 241:3.

صنع الناس، و لكنّي سقت الهدي، فلا يحلّ من ساق الهدي حتي يبلغ الهدي محلّه، فقصّر الناس و أحلّوا و جعلوها عمرة، فقام إليه سراقة بن مالك ابن جشعم المدلجي، فقال: يا رسول اللّه هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: لا [1]، للأبد إلي يوم القيامة، و شبّك أصابعه، و أنزل اللّه في ذلك قرآنا فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)»(2).

و في الصحيح عن أبي أيّوب إبراهيم بن عيسي عن الصادق عليه السلام، قال: سألته أيّ الأنواع أفضل ؟ فقال: «المتعة، و كيف يكون شيء أفضل منها و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت فعلت كما فعل الناس!»(3).

و لأنّ التمتّع منصوص عليه في كتاب اللّه تعالي، لقوله فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ دون سائر الأنساك.

و لأنّ المتمتّع يجتمع له الحج و العمرة في أشهر الحج مع كمالهما و كمال أفعالهما علي وجه اليسر و السهولة.

و ذهب الثوري و أصحاب الرأي الي أنّ القران أفضل، لما رواه أنس قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أهلّ بهما جميعا يصرخ بهما صراخا يقول: (لبّيك عمرة و حجّا، لبّيك عمرة و حجّا)(4).3.

ص: 172


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 25:5-74.
3- التهذيب 29:5-89، الإستبصار 154:2-507.
4- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3-240، المبسوط - للسرخسي - 25:4، الاختيار لتعليل المختار 211:1، حلية العلماء 259:3، الحاوي الكبير 44:4، المجموع 152:7، معالم السنن - للخطابي - 301:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 285، و راجع: صحيح مسلم 915:2-1251، و سنن أبي داود 157:2-1795، و سنن النسائي 150:5، و سنن البيهقي 9:5، و مسند أحمد 99:3.

و قال أحمد: إن ساق الهدي، فالقران أفضل، و إن لم يسقه، فالتمتّع أفضل، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قرن حين ساق الهدي، و منع كلّ من ساق الهدي من الحلّ حتي ينحر هديه(1).

و ذهب مالك و أبو ثور الي اختيار الإفراد - و هو ظاهر مذهب الشافعي، و روي ذلك عن عمر و عثمان و ابن عمر و جابر و عائشة - لما روت عائشة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أفرد بالحج(2)(3).

و نمنع كون النبي صلّي اللّه عليه و آله أفرد، فإنّه قد روي ابن عمر و جابر و عائشة من طرق صحاح عندهم أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله تمتّع بالعمرة إلي الحج(4).

و لأنّ روايتهم اختلفت، فرووا مرّة أنّه أفرد، و مرّة أنّه تمتّع، و مرّة أنّه قرن(5) مع وحدة القضية، و لا يمكن الجمع بينها، فيجب إطراحها كلّها.

مع أنّ عمر قال: إنّي لأنهاكم عن المتعة، و إنّها لفي كتاب اللّه، و لقد صنعها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(6).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالانتقال إلي المتعة عن الإفراد و القران، و لا يأمرهم إلاّ بالانتقال إلي الأفضل، و يستحيل أن ينقلهم5.

ص: 173


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3.
2- سنن أبي داود 152:2-1777، سنن النسائي 145:5، سنن الترمذي 3 183-820، سنن ابن ماجة 988:2-2965، سنن الدارمي 35:2، الموطّأ 1 335-38.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 138، التفريع 335:1، المغني 239:3، الشرح الكبير 240:3، فتح العزيز 107:7، المجموع 151:7 و 152 و 163، حلية العلماء 3: 259، معالم السنن - للخطابي - 301:2، أحكام القرآن - للجصاص - 285:1.
4- المغني و الشرح الكبير 241:3، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5-18، شرح معاني الآثار 142:2 و 156.
5- المغني و الشرح الكبير 241:3، شرح معاني الآثار 143:2 و 149 و 150 و 154 و 156.
6- المغني 245:3، الشرح الكبير 244:3، و سنن النسائي 153:5.

من الأفضل إلي الأدني و هو الداعي إلي الخير الدالّ عليه.

ثم أكّد ذلك بتأسّفه علي فوات ذلك في حقّه، و أنّه لا يقدر علي انتقاله و حلّه، لسياقه الهدي.

لا يقال: قد نهي عنها عمر و عثمان و معاوية.

لأنّا نقول: قد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها، و خالفوهم في فعلها.

قالت الحنابلة: و الحقّ مع المنكرين عليهم دونهم(1) ، لما رواه العامّة أنّ عليّا عليه السلام اختلف هو و عثمان في المتعة بعسفان، فقال علي عليه السلام: «ما تريد إلي أمر فعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله تنهي عنه ؟»(2).

و قال علي عليه السلام لعثمان: «أ لم تسمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله تمتّع ؟» قال: بلي(3).

و عن ابن عمر قال: تمتّع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في حجة الوداع بالعمرة إلي الحج(4).

و قال سعد: صنعها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و صنعناها معه(5).

فلا نقبل نهي عمر عنها خصوصا مع قول عمر: و اللّه إنّي لأنهاكم عنها، و إنّها لفي كتاب اللّه، و قد صنعها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(6). فهل يحلّ).

ص: 174


1- المغني 245:3.
2- المغني 241:3، الشرح الكبير 242:3، صحيح مسلم 897:2-159، سنن البيهقي 22:5، شرح معاني الآثار 140:2.
3- المغني 241:3، الشرح الكبير 242:3، سنن الدار قطني 287:2-231، سنن النسائي 152:5، شرح معاني الآثار 141:2.
4- المغني 241:3-242، الشرح الكبير 242:3، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5، شرح معاني الآثار 142:2.
5- المغني و الشرح الكبير 242:3، سنن البيهقي 17:5، شرح معاني الآثار 141:2.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 173، الهامش (6).

تقليد من يخالف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في ضدّ ما فعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ؟ قال صاحب المغني من الحنابلة: قيل لابن عباس: إنّ فلانا ينهي عن المتعة، قال: انظروا في كتاب اللّه، فإن وجدتموها، فقد كذب علي اللّه و علي رسوله، و إن لم تجدوها، فقد صدق، فأيّ الفريقين أحقّ بالاتّباع و أولي بالصواب ؟ الذين معهم كتاب اللّه و سنّة رسوله، أم الذين خالفوهما؟ ثم قد ثبت عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، الذي قوله حجّة علي الخلق أجمعين، فكيف يعارض بقول غيره!؟(1).

قالوا: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: تمتّع النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال عروة: نهي أبو بكر و عمر عن المتعة، فقال ابن عباس:

أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلّي اللّه عليه و آله، و يقول: نهي عنها أبو بكر و عمر(2).

قالوا: و سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقال: إنّك تخالف أباك، فقال: عمر لم يقل الذي تقولون، فلمّا أكثروا عليه قال: أ فكتاب اللّه أحقّ أن تتّبعوا أم عمر؟(3).

مسألة 129:

قد بيّنا أنّ فرض أهل مكة و حاضريها القران أو الإفراد، فلو عدلوا الي التمتّع، فللشيخ قولان:

أحدهما: الإجزاء، و لا دم عليهم - و به قال الشافعي و مالك(4) - لأنّ المتمتّع آت بصورة الإفراد و زيادة غير منافية(5).

ص: 175


1- المغني 246:3.
2- المغني 246:3.
3- المغني 246:3.
4- المجموع 169:7، الحاوي الكبير 50:4، حلية العلماء 267:3، فتح العزيز 7: 164، أحكام القرآن - لابن العربي - 129:1.
5- المبسوط - للطوسي - 306:1-307، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 337.

و الثاني: العدم(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه قال: ليس لأهل مكة تمتّع و لا قران [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: «لا يصلح لأهل مكة أن يتمتّعوا، لقول اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (3)»(4).

و هذا الأخير هو المعتمد، و نمنع إتيانه بصورة الإفراد، لأنّه أخلّ بالإحرام من ميقاته، و أوقع مكانه العمرة مع أنّه غير مأمور بها، فلا يكون ما أتاه مجزئا.

و قول الشافعي: إنّ قوله تعالي ذلِكَ راجع الي الهدي(5) ، ممنوع، لعدم التخصيص، و لمعارضة الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام.

مسألة 130:

اختلف علماؤنا في حدّ حاضري المسجد الحرام، فقال الشيخ في بعض كتبه: من كان بين منزله و بين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من كلّ جانب(6).

و نحوه قال ابن عباس، لأنّه قال: حاضري أهل الحرم خاصة. و به قال مجاهد و الثوري(7).

ص: 176


1- النهاية: 206، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 337.
2- الهداية - للمرغيناني - 158:1، الاختيار لتعليل المختار 210:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 287:1.
3- البقرة: 196.
4- التهذيب 32:5-33-97، الاستبصار 157:2-515.
5- التفسير الكبير 173:5.
6- المبسوط - للطوسي - 306:1، التبيان 158:2-159 و 161.
7- المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المجموع 182:7، الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 289:1، جامع البيان 2: 149.

و قال الشيخ في بعض كتبه: حدّ حاضري المسجد الحرام من كان من أهل مكة أو يكون بينه و بينها ثمانية و أربعون ميلا من كلّ جانب(1). و به قال الشافعي و أحمد(2) ، لأنّه مسافة القصر، و لأنّ ما دون مسافة القصر يكون قريبا من المسجد، لأنّه بمنزلة الحاضر، و قد سلف(3) في حديث الباقر عليه السلام التحديد بثمانية و أربعين ميلا.

و لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في حاضري المسجد الحرام: قال: «ما دون المواقيت إلي مكة فهو من حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة»(4) و معلوم أنّ هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا.

و قال أبو حنيفة: حاضر و المسجد الحرام أهل المواقيت و الحرم و ما بينهما(5).

و قال مالك: هم أهل مكة و ذي طوي(6). و روي عنه أنّهم أهل الحرم.

و مسافة القصر تعتبر من نفس مكة أو الحرم ؟ للشافعية وجهان(7).7.

ص: 177


1- النهاية: 206.
2- الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 182:7، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المبسوط - للسرخسي - 169:4، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5.
3- سلف في المسألة 127.
4- التهذيب 33:5-99، الاستبصار 158:2-517.
5- المبسوط - للسرخسي - 169:4، أحكام القرآن - للجصاص - 289:1، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 149، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5، أحكام القرآن - للجصاص - 289:1، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المبسوط - للسرخسي - 169:4.
7- المجموع 175:7.
مسألة 131:

قد بيّنّا أنّ القارن هو الذي يسوق عند إحرامه بالحج هديا عند علمائنا أجمع، إلاّ ابن أبي عقيل، فإنّه جعله عبارة عمّن قرن بين الحج و العمرة في إحرام واحد، و هو مذهب العامّة بأسرهم(1).

لنا: ما رواه العامة عن أبي شيخ قال: كنت في ملأ من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عند معاوية بن أبي سفيان، فناشدهم معاوية اللّه في أشياء، و كلّما قالوا: نعم يقول: و أنا أشهد، ثم قال: أنشدكم اللّه أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن جمع بين حجّ و عمرة ؟ قالوا: أمّا هذه فلا، فقال: أمّا إنّها معهنّ - يعني مع المنهيات - و لكنكم نسيتم(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن وهب - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه قال في القارن: «لا يكون قران إلاّ بسياق الهدي»(3) الحديث.

احتجّوا بما رواه ابن عباس عن عمر، قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (أتاني آت من ربّي، فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك ركعتين، و قل: لبّيك بعمرة في حجّة)(4).

و لقوله عليه السلام: (أهلّوا يا آل محمد بعمرة في حج)(5).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ عمرة التمتّع داخلة في الحج، قال الصادق عليه السلام: «دخلت العمرة في الحج الي يوم القيامة»(6) الي غير ذلك من

ص: 178


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 244:3-245، المهذب - للشيرازي - 208:1، لمجموع 171:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 149.
2- مسند أحمد 92:4، سنن أبي داود 157:2-1794.
3- التهذيب 41:5-122.
4- صحيح البخاري 167:2، سنن ابن ماجة 991:2-2976، سنن البيهقي 14:5 بتفاوت يسير في اللفظ.
5- مسند أحمد 297:6-298.
6- الفقيه 204:2-934.

الأحاديث.

مسألة 132:

لا يجوز إدخال الحج علي العمرة و لا بالعكس، مثل أن يكون محرما بعمرة مفردة فيحرم بالحج قبل قضاء مناسكها، أو يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة. و لأنّها عبادة شرعية، فتقف علي مورد النقل.

و أطبق العامّة علي الأول(1) ، و اختلفوا في إدخال العمرة علي الحج بعد عقد نيّة الإفراد، فجوّزه أبو حنيفة(2) ، و للشافعي قولان(3).

إذا عرفت هذا، فلو كان محرما بعمرة التمتّع، فمنعه مانع من مرض أو حيض عن إتمامها، جاز نقلها الي الإفراد إجماعا، كما فعلت عائشة(4).

و كذا من كان محرما بحجّ مفرد فدخل مكة، جاز أن ينقل إحرامه إلي التمتّع، لقوله عليه السلام: (من لم يسق الهدي فليحل و ليجعلها عمرة)(5).

مسألة 133:

لا يجوز القران بين الحجّ و العمرة في إحرامه بنيّة واحدة علي ما بيّنّاه.

قال الشيخ في الخلاف: لو فعل، لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحج، فإن أتي بأفعال الحج لم يلزمه دم، و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يجعلها متعة، جاز ذلك، و لزمه الدم.

ص: 179


1- كما في المعتبر: 338، و راجع: المغني 515:3، و الشرح الكبير 245:3، و المجموع 172:7، و فتح العزيز 121:7-122، و الحاوي الكبير 38:4.
2- كما في المعتبر: 338، و راجع: تحفة الفقهاء 413:1، و المغني 515:3، و الشرح الكبير 245:3، و فتح العزيز 125:7.
3- كما في المعتبر: 338، و راجع: فتح العزيز 125:7، و المجموع 173:7، و الحاوي الكبير 38:4.
4- كما في المعتبر: 338.
5- أورده المحقق في المعتبر: 338، و راجع: سنن النسائي 143:5-144، و سنن الدارمي 46:2.

و قال الشافعي و مالك و الأوزاعي: إذا أتي بأفعال الحجّ، لزمه دم.

و قال الشعبي و طاوس و داود: لا يلزمه شيء [1].

لنا: أصالة عدم وجوب الدم فلا يثبت منافيه إلاّ بدليل.

و أمّا إذا نوي التمتّع، فلزوم الدم ثابت بالإجماع.

و المتمتّع إذا أحرم من مكة، لزمه الدم، و لو أحرم من الميقات، لم يسقط الدم.

و قالت العامة: يسقط الدم(1).

لنا: أنّ الدم استقرّ بإحرام الحج، فلا يسقط بعد استقراره، و كذا لو أحرم المتمتّع من مكة و مضي الي الميقات ثم منه الي عرفات.

و قال الشيخ: يسقط(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز نيّة حجّتين و لا عمرتين، و لو فعل، قيل:

تنعقد إحداهما، و تلغو الأخري(3) ، و به قال مالك و الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: ينعقد بهما، و عليه قضاء إحداهما، لأنّه أحرم بهما و لم يتمّهما(5).5.

ص: 180


1- كما في المعتبر: 338.
2- المبسوط - للطوسي - 307:1.
3- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3.
4- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3، فتح العزيز 203:7، الام 136:2، مختصر المزني: 70، الحاوي الكبير 255:4.
5- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3، فتح العزيز 203:7، الحاوي الكبير 4: 255.

و ليس بجيّد، لأنّهما عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما، فلا يصحّ الإحرام بهما، كالصلاتين.

و علي هذا لو أفسد حجّه أو عمرته، لم يلزمه إلاّ قضاؤها إن قلنا بانعقاد إحداهما.

و عند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معا، بناء علي صحة إحرامه بهما(1).

مسألة 134:

المكّي إذا خرج عن مكة ثم عاد و حجّ علي ميقات، أحرم منه، و جاز له التمتّع، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام مهيعة [1]، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل اليمن يلملم، و هي لهم و لكلّ آت من غيرهم ممّن أراد الحج و العمرة(2).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة»(3).

و أمّا جواز التمتع: فلأنّه إذا خرج عن مكة إلي مصر من الأمصار، و مرّ علي ميقات من المواقيت، صار ميقاتا له، و لحقه أحكام ذلك الميقات.

و لما رواه الكاظم عليه السلام: عن رجل من أهل مكة خرج إلي بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، هل له أن يتمتّع ؟ قال: «ما أزعم أنّ ذلك ليس له، و الإهلال بالحجّ أحبّ اليّ، و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام، قال: نويت الحج من المدينة كيف أصنع ؟ قال: تمتّع، قال: إنّي مقيم بمكة و أهلي فيها، فيقول: تمتّع»(4) في

ص: 181


1- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3.
2- سنن البيهقي 29:5، سنن النسائي 125:5-126 بتفاوت.
3- التهذيب 57:5-58-179.
4- التهذيب 33:5-34-100، الاستبصار 158:2-518.

حديث طويل.

مسألة 135:

و من كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثم أراد حجّة الإسلام، خرج الي ميقات أهله، فأحرم منه، فإن تعذّر، خرج الي أدني الحلّ، و لو تعذّر، أحرم من مكة.

هذا إذا لم يجاور مدّة سنتين، فإن مضي عليه سنتان و هو مقيم بمكة، صار من أهل مكة و حاضريها ليس له أن يتمتّع، و به قال الشيخ في كتابي الأخبار(1).

و قال في النهاية: لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتي يقيم ثلاث سنين(2).

و قد روي زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» فقلت لأبي جعفر: أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة ؟ قال: «فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله»(3).

إذا عرفت هذا، فذو المنزلين بمكة و ناء يعتبر في حقّه أغلبهما إقامة، فيحرم بفرض أهله، فإن تساويا، تخيّر في التمتّع و غيره.

إذا ثبت هذا، فلو لم تمض هذه المدّة، ففرضه التمتّع يخرج الي الميقات، و يحرم منه مع المكنة، و إلاّ فمن حيث أمكن، لأنّه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه، فيلزمه الإحرام من ميقاتهم، أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج الي خارج الحرم فيحرم منه، للضرورة، و لأنّ ميقاته قد تعذّر عليه، فيسقط اعتباره، كما لو تعذّر عليه التمتّع، و ذلك كقضية عائشة، و لو كان الإحرام من مكة جائزا، لما كلّفها النبي صلّي اللّه عليه و آله تحمّل المشقّة.

و روي الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: رجل ترك

ص: 182


1- التهذيب 34:5 ذيل الحديث 100، الاستبصار 159:2 ذيل الحديث 518.
2- النهاية: 206.
3- التهذيب 34:5-101، الإستبصار 159:2-519.

الإحرام حتي دخل مكة، قال: «يرجع الي ميقات أهل بلاده، الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج، فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(1).

و قال الشافعي: يجوز أن يحرم من مكة مع المكنة من الخروج الي الميقات(2) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالإحرام من مكة للتمتّع(3).

و ليس حجّة، لجواز أمرهم بإحرام الحج لا بإحرام العمرة، أو أنّ ذلك كان للضرورة.

البحث الثاني: في وقت أداء النسكين
مسألة 136:

أشهر الحج شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة عند أكثر علمائنا(4) ، و به قال مالك، و هو مروي عن ابن عباس و عمر و ابن عمر(5) ، لقوله تعالي اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (6) و أقلّ الجمع ثلاثة.

و ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: «اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهنّ، و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه

ص: 183


1- التهذيب 58:5-180.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 341.
3- سنن البيهقي 356:4.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية 207، و ابن إدريس في السرائر: 126، و المحقق في شرائع الإسلام 237:1، و المعتبر: 336.
5- المغني 268:3، الشرح الكبير 230:3، بداية المجتهد 325:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 131:1، المجموع 145:7، الحاوي الكبير 27:4، حلية العلماء 3: 252، المبسوط - للسرخسي - 61:4، التفسير الكبير 176:5.
6- البقرة: 197.

و آله، و إنّما مثل ذلك مثل من صلّي أربعا في السفر و ترك الثنتين»(1).

و لأنّه يصح أن يقع في باقي ذي الحجة شيء من أفعال الحج، كالطواف و السعي و ذبح الهدي.

و قال بعض علمائنا هي: شوّال و ذو القعدة و الي قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة(2) ، لقوله تعالي اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (3) و لا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر.

و لقوله تعالي فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ (4) و هو سائغ يوم النحر، لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله.

و لا حجّة فيه، لأنّ المراد: فمن فرض في أكثرهن، و به يتمّ المطلوب.

و قال بعض علمائنا: هي شوّال و ذو القعدة و الي طلوع الفجر من ليلة النحر(5). و به قال الشافعي(6).

و قال بعضهم: و تسعة من ذي الحجة(7).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: إلي آخر العاشر من ذي الحجة - و به قال ابن مسعود و ابن عمر و ابن الزبير و عطاء و مجاهد و الحسن و الشعبي و النخعي و قتادة و الثوري و أحمد - لقول ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير: شهران و عشر ليال(8). و إذا أطلق ذلك، اقتضي تعدّده من الأيّام.7.

ص: 184


1- الكافي 321:4-322-2، التهذيب 51:5-155، الاستبصار 161:2-527.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط 308:1.
3- البقرة: 197.
4- البقرة: 197.
5- الشيخ الطوسي في الخلاف 258:2، المسألة 23.
6- الحاوي الكبير 27:4، فتح العزيز 74:7، المجموع 142:7، حلية العلماء 3: 251.
7- الشيخ الطوسي في الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 226.
8- المبسوط - للسرخسي - 60:4 و 61، المغني 268:3، الشرح الكبير 229:3 و 230، الحاوي الكبير 27:4، التفسير الكبير 176:5، حلية العلماء 251:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 131:1، المجموع 145:7.

و لأنّ يوم النحر يدخل به وقت ركن من أركان الحج، و هو: طواف الزيارة، و يقع فيه كثير من أفعال الحجّ، كالرمي و النحر و الحلق و الطواف و السعي و الرجوع الي مني، فكان من أشهره، كيوم عرفة.

و اعلم: أنّه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع، للإجماع علي أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ، و أنّه يصح كثير من أفعال الحج يوم العاشر و ما بعده.

مسألة 137:

لو أحرم بالحجّ قبل أشهره، لم ينعقد إحرامه للحجّ، و ينعقد للعمرة - و به قال عطاء و طاوس و مجاهد و الشافعي(1) - لقوله تعالي:

اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (2) تقديره: وقت الحجّ أشهر، أو أشهر الحجّ أشهر، فحذف المضاف، و أقيم المضاف اليه مقامه، و إذا ثبت أنّه وقته، لم يجز تقديم إحرامه عليه، كأوقات الصلوات.

و لقول الصادق عليه السلام: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له»(3).

و أمّا انعقاده للعمرة: فلقول الصادق عليه السلام في رجل فرض الحجّ من غير أشهر الحجّ، قال: «يجعلها عمرة»(4).

و قال مالك و الثوري و النخعي و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق: ينعقد إحرامه، و إذا بقي علي إحرامه إلي وقت الحجّ، جاز، لقوله تعالي:

ص: 185


1- المغني 231:3، الشرح الكبير 229:3، الام 128:2، الحاوي الكبير 28:4-29 و 30، حلية العلماء 252:3، فتح العزيز 77:7، المجموع 142:7 و 144، بداية المجتهد 325:1، المبسوط - للسرخسي - 60:4، المحلّي 66:7.
2- البقرة: 197.
3- الكافي 322:4-4، التهذيب 52:5-157، الاستبصار 162:2-529.
4- الفقيه 278:2-1361.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فدلّ علي أنّ جميع الأشهر ميقات(2).

و لا حجّة فيه، لأنّ الأزمنة أوقات للحوادث التي من جملتها الحجّ.

مسألة 138:

لا ينعقد الإحرام بالعمرة المتمتّع بها قبل أشهر الحجّ، فإن أحرم بها في غيرها، انعقد للعمرة المبتولة - و هو أحد قولي الشافعي و أحمد(3) - لأنّ الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها، فيعتبر وقوعه في أشهر الحجّ، كما يعتبر وقوع باقيها.

و لأنّ المتمتّع بها داخله في الحجّ، لقوله عليه السلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(4) ، و الحجّ لا يصح إحرامه قبل أشهره، فكذا ما دخل فيه.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا تكون عمرة إلاّ في أشهر الحجّ»(5).

و لأنّه أتي بنسك لا تتم العمرة إلاّ به في غير أشهر الحج، فلا يكون متمتّعا كما لو طاف.

و قال الشافعي في ثاني قوليه: إنّه إذا أحرم بالعمرة في رمضان و أتي بالطواف و السعي و الحلق في شوّال و حجّ من سنته فإنّه يكون متمتّعا(6).

و قال مالك: إذا أحرم بها في غير أشهر الحجّ و لم يتحلّل من إحرام

ص: 186


1- البقرة: 189.
2- المغني 231:3-232، الشرح الكبير 229:3، بداية المجتهد 325:1، المبسوط - للسرخسي - 60:4، الحاوي الكبير 29:4، المجموع 144:7، المحلّي 66:7.
3- فتح العزيز 138:7-140، حلية العلماء 261:3، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7، الحاوي الكبير 49:4-50.
4- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن البيهقي 5: 7.
5- التهذيب 435:5-436-1514، المعتبر: 336.
6- الحاوي الكبير 49:4-50، حلية العلماء 260:3-261.

العمرة حتي دخلت أشهر الحجّ، صار متمتّعا(1).

و قال أبو حنيفة: إذا أتي بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ، صار متمتّعا إذا دخلت عليه أشهر الحجّ(2).

و كلّ هذه الأقوال لا حجّة عليها، فلا يلتفت إليها.

مسألة 139:

العمرة المبتولة تجوز في جميع أيّام السنة بغير خلاف بين علماء الأمصار، لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال:

(عمرة في رمضان تعدل حجّة)(3).

و اعتمر عليه السلام في شوّال و في ذي القعدة(4).

و اعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصب(5) ، و هي الليلة التي يرجعون فيها من مني الي مكة.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكلّ شهر عمرة»(6).

و لأنّها عبادة لها تحريم و تحليل فكان من جنسها عبادة غير موقّتة، كالصلاة.

مسألة 140:

المتمتّع إذا دخل مكة و خاف فوات الوقت لو أكملها، جاز له أن ينقل نيته الي الإفراد ليدرك أحد الموقفين ثم يعتمر عمرة مفردة بعد إتمام الحج.

ص: 187


1- المدونة الكبري 395:1، المنتقي - للباجي - 228:2، بداية المجتهد 334:1، حلية العلماء 261:3، المبسوط - للسرخسي - 30:4-31.
2- بدائع الصنائع 186:2، بداية المجتهد 334:1، فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3.
3- سنن الترمذي 276:3-939، سنن البيهقي 346:4.
4- صحيح مسلم 916:2-217، سنن البيهقي 346:4.
5- صحيح مسلم 881:2-1213، سنن البيهقي 344:4.
6- الفقيه 278:2-1362.

و كذا الحائض و النفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل و إنشاء إحرام الحجّ، نقلتا حجّتهما الي الإفراد، و اعتمرتا بعده، لأنّ التكليف منوط بالقدرة.

و لما رواه جميل عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال: «تمضي كما هي الي عرفات فتجعلها حجّة مفردة ثم تقيم حتي تطهر فتخرج الي التنعيم فتحرم و تجعلها عمرة»(1).

إذا عرفت هذا، فلو غلب علي ظنّها أنّها تطهر و تدرك الموقف، صبرت علي إحرام المتعة الي أن تطهر ثم تطوف و تتمّ متعتها، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: «إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق الناس فلتفعل»(2).

البحث الثالث: في المواقيت
اشارة

و النظر في أمرين:

النظر الأول: تعيينها
مسألة 141:

المواقيت ستّة، فقد أجمع العلماء كافّة علي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نصّ علي أربعة مواقيت، و هي: ذو الحليفة و الجحفة و قرن المنازل و يلملم.

و روي العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل نجد قرن المنازل،

ص: 188


1- الفقيه 240:2-1146، التهذيب 390:5-1363.
2- الكافي 477:4-8، الفقيه 242:2-1158، التهذيب 391:5-1367، الاستبصار 311:2-1108.

و لأهل اليمن يلملم، قال: فهي لهنّ و لمن أتي عليهنّ من غير أهلهنّ، فمن كان يريد الحجّ و العمرة فمن كان دونهن فمهلّه [1] من أهله، و كذلك أهل مكة يهلّون منها(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق - و لم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي: مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله»(2).

و أمّا ميقات أهل العراق: فقد اتّفقوا علي أنّه لو أحرم من ذات عرق أحرم من الميقات، و كان أنس يحرم من العقيق، و استحسنه الشافعي و ابن المنذر و ابن عبد البرّ(3) ، و اختلفوا في ثبوته.

قال العلماء: إنّه يثبت بالنصّ من النبي صلّي اللّه عليه و آله، و هو مذهب أهل البيت عليهم السلام، و به قال أحمد و أصحاب أبي حنيفة(4) ، لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهل العراق ذات عرق(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو أيّوب الخزّاز2.

ص: 189


1- صحيح مسلم 838:2-1181، صحيح البخاري 165:2، سنن البيهقي 29:5.
2- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-166.
3- المغني 214:3، الشرح الكبير 213:3، الام 138:2، الحاوي الكبير 68:4، فتح العزيز 81:7، المجموع 197:7.
4- المجموع 197:7، الشرح الكبير 214:3، فتح العزيز 81:7.
5- أورده المحقق في المعتبر: 342.

- في الصحيح -: حدّثني عن العقيق أ وقت وقّته رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أو شيء صنعه الناس ؟ فقال عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت»(1).

و قال قوم: إنّه يثبت قياسا، لأنّ أهل العراق كانوا مشركين(2).

و لا حجّة فيه، لعلمه عليه السلام بأنّهم يسلمون، أو يمرّ علي هذا الميقات مسلمون.

مسألة 142:

من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله بإجماع العلماء - خلافا لمجاهد، فإنّه قال: يهلّ بمكة(3). و هو خطأ - لما رواه العامّة عن علي عليه السلام و ابن مسعود و عمر في قوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (4) قالوا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك(5).

و عن النبي عليه السلام في قوله: (فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله)(6).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله»(7).

ص: 190


1- الكافي 319:4-3، التهذيب 55:5-168.
2- الحاوي الكبير 68:4، فتح العزيز 80:7، المجموع 197:7، و راجع: المغني و الشرح الكبير 214:3.
3- المغني 219:3، الشرح الكبير 216:3، المجموع 203:7-204.
4- البقرة: 296.
5- الحاوي الكبير 75:4، المغني 222:3، تفسير الطبري 120:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 263:1-264، سنن البيهقي 30:5.
6- صحيح البخاري 165:2، سنن البيهقي 29:5.
7- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-55-166.
مسألة 143:

ميقات أهل المدينة ذو الحليفة - و هو مسجد الشجرة - اختيارا، و هو علي عشرة مراحل من مكة، و عن المدينة ميل، و عند الضرورة الجحفة.

روي العامّة عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله يقول: (مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة و الطريق الآخر من الجحفة)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة»(2) الحديث.

و في الصحيح عن الحلبي، قال: سألته من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة ؟ فقال: «من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلاّ محرما»(3).

و كان الصادق عليه السلام عليلا فأحرم من الجحفة(4).

مسألة 144:

العقيق ميقات أهل العراق، و كلّ جهاته ميقات من أين أحرم جاز، لكن الأفضل الإحرام من المسلخ، و تليه غمرة، و آخره ذات عرق.

و روي العامّة عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق(5).

قال ابن عبد البرّ: العقيق أولي و أحوط من ذات عرق، و ذات عرق

ص: 191


1- صحيح مسلم 841:2-18، سنن البيهقي 27:5.
2- الكافي 4:-319-2، الفقيه 198:2-903، التهذيب 55:5-167.
3- التهذيب 57:5-177.
4- التهذيب 57:5-176.
5- سنن أبي داود 143:2-1740، سنن الترمذي 194:3-832، سنن البيهقي 5: 28.

ميقاتهم بإجماع(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام، قال: «وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق أوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و أوّله أفضل»(2).

و اعلم أنّ أبعد المواقيت ذو الحليفة علي عشرة مراحل من مكة، و تليه في البعد: الجحفة، و المواقيت الثلاثة علي مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان.

مسألة 145:

المواقيت المذكورة مواقيت لأهلها و لمن مرّ بها ممّن يريد الحجّ أو العمرة، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز علي ذي الحليفة، أحرم منها، و إن حجّ من اليمن، فميقاته يلملم، و إن حجّ من العراق، فميقاته العقيق، و كذا غيرها، و لا نعلم فيه خلافا، لما روي العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (هنّ لهنّ و لمن أتي عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ و العمرة)(3).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة»(4).

و لأنّ التكليف بالمضيّ إلي ميقات بلده ضرر، فيكون منفيّا.

مسألة 146:

الصبي ميقاته هذه المواقيت، و يجوز أن يجرّد من فخّ، و أن يؤخّر إحرامه [1] إليه، لما رواه معاوية بن عمّار، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلي الجحفة أو إلي بطن

ص: 192


1- المغني و الشرح الكبير 214:3.
2- الفقيه 199:2-907.
3- صحيح البخاري 166:2، سنن البيهقي 29:5.
4- التهذيب 57:5-58-179.

مرّ ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يسعي بهم، و من لم يجد منهم هديا صام عنه وليّه»(1).

و سأل أيّوب(2) الصادق عليه السلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإحرام ؟ فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ»(3).

مسألة 147:

ميقات عمرة التمتّع هذه المواقيت، و ميقات حجّه مكّة لا غير، فإن أحرم من غير مكة اختيارا، لم يجزئه، و كان عليه العود إلي مكة لإنشاء الإحرام، ذهب إليه علماؤنا.

و قال أحمد: يخرج إلي الميقات فيحرم منه للحجّ(4).

و ليس بصحيح، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل علي عائشة و هي تبكي، قال لها: (أهلّي بالحجّ)(5) و كانت بمكة.

و أمر أصحابه بالإحرام من مكة لمّا فسخوا الحجّ(6).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم التروية - إلي أن قال - و ادخل المسجد - إلي أن قال - فأحرم بالحجّ»(7).

إذا عرفت هذا، فلو أحرم من غير مكة اختيارا، لم يجزئه، و كان عليه العود إلي مكة لإنشاء الإحرام، لأنّ النبي عليه السلام أمر أصحابه بالإحرام من مكة(8).

و قال الشافعي: يجوز أن يخرج إلي أحد المواقيت فيحرم بالحجّ

ص: 193


1- الكافي 304:4-4، الفقيه 366:2-1294، التهذيب 409:5-1423.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: أبو أيوب، و ما أثبتناه من المصدر و كما في المعتبر: 342.
3- التهذيب 409:5-1421.
4- المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
5- سنن أبي داود 154:2-155-1785، سنن النسائي 165:5.
6- صحيح مسلم 882:2-1214، المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
7- الكافي 454:4-1، التهذيب 167:5-557.
8- صحيح مسلم 882:2-1214، المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.

منه(1).

و يجوز أن يحرم من أيّ موضع كان من مكة، لأنّها كلّها ميقات، لكن الأفضل الإحرام من المسجد، و أفضله تحت الميزاب أو في مقام إبراهيم عليه السلام.

و لو خرج من مكة بغير إحرام ناسيا أو جاهلا، رجع إليها أو أحرم منها، فإن عرض له مانع، أحرم من موضعه و لو بعرفات، و كذا في الخائف من الرجوع.

مسألة 148:

هذه المواقيت المذكورة مواقيت للحجّ علي ضروبه و للعمرة المفردة إجماعا إذا قدم مكة حاجّا أو معتمرا.

أمّا المفرد و القارن إذا قضيا مناسك الحج و أرادا الاعتمار، أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار، فإنّه يلزمه أن يخرج إلي أدني الحلّ، فيحرم بالعمرة المفردة ثم يعود إلي مكة للطواف و السعي، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم(2) ، و هو من الحلّ.

و لو خرج إلي أحد المواقيت فأحرم منه، جاز لكن خفّف عنه بالإحرام من أدني الحلّ.

و ينبغي أن يحرم من الجعرانة، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله اعتمر منها(3) ، فإن فاتته فمن التنعيم، لأنّ النبي عليه السلام أمر عائشة بالإحرام منها(4) ، فإن فاتته فمن الحديبية، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا قفل [1] من

ص: 194


1- فتح العزيز 78:7، المجموع 196:7.
2- صحيح البخاري 4:3 و 5، صحيح مسلم 871:2-113، سنن البيهقي 357:4
3- صحيح البخاري 3:3، سنن أبي داود 205:2-206-1993 و 1994، سنن الترمذي 180:3-816.
4- صحيح البخاري 6:3، صحيح مسلم 870:2-871-112، سنن البيهقي 6:5.

حنين أحرم بالجعرانة(1).

النظر الثاني: في أحكام المواقيت
مسألة 149:

لا يجوز الإحرام قبل الميقات عند علمائنا إلاّ لناذر علي خلاف، و لمريد العمرة في رجب إذا خاف فواته.

و أطبق العامّة علي جوازه(2) ، و اختلفوا في الأفضل.

فقال مالك: الأفضل الإحرام من الميقات، و يكره قبله. و به قال عمر و عثمان و الحسن و عطاء و مالك و أحمد و إسحاق(3).

و قال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده(4).

و عن الشافعي كالمذهبين(5).

و كان علقمة و الأسود و عبد الرحمن و أبو إسحاق يحرمون من بيوتهم(6).

لنا: ما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أحرم من الميقات(7) ، و لا يفعل إلاّ الراجح، و قال عليه السلام: (خذوا عنّي مناسككم)(8) فوجب

ص: 195


1- الكامل في التاريخ 272:2.
2- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، المجموع 200:7، المبسوط - للسرخسي - 166:4، بدائع الصنائع 164:2، المنتقي - للباجي - 205:2.
3- المدوّنة الكبري 363:1، بداية المجتهد 324:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، حلية العلماء 270:3، فتح العزيز 93:7.
4- الاختيار لتعليل المختار 185:1، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، فتح العزيز 93:7، حلية العلماء 270:3، المجموع 202:7.
5- المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 200:7، حلية العلماء 270:3، فتح العزيز 93:7، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3.
6- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، و انظر: المجموع 202:7.
7- المغني 223:3، الشرح الكبير 227:3.
8- سنن البيهقي 125:5.

اتّباعه.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له، و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له»(1).

و لأنّه أحرم قبل الميقات، فكان حراما، كالإحرام قبل أشهر الحجّ.

و لما فيه من التغرير بالإحرام و التعرّض لفعل محظوراته، و فيه مشقّة علي النفس، فمنع، كالوصال في الصوم.

احتجّوا: بما رواه العامّة عن أمّ سلمة زوج النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّها سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر)(2).

و في الطريق ضعف عند العامّة(3).

مسألة 150:

سوّغ أكثر أصحابنا(4) الإحرام قبل المواقيت في موضعين:

الأول: إذا نذر أن يحرم قبل الميقات، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة، قال: «فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال»(5).

الثاني: من يريد الإحرام بالعمرة المفردة في رجب، فإنّه إذا خشي تقضّيه قبل الوصول إلي الميقات، جاز له أن يحرم قبل الميقات ليدرك التلبّس بالعمرة في رجب، لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام عن

ص: 196


1- الكافي 322:4-4، التهذيب 52:5-157، الاستبصار 162:2-529.
2- سنن أبي داود 143:2-1741، سنن البيهقي 30:5، و انظر: المغني 222:3، و الشرح الكبير 226:3.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3-224.
4- منهم ابن حمزة في الوسيلة: 159-160، و المحقّق في المعتبر: 342، و شرائع الإسلام 242:1، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 178.
5- التهذيب 53:5-162، الاستبصار 163:2-534.

الرجل يجيء معتمرا ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلي العقيق و يجعلها لشعبان ؟ قال: «يحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلا و هو الذي نوي»(1).

مسألة 151:

و كما لا يجوز الإحرام قبل الميقات كذا لا يجوز مجاوزته بغير إحرام لمن يريد النسك، فإن جاوزه فعليه أن يرجع ليحرم منه إن أمكنه، سواء تجاوزه عالما أو جاهلا، و سواء علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه، فلا شيء عليه، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ فائدة توقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لهذه المواقيت: الإلزام بالمناسك منها لا يتقدّم عنها و لا يتأخّر.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم»(2).

مسألة 152:

لو أحرم غير الناذر و غير مريد الاعتمار في رجب قبل الميقات، لم ينعقد إحرامه، و لم يعتدّ به، و لو فعل ما هو محظور علي المحرم، لم يكن عليه شيء، و إذا بلغ الميقات، وجب عليه تجديد الإحرام من رأس، لأنّ ما فعله كان منهيّا عنه، فلا يكون مجزئا.

و لأنّ الباقر عليه السلام شبّه ذلك بمن صلّي في السفر أربعا(3) ، و الصادق عليه السلام شبّهه بمن صلّي العصر [1] ستّا(4) ، و المعني واحد، و هو

ص: 197


1- الكافي 323:4-9، التهذيب 53:5-160، الإستبصار 162:2-163-532.
2- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-166.
3- الكافي 321:4-322-2، التهذيب 51:5-155، الاستبصار 161:2-527.
4- التهذيب 52:5-156، الإستبصار 161:2-528.

الزيادة في الفريضة، كزيادة المحرم قبل الميقات علي المقدار المعتبر في نظر الشرع.

و قال الباقر عليه السلام: «من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأصاب شيئا من النساء و الصيد فلا شيء عليه»(1).

و أطبق الجمهور كافّة علي صحة هذا الإحرام(2).

مسألة 153:

لو ترك الإحرام من الميقات عامدا مع إرادة النسك، وجب عليه الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه مع المكنة، و لا نعلم في ذلك خلافا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل المواقيت مواطن الإحرام، و منع من الجواز بها إلاّ لمحرم إذا كان مريدا للنسك(3).

و لما روي العامّة أنّ أبا الشعثاء جابر بن زيد رأي ابن عباس يردّ من جاوز الميقات غير محرم(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتي دخل الحرم، فقال: «يرجع إلي ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه، فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(5).

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلي الميقات و كان قد ترك الإحرام من الميقات عامدا متمكّنا منه مع إرادة النسك، بطل حجّة - و به قال سعيد بن جبير(6) - لأنّه ترك الإحرام من الميقات عامدا متمكّنا، فبطل حجّه،

ص: 198


1- التهذيب 54:5-165.
2- تقدّم تخريجه في المسألة 149.
3- صحيح البخاري 166:2، صحيح مسلم 838:2-839-11 و 12، سنن البيهقي 5: 29.
4- الام 138:2، سنن البيهقي 29:5.
5- التهذيب 58:5-180.
6- المغني 225:3، الشرح الكبير 226:3، الحاوي الكبير 72:4، المجموع 7: 208.

كما لو ترك الوقوف بعرفة.

و قالت العامّة: يجبره بدم، و يحرم من موضعه، لما رواه ابن عباس:

أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(1).

و نحن إنّما نثبت العموم لو قلنا بصحة الحج، و هو ممنوع.

و لو أحرم من موضعه مع تركه عامدا قادرا، لم يجزئه علي ما بيّنّاه، و لو عاد إلي الميقات فكذلك ما لم يجدّد الإحرام، لأنّ الأول لم ينعقد، فجري مجري الإخلال بالإحرام.

و لا فرق في بطلان الحج بين أن يكون عدم التمكّن من الرجوع لمرض أو خوف أو ضيق الوقت.

مسألة 154:

لو ترك الإحرام عامدا فقد قلنا بوجوب الرجوع، فإن رجع إلي الميقات و أحرم منه، فلا دم عليه، سواء رجع بعد التلبّس بشيء من أفعال الحج، كطواف القدوم مثلا، أو الوقوف، أو لم يتلبّس - و به قال عطاء و الحسن و النخعي(2) - لأنّ إحرامه من موضعه لا اعتداد به، و كذا ما فعله، و مع الرجوع إلي الميقات يصح إحرامه، و الأصل براءة الذمّة من الدم.

و لأنّه رجع إلي الميقات و أحرم منه، فلا شيء عليه، كما لو لم يفعل شيئا من مناسك الحج.

و قال الشافعي: إن رجع قبل التلبّس، فلا شيء عليه، و إن رجع بعد التلبّس، وجب عليه دم(3) ، لأنّه أحرم من دون الميقات فوجب الدم، لكن برجوعه سقط، لأنّه حصل في الميقات محرما قبل التلبّس بشيء من أفعال

ص: 199


1- الحاوي الكبير 73:4، المغني و الشرح الكبير 225:3.
2- المغني و الشرح الكبير 225:3، المجموع 208:7.
3- الحاوي الكبير 73:4، المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 207:7، حلية العلماء 271:3، فتح العزيز 92:7، المغني و الشرح الكبير 225:3.

العبادة، فلا يجب عليه الدم، كما لو أحرم منه، أمّا إذا عاد بعد فعل شيء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه، لأنّ الإحرام يتقدّم أفعال الحج.

و قد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به، فلا فرق بينهما.

و قال أبو حنيفة: إن رجع إلي الميقات، سقط عنه الدم، و إن لم يلبّ لم يسقط(1).

و قال مالك: يجب الدم مطلقا - و به قال أحمد و زفر و ابن المبارك - لقول ابن عباس: من ترك نسكا فعليه دم(2).

و نمنع كون قوله حجة أو العموم.

إذا عرفت هذا، فلو لم يرجع مع قدرته، بطل إحرامه و حجّه.

و قال الشافعي: إن لم يتمكّن من الرجوع، جاز أن يحرم من مكانه، و يجب الدم، و إن لم يكن له عذر، وجب الرجوع، فإن لم يرجع أثم، و وجب الدم، و صحّ إحرامه(3).

و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 155:

لو تجاوز الميقات ناسيا أو جاهلا، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم، وجب عليه الرجوع إلي الميقات، و إنشاء الإحرام منه مع القدرة، و لا يكفيه المرور بالميقات، فإن لم يتمكن، أحرم من موضعه، و لو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع، لم يجزئه.

ص: 200


1- المبسوط - للسرخسي - 170:4، بدائع الصنائع 165:2، المغني و الشرح الكبير 3: 225، الحاوي الكبير 73:4، حلية العلماء 272:3، المجموع 208:7.
2- المغني و الشرح الكبير 225:3، بداية المجتهد 324:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، بدائع الصنائع 165:2، الحاوي الكبير 73:4، حلية العلماء 271:3، المجموع 208:7.
3- فتح العزيز 89:7، المجموع 206:7.

و قد وافقنا العامّة علي وجوب الرجوع إلي الميقات للناسي و الجاهل(1).

أمّا غير مريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضا في إحدي الروايتين(2) علي وجوب الرجوع، لأنّه متمكّن من الإتيان بالنسك علي الوجه المأمور به، فيكون واجبا عليه.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم، قال: «عليه أن يخرج إلي ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم»(3).

و سأل أبو الصباح الكناني الصادق عليه السلام عن رجل جهل أن يحرم حتي دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال: «يخرج من الحرم يهلّ بالحج»(4).

و قال مالك و الثوري و الشافعي و أبو يوسف و محمد: يحرم من موضعه، لأنّه حصل دون الميقات علي وجه مباح، فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان(5).

و الفرق ظاهر، لقوله عليه السلام: (و من كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله)(6).

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلي الميقات و تمكّن من3.

ص: 201


1- المغني 225:3، الشرح الكبير 224:3.
2- المغني 226:3، الشرح الكبير 222:3، الحاوي الكبير 75:4، حلية العلماء 3: 272، المجموع 204:7.
3- التهذيب 283:5-284-965.
4- الكافي 325:4-7، التهذيب 284:5-966.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 148، التفريع 319:1، المغني 226:3، الشرح الكبير 221:3، المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 203:7 و 204، حلية العلماء 272:3، الحاوي الكبير 75:4.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 227:3، و الشرح الكبير 222:3.

الخروج إلي خارج الحرم، وجب عليه، لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل مرّ علي الوقت الذي يحرم منه الناس، فنسي أو جهل فلم يحرم حتي أتي مكة فخاف إن يرجع إلي الوقت فيفوته الحج، قال: «يخرج من الحرم فيحرم منه و يجزئه ذلك»(1).

و لأنّه بخروجه إلي خارج الحرم يكون جامعا بين الحلّ و الحرم، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.

و لو لم يتمكّن من الخروج، أحرم من موضعه، و أجزأه إجماعا، و لا يجب عليه دم، خلافا للشافعي(2).

و لو أسلم بعد مجاوزة الميقات، وجب عليه الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه مع المكنة، و إن لم يتمكّن، أحرم من موضعه، و لا دم عليه - و به قال عطاء و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي(3) - لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإحرام منه، فأشبه المكّي و من كان منزله دون الميقات.

و قال الشافعي: يجب الدم(4).

و عن أحمد روايتان(5).

و الصبي و العبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر و تمكّنا من الحجّ، وجب عليهما الرجوع إلي الميقات، و الإحرام منه، و إن لم3.

ص: 202


1- الكافي 324:4-6، التهذيب 58:5-181.
2- المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 206:7.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3، حلية العلماء 273:3، المجموع 62:7.
4- حلية العلماء 273:3، المجموع 61:7-62، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
5- حلية العلماء 273:3، المجموع 61:7-62، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

يتمكّنا، أحرما من موضعهما، و لا دم عليهما، خلافا للشافعي(1).

و لو منعه مرض من الإحرام عند الميقات، قال الشيخ رحمه اللّه: جاز له أن يؤخّره عن الميقات، فإذا زال المنع، أحرم من الموضع الذي انتهي إليه(2).

و الظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب و كشف الرأس و شبهه، فأمّا النية و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك، إذ لا مانع منه.

و لو زال عقله بإغماء و شبهه، سقط عنه الحج، فلو أحرم عنه رجل، جاز، لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتي أتي الموقف، قال: «يحرم عنه رجل»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ الإحرام يجزئ عنه بمعني لو أفاق، كان محرما، و يجب عليه إتمام الحج، فإن زال قبل الموقفين، أجزأه عن حجّة الإسلام، و إن زال بعده، لم يجزئه عن حجّة الإسلام.

مسألة 156:

المواقيت التي يجب الإحرام منها هي التي وقّتها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلو كان الميقات قرية فخربت و نقلت عمارتها إلي موضع آخر، كان الميقات موضع الاولي و إن انتقل الاسم إلي الثانية، لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع، فلا يزول عنه بخرابه.

و قد روي أنّ سعيد بن جبير رأي رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق، فأخذ بيده حتي أخرجه من البيوت و قطع به الوادي و أتي به المقابر، ثم قال:

هذه ذات عرق الأولي(4).

مسألة 157:

لو سلك طريقا لا يؤدّي إلي شيء من المواقيت، روي

ص: 203


1- انظر: المجموع 59:7.
2- النهاية: 209.
3- التهذيب 60:5-191.
4- الام 139:2، الحاوي الكبير 69:4، المغني و الشرح الكبير 215:3.

العامّة عن عمر لمّا قالوا له: وقّت لأهل المشرق، قال: ما حيال طريقهم ؟ قالوا: قرن المنازل، قال: قيسوا عليه، فقال قوم: بطن العقيق، و قال قوم: ذات عرق، فوقّت عمر ذات عرق(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها»(2).

و لو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة، احتاط و أحرم من بعد بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلاّ محرما، و لا يلزمه الإحرام حتي يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب علي ظنّه ذلك، لأنّ الأصل عدم الوجوب، فلا يجب بالشك.

و لو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير محرم، الأقرب: عدم وجوب الرجوع، لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن، فكان مجزئا.

و لو مرّ علي طريق لم يحاذ ميقاتا و لا جاز به، قال بعض الجمهور:

يحرم من مرحلتين، فإنّه أقلّ المواقيت و هو ذات عرق(3).

و يحتمل أنّه يحرم من أدني الحلّ.

مسألة 158:

أهل مكة يحرمون للحجّ من مكة، و للعمرة من أدني الحلّ، سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم، لأنّ كلّ من أتي علي ميقات كان ميقاتا له، و لا نعلم في ذلك خلافا، و لهذا أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله،

ص: 204


1- راجع: صحيح البخاري 166:2، سنن البيهقي 27:5، الحاوي الكبير 68:4، المغني 214:3، و المحلّي 72:7.
2- الفقيه 200:2-913.
3- الوجيز 114:1، فتح العزيز 88:7، المجموع 199:7.

عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم، و كانت بمكة(1).

و إنّما لزم الإحرام من الحلّ، ليجمع في النسك بين الحلّ و الحرم، فإنّه لو أحرم من الحرم، لما جمع بينهما فيه، لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم، بخلاف الحجّ، فإنّه يفتقر إلي الخروج إلي عرفة فيجتمع له الحلّ و الحرم، و العمرة بخلاف ذلك.

و من أيّ الحلّ أحرم جاز، كما أنّ المحرم من مكة يحرم من أيّ موضع شاء منها، لأنّ المقصود من الإحرام الجمع في النسك بين الحلّ و الحرم.

و عن أحمد رواية: أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يهلّ بالحجّ من الميقات، فإن لم يفعل، فعليه دم(2).

و لو أحرم بالعمرة من الحرم، لم يجزئه، خلافا للعامّة، فإنّهم جوّزوه، و أوجبوا عليه الدم، لتركه الإحرام من الميقات(3).

ثم إن خرج إلي الحلّ قبل الطواف ثم عاد، أجزأه، لأنّه قد جمع بين الحلّ و الحرم.

و إن لم يخرج حتي قضي عمرته صحّ أيضا عندهم، لأنّه قد أتي بأركانها، و إنّما أخلّ بالإحرام من ميقاتها و قد جبره، و هذا قول أبي ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحد قولي الشافعي، و القول الثاني: لا تصح عمرته، لأنّه نسك، فكان من شرطه الجمع بين الحلّ و الحرم، كالحجّ، فعلي هذا وجود هذا الطواف كعدمه، و هو باق علي إحرامه حتي يخرج إلي الحلّ، ثم يطوف بعد ذلك و يسعي، و إن حلق قبل ذلك فعليه دم(4).7.

ص: 205


1- كما في المغني 215:3، و الشرح الكبير 217:3، و راجع: صحيح البخاري 4:3، و صحيح مسلم 871:2-113، و سنن البيهقي 357:4، و مسند أحمد 305:3.
2- المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
3- المغني 218:3، المجموع 209:7، فتح العزيز 98:7.
4- المغني 218:3-219، فتح العزيز 99:7، المجموع 209:7.
مسألة 159:

من لا يريد النسك لو تجاوز الميقات، فإن لم يرد دخول الحرم، بل أراد حاجة في ما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام إجماعا، و لا شيء عليه في ترك الإحرام، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أتي هو و أصحابه بدرا مرّتين، و كانوا يسافرون للجهاد و غيره، فيمرّون بذي الحليفة فلا يحرمون، و لا يرون بذلك بأسا(1).

ثم لو تجدّد له عزم الإحرام، احتمل الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه، و هو قول إسحاق و إحدي الروايتين عن أحمد(2).

و في الأخري: يحرم من موضعه و لا شيء عليه، و به قال مالك و الثوري و الشافعي و أبو يوسف و محمد(3).

و أمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلي مكة أو إلي غيرها، فأقسامه ثلاثة:

الأول: من يدخلها لقتال مباح، أو من خوف، أو لحاجة متكرّرة، كالحشّاش و الحطّاب و ناقل الميرة [1]، و من كانت له ضيعة يتكرّر دخوله و خروجه إليها، فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل يوم الفتح مكة حلالا و علي رأسه المغفر [2]، و كذا أصحابه(4).

و لأنّ في إيجاب الإحرام علي من يتكرّر دخوله مشقّة عظيمة، لاستلزامه

ص: 206


1- انظر: المغني 226:3، و الشرح الكبير 221:3.
2- المغني 226:3، الشرح الكبير 222:3، الحاوي الكبير 75:4، المجموع 7: 204.
3- المغني 226:3، الشرح الكبير 221:3-222، المدوّنة الكبري 373:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، الحاوي الكبير 75:4، المجموع 204:7.
4- صحيح مسلم 989:2-990-1357، سنن النسائي 201:5، سنن الدارمي 2: 221، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3.

أن يكون محرما في جميع زمانه. و بهذا قال الشافعي و أحمد(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلاّ من كان دون الميقات، لأنّه يجاوز الميقات مريدا للحرم، فلم يجز بغير إحرام، كغيره(2).

و الشافعي استدلّ: بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل يوم الفتح مكة و علي رأسه عمامة سوداء(3).

إذا عرفت هذا، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات، رجع و أحرم منه، فإن لم يتمكّن، أحرم من موضعه.

و قالت العامّة: يحرم من موضعه مطلقا(4).

الثاني: من لا يكلّف بالحجّ - كالصبي و العبد و الكافر - إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات، أو بلغ الصبي، أو عتق العبد، و أراد الإحرام، فإنّهم يخرجون إلي الميقات، و يحرمون منه، فإن لم يتمكّنوا، أحرموا من موضعه.

و قالت العامّة: يحرمون من موضعهم ثم اختلفوا:

فقال الشافعي: علي كلّ واحد منهم دم(5).

و قال عطاء و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أحمد: لا دم عليهم(6).3.

ص: 207


1- المهذّب - للشيرازي - 202:1، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 167:4، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3، المجموع 16:7.
3- صحيح مسلم 990:2-1358، سنن النسائي 201:5، سنن الترمذي 4: 196-1679، و سنن الدارمي 74:2، و انظر: المغني 227:3، و الشرح الكبير 3: 223، و المهذّب - للشيرازي - 202:1.
4- المغني 227:3، الشرح الكبير 221:3.
5- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
6- المدوّنة الكبري 380:1، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

و قال أصحاب الرأي: لا دم في الكافر يسلم و الصبي يبلغ، و أمّا العبد فعليه دم(1).

الثالث: المكلّف الداخل لغير قتال و لا حاجة متكررة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم، و به قال أبو حنيفة و بعض أصحاب الشافعي(2).

و قال بعضهم: لا يجب الإحرام عليه - و عن أحمد روايتان(3) - لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام، و لأنّه أحد الحرمين، فلا يجب الإحرام لدخوله، كحرم المدينة(4).

و الحقّ خلافه، لأنّه لو نذر دخولها، لزمه الإحرام، و لو لم يكن واجبا لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان.

إذا ثبت هذا، فمتي أراد هذا الإحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه، فإن أحرم من دونه مع القدرة، لم يجزئه، و لو لم يتمكّن، أحرم من موضعه.

مسألة 160:

لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإحرام، وجب عليه الخروج و الإحرام من الميقات، فإن حجّ و الحال هذه، بطل حجّه، و وجب عليه القضاء - و الشافعي [ما] [1] أوجب القضاء(5) -، لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ، فوجب عليه الإعادة.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة، فإنّ أتي بحجّة الإسلام في سنته أو منذورة أو عمرة، أجزأته عن عمرة الدخول استحسانا، لأنّ مروره علي الميقات مريدا للحرم موجب للإحرام، فإذا لم يأت به، وجب قضاؤه، كالنذر(6).

ص: 208


1- المبسوط - للسرخسي - 173:4، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
2- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
4- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
5- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
6- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.

و قال أحمد: لا قضاء عليه، لأنّ الإحرام شرّع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به، سقط، كتحية المسجد(1) و ليس بجيّد، لأنّ تحية المسجد غير واجبة.

و لو تجاوز الميقات و رجع و لم يدخل الحرم، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه، سواء أراد النسك أو لم يرده.

و من كان منزله دون الميقات خارجا من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلي ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة، لأنّه موضعه ميقاته، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي.

مسألة 161:

إذا ترك الإحرام من الميقات عامدا، أثم، و وجب عليه الرجوع إليه و الإحرام منه، فإن لم يتمكّن من الرجوع، بطل حجّه.

و لو تركه ناسيا أو جاهلا، وجب عليه الرجوع مع القدرة، فإن لم يتمكّن، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلي خارج الحرم، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلي الميقات أم لا - و قالت العامّة: يحرم من موضعه(2). و ابن جبير(3) وافقنا - لأنّه ترك ركنا من أركان الحج.

و احتجاج العامّة علي أنّه ليس بركن: باختلاف الناس و الأماكن، و لو كان ركنا لم يختلف، كالوقوف و الطواف(4).

و الملازمة ممنوعة:

و يستحب لمن يحرم من ميقات أن يحرم من أول جزء ينتهي إليه منه، و يجوز أن يحرم من آخره، لوقوع الاسم عليه.

و من سلك طريقا لا يفضي إلي هذه المواقيت في برّ أو بحر، فقد قلنا:

ص: 209


1- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
2- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3.
3- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3، المجموع 208:7، حلية العلماء 271:3.
4- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3.

إنّ ميقاته حيث يحاذي واحدا منها.

و لو حاذي ميقاتين، فأظهر وجهي الشافعية: أنّه يحرم من الموضع المحاذي لأبعدهما، و الثاني: يتخيّر(1).

مسألة 162:

قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ، و أنّها ثلاثة: تمتّع و قران و إفراد، و أنّ الإفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته و بالعمرة مفردة من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة، و لا يلزمه العود إلي ميقات بلده عند الشافعي(2).

و عن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود، و عليه دم الإساءة لو لم يعد(3).

و القران عند الشافعي: أن يحرم بالحجّ و العمرة معا، و يأتي بأعمال الحجّ، فتحصل العمرة أيضا، و يتّحد الميقات و الفعل(4).

و عند أبي حنيفة: يأتي بطوافين و سعيين(5).

و لو أحرم بالعمرة أوّلا ثم أدخل عليها الحج، لم يجز عندنا.

و قال الشافعي: إن أدخله في غير أشهر الحج، فهو لغو و [إحرام] [1] العمرة بحاله، و إن أدخله عليها في أشهر الحجّ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارنا، فوجهان:

أحدهما: يجوز، لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به، و وقت إحرامه به صالح للحج، فعلي هذا له أن يجعله حجّا بعد دخول الأشهر، و ان يجعله قرانا.

ص: 210


1- فتح العزيز 86:7، الحاوي الكبير 72:4، المجموع 199:7.
2- فتح العزيز 114:7-115.
3- فتح العزيز 115:7.
4- فتح العزيز 118:7، المجموع 171:7، الحاوي الكبير 164:4.
5- الهداية - للمرغيناني - 154:1، فتح العزيز 118:7.

و الثاني: لا يجوز، لأنّ ابتداء الإحرام متلبّس بإحرام، و لذلك لو ارتكب محظورا، لم يلزمه إلاّ فدية واحدة، فلو انعقد الحجّ و ابتداء الإحرام سابق علي الأشهر، لانعقد الإحرام بالحجّ قبل أشهره، فعلي هذا لا يجوز أن يجعله حجّا.

و إن كان إحرامه في أشهر الحجّ، فإن لم يشرع بعد في الطواف، جاز، و صار قارنا، لقضية عائشة لمّا حاضت و خافت فوت الحجّ، فأمرها النبي عليه السلام بإدخال الحجّ علي العمرة لتصير قارنة لتأتي بأعمال الحجّ، و تؤخّر الطواف إلي أن تطهر.

و إن شرع فيه أو أتمّه، لم يجز إدخال العمرة عليه، لأنّه أتي بعمل من أعمال العمرة، فيقع ذلك العمل عن العمرة، و لا ينصرف بعدها إلي غيرها.

و لأنّه أخذ في التحلّل من العمرة، و لا ينصرف بعدها إلي غيرها.

و لأنّه أخذ في التحلّل من العمرة، فلا يليق به إدخال إحرام عليه، و المتحلّل جار إلي نقصان [1].

و شبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية، فراجعها الزوج في العدّة، فإنّه لا يجوز، لأنّ الرجعة استباحة، فلا يليق بحال التي تجري إلي تحريم.

و لو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة، فقولان:

القديم - و به قال أبو حنيفة - إنّه يجوز كإدخال الحجّ علي العمرة.

و الجديد - و به قال أحمد - المنع، لأنّ الحجّ أقوي من العمرة، لاختصاصه بالوقوف و الرمي و المبيت، و الضعيف لا يدخل علي القويّ و إن كان القويّ قد يدخل علي الضعيف، كما أنّ فراش النكاح يدخل علي فراش ملك اليمين حتي لو نكح أخت أمة [2] حلّ له وطؤها، و فراش ملك اليمين لا يدخل علي فراش النكاح حتي لو اشتري أخت منكوحة [3] لم يجز له وطؤها.

ص: 211

فإن جوّزنا إدخال العمرة علي الحجّ فإلي متي يجوز؟ فيه لهم وجوه:

أحدها: يجوز ما لم يطف للقدوم، و لا يجوز بعده، لأنّه أتي بعمل من أعمال الحجّ.

و الثاني: يجوز و إن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي و لا غيره من فروض الحجّ.

و الثالث: يجوز ما لم يقف بعرفة، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ.

و الرابع: يجوز و إن وقف ما لم يشتغل بشيء من أسباب التحلّل من الرمي و غيره.

قالوا: و يجب علي القارن دم، لأنّ النبي عليه السلام أهدي عن أزواجه بقرة و كنّ قارنات، و دم القارن كدم المتمتّع، لأنّه أكثر ترفّها، لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بين النسكين، فما يكفي المتمتّع أولي أن يكفي القارن.

و قال مالك: علي القارن بدنة. و هو القول القديم للشافعي(1).

و أمّا التمتّع: فأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده، و يأتي بأعمالها، ثم ينشئ الحج من مكة، سمّي متمتّعا، لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإحرام بينهما، لحصول التحلّل(2). و هذا كمذهبنا.

و عند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة، بل يحرم بالحجّ، فإذا فرغ منه، حلّ منهما(3).

و إنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط:

الأول: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، لقوله تعالي:7.

ص: 212


1- فتح العزيز 120:7-127 و 204-205، و راجع: المهذّب - للشيرازي - 1: 208-209، و المجموع 171:7-173، و 190-191، و الحاوي الكبير 38:4 و 39، و الشرح الكبير 245:3.
2- فتح العزيز 127:7.
3- بدائع الصنائع 149:2، فتح العزيز 127:7.

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و المعني فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة، فلا يكون بالتمتّع رابحا ميقاتا.

الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم و فرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ، لم يلزمه الدم، لأنّه لم يجمع بين الحجّ و العمرة في وقت الحجّ، فأشبه المفرد لمّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم، لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعني بأمرين:

أحدهما: ربح ميقات، كما سبق.

و الثاني: وقوع العمرة في أشهر الحجّ، و كانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه، و يستنكرون ذلك، فورد التمتّع رخصة و تخفيفا، إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام، و يشقّ عليه استدامة الإحرام لو أحرم من الميقات، و لا سبيل إلي مجاوزته، فجوّز أن يعتمر و يتحلّل.

و لو أحرم بها قبل أشهر الحج و أتي بجميع أفعالها في أشهر الحجّ، فللشافعي قولان:

أحدهما: يلزمه الدم - قاله في القديم - لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال و هي المقصودة، و الإحرام كالتمهيد لها.

و أصحّهما: لا يلزم - و به قال أحمد(2) - لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ، لتقدّم أحد أركان العمرة عليها.

و قال مالك: مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم(3).

و قال أبو حنيفة: إذا أتي بأكثر أفعال العمرة في الأشهر، كان متمتّعا(4).

و إذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة، ففي وجوب دم الإساءة3.

ص: 213


1- البقرة: 196.
2- الشرح الكبير 246:3، فتح العزيز 139:7-140، حلية العلماء 261:3.
3- فتح العزيز 141:7-142، حلية العلماء 261:3.
4- فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3.

للشافعية وجهان:

أحدهما: يجب، لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات.

و أصحّهما: لا يجب، لأنّ المسيء من ينتهي إلي الميقات علي قصد النسك و يتجاوزه غير محرم، و هنا قد أحرم بنسك، و حافظ علي حرمة البقعة.

الثالث: أن يقع الحجّ و العمرة في سنة واحدة، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلي أن حجّ، أو رجع و عاد، لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّة في وقتها، و ترك الإحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإمكان و لم يوجد.

و هذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع.

الرابع: أن لا يعود إلي الميقات، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة و استمرّ عليه، فإن عاد إلي ميقاته الذي أنشأ العمرة منه و أحرم بالحجّ، فلا دم عليه، لأنّه لم يربح ميقاتا.

و لو رجع إلي مثل مسافة ذلك الميقات و أحرم منه، فكذلك لا دم عليه، لأنّ المقصود قطع تلك المسافة محرما.

و لو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلي الميقات محرما، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير محرم و عاد إليه محرما.

و لو عاد إلي ميقات أقرب إلي مكة من ذلك الميقات و أحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلي ذات عرق، فهو كالعود إلي ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان:

أحدهما: لا، و عليه الدم إذا لم يعد إلي ميقاته و لا إلي مثل مسافته.

و الثاني: نعم، لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

الخامس: اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟

ص: 214

فقال بعضهم: يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة.

و قال الأكثر: لا يشترط، لأنّ زحمة الحجّ و ترك الميقات لا يختلف.

و هذا يفرض في ثلاث صور:

إحداها: أن يكون أجيرا من شخصين استأجره أحدهما للحج و الآخر للعمرة.

و الثانية: أن يكون أجيرا للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه.

و الثالثة: أن يكون أجيرا للحجّ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر.

فعلي قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع علي من يقع له الحجّ و نصفه علي من تقع له العمرة.

و فصّل بعضهم، فقال في الصورة الاولي: إن أذنا في التمتّع، فالدم عليهما نصفان، و إن لم يأذنا، فهو علي الأجير، و إن أذن أحدهما دون الآخر، فالنصف علي الآذن، و النصف الآخر علي الأجير.

و أمّا في الصورتين الأخيرتين: فإن أذن له المستأجر في التمتّع، فالدم عليهما نصفان، و إلاّ فالكلّ علي الأجير.

السادس: في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان:

أصحّهما عنده: أنّه لا يشترط، كما لا تشترط نيّة القران، و هذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ و ربح أحد الميقاتين، و ذلك لا يختلف بالنيّة و عدمها.

و الثاني: يشترط، لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما، فأشبه الجمع بين الصلاتين.

و هذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم، و هل تعتبر في نفس التمتّع ؟ قال بعض الشافعية: نعم، فإذا تخلّف شرط، كانت الصورة من صور الإفراد.

و قال بعضهم: لا. و هو الأشهر عندهم، و لهذا اختلفوا في أنّه يصحّ

ص: 215

التمتّع و القران من المكّي.

فقال بعضهم: نعم. و به قال مالك.

و قال بعضهم: لا يصح. و به قال أبو حنيفة(1).

و عندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع.

مسألة 163: دم التمتّع نسك

- و به قال أبو حنيفة و أصحابه(2) - لقوله تعالي وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (3).

فأخبر أنّها من الشعائر، فأمر بالأكل، فلو كان جبرانا لما أمر بالأكل منها.

و قال الشافعي: إنّه دم جبران(4). و قد ظهر بطلانه.

إذا عرفت هذا، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة، لزمه الدم إجماعا، فإن أتي الميقات و أحرم منه، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا، لأنّه متمتّع.

و قال جميع العامّة: يسقط عنه الدم(5).

مسألة 164: من حضر الميقات و لم يتمكّن من الإحرام لمرض أو غيره، أحرم عنه وليّه

و جنّبه ما يجتنبه المحرم، و قد تمّ إحرامه.

و الحائض و النفساء إذا جاءتا إلي الميقات اغتسلتا و أحرمتا منه و تركتا صلاة الإحرام.

ص: 216


1- فتح العزيز 128:7 و 136-149 و 152-155 و 161 و 163-164، الحاوي الكبير 4: 49، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 175:7-179، حلية العلماء 3: 260-261.
2- الهداية - للمرغيناني - 186:1، المجموع 176:7 و 419:8، التفسير الكبير 5: 168.
3- الحج: 36.
4- فتح العزيز 135:7، المجموع 176:7، التفسير الكبير 168:5.
5- انظر: فتح العزيز 147:7، و المجموع 177:7.

و يجرّد الصبيان من فخّ إذا أريد الحجّ بهم، و يجنّبون ما يجتنبه المحرم، و يفعل بهم جميع ما يفعل به، و إذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة، كان علي أوليائهم أن يكفّروا عنهم.

و لو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّي له، لبّي عنه وليّه، و كذا يطوف به، و يصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك.

و إن حجّ بهم متمتّعين، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغارا، و إن كانوا كبارا، جاز أن يؤمروا بالصيام.

و ينبغي أن يوقفوا الموقفين معا و يحضروا المشاهد كلّها و يرمي عنهم، و يناب عنهم في جميع ما يتولاّه البالغ بنفسه.

و إذا لم يوجد لهم هدي و لا يقدرون علي الصوم، كان علي وليّهم أن يصوم عنهم.

ص: 217

ص: 218

المقصد الثاني في أعمال العمرة المتمتّع بها إلي الحجّ
اشارة

و فيه فصول

ص: 219

ص: 220

الفصل الأول في الإحرام
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأول: في مقدّماته
اشارة

مقدّمات الإحرام كلّها مستحبّة، و أمّا الإحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمدا بطل حجّه.

و تشتمل المقدّمات المستحبّة علي مسائل:

مسألة 165: يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه و لحيته من أوّل ذي القعدة

و لا يمسّ منهما شيئا بحلق أو نتف أو جزّ، و يتأكّد عند هلال ذي الحجة، فإن مسّ منهما شيئا، يكون قد ترك الأفضل، و لا شيء عليه، و هو اختيار الشيخ في بعض كتبه(1).

و قال في بعض: التوفير واجب، فإن مسّ منهما شيئا، وجب عليه دم يهريقه(2).

أمّا التوفير: فلما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلي هلال ذي القعدة، و من أراد العمرة وفّر

ص: 221


1- الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 227.
2- انظر: النهاية: 206، و المبسوط 309:1-310، و الاستبصار 161:2 ذيل الحديث 525، و التهذيب 48:5 ذيل الحديث 148.

شعره شهرا»(1).

و الأصل عدم الوجوب.

احتجّ الشيخ: بما رواه جميل عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة، قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي [1] يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه»(2).

و هو محمول علي ما إذا حلق بعد التلبّس بالإحرام، و يدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة، و هو إنّما يكون بها بعد الإحرام.

و لا بأس بحلق الرأس و قصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة.

مسألة 166: يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف

بإزالة الشعث و قطع الرائحة و نتف الإبط و قصّ الشارب و تقليم الأظفار و حلق العانة، لأنّ الإحرام يسنّ له الاغتسال، فتسنّ هذه الأشياء له، كالجمعة.

و لأنّ الإحرام يمنع حلق الشعر و تقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلاّ يحتاج إليه في إحرامه، فلا يتمكّن منه.

قال الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلي بعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فانتف إبطك و احلق عانتك و قلّم أظفارك و قصّ شاربك و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت»(3).

و لو كان قد اطلي قبل الإحرام، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوما، فإن مضت، استحب له الإطلاء.

ص: 222


1- الكافي 317:4-1، التهذيب 46:5-139، الإستبصار 160:2-520.
2- الكافي 441:4-7، التهذيب 48:5-49-149.
3- التهذيب 61:5-193، و الفقيه 200:2-913.

و الإطلاء أفضل، للرواية(1).

مسألة 167: يستحب له إذا وصل إلي الميقات و أراد الإحرام أن يغتسل إجماعا،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله تجرّد لإهلاله و اغتسل(2) ، و أمر أسماء بنت عميس - و هي نفساء - أن تغتسل عند الإحرام(3) ، و أمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحج و هي حائض(4) ، رواه العامّة.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلي العقيق - إلي أن قال - ثم استك و اغتسل»(5).

و هذا الغسل ليس واجبا في قول أكثر أهل العلم(6).

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال، و أنّه غير واجب(7).

و حكي عن الحسن أنّه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر(8).

و ليس دالا علي الوجوب.

و يستوي في استحبابه الرجل و المرأة و الصبيّ.

و لا فرق بين الحائض و النفساء و غيرهما، لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف و قطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم.

و لو كان علي الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتي تطهر، فالأولي أن تؤخّر الإحرام حتي تطهر و تغتسل، ليقع إحرامها في أكمل أحوالها.

ص: 223


1- الكافي 327:4-6، التهذيب 62:5-63-199.
2- سنن الترمذي 193:3-830، سنن البيهقي 33:5، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
3- صحيح مسلم 887:2-1218، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
4- صحيح مسلم 881:2-1213، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
5- الكافي 326:4-1، الفقيه 200:2-914.
6- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.
7- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.
8- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.

و لو تعذّر الماء أو استعماله، تيمّم بدلا من غسله، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه - و به قال الشافعي(2) - لأنّه غسل مشروع، فناب عنه التيمّم كالواجب.

و قال أحمد: لا يستحب، قياسا علي غسل الجمعة(3).

مسألة 168: لو خاف عوز الماء في الميقات، جاز له تقديم الغسل علي الميقات،

و يكون علي هيئته إلي أن يبلغ الميقات، ثم يحرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم و ليلة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه أ يجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة ؟ قال:

«نعم»(4).

و أرسل هشام بن سالم إلي الصادق عليه السلام، قال: نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك، فأرسل إلينا أن «اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها، ثم تعالوا فرادي أو مثاني»(5).

إذا عرفت هذا، فلو قدّم الغسل خوفا من عوز الماء ثم وجده في الميقات، استحب له إعادته.

و غسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم، و غسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم.

قال الصادق عليه السلام: «من اغتسل منذ طلوع الفجر [كفاه غسله إلي الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل ليلا] [1] كفاه غسله إلي

ص: 224


1- المبسوط - للطوسي - 314:1.
2- الام 145:2، فتح العزيز 242:7، المجموع 213:7.
3- المغني 233:3، الشرح الكبير 231:3.
4- الكافي 328:4-2، التهذيب 63:5-200.
5- الكافي 328:4-7، الفقيه 201:2-918، التهذيب 63:5-64-202.

طلوع الفجر»(1).

و لو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإحرام، أعاد الغسل، لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم، قال: «عليه إعادة الغسل»(2).

و كذا لو لبس قميصا مخيطا، أعاد الغسل استحبابا، لأنّه مناف للإحرام، لقول الباقر عليه السلام: «إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل»(3).

و كذا لو أكل ما لا يحل للمحرم أكله بعد الغسل، فإنّه يعيد الغسل استحبابا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا لبست ثوبا لا ينبغي [لك](4) لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل»(5).

و لو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإحرام، لم يكن عليه شيء، لأنّه محلّ، و لا يعيد الغسل، لقول الصادق عليه السلام في رجل اغتسل للإحرام ثم قلّم أظفاره، قال: «يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل» [1].

و لو أحرم بغير غسل، استحب إعادته، لأنّه تقدمة مندوبة، فاستحب إعادة الفعل مع الإخلال بها، كالأذان.

و كتب الحسن بن سعيد إلي الكاظم عليه السلام: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك ؟ و كيف ينبغي أن يصنع ؟2.

ص: 225


1- التهذيب 64:5-204.
2- الكافي 328:4-3، التهذيب 65:5-206، الإستبصار 164:2-537.
3- الكافي 329:4-8، التهذيب 65:5-210.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 71:5-232.

فكتب: «يعيده»(1).

و يجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإحرام، لأنّه محلّ.

و لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام: ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام ؟ فقال: «قبل و بعد و مع ليس به بأس»(2).

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب، و لو كان فيه طيب يبقي إلي بعد الإحرام، لم يجز، لقول الصادق عليه السلام: «الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل»(3).

مسألة 169: يكره أن يتطيّب للإحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقي إلي بعد الإحرام،

و لو كانت رائحته تبقي إلي بعد الإحرام، كان محرّما، و وجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر بن الخطّاب و مالك و محمد بن الحسن(4) - لما رواه العامّة عن يعلي بن أميّة، قال: كنّا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالجعرانة، فأتاه رجل عليه مقطّعة - يعني جبّة - و هو مضمّخ [1] بالخلوق في بعضها، و عليه ردع [2] من زعفران، فقال: يا رسول اللّه إنّي أحرمت بالعمرة و هذه عليّ، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما كنت صانعا في حجّك ؟) قال: كنت أنزع هذه المقطّعة و أغسل

ص: 226


1- الكافي 327:4-5، التهذيب 78:5-79-260.
2- الفقيه 201:2-918، و في التهذيب 303:5-1034، و الاستبصار 182:2-605 مضمرا.
3- الفقيه 201:2-920.
4- المغني 234:3، الشرح الكبير 233:3، معالم السنن - للخطّابي - 287:2، المجموع 222:7، فتح العزيز 249:7، بداية المجتهد 328:1، بدائع الصنائع 2: 144.

هذا الخلوق، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (ما كنت صانعا في حجّك فاصنعه في عمرتك)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السلام: يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر، فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به»(2).

و سأل إسماعيل بن الفضل الصادق عليه السلام: عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب، قال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه»(3).

و قال الشافعي: يستحب له أن يتطيّب قبل الإحرام للإحرام، سواء كان طيبا يبقي عينه، كالغالية و المسك، أو تبقي رائحته، كالبخور و العود و النّدّ [1] - و به قال عبد اللّه بن الزبير و سعد بن أبي وقّاص و أمّ حبيبة و عائشة و معاوية و أبو حنيفة و أبو يوسف و أحمد، و رواه العامّة عن ابن عباس و ابن الحنفية و أبي سعيد الخدري و عروة و الشعبي(4) - لأنّ عائشة قالت: كنت أطيّب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لإحرامه قبل أن يحرم، و لحلّه قبل أن يطوف(5).

و نمنع الرواية، و نحمله علي ما لا تبقي رائحته إلي بعد الإحرام.

إذا ثبت هذا، فلو لبس ثوبا مطيّبا ثم أحرم، و كانت رائحته تبقي إلي بعد الإحرام، وجب عليه نزعه، أو إزالة الطيب عنه، فإن لم يفعل وجب الفداء.

و يجيء علي مذهب الشافعي: أنّه لا يجب الفداء إلاّ إذا نزعه ثم لبسه،5.

ص: 227


1- صحيح مسلم 836:2-7، سنن البيهقي 56:5 بتفاوت، و أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 288:2-289 ذيل المسألة 64.
2- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.
3- الكافي 343:4-19، الفقيه 217:2-99، التهذيب 68:5-69-223.
4- الحاوي الكبير 78:4، حلية العلماء 274:3، فتح العزيز 247:7-248، المجموع 218:7 و 221-222، المغني 234:3، الشرح الكبير 232:3-233.
5- صحيح مسلم 846:2-33، الموطّأ 328:1-17، سنن البيهقي 34:5.

لأنّه لبس ثوبا مطيّبا بعد إحرامه(1).

و لو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه، [لزمته الفدية](2)(3).

و لو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلي موضع آخر، ففيه للشافعي وجهان:

أحدهما: لا يجب الفداء، لأنّه يجري مجري الناسي.

و الثاني: يجب، لأنّه حصل بسببه. و اعتماده علي الأول(4).

مسألة 170: لا يجوز تطيّب إزار الإحرام و ردائه حالة الإحرام و لا قبله

إذا كانت رائحته تبقي إلي بعد الإحرام.

و للشافعي قولان:

أحدهما: المنع، لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كتطيّب البدن(5).

و لو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعا، فلا بأس به عنده(6).

و الخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإحرام، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام، كما في البدن(7).

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان:

أحدهما: لا تلزم، لأنّ العادة في الثوب أن ينزع و يعاد.

ص: 228


1- فتح العزيز 251:7-252، المجموع 218:7.
2- أضفناها من المصدر.
3- فتح العزيز 250:7، المجموع 218:7.
4- فتح العزيز 250:7، المجموع 218:7، حلية العلماء 275:3.
5- فتح العزيز 250:7-251.
6- فتح العزيز 251:7، المجموع 219:7.
7- فتح العزيز 251:7، المجموع 218:7.

و أصحّهما: اللزوم كما لو أخذ القمل [1] من بدنه ثمّ ردّه(1).

و للشافعي ثلاثة أوجه:

فقال في وجه باستحباب التطييب للإحرام.

و في آخر: إنّه مباح ليس بمسنون.

و في آخر: إنّه لا يجوز للنساء التطييب.

و له آخر: إنّه لا يستحب لهنّ(2).

و لا فرق بين التطييب الذي يبقي له أثر و جرم و بين غيره.

و منع أبو حنيفة ممّا يبقي جرمه و لا يثبت(3).

و عند مالك يكره التطيّب بما تبقي رائحته بعد الإحرام(4).

و إذا تطيّب للإحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به، و لا يجيء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب، لأنّ هذا محقّق حقّ للّه تعالي، و المساهلة فيه أكثر(5).

و الحقّ: أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم، للإجماع علي تحريم الطيب علي المحرم، و لم يفصّلوا بين استئنافه و استدامته.

مسألة 171: لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإحرام بل يكره للزينة،

و سيأتي.

و قال الشافعي: يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلي الكوعين قبل الإحرام، و تمسح وجهها أيضا بشيء من الحناء يسيرا، و لا

ص: 229


1- فتح العزيز 251:7-252، المجموع 218:7-219.
2- فتح العزيز 248:7-249، المجموع 218:7.
3- فتح العزيز 249:7.
4- بداية المجتهد 328:1، فتح العزيز 249:7، الهداية - للمرغيناني - 137:1.
5- فتح العزيز 249:7-250، المجموع 218:7.

يختص أصل الاستحباب بالإحرام، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده(1).

و لا فرق في حالة الإحرام بين الخليّة و ذات الزوج، و إنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش، و التطريف، و هو: خضب أطراف الأصابع، و وافقنا علي كراهية الخضاب بعد الإحرام(2).

مسألة 172: أفضل أوقات الإحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر،

فيبدأ أوّلا بعد الزوال بركعتي الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر، و إن اتّفق أن يكون الإحرام في غير هذا الوقت، كان جائزا، لكن الأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة، و أفضل ذلك بعد صلاة الظهر، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة، صلّي ست ركعات، و ينوي بها صلاة الإحرام، و يحرم في دبرها، و إن لم يتمكّن من ذلك، أجزأه ركعتان.

و ينبغي أن يقرأ في الأولي منهما بعد التوجّه: الحمد و الإخلاص، و في الثانية: الحمد و الجحد، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما، لما روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، صلّي بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلاّ أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس»(4).

و سأل الحلبي الصادق عليه السلام عن إحرام النبي صلّي اللّه عليه و آله أيّة ساعة ؟ قال: «صلاة الظهر»(5).

ص: 230


1- فتح العزيز 252:7-254، المجموع 219:7.
2- فتح العزيز 254:7، المجموع 219:7.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 257:7.
4- الكافي 331:4-1، التهذيب 78:5-256.
5- الكافي 332:4-4، الفقيه 207:2-940، التهذيب 78:5-255.

و قال الصادق عليه السلام: «لا يكون إحرام إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة» [1].

و قال عليه السلام: «تصلّي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ صلاة الإحرام تفعل في جميع الأوقات و إن كان أحد الأوقات المكروهة.

و أصحّ الوجهين عند الشافعية: الكراهة في الأوقات المكروهة(2).

و هل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام ؟ يحتمل ذلك، و هو قول الشافعي(3).

لكن المشهور تقديم نافلة الإحرام علي الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة، و ذلك يدلّ علي عدم الاكتفاء في الاستحباب.

المطلب الثاني: في كيفيته
مسألة 173: الإحرام يشتمل علي واجب و ندب،

و نحن نذكر المندوب في أثناء المسائل.

و واجبات الإحرام ثلاثة: النيّة و التلبيات الأربع و لبس ثوبي الإحرام.

و ينبغي للحاج إذا وصل إلي الميقات أن يقلّم أظفاره، و يأخذ من شاربه، و ينتف إبطيه أو يطلي بالنورة، و يحلق عانته أو يطلي، و يغتسل، و يدعو عند الاغتسال بالمنقول، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما و يتوشّح

ص: 231


1- التهذيب 78:5-257، الاستبصار 166:2-545.
2- فتح العزيز 257:7-258.
3- فتح العزيز 258:7.

بالآخر، و يدعو بالمنقول، ثم يصلّي ست ركعات الإحرام أو ركعتيه، فإذا فرغ من صلاته، حمد اللّه و أثني عليه، و صلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و يدعو بالمنقول، فإذا فرغ من الدعاء، لبّي فيقول: لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك.

و قال الشيخ في كتبه: لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك(1).

ثم لا يزال مكرّرا للتلبية مستحبّا إلي أن يدخل مكة و يطوف و يسعي و يقصّر و قد أحلّ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك، ثم يمضي إلي عرفات علي ما سبق ذكره.

و النظر في الواجبات
اشارة

يتعلّق بأمور ثلاثة:

الأول: النية
مسألة 174: النيّة واجبة في الإحرام

و شرط فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2) و الإخلاص النيّة، و الإحرام عبادة.

و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوي)(3).

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الآخر: إنّ الإحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة، و يلزمه ما لبّي به(4).

و ليس بجيّد، لما تقدّم.

ص: 232


1- وجدنا هذه العبارة في النهاية و نكتها 471:1، و انظر: المبسوط - للطوسي - 316:1.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201.
4- فتح العزيز 200:7-201، المجموع 224:7.

و الواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلي أمور أربعة: ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّبا به إلي اللّه تعالي، و يذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد، و يذكر الوجوب أو الندب و ما يحرم له من حجّة الإسلام أو غيرها.

و لو نوي الإحرام مطلقا و لم يذكر لا حجّا و لا عمرة، انعقد إحرامه، و كان له صرفه إلي أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ، لأنّها عبادة منويّة.

و لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، خرج من المدينة لا يسمّي حجّا و لا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ و لم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: لمّا رجع من اليمن وجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت، فجاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله مستنبئا [1] و محرشا [2] علي فاطمة عليها السلام، فقال:

«أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي ؟» فقال: «إهلالا كإهلال النبي صلّي اللّه عليه و آله» فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «كن علي إحرامك مثلي، فأنت شريكي في هديي» و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي عليه السلام منها أربعا و ثلاثين، و لنفسه ستّا و ستّين، و نحرها كلّها بيده، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوة [3]، ثم طبخها في قدر، و أكلا منها و تحسّيا [4] من المرق، فقال: «قد أكلنا الآن منها جميعا» و لم يعطيا الجزّارين جلودها و لا3.

ص: 233


1- سنن البيهقي 6:5، اختلاف الحديث: 227، و أورده ابن قدامة في المغني 251:3.

جلالها [1] و لا قلائدها و لكن تصدّق [2] بها، و كان علي عليه السلام يفتخر علي الصحابة و يقول: «من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هديي بيده»(1).

و لأنّ الإحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات، لأنّه لا يخرج منه بالفساد.

و إذا عقد عن غيره، أو تطوّعا و عليه فرضه، وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقا.

و إذا ثبت أنّه ينعقد مطلقا، فإن صرفه إلي الحجّ، صار حجّا، و إن صرفه إلي العمرة، صار عمرة، و إلي أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد، انصرف إليه.

و لو صرفه إلي الحجّ و العمرة معا، لم يصح عندنا، خلافا للعامّة.

فروع:

أ - لو عقده مطلقا قبل أشهر الحجّ، انعقد للعمرة،

لأنّه إحرام لا يصح لغيرها، فانصرف إليها.

ب - لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة

و أطلق الإحرام، فالأقرب انصراف المطلق إلي ما وجب عليه.

ج - يصح إبهام الإحرام،

و هو: أن يحرم بما أحرم به فلان، فإن علم ما أحرم به فلان، انعقد إحرامه مثله.5.

ص: 234


1- الفقيه 153:2-154-665.

و لو لم يعلم و تعذّر علمه بموت أو غيبة، قال الشيخ: يتمتّع احتياطا للحجّ و العمرة(1).

و لو بان أنّ فلانا لم يحرم، انعقد مطلقا، و كان له صرفه إلي أيّ نسك شاء، و كذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا، لأصالة عدم إحرامه.

د - لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين،

قال بعض العامّة(2):

ينعقد حجّا، و ينوي الحجّ، و يقع هذا الطواف طواف القدوم، و لا يصير معتمرا، لأنّ الطواف ركن في العمرة، فلا يقع بغير نيّة، و طواف القدوم لا يحتاج إلي النيّة، فيصير حاجّا.

و يحتمل عدم اعتداده بطوافه، لأنّه لم يطف في حجّ و لا عمرة.

ه - تعيين الإحرام أولي من إطلاقه

- و به قال مالك و الشافعي في أحد قوليه - لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به، فيكون أولي من عدم العلم(3).

و قال الشافعي في الآخر: الإطلاق أولي، لأنّ النبي عليه السلام أطلق الإحرام(4).

و الرواية مرسلة، و الشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة(5) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة علي أنّه عليه السلام عيّن ما أحرم به.

مسألة 175: لو أحرم بنسك ثم نسيه، تخيّر بين الحجّ و العمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما،

قاله الشيخ في المبسوط(6) ، لأنّه قبل الإحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز، عملا

ص: 235


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- انظر: بلغة السالك 268:1.
3- المغني 251:3، الشرح الكبير 236:3، المهذّب - للشيرازي - 212:1، الحاوي الكبير 84:4، فتح العزيز 207:7، حلية العلماء 277:3، المجموع 227:7.
4- المغني 251:3، الشرح الكبير 236:3، المهذّب - للشيرازي - 212:1، الحاوي الكبير 84:4، فتح العزيز 207:7، حلية العلماء 277:3، المجموع 227:7.
5- كما في المغني 252:3، و الشرح الكبير 236:3.
6- المبسوط 317:1.

باستصحاب الحال.

و لأنّه لو أحرم بالحجّ، جاز له فسخه إلي العمرة علي ما تقدّم.

و قال الشيخ في الخلاف: يجعله عمرة - و به قال أحمد(1) - لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة، فإن كان بالحجّ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلي عمرته يتمتّع بها، و إن كان بالعمرة، صحّ لها، فقد صحّت للعمرة علي الوجهين، و إذا أحرم بالعمرة، لم يمكنه جعلها حجّة مع القدرة علي إتيان أفعال العمرة، فلهذا قلنا: يجعلها عمرة(2).

و قال أبو حنيفة: يجب عليه أن ينوي القران - و هو أحد قولي الشافعي - لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة، فلم يكن له الاجتهاد، و إنّما يرجع إلي اليقين، كما لو [1] شكّ في عدد الركعات، بخلاف الإناءين و القبلة، لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه، و أمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه و لا أمارة علي ذلك إلاّ ذكره، فلم يرجع إلاّ إليه(3).

و هو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن.

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه، فالوجه: انصرافه إليه.

و قال الشافعي في القديم: يتحرّي و يبني علي ما يغلب علي ظنّه، لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة، و كان له الاجتهاد فيه، كالإناءين و القبلة(4).

و نمنع حكم الأصل.3.

ص: 236


1- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، حلية العلماء 278:3.
2- الخلاف 290:2-291، المسألة 68.
3- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، الحاوي الكبير 85:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 233:7، فتح العزيز 222:7-223، حلية العلماء 278:3.
4- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، الحاوي الكبير 85:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 233:7، فتح العزيز 222:7-223، حلية العلماء 278:3.

إذا ثبت هذا، فلو أحرم بهما معا، لم يصح، قال الشيخ: و يتخيّر(1).

و كذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما، فعل أيّهما شاء.

و لو تجدّد الشك بعد الطواف، جعلها عمرة متمتّعا بها إلي الحجّ.

مسألة 176: لو نوي الإحرام بنسك و لبّي بغيره،

انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به، لأنّ الاعتبار بالنيّة، و التلفّظ ليس واجبا، فلا اعتبار به.

و لأنّ أحمد بن محمد سأل الرضا عليه السلام: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع ؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صلّيت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة [و قصرت](2) و فسختها و جعلتها متعة»(3).

و لا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد.

و قال الشافعي في أحد وجهيه: لا يفتقر المتمتّع إلي النيّة [1].

و ليس بجيّد، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (4) و التمتّع عبادة.

و لأنّها أفعال مختلفة، فلا بدّ من النيّة، ليتميّز بعضها عن الآخر.

و يستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ - و به قال أحمد(5) - لما رواه العامّة عن أنس، قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (لبّيك عمرة و حجّا)(6).

ص: 237


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 86:5-285، الإستبصار 172:2-561.
4- البيّنة: 5.
5- المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
6- صحيح مسلم 905:2 ذيل الحديث 1232، و 915-215، سنن أبي داود 2: 157-1795، سنن النسائي 150:5، سنن البيهقي 40:5.

و قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نصرخ بالحجّ(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ و عمرة»(2).

و لو اتّقي، كان الأفضل الإضمار.

النظر الثاني: في لبس الثوبين
مسألة 177: إذا أراد الإحرام، وجب عليه نزع ثيابه،

و لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (و تلبس إزارا و ملاءة) [1] [2].

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و البس ثوبيك»(3).

و يجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(4).

فلا يجوز الإحرام في الإبريسم المحض للرجال، لأنّ لبسه محرّم، فلا يكون عبادة.

و الأقرب: جواز لبس النساء الحرير المحض حالة الإحرام، اختاره

ص: 238


1- صحيح مسلم 914:2-1247، مسند أحمد 5:3، سنن البيهقي 31:5.
2- التهذيب 85:5-282، الإستبصار 171:2-564.
3- الكافي 326:4-1، و 454-1 و 2، الفقيه 200:2-914، التهذيب 5: 168-559، الاستبصار 251:2-881.
4- الفقيه 215:2-976.

المفيد(1) - خلافا للشيخ(2) - لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال: قلت للصادق عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الخزّ و الحرير و الديباج فقال: «نعم لا بأس به»(3).

احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بما رواه عيص - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين [1]»(4).

و هو محمول علي الكراهة.

مسألة 178: يستحب الإحرام في الثياب القطن، و أفضلها البيض،

لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (خير ثيابكم البيض، فألبسوها أحياءكم، و كفّنوا بها موتاكم)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كان ثوبا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عبريّ و أظفار [2]، و فيهما كفّن»(6).

و لا بأس بالثوب الأخضر و المعصفر و غيرهما، لأنّ أبا العلاء الخفاف رأي الباقر عليه السلام و عليه برد أخضر و هو محرم(7).

ص: 239


1- أحكام النساء (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد) 35:9.
2- انظر: المبسوط - للطوسي - 320:1.
3- التهذيب 74:5-246، الاستبصار 309:2-1100.
4- التهذيب 73:5-243، الإستبصار 308:2-1099.
5- أورده ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 234:3، و بتفاوت في سنن ابن ماجة 2: 1181-3566، و سنن البيهقي 33:5، و المستدرك - للحاكم - 185:4.
6- الكافي 339:4-2، الفقيه 214:2-975.
7- الكافي 339:4-340-5، الفقيه 215:2-978.

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام: يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس»(1).

و يكره الثياب السود، لقول الصادق عليه السلام: «لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميّت»(2).

مسألة 179: يكره المعصفر إذا كان مشبعا، و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (و لتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ)(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و أنا محرم ؟ قال: «نعم ليس العصفر من الطيب و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس»(5).

و قال أبو حنيفة: العصفر طيب تجب به الفدية علي المحرم، كالورس و الزعفران(6).

و هو ممنوع، و قد نصّ الصادق عليه السلام علي أنّه ليس بطيب(7).

ص: 240


1- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.
2- الكافي 341:4-13، الفقيه 215:2-983، التهذيب 66:5-214.
3- الحاوي الكبير 111:4، المجموع 282:7، المغني 300:3، الشرح الكبير 3: 333.
4- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 52:5، المستدرك - للحاكم - 1: 486، و أورده ابنا قدامة في المغني 300:3، و الشرح الكبير 333:3.
5- التهذيب 69:5-224، الإستبصار 165:2-541.
6- بدائع الصنائع 189:2، بداية المجتهد 327:1، المجموع 282:7، الحاوي الكبير 111:4، المغني 300:3، الشرح الكبير 333:3.
7- الكافي 342:4-17، الفقيه 216:2-990، التهذيب 69:5-224، الإستبصار 165:2-541.
مسألة 180: يجوز الإحرام في الممتزج من الحرير و غيره،

لخروجه عن اسم الإبريسم بالمزج.

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الخميصة [1] سداها إبريسم و لحمتها من غزل، قال: «لا بأس بأن يحرم فيها، إنّما يكره الخالص منه [2]»(1).

و كذا يجوز الإحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل و ذهبت رائحته - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه.

و لأنّ الكاظم عليه السلام سئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه ؟ قال: «لا بأس به»(3).

و سأل إسماعيل بن الفضل الصادق عليه السلام عن المحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب، فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه»(4).

و لو أصاب ثوبه شيء من خلوق الكعبة و زعفرانها، لم يكن به بأس و إن لم يغسله، لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم، قال: «لا بأس به و لا يغسله فإنّه طهور»(5).

و يكره النوم علي الفرش المصبوغة، لقول الباقر عليه السلام: «يكره

ص: 241


1- الكافي 339:4-4، التهذيب 67:5-215، و بتفاوت يسير في الفقيه 2: 217-992.
2- الحاوي الكبير 99:4-100.
3- التهذيب 67:5-218.
4- الكافي 343:4-19، التهذيب 68:5-69-223 بتفاوت يسير.
5- التهذيب 69:5-225.

للمحرم أن ينام علي الفراش الأصفر و المرفقة [1] الصفراء»(1).

و يكره الإحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل، لاستحباب التنظيف، و قد تقدّم.

و سئل أحدهما عليهما السلام عن الثوب الوسخ يحرم فيه المحرم، فقال: «لا، و لا أقول: إنّه حرام، لكن تطهيره أحبّ إليّ، و طهره غسله»(2).

مسألة 181: و لا يلبس ثوبا يزرّه و لا مدرعة و لا خفّين و لا سراويل،

كما يحرم عليه لبس المخيط، لقول الصادق عليه السلام: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه و لا مدرعة، و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك أزرار، و لا الخفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان»(3).

و لا بأس بلبس الطيلسان، و لا يزرّه علي نفسه، لأنّه بمنزلة الرداء، و إنّما لا يزرّه، لأنّه حينئذ يتنزّل منزلة المخيط، لقول الصادق عليه السلام في المحرم يلبس الطيلسان المزرور، قال: «نعم في كتاب علي عليه السلام:

و لا تلبس طيلسانا حتي تحلّ أزراره» و قال: «إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه، فأمّا الفقيه فلا بأس بلبسه»(4).

و أمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لبسها علي المحرم إلاّ أن لا يجد إزارا، فيجوز له لبسها، و لا فدية عليه - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لما رواه العامة

ص: 242


1- التهذيب 68:5-221.
2- التهذيب 68:5-222.
3- التهذيب 69:5-70-227 بتفاوت يسير.
4- الفقيه 217:2-995.
5- الحاوي الكبير 98:4، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 254:7 و 259 و 266، فتح العزيز 452:7-453، حلية العلماء 285:3، بداية المجتهد 327:1، المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3.

عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفّين، و إذا لم يجد إزارا لبس سراويل)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار»(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: إذا لبس السراويل، وجب عليه الفدية، لأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإزار وجب للبسه الفدية مع عدمه كالقميص(3).

و الفرق: أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته و لا يلبسه و إنّما يأتزر به، و هذا يجب عليه لبسه ليستر عورته، و لا يمكنه ستر عورته إلاّ بلبسه علي صفته.

مسألة 182: و يحرم عليه لبس القباء بالإجماع،

لأنّه مخيط، فإن لم يجد ثوبا، جاز له أن يلبس القباء مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء، و لا فدية عليه حينئذ - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا اضطرّ المحرم إلي القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء»(5).

و قال الشافعي و مالك و أحمد: يجب الفداء، لأنّه محرم لبس مخيطا علي العادة في لبسه، فوجبت عليه الفدية(6).

ص: 243


1- سنن البيهقي 50:5، سنن الدار قطني 228:2-56.
2- التهذيب 69:5-70-227.
3- المغني 227:3، الشرح الكبير 281:3، بداية المجتهد 327:1، فتح العزيز 7: 453، المجموع 266:7، الحاوي الكبير 98:4، حلية العلماء 285:3.
4- المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، حلية العلماء 285:3.
5- التهذيب 70:5-228.
6- الوجيز 124:1، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، حلية العلماء 285:3، المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3.

و نمنع لبسه علي العادة.

و لو أدخل كتفيه في القباء و لم يدخل يديه في كمّيه و لم يلبسه مقلوبا، كان عليه الفداء - و به قال الشافعي(1) - لعموم ما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من قوله عليه السلام: (لا يلبس المحرم القميص و لا الأقبية)(2) خرج منه ما لو لبسه مقلوبا، للضرورة، و عملا بما تقدّم، فيبقي الباقي علي المنع.

و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: متي توشّح به كالرداء لا شيء عليه بلا خلاف(4).

قال ابن إدريس: ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلي باطنه و بالعكس، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه(5).

و هو حسن، لما روي عن الصادق عليه السلام: «من اضطرّ إلي ثوب و هو محرم و ليس معه إلاّ قباء فلينكّسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه»(6).

مسألة 183: يجوز للمحرم أن يلبس النعلين،

و لا نعلم فيه خلافا، للضرورة الداعية إليه.

و لو لم يجد النعلين، لبس الخفّين، و يقطعهما إلي ظاهر القدم، كالشمشكين، و لا يجوز له لبسهما قبل القطع - و به قال الشافعي و مالك و أبو

ص: 244


1- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 298:2، المسألة 79.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 298:2 ذيل المسألة 79، و انظر: سنن الدار قطني 2: 232-68، و سنن البيهقي 50:5.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 298:2، المسألة 79.
4- الخلاف 298:2، المسألة 79.
5- السرائر: 127.
6- الكافي 347:4-5.

حنيفة(1) - لما رواه العامّة عن النبي عليه السلام: (فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين، و ليقطعهما حتي يكونا الي الكعبين)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل، قال: «نعم و لكن يشقّ ظهر القدم»(3).

و قال بعض أصحابنا: يلبسهما صحيحين(4) - و به قال أحمد و عطاء بن أبي رباح - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (السراويل لمن لا يجد إزارا، و الخفّ لمن لا يجد نعلين) [1](5).

و لأنّ فاقد الإزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخفّ.

و لا منافاة في الحديث لقولنا، و اللّبس مع الفتق غير ممكن في السراويل.

و يجوز أيضا أن يلبس الجرموقين إذا لم يجد النعلين، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله رفاعة عن المحرم يلبس الجوربين، قال: «نعم و الخفّين إذا اضطرّ إليهما»(6).

و لو وجد النعلين، لم يجز له لبس الخفّين المقطوعين و لا الجرموقين و لا الشمشكين، لأنّه عليه السلام شرط في لبسهما عدم وجدان النعلين.6.

ص: 245


1- الحاوي الكبير 97:4، المجموع 261:7 و 265، فتح العزيز 453:7، حلية العلماء 286:3، المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3.
2- صحيح البخاري 169:2، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن النسائي 135:5، سنن ابن ماجة 978:2-2932، سنن الدار قطني 229:2-59، سنن الترمذي 196:3 ذيل الحديث 834.
3- الفقيه 218:2-997.
4- قال به ابن إدريس في السرائر: 127.
5- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282، حلية العلماء 286:3، الحاوي الكبير 97:4، بداية المجتهد 327:1، المنتقي - للباجي - 196:2.
6- الفقيه 217:2-996.

و قال بعض الشافعية: يجوز(1). و هو غلط.

و كذا لا يجوز له لبس القباء مقلوبا مع وجود الإزار.

و لو لم يجد رداء، لم يجز له لبس القميص.

و لو عدم الإزار، جاز له التوشّح بالقميص و بالقباء المقلوب، لقول الصادق عليه السلام: «و إن لم يكن له رداء طرح قميصه علي عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه»(2).

مسألة 184: يجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحرّ أو البرد،

و أن يغيّرهما، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام عن الثوبين يرتدي بهما، قال: «نعم و الثلاثة يتّقي بها الحرّ و البرد» و سأله عن المحرم يحوّل ثيابه، قال: «نعم» و سأله: يغسلها إن أصابها شيء، قال: «نعم إذا احتلم فيها فليغسلها»(3).

و يكره للمحرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلاّ إذا أصابهما نجاسة، لقول أحدهما عليهما السلام: «لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتي يحلّ و إن توسّخ، إلاّ أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله»(4).

إذا ثبت هذا، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما، و كره أن يبيعهما»(5).

ص: 246


1- المهذب - للشيرازي - 215:1، المجموع 258:7، حلية العلماء 286:3، فتح العزيز 453:7، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3، بداية المجتهد 327:1.
2- التهذيب 70:5-229.
3- التهذيب 70:5-230.
4- الكافي 341:4-14، الفقيه 215:2-980، التهذيب 71:5-234.
5- الكافي 341:4-11، الفقيه 218:2-1000، التهذيب 71:5-233.
مسألة 185: يجوز الإحرام في الثياب المعلمة، و اجتنابه أفضل،

لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم، و يدعه أحبّ إليّ إذا قدر علي غيره»(1).

و يكره بيع الثوب الذي أحرم فيه، لقول معاوية بن عمّار - في الصحيح -:

كان الصادق عليه السلام يكره للمحرم أن يبيع ثوبا أحرم فيه [1].

و لو أحرم و عليه قميص، نزعه و لا يشقّه، و هو قول أكثر العلماء(2) ، لما روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه كيف تري في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعد ما تضمّخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي صلّي اللّه عليه و آله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: (أمّا الطيب الذي بك فاغسله، و أمّا الجبّة فانزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه، فقال: «ينزعه [2] و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا لبسه بعد ما أحرم، وجب عليه أن يشقّه، و يخرجه من قدميه، للرواية السابقة و غيرها(5).

ص: 247


1- الفقيه 216:2-986، التهذيب 71:5-235.
2- المغني 267:3، معالم السنن - للخطّابي - 343:2.
3- صحيح مسلم 837:2-8.
4- التهذيب 72:5-238.
5- التهذيب 72:5 ذيل الحديث 236.
النظر الثالث: في التلبيات
مسألة 186: التلبيات الأربع واجبة و شرط في إحرام المتمتّع و المفرد،

فلا ينعقد إحرامهما إلاّ بها، و الأخرس يشير بها و يعقد قلبه بها، و أمّا القارن:

فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإشعار أو التقليد لما يسوقه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أبو حنيفة و الثوري(1) ، لقوله تعالي فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (2).

قال ابن عباس: الإهلال(3).

و عن عطاء و طاوس و عكرمة: هو التلبية(4).

و ما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)(5) و ظاهر الأمر الوجوب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ»(6) الحديث.

و قال أصحاب مالك: إنّها واجبة يجب بتركها الدم(7).

ص: 248


1- بدائع الصنائع 161:2، تحفة الفقهاء 400:1، المغني 256:3، الشرح الكبير 3: 264، فتح العزيز 202:7، المجموع 225:7، حلية العلماء 277:3.
2- البقرة: 197.
3- المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3-265.
4- المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3-265.
5- سنن الترمذي 191:3-192-829، ترتيب مسند الشافعي 306:1-794.
6- التهذيب 91:5-300.
7- المنتقي - للباجي - 207:2، المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3.

و قال الشافعي: إنّها مستحبّة ليست واجبة، و ينعقد الإحرام بالنيّة، و لا حاجة الي التلبية - و به قال أحمد و الحسن بن صالح بن حي - لأنّ التلبية ذكر، فلا يجب في الحجّ، كسائر الأذكار(1).

و ليس بجيّد، لما يأتي من بيان الوجوب.

مسألة 187: و التلبيات الأربع هي الواجبة،

للإجماع علي عدم وجوب الزائد عليها، لما رواه الشافعي عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن جابر، قال: تلبية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك(2).

و قال عليه السلام: (خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «فإذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ، و التلبية أن تقول: لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعيا الي دار السلام، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب، لبّيك لبّيك أهل التلبية، لبّيك لبّيك ذا الجلال و الإكرام، لبّيك لبّيك تبدئ و المعاد إليك، لبّيك لبّيك تستغني و يفتقر إليك، لبّيك لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك، لبّيك لبّيك إله الخلق، لبّيك لبّيك ذا النعماء و الفضل الحسن الجميل، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب، لبّيك لبّيك عبدك و ابن عبديك، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك».

ص: 249


1- المجموع 225:7 و 245 و 246، المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3.
2- الام 155:2، ترتيب مسند الشافعي 304:1-790.
3- سنن البيهقي 125:5.

«تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك، و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك، و بالأسحار، و أكثر ما استطعت و اجهر بها، و إن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل».

«و اعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام هي الفريضة، و هي التوحيد، و بها لبّي المرسلون، و أكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يكثر منها، و أوّل من لبّي إبراهيم عليه السلام، قال: إن اللّه يدعوكم الي أن تحجّوا بيته، فأجابوه بالتلبية، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل و لا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبية»(1).

و لأنّها عبادة لها تحليل و تحريم، فكان فيها نطق واجب، كالصلاة.

إذا عرفت هذا، فإنّ الزائد علي الأربع مستحب - و به قال أصحاب أبي حنيفة(2) - لما تقدّم.

و قال الشافعي: إنّه غير مستحب. و به قال أحمد(3) - و قال بعضهم: إنّ الزائد مكروه(4) - لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقر عليهما السلام عن جابر - و قد تقدّم(5) - و ما داوم عليه النبي عليه السلام أولي.

و نحن نقول: إنّما فعله عليه السلام بيانا للواجب، فلهذا لم يزد.

و يستحب الإكثار من ذكر «ذي المعارج».

مسألة 188: يستحب رفع الصوت بالتلبية - و هو قول العلماء

- لأنّ «جبرئيل قال للنبي صلّي اللّه عليه و آله: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ، و العجّ:

ص: 250


1- التهذيب 91:5-92-300.
2- فتح العزيز 263:7.
3- الأم 204:2، فتح العزيز 263:7، المغني 258:3، الشرح الكبير 264:3.
4- انظر: المجموع 245:7.
5- تقدّم في صفحة 249.

رفع الصوت بالتلبية، و الثجّ: نحر البدن»(1) و الأمر هنا ليس للوجوب، لأصالة براءة الذمّة.

و يستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط واديا أو علا أكمة [1]، و بالأسحار، لقول الصادق عليه السلام: «و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت واديا أو علوت أكمة أو لقيت راكبا، و بالأسحار»(2).

و قال الباقر و الصادق عليهما السلام: «قال جابر بن عبد اللّه: ما مشي النبي صلّي اللّه عليه و آله الروحاء [2] حتي بحّت أصواتنا»(3).

و لأنّه من شعائر العبادة، فأشبه الأذان، و لاشتمال الإجهار علي تنبيه الغافلين.

و ليس علي النساء إجهار بالتلبية، لقول الصادق عليه السلام: «ليس علي النساء جهر بالتلبية»(4).

و الأخرس يشير إلي التلبية بإصبعه و تحريك لسانه و عقد قلبه بها، لقول علي عليه السلام: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»(5).

و لا يجوز التلبية إلاّ بالعربية مع القدرة - خلافا لأبي حنيفة(6) - لأنّه المأمور به، و لأنّه ذكر مشروع، فلا يجوز بغير العربية، كالأذان.2.

ص: 251


1- الكافي 336:4-5، الفقيه 210:2-960، التهذيب 92:5-302.
2- التهذيب 92:5-301.
3- التهذيب 92:5-302.
4- الكافي 336:4-337-7، التهذيب 93:5-304.
5- الكافي 335:4-2، التهذيب 93:5-305.
6- المبسوط - للسرخسي - 6:4، بدائع الصنائع 161:2.

احتجّ: بالقياس علي التكبير(1).

و نمنع الأصل.

مسألة 189: لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعا،

لأنّ النبي عليه السلام قال لعائشة حين حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تلبّي و أنت علي غير طهور و علي كلّ حال»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «لا بأس أن يلبّي الجنب»(4).

مسألة 190: يستحب أن يذكر في تلبيته ما يحرم به من حجّ أو عمرة

- و به قال أحمد(5) - لما رواه العامة في حديث أنس، قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (لبّيك عمرة و حجّا)(6).

و قال ابن عباس: قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أصحابه و هم يلبّون بالحجّ(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في التلبية: «لبّيك

ص: 252


1- المبسوط - للسرخسي - 6:4، بدائع الصنائع 161:2.
2- صحيح البخاري 195:2، سنن البيهقي 86:5، سنن الدارمي 44:2، ترتيب مسند الشافعي 390:1-1003.
3- الكافي 336:4-6، الفقيه 210:2-962، التهذيب 93:5-306.
4- الفقيه 211:2-963.
5- المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
6- صحيح مسلم 905:2 ذيل الحديث 1232، و 915-215، سنن أبي داود 157:2 - 1795، سنن النسائي 150:5، سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 3: 259، و الشرح الكبير 266:3.
7- سنن النسائي 201:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 260:3، و الشرح الكبير 3: 266.

بحجّة تمامها عليك»(1).

و قال الشافعي: لا يستحب(2) ، لما رواه جابر قال: ما سمّي النبي صلّي اللّه عليه و آله في تلبيته حجّا و لا عمرة(3).

و سمع ابن عمر رجلا يقول: لبّيك بعمرة، فضرب صدره و قال: تعلمه ما في نفسك(4).

و حديث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال: كنّا مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و نحن نقول: لبّيك بالحجّ [1]. و بغيره من الروايات.

و قول ابن عمر ليس حجّة، خصوصا مع معارضته لأحاديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.

إذا عرفت هذا، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ و العمرة معا، فإن لم يمكنه، للتقية أو غيرها، اقتصر علي ذكر الحجّ، فإذا دخل مكة، طاف و سعي و قصّر، و جعلها عمرة، لقول الصادق عليه السلام عن رجل لبّي بالحجّ مفردا ثم دخل مكة فطاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة، قال: «فليحلّ، و ليجعلها متعة، إلاّ أن يكون ساق الهدي، فلا يستطيع أن يحلّ حتي يبلغ الهدي محلّه»(5).

مسألة 191: يستحب تكرار التلبية و الإكثار منها علي كلّ حال

عند الإشراف و الهبوط و أدبار الصلوات و تجدّد الأحوال و اصطدام الرفاق و الأسحار

ص: 253


1- التهذيب 92:5-301.
2- فتح العزيز 208:7، المجموع 227:7، المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
3- سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 259:3، و الشرح الكبير 3: 266.
4- سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 259:3، و الشرح الكبير 3: 266.
5- التهذيب 89:5-293، الإستبصار 174:2-575.

بإجماع العلماء، إلاّ مالكا، فإنّه قال: لا يلبّي عند اصطدام الرفاق(1).

و الحقّ ما قلناه، لما روي العامة عن جابر: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا و في أدبار الصلوات المكتوبة و من آخر الليل(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام و قد ذكر التلبيات:

«تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار»(3).

مسألة 192: يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة،

لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «المتمتّع إذا نظر الي بيوت مكة قطع التلبية»(4).

و أمّا المفرد و القارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال، لرواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا دخلت مكة [1] و أنت متمتّع فنظرت الي بيوت مكة [فاقطع التلبية، و حدّ بيوت مكة](5) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية، و عليك بالتكبير و التهليل و الثناء علي اللّه ما استطعت، و إن كنت قارنا [2] بالحجّ فلا تقطع التلبية حتي يوم عرفة الي زوال الشمس، و إن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم»(6).

ص: 254


1- المغني 262:3، الشرح الكبير 267:3.
2- أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 213:1، و الرافعي في فتح العزيز 260:7، و ابنا قدامة في المغني 261:3، و الشرح الكبير 267:3.
3- الكافي 335:4-336-3، التهذيب 91:5-300.
4- الكافي 399:4-3، التهذيب 94:5-307، الإستبصار 176:2-581.
5- أضفناها من المصدر.
6- التهذيب 94:5-309.

قال الشيخ رحمه اللّه: المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة، قطع التلبية إذا دخل الحرم، و إن كان ممّن خرج من مكة للإحرام، قطعها إذا شاهد الكعبة(1).

و قيل بالتخيير بينها من غير تفصيل(2).

قال الصادق عليه السلام: «من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم»(3).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية ؟ قال: «إذا رأيت بيوت ذي طوي فاقطع التلبية»(4).

و روي عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قال: «و من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتي ينظر إلي الكعبة»(5).

مسألة 193: يستحب لمن حجّ علي طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية

إذا علت راحلته البيداء إن كان راكبا، و إن كان ماشيا فحيث يحرم، و إن كان علي غير طريق المدينة، لبّي من موضعه إن شاء، و إن مشي خطوات ثم لبّي، كان أفضل، و به قال مالك(6).

و للشافعي قولان:

قال في القديم: يستحب [1] أن يهلّ خلف الصلاة نافلة كانت أو فريضة. و به قال أبو حنيفة و أحمد.

ص: 255


1- النهاية: 216، المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- كما في شرائع الإسلام 248:1، و راجع: الفقيه 277:2 ذيل الحديث 1356.
3- الاستبصار 177:2-586، التهذيب 95:5-313، و ليس فيه «مكة».
4- الفقيه 277:2-1354، التهذيب 95:5-314، الاستبصار 177:2-587.
5- الفقيه 276:2-277-1350، التهذيب 95:5-96-315، الاستبصار 177:2 - 588.
6- انظر: المدوّنة الكبري 361:1، و المجموع 223:7.

و الجديد: أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكبا، و إذا أخذ في السير إن كان راجلا(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: اغتسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم لبس ثيابه، فلمّا أتي ذا الحليفة صلّي ركعتين ثم قعد علي بعيره، فلمّا استوي به علي البيداء أحرم بالحجّ(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتي يأتي [1] البيداء»(3).

و أما التفصيل: فيدلّ عليه قول الصادق عليه السلام: «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء»(4).

إذا عرفت هذا، فالمراد استحباب الإجهار بالتلبية عند البيداء، و بينها و بين ذي الحليفة ميل، و لا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام، و إنّما ينعقد الإحرام بالتلبية، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة، و يستحب الإجهار بها بالبيداء.

مسألة 194: لا يلبّي في مسجد عرفة - و به قال مالك(5) - لما بيّنّاه من أنّ التلبية تقطع يوم عرفة قبل الزوال.4.

ص: 256


1- المهذّب - للشيرازي - 211:1، المجموع 223:7، فتح العزيز 258:7-259، الحاوي الكبير 81:4، الهداية - للمرغيناني - 137:1، المغني 236:3، الشرح الكبير 235:3.
2- سنن الدار قطني 219:2-220-21، سنن البيهقي 33:5.
3- التهذيب 84:5-279، الاستبصار 170:2-561.
4- التهذيب 85:5-281، الاستبصار 170:2-171-563.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 292:2، المسألة 70، و انظر: المدوّنة الكبري 1: 364.

و قال الشافعي: إنّه مستحب(1).

و ليس بمعتمد.

و كذا لا يلبّي في حال الطواف - و به قال الشافعي و سالم بن عبد اللّه و ابن عيينة(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال: لا يلبّي الطائف(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلّوا، و إذا لبّوا أحرموا، فلا يزال يحلّ و يعقد حتي يخرج إلي مني بلا حجّ و لا عمرة»(4).

و لأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.

مسألة 195: قد بيّنّا أنّ الإحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع و المفرد،

و أمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإشعار أو التقليد أيّها فعل انعقد إحرامه به، و كان الباقي مستحبا.

و الإشعار: أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن، و يلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة، و هو مختص بالإبل.

و التقليد: أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّي فيه، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا و ما أشبههما ليعلم أنّه صدقة، و هو مشترك بين الأنعام الثلاثة.

و هذا هو المشهور، ذهب اليه الشيخ(5) - رحمه اللّه - و أتباعه(6).

ص: 257


1- الوجيز 117:1، فتح العزيز 260:7-261، المهذّب - للشيرازي - 213:1، المجموع 245:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 292:2، المسألة 70.
2- المهذّب - للشيرازي - 213:1، المجموع 245:7، فتح العزيز 262:7، حلية العلماء 281:3، المغني 264:3. الشرح الكبير 268:3.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 262:7.
4- التهذيب 31:5-93، الإستبصار 156:2-511.
5- النهاية: 214.
6- منهم: القاضي ابن البراج في المهذّب 214:1-215.

و قال السيد المرتضي و ابن إدريس من علمائنا: لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلاّ بالتلبية(1).

و الوجه: ما قاله الشيخ، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الإشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم»(2).

إذا عرفت هذا، فينبغي أن تشعر البدن و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن، و تنحر - و هي قائمة - من قبل الأيمن، لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام عن البدن كيف تشعر؟ فقال: «تشعر و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن، و تنحر - و هي قائمة - من قبل الأيمن»(3).

إذا عرفت هذا، فلو كانت البدن كثيرة و أراد إشعارها، دخل بين كلّ بدنتين، و أشعر إحداهما من الجانب الأيمن و الأخري من الأيسر، للرواية عن الصادق عليه السلام(4) ، و للتخفيف.

مسألة 196: إذا عقد نيّة الإحرام و لبس ثوبيه ثم لم يلبّ و لم يشعر و لم يقلّد،

جاز له أن يفعل ما يحرم علي المحرم فعله، و لا كفّارة عليه، فإن لبّي أو أشعر أو قلّد إن كان قارنا، حرم عليه ذلك، و وجبت عليه الكفّارة بفعله، لأنّ الإحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة، فإذا لم يفعلها لم يكن محرما، لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السلام عمّن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع علي أهله قبل أن يلبّي، قال: «ليس عليه شيء»(5).

مسألة 197: يستحب لمن أراد الإحرام أن يشترط علي ربّه

عند عقد

ص: 258


1- الانتصار: 102، السرائر 124-125
2- التهذيب 43:5-44-129.
3- الفقيه 209:2-955.
4- التهذيب 43:5-128
5- الفقيه 208:2-946.

الإحرام: إن لم تكن حجّة فعمرة، و أن يحلّه حيث حبسه، سواء كان حجّه تمتّعا أو قرانا أو إفرادا، و كذا في إحرام العمرة - و به قال علي عليه السلام، و عمر بن الخطّاب و ابن مسعود و عمّار و علقمة و شريح و سعيد بن المسيّب و عكرمة و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضباعة أتت النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقالت: يا رسول اللّه إنّي أريد الحجّ فكيف أقول ؟ قال: (قولي: لبّيك اللّهم لبّيك و محلّي من الأرض حيث تحبسني، فإنّ لك علي ربّك ما استثنيت)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل: اللّهم إنّي أريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلي الحجّ، فيسّر لي ذلك و تقبّله منّي و أعنّي عليه و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، و إن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك، و إن شئت فأخّره حتي تركب بعيرك و تستقبل القبلة»(3).

و عن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام، قال: «المعتمر عمرة مفردة يشترط علي ربّه أن يحلّه حيث حبسه، و مفرد الحج يشترط علي ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة»(4).

و أنكره [ابن] [1] عمر و طاوس و سعيد بن جبير و الزهري و مالك، لأنّ ابن1.

ص: 259


1- المغني 248:3-249، الشرح الكبير 238:3، المهذّب - للشيرازي - 243:1، المحلّي 114:7.
2- سنن الترمذي 278:3-941، سنن أبي داود 151:2-152-1776، سنن النسائي 168:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 249:3-250، و الشرح الكبير 238:3.
3- التهذيب 79:5-263.
4- الكافي 335:4-15، التهذيب 81:5-82-271.

عمر كان ينكر الاشتراط و يقول: حسبكم سنّة نبيّكم(1).

و لأنّها عبادة تجب بأصل الشرع، فلم يفد الاشتراط فيها، كالصوم و الصلاة(2).

و قول ابن عمر ليس بحجّة، خصوصا مع معارضته لقول النبي و أهل بيته عليهم السلام.

و القياس ممنوع، للفرق.

إذا عرفت هذا، فالاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحجّ في القابل لو فاته الحجّ، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني حيث حبستني، أ عليه الحجّ من قابل ؟ قال:

«نعم»(3).

و لو كان الحجّ تطوّعا، سقط عنه الحجّ من قابل.

و إنّما يفيد الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار.

و قيل: يتحلّل من غير اشتراط - و هو اختيار أبي حنيفة في المريض(4).

و قال الزهري و مالك و ابن عمر: الشرط لا يفيد شيئا، و لا يتعلّق به التحليل(5) - لأنّ حمزة بن حمران سأل الصادق عليه السلام عن الذي يقول: حلّني حيث حبستني، فقال: «هو حلّ حيث حبسه اللّه تعالي، قال أو لم يقل، و لا يسقط3.

ص: 260


1- سنن الترمذي 279:3-942، سنن النسائي 169:5، سنن الدار قطني 234:2-80، سنن البيهقي 223:5.
2- المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3، المحلّي 114:7-115، تفسير القرطبي 375:2.
3- الاستبصار 168:2-169-556، و التهذيب 80:5-81-268.
4- المبسوط - للسرخسي - 107:4، الهداية - للمرغيناني - 180:1، فتح العزيز 8:8 - 9، المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 430، المسألة 323.
5- حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 430:2، المسألة 323.

الاشتراط عنه الحجّ من قابل»(1).

و الوجه: الأول، تحصيلا لفائدة الاشتراط الثابت بالشرع.

فروع:

أ - لو اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه،

قال السيد المرتضي:

يسقط دم الإحصار عند التحلّل(2) - و به قال أبو حنيفة(3) -، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: (حجّي و اشترطي و قولي: اللّهم محلّي حيث حبستني)(4) و لا فائدة لهذا الشرط إلاّ التأثير فيما قلناه.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يسقط - و للشافعي قولان(5) - لعموم قوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6)(7) و فيه قوّة.

ب - لا بدّ أن يكون للشرط فائدة

- قاله الشيخ(8) - مثل أن يقول: إن مرضت أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره، فأمّا أن يقول: أن تحلّني حيث شئت، فليس له ذلك.

ج - قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز للمشترط أن يتحلّل إلاّ مع نيّة التحلّل و الهدي معا

- و للشافعي فيهما قولان(9) - لعموم الأمر بالهدي(10) ،6.

ص: 261


1- الفقيه 306:2-1516.
2- الانتصار: 104-105.
3- المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3
4- صحيح مسلم 867:2-868-1207، سنن الدار قطني 219:2-18، سنن البيهقي 221:5.
5- الوجيز 130:1، المجموع 306:8-307، حلية العلماء 362:3.
6- البقرة: 196.
7- المبسوط - للطوسي - 334:1.
8- المبسوط - للطوسي - 334:1.
9- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 431:2، المسألة 324، و راجع: الحاوي الكبير 360:4-361.
10- البقرة: 196.

و للاحتياط(1).

مسألة 198: يستحب أن يأتي بالتلبية نسقا لا يتخلّلها كلام،

فإن سلّم عليه ردّ في أثنائها، لأنّ ردّ السلام واجب.

و يستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلّي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لقوله تعالي وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (2).

قيل في التفسير: لا اذكر إلاّ و تذكر معي(3).

و لأنّ كلّ موضع شرّع فيه ذكر اللّه تعالي شرّع فيه ذكر نبيه عليه السلام، كالصلاة و الأذان.

و يجزئ من التلبية في دبر كلّ صلاة مرّة واحدة، لإطلاق الأمر بها، و بالواحدة يحصل الامتثال، و لو زاد، كان فيه فضل كثير، لقولهم عليهم السلام: «و أكثر من ذكر ذي المعارج»(4).

و لا أعرف لأصحابنا قولا في أنّ الحلال يلبّي في غير دعاء الصلاة، لكن تلك التلبية غير هذه.

و استحسن الحسن البصري هذه التلبيات للحلال، و كذا النخعي و عطاء ابن السائب و الشافعي و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي(5). و كرهه مالك(6). و الأصل عدم مشروعيته.

و يكره للمحرم إجابة من يناديه بالتلبية، بل يقول له: يا سعد، للرواية(7).

ص: 262


1- الخلاف 431:2، المسألة 324.
2- الشرح: 4.
3- جامع البيان 150:30، الرسالة - للشافعي -: 16-37، التبيان 373:10، مجمع البيان 508:5، و نقله أيضا ابن قدامة في المغني 265:3.
4- الكافي 336:4-3، التهذيب 92:5-300.
5- المغني 265:3، الشرح الكبير 268:3.
6- المغني 265:3، الشرح الكبير 268:3.
7- الفقيه 211:2-965.

و إذا قال: لبّيك إنّ الحمد، كسر الألف، و يجوز فتحها.

قال ثعلب: من فتحها فقد خصّ و من كسرها فقد عمّ، و معناه أنّ من كسر جعل الحمد للّه علي كلّ حال، و من فتح فمعناه السببية، أي: لبّيك لهذا السبب، أي: للحمد(1).

المطلب الثالث: في تروك الإحرام
اشارة

و هي قسمان: محرّمات و مكروهات، فالمحرمات عشرون شيئا، و المكروهات عشرة يأتي تفاصيلها في مباحث:

القسم الأول: في محرمات الإحرام
البحث الأول: يحرم صيد البرّ في الحلّ و الحرم
اشارة

و كذا يحرم علي المحلّ صيد الحرم بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (2).

و قال تعالي لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (3).

و روي العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: (إنّ هذا البلد حرام حرّمه اللّه يوم خلق السماوات و الأرض، فهو حرام بحرمة اللّه الي يوم القيامة، و إنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي و لم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللّه الي يوم القيامة لا يختلي خلاها [1] و لا يعضد [2] شوكها و لا ينفّر صيدها و لا تلتقط لقطتها إلاّ من عرّفها) فقال العباس: يا رسول اللّه إلاّ الإذخر [3] فإنّه لقينهم [4] و بيوتهم، فقال رسول اللّه

ص: 263


1- المغني 258:3، الشرح الكبير 264:3، المجموع 244:7، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 198:5.
2- المائدة: 96.
3- المائدة: 95.

صلّي اللّه عليه و آله: (إلاّ الإذخر)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ما صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده»(2).

و قد أجمع المسلمون كافّة علي تحريم صيد الحرم علي الحلال و المحرم.

إذا عرفت هذا، فالمراد بالصيد الحيوان الممتنع. و قيل: ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباحا وحشيّا ممتنعا(3).

مسألة 199: و صيد البرّ حرام علي المحرم اصطيادا و أكلا و قتلا و إشارة و دلالة و إغلاقا،

و كذا فرخه و بيضه، بإجماع العلماء، للنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (4) و تحريم العين يستلزم تحريم جميع المنافع المتعلّقة بها.

و ما رواه العامّة في حديث أبي قتادة لمّا صاد الحمار الوحشي و أصحابه محرمون، قال النبي صلّي اللّه عليه و آله لأصحابه: (هل فيكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟)(5) و هو يدلّ علي تعلّق التحريم بالحمل و الإشارة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه، و لا تأكل ما صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده»(6).

ص: 264


1- صحيح مسلم 986:2-987-1353، صحيح البخاري 18:3-19، و أورده ابن قدامة في المغني 349:3-350.
2- التهذيب 300:5-1021
3- حكاه عن بعض أهل اللغة، ابن قدامة في المغني 346:3.
4- المائدة: 96
5- صحيح مسلم 853:2-854-60، صحيح البخاري 16:3، سنن البيهقي 189:5 بتفاوت يسير.
6- التهذيب 300:5-1021.

و قال عليه السلام: «المحرم لا يدلّ علي الصيد، فإن دلّ عليه فعليه الفداء»(1).

و لأنّه تسبّب الي محرّم عليه فحرم، كنصبه الأحبولة [1].

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن تكون الإشارة و الدلالة صادرة من المحرم الي المحرم و الي المحلّ.

مسألة 200: لا يحلّ مشاركة المحرم للمحلّ و لا للمحرم في الصيد،

فإن شاركه، ضمن كلّ منهما فداء كاملا. و كذا لو اشترك جماعة في قتل صيد، ضمن كلّ منهم فداء كاملا - و به قال أبو حنيفة و مالك(2) - لأنّه قتل الصيد.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا [و هما محرمان](3) الجزاء بينهما أو علي كلّ واحد منهما جزاء؟ قال:

«لا، بل عليهما جميعا، يجزئ كلّ واحد منهما الصيد»(4).

و لأنّه اشترك في محرّم مضمون، فكان علي كلّ واحد منهم جزاء كامل، كما لو اشترك جماعة في قتل مسلم، وجب علي كلّ واحد منهم كفّارة كاملة.

و قال الشافعي و أحمد: يجب فداء واحد علي الجميع، لأنّ المقتول

ص: 265


1- الكافي 381:4-2، التهذيب 315:5-1086، الاستبصار 187:2-188 - 629.
2- المبسوط - للسرخسي - 80:4-81، بدائع الصنائع 202:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 476:2-477، بداية المجتهد 358:1، تفسير القرطبي 313:6، التفسير الكبير 90:12، المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، المحلّي 237:7 - 238، فتح العزيز 508:7، المجموع 439:7.
3- أضفناها من المصدر.
4- الكافي 391:4-1، التهذيب 466:5-467-1631.

واحد فيتّحد جزاؤه، كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي(1).

و الأصل ممنوع.

و لا يحلّ للمحرم الإعانة علي الصيد بشيء، فإنّ في حديث أبي قتادة:

ثم ركبت و نسيت السوط و الرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط و الرمح، قالوا:

و اللّه لا نعينك عليه(2). و هو يدلّ علي أنّهم اعتقدوا تحريم الإعانة، و النبي صلّي اللّه عليه و آله أقرّهم علي ذلك.

و لأنّه إعانة علي محرّم فحرم، كالإعانة علي قتل المسلم.

و لو اشترك محلّ و محرم في قتل صيد، فإن كان في الحلّ، فلا شيء علي المحلّ، و علي المحرم فداء كامل، خلافا للشافعي، فإنّه قال: يجب عليه نصف الفداء، و لا شيء علي المحلّ(3).

و إن كان في الحرم، فعلي المحلّ نصف القيمة، و علي المحرم جزاء كامل و نصف القيمة علي الأقوي.

مسألة 201: قد بيّنّا أنّه يحرم علي المحرم الدلالة علي الصيد سواء كان المدلول محلا أو محرما،

و كذا يحرم علي الحلال الدلالة لهما في الحرم، فلو دلّ الحلال محرما علي صيد فقتله، وجب الجزاء علي المحرم.

و أمّا الدالّ: فإن كان الصيد في الحلّ، فالأقرب أنّه لا شيء عليه، سواء كان الصيد في يده أو لم يكن، لأنّه لو قتله لم يكن عليه شيء فكيف الدلالة! و إن كان في الحرم، تعلّق عليه الضمان أيضا، لأنّه أعانه علي

ص: 266


1- الوجيز 129:1، فتح العزيز 508:7، المجموع 439:7-440، المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، التفسير الكبير 90:12، المحلّي 237:7، تفسير القرطبي 6: 313، بداية المجتهد 358:1-359، بدائع الصنائع 202:2، المبسوط - للسرخسي - 81:4.
2- سنن البيهقي 188:5 و أورده النووي في المجموع 302:7، و ابنا قدامة في المغني 3: 288، و الشرح الكبير 297:3.
3- فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.

المحرّم.

و لو دلّ المحرم حلالا علي صيد، فقتله الحلال، فإن كان الصيد في يد المحرم، وجب عليه الجزاء، لأنّ حفظه واجب عليه، و من يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ، كما لو دلّ المودع السارق علي الوديعة.

و إن لم يكن في يده، فإن كان الصيد في الحرم، تعلّق الضمان علي كلّ منهما، و إن كان في الحلّ، وجب الضمان علي الدالّ، سواء كانت الدلالة خفيّة لولاها لما رأي الحلال الصيد، أو ظاهرة، و لا شيء علي القاتل، لأنّه حلال، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس و عطاء و مجاهد و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي(1).

و قال الشافعي: لا شيء علي الدالّ، كما لو دلّ رجل رجلا علي قتل إنسان، لا كفّارة علي الدالّ، و لا علي القاتل، لأنّه حلال. و به قال مالك(2).

و قال أبو حنيفة: إن كانت الدالة ظاهرة، فلا جزاء علي الدالّ، و إن كانت خفيفة وجب الجزاء عليه. و سلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء علي الدالّ(3).

و قال أحمد: إنّ الجزاء يلزم الدالّ و القاتل بينهما(4).

مسألة 202: لو دلّ محرم محرما علي صيد فقتله، وجب علي كلّ واحد منهما فداء كامل

عند علمائنا - و به قال الشعبي و سعيد بن جبير و أصحاب

ص: 267


1- المغني 288:3، الشرح الكبير 297:3، التفسير الكبير 90:12، الهداية - للمرغيناني - 169:1، المبسوط - للسرخسي - 79:4.
2- فتح العزيز 491:7-492، المجموع 300:7، التفسير الكبير 90:12، المغني 3: 288، الشرح الكبير 297:3، المدوّنة الكبري 432:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 79
3- المبسوط - للسرخسي - 80:4، فتح العزيز 492:7
4- كما في فتح العزيز 492:7.

الرأي(1) - لأنّ كلّ واحد منهما فعل في الصيد فعلا محرّما لا يشاركه الآخر فيه، فالدالّ فعل الدلالة، و القاتل القتل، فوجب علي كلّ منهما عقوبة كاملة.

و لأنّ كلّ واحد منهما فعل فعلا يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد، فكذا لو انضمّ، لأنّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه.

و قال أحمد و عطاء و حمّاد بن أبي سليمان: الجزاء بينهما، لأنّ الواجب جزاء المتلف، و هو واحد، فيكون الجزاء واحدا(2) و نمنع الملازمة.

و قال الشافعي: لا جزاء علي الدال(3).

و لو كان المدلول قد رأي الصيد قبل الدلالة أو الإشارة، فلا جزاء عليه، لأنّه لم يكن سببا في قتله.

و لو فعل المحرم فعلا عند رؤية الصيد، كما لو ضحك أو تشرف علي الصيد فرآه غيره و فطن للصيد فصاده، فلا ضمان، لأنّه لم يدلّ عليه.

مسألة 203: قد بيّنّا تحريم إعانة المحرم علي الصيد،

فلو أعار المحرم قاتل الصيد سلاحا فقتله به، قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه ليس لأصحابنا فيه نصّ(4).

و قال بعض العامّة: عليه الجزاء، لأنّه كالدالّ عليه(5). و لا بأس به، سواء كان المستعار ممّا لا يتمّ قتله إلاّ به، أو أعاره شيئا هو مستغن عنه، كأن يعيره سيفا و معه سيف.

و قال أبو حنيفة: إن أعاره ما هو مستغن عنه، لم يضمن المعير(6).

ص: 268


1- المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
2- المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
3- المجموع 300:7، المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
4- الخلاف 406:2، المسألة 275.
5- المغني 290:3، الشرح الكبير 298:3.
6- المبسوط - للسرخسي - 80:4، بدائع الصنائع 204:2.

أمّا لو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها، فلا ضمان علي المعير قولا واحدا، لأنّ الإعارة لا للصيد غير محرّمة عليه، فكان كما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له القاتل.

و لو أمسك محرم صيدا حتي قتله غيره، فإن كان القاتل حلالا، وجب الجزاء علي المحرم، لتعدّيه بالإمساك و التعريض للقتل، و لا يرجع به علي الحلال، لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد. و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: يرجع، كما لو غصب شيئا فأتلفه متلف من يده، يضمن الغاصب، و يرجع علي المتلف(2).

و إن كان محرما، ضمن كلّ منهما فداء كاملا.

و للشافعية وجهان:

أظهرهما: أنّ الجزاء كلّه علي القاتل، لأنّه مباشر، و لا أثر للإمساك مع المباشرة.

و الثاني: أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك، فيكون الجزاء بينهما نصفين(3).

و قال بعضهم: إنّ الممسك يضمنه باليد، و القاتل بالإتلاف، فإن أخرج الممسك الضمان، رجع به علي المتلف، و إن أخرج المتلف، لم يرجع علي الممسك(4).

مسألة 204: يحرم علي المحرم أكل الصيد، سواء ذبحه المحلّ أو المحرم،

في الحلّ ذبحا أو الحرم، و سواء كان الذابح هو المحرم لنفسه أو ذبح له أو ذبح لا له.

و بالجملة لحم الصيد يحرم علي المحرم بكلّ حال عند علمائنا أجمع،

ص: 269


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
3- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
4- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.

و به قال علي عليه السلام، و ابن عمر و عائشة و ابن عباس و طاوس(1) - و كرهه الثوري و إسحاق(2) - لعموم قوله تعالي وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (3).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة الليثي أنّه أهدي الي النبي صلّي اللّه عليه و آله حمارا وحشيّا و هو بالأبواء، فردّه عليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلمّا رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ما في وجهه قال:

(إنّا لم نردّه عليك إلاّ أنّا حُرُم)(4).

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السلام: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام، و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام»(5).

و سأل يوسف [1] الطاطري الصادق عليه السلام عن صيد أكله قوم محرمون، قال: «عليهم شاة شاة، و ليس علي الذي ذبحه إلاّ شاة» [2].

و سأل علي بن جعفر أخاه موسي الكاظم عليه السلام عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا و هم حرم ما عليهم ؟ فقال: «علي كلّ من أكل منه فداء صيد، علي كلّ إنسان منهم علي حدته فداء صيد كاملا»(6).1.

ص: 270


1- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3.
2- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3.
3- المائدة 96.
4- صحيح البخاري 16:3، صحيح مسلم 850:2-1193، سنن النسائي 184:5، سنن الترمذي 206:3-849، الموطأ 353:1-83، و أورده ابنا قدامة في المغني 3: 292، و الشرح الكبير 300:3.
5- التهذيب 377:5-1315، الاستبصار 214:2-733.
6- التهذيب 351:5-1221.

و قال الشافعي: إذا ذبح المحرم صيدا، لم يحلّ له الأكل منه، و هل يحلّ الأكل منه لغيره أو يكون ميتة ؟ قولان:

الجديد: أنّه يكون ميتة - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد - لأنّه ممنوع من الذبح لمعني فيه، فصار كذبيحة المجوسي، فعلي هذا لو كان مملوكا وجب مع الجزاء القيمة للمالك و القديم: أنّه لا يكون ميتة، و يحلّ لغيره الأكل منه، لأنّ من حلّ بذبحه الحيوان الإنسي يحلّ بذبحه الصيد، كالحلال، فعلي هذا لو كان الصيد مملوكا فعليه مع الجزاء أرش ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك(1).

و هل يحلّ له بعد زوال الإحرام ؟ فيه للشافعية وجهان: أظهرهما: لا.

و في صيد الحرم إذا ذبح طريقان:

أحدهما: طرد القولين.

و الآخر: القطع بالمنع.

و الفرق: أنّ صيد الحرم منع منه جميع الناس و في جميع الأحوال، فكان آكد تحريما(2).

إذا عرفت هذا، فالاصطياد عند الشافعي يحرم علي المحرم، و كذا يحرم عليه الأكل من صيد ذبحه، و يحرم عليه الأكل أيضا ممّا اصطاد له حلال أو بإعانته أو بدلالته، فأمّا ما ذبحه حلال من غير إعانته و لا دلالته فلا يحرم الأكل منه(3).4.

ص: 271


1- الوجيز 128:1، فتح العزيز 494:7، المهذب للشيرازي 218:1، المجموع 7: 304، المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، و انظر أيضا: بدائع الصنائع 2 204، المبسوط - للسرخسي - 85:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، المدونة الكبري 436:1.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 304:7.
3- فتح العزيز 508:7، المجموع 296:7 و 303 و 324.

و قال أبو حنيفة: إذا لم يعن و لم يأمر به، لم يحرم عليه (و لا عبرة) [1] بالاصطياد له من غير أمره(1).

مسألة 205: لو ذبح المحرم الصيد، كان حراما لا يحلّ أكله للمحلّ و لا للمحرم،

و يصير ميتة يحرم أكله علي جميع الناس، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن البصري و سالم و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(2) - لأنّه حيوان حرم عليه ذبحه لحرمة الإحرام و حقّ اللّه تعالي، فلا يحلّ بذبحه، كالمجوسي.

و لقول علي عليه السلام: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم، و إذا ذبح المحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم»(3).

فعلي هذا لو كان مملوكا، وجب عليه مع الجزاء القيمة للمالك.

و قال الحكم و الثوري و أبو ثور: لا بأس بأكله. و به قال ابن المنذر(4).

و قال عمرو بن دينار و أيّوب السختياني: يأكله الحلال(5).

و للشافعي قول قديم: إنّه يحلّ لغيره الأكل منه(6).

قال ابن المنذر: الذبح حرام، أمّا الأكل فلا، لأنّه بمنزلة السارق إذا

ص: 272


1- الهداية - للمرغيناني - 174:1، فتح العزيز 508:7، المجموع 324:7.
2- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المحرّر في الفقه 240:1، المدوّنة الكبري 436:1، المنتقي - للباجي - 248:2 و 250، الوجيز 128:1، فتح العزيز 494:7، المهذب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7، المبسوط - للسرخسي - 85:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، بدائع الصنائع 204:2.
3- التهذيب 377:5-1316، الإستبصار 214:2-734.
4- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المجموع 330:7.
5- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المجموع 330:7.
6- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7، فتح العزيز 494:7، المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3.

ذبح(1).

و ليس بجيّد، لأنّ التحريم هنا لحقّ اللّه تعالي، فكان كالميتة، بخلاف السارق.

فعلي هذا لو كان مملوكا فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك.

و هل يحلّ له بعد زوال الإحرام ؟ فيه للشافعية وجهان، أظهرهما: لا(2).

فروع:

أ - لو ذبحه المحلّ في الحرم، كان حكمه حكم المحرم إذا ذبحه يكون حراما،

لما تقدّم(3) في حديث علي عليه السلام.

و لقول الصادق عليه السلام في حمام ذبح في الحلّ، قال: «لا يأكله محرم، و إذا أدخل مكة أكله المحلّ بمكة، و إن ادخل الحرم حيّا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذبح بعد ما بلغ مأمنه»(4).

ب - لو صاده محلّ و ذبحه في الحلّ، كان حلالا علي المحلّ في الحلّ و الحرم،

سواء كان للمحرم فيه إعانة بإشارة أو دلالة أو إعارة سلاح أو لا، لا بمشاركة في الذبح.

ج - لو صاده المحرم من أجل المحلّ، لم يبح أكله، و ليس بحرام.

و لو صاده المحلّ من أجل المحرم، كان حراما علي المحرم و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس و ابن عمر و عائشة و عثمان و مالك و الشافعي(5).1.

ص: 273


1- انظر: المغني 295:3، و الشرح الكبير 303:3، و المجموع 330:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 304:7.
3- تقدّم في صفحة 272.
4- التهذيب 376:5-1310، الإستبصار 213:2-728.
5- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3، المجموع 324:7، المبسوط - للسرخسي - 87:4، بدائع الصنائع 205:2، الهداية - للمرغيناني - 174:1، تفسير القرطبي 6: 322، المنتقي - للباجي - 248:2، المدوّنة الكبري 436:1.

و قال أبو حنيفة: ليس بحرام(1).

د - لو صاده المحلّ في الحلّ و ذبحه في الحلّ لأجل المحرم،

لم يحلّ علي المحرم، و يحلّ علي المحلّ في الحلّ و الحرم، لأنّ الحكم بن عتيبة سأل الباقر عليه السلام: ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحلّ و ادخل الحرم ؟ فقال: «لا بأس بأكله إن كان محلا، و إن كان محرما فلا»(2).

ه - لو صاد المحرم صيدا في الحلّ

و ذبحه المحلّ، حلّ للمحلّ لا للمحرم.

مسألة 206: لو قتل المحرم صيدا ثم أكله، وجب عليه فداءان،

أحدهما للقتل، و الآخر للأكل، قاله بعض علمائنا(3) - و به قال عطاء و أبو حنيفة(4) - لأنّه محرم أكل صيدا محرّما عليه، فضمنه، كما لو أكل صيدا ذبحه غيره.

و لقول الصادق عليه السلام: «و أيّ قوم اجتمعوا علي صيد فأكلوا منه فإنّ علي كلّ إنسان منهم قيمة، و إن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك»(5).

و لأنّ الفعلين لو صدرا عن اثنين كان علي كلّ منهما فداء كامل، فكذا لو اجتمعا لواحد.

ص: 274


1- الهداية - للمرغيناني - 174:1، المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3، تفسير القرطبي 322:6.
2- الاستبصار 213:2-727، و التهذيب 375:5-376-1309
3- النهاية - للطوسي -: 227.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:4، بدائع الصنائع 203:2 و 204، الهداية - للمرغيناني - 173:1، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 330:7، بداية المجتهد 359:1، المنتقي - للباجي - 250:2، حلية العلماء 298:3.
5- التهذيب 370:5-1288.

و الوجه: وجوب الجزاء بالقتل، و قيمة المأكول بالأكل.

و قال الشافعي: يضمن القتل دون الأكل - و به قال مالك و أحمد(1) - لأنّه صيد مضمون بالجزاء، فلا يضمن ثانيا، كما لو أتلفه بغير الأكل. و لأنّ تحريمه لكونه ميتة، و الميتة لا تضمن بالجزاء(2).

و الفرق ثابت بين الأكل و الإتلاف بغيره، و نمنع تعليل التحريم بذلك، و يعارض بما لو صيد لأجله فأكله، فإنّه يضمنه عند أحمد و الشافعي في القديم(3).

مسألة 207: لو رمي اثنان صيدا فأصابه أحدهما و أخطأ الآخر،

فعلي كلّ واحد منهما فداء كامل، أمّا المصيب: فلإصابته، و أمّا المخطئ:

فلإعانته.

و ما رواه إدريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام: عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما، الجزاء بينهما أو علي كلّ واحد منهما؟ قال: «عليهما جميعا يفدي كلّ واحد منهما علي حدته»(4).

و سأل ضريس بن أعين الباقر عليه السلام: عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما، قال: «علي كلّ واحد منهما الفداء»(5).

مسألة 208: لو أوقد جماعة محرمون نارا فاحترق فيها طائر،

فإن كان قصدهم ذلك، كان علي كلّ واحد منهم فداء كامل، و إن لم يكن قصدهم ذلك، كان عليهم بأسرهم فداء واحد، لما رواه أبو ولاّد الحنّاط، قال:

خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلي مكة، فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكبّبه و كنّا محرمين، فمرّ بها طير صافّ مثل حمامة

ص: 275


1- المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 305:7 و 330، حلية العلماء 298:3، المنتقي - للباجي - 250:2، الموطأ 354:1.
2- المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 305:7 و 330، حلية العلماء 298:3، المنتقي - للباجي - 250:2، الموطأ 354:1.
3- المغني 295:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 303:7.
4- التهذيب 351:5-352-1222.
5- التهذيب 352:5-1223.

أو شبهها، فاحترقت جناحاه فسقطت في النار فماتت، فاغتممنا لذلك، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام بمكة، و أخبرته و سألته، فقال:

«عليكم فداء واحد دم شاة، و تشتركون فيه جميعا، لأنّ ذلك كان منكم علي غير تعمّد، و لو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع، ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة» قال أبو ولاّد: كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم(1).

مسألة 209: المحرم يضمن الصيد، في الحلّ كان أو في الحرم،

و أمّا المحلّ فإن كان في الحرم، ضمنه فيه، و إلاّ فلا، عند علمائنا، و به قال أكثر العامة(2) ، خلافا لداود، فإنّه حكي عنه أنّه قال: لا ضمان علي المحلّ إذا قتل الصيد في الحرم(3).

و هو غلط، لما رواه العامّة عن علي عليه السلام، و ابن عباس و عمر و عثمان و ابن عمر أنّهم قضوا في حمام الحرم بشاة شاة [1]، و لم ينقل خلاف لغيرهم.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فعليك القيمة»(4).

إذا عرفت هذا، فكلّ صيد يحرم و يضمن في الإحرام يحرم و يضمن في حرم مكة للمحلّ، إلاّ القمل و البراغيث، فإنّه لا يجوز قتلها حالة الإحرام، و يجوز للمحلّ في الحرم، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بقتل القمل

ص: 276


1- التهذيب 352:5-353-1226.
2- المغني 291:3 و 350، الشرح الكبير 299:3 و 371، المجموع 490:7، بداية المجتهد 359:1.
3- المغني 350:3، الشرح الكبير 371:3، المجموع 490:7، بداية المجتهد 1 359.
4- التهذيب 370:5-1288.

و البق في الحرم، و لا بأس بقتل النملة في الحرم»(1) و به قال الشافعي(2) و قال مالك: يحرم قتل الديدان، و إن قتلها فداها(3).

مسألة 210: لا يؤثّر الإحرام و لا الحرم تحريم شيء من الحيوان الأهلي

و إن توحّش كالإبل و البقر و الغنم، بإجماع العلماء.

و ما رواه العامة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (أفضل الحجّ العجّ و الثجّ)(4) يعني إسالة الدماء بالذبح و النحر.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يذبح في الحرم الإبل و البقر و الغنم و الدجاج»(5) إذا عرفت هذا، فالدجاج الأهلي يجوز ذبحه للمحلّ و المحرم، و أكله لهما في الحلّ و الحرم إجماعا.

و أمّا الدجاج الحبشي: فعندنا أنّه كالأهلي يجوز للمحرم ذبحه و أكله في الحلّ و الحرم، و لا جزاء فيه، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمّار عن دجاج الحبش، فقال: «ليس من الصيد، إنّما الصيد ما كان بين السماء و الأرض»(6).

و قال الشافعي: فيه الجزاء(7).

و ليس بشيء، لأصالة البراءة.

ص: 277


1- الفقيه 172:2-761، التهذيب 366:5-1277 بتفاوت يسير.
2- الام 201:2، فتح العزيز 488:7-489، المجموع 334:7.
3- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
4- سنن الترمذي 189:3-827، سنن ابن ماجة 975:2-924، سنن الدارمي 31:2 بتفاوت.
5- التهذيب 367:5-1279.
6- التهذيب 367:5-1280، و في الكافي 232:4 (باب ما يذبح في الحرم..) الحديث 2، و الفقيه 172:2-756 بتفاوت يسير.
7- الحاوي الكبير 331:4، المجموع 296:7.
مسألة 211: لا كفّارة في قتل السباع، سواء كانت طائرة أو ماشية،

كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحوها، و النمر و الفهد و غيرهما، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أحمد و مالك و الشافعي(1) - لما رواه العامة عن عائشة قالت:

أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة و الغراب و الفأرة و العقرب و الكلب العقور(2) ، نصّ من كلّ جنس علي صنف من أدناه تنبيها علي الأعلي، فنبّه بالحدأة و الغراب علي البازي و العقاب و شبههما، و بالفأرة علي الحشرات، و بالعقرب علي الحيّة، و بالكلب العقور علي السباع.

قال مالك: الكلب العقور ما عقر الناس و عدا عليهم كالأسد و النمر و الفهد و الذئب(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ ما يخاف المحرم علي نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله و إن لم يردّك فلا تردّه»(4).

و قال أبو حنيفة: تقتل الحيّة و الغراب الأبقع و الفأرة و الكلب العقور و الذئب و الحدأة لا غير، لأنّ الحديث خصّص الفواسق الخمس(5).

ص: 278


1- المغني 344:3-345، الشرح الكبير 310:3، المدوّنة الكبري 442:1، المنتقي - للباجي - 260:2 و 263، الحاوي الكبير 341:4، المجموع 316:7، المبسوط - للسرخسي - 90:4.
2- سنن الدارمي 36:2-37، و أورده ابنا قدامة في المغني 343:3، و الشرح الكبير 3: 310.
3- المنتقي - للباجي - 262:2، المغني 344:3، الشرح الكبير 310:3، المجموع 7: 333.
4- الكافي 363:4-1، التهذيب 365:5-1272، الاستبصار 208:2-711.
5- المبسوط - للسرخسي - 90:4، الهداية - للمرغيناني - 172:1، فتح العزيز 488:7، المغني 345:3، الشرح الكبير 310:3.

و التخصيص بالذكر لا يدلّ علي نفي الحكم عمّا عداه.

إذا عرفت هذا، فقد روي أصحابنا أنّ من قتل أسدا لم يردّه، كان عليه كبش:

روي أبو سعيد المكاري عن الصادق عليه السلام رجل قتل أسدا في الحرم، فقال: «عليه كبش يذبحه»(1).

و أمّا الغراب و الحدأة: فقد روي معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «و ارم الغراب و الحدأة عن ظهر بعيرك»(2).

و أمّا الذئب و غيره من أنواع السباع: فلا جزاء عليه، سواء صال أو لم يصل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ حفظ النفس واجب، و لا يتمّ إلاّ بقتلها.

و قال أبو حنيفة: إن صال، لم يكن عليه شيء، و إن لم يصل، وجب عليه الجزاء(4).

و أمّا الضبع: فقال الشيخ رحمه اللّه: لا كفّارة فيه و كذا السّمع المتولّد بين الذئب و الضبع(5).

و قال الشافعي: فيهما الجزاء(6).

و الأصل براءة الذمّة.

قال الشيخ رحمه اللّه: الحيوان إمّا مأكول إنسي، كبهيمة الأنعام، و لا7.

ص: 279


1- الكافي 237:4-238-26، التهذيب 366:5-1275، الإستبصار 208:2 - 712
2- الكافي 363:4-2، التهذيب 365:5-366-1273.
3- فتح العزيز 487:7-488، المجموع 316:7، المبسوط - للسرخسي - 90:4.
4- المبسوط - للسرخسي - 90:4، الهداية - للمرغيناني - 172:1-173، أحكام القرآن - للجصّاص - 468:2.
5- الخلاف 417:2، المسألة 300.
6- الام 192:2، الحاوي الكبير 341:4، الوجيز 128:1، فتح العزيز 489:7، المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 317:7.

يجب بقتلها فدية، أو وحشي، كالغزلان و حمر الوحش و بقرة، و يجب الجزاء بقتله إجماعا.

و ما ليس بمأكول أقسامه ثلاثة:

ما لا جزاء فيه إجماعا، كالحيّة و العقرب و شبههما.

و ما يجب فيه الجزاء عند العامّة و لا نصّ لأصحابنا فيه.

و الأولي فيه عدم الجزاء، لأصالة البراءة، كالمتولّد بين ما يجب فيه الجزاء و ما لا يجب كالسّمع المتولّد بين الضبع و الذئب، و المتولّد بين الحمار الوحشي و الأهلي.

و مختلف فيه، كجوارح الطير و سباع البهائم، و لا يجب فيه الجزاء عندنا.

و يجوز قتل صغار السباع و إن لم تكن محذورة، و قتل الزنابير و البراغيث و القمل، إلاّ أنّه إذا قتل القمل علي بدنه، لا شيء عليه، و إن أزاله عن جسمه، فعليه الفداء(1). هذا آخر كلامه.

لكن روي أصحابنا أنّ الزنبور إن قتله خطأ، لا شيء عليه، و إن قتله عمدا، كان عليه أن يتصدّق بشيء من الطعام، لأنّ معاوية بن عمار روي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام و سأله عن محرم قتل زنبورا، فقال: «إن كان خطأ فلا شيء» قلت: بل عمدا، قال: «يطعم شيئا من الطعام»(2).

إذا ثبت هذا فكلّ ما أدخله الإنسان إلي الحرم من السباع أسيرا فإنّه يجوز له إخراجه منه، لأنّ قتله مباح، فإخراجه أولي.

و سئل الصادق عليه السلام عن رجل أدخل فهذا الي الحرم أ له أن يخرجه ؟ فقال: «هو سبع، و كلّ ما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن1.

ص: 280


1- المبسوط - للطوسي - 338:1-339.
2- الكافي 364:4-5، التهذيب 365:5-1271.

تخرجه»(1).

مسألة 212: الجراد عندنا من صيد البرّ يحرم قتله،

و يضمنه المحرم في الحلّ، و المحلّ في الحرم، عند علمائنا - و به قال علي عليه السلام و ابن عباس و عمر، و أكثر أهل العلم(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه قال لكعب في جرادتين: ما فعلت في تينك [1]؟ قال: بخ درهمان خير من مائة جرادة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «المحرم لا يأكل الجراد»(4).

و قال أبو سعيد الخدري: هو من صيد البحر(5). و للشافعي قول غريب إنّه من صيد البحر، لأنّه يتولّد من روث السمك(6) - و عن أحمد روايتان(7) - لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: أنّه من صيد البحر(8).

قال أبو داود: الظاهر أنّه عليه السلام قال: (إنّه من صيد البرّ) فوهم الراوي(9).

ص: 281


1- الفقيه 172:2-760، التهذيب 367:5-1281.
2- المغني 545:3، الشرح الكبير 316:3، بداية المجتهد 363:1، المجموع 296:7 و 331، فتح العزيز 490:7.
3- الام 196:2، مختصر المزني: 72، المغني 545:3، الشرح الكبير 316:3، المجموع 332:7.
4- التهذيب 363:5-1262.
5- الحاوي الكبير 332:4، المغني 544:3، الشرح الكبير 316:3.
6- فتح العزيز 490:7.
7- المغني 544:3 و 545، الشرح الكبير 316:3.
8- سنن أبي داود 171:2-1853 و 1854، سنن البيهقي 207:5.
9- راجع سنن أبي داود 171:2 ذيل الحديث 1854، و المغني 545:3، و الشرح الكبير 316:3.
مسألة 213: المحرّم علي المحرم مطلقا و علي المحلّ في الحرم إنّما هو صيد البرّ،

أمّا صيد البحر فإنّه سائغ لكلّ أحد، و لا فدية فيه، بالنصّ و الإجماع:

قال اللّه تعالي أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ (1).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يصيد المحرم السمك و يأكله طريّه و مالحه و يتزوّد»(2).

و أجمع أهل العلم كافّة علي أنّ صيد البحر مباح للمحرم اصطياده و أكله و بيعه و شراؤه.

إذا ثبت هذا، فإنّ صيد البحر هو ما يعيش في الماء و يبيض و يفرخ فيه، كالسمك و أشباهه ممّا يحل، و كالسلحفاة و السرطان و نحوهما.

فإن كان ممّا يعيش في البرّ و البحر معا، اعتبر بالبيض و الفرخ، فإن كان ممّا يبيض و يفرخ في البحر، فهو صيد البحر، و إن كان يبيض و يفرخ في البرّ، فهو صيد البرّ، لا نعلم فيه خلافا، إلاّ من عطاء، فإنّه حكي عنه أنّ ما يعيش في البرّ - كالسلحفاة و السرطان - فيه الجزاء، لأنّه يعيش في البرّ، فأشبه طير الماء(3).

و هو ممنوع، لأنّه يبيض و يفرخ في الماء، فأشبه السمك.

و أمّا طير الماء كالبطّ و نحوه، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم(4) ، و فيه الجزاء، لأنّه يبيض و يفرخ في البرّ، فكان من صيده، كسائر طيوره.

ص: 282


1- المائدة: 96.
2- التهذيب 365:5-1270.
3- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.
4- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.

و [عن] [1] عطاء: أنّه قال: حيث يكون أكثر فهو صيده(1).

و ليس بجيّد، لما تقدّم، و إقامته في البحر، لطلب الرزق و المعيشة منه، كالصيّاد.

و لو كان لجنس من الحيوان نوعان: بحري و برّي، كالسلحفاة، فلكلّ نوع حكم نفسه، كالبقر منه الوحشي محرّم و منه الإنسي محلّل.

مسألة 213: لو صاد المحرم صيدا، لم يملكه، سواء كان في الحلّ أو في الحرم إجماعا،

لعموم وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (2).

و سأل محمد بن مسلم الصادق عليه السلام عن ظبي دخل الحرم، قال: «لا يؤخذ و لا يمسّ، إنّ اللّه تعالي يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (3)»(4).

إذا ثبت هذا، فلو تلف في يده، كان ضمانه عليه، لأنّه سبب في الإتلاف.

و قال الصادق عليه السلام: «لا يحرم أحد و معه شيء من الصيد حتي يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه، فإن لم يفعل حتي يدخل الحرم و مات لزمه الفداء»(5).

و سأل بكير بن أعين الباقر عليه السلام: عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم، فقال: «إن كان حين أدخله خلّي سبيله فلا

ص: 283


1- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.
2- المائدة: 96.
3- آل عمران: 97.
4- التهذيب 362:5-1258.
5- التهذيب 362:5-1257.

شيء عليه، و إن كان أمسكه حتي مات فعليه الفداء»(1).

أمّا لو كان الصيد في منزله، لم يجب عليه إرساله، و لا يزول ملكه عنه، لأصالة بقاء الملك علي مالكه.

و روي صفوان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله، قال: «لا بأس لا يضرّه» [1].

مسألة 214: إذا اضطرّ المحرم إلي أكل الصيد، أكل منه - كما يأكل من الميتة

- قدر ما يمسك به الرمق، و لا يجوز له الشبع و لا التجاوز عن ذلك إجماعا.

و لو وجد المضطرّ إلي أكله ميتة، فلعلمائنا قولان:

قال بعضهم: يأكل الميتة(2) - و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن(3) - لأنّ الصيد إذا ذبح صار ميتة فساواها في التحريم، و امتاز بإيجاب الجزاء و ما يتعلّق به من هتك حرمة الإحرام، فكان أكل الميتة أولي.

و لقول علي عليه السلام: «إذا اضطرّ المحرم إلي الصيد و إلي الميتة فليأكل الميتة التي أحلّ اللّه له»(4).

و قال بعضهم: يأكل الصيد و يفديه [2] - و به قال الشافعي و إسحاق و ابن

ص: 284


1- التهذيب 362:5-1259.
2- كما في السرائر: 133، و قوّاه ابن إدريس.
3- المغني 296:3 و 79:11، الشرح الكبير 103:11.
4- التهذيب 368:5-1284، الاستبصار 209:2-715.

المنذر و أبو يوسف(1) - لأنّه مع الضرورة و الفدية يخرج من الإثم، فيكون واجدا للمذبوح حلالا، فلا تحلّ له الميتة.

و لأنّ تحريم الصيد عارض و تحريم الميتة ذاتي، فيكون الأول أولي بالتناول.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عن المحرم يضطرّ فيجد الميتة و الصيد أيّهما يأكل ؟ قال: «يأكل من الصيد، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟» قلت: بلي، قال: «إنما عليه الفداء فليأكل و ليفده»(2).

و قال بعض علمائنا: إن كان الصيد حيّا، لم يجز له ذبحه، لأنّه يصير ميتة إجماعا، فليأكل الميتة، و إن كان مذبوحا فإن كان الذابح محرما فهو كالميتة، لأنّه لا فرق بينهما، و إن كان محلا فإن كان في الحرم، فهو ميتة أيضا، و إن كان في الحلّ فإن كان المحرم المضطر قادرا علي الفداء، أكل الصيد و لم يأكل الميتة، و إن لم يكن قادرا، أكل الميتة(3).

مسألة 215: قد بيّنّا تحريم إمساك الصيد علي المحرم،

فيضمنه لو فعل، فلو أمسكه حتي حلّ، لزمه إرساله، و ليس له ذبحه، فإن ذبحه، ضمن و حرم أكله، لأنّه صيد ضمنه بحرمة الإحرام، فلم يبح أكله، كما لو ذبحه حال إحرامه.

هذا إذا كان في الحرم، أمّا لو كان الصيد في الحلّ فأمسكه و هو محرم، ضمنه، لأنّ الصيد حرام علي المحرم و إن كان في الحلّ، فإن أمسكه حتي حلّ، جاز له ذبحه، و في الضمان إشكال من حيث تعلّقه به بسبب الإمساك.

مسألة 216: من ملك صيدا في الحلّ و أدخله الحرم،

وجب عليه

ص: 285


1- المهذب - للشيرازي - 257:1-258، المجموع 49:9، المغني 296:3 و 11: 79، الشرح الكبير 103:11، و انظر: حلية العلماء 320:3.
2- التهذيب 368:5-1283.
3- كما في السرائر: 133.

إرساله، و زال ملكه عنه، و لو تلف في يده أو أتلفه، كان عليه ضمانه - و به قال ابن عباس و عائشة و ابن عمر و عطاء و طاوس و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الحرم سبب محرّم للصيد، و يوجب ضمانه، فيحرم استدامة إمساكه، كالإحرام.

و لأنّ محمد بن مسلم روي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن ظبي دخل الحرم، قال: «لا يؤخذ و لا يمسّ، إنّ اللّه تعالي يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(2).

و سأل بكير بن أعين الباقر عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم، فقال: «إن كان حين أدخله خلّي سبيله فلا شيء عليه، و إن كان أمسكه حتي مات فعليه الفداء»(3).

و قال الشافعي: لو أدخل الحرم صيدا مملوكا له، كان له أن يمسكه، و يذبحه كيف شاء، كالنعم، لأنّه صيد الحلّ دون الحرم(4).

و ليس بجيّد.

و لو كان مقصوص الجناح، أمسكه حتي ينبت ريشه و يخلّي سبيله، أو يودعه من ثقة حتي ينبت ريشه، لأنّ حفظه واجب و إنّما يتمّ بذلك.

و لما رواه الحكم بن عتيبة [1]، قال: سألت الباقر عليه السلام: ما تقول في رجل اهدي له حمام أهلي - و هو في الحرم - [من غير الحرم] [2]؟ فقال:7.

ص: 286


1- المغني 352:3، الشرح الكبير 307:3، فتح العزيز 509:7، بدائع الصنائع 2: 208.
2- التهذيب 362:5-1258، و الآية 97 من سورة آل عمران.
3- التهذيب 362:5-1259.
4- فتح العزيز 509:7، المجموع 442:7 و 491، المغني 353:3، الشرح الكبير 3: 307.

«أمّا إن كان مستويا خلّيت سبيله، و إن كان غير ذلك أحسنت إليه حتي إذا استوي ريشه خلّيت سبيله»(1).

و لأنّ تخليته تتضمّن إتلافه، لأنّه لا يتمكّن من الامتناع عن صغار الحيوان.

مسألة 217: حمام الحرم لا يحلّ صيده و إن كان في الحلّ،

لأنّه يصدق عليه أنّه صيد الحرم، فيدخل تحت قوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(2).

و ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - قال: سألت الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ صيد الحرم يضمنه المسلم و الكافر و الحرّ و العبد و الكبير و الصغير و الرجل و المرأة إجماعا، لأنّ الحرمة تعلّقت بمحلّه بالنسبة إلي الجميع، فوجب علي الجميع ضمانه كالآدمي، و للعمومات الدالّة عليه.

مسألة 218: لو رمي المحلّ من الحلّ صيدا في الحرم فقتله،

أو أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيدا علي فرع شجرة في الحرم أصلها في الحلّ، ضمنه في جميع هذه الصور عند علمائنا أجمع - و به قال الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(4) -

ص: 287


1- التهذيب 348:5-1207.
2- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 988:2-1355، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 5: 195، مسند أحمد 119:1 و 253.
3- التهذيب 348:5-1209.
4- الحاوي الكبير 308:4-309 و 323 و 324، فتح العزيز 509:7، المجموع 444:7 و 497، حلية العلماء 321:3، المبسوط - للسرخسي - 85:4 و 103، بدائع الصنائع 211:2، المغني 354:3-355، الشرح الكبير 373:3.

لقوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(1)المغني 355:3، الشرح الكبير 373:3.(2) و لم يفرّق بين أن يكون المنفّر في الحلّ أو في الحرم.

و لأنّه أصاب الصيد في موضع أمنه.

و قال أحمد في الرواية الثانية: لا ضمان عليه في ذلك كلّه(2).

و لو رمي من الحرم صيدا في الحلّ، أو أرسل كلبه عليه، ضمنه - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لأنّ الصيد محرّم علي من في الحرم.

و لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام في رجل حلّ في الحرم رمي صيدا خارجا من الحرم فقتله، فقال: «عليه الجزاء لأنّ الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم»(4).

و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحلّ علي غصن منها طير رماه فصرعه، قال: «عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخري: لا ضمان عليه(6).

فروع:

أ - لو رمي من الحلّ الي صيد في الحلّ،

أو أرسل كلبا في الحلّ الي صيد في الحلّ لكن قطع السهم في مروره بهذا الحرم، أو تخطّي الكلب طرف3.

ص: 288


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش
2- من ص 287.
3- الحاوي الكبير 324:4، المجموع 497:7، فتح العزيز 509:7، المغني 356:3، الشرح الكبير 374:3.
4- التهذيب 362:5-1256.
5- الكافي 238:4-29، التهذيب 386:5-1347.
6- المغني 356:3، الشرح الكبير 374:3.

الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمنه - و به قال أصحاب الرأي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر و الشافعية في أحد الوجهين(1) - لأصالة البراءة(2).

و في الوجه الثاني: عليه الضمان(3).

ب - لو رمي من الحلّ صيدا في الحلّ فقتل صيدا في الحرم، ضمنه،

و به قال الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(4) ، خلافا لأبي ثور، فإنّه قال: لا جزاء فيه(5).

و هو خطأ، لأنّه قتل صيدا في الحرم.

ج - لو أرسل كلبه علي صيد في الحلّ فدخل الكلب الحرم فقتل صيدا

آخر غيره فيه، فلا ضمان - و به قال الثوري و الشافعي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لأنّ الكلب دخل باختيار نفسه لا بإرساله، فكان كما لو استرسل.

د - لو أرسل كلبه علي صيد فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم،

فالأقوي الضمان - و به قال عطاء و أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد(7) - لأنّه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه فضمنه، كما لو قتله بسهمه.

و قال الشافعي: لا ضمان. و به قال أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في3.

ص: 289


1- المبسوط - للسرخسي - 99:4، المغني 357:3، الشرح الكبير 374:3، الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 509:7-510، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7
2- الخلاف 412:2، المسألة 288.
3- الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 509:7-510، المهذب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7.
4- المغني 357:3، الشرح الكبير 375:3، بدائع الصنائع 209:2، فتح العزيز 7: 510.
5- المغني 357:3، الشرح الكبير 375:3.
6- الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 510:7، المغني 358:3، الشرح الكبير 3: 375.
7- المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3.

إحدي الروايتين(1).

و في الأخري: إن كان الصيد قريبا من الحرم، ضمنه، و إن كان بعيدا، لم يضمنه. و به قال مالك(2).

ه - لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواضع أجمع، سواء ضمنه أو لا،

لأنّه صيد حرمي قتل في الحرم، فكان ميتة.

و لو رمي المحلّ صيدا في الحلّ فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه، قال بعض العامّة: يحلّ أكله و لا جزاء فيه، لأنّ الذكاة حصلت في الحلّ(3).

و - لو رمي الي صيد في الحلّ فمضي الصيد

و دخل في الحرم فأصابه السهم، وجب عليه الضمان.

ز - لو وقف صيد بعض قوائمه في الحلّ و بعضها في الحرم فقتله قاتل،

ضمنه، سواء أصاب ما هو في الحلّ أو الحرم، تغليبا للحرمة، و به قال أبو ثور و أصحاب الرأي و أحمد(4).

ح - لو نفّر صيدا من الحرم فأصابه شيء حال نفوره، ضمنه،

لأنّه تسبّب إلي إتلافه، فكان كما لو أتلفه بشركة [1].

و لو سكن من نفوره ثم أصابه شيء، فلا ضمان، و هو قول الثوري(5).

مسألة 219: لو رمي صيدا فجرحه و مضي لوجهه و لم يعلم حياته

و لا

ص: 290


1- الحاوي الكبير 324:4، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7، المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3.
2- المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3، المدوّنة الكبري 435:1.
3- المغني 359:3، الشرح الكبير 376:3
4- المبسوط - للسرخسي - 99:4، بدائع الصنائع 211:2، المغني 360:3، الشرح الكبير 376:3.
5- المغني 360:3، الشرح الكبير 376:3.

موته، كان عليه الفداء عند علمائنا، تغليبا للإتلاف عملا بالسبب، و احتياطا للبراءة.

و لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام: عن رجل رمي صيدا و هو محرم، فكسر يده أو رجله، فمضي الصيد علي وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد، قال: «عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو رآه بعد كسر يده أو رجله قد رعي و صلح، وجب عليه ربع الفداء(2) ، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه السلام عن رجل رمي صيدا و هو محرم فكسر يده أو رجله و تركه فرعي الصيد، قال: «عليه ربع الفداء»(3).

مسألة 220: لو كان الصيد يؤمّ الحرم و هو في الحلّ، لم يجز للمحلّ قتله،

قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، لما رواه عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل قضي حجّه ثم أقبل حتي إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم و الصيد متوجّه نحو الحرم فرماه فقتله، ما عليه في ذلك شيء؟ قال: «يفديه علي نحوه»(5).

و قال بعض علمائنا: إنّه مكروه لا محرّم(6) ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام، في الرجل يرمي الصيد و هو يؤمّ الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتي يدخل الحرم فيموت فيه، قال: «ليس عليه شيء، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحلّ فوقع فيها صيد فاضطرب حتي دخل

ص: 291


1- التهذيب 359:5-1246.
2- النهاية: 228، المبسوط - للطوسي - 343:1، التهذيب 359:5، ذيل الحديث 1246.
3- التهذيب 359:5-1247، الإستبصار 205:2-698.
4- النهاية: 228، المبسوط - للطوسي - 343:1.
5- الكافي 397:4-8، التهذيب 360:5-1251.
6- كما في شرائع الإسلام 291:1.

الحرم فمات فيه» قلت: هذا عندهم من القياس، قال: «لا، إنّما شبّهت لك شيئا بشيء»(1).

و أمّا الكراهة: فلما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام، قال: [كان](2) يكره أن يرمي الصيد و هو يؤمّ الحرم(3).

مسألة 221: يكره الصيد فيما بين البريد و الحرم، و ليس محرّما،

للأصل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يحرم و يفديه(4) ، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا كنت محلا في الحلّ فقتلت صيدا فيما بينك و بين البريد الي الحرم، فإنّ عليك جزاءه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه، تصدّقت بصدقة»(5).

و الوجه: حمل الرواية علي الاستحباب.

مسألة 222: لو نزع عن جسده قملة فقتلها، أو رمي بها، فليطعم مكانها كفّا من طعام،

لأنّ حمّاد بن عيسي سأل الصادق عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها، قال: «يطعم مكانها طعاما»(6).

و روي حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام، قال: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ، فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(7).

ص: 292


1- التهذيب 360:5-1252، الإستبصار 207:2-704.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 359:5-1249، الإستبصار 206:2-701.
4- النهاية: 228، التهذيب 361:5 ذيل الحديث 1254.
5- التهذيب 361:5-1255، الاستبصار 207:2-705.
6- التهذيب 336:5-1158، الاستبصار 196:2-659.
7- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:1-197-661.

و يجوز أن يأخذ ما عدا القملة من جسده، و إن أراد أن يحوّل القملة من مكان الي مكان، فعل، و ليس عليه شيء، لقول الصادق عليه السلام:

«المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فإنّها من جسده، و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان الي مكان فلا يضرّه»(1).

و يجوز أن يرمي القراد [1] و الحلم [2] عن بدنه لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: إن وجدت عليّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: «نعم و صغار لهما إنّهما رقيا في غير مرقاهما»(2).

و يجوز أن يرمي القراد عن بعيره دون الحلم، لأنّ معاوية بن عمّار قال:

«و إن ألقي المحرم - يعني القراد - عن بعيره فلا بأس، و لا يلقي الحلمة»(3).

مسألة 223: قد بيّنّا أنّه لا يجوز إخراج شيء من الصيد من الحرم.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يكره شراء القماري و ما أشبهها و إخراجها من مكة(4).

و منعه ابن إدريس(5) ، و هو المعتمد، لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادق عليه السلام: عن شراء القماري يخرج من مكة و المدينة، فقال: «ما أحبّ أن يخرج منها شيء» [3].

و اعلم أنّ الشيخ - رحمه اللّه - منع من صيد حمام الحرم حيث كان1.

ص: 293


1- التهذيب 336:5-337-1161.
2- الكافي 362:4-4، الفقيه 229:2-1085، التهذيب 337:5-1462.
3- التهذيب 338:5-1167.
4- المبسوط - للطوسي - 341:1.
5- السرائر: 131.

للمحلّ و المحرم(1) ، و جوّزه ابن إدريس(2).

و الحقّ ما قاله الشيخ، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ صيد الحرم يضمن بالدلالة و الإشارة كصيد الإحرام، و الواجب عليهما جزاء واحد، و به قال أحمد(4).

و لا فرق بين كون الدالّ في الحلّ أو الحرم.

و قال بعض العامّة: لا جزاء علي الدالّ إذا كان في الحلّ، و الجزاء علي المدلول وحده، كالحلال إذا دلّ محرما علي صيد(5).

و الحقّ ما قلناه، لأنّ قتل الصيد الحرمي حرام علي الدالّ، فيضمنه بالدلالة، كما لو كان في الحرم، لحقّية أنّ صيد الحرم محرّم علي كل واحد، لقوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(6) و هو عامّ في حقّ كلّ واحد.

و لأنّ صيد الحرم معصوم بمحلّه، فحرم قتله عليهما، كالملتجئ الي الحرم، و إذا ثبت تحريمه عليهما، فيضمن بالدلالة ممّن يحرم عليه قتله، كما يضمن بدلالة المحرم عليه.

مسألة 224: لا فرق في تحريم الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي علي توحّشه،

كما أنّه لا فرق في إباحة الأهلي بين أن يتوحّش أولا.

ص: 294


1- المبسوط - للطوسي - 341:1.
2- السرائر: 131.
3- التهذيب 348:5-1209.
4- المغني 353:3-354، الشرح الكبير 372:3.
5- المغني 354:3، الشرح الكبير 372:3.
6- تقدمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 217.

و يجب الجزاء في الأول بقسميه عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوحشي و إن استأنس لا يخرج عنه حكم توحّشه الأصلي، كما أنّه لو توحّش إنسي لا يحرم التعرّض له، إبقاء لحكمه الأصلي.

و قال مالك: لا جزاء في المستأنس(2). و ليس بجيّد.

و لا فرق في وجوب الجزاء بين أن يكون الصيد مملوكا لإنسان أو مباحا.

- إلاّ أنّه يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك - لظاهر القرآن(3).

و قال المزني من الشافعية: لا جزاء في الصيد المملوك(4). و ليس بمعتمد.

إذا ثبت هذا، فكما يحرم التعرّض للصيد يحرم التعرّض لأجزائه بالجرح و القطع، لأنّ النبي عليه السلام قال في الحرم: (لا ينفّر صيدها)(5) و معلوم أنّ الجرح و القطع أعظم من التنفير.

و كذا يحرم بيض الصيد و فرخه و لبنه علي ما سيأتي.

البحث الثاني: لبس الثياب المخيطة
مسألة 225: يحرم علي المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة

عند علماء الأمصار.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ المحرم ممنوع من لبس

ص: 295


1- فتح العزيز 485:7، المجموع 297:7.
2- فتح العزيز 486:7
3- المائدة: 95.
4- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 297:7.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في المسألة 217.

القميص و العمامة و السراويل و الخفّ و البرنس [1](1).

لما روي العامّة: أنّ رجلا سأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلاّ أحدا لا يجد نعلين فليلبس الخفّين، و ليقطعهما أسفل من الكعبين، و لا يلبس من الثياب شيئا مسّه الزعفران و لا الورس»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه و لا تدرعه، و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار، و لا الخفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان»(3).

و قد ألحق أهل العلم بما نصّ النبي عليه السلام عليه ما في معناه، فالجبّة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص، و التبّان [2] و الران [3] و شبههما ملحق بالسراويل، و القلنسوة و شبهها مساو للبرنس، و الساعدان و القفّازان [4] و شبههما مساوية للخفّين(4).3.

ص: 296


1- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3، المجموع 254:7.
2- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3، و في صحيح مسلم 834:2-1177، و سنن ابن ماجة 977:2-2929، و سنن النسائي 131:5-132، و الموطّأ 324:1 - 325-8 بتفاوت.
3- التهذيب 69:5-70-227.
4- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3.

إذا عرفت هذا، فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها، كالدرع المنسوج و المعقود، كجبة اللّبد و الملصق بعضه ببعض، حملا علي المخيط، لمشابهته إيّاه في المعني من الترفّه و التنعّم.

مسألة 226: لو لم يجد الإزار، لبس السراويل، و إذا لم يجد النعلين،

لبس الخفّين بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: سمعت النبي صلّي اللّه عليه و آله يخطب بعرفات، يقول: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفّين، و من لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار»(2).

و عن الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل، قال: «نعم، و لكن يشقّ ظهر القدم»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا لبس السراويل أو الخفّ للضرورة، لم يكن عليه فدية عند علمائنا - و به قال عطاء و عكرمة و الثوري و الشافعي و إسحاق(4) - لأصالة البراءة، و لتسويغ النبي صلّي اللّه عليه و آله اللّبس لهما، لأنّه أمر بلبسه و لم يذكر فدية.

و قال أبو حنيفة و مالك: علي من لبس السراويل فدية، لورود النهي عن لبسه(5) ، و لأنّ ما وجبت الفدية بلبسه مع وجود الإزار وجبت مع عدمه

ص: 297


1- صحيح البخاري 20:3، المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3.
2- التهذيب 69:5-70-227.
3- الفقيه 218:2-997.
4- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3، الحاوي الكبير 98:4، الوجيز 124:1، فتح العزيز 453:7، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 266:7، بداية المجتهد 327:1.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 296، الهامش (3).

كالقميص(1).

و النهي مخصوص بحديث ابن عباس، و القميص يمكنه أن يتّزر به من غير لبس و يستتر به، بخلاف السراويل.

مسألة 227: يحرم عليه لبس الخفّين و ما يستر ظهر القدم اختيارا،

و يجوز في حال الضرورة، لما تقدّم من الأحاديث.

و هل يجب عليه شقّهما؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم(2). و به قال عروة ابن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي(3) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين و ليقطعهما حتي يكونا الي الكعبين)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ، قال: «نعم و لكن يشقّ ظهر القدم»(5).

و قال بعض علمائنا: لا يجب شقّهما(6). و رواه العامّة عن علي عليه السلام(7) ، و به قال عطاء و عكرمة و سعيد بن سالم(8) - و عن أحمد روايتان

ص: 298


1- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3، بداية المجتهد 327:1، المنتقي - للباجي - 197:2، الحاوي الكبير 98:4، المجموع 266:7، فتح العزيز 453:7.
2- المبسوط - للطوسي - 320:1، الخلاف 295:2، المسألة 75.
3- المغني 277:3-278، الشرح الكبير 282:3، الام 147:2، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 265:7، فتح العزيز 453:7، بداية المجتهد 327:1، المنتقي - للباجي - 196:2.
4- المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3، صحيح البخاري 20:3-21، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن النسائي 135:5، سنن الدار قطني 230:2-63، سنن البيهقي 49:5.
5- الفقيه 218:2-997.
6- ابن إدريس في السرائر: 127، و المحقّق في شرائع الإسلام 250:1.
7- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282
8- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282، المجموع 265:7.

كالقولين(1) - لما رواه العامّة عن علي عليه السلام: «قطع الخفّين فساد يلبسهما كما هما»(2).

و لأنّه ملبوس أبيح لعدم غيره، فلا يجب قطعه كالسراويل.

و لأنّ قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإنّ المقطوع يحرم لبسه مع وجود النعل كلبس الصحيح.

و لاشتماله علي إتلاف ماليّته.

فروع:

أ - لا يجوز له لبس المقطوع من الخفّين مع وجود النعلين،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله شرط في لبسهما عدم النعل، فلو لبسه وجبت الفدية - و به قال مالك و أحمد(3) - لأنّه مخيط بعضو علي قدره، فوجب علي المحرم الفدية بلبسه كالقفّازين.

و قال أبو حنيفة: لا فدية عليه - و للشافعي قولان كالمذهبين(4) - لأنّه لو كان لبسهما محرّما تجب به الفدية لما أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله بقطعهما، لعدم [الفائدة فيه] [1](5).

و الجواب: القطع و اللّبس بعده إنّما يجوز مع عدم النعلين، فالفائدة سقوط الدم و العقاب مع القطع و عدم النعل.1.

ص: 299


1- المغني 277:3-278، الشرح الكبير 281:3-282.
2- المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3.
3- المدوّنة الكبري 463:1، بداية المجتهد 327:1، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 215:1، فتح العزيز 453:7-454، بداية المجتهد 1: 327، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3
5- المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3، بداية المجتهد 327:1.

ب - يجوز لبس النعل مطلقا،

و لا يجب قطع شيء منها، و لا فدية حينئذ، لورود الأمر بلبسهما مطلقا، و الأصل عدم التخصيص.

و قال أحمد: يجب قطع القيد في النعل و العقب، و تجب به الفدية لو لم يقطعهما(1). و به قال عطاء(2).

ج - لو وجد نعلا لا يتمكّن من لبسه، لبس الخفّ، و لا فدية،

لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و في الثانية:

تجب الفدية، لأنّ النبي عليه السلام قال: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفّين)(3) و هذا واجد(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال.

د - الجوربان [1] كالخفّين في المنع من لبسهما مع التمكّن من النعلين،

و جوازه مع عدمه، لأنّه بمعناه.

و روي الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إن اضطرّ الي ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الي لبسهما»(5).

ه - ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء و لا غيره إلاّ الإزار و الهميان،

و ليس له أن يجعل لذلك زرّا و لا عروة، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يشدّ الهميان وسطه، فقال: «نعم، و ما خيره بعد نفقته»(6).7.

ص: 300


1- المغني 280:3، الشرح الكبير 284:3.
2- المغني 280:3، الشرح الكبير 284:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 297، الهامش (1).
4- المغني 280:3-281، الشرح الكبير 284:3-285.
5- التهذيب 384:5-1341.
6- الفقيه 221:2-1027.

و يجوز له أن يعقد إزاره عليه، لأنّه يحتاج اليه لستر العورة، فيباح، كاللباس للمرأة، و يعقد الهميان.

و - تجب الفدية باللّبس طال الزمان أو قصر

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه باشر محظور الإحرام، فلزمه الفداء، كما لو حلق.

و قال أبو حنيفة: إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام اللّبس يوما كاملا، فإن كان أقلّ، فعليه صدقة(2).

ز - تجب الفدية بلبس القباء و إن لم يدخل يديه في كمّيه،

و به قال الشافعي و مالك و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجب لو أخرج يديه من كمّيه(4).

و لو ألقي علي نفسه قباء أو فرجيا و هو مضطجع، قال بعض الشافعية:

إن أخذ من بدنه ما إذا قام عدّ لابسه، فعليه الفدية، و إن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلاّ بمزيد أمر فلا(5).

مسألة 228: يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا،

لأنّها عورة، و ليست كالرجال.

و كذا يجوز لها أن تلبس الغلالة [1] إذا كانت حائضا إجماعا، لتقي ثيابها

ص: 301


1- فتح العزيز 440:7-441، المجموع 259:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 125:4-126، بدائع الصنائع 187:2، الهداية - للمرغيناني - 161:1، فتح العزيز 441:7.
3- فتح العزيز 441:7، المجموع 254:7 و 266، المنتقي - للباجي - 196:2، المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 125:4، بدائع الصنائع 184:2، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، المنتقي - للباجي - 196:2، المغني 285:3، الشرح الكبير 3: 287.
5- فتح العزيز 441:7-442، المجموع 254:7.

من الدم، لقول الصادق عليه السلام: «تلبس المرأة المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(1).

و لا يجوز للمرأة لبس القفّازين، و لا لبس شيء من الحلّي ما لم تجر عادتها بلبسه قبل الإحرام.

و لا يجوز لها لبس البرقع، لأنّ الباقر عليه السلام كره للمحرمة البرقع و القفّازين(2).

و المراد بالقفّازين شيء تتّخذه المرأة لليدين يحشي بقطن، و يكون له أزرار تزرّ علي الساعدين من البرد تلبسه المرأة.

و به قال علي عليه السلام، و عائشة و ابن عمر و عطاء و طاوس و مجاهد و النخعي و مالك و أحمد و إسحاق(3).

و للشافعي قولان: أحدهما: الجواز(4) ، و به قال أبو حنيفة و الثوري و سعد بن أبي وقّاص، فإنّه أمر بناته أن يلبسن القفّازين(5).

لما رواه العامّة عن علي عليه السلام، قال: «لا تتنقب المرأة الحرام و لا تلبس القفّازين» [1].7.

ص: 302


1- الفقيه 219:2-1011، التهذيب 76:5-251.
2- الفقيه 219:2-1012.
3- المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3، فتح العزيز 454:7، المجموع 269:7، المحلّي 82:7، بداية المجتهد 328:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 215:1، الوجيز 124:1، فتح العزيز 454:7، المجموع 7: 263، المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3.
5- المبسوط - للسرخسي - 128:4، المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3، فتح العزيز 454:7، المجموع 269:7.

و من طريق الخاصّة: ما تقدم [1].

و يجوز للمرأة أن تلبس الخلخال و المسك بفتح الميم، و هو سوار من ذبل [2] أو عاج.

فرع: الخنثي المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط، لأصالة البراءة.

مسألة 229: يحرم لبس السلاح لغير ضرورة،

لما فيه من منافاته للخضوع و التذلّل.

و قيل: يكره(1) ، للأصل.

البحث الثالث: الطيب
مسألة 230: يحرم علي المحرم الرجل و المرأة الطيب

أكلا و شمّا و إطلاء بإجماع علماء الأمصار، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال في المحرم الذي و قصت [3] به ناقته: (لا تمسّوه بطيب)(2) و منع الحيّ لأجل الإحرام المتحقّق عينا أولي من الميّت المحرم و هما.

و ما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا من الريحان و لا يتلذّذ به، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه» يعني من الطعام(3).

ص: 303


1- كما في شرائع الإسلام 251:1.
2- صحيح البخاري 22:3، صحيح مسلم 866:2-99، سنن النسائي 195:5، مسند أحمد 215:1.
3- التهذيب 297:5-1007، الاستبصار 178:2-591.

إذا عرفت هذا، فالمحرم إذا مات و هو محرم، لا يجوز تغسيله بالكافور، و لا يحنّط به و لا بغيره من أنواع الطيب.

مسألة 231: الطيب ما تطيب رائحته،

و يتّخذ للشمّ، كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد، و الأدهان الطيّبة، كدهن البنفسج و الورس، و المعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب، أو يظهر فيه هذا الغرض.

و قد اختلف علماؤنا في تعميم التحريم و عدمه، فالمشهور: التعميم، لما تقدّم.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر: إنّ المحرّم إنّما هو المسك و العنبر و العود و الكافور و الزعفران و الورس(1) ، بفتح الواو و سكون الراء، و هو نبت أحمر قاني يوجد علي قشور شجرة ينحت منها و يجمع، و هو يشبه الزعفران المسحوق، يجلب من اليمن، طيّب الريح.

لما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح»(2).

و تحمل علي شدّة التحريم.

إذا عرفت هذا،

فالنبات الطيب أقسامه ثلاثة:

الأول: ما لا ينبت للطيب و لا يتّخذ منه،

كنبات الصحراء من الشّيح و القيصوم و الخزامي و الإذخر و الدار صيني و المصطكي و الزنجبيل و السعد و حبق الماء - بالحاء المفتوحة غير المعجمة، و الباء المنقطعة تحتها نقطة المفتوحة، و القاف - و هو الحندقوقي، و قيل: الفوذنج(3) ، و الفواكه، كالتفّاح و السفرجل

ص: 304


1- النهاية: 219.
2- التهذيب 299:5-1013، الاستبصار 179:2-596.
3- الصحاح 1455:4 «حبق».

و النارنج و الأترج، و هذا كلّه ليس بمحرّم، و لا تتعلّق به كفّارة إجماعا.

و كذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب، كالحنّاء و العصفر، لما روي:

أنّ أزواج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كنّ يحرمن في المعصفرات [1].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشّيح و أشباهه و أنت محرم»(1).

و سأل عمّار الساباطي الصادق عليه السلام: عن المحرم أ يأكل الأترج ؟ قال: «نعم» قلت: فإنّ له رائحة طيبة، فقال: «إنّ الأترج طعام ليس هو من الطيب»(2).

و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام: عن الحنّاء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب، و ما به بأس»(3).

الثاني: ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتّخذ منه طيب،

كالريحان الفارسي و المرزجوش و النرجس و البرم، قال الشيخ رحمه اللّه: فهذا لا تتعلّق به كفّارة، و يكره استعماله(4). و به قال ابن عباس و عثمان بن عفان و الحسن و مجاهد و إسحاق و مالك و أبو حنيفة، لأنّه لا يتّخذ للطيب، فأشبه العصفر(5).

و قال الشافعي في الجديد: تجب به الفدية، و يكون محرّما. و به قال جابر و ابن عمر و أبو ثور - و في القديم: لا تتعلّق به الفدية، لأنّها لا تبقي لها4.

ص: 305


1- الكافي 355:4-14، الفقيه 225:2-1057، التهذيب 305:5-1041.
2- التهذيب 306:5-1043، الإستبصار 183:2-607.
3- الكافي 356:4-18، الفقيه 224:2-1052، التهذيب 300:5-1019، الاستبصار 181:2-600.
4- المبسوط - للطوسي - 352:1.
5- المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3، بدائع الصنائع 191:2، المبسوط - للسرخسي - 123:4.

رائحة إذا جفّت(1) ، و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه يتّخذ للطيب، فأشبه الورد(3).

الثالث: ما يقصد شمّه و يتّخذ منه الطيب،

كالياسمين و الورد و النيلوفر.

و الظاهر أنّ هذا يحرم شمّه، و تجب منه الفدية - و به قال الشافعي(4) - لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه، فكذا في أصله.

و قال مالك و أبو حنيفة: لا تجب(5).

مسألة 232: ما يطلب للتطيّب و اتّخاذ الطيب منه حرام،

كالزعفران و إن كان يقصد للصبغ و التداوي، و كذا الورس.

و ما يطلب للأكل أو التداوي غالبا لا يحرم، كالقرنفل و السنبل و الدار صيني و سائر الأبازير الطيّبة.

و في البنفسج للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه ليس بطيب، لأنّ الغرض منه التداوي.

و الثاني: أنّه طيب(6).

و قيل في الجمع: إنّه أراد بالأول الجافّ، فإنّه حينئذ لا يصلح إلاّ للتداوي(7).

و قيل: أراد بنفسج الشام و العراق، فإنّه لا يتطيّب به(8).

ص: 306


1- فتح العزيز 457:7، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7.
2- المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 216:1، فتح العزيز 457:7، المجموع 278:7، المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3.
4- الحاوي الكبير 108:4، فتح العزيز 456:7، المجموع 277:7.
5- انظر: المدوّنة الكبري 456:1، و حلية العلماء 290:3.
6- الام 152:2، الحاوي الكبير 109:4، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 7: 278، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3.
7- فتح العزيز 457:7.
8- فتح العزيز 457:7.

و قيل: أراد المربي بالسكر(1).

و في النيلوفر له قولان(2).

و الريحان طيب عند بعض الشافعية(3).

و الحنّاء ليس بطيب، و لا يجب علي المحرم باستعماله فدية، و لا يحرم استعماله بل يكره للزينة - و به قال الشافعي(4) - لما رواه العامّة: أنّ أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله كنّ يختضبن بالحنّاء(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّه ليس بطيب، و إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره»(6).

و قال أبو حنيفة: يحرم و تجب به الفدية(7) ، لقول النبي عليه السلام لأمّ سلمة: (لا تطيبي و أنت محرمة، و لا تمسّي الحنّاء فإنّه طيب)(8).

و لأنّ له رائحة مستلذّة، فأشبه الورس.

و الرواية ضعيفة رواها ابن لهيعة و هو ضعيف، و روي غيره: (لا تمسّي2.

ص: 307


1- الحاوي الكبير 109:4، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3.
3- الأم 152:2، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 282:7، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 291:3، المغني 317:3، الشرح الكبير 334:3.
5- أورده ابن سعد في الطبقات 72:8، و أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 216:1، و ابنا قدامة في المغني 317:3، و الشرح الكبير 334:3.
6- الكافي 356:4-18، الفقيه 224:2-1052، التهذيب 300:5-1019، الاستبصار 181:2-600 بتفاوت.
7- المبسوط - للسرخسي - 125:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1، بدائع الصنائع 2: 191، حلية العلماء 291:3، المجموع 282:7.
8- المعجم الكبير - للطبراني - 418:23-1012.

الحنّاء فإنّه خضاب) [1].

و ينتقض القياس بالفواكه.

و العصفر ليس بطيب، و يجوز للمحرم لبس المعصفر، و لا فدية فيه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ النبي عليه السلام سوّغ لبس المعصفر(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به»(3).

و قال أبو حنيفة: العصفر طيب تجب به الفدية، قياسا علي الورس(4).

و نمنع الإلحاق.

و لا بأس بخلوق الكعبة و شمّ رائحته، سواء كان عالما أو جاهلا، عامدا أو ناسيا، لأصالة البراءة.

و لما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سأله عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام، فقال: «لا بأس به هما طهوران»(5).

و قال الشافعي: إن جهل أنّه طيب فبان طيبا رطبا، فإن غسله في الحال، و إلاّ وجبت الفدية، و إن علمه طيبا فوضع يده عليه يعتقده يابسا فبان رطبا،6.

ص: 308


1- الحاوي الكبير 111:4، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3، المجموع 7: 282، المبسوط - للسرخسي - 126:4، المغني 300:3، الشرح الكبير 291:3.
2- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 47:5 و 52.
3- التهذيب 67:5-217، الاستبصار 165:2-540.
4- المبسوط - للسرخسي - 126:4، بدائع الصنائع 189:2، حلية العلماء 290:3، فتح العزيز 457:7.
5- التهذيب 299:5-1016.

فقولان، لأنّه مسّ طيبا، فوجبت الفدية(1).

و الملازمة ممنوعة، لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلي الدخول إليه، و ربما حصل زحام.

مسألة 233: يحرم لبس الثوب مسّه طيب،

ذهب اليه علماء الأمصار، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (لا تلبسوا شيئا من الثياب مسّه الزعفران و لا الورس)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تمسّ الريحان و أنت محرم و لا تمسّ شيئا فيه زعفران، و لا تأكل طعاما فيه زعفران، و لا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك»(3).

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين صبغ الثوب بالطيب و غمسه فيه و تبخيره به.

و كذا لا يجوز افتراشه و النوم عليه و الجلوس، فمتي لبسه أو نام عليه، وجبت الفدية - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن لبس ما مسّه الزعفران(5) ، و لم يفرّق بين الرطب و اليابس، و لا بين ما ينفض و ما لا ينفض.

و قال أبو حنيفة: إن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض، فعليه الفدية، و إلاّ فلا، لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه، فلا فدية عليه، كما لو

ص: 309


1- الحاوي الكبير 113:4، فتح العزيز 461:7-462، المجموع 272:7.
2- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 834:2-1177، سنن الترمذي 3: 195-833، سنن ابن ماجة 977:2-2929، الموطّأ 325:1-8، سنن البيهقي 49:5.
3- التهذيب 307:5-1048.
4- الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7، المجموع 272:7، المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (2).

جلس عند العطّارين(1).

و الفرق: أنّ الجلوس ليس بتطيّب.

فروع:

أ - لو غسل الثوب حتي ذهب الطيب، جاز لبسه إجماعا.

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل، فقال: «لا بأس به إذا ذهب»(2).

ب - لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه،

أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء، جاز استعماله - و به قال سعيد بن المسيّب و الحسن البصري و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لزوال الرائحة المقتضية للتحريم.

و كرهه مالك(4).

ج - لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوبا يمنع الرائحة و المباشرة، فلا فدية بالجلوس عليه و النوم.

و لو كان الحائل ثياب نومه، فالوجه: المنع، لأنّه كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه.

د - لو أصاب ثوبه طيب،

وجب عليه غسله أو نزعه، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب و طهارته، غسل به الطيب، لأنّ للوضوء بدلا.

ه - لو جعل الطيب في خرقة و شمّها، وجب عليه الفداء،

للعمومات.

و قال الشافعي: لا فدية عليه(5).3.

ص: 310


1- المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
2- الفقيه 216:2-988، التهذيب 68:5-220.
3- المغني 299:3، فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.
4- المدوّنة الكبري 362:1، المغني 299:3.
5- الأم 152:2، الحاوي الكبير 112:4-113.
مسألة 234: يكره له الجلوس عند العطّارين،

و يمسك علي أنفه لو جاز في زقاق العطّارين، و لا يقبض علي أنفه من الرائحة الكريهة، لقول الصادق عليه السلام: «و أمسك علي أنفك من الريح الطيّبة و لا تمسك من الريح النتنة»(1).

و يجوز الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر، و به قال الشافعي(2).

و لا يجوز الجلوس عند رجل متطيّب و لا في سوق العطّارين، لأنّه يشمّ الطيب حينئذ.

و قال الشافعي: إن جلس لحاجة أو غرض غير الطيب، كره، و إن جلس لشمّ الطيب، فقولان:

أحدهما: الجواز من غير كراهة، كالجلوس إلي الكعبة.

و الثاني: الكراهة(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق ببدنه منه شيء، فعليه الفدية، و إن لم يعلق بحال، فلا فدية، و إن كان يابسا غير مسحوق، فإن علق ببدنه رائحته، فعليه الفدية.

و قال الشافعي: إن علق به رائحة، فقولان(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو مسّ طيبا ذاكرا لإحرامه، عالما بالتحريم، رطبا، كالمسك و الغالية و الكافور المبلول بماء ورد و شبهه، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه، و كذا لو تسعّطه أو حقن. و به قال الشافعي.

ص: 311


1- التهذيب 297:5-1006، الاستبصار 178:2-590.
2- مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 113:4، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 275:7، فتح العزيز 460:7.
3- فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- الخلاف 306:2، المسألة 94، و راجع: الوجيز 125:1، و فتح العزيز 460:7، و المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 272:7.

و قال أبو حنيفة: لو ابتلع الطيب فلا فدية عليه.

و كذا لو حشا جرحه بطيب(1).

و لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله، فإن تعمّد ذلك، وجبت الفدية، لأنّه مستعمل للطيب، كما لو علق بثوبه، و إن لم يتعمّد، لم يكن عليه شيء.

و لو اضطرّ المحرم الي سعوط فيه مسك، جاز له التسعّط به، للرواية(2).

و لو لم تكن ضرورة، فالوجه: المنع، و وجوب الفدية، و به قال الشافعي(3). و كذا لو احتقن به، خلافا لأبي حنيفة(4).

مسألة 235: يحرم علي المحرم أكل ما فيه طيب عمدا،

و تجب به الفدية علي جميع الأحوال عند علمائنا أجمع، لعموم الأخبار الدالّة علي المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه و استعمال الطيب مطلقا.

و قول الصادق عليه السلام: «و اتّق الطيب في زادك»(5).

و قول الباقر عليه السلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه و يستغفر اللّه و يتوب اليه»(6).

و قال مالك: إن مسّته النار، فلا فدية - و هو قول أصحاب الرأي(7) - لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيبا، فيكون سائغا، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق(8).

ص: 312


1- الخلاف 306:2، المسألة 93، و راجع: الأم 152:2، و فتح العزيز 459:7 و 460، و المجموع 270:7-271.
2- الفقيه 224:2-1054.
3- الأم 152:2، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- انظر: فتح العزيز 460:7.
5- التهذيب 297:5-1006، الإستبصار 178:2-590.
6- الكافي 354:4-3، الفقيه 223:2-1046.
7- المغني 304:3، الشرح الكبير 289:3، المنتقي - للباجي - 204:2، المدوّنة الكبري 457:1، الموطأ 330:1 ذيل الحديث 21، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 289:3.
8- المغني 304:3، الشرح الكبير 289:3، المنتقي - للباجي - 204:2، المدوّنة الكبري 457:1، الموطأ 330:1 ذيل الحديث 21، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 289:3.

و ليس بجيّد، لأنّ الترفّه و الاستمتاع حاصل من حيث المباشرة، فأشبه ما لو كان نيئا.

مسألة 236: لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه،

و يجب الفداء عند علمائنا، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن طيّب جميع العضو كالرأس و اليد، وجبت الفدية التامّة، و إلاّ فلا، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو(2).

لنا: أنّه مستعمل للطيب، فدخل تحت عموم النهي.

و كذا البحث في اللّبس لو لبس بعض العضو أو غطّي بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع.

و لو اضطرّ إلي أكل طعام فيه طيب أو مسّه، أكل أو لمس و قبض علي أنفه، للضرورة، و لا شيء عليه.

و يجوز له شراء الطيب إجماعا، لأنّه غير المنهي عنه فيبقي علي الإباحة الأصلية.

و كذا يشتري المخيط و الجواري، لأنّه غير الاستمتاع بهما، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلاّ الاستمتاع، فلهذا منع منه.

و كما يمنع المحرم من ابتداء الطيب كذا يمنع من استدامته، سواء صبغ ثوبه به، كالممسك و المزعفر و المعنبر، أو غمسه فيه، كما لو غمسه في ماء الورد و ماء الكافور، أو بجرّه به، كالندّ [1] و العود.

ص: 313


1- فتح العزيز 460:7، حلية العلماء 291:3، المجموع 270:7-271، المغني 3: 533.
2- المبسوط - للسرخسي - 122:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1، بدائع الصنائع 2: 189، فتح العزيز 460:7، المغني 533:3.

و لو غمس ثوبه في ماء الفواكه الطيّبة، كالأترج و التفّاح و شبهه، لم يكن به بأس.

قال الشيخ رحمه اللّه: يستحب للمحرم إذا نسي و تطيّب أن يكلّف محلا غسله، و لا يباشره بنفسه، فإن باشره بنفسه، فلا شيء عليه(1). و هو جيّد.

مسألة 237: لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر،

أو استعمل مخلوطا بالطيب في غير الأكل، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح و لا طعم و لا لون، فالأقرب أنّه لا فدية فيه، و به قال الشافعي(2).

و إن ظهرت هذه الأوصاف فيه، وجبت الفدية قطعا.

و إن بقيت الرائحة وحدها، فكذلك، لأنّها الغرض الأعظم من الطيب.

و إن بقي اللون وحده، فطريقان للشافعية، أحدهما: أنّ المسألة علي قولين: أظهرهما: أنّه لا تجب فدية، لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي.

الطريق الثاني: القطع بعدم وجوب الفدية.

و لو بقي الطعم وحده، فطريقان: أظهرهما: أنّه كالريح، و الثاني:

أنّه كاللون(3).

و لو أكل الجلنجبين [1]، نظر في استهلاك الورد فيه و عدمه.

و لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار و غيره، قال الشافعي: إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه، لم يجز استعماله، فإن بقي اللون، فوجهان مبنيّان علي الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر؟ و الصحيح عندهم: أنّه لا يعتبر(4).

ص: 314


1- المبسوط - للطوسي - 352:1.
2- الأم 152:2، فتح العزيز 458:7، المجموع 273:7.
3- فتح العزيز 458:7-459، المجموع 273:7.
4- فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.

و لو مزج ماء ورد بماء مطلق فذهبت رائحته، فقولان:

أحدهما: تجب الفدية باستعماله، للعلم بوصول الطيب اليه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: لا تجب الفدية، لفوات مقصود الطيب(1).

مسألة 238: استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن

أو الثوب أو نشبت [1] الرائحة بإحداهما قصدا للعرف، فلو تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به، و إلاّ فلا.

و الشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية(2).

و لو احتوي علي مجمرة، لزمت الفدية عندنا و عنده(3) أيضا.

و قال أبو حنيفة: لا تجب الفدية(4).

و لو مسّ جرم العود فلم تعبق [2] به رائحته، فلا فدية.

و للشافعي قولان(5).

و لو حمل مسكا في فأرة مصمومة الرأس، فلا فدية إذا لم يشمّها، و به قال الشافعي(6).

و لو كانت غير مصمومة، فللشافعية وجهان(7).

ص: 315


1- فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.
2- الأم 152:2، الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
3- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- فتح العزيز 460:7.
5- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7.
6- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 272:7.
7- الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7.

و قال بعضهم: إنّ حمل الفأرة تطيّب(1).

و لو جعل الطيب المسحوق في خرقة و شمّها، فعليه الفداء.

و قال الشافعي: لا فدية عليه، و لا يكون محرّما(2).

و لو طيّب فراشه و نام عليه، حرم، و لزمه الفداء.

و لا فرق بين أن يتّفق الإلصاق بظاهر البدن أو داخله، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط.

و للشافعية قول آخر: إنّه لا تجب الفدية في الحقنة و السعوط(3).

و لو مسّ طيبا فلم يعبق ببدنه شيء من جرمه و لكن عبقت به الرائحة، لزمه الفداء - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ المقصود الرائحة و قد حصلت.

و الثاني: لا تجب، لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة(5).

و لو لم تعبق به الرائحة، فلا شيء عليه.

و لو شدّ المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه، أو وضعته المرأة في جيبها، أو لبست الحليّ المحشوّ به، وجبت الفدية.

و لو شمّ الورد فقد تطيّب به، و كذا لو شمّ ماء الورد.

و قال الشافعي: لا يجب بشمّ ماء الورد شيء إلاّ أن يصبّه علي بدنه أو ثوبه، لأنّ الطريق فيه الصبّ علي الثوب أو البدن(6).

و لو داس بنعله طيبا، لزمته الفدية - و به قال الشافعي(7) - لأنّها ملبوسة له بحال.7.

ص: 316


1- فتح العزيز 461:7.
2- الحاوي الكبير 112:4-113، و الأم 152:2.
3- فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 272:7، فتح العزيز 460:7.
5- المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 272:7، فتح العزيز 460:7.
6- فتح العزيز 460:7، المجموع 272:7.
7- فتح العزيز 461:7، المجموع 273:7.

و لو نام أو جلس علي أرض أو فراش مطيّبين، فإن فرش فوقهما ثوبا و إن كان رقيقا، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما و إلاّ فلا.

مسألة 239: إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد،

فلو تطيّب ناسيا أو جاهلا بكونه طيبا أو بكون الطيب محرّما، فلا فدية - و به قال الشافعي(1) - كما لو تكلّم في الصلاة ناسيا أو أكل في رمضان.

و قال أبو حنيفة و مالك و المزني: تجب الفدية علي الناسي و الجاهل(2).

و عن أحمد روايتان(3).

و لو علم أنّه طيب و لم يعلم أنّه يعبق، لزمته الفدية.

و لو علم تحريم الاستعمال و جهل وجوب الفدية، وجبت الفدية، لأنّه إذا علم التحريم، كان حقّه الامتناع.

و لو علم تحريم الطيب و جهل كون الممسوس طيبا، لم تجب الفدية - و هو قول أكثر الشافعية(4) - لأنّه إذا جهل كون الشيء طيبا فقد جهل تحريم استعماله.

و حكي الجويني وجها آخر: أنّه تجب الفدية(5).

و لو مسّ طيبا رطبا و هو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شيء منه به، فالأقرب عدم الفدية - و هو أحد قولي الشافعي(6) - لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيبا.

ص: 317


1- المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7 و 343، الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7، مختصر المزني: 66، حلية العلماء 300:3، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 186:5.
2- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7 و 343، المدوّنة الكبري 388:1، حلية العلماء 300:3، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 186:5.
3- المغني 535:3، الشرح الكبير 354:3، فتح العزيز 461:7، المجموع 343:7، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 340:5.
4- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7.
5- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7.
6- فتح العزيز 461:7-462، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.

و الثاني: تجب الفدية، لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيبا(1).

و قال الشيخ رحمه اللّه: لو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق بيده شيء منه، فعليه الفدية، و إن لم يعلق بحال، فلا فدية، و لو كان يابسا غير مسحوق، كالعود و العنبر و الكافور، فإن علق بيده رائحته، فعليه الفدية، للاحتياط و عموم الأخبار(2). و هو جيّد.

مسألة 240: لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه علي وجه لا يوجب الفدية

بأن كان يابسا أو ألقته الريح، وجب عليه المبادرة إلي غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته، و يأمر غيره بإزالة ذلك عنه.

و لو باشره بنفسه، فالأقرب أنّه لا يضرّه، لأنّه قصد الإزالة.

فإن أخّره قادرا و لم يزله مع الإمكان، وجب الفداء.

و لو كان زمنا لا يقدر علي إزالته أو مكتوفا لا يتمكّن، فلا فدية.

و لو اكره علي التطيّب، فلا فدية.

و لو اكره علي التطيّب، فلا فدية.

و لا خلاف بين أهل العلم في تحريم لبس ثوب فيه طيب من ورس أو زعفران و غيرهما مع رطوبته أو تبخيره به، فكلّ ما صبغ بزعفران أو ورس، أو غمس في ماء ورد أو بخّر بعود، فليس للمحرم لبسه و لا الجلوس عليه و لا النوم عليه، لأنّه استعمال له، فأشبه لبسه، و متي لبسه أو استعمله، فعليه الفداء، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: إن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض، فعليه الفدية،

ص: 318


1- فتح العزيز 462:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.
2- الخلاف 306:2، المسألة 94.
3- فتح العزيز 461:7، المجموع 272:7، المغني 298:3-299، الشرح الكبير 3: 288.

و إلاّ فلا، لأنّه ليس بمتطيّب(1).

و هو خطأ، لأنّه محرم استعمل ثوبا مطيّبا، فلزمته الفدية، كالرطب.

فإن غسله حتي ذهب ما فيه من الطيب، فلا بأس به بإجماع العلماء.

و لو انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه، أو لكونه صبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء، فلا بأس باستعماله، لزوال الطيب منه، و به قال سعيد بن المسيّب و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي، و هو مروي عن عطاء و طاوس(2).

و كره ذلك مالك إلاّ أن يغسل و يذهب لونه، لأنّ عين الزعفران و نحوه موجودة فيه(3).

و ليس بجيّد، لأنّه إنّما نهي عنه لأجل رائحته و التلذّذ به و قد ذهبت بالكلّية.

و لو لم تكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه، ففيه الفدية، لأنّه متطيّب، لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه، و الماء لا رائحة له، و إنّما هي من الصبغ الذي فيه.

و لو فرش فوق الثوب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة و المباشرة، فلا فدية عليه بالجلوس و النوم عليه.

و لو كان الحائل بينهما ثياب بدنه، وجب الفداء، لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه، كما منع من استعماله في بدنه.

و لا بأس بالثوب المعصفر - و هو المصبوغ بالعصفر - للرواية(4) ، خلافا0.

ص: 319


1- المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
2- المغني 299:3، فتح العزيز 459:7.
3- المغني 299:3، المدوّنة الكبري 362:1.
4- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.

للثوري و أبي حنيفة و محمد بن الحسن(1).

و كذا لا بأس بالممشق و هو المصبوغ بالمشق و هو المصبوغ بالمغرة، لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب، و كذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوي ما ذكرنا و إن كان السواد مكروها، لأصالة الإباحة إلاّ ما ورد الشرع بتحريمه، أو كان في معناه.

و أمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني علي الرياحين في نفسها، فما منع المحرم من استعماله منع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته، و إلاّ فلا.

مسألة 241: لو مات المحرم، لم يجز تغسيله بالكافور

- و هو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طرق العامّة(2) و الخاصّة:

روي محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام: عن المحرم إذا مات كيف يصنع به ؟ قال: «يغطّي وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيبا» [1].

البحث الرابع: الادّهان
مسألة 242: الدهن ضربان: طيب و غير طيب.

فالطيب: البنفسج و الورد و النيلوفر و البان [2] و ما في معناه، و لا خلاف أنّ فيه الفدية علي أيّ وجه استعمله.

ص: 320


1- المغني 300:3، الشرح الكبير 333:3، المبسوط - للسرخسي - 126:4، بدائع الصنائع 185:2.
2- راجع: صحيح البخاري 96:2 و 22:3، و صحيح مسلم 865:2-94، و سنن النسائي 196:5، و سنن البيهقي 53:5 و 70.

و أمّا غير الطيب مثل الشيرج و الزبد و السمن فيجوز أكله إجماعا.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يجوز الادّهان به علي وجه، و أمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلست أعرف به نصّا، و الأصل براءة الذمّة.

ثم قال: و قد اختلف الناس علي أربعة مذاهب:

فقال: أبو حنيفة: فيه الفدية علي كلّ حال إلاّ أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

و قال الحسن بن صالح بن حي: لا فدية فيه بحال.

و قال الشافعي: فيه الفدية في الرأس و اللحية، و لا فدية فيما عداهما، (لما فيه من ترجيل الشعر و تزيينه، و المحرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

و لو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه، أو أمرد فدهن ذقنه، فلا فدية عليه عنده، إذ ليس فيه تزيين شعر.

و لو كان محلوق الرأس، فوجهان.

و لو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها، فلا شيء عليه) [1].

و قال مالك: إن دهن به ظاهر بدنه، ففيه الفدية، و إن كان في بواطن بدنه، فلا فدية.

و استدلّ - رحمه اللّه - علي مذهبه: بأصالة براءة الذمّة.

و بما رواه العامّة عن ابن عمر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ادّهن - و هو محرم - بزيت(1)(2).0.

ص: 321


1- سنن ابن ماجة 1030:2-3083، سنن الترمذي 294:3-962، مسند أحمد 2: 59.
2- الخلاف 303:2-304، المسألة 90، و راجع: بدائع الصنائع 190:2، و المبسوط - للسرخسي - 122:4، و الهداية - للمرغيناني - 160:1، و الوجيز 125:1، و فتح العزيز 462:7، و المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 279:7 و 282، و الحاوي الكبير 109:4 و 110.

إذا عرفت هذا، فنقول: الدهن الطيب كدهن الورد و البنفسج و النيلوفر يحرم الادّهان به، و به قال الأوزاعي و أحمد(1).

و كره مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(2).

و قال الشافعي: ليس بطيب(3).

و هو غلط، لأنّه يتّخذ للطيب، و تقصد رائحته، فكان طيبا، كماء الورد.

و أمّا ما لا طيب فيه كالزيت و الشيرج و السمن و الشحم و دهن البان الساذج:

فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإحرام اختيارا، و ذهب العامّة إلي جوازه.

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم علي أنّ للمحرم أن يدّهن بدنه بالشحم و الزيت و السمن(4).

و نقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس و أبي ذر و الأسود بن يزيد و عطاء و الضحّاك و غيرهم(5).

و قال عطاء و مالك و الشافعي و أبو ثور و أحمد في رواية، و أصحاب الرأي: لا يدّهن المحرم رأسه بالزيت الذي يؤكل، لأنّه يزيل الشّعث و يرجّل الشعر و يحسّنه(6).1.

ص: 322


1- المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
2- المدوّنة الكبري 456:1، المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 458:7، المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
4- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3، المجموع 283:7.
5- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
6- المدوّنة الكبري 455:1، فتح العزيز 462:7، المجموع 279:7 و 282، المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3، المبسوط - للسرخسي - 122:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1.

و أجمعوا علي إباحة استعماله في اليدين، و إنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة، لأنّه محلّ الشعر(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع و هو محرم، فقالوا: ألا ندّهنك بالسمن ؟ فقال: لا، قالوا: أ ليس تأكله ؟ قال: ليس أكله كالادّهان به(2).

و عن مجاهد: إن تداوي به، فعليه الكفّارة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك»(4).

و قال عليه السلام: «و ادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن»(5).

و لو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإحرام، فإن كانت رائحته تبقي إلي بعد الإحرام، فعل حراما، و لو ذهبت رائحته بعد الإحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب، فإنّه جائز إجماعا.

مسألة 243: لو اضطرّ إلي استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإحرام،

جاز له استعماله، و تجب الفدية، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه»(6).

و يجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإحرام اضطرارا إجماعا، و لا فدية، لأصالة البراءة.

ص: 323


1- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
2- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
3- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
4- التهذيب 297:5-1006، الإستبصار 178:2-590.
5- الكافي 329:4-2، التهذيب 303:5-1032، الاستبصار 181:2 - 182-603.
6- التهذيب 304:5-1038.

و لما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا خرج بالمحرم الخراج [1] أو الدمل فليبطّه [2] و ليداوه بسمن أو زيت»(1).

البحث الخامس: الاكتحال بما فيه طيب
مسألة 244: أجمع علماؤنا علي أنّه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب،

سواء كان رجلا أو امرأة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله حرّم استعمال الطيب [3]، و هو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب، و تجب به الفدية كما قلنا في الطيب، لقول الصادق عليه السلام: «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحلها بكحل فارسي»(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أن يكتحل للزينة، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأمّا للزينة فلا»(3).

مسألة 245: لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالسواد،

سواء كان رجلا أو امرأة، إلاّ عند الضرورة، و يجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلاّ إذا

ص: 324


1- الفقيه 222:2-1040، التهذيب 304:5-1036.
2- التهذيب 301:5-1027.
3- الكافي 357:4 ذيل الحديث 5، التهذيب 302:5-1028.

كان فيه طيب، فإنّه لا يجوز علي حال، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز الاكتحال بما فيه طيب(2).

و كره عطاء و الحسن البصري و مجاهد الاكتحال بالإثمد(3).

و روي عن ابن عمر أنّه قال: يكتحل المحرم بكلّ كحل ليس فيه طيب(4).

قال مالك: لا بأس أن يكتحل المحرم من حرّ يجده في عينيه بالإثمد و غيره(5).

و عن أحمد أنّه قال: يكتحل المحرم ما لم يرد به الزينة، قيل له:

الرجال و النساء، قال: نعم(6).

لنا علي المنع من الأسود كالإثمد و شبهه: ما رواه العامّة: أنّ عليّا عليه السلام قدم من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممّن حلّ، فلبست ثيابا صبيغا و اكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: (أبي أمرني بهذا) فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (صدقت صدقت)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلاّ من علّة»(8).3.

ص: 325


1- مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 121:4، فتح العزيز 463:7، المجموع 7: 353.
2- فتح العزيز 463:7.
3- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
4- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3، المجموع 354:7.
5- المدوّنة الكبري 457:1، المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
6- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
7- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 2: 1024-3074، سنن النسائي 144:5، المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
8- التهذيب 301:5-1023.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (الحاج أشعث أغبر)(1) و هو ينافي الاكتحال.

مسألة 246: لو اكتحل الرجل و المرأة بالإثمد أو الأسود،

فعلا محرّما عند أكثر علمائنا(2) ، و لا تجب به الفدية، عملا بأصالة البراءة السالم عن معارض من نصّ أو غيره.

قال الشافعي: إن فعلا، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشيء(3).

و لا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

و لا يجوز الاكتحال بما فيه زينة، لقول الصادق عليه السلام: «تكتحل المرأة [المحرمة](4) بالكحل كلّه إلاّ كحلا أسود للزينة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إنّ السواد زينة»(6). و هو يدلّ علي التعليل، فيطّرد الحكم باطّرادها.

و قال الشافعي: يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافا لأبي حنيفة(7) - و ما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نقله المزني(8).

و له قول آخر: إنّه يكره(9).

ص: 326


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 313:2 ذيل المسألة 106.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 68، و الشيخ الطوسي في النهاية: 220، و المبسوط 321:1، و سلاّر في المراسم: 106، و ابن إدريس في السرائر: 128.
3- الأمّ 150:2، المجموع 353:7-354، المغني 314:3، الشرح الكبير 332:3.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 301:5-1024.
6- التهذيب 301:5-1025.
7- فتح العزيز 463:7.
8- فتح العزيز 463:7، مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 121:4، المجموع 7: 353.
9- فتح العزيز 463:7، المجموع 353:7.

و توسّط آخرون من أصحابه: إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض، لم يكره، و إن كان فيه زينة كالإثمد، كره، إلاّ لحاجة الرّمد(1).

البحث السادس: النظر في المرآة
مسألة 247: اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة علي المحرم،

فقال بعضهم بالتحريم(2) ، و بعضهم بالكراهة(3).

و احتجّ الأوّل: بما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال:

(المحرم الأشعث الأغبر)(4).

و في آخر: (إنّ اللّه يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول: يا ملائكتي انظروا إلي عبادي قد أتوني شعثا غبرا ضاحين) [1](5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تنظر في المرآة للزينة» [2].

و احتجّ الآخرون: بأصالة الإباحة.

و قال أحمد: لا ينظر في المرآة لإزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من

ص: 327


1- فتح العزيز 463:7، المجموع 353:7، الحاوي الكبير 121:4.
2- كالشيخ المفيد في المقنعة: 62، و الشيخ الطوسي في المبسوط 321:1، و النهاية: 220، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 203، و ابن إدريس في السرائر: 128.
3- كالشيخ الطوسي في الخلاف 319:2، المسألة 119، و ابن حمزة في الوسيلة: 164، و المحقّق في المختصر النافع: 85.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 303:3، و الشرح الكبير 334:3.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 303:3، و الشرح الكبير 324:3، و في سنن البيهقي 58:5 نحوه.

الزينة، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه و غير ذلك ممّا أباح الشرع له فعله، فلا بأس، و علي كلّ حال لا فدية فيه(1).

البحث السابع: لبس الحليّ للزينة
مسألة 248: لا يجوز للمرأة في حال الإحرام لبس الحليّ للزينة

و ما لم تعتد لبسه في حال الإحرام، لقول الصادق عليه السلام في المحرمة:

«أنّها تلبس الحليّ كلّه إلاّ حليّا مشهورا للزينة»(2).

و سأل يعقوب بن شعيب الصادق عليه السلام عن المرأة تلبس الحليّ، قال: «تلبس المسك و الخلخالين»(3).

و منع أحمد بن حنبل من الخلخال و ما أشبهه من الحليّ، مثل: السوار و الدّملج(4).

و روي عن عطاء أنّه كان يكره للمحرمة الحرير و الحليّ(5).

و كرهه الثوري و أبو ثور(6).

و عن قتادة أنّه كان لا يري بأسا أن تلبس المرأة الخاتم و القرط [1] و هي محرمة، و كره السوارين و الدّملجين و الخلخالين(7).

و ظاهر مذهب أحمد: الجواز، و هو قول ابن عمر و عائشة و أصحاب الرأي، لأنّ عائشة قالت: تلبس المحرمة ما تلبس و هي حلال من خزّها و قزّها و حليّها، و علي كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(8).

ص: 328


1- المغني 303:3-304.
2- الفقيه 220:2-1016، التهذيب 75:5-76-249، الاستبصار 310:2 - 1105.
3- الفقيه 220:2-1019.
4- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
5- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
6- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
7- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.
8- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.

و أمّا لبس القفّازين ففيه الفدية عنده(1) ، و كذا عندنا، لأنّها لبست ما نهيت عن لبسه في الإحرام، فلزمتها الفدية، كالنقاب، و قد قال الصادق عليه السلام: «تلبس المرأة المحرمة الحليّ كلّه إلاّ القرط المشهور و القلادة المشهورة»(2).

مسألة 249: الحليّ الذي تعتاد المرأة لبسه في الإحلال يجوز لها لبسه في الإحرام

إذا لم تظهره للزوج، لما فيه من جذب الشهوة إلي إيقاع المنهيّ عنه.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام: عن المرأة يكون عليها الحليّ و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أ تنزعه إذا أحرمت أو تتركه علي حاله ؟ قال: «تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»(3).

مسألة 250: لا يجوز للمحرم أن يلبس الخاتم للزينة،

و يستحب للسنّة، لأنّ الروايات الدالّة علي تحريم لبس الحليّ للزينة و الاكتحال بالسواد للزينة و النظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها علي تعليل الحرمة بالزينة، فتثبت في لبس الخاتم، لوجود العلّة.

و لأنّ مسمعا سأل الصادق عليه السلام: أ يلبس المحرم الخاتم ؟ قال:

«لا يلبسه للزينة»(4).

و أمّا استحبابه للسنّة: فلأنّ محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد

ص: 329


1- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.
2- الفقيه 220:2-1014.
3- الكافي 345:4-4، التهذيب 75:5-248، الاستبصار 310:2-1104.
4- التهذيب 73:5-242، الاستبصار 165:2-166-544.

الصالح عليه السلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز للمرأة لبس الخاتم من الذهب، للأصل.

و لأنّه يجوز لها لبسه حالة الإحلال، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

و لما رواه عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب»(2).

إذا عرفت هذا، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإحرام علي كراهية، و لا يكره الذهب و الخزّ، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الخزّ، و ليس يكره إلاّ الحرير المحض»(3).

البحث الثامن: تغطية الرأس
مسألة 251: يحرم علي الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختيارا

بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه نهي عن العمائم و البرانس(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال: «نعم و لا يخمّر رأسه»(5).

ص: 330


1- التهذيب 73:5-241، الاستبصار 165:2-543.
2- التهذيب 76:5-250.
3- الفقيه 220:2-1020.
4- الموطّأ 325:1-8، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن ابن ماجة 977:2 - 2929، سنن الترمذي 194:3-195-833، سنن النسائي 132:5 و 133، سنن البيهقي 49:5.
5- التهذيب 307:5-1051، الاستبصار 184:2-614.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط، كالقلنسوة، أو بغير مخيط، كالعمامة و الإزار و الخرقة و كلّ ما يعدّ ساترا، و إذا ستر، لزمه الفداء، لأنّه باشر محظورا، كما لو حلق، و إذا غطّي رأسه، ألقي الغطاء واجبا، و جدّد التلبية مستحبّا.

و لو توسّد بوسادة فلا بأس، و كذا لو توسّد بعمامة مكورة [1]، لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفا أنّه مكشوف الرأس.

و لا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد، كالعمامة و القلنسوة، أو بغيره، كالزنبيل و القرطاس، أو خضب رأسه بحنّاء، أو طيّنه بطين، أو حمل علي رأسه متاعا أو مكتلا أو طبقا و نحوه عند علمائنا.

و ذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به، و لم يعترض عليه(1).

و هو يشعر بموافقته، إذ من عادته الردّ علي المذهب الذي لا يرتضيه.

و قال ابن المنذر و جماعة من الشافعية: إنّه نصّ في بعض كتبه علي وجوب الفدية(2) ، فبعض الشافعية قطع بالأول و لم يثبت الثاني(3) ، و بعضهم قال: إنّ في المسألة قولين(4).

و وافقنا أبو حنيفة(5) علي التحريم و وجوب الفدية، لأنّه غطّي رأسه بما يستره، فوجبت الفدية، كغيره.

احتجّ الآخرون: بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

و لو ستر رأسه بيديه، فلا شيء عليه، لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. و كذا لو وضع يديه علي فرجه، لم يجزئه في الستر.7.

ص: 331


1- فتح العزيز 435:7، المجموع 253:7.
2- الحاوي الكبير 102:4، فتح العزيز 435:7، المجموع 253:7.
3- فتح العزيز 435:7، المجموع 252:7-253.
4- فتح العزيز 435:7، المجموع 252:7-253.
5- انظر: فتح العزيز 435:7.

و لأنّ المحرم مأمور بمسح رأسه، و ذلك يكون بوضع يده عليه.

و جوّز الحنابلة للمحرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ، ليجتمع الشعر و يتلبّد، فلا يتخلّله الغبار، و لا يصيبه الشّعث، و لا يقع فيه الدبيب، لما رواه ابن عمر، قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يهلّ ملبّدا(1)(2).

مسألة 252: يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء علي رأسه

- و به قال مالك(3) - لأنّه مشتمل علي تغطية الرأس.

و لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «و لا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك»(4).

و في الصحيح عن حريز عن الصادق عليه السلام، قال: «لا يرتمس المحرم في الماء»(5).

و يجوز أن يغسل رأسه و يفيض عليه الماء إجماعا، لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية، و ليس هو في معناها، كالارتماس.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ علي رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض»(6).

و كذا يجوز للمحرم أن يدلك رأسه و يحكّه بيده، لأنّ زرارة سأله عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة»(7).

ص: 332


1- سنن النسائي 136:5.
2- المغني 309:3-310، الشرح الكبير 278:3.
3- المنتقي - للباجي - 195:2.
4- التهذيب 307:5-1048.
5- الفقيه 226:2-1064، التهذيب 307:5-1049.
6- التهذيب 313:5-314-1080.
7- الكافي 366:4-7، الفقيه 230:2-1092.

و لا يحلّ للمحرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقي إلي بعد الإحرام، لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

و خالف فيه الجمهور(1).

و لو خضب رأسه، وجبت الفدية، سواء كان الخضاب ثخينا أو رقيقا، لأنّه ساتر، و به قال الشافعي(2).

و فصّل أصحابه بين الثخين و الرقيق، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(3).

و ليس بمعتمد.

و كذا لو وضع عليه مرهما له جرم يستر رأسه.

و لو طلي رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك، خلافا للشافعي(4).

و لو طيّن رأسه، وجبت الفدية عندنا.

و للشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلي بالطين عورته و صلّي هل تجزئه ؟(5).

مسألة 253: لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر،

بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال:

(لا تخمّروا رأسه)(6) و النهي عنه يحرّم فعل بعضه.

ص: 333


1- المغني 310:3، الشرح الكبير 279:3.
2- المغني 308:3-309، الشرح الكبير 276:3.
3- فتح العزيز 436:7-437، المجموع 253:7.
4- الحاوي الكبير 110:4.
5- فتح العزيز 436:7، المجموع 253:7.
6- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 685:2-686-93 و 94 و 96 و 98 و 99، سنن النسائي 196:5 و 197، سنن البيهقي 70:5، مسند أحمد 215:1.

و كذلك لمّا قال تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (1) حرم حلق بعضه.

و لا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر، فإنّ العذر لا يسقط الفدية، كما قال تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ (2).

و لو افتقر إلي تعصيب الرأس بعصابة، جاز عند الحاجة - و به قال عطاء(3) - لأنّه في محلّ الحاجة و الضرورة، و قد قال تعالي ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع»(5).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن المحرم يضع عصام [1] القربة علي رأسه إذا استقي، فقال: «نعم»(6).

و اختلفت العامّة في الأذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي علي تسويغه(7).

و منع أحمد منه(8) ، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال:

(الأذنان من الرأس)(9).8.

ص: 334


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- المغني 309:3، الشرح الكبير 276:3.
4- الحج: 78.
5- الكافي 359:4-10، التهذيب 308:5-309-1056.
6- الفقيه 221:2-1024.
7- المغني 308:3، الشرح الكبير 276:3.
8- المغني 308:3، الشرح الكبير 276:3.
9- سنن أبي داود 33:1-134، سنن الترمذي 53:1-37، سنن ابن ماجة 152:1 - 443-445، سنن البيهقي 66:1 و 67، سنن الدار قطني 97:1-1-3، مسند أحمد 264:5 و 268.

و لو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

و جوّزه العامّة، لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(1).

و سأل سعيد الأعرج الصادق عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده، فقال: «لا، إلاّ من علّة»(2).

مسألة 254: لو غطّي رأسه ناسيا، ألقي الغطاء وجوبا،

و جدّد التلبية استحبابا، و لا شيء عليه.

أمّا وجوب الإلقاء: فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها، لما فيه من الترفّه، بل هو في الاستدامة أقوي منه في الابتداء، فإيجاب الفدية فيه أولي.

و أمّا استحباب التلبية: فلأنّ حريز بن عبد اللّه سأل الصادق عليه السلام - في الصحيح - عن محرم غطّي رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي، و لا شيء عليه»(3).

و كذا لو غطّاه حال نومه، لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يغطّي رأسه ناسيا أو نائما، قال: «يلبّي إذا ذكر [1]»(4).

و لأنّ التغطية تنافي الإحرام، لأنّها محرّمة فيه، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به، و هو التلبية.

مسألة 255: يجوز للمحرم تغطية وجهه

عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقّاص

ص: 335


1- المغني 309:3، الشرح الكبير 276:3.
2- الفقيه 227:2-1069.
3- التهذيب 307:5-1050، الاستبصار 184:2-613.
4- الفقيه 227:2-1070.

و ابن عباس و ابن الزبير و زيد بن ثابت و جابر و مروان بن الحكم و القاسم و طاوس و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد في إحدي الروايتين [1] - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (إحرام الرجل في رأسه، و إحرام المرأة في وجهها)(1) و التفصيل قاطع للشركة.

و عن ابن عباس: أنّ محرما و قصت به ناقته غداة عرفات، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (خمّروا وجهه و لا تخمّروا رأسه، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا)(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة - في الصحيح - قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال: «نعم و لا يخمّر رأسه»(3).

و قال الصادق عليه السلام: «المحرمة لا تتنقّب، لأنّ إحرام المرأة في وجهها، و إحرام الرجل في رأسه» [2].

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في الرواية الأخري: يحرم عليه تغطية وجهه، كالمرأة، لتساويهما في تحريم الطيب، فكذا التغطية.

و لأنّه قد روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في المحرم الذي و قصت به4.

ص: 336


1- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
2- سنن البيهقي 393:3.
3- التهذيب 307:5-1051، الاستبصار 184:2-614.

ناقته: (و لا تخمّروا وجهه و لا رأسه)(1)(2).

و يبطل القياس بلبس القفّازين، و الحديث ممنوع، فإنّ المشهور فيه:

(و لا تخمّروا رأسه)(3).

مسألة 256: و إحرام المرأة في وجهها،

فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها، كما يحرم علي الرجل تغطية رأسه، و لا نعلم فيه خلافا - إلاّ ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها و هي محرمة(4) ، و يحتمل أنّها كانت تغطّيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافا - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها»(6).

إذا عرفت هذا، فقد اجتمع في حقّ المحرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر: ستر الرأس و كشف الوجه، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلاّ بستر ذلك الجزء، و هذا أولي من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف

ص: 337


1- صحيح مسلم 866:2-98، سنن ابن ماجة 1030:2-3084، سنن النسائي 5: 196.
2- المغني 310:3، الشرح الكبير 279:3، فتح العزيز 446:7، بداية المجتهد 1: 328، المجموع 268:7، بدائع الصنائع 185:2، المنتقي - للباجي - 199:2.
3- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 865:2-867-93 و 94 و 96 و 99 و 100، سنن البيهقي 393:3 و 70:5، سنن الدارمي 50:2، سنن النسائي 195:5 - 197، المغني 311:3، الشرح الكبير 280:3.
4- المغني 311:3، الشرح الكبير 280:3.
5- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
6- الكافي 345:4-346-7، الفقيه 219:2-1009.

جميع الوجه، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

و لأنّ المقصود إظهار شعار الإحرام بالاحتراز عن التنقّب، و ستر الجزء المذكور لا يقدح فيه، و الرأس عورة كلّه، فيستر.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوبا علي وجهها فوق رأسها إلي طرف أنفها متجافيا عنه بخشبة و شبهها، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلا، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة أهل العلم(1) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها علي وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «المحرمة تسدل الثوب علي وجهها إلي الذقن»(3).

و لأنّ بالمرأة حاجة إلي ستر وجهها، فلا يحرم عليها علي الإطلاق، كالعورة.

و لا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حرّ أو برد أو فتنة أو لغير حاجة.

قال الشيخ رحمه اللّه: ينبغي أن يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها، و إلاّ وجب الدم(4).1.

ص: 338


1- المغني 311:3-312، الشرح الكبير 329:3، فتح العزيز 449:7، المجموع 7: 262، المبسوط - للسرخسي - 128:4، بدائع الصنائع 186:2، بداية المجتهد 1: 327.
2- سنن أبي داود 167:2-1833، المغني 312:3، الشرح الكبير 329:3.
3- الفقيه 219:2-1007.
4- انظر: المبسوط - للطوسي - 320:1.

و يشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، و لو كان شرطا، لبيّن، لأنّه موضع الحاجة.

مسألة 257: يحرم علي المرأة النقاب حالة الإحرام،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (و لا تتنقّب المرأة و لا تلبس القفّازين)(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «إحرام المرأة في وجهها»(2).

و رواه العامّة أيضا عن النبي عليه السلام(3).

و كذا يحرم عليها لبس البرقع، لاشتماله علي ستر الوجه.

و يجوز لها بعد الإحلال أن تطوف متنقّبة من غير كراهة له، فإنّ المقتضي للمنع هو الإحرام.

و كرهه عطاء ثم رجع عنه(4). و طافت عائشة متنقّبة(5).

مسألة 258: قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

و ضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدرا يقصد ستره لغرض من الأغراض، كشدّ عصابة و إلصاق لصوق لشجّة و نحوها.

ثم قال: لو شدّ خيطا علي رأسه، لم يضرّ، و لا تجب الفدية، لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(6).

و هو ينقض الضابط المذكور، فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط

ص: 339


1- صحيح البخاري 19:3، سنن أبي داود 165:2-1825، سنن النسائي 136:5، سنن البيهقي 46:5.
2- الكافي 345:4-346-7، الفقيه 219:2-1009.
3- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
4- المغني 312:3-313، الشرح الكبير 330:3.
5- المغني 312:3، الشرح الكبير 330:3.
6- فتح العزيز 437:7-438، المجموع 253:7.

قد يقصد أيضا لغرض منع الشعر من الانتشار و غيره، فإذا الأولي النظر إلي تسميته حاسر الرأس و مستور جميع الرأس أو بعضه.

و عند أبي حنيفة لا تكمل الفدية إلاّ إذا ستر ربع الرأس فصاعدا، فإن ستر أقلّ من ذلك، فعليه صدقة(1).

البحث التاسع: التظليل
مسألة 259 1: يحرم علي المحرم الاستظلال حالة السير،

فلا يجوز له الركوب في المحمل و ما في معناه، كالهودج و الكنيسة و العمارية و أشباه ذلك، عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر و مالك و سفيان بن عيينة و أهل المدينة و أبو حنيفة و أحمد(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأي علي رحل عمر بن عبد اللّه ابن أبي ربيعة عودا يستره من الشمس، فنهاه(3).

و رأي رجلا محرما علي رحل قد رفع ثوبا علي عود يستتر به من الشمس، فقال: اضح لمن أحرمت له(4). أي: أبرز للشمس.

و من طريق الخاصّة: ما رواه جعفر بن المثني الخطيب عن محمّد بن الفضيل و بشر بن إسماعيل، قال: قال لي محمّد: ألا أبشّرك يا ابن مثني ؟ فقلت: بلي، فقمت إليه، فقال: دخل هذا الفاسق آنفا، فجلس قبالة أبي الحسن عليه السلام، ثم أقبل عليه، فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أ يستظلّ علي المحمل ؟ فقال [له](5): «لا» قال: فيستظلّ في

ص: 340


1- فتح العزيز 438:7، المبسوط - للسرخسي - 128:4، الهداية - للمرغيناني - 161:1، بدائع الصنائع 187:2.
2- المغني 285:3-286، الشرح الكبير 277:3، الحاوي الكبير 128:4، حلية العلماء 284:3، المجموع 267:7.
3- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، و نحوهما في سنن البيهقي 70:5.
4- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، و نحوهما في سنن البيهقي 70:5.
5- أضفناها من المصدر.

الخباء؟ فقال له: «نعم» فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك، فقال:

يا أبا الحسن فما فرق بين هذا و هذا؟ فقال. «يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و قلنا كما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، و ربما ستر وجهه بيده، فإذا نزل استظلّ بالخباء و فيء البيت و الجدار» [1].

و لأنّه ستر بما يقصد به الترفّه، فأشبه ما لو غطّاه.

و رخّص فيه ربيعة و الثوري و الشافعي، و هو مروي عن عثمان و عطاء، لما روت أمّ الحصين قالت: حججت مع النبي صلّي اللّه عليه و آله حجّة الوداع، فرأيت أسامة و بدلا أحدهما أخذ بخطام [2] ناقة النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتي رمي جمرة العقبة(1).

و لأنّه يباح له التظليل في البيت و الخباء، فجاز له [في حال](2) الركوب(3).

و الحديث ممنوع، و جاز أن يكون عليه السلام مضطرّا إلي التظليل.

و لأنّ رفع الثوب الساتر جاز أن يكون حالة النزول، لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب، و الفرق ظاهر، فإنّ التظليل حالة النزول دافع7.

ص: 341


1- صحيح مسلم 944:2-312، سنن أبي داود 167:2-1834، مسند أحمد 6: 402.
2- أضفناها من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، فتح العزيز 433:7-434، الحاوي الكبير 128:4، حلية العلماء 283:3، المجموع 267:7.

للأذي، بخلاف حالة الركوب، فإنّ الفعل حالة النزول أكثر، لدوامه، بخلاف حالة الركوب.

مسألة 260: يجوز للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف و الشجرة

و الخباء و الخيمة لضرورة و غير ضرورة، عند العلماء كافّة.

روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بقبّة من شعر، فضربت له ب «نمرة» فأتي «عرفة» فوجد القبّة قد ضربت له ب «نمرة» فنزل بها حتي إذا زاغت الشمس(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه جعفر بن المثني عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما ستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار»(2).

مسألة 261: لو افتقر حالة السير إلي الاستظلال لعلّة و مرض و شدّة حرّ أو برد أو مطر،

جاز له الاستظلال، و تجب الفدية، لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل علي نفسه، فقال: «أمن علّة ؟» فقلت: تؤذيه الشمس و هو محرم، فقال: «هي علّة يظلّ و يفدي»(3).

و سأل إبراهيم بن أبي محمود، الرضا عليه السلام: عن المحرم يظلّل علي محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّ به، قال: «نعم» قلت:

كم الفداء؟ قال: «شاة»(4).

ص: 342


1- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 2: 1024-3074، سنن الدارمي 47:2.
2- الكافي 350:4-1، التهذيب 309:5-310-1061.
3- التهذيب 310:5-311-1064، الإستبصار 186:2-624.
4- الكافي 351:4-9، التهذيب 311:5-1066، الاستبصار 187:2-626.

و لأنّه في محلّ الحاجة، فكان سائغا.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز للمحرم إذا لم يكن مضطرّا إلي التظليل أن يظلّل علي نفسه و إن التزم الكفّارة، و إنّما يسوغ التظليل للمحرم بشرطين:

العلّة و التزام الكفّارة.

روي عبد اللّه بن المغيرة - في الصحيح - عن الكاظم عليه السلام:

أظلّل و أنا محرم ؟ قال: «لا» قلت: أ فأظلّل و أكفّر؟ قال: «لا» قلت: فإن مرضت ؟ قال: «ظلّل و كفّر»(1).

مسألة 262: يجوز للمرأة التظليل علي نفسها حالة السير،

كما جاز للعليل، لضعف مزاجها، و قبوله للانفعال بسرعة، فساغ لها التظليل، دفعا للحرج الحاصل من تركه، فأشبهت العليل و النازل.

و روي محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا» قلت: فالمرأة المحرمة، قال: «نعم»(2).

و كذا الصبي يجوز له التظليل، لما قلناه في المرأة.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بالقبّة علي النساء و الصبيان و هم محرمون، و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: قد رخص للنساء في التظليل، و تركه أفضل علي كلّ حال(4).

ص: 343


1- الفقيه 225:2-1059، التهذيب 313:5-1075، الاستبصار 187:2-627.
2- التهذيب 312:5-1070.
3- الفقيه 226:2-1064، التهذيب 312:5-1071.
4- النهاية: 221، المبسوط - للطوسي - 321:1.
مسألة 263: لو زامل المريض أو المرأة أو الصبيّ رجل صحيح،

اختصّ المريض و المرأة و الصبي بالتظليل علي المحمل، و كشف الصحيح محمله، لقيام المانع من التظليل في حقّه، و هو الإحرام السالم عن أحد الأعذار المسوّغة له.

و لما رواه بكر بن صالح، قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ عمّتي معي و هي زميلتي و يشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت، فتري [أن](1) أظلّل عليّ و عليها؟ فكتب: «ظلّل عليها وحدها»(2).

مسألة 264: إذا استظلّ حالة الاختيار، وجب عليه الفداء

- و هو رواية عن أحمد، و قول أهل المدينة(3) - لأنّه ستر رأسه بما يستدام و يلازمه غالبا، فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه.

و لأنّ الفداء يجب للضرورة فبدونها أولي.

و لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذي مطر أو شمس و أنا أسمعه، فأمره أن يفدي [1] شاة يذبحها بمني(4).

و أحمد و إن منع التظليل إلاّ أنّه لم يوجب الفدية، فقيل له: إنّ أهل المدينة يقولون: عليه دم، قال: نعم أهل المدينة يغلطون(5).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع بها و إحرام الحج.

و قال الشيخ في بعض كتبه: لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع

ص: 344


1- أضفناها من المصدر.
2- الفقيه 226:2-1061، التهذيب 311:5-1068، الإستبصار 185:2-616.
3- المغني 287:3، الشرح الكبير 277:3.
4- الكافي 351:4-5، التهذيب 311:5-1065، الإستبصار 186:2-625.
5- المغني 287:3، الشرح الكبير 277:3.

بها، لزمه كفّارتان، لما رواه أبو علي بن راشد، قال: قلت له عليه السلام:

جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ، فقال: «ظلّل و أرق دما» فقلت له: دما أو دمين، قال: «للعمرة ؟» قلت:

إنّا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحلّ و نحرم بالحجّ، قال: «فأرق دمين»(1).

و مع صحة السند نحمله علي الاستحباب.

و قال بعض الشافعية: إذا لم تمسّ المظلّة رأسه، فلا فدية، و إن مسّته، وجبت الفدية(2)

البحث العاشر: إزالة الشعر
مسألة 265: يحرم علي المحرم إزالة شيء من شعره،

قليلا كان أو كثيرا، علي رأسه أو علي بدنه أو لحيته بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (3).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال لكعب بن عجرة:

(لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك) قال: نعم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (احلق رأسك، و صم ثلاثة أيّام، أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك شاة)(4) و هو يدلّ علي المنع من الحلق قبل ذلك.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مرّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه،

ص: 345


1- التهذيب 311:5-1067.
2- فتح العزيز 433:7.
3- البقرة: 196.
4- صحيح البخاري 12:3-13، المعجم الكبير - للطبراني - 109:19-220، سنن البيهقي 55:5، الموطّأ 417:1-238 بتفاوت، و أورد نصّه ابن قدامة في المغني 3: 301.

فقال: أ تؤذيك هوامّك ؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) فأمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فحلق رأسه، و جعل عليه صيام ثلاثة أيام و الصدقة علي ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، و النسك شاة»(2).

و قال ابن عباس مَرِيضاً أي: برأسه قروح أَوْ بِهِ أَذيً ، أي:

قمل(3).

و سواء حلق لعذر أو لغير عذر، فإنّ الفدية واجبة عليه، للآية(4) ، و إذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولي.

مسألة 266: و لا فرق بين شعر الرأس في ذلك و بين شعر البدن في قول أهل العلم،

لما تقدّم في قول الصادق عليه السلام: «و لا يحلق الشعر»(5) و هو يتناول شعر الرأس و غيره.

و لاشتماله علي التنظيف و الترفّه، فلزمته الفدية، كشعر الرأس، بل الحاصل من الترفّه و التنظيف فيه أكثر من الرأس.

و قال أهل الظاهر: لا يجب في شعر غير الرأس(6) ، لقوله تعالي:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (7) .

و هو استدلال بمفهوم اللقب، و ليس حجّة إجماعا من المحقّقين.

و لا فرق بين أن يزيل الشعر بالإطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو

ص: 346


1- البقرة: 196.
2- الكافي 358:4-2، التهذيب 333:5-1147، الإستبصار 195:2-656.
3- المغني 302:3، بداية المجتهد 366:1، تفسير ابن عباس: 27.
4- البقرة: 196.
5- التهذيب 306:5-1044، الاستبصار 183:2-608.
6- المجموع 248:7، حلية العلماء 283:3، بداية المجتهد 367:1.
7- البقرة: 196.

البدن.

و لو قطع يده و عليها شعرات، فلا فدية، لأنّ الشعر غير مقصود بالإبانة، و كذا لو كشط جلدة الرأس، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر، لأنّ البضع تابع عند القتل.

و لو أرضعت الكبيرة الصغيرة، بطل النكاح، و وجب المهر.

و لو مشط لحيته أو رأسه، فانتفت شعرات، فعليه الفدية.

و لو شكّ هل كانت الشعرات منسلّة فانفصلت و انتتفت بالمشط، فالأقرب: وجوب الفدية، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: لا تجب(1).

مسألة 267: الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس و بعضه،

قليلا كان أو كثيرا، لكن تختلف، ففي حلق جميع الرأس: دم، و كذا فيما يسمّي حلق الرأس و إن كان بعضه.

و في حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان، لأنّ الدم معلّق علي حلق الرأس، و هو إنّما يصدق حقيقة في الجميع، فيبقي الباقي علي أصل البراءة.

و أمّا وجوب الفدية في القليل: فلما ورد عنهم عليهم السلام: «أنّ من مسّ شعر رأسه و لحيته فسقط شيء من شعره يتصدّق بشيء»(2).

و قال الشافعي: يجب بحلق ثلاث شعرات دم، لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق(3).

و الفرق بين الكثير و القليل ظاهر.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الدم إلاّ بحلق ربع الرأس، لأنّ الربع يقوم

ص: 347


1- الوجيز 125:1، فتح العزيز 465:7، المجموع 248:7.
2- الكافي 361:4-11، الفقيه 229:2-1089، التهذيب 338:5-339-1171، الاستبصار 198:2-669.
3- الوجيز 125:1، فتح العزيز 466:7، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 7: 374، مختصر المزني: 66، المغني 526:3، الشرح الكبير 270:3.

مقام الكلّ، فإنّه يصدق: رأيت رجلا، و إن كان لم يشاهد سوي جانب منه(1).

و نمنع حقيقة الإطلاق، و لهذا يصحّ نفيه.

و رؤية الرجل مجاز إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس، بل شيء مجرّد، و إمّا لأنّه أجزاء أصلية.

و لأنّ الإنسان ليس مربّعا، بل إذا رأي ما يعرفونه قال: رأيته، و لو رأي صفحة وجهه.

و قال مالك: إذا حلق من رأسه ما أماط عنه الأذي، وجب الدم، قلّ أو كثر(2).

و عن أحمد روايتان: إحداهما: أنّه يجب بثلاث شعرات، كقول الشافعي، و الثانية: بأربع شعرات(3).

و لو نتف شعرة أو شعرتين، فعندنا تجب صدقة، و للشافعي أقوال:

أحدها: يجب في الشعرة الواحدة مدّ من طعام، و في الشعرتين مدّان، و في الثلاث دم شاة، لأنّ تبعيض الدم عسر، و الشرع [1] قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد و غيره، و الشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة، و المدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات، فقوبلت به.

الثاني: أنّه يجب في الشعرة الواحدة درهم، و في الشعرتين درهمان، لأنّ7.

ص: 348


1- الهداية - للمرغيناني - 161:1، بدائع الصنائع 192:2، المغني 526:3، الشرح الكبير 271:3، فتح العزيز 466:7، المجموع 374:7، حلية العلماء 306:3.
2- المدوّنة الكبري 430:1، بداية المجتهد 365:1-366، المغني 526:3، الشرح الكبير 271:3، فتح العزيز 466:7، المجموع 374:7، حلية العلماء 307:3.
3- المغني 526:3، الشرح الكبير 270:3، المجموع 374:7، فتح العزيز 466:7.

تبعيض الدم عسر، و كانت الشاة تقوّم في عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بثلاثة دراهم تقريبا، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلي التوزيع.

الثالث: أنّ في الشعرة ثلث دم، و في الشعرتين ثلثي الدم، تقسيطا للواجب في الشعرات الثلاث علي الآحاد.

الرابع: أنّ الدم الكامل يجب بالشعرة الواحدة، لأنّ محظورات الإحرام لا تختلف بالقلّة و الكثرة، كالطيب و اللّبس(1).

مسألة 268: لو حلق رأسه لأذي، لم يكن محرّما،

و لا تسقط الفدية، لنصّ القرآن(2).

و لو كثرت الهوامّ في رأسه، أو كانت به جراحة، و أحوجه أذاها إلي الحلق، جاز له ذلك، و يجب الفداء، كما في حديث كعب بن عجرة، و قد تقدّم(3).

و كذا لو كان كثير الشعر يؤذيه الحرّ، جاز له الحلق مع الفداء.

و لو كان الضرر اللاحق من نفس الشعر، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه، فله قلع ما في العين، و قطع ما استرسل علي عينيه، و لا فدية عليه، لأنّ الشعر آذاه، فكان له دفع أذيّته بغير فدية، كالصيد إذا صال عليه.

و لو كان الأذي من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذي إلاّ بإزالة الشعر، كالقمّل و القروح برأسه، أو صداع برأسه، أو شدّة الحرّ عليه لكثرة شعره، فعليه الفدية، لأنّه قطع الشعر لإزالة ضرر غيره، فأشبه أكل الصيد للمخمصة.

ص: 349


1- الحاوي الكبير 115:4، الوجيز 125:1، فتح العزيز 467:7، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 370:7-371، حلية العلماء 307:3.
2- البقرة: 196.
3- تقدّم في المسألة 265.

لا يقال: القمّل من ضرر الشعر و الحرّ سببه كثرة الشعر فتساويا.

لأنّا نقول: ليس القمّل من الشعر و إنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلاّ به، فهو محلّ له لا سبب فيه.

و كذا الحرّ من الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد، فلا يتأذّي به.

و هذا تفصيل حسن لا بأس به، ذكره بعض الشافعية [1].

تنبيه: لو نتف إبطه، وجب عليه الفدية، لأنّه أزال الشعر للترفّه، فكان عليه الفداء، كغيره.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا نتف الرجل إبطه بعد الإحرام فعليه دم»(1).

إذا عرفت هذا، فليس الحكم منوطا بالحلق بل بالإزالة و الإبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره.

مسألة 269: النسيان مسقط للفدية في الطيب و اللباس و ما عدا الوطء من الاستمتاعات،

كالقبلة و اللمس بشهوة، و سيأتي.

و هل يسقط الفدية في الحلق و القلم ؟ فيه للشافعية وجهان:

أحدهما: لا تجب، كما في الاستمتاعات.

و الثاني: الوجوب(2).

و هو المعتمد، لأنّ الإتلافات يتساوي عمدها و خطؤها، كما في ضمان الأموال.

و أمّا المجنون و المغمي عليه و الصبي غير المميّز: فالأقرب عدم الضمان

ص: 350


1- الفقيه 228:2-1079، التهذيب 340:5-1177، الاستبصار 199:2-675.
2- فتح العزيز 468:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7-341.

في حقّهم، لعدم التكليف عليهم، بخلاف الناسي، فإنّه يفعل ما يتعاطاه، و النسيان عذر في سقوط الإثم لا في إزالة الفداء.

مسألة 270: يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحلّ،

و لا شيء عليه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و هو محكي عن مجاهد(1) - لأنّ المحلّ يسوغ له حلق رأسه، فجاز للمحرم فعله به، كما لو فعله المحلّ، لأنّ المحرّم إنّما هو إزالة شعر المحرم عن نفسه.

و لأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمه الإحرام، فجاز للمحرم حلقه، كشعر البهيمة.

و لأنّه يجوز له أن يطيبه و يلبسه، فأشبه المحلّ إذا حلقه.

و لأصالة براءة الذمّة.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز له، فإن فعل، فعليه صدقة، لقوله تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (2) معناه لا يحلق بعض رءوس بعض.

و لأنّ المحرم ممنوع منه بكلّ حال، و ما كان كذلك منع منه في حقّ غيره، كقتل الصيد، بخلاف اللباس، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال(3).

و الآية خطاب للمحرمين، لقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (4).

و لأنّ المحلّ غير ممنوع من حلق الرأس إجماعا، و الصيد إذا أتلفه المحرم بكلّ حال ضمنه، و هنا منع من شعر المحرم، لما فيه من الترفّه و زوال الشعث في الإحرام، و هو غير موجود في شعر المحلّ.

ص: 351


1- فتح العزيز 469:7، المهذّب - للشيرازي - 214:1، المجموع 248:7 و 345 و 350، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، المبسوط - للسرخسي - 72:4.
2- البقرة: 196.
3- المبسوط - للسرخسي - 72:4، الهداية - للمرغيناني - 162:1، بدائع الصنائع 2. 193، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، المجموع 248:7، و 345 و 350، فتح العزيز 469:7.
4- البقرة: 196.
مسألة 271: لا يجوز للمحرم و لا للمحلّ أن يحلقا رأس المحرم مع علمهما بحاله إجماعا،

لقوله تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (1).

و المراد: أن لا يحلقه بنفسه و لا بغيره، بل انصراف ذلك إلي الغير أولي، فإنّ الإنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلاّ نادرا.

و لا فدية علي واحد منهما علما أو جهلا، أذن لهما أو لا، لأصالة براءة الذمّة، و التحريم لا يستلزم الفدية، كما في كثير من المحرّمات.

و قال أبو حنيفة: إذا كان الحالق محلا، وجب عليه صدقة نصف صاع، و علي المحرم فدية، و إن كان محرما، فإن كان بإذنه، فعلي الآذن الفدية، و علي الحالق صدقة(2).

و قال الشافعي: إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام، فقد أساء.

ثم إن حلق بأمره، فالفدية علي المحلوق، لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه، أ لا تري [1] أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره، فحلق، يحنث في يمينه.

و لأنّ يده ثابتة علي الشعر، و هو مأمور بحفظه إمّا علي سبيل الوديعة أو العارية، و كلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن.

و إن حلق لا بأمره ينظر إن كان نائما أو مكرها أو مغمي عليه، فقولان:

أصحّهما: أنّ الفدية علي الحالق - و به قال مالك و أحمد - لأنّه المقصّر و لا تقصير من المحلوق.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة - أنّها علي المحلوق، لأنّه المرتفق به(3).

ص: 352


1- البقرة: 196.
2- الهداية - للمرغيناني - 162:1، حلية العلماء 304:3، فتح العزيز 496:7، المجموع 345:7.
3- فتح العزيز 469:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 345:7-346، حلية العلماء 302:3 و 304، المغني 530:3، الشرح الكبير 273:3.

و أصحاب الشافعي بنوا القولين علي أنّ استحفاظ الشعر في يد المحرم جار مجري الوديعة أو مجري العارية.

و فيه جوابان:

إن قلنا بالأول، فالفدية علي الحالق، كما أنّ ضمان الوديعة علي المتلف دون المودع، و إن قلنا بالثاني، وجبت علي المحلوق وجوب الضمان علي المستعير.

قالوا: و الأول أظهر، لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه، و قد يريد المحرم الإزالة دون الإمساك.

و أيضا فإنّه لو احترق شعره بتطاير الشرر و لم يقدر علي التطفئة، فلا فدية عليه، و لو كان كالمستعير، لوجبت عليه الفدية.

قالوا: فإن قلنا: الفدية علي الحالق، فإن فدي، فلا بحث، و إن امتنع مع القدرة، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان: فالأكثر علي أنّ له ذلك، بناء علي أنّ المحرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه و يتلف في يده.

و إذا أخرج المحلوق [الفدية](1) بإذن الحالق، جاز، و بغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه.

و إن قلنا: الفدية علي المحلوق، فإن فدي بالهدي أو الطعام، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة علي الحالق، و لا يرجع بما زاد، لأنّ الفدية علي التخيير، و هو متطوّع بالزيادة.

و إن فدي بالصوم، فوجهان: أظهرهما: لا، و علي الثاني بم يرجع ؟ وجهان:ر.

ص: 353


1- أضفناها من المصدر.

أظهرهما: بثلاثة أمداد من طعام، لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مدّ.

و الثاني بما يرجع به لو فدي بالهدي أو الإطعام.

ثم إذا رجع فإنّما يرجع بعد الإخراج في أصحّ الوجهين.

و الثاني: أنّ له أن يأخذ منه ثم يخرج.

و هل للحالق أن يفدي علي هذا القول ؟ أمّا بالصوم فلا، لأنّه متحمّل، و الصوم لا يتحمّل.

و أمّا بغيره فنعم، و لكن بإذن المحلوق، لأنّ في الفدية معني التقرّب، فلا بدّ من نيّة من وجبت عليه.

و إن لم يكن نائما و لا مغمي عليه و لا مكرها، لكنه سكت عن الحلق و لم يمنع منه، فقولان:

أحدهما: أنّ الحكم كما لو كان نائما، لأنّ السكوت ليس بأمر، فإنّ السكوت علي إتلاف المال لا يكون أمرا بالإتلاف.

و أصحّهما: أنّه كما لو حلق بأمره، لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية، و علي التقديرين يجب الدفع عنه(1).

و لو أمر حلال حلالا بحلق شعر حرام و هو نائم، فالفدية علي الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال، و إن عرف، فعليه في أصحّ الوجهين(2).

و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا، لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا، و أمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن، و إلاّ فلا.

البحث الحادي عشر: القلم
مسألة 272: أجمع فقهاء الأمصار كافّة

علي أنّ المحرم ممنوع من

ص: 354


1- فتح العزيز 469:7-470، المجموع 346:7-349.
2- فتح العزيز 470:7، المجموع 349:7.

قصّ أظفاره مع الاختيار، لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم، كإزالة الشعر.

و لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره، قال: فقال: «يدعها» قال: قلت: إنّها طوال، قال: «و إن كانت» قلت: إنّ رجلا أفتاه بأن يقلّمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه، ففعل، قال: «عليه دم»(1).

و اعلم أنّ علماءنا نصّوا علي أنّ من قلّم ظفره بإفتاء غيره، فأدمي إصبعه، كان علي المفتي دم شاة، لهذه الرواية.

إذا ثبت هذا، فليس الحكم مخصوصا بالقلم، بل بمطلق الإزالة، فإنّها تزال للتنظيف و الترفّه، فيلحق بالقلم الكسر و القطع.

و لو قطع يده أو إصبعه و عليها الظفر، فلا فدية عليه، لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإبانة.

مسألة 273: لو احتاج إلي مداواة قرحة و لا يمكنه إلاّ بقصّ أظفاره،

جاز له ذلك، و وجبت الفدية - خلافا لبعض العامّة [1] - لأنّه أزال ما منع من إزالته لضرر في غيره، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره، قال: «لا يقصّ شيئا منها إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام»(2).

مسألة 274: لو أزال بعض الظفر تعلّق به ما يتعلّق بالظفر جميعه،

لأنّه بعض من جملة مضمونة.

و كذا لو أخذ بعض شعره، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها.

و لو أخذ من بعض جوانب الظفر و لم يأت علي رأسه كلّه، ففيه ما في

ص: 355


1- التهذيب 314:5-1082.
2- الكافي 360:4-3، الفقيه 228:2-1077، التهذيب 314:5-1083.

الظفر.

و قالت الشافعية: إن قلنا: يجب في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب، و إن قلنا: يجب مدّ، فلا سبيل إلي تبعيضه(1).

مسألة 275: لو انكسر ظفره، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء،

لأنّه يؤذيه و يؤلمه، فكان له إزالته، كالشعر النابت في عينه و الصيد الصائل عليه.

و هل تجب فيه الفدية ؟ إشكال ينشأ: من أصالة براءة الذمّة و مشابهته للصيد الصائل، و من الرواية الصحيحة عن الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمّار: عن المحرم تطول أظفاره إلي أن ينكسر بعضها فيؤذيه:

«فليقصّها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام»(2) لأنّ العمل بالرواية متعيّن.

و لو قصّ المكسور خاصّة، لم يكن عليه شيء عند قوم علي ما تقدّم من الإشكال.

و لو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر، ضمنه بما يضمن به الظفر، لأنّه أزال بعض الظفر ابتداء من غير علّة، فوجب ضمانه، و كذا لو أزاله تبعا.

البحث الثاني عشر: إخراج الدم
مسألة 276: اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمحرم اختيارا،

فمنع منه المفيد و ابن إدريس(3) ، و به قال مالك(4) ، و كان الحسن البصري يري

ص: 356


1- فتح العزيز 467:7.
2- الكافي 360:4-3، الفقيه 228:2-1077، التهذيب 314:5-1083.
3- المقنعة: 68، السرائر: 128.
4- المنتقي - للباجي - 240:2، المجموع 355:7، حلية العلماء 305:3، المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3.

في الحجامة دما(1).

و اختار ابن بابويه الجواز(2) ، و هو قول أكثر العامّة(3).

و للشيخ قولان(4).

احتجّ المفيد: بما رواه الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام: عن المحرم يحتجم، قال: «لا، إلاّ أن يخاف علي نفسه التلف و لا يستطيع الصلاة» و قال: «إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر»(5).

و احتجّ المجوّزون: بما رواه العامّة عن ابن عباس: انّ النبي صلّي اللّه عليه و آله احتجم - و هو محرم - في رأسه(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»(7).

و هما محمولان علي الاحتياج إليه، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 277: يجوز الحجامة مع الضرورة و دعوي الحاجة،

و كذا الفصد بلا خلاف، دفعا للضرر [1]، و كذا يجوز قطع العضو عند الحاجة، و الختان من غير فدية، للأصل.

و لو احتاج في الحجامة إلي قطع شعر، قطعه، لما رواه العامّة عن النبي

ص: 357


1- المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3.
2- المقنع: 73، الفقيه 222:2-1033.
3- المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3، المجموع 355:7.
4- قال بعدم الجواز في المبسوط 321:1، و النهاية: 220، و بالجواز في الخلاف 315:2، المسألة 110.
5- التهذيب 306:5-1044، الاستبصار 183:2-608.
6- سنن أبي داود 167:2-168-1836.
7- التهذيب 306:5-1046، الاستبصار 183:2-610.

صلّي اللّه عليه و آله: أنّه احتجم في طريق مكّة و هو محرم وسط [1] رأسه(1) ، و من ضرورة ذلك قطع الشعر.

و من طريق الخاصّة: ما رواه مهران بن أبي نصر و علي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، قالا: سألناه، فقال في حلق القفا للمحرم: «إن كان أحد منكم يحتاج إلي الحجامة فلا بأس به، و إلاّ فيلزم ما جري عليه الموسي إذا حلق»(2).

و لأنّه يباح إزالة الشعر أجمع لضرر القمل، فكذا هنا.

إذا عرفت هذا، فإنّ الفدية واجبة عليه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(3) - لقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (4).

و لأنّ حلقه لإزالة ضرر عنه، فلزمته الكفّارة، كما لو حلقه لإزالة قملة.

و قال أبو يوسف و محمد: يتصدّق بشيء(5).

مسألة 278: يجوز للمحرم أن يبطّ خراجه و يشقّ الدمل

إذا احتاج إلي

ص: 358


1- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 862:2-863-1203، سنن النسائي 5: 194، سنن البيهقي 65:5، المغني 283:3، الشرح الكبير 335:3.
2- التهذيب 306:5-307-1047.
3- المجموع 356:7، بدائع الصنائع 193:2، الهداية - للمرغيناني - 162:1، المبسوط - للسرخسي - 74:4، المدوّنة الكبري 428:1، المغني 283:3-284، الشرح الكبير 335:3.
4- البقرة: 196.
5- بدائع الصنائع 193:2، الهداية - للمرغيناني - 162:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 74، المغني 284:3، الشرح الكبير 335:3.

ذلك، و لا فدية عليه إجماعا، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه احتجم و هو محرم(1).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط عليه الخرقة، فقال: «لا بأس»(2).

و روي هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«إذا خرج بالمحرم الخراج و الدمل فليبطّه و ليداوه بزيت أو بسمن»(3).

و لأنّه في محلّ الحاجة و لا يستتبع ترفّها، فكان سائغا، كشرب الدواء.

و يجوز أن يقلع ضرسه مع الحاجة إليه، لأنّه تداو، و ليس بترفّه، فكان سائغا، كشرب الدواء.

و لما رواه الحسن الصيقل أنّه سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه ؟ قال: «نعم لا بأس به»(4).

و لو لم يحتج إلي قلعه، كان عليه دم.

مسألة 279: لا يدلك المحرم جسده بعنف لئلاّ يدميه أو يقلع شعره،

و كذا لا يستقصي في سواكه لئلاّ يدمي فاه، و لا يدلك وجهه في غسل الوضوء و غيره لئلاّ يسقط من شعر لحيته شيء، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام: عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال:

«بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر»(5).

ص: 359


1- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 862:2-1202، سنن الترمذي 199:3 - 839، سنن أبي داود 167:2-168-1835 و 1836، سنن ابن ماجة 1029:2 - 3082، سنن النسائي 193:5، سنن البيهقي 64:5 و 65، الموطّأ 349:1-74.
2- الكافي 359:4-5، الفقيه 222:2-1038.
3- الفقيه 222:2-1040، التهذيب 304:5-1036.
4- الفقيه 222:2-1036.
5- التهذيب 313:5-1076.

و عن الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يستاك، قال: «نعم و لا يدمي»(1).

و عن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«لا بأس أن يدخل المحرم الحمّام و لكن لا يتدلّك»(2).

و عن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، و بحكّ الجسد ما لم يدمه»(3).

و سأل يعقوب بن شعيب - في الصحيح - الصادق عليه السلام: عن المحرم يغتسل، فقال: «نعم يفيض الماء علي رأسه و لا يدلكه»(4).

مسألة 280: ينبغي للمحرم أن يغسل رأسه و بدنه برفق بحيث لا يسقط منه شيء من شعر رأسه و لحيته إجماعا،

و فعله [1] علي عليه السلام، و عمر، و ابنه، و به قال جابر و سعيد بن جبير و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(5) ، إلاّ أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه، عند علمائنا، و به قال مالك(6) - خلافا لباقي العامّة(7) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا: بما رواه ابن عباس، قال: ربما قال لي عمر و نحن محرمون

ص: 360


1- التهذيب 313:5-1078.
2- التهذيب 314:5-1081، الاستبصار 184:2-611.
3- التهذيب 313:5-1077.
4- الفقيه 230:2-1093، التهذيب 313:5-1079.
5- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3، المحلّي 247:7، المجموع 355:7، الهداية - للمرغيناني - 139:1.
6- المنتقي - للباجي - 194:2.
7- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3.

بالجحفة: تعال أباقيك [1] أيّنا أطول نفسا في الماء(1).

و لأنّه ليس بستر معتاد، فأشبه صبّ الماء عليه(2).

و حديث عمر لا حجّة فيه، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإحرام، لأنّه في الميقات الذي يحرم منه، فالظاهر أنّ غسله للإحرام، و الفرق: أنّ في الارتماس تغطية الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر و الخطمي و نحوهما - و به قال جابر بن عبد اللّه و الشافعي و أصحاب الرأي(3) - و لا فدية عليه.

و عن أحمد رواية: أنّ عليه الفدية، و به قال مالك و أبو حنيفة(4).

و قال أبو يوسف و محمّد: عليه صدقة(5).

لنا: ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال في المحرم الذي أوقصه بعيره: (اغسلوه بماء و سدر، و كفّنوه في ثوبيه، و لا تحنّطوه و لا تخمّروا رأسه، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا)(6) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإحرام عليه، و لهذا منعه من الطيب و تخمير رأسه.

احتجّوا: بأنّه تستطاب رائحته، و يزيل الشعث، و يقتل الهوامّ(7).3.

ص: 361


1- سنن البيهقي 63:5.
2- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3.
3- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، فتح العزيز 463:7، المجموع 355:7.
4- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، المدونّة الكبري 389:1، بداية المجتهد 329:1، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 304:3، المجموع 355:7.
5- بدائع الصنائع 191:2، المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، حلية العلماء 3: 304، المجموع 355:7.
6- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 865:2-94، سنن ابن ماجة 2: 1030-3084، سنن النسائي 196:5، سنن الدارمي 50:2، سنن البيهقي 70:5، مسند أحمد 215:1، المغني 275:3، الشرح الكبير 314:3.
7- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3.

و نمنع التلذّذ بالرائحة، و ينتقض بالفاكهة، و إزالة الشعث تحصل بالتراب و الماء مع موافقته علي تسويغه.

مسألة 281: يجوز للمحرم دخول الحمّام إجماعا،

و لا يدلك جسده فيه بقوّة لئلاّ يدميه أو يزيل شعره، للأصل.

و لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّه دخل حمّام الجحفة، و قال:

ما يعبأ اللّه بأوساخكم شيئا [1].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يدخل المحرم الحمّام و لكن لا يتدلّك»(1).

إذا ثبت هذا، فالأفضل تركه، لاشتماله علي الترفّه (و إزالة الشعث) [2] و لما رواه عقبة أنّه سأل الصادق عليه السلام عن المحرم يدخل الحمّام، قال: «لا يدخل»(2) و إنّما حملناه علي الكراهة، جمعا بين الأخبار.

البحث الثالث عشر: قتل هوامّ الجسد
مسألة 282: لا يجوز للمحرم قتل القمل و الصئبان 3 و البراغيث

و غير ذلك من هوامّ الجسد - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3) - لاشتماله علي الترفّه و إزالة الشعث، فكان حراما، كالطيب.

ص: 362


1- الكافي 366:4-3، الفقيه 228:2-1081، التهذيب 314:5-1081، الاستبصار 184:2-611.
2- التهذيب 386:5-1349، الإستبصار 184:2-612.
3- المغني 272:3، الشرح الكبير 311:3.

و لقول الصادق عليه السلام: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(1).

و لا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلي الأرض أو يقتله بالزئبق و شبهه، لأنّ تحريم قتله ليس معلّلا بحرمته، بل للترفّه بفقده، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

و لأنّ حماد بن عيسي سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يبين القملة من جسده فيلقيها، فقال: «يطعم مكانها طعاما»(2).

و في الرواية الأخري عن أحمد: يباح قتله(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلي مكان آخر منه، لاشتمال دوامها في موضع واحد علي أذي كثير.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلي مكان فلا يضرّه»(4).

مسألة 283: لو قتل قملة، فعل حراما،

و وجب عليه فدية كف من طعام - و به قال عطاء(5) - لأنّه فعل إزهاق نفس محرّمة، فكان عليه صدقة، كالصيد.

و لقول الصادق عليه السلام: «يطعم مكانها طعاما»(6) بمجرد الإلقاء، لأنّه مظنّة القتل لها، فأشبه رمي الصيد و جهل حاله.

ص: 363


1- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:2-197-661.
2- التهذيب 336:5-1158، الإستبصار 196:2-659.
3- المغني 272:3، الشرح الكبير 311:3.
4- التهذيب 336:5-337-1161، الفقيه 230:2-1091.
5- المغني 273:3-274.
6- التهذيب 336:5-1158، الاستبصار 196:2-659.

و قال مالك: يفدي بحفنة من طعام. و هو مروي عن ابن عمر(1).

و قال إسحاق: يتصدّق بتمرة فما فوقها(2).

و قال أحمد في إحدي الروايتين: يتصدّق بمهما كان من قليل و كثير، و هو قول أصحاب الرأي(3).

و في الرواية الأخري: لا شيء عليه، و به قال سعيد بن جبير و طاوس و أبو ثور و ابن المنذر(4).

مسألة 284: يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد و الحلمة،

و يلقي القراد عنه و عن بعيره، لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «و المحرم يلقي عنه القردان [1] كلّها إلاّ القملة فإنّها من جسده، و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان إلي مكان فلا يضرّه»(5).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز للمحرم أن يلقي القراد عن بعيره، و ليس له أن يلقي الحلمة(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «إنّ القراد ليس من البعير، و الحلمة من البعير»(7).

البحث الرابع عشر: قطع شجر الحرم
مسألة 285: أجمع علماء الأمصار علي تحريم قطع شجر الحرم غير الإذخر

و ما أنبته الآدمي من البقول و الزروع و الرياحين.

و بالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

ص: 364


1- المغني 273:3-274، الشرح الكبير 312:3.
2- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
3- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
4- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
5- الفقيه 230:2-1091، التهذيب 337:5-1161.
6- التهذيب 338:5.
7- الفقيه 232:2-1107.

لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من قوله عليه السلام:

(لا يختلي شوكها و لا يعضد شجرها)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس أجمعين إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و اعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر: فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي و قلعه، فخرج بالرطب:

الشجر اليابس، فإنّه لا شيء في قطعه، كما لو قطع صيدا ميّتا.

و خرج بالحرمي أشجار الحلّ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم و ينقلها إلي الحلّ محافظة علي حرمتها، فإن فعل، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلي بقعة أخري منه، فإنّه لا يؤمر بالردّ، و يضمن لو تلفت بالنقل.

و لا فرق في التحريم بين أن ينقله إلي الحلّ أو الحرم.

و لو نبتت في الموضع المنقول إليه، فإن كان في الحرم، فلا جزاء فيه، لأنّه لم يتلفها و لم يزل حرمتها.

و لو كان في الحلّ، فكذلك عند الشافعي، لأنّه لم يتحقّق منه الإتلاف(3).

و مقتضي مذهبنا: وجوب الردّ، فإن تلفت ضمن، و إلاّ فلا، لأنّه أزال حرمتها بالنقل، فوجب الردّ.

و أمّا غير الشجر كالحشيش، فلا يجوز قطعه، للخبر(4) ، و لو قطعه ضمنه.ة.

ص: 365


1- أورده ابنا قدامة في المغني 361:3-362، و الشرح الكبير 377:3.
2- الفقيه 166:2-718، التهذيب 380:5-1325.
3- فتح العزيز 511:7، المجموع 448:7.
4- تقدّم في صدر المسألة.
مسألة 286: يحرم قطع الشوك و العوسج و شبهه من الأشجار المؤذية

- و به قال أحمد(1) - لعموم قوله عليه السلام: (لا يعضد شجرها)(2).

و قال الشافعي: لا يحرم - و به قال عطاء و مجاهد و عمرو بن دينار - لأنّه مؤذ، فأشبه السباع من الحيوان(3).

و نمنع المساواة، و الفرق: إمكان الاحتراز غالبا عن الشوك، و قلّة ضرره، بخلاف السباع، و لأنّها تقصد الأذي.

و ليس له أخذ ورق الشجر - و به قال أحمد(4) - لقوله عليه السلام: (لا يخبط [1] شوكها و لا يعضد شجرها)(5).

و لأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شيء منه، كريش الطائر.

و قال الشافعي: له أخذه، لأنّه لا يضرّ به(6). و كان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا [2] للإسهال، و لا ينزع من أصله(7) ، و رخص فيه عمرو بن دينار(8).

و نمنع عدم تضرّر الشجرة به، فإنّه يضعفها، و ربما أدّي إلي تلفها.

و كذا يحرم أغصان الشجرة، لأنّ منفعتها به أقوي من منفعة الورق.

ص: 366


1- المغني 364:3، الشرح الكبير 378:3.
2- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
3- فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 448:7، المغني 364:3، الشرح الكبير 378:3.
4- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
5- صحيح مسلم 989:2-448.
6- فتح العزيز 511:7، المجموع 449:7، المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
7- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
8- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
مسألة 287: تجب في قطع الشجر الفدية

عند أكثر علمائنا(1) - و به قال ابن عباس و عطاء و أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أصحّ قوليه(2) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(3).

و الدوحة: الشجرة الكبيرة، و الجزلة: الشجرة الصغيرة.

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم و لم تنزع فأراد نزعها، نزعها و كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علي المساكين»(4).

و لأنّه ممنوع من إتلافه، لحرمة الحرم، فكان مضمونا عليه، كالصيد.

و قال بعض علمائنا: لا ضمان فيه و إن حرم(5) - و به قال مالك و أبو ثور و داود و ابن المنذر و الشافعي في القديم(6) - لأصالة البراءة.

[و] [1] لأنّ الإحرام لا يوجب ضمان الشجر، فكذلك الحرم.

مسألة 288: يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطبا،

للخبر، إلاّ ما استثني من الإذخر و ما أنبته الآدميون، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (لا يحتش حشيشها)(7).

ص: 367


1- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 408:2، المسألة 281، و المبسوط 354:2، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 204، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 223:1.
2- المبسوط - للسرخسي - 104:4، المغني 367:3، الشرح الكبير 379:3-380، الأم 108:2، الحاوي الكبير 313:4، الوجيز 129:1، فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1-226، المجموع 450:7 و 451.
3- المغني 367:3-368، الشرح الكبير 380:3.
4- التهذيب 381:5-1331.
5- قال به ابن إدريس في السرائر: 130.
6- المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، المدوّنة الكبري 451:1، حلية العلماء 322:30، فتح العزيز 511:7.
7- المغني 266:3، الشرح الكبير 379:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يتّقي الطاقة من العشب ينتفها من الحرم» قال: «و قد نتف طاقة و هو يطلب أن يعيدها في مكانها»(1).

و رأي زين العابدين عليه السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط، فقال عليه السلام: «إنّ هذا لا يقلع»(2).

و قال الشافعي: لا يجوز قطعه مطلقا، للخبر، فإن قطعه، فعليه قيمته إن لم يخلف، و إن أخلف فلا، بخلاف الشجر، فإنّ الغالب فيه الإخلاف، فأشبه سنّ الصبي(3).

إذا عرفت هذا، فلو كان يابسا، لم يكن في قطعه شيء، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه، فإن قلعه، فعليه الضمان، لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانيا، ذكره بعض الشافعية(4) ، و لا بأس به.

مسألة 289: يجوز للمحرم أن يترك إبله لترعي في حشيش الحرم،

و تسريح البهائم فيه لترعي و إن حرم عليه قلعه عند علمائنا - و به قال عطاء و الشافعي(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إلاّ علف الدوابّ)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يخلّي البعير في

ص: 368


1- التهذيب 379:5-1323.
2- التهذيب 379:5-1322.
3- فتح العزيز 512:7.
4- فتح العزيز 412:7، المجموع 452:7.
5- المغني 366:3، الشرح الكبير 379:3، الحاوي الكبير 312:4، حلية العلماء 3: 322، فتح العزيز 512:7، المجموع 452:7-453.
6- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 312:4، و الشيخ الطوسي في الخلاف 409:2، المسألة 282.

الحرم يأكل ما شاء»(1).

و لأنّ الهدايا في زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله كانت تدخل الحرم و تكثر فيه، و لم ينقل أنّه [كانت] [1] تشدّ [2] أفواهها.

و لأنّ الحاجة ماسّة إلي ذلك، فكان سائغا، كالإذخر.

و قال أحمد و أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه، كالصيد(2).

و الفرق: الحاجة، و لأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرة و تولّدا، بخلاف الحشيش.

و لو اختلي الحشيش ليعلفه البهائم، فللشافعية وجهان:

أحدهما: الجواز، كما لو سرحها فيه.

و الثاني: المنع، لقوله عليه السلام: (لا يختلي خلاها)(3)(4).

مسألة 290: شجر الفواكه و النخل يجوز قلعه،

سواء أنبته اللّه تعالي أو الآدميون، و سواء كانت مثمرة، كالنخل و الكرم، أو غير مثمرة، كالصنوبر و الخلاف - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشيا من

ص: 369


1- الكافي 231:4-5، الفقيه 166:2-719، التهذيب 381:5-1329.
2- المغني 366:3، الشرح الكبير 379:3، المبسوط - للسرخسي - 104:4، الهداية - للمرغيناني - 175:1، بدائع الصنائع 210:2، حلية العلماء 322:3-323، الحاوي الكبير 312:4، فتح العزيز 512:7.
3- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 987:2-1353، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
4- فتح العزيز 512:7، المجموع 453:7
5- المبسوط - للسرخسي - 103:4، بدائع الصنائع 210:2-211، المغني 362:3 - 363.

الصيد، فكذا من الشجر.

و قول الصادق عليه السلام: «لا ينزع من شجر مكة إلاّ النخل و شجر الفواكه»(1).

و كذا يجوز قلع ما أنبته الإنسان من شجر الفواكه كلّها، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس أجمعين إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و به قال أبو حنيفة، تشبيها للمستنبتات بالحيوان الإنسي و بالزرع(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: و ما أنبته اللّه تعالي في الحلّ إذا قلعه المحلّ و نقله إلي الحرم ثم قطعه، فلا ضمان عليه، و ما أنبته اللّه إذا نبت في ملك الإنسان، جاز له قلعه، و إنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(4).

و قال الشافعي: كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته اللّه تعالي أو الآدميّون(5) ، لعموم قوله عليه السلام: (لا يعضد شجرها)(6).

و لأنّها شجرة تنبت في الحرم، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

و الحديث قد استثني فيه في بعض الروايات (إلاّ ما أنبته الآدمي).

و لأنّ أدلّتنا أخصّ.

و للفرق بين الأهلي من الشجر، كالنخل و الجواز و اللوز، و الوحشي،5.

ص: 370


1- الفقيه 166:2-720، التهذيب 379:5-380-1324.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 365، الهامش (2).
3- المبسوط - للسرخسي - 103:4، بدائع الصنائع 211:2، فتح العزيز 512:7.
4- المبسوط - للطوسي - 354:1.
5- فتح العزيز 511:7 و 512، المجموع 447:7 و 450.
6- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن النسائي 211:5، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن البيهقي 5: 195.

كالدّوح [1] و السّلم [2]، كالصيد.

إذا عرفت هذا، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن ينبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقا - خلافا للشافعي(1) - لعموم قول الصادق عليه السلام: «إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و لا بأس بقطع شجر الإذخر إجماعا.

و كذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلي ذلك.

و لقول الباقر عليه السلام: «رخص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في قطع عودي المحالة - و هي البكرة التي يستقي بها(3) - من شجر الحرم و الإذخر»(4).

و كذلك لا بأس بأن يقلع الإنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له، و لو نبتت قبل بنائه، لم يجز له قلعها، لقول الصادق عليه السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، فقال: «إن بني المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت في منزله فله قلعها(5)»(6).

و يجوز أن يقلع اليابس من الشجر و الحشيش، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة، و كذا قطع ما انكسر و لم يبن، لأنّه قد تلف، فهو بمنزلة الميّت و الظفر المنكسر.7.

ص: 371


1- فتح العزيز 512:7، المجموع 450:7.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 365، الهامش (2).
3- النهاية - لابن الأثير - 304:4 «محل».
4- التهذيب 381:5-1330.
5- في المصدر: «و هو له فليقلعها» بدل «فله قلعها».
6- الكافي 231:4-6، التهذيب 380:5-1327.

و يجوز أخذ الكمأة [1] و الفقع [2] من الحرم، لأنّه لا أصل له، فهو كالثمرة الموضوعة علي الأرض.

و لو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها، فإن كان بغير فعل الآدمي، جاز الانتفاع به إجماعا، لتناول النهي القطع و هذا لم يقطع، و إن كان بفعل آدمي، فالأقرب جوازه [3]، لأنّه بعد القطع يكون كاليابس، و تحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

و منعه بعض العامّة، قياسا علي الصيد يذبحه المحرم(1).

و قال آخرون: يباح لغير القاطع، و الفرق: أنّ الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية، و هي منفية عن المحرم، بخلاف قطع الشجرة، فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(2).

مسألة 291: الشجرة إذا كان أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، حرم قطعها و قطع غصنها،

لأنّها في الحرم.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، فقال: «حرم فرعها لمكان أصلها» قال: قلت: فإنّ أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم، قال: «حرام أصلها لمكان فرعها»(3) و الغصن تابع.

و إن كان بالعكس، فكذلك.

و سوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير، لأنّه تابع لأصله، كالتي

ص: 372


1- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
2- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
3- الكافي 231:4-4، الفقيه 165:2-717، التهذيب 379:5-1321.

قبلها(1).

و ليس بجيّد، لأنّه في الحرم.

و إذا كان الأصل في الحلّ و الغصن في الحرم فقطع واحد الغصن، ضمنه.

و لو قطع آخر الأصل بعد قطع الغصن، فالأقرب عدم التحريم، لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه و قد زال بقطع الغصن.

و لو كان بعض الأصل في الحلّ و بعضه في الحرم، ضمن الغصن، سواء كان في الحلّ أو الحرم، تغليبا لحرمة الحرم، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحلّ و بعضها في الحرم.

مسألة 292: لو قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت، ضمنها، لإتلافه.

و لو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت، لم يكن عليه ضمان، لعدم الإتلاف و لم تزل حرمتها.

و لو غرسها في الحلّ فنبتت، وجب عليه ردّها، لأنّه أزال حرمتها، فإن تعذّر ردّها، أو ردّها و يبست، ضمنها.

و لو غرسها في الحلّ فقلعها غيره منه، قال بعض العامّة: يضمن الثاني، لأنّه المتلف لها، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ، فإنّ الضمان علي المنفّر، لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه، و لا تزول حرمته بإخراجه، و لهذا يجب علي قالعه ردّه، و أمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحلّ و اخري في الحرم، فمن نفّره فقد أذهب حرمته، فوجب عليه جزاؤه، و الشجر لا تفوت حرمته بالإخراج، فكان الضمان علي المتلف، لأنّه أتلف

ص: 373


1- المغني 369:3-370، الشرح الكبير 382:3.

شجرا من الحرم(1).

مسألة 293: يضمن المحرم الشجرة الكبيرة ببقرة، و الصغيرة بشاة، و الحشيش بقيمته،

و الغصن بأرشه - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(3).

و الدوحة: الشجرة الكبيرة، و الجزلة: الشجرة الصغيرة.

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم و لم تنزع، فإن أراد نزعها نزعها، و كفّر بذبح بقرة، و تصدّق بلحمها علي المساكين»(4).

و قال أصحاب الرأي: يضمن الجميع بالقمية، لأنّه لا مقدّر فيه، فأشبه الحشيش(5).

و ليس بجيّد، لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه، فكان فيه مقدّر، كالصيد.

و لو قطع غصنا أو قلع حشيشا فعاد عوضه، فالوجه: بقاء الضمان، لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا، فالمرجع في الصغر و الكبر إلي العرف.

و قال بعض الشافعية: ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبة من

ص: 374


1- المغني 369:3، الشرح الكبير 381:3.
2- الأم 208:2، مختصر المزني: 71، الوجيز 129:1، فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1-226، المجموع 451:7 و 496، المغني 368:3، الشرح الكبير 379:3 و 380.
3- المغني 367:3-368، الشرح الكبير 380:3.
4- التهذيب 381:5-1331.
5- المبسوط - للسرخسي - 103:4، الهداية - للمرغيناني - 175:1، المحلّي 261:7، المغني 368:3، الشرح الكبير 380:3، المجموع 496:7.

سبع الكبيرة، فإنّ الشاة من البقرة سبعها(1).

و المتوسّطة صغيرة، لأصالة البراءة، و لأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة 294: حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه و لا قطع شجره

- بريد في بريد، لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال:

سمعته يقول: «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلي خلاه و يعضد شجره إلاّ الإذخر أو يصاد طيره، و حرّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها، و حرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلي خلاها و يعضد شجرها إلاّ عودي الناضح [1]»(2).

مسألة 295: قال الشيخ رحمه اللّه: و اعلم أنّ للمدينة حرما مثل حرم مكّة،

و حدّه ما بين لابتيها، و هو من ظلّ عائر إلي ظلّ و عير لا يعضد شجرها، و لا بأس أن يؤكل صيدها إلاّ ما صيد بين الحرّتين(3).

و اللابة: الحرّة، و الحرّة: الحجارة السوداء.

و في هذا الكلام اضطراب، و ينبغي أن يقال: و حدّه من ظلّ عائر إلي ظلّ و عير، لا يعضد شجرها، و لا بأس أن يؤكل صيدها إلاّ ما صيد بين الحرّتين، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر و ظلّ و عير، و الحرّتان بين الظلّين، لأنّه قال: لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين، و لا بأس أن يؤكل الصيد إلاّ ما صيد بين الحرّتين، فدلّ علي دخول الحرّتين في الظلّين، و إلاّ تناقض الكلام، و لو كانت الحرّتان هما حدّ حرم المدينة الأول، لما حلّ الصيد في شيء من حرم المدينة.

ص: 375


1- فتح العزيز 511:7، المجموع 451:7.
2- التهذيب 381:5-382-1332.
3- النهاية: 286-287، المبسوط - للطوسي - 386:1.

و الشيخ - رحمه اللّه - عوّل في التحريم علي رواية زرارة عن الباقر عليه السلام، السابقة(1).

و الشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده، و به قال مالك و أحمد(2) - و هو المشهور عندنا - لما روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إنّ إبراهيم حرّم مكة و إنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة، لا ينفّر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلي خلاها)(3).

و روي أنّه قال: (إنّي أحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها [1] أو يقتل صيدها)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّ مكة حرم اللّه حرّمها إبراهيم، و إنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يعضد شجرها، و هو ما بين ظلّ عائر إلي ظلّ و عير [و](5) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذاك و هو بريد»(6).3.

ص: 376


1- سبقت في المسألة (294).
2- الوجيز 129:1-130، فتح العزيز 513:7، حلية العلماء 323:3، المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 480:7 و 497، المنتقي - للباجي - 252:2، المغني 370:3، الشرح الكبير 382:3-383.
3- أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز 513:7-514، و في صحيح مسلم 2: 992-1362، و سنن البيهقي 198:5 بتفاوت و اختصار.
4- صحيح مسلم 992:2-1363، و سنن البيهقي 197:5، و أورده الرافعي في فتح العزيز 514:7.
5- أضفناها من المصدر.
6- الكافي 564:4-565-5، التهذيب 12:6-23.

و قال أبو حنيفة: لا يحرم(1). و هو الوجه الثاني للشافعي(2).

و علي قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها و شجرها قولان:

الجديد - و به قال مالك - لا يضمن، لأنّه ليس بمحلّ النسك، فأشبه مواضع الحمي، و إنّما أثبتنا التحريم، للنصوص.

و القديم - و به قال أحمد - أنّه يضمن.

و علي هذا فما جزاؤه ؟ وجهان:

أحدهما: أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة، لاستوائهما في التحريم.

و الثاني - و به قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد و قاطع الشجر، لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة، قال:

سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: (من رأي رجلا يصطاد بالمدينة فليسلبه)(3).

و هذا ليس بشيء علي مذهبنا.

و علي هذا ففيما يسلب للشافعي وجهان:

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

و الثاني: لا ينحي بهذا نحو سلب القتيل في الجهاد، و إنّما المراد من السّلب هاهنا الثياب فحسب(4).

و علي الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم:

أظهرهما: أنّه للسالب كسلب القتيل، و قد روي أنّهم كلّموا سعدا في هذا السّلب، فقال: ما كنت لأردّ طعمة أطعمنيها رسول اللّه صلّي اللّه عليه7.

ص: 377


1- المغني 370:3، الشرح الكبير 383:3، المجموع 497:7.
2- فتح العزيز 513:7، المجموع 480:7.
3- فتح العزيز 514:7، المجموع 480:7-481 و 497، و راجع: المنتقي - للباجي - 2 : 252، و المغني 371:3-372، و الشرح الكبير 384:3 و 385.
4- فتح العزيز 514:7، المجموع 481:7.

و آله.

و الثاني: أنّه لمحاويج المدينة و فقرائها، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

و لهم وجه ثالث: أنّه يوضع في بيت المال، و سبيله سبيل السهم المرصد للمصالح(1).

مسألة 296: صيد وجّ و شجره مباح - و وجّ: واد بالطائف،

و ليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا، و به قال أحمد(2) ، لأصالة الإباحة، و عدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (صيد وجّ و عضاهها محرّم)(3)(4) و العضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

و نمنع صحة الحديث، فإنّ أحمد طعن فيه(5).

و للشافعي قول آخر: إنّه مكروه(6).

و علي الأول هل يتعلّق به ضمان ؟ بعض الشافعية منع منه، إذ لم يرد في الضمان نقل، لكن يؤدّب، و بعضهم قال: نعم، و حكمه حكم حرم المدينة(7).

و أمّا النقيع [1] فليس بحرم، لكن حماه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لإبل

ص: 378


1- فتح العزيز 514:7، المجموع 481:7-482.
2- المغني 373:3، الشرح الكبير 386:3.
3- مسند أحمد 165:1، سنن البيهقي 200:5، سنن أبي داود 215:2-216-2032.
4- فتح العزيز 519:7-520، المجموع 483:7، المغني 373:3، الشرح الكبير 3: 386.
5- المغني 373:3، الشرح الكبير 386:3.
6- فتح العزيز 518:7.
7- فتح العزيز 520:7

الصدقة و نعم الجزية(1) ، فلا تملك أشجاره و حشيشه.

و في وجوب الضمان علي من أتلفها للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجب، كما لا يجب في صيده شيء.

و أظهرهما عندهم: الوجوب، لأنّه ممنوع منه، فكانت مضمونة عليه، بخلاف الصيد، فإنّ الاصطياد فيه جائز، و علي هذا فضمانها القيمة، و مصرفه مصرف نعم الصدقة و الجزية(2).

مسألة 297: قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم

إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

و للشافعي في الثاني قولان: أحدهما: التحريم. و الثاني: الكراهة، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء و الأراك و العضاة و غيرها من أشجار الفواكه، لأنّها تنبت بنفسها [1]. و كذا العوسج عند الشافعية [2].

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك و ذي الشوك، كالعوسج و شبهه.

ثم فرّع الشافعية علي إباحة ما يستنبت: أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه علي خلاف الغالب، أو نبت بعض ما يستنبت، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين:

حكي الجويني عن الأصحاب: النظر إلي الجنس و الأصل، فأوجب الضمان في الصورة الأولي دون الثانية.

و حكي غيره: أنّ النظر إلي القصد و الحال، فيعكس الحكم فيهما(3).

ص: 379


1- فتح العزيز 521:7، و سنن البيهقي 201:5.
2- فتح العزيز 521:7-522.
3- فتح العزيز 512:7، المجموع 450:7.
مسألة 298: لا أعرف لأصحابنا نصّا في كراهة نقل تراب الحرم و أحجاره إلي سائر البلاد.

و قال بعض الشافعية: يكره نقل تراب الحرم و أحجاره إلي سائر البقاع، و البرام يجلب من الحلّ(1).

و لا يكره نقل ماء زمزم - و به قال الشافعية(2) - لأنّ عائشة كانت تنقله(3).

قال بعض الشافعية: لا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة و نقله و بيعه و شراؤه خلاف ما تفعله العامّة، فإنّهم يشترونه من بني شيبة، و ربما وضعوه في أوراق المصاحف، و من حمل منه شيئا فعليه ردّه(4). و هو الوجه عندي، و كذا البحث في المشاهد المقدسة.

مسألة 299: حرم المدينة يفارق حرم مكة في أمور:

أ - أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر علي ما اخترناه.

ب - أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف.

روي العامّة عن علي عليه السلام، قال: «المدينة حرام ما بين عائر إلي ثور، لا يختلي خلاها، و لا ينفّر صيدها، و لا يصلح أن يقطع منها شجرة إلاّ أن يعلف رجل بعيره» [1].

و لأنّ المدينة يقرب منها شجر كثير و زروع، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة، لزم الضرر، بخلاف مكة.

ص: 380


1- فتح العزيز 513:7، المجموع 458:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 457:7، فتح العزيز 513:7.
3- فتح العزيز 513:7.
4- فتح العزيز 513:7، المجموع 459:7-460.

ج - لا يجب دخولها بإحرام، بخلاف حرم مكة.

د - من أدخل صيدا إلي المدينة لا يجب عليه إرساله، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يقول: (يا أبا عمير ما فعل النّغير [1]؟) و هو طائر صغير، رواه العامّة(1) ، و ظاهره إباحة إمساكه، و إلاّ لأنكر عليه.

البحث الخامس عشر: الاستمتاع بالنساء
مسألة 300: يحرم علي المحرم الاستمتاع بالنساء

بالوطء و التقبيل و النظر بشهوة و العقد له و لغيره و الشهادة علي العقد و إقامة الشهادة به و إن تحمّلها محلا، و كذا الاستمناء.

و قد أجمع علماء الأمصار علي تحريم الوطء.

قال اللّه تعالي فَلا رَفَثَ (2).

و روي العامّة عن ابن عمر [2]: أنّ رجلا سأله، فقال: إنّي واقعت بامرأتي و نحن محرمان، فقال: أفسدت حجّك انطلق أنت و أهلك فاقض ما يقضون و حلّ إذا أحلّوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت و امرأتك و أهديا هديا، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم(3).

[و في حديث ابن عباس](4): و يتفرّقان من حيث يحرمان حتي يقضيا

ص: 381


1- صحيح البخاري 37:8 و 55، صحيح مسلم 1692:3-1693-2150، سنن ابن ماجة 1226:2-3720، مسند أحمد 115:3، 119، 171، 188، المغني 3: 373، الشرح الكبير 384:3.
2- البقرة: 197.
3- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
4- أضفناها من المصدر.

حجّهما(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و الرفث الجماع»(2).

إذا عرفت هذا، فقوله تعالي فَلا رَفَثَ (3) نفي يريد به النهي، أي: لا ترفثوا، كقوله تعالي لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها (4).

مسألة 301: و لا فرق في التحريم بين الوطء في القبل أو الدّبر،

و لا بين دبر المرأة أو الغلام.

و كذا يحرم التقبيل للنساء و ملاعبتهنّ بشهوة، و النظر إليهنّ بشهوة، و الملامسة بشهوة من غير جماع، لما روي العامّة: أنّ عمر بن عبد اللّه [1] قبّل عائشة بنت طلحة محرما، فسأل، فاجمع له علي أن يهريق دما(5). و الظاهر أنّه لم يكن أنزل.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يا أبا سيّار إنّ حال المحرم ضيّقة، إن قبّل امرأته علي غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته علي شهوة فأمني، فعليه جزور، و يستغفر اللّه، و من مسّ امرأته و هو محرم علي شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلي امرأته نظر شهوة فأمني، فعليه جزور، و إن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة، فلا شيء عليه»(6).

مسألة 302: يحرم علي المحرم أن يتزوّج أو يزوّج، فيكون وكيلا لغيره

ص: 382


1- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- الكافي 338:4-3، التهذيب 296:5-297-1003.
3- البقرة: 197.
4- البقرة: 233.
5- المغني 334:3.
6- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الاستبصار 191:2-641.

فيه أو وليّا، سواء كان رجلا أو امرأة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عبد اللّه بن عمر و زيد بن ثابت، و من التابعين: سعيد ابن المسيّب و سليمان بن يسار و الزهري، و به قال في الفقهاء: مالك و الشافعي و الأوزاعي و أحمد بن حنبل(1) - لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يخطب)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل»(3).

و روي العامّة عن ابن عباس جواز ذلك كلّه، و به قال أبو حنيفة و الحكم، لما رواه ابن عباس: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله تزوّج ميمونة و هو محرم(4).

و لأنّه عقد يملك به الاستمتاع، فلا يحرّمه الإحرام، كشراء الإماء(5).

و الرواية ممنوعة، فإنّ أبا رافع قال: تزوّج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ميمونة و هو حلال، و بني بها و هو حلال، و كنت أنا الرسول بينهما(6).

و روي يزيد [بن](7) الأصم عن ميمونة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آلهر.

ص: 383


1- المغني و الشرح الكبير 318:3، المجموع 287:7-288، المنتقي - للباجي - 2: 238، بداية المجتهد 331:1، سنن الترمذي 200:3 ذيل الحديث 840.
2- صحيح مسلم 1030:2-1409 و 1031-43، سنن أبي داود 169:2-1841 و 1842، سنن البيهقي 69:5، الموطّأ 348:1-70، مسند أحمد 64:1، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3.
3- التهذيب 328:5-1128، الاستبصار 193:2-647.
4- صحيح مسلم 1032:2-47، سنن أبي داود 169:2-1844، سنن النسائي 5: 191، سنن الترمذي 201:3-202-842-844.
5- المغني و الشرح الكبير 318:3، المجموع 288:7، بداية المجتهد 331:1، المنتقي - للباجي - 238:2.
6- سنن الترمذي 200:3-841، سنن البيهقي 66:5، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3.
7- أضفناها من المصدر.

تزوّجها حلالا، و بني بها حلالا، و ماتت ب «سرف» في الظلّة التي بني فيها(1) ، و ميمونة صاحبة القصة، و أبو رافع كان السفير.

و لأنّ ابن عباس كان صغيرا لا يعرف حقائق الأشياء، و لا يقف عليها، فربما توهّم الإحرام و ليس موجودا، بخلاف أبي رافع.

و لأنّ سعيد بن المسيّب قال: وهم ابن عباس، ما تزوّجها النبي صلّي اللّه عليه و آله إلاّ حلالا(2).

و أيضا يحتمل أنّه أطلق المحرم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام، كما قيل:

قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما [1]

أو أنّه تزوّجها و هو حلال ثم ظهر أمر التزويج و هو محرم.

و شراء الأمة قد يكون للخدمة و هو الغالب، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلاّ مقدّمة للاستمتاع، فلمّا كان مقدّمة للمحرّم كان حراما.

و لأنّ النكاح يحرم بالعدّة و اختلاف الدين و الردّة و كون المنكوحة أختا من الرضاع، و تعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإماء، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فلو أفسد إحرامه، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضا، لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح.

مسألة 303: لو تزوّج المحرم أو زوّج غيره و إن كان محلا أو زوّجت المحرمة، فالنكاح باطل، و لا فرق بين أن يكون المزوّجان محرمين أو3.

ص: 384


1- سنن الترمذي 303:3-845، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3، و انظر: سنن أبي داود 169:2-1843
2- سنن أبي داود 169:2-1845، المغني و الشرح الكبير 319:3.

أحدهما، عند علمائنا، لأنّه منهي عنه، و كان باطلا، كنكاح المرضعة.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ رجلا من الأنصار تزوّج و هو محرم، فأبطل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نكاحه»(1).

و قال أحمد: إن زوّج المحرم لم أفسخ النكاح(2).

و هو يدلّ علي أنّه إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل محرما، لم يفسد النكاح، هذا عند بعض أصحابه، و المشهور عندهم: الأول(3).

إذا عرفت هذا، فلو عقد المحرم لغيره، فإنّ العقد يكون باطلا، لقول الصادق عليه السلام: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فإن نكح فنكاحه باطل» [1].

و أمّا الخطبة فإنّه تكره الخطبة للمحرم و خطبة المحرمة، و يكره للمحرم أن يخطب للمحلّين، لأنّه تسبّب إلي الحرام، فكان مكروها، كالصرف، بخلاف الخطبة في العدّة، فإنّها محرّمة، لأنّها تكون داعية للمرأة إلي أن تخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبة في النكاح، فكان حراما.

و لا فرق بين الإمام و غيره في تحريم الوكالة و الولاية في النكاح المحرّم.

و قال الشافعي في أحد الوجهين: يجوز للإمام أن يعقد للمحرم في حال إحرامه، لأنّه يجوز له التزويج للمحرمين بولايته العامّة، لأنّه موضع الحاجة(4).

و نمنع من الحاجة الزائدة علي عقد الولي الولاية الخاصّة.7.

ص: 385


1- الكافي 372:4-2، الفقيه 231:2-1097، التهذيب 328:5-329-1130، الإستبصار 193:2-649.
2- المغني و الشرح الكبير 320:3.
3- المغني و الشرح الكبير 320:3.
4- الحاوي الكبير 126:4، حلية العلماء 293:3، المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 284:7.
مسألة 304: لا يجوز للمحرم أن يشهد بالعقد بين المحلّين

- و لو شهد، انعقد النكاح عندنا، لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله (لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد)(1).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المحرم يشهد علي نكاح المحلّين، قال: «لا يشهد»(2).

و قال الشافعي: يجوز له أن يشهد، لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد، فأشبه الخطيب(3).

و الفرق: أنّ الخطبة لإيقاع العقد في حال الإحلال وصلة إلي الحلال، أمّا الشهادة علي عقد المحرم فإنّه معونة علي فعل الحرام، فكان حراما.

مسألة 305: لو عقد المحرم حال الإحرام،

فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا، و إن لم يكن عالما، فرّق بينهما، فإذا أحلاّ أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة محرمة، جاز له العقد عليها، ذهب إليه علماؤنا - خلافا للعامّة - لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا»(4).

و أمّا جواز المراجعة مع الجهل و عدم الدخول: فلقول الباقر عليه السلام:

«قضي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فقضي أن يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتي يحلّ، فإذا أحلّ خطبها، إن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه»(5).

ص: 386


1- الحاوي الكبير 126:4، المجموع 284:7.
2- الفقيه 230:2-1095، التهذيب 315:5-1087، الإستبصار 188:2-630.
3- حلية العلماء 294:3، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 284:7.
4- الكافي 372:4-3، التهذيب 329:5-1133.
5- التهذيب 330:5-1134.

فروع:

أ - لو وكّل محلّ محلا في التزويج،

فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل، لم يصح النكاح، سواء حضره الموكّل أو لا، و سواء علم الوكيل أو لا، لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل، ففعله مسند إليه في الحقيقة و هو محرم.

ب - لو وكّل محرم محلا في التزويج، فعقد الوكيل و الموكّل محرم، بطل العقد،

و إن كان بعد إحلاله، صحّ، و لا يبطل ببطلان التوكيل، لأنّ الإذن في النكاح وقع مطلقا، لكن ما تناول حالة الإحرام يكون باطلا، و ما تناول حالة الإحلال يكون صحيحا، و الوكالة إذا اشتملت علي شرط فاسد، بطل ذلك، و بقي مجرّد الإذن يوجب صحة التصرف، و كذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإذن علي وجه الصحة، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه، لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال و لا في ثانيه، و لم يوجد منه الإذن في ثاني الحال و لا في أوّله علي وجه الصحة، فافترقا.

ج - لو شهد و هو محرم، صحّ العقد و فعل حراما.

و لو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها و هو محرم، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه.

و الأقوي ثبوته إذا أقامها حالة الإحلال.

و يشكل: باستلزامه إباحة البضع المحرّم، كما لو عرف العقد، فتزوّجت بغيره.

و كما تحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال و لو تحمّلها محلا.

و لو قيل: إنّ التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم، كان وجها.1.

ص: 387


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
مسألة 306: إذا اتّفق الزوجان علي وقوع العقد حالة الإحرام، بطل،

و سقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين و لم يدخل بها، لفساد أصل العقد.

و لو دخل و هي جاهلة، ثبت المهر بما استحلّ من فرجها، و فرّق بينهما.

و لو اختلفا فادّعي أحدهما وقوعه حالة الإحلال و ادّعي الآخر وقوعه حالة الإحرام، فإن كان هناك بيّنة، حكم بها.

و لو انتفت البيّنة، فإن كانت الزوجة مدّعية لوقوعه في الإحرام و أنكر الرجل، فالقول قوله مع اليمين، عملا بأصالة الصحّة، فإذا حلف، ثبت النكاح، و ليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول، و لو كانت قبضته، لم يكن للزوج استعادته.

و لو كان الزوج هو المدّعي لوقوعه حالة الإحرام، فالقول قول المرأة مع اليمين، و يحكم بفساد العقد في حقّ الزوج، لأنّه ادّعي فساده، و يحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح.

ثم إن كان قد دخل بها، وجب عليه المهر كملا، للرواية(1) ، و إن لم يكن دخل بها، قال الشيخ: يجب نصف المهر(2).

و الوجه: الجميع.

و لو أشكل الأمر فلم يعلم هل وقع العقد في الإحرام أو الإحلال، صح العقد - و به قال الشافعي(3) - لأصالة الصحة.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الأحوط تجديده(4) ، لأنّ الأول إن وقع في الإحلال، لم يضرّ الثاني، و إلاّ كان مبيحا.

و إذا وطأ العاقد في الإحرام، لزمه المهر: إمّا المسمّي إن كان قد

ص: 388


1- الفقيه 231:2-1099.
2- المبسوط - للطوسي - 318:1.
3- المجموع 287:7.
4- المبسوط - للطوسي - 317:1.

سمّاه، و إلاّ مهر المثل، و يلحق به الولد، و يفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين، و يلزمها العدّة، و إن لم يكن دخل، فلا يلزمه شيء من ذلك.

و لو عقد المحرم لغيره، كان العقد فاسدا، ثم ينظر فإن كان المعقود له محرما و دخل بها، لزم العاقد بدنة.

مسألة 307: لا بأس للمحرم أن يراجع امرأته عند علمائنا

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقوله تعالي وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (2).

و قوله تعالي فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (3) و الإمساك هو المراجعة و لم يفصّل.

و لأنّه ليس باستئناف عقد، بل إزالة مانع عن الوطء، فأشبه التكفير عن الظهار.

و قال أحمد في الرواية الأخري: لا يجوز، لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد، فلا يجوز في الإحرام، كعقد النكاح(4).

و الفرق: أنّ عقد النكاح يملك به الاستمتاع، بخلاف الرجعة، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها، إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة، فإنّهما يتوارثان.

علي أن المشهور من مذهب أحمد: أنّ الرجعية مباحة(5) ، فلا يصح

ص: 389


1- مختصر المزني: 66، حلية العلماء 294:23، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 285:7 و 290، المنتقي - للباجي - 239:2، المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3.
2- البقرة: 228.
3- البقرة: 229.
4- المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3، المجموع 290:7، المنتقي - للباجي - 2: 239.
5- المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3.

قوله: الرجعة استباحة.

مسألة 308: يجوز شراء الإماء في حالة الإحرام،

لكن لا يقربهنّ إجماعا، لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالبا، فكان سائغا، و سواء قصد به التسرّي أو لا، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البضع، فأشبه شراء العبيد، و لذلك أبيح شراء من لا يحلّ وطؤها، و لم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء.

و يؤيّده: ما رواه سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام - في الصحيح - قال: سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيع، قال: «نعم»(1).

إذا ثبت هذا، فلو اشتري حالة الإحرام أمة للتسرّي بها حالة الإحرام، احتمل فساد العقد، لأنّ الغرض الذي وقع لأجله محرّم، و يحتمل الصحة، لأنّ الغرض عارض، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له مفارقة النساء حالة الإحرام بكلّ حال من طلاق أو خلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعا.

و رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«المحرم يطلّق و لا يتزوّج»(2).

مسألة 309: كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المحرم يفرّق بينهما بغير طلاق

- و به قال الشافعي(3) - لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح، و هذا النكاح باطل.

و قال مالك: يفرّق بينهما بطلقة. و كذا كلّ نكاح وقع فاسدا عنده يفرّق بينهما بطلقة(4).

ص: 390


1- الكافي 373:4-8، الفقيه 308:2-1529، التهذيب 331:5-1139.
2- الكافي 372:4-6، الفقيه 231:2-1100.
3- حلية العلماء 294:3، المجموع 290:7.
4- الكافي في فقه أهل المدينة: 239، بداية المجتهد 70:2-71، التفريع 77:2، حلية العلماء 294:3، المجموع 290:7.
مسألة 310: لو نظر إلي امرأته بشهوة، فعل حراما،

و لو أمني حينئذ، كان عليه جزور إن كان موسرا.

و لو نظر بغير شهوة، لم يكن عليه شيء و إن أمني، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام: أنّه سأله عن رجل محرم نظر إلي ساق امرأته [1] فأمني، فقال: «إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان وسطا فعليه بقرة، و إن كان فقيرا فعليه شاة»(1).

و لو نظر إلي غير أهله فأمني، كان عليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال:

سألته عن رجل محرم نظر إلي غير أهله فأنزل، قال: «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة»(2).

و لو حملها بشهوة فأمني أو لم يمن، وجب عليه دم شاة، و لو لم يكن بشهوة، لم يكن عليه شيء و لو أمني، لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: المحرم يضع يده علي امرأته، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل و يضمّها إليه، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: «ليس عليه شيء إلاّ أن يكون طلب ذلك»(3).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن رجل محرم حمل امرأته و هو محرم فأمني أو أمذي، قال: «إن كان حملها و مسّها بشيء من الشهوة و أمني أو لم يمن أمذي أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، و إن حملها أو مسّها

ص: 391


1- الكافي 377:4-7، التهذيب 325:5-1115.
2- التهذيب 325:5-1116.
3- التهذيب 326:5-1118.

بغير شهوة فأمني أو أمذي فليس عليه شيء»(1).

و يجوز للمحرم أن يقبّل أمّه، لأنّه ليس محلّ الشهوة، و لا داعيا إلي الجماع، فكان سائغا، لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يقبّل امّه، قال: «لا بأس به هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة»(2).

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين الامّ و الأخت و غيرهما من المحرّمات المؤبّدة.

البحث السادس عشر: في الفسوق و الجدال
مسألة 311: يحرم علي المحرم الفسوق،

و هو: الكذب، و هو حرام علي غيره إلاّ أنّه يتأكّد في حقّه.

قال اللّه تعالي فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (3).

قال الصادق عليه السلام: «و الفسوق: الكذب و السباب»(4).

و روي العامّة قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (سباب المسلم فسوق)(5) فجعلوا الفسوق هو السباب، لهذا الخبر.

و هو غير دالّ، و سبب الغلط إيهام العكس.

ص: 392


1- التهذيب 326:5-1119.
2- الكافي 377:4-9، التهذيب 328:5-1127.
3- البقرة: 197.
4- الكافي 338:4-3، التهذيب 296:5-297-1003.
5- صحيح البخاري 19:1 و 18:8، و 63:9، صحيح مسلم 81:1-116، سنن ابن ماجة 27:1-69، و 1299:2-3939 و 3940 و 1300-3941، سنن الترمذي 4: 353-1983، و 21:5-2635، سنن النسائي 122:7، المعجم الكبير - للطبراني - 145:1-325، و 129:10-10105، و 194-10308، و 197-10316، المغني 271:3.

و قال ابن عباس: الفسوق: المعاصي. و هو قول ابن عمر و عطاء و إبراهيم(1).

و قال الكاظم عليه السلام: «و الفسوق: الكذب»(2).

مسألة 312: و يحرم علي المحرم الجدال،

و فسّره الصادق عليه السلام بقول الرجل لغيره: لا و اللّه و بلي و اللّه(3). و كذا قال الكاظم(4) عليه السلام.

و قال ابن عباس: الجدال هو أن تماري صاحبك حتي تغضبه(5). و هو قريب ممّا فسّره الإمامان عليهما السلام.

و قال مجاهد وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (6) أي: لا مجادلة، و لا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة(7). و ما قلناه أولي.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب للمحرم قلّة الكلام إلاّ بخير.

و روي العامة عن الحسين بن علي عليهما السلام، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»(8).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا أحرمت فعليك بتقوي اللّه و ذكر اللّه و قلّة الكلام إلاّ بخير، فإنّ تمام الحجّ و العمرة أن يحفظ

ص: 393


1- تفسير الماوردي 259:1، تفسير الطبري 156:2، تفسير القرطبي 407:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 335:3-336.
2- التهذيب 297:5-1005.
3- الكافي 338:4-3، التهذيب 297:5-1003.
4- التهذيب 297:5-1005.
5- تفسير الطبري 158:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
6- البقرة: 197.
7- تفسير القرطبي 407:2، تفسير الطبري 160:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
8- المعجم الكبير - للطبراني - 138:3-2886، المعجم الصغير - للطبراني - 111:2، مسند أحمد 201:1، المغني 271:3-272، الشرح الكبير 336:3.

المرء لسانه إلاّ من خير كما قال تعالي، فإنّ اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (1) فالرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب، و الجدال: قول الرجل: لا و اللّه و بلي و اللّه»(2).

و لأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو و الوقوع في الكذب و ما لا يحلّ، فإنّ من كثر كلامه كثر سقطه و قد قال صلّي اللّه عليه و آله:

(من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)(3) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر و البحث في العلوم مطلقا، إلاّ أنّه في حال الإحرام أشدّ استحبابا، لأنّه حال عبادة و استغفار و استشعار بطاعة اللّه تعالي، فيشبه الاعتكاف.

و لا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته و هو محرم يقول:

كأنّ راكبها غصن بمروحة إذا تدلّت به أو شارب ثمل(4)

و فعل عمر لا حجّة فيه، خصوصا مع معارضة فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله.

مسألة 313: لو ارتدّ في أثناء الحجّ و العمرة، لم تفسدهما،

و لا يعتدّ بما فعله في زمان الردّة - و هو قول بعض الشافعية(5) - لأصالة الصحّة، و براءة الذمّة، و الخروج عن العهدة بامتثال الأمر.

و قال بعض الشافعية: إنّها تفسدهما، سواء طال زمانها أو قصر(6).

ص: 394


1- البقرة: 197.
2- الكافي 337:4-338-3، التهذيب 296:5-1003.
3- صحيح مسلم 68:1-47، صحيح البخاري 39:8، سنن الترمذي 659:4 - 2500، الموطّأ 929:2-22، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
4- سنن البيهقي 68:5، المغني 272:3، الشرح الكبير 336:3.
5- فتح العزيز 479:7، المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 400:7.
6- فتح العزيز 479:7، المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 400:7.

و علي القول بالفساد لهم وجهان:

أظهرهما: أنّه يبطل النسك بالكلية حتي لا يمضي فيه لا في الردّة و لا إذا عاد إلي الإسلام، لأنّ الردّة تحبط العبادة.

[و الثاني: أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع، فيمضي فيه لو عاد إلي الإسلام](1) لكن لا تجب الكفّارة، كما أنّ إفساد الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة.

و علي القول بالصحة لهم ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه ينعقد علي الصحة، فإن رجع في الحال فذاك، و إلاّ فسد نسكه، و عليه الفدية و القضاء و المضيّ في الفاسد.

و الثاني: أنّه ينعقد فاسدا، و عليه القضاء و المضيّ فيه، سواء مكث أو رجع في الحال، و إن مكث، وجبت الفدية، و هل هي بدنة أو شاة ؟ خلاف.

و الثالث: لا ينعقد أصلا، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(2).

القسم الثاني: في مكروهات الإحرام
اشارة

أ: يكره للمحرم النوم علي الفراش المصبوغة، و ليس بحرام، لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «يكره للمحرم أن ينام علي الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء»(3).

ب: يكره الإحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر، و يتأكّد في السواد و النوم عليه.

ص: 395


1- أضفناها من المصدر.
2- فتح العزيز 479:7.
3- التهذيب 68:5-221.

ج: يكره الإحرام في الثياب الوسخة و إن كانت طاهرة.

د: لبس الثياب المعلمة.

ه: استعمال الحنّاء للزينة.

و: النقاب للمرأة علي إشكال.

ز: دخول الحمّام و تدليك الجسد فيه.

ح: تلبية المنادي، بل يقول: يا سعد، لأنّه في مقام التلبية للّه تعالي، فكره لغيره.

و لقول الصادق عليه السلام: «ليس للمحرم أن يلبّي من دعاه حتي ينقضي إحرامه» قلت: كيف يقول ؟ قال: «يقول: يا سعد»(1).

ط: استعمال الرياحين.

مسألة 314:

يجوز للمحرم أن يلبس الهميان، و هو قول جمهور العلماء(2).

قال ابن عبد البرّ: أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم و متأخّروهم علي جواز ذلك(3).

و كرهه ابن عمر و مولاه نافع(4).

لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: رخص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للمحرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كان أبي عليه السلام يشدّ علي بطنه نفقته يستوثق، فإنّها تمام حجّه»(6).

ص: 396


1- الكافي 366:4-4، التهذيب 386:5-1348.
2- المغني 282:3، الشرح الكبير 285:3.
3- المغني 282:3، الشرح الكبير 285:3-286.
4- المغني 282:3، الشرح الكبير 286:3.
5- المغني 282:3، الشرح الكبير 286:3.
6- الفقيه 221:2-1028، و انظر: الكافي 343:4-344 ذيل الحديث 2.

و لشدّة الحاجة إلي ذلك.

و قول ابن عمر لا حجّة له فيه.

مسألة 315:

يجوز للمحرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعا، إلاّ من الحسن البصري، فإنّه كرهه(1).

و الحقّ الأول، لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صالح أهل الحديبية علي أن لا يدخلوها إلاّ بجلبان السلاح(2) ، يعني القراب بما فيه.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ المحرم [1] إذا خاف العدوّ فلبس السلاح، فلا كفّارة عليه»(3).

و للحاجة إليه.

و قد دلّ هذا الحديث من حيث المفهوم علي التحريم مع عدم الخوف، و هو أحد قولي علمائنا(4).

مسألة 316:

يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه و بين عشرة أسواط»(5).

و إذا قتل المحرم حيوانا و شكّ في أنّه صيد، لم يكن عليه شيء، لأصالة البراءة.

و لو علم أنّه صيد و شكّ في أيّ صيد هو، لزمه دم شاة، لأنّه أقلّ مراتب

ص: 397


1- المغني 284:3، الشرح الكبير 287:3.
2- سنن أبي داود 167:2-1832، المغني 284:3، الشرح الكبير 287:3.
3- التهذيب 387:5-1351.
4- كالشيخ الطوسي في المبسوط 322:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 221:1، و ابن إدريس في السرائر: 128.
5- التهذيب 387:5-1353.

الصيد.

و لقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم، قال: «عليه شاة»(1).

و يجوز أن يكون مع المحرم لحم الصيد إذا لم يأكله، و تركه إلي وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو، لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المحرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده، هل يجوز أن يكون معه و لا يأكله و يدخله مكة و هو محرم فإذا أحلّ أكله ؟ فقال: «نعم إذا لم يكن صاده»(2).

و يجوز إخراج الفهد من الحرم، لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادق عليه السلام، فقال له: فهود تباع علي باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها و يخرج بها؟ قال: «لا بأس»(3).

و في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن رجل أدخل فهدا إلي الحرم، له أن يخرجه ؟ فقال: «هو سبع، و كلّما أدخلت من السباع [1] الحرم أسيرا فلك أن تخرجه»(4).1.

ص: 398


1- الكافي 397:4-7، التهذيب 384:5-1342.
2- التهذيب 385:5-1345.
3- التهذيب 385:5-1346.
4- التهذيب 367:5-1281.
المطلب الرابع: في كفّارات الإحرام
اشارة

و فيه بابان:

الباب الأول: في كفّارات 1 الصيد.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: فيما لكفّارته بدل علي الخصوص
اشارة

و هو خمسة:

الأوّل: قتل النعامة.

مقدّمة:

دابّة الصيد تضمن بمثلها من النّعم عند أكثر العلماء(1) ، لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و ما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل في الضبع كبشا(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ في الصيد وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (4) قال: «في الظبي شاة، و في حمار وحش بقرة، و في النعامة جزور»(5).

و قال أبو حنيفة: الواجب القيمة، لأنّ الصيد ليس بمثلي، فتجب القيمة، و يجوز صرفها في المثل(6).

ص: 399


1- المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3.
2- المائدة: 95.
3- سنن ابن ماجة 1031:2-3085، سنن الدار قطني 246:2-48، سنن البيهقي 5: 183، المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3.
4- المائدة: 95.
5- التهذيب 341:5-1180.
6- بدائع الصنائع 198:2، الهداية - للمرغيناني - 169:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 82، المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3، حلية العلماء 316:3، فتح العزيز 7: 500، المجموع 438:7، الحاوي الكبير 286:4.

و المماثلة الحقيقية ليست مرادة، لامتناعها بين الصيد و النّعم، بل المراد من حيث الصورة، فإنّ النعامة شبه البدنة.

و حكم الصحابة في الحيوانات بأمثالها، فحكم علي عليه السلام و زيد ابن ثابت و عمر و عثمان و ابن عباس و معاوية في النعامة ببدنة. و حكم أبو عبيدة و ابن عباس في حمار الوحش ببدنة. و حكم عمر فيه ببقرة. و حكم علي عليه السلام في الضبع بشاة(1) ، مع اختلاف الأزمان و تباعد الأمكنة، و لو كان علي وجه القيمة، لامتنع اتّفاقها في شيء واحد، و قد حكموا في الحمامة بشاة(2) و لا تبلغ الحمامة في القيمة.

و ما ثبت فيه نصّ مقدّر اتّبع إمّا من النبي صلّي اللّه عليه و آله، أو من أحد الأئمة عليهم السلام، و لا يجب استئناف الحكم - و به قال عطاء و الشافعي و إسحاق و أحمد(3) - لأنّهم أعرف من غيرهم و أزهد، فكان قولهم حجّة.

و قال مالك: يستأنف الحكم، لقوله تعالي يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ (4)(5).

و الجواب: التقدير ثبوت الحكم.

مسألة 317:

يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع، فمن قتل نعامة و هو محرم وجب عليه جزور - و به قال عطاء و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد و أكثر أهل العلم(6) - لقوله تعالي:8.

ص: 400


1- المغني 545:3-546، الشرح الكبير 361:3-362، الحاوي الكبير 4: 291-292.
2- المغني 545:3-546، الشرح الكبير 361:3-362، الحاوي الكبير 4: 291-292.
3- المغني 546:3، الشرح الكبير 361:3.
4- المائدة: 95.
5- المغني 546:3، الشرح الكبير 361:3.
6- الشرح الكبير 361:3، المنتقي - للباجي - 253:2، الام 190:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 502:7، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 428:7 و 438.

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (1) .

و روي العامّة: أنّ عليا عليه السلام حكم فيها ببدنة(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و في النعامة جزور»(3).

و في حديث آخر: «بدنة»(4).

و قال أبو حنيفة: تجب القيمة. و قد تقدّم(5).

و لو لم يجد البدنة، قوّم البدنة، و فضّ قيمتها علي البرّ، و أطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لقوله تعالي:

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (7) بقراءة الخفض [1]، و هو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم، لأنّ تقديرها: فجزاء بمثل.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر علي الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(8).

و قال مالك: يقوّم الصيد لا المثل، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف3.

ص: 401


1- المائدة: 95.
2- سنن البيهقي 182:5، الشرح الكبير 361:3.
3- التهذيب 341:5-1180.
4- التهذيب 341:5-1181.
5- تقدّم في المسألة السابقة.
6- فتح العزيز 499:7، المجموع 438:7، المغني 588:3.
7- المائدة: 95.
8- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجب المثل، بل قيمة الصيد، فإن شاء تصدّق بها، و إن شاء اشتري شيئا من النّعم التي تجزئ في الأضحية يذبح، و إن شاء صرفها إلي الطعام، فأعطي كلّ مسكين نصف صاع من برّ أو صاعا من غيره، أو صام عن كلّ نصف صاع من برّ أو صاع من غيره يوما(2).

و لو لم يجد الإطعام، قوّم الجزور بدراهم و الدراهم بطعام علي ما قلناه، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوما - و به قال ابن عباس و الحسن البصري و النخعي و الثوري و أصحاب الرأي و ابن المنذر(3) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة، فيكون كذلك هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر علي الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(4).

و قال عطاء: يصوم عن كلّ مدّ يوما - و به قال مالك و الشافعي، و عن أحمد روايتان - لأنّ اللّه تعالي جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين، فكذا هنا(5).

و يبطل بتقديم النصّ علي القياس.

مسألة 318:

و اختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد:8.

ص: 402


1- بداية المجتهد 358:1، المغني 558:3، فتح العزيز 500:7، المجموع 438:7.
2- الهداية - للمرغيناني - 169:1-170، فتح العزيز 500:7، حلية العلماء 316:3، المجموع 438:7.
3- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3، المجموع 438:7، المبسوط - للسرخسي - 85:4، بدائع الصنائع 201:2.
4- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.
5- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3، بداية المجتهد 358:1، المجموع 7: 438.

فقال بعضهم: إنّها علي الترتيب(1) - و به قال ابن عباس و التوري و ابن سيرين، و نقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(2) - لقول الصادق عليه السلام:

«فإن لم يقدر علي ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد و تصدّق بثمنه علي المساكين» ثم قال: «فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوما»(3) و هو يدلّ علي الترتيب.

و لأنّ هدي المتعة علي الترتيب، و هذا آكد منه، لأنّه فعل محظور.

و قال بعضهم: إنّها علي التخيير(4) - و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي، و عن أحمد روايتان(5) - و هو المعتمد، لقوله تعالي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (6) و «أو» للتخيير.

قال ابن عباس: كلّ شيء «أو، أو» فهو مخيّر، و أمّا ما كان «فإن لم يجد» فهو الأوّل الأوّل. رواه العامّة(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كلّ شيء في القرآن (فمن لم يجد فعليه كذا) فالأول بالخيار»(8).

و لأنّها فدية تجب بفعل محظور، فكان مخيّرا بين ثلاثتها، كفدية الأذي.6.

ص: 403


1- كالشيخ المفيد في المقنعة: 68، و المحقّق في شرائع الإسلام 284:1-285.
2- المغني 557:3، الشرح الكبير 338:3-339، المجموع 427:7-428، بدائع الصنائع 200:2، المنتقي - للباجي - 256:2.
3- التهذيب 341:5-1182.
4- كالشيخ الطوسي في الخلاف 397:2، المسألة 260، و ابن إدريس في السرائر: 131.
5- بداية المجتهد 358:1، المنتقي - للباجي - 256:2، فتح العزيز 499:7-500، المجموع 427:7، بدائع الصنائع 200:2، المغني 557:3، الشرح الكبير 3: 338
6- المائدة: 95.
7- المغني 558:3، الشرح الكبير 339:3، المنتقي - للباجي - 256:2.
8- الكافي 358:4-2، التهذيب 333:5-1147، الاستبصار 195:2-656.

و قال الشافعي قولا آخر: إنّه لا إطعام في الكفّارة، و إنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام، لأنّ من قدر علي الإطعام قدر علي الذبح، و هو مروي عن ابن عباس و عن أحمد [1] أيضا.

و هو خطأ لأنّ اللّه تعالي سمّي الإطعام كفّارة، و لو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارة و جعله طعاما للمساكين، و ما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاما لهم.

و لأنّه عطف الطعام علي الهدي ثم عطف الصوم عليه، و لو لم تكن إحدي الخصال لم يجز ذلك فيه.

و نمنع أنّ من قدر علي الطعام قدر علي الهدي، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة 319:

لو زادت قيمة الفداء علي إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع، لم يلزمه الزائد، و أجزأه إطعام الستّين، و لو نقص عن إطعام الستّين، لم يجب الإكمال، بل أجزأه و إن كان ناقصا.

و كذا لو زاد ثمن الطعام علي صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع، لم يجب عليه صوم الزائد علي الستّين، و لو نقص، أجزأه الناقص، و لا يجب عليه إكمال الصوم.

و العامّة لم يعتبروا ذلك، لأنّها كفّارة، فلا تزيد علي إطعام ستّين و لا علي صيام ستين، لأنّها أعلي مراتب الكفّارات.

و قول الصادق عليه السلام في محرم قتل نعامة، قال: «عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكينا لم يزد علي طعام ستّين مسكينا، و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكينا لم يكن عليه إلاّ قيمة البدنة»(1).5.

ص: 404


1- الكافي 386:4-5، التهذيب 342:5-1185.

إذا عرفت هذا، فلو بقي ما لا يعدل يوما، كربع الصاع، كان عليه صيام يوم كامل، و به قال عطاء و النخعي و حماد و الشافعي و أصحاب الرأي(1) ، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض، و السقوط غير ممكن، لشغل الذمّة، فيجب إكمال اليوم.

مسألة 320:

لو عجز عن البدنة و إطعام ستّين و صوم شهرين، صام ثمانية عشر يوما، لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإطعام، فيكون كذلك هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين مدّا، فإن لم يقدر علي ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(2).

مسألة 321:

في فراخ النعامة لعلمائنا قولان:

أحدهما: من صغار الإبل(3) ، و به قال الشافعي و أحمد(4).

و الثاني: فيه مثل ما في النعامة سواء(5) ، و به قال مالك(6).

احتجّ الأوّلون: بقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (7) و مثل الصغير صغير.5.

ص: 405


1- المغني 559:3-560، الشرح الكبير 340:3، المجموع 427:7.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- من القائلين به: الشيخ المفيد في المقنعة: 68.
4- الحاوي الكبير 294:4، فتح العزيز 504:7، المجموع 431:7 و 439، المغني 3: 554، الشرح الكبير 304:3، بداية المجتهد 362:1.
5- من القائلين به: الشيخ الطوسي في النهاية: 225 و المبسوط 342:1.
6- بداية المجتهد 362:1، المنتقي - للباجي - 255:2، فتح العزيز 504:7، المجموع 439:7، الحاوي الكبير 294:4، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3.
7- المائدة: 95.

و لأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله، فكذا فرخ النعامة.

و احتجّ الآخرون: بقوله تعالي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (1) و لا يجزئ في الهدي صغير.

و لقول الصادق عليه السلام في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام، فأكلوا جميعا، قال: «عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعا يشترونها علي عدد الفراخ و علي عدد الرجال»(2).

الثاني: كفّارة قتل حمار الوحش و بقرته.

مسألة 322:

لو قتل المحرم حمار الوحش، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - و به قال عمر و عروة و مجاهد و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(3) - للمماثلة بين حمار الوحش و البقرة الأهلية.

و لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: قلت: فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال: «عليه بقرة»(4).

و قال أحمد في الرواية الأخري: عليه بدنة. و هو مروي عن أبي عبيدة و ابن عباس، و به قال عطاء و النخعي(5).

و قال أبو حنيفة: تجب القيمة. و قد سلف(6).

إذا ثبت هذا، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضا عند علمائنا، و هو مروي

ص: 406


1- المائدة: 95.
2- الفقيه 236:2-1123.
3- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3، الام 192:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 502:7، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 428:7، المبسوط - للسرخسي - 82:4، الهداية - للمرغيناني - 170:1.
4- التهذيب 342:5-343-1186.
5- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3.
6- سلف في صفحة 399.

عن ابن مسعود و عطاء و عروة و قتادة و الشافعي(1) ، و لا نعلم فيه خلافا، إلاّ من أبي حنيفة(2)التهذيب 342:5-343-1186.(3) ، لأنّ الصحابة نصّوا فيها علي ذلك(4). و للمشابهة في الصورة.

و لرواية أبي بصير، الصحيحة، و قد سلفت(5).

مسألة 323:

لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش و بقرته، قوّم ثمنها بدراهم و فضّه علي الحنطة، و أطعم كلّ مسكين نصف صاع، و لا يجب عليه ما زاد علي إطعام ثلاثين مسكينا، و لا إتمام ما نقص عنه، عند علمائنا.

و قال مالك: إنّما يقوّم الصيد. و قد سلف(6) البحث معه.

و قد روي أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر علي الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(7).

و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال: «بقرة» قلت: فإن لم يقدر علي بقرة ؟ قال:

«فليطعم ثلاثين مسكينا»(7).

مسألة 324:

لو لم يتمكّن من الإطعام، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع، و لو لم يبلغ الإطعام ذلك، لم يكن عليه الإكمال، و لو فضل،6.

ص: 407


1- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3، المجموع 428:7، فتح العزيز 502:7، المنتقي - للباجي - 253:2.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادر قوله في صفحة 399، الهامش
3- .
4- كما في المغني 547:3، و الشرح الكبير 362:3، و فتح العزيز 502:7، و المجموع 428:7، و سنن البيهقي 182:5.
5- سلفت في صدر المسألة.
6- سلف في المسألة 317.
7- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين، لما تقدم(1) في النعامة.

و لقول الباقر عليه السلام: «لكلّ طعام مسكين يوما»(2).

و الخلاف في الترتيب و التخيير هنا كما تقدّم(3).

و لو لم يتمكّن من هذه الأصناف، صام تسعة أيّام، لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجد [1] فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد [2] فليصم تسعة أيّام»(4).

الثالث: في كفّارة الظبي و الثعلب و الأرنب.

مسألة 325: لو قتل المحرم ظبيا، وجب عليه دم شاة،

و به قال علي عليه السلام، و عطاء و عروة و عمر بن الخطّاب و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(5) ، لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة، و لم يعلم لهم مخالف، فكان حجّة.

و ما رواه العامّة عن جابر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (و في الظبي شاة)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و في الظبي شاة»(7).

ص: 408


1- تقدم في المسألة 319.
2- التهذيب 342:5-1184.
3- تقدّم في المسألة 318.
4- الكافي 385:4-1، التهذيب 342:5-343-1186.
5- المغني 546:3 و 547، الشرح الكبير 362:3، المبسوط - للسرخسي - 82:4.
6- سنن الدار قطني 247:2-52، المغني 546:3، الشرح الكبير 362:3.
7- التهذيب 341:5-1181.

و قال أبو حنيفة: الواجب القيمة. و قد تقدّم(1) البحث معه.

مسألة 326:

لو عجز عن الشاة، قوّم ثمنها دراهم، و فضّه علي البرّ، و أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع، و لو زاد التقويم علي ذلك، لم تجب عليه الزيادة علي إطعام العشر، و لو نقص، لم يجب عليه الإكمال، لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين و أذي الحلق و غيرهما.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [الصيد](2) قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر علي الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(3).

و سأل أبو بصير الصادق عليه السلام: فإن أصاب ظبيا ما عليه ؟ قال:

«عليه شاة» قلت: فإن لم يجد شاة ؟ قال: «فعليه إطعام عشرة مساكين»(4).

مسألة 327:

لو عجز عن الإطعام، صام عن كلّ نصف صاع يوما، و لو زاد التقويم علي خمسة أصوع، لم يكن عليه صوم عن الزائد، و لو نقص، لم يكن عليه إلاّ بقدر التقويم، لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر علي الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(5).3.

ص: 409


1- تقدّم في صفحة 399.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.
4- الكافي 385:4-1، التهذيب 343:5-1186.
5- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

و اعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(1).

و لو عجز عن الشاة و إطعام عشرة مساكين و صوم عشرة أيّام، صام ثلاثة أيّام، لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين، و كذا في كفارة الأذي، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ [1]»(2).

مسألة 328:

و في الثعلب شاة، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: عن رجل قتل ثعلبا، قال: «عليه دم» قلت: فأرنبا؟ قال: «مثل ما في الثعلب»(3).

قال الشيخان رحمهما اللّه تعالي: إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(4).

و لم يثبت.

و يمكن الاحتجاج بقول الصادق عليه السلام: «و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ»(5).

إذا عرفت هذا، ففي الأرنب شاة، ذهب إليه علماؤنا - و به قال عطاء(6) - لأنّه كالثعلب، فيكون جزاؤه مساويا لجزائه.

و لقول الكاظم عليه السلام: «في الأرنب شاة»(7).9.

ص: 410


1- تقدّم في المسألة 318.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- الكافي 386:4-7، الفقيه 233:2-1116، التهذيب 343:5-1188.
4- المقنعة: 68، النهاية: 222، المبسوط - للطوسي - 340:1.
5- التهذيب 343:5-1187.
6- المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
7- الكافي 387:4-8، الفقيه 233:2-1114، التهذيب 343:5-1189.

و قال ابن عباس: فيه حمل(1).

و قال الشافعي: فيه عناق(2). و هو الأنثي من ولد المعز في أول سنة، و الذكر جدي.

إذا عرفت هذا، فقال بعض علمائنا: إنّ فيه مثل ما في الظبي(3) ، لما تقدّم في الثعلب.

الرابع: كسر بيض النعام.

مسألة 329:

إذا كسر المحرم بيض نعامة، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإبل، و لا تشترط الأنوثة، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض، فالناتج هدي لبيت اللّه تعالي، ذهب إليه علماؤنا.

لنا: أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة، فعليه مثله من الإبل، و مع عدمه يحتمل الفساد و الصحة، فكان عليه [1] ما يقابله من إلقاء المني في رحم الأنثي المحتمل للفساد و الصحة.

و لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن رجل كسر بيض نعامة و في البيض فراخ قد تحرّك، فقال:

«عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(4).

و سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام: إنّي خرجت محرما، فوطأت

ص: 411


1- المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
2- الام 193:2، فتح العزيز 502:7، المجموع 439:7، المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 68، و الشيخ الطوسي في النهاية: 222-223، و سلاّر في المراسم: 120، و ابن إدريس في السرائر: 130-131.
4- التهذيب 355:5-1234، الإستبصار 203:2-688.

ناقتي بيض نعام فكسرته، فهل عليّ كفّارة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فاسأل ابني الحسن - عليه السلام - عنها» و كان بحيث يسمع كلامه، فتقدّم إليه الرجل، فسأله، فقال له: «يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت اللّه عزّ و جلّ» فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «يا بنيّ كيف قلت ذلك و أنت تعلم أنّ الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق ؟» فقال: «يا أمير المؤمنين و البيض ربما أمرق [1]» فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام، و قال له: «صدقت يا بنيّ» ثم تلا ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)(2).

و قال الشافعي: يجب عليه قيمة البيض - و به قال عمر بن الخطّاب و ابن مسعود و النخعي و الزهري و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له، فتجب القيمة.

و لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (في بيض النعام يصيبه المحرم: ثمنه)(3)(4).

و نمنع عدم المثل، لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

و الحديث مرسل لا اعتداد به.

و قال مالك: يجب في البيضة عشر قيمة الصيد(5).1.

ص: 412


1- آل عمران: 33.
2- التهذيب 354:5-1231.
3- سنن ابن ماجة 1031:2-3086.
4- المغني 553:3-554، الشرح الكبير 303:3، الام 208:2، فتح العزيز 486:7، المجموع 332:7-333، بداية المجتهد 363:1، المحلّي 233:7 و 235.
5- بداية المجتهد 362:1-363، الحاوي الكبير 335:4، فتح العزيز 486:7، حلية العلماء 299:3، المجموع 332:7 و 333 و 441.

و قال داود و أهل الظاهر: لا شيء في البيض(1).

مسألة 330:

لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته، لأنّه سبب في الإتلاف، فكان عليه ضمانه، لقول الصادق عليه السلام: «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك و أنت محرم فعليك فداؤه»(2).

و الاعتبار في العدد بالإناث، فيجب لكلّ بيضة أنثي، و لو كان الذكر واحدا أجزأه، لأنّ الإنتاج مأخوذ من الإناث.

و لقول الصادق عليه السلام: «أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح و سلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة»(3).

مسألة 331:

لو لم يتمكّن من الإبل، كان عليه عن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يجد، كان عليه صيام ثلاثة أيّام، لأنّها تثبت بدلا في كفّارات متعدّدة، فكذا هنا.

و لرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل أصاب بيض نعامة و هو محرم، قال: «يرسل الفحل في الإبل علي عدد البيض» قلت: فإنّ البيض يفسد كلّه و يصلح كلّه، قال: «ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، و إن لم ينتج فليس عليه شيء، فمن لم يجد إبلا فعليه لكلّ بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة علي عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام»(4).

إذا عرفت هذا، فلو كسر بيضة فخرج منها فرخ حيّ و عاش، لم يكن4.

ص: 413


1- المحلّي 233:7، المجموع 318:7 و 332 و 441.
2- التهذيب 355:5 ذيل الحديث 1232، الاستبصار 202:2 ذيل الحديث 686.
3- التهذيب 355:5-1232، الإستبصار 202:2-686.
4- الكافي 387:4-11، التهذيب 354:5-1229، الاستبصار 201:2 - 202-684.

عليه شيء، و لو مات، كان فيه ما في صغير النعام.

و لو باض الطير علي فراش محرم، فنقله إلي موضعه فنفر الطير فلم يحضنه، لزمه الجزاء. و للشافعي قولان(1).

و لو كسر بيضة فيها فرخ ميّت، لم يكن عليه شيء، و كذا لو كان البيض فاسدا.

و قال الشافعي: إن كان بيض نعام، كان عليه القيمة، لأنّ للقشر قيمة(2).

و ليس بمعتمد، لأنّه بمنزلة الحجر و الخشب، و لهذا لو نقب بيضة فأخرج ما فيها أجمع، ضمنها، و لو كسرها آخر بعده، لم يكن عليه شيء.

و لقول الكاظم عليه السلام: «و إن لم ينتج فليس عليه شيء»(3).

الخامس: كسر بيض القطا و القبج.

مسألة 332:

لو كسر المحرم بيضة من بيض القطا أو القبج، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم، و إن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فالناتج هدي لبيت اللّه تعالي.

و قالت العامّة: إنّ عليه القيمة(4). و قد تقدّم(5).

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن محرم وطأ بيض القطا فشدخه، قال:

«يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم، كما يرسل الفحل في مثل9.

ص: 414


1- حلية العلماء 300:3، المجموع 337:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 318:7، فتح العزيز 486:7-487.
3- الكافي 387:4-11، التهذيب 354:5-1229، الإستبصار 201:2 - 202-684.
4- المغني 553:3-554، الشرح الكبير 303:3، فتح العزيز 486:7، المجموع 7: 318 و 332.
5- تقدّم في المسألة 329.

عدد البيض من الإبل»(1).

و أمّا وجوب المخاض للمتحرّك: فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ، فكان عليه صغير من ذلك النوع، كما في بيض النعام.

و لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل»(2).

مسألة 333:

لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها، قال الشيخ رحمه اللّه: كان حكمه حكم بيض النعام سواء(3).

قال ابن إدريس: يريد أنّه إذا لم يتمكّن من الإرسال، ذبح عن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد، أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(4).

و الأقرب: أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة علي عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإطعام، لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك و إمكان فساده و عدم خروج الفرخ منه!؟ تنبيه: يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه، فيتصدّق8.

ص: 415


1- الكافي 389:4-4، التهذيب 356:5-1237، الإستبصار 03:2-689
2- الكافي 389:4-390-5، التهذيب 355:5-1233، الإستبصار 202:2-687.
3- النهاية: 227، المبسوط - للطوسي - 345:1.
4- السرائر: 132-133، و راجع: المقنعة: 68.

به علي مساكين الحرم إمّا بأن يفرّق اللحم، أو يملّكهم جملته مذبوحا، و لا يجوز أن يخرجه حيّا.

و إذا قوّم المثل دراهم، لم يجز له أن يتصدّق بها، بل يجعلها طعاما، و يتصدّق بها.

و لو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر، وجب صوم يوم كامل، لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني: فيما لا بدل له علي الخصوص[1]
مسألة 334:

الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته، و يعبّ الماء بأن يضع منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، و لا يأخذ قطرة قطرة بمنقاره، كما يفعل الدجاج و العصفور.

و قال الكسائي: إنّه كلّ مطوّق(1) فالحجل حمام، لأنّه مطوّق.

و يدخل في الأول: الفواخت و الوارشين و القماري و الدباسي و القطا.

إذا عرفت هذا، ففي كلّ حمامة شاة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال علي عليه السلام و عمر و عثمان و ابن عمر و ابن عباس و نافع بن عبد الحارث، فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة، و به قال سعيد بن المسيّب و عطاء و عروة و قتادة و الشافعي و أحمد و إسحاق(2) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

و لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّه قضي في الحمام حال الإحرام

ص: 416


1- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3.
2- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3، الام 195:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 504:7، المجموع 440:7، حلية العلماء 317:3، المحلّي 229:7، مصنّف عبد الرزاق 418:4-8285.

بالشاة، و لم يخالفه أحد من الصحابة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة»(2).

و لأنّها حمامة [مضمونة](3) لحقّ اللّه تعالي، فضمنت بالشاة، كحمامة الحرم.

و لأنّ الشاة مثل لما في الحرم فتكون كذلك في الإحرام، لقوله تعالي:

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (4) .

و قال أبو حنيفة و مالك: فيه القيمة - إلاّ أنّ مالكا وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها، فتجب القيمة.

و لأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير، تركناه في حمام الحرم، لقضاء الصحابة، فيبقي ما عداه علي الأصل(5).

و قد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة، بل ما شابهها شرعا، و قد بيّنّا أنّ الشارع حكم في الحمامة بشاة، مع قوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (6) فدلّ علي ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. و هو الجواب عن الثاني.

مسألة 335:

الشاة تجب بقتل المحرم للحمامة، أمّا المحلّ لو قتلها في الحرم، فإنّه يجب عليه القيمة، و هي درهم عند علمائنا، لقول الصادق

ص: 417


1- سنن البيهقي 205:5، المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3.
2- الكافي 389:4-1، التهذيب 345:5-1197، الإستبصار 200:2-678.
3- أضفناها من المغني و الشرح الكبير.
4- المائدة: 95.
5- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3، بدائع الصنائع 198:2، بداية المجتهد 1: 362، المنتقي - للباجي - 254:2، حلية العلماء 317:3.
6- المائدة: 95.

عليه السلام: «في الحمامة درهم»(1).

و سأل عبد الرحمن بن الحجّاج الصادق عليه السلام: عن فرخين مسرولين [1] ذبحتهما و أنا بمكة محلّ، فقال لي: «لم ذبحتهما؟» قلت: جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة، فسألتني أن أذبحهما لها، فظننت أنّي بالكوفة، و لم أذكر أنّي بالحرم فذبحتهما، فقال: «تصدّق بثمنهما» قلت: كم ثمنهما؟ قال: «درهم خير من ثمنهما»(2).

و لو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص، فالأقرب: الغرم، عملا بالنصوص، و الأحوط: وجوب الأزيد من الدرهم و القيمة.

مسألة 336:

لو كان القاتل للحمام محرما في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة معا، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة و درهم، لأنّه يهتك حرمة الحرم و الإحرام، فكان عليه فداؤهما.

و لأنّ الشاة تجب علي المحرم في الحلّ، و الدرهم يجب علي المحلّ في الحرم، فالمحرم في الحرم يجب عليه الأمران، لأنّه اجتمع فيه الوصفان:

و لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم، قال: فقال: «عليه شاة» قلت: فإن [2] قتلها في جوف الحرم ؟ قال: «عليه شاة و قيمة الحمامة» قلت: فإن [3] قتلها في الحرم و هو حلال ؟ قال: «عليه ثمنها ليس غيره»(3).

مسألة 337:

لو قتل فرخا من فراخ الحمام، وجب عليه حمل قد فطم و رعي الشجر إن كان محرما، لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء و الصيد، و مثل

ص: 418


1- الكافي 234:4-10، التهذيب 345:5-1196، الاستبصار 200:2-677.
2- التهذيب 346:5-1200، الاستبصار 201:2-681.
3- التهذيب 347:5-1203.

الصغير صغير.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»(1).

و لو كان القاتل للفرخ محلا في الحرم، وجب عليه نصف درهم، و لو كان محرما في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة معا، فيجب حمل و نصف درهم، لقول الصادق عليه السلام: «في الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم»(2).

مسألة 338:

لو كسر المحرم بيض الحمام و لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم، و إن كان قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل، هذا إن كان في الحلّ، لقول الصادق عليه السلام:

«و إن وطأ المحرم بيضة فكسرها فعليه درهم، كلّ هذا يتصدّق به بمكة و مني، و هو قول اللّه تعالي تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ (3)»(4).

و لو كان الكاسر محلا في الحرم، فعليه لكلّ بيضة ربع درهم، لقوله عليه السلام: «و في البيض ربع درهم»(5).

و لو كان محرما في الحرم، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم و ربع.

مسألة 339:

لا فرق بين حمام الحرم و الأهلي في القيمة إذا قتل في الحرم، إلاّ أنّ حمام الحرم يشتري بقيمته علف لحمامه، و الأهلي يتصدّق بثمنه علي المساكين، عند العلماء، إلاّ داود، فإنّه قال: لا جزاء في صيد الحرم(6) ، لأصالة البراءة.

ص: 419


1- التهذيب 346:5-1201، الإستبصار 201:2-682.
2- الكافي 234:4-10، التهذيب 345:5-1196، الإستبصار 200:2-677.
3- المائدة: 94.
4- التهذيب 346:5-1202، الاستبصار 201:2-683.
5- المصادر في الهامش (2).
6- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 406:2، المسألة 277.

و هو غلط، لما بيّنّا من أنّ جماعة من الصحابة حكموا في حمام الحرم بشاة.

و لأنّه صيد ممنوع منه لحقّ اللّه تعالي، فأشبه الصيد في الحرم.

و لأنّ حمّاد بن عثمان سأل الصادق عليه السلام: عن رجل أصاب طيرين: واحدا من حمام الحرم، و الآخر من حمام غير الحرم، قال:

«يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا، فيطعمه حمام الحرم، و يتصدّق بجزاء الآخر»(1).

مسألة 340:

في كلّ واحد من القطا و الحجل و الدراج حمل قد فطم و رعي الشجر، و حدّه ما كمل أربعة أشهر لغة، لقول الصادق عليه السلام:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجر»(2).

و قال الباقر عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهنّ فعليه دم»(3).

و أوجب ابن عباس و عطاء و جابر شاة شاة(4).

مسألة 341:

في العصفور و الصعوة و القبرة و ما أشبهها مدّ من طعام عند أكثر علمائنا(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «القبرة و الصعوة و العصفور إذا قتله المحرم فعليه مدّ من طعام عن كلّ واحد منهم»(6).

و قال داود: لا يضمن ما كان أصغر من الحمام، لقوله تعالي:

ص: 420


1- الكافي 390:4-10، التهذيب 353:5-1228.
2- التهذيب 344:5-1190.
3- الكافي 390:4-9، التهذيب 344:5-1191.
4- المغني 557:3، الشرح الكبير 366:3.
5- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 223، و ابن إدريس في السرائر: 131، و المحقّق في شرائع الإسلام 287:1.
6- التهذيب 344:5-1193.

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (1) و هذا لا مثل له(2).

و ليس بجيّد، لعموم قوله تعالي تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ (3) يعني الفرخ و البيض ما يعجز عن الفرار من صغار الصيد، و رماحكم، يعني الكبار.

و روي العامّة عن ابن عباس: أنّه حكم في الجراد بجزاء(4).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(5).

مسألة 342:

الزنبور إن قتله المحرم خطأ، لم يكن عليه شيء فيه، و إن قتله عمدا، كان عليه كفّ من طعام - و به قال مالك(6) - لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل زنبورا، فقال: «إن كان خطأ فلا شيء» قلت: بل عمدا، قال: «يطعم شيئا من الطعام»(7).

و قال الشافعي و أحمد: لا شيء فيه(8).

أمّا الهوامّ من الحيّات و العقارب و غير ذلك فلا يلزمه شيء بقتله، و لا يقتله إذا لم يرده، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما يخاف المحرم علي نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله، و إن لم يرده فلا يرده»(9).

و أمّا القمل و البقّ و أشباههما فلا بأس بقتلها للمحلّ في الحرم، لقول

ص: 421


1- المائدة: 95.
2- المغني 553:3، الشرح الكبير 365:3، حلية العلماء 317:3، الحاوي الكبير 4: 330.
3- المائدة: 94.
4- المغني 553:3، الشرح الكبير 365:3، الحاوي الكبير 330:4.
5- تقدّم في صدر المسألة.
6- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
7- الكافي 364:4-5، التهذيب 365:5-1271.
8- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
9- الكافي 363:4-1، التهذيب 365:5-1272، الاستبصار 208:2-711، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

الصادق عليه السلام: «لا بأس بقتل القمل و البق في الحرم»(1).

قال الشيخ: و لو كان محرما، لزمته الكفّارة(2). و هو جيّد، لقول الصادق عليه السلام: «و إن قتل شيئا من ذلك - يعني القمل - خطأ، فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(3).

و كذا إذا ألقاها عن جسده، و قد تقدّم(4).

مسألة 343:

من قتل جرادة و هو محرم كان عليه كفّ من طعام أو تمرة، و لو كان كثيرا، كان عليه دم شاة، لقول الصادق عليه السلام: في محرم قتل جرادة، قال: «يطعم تمرة، و تمرة خير من جرادة»(5).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن محرم قتل جرادا، قال: «كفّ من طعام، و إن كان أكثر فعليه دم شاة»(6).

و لو عمّ الجراد المسالك و لم يتمكّن من الاحتراز عن قتله، لم يكن عليه شيء، و به قال عطاء و الشافعي في أحد القولين، و في الآخر: عليه الضمان(7).

لنا: أصالة البراءة.

و لقول الصادق عليه السلام: «علي المحرم أن يتنكّب [1] عن الجراد إذا

ص: 422


1- الفقيه 172:2-161، التهذيب 366:5-1277 بتفاوت.
2- التهذيب 366:5 ذيل الحديث 1275.
3- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:2-197-661.
4- تقدّم في المسألة 222.
5- الكافي 393:4-4، التهذيب 363:5-364-1265، الاستبصار 207:2-706.
6- التهذيب 364:5-1267، الإستبصار 208:2-708.
7- الام 200:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 498:7، المهذّب - للشيرازي - 1: 219-220، المجموع 337:7، حلية العلماء 300:3، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 415:2، المسألة 295.

كان علي طريقه، و إن لم يجد بدّا فقتل فلا بأس»(1).

مسألة 344:

في كلّ واحد من الضبّ و القنفذ و اليربوع جدي، لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و لما تقدّم(3) من أنّ الصحابة قضوا فيما ذكرنا بمثله من النعم: قضي عمر و ابن مسعود في اليربوع بجفرة. و قضي عمر و أربد [1] في الضبّ بجدي.

و قضي جابر بن عبد اللّه فيه بشاة(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «في اليربوع و القنفذ و الضبّ إذا أصابه المحرم جدي، و الجدي خير منه، و إنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد»(5).

البحث الثالث: فيما لا نصّ فيه
مسألة 345:

ما لا مثل له من الصيد و لا تقدير شرعي فيه يرجع إلي قول عدلين يقوّمانه، و تجب عليه القيمة التي يقدّرانها فيه.

و يشترط في الحكمين العدالة إجماعا، للآية(6). و لا بدّ و أن يكونا اثنين فما زاد، للآية(7).

ص: 423


1- التهذيب 364:5-1268، الإستبصار 208:2-710.
2- المائدة: 95.
3- تقدّم في ص 400
4- المغني 547:3-548، الشرح الكبير 362:3، الحاوي الكبير 292:4، فتح العزيز 502:7-503، المجموع 429:7 و 440، بداية المجتهد 362:1، سنن البيهقي 184:5 و 185.
5- التهذيب 344:5-1192.
6- المائدة: 95.
7- المائدة: 95.

و لو كان القاتل أحدهما، جاز - و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(1) - لقوله تعالي يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (2) و القاتل مع غيره ذوا عدل منّا، فيكون مقبولا.

و لأنّه مال يخرج في حقّ اللّه تعالي، فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه، كالزكاة.

و قال النخعي: لا يجوز، لأنّ الإنسان لا يحكم لنفسه(3).

و هو ممنوع كما في الزكاة.

و لو قيل: إن كان القتل عمدا عدوانا، لم يجز حكمه، لفسقه، و إلاّ جاز، كان وجها.

و لو حكم اثنان بأنّ له مثلا و آخران بانتفاء المثل، قال بعض العامّة:

الأخذ بالأول أولي(4).

مسألة 346:

قال الشيخ رحمه اللّه: في البطّ و الإوز و الكركي شاة، و هو الأحوط.

قال: و إن قلنا: فيه القيمة، لأنّه لا نصّ فيه، كان جائزا(5).

و هو الظاهر من قول ابن بابويه، لأنّه أوجب شاة في كلّ طائر عدا النعامة(6).

و يؤيّده: قول الصادق عليه السلام: في محرم ذبح طيرا: «إنّ عليه دم

ص: 424


1- المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 423:7 و 430، الوجيز 128:1، فتح العزيز 503:7، حلية العلماء 317:3، المغني 548:3، الشرح الكبير 363:3.
2- المائدة: 95.
3- المغني 548:3، الشرح الكبير 363:3.
4- فتح العزيز 504:7، المجموع 431:7.
5- المبسوط - للطوسي - 346:1.
6- المقنع: 78.

شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»(1) و هو عامّ.

قال الشيخ رحمه اللّه: من قتل عظاية كان عليه كفّ من طعام، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل عظاية، قال:

«كفّ من طعام»(2).

إذا ثبت هذا: فالقيمة واجبة في قتل كلّ ما لا تقدير فيه شرعا، و كذا البيوض التي لا نصّ في تقديرها.

مسألة 347:

يضمن الكبير من ذوات الأمثال بكبير، و الصغير بصغير، و إن ضمنه بكبير، كان أولي، و يضمن الذكر بمثله و الأنثي بمثلها - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (4).

و قال مالك: يضمن الأصغر بكبير، لقوله تعالي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (5) و الصغير لا يهدي(6). و هو ممنوع.

و كذا يضمن الصحيح بصحيح إجماعا، و المعيب بمثله، و إن ضمنه بصحيح، كان أحوط، و به قال الشافعي و أحمد(7).

و قال مالك: يضمن المعيب بصحيح(8). و قد تقدّم.

ص: 425


1- التهذيب 346:5-1201، الاستبصار 201:2-682.
2- التهذيب 344:5-345، و الحديث 1194.
3- المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 439:7، فتح العزيز 504:7، حلية العلماء 316:3، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، بداية المجتهد 362:1.
4- المائدة: 95.
5- المائدة: 95.
6- بداية المجتهد 362:1، المنتقي - للباجي - 255:2، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، حلية العلماء 316:3، فتح العزيز 504:7، المجموع 439:7.
7- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7، الحاوي الكبير 295:4، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3.
8- المنتقي - للباجي - 255:2، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، فتح العزيز 505:7، المجموع 439:7، الحاوي الكبير 295:4.

و لو اختلف العيب بالجنس، فإن فدي الأعرج بأعور أو بالعكس، لم يجز، أمّا لو اختلف بالمحلّ بأن فدي الأعور من اليمني بالأعور من اليسري أو الأعرج من إحدي الرّجلين بأعرج الأخري، جاز، لعدم الخروج به عن المماثلة.

و يفدي الذكر بمثله أو بالأنثي، لأنّها أطيب لحما و أرطب.

و للشافعي قولان(1).

و تفدي الأنثي بمثلها.

و هل يجزئ الذكر؟ قيل: نعم، لأنّ لحمه أوفر، فتساويا.

و قيل بالمنع، لأنّ زيادته ليست من جنس زيادتها، فأشبه اختلاف العيب جنسا، و لاختلافهما خلقة، فيقدح في المثلية(2).

و للشافعي قولان(3).

و الشيخ - رحمه اللّه - جوّز الجميع، لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (4) و معلوم أنّ المراد المثل في الخلقة، لعدم اعتبار الصفات الأخري، كاللون(5).

و لو قتل ماخضا، ضمنها بماخض مثلها، للآية(6) ، و لأنّ الحمل فضيلة مقصودة، فلا سبيل إلي إهمالها، و به قال الشافعي، إلاّ أنّه قال: لا تذبح الحامل، لأنّ فضيلة الحامل بالقيمة، لتوقّع الولد(7).4.

ص: 426


1- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7.
2- انظر: المغني 550:3، و الشرح الكبير 365:3.
3- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7، الحاوي الكبير 296:4.
4- المائدة: 95.
5- الخلاف 400:2-401، المسألة 264.
6- المائدة: 95.
7- فتح العزيز 506:7، المجموع 433:7، الحاوي الكبير 296:4.

و قال الشافعي [أيضا]: يضمنها بقيمة مثلها، لأنّ قيمته أكثر من قيمة لحمه [1].

و هو عدول عن المثل مع إمكانه، و لا عبرة بالزيادة و النقصان في القيمة مع إمكان المثل.

و لو فداها بغير ماخض، ففي الإجزاء نظر: من حيث عدم المماثلة، و من حيث إنّ هذه الصفة لا تزيد في لحمها، بل قد تنقصه غالبا، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء، كالعيب و اللون.

و لو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا، فإن خرج حيّا و ماتا معا، لزمه فداؤهما معا، فيفدي الأم بمثلها، و الصغير بصغير.

و إن عاشا، فإن لم يحصل عيب، فلا شيء، عملا بالأصل، و إن حصل، ضمنه بأرشه.

و لو مات أحدهما دون الآخر، ضمن التالف خاصّة.

و إن خرج ميّتا، ضمن الأرش، و هو: ما بين قيمتها حاملا و مجهضا [2].

البحث الرابع: في أسباب الضمان
اشارة

و هو أمران:

الأمر الأول: المباشرة

مسألة 348: قد بيّنّا أنّ من قتل صيدا وجب عليه فداؤه،

فإن أكله، لزمه فداء آخر - و به قال عطاء و أبو حنيفة(1) - لأنّه أكل من صيد محرّم عليه،

ص: 427


1- المبسوط - للسرخسي - 86:4، بدائع الصنائع 203:2 و 204، بداية المجتهد 1: 359، المنتقي - للباجي - 250:2، حلية العلماء 298:3، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، الحاوي الكبير 303:4.

فوجب عليه فداؤه، كما لو صيد لأجله.

و قال بعض علمائنا: يجب عليه بالقتل فداء و بالأكل قيمة ما أكل(1).

و قال مالك و الشافعي: لا يضمن الأكل(2). و قد تقدّم(3) بطلانه.

و لا فرق بين أن يفدي القتيل قبل الأكل أو لا في وجوب الفداءين معا أو الفداء و القيمة، لأنّه تناول محظور إحرامه، فلزمه الجزاء.

و قال أبو حنيفة: إذا ذبحه و أكله قبل أن يؤدّي الجزاء، دخل ضمان الأكل في ضمان الجزاء، و إن أكل بعد ما أدّي قيمته، فعليه قيمة ما أكل(4).

و قال أبو يوسف و محمد: لا يضمن عن الأكل شيئا، و عليه الاستغفار، لأنّ حرمته لكونه ميتة، لا أنّه جناية علي الإحرام، و ذلك لا يوجب إلاّ الاستغفار(5).

و نمنع عدم الإيجاب بما تقدّم.

مسألة 349: حكم البيض حكم الصيد في تحريم أكله إجماعا،

و سواء كسره هو أو محرم آخر.

و لو كسره حلال، كان علي المحرم إذا أكله قيمته، سواء أخذ لأجله أو لغيره، خلافا لبعض العامّة، كما خالف في أكل اللحم، فجوّزه إذا ذبح لا7.

ص: 428


1- الشيخ الطوسي في الخلاف 405:2، المسألة 274، و كما في شرائع الإسلام 288:1.
2- المنتقي - للباجي - 250:2، بداية المجتهد 359:1، الحاوي الكبير 302:4 و 303، حلية العلماء 298:3، المجموع 304:7 و 305 و 330، بدائع الصنائع 204:2، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3.
3- تقدّم في المسألة 206.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، بدائع الصنائع 203:2 و 204، المنتقي - للباجي - 250:2، المجموع 330:7.
5- بدائع الصنائع 204:2، المبسوط - للسرخسي - 86:4، الهداية - للمرغيناني - 1: 173، المنتقي - للباجي - 250:2، المجموع 330:7.

لأجله، و منعه إذا ذبح لأجله(1).

و قد بيّنّا عدم الفرق.

و لو كسر المحرم بيض الصيد، لم يحرم علي المحلّ أكله و إن وجب علي المحرم فداء الكسر، لأنّ حلّه لا يقف علي كسره، و لا يعتبر له أهل يصدر عنه، بل لو انكسر من نفسه أو كسره مجوسي، لم يحرم، فأشبه قطع اللحم و طبخه.

و قال بعض العامّة: يحرم علي المحلّ أكله - و هو قول الشيخ(2) رحمه اللّه - كذبح المحرم الصيد(3). و ليس بجيّد.

مسألة 350: لو اشتري محلّ لمحرم بيض نعام فأكله المحرم،

كان علي المحرم عن كلّ بيضة شاة، و علي المحلّ عن كلّ بيضة درهم.

أمّا وجوب الشاة علي المحرم: فلأنّه جزاء البيضة علي ما قلناه، و قد بيّنّا وجوب الجزاء علي المحرم بالأكل، كما يجب بالصيد و الكسر.

و أمّا وجوب الدرهم علي المحلّ: فلإعانته، و هي تستلزم الضمان.

و لأنّ أبا عبيدة سأل الباقر عليه السلام: عن رجل محلّ اشتري لرجل محرم بيض نعام، فأكله المحرم، فما علي الذي أكله ؟ فقال: «علي الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم، و علي المحرم لكلّ بيضة شاة»(4).

إذا عرفت هذا، فالمضمون من البيوض، إنّما هو بيض الصيد الحرام، أمّا بيض ما يباح أكله للمحرم، كبيض الدجاج الحبشي، فإنّه حلال لا يجب بكسره شيء، لأنّ أصله غير مضمون، ففرعه أولي.

مسألة 351: لو أتلف جزءا من الصيد، ضمنه بإجماع العلماء

- إلاّ5.

ص: 429


1- المغني 554:3، الشرح الكبير 304:3.
2- المبسوط - للطوسي - 348:1.
3- المغني 554:3، الشرح الكبير 304:3.
4- التهذيب 355:5-356-1235.

داود و أهل الظاهر، فإنّهم قالوا: لا شيء في أبعاض الصيد(1) - لأنّ الجملة مضمونة، فأبعاضها كذلك، كالآدمي.

و لأنّ النبي عليه السلام نهي عن التنفير(2) ، فعن الجرح أولي، و ما كان محرّما من الصيد كان مضمونا.

قال الشيخ رحمه اللّه: في كسر قرني الغزال نصف قيمته، و في كلّ واحد ربع القيمة، و في عينيه كمال قيمته، و في كسر إحدي يديه نصف قيمته، و كذا في كسر إحدي رجليه، و لو كسر يديه معا، وجب عليه كمال القيمة، و كذا لو كسر رجليه معا، و لو قتله، كان عليه فداء واحد(3).

و قال بعض العامّة: يضمن بمثله من مثله، لأنّ ما وجب جملته بالمثل وجب في بعضه مثله، كالمثليات(4).

و قال آخرون: يجب قيمة مقداره من مثله، لمشقّة إخراج الجزاء، فيمتنع إيجابه، و لهذا لم يوجب الشارع جزءا من بعير في خمس من الإبل، و عدل إلي إيجاب شاة، و ليست من الجنس، طلبا للتخفيف(5).

و ليس بجيّد، لما بيّنّا من أنّ الكفّارة مخيّرة هنا، و هذا القائل يوافقنا عليه، فتنتفي المشقّة، لوجود الخيرة في العدول عن المثل إلي عدله من الطعام أو الصيام.

و الشيخ - رحمه اللّه - استدلّ برواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: ما تقول في محرم كسر أحد قرني غزال في الحلّ؟ قال: «عليه3.

ص: 430


1- الحاوي الكبير 297:4-298، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
2- صحيح البخاري 181:2، صحيح مسلم 986:2-987-1353، سنن أبي داود 2: 212-2017، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن النسائي 203:5، سنن البيهقي 195:5، مسند أحمد 119:1.
3- النهاية: 227، المبسوط - للطوسي - 342:1.
4- المغني 551:3، الشرح الكبير 366:3.
5- المغني 551:3، الشرح الكبير 366:3.

ربع قيمة الغزال» قلت: فإن هو كسر قرنيه ؟ قال: «عليه نصف قيمته يتصدّق به» قلت: فإن هو فقأ عينيه ؟ قال: «عليه قيمته» قلت: فإن هو كسر إحدي يديه ؟ قال: «عليه نصف قيمته» قلت: فإن كسر إحدي رجليه ؟ قال:

«عليه نصف قيمته» قلت: فإن هو قتله ؟ قال: «عليه قيمته» قلت: فإن هو فعل و هو محرم في الحرم [1]؟ قال: «عليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم»(1).

مسألة 352: لو نتف ريشة من حمام الحرم، وجب عليه أن يتصدّق بشيء باليد التي نتف بها،

لأنّها آلة الجناية.

و لأنّ إبراهيم بن ميمون قال للصادق عليه السلام: رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم، قال: «يتصدّق بصدقة علي مسكين، و يطعم باليد التي نتفها فإنّه قد أوجعها»(2).

إذا عرفت هذا، فلو تعدّد الريش، فإن كان بالتفريق، فالوجه: تكرّر الفدية، و إلاّ فالأرش، و به قال الشافعي و أبو ثور(3).

و قال مالك و أبو حنيفة: قيمة الجزاء جميعه(4).

و ليس بجيّد، لأنّه نقصه نقصا يمكنه إزالته، فلا يضمنه بأسره، كما لو جرحه.

و لو حفظه حتي نبت ريشه، كان عليه صدقة، لحصول السبب.

و قال بعض العامّة: لا ضمان عليه، لزوال النقص(5).3.

ص: 431


1- التهذيب 387:5-1354.
2- التهذيب 348:5-349-1210.
3- المجموع 436:7، حلية العلماء 319:3، المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 171:1، المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.
5- المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.

و هو خطأ، لأنّ المتجدّد غير الزائل.

مسألة 353: لو جرح الصيد، ضمن الجرح علي قدره،

و هو قول العلماء(1) ، إلاّ داود و أهل الظاهر، فإنّهم لم يوجبوا شيئا(2). و هو غلط.

ثم يعتبر حاله، فإن رآه سويّا بعد ذلك، وجب عليه الأرش، لوجود سبب الضمان، و الاندمال غير مسقط للفدية، كالآدمي.

و لو أصابه و لم يؤثّر فيه، فلا شيء، للأصل.

و لقول الصادق عليه السلام لمّا سأله أبو بصير عن محرم رمي صيدا فأصاب يده فعرج، فقال: «إن كان الظبي مشي عليها و رعي و هو ينظر إليه فلا شيء عليه، و إن كان الظبي ذهب لوجهه و هو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه، لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك»(3).

و لو كسر يده أو رجله ثم رآه و قد صلح و رعي، وجب عليه ربع الفداء، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: رجل رمي ظبيا و هو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي علي وجهه فلم يدر ما صنع، فقال: «عليه فداؤه» قلت: فإنّه رآه بعد ذلك مشي، قال: «عليه ربع ثمنه»(4).

و لو جرح الصيد فاندمل و صار غير ممتنع، فالوجه: الأرش.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الجميع(5) - و هو قول أبي حنيفة(6) - لأنّه مفض إلي تلفه. و هو ممنوع.3.

ص: 432


1- الحاوي الكبير 297:4، حلية العلماء 320:3، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
2- الحاوي الكبير 297:4، حلية العلماء 320:3، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
3- التهذيب 358:5-1245، الاستبصار 205:2-206-700.
4- التهذيب 359:5-1248، الاستبصار 205:2-699.
5- المبسوط - للطوسي - 349:1.
6- بدائع الصنائع 205:2، المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.

و لو جرحه فغاب عن عينيه [1] و لم يعلم حاله، وجب عليه ضمانه أجمع، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه السلام: عن رجل رمي صيدا و هو محرم، فكسر يده أو رجله، فمضي الصيد علي وجهه، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد، قال: «عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد»(1).

و قال بعض العامّة: إن كان الجرح موجبا - و هو الذي لا يعيش معها غالبا - ضمنه بأسره، و إلاّ ضمن النقص لا الجميع، لعدم العلم بحصول التلف(2).

و ليس بجيّد، لأنّه فعل ما يحصل معه التلف، فكان ضامنا.

و لو رآه ميّتا و لم يعلم أ مات من الجناية أو غيرها، ضمنه.

و قال بعض العامّة: لا يضمنه، لعدم العلم بالإتلاف(3).

و ليس بجيّد، لأنّه وجد سبب إتلافه منه و لم يعلم له سبب آخر، فوجب إحالته عليه، لأنّه السبب المعلوم.

و لو صيّرته الجناية غير ممتنع، فلم يعلم أصار ممتنعا أم لا، ضمنه عندنا بأعلي الأرشين، لأنّ الأصل عدم الامتناع.

و لو رماه و لم يعلم هل أثّر فيه أم لا، لزمه الفداء، عملا بأغلب الأحوال من الإصابة عند القصد بالرمي.

إذا عرفت هذا، فلو جرح الظبي فنقص عشر قيمته، لزمه عشر شاة، و به قال المزني(4) ، للآية(5).5.

ص: 433


1- التهذيب 359:5-1246.
2- المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.
3- المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.
4- مختصر المزني: 71، الحاوي الكبير 298:4، فتح العزيز 506:7، المجموع 7: 432، حلية العلماء 319:3.
5- المائدة: 95.

و قال الشافعي: يلزمه عشر قيمة المثل، و هو عشر قيمة الشاة، لأنّ إيجاب عشر الشاة يفضي إلي التجزئة و التقسيط، و هو حرج(1).

و علي ما اخترناه من التخيير يتخيّر بين إخراج عشر الشاة أو عشر من ثمن الشاة و يفضّ علي الطعام، و بين الصيام.

مسألة 354: لو جرح الصيد ثم اندمل جرحه و بقي ممتنعا إمّا بعدوه،

كالغزال، أو بطيرانه، كالحمام، وجب عليه الأرش علي ما قلناه.

و لو صار الصيد بعد اندمال جرحه زمنا، احتمل الجزاء الكامل، لأنّه بالأزمان صار كالمتلف، و لهذا لو أزمن عبدا، لزمه تمام قيمته، و هو أحد وجهي الشافعية - و به قال أبو حنيفة(2) - و الثاني: أنّه يجب عليه قدر النقص، لأنّه لم يهلك بالكلّية، و لهذا يكون الباقي مضمونا لو قتله محرم آخر(3).

و لو جاء محرم آخر و قتله إمّا بعد الاندمال أو قبله، فعليه جزاؤه مزمنا، لما تقدّم أنّ المعيب يقابل بمثله، و يبقي الجزاء علي الأول بحاله.

و قال الشيخ: يجب علي كلّ واحد منهما الفداء(4).

و قال بعض الشافعية: إن أوجبنا جزاء كاملا، عاد هاهنا إلي قدر النقصان، لبعد إيجاب جزاءين لمتلف واحد(5).

و لو عاد المزمن و قتله، فإن قتله قبل الاندمال، فليس عليه إلاّ جزاء واحد، كما لو قطع يدي رجل ثم قتله قبل الاندمال لا يلزمه إلاّ دية واحدة، و إن قتله بعد الاندمال، أفرد كلّ واحد منهما بحكمه، ففي القتل جزاؤه7.

ص: 434


1- مختصر المزني: 71، الحاوي الكبير 298:4، الوجيز 129:1، فتح العزيز 7: 506-507، المجموع 432:7، حلية العلماء 319:3.
2- بدائع الصنائع 205:2، فتح العزيز 507:7.
3- فتح العزيز 507:7، المجموع 434:7.
4- الخلاف 419:2، المسألة 303.
5- فتح العزيز 507:7، المجموع 434:7.

مزمنا.

و لو أوجبنا بالأزمان جزاء كاملا، فلو كان للصيد امتناعان، كالنعامة، فأبطل أحدهما، فللشافعية وجهان:

أحدهما: أنّه يتعدّد الجزاء، لتعدّد الامتناع.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يتعدّد، لاتّحاد الممتنع(1).

و علي هذا فما الذي يجب ؟ قال الجويني: الغالب علي الظنّ أنّه يعتبر ما نقص، لأنّ امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلاّ أنّه يتعلّق بالرّجل و الجناح، فالزائل بعض الامتناع(2).

مسألة 355: لو اشترك محرمان أو أكثر في قتل صيد،

وجب علي كلّ واحد منهم فداء كامل - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري، و هو مروي عن الحسن البصري و الشعبي و النخعي من التابعين(3) - لأنّ كلّ واحد منهم فعل ما حصل بسببه الموت، فكان كما لو جرحه جرحا متلفا.

و لأنّها كفّارة قتل يدخلها الصوم، فأشبهت كفّارة الآدمي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن اجتمع قوم علي صيد و هم محرمون فعلي كلّ واحد منهم قيمة»(4).

و قال الشافعي: يجب جزاء واحد علي الجميع - و به قال عمر بن الخطّاب و ابن عباس و ابن عمر و عطاء و الزهري، و عن أحمد روايتان كالمذهبين(5) - لأنّ المقتول واحد، فالمثل واحد(6).4.

ص: 435


1- فتح العزيز 508:7، المجموع 434:7.
2- فتح العزيز 508:7، المجموع 434:7.
3- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، فتح العزيز 508:7، المجموع 436:7 و 439، حلية العلماء 316:3، الحاوي الكبير 320:4، تفسير القرطبي 314:6.
4- الكافي 391:4-2، التهذيب 351:5-1219.
5- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، المجموع 439:7.
6- الوجيز 129:1، فتح العزيز 508:7، المهذّب - للشيرازي - 224:1، المجموع 7: 436 و 439، حلية العلماء 316:3، الحاوي الكبير 320:4.

و عنه رواية ثالثة: إن كان صوما، صام كلّ واحد صوما تامّا، و إن كان غير صوم، فجزاء واحد، و إن كان أحدهما يهدي و الآخر يصوم، فعلي المهدي بحصته، و علي الآخر صوم تام، لأنّ الجزاء ليس بكفّارة، و إنّما هو بدل، لأنّه تعالي عطف بها، فقال أَوْ كَفّارَةٌ (1) و الصوم كفّارة، فيكمل، ككفّارة قتل الآدمي(2).

و المماثلة ليست حقيقيّة، و إذا ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي، وجب اتّحاده في الصوم، لقوله تعالي أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (3)

فروع:

أ - لو اشترك محلّ و محرم و كان القتل في الحلّ، فلا شيء علي المحلّ،

و علي المحرم جزاء كامل.

و قال الشافعي: علي المحرم نصف الجزاء، و لا شيء علي المحلّ(4).

و قد بيّنّا بطلانه.

ب - لو قتل القارن صيدا، لم يلزمه إلاّ جزاء واحد،

و كذا لو باشر غيره من المحظورات، و به قال مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5).

و قال أبو حنيفة: يلزمه جزاءان(6).

ج - لو قتل المحرم صيدا في الحرم، لزمه الجزاء و القيمة.

و قال الشافعي: يلزمه جزاء واحد، لاتّحاد المتلف، و هذا كما أنّ الدية4.

ص: 436


1- المائدة: 95.
2- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3.
3- المائدة: 95.
4- فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.
5- فتح العزيز 509:7، المجموع 437:7 و 440، الشرح الكبير 370:3، المحلّي 237:7، المبسوط - للسرخسي - 81:4.
6- فتح العزيز 509:7، المجموع 437:7 و 440، الشرح الكبير 370:3، المحلّي 237:7، المبسوط - للسرخسي - 81:4.

لا تتغلّظ باجتماع أسباب التغليظ(1).

د - لو أصابه الحلال أوّلا ثم أصابه الحرام، فلا شيء علي المحلّ،

و الواجب علي المحرم جزاء مجروح.

و لو كان السابق المحرم، فعليه جزاؤه سليما.

و لو اتّفقا في حالة واحدة، وجب علي المحرم جزاء كامل، و لا شيء علي المحلّ.

و عند الشافعية يجب علي المحرم بقسطه، لأنّه أتلف بعض الجملة(2).

و هو غلط، لأنّ المحلّ لا جزاء عليه، فتعذّر الجزاء منه، فيجب الجزاء بكماله علي الآخر.

ه - لو اشترك الحرام و الحلال في قتل صيد حرمي،

وجب علي المحلّ القيمة كملا، و علي المحرم الجزاء و القيمة معا.

و قال بعض العامّة: يجب جزاء واحد عليهما(3).

و - لو رمي الصيد اثنان فقتله أحدهما و أخطأ الآخر،

كان علي كلّ واحد منهما فداء كامل، أمّا القاتل: فلجنايته، و أمّا الآخر: فلإعانته، لأنّ ضريسا سأل الباقر عليه السلام: عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما، قال: «علي كلّ واحد منهما الفداء»(4).

ز - لو قتله واحد و أكله جماعة، كان علي كلّ واحد فداء كامل،

لأنّ الأكل محرّم كالقتل، لقول الصادق عليه السلام في صيد أكله قوم محرمون، قال: «عليهم شاة شاة، و ليس علي الذي ذبحه إلاّ شاة»(5).5.

ص: 437


1- فتح العزيز 509:7، المجموع 441:7.
2- الحاوي الكبير 323:4، فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.
3- المغني 563:3، الشرح الكبير 370:3.
4- التهذيب 352:5-1223.
5- التهذيب 352:5-1225.

مسألة 356: لو ضرب المحرم بطير علي الأرض فقتله، كان عليه دم و قيمتان:

قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره إيّاه، و يعزّر، لما فيه من زيادة الجرم.

و لقول الصادق عليه السلام: في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله، قال: «عليه ثلاث قيمات: قيمة لإحرامه، و قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره إيّاه»(1).

مسألة 357: لو شرب لبن ظبية، كان عليه الجزاء و قيمة اللبن،

لقول الصادق عليه السلام: في رجل مرّ و هو محرم في الحرم، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها و شرب لبنها، قال: «عليه دم و جزاء الحرم عن اللبن»(2).

و لأنّه شرب ما لا يحلّ له شربه، فيكون عليه ما علي من أكل ما لا يحلّ له أكله، لاستوائهما في التعدية.

تذنيب: لو رمي الصيد و هو حلال فأصابه السهم و هو محرم فقتله، لم يكن عليه ضمان، لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة، فأشبه ما لو أصابه قبل الإحرام، و كذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقتله، لم يكن عليه شيء.

الأمر الثاني: التسبيب.

و هو كلّ فعل يحصل التلف بسببه، كحفر البئر، و نصب الشباك، و الدلالة علي الصيد، و تنفير الطير عن بيضه، و أشباه ذلك، و يظهر بمسائل:

مسألة 358: لو كان معه صيد فأحرم، وجب عليه إرساله،

و زال ملكه عنه إذا كان حاضرا معه، فإن أمسكه، ضمنه إذا تلف - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّه فعل في الصيد استدامة

ص: 438


1- التهذيب 370:5-371-1290.
2- التهذيب 371:5-1292 بتفاوت يسير.
3- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، فتح العزيز 495:7-496، المجموع 7: 311، بدائع الصنائع 206:2.

الإمساك، و هو ممنوع منه، كابتداء الإمساك، فكان ضامنا، كابتداء الإمساك.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا يحرم واحد و معه شيء من الصيد حتي يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه، فإن لم يفعل حتي يدخل الحرم و مات لزمه الفداء»(1).

و قال الشافعي: في الآخر، و أبو ثور: ليس عليه إرسال ما في يده، لأنّه في يده، فأشبه ما لو كان نائيا عن الحرم في بيته(2).

و الفرق: أنّ إمساكه في الحرم هتك له، و هو منهي عنه، بخلاف البلاد المتباعدة.

إذا ثبت هذا، فإنّ ملكه عندنا يزول. و قال بعض العامّة بعدم زواله و إن وجب إرساله، فإذا أحلّ، جاز له إمساكه، و لو أخذه غيره، ردّه عليه بعد الإحلال، و من قتله ضمنه له(3).

و ليس بجيّد، لأنّه حينئذ من صيد الحرم غير مملوك.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن طائر أهلي ادخل الحرم حيّا، قال: «لا يمسّ لأنّ اللّه تعالي يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4)»(5).

احتجّوا: بأنّ ملكه كان عليه و إزالة اليد لا تزيل الملك، كالغصب و العارية(6).3.

ص: 439


1- التهذيب 362:5-1257.
2- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3.
3- المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3.
4- آل عمران: 97.
5- التهذيب 348:5-1206.
6- المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3.

و الفرق: أنّ زوال يده لمعني شرعي، بخلاف الغصب و العارية في حكم يده.

و لو تلف قبل تمكّنه من إرساله، فلا ضمان، لعدم العدوان.

و لو أرسله إنسان من يده، لم يكن عليه ضمان، لأنّه فعل ما يلزمه فعله، فكان كما لو دفع المغصوب إلي مالكه من يد الغاصب.

و قال أبو حنيفة: يضمن، لأنّه أتلف ملك الغير(1). و نمنع الملكية.

و لو كان الصيد في منزله نائيا عنه، لم يزل ملكه عنه، و له نقله عنه ببيع أو هبة و غيرهما - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه قبل الإحرام مالك له، فيدوم ملكه، للاستصحاب.

و لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام: الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله، قال: «و ما بأس لا يضرّه»(3).

مسألة 359: لا ينتقل الصيد إلي المحرم بابتياع و لا هبة و لا غيرهما،

لما رواه العامّة: أنّ الصّعب بن جثّامة أهدي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حمارا وحشيا، فردّه عليه، و قال: (إنّا لم نردّه عليه [1] إلاّ أنّا حرم)(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار، قال: سأل الحكم بن عتيبة الباقر عليه السلام: ما تقول في رجل اهدي له حمام أهلي و هو في:3

ص: 440


1- المبسوط - للسرخسي - 89:4، بدائع الصنائع 206:2.
2- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، المنتقي - للباجي - 246:2، بدائع الصنائع 206:2
3- الكافي 382:4-9، التهذيب 362:5-1260.
4- صحيح البخاري 16:3، صحيح مسلم 850:2-1193، سنن البيهقي 191:5، مسند أحمد 38:4 و 71، المغني 565:3، الشرح الكبير 305:3

الحرم ؟ فقال: «أما إن كان مستويا خلّيت سبيله»(1).

إذا ثبت هذا، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب، ضمنه، فإن انتقل إليه بالبيع، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه، لأنّ ملكه لم يزل عنه، و لو لم يتلف، لم يكن له ردّه علي مالكه، لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم، فإن ردّه، سقطت عنه القيمة.

و لا يسقط الجزاء إلاّ بالإرسال، و إذا أرسل، كان كما إذا اشتري عبدا مرتدّا فقتل في يده، و هذا قول الشافعي و أصحاب الرأي(2).

و كذا لا يجوز للمحرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له و هو حلال، و لا لوجود عيب في الثمن المعيّن، و لو ردّه المشتري بعيب أو خيار، فله ذلك، لأنّ سبب الردّ متحقّق، و منعه إضرار بالمشتري، فإذا ردّه عليه، لم يدخل في ملكه، و يجب عليه إرساله.

هذا إذا كان الصيد في الحرم، و لو كان في الحلّ، جاز له ذلك، لأنّ له استدامة الملك فيه، فله ابتداؤه.

و لو ورث صيدا، لم يملكه في الحرم، و وجب عليه إرساله، خلافا لبعض العامّة(3).

قال الشيخ - رحمه اللّه - في جميع ذلك: يقوي عندي أنّه إن كان حاضرا معه، انتقل إليه، و يزول ملكه عنه(4).

قال: و لو باع المحلّ صيدا لمحلّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد، لأنّه لا يملكه(5).8.

ص: 441


1- التهذيب 348:5-1207
2- فتح العزيز 496:7، المجموع 307:7-309، المغني 565:3، الشرح الكبير 3: 305.
3- المغني 565:3، الشرح الكبير 305:3.
4- المبسوط - للطوسي - 347:1 و 348.
5- المبسوط - للطوسي - 347:1 و 348.

مسألة 360: لو أمسك محرم صيدا فذبحه محرم آخر، كان علي كلّ واحد منهما فداء كامل،

لأنّه بالإمساك أعانه حقيقة أكثر من إعانة الدالّ، و لو كانا في الحرم، تضاعف الفداء، و لو كان أحدهما محلا و الآخر محرما، تضاعف الفداء علي المحرم خاصّة.

و لو أمسكه المحرم في الحلّ فذبحه المحلّ، ضمنه المحرم خاصّة، و لا شيء علي المحلّ، لأنّه لم يهتك حرمه الإحرام و لا الحرم.

و قال الشافعي: إذا أمسكه محرم و قتله محرم آخر، وجب جزاء واحد، و علي من يجب ؟ وجهان، أحدهما: علي الذابح، و الآخر: عليهما(1).

و لو نقل بيض صيد ففسد، ضمنه.

و لو أحضنه فخرج الفرخ سليما، لم يضمنه.

و لو نفّر طائرا عن بيضة احتضنها ففسدت، فعليه القيمة.

و لو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيدا ففسد بيضة، أو لم يحضنه، ضمنه، لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلي بيضه.

و لو أخذ بيض صيد و أحضنها دجاجة، فهي في ضمانه إلي أن يخرج الفرخ و يصير ممتنعا، حتي لو خرج و مات قبل الامتناع، لزمه مثله من النّعم.

و لو حلب لبن صيد، ضمنه - و به قال بعض الشافعية(2) - لأنّه مأكول انفصل من الصيد، فأشبه البيض.

و قال بعض الشافعية: اللبن غير مضمون، بخلاف البيض، لأنّه يخلق منه مثله(3).

مسألة 361: لو أغلق بابا علي حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض،

فإن هلكت و كان الإغلاق قبل الإحرام، ضمن الحمامة بدرهم، و الفرخ7.

ص: 442


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 313:7 و 437.
2- فتح العزيز 487:7، المجموع 319:7.
3- فتح العزيز 487:7، المجموع 319:7.

بنصف درهم، و البيض بربع درهم، و إن كان بعد الإحرام، ضمن الحمامة بشاة، و الفرخ بحمل، و البيضة بدرهم، لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام: رجل أغلق بابه علي طائر، فقال: «إن كان أغلق [الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و إن كان أغلق الباب](1) قبل أن يحرم فعليه ثمنه»(2).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السلام: عن رجل أغلق بابه علي حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض، فقال: «إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم، فإنّ عليه لكلّ طير درهما، و لكلّ فرخ نصف درهم، و لكلّ بيضة ربع درهم(3) ، و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم، فإنّ عليه لكلّ طائر شاة، و لكلّ فرخ حملا، و إن لم يكن تحرّك، فدرهم، و للبيض نصف درهم»(4).

و لو أرسلها بعد الإغلاق سليمة، فلا ضمان.

و قال بعض علمائنا: يضمن بنفس الإغلاق، للرواية(5). و ليس بجيّد.

و لو كان الإغلاق من المحرم في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة.

و لو أغلق علي غير الحمام من الصيود، ضمن إذا تلف بالإغلاق.

مسألة 362: لو نفّر حمام الحرم، فإن رجع، كان عليه دم شاة،

و إن لم يرجع، وجب عليه لكلّ طير شاة.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته، و لم أجد به حديثا مسندا(6).

و أقول: إنّ التنفير حرام، لأنّه سبب الإتلاف غالبا، و لعدم العود، فكان7.

ص: 443


1- في المصدر: نصف درهم.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 350:5-1215.
4- التهذيب 350:5-1216.
5- كما في شرائع الإسلام 290:1.
6- التهذيب 350:5 ذيل الحديث 1217.

عليه مع الرجوع دم، لفعل المحرّم، و مع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة، لما تقدّم أنّ من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده، فإن لم يفعل، ضمنه.

و لو نفّر صيدا فتعثّر و هلك، أو أخذه سبع، أو انصدم بشجر أو جبل، وجب عليه ضمانه، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد، و يكون في عهدة المنفّر إلي أن يعود الصيد إلي طبيعة الاستقرار، و لو هلك بعد ذلك، فلا شيء عليه.

و لو هلك قبل سكون النفار و لكن بآفة سماوية، ففي الضمان وجهان:

أحدهما: الوجوب، لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة.

و الثاني: العدم، لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المحرم و لا تحت يده.

مسألة 363: لو أوقد جماعة نارا فوقع فيها طائر،

فإن كان قصدهم ذلك، وجب علي كلّ واحد منهم فداء كامل، و إن لم يكن قصدهم ذلك، وجب عليهم أجمع فداء واحد، لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فعل جناية استند الموت إليها و إلي مشاركة، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد و أمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد، فوجب عليهم أجمع فداء واحد، لأنّ أبا ولاّد الحنّاط قال: خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلي مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه و كنّا محرمين، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام بمكة، فأخبرته و سألته، فقال: «عليكم فداء واحد دم شاة، و لو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة»(1).

مسألة 364: إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيدا فقتله، ضمنه، لأنّه سبب الإتلاف.ظ.

ص: 444


1- الكافي 392:4-5، التهذيب 352:5-353-1226 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

و لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام: عن محرم وطأ بيض نعام فشدخها، قال: «قضي أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح و سلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة» قال: و قال الصادق عليه السلام: «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك و أنت محرم فعليك فداؤه»(1).

و إذا كان راكبا علي الدابّة سائرا، ضمن ما تجنيه بيديها و فمها، و لا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها، لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها، و قال عليه السلام: (الرّجل جبار [1](2).

أمّا لو كان واقفا أو سائقا لها غير راكب، ضمن جميع جنايتها، لأنّه يمكنه حفظها و يده عليها و يشاهد رجليها.

و لو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيدا، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه، لأنّه لا يد له عليها و قد قال النبي عليه السلام: (جرح العجماء [2] جبار)(3).

مسألة 365: لو نصب المحرم شبكة في الحلّ أو في الحرم،

أو نصب المحلّ شبكة في الحرم، فتعقّل بها صيد و هلك، ضمن، لأنّه تلف بسببه،5.

ص: 445


1- التهذيب 355:5-1232، الاستبصار 202:2-686.
2- سنن أبي داود 196:4-4592، سنن الدار قطني 152:3-208، مصنف عبد الرزاق 423:9-17873، مصنّف ابن أبي شيبة 270:9-7419.
3- مسند أحمد 475:2، الموطأ 868:2-869-12، سنن الدارمي 196:2، و بتفاوت في صحيح البخاري 15:9، و صحيح مسلم 1334:3-1710، و سنن أبي داود 4: 196-4593، سنن الترمذي 34:3-642، و سنن النسائي 44:5، و سنن ابن ماجة 891:2-2673-2675.

فكان عليه ضمانه، كما يضمن الآدمي.

و لا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره، لأنّه نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد، فهو بمنزلة الأخذ باليد.

و لو نصب شبكة قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه، لم يضمنه، لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإتلاف، فكان كما لو صاده قبل الإحرام و تركه في منزله، فتلف بعد إحرامه، أو باعه و هو حلال، فذبحه المشتري.

و لو جرح صيدا فتحامل فوقع في شيء تلف به، ضمنه، لأنّ الإتلاف بسببه، و كذا لو نفّره فتلف في حال نفوره.

و لو سكن في مكان و أمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه ؟ قال بعض العامّة: لا يضمنه، لأنّ التلف ليس منه و لا بسببه(1).

و قال بعضهم: يضمنه(2).

و لو أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه، ضمن.

و كذا لو أمسك المحلّ صيدا له طفل في الحرم فهلك الطفل، ضمن، لأنّه سبب في إتلافه، و لا ضمان عليه في الأم لو تلفت.

أمّا لو أمسكها المحلّ في الحرم فتلفت و تلف فرخها في الحلّ، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الجميع(3).

مسألة 366: لو أرسل كلبا فأتلف صيدا، وجب عليه الضمان،

لأنّ إرسال الكلب يسبّب إلي الهلاك.

و لو كان الكلب مربوطا، فحلّ رباطه، فكذلك، لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط و إن كان الاصطياد لا يتمّ إلاّ بالإغراء.1.

ص: 446


1- المغني 552:3، الشرح الكبير 366:3.
2- المغني 552:3، الشرح الكبير 366:3.
3- المبسوط - للطوسي - 347:1.

و لو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط، ضمن، كالحلّ.

و لو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه، فظهر الصيد، احتمل عدم الضمان، لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد، و الضمان، لحصول التلف بسبب فعله، و جهله لا يقدح فيه.

و لو ضرب صيدا بسهم فمرق السهم فقتل آخر، أو رمي غرضا فأصاب صيدا، فإنّه يضمنه، لما تقدّم.

و كذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب، ضمن النفس مع التلف و الأرش مع العيب.

و للشافعي قولان: أحدهما: لا جزاء عليه(1).

و لو دلّ المحرم علي صيد فقتله المحرم، ضمن كلّ منهما جزاء كاملا، و لو قتله المحلّ في الحلّ، ضمنه الدالّ.

و لو كان الدالّ محلا و القاتل محرما، وجب الجزاء علي المحرم، و لا شيء علي المحلّ في الحلّ، و لو كان في الحرم، ضمنه أيضا، خلافا للشافعي(2).

و لو دلّ المحرم حلالا علي صيد فقتله، فإن كان الصيد في يد المحرم، وجب عليه الجزاء، لأنّ حفظه واجب عليه، و من يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ، كما لو دلّ المستودع السارق علي الوديعة.

و إن لم يكن في يده، فلا جزاء علي الدالّ عند الشافعي، كما لو دلّ رجلا علي قتل إنسان لا كفّارة علي الدالّ و لا علي القاتل، لأنّه حلال(3) ، و به4.

ص: 447


1- انظر: فتح العزيز 497:7، و المجموع 297:7.
2- فتح العزيز 491:7، المجموع 300:7.
3- فتح العزيز 491:7، المجموع 300:7، الشرح الكبير 297:3، بدائع الصنائع 2: 203-204.

قال مالك(1).

و قال أبو حنيفة: إن كانت الدلالة ظاهرة، فلا جزاء عليه، و إن كانت خفية لولاها لما رأي الحلال الصيد، يجب الجزاء. و سلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء علي الدالّ(2).

و عن أحمد: أنّ الجزاء يلزم الدالّ و القاتل بينهما(3).

و ما صيد للمحرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه، للشافعي قولان:

القديم - و به قال مالك و أحمد - أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل، لأنّ الأكل فعل محرّم في الصيد، فيتعلّق به الجزاء، كالقتل، و يخالف ما لو ذبحه و أكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده، لأنّ وجوبه بالذبح أغني عن جزاء آخر.

و الجديد: أنه لا تلزمه، لأنّه ليس بنام بعد الذبح، و لا يؤول إلي النماء، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء، كما لو أتلف بيضة مذرة(4).

مسألة 367: لو أمسك محرم صيدا حتي قتله غيره، فإن كان حلالا، وجب الجزاء علي المحرم،

لأنّه متعدّ بالإمساك و التعريض للقتل، و لا يرجع به علي الحلال عندنا، لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد، و هو قول بعض الشافعية(5).

و قال بعضهم بالرجوع، كما لو غصب شيئا فأتلفه متلف من يده، يضمن الغاصب، و يرجع علي المتلف(6).

و ليس بجيّد، لأنّ المتلف في الغصب ممنوع منه، بخلاف قتل المحلّ7.

ص: 448


1- تفسير القرطبي 324:6، فتح العزيز 491:7-492، الشرح الكبير 297:3.
2- بدائع الصنائع 203:2-204، فتح العزيز 492:7.
3- المغني 353:3-354، فتح العزيز 492:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 303:7، فتح العزيز 494:7، المغني 294:3-295، الشرح الكبير 302:3.
5- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
6- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.

الصيد.

و إن كان القاتل محرما، فعلي كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا، لصدور ما يوجب الجزاء كملا من كلّ واحد منهما.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: أنّ الجزاء كلّه علي القاتل، لأنّه مباشر، و لا أثر للإمساك مع المباشرة.

و الثاني: أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك، فيكون الجزاء بينهما نصفين(1).

و قال بعضهم: إنّ الممسك يضمنه باليد، و القاتل يضمنه بالإتلاف، فإن أخرج الممسك الضمان، رجع به علي المتلف، و إن أخرج المتلف، لم يرجع علي الممسك(2).

مسألة 368: لو نفّر صيدا فهلك بمصادمة شيء، أو أخذه جارح، ضمنه.

و كذا لو ضرب صيدا بسهم فمرق السهم فقتل آخر، أو رمي غرضا فأصاب صيدا، ضمنه.

و لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب، ضمن النفس مع التلف، و الأرش مع العيب.

و للشافعي قولان: أحدهما: لا جزاء عليه، و قد تقدّم(3).

و لو أمر المحرم عبده المحلّ بقتل الصيد فقتله، فعلي السيّد الفداء، لأنّ العبد كالآلة.

و لأنّ الضمان يجب بالدلالة و الإعانة و غيرهما، فبالأمر أولي.).

ص: 449


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
3- تقدّم في ص 447، الهامش (1).

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: عن محرم معه غلام ليس بمحرم أصاب صيدا و لم يأمره سيّده، قال: «ليس علي سيّده شيء»(1) و هو يدلّ بمفهومه علي أنّه إذا كان بأمره، لزمه الفداء.

و لو كان الغلام محرما بإذن سيّده و قتل صيدا بغير إذن مالكه، وجب علي السيّد الفداء، لأنّ الإذن في الإحرام يستلزم تحمّل جناياته.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو علي السيّد إذا أذن له في الإحرام»(2).

و لو لم يأذن المولي في الإحرام و لا في الصيد، لم يكن علي السيّد شيء، لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظم عليه السلام: عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل علي مولاه شيء من الفداء؟ فقال: «لا شيء علي مولاه»(3).

مسألة 369: قد بيّنّا أنّ إثبات يد المحرم علي الصيد يوجب عليه الضمان،

فإن وقع ابتداء الإثبات في حال الإحرام فهو حرام غير مفيد للملك، و يضمنه، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده، لزمه الضمان، كما لو كان راكبا فأتلفت الدابّة صيدا بعضها، أو رفسها، أو بالت في الطريق، فزلق به صيد و هلك، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيدا، فلا ضمان.

و لو تقدّم ابتداء اليد علي الإحرام، فإن كان حاضرا معه، وجب عليه إرساله - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ الصيد لا يراد للدوام، فتحرم6.

ص: 450


1- التهذيب 382:5-1333.
2- الكافي 304:4-7، التهذيب 382:5-1334، الاستبصار 216:2-741.
3- التهذيب 383:5-1335، الاستبصار 216:2-742.
4- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 3: 306، تفسير القرطبي 323:6.

استدامته، كالطيب و اللبس.

و الثاني: لا يجب، كما لا يلزم تسريح زوجته و إن حرم ابتداء النكاح عليه(1).

و هو غلط، لأنّ النكاح يقصد به الدوام.

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: يجب رفع اليد المشاهدة عنه، و لا يجب رفع اليد الحكمية(2).

و علي قول الشافعي بعدم وجوب الإرسال، فهو علي ملكه له بيعه و هبته و لكن يحرم عليه قتله، و لو قتله، لزمه الجزاء، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة. و لو أرسله غيره، لزمه قيمته للمالك، و كذا لو قتله و إن كان محرما، لزمه الجزاء أيضا، و لا شيء علي المالك، كما لو مات(3).

و علي قوله بإيجاب الإرسال هل يزول ملكه عنه ؟ عنده قولان:

أحدهما - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد -: لا يزول، كما لا تبين زوجته.

و الثاني: نعم، كما يزول حلّ الطيب و اللباس(4).

فعلي القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قتله فلا شيء عليه، و لو أرسله المحرم فأخذه غيره، ملكه.

و لو لم يرسله حتي تحلّل، فهل عليه إرساله ؟ وجهان:0.

ص: 451


1- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، تفسير القرطبي 323:6.
2- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، تفسير القرطبي 323:6، المدوّنة الكبري 439:1، بدائع الصنائع 206:2، الهداية - للمرغيناني - 174:1، المبسوط - للسرخسي - 89:4، فتح العزيز 495:7.
3- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7.
4- فتح العزيز 495:7، المجموع 311:7، حلية العلماء 298:3، المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3، المبسوط - للسرخسي - 89:4-90.

أحدهما: نعم، لأنّه كان مستحقّا للإرسال، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإمساك.

و الثاني: لا يجب، و يعود ملكا له، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل(1).

و علي هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإحرام، أو الإحرام يوجب عليه الإرسال ؟ فإذا أرسل حينئذ يزول، و علي القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه، و لو أخذه، لم يملكه، و لو قتله، ضمنه بمثابة المنفلت من يده(2).

و لو مات الصيد في يده بعد إمكان الإرسال، لزمه الجزاء، لأنّ التقدير وجوب الإرسال، و هو مقصّر بالإمساك.

و لو مات الصيد قبل إمكان الإرسال، فوجهان، و المذهب عندهم وجوب الضمان، و لا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإرسال علي الإحرام(3).

مسألة 370: قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المحرم ببيع و لا هبة و لا غير ذلك من الأسباب.

و هل ينتقل بالميراث ؟ الأقرب ذلك، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضرا معه، و يجب عليه إرساله.

و لو باعه، ففي الصحة إشكال.

فإن قلنا بالصحة، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتي لو مات في يد المشتري، وجب الجزاء علي البائع، و إنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري.

و لو قلنا بأنّه لا يرث، فالملك في الصيد لباقي الورثة و إن كانوا أبعد.

و إحرامه بالإضافة إلي الصيد مانع من موانع الميراث، فحينئذ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولي، و ينتقل الصيد إلي الأبعد.

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه و بين شركائه في الميراث، أخذ7.

ص: 452


1- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.
2- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.
3- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.

نصيبه، منه، و إن أحلّ بعدها، فلا نصيب له. و لو كان هو أولي من باقي الورثة، لم يكن له شيء و إن أحلّ قبل القسمة.

و لو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده، كان مضمونا عليه بالجزاء، و ليس له التعرّض له، فإن أرسله، سقط عنه الجزاء، و ضمن القيمة للمالك، و إن ردّ [ه] إلي المالك، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك.

و إذا صار الصيد مضمونا علي المحرم بالجزاء، فإن قتله محلّ في يده، فالجزاء علي المحرم، و إن قتله محرم آخر، فالجزاء عليهما أو علي القاتل و من في يده، طريق للشافعية وجهان(1).

و عندنا يجب علي كلّ واحد منهما فداء كامل.

مسألة 371: المحرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقا،

سواء قصد التخليص أو لا، فلو خلّص صيدا من فم هرّة أو سبع أو من شقّ جدار، و أخذه ليداويه و يتعهّده فمات في يده، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلي المالك فهلك في يده، احتمل الضمان - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ المستحق لم يرض بيده، فتكون يده يد ضمان، و عدمه، لأنّه قصد المصلحة، فتكون يده يد وديعة.

و للشافعي قولان(3) ، كالاحتمالين.

و لو صال صيد علي محرم أو في الحرم فقتله دفعا، فلا ضمان، لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات، و به قال الشافعي(4).3.

ص: 453


1- فتح العزيز 497:7، المجموع 313:7.
2- فتح العزيز 497:7.
3- فتح العزيز 497:7، المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 297:7، حلية العلماء 296:3.
4- فتح العزيز 498:7، المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 336:7 و 338، المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه الضمان(1).

و لو ركب إنسان صيدا و صال علي محرم و لم يمكن دفعه إلاّ بقتل الصيد فقتله، فالوجه: وجوب فداء كامل علي كلّ واحد منهما.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّ الضمان علي القاتل، لأنّ الأذي هنا ليس من الصيد، فحينئذ يرجع القاتل علي الراكب.

و الثاني: أنّ الضمان علي الراكب، و لا يطالب به المحرم(2).

و لو ذبح صيدا في مخمصة و أكله، ضمن، لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد.

و لو اكره محرم أو محلّ في الحرم علي قتل صيد فقتله، ضمنه المكره، لأنّ المباشرة ضعفت بالإكراه.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّه علي المكره ثم يرجع به علي المكره(3).

و عن أبي حنيفة: أنّ الجزاء في صيد الحرم علي المكره و في الإحرام علي المكره(4).

مسألة 372: الجزاء يجب علي المحرم إذا قتل الصيد عمدا و سهوا أو خطأ، بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالي وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (5).5.

ص: 454


1- فتح العزيز 498:7، المجموع 338:7، المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
2- فتح العزيز 498:7، المجموع 336:7-337.
3- فتح العزيز 498:7، المجموع 300:7.
4- فتح العزيز 498:7.
5- المائدة: 95.

و لا نعلم فيه خلافا إلاّ من الحسن البصري و مجاهد، فإنّهما قالا: إن قتله متعمّدا ذاكرا لإحرامه لا جزاء عليه، و إن كان مخطئا أو ناسيا لإحرامه، فعليه الجزاء(1).

و هو مخالف للقرآن، فإنّه تعالي علّق الكفّارة علي القتل عمدا و الذاكر لإحرامه متعمّدا، ثم قال في سياق الآية لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ (2) و الساهي و المخطئ لا عقاب عليه و لا ذمّ، و لا نعرف لهما دليلا علي مخالفتهما لنصّ القرآن و الإجماع، فلا اعتداد بقولهما.

مسألة 373: لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد علي القاتل ناسيا،

و العامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضا.

و أمّا الخاطئ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضا عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و عطاء و النخعي و مالك و الثوري و أصحاب الرأي و الزهري(3) - لما رواه العامّة عن جابر، قال: جعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في الضبع يصيده المحرم كبشا(4).

و قال عليه السلام: (في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه)(5) و لم يفرّق عليه السلام بين العامد و الخاطئ.

و من طريق الخاصّة: قول أبي الحسن عليه السلام: «و عليه الكفّارة»(6).

و لأنّه إتلاف مال، فاستوي عمده و خطؤه.3.

ص: 455


1- المغني 539:3، الشرح الكبير 296:3، المجموع 320:7.
2- المائدة: 95.
3- المغني 541:3، الشرح الكبير 352:3، المجموع 321:7.
4- سنن ابن ماجة 1031:2-1032-3085، سنن الدار قطني 246:2-49، سنن البيهقي 183:5.
5- سنن ابن ماجة 1031:2-3086، سنن الدار قطني 250:2-64.
6- الكافي 381:4-4، التهذيب 360:5-361-1253.

و روي عن ابن عباس أنّه قال: لا كفّارة علي الخاطئ في قتل الصيد - و به قال سعيد بن جبير و طاوس و ابن المنذر. و عن أحمد روايتان - لقوله تعالي:

وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً (1) .

و لأصالة البراءة، و لأنّه محظور الإحرام لا يفسده، فيجب التفرقة بين الخطأ و العمد، كاللبس و الطيب، و لأنّه يدلّ بدليل الخطاب(2).

و ليس حجّة، و الأصل ترك، للدليل، و القتل إتلاف، و اللبس ترفّه، فافترقا.

مسألة 374: لو كرّر المحرم الصيد ناسيا، تكرّرت الكفّارة إجماعا.

و إن تعمّد فللشيخ قولان:

أحدهما: يجب الجزاء في الأول دون الثاني(3) ، و به قال ابن بابويه(4) ، و هو مروي عن ابن عباس، و هو قول شريح و الحسن البصري و سعيد بن جبير و مجاهد و النخعي و قتادة و أحمد في إحدي الروايات(5).

و الثاني: تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب(6) ، و هو قول العلماء، و به قال عطاء و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر(7) ، و هو المعتمد، لقوله تعالي وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً (8) و هو يتناول العامد.5.

ص: 456


1- المائدة: 95.
2- المغني 541:3، الشرح الكبير 352:3، المجموع 321:7.
3- النهاية: 226، التهذيب 372:5 ذيل الحديث 1297، الاستبصار 211:2 ذيل الحديث 720.
4- المقنع: 79، الفقيه 234:2 ذيل الحديث 1118.
5- المغني 561:3، الشرح الكبير 368:3، المجموع 323:7، بدائع الصنائع 2: 201، تفسير القرطبي 308:6-309، أحكام القرآن - للجصّاص - 475:2.
6- المبسوط - للطوسي - 342:1، الخلاف 397:2، المسألة 259.
7- المغني 561:3، الشرح الكبير 368:3، المهذّب - للشيرازي - 224:1، المجموع 323:7، تفسير القرطبي 308:6، أحكام القرآن - للجصّاص - 475:2.
8- المائدة: 95.

و لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه جعل في الضبع يصيده المحرم كبشا(1)التهذيب 372:5-1297، الإستبصار 211:2-720.(2) ، و لم يفرّق.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «عليه كلّما عاد كفّارة»(3).

و لأنّها كفّارة عن قتل، فاستوي فيها المبتدئ و العائد، كقتل الآدمي.

احتجّ الشيخ: بقوله تعالي وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ (4) جعل جزاء العود الانتقام، و هو يدلّ علي سقوط الكفّارة، لأنّه لم يوجب جزاء.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه، و ينتقم اللّه منه»(4) و النقمة في الآخرة.

و الانتقام لا ينافي وجوب الجزاء، لعدم دلالته علي أنّه كلّ الجزاء، و نفي الجزاء محمول علي أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّة، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 375: و يجب الجزاء علي القاتل للضرورة، كالمضطرّ إلي أكله،

لعموم قوله وَ مَنْ قَتَلَهُ (5) و هو يتناول المضطرّ و غيره.

و لأنّه قتله من غير معني يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله، فيضمنه، كغيره.

و لأنّه أتلفه لنفعه و دفع الأذي عنه، فكان عليه الكفّارة، كحلق الرأس.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المحرم يضطرّ فيجد الميتة و الصيد أيّهما يأكل ؟ قال: «يأكل من الصيد، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟» قلت: بلي، قال: «إنّما عليه الفداء، فليأكل و ليفده»(6).4.

ص: 457


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش
2- من ص 455.
3- التهذيب 372:5-1296، الإستبصار 210:2-211-719.
4- المائدة: 95.
5- المائدة: 95.
6- الكافي 383:4-1، التهذيب 368:5-1283، الاستبصار 209:2-714.

و قال الأوزاعي: لا يضمنه، لأنّه مباح له، فأشبه صيد البحر(1).

و الإباحة لا تستلزم عدم الكفّارة، كما في حلق الرأس.

و الفرق: أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإحرام و لا الحرم، فلا تجب الكفّارة به، بخلاف الصيد.

و يجب الضمان علي من أتلف الصيد بتخليصه من سبع أو شبكة، أو بتخليصه من خيط في رجله و نحوه - و به قال قتادة(2) - لعموم الأدلّة.

و لأنّ غاية ذلك عدم القصد إلي قتله، و هو لا يسقط الضمان، كقتل الخطأ.

و قال عطاء: لا ضمان عليه - و للشافعي قولان(3) - لأنّه فعل أبيح لحاجة الحيوان، فلا يضمن ما يتلف به، كما لو داوي وليّ الصبيّ الصبيّ، فمات به(4).

و الجواب: أنّه مشروط بالسلامة.

و الجزاء يجب علي المحرم، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة، و سواء كان الحجّ تمتّعا أو قرانا أو إفرادا، و سواء كانا واجبين أو مندوبين، صحيحين أو عرض لهما الفساد، للعمومات، و لا نعرف فيه خلافا.

و إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره، لزمه الجزاء للّه تعالي، و القيمة لمالكه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - للعموم.

و قال مالك: لا يجب الجزاء بقتل المملوك(6).7.

ص: 458


1- المغني 540:3، الشرح الكبير 317:3.
2- المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
3- فتح العزيز 497:7، المجموع 297:7، حلية العلماء 296:3.
4- المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
5- فتح العزيز 486:7، المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7 و 444، حلية العلماء 296:3، المنتقي - للباجي - 251:2.
6- حلية العلماء 297:3، المجموع 330:7.

و إذا كان الصيد في الحرم و تجرّد عن الإحرام، ضمن، و لو كان محرما، تضاعف الجزاء.

و قال الشافعي: صيد الحرم مثل صيد الإحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: المثل و الإطعام و الصوم، و فيما لا مثل له يتخيّر بين الصيام و الطعام(1).

و قال أبو حنيفة: لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم(2).

مسألة 376: الصيد إذا كان مثليّا، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النّعم

و بين أن يقوّم المثل دراهم و يشتري به طعاما و يتصدّق به علي المساكين، و بين أن يصوم عن كلّ مدّين يوما، و لو لم يكن له مثل، تخيّر بين أن يقوّم الصيد و يشتري بثمنه طعاما و يتصدّق به، أو يصوم عن كلّ مدّين يوما.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يجوز إخراج القيمة بحال، و وافقنا الشافعي في ذلك كلّه و مالك، إلاّ أنّ مالكا قال: يقوّم الصيد، و عندنا يقوّم المثل.

و قال بعض أصحابنا: إنّها علي الترتيب.

و قال أبو حنيفة: الصيد مضمون بالقيمة، سواء كان له مثل من النّعم أو لا، إلاّ أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النّعم و يخرجه، و بين أن يشتري بالقيمة طعاما و يتصدّق به، و بين أن يصوم عن كلّ مدّ يوما، إلاّ أنّه إذا اشتري النّعم لم يجزئه إلاّ ما يجوز في الضحايا، و هو: الجذع من الضأن، و الثني من كلّ شيء.

و قال أبو يوسف: يجوز أن يشتري بالقيمة شيئا [1] من النّعم ما لا يجوز7.

ص: 459


1- حلية العلماء 322:3، المجموع 491:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 97:4-98، بدائع الصنائع 207:2، الشرح الكبير 371:3، المجموع 491:7.

في الضحايا و ما يجوز(1).

و إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه، ذبحه و تصدّق به علي مساكين الحرم، لقوله تعالي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (2).

و لا يجوز أن يتصدّق به حيّا، لأنّه تعالي سمّاه هديا و الهدي يجب ذبحه.

و له أن يذبحه أيّ وقت شاء لا يختصّ ذلك بأيّام النحر، لأنّه كفّارة، فيجب إخراجها متي شاء، كغيرها من الكفّارات.

و أمّا المكان: فإن كان إحرامه للحجّ، وجب عليه أن ينحر فداء الصيد أو يذبحه بمني، و إن كان بالعمرة، ذبحه أو نحره بمكة بالموضع المعروف بالحزورة، لأنّه هدي، فكان كغيره من الهدايا.

و لقول الصادق عليه السلام: «من وجب عليه فداء أصابه محرما، فإن كان حاجّا، نحر هديه الذي يجب عليه بمني، و إن كان معتمرا، نحره بمكة قبالة الكعبة»(3).

و لو أخرج الطعام أخرجه إمّا بمكة أو بمني علي التفصيل في الجزاء، لأنّه عوض عمّا يجب دفعه إلي مساكين ذلك المكان، فيجب دفعه إليهم.

و يعتبر قيمة المثل في الحرم، لأنّه محلّ إخراجه.

و الطعام المخرج: الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب.

و لو قيل: يجزئ كلّ ما يسمّي طعاما، كان حسنا، لأنّه تعالي أوجب الطعام(4).

و يتصدّق علي كلّ مسكين بنصف صاع، و به قال أحمد في التمر، و قال5.

ص: 460


1- الخلاف 397:2-398، المسألة 260.
2- المائدة: 95.
3- التهذيب 373:5-1299، الإستبصار 211:2-722.
4- المائدة: 95.

في البرّ بمدّ(1).

و يقوّم المثل يوم يريد تقويمه، و لا يلزمه أن يقوّمه وقت إتلاف الصيد، لأنّ القيمة ليست واجبة في تلك الحال، و إنّما تجب إذا اختارها القاتل.

و ما لا مثل له إن قدّر الشارع قيمته، أخرجت، و إلاّ قوّم الصيد وقت الإتلاف، لأنّه وقت الوجوب.

و لو لم يجد ماخضا في جزاء الماخض قوّم الجزاء ماخضا.

و لو صام عن كلّ نصف صاع يوما فبقي ربع صاع، صام عنه يوما كاملا.

و لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء و يطعم عن البعض - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(2) - لأنّها كفّارة، فلا يتبعّض جنسها، كسائر الكفّارات.

و لا يتعيّن الصوم بمكان كغيره من أنواع الصيام.

و ما لا مثل له من الصيد يتخيّر قاتله بين شراء طعام بقيمته، فيطعمه المساكين، و بين الصوم.

و لا يجوز له إخراج القيمة - و به قال ابن عباس و أحمد في رواية عنه(3) - لأنّه جزاء صيد، فلا يجوز إخراج القيمة فيه، كالذي له مثل.

و لأنّه تعالي خيّر بين ثلاثة(4) ليس القيمة أحدها، و قد تعذّر واحد، فيبقي التخيير بين اثنين.

و عن أحمد رواية: أنّه يجوز إخراج القيمة(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يقوّم في محل الإتلاف، بخلاف المثلي، فإنّ3.

ص: 461


1- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3.
2- المغني 560:3، الشرح الكبير 340:3-341.
3- المغني 560:3، الشرح الكبير 341:3.
4- المائدة: 95.
5- المغني 560:3، الشرح الكبير 341:3.

المعتبر في قيمة النّعم بمكة، لأنّه محلّ ذبحه.

مسألة 377: المحرم في الحرم يتضاعف عليه الجزاء - خلافا للعامّة(1)

- لأنّه جمع بين الإحرام و الحرم و قد هتكهما.

و لأنّ كلّ واحد منهما يوجب الجزاء فيكون كذلك حال الاجتماع.

و لقول الصادق عليه السلام: «و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّما يتضاعف من الجزاء ما كان دون البدنة، أمّا ما تجب فيه بدنة فإنّه لا يتضاعف و إن كان القاتل محرما في الحرم، لأصالة البراءة، لأنّ البدنة أعلي ما يجب في الكفّارات.

و لقول الصادق عليه السلام: «يضاعفه ما بينه و بين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه [1] التضعيف»(3).

و ابن إدريس أوجب التضاعف مطلقا(4).

و لو كان الصيد لا دم فيه و قتله محلّ في الحرم أو محرم في الحلّ، كان عليه القيمة، و لو كان محرما في الحرم، كان عليه قيمتان، لقول الصادق عليه السلام: «فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم» لمّا سأله سليمان بن خالد: عن القمري و السمان و العصفور و البلبل(5).

مسألة 378: كلّ من وجب عليه بدنة في كفّارة الصيد و لم يجد أطعم ستّين مسكينا،

فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما. و لو كان عليه بقرة و لم3.

ص: 462


1- المغني 563:3، الشرح الكبير 370:3، فتح العزيز 509:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 442:7.
2- التهذيب 370:5-1288.
3- التهذيب 372:5-1294.
4- السرائر: 132.
5- التهذيب 371:5-1293.

يجد أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد، صام تسعة أيام. و إن كان عليه شاة و لم يجد، أطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد، صام ثلاثة أيام، لقول الصادق عليه السلام: «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا كلّ مسكين مدّا.

فإن لم يقدر علي ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام، و من كان عليه فداء شيء من الصيد فداؤه بقرة [فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا](1) فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام، و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج [1]»(2).

و منع الشيخ صيد حمام الحرم حيث كان للمحلّ و المحرم(3) ، لأنّ علي ابن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام: عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(4).

و جوّزه ابن إدريس(5). و ليس بجيّد.

و لو قتل المحرم حيوانا و شكّ في أنّه صيد، لم يضمنه، لأصالة البراءة.

و لو أكل المحرم لحم صيد و لم يعلم ما هو، لزم دم شاة، لقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم: «عليه [دم](6) شاة»(7).

و لو اقتتل اثنان في الحرم، كان علي كلّ واحد منهما دم، لأنّه هتك2.

ص: 463


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- المبسوط - للطوسي - 341:1، التهذيب 348:5 ذيل الحديث 1208.
4- التهذيب 348:5-1209.
5- السرائر: 131.
6- أضفناها من المصدر.
7- الكافي 397:4-7، التهذيب 384:5-1342.

حرمة الحرم، فتكون عليه عقوبة.

و لقول الصادق عليه السلام: «علي كلّ واحد منهما دم»(1).

و يجوز أن يكون مع المحرم لحم صيد إذا لم يأكله و يتركه إلي وقت إحلاله إذا كان قد صاده محلّ.

و لو اشترك محلّون في قتل صيد في الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لزم كلّ واحد منهم القيمة.

ثم قال: و إن قلنا: يلزمهم جزاء واحد، كان قويّا، لأصالة البراءة(2).

و لو اشترك محلّون و محرمون في قتل صيد في الحلّ، لزم المحرمين الجزاء، و لم يلزم المحلّين. و لو كان في الحرم، لزم المحرمين الجزاء و القيمة، و المحلّين جزاء واحد.

مسألة 379: الخيار في الكفّارة بين الإطعام و الذبح و الصيام إلي القاتل لا إلي العدلين المقوّمين،

لأنّ الواجب عليه، فكان الاختيار في التعيين إليه، كما في كفّارة اليمين، و حكم العدلين إنّما هو لبيان قدر الواجب بالتقويم، و به قال أبو يوسف و أبو حنيفة(3).

و قال محمد: الخيار في التعيين إلي الحكمين: إن شاءا حكما عليه بالهدي، و إن شاءا حكما عليه بالإطعام، و إن شاءا حكما عليه بالصيام - و به قال الشافعي و مالك - لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (4) نصب هَدْياً لوقوع الحكم عليه(5).2.

ص: 464


1- الكافي 367:4-9، التهذيب 385:5-1343.
2- المبسوط - للطوسي - 346:1.
3- المبسوط - للسرخسي - 83:4، بدائع الصنائع 198:2.
4- المائدة: 95.
5- المبسوط - للسرخسي - 83:4-84، بدائع الصنائع 198:2، التفسير الكبير 12: 96، المنتقي - للباجي - 255:2.

و هو ممنوع، بل نصب علي الحال، و التقدير: فجزاء من النّعم هدياً، أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما مثل يحكم به ذوا عدل، مقصورا علي بيان المثل، و نصب هَدْياً علي الحال، أي في الإهداء، ليبقي ما قبله إيجابا علي العبد من غير حكم أحد بكلمة «أو» فيكون الخيار إليه.

إذا عرفت هذا، فالاعتبار في المثل بما نصّ الشارع علي مثله، و ما لا نصّ فيه الاعتبار بالقيمة، لأنّ الشاة تجب في الحمام، و لا مماثلة بينهما صورة و قيمة.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: الاعتبار بالقيمة، لأنّه حيوان مضمون بالمثل، فيكون مضمونا بالقيمة، كالمملوك(1).

و قال محمد: الاعتبار بالصورة، لقوله تعالي فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و قد أوجب الشارع البدنة و البقرة و الشاة فيما ذكرنا و هي أمثالها(3).

و الجواب: المراد من النّعم المقتول من النّعم، لا أن يكون المثل من النّعم.

مسألة 380: يجوز في إطعام الفدية التمليك و الإباحة

- و به قال أبو يوسف(4) - لأنّه كفّارة، فيجوز فيها الأمران، ككفّارة اليمين.

و قال محمد: لا يجوز إلاّ التمليك(5) ، لأنّ الواجب في الزكاة التمليك، و اسم الصدقة لا يقتضي التمليك، قال عليه السلام: (نفقة الرجل علي أهله صدقة)(6) و ذلك إنّما هو بالإباحة لا التمليك.7.

ص: 465


1- المبسوط - للسرخسي - 82:4، بدائع الصنائع 198:2.
2- المائدة: 95.
3- المبسوط - للسرخسي - 82:4، بدائع الصنائع 198:2.
4- بدائع الصنائع 187:2.
5- بدائع الصنائع 187:2.
6- صحيح البخاري 107:5، سنن الترمذي 344:4-1965، مصنّف ابن أبي شيبة 9: 106-6695، و 107-6697.

مسألة 381: لو قتل محرم صيدا فأخذه محرم آخر،

فعلي كلّ منهما جزاء، لتعرّض كلّ منهما له، و لا يرجع القاتل علي الثاني و لا بالعكس بما ضمن من الجزاء - و به قال زفر(1) - لأنّ الآخذ لم يملكه، فلا يرجع بالضمان علي غيره.

و قال أبو حنيفة و صاحباه: يرجع الأول علي الثاني(2).

و لو أصاب المحرم صيودا كثيرة علي وجه الإحلال و رفض الإحرام متأوّلا، لا يعتبر تأويله، و يلزمه بكلّ محظور كفّارة علي حدة، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه إلاّ جزاء واحد(4) ، لأنّ التأويل الفاسد معتبر في دفع الضمانات الدنيوية، كالباغي إذا أتلف مال العادل و أراق دمه لا يضمن، لأنّه أتلف عن تأويل.

و نمنع الحكم في الأصل، و وجود التأويل و عدمه بمثابة واحدة، لأنّ الإحرام لا يرتفع به فتعدّدت الجناية.

و لو قتل حمامة مسرولة، وجب عليه الضمان - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّه صيد حقيقة، لامتناعه.

و قال مالك: لا ضمان عليه، لأنّه لا يمتنع لبطء طيرانه(6).

و التفاوت اليسير لا يعتبر في كونه صيدا.:2

ص: 466


1- بدائع الصنائع 206:2.
2- بدائع الصنائع 206:2.
3- المبسوط - للسرخسي - 101:4-102.
4- المبسوط - للسرخسي - 101:4.
5- المبسوط - للسرخسي - 94:4، بدائع الصنائع 196:2
6- المبسوط - للسرخسي - 94:4، بدائع الصنائع 196:2

المجلد 8

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثامن

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

تتمة كتاب الحج

تتمة المقصد الثاني في أعمال العمرة المتمتع بها إلي الحج
تتمة الفصل الأول في الإحرام
تتمة المطلب الرابع في كفارات الإحرام
الباب الثاني فيما يجب في باقي المحظورات
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: فيما يجب باللّبس
مسألة 382: من لبس ثوبا لا يحلّ له لبسه وجب عليه دم شاة،

و هو قول العلماء.

سأل سليمان بن العيص(1) الصادق عليه السّلام: عن المحرم يلبس القميص متعمّدا، قال: «عليه دم»(2).

و لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه، فلزمه الفدية، كما لو ترفّه بحلق شعره.

و لا فرق في وجوب الدم بين قليل اللّبس و كثيره، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ صدق اللّبس المطلق علي القليل و الكثير

ص: 5


1- في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: محمد بن مسلم. و ما أثبتناه من المصدر، علما بأنّ «محمد بن مسلم» في المصدر واقع في سند الحديث اللاحق.
2- التهذيب 384:5-1339.
3- الام 154:2، فتح العزيز 440:7-441، المجموع 259:7، المغني 3: 533، الشرح الكبير 353:3.

واحد، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته.

و قال أبو حنيفة: إنّما يجب الدم بلباس يوم و ليلة، و لا يجب فيما دون ذلك، لأنّه لم يلبس لبسا معتادا، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص(1).

و نمنع عدم اعتياده. و لأنّ ما ذكره تقدير، و التقديرات إنّما تثبت بالنصّ. و التقدير بيوم و ليلة تحكّم محض.

مسألة 383: استدامة اللّبس كابتدائه،

فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثم ذكر، وجب عليه خلعه إجماعا، لأنّه فعل محظور، فلزمه إزالته و قطع استدامته، كسائر المحظورات.

و ينزعه من أسفل، و لو لم ينزعه، وجب الفداء، لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه، فوجبت الفدية.

و قال الشافعي: ينزعه من رأسه(2).

و هو غلط، لاشتماله علي تغطية الرأس، المحرّمة. و لأنّه قول بعض التابعين(3).

و يجب به الفدية إن قلنا: إنّه تغطية.

و لو لبس ذاكرا، وجبت الفدية بنفس اللّبس، سواء استدامة أو لم يستدمه، و به قال الشافعي(4).

ص: 6


1- المبسوط - للسرخسي - 125:4، بدائع الصنائع 187:2، فتح العزيز 7: 441، المغني 533:3، الشرح الكبير 353:3.
2- المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.
3- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 85، و انظر: المجموع 7: 340، و حلية العلماء 301:3.
4- الام 154:2، فتح العزيز 440:7-441، المجموع 254:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.

و قال أبو حنيفة أوّلا: إن استدام اللّبس أكثر النهار، وجبت الفدية، و إن كان أقلّ، فلا.

و قال أخيرا: إن استدامة طول النهار، وجبت الفدية، و إلاّ فلا، لكن فيه صدقة(1).

و عن أبي يوسف روايتان(2) ، كقولي أبي حنيفة.

و الحقّ ما قلناه، لقوله تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (3) معناه: فمن كان منكم مريضا فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.

مسألة 384: لو لبس عامدا، وجبت الفدية علي ما تقدّم،

سواء كان مختارا أو مضطرّا، لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته، فكان عليه الفداء، كما لو حلق لأذي.

أمّا لو اضطرّ إلي لبس الخفّين و الجور بين، فليلبسهما، و لا شيء عليه، لقول الصادق عليه السّلام: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلي ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلي لبسهما»(4).

ص: 7


1- الهداية - للمرغيناني - 161:1، المبسوط - للسرخسي - 125:4-126، بدائع الصنائع 186:2-187، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.
2- بدائع الصنائع 187:2، المبسوط - للسرخسي - 125:4، الهداية - للمرغيناني - 161:1، و حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.
3- البقرة: 196.
4- التهذيب 384:5-1341.

و لو لبس قميصا و عمامة و خفّين و سراويل، وجب عليه لكلّ واحد فدية، لأنّ الأصل عدم التداخل، خلافا لأحمد(1).

و لو لبس ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر، ثم لبس بعد ساعة أخري، وجب عليه عن كلّ لبسة كفّارة، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر، قاله الشيخ(2) رحمه اللّه، لأنّ كلّ لبسة تستلزم كفّارة إجماعا، و التداخل يحتاج إلي دليل.

و قال الشافعي: إن كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولا واحدا، و إن لم يكفّر، فقولان: في القديم: تتداخل، و به قال محمّد، و الجديد: تتعدّد، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف(3).

تذنيب: لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة، وجب عليه فداء واحد.

و لو كان في مرّات متعدّدة، وجب عليه لكلّ ثوب دم، لأنّ لبس كلّ ثوب يغاير لبس الثوب الآخر، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السّلام: عن المحرم إذا احتاج إلي ضروب من الثياب فلبسها، قال: «عليه لكلّ صنف منها فداء»(4).

مسألة 385: لو لبس ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم فنزع، لم يكن عليه شيء،

قاله علماؤنا، و به قال عطاء و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(5).

ص: 8


1- المغني 534:3، الشرح الكبير 353:3.
2- الخلاف 299:2، المسألة 83.
3- الحاوي الكبير 103:4، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 379:7، الوجيز 127:1، فتح العزيز 484:7، بدائع الصنائع 189:2، و حكي الأقوال الشيخ الطوسي في الخلاف 299:2-300، المسألة 83.
4- التهذيب 384:5-1340.
5- المغني 535:3، الشرح الكبير 353:3، الام 203:2، المجموع 338:7، حلية العلماء 300:3.

لما رواه العامّة عن يعلي بن أميّة أنّ رجلا أتي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و هو بالجعرانة و عليه جبّة و عليه أثر خلوق، أو قال: أثر صفرة، فقال: يا رسول اللّه كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال: (اخلع عنك هذه الجبّة، و اغسل عنك أثر الخلوق - أو قال: أثر الصفرة - و أصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك)(1).

و في رواية أخري: يا رسول اللّه أحرمت بالعمرة و عليّ هذه الجبّة(2) ، فلم يأمره بالفدية.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة»(3).

و لأنّ الحجّ عبادة تجب بإفسادها الكفّارة، فكان من محظوراته ما يفرّق بين عمده و سهوه، كالصوم.

و لأنّ الكفّارة عقوبة تستدعي ذنبا، و لا ذنب مع النسيان.

و قال أبو حنيفة و الليث و الثوري و مالك و أحمد في رواية: عليه الفدية، لأنّه هتك حرمة الإحرام، فاستوي عمده و سهوه، كحلق الشعر و تقليم الأظفار و قتل الصيد(4).3.

ص: 9


1- صحيح مسلم 836:2-1180، سنن أبي داود 164:2-1819، و أورده ابنا قدامة في المغني 536:3، و الشرح الكبير 354:3.
2- أوردها ابنا قدامة في المغني 536:3، و الشرح الكبير 354:3، و في صحيح مسلم 836:2-837-7 بتفاوت.
3- التهذيب 369:5-370-1287.
4- بدائع الصنائع 188:2، المغني 535:3، الشرح الكبير 354:3، حلية العلماء 300:3.

و نمنع الهتك و وجود الحكم في غير الصيد.

و الفرق: بأنّ الأصل يضمن، للإتلاف، بخلاف صورة النزاع، فإنّه ترفّه يمكن إزالته.

و المكره حكمه حكم الناسي و الجاهل، لأنّه غير مكلّف، فلا يحصل منه ذنب، فلا يستحقّ عقوبة.

و لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(1) و لو علم الجاهل، كان حكمه حكم الناسي إذا ذكر.

و لو اضطرّ المحرم إلي لبس المخيط لاتّقاء الحرّ أو البرد، لبس، و عليه شاة، للضرورة الداعية إليه، فلو لا إباحته، لزم الحرج، و أمّا الكفّارة:

فللترفّه بالمحظور، فكان كحلق الرأس لأذي.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: في المحرم إذا احتاج إلي ضروب من الثياب فلبسها، قال: «عليه لكلّ صنف منها فداء»(2).

مسألة 386: من غطّي رأسه وجب عليه دم شاة إجماعا،

و كذا لو ظلّل علي نفسه حال سيره - خلافا لبعض العامّة، و قد تقدّم(3) - لأنّه ترفّه بمحظور، فلزمه الفداء، كما لو حلق رأسه.

و لأنّ محمد بن إسماعيل روي - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن الظلّ للمحرم من أذي مطر أو شمس، فقال: «أري أن يفديه بشاة يذبحها بمني»(4).

ص: 10


1- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
2- التهذيب 384:5-1340.
3- تقدّم في ج 7 ص 341 ذيل المسألة 259.
4- التهذيب 334:5-1151.

و لو فعل ذلك للحاجة أو للضرورة، وجب عليه الفداء، لأنّه ترفّه بمحظور، فأشبه حلق الرأس لأذي.

و لا فرق بين أن يغطّي رأسه بمخيط، كالقلنسوة، أو غيره، كالعمامة و الخرقة و لو بطين، أو يستره بستر و غيره.

و لو فعل ذلك ناسيا، أزاله إذا ذكر، و لا شيء عليه، لأنّ حريزا سأل الصادق عليه السّلام: عن محرم غطّي رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي، و لا شيء عليه»(1).

و لا فرق بين أن تمسّ المظلّة رأسه أو لا.

و لو توسّد بوسادة أو بعمامة مكورة، فلا بأس.

البحث الثاني: فيما يجب بالطيب و الادّهان.
مسألة 387: أجمع العلماء علي أنّ المحرم إذا تطيّب عامدا، وجب عليه دم،

لأنّه ترفّه بمحظور، فلزمه الدم، كما لو ترفّه بالحلق.

و لقول الباقر عليه السّلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه، و يستغفر اللّه و يتوب إليه»(2).

و لا فرق بين أن يستعمل الطيب أكلا أو إطلاء أو صبغا أو بخورا، أو في طعام إجماعا.

و لا بأس بخلوق الكعبة و إن كان فيه زعفران، لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران من

ص: 11


1- التهذيب 307:5-1050، الإستبصار 184:2-613.
2- الكافي 354:4-3، الفقيه 223:2-1046.

الكعبة، قال: «لا يضرّه و لا يغسله»(1).

مسألة 388: لا فرق بين الابتداء و الاستدامة في وجوب الكفّارة،

فلو تطيّب ناسيا ثم ذكر، وجب عليه إزالة الطيب، فإن لم يفعل مع القدرة، وجب عليه الدم، لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء.

و الكفّارة تجب بنفس الفعل، فلو تطيّب عامدا ثم أزاله بسرعة، وجبت الكفّارة و إن لم يستدم الطيب، و لا نعلم فيه خلافا، و وافقنا هنا(2) أبو حنيفة و إن كان قد نازعنا في اللّبس(3).

و لا فرق في وجوب الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه.

و قال مالك: إن مسّته النار، فلا فدية(4).

و سواء بقي الطعام علي وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق.

و قال الشافعي: إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة، فعليه الفدية، و إن بقي له وصف و معه رائحة، ففيه الفدية قولا واحدا، و إن لم يبق غير لونه و لم يبق ريح و لا طعم، قولان: أحدهما كما قلناه، و الثاني: لا فدية فيه(5).

ص: 12


1- التهذيب 69:5-226.
2- في «ف» و الطبعة الحجرية: فيه، بدل هنا.
3- الهداية - للمرغيناني - 160:1 و 161، بدائع الصنائع 187:2 و 189، الاختيار 212:1 و 213، المغني 533:3، الشرح الكبير 353:3.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 304:2، المسألة 91، و انظر: الموطأ 330:1، و المدوّنة الكبري 457:1، و المنتقي 304:3، و التفريع 327:1، و المغني 304:3، و الشرح الكبير 289:3، و حلية العلماء 289:3.
5- حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 304:2-305، المسألة 91، و انظر: المهذّب - للشيرازي - 216:1، و فتح العزيز 458:7، و حلية العلماء 3: 288-289، و المغني 304:3، و الشرح الكبير 289:3.

و إذا تطيّب عامدا أو ناسيا و ذكر، وجب عليه غسله، و يستحب له أن يستعين في غسله بحلال، و لو غسله بيده، جاز، لأنّه ليس بمتطيّب، بل تارك للطيب، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة علي عزم الترك للغصب.

و لأنّ النبي عليه السّلام قال للذي رأي عليه طيبا: (اغسل عنك الطيب)(1) و لو لم يجد ماء يغسله به و وجد ترابا، مسحه به أو بشيء من الحشيش أو ورق الشجر، لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان.

و يقدّم غسل الطيب علي الطهارة لو قصر عنهما و تيمّم، لأنّ للطهارة بدلا.

و لو أمكنه قطع رائحة الطيب بشيء غير الماء، فعله و توضّأ بالماء.

و يجوز له شراء الطيب و بيعه إذا لم يشمّه، و لا يلمسه، كما يجوز له شراء المخيط و الإماء.

مسألة 389: إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمدا،

فلو استعمله ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يكن عليه فدية، ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعي(2) ، لما رواه العامّة: أنّ أعرابيّا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله بالجعرانة و عليه مقطّعة [1] له و هو متضمّخ بالخلوق، فقال: يا رسول اللّه أحرمت و عليّ هذه، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: (انزع الجبّة و اغسل الصفرة)(3) و لم يأمره بالفدية.

ص: 13


1- أورده ابنا قدامة في المغني 534:3، و الشرح الكبير 353:3.
2- الام 154:2، فتح العزيز 361:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7 و 343.
3- سنن النسائي 142:5-143، مسند أحمد 224:4، المغني 536:3 بتفاوت في اللفظ.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه، و يستغفر اللّه، و يتوب إليه»(1).

مسألة 390: لو استعمل دهنا طيّبا، وجب عليه دم شاة،

و لا شيء علي الناسي، لأنّ معاوية بن عمّار روي - في الصحيح - في محرم كانت به قرحة، فداواها بدهن بنفسج، قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه»(2) و معاوية ثقة لا يقول ذلك إلاّ تلقينا.

البحث الثالث: فيما يجب بالحلق و قصّ الظفر.
مسألة 391: أجمع العلماء علي وجوب الفدية بحلق المحرم رأسه متعمّدا.

قال اللّه تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (3).

و روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال لكعب بن عجرة: (لعلّك آذاك هوامّك) قال: نعم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (احلق رأسك، و صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستّة مساكين، أو أنسك شاة)(4).

ص: 14


1- الفقيه 223:2-1046.
2- التهذيب 304:5-1038.
3- البقرة: 196.
4- صحيح البخاري 12:3-13، الموطّأ 417:1-238، المغني 525:3، الشرح الكبير 269:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «مرّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه، فقال: أ تؤذيك هوامّك ؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) فأمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيّام، و الصدقة علي ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، و النسك شاة»(2).

مسألة 392: الفدية تتعلّق بحلق الرأس،

سواء كان لأذي أو غيره، لدلالة الآية(3) علي وجوبها في الأذي، ففي غيره أولي.

هذا إذا كان عالما عامدا، و إن كان جاهلا أو ناسيا، فلا شيء عندنا - و به قال إسحاق و ابن المنذر(4) - لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه شيء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة»(6).

و قال الشافعي: تجب عليه الفدية، لأنّه إتلاف، فاستوي عمده

ص: 15


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 333:5-1147، الإستبصار 195:2-656.
3- البقرة: 196.
4- المغني 525:3، الشرح الكبير 270:3.
5- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
6- التهذيب 369:5-370-1287.

و خطؤه، كقتل الصيد(1).

و الفرق: أنّ قتل الصيد مشتمل - مع التحريم المشترك - علي إضاعة المال و إتلاف الحيوان لغير فائدة.

إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ رحمه اللّه: الجاهل يجب عليه الفداء(2).

و المعتمد: ما قلناه، لحديث الباقر عليه السّلام(3).

و أمّا النائم فهو كالساهي، فلو قلع النائم شعره، أو قرّبه من النار فأحرقه، فلا شيء عليه، خلافا للشافعي(4).

مسألة 393: الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام، أو صدقة علي ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع، و إمّا نسك،

و هو: شاة يذبحها، و يتصدّق بلحمها علي المساكين.

و هي مخيّرة عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي(5) - للآية(6).

و قال أبو حنيفة: إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذي، و إن كان لغيره، وجب الدم عينا - و عن أحمد روايتان - لأنّ اللّه تعالي خيّر بشرط العذر، فإذا عدم الشرط، وجب زوال التخيير(7).

ص: 16


1- المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، الحاوي الكبير 105:4 و 114، فتح العزيز 468:7، المغني 525:3، الشرح الكبير 270:3.
2- الخلاف 311:2، المسألة 102.
3- تقدّم في ص 15.
4- لم نعثر عليه، و القول موجود في المغني 526:3، و الشرح الكبير 270:3 من دون نسبة.
5- المغني 526:3، الشرح الكبير 337:3، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 367:7-368 و 376، حلية العلماء 306:3.
6- البقرة: 196.
7- المغني 526:3، الشرح الكبير 337:3، بدائع الصنائع 192:2، المجموع 376:7، حلية العلماء 306:3.

و الجواب: الشرط لجواز الحلق لا للتخيير.

و لأنّ الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له، و التبع لا يخالف أصله.

و لا تجب الزيادة في الصيام علي ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم(1) ، لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة: (احلق رأسك و صم ثلاثة أيّام)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فالصيام ثلاثة أيّام»(3).

و قال الحسن البصري و عكرمة: الصيام عشرة أيّام. و هو قول الثوري و أصحاب الرأي(4).

و أمّا الصدقة: فهو إطعام البرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر علي ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور - و به قال مجاهد و النخعي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة (أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أو يتصدّق علي ستّة مساكين، و الصدقة نصف صاع لكلّ مسكين»(7).8.

ص: 17


1- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 281، زاد المسير في علم التفسير 206:1، تفسير القرطبي 383:2.
2- الموطأ 417:1-238، صحيح البخاري 12:3-13، المعجم الكبير - للطبراني - 109:19-220.
3- التهذيب 334:5-1548، الإستبصار 199:2-657.
4- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3-338، أحكام القرآن - للجصّاص - 281:1، زاد المسير في علم التفسير 206:1، تفسير القرطبي 383:2، المحلّي 212:7.
5- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3.
6- صحيح البخاري 13:3، المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3.
7- التهذيب 334:5-1149، الاستبصار 196:2-658.

و في رواية أخري لنا - و هو قول بعض علمائنا(1) ، و الحسن و عكرمة و الثوري و أصحاب الرأي(2) - أنّ الصدقة علي عشرة مساكين، لقول الصادق عليه السّلام: «و الصدقة علي عشرة مساكين يشبعهم من الطعام»(3).

و الرواية مرسلة(4).

و لا فرق بين شعر الرأس و بين شعر سائر البدن في وجوب الفدية و إن اختلف مقدارها علي ما يأتي، و به قال الشافعي(5).

و قالت الظاهرية: لا فدية في شعر غير الرأس(6) ، لقوله تعالي:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (7) .

و هو يدلّ بمفهوم اللقب و لا حجّة فيه، و القياس يدلّ عليه، و هو من أصول الأدلّة عندهم، فإنّ إزالة شعر الرأس و شعر غيره اشتركا في الترفّه.

مسألة 394: لو نتف إبطيه جميعا، وجب عليه دم شاة،

و في نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين، لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّي حلق الرأس، و هو غالبا مساو للإبطين.

و لقول الباقر عليه السّلام: «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه، و من فعله متعمّدا فعليه دم»(8).

ص: 18


1- المحقّق في شرائع الإسلام 296:1.
2- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3-338، المحلّي 212:7، تفسير القرطبي 383:2.
3- التهذيب 333:5-334-1148، الاستبصار 196:2-657.
4- كذا، و الحديث مسند، و انظر منتهي المطلب 815:2.
5- المهذّب - للشيرازي - 214:1، المجموع 247:7، حلية العلماء 283:3.
6- الحاوي الكبير 115:4، المجموع 248:7، حلية العلماء 283:3.
7- البقرة: 196.
8- الكافي 361:4-8، التهذيب 339:5-1174، الاستبصار 199:2-672.

و قال الصادق عليه السّلام: في محرم نتف إبطه: «يطعم ثلاثة مساكين»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه محمول علي من نتف إبطا واحدا، و الأوّل علي من نتف إبطيه جميعا(2).

و لو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شيء من الشعر، أطعم كفّا من طعام، و لو فعل ذلك في وضوء الصلاة، فلا شيء عليه، لقول الصادق عليه السّلام:

في المحرم إذا مسّ لحيته، فوقع منها شعر: «يطعم كفّا من طعام أو كفّين»(3).

و سأل رجل الصادق عليه السّلام: إنّ المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان، فقال: «ليس عليه شيء ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4)»(5).

مسألة 395: لو حلق لأذي، أبيح له ذلك،

و يتخيّر بين التكفير قبل الحلق و بعده، لما رواه العامّة عن الحسين بن علي عليهما السّلام: اشتكي رأسه فأتي علي عليه السّلام، فقيل له: هذا الحسين يشير إلي رأسه، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه و هو بالسعيا [1](6).

و لأنّها كفّارة، فجاز تقديمها، كالظهار.

و لو خلّل شعره فسقطت شعرة، فإن كانت ميتة، فالوجه: عدم الفدية، و لو كانت ثابتة، وجبت الفدية، و لو شكّ، فالأصل عدم الضمان.

ص: 19


1- التهذيب 340:5-1178، الإستبصار 200:2-676.
2- الاستبصار 200:2 ذيل الحديث 676.
3- التهذيب 338:5-1169، الاستبصار 198:2-667.
4- الحج: 78.
5- التهذيب 339:5-1172، الاستبصار 198:2-670.
6- المغني 531:3.

و لو قلع جلدة عليها شعر، لم يكن عليه ضمان، لأنّ زوال الشعر بالتبعية، فلا يكون مضمونا، كما لو قطع أشفار عيني غيره، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة 396: اختلف قول الشيخ - رحمه اللّه - في المحرم هل له أن يحلق رأس المحلّ؟ فجوّزه في الخلاف

و لا ضمان - و به قال الشافعي و عطاء و مجاهد و إسحاق و أبو ثور(1) - لأصالة براءة الذمّة(2).

و قال في التهذيب: لا يجوز - و به قال مالك و أبو حنيفة، و أوجبا عليه الضمان، و هو عند أبي حنيفة صدقة(3) - لقول الصادق عليه السّلام:

«لا يأخذ الحرام من شعر الحلال»(4).

إذا عرفت هذا، فالشاة تصرف إلي المساكين، و لا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئا، لأنّها كفّارة، فيجب دفعها إلي المساكين، كغيرها من الكفّارات.

و لما رواه ابن بابويه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في حديث كعب (و النسك شاة لا يطعم منها أحد إلاّ المساكين)(5).

مسألة 397: أجمع علماء الأمصار علي أنّ المحرم ممنوع من قصّ أظفاره،

و تجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(6) - و به قال حمّاد و مالك

ص: 20


1- الام 206:2، الحاوي الكبير 118:4، فتح العزيز 469:7، المجموع 7: 248 و 350، حلية العلماء 304:3، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، بدائع الصنائع 193:2، المبسوط - للسرخسي - 72:4.
2- الخلاف 311:2-312، المسألة 103.
3- المدوّنة الكبري 428:1، بدائع الصنائع 193:2، المبسوط - للسرخسي - 4: 72، الحاوي الكبير 118:4، فتح العزيز 469:7، المجموع 248:7 و 350، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، حلية العلماء 304:3.
4- التهذيب 340:5-341 ذيل الحديث 1178 و الحديث 1179.
5- الفقيه 228:2-229 ذيل الحديث 1084.
6- المغني 531:3-532، الشرح الكبير 272:3.

و الشافعي و أحمد و أبو ثور و أصحاب الرأي و عطاء في إحدي الروايتين(1) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف و الترفّه، فوجبت الفدية، كحلق الشعر.

و في الرواية الأخري عن عطاء: أنّه لا كفّارة، لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(2).

و نمنع عدم ورود الشرع علي ما يأتي، و القياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب في الظفر الواحد مدّ من طعام عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد و الشافعي في أحد أقواله(3) - لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره و هو محرم، قال: «عليه في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام حتي يبلغ عشرة»(4).

و الثاني للشافعي: عليه درهم.

و الثالث: ثلث دم، لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(5).

إذا ثبت هذا، ففي الظفرين مدّان، و في الثلاثة ثلاثة أمداد، و هكذا يزيد في كلّ ظفر مدّ إلي أن يستوعب القصّ أظفار يديه معا، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا، لأصالة البراءة من الدم، فلا يثبت إلاّ بدليل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة»(6).5.

ص: 21


1- المغني 531:3-532، الشرح الكبير 272:3، بداية المجتهد 367:1، الحاوي الكبير 117:4، المجموع 248:7 و 376، بدائع الصنائع 194:2، المبسوط - للسرخسي - 77:4.
2- المغني 532:3، المبسوط - للسرخسي - 77:4.
3- المغني 532:3، الام 206:2، فتح العزيز 467:7، المجموع 371:7 و 376.
4- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651، و الفقيه 227:2-1075.
5- فتح العزيز 467:7، المجموع 371:7 و 376.
6- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651، و الفقيه 227:2-1075.

و في حديث الحلبي عنه عليه السّلام «مدّ في كلّ إصبع، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة»(1).

و قال أبو حنيفة: إن: قلّم خمس أصابع من يد واحدة، لزمه الدم، و لو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار، لم يجب عليه دم، بل الصدقة. و كذا لو قلّم يدا واحدة إلاّ بعض الظفر لم يجب الدم.

و بالجملة: فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - و هو رواية لنا(2) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين و الإرفاق الكامل، بل تحصل بالشين في أعين الناس، بخلاف اليد الواحدة(3).

و هو حجّة لنا، فإنّ الإرفاق و التزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معا أو الرّجلين معا، لا بإحدي اليدين أو إحدي الرّجلين.

و قال الشافعي: إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد، وجب الدم، و لو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. و لا يقول:

إنّه يجب الدم عند التكامل، و في أصحابه من قال: عليه دم. و ليس هو المذهب عندهم، لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه، فأشبه ما لو قلّم خمسا من كلّ واحدة أو العشرة(4).1.

ص: 22


1- التهذيب 332:5-1142، الاستبصار 194:2-652.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 309:2، المسألة 100.
3- الهداية - للمرغيناني - 163:1، المبسوط - للسرخسي - 77:4، بدائع الصنائع 194:2، المغني 532:3، الشرح الكبير 272:3، الحاوي الكبير 4: 117، حلية العلماء 308:3، المجموع 376:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 309:2، المسألة 100.
4- انظر: المغني 532:3، و الشرح الكبير 272:3، و الحاوي الكبير 117:4، و المجموع 369:7 و 376، و 380-381، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 309:2 و 310، المسألتان 100 و 101.

و نمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع، و لا عبرة به مع النصّ.

و قال محمّد: إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما، وجب الدم، لأنّه ربع و زيادة، فأشبه قصّ يد واحدة أو رجل واحدة(1).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع:

أ - الكفّارة تجب علي كلّ من قلّم متعمّدا،

و لا شيء علي الناسي و لا الجاهل عند علمائنا - و به قال إسحاق و ابن المنذر و أحمد(2) - لما تقدّم.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و ليس عليك فداء شيء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجّك و لا عمرتك إلاّ الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد»(3) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر،

وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه و رجليه معا، فإن اتّحد المجلس، وجب دم واحد،

و إن كان في مجلسين، وجب دمان.

روي أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قلت له: فإن قلّم أظافير رجليه و يديه جميعا، قال: «إن كان فعل ذلك في مجلس واحد، فعليه دم، و إن كان فعله متفرّقا في مجلسين، فعليه دمان»(4).1.

ص: 23


1- بدائع الصنائع 194:2، المجموع 376:7.
2- الشرح الكبير 352:3.
3- التهذيب 370:5-1288.
4- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651.

د - من أفتي غيره بتقليم ظفره، فقلّمه فأدماه، وجب علي المفتي دم شاة،

لأنّه الأصل في إراقة الدم.

و لأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظم عليه السّلام: أنّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره، و كانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم، فقصّه فأدماه، قال: «علي الذي أفتاه شاة»(1).

البحث الرابع: في جزاء قتل هوامّ الجسد و قطع الشجر.
مسألة 398: يجب برمي القملة عن جسد المحرم أو قتلها كفّ من طعام

- و به قال عطاء(2) - لأنّه حصل به الترفّه و التنظّف، فوجب عليه الفداء، كحلق الرأس.

و لقول الصادق عليه السّلام: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن فعل(3) شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(4).

و قال أصحاب الرأي: يتصدّق بمهما كان(5).

و قال إسحاق: يتصدّق بتمرة(6).

ص: 24


1- التهذيب 333:5-1146.
2- المغني 274:3، المجموع 334:7.
3- في المصدر: «و إن قتل».
4- التهذيب 336:5-1160، الإستبصار 196:2-197-661.
5- بدائع الصنائع 196:2، المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
6- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.

و قال مالك: حفنة من طعام(1).

و قال طاوس و سعيد بن جبير و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين: لا شيء عليه، لأنّ ابن عباس سئل: عن محرم ألقي قملة ثم طلبها فلم يجدها، فقال: تلك ضالّة لا تبتغي(2).

و لا دلالة فيه علي عدم الفدية.

إذا عرفت هذا، فإنّ الكفّارة تجب في العمد و السهو و الخطأ، كالصيد. و للرواية(3).

مسألة 399: يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة،

و تجب في الكبيرة بقرة، و في الصغيرة شاة، و في أبعاضها قيمة، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه.

و أوجب الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي الضمان، و هو مروي عن ابن عباس و عطاء(5).

لقوله عليه السّلام: (و لا يعضد شجرها)(6).

و لقول ابن عباس: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(7).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السّلام: «إذا كان في دار الرجل

ص: 25


1- المغني 273:3-274، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
2- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
3- تقدّمت في صدر المسألة.
4- المبسوط - للطوسي - 354:1.
5- الام 208:2، مختصر المزني: 71، المجموع 494:7 و 496، فتح العزيز 511:7، حلية العلماء 322:3، فتح الباري 35:4، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، بدائع الصنائع 210:2، بداية المجتهد 365:1.
6- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 2: 212-2017، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
7- المهذّب - للشيرازي - 226:1، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3.

شجرة من شجر الحرم و لم تنزع، فإن أراد نزعها، نزعها، و كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علي المساكين»(1).

و الرواية مرسلة.

و قال مالك: لا ضمان فيه، لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء علي المحرم، فكذا قطع شجر الحرم، لأنّ ما حرم بالإحرام لا يتفاوت، كالصيد(2).

و الجواب: أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(3) دون الأصل، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فالضمان ما قلناه عندنا و عند من أوجبه من العامّة، إلاّ أصحاب الرأي، فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع، لأنّه لا مقدّر فيه، فأشبه الحشيش(4).

و نمنع الصغري.

البحث الخامس: فيما يجب بالفسوق و الجدال.
مسألة 400: المحرم إذا جادل صادقا مرّة أو مرّتين، لم يكن عليه شيء من الكفّارة،

للأصل، و يتوب، فإن جادل ثلاثا صادقا، وجب عليه دم شاة، لارتكابه المحظور و المنهي عنه في قوله تعالي وَ لا جِدالَ (5) و هو يتناول الصادق و الكاذب، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا جادل فوق مرّتين

ص: 26


1- التهذيب 381:5-1331.
2- بداية المجتهد 365:1، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، فتح العزيز 511:7، حلية العلماء 322:3، فتح الباري 35:4.
3- الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جعل مقيسا علي الأصل و هو شجر الحلّ.
4- بدائع الصنائع 210:2، المغني 368:3، الشرح الكبير 380:3، المجموع 496:7.
5- البقرة: 197.

فعلي المصيب دم يهريقه و علي المخطئ بقرة»(1).

و لو جادل مرّة كاذبا، وجب عليه دم شاة، فإن جادل مرّتين، كان عليه بقرة، فإن جادل ثلاثا كاذبا، كان عليه جزور، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا جادل الرجل و هو محرم و كذب متعمّدا فعليه جزور»(2).

هذا كلّه إذا فعله متعمّدا، فإن فعله ساهيا، لم يكن عليه شيء.

مسألة 401: الجدال: قول الرجل: لا و اللّه و بلي و اللّه،

لأنّ معاوية بن عمّار روي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يقول:

لا لعمري، و هو محرم، قال: «ليس بالجدال، إنّما الجدال قول الرجل:

لا و اللّه و بلي و اللّه، و أمّا قوله: لاها، فإنّما طلب الاسم، و قوله: يا هناه، فلا بأس به، و أمّا قوله: لا بل شانيك، فإنّه من قول الجاهلية»(3).

إذا عرفت هذا، فهل الجدال مجموع اللفظتين، أعني «لا و اللّه» و «بلي و اللّه» أو إحداهما؟ الأقرب: الثاني.

و أمّا الفسوق: فهو الكذب، و لا شيء فيه، للأصل.

و لأنّ محمّد بن مسلم و الحلبي قالا للصادق عليه السّلام: أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه ؟ قال: «لم يجعل اللّه له حدّا، يستغفر اللّه و يلبّي»(4).

البحث السادس: فيما يجب بالاستمتاع.
مسألة 402: من وطئ امرأته و هو محرم عالما بالتحريم

عامدا قبل

ص: 27


1- الكافي 337:4-1، الفقيه 212:2-968.
2- التهذيب 335:5-1155.
3- التهذيب 336:5-1157.
4- الفقيه 212:2-968.

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة، لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ رجلا سأله، فقال: إنّي واقعت بامرأتي و نحن محرمان، فقال:

أفسدت حجّك، انطلق أنت و أهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون، و حلّ إذا أحلّوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت و امرأتك، و أهديا هديا، فإن لم تجدا، فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم(1).

[و في حديث ابن عباس](2): و يتفرّقان من حيث يحرمان حتي يقضيا حجّهما(3).

قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلي شيء روي فيمن وطئ في حجّه(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة، قال: سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، فقال: «جاهلين أو عالمين ؟» قلت: أجبني عن الوجهين جميعا، فقال: «إن كانا جاهلين، استغفرا ربّهما، و مضيا علي حجّهما، و ليس عليهما شيء، و إن كانا عالمين، فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة، و عليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه، فرّق بينهما حتي يقضيا مناسكهما و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت: فأيّ الحجّتين لهما؟ قال: «الأولي التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخري عليهما عقوبة»(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد، و الحجّ من قابل،2.

ص: 28


1- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
4- المغني 323:3-324، الشرح الكبير 321:3.
5- الكافي 373:4-1، التهذيب 317:5-1092.

و يكفّر ببدنة، و إذا انتهيا إلي المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا، فرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلاّ و معهما ثالث محترم حتي يقضيا مناسك القضاء إن حجّا علي ذلك الطريق - و ممّن قال بوجوب الفدية: ابن عباس و طاوس و عطاء و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أبو ثور(1) لأنّه وطئ في إحرام تامّ عامدا، فوجب به عليه بدنة، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

و لرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل محرم وقع علي أهله، فقال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء، و إن لم يكن جاهلا فإنّ عليه أن يسوق بدنة، و يفرّق بينهما حتي يقضيا المناسك و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليهما الحجّ من قابل»(2).

و قال أبو حنيفة: تجب عليه شاة - و قال الثوري و إسحاق: تجب عليه بدنة، فإن لم يجد، فشاة(3) - لأنّه معني يتعلّق به وجوب القضاء، فلا يتعلّق به وجوب البدنة، كالفوات(4).

و هو باطل، للفرق، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع، بخلاف الإفساد، و إذا ثبت الفرق، بطل الإلحاق.

مسألة 403: يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد

عند علمائنا - و هو قول

ص: 29


1- المغني 324:3-325، الشرح الكبير 322:3، المجموع 387:7 و 414 و 416، الحاوي الكبير 215:4-216، بدائع الصنائع 217:2.
2- التهذيب 318:5-1095.
3- المغني 325:3، الشرح الكبير 322:3، المجموع 416:7.
4- المغني 325:3، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، فتح العزيز 472:7، حلية العلماء 310:3، المجموع 414:7، الحاوي الكبير 215:4-216.

عامّة العلماء(1) - لقوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (2) و هو يتناول الفاسد.

و لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و عمر و ابن عباس و أبي هريرة أنّهم قالوا: من أفسد حجّه يمضي في فاسدة، و يقضي من قابل(3). و لم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و يفرّق بينهما حتي يقضيا المناسك»(4).

و قالت الظاهرية: يخرج من إحرامه، و لا يجب عليه الإتمام، لقوله عليه السّلام:

(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود)(5)(6).

و الجواب: المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المقبلة علي الفور وجوبا عند علمائنا - و به قال الشافعي(7) - لما رواه العامّة: أنّ رجلا أفسد حجّه، فسأل عمر، فقال: يقضي من قابل، و سأل ابن عباس، فقال كذلك،3.

ص: 30


1- الشرح الكبير 323:3، الحاوي الكبير 215:4-216، المجموع 388:7 و 414.
2- البقرة: 196.
3- الحاوي الكبير 216:4، المهذّب - للشيرازي - 222:1، فتح العزيز 472:7، المغني و الشرح الكبير 323:3، المحلّي 190:7، سنن البيهقي 167:5.
4- التهذيب 318:5-1095.
5- كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - 28:1-52، و بتفاوت في صحيح البخاري 3: 91، و صحيح مسلم 1343:3-1344-18، و مسند أحمد 146:6 و 180 و 256.
6- المحلّي 189:7، الحاوي الكبير 216:4، المجموع 388:7 و 414.
7- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 473:7-474، المجموع 389:7، حلية العلماء 310:3.

و سأل ابن عمر، فقال كذلك(1) ، و لم يوجد لهم مخالف، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم في المسألة السابقة(2).

و لأنّه لمّا دخل في الإحرام تعيّن عليه، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّنا.

و لأنّ الحجّ واجب علي الفور، و التقدير أنّه لم يقع، إذ الفاسد لا يخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

و اختلف أصحاب الشافعي علي قولين:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني أنّه علي التراخي، لأنّ الأداء واجب علي التراخي، فالقضاء أولي، فإنّ الصوم يجب علي الفور، و قضاؤه علي التراخي(3).

و نمنع التراخي في الأداء، و قد سبق(4).

مسألة 404: المرأة الموطوءة إذا كانت محرمة، فإن طاوعت الزوج، فسد حجّها،

و وجب إتمامه و بدنة و الحجّ من قابل، و إن أكرهها، لم يكن عليها شيء، و تحمّل عنها البدنة خاصّة - و به قال ابن عباس و سعيد بن المسيّب و النخعي و الضحّاك و مالك و الحكم و أحمد(5) - لوجود المقتضي - و هو الإفساد - في حقّها، كوجوده في حقّه، فتساويه في العقوبة.

و لما رواه علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن

ص: 31


1- الحاوي الكبير 216:4، المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- من رواية زرارة.
3- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 473:7، حلية العلماء 310:3، المهذّب - للشيرازي - 222:1، المجموع 389:7.
4- سبق في ج 7 ص 17، المسألة 8.
5- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3، بداية المجتهد 371:1.

رجل محرم واقع أهله، فقال: «قد أتي عظيما» قلت: أفتني، قال:

«استكرهها أو لم يستكرهها؟» قلت: أفتني فيهما جميعا، فقال: «إن كان استكرهها، فعليه بدنتان، و إن لم يكن استكرهها، فعليه بدنة، و عليها بدنة، و يفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّي ينتهيا إلي مكّة، و عليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه»(1).

و قال الشافعي: يجزئهما هدي واحد - و به قال عطاء و أحمد في إحدي الروايتين - لأنّه جماع واحد، فلم يوجب أكثر من بدنة، كرمضان(2).

و نمنع الحكم في الأصل، لقول ابن عباس: أهد ناقة، و لتهد ناقة(3).

و لأنّها أحد المجامعين من غير إكراه، فلزمها بدنة، كالرجل.

فروع:

أ - لو كانت المرأة محلّة، لم يتعلّق بها شيء،

و لا يجب عليها كفّارة و لا حجّ، و لا علي الرجل بسببها، لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - و هي محرمة - علي الجماع، وجب عليه بدنتان:

إحداهما عن نفسه، و الأخري عنها، لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب، و قد صدر بالحقيقة عنه، فكانت العقوبة عليه، و به قال عطاء و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(4).1.

ص: 32


1- الكافي 374:4-5، التهذيب 317:5-318-1093.
2- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 475:7، المجموع 395:7، المغني 3: 326، الشرح الكبير 347:3.
3- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
4- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3، بداية المجتهد 371:1.

و قال في الأخري: لا شيء عليه عنها. و به قال إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(1).

و عنه ثالثة: أنّ البدنة عليها(2).

و هو خطأ، لما مرّ.

و لا يجب عليها حجّ ثان و لا عليه عنها، بل يحجّ عن نفسه في القابل، لبقاء حجّتها علي الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعة، وجب عليها قضاء الحجّ،

لما قلناه.

و نفقة الحجّ عليها لا علي الزوج.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّ عليه غرامة الحجّ لها(3).

و هو غلط، فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه، فكذا القضاء.

احتجّوا: بأنها غرامة تعلّقت بالوطء، فكانت علي الزوج كالمهر(4).

و الجواب: أنّ المهر عوض بضعها، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

و علي هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة، خلافا لهم(5).

مسألة 405: يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلي أن يقضيا المناسك

إن حجّا علي ذلك الطريق - و به قال الشافعي في القديم، و أحمد(6) - لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و عمر

ص: 33


1- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
2- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 222:1، الحاوي الكبير 221:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 222:1، الحاوي الكبير 221:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 222:1، المجموع 398:7، حلية العلماء 311:3.
6- الحاوي الكبير 222:4، فتح العزيز 476:7، المجموع 399:7، المغني 3: 385، الشرح الكبير 324:3، بداية المجتهد 371:1، بدائع الصنائع 218:2.

و عثمان و ابن عباس(1) ، و لا مخالف لهم، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(2) في حديث زرارة: «و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتي يقضيا مناسكهما و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا».

و اختلف أصحاب الشافعي علي وجهين: أحدهما كما قلنا، و الثاني:

أنّه مستحب(3).

و قال مالك: يفترقان من حيث يحرمان - و نقله في الموطّأ(4) عن علي عليه السّلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء، و ذلك يوجد بإحرامهما(5).

و الجواب: أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة، فاقتصر علي موضع مواقعة المحظور، لأنّه الذي به يحصل الداعي إلي الوطء.

و قال أبو حنيفة: لا أعرف هذه التفرقة، لأنّه لو وطئها في رمضان، لم يجب التفريق بينهما في قضائه، فكذا هنا(6).

و الجواب: التفريق في الصوم مشقّة، لأنّ السكني يجمعهما.4.

ص: 34


1- المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3، الحاوي الكبير 222:4، فتح العزيز 476:7، سنن البيهقي 167:5.
2- تقدّم في المسألة 402.
3- فتح العزيز 476:7، الحاوي الكبير 223:4، المجموع 399:7، حلية العلماء 311:3.
4- الموطّأ 381:1-382-151.
5- المدوّنة الكبري 454:1، بداية المجتهد 371:1، فتح العزيز 476:7، حلية العلماء 311:3، المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3.
6- بدائع الصنائع 218:2، الاختيار لتعليل المختار 217:1، حلية العلماء 3: 311، فتح العزيز 476:7، الحاوي الكبير 222:4.

و لأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن، و هنا متعيّن.

و لأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيرا من المشقّة هنا، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتي يقضيا المناسك.

و الروايات تعطي التفريق أيضا في الحجّة الاولي من ذلك المكان حتي يأتيها بها فاسدة أيضا.

و هو جيّد، لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح، فوجبت التفرقة.

و حدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما، بل متي اجتمعا كان معهما ثالث محترم، لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام علي المواقعة، كمنع التفريق.

و لقول الصادق عليه السّلام: في المحرم يقع علي أهله، قال: «يفرّق بينهما، و لا يجتمعان في خباء إلاّ أن يكون معهما غيرهما حتي يبلغ الهدي محلّه»(1).

مسألة 406: لو وطئ ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يفسد حجّه،

و لا شيء عليه - و به قال الشافعي في الجديد(2) - لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما، و مضيا علي حجّهما، و ليس عليهما شيء»(4).

ص: 35


1- التهذيب 319:5-1100.
2- فتح العزيز 478:7، المجموع 341:7، الحاوي الكبير 219:4، المغني 339:3، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، المبسوط - للسرخسي - 121:4.
3- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
4- الكافي 373:4-1، التهذيب 317:5-1092.

و لأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة، فافترق وطء العامد و الناسي فيها، كالصوم.

و قال الشافعي في القديم: يفسد حجّه، و تجب الفدية كالعامد - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء، فاستوي عمده و سهوه كالفوات.

و لأنّه من محظورات الإحرام، فاستوي عمده و سهوه، كقتل الصيد(1).

و الفرق: أنّ الفوات ترك ركن، فاستوي عمده و سهوه، كغيره من الأصول.

و جزاء الصيد ضمان الإتلاف، و ذلك يستوي في الأصول عمده و سهوه.

تذنيب: لو اكره علي الجماع، لم يفسد حجّه،

و لا كفّارة عليه عندنا - و للشافعي قولان كالناسي(2) - لقوله عليه السّلام: (و ما استكرهوا عليه)(3).

و لأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة، فكذا في حقّ الرجل، لعدم الفرق بينهما.

مسألة 407: لا فرق بين الوطء في القبل و الدّبر من المرأة و الغلام في وجوب الكفّارة و إفساد الحجّ

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو يوسف

ص: 36


1- الحاوي الكبير 219:4، المجموع 341:7، بداية المجتهد 371:1، المغني 338:3-339، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، المبسوط - للسرخسي - 121:4.
2- المجموع 341:7-342، فتح العزيز 478:7.
3- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

و محمّد(1) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل، فيوجب الإفساد، كالقبل.

و للروايات الدّالة علي إيجاب ما ذكرنا علي من واقع أو غشي امرأته، و هو صادق في المتنازع.

و قال أبو حنيفة: لا يفسد بالوطء في الدّبر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان و الإحلال، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(2).

و الفرق: أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل، و ليس كبيرة في حقّ الأجنبية، و لا يوجب مهرا و لا حدّا و لا عدّة، بخلاف المتنازع.

قال الشيخ رحمه اللّه: من أصحابنا من قال: إتيان البهيمة و اللواط بالرجال و النساء بإتيانها في دبرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. و به قال الشافعي(3).

و منهم من قال: لا يتعلّق الفساد إلاّ بالوطء في قبل المرأة.

و قال أبو حنيفة: إتيان البهيمة لا يفسده، و الوطء في الدّبر علي روايتين: المعروف: أنّه يفسده.

و استدلّ علي الأوّل: بطريقة الاحتياط، و علي الثاني: ببراءة الذمّة(4).

و هو يدلّ علي تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دبر المرأة و الغلام.

و جزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دبر المرأة(5).1.

ص: 37


1- الحاوي الكبير 224:4، المجموع 409:7، حلية العلماء 314:3، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3.
2- بدائع الصنائع 217:2، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3، حلية العلماء 314:3.
3- في الطبعة الحجرية زيادة: و منهم من قال: لا يتعلّق به فساد الحجّ. و في النسخ «ف، ط، ن» مضافا إلي ذلك زيادة: و به قال الشافعي. و لم ترد في المصدر.
4- الخلاف 370:2-371، المسألة 210.
5- المبسوط - للطوسي - 336:1.

و أمّا إتيان البهائم: فقال مالك و أبو حنيفة: لا يفسد به الحجّ، لأنّه انعقد صحيحا، فلا يفسده إلاّ دليل شرعي، و لم يثبت(1).

و قال الشافعي: يفسد الحجّ(2).

مسألة 408: لو استمني بيده، قال الشيخ رحمه اللّه: حكمه حكم المجامع،

إن كان قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجّه، و وجب عليه بدنة(3) ، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسن عليه السّلام: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمني، قال: «أري عليه مثل ما علي من أتي أهله و هو محرم: بدنة و الحجّ من قابل»(4).

و لأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال علي وجه أبلغ من الوطء، لاقترانه(5) في القبح، فكان مساويا له في العقوبة.

و قال ابن إدريس: لا يفسد الحجّ، و تجب البدنة، للأصل الدالّ علي براءة الذمّة، خرج وجوب الكفّارة، للإجماع، فيبقي الباقي علي أصله(6).

مسألة 409: لو وطئ فيما دون الفرج و أنزل، وجب عليه بدنة،

و لا يفسد حجّه و إن كان قبل الموقفين - و به قال أحمد في إحدي الروايتين(7) - لأنّه جماع، فوجبت الفدية، كالفرج.

ص: 38


1- المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3، فتح العزيز 471:7، المجموع 7: 421، الحاوي الكبير 224:4، حلية العلماء 314:3، بدائع الصنائع 216:2.
2- فتح العزيز 471:7، الحاوي الكبير 224:4، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 409:7 و 421، حلية العلماء 314:3، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3.
3- النهاية: 231، التهذيب 324:5 ذيل الحديث 1112.
4- التهذيب 324:5-1113.
5- الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية -: لمشابهته إيّاه.
6- السرائر: 129.
7- المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل وقع علي أهله فيما دون الفرج، قال: «عليه بدنة، و ليس عليه الحجّ من قابل»(1).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: في المحرم يقع علي أهله، قال: «إن كان أفضي إليها، فعليه بدنة، و الحجّ من قابل، و إن لم يكن أفضي إليها، فعليه بدنة، و ليس عليه الحجّ من قابل»(2).

و لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ، فلم يفسد الحج، كالتقبيل.

و قال أحمد في الرواية الأخري: تجب عليه بدنة، و يفسد حجّه - و به قال الحسن و عطاء و مالك و إسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن مباشرة، كالصيام(3).

و الفرق: أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

و قال الشافعي و أصحاب الرأي: عليه شاة، لأنّه مباشرة فيما دون الفرج، فأشبه القبلة(4).

و الفرق: أنّه أفحش ذنبا من القبلة، فالعقوبة فيه أشدّ.

و لو لم ينزل، قال العامّة: تجب الشاة(5).3.

ص: 39


1- التهذيب 318:5-319-1097، الإستبصار 192:2-644.
2- الكافي 373:4-374-3، التهذيب 319:5-1098، الإستبصار 2: 192-645.
3- المغني 330:3-331، الشرح الكبير 328:3، بداية المجتهد 371:1، حلية العلماء 315:3، فتح العزيز 480:7.
4- الحاوي الكبير 223:4، فتح العزيز 480:7، حلية العلماء 315:3، المجموع 291:7، المبسوط - للسرخسي - 120:4، المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.
5- المغني 330:3.
مسألة 410: لو وطئ قبل التلبية أو الإشعار أو التقليد، لم يكن عليه شيء

و إن تلبّس بالإحرام، لأنّ انعقاد الإحرام بأحد الثلاثة، فإذا وطئ قبلها، لم يصادف إحراما منعقدا، لأنّ حريزا روي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام:

«في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّي»(1).

مسألة 411: لو جامع بعد الوقوف بالموقفين، لم يفسد حجّه،

و عليه بدنة لا غير، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (من أدرك عرفة فقد تمّ حجّه)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا واقع الرجل دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة، فعليه الحجّ من قابل»(4) دلّ بمفهومه علي عدم وجوب الحجّ لو جامع بعد الوقوف بالمزدلفة.

و قال الشافعي: لا فرق بين الجماع قبل الوقوف و بعده في الإفساد إذا كان قبل التحلّل الأوّل، و لو كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي و الحلق، لم يفسد إحرامه الماضي، و يأتي بالطواف، و عليه الكفّارة، لأنّه وطء عمد صادف إحراما تامّا، فأفسده، كما لو كان قبل الوقوف(5).

ص: 40


1- الكافي 330:4-7، التهذيب 316:5-317-1090، الاستبصار 2: 190-637.
2- النتف 213:1، الاختيار لتعليل المختار 218:1، المغني 324:3 و 325 و 516 و 517، الشرح الكبير 321:3، المجموع 414:7.
3- المغني 516:3.
4- التهذيب 319:5-1099.
5- الحاوي الكبير 217:4، فتح العزيز 471:7، المجموع 387:7-388 و 414، المغني 516:3.

و الفرق: أنّ الوطء قبل الوقوف يكون أكثر أفعال الحجّ لم يقع بعد، بخلاف ما بعده.

و قال مالك و أحمد: يفسد حجّه إن كان قبل التحلّل الأوّل، و إن كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي و الحلق، لم يفسد إحرامه الماضي، و يفسد ما بقي من إحرامه، و يجب عليه أن يحرم بعمرة و يأتي بالطواف في إحرام صحيح، و تلزمه شاة(1).

مسألة 412: لو كان الوطء بعد الوقوف بعرفة قبل الوقوف بمزدلفة، فسد حجّه

أيضا، قاله أكثر العلماء(2) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: من وطئ بعد التحلّل فقد تمّ حجّه، و عليه بدنه(3).

و الظاهر أنّه قاله نقلا عن الرسول عليه السّلام، و هو يدلّ بمفهومه علي عدم التمام لو وطئ قبل التحلّل.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة، أو قبل أن يأتي مزدلفة، فعليه الحجّ من قابل»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يفسد، و يجب عليه بدنة، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (الحجّ عرفة من وقف بعرفة فقد تمّ حجّه)(5).

ص: 41


1- المغني 516:3 و 519-520، الشرح الكبير 321:3 و 326-328، المجموع 407:7-408، و 414، فتح العزيز 471:7، الحاوي الكبير 219:4.
2- المغني 516:3 و 323-324، الشرح الكبير 321:3، الحاوي الكبير 4: 217، الاستذكار 294:12، فتح العزيز 471:7، المجموع 414:7.
3- الحاوي الكبير 219:4.
4- التهذيب 319:5-1099.
5- المبسوط - للسرخسي - 119:4، بدائع الصنائع 217:2، النتف 213:1، الاختيار لتعليل المختار 218:1، المغني 324:3، الشرح الكبير 321:3، الحاوي الكبير 217:4، فتح العزيز 471:7، المجموع 414:7، الاستذكار 294:12، و الرواية في الاختيار و البدائع.

و هو لا يدلّ علي المطلوب إلاّ بالمفهوم، و هو لا يقول به.

مسألة 413: لو كرّر الوطء و هو محرم، وجب

مسألة 413: لو كرّر الوطء و هو محرم، وجب(1) عليه بكلّ وطء كفّارة،

و هي بدنة، سواء كفّر عن الأوّل أو لا - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2) - لأنّه وطء صادف إحراما لم يتحلّل منه، فوجب به البدنة، كما لو كان الإحرام صحيحا.

و لأنّ الإحرام الفاسد كالصحيح في سائر الكفّارات.

و قال الشافعي: إن وطئ بعد أن كفّر عن الأوّل، وجب عليه الكفّارة.

و هل الكفّارة الثانية شاة أو بدنة ؟ قولان.

و إن وطئ قبل أن يكفّر، فأقوال ثلاثة: أحدها: لا شيء عليه. و الثاني:

شاة. و الثالث: بدنة(3).

و قال أبو حنيفة: تجب عليه شاة، سواء كفّر عن الأوّل أو لا، إلاّ أن يتكرّر الوطء في مجلس واحد علي وجه الرفض للإحرام، بأن ينوي به رفض الإحرام، لأنّه وطء صادف إحراما نقضت حرمته، فلم تجب به الفدية، كما لو وطئ بعد التحلّل(4).

و الفرق: أنّ الوطء بعد التحلّل لم يصادف الإحرام، أو قد تحلّل من

ص: 42


1- في «ن» و الطبعة الحجرية: كان.
2- المغني 328:3، الشرح الكبير 350:3.
3- الحاوي الكبير 220:4، فتح العزيز 472:7-473، المجموع 407:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 366:2، المسألة 204.
4- المغني 328:3-329، الشرح الكبير 351:3، و انظر: فتح العزيز 473:7، و المجموع 420:7، و بداية المجتهد 371:1.

معظم محظوراته، بخلاف الوطء في الإحرام الكامل.

و قال مالك: لا يجب عليه بالوطء الثاني شيء، لأنّه وطء لا يتعلّق به إفساد الحج، فلا تجب به الكفّارة، كما لو كان في مجلس واحد(1).

و الجواب: أنّ عدم تعلّق الإفساد به لا يمنع وجوب الكفّارة، كقتل الصيد و لبس الثوب و غيرهما من أنواع المحظورات.

و قال أحمد في الرواية الثانية: إن كفّر عن الأوّل، وجب عليه عن الثاني بدنة، لأنّه وطئ في إحرام لم يتحلّل منه، و لا أمكن تداخل كفّارته في غيره، فأشبه الوطء الأوّل(2).

و الشيخ - رحمه اللّه - تردّد في الخلاف في تكرّر الكفّارة مع عدم التكفير في الأوّل(3) ، و جزم في المبسوط بالتكرّر مطلقا(4).

مسألة 414: لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة، وجب عليه جزور

إن كان موسرا، فإن عجز، وجب عليه بقرة، فإن عجز، فشاة، لما تقدّم من أنّ من جامع بعد التحلّل الأوّل وجب عليه بدنة، و قد سبق(5) الخلاف فيه.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، أنّه سأله: عن متمتّع وقع علي أهله و لم يزر، قال: «ينحر جزورا»(6).

ص: 43


1- بداية المجتهد 371:1، المغني 329:3، الشرح الكبير 351:3، فتح العزيز 473:7.
2- المغني 328:3-329، الشرح الكبير 350:3.
3- الخلاف 366:2-367، المسألة 204.
4- المبسوط - للطوسي - 337:1.
5- سبق في المسألة 411.
6- الكافي 378:4-3، التهذيب 321:5-1104.

و سأله عيص بن القاسم: عن رجل واقع أهله حين ضحّي قبل أن يزور البيت، قال: «يهريق دما»(1).

و لو جامع بعد أن طاف من طواف الزيارة شيئا، وجب عليه الكفّارة:

بدنة. و كذا لو أتمّ طوافه ثم جامع بعد أن سعي شيئا من سعيه، وجبت البدنة. و كذا لو كان بعد تمام السعي قبل طواف النساء، وجب عليه البدنة، و حجّه صحيح، لأنّه وطئ في إحرام، فكان عليه بدنة، كما لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل وقع [علي](2) امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال: «عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا، فليس عليه شيء»(3).

إذا عرفت هذا، فلو جامع قبل طواف الزيارة أو بعده قبل طواف النساء جاهلا بالتحريم أو ناسيا، لم تجب عليه كفّارة، لأنّهما عذران يسقطان الكفّارة في الوطء قبل الموقفين، فهنا أولي.

مسألة 415: لو جامع بعد أن طاف شيئا من طواف النساء، قال الشيخ رحمه اللّه:

إن كان قد طاف أكثر من النصف، بني عليه بعد الغسل،

و لا شيء عليه، و إن كان أقلّ من النصف، وجب عليه الكفّارة و إعادة الطواف(4) ، لموافقته الأصل، و هو: براءة الذمّة.

و لأنّ معظم الشيء يعطي حكم ذلك الشيء غالبا.

ص: 44


1- الكافي 379:4-4، التهذيب 321:5-1105.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 378:4 ذيل الحديث 3، التهذيب 323:5-1109.
4- النهاية: 231، المبسوط - للطوسي - 337:1.

و لأنّ حمران بن أعين سأل الباقر عليه السّلام: عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلي منزله فنقض ثم غشي جاريته، قال: «يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه، و يستغفر ربّه و لا يعود، و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجّه، و عليه بدنة، و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا»(1).

مسألة 416: و لا فرق في الوطء بين أن يطأ في إحرام حجّ واجب أو مندوب،

لأنّه بعد التلبّس بالإحرام يصير المندوب واجبا، و يجب عليه إتمامه، كما يجب عليه إتمام الحجّ الواجب.

و لأنّ الحجّ الفاسد يجب عليه إتمامه، فالمندوب أولي.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّه يفسد الحجّ الواجب فيه، كالوطء قبل الموقفين، فإنّه يفسد الحجّ المندوب فيه أيضا، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحجّ المندوب، فسد حجّه، و وجب عليه إتمامه و بدنة و الحجّ من قابل، و لو كان بعد الموقفين، وجب عليه بدنة لا غير.

و كذا لا فرق بين أن يطأ امرأته الحرّة أو جاريته المحرمة أو المحلّة إذا كان محرما، فإنّ الحكم في الجميع واحد.

فإن كانت أمته محرمة بغير إذنه، أو محلّة، فإنّه لا تتعلّق بها كفّارة و لا به عنها.

و لو كانت محرمة بإذنه، فطاوعته، فالأقرب: وجوب الكفّارة، كما في العبد المأذون إذا أفسد.

ص: 45


1- الكافي 379:4-6، التهذيب 323:5-1110.

و لو أكرهها، فإن قلنا في المطاوعة بوجوب الكفّارة عنها، تحمّلها السيّد، و إلاّ فلا.

مسألة 417: لو وطئ أمته و هو محلّ و هي محرمة، فإن كان إحرامها بغير إذنه، فلا عبرة به،

و لا كفّارة عليه، و إن كان بإذنه، وجب عليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن لم يجد، فشاة أو صيام ثلاثة أيّام، لأنّه هتك إحراما صحيحا.

و لرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل محلّ وقع علي أمة محرمة، قال: «موسرا أو معسرا؟» قلت: أجبني عنهما، قال: «هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها؟» قلت: أجبني عنها، قال: «إن كان موسرا و كان عالما أنّه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام، فعليه بدنة، و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة، و إن لم يكن أمرها بالإحرام، فلا شيء عليه موسرا كان أو معسرا، و إن كان أمرها و هو معسر، فعليه دم شاة أو صيام»(1).

إذا ثبت هذا، فلو كانا محرمين أو كان هو محرما، وجبت عليه الكفّارة.

و لو كان هو محلاّ و هي محرمة بإذنه، وجبت عليه البدنة لا غير، سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده، و سواء طاوعته أو أكرهها، لكن لو طاوعته، فسد حجّها، و وجب عليه أن يأذن لها في القضاء، لأنّه أذن لها في الابتداء و أحرمت إحراما صحيحا، و كان الفساد منه، فوجب عليه الإذن في القضاء، كالصيام.

ص: 46


1- الكافي 374:4-375-6، التهذيب 320:5-1102، الاستبصار 190:2-639.

و لو زني بامرأة، تعلّق به من الأحكام ما يتعلّق بالوطء الصحيح، لأنّه أبلغ في هتك الإحرام، فكانت العقوبة واجبة عليه.

مسألة 418: من وجب عليه بدنة في إفساد الحجّ فلم يجد، كان عليه بقرة،

فإن لم يجد، فسبع شياه علي الترتيب، فإن لم يجد، فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدّق به، فإن لم يجد، صام عن كلّ مدّ يوما، و به قال الشافعي(1).

و في [أصحابه] من قال: هو مخيّر(2).

و استدلّ عليه الشيخ - رحمه اللّه - بإجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط(3).

و ابن بابويه قال: من وجبت عليه بدنة في كفّارة فلم يجد، فعليه سبع شياه، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في منزله(4).

و عن أحمد روايتان، إحداهما: أنّها علي التخيير إن شاء أخرج أيّ هذه الخمسة(5) ، التي ذكرناها، أعني: البدنة و البقرة و سبع شياه و قيمة البدنة و الصيام.

لنا: أنّ الصحابة و الأئمّة عليهم السّلام أوجبوا البدنة في الإفساد، و ذلك

ص: 47


1- الام 218:2، فتح العزيز 75:8-76، المجموع 401:7 و 416، حلية العلماء 311:3، الحاوي الكبير 224:4.
2- الكلام من بداية المسألة إلي هنا من كلام الشيخ الطوسي في الخلاف، و نقله المصنّف في المنتهي 841:2 مصدّرا بقوله: قال الشيخ. و ما بين المعقوفين أثبتناه من الخلاف، و في «ف» و الطبعة الحجرية: (و في أصحابنا) أمّا في «ط، ن» فلم يتبيّن لنا اللفظ، لسقوطه.
3- الخلاف 372:2، المسألة 213.
4- المقنع: 78.
5- حلية العلماء 312:3، المجموع 416:7.

يقتضي تعيّنها، و البقرة دونها جنسا و قيمة.

و لقوله عليه السّلام: (من راح في الساعة الأولي فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الثانية فكأنّما قرّب بقرة)(1) يعني إلي الجمعة.

و لأنّ ذلك سبب يجب به القضاء، فكانت كفّارته علي الترتيب، كالفوات.

و أحمد قاس علي قتل النعامة.

و الفرق: أنّ الانتقال في قتل النعامة إلي القيمة، فكان مخيّرا فيها، و هنا ينتقل إلي ما هو دونها.

مسألة 419: لو وطئ في العمرة قبل السعي، فسدت عمرته،

و وجب عليه بدنة و قضاؤها - و به قال الشافعي(2) - لأنّها عبادة تشتمل علي طواف و سعي، فوجب بالوطء فيها بدنة، كالحجّ.

و لرواية مسمع عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشي أهله قبل أن يسعي بين الصفا و المروة، قال: «قد أفسد عمرته، و عليه بدنة، و يقيم بمكّة محلاّ حتي يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج إلي الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهل بلاده، فيحرم منه و يعتمر»(3).

و قال أبو حنيفة: إذا وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط، فسدت

ص: 48


1- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 582:2-850، الموطّأ 101:1-1، سنن أبي داود 96:1-351، سنن النسائي 99:3، سنن الترمذي 372:2-499.
2- الحاوي الكبير 232:4-233، فتح العزيز 471:7، المجموع 422:7، الشرح الكبير 325:3.
3- الكافي 538:4-539-2، الفقيه 275:2-1344، التهذيب 323:5 - 324-1111.

عمرته، و وجب عليه القضاء و شاة، لأنّها عبادة لا تتضمّن الوقوف، و لا يجب عليه بالوطء فيها بدنة، كما لو قرنها بحجّه(1).

و نمنع حكم الأصل.

و قال أحمد: يجب بالوطء القضاء و شاة إذا وجد في الإحرام(2).

إذا عرفت هذا، فالبدنة و الإفساد يتعلّقان بالوطء في إحرام العمرة قبل السعي و لو كان بعد الطواف - و به قال الشافعي(3) - لرواية مسمع عن الصادق عليه السّلام(4).

و قال أبو حنيفة: إذا وطئ بعد أربعة أشواط، لم تفسد عمرته، و وجبت الشاة، لأنّه وطئ بعد ما أتي بركن العبادة، فأشبه ما إذا وطئ بعد الوقوف في الحج، و إنّما وجبت الشاة، لأنّ الشاة تقوم مقام الطواف و السعي في حقّ المحصر، فقامت مقام بعض ذلك هنا(5).

و الجواب: أنّ محظورات الإحرام سواء مثل الطيب و اللباس و الصيد تستوي قبل الإتيان بأكثر الطواف و بعده، كذلك الوطء.

مسألة 420: القارن عندنا هو الذي يسوق إلي إحرامه هديا،

و عندهم هو من يقرن الإحرامين علي ما مضي(6) الخلاف فيه، فلو أفسد القارن

ص: 49


1- الهداية - للمرغيناني - 165:1، المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3.
2- المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3.
3- الحاوي الكبير 232:4-233، المجموع 422:7.
4- تقدّمت الرواية في صدر المسألة.
5- بدائع الصنائع 219:2، المبسوط - للسرخسي - 58:4، المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3، المجموع 422:7.
6- مضي في ج 7 ص 125، المسألة 95.

حجّه، وجب عليه بدنة، و ليس عليه دم القرآن، و يجب عليه القضاء، لأنّه أفسد حجّا، فكان عليه بدنة، كالمتمتّع و المفرد.

و قال الشافعي: إذا وطئ القارن - علي تفسيرهم - لزمه بدنة بالوطء و دم القران، و يقضي قارنا، و يلزمه دم القران في القضاء أيضا، فإن قضي مفردا، جاز، و لا يسقط عنه دم القران الذي يلزمه في القضاء(1). و به قال أحمد إلاّ أنّه قال: إذا قضي مفردا، لم يجب دم القران(2).

و قال أبو حنيفة: يفسد إحرامه، و تجب عليه شاة لإفساد الحجّ، و شاة لإفساد العمرة، و شاة القران، إلاّ أن يكون قد وطئ بعد ما طاف في العمرة أربعة أشواط(3).

مسألة 421: إذا قضي الحاجّ و المعتمر، فعليه في قضاء الحجّ الإحرام من الميقات،

و عليه في إحرام العمرة الإحرام من أدني الحلّ - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات علي ما تقدّم(5) ، فلا يجوز في القضاء، لأنّه تابع.

و أمّا في العمرة: فلأنّ الإحرام من أدني الحلّ هو الواجب في الأداء، فكذا في القضاء.

ص: 50


1- فتح العزيز 476:7-477، المجموع 416:7، المغني 518:3، الشرح الكبير 326:3.
2- المغني 518:3، الشرح الكبير 326:3.
3- انظر: بدائع الصنائع 219:2، و المبسوط - للسرخسي - 119:4، و فتح العزيز 477:7، و المجموع 416:7، و المغني 499:3 و 518، و الشرح الكبير 3: 325 و 326.
4- المجموع 415:7-416، فتح العزيز 475:7، الحاوي الكبير 233:4.
5- تقدّم في ج 7 ص 195، المسألة 149.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر عائشة أن تقضي عمرتها من التنعيم(1).

و قال الشافعي: إذا أفسد الحجّ و العمرة، لزمه القضاء من حيث أحرم بالأداء - و به قال أحمد - لأنّ كلّ مسافة وجب عليه قطعها محرما في الأداء وجب عليه في القضاء، كما لو أحرم قبل الميقات(2).

و نحن نقول بموجبه، لأنّه لا يجب عليه قطع المسافة محرما إلاّ من الميقات.

و ينتقض: بأنّه لا يجب عليه في القضاء سلوك طريق الأداء إجماعا، لكنّ الشافعي أوجب الإحرام من المحاذي للأوّل(3).

مسألة 422: إذا أفسد في القضاء، وجب عليه بدنة أخري، و إتمام القضاء، و القضاء من قابل،

للعمومات، و يلزمه أن يأتي بالقضاء، و لا يتكرّر عليه، بل إذا أتي بحجّة واحدة، كفاه.

و كذلك إن تكرّر إفساد القضاء، كفاه قضاء واحد، لأنّ الحجّ الواجب واحد، فإذا لم يأت به علي وجهه، وجب عليه الإتيان به علي وجهه.

و لا يجب عليه أن يأتي بقضاء آخر عوضا عن إفساد القضاء بمفرده، بل إذا أتي في السنة الثالثة بحجّة صحيحة، كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء.

و لو أفسد الثالث، كفاه في الرابعة إتيان حجّة صحيحة عن جميع ما تقدّمه، لأنّ الفاسد إذا انضمّ إليه القضاء، أجزأ عمّا كان يجزئ عنه الأداء لو لم يفسده، فهذا القضاء الذي أفسده إذا أتي بعده بالقضاء، أجزأ عمّا كان

ص: 51


1- صحيح البخاري 4:3، صحيح مسلم 880:2-135، سنن ابن ماجة 2: 997-999، سنن الترمذي 273:3-924.
2- الحاوي الكبير 233:4، فتح العزيز 474:7، المجموع 389:7-390 و 415، حلية العلماء 310:3، المغني 384:3-386، الشرح الكبير 324:3.
3- المجموع 390:7.

يجزئ عنه الفاسد لو كان صحيحا، و لو كان صحيحا، سقط به قضاء الأوّل، كذلك إذا قضاه، و هذا يقتضي أن يكون هذا القضاء عن القضاء الفاسد.

مسألة 423: لو عقد المحرم لمحرم علي امرأة و دخل المحرم، وجبت علي العاقد الكفّارة،

كما تجب علي الواطئ. و كذا لو كان العاقد محلاّ، لرواية سماعة عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرما يعلم أنّه لا يحلّ له» قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، قال: «إن كانا عالمين فإنّ علي كلّ واحد منهما بدنة، و علي المرأة إن كانت محرمة، و إن لم تكن محرمة، فلا شيء عليها إلاّ أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم، فإن كانت علمت ثم تزوّجته فعليها بدنة»(1).

مسألة 424: لو نظر إلي غير أهله فأمني، لم يفسد حجّه،

و وجب عليه بدنة، فإن عجز، فبقرة، فإن عجز، فشاة، عند علمائنا - و بعدم الإفساد قال ابن عباس و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(2) - لأنّه إنزال عن غير مباشرة، فأشبه الإنزال عن الفكر و الاحتلام.

و قال مالك: إن ردّد النظر حتي أمني، وجب عليه الحجّ من قابل - و به قال الحسن البصري و عطاء - لأنّه إنزال بفعل محظور، فأشبه الإنزال بالمباشرة(3).

و الفرق: أنّ المباشرة أبلغ في اللذّة، و آكد في استدعاء الشهوة، و الفاحشة فيها أعظم.

و لو نظر إلي غير أهله و لم يكرّر النظر أو كرّره حتي أمني، وجب عليه البدنة عندنا، لأنّه إنزال بفعل محظور، فأوجب البدنة، كالجماع فيما

ص: 52


1- الكافي 372:4-5، التهذيب 330:5-331-1138.
2- المغني 335:3، الشرح الكبير 329:3، المجموع 413:7.
3- المغني 335:3، الشرح الكبير 329:3، المجموع 413:7.

دون الفرج.

و لقول الباقر عليه السّلام في رجل محرم نظر إلي غير أهله فأنزل: «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة»(1).

و قال ابن عباس و أحمد في إحدي الروايتين: إن كرّر النظر، وجبت بدنة، و إن لم يكرّر، فشاة(2).

و قال في الأخري: تجب شاة مطلقا. و هو قول سعيد بن جبير و إسحاق(3).

و قال أبو ثور: لا شيء عليه مطلقا(4). و به قال أبو حنيفة - حكاية(5) عنه - [و](6) الشافعي(7).

و لو كرّر النظر حتي أمذي، لم يجب عليه شيء، لأصالة براءة الذمّة.

و قال أحمد: يجب به دم، لأنّه جزء من المني(8). و ليس بشيء.

و لو كرّر النظر و لم يقترن به مني و لا مذي، لم يكن عليه شيء، و لا نعلم فيه خلافا، إلاّ رواية عن أحمد أنّه من جرّد امرأته و لم يكن منه غير التجريد: أنّ عليه شاة(9). و ليس بشيء.

و لو فكّر فأنزل، لم يكن عليه شيء، لأنّ الفكر يعرض الإنسان من0.

ص: 53


1- التهذيب 325:5-1116.
2- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
3- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
4- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
5- «حكاية»: صحّفت في «ف، ط» و الطبعة الحجرية إلي «حكاه» و سقطت في «ن» و الصحيح ما أثبتناه اعتمادا علي منتهي المطلب - للمصنّف - 842:2 و المغني 336:3، و الشرح الكبير 349:3.
6- أضفناها لأجل السياق.
7- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
8- المغني 337:3، الشرح الكبير 349:3.
9- المغني 337:3، الشرح الكبير 349:3-350.

غير اختيار، فلا تتعلّق به عقوبة.

مسألة 425: لو نظر إلي أهله من غير شهوة، لم يكن عليه شيء،

سواء أمني أو لا، لأنّ النظر إلي الزوجة سائغ، بخلاف الأجنبية.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن محرم نظر إلي امرأته فأمني أو أمذي و هو محرم، قال: «لا شيء عليه»(1).

و إن نظر إليها بشهوة فأمني، كان عليه بدنة، عند علمائنا - و لم يفرّق العامّة بين الزوجة و الأجنبية، بل حكموا بما قلناه عنهم أوّلا(2) مطلقا - لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و من نظر إلي امرأته نظرة بشهوة فأمني فعليه جزور»(3).

مسألة 426: لو مسّ امرأته بشهوة، فعليه شاة،

سواء أمني أو لم يمن، و إن كان بغير شهوة، لم يكن عليه شيء، سواء أمني أو لم يمن، و يكون حجّه صحيحا علي كلّ تقدير، سواء كان ذلك قبل الوقوف بالموقفين أو بعده، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحدّ، فلا يفسد الحجّ، كما لو أنزل. و إنّما وجبت الشاة، لأنّه فعل محرّما في إحرامه، فوجبت الفدية.

و لأنّ محمّد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمني أو أمذي، فقال: «إن حملها أو مسّها بشهوة فأمني أو لم يمن، أمذي أو لم يمذ، فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسّها

ص: 54


1- الكافي 375:4-1، التهذيب 325:5-1117، الإستبصار 191:2-642.
2- في المسألة السابقة.
3- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الاستبصار 191:2-641.
4- المجموع 411:7، بدائع الصنائع 195:2، المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.

بغير شهوة فأمني أو لم يمن، فليس عليه شيء»(1).

و قال مالك: إذا أنزل مع المسّ، فسد حجّه - و هو إحدي الروايتين عن أحمد - لأنّها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن المباشرة، كالصوم(2).

و الفرق: أنّ الصوم يفسد بفعل جميع ما وجب الإمساك عنه لأجله، بخلاف الحجّ.

مسألة 427: لو قبّل امرأته، فإن كان بشهوة، كان عليه جزور،

و إن كان بغير شهوة، كان عليه شاة، و لا يفسد حجّه علي كلّ تقدير، و سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده - و وافقنا علي عدم الإفساد سعيد بن المسيّب و عطاء و ابن سيرين و الزهري و قتادة و الثوري و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لأنّه إنزال بغير وطء، فلم يفسد به الحجّ، كالإنزال عن نظر.

و قال مالك: إن أنزل، فسد حجّه - و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و رواية عن سعيد بن جبير - لأنّه إنزال عن سبب محرّم، فأفسد الحجّ، كالإنزال عن الجماع(4).

و الفرق ظاهر، فإنّ الجماع أبلغ أنواع الاستمتاع، و لهذا أفسد الحجّ مع الإنزال و عدمه.

إذا عرفت هذا، فالشيخ - رحمه اللّه - أوجب الشاة في التقبيل بغير شهوة

ص: 55


1- التهذيب 326:5-1120.
2- المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3، فتح العزيز 480:7.
3- المغني 334:3، الشرح الكبير 328:3، حلية العلماء 315:3، المجموع 421:7، بدائع الصنائع 216:2.
4- المغني 332:3 و 334، الشرح الكبير 328:3، فتح العزيز 480:7، حلية العلماء 315:3.

مطلقا، و البدنة فيه مع الشهوة مطلقا(1) ، و لم يعتبر الإنزال، لأنّ علي بن أبي حمزة سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال: «عليه بدنة و إن لم ينزل، و ليس له أن يأكل منه»(2).

و قال ابن إدريس: إن قبّل بشهوة و أنزل، وجبت البدنة، و إن لم ينزل، وجبت الشاة(3) ، للأصل.

و لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إنّ حال المحرم ضيّقة، إن قبّل امرأته علي غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته علي شهوة، فعليه جزور، و يستغفر اللّه»(4).

و هو الأقرب.

و يجوز للمحرم أن يقبّل امّه حال الإحرام، لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السّلام: عن المحرم يقبّل امّه، قال: «لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة»(5).

و لو لاعب امرأته و هو محرم فأمني، كان عليه بدنة، لأنّه إنزال عن سبب محرّم، فوجبت البدنة، كما لو أنزل عن نظر.

و هل يجب عليها الكفّارة ؟ نصّ الشيخ في التهذيب و المبسوط عليه(6) ، لأنّه أنزل بملاعبة منها له، فوجب عليها بدنة، كالجماع.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يعبث1.

ص: 56


1- المبسوط - للطوسي - 338:1.
2- الكافي 376:4-3، التهذيب 327:5-1123.
3- السرائر: 130.
4- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الإستبصار 191:2-641.
5- الكافي 377:4-9، التهذيب 328:5-1127.
6- التهذيب 327:5 ذيل الحديث 1123، المبسوط 338:1.

بامرأته حتي يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟ فقال: «عليهما جميعا الكفّارة مثل ما علي الذي يجامع»(1).

و لو سمع كلام امرأة أو استمع علي من يجامع من غير رؤية لهما فتشاهي فأمني، لم يكن عليه شيء، لتعذّر التحرّز عن مثل ذلك، فلو وجبت العقوبة لزمه الحرج.

أمّا لو كان برؤية، فإنّه تجب عليه الكفّارة علي ما تقدّم، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهي حتي أنزل، قال: «ليس عليه شيء»(2).

و سأله سماعة بن مهران في محرم استمع علي رجل يجامع أهله فأمني، قال: «ليس عليه شيء»(3).

قال المفيد رحمه اللّه: لو قبّل امرأته و هو محرم، فعليه بدنة، أنزل أو لم ينزل، فإن هوت المرأة ذلك، كان عليها مثل ما عليه(4).

مسألة 428: قد بيّنّا أنّه إذا أفسد حجّه، وجب عليه إتمامه،

خلافا لجماعة الظاهرية(5).

و قال مالك: يجعل الحجّة عمرة، و لا يقيم علي الحجّ الفاسد(6).

ص: 57


1- الكافي 376:4-5، التهذيب 327:5-1124.
2- الكافي 377:4-10، التهذيب 327:5-328-1125.
3- التهذيب 328:5-1126.
4- المقنعة: 68.
5- المحلّي 189:7-190، المجموع 414:7، حلية العلماء 310:3، الشرح الكبير 323:3.
6- الشرح الكبير 323:3.

و ليس بجيّد، لما تقدّم.

و لا يحلّ من الفاسد، بل يجب عليه أن يفعل بعد الفساد كلّ ما يفعله لو كان صحيحا، و لا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بالمزدلفة و الرمي و غيرهما.

و يحرم عليه بعد الفساد كلّ ما كان محرّما عليه قبله من الوطء ثانيا و غيره من المحرّمات.

و لو جني في الإحرام الفاسد، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح.

و يجب عليه القضاء من قابل، سواء كانت الفاسدة واجبة بأصل الشرع أو النذر، أو كانت تطوّعا، و لا نعلم فيه خلافا. و يجب علي الفور.

و لو أفسد القضاء، لم يجب قضاؤه، و إنّما يقضي عن الحجّ الأوّل.

و لو أحصر في حجّ فاسد، فله التحلّل إجماعا، لأنّه يباح له في الصحيح ففي الفاسد أولي.

فلو أحلّ فزال الحصر و في الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام، و لا يتصوّر القضاء في عام الإفساد في غير هذه الصورة.

و لو حجّ تطوّعا فأفسده ثم أحصر، كان عليه بدنة للإفساد و دم للإحصار، و يكفيه قضاء واحد في القابل، لأنّ المقضي واحد.

و يجب القضاء علي الفور - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه لزم و تضيّق بالشروع.

و لقول الصحابة و الأئمّة عليهم السّلام: إنّه يقضي من قابل.

و للشافعي قول آخر: إنّه علي التراخي، كالأصل.4.

ص: 58


1- فتح العزيز 473:7-474.

و لأنّ الوقت قد فات، و استوت بعده الأوقات(1).

و قد بيّنّا فساده.

و له ثالث: إنّه إن وجبت الكفّارة بعدوان فعل، فعلي الفور، لأنّ التراخي نوع [ترفيه](2) و إن لم يكن بعدوان، فعلي التراخي(3).

و أجري الجويني الخلاف في التعدّي بترك الصوم هل هو علي الفور أو علي التراخي ؟ و كذا الصلاة.

أمّا ما يجب فيه القتل، كترك الصلاة عمدا مع تخلّل التعزير ثلاث مرّات، فإنّه يجب فيه الفور(4) و أمّا ما لا عدوان فيه، فللشافعي وجهان تقدّما:

أحدهما: الفور، لقوله عليه السّلام: (فليصلّها إذا ذكرها).

و الثاني: جواز التأخير، لما رووه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه فاتته صلاة الصبح، فلم يصلّها حتي خرج من الوادي.

و قد عرفت أنّه يحرم في القضاء من الميقات.

و قال الشافعي: إن أحرم قبل الميقات، أحرم في القضاء من ذلك المكان. و قد سبق(5).

و لو جاوزه، أراق دما، كما لو جاوز الميقات الشرعي.

و إن كان قد أحرم من الميقات، فعليه في القضاء مثله.

و إن كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات، فإن كان مسيئا بتجاوزه،1.

ص: 59


1- فتح العزيز 473:7.
2- «ترفيه»: صحّفت في «ف» و الطبعة الحجرية ب «تفرقة» و لم يتبيّن لنا اللفظ في «ط، ن» لسقوطه فيهما، و ما أثبتناه من المصدر.
3- فتح العزيز 474:7.
4- فتح العزيز 474:7.
5- سبق في المسألة 421.

لزمه في القضاء أن يحرم من الميقات، و ليس له أن يسيء ثانيا، و إن جاوزه غير مسيء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد، فوجهان:

أحدهما: أنّه يحرم في القضاء من الميقات الشرعي، لأنّه الواجب في الأصل.

و أصحّهما عندهم: أنّه يحرم من ذلك الموضع، و لا يلزمه الميقات الشرعي، سلوكا بالقضاء مسلك الأداء.

و لهذا لو اعتمر المتمتّع من الميقات ثم أحرم بالحجّ من مكّة و أفسده، لا يلزمه في القضاء أن يحرم من الميقات، بل يكفيه أن يحرم من جوف مكّة(1).

و لو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدني الحلّ ثم أفسدها، يكفيه أن يحرم في قضائها من أدني الحلّ.

و الوجهان(2) مفروضان فيما إذا لم يرجع إلي الميقات فما فوقه، أمّا إذا رجع ثم عاد، فلا بدّ من الإحرام من الميقات.

و إذا خرجت المرأة للقضاء، ففي وجوب ما زاد من النفقة بسبب السفر علي الزوج وجهان(3).

و إذا خرجا معا للقضاء، فليفترقا في الموضع الذي اتّفقت الإصابة فيه.

و للشافعي قولان في وجوبه:

ففي القديم: نعم - و به قال أحمد(4) - لقول ابن عباس: فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرّقا(5).7.

ص: 60


1- فتح العزيز 474:7.
2- الوجهان في فتح العزيز 475:7 و 476.
3- الوجهان في فتح العزيز 475:7 و 476.
4- المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3.
5- سنن البيهقي 165:5، المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3، فتح العزيز 476:7.

و الجديد: لا - و به قال أبو حنيفة(1) - كما لا يجب في سائر المنازل.

و يستحب أن يفترقا من حين الإحرام.

و قال مالك بوجوبه(2).

مسألة 429: لو عرضت الردّة في خلال الحجّ و العمرة، فالوجه: فساد النسك

إن كان قبل فعل ما يبطل الحجّ تركه عمدا.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: أنّه لا تفسدهما، لكن لا يعتدّ بالمأتي به في زمان الردّة علي ما مرّ نظيره في الوضوء و الأذان.

و أصحّهما عندهم: الفساد، كما تفسد الصوم و الصلاة.

و لا فرق علي الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر.

و علي القول بالفساد فوجهان:

أظهرهما: أنّه يبطل النسك بالكلّية حتي لا يمضي فيه لا في الردّة و لا إذا عاد إلي الإسلام، [لأنّ الردّة محبطة للعبادة.

و الثاني: أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع، فيمضي فيه لو عاد إلي الإسلام](3) لكن لا تجب الكفّارة، كما أنّ فساد الصوم بالردّة لا تتعلّق به الكفّارة.

و من قال بالأوّل فرّق [بينها و بين الجماع بمعني الإحباط.

و أيضا فإنّ ابتداء الإحرام لا ينعقد مع الردّة بحال.

و في انعقاده مع الجماع](4) ثلاثة أوجه:

ص: 61


1- بدائع الصنائع 218:2.
2- فتح العزيز 476:7، المجموع 399:7، المغني 385:3، الشرح الكبير 3: 324، حلية العلماء 311:3، بداية المجتهد 371:1.
3- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.
4- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.

أحدها: أنّه ينعقد علي الصحة، فإن نزع في الحال، فذاك، و إلاّ فسد نسكه، و عليه البدنة، و القضاء، و المضيّ في الفاسد.

و الثاني: أنّه ينعقد فاسدا، و عليه القضاء، و المضيّ فيه، مكث أو نزع [و لا تجب الفدية إن نزع](1) في الحال، و إن مكث، وجبت الكفّارة.

و هل هي بدنة أو شاة ؟ يخرّج علي القولين في نظائر هذه الصورة.

الثالث: لا ينعقد أصلا، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(2).

البحث السابع: في اللواحق.
مسألة 430: يجوز لبس السلاح للمحرم إذا خاف العدوّ، و لا كفّارة،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أ يحمل المحرم السلاح ؟ فقال: «إذا خاف المحرم عدوّا أو سرقا فليلبس السلاح»(3).

و يجوز للمحرم أن يؤدّب غلامه و هو محرم عند الحاجة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه و بين عشرة أسواط»(4).

و لو اقتتل اثنان في الحرم، لزم كلّ واحد منهما دم، لقول الصادق عليه السّلام، في رجلين اقتتلا و هما محرمان: «سبحان اللّه بئس ما صنعا» قلت: قد فعلا، ما الذي يلزمهما؟ قال: «علي كلّ واحد منهما دم»(5).

مسألة 431: إذا اجتمعت أسباب مختلفة، كاللّبس و القلم و الطيب،

ص: 62


1- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.
2- فتح العزيز 479:7.
3- التهذيب 387:5-1352.
4- التهذيب 387:5-1353.
5- الكافي 367:4-9، التهذيب 463:5-464-1618.

لزمه عن كلّ واحد كفّارة، سواء اتّحد الوقت أو تعدّد، كفّر عن الأوّل أو لا، لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في إيجاب الكفّارة، و الحقيقة باقية عند الاجتماع، فيوجد أثرها.

و لو اتّحد نوع الفعل، فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: إتلاف علي وجه التعديل، كقتل الصيد، فإنّه يعدل به، و يجب فيه مثله، و يختلف بالصغر و الكبر، فعلي أيّ وجه فعله وجب عليه الجزاء.

و لو تكرّر تكرّرت إجماعا، لأنّ المثل واجب، و هو إنّما يتحقّق بالتعدّد لو تعدّدت الجناية.

الثاني: إتلاف مضمون لا علي وجه التعديل، كحلق الشعر و تقليم الأظفار، فهما جنسان، فإن حلق أو قلّم دفعة واحدة، كان عليه فدية واحدة، و إن فعل ذلك في أوقات، كأن يحلق بعض رأسه غدوة و بعضه عشيّة، تعدّدت الكفّارة عليه، و إن كان في دفعة واحدة و وقت واحد، وجبت فدية واحدة.

الثالث: الاستمتاع باللّبس و الطيب و القبلة، فإن فعله دفعة بأن لبس كلّ ما يحتاج إليه دفعة، أو تطيّب بأنواع الطيب دفعة واحدة، أو قبّل و أكثر منه، لزمه كفّارة واحدة، و إن فعل ذلك في أوقات متفرّقة، لزمه عن كلّ فعل كفّارة، سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه مع تعدّد الوقت يتعدّد الفعل، و قد كان كلّ واحد سببا تامّا في إيجاب الكفّارة، فكذا مع الاجتماع.3.

ص: 63


1- المغني 529:3، الشرح الكبير 351:3، فتح العزيز 484:7، حلية العلماء 309:3.

و قال الشافعي: إن كفّر عن الأوّل، لزمه كفّارة أخري عن الثاني، و إن لم يكفّر، لم يكن عليه سوي كفّارة واحدة(1).

و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و في الأخري: إن كان السبب واحدا، اتّحدت الكفّارة، كمن لبس ثوبين للحرّ، و إن تعدّد، تعدّدت، كمن لبس ثوبا للحرّ و ثوبا للمرض(2).

و قال مالك: تتداخل كفّارة الوطء دون غيره(3).

مسألة 432: لو جنّ بعد إحرامه ففعل ما يفسد به الحجّ من الوطء قبل الوقوف بالموقفين، لم يفسد حجّة،

لأنّ العاقل لو فعل ذلك ناسيا، لم يبطل حجّه، فهنا أولي.

و لقوله عليه السّلام: (رفع القلم عن المجنون حتي يفيق)(4).

و أمّا الصيد فيضمنه بإتلافه، لأنّ حكم العمد و السهو فيه واحد.

و أمّا الصبي فإذا قتل صيدا، ضمنه، كالبالغ.

و إن تطيّب أو لبس، فإن كان ناسيا، لم يكن عليه شيء، و إن كان عامدا، فإن قلنا: إنّ عمده و خطأه واحد، فلا شيء عليه أيضا، و إن قلنا: إنّ عمده في غير القصاص عمد، وجبت الكفّارة قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّ الكفّارة تتعلّق به علي وليّه و إن قلنا:

إنّه لا يتعلّق به شيء، لما روي عنهم عليهم السّلام من أنّ عمد الصبي

ص: 64


1- فتح العزيز 484:7، المجموع 378:7، المغني 528:3، الشرح الكبير 3: 351.
2- المغني 528:3، الشرح الكبير 350:3-351.
3- المغني 529:3، الشرح الكبير 351:3.
4- سنن أبي داود 140:4-4400، سنن ابن ماجة 658:1-2041، سنن النسائي 156:6، سنن البيهقي 325:4 و 317:10.

و خطأه سواء، و الخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به الكفّارة من البالغين، كان قويّا(1).

و أمّا قتل الصيد: فإنّه يضمنه علي كلّ حال.

و أمّا الحلق و تقليم الأظفار، فإنّ حكمهما عندنا كحكم اللّبس و الطيب من أنّ عمده مخالف لخطئه.

و أمّا إذا وطئ بشهوة، فإنّه قد يحصل من الصبي قبل بلوغه فإنّما يبلغ بالإنزال لا بالوطء و شهوته، فإذا فعل، فإن كان ناسيا أو جاهلا، لم يكن عليه شيء، كالبالغ.

و إن كان عامدا و اعتبرنا عمده، فسد حجّه إن وطئ قبل الوقوف بالموقفين، و وجبت البدنة.

و إن كان خطأ، لم يكن عليه شيء.

و إذا وجبت البدنة علي تقدير العمد، ففي محلّ وجوبها وجهان:

أحدهما: عليه.

و الثاني: علي وليّه.

و إذا قلنا بفساد الحجّ، فهل يجب عليه القضاء؟ وجهان:

أحدهما: الوجوب، لأنّه وطئ عمدا قبل الوقوف بالموقفين، فوجب القضاء، عملا بالعموم.

و لأنّ كلّ من وجبت البدنة في حقّه للإفساد وجب عليه القضاء، كالبالغ.

و الثاني: عدم الوجوب، لأنّه غير مكلّف، فلا يتوجّه عليه الأمر1.

ص: 65


1- المبسوط - للطوسي - 329:1.

بالوجوب في القضاء، كما لا يتوجّه في الأداء. و هو الأقوي.

و إذا أوجبنا عليه القضاء، هل يجزئه أن يقضيه في حال صغره أم لا؟ فيه تردّد.

قال مالك و أحمد: لا يجزئه، لأنّها حجّة واجبة، فلم تقع منه في صغره، كحجة الإسلام(1).

و قال الشافعي في أحد القولين: يجزئه، لأنّ أداء هذه العبادة يصحّ منه في حال الصغر، كذلك قضاؤها، بخلاف حجّة الإسلام(2).

و إذا أوجبنا علي الصبي القضاء فقضي في حال بلوغه، فهل يجزئه عن حجّة الإسلام ؟ الوجه: التفصيل، و هو أن يقال: إن كانت الحجّة التي أفسدها لو صحّت أجزأته - بأن يكون قد بلغ قبل مضيّ وقت الوقوف - أجزأه القضاء، و إن كان لو بلغ فيها بعد الوقوف، لم يجزئه القضاء، و وجب عليه حجّة أخري للإسلام.

تذنيب: لو خرجت قافلة إلي الحج فأغمي علي واحد منهم، لم يصر محرما بإحرام غيره عنه

- و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(3) - لأنّه بالغ، فلا يصير محرما بإحرام غيره عنه، كالنائم.

و لأنّه لو أذن في ذلك و أجازه لم يصح.

و قال أبو حنيفة: يصير محرما بإحرام بعض الرفقة، لأنّه علم ذلك من3.

ص: 66


1- فتح العزيز 426:7.
2- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7.
3- المجموع 38:7، المبسوط - للسرخسي - 160:4، المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3.

قصده، و تلحقه المشقّة في ترك ذلك، فأجزأ عنه إحرام غيره(1).

و الجواب: أنّا قد بيّنّا أنّه لو أذن له فيه لم يصح، فكيف مع علم القصد المجرّد عن الإذن!؟

مسألة 433: لو قبّل امرأته بعد طواف النساء، فإن كانت هي قد طافت، لم يكن عليهما شيء،

لأنّه بعد طواف النساء تحلّ له النساء، و إن كانت لم تطف، فقد روي أنّ عليه دما يهريقه، لأنّ القبلة بالنسبة إليها حرام، و قد فعلها هو، فكانت عليه العقوبة، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي:

«عليه دم يهريقه من عنده»(2).

و لو قلع ضرسه مع الحاجة إليه، لم يكن عليه شيء، و إن كان لا مع الحاجة، وجب عليه دم شاة، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، لرواية(4) مرسلة.

مسألة 434: لو أحصر فبعث بهديه ثم احتاج إلي حلق رأسه لأذي قبل أن يبلغ الهدي محلّه، جاز له أن يحلقه، و يتصدّق

بالنسك أو الإطعام أو الصيام علي ما قلناه، لأنّ غير المحصر كذلك، فكذا المحصر.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة مكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدّق علي ستة مساكين، و الصوم ثلاثة أيّام و الصدقة نصف صاع لكلّ مسكين»(5).

ص: 67


1- المبسوط - للسرخسي - 160:4، المجموع 38:7، المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3.
2- الكافي 378:4-3، التهذيب 323:5-1109.
3- النهاية: 235، المبسوط - للطوسي - 350:1، التهذيب 385:5 ذيل الحديث 1343.
4- التهذيب 385:5-1344.
5- التهذيب 334:5-1149، الاستبصار 196:2-658.
المطلب الخامس في أحكام الإحرام
مسألة 435: الإحرام ركن في الحجّ إذا أخلّ به عامدا، بطل الحجّ،

و إن كان ناسيا حتي أكمل المناسك، قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ حجّه إذا كان قد عزم علي فعله أوّلا(1) ، كما لو نسي الطواف أو السعي.

و قوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(2).

و لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل نسي الإحرام بالحجّ، فذكره و هو بعرفات، ما حاله ؟ قال: «يقول: اللّهم علي كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه»(3).

فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتي يرجع إلي بلده، فإن كان قد قضي مناسكه كلّها، فقد تمّ حجّه.

و روي جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعي، قال:

«يجزئه إذا كان قد نوي ذلك فقد تمّ حجّه و إن لم يهلّ»(4).

و قال ابن إدريس من علمائنا: تجب عليه الإعادة، لقوله عليه السّلام:

(لا عمل إلاّ بنيّة)(5) و هذا عمل بغير نيّة(6). و ليس بشيء.

ص: 68


1- النهاية: 211، المبسوط - للطوسي - 314:1.
2- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
3- التهذيب 175:5-586 و 476-1678.
4- الكافي 325:4-8، التهذيب 61:5-192.
5- أمالي الطوسي 303:2.
6- السرائر: 124.
مسألة 436: لا يقع الإحرام إلاّ من محلّ،

فلو كان محرما بالحجّ، لم يجز له أن يحرم بالعمرة، و هو أصحّ قولي الشافعي [و الثاني: جواز إدخال العمرة علي الحج](1)(2) و به قال أبو حنيفة(3).

و كذا لا يجوز إدخال الحجّ علي العمرة.

و قال جميع العامّة بجوازه(4).

و يبطله قوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (5) و مع الإدخال لا يتحقّق الإتمام.

و قد جوّز علماؤنا للمفرد فسخ حجّه إلي التمتّع و بالعكس لمن ضاق عليه الوقت، أو منعه عذر الحيض و المرض و شبهه، كما أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله أصحابه بالأوّل(6) ، و عائشة بالثاني(7).

و ليس للقارن نقل حجّه إلي التمتّع، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأنّ

ص: 69


1- أضفناها اعتمادا علي المصادر التالية و علي حكاية المصنّف لقولي الشافعي في ج 7 ص 179، المسألة 132، و منتهي المطلب 685:2.
2- فتح العزيز 125:7، و المجموع 173:7، الحاوي الكبير 38:4، و كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338 و 441.
3- تحفة الفقهاء 413:1، فتح العزيز 125:7، المغني 515:3، الشرح الكبير 245:3، و كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338 و 441.
4- كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338، و انظر: الحاوي الكبير 38:4، و فتح العزيز 121:7-122، و المجموع 127:7، و المغني 514:3، و الشرح الكبير 245:3.
5- البقرة: 196.
6- صحيح البخاري 176:2، صحيح مسلم 885:2-143، سنن البيهقي 4: 356 و 3:5، المعجم الكبير - للطبراني - 145:7-6571.
7- صحيح البخاري 172:2 و 4:3، صحيح مسلم 870:2-1211، سنن أبي داود 153:2-1781، سنن النسائي 166:5، سنن البيهقي 353:4.

من لم يكن معه هدي فليحلّ، و تأسّف النبي صلّي اللّه عليه و آله علي فوات المتعة(1)كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.(2) ، و لو جاز العدول كالمفرد، لفعلها عليه السّلام، لأنّها الأفضل.

و لا يجوز أن يقرن إحراما واحدا للنسكين، فلو قرن بين الحجّ و العمرة في إحرامه، لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحجّ، قاله الشيخ في الخلاف(3) ، فإن أتي بأفعال الحجّ، لم يلزمه دم.

و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحلّ و يجعلها متعة، جاز ذلك، و يلزمه الدم - و به قال الشافعي و مالك و الأوزاعي و الثوري و طاوس و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لأصالة براءة الذمّة من الدم لو أتي بأفعال الحجّ بانفراده، فيقف شغلها علي دليل، و لم يثبت.

و قال الشعبي: عليه بدنة(5).

و قال داود: لا شيء عليه(6).

و استفتي محمد - ابنه - عن هذا بمكّة، فأفتي بمذهب أبيه، فجرّوا برجله(6).

مسألة 437: يجوز للقارن و المفرد إذا قدما مكّة الطواف،

لكنّهما يجدّدان التلبية، ليبقيا علي إحرامهما.

و لو لم يجدّد التلبية، قال الشيخ رحمه اللّه: أحلاّ و صارت حجّتهما مفردة(7).

و قال في التهذيب: إنّما يحلّ المفرد لا القارن(8).

و أنكر ابن إدريس ذلك، و قال: إنّما يحلاّن بالنيّة لا بمجرّد الطواف

ص: 70


1- المصادر في الهامش
2- من ص 69.
3- الخلاف 264:2، المسألة 30، و تقدّم في ج 7 ص 179، المسألة 133.
4- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
5- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
6- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
7- النهاية: 208 و 209.
8- التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.

و السعي(1).

و الشيخ - رحمه اللّه - استدلّ: بما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (إذا أهلّ الرجل بالحجّ ثم قدم مكّة و طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة فقد حلّ و هي عمرة)(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المفرد للحجّ هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال: «نعم ما شاء، و يجدّد التلبية بعد الركعتين، و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية»(3).

قال الشيخ: فقه هذا الحديث: أنّه قد رخص للقارن و المفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين، فمتي فعلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية، يصيرا محلّين، و لا يجوز ذلك، فلأجله أمر المفرد و السائق بتجديد التلبية مع أنّ السائق لا يحلّ و إن كان قد طاف، لسياقه الهدي(4).

مسألة 438: إذا أتمّ المتمتّع أفعال عمرته و قصّر، فقد أحلّ،

و إن كان قد ساق هديا، لم يجز له التحلّل، و كان قارنا - قاله الشيخ في الخلاف(5) ، و به قال ابن أبي عقيل(6) - لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من لم يكن ساق الهدي فليتحلّل)(7)

ص: 71


1- السرائر: 123.
2- سنن أبي داود 156:2-1791، جامع الأصول 315:3-1622.
3- التهذيب 44:5-131.
4- التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.
5- الخلاف 282:2، المسألة 57.
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 339.
7- أورده المحقّق في المعتبر: 339 بتفاوت يسير في اللفظ، و نحوه في صحيح مسلم 907:2-1236، و سنن النسائي 246:5 و سنن البيهقي 18:5، و مسند أحمد 292:3.

شرط في التحلّل عدم السياق.

شرط في التحلّل عدم السياق.

و قال الشافعي: يتحلّل، سواء ساق هديه أو لم يسق(1).

و قال أبو حنيفة: إن لم يكن ساق، تحلّل، و إن كان ساق، لم يتحلّل، و استأنف إحراما للحجّ، و لا يحلّ حتي يفرغ من مناسكه(2).

و هو باطل، لأنّ تجديد الإحرام إنّما يمكن مع الإحلال، أمّا المحرم فهو باق علي إحرامه، فلا وجه لتجديد الإحرام.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يتحلّل، و علّل بأنّه ساق الهدي(3) ، و قال عليه السّلام:

(لا يتحلّل سائق الهدي حتي يبلغ الهدي محلّه)(4).

مسألة 439: إذا فرغ المتمتّع من عمرته و أحلّ ثم أحرم بالحجّ، فقد استقرّ دم التمتّع بإحرام الحجّ عليه

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي(5) - لقوله تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6) فجعل الحجّ غاية لوجوب الهدي، و الغاية وجود أوّل الحجّ دون إكماله، كما في قوله تعالي ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (7).

ص: 72


1- فتح العزيز 127:7، المجموع 180:7، حلية العلماء 267:3، الشرح الكبير 256:3، و حكي قولهما المحقّق في المعتبر: 339.
2- فتح العزيز 127:7، المجموع 180:7، حلية العلماء 267:3، الشرح الكبير 256:3، و حكي قولهما المحقّق في المعتبر: 339.
3- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-374، سنن الدارمي 46:2، المحرّر في الحديث 1: 397-685، و كما في المعتبر: 339.
4- أورده المحقّق في المعتبر: 339 بتفاوت يسير في اللفظ.
5- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3، حلية العلماء 262:3، فتح العزيز 168:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 184:7، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 273:2، المسألة 44.
6- البقرة: 196.
7- البقرة: 187.

و ما رواه العامّة عن ابن عمر قال: تمتّع الناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (من كان معه هدي فإذا أهلّ بالحجّ فليهد، و من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلي أهله)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكة حتي يحضر الحج فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاوز حتي يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة، و إنّما الأضحي علي أهل الأمصار»(2).

مسألة 440: المتمتّع إذا طاف و سعي للعمرة ثم أحرم بالحجّ قبل أن يقصّر، قال الشيخ: بطلت متعته

و كانت حجّته مبتولة، و إن فعل ذلك ناسيا فليمض فيما أخذ فيه، و قد تمّت متعته، و ليس عليه شيء(3).

لرواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل تمتّع فطاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، و هي حجّة مبتولة»(4).

و دلّ علي حال النسيان: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: عن رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتي أحرم بالحجّ، قال:

«يستغفر اللّه»(5).

ص: 73


1- أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 273:2، المسألة 44، و في صحيح مسلم 901:2-1227 و سنن أبي داود 160:2-1805، و سنن النسائي 151:5، و سنن البيهقي 17:5 بتفاوت يسير.
2- الكافي 487:4 (باب من يجب عليه الهدي..) الحديث 1، التهذيب 5: 199-662، الإستبصار 259:2-913.
3- النهاية: 215.
4- التهذيب 90:5-296، الإستبصار 175:2-176-580.
5- الكافي 440:4-1، التهذيب 90:5-297، الاستبصار 175:2-577.

و قال بعض علمائنا في الناسي: عليه دم(1).

و قال بعضهم: يبطل الإحرام الثاني، سواء وقع عمدا أو سهوا، و يبقي علي إحرامه الأوّل(2).

مسألة 441: قد تقدّم

مسألة 441: قد تقدّم(3) أنّ إحرام المتمتّع و المفرد ينعقد بالتلبية،

و أنّ إحرام القارن ينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد، فإن عقد بالتلبية، استحبّ له الإشعار أو التقليد - و به قال الشافعي و مالك(4) ، إلاّ أنّ الشافعي قال: الإحرام ينعقد بمجرّد النيّة و إن لم يلبّ و لا أشعر و لا قلّد(5) - لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم(6) عنها(7).

و عن عروة [عن المسور](8) بن مخرمة و مروان، قالا: خرج

ص: 74


1- كالشيخ الطوسي في الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 232، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 223:1-225، و ابن حمزة في الوسيلة: 168.
2- ابن إدريس في السرائر: 136.
3- تقدّم في ج 7 ص 248، المسألة 186.
4- الام 216:2، مختصر المزني: 73-74، الحاوي الكبير 372:4، حلية العلماء 363:3، المجموع 358:8، المغني 591:3، المحلّي 112:7، بداية المجتهد 377:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 162، المنتقي - للباجي - 312:2، التفريع 332:1، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 439:2، المسألة 337، و المحقّق في المعتبر: 339.
5- الحاوي الكبير 81:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 224:7 و 225، الوجيز 116:1، فتح العزيز 201:7-202، المغني 246:3-247، الشرح الكبير 237:3، بداية المجتهد 337:1.
6- سلت الدم: أي إماطة. النهاية - لابن الأثير - 387:2 «سلت».
7- صحيح مسلم 912:2-1243، سنن أبي داود 146:2-1752، سنن الدارمي 66:2.
8- أضفناها من المصادر.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلمّا كان بذي الحليفة قلّد الهدي و أشعره(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير»(2).

و قال أبو حنيفة: الإشعار مثلة و بدعة و تعذيب للحيوان، و لم يعرف تقليد الغنم(3).

و هو مدفوع بما تقدّم(4).

و بما رواه العامّة عن جابر الأنصاري قال: كان هدايا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله غنما مقلّدة(5).

و عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أهدي غنما مقلّدة(6).

مسألة 442: إذا قصّر المتمتّع من عمرته، أحرم للحجّ من مكّة،

و فعل حالة الإحرام يوم التروية كما فعله أوّلا عند الميقات من أخذ الشارب و قلم الأظفار و الاغتسال و غير ذلك، لأنّه أحد الإحرامين، فاستحبّ فيه ما استحبّ في الآخر.

ص: 75


1- صحيح البخاري 207:2، سنن أبي داود 146:2-1754، سنن النسائي 5: 170، سنن البيهقي 131:5.
2- التهذيب 44:5-130.
3- المجموع 358:8، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 364:5، معالم السنن - للخطابي - 291:2، الحاوي الكبير 372:4، حلية العلماء 3: 364، المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 439:2، المسألة 337، و المحقّق في المعتبر: 339.
4- تقدّم آنفا.
5- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 440:2 ذيل المسألة 338، و المحقّق في المعتبر: 339.
6- سنن أبي داود 146:2-1755، و أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 440:2 ذيل المسألة 338، و المحقّق في المعتبر: 339.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم»(1) الحديث، إلاّ أنّه هنا يلبّي بالحجّ.

مسألة 443: إحرام المرأة كإحرام الرجل إلاّ في أمرين:

رفع الصوت بالتلبية، و قد تقدّم(2) ، و لبس المخيط، فإنّه جائز لهنّ، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه نهي النساء في إحرامهنّ عن القفّازين و النقاب و ما مسّه الورس من الثياب، و لتلبس بعد ذلك ما أحبّته من ألوان الثياب(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين» وكره النقاب و قال: «تسدل الثوب علي وجهها» قال: حدّ ذلك إلي أين ؟ قال: «إلي طرف الأنف قدر ما تبصر»(4).

مسألة 444: إحرام المرأة في وجهها،

فلا تخمره، و لا يجوز لها أن تغطّيه بمخيط و لا بغيره بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (لا تتنقّب المرأة و لا تلبس القفّازين)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «المحرمة لا تتنقّب لأنّ إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه»(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز لها أن تسدل الثوب علي رأسها إلي طرف

ص: 76


1- الكافي 454:4-2، التهذيب 168:5-559، الاستبصار 251:2-881.
2- تقدّم في ج 7 ص 250-251، المسألة 188.
3- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 52:5.
4- الكافي 344:4-1، التهذيب 73:5-74-243.
5- صحيح البخاري 19:3، سنن أبي داود 165:2-1825، سنن الترمذي 3: 194-195-833، سنن النسائي 135:5-136، سنن البيهقي 46:5.
6- الكافي 346:4-7، الفقيه 219:2-1009.

أنفها، و تستر المحرمة سائر جسدها إلاّ وجهها، و لها سدل الثوب علي وجهها بحيث لا يمسّه، لأنّه ليس بستر حقيقة، و لهذا جاز للمحرم أن يظلّل علي نفسه حالة النزول.

و لو أصاب الثوب وجهها، قال بعض العامّة: إن إزالته في الحال، فلا شيء عليها، و إلاّ وجب عليها دم(1).

و لا يجوز لها لبس البرقع، للرواية(2).

و يجوز لها لبس السراويل، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام: عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل ؟ قال: «نعم إنّما تريد بذلك الستر»(3).

و يجوز لها أن تلبس الغلالة إذا كانت حائضا لتحفظ ثيابها من الدم، لأنّ الصادق عليه السّلام قال: «تلبس المرأة المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(4).1.

ص: 77


1- المغني 312:3، الشرح الكبير 330:3.
2- الكافي 345:4-6، التهذيب 75:5-247، الإستبصار 309:2-1101.
3- الكافي 346:4-11، الفقيه 219:2-1013، التهذيب 76:5-252.
4- الفقيه 219:2-1011، التهذيب 76:5-251.

ص: 78

الفصل الثاني في دخول مكّة
اشارة

إذا فرغ المتمتّع من إحرام العمرة من الميقات ثم صار إلي مكّة فقارب الحرم، استحبّ له أن يغتسل قبل دخوله، لأنّ أبان بن تغلب كان مع الصادق عليه السّلام، لمّا انتهي إلي الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: «يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه عزّ و جلّ محا اللّه عنه مائة ألف سيّئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بني له مائة ألف درجة، و قضي له مائة ألف حاجة»(1).

و لو لم يتمكّن من الغسل عند دخول الحرم، جاز له أن يؤخّره إلي قبل دخول مكة، فإن لم يتمكّن، فبعد دخولها، للرواية(2).

مسألة 445: يستحب له مضغ شيء من الإذخر عند دخول الحرم،

ليطيب فمه.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه» و كان يأمر أمّ فروة بذلك(3).

و يستحب له الدعاء عند دخول الحرم بالمنقول، فإذا نظر إلي بيوت مكة، قطع التلبية، و حدّها عقبة المدينين. و لو أخذ علي طريق المدينة، قطع التلبية إذا نظر إلي عريش مكة، و هي عقبة ذي طوي - و هو من سواد

ص: 79


1- الكافي 398:4-1، التهذيب 97:5-317.
2- الكافي 398:4-5، و 400-4، التهذيب 97:5-98-318 و 319.
3- الكافي 398:4-3، التهذيب 98:5-320.

مكة قريب منها - بضم الطاء، و قد تفتح و تكسر.

و يستحب له أن يدخل مكة من أعلاها إذا كان داخلا من طريق المدينة، و يخرج من أسفلها، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السّلام:

من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة ؟ قال: «ادخل من أعلي مكة، و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة»(1).

و روي العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يدخل من الثنيّة العليا و يخرج من الثنيّة السفلي(2).

و هذا في حقّ من يجيء من المدينة و الشام، فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة. و كذا في الاغتسال بذي طوي.

و قيل: بل هو عام، ليحصل التأسّي بالنبي صلّي اللّه عليه و آله.

و يستحب له أن يغتسل لدخول مكّة من بئر ميمون أو فخّ، لما روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فعله(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (4) و ينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلاّ و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذي و تطهّر»(5).2.

ص: 80


1- الكافي 399:4 (باب دخول مكة) الحديث 1، التهذيب 98:5-321.
2- صحيح البخاري 178:2، صحيح مسلم 918:2-1257، سنن ابن ماجة 2: 981-2940، سنن أبي داود 174:2-1866، سنن النسائي 200:5، سنن الترمذي 209:3-853.
3- صحيح مسلم 919:2-227، سنن الترمذي 208:3-852، سنن البيهقي 71:5.
4- البقرة: 125.
5- الكافي 400:4-3، التهذيب 98:5-99-322.

و لو اغتسل ثم نام قبل دخولها، استحب إعادته، لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام [فيتوضّأ](1) قبل أن يدخل الحرم، قال: «لا يجزئه، لأنّه إنّما دخل بوضوء»(2).

و يستحب له أن يدخل مكة بسكينة و وقار حافيا، لأنّه أبلغ في الطاعة.

و لأنّ الصادق عليه السّلام فعله(3).

مسألة 446: دخول مكة واجب للمتمتّع،

أوّلا يطوف بالبيت و يسعي و يقصّر ثم ينشئ إحرام الحجّ، أمّا القارن و المفرد فلا يجب عليهما ذلك، لأنّ الطواف و السعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين و نزول مني و قضاء بعض مناسكها، لكن يجوز لهما أيضا دخول مكة و المقام بها علي إحرامهما حتي يخرجا إلي عرفات، فإن أرادا الطواف بالبيت استحبابا، جاز، غير أنّهما يجدّدان التلبية عقيب كلّ طواف و سعي حتي يخرجا إلي عرفات.

و قد بيّنّا أنّ كلّ من دخل مكة يجب أن يكون محرما، إلاّ المتكرّر، كالحطّاب و المرضي و الرّعاة و المقاتل شرعا، و العبد، لأنّ السيّد لم يأذن له بالتشاغل عن خدمته.

و من يجب عليه دخول مكة بإحرام لو دخلها بغير إحرام، لم يجب عليه القضاء - و به قال الشافعي(4) - لأصالة البراءة.

ص: 81


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 400:4-8، التهذيب 99:5-325.
3- الكافي 398:4-1، التهذيب 97:5-317.
4- الحاوي الكبير 242:4، المهذّب - للشيرازي - 202:1، المجموع 13:7 و 16، المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.

و قال أبو حنيفة: عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة، فإن فعل في سنته لحجّة الإسلام أو منذورة أو عمرة منذورة، أجزأه ذلك عن عمرة الدخول [استحسانا](1) ، و إن لم يحجّ من سنته، استقرّ القضاء(2).

مسألة 447: الحائض و النفساء يستحب لهما الاغتسال لدخول مكّة،

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمر عائشة لمّا حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)(3).

و يجوز دخول مكّة ليلا و نهارا إجماعا، للأصل.

و حكي عن عطاء أنّه كره دخولها ليلا(4).

و قال إسحاق: دخولها نهارا أولي(5). و حكي ذلك عن النخعي(6).

و الأصل أنّه عليه السّلام دخلها تارة ليلا و تارة نهارا(7).

مسألة 448: إذا أراد دخول المسجد الحرام، استحبّ له أن يغتسل،

لما تقدّم(8). و أن يدخله علي سكينة و وقار حافيا بخشوع و خضوع من باب بني شيبة، لأنّ هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة، فاستحبّ الدخول منها ليطأه الداخل برجله. و يدعو بالمنقول.

ص: 82


1- في «ف، ط، ن» و الطبعة الحجرية: استحبابا. و الصحيح ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
3- صحيح البخاري 84:1 و 195:2، صحيح مسلم 873:2-874-120، سنن البيهقي 3:5 و 86، سنن الدارمي 44:2.
4- كما في الخلاف 319:2، المسألة 121، و في المجموع 7:8: و ممّن استحب دخولها نهارا:.. عطاء.
5- الحاوي الكبير 131:4، حلية العلماء 325:3، المجموع 7:8.
6- الحاوي الكبير 131:4، حلية العلماء 325:3، المجموع 7:8.
7- انظر: صحيح مسلم 919:2-226 و 227، و سنن أبي داود 174:2-1865، و سنن النسائي 199:5، و سنن الدارمي 70:2، و سنن البيهقي 72:5.
8- تقدّم في المسألة 445.
الفصل الثالث في الطواف
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته.
مسألة 449: الطهارة شرط في الطواف الواجب،

فلا يصحّ طواف المحدث عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي(1) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علي غير وضوء إلاّ الطواف بالبيت، و الوضوء أفضل»(3).

و لو شرع في الطواف الواجب علي غير طهارة فذكر، إعادة، لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السّلام: عن الرجل يطوف بغير وضوء أ يعتدّ بذلك الطواف ؟ قال: «لا»(4) و هو يتناول العامد و الساهي.

و لو ذكر في الأثناء أنّه محدث، أعاد الطواف من أوّله، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم - في الصحيح -: عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر

ص: 83


1- بداية المجتهد 343:1، الحاوي الكبير 144:4، الوجيز 118:1، فتح العزيز 286:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 15:7 و 17، المغني 3: 397، الشرح الكبير 409:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 397:3، و الشرح الكبير 409:3، و بتفاوت يسير في سنن الترمذي 293:3-960، و سنن البيهقي 87:5.
3- الفقيه 250:2-1201.
4- الكافي 420:4-1، التهذيب 116:5-378، الاستبصار 221:2-762

و هو في الطواف، فقال: «يقطع طوافه و لا يعتدّ به»(1).

و قال أبو حنيفة: ليست الطهارة شرطا(2). و اختلف أصحابه، فقال بعضهم بالأوّل(3) ، و بعضهم بالثاني(4).

و عن أحمد روايتان: إحداهما كقولنا، و الثاني: أنّ الطهارة ليست شرطا. فمتي طاف للزيارة غير متطهّر، أعاد ما دام مقيما بمكّة، فإن خرج إلي بلده، جبره بدم(5).

مسألة 450: لا تشترط الطهارة في طواف النافلة و إن كانت أفضل،

لقول الصادق عليه السّلام: في رجل طاف علي غير وضوء: «إن كان تطوّعا فليتوضّأ و ليصلّ»(6).

و سأل عبيد بن زرارة الصادق عليه السّلام: إنّي أطوف طواف النافلة و إنّي علي غير وضوء، فقال: «توضّأ و صلّ و إن كنت(7) متعمّدا»(8).

مسألة 451: يشترط خلوّ البدن و الثوب من النجاسة

في صحّة

ص: 84


1- الكافي 420:4-4، التهذيب 117:5-381، و فيهما: «.. و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف».
2- المبسوط - للسرخسي - 38:4، بدائع الصنائع 129:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 409:3، بداية المجتهد 343:1، الحاوي الكبير 144:4، المجموع 17:8، حلية العلماء 326:3.
3- أي: اشتراط الطهارة.
4- المبسوط - للسرخسي - 38:4، بدائع الصنائع 129:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 409:3، حلية العلماء 326:3-327.
5- المغني 397:3، الشرح الكبير 409:3، حلية العلماء 326:3، المجموع 17:8.
6- التهذيب 117:5-382، الإستبصار 222:2-766.
7- في النسخ الخطّية «ط، ف، ن» و الطبعة الحجرية: «كان» بدل «كنت» و ما أثبتناه من المصدر.
8- التهذيب 117:5-383، الاستبصار 222:2-767.

الطواف، سواء كانت النجاسة دما أو غيره، قلّت أو كثرت، لقوله عليه السّلام:

(الطواف بالبيت صلاة)(1).

و لأنّها شرط في الصلاة، فتكون شرطا في الطواف.

[و الستر شرط في الطواف](2) - و الخلاف فيه كما تقدّم - لقوله عليه السّلام:

(الطواف بالبيت صلاة)(3).

و قوله عليه السّلام: (لا يحجّ بعد العام مشرك و لا عريان)(4).

و لأنّها عبادة متعلّقة بالبدن، فكانت الستارة شرطا فيها، كالصلاة.

و الختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس أن تطوف المرأة»(5).

مسألة 452: يستحب أن يغتسل لدخول المسجد

و يدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل منها(6).

و يسلّم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و يدعو بالمأثور.

و يكون دخوله بخضوع و خشوع، و عليه سكينة و وقار، و يقول إذا نظر إلي الكعبة: الحمد للّه الذي عظّمك و شرّفك و كرّمك و جعلك مثابة للناس و آمنا مباركا و هدي للعالمين.

ص: 85


1- سنن النسائي 222:5، سنن الدارمي 44:2، سنن البيهقي 85:5 و 87، المستدرك - للحاكم - 459:1 و 267:2، المعجم الكبير - للطبراني - 34:11-10955.
2- أضفناها من منتهي المطلب 690:2 - للمصنّف - لأجل السياق.
3- المصادر في الهامش (1).
4- صحيح البخاري 188:2، صحيح مسلم 982:2-1347، سنن النسائي 5: 234، سنن البيهقي 87:5-88، و فيها (.. و لا يطوف بالبيت عريان).
5- التهذيب 126:5-413.
6- سنن البيهقي 72:5.
البحث الثاني: في كيفية الطواف.
مسألة 453: يجب في الطواف: النيّة،

و هي شرط، لقوله عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بالنيّة)(1).

و هو أن ينوي الطواف للحجّ أو العمرة واجبا أو ندبا قربة إلي اللّه تعالي.

و يجب أن يبتدئ في الطواف من الحجر الأسود الذي في الركن العراقي، فإنّ البيت له أربعة أركان: ركنان يمانيّان، و ركنان شاميّان، و كان لاصقا بالأرض، و له بابان: شرقيّ و غربيّ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعشر سنين، و أعادت قريش عمارته علي الهيئة التي هو عليها اليوم، و قصرت الأموال الطيّبة و الهدايا و النذور عن عمارته، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت.

روت عائشة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (ستّة أذرع من الحجر من البيت)(2) فتركوا بعض البيت من جانب الحجر خارجا، لأنّ النفقة كانت تضيق عن العمارة، و خلّفوا الركنين الشاميّين عن قواعد إبراهيم عليه السّلام، و ضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلي الشامي الذي يليه، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا، و هو الذي يسمّي: الشاذروان.

و روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعائشة: (لو لا حدثان قومك بالشرك

ص: 86


1- أمالي الطوسي 203:2.
2- صحيح مسلم 969:2-970-401 و فيه أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعائشة (.. و زدت فيها ستة أذرع من الحجر..) و كذا في سنن البيهقي 89:5.

لهدمت البيت و بنيته علي قواعد إبراهيم عليه السّلام، فألصقته بالأرض، و جعلت له بابين شرقيّا و غربيّا)(1).

ثم هدمه ابن الزبير أيّام ولايته، و بناه علي قواعد إبراهيم عليه السّلام، كما تمنّاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.

ثم لمّا استولي عليه الحجّاج، هدمه، و أعاده علي الصورة التي عليه اليوم، و هي بناء قريش و الركن الأسود، و الباب في صوب الشرق و الأسود، و هو أحد الركنين اليمانيّين، و الباب بينه و بين أحد الشاميّين، و هو الذي يسمّي عراقيّا أيضا، و الباب إلي الأسود أقرب منه إليه، و يليه الركن الآخر الشامي، و الحجر بينهما، و الميزاب بينهما، و يلي هذا الركن اليماني الآخر الذي عن يمين الأسود.

مسألة 454: و يجب أن يحاذي بجميع بدنه الحجر الأسود

في مروره(2) حين الابتداء به في الطواف، فلو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود، لم يعتد بما فعله حتي ينتهي إلي الحجر الأسود، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النيّة عنده أو استصحبها فعلا.

و لو نسيها و استمرّ علي نيّته الأولي، لم يعتد بذلك الشوط، فإن جدّد النيّة في ابتداء الشوط الثاني، و إلاّ بطل طوافه.

و ينبغي أن يمرّ عند الابتداء بجميع بدنه علي الحجر الأسود بأن لا يقدّم جزءا من الحجر، فلو حاذاه ببعض البدن، لم يعتد بذلك الطواف،

ص: 87


1- أورده نصّا الرافعي في فتح العزيز 290:7، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 2: 969-970-401، و سنن النسائي 216:5، و سنن البيهقي 89:5.
2- في «ف، ن» و الطبعة الحجرية: بروزه. و الأنسب ما أثبتناه، علما بأنّ الكلمة علي اختلافها لم ترد في «ط» لسقوطها.

و هو الجديد للشافعي(1) - و قال في القديم: يعتد به(2) - لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله بدأ بالحجر، فاستلمه، و فاضت عيناه من البكاء(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود»(4) و الأمر للوجوب، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 455: و كما يجب الابتداء بالحجر الأسود يجب الختم به

هكذا سبعة أشواط، فلو ترك و لو خطوة منها، لم يجزئه، و لا تحلّ له النساء حتي يعود إليها، فيأتي بها، لأنّ رعاية العدد شرط في صحة الطواف عندنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(5) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله طاف بالبيت سبعا(6).

و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: «يعيد ذلك الشوط»(8).

ص: 88


1- الوجيز 118:1، فتح العزيز 293:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 329:3، الحاوي الكبير 134:4-135.
2- الوجيز 118:1، فتح العزيز 293:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 329:3، الحاوي الكبير 134:4-135.
3- سنن البيهقي 74:5.
4- الكافي 419:4-2، الفقيه 249:2-1198.
5- الوجيز 118:1، فتح العزيز 303:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 21:8، الحاوي الكبير 151:4، حلية العلماء 328:3، المغني 3: 496، الشرح الكبير 511:3.
6- صحيح البخاري 189:2، سنن ابن ماجة 986:2-2959، سنن النسائي 5: 225 و 235، سنن البيهقي 73:5-74.
7- سنن البيهقي 125:5.
8- التهذيب 109:5-353.

و لأنّها عبادة واجبة ذات عدد فلا يقوم أكثر عددها مقام كلّها، كالصلاة.

و لأنّه مأمور بعدد، فلا يخرج عن العهدة ببعضه، إذ الفائت لا بدل له مطلقا.

و قال أبو حنيفة: إذا طاف أربعة أشواط، فإن كان بمكة، لزمه إتمام الطواف، و إن خرج، لزمه جبرها بدم، لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الجميع، فإنّ من أدرك ركوع الإمام أدرك ركعته، لأنّه أدرك أكثرها(1).

و هو خطأ، فإنّ الفائت هو القراءة و الإمام ينوب فيها، بخلاف صورة النزاع.

مسألة 456: و يجب أن يطوف علي يساره

بأن يجعل البيت عن يساره، و يطوف علي يمين نفسه، فلو نكس و جعل البيت عن يمينه و مرّ علي وجهه نحو الركن اليماني و طاف، لم يجزئه، و وجب عليه الإعادة عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ترك البيت في طوافه علي جانبه اليسار(3).

و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(4) فيجب اتّباعه.

ص: 89


1- الهداية - للمرغيناني - 166:1، حلية العلماء 328:3، فتح العزيز 303:7 - 304، الحاوي الكبير 151:4، المجموع 22:8، المغني 496:3، الشرح الكبير 511:3.
2- الحاوي الكبير 150:4، فتح العزيز 292:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 327:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 139، المغني 403:3، الشرح الكبير 407:3، المبسوط - للسرخسي - 44:4.
3- صحيح مسلم 893:2-150، سنن الترمذي 311:3-856، سنن البيهقي 5: 90.
4- سنن البيهقي 125:5.

و قال أبو حنيفة: يعيد الطواف ما دام بمكة، فإن فارقها، أجزأه دم شاة، لأنّه أتي بالطواف، و إنّما ترك هيئة من هيئاته، فلا يمنع إجزاءه كما لو ترك الرمل(1).

و الفرق ندبية الرمل.

مسألة 457: و يجب أن يجعل البيت علي جانبه الأيسر

و يطوف كذلك الأشواط السبعة، فلو استقبل البيت بوجهه و طاف معترضا، لم يصح - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه لم يولّ الكعبة شقّه الأيسر، كما أنّ المصلّي لمّا أمر بأن يولّي الكعبة صدره و وجهه، لم يجز له أن يولّيها شقّه.

و الوجه الثاني للشافعية: الجواز، لحصول الطواف في يسار البيت(3).

و كذا يجري الخلاف فيما لو ولاّها(4) بشقّه الأيمن و مرّ القهقري نحو الباب أو استدبر و مرّ معترضا.

و من صحّح الطواف فالمعتبر عنده أن يكون تحرّك الطائف و دورانه في يسار البيت.

مسألة 458: و يجب أن يكون بجميع بدنه خارجا من البيت،

فلا يجوز أن يمشي علي شاذروان البيت، لأنّه من البيت، و الطواف المأمور به هو الطواف بالبيت.

قال اللّه تعالي وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5) و إنّما يكون طائفا به لو كان خارجا عنه، و إلاّ كان طائفا فيه.

ص: 90


1- المبسوط - للسرخسي - 44:4، فتح العزيز 292:7، الحاوي الكبير 4: 150، حلية العلماء 327:3، المغني 403:3، الشرح الكبير 407:3.
2- فتح العزيز 292:7، المجموع 32:8.
3- فتح العزيز 292:7، المجموع 32:8.
4- في «ط، ف، ن» و الطبعة الحجرية: لو لاقاها. و الصحيح ما أثبتناه.
5- الحج: 29.

و يجب أن يدخل الحجر في طوافه، و هو الذي بين الركنين الشاميّين، و هو موضع محوّط عليه بجدار قصير بينه و بين كلّ واحد من الركنين فتحة، و الميزاب منصوب عليه، فلو مشي علي حائطه أو دخل من إحدي الفتحتين و خرج من الأخري و سلك الحجر، لم يجزئ، لأنّه يكون ماشيا في البيت، بل يجب أن يطوف حول الحجر - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كذا طاف(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود»(3).

و كتب إبراهيم بن سفيان إلي الرضا عليه السّلام: امرأة طافت طواف الحج، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت، فطافت في الحجر، و صلّت ركعتي الفريضة، وسعت و طافت طواف النساء، ثم أتت مني، فكتب: «تعيد»(4).

و القول الثاني للشافعي: إنّ الذي هو من البيت من الحجر قدر ستّة أذرع تتّصل بالبيت، لأنّ عائشة قالت: نذرت أن أصلّي ركعتين في البيت، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (صلّي في الحجر، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت)(5)(6).

و منهم من يقول: ستّة أو سبعة أذرع، بنوا الأمر فيه علي التقريب(7).

و قال أبو حنيفة: إذا سلك الحجر، أجزأه(8). و ليس بجيّد.2.

ص: 91


1- الوجيز 118:1، فتح العزيز 295:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 25:8 و 26.
2- سنن البيهقي 90:5.
3- الكافي 419:4-2، الفقيه 249:2-1198.
4- الفقيه 249:2-1199.
5- أورده الرافعي في فتح العزيز 296:7.
6- فتح العزيز 296:7، المجموع 25:8.
7- فتح العزيز 296:7، المجموع 25:8.
8- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 324:2، المسألة 132.

و لو دخل إحدي الفتحتين و خرج من الأخري، لم يحسب له - و به قال الشافعي في أحد قوليه(1) - و لا طوافه بعده حتي ينتهي إلي الفتحة التي دخل منها.

و لو خلّف القدر الذي هو من البيت ثم اقتحم الجدار و تخطّي الحجر، ففي صحّة طوافه للشافعية وجهان(2) ، و عندنا لا يصحّ، لما تقدّم.

مسألة 459: لو كان يطوف و يمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحجر، فالأقرب عدم الصحّة

- و هو أحد وجهي الشافعية(3) - لأنّ بعض بدنه في البيت، و نحن شرطنا خروج بدنه بأسره من البيت.

و الثاني للشافعية: الجواز، لأنّ معظم بدنه خارج، و حينئذ يصدق أن يقال: إنّه طائف بالبيت(4).

و هو ممنوع، لأنّ بعض بدنه في البيت، كما لو كان يضع إحدي رجليه أحيانا علي الشاذروان و يقف بالأخري.

مسألة 460: و يجب أن يكون الطواف

مسألة 460: و يجب أن يكون الطواف(5) داخل المسجد،

فلا يجوز الطواف خارج المسجد، كما يجب أن لا يكون خارج مكّة و الحرم.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت و المقام و يدخل الحجر في طوافه، فلو طاف في المسجد خلف المقام، لم يصح طوافه، لأنّه خرج بالتباعد عن القدر الواجب، فلم يكن مجزئا.

ص: 92


1- فتح العزيز 296:7-297، المجموع 25:8.
2- الموجود في فتح العزيز 297:7، و المجموع 25:8 صحّة طوافه.
3- فتح العزيز 297:7-298، المجموع 24:8.
4- فتح العزيز 297:7-298، المجموع 24:8.
5- في «ط، ف، ن»: أن يطوف.

روي محمد بن مسلم، قال: سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت، قال: «كان [الناس](1) علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت، فكان الحدّ من موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، فالحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت و من نواحي البيت كلّها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أكثر من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنّه طاف في غير حدّ، و لا طواف له»(2).

و قد روي الصدوق عن أبان عن محمد الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الطواف خلف المقام، قال: «ما أحبّ ذلك و ما أري به بأسا فلا تفعله إلاّ أن لا تجد منه بدّا»(3).

و هو يعطي الجواز مع الحاجة كالزحام.

و قال الشافعي: لا بأس بالحائل بين الطائف و البيت، كالسقاية و السواري، و لا بكونه في آخر باب المسجد و تحت السقف و علي الأروقة و السطوح إذا كان البيت أرفع بناء علي ما هو اليوم، فإن جعل سقف المسجد أعلي، لم يجز الطواف علي سطحه، و يستلزم أنّه لو انهدمت الكعبة - و العياذ باللّه - لم يصح الطواف حول عرصتها، و هو بعيد.

و لو اتّسعت خطّة المسجد، اتّسع المطاف، و قد جعلته العبّاسية أوسع ممّا كان في عهد النبي صلّي اللّه عليه و آله(4).8.

ص: 93


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 413:4 (باب حدّ موضع الطواف) الحديث 1، التهذيب 5: 108-351.
3- الفقيه 249:2-250-120.
4- فتح العزيز 301:7-302، المجموع 39:8.

و هذا كلّه عندنا باطل.

مسألة 461: إذا فرغ من طواف سبعة أشواط تامّة، صلّي ركعتي الطواف في مقام إبراهيم عليه السّلام

حيث هو الآن - و هو سنة ثمان عشرة و سبعمائة - لأنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليه السّلام: أصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ؟ قال: «حيث هو الساعة»(1).

فإن كان الطواف مستحبّا، كانت هاتان الركعتان مستحبّتين، و إن كان الطواف فرضا، كانت الركعتان فرضا عند أكثر علمائنا(2) - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه(3) - لقوله تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (4).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صلاّهما، و تلا قوله تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (5) فأفهم الناس أنّ هذه الآية أمر بهذه الصلاة، و الأمر للوجوب.

و لأنّه عليه السّلام فعلهما و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(6).

ص: 94


1- الكافي 423:4-424-4، التهذيب 137:5-453.
2- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 242، و المبسوط 360:1، و الخلاف 2: 327، المسألة 138، و ابن إدريس في السرائر: 135، و المحقّق في شرائع الإسلام 267:1.
3- بدائع الصنائع 148:2، الوجيز 118:1، فتح العزيز 306:7، حلية العلماء 334:3، الحاوي الكبير 153:4، المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 51:8، المغني 405:3، الشرح الكبير 414:3.
4- البقرة: 125.
5- سنن الترمذي 211:3-856، سنن النسائي 235:5.
6- سنن البيهقي 125:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السّلام، فصلّ ركعتين، و اجعله أمامك، و اقرأ فيهما سورة التوحيد قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ . و في الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، تم تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و سله أن يتقبّل منك، و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئت: عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما»(1).

و قال مالك و الشافعي في القول الثاني، و أحمد: أنّهما مستحبّتان - و هو قول شاذّ من علمائنا(2) - لأنّها صلاة لم يشرع لها أذان و لا إقامة، فلا تكون واجبة(3).

قلنا: تكون واجبة، و لا يسنّ لها الأذان، و كذا العيد الواجب و الكسوف.

مسألة 462: يجب أن يصلّي هاتين الركعتين في المقام

- عند أكثر علمائنا(4) - في طواف الفريضة، و في النفل يصلّيهما حيث كان من المسجد، لقول أحدهما عليهما السّلام: «لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم، فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد»(5).

ص: 95


1- الكافي 423:4-1، التهذيب 136:5-450.
2- كما في السرائر: 135.
3- بداية المجتهد 341:1، الحاوي الكبير 153:4، الوجيز 118:1، فتح العزيز 307:7، المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 51:8 و 62، حلية العلماء 334:3، المغني 405:3، الشرح الكبير 414:3-415.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 242، و المبسوط 360:1، و ابن إدريس في السرائر: 135، و المحقّق في شرائع الإسلام 268:1.
5- الكافي 424:4-8، التهذيب 137:5-452.

و به قال الثوري و مالك(1) ، لما تقدّم(2) من الآية و الأحاديث.

و لقول الصادق عليه السّلام: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ خلف المقام، لقول اللّه تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (3) فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة»(4).

و قال الشيخ في الخلاف: يستحب فعلهما خلف المقام، فإن لم يفعل و فعل في غيره، أجزأه(5). و به قال الشافعي، لأنّها صلاة، فلا تختص بمكان كغيرها من الصلوات(6).

و القياس لا يعارض القرآن و السنّة.

إذا عرفت هذا، فلو كان هناك زحام، صلّي خلف المقام، فإن لم يتمكّن، صلّي حياله علي أحد جانبيه، لأنّ الحسين بن عثمان قال:

رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال لكثرة الناس(7).

و قال الشافعي: يستحب أن يصلّيهما خلف المقام، فإن لم يفعل، ففي الحجر، فإن لم يفعل، ففي المسجد، فإن لم يفعل، ففي أيّ موضع4.

ص: 96


1- المجموع 62:8، حلية العلماء 334:3، و انظر: الحاوي الكبير 154:4، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 327:2، المسألة 139.
2- تقدّم في المسألة السابقة.
3- البقرة: 125.
4- التهذيب 137:5-451.
5- الخلاف 327:2، المسألة 139.
6- المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 53:8، الحاوي الكبير 153:4، فتح العزيز 309:7.
7- التهذيب 140:5-464.

شاء من الحرم و غيره(1).

و القرآن(2) يبطله.

و لا تجزئ الفريضة عن هاتين الركعتين.

و قال الشافعي: إن قلنا بعدم وجوبهما، فلو صلّي فريضة بعد الطواف، حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا بتحيّة المسجد، ذكره في القديم(3) ، و استبعده الجويني(4).

مسألة 463: قد بيّنّا أنّ ركعتي طواف المندوب مندوبتان.

و للشافعية طريقان: أحدهما: القطع بعدم الوجوب، لأنّ أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجبا!؟ و الثاني: طرد القولين.

و لا يبعد اشتراك الفرض و النفل في الشرائط كاشتراك صلاة الفرض و التطوّع في الطهارة و ستر العورة، و كذا يشتركان في الأركان كالركوع و السجود(5).

مسألة 464: لو نسي ركعتي طواف الفريضة، رجع إلي المقام، و صلاّهما فيه

مع القدرة، فإن شقّ عليه الرجوع، صلّي حيث ذكر، لأنّ محمد بن مسلم روي - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سئل عن رجل طاف طواف النساء و لم يصلّ لذلك الطواف حتي ذكر و هو بالأبطح،

ص: 97


1- المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 53:8، فتح العزيز 309:7، حلية العلماء 334:3.
2- البقرة: 125.
3- فتح العزيز 310:7، المجموع 52:8.
4- فتح العزيز 310:7.
5- فتح العزيز 311:7، المجموع 51:8.

قال: «يرجع إلي المقام فيصلّي الركعتين»(1).

و سأل أبو بصير - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (2) قال: «فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث ذكر»(3).

و لو صلّي في غير المقام ناسيا ثم ذكر، تداركه، و رجع إلي المقام، و أعاد الصلاة، لأنّ المأمور به لم يقع، فيبقي في العهدة.

و لأنّ عبد اللّه الأبزاري سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي فصلّي ركعتي طواف الفريضة في الحجر، قال: «يعيدهما خلف المقام، لأنّ اللّه تعالي يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي يعني بذلك ركعتي [طواف](4) الفريضة»(5).

و لو لم يتمكّن من الرجوع، استناب من يصلّي عنه في المقام، لأنّ ابن مسكان قال: حدّثني من سأله عن الرجل ينسي ركعتي طواف الفريضة حتي يخرج، فقال: «يوكّل»(6).

و قد اختصّت هذه الصلاة عن غيرها من الصلوات بجريان النيابة فيها، فإنّ الأجير يؤدّيها عن المستأجر.

مسألة 465: وقت ركعتي الطواف وقت فراغه منه

و إن كان أحد

ص: 98


1- الكافي 426:4-6، التهذيب 138:5-455، و ليس فيهما «الركعتين».
2- البقرة: 125.
3- التهذيب 140:5-461، الإستبصار 235:2-236-818.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 138:5-454.
6- التهذيب 140:5-463، الإستبصار 234:2-813.

الأوقات المكروهة إن كان الطواف فرضا، و إن كان ندبا، أخّرهما إلي بعد طلوع الشمس أو بعد المغرب، لقول الصادق عليه السّلام: «صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر»(1).

و أمّا التأخير في النفل: فلما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام: عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر، قال:

«يطوف و يصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها»(2).

و لو طاف في وقت فريضة، قال الشيخ رحمه اللّه: قدّم الفريضة علي صلاة الطواف(3).

و لو صلّي المكتوبة بعد الطواف، لم تجزئه عن الركعتين - و به قال الزهري و مالك و أصحاب الرأي(4) - لأنّها فريضة، فلا يجزئ غيرها عنها، كغيرها من الفرائض المتعدّدة. و طواف النافلة(5) سنّة، فلا تجزئ الفريضة عنه، كركعتي الفجر.

و روي عن ابن عباس و عطاء و جابر بن زيد و الحسن و سعيد بن جبير و إسحاق: أنّ الفريضة تجزئه - و عن أحمد روايتان(6) - لأنّهما ركعتان شرّعتا للنسك، فأجزأت عنهما المكتوبة، كركعتي الإحرام(7).

و الجواب: النافلة(8) في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة،ة.

ص: 99


1- التهذيب 141:5-465، الاستبصار 236:2-819.
2- التهذيب 141:5-468، الإستبصار 237:2-823.
3- الاستبصار 237:2-238 ذيل الحديث 826.
4- المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3، المجموع 63:8.
5- قوله: «و طواف النافلة..» كذا في النسخ الخطية و الحجرية.
6- المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3.
7- المجموع 63:8، المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3.
8- قوله: «النافلة..» كذا في النسخ الخطية و الحجرية.

بخلاف صورة النزاع.

مسألة 466: يستحب أن يقرأ في الأولي بعد الحمد: التوحيد، و في الثانية: الجحد

- و روي العكس(1) - رواه العامّة عن النبي(2) صلّي اللّه عليه و آله، و الخاصّة عن الصادق(3) عليه السّلام.

و أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.

و لو نسي الركعتين حتي مات، قضي عنه وليّه واجبا إن كان الطواف واجبا، و إلاّ ندبا، لقول الصادق عليه السّلام: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتي يخرج من مكة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين»(4).

و لو نسيهما حتي شرع في السعي، قطع السعي، و عاد إلي المقام، فصلّي الركعتين، ثم عاد فتمّم السعي، لما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسي أن يصلّي الركعتين حتي يسعي بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك، قال: «ينصرف حتي يصلّي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه»(5).

و يستحب أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.

مسألة 467: يستحب للحاج و المعتمر إذا دخل المسجد للطواف

أن

ص: 100


1- سنن الترمذي 221:3-869، سنن النسائي 236:5، سنن البيهقي 91:5.
2- سنن الترمذي 221:3-870، سنن البيهقي 91:5.
3- الكافي 423:4-1، التهذيب 136:5-450، و 286-973.
4- التهذيب 143:5-473.
5- التهذيب 143:5-474.

لا يتشاغل بشيء حتي يطوف، لقوله تعالي فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1).

و لأنّ الطواف تحيّة المسجد، فاستحبّ التبادر إليه.

و روي جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دخل مكة ارتفاع الضحي، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة، و دخل إلي المسجد، و استلم الحجر و طاف(2).

و لو دخل المسجد و الإمام مشتغل بالفريضة، صلّي معه المكتوبة، و لا يشتغل بالطواف، فإذا فرغ من الصلاة، طاف حينئذ، تحصيلا لفضيلة الجماعة، و تقديما للفائت وقته، و هو الجماعة، دون ما لا يفوت، و هو الطواف، و كذا لو قربت إقامة الصلاة.

مسألة 468: و لا يستحب رفع اليدين عند مشاهدة البيت.

قال الشيخ: إنّه لا يعرفه أصحابنا(3).

و أنكر مالك استحبابه(4).

و قال الشافعي: لا أكرهه و لا أستحبّه(5).

و قال أحمد: إنّه مستحب. و هو مروي عن ابن عباس و ابن عمر و الثوري و ابن المبارك(6).

لما رواه العامّة عن المهاجر المكّي، قال: سئل جابر بن عبد اللّه: عن الرجل يري البيت أ يرفع يديه ؟ قال: ما كنت أظنّ أنّ أحدا يفعل هذا

ص: 101


1- البقرة: 148، المائدة: 48.
2- المستدرك - للحاكم - 454:1-455، سنن البيهقي 74:5.
3- الخلاف 320:2، المسألة 123.
4- حلية العلماء 325:3، المجموع 9:8، المغني 388:3، الشرح الكبير 3: 389.
5- المجموع 8:8.
6- المغني 388:3، الشرح الكبير 389:3، المجموع 9:8.

إلاّ اليهود، حججنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلم يكن يفعله(1).

احتجّ: بما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (لا ترفع الأيدي إلاّ في سبع مواطن: افتتاح الصلاة و استقبال البيت، و علي الصفا و المروة، و علي الموقفين و الجمرتين)(2).

و هو محمول علي الرفع عند الدعاء.

مسألة 469: يستحب أن يقف عند الحجر الأسود و يدعو و يكبّر عند محاذاة الحجر

و يرفع يديه و يحمد اللّه و يثني عليه، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، استقبل الحجر و استلمه و كبّر(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه»(4) الحديث.

و يستحب له أن يستلم الحجر و يقبّله إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ علي الحجر و قال: أما إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ و لا تنفع، و لو لا أنّي رأيت رسول اللّه يقبّلك لما قبّلتك(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

استلموا الركن، فإنّه يمين اللّه في خلقه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل، و يشهد لمن استلمه بالموافاة»(6).

إذا عرفت هذا، فإن لم يتمكّن من الاستلام، استلمه بيده و قبّل يده،

ص: 102


1- سنن أبي داود 175:2-1870، و سنن النسائي 212:5، و فيه:.. فلم نكن نفعله.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 388:3، و الشرح الكبير 389:3.
3- المستدرك - للحاكم - 454:1، و ليس فيه تكبير النبي صلّي اللّه عليه و آله.
4- الكافي 402:4-403-1، التهذيب 101:5-329.
5- صحيح مسلم 925:2-250، سنن ابن ماجة 981:2-2943، سنن البيهقي 74:5.
6- التهذيب 102:5-331، و بتفاوت يسير في الكافي 406:4-9.

فإن لم يتمكّن من ذلك، أشار إليه بيده - و به قال الشافعي(1) - لقول الصادق عليه السّلام: «فإن وجدته خاليا و إلاّ فسلّم من بعيد»(2).

و سئل الرضا عليه السّلام: عن الحجر الأسود أ يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال: «إذا كان كذلك فأوم بيدك»(3).

و ليس الاستلام واجبا، لأصالة البراءة.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر و لم يدخل الكعبة، قال: «هو من السنّة، فإن لم يقدر فاللّه أولي بالعذر»(4).

و مقطوع اليد يستلم الحجر بموضع القطع، و لو قطعت من المرفق، استلم بشماله، لقول علي عليه السّلام و قد سئل عن الأقطع كيف يستلم ؟: «يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله»(5).

مسألة 470: و يستحب أن يستلم الركن اليماني
اشارة

و يقبّله، فإن لم يتمكّن، استلمه بيده و قبّل يده - و به قال أحمد(6) - لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا استلم الركن، قبّله، و وضع خدّه الأيمن عليه(7).

و قال ابن عمر: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان لا يستلم إلاّ الحجر و الركن

ص: 103


1- فتح العزيز 318:7-319، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 8: 33، حلية العلماء 329:3.
2- الكافي 405:4-3، التهذيب 103:5-333.
3- التهذيب 103:5-336.
4- الكافي 405:4-4، التهذيب 103:5-334.
5- الكافي 410:4-18، التهذيب 106:5-107-345.
6- المغني 399:3، الشرح الكبير 394:3، حلية العلماء 330:3.
7- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، و بتفاوت يسير في المستدرك - للحاكم - 456:1، و سنن البيهقي 76:5.

اليماني(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم [عن جعفر](2) عن أبيه [عليهما السّلام](3) قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لا يستلم الركن إلاّ الركن الأسود و اليماني، و يقبّلهما، و يضع خدّه عليهما»(4).

و قال الشافعي: يستحب أن يستلمه بيده و يقبّل يده و لا يقبّله(5).

و قال أبو حنيفة: لا يستلمه(6).

و قال مالك: يستلمه و لا يقبّل يده، و إنّما يضعها علي فيه(7).

قال ابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم علي استلام الركنين، و إنّما اختلفوا في التقبيل، فشرّكه قوم بينهما و خصّ قوم الحجر به(8).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب استلام الأركان كلّها، و آكدها ركن الحجر و اليماني، ذهب إليه علماؤنا - و به قال ابن عباس و جابر و ابن الزبير(9) - لما رواه العامّة أنّه لمّا قدم معاوية مكة و ابن عباس بها، فاستلم1.

ص: 104


1- صحيح مسلم 924:2-244، سنن النسائي 231:5، سنن البيهقي 76:5، المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 105:5-106-341، الإستبصار 216:2-217-774.
5- الام 170:2، المجموع 35:8 و 58، فتح العزيز 319:7، حلية العلماء 3: 330، المبسوط - للسرخسي - 49:4.
6- فتح العزيز 319:7، المجموع 58:8، حلية العلماء 330:3، المغني 3: 399-400، الشرح الكبير 394:3-395.
7- المدوّنة الكبري 363:1-364، المنتقي - للباجي - 287:2-288، فتح العزيز 320:7، حلية العلماء 330:3، المجموع 58:8.
8- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3.
9- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، المجموع 58:8، حلية العلماء 3: 330-331.

ابن عباس الأركان كلّها، فقال معاوية: ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يستلم إلاّ الركنين اليمانيّين، فقال ابن عباس: ليس من البيت شيء مهجور(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السّلام: أستلم اليماني و الشامي و الغربي ؟ قال: «نعم»(2).

و لأنّهما ركنان، فاستحبّ استلامهما، كاليمانيّين.

و أنكر الفقهاء الأربعة ذلك(3) ، لقول ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يستلم الركن اليماني و الأسود في كلّ طوفة، و لا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر(4).

قال ابن عمر: ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلاّ لأنّ البيت لم يتمّ علي قواعد إبراهيم عليه السّلام(5).

و الجواب: رواية الإثبات مقدّمة.

و يحتمل: أنّه كان يقف عند اليمانيّين أكثر.

تنبيه: في الاستلام لغتان: الهمز و عدمه.

ص: 105


1- مسند أحمد 94:4-95 بتفاوت، و في ذيله ما يشعر باختلاف الناس في هذه الرواية، فمنهم من قال بأنّ المجيب هو معاوية. و انظر: صحيح البخاري 2: 186، و سنن الترمذي 213:3-858، و سنن البيهقي 77:5، و مسند أحمد 1: 217.
2- التهذيب 106:5-343، الإستبصار 216:2-743.
3- المدوّنة الكبري 363:1، المجموع 58:8، حلية العلماء 330:3، بدائع الصنائع 148:2، المغني 399:3، الشرح الكبير 395:3.
4- فتح العزيز 319:7، و بتفاوت في صحيح البخاري 186:2، و صحيح مسلم 924:2-244، و مسند أحمد 18:2.
5- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، و بتفاوت في صحيح مسلم 2: 969-399، و صحيح البخاري 179:2، و سنن البيهقي 77:5.

فعلي الثاني قال السيّد المرتضي: إنّه افتعال من السّلام، و هي الحجارة(1).

فإذا مسّ الحجر بيده و مسحه بها، قيل: استلم، أي مسّ السّلام بيده.

و قيل: إنّه مأخوذ من السّلام(2) ، أي أنّه يحيّي نفسه عن الحجر، إذ ليس الحجر ممّن يحيّيه، و هذا كما يقال: اختدم: إذا لم يكن له خادم سوي نفسه.

و حكي ثعلب: الهمز، و فسّره بأنّه اتّخذه جنّة و سلاحا من اللأمة(3) ، و هي الدرع(4). و هو حسن.

مسألة 471: يستحب الاستلام في كلّ شوط،

لأنّ النبي عليه السّلام كان يستلم الركن اليماني و الأسود في كلّ طوفة(5).

و يستحب الدعاء في الطواف بالمنقول، و الوقوف عند اليماني و الدعاء عنده.

و يستحب له أن يلتزم المستجار في الشوط السابع، و يبسط يديه علي حائطه، و يلصق به بطنه و خدّه، و يدعو بالمأثور، و يعترف بذنوبه.

قال الصادق عليه السّلام: «ثم أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر له»(6).

و لو نسي الالتزام حتي جاز موضعه في مؤخّر الكعبة مقابل الباب

ص: 106


1- رسائل الشريف المرتضي 275:3.
2- تهذيب اللغة 451:12.
3- اللأمة: الهول. لسان العرب 557:12 «لوم».
4- كما في رسائل الشريف المرتضي 275:3.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 105، الهامش (4).
6- الكافي 411:4-5، التهذيب 107:5-108-349.

دون الركن اليماني بقليل، فلا إعادة عليه.

و لو ترك الاستلام، لم يكن عليه شيء، و به قال عامّة الفقهاء، لأنّه مستحب، فلا يتعقّب بتركه جناية.

و حكي عن الحسن البصري و الثوري و عبد الملك بن الماجشون أنّ عليه دما(1) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من ترك نسكا فعليه دم)(2).

و ليس حجّة، لأنّه مخصوص بالواجب.

قال الشيخ في المبسوط: قد روي أنّه يستحب الاضطباع، و هو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن و يجعله علي منكبه الأيسر(3).

و هو مأخوذ من الضّبع، و هو عضد الإنسان، و أصله التاء قلبوها طاء، لأنّ التاء متي وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة قلبت طاء.

إذا ثبت هذا، فأكثر العلماء علي استحبابه(4) ، لقول ابن عباس: لمّا دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي قريش، فاجتمعت نحو الحجر، اضطبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(5).

قال الشافعي: و يبقي مضطبعا حتي يتمّ السعي بين الصفا و المروة و يتركه عند الصلاة للطواف(6).8.

ص: 107


1- أنظر: المجموع 59:8، و في حلية العلماء 331:3، و المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3 حكاية القول بذلك عنهم في ترك الرمل لا ترك الاستلام، فلاحظ.
2- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4 و ابنا قدامه في المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3.
3- المبسوط 356:1.
4- المغني 391:3-392، الشرح الكبير 391:3.
5- مسند أحمد 305:1.
6- فتح العزيز 338:7-339، المجموع 20:8.

و قال أحمد: لا يضطبع في السعي(1).

و قال مالك: إنّه ليس بمستحب. قال: و لم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّ الاضطباع سنّة(2).

مسألة 472: يستحب له أن يقصد في مشيه بأن يمشي مستويا بين السّرع و الإبطاء،

قاله الشيخ - رحمه اللّه - في بعض كتبه(3).

و قال في المبسوط: يستحب أن يرمل ثلاثا، و يمشي أربعا في طواف القدوم خاصّة، اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(4).

و اتّفقت العامّة علي استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، و المشي في الأربعة في طواف القدوم، لما رواه الصادق عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رمل ثلاثا و مشي أربعا(5).

و السبب فيه قول ابن عباس: قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مكة، فقال المشركون: إنّه يقدم عليكم قوم تنهكهم [1] الحمّي و لقوا منها شرّا، فأمرهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، و أن يمشوا بين الركنين، فلمّا رأوهم قالوا: ما نراهم إلاّ كالغزلان(6).

و لو ترك الرمل، لم يكن عليه شيء، لأنّه مستحب، و هو قول عامّة

ص: 108


1- المغني و الشرح الكبير 392:3، حلية العلماء 332:3.
2- المغني 392:3، الشرح الكبير 391:3، حلية العلماء 331:3، المجموع 8: 21.
3- النهاية: 237.
4- المبسوط 356:1.
5- صحيح مسلم 887:2-1218، سنن أبي داود 183:2-195، سنن الترمذي 212:3-857، سنن ابن ماجة 983:2-2951 و 1023-3074.
6- انظر: سنن أبي داود 178:2-1886 و 179-1889.

الفقهاء(1).

و قال الحسن البصري: إنّ عليه دما. و هو محكي عن الثوري و عبد الملك بن الماجشون(2) ، لقوله عليه السّلام: (من ترك نسكا فعليه دم)(3).

و جوابه: المراد من النسك الواجب.

و يعارضه ما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: ليس علي من ترك الرمل شيء(4).

و من طريق الخاصّة: رواية سعيد الأعرج، أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن المسرع و المبطئ في الطواف، فقال: «كلّ واسع ما لم يؤذ أحدا»(5).

و لو تركه في الثلاثة الأول، لم يقض في الأربع الباقية، لأنّها هيئة في الأول، فإذا فات موضعها، سقطت، و لزم سقوط هيئة البواقي.

و إذا قلنا باستحباب الرمل في الثلاثة الأول، استحبّ من الحجر إليه - و هو قول أكثر العلماء(6) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رمل من الحجر إلي الحجر(7).

و قال طاوس و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير: يمشي ما بين الركنين، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة و يمشوا ما1.

ص: 109


1- المغني 396:3، الشرح الكبير 398:3، المجموع 59:8، حلية العلماء 331:3.
2- المغني 396:3، الشرح الكبير 398:3، المجموع 59:8، حلية العلماء 331:3.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4 و ابنا قدامة في المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3.
4- المغني 396:3-397، الشرح الكبير 398:3.
5- الفقيه 255:2-1238.
6- المغني 393:3، الشرح الكبير 396:3-397، المجموع 98:8.
7- صحيح مسلم 921:2-233-236، سنن الترمذي 212:3-857، سنن أبي داود 179:2-1891.

بين الركنين ليري المشركون جلدهم [1] لمّا وهنتهم [2] الحمّي حتي قال المشركون: هؤلاء أجلد منّا(1).

و لو ترك الرمل في أوّل شوط، رمل في الاثنين، و إن تركه في الاثنين، رمل في الثالث خاصّة.

و لو تركه في طواف القدوم، لم يستحب قضاؤه في طواف الحجّ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله إنّما رمل في طواف القدوم(2) ، خلافا لبعض العامّة(3).

و قال بعض العامّة: ليس علي أهل مكّة رمل - و قاله ابن عباس و ابن عمر - لأنّه شرّع في الأصل لإظهار الجلد و القوّة لأهل البلد(4).

و لا يستحب للنساء الرمل و لا الاضطباع.

و يرمل الحامل للمريض و الصبي، و الراكب يحثّ دابّته.

و للشافعي قول آخر في أنّ الحامل للمريض لا يرمل به(5).

مسألة 473: يستحب التداني من البيت في الطواف،

لأنّه المقصود، فالدنوّ منه أولي و لو كان بالقرب زحام لا يمكنه أن يرمل فيه، فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجة، وقف، فإذا وجد فرجة، رمل، و إن كان يعلم أنّه لا يجد فرجة لكثرة الزحام و علم أنّه إن خرج إلي حاشية الناس

ص: 110


1- المغني 393:3، الشرح الكبير 397:3، المجموع 58:8.
2- صحيح مسلم 887:2-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 183:2-1905، سنن الدارمي 46:2.
3- المغني 395:3، الشرح الكبير 403:3.
4- المغني 396:3، الشرح الكبير 402:3.
5- المجموع 44:8.

يمكن الرمل، خرج و رمل، و كان أفضل من التداني، و إن لم يتمكّن من الخروج، طاف من غير رمل، و لو تباعد حتي طاف بالسقاية و زمزم، لم يجزئ - خلافا للشافعي(1) - لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كذا فعل، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

مسألة 474: يستحب أن يطوف ماشيا مع القدرة،

و لو ركب معها، أجزأه، و لا يلزمه دم - و به قال الشافعي(3) - لأنّ جابرا قال: طاف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في حجّة الوداع علي راحلته بالبيت و بالصفا و المروة ليراه الناس و ليشرف عليهم ليسألوه، فإنّ الناس غشوه(4).

و قال مالك و أبو حنيفة و أحمد: إن طاف راكبا لعذر، فلا شيء عليه، و إن كان لغير عذر، فعليه دم، لأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكبا، كالصلاة(5).

و الفرق: أنّ الصلاة لا تصحّ راكبا و هنا تصحّ.

مسألة 475: يستحب طواف ثلاثمائة و ستّين طوافا،

فإن لم يتمكّن فثلاثمائة و ستّين شوطا، و يلحق الزيادة بالطواف الأخير بأن يطوف أسبوعا، ثم يصلّي ركعتين، و هكذا.

و يجوز القرآن في النوافل علي ما يأتي، فيؤخّر الصلاة فيها إلي حين

ص: 111


1- الام 177:2، فتح العزيز 301:7، المجموع 39:8.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- فتح العزيز 315:7، حلية العلماء 328:3، المجموع 27:8، المغني 3: 420، الشرح الكبير 404:3.
4- صحيح مسلم 927:2-255، سنن البيهقي 100:5.
5- المبسوط - للسرخسي - 44:4-45، بدائع الصنائع 130:2، المغني 3: 420، الشرح الكبير 404:3، حلية العلماء 328:3، المجموع 27:8.

الفراغ.

و إن لم يستطع، طاف ما يمكن منه.

قال الصادق عليه السّلام: «يستحب أن تطوف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا عدد أيّام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستّين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»(1).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 476: قد بيّنّا وجوب الطهارة من الحدث و الخبث في الثوب و البدن،

و وجوب الستر، فلو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا، أو طافت المرأة حائضا أو نفساء، أو طاف و علي ثوبه أو بدنه نجاسة عالما أو ناسيا في طواف الفريضة، لم يعتد بذلك الطواف، و كذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات المتعدّية إلي بدنه أو ثوبه.

و لو أحدث في خلال الطواف، فإن كان بعد طواف أربعة أشواط، تطهّر و أتمّ طوافه، و إن كان قبل ذلك، تطهّر و استأنف الطواف من أوّله، لقول أحدهما عليهما السّلام: في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: «يخرج و يتوضّأ، فإن كان جاز النصف بني علي طوافه، و إن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف»(2).

و لم يفصّل العامّة ذلك، بل قالوا: إن تعمّد الحدث، فللشافعي قولان: أحدهما: أنّه يستأنف، كالصلاة. و أصحّهما: البناء. و يحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة، كالفعل الكثير و الكلام.

ص: 112


1- الكافي 429:4-14، الفقيه 255:2-1236، التهذيب 135:5-445.
2- الكافي 414:4-2، التهذيب 118:5-384.

و إن سبقه الحدث، فإن قلنا: يبني في العمد، فهنا أولي، و إن قلنا:

يستأنف، فقولان: أصحّهما: البناء.

هذا إذا لم يطل الفصل، و إن طال، بني(1).

و لو كان الطواف نفلا، لم يجب عليه الاستئناف و لا إتمامه بطهارة.

و لو ذكر أنّه طاف محدثا، فإن كان طواف فريضة، استأنف الطواف و الصلاة إن كان قد صلّي بحدثه.

و لو كان الطواف نفلا و صلّي، أعاد الصلاة خاصّة بعد الطهارة، لرواية حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في رجل طاف تطوّعا و صلّي ركعتين و هو علي غير وضوء، فقال: «يعيد الركعتين و لا يعيد الطواف»(2).

و لو شكّ في الطهارة، فإن كان في أثناء الطواف، تطهّر و استأنف، لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها، فيعيد، كالصلاة، و لو شكّ بعد الفراغ، لم يستأنف.

مسألة 477: لو طاف ستّة أشواط ناسيا و انصرف ثم ذكر، فليضف إليها شوطا آخر،

و لا شيء عليه، و إن لم يذكر حتي يرجع إلي أهله، أمر من يطوف عنه.

و قال أبو حنيفة: يجبره بدم(3).

لنا: أصالة البراءة من الدم، و بقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلي أن يأتي به.

ص: 113


1- فتح العزيز 287:7، المجموع 48:8، حلية العلماء 333:3.
2- التهذيب 118:5-385.
3- المبسوط - للسرخسي - 46:4، المغني 496:3، الشرح الكبير 511:3، المجموع 22:8.

و لرواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: «يعيد ذلك الشوط»(1).

و سأل سليمان بن خالد الصادق عليه السّلام: عمّن فاته شوط واحد حتي أتي أهله، قال: «يأمر من يطوف عنه»(2).

و لو ذكر أنّه طاف أقلّ من سبعة أشواط و هو في السعي، قطع السعي، و تمّم الطواف، ثم رجع فتمّم السعي، لأنّ السعي تابع، فلا يفعل قبل تحقّق متبوعه، و إنّما يتحقّق بأجزائه.

و لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلي الصفا فطاف بين الصفا و المروة، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص من طوافه بالبيت، قال: «يرجع إلي البيت فيتمّ طوافه ثم يرجع إلي الصفا و المروة فيتمّ ما بقي»(3).

مسألة 478: لو قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره في الفريضة، فإن كان قد جاز النصف، بني، و إن لم يكن جازه، أعاد.

و إن كان طواف نافلة، بني عليه مطلقا، لأنّه مع تجاوز النصف يكون قد فعل الأكثر، فيبني عليه، كالجميع.

و لرواية الحلبي - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع ؟ قال: «يعيد طوافه، و خالف السنّة»(4).

ص: 114


1- التهذيب 109:5-353.
2- الكافي 418:4-9، الفقيه 248:2-249-1194، التهذيب 109:5-354.
3- الكافي 418:4-8، الفقيه 248:2-1190، التهذيب 109:5-110-355.
4- التهذيب 118:5-386، الاستبصار 223:2-768.

و عن أبي الفرج قال: طفت مع الصادق عليه السّلام خمسة أشواط ثم قلت:

إنّي أريد أن أعود مريضا، فقال: «احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتمّ طوافك»(1).

و لأنّ الصادق عليه السّلام أمر أبان بن تغلب، فقال: «اقطع طوافك و انطلق معه في حاجته» فقلت: و إن كان فريضة ؟ قال: «نعم و إن كان فريضة»(2).

و في حديث آخر: جواز القعود و الاستراحة ثم يبني(3).

و لو دخل عليه وقت فريضة، قطع الطواف، و صلّي الفريضة، ثم عاد فتمّم طوافه من حيث قطع، و هو قول العامّة، إلاّ مالكا، فإنّه قال: يمضي في طوافه إلاّ أن يخاف فوات الفريضة(4).

و هو باطل، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة)(5) و الطواف صلاة.

و لأنّ وقت الحاضرة أضيق من وقت الطواف، فكانت أولي.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل كان في طواف النساء و أقيمت الصلاة، قال: «يصلّي - يعني الفريضة - فإذا فرغ بني من حيث قطع»(6).6.

ص: 115


1- التهذيب 119:5-390، الاستبصار 223:2-224-772.
2- التهذيب 120:5-392.
3- الفقيه 247:2-1185، التهذيب 120:5-121-394، الإستبصار 2: 224-225-774.
4- المغني 417:3، الشرح الكبير 413:3.
5- صحيح مسلم 493:1-710، سنن أبي داود 22:2-1266، سنن الترمذي 282:2، 421، سنن النسائي 117:2، سنن ابن ماجة 364:1-1151، سنن البيهقي 482:2، مسند أحمد 455:2.
6- التهذيب 121:5-396.

إذا عرفت هذا، فإنّه يبني بعد فراغه من الفريضة، و يتمّ طوافه، و هو قول العلماء إلاّ الحسن البصري، فإنّه قال: يستأنف(1).

و الأصل خلافه.

و كذا البحث في صلاة الجنازة، فإنّها تقدّم.

و هل يبني من حيث قطع أو من الحجر؟ دلالة ظاهر الحديث علي الأوّل.

و لو خاف فوات الوتر، قطع الطواف و أوتر ثم بني علي ما مضي من طوافه، لأنّها نافلة متعلّقة بوقت، فتكون أولي من فعل ما لا يفوت وقته.

و لقول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح -: «ابدأ بالوتر و اقطع الطواف»(2).

مسألة 479: لو حاضت المرأة و قد طافت أربعة أشواط، قطعت الطواف و سعت،

فإذا فرغت من المناسك، أتمّت الطواف بعد طهرها، و لو كان دون أربعة، أبطلت الطواف و انتظرت عرفة، فإن طهرت و تمكّنت من باقي أفعال العمرة و الخروج إلي الموقف، فعلت، و إلاّ صارت حجّتها مفردة، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت، قال: «تتمّ طوافها، و ليس عليها غيره، و متعتها تامّة، و لها أن تطوف بين الصفا و المروة، لأنّها زادت علي النصف و قد قضت متعتها، و لتستأنف بعد الحجّ، و إن هي لم تطف إلاّ ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر»(3).

ص: 116


1- المغني 417:3، الشرح الكبير 413:3.
2- الكافي 415:4-2، الفقيه 247:2-1186، التهذيب 122:5-397.
3- الفقيه 241:2-242-1155، و في التهذيب 393:5-1371، و الاستبصار 313:2-1112 إلي قوله عليه السّلام: «و لتستأنف بعد الحجّ».
مسألة 480: الطواف ركن من تركه عامدا بطل حجّه،

و لو تركه ناسيا، قضاه و لو بعد المناسك، فإن تعذّر العود، استناب فيه.

روي علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتي قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع ؟ قال: «يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعثه في حجّ، و إن تركه في عمرة بعثه في عمرة، و وكّل من يطوف عنه ما ترك من طوافه»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا محمول علي طواف النساء، لأنّ من ترك طواف النساء ناسيا جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه، و لا يجوز له ذلك في طواف الحجّ، بل يجب عليه إعادة الحجّ و بدنة(2) ، لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - أنّه سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: «إن كان علي وجه جهالة في الحجّ أعاد و عليه بدنة»(3).

و استدلّ الشيخ علي الجميع برواية معاوية بن عمّار، قال: قلت للصادق عليه السّلام: رجل نسي طواف النساء حتي دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتي يزور البيت». و قال: «يأمر أن يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه»(4).

مسألة 481: لو شكّ في عدد الطواف، فإن كان بعد فراغه، لم يلتفت،

و إن كان في أثنائه، فإن كان شكّه في الزيادة، قطع و لا شيء

ص: 117


1- التهذيب 128:5-421، الاستبصار 228:2-788.
2- التهذيب 128:5 ذيل الحديث 421، و الاستبصار 228:2 ذيل الحديث 788.
3- التهذيب 127:5-128-420، الاستبصار 228:2-787 و فيه عن علي بن يقطين.
4- التهذيب 128:5-422، الاستبصار 228:2-789.

عليه، و إن كان في النقصان، مثل: أن يشكّ بين الستّة و السبعة أو الخمسة و الستّة، فإن كان طواف الفريضة، أعاده من أوّله، لأنّ الزيادة و النقصان محظوران.

و لرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في رجل لم يدر ستّة طاف أم سبعة، قال: «يستقبل»(1).

و سأل حنّان بن سدير الصادق عليه السّلام: في رجل طاف فأوهم قال:

طفت أربعة و قال: طفت ثلاثة، فقال الصادق عليه السّلام: «أيّ الطوافين: طواف نافلة أو طواف فريضة ؟» ثم قال: «إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة و استيقن الثلاث و هو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن علي الثالث فإنّه يجوز له»(2).

و يجوز البناء علي الأكثر في النافلة، لما رواه رفاعة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: «طواف نافلة أو فريضة ؟» قال: أجبني فيهما، قال: «إن كان طواف نافلة فابن علي ما شئت، و إن كان طواف فريضة فأعد الطواف»(3).

و يجوز التعويل علي غيره في عدد الطواف، كالصلاة، لأنّ سعيد الأعرج سأل الصادق عليه السّلام: عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه ؟ قال: «نعم»(4).

مسألة 482: لا يجوز الزيادة علي سبعة أشواط في طواف الفريضة،

فلو طاف ثمانية، أعاد، و لو كان سهوا، استحبّ له أن يتمّم أربعة عشر

ص: 118


1- الكافي 417:4-3، التهذيب 110:5-357.
2- الكافي 417:4-418-7، التهذيب 111:5-360.
3- الفقيه 249:2-1196.
4- الكافي 427:4-2، الفقيه 255:2-1234، التهذيب 134:5-440.

شوطا، لأنّها فريضة ذات عدد فتبطلها الزيادة مع العمد كالصلاة.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سأله أبو بصير: عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتي يستتمّه»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «من طاف بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا ثم ليصلّ ركعتين»(2).

و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية، قال: «يضيف إليها ستّة»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا كمّل أربعة عشر شوطا، صلّي ركعتي طواف الفريضة و سعي ثم عاد إلي المقام و صلّي ركعتي النفل.

و لو ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنّه قد طاف سبعا، فليقطع الطواف، و لا شيء عليه، لأنّه أتي بالواجب، و إن لم يذكر حتي يجوزه، تمّم أربعة عشر شوطا، لأنّ أبا كهمس سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: «إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه، و إن لم يذكر حتي يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا و ليصلّ أربع ركعات»(4).

مسألة 483: لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا

مسألة 483: لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا(5)

ص: 119


1- التهذيب 111:5-361، الاستبصار 217:2-746.
2- التهذيب 112:5-364، الاستبصار 218:2-750.
3- التهذيب 111:5-112-362، الاستبصار 218:2-748.
4- التهذيب 113:5-367، الاستبصار 219:2-753 و فيه و في نسخة «ن»: أبا كهمش.
5- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 238، و المبسوط 357:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 232:1، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 373:1.

- و كرهه ابن عمر و الحسن البصري و الزهري و مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يفعله، فلا يجوز فعله، لقوله عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و لأنّها فريضة ذات عدد، فلا تجوز الزيادة عليه، كالصلاة.

و لأنّ الكاظم عليه السّلام سئل عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين، فقال:

«لا تقرن بين أسبوعين، كلّما طفت أسبوعا فصلّ ركعتين»(3).

و قال عطاء و طاوس و سعيد بن جبير و أحمد و إسحاق: لا بأس به، لأنّ عائشة فعلته(4).

و لا حجّة فيه. و يحتمل أن يكون قد فعلته في الندب.

إذا عرفت هذا، فيجوز القران بين الطوافين في النافلة، لقول الصادق عليه السّلام: «إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين و الطوافين في الفريضة، فأمّا في النافلة فلا»(5).

و إذا جمع بين طوافين، استحبّ أن ينصرف علي وتر، فلا ينصرف علي أسبوعين و لا علي أربعة و لا علي ستّة و هكذا، بل علي خمسة أو ثلاثة(6) و هكذا، لأنّ الباقر عليه السّلام كان يكره أن ينصرف في الطواف إلاّ علية.

ص: 120


1- المغني 406:3، الشرح الكبير 415:3، المدوّنة الكبري 407:1، المنتقي - للباجي - 289:2، المبسوط - للسرخسي - 47:4، بدائع الصنائع 150:2.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- الكافي 418:4-419-2، التهذيب 115:5-374، الإستبصار 220:2 - 221-759.
4- المغني 406:3، الشرح الكبير 415:3.
5- الكافي 418:4-1، التهذيب 115:5-372، الاستبصار 220:2-757، و فيها: «.. فلا بأس».
6- كذا، و الأنسب: بل علي ثلاثة أو خمسة.

وتر من طوافه(1).

مسألة 484: لو شكّ هل طاف سبعة أو ثمانية، قطع و لا شيء عليه،
اشارة

لأنّه يتيقّن حصول السبع.

و لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية، فقال: «أمّا السبع فقد استيقن، و إنّما وقع و همه علي الثامن فليصلّ ركعتين»(2).

و لو شكّ فلم يدر ستّة طاف أو سبعة أو ثمانية، فإن كان طواف الفريضة، أعاد، لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة.

و لو طاف أقلّ من سبعة ناسيا، عاد، و تمّم طوافه إن كان قد طاف أربعة أشواط، و إن كان قد طاف دونها، أعاد من أوّله.

و لو لم يذكر حتي رجع إلي أهله، أمر من يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ من أربعة، و إن كان قد طاف أربعة، تمّمه.

و كذا لو أحدث في طواف الفريضة، فإن كان قد جاوز النصف، تطهّر و بني، و إن لم يبلغه، استأنف.

و لو طاف و علي ثوبه نجاسة عامدا، أعاد، و لو كان ناسيا و ذكر في أثناء الطواف، قطعه و أزال النجاسة أو نزع الثوب و تمّم طوافه، و لو لم يذكر حتي فرغ منه، نزع الثوب أو غسله و صلّي الركعتين، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل يري في ثوبه الدم و هو في الطواف، قال: «ينظر الموضع الذي يري فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتمّ طوافه»(3).

ص: 121


1- التهذيب 116:5-377.
2- التهذيب 114:5-370، الاستبصار 220:2-756.
3- التهذيب 126:5-415.
تذنيب: و لو تحلّل من إحرام العمرة ثم أحرم بالحجّ و طاف و سعي له

ثم ذكر أنّه طاف محدثا أحد الطوافين و لم يعلم هل هو طواف عمرة التمتّع أو طواف الحجّ، قيل: يطوف للحجّ و يسعي له ثم يعتمر بعد ذلك عمرة مفردة، و يصير حجّة مفردة، لاحتمال أن يكون في طواف العمرة فيبطل و قد فات وقتها، و أن يكون للحجّ، فيعيد، فلهذا أوجبنا عليه إعادة طواف الحجّ و سعيه و الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ، لبطلان متعته، قاله بعض العامّة.

و الوجه: أنّه يعيد الطوافين، لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف.

مسألة 485: المريض لا يسقط عنه الطواف،

فإن تمكّن من الطواف بطهارة، طيف به إذا لم يتمكّن من المشي أو الركوب، و إن لم يتمكّن، انتظر به يوم أو يومان و أزيد مع السعة، فإن برأ، طاف بنفسه، و إلاّ طيف عنه، لأنّ الصادق عليه السّلام طيف به في محمل و هو شديد المرض(1).

و سأل إسحاق بن عمّار - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام: عن المريض يطاف عنه بالكعبة، قال: «لا، و لكن يطاف به»(2).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «المريض المغلوب و المغمي عليه يرمي عنه و يطاف به»(3).

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمي عنهما»(4).

ص: 122


1- الكافي 422:4-1، التهذيب 122:5-398.
2- التهذيب 123:5-399، الاستبصار 225:2-775.
3- التهذيب 123:5-400، الإستبصار 225:2-776.
4- الكافي 422:4-2، التهذيب 124:5-404، الاستبصار 226:2-780.

و هذا محمول علي أنّ الكسير لا يستمسك الطهارة، و لو كان يستمسك، طيف به، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الكسير يحمل فيطاف به، و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلّي عنه»(1).

و لو مرض في الأثناء، فإن تمكّن من الإتمام، أتمّه، و إلاّ انتظر إلي البرء ثم يتمّه إن كان قد تجاوز النصف، و إلاّ استأنف. هذا مع سعة الوقت، فإن ضاق، طيف به.

مسألة 486: لو حمل محرم محرما و طاف به و نوي كلّ واحد منهما الطواف، أجزأ عنهما

- و به قال أبو حنيفة(2) - لحصول الطواف من كلّ واحد منهما.

و لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السّلام: في المرأة تطوف بالصبي و تسعي به هل يجزئ ذلك عنها و عن الصبي ؟ فقال: «نعم»(3).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه يجزئ عن المحمول. و الثاني: أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول، لأنّه فعل واحد، فإذا وقع عن الحامل لم يقع عن المحمول، لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين(4).

و نمنع اتّحاد الفعل، لأنّ اختلاف السبب و تغاير الأمكنة ثابت في حقّ كلّ واحد منهما، لكن لأحدهما بالذات و ليس شرطا، لأنّه وافقنا علي جواز

ص: 123


1- التهذيب 125:5-409.
2- المغني 211:3، الشرح الكبير 406:3، حلية العلماء 328:3، المجموع 8: 28، الحاوي الكبير 152:4.
3- الكافي 429:4-13، التهذيب 125:5-411.
4- المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 28:8، روضة الطالبين 364:2، فتح العزيز 341:7، حلية العلماء 328:3، الحاوي الكبير 152:4-153، المغني 211:3، الشرح الكبير 406:3.

الركوب(1).

و ينتقض بالواقف بعرفة إذا حمل غيره، فإنّه وافقنا علي تجويزه(2).

مسألة 487: يجوز الكلام بالمباح في الطواف إجماعا،
اشارة

لما رواه العامّة من قوله عليه السّلام: (الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن يقطين - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك ؟ قال: «لا بأس به»(4).

و يستحب قراءة القرآن في الطواف و لا يكره عند علمائنا - و به قال عطاء و مجاهد و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة أنّ عائشة روت أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يقول في طوافه رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ (6)(7) و هو من القرآن.

و من طريق الخاصّة: قول الجواد عليه السّلام: «و طواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلاّ بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن»(8).

ص: 124


1- الحاوي الكبير 151:4، فتح العزيز 315:7، المجموع 27:8، حلية العلماء 328:3، المغني 420:3، الشرح الكبير 404:3.
2- لم نجده في مظانّه.
3- أورده ابنا قدامة في المغني 397:3، و الشرح الكبير 409:3 نقلا عن الترمذي و الأثرم، و في سنن الترمذي 293:3-960 بتفاوت.
4- التهذيب 127:5-418، الإستبصار 227:2-784.
5- المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3، الحاوي الكبير 143:4، فتح العزيز 7: 324، حلية العلماء 332:3، المجموع 44:8، المبسوط - للسرخسي - 48:4، بدائع الصنائع 131:2.
6- البقرة: 201.
7- المغني 398:3، الشرح الكبير 401:3.
8- التهذيب 127:5-417، الاستبصار 227:2-785.

و قال مالك: أنّها مكروهة. و هو مروي عن عروة و الحسن(1).

و عن أحمد روايتان(2).

و يستحب الدعاء في أثناء الطواف و الإكثار من ذكر اللّه تعالي.

و يجوز له الشرب في الطواف، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله شرب في الطواف(3).

و من طريق الخاصّة: رواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام: هل نشرب و نحن في الطواف ؟ قال: «نعم»(4).

تذنيب: قال الشيخ في الخلاف: الأفضل أن يقال: طواف و طوافان و ثلاثة أطواف،

و إن قال: شوطا و شوطين و ثلاثة أشواط، جاز. و قال الشافعي: أكره ذكر الشوط. و به قال مجاهد(5).

مسألة 488: لا يجوز الطواف و علي الطائف برطلّة

مسألة 488: لا يجوز الطواف و علي الطائف برطلّة(6) في طواف العمرة،

لاشتماله علي تغطية الرأس و هو محرم، أمّا في طواف الحجّ فإنّه مكروه، لقول الصادق عليه السّلام: «لا تطوفنّ بالبيت و عليك برطلّة»(7).

و قال الصادق عليه السّلام ليزيد بن خليفة: «قد رأيتك تطوف حول الكعبة

ص: 125


1- المنتقي - للباجي - 298:2، حلية العلماء 332:3، الحاوي الكبير 143:4، المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3.
2- المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3.
3- الحاوي الكبير 144:4، سنن البيهقي 85:5.
4- الكافي 429:4-15، التهذيب 135:5-444.
5- الخلاف 322:2، المسألة 128، و انظر: الام 176:2، و المجموع 41:8 و 55، و المنتقي - للباجي - 285:2.
6- البرطلّة: قلنسوة. لسان العرب 51:11. «برطل».
7- الكافي 427:4-4، التهذيب 134:5-442.

و عليك برطلّة، لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود»(1).

و الشيخ - رحمه اللّه - أطلق المنع(2) ، و التفصيل الذي ذكرناه أجود.

مسألة 489: من نذر أن يطوف علي أربع، قال: الشيخ رحمه اللّه: يجب عليه طوافان:

أسبوع ليديه، و أسبوع لرجليه(3) ، لقول الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة نذرت أن تطوف علي أربع، قال: تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها»(4).

و في الطريق ضعف.

و قال ابن إدريس: يبطل النذر، لأنّه غير مشروع، فلا ينعقد(5). و هو حسن.

مسألة 490: طواف الحجّ ركن فيه، و هو واجب بالإجماع.

قال اللّه تعالي وَ لْيَطَّوَّفُوا (6).

قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء علي أنّ هذه الآية فيه(7).

و ما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال عن صفيّة لمّا حاضت:

(أ حابستنا هي ؟) قالوا: يا رسول اللّه إنّها قد أفاضت يوم النحر، قال:

(اخرجوا)(8) فدلّ علي وجوب الطواف، و أنّه حابس لمن لم يأت به.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «علي المتمتّع بالعمرة إلي

ص: 126


1- التهذيب 134:5-443.
2- النهاية: 242، المبسوط - للطوسي - 359:1.
3- النهاية: 242، المبسوط - للطوسي - 360:1، التهذيب 135:5 ذيل الحديث 445.
4- التهذيب 135:5-446، و الكافي 430:4-18.
5- السرائر: 135.
6- الحجّ: 29.
7- المغني 473:3، الشرح الكبير 475:3.
8- المغني 473:3، الشرح الكبير 475:3.

الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة»(1).

و لأنّه أحد النسكين، فكان الطواف فيه ركنا، كالعمرة.

إذا عرفت هذا، فإن أخلّ به عامدا، بطل حجّه، و إن أخلّ به ناسيا، وجب عليه أن يعود و يقضيه، فإن لم يتمكّن، استناب فيه.

و قال الشافعي: إن كان قد طاف طواف الوداع، أجزأ عنه، و إلاّ وجب عليه الرجوع، و لا تحلّ له النساء حتي يطوفه و إن طال زمانه و خرج وقته(2).

إذا ثبت هذا، فلو نسي طواف النساء، لم تحلّ له النساء حتي يزور البيت و يأتي به، و يجوز له أن يستنيب فيه، لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل نسي طواف النساء حتي دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتي يزور البيت» و قال: «يأمر أن يقضي عنه إن لم يحجّ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره»(3).9.

ص: 127


1- الكافي 295:4 (باب ما علي المتمتّع من الطواف..) الحديث 1، التهذيب 35:5-104.
2- فتح العزيز 381:7-382، الحاوي الكبير 192:4، المجموع 220:8.
3- الكافي 513:4-5، التهذيب 128:5-422، الاستبصار 228:2-789.

ص: 128

الفصل الرابع في السعي و التقصير
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته،
اشارة

و هي عشرة(1) كلّها مندوبة:

الأوّل: الطهارة، و هي مستحبّة في السعي غير واجبة،

عند علمائنا - و هو قول عامّة العلماء(2) - للأصل.

و لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعائشة حين حاضت: (اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت)(3).

و عن عائشة و أمّ سلمة قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت و صلّت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا و المروة(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علي غير وضوء إلاّ الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل»(5).

الثاني: استلام الحجر الأسود قبل السعي

إذا صلّي ركعتي الطواف

ص: 129


1- عدّد المصنّف - قدّس سرّه - منها هنا ستّة أمور.
2- المغني 416:3، الشرح الكبير 420:3-421.
3- صحيح البخاري 81:1، صحيح مسلم 873:2-119، سنن النسائي 1: 180، مسند أحمد 39:6، شرح معاني الآثار 201:2، المغني 416:3، الشرح الكبير 421:3.
4- المغني 416:3، الشرح الكبير 421:3 نقلا عن الأثرم.
5- التهذيب 154:5-509، الإستبصار 241:2-841.

إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فعل ذلك(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فإذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله و استلمه أو(2) أشر إليه فإنّه لا بدّ من ذلك»(3).

الثالث: الشرب من ماء زمزم و صبّ الماء علي الجسد من الدلو المقابل للحجر الأسود، و الدعاء،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغ الرجل من طوافه و صلّي ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذنوبا أو ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ علي رأسه و ظهره و بطنه، و يقول حين يشرب: اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم، ثم يعود إلي الحجر الأسود»(4).

و عن الصادق و الكاظم عليهما السّلام - في الصحيح -: «و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر»(5).

الرابع: الخروج إلي الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة و الوقار،

و لا نعلم فيه خلافا.

روي الشيخ - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «ثم اخرج إلي الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتي تقطع الوادي، و عليك السكينة و الوقار»(6).

الخامس: الصعود علي الصفا إجماعا،

إلاّ من شذّ ذهب إلي وجوبه،

ص: 130


1- سنن النسائي 228:5-229.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: و. و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 430:4-1، التهذيب 144:5-476.
4- الكافي 430:4-2، التهذيب 144:5-477.
5- التهذيب 145:5-478.
6- التهذيب 146:5-481.

فإنّه لا يصحّ السعي حتي يصعد إلي الصفا و المروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما، لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلاّ بذلك، فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل(1).

و هو خطأ، لأنّه يمكنه الاستيفاء بأن يجعل عقبه ملاصقا للصفا و أصابع رجليه ملاصقة للمروة و بالعكس في الرجوع.

و استحبابه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فاصعد الصفا حتي تنظر إلي البيت، و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد اللّه و أثن عليه»(2) الحديث.

السادس: حمد اللّه علي الصفا و الثناء عليه و استقبال الكعبة و رفع يديه و الدعاء و إطالة الوقوف علي الصفا،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و احمد اللّه و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه و حسن ما صنع إليك»(3) الحديث.

قال الصادق عليه السّلام: «و إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يقف علي الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا»(4).

و عن علي بن النعمان - رفعه - قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول»(5) و ذكر الدعاء.

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف علي الصفا»(6).

ص: 131


1- الحاوي الكبير 159:4، فتح العزيز 345:7، المجموع 64:8-65، حلية العلماء 336:3.
2- الكافي 431:4-1، التهذيب 146:5-481.
3- الكافي 431:4-1، التهذيب 146:5-481.
4- الكافي 432:4-1، التهذيب 146:5-481.
5- الكافي 432:4-5، التهذيب 147:5-482.
6- التهذيب 147:5-483، الاستبصار 238:2-827.

و لو لم يتمكّن من إطالة الوقوف و الدعاء بالمنقول، دعا بما تيسّر.

قال بعض أصحابنا: كنت في قفاء الكاظم عليه السّلام علي الصفا أو علي المروة و هو لا يزيد علي حرفين: «اللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك علي كلّ حال، و صدق النيّة في التوكّل عليك»(1).

البحث الثاني: في الكيفية.
مسألة 491: يجب في السعي النيّة، لأنّه عبادة

و قد قال اللّه تعالي:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2) .

و لقوله عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(3).

و هي شرط فيه يبطل السعي بالإخلال بها عمدا و سهوا.

و يجب فيها تعيين الفعل و أنّه سعي عمرة متمتّع بها أو مفردة أو سعي الحجّ الواجب أو الندب، حجّة الإسلام أو غيرها، و التقرّب إلي اللّه تعالي.

مسألة 492: يجب فيه الترتيب بأن يبدأ بالصفا و يختم بالمروة

إجماعا - إلاّ من أبي حنيفة(4) - لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: و بدأ بالصفا، و قال: (ابدءوا بما بدأ اللّه تعالي به)(5).

ص: 132


1- الكافي 433:4-9، التهذيب 148:5-486، الإستبصار 238:2-828.
2- البيّنة: 5.
3- أمالي الطوسي 203:2.
4- بدائع الصنائع 134:2، فتح العزيز 347:7، المجموع 78:8، حلية العلماء 336:3.
5- الحاوي الكبير 158:4، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 888:2-1218، و سنن الترمذي 216:3-862، و سنن أبي داود 184:2-1905، و سنن الدار قطني 254:3-81، و سنن ابن ماجة 1023:2-3074، و سنن البيهقي 5: 93.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: ابدءوا بما بدأ اللّه به، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (1) »(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»(3).

مسألة 493: يجب أن يسعي بين الصفا و المروة سبعة أشواط

يحتسب ذهابه من الصفا إلي المروة شوطا و عوده من المروة إلي الصفا آخر، هكذا سبع مرّات، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة العلماء(4) - لما رواه العامّة عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ثم نزل إلي المروة حتي إذا انصبّت(5) قدماه رمل في بان الوادي حتي إذا صعدتا مشي حتي أتي المروة، ففعل علي المروة كما فعل علي الصفا، فلمّا كان آخر طوافه علي المروة، ففعل علي المروة كما فعل علي الصفا، فلمّا كان آخر طوافه علي المروة قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة)(6) و هذا يقتضي أنّه آخر طوافه.

و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ: «طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»(7).

و قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية: يحتسب سعيه من الصفا إلي

ص: 133


1- البقرة: 158.
2- التهذيب 145:5-481.
3- الكافي 434:4-435-6، التهذيب 148:5-487.
4- الحاوي الكبير 159:4، المجموع 71:8، الشرح الكبير 419:3، فتح العزيز 347:7.
5- أي: انحدرت. النهاية - لابن الأثير - 3:3 «نصب».
6- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن الدارمي 46:2.
7- التهذيب 148:5-487.

المروة و منها إلي الصفا شوطا واحدا(1).

مسألة 494: يجب السعي بين الصفا و المروة في المسافة التي بينهما،

فلا يجوز الإخلال بشيء منها، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء و أصابع رجليه به في العود و بالعكس في المروة. و لا تحلّ له النساء حتي يكمله.

و لا يجب الصعود علي الصفا و لا المروة - خلافا لبعض الشافعية، و قد تقدّم(2) - لقوله تعالي فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (3).

قال المفسّرون: أراد بينهما. و هو يصدق و إن لم يصعد عليهما.

و يستحب له أن يسعي ماشيا، و يجوز الركوب إجماعا.

و لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله طاف راكبا بالبيت و بالصفا و المروة(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الحسنة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام:

عن السعي بين الصفا و المروة علي الدابّة، قال: «نعم و علي المحمل»(5).

و قال معاوية بن عمّار: سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يسعي بين الصفا و المروة راكبا، قال: «لا بأس و المشي أفضل»(6).

مسألة 495: يستحب أن يمشي من الصفا إلي المنارة،

و أن يهرول ما بين المنارة و زقاق العطّارين ثم يمشي من زقاق العطّارين إلي المروة، و لو

ص: 134


1- الحاوي الكبير 159:4، فتح العزيز 347:7، المجموع 71:8، حلية العلماء 336:3.
2- تقدّم في الأمر الخامس من مندوبات السعي في ص 130.
3- البقرة: 158.
4- سنن أبي داود 176:2-177-1879 و 1880، سنن البيهقي 100:5.
5- الكافي 437:4-1، التهذيب 155:5-511.
6- الكافي 437:4-2، التهذيب 155:5-512.

كان راكبا، حرّك دابّته في موضع الهرولة إجماعا.

روي العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سعي بين الصفا و المروة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ثم انحدر ماشيا و عليك السكينة و الوقار حتي تأتي المنارة، و هي طرف المسعي، واسع ملأ فروجك و قل: بسم اللّه اللّه أكبر و صلّي اللّه علي محمد و آله، و قل: اللّهم اغفر و ارحم و اعف عمّا تعلم و أنت الأعزّ الأكرم، حتي تبلغ المنارة الأخري، و كان المسعي أوسع ممّا هو اليوم، و لكنّ الناس ضيّقوه، ثم امش و عليك السكينة و الوقار حتي تأتي المروة»(2) الحديث.

و لأنّ موضع الرمل من وادي محسّر، فاستحبّ قطعه بالهرولة، كما يستحب قطع وادي محسّر. و يستحب الدعاء حالة السعي.

و لو ترك الرمل، لم يكن عليه شيء إجماعا.

روي العامّة عن ابن عمر، قال: إن أسع بين الصفا و المروة فقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يسعي، و إن أمش فقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يمشي و أنا شيخ كبير(3).

و من طريق الخاصّة: قول سعيد الأعرج: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة، قال: «لا شيء عليه»(4).4.

ص: 135


1- صحيح البخاري 195:2، سنن الترمذي 217:3-863، سنن الدار قطني 2: 255-86، سنن البيهقي 98:5.
2- التهذيب 148:5-487.
3- سنن ابن ماجة 995:2-2988، سنن البيهقي 99:5، و في سنن أبي داود 2: 182-1904 بتقديم و تأخير.
4- الكافي 436:4-9، التهذيب 150:5-151-494.

و ليس علي النساء رمل و لا صعود علي الصفا و المروة، لأنّ ترك ذلك أستر.

و لو نسي الرجل الرمل حتي يجوز موضعه ثم ذكر، فليرجع القهقري إلي المكان الذي يرمل فيه.

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 496: السعي واجب و ركن من أركان الحجّ و العمرة

يبطلان بالإخلال به عمدا، عند علمائنا أجمع - و به قال عروة و مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال:

(اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السعي)(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الحسن(3) بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: عن السعي بين الصفا و المروة فريضة أو سنّة ؟ فقال: «فريضة»(4).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «لا حجّ له»(5).

ص: 136


1- المغني 410:3، الحاوي الكبير 155:4، فتح العزيز 348:7، حلية العلماء 335:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 48:1، تفسير القرطبي 183:2، المبسوط - للسرخسي - 50:4.
2- سنن الدار قطني 255:2-86.
3- في التهذيب: الحسين.
4- الكافي 435:4-8، التهذيب 149:5-490.
5- الكافي 436:4-10، التهذيب 150:5-491، و فيهما: «عليه الحجّ من قابل» بدل «لا حجّ له».

و قال أحمد في الرواية الأخري: إنّه مستحب لا يجب بتركه دم. و هو مروي عن ابن الزبير و ابن سيرين(1).

و قال أبو حنيفة: هو واجب و ليس بركن إذا تركه وجب عليه دم - و هو مذهب الحسن البصري و الثوري - لقوله تعالي فَلا جُناحَ (2) و رفع الجناح دليل عدم وجوبه(3).

و هو غلط، فإنّ رفع الجناح لا يستلزم عدم الوجوب.

و لو ترك السعي ناسيا، أعاده لا غير، و لا شيء عليه، فإن كان قد خرج من مكّة، عاد للسعي، فإن لم يتمكّن، أمر من يسعي عنه، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: «يعيد السعي» قلت: فإنّه خرج، قال: «يرجع فيعيد السعي إنّ هذا ليس كرمي الجمار، الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة»(4).

و سأل زيد الشحّام الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتي يرجع إلي أهله، فقال: «يطاف عنه»(5).

مسألة 497: قد سبق

مسألة 497: قد سبق(6) وجوب ترتيب السعي بأن يبدأ بالصفا و يختم بالمروة،

فلو عكس فبدأ بالمروة و ختم بالصفا، أعاد السعي، لأنّه لم يأت بالمأمور به علي وجهه، فيبقي في عهدة التكليف.

ص: 137


1- المغني 410:3، المجموع 77:8، حلية العلماء 335:3.
2- البقرة: 158.
3- المبسوط - للسرخسي - 50:4، المغني 410:3 و 411، المجموع 77:8، الحاوي الكبير 155:4، حلية العلماء 335:3، تفسير القرطبي 183:2.
4- التهذيب 150:5-492، الاستبصار 238:2-829.
5- التهذيب 150:5-493.
6- سبق في المسألة: 492.

و ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعي و يبدأ بالصفا قبل المروة»(1).

إذا عرفت هذا، فلو طاف سبعة أشواط و شكّ فيما بدأ به، فإن كان في آخر السابع علي الصفا، أعاد السعي من أوّله، لأنّه يكون قد بدأ من المروة.

و قالت العامّة: يسقط الشوط الأوّل، و يبني علي أنّه بدأ من الصفا، فيضيف إليه آخر(2).

و هو غلط، لما بيّنّا من الأخبار الدالّة علي وجوب البدأة بالصفا، و الإعادة علي من بدأ بالمروة.

و كذا لو تيقّن عدد الأشواط فيما دون السبعة و شكّ في المبدأ، فإن كان في المزدوج علي الصفا، صحّ سعيه، لأنّه يكون قد بدأ به، و إن كان علي المروة، أعاد، و ينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.

مسألة 498: لو سعي أقلّ من سبعة أشواط و لو خطوة، وجب عليه الإتيان بها،

و لا يحلّ له ما يحرم علي المحرم قبل الإتيان به، فإن رجع إلي بلده، وجب عليه العود مع المكنة و إتمام السعي، لأنّ الموالاة لا تجب فيه إجماعا.

و لو لم يذكر حتي واقع أهله أو قصّر أو قلّم، كان عليه دم بقرة و إتمام السعي، لما رواه سعيد بن يسار، قال: سألت الصادق عليه السّلام: رجل متمتّع سعي بين الصفا و المروة ستّة أشواط ثم رجع إلي منزله و هو يري أنّه

ص: 138


1- التهذيب 151:5-495.
2- المغني 409:3، الشرح الكبير 420:3، المجموع 70:8، الحاوي الكبير 4: 160.

قد فرغ منه و قلّم أظافيره و أحلّ ثم ذكر أنّه سعي ستّة أشواط، فقال لي:

«يحفظ أنّه قد سعي ستّة أشواط؟ فإن كان يحفظ أنّه قد سعي ستّة أشواط فليعد و ليتمّ شوطا و ليرق دما» فقلت: دم ما ذا؟ قال: «بقرة» قال: «و إن لم يكن حفظ أنّه سعي ستّة أشواط فليبتدئ السعي حتي يكمله سبعة أشواط ثم ليرق [دم](1) بقرة»(2).

و لو لم يحصّل عدد الأشواط، استأنف السعي.

مسألة 499: لا يجوز الزيادة علي سبعة أشواط،

فإن زاد عمدا، استأنف السعي، و إن كان سهوا، طرح الزيادة و اعتدّ بالسبعة، و إن شاء أكمل أربعة عشر شوطا، لأنّها عبادة ذات عدد، فأبطلتها الزيادة عمدا، كالصلاة و الطواف.

و لقول الكاظم عليه السّلام: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السعي»(3).

و يدلّ علي طرح الزيادة مع السهو: قول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل سعي بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحدا و اعتدّ بسبعة»(4).

و علي جواز إتمام أربعة عشر شوطا: قول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «و كذلك إذا استيقن أنّه سعي ثمانية أضاف إليها ستّة»(5).

مسألة 500: يجوز أن يجلس الإنسان في أثناء السعي للاستراحة

ص: 139


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 153:5-504.
3- التهذيب 151:5-498، الإستبصار 239:2-831.
4- الكافي 436:4-2، التهذيب 152:5-499، الاستبصار 239:2-832.
5- التهذيب 152:5-153-502، الاستبصار 240:2-835.

- و هو قول أحمد في إحدي الروايتين(1) - لما رواه العامّة: أنّ سودة بنت عبد اللّه بن عمر امرأة عروة بن الزبير(2) سعت بين الصفا و المروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام و كانت ضخمة(3)(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة، يستريح ؟ قال: «نعم إن شاء جلس علي الصفا و المروة و بينهما فيجلس»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخري: لا يجوز. و يجعل الموالاة شرطا في السعي، قياسا علي الطواف(6).

و الفرق: أنّ الطواف يتعلّق بالبيت و هو صلاة، و يشترط له الطهارة و الستر، فيشترط له الموالاة، كالصلاة، بخلاف السعي.

و كذا يجوز أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه، لأنّ أبا الحسن عليه السّلام سئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعي ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلي الحاجة أو إلي الطعام، قال: «إن أجابه فلا بأس»(7).

و عن أحمد روايتان(8).ر.

ص: 140


1- المغني 418:3، الشرح الكبير 421:3.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: عبد اللّه بن الزبير. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير و طبقات ابن سعد 178:5، و سير أعلام النبلاء 432:4.
3- في النسخ الخطّية و الحجرية: صحيحة. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
4- أورده ابنا قدامة عن الأثرم في المغني 418:3 و الشرح الكبير 421:3-422.
5- الكافي 437:4-3، التهذيب 156:5-516.
6- المغني 418:3، الشرح الكبير 421:3.
7- التهذيب 157:5-520.
8- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و لو دخل وقت فريضة و هو في أثناء السعي، قطعه، و ابتدأ بالصلاة، فإذا فرغ منها تمّم سعيه، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة، أ يخفّف أو يقطع و يصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو علي حاله حتي يفرغ ؟ قال: «لا، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد؟»(1).

مسألة 501: إذا طاف، جاز له أن يؤخّر السعي إلي بعد ساعة،

و لا يجوز إلي غد يومه - و به قال أحمد و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير(2) - لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه و بين الطواف أولي.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن الرجل يقدم مكّة و قد اشتدّ عليه الحرّ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلي أن يبرد، فقال: «لا بأس به، و ربما فعلته» قال: و ربما رأيته يؤخّر السعي إلي الليل(3).

و سأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهما عليهما السّلام: عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلي غد؟ قال: «لا»(4).

مسألة 502: السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه
اشارة

- و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لما رواه العامّة:

ص: 141


1- التهذيب 156:5-519.
2- المغني 411:3-412، الشرح الكبير 422:3.
3- التهذيب 128:5-129-423، الاستبصار 229:2-790.
4- الفقيه 253:2-1220.
5- بداية المجتهد 346:1، فتح العزيز 346:7، الحاوي الكبير 157:4، المجموع 78:8، المبسوط - للسرخسي - 51:4، المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.

أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سعي بعد طوافه(1) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و من طريق الخاصّة: رواية منصور بن حازم - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت ثم يعود إلي الصفا و المروة فيطوف بينهما»(3).

و لو طاف بعض الطواف ثم مضي إلي السعي ناسيا، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلي السعي فأتمّ سعيه، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلي الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شيء، فأمره أن يرجع إلي البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلي الصفا فيتمّ ما بقي فقلت له:

فإنّه طاف بالصفا و ترك البيت، قال: «يرجع إلي البيت، قال: «يرجع إلي البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا» فقلت: ما فرق بين هذين ؟ قال: «لأنّه قد دخل في شيء من الطواف، و هذا لم يدخل في شيء منه»(4).

تذنيب: لو سعي بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة، لم يعتد بطوافه و لا بسعيه،

لأنّه تبع له.

مسألة 503: السعي واجب في الحجّ و العمرة، و لا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر،

عند علمائنا، لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف، فيشترط فيه السعي، كالآخر.

ص: 142


1- صحيح مسلم 887:2-888-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 183:2-184-1905، سنن الدارمي 46:2، المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- الكافي 421:4-2، التهذيب 129:5-426.
4- التهذيب 130:5-428.

و لقول الصادق عليه السّلام: «علي المتمتّع بالعمرة إلي الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكلّ طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة»(1).

و قال بعض العامّة: لو سعي القارن و المفرد بعد طواف القدوم، لم يلزمهما بعد ذلك سعي، و إن لم يسعيا معه، لزمهما السعي مع طواف الزيارة(2).

مسألة 504: لا يجوز تقديم طواف النساء علي السعي، فإن فعله متعمّدا، أعاد طواف النساء،

و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه، لأنّ أحمد بن محمد روي عمّن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعي، فقال:

«لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء» فقلت: عليه شيء؟ فقال:

«لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء»(3).

و لا يجوز للمتمتّع أن يقدّم طواف الحجّ و سعيه علي المضيّ إلي عرفات اختيارا، قاله العلماء كافّة.

روي أبو بصير، قال: قلت: رجل كان متمتّعا فأهلّ بالحجّ، قال:

«لا يطوف بالبيت حتي يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي مني من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ التقديم للضرورة - كالشيخ الكبير و المريض و خائفة الحيض - جائز، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس أن يعجّل الشيخ

ص: 143


1- الكافي 295:4-3، التهذيب 36:5-106.
2- المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.
3- الكافي 512:4-5، التهذيب 133:5-438، الإستبصار 231:2-799.
4- الاستبصار 229:2-793.

الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج(1) إلي مني»(2).

و كذا يجوز تقديم طواف النساء علي الموقفين مع العذر لا مع الاختيار، لأنّ الحسن بن علي روي عن أبيه عن الكاظم عليه السّلام، قال:

«لا بأس بتعجيل طواف الحجّ و طواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلي مني، و كذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ(3) له الانصراف إلي مكّة أن يطوف و يودّع البيت ثم يمرّ كما هو(4) من مني إذا كان خائفا»(5).

و سيأتي تمام ذلك إن شاء اللّه تعالي.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز للقارن و المفرد تقديم طوافهما و سعيهما علي المضيّ إلي عرفات لضرورة و غيرها(6) ، لأنّ حماد بن عثمان روي - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السّلام عن مفرد الحجّ أ يعجّل طوافه أو يؤخّره ؟ قال: «هو و اللّه سواء عجّله أو أخّره»(7).

و سأل إسحاق بن عمّار الكاظم عليه السّلام: عن رجل يحرم بالحجّ من مكّة ثم يري البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج، عليه شيء؟ قال: «لا»(8).

قال الشيخ(9): و يجدّدان التلبية لو قدّما الطواف، ليبقيا علي إحرامهما، و لو لم يجدّداها، انقلبت الحجّة عمرة.1.

ص: 144


1- في التهذيبين: يخرجوا.
2- الكافي 458:4-5، التهذيب 131:5-431، الإستبصار 230:2-795.
3- في المصدر: «لمن خاف أمرا لا يتهيّأ..».
4- في النسخ الخطية و الحجرية: «كما مرّ» و ما أثبتناه من المصدر.
5- التهذيب 133:5-437، الإستبصار 230:2-231-798.
6- النهاية: 241، المبسوط - للطوسي - 359:1.
7- الكافي 459:4-2، التهذيب 45:5-135، و 132-434.
8- الفقيه 244:2-1169.
9- انظر: التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.

و أنكر ابن إدريس(1) و كافّة العامّة ذلك.

البحث الرابع: في التقصير.
مسألة 505: إذا فرغ المتمتّع من السعي، قصّر من شعره

و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد، لكونه في الحرم، فلو خرج منه، كان مباحا له، و يحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعا.

روي العامّة عن ابن عمر قال: تمتّع الناس مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالعمرة إلي الحجّ، فلمّا قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مكة قال للناس: (من كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شيء أحرم منه حتي يقضي حجّته، و من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصّر و ليحلل)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم من أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، و طف بالبيت تطوّعا ما شئت»(3).

مسألة 506: التقصير نسك في العمرة،

فلا يقع الإحلال إلاّ به أو بالحلق، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (رحم اللّه

ص: 145


1- السرائر: 135.
2- المغني 412:3، الشرح الكبير 423:3، صحيح مسلم 901:2-1227، سنن أبي داود 160:2-1805، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 23:5.
3- الكافي 438:4-439-1، التهذيب 157:5-521.
4- فتح العزيز 374:7-375، الحاوي الكبير 161:4، المجموع 232:8، بدائع الصنائع 140:2، المغني 414:3 و 467، الشرح الكبير 467:3.

المحلّقين) قيل: يا رسول اللّه و المقصّرين، فقال: (رحم اللّه المحلّقين) إلي أن قال في الثالثة أو الرابعة: (رحم اللّه المقصّرين)(1) و هو يدلّ علي أنّه نسك.

و من طريق الخاصّة: الأحاديث الدالّة علي الأمر بالتقصير(2) ، فيكون واجبا.

و قال الشافعي في الآخر: إنّه إطلاق محظور، بأنّ كلّ ما كان محرّما في الإحرام فإذا جاز له، كان إطلاق محظور(3).

و نمنع الكلّيّة.

و لا يستحب له تأخير التقصير، فإن أخّره، لم تتعلّق به كفّارة.

مسألة 507: لو أخلّ بالتقصير عامدا حتي أهلّ بالحجّ، بطلت عمرته، و كانت حجّته مفردة.

و لا تدخل أفعال الحجّ في أفعال العمرة - و به قال علي عليه السّلام و ابن مسعود و الشعبي و النخعي و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لقوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (5).

و قال الشافعي: إذا قرن، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ، و اقتصر علي أفعال الحجّ فقط، يجزئه طواف واحد و سعي واحد عنهما.

ص: 146


1- صحيح مسلم 946:2-318، سنن ابن ماجة 1012:2-3044، سنن الترمذي 256:3-913، سنن البيهقي 103:5، سنن الدارمي 64:2.
2- منها ما تقدّم عن الإمام الصادق عليه السّلام في المسألة السابقة.
3- الحاوي الكبير 161:4، فتح العزيز 374:7-375.
4- المجموع 61:8، صحيح مسلم بشرح النووي 141:8، المغني 497:3، الحاوي الكبير 164:4.
5- البقرة: 196.

و به قال جابر و ابن عمر و عطاء و طاوس و الحسن البصري و مجاهد و ربيعة و مالك و أحمد و إسحاق(1).

و يبطل بما رواه العامّة عن عمران بن الحصين: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال:

(من جمع الحجّ إلي العمرة فعليه طوافان)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا طاف و سعي ثم لبّي قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر، و ليس له متعة»(3).

و لو أخلّ بالتقصير ناسيا، صحّت متعته، و وجب عليه دم - قاله الشيخ(4) رحمه اللّه - لأنّ إسحاق بن عمّار روي - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام:

الرجل يتمتّع و ينسي أن يقصّر حتي يهلّ بالحجّ، فقال: «عليه دم يهريقه»(5).

و حمله الصدوق علي الاستحباب(6) ، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتي دخل الحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شيء عليه و تمّت عمرته»(7).

مسألة 508: لو جامع امرأته قبل التقصير، وجب عليه جزور

إن كان

ص: 147


1- المجموع 61:8، صحيح مسلم بشرح النووي 141:8، المغني 497:3، الحاوي الكبير 164:4.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 333:2 ذيل المسألة 148، و نقله الماوردي في الحاوي الكبير 164:4 بلفظ: (من جمع بين الحجّ و العمرة..).
3- التهذيب 159:5-529، الاستبصار 243:2-846.
4- التهذيب 158:5 ذيل الحديث 526.
5- التهذيب 158:5-159-527، الاستبصار 242:2-844، و الفقيه 2: 237-1128.
6- الفقيه 237:2 ذيل الحديث 1129.
7- التهذيب 159:5-528، الاستبصار 242:2-243-845.

موسرا، و إن كان متوسّطا، فبقرة، و إن كان فقيرا، فشاة إن كان عامدا عالما، و إن كان جاهلا أو ناسيا، لم يكن عليه شيء، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن متمتّع وقع علي امرأته قبل أن يقصّر، قال: «ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه»(1).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن متمتّع وقع علي امرأته و لم يقصّر، فقال: «ينحر جزورا و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا شيء عليه»(2).

أمّا لو واقعها بعد التقصير، فلا شيء عليه إجماعا.

و لو قبّل امرأته قبل التقصير، وجب عليه دم شاة - قاله الشيخ(3) - لرواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن متمتّع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه، قال: «عليه دم يهريقه، و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ عمرته لا تبطل - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر، قال: من ترك من مناسكه شيئا أو نسيه فليرق دما،2.

ص: 148


1- التهذيب 161:5-536، و فيه إلي قوله: «جزورا». و قوله: «و قد خشيت.. حجّه» من تتمّة رواية معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السّلام، التي وردت بعد رواية الحلبي، و فيها: «و قد خفت..».
2- الكافي 440:4-441-5، التهذيب 161:5-539.
3- التهذيب 160:5 ذيل الحديث 534.
4- التهذيب 160:5-161-535.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 160، المغني 414:3، الشرح الكبير 425:3، الهداية - للمرغيناني - 165:1، بدائع الصنائع 228:2.

قيل: إنّها موسرة، قال: فلتنحر ناقة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه»(2) و هو يدلّ علي الصحّة.

و قال الشافعي: تفسد عمرته(3).

إذا عرفت هذا، فإن طاوعته، كفّرت أيضا، و إن أكرهها، تحمّل عنها.

مسألة 509: التقصير في إحرام العمرة أولي من الحلق،

قاله الشيخ في الخلاف(4).

و منع في غيره من الحلق، و أوجب به دم شاة مع العمد(5).

و قال أحمد: التقصير أفضل(6) ، لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام عن جابر لمّا وصف حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال لأصحابه:

(حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا و المروة و قصّروا)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: «عليه دم يهريقه»(8).

و سأل جميل بن درّاج الصادق عليه السّلام: عن متمتّع حلق رأسه بمكة،

ص: 149


1- المغني 414:3، الشرح الكبير 425:3.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصدره في ص 148، الهامش (2).
3- فتح العزيز 376:7، المجموع 388:7، حلية العلماء 310:3، المغني 3: 414، الشرح الكبير 425:3.
4- الخلاف 330:2، المسألة 144.
5- النهاية: 246، المبسوط - للطوسي - 363:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 232.
6- المغني 413:3-414، الشرح الكبير 424:3.
7- أورده ابنا قدامة عن جابر فقط في المغني 414:3، و الشرح الكبير 424:3.
8- التهذيب 158:5-525، الاستبصار 242:2-842.

قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء»(1).

و قال الشافعي: الحلق أفضل(2) ، لقوله تعالي مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (3). بدأ بالأهمّ.

و هو لا يعارض ما تقدّم.

مسألة 510: أدني التقصير أن يقصّر شيئا من شعر رأسه

و لو كان يسيرا، و أقلّه ثلاث شعرات، لحصول الامتثال به، هذا قول علمائنا، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: الربع(5).

و قال مالك: يقصّر من جميع رأسه أو يحلقه أجمع. و به قال أحمد في إحدي الروايتين - و في الأخري كقولنا(6) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله حلق جميع رأسه(7). و لأنّه نسك يتعلّق بالرأس، فيجب استيعابه، كالمسح(8).

و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بيان للحلق في الحجّ، و نمنع حكم أصل قياسهم.

إذا عرفت هذا، فلو قصّر الشعر بأيّ شيء كان، أجزأه، و كذا لو نتفه

ص: 150


1- الكافي 441:4-7، التهذيب 158:5-526، الإستبصار 242:2-843.
2- الحاوي الكبير 162:4، فتح العزيز 375:7 و 377، المجموع 209:8، حلية العلماء 344:3.
3- الفتح: 27.
4- الحاوي الكبير 163:4، فتح العزيز 378:7، المجموع 214:8، المغني 3: 415، الشرح الكبير 463:3.
5- بدائع الصنائع 141:2، فتح العزيز 378:7، المجموع 215:8، حلية العلماء 344:3.
6- المغني 414:3-415، الشرح الكبير 463:3.
7- سنن أبي داود 203:2-1981، سنن البيهقي 134:5.
8- المدوّنة الكبري 425:1، المنتقي - للباجي - 29:3، المغني 414:3 - 415، الشرح الكبير 463:3.

أو أزاله بالنورة.

و لو قصّر من الشعر النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه، أجزأه.

و لو قصّر من أظفاره، أجزأه، و كذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته، لأنّ الصادق عليه السّلام سأله حفص و جميل و غيرهما: عن محرم يقصّر من بعض و لا يقصّر من بعض، قال: «يجزئه»(1).

مسألة 511: ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء،

بل في إحرام العمرة المبتولة، لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسي الرازي كتب [إلي الرجل](2) يسأله عن العمرة المبتولة هل علي صاحبها طواف النساء؟ و عن العمرة التي يتمتّع بها إلي الحجّ، فكتب «أمّا العمرة المبتولة فعلي صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتّع بها إلي الحجّ فليس علي صاحبها طواف النساء»(3).

إذا عرفت هذا، فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالمحرمين في ترك لبس المخيط، لقول الصادق عليه السّلام: «ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلي الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصا و ليتشبّه بالمحرمين»(4).

مسألة 512: يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها،

إلاّ لضرورة، فإن اضطرّ إلي الخروج، خرج إلي حيث لا يفوته الحجّ، و يخرج محرما بالحجّ، فإن أمكنه الرجوع إلي مكة، و إلاّ مضي علي إحرامه إلي عرفات.

و لو خرج بغير إحرام ثم عاد، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه،

ص: 151


1- الكافي 439:4-4، الفقيه 238:2-1136.
2- أضفناها من المصادر.
3- الكافي 538:4-9، التهذيب 254:5-861، الإستبصار 232:2-804.
4- الكافي 441:4-8، التهذيب 160:5-532.

لم يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه، دخلها محرما بالعمرة إلي الحجّ، و تكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلي الحجّ، لقول الصادق عليه السّلام: «من دخل مكة متمتّعا في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتي يقضي الحجّ، فإن عرضت له الحاجة إلي عسفان أو إلي الطائف أو إلي ذات عرق، خرج محرما، و دخل ملبّيا بالحجّ، فلا يزال علي إحرامه، فإن رجع إلي مكة رجع محرما، و لم يقرب البيت حتي يخرج مع الناس إلي مني» قلت: فإن جهل فخرج إلي المدينة و إلي نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أ يدخلها محرما أو بغير إحرام ؟ فقال: «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما» قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته ؟ الأولي أو الأخيرة ؟ قال: «الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجّه»(1).

إذا عرفت هذا، فلو خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه، استحبّ له أن يدخلها محرما بالحجّ، و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام علي ما تقدّم.

مسألة 513: لو دخل المحرم مكة و قدر علي إنشاء الإحرام للحجّ بعد طوافه و سعيه و تقصيره، و إدراك عرفات و المشعر، جاز له ذلك

و إن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين - اختاره الشيخ(2) رحمه اللّه - لأنّ هشام بن سالم [روي](3) - في الصحيح - [عن](4) الصادق عليه السّلام: في الرجل المتمتّع يدخل

ص: 152


1- الكافي 441:4-442-1، التهذيب 163:5-164-546.
2- المبسوط - للطوسي - 364:1.
3- ما بين المعقوفين لأجل السياق.
4- ما بين المعقوفين لأجل السياق.

ليلة عرفة فيطوف و يسعي ثم يحرم فيأتي مني، فقال: «لا بأس»(1).

و قال المفيد رحمه اللّه: إذا زالت الشمس من يوم التروية و لم يكن أحلّ من عمرته، فقد فاتته المتعة، و لا يجوز له التحلّل منها، بل يبقي علي إحرامه، و تكون حجّته مفردة [1].

و ليس بجيّد.

قال موسي بن القاسم: روي لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسي عليه السّلام، أنّه قال: «أهلّ بالمتعة بالحجّ» يريد يوم التروية زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء، ما بين ذلك كلّه واسع(2).

احتجّ المفيد - رحمه اللّه - بقول الصادق عليه السّلام: «إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، و امض كما أنت بحجّك»(3).

و هو محمول علي خائف فوات الموقف، لأنّ الحلبي سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل أهلّ بالحجّ و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات، فخشي إن هو طاف و سعي بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، فقال: «يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة، و لا هدي عليه»(4).9.

ص: 153


1- الكافي 443:4-1، الفقيه 242:2-1156، التهذيب 171:5-172-571، الاستبصار 247:2-866.
2- التهذيب 172:5-173-578، الاستبصار 248:2-873.
3- التهذيب 173:5-583، الاستبصار 249:2-878.
4- التهذيب 174:5-584، الاستبصار 250:2-879.

و التقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة، حملا للمطلق علي المقيّد.

تمّ الجزء الخامس(1) من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة و سبعمائة بالحلّة علي يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه اللّه تعالي علي طاعته.

و يتلوه في الجزء السادس بعون اللّه تعالي: المقصد الثالث في أفعال الحجّ، و فيه فصول: الأوّل: في إحرام الحجّ.

و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمد النبي و آله الطاهرين [1].ة.

ص: 154


1- حسب تجزئة المصنّف قدّس اللّه نفسه الزكية.

بسم اللّه الرحمن الرحيم وفّق اللّهم لإكماله بمحمد و كرام آله

ص: 155

ص: 156

المقصد الثالث في أفعال الحجّ
اشارة

و فيه فصول

ص: 157

ص: 158

الأوّل في إحرام الحجّ
مسألة 514: إذا فرغ المتمتّع من عمرته و أحلّ من إحرامها، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئا بالإحرام للحجّ من مكة.

و يستحب أن يكون يوم التروية، و هو ثامن ذي الحجّة، إجماعا.

روي العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلي مني فأهلّوا بالحجّ(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر، ثم اقعد حتي تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحجّ ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلي الرقطاء دون الرّدم فلبّ، فإذا انتهيت إلي الرّدم و أشرفت علي الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتي تأتي مني»(2).

أمّا المكّي: فذهب مالك إلي أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة(3).

ص: 159


1- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن أبي داود 184:2-1905.
2- التهذيب 167:5-557.
3- المدوّنة الكبري 401:1، المغني و الشرح الكبير 430:3.

و روي عن ابن عمر و ابن عباس و طاوس و سعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا، و هو قول أحمد، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بالإهلال يوم التروية(1).

و لأنّه ميقات للإحرام، فاستوي فيه أهل مكة و غيرهم، كميقات المكان، و لأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه(2).

مسألة 515: و يحرم من مكة، و الأفضل أن يكون من تحت الميزاب

أو من مقام إبراهيم عليه السّلام، و يجوز أن يحرم من أيّ موضع شاء من مكة إجماعا.

روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: (حتي أهل مكة يهلّون منها)(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادق عليه السّلام: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال: «إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق»(4).

و يستحب أن يفعل هنا كما فعل في إحرام العمرة من الإطلاء و الاغتسال و التنظيف بإزالة الشعر و الدعاء و الاشتراط، لما تقدّم(5) من الأخبار.

و يستحب أن يكون إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي

ص: 160


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 159، الهامش (1).
2- المغني و الشرح الكبير 430:3.
3- صحيح مسلم 839:2-1181، صحيح البخاري 165:2، سنن أبي داود 2: 143-1738، سنن النسائي 126:5.
4- الكافي 455:4-4، التهذيب 166:5-555.
5- تقدّم في ج 7 ص 222 و 223 و 259، المسائل 166 و 167 و 197.

الفرضين، لما تقدّم في المسألة الاولي(1) من كلام الصادق عليه السّلام.

و يجوز أن يحرم أيّ وقت شاء من أيّام الحجّ بعد فراغ عمرته بعد أن يعلم أنّه يلحق عرفات، ثم يفعل ما فعل عند الإحرام الأوّل من الغسل و التنظيف و أخذ الشارب و تقليم الأظفار و غير ذلك، ثم يلبس ثوبي إحرامه و يدخل المسجد حافيا، عليه السكينة و الوقار، و يصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر، و إن صلّي ست ركعات، كان أفضل. و إن صلّي فريضة الظهر و أحرم عقيبها، كان أفضل، فإذا صلّي ركعتي الإحرام، أحرم بالحجّ مفردا، و يدعو بما دعا به عند الإحرام الأوّل، غير أنّه يذكر الحجّ مفردا، لأنّ عمرته قد مضت.

و يلبّي إن كان ماشيا من موضعه الذي صلّي فيه، و إن كان راكبا، فإذا نهض به بعيره، فإذا انتهي إلي الردم و أشرف علي الأبطح، رفع صوته بالتلبية، لما تقدّم(2).

مسألة 516: و لا يسنّ له الطواف بعد إحرامه،

و به قال ابن عباس و عطاء و مالك و إسحاق و أحمد(3). و لو فعل ذلك لغير عذر، لم يجزئه عن طواف الحجّ و كذا السعي، أمّا لو حصل عذر، مثل مرض أو خوف حيض، فإنّه يجوز الطواف قبل المضيّ إلي عرفات، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه أن يهلّوا بالحجّ إذا خرجوا إلي مني(4).

ص: 161


1- أي: المسألة 514.
2- تقدّم في المسألة السابقة من كلام الإمام الصادق عليه السّلام.
3- المغني و الشرح الكبير 431:3.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 431:3، و راجع: صحيح مسلم 889:2-1218، و سنن أبي داود 184:2-1905، و سنن ابن ماجة 1024:2-3074، و سنن البيهقي 112:5.

و قال الشافعي: يجوز مطلقا(1).

مسألة 517: قد بيّنّا أنّه يجب أن يحرم بالحجّ، فإن أحرم بالعمرة سهوا و هو يريد الحجّ، أجزأه،

لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل دخل قبل التروية بيوم فأراد الإحرام بالحجّ فأخطأ، فقال: العمرة، قال: «ليس عليه شيء، فليعد الإحرام بالحجّ»(2).

و لو نسي الإحرام يوم التروية بالحجّ حتي حصل بعرفات، فليحرم من هناك، فإن لم يذكر حتي يرجع إلي بلده فقد تمّ حجّه، و لا شيء عليه، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات ما حاله ؟ قال: «يقول: اللهم علي كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه»(4).

ص: 162


1- المجموع 84:8، المغني و الشرح الكبير 431:3.
2- التهذيب 169:5-562.
3- التهذيب 174:5 ذيل الحديث 585.
4- التهذيب 175:5-586.
الفصل الثاني في الوقوف بعرفات
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الخروج إلي مني.
اشارة

يستحب لمن أراد الخروج إلي مني أن لا يخرج من مكة حتي يصلّي الظهرين يوم التروية بها ثم يخرج إلي مني إلاّ الإمام خاصّة، فإنّه يستحب له أن يصلّي الظهر و العصر بمني يوم التروية، و يقيم بها إلي طلوع الشمس.

و أطلق العامّة علي استحباب الخروج للإمام و غيره من مكة قبل الظهر و أن يصلّوا بمني يوم التروية(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن الزبير أنّه صلّي بمكة(2).

و عن عائشة أنّها تخلّفت ليلة التروية حتي ذهب ثلثا الليل(3).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، أنّه يصلّي الظهر بمكة(4).

و أمّا الإمام: فإنّه يستحب له الخروج قبل الزوال ليصلّي الظهرين يوم التروية بمني، لما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر إلاّ بمني يوم التروية و يبيت بها

ص: 163


1- المغني و الشرح الكبير 431:3-432، الحاوي الكبير 167:4، المجموع 8: 83، حلية العلماء 336:3، المبسوط - للسرخسي - 52:4.
2- المغني و الشرح الكبير 432:3، المجموع 92:8.
3- المغني و الشرح الكبير 432:3، المجموع 92:8.
4- الكافي 454:4-1، التهذيب 167:5-557 نقلا بالمعني.

و يصبح حتي تطلع الشمس و يخرج»(1).

مسألة 518: يجوز للشيخ الكبير و المريض و المرأة و خائف الزحام المبادرة إلي الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة،

للضرورة.

و لرواية إسحاق بن عمّار - الصحيحة - قال: سألت الكاظم عليه السّلام: عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحجّ و يخرج إلي مني قبل يوم التروية ؟ قال: «نعم» قلت: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروّح بذلك ؟ قال: «لا» قلت: يتعجّل بيوم ؟ قال: «نعم» قلت: يتعجّل بيومين ؟ قال: «نعم» قلت: ثلاثة ؟ قال: «نعم» قلت: أكثر من ذلك، قال: «لا»(2).

مسألة 519: يستحب له عند التوجّه إلي مني الدعاء بالمنقول،

و إذا نزل مني، دعا بالمأثور.

قال الصادق عليه السّلام له(3) - في الصحيح -: «إذا انتهيت إلي مني فقل:

اللهم هذه مني، و هي ممّا مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به علي أنبيائك، فإنّما أنا عبدك و في قبضتك، ثم تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الإمام يصلّي بها الظهر الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلاّ ذلك و موسّع أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات» قال: «و حدّ مني من العقبة إلي وادي محسّر»(4).

ص: 164


1- الاستبصار 254:2-892، التهذيب 177:5-592 بتفاوت يسير في اللفظ في الأخير.
2- التهذيب 176:5-589، الإستبصار 253:2-889.
3- أي: للسائل.
4- الكافي 461:4 (باب نزول مني و حدودها) الحديث 1، التهذيب 177:5 - 178-596.

و لو صادف يوم التروية يوم الجمعة، فمن أقام بمكة حتي تزول الشمس ممّن تجب عليه الجمعة، لم يجز له الخروج حتي يصلّي الجمعة، لأنّها فرض، و الخروج في هذا الوقت ندب.

أمّا قبل الزوال فإنّه يجوز له الخروج - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ الجمعة الآن غير واجبة. و الثاني للشافعي: لا يجوز(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ الشيخ - رحمه اللّه - قال: يستحب للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجّة: يوم السابع منه و يوم عرفة و يوم النحر بمني و يوم النفر الأوّل، يعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم(3) ، لما روي جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صلّي الظهر بمكة يوم السابع و خطب [1].

و يأمر الناس في خطبته بالغدوّ إلي مني و يعلمهم ما بين أيديهم من المناسك، و به قال الشافعي(4).

و قال أحمد: لا يخطب يوم السابع(5).

و لو وافق يوم الجمعة، خطب للجمعة و صلاّها ثم خطب هذه الخطبة ثم يخرج بهم يوم الثامن - و هو يوم التروية - إلي مني.

مسألة 520: يستحب المبيت ليلة عرفة بمني للاستراحة،

و ليس بنسك، فلا يجب بتركه شيء، و يبيت إلي طلوع الفجر من يوم عرفة،

ص: 165


1- فتح العزيز 353:7، المجموع 84:8.
2- فتح العزيز 353:7، المجموع 84:8.
3- المبسوط - للطوسي - 365:1.
4- فتح العزيز 351:7-352، المجموع 81:8-82، الحاوي الكبير 167:4.
5- فتح العزيز 352:7، المجموع 89:8.

و يكره الخروج قبل الفجر إلاّ لضرورة، كالمريض و الخائف، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام من قوله: «ثم تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة»(1).

إذا ثبت هذا، فالأفضل له أن يصبر حتي تطلع الشمس، فلو خرج قبل طلوعها بعد طلوع الفجر، جاز ذلك، لكن ينبغي له أن لا يجوز وادي محسّر إلاّ بعد طلوع الشمس، لقول الصادق عليه السّلام: «لا تجوز وادي محسّر حتي تطلع الشمس»(2).

أمّا الإمام فلا يخرج من مني إلاّ بعد طلوع الشمس، لقول الصادق عليه السّلام:

«من السنّة أن لا يخرج الإمام من مني إلي عرفة حتي تطلع الشمس»(3).

و يجوز للمعذور - كالمريض و خائف الزحام و الماشي - الخروج قبل أن يطلع الفجر و يصلّي الفجر في الطريق للضرورة، رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي أنّه قال للصادق عليه السّلام: إنّا مشاة فكيف نصنع ؟ قال: «أمّا أصحاب الرحال فكانوا يصلّون الغداة بمني، و أمّا أنتم فامضوا حيث تصلّوا في الطريق»(4).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّهم يخرجون إلي عرفات بعد الفجر، و الثاني: بعد الظهر في غير الجمعة.

و أمّا إذا كان يوم التروية يوم الجمعة، فالمستحب عنده الخروج قبل طلوع الفجر، لأنّ الخروج إلي السفر يوم الجمعة إلي حيث لا تصلّي9.

ص: 166


1- التهذيب 177:5-178-596.
2- التهذيب 178:5-597.
3- الكافي 161:4 (باب الغدوّ إلي عرفات..) الحديث 1، التهذيب 5: 178-598.
4- التهذيب 179:5-599.

الجمعة حرام أو مكروه، و هم لا يصلّون الجمعة بمني، و كذا لا يصلّونها بعرفة لو كان يوم عرفة يوم الجمعة، لأنّ الجمعة إنّما تقام في دار الإقامة(1).

إذا عرفت هذا، فيستحب الدعاء عند الخروج إلي عرفة بالمنقول، و يضرب خباءه بنمرة و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مكث حتي طلعت الشمس ثم ركب و أمر بقبّة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا غدوت إلي عرفة فقل و أنت متوجّه إليها: اللّهم إليك صمدت و إيّاك اعتمدت و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي و أن تقضي لي حاجتي و أن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي، ثم تلبّي و أنت غاد إلي عرفات، فإذا انتهيت إلي عرفات فاضرب خباءك بنمرة و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين و إنّما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء و مسألة» قال: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلي ذي المجاز، و خلف الجبل موقف»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب أن يجمع الإمام بين الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، عند علمائنا، لهذه الرواية، و به قال الشافعي، لأنّ0.

ص: 167


1- فتح العزيز 352:7-353.
2- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905.
3- التهذيب 179:5-600.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هكذا فعل في حجّة الوداع(1)(2).

و عند أبي حنيفة لا إقامة للعصر(3).

مسألة 521: إذا زالت الشمس يوم عرفة، خطب الإمام بالناس،

و بيّن لهم ما بين أيديهم من المناسك، و يحرّضهم علي إكثار الدعاء و التهليل بالموقف، ثم يصلّي بالناس الظهر بأذان و إقامة، ثم يقيمون فيصلّي بهم العصر.

و إذا كان الإمام مسافرا، وجب عليه التقصير.

و قال الشافعي: السنّة له التقصير(4).

و أمّا أهل مكة و من حولها فلا يقصّرون، و به قال الشافعي(5) ، خلافا لمالك(6).

و ليقل الإمام إذا سلّم: أتمّوا يا أهل مكة فإنّا قوم سفر، كما قاله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(7).

إذا عرفت هذا، فإنّ نمرة ليست من عرفة، بل هي حدّ لها.

ص: 168


1- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن الدارمي 48:2، سنن البيهقي 114:5.
2- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8 و 92، حلية العلماء 337:3، المغني و الشرح الكبير 433:3.
3- فتح العزيز 354:7.
4- فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8.
5- فتح العزيز 354:7-355، الحاوي الكبير 169:4، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3، بداية المجتهد 348:1.
6- بداية المجتهد 347:1-348، فتح العزيز 355:7، المغني و الشرح الكبير 435:3، المجموع 91:8، الحاوي الكبير 169:4.
7- سنن البيهقي 135:3-136.

و للشافعية قولان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّها منها(1).

البحث الثاني: في الكيفية.
مسألة 522: يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة،

لأنّها عبادة، فشرّع لها الاغتسال، كالإحرام - و رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و به قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(2) - لأنّها مجمع الناس، فاستحبّ الاغتسال لها، كالجمعة و العيدين.

و من طريق الحاصّة: ما تقدّم(3) في حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام.

ثم يقف مستقبل القبلة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله وقف و استقبل القبلة(4).

و هل الوقوف راكبا أفضل أو ماشيا؟ للشافعي قولان: أحدهما: أنّهما سواء [قاله](5) في الأم، و أظهرهما - و به قال أحمد(6) - أنّ الوقوف راكبا أفضل، اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ليكون أقوي علي الدعاء(7).

و عندنا أنّ الركوب و القعود مكروهان، بل يستحب قائما داعيا

ص: 169


1- فتح العزيز 355:7.
2- المغني 436:3، الشرح الكبير 435:3، فتح العزيز 243:7، المجموع 110:8.
3- تقدّم في المسألة 520.
4- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن البيهقي 114:5-115.
5- أضفناها من المصادر.
6- المغني 436:3، الشرح الكبير 436:3-437، فتح العزيز 358:7، حلية العلماء 339:3.
7- فتح العزيز 358:7، الحاوي الكبير 173:4، المجموع 111:8، حلية العلماء 339:3.

بالمأثور.

مسألة 523: يجب في الوقوف النيّة،

عند علمائنا - خلافا للعامّة(1) - لأنّ الوقوف عبادة، و كلّ عبادة بنيّة، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2).

و لأنّه عمل، فيفتقر إلي النيّة، لقوله عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات و إنّما لكل امرئ ما نوي)(3).

و قال عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(4).

و لأنّ الواجب إيقاعها علي جهة الطاعة، و هو إنّما يتحقّق بالنيّة.

و يجب في النيّة اشتمالها علي نيّة الوجوب و الوقوف لحجّ التمتّع حجّة الإسلام أو غيرها، و التقرّب إلي اللّه تعالي.

مسألة 524: يجب الكون بعرفة إلي غروب الشمس من يوم عرفة

إجماعا.

روي العامّة عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله وقف بعرفة حتي غابت الشمس(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،

ص: 170


1- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3، المجموع 103:8.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن أبي داود 2: 262-2201، سنن البيهقي 341:7، مسند أحمد 25:1.
4- أمالي الطوسي 203:2، بصائر الدرجات: 31-4.
5- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-1026-3074، سنن أبي داود 185:2-1905.

فأفاض بعد غروب الشمس»(1).

و سأل يونس بن يعقوب، الصادق عليه السّلام: متي نفيض من عرفات ؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلي المشرق و إلي مطلع الشمس(2).

إذا عرفت هذا، فكيفما حصل بعرفة أجزأه، قائما و جالسا و راكبا و مجتازا.

و بالجملة لا فرق في الإجزاء بين أن يحضرها و يقف، و بين أن يمرّ بها، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ)(3) إلاّ أنّ الأفضل القيام، لأنّه أشقّ، فيكون أفضل، لقوله عليه السّلام: (أفضل الأعمال أحمزها)(4).

و لأنّه أخفّ علي الراحلة.

مسألة 525: لا بدّ من قصد الوقوف بعرفة،

و هو يستلزم معرفة أنّها عرفة، فلو مرّ بها مجتازا و هو لا يعلم أنّها عرفة، لم يجزئه - و به قال أبو ثور(5) - لأنّ الوقوف إنّما يتحقّق استناده إليه بالقصد و الإرادة، و هي غير متحقّقة هنا. و لأنّا شرطنا النيّة، و هي متوقّفة علي الشعور.

و قال الفقهاء الأربعة بالإجزاء(6) ، لقوله عليه السّلام: (من أدرك صلاتنا هذه

ص: 171


1- الكافي 467:4-2، التهذيب 186:5-619.
2- التهذيب 186:5-618.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 361:7، و بتفاوت في سنن الدار قطني 240:2 - 241-19، و سنن النسائي 256:5.
4- النهاية - لابن الأثير - 440:1.
5- المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3.
6- فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8، المبسوط - للسرخسي - 55:4، المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3.

- يعني صلاة الصبح يوم النحر - و أتي عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضي تفثه)(1) و لم يفصّل بين الشاعر و غيره.

و لا حجّة فيه، لأنّ قوله عليه السّلام: (و أتي عرفات) إنّما يتحقّق مع القصد.

مسألة 526: النائم يصحّ وقوفه - إذا سبقت منه النيّة للوقوف - بعد الزوال

و إن استمرّ نومه إلي الليل، أمّا لو لم تسبق منه النيّة و اتّفق نومه قبل الدخول إلي عرفة و استمرّ إلي خروجه منها، فإنّه لا يجزئه، خلافا للعامّة، فإنّهم قالوا بإجزائه(2). إلاّ عند بعض الشافعية(3).

و الأصل في الخلاف بينهم البناء علي أنّ كلّ ركن من أركان الحجّ هل يجب إفراده بنيّة، لانفصال بعضها عن بعض، أو تكفيها النيّة السابقة(4) ؟ و الصحيح ما قلناه من أنّ النيّة معتبرة و لا تصحّ من النائم.

و احتجّوا بالقياس علي النائم طول النهار، فإنّه يجزئه الصوم(5).

و هو ممنوع إن لم تسبق منه النيّة في ابتدائه.

و لو حصل بعرفات و هو مغمي عليه و لم تسبق منه النيّة في وقتها و خرج بعد الغروب و هو مغمي عليه، لم يصح وقوفه، لفوات أهليّته للعبادة، و لهذا لا يجزئه الصوم لو كان مغمي عليه طول نهاره، و هو قول

ص: 172


1- سنن أبي داود 196:2-197-1950، سنن الدار قطني 239:2-240-17، سنن البيهقي 116:5 بتفاوت يسير.
2- المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3، حلية العلماء 338:3، فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8.
3- فتح العزيز 361:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 103:8.
4- فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8-104.
5- فتح العزيز 361:7.

الشافعي(1).

و لأصحابه وجه: أنّه يجزئه اكتفاء منه بالحضور(2).

و السكران الذي لا يحصّل شيئا كالمغمي عليه.

و لو حضر و هو مجنون قبل النيّة و استوعب الوقت، لم يجزئه.

قال بعض الشافعية: إنّه يقع نفلا كحجّ الصبي غير المميّز(3).

و لهم وجه بالإجزاء، كما في المغمي عليه(4) ، و قد سبق.

و بما اخترناه في المغمي عليه و المجنون قال الحسن البصري و الشافعي و أبو ثور و إسحاق و ابن المنذر(5).

و قال عطاء: المغمي عليه يجزئه - و به قال مالك و أصحاب الرأي(6) ، و توقّف أحمد(7) - لأنّه لا يشترط فيه الطهارة، فلا يشترط فيه النيّة، فصحّ من المغمي عليه كالمبيت بمزدلفة(8).

و نمنع حكم الأصل.

و حكم من غلب علي عقله بمرض أو غيره حكم المغمي عليه.

و لو كان السكران يحصّل ما يقع منه، صحّ طوافه.3.

ص: 173


1- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 338:3، المجموع 104:8، المغني 3: 444، الشرح الكبير 442:3، الاستذكار 39:13-40.
2- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 104:8.
3- فتح العزيز 362:7.
4- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 104:8.
5- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3، فتح العزيز 362:7، المجموع 8: 118، حلية العلماء 338:3.
6- المدوّنة الكبري 413:1، المبسوط - للسرخسي - 56:4، المجموع 8: 118، المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.
7- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.
8- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.

و لا يشترط الطهارة و لا الستر و لا الستر و لا الاستقبال إجماعا، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت)(1) و كانت حائضا.

نعم تستحب الطهارة إجماعا.

و لو حضر بعرفة في طلب غريم له أو دابّة، فإن نوي النسك في الأثناء، صحّ وقوفه، و إلاّ فلا، و للشافعيّة مع عدم النيّة وجهان(2) ، بخلاف ما لو صرف الطواف إلي غير النسك، فإنّه لا يجزئه إجماعا. و الفرق عندهم أنّ الطواف قربة برأسها، بخلاف الوقوف، علي أنّ بعضهم طرّد الخلاف هنا(3).

مسألة 527: عرفة كلّها موقف

في أيّ موضع منها وقف أجزأه، و هو قول علماء الإسلام.

روي العامّة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله وقف بعرفة و قد أردف أسامة بن زيد، فقال: (هذا الموقف، و كلّ عرفة موقف)(4).

و قال عليه السّلام: (عرفة كلّها موقف، و ارتفعوا عن وادي عرنة، و المزدلفة كلّها موقف، و ارتفعوا عن بطن محسّر)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وقف بعرفات، فجعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلي جانبها، فنحّاها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ففعلوا مثل ذلك فقال: أيّها الناس إنّه ليس موضع أخفاف

ص: 174


1- أورده ابنا قدامة في المغني 445:3، و الشرح الكبير 442:3، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 874:2-120 و صحيح البخاري 84:1 و 195:2، و سنن البيهقي 3:5، و سنن الدارمي 44:2، و مشكل الآثار 157:3.
2- فتح العزيز 362:7.
3- فتح العزيز 362:7.
4- سنن الترمذي 232:3-885.
5- الموطّأ 388:1-166، سنن البيهقي 115:5.

ناقتي بالموقف، و لكن هذا كلّه موقف، و أشار بيده إلي الموقف، فتفرّق الناس، و فعل ذلك بالمزدلفة»(1).

و قال عليه السّلام: (عرفة كلّها موقف، و لو لم يكن إلاّ ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك)(2).

مسألة 528: و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلي ذي المجاز،

فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود و لا تحت الأراك، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات، فلو وقف بها، بطل حجّه، و به قال الجمهور كافّة(3) ، إلاّ ما حكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عرنة أجزأه، و لزمه الدم(4).

و قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء علي أنّه لو وقف ببطن عرنة، لم يجزئه(5).

و حدّ الشافعي عرفة، فقال: هي ما جاوز وادي عرنة إلي الجبال المقابلة ممّا يلي بساتين بني عامر، و ليس وادي عرنة من عرفة، و هو علي منقطع عرفة ممّا يلي مني و صوب مكة(6).

و قول مالك باطل، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (عرفة كلّها

ص: 175


1- التهذيب 180:5-604.
2- الفقيه 281:2-1377.
3- المغني و الشرح الكبير 436:3، المجموع 109:8 و 120، الحاوي الكبير 4: 172.
4- الاستذكار 12:13، الحاوي الكبير 172:4، المجموع 109:8 و 120، المغني و الشرح الكبير 436:3، حلية العلماء 337:3، شرح السنّة - للبغوي - 321:4.
5- المغني و الشرح الكبير 436:3.
6- فتح العزيز 362:7، الحاوي الكبير 171:4، المجموع 105:8-106، الاستذكار 11:13، حلية العلماء 337:3.

موقف، و ارتفعوا عن بطن عرنة)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلي ذي المجاز، و خلف الجبل موقف»(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «و اتّق الأراك و نمرة، و هي بطن عرنة، و ثويّة و ذا المجاز، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه»(3).

مسألة 529: يستحب أن يضرب خباءه بنمرة

- و هي بطن عرنة - اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(4).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فاضرب خباءك بنمرة، و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة»(5).

و يجوز النزول تحت الأراك إلي أن تزول الشمس ثم يمضي إلي الموقف فيقف فيه، لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأمّا النزول تحته حتي تزول الشمس و تنهض إلي الموقف فلا بأس»(6).

و ينبغي أن يقف علي السهل.

و يستحب أن يقف علي ميسرة الجبل و لا يرتفع إلي الجبل، إلاّ عند الضرورة إلي ذلك، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم علي الأرض ؟ فقال: «علي الأرض»(7).

ص: 176


1- الموطّأ 388:1-166، سنن البيهقي 115:5.
2- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
3- التهذيب 180:5-181-604.
4- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 47:2.
5- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
6- التهذيب 181:5-605.
7- التهذيب 180:5-603.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله وقف بعرفة في ميسرة الجبل(1).

و روي سماعة بن مهران، قال: سألت الصادق عليه السّلام: إذا أكثر الناس بمني و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: «يرتفعون إلي وادي محسّر» قلت: فإذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: «يرتفعون إلي المأزمين» قلت:

فإذا كانوا بالموقف و كثروا كيف يصنعون ؟ فقال: «يرتفعون إلي الجبل»(2).

و يستحب له إن وجد خللا أن يسدّه بنفسه و رحله.

قال اللّه تعالي كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (3) فوصفهم بالاجتماع.

و قال الصادق عليه السّلام: «و إذا رأيت خللا فتقدّم فسدّه بنفسك و راحلتك، فإنّ اللّه يحبّ أن تسدّ تلك الخلال»(4).

و يستحب أن يقرب إلي الجبل، لقول الصادق عليه السّلام: «و ما قرب من الجبل فهو أفضل»(5).

مسألة 530: يستحب للإمام أن يخطب بعرفة قبل الأذان

علي ما تقدّم(6) ، فإذا أذّن المؤذّن و أقام، صلّي بالناس الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين يجمع بينهما علي هذه الصفة.

و باستحباب الأذان في الأولي قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(7) ، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خطب إلي أن

ص: 177


1- الفقيه 281:2-1377.
2- التهذيب 180:5-604.
3- الصف: 4.
4- التهذيب 180:5-181-604.
5- التهذيب 184:5-613.
6- تقدّم في المسألة 521.
7- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8 و 92، حلية العلماء 337:3، الاستذكار 138:13، بداية المجتهد 347:1، المغني و الشرح الكبير 433:3.

أذّن المؤذّن، فنزل و صلّي بالناس(1).

و في الرواية الثانية لأحمد: يتخيّر بين الأذان لها و عدمه(2).

و قال مالك: أذان العصر مستحب كغيرها من الصلوات(3).

و يبطل بما رواه العامّة في حديث جابر: ثم أذّن بلال ثم أقام فصلّي الظهر ثم أقام فصلّي العصر(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين»(5).

و الفرق: أنّ التعجيل هنا لأجل الدعاء.

مسألة 531: إذا صلّي مع الإمام، جمع معه كما يجمع الإمام

إجماعا.

و لو كان منفردا، جمع أيضا بأذان واحد و إقامتين، عند علمائنا - و به قال الشافعي و عطاء و مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد(6) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان إذا فاته الجمع بين الظهر و العصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفردا(7).

ص: 178


1- سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن الدارمي 48:2، سنن البيهقي 114:5.
2- المغني و الشرح الكبير 433:3.
3- المدوّنة الكبري 412:1، الاستذكار 138:13، بداية المجتهد 347:1، المغني و الشرح الكبير 433:3، الحاوي الكبير 169:4، المجموع 92:8.
4- المصادر في الهامش (1).
5- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
6- الحاوي الكبير 170:4، المجموع 88:8 و 92، حلية العلماء 337:3، المغني 433:3، المبسوط - للسرخسي - 15:4، الاستذكار 137:13 و 138.
7- سنن البيهقي 114:5، المغني 433:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين»(1).

و لأنّ الغرض التفرّغ للدعاء، و هو مشترك بين المنفرد و غيره.

و قال النخعي و الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز له أن يجمع إلاّ مع الإمام، لأنّ لكلّ صلاة وقتا محدودا، و إنّما ترك في الجمع مع الإمام، فإذا لم يكن إمام، رجعنا إلي الأصل(2).

و قد بيّنّا أنّ الوقت مشترك، و العلّة مع الإمام موجودة مع المنفرد.

و يجوز الجمع لكلّ من بعرفة من مكّيّ و غيره، و قد أجمع علماء الإسلام علي أنّ الإمام يجمع بين الظهر و العصر بعرفة، و كذا من صلّي معه.

و قال أحمد: لا يجوز الجمع إلاّ لمن بينه و بين وطنه ستّة عشر فرسخا إلحاقا له بالقصر(3).

و يبطل بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع فجمع معه من حضر من أهل مكة و غيرها، و لم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال: (أتمّوا فأنّا سفر)(4) و لو كان حراما لبيّنه.

و لو كان الإمام مقيما، أتمّ و قصّر من خلفه من المسافرين و أتمّ المقيمون، عند علمائنا أجمع.

و قال الشافعي: يتمّ المسافرون(5).4.

ص: 179


1- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
2- المغني 433:3، الحاوي الكبير 170:4، المجموع 92:8، حلية العلماء 3: 337، المبسوط - للسرخسي - 15:4، الاستذكار 137:13-138.
3- المغني 434:3-435، الشرح الكبير 434:3.
4- سنن البيهقي 135:5-136.
5- الحاوي الكبير 169:4.

و هو غلط، لأنّ القصر عزيمة، فلا يجوز خلافه.

و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (يا أهل مكّة لا تقصروا في أقلّ من أربعة برد)(1).

و لو كان الإمام مسافرا قصّر و قصّر من خلفه من المسافرين و أتمّ المقيمون خلفه، عند علمائنا، و كذا أهل مكة يتمّون، لنقص المسافة عن مسافة القصر - و به قال عطاء و مجاهد و الزهري و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي و ابن المنذر(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي أهل مكة عن القصر(3).

و قال مالك و الأوزاعي: لهم القصر، لأنّ لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم(4).

و الفرق: السفر.

و يستحب تعجيل الصلاة حين تزول الشمس، و أن يقصّر الخطبة ثم يتروّح إلي الموقف، لأنّ التطويل يمنع من التعجيل إلي الموقف.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله غدا من مني حين صلّي الصبح صبيحة يوم عرفة حتي أتي عرفة فنزل بنمرة حتي إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مهجرا، فجمع بين الظهر و العصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف علي الموقف من عرفة(5).3.

ص: 180


1- سنن الدار قطني 387:1-1، سنن البيهقي 137:3، المعجم الكبير - للطبراني - 96:11-97-1162.
2- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7-355، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3، بداية المجتهد 348:1.
3- المصادر في الهامش (1).
4- بداية المجتهد 347:1-348، الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 355:7، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3.
5- سنن أبي داود 188:2-1913.

و لا خلاف في هذا بين علماء الإسلام.

مسألة 532: إذا فرغ من الصلاتين، جاء إلي الموقف فوقف،

و يستحب له الاغتسال للموقف.

قال الصادق عليه السّلام: «الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس»(1).

و يقطع التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة، لأنّ عبد اللّه بن سنان(2) سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن تلبية المتمتّع متي يقطعها؟ قال: «إذا رأيت بيوت مكة، و يقطع تلبية الحج عند زوال الشمس يوم عرفة»(3).

و يقطع تلبية العمرة المبتولة حين تقع أخفاف الإبل في الحرم.

فإذا جاء إلي الموقف بسكينة و وقار، حمد اللّه و أثني عليه و كبّره و هلّله و دعا و اجتهد.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و إنّما تعجّل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف بالسكينة و الوقار، فاحمد اللّه و هلّله و مجّده و أثن عليه و كبّره مائة مرّة و احمد اللّه مائة مرّة و سبّح مائة مرّة و اقرأ قل هو اللّه أحد مائة مرّة، و تخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت فإنّه يوم دعاء، و تعوّذ باللّه من الشيطان فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، و إيّاك أن تشتغل بالنظر إلي الناس و أقبل قبل نفسك»(4) الحديث.

ص: 181


1- الكافي 462:4-4، التهذيب 181:5-607.
2- في المصدر: عبد اللّه بن مسكان.
3- التهذيب 182:5-609.
4- التهذيب 182:5-611 بتفاوت يسير.

و يستحب فيه الدعاء الذي دعا به زين العابدين عليه السّلام في الموقف(1) ، و أن يكثر من الدعاء لإخوانه المؤمنين و يؤثرهم علي نفسه.

قال إبراهيم بن هاشم: رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادّا يديه إلي السماء و دموعه تسيل علي خدّيه حتي تبلغ الأرض، فلمّا صرف الناس قلت: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك، قال: و اللّه ما دعوت فيه إلاّ لإخواني، و ذلك لأنّ أبا الحسن موسي عليه السّلام أخبرني أنّه «من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله» فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا(2).

إذا عرفت هذا، فهذه الأدعية و غيرها ليست واجبة، و إنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة.

مسألة 533: أوّل وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة،

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله وقف بعد الزوال(4) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(5) و وقف الصحابة كذلك، و أهل الأعصار من زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي زماننا هذا مطبقون علي الابتداء في

ص: 182


1- انظر: مصباح المتهجّد: 630-640.
2- الكافي 465:4-7، التهذيب 184:5-615.
3- الحاوي الكبير 172:4، فتح العزيز 363:7، حلية العلماء 337:3، شرح السنّة - للبغوي - 319:4 و 409، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 8: 101 و 120، المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3، بداية المجتهد 348:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 143.
4- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن الدارمي 48:2.
5- سنن البيهقي 125:5.

الوقوف بعد زوال الشمس، و لو كان جائزا قبل ذلك لفعله بعضهم.

قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء علي أنّ أوّل الوقوف بعرفة بعد زوال الشمس(1).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ثم تأتي الموقف» بعد الصلاتين(2) ، و الأمر للوجوب.

و قال أحمد: أوّله طلوع الفجر من يوم عرفة، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من صلّي معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح يوم النحر - و أتي عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضي تفثه)(3) و لم يفصّل قبل الزوال و بعده(4).

و هو محمول علي ما بعد الزوال استنادا إلي فعله عليه السّلام.

مسألة 534: آخر الوقت الاختياري غروب الشمس من يوم عرفة.

روي العامّة عن عليّ عليه السّلام و أسامة بن زيد أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله دفع حين غربت الشمس(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فأفاض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعد غروب الشمس»(6).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السّلام: متي نفيض من عرفات ؟

ص: 183


1- الاستذكار 28:13-29، المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3.
2- التهذيب 182:5-611.
3- سنن الترمذي 239:3-891، سنن النسائي 263:5 و 264، سنن البيهقي 5: 116، المستدرك - للحاكم - 463:1 بتفاوت يسير.
4- المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3، الحاوي الكبير 172:4، المجموع 120:8.
5- المغني 441:3، سنن الترمذي 232:3-885، سنن أبي داود 2: 191-1924.
6- التهذيب 186:5-619.

قال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلي المشرق و إلي مطلع الشمس(1).

مسألة 535: لو لم يتمكّن من الوقوف بعرفة نهارا و أمكنه أن يقف بها ليلا و لو قليلا إلي أن يطلع الفجر أو قبله، وجب عليه،

و أجزأه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس يوم النحر، و لا نعلم في ذلك خلافا، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (و أتي عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضي تفثه)(2)التهذيب 289:5-981، الاستبصار 301:2-1076، و ما بين المعقوفين من المصدر.(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتي يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتي يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالي أعذر لعبده، و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة [مفردة]، و عليه الحجّ من قابل»(3).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 536: الوقوف بعرفة ركن في الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمدا،

عند علماء الإسلام.

ص: 184


1- التهذيب 186:5-618.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 183، الهامش
3- .

روي العامّة عن عبد الرحمن بن يعمر الدئلي(1) ، قال: أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعرفة، فجاءه نفر من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللّه كيف الحجّ؟ قال: (الحجّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع(2) فقد تمّ حجّه) و أمر رجلا ينادي: الحجّ عرفة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

أصحاب الأراك لا حجّ لهم»(4) و إذا انتفي الحجّ مع الوقوف بحدّ عرفة فمع عدم الوقوف أولي.

و لو ترك وقوف عرفة سهوا أو لعذر، تداركه و لو قبل الفجر من يوم النحر إذا علم أنّه يلحق المشعر قبل طلوع الشمس، فإن لم يلحق عرفات إلاّ ليلا و لم يلحق المشعر إلاّ بعد طلوع الشمس، فقد فاته الحجّ.

روي الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتي يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتي يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف9.

ص: 185


1- في الطبعة الحجرية: عبد الرحمن بن نعيم الديلمي. و في نسخة بدل منها و أيضا في «ق، ك»: عبد الرحمن بن نعم الديلمي، و كذا في المغني لابن قدامة، إلاّ أنّ فيه: الديلي. و ما أثبتناه من الطبقات - لابن سعد - 367:7، و أسد الغابة 3: 328، و تهذيب التهذيب 270:6-589، و الإصابة 245:2، و المصادر الحديثية.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ليلة الحج. و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- سنن أبي داود 196:2-1949، سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن البيهقي 173:5، المغني 437:3.
4- التهذيب 287:5-976، الاستبصار 302:2-1079.

بالمشعر الحرام فإنّ اللّه تعالي أعذر لعبده و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحجّ من قابل»(1).

مسألة 537: لعرفة وقتان:

اختياري من زوال الشمس يوم عرفة إلي غروبها، و اضطراري من الغروب إلي طلوع الفجر من يوم النحر، عند علمائنا.

و وافقنا الشافعي في المبدأ و أنّه يدخل بزوال الشمس يوم عرفة، و خالفنا في آخره، فجعله طلوع الفجر يوم النحر(2).

فلو اقتصر علي الوقوف ليلا، كان مدركا للحجّ علي المذهب المشهور عندهم(3).

و لهم ثلاثة أوجه، أحدها - و هو الصحيح عندهم -: أنّ المقتصر علي الوقوف ليلا مدرك، سواء أنشأ الإحرام قبل ليلة العيد أو فيها. و الثاني: أنّه ليس بمدرك علي التقديرين. و الثالث: أنّه يدرك بشرط تقديم الإحرام عليها(4).

و لو اقتصر علي الوقوف نهارا، صحّ وقوفه بالإجماع.

مسألة 538: يجب أن يقف إلي غروب الشمس بعرفة،

فإن أفاض قبله عامدا، وجب عليه بدنة، فإن عجز عن البدنة، صام ثمانية عشر يوما

ص: 186


1- التهذيب 289:5-981، الإستبصار 301:2-1076.
2- الحاوي الكبير 172:4، فتح العزيز 363:7، حلية العلماء 337:3، المهذب - للشيرازي - 233:1، المجموع 101:8 و 120، شرح السنّة - للبغوي - 4: 319 و 409.
3- فتح العزيز 363:7.
4- فتح العزيز 363:7.

بمكّة أو في الطريق أو في أهله، و صحّ حجّه، عند علمائنا، و به قال ابن جريج و الحسن البصري(1).

و قال باقي العامّة - إلاّ مالكا -: يجب عليه دم(2).

و للشافعي قول باستحباب الدم(3).

و قال مالك: يبطل حجّه(4).

لنا علي صحّة الحجّ: ما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس بن أوس ابن حارثة بن لام الطائي، قال: أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بمزدلفة حين خرج إلي الصلاة، فقلت: يا رسول اللّه إنّي جئت من جبلي طيّء، أكللت راحلتي، و أتعبت نفسي، و اللّه ما تركت من جبل إلاّ وقفت عليه، فهل لي حجّ؟ فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: (من شهد صلاتنا هذه و وقف معنا حتي ندفع و قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضي تفثه)(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمد بن سنان عن الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن الذي إن أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ، فقال: «إذا أتي جمعا و الناس في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له،5.

ص: 187


1- الاستذكار 30:13، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
2- الامّ 212:2، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8 و 119، الحاوي الكبير 174:4، الاستذكار 29:13-30، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، المبسوط - للسرخسي - 55:4-56، حلية العلماء 339:3.
3- الحاوي الكبير 174:4، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8، حلية العلماء 339:3.
4- بداية المجتهد 348:1، الاستذكار 29:13، المغني 441:3، الشرح الكبير 443:3، فتح العزيز 364:7.
5- سنن الترمذي 238:3-239-891، سنن أبي داود 196:2-1950، سنن النسائي 263:5-264، سنن البيهقي 173:5.

و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلي أهله رجع، و عليه الحجّ من قابل»(1).

احتجّ مالك: بما رواه ابن عمر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ، و من فاته عرفات بليل فقد فاته الحجّ، فليحلّ بعمرة، و عليه الحجّ من قابل)(2).

و الجواب: إنّما خصّ الليل لأنّ الفوات يتعلّق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف، كقوله صلّي اللّه عليه و آله: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)(3).

و علي وجوب البدنة: ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(4). و الأحوط البدنة، لحصول يقين البراءة معها.

و من طريق الخاصّة: ما رواه ضريس عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عمّن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله»(5).

و لو أفاض قبل الغروب ساهيا، لم يكن عليه شيء، و كذا الجاهل، لأصالة البراءة.0.

ص: 188


1- الاستبصار 303:2-1082، و التهذيب 290:5-984.
2- المغني 441:3، الشرح الكبير 443:3.
3- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
4- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4، و ابنا قدامة في المغني 396:3 و الشرح الكبير 398:3.
5- الكافي 467:4-68-4، التهذيب 186:5-620.

و لقول الصادق عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «إذا كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة»(1).

مسألة 539: لو أفاض قبل الغروب عامدا عالما ثم عاد إلي الموقف نهارا فوقف حتي غربت الشمس، فلا دم عليه

- و به قال مالك و الشافعي تفريعا علي الوجوب عنده، و أحمد(2) - لأنّه أتي بالواجب، و هو الجمع بين الوقوف في الليل و النهار، فلم يجب عليه دم، كمن تجاوز الميقات و هو [غير](3) محرم ثم رجع فأحرم منه.

و لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب و قد فعله.

و لأنّه لو لم يقف أوّلا ثم أتي قبل غروب الشمس و وقف حتي تغرب الشمس، لم يجب عليه شيء، كذا هنا.

و قال الكوفيّون و أبو ثور: عليه دم(4).

و لو كان عوده بعد الغروب، لم يسقط عنه الدم - و به قال أحمد(5) - لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب و قد فاته.

و قال الشافعي: يسقط الدم(6).

ص: 189


1- التهذيب 187:5-621.
2- فتح العزيز 363:7-364، المجموع 102:8، الحاوي الكبير 174:4، الاستذكار 29:13، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، الاستذكار 30:13، شرح السنّة - للبغوي - 321:4.
5- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، فتح العزيز 364:7، حلية العلماء 339:3.
6- الام 212:2، الحاوي الكبير 174:4، فتح العزيز 364:7 و 366، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8 و 119، حلية العلماء 339:3.

و لو فاته الوقوف بعرفة نهارا و جاء بعد غروب الشمس و وقف بها، صحّ حجّه، و لا شيء عليه إجماعا، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ)(1).

و يجوز له أن يدفع من عرفات أيّ وقت شاء، و لا دم عليه إجماعا.

لا يقال: إنّه وقف أحد الزمانين، فوجب الدم، كما قلتم إذا وقف نهارا و أفاض قبل الليل.

لأنّا نقول: الفرق: أنّ من أدرك النهار أمكنه الوقوف إلي الليل و الجمع بين الليل و النهار، فتعيّن ذلك عليه، فإذا تركه، لزمه الدم، و من أتاها ليلا لا يمكنه الوقوف نهارا، فلم يتعيّن عليه، فلا يجب الدم بتركه.

مسألة 540: لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة، فوقف الناس تاسع ذي الحجة، ثم قامت البيّنة أنّه العاشر، فالوجه: فوات الحجّ
اشارة

إذا لم يتّفق له الحضور بعرفة و لا المشعر قبل طلوع الشمس، لقوله عليه السّلام:

(الحجّ عرفة)(2) و لم يدركها.

و قال الشافعي: يجزئهم، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (حجّكم يوم تحجّون).

و لأنّ ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله علي المشقّة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل و إنفاق المال الكثير(3).

قال: و لو وقفوا يوم التروية، لم يجزئهم، لأنّه لا يقع فيه الخطأ، لأنّ نسيان العدد لا يتصوّر من العدد الكثير - و العدد القليل يعذرون في ذلك -

ص: 190


1- أورده ابنا قدامة في المغني 442:3، و الشرح الكبير 444:3.
2- سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن البيهقي 173:5، سنن الدار قطني 240:2-241-19.
3- فتح العزيز 364:7-365، المجموع 292:8.

لأنّهم مفرطون، و يأمنون ذلك في القضاء(1).

و لو شهد اثنان عشيّة عرفة برؤية الهلال و لم يبق من النهار و الليل ما يمكن الإتيان إلي عرفة، اجتزأ بالمزدلفة.

و قال الشافعي: يقفون من الغد(2).

و لو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا غير يوم(3) عرفة، لم يجزئهم.

و قال بعض العامّة: يجزئهم، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه)(4)(5).

و إن اختلفوا فأصاب بعضهم و أخطأ بعض، لم يجزئهم، لأنّهم غير معذورين في هذا.

و لو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجّة و ردّ الحاكم شهادتهما، وقفوا يوم التاسع علي وفق رؤيتهم و إن وقف الناس يوم العاشر عندهما، و به قال الشافعي(6).

و قال محمد بن الحسن: لا يجزئه حتي يقف مع الناس يوم العاشر(7) ، لأنّ الوقوف لا يكون في يومين، و قد ثبت في حقّ الجماعة يوم العاشر.3.

ص: 191


1- انظر: فتح العزيز 366:7، المجموع 293:8.
2- فتح العزيز 365:7، المجموع 292:8.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ليلة. و الصحيح ما أثبتناه.
4- سنن الدار قطني 223:2-224-33، سنن البيهقي 176:5.
5- فتح العزيز 364:7-365.
6- فتح العزيز 366:7، المجموع 292:8، حلية العلماء 339:3.
7- المجموع 292:8، حلية العلماء 239:3.

و نمنع كونه لا يقع في يومين مطلقا، لإمكانه بالنسبة إلي شخصين، لاختلاف سبب الوجوب في حقّهما، و الأصل فيه أنّ الوقوف في نفس الأمر واحد و تعدّد بالاشتباه، كالصلاة المنسيّة.

تذنيب: لو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة،

لم يصحّ حجّهم.

ص: 192

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر الحرام
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته
مسألة 541: إذا غربت الشمس في عرفات، فليفض منها قبل الصلاة إلي المشعر و يدعو بالمنقول،

و يستحب أن يقتصد في السير، فيسير سيرا جميلا بسكينة و وقار، و يستغفر اللّه تعالي و يكثر منه، لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله - في حديث طويل -: حتي دفع و قد شنق القصواء(1) بالزّمام حتي أنّ رأسها ليصيب مورك رحله(2) و يقول بيده اليمني: (أيّها الناس السكينة السكينة)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا غربت الشمس فأفض مع الناس و عليك السكينة و الوقار، و أفض من حيث أفاض الناس و استغفر اللّه إنّ اللّه غفور رحيم، فإذا انتهيت إلي الكثيب الأحمر عن

ص: 193


1- يقال: شنقت البعير: إذا كففته بزمامه و أنت راكب. و القصواء لقب ناقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. النهاية - لابن الأثير - 506:2 و 75:4 «شنق» «قصا».
2- المورك: المرفقة التي تكون عند قادمة الرّحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب. أراد أنّه كان قد بلغ في جذب رأسها إليه ليكفّها عن السير. النهاية - لابن الأثير - 176:5-177 «ورك».
3- صحيح مسلم 890:2-891-1218، سنن أبي داود 185:2-186-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن الدارمي 48:2.

يمين الطريق فقل(1): اللّهم ارحم موقفي»(2) الحديث.

مسألة 542: لا ينبغي أن يلبّي في سيره،

لما تقدّم(3) من أنّ الحاج يقطع التلبية يوم عرفة، خلافا لأحمد، فإنّه استحبّها(4).

و يستحب أن يمضي علي طريق المأزمين، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سلكها(5).

و يستحب له الإكثار من ذكر اللّه تعالي.

قال عزّ و جلّ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (6).

و يستحب له أن يصلّي المغرب و العشاء بالمزدلفة و إن ذهب ربع الليل أو ثلثه، بإجماع العلماء.

و رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع بمزدلفة(7).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «لا تصلّ المغرب حتي تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل»(8).

مسألة 543: يستحب أن يؤذّن للمغرب و يقيم

و يصلّيها ثم يقيم للعشاء من غير أذان و يصلّيها، عند علمائنا - و هو أحد أقوال الشافعي،

ص: 194


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «فإذا انتهي.. فليقل» و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 187:5-623.
3- تقدّم في المسألة 532.
4- المغني 446:3، الشرح الكبير 445:3.
5- الحاوي الكبير 176:4، المغني 446:3، الشرح الكبير 445:3.
6- البقرة: 198.
7- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن البيهقي 121:5.
8- التهذيب 188:5-625، الاستبصار 254:2-895.

و اختاره أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايات(1) - لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أنّه جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(2)شرح معاني الآثار 214:2، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، الاستذكار 150:13.(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا» و قال:

«هكذا صلّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(4).

و قال الشافعي: يقيم لكلّ صلاة إقامة(5). و هو رواية عن أحمد(6) ، و به قال إسحاق و سالم و القاسم بن محمد، و هو قول ابن عمر(7).

و قال الثوري: يقيم للأولي من غير أذان، و يصلّي الأخري بغير أذان و لا إقامة(7). و هو مروي عن ابن عمر أيضا و أحمد(8).

و قال مالك: يجمع بينهما بأذانين و إقامتين(9).4.

ص: 195


1- الحاوي الكبير 176:4، المجموع 134:8 و 149، حلية العلماء 339:3، الاستذكار 150:3، المغني و الشرح الكبير 447:3.
2- انظر المصادر في ص 194، الهامش
3- .
4- التهذيب 190:5-630، الإستبصار 255:2-899.
5- الحاوي الكبير 176:4، المجموع 134:8، حلية العلماء 339:3، شرح السنّة - للبغوي - 329:4، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، الاستذكار 150:13.
6- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، المجموع 149:8، حلية العلماء 3: 339.
7- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، المجموع 149:8، شرح السنّة - للبغوي - 329:4.
8- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
9- الكافي في فقه أهل المدينة: 143، الاستذكار 150:3، المجموع 149:8، شرح السنّة - للبغوي - 329:4.

احتجّ أحمد: بما رواه أسامة بن زيد، قال: دفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من عرفة حتي إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضّأ، فقلت له: الصلاة يا رسول اللّه، فقال: (الصلاة أمامك) فركب فلمّا جاء مزدلفة نزل فتوضّأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلّي المغرب ثم أناخ كلّ إنسان بعيره في مبركه(1) ثم أقيمت الصلاة فصلّي و لم يصلّ بينهما(2)(3).

و احتجّ الثوري: بما رواه ابن عمر، قال: جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بين المغرب و العشاء بجمع، صلّي المغرب ثلاثا و العشاء ركعتين بإقامة واحدة(4).

و احتجّ مالك: بأنّ عمر و ابن مسعود أذّنا أذانين و إقامتين(5).

و الجواب: أنّ روايتنا تضمّنت الزيادة، فكانت أولي، و قول مالك مخالف للإجماع.

قال ابن عبد البرّ: لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه(6).

و أمّا عمر فإنّما أمر بالتأذين للثانية، لأنّ الناس كانوا قد تفرّقوا لعشائهم، فأذّن لجمعهم(7).3.

ص: 196


1- في المصادر: منزله.
2- صحيح مسلم 939:2-1280، صحيح البخاري 47:1، سنن أبي داود 2: 191-1925، سنن البيهقي 122:5، الموطّأ 400:1-401-197، شرح معاني الآثار 214:2.
3- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
4- صحيح مسلم 938:2-290، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
5- المغني 447:3-448، الشرح الكبير 447:3.
6- المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.
7- شرح معاني الآثار 211:2، الاستذكار 159:13، المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.

و لا ينبغي أن يصلّي بينهما شيئا من النوافل إجماعا، لحديث جابر(1) و أسامة(2) من طريق العامّة.

و من طريق الخاصّة: قول عنبسة بن مصعب: قلت للصادق عليه السّلام: إذا صلّيت المغرب بجمع أصلّي الركعات بعد المغرب ؟ قال: «لا، صلّ المغرب و العشاء ثم تصلّي الركعات بعد»(3).

و لو صلّي بينهما شيئا من النوافل، لم يكن مأثوما، لأنّ الجمع مستحبّ، فلا يترتّب علي تركه إثم.

و ما رواه العامّة عن ابن مسعود أنّه كان يتطوّع بينهما، و رواه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله(4).

و من طريق الخاصّة: قول أبان بن تغلب - في الصحيح -: صلّيت خلف الصادق عليه السّلام المغرب بالمزدلفة، فقام فصلّي المغرب ثم صلّي العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما، ثم صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة فلمّا صلّي المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات(5).

مسألة 544: لو ترك الجمع فصلّي المغرب في وقتها، و العشاء في وقتها، صحّت صلاته،

و لا إثم عليه، ذهب إليه علماؤنا - و به قال عطاء و عروة و القاسم بن محمد و سعيد بن جبير و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أبو يوسف و ابن المنذر(6) - لأنّ كلّ صلاتين جاز الجمع

ص: 197


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 194، الهامش (7).
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 196، الهامش (2).
3- التهذيب 190:5-631، الإستبصار 255:2-900.
4- المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.
5- التهذيب 190:5-632، الإستبصار 256:2-901.
6- المغني 449:3، الشرح الكبير 447:3، الحاوي الكبير 176:4، المهذّب - للشيرازي - 233:1-234، المجموع 134:8.

بينهما جاز التفريق بينهما، كالظهر و العصر بعرفة.

و ما تقدّم من الأخبار.

احتجّوا(1) بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين، فكان نسكا، و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(2).

و لأنّه قال عليه السّلام لأسامة: (الصلاة أمامك)(3).

و هو محمول علي الاستحباب، لئلاّ يقطع سيره.

و لو فاته مع الإمام الجمع، جمع منفردا إجماعا، لأنّ الثانية منهما تصلّي في وقتها، بخلاف الظهر مع العصر(4) عند العامّة(5).

و لو عاقه في الطريق عائق و خاف أن يذهب أكثر الليل، صلّي في الطريق، لئلاّ يفوت الوقت، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسي بعرفة»(6).

و ينبغي أن يصلّي نوافل المغرب بعد العشاء، و لا يفصل بين الصلاتين، و لو فعل، جاز، لكنّ الأوّل أولي، لرواية أبان(7).

و ينبغي أن يصلّي قبل حطّ الرحال، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كذا فعل(8).7.

ص: 198


1- كذا من غير سبق لذكر قول المخالف، و في المغني 449:3 و الشرح الكبير 3: 447 ورد هكذا: و قال أبو حنيفة و الثوري: لا يجزئه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين، إلي آخر ما جاء في المتن.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 196، الهامش (2).
4- كذا، و الأنسب: بخلاف العصر مع الظهر.
5- المغني 448:3.
6- التهذيب 189:5-629، الاستبصار 255:2-898.
7- تقدّمت الرواية مع الإشارة إلي مصدرها في ص 197 الهامش (5).
8- صحيح البخاري 47:1، صحيح مسلم 939:2-1280، سنن أبي داود 2: 191-1925، شرح معاني الآثار 214:2، سنن البيهقي 122:5، الموطّأ 1: 400-401-197.

و يبيت تلك الليلة بمزدلفة، و يكثر فيها من ذكر اللّه تعالي و الدعاء و التضرّع و الابتهال إلي اللّه تعالي.

قال الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة و تقول: اللّهم هذه جمع» إلي آخره، قال عليه السّلام: «و إن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنّه بلغنا أنّ أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دويّ كدويّ النحل، يقول اللّه عزّ و جلّ ثناؤه: أنا ربّكم و أنتم عبادي أدّيتم حقّي، و حقّ عليّ أن أستجيب لكم، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه، و يغفر لمن أراد أن يغفر له»(1).

و المبيت بمزدلفة ليس ركنا و إن كان الوقوف بها ركنا، لما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس، قال: أتيت النبي صلّي اللّه عليه و آله بجمع، فقال: (من صلّي معنا هذه الصلاة و أتي عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه)(2).

و لأنّه مبيت في مكان، فلا يكون ركنا، كالمبيت بمني.

و حكي عن الشعبي و النخعي أنّهما قالا: المبيت بمزدلفة ركن(3) ، لقوله عليه السّلام: (من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له)(4).

و جوابه - بعد تسليمه - أنّ المراد من لم يبت بها و لم يقف وقت7.

ص: 199


1- الكافي 468:4-469-1، التهذيب 188:5-189-626.
2- سنن أبي داود 196:2-197-1950، سنن النسائي 263:5-264، سنن الترمذي 238:3-239-891، سنن البيهقي 173:5.
3- المجموع 150:8، المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3.
4- أورده الرافعي في فتح العزيز 367:7.

الوقوف، جمعا بين الأدلّة.

البحث الثاني: في الكيفيّة.
مسألة 545: يجب في الوقوف بالمشعر شيئان:

النيّة، لأنّه عبادة، فلا يصحّ بدونها. و للآية(1) و الأخبار(2).

و يشترط فيها التقرّب إلي اللّه تعالي، و نيّة الوجوب، و أنّ وقوفه لحجّة الإسلام أو غيرها.

الثاني: الوقوف بعد طلوع الفجر الثاني، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صلّي الصبح حين تبيّن له الصبح(3).

قال جابر: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يزل واقفا حتي أسفر جدّا(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أصبح علي طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث تبيت(5)»(6).

و لأنّ الكفّارة تجب لو أفاض قبل الفجر علي ما يأتي، و هي مرتّبة علي الذنب.

و قال الشافعي: يجوز أن يدفع بعد نصف الليل و لو بجزء قليل(7).

ص: 200


1- البيّنة: 5.
2- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 341:7، أمالي الطوسي 203:2.
3- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5.
4- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5.
5- في الكافي: «حيث شئت».
6- التهذيب 191:5-635، الكافي 469:4-4.
7- الحاوي الكبير 177:4، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 135:8، فتح العزيز 367:7-368، الاستذكار 37:13، المغني 451:3، الشرح الكبير 449:3.

فأوجب الوقوف في النصف الثاني من الليل، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(1).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ المعذورين - كالنساء و الصبيان و الخائف - يجوز لهم الإفاضة قبل طلوع الفجر.

مسألة 546: يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر، و لو وقف قبل الصلاة بعد طلوع الفجر، أجزأه،

لأنّه وقت مضيّق، فاستحبّ البدأة بالصلاة.

و يستحب الدعاء بالمنقول، ثم يفيض حين يشرق ثبير(2) ، و تري الإبل مواضع أخفافها في الحرم، رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام(3).

و يستحب أن يكون متطهّرا.

قال الصادق عليه السّلام: «أصبح علي طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث تبيت»(4) الحديث.

و لو وقف جنبا أو محدثا، أجزأه إجماعا.

و يستحبّ له أن يصلّي الفجر في أوّل وقته، لازدحام الناس طلبا للوقوف و الدعاء، بخلاف الحصر.

مسألة 547: يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام.

قال الشيخ رحمه اللّه: المشعر الحرام جبل هناك يسمّي قزح(5).

ص: 201


1- سنن أبي داود 194:2-1942.
2- ثبير: جبل بمكة. معجم البلدان 73:2.
3- الكافي 469:4-4، التهذيب 191:5-635.
4- الكافي 469:4-4، التهذيب 191:5-635.
5- المبسوط - للطوسي - 368:1، و فيه: فراخ، و هي تصحيف.

و يستحب الصعود عليه و ذكر اللّه تعالي عنده.

قال اللّه تعالي فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (1).

و أردف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، الفضل بن العباس و وقف علي قزح، و قال: (هذا قزح، و هو الموقف، و جمع كلّها موقف) [1].

و روي العامّة عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ركب القصواء حتي أتي المشعر الحرام، فرقي عليه و استقبل القبلة فحمد اللّه و هلّله و كبّره و وحّده، فلم يزل واقفا حتي أسفر جدّا(2).

قال الصادق عليه السّلام: «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و أن يدخل البيت»(3).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 548: الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمدا،

عند علمائنا، و هو أعظم من الوقوف بعرفة، عند علمائنا - و به

ص: 202


1- البقرة: 198.
2- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن البيهقي 124:5.
3- الكافي 469:4-3، التهذيب 191:5-636.

قال علقمة و الشعبي و النخعي(1) - لقوله تعالي فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام «و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالي أعذر لعبده، و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل»(4).

و قال باقي العامّة: إنّه نسك و ليس بركن(5) ، لقوله عليه السّلام بجمع: (من صلّي معنا هذه الصلاة و أتي عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه)(6).

و لأنّه مبيت في مكان، فلا يكون ركنا، كالمبيت بمني.

و الحديث حجّة لنا، لأنّها كانت صلاة الفجر في جمع، و إذا علّق تمام الحجّ علي وقوف المشعر، انتفي عند عدمه، و هو المطلوب.).

ص: 203


1- الحاوي الكبير 177:4، الاستذكار 35:13، حلية العلماء 340:3، المجموع 150:8، أحكام القرآن - لابن العربي - 138:1، المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3.
2- البقرة: 198.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 367:7.
4- التهذيب 289:5-981، الإستبصار 301:2-1076.
5- المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3، الحاوي الكبير 177:4، الاستذكار 36:13، فتح العزيز 367:7، المجموع 150:8، المبسوط - للسرخسي - 4: 63، حلية العلماء 340:3.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 183، الهامش (3).

و القياس باطل، و معارض بقياسنا، فيبقي دليلنا سالما.

علي أنّا لا نوجب المبيت و لا نجعله ركنا كما تقدّم، بل الوقوف الاختياري.

مسألة 549: يجب الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر،

فلو أفاض قبل طلوعه مختارا عامدا بعد أن وقف به ليلا، جبره بشاة.

و قال أبو حنيفة: يجب الوقوف بعد طلوع الفجر(1) ، كقولنا.

و قال باقي العامّة: يجوز الدفع بعد نصف الليل(2).

و هو غلط، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أفاض قبل طلوع الشمس(3) ، و كانت الجاهلية تفيض بعد طلوعها(4) ، فدلّ علي أنّ ذلك هو الواجب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»(5).

و لأنّه أحد الموقفين، فيجب فيه الجمع بين الليل و النهار، كعرفة.

احتجّوا: بأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(6).

ص: 204


1- بدائع الصنائع 136:2، الهداية - للمرغيناني - 146:1، تحفة الفقهاء 407:1.
2- المغني 451:3، الشرح الكبير 449:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 135:8، فتح العزيز 367:7-368، الحاوي الكبير 177:4، بدائع الصنائع 136:2، تفسير القرطبي 425:2.
3- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 241:3-895 و 242-896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
4- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 241:3-895 و 242-896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
5- التهذيب 193:5-642، الاستبصار 256:2-902.
6- سنن أبي داود 194:2-1942، المغني 451:3، الشرح الكبير 450:3.

و نحن نقول بموجبه، لجوازه للمعذورين.

و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه، قاله الشيخ رحمه اللّه(1) ، و به قال أبو حنيفة [1].

و قال ابن إدريس: لو أفاض قبل الفجر عامدا، بطل حجّه(2).

مسألة 550: يجوز للخائف و النساء و غيرهم من أصحاب الأعذار و الضرورات الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة

إجماعا، لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يقدّم ضعفة أهله في النصف الأخير من المزدلفة(3).

و قال: قدمنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أغيلمة(4) بني عبد المطّلب(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «رخّص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلي مكة، و وكّلن من يضحّي عنهنّ»(6).

ص: 205


1- النهاية: 253، المبسوط - للطوسي - 368:1.
2- السرائر: 138-139.
3- انظر: صحيح البخاري 202:2، و صحيح مسلم 941:2-1293، و سنن الترمذي 240:3-893، و سنن البيهقي 123:5.
4- أغيلمة تصغير أغلمة. و المراد الصبيان.
5- سنن ابن ماجة 1007:2-3025.
6- الاستبصار 257:2-906، و التهذيب 194:5-646.

و عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «أيّ امرأة و رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس»(1) الحديث.

مسألة 551: يستحب لغير الإمام أن يكون طلوعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل، و للإمام بعد طلوعها،

لما رواه العامّة: أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتي تطلع الشمس، و يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس(2).

و من طريق الخاصّة: أنّ الكاظم عليه السّلام سئل أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جمع ؟ فقال: «قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليّ» قلت: فإن مكثنا حتي تطلع الشمس ؟ قال: «ليس به بأس»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه تستحبّ الإفاضة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لما رواه العامّة في حديث جابر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يزل واقفا حتي أسفر جدّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس(5).

ص: 206


1- الاستبصار 256:2-257-904، و التهذيب 194:5-644.
2- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 3: 241-242-895 و 896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
3- الاستبصار 257:2-908، و بتفاوت يسير في بعض الألفاظ في الكافي 4: 470-5، و التهذيب 192:5-193-639.
4- المغني و الشرح الكبير 452:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 8: 125، بدائع الصنائع 136:2.
5- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5، سنن الدارمي 48:2-49، المغني 452:3.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(1) في حديث الكاظم عليه السّلام.

و لو دفع قبل الإسفار بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس، لم يكن مأثوما إجماعا.

مسألة 552: حدّ المزدلفة: ما بين مأزمي 1 عرفة إلي الحياض إلي وادي محسّر

يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه إجماعا، لما رواه العامّة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام عن جابر: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (وقفت هاهنا بجمع، و جمع كلّها موقف)(2).

و من طريق الخاصّة: قول زرارة - في الصحيح -: إنّ الباقر عليه السّلام قال للحكم بن عيينة: «ما حدّ المزدلفة ؟» فسكت، فقال الباقر عليه السّلام: «حدّها ما بين المأزمين إلي الجبل إلي حياض وادي محسّر»(3).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: «حدّ المشعر الحرام من المأزمين إلي الحياض و إلي وادي محسّر»(4).

إذا عرفت هذا، فلو ضاق عليه الموقف، جاز له أن يرتفع إلي الجبل، لقول الصادق عليه السّلام: فإذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: «يرتفعون إلي المأزمين»(5).

مسألة 553: للوقوف بالمشعر وقتان:

اختياريّ من طلوع الفجر إلي

ص: 207


1- تقدّم في ص 206.
2- صحيح مسلم 893:2-149، سنن أبي داود 193:2-1936، سنن البيهقي 115:5، المغني 450:3، الشرح الكبير 451:3.
3- التهذيب 190:5-191-634، و فيه الحكم بن عتيبة.
4- التهذيب 190:5-633.
5- التهذيب 180:5-604.

طلوع الشمس يوم النحر، و اضطراريّ بعد طلوع الشمس إلي زوالها، فإذا أدرك الحاج الاختياريّ من وقت عرفة - و هو من زوال الشمس إلي غروبها من يوم عرفة - و اضطراريّ المشعر، أو أدرك اضطراريّ عرفة و اختياريّ المشعر، صحّ حجّه إجماعا.

و كذا لو أدرك اختياريّ أحدهما وفاته الآخر اضطراريّا و اختياريّا علي إشكال لو كان الفائت هو المشعر.

أمّا لو أدرك الاضطراريّين معا و لم يدرك اختياريّ أحدهما، فقد قيل:

يبطل حجّه(1). و قيل: يصحّ(2).

و لو ورد الحاجّ ليلا و علم أنّه إذا مضي إلي عرفات وقف بها قليلا ثم عاد إلي المشعر قبل طلوع الشمس، وجب عليه المضيّ إلي عرفات، و الوقوف بها، ثم يجيء إلي المشعر.

و لو غلب علي ظنّه أنّه إن مضي إلي عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس، اقتصر علي الوقوف بالمشعر، و قد تمّ حجّه، و ليس عليه شيء.

و لو وقف بعرفات ليلا ثم أفاض إلي المشعر فأدركه ليلا أيضا و لم يتّفق له الوقوف إلي طلوع الفجر بل أفاض منه قبل طلوعه، ففي إلحاقه بإدراك الاضطراريّين نظر، فإن قلنا به، جاء فيه الخلاف.

و أمّا العامّة فقالوا: إذا فاته الوقوف بعرفات، فقد فاته الحجّ مطلقا، سواء وقف بالمشعر أو لا(3).2.

ص: 208


1- انظر: شرائع الإسلام 254:1.
2- انظر: شرائع الإسلام 254:1.
3- الشرح الكبير 443:3، المجموع 102:8، بداية المجتهد 346:1، بدائع الصنائع 127:2.

و يدلّ علي إدراك الحجّ بإدراك الاضطراريّين: ما رواه الحسن العطّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر و ليلحق الناس بمني و لا شيء عليه»(1).

مسألة 554: يستحب أخذ حصي الجمار من المزدلفة،

و هو سبعون حصاة، عند علمائنا - و هو قول ابن عمر و سعيد بن جبير و الشافعي(2) - لأنّ الرمي تحيّة لموضعه، فينبغي له أن يلتقطه من المشعر، لئلاّ يشتغل عند قدومه بغيره، كما أنّ الطواف تحيّة المسجد، فلا يبدأ بشيء قبله.

و ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان يأخذ الحصي من جمع، و فعله سعيد بن جبير، و قال: كانوا يتزوّدون الحصي من جمع(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - قال:

«خذ حصي الجمار من جمع، و إن أخذته من رحلك بمني أجزأك»(4).

و يجوز أخذ حصي الجمار من الطريق في الحرم و من بقيّة مواضع الحرم عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف، و من حصي الجمار إجماعا، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله غداة العقبة و هو علي ناقته: (القط لي حصي الجمار) فلقطت له سبع حصيات هي حصي الخذف، فجعل يقبضهنّ(5) في كفّه و يقول: (أمثال هؤلاء فارموا) ثم قال:

ص: 209


1- التهذيب 292:5-990، الإستبصار 305:2-1088.
2- المغني و الشرح الكبير 454:3، فتح العزيز 369:7، المجموع 137:8، الحاوي الكبير 178:4.
3- المغني و الشرح الكبير 454:3، و سنن البيهقي 128:5.
4- الكافي 477:4-1، التهذيب 195:5-196-650.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجرية و المغني و الشرح الكبير، و في سنن ابن ماجة: ينفضهنّ، و في سنن البيهقي: فوضعتهنّ في يده.

(أيّها الناس إيّاكم و الغلوّ في الدين، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «يجوز أخذ حصي الجمار من جميع الحرم إلاّ من المسجد الحرام و مسجد الخيف»(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أخذ الحصي من حصي الجمار و لا من غير الحرم، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «حصي الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك» قال: و قال: «و لا ترم الجمار إلاّ بالحصي»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «و لا يأخذ من حصي الجمار»(4).

و قال بعض علمائنا: لا يؤخذ الحصي من جميع المساجد(5).

و لا بأس به، لما ورد من تحريم إخراج الحصي من المساجد(6).8.

ص: 210


1- المغني و الشرح الكبير 454:3، و سنن ابن ماجة 1008:2-3029، و سنن البيهقي 127:7.
2- الكافي 478:4-8، التهذيب 196:5-652.
3- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
4- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
5- المحقّق في شرائع الإسلام 257:1.
6- انظر: الكافي 229:4-4، و الفقيه 154:1-718، و 165:2-713، و علل الشرائع: 320، الباب 9، الحديث 1، و التهذيب 256:3-711، و 5: 449-1568.
الفصل الرابع في نزول مني و قضاء مناسكها
اشارة

و فيه أبواب:

الأوّل: في الرمي و مقدّمته.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الإفاضة إلي مني.
مسألة 555: يستحب له الدفع من مزدلفة إلي مني إذا أسفر الصبح

قبل طلوع الشمس تأسّيا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(1).

و يستحب أن يفيض بالسكينة و الوقار ذاكرا للّه تعالي مستغفرا داعيا، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: ثم أردف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الفضل بن عباس و قال: (أيّها الناس إنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل و الإبل، فعليكم بالسكينة) فما رأيتها رافعة يديها حتي أتي مني(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فأفاض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّه و الاستغفار، و حرّك

ص: 211


1- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5، سنن الدارمي 49:2.
2- المغني 453:3، و سنن أبي داود 190:2-1920، و سنن البيهقي 126:5.

به لسانك»(1).

مسألة 556: فإذا بلغ وادي محسّر - و هو واد عظيم بين جمع و مني، و هو إلي مني أقرب - أسرع في مشيه

إن كان ماشيا، و إن كان راكبا حرّك دابّته، و لا نعلم فيه خلافا، لما رواه العامّة عن الصادق عليه السّلام: في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لمّا أتي وادي محسّر حرّك قليلا، و سلك الطريق الوسطي(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فإذا مررت بوادي محسّر - و هو واد عظيم بين جمع و مني، و هو إلي مني أقرب - فاسع فيه حتي تجاوزه، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حرّك ناقته»(3).

و لا نعلم خلافا في استحباب الإسراع فيه.

و لو ترك الهرولة فيه، استحبّ له أن يرجع و يهرول، لأنّها كيفية مستحبّة، و لا يمكن فعلها إلاّ بإعادة الفعل، فاستحبّ له تداركها، كناسي الأذان.

و قول ابن بابويه: ترك رجل السعي في وادي محسّر، فأمره الصادق عليه السّلام بعد الانصراف إلي مكة فرجع فسعي(4).

و قد قيل: إنّ النصاري كانت تقف ثمّ، فرأوا مخالفتهم(5).

و يستحبّ له الدعاء حالة السعي في وادي محسّر، لقول الصادق عليه السّلام

ص: 212


1- التهذيب 192:5-637.
2- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن النسائي 267:5، سنن الدارمي 49:2.
3- الكافي 470:4-471-3، الفقيه 282:2-1384، التهذيب 192:5-637.
4- الفقيه 282:2-1387، و فيه: أن يرجع و يسعي.
5- كما في فتح العزيز 370:7.

- في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: اللّهم سلّم عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني بخير فيمن تركت بعدي»(1).

و في رواية عن الكاظم عليه السّلام: «الحركة في وادي محسّر مائة خطوة»(2).

و في حديث آخر «مائة ذراع»(3).

و أمّا الجمهور: فاستحبّوا الإسراع قدر رمية حجر(4).

و إذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس، فلا يجوز وادي محسّر حتي تطلع الشمس مستحبّا.

و روي عن الباقر عليه السّلام أنّه يكره(5) أن يقيم عند المشعر بعد الإفاضة(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب يوم النحر بمني ثلاثة مناسك: رمي جمرة العقبة، و الذبح، و الحلق أو التقصير، و يجب عليه بعد عوده من مكّة إلي مني يوم النحر أو ثانيه رمي الجمار الثلاث و المبيت بمني.

البحث الثاني: في رمي جمرة العقبة.
مسألة 557: إذا ورد مني يوم النحر، وجب عليه فيه رمي جمرة العقبة،

و هي آخر الجمار ممّا يلي مني، و أوّلها ممّا يلي مكّة، و هي عند

ص: 213


1- الفقيه 282:2-1384.
2- الفقيه 282:2-1385.
3- الفقيه 282:2-1386.
4- المغني و الشرح الكبير 453:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 8: 143، فتح العزيز 370:7.
5- في المصدر: كره.
6- الفقيه 282:2-1383.

العقبة، و لذلك سمّيت جمرة العقبة [و هي](1) في حضيض الجبل مترقّية عن الجادّة.

و لا نعلم خلافا في وجوب رمي جمرة العقبة، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رماها(2) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «خذ حصي الجمار ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من أعلاها»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب له إذا دخل مني بعد طلوع الشمس رمي جمرة العقبة حالة وصوله.

مسألة 558: لا يجوز الرمي في هذا اليوم و لا باقي الأيّام إلاّ بالحجارة،

عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(5) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رمي بالأحجار، و قال: (بمثل هذا فارموا)(6).

و قال عليه السّلام: (عليكم بحصي الخذف)(7).

ص: 214


1- أضفناها لأجل السياق.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن النسائي 267:5-268، سنن الدارمي 49:2.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
5- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 179:4، الوجيز 122:1، فتح العزيز 397:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 170:8 و 186، حلية العلماء 340:3، شرح السنّة - للبغوي - 337:4، بدائع الصنائع 158:2.
6- سنن البيهقي 128:5.
7- صحيح مسلم 931:2-932-1282، سنن النسائي 267:5 و 269، سنن البيهقي 127:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «خذ حصي الجمار ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها»(1)الحاوي الكبير 179:4، حلية العلماء 340:3.(2) و الأمر للوجوب.

و قال أبو حنيفة: يجوز بكلّ ما كان من جنس الأرض، كالكحل و الزرنيخ و المدر، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز(3).

و قال داود: يجوز الرمي بكلّ شيء حتي حكي عنه أنّه قال: لو رمي بعصفور ميّت، أجزأه، لقوله عليه السّلام: (إذا رميتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء)(4)(4) و لم يفصّل.

و عن سكينة بنت الحسين أنّها رمت الجمرة و رجل يناولها الحصي تكبّر مع كلّ حصاة، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها(5).

و لأنّه رمي بما هو من جنس الأرض فأجزأه، كالحجارة.

و الجواب: لم يذكر في الحديث كيفية المرميّ به، و بيّنه بفعله، فيصرف ما ذكره إلي المعهود من فعله، كغيره من العبادات.

و فعل سكينة عليها السّلام نقول به، لجواز أن يكون فصّ الخاتم حجرا.

و ينتقض قياس أبي حنيفة بالدراهم.

مسألة 559: و اختلف قول الشيخ رحمه اللّه.

ص: 215


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 214، الهامش
2- .
3- المبسوط - للسرخسي - 66:4، بدائع الصنائع 157:2، الهداية - للمرغيناني - 147:1، الحاوي الكبير 179:4، فتح العزيز 398:7، المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، حلية العلماء 340:3، المجموع 186:8.
4- مسند أحمد 143:6.
5- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، الحاوي الكبير 179:4.

فقال في أكثر كتبه: لا يجوز الرمي إلاّ بالحصي(1). و اختاره ابن إدريس(2) و أكثر علمائنا(3).

و قال في الخلاف: لا يجوز الرمي إلاّ بالحجر و ما كان من جنسه من البرام و الجوهر و أنواع الحجارة، و لا يجوز بغيره، كالمدر و الآجر و الكحل و الزرنيخ و الملح و غير ذلك من الذهب و الفضة، و به قال الشافعي(4).

و الوجه: الأوّل، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال لمّا لقط له الفضل بن العباس حصي الخذف قال: (بمثلها فارموا)(5).

و من طريق الخاصّة: رواية زرارة - الحسنة - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«لا ترم الجمار إلاّ بالحصي»(6).

و لحصول يقين البراءة بالرمي بالحصي دون غيره، فيكون أولي.

مسألة 560: و يجب أن يكون الحصي أبكارا،

فلو رمي بحصاة رمي بها هو أو غيره، لم يجزئه عند علمائنا - و به قال أحمد(7) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا أخذ الحجارة قال: (بأمثال هؤلاء فارموا)(8) و إنّما تتحقّق المماثلة بما

ص: 216


1- النهاية: 253، المبسوط - للطوسي - 369:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 234.
2- السرائر: 139.
3- منهم: القاضي ابن البرّاج في المهذّب 254:1، و ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 519، و ابن حمزة في الوسيلة: 188، و الكيدري في إصباح الشيعة: 160.
4- الخلاف 342:2، المسألة 163.
5- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127 بتفاوت يسير.
6- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
7- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3.
8- سنن ابن ماجة 1008:2-3029.

ذكرناه.

و لأنّه عليه السّلام أخذ الحصي من غير المرمي، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و لا يأخذ من حصي الجمار»(2).

و قال الشافعي: إنّه مكروه و يجزئه(3).

و قال المزني: إن رمي بما رمي به هو، لم يجزئه، و إن رمي بما رمي به غيره، أجزأه، لأنّه رمي بما يقع عليه اسم الحجارة فأجزأه، كما لو لم يرم به قبل ذلك(4).

و الجواب: ليس المطلق كافيا، و إلاّ لما احتاج الناس إلي نقل الحصي إلي الجمار، و قد أجمعنا علي خلافه.

و لا فرق في عدم الإجزاء بين جميع العدد و بعضه، فلو رمي بواحدة قد رمي بها و أكمل العدد بالأبكار، لم يجزئه.

و لو رمي بخاتم فصّه حجر، فالأقرب الإجزاء، خلافا لبعض العامّة، فإنّه منع منه، لأنّ الحجر هنا تبع(5).

مسألة 561: يجب أن يكون الحصي من الحرم،

فلا يجزئه لو أخذه من غيره، لقول الصادق عليه السّلام: «إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته

ص: 217


1- سنن البيهقي 125:5، المغني 455:3.
2- التهذيب 266:5-906.
3- الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 179:4-180، فتح العزيز 369:7، المجموع 172:8 و 185، حلية العلماء 341:3، المغني 3: 455، الشرح الكبير 459:3.
4- الحاوي الكبير 180:4، حلية العلماء 341:3، المجموع 172:8 و 185.
5- المغني 456:3، الشرح الكبير 460:3.

من غير الحرم لم يجزئك»(1) و هذا نصّ في الباب.

و يكره أن تكون صمّا(2) بل تكون رخوة، و يستحب أن تكون برشا(3) منقّطة كحليّة بقدر الأنملة، لأنّ الصادق عليه السّلام كره الصمّ منها، و قال: «خذ البرش»(4).

و قال الرضا عليه السّلام: «حصي الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سودا و لا بيضا و لا حمرا، خذها كحليّة منقّطة تخذفهنّ خذفا و تضعها [علي الإبهام](5) و تدفعها بظفر السبّابة» قال: «و ارمها من بطن الوادي، و اجعلهنّ علي يمينك كلّهنّ، و لا ترم علي(6) الجمرة، و تقف عند الجمرتين الأوّلتين، و لا تقف عند جمرة العقبة»(7).

و يكره أن تكون نجسة، و تجزئه، للامتثال.

مسألة 562: يستحب أن تكون الحصي ملتقطة،

و يكره أن تكون مكسّرة - و به قال الشافعي و أحمد(8) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر الفضل، فلقط له حصي الخذف، و قال: (بمثلها فارموا)(9).

ص: 218


1- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
2- أي صلبا، أنظر لسان العرب 343:12 «صمم».
3- البرش و البرشة: لون مختلف، نقطة حمراء و اخري سوداء أو غبراء أو نحو ذلك. لسان العرب 264:6 «برش».
4- الكافي 477:4-6، التهذيب 197:5-655.
5- أضفناها من المصدر.
6- في التهذيب: أعلي.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- الحاوي الكبير 178:4، المجموع 139:8 و 153، المغني و الشرح الكبير 3: 454.
9- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127 بتفاوت يسير.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «التقط الحصي، و لا تكسر منها شيئا»(1).

و يستحب أن تكون صغارا قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بحصي الخذف(2) ، و الخذف إنّما يكون بأحجار صغار.

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «حصي الجمار تكون مثل الأنملة»(3).

و قال الشافعي: أصغر من الأنملة طولا و عرضا. و منهم من قال: كقدر النواة. و منهم من قال: مثل الباقلاء(4). و هذه المقادير متقاربة.

و لو رمي بأكبر، أجزأه، للامتثال.

و في إحدي الروايتين عن أحمد أنّه لا يجزئه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بهذا القدر(5)(6).

البحث الثالث: في رمي الجمار و كيفيّته.
مسألة 563: يجب في الرمي النيّة،

لأنّه عبادة و عمل.

و يجب أن يقصد وجوب الرمي إمّا لجمرة العقبة أو لغيرها، لوجوبه قربة إلي اللّه تعالي، إمّا لحجّ الإسلام أو لغيره.

ص: 219


1- التهذيب 197:5-657.
2- صحيح مسلم 931:2-932-1282، سنن النسائي 267:5 و 269، سنن البيهقي 127:5.
3- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
4- الام 214:2، الحاوي الكبير 178:4، فتح العزيز 398:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 171:8.
5- المصادر في الهامش (2).
6- المغني 454:3-455، الشرح الكبير 455:3.

و يجب فيه العدد، و هو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة، فلا يجزئه لو أخلّ و لو بحصاة، بل يجب عليه الإكمال، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام كذا فعلوا.

و يجب إيصال كلّ حصاة إلي الجمرة بما يسمّي رميا بفعله، فلو وضعها بكفّه في المرمي، لم يجزئه إجماعا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بالرمي(1) ، و هذا لا يسمّي رميا، فلا يكون مجزئا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «خذ حصي الجمار ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها»(2).

و لو طرحها طرحا، قال بعض العامّة: لا يجزئه(3).

و قال أصحاب الرأي: يجزئه، لصدق الاسم(4).

و الضابط تبعية الاسم، فإن سمّي رميا، أجزأه، و إلاّ فلا.

و يجب أن يقع الحصي في المرمي، فلو وقع دونه، لم يجزئه إجماعا.

قال الصادق عليه السّلام: «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها»(5).

مسألة 564: يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كذا

ص: 220


1- سنن أبي داود 200:2-1966، سنن ابن ماجة 1006:2-3023 و 1008-3028 و 3029، سنن النسائي 272:5، سنن البيهقي 127:5.
2- الكافي 478:4-1، التهذيب 198:5-661.
3- المغني 460:3، الشرح الكبير 458:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 67:4، المغني 460:3، الشرح الكبير 457:3 - 458.
5- الكافي 483:4-5، الفقيه 285:2-1399، التهذيب 266:5-267-907.

فعل، و قال: «خذوا عنّي مناسككم»(1).

و لقوله عليه السّلام: (بمثلها فارموا)(2) أوجب استناد الرمي إلينا.

و لو رمي بحصاة فوقعت علي الأرض ثم مرّت علي سننها أو أصابت شيئا صلبا كالمحمل و شبهه ثم وقعت في المرمي بعد ذلك، أجزأه، لأنّ وقوعها في المرمي بفعله و رميه، بخلاف المزدلف في المسابقة، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة، لأنّ القصد إبانة الحذق، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن، فلم تدلّ الإصابة علي حذقه، فلهذا لم يعتد به، بخلاف الحصاة، فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان.

أمّا لو وقعت الحصاة علي ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمي، فإنّه لا يجزئه - و به قال الشافعي(3) - لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله.

و قال أحمد: يجزئه، لأنّ ابتداء الرمي من فعله، فأشبه ما لو أصاب موضعا صلبا ثم وقعت في المرمي(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المأخوذ عليه الإصابة بفعله و لم تحصل، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمي فأخذها غيره فرمي بها في المرمي.

و كذا لو وقعت علي ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمي، أو علي عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمي، لإمكان استناد الإصابة إلي حركة3.

ص: 221


1- سنن البيهقي 125:5.
2- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127، بتفاوت يسير.
3- الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 180:4، فتح العزيز 7: 399، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 174:8، حلية العلماء 3: 341.
4- المغني 460:3، الشرح الكبير 458:3، فتح العزيز 399:7، حلية العلماء 341:3.

البعير و الإنسان.

و لو رماها نحو المرمي و لم يعلم هل حصلت في المرمي أم لا، فالوجه أنّه لا يجزئه - و هو قول الشافعي في الجديد(1) - لأصالة البقاء، و عدم يقين البراءة.

و قال في القديم: يجزئه، بناء علي الظاهر(2).

و لو رمي حصاة فوقعت علي حصاة فطفرت الثانية في المرمي، لم يجزئه، لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمي، و التي حصلت لم يرمها ابتداء.

و لو رمي إلي غير المرمي فوقع في المرمي، لم يجزئه، لأنّه لم يقصده، بخلاف ما لو رمي إلي صيد فوقع في غيره، صحّت تذكيته، لعدم القصد في الذكاة، و الرمي يعتبر فيه القصد.

و لو وقعت علي مكان أعلي من الجمرة فتدحرجت في المرمي، فالأقرب الإجزاء، لحصولها في المرمي بفعله، خلافا لبعض الشافعيّة(3).

و لو رمي بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها، لم يجزئه، سواء رماها الطائر في المرمي أو لا، لأنّ حصولها في المرمي لم يكن بفعله.

و لو رمي بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمي فأصاب المرمي ثانيا، صحّ.

و لو أصابت الحصاة إنسانا أو غيره ثم وقعت علي المرمي، أجزأه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و إن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت2.

ص: 222


1- الامّ 213:2، الحاوي الكبير 181:4، فتح العزيز 398:7، حلية العلماء 3: 341، المجموع 175:8.
2- الحاوي الكبير 181:4، المجموع 175:8.
3- الحاوي الكبير 181:4، المهذّب - للشيرازي - 235:1، حلية العلماء 3: 342.

علي الجمار أجزأك»(1).

مسألة 565: و يرمي كلّ حصاة بانفرادها،

فلو رمي الحصيات دفعة واحدة، لم يجزئه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رمي متفرّقا(2) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(3) و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4).

و قال عطاء: يجزئه(5).

و هو مخالف لما فعله النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قبل وجهها مستحبّا إجماعا، لما روي العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رمي الجمرة من بطن الوادي و هو راكب يكبّر مع كلّ حصاة(6).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و ارمها من بطن الوادي، و اجعلهنّ علي يمينك كلّهنّ»(7).

و يستحب أن يرميها مستقبلا لها مستدبرا للكعبة، بخلاف غيرها من الجمار، و هو قول أكثر العلماء، لما روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه رمي جمرة العقبة مستدبرا للقبلة(8).

ص: 223


1- الكافي 483:4-484-5، الفقيه 285:2-1399، التهذيب 266:5-267-907.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن ابن ماجة 1008:2-3031 و 1026-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2، سنن البيهقي 129:5.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- المدوّنة الكبري 421:1، الام 213:2، المهذّب - للشيرازي - 235:1، فتح العزيز 399:7، المجموع 185:8، المغني 460:3-461، الشرح الكبير 457:3.
5- المغني 461:3، الشرح الكبير 457:3، المجموع 185:8.
6- سنن أبي داود 200:2-1966، سنن البيهقي 130:5.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- الكامل في الضعفاء - لابن عدي - 1878:5، و أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 369:1.

و ينبغي أن يرميها من قبل وجهها، و لا يرميها من أعلاها، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين و رمي الجمار إلاّ جمرة العقبة يوم النحر، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رماها مستقبلها مستدبرا للكعبة(2).

إذا عرفت هذا، فلا ينبغي أن يرميها من أعلاها.

و روي العامّة أنّ عمر جاء و الزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها(3).

و هو ممنوع، لما رووه عن عبد الرحمن بن يزيد(4) أنّه مشي مع عبد اللّه بن مسعود و هو يرمي الجمرة، فلمّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها، فقيل له: إنّ ناسا يرمونها من فوقها، فقال: من هاهنا - و الذي لا إله غيره - رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها(5).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و لا ترم أعلي الجمرة»(6).

و قول الصادق عليه السّلام: «و لا ترمها من أعلاها»(7).).

ص: 224


1- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
2- المبسوط - للطوسي - 369:1.
3- المغني 457:3، الشرح الكبير 456:3، الحاوي الكبير 184:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: عبد اللّه بن سويد، بدل عبد الرحمن بن يزيد، و ما أثبتناه من المصادر.
5- صحيح البخاري 217:2-218، صحيح مسلم 943:2-944-305-309، سنن الترمذي 245:3-246-901، سنن البيهقي 129:5، المغني 457:3، الشرح الكبير 456:3.
6- التهذيب 197:5-656.
7- المصدر في الهامش (1).
مسألة 566: و يستحب له أن يرميها خذفا

بأن يضع كلّ حصاة علي بطن إبهامه و يدفعها بظفر السبّابة، لقول الرضا عليه السّلام: قال: «تخذفهنّ خذفا و تضعها [علي الإبهام](1) و تدفعها بظفر السبّابة»(2).

و لو رماها علي غير هذه الصفة أجزأ.

و يستحب أن يكون بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع إلي خمسة عشر ذراعا، لقول الصادق عليه السّلام: «و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا»(3).

و يستحبّ أن يكبّر مع كلّ حصاة، و يدعو بالمنقول.

قال الشافعي: و يقطع التلبية إذا ابتدأ بالرمي، لأنّ التلبية شعار الإحرام، و الرمي أخذ في التحليل(4).

و قال القفّال: إذا رحلوا من مزدلفة، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم، فإذا انتهوا إلي الجمرة و افتتحوا الرمي، محضوا التكبير(5).

البحث الرابع: في الأحكام.
مسألة 567: يجب الإتيان إلي مني لقضاء المناسك بها

من الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير.

و ينبغي أن يأخذ علي الطريق الوسطي التي تخرج علي الجمرة

ص: 225


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
3- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
4- فتح العزيز 370:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 169:8، الحاوي الكبير 184:4، حلية العلماء 340:3، المغني 461:3، الشرح الكبير 458:3.
5- فتح العزيز 370:7-371، المجموع 169:8.

الكبري، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سلكها(1).

و حدّ مني من العقبة إلي وادي محسّر، لقول الصادق عليه السّلام: «حدّ مني من العقبة إلي وادي محسّر»(2).

و هو قول عطاء و الشافعي(3).

مسألة 568: لا يشترط في الرمي الطهارة

و إن كانت أفضل، فيجوز للمحدث و الجنب و الحائض و غيرهم الرمي إجماعا، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ سوي الطواف، و كانت حائضا(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «و يستحب أن يرمي الجمار علي طهر»(5).

و يجوز الرمي راجلا و راكبا، و الأوّل أفضل، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه كان لا يأتيها - يعني جمرة العقبة - إلاّ ماشيا ذاهبا و راجعا(6).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يرمي الجمار ماشيا»(7).

ص: 226


1- صحيح مسلم 891:2-892-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2، سنن البيهقي 129:5.
2- الفقيه 280:2-1375.
3- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3، الام 215:2، الحاوي الكبير 4: 183، المجموع 130:8.
4- صحيح البخاري 84:1، صحيح مسلم 873:2-874-119-121، سنن ابن ماجة 988:2-2963، سنن الترمذي 281:3-945، سنن الدارمي 44:2.
5- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
6- سنن أبي داود 200:2-201-1969، سنن الترمذي 244:3-245-900، سنن البيهقي 131:5.
7- التهذيب 267:5-912، الاستبصار 298:2-106.

و قد روي العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام عن جابر، قال: رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله يرمي علي راحلته يوم النحر، و يقول:

(لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - و قد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمي الجمار و هو راكب، فقال: «لا بأس به»(2).

و يستحب أن يرفع يده في الرمي حتي يري بياض إبطه، قاله بعض العامّة(3) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فعله(4).

و أنكر ذلك مالك(5).

و يستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ ابن عباس و ابن عمر رويا أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا رمي جمرة العقبة انصرف و لم يقف(6).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و لا تقف عند جمرة العقبة»(7).

مسألة 569: يجوز الرمي من طلوع الشمس إلي غروبها.

قال ابن عبد البرّ: أجمع علماء المسلمين علي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رماها ضحي ذلك اليوم(8).

ص: 227


1- صحيح مسلم 934:2-1297، سنن أبي داود 201:2-1970، سنن النسائي 270:5، سنن البيهقي 130:5.
2- التهذيب 267:5-911، الإستبصار 298:2-1065.
3- المغني 461:3، الحاوي الكبير 195:4، المجموع 170:8.
4- صحيح البخاري 219:2.
5- المدوّنة الكبري 423:1.
6- صحيح البخاري 218:2، سنن ابن ماجة 1009:2-3032 و 3033.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- المغني 458:3، الشرح الكبير 460:3.

و قال جابر: رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يرمي الجمرة ضحي يوم النحر وحده(1).

و قال ابن عباس: قدمنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أغيلمة بني عبد المطلب علي حمرات لنا من جمع فجعل يلطح [1] أفخاذنا [و يقول:](2) (ابينيّ [2] لا ترموا الجمرة حتي تطلع الشمس)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «الرمي(4) ما بين طلوع الشمس إلي غروبها»(5).

و قد رخّص للمعذور - كالخائف و العاجز و المرأة و الراعي و العبد - في الرمي ليلا من نصفه، للعذر، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلاّ بعد طلوع الشمس - و به قال مجاهد و الثوري و النخعي(6) - لما رواه العامّة: أنّ4.

ص: 228


1- أورده ابنا قدامة في المغني 458:3، و الشرح الكبير 460:3، و في صحيح مسلم 945:2-314، و سنن ابن ماجة 1014:2-3053، و سنن النسائي 5: 270، و سنن الترمذي 241:3-894، و سنن البيهقي 131:5 بتفاوت يسير.
2- أضفناها من المصادر.
3- سنن ابن ماجة 1007:2-3025، سنن النسائي 271:5-272، سنن البيهقي 132:5، المغني 459:3.
4- في المصدر: «رمي الجمار».
5- التهذيب 262:5-890، الإستبصار 296:2-1054.
6- المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3، حلية العلماء 342:3، الحاوي الكبير 185:4.

النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة ليلة النحر، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل و يضحّي و يفيض بالليل»(2).

و جوّز الشافعي و عطاء و ابن أبي ليلي و عكرمة بن خالد الرمي ليلا من نصفه الأخير للمعذور و غيره(3).

و عن أحمد أنّه لا يجوز الرمي إلاّ بعد طلوع الفجر، و هو قول مالك و أصحاب الرأي و إسحاق و ابن المنذر(4).

مسألة 570: يجوز تأخير الرمي إلي قبل الغروب بمقدار أداء المناسك.

قال ابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم علي أنّ من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها و إن لم يكن ذلك مستحبّا(5) ، لأنّ ابن عباس قال: كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يسأل يوم النحر بمني، قال رجل: رميت بعد ما أمسيت، فقال: (لا حرج)(6).

ص: 229


1- سنن أبي داود 194:2-1942، سنن البيهقي 133:5.
2- التهذيب 263:5-895.
3- الحاوي الكبير 185:4، فتح العزيز 381:7، حلية العلماء 342:3، المجموع 180:8، المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3.
4- المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3، المدوّنة الكبري 418:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 144، الحاوي الكبير 185:4، فتح العزيز 381:7، حلية العلماء 342:3.
5- المغني 459:3، الشرح الكبير 461:3.
6- صحيح البخاري 214:2-215، سنن النسائي 272:5، سنن الدار قطني 2: 253-254-77، سنن البيهقي 150:5.

إذا عرفت هذا، فلو غابت الشمس فقد فات الرمي، فليرم من غده - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عمر، قال: من فاته الرمي حتي تغيب الشمس فلا يرم حتي تزول الشمس من الغد(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أفاض من جمع حتي انتهي إلي مني، فعرض له [عارض](3) فلم يرم حتي غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، و الأخري ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة و هو للأمس و الأخري عند زوال الشمس»(4).

و قال الشافعي و محمد و ابن المنذر و يعقوب: يرمي ليلا(5) ، لقوله عليه السّلام: (ارم و لا حرج)(6).

و جوابه: أنّه إنّما كان في النهار، لأنّه سأله في يوم النحر، و لا يكون اليوم إلاّ قبل الغروب.

و قال مالك: يرمي ليلا. ثم اضطرب قوله، فتارة أوجب الدم حينئذ، و تارة أسقطه(7).3.

ص: 230


1- المغني 459:3-460، الشرح الكبير 461:3.
2- المغني 460:3، الشرح الكبير 461:3 و في سنن البيهقي 150:5 بتفاوت يسير.
3- أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 262:5-893.
5- الام 214:2، المغني 460:3، الشرح الكبير 461:3.
6- صحيح البخاري 31:1 و 43 و 215:2، صحيح مسلم 948:2-1306، سنن الترمذي 233:3-885 و 258-916، سنن أبي داود 211:2-2014، سنن الدار قطني 254:2-78.
7- المنتقي - للباجي - 52:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 167، المغني 3: 52، الشرح الكبير 461:3.
مسألة 571: يستحب الرمي عند زوال الشمس،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس»(1).

و يستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة إجماعا، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ثم تمضي إلي الثالثة و عليك السكينة و الوقار.. و لا تقف عندها»(2).

و لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن الجمار، فقال: «قم عند الجمرتين و لا تقم عند جمرة العقبة» فقلت: هذا من السنّة ؟ قال: «نعم» قلت: ما ذا أقول إذا رميت ؟ قال: «كبّر مع كلّ حصاة»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف، و وقت الإجزاء من طلوع الفجر اختيارا، فإن رمي قبل ذلك، لم يجزئه، و لصاحب العذر الرمي ليلا.

و بمثل ما قلناه قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق.

و قال الشافعي: أوّل وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر. و به قال عطاء و عكرمة(4).

مسألة 572: قدر حصي الجمار سبعون حصاة:

سبع منها لجمرة العقبة ترمي يوم النحر خاصّة، و يرمي كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالأولي - و هي العظمي - ثم الوسطي ثم جمرة

ص: 231


1- الكافي 480:4-1، التهذيب 261:5-888، الإستبصار 296:2-1057.
2- الكافي 480:4-481-1، التهذيب 261:5-888.
3- الكافي 481:4-2، التهذيب 261:5-262-889.
4- الخلاف 344:2-345، المسألة 167.

العقبة إجماعا.

و يستحب غسل الحصي - و به قال ابن عمر و طاوس(1) - لأنّ ابن عمر غسله(2) ، و الظاهر أنّه توقيف.

و لاحتمال ملاقاته لنجاسة، فمع الغسل يزول الاحتمال و إن لم يكن معتبرا شرعا.

و لو كان الحجر نجسا، استحبّ له غسله، فإن لم يغسله و رمي به، أجزأه، لحصول الامتثال.

و قال عطاء و مالك: لا يستحب(3). و عن أحمد روايتان(4).

و سيأتي باقي مباحث الرمي إن شاء اللّه تعالي.

الباب الثاني: في الذبح.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: الهدي.
مسألة 573: إذا فرغ من جمرة العقبة، ذبح هديه أو نحره

إن كان من الإبل، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: أنّه رمي من بطن الوادي ثم انصرف إلي المنحر فنحر ثلاثا و ستّين بدنة بيده ثم أعطي عليّا عليه السّلام فنحر ما غبر(5) و أشركه في هديه(6).

ص: 232


1- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
2- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
3- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
4- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
5- أي: ما بقي. النهاية - لابن الأثير - 337:3 «غبر».
6- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن الدارمي 49:2.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «فلمّا أضاء له النهار أفاض حتي انتهي إلي مني، فرمي جمرة العقبة، و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أربعا و ستّين أو ستّا و ستّين، و جاء علي عليه السّلام بأربع و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين، فنحر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ستّا و ستّين، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين بدنة»(1).

مسألة 574: هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و روي العامّة عن ابن عمر، قال: تمتّع الناس مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالعمرة إلي الحجّ، فلمّا قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال للناس: (من لم يسق الهدي فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ و يهدي، فمن لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلي أهله)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - في المتمتّع «و عليه الهدي» فقلت: و ما الهدي ؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة و أخسّه شاة»(4).

و لا فرق بين المكّي و غيره، فلو تمتّع المكّي، وجب عليه الهدي، للعموم.

ص: 233


1- التهذيب 454:5-457-1588.
2- البقرة: 196.
3- صحيح مسلم 901:2-1227، سنن أبي داود 160:2-1805، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5 و 23.
4- التهذيب 36:5-107، و فيه: «.. و أخفضه شاة».
مسألة 575: و إنّما يجب الهدي علي غير أهل مكّة و حاضريها،

لأنّ فرضهم التمتّع، أمّا أهل مكّة و حاضروها: فليس لهم أن يتمتّعوا، لأنّ فرضهم القران أو الإفراد، فلا يجب عليهم الهدي إجماعا، لأنّ اللّه تعالي قال ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1).

و قال الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن المفرد، قال: «ليس عليه هدي و لا أضحية»(2).

و أمّا القارن: فإنّه يكفيه ما ساقه إجماعا، و تستحب له الأضحية، لأصالة براءة الذمّة.

و قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة: إذا قرن بين الحجّ و العمرة، لزمه دم(3).

و قال الشعبي: تلزمه بدنة(4).

و قال داود: لا يلزمه شيء(5).

مسألة 576: قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القران أو الإفراد،

فلو تمتّع قال الشيخ: يسقط عنه الفرض، و لا يلزمه دم. و قال الشافعي: يصحّ تمتّعه و قرانه، و ليس عليه دم. و قال أبو حنيفة: يكره له التمتّع و القران، فإن خالف و تمتّع، فعليه دم المخالفة دون التمتّع و القران.

و استدلّ الشيخ بقوله تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ - إلي قوله -

ص: 234


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 41:5-42-122.
3- الامّ 133:2، الحاوي الكبير 39:4، المجموع 190:7، حلية العلماء 3: 260، المدوّنة الكبري 378:1، النتف 212:1.
4- الحاوي الكبير 39:4، حلية العلماء 260:3.
5- حلية العلماء 260:3، المجموع 191:7، الشرح الكبير 252:3.

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) .

قال: معناه أنّ الهدي لا يلزم إلاّ من لم يكن من حاضري المسجد، و يجب أن يكون قوله ذلِكَ راجعا إلي الهدي لا إلي التمتّع، لأنّ من قال: من دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصبا، فهم منه الرجوع إلي الجزاء لا إلي الشرط.

ثم قال: و لو قلنا: إنّه راجع إليهما، و قلنا: إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلا، كان قويّا(2).

مسألة 577: دم التمتّع نسك عند علمائنا

- و به قال أصحاب الرأي(3) - لقوله تعالي وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها (4) أخبر بأنّه جعلها من الشعائر، و أمر بالأكل منها، فلو كان جبرانا، لما أمرنا بالأكل منها.

و قال الشافعي: إنّه جبران، لإخلاله بالإحرام من الميقات، لأنّه مرّ به و هو مريد للحجّ و العمرة و حجّ من سنته(5).

و هو ممنوع، فإنّ ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة و قد أحرم منه.

و المتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعا، أمّا عندنا: فلأنّه نسك، و أمّا عند المخالف: فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت.

فلو أتي الميقات و أحرم منه، لم يسقط عنه الدم عندنا.

ص: 235


1- البقرة: 196.
2- الخلاف 272:2، المسألة 42.
3- الهداية - للمرغيناني - 186:1، التفسير الكبير 168:5، المجموع 176:7.
4- الحجّ: 36.
5- الحاوي الكبير 45:4-46، المجموع 176:7، التفسير الكبير 168:5.

و قالت العامّة بسقوطه(1).

و يبطل بقوله تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و لو أحرم المفرد بالحجّ و دخل مكّة، جاز له أن يفسخه، و يجعله عمرة يتمتّع بها، قاله علماؤنا، خلافا لأكثر العامّة، و ادّعوا أنّه منسوخ(3).

و ليس بجيّد، لثبوت مشروعيّته، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه بذلك(4) ، و لم يثبت النسخ.

و يجب عليه الدم، لثبوت التمتّع المقتضي له.

مسألة 578: إذا أحرم بالعمرة و أتي بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره، لم يكن متمتّعا،

و لا يجب عليه الدم، لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ، فكان كالمفرد، فإنّ المفرد إذا أتي بالعمرة بعد أشهر الحجّ، لم يجب عليه الدم إجماعا.

و لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ و أتي بأفعالها في أشهره من الطواف و غيره و حجّ من سنته، لم يكن متمتّعا، قاله الشيخ(5) ، و لا يلزمه دم - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أحمد(6) - لأنّه أتي بركن من أركان

ص: 236


1- المغني و الشرح الكبير 225:3.
2- البقرة: 196.
3- الشرح الكبير 254:3، المجموع 166:7-167، حلية العلماء 268:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 291:1.
4- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-1024-3074، سنن الدارمي 46:2.
5- الخلاف 270:2، المسألة 38، المبسوط - للطوسي - 307:1.
6- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7، فتح العزيز 138:7 - 140، حلية العلماء 260:3-261، المغني 502:3، الشرح الكبير 246:3.

العمرة في غير أشهر الحجّ، و هو يستلزم إيقاع أركانها فيه.

و قال الشافعي في القول الثاني: يجب به الدم، و يكون متمتّعا، لأنّه أتي بأفعال العمرة في أشهر الحجّ، و استدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ(1).

و قال مالك: إذا لم يتحلّل من إحرام العمرة حتي دخلت أشهر الحجّ، صار متمتّعا(2).

و قال أبو حنيفة: إذا أتي بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ، صار متمتّعا(3).

مسألة 579: إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ و مضي إلي الميقات ثم منه إلي عرفات، لم يسقط عنه الدم،

للآية(4) ، و قد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران.

و قال الشافعي: إن مضي من مكّة إلي عرفات، لزمه الدم قولا واحدا، و إن مضي إلي الميقات ثم منه إلي عرفات، فقولان: أحدهما: لا دم عليه، لأنّه لو أحرم من الميقات، لم يجب الدم، فإذا عاد إليه محرما قبل التلبّس بأفعال الحجّ، صار كأنّه أحرم منه. و الثاني: لا يسقط، كما قلناه - و به قال مالك(5) - لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم، فإذا أحرم منه، وجب الدم، و لم يسقط بعد ذلك، كما لو عاد بعد التلبّس بشيء من المناسك(6).

ص: 237


1- فتح العزيز 138:7-139، حلية العلماء 260:3-261، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7.
2- حلية العلماء 261:3، المنتقي - للباجي - 228:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 158:1، فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3، المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
4- البقرة: 196.
5- حلية العلماء 261:3، الحاوي الكبير 73:4.
6- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 177:7 و 207، الحاوي الكبير 4: 73، حلية العلماء 261:3.

و قال أبو حنيفة: لا يسقط الدم حتي يعود إلي بلده(1) ، لأنّه لم يلمّ(2) بأهله، فلم يسقط دم التمتّع، كما لو رجع إلي ما دون الميقات. و ليس بجيّد، لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه، كسائر البلاد، و دون الميقات ليس ميقات بلده.

مسألة 580: قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة،

فإذا فرغ المتمتّع من أفعال العمرة، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة، فإن خالف و أحرم من غيرها، وجب عليه أن يرجع إلي مكّة، و يحرم منها، سواء أحرم من الحلّ أو من الحرم إذا أمكنه، فإن لم يمكنه، مضي علي إحرامه، و تمّم أفعال الحجّ، و لا يلزمه دم لهذه المخالفة، لأنّ الدم يجب للتمتّع، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل.

و قال الشافعي: إن أحرم من خارج مكّة و عاد إليها، فلا شيء عليه، و إن لم يعد إليها و مضي علي وجهه إلي عرفات، فإن كان أنشأ الإحرام من الحلّ، فعليه دم قولا واحدا، و إن أنشأ من الحرم، ففي وجوب الدم قولان:

أحدهما: لا يجب، لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم و لم يختص ببقعة منه، كان الجميع فيه سواء، كذبح الهدي.

و الثاني: يجب، لأنّ ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه، فإذا ترك ميقاته، وجب عليه الدم و إن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام(3).

مسألة 581: يشترط في التمتّع: النيّة،

علي ما سبق، فلو لم ينوه، لم يكن متمتّعا و لم يجب الدم، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: يكون متمتّعا و يجب الدم، لأنّه إذا أحرم بالعمرة من

ص: 238


1- حلية العلماء 261:3.
2- لمّ به و ألمّ و التمّ: نزل. لسان العرب 550:12 «لمم».
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 265:2، المسألة 31.

الميقات و حجّ من سنته، فقد صار جامعا بينهما فيجب الدم(1).

و الحقّ خلافه.

و القارن و المفرد إذا أكملا حجّهما، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يحرمان بها من أدني الحلّ، فلو أحرما من الحرم، لم يصح، و لو طافا و سعيا، لم يكونا معتمرين، و لا يلزمهما دم.

و للشافعي قولان: أحدهما كما قلناه، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّة، و الثاني: تكون عمرة صحيحة، و يجب الدم(2).

لنا: أنّه يجب أن يقدّم الخروج إلي الحلّ قبل الطواف و السعي ثم يعود و يطوف و يسعي، ليكون جامعا في نسكه بين الحلّ و الحرم، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يحرم من مكّة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا فسخ علي أصحابه الحجّ إلي العمرة، أمرهم أن يحرموا بالحجّ من جوف مكّة(3).

و لأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلي الحلّ للوقوف، فيكون جامعا في إحرامه بين الحلّ و الحرم، بخلاف المتمتّع.

احتجّ: بأنّه ترك قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام، و ذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة.

و الجواب: أنّه لم يأت بالعبادة علي وجهها، فلا تكون مجزئة.

و لو أفرد الحجّ عن نفسه فلمّا فرغ من الحجّ خرج إلي أدني الحرم فاعتمر لنفسه و لم يعد إلي الميقات، لا دم عليه. و كذا من تمتّع ثم اعتمر5.

ص: 239


1- فتح العزيز 161:7، حلية العلماء 262:3، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 178:7-179.
2- حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 266:2، المسألة 32.
3- انظر: صحيح البخاري 205:2-206، و سنن أبي داود 160:2-1805، و سنن البيهقي 17:5.

بعد ذلك من أدني الحرم. و كذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدني الحلّ، كلّ هذا لا دم عليه، لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.

و أمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحلّ، قال الشافعي في القديم: عليه دم(1).

و قال أصحابه: علي هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة، فعليه دم، لتركه الإحرام من الميقات(2).

و عندنا أنّه لا دم عليه، للأصل.

و لو اعتمر في أشهر الحجّ و لم يحج في ذلك العام بل حجّ من العام المقبل مفردا له عن العمرة، لم يجب الدم، لأنّه لا يكون متمتّعا، و هو قول عامّة العلماء، إلاّ قولا شاذّا عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجّ أو لم يحجّ(3).

و أهل العلم كافّة علي خلافه، لقوله تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ (4) و هو يقتضي الموالاة بينهما.

و لأنّ الإجماع واقع علي أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجّ من عامه ذلك، فليس بمتمتّع، فهذا أولي، لكثرة التباعد بينهما.

مسألة 582: قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتي يأتي بالحجّ،

لأنّه صار مرتبطا به، لدخولها فيه، لقوله عليه السّلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(5).

ص: 240


1- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 281:2، المسألة 56.
2- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 281:2، المسألة 56.
3- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
4- البقرة: 196.
5- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 46:2-47.

و قال اللّه تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1).

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه، صحّ له أن يتمتّع، و لا يجب عليه تجديد عمرة، و إن عاد(2) في غير الشهر، اعتمر أخري، و تمتّع بالأخيرة، و وجب عليه الدم بالأخيرة.

و لا يسقط عنه الدم، لقوله تعالي فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (3) و ما تقدّم من الأحاديث الدالّة علي صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه، و وجوب إعادتها إن رجع في غيره، و علي التقديرين يجب الدم.

و قال عطاء و المغيرة و أحمد و إسحاق: إذا خرج إلي سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله، سقط عنه الدم، لقول عمر: إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام، فهو متمتّع، فإن خرج و رجع، فليس بمتمتّع(4).

و هو محمول علي من رجع في غير الشهر الذي خرج فيه، جمعا بين الأدلّة.

و قال الشافعي: إن رجع إلي الميقات، فلا دم عليه(5).

و قال أصحاب الرأي: إن رجع إلي مصره، بطلت متعته، و إلاّ فلا(6).

و قال مالك: إن رجع إلي مصره أو إلي غيره أبعد من مصره، بطلت متعته، و إلاّ فلا(7).3.

ص: 241


1- البقرة: 196.
2- في «ق، ك»: و إن دخل.
3- البقرة: 196.
4- المغني 502:3 و 503، الشرح الكبير 248:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 177:7، فتح العزيز 147:7، المغني 502:3، الشرح الكبير 248:3.
6- المغني 502:3، الشرح الكبير 248:3.
7- المنتقي - للباجي - 232:2، المغني 502:3-503، الشرح الكبير 248:3.

و قال الحسن: هو متمتّع و إن رجع إلي بلده. و اختاره ابن المنذر(1).

مسألة 583: إنّما يجب الدم علي من أحلّ من إحرام العمرة،

فلو لم يحلّ و أدخل إحرام الحجّ عليها، بطلت المتعة، و سقط الدم، و به قال أحمد(2).

قالت عائشة: خرجنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عام حجّة الوداع، فأهللنا بعمرة، فقدمت مكّة و أنا حائض لم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، فشكوت ذلك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (انقضي رأسك و امتشطي و أهلّي بالحجّ و دعي العمرة) قالت: ففعلت فلمّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلي التنعيم فاعتمرت معه، فقال: هذا مكان عمرتك(3).

قال عروة: فقضي اللّه حجّها و عمرتها و لم يكن في شيء من ذلك هدي و لا صوم و لا صدقة(4).

و لأنّ الهدي إنّما يجب علي المتمتّع، و التقدير بطلان متعته.

أمّا المكّي لو تمتّع و جوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي.

و لو دخل الآفاقي متمتّعا إلي مكّة ناويا للإقامة بها بعد تمتّعه، فعليه دم المتعة، أجمع عليه العلماء، للآية(5) ، و بالعزم علي الإقامة لا يثبت له حكمها.

ص: 242


1- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3، المنتقي - للباجي - 232:2.
2- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3.
3- صحيح البخاري 221:5، صحيح مسلم 870:2-1211، سنن أبي داود 2: 153-1781، سنن البيهقي 346:4-347، المغني 503:3، الشرح الكبير 3: 248.
4- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3، و انظر صحيح مسلم 872:2 ذيل الحديثين 115 و 117.
5- البقرة: 196.

و لو كان مولده و منشؤه بمكّة، فخرج منتقلا مقيما بغيرها ثم عاد إليها متمتّعا ناويا للإقامة أو غير ناو لها، فعليه دم المتعة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(1) - لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة و فعلها، و هذا إنّما نوي الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ، لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناو للخروج إلي الحجّ، فكأنّه إنّما نوي أن يقيم بعد أن يجب الدم.

مسألة 584: الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات، وجب عليه الرجوع إليه و الإحرام منه

مع القدرة، فإن عجز، أحرم من دونه لعمرته، فإذا أحلّ، أحرم بالحجّ من عامه و هو متمتّع، و عليه دم المتعة، و لا دم عليه لإحرامه من دون الميقات، لأنّه تركه للضرورة.

قال ابن المنذر و ابن عبد البرّ: أجمع العلماء علي أنّ من أحرم في أشهر الحجّ بعمرة و أحلّ منها و لم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة(2).

و قال بعض العامّة: إذا تجاوز الميقات حتي صار بينه و بين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه، فلا دم عليه للمتعة، لأنّه من حاضري المسجد الحرام(3).

و ليس بجيّد، فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به و نيّة الإقامة، و هذا لم تحصل منه الإقامة و لا نيّتها.

ص: 243


1- المنتقي - للباجي - 231:2، فتح العزيز 128:7 و 130-131، المجموع 7: 175، المغني 504:3-505، الشرح الكبير 250:3.
2- المغني 505:3، الشرح الكبير 250:3.
3- المغني 505:3، الشرح الكبير 250:3-251.

و لقوله تعالي ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و هو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكني به، و هذا ليس بساكن.

مسألة 585: الهدي إنّما يجب علي المتمتّع،

و هو المحرم بالعمرة في أشهر الحجّ، فإن أحرم بها في غيرها، فليس بمتمتّع، و لا دم عليه إجماعا لا نعلم فيه خلافا إلاّ قولين نادرين:

أحدهما: قول طاوس: إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتي يحضر الحجّ، فهو متمتّع(2).

و الثاني: قول الحسن: من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع(3).

قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين(4).

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة، و به قال أحمد و جابر و إسحاق و الشافعي في أحد القولين(5).

و قال في الآخر: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. و به قال الحسن و الحكم و ابن شبرمة و الثوري(6).

و قال طاوس: عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم(7).

و قال عطاء: عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه. و به قال مالك(8).

ص: 244


1- البقرة: 196.
2- المغني 501:3، الشرح الكبير 247:3.
3- المغني 501:3، الشرح الكبير 247:3.
4- المغني 501:3-502، الشرح الكبير 247:3.
5- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
6- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
7- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
8- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3، بداية المجتهد 334:1، المنتقي - للباجي - 228:2.

و قال أبو حنيفة: إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ، فليس بمتمتّع، و إن طاف الأربعة في أشهر الحجّ، فهو متمتّع(1).

و الحقّ ما قلناه، لأنّه أتي بنسك لا تتمّ العمرة إلاّ به في غير أشهر الحجّ، فلا يكون متمتّعا، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتي يحضر الحجّ فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتي يحضر الحجّ فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة»(2).

مسألة 586: المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعا، لم يجب عليه الهدي

و لا علي مولاه إجماعا، لقوله تعالي عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (3).

و في قول شاذّ للشافعي: يجب علي مولاه أن يهدي عنه، لتضمّن إذنه لذلك(4).

و ليس بجيّد، لأنّ فرض غير الواجد الصوم، و لا فاقد كالعبد.

و لأنّ الحسن العطّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلي الحجّ أ عليه أن يذبح عنه ؟ قال: «لا، لأنّ اللّه تعالي يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (5)»(6).

ص: 245


1- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
2- الكافي 487:4 (باب من يجب عليه الهدي..) الحديث 1، التهذيب 5: 288-980، الاستبصار 259:2-913.
3- النحل: 75.
4- المجموع 54:7.
5- النحل: 75.
6- التهذيب 200:5-665، و 482-1713، الاستبصار 262:2-923.

إذا ثبت هذا، فإنّ المولي يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم، عند علمائنا - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لقوله تعالي فَمَا اسْتَيْسَرَ (2) و بتقدير تمليك المولي يصير موسرا.

و لأنّ جميل بن دراج قال - في الصحيح -: سأل رجل الصادق عليه السّلام:

عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع، قال: «فمره فليصم و إن شئت فاذبح عنه»(3).

و في الرواية الأخري عن أحمد: لا يجزئه الذبح عنه، و يلزمه الصوم عينا - [و به](4) قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي - لأنّه غير مالك، و لا سبيل له إلي التملّك، لأنّه لا يملك بالتمليك، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي، فيلزمه الصوم(5).

مسألة 587: الواجب علي المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلي أهله،

كالحرّ - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(6) - لعموم قوله تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ (7) و لأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه، فكان عشرة أيّام، كصوم الحرّ.

و قال أحمد في الرواية الأخري: يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة

ص: 246


1- المغني 570:3-571، الشرح الكبير 529:3.
2- البقرة: 196.
3- التهذيب 200:5-201-667، الإستبصار 262:2-925.
4- أضفناها لأجل السياق.
5- المغني 570:3، الشرح الكبير 528:3-529، مختصر المزني: 70، المجموع 54:7.
6- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
7- البقرة: 196.

يوما، و المعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ و سبعة إذا رجع(1).

و قال بعض العامّة: يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم(2).

و يبطل بالآية(3). و بقول عمر لهبّار بن الأسود: فإن وجدت سعة فاهد، و إن لم تجد سعة فصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعت(4).

و لو لم يذبح مولي المملوك عنه، تعيّن عليه الصوم، و لا يجوز لمولاه منعه عن الصوم، لأنّه صوم واجب، فلا يحلّ له منعه عنه، كرمضان.

و لو أعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين، أجزأ عن حجّة الإسلام، و وجب عليه الهدي إن تمكّن، و إلاّ الصوم.

و لو لم يصم العبد إلي أن تمضي أيّام التشريق، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه، و لا يأمره بالصوم، و لو أمره به، لم يكن به بأس.

مسألة 588: إنّما يجب الهدي علي المتمكّن منه أو من ثمنه

إذا وجده بالشراء، و لا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي علي المتمكّن منه أو من ثمنه إذا وجده بالشراء، و لا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي، بل ينتقل إلي الصوم، لأنّ رجلا سأل الرضا عليه السّلام: عن رجل تمتّع بالعمرة إلي الحجّ و في عيبته ثياب، له أن يبيع من ثيابه شيئا و يشتري بدنة ؟ قال: «لا، هذا يتزيّن به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا»(5).

إذا عرفت هذا، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه، فمتي عدمه في

ص: 247


1- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
2- الشرح الكبير 529:3.
3- البقرة: 196.
4- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
5- الكافي 508:4-5، التهذيب 238:5-802 بتفاوت يسير.

موضعه، جاز له الانتقال إلي الصيام و إن كان قادرا عليه في بلده، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ وجوبه موقّت، و ما كان وجوبه موقّتا اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلي التراب.

و لو تمتّع الصبي، وجب علي وليّه أن يذبح عنه، للعموم، فإن لم يجد، فليصم عنه عشرة أيّام، للآية(1).

و لقول أبي نعيم: تمتّعنا فأحرمنا و معنا صبيان، فأحرموا و لبّوا كما لبّينا و لم يقدروا(2) علي الغنم، قال: «فليصم عن كلّ صبي وليّه»(3).

البحث الثاني: في كيفية الذبح.
مسألة 589: يجب في الذبح و النحر النيّة،

لأنّه عبادة، و كلّ عبادة بنيّة، لقوله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (4).

و لأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة، فلا يتخلّص المذبوح هديا إلاّ بالقصد.

و يجب اشتمالها علي جنس الفعل و جهته من كونه هديا أو كفّارة أو غير ذلك، و صفته من وجوب أو ندب، و التقرّب إلي اللّه تعالي.

و يجوز أن يتولاّها عنه الذابح، لأنّه فعل تدخله النيابة، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

مسألة 590: و تختصّ الإبل بالنحر، فلا يجوز ذبحها، و البقر و الغنم بالذبح، فلا يجوز نحرها،

لقول الصادق عليه السّلام: «كلّ منحور مذبوح حرام،

ص: 248


1- البقرة: 196.
2- في المصدر: و لم نقدر.
3- التهذيب 237:5-238-801 و فيه:.. عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال: تمتّعنا، إلي آخره.
4- البيّنة: 5.

و كلّ مذبوح منحور حرام»(1).

و يستحب أن يتولّي الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نحر هديه بنفسه(2).

و لما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي، قال: شهدت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في حجّة الوداع و أتي بالبدن، فقال: (ادع لي أبا حسن) فدعي له علي عليه السّلام، فقال: (خذ بأسفل الحربة) و أخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بأعلاها، ثم طعنا بها البدن(3). و إنّما فعلا ذلك، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أشرك عليّا عليه السّلام في هديه(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: «و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أربعا و ستّين أو ستّا و ستّين، و جاء علي عليه السّلام بأربع و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين، فنحر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله منها ستّا و ستّين، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين»(5).

و في رواية: «ساق النبي صلّي اللّه عليه و آله مائة بدنة، فجعل لعليّ عليه السّلام منها أربعا و ثلاثين و لنفسه ستّا و ستّين، و نحرها كلّها بيده، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوة طبخها في قدر، و أكلا منها و تحسّيا من المرق، و افتخر علي عليه السّلام علي أصحابه و قال: من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في هديه ؟ من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هديي بيده ؟»(6).5.

ص: 249


1- الفقيه 299:2-1485.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2.
3- سنن أبي داود 149:2-1766.
4- المصادر في الهامش (2).
5- التهذيب 457:5-1588، و في الكافي 247:4-4 بتفاوت يسير.
6- الفقيه 153:2-154-665.

و لو لم يحسن الذباحة، ولاّها غيره، و استحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح، و ينوي الذابح عن صاحبها، لأنّه فعل تدخله النيابة، فيدخل في شرطه. و يستحب له أن يذكره بلسانه، فيقول بلسانه: أذبح عن فلان بن فلان، عند الذبح، و الواجب القصد بالنيّة.

و لو نوي بقلبه عن صاحبها و أخطأ فتلفّظ بغيره، كان الاعتبار بالنيّة، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها، أ تجزئ عن صاحب الضحيّة ؟ فقال: «نعم إنّما له ما نوي»(1).

مسألة 591: يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن

قد ربطت يدها ما بين الخفّ إلي الركبة ثم يطعن في لبّتها، و هي الوهدة التي بين أصل العنق و الصدر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(2) - لقوله تعالي فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها (3).

و قال المفسّرون في قوله تعالي فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ (4): أي قياما(5).

و ما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و أصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسري قائمة علي ما بقي من قوائمها(6).

ص: 250


1- الفقيه 296:2-1469، التهذيب 222:5-748 بتفاوت يسير.
2- أحكام القرآن - لابن العربي - 1289:3، المهذّب - للشيرازي - 259:1، المجموع 85:9، المغني 462:3 و 46:11، الشرح الكبير 551:3 و 11: 54.
3- الحجّ: 36.
4- الحجّ: 36.
5- تفسير الطبري 118:17، مجمع البيان 86:4، تفسير القرطبي 61:12.
6- سنن أبي داود 149:2-1767.

و من طريق الخاصّة: قول أبي الصباح الكناني: سألت الصادق عليه السّلام:

كيف تنحر البدنة ؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين»(1).

و عن أبي خديجة قال: رأيت الصادق عليه السّلام و هو ينحر بدنة معقولة يدها اليسري، ثم يقوم من جانب يدها اليمني و يقول: «بسم اللّه و اللّه أكبر، هذا منك و لك، اللّهم تقبّل منّي» ثم يطعن في لبّتها ثم يخرج السكّين بيده، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده(2).

و هذا القيام مستحب لا واجب إجماعا.

و لو خاف نفورها، أناخها و نحرها باركة.

مسألة 592: يجب توجيه الذبيحة إلي القبلة،

خلافا للعامّة(3) ، و سيأتي في موضعه. و يستحب الدعاء بالمنقول. و يمرّ السكّين، و لا ينخعها حتي تموت.

و تجب التسمية عند علمائنا، لقوله تعالي فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ (4) و قوله تعالي وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (5).

و لو نسي التسمية، حلّ أكله، لرواية ابن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إذا ذبح المسلم و لم يسمّ و نسي فكل من ذبيحته و سمّ اللّه علي ما تأكل»(6).

ص: 251


1- الكافي 497:4-2، الفقيه 299:2-1488، و في التهذيب 221:5-744 بتفاوت يسير.
2- الكافي 498:4-8، التهذيب 221:5-745 بتفاوت يسير.
3- المغني 463:3، المجموع 408:8، الكافي في فقه أهل المدينة: 180.
4- الحجّ: 36.
5- الأنعام: 121.
6- التهذيب 222:5-747.
مسألة 593: يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمني،

عند علمائنا، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (مني كلّها منحر)(1) و التخصيص بالذكر يدلّ علي التخصيص في الحكم.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر، فقال: «إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلاّ بمني، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلاّ يوم الأضحي»(2).

و قال أكثر العامّة: إنّه مستحب، و إنّ الواجب نحره بالحرم - و قال بعض العامّة: لو ذبحه في الحلّ و فرّقه في الحرم، أجزأه(3) - لقوله عليه السّلام:

(كلّ مني منحر، و كلّ فجاج مكّة منحر و طريق)(4)(5).

و نحن نقول بموجبه، لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة، و بعضها ينحر بمني.

و لو ساق هديا في الحجّ، نحره أو ذبحه بمني، و إن كان قد ساقه في العمرة، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، لأنّ

ص: 252


1- سنن أبي داود 193:2-1935 و 1936، سنن البيهقي 239:5، سنن ابن ماجة 2: 1013-3048، مسند أحمد 326:3.
2- الكافي 488:4-3، التهذيب 201:5-202-670، الاستبصار 2: 263-928.
3- فتح العزيز 86:8.
4- سنن أبي داود 193:2-194-1937، سنن ابن ماجة 1013:2-3048، سنن البيهقي 239:5، مسند أحمد 326:3 بتفاوت يسير، و نصّه في المغني و الشرح الكبير. انظر الهامش التالي.
5- المغني 465:3، الشرح الكبير 462:3، فتح العزيز 86:8، المجموع 8: 190.

شعيب العقرقوفي سأل الصادق عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: «بمكّة» قلت: فأيّ شيء أعطي منها؟ قال: «كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدّق بثلث»(1).

و أمّا ما يلزم المحرم من فداء عن صيد أو غيره، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمرا، و بمني إن كان حاجّا، لقوله تعالي ثُمَّ مَحِلُّها إِلَي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (2) و قال تعالي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (3) في جزاء الصيد.

و قال أحمد: يجوز في موضع السبب - و قال الشافعي: لا يجوز إلاّ في الحرم(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة(5) ، و لم يأمره ببعثه إلي الحرم(6).

و روي الأثرم و أبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولي عبد اللّه بن جعفر، قال: كنت مع عليّ و الحسين بن عليّ عليهما السّلام، فاشتكي حسين بن عليّ عليهما السّلام بالسقيا، فأومأ بيده إلي رأسه، فحلقه علي عليه السّلام، و نحر عنه جزورا بالسقيا(7).

و أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها. و نمنع الرواية الثانية.

و ما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به، و به قال الشافعي3.

ص: 253


1- الكافي 488:4-5، التهذيب 202:5-672.
2- الحجّ: 33.
3- المائدة: 95.
4- فتح العزيز 87:8-88، المغني 587:3، الشرح الكبير 357:3.
5- صحيح البخاري 13:3، سنن أبي داود 172:2-1856.
6- المغني 587:3، الشرح الكبير 357:3.
7- المغني 587:3-588، الشرح الكبير 357:3.

و أحمد(1).

و قال مالك و أبو حنيفة: إذا ذبحها في الحرم، جاز تفرقة لحمها في الحلّ(2).

و هو ممنوع، لأنّه أحد مقصودي النسك، فلم يجز في الحلّ، كالذبح. و لأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة علي مساكينه، و هذا لا يحصل بإعطاء غيرهم. و لأنّه نسك يختصّ بالحرم، فكان جميعه مختصّا به، كالطواف و سائر المناسك.

مسألة 594: وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لقوله تعالي:

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4) .

و لأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله، لقوله تعالي ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (5).

و قال مالك: يجب إذا وقف بعرفة - و هو قول أحمد في الرواية الأخري - لأنّ التمتّع بالعمرة إلي الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه، و لا يحصل ذلك إلاّ بالوقوف، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (الحجّ عرفة)(6).

ص: 254


1- فتح العزيز 86:8، المغني 588:3، الشرح الكبير 356:3.
2- المغني 588:3، الشرح الكبير 356:3، المبسوط - للسرخسي - 75:4.
3- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3، فتح العزيز 168:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 183:7.
4- البقرة: 196.
5- البقرة: 187.
6- سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن الدار قطني 2: 240-241-19، سنن البيهقي 173:5، المستدرك - للحاكم - 464:1 و 2: 278.

و لأنّه قبل ذلك معرّض للفوات، فلا يحصل التمتّع(1).

و قال عطاء: يجب إذا رمي جمرة العقبة - و هو مروي عن مالك - لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه(2).

و نمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ.

علي أنّ قوله عليه السّلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(3) ، يعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة.

و التعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب. و كون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك.

إذا عرفت هذا، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في رواية(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نحر يوم النحر و كذا أصحابه(5) ، و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(6).

و لأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الأضحية، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة.

أمّا من ساق هديا في العشر، فإن كان قد أشعره أو قلّده، فلا ينحره5.

ص: 255


1- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3.
2- المغني 506:3، الشرح الكبير 252:3، فتح العزيز 168:7، المجموع 7: 184.
3- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 46:2-47.
4- المبسوط - للسرخسي - 146:4، بداية المجتهد 378:1، المغني 506:3، الشرح الكبير 252:3.
5- صحيح البخاري 209:2، صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 2: 186-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن البيهقي 5: 134، سنن الدارمي 49:2.
6- سنن البيهقي 125:5.

إلاّ بمني يوم النحر، و إن لم يكن قد أشعره و لا قلّده، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر، لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«إذا دخل بهديه في العشر، فإن كان أشعره و قلّده فلا ينحره إلاّ يوم النحر بمني، و إن لم يقلّده و لم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر»(1).

و كذا لو كان تطوّعا، فإنّه ينحره بمكّة، لقول الصادق عليه السّلام: «إن كان واجبا نحره بمني، و إن كان تطوّعا نحره بمكّة، و إن كان قد أشعره و قلّده فلا ينحره إلاّ يوم الأضحي»(2).

و لأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمني، و هو إنّما يكون يوم النحر.

و قال عطاء و أحمد في رواية: يجوز له نحره في شوّال، و إن قدم في العشر، لم ينحره إلاّ بمني يوم النحر(3).

و قال الشافعي: يجوز نحره بعد الإحرام قولا واحدا، و فيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان:

أحدهما: المنع، لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن، و هو تفرقة اللحم، و العبادات البدنية لا تقدّم علي وقت وجوبها.

و أصحّهما عندهم: الجواز، لأنّه حقّ ماليّ تعلّق بشيئين: الفراغ من العمرة و الشروع في الحجّ، فإذا وجد أحدهما، جاز إخراجه، كالزكاة.

و لا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه علي العمرة(4).3.

ص: 256


1- التهذيب 237:5-799 بتفاوت يسير و تقديم و تأخير في بعض الألفاظ.
2- الكافي 488:4-3، التهذيب 201:5-202-670، الاستبصار 2: 263-928 بتفاوت.
3- المغني 507:3، الشرح الكبير 252:3.
4- فتح العزيز 168:7-169، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 183، الحاوي الكبير 51:4-52، المغني 507:3، الشرح الكبير 252:3.
مسألة 595: أيّام النحر بمني أربعة أيّام:
اشارة

يوم النحر و ثلاثة بعده، و في غيرها من الأمصار ثلاثة أيام: يوم النحر و يومان بعده - و به قال علي عليه السّلام، و الحسن و عطاء و الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر(1) - لما رواه العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (أيّام [التشريق](2) كلّها منحر)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الأضحي كم هو بمني ؟ فقال: «أربعة أيّام» و سألته عن الأضحي في غير مني ؟ فقال: «ثلاثة أيّام» فقلت: ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحي بيومين، إله أن يضحّي في اليوم الثالث ؟ قال: «نعم»(4).

و قال سعيد بن جبير و جابر بن زيد: في الأمصار يوم واحد، و بمني ثلاثة(5).

و قال أحمد: يوم النحر و يومان بعده - و به قال مالك و الثوري، و روي عن ابن عباس و ابن عمر - لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي، فلا يصلح للذبح(6).

ص: 257


1- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 390:8، حلية العلماء 370:3، بداية المجتهد 436:1، المنتقي - للباجي - 99:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «العشر» و ما أثبتناه من المصدر، و كما في منتهي المطلب - للمصنّف رحمه اللّه - 739:2.
3- سنن البيهقي 239:5 و 296:9، و في الموضعين منه: «ذبح» بدل «منحر».
4- التهذيب 202:5-203-673، الإستبصار 264:2-930.
5- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، المجموع 390:8، حلية العلماء 3: 370.
6- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، المجموع 8: 390، بداية المجتهد 436:1، المنتقي - للباجي - 99:3.

و الملازمة ممنوعة.

فرعان:

أ: يجب تقديم الذبح علي الحلق بمني،

لقول الصادق عليه السّلام: «يبدأ بمني بالذبح قبل الحلق، و في العقيقة بالحلق قبل الذبح»(1).

و لو أخّره ناسيا، فلا شيء عليه، و لو كان عامدا، أثم و أجزأ، و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز.

ب: قال أكثر فقهاء العامّة: يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة

لأيّام النحر(2).

البحث الثالث: في صفات الهدي.
مسألة 596: يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام:

الإبل أو البقر أو الغنم، إجماعا.

قال تعالي فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (3).

و أفضله البدن ثم البقر ثم الغنم، لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة)(4).

ص: 258


1- الكافي 498:4-7، و فيه: «تبدأ..» التهذيب 222:5-749.
2- المغني 464:3، الشرح الكبير 557:3-558، المجموع 391:8.
3- الحجّ: 28.
4- صحيح البخاري 3:2-4، صحيح مسلم 582:2-850، الموطّأ 101:1-1.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - في المتمتّع:

«و عليه الهدي» فقلت: و ما الهدي ؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة و أخسّه شاة»(1).

و لأنّ الأكثر لحما أكثر نفعا، و لهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه.

مسألة 597: و لا يجزئ في الهدي إلاّ الجذع من الضأن و الثنيّ من غيره.

و الجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر، و ثنيّ المعز و البقر ما له سنة و دخل في الثانية، و ثنيّ الإبل ما له خمس و دخل في السادسة - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(2) - لما رواه العامّة عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

(يجوز الجذع من الضأن أضحية)(3).

و عن أبي بردة بن نيار(4) ، قال: يا رسول اللّه إنّ عندي عناقا جذعا هي خير من شاتي لحم ؟ فقال: (تجزئك و لا تجزئ عن أحد بعدك)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يجزئ من الضأن الجذع، و لا يجزئ من المعز إلاّ الثنيّ»(6).

و سأل حمّاد بن عثمان الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن أدني ما

ص: 259


1- التهذيب 36:5-107، و فيه: «.. و أخفضه شاة».
2- المغني 595:3، الشرح الكبير 542:3، بداية المجتهد 433:1، المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 393:8، حلية العلماء 372:3.
3- سنن ابن ماجة 1049:2-3139، مسند أحمد 368:6.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: أبي بردة بن يسار. و ما أثبتناه هو الصحيح و كما في المصادر.
5- المغني 595:3، سنن أبي داود 96:3-2800، سنن النسائي 223:7 بتفاوت في اللفظ فيهما.
6- التهذيب 206:5-689.

يجزئ من أسنان الغنم في الهدي، فقال: «الجذع من الضأن» قلت:

فالمعز؟ قال: «لا يجوز الجذع من المعز» قلت: و لم ؟ قال: «لأنّ الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح»(1).

مسألة 598: و يجب أن يكون تامّا،

فلا تجزئ العوراء، و لا العرجاء البيّن عرجها، و لا المريضة البيّن مرضها، و لا الكسيرة(2) التي لا تنقي(3) ، و قد وقع الاتّفاق بين العلماء علي اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع.

روي العامّة عن البراء بن عازب، قال: قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال:

(أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكسيرة التي لا تنقي)(4) أي التي لا مخّ لها لهزالها.

و أمّا المريضة فقيل: هي الجرباء، لأنّ الجرب يفسد اللحم(5).

و الوجه: اعتبار كلّ مرض يؤثّر في هزالها و فساد لحمها، و معني البيّن عورها: أي التي انخسفت عينها و ذهبت، فإنّ ذلك ينقصها، لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله(6). و البيّن عرجها: لا تتمكّن من السير مع الغنم و لا تشاركها في العلف و الرعي فتهزل.

ص: 260


1- التهذيب 206:5-690.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: الكبيرة، و كذا في نظيرها الآتي في رواية البراء ابن عازب. و ما أثبتناه من المصدر.
3- أي: التي لا مخّ لها لضعفها و هزالها، كما سيأتي، و النقي: المخّ. النهاية - لابن الأثير - 110:5 «نقا».
4- سنن أبي داود 97:3-2802.
5- القائل هو الخرقي من الحنابلة. انظر الشرح الكبير 548:3.
6- في الطبعة الحجريّة: أكلها.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يضحّي بالعرجاء البيّن عرجها، و لا بالعوراء البيّن عورها، و لا بالعجفاء، و لا بالجرباء(1) ، و لا بالجذّاء، و هي المقطوعة الاذن، و لا بالعضباء، و هي المكسورة القرن»(2).

و لو كانت العوراء غير مخسوفة العين، احتمل المنع، لعموم الخبر، و كما وقع الاتّفاق علي منع ما اتّصف بواحدة من الأربع فكذا ينبغي علي ما فيه نقص أكثر، كالعمياء.

و لا يعتبر مع العمي انخساف العين إجماعا، لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم(3) و المشاركة في العلف أكثر من إخلال العور.

مسألة 599: العضباء - و هي مكسورة القرن - لا تجزئ

إلاّ إذا كان القرن الداخل صحيحا، فإنّه يجوز التضحية به - و به قال علي عليه السّلام، و عمّار و سعيد بن المسيّب و الحسن(4) - لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام و عمّار(5) ، و لم يظهر لهما مخالف من الصحابة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في المقطوعة القرن أو المكسورة القرن: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا»(6).

و لأنّ ذلك لا يؤثّر في اللحم، فأجزأت، كالجمّاء.

و قال باقي العامّة: لا تجزئ - و قال مالك: إن كان يدمي، لم يجز،

ص: 261


1- في المصدر: و لا بالخرماء.
2- التهذيب 213:5-716.
3- في «ق، ك»: النعم.
4- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
5- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
6- التهذيب 213:5-717.

و إلاّ جاز(1) - لما رووه عن علي عليه السّلام، قال: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يضحّي بأعضب الاذن و القرن»(2)(3).

و هو محمول علي ما كسر داخله.

و أمّا العضباء - و هي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها - فلا تجزئ، و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد في إحدي الروايتين(4).

و كذا لا تجزئ عندنا ما قطع ثلث اذنها - و به قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخري(5) - لأنّ ما قطع بعض اذنها يصدق عليها أنّها مقطوعة الأذن، فتدخل تحت النهي.

مسألة 600: لا بأس بمشقوقة الاذن أو مثقوبتها

إذا لم يكن قد قطع من الاذن شيء، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «أمرنا أن نستشرف العين و الاذن [1] و لا نضحّي بمقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء».

قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الاذن، قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخّر الاذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال:

تشقّ الاذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشقّ اذنها للسمة(6).

ص: 262


1- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
2- سنن ابن ماجة 1051:2-3145، سنن الترمذي 90:4-1504، سنن أبي داود 98:3-2805، المستدرك - للحاكم - 224:4، مسند أحمد 83:1.
3- المغني 596:3 و 597، الشرح الكبير 548:3.
4- تحفة الفقهاء 85:3، المغني 596:3، الشرح الكبير 548:3.
5- النتف 240:1، تحفة الفقهاء 85:3، المغني 596:3، الشرح الكبير 3: 548.
6- المغني 597:3-598، الشرح الكبير 549:3، سنن أبي داود 97:3 - 98-2804، و في سنن النسائي 216:7 و 217 بدون الذيل.

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السّلام: «أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرقاء و المقابلة و المدابرة»(1).

يقال: استشرفت الشيء: إذا رفعت بصرك تنظر إليه، و بسطت كفّك فويق حاجبك كأنّك تستظلّ من الشمس.

و سئل أحدهما عليهما السّلام عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: «ما لم يكن مقطوعا فلا بأس»(2).

مسألة 601: لا يجزئ الخصيّ عند علمائنا،

لما رواه العامّة عن أبي بردة أنّه قال: يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز، فقال: (تجزئك و لا تجزئ أحدا بعدك)(3).

قال أبو عبيد: قال إبراهيم الحربي: إنّما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي دون الجذع من المعز، لأنّ جذع الضأن يلقح، بخلاف جذع المعز(4) و هذا المقتضي موجود في الخصي.

و من طريق الخاصّة: رواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن الأضحية بالخصي، قال: «لا»(5).

و لأنّه ناقص، فلا يكون مجزئا.

و قال بعض العامّة: إنّه يجزئه(6).

ص: 263


1- الفقيه 293:2-1449، و التهذيب 212:5-715.
2- التهذيب 213:5-718.
3- سنن أبي داود 96:3-97-2800 و 2801، المغني 595:3 نقلا بالمعني.
4- المغني 595:3، الشرح الكبير 543:3.
5- التهذيب 210:5-211-707.
6- المغني 597:3، الشرح الكبير 550:3، المبسوط - للسرخسي - 11:12، المجموع 401:8.

قال الشيخ: لو ضحّي بالخصيّ، وجب عليه الإعادة إذا قدر عليه(1) ، لأنّه غير المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد؟ قال: «لا يجزئه إلاّ أن يكون لا قوّة به عليه»(2).

و يكره الموجوء - و هو مرضوض الخصيتين - لما روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ضحّي بكبشين أملحين موجوءين، رواه العامّة(3).

و أمّا مسلول البيضتين: فالأقوي أنّه كالخصيّ.

و أمّا الجمّاء - و هي التي لم يخلق لها قرن - تجزئ.

قال بعض العامّة: لا تجزئ، لأنّ عدم القرن أكثر من ذهاب بعضه(4).

و نمنع الحكم في الأصل.

و الأقرب: إجزاء البتراء، و هي مقطوعة الذنب، و كذا الصمعاء، و هي التي لم يخلق لها اذن، أو كان لها اذن صغيرة، لأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها.

مسألة 602: المهزولة - و هي التي ليس علي كليتها شيء من الشحم - لا تجزئ،

لأنّه قد منع من العرجاء لأجل الهزال فالمهزولة أولي بالمنع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ

ص: 264


1- التهذيب 211:5، النهاية: 258، المبسوط - للطوسي - 373:1.
2- التهذيب 211:5-708.
3- المغني 597:3، سنن أبي داود 95:3-2795، سنن ابن ماجة 1043:2 - 1044-3122.
4- المغني 597:3، الشرح الكبير 550:3.

عنه»(1).

و روي الفضيل، قال: حججت بأهلي سنة، فعزّت الأضاحي، فانطلقت فاشتريت شاتين بالغلاء، فلمّا ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته ذلك، فقال: «إن كان علي كليتيها شيء من الشحم أجزأت»(2).

و يستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد و تمشي في سواد و تبرك في سواد - قيل: أن تكون هذه المواضع منها سودا، و قيل: يكون سمينا له ظلّ يمشي فيه و يأكل فيه و ينظر فيه - لأنّ محمد بن مسلم روي - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد»(3).

إذا عرفت هذا، فلو اشتري هديا علي أنّه سمين فوجده مهزولا، أجزأ عنه، و كذا لو اشتراه علي أنّه مهزول فخرج سمينا، أجزأه أيضا، للامتثال.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن اشتري الرجل هديا و هو يري أنّه سمين، أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و إن اشتري و هو يري أنّه مهزول فوجده سمينا، أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول، لم يجزئ عنه»(4).

و لو اشتري هديا ثم أراد(5) أن يشتري أسمن منه، فليشتره و ليبع الأوّل إن أراد، لأنّه لم يتعيّن للذبح.د.

ص: 265


1- التهذيب 211:5-212-712.
2- التهذيب 212:5-714 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 205:5-686.
4- التهذيب 211:5-212-712.
5- في الطبعة الحجرية: ثم عنّ له، بدل ثم أراد.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - في رجل اشتري شاة ثم أراد أن يشتري أسمن منها، قال: «يشتريها، فإذا اشتري باع الاولي» و لا أدري شاة قال أو بقرة(1).

و لو اشتري هديا ثم وجد به عيبا، لم يجزئ عنه(2) ، قاله الشيخ في التهذيب(3) ، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلاّ بعد شرائها هل يجزئ عنه ؟ قال: «نعم إلاّ أن يكون هديا واجبا فإنّه لا يجوز ناقصا»(4).

إذا عرفت هذا، فلو اشتراه علي أنّه تامّ فوجده ناقصا، لم يجزئ عنه.

مسألة 603: الإناث من الإبل و البقر أفضل من الذكران، و الذكران من الضأن و المعز أولي،
اشارة

و لا خلاف في جواز العكس في البابين، إلاّ ما روي عن ابن عمر أنّه قال: ما رأيت أحدا فاعلا ذلك، و إن أنحر أنثي أحبّ إليّ(5).

و لا تصريح فيه بالمنع، و الآية عامّة في قوله تعالي وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (6).

و روي العامّة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أهدي جملا لأبي جهل في أنفه برة(7) من فضّة(8).

ص: 266


1- التهذيب 212:5-713.
2- في «ق، ك»: لم يجزئه.
3- التهذيب 213:5 ذيل الحديث 718.
4- التهذيب 213:5-214-719.
5- المغني 593:3، الشرح الكبير 541:3.
6- الحجّ: 36.
7- البرة: حلقة تجعل في لحم الأنف. النهاية - لابن الأثير - 122:1 «بره».
8- سنن أبي داود 145:2-1749، سنن البيهقي 230:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر»(1).

و قد تجزئ الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة.

و يكره التضحية بالجاموس و بالثور، لقول لأبي بصير: سألته عن الأضاحي، فقال: «أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل و البقر ذوو الأرحام، و لا يضحّي بثور و لا جمل»(2).

و يستحب أن يكون الهدي ممّا عرّف به - و هو الذي أحضر عرفة عشيّة عرفة - إجماعا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا يضحّي إلاّ بما قد عرّف به»(3).

و منع ابن عمر و سعيد بن جبير من التضحية بما لم يعرّف به(4).

و الأصل عدم الوجوب، و سأل سعيد بن يسار الصادق عليه السّلام: عمّن اشتري شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس عرّف بها أو لم يعرّف»(5).

و لو أخبر البائع بالتعريف، قبل منه، لأنّ سعيد بن يسار سأل الصادق عليه السّلام: إنّا نشتري الغنم بمني و لسنا ندري هل عرّف بها أم لا؟ فقال: «إنّهم لا يكذبون، لا عليك ضحّ بها»(6).

تذنيب: قال مالك في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلي الحلّ، و ليسقه إلي مكّة

تذنيب: قال مالك في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلي الحلّ، و ليسقه إلي مكّة(7).

فاشترط فيه الجمع بين

ص: 267


1- التهذيب 204:5-680.
2- التهذيب 204:5-682.
3- التهذيب 206:5-207-691، الاستبصار 265:2-936.
4- انظر: الشرح الكبير 579:3.
5- التهذيب 207:5-693، الاستبصار 265:2-936.
6- التهذيب 207:5-694، الاستبصار 265:2-939.
7- الشرح الكبير 579:3.

الحلّ و الحرم، و لم يوافقه أحد.

لنا: الأصل براءة الذمّة، و لأنّ القصد اللحم و نفع المساكين به، و هو لا يقف علي ما ذكره، و لا دليل علي قوله.

البحث الرابع: في البدل.
مسألة 604: إذا لم يجد الهدي و لا ثمنه، انتقل إلي البدل عنه،

و هو صوم عشرة أيّام: ثلاثة أيّام في الحجّ متتابعات، و سبعة إذا رجع إلي أهله، بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (1).

و تعتبر القدرة علي الهدي في مكانه، فمتي عدمه في موضعه، انتقل إلي الصوم و إن كان قادرا عليه في بلده، لأنّ وجوبه موقّت، و ما كان ذلك اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عدمه في موضعه، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 605: و لو لم يجد الهدي و وجد ثمنه، فأكثر علمائنا

مسألة 605: و لو لم يجد الهدي و وجد ثمنه، فأكثر علمائنا(2) علي أنّه يضع الثمن عند من يثق به

من أهل مكّة ليشتري له به هديا و يذبحه عنه في بقية ذي الحجّة، فإن خرج ذو الحجّة و لم يجد، اشتري له في ذي الحجّة في العام المقبل، لأنّ وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين، كواجد ثمن الماء، مع أنّ النصّ ورد: فإن لم تجدوا ماء(3)

ص: 268


1- البقرة: 196.
2- منهم ابنا بابويه كما في الفقيه 304:2، و الشيخ المفيد في المقنعة: 61، و السيّد المرتضي في الانتصار: 93، و الشيخ الطوسي في النهاية: 254، و المبسوط 370:1.
3- الآية في سورتي النساء: 43 و المائدة: 6 فَلَمْ تَجِدُوا ماءً.

و كذا وجدان ثمن الرقبة في العتق، لأنّ التمكّن يحصل باعتبار الثمن هناك، و يصدق عليه أنّه واجد للثمن، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السّلام في متمتّع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال:

«يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزئ عنه، فإن مضي ذو الحجّة أخّر ذلك إلي قابل [من] ذي الحجّة»(1).

مسألة 606: لو فقد الهدي و الثمن، انتقل إلي الصوم،

و يستحب أن تكون الثلاثة في الحجّ يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، عند علمائنا - و به قال عطاء و طاوس و الشعبي و مجاهد و الحسن و النخعي و سعيد بن جبير و علقمة و عمرو بن دينار و أصحاب الرأي(2) - لأنّ هذه الأيّام أشرف من غيرها، و يوم عرفة أفضل من غيره من أيّام ذي الحجّة، فكان صومه أولي.

و لقول الصادق عليه السّلام في متمتّع لا يجد الهدي: «فليصم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة»(3) و لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: «صوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة»(4).

و قال الشافعي: آخرها يوم التروية - و هو محكي عن ابن عمر

ص: 269


1- الكافي 508:4-6، التهذيب 37:5-109، الاستبصار 260:2-916، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المغني 507:3، الشرح الكبير 341:3-342، تفسير القرطبي 399:2.
3- التهذيب 38:5-39-114.
4- التهذيب 234:5-791، الاستبصار 283:2-1003، و فيهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام.

و عائشة، و مرويّ عن أحمد - لأنّ صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب(1).

و جوابه: أنّ ذلك لموضع الحاجة.

مسألة 607: لو فاته هذه الثلاثة، صامها بعد أيّام مني،

و لا يسقط عنه الصوم لفواته في العشر - و به قال علي عليه السّلام، و ابن عمر و عائشة و عروة بن الزبير و الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه صوم واجب، فلا يسقط بفوات وقته، كرمضان.

و لرواية رفاعة، قال: سألت الصادق عليه السّلام: فإنّه قدم يوم التروية، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق» قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

«يصوم يوم الحصبة و بعده يومين» قال: قلت: و ما الحصبة ؟ قال: «يوم نفره» قلت: يصوم و هو مسافر!؟ قال: «نعم أ فليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل البيت نقول ذلك، لقول اللّه عزّ و جلّ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (3) يقول: في ذي الحجّة»(4).

و قال ابن عباس و سعيد بن جبير و طاوس و مجاهد: إذا فاته الصوم في العشر، لم يصمه بعده، و استقرّ الهدي في ذمّته، لقوله تعالي فِي الْحَجِّ (5).

و لأنّه بدل موقّت، فيسقط بخروج وقته، كالجمعة(6).

ص: 270


1- الحاوي الكبير 53:4، المجموع 186:7، المغني 507:3-508، الشرح الكبير 342:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 293:1، تفسير القرطبي 399:2.
2- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، المجموع 186:7 و 193، تفسير القرطبي 400:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1.
3- البقرة: 196.
4- الكافي 506:4-507-1، التهذيب 38:5-39-114.
5- البقرة: 196.
6- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 295، تفسير القرطبي 401:2.

و الآية تدلّ علي وجوبه في الحجّ، أي في أشهر الحجّ، و ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ.

و قياسهم باطل، لأنّ الجمعة ليست بدلا، و سقطت، لأنّ الوقت جعل شرطا لها كالجماعة.

مسألة 608: و يجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحجّ،

و قد وردت رخصة في جواز صومها من أوّل العشر إذا تلبّس بالمتعة - و به قال الثوري و الأوزاعي(1) - لأنّ إحرام العمرة أحد إحرامي التمتّع، فجاز الصوم بعده و بعد الإحلال منه، كإحرام الحجّ.

و قد روي زرارة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك»(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز صومها إذا أحرم بالعمرة. و هو رواية عن أحمد(3).

و عنه رواية أخري: إذا أحلّ من العمرة(4).

و قال مالك و الشافعي: لا يجوز إلاّ بعد الإحرام بالحجّ - و به قال إسحاق و ابن المنذر، و هو مروي عن ابن عمر - لقوله تعالي ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (5).

و لأنّه صوم واجب، فلا يجوز تقديمه علي وقت وجوبه،

ص: 271


1- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، تفسير القرطبي 399:2.
2- التهذيب 235:5-793، الإستبصار 283:2-1005.
3- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، المجموع 193:7، أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، التفسير الكبير 169:5، تفسير القرطبي 399:2.
4- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3.
5- البقرة: 196.

كرمضان(1).

و الآية لا بدّ فيها من تقدير، فإنّ الحجّ أفعال لا يصام فيها، إنّما يصام في وقتها أو في أشهرها، لقوله تعالي اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (2).

و التقديم جائز إذا وجد السبب، كتقديم التكفير علي الحنث عنده.

إذا عرفت هذا، فلا يجوز تقديم صومها علي إحرام العمرة إجماعا، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يجوز تقديم صومها علي إحرام العمرة(3).

و هو خطأ، لأنّه تقديم للواجب علي وقته و سببه، و مع ذلك فهو خلاف الإجماع.

مسألة 609: و لا يجوز أن يصوم أيّام التشريق بمني في بدل الهدي و غيره، عند علمائنا

- و به قال علي عليه السّلام، و الحسن و عطاء و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين، و الشافعي في الجديد(4) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن صيام ستّة أيّام: يوم الفطر و الأضحي و أيّام التشريق و اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه بعث بديل ابن ورقاء الخزاعي علي جمل أورق، و أمره أن يتخلّل الفساطيط و ينادي

ص: 272


1- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، المجموع 193:7، تفسير القرطبي 399:2، التفسير الكبير 169:5.
2- البقرة: 197.
3- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3.
4- المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3، الوجيز 103:1، فتح العزيز 6: 410-411، المهذّب - للشيرازي - 196:1، المجموع 443:6 و 445، الحاوي الكبير 54:4، تفسير القرطبي 400:2.
5- سنن الدار قطني 157:2-6.

في الناس أيّام مني: «ألا لا تصوموا، إنّها أيّام أكل و شرب و بعال»(1).

و سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام عن الصيام أيّام التشريق، فقال:

«أمّا بالأمصار فلا بأس به، و أمّا بمني فلا»(2).

و قال الشافعي في القديم: يجوز صيامها. و هو رواية عن أحمد، و به قال ابن عمر و عائشة و مالك و إسحاق(3) ، لما رواه ابن عمر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيّام التشريق(4).

و هو ضعيف السند.

مسألة 610: لو لم يصمها بعد أيّام التشريق، جاز صيامها طول ذي الحجّة أداء لا قضاء

- و به قال الشافعي و مالك(5) - لأنّه صوم واجب، فلا يسقط بفوات وقته كرمضان.

و لرواية زرارة - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك»(6).

و قال أبو حنيفة: إذا فاته الصوم بخروج يوم عرفة، سقط الصوم و استقرّ الهدي في ذمّته، لقوله تعالي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (7)(8).

ص: 273


1- الفقيه 302:2-303-1504.
2- التهذيب 297:4-897، الإستبصار 132:2-429.
3- الحاوي الكبير 53:4، فتح العزيز 410:6، المهذّب - للشيرازي - 196:1، المجموع 443:6 و 445، المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3.
4- سنن الدار قطني 186:2-29.
5- فتح العزيز 173:7-174، المجموع 193:7، تفسير القرطبي 400:2.
6- الفقيه 303:2-1508.
7- البقرة: 196.
8- أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، فتح العزيز 174:7.

و ليس حجّة، لدلالتها علي الوجوب في أشهر الحجّ، لا علي السقوط بعد انقضاء عرفة.

و لا يجوز صوم هذه الأيّام الثلاثة إلاّ في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة.

و لو خرج ذو الحجّة و أهلّ المحرّم، سقط فرض الصوم، و استقرّ الهدي في ذمّته - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه صوم فات وقته، فيسقط إلي مبدله، كالجمعة.

و لما رواه منصور - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّي يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة، و ليس له صوم، و يذبح بمني»(2).

و قال الشافعي: لا يسقط الصوم، و لا تجب الشاة، لأنّه صوم يجب بفواته القضاء، فلم تجب به كفّارة، كصوم رمضان(3).

و نمنع وجوب القضاء.

و قال أحمد: يجوز الصوم، و لا يسقط بفوات وقته، لكن يجب عليه دم شاة(4).

مسألة 611: يجب صوم الثلاثة متتابعا إلاّ في صورة واحدة،

و هي أنّه إذا فاته قبل يوم التروية، فإنّه يصوم يوم التروية و عرفة و يفطر يوم العيد ثم

ص: 274


1- انظر أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، و فتح العزيز 174:7.
2- التهذيب 39:5-116، الاستبصار 278:2-989.
3- فتح العزيز 173:7-174، المجموع 193:7، المغني 510:3، الشرح الكبير 344:3.
4- المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3-344، فتح العزيز 174:7، المجموع 193:7.

يصوم يوما آخر بعد انقضاء أيّام التشريق.

و لو صام غير هذه الأيّام، وجب فيها تتابع الثلاثة، و لا يجوز تخلّل الإفطار بين اليومين و الثالث إلاّ في الصورة التي ذكرناها.

و لم يوجب العامّة(1) التتابع.

و الاحتياط ينافيه، لأنّ الأمر ينبغي المسارعة إليه بقدر الإمكان، و هو إنّما يتحقّق بالتتابع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة»(2).

و قال عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة: «يجزئه أن يصوم يوما آخر»(3).

و أمّا السبعة: فلا خلاف في جواز تفريقها، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن صوم السبعة أفرّقها؟ قال: «نعم»(4).

مسألة 612: أوجب علماؤنا التفريق بين الثلاثة و السبعة،

لأنّهم أوجبوا صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة في بلده - و به قال الشافعي في حرملة، و نقله المزني عنه(5) - لقوله تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ (6).

ص: 275


1- المغني 509:3، الشرح الكبير 344:3، فتح العزيز 190:7، المجموع 7: 198، بدائع الصنائع 76:2.
2- التهذيب 232:5-784، الاستبصار 280:2-994.
3- التهذيب 231:5-780، الاستبصار 279:2-991.
4- التهذيب 233:5-787، الاستبصار 281:2-998.
5- فتح العزيز 174:7-175، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 187، حلية العلماء 265:3، تحفة الفقهاء 412:1، مختصر المزني: 64.
6- البقرة: 196.

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في حديث طويل: (فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلي أهله)(1).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: «و لا يجمع الثلاثة و السبعة جميعا»(2).

و القول الثاني للشافعي: يصوم إذا فرغ من أيّام الحجّ. و به قال أبو حنيفة و أحمد - و حكي عن الشافعي أنّه يصوم إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق، و به قال مالك - لأنّ كلّ من لزمه صوم و جاز له أن يؤدّيه إذا رجع إلي وطنه جاز قبل ذلك، كقضاء رمضان(3).

و القياس لا يعارض الكتاب و الحديث.

مسألة 613: هذه السبعة تصام إذا رجع إلي أهله،

و إن أقام بمكّة، انتظر وصول الناس إلي بلده، أو مضيّ شهر ثم يصومها، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من كان متمتّعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلي أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بمكّة و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلي أهله أو شهرا ثم صام»(4).

و قال مالك و أبو حنيفة: يصوم بعد مضيّ أيّام التشريق(5).

ص: 276


1- صحيح البخاري 205:2-206، صحيح مسلم 901:2-1227، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5 و 23.
2- التهذيب 315:4-957، الاستبصار 281:2-999.
3- فتح العزيز 176:7-177، المجموع 187:7، حلية العلماء 265:3، المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3-343.
4- التهذيب 234:5-790، الإستبصار 282:2-283-1002.
5- المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 1: 131، أحكام القرآن - للجصّاص - 298:1-299، تفسير القرطبي 401:2.

و قال عطاء و مجاهد: يصومها في الطريق. و هو قول إسحاق(1).

و قال ابن المنذر: يصومها إذا رجع إلي أهله(2). و للشافعي ثلاثة أقوال تقدّمت في المسألة السابقة.

إذا عرفت هذا، فإنّ التفريق بين صوم الثلاثة و السبعة واجب، لما تقدّم.

و لو لم يصم الثلاثة و أقام بمكة حتي مضي شهر، أو وصل أصحابه إلي بلده، لم يجب عليه التفريق، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني:

يجب عليه التفريق.

و في كيفيّته أربعة أقوال: أحدها: يفصل بقدر المسافة و أربعة أيّام، و ثانيها: بأربعة أيّام، و ثالثها: قدر المسافة، و رابعها: يفصل بيوم(3).

مسألة 614: لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة، سقط الصوم،

و لا يجب علي وليّه القضاء عنه، و لا الصدقة عنه - و هو قول أكثر العامّة و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه غير واجد للهدي، فلا يجب عليه، و لا قادر علي الصوم، فلا يجب أيضا عليه. نعم يستحب للوليّ القضاء عنه.

و لو تمكّن من صيام العشرة و أهمل، قال الشيخ رحمه اللّه: يقضي الوليّ عنه ثلاثة أيّام وجوبا، و لا يجب قضاء السبعة(5).

ص: 277


1- المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3-343.
2- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 298، تفسير القرطبي 401:2.
3- فتح العزيز 183:7-185، المجموع 188:7-189.
4- فتح العزيز 193:7، المجموع 192:7، المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3.
5- المبسوط - للطوسي - 370:1.

و قال ابن إدريس: يجب قضاء السبعة أيضا(1). و هو المعتمد - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّه صوم واجب لم يفعله، فوجب علي وليّه القضاء عنه، كرمضان.

و لرواية معاوية بن عمّار، قال: «من مات و لم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه»(3).

و لو لم يتمكّن من صيام السبعة، لم يجب علي الوليّ قضاؤها.

و في القول الثاني للشافعي: يتصدّق الوليّ عنه(4) ، و هو قول العامّة.

إذا عرفت هذا، فلو تمكّن الحاجّ من صوم السبعة بعد رجوعه إلي أهله، وجب عليه صيامها، و لا تجزئ الصدقة عنها، لأنّ الصدقة بدل، فلا تجزئ مع التمكّن من فعل المبدل عنه، كالتيمّم.

مسألة 615: لو تلبّس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي، لم يجب عليه الهدي،

بل استحبّ له - و به قال الحسن و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لقوله تعالي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ (6) مقتضاه وجوب الصوم علي غير الواجد، و هذا غير واجد، و الانتقال إلي الهدي يحتاج إلي دليل.

ص: 278


1- السرائر: 139.
2- فتح العزيز 193:7-194، المجموع 192:7.
3- الكافي 509:4-12، التهذيب 40:5-117، الاستبصار 261:2-921.
4- فتح العزيز 193:7-194، المجموع 192:7.
5- المغني 511:3، الشرح الكبير 345:3، بداية المجتهد 369:1، تفسير القرطبي 401:2، الحاوي الكبير 55:4، حلية العلماء 265:3، الوجيز 1: 116، فتح العزيز 191:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 190، أحكام القرآن - للجصّاص - 297:1، المحلّي 145:7.
6- البقرة: 196.

و ظاهر كلام الشيخ: اشتراط صيام ثلاثة أيّام(1) ، و به قال حمّاد و الثوري(2).

و قال أبو حنيفة: يجب عليه الانتقال إلي الهدي، و كذا إذا وجد الهدي بعد أن صام ثلاثة أيّام قبل يوم النحر [و](3) إن وجده بعد أن مضت أيّام النحر، أجزأه الصوم و إن لم يتحلّل، لأنّه قد مضي زمان التحلّل، لأنّه وجد المبدل قبل فراغه من البدل، فأشبه المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء تيمّمه، و إذا وجد الهدي قبل يوم النحر فقد وجد المبدل قبل حصول المقصود بالبدل، و هو التحلّل(4).

و الفرق: أنّ المقصود من التيمّم الصلاة، و ليس مقصودا في نفسه، و الصوم عبادة مقصودة يجب ابتداء بالشرع لا كغيرها.

مسألة 616: لو أحرم بالحجّ و لم يصم ثم وجد الهدي، تعيّن عليه الذبح،

و لا يجزئه الصوم - و به قال أحمد في إحدي الروايتين، و الشافعي في بعض أقواله(5) - لأنّه قدر علي المبدل قبل شروعه في البدل، فلزمه الانتقال إليه، كالمتيمّم إذا وجد الماء، و لحصول يقين البراءة مع الذبح، بخلاف الصوم.

و قال الشافعي في بعض أقواله: فرضه الصوم، و إن أهدي كان

ص: 279


1- النهاية: 256، المبسوط - للطوسي - 371:1.
2- المغني 511:3، الشرح الكبير 345:3، تفسير القرطبي 401:2.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- أحكام القرآن - للجصّاص - 297:1، حلية العلماء 265:3، المحلّي 145:7، فتح العزيز 191:7، تفسير القرطبي 401:2، بداية المجتهد 369:1.
5- المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3، فتح العزيز 191:7-192، المجموع 190:7، المحلّي 145:7.

أفضل(1).

و له قول ثالث: إنّ عليه الهدي لا غير، و لا يجزئه الصيام، و هو الرواية الثانية لأحمد(2).

و الشافعي بني أقواله علي أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء؟ فإن قلنا بحال الوجوب، أجزأه الصيام، و إن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين، لزمه الهدي(3).

مسألة 617: لو تعيّن عليه الصوم و خاف الضعف عن المناسك يوم عرفة، أخّر الصوم إلي بعد انقضاء أيّام التشريق،

و لو خرج عقيب أيّام التشريق و لم يصم الثلاثة، صامها في الطريق أو إذا رجع إلي أهله، للرواية(4) الصحيحة عن الصادق عليه السّلام. و الأفضل المبادرة إلي صومها في الطريق، إذ ليس السفر مانعا.

هذا إذا لم يهلّ المحرّم، فإذا أهلّ قبل صومها، تعيّن عليه الهدي.

قال الشيخ: و لو لم يصم الثلاثة لا بمكّة و لا في الطريق و رجع إلي بلده و كان متمكّنا من الهدي، بعث به، فإنّه أفضل من الصوم.

قال: و الصوم بعد أيّام التشريق يكون أداء لا قضاء، فلو أحرم بالحجّ و لم يكن صام ثم وجد الهدي، لم يجز له الصوم، و تعيّن عليه الهدي، فلو مات، اشتري الهدي من صلب ماله، لأنّه دين(5).

ص: 280


1- المهذّب - للشيرازي - 209:1، فتح العزيز 191:7-192.
2- المهذّب - للشيرازي - 209:1، المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 190:7، فتح العزيز 191:7 - 192.
4- الكافي 507:4-508-3، التهذيب 39:5-115.
5- المبسوط - للطوسي - 371:1.

و لو مات من وجب عليه الهدي، أخرج من صلب التركة، لأنّه دين.

مسألة 618: من وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر و لم يجد، كان عليه سبع شياه علي الترتيب عندنا

- و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: إنّ عليّ بدنة و أنا موسر لها و لا أجدها فأشتريها؟ فأمره النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ(2)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: «إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في منزله»(4) و الترتيب علي عدم الوجدان يدلّ علي الترتيب.

و قال أحمد في الرواية الأخري: إنّها علي التخيير، لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة و هي أطيب لحما، فكانت أولي(5).

و نمنع المعادلة.

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من سبع شياه، صام ثمانية عشر يوما، للرواية(6) عن الصادق عليه السّلام. و لو وجب عليه سبع شياه، لم تجزئه بدنة.

و فرّق أحمد بين وجوب السبع من(7) جزاء الصيد و بين وجوبها في كفّارة محظور، فذهب إلي الجواز في الثاني، لأنّ الواجب ما استيسر من

ص: 281


1- المغني 593:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: فذبحهنّ. و ما أثبتناه من المصدر.
3- سنن ابن ماجة 1048:2-3136، مسند أحمد 311:1.
4- التهذيب 237:5-800 و 481-1711.
5- المغني 593:3-594.
6- المصدر في الهامش (4).
7- كذا، و الظاهر: في، بدل من.

الهدي، و هو شاة أو سبع بدنة، و قد كان أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة(1). و ذهب إلي المنع في الأوّل، لأنّ سبعا من الغنم أطيب لحما من البدنة، فلا يعدل إلي الأدني(2).

و لو وجب عليه بقرة، فالأقرب إجزاء بدنة، لأنّها أكثر لحما و أوفر.

و لو لزمه بدنة في غير النذر و جزاء الصيد، قال أحمد: تجزئه بقرة، لأنّ جابرا قال: كنّا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: و البقرة ؟ فقال: و هل هي إلاّ من البدن ؟(3)(4).

و الحقّ خلافه.

أمّا النذر: فإن عيّن شيئا، انصرف إليه، و إن أطلق في النيّة و اللفظ، أجزأه أيّهما كان، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و في الثانية: تتعيّن البدنة، و هو قول الشافعي(5).

البحث الخامس: في الأحكام.
مسألة 619: قال الشيخ:

مسألة 619: قال الشيخ:(6) الهدي إن كان واجبا، لم يجزئ الواحد إلاّ عن واحد

حالة الاختيار(7). و كذا مع الضرورة علي الأقوي، و به قال مالك(8).

ص: 282


1- صحيح مسلم 955:2-351 و 956-355.
2- المغني 594:3.
3- صحيح مسلم 955:2-353 نحوه.
4- المغني 594:3.
5- المغني 594:3.
6- زيادة يقتضيها السياق و كما في منتهي المطلب - للمصنّف - 748:2.
7- الخلاف، كتاب الضحايا، المسألة 27.
8- المدوّنة الكبري 469:1، المجموع 398:8، المغني 594:3، الحاوي الكبير 374:4.

و يتعيّن الصوم علي الفاقد منهم، للاحتياط، و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «تجزئ البقرة و البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزئ بمني إلاّ عن واحد»(1).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر: إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة و عن سبعين(2) ، لما رواه العامّة عن جابر، قال: كنّا نتمتّع مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمران - في الحسن - قال: عزّت البدن سنة بمني حتي بلغت البدنة مائة دينار، فسئل الباقر عليه السّلام عن ذلك، فقال:

«اشتركوا فيها» قال: قلت: كم ؟ قال: «ما خفّ فهو أفضل» فقال: قلت:

عن كم تجزئ ؟ فقال: «عن سبعين»(4).

و يحتمل أن يقال: إن ملك واحد الثمن، وجب عليه أن يهدي عن نفسه و يأمر العاجز عن الثمن و بعضه بالصوم. و لو تمكّن كلّ واحد منهم علي بعض الثمن بحيث يحصل الهدي، جاز الاشتراك، لأنّه أنفع للفقراء من الصوم.

و قال سوادة القطان للصادق عليه السّلام: إنّ الأضاحي قد عزّت علينا، قال:

«فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم» قلنا: فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: «فاجتمعوا فاشتروا بقرة فيما بينكم» قلنا: فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال:

«فاجتمعوا فاشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم» قلنا: تجزئ عن سبعة ؟ قال:8.

ص: 283


1- التهذيب 207:5-208-695، الإستبصار 266:2-940.
2- النهاية: 258، المبسوط - للطوسي - 372:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 235.
3- صحيح مسلم 956:2-355، سنن البيهقي 234:5.
4- الكافي 496:4-497-4، التهذيب 209:5-703، الاستبصار 267:2-948.

«نعم و عن سبعين»(1).

و قال الشافعي: يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة، سواء كان واجبا أو تطوّعا، و سواء أراد جميعهم القربة، أو بعضهم و أراد الباقون اللحم(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز اشتراك السبعة في البدنة و البقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم، تطوّعا كان أو فرضا، و لا يجوز إذا لم يرد بعضهم القربة(3).

و الشيخ - رحمه اللّه - اشترط في الخلاف اجتماعهم علي قصد التقرّب، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق، و سواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا(4).

إذا عرفت هذا، فقد شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد، لقول الصادق عليه السّلام: «تجزئ البقرة عن خمسة بمني إذا كانوا أهل خوان واحد»(5).

و أمّا التطوّع: فيجزئ الواحد عن سبعة و عن سبعين حال الاختيار، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعا.

مسألة 620: الهدي إمّا تطوّع،

كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هديا

ص: 284


1- التهذيب 209:5-702، الإستبصار 267:2-947.
2- الأمّ 222:2، مختصر المزني: 74، الحاوي الكبير 374:4-375، فتح العزيز 65:8-66، المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 398:8، حلية العلماء 379:3.
3- المبسوط - للسرخسي - 131:4-132 و 144، المغني 594:3-595، الشرح الكبير 545:3، الحاوي الكبير 374:4، فتح العزيز 66:8، المجموع 398:8، حلية العلماء 379:3.
4- الخلاف 441:2-442، المسألة 341.
5- التهذيب 208:5-697، الإستبصار 266:2-942.

بنيّة أنّه ينحره بمني أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره. و لو تلف، لم يكن عليه شيء.

و إمّا واجب، و هو قسمان: أحدهما: واجب بنذر أو عهد أو يمين، و الثاني واجب، و هو قسمان: أحدهما: واجب بنذر أو عهد أو يمين، و الثاني واجب بغيرها، كهدي التمتّع و ما وجب بترك واجب أو فعل محظور.

و الواجب بالنذر و شبهه قسمان:

أحدهما: أن يطلق النذر، فيقول: للّه عليّ أن أهدي بدنة، مثلا، و يكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر.

و الثاني: أن يعيّنه، مثل: للّه عليّ أن أهدي هذه البدنة، فيزول ملكه عنها، و ينقطع تصرّفه عنها، و هي أمانة للمساكين في يده، و عليه أن يسوقها إلي المنحر.

و يتعلّق الوجوب بعين المنذور دون ذمّة الناذر، بل يجب عليه حفظه و إيصاله إلي المحلّ، فإن تلف بغير تفريط أو سرق، أو ضلّ كذلك، فلا ضمان.

و أمّا الواجب المطلق - كهدي التمتّع و جزاء الصيد و النذر غير المعيّن - فإمّا أن يسوقه و ينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول، فهذا لا يزول ملكه عنه إلاّ بذبحه و دفعه إلي أهله، و له التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف، كالبيع و الهبة و الأكل و غير ذلك، لعدم تعلّق حقّ الغير به.

فإن عطب، تلف من ماله، و إن عاب، لم يجزئه ذبحه، و عليه الهدي الذي كان واجبا عليه، لشغل ذمّته، فلا تبرأ إلاّ بإيصاله إلي مستحقّه،

ص: 285

كالمديون إذا حمل الدّين إلي صاحبه فتلف قبل وصوله إليه.

و إمّا أن يعيّن الواجب عليه بالقول، فيقول: هذا الواجب عليّ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه، و يكون مضمونا عليه، فإن عطب أو سرق أو ضلّ، عاد الواجب إلي ذمّته، كالمديون إذا باع صاحب الدّين سلعة به فتلفت قبل التسليم، فإنّ الدّين يعود إلي ذمّته.

و إذا ثبت أنّه يتعيّن بالقول فإنّه يزول ملكه عنه و ينقطع تصرّفه، و عليه أن يسوقه إلي المنحر، و لا يجوز له بيعه و لا إخراج بدله، فإن وصل نحره، و إلاّ سقط التعيين، و وجب(1) عليه إخراج الذي في ذمّته، و لا نعلم خلافا في ذلك كلّه، إلاّ من أبي حنيفة: فإنّه قال: يجوز له إخراج بدله(2) ، لأنّ القصد نفع المساكين.

و يبطل بأنّه يرجع إلي أصله بالإبطال.

و سأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهما عليهما السّلام: عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب، قال: «إن كان تطوّعا فليس عليه غيره، و إن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله»(3).

مسألة 621: لو ذبح الواجب غير المعيّن فسرق أو غصب بعد الذبح، فالأقرب: الإجزاء

- و به قال أحمد و الثوري و بعض أصحاب مالك، و أصحاب الرأي(4) - لأنّه أدّي الواجب عليه، فبرئ منه، كما لو فرّقه، لأنّ

ص: 286


1- في الطبعة الحجرية: و يجب.
2- المغني 580:3، المجموع 367:8-368.
3- التهذيب 215:5-724، الإستبصار 269:2-955.
4- المغني و الشرح الكبير 575:3.

الواجب هو الذبح، و التفرقة ليست واجبة، لأنّه لو خلّي بينه و بين الفقراء أجزأه و إن لم يفرّقه عليهم، و لهذا قال النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا نحر: (من شاء فليقتطع)(1).

و قال الشافعي: عليه الإعادة، لأنّه لم يوصل الحقّ إلي مستحقّه، فأشبه ما لو لم يذبحه(2).

و الفرق ظاهر، فإنّه مع الذبح و التخلية يحصل فعل الواجب، بخلاف المقيس عليه.

و لو عيّن بالقول الواجب غير المعيّن، تعيّن، فإن عطب أو عاب، لم يجزئه، لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم و لم يوجد، فيرجع الهدي إلي ملكه يصنع به ما شاء من بيع و هبة و أكل و غيرها - و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال:

و إذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره بمكانه إن شئت، و اهده إن شئت، و بعه إن شئت و تقوّ به في هدي آخر(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الحسنة - قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي3.

ص: 287


1- المستدرك - للحاكم - 221:4، مسند أحمد 350:4، سنن البيهقي 241:5، شرح معاني الآثار 50:3، مشكل الآثار 132:2، المغني 575:3-576، الشرح الكبير 575:3 و فيها: (اقتطع) بدل (فليقتطع).
2- المجموع 501:7، المغني و الشرح الكبير 575:3.
3- المجموع 377:8-378، حلية العلماء 368:3، المغني 576:3، الشرح الكبير 575:3-576، الهداية - للمرغيناني - 188:1، الاختيار لتعليل المختار 232:1، المبسوط - للسرخسي - 145:4.
4- المغني 576:3.

آخر؟ قال: «يبيعه و يتصدّق بثمنه و يهدي هديا آخر»(1).

و قال مالك: يأكل و يطعم من أحبّ من الأغنياء و الفقراء، و لا يبيع منه شيئا(2).

و الأولي ذبحه و ذبح ما وجب في ذمّته معا، فإن باعه، تصدّق بثمنه، لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هديه ؟ قال: «لا يبيعه، و إن باعه تصدّق بثمنه و ليهد آخر»(3).

و أوجب أحمد في رواية ذبحه(4).

و الأقرب: حمل الرواية علي الاستحباب.

و لو عيّن معيبا عمّا في ذمّته عيبا لا يجزئه، لم يجزئه، لأنّ الواجب السليم، فلا يخرج عن العهدة بدونه، و لا يلزمه ذبحه، بخلاف ما لو عيّن السليم.

إذا عرفت هذا، فإنّ تعيين الهدي يحصل بقوله: هذا هدي، أو بإشعاره و تقليده مع نيّة الهدي، و به قال الثوري و إسحاق(5). و لا يحصل بالشراء مع النيّة و لا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء(6).

و قال أبو حنيفة: يجب الهدي و يتعيّن بالشراء مع النيّة(7).3.

ص: 288


1- التهذيب 217:5-730.
2- المغني و الشرح الكبير 576:3.
3- التهذيب 217:5-731 بتفاوت يسير.
4- المغني و الشرح الكبير 576:3.
5- المغني 577:3، الشرح الكبير 560:3.
6- المغني 577:3، الشرح الكبير 560:3.
7- المغني 577:3.

و ليس بجيّد، لأصالة عدم التعيين.

مسألة 622: لو سرق الهدي من حرز، أجزأ عن صاحبه،

و إن أقام بدله فهو أفضل، لأنّ معاوية بن عمّار سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل اشتري أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: «لا بأس و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شيء»(1).

و لو عطب الهدي في مكان لا يجد من يتصدّق عليه فيه، فلينحره، و ليكتب كتابا و يضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة، لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر علي من يتصدّق به عليه و لا من يعلمه أنّه هدي، قال: «ينحره و يكتب كتابا و يضعه عليه ليعلم من يمرّ به أنّه صدقة»(2).

و لأنّ تخليته بغير ذبح تضييع له.

و لو ضلّ الهدي فاشتري مكانه غيره ثم وجد الأوّل، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء، فإن ذبح الأوّل، جاز له بيع الأخير، و إن ذبح الأخير، لزمه ذبح الأوّل أيضا إن كان قد أشعره، و إن لم يكن أشعره، جاز له بيعه - و به قال عمر و ابنه و ابن عباس و مالك و الشافعي و إسحاق(3) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما، فبعث إليها ابن الزبير هديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالاّن فنحرتهما، و قالت: هذه سنّة الهدي(4).

ص: 289


1- الكافي 493:4-494-2، التهذيب 217:5-218-733.
2- التهذيب 218:5-736.
3- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3، المجموع 378:8.
4- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3، و بتفاوت في اللفظ في سنن الدار قطني 242:2-29 و سنن البيهقي 244:5.

و من طريق الخاصّة: رواية أبي بصير أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل اشتري كبشا فهلك منه، قال: «يشتري مكانه آخر» قلت: [فإن اشتري مكانه آخر](1) ثم وجد الأوّل ؟ قال: «إن كانا جميعا قائمين فليذبح الأوّل و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه، و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه»(2).

و قال أصحاب الرأي: يصنع بالأوّل ما شاء(3).

و أمّا نحر الأوّل مع الإشعار: فلرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتي يأتي مني فينحر و يجد هديه، قال: «إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها و إن شاء باعها و إن كان أشعرها نحرها»(4).

مسألة 623: لو غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه، لم يجزئه،

سواء رضي المالك أو لم يرض، و سواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه، لأنّه لم يكن ذبحه قربة، بل كان منهيّا عنه، فلا يكون خارجا عن العهدة به.

و قال أبو حنيفة: يجزئه مع رضي المالك(5).

و لو ضلّ الهدي فوجده غيره، فإن ذبحه عن نفسه، لم يجزئ عن واحد منهما، لعدم النيّة من صاحبه، و لا يجزئ عنه و لا عن الذابح، لأنّه منهيّ عنه.

ص: 290


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 218:5-219-737، الإستبصار 271:2-961.
3- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3.
4- التهذيب 219:5-738، الإستبصار 271:2-272-962.
5- المغني و الشرح الكبير 577:3.

و إن ذبحه عن صاحبه، فإن ذبحه بمني، أجزأ عنه، و بغيرها لا يجزئ، لرواية منصور بن حازم - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره، قال: «إن كان نحره بمني، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير مني، لم يجزئ عن صاحبه»(1).

و ينبغي لواجد الضالّ أن يعرّفه ثلاثة أيّام، فإن عرفه صاحبه، و إلاّ ذبحه عنه، لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«إذا وجد الرجل هديا فليعرّفه يوم النحر و اليوم الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث»(2).

و لو اشتري هديا و ذبحه فعرفه غيره و ذكر أنّه هديه ضلّ عنه، و أقام بيّنة بذلك، كان له لحمه، و لا يجزئ عن واحد منهما، أمّا عن صاحبه:

فلعدم النيّة منه و من الذابح، و أمّا عن المشتري: فلانتفاء ملكه، و لصاحبه الأرش، للرواية(3).

و إذا عيّن هديا صحيحا عمّا في ذمّته فهلك، أو عاب عيبا يمنع الإجزاء بغير تفريط، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجبا في ذمّته، لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة، و إنّما تعلّق بالعين، فسقط بتلفها.

و لو أتلفه أو فرّط فتلف، قال قوم: يجب مثل المعيّن، لأنّ الزائد تعلّق به حقّ اللّه تعالي، فإذا فوّته، لزمه ضمانه، كالهدي المعيّن ابتداء(4).7.

ص: 291


1- الكافي 495:4-8، التهذيب 219:5-739، الاستبصار 272:2-963.
2- التهذيب 217:5-731.
3- الكافي 495:4-9، التهذيب 220:5-740، الإستبصار 272:2-964.
4- المغني 577:3، الشرح الكبير 576:3-577.

و فيه نظر.

مسألة 624: إذا ولدت الهدية، وجب نحر ولدها أو ذبحه،

سواء عيّنه ابتداء أو عيّنه بدلا عن الواجب في ذمّته، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها، فقال: «لا تشرب من لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحي ضحّيت بها و ولدها عن سبعة»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعا» قلت: أشرب من لبنها و أسقي، قال:

«نعم»(2).

و لو تلفت المعيّنة ابتداء أو بتعيينه، وجب إقامة بدلها، و وجب ذبح الولد، لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها، و لم يتبعها في زواله، لأنّه منفصل عنها، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب، لم يبطل البيع في الولد.

مسألة 625: يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به

- و به قال الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: (أركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتي تجد ظهرا)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

ص: 292


1- المغني 581:3 نقلا عن سعيد و الأثرم، و نحوه في سنن البيهقي 237:5.
2- التهذيب 220:5-741.
3- الام 216:2، الحاوي الكبير 376:4-377، المجموع 368:8، المغني 3: 581-582، الشرح الكبير 563:3.
4- صحيح مسلم 961:2-375، سنن أبي داود 147:2-1761، سنن النسائي 177:5، سنن البيهقي 236:5.

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي (1) قال: «إن احتاج إلي ظهرها(2) ركبها من غير أن يعنف بها، و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها»(3).

و قال أحمد في الرواية الأخري: لا يجوز، لتعلّق حقّ الفقراء بها(4).

و نمنع عموم التعلّق.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها و لا بولدها، لرواية العامّة عن علي عليه السّلام: «و لا تشرب [من] لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها»(6).

و لأنّ بقاء اللبن في الضرع مضرّ له.

و لو شرب ما يضرّ بالأم أو بالولد، ضمن.

و لو كان بقاء الصوف علي ظهرها يضرّ بها، أزاله، و تصدّق به علي الفقراء، و ليس له التصرّف فيه، بخلاف اللبن، لأنّ اللبن لم يكن موجودا وقت التعيين، فلا يدخل فيه، كالركوب و غيره من المنافع.

مسألة 626: هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه

- و به قال ابن عمر و عطاء و الحسن و إسحاق و مالك و أحمد و أصحاب الرأي(7) - لقوله

ص: 293


1- الحجّ: 33.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ظهورها. و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 492:4-493-1، التهذيب 220:5-742.
4- المغني 582:3، الشرح الكبير 463:3.
5- المغني 581:3 نقلا عن سعيد و الأثرم، و نحوه في سنن البيهقي 237:5.
6- الكافي 492:4-493-1، التهذيب 220:5-742.
7- المغني و الشرح الكبير 583:3، بداية المجتهد 379:1، حلية العلماء 3: 365، بدائع الصنائع 226:2.

تعالي فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (1).

و ما رواه العامّة عن مسلم أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر من كلّ بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فأكل هو و علي عليه السّلام من لحمها و شربا من مرقها(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم كما قال اللّه تعالي فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (3)»(4).

و قال الشافعي: لا يأكل منه، لأنّه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه، كدم الكفّارة(5).

و هو قياس فلا يعارض القرآن، مع الفرق، فإنّ دم التمتّع دم نسك، بخلاف الكفّارة.

و ينبغي أن يقسّم أثلاثا: يأكل ثلثه، و يهدي ثلثه، و يتصدّق علي الفقراء بثلثه، و لو أكل دون الثلث جاز.

و قد روي سيف التمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي، فقال: إنّي سقت [هديا](6) فكيف أصنع ؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعترّ ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا»(7) الحديث.

و اختلف علماؤنا في وجوب الأكل و استحبابه، و علي الوجوب3.

ص: 294


1- الحجّ: 36.
2- المغني و الشرح الكبير 584:3، و صحيح مسلم 892:2-1218.
3- الحجّ: 36.
4- التهذيب 223:5-751.
5- الام 217:2، المجموع 417:8، المغني 583:3-584، الشرح الكبير 3: 583، بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3.
6- أضفناها من المصدر.
7- التهذيب 223:5-753.

لا يضمن بتركه، بل بترك الصدقة، لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي.

و لو أخلّ بالإهداء، فإن كان بسبب أكله، ضمن، و إن كان بسبب الصدقة، فلا.

مسألة 627: لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع،

بإجماع علمائنا - و به قال الشافعي(1). لأنّ جزاء الصيد بدل، و النذر جعل للّه تعالي، و الكفّارة عقوبة، و كلّ هذه لا تناسب جواز التناول.

و للرواية: قال الصادق عليه السّلام: «كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [منه](2) و كلّ هدي من تمام الحجّ فكل»(3).

و عن أحمد رواية تناسب مذهبنا، لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة و القران(4).

و دم القران عندنا غير واجب، فيجوز الأكل منه، و هو قول أصحاب الرأي(5).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّه لا يأكل من النذر و جزاء الصيد، و يأكل ممّا سواهما، و به قال ابن عمر و عطاء و الحسن البصري و إسحاق(6).

و قال ابن أبي موسي: لا يأكل أيضا من الكفّارة، و يأكل ممّا سوي هذه الثلاثة(7). و هو قول مالك(8).

ص: 295


1- الامّ 217:2، المجموع 417:8، بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 224:5-225-758، الإستبصار 273:2-967.
4- المغني و الشرح الكبير 583:3.
5- بدائع الصنائع 226:2، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3، المحلّي 7: 271، بداية المجتهد 379:1، المغني و الشرح الكبير 583:3.
6- المغني و الشرح الكبير 583:3، المحلّي 271:7.
7- المغني و الشرح الكبير 583:3.
8- بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3، المحلّي 7: 271، المغني و الشرح الكبير 583:3.

و أمّا هدي التطوّع: فيستحب الأكل منه إجماعا، للآية(1).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أكل هو و علي عليه السّلام من هديهما(2).

و لقول الباقر عليه السّلام: «إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شيء عليه»(3).

و ينبغي أن يأكل ثلثه و يهدي ثلثه و يتصدّق بثلثه، كهدي التمتّع، و هو القديم للشافعي، و له آخر: أنّه يأكل النصف و يتصدّق بالنصف(4).

و الآية(5) تقتضي الأكل و إطعام صنفين، فاستحبّت التسوية.

و لو أكل الجميع في التطوّع، لم يضمن، و هو قول بعض الشافعيّة(6).

و قال باقيهم: يضمن. و اختلفوا، فقال بعضهم: يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه. و قال بعضهم: يضمن قدر النصف أو الثلث علي الخلاف(7).

و لو لم يأكل من التطوّع، لم يكن به بأس إجماعا.

و لو أكل ما منع من الأكل منه، ضمنه بمثله لحما، لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها.3.

ص: 296


1- الحجّ: 36.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074، سنن الدارمي 49:2.
3- التهذيب 225:5-761، الإستبصار 273:2-970.
4- الحاوي الكبير 380:4، و انظر: حلية العلماء 376:3، و المهذّب - للشيرازي - 246:1، و المجموع 415:8، و المغني 109:11، و الشرح الكبير 587:3.
5- الحجّ: 36.
6- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.
7- الحاوي الكبير 380:4، المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.

و لو أطعم غنيّا ممّا له الأكل منه، كان جائزا، لأنّه يسوغ له أكله، فيسوغ له إهداؤه.

و لو باع منه شيئا أو أتلفه، ضمنه بمثله، لأنّه ممنوع من ذلك، كما منع من عطيّة الجزّار.

و لو أتلف أجنبي منه شيئا، ضمنه بقيمته، لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال، فلزمته قيمته.

مسألة 628: الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة:

دم التمتّع، قال اللّه تعالي فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) و دم الحلق، و هو مخيّر، قال اللّه تعالي فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (2) و هدي الجزاء علي التخيير، قال اللّه تعالي وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (3) و هدي الإحصار، قال اللّه تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4) و لا بدل له، للأصل.

مسألة 629: قد سلف أنّ ما يساق في إحرام الحجّ يذبح أو ينحر بمني،

و ما يساق في إحرام العمرة ينحر أو يذبح بمكّة، و ما يلزم من فداء ينحر بمكّة إن كان معتمرا، و بمني إن كان حاجّا.

و تجب تفرقته علي مساكين الحرم، و هو من كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ و غيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه. و كذا الصدقة

ص: 297


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- المائدة: 95.
4- البقرة: 196.

مصرفها مساكين الحرم. أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعا.

و لو دفع إلي من ظاهره الفقر فبان غنيّا، فالوجه: الإجزاء، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و ما يجوز تفريقه في غير الحرم لا يجوز دفعه إلي فقراء أهل الذمّة - و به قال الشافعي و أحمد و أبو ثور(2) - لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه، كالحربي.

و قال أصحاب الرأي: يجوز(3).

و لو نذر هديا مطلقا أو معيّنا و أطلق مكانه، وجب صرفه في فقراء الحرم.

و جوّز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء، كما لو نذر الصدقة بشاة(4).

و هو باطل، لقوله تعالي ثُمَّ مَحِلُّها إِلَي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5).

و لأنّ إطلاق النذر ينصرف إلي المعهود شرعا، و هو الحرم.

و لو عيّن موضعه غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شيء من أنواع الكفر، كبيوت البيع و الكنائس، جاز، لما رواه العامّة أنّ رجلا جاء إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: إنّي نذرت أن أنحر ببوانة(6) ، قال: (أ بها صنم ؟) قال:

لا، قال: (أوف بنذرك)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام في رجل جعل للّه عليه بدنة6.

ص: 298


1- المغني 589:3.
2- المغني 589:3.
3- المغني 589:3.
4- بدائع الصنائع 225:2، المغني 590:3، الشرح الكبير 581:3.
5- الحجّ: 33.
6- بوانة: هضبة وراء ينبع، قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان 505:1.
7- المغني 590:3، الشرح الكبير 582:3، و بتفاوت في اللفظ في سنن أبي داود 238:3-3313، و سنن ابن ماجة 688:1-2131، و مسند أحمد 366:6.

ينحرها بالكوفة في شكره، فقال: «عليه أن ينحرها حيث جعل اللّه عليه و إن لم يكن سمّي موضعا نحرها في فناء الكعبة»(1).

و لو كان إلي موضع منهيّ عنه، لم يجب عليه، لأنّه نذر في معصية.

و لو لم يتمكّن من إيصاله إلي المساكين بالحرم، لم يلزمه إيصاله إليهم. و لو تمكّن من إنفاذه، وجب.

مسألة 630: يستحب إشعار الإبل

بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن و يلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

و قال عامّة أهل العلم بمشروعية إشعار الإبل و البقر(2) أيضا.

لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: فتلت قلائد هدي النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم أشعرها و قلّدها(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في كيفية إشعار البدن: «تشعر و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الإشعار، لأنّه مثلة، و لاشتماله علي إيلام الحيوان(5).

و لا حجّة فيه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فعله لغرض صحيح، فأشبه الكي

ص: 299


1- التهذيب 239:5-806 بتفاوت في اللفظ.
2- المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، المهذّب - للشيرازي - 242:1 - 243، المجموع 358:8، فتح العزيز 93:8، بداية المجتهد 377:1، الحاوي الكبير 372:4.
3- المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، و صحيح البخاري 207:2.
4- الفقيه 209:2-955 بتفاوت يسير.
5- المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، حلية العلماء 364:3، الحاوي الكبير 372:4، فتح العزيز 93:8، المجموع 358:8، المنتقي - للباجي - 2: 312، الاستذكار 269:12-17586.

و الوسم و الفصد، و الغرض عدم اختلاطها بغيرها، و إباحة المساكين إذا ضلّت، و امتناع اللصوص منها.

و قال مالك: إن كانت البقرة ذات سنام، فلا بأس بإشعارها، و إلاّ فلا(1).

و يستحب تقليد الهدي بأن يجعل في رقبته نعل قد صلّي فيه، و هو مشترك بين الإبل و البقر و الغنم - و به قال أحمد(2) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: كنت أفتل القلائد للنبي صلّي اللّه عليه و آله، فيقلّد الغنم، و يقيم في أهله حلالا(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «كان الناس يقلّدون الغنم و البقر، و إنّما تركه الناس حديثا»(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يسنّ تقليد الغنم، و إلاّ لنقل(5). و قد بيّنّا النقل.

إذا عرفت هذا، فإنّ الإشعار يكون في صفحة السنام من الجانب الأيمن، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد و أبو ثور(6) - لما رواه العامّة3.

ص: 300


1- المنتقي - للباجي - 313:2، المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3.
2- المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 266:12-17563 و 17564.
3- المغني 591:3، و صحيح البخاري 208:2.
4- الفقيه 209:2-952.
5- المبسوط - للسرخسي - 137:4، المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، فتح العزيز 94:8-95، بداية المجتهد 377:1، المجموع 360:8، الاستذكار 265:12-17563.
6- الحاوي الكبير 373:4، فتح العزيز 93:8، المهذّب - للشيرازي - 242:1 - 243، المجموع 358:8 و 360، بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 12: 269-17681، المغني 592:3، الشرح الكبير 580:3.

أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صلّي بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، و سلت الدم عنها بيده(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و يشقّ سنامها الأيمن»(2).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يحبّ التيامن في شأنه كلّه(3).

و قال مالك و أبو يوسف: تشعر في صفحتها اليسري - و هو رواية عن أحمد - لأنّ ابن عمر فعله(4).

و فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله أولي.

و لو كانت البدن كثيرة، دخل بينها و شقّ سنام إحداهما من الأيمن و الأخري الأيسر.

مسألة 631: لا ينبغي أن يأخذ من جلود الهدايا شيئا،

بل يتصدّق بها، و لا يعطيها الجزّار، لقول الصادق عليه السّلام: «ذبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن أمّهات المؤمنين بقرة بقرة، و نحر هو ستّا و ستّين بدنة، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين بدنة، و لم يعط الجزّارين من جلالها و لا قلائدها و لا جلودها و لكن تصدّق به»(5).

و في رواية صحيحة عن الصادق عليه السّلام، قال: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزّارين، و أمر أن يتصدّق بها»(6).

ص: 301


1- صحيح مسلم 912:2-1243، سنن أبي داود 146:2-1752، سنن الدارمي 2: 66، سنن البيهقي 232:5، و مسند أحمد 254:1 و 280 و 339 و 347 بتفاوت يسير.
2- الفقيه 209:2-955 بتفاوت يسير.
3- صحيح مسلم 226:1-67 و فيه.. التيمّن..
4- بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 269:12-17582، المغني 592:3، الشرح الكبير 580:3، فتح العزيز 93:8-94، المجموع 360:8، الحاوي الكبير 373:4.
5- التهذيب 227:5-770، الاستبصار 275:2-276-979.
6- التهذيب 228:5-771، الإستبصار 276:2-980.
مسألة 632: روي جميل بن دراج - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسيا»

ثم قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّه حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخّر إلاّ قدّموه، فقال: لا حرج»(1).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أن يحلق و لا أن يزور البيت إلاّ بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محلّه و هو مني يوم النحر بأن يشتريه و يجعله في رحله بمني، لأنّ وجوده في رحله في ذلك الموضع بمنزلة الذبح.

و قال الشيخ: من تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه فهو بالخيار في الذبح إن فعل فهو أفضل، و إن لم يفعل فليس عليه شيء(2) ، لقول الصادق عليه السّلام في رجل تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه، قال: «إن كان ذبح فهو خير له، و إن لم يذبح فليس عليه شيء، لأنّه إنّما تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه»(3).

مسألة 633: المتمتّع الواجد للهدي إذا مات قبل الفراغ من الحجّ، لم يسقط عنه الدم،

بل يخرج من تركته - و هو أصحّ قولي الشافعي(4) - لأنّه وجب بالإحرام بالحجّ و التمتّع بالعمرة إلي الحجّ، و أنّه موجود.

و الثاني: لا يجب، لأنّ الكفّارة إنّما تجب عند تمام النسكين علي سبيل الرفاهية و ربح أحد النفرين، و إذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض(5).

و أمّا الصوم: فإن مات قبل التمكّن منه، سقط عنه، و قد سبق - و هو

ص: 302


1- الكافي 504:4-1، الفقيه 301:2-1496، التهذيب 236:5-797، الاستبصار 285:2-1009.
2- التهذيب 239:5 ذيل الحديث 806.
3- التهذيب 239:5-807.
4- الوجيز 116:1، فتح العزيز 192:7، المجموع 191:7.
5- الوجيز 116:1، فتح العزيز 192:7، المجموع 191:7.

أصحّ قولي الشافعي(1) - لأنّه صوم لم يتمكّن من الإتيان به، فأشبه رمضان.

و الثاني: يهدي عنه، لأنّ الصوم قد وجب بالشروع في الحجّ، فلا يسقط من غير بدل(2).

و أمّا إن تمكّن من الصوم و لم يصم حتي مات، وجب علي وليّه القضاء - و هو القديم للشافعي(3) - لأنّه صوم مفروض فاته بعد القدرة عليه.

و في الجديد: يطعم عنه وليّه من تركته لكلّ مسكين مدّ، فإن تمكّن من جميع العشرة، فعشرة أمداد، و إلاّ فبالقسط.

و هل يجب صرفه إلي فقراء الحرم أم يجوز صرفه إلي غيرهم ؟ قولان.

و له قول آخر: إنّه يجب في فوات ثلاثة أيّام إلي العشرة شاة، و في يوم ثلث شاة، و في يومين ثلثا شاة(4).

البحث السادس: في الضحايا.
مسألة 634: الضحيّة مستحبّة،

قال اللّه تعالي فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (5) قيل في التفسير: أنّه الأضحية بعد صلاة العيد(6).

و روي أنس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه ضحّي بكبشين أقرنين أملحين(7).

ص: 303


1- فتح العزيز 193:7، المجموع 191:7.
2- فتح العزيز 193:7، المجموع 191:7.
3- فتح العزيز 194:7، المجموع 192:7.
4- فتح العزيز 194:7-195، المجموع 192:7.
5- الكوثر: 2 و 3.
6- كما في المغني 95:11، و انظر الحاوي الكبير 70:15.
7- سنن أبي داود 95:3-2794، و في صحيح مسلم 1556:3-17 و 1557-17 و 18، و سنن الترمذي 84:4-1494، و سنن النسائي 220:7، و سنن الدارمي 75:2 بتقديم و تأخير.

و الأقرن: ما له قرنان، و الأملح: ما فيه سواد و بياض و البياض أغلب.

و في رواية: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد، فاتي به فضحّي به، فأضجعه و ذبحه، و قال: (بسم اللّه، اللّهم اقبل من محمد و آل محمد و من أمّة محمد)(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه ضحّي بكبشين ذبح واحدا بيده، فقال: (اللّهم هذا عنّي و عن من لم يضحّ من أهل بيتي) و ذبح الآخر و قال: (اللّهم هذا عنّي و عن من لم يضحّ من أمّتي) و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضحّي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كلّ سنة بكبش و يذبح كبشا آخر عن نفسه(2).

مسألة 635: الأضحية مستحبّة و سنّة مؤكّدة ليست واجبة

- و به قال أبو بكر و عمر و ابن مسعود البدري و ابن عباس و ابن عمر و بلال و سويد بن غفلة و سعيد بن جبير(3) و عطاء و علقمة و الأسود و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي و المزني و ابن المنذر(4) - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (كتب عليّ النحر و لم يكتب عليكم)(5).

ص: 304


1- صحيح مسلم 1557:3-1967، سنن أبي داود 94:3-2792، سنن البيهقي 267:9، مسند أحمد 78:6، شرح معاني الآثار 176:4-177.
2- الفقيه 293:2-1448.
3- في المجموع و المغني و الشرح الكبير و الاستذكار: «سعيد بن المسيّب» بدل «سعيد بن جبير». و لم يرد كلّ منهما في بقية المصادر في الهامش التالي.
4- المغني 95:11، الشرح الكبير 585:3، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 383:8 و 385، بداية المجتهد 429:1، المبسوط - للسرخسي - 8:12، الوجيز 211:2، حلية العلماء 369:3، الحاوي الكبير 71:15، الاستذكار 156:15-157-21379-21381 و 21383 و 21384.
5- سنن الدار قطني 282:4-42، سنن البيهقي 264:9، مسند أحمد 317:1، المعجم الكبير - للطبراني - 301:11-11803.

و قال ربيعة و مالك و الثوري و الأوزاعي و الليث بن سعد و أصحاب الرأي: إنّها واجبة، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (علي أهل كلّ بيت في كلّ عام أضحية و عتيرة)(1)(2).

و قد ضعّفه المحدّثون(3) ، و يظهر ضعفه بإيجاب العتيرة، و هي ذبيحة كانت الجاهلية تذبحها في رجب.

و الهدي يجزئ عن الأضحية. و الجمع بينهما أفضل، لأنّه دم ذبح للنسك في وقت الأضحية، فكان مجزئا عنها.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «يجزئك من الأضحية هديك»(4).

مسألة 636: أيّام الأضاحي بمني أربعة: يوم النحر و ثلاثة أيّام بعده،

و في غيرها من الأمصار ثلاثة: يوم النحر و يومان بعده، عند علمائنا أجمع - و به قال سعيد بن جبير(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (عرفة كلّها موقف و ارتفعوا عن بطن عرنة، و أيّام مني كلّها منحر)(6).

ص: 305


1- سنن أبي داود 93:3-2788، سنن الترمذي 99:4-1518.
2- المغني 95:11، الشرح الكبير 585:3، بداية المجتهد 429:1، الحاوي الكبير 71:15، المجموع 385:8، حلية العلماء 369:3، المبسوط - للسرخسي - 8:12، الاستذكار 155:15-156-21377 و 21378 و 21382.
3- انظر علي سبيل المثال: معالم السنن - للخطابي - 94:4، و كما في المغني 95:11، و الشرح الكبير 585:3.
4- التهذيب 238:5-803، و فيه: «يجزئه.. هديه».
5- ما نسب إليه في المغني 464:3، و الشرح الكبير 556:3، و الاستذكار 15: 201-21580، و تفسير القرطبي 43:12 هو أنّه قال: النحر في الأمصار يوم واحد، و في مني ثلاثة أيّام. و ما هو موجود في حلية العلماء 370:3 أنّه قال: يجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصّة، و لأهل السواد فيه و في أيّام التشريق. و كذلك في المجموع 390:8.
6- سنن البيهقي 115:5 بتفاوت.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام لمّا سأله عمّار الساباطي عن الأضحي بمني، قال: «أربعة أيّام» و عن الأضحي في سائر البلدان، قال:

«ثلاثة أيّام»(1).

و قال الحسن و عطاء: أنّها أربعة أيّام مطلقا. و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و الثوري: ثلاثة أيّام: يوم النحر و يومان بعده مطلقا(3).

و قال محمد بن سيرين: لا تجوز الأضحية إلاّ في يوم الأضحي خاصّة، لأنّ يوم الأضحي اختصّ بتسمية الأضحي دون غيره، فاختصّ بها(4).

و الاختصاص بالتسمية لا يوجب ذلك.

و لو فاتت هذه الأيّام، فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر و شبهه، لم تسقط، و وجب قضاؤها، لأنّ لحمها مستحقّ للمساكين، فلا يسقط حقّهم بفوات الوقت، و إن كانت تطوّعا، فات ذبحها، فإن ذبحها، لم تكن أضحية، فإن فرّق لحمها علي المساكين، استحقّ الثواب علي التفرقة دون الذبح.2.

ص: 306


1- الفقيه 291:2-1439، التهذيب 203:5-674، الإستبصار 264:2-931.
2- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، الحاوي الكبير 124:15، المجموع 390:8، بداية المجتهد 436:1، المبسوط - للسرخسي - 9:12، تفسير القرطبي 43:12، الاستذكار 202:15-21586 و 21587.
3- المبسوط - للسرخسي - 9:12، المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، الحاوي الكبير 124:15، المجموع 390:8، بداية المجتهد 436:1، الاستذكار 201:15-21581، تفسير القرطبي 43:12.
4- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، المجموع 390:8، الاستذكار 200:15-21579، تفسير القرطبي 43:12.
مسألة 637: وقت الأضحية إذا طلعت الشمس و مضي قدر صلاة العيد و الخطبتين،

سواء صلّي الإمام أو لم يصلّ.

و قال الشافعي: يعتبر قدر صلاة النبي صلّي اللّه عليه و آله، و كان عليه السّلام يصلّي في الأولي ب ق و في الثانية ب اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ (1).

و قال عطاء: وقتها إذا طلعت الشمس(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: من شرط الأضحية أن يصلّي الإمام و يخطب، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول: أهل السواد يجوز لهم الأضحية إذا طلع الفجر، لأنّ عنده لا عيد لهم(3).

مسألة 638: الأيّام المعدودات أيّام التشريق

إجماعا، و الأيّام المعلومات عشرة أيّام من ذي الحجّة آخرها غروب الشمس من يوم النحر، عند علمائنا، و به قال علي عليه السّلام و ابن عباس و ابن عمر و الشافعي(4).

ص: 307


1- الحاوي الكبير 85:15، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 387:8 و 389، حلية العلماء 370:3، الاستذكار 154:15-155، و انظر: صحيح مسلم 607:2-891، و سنن الترمذي 414:2-533، و سنن أبي داود 1: 300-1154.
2- المغني 114:11، الشرح الكبير 555:3، الحاوي الكبير 85:15، حلية العلماء 370:3.
3- المبسوط - للسرخسي - 10:12، الحاوي الكبير 85:15، الاستذكار 15: 154-155، المجموع 389:8، حلية العلماء 370:3، المغني 144:11، الشرح الكبير 554:3-555، تفسير القرطبي 42:12-43، بداية المجتهد 1: 425، الكافي في فقه أهل المدينة: 176.
4- الحاوي الكبير 366:4، الاستذكار 199:15-21566-21569، مختصر المزني: 73، الوجيز 132:1، فتح العزيز 89:8، المجموع 381:8، تفسير القرطبي 2:3 و 3، أحكام القرآن - للجصّاص - 233:3، سنن البيهقي 228:5، و حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 435:2-436، المسألة 332.

و قال مالك: ثلاثة أيّام أوّلها يوم النحر(1). فجعل أوّل أيّام التشريق و ثانيها من المعدودات و المعلومات.

و قال أبو حنيفة: ثلاثة أيّام أوّلها يوم عرفة و آخرها أوّل أيّام التشريق(2). فجعل أوّل التشريق من المعدودات و المعلومات.

و قال سعيد بن جبير: المعدودات: هي المعلومات(3).

و الحقّ المغايرة، لدلالة اختلاف الاسمين علي تغاير معنييهما، إلاّ أنّ الترادف علي خلاف الأصل.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز الذبح عندنا في اليوم الثالث من أيّام التشريق، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجوز، لأنّه ليس من المعلومات(5).

و ليس بمعتمد، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن صيام أيّام التشريق، و قال:3.

ص: 308


1- بداية المجتهد 436:1، الاستذكار 200:15-21573 و 21575 و 21576، الحاوي الكبير 366:4، فتح العزيز 89:8، المجموع 381:8 و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
2- فتح العزيز 89:8، الحاوي الكبير 366:4، المجموع 381:8، و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
3- انظر: الاستذكار 198:15-21563، و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
4- المجموع 381:8 و 387-388 و 390، حلية العلماء 370:3، المغني 3: 464، الشرح الكبير 556:3، المبسوط - للسرخسي - 9:12، تحفة الفقهاء 3: 83، الهداية - للمرغيناني - 73:1، تفسير القرطبي 43:12، و عنه في الخلاف 437:2، المسألة 333.
5- المبسوط - للسرخسي - 9:12، تحفة الفقهاء 83:3-84، المجموع 8: 381 و 390، الكافي في فقه أهل المدينة: 176، و عنهما في الخلاف 437:2، المسألة 333.

(إنّها أيّام أكل و شرب و بعال)(1).

و في رواية: (أنّها أيّام أكل و شرب)(2).

و في اخري: (إنّها أيّام أكل و شرب [و ذكر](3) و ذبح)(4).

فثبت بذلك أنّ الثالث من أيّام الذكر و الذبح معا.

و عند أبي حنيفة: أنّه ليس من أيّام الذكر و لا الذبح(5).

مسألة 639: يجوز لمن دخل عليه عشر ذي الحجّة و أراد أن يضحّي أن يحلق رأسه أو يقلّم أظفاره

من غير كراهة و لا تحريم، لأنّه لا يحرم عليه الوطء و لا الطيب و لا اللباس فكذا حلق الشعر و قلم الأظفار، و به قال أبو حنيفة(6).

و قال الشافعي: يكره(7).

و قال أحمد و إسحاق: يحرم عليه، لما روته أمّ سلمة أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (إذا دخل العشر و أراد أحدكم أن يضحّي فلا يمسّ من شعره و لا من بشره شيئا)(8) و النهي يقتضي التحريم(9).

و هو ممنوع و معارض بقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم يقلّدها هو بيده ثم يبعث بها مع أبي بكر، فلا يحرم

ص: 309


1- شرح معاني الآثار 244:2 و 246.
2- سنن الدار قطني 212:2-33، شرح معاني الآثار 244:2-246.
3- أضفناها لأجل السياق من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي رحمه اللّه.
4- أوردها الشيخ الطوسي في الخلاف 437:2 ذيل المسألة 333.
5- كما في كتاب الخلاف - للشيخ الطوسي - 437:2، المسألة 333.
6- المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3، المجموع 392:8.
7- المجموع 392:8، المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3.
8- صحيح مسلم 1565:3-1977، سنن النسائي 212:7، سنن البيهقي 266:9.
9- المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3، حلية العلماء 372:3، المجموع 8: 392.

عليه شيء أحلّه اللّه له حتي ينحر الهدي(1).

و قد روي علماؤنا أنّ من أنفذ هديا من أفق من الآفاق يواعد أصحابه يوما يقلّدونه فيه أو يشعرونه و يجتنب هو ما يجتنبه المحرم، فإذا كان يوم الميعاد، حلّ ما يحرم منه(2). و هو مروي عن ابن عباس(3). و خالفت العامّة ذلك(4).

و قد رواه ابن بابويه - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار، قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يبعث بالهدي تطوّعا و ليس بواجب، فقال: «يواعد أصحابه يوما يقلّدونه، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم إلي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر و أحلّ و رجع إلي المدينة»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما يمنع أحدكم من أن يحجّ كلّ سنة» فقيل:

لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال: «أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و أتي المسجد فلا يزال في الدعاء حتي تغرب الشمس»(6).

مسألة 640: لا تختصّ الأضحية بمكان،

بل يجوز أن يضحّي حيث

ص: 310


1- صحيح البخاري 207:2-208، صحيح مسلم 959:2-369، سنن البيهقي 234:5 و 267:9، شرح معاني الآثار 264:2-265 بتفاوت.
2- النهاية - للطوسي -: 283، الخلاف 441:2، المسألة 340.
3- صحيح البخاري 207:2، صحيح مسلم 959:2-369، شرح معاني الآثار 2: 264، المجموع 360:8، و كما في الخلاف 441:2، المسألة 340.
4- كما في الخلاف 441:2، المسألة 340، و انظر: المجموع 360:8.
5- الفقيه 306:2-1517.
6- الفقيه 306:2-1518.

شاء من الأمصار، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ضحّي بالمدينة بكبشين أملحين(1).

و الفرق بينه و بين الهدي: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله بعث بدنه إلي الحرم و ضحّي بالمدينة(2) ، و لأنّ الهدي له تعلّق بالإحرام، بخلاف الأضحية.

مسألة 641: و تختصّ الأضحية بالنّعم:

الإبل و البقر و الغنم، بإجماع علماء الإسلام.

قال اللّه تعالي لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلي ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ (3) قال المفسّرون: هي الإبل و البقر و الغنم(4).

و لا يجزئ إلاّ الثنيّ من الإبل و البقر و المعز، و يجزئ من الضأن الجذع، و هو قول أكثر العلماء(5).

و قال الزهري: لا يجزئ الجذع من الضأن أيضا(6).

و يبطل بما رواه العامّة عن عقبة بن عامر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قسّم ضحايا بين أصحابنا، فأعطاني جذعا فرجعت إليه، فقلت: يا رسول اللّه إنّه جذع، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ضحّ به)(7).

ص: 311


1- صحيح البخاري 210:2.
2- صحيح مسلم 957:2-1321، سنن أبي داود 147:2-1757.
3- الحج: 34.
4- انظر تفسير القرطبي 44:12، و التبيان 314:7، و مجمع البيان 81:4.
5- المبسوط - للسرخسي - 9:12، المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 8: 394، حلية العلماء 372:3، الحاوي الكبير 76:15، المغني 100:11، الشرح الكبير 542:3.
6- الحاوي الكبير 76:5، حلية العلماء 372:3، المجموع 394:8، المغني 100:11، الشرح الكبير 542:3.
7- صحيح مسلم 1556:3-16، سنن الترمذي 88:4-1500، سنن النسائي 7: 218، سنن البيهقي 269:9 بتفاوت يسير.

و قال الأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس(1).

و يبطل بما رواه العامّة عن البراء بن عازب أنّ رجلا يقال له: أبو بردة ابن نيار، ذبح قبل الصلاة، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: (شاتك شاة لحم) فقال:

يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز، فقال صلّي اللّه عليه و آله: (ضحّ بها و لا تصلح لغيرك)(2).

و في رواية: (تجزئك و لا تجزئ أحدا بعدك)(3).

و هو نصّ في عدم إجزاء المعز لغير أبي بردة، فلا يجزئ من غير المعز، لعدم القائل بالفرق.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن علي عليه السّلام، أنّه كان يقول: «الثنيّة من الإبل و الثنيّة من البقر و من المعز، و الجذعة من الضأن»(4).

إذا عرفت هذا، فالثنيّ من البقر و المعز ما له سنة، و دخل في الثانية، و من الإبل ما له خمس سنين، و دخل في السادسة، و جذع الضأن هو الذي له ستّة أشهر.

مسألة 642: الأفضل الثنيّ من الإبل ثم الثنيّ من البقر ثم الجذع من الضأن

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(5) - لما رواه العامّة عن

ص: 312


1- الحاوي الكبير 76:15، حلية العلماء 372:3، الشرح الكبير 542:3 - 543.
2- صحيح البخاري 131:7، سنن أبي داود 96:3-97-2801 بتفاوت يسير.
3- صحيح البخاري 21:2-22، سنن البيهقي 283:3-284 بتفاوت يسير.
4- التهذيب 206:5-688.
5- المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 398:8، حلية العلماء 372:3، المغني 99:11، الشرح الكبير 540:3.

النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال في الجمعة: (من راح في الساعة الأولي فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام في الهدي: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسّه شاة»(2).

و قال مالك: الأفضل الجذع من الضأن ثم الثنيّ من البقر ثم الثنيّ من الإبل(3) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (أفضل الذبح الجذع من الضأن، و لو علم اللّه خيرا منه لفدي به إسحاق عليه السّلام)(4).

و هو محمول علي أنّه أفضل من باقي أسنان الغنم.

و الجذعة من الغنم أفضل من إخراج سبع بدنة، لأنّ إراقة الدم مقصودة في الأضحية، و إذا ضحّي بالشاة، حصلت إراقة الدم جميعه.

مسألة 643: يستحب أن يكون أملح سمينا.

قال ابن عباس في قوله تعالي وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ (5) قال: تعظيمها استسمان الهدي و استحسانه(6).

و ينبغي أن يكون تامّا، فلا تجزئ في الضحايا العوراء البيّن عورها،

ص: 313


1- صحيح مسلم 582:2-850، سنن الترمذي 372:3-499، سنن النسائي 3: 99، سنن البيهقي 226:3.
2- التهذيب 36:5-107 و فيه: «.. و أخفضه شاة».
3- التفريع 390:1، حلية العلماء 373:3، المغني 99:11، الشرح الكبير 3: 540.
4- لم نجده في المصادر الحديثية، و انظر: المغني 99:11، و الشرح الكبير 3: 540.
5- الحج: 32.
6- تفسير الطبري 113:17، المغني 99:11، الشرح الكبير 542:3.

و لا العرجاء البيّن عرجها، و لا المريضة البيّن مرضها، و لا العجفاء التي لا تنقي.

و نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يضحّي بالمصفرة و البخقاء و المستأصلة و المشيّعة و الكسراء(1).

فالمصفرة: مقطوعة الأذنين من أصلهما حتي بدا صماخهما، و الأذن عضو مستطاب، و البخقاء: العمياء، و المستأصلة: التي استؤصل قرناها، و المشيّعة: التي تتأخّر عن الغنم لهزالها، و الكسراء كالعرجاء.

و تكره الجلحاء، و هي المخلوقة بغير قرن، و هي الجمّاء، و العضباء لا تجزئ.

و قال علي عليه السّلام: «أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله باستشراف العين و الاذن، و لا نضحّي بعوراء و لا مقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء»(2).

فالمقابلة: أن تقطع من مقدّم الاذن أو يبقي معلّقا فيها، كالزنمة، و المدابرة: أن تقطع من مؤخّر الاذن، و الخرقاء: أن تكون مثقوبة من السمة، فإنّ الغنم توسم في آذانها، فتنثقب بذلك، و الشرقاء: أن تشقّ اذنها، فتصير كالشاختين(3).ه.

ص: 314


1- سنن أبي داود 97:3-2803، سنن البيهقي 275:5، مسند أحمد 185:4، المستدرك - للحاكم - 469:1.
2- سنن أبي داود 97:3-98-2804، سنن الدارمي 77:2، سنن البيهقي 9: 275.
3- كذا في الطبعة الحجرية، و في «ق، ك» بالسين المهملة، و ليس لكلا اللفظين أصل لغوي، و الصواب بالسين و الدال، أو الشين و الدال بلا فرق، من سدخ الغرّة أو شدخها، كما في لسان العرب 28:3. و المراد: تدلّي الاذن عند شدخها علي الوجه.
مسألة 644: يستحب التضحية بذوات الأرحام من الإبل و البقر و الفحولة من الغنم،

لقول الصادق عليه السّلام: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر، و قد يجزئ الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة»(1).

و لا يجوز التضحية بالثور و لا بالجمل بمني، و يجوز ذلك في الأمصار.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان إذا لم يجد(2) الإناث، و الإناث أفضل»(3).

و لا يجوز التضحية بالخصي، لنقصانه، لرواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته أ يضحّي بالخصي ؟ قال: «لا»(4).

مسألة 645: يجب ذبح البقر و الغنم، فلا يجوز نحرهما،

و يجب نحر الإبل، فلا يجوز ذبحها، فإن خالف، حرم الحيوان، عند علمائنا، و به قال مالك(5).

و جوّز الشافعي الذبح و النحر في جميع الحيوان(6).

و تجب التذكية بإزهاق الروح، و إنّما يكون بقطع الأعضاء الأربعة:

الحلقوم - و هو مجري النفس - و المري - و هو مجري الطعام و الشراب - و الودجان - و هما عرقان يحيطان بالحلقوم - عند علمائنا أجمع، و به قال

ص: 315


1- التهذيب 204:5-680.
2- في المصدر: «لم يجدوا».
3- التهذيب 205:5-683.
4- التهذيب 205:5-686.
5- بداية المجتهد 444:1، حلية العلماء 424:3.
6- روضة الطالبين 475:2، حلية العلماء 424:3، بداية المجتهد 444:1، المغني 48:11، الشرح الكبير 54:11.

مالك و أبو يوسف(1) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (ما أنهر الدم و فري الأوداج فكل)(2).

و قال أبو حنيفة: يجب قطع ثلاثة من الأربع أيّها قطع(3).

و قال محمد بن الحسن: يجب قطع أكثر كلّ واحد من الأربعة(4).

و قال الشافعي: الواجب قطع الحلقوم و المري، و استحبّ قطع الودجين(5).

مسألة 646: يستحب أن يتولّي ذبح أضحيته بنفسه،

اقتداء بالنبي(6) صلّي اللّه عليه و آله، فإن لم يحسن الذباحة، جعل يده مع يد الذابح.

و يجوز استنابة المسلم، و لو استناب كافرا، لم يجزئ، عند علمائنا، و به قال الشافعي إلاّ أن يكون ذمّيّا عنده(7).

و مالك و إن جوّزه إلاّ أنّه قال: يكون لحم شاة لا أضحية(8).

ص: 316


1- بداية المجتهد 445:1، حلية العلماء 423:3، المغني 46:11، الشرح الكبير 53:11، الحاوي الكبير 88:15.
2- أورده السرخسي في المبسوط 2:12، و الكاساني في بدائع الصنائع 41:5.
3- المبسوط - للسرخسي - 2:12، تحفة الفقهاء 68:3، بدائع الصنائع 41:5، النتف 226:1-227، الحاوي الكبير 88:15.
4- الاختيار لتعليل المختار 15:5، بدائع الصنائع 41:5، المبسوط - للسرخسي - 2:12-3.
5- الام 236:2-237، روضة الطالبين 470:2 و 471، الحاوي الكبير 15: 87-88، الوجيز 212:2، المغني 46:11، الشرح الكبير 53:11، المبسوط - للسرخسي - 3:12، تحفة الفقهاء 69:3.
6- انظر: صحيح مسلم 1556:3-1966، و سنن البيهقي 259:9 و 285، و سنن الدارمي 75:2.
7- الحاوي الكبير 91:15، روضة الطالبين 468:2، المهذّب - للشيرازي - 1: 246، المغني 117:11، الشرح الكبير 553:3.
8- المنتقي - للباجي - 89:3، المجموع 404:8، الحاوي الكبير 91:15.

و الحقّ ما قلناه، لقوله عليه السّلام: (لا يذبح ضحاياكم إلاّ طاهر)(1).

و لأنّ عليّا عليه السّلام و عمر منعا من أكل ذبائح نصاري العرب(2).

و يجوز ذبيحة الصبيان مع معرفتهم بشرائط الذبح، و يجوز ذباحة الأخرس و إن لم ينطق، نعم يجب تحريك لسانه بالتسمية.

و يجوز ذباحة النساء إجماعا، لما رواه ابن عمر أنّ جارية لآل كعب كانت ترعي غنما فرأت بشاة منها ربوا(3) ، فأخذت حجرا فكسرته و ذبحتها به، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (تؤكل)(4).

و هو يدلّ علي جواز ذبح المرأة و إن كانت حائضا، لأنّ ترك الاستفصال يشعر به، و صحّة(5) ذكاة شاة الغير بغير إذنه، و جواز الذبح بالحجر، و ذبح الحيوان إذا خيف موته.

و يجوز ذبح السكران و المجنون، للحكم بإسلامهما، لكن يكره، لعدم معرفتهما بمحلّ الذكاة، فربما قطعا غير المشترط.

و يستحب أن يتولّي الذبيحة المسلم البالغ العاقل الفقيه، لأنّه أعرف بشرائط الذبح و وقته، فإن فقد الرجل، فالمرأة، فإن فقدت، فالصبي، فإن فقد، فالسكران و المجنون.

مسألة 647: يجب استقبال القبلة عند الذبح و توجيه الذبيحة إليها،

ص: 317


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 91:15، و ابن قدامة في المغني 117:11، و في الفردوس 148:5-7779 بتفاوت يسير.
2- المهذّب - للشيرازي - 258:1، سنن البيهقي 284:9.
3- الرّبو: النّفس العالي. لسان العرب 305:14 «ربا» و المراد: ما أشفي علي الموت.
4- صحيح البخاري 119:7، سنن البيهقي 281:9 نحوه.
5- «و صحّة» عطف علي مدخول حرف الجرّ. و كذا ما بعدها.

لأنّه عليه السّلام ضحّي بكبشين، فلمّا وجّههما قرأ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ (1)(2).

و تجب فيها التسمية، لقوله تعالي وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3).

و لا تكره الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله عند الذبيحة مع التسمية، بل هي مستحبّة - و به قال الشافعي(4) - لأنّه شرّع فيه ذكر اللّه تعالي فشرّع فيه ذكر رسوله صلّي اللّه عليه و آله، كالأذان.

و قال أحمد: ليس بمشروع(5).

و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه مكروه(6) ، لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (موطنان لا أذكر فيهما: عند الذبيحة و عند العطاس)(7).

و مراده لا اذكر فيهما مع اللّه تعالي علي الوجه الذي يذكر معه في غيرهما، فإنّ في الأذان يشهد للّه بالتوحيد، و يشهد للنبي بالرسالة، و كذا في شهادة الإسلام و الصلاة، و هنا يسمّي اللّه تعالي، و يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الصلاة ليست من جنس التسمية و كذا العطاس، فإنّ المروي فيه أنّه يسمّي5.

ص: 318


1- الأنعام: 79.
2- سنن أبي داود 95:3-2795، سنن ابن ماجة 1043:2-3121، سنن البيهقي 285:9.
3- الأنعام: 121.
4- الام 239:2، الحاوي الكبير 95:15-96، حلية العلماء 375:3، المجموع 410:8، المغني 6:11.
5- المغني 6:11، حلية العلماء 375:3.
6- الحاوي الكبير 96:15، المجموع 410:8، حلية العلماء 375:3، المدوّنة الكبري 66:2.
7- أورده ابن قدامة في المغني 6:11، و الماوردي في الحاوي الكبير 96:15.

اللّه تعالي و يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله(1).

و يستحب الدعاء بالمنقول.

و لو نسي التسمية، لم تحرم، و يستحب أن يسمّي عند أكله.

قال ابن سنان - في الصحيح -: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «إذا ذبح المسلم و لم يسمّ و نسي فكل من ذبيحته، و سمّ اللّه علي ما تأكل»(2).

مسألة 648: إذا ذبحها، قطع الأعضاء الأربعة السابقة، و لا يقطع رأسها

إلي أن تموت، فإن قطعه، فقولان:

أحدهما: التحريم - و به قال سعيد بن المسيّب(3) - لأنّها ماتت من جرحين: أحدهما مبيح، و الآخر محرّم، فلا تحلّ.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لا تنخعها حتي تموت»(4).

و الآخر: الحلّ، لأنّها بقطع الأعضاء الأربعة تكون مذكّاة، فلا أثر للزائدة، لحصوله و الحياة غير مستقرّة.

و لو ذبحها من قفاها، سمّيت القفية، فإن بقيت حياتها مستقرّة بعد قطع قفاها ثم قطعت الأعضاء، حلّت، و إلاّ فلا، و به قال الشافعي(5).

و قال مالك و أحمد: لا تحلّ(6).

ص: 319


1- الكافي 479:2-9، و 480-17 و 22.
2- التهذيب 222:5-747.
3- الحاوي الكبير 98:15، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 53:6، المسألة 13.
4- الكافي 498:4-6، الفقيه 299:2-300-1489، التهذيب 221:5-746.
5- الحاوي الكبير 99:15، روضة الطالبين 471:2، المهذّب - للشيرازي - 1: 259، المجموع 87:9 و 91، حلية العلماء 424:3، المغني 51:11، الشرح الكبير 56:11.
6- الحاوي الكبير 99:15، حلية العلماء 424:3، المغني 51:11، الشرح الكبير 56:11.

و روي العامّة عن علي عليه السّلام أنّه إن كان سهوا حلّت، و إلاّ فلا(1).

و يعرف استقرار الحياة بوجود الحركة القويّة بعد قطع العنق قبل قطع المري و الودجين و الحلقوم، و لو كانت ضعيفة أو لم تتحرّك، لم تحلّ، لاجتماع فعل يدلّ علي الإباحة و آخر يدلّ علي التحريم، و لأنّ الظاهر من حال الحيوان إذا قطع رأسه من قفاه لا تبقي فيه حياة مستقرّة قبل قطع الأعضاء الأربعة.

و تكره الذباحة ليلا في الأضحية و غيرها، لنهيه عليه السّلام عنها(2) ، و لا نعلم فيه خلافا، فلو ذبحها ليلا، أجزأه، لأنّ الليل محلّ الرمي، فكان محلّ الذبح، كالنهار.

و قال مالك: لا تجزئه و يكون لحم شاة(3) ، لقوله تعالي وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلي ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ (4) و الأيّام تطلق علي بياض النهار دون الليل.

و هو ممنوع، فإنّ الأيّام إذا اجتمعت، دخلت الليالي فيها، و لهذا تدخل في الاعتكاف لو نذر ثلاثة أيّام.

مسألة 649: يستحب الأكل من الأضحية

إجماعا.

و قال بعضهم بوجوبه(5) ، للآية(6) ، فإنّه قرن الأكل بالإطعام.

ص: 320


1- الحاوي الكبير 99:15.
2- كما في المغني 116:11، و الشرح الكبير 557:3.
3- المدوّنة الكبري 73:2، الحاوي الكبير 114:15، المجموع 391:8، المغني 115:11، الشرح الكبير 557:3.
4- وردت في نسختي «ق، ك» و الطبعة الحجرية الآية 34 من سورة الحج، و هي لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلي ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ و أثبتنا في المتن الآية 28 من نفس السورة، لأجل السياق.
5- المغني 110:11، الحاوي الكبير 117:15، روضة الطالبين 492:2، المجموع 414:8، حلية العلماء 375:3.
6- الحج: 28.

و هو غير دالّ علي الوجوب كما في قوله تعالي كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (1) فالإيتاء واجب دون الأكل.

و يجوز أن يأكل الأكثر، و يتصدّق بالأقلّ.

قال الشيخ: فإن أكل الجميع، ضمن الفقراء قدر المجزئ(2). و به قال الشافعي(3) ، للآية(4).

و قال بعض الشافعية: لا يضمن، و تكون القربة في الذبح خاصّة(5).

و يستحب أن يأكل الثلث، و يتصدّق بالثلث، و يهدي الثلث - و هو الجديد للشافعي(6) - لقوله تعالي فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (7) القانع: السائل، و المعترّ: غير السائل.

و في القديم: يأكل النصف، و يتصدّق بالنصف(8) ، لقوله تعالي:

فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (9) .8.

ص: 321


1- الأنعام: 141.
2- المبسوط - للطوسي - 393:1.
3- الحاوي الكبير 118:15، المهذّب - للشيرازي - 247:1، روضة الطالبين 2: 491، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.
4- الحج: 28.
5- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، روضة الطالبين 491:2، الحاوي الكبير 118:15، حلية العلماء 376:3.
6- الام 217:2، المهذّب - للشيرازي - 246:1، المجموع 415:8، روضة الطالبين 492:2، الحاوي الكبير 116:15، حلية العلماء 376:3، الشرح الكبير 587:3.
7- الحج: 36.
8- المهذّب - للشيرازي - 246:1، المجموع 415:8، روضة الطالبين 492:2، الحاوي الكبير 117:15، حلية العلماء 376:3، الشرح الكبير 587:3.
9- الحج: 28.

و لا ينافي الإهداء الثابت بالآية الأخري.

مسألة 650: لا يجوز بيع لحم الأضاحي

- و به قال الشافعي و أكثر العامّة(1) - لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه، و استحقّها المساكين.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيعه و شراؤه(2).

و يكره بيع جلودها و إعطاؤها الجزّارين، فإن باعها، تصدّق بثمنه.

و منع الشافعي من بيعه(3) ، و به قال أبو هريرة(4).

و قال عطاء: لا بأس ببيع أهب الأضاحي(5).

و قال الأوزاعي: يجوز بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية، كالقدر و القدوم(6) و المنخل و الميزان(7).

لنا: ما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن أقوم علي بدنه و أقسّم جلودها و جلالها و لا اعطي الجزّارين منها شيئا»(8).

و من طريق الخاصّة: قول معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل

ص: 322


1- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 419:8-420، روضة الطالبين 2: 490، الحاوي الكبير 119:15، حلية العلماء 378:3، المغني 112:11.
2- تحفة الفقهاء 88:3، حلية العلماء 379:3، المجموع 420:8، المغني 11: 112.
3- المجموع 420:8، روضة الطالبين 493:2، الحاوي الكبير 120:15، حلية العلماء 378:3، المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
4- المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
5- الحاوي الكبير 120:15، حلية العلماء 379:3.
6- القدوم: التي ينحت بها. لسان العرب 471:12 «قدم».
7- المجموع 420:8، حلية العلماء 379:3، الحاوي الكبير 120:15، المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
8- صحيح البخاري 210:2-211، صحيح مسلم 954:2-1317، سنن البيهقي 241:5 بتفاوت يسير.

الصادق عليه السّلام: عن الإهاب، فقال: «تصدّق به أو تجعله مصلّي ينتفع به في البيت و لا يعطي الجزّارين»(1).

و روي علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّي بها أن يجعلها جرابا؟ قال:

«لا يصلح أن يجعلها جرابا إلاّ أن يتصدّق بثمنها»(2).

و لا يجوز أن يعطي الجزّار لجزارته، لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها، فكانت الأجرة عليه، و يوصل ذلك إلي الفقراء، و لو كان الجزّار فقيرا، جاز أن يأخذ منها شيئا لفقره، لأنّه من المستحقّين.

مسألة 651: يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام و ادّخارها،

و قد نسخ بذلك النهي عنها.

روي العامّة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث، ثم أذن لنا أن نأكل و نقدّد و نهدي إلي أهالينا(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر و الصادق عليهما السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها، قال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادّخروا»(4).

و يكره أن يخرج شيئا ممّا يضحّيه عن مني، بل يفرّق بها، لقول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «لا يخرج منه شيء إلاّ السنام بعد ثلاثة أيّام»(5).

ص: 323


1- التهذيب 228:5-771، الاستبصار 276:2-980.
2- التهذيب 228:5-773، الاستبصار 276:2-982.
3- الموطّأ 484:2-6، صحيح مسلم 1562:3-29، سنن البيهقي 291:9 نحوه.
4- التهذيب 226:5-763، الاستبصار 274:2-972 بتفاوت يسير.
5- التهذيب 226:5-765، الاستبصار 274:2-974.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي»(1).

و لا بأس بإخراج لحم ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه.

و يكره أن يضحّي بما يربّيه.

مسألة 652: إذا تعذّرت الأضحية، تصدّق بثمنها،

فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلي و الأوسط و الأدون، و تصدّق بثلث الجميع، لأنّ أبا الحسن عليه السّلام وقّع إلي هشام المكاري: «انظروا إلي الثمن الأوّل و الثاني و الثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه»(2).

و إذا اشتري شاة تجزئ في الأضحية بنيّة أنّها أضحية، قال الشيخ:

تصير أضحية بذلك، و لا يحتاج إلي قوله: إنّها أضحية، و لا إلي نيّة مجدّدة، و لا إلي إشعار و لا تقليد(3) - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّه مأمور بشراء الأضحية، فإذا اشتراها بالنيّة، وقعت عنها، كالوكيل إذا اشتري لموكّله بأمره.

و قال الشافعي في الجديد: لا تصير أضحية إلاّ بقوله: قد جعلتها أضحية، أو: هي أضحية، و ما أشبهه - و في القديم: تصير أضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد - لأنّها إزالة ملك علي وجه القربة، فلا تؤثّر فيها النيّة المقارنة للشراء، كما لو اشتري عبدا بنيّة العتق(5).

إذا ثبت هذا، فإذا عيّن الأضحية بما يصحّ به التعيين، زال ملكه عنها.

ص: 324


1- التهذيب 226:5-766، الاستبصار 275:2-975.
2- التهذيب 238:5-239-805.
3- المبسوط - للطوسي - 390:1.
4- حلية العلماء 374:3، المجموع 426:8، المغني 107:11، الشرح الكبير 560:3.
5- روضة الطالبين 477:2، المجموع 423:8 و 425، الحاوي الكبير 100:15 - 101، المغني 107:11، الشرح الكبير 560:3.

و هل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة و محمد: نعم له ذلك، و لا يزول ملكه عنها(1).

و قال الشافعي: لا يجوز له إبدالها، و قد زال ملكه عنها(2). و به قال أبو يوسف و أبو ثور(3) ، و هو ظاهر كلام الشيخ(4) ، لما روي عن علي عليه السّلام أنّه قال: «من عيّن أضحية فلا يستبدل بها»(5).

و احتجّ أبو حنيفة: بأنّ النبي عليه السّلام أهدي هدايا فأشرك عليّا عليه السّلام فيها(6) ، و هو إنّما يكون بنقلها إليه.

و يجوز أن يكون عليه السّلام وقت السياق نوي أنّها عنه و عن علي عليه السّلام.

فعلي قول التعيين يزول ملكها عن المالك، و يفسد بيعها، و يجب ردّها مع بقائها، و إن تلفت، فعلي المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلي حين التلف، و علي البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلي حين التلف أو مثلها يوم التضحية. و كذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت، أو ذبحها قبل وقت الأضحية. هذا اختيار الشافعي(7).3.

ص: 325


1- المبسوط - للسرخسي - 13:12، المغني 112:11، الشرح الكبير 561:3، الحاوي الكبير 101:15.
2- روضة الطالبين 479:2، الحاوي الكبير 101:15، المغني 113:11، الشرح الكبير 562:3.
3- الحاوي الكبير 101:15، المغني 113:11، الشرح الكبير 562:3.
4- الخلاف 55:6، المسألة 16، المبسوط - للطوسي - 391:1.
5- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب الضحايا، ذيل المسألة 16، و الماوردي في الحاوي الكبير 102:15.
6- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074.
7- الحاوي الكبير 105:15، روضة الطالبين 481:2، المجموع 371:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 570:3.

و قال الشيخ رحمه اللّه: قيمتها يوم التلف(1). و به قال أبو حنيفة(2) ، لأنّه أتلف الأضحية، فلزمه قيمتها، كالأجنبي.

و احتجّ الشافعي: بأنّها أضحية مضمونة عليه لحقّ اللّه تعالي و حقّ المساكين، لوجوب نحرها و تفرقة لحمها، و لا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين، وجب شراء أضحية لعشرين ليوفي حقّ اللّه تعالي و هو نحرها، بخلاف الأجنبي، فإنّه لا يلزمه حقّ اللّه تعالي فيها. و فيه قوّة.

فإن أمكنه أن يشتري بها أضحيتين، كان عليه إخراجهما معا.

و لو فضل جزء حيوان يجزئ في الأضحية - كالسّبع - فعليه شراؤه، لإمكان صرفه في الأضحية، فلزمه، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعا. و لو تصدّق بالفاضل، جاز، لكنّ الأوّل أفضل. و لو قصر الفاضل عن السّبع، تصدّق به.

و لو كان المتلف أجنبيّا، فعليه القيمة يوم الإتلاف، فإن أمكن أن يشتري بها أضحية أو أكثر، فعلي ما تقدّم، و إلاّ جاز شراء جزء حيوان الأضحية، فإن قصر، تصدّق به، و لا شيء علي المضحّي، لأنه غير مفرّط.

و لو تلفت الأضحية في يده أو سرقت من غير تفريط، لم يضمن، و قد سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل اشتري أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: «لا بأس و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شيء»(3).3.

ص: 326


1- المبسوط - للطوسي - 391:1.
2- المغني 104:11، الشرح الكبير 570:3، الحاوي الكبير 105:15، المجموع 371:8.
3- الكافي 493:4-494-2، التهذيب 217:5-218-733.

و الفرق بينه و بين منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه، فإنّه ظاهر لا يضمنه، لأنّ الحقّ في الأضحية للفقراء و هم باقون بعد تلفها، و الحقّ في عتق العبد له، فإذا تلف، لم يبق مستحقّ لذلك، فسقط الضمان، فافترقا.

و لو اشتري شاة و عيّنها للأضحية ثم وجد بها عيبا، لم يكن له ردّها، لزوال ملكه عنها، و يرجع بالأرش، فيصرفه في المساكين، و لو أمكنه أن يشتري به حيوانا أو جزءا منه مجزيا في الأضحية، كان أولي.

مسألة 653: إذا عيّن أضحيّة، ذبح معها ولدها،

سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعد ذلك، لأنّ التعيين معني يزيل الملك عنها، فاستتبع الولد، كالعتق.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعا»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها، عند علمائنا، و به قال الشافعي(2) ، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام لمّا رأي رجلا يسوق بدنة معها ولدها، فقال: «لا تشرب من لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فاحلبها ما لا يضرّ بولدها»(4).

ص: 327


1- الكافي 493:4-2، التهذيب 220:5-741.
2- حلية العلماء 364:3-365، الحاوي الكبير 108:15، روضة الطالبين 2: 494، المجموع 367:8، المغني 106:11، الشرح الكبير 565:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 243:1، الحاوي الكبير 108:15، سنن البيهقي 9: 288.
4- الكافي 493:4-2، التهذيب 220:5-741.

و قال أبو حنيفة: لا يحلبها، و يرشّ علي الضرع الماء حتي ينقطع اللبن، لأنّ اللبن متولّد من الأضحية، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به، كالولد(1).

و الفرق: إمكان حمل الولد إلي محلّه، بخلاف اللبن.

و الأفضل أن يتصدّق به.

و يجوز له ركوب الأضحية، لقوله تعالي لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي (2).

مسألة 654: إذا أوجب أضحية بعينها و هي سليمة فعابت عيبا يمنع الإجزاء من غير تفريط، لم يجب إبدالها،

و أجزأه ذبحها، و كذا حكم الهدايا، لأصالة براءة الذمّة. و لأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها.

و قال أبو حنيفة: لا تجزئه(3).

و لو كانت واجبة عليه علي التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح، أجزأه أيضا، و به قال أبو حنيفة استحسانا(4).

و قال الشافعي: لا يجزئه(5).

أمّا لو نذر أضحية مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب، فإن عيّنها في شاة بعينها، تعيّنت، فإن عابت قبل أن ينحرها عيبا يمنع الإجزاء - كالعور - لم تجزئه عن التي في ذمّته، و عليه إخراج ما في ذمّته سليما من العيوب.

ص: 328


1- الحاوي الكبير 108:15، المغني 106:11، الشرح الكبير 565:3.
2- الحجّ: 33.
3- المغني 104:11، الشرح الكبير 573:3، حلية العلماء 380:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 17:12، المجموع 404:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 574:3.
5- المجموع 404:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 574:3.

و لو عيّن أضحية ابتداء و بها ما يمنع من الأضحية الشرعية - كالعور - أخرجها علي عيبها، لزوال ملكه عنها بالنذر و لم تكن أضحية، بل صدقة واجبة، فيجب ذبحها، و يتصدّق بلحمها، و يثاب علي الصدقة لا علي الأضحية.

و لو عيّنها معيبة ثم زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف، فإنّها لا تقع موقع الأضحية، لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الأضحية، فزال ملكه عنها، و انقطع تصرّفه حال كونها غير أضحية، فلا تجزئ، لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب، لزوال الملك به، و لهذا لو عابت بعد التعيين، لم يضرّه ذلك، و أجزأ عنه. و كذا لو كانت معيبة فزال عيبها، لم تجزئه.

مسألة 655: لو ضلّت الأضحية المعيّنة من غير تفريط، لم يضمن،

لأنّها أمانة، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق، ذبحها، و كانت أداء، و بعد فواتها يذبحها قضاء، قاله الشيخ(1) ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: لا يذبحها بل يسلّمها إلي الفقراء، فإن ذبحها، فرّق لحمها، و عليه أرش النقصان بالذبح(3).

و ليس بجيّد، لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي، و لهذا لا يكفي شراء اللحم، فلا يسقط بفوات وقته، كتفرقة اللحم، و ذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها، فإنّه يفرّقها بعد ذلك.

احتجّ: بأنّ الذبح موقّت، فسقط بفوات وقته، كالرمي و الوقوف(4).

ص: 329


1- المبسوط - للطوسي - 392:1، و انظر: الخلاف 59:6، المسألة 20.
2- الحاوي الكبير 110:15-111، روضة الطالبين 487:2، المجموع 8: 397.
3- المغني 116:11، الحاوي الكبير 111:15.
4- انظر: المغني 116:11.

و الفرق: أنّ الأضحية لا تسقط بفوات الوقت، بخلاف الرمي و الوقوف.

و لو أوجب أضحية في عام فأخّرها إلي قابل، كان عاصيا، و أخرجها قضاء.

و لو ذبح أضحية غيره، المعيّنة، أجزأت عن صاحبها، و ضمن الأرش - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي، فإذا فعله شخص بغير إذن المضحّي، ضمن، كتفرقة اللحم.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه شيء، لأنّ الأضحية أجزأت عنه و وقعت موقعها، فلم يجب علي الذابح ضمان الذبح، كما لو أذن له(2).

و الفرق: أنّ مع عدم الإذن يعصي فيضمن.

و قال مالك: لا تقع موقعها، و تكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها، و يكون له أرشها، لأنّ الذبح عبادة، فإذا فعلها غيره بغير إذنه، لم تصح، كالزكاة(3).

و نمنع احتياجها إلي نيّة كإزالة النجاسة، بخلاف الزكاة، و لأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلاّ بإخراج المالك، بخلاف المعيّنة.

و إذا أخذ الأرش، صرفه إلي الفقراء، لأنّه وجب لنقص في الأضحية المتعيّنة لهم، و يتخيّر بين الصدقة به و شراء حيوان أو جزء للأضحية.

مسألة 656: تجزئ الأضحية عن سبعة،

و كذا الهدي المتطوّع به، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم، و سواء كانوا أهل بيت

ص: 330


1- الحاوي الكبير 112:15، روضة الطالبين 482:2-483، المغني 118:11.
2- المغني 118:11، الحاوي الكبير 112:15.
3- المغني 118:11، الحاوي الكبير 112:15-113، حلية العلماء 367:3.

واحد أو لم يكونوا، و به قال الشافعي و مالك، إلاّ أنّ مالكا اشترط كونهم أهل بيت واحد(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين(2). و قد سلف(3).

و العبد القنّ و المدبّر و أمّ الولد و المكاتب المشروط لا يملكون شيئا، فإن ملّكهم مولاهم شيئا، ففي ثبوت ذلك قولان: الأقوي: العدم، فلا تجوز لهم أضحية.

و علي قول ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا، و لو ضحّوا من غير إذن سيّدهم، لم يجز.

و لو انعتق بعضه و ملك بجزء الحرّيّة أضحية، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن.9.

ص: 331


1- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 398:8، روضة الطالبين 467:2، حلية العلماء 379:3، الحاوي الكبير 123:15، المغني 119:11.
2- المبسوط - للسرخسي - 144:4، المغني 119:11-120، حلية العلماء 3: 379، الحاوي الكبير 123:15.
3- تقدّم في ص 282، المسألة 619.

ص: 332

الفصل السادس في الحلق و التقصير
مسألة 657: إذا ذبح الحاجّ هديه، وجب عليه الحلق أو التقصير بمني يوم النحر،

عند علمائنا، و هو نسك عندنا - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقوله تعالي:

مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (2) و لو لم يكن نسكا، لم يصفهم اللّه تعالي به، كالطيب و اللّبس.

و لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت و بين الصفا و المروة و قصّروا)(3) و الأمر للوجوب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك»(4) و الأمر للوجوب أو للقدر الدالّ علي استحقاق الثواب، فيكون عبادة لا مباحا صرفا.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله داوم عليه هو و أصحابه و فعلوه في حجّهم و عمرتهم، و لو لم يكن نسكا لم يداوموا عليه و لا خلوا به في أكثر الأوقات

ص: 333


1- المنتقي - للباجي - 31:3، المبسوط - للسرخسي - 70:4، بدائع الصنائع 2: 140، الوجيز 121:1، فتح العزيز 374:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 205:8 و 208، الحاوي الكبير 161:4، روضة الطالبين 381:2، المغني و الشرح الكبير 467:3.
2- الفتح: 27.
3- صحيح البخاري 176:2، سنن البيهقي 356:4، الشرح الكبير 468:3.
4- التهذيب 240:5-808.

و لم يفعلوه إلاّ نادرا، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه، و لا فيه فضل فيفعلوه.

و قال الشافعي و أحمد [في الرواية الأخري](1): أنّه إطلاق محظور لا نسك، لقوله عليه السّلام لمّا سعي بين الصفا و المروة: (من كان منكم ليس معه هدي فليحلّ و ليجعلها عمرة)(2) و أمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق و التقصير(3).

و هو ممنوع، لأنّ المعني: فليحلّ بالتقصير أو الحلق.

مسألة 658: يتخيّر الحاجّ بين الحلق و التقصير أيّهما فعل أجزأه،

عند أكثر علمائنا(4) - و به قال أبو حنيفة(5) - لقوله تعالي مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (6) و الجمع غير مراد، فيتعيّن التخيير.

و ما رواه العامّة من أنّه كان مع النبي صلّي اللّه عليه و آله من قصّر و لم ينكر عليه السّلام عليه(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم الحديبية: اللّهم اغفر للمحلّقين، مرّتين، قيل: و للمقصّرين

ص: 334


1- أضفناها لأجل السياق.
2- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-1024-3074.
3- المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 205:8 و 208، فتح العزيز 374:7، الحاوي الكبير 161:4، روضة الطالبين 381:2، المغني و الشرح الكبير 467:3.
4- منهم ابن إدريس في السرائر: 141، و المحقّق في المختصر النافع: 92.
5- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3.
6- الفتح: 27.
7- صحيح البخاري 213:2، صحيح مسلم 945:2-1301، سنن الترمذي 3: 256-913، سنن البيهقي 103:5.

يا رسول اللّه ؟ قال: و للمقصّرين»(1).

و قال الشيخان رحمهما اللّه: إن كان الحاجّ صرورة، وجب الحلق، و كذا من لبّد شعره في الإحرام و إن لم يكن صرورة(2). و به قال الحسن البصري و مالك و الشافعي و النخعي و أحمد و إسحاق(3) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال:

(من لبّد فليحلق)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «علي الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام»(5).

و هو محمول علي الندب.

و قال ابن عباس: من لبّد أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو علي ما نوي، يعني أنّه إن نوي الحلق فليحلق، و إلاّ فلا يلزمه(6).

و تلبيد الشعر في الإحرام: أن يأخذ عسلا أو صمغا، و يجعله في رأسه لئلاّ يقمل أو يتّسخ.

إذا عرفت هذا، فالحلق أفضل إجماعا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: (رحم اللّه المحلّقين) ثلاثا، ثم قال: (و المقصّرين) مرّة(7). و زيادة الترحّم تدلّ علي الأولويّة.4.

ص: 335


1- التهذيب 243:5-822.
2- المقنعة: 66، النهاية: 262-263.
3- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3، المدوّنة الكبري 402:1، المنتقي - للباجي - 34:3، المجموع 206:8 و 218.
4- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3، سنن البيهقي 135:5، الكامل - لابن عدي - 1870:5.
5- الكافي 503:4-7، التهذيب 243:5-819.
6- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3.
7- صحيح مسلم 946:2-318، سنن ابن ماجة 1012:2-3044.

و الحلق للملبّد و الصرورة آكد فضلا من غيرهما.

و المرأة لا حلق عليها، و يجزئها من التقصير قدر الأنملة، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها(2) مقدار الأنملة»(3).

و يجزئ من التقصير ما يقع عليه اسمه، لأصالة براءة الذمة، و سواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه.

مسألة 659: يجب في الحلق و التقصير: النيّة،

لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور.

و يستحب لمن يحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن و يحلق إلي العظمين إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دعا بالحلاّق، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة و الشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: (هاهنا أبو طلحة ؟) فدفعه إلي أبي طلحة(4).

و من طريق الخاصّة: عن الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: أنّه أمر الحلاّق أن يدع الموسي علي قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق و سمّي هو و قال:

«اللّهم أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة»(5).

ص: 336


1- سنن الترمذي 257:3-914، سنن النسائي 130:8.
2- في المصدر: لعمرتها.
3- التهذيب 244:5-824.
4- سنن أبي داود 203:2-1981.
5- التهذيب 244:5-826.
مسألة 660: من لا شعر علي رأسه لا حلق عليه إجماعا،

بل يمرّ الموسي علي رأسه إجماعا.

و لأنّ رجلا من خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له الصادق عليه السّلام، فأمر أن يلبّي عنه و يمرّ الموسي علي رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه(1).

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: إنّ هذا الإمرار واجب، لقوله عليه السّلام:

(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(2) و هذا لو كان له شعر، لوجب عليه إزالته و إمرار الموسي علي رأسه، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل(3).

و قول الصادق عليه السّلام يدلّ عليه، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب.

و قال أكثر العامّة: إنّه للاستحباب، لأنّ محلّ الحلق الشعر، فيسقط بفوات محلّه(4).

مسألة 661: لو ترك الحلق و التقصير معا حتي زار البيت، فإن كان عامدا، وجب عليه دم شاة، و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه،

و عليه إعادة الطواف و السعي، لأنّه نسك أخّره عمدا عن محلّه، فلزمه الدم.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السّلام: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة»(5).

ص: 337


1- الكافي 504:4-13، التهذيب 244:5-828.
2- صحيح البخاري 117:9، سنن الدار قطني 281:2-204، مسند أحمد 508:2.
3- المبسوط - للسرخسي - 70:4، بدائع الصنائع 140:2، المغني 469:3، الشرح الكبير 465:3، فتح العزيز 379:7، المجموع 212:8.
4- المغني 469:3، الشرح الكبير 465:3، فتح العزيز 378:7، المجموع 212:8.
5- التهذيب 240:5-809.

و سأل محمّد بن حمران الصادق عليه السّلام: عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسيا»(1).

و سأل علي بن يقطين - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام: عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتي زارت البيت و طافت وسعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟ قال: «لا بأس يقصّر و يطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شيء»(2).

مسألة 662: لو رحل من مني قبل الحلق، رجع و حلق بها أو قصّر

واجبا مع الاختيار، و لو لم يتمكّن من الرجوع، حلق مكانه، و ردّ شعره إلي مني ليدفن هناك، و لو لم يتمكّن، لم يكن عليه شيء، لأنّه قد ترك نسكا واجبا، فيجب عليه الإتيان به و تداركه مع المكنة.

و سأل الحلبي - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتي ارتحل من مني، قال: «يرجع إلي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا»(3).

[و عن أبي بصير، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتي ارتحل من مني، قال: «فليرجع إلي مني حتي يحلق شعره بها أو يقصّر،](4) و علي الصرورة أن يحلق»(5).

ص: 338


1- التهذيب 240:5-810.
2- التهذيب 241:5-811.
3- التهذيب 241:5-812، الاستبصار 285:2-1011.
4- حيث إنّ قوله عليه السّلام الآتي: «و علي الصرورة أن يحلق» ليس من تتمّة رواية الحلبي، السابقة، و إنّما من تتمّة رواية أبي بصير، فلذلك أثبتنا صدرها في المتن من التهذيب و الاستبصار.
5- التهذيب 241:5-813، الاستبصار 285:2-1012.

و قال الصادق عليه السّلام في رجل زار و لم يحلق رأسه، قال: «يحلقه بمكّة، و يحمل شعره إلي مني، و ليس عليه شيء»(1).

إذا عرفت هذا، فإذا حلق رأسه بمني، استحبّ له أن يدفن شعره بها، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «كان علي بن الحسين - عليهما السّلام - يدفن شعره في فسطاطه بمني و يقول: كانوا يستحبّون ذلك»، قال: و كان الصادق عليه السّلام يكره أن يخرج الشعر من مني و يقول: «من أخرجه فعليه أن يردّه»(2).

مسألة 663: يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره و يأخذ من شاربه،

و لا نعلم فيه خلافا.

قال ابن المنذر: ثبت أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لمّا حلق رأسه قلّم أظفاره(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك»(4).

و وقت الحلق يوم النحر إجماعا، فلا يجوز قبله.

قال اللّه تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (5).

و يجب أن يؤخّره عن الذبح و الرمي، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجبا، عند أكثر علمائنا(6) - و به قال مالك و الشافعي في أحد القولين، و أبو حنيفة و أحمد(7) - لقوله تعالي:

ص: 339


1- التهذيب 242:5-817، الاستبصار 286:2-1016.
2- التهذيب 242:5-815، الإستبصار 286:2-1014.
3- المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3، المجموع 218:8.
4- التهذيب 240:5-808.
5- البقرة: 196.
6- منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 180، و المحقّق في المختصر النافع: 92.
7- انظر حلية العلماء 343:3، و المجموع 207:8، و فتح العزيز 381:7، و المغني 479:3، و الشرح الكبير 470:3.

اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ (1) .

و ما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رتّب هذه المناسك(2) ، و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية موسي بن القاسم عن علي قال: «لا يحلق رأسه و لا يزور حتي يضحّي فيحلق رأسه و يزور متي شاء»(4).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر في الخلاف: ترتيب هذه المناسك مستحب و ليس بفرض(5) ، و به قال أبو الصلاح(6) ، و هو القول الثاني للشافعي(7) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: جاء رجل إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله بمني يوم النحر، فقال له: زرت قبل أن أرمي، فقال له: (ارم و لا حرج) فقال: ذبحت قبل أن أرمي، فقال: (ارم و لا حرج) فما سئل يومئذ عن شيء قدّمه رجل و لا أخّره إلاّ قال له: (افعل و لا حرج)(8) و لم يفصّل بين العالم و الجاهل، فدلّ علي عدم الوجوب.

و من طريق الخاصّة: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الجواد عليه السّلام، قال له: جعلت فداك إنّ رجلا من أصحابنا رمي الجمرة يوم النحر و حلق قبل أن يذبح، فقال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أتاه طوائف من المسلمين،ة.

ص: 340


1- البقرة: 196.
2- سنن أبي داود 203:2-1981، المغني 479:3، الشرح الكبير 470:3.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- التهذيب 236:5-795، الاستبصار 284:2-1006.
5- الخلاف 345:2، المسألة 168.
6- الكافي في الفقه: 200-201.
7- الامّ 215:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 186:4، فتح العزيز 7: 379-380، روضة الطالبين 383:2، المجموع 207:8، حلية العلماء 343:3.
8- صحيح البخاري 212:2، سنن الدار قطني 254:2-78، سنن البيهقي 5: 142 و 143، شرح معاني الآثار 238:2 بتفاوت و نقيصة.

فقالوا: يا رسول اللّه ذبحنا من قبل أن نرمي و حلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شيء ممّا ينبغي أن يقدّموه إلاّ أخّروه، و لا شيء ممّا ينبغي أن يؤخّروه إلاّ قدّموه، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا حرج»(1).

و هو محمول علي الناسي.

و علي القول بوجوب الترتيب فإنّه ليس شرطا و لا تجب بالإخلال به كفّارة، لأصالة البراءة، و لما تقدّم في الأحاديث السابقة.

و قال الشافعي: إن قدّم الحلق علي الذبح، جاز، و إن قدّم الحلق علي الرمي، وجب الدم إن قلنا: إنّه إطلاق محظور، لأنّه حلق قبل أن يتحلّل، و إن قلنا: إنّه نسك، فلا شيء عليه، لأنّه أحد ما يتحلّل به(2).

و قال أبو حنيفة: إن قدّم الحلق علي الذبح، لزمه دم إن كان قارنا أو متمتّعا، و لا شيء عليه إن كان مفردا(3).

و قال مالك: إن قدّم الحلق علي الذبح، فلا شيء عليه، و إن قدّمه علي الرمي، وجب الدم(4).

مسألة 664: لو بلغ الهدي محلّه و لم يذبح، قال الشيخ: يجوز له أن يحلق

مسألة 664: لو بلغ الهدي محلّه و لم يذبح، قال الشيخ: يجوز له أن يحلق(5) ،

لقوله تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6)

ص: 341


1- الكافي 504:4-2، التهذيب 236:5-796، الاستبصار 284:2-1008، و فيها بزيادة «لا حرج» مكرّرا.
2- فتح العزيز 380:7-381، الحاوي الكبير 186:4 و 187، روضة الطالبين 383:2، حلية العلماء 343:3، المجموع 207:8 و 216.
3- حلية العلماء 343:3، المجموع 216:8.
4- المدوّنة الكبري 418:1، بداية المجتهد 352:1، حلية العلماء 343:3، المجموع 216:8، المغني 481:3، الشرح الكبير 472:3.
5- المبسوط - للطوسي - 374:1.
6- البقرة: 196.

و قال تعالي ثُمَّ مَحِلُّها إِلَي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها(2) و صارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق»(3).

قال أبو الصلاح: يجوز له تأخير الحلق إلي آخر أيّام التشريق(4) - و هو حسن، لكن لا يجوز له أن يقدّم زيارة البيت عليه - و به قال عطاء و أبو ثور و أبو يوسف(5) ، لأنّ اللّه تعالي بيّن أوّله بقوله حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6) و لم يبيّن آخره، فمتي فعله أجزأه، كالطواف للزيارة و السعي.

مسألة 665: يوم الأكبر هو يوم النحر.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في خطبته يوم النحر: (هذا يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (7).

و سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، قال: «هو يوم النحر، و الأصغر العمرة»(8).

و سمّي بالأكبر، لكثرة أفعال الحجّ فيه من الوقوف بالمشعر و الدفع منه إلي مني و الرمي و النحر و الحلق و طواف الإفاضة و الرجوع إلي مني للمبيت بها، و ليس في غيره من الأيّام مثل ذلك، و هو مع ذلك يوم عيد

ص: 342


1- الحج: 33.
2- قمطتها: أي شددتها بالقماط، و هو: حبل يشدّ به قوائم الشاة للذبح. مجمع البحرين 270:4 «قمط».
3- التهذيب 235:5-236-794، الإستبصار 284:2-1007.
4- الكافي في الفقه: 201.
5- المغني 469:3، المجموع 209:8.
6- البقرة: 196.
7- صحيح البخاري 217:2، المستدرك - للحاكم - 331:2، سنن ابن ماجة 2: 1016-3058، سنن أبي داود 195:2-1945، سنن البيهقي 139:5.
8- الكافي 290:4-1، الفقيه 292:2-1443، التهذيب 450:5-1571.

و يوم الإحلال من إحرام الحجّ.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب للإمام أن يخطب فيه، و يعلّم الناس ما فيه من المناسك من النحر و الإفاضة و الرمي - و به قال الشافعي و ابن المنذر و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله خطب الناس يوم النحر بمني(2).

و من طريق الخاصّة: خطبة علي عليه السّلام يوم الأضحي(3).

مسألة 666: قد عرفت فيما سبق محظورات الإحرام، فإذا حلق أو قصّر، حلّ له كلّ شيء

إن كان الإحرام للعمرة، و إن كان للحجّ، حلّ له كلّ شيء إلاّ الطيب و النساء و الصيد، عند علمائنا - و به قال مالك(4) - لأنّ النساء محرّمة عليه إجماعا، فيحرم عليه الطيب، لأنّه من دواعي الجماع، فكان حراما، كالقبلة، فيحرم عليه الصيد، لقوله تعالي لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (5) و الإحرام متحقّق بتحريم هذين.

و ما رواه العامّة عن عمر، قال: إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات و ذبحتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلاّ الطيب و النساء(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «اعلم أنّك إذا حلقت رأسك

ص: 343


1- فتح العزيز 356:7، المهذّب - للشيرازي - 236:1، المجموع 82:8 و 218-219، روضة الطالبين 356:2، الحاوي الكبير 191:4، المغني 3: 478، الشرح الكبير 473:3.
2- صحيح البخاري 215:2، المغني 478:3، الشرح الكبير 473:3.
3- نهج البلاغة - بشرح محمد عبده - 98:1، مصباح المتهجّد: 607.
4- المنتقي - للباجي - 30:3، الاستذكار 227:13-18671، المغني 471:3، الشرح الكبير 467:3، الحاوي الكبير 189:4.
5- المائدة: 95.
6- سنن البيهقي 135:5، المغني 471:3، الشرح الكبير 467:3.

فقد حلّ لك كلّ شيء إلاّ النساء و الطيب»(1).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: يحلّ له كلّ شيء إلاّ النساء. و به قال ابن الزبير و علقمة و سالم و طاوس و النخعي و أبو ثور(2).

و قال ابن عمر و عروة بن الزبير: يحلّ له كلّ شيء إلاّ النساء و الطيب(3).

إذا عرفت هذا، فإذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب، و إذا طاف طواف النساء، حلّت له النساء، فثبت أنّ مواطن التحلّل ثلاثة:

الأوّل: إذا حلق أو قصّر، حلّ له كلّ شيء أحرم منه، إلاّ النساء و الطيب و أكل الصيد.

الثاني: إذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب.

الثالث: إذا طاف طواف النساء، حللن له.

مسألة 667: يستحب لمن حلق رأسه أن يتشبّه بالمحرمين قبل طواف الزيارة
اشارة

في ترك لبس المخيط إلي أن يطوف طواف الزيارة، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل تمتّع بالعمرة فوقف بعرفات و وقف بالمشعر و رمي الجمرة و ذبح و حلق أ يغطّي رأسه ؟ قال:

«لا، حتي يطوف بالبيت و بالصفا و المروة» قيل له: فإن كان قد فعل ؟ قال:

«ما أري عليه شيئا»(4).

ص: 344


1- التهذيب 245:5-831، الإستبصار 287:2-1020.
2- الحاوي الكبير 189:4، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 233:8، روضة الطالبين 384:2-385، فتح العزيز 384:7، حلية العلماء 346:3، المبسوط - للسرخسي - 22:4، بدائع الصنائع 195:2، المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3، الاستذكار 228:13-18674.
3- المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3.
4- التهذيب 247:5-837، الاستبصار 289:2-1026.

و النهي هنا للكراهة، لأنّ العلاء سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - إنّي حلقت رأسي و ذبحت و أنا متمتّع اطلي رأسي بالحنّاء؟ فقال: «نعم من غير أن تمسّ شيئا من الطيب» قلت: و ألبس القميص و أتقنّع ؟ قال: «نعم» قلت: قبل أن أطوف بالبيت ؟ قال: «نعم»(1).

و يستحب لمن طاف طواف الزيارة أن لا يمسّ شيئا من الطيب حتي يطوف طواف النساء، لئلاّ يشتغل به عن أداء المناسك. و لأنّه من دواعي شهوة النساء.

و لأنّ محمد بن إسماعيل - في الصحيح - قال: كتبت إلي الرضا عليه السّلام:

هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال: «لا»(2) و هذا النهي للكراهة، كما تقدّم.

تذنيب: إنّما يحصل التحلّل بالرمي و الحلق.

و قال بعض الشافعية: يتحلّل بدخول وقت الرمي و إن لم يرم، كما لو فاته الوقت فإنّه يتحلّل(3).

و ليس بجيّد، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (إذا رميتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلاّ النساء)(4) علّق ذلك بالرمي دون وقته.

ص: 345


1- التهذيب 247:5-836، الاستبصار 289:2-1025.
2- التهذيب 248:5-840، الاستبصار 290:2-1029.
3- المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 230:8، روضة الطالبين 384:2، الحاوي الكبير 190:4، حلية العلماء 346:3.
4- سنن الدار قطني 276:2-186 و 187، سنن البيهقي 136:5، مسند أحمد 6: 143، الفردوس 270:1-1050، المغني 471:3، الشرح الكبير 466:3 - 467.

ص: 346

الفصل السابع في بقايا أفعال الحجّ
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في زيارة البيت
مسألة 668: إذا قضي الحاجّ مناسكه بمني من رمي جمرة العقبة و ذبح الهدي و الحلق أو التقصير، رجع إلي مكّة

لطواف الزيارة، و سمّي بذلك، لأنّه يرجع من مني لزيارة البيت، و لا يقيم بمكّة، بل يرجع منها إلي مني، و هو ركن في الحجّ، و يسمّي طواف الحجّ، و لا يتمّ إلاّ به إجماعا.

قال اللّه تعالي وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1).

و روي العامّة عن عائشة قالت: حججنا مع النبي صلّي اللّه عليه و آله فأفضنا يوم النحر فحاضت صفيّة، فأراد النبي صلّي اللّه عليه و آله ما يريد الرجل من أهله، فقلت:

يا رسول اللّه إنّها حائض، قال: (أ حابستنا هي ؟) قالوا: يا رسول اللّه إنّها قد أفاضت يوم النحر، قال: (اخرجوا)(2) فدلّ علي وجوب هذا الطواف و أنّه حابس لمن لم يأت به.

و يسمّي أيضا طواف الإفاضة، لقولهم: إنّها قد أفاضت يوم النحر، يعني طافت طواف الزيارة. و سمّي بذلك، لأنّه يأتي به عند إفاضته من مني إلي مكة.

ص: 347


1- الحجّ: 29.
2- أوردها كما في المتن ابنا قدامة في المغني 473:3، و الشرح الكبير 475:3، و بتفاوت في اللفظ في صحيح البخاري 220:2، و سنن أبي داود 2: 208-3003، و سنن البيهقي 162:5، و الموطّأ 412:1-225.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و زر البيت و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة»(1).

و لأنّ الحجّ أحد النسكين، فوجب فيه طواف، كالعمرة.

مسألة 669: و هذا الطواف - كالأوّل - تجب فيه الطهارة، و النيّة شرط فيه،

كما هي شرط في طواف القدوم و في كلّ عبادة - و به قال إسحاق و ابن المنذر(2) - لأنّه عبادة و عمل و قد قال اللّه تعالي مُخْلِصِينَ (3).

و قال عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات و إنّما لامرئ ما نوي)(4).

و قال عليه السّلام: (الطواف بالبيت صلاة)(5).

و قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي: يجزئه و إن لم ينو الفرض الذي عليه(6).

و يستحبّ الإتيان به يوم النحر بعد قضاء مناسك مني، لما رواه العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم النحر: فأفاض إلي البيت فصلّي بمكة الظهر(7).

ص: 348


1- التهذيب 250:5-848.
2- المغني 474:3، الشرح الكبير 474:3-475.
3- البيّنة: 5.
4- صحيح البخاري 2:1، و 29:9، صحيح مسلم 1515:3-1516-1907، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن النسائي 58:1-59، و 13:7، مسند أحمد 25:1، بتفاوت يسير.
5- سنن النسائي 222:5، سنن البيهقي 87:5، سنن الدارمي 44:2، المعجم الكبير - للطبراني - 34:11-10955.
6- المغني 474:3، الشرح الكبير 475:3.
7- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - و قد سأله محمد ابن مسلم عن المتمتّع متي يزور؟ قال: «يوم النحر»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يبيت المتمتّع يوم النحر حتي يزور»(2).

و لو أخّره إلي الليل، جاز، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أخّر طواف الزيارة إلي الليل(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر و من ليلته لا يؤخّر ذلك اليوم»(4).

مسألة 670: أوّل وقت هذا الطواف: طلوع الفجر من يوم النحر

- و به قال أبو حنيفة(5) - لوجوب فعله بعد أداء المناسك المتعلّقة بيوم النحر، فلا يتحقّق له وقت قبله.

و آخر وقته: اليوم الثاني من أيّام النحر للمتمتّع، عند علمائنا، و لا يجوز له التأخير عن ذلك.

و قال أبو حنيفة: آخر وقته آخر أيّام النحر(6).

و قال باقي العامّة: لا تحديد لآخره(7).

ص: 349


1- التهذيب 249:5-841، الاستبصار 290:2-1030.
2- التهذيب 249:5-842، الاستبصار 290:2-291-1031.
3- سنن ابن ماجة 1017:2-3059، سنن الترمذي 262:3-920.
4- التهذيب 249:5-843، الإستبصار 291:2-1032.
5- بدائع الصنائع 132:2، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، حلية العلماء 345:3، المجموع 282:8.
6- بدائع الصنائع 132:2، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3.
7- المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، حلية العلماء 345:3، المجموع 8: 220، بدائع الصنائع 132:2.

و قال الشافعي: أوّل وقته من نصف ليلة النحر(1).

و لنا: أنّه نسك في الحجّ، فكان آخره محدودا، كالوقوف و الرمي.

و سأل معاوية بن عمّار - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن المتمتّع متي يزور البيت ؟ قال: «يوم النحر أو من الغد، و لا يؤخّر، و المفرد و القارن ليسا سواء موسّع عليهما»(2).

و لو أخّر المتمتّع زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر، أثم و لا كفّارة عليه، و كان طوافه صحيحا.

أمّا القارن و المفرد: فيجوز لهما تأخير طواف الزيارة و السعي إلي آخر ذي الحجّة، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن زيارة البيت تؤخّر إلي اليوم الثالث، قال: «تعجيلها أحبّ إليّ، و ليس به بأس إن أخّره»(3).

و في رواية أخري: «موسّع للمفرد أن يؤخّره»(4).

إذا عرفت هذا، فقد وردت رخصة في جواز تقديم الطواف و السعي علي الخروج إلي مني و عرفات - و به قال الشافعي(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من قدّم شيئا قبل شيء فلا حرج)(6).

و من طريق الخاصّة: رواية يحيي الأزرق(7) أنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام:ق.

ص: 350


1- الحاوي الكبير 192:4، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 220:8 و 282، حلية العلماء 345:3، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، بدائع الصنائع 132:2.
2- التهذيب 249:5-844، الاستبصار 291:2-1036.
3- التهذيب 250:5-845، الإستبصار 291:2-1033.
4- الكافي 511:4-4، التهذيب 251:5-252-853، الإستبصار 292:2-1037.
5- المغني 481:3، الشرح الكبير 472:3.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 481:3، و الشرح الكبير 472:3 نقلا عن سعيد في سننه.
7- في المصدر: صفوان بن يحيي الأزرق.

عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلي الحجّ ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر، أ يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي مني ؟ قال: «إذا خافت أن تضطرّ إلي ذلك فعلت»(1).

إذا ثبت هذا، فالأولي التقييد للجواز بالعذر.

مسألة 671: يستحب أن يغتسل و يقلّم أظفاره و يأخذ من شاربه و يدعو إذا وقف علي باب المسجد،

كطواف القدوم، و غير ذلك من المستحبّات، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك و زر البيت و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة»(2).

و يجوز أن يغتسل من مني و يأتي مكّة، فيطوف بذلك الغسل، للرواية(3) ، و أن يغتسل نهارا و يطوف ليلا ما لم ينقضه بحدث أو نوم، فإن نقضه، أعاده مستحبّا ليطوف علي غسل، للرواية(4).

و يستحبّ الغسل للمرأة، كالرجل، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أ تغتسل النساء إذا أتين البيت ؟ فقال: «نعم إنّ اللّه تعالي يقول طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (5) فينبغي للعبد أن لا يدخل إلاّ و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذي و تطهّر»(6).

ص: 351


1- التهذيب 398:5-1384.
2- التهذيب 240:5 و 250-808 و 848.
3- التهذيب 250:5-251-849.
4- التهذيب 251:5-850.
5- إنّ الآية في سورة البقرة: 125 هكذا أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ إلي آخر ما في المتن، و في سورة الحج: 26 هكذا وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.
6- التهذيب 251:5-852.

ثم يقف علي باب المسجد و يدعو بالمنقول و يدخل المسجد و يأتي الحجر الأسود فيستلمه و يقبّله، فإن لم يستطع، استلمه بيده و قبّل يده، فإن لم يتمكّن، استقبله و كبّر و دعا كما تقدّم في طواف القدوم، كلّ ذلك مستحبّ، ثم يطوف واجبا سبعة أشواط طواف الزيارة يبدأ بالحجر و يختم به، فإذا أكمله، صلّي ركعتي الطواف واجبا في مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم يرجع إلي الحجر الأسود، فيستلمه إن استطاع، و إلاّ استقبله و كبّر مستحبّا، ثم يخرج إلي الصفا واجبا، و يسعي بينه و بين المروة كما صنع في وقت قدومه في الكيفية، فإذا فرغ من السعي، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، ثم يرجع إلي البيت فيطوف طواف النساء أسبوعا - كما تقدّم - واجبا، و يصلّي ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السّلام واجبا، فإذا أكمله، حلّت له النساء، و لهذا سمّي طواف النساء.

مسألة 672: السعي عقيب طواف الحجّ ركن في الحجّ عندنا

واجبا فيه، لما تقدّم.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - قلت: فرجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: «يعيد السعي» قلت: فاته ذلك حتي خرج(1) ، قال:

«يرجع فيعيد السعي، إنّ هذا ليس كرمي الجمار، إنّ الرمي سنّة، و السعي بين الصفا و المروة فريضة»(2).

و بين العامّة خلاف في وجوبه و استحبابه(3).

و هل يشترط في التحلّل الثاني السعي ؟ أو يحصل عقيب طواف

ص: 352


1- في الاستبصار و الموضع الأوّل من التهذيب: قلت: فإنّه يخرج (خرج).
2- التهذيب 150:5-492، و 286-974، الاستبصار 238:2-829.
3- انظر: المغني 410:3.

الزيارة قبله ؟ الأقرب: عدم الاشتراط، لأنّهم عليهم السّلام علّلوا التحلّل بطواف الزيارة(1) ، و ليس السعي جزءا من مسمّاه.

و بين العامّة خلاف، فمن قال: إنه فرض، لم يحصل التحلّل إلاّ به، و من قال: إنه سنّة، ففي التحلّل قبله وجهان: أحدهما: التحلّل، لأنه لم يبق شيء من واجبات الحجّ عندهم، و الثاني: عدمه، لأنه من أفعال الحجّ، فيأتي به في إحرام الحجّ، كالسعي في العمرة(2).

مسألة 673: طواف النساء واجب - عند علمائنا

أجمع - علي الرجال و النساء و الخصيان من البالغين و غيرهم - و أطبقت العامّة علي عدم وجوبه(3) - لما رواه العامّة عن عائشة قالت: فطاف الذين أهلّوا بالعمرة و بين الصفا و المروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافا آخر(4).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5) قال: «هو طواف النساء»(6).

و هذا الطواف واجب في الحجّ و العمرة المبتولة، عند علمائنا أجمع، لأنّ إسماعيل بن رباح سأل أبا الحسن عليه السّلام: عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال «نعم»(7).

ص: 353


1- انظر علي سبيل المثال: التهذيب 252:5-853.
2- المغني 475:3، الشرح الكبير 477:3.
3- كما في الخلاف 363:2، المسألة 199.
4- سنن أبي داود 153:2، ذيل الحديث 1781، سنن البيهقي 105:5، المغني 475:3، الشرح الكبير 478:3.
5- الحجّ: 29.
6- ورد الحديث كما في المتن عن الإمام الصادق عليه السّلام في التهذيب 253:5-855، و بتفاوت عن الإمام أبي الحسن عليه السّلام في التهذيب 252:5-253-854.
7- الكافي 538:4-8، التهذيب 253:5-858، الاستبصار 231:2-801.

و لا فرق بين الخصيّ و المرأة و الرجل في وجوب طواف النساء، لأنّ الحسين بن يقطين(1) سأل الكاظم عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: «نعم عليهم الطواف كلّهم»(2).

إذا عرفت هذا، فكلّ إحرام يجب فيه طواف النساء إلاّ إحرام العمرة غير المفردة، و كلّ طواف لا بدّ له من سعي يتعقّبه إلاّ طواف النساء.

مسألة 674: و لو ترك الحاجّ أو المعتمر مفردا طواف النساء، لم يحللن له،

و يجب عليه العود مع المكنة ليطوفه، فإن لم يتمكّن، أمر من يطوف عنه طواف النساء، فإذا طاف النائب عنه، حلّت له النساء.

و لو مات قبل طوافه، طاف عنه وليّه بعد موته، لأنّه أحد المناسك الواجبة، فيأتي به.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع إلي أهله، قال: «يرسل فيطاف عنه فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه»(3).

و إنّما قلنا بالاستنابة مع تعذّر إمكان الرجوع، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن رجل نسي طواف النساء حتي أتي الكوفة، قال: «لا تحلّ له النساء حتي يطوف بالبيت» قلت: فإن لم يقدر؟ قال: «يأمر من يطوف عنه»(4).

و علي تحريم النساء قبل فعله رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع إلي

ص: 354


1- في المصدر: الحسين بن علي بن يقطين.
2- الكافي 513:4-4، التهذيب 255:5-864.
3- التهذيب 255:5-256-866، الاستبصار 233:2-808.
4- التهذيب 256:5-867، الإستبصار 233:2-809.

أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتي يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره، فأمّا ما دام حيّا فلا يصحّ أن يقضي عنه، و إن نسي الجمار فليسا سواء، لأنّ الرمي سنّة و الطواف فريضة»(1).

البحث الثاني: في الرجوع إلي مني
مسألة 675: إذا قضي الحاجّ مناسكه بمكّة من طواف الزيارة و صلاة ركعتيه و السعي و طواف النساء و صلاة ركعتيه، وجب أن يرجع إلي مني

للمبيت بها ليالي التشريق، و هي ليلة الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، عند علمائنا - و به قال عطاء و عروة و إبراهيم و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رخّص للعباس بن عبد المطّلب أن يبيت بمكة ليالي مني من أجل سقايته(3).

قال ابن عباس: لم يرخّص النبي صلّي اللّه عليه و آله لأحد يبيت بمكّة إلاّ للعباس من أجل سقايته(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من طوافك للحجّ و طواف النساء فلا تبيت إلاّ بمني إلاّ أن يكون شغلك في

ص: 355


1- التهذيب 255:5-865، الإستبصار 233:2-807.
2- المغني و الشرح الكبير 482:3، الحاوي الكبير 205:4، روضة الطالبين 2: 385، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 247:8، الوجيز 121:1، فتح العزيز 388:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 145.
3- صحيح البخاري 217:2، صحيح مسلم 953:2-1315، سنن ابن ماجة 2: 1019-3065، سنن أبي داود 199:2-1959، سنن الدارمي 75:2، سنن البيهقي 153:5، المغني و الشرح الكبير 482:3.
4- سنن ابن ماجة 1019:2-3066، المغني 482:3، الشرح الكبير 482:3 - 483.

نسكك، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير مني»(1).

و قال أحمد في الرواية الأخري: إنّه مستحب لا واجب - و به قال الحسن البصري(2) - لقول ابن عباس: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت(3).

و لأنّه قد حلّ من حجّه، فلم يجب عليه المبيت بموضع معيّن، كليلة الحصبة(4).

و لا حجّة في قول ابن عباس خصوصا و قد نقل عنه: لا يبيتنّ أحد من وراء العقبة من مني ليلا(5).

و الفرق بين ليلة الحصبة و غيرها، لبقاء بعض المناسك عليه في غيرها.

مسألة 676: لو ترك المبيت بمني، وجب عليه عن كلّ ليلة شاة

إلاّ أن يخرج من مني بعد نصف الليل أو يبيت بمكّة مشتغلا بالعبادة، فلو ترك المبيت ليلة، وجب عليه شاة، فإن ترك ليلتين، وجب شاتان، فإن ترك الثالثة و كان ممّن اتّقي، لم يكن عليه شيء، لأنّ له النفر في الأوّل، إلاّ أن تغرب الشمس يوم الثاني عشر و هو بمني.

و لو لم يكن قد اتّقي أو نفر بعد الغروب، وجب عليه شاة أخري، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(6) و قد بيّنّا أنّ المبيت بمني نسك.

و من طريق الخاصّة: رواية جعفر بن ناجية، قال: سألت الصادق عليه السّلام:

ص: 356


1- التهذيب 256:5-868.
2- المغني و الشرح الكبير 482:3.
3- المغني و الشرح الكبير 482:3.
4- المغني و الشرح الكبير 482:3.
5- المغني 482:3.
6- أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 233:1، و ابنا قدامة في المغني 3: 396، و الشرح الكبير 398:3.

عمّن بات ليالي مني بمكّة، فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهنّ»(1).

و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه إذا ترك المبيت(2).

و قال الشافعي: إذا ترك المبيت ليلة واحدة، وجب عليه مدّ. و فيه قولان: أحدهما: يجب عليه درهم، و الآخر: ثلث دم. و هل الدم واجب أو مستحبّ؟ قولان(3).

و يجوز النفر في اليوم الثاني من أيّام التشريق لمن اتّقي، فلا يجب المبيت الليلة الثالثة.

و الاتّقاء: اجتناب النساء و الصيد في إحرامه.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المتّقي في الأوّل، جاز له ما لم تغرب الشمس و هو بمني - و به قال الشافعي(4) - لقوله تعالي فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (5).

أمّا لو غربت الشمس، وجب عليه المبيت و الرمي في الثالث، و به قال الشافعي و مالك و أحمد(6).4.

ص: 357


1- الفقيه 286:2-1406، التهذيب 257:5-872، الإستبصار 292:2-1039.
2- الحاوي الكبير 206:4، فتح العزيز 391:7، المغني 482:3.
3- الحاوي الكبير 205:4 و 206، فتح العزيز 390:7، المهذّب - للشيرازي - 1: 238، المجموع 247:8، روضة الطالبين 385:2.
4- فتح العزيز 395:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 248:8 و 282، روضة الطالبين 387:2، الحاوي الكبير 199:4.
5- البقرة: 203.
6- الوجيز 122:1، فتح العزيز 396:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 248:8 و 282، روضة الطالبين 387:2، المنتقي - للباجي - 47:3، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، الحاوي الكبير 200:4.

و قال أبو حنيفة: يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر(1).

إذا ثبت هذا، فالواجب الكون ليالي التشريق، و لا عبادة عليه زائدة علي غيرها من الليالي إجماعا.

و الأفضل أن لا يخرج من مني إلاّ بعد طلوع الفجر. و يجوز له أن يأتي مكة أيّام مني لزيارة البيت تطوّعا.

و الأفضل المقام بمني إلي انقضاء أيّام التشريق، لأنّ ليث المرادي سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي مكّة أيّام مني بعد فراغه من زيارة البيت، فيطوف بالبيت تطوّعا، فقال: «المقام بمني أفضل و أحبّ إليّ»(2).

مسألة 677: رخّص للرعاة المبيت في منازلهم و ترك المبيت بمني

ما لم تغرب الشمس عليهم في مني، فإنّه يلزمهم المبيت بها إجماعا روي العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمني و يرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(3).

و كذلك أهل سقاية العباس، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رخّص لأهل سقاية العباس أن يدعوا المبيت بمني.

و قد قيل: إنّه إذا غربت الشمس علي أهل سقاية العباس بمني أن يدعوا المبيت بمني، بخلاف الرعاة، لأنّ شغل أهل السقاية ثابت ليلا و نهارا، و شغل الرعاة بالنهار(4).

ص: 358


1- المبسوط - للسرخسي - 68:4، الحاوي الكبير 200:4، فتح العزيز 7: 396، المجموع 282:8، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
2- الكافي 515:4-1، التهذيب 261:5-887، الاستبصار 295:2-1053.
3- فتح العزيز 393:7، و في سنن أبي داود 202:2-1975، و سنن الترمذي 3: 289-290-955، و سنن ابن ماجة 1010:2-3037، و سنن البيهقي 150:5 نحوه.
4- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8.

و الأقرب: أنّ من شاركهم في العذر - كمن له مريض بمكّة يحتاج أن يعلّله، أو مال بها يخاف ضياعه - يترخّص كترخّصهم.

و للشافعي وجهان(1).

[و](2) الأقرب: أنّه لا تختصّ رخصة أهل السقاية بالعبّاسيّة - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المعني يعمّهم و غيرهم.

و قال مالك و أبو حنيفة: إنّها تختصّ بأولاد العباس(4).

البحث الثالث: في الرمي.
مسألة 678: يجب علي الحاجّ الرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث

كلّ جمرة بسبع حصيات من الجمار الملتقط من المشعر.

فأوّل وقت الرمي يوم النحر، و هو مختصّ بجمرة العقبة خاصّة قبل الذبح، كما تقدّم.

و أمّا الجمار الثلاث: فأوّل وقت رميها الحادي عشر من شهر ذي الحجّة، و هو أوّل أيّام التشريق، ثم في الثاني عشر، ثم في الثالث عشر، و هو ثالث أيّام التشريق، فيرمي في كلّ يوم بإحدي و عشرين حصاة. و يبدأ بالأولي من الجمرات، و هي أبعد الجمرات من مكّة.

و يستحب أن يرميها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا، و يكبّر مع كلّ حصاة، و يدعو، ثم يقوم عن يسار الطريق و يستقبل القبلة و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم يتقدّم

ص: 359


1- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8، حلية العلماء 350:3.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8، روضة الطالبين 386:2.
4- فتح العزيز 394:7.

قليلا و يدعو، ثم يقوم عن يسار الطريق و يستقبل القبلة و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم يتقدّم قليلا و يدعو، ثم يرمي الجمرة الثانية الوسطي، و يصنع عندها كما صنع عند الاولي، و يقف و يدعو بعد الحصاة السابعة، ثم يمضي إلي الثالثة - و هي جمرة العقبة - يختم بها الرمي، فيرميها كالأوّلتين، إلاّ أنّه لا يقف عندها، و لا نعلم فيه خلافا.

روي العامّة عن عائشة، قالت: أفاض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من آخر يومه حين صلّي الظهر ثم رجع إلي مني فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، و يقف عند الاولي و الثانية، فيطيل القيام و يتضرّع، و يرمي الثالثة و لا يقف عندها(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الاولي، و ارمها عن يسارها في بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق، فاستقبل القبلة و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثم تقدّم قليلا، فتدعو و تسأله أن يتقبّل منك، ثم تقدّم أيضا و افعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالأولي و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم تمضي إلي الثالثة و عليك السكينة و الوقار و لا تقف عندها»(2).

مسألة 679: أوّل وقت الرمي في هذه الأيّام كلّها من طلوع الشمس إلي غروبها،

قاله أكثر علمائنا(3) - و به قال طاوس و عكرمة(4) - لما رواه

ص: 360


1- سنن أبي داود 201:2-1973، سنن البيهقي 148:5.
2- الكافي 480:4-481-1، التهذيب 261:5-888.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 66، و الشيخ الطوسي في النهاية: 266، و المبسوط 378:1، و المحقّق في شرائع الإسلام 275:1.
4- الحاوي الكبير 194:4.

العامّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلّي الظهر(1) ، و معلوم أنّه عليه السّلام كان يبادر إلي فعل الفريضة في أوّل وقتها، فدلّ علي أنّ الرمي قبل الزوال.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الرمي ما بين طلوع الشمس إلي غروبها»(2).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر في الخلاف: لا يجوز الرمي إلاّ بعد الزوال(3) ، و هو قول الفقهاء الأربعة(4) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحسانا(5).

إذا ثبت هذا، فالرمي عند الزوال أفضل، لقول الصادق عليه السّلام: «ارم في كلّ يوم عند الزوال»(6) و بعد الزوال في الأداء أفضل.

و رخّص للعليل و الخائف و الرعاة و العبيد الرمي ليلا لحاجتهم.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل و يضحّي و يفيض بالليل»(7).

و في الموثّق عنه عليه السّلام «رخّص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا»(8).6.

ص: 361


1- سنن ابن ماجة 1014:2-3054.
2- الاستبصار 296:2-1054، و التهذيب 262:5-891، و فيه: «رمي الجمار..» بدل «الرمي..».
3- الخلاف 351:2، المسألة 176.
4- المدوّنة الكبري 423:1، الوجيز 122:1، فتح العزيز 396:7-397، المجموع 239:8، الحاوي الكبير 194:4.
5- الحاوي الكبير 194:4.
6- الكافي 480:4-1، التهذيب 261:5-888، الاستبصار 296:2-1057.
7- التهذيب 263:5-895.
8- التهذيب 263:5-896.
مسألة 680: يجب الترتيب بين الجمار الثلاث،

فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطي ثم الأولي، أعاد علي الوسطي و جمرة العقبة. و كذا لو بدأ بالوسطي و رمي الثلاث، لم يجزئه إلاّ الاولي. و لو رمي جمرة العقبة ثم الاولي ثم الوسطي، أعاد علي جمرة العقبة خاصّة. و بالجملة يعيد علي ما يحصل به الترتيب عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّ النبي عليه السّلام رتّبها في الرمي، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل رمي الجمار منكوسة: «يعيد علي الوسطي و جمرة العقبة»(3).

و لأنّه نسك متكرّر، فيشترط فيه الترتيب، كالسعي.

و قال الحسن البصري و عطاء و أبو حنيفة: لا يجب الترتيب، لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعا لبعض، فلا يشترط فيها الترتيب، كالرمي و الذبح(4).

و نمنع حكم الأصل، و يبطل بالطواف و السعي.

مسألة 681: يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملا،

فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رمي بسبع حصيات(6).

ص: 362


1- المغني 485:3، الشرح الكبير 487:3، الحاوي الكبير 194:4.
2- سنن البيهقي 125:5، و انظر: المغني 485:3، و الشرح الكبير 488:3.
3- الكافي 483:4-2، التهذيب 265:5-903.
4- المغني 485:3، الشرح الكبير 487:3، الحاوي الكبير 194:4.
5- الحاوي الكبير 194:4، المجموع 239:8، المغني 486:3، الشرح الكبير 488:3.
6- سنن ابن ماجة 1008:2-3030، سنن البيهقي 129:5، المغني 486:3، الشرح الكبير 488:3.

و من طريق الخاصّة: رواية عبد الأعلي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل رمي الجمرة بست حصيات و وقعت واحدة، قال: «يعيدها إن شاء من ساعته و إن شاء من الغد إذا أراد الرمي، و لا يأخذ من حصي الجمار»(1).

و قال أحمد في الرواية الثانية: يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد(2) - و به قال مجاهد و إسحاق(3) - لما رواه ابن أبي نجيح، قال: سئل طاوس عن رجل ترك حصاة، قال: يتصدّق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد، قال سعد: رجعنا من الحجّة مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعضنا يقول: رميت بست، و بعضنا يقول:

رميت بسبع، فلم يعب ذلك بعضنا علي بعض(4).

و لا حجّة فيه، لجواز أن يكون الترك لسهو، و حكاية الحال لا عموم لها.

مسألة 682: قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار،

فلو رمي الاولي بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية و الثالثة، لم يحصل الترتيب، سواء كان عمدا أو سهوا.

و كذا لو رمي الاولي بسبع ثم رمي الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد علي الأخري.

و لو رمي السابقة بأربع فما زاد ثم رمي ما بعدها سهوا، حصل له الترتيب، و وجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة.

ص: 363


1- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
2- المغني 485:3-486، الشرح الكبير 488:3.
3- المغني 485:3-486، الشرح الكبير 488:3.
4- المغني 486:3، الشرح الكبير 489:3، و انظر سنن النسائي 275:5.

و لو كان النقص عمدا، بطل الترتيب و إن كان قد رمي أربعا فما زاد، لأنّ الأكثر يقوم مقام الشيء مع النسيان.

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل رمي الجمرة الأولي بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: «يعيد رميهنّ جميعا بسبع سبع» [قلت:](1) فإن رمي الاولي بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع، قال: «يرمي الجمرة الأولي بثلاث و الثانية بسبع، و يرمي جمرة العقبة بسبع» قلت: فإنّه رمي الجمرة الأولي بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: «يعيد فيرمي الأولي بثلاث و الثانية بثلاث، و لا يعيد علي الثالثة»(2).

إذا ثبت هذا، فلو رمي بستّ و ضاعت واحدة، فليعدها و إن كان من الغد، و لا يسقط وجوبها، للرواية(3).

و لو علم أنّه قد أخلّ بحصاة و لم يعلم من أيّ الجمار هي، فليرم الثلاث بثلاث حصيات، ليحصل يقين البراءة.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل أخذ إحدي و عشرين حصاة فرمي بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص، قال: «فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة» و إن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي، قال:

«يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها» قال: «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل، فأعد مكانها، و إن هي أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت في الجمار أجزأك»(4).7.

ص: 364


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 265:5-266-904.
3- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
4- الكافي 483:4-484-5، التهذيب 266:5-267-907.

و يجب أن يرمي السبع في سبع مرّات، فإن رماها دفعة أو أقلّ من سبعة، لم يجزئه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله رمي بسبع حصيات في سبع مرّات و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(1).

مسألة 683: يجوز الرمي راكبا و المشي أفضل،

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رمي الجمار راكبا(2) ، و كذا أبو جعفر الثاني الجواد عليه السّلام(3).

و قال الشافعي: يرمي في اليوم الأخير راكبا، و في الأوّلين ماشيا(4) ، لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث، فإذا كان راكبا، مضي عقيب الرمي و في الأوّلين يكون مقيما.

و يستحب أن يأخذ الحصي في كفّه و يأخذ منها و يرمي، و يكبّر عند رمي كلّ حصاة، و المقام بمني أيّام التشريق، و أن يرمي الجمرة الأولي عن يمينه، و يقف و يدعو، و كذا الثانية، و يرمي الثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها، و لا يقف عندها، فلو أخلّ بشيء من ذلك، لم يكن عليه شيء، لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما نقل عن الثوري: أنّه لو ترك الوقوف و الدعاء، أطعم شيئا، و إن أراق دما، كان أحبّ(5).

مسألة 684: يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر،

كالعليل و المبطون و المغمي عليه و الصبي و من أشبههم، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -:

ص: 365


1- سنن البيهقي 125:5.
2- التهذيب 267:5-909، الاستبصار 298:2-1063، صحيح مسلم 2: 943-1297، سنن الترمذي 244:3-899.
3- التهذيب 267:5-908، الاستبصار 298:2-1062.
4- فتح العزيز 406:7، المجموع 183:8، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 421:5.
5- المجموع 283:8، المغني 485:3، الشرح الكبير 486:3.

«الكسير و المبطون يرمي عنهما» قال: «و الصبيان يرمي عنهم»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام: في رجل أغمي عليه، فقال: «يرمي عنه الجمار»(2).

و قال الكاظم عليه السّلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار: «يرمي عنه»(3).

و سأل إسحاق بن عمّار الكاظم عليه السّلام: عن المريض يرمي عنه الجمار؟ قال: «نعم يحمل إلي الجمرة و يرمي عنه»(4).

مسألة 685: لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها، أعاده من الغد،

لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتي انتهي إلي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته، و الأخري ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة، و هي للأمس، و الأخري عند زوال الشمس»(5).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل و الآخر، ففي السقوط بفوات وقته وجهان: أحدهما: السقوط، لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به.

و الثاني: أنّ الجميع كاليوم الواحد، فيعيد في اليوم الثاني و الثالث ما

ص: 366


1- الكافي 485:4-1، الفقيه 286:2-1404، التهذيب 286:5-914.
2- التهذيب 268:5-916.
3- التهذيب 268:5-917.
4- الكافي 485:4-2، الفقيه 286:2-1405، التهذيب 268:5-919.
5- التهذيب 262:5-893.

فاته قبله(1).

و نمنع التحديد أوّلا، لأنّهم رووا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمني، و يرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(2) ، و لو كان محدودا، لما سوّغ التأخير حتي يصير قضاء.

و أمّا إذا فاته رمي يوم كملا، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده.

و للشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: السقوط إلي الدم. و الثاني: القضاء و الدم، كقضاء رمضان إذا أخّره إلي رمضان آخر. و الثالث: القضاء و لا شيء عليه، كالوقوف إذا أخّره إلي الليل(3).

و الأصل براءة الذمّة من الدم.

و يستحب أن يرمي ما فاته بالأمس بكرة، للمبادرة إلي القضاء، و الذي ليومه عند الزوال، لأنّه وقت الفضيلة.

و يجب الترتيب يبدأ بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر، فلو بدأ برمي يومه، لم يقع الذي لأمسه، لعدم إرادته، و لا الذي ليومه، لوجوب الترتيب، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: سقوط الترتيب(4).

و لو رمي جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة: سبعا ليومه، و سبعا لأمسه، بطلت الاولي.

و لو فاته رمي يومين، قضاه يوم الثالث مرتّبا. و لو فاته حصاة أو8.

ص: 367


1- الحاوي الكبير 196:4، فتح العزيز 402:7-403، المهذّب - للشيرازي - 1: 237، المجموع 240:8.
2- فتح العزيز 393:7.
3- فتح العزيز 406:7، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 241:8، حلية العلماء 349:3.
4- فتح العزيز 403:7، المجموع 240:8.

حصاتان أو ثلاث حتي خرجت أيّام التشريق، لم يكن عليه شيء، و إن رماها في القابل، كان أحوط.

و قال الشافعي: إن ترك واحدة، فعليه مدّ، و إن ترك اثنتين، فمدّان، و إن ترك ثلاثا، فدم إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة، و إن كان من الأوّلتين، بطل الرمي(1).

و الأصل براءة الذمّة.

مسألة 686: لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتي جاء مكّة، وجب عليه الرجوع إلي مني و إعادة الرمي

إن كانت أيّام التشريق لم تخرج، و إن خرجت، قضاه من قابل في أيّام التشريق، أو يأمر من يقضي عنه الرمي، و لا دم عليه، لأنّه مكلّف بالرمي، فلا يخرج عن العهدة إلاّ به، و لا كفّارة، لأصالة البراءة.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتي تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمي عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ، استعان رجلا من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلاّ أيّام التشريق»(2).

و لو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر، أعادها في ثاني أيّام النحر - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه رمي فات وقته، فكان عليه قضاؤه، كرمي أيّام التشريق.

ص: 368


1- فتح العزيز 408:7، حلية العلماء 349:3، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8.
2- التهذيب 264:5-900، الاستبصار 297:2-1060.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8، فتح العزيز 404:7، الحاوي الكبير 197:4.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتي انتهي إلي مني، فعرض له [عارض](1) فلم يرم حتي غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، و الأخري ليومه الذي يصبح فيه»(2).

و الثاني: السقوط، و لا تكون أيّام التشريق وقتا له، لأنّه يخالفها، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلاّ بجمرة العقبة، فهو كجنس آخر، بخلاف بعض الأيّام مع بعض(3).

و يستحب للنائب في الرمي عن المريض و الصبي و شبهه أن يضع الحصي في كفّ المنوب.

و المغمي عليه إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه، لم يبطل إذنه، و لو زال عقله قبل الإذن، جاز له أن يرمي عنه أيضا، للعموم. فإن زال العذر و الوقت باق، فالأقرب عدم وجوب الإعادة.

و وقت الرمي في الأداء و القضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلي غروبها.

مسألة 687: يستحب التكبير بمني أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة و في غيرها عقيب عشر

أوّلها ظهر يوم النحر، لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية، و يستوي هو و الحلال في ابتداء المدّة، إلاّ أنّ المحرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة، و المحلّ عقيب عشر علي ما قلناه.

قال اللّه تعالي وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلي ما هَداكُمْ (4).

ص: 369


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 262:5-893.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8، فتح العزيز 404:7، الحاوي الكبير 197:4.
4- البقرة: 185.

و اختلف علماؤنا في وجوبه، فقال به السيّد المرتضي(1) ، للأمر (به، و الأمر للوجوب)(2).

و لقول الصادق عليه السّلام: «التكبير واجب في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق»(3).

و قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه مستحب(4) ، للأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام في الرجل ينسي أن يكبّر أيّام التشريق، قال:

«إن نسي حتي قام من موضعه فليس عليه شيء»(5).

إذا ثبت هذا، فلا تكبير عقيب النوافل، لقول الصادق عليه السّلام: «التكبير في كلّ فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيّام التشريق»(6).

و الرواية الأولي ضعيفة السند.

و صورة التكبير هنا أن يقول: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر علي ما هدانا، اللّه أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام» رواه زرارة في الصحيح عن الباقر(7) عليه السّلام.

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد، اللّه أكبر علي ما هدانا، اللّه أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و الحمد للّه علي ما أبلانا»(8).2.

ص: 370


1- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضي) 45:3.
2- ما بين القوسين من الطبعة الحجرية.
3- التهذيب 270:5-923، الاستبصار 299:2-1070.
4- المبسوط - للطوسي - 380:1.
5- التهذيب 270:5-924، الاستبصار 299:2-1071.
6- التهذيب 270:5-925، الاستبصار 300:2-1072.
7- التهذيب 269:5-921.
8- الكافي 517:4-4، التهذيب 270:5-922.
مسألة 688: يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر،

و هو الثاني من أيّام التشريق، و هو النفر الأوّل، فيودّع الحاج و يعلمهم أنّ من أراد التعجيل ممّن اتّقي فله ذلك - و به قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله خطب وسط أيّام التشريق(2) ، يعني يوم النفر الأوّل.

و قال أبو حنيفة: لا يستحب ذلك، لأنّه من أيّام التشريق، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين(3).

و الفرق: حاجة الناس إلي معرفة التعجيل، و أنّ من تأخّر حتي تغيب الشمس يلزمه المبيت و الوداع و كيفيّته، بخلاف اليومين.

البحث الرابع: في النفر من مني.
مسألة 689: إذا رمي الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام التشريق و في الثاني، جاز له النفر من مني،

و يسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقي النساء و الصيد في إحرامه، بإجماع العلماء.

و لا فرق في جواز النفر الأوّل بين أهل مكّة و غيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد، و هو قول عامّة العلماء(4) ، لعموم الآية(5).

ص: 371


1- الحاوي الكبير 198:4، فتح العزيز 356:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 249:8، روضة الطالبين 374:2، حلية العلماء 351:3، المغني 3: 488، الشرح الكبير 496:3.
2- سنن أبي داود 197:2-1952، سنن الدار قطني 227:2-49، سنن البيهقي 151:5.
3- المغني 488:3، الشرح الكبير 496:3، حلية العلماء 351:3، الحاوي الكبير 198:4.
4- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، المجموع 284:8، تفسير القرطبي 13:3.
5- البقرة: 203.

و لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: (أيّام مني ثلاثة، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتي تزول الشمس، فإن تأخّرت إلي آخر أيّام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده»(2).

و لأنّه دفع من مكان، فاستوي فيه أهل مكّة و غيرهم، كالدفع من عرفة و مزدلفة.

و قال أحمد: لا ينبغي لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل(3).

و قال مالك: من كان من أهل مكّة و له عذر، فله أن يتعجّل في يومين، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ، فلا، لقول عمر: من شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلاّ آل خزيمة فلا ينفروا إلاّ في النفر الأخير(4).

و قول عمر ليس حجّة، و يحمل علي أنّهم لم يتّقوا، لا علي أنّهم من أهل مكّة.

مسألة 690: إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقي النساء و الصيد في إحرامه،

فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا فيه، لم يجز له أن ينفر في الأوّل، و وجب عليه المقام بمني و النفر في الثالث من أيّام التشريق، لأنّه تعالي شرط الاتّقاء(5).

ص: 372


1- سنن أبي داود 196:2-1949، سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن البيهقي 152:5، مسند أحمد 309:4-310، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
2- الكافي 520:4-3، الفقيه 287:2-288-1414، التهذيب 271:5-926، الإستبصار 300:2-1073.
3- المغني 486:3، الشرح الكبير 496:3، تفسير القرطبي 13:3.
4- المغني 486:3، الشرح الكبير 496:3، تفسير القرطبي 13:3.
5- البقرة: 203.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من أتي النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، في قوله تعالي فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقي (2) قال: «يتّقي الصيد حتي ينفر أهل مني في النفر الأخير»(3).

و في رواية عن الباقر عليه السّلام أنّه «لِمَنِ اتَّقي الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرّم اللّه عليه في إحرامه»(4).

إذا عرفت هذا، فإذا نفر في الأوّل نفر بعد الزوال، و لا ينفر قبله، إلاّ لضرورة أو حاجة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتي تزول الشمس، و إن تأخّرت إلي آخر أيّام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده»(5).

و الأقرب أنّه علي الاستحباب.

أمّا النفر الثاني: فيجوز قبل الزوال إجماعا.

و إنّما يجوز النفر في الأوّل إذا لم تغرب الشمس و هو بمني، فإن غربت يوم النفر الأوّل و هو بمني، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمني، عند علمائنا - و به قال ابن عمر و جابر بن زيد و عطاء و طاوس و مجاهد و أبان بن عثمان3.

ص: 373


1- الكافي 523:4-11، التهذيب 273:5-932.
2- البقرة: 203.
3- الفقيه 288:2-1415.
4- الفقيه 288:2-1416.
5- الكافي 520:4-3، الفقيه 287:2-288-1414، التهذيب 271:5-926، الاستبصار 300:2-1073.

و مالك و الشافعي و الثوري و إسحاق و أحمد و ابن المنذر(1) - لقوله تعالي:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ (2) و اليوم اسم النهار، فمن أدركه الليل لم يتعجّل في يومين.

و ما رواه العامّة عن عمر: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلي الغد حتي ينفر الناس(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [بمني](4) فليس لك أن تخرج منها حتي تصبح»(5).

و قال أبو حنيفة: له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث، لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير، فجاز له النفر، كما قبل الغروب(6).

و الفرق أنّه قبل الغروب يتعجّل في اليومين، و هاهنا بعد خروجهما.

و لو دخل عليه وقت العصر، جاز له أن ينفر في الأوّل.

و منع الحسن البصري منه(7). و ليس بجيّد.

و لو رحل من مني فغربت الشمس و هو راحل قبل انفصاله منها، فالأقرب: عدم وجوب المبيت، لمشقّة الرفع و الحطّ. و لو كان مشغولا8.

ص: 374


1- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، المجموع 249:8.
2- البقرة: 203.
3- فتح العزيز 396:7، المجموع 284:8، المغني 487:3، الشرح الكبير 3: 498 و فيها:.. حتي ينفر مع الناس.
4- أضفناها من المصدر.
5- الكافي 521:4-7، التهذيب 272:5-930.
6- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
7- المجموع 284:8.

بالتأهّب فغربت الشمس، فالأقرب: لزوم المقام.

و لو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاع، أو اجتياز، أو زيارة، لم يلزمه المقام، فلو بات بمني، احتمل لزوم الرمي، لدخوله عليه فيها.

و يجوز لمن نفر في الأوّل إتيان مكّة و الإقامة بها، لعموم الترخّص.

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة»(1).

و ينبغي للإمام أن ينفر قبل الزوال في النفر الأخير، و يصلّي الظهر بمكّة ليعلم الناس كيفية الوداع، و لا بأس أن يقيم الإنسان بمني بعد النفر، لأنّه فرغ من أداء مناسكه، و لا يلزمه إتيان مكّة، لكن يستحب ليطوف للوداع. و إذا نفر في الأوّل، سقط عنه رمي الثالث إجماعا.

و يستحب له دفن الحصي المختصّ بذلك اليوم بمني.

و أنكره الشافعي(2).

مسألة 691: يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمني،

و سفح كلّ جبل يسمّي خيفا، و كان مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عند المنارة التي في وسط المسجد، و فوقها إلي القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و يسارها كذلك، فمن استطاع أن يكون مصلاّه فيه فليفعل.

و يستحب أن يصلّي فيه ست ركعات.

قال الصادق عليه السّلام: «صلّ ستّ ركعات في مسجد مني في أصل الصومعة»(3).

ص: 375


1- الكافي 521:4-6، الفقيه 289:2-1425، التهذيب 274:5-938.
2- فتح العزيز 396:7، المجموع 249:8.
3- الكافي 519:4-6، التهذيب 274:5-940.

و يستحب لمن ينفر في النفر الثاني أن يأتي المحصّب، و ينزل به، و يصلّي في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فيه، و يستريح فيه قليلا، و يستلقي علي قفاه، و ليس للمسجد اليوم أثر، فيستحب نزول المحصّب و الاستراحة فيه قليلا، لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه نزل فيه و صلّي الظهر و العصر و المغرب و العشاء و هجع هجعة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «كان أبي ينزلها ثم يرتحل»(2).

و اختلفوا في أنّه نسك(3) ، و النزاع لفظي، للإجماع علي أنّه يثاب عليه، و أنّه لا يعاقب بتركه.

البحث الخامس: في الرجوع إلي مكّة.
مسألة 692: إذا قضي الحاجّ مناسكه بمني، استحبّ له العود إلي مكّة لطواف الوداع،

و يستحب له دخول الكعبة.

قال الباقر عليه السّلام: «الدخول فيها دخول في رحمة اللّه، و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره، مغفور ما سلف من ذنوبه»(4).

و يستحب لمريد دخول الكعبة الاغتسال و الدعاء و التحفّي.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها و لا تدخلها بحذاء، و تقول» إلي آخر الدعاء(5).

ص: 376


1- سنن أبي داود 210:2-2013.
2- التهذيب 275:5-941.
3- انظر: المجموع 252:8-253، و المغني 489:3، و الشرح الكبير 498:3 - 499.
4- الكافي 527:4-2، التهذيب 275:5-276-944.
5- الكافي 528:4-3، التهذيب 276:5-945.

ثم يصلّي بين الأسطوانتين علي الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولي حم، و في الثانية عدد آياتها من القرآن، و يصلّي في زوايا البيت و يدعو بالمنقول قائما مستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي يرفع يديه و يلتصق به، ثم يتحوّل إلي الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج.

و يتأكّد استحباب دخولها للصرورة، فلا ينبغي له تركه، و يدخله بسكينة و وقار.

و تكره الفريضة جوف الكعبة.

روي معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال:

«لا تصلّ المكتوبة في الكعبة، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يدخل الكعبة في حجّ و لا عمرة و لكنّه دخلها في الفتح فتح مكة، و صلّي ركعتين بين العمودين و معه أسامة بن زيد»(1).

و يستحب الدعاء عند الخروج من الكعبة بالمنقول.

مسألة 693: يستحب وداع البيت إجماعا.

روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (لا ينفرنّ أحد حتي يكون آخر عهده بالبيت)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تخرج من مكّة و تأتي أهلك فودّع البيت»(3).

هذا إذا أراد الخروج من مكّة، و لو نوي الإقامة، فلا وداع عليه.

ص: 377


1- التهذيب 279:5-953، الاستبصار 298:1-1101.
2- صحيح مسلم 963:2-1327، سنن ابن ماجة 1020:2-3070، سنن أبي داود: 208:2-2002، سنن الدارمي 72:2، مسند أحمد 222:1.
3- الكافي 530:4-1، التهذيب 280:5-957.

و اختلفت العامّة، فقال الشافعي و أحمد: لا وداع عليه، سواء نوي الإقامة قبل النفر أو بعده، لأنّه غير مفارق(1).

و قال أبو حنيفة: إن نوي الإقامة بعد أن حلّ له النفر، لم يسقط عنه طواف الوداع(2).

و الوجه: الأوّل، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تخرج من مكّة و تأتي أهلك فودّع البيت»(3).

مسألة 694: يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط،

و ليس هذا الطواف واجبا، و لا يجب بتركه دم، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأصالة البراءة، و لسقوطه عن الحائض، فلا يكون واجبا.

و لأنّ هشام بن سالم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عمّن نسي زيارة البيت حتي رجع إلي أهله، فقال: «لا يضرّه إذا كان قد قضي مناسكه»(5).

و القول الثاني للشافعي: أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم(6) - و به قال الحسن و الحكم و حماد و الثوري و إسحاق و أحمد و أبو ثور(7) - لقول ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلاّ أنّه خفّف عن المرأة الحائض(8).

ص: 378


1- المجموع 254:8، الحاوي الكبير 212:4، المغني 489:3، الشرح الكبير 500:3.
2- المغني 489:3، الشرح الكبير 500:3.
3- الكافي 530:4-1، التهذيب 280:5-957.
4- الحاوي الكبير 212:4، المجموع 254:8، المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.
5- التهذيب 282:5-961.
6- الحاوي الكبير 212:4-213، المجموع 254:8، تفسير القرطبي 52:12.
7- المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.
8- صحيح مسلم 963:2-1328، المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.

و الأمر هنا للاستحباب، جمعا بين الأدلّة.

و لا خلاف في أنّه ليس بركن في الحجّ، و لهذا سقط عن الحائض، بخلاف طواف الزيارة.

و وقته بعد فراغ المرء من جميع إشغاله ليكون البيت آخر عهده.

و إذا طاف للوداع و صلّي ركعتيه، فإن انصرف، فلا بحث، و إن أقام بعد ذلك علي زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك، قال الشافعي:

لا يجزئه الأوّل، و يعيد طوافا آخر، و إن قضي حاجة في طريقه من أخذ الزاد و شبهه، لم يؤثّر ذلك في وداعه - و به قال أحمد و عطاء و مالك و الثوري و أبو ثور - لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعا(1).

و قال أبو حنيفة: لا يعيد الوداع و إن أقام شهرين و أكثر، لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر، فأجزأه، كما لو نفر عقيبه(2).

و هذا البحث عندنا ساقط، لأنّه مستحبّ عندنا.

و لو كان منزله في الحرم، قال أبو ثور: عليه الوداع(3). و هو قياس قول مالك(4) و ظاهر مذهبنا، لأنّهم ينفرون و يخرجون من مكة، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم.

و قال أصحاب الرأي: لا وداع عليهم. و هو إحدي الروايتين عن أحمد(5).

و لو أخّر طواف الزيارة حتي يخرج، لم يسقط استحباب طواف3.

ص: 379


1- الحاوي الكبير 212:4، فتح العزيز 413:7، المجموع 255:8، المغني 3: 491، الشرح الكبير 502:3.
2- فتح العزيز 313:7، الحاوي الكبير 212:4، المغني 491:3، الشرح الكبير 502:3.
3- المغني 490:3.
4- المغني 490:3.
5- المغني 490:3.

الوداع، لأنّهما عبادتان، فلا يتداخلان. و من أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا، فالأكثر أنّ القريب - و هو ما نقص عن مسافة التقصير - يرجع و يطوف للوداع، و البعيد يبعث بالدم.

و لو رجع البعيد و طاف للوداع، قال بعضهم: لا يسقط الدم، لاستقراره ببلوغ مسافة القصر. و قال بعضهم: يسقط، لأنّه واجب أتي به، فلا يجب بدله(1).

و لو خرج من مكّة و لم يودّع، يكون قد ترك الأفضل عندنا، فلو رجع لطواف الوداع، كان له ذلك إجماعا، فإن رجع و هو قريب لم يخرج من الحرم، فلا بحث، و إن خرج و قد بعد عن الحرم، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلاّ محرما، لأنّه ليس من أهل الأعذار، فحينئذ يطوف للعمرة لإحرامه و يسعي، و لا يجب عليه طواف الوداع عندنا. و لو رجع من دون الميقات، أحرم من موضعه.

مسألة 695: و طواف الوداع سبعة أشواط كغيره،

و يستلم الحجر الأسود و اليماني في كلّ شوط، فإن تعذّر، افتتح به و ختم به، و يأتي المستجار، و يصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة، و يدعو و يلصق بطنه بالبيت، و يحمد اللّه و يثني عليه، و يدعو بالمنقول، ثم يصلّي ركعتي الطواف.

و قال الصادق عليه السّلام: «ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك علي الباب و تقول: المسكين علي بابك فتصدّق عليه بالجنّة»(2).

ص: 380


1- المغني 491:3-492، الشرح الكبير 504:3-505.
2- الكافي 533:4-5، التهذيب 282:5-962.

و يستحب له أن يشرب من زمزم إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا أفاض نزع [1] هو لنفسه بدلو من بئر زمزم و لم ينزع معه أحد، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر [2].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج»(1).

مسألة 696: الحائض لا طواف عليها للوداع و لا فدية عليها

بإجماع فقهاء الأمصار. و يستحب لها أن تودّع من أدني باب من أبواب المسجد، و لا تدخله إجماعا.

و روي عن عمر و ابنه أنّهما قالا: تقيم الحائض لطواف الوداع(2).

و ليس بمعتمد، لما رواه العامّة: أنّ أم سليم بنت ملحان استفتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر، فأذن لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فخرجت(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف علي أدني باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت»(4).

ص: 381


1- الكافي 530:4-531-1، التهذيب 280:5-281-957.
2- المغني 492:3، الشرح الكبير 505:3.
3- الموطّأ 413:1-229.
4- الكافي 450:4-2، التهذيب 398:5-1383.

و لأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة.

و المستحاضة تودّع بطواف، و لو فقدت الماء تيمّمت و طافت.

و لو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة، استحبّ لها العود و الاغتسال و الطواف. و أوجبه الموجبون، و إن كان بعد مفارقة البنيان، لم تعد إجماعا، للمشقّة، بخلاف من خرج متعمّدا، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر، لأنه ترك واجبا، فلا يسقط بمفارقة البنيان، و ها هنا لم يجب، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن، كما يجب علي المسافر إتمام الصلاة في البنيان، و لا يجب بعد الانفصال.

مسألة 697: يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمرا يتصدّق به

ليكون كفّارة لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يستحبّ للرجل و المرأة أن لا يخرجا من مكّة حتي يشتريا بدرهم تمرا يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما، و لما كان في حرم اللّه عزّ و جلّ»(1).

ص: 382


1- الفقيه 290:2-1430.
المقصد الرابع في اللواحق
اشارة

و فيه فصول

ص: 383

ص: 384

الأول في الحصر و الصدّ
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الصدّ.
مسألة 698: الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة، و الصدّ بالعدوّ،

و عند العامّة هما واحد من جهة العدوّ(1). و الأصل عدم الترادف.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المحصور غير المصدود، فإنّ المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ليس من مرض، و المصدود تحلّ له النساء، و المحصور لا تحلّ له»(2).

و القارن إذا أحصر، فليس له أن يتمتّع في القابل، بل يفعل مثل ما دخل فيه.

مسألة 699: إذا أحرم الحاجّ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة،

فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلي مكّة بعد إحرامه، و لا طريق له سوي موضع الصدّ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه، تحلّل بالإجماع.

ص: 385


1- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، تفسير القرطبي 371:2.
2- التهذيب 423:5-1467.

قال اللّه تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) أي: إذا أحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي، لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هديا.

و روي العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية - و هي اسم بئر خارج الحرم - أن ينحروا و يحلقوا و يحلّوا(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المصدود تحلّ له النساء»(3).

و سواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة و بأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(4) - لعموم الآية(5).

و لأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و أصحابه محرمين بعمرة فتحلّلوا جميعا.

و قال مالك: المعتمر لا يتحلّل، لأنّه لا يخاف الفوات(6).

و لو كان له طريق غير موضع الصدّ، فإن كان معه نفقة تكفيه، لم يكن له التحلّل، و استمرّ علي إحرامه، و وجب عليه سلوكها و إن بعدت، سواء خاف الفوات أو لا.5.

ص: 386


1- البقرة: 196.
2- صحيح البخاري 12:3، المغني 374:3.
3- الكافي 369:4-3، الفقيه 304:2-305-1512، التهذيب 423:5-1467.
4- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، الامّ 162:2، مختصر المزني: 72، الحاوي الكبير 345:4-346، المجموع 294:8، بدائع الصنائع 177:2.
5- البقرة: 196.
6- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، فتح العزيز 4:8، المجموع 8: 355.

فإن كان محرما بعمرة لم تفت، فلا يجوز له التحلّل، و إن كان بحجّ، صبر حتي يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة، و ليس له قبله التحلّل و الإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات، لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات، و هذا غير مقصود هنا، فإنّه يجب أن يمضي علي إحرامه في ذلك الطريق، فإذا أدرك الحجّ، أتمّه، و إن فاته، تحلّل بعمرة و قضاه.

و لو قصرت نفقته، جاز له التحلّل، لأنّه ممنوع مصدود و لا طريق له سوي موضع المنع لعجزه عن الباقي، فيتحلّل و يرجع إلي بلده.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة و رجع إلي المدينة»(1).

مسألة 700: المصدود يتحلّل بالهدي و نيّة التحلّل خاصّة.

أمّا الهدي: فعليه فتوي أكثر العلماء(2) ، للآية(3).

قال الشافعي: لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (4) نزلت في حصر الحديبيّة(5).

و لأنّه عليه السّلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة، و رجع إلي المدينة(6) ، و فعله بيان للواجب.

و لأنّه أبيح له التحلّل قبل أداء نسكه، فكان عليه الهدي، كالفوات.

و قال ابن إدريس من علمائنا: الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ(7) ،

ص: 387


1- التهذيب 424:5-1472.
2- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
3- البقرة: 196.
4- البقرة: 196.
5- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
6- التهذيب 424:5-1472.
7- كذا، و الظاهر: المصدود.

لأصالة البراءة، و لقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (1) أراد: بالمرض، لأنّه يقال: أحصره المرض و حصره العدوّ(2). و به قال مالك، لأنّه تحلّل أبيح له من غير تفريط فأشبه من أتمّ حجّه(3).

و الفرق: أنّ من أتمّ حجّه لم يبق عليه شيء من النسك، فتحلّله لأداء مناسكه، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه.

و أمّا النيّة: فلأنّه خروج من إحرام، فيفتقر إليها، كالداخل فيه. و لأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة. و لأنّه عمل فيفتقر إلي النيّة، و به قال الشافعي(4).

و لو نوي التحلّل قبل الهدي، لم يتحلّل، و كان علي إحرامه حتي ينحر الهدي، لأنّه أقيم مقام أفعال الحجّ، فلا يحلّ له، كما لا يتحلّل القادر علي أفعال الحجّ قبل فعلها، و لا فدية عليه في نيّة التحلّل، لعدم تأثيرها في العبادة، فإن فعل شيئا من محظورات الإحرام قبل الهدي، فعليه الفداء، لأنّه محرم فعل محظورا في إحرام صحيح، فكان عليه فديته، كالقادر.

مسألة 701: لا بدل لهدي التحلّل،

فلو عجز عنه و عن ثمنه، لم ينتقل إلي غيره، و يبقي علي إحرامه، و لو تحلّل لم يحلّ - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(5) - لقوله تعالي:

ص: 388


1- البقرة: 196.
2- السرائر: 151.
3- بداية المجتهد 355:1 و 357، تفسير القرطبي 373:2، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، الحاوي الكبير 350:4.
4- فتح العزيز 16:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 304:8.
5- تفسير القرطبي 373:2، بدائع الصنائع 180:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 534:3، فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4، المهذّب - للشيرازي - 1: 241، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 356:3-357.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (1) و لو كان الصوم أو الإطعام بدلا، لجاز الحلق قبل الهدي.

و لأنّ الهدي أقيم مقام الأعمال و لو قدر علي الأعمال لم يتحلّل إلاّ بها، فإذا عجز لا يتحلّل إلاّ ببدلها.

و القول الثاني للشافعي - و هو الصحيح عندهم -: إنّه يتحلّل في الحال، فينتقل إلي صوم التعديل في قول، و في آخر: إلي الإطعام، و في ثالث: إلي الصوم، و يحلّ به، و هو أن يقوّم شاة وسط بالطعام، فيصوم بإزاء كلّ مدّ يوما، و في رابع: يتخيّر بين الإطعام و الصيام(2).

و علي قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته، ففي جواز التحلّل حينئذ له قولان: أحدهما: أنّه يبقي محرما إلي أن يهدي، و الثاني - و هو الأشبه - أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد(3).

و قال أحمد: إنّه ينتقل إلي صيام عشرة أيّام(4).

إذا عرفت هذا، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا؟ قال أحمد في إحدي الروايتين: لا بدّ من أحدهما، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله حلق يوم الحديبيّة(5)(6).3.

ص: 389


1- البقرة: 196.
2- فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4-355، المهذّب - للشيرازي - 1: 241، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 357:3.
3- الحاوي الكبير 354:4-355، حلية العلماء 357:3، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 304:8.
4- المغني 379:3، الشرح الكبير 534:3، فتح العزيز 80:8.
5- صحيح البخاري 12:3، سنن البيهقي 214:5.
6- المغني 380:3، الشرح الكبير 535:3.

و يحتمل العدم، لأنّه تعالي ذكر الهدي وحده، و لم يشرط سواه.

إذا ثبت هذا، فلو كان المصدود قد ساق هديا في إحرامه قبل الصدّ ثم صدّ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان: أحدهما:

الاكتفاء، لقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ (1).

و قيل: لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق.

مسألة 702: لا يختصّ مكان و لا زمان لنحر هدي التحلّل

و ذبحه في المصدود، بل يجوز نحره في موضع الصدّ، سواء الحلّ و الحرم، و متي صدّ جاز له الذبح في الحال، و الإحلال لقوله تعالي فَمَا اسْتَيْسَرَ (2) و لم يعيّن زمانا خصوصا مع الإتيان بالفاء - و به قال مالك و الشافعي(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نحر بالحديبيّة(4) ، و هي خارج الحرم.

و لأنّه يؤدّي إلي تعذّر الحلّ، لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ.

و قال الصادق عليه السّلام: «المحصور و المضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه»(5).

و قال الحسن و ابن مسعود و الشعبي و النخعي و عطاء و أبو حنيفة:

لا ينحر إلاّ بالحرم يبعث به و يواطئ من بعثه معه علي نحره في وقت يتحلّل فيه، لقوله تعالي وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6) ثمّ

ص: 390


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- بداية المجتهد 355:1، التمهيد 150:12 و 214:15، فتح العزيز 17:8، المجموع 355:8، الحاوي الكبير 350:4.
4- صحيح البخاري 12:3، سنن البيهقي 214:5 و 217.
5- الفقيه 305:2-1513.
6- البقرة: 196.

قال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1)(2).

و الآية في حقّ غير المصدود، و لا يمكن قياس المصدود عليه، لأنّ تحلّله في الحلّ، و تحلّل غيره في الحرم.

مسألة 703: لو صدّ عن مكّة قبل الموقفين، فهو مصدود

إجماعا، يجوز له التحلّل. و لو صدّ عن الموقفين، فكذلك عندنا - و به قال الشافعي(3) - لعموم الآية(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: ليس له أن يتحلّل، و ليس بمصدود، بل إن قدر علي الأداء، أدّي، و إن دام العجز حتي مضي الوقت، فحكمه حكم من فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة، لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم(5).

و يبطل بقوله [تعالي] فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (6) و هو عامّ.

و لو منع عن أحد الموقفين، قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه مصدود(7) أيضا.

و لو منع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلي مني لرمي الجمار و المبيت بها فلا صدّ، و قد تمّ حجّه فيتحلّل و يستنيب من يرمي عنه.

ص: 391


1- الحج: 33.
2- المغني 376:3-377، الشرح الكبير 533:3، بداية المجتهد 355:1، التمهيد 150:12 و 214:15، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 350:4 - 351، المجموع 355:8، بدائع الصنائع 179:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 272:1.
3- فتح العزيز 60:8، المجموع 301:8، الحاوي الكبير 349:4.
4- البقرة: 196.
5- فتح العزيز 60:8، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 349:4.
6- البقرة: 196.
7- المبسوط - للطوسي - 333:1.

و لو صدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة و السعي، تحلّل أيضا، لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولي. و له أن يبقي علي إحرامه، فإن لحق أيّام مني، رمي و حلق و ذبح، و إن لم يلحق، أمر من ينوب عنه في ذلك، فإذا تمكّن، أتي مكة فطاف طواف الحجّ و سعي و تمّ حجّه أيضا، و لا قضاء عليه، و إن لم يقم علي إحرامه حتي يطوف و يسعي و تحلّل، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف و السعي، أمّا لو طاف و سعي و منع من المبيت بمني و الرمي، فإنّ حجّه تامّ، لما تقدّم.

و لو تمكّن من المبيت(1) و صدّ عن الموقفين أو عن أحدهما، جاز له التحلّل، للعموم(2) ، فإن لم يتحلّل و أقام علي إحرامه حتي فاته الوقوف، فقد فاته الحجّ، و عليه التحلّل(3) بعمرة، و لا دم عليه لفوات الحجّ.

و هل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلي العمرة قبل الفوات ؟ إشكال، قال به بعض الجمهور(4) ، لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ، فمعه أولي. و لا دم عليه.

و لو طاف و سعي للقدوم ثم صدّ حتي فاته الحجّ، طاف و سعي ثانيا لعمرة أخري، و لا يجتزئ بالأوّل، لأنّه لم يقصد به طواف العمرة و لا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل، و لا يجدّد إحراما آخر، و به قال أحمد و الشافعي و أبو ثور(5).3.

ص: 392


1- أي: المبيت بمني. و الظاهر أنّها تصحيف البيت.
2- البقرة: 196.
3- في الطبعة الحجرية: و عليه أن يتحلّل.
4- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
5- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.

و قال مالك: يخرج إلي الحلّ، فيفعل ما يفعله المعتمر(1).

و قال الزهري: لا بدّ أن يقف بعرفة(2).

و قال محمد بن الحسن: لا يكون محصرا بمكّة(3).

مسألة 704: إذا تحلّل و فاته الحجّ، وجب عليه القضاء في القابل

إن كان الحجّ الفائت واجبا، كحجّة الإسلام و النذر و غيره، و لا يجب قضاء النفل عند علمائنا. و كذا العمرة يجب قضاء الواجب منها، كعمرة الإسلام و النذر و غيره، و لو كانت نفلا، لم يجب القضاء، لأصالة براءة الذمّة.

و قال الشافعي: لا قضاء عليه بالتحلّل، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل، و إن كانت حجّة الإسلام أو عمرته و كانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة، فإذا خرج منها بالتحلّل، فكأنّه لم يفعلها، و كان باقيا في ذمّته علي ما كان عليه، و إن وجبت في هذه السنة، سقط وجوبها و لم يستقرّ، لفقدان بعض شرائط الحجّ، فحينئذ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال(4). و به قال مالك و أحمد في إحدي الروايتين(5).

و قال أبو حنيفة: إذا تحلّل، لزمه القضاء، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة، قضاها واجبا، و إن كان بحجّة مندوبة فأحصر، تحلّل، و عليه أن يأتي بحجّة و عمرة، و إن كان قرن بينهما فأحصر و تحلّل، لزمه حجّة

ص: 393


1- المغني 379:3، الشرح الكبير 537:3.
2- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
3- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
4- فتح العزيز 56:8-57، المجموع 306:8، روضة الطالبين 450:2، حلية العلماء 358:3، المغني 375:3، الشرح الكبير 536:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 426:2، المسألة 319.
5- المغني 375:3، الشرح الكبير 536:3، فتح العزيز 56:8، المجموع 355:8.

و عمرتان: عمرة لأجل العمرة، و حجّة و عمرة لأجل الحجّ(1).

و يجيء علي مذهبه: إذا أحرم بحجّتين، فإنّه ينعقد بهما، و إنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير، فإن أحصر قبل أن يسير، تحلّل منهما، و لزمه حجّتان و عمرتان(2).

مسألة 705: لا فرق بين الصدّ العامّ - و هو الذي يصدّه المشركون و أصحابه - و بين الصدّ الخاصّ،

كالمحبوس بغير حقّ و مأخوذ اللصوص وحده، لعموم النّص(3) ، و وجود المقتضي لجواز التحلّل، و كذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ، و ما لا يجب هناك لا يجب هنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأصالة البراءة، و العمومات. و في الثاني:

يجب القضاء(5).

و المحبوس بدين إن كان قادرا علي أدائه، فليس بمصدود، و ليس له التحلّل، و إن كان عاجزا، تحلّل. و كذا يتحلّل لو حبس ظلما.

و لو كان عليه دين مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ، كان له التحلّل، لأنّه معذور، لعجزه.

و لو أحرم العبد مطلقا أو الزوجة تطوّعا بغير إذن السيّد و الزوج، كان لهما منعهما من الإتمام، و تحلّلا من غير دم.

ص: 394


1- بدائع الصنائع 182:2-183، فتح العزيز 56:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 358:3، الحاوي الكبير 352:4، المغني 375:3، الشرح الكبير 3: 536، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 426:2، المسألة 319.
2- كما في الخلاف 426:2، المسألة 319.
3- البقرة: 196.
4- الوجيز 130:1، فتح العزيز 59:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 306:8، حلية العلماء 358:3.
5- الوجيز 130:1، فتح العزيز 59:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 306:8، حلية العلماء 358:3.

و كلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة، و هو قول أكثر العلماء(1) ، خلافا لمالك، فإنّه قال: لا يحلّ من إحرام العمرة، لأنّها لا تفوت(2).

مسألة 706: يستحب له تأخير الإحلال، لجواز زوال العذر، فإذا أخّر و زال العذر قبل تحلّله، وجب عليه إتمام نسكه

إجماعا، لقوله تعالي:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (3) .

و لو خشي الفوات، لم يتحلّل، و صبر حتي يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة.

فلو صابر ففات الحجّ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة، و يقضي واجبا إن كان واجبا، و إلاّ فلا.

و لو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده، قال بعض العامّة: يتحلّل بالهدي، و عليه هدي آخر للفوات(4).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يتحلّل بعمرة، و لا يلزمه دم لفوات الحجّ(5).

و لو غلب علي ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات، جاز له أن يتحلّل، للعموم(6) ، لكنّ الأفضل البقاء علي إحرامه، فإن فات الوقوف، أحلّ بعمرة.

و لو أفسد حجّه فصدّ، كان عليه بدنة، و دم التحلّل، و الحجّ من قابل.

و لو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء، وجب، و هو

ص: 395


1- المبسوط - للسرخسي - 109:4، فتح العزيز 4:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 345:4، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 109:4، فتح العزيز 4:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 356:3، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
3- البقرة: 196.
4- المغني 378:3، الشرح الكبير 534:3.
5- المبسوط - للطوسي - 333:1.
6- البقرة: 196.

حجّ يقضي لسنته، و لو ضاق الوقت، قضي من قابل.

و إن لم يتحلّل من الفاسد، فإن زال الصدّ و الحجّ لم يفت، مضي في الفاسد، و تحلّل، كالصحيح، و إن فاته، تحلّل بعمرة، و تلزمه بدنة للإفساد، و لا شيء عليه للفوات. و القضاء من قابل واجب، سواء كان الحجّ واجبا أو ندبا.

و لو كان العدوّ باقيا، فله التحلّل، فإذا تحلّل، لزمه دم التحلّل و بدنة الإفساد، و القضاء من قابل، و ليس عليه أكثر من قضاء واحد.

و لو صدّ فأفسد حجّه، جاز له التحلّل، للعموم(1) ، و عليه دم التحلّل، و بدنة للإفساد، و الحجّ، و يكفيه قضاء واحد.

مسألة 707: ينبغي للمحرم أن يشترط علي ربّه حالة الإحرام

- خلافا لمالك(2) - فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متي مرض، أو ضاعت نفقته أو نفدت، أو منعه ظالم، أو غير ذلك من الموانع، فإنّه يحلّ متي وجد ذلك المانع.

و في سقوط هدي التحلّل قولان.

و الشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجبا، خلافا لبعض العامّة(3).

و ينبغي أن يشترط ما له فائدة. و لو قال: أن تحلّني حيث شئت، فليس له ذلك.

و لو قال: أنا أرفض إحرامي و أحلّ، فلبس و ذبح الصيد [و عمل

ص: 396


1- البقرة: 196.
2- تفسير القرطبي 375:2، المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3.
3- المغني 382:3، الشرح الكبير 539:3.

غيرهما](1) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر، لم يحلّ، و وجبت الكفّارة، لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه، لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها، كالصلاة.

و إن وطئ قبل الموقفين، أفسد حجّه، و وجب إتمامه، و بدنة، و الحجّ من قابل، سواء كان الوطء قبل ما فعله من الجنايات أو بعده، فإنّ الجناية علي الإحرام الفاسد توجب الجزاء، كالجناية علي الإحرام الصحيح، و ليس عليه لرفضه شيء، لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئا.

مسألة 708: العدوّ الصادّ إن كان مسلما، فالأولي الانصراف عنه،

لأنّ في قتاله مخاطرة بالنفس و المال، إلاّ أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلي قتالهم، و يجوز قتالهم، لأنّهم تعدّوا علي المسلمين بمنعهم الطريق. و إن كانوا مشركين، لم يجب علي الحاجّ قتالهم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و إذا لم يجب قتالهم، لم يجز، سواء كانوا قليلين أو كثيرين(2).

و للشافعي قول بوجوب القتال(3) إذا لم يزد عدد الكفّار علي الضّعف(4).

و الوجه: أنّه إذا(5) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة، جاز قتالهم، و يجوز

ص: 397


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: و غيره. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- المبسوط - للطوسي - 334:1.
3- في الطبعة الحجرية: قتالهم.
4- فتح العزيز 5:8، المجموع 295:8.
5- في «ق، ك»: إن.

تركه، فيتحلّل الحاجّ.

و لو ظنّ المسلمون الانقهار، لم يجز قتالهم، لئلاّ يغزوا بالمسلمين، فلو احتاج الحاجّ إلي لبس السلاح و ما تجب فيه الفدية لأجل الحرب، جاز، و عليهم الفدية، كما لو لبسوا(1) لدفع الحرّ و البرد. و لو قتلوا أنفسا(2) و أتلفوا مالا، لم يضمنوا.

و لو قتل المسلمون صيد الكفّار، كان عليهم الجزاء للّه، و لا قيمة للكفّار، إذ لا حرمة لهم.

و لو بذل العدوّ الطريق و كانوا معروفين بالغدر، جاز التحلّل و الرجوع، و إلاّ فلا. و لو طلب العدوّ مالا لتخلية الطريق، فإن لم يوثق بهم، لم يجب بذله إجماعا، لبقاء الخوف، و إن كانوا مأمونين، فإن كثر، لم يجب، بل يكره إن كان العدوّ كافرا، لما فيه من الصغار و تقوية الكفّار، و إن قلّ، قال الشيخ: لا يجب بذله(3) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال، بل يتحلّل.

مسألة 709: إذا تحلّل المصدود بالهدي، فإن كان الحجّ واجبا، قضي ما تحلّل منه،

إن كان حجّا، وجب عليه حجّ لا غير - و به قال الشافعي(4) - لأنّه أحصر عن الحجّ، فلا يلزمه غيره، كمن أحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه حجّ و عمرة معا، لأنّ المصدود فائت

ص: 398


1- في الطبعة الحجرية: لبس.
2- كذا، و الظاهر: نفسا.
3- المبسوط - للطوسي - 334:1.
4- مختصر المزني: 72، الحاوي الكبير 352:4، فتح العزيز 57:8، المجموع 8: 306.

الحجّ، و فائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال، يجب عليه قضاؤها(1).

و نمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ.

و الصدّ قد يتحقّق في العمرة - و به قال أبو حنيفة(2) - لقوله تعالي:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (3) ذكر ذلك عقيبهما، فينصرف إلي كلّ منهما.

و سئل ابن مسعود عن معتمر لدغ، فقال: ابعثوا عنه هديا، فإذا ذبح عنه فقد حلّ(4).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا صدّ كان معتمرا(5).

و قال مالك: لا يتحقّق، لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم، فيمكنه اللبث إلي أن يزول الإحصار ثم يؤدّي(6).

و هو يستلزم الحرج، لعدم العلم بالغاية.

مسألة 710: إذا صدّ عن المضيّ إلي مكّة أو الموقفين، كان له التحلّل بالهدي

علي ما تقدّم(7).

هذا إذا منع من المضيّ، دون الرجوع و السير في صوب آخر، و أمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها، فكذلك عندنا - و هو أصحّ

ص: 399


1- المبسوط - للسرخسي - 107:4، بدائع الصنائع 182:2، الاختيار لتعليل المختار 224:1، بداية المجتهد 355:1، تفسير القرطبي 376:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 109:4، بدائع الصنائع 177:2.
3- البقرة: 196.
4- شرح معاني الآثار 251:2، سنن البيهقي 221:5.
5- فتح العزيز 4:8، و سنن البيهقي 216:5.
6- انظر: فتح العزيز 4:8، و المغني 374:3، و الشرح الكبير 530:3.
7- تقدّم في المسألة 703.

قولي الشافعي(1) - لأنّهم يستفيدون به الأمن من العدوّ الذي بين أيديهم.

و الثاني: ليس لهم التحلّل، لأنّهم لا يستفيدون به أمنا، فأشبه المريض ليس له التحلّل(2).

و الأصل ممنوع.

و لا بدل لهدي التحلّل علي ما تقدّم(3) ، خلافا للشافعي في أحد قوليه(4) ، و علي القولين لا بدّ من نيّة التحلّل(5).

و هل يجب الحلق ؟ للشافعي قولان: إن قلنا: إنّه نسك، فنعم، و إلاّ فلا، فخرج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح و الحلق مع النيّة، فالتحلّل يحصل بثلاثتها، و إن أخرجنا الذبح عن الاعتبار، فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان(6).

مسألة 711: إحرام العبد منعقد، سواء كان بإذن السيّد أو بدونه.

ثمّ إن أحرم بإذنه، لم يكن له تحليله، سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده. و لو باعه و الحال هذه، لم يكن للمشتري تحليله، لكن له الخيار مع جهله بإحرامه.

و إن أحرم بغير إذنه، يستحب له الإذن في الإتمام، و له تحليله، لأنّ

ص: 400


1- فتح العزيز 7:8-8، المجموع 296:8، الحاوي الكبير 358:4.
2- فتح العزيز 7:8-8، المجموع 296:8، الحاوي الكبير 358:4.
3- تقدّم في المسألة 701.
4- فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 357:3.
5- فتح العزيز 16:8، المجموع 304:8.
6- فتح العزيز 16:8، المجموع 304:8.

تقريره علي الحجّ إبطال لمنافعه عليه، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: له تحليله، سواء أحرم بإذنه أو بغير إذنه(2).

و لو أذن له في الإحرام، فله الرجوع قبل أن يحرم، فإن رجع و لم يعلم به العبد فأحرم، فله تحليله.

و للشافعي وجهان(3).

و لو أذن له في العمرة فأحرم بالحجّ، فله تحليله، و لو كان بالعكس، لم يكن له تحليله، لأنّ العمرة دون الحجّ، قاله الشافعي(4). و فيه نظر.

و لو أذن له في التمتّع، فله منعه من الحجّ بعد ما تحلّل عن العمرة، قاله الشافعي(5). و فيه إشكال. و ليس له تحليله من العمرة و لا من الحجّ بعد تلبّسه به.

و لو أذن له في الحجّ أو في التمتّع، فقرن، قال الشافعي: ليس له تحليله(6).

و لو أذن له أن يحرم في ذي القعدة فأحرم في شوّال، فله تحليله قبل ذي القعدة لا بعده.

البحث الثاني: في المحصور
مسألة 712: إذا تلبّس الحاجّ بالإحرام ثم مرض بحيث لا يتمكّن معه

ص: 401


1- المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 43:7-44، فتح العزيز 22:8 - 23، حلية العلماء 358:3، الحاوي الكبير 362:4.
2- المبسوط - للسرخسي - 165:4، بدائع الصنائع 181:2، فتح العزيز 23:8.
3- فتح العزيز 23:8، المجموع 44:7.
4- فتح العزيز 23:8-24، المجموع 45:7.
5- فتح العزيز 24:8، المجموع 46:7.
6- فتح العزيز 24:8، المجموع 46:7.

من المضي إلي مكّة أو إلي الموقفين، بعث بهديه مع أصحابه ليذبحوه عنه في موضع الذبح، فإن كان قد ساق هديا، بعث ما ساقه، و إن لم يكن ساق، بعث هديا أو ثمنه.

و لا يحلّ حتي يبلغ الهدي محلّه، و هو مني إن كان حاجّا، و مكّة إن كان معتمرا. فإذا بلغ الهدي محلّه، أحلّ من كلّ شيء إلاّ من النساء إلي أن يطوف في القابل أو يأمر من يطوف عنه، فتحلّ له النساء حينئذ - هذا مذهب علمائنا، و به قال ابن مسعود و عطاء و الثوري و النخعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين، إلاّ أنّ أصحاب الرأي لم يعتبروا طواف النساء، بل قالوا: يحلّ بالبلوغ إلي المحلّ(1) - لقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من كسر أو عرج فقد حلّ و عليه حجّة أخري)(3).

و في رواية (و عليه الحجّ من قابل)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل أحصر [فبعث بالهدي](5) قال: «يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حجّ فمحلّ الهدي [يوم](6)ر.

ص: 402


1- المغني 382:3، الشرح الكبير 538:3، المبسوط - للسرخسي - 107:4، فتح العزيز 8:8-9، المجموع 355:8، تفسير القرطبي 375:2، و انظر أيضا: الخلاف - للطوسي - 428:2، المسألة 322.
2- البقرة: 196.
3- سنن النسائي 199:5، سنن ابن ماجة 1028:2-3077، سنن الترمذي 3: 277-940.
4- سنن ابن ماجة 1028:2-3078، سنن النسائي 199:5، سنن أبي داود 2: 173-1862، سنن البيهقي 220:5.
5- أضفناها من المصدر.
6- أضفناها من المصدر.

النحر»(1) الحديث.

و قال الشافعي: لا يجوز له التحلّل أبدا إلي أن يأتي به، فإن فاته الحجّ، تحلّل بعمرة - و به قال ابن عمر و ابن عباس و مالك و أحمد في الرواية الأخري - لأنّه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله و لا التخلّص من الأذي الذي به، بخلاف حصر العدوّ(2).

و نمنع عدم الانتقال، و عدم المخلص من الأذي لا يمنع من التحلّل.

مسألة 713: إذا بعث الهدي، انتظر وصوله إلي المحلّ،

فإذا كان يوم المواعدة، قصّر من شعر رأسه، و أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، فإنّهنّ لا يحللن له حتي يحجّ من قابل، و يطوف طواف النساء إن كان الحجّ واجبا، أو يطاف عنه في القابل إن كان تطوّعا، قاله علماؤنا، و لم يعتبر الجمهور ذلك، بل حكم بعضهم بجواز الإحلال مطلقا، و آخرون بالمنع مطلقا(3) ، و قد قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المحصور لا تحلّ له النساء»(4).

و لو وجد من نفسه خفّة بعد بعث هديه و أمكنه اللحوق بأصحابه، لحق، لأنّه محرم بأحد النسكين، فيجب عليه إتمامه، للآية(5) ، فإن أدرك أحد الموقفين، أدرك الحجّ، و إن فأتاه معا، فاته الحجّ، و كان عليه الحجّ من قابل، للرواية الصحيحة عن الباقر عليه السّلام، قال: «إذا أحصر الرجل بعث

ص: 403


1- التهذيب 421:5-422-1465.
2- فتح العزيز 8:8، المجموع 310:8، المنتقي - للباجي - 276:2، المغني 382:3، الشرح الكبير 538:3.
3- انظر: ما تقدّم في المسألة السابقة (712).
4- الكافي 369:4-3، الفقيه 304:2-305-1512، التهذيب 423:5-1467.
5- البقرة: 196.

هديه، فإن أفاق و وجد من نفسه خفّة فليمض إن ظنّ أن يدرك هديه قبل أن ينحر، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر هديه فليقم علي إحرامه حتي يقضي المناسك و ينحر هديه و لا شيء عليه، و إن قدم مكّة و قد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ من قابل و العمرة» قلت: فإن مات قبل أن ينتهي إلي مكّة ؟ قال:

«إن كانت حجّة الإسلام يحجّ عنه و يعتمر فإنّما هو شيء عليه»(1).

مسألة 714: لو تحلّل يوم الميعاد ثم ظهر أنّ أصحابه لم يذبحوا عنه، لم يبطل تحلّله،

و وجب عليه أن يبعث به في القابل ليذبح عنه في موضع الذبح، لأنّ تحلّله وقع مشروعا.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فإن ردّوا عليه الدراهم و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحلّ لم يكن عليه شيء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا بعث في العام المقبل، وجب عليه أن يمسك ممّا يمسك عنه المحرم إلي أن يذبح عنه(3) ، لهذه الرواية.

و منعه ابن إدريس(4) ، للأصل، و لأنّه ليس بمحرم فكيف يحرم عليه شيء و هو غير محرم و لا في الحرم!؟ و كذا من بعث هديا تطوّعا من أفق من الآفاق، قال الشيخ رحمه اللّه: يواعد أصحابه يوما بعينه، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم من الثياب و النساء و الطيب و غير ذلك، إلاّ أنّه لا يلبّي، فإن فعل ما يحرم علي المحرّم، كان عليه

ص: 404


1- التهذيب 422:5-423-1466.
2- التهذيب 421:5-422-1465.
3- النهاية: 282.
4- السرائر: 151.

الكفّارة، كما تجب علي المحرم سواء، فإذا كان اليوم الذي و أعدهم، أحلّ، و إن بعث بالهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه بإشعاره و تقليده، فإذا كان ذلك اليوم، اجتنب ما يجتنبه المحرم إلي أن يبلغ الهدي محلّه، ثم إنّه أحلّ من كلّ شيء أحرم منه(1).

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في الرجل يرسل بالهدي تطوّعا، قال: «يواعد أصحابه يوما يقلّدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنته و رجع إلي المدينة»(2) و غيرها من الروايات.

و منع ابن إدريس(3) من ذلك.

مسألة 715: الحاجّ و المعتمر في ذلك سواء،

إذا أحصر المعتمر، فعل ما ذكرناه، و كانت عليه العمرة في الشهر الداخل واجبة إن كانت العمرة واجبة، و إلاّ نفلا.

و لو احتاج المحصر إلي حلق رأسه لأذي، ساغ له ذلك و يفدي، لقول الباقر عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه و أذاه رأسه قبل أن ينحر فحلق رأسه فإنّه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يطعم ستّة مساكين»(4).

و لو كان المحصر قد أحرم بالحجّ قارنا، قال الشيخ: لم يجز له أن

ص: 405


1- النهاية: 283.
2- التهذيب 424:5-1473.
3- السرائر: 152.
4- التهذيب 423:5-1469.

يحجّ في القابل إلاّ قارنا، و ليس له التمتّع بل يدخل في مثل ما خرج منه(1) ، لقول الباقر و الصادق عليهما السّلام: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلّني حيث حبستني يبعث بهديه» قلنا: هل يستمتع(2) من قابل ؟ قال: «لا، و لكن يدخل بمثل ما خرج منه»(3).

و الوجه: أنّه إن كان القران واجبا، وجب عليه القران، و إلاّ فلا.

مسألة 716: قال ابن بابويه و أبوه: إذا قرن الرجل الحجّ و العمرة و أحصر، بعث هديا مع هديه،

و لا يحلّ حتي يبلغ الهدي محلّه(4). فأوجبا هديا مع هدي السياق. و قوّاه ابن إدريس(5) ، لقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6) فأوجب هديا للإحصار.

و أصحابنا قالوا: يبعث بهديه الذي ساقه(7) ، و لم يوجبوا بعث هدي آخر.

و قال ابن إدريس: معني قولهما: إذا قرن الحجّ و العمرة أن يقرن مع كلّ واحد منهما علي الانفراد هديا يشعره أو يقلّده، فيخرج من ملكه بذلك و إن لم يكن ذلك واجبا عليه بنذر، و لم يقصد أن يحرم بهما جميعا و يقرن بينهما في الإحرام، لأنّ ذلك مذهب من خالفنا في حدّ القران(8).

مسألة 717: إذا اشترط في إحرامه، فله التحلّل من دون إنفاذ هدي

إلاّ

ص: 406


1- المبسوط - للطوسي - 235:1.
2- كذا، و في المصدر: يتمتّع.
3- التهذيب 423:5-1468.
4- الفقيه 305:2 ذيل الحديث 1512، و حكاه عن علي بن بابويه ابن إدريس في السرائر: 151.
5- السرائر: 151.
6- البقرة: 196.
7- كما في السرائر: 151.
8- السرائر: 151.

أن يكون ساقه و أشعره أو قلّده، فإن كان فلينفذه، و إن لم يكن ساق بل اشترط، فله التحلّل إذا بلغ الهدي محلّه، و هو يوم النحر، فإذا كان يوم النحر فليتحلّل من جميع ما أحرم منه إلاّ النساء.

و روي المفيد عن الصادق عليه السّلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام علي إحرامه حتي يبلغ الهدي محلّه ثم يحلّ، و لا يقرب النساء حتي يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان في حجّة السلام، فأمّا حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه و قد حلّ ممّا كان أحرم منه، فإن شاء حجّ من قابل، و إن لم يشأ لم يجب عليه الحجّ»(1).

قال ابن إدريس: المحصور يفتقر إلي نيّة التحلّل كما دخل في الإحرام بنيّة(2). و هو حسن.

البحث الثالث: في حكم الفوات.
مسألة 718: من لم يقف بالموقفين في وقتهما فاته الحجّ إجماعا،

فيتحلّل بطواف و سعي و حلاق، و يسقط عنه بقية أفعال الحجّ من الرمي و المبيت، عند علمائنا - و به قال عمر و ابنه و زيد بن ثابت و ابن عباس و ابن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين و أصحاب الرأي(3) - لأنّ باقي أفعال الحجّ تترتّب علي الوقوف و قد فاته(4) ، فتفوت

ص: 407


1- المقنعة: 70.
2- السرائر: 152.
3- المغني 566:3، الشرح الكبير 523:3، فتح العزيز 48:8-49، المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 286:8 و 290، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 236:4.
4- في «ق، ك»: فات.

هي بفواته.

و ما رواه العامّة عن عمر، أنّه قال لأبي أيّوب حين فاته الحجّ: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإن أدركت الحجّ قابلا فحجّ و أهد ما استيسر من الهدي(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: «يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل يحرم من حيث أحرم»(2).

و قال أحمد في الرواية الأخري: يمضي في حجّ فاسد. و به قال المزني، قال: يلزمه جميع أفعال الحجّ إلاّ الوقوف(3).

و قال مالك في رواية أخري عنه: لا يحلّ، بل يقيم علي إحرامه حتي إذا كان من قابل أتي بالحجّ، فوقف و أكمل الحجّ(4).

و في رواية ثالثة عنه: أنّه يحلّ بعمرة مفردة، و لا يجب عليه القضاء(5).

و قول المزني باطل، لأنّ الإتيان بالأفعال الباقية لا يخرجه عن4.

ص: 408


1- ترتيب مسند الشافعي 384:1-990، سنن البيهقي 174:5.
2- التهذيب 295:5-999.
3- المغني 566:3، الشرح الكبير 525:3، مختصر المزني: 69، الحاوي الكبير 236:4، الخلاف - للشيخ الطوسي - 375:2 ذيل المسألة 219.
4- حلية العلماء 355:3، الحاوي الكبير 236:4، الخلاف - للشيخ الطوسي - 375:2، ذيل المسألة 219.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 375:2 ذيل المسألة 219، و انظر: المغني 568:3، و الشرح الكبير 525:3، و الحاوي الكبير 238:4.

العهدة، فلا فائدة فيها. و قياسه علي المفسد باطل، لأنّ الجناية وقعت هناك من المفسد، فكان التفريط من قبله، بخلاف الفوات.

و قول مالك يشتمل علي ضرر عظيم، فيكون منفيّا.

مسألة 719: إذا فاته الحجّ جعل حجّه عمرة مفردة،

فيطوف و يسعي و يحلق، عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (من فاته الحجّ فعليه دم، و ليجعلها عمرة، و ليحجّ من قابل)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام في الذي إذا (أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ)(3) فقال: «إذا أتي جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له، و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، و إن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلي أهله رجع، و عليه الحجّ من قابل»(4).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلي الحجّ قدم و قد فاته الحجّ فليجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل»(5).

و قال مالك و الشافعي: لا يصير إحرامه بعمرة، بل يتحلّل بطواف

ص: 409


1- المغني 566:3-567، الشرح الكبير 523:3-524، المبسوط - للسرخسي - 174:4، فتح العزيز 52:8، المجموع 290:8.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 567:3، و الشرح الكبير 524:3.
3- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية و «ق، ك»: أدرك الناس، و ما أثبتناه هو الموافق للمصدر.
4- التهذيب 294:5-997، الاستبصار 306:2-307-1094.
5- التهذيب 294:5-998، الاستبصار 307:2-1095.

و سعي و حلاق، لأنّه أحرم بأحد النسكين لا ينقلب إلي الآخر، كما لو أحرم بالعمرة(1).

و الفرق: فوات الحجّ، و إمكان الإتيان بالعمرة من غير فوات فيها، فلا حاجة إلي انقلاب إحرامها.

و لا بدّ من نيّة الاعتمار، خلافا لبعض العامّة، و أوجبوا الإتيان بأفعالها(2).

مسألة 720: إذا فاته الحجّ، استحبّ له المقام بمني إلي انقضاء أيّام التشريق،

و ليس عليه شيء من أفعال الحجّ و لا حلق و لا تقصير، بل يقصّر إذا تحلّل بعمرة بعد طوافها و سعيها.

و هل يجب علي من فاته الحجّ الهدي ؟ الأقرب: المنع - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لأصالة براءة الذمّة، و لأنّه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي، لوجب علي المحصر هديان: واحد للفوات، و آخر للإحصار.

و نقل الشيخ - رحمه اللّه - عن بعض علمائنا وجوب الهدي(4) - و به قال الشافعي و أكثر الفقهاء(5). و عن أحمد روايتان(6) - لقول الصادق عليه السّلام في

ص: 410


1- المغني 567:3، الشرح الكبير 524:3، فتح العزيز 52:8، المجموع 8: 287 و 290، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 236:4.
2- المغني 567:3، الشرح الكبير 524:3.
3- الكتاب بشرح اللباب 221:1، المغني 568:3، الشرح الكبير 526:3، حلية العلماء 354:3، فتح العزيز 54:8، المجموع 290:8، الحاوي الكبير 4: 239.
4- الخلاف 374:2، المسألة 219.
5- الوجيز 131:1، فتح العزيز 54:8، الحاوي الكبير 239:4، المجموع 8: 287 و 290، روضة الطالبين 452:2، حلية العلماء 354:3، المغني 3: 568، الشرح الكبير 526:3.
6- المغني 568:3، الشرح الكبير 526:3.

نفر فاتهم الحجّ: «عليهم أن يهريق كلّ واحد(1) منهم دم شاة»(2).

و لأنّه حلّ من إحرامه قبل إتمامه، فلزمه الهدي، كالمحصر.

و الخبر محمول علي الاستحباب. و نمنع الحلّ قبل إتمامه، و إنّما نقله إلي العمرة، و النقل جائز.

و لو كان قد ساق هديا، نحره بمكّة، لأنّه تعيّن للإهداء، فلا يسقط بالفوات، فإن قلنا بوجوب الهدي، ذبحه في ذلك العام، و لا يجوز له تأخيره إلي القابل - [و هو أحد قولي الشافعي](3)(4) - كالمدرك لأفعال الحجّ، و لأنّ الهدي واجب علي الفور، لأنّه جزء من الحجّ.

و الثاني للشافعي: يجوز(5).

و علي الأوّل لو أخّره، عصي، و وجب عليه ذبحه، و لا يجزئه عن هدي القضاء، لأنّ القضاء إحرام، فيجب فيه الهدي، للآية(6).

مسألة 721: إذا كان الفائت واجبا، كحجّة الإسلام و المنذورة و غيرهما، وجب القضاء،

و لا تجزئه العمرة التي فعلها للتحلّل، و إن لم يكن الحجّ واجبا، لم يجب عليه القضاء - و به قال عطاء و أحمد في

ص: 411


1- في «ق، ك» و الفقيه: رجل، بدل واحد.
2- الكافي 475:4-1، الفقيه 284:2-1395، التهذيب 295:5-1000، الإستبصار 307:2-1097.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 287:8، حلية العلماء 3: 355، الحاوي الكبير 239:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 287:8، حلية العلماء 3: 355، الحاوي الكبير 239:4.
6- البقرة: 196.

إحدي الروايتين، و مالك في أحد القولين(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا سئل عن الحجّ أكثر من مرّة، قال: (بل مرّة واحدة)(2) و لو أوجبنا القضاء، كان أكثر من مرّة.

و عن الصادق عليه السّلام في القوم الذين فاتهم الحجّ قال: «ليس عليهم من قابل»(3) و لا يمكن ذلك في الواجب فيحمل علي النفل.

و لأنّه معذور في ترك إتمام حجّه، فلا يلزمه القضاء، كالمحصر.

و لأنّها عبادة غير واجبة، فلا يجب قضاؤها بالفوات، كسائر العبادات.

و قال الشافعي: يجب القضاء و إن كان الحجّ تطوّعا - و به قال ابن عباس و ابن الزبير و أصحاب الرأي و مالك في القول الثاني و أحمد في الرواية الثانية - لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: (من فاته عرفات فقد فاته الحجّ فليتحلّل(4) بعمرة و عليه الحجّ من قابل)(5).

و لأنّه يجب بالشروع فيه(6).

و تحمل الرواية علي الحجّ الواجب، و إنّما يجب بالشروع مع إمكانه.

و إن كان الفائت حجّة الإسلام، وجب قضاؤها إجماعا علي الفور3.

ص: 412


1- المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3، فتح العزيز 53:8، الحاوي الكبير 238:4.
2- المستدرك - للحاكم - 293:2، سنن ابن ماجة 963:2-2886، مصنّف ابن أبي شيبة 85:4، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.
3- الكافي 475:4-476-1، الفقيه 284:2-1395، التهذيب 295:5-1000، الإستبصار 307:2-1097.
4- في المصادر: فليحلّ.
5- سنن الدار قطني 241:2-22، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.
6- فتح العزيز 53:8، المجموع 287:8، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 238:4، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.

عندنا - و هو ظاهر مذهب الشافعي(1) - لأنّ القضاء كالأداء، و قد بيّنّا وجوب الأداء علي الفور و كذا قضاؤه.

و من الشافعية من قال: إنّها علي التراخي(2).

و إذا قضاه في العام المقبل، أجزأه عن الحجّة الواجبة إجماعا.

و إذا فاته الحجّ، نقل إحرامه إلي العمرة، و لا يحتاج إلي تجديد إحرام آخر للعمرة، و هذه العمرة المأتي بها للتحلّل لا تسقط وجوب العمرة التي للإسلام إن كانت الفائتة حجّة الإسلام، لوجوب الإتيان بالحجّ و العمرة في سنة واحدة.

و هل يجب علي فائت الحجّ التحلّل ؟ الأقرب ذلك، فلو أراد البقاء علي إحرامه إلي القابل ليحجّ من قابل، فالظاهر من الروايات المنع، لأنّهم عليهم السّلام أوجبوا عليه الإتيان بطواف و سعي(3) ، و حكموا بانقلاب الحجّ إلي العمرة(4) ، و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر(5) ، لقوله عليه السّلام: (من فاته الحجّ فعليه دم و ليجعلها عمرة)(6).

و قال مالك: يجوز، لأنّ تطاول المدّة بين الإحرام و فعل النسك لا يمنع عن إتمامه، كالعمرة(7).3.

ص: 413


1- فتح العزيز 473:7 و 53:8، المهذّب - للشيرازي - 222:1 و 240، المجموع 389:7 و 287:8، الحاوي الكبير 221:4.
2- فتح العزيز 473:7 و 53:8، المهذّب - للشيرازي - 222:1 و 240، المجموع 389:7 و 287:8، الحاوي الكبير 221:4.
3- التهذيب 295:5-999.
4- الكافي 476:4-2، التهذيب 294:5-998، الإستبصار 307:2-1095.
5- المغني 569:3، الشرح الكبير 527:3.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 567:3، و الشرح الكبير 524:3.
7- المنتقي - للباجي - 278:2، التفريع 351:1، حلية العلماء 355:3، المغني 569:3، الشرح الكبير 527:3.

و لا فرق بين المكّي و غيره في وجوب الهدي بالفوات.

و أمّا العمرة المفردة: فلا يفوت وقتها، لأنّ وقتها جميع السنة، أمّا المتمتّع بها فيفوت بفوات الحجّ، لتعيّن وقتها.

ص: 414

الفصل الثاني في بقايا مسائل تتعلّق بالنساء و العبيد و الصبيان و النائب في الحجّ
مسألة 722: قد بيّنّا وجوب الحجّ علي النساء كوجوبه علي الرجال،

و ليس للزوج منعها عن حجّة الإسلام و لا ما وجب عليها، فإن أحرمت في الواجب، مضت فيه و إن كره الزوج، و ليس له منعها من إتمامه.

و له منعها عن حجّ التطوّع إجماعا، لما فيه من منع الزوج عن حقّه.

و لو أذن لها في التطوّع، جاز له الرجوع فيه ما لم تتلبّس بالإحرام إجماعا، فإن أحرمت بعد رجوعه، كان له أن يحلّلها.

و الأقرب أنّه لا دم عليها، خلافا لبعض العامة(1).

و لو أحرمت قبل رجوعه، لم يكن له تحليلها، لوجوب الإتمام عليها.

و لو كان إحرامها بغير إذنه في التطوّع، كان له تحليلها، خلافا لبعض العامّة(2).

و لو خرجت لحجّة الإسلام و لم تكمل شرائطها، كان له منعها. و لو أحرمت من غير إذنه، كان له تحليلها.

و لو نذرت الحجّ بغير إذن زوجها، لم ينعقد، و لو أذن، وجب النذر.

ص: 415


1- المغني 573:3-574.
2- فتح العزيز 39:8، المجموع 332:8-333، المغني 572:3، الشرح الكبير 175:3.

و كذا لو نذرت قبل التزويج. و المطلّقة رجعيّا في العدّة كالزوجة.

مسألة 723: جميع ما يجب علي الرجل من أفعال الحجّ و تروكه فهو واجب علي المرأة،

إلاّ تحريم لبس المخيط، و الحائض تحرم كالرجل إلاّ أنّها تحتشي و تستثفر و تتوضّأ وضوء الصلاة و لا تصلّي، للحيض، لأنّ الإحرام عبادة لا يشترط فيها الطهارة، فجاز وقوعه من الحائض.

قال الصادق عليه السّلام عن الحائض تريد الإحرام: «تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثيابها لإحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد ثم تهلّ بالحجّ بغير صلاة»(1).

و المستحاضة تفعل ما يلزمها من الأغسال إن وجبت ثم تحرم عند الميقات، و كذا النفساء.

و لو تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز فعله للحائض أو المستحاضة أو النفساء، أو نسيانا، وجب عليها الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه إن تمكّنت، و ان لم تتمكّن أو ضاق الوقت عليها، خرجت إلي خارج الحرم و أحرمت منه، فإن لم تتمكّن، أحرمت من موضعها، لرواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري هل عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتي دخلت [الحرم](2) قال: «إن كان عليها مهلة فلترجع إلي الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها مهلة فلترجع ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم»(3).

ص: 416


1- التهذيب 388:5-1355.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- التهذيب 389:5-390-1362.
مسألة 724: نفقة الحجّ الواجب إن زادت عن نفقة الحضر، كان الزائد علي المرأة

لا علي الزوج، لأنّ أداء الحجّ واجب عليها، و أمّا قدر نفقة الحضر فيجب علي الزوج، كالحضر، سواء حجّت بإذن الزوج أو بغير إذنه، لأنّها غير ناشز بالحجّ الواجب، فلا تسقط نفقتها في الحضر. و لو كان الحجّ تطوّعا بإذنه فكذلك، أمّا لو كان بغير إذنه، فهي ناشز، فلا نفقة لها، لنشوزها.

و لو أفسدت الحجّ الواجب بأن مكّنت زوجها من وطئها مختارة قبل الموقفين، لزمها القضاء، و كانت قدر نفقتها في الحضر واجبة علي الزوج في القضاء، و الزائد عليها في مالها. و كذا ما يلزمها من الكفّارة يجب عليها في مالها خاصّة.

مسألة 725: إذا حاضت المرأة بعد الإحرام قبل الطواف، لم يكن لها أن تطوف إجماعا،

لأنّها ممنوعة من الدخول في المسجد، بل تنتظر إلي وقت الوقوف، فإن طهرت و تمكّنت من الطواف و السعي و التقصير و إنشاء إحرام الحجّ و إدراك عرفة، صحّ لها التمتّع، و إن لم تدرك ذلك و ضاق الوقت، بطلت متعتها، و صارت حجّتها مفردة، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: أهللنا بعمرة، فقدمت مكّة و أنا حائض لم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، فشكوت ذلك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: (انقضي رأسك و امتشطي و أهلّي بالحجّ و دعي العمرة) قالت: ففعلت ذلك، فلمّا قضينا الحجّ أرسلني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مع عبد الرحمن ابن أبي بكر إلي التنعيم، فاعتمرت معه، فقال: (هذه عمرة مكان عمرتك)(2).

ص: 417


1- المغني 513:3، الشرح الكبير 258:3.
2- صحيح مسلم 870:2-111، سنن النسائي 166:5، المغني 513:3، الشرح الكبير 258:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: «تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجّة ثم تقيم حتي تطهر فتخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة»(1).

و قال باقي العامّة: تحرم بالحجّ مع عمرتها، و تصير قارنة تجمع بين الحجّ و العمرة(2). و قد سلف بطلانه.

و اعلم أنّ كلّ متمتّع خشي فوات الحجّ باشتغاله بالعمرة يرفض عمرته و يبطلها، و تصير حجّة مفردة.

و لا يجب عليها تجديد إحرام، بل تخرج بإحرامها ذلك إلي عرفات، و لا يجب عليها الدم.

و لو حاضت في أثناء طواف المتعة، فإن كان الحيض بعد طواف أربعة أشواط، قطعته، وسعت و قصّرت ثم أحرمت بالحجّ، و قد تمّت متعتها، فإذا فرغت من المناسك و طهرت، تمّمت طوافها، و صلّت ركعتيه.

و إن كانت قد طافت أقلّ من أربعة أشواط، كان حكمها حكم من لم يطف، لأنّها مع طواف أربعة أشواط تكون قد طافت أكثر الأشواط، و حكم معظم الشيء حكم الشيء غالبا.

و لقول الصادق عليه السّلام: «المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامّة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة، و تخرج إلي مني قبل أن تطوف الطواف الآخر»(3).1.

ص: 418


1- التهذيب 390:5-1363.
2- المغني 513:3، الشرح الكبير 257:3-258.
3- التهذيب 393:5-1370، الاستبصار 313:2-1111.

و إذا طافت أقلّ من أربعة، تركت السعي، لأنّه تبع الطواف.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في الطامث، قال: «تقضي المناسك كلّها غير أنّها لا تطوف بين الصفا و المروة»(1).

و لو حاضت بعد الطواف قبل الركعتين، تركتهما وسعت و قضتهما بعد الطهارة.

و لو حاضت في إحرام الحجّ، فإن كان قبل طواف الزيارة، وجب عليها المقام حتي تطهر ثم تطوف و تسعي، و إن كان بعده قبل طواف النساء، فكذلك.

و إن كانت قد طافت من طواف النساء أربعة أشواط، جاز لها الخروج من مكّة، فإنّ في تخلّفها عن الحاجّ ضررا عظيما، و قد طافت معظمه، فجاز لها الخروج قبل الإكمال.

و لو فرغت المتمتّعة من عمرتها و خافت الحيض، جاز لها تقديم طواف الحجّ، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لما روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه سأله رجل، فقال: أفضت قبل أن أرمي، قال: (ارم و لا حرج)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية يحيي الأزرق(4) عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلي الحجّ ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر، يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي مني ؟ قال: «إذا خافت أن تضطرّ إلي ذلكق.

ص: 419


1- التهذيب 393:5-1372، الاستبصار 313:2-1113.
2- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
3- صحيح مسلم 949:2-950-333، سنن الدار قطني 252:2-72.
4- في المصدر: صفوان بن يحيي الأزرق.

فعلت»(1).

مسألة 726: العليلة كالرجل العليل يطاف بها،

و تستلم مستحبّا إن تمكّنت منه، و لو تعذّر الطواف بها، طيف عنها.

و المستحاضة تطوف بالبيت و تفعل ما تفعله الطاهر من الصلاة فيه و السعي و غيره إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. و يكره لها دخول الكعبة.

و إذا كانت عليلة لا تعقل وقت الإحرام، أحرم عنها و ليّها، و جنّبها ما يجتنب المحرم.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا أحرمت بالحجّ ثم طلّقها زوجها و وجبت عليها العدّة، فإن ضاق الوقت و خافت فوت الحجّ إن أقامت، خرجت و قضت حجّتها ثم تعود فتقضي باقي العدّة إن بقي عليها شيء، و إن كان الوقت متّسعا أو كانت محرمة بعمرة، فإنّها تقيم و تقضي عدّتها ثم تحجّ و تعتمر(2).

أمّا المتوفّي عنها زوجها: فإنّه يجوز لها أن تخرج في الحجّ مطلقا، لوجوب الحجّ علي الفور علي عامّة المكلّفين.

و لقول الصادق عليه السّلام في المتوفّي عنها زوجها، قال: «تحجّ و إن كانت في عدّتها»(3).

و قال أحمد: ليس لها أن تخرج في حجّة الإسلام، لأنّ العدّة تفوت، بخلاف الحجّ(4).

و نمنع عدم الفوات، فإنّ الفورية في الحجّ واجبة، و هي تفوت

ص: 420


1- التهذيب 398:5-1384.
2- المبسوط - للطوسي - 259:5.
3- التهذيب 402:5-1400.
4- المغني 196:3 و 184:9 و 186، الشرح الكبير 177:3 و 169.

بالعدّة.

مسألة 727: العبد لا يجب عليه الحجّ

و إن أذن له مولاه فيه، و لا يجزئه لو حجّ بإذنه إلاّ أن يدركه العتق قبل فوات الموقفين، و سواء كان قنّا أو مدبّرا أو مكاتبا، انعتق بعضه أو لا.

و لو هاياه مولاه علي أيّام معيّنة تكون بقدر ما انعتق منه و أمكنه وقوع الحجّ فيها، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يمتنع أن نقول: ينعقد إحرامه فيها، و يصحّ حجّة بغير إذن سيّده(1).

و الزوجة الأمة لا يصحّ حجّها إلاّ بإذن سيّدها و زوجها، و لا يكفي إذن أحدهما. و لو أذنا معا، صحّ حجّها و لا يجزئها عن حجّة الإسلام إلاّ أن يدركها العتق قبل الموقفين. و لو حجّت بغير إذن زوجها، لم يجزئها عن حجّة الإسلام و إن أعتقت قبل الموقفين.

مسألة 728: لو أحرم الصبي أو العبد بإذن مولاه، صحّ إحرامهما.

ثمّ إن بلغ الصبي أو أعتق العبد بعد فوات الموقفين، مضيا علي الإحرام، و كان الحجّ تطوّعا، و لا يجزئ عن حجّة الإسلام، و لو كملا قبل الموقفين، تعيّن إحرام كلّ منهما بالفرض، و أجزأه عن حجّة الإسلام. و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: الصبي يحتاج إلي تجديد إحرام، لأنّ إحرامه عنده

ص: 421


1- المبسوط - للطوسي - 327:1.
2- فتح العزيز 429:7، المهذّب - للشيرازي - 203:1، المجموع 57:7-58 و 61، روضة الطالبين 400:2، الحاوي الكبير 244:4-245، المغني 3: 204، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 378:2 - 379، المسألة 226.

لا يصحّ، و العبد يمضي علي إحرامه تطوّعا، و لا ينقلب فرضا(1).

و قال مالك: الصبي و العبد معا يمضيان في الحجّ، و يكون تطوّعا(2).

و إن كان البلوغ و العتق بعد الوقوف و قبل فوات وقته بأن يكملا قبل طلوع فجر النحر، رجعا إلي عرفات و المشعر إن أمكنهما، فإن لم يمكنهما، رجعا إلي المشعر و وقفا و قد أجزأهما، و لو لم يعودا، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام.

و قال الشافعي: إن لم يعودا إلي عرفات، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام(3).

و كلّ موضع قلنا: إنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام، فإنّه يلزمهما فيه الدم إن كانا متمتّعين، و إلاّ فلا.

و قال الشافعي: عليه(4) دم(5).

و قال في موضع آخر: لا يبيّن لي أنّ عليهما شيئا(6).8.

ص: 422


1- المبسوط - للسرخسي - 174:4، بدائع الصنائع 121:2، الهداية - للمرغيناني - 136:1، الحاوي الكبير 244:4-245، المجموع 58:7 و 61، المغني 3: 204، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 226.
2- المدوّنة الكبري 380:1-381، التفريع 353:1، المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 266.
3- فتح العزيز 429:7، المجموع 58:7، روضة الطالبين 400:2، الحاوي الكبير 246:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 227.
4- كذا، و الظاهر: عليهما.
5- مختصر المزني: 70، فتح العزيز 429:7، المجموع 59:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 380:2، المسألة 228.
6- مختصر المزني: 70، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 380:2، المسألة 228.

و الآية(1) تدلّ علي وجوبه علي المتمتّع، و أصالة البراءة تدلّ علي عدمه في حقّ غيره.

مسألة 729: الكافر يجب عليه الحجّ لكن لا يصحّ منه

إلاّ إذا قدّم الإسلام، فإن مات بعد إحرامه كافرا، فلا حكم له.

و إن أسلم بعد فوات الوقوف، لم يجب عليه الحجّ، لأنّه أسلم بعد فوات وقته، و ما مضي في حال كفره معفوّ عنه.

و إن أسلم قبل الوقوف، وجب عليه الحجّ، لإمكانه، و يتعيّن عليه في تلك السنة، لوجوب الفوريّة، خلافا للشافعي(2).

و يجدّد إحراما غير الأوّل، لعدم الاعتداد به، فإن لم يجدّده، فإن تمكّن من الرجوع إلي الميقات و الإحرام منه، وجب، و إلاّ أحرم حيث أمكن، و لا دم عليه، لعدم الاعتداد بالإحرام الأوّل، و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) ، خلافا للشافعي، قياسا علي المسلم حيث جاوز الميقات مريدا للنسك و أحرم من دونه و لم يعد إليه، فوجب الدم كالمسلم(4).

و ليس بجيّد، لأنّه مرّ علي الميقات و ليس من أهل النسك.

مسألة 730: المخالف إذا حجّ ثم استبصر فإن لم يخلّ بشيء من أركان الحجّ، صحّ حجّه

و أجزأ عنه، و استحبّ له إعادته، و إن كان قد أخلّ،

ص: 423


1- البقرة: 196.
2- فتح العزيز 430:7، المجموع 61:7، روضة الطالبين 401:2، الحاوي الكبير 246:4-247.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3، فتح العزيز 430:7، الحاوي الكبير 247:4.
4- فتح العزيز 430:7، روضة الطالبين 401:2، المجموع 61:7، الحاوي الكبير 247:4، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

وجب عليه إعادة الحجّ، لأنّه مسلم أتي بالأركان فأجزأ عنه، كغيره من المسلمين، و مع الإخلال لم يأت بالمأمور به علي وجهه، فيبقي في عهدة التكليف.

و لرواية بريد بن معاوية - الصحيحة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به أ يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضي فريضته ؟ فقال: «قد قضي فريضته، و لو حجّ كان أحبّ إليّ»(1).

إذا عرفت هذا، فغير الحجّ من العبادات إذا أوقعها علي وجهها، لا يجب عليه إعادتها، للأصل، إلاّ الزكاة، فإنّه إذا سلّمها إلي غير المؤمن، وجب عليه إعادتها.

قال بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح -: سألت الصادق عليه السّلام:

عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضي فريضته ؟ فقال: «قد قضي فريضته و لو حجّ لكان أحبّ إليّ» قال: و سألته عن رجل حجّ و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب مستتر(2) ثم منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجّة الإسلام ؟ قال: «يقضي أحبّ إليّ» و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(3).ر.

ص: 424


1- التهذيب 9:5-23، الإستبصار 145:2-472.
2- في المصدر: متديّن، بدل مستتر.
3- نفس المصدر.
مسألة 731: السكران إذا شهد المناسك في حال سكره، فإن لم يحصّل شيئا، لم يجزئه ما فعله،

و وجب عليه إعادة الحجّ، و إن حصّل ما يفعله و فعله علي وجهه، صحّ حجّه.

و الشيخ - رحمه اللّه - أطلق فقال: من شهد المناسك كلّها و رتّبها في مواضعها إلاّ أنّه كان سكران، فلا حجّ له، و كان عليه إعادة الحجّ من قابل(1).

و قد روي أبو علي بن راشد، قال: كتبت إليه أسأله عن رجل محرم سكر و شهد المناسك و هو سكران أ يتمّ حجّه علي سكره ؟ فكتب «لا يتمّ حجّه»(2).

مسألة 732: واجد الاستطاعة المتمكّن من مباشرة الحجّ لا يجوز له أن يستأجر غيره في حجّة الإسلام

إجماعا، و كذا المنذور و شبهه.

و بالجملة كلّ حجّ واجب عليه إذا تمكّن من الإتيان به مباشرة لا يجوز له الاستئجار فيه.

و أمّا التطوّع: فإن كان المستأجر لم يحج حجّة الإسلام، فالأقرب أنّه يجوز له أن يستأجر غيره ليحجّ عنه تطوّعا، للأصل.

و منع أحمد من ذلك، لأنّ هذا التطوّع لا يجوز له فعله بنفسه، فنائبه أولي بالمنع(3).

و الفرق: أنّ فعله مباشرة يمنع من أداء الواجب، بخلاف فعل النائب.

و لو كان الاستئجار يمنع من أداء الواجب بأن تقصر نفقته باعتبار دفع

ص: 425


1- النهاية: 274.
2- التهذيب 296:5-1002.
3- المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.

مال الإجارة، لم يجز له الاستئجار.

و لو لم يكن السرب مخلّي، جاز له أن يستأجر من يحجّ عنه تطوّعا، سواء قصرت نفقته بمال الإجازة أم لا.

و لو كان قد حجّ حجّة الإسلام ثم عجز عن مباشرة حجّ التطوّع، فإنّه يجوز له الاستنابة إجماعا.

و لو كان قد أدّي حجّة الإسلام و هو متمكّن من مباشرة حجّ التطوّع، فإنّه يجوز له أن يستنيب غيره، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه حجّ غير واجب عليه، فجاز له أن يستنيب فيه، كالمعضوب.

و قال الشافعي: لا يجوز - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه يقدر عليه بنفسه، فلا يجوز له النيابة فيه، كالفرض(3).

و الفرق ظاهر.

أمّا لو كان عاجزا عن التطوّع في هذا العام عجزا يرجي زواله، كالمحبوس، فإنّه يجوز له أن يستنيب عندنا و عند الشافعي(4).

و فرق في هذه الصورة بينها و بين الفرض، لأنّ الفرض عبادة العمر، فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام، و التطوّع مشروع في كلّ عام، فيفوت حجّ هذا العام بتأخيره.

مسألة 733: الصرورة إذا فقد الاستطاعة و تمكّن من الحجّ تطوّعا، جاز

ص: 426


1- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.
2- المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.
3- المغني 185:3، الشرح الكبير 212:3.
4- لم نعثر علي قول الشافعي في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا، و القول بجواز الاستنابة مذهب بعض الحنابلة أيضا. انظر: المغني 185:3-186، و الشرح الكبير 212:3.

له ذلك، و يقع عن التطوّع، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و إسحاق و ابن المنذر(1) - لأنّه نوي التطوّع و لم ينو الفرض، فلا يقع عن الفرض، لقوله عليه السّلام: (إنّما الأعمال بالنيّات و إنّما لا مريء ما نوي)(2).

و لأنّها عبادة تنقسم إلي فرض و نفل، فجاز إيقاع نفلها قبل فرضها، كالصلاة. و لأنّه زمان لا يجب عليه الحجّ فرضا، فجاز إيقاع نفله فيه، كما بعد الحجّ.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام - و به قال ابن عمر و أنس، و عن أحمد روايتان - لأنّه أحرم بالحجّ و عليه فرضه، فوجب أن يقع عن فرضه، كما لو كان مطلقا(3).

و نمنع أنّ عليه فرضه، و الفرق أنّ النفل و الفرض متنافيان، فنيّة أحدهما [لا تجامع](4) نيّة الآخر و لا فعله، لوقوع النفل بحسب النيّة، بخلاف المطلق الذي هو جزء الفرض، فنيّته لا تنافي نيّة الفرض.

مسألة 734: لو نوي فاقد الاستطاعة حجّا منذورا عليه، أجزأه عن النذر

عندنا، لقوله عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات)(5).

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام(6).

ص: 427


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3، الحاوي الكبير 22:4.
2- سنن البيهقي 215:1.
3- مختصر المزني: 62، الحاوي الكبير 22:4، المهذّب - للشيرازي - 207:1، المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3.
4- ورد بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: تنافي. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 215:1 و 341:7.
6- لم نعثر عليه في مظانّه.

و كذا الخلاف لو مات و عليه حجّة الإسلام و اخري منذورة، فاستؤجر رجل ليحجّ عنه المنذورة، فأحرم بها، وقع عن النذر عندنا إذا استؤجر آخر ليحجّ حجّة الإسلام أو لم يمكن ذلك.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام(1).

و لو كان عليه منذورة، فأحرم بحجّة التطوّع، قال الشافعي: يقع عن المنذورة(2).

و الوجه: أنّ النذر إن تعلّق بزمان معيّن، لم يجز إيقاع التطوّع فيه، فإن أوقعه بنيّة التطوّع، بطل، و لم يجزئ عن المنذورة، لعدم القصد، و إن لم يتعلّق بزمان معيّن، لم يقع عن المنذورة أيضا، لعدم القصد، و لا عن التطوّع، لوجوب تقديم النذر.

مسألة 735: من حجّ عن غيره وصل ثواب ذلك إليه، و حصل للحاجّ ثواب عظيم أيضا.

روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (إذا حجّ الرجل عن و الدية تقبّل اللّه منه و منهما، و استبشرت أرواحهما في السماء، و كتب عند اللّه برّا)(3).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: (من حجّ عن أبويه أو قضي عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار)(4).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام. قال: قلت له: إنّ أبي قد حجّ و إنّ والدتي قد حجّت و إنّ

ص: 428


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- سنن الدار قطني 259:2-260-109.
4- سنن الدار قطني 260:2-110.

أخويّ قد حجّا و قد أردت أن أدخلهم في حجّتي، فإنّي قد أحببت أن يكونوا معي، فقال: «اجعلهم معك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ جاعل لهم حجّا و لك حجّا، و لك أجرا بصلتك إيّاهم» و قال عليه السّلام: «يدخل علي الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(1).

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و لو كان الحجّ واجبا علي أحدهما خاصّة، كان الأفضل الإتيان بالواجب عمّن وجب عليه، لأنّ فيه إبراء الذمّة، و تخليصا من العذاب. و لو لم يجب علي أحدهما، قيل: ينبغي أن يبدأ بالحجّ عن الامّ(2) ، لما رواه أبو هريرة أنّ رجلا جاء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمّك) قال: ثم من ؟ قال: (أمّك) قال: ثم من ؟ قال:

(أمّك) قال: ثم من ؟ قال: (أبوك)(3).

مسألة 736: من وجب عليه الحجّ و فرّط في أدائه مع قدرته ثم عجز من أدائه بنفسه أو بنائبه إن قلنا بوجوب الاستنابة، وجب عليه أن يوصي به،

لأنّه حقّ واجب و دين ثابت، فتجب الوصيّة به، كغيره من الديون.

قال اللّه تعالي كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ (4).

و لو لم يوص، وجب علي ورثته أن يخرجوا من صلب تركته ما يحجّ به عنه - و لو كان له مال وديعة عند غيره و علم المستودع وجوب الحجّ في

ص: 429


1- الفقيه 279:2-1369.
2- المغني و الشرح الكبير 200:3.
3- صحيح البخاري 2:8، صحيح مسلم 1974:4-2548.
4- البقرة: 180.

ذمّته و عدم قيام الورثة به، وجب عليه إخراج ما يحجّ به عنه، و يدفع الفاضل إلي الورثة - لأنّه دين عليه، فلا يسقط عن ذمّته بموته، و لا يترك الوصيّة به.

و ما رواه العامّة من خبر الخثعميّة(1).

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة بن مهران عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»(2).

و قال أبو حنيفة: يسقط الحجّ بوفاته، بمعني أنّه لا يفعل عنه بعد وفاته، و حسابه علي اللّه تعالي يلقاه و الحجّ في ذمّته، أمّا لو أوصي، اخرج من الثلث، و يكون تطوّعا لا يسقط به الفرض.

و كذا يقول في الزكوات و الكفّارات و جزاء الصيد كلّ ذلك يسقط بوفاته، فلا يفعل عنه بوجه(3).

إذا عرفت هذا، فلو لم يوص بحجّة الإسلام مع وجوبها عليه، استؤجر من تركته علي ما قلناه، فإن لم يخلّف شيئا، استحبّ للورثة قضاؤها عنه.

و كذا لو خلّف ما لا و تبرّع بعض الورثة أو أجنبي بقضائها عنه، برئت ذمّة الميّت.

و لو لم يكن عليه حجّ واجب، فأوصي أن يحجّ عنه تطوّعا، صحّت3.

ص: 430


1- سنن النسائي 118:5.
2- التهذيب 404:5-1406.
3- تحفة الفقهاء 426:1-427، الاختيار لتعليل المختار 228:1، بدائع الصنائع 221:2، فتح العزيز 44:7، الحاوي الكبير 16:4، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.

الوصيّة، و أخرجت من الثلث، عند علمائنا، لأنّها عبادة تصحّ الوصيّة بواجبها فتصحّ بمندوبها.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: بطلان الوصيّة(1).

مسألة 737: لو أوصي أن يحجّ عنه و لم يعيّن المرّات، قال الشيخ رحمه اللّه:

وجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء(2).

و الأقرب أن يقال: إن علم منه قصد التكرار، فالحقّ ما قاله الشيخ، و إلاّ اكتفي بالمرّة الواحدة، لأصالة براءة الذمّة، و لعدم اقتضاء الأمر التكرار.

احتجّ الشيخ: بما رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: عن رجل أوصي أن يحجّ عنه، مبهما، قال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء»(3).

و هو محمول علي ما إذا علم منه قصد التكرار، أو نقول: تقديره:

يحجّ عنه بحسب الوصيّة إمّا مرّة واحدة أو أكثر إذا بقي من ثلثه شيء يفي بالحجّة الواحدة أو الأزيد، إذا الوصية تحمل علي الثلث.

مسألة 738: النذر و اليمين و العهد أسباب في وجوب الحجّ و العمرة

إذا تعلّقت بهما مع الشرائط السابقة بلا خلاف.

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و قال اللّه تعالي يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (5).

و إذا نذر الحجّ في سنة معيّنة فأهمل مع قدرته، كفّر و قضي، و مع

ص: 431


1- الام 122:2، الوجيز 278:1، الحاوي الكبير 17:4، حلية العلماء 87:6.
2- النهاية: 284.
3- التهذيب 408:5-1420، الإستبصار 319:2-1129.
4- المائدة: 1.
5- الإنسان: 7.

عدم المكنة يقضي و لا كفّارة.

و لو نذر المشي فيها فأخلّ بالصفة مع القدرة، كفّر و قضي ماشيا، و مع العجز لا قضاء و لا كفّارة.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا ركب مع العجز، ساق بدنة، كفّارة لركوبه(1) - و هو أحد قولي الشافعي، و إحدي الروايتين عن أحمد(2) - لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّه و عجز أن يمشي، قال: «فليركب و ليسق بدنة، فإنّ ذلك يجزئ عنه إذا عرف اللّه منه الجهد»(3).

و هو محمول علي الاستحباب، لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمر أخت عقبة بن عامر بالركوب»(4) و لم يوجب عليها شيئا، و لو كان واجبا لبيّنه.

مسألة 739: لو نذر الحجّ، لم تجب العمرة.

و كذا لو نذر العمرة، لم يجب الحجّ، لأصالة البراءة، أمّا لو نذر حجّ التمتّع، فإنّه يجب عليه الحجّ و عمرة التمتّع.

ص: 432


1- النهاية: 205، المبسوط - للطوسي - 303:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 253:1، المجموع 492:8، حلية العلماء 398:3، المغني 346:11-347، الشرح الكبير 360:11-361.
3- التهذيب 13:5-36، الإستبصار 149:2-489.
4- الاستبصار 150:2-491، و في التهذيب 13:5-14-37 عن الإمام الصادق عليه السّلام.
الفصل الثالث في العمرة
مسألة 740: العمرة واجبة - كالحجّ - علي كلّ مكلّف حصل له شرائط الحجّ،

بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر، كما سبق(1).

و تجزئ عمرة التمتّع عن المفردة إجماعا.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العمرة»(2).

و سأل أحمد بن محمد بن أبي نصر، الرضا عليه السّلام: عن العمرة أ واجبة هي ؟ قال: «نعم» قلت: فمن تمتّع يجزئ عنه ؟ قال: «نعم»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها إلي الحجّ، فإن أراد التمتّع، اعتمر عمرة أخري في أشهر الحجّ.

و إن دخل مكّة بعمرة مفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن ينقلها إلي عمرة التمتّع، و يقيم حتي يحجّ، بل هو الأفضل. و إن لم ينقلها إلي التمتّع و أتمّها مفردة، جاز له أن يخرج إلي أهله من غير حجّ إذا لم يكن الحجّ واجبا عليه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس بالعمرة المفردة

ص: 433


1- سبق في ج 7 ص 15، المسألة 6.
2- الكافي 533:4 (باب ما يجزئ من العمرة المفروضة) الحديث 1، التهذيب 433:5-1503، الإستبصار 325:2-1150.
3- الكافي 533:4 (باب ما يجزئ من..) الحديث 2، التهذيب 5: 434-1506، الإستبصار 325:2-326-1153.

في أشهر الحجّ ثم يرجع إلي أهله»(1).

أمّا لو اعتمر للتمتّع، فإنّه يجب عليه الإتيان بالحجّ، لدخولها فيه.

مسألة 741: جميع أوقات السنة صالح للمفردة، لكن أفضل أوقاتها رجب.

و هي تلي الحجّ في الفضل، لأنّ معاوية بن عمّار روي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: أيّ العمرة أفضل ؟ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان ؟ فقال: «لا، بل عمرة في رجب أفضل»(2).

و تدرك فضيلة العمرة في رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبيّة»(3).

و لا تكره العمرة في شيء من أوقات السنة، لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: (عمرة في شهر رمضان تعدل حجّة)(4).

و روي عنه أنّه اعتمر في شوّال و في ذي القعدة(5).

و اعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصّب(6) ، و هي الليلة التي يرجعون فيها من مني إلي مكّة.

ص: 434


1- الكافي 534:4 (باب العمرة المبتولة في..) الحديث 1، التهذيب 5: 436-1515، الاستبصار 327:2-1159.
2- الفقيه 276:2-1347.
3- الفقيه 276:2-1349.
4- سنن ابن ماجة 996:2-2991-2995، سنن الترمذي 276:3-939، سنن البيهقي 346:4، سنن الدارمي 52:2، مسند أحمد 352:3، المعجم الكبير - للطبراني - 142:11-1299 و 176-11410.
5- سنن أبي داود 205:2-1991، دلائل النبوّة - للبيهقي - 455:5.
6- كما في فتح العزيز 76:7.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «السنة اثنا عشر شهرا، لكلّ شهر عمرة»(1).

و بهذا قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: تكره في خمسة أيّام: يوم عرفة، و يوم النحر، و أيّام التشريق، لقول عائشة: السنة كلّها وقت للعمرة إلاّ خمسة أيّام: يوم عرفة و يوم النحر و أيّام التشريق(3).

و لأنّها عبادة غير موقّتة، فانقسم وقتها إلي مكروه و غيره، كصلاة التطوّع.

و الحديث محمول علي ما إذا كان متلبّسا بإحرام الحجّ.

و الفرق: أنّ صلاة التطوّع كان فيها ما هو موقّت، بخلاف العمرة، علي أنّ اعتبار العمرة بالطواف المجرّد أولي من اعتباره بالصلاة.

و قال أبو يوسف: تكره في أربعة أيّام: يوم النحر و أيّام التشريق(4).

مسألة 742: و اختلف علماؤنا في أقلّ ما يكون بين العمرتين.

فقال بعضهم(5): لا قدر له، بل يجوز في كلّ يوم، لأنّها عبادة مكرّرة

ص: 435


1- الفقيه 278:2-1362.
2- الوجيز 113:1، فتح العزيز 76:7، الحاوي الكبير 30:4، المجموع 7: 148، حلية العلماء 252:3، الشرح الكبير 230:3، المحرّر في الفقه 1: 236، التمهيد 20:20.
3- بدائع الصنائع 227:2، تحفة الفقهاء 392:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 178، فتح العزيز 76:7، التمهيد 19:20، بداية المجتهد 326:1، حلية العلماء 253:3، الشرح الكبير 230:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 178:4، فتاوي قاضي خان 301:1، حلية العلماء 3: 253، التمهيد 19:20، و عنه في الخلاف - للطوسي - 260:2، المسألة 25.
5- كابن إدريس في السرائر: 127.

غير مختصّة بوقت، فلا قدر لما بينهما، كالصلاة.

و لما رواه العامّة عن عائشة أنّها اعتمرت في شهر مرّتين بأمر النبي صلّي اللّه عليه و آله عمرة مع قرانها، و عمرة بعد حجّها(1).

و قال عليه السّلام: (العمرة إلي العمرة كفّارة لما بينهما)(2).

و قال بعضهم(3): يستحبّ في كلّ شهر عمرة واحدة. و به قال علي عليه السّلام و ابن عمر و ابن عباس و أنس و عائشة و عطاء و طاوس و عكرمة و الشافعي و أحمد(4) ، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام قال: «في كلّ شهر مرّة»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «كان علي عليه السّلام يقول: لكلّ شهر عمرة»(6).

و كره العمرة في السنة مرّتين الحسن البصري و ابن سيرين و مالك و النخعي، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يفعله(7).

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا تكون عمرتان في سنة»(8).7.

ص: 436


1- الام 135:2، المغني 178:3.
2- الموطّأ 346:1-65، صحيح البخاري 2:3، صحيح مسلم 983:2-1349، سنن النسائي 115:5، المغني 178:3.
3- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 211:1.
4- المغني 178:3، فتح العزيز 76:7، الحاوي الكبير 31:4.
5- المغني 178:3.
6- الكافي 534:4 (باب العمرة المبتولة) الحديث 1، التهذيب 435:5-1509، الإستبصار 326:2-1154.
7- المغني 178:3، المجموع 149:7، التفريع 352:1، بداية المجتهد 1: 326، التمهيد 19:20.
8- التهذيب 435:5-1512، الاستبصار 326:2-1157.

و عدم الفعل لا يدلّ علي الكراهة، خصوصا مع نقلهم عن عائشة أمره عليه السّلام به(1).

و قد روي ابن بابويه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة(2).

و حديث الباقر عليه السّلام محمول علي عمرة التمتّع.

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يعتمر في كلّ عشرة أيّام عمرة مع التمكّن - و به قال عطاء و أحمد(3) - لأنّها زيارة البيت، فاستحبّ تكرارها في الشهر الواحد.

و لأنّ علي بن أبي حمزة سأل أبا الحسن عليه السّلام: عن رجل يدخل مكّة في السنة المرّة و المرّتين و الأربع كيف يصنع ؟ قال: «إذا دخل فليدخل ملبّيا، و إذا خرج فليخرج محلاّ» قال: «و لكلّ شهر عمرة» فقلت: تكون أقلّ؟ فقال: «تكون لكلّ عشرة أيّام عمرة»(4).

مسألة 743: ميقات العمرة هو ميقات الحجّ

إن كان خارجا من المواقيت إذا قصد مكّة، أمّا أهل مكّة أو من فرغ من الحجّ ثم أراد الاعتمار، فإنّه يخرج إلي أدني الحلّ.

و ينبغي أن يكون من أحد المواقيت التي وقّتها النبي صلّي اللّه عليه و آله للعمرة المبتولة، و هي ثلاثة: التنعيم: و الحديبيّة، و الجعرانة.

روي ابن بابويه أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في

ص: 437


1- المغني 178:3.
2- الفقيه 275:2-1341.
3- المغني 178:3،
4- الكافي 534:4-3، التهذيب 434:5-435-1508، الإستبصار 326:2 - 327-1158.

ذي القعدة: عمرة أهلّ بها من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة، و عمرة القضاء أحرم بها من الجحفة، و عمرة أهلّ فيها من الجعرانة، و هي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين(1)(2).

مسألة 744: صورة العمرة المفردة أن يحرم من الميقات

الذي يسوغ له الإحرام منه ثم يدخل مكّة فيطوف ثم يصلّي ركعتيه ثم يسعي بين الصفا و المروة ثم يقصّر أو يحلق ثم يطوف طواف النساء ثم يصلّي ركعتيه و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه.

و هكذا عمرة التمتّع إلاّ أنّه لا يطوف للنساء فيها و لا يصلّي ركعتيه، بل يحلّ من كلّ شيء أحرم منه عند التقصير.

و شرائط وجوب العمرة المفردة هي شرائط وجوب الحجّ.

و تجب في العمر مرّة بأصل الشرع، و قد تجب باليمين و النذر و العهد و الاستئجار و الإفساد و الفوات و الدخول إلي مكّة مع انتفاء العذر و عدم تكرار الدخول. و يتكرّر وجوبها بتكرّر السبب.

و الفرق بينها و بين المتمتّع بها: أنّ المتمتّع بها إنّما تجب علي من ليس من حاضري المسجد الحرام، و لا يصحّ فعلها و لا الإحرام بها إلاّ في أشهر الحجّ، و يلزم فيها التقصير، و لا يجوز الحلق، فإن حلق رأسه، لزمه دم، و لا يجب فيها طواف النساء. و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام، و تصحّ في جميع أيّام السنة، و يجب فيها طواف النساء، و يجوز فيها الحلق، و تسقط المفردة مع الإتيان بعمرة التمتّع.

ص: 438


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: خيبر. و الصحيح ما أثبتناه من المصدر. و انظر: المغازي - للواقدي - 958:3-959.
2- الفقيه 275:2-1341.

و لو أحرم بالمفردة و دخل مكّة، جاز أن ينوي التمتّع، و يلزمه دمه إذا كان في أشهر الحجّ، و لو كان في غير أشهره، لم يجز.

و لو دخل مكّة متمتّعا، لم يجز له الخروج حتي يأتي بالحجّ، لأنّه مرتبط به. نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلي استئناف إحرام، جاز. و لو خرج فاستأنف عمرة، تمتّع بالأخيرة.

و الحلق في المفردة أفضل من التقصير، فإذا فعل أحدهما، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، فإذا طاف طواف النساء، حللن له.

و طواف النساء واجب في العمرة المفردة علي كلّ حاجّ من ذكر أو أنثي أو خنثي أو خصيّ أو صبيّ.

و لا يجب في المفردة هدي، فلو ساق هديا، نحره - قبل أن يحلق - بفناء الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق» قال: «و من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه عند المنحر و هو بين الصفا و المروة، و هي الحزورة»(1).

و لو جامع قبل السعي، فسدت عمرته، و وجب عليه قضاؤها و الكفّارة، لقول الصادق عليه السّلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشي امرأته قبل أن يسعي بين الصفا و المروة، قال:

«قد أفسد عمرته و عليه بدنة، و يقيم بمكّة حتي يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثم يخرج إلي الميقات الذي وقّته رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأهله فيحرم منه و يعتمر»(2).ظ.

ص: 439


1- الكافي 539:4-5، الفقيه 275:2-1343.
2- الكافي 538:4-539-2، الفقيه 275:2-1344، التهذيب 323:5 - 324-1111 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

و لا يجوز لمن وجب عليه العمرة أن يعتمر عن غيره، كالحجّ، و ينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنّه محرم بالعمرة المفردة، فإذا دخل الحرم، قطع التلبية.

ص: 440

الفصل الرابع في التوابع و المزار
اشارة

و فيه بحثان:

الأوّل: في التوابع.
مسألة 745: من أحدث حدثا في غير الحرم فالتجأ إلي الحرم، ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتي يخرج، فيقام عليه الحدّ،

لقوله تعالي:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (1) .

و لو أحدث في الحرم، قوبل بالجناية فيه، لأنّه هتك حرمته، فيقابل بفعله.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

قلت له: رجل قتل رجلا في الحلّ ثم دخل الحرم، قال: «لا يقتل و لكن لا يطعم و لا يسقي و لا يبايع و لا يؤوي حتي يخرج من الحرم فيؤخذ فيقام عليه الحدّ» قال: قلت: فرجل قتل رجلا في الحرم و سرق في الحرم، فقال: «يقام عليه الحدّ و صغار له، لأنّه لم ير للحرم حرمة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (2) يعني في الحرم، و قال فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَي الظّالِمِينَ (3)»(4).

ص: 441


1- آل عمران: 97.
2- البقرة: 194.
3- البقرة: 193.
4- التهذيب 419:5-420-1456، و في الكافي 227:4-228-4 بتفاوت.

و في الصحيح عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (1) فقال:

«كلّ الظلم فيه إلحاد حتي لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكني مكّة»(2).

مسألة 746: يكره لأهل مكّة منع الحاجّ شيئا من دورها و منازلها،

لما روي عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّه ذكر هذه الآية سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (3) فقال: «كانت مكّة ليس علي شيء منها باب، و كان أوّل من علق علي بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئا من الدّور و منازلها»(4).

و يكره أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة احتراما للبيت.

قال الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة»(5).

مسألة 747: لا يجوز أخذ لقطة الحرم،

فإن أخذها، عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها، دفعها إليه، و إلاّ تخيّر بين الحفظ لصاحبها دائما كما يحفظ الوديعة و بين الصدقة بها عن صاحبها بشرط الضمان إن لم يرض صاحبها بالصدقة، لأنّ الفضيل بن يسار سأل الباقر عليه السّلام: عن لقطة الحرم، فقال:

«لا تمسّ أبدا حتي يجيء صاحبها فيأخذها» قلت: فإن كان (مالا كثيرا؟)(6)

ص: 442


1- الحجّ: 25.
2- التهذيب 420:5-1457.
3- الحجّ: 25.
4- التهذيب 420:5-1458.
5- الكافي 230:4 (باب كراهية المقام بمكّة) الحديث 1، التهذيب 463:5-1616.
6- ورد بدل ما بين القوسين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: له مال كثير. و المثبت من المصدر.

قال: «فإن لم يأخذها إلاّ مثلك فليعرّفها»(1).

و سأل عليّ بن أبي حمزة العبد الصالح عليه السّلام: عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه، قال: «بئس ما صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه» قلت:

ابتلي بذلك، قال: «يعرّفه» قلت: فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغيا، قال:

«يرجع به إلي بلده فيتصدّق به علي أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(2).

و لأنّ الصدقة تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فيكون ضامنا له.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر(3): إنّه لا يضمن مع الصدقة(4).

و أمّا لقطة غير الحرم: فإنّها تعرّف سنة، فإن جاء صاحبها، أخذها، و إلاّ فهي كسبيل ماله، لأنّ يعقوب بن شعيب سأل الصادق عليه السّلام: عن اللقطة و نحن يومئذ بمني، فقال: «أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح، و أمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع ثم هي كسبيل ماله»(5).

مسألة 748: يكره الحجّ و العمرة علي الإبل الجلاّلات،

و هي التي تغتذي بعذرة الإنسان خاصّة، لأنّها محرّمة، فكره الحجّ عليها.

و لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يكره الحجّ و العمرة علي الإبل الجلاّلات»(6).

و تكره الصلاة في أربعة مواطن في طريق مكّة: البيداء و ذات

ص: 443


1- التهذيب 421:5-1461.
2- التهذيب 421:5-1462.
3- كذا، حيث لم يسبق للشيخ الطوسي - رحمه اللّه - قول.
4- النهاية: 320.
5- التهذيب 421:5-1463.
6- التهذيب 439:5-1525.

الصلاصل و ضجنان و وادي الشقرة.

قال الصادق عليه السّلام: «اعلم أنّه تكره الصلاة في ثلاثة أمكنة من الطريق:

البيداء، و هي: ذات الجيش، و ذات الصلاصل، و ضجنان» قال: «و لا بأس أن يصلّي بين الظواهر، و هي الجوادّ جوادّ الطريق، و يكره أن يصلّي في الجواد»(1).

مسألة 749: يستحبّ أن يبدأ الحاجّ علي طريق العراق بزيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله بالمدينة

حذرا من العائق.

و سأل العيص بن القاسم الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن الحاجّ من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكّة ؟ قال: «بالمدينة»(2).

إذا عرفت هذا، فلو ترك الناس الحجّ، أجبرهم الإمام عليه، لوجوبه.

و لو تركوا زيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال الشيخ رحمه اللّه: يجبرهم الإمام عليها(3).

و منعه بعض(4) علمائنا، لأنّها مستحبّة، فلا يجب إجبارهم عليها.

و الوجه: ما قاله الشيخ رحمه اللّه، لما فيه من الجفاء المحرّم.

مسألة 750: يستحبّ للمسافر الإتمام في حرم مكّة و حرم المدينة و جامع الكوفة و الحائر علي ساكنه السلام

و إن لم ينو المقام عشرة أيّام، لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن التمام بمكّة و المدينة، قال: «أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن:

ص: 444


1- التهذيب 425:5-1475.
2- التهذيب 439:5-1526، الإستبصار 328:2-1165.
3- النهاية: 285.
4- ابن إدريس في السرائر: 153.
5- التهذيب 426:5-1481، الاستبصار 331:2-1177.

حرم اللّه، و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين عليهم السّلام»(1).

مسألة 751: من جعل جاريته أو عبده هديا لبيت اللّه تعالي، بيع و صرف في الحاجّ و الزائرين،

لأنّ عليّ بن جعفر سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة، قال «مر مناديا يقوم علي الحجر فينادي ألا من قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و أمره أن يعطي أوّلا فأوّلا حتي ينفد ثمن الجارية»(2).

و يستحبّ لمن انصرف من الحجّ العزم علي العود، و سؤال اللّه تعالي ذلك، لأنّه من الطاعات الجليلة، فالعزم عليها طاعة.

و يكره ترك العزم.

روي محمد بن أبي حمزة رفعه، قال: «من خرج من مكّة و هو لا يريد العود إليها فقد قرب أجله و دنا عذابه»(3).

و يستحبّ الدعاء للقادم من مكّة بالمنقول.

و ينبغي للحاجّ انتظار الحائض حتي تقضي مناسكها.

قال الكاظم عليه السّلام: «أميران و ليسا بأميرين: صاحب الجنازة ليس لمن يتبعها أن يرجع حتي يأذن له، و امرأة حجّت مع قوم فاعتلّت بالحيض، فليس لهم أن يرجعوا و يدعوها حتي تأذن لهم»(4).

مسائل:
752 الأولي: الطواف للمجاور بمكّة أفضل من الصلاة

ما لم يجاور

ص: 445


1- التهذيب 430:5-1494، الاستبصار 334:2-335-1191.
2- التهذيب 440:5-1529.
3- التهذيب 444:5-1545.
4- التهذيب 444:5-1548.

ثلاث سنين، فإن جاورها أو كان من أهل مكّة، كانت الصلاة أفضل، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أقام الرجل بمكّة سنة فالطواف أفضل، و إذا أقام سنتين خلط من هذا و هذا، فإذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل»(1).

753 الثانية: ينبغي لأهل مكّة أن يتشبّهوا بالمحرمين

في ترك لبس المخيط، لأنّه شعار المسلمين في ذلك الوقت و المكان.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي لأهل مكّة أن يلبسوا القميص و أن يتشبّهوا(2) بالمحرمين شعثا غبرا» و قال: «ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك»(3).

754 الثالثة: الأيّام المعدودات: عشر ذي الحجّة، و المعلومات: أيّام التشريق.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «قال أبي: قال علي عليه السّلام: اُذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ، قال: عشر ذي الحجّة، و أيّام معلومات، قال: أيّام التشريق»(4).

755 الرابعة: يستحبّ للنساء دخول الكعبة،

و ليس متأكّدا، كما في الرجال، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل - في الصحيح - عن دخول النساء الكعبة، فقال: «ليس عليهنّ، فإن فعلن فهو أفضل»(5).

ص: 446


1- التهذيب 447:5-1556.
2- كذا، و قال المجلسي - رحمه اللّه - في ملاذ الأخيار 479:8-480: قال الفاضل التستري رحمه اللّه: كأنّ المراد ينبغي أن يتشبّهوا. انتهي. و يمكن تقدير «عليهم»، إذ ظاهر آخر الخبر الوجوب. انتهي.
3- التهذيب 447:5-1557.
4- في التهذيب 447:5-1558 هكذا: «قال علي عليه السّلام: اذكروا اللّه في أيّام معلومات.. و أيّام معدودات..» و في النهاية - للشيخ الطوسي -: 286 كما في المتن، فلاحظ.
5- التهذيب 448:5-1561.
756 الخامسة: يكره المجاورة بمكّة، و يستحبّ الخروج منها بعد أداء المناسك،

لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة» قلت: كيف يصنع ؟ قال: «يتحوّل عنها»(1).

757 السادسة: لا ينبغي للموسر المتمكّن أن يترك الحجّ أكثر من خمس سنين،

لأنّه طاعة عظيمة.

قال الصادق عليه السّلام: «من مضت له خمس سنين فلم يفد إلي ربّه و هو موسر انّه لمحروم»(2).

و قال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السّلام: إنّ رجلا استشارني في الحجّ و كان ضعيف الحال، فأشرت عليه أن لا يحجّ، قال: «ما أخلقك أن تمرض [سنة]» قال: فمرضت سنة(3).

758 السابعة: يكره الخروج من الحرمين بعد ارتفاع النهار

قبل أن يصلّي الظهرين بهما، لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد قال: سمعته يقول: «من خرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلّي الظهر و العصر نودي من خلفه: لا صحبك اللّه»(4).

759 الثامنة: من أخرج شيئا من حصي المسجد، كان عليه ردّه،

لأنّ زيدا الشحّام سأل الصادق عليه السّلام: أخرج من المسجد في ثوبي حصاة،

ص: 447


1- الكافي 230:4 (باب كراهة المقام بمكّة) الحديث 1، الفقيه 165:2-714، التهذيب 448:5-1563.
2- الكافي 278:4 (باب من لم يحجّ بين خمس سنين) الحديث 1، التهذيب 5: 450-1570.
3- الكافي 271:4 (باب نادر) الحديث 1، الفقيه 143:2-624، التهذيب 5: 450-1569، و ما بين المعقوفين من المصادر.
4- الكافي 543:4-17، التهذيب 452:5-1577.

قال: «تردّها أو(1) اطرحها في مسجد»(2).

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ليس ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول البيت، و إن أخذ من ذلك شيئا، ردّه»(3).

و أمّا ثياب الكعبة: فقد روي الشيخ - أنّه ينبغي لمن تصل إليه أن يتّخذها للمصاحف أو الصبيان أو المخدّة للبركة - عن عبد الملك بن عتبة، قال: سألت الصادق عليه السّلام عن شيء يصل إلينا من ثياب الكعبة هل يصلح لنا أن نلبس شيئا منها؟ فقال: «يصلح للصبيان و المصاحف و المخدّة يبتغي بذلك البركة إن شاء اللّه»(4).

760 التاسعة: يستحبّ الطواف عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله،

و عن الأئمة عليهم السّلام، و عن فاطمة عليها السّلام، للرواية(5). و كذا يستحبّ عن المؤمنين: الأحياء و الأموات.

761 العاشرة: لو حجّ المؤمن ثم ارتدّ، صحّ حجّه، و لم تجب إعادته،

لقول الباقر عليه السّلام - في الموثّق -: «من كان مؤمنا فحجّ و عمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه، و لا يبطل منه شيء»(6).

762 الحادية عشرة: يجب تقديم الاختتان - علي البالغ - علي الحجّ،

لقول الصادق عليه السّلام في الرجل الذي يسلم و يريد أن يختتن و قد حضر الحجّ أ يحجّ أو يختتن ؟ قال: «لا يحجّ حتي يختتن»(7).

ص: 448


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «و» بدل «أو» و المثبت من المصدر.
2- التهذيب 449:5-1568.
3- التهذيب 453:5-1582.
4- التهذيب 449:5-1567.
5- الكافي 314:4-2، التهذيب 450:5-451-1572.
6- التهذيب 459:5-460-1597.
7- الفقيه 251:2-1206، التهذيب 469:5-470-1646.
763 الثانية عشرة: يجوز القران في طواف النافلة.

روي زرارة - في الصحيح - قال: طفت مع أبي جعفر الباقر عليه السّلام ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا و هو آخذ بيدي ثم خرج فتنحّي ناحية، فصلّي ستّا و عشرين ركعة و صلّيت معه(1).

764 الثالث عشرة: يستحبّ طواف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا.

روي معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا عدد أيّام السنة، و إن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»(2).

765 الرابع عشرة: يستحبّ الشرب من ماء زمزم و إهداؤه،

لقول الباقر عليه السّلام: «كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يستهدي من ماء زمزم و هو بالمدينة»(3).

البحث الثاني: في المزار.
مقدّمة: يشترط في الزيارات كلّها النيّة،

لأنّها عبادة. و يستحبّ الطهارة و الغسل و التنظيف و لبس الثياب الطاهرة و الخضوع و الدعاء بالمنقول.

مسألة 766: تستحبّ زيارة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من زار قبري بعد موتي [كان] كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام، فإنّه يبلغني»(4).

ص: 449


1- التهذيب 470:5-1650.
2- التهذيب 471:5-1656.
3- التهذيب 471:5-472-1657.
4- التهذيب 3:6-1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

و يستحبّ أن يزوره بالمنقول، فإذا فرغ من زيارته، أتي المنبر فمسحه و مسح رمّانتيه، و أن يصلّي بين القبر و المنبر ركعتين، للرواية(1).

و يسأل اللّه حاجته، ثم يأتي مقام جبرئيل عليه السّلام، و هو تحت الميزاب، و يدعو بالمنقول.

و يستحبّ وداعه عند الخروج من المدينة بالمنقول.

و يستحبّ الإكثار من الصلاة في مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله.

قال الصادق عليه السّلام: «صلّ ثمان ركعات عند زوال الشمس، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: الصلاة في مسجدي كألف في غيره، إلاّ المسجد الحرام فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي»(2).

و يستحبّ لمن أقام بالمدينة ثلاثة أيّام أن يصومها للحاجة، و يكون معتكفا فيها، و يكون الأربعاء و الخميس و الجمعة، و يصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، و هي أسطوانة التوبة، و يقيم عندها يوم الأربعاء، و يأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلي مقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و مصلاّه، و يصلّي عندها، و يصلّي ليلة الجمعة عند مقام النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و يستحبّ لمن جاء إلي المدينة النزول بالمعرّس و الاستراحة فيه و الصلاة، اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.

و يستحبّ إتيان المساجد كلّها بالمدينة، مثل مسجد قبا، و مشربة أمّ إبراهيم، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح، و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء كلّهم خصوصا قبر حمزة عليه السّلام بأحد.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «بلغنا أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان إذا0.

ص: 450


1- الكافي 553:4-1، التهذيب 7:6-12.
2- التهذيب 14:6-15-30.

أتي قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار»(1).

و سأل عقبة بن خالد الصادق عليه السّلام: إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيّها أبدأ؟ فقال: «ابدأ بقبا، فصلّ فيه و أكثر فإنّه أوّل مسجد صلّي فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في هذه العرصة، ثم ائت مشربة أمّ إبراهيم، فصلّ فيه فهو مسكن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و مصلاّه، ثم [تأتي](2) مسجد الفضيخ فتصلّي فيه و قد صلّي فيه نبيّك، فإذا قضيت هذا الجانب تأتي جانب أحد، فبدأت بالمسجد الذي دون الحرّة، فصلّيت فيه، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطّلب، فسلّمت عليه، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت:

السلام عليكم يا أهل الديار، أنتم لنا فرط و إنّا بكم لاحقون، ثم تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلي جنب الجبل عن يمينك حين تدخل أحدا، فتصلّي فيه فعنده خرج النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي أحد حيث لقي المشركين فلم يبرحوا حتي حضرت الصلاة فصلّي فيه، ثم مرّ أيضا حتي ترجع فتصلّي عند قبور الشهداء ما كتب اللّه لك، ثم امض علي وجهك حتي تأتي مسجد الأحزاب فتصلّي فيه و تدعو فيه، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دعا فيه يوم الأحزاب و قال: يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرّين و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربي و غمّي فقد تري حالي و حال أصحابي»(3).

و تستحبّ الصلاة في مسجد غدير خمّ.

قال الصادق عليه السّلام: «تستحبّ الصلاة في مسجد الغدير، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أقام فيه أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو موضع أظهر اللّه فيه الحقّ»(4).2.

ص: 451


1- الكافي 560:4-1، التهذيب 17:6-38.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 560:4-2، التهذيب 17:6-18-39.
4- الكافي 567:4-3، الفقيه 335:2-1556، التهذيب 19:6-42.
مسألة 767: تستحبّ زيارة فاطمة عليها السّلام،

فقد روي الشيخ - رحمه اللّه - بإسناده عنها عليها السّلام، قالت: «أخبرني أبي و هو ذا، هو أنّه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة» قلت لها: في حياته و حياتك، قالت: «نعم و بعد موتنا»(1).

و اختلف في موضع قبرها عليها السّلام.

فقيل: في الروضة بين القبر و المنبر(2).

و قيل: في بيتها، فلمّا زاد بنو أمية في المسجد صار من جملة المسجد و قيل: إنّها مدفونة في البقيع(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: الروايتان الأوّلتان متقاربتان، و أمّا من قال: إنّها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب(4).

قال ابن بابويه: الصحيح عندي أنّها دفنت في بيتها(5).

و تستحبّ الزيارة بالمنقول خصوصا ما روي الشيخ - رحمه اللّه - أنّها مرويّة لفاطمة عليها السّلام عن محمد العريضي [1]، قال: حدّثني أبو جعفر [عليه السّلام] ذات يوم، قال: «إذا صرت إلي قبر جدّتك فقل: يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة، و زعمنا أنّا لك أولياء و مصدّقون و صابرون لكلّ ما أتانا به أبوك صلّي اللّه عليه و آله و أتي به وصيّه عليه السّلام، فإنّا نسألك إن كنّا صدّقناك إلاّ ألحقتنا بتصديقنا لهما(6) لنبشر أنفسنا بأنّا قد

ص: 452


1- التهذيب 9:6-18.
2- كما في التهذيب 9:6، و الفقيه 341:2-1573-1575.
3- كما في التهذيب 9:6، و الفقيه 341:2-1573-1575.
4- التهذيب 9:6.
5- الفقيه 341:2 ذيل الحديث 1575.
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: بهما. و ما أثبتناه من المصدر، و فيه زيادة: «بالبشري».

طهرنا بولايتك(1)»(2).

مسألة 768: تستحبّ زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام،

لقول الصادق عليه السّلام لعبد اللّه ابن طلحة: «أما تزور قبر أبي حسين ؟» قلت: بلي إنّا لنأتيه، قال:

«تأتونه كلّ جمعة ؟» قلت: لا، قال: «فتأتونه في كلّ شهر؟» قلت: لا، قال: «ما أجفاكم إنّ زيارته تعدل حجّة و عمرة و زيارة أبي علي عليه السّلام تعدل حجّتين و عمرتين»(3).

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 769: تستحبّ زيارة أبي محمد الحسن عليه السّلام.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام: «من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك حيّا أو ميّتا أو زار أخاك حيّا أو ميّتا، أو زارك حيّا أو ميّتا، كان حقّا عليّ أن استنقذه يوم القيامة»(4).

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 770: تستحبّ زيارة الحسين عليه السّلام،

لقول الباقر عليه السّلام: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق و يمدّ في العمر و يدفع مواقع السوء، و إتيانه مفترض علي كلّ مؤمن يقرّ [له] بالإمامة من اللّه»(5).

و عن الكاظم عليه السّلام: «من أتي قبر الحسين عليه السّلام في السنة ثلاث مرّات

ص: 453


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: بولايتهم. و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 9:6-10-19.
3- التهذيب 21:6-47.
4- التهذيب 40:6-83.
5- التهذيب 42:6-86، و ما بين المعقوفين من المصدر.

أمن من الفقر»(1).

و تستحبّ زيارته في يوم عرفة و في أوّل يوم من رجب و نصفه و نصف شعبان و ليلة القدر و ليلة الفطر و ليلة الأضحي و يوم عاشوراء و يوم العشرين من صفر و في كلّ شهر، للروايات(2) المتواترة فيه.

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 771: تستحبّ زيارة الأئمّة عليهم السّلام بالبقيع

و في ضريح واحد، أربعة منهم: الحسن بن علي عليه السّلام و علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و محمد بن علي الباقر عليه السّلام و جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام.

قال الصادق عليه السّلام: «من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا»(3).

و تستحبّ زيارتهم بالمنقول و الوداع به.

مسألة 772: تستحبّ زيارة الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليه السّلام ببغداد في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.

قال الحسن بن علي الوشّاء: سألت الرضا عليه السّلام: عن زيارة قبر أبي الحسن عليه السّلام مثل زيارة الحسين عليه السّلام، قال: «نعم»(4).

و كذا تستحبّ زيارة محمد بن علي الجواد عليه السّلام ببغداد عند قبر جدّه الكاظم عليه السّلام.

قال إبراهيم بن عقبة: كتبت إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام: أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام و زيارة أبي الحسن و أبي جعفر عليهما السّلام، فكتب إليّ

ص: 454


1- التهذيب 48:6-106.
2- انظر: التهذيب 49:6-113، و 48-107، 108، و 49-111، 112، و 51-120، 121، و 52-122، 123، و المزار - للمفيد -: 48-62.
3- التهذيب 78:6-153.
4- الكافي 583:4-2، الفقيه 348:2-1597، التهذيب 81:6-158.

«أبو عبد اللّه المقدّم، و هذا أجمع و أعظم أجرا»(1).

و تستحبّ زيارتهما عليهما السّلام بالمنقول و الوداع لهما به.

مسألة 773: تستحبّ زيارة مولانا الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام،

لأنّ علي بن مهزيار سأل - في الصحيح - أبا جعفر عليه السّلام: جعلت فداك زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أم زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ؟ قال: «زيارة أبي أفضل، و ذلك أنّ أبا عبد اللّه يزوره كلّ الناس، و أبي لا يزوره إلاّ الخواصّ من الشيعة»(2).

و قال الرضا عليه السّلام: «من زارني علي بعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّي أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط و الميزان»(3).

و تستحبّ زيارته بالمنقول و الوداع به.

مسألة 774: تستحبّ زيارة الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السّلام و ولده الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام.

قال أبو هاشم الجعفري: قال أبو محمد الحسن بن علي عليه السّلام: «قبري بسرّ من رأي أمان لأهل الجانبين»(4).

و تستحبّ زيارتهما بالمنقول و الوداع به.

مسألة 775: تستحبّ زيارة مولانا الإمام المنتظر القائم محمد بن الحسن عليه السّلام

بسرّ من رأي بالمنقول و وداعه به.

ص: 455


1- الكافي 583:4-584-3، التهذيب 91:6-172.
2- الكافي 584:4-1، الفقيه 348:2-349-1598، التهذيب 84:6-165.
3- الفقيه 350:2-1606، التهذيب 85:6-169.
4- التهذيب 93:6-176.

قال المفيد رحمه اللّه: إذا أردت زيارة الإمامين بسرّ من رأي فقف بظاهر الشباك(1).

قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه: هذا الذي ذكره من المنع من دخول الدار هو الأحوط، فإنّ الدار ملك الغير، فلا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذنه، و لو أنّ أحدا يدخلها لم يكن مأثوما، خصوصا إذا تأوّل في ذلك ما روي عنهم عليهم السّلام من أنّهم جعلوا شيعتهم في حلّ ممّا لهم، و ذلك علي عمومه(2).

مسألة 776: تستحبّ زيارة سلمان الفارسي - رضي اللّه عنه

- بالمنقول، و زيارة أبواب الإمام المنتظر عليه السّلام، كعثمان بن سعيد و السمري.

و كذا تستحبّ زيارة المؤمنين.

روي محمد بن أحمد بن يحيي - في الصحيح - قال: مشيت مع ابن بلال إلي قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: فقال لي علي بن بلال:

قال صاحب هذا القبر عن الرضا عليه السّلام: «من أتي قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده و قرأ إِنّا أَنْزَلْناهُ سبع مرّات أمن من الفزع الأكبر»(3).

و قال أبو الحسن عليه السّلام: «من لم يقدر علي زيارتنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا، و من لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا»(4).

قال عمرو بن أبي المقدام عن أبيه، قال: مررت مع أبي جعفر عليه السّلام بالبقيع، فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة، فقلت لأبي

ص: 456


1- المقنعة: 75.
2- التهذيب 94:6.
3- التهذيب 104:6-182.
4- التهذيب 104:6-181.

جعفر عليه السّلام: جعلت فداك هذا قبر رجل من الشيعة، قال: فوقف عليه السّلام عليه ثم قال: «اللّهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و أسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و ألحقه بمن كان يتولاّه» ثم قرأ إِنّا أَنْزَلْناهُ سبع مرّات(1).

و الزيارات و كيفيّاتها طويلة، لها كتب منفردة نقلها علماؤنا رضي اللّه عنهم، فلتطلب من هناك.3.

ص: 457


1- التهذيب 105:6-183.

المجلد 9

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء التاسع

تتمة القاعدة الأولي في العبادات

كتاب الجهاد

اشارة

و فيه فصول

ص: 5

ص: 6

الفصل الأوّل: فيمن يجب عليه
مسألة 1: الجهاد واجب بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (1) و قال تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (2).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا و ما فيها»(3).

و فيه فضل كثير.

قال ابن مسعود: سألت النبي صلّي اللّه عليه و آله: أيّ الأعمال أفضل ؟ قال:

«الصلاة لوقتها» قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» قلت: ثمّ أيّ؟ قال:

«الجهاد في سبيل اللّه»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: فوق كلّ ذي برّ برّ حتي يقتل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ، و فوق كلّ ذي عقوق عقوق حتي يقتل أحد والديه [فإذا قتل أحد والديه] فليس فوقه عقوق»(5).

و لا خلاف بين المسلمين في وجوبه، و وجوبه علي الكفاية عند عامّة

ص: 7


1- البقرة: 216.
2- التوبة: 5.
3- صحيح البخاري 20:4.
4- المصنّف - لابن أبي شيبة - 285:5-286، سنن سعيد بن منصور 118:2-2302.
5- التهذيب 122:6-209، و ما بين المعقوفين من المصدر.

أهل العلم(1) ، لقوله تعالي لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَي الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْني (2) و هو يدلّ علي سقوط الذنب بتركه.

و حكي عن سعيد بن المسيّب أنّه واجب علي الأعيان، لقوله تعالي:

اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً (3) (4) .

و هي محمولة علي ما إذا استنفرهم الإمام، لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

«إذا استنفرتم فانفروا»(5).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبعث السرايا و يقيم هو و أصحابه.

و معني وجوبه علي الكفاية أنّ الخطاب به عامّ علي جميع الناس، فإذا قام به قوم تحصل الكفاية بجهادهم، سقط عن الباقين.

و فروض الكفايات كثيرة مذكورة في مواضع، و هو كلّ مهمّ ديني يريد الشرع حصوله، و لا يقصد به عين من يتولاّه، و من جملته إقامة الحجج العلميّة، و الجواب عن الشبهات، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علي خلاف يأتي، و الصناعات المهمّة، كالخياطة و النساجة و البناء4.

ص: 8


1- المغني و الشرح الكبير 359:10.
2- النساء: 95.
3- التوبة: 41.
4- الحاوي الكبير 142:14، حلية العلماء 645:7، الشرح الكبير 359:10 - 360، تفسير القرطبي 38:3.
5- صحيح البخاري 18:4 و 28 و 92، صحيح مسلم 1487:3-1353، سنن أبي داود 3:3-4-2480، سنن ابن ماجة 926:2-2773، سنن الترمذي 4: 148-149-1590، سنن البيهقي 16:9، المعجم الكبير - للطبراني - 10: 413-10844 و 30:11-31-10944.

و أشباهها، و دفع الضرر عن المسلمين، و القضاء، و تحمّل الشهادة، و تجهيز الموتي، و إنقاذ الغرقي، و ردّ السلام.

مسألة 2: يتعيّن الجهاد في مواضع ثلاثة:
أ - إذا التقي الزحفان و تقابل الصفّان، حرم علي من حضر الانصراف،

و تعيّن عليه الثبات، لقوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1) الآية.

ب - إذا نزل بالبلد الكفّار،

تعيّن علي أهله قتالهم و دفعهم.

ج - إذا استنفر الإمام قوما، وجب النفير معه،

لقوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ (2).

مسألة 3: و الجهاد واجب في زمان دون زمان و في مكان دون مكان.
فأمّا الزمان:

فجميع أيّام السنة ما عدا الأشهر الحرم، لقوله تعالي:

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (3) و هي ذو القعدة و ذو الحجّة و المحرّم و رجب، فلا يبدأ المسلمون فيها بالقتال لمن يري لها حرمة.

و أمّا المكان:

فجميع البقاع إلاّ الحرم، لقوله تعالي وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّي يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (4).

ص: 9


1- الأنفال: 15.
2- التوبة: 38.
3- التوبة: 5.
4- البقرة: 191.

و قال بعض الناس من العامّة: إنّ ذلك منسوخ بجواز القتال في كلّ وقت و مكان، لقوله تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)(2) و بعث النبي صلّي اللّه عليه و آله خالد بن الوليد إلي الطائف في ذي القعدة(3).

و أصحابنا قالوا: إنّ حكم ذلك باق فيمن يري لهذه الأشهر و للحرم حرمة، و العامّ قد يخصّ بغيره.

مسألة 4: أوجب اللّه تعالي في كتابه الهجرة عن بلاد الشرك
اشارة

و بقوله تعالي إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (4).

و الناس في الهجرة علي أقسام ثلاثة:
الأوّل: من تجب عليه،

و هو من كان مستضعفا من المسلمين بين الكفّار لا يمكنه إظهار دينه و لا عذر لهم من وجود عجز عن نفقة و راحلة.

الثاني: من لا تجب عليه الهجرة من بلاد الكفّار لكن تستحبّ لهم،

و هو كلّ من كان من المسلمين ذا عشيرة و رهط تحميه عن المشركين، و يمكنه إظهار دينه و القيام بواجبه، و يكون آمنا علي نفسه، كالعبّاس و إنّما استحبّ له المهاجرة لئلا يكثر سواد المشركين.

الثالث: من تسقط عنه الهجرة لأجل عذر من مرض أو ضعف

أو

ص: 10


1- التوبة: 5.
2- أحكام القرآن - للكيا هراسي - 83:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 258:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 107:1، الجامع لأحكام القرآن 351:2.
3- انظر: المغازي - للواقدي - 923:3، و تفسير الطبري 314:4، و تاريخ الطبري 177:2، و الطبقات الكبري - لابن سعد - 158:2.
4- النساء: 97.

عدم نفقة، فلا جناح عليه، لقوله تعالي إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ (1) لأنّهم بمنزلة المكرهين.

و الهجرة باقية أبدا ما دام الشرك باقيا، لما روي عنه عليه السلام أنّه قال:

«لا تنقطع الهجرة حتي تنقطع التوبة، و لا تنقطع التوبة حتي تطلع الشمس من مغربها»(2).

و قوله عليه السلام: «لا هجرة بعد الفتح»(3) محمول علي الهجرة من مكة، لأنّها صارت دار الإسلام أبدا، و لا هجرة بعد الفتح فاضلة كفضلها قبل الفتح، لقوله تعالي لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ (4) الآية.

مسألة 5: يشترط في وجوب الجهاد أمور ستّة:

البلوغ و العقل و الحرّيّة و الذكورة و السلامة من الضرر و وجود النفقة، و ليس الإسلام عندنا شرطا لوجوب شيء من فروع العبادات و إن كان شرطا في صحّتها، خلافا لأبي حنيفة(5).

و البلوغ و العقل شرطان لوجوب سائر الفروع.

قال ابن عمر: عرضت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم أحد و أنا ابن أربع

ص: 11


1- النساء: 98.
2- سنن أبي داود 3:3-2479، سنن الدارمي 240:2، مسند أحمد 5: 65-66-16463.
3- صحيح البخاري 18:4 و 28، سنن الترمذي 148:4-149-1590، سنن الدارمي 239:2، مسند أحمد 374:1-1992، المعجم الكبير - للطبراني - 3: 309-3390.
4- الحديد: 10.
5- انظر: المستصفي 91:1، و أصول السرخسي 74:1.

عشرة، فلم يجزني في المقاتلة(1).

و العبد لا يملك نفسه و مشغول بخدمة مولاه.

و قد روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبايع الحرّ علي الإسلام و الجهاد، و يبايع العبد علي الإسلام دون الجهاد(2).

و لافتقار المجاهد إلي مال يملكه بحيث يصرفه في نفقته و زاده و حمله و سلاحه، و العبد لا يملك شيئا، فهو أسوأ حالا من الفقير.

و النساء لا يجب عليهنّ الجهاد، لضعفهنّ عن القيام، و لهذا لا يسهم لهنّ. و لا يجب علي الخنثي المشكل، لعدم العلم بذكوريّته، فلا يجب مع الشكّ في شرطه.

و المراد من السلامة من الضرر السلامة من المرض و العمي و العرج، قال اللّه تعالي لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي حَرَجٌ وَ لا عَلَي الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَي الْمَرِيضِ حَرَجٌ (3).

و لا يسقط عن الأعور و لا عمّن عرجه يسير يتمكّن معه من الركوب و المشي من غير مشقّة، و لا عمّن مرضه يسير لا يمنعه عنهما، كوجع الضرس و الصداع اليسير، و إنّما يسقط عن ذي العرج الفاحش و المرض الكثير.

و أمّا وجود النفقة: فهو شرط، لقوله تعالي لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي وَ لا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (4).1.

ص: 12


1- سنن ابن ماجة 850:2-2543، المغني و الشرح الكبير 361:10.
2- المغني و الشرح الكبير 361:10.
3- الفتح: 17.
4- التوبة: 91.

و يشترط في النفقة الكفاية له و لعائلته مدّة غيبته، و وجود سلاح يقاتل به، و راحلة إن احتاج إليها، لقوله تعالي وَ لا عَلَي الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (1).

و لو أخرج الإمام معه العبيد بإذن ساداتهم، و النساء و الصبيان، جاز الانتفاع بهم في سقي الماء و الطبخ و مداواة الجرحي، و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يخرج معه أمّ سليم و غيرها من نساء الأنصار(2).

و لا يخرج المجنون، لعدم النفع به.

مسألة 6: و أقلّ ما يفعل الجهاد في كلّ عام مرّة واحدة.

قال اللّه تعالي فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) أوجب بعد انسلاخ الأشهر الحرم الجهاد. و الأصل عدم التكرار.

و لأنّ الجزية تجب علي أهل الذمّة في كلّ عام، و هي بدل عن النصرة، فكذلك مبدلها، و هو الجهاد.

و لأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم و تسلّطهم، فيجب في كلّ عام إلاّ من عذر، مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدّة أو ينتظر الإمام مددا يستعين به أو يكون في الطريق مانع أو عدم علف يحتاجون إليه أو عدم ماء أو يحسن رأي العدوّ في الإسلام و يطمع في إسلامهم إن أخّر قتالهم و نحو ذلك ممّا يري المصلحة معه بترك القتال، فيجوز تركه بهدنة

ص: 13


1- التوبة: 92.
2- صحيح البخاري 40:4 و 41، صحيح مسلم 1443:3-1810، سنن أبي داود 18:3-2531، سنن ابن ماجة 952:2-2856، سنن الترمذي 4: 139--1575.
3- التوبة: 5.

و غير هدنة، فقد صالح النبي صلّي اللّه عليه و آله قريشا عشر سنين و أخّر قتالهم حتي نقضوا عهده، و أخّر قتال قبائل من العرب بغير هدنة(1).

و لو احتاج الإمام إلي القتال في عام أكثر من مرّة، وجب ذلك، لأنّه فرض كفاية، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه.

مسألة 7: الغزو في البحر أفضل من غزو البرّ، لما فيه من عظم المشقّة و كثرة الخطر،

فإنّه بين خطر العدوّ و خطر الغرق، و لا يتمكّن من الفرار إلاّ مع أصحابه، و قد روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «شهيد البحر مثل شهيدي البرّ»(2).

و قتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم و قد روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال لأمّ خلاد: «إنّ ابنك له أجر شهيدين» قالت: و لم ذاك يا رسول اللّه ؟ قال: «لأنّه قتله أهل الكتاب»(3).

و الأولي أن يبدأ بقتال من يلي دار الإسلام، لقوله تعالي قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ (4) إلاّ أن يكون الخوف من الأبعد أكثر فيبدأ بهم.

و الجهاد في ابتداء الإسلام لم يكن واجبا، بل منعهم اللّه تعالي منه و أمر المسلمين بالصبر علي أذي الكفّار و الاحتمال منهم علي ما قال تعالي:

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ - إلي قوله تعالي -

ص: 14


1- المهذّب - للشيرازي - 228:2، المغني 362:10، الشرح الكبير 363:10.
2- سنن ابن ماجة 928:2-2778، المعجم الكبير - للطبراني - 200:8 - 201-7716.
3- سنن أبي داود 5:3-6-2488، سنن البيهقي 175:9.
4- التوبة: 123.

وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (1) ثمّ لمّا قويت شوكة الإسلام أذن اللّه تعالي في قتال من يقاتل، فقال وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ (2) ثمّ أباح ابتداء القتال في غير الأشهر الحرم ثمّ أمر به من غير شرط في حقّ من لا يري حرمة للحرم و الأشهر الحرم بقوله تعالي وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (3).

و كان فرض الجهاد في المدينة علي الكفاية في ابتداء الوجوب عندنا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه كان فرض عين(4).

و أمّا بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله فالكفّار إن كانوا قاطنين في بلادهم غير قاصدين لقتال المسلمين، فالجهاد لهم فرض كفاية لا فرض عين، و إلاّ لتعطّلت المعايش.

و الكفاية تحصل بشيئين:

أحدهما: أن يبعث الإمام في كلّ ثغر جماعة يقومون بحرب من بإزائهم من الكفّار و يحصل بهم القصد من امتناع دخولهم إلينا، و ينبغي أن يحتاط بأحكام الحصون و حفر الخنادق و نحوها و يرتّب في كلّ ناحية أميرا قيّما بأمور الجهاد و حراسة المسلمين.

و الثاني: أن يدخل(5) دار الكفّار غازيا بنفسه أو يبعث جيشا يؤمّر عليهم من فيه كفاية، اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، حيث كان يبعث السرايام.

ص: 15


1- آل عمران: 186.
2- البقرة: 190.
3- البقرة: 191.
4- الحاوي الكبير 110:14 و 111، العزيز شرح الوجيز 344:11، منهاج الطالبين: 307، روضة الطالبين 410:7.
5- أي الإمام.

و الجيوش(1).

و أقلّه في كلّ سنة مرّة، و ما زاد فهو أفضل.

و قال بعض الشافعيّة: تجب إدامته بحسب الإمكان بحيث لا يبقي إلاّ مسلم أو مسالم(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الغالب أنّ الأموال و العدد لا توفّي تجهيز الجيوش أكثر من مرّة واحدة في السنة.

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فعل ذلك، فإنّ غزاة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، و غزاة أحد في الثالثة، و غزاة ذات الرقاع في الرابعة، و غزاة الخندق في الخامسة، و غزاة بني المصطلق في السادسة، و فتح خيبر في السابعة، و فتح مكة في الثامنة، و غزاة تبوك في التاسعة(3).

و إن لم يستقرّ الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدة من بلاد المسلمين [1].

قاصدين لها، فالوجه أنّ الوجوب لا يتعيّن [2] وصفه، بل يكون فرض كفاية - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - فإن قام به البعض، و إلاّ وجب علي الأعيان. و يستوي في ذلك الغني و الفقير و الحرّ و العبد، و لا يحتاج إلي إذن سيّده. و الثاني: أنّه فرض عين(5).7.

ص: 16


1- انظر علي سبيل المثال: سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 953:2-2857 و 2858.
2- العزيز شرح الوجيز 351:11، روضة الطالبين 411:7.
3- انظر علي سبيل المثال: تاريخ الطبري 131:2 و 187 و 226-227 و 233 و 260 و 298 و 366.
4- العزيز شرح الوجيز 365:11، و روضة الطالبين 416:7، منهاج الطالبين: 307.
5- العزيز شرح الوجيز 365:11، و روضة الطالبين 416:7، منهاج الطالبين: 307.

فإن حصلت المقاومة من غير مرافقة العبيد، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّ الحكم كذلك، لتقوي القلوب و تعظم الشوكة و تشتدّ النكاية في الكفّار. و الثاني: أنّه لا ينحلّ الحجر عنه، لأنّ في الأحرار غنية عنهم(1).

و لو أحوج الحال إلي الاستعانة بالنساء، وجب.

و لو لم يتمكّن أهل البلد من التأهّب و التجمّع، فمن وقف عليه كافر أو كفّار و علم أنّه يقتل، وجب عليه المدافعة عن نفسه بقدر ما يمكنه، سواء الذكر و الأنثي، و الحرّ و العبد، السليم و الأعمي و الأعرج، و لو لم يعلم القتل بل جوّز السلامة و أن يؤسر إن استسلم و إن امتنع قتل، وجب عليه الاستسلام، فإنّ الأسر يحتمل معه الخلاص.

و لو امتدّت الأيدي إلي المرأة، وجب عليها الدفع و إن قتلت، لأنّ المكره [1] علي الزنا لا تحلّ له المطاوعة [2].

و البلاد القريبة من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجب(2).

و أمّا البلاد البعيدة: فإن احتيج إلي مساعدتهم، وجب عليهم النفور، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما، عدم الوجوب علي من بعد عن مسافة القصر. و [الثاني:] [3] يجب علي الأقربين فالأقربين إلي أن يكفّوا و يأمن أهل7.

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 365:11-366، روضة الطالبين 416:7.
2- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 366:11، روضة الطالبين 417:7.

البلدة(1).

و ينبغي للأقربين التثبّت إلي لحوق الآخرين مع احتمال الحال ذلك.

و لا يشترط وجدان الركوب فيمن يكون بلده دون مسافة القصر مع قدرته.

و أمّا من بعد إلي مسافة القصر: فللشافعيّة وجهان: عدم الاشتراط، لشدّة الخطب، و ثبوته كالحجّ(2). و كذا الوجهان في اشتراط الزاد(3).

مسألة 8: لو نزل الكفّار في خراب أو علي جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان،

احتمل مساواته لنزولهم في البلد، لأنّه من دار الإسلام، و عدمه، لأنّ الديار تشرف بسكون المسلمين.

و للشافعيّة وجهان(4).

و لو أسروا مسلما أو جماعة من المسلمين، فالوجه: أنّه كدخول دار الإسلام، لأنّ سبب حرمة دار الإسلام حرمة المسلمين، فالاستيلاء علي المسلمين أعظم من الاستيلاء علي دارهم.

و يحتمل المنع، لأنّ إعداد الجيش و تجهيز الجند لواحد يقع في الأسر بعيد.

و للشافعيّة وجهان(5).

ص: 18


1- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 366:11-367، روضة الطالبين 7: 417.
2- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7.
3- العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7.
4- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7 - 418.
5- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 418:7.

و لو كانوا علي القرب من دار الإسلام و توقّعنا استخلاص الاسراء لو مشينا إليهم، وجب. و لو توغّلوا في دار الكفر و لم يمكن التسارع إليهم، انتظرنا الإمكان.

مسألة 9: الجهاد قسمان:
أحدهما: أن يكون للدعاء إلي الإسلام،

و لا يجوز إلاّ بإذن الإمام العادل أو من نصبه لذلك، عند علمائنا أجمع، لأنّه أعرف بشرائط الدعاء و ما يدعوهم إليه من التكاليف دون غيره.

قال بشير: قلت للصادق عليه السلام: رأيت في المنام أنّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، فقلت: نعم، هو كذلك، فقال الصادق عليه السلام: «هو كذلك هو كذلك»(1).

و قال أحمد: يجب مع كلّ إمام برّ و فاجر، لرواية أبي هريرة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الجهاد واجب عليكم مع كلّ إمام [1] برّا كان أو فاجرا»(2)(3).

و هو محمول علي القسم الثاني من نوعي الجهاد، مع أنّ أبا هريرة طعن في حديثه، و لهذا أدّبه عمر(4) علي كثرة حديثه، و لو لا التهمة في حديثه لما فعل عمر به ذلك، خصوصا مع معارضته للكتاب العزيز حيث

ص: 19


1- الكافي 27:5-2، التهذيب 134:6-226.
2- سنن أبي داود 18:3-2533، سنن الدار قطني 56:2-6، سنن البيهقي 3: 121 و 185:8.
3- المغني 365:10، الشرح الكبير 366:10.
4- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 67:4-68.

يقول وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1) و الفاجر ظالم.

و وجوب هذا القسم علي الكفاية علي ما تقدّم، فينبغي للإمام أو نائبه اعتماد النصفة بينهم، فلا يكرّر الغزو علي قوم دون قوم.

و الثاني: أن يدهم المسلمين العدو،

فيجب علي الأعيان عند قوم و علي الكفاية عند آخرين، و قد سبق(2).

مسألة 10: قد عرفت أن ردّ السلام واجب علي الكفاية علي الجماعة،

و هو فرض عين علي الواحد، فابتداؤه مستحبّ. و لا يستحبّ علي المصلّي عند بعض الشافعيّة و لا علي من يقضي حاجته و لا في الحمّام(3).

و لو أجاب الجميع دفعة واحدة، كانوا مؤدّين فرض كفاية، كما يلحقهم الذمّ بأجمعهم لو تركوا.

و لو تعاقبوا، فالوجه: أن الفرض يسقط بالأوّل.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المتأخّر يكون مؤديا لفرض كفاية [1]. و ليس بجيّد.

و لو سلّم علي شخص أو جماعة فردّ عليه غيرهم، لم يسقط الفرض عمّن سلّم عليه. و ابتداء السلام سنّة علي الكفاية.

و لو سلّم واحد من جماعة علي واحد من جماعة أخري، كفي ذلك.

ص: 20


1- هود: 113.
2- سبق في المسألة 1.
3- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7.

لإقامة السنّة.

و لو سلّم في بعض الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام، فالوجه:

وجوب الردّ، عملا بالعموم، خلافا للشافعيّة(1).

و إذا سلّم علي المصلّي، وجب عليه الجواب.

و قالت الشافعيّة: لا يجيب حتي يفرغ من الصلاة، و يجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة(2).

و عندنا يجيب بمثل ما سلّم عليه، فيقول في الجواب: السلام عليكم، و لا يقول: و عليكم السلام.

و أمّا من يقضي الحاجة، فالقرب منه و مكالمته بعيد عن الأدب و المروءة.

و أمّا الحمّام: فإنّه موضع التنظيف و الدلك، فلا تليق التحيّة بحالهم.

و المشغول بالأكل إن كانت اللقمة في فيه و احتاج في المضغ و البلع إلي زمان يمنعه عن الجواب، لم يسنّ التسليم عليه، و أمّا بعد الابتلاع و قبل وضع لقمة أخري في فيه [1] فلا منع.

و بعض الشافعيّة منع مطلقا(3). و بعضهم سوّغه مطلقا(4).

و لا يمنع المعامل وقت المعاملة و المساومة من التسليم عليه، لأنّ7.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7، المغني 747:1، التفسير الكبير 215:10.
2- العزيز شرح الوجيز 371:11 و 376، روضة الطالبين 433:7، المجموع 4: 103، المغني 747:1 و 748.
3- العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7.
4- العزيز شرح الوجيز 371:11-372، روضة الطالبين 433:7.

أغلب أحوال الناس ذلك.

و لا بدّ في السلام و جوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.

و صيغته: السلام عليكم. و يقوم مقامه: سلام عليكم. و لو قال:

عليكم السلام، لم يكن مسلما، إنّما هي صيغة جواب. و يراعي صيغة الجمع و إن كان السلام علي واحد خطابا له. و لو أخلّ بصيغة الجمع، حصل أصل السنّة.

و صيغة الجواب: و عليكم السلام. و لو قال: و عليك السلام، للواحد، جاز. و لو ترك حرف العطف و قال: عليكم السلام، فهو جواب، خلافا لبعض الشافعيّة(1).

و لو تلاقي اثنان فسلّم كلّ واحد منهما علي الآخر، وجب علي كلّ واحد منهما جواب الآخر، و لا يحصل الجواب بالسلام و إن ترتّب السلامان.

و لو قال المجيب: و عليك، ففي كونه جوابا نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه، و من حيث إنّه يكون جوابا للعطف و رجوعا إلي قول:

السلام. و لو قال: عليكم، لم يكن جوابا.

و كمال السلام أن يقول: السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. و كمال الجواب أن يقول: و عليكم السلام و رحمة اللّه و بركاته.

و ينبغي أن يكون الجواب متّصلا بالسلام ليعدّ جوابا له، كما في قبول الإيجاب في العقود.

و لو ناداه من وراء ستر أو حائط و قال: السلام عليكم يا فلان، أو7.

ص: 22


1- العزيز شرح الوجيز 372:11، روضة الطالبين 429:7.

كتب كتابا و سلّم فيه عليه، أو أرسل رسولا فقال: سلّم علي فلان، فبلغه الكتاب و الرسالة، قال بعض الشافعية: يجب عليه الجواب، لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة، و قد قال تعالي وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (1) الآية(2).

و الوجه أنّه إن سمع النداء، وجب الجواب، و إلاّ فلا.

و ما يعتاده الناس من السلام عند القيام و مفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه و لا يجب.

و يكره أن يخصّ طائفة من الجمع بالسلام. و لو سلّم عليه جماعة فقال: و عليكم السلام، و قصد الردّ عليهم جميعا، جاز، و سقط الفرض في حقّ الجميع.

و يستحبّ أن يسلّم الراكب علي الماشي، و القائم علي الجالس، و الطائفة القليلة علي الكثيرة. و لا يكره أن يبتدئ الماشي و الجالس.

و لو سلّم علي الأصمّ، أتي باللفظ، لقدرته عليه، و أشار باليد ليحصل الإفهام. و لو لم يضمّ الإشارة، لم يستحقّ الجواب. و كذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ و الإشارة.

و سلام الأخرس بالإشارة معتدّ به، و كذا ردّه السلام.

و لا يجب علي الصبي ردّ السلام، لأنّه ليس مكلّفا. و لو سلّم علي جماعة فيهم صبي فردّ الصبي، لم يسقط الفرض بجوابه. و لو سلّم الصبي،0.

ص: 23


1- النساء: 86.
2- العزيز شرح الوجيز 373:11، روضة الطالبين 428:7، الأذكار - للنووي -: 261، التفسير الكبير 215:10.

فالأقرب وجوب الردّ عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و سلام النساء علي النساء كسلام الرجال علي الرجال. و لو سلّم رجل علي امرأة أو بالعكس، فإن كان بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزا خارجة عن مظنّة الفتنة، ثبت استحقاق الجواب، و إلاّ فلا.

و يستحبّ لمن دخل دار نفسه أن يسلّم علي أهله. و كذا من دخل مسجدا أو بيتا لا أحد فيه يقول: السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين.

و لا يسلّم علي أهل الذمّة ابتداء. و لو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا، ردّ بغير السلام بأن يقول: هداك اللّه، أو: أنعم اللّه صباحك، أو: أطال اللّه بقاءك. و لو ردّ بالسلام، لم يزد في الجواب علي قوله:

و عليك.

و التحيّة بتقبيل اليد و انحناء الظهر لا أصل له في الشرع، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم بهما. و لا يكره التعظيم بهما لزهد و علم و كبر سنّ. و روي أنّ أعرابيّا قعد عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فاستحسن كلامه، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه، فأذن له، ثمّ استأذن في أنّ [1] يقبّل يده، فأذن له، ثمّ استأذنه في أن يسجد له، فلم يأذن له(2).

و تستحبّ المصافحة.

و يكره للداخل أن يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.

و الأقرب: جواز السلام بالفارسيّة.ه.

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 374:11، روضة الطالبين 431:7.
2- أورده - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز 375:11، و رواه الحاكم في المستدرك 172:4، و أبو نعيم في دلائل النبوّة 502:2-503-291 نحوه.
مسألة 11: روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «حقّ المؤمن علي المؤمن ستّ:

أن يسلّم عليه إذا لقيه، و أن يجيبه إذا دعاه، و أن يسمّته إذا عطس، و أن يعوده إذا مرض، و أن يشيّع جنازته إذا مات، و أن لا يظنّ فيه إلاّ خيرا»(1).

و استحباب التسميت علي الكفاية. و إنّما يستحبّ إذا قال العاطس:

الحمد للّه، فيقول المسمّت له: يرحمك اللّه، أو ما شابهه. و يكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلاّ أن يكون لمرض، فيقول: عافاك اللّه.

و يستحبّ للعاطس أن يجيبه، فيقول: يغفر اللّه لك، و شبهه.

و لا يجب الجواب هنا، بخلاف ردّ السلام، لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس و لا عطاس بالمسمّت، و التحيّة تشمل الطرفين.

و تستحبّ زيارة القادم و معانقته، فإنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عانق جعفرا - رحمه اللّه - لمّا قدم من الحبشة(2).

مسألة 12: يسقط فرض الجهاد بالعجز،
اشارة

و هو قسمان

حسّي، كالمرض و الفقر و الصبا و الجنون و الأنوثة و العرج المانع من المشي

سواء قدر علي الركوب أو لا، لأنّ الدابّة قد تهلك.

و للشافعيّة وجه: أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته علي الركوب(3). و ليس بشيء.

و لا فرق بين أن يكون العرج في رجل واحدة أو في الرّجلين معا.

ص: 25


1- مسند أحمد 616:2-617-8072، شعب الإيمان - للبيهقي - 6: 425-8753 بتفاوت.
2- أسد الغابة 287:1.
3- العزيز شرح الوجيز 356:11، روضة الطالبين 412:7.

و قال أبو حنيفة: لا أثر للعرج في رجل واحدة(1).

و لا جهاد علي الأقطع و الأشلّ، لعدم تمكّنهما من الضرب و الاتّقاء.

و مفقود معظم الأصابع كالأقطع و لا يسقط عن الأعشي و ضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص و يمكنه أن يتّقي السلاح.

و يسقط عن الفقير، و هو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهابا و عودا و لا ما يركب عليه.

و يشترط نفقة أهله و عياله ذهابا و عودا. و من لا أهل له و لا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يشترط، لأنّ سفر الغزو سفر الموت(2).

و هو غلط، لأنّ الغالب في الظنّ الإياب، و لأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا و قوّة.

و لو كان القتال علي رأس البلد أو قريبا منه، لم يشترط نفقة الطريق.

و يجب اشتراط الراحلة مع الحاجة. و يجب أن يكون جميع ذلك فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقته.

و لا يشترط أمن الطريق من طلائع الكفّار، لأنّا مأمورون بقتالهم.

و لو كان [1] من متلصّصي المسلمين، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّه يمنع الوجوب، كما في الحجّ، و أصحّهما: أنّه لا يمنع، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ و أولي(3).7.

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 356:11.
2- العزيز شرح الوجيز 357:11، روضة الطالبين 412:7.
3- العزيز شرح الوجيز 357:11، روضة الطالبين 412:7.

و لو بذل للفقير ما يحتاج إليه، لم يجب القبول إلاّ أن يكون الباذل الإمام، فعليه أن يقبل و يجاهد، لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.

و الذمّي لا يكلّف الخروج إلاّ مع الحاجة، لأنّه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذبّ عنّا.

القسم الثاني: المانع الشرعي مع القدرة.
اشارة

و أقسامه ثلاثة:

الأوّل: الرقّ،

فلا يجب علي العبد و إن أمره سيّده بذلك، لأنّه ليس من أهل الجهاد، و الملك لا يقتضي التعرّض للهلاك، و ليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد علي العبد، و لا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف علي روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير، بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد و غيره ليخدمه و يسوس دوابّه و يحفظ متاعه.

و المدبّر و المكاتب و المتحرّر بعضه كالقنّ.

الثاني: الدّين،

فلا يجب علي من عليه دين حالّ لمسلم أو ذمّي الخروج إلي الجهاد مع قدرته علي الدّين إلاّ بإذن ربّ الدّين. و له منعه منه، لأنّ مطالبته تتوجّه عليه، و الحبس إن امتنع من أدائه، و لأنّ الدّين فرض متعيّن عليه، فلا يترك بفرض الكفاية.

و لو كان معسرا، فالوجه: أنّه ليس له منعه من الجهاد، لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال، و هو أحد قولي الشافعيّة، و مذهب مالك. و الثاني:

المنع، لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي و في الجهاد خطر الهلاك(1).

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 358:11-359، روضة الطالبين 413:7، المغني 10: 378، الشرح الكبير 376:10.

و لو استناب المديون من يقضي الدّين من مال حاضر، فله الخروج، لأنّ صاحب الدّين يصل إلي حقّه في الحال، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائب، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه، لأنّه قد لا يصل إليه.

و إذا أذن ربّ المال في الخروج، جاز له، و لحق بأصحاب فرض الكفاية، و هو أحد قولي الشافعيّة(1).

و لو كان الدّين مؤجّلا، فليس لصاحبه منعه من الخروج، كما ليس له منعه من الأسفار، و هو أحد قولي الشافعيّة و قول مالك. و الثاني: أنّ له منعه - و به قال أحمد - لأنّ الجهاد يقصد فيه الشهادة التي تفوت بها النفس، فيفوت الحقّ بفواتها(2).

و روي أنّ رجلا جاء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه إن قتلت في سبيل اللّه صابرا محتسبا يكفّر عنّي خطاياي ؟ قال: «نعم، إلاّ الدّين، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك»(3).

و فوات النفس غير معلوم، و لا دلالة في الحديث علي المطلوب.

و للشافعيّة طريقة أخري هي أنّه إن لم يخلّف وفاء، فليس له الخروج إلاّ بإذن ربّ الدّين، و إن خلّف، فوجهان، لأنّه قد يتلف و لا يصل إلي ربّت.

ص: 28


1- العزيز شرح الوجيز 359:11، روضة الطالبين 413:7.
2- العزيز شرح الوجيز 359:11، المهذّب - للشيرازي - 230:2، حلية العلماء 646:7، روضة الطالبين 413:7، المغني 549:4، و 378:10، الشرح الكبير 494:4-495 و 376:10.
3- الموطأ 461:2-31، صحيح مسلم 1501:3-1885، سنن الترمذي 4: 212-1712، سنن النسائي 350:6، سنن البيهقي 25:5، مسند أحمد 6: 403-22036 و 412-22079 و 419-420-22120 بتفاوت.

الدّين(1).

و لبعضهم وجه آخر: إن كان الأجل يدوم إلي أن يرجع، فلا منع، و إن كان يحلّ قبل أن يرجع، فوجهان(2).

و هل ركوب البحر كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة: نعم، لخطره(3).

و ليس بجيّد، لأنّ راكب البحر يغلب السلامة و يطلب الغنيمة، و الغازي يعرّض نفسه للشهادة.

الثالث: الأبوّة،
اشارة

فمن كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلاّ بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما، سواء الأب و الامّ في ذلك، و هو قول عامّة أهل العلم(4) ، لما رواه ابن عباس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، أنّه قال: جاء رجل إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه أجاهد؟ فقال: «أ لك أبوان ؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» [1].

و في رواية: جئت أبايعك علي الهجرة و تركت أبويّ يبكيان، قال:

ص: 29


1- العزيز شرح الوجيز 359:11.
2- العزيز شرح الوجيز 359:11.
3- العزيز شرح الوجيز 359:11، روضة الطالبين 413:7.
4- الوجيز 187:2، العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 122:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7، بداية المجتهد 1: 381، بدائع الصنائع 98:7، المغني 375:10، الشرح الكبير 377:10.

«ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»(1).

و هاجر رجل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «هل لك باليمن أحد؟» قال: نعم، أبواي، قال: «أذنا لك ؟» قال: لا، قال:

«فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، و إلاّ فبرّهما»(2).

و لأنّ الجهاد فرض كفاية و برّ الوالدين فرض عين، فيقدّم و هو بشرط الإسلام.

و لو كانا مشركين أو الحيّ منهما، لم يفتقر إلي إذنهما - و به قال الشافعي و أحمد(3) - للتهمة الظاهرة بالميل إلي ملّته في الكفر، و كان ولد عبد اللّه بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و معلوم أنّ أباه كان يكره ذلك، فإنّه كان يخذل الأجانب و يمنعهم عن الجهاد(4) ، و كذا أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كانوا يجاهدون و فيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما، منهم أبو بكر، و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلّي اللّه عليه و آله يوم بدر و أبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر، و أبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل اللّه تعالي لا تَجِدُ قَوْماً (5)(6) الآية.0.

ص: 30


1- سنن أبي داود 17:3-2528، سنن النسائي 143:7، سنن البيهقي 26:9، مسند أحمد 342:2-6454 و 400-6794.
2- سنن أبي داود 17:3-18-2530، سنن سعيد بن منصور 131:2-2334، سنن البيهقي 26:9.
3- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 123:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7، المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.
4- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 123:14.
5- المجادلة: 22.
6- أسباب النزول - للنيسابوري -: 236، التفسير الكبير 276:29، الجامع لأحكام القرآن 307:17، الحاوي الكبير 123:14، المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.

و قال الثوري: و لا يغزو إلاّ بإذنهما، لعموم الأخبار(1). و هو مخصوص بما قلناه.

فروع:
أ - لو كان أبواه رقيقين،

فعموم كلام الشيخ(2) يقتضي اعتبار إذنهما، للعموم، و لأنّهما مسلمان فأشبها الحرّين.

و يحتمل عدم اعتبار إذنهما، لانتفاء ولايتهما.

ب - لو كانا مجنونين،

فلا عبرة بإذنهما.

ج - هل الجدّان كالأبوين ؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو كانا مع الأبوين، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب و الجدّة مع الأمّ إشكال ينشأ من أنّ القريب يحجب البعيد، و من أنّ البرّ إلي البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.

د - لو تعيّن الجهاد عليه، لم يعتبر إذن الأبوين و لا غيرهما من أصحاب الدّين و السيّد،

و كذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها، كالصلاة و الحجّ، لأنّه عبادة تعيّنت عليه، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها، و قال تعالي وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (4) و لم يشترط إذن الأبوين.

ه - لو أذن أبواه في الغزو و شرطا عليه ترك القتال فحضر،

تعيّن عليه و سقط شرطهما - و به قال الأوزاعي و أحمد و ابن المنذر(5) - لأنّه صار

ص: 31


1- المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.
2- المبسوط - للطوسي - 6:2.
3- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 124:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7.
4- آل عمران: 97.
5- المغني 378:10، الشرح الكبير 379:10.

واجبا، فلم يبق لهما في تركه طاعة.

و لو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع، لم يجز له ذلك.

و - ليس للأبوين المنع من سفر الحجّ الواجب،

لأنّه علي الفور، و ليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.

و للشافعي قول إنّ لهما المنع، لأنّ الحجّ علي التراخي و برّ الوالدين علي الفور(1). و الصغري ممنوعة.

و كذا ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه، و لا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.

و لو كان فرض كفاية بأن خرج طالبا لدرجة الفتوي و في بلده من يشتغل بالفتوي، احتمل أنّ لهما المنع، لتعيّن البرّ عليه، و عدمه، لبعد الحجر علي المكلّف و حبسه.

و لو لم يكن هناك من يشتغل بالفتوي لكن خرج مع جماعة لذلك، فالأقرب عدم الاحتياج إلي الإذن، لأنّه لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض، و الخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. و لو لم يخرج معه أحد، لم يفتقر إلي الإذن، لأنّه يؤدّي فرضا، كما لو خرج لغزو تعيّن عليه.

و لو أمكنه التعلّم في بلده، فإن توقّع في سفره زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ، احتمل عدم افتقاره إلي الإذن.

و أمّا سفر التجارة:

فإن كان قصيرا، لم يمنع منه، و إن كان طويلا و فيه خوف، اشترط إذنهما، و إلاّ احتمل ذلك تحرّزا من تأذّيهما. و لأنّ لهما منعه

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 360:11، المجموع 349:8.

من حجّة التطوّع مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولي، و عدمه، لأنّه بامتناعه ينقطع عن معاشه و يضطرب أمره.

و الأقرب: أنّ الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار، بخلاف سفر الجهاد [و لا فرق بين الحرّ] [1] و الرقيق، لشمول معني البرّ و الشفقة.

ز - لو خرج للجهاد بإذن صاحب الدّين أو الأبوين ثمّ رجعوا

أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذن و علم بالحال، فإن لم يشرع في القتال و لم يحضر الرفقة [2] بعد، فإنّه ينصرف إلاّ إذا خاف علي نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.

و لو لم يمكنه الانصراف، للخوف و أمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلي أن يرجع جيش المسلمين، لزمه أن يقيم، لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: عدم الوجوب، لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة و إبطال أهبة الجهاد عليه(1).

و لو كان الرجوع بعد الشروع في القتال، احتمل وجوب الرجوع، لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولي بالرعاية، لأنّه فرض عين و الجهاد فرض كفاية، و لأنّ حقّهم أسبق، و لأنّ حقّ الآدمي مبني علي المضايقة، فهو أولي بالمحافظة، و عدمه، لوجوب الثبات علي من حضر القتال، لقوله تعالي:

إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (2) و لأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين و يشوّش الجهاد.

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 362:11، روضة الطالبين 415:7.
2- الأنفال: 45.

و للشافعي قولان(1). و لبعض أصحابه فرق بين رجوع الأبوين و صاحب الدّين، لعظم شأن الدّين و الاحتياط للمظالم(2).

ح - من شرط عليه الاستئذان إذا خرج بغير إذن، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال،

لأنّ سفره معصية، إلاّ أن يخاف علي نفسه أو ماله، فإن شرع في القتال، فللشافعية وجهان(3). و هذه الصورة أولي بوجوب الانصراف، لأنّ ابتداء الخروج كان معصية.

و لو خرج العبد بغير إذن سيّده، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة، فإن حضر، فللشافعية قولان(4).

و لو مرض الحرّ بعد خروجه أو عرج أو فني زاده أو هلكت دابّته، تخيّر بين الانصراف و المضيّ ما لم يحضر الوقعة.

و لو حضر الوقعة، لزمه الثبات، للآية(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يجوز الرجوع، لعدم تمكّنه من القتال(6).

و الوجه أن يقال: إن كان الانصراف لا يورث إعلالا و تخاذلا في الجند، جاز، و إلاّ فلا.

و لو أمكنه القتال راجلا بعد موت الدابّة في الوقعة، وجب، و إلاّ فلا. و كذا إذا انقطع سلاحه و انكسر في الواقعة و أمكنه القتال بالحجارة، وجب، و إلاّ فلا.

ص: 34


1- المهذّب - للشيرازي - 230:2، العزيز شرح الوجيز 363:11، روضة الطالبين 415:7، حلية العلماء 645:7-646.
2- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
3- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
4- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
5- الأنفال: 45.
6- حلية العلماء 645:7، العزي شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 7: 415.

و حيث سوّغنا الانصراف لرجوع ربّ الدّين أو الأبوين عن الإذن أو لمرض و نحوه، ليس للسلطان منعه منه إلاّ أن يتّفق ذلك لجماعة و كان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.

و لو انصراف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر علي النفقة و الدابّة في بلاد الكفر، فعليه أن يرجع إلي المجاهدين. و إن كان قد فارق بلاد الكفر، قال الشافعي: لم يلزمه الرجوع إليهم(1).

و لو خرج للجهاد و به عذر من مرض و غيره ثمّ زال عذره و صار من أهل فرض الجهاد، لم يجز له الرجوع عن الغزو. و كذا لو حدث العذر و زال قبل أن ينصرف.

ط - من شرع في القتال و لا عذر له تلزمه المصابرة،

و يحرم الانصراف، لما فيه من التخذيل و كسر قلوب المجاهدين.

و طالب العلم إذا اشتغل بالتعلّم و آنس الرشد من نفسه، هل يحرم عليه الرجوع ؟ يحتمل ذلك، لأنّه فرض كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.

و الأقرب: المنع، لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه، بخلاف الجهاد، لأنّ في الرجوع تخذيل المجاهدين و كسر قلوبهم، و ترك التعلّم ليس فيه ذلك. و لأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها، و ليست العلوم كالخصلة الواحدة، بخلاف الجهاد.

و في وجوب إتمام صلاة الجنازة بالشروع وجهان(2) ، أحدهما:

ص: 35


1- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
2- هذان الوجهان أيضا للشافعيّة. انظر: العزيز شرح الوجيز 364:11-365، و روضة الطالبين 416:7.

عدمه، كالشروع في التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ثانيهما]: وجوبه، لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة، و لما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.

مسألة 13: العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.
فالأوّل: العلم بإثبات الصانع تعالي

و صفاته و ما يجب له و يمتنع عليه، و نبوّة نبيّنا محمد صلّي اللّه عليه و آله و ثبوت عصمته و إمامة من تجب إمامته و ما يجب له و يمتنع عليه، و المعاد. و لا يكفي في ذلك التقليد، بل لا بدّ من العلم المستند إلي الأدلّة و البراهين.

و لا يجب علي الأعيان دفع الشبهات فيها، و ذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.

و قالت الشافعية: العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين، و ما كان الصحابة يشتغلون به(1).

و الثاني: العلم بالفقه و فروع الأحكام،

و علم أصول الفقه و كيفيّة الاستدلال و البراهين [1]، و النحو و اللغة و التصريف، و التعمّق في أصول الدين بحيث يقتدر علي دفع شبه المبطلين و القيام بجواب الشبه و ردّ العقائد الفاسدة، و علم أصول الفقه [2]، و علم الحديث و معرفة الرجال بالعدالة و ضدّها، و الانتهاء في معرفة الأحكام إلي أن يصلح للإفتاء و القضاء.

و لا يكفي المفتي الواحد في البلد، لعسر مراجعته علي جميع الناس. و علم الطبّ، للحاجة إليه في المعالجة، و علم الحساب، للاحتياج إليه في المعاملات و قسم الوصايا و المواريث. و من حصل له شبهة، وجب عليه

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 369:11، روضة الطالبين 425:7.

السعي في حلّها.

و المستحب:

الزيادة علي ما يجب علي الكفاية في كلّ علم.

و الحرام: ما اشتمل علي وجه قبح،

كعلم الفلسفة لغير النقض، و علم الموسيقي و غير ذلك ممّا نهي الشرع عن تعلّمه، كالسحر، و علم القيافة و الكهانة و غيرها.

مسألة 14: قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.

و لو كان الجهاد للدفع، وجب مطلقا، سواء كان هناك إمام أو لا.

و لو كان الإمام جائرا، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه و عن المؤمنين، كما لو كان المسلم في دار الكفّار بأمان و دهمهم عدوّ خشي علي نفسه، وجب عليه مساعدتهم في دفعه، لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: «علي المسلم أن يمنع عن نفسه و ماله و يقاتل علي حكم اللّه و حكم رسوله، و أمّا أن يقاتل الكفّار علي حكم الجور و سنّتهم [1] فلا يحلّ له ذلك»(1).

و كذا كلّ من خاف علي نفسه يجب عليه الجهاد.

و من خاف علي ماله يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.

مسألة 15: لا يجب علي من وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرة إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج،

فتحرم عليه الاستنابة بأجرة و غيرها، و لا يجوز له حينئذ أن يغزو بجعل، فإن أخذ جعلا، ردّه علي صاحبه. و لو لم يعيّنه، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره بإجارة أو غيرها، و تكون

ص: 37


1- التهذيب 135:6-136-229 بتفاوت يسير.

الإجارة صحيحة، و لا يلزم المستأجر ردّ الأجرة، عند علمائنا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «من جهّز غازيا كان له كمثل أجره»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السلام سئل عن الإجعال للغزو، فقال: لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل و يأخذ منه الجعل»(2).

و لأنّ الضرورة قد تدعو إليه، فكان سائغا كغيره.

و قال الشافعي: لا تنعقد الإجارة، و يجب عليه ردّ الأجرة إلي صاحبها، لتعيّن الجهاد عليه بحضوره الصف، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه(3).

و ينتقض بالحجّ، فإنّه إذا حضر مكة، تعيّن عليه الإحرام، و مع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن عليه عن غيره، فكذا هنا.

و قال عطاء و مجاهد و سعيد بن المسيّب: من اعطي شيئا من المال يستعين به في الغزو، فإن اعطي لغزوة بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له، لأنّه أعطاه علي سبيل الإعانة و النفقة لا علي سبيل الإجارة، فكان الفاضل له(4).

و إن أعطاه شيئا لينفقه في الجهاد مطلقا ففضل منه فضل، أنفقه في جهاد آخر، لأنّه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة، فلزمه إنفاق الجميع فيها.0.

ص: 38


1- سنن ابن ماجة 922:2-2759.
2- التهذيب 173:6-338.
3- المهذّب - للشيرازي - 228:2، الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 11: 385، روضة الطالبين 442:7، المغني 519:10، الشرح الكبير 512:10.
4- المغني 390:10، الشرح الكبير 455:10.

و إذا اعطي شيئا ليستعين به في الغزو، لا يترك لأهله منه شيئا.

قال أحمد: لأنّه ليس يملكه إلاّ أن يصير إلي رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلي عياله منه، و لا يتصرّف فيه قبل الخروج لئلاّ يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّا لما أنفقه إلاّ أن يشتري منه سلاحا أو آلة غزو(1).

و إذا حمل رجلا علي دابّة غازية، فإذا رجع من الغزو، فهي له، إلاّ أن يقول: هي حبس، فلا يجوز بيعها إلاّ مع عدم صلاحيتها للغزو، فتباع و تجعل في حبس آخر.

قال أحمد: و كذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به، جاز بيعه و جعل ثمنه في مكان ينتفع به، و كذا الأضحية إذا أبدلها بخير منها(2).

و لو أعطاه إيّاها ليغزو عليها، فإذا غزا عليها، قال أحمد: ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه، و يصنع بثمنها ما شاء(3).

و كان مالك لا يري أن ينتفع بثمنها في غير الغزو(4).

و ليس للغازي أن يركب دوابّ السبيل في حوائجه، بل يركبها و يستعملها في الغزو.

و سهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

و كره بعضهم إنزاء الفرس الحبيس(5).

و لا يباع الفرس الحبيس إلاّ من علّة، إذا عطب يصير للطحن،0.

ص: 39


1- المغني 391:10، الشرح الكبير 455:10.
2- المغني: 391:10.
3- المغني 391:10، الشرح الكبير 456:10.
4- المغني 392:10، الشرح الكبير 456:10.
5- المغني 392:10، الشرح الكبير 457:10.

و يصرف ثمنه في مثله أو ينفق ثمنه علي الدوابّ الحبيس.

و لا يجوز لمن وجب عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجعل، فإن فعل وقع عنه و وجب عليه ردّ الجعل إلي صاحبه.

قال الشيخ رحمه اللّه: للنائب ثواب الجهاد و للمستأجر ثواب النفقة، و أمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق فليس اجرة، بل يجاهدون لأنفسهم و يأخذون حقّا جعله اللّه لهم، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال و أقاموا في الثغور، فهم أهل الفيء لهم سهم من الفيء يدفع إليهم، و إن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا [1]، فهم أهل الصدقات يدفع إليهم سهم منها(1).

و تستحبّ إعانة المجاهدين، و في مساعدتهم فضل عظيم من السلطان و العوام و كلّ أحد.

روي الباقر عليه السلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، قال: «من بلّغ رسالة غاز كان كمن أعتق رقبة و هو شريكه»(2).4.

ص: 40


1- المبسوط - للطوسي - 7:2.
2- التهذيب 123:6-214.
الفصل الثاني فيمن يجب جهاده، و كيفية الجهاد
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: من يجب جهاده.
مسألة 16: الذين يجب جهادهم قسمان:

مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام و بغوا عليه، و كفّار، و هم قسمان: أهل كتاب أو شبهة كتاب، كاليهود و النصاري و المجوس و غيرهم من أصناف الكفّار، كالدهرية و عبّاد الأوثان و النيران، و منكري ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة، كالفلاسفة و غيرهم.

قال اللّه تعالي وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمْرِ اللّهِ (1) و قال تعالي قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (2) و قال تعالي:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) و قال فَضَرْبَ الرِّقابِ (4).

دلّت هذه الآيات علي وجوب جهاد الأصناف السابقة.

ص: 41


1- الحجرات: 9.
2- التوبة: 29.
3- التوبة: 5.
4- محمد: 4.

و روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «من أعطي إماما صفقة [1] يده و ثمرة قلبه فليطعه [2] ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(1).

و كان عليه السّلام يقول لمن يبعثه علي جيش أو سريّة: «إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلي إحدي ثلاث خصال فأيّتهم [3] أجابوك إليها فاقبل منهم و كفّ عنهم: ادعهم إلي الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم، فإن هم أبوا فادعهم إلي إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم، فإن أبوا فاستعن باللّه عليهم و قاتلهم»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «بعث اللّه محمّدا صلّي اللّه عليه و آله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلي أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ، و لن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها حتي تطلع الشمس من مغربها، فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (3) ، و سيف منها مكفوف، و سيف منها مغمود سلّه إلي غيرنا و حكمه إلينا، فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف علي مشركي العرب، قال اللّه تعالي:8.

ص: 42


1- صحيح مسلم 1473:3-1844، سنن النسائي 153:7-154، سنن ابن ماجة 1307:2-3956، مسند أحمد 344:2-6467.
2- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن البيهقي 9: 49، و الخبر فيها ورد مفصّلا، و في المغني 380:10 كما في المتن.
3- الأنعام: 158.

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، و السيف الثاني علي أهل الذمّة، قال اللّه تعالي قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (2) الآية، فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل، و السيف الثالث سيف علي مشركي العجم يعني الترك و الخزر و الديلم، قال اللّه تعالي فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّي إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ (3) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، و لا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب، و أمّا السيف المكفوف علي أهل البغي و التأويل، قال اللّه تعالي:

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما - إلي قوله - حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمْرِ اللّهِ (4) فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّ منكم من يقاتل بعدي علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، فسئل النبي صلّي اللّه عليه و آله من هو؟ قال: هو خاصف النعل - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - قال عمّار بن ياسر: قاتلت بهذه [1] الراية مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرابعة، و اللّه لو ضربونا حتي يبلغوا بنا [2] السعفات من هجر [3] لعلمنا أنّا علي الحقّ و أنّهم علي الباطل»(5) الحديث.

مسألة 17: كلّ من يجب جهاده فالواجب علي المسلمين النفور إليهم

ص: 43


1- التوبة: 5.
2- التوبة: 29.
3- سورة محمّد: 4.
4- الحجرات: 9.
5- التهذيب 136:6-137-230.

إمّا لكفّهم أو لنقلهم إلي الإسلام، فإن بدأوا بالقتال، وجب جهادهم.

و إنّما يجب قتال من يطلب إسلامه بعد دعائهم إلي محاسن الإسلام و التزامهم بشرائعه، فإن فعلوا و إلاّ قوتلوا.

و الداعي إنّما هو الإمام أو من نصبه.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي اليمن، فقال:

يا علي لا تقاتل أحدا حتي تدعوه، و ايم اللّه لأن يهدي اللّه علي يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت، و لك ولاؤه يا علي»(1).

و إنّما يشترط تقدّم الدعاء في حقّ من لم تبلغه الدعوة و لا عرف بعثة الرسول، فيدعوهم إلي الإسلام و محاسنه، و إظهار الشهادتين، و الإقرار بالتوحيد و العدل و النبوّة و الإمامة و أصول العبادات و جميع شرائع الإسلام، فإن أجابوا و إلاّ قتلوا، لقوله عليه السلام: «يا علي لا تقاتل أحدا حتي تدعوه»(2).

أمّا من بلغته الدعوة و عرف البعثة و لم يقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداء من غير دعاء، لأنّه معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبي صلّي اللّه عليه و آله، و علموا أنّه يدعوهم إلي الإيمان و أنّ من لم يقبل منه قاتله و من قبل منه آمنه، فهؤلاء حرب للمسلمين يجوز قتالهم ابتداء، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أغار علي بني المصطلق و هم غارّون آمنون، و إبلهم تسقي علي الماء(3).

و قال سلمة بن الأكوع: أمرنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فغزونا ناسا من المشركين فبيّتناهم(4).0.

ص: 44


1- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
2- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
3- صحيح البخاري 194:3، صحيح مسلم 1356:3-1730، سنن أبي داود 3: 42-2633، مسند أحمد 112:2-4842، المغني 380:10.
4- سنن أبي داود 43:3-2638، المغني 380:10.

و الدعاء أفضل، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر عليّا عليه السلام حين أعطاه الراية يوم خيبر و بعثه إلي قتالهم أن يدعوهم(1) ، و قد بلغتهم الدعوة [1]، و دعا سلمان أهل فارس(2) ، و دعا علي عليه السلام عمرو بن [عبد] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لمّا بعث النبي صلّي اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام إلي اليمن قال: يا علي لا تقاتل أحدا حتي تدعوه»(4) و هو عامّ.

و لو بدر إنسان فقتل واحدا من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه، أساء، و لا قود عليه و لا دية، للأصل، و به قال أبو حنيفة و أحمد(5) ، و هو قياس قول مالك(6).

و قال الشافعي: يجب ضمانه، لأنه كافر أصلي محقون الدم، لحرمته، فوجب ضمانه، كالذمّي(7).

و الفرق أنّ الذمّي التزم قبول الجزية فحرم قتله، أمّا هنا فلم يعلم3.

ص: 45


1- صحيح البخاري 57:4-58، و 171:5، سنن سعيد بن منصور 2: 178-2472، المغني 381:10.
2- سنن الترمذي 119:4-1548، سنن سعيد بن منصور 177:2-2470، المغني 381:10.
3- المغازي - للواقدي - 471:2، الكامل في التاريخ 181:2، تاريخ الطبري 2: 239.
4- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
5- المبسوط - للسرخسي - 30:10، المغني 381:10، الحاوي الكبير 14: 214 و فيه قول أبي حنيفة.
6- انظر: المنتقي - للباجي - 168:3.
7- مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 214:14، المبسوط - للسرخسي - 10: 30، المنتقي - للباجي - 168:3.

ذلك منه، فلا يجب له الضمان، لأنّه كافر لا عهد له، كالحربي.

مسألة 18: أصناف الكفّار ثلاثة:
أهل الكتاب،

و هم اليهود و النصاري لهم التوراة و الإنجيل، فهؤلاء يطلب منهم إمّا الإسلام أو الجزية، فإن لم يسلموا و بذلوا الجزية، حرم قتالهم إجماعا، لقوله تعالي قاتِلُوا - إلي قوله - حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (1).

و من له شبهة كتاب،

و هم المجوس كان لهم نبي قتلوه و كتاب حرقوه، و حكمهم حكم أهل الذمّة إجماعا إن أسلموا، و إلاّ طلب منهم الجزية، فإن بذلوها، كفّ عنهم و أقرّوا علي دينهم، و إلاّ قتلوا. قال عليه السلام:

«سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(2).

و من لا كتاب له و لا شبهة،

كعبّاد الأوثان و غيرهم ممّن عدا أهل الكتاب و المجوس، فإنّه لا يقبل منهم إلاّ الإسلام خاصّة، و لو بذلوا الجزية، لم تقبل منهم، عند علمائنا كافّة - و به قال الشافعي(3) و أحمد في إحدي الروايتين(4) - لقوله تعالي قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (5).

و قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلاّ اللّه»(6)

ص: 46


1- التوبة: 29.
2- الموطأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، المصنّف - لابن أبي شيبة - 224:3، و 243:12، المصنّف - لعبد الرزاق - 69:6-10025.
3- العزيز شرح الوجيز 507:11، حلية العلماء 695:7، الحاوي الكبير 14: 284، روضة الطالبين 494:7، المغني 381:10-382، الشرح الكبير 10: 579.
4- المغني 381:10-382، الشرح الكبير 579:10.
5- التوبة: 36.
6- صحيح مسلم 52:1-21 و 53-35، سنن ابن ماجة 1295:2-3927 و 3928، سنن النسائي 14:5، سنن أبي داود 44:3-2640، سنن البيهقي 49:9 و 182.

خرج منه القسمان الأوّلان، فيبقي الباقي علي أصله.

و لأنّ قوله عليه السلام في [1] المجوس: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1) يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية، إذ لو شاركهم غيرهم لم تختصّ الإضافة بهم.

و لأنّ كفر من عدا الثلاثة أشدّ، لإنكارهم الصانع تعالي و جميع الرسل و لم تكن لهم شبهة كتاب، فلا يساوون من له كتاب و اعتراف باللّه تعالي، كالمرتدّ.

و قال أبو حنيفة: يقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزية، و لا تقبل من العرب إلاّ الإسلام - و هو رواية عن أحمد(2) - لأنّهم يقرّون علي دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية، كأهل الكتاب و المجوس(3).

و قال مالك: الجزية تقبل من جميع الكفّار إلاّ كفّار قريش، لأنّ النبي عليه السلام كان يوصي من يبعث من الأمراء بالدعاء إلي ثلاث خصال من جملتها الجزية(4) ، و هو عامّ في جميع الكفّار(5).0.

ص: 47


1- الموطّأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، المصنّف - لابن أبي شيبة - 3: 224، و 243:12، المصنّف - لعبد الرزّاق - 69:6-10025.
2- المغني 382:10، الشرح الكبير 579:10.
3- المبسوط - للسرخسي - 7:10، حلية العلماء 695:7، العزيز شرح الوجيز 507:11، الحاوي الكبير 284:14، المغني 382:10، الشرح الكبير 10: 579.
4- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن البيهقي 9: 49، المغني 380:10.
5- العزيز شرح الوجيز 507:11، حلية العلماء 695:7، الحاوي الكبير 14: 284، المغني 382:10، الشرح الكبير 579:10.

و نمنع إقرارهم علي دينهم بالاسترقاق، و الأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.

إذا عرفت هذا، فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية، عرض الأمير عليهم الإسلام، فإن أسلموا، حقنوا دماءهم و أموالهم، و إن أبوا، قاتلهم و سبي ذراريهم و نساءهم و غنم أموالهم و قسّمها، علي ما يأتي، و إن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية، دعاهم إلي الإسلام، فإن أجابوا، كفّ عنهم، و إن أبوا، دعاهم إلي إعطاء الجزية، فإن بذلوها، قبل منهم الجزية، و إن امتنعوا، قاتلهم و سبي ذراريهم و نساءهم و غنم أموالهم و قسّمها علي المستحقّين.

البحث الثاني: في الجند.
مسألة 19: إذا عيّن الإمام شخصا للجهاد معه،

وجب عليه طاعته، و حرم عليه التخلّف عنه، سواء وجب عليه أوّلا الدعاء أو لا، و لو لم يعيّن، لم يجب عليه الاّ علي الكفاية، إلاّ أن يدهم المسلمين عدوّ يخشي منه علي النفس و المال و يخاف علي بيضة الإسلام، فيجب علي كلّ متمكّن الجهاد، سواء أذن له الإمام أو لا، و سواء كان مقلاّ أو مكثرا، و لا يجوز لأحد التخلّف إلاّ مع الحاجة إلي تخلّفه، كحفظ المكان و الأهل و المال أو منع الإمام له من الخروج.

فإن أمكن استخراج إذن الإمام في جهاد فرض العين، وجب، لأنّه أعرف، و أمر الحرب موكول إليه، لعلمه بكثرة العدوّ و قلّته، و لو لم يمكن استئذانه، لغيبته و مفاجاة العدوّ، وجب الخروج بغير إذن.

و إذا نادي الإمام بالنفير و الصلاة، فإن كان العدو بعيدا، صلوا ثمّ!

ص: 48

خرجوا، و إن كان قريبا يخشي من التأخّر بالصلاة، خرجوا و صلّوا علي ظهور دوابّهم، و لو كانوا في الصلاة، أتمّوها، و كذا يتمّون خطبة الجمعة.

و إذا نادي بالصلاة جامعه لحدوث أمر يحتاج إلي المشورة، لم يتخلّف أحد إلاّ لعذر. و لا ينبغي أن تنفر الخيل إلاّ عن حقيقة الأمر.

مسألة 20: إذا بعث الإمام سريّة، استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميرا ثقة جلدا،

و يأمرهم بطاعته و يوصيه بهم، و أن يأخذ البيعة علي الجند حتي لا يفرّوا، و أن يبعث الطلائع و يتجسّس أخبار الكفّار، و يكون الأمير له شفقة و نظر علي المسلمين.

و لو كان القائد معروفا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي، لم ينفروا معه، و لو كان شجاعا ذا رأي، جاز النفور معه، لقوله عليه السلام: «إنّ اللّه ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر»(1) هذا كلّه مع الحاجة إلي النفير من غير إذن الإمام العادل، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.

و إذا احتاج إلي إخراج النساء لمداراة المرضي و شبهها، استحبّ له أن يخرج العجائز، و يكره إخراج الشوابّ منهنّ حذرا من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة، فإن احتاج إلي إخراجهنّ، جاز، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خرج بعائشة في غزوات(2).

مسألة 21: تجوز الاستعانة بأهل الذمّة و بالمشرك المأمون غائلته

إذا

ص: 49


1- صحيح البخاري 88:4 و 169:5 و 155:8، صحيح مسلم 105:1 - 106-111، سنن الدارمي 241:2، مسند أحمد 596:2-8029، المغني و الشرح الكبير 366:10.
2- المغازي - للواقدي - 249:1 و 407 و 791:2، صحيح البخاري 40:4.

كان في المسلمين قلّة، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله استعان بصفوان بن أميّة علي حرب هوازن قبل إسلامه(1) ، و استعان بيهود بني قينقاع و رضخ لهم(2).

و لو لم يكن مأمونا أو كان بالمسلمين كثرة، لم يستعن بهم.

قال اللّه تعالي وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (3).

و قال عليه السلام: «إنّا لا نستعين بالمشركين علي المشركين»(4) و أراد عليه السلام مع فقد أحد الشرطين.

و لأنّهم مغضوب عليهم، فلا تحصل النصرة بهم، و مع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. و هذا كلّه مذهب الشافعي(5).

و له قول آخر: جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم و انضمّوا إلي الكفّار، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعا(6).

و منع ابن المنذر من الاستعانة بالمشركين مطلقا(7). و عن أحمد روايتان(8).

و يجوز أن يستعين بالعبيد مع إذن السادة، و بالمراهقين، و الذمّيّ إذا0.

ص: 50


1- المغازي - للواقدي - 854:2-855 سنن البيهقي 37:9، العزيز شرح الوجيز 11: 381.
2- سنن البيهقي 37:9، العزيز شرح الوجيز 380:11-381.
3- الكهف: 51.
4- سنن البيهقي 37:9.
5- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 380:11-381، المهذّب - للشيرازي - 231:2، روضة الطالبين 441:7، الحاوي الكبير 131:14 و 132، المغني 447:10.
6- روضة الطالبين 441:7، العزيز شرح الوجيز 381:11.
7- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.
8- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.

حضر بإذن، رضخ له، و بغير إذن لا يرضخ.

و للشافعي في استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان، و لو نهي لم يستحق(1).

مسألة 22: لا يجوز للإمام و لا للأمير من قبله أن يخرج معه من يخذّل الناس

و يثبّطهم [1] عن الغزو و يدهدههم [2] في الخروج، كمن يقول:

الحرّ شديد أو البرد، و المشقّة عظيمة، و المسافة بعيدة، و الكفّار كثيرون و المسلمون أقلّ و لا يؤمن هزيمتهم. و لا المرجف، و هو الذي يقول:

هلكت سريّة المسلمين و لا طاقة لكم بهم و لهم قوّة و شوكة و مدد و صبر، و لا يثبت لهم مقاتل. و نحوه، و لا من يعين علي المسلمين بالتجسّس للكفّار و مكاتبتهم بأخبار المسلمين، و اطّلاعهم علي عوراتهم و إيواء جاسوسهم، و لا من يوقع العداوة بين المسلمين و يمشي بينهم بالنميمة و يسعي بالفساد، لقوله تعالي لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ (2).

فإن خرج واحد منهم، لم يسهم له و لا يرضخ، و لو قتل كافرا، لم يستحق سلبه و إن أظهر إعانة المسلمين، لأنّه نفاق.

و لو كان الأمير أحد هؤلاء، لم يخرج الناس معه، لأنّ التابع يمنع منه فالمتبوع أولي [3]، لأنّه أكثر ضررا.

ص: 51


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 384:11، روضة الطالبين 441:7.
2- التوبة: 47.
مسألة 23: إذا خرج الإمام بالنفير، عقد الرايات،

فجعل كلّ فريق تحت راية، و جعل لكلّ من تابعه شعارا يتميّز به عندهم حتي لا يقتل بعضهم بعضا بيانا، و يدخل دار الحرب بجماعته، لأنّه أحوط و أهيب، و أن ينتظر الضعفاء فيسير علي مسيرهم إلاّ مع الحاجة إلي قوّة السير، و يدعو عند التقاء الصفّين، و يكبّر من غير إسراف من رفع الصوت، و أن يحرّض الناس علي القتال و علي الصبر و الثبات.

و لو تجدّد عذر أحد معه، فإن كان لمرض في نفسه، كان له الانصراف و إن كان بعد التقاء الصفين، لعدم تمكّنه من القتال، و إن كان لغير مرض، كرجوع صاحب الدّين أو أحد الأبوين، فإن كان بعد التقاء الصفّين، لم يجز الانصراف، و إن كان قبله، جاز.

و لا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه، لقوله تعالي:

وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1) إلاّ أن يسبّ النبي صلّي اللّه عليه و آله، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلمّا قال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لم قتلته ؟» قال: سمعته يسبّك. فسكت عنه(2).

و لا يميل الأمير مع موافقة في المذهب و النسب علي مخالفه فيهما، لئلاّ يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه عند الحاجة.

و ينبغي أن يستشير بأصحاب الرأي من أصحابه، للاية(3).

و يتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة و موارد المياه و مواضع العشب.

ص: 52


1- لقمان: 15.
2- الحاوي الكبير 127:14، العزيز شرح الوجيز 389:11-390.
3- آل عمران: 159.

و يحمل من نفقت [1] دابّته إذا كان فضل معه أو مع أتباعه.

و لو خاف رجل تلف آخر لموت دابّته، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيي به صاحبه، كما يجب بذل فاضل الطعام للمضطرّ، و تخليصه من عدوّه.

و يجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين، لما فيه من الإرفاق.

مسألة 24: قد بيّنا أنّه لا يخرج المخذّل و شبهه،

فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج، لم يستحق اجرة و لا رضخا، لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه [2]، و للإمام أن يعزّره إذا رآه.

و لو لم يأمره و لا نهاه، لم يستحق رضخا عندنا - و هو أصحّ وجهي الشافعية(1) - لأنّه ليس من أهل الذبّ عن الدين، بل هو متّهم بالخيانة.

و الثاني: أنّه يستحقّ، لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار و أهل نصرتها(2).

و ليس بشيء، لأنّ المخذّل أقوي منه في دفع التهمة عنه.

و ليس له إخراج نساء أهل الذمّة و لا ذراريهم، لأنّه لا قتال فيهم و لا رأي و لا يتبرّك [3] بدعائهم.

و للشافعي قولان(3).

فعلي الجواز هل له أن يرضخ لهنّ؟ وجهان، أحدهما: المنع(4).

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 384:11 و 385، روضة الطالبين 442:7.
2- العزيز شرح الوجيز 384:11 و 385، روضة الطالبين 442:7.
3- العزيز شرح الوجيز 384:11، روضة الطالبين 441:7.
4- العزيز شرح الوجيز 353:7 و 384:11، روضة الطالبين 330:5.

و أخرج [1] النبي صلّي اللّه عليه و آله معه عبد اللّه بن أبيّ(1) مع ظهور التخذيل منه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يطّلع بالوحي علي أفعاله فلا يتضرّر بكيده.

و لو قهر الإمام جماعة من المسلمين علي الخروج و الجهاد معه، لم يستحقّوا اجرة، قاله بعض الشافعيّة(2).

و الوجه: أنّه إن كان الجهاد تعيّن عليهم [2]، فلا اجرة لهم [3]، و إلاّ فلهم الأجرة من حين إخراجهم إلي أن يحضروا الوقعة، و الأقرب: إلي فراغ القتال.

و للإمام استئجار عبيد المسلمين بإذن ساداتهم، كالأحرار.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما [4]. و الثاني: أن يقال: إن جوّزنا استئجار الأحرار، جاز استئجار العبيد، و إلاّ فوجهان مخرّجان مبنيّان علي أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد علي العبيد؟ إن قلنا: نعم، فهم من أهل فرض الجهاد، فإذا وقفوا في الصفّ، وقع عنهم، و إلاّ جاز استئجارهم(3).3.

ص: 54


1- انظر: سنن البيهقي 31:9.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 386:11، روضة الطالبين 442:7.
3- العزيز شرح الوجيز 386:11، روضة الطالبين 442:7-443.

و لو أخرج العبيد قهرا، فإن كان مع الحاجة، فلا اجرة، و إلاّ لزمته الأجرة من يوم الإخراج إلي العود إلي ساداتهم.

و للإمام أن يستعمل الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا علي وجه الإجارة أو الجعالة.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّه جعالة، لجهالة أعمال القتال.

و أصحّهما عندهم: الإجارة، و لا يضرّ جهالة الأعمال، فإن المقصود القتال علي ما يتّفق و المقاصد هي المرغّبة [1](1).

إذا عرفت هذا. فلا حجر في قدر الأجرة، بل يجوز بما يتراضيان عليه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كغيرها من الإجارات.

و الثاني: أنّه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد، فلا يعطي سهم راجل، كالمرأة.

و علي هذا الوجه يحكم بفسخ العقد و الردّ إلي أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة، و إلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة و سهم الراجل(3).

و الأقرب: أنّ لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.

و أصحّ وجهي الشافعيّة: المنع، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصا و الذمي مخالف في الدين و قد يخون إذا حضر، فليفوّض أمره إلي الإمام(4).7.

ص: 55


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
2- العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
3- العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
4- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
مسألة 25: لو أخرج الإمام أهل الذمّة، فالأولي أن يعيّن لهم أجرة،

فإن ذكر شيئا مجهولا، مثل: نرضيكم و نعطيكم ما تستعينون [1] به، وجب اجرة المثل.

و إن أخرجهم قهرا، وجب اجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. و لو خرجوا باختيارهم و لم يسمّ لهم شيئا، فهو موضع الرضخ، و سيأتي بيان محلّه.

و أما الأجرة الواجبة سواء كانت مسمّاة أو اجرة المثل: فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة، إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة، فيخرج منها ما يدفع إليهم، كسائر المؤن، و هو أحد وجوه الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه من خمس الخمس سهم المصالح، لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد(2).

و الثالث: أنّها تؤدّي من أربعة أخماس الغنيمة، لأنها تؤدّي بالقتال، كسهام الغانمين(3).

و لو أخرجهم الإمام قهرا ثمّ خلّي سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف، أو فرّوا و لم يقفوا، فلا اجرة لهم عن الذهاب و إن تعطّلت منافعهم في الرجوع، لأنّه لا حبس هناك و لا استئجار.

ص: 56


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 247، حلية العلماء 681:7-682.
2- العزيز شرح الوجيز 387:11، المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 681:7 - 682، روضة الطالبين 443:7.
3- العزيز شرح الوجيز 388:11، المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 681:7 - 682، روضة الطالبين 443:7.

و لو وقف المقهورون علي الخروج و لم يقاتلوا، فالأقرب أنّ لهم اجرة الوقوف و الحضور، لأنّه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة، و كذا في استحقاق اجرة الجهاد، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و أظهرهما عندهم: المنع، لأنّ الأجرة في مقابلة العمل، و الفائدة المقصودة لم تحصل(2).

و يحتمل أن يقال: إن استؤجروا للقتال، فلا اجرة، و إلاّ فلهم.

البحث الثالث: في كيفيّة القتال.
مسألة 26: الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلي المساعدة

و الاعتضاد و الاستعداد و الفكر في الحيل و غيرها، فيجب أن يكون أمره موكولا إلي نظر الإمام و اجتهاده، و يجب علي الرعايا طاعته و الانقياد لقوله فيما يراه، فيبدأ بترتيب قوم علي أطراف البلاد رجالا كفايا ليقوموا بإزاء من يليهم من المشركين، و بعمل الحصون و الخنادق و جميع ما فيه حراسة المسلمين، و يجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر الحروب و تدبير الجهاد، و يكون ثقة مأمونا علي المسلمين ذا رأي و تدبير في الحرب، و له شجاعة و قوّة و عقل و مكايدة.

و لو احتاجوا إلي مدد، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم و التردّد إليهم كلّ وقت، ليأمنوا فساد الكفّار و يستغنوا عن طلب الجيوش.

فإن رأي الإمام بالمسلمين قلّة يحتاج معها إلي المهادنة، هادنهم،

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 388:11، روضة الطالبين 443:7.
2- العزيز شرح الوجيز 388:11، روضة الطالبين 443:7.

و إلاّ جاهدهم مع القدرة في كلّ سنة مرّة، و إن كان أكثر منه، كان أفضل.

و يبدأ بقتال الأقرب إلاّ أن يكون الأبعد أشدّ خطرا فيبدأ به.

مسألة 27: إذا التقي الصفّان، وجب الثبات و حرم الهرب.
اشارة

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1) و قال تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (2).

و عدّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الفرار من الزحف من الكبائر(3).

و يجوز الهرب في أحوال ثلاثة:
الاولي: أن يزيد عدد الكفّار علي ضعف عدد المسلمين،

لقوله تعالي اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (4).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: من فرّ من اثنين فقد فرّ، و من فر من ثلاثة فما فرّ(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ، و من فرّ من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ»(6).

ص: 58


1- الأنفال: 15.
2- الأنفال: 45.
3- المعجم الكبير - للطبراني - 103:6-5636.
4- الأنفال: 66.
5- سنن البيهقي 76:9، الحاوي الكبير 182:14، المغني 543:10، العزيز شرح الوجيز 405:11.
6- الكافي 34:5-1، التهذيب 174:6-342.

و لو لم يزد عدد المشركين علي الضعف لكن غلب علي ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا، قيل: يجب الثبات، لقوله تعالي إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1)(2).

و قيل: يجوز، لقوله تعالي وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (3)(4).

و لو غلب علي ظنّه الأسر، فالأولي أن يقاتل حتي يقتل، و لا يسلّم نفسه للأسر، لئلاّ يعذّبه الكفّار بالاستخدام.

و لو زاد المشركون علي ضعف المسلمين، لم يجب الثبات إجماعا.

و لو غلب علي ظنّ المسلمين الظفر بهم، استحب الثبات و لا يجب، لأنهم لا يأمنون التلف.

و لو غلب علي ظنّ المسلمين العطب، قيل: يجب الانصراف، لقوله تعالي وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (5)(6).

و قيل: لا يجب، تحصيلا للشهادة(7).

و قيل: إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم، لزم).

ص: 59


1- الأنفال: 15.
2- العزيز شرح الوجيز 405:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، روضة الطالبين 449:7.
3- البقرة: 195.
4- العزيز شرح الوجيز 405:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، روضة الطالبين 449:7.
5- البقرة: 195.
6- نفس المصادر في الهامش (4).
7- نفس المصادر في الهامش (4).

الفرار، و إن كان في الثبات نكاية فيهم، فوجهان(1).

و لو قصده رجل و ظنّ أنّه إن ثبت قتله، وجب الهرب. و لو ظنّ الهلاك مع الثبات و الانصراف، فالأولي الثبات، تحصيلا لثواب الصبر، و لجواز الظفر، لقوله تعالي كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (2).

و لو انفرد اثنان بواحد من المسلمين، قيل: يجب الثبات(3).

و قيل: لا يجب، لأنّ وجوب الثبات مع تعدد المسلمين، فيقوي قلب كلّ واحد منهم بصاحبه(4).

و قيل: إن طلباه، كان له الفرار، لأنّه غير متأهّب للقتال، و إن طلبهما و لم يطلباه، لم يجز، لأنّ طلبهما و الحمل عليهما شروع في الجهاد فلا يجوز الإعراض(5).

و في جواز فرار مائة بطل من المسلمين من مائتي بطل و واحد من ضعفاء الكفّار إشكال ينشأ: من مراعاة العدد، و من المقاومة لو ثبتوا، و العدد مراعي مع تقارب الأوصاف.

و للشافعيّة وجهان(6).

و كذا الإشكال في عكسه، و هو: فرار مائة من ضعفاء المسلمين من7.

ص: 60


1- العزيز شرح الوجيز 405:11، روضة الطالبين 449:7.
2- البقرة: 249.
3- كما في شرائع الإسلام 311:1، و انظر: العزيز شرح الوجيز 405:11-406.
4- قال به أيضا المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 311:1، و انظر أيضا: العزيز شرح الوجيز 405:11-406.
5- العزيز شرح الوجيز 405:11-406، روضة الطالبين 449:7.
6- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 405:11، روضة الطالبين 449:7.

مائة و تسعة و تسعين من أبطال الكفّار، فإن راعينا صورة العدد، لم يجز، و إلاّ جاز.

و يجوز للنساء الفرار، لأنّهنّ لسن من أهل فرض الجهاد، و كذا الصبي و المجنون. و يأثم السكران.

و لو قصد الكفّار بلدا فتحصّن أهله إلي تحصيل نجدة و قوّة، لم يأثموا، إنّما الإثم علي من ولّي بعد اللقاء.

الحالة الثانية: أن يترك لا بنيّة الهرب، بل يتحرّف للقتال.

قال اللّه تعالي إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلي فِئَةٍ (1).

و المتحرّف للقتال هو الذي ينصرف ليكمن في موضع ثمّ يهجم، أو يكون في مضيق فيتحرّف حتي يتبعه العدوّ إلي موضع واسع ليسهل القتال فيه، أو يري الصواب في التحوّل من الواسع إلي الضيق، أو لينحرف عن مقابلة الشمس أو الريح، أو يرتفع عن هابط، أو يمضي إلي موارد المياه من المواضع المعطشة، أو ليستند إلي جبل، أو شبهه.

الحالة الثالثة: أن يتحيّز إلي فئة،

و هو الذي ينصرف علي قصد أن يذهب إلي طائفة ليستنجد بها في القتال.

و لا فرق بين أن تكون الطائفة قليلة أو كثيرة، للعموم، و لا بين أن تكون المسافة قصيرة أو طويلة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يجب أن تكون المسافة قصيرة ليتصور الاستنجاد بها في هذا القتال و إتمامه(2).

و هل يجب عليه تحقيق [1] ما عزم عليه بالقتال مع الفئة التي تحيّز

ص: 61


1- الأنفال: 16.
2- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 403:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 233، روضة الطالبين 448:7.

إليها؟ للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: لا، لأنّ العزم عليه رخّص له [في] [1] الانصراف، فلا حجر عليه بعد ذلك، و الجهاد لا يجب قضاؤه، و لا فرق بين أن يخاف عجز المسلمين أو لا.

و الثاني: نعم، لدلالة الآية علي العزم علي القتال، و الرخصة منوطة بالعزم، و لا يمكن مخادعة اللّه تعالي في العزم(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يجوز التحيّز إلي فئة إذا استشعر المتحرّف عجزا محوجا إلي الاستنجاد لضعف جند الإسلام، فإن لم يكن كذلك، فلا(2). و العموم يخالفه.

و قال بعضهم: لا يجوز الانصراف من صفّ القتال إن كان فيه انكسار المسلمين، فإن لم يكن، جاز التحيّز للمتحرّف للقتال و المتحيز إلي فئة(3).

إذا عرفت هذا، فالاستثناء إنّما هو حالة القدرة و التمكّن من القتال، فينحصر الاستثناء فيهما، أمّا العاجز بمرض أو عدم سلاح فله أن ينصرف بكلّ حال.

و لو أمكنه الرمي بالحجارة، احتمل وجوب الثبات.

و للشافعيّة وجهان(4).

و المتحيّز إلي فئة بعيدة لا يشارك الغانمين في غنيمة فارق قبل7.

ص: 62


1- العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 448:7.
2- العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 448:7.
3- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 447:7 - 448.
4- العزيز شرح الوجيز 404:11، روضة الطالبين 448:7.

اغتنامها، و لو فارق بعد غنيمة البعض، شارك فيه دون الباقي.

أمّا لو تحيّز إلي فئة قريبة، فإنّه يشارك الغانمين في المغنوم بعد مفارقته - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - لأنّه لا يفوّت نصرته و الاستنجاد به، فهو كالسريّة يشارك جند الإمام فيما يغنمون، و إنّما يسقط الانهزام الحقّ إذا اتّفق قبل القسمة، أمّا إذا غنموا شيئا و اقتسموه ثمّ انهزم بعضهم، لم يسترد منه ما أخذ.

مسألة 28: ينبغي للإمام أن يوصي الأمير المنفذ مع الجيش بتقوي اللّه تعالي و الرفق بالمسلمين.

قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثمّ يقول: سيروا بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و علي ملّة رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لا تغلّوا و لا تمثلوا و لا تغدروا و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة، و لا تقطعوا شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها، و أيّما رجل من أدني المسلمين و أفضلهم نظر إلي رجل من المشركين فهو جار حتي يسمع كلام اللّه، فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، و إن أبي فأبلغوه مأمنه، ثمّ استعينوا باللّه عليه»(2).

و ينبغي أن يوصيه بأن لا يحملهم علي مهلكة و لا يكلّفهم نقب حصن يخاف من سقوطه عليهم و لا دخول مطمورة يخشي من موتهم تحتها، فإن فعل شيئا من ذلك، فقد أساء، و ليستغفر اللّه تعالي.

و لا يجب عليه عقل و لا دية و لا كفّارة إذا أصيب واحد منهم بطاعته، لأنّه فعله باختياره و معرفته، فلا يكون ضامنا.

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 404:11، روضة الطالبين 449:7.
2- الكافي 27:5-28-1، التهذيب 138:6-231.
مسألة 29: لا يجوز قتل صبيان الكفّار و نسائهم إذا لم يقاتلوا،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن قتل النساء و الصبيان(1).

و المجنون كالصبي، و الخنثي المشكل كالمرأة. فإن قاتلوا، جاز قتلهم مع الضرورة لا بدونها.

و لو أسر منهم مراهق و جهل بلوغه، كشف عن مؤتزره، فإن لم ينبت، فحكمه حكم الصبيان، و إن أنبت، حكم ببلوغه، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة(3).

و هل هو بلوغ أو دليل ؟ الأقرب: الثاني. و للشافعي وجهان(4).

و لو قال الأسير: استعجلت الشعر بالدواء، بني علي القولين، فإن قلنا: إنّه عين البلوغ، فلا عبرة بما يقوله، و هو بالغ، و إن قلنا: إنّه دليل - و هو الأظهر - صدّق بيمينه و يحكم بالصّغر.

و في اليمين إشكال، لأنّ تحليف من يدّعي الصّغر بعيد.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ اليمين استظهار و احتياط لا أنّها واجبة(5).

و قال الباقون: لا بدّ من اليمين، لأنّ الدليل الظاهر قائم، فلا يترك بمجرّد قول المأسور(6).

و الاعتماد من شعر العانة علي الخشن دون الضعيف الذي لا يحوج

ص: 64


1- صحيح البخاري 74:4، صحيح مسلم 1364:3-25، سنن البيهقي 77:9، الموطأ 447:2-9.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 390:11، روضة الطالبين 444:7.
3- المبسوط - للسرخسي - 27:10، العزيز شرح الوجيز 390:11.
4- العزيز شرح الوجيز 390:11، روضة الطالبين 444:7.
5- العزيز شرح الوجيز 391:11، روضة الطالبين 444:7.
6- العزيز شرح الوجيز 391:11، روضة الطالبين 444:7.

إلي الحلق.

و يحتمل عندي أنّ شعر الإبط الخشن و الوجه يلحقان بشعر العانة.

و نبات الشارب كاللحية، و لا أثر لاخضرار الشارب.

مسألة 30: الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي و قتال،

جاز قتله إجماعا. و كذا إن كان فيه قتال و لا رأي له، أو كان له رأي و لا قتال فيه، لأن دريد [بن] [1] الصمّة قتل يوم حنين [2]، و كان له مائة و خمسون سنة، و كان له معرفة بالحرب، و كان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرّفهم كيفيّة القتال، فقتله المسلمون، و لم ينكر عليهم النبي صلّي اللّه عليه و آله(1).

و إن لم يكن له رأي و لا قتال، لم يجز قتله عندنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و الليث و الأوزاعي و أبو ثور(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: «لا تقتلوا شيخا فانيا»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «.. و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة»(4).

و لأنّه لا ضرر فيه من حيث المخاصمة و من حيث المشورة، فأشبه

ص: 65


1- المغازي - للواقدي - 886:3-889 و 914-915، صحيح البخاري 197:5، صحيح مسلم 1943:4-2498، الامّ 240:4 و 284، مختصر المزني: 272، شرح معاني الآثار 224:3، العزيز شرح الوجيز 292:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، المغني 534:10، الشرح الكبير 394:10.
2- بدائع الصنائع 101:7، بداية المجتهد 384:1، المنتقي - للباجي - 169:3، المغني 532:10، الشرح الكبير 392:10، معالم السنن - للخطّابي - 13:4.
3- سنن أبي داود 37:3-38-2614، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 383-14064، المغني 533:10، الشرح الكبير 392:10.
4- الكافي 27:5-1، التهذيب 138:6-231.

المرأة و قد أشار النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي هذه العلّة فقال: «ما بالها قتلت و هي لا تقاتل»(1).

و قال أحمد: يقتل. و به قال المزني - و للشافعي قولان(2) - لعموم قوله تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (3)(4).

و هو مخصوص بالصبي و المرأة إجماعا فكذا بالفاني.

مسألة 31: الرهبان و أصحاب الصوامع يقتلون إن كان لهم قوّة أو رأي أو كانوا شبّانا.

و للشافعي قولان - و في معناهم العميان و الزمني و مقطوعي الأيدي و الأرجل - أحدهما: الجواز، كما قلناه - و به قال أحمد و المزني و أبو إسحاق(5) - للعموم(6).

و الثاني: أنّه لا يجوز قتلهم - و به قال أبو حنيفة و مالك(7) - لما روي أنّه عليه السلام قال: «لا تقتلوا النساء و لا أصحاب الصوامع»(8)(9).

ص: 66


1- أورده ابنا قدامة في المغني 533:10 و 535، و الشرح الكبير 392:10.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 391:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 234-235، روضة الطالبين 444:7، حلية العلماء 650:7، الحاوي الكبير 193:14، المغني 533:10، الشرح الكبير 392:10.
3- التوبة: 5.
4- العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14.
5- العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14، مختصر المزني: 272.
6- التوبة: 5.
7- بدائع الصنائع 101:7، المدوّنة الكبري 6:2، العزيز شرح الوجيز 11: 391، الحاوي الكبير 193:14.
8- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 391:11.
9- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

و لا فرق بين أن يحضر ذو الرأي من الشيوخ و الرهبان في صفّ القتال أو لا يحضر في جواز قتله، و لا بين أن نجده في بلاده و غازيا في جواز قتله.

و للشافعي قولان في أرباب الحرف و الصناعات، أقواهما: جواز قتلهم، لأنّ أكثر الناس أصحاب حرف و صناعات(1).

و أمّا الزمني و العميان و المعرضون عن القتال كالرهبان: فالأقوي عنده ترك قتله(2).

و في السوقة للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ فيهم قولين، لأنّهم لا يمارسون القتال، و لا يتعاطون الأسلحة.

و الثاني: أنّهم يقتلون، لقدرتهم علي القتال.

و فرّعوا علي القولين: فإن جوّزوا قتلهم، جوّزوا استرقاقهم و سبي نسائهم و ذراريهم و اغتنام أموالهم، و إن منعوه، ففي استرقاقهم طرق، أظهرها: أنّهم يرقون بنفس الأسر، كالنساء و الصبيان.

و الثاني: أن فيهم قولين كالأسير إذا أسلم قبل الاسترقاق، ففي قول:

لا يسترق [1]. و في آخر: يتخيّر الإمام بين الاسترقاق و المنّ و الفداء.

و الثالث: أنّه لا يجوز استرقاقهم بل يتركون و لا يتعرّض لهم(3).

و لو ترهّبت المرأة، ففي جواز سبيها عندهم وجهان بناء علي القولين7.

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 392:11.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 392:11.
3- العزيز شرح الوجيز 393:11، روضة الطالبين 444:7.

في جواز قتل الراهب(1).

و لا يقتل رسول الكافر.

روي العامّة عن ابن مسعود: أنّ رجلين أتيا النبي صلّي اللّه عليه و آله رسولين لمسيلمة، فقال لهما: «اشهدا أنّي رسول اللّه» فقالا: نشهد أنّ مسيلمة رسول اللّه، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقكما»(2).

و الفلاّح يقتل، عندنا، للعموم، لأنّه يطلب منه الإسلام، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأحمد(4).

مسألة 32: إذا نزل الإمام علي بلد،

جاز له محاصرته بمنع السابلة دخولا و خروجا و محاصرتهم في القلاع و الحصون و تشديد الأمر عليهم، لقوله تعالي وَ احْصُرُوهُمْ (5).

و حاصر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أهل الطائف شهرا(6) و لأنّهم ربما رغبوا في الإسلام و عرفوا محاسنه.

و كذا يجوز نصب المناجيق علي قلاعهم و رمي الأحجار و هدم الحيطان و إن كان فيهم النساء و الصبيان، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نصب علي أهل الطائف منجنيقا و كان فيهم نساء و صبيان. رواه العامّة(7).

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 394:11، روضة الطالبين 445:7.
2- مسند أحمد 645:1-3700، العزيز شرح الوجيز 394:11، بتفاوت في اللفظ.
3- المغني 535:10، الشرح الكبير 394:10.
4- المغني 535:10، الشرح الكبير 394:10.
5- التوبة: 5.
6- سنن البيهقي 84:9، المراسيل - لأبي داود -: 183-31، العزيز شرح الوجيز 396:11.
7- المغازي - للواقدي - 927:3، الكامل في التاريخ 266:2، سنن البيهقي 9: 84، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

و من طريق الخاصّة: رواية حفص بن غياث، قال: كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء أو يحرقون بالنيران أو يرمون بالمنجنيق حتي يقتلوا و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأساري من المسلمين و التجّار؟ فقال: «يفعل ذلك، و لا يمسك عنهم لهؤلاء، و لا دية عليهم و لا كفّارة»(1).

و لأنّه في محلّ الضرورة فكان سائغا.

و نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن قتل النساء و الصبيان(2) مصروف إلي قتلهم صبرا، لأنّه عليه السلام رماهم بالمنجنيق في الطائف(3).

و يجوز تخريب حصونهم و بيوتهم، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله خرّب حصون بني النضير و خيبر و هدم ديارهم(4).

مسألة 33: يجوز قتل المشركين كيف اتّفق،

كإلقاء النار إليهم و قذفهم بها و رميهم بالنفط مع الحاجة، عند أكثر العلماء(5) - خلافا لبعضهم - لأنّ أبا بكر أمر بتحريق أهل الردّة، و فعله خالد بن الوليد بأمره(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يفعل ذلك» لمّا سئل عن

ص: 69


1- التهذيب 142:6-242.
2- صحيح البخاري 74:4، صحيح مسلم 1364:3-25، سنن البيهقي 77:9، الموطأ 447:2-9.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 68، الهامش (7).
4- كما في المبسوط - للطوسي - 11:2.
5- المغني 494:10، الشرح الكبير 390:10، العزيز شرح الوجيز 396:11، روضة الطالبين 445:7.
6- المغني 493:10، الشرح الكبير 389:10.

إحراقهم بالنار(1).

و هل يجوز مع عدم الحاجة ؟ ظاهر كلام الشيخ(2) - رحمه اللّه - يقتضيه، لأنّه سبب في هلاكهم، كالقتل بالسيف.

و منع بعض(3) العامّة منه، لما رواه حمزة الأسلمي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمّره علي سريّة، قال: فخرجت فيها، فقال: «إن أخذتم فلانا فأحرقوه بالنار» فوليت، فناداني، فرجعت، فقال: «إن أخذتم فلانا فاقتلوه و لا تحرقوه، فإنّه لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار»(4).

و هو غير محلّ النزاع، لأنّه لا يجوز قتل الأسير بغير السيف.

و كذا يجوز تغريقهم بإرسال الماء إليهم [1] و فتح البثوق عليهم لكن يكره مع القدرة عليهم بغيره.

و هل يجوز إلقاء السمّ في بلادهم ؟ منع الشيخ منه(5) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يلقي السمّ في بلاد المشركين(6).

و الأقوي: الجواز: و يحمل النهي علي الكراهة.

و بالجملة، يجوز قتالهم بجميع أسباب القتل، كرمي الحيّات القواتل و العقارب و كلّ ما فيه ضرر.4.

ص: 70


1- التهذيب 142:6-142.
2- انظر: النهاية: 293.
3- المغني 493:10 و 494، الشرح الكبير 389:10 و 390.
4- سنن أبي داود 54:3-55-2673، سنن سعيد بن منصور 243:2-2643، المغني 494:10، الشرح الكبير 389:10.
5- النهاية: 293، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 243.
6- الكافي 28:5-2، التهذيب 143:6-244.
مسألة 34: يكره تبييت العدوّ غارّين ليلا،

و إنّما يلاقون بالنهار، و لو احتيج إليه فعل، لما روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله كان إذا طرق العدوّ ليلا لم يغر حتي يصبح(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «ما بيّت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عدوّا قطّ ليلا»(2).

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يكون القتال بعد الزوال، لأنّه ربما يحضر وقت صلاة الظهر فلا يمكنهم أداؤها، بخلاف العشاءين، لأنّهم يمتنعون عن القتال بدخول الليل.

قال الصادق عليه السلام: «كان علي عليه السلام لا يقاتل حتي تزول الشمس»(3).

و يكره قطع الشجر و النخل. و لو احتاج إليه، جاز في قول عامّة العلماء(4) - خلافا لأحمد(5) - لقوله تعالي ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلي أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ (6) قال ابن عباس: اللينة: النخلة غير الجعرور [1].

و ما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قطع الشجر بالطائف و نخلهم، و قطع

ص: 71


1- سنن البيهقي 79:9، مسند أحمد 66:4-12727.
2- التهذيب 174:6-343.
3- الكافي 28:5-5، التهذيب 173:6-341.
4- المغني 501:10-502، الشرح الكبير 388:10، بداية المجتهد 386:1، التفريع 357:1، النتف 710:2، معالم السنن - للخطّابي - 420:3، المهذّب - للشيرازي - 236:2، العزيز شرح الوجيز 422:11، روضة الطالبين 456:7.
5- انظر: المغني 501:10-502، و الشرح الكبير 388:10.
6- الحشر: 5.

النخل بخيبر، و قطع شجر بني المصطلق و أحرق(1).

و أمّا الكراهة: فلقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: لا تقطعوا شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها»(2).

و لو غلب علي الظنّ حصوله للمسلمين، كره قطعه. و للشافعي قولان(3).

و لو فتحها قهرا، لم يجز القطع و التخريب، لأنّها صارت غنيمة للمسلمين. و كذا لا يجوز لو فتحت صلحا علي أن يكون لنا أو لهم.

و لو غنمنا أموالهم و خفنا لحوقهم و استردادهم، جاز هلاكها.

و يجوز قتل دوابّهم حالة الحرب، لما فيه من التوصّل إلي قتلهم و هربهم، و لأنّه يجوز قتل الصبيان و النساء و أساري المسلمين لو تترّسوا بهم فالدوابّ أولي، أمّا في غير حال الحرب فلا ينبغي - و به قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و أبو ثور(4) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه نهي عن قتل شيء من الدوابّ صبرا(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في وصيّة النبي صلّي اللّه عليه و آله:

«و لا تعقروا البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله»(6).2.

ص: 72


1- انظر: سنن البيهقي 84:9 و العزيز شرح الوجيز 422:11 و فيهما بعض المقصود.
2- الكافي 30:5-9، التهذيب 138:6-231.
3- المهذّب - للشيرازي - 236:2، العزيز شرح الوجيز 422:11، روضة الطالبين 456:7، حلية العلماء 651:7.
4- المغني 498:10، الشرح الكبير 385:10، العزيز شرح الوجيز 423:11.
5- صحيح مسلم 1549:3-1956، و 1550-1959، سنن البيهقي 86:9، المعجم الكبير - للطبراني - 46:12-12430، المغني 499:10، الشرح الكبير 385:10، العزيز شرح الوجيز 423:11.
6- الكافي 29:5-8، التهذيب 138:6-232.

و لأنّه حيوان ذو حرمة، فلا يجوز قتله لمغايظة الكفّار، كالنساء و الصبيان.

و يجوز عقر [1] الدوابّ للأكل مع الحاجة إن كان لا يتّخذ إلاّ للأكل، كالدجاج و الحمام إجماعا. و لو كان يحتاج إليه للقتال كالخيل، فكذا مع الحاجة، خلافا لبعض العامّة(1).

و لو أذن الإمام في ذبحها، جاز إجماعا.

و لو عجز المسلمون عن سوقه و أخذه، جاز ذبحه للانتفاع به مع الحاجة و عدمها.

و لو غنم المسلمون خيل الكفّار ثمّ لحقوا بهم و خافوا استرجاعها، لم يجز قتلها و لا عقرها، لما تقدّم، أمّا لو خافوا حصول قوّة لهم علينا، جاز عقرها.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجوز إتلاف الخيول بكلّ حال مغايظة للكفّار(2).

مسألة 35: لو تترّس الكفّار بنسائهم و صبيانهم،
اشارة

فإن دعت الضرورة إلي الرمي بأن كانت الحرب ملتحمة و خيف لو تركوا لغلبوا، جاز قتالهم، و لا يقصد قتل الترس و لا يكفّ عنهم لأجل التّرس.

و لقول الصادق عليه السلام: «و لا يمسك عنهم لهؤلاء» لمّا سئل عن قتلهم و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأساري من المسلمين(3).

ص: 73


1- المغني 499:10، الشرح الكبير 386:10.
2- العزيز شرح الوجيز 423:11، المغني 498:10، الشرح الكبير 385:10.
3- التهذيب 142:6-242.

و لأنّ ترك التّرس يؤدّي إلي تعطيل الجهاد، و لئلاّ يتّخذوا ذلك ذريعة إليه.

و إن لم تكن الضرورة داعية إلي قتلهم بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم و لم تكن الحرب ملتحمة و كان المشركون في حصن متحصّنين أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال، فالأقرب: كراهية قتلهم، للنهي عن قتل النساء و الصبيان، و نحن في غنية عن قتلهم، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: المنع، للنهي(2).

و ليس بجيّد، لأنّه يجوز نصب المنجنيق علي القلعة و إن كان يصيبهم.

و لو تترّسوا بهم و هم في القلعة، فكذلك. و للشافعي قولان(3).

أمّا لو تترّسوا بمسلم، فإن لم تكن الحرب قائمة، لم يجز الرمي، و كذا لو أمكنت القدرة عليهم بدون الرمي أو أمن شرّهم، فلو خالفوا و رموا، كان الحكم فيه كالحكم في غير هذا المكان: إن كان القتل عمدا، وجب القود و الكفّارة علي قاتله، و إن كان خطأ، فالدية علي عاقلته و الكفّارة عليه.

و لو كان حال التحام الحرب، جاز رميهم، و يقصد بالرمي المشركين لا المسلمين، للضرورة إلي ذلك بأن يخاف منهم لو تركوا. و لو لم يخف7.

ص: 74


1- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 397:11-398، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 446:7.
2- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 397:11-398، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 446:7.
3- العزيز شرح الوجيز 398:11، روضة الطالبين 446:7.

منهم لكن لا يقدر عليهم إلاّ بالرمي، فالأولي الجواز أيضا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ تركهم يفضي إلي تعطيل الجهاد.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يجوز قتلهم إذا لم يمكن ضرب الكفّار إلاّ بضرب المسلم، سواء خفنا منهم أو لم نخف، لأنّ غاية ما فيه أنّا نخاف علي أنفسنا، و دم المسلم لا يباح بالخوف، كما في صورة الإكراه(2).

و قال الليث و الأوزاعي: لا يجوز رميهم مع عدم الخوف، لقوله تعالي وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ (3)(4).

قال الليث: ترك فتح حصن يقدر علي فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حقّ(5).

و فرّق بعض الشافعيّة بين التترّس بمسلم واحد و بين التترّس بطائفة من المسلمين، لأنه يتساهل في أشخاص من الأساري، بخلاف الكلّيّات(6).

فروع:
أ - لو رمي فأصاب مسلما و لم يعلم أنّه مسلم و الحرب قائمة، فلا دية،

لأنّه مأمور بالرمي، فلا يجامع العقوبة. و لأنّه يؤدّي إلي بطلان الجهاد،

ص: 75


1- مختصر المزني: 271، الحاوي الكبير 188:14، العزيز شرح الوجيز 11: 399، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 447:7.
2- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7.
3- الفتح: 25.
4- المغني 497:10، الشرح الكبير 395:10-396.
5- المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
6- العزيز شرح الوجيز 399:11، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

لجواز أن يكون كلّ واحد يقصده مسلما فيمتنع من الرمي.

ب - لو علمه مسلما و رمي قاصدا للمشركين و لم يمكنه التوقّي فأصابه و قتله، فلا قود عليه إجماعا،

لأنّ القصاص مع تجويز الرمي متنافيان. و لأنّه لم يقصده، و لا تجب الدية أيضا عندنا - و هو أحد قولي الشافعي و قول أبي حنيفة و إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لقوله تعالي:

فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (2) و لم يذكر الدية، فلا تكون واجبة.

و الثاني للشافعي و أحمد: تجب الدية، لقوله تعالي وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (3)(4).

و آيتنا أخصّ فتقدّم.

و أمّا الكفّارة: فالحقّ وجوبها، لقوله تعالي فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (5) و هو قول الشافعي و أحمد(6).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الكفّارة، لأنّه كمباح الدم(7).

و نمنع القياس خصوصا مع معارضة الكتاب.

و للشافعي قول آخر: إنّه إن علمه مسلما، لزمته الدية و إلاّ فلا،

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7، الحاوي الكبير 14: 189، بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
2- النساء: 92.
3- النساء: 92.
4- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7، الحاوي الكبير 14: 189، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
5- النساء: 92.
6- مختصر المزني: 271، العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 7: 447، بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
7- بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.

و الفرق أنّه إذا علم إسلامه، أمكنه التوقّي عنه و الرمي إلي غيره فغلظ عليه(1).

و قال بعض أصحابه: إن قصده بعينه، لزمته الدية، سواء علمه مسلما أو لا، و إن لم يقصده بعينه بل رمي إلي الصفّ، لم تلزم(2).

و قال بعض الشافعيّة: إن علم أنّ هناك مسلما، وجبت الدية، سواء قصده بعينه أو لم يقصده، و إن لم يعلم، فقولان(3).

و عن أبي حنيفة: لا دية و لا كفّارة(4).

ج - قالت الشافعيّة: إن قلنا: لا يجوز الرمي فرمي فقتل،

ففي وجوب القصاص طريقان:

أحدهما: أنّه علي قولين، كالمكره إذا قتل.

و الثاني: القطع بالوجوب، كالمضطرّ إذا قتل إنسانا و أكله. و يفارق المكره بأنّه ملجأ إلي القتل، و هنا بخلافه، و لأنّ هناك من يحال عليه و هو المكره، و ليس ها هنا غيره(5).

د - لو تترّس الكفّار بذمّي أو مستأمن أو عبد، فالحكم في جواز الرمي و الدية و الكفّارة علي ما تقدّم،

لكنّ الواجب في العبد القيمة لا الدية.

و قال بعض الشافعيّة: لو تترّس كافر بترس مسلم أو ركب فرسه

ص: 77


1- مختصر المزني: 271، الوجيز 158:2، العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
2- الوجيز 158:2، العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
3- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
4- بدائع الصنائع 101:7، العزيز شرح الوجيز 400:11، المغني 10، 497، الشرح الكبير 396:10.
5- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.

فرمي إليه مسلم فأتلفه، فإن كان في غير التحام القتال، فعليه الضمان، و إن كان في حال الالتحام، فإن أمكنه أن لا يصيب الترس و الفرس فأصابه، ضمن، و إن لم يمكنه الدفع إلاّ بإصابته، فإن جعلناه كالمكره، لم يضمن، لأنّ المكره في المال يكون طريقا في الضمان، و هنا لا ضمان علي الحربي حتي يجعل المسلم طريقا، و إن جعلناه مختارا، لزمه الضمان(1).

مسألة 36: إذا حاصر الإمام حصنا، لم يكن له الانصراف إلاّ بأحد أمور خمسة:
الأوّل: أن يسلموا فيحرزوا بالإسلام دماءهم و أموالهم.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها»(2).

الثاني: أن يبذلوا مالا علي الترك،

فإن كان جزية و هم من أهلها، قبلت منهم، و إن لم تكن جزية بل كانوا حربيّين، قبل مع المصلحة، و إلاّ فلا.

الثالث: أن يفتحه و يملكه

و يقهرهم عليه.

الرابع: أن يري من المصلحة الانصراف إمّا بتضرّر المسلمين بالإقامة أو بحصول اليأس منه،

كما روي أنّ النبي عليه السلام حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا، فقال عليه السلام: «إنّا قافلون إن شاء اللّه غدا» فقال المسلمون: أ نرجع و لم نفتحه ؟ فقال عليه السلام: «اغدوا علي القتال» فغدوا عليه فأصابهم الجراح، فقال

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
2- صحيح البخاري 138:9، المستدرك - للحاكم - 522:2، سنن ابن ماجة 2: 1295-3927، سنن سعيد بن منصور 332:2-333-2933، مسند أحمد 1: 20-68.

لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إنّا قافلون غدا» فأعجبهم، فقفل [1] رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(1).

الخامس: أن ينزلوا علي حكم حاكم فيجوز،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا علي حكم سعد بن معاذ، فأجابهم عليه السّلام إلي ذلك(2).

مسألة 37: لا يجوز التمثيل بالكفّار و لا الغدر بهم و لا الغلول منهم،

لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله في حديث الصادق عليه السّلام: «لا تغلّوا و لا تمثلوا و لا تغدروا»(3).

مسألة 38: المبارزة مشروعة غير مكروهة، عند عامّة العلماء(4) - إلاّ الحسن البصري، فإنّه لم يعرفها و كرهها(5) - لأنّ العامّة رووا أنّ عليّا عليه السّلام بارز يوم خيبر فقتل مرحبا، و بارز عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق فقتله، و بارز عليّ عليه السّلام و حمزة و عبيدة بن الحارث يوم بدر بإذن النبي عليه السّلام(6) ، و لم يزل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يبارزون في عصر النبي عليه السّلام و بعده و لم ينكره أحد، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «دعا رجل بعض بني هاشم إلي البراز، فأبي أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما منعك أن تبارزه ؟ فقال: كان فارس العرب و خشيت أن يقتلني، فقال له أمير

ص: 79


1- صحيح مسلم 1403:3-1778، مسند أحمد 77:2-4574، المغني 10: 536.
2- صحيح البخاري 143:5، صحيح مسلم 1388:3-1389-1768، مسند أحمد 401:3-10784 و 484-11283، و 204:7-205-24573، المصنّف - لابن أبي شيبة - 425:14-18677، المغني 537:10.
3- الكافي 27:5-1، التهذيب 138:6-231.
4- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
5- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
6- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.

المؤمنين عليه السّلام: فإنّه بغي عليك و لو بارزته لقتلته، و لو بغي جبل علي جبل لهدّ الباغي»(1).

مسألة 39: ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلاّ بإذن الإمام إذا أمكن

- و به قال الثوري و إسحاق و أحمد(2) - لأنّ الإمام أعرف بفرسانه و فرسان المشركين و من يصلح للمبارزة و من لا يصلح و من يكون قرنا للكافر و من لا يكون، فربما تضرّر المسلمون. بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم، فينبغي تفويضه إلي الإمام ليختار للمبارزة من يرتضيه لها، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين و كسر قلوب الكفّار.

و لأنّ عليّا عليه السّلام و حمزة و عبيدة استأذنوا النبي عليه السّلام يوم بدر، رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام، قال: «لا بأس بذلك، و لكن لا يطلب ذلك إلاّ بإذن الإمام»(4).

و رخّص فيها مطلقا من غير إذن الإمام مالك و الشافعي و ابن المنذر، لأنّ أبا قتادة قال: بارزت رجلا يوم خيبر [1] فقتلته. و لم يعلم أنّه استأذن النبي عليه السّلام(5).

ص: 80


1- التهذيب 169:6-324، و في الكافي 34:5-35-2 بتفاوت يسير.
2- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
3- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
4- التهذيب 169:6-323.
5- المغني 387:10، الشرح الكبير 438:10، الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 406:11 و 407، حلية العلماء 657:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 238، معالم السنن - للخطّابي - 11:4، الجامع لأحكام القرآن 258:3.

و هي حكاية حال لا عموم لها. و لاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة، لا أنّ أبا قتادة طلبها.

و يؤيّده: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ الحسن بن علي عليهما السّلام دعا رجلا إلي المبارزة، فعلم أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال له: لئن عدت إلي مثلها لأعاقبنّك، و لئن دعاك أحد إلي مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك، أما علمت أنّه بغي» [1].

و قد ظهر من هذا أن طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام، و فعلها سائغ من دون إذنه.

مسألة 40: إذا خرج علج 2 يطلب البراز،
اشارة

استحبّ لمن فيه قوّة (أن يبارزه) [3] بإذن الإمام، و ينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك، لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين و اجتراء المشركين، و في الخروج ردّ عن المسلمين و إظهار قوّتهم و شجاعتهم.

فانقسمت [4] أربعة أقسام:

الأوّل: أن تكون واجبة،

و هي ما إذا ألزم الإمام بها.

الثاني: أن تكون مستحبّة،

و هي أن يخرج (رجل من المشركين) [5] فيطلب المبارزة، فيستحبّ (لمن فيه قوّة) [6] من المسلمين الخروج إليه.

الثالث: أن تكون مكروهة،

و هي أن يخرج الضعيف من المسلمين

ص: 81

الذي لا يعلم من نفسه المقاومة.

الرابع: أن تكون مباحة،

و هي أن يخرج ابتداء فيبارز.

مسألة 41: إذا خرج المشرك و طلب المبارزة، جاز لكلّ أحد رميه و قتله،

لأنّه مشرك لا أمان له و لا عهد إلاّ أن تكون العادة بينهم جارية أن من خرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له، فيجري مجري الشرط، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه، وجب الوفاء له بالشرط، لقوله عليه السّلام:

«المؤمنون عند شروطهم»(1).

فإن انهزم المسلم تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح، جاز قتاله، لأنّ المسلم إذا صار إلي هذه الحالة فقد انقضي القتال، و المشرك شرط الأمان ما دام في القتال و قد زال.

و لو شرط المشرك أن لا يقاتل حتي يرجع إلي صفّه، وجب الوفاء له إلاّ أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله، أو يخشي عليه منه فيمنع و يدفع عن المسلم و يقاتل إن امتنع من الكفّ عنه إلاّ بالقتال، لأنّه نقض الشرط و أبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.

و لو أعان المشركون صاحبهم، كان علي المسلمين إعانة صاحبهم، و يقاتلون من أعان عليه، و لا يقاتلونه، لأنّ النقض ليس من جهته.

و إن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابه فأعانوه، فقد نقض أمانه، و يقاتل معهم. و لو منعهم فلم يمتنعوا، فأمانه باق، فلا يجوز قتاله و لكن يقاتل أصحابه.

هذا إذا أعانوه بغير قوله، و لو سكت و لم ينههم عن إعانته، فقد

ص: 82


1- الجامع لأحكام القرآن 33:6، الشرح الكبير 559:10، التهذيب 371:7-1503، الاستبصار 232:3-835.

نقض أمانه، لأنّ سكوته يدلّ علي الرضي بذلك، أمّا لو استنجدهم، فإنّه يجوز قتاله مطلقا.

و لو طلب المشرك المبارزة و لم يشترط [1]، جاز معونة قرنه. و لو شرط أن لا يقاتله غيره، وجب الوفاء له. فإن فرّ المسلم و طلبه [2] الحربي، جاز دفعه، سواء فرّ المسلم مختارا أو لإثخانه بالجراح.

و يجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه.

و قال الأوزاعي: ليس لهم ذلك(1).

و هو غلط، لأنّ عليّا عليه السّلام و حمزة أعانا عبيدة بن الحارث علي قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة(2).

و لو لم يطلبه المشرك، لم تجز محاربته، لأنّه لم ينقض شرطا.

و قيل: يجوز قتاله ما لم يشترط [3] الأمان حتي يعود إلي فئته(3).

مسألة 42: تجوز المخادعة في الحرب و أن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلي قتله إجماعا.

روي العامّة أنّ عمرو بن عبد ودّ بارز عليّا عليه السّلام، فقال: ما أحبّ ذلك يا بن أخي، فقال علي عليه السّلام: «لكنّي أحبّ أن أقتلك» فغضب عمرو و أقبل إليه، فقال علي عليه السّلام: «ما برزت لأقاتل اثنين» فالتفت عمرو، فوثب علي عليه السّلام فضربه، فقال عمرو: خدعتني، فقال علي عليه السّلام: «الحرب خدعة»(4).

ص: 83


1- المغني 389:10، الشرح الكبير 440:10.
2- المغني 389:10، الشرح الكبير 440:10.
3- كما في شرائع الإسلام 313:1.
4- تاريخ الطبري 239:2، المغني 390:10، الشرح الكبير 440:10.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ما لم يقل، سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: الحرب خدعة»(1).

مسألة 43: يكره تبييت العدوّ ليلا،

و إنّما يلاقون بالنهار، إلاّ مع الحاجة إلي التبييت فيبيّتهم.

و يستحبّ أن يلاقوا بالنهار، و يبدأ بالقتال بعد الزوال، و يكره قبله إلاّ مع الحاجة.

و يكره أن يعرقب الدابّة، و إن وقفت به، ذبحها و لا يعرقبها.

و أمّا نقل رءوس المشركين إلي بلاد الإسلام: فإن اشتمل علي نكاية في الكفّار، لم يكن مكروها. و كذا إن أريد معرفة المسلمين بموته، فإنّ أبا جهل لمّا قتل حمل رأسه(2). و إن لم يكن كذلك، كان مكروها، لأنّه لم ينقل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رأس كافر قطّ.

و للشافعي وجهان: الكراهة و عدمها(3).

ص: 84


1- التهذيب 162:6-163-298.
2- العزيز شرح الوجيز 408:11.
3- العزيز شرح الوجيز 408:11-409، روضة الطالبين 450:7.
الفصل الثالث في الأمان
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في تعريفه و تسويغه.
اشارة

عقد الأمان ترك القتال إجابة لسؤال الكفّار بالإمهال، و هو جائز إجماعا.

قال اللّه تعالي وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّي يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (1).

و روي العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمّن المشركين يوم الحديبيّة، و عقد معهم الصلح(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت:

ما معني قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «يسعي بذمّتهم أدناهم»؟ قال «لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا [1] قوما من المشركين فأشرب رجل فقال: أعطوني الأمان حتي ألقي صاحبكم فأناظره [2]، فأعطاه الأمان أدناهم، وجب علي أفضلهم الوفاء به»(3).

ص: 85


1- التوبة: 6.
2- صحيح مسلم 1409:3-1783، مسند أحمد 138:1-139-658 و 563 - 564-3177.
3- الكافي 30:5-31-1، التهذيب 140:6-234.

و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.

مسألة 44: إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة،

فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان و أن لا يجابوا إليه، لم يفعل، لأنّه مصلحة في بعض الأحوال و مكيدة من مكايد القتال في المبارزة، فإذا لم تكن مصلحة، لم يجز فعله، و سواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد أو لجماعة كثيرة، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعا.

و من طلب الأمان من الكفّار ليسمع كلام اللّه و يعرف شرائع الإسلام، وجب أن يعطي أمانا ثم يردّ إلي مأمنه، للآية(1).

و يجوز أن يعقد الأمان لرسول المشركين و للمستأمن، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يؤمن رسل المشركين(2). و لأنّ الحاجة تدعو إلي المراسلة، و لو قتلوا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت المصلحة.

و لا تقدّر مدّة العقد لهما بقدر، بل يجوز مطلقا و مقيّدا بزمان طويل أو قصير نظرا إلي المصلحة.

البحث الثاني: في العاقد.
مسألة 45: يجوز للإمام عقد الصلح إجماعا،

لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فإن رأي المصلحة في عقده لواحد، فعل، و كذا لأهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم و لجميع الكفّار بحسب المصلحة، لعموم ولايته، و لا نعلم فيه خلافا.

ص: 86


1- التوبة: 6.
2- سنن أبي داود 83:3-84-2761 و 2762، سنن البيهقي 211:9، المغني 428:10، الشرح الكبير 553:10.

و أمّا نائبه: فإن كانت ولايته عامّة، كان له ذلك أيضا، و إن لم تكن عامّة، جاز عقد أمانه لجميع من في ولايته و لآحادهم، و أمّا غير ولايته:

فحكمه حكم آحاد الرعايا.

و أمّا آحاد الرعية: فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين و للعدد اليسير، كالعشرة و القافلة القليلة و الحصن الصغير، لعموم قوله عليه السّلام:

«و يسعي بذمّتهم أدناهم»(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السّلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن، و قال: هو من المؤمنين»(2).

و لأنّ علّة تسويغه للواحد - و هو استمالته إلي الإسلام مع الأمن منه - موجود في العدد اليسير.

أمّا العدد الكثير من المشركين فإنّه موكول إلي الإمام خاصّة، لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين تعطيلا للجهاد علي الإمام و تقوية للكفّار.

مسألة 46: يصحّ عقد الأمان من الحرّ و العبد المأذون له في الجهاد و غير المأذون،

عند علمائنا أجمع - و به قال أكثر العلماء و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق، و هو مروي عن علي عليه السّلام، و عن عمر(3) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «ذمّة المسلمين واحدة يسعي بها أدناهم

ص: 87


1- سنن أبي داود 180:4-181-4530، سنن النسائي 19:8-20 و 24، سنن الدار قطني 131:3-155، سنن البيهقي 29:8، و 30، و 94:9، مسند أحمد 191:1-962، الكافي 30:5-1، التهذيب 140:6-235.
2- الكافي 31:5-2، التهذيب: 140-235.
3- المغني 424:10، الشرح الكبير 546:10، الامّ 284:4، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 458:11، المهذّب - للشيرازي - 236:2، حلية العلماء 652:7، روضة الطالبين 472:7، الحاوي الكبير 196:14، الهداية - للمرغيناني - 140:2.

فمن أخفر [1] مسلما فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل منه صرف و لا عدل»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن و قال: هو من المؤمنين»(2).

و لأنّه مسلم مكلّف غير متّهم في حقّ المسلمين، فصحّ أمانه، كالحرّ.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: لا يصحّ أمان العبد إلاّ أن يكون مأذونا له في القتال، لأنّه لا يجب عليه الجهاد، فلا يصحّ أمانه، كالصبي(3).

و ينتقض بالمرأة و المأذون له.

مسألة 47: يصح أمان المرأة إجماعا،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أجاز أمان أمّ هاني، و قال: «إنّما يجير علي المسلمين أدناهم»(4).

و أمّا المجنون فلا ينعقد أمانه، لرفع القلم عنه.

و كذا الصبي لا ينعقد أمانه و إن كان مميّزا مراهقا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لرفع القلم عنه.

ص: 88


1- صحيح البخاري 125:4، صحيح مسلم 999:2-470، سنن البيهقي 9: 94، المغني 424:10.
2- الكافي 31:5-2، التهذيب 140:6-235.
3- الهداية - للمرغيناني - 140:2، المغني 424:10، الشرح الكبير 546:10، العزيز شرح الوجيز 458:11، حلية العلماء 652:7، الحاوي الكبير 14: 196، المنتقي - للباجي - 173:3.
4- سنن سعيد بن منصور 234:2-2612، المغني 425:10، الشرح الكبير 546:10.
5- الامّ 284:4، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 459:11، الحاوي الكبير 197:14، روضة الطالبين 472:7، حلية العلماء 652:7، بدائع الصنائع 7: 106، المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10، المنتقي - للباجي - 173:3.

و قال مالك و أحمد: يصحّ أمان المراهق(1) ، لقوله عليه السّلام: «إنّما يجير علي المسلمين أدناهم»(2)المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10.(3).

و ليس حجّة، لعدم إسلامه حقيقة و إنّما هو تمرين.

و أمّا المكره فلا ينعقد أمانه إجماعا، و كذا من زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك، لعدم معرفته بمصلحة المسلمين، فأشبه المجنون.

و أمّا الكافر فلا ينعقد أمانه و إن كان ذمّيّا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «ذمّة المسلمين واحدة يسعي بها أدناهم»(4) فجعل الذمّة للمسلمين. و لأنّه متّهم علي المسلمين.

و أمّا الأسير من المسلمين فإذا عقد أمانا باختياره، نفذ، و به قال الشافعي و أحمد(5). و كذا يجوز أمان التاجر و الأجير في دار الحرب.

و قال الثوري: لا يصحّ أمان أحد منهم(5). و العموم يبطله.

و الشيخ الهمّ و السفيه ينعقد أمانهما - و به قال الشافعي(6) - للعموم.

مسألة 48: إذا انعقد الأمان، وجب الوفاء به

علي حسب ما شرط فيه من وقت و غيره ما لم يخالف المشروع بالإجماع.

قال الباقر عليه السّلام: «ما من رجل آمن رجلا علي ذمّة [1] ثمّ قتله إلاّ جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر»(7).

ص: 89


1- المنتقي - للباجي - 173:3، المحرّر في الفقه 180:2، المغني 425:10 - 426، الشرح الكبير 546:10 و 547.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 88، الهامش
3- .
4- تقدمت الإشارة إلي مصادره في ص 88، الهامش (2).
5- المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10.
6- الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 459:11، روضة الطالبين 472:7.
7- الكافي 31:5-3، التهذيب 140:6-236.

و لو انعقد فاسدا، لم يجب الوفاء به إجماعا، كأمان الصبي و المجنون، و كما إذا تضمّن الذمام شرطا لا يسوغ الوفاء به.

و في هذه الحالات كلّها يجب ردّ الحربي إلي مأمنه، و لا يجوز قتله، لأنّه اعتقد صحّة الأمان، و هو معذور، لعدم علمه بأحكام الإسلام.

و كذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان، كمن سمع لفظا فاعتقده أمانا، أو صحب رفقة فتوهّمها أمانا، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون: لا نذمّكم، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم، فلا يجوز قتلهم، بل يردّون إلي مأمنهم، لقول الصادق و [1] الكاظم عليهما السلام: «لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان، فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين»(1).

البحث الثالث: فيما ينعقد به الأمان.
مسألة 49: الأمان ينعقد بالعبارة و المراسلة و الإشارة المفهمة و المكاتبة.

و قد ورد في الشرع للعبارة صيغتان: أجرتك، و أمّنتك.

قال اللّه تعالي وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (2).

و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن»(3).

ص: 90


1- الكافي 31:5-4، التهذيب 140:6-237.
2- التوبة: 6.
3- صحيح مسلم 1408:3-86، سنن أبي داود 162:3-3021.

و ينعقد الأمان بأي اللفظين وقع، و بما يؤدي معناهما، مثل: أذممتك، أو: أنت في ذمّة الإسلام، سواء أدّي بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها، فلو قال بالفارسيّة: «مترس» - أي: لا تخف [1] - فهو آمن.

أمّا قوله: لا بأس عليك، أو: لا تخف، أو: لا تذهل، أو: لا تحزن، و ما شاكله: فإن علم من قصده الأمان، فهو أمان [2]، لأنّ المراعي القصد لا اللفظ، و إن لم يقصد، لم يكن أمانا إلاّ أنّهم لو سكنوا إلي ذلك و دخلوا، لم يتعرّض لهم و يردّون إلي مأمنهم.

و كذا لو أومأ مسلم إلي مشرك بما توهّمه أمانا فأخلد إليه و دخل دار الإسلام.

و لو أشار المسلم إليهم بما يرونه أمانا و قال: أردت به الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرد به [3] الأمان، فالقول قوله، لأنّه أبصر بنيّته، فيرجع إليه.

و لو دخل بسفارة أو لسماع كلام اللّه، لم يفتقر إلي عقد أمان، بل ذلك القصد يؤمنه. و قصد التجارة لا يؤمنه و إن ظنّه أمانا.

و لو قال الوالي: أمّنت من قصد التجارة، صحّ.

و لو خرج الكفّار من حصنهم بناء علي هذه الإشارة و توهّمهم أنّها أمان، لم يجز قتلهم.

و لو مات المسلم و لم يبيّن أو غاب، كانوا آمنين و ردّوا إلي مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.

ص: 91

و لو قال للكافر: قف، أو: قم، أو: ألق سلاحك، فليس أمانا، خلافا لبعض العامّة(1).

و قال الأوزاعي: إن [1] ادّعي الكافر أنّه أمان، أو قال: إنّما وقفت لندائك، فهو آمن، و إن لم يدّع ذلك، فليس أمانا(2).

و هو غلط، لأنّه لفظ لا يشعر منه الأمان و لا يستعمل فيه دائما، فإنّه إنّما يستعمل غالبا للإرهاب و التخويف، فيصدّق المسلم، فإن قال: قصدت الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرده، سئل الكافر فإن قال: اعتقدته أمانا، ردّ إلي مأمنه، و لم يجز قتله، و إن لم يعتقده، فليس بأمان، و لو ردّ الكافر الأمان، ارتدّ الأمان، و إن قبل صحّ، و لا يكفي سكوته، بل لا بدّ من قبوله و لو بالفعل.

و لو أشار عليهم مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلي صفّ المسلمين و تفاهما الأمان، فهو أمان، و إن ظنّ الكافر أنّه أراد الأمان و المسلم لم يرده، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه، و لو قال: ما فهمت الأمان، اغتيل.

مسألة 50: يجوز الأمان بالمراسلة.

و ينبغي لأمير العسكر أن يتخير للرسالة رجلا مسلما أمينا عدلا، و لا يكون خائنا و لا ذمّيا و لا حربيّا مستأمنا، لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (3).

و أنكر عمر علي أبي موسي الأشعري لمّا اتّخذ كاتبا نصرانيّا، و قال:

ص: 92


1- المغني و الشرح الكبير 549:10.
2- المغني و الشرح الكبير 549:10.
3- هود: 113.

اتّخذت بطانة من دون المؤمنين و قد قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً (1)(2) أي: لا يقصّرون في فساد أموركم.

و ينبغي أن يكون بصيرا بالأمور عارفا بمواقع أداء الرسالة.

و إذا أرسل الأمير رسولا مسلما فذهب الرسول إلي أمير المشركين فبلّغه الرسالة، ثمّ قال له: إنّي أرسل علي لساني إليك الأمان و لأهل ملّتك فافتح الباب، ثمّ ناوله كتابا صنعه علي لسان الأمير و قرأه بمحضر من المسلمين، فلمّا فتحوا و دخل المسلمون و شرعوا في السبي، فقال لهم أمير المشركين: إنّ رسولكم أخبرنا [1] أنّ أميركم أمّننا، و شهد أولئك المسلمون علي مقالته، كانوا آمنين، و لم يجز سبيهم، لعسر التمييز بين الحقّ و الاحتيال في حقّ المبعوث إليه، إذا الاعتماد علي خبره، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته، لئلاّ يؤدّي إلي الغرور في حقّهم و هو حرام.

مسألة 51: لو أرسل الأمير إليهم من يخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة، فهم آمنون

و إن لم يعلم المسلمون التبليغ، لأنّ البناء إنّما هو علي الظاهر فيما لا يمكن الوقوف علي حقيقته، و لأنّ قول الرسول يحتمل الصدق، فتثبت شبهة التبليغ.

و لو كتب من ليس برسول كتابا فيه أمانهم و قرأه عليهم و قال: إنّي رسول الأمير إليكم، لم يكن أمانا من جهته، لأنّه ليس للواحد من

ص: 93


1- آل عمران: 118.
2- انظر: أحكام القرآن - للجصّاص - 37:2، و أحكام القرآن - للكيا الهراسي - 2: 304، و الجامع لأحكام القرآن 179:4.

المسلمين أن يؤمّن حصنا كبيرا، و لا من جهة الإمام، لأنّه ليس برسوله، و لا غرور هنا، لأنّ التقصير من جهتهم حيث عوّلوا علي قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.

و لو ناداهم من صفّ المسلمين مسلم - و هم قليلون يصحّ أمان الواحد لهم - إنّي رسول الأمير إليكم و إنّه أمنكم، كان أمانا من جهته، لأنّ من يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان، كان أمانا صحيحا، لأنّه علي تقدير صدقه يكون أمانا من جهة المخبر عنه، و علي تقدير كذبه يكون أمانا من جهته.

مسألة 52: إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين

ثمّ بعث (إليهم رسولا) [1] لينبذ إليهم و يخبرهم نقض العهد، فجاء الرسول و أخبر بإعلامهم، لم يعرّض لهم حتي يعلموا ذلك بشاهدين، لأنّ خبره دائر بين الصدق و الكذب، و ليس بحجّة في نقض العهد، لتعلّقه باستباحة السبي و استحلال الأموال و الفروج و الدماء، و هو لا يثبت مع الشبهة، بخلاف الأمان، فإنّ قوله حجّة فيه، لتعلّقه بحفظ الأموال و حراسة الأنفس و حقن الدماء، و هو يثبت مع الشبهة.

فلو أغار المسلمون فقالوا: لم يبلغنا خبر رسولكم، فالقول قولهم، لأنّهم أنكروا نبذ الأمان، و الأصل معهم، فيصار إلي قولهم، لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين.

أمّا لو كتب الإمام إليهم نقض العهد و سيّره مع رسوله و شاهدين، فقرأه عليهم بالعربيّة و احتاجوا إلي ترجمان يترجم بلسانهم، و شهد الآخران

ص: 94

عليهم، فادّعوا أنّ الترجمان لم يخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم [1] بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان، لم يلتفت إليهم، لأنّ الإمام أتي بما في وسعه من الإخبار بالنقض و الشهادة، و إنّما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خائنا، إلاّ أن يعلم من حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيقبل قولهم.

و لو خاف الإمام أن يكون الرسول قد رأي عورة للمسلمين يدلّ عليها العدوّ، جاز له منعه من الرجوع، و كذا يمنع التاجر لو انكشف علي عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين، و يجعل عليهما حرسا يحرسونهما نظرا للمسلمين و دفعا للفتنة عنهم.

و لو خاف هربهما مع احتياجه إلي حفظهما، جاز له أن يقيّدهما حتي تنقضي الحاجة.

و لو لم يخف الإمام منهما، أنفذهما، فإن خافا من اللصوص، سيّر معهما من يبلغهما مأمنهما، لقوله تعالي ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (1).

و يجوز الاستئجار عليه من بيت المال، و كذا مئونتهما من بيت المال حال [2] منعهما.

البحث الرابع: في وقت الأمان.
مسألة 53: وقت الأمان قبل الأسر، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعا.

و هل يجوز لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا

ص: 95


1- التوبة: 6.

و أكثر أهل العلم(1) ، لأنّه قد ثبت للمسلمين حقّ استرقاقه، فلا يجوز إبطاله. و لأنّ المشرك إذا وقع في الأسر، يتخيّر الإمام فيه بين أشياء تأتي، و مع الأمن يبطل التخيير، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.

و قال الأوزاعي: يصحّ عقده بعد الأسر، لأنّ زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع، فأجاز النبي صلّي اللّه عليه و آله أمانها(2)(3).

و ليس حجّة، لأنّ للإمام ذلك فكيف النبي صلّي اللّه عليه و آله، و النزاع في آحاد المسلمين.

مسألة 54: يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه و الأسر،

لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله أجاز أمان زينب لزوجها(4). و لأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه و الأمان دون ذلك [1]، بخلاف آحاد المسلمين.

و لو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون، صحّ الأمان، لأنّه بعد علي الامتناع.

و لو أقرّ المسلم بأمان المشرك، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان، صحّ إقراره و قبل منه إجماعا، و إن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه كما لو أقرّ بعد الأسر - لم يقبل قوله إلاّ أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.

و لو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه، لم يقبل، لأنّهم يشهدون

ص: 96


1- المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10، حلية العلماء 652:7، العزيز شرح الوجيز 457:11، روضة الطالبين 472:7.
2- سنن البيهقي 95:9.
3- المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10، حلية العلماء 652:7.
4- سنن البيهقي 95:9، المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10.

علي فعلهم. و به قال الشافعي(1).

و قال بعض العامّة: يقبل، لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه، فوجب أن يقبل، كما لو شهدوا علي غيرهم أنّه أمّنه(2).

أمّا لو شهد بعضهم أنّ البعض الآخر أمّنه، قبل.

مسألة 55: لو جاء مسلم بمشرك فادّعي أنّه أسره و ادّعي الكافر أنّه أمّنه، قدّم قول المسلم،

لاعتضاده بأصالة إباحة دمه و عدم الأمان.

و قيل: يقبل قول الأسير، لاحتمال صدقه، فيكون شبهة في حقن دمه(3).

و قيل: يرجع إلي شاهد الحال، فإن كان الكافر ذا قوّة و معه سلاحه، فالظاهر صدقه، و إلاّ فالظاهر كذبه(4).

و لو صدّقه المسلم، لم يقبل، لأنّه لا يقدر علي أمانه و لا يملكه، فلا يقبل إقراره به.

و قيل: يقبل، لأنّه كافر لم يثبت أسره و لا نازعه فيه منازع، فقبل قوله في الأمان(5). و لا بأس به.

و لو أشرف جيش الإسلام علي الظهور فاستذمّ الخصم، جاز مع نظر المصلحة. و لو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر فأذم، لم يصح علي ما قلنا. و لو ادّعي الحربيّ الأمان فأنكر المسلم، فالقول قول المسلم، لأصالة

ص: 97


1- العزيز شرح الوجيز 458:11، روضة الطالبين 472:7، المغني 427:10، الشرح الكبير 548:10.
2- المغني 427:10، الشرح الكبير 548:10.
3- المغني 427:10، الشرح الكبير 551:10.
4- المغني 427:10، الشرح الكبير 551:10.
5- المغني 427:10-428، الشرح الكبير 551:10-552.

عدم الأمان و إباحة دم المشرك. و لو حيل بينه و بين الجواب بموت أو إغماء، لم تسمع دعوي الحربيّ. و في الحالين يردّ إلي مأمنه ثم هو حرب.

مسألة 56: شرط الأمان أن لا يزيد علي سنة إلاّ مع الحاجة،

و يصحّ علي أربعة أشهر و فوق ذلك إلي السنة.

و للشافعي فيما بين السنة و أربعة أشهر قولان(1).

و لو أمّن جاسوسا أو من فيه مضرّة، لم يصح. و لا تشترط المصلحة في عقد الأمان، بل يكفي عدم المضرّة في الصحّة.

و يصحّ الأمان بجعل و غيره [1]، فلو حصر المسلمون حصنا فقال لهم رجل: أمّنوني أفتح لكم الحصن، جاز أن يعطوه أمانا إجماعا. فإن أمّنوه، لم يجز لهم نقض أمانه، فإن أشكل القائل و ادّعاه كلّ واحد من أهل الحصن، فإن عرف صاحب الأمان، عمل علي ما عرف، و إن لم يعرف، لم يقتل واحد منهم، لاحتمال صدق كلّ واحد و قد حصل اشتباه المحرّم بالمحلّل فيما لا ضرورة إليه، فكان الكلّ حراما، كالأجنبيّة المشتبهة بالأخت.

قال الشافعي: و يحرم استرقاقهم، لما قلنا في القتل، فإنّ استرقاق من لا يحلّ استرقاقه محرّم(2).

و قال بعض العامّة: يقرع فيخرج صاحب الأمان و يسترق الباقي، لأنّ الحقّ لواحد و قد اشتبه، كما لو أعتق عبدا من عشرة ثم اشتبه، بخلاف

ص: 98


1- الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 462:11، روضة الطالبين 473:7، الحاوي الكبير 200:14.
2- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.

القتل، فإنّ الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق(1).

قال الأوزاعي: لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه و كانوا عشرة فاسترقّ [1] علينا ثمّ أشكل فادّعي كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم، سعي كلّ واحد منهم في قيمة نفسه، و ترك له عشر قيمته(2).

البحث الخامس: فيما يدخل في الأمان.
مسألة 57: إذا نادي المشركون بالأمان، و كانت المصلحة تقتضيه، أمّنهم،

و إلاّ فلا. فإذا طلبوا الأمان [2] لأنفسهم، كانوا مأمونين علي أنفسهم.

و للشافعي في السراية إلي ما معه من أهل و مال لو قال: أمّنتك، قولان(3).

و لو طلبوا أمانا [3] لأهليهم فقالوا: أمّنوا أهلينا، فقال لهم [4] المسلمون: أمّنّاهم، فهم فيء و أهلهم آمنون، لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحا و لا كناية، فلا يتناولهم الأمان.

أمّا لو قالوا: نخرج علي أن نراوضكم [5] في الأمان علي أهلنا فقالوا [6] لهم: اخرجوا، فهم آمنون و أهلهم، لأنّهم بأمرهم بالخروج

ص: 99


1- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.
2- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.
3- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 485:7.

للمراوضة علي الأمان أمّنوهم، و لهذا لو لم يتّفق بينهم أمر، كان عليهم أن يردّوهم إلي مأمنهم.

مسألة 58: لو قالوا: أمّنوا علي ذرّيّتنا، فأمّنوهم علي ذلك، فهم آمنون

و أولادهم و أولاد أبنائهم و إن سفلوا، لعموم اسم الذرّيّة جميع هؤلاء.

و الأقرب: دخول أولاد البنات، لقوله تعالي وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - إلي قوله - وَ عِيسي (1).

و لأنّ الذرّيّة اسم للفرع المتولّد من الأصل، و الأب و الامّ أصلان في إيجاد الولد، بل التولّد و التفرّع في جانب الامّ أرجح، لأنّ ماء الفحل يصير مستهلكا في الرحم و إنّما يتولّد منها بواسطة ماء الفحل.

و لو قالوا [1]: أمّنونا علي أولادنا، ففي دخول أولاد البنات إشكال.

مسألة 59: لو قالوا: أمّنونا علي إخوتنا و لهم إخوة و أخوات، فهم آمنون،

لتناول اسم الإخوة الذكر و الأنثي عند الاجتماع.

قال اللّه تعالي وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً (2).

و لا تدخل الأخوات بانفرادهنّ، لأنّ اسم الذكور لا يتناولهنّ منفردات.

و كذا لو قالوا: أمّنونا علي أبنائنا، دخل فيه الذكور و الإناث و لا يتناول الإناث بانفرادهنّ إلاّ إذا كان المضاف إليه أبا القبيلة، و المراد به النسبة إلي القبيلة.

و لو تقدّم من المستأمن لفظ يدلّ علي طلب الأمان [2] لهنّ، انصراف

ص: 100


1- الأنعام: 84 و 85.
2- النساء: 176.

الأمان إليهنّ و إن كان بلفظ الذكور، مثل: ليس لي إلاّ هؤلاء البنات و الأخوات و أمّنوني علي بنيّ و [1] إخوتي.

و لو قالوا [2]: أمّنونا علي آبائنا، و لهم آباء و أمّهات، دخلوا جميعا في الأمان، لتناول اسم الآباء لهما.

قال اللّه تعالي وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (1).

و كذا لو كان لهم [3] أب واحد و أمّهات شتّي، لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.

و هل يدخل الأجداد في الآباء؟ الأولي ذلك، لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنه أب الأب، و يكفي في الإضافة أدني ملابسة.

و قال أبو حنيفة: لا يدخلون(2) ، لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقة و لا بطريق التبعيّة، لأنّهم أصول الآباء يختصّون باسم خاصّ، فلا يتناولهم اسم الآباء علي وجه التبعيّة لفروعهم.

و لو قالوا: أمّنونا علي أبنائنا، دخل فيه أبناء الأبناء أيضا، لأنّ اسم الابن يتناول ابن الابن، لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة، إلاّ أنّه ناقص في الإضافة و النسبة إليه، لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن، لأنّه متفرّع عنه و متولّد بواسطة الابن، و الإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان، لأنّه يحتاط في إثباته، لأنّ موجبه حرمة الاسترقاق، و الشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط، بخلاف الوصيّة، فإنّ الشبهة فيها غير كافية في00

ص: 101


1- النساء: 11.
2- الفتاوي الهنديّة 199:2-200

الاستحقاق، لثبوت مزاحمة الوارث [1].

و هذا كلّه إنّما هو بلسان العرب، فالحكم متعلّق به مع استعماله، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان يكفي فيها أيّ لغة كانت، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور و طلب الأمان بتلك اللغة، دخل فيه ما أخرجناه.

و كذا لو اعتقد المشرك دخول من أخرجناه في الأمان حتي خرج بهم، لم يجز التعرّض لهم، لأنّهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان، فيردّون إلي مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.

مسألة 60: يصحّ عقد الأمان للمرأة علي قصد العصمة عن الاسترقاق

- و هو أحد وجهي الشافعي(1) - للأصل، و لأنّه غرض مقصود، و يصحّ علي سبيل التبعيّة فجاز علي سبيل الاستقلال.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّه تابع(2).

و إذا أمّن الأسير من أسره، فهو فاسد، لأنّه كالمكره، إلاّ أن يعلم اختياره في ذلك.

و لو أمّن غيره، جاز - و للشافعيّة وجهان(3) - و يلزمه حكمه و ان لم يلزم غيره، فلو أمّنهم و أمّنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم، لزمه الخروج مهما قدر، قالت الشافعيّة: و [2] إن حلف بالطلاق و العتاق و الأيمان المغلّظة، لكن يكفّر عن يمينه و دعه يقع طلاقه و عتاقه، فلا رخصة في المقام حيث

ص: 102


1- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 472:7.
2- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 472:7.
3- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 464:11، روضة الطالبين 474:7.

يذلّ [1] المسلم و لكن عند الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم(1).

و لو اتبعه قوم، فله دفعهم و قتالهم دون غيرهم. و لو شرطوا عليه الرجوع، لم يلزمه. و لو شرط إنفاذ مال، لم يلزمه. و إن كان قد اشتري منهم شيئا و لزمه الثمن، وجب إنفاذه.

و إن أكره علي الشراء، فعليه ردّ العين، قاله الشافعي في الجديد.

و قال في القديم: يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن، إذ يقف العقد علي إجازته(2).

مسألة 61: لو قال: اعقدوا الأمان علي أهل حصني علي أن أفتحه لكم،

فأمّنوه علي ذلك، فهو آمن و أهل الحصن آمنون.

و قال الحنفيّة: أموالهم كلّها فيء، لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص و لا التبعيّة للنفوس، لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذ فائدة في فتح الباب، و إنّما قصدوا بذلك التوسل [2] إلي استغنام أموالهم [3].

و لو قال: اعقدوا لي الأمان علي أهل حصني علي أن أدلّكم علي طريق موضع كذا، ففعلوا ففتحوا الباب، فجميع النفوس و الأموال تدخل في الأمان، لأنّ شرط الأمان هنا جري علي الدلالة لا علي فتح الباب، فيكون كلامه بيانا أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل الحصن، فتدخل الأموال تبعا للنفوس، لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلاّ بالمال، بخلاف الصورة

ص: 103


1- الوجيز 195:2.
2- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 466:11، روضة الطالبين 476:7.

الأولي، لأنّ في اشتراط فتح الباب دلالة علي أنّ الذين يتناولهم [1] الأمان غير مقرّين بالسكني في الحصن، و إنّما تدخل الأموال في الأمان، لأنّ التمكّن من المقام يكون بالأموال، و إذا انعدم السكني لم تدخل الأموال في الأمان.

و لو قال: اعقدوا لي الأمان علي أن تدخلوا فيه فتصلّوا، دخل الأموال في الأمان، لأنّ فيه تصريحا بفائدة فتح الباب، و هو الصلاة فيه دون إزعاج أهله، و قد يرغب المسلمون في الصلاة في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعة في الحصن الفلاني فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين، أو ليكونوا قد عبدوا اللّه في مكان لم يعبده في ذلك المكان أهله، و مكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.

و لو قال: أمّنوني علي قلعتي أو مدينتي، فأمّنوه، دخل المال و الأنفس فيه و إن كان تنصيص الأمان إنّما هو عليهما لا غير، لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة و المدينة علي ما كانتا عليه عرفا و يكون هو المتصرّف و المتغلّب، و ليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة مع إفناء أهلهما و نهب الأموال.

و لو قال: أمّنوني علي ألف درهم من مالي علي أن أفتح لكم الحصن، فهو آمن علي ما طلب، و يكون الباقي فيئا. و لو لم يف ماله بالألف، لم يكن له زيادة علي ماله. و لو لم يكن له دراهم و لكنّه كان له عروض، أعطي من ذلك ما يساوي ألفا، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله و الأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال: أمنّوني علي ألف درهم من مالي علي أن أفتح لكم الحصن، فهو آمن علي ما طلب، و يكون الباقي فيئا. و لو لم يف ما له بالألف، لم يكن له زيادة علي ما له. و لو لم يكن له دراهم و لكنّه كان له عروض، أعطي من ذلك ما يساوي ألفا، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله و الأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال: عليّ ألف درهم من دراهمي، و لا دراهم له، كان لغوا، لأنّه شرط جزءا من دراهمه و لا دراهم له، فلا يصادف الأمان محلاّ، فيكون لغوا.

ص: 104

البحث السادس: في الأحكام.
مسألة 62: قد بيّنا أنّ من عقد أمانا لكافر، وجب عليه الوفاء به،

و لا يجوز له الغدر، فإن نقضه، كان غادرا آثما، و يجب علي الإمام منعه عن النقض إن عرف بالأمان.

إذا عرفت هذا فلو عقد لحربيّ [1] الأمان ليسكن دار الإسلام، وجب الوفاء له، و دخل ماله تبعا له في الأمان و إن لم يذكره، لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه، و أخذ ماله يوجب دخول الضرر عليه، فيكون نقضا للأمان، و هو حرام. و لو شرط الأمان لماله، كان ذلك تأكيدا.

و لو دخل الحربيّ دار الإسلام بغير أمان و معه متاع، فهو حرب لا أمان له في نفسه و لا في ماله، إلاّ أن يعتقد أنّ دخوله بمتاعه علي سبيل التجارة أمان له، فإنّه لا يكون أمانا، و يردّ إلي مأمنه.

و لو ركب المسلمون في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام، قال بعض العامّة: لم يقاتلوا و لم يعرّضوا(1). و فيه نظر.

مسألة 63: لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقدا أنّه أمان، فهو آمن حتي يرجع إلي مأمنه،

و يعامل بالبيع و الشراء، و لا يسأل عن شيء، و إن لم تكن معه تجارة و قال: جئت مستأمنا، لم يقبل منه، و يكون الإمام مخيّرا فيه. و به قال الأوزاعي و الشافعي(2).

و لو كان ممّن ضلّ الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا، كان فيئا.

و قيل: يكون لآخذه(3).

و لو دخل دار الإسلام بأمان، دخل أمان ماله، فلو عاد إلي دار الحرب

ص: 105


1- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.
2- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.
3- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.

بنيّة الرجوع إلي دار الإسلام، فالأمان باق، لأنّه علي نيّة الإقامة في دار الإسلام، و إن كان للاستيطان في دار الحرب، بطل في نفسه دون ماله، لأنّه بدخوله دار الإسلام و أخذ الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه، فإذا بطل في نفسه بمعني لم يوجد في المال - و هو الدخول في دار الحرب - بقي الأمان في ماله، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه معه إلي دار الحرب، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. و لو لم يأخذه فأنفذ في طلبه، بعث به إليه تحقيقا للأمان فيه. و يصحّ تصرّفه فيه ببيع و هبة و غيرهما.

و لو مات في دار الحرب أو قتل، انتقل إلي وارثه، فإن كان مسلما، ملكه مستقرّا، و إن كان حربيّا، انتقل إليه و انتقض فيه الأمان - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا و بينه في نفسه و لا في ماله، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.

و قال أحمد: لا يبطل الأمان، بل يكون باقيا - و به قال المزني، و للشافعيّة قولان - لأنّ الأمان حقّ لازم متعلّق بالمال، فإذا انتقل إلي الوارث، انتقل بحقّه، كسائر الحقوق من الرهن و الضمان و الشفعة(2).

و نمنع ملازمته للمال، لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه و قد مات، فيزول الأمان المتعلق به.

مسألة 64: إذا مات الحربيّ في دار الحرب و قد أخذ الأمان لإقامته

ص: 106


1- المغني 430:10، الشرح الكبير 557:10.
2- المغني 430:10، الشرح الكبير 557:10، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 219:14-220، الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 476:11، حلية العلماء 724:7، روضة الطالبين 481:7.

في دار الإسلام و أقام بها، تبعه ماله، و زوال الأمان عنه بموته كما قلناه، فينتقل إلي الإمام خاصّة من الفيء، لأنّه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و لا أخذ بالسيف، فهو بمنزلة ميراث من لا وارث له.

و نقل المزني عن الشافعي أنّه يكون غنيمة(1).

و هو ممنوع، لأنّه لم يؤخذ بالقهر و الغلبة.

و ينتقل المال إلي وارث الحربيّ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب، فإن كان الوارث حربيّا في الدارين، صار فيئا للإمام علي ما قلناه.

و قال الشافعي في أحد الوجهين: لا ينتقل إلي وارثه في دار الإسلام، لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط الميراث(2). و ليس بجيّد.

و كذا الذمي إذا مات و له ولد في دار الإسلام و ولد في دار الحرب، كان ميراثه لهما.

و لو كان له ولد في دار الإسلام، صار ماله له، و لو كان في دار الحرب، انتقل ماله إليه، و صار فيئا.

و لو دخل دار الإسلام فعقد أمانا لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام و له مال، فإن كان وارثه مسلما، ملكه، و إن كان كافرا في دار الحرب، انتقل المال إليه، و صار فيئا، لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا و بينه، فيكون فيئا.

و قال بعض الشافعيّة: يردّ إلي وارثه. و اختلفوا علي طريقين، منهم7.

ص: 107


1- مختصر المزني: 273، المهذّب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 476:11.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 476:11-477، و المهذّب - للشيرازي - 2: 265، و حلية العلماء 724:7.

من قال: فيه للشافعي قولان، كما لو مات في دار الحرب. و منهم من قال هنا: يردّ قولا واحدا، لأنّه إذا رجع إلي دار الحرب فقد بطل أمانه، و هنا مات و أمانه باق، و حينئذ ينتقل إلي الإمام، لأنّه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب. و كذا لو لم يكن له وارث(1).

مسألة 65: لو كان للحربيّ أمان فترك ماله و نقض الأمان و لحق بدار الحرب، فإنّ الأمان باق في ماله،

فإن رجع ليأخذ ماله، جاز سبيه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، و يكون الأمان ثابتا، لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه، و أسقطنا حكم الأمان في ماله [1].

و ليس بجيّد، لأنّ ثبوت الأمان لماله لا يثبت له الأمان، كما لو دخل إلي دار الإسلام بأمان ثم خرج إلي دار الحرب، فإنّ الأمان باق في المال دونه، و كما لو أدخل ماله بأمان و هو في دار الحرب، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام و يثبت لماله.

و لو أسر الحربي الذي لماله أمان، لم يزل الأمان عن ماله.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله، فإن قتله، انتقل إلي وارثه المسلم إن كان، و إلاّ فإلي الحربي و صار فيئا، فإن فأداه أو منّ عليه، ردّ ماله إليه، و إن استرقّه، زال ملكه عنه، لأنّ المملوك لا يملك شيئا و صار فيئا، و إن أعتق بعد ذلك، لم يردّ إليه، و كذا لو مات لم يردّ علي ورثته، سواء كانوا مسلمين أو كفّار، لأنّه لم يترك شيئا.

مسألة 66: إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئا، وجب

ص: 108


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 476:11-477، و المهذّب - للشيرازي - 265:2، و حلية العلماء 724:7.

عليه ردّه علي [1] أربابه، لأنّهم أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم و إن لم يكن ذلك مذكورا صريحا، فإنّه معلوم من حيث المعني.

و لو أسر المشركون مسلما ثمّ أطلقوه بأمان علي أن يقيم في دارهم و يسلمون من خيانته، حرمت عليه أموالهم بالشرط، و لا يجوز عليه المقام مع القدرة علي الهجرة.

و لو لم يؤمّنوه و لكن استرقّوه و استخدموه، فله الهرب و أخذ ما أمكنه من مالهم، لأنّهم قهروه علي نفسه و لم يملكوه بذلك، فجاز له قهرهم.

و لو أطلقوه علي مال، لم يجب الوفاء به، لأنّ الحرّ لا قيمة له.

و لو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالا و عاد إلينا و دخل صاحب المال بأمان، كان عليه ردّه إليه، لأنّ مقتضي الأمان الكفّ عن أموالهم.

و لو اقترض حربيّ من حربيّ مالا ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان، كان عليه ردّه إليه، لأنّ الأصل وجوب الردّ، و لا دليل علي براءة الذمّة منه.

و لو تزوج الحربيّ بحربيّة و أمهرها مهرا، وجب عليه ردّه عليها.

و كذا لو أسلما معا و ترافعا إلينا، فإنّا نلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه، و إلاّ وجب عليه قيمته خاصّة [2].

و لو تزوّج الحربيّ بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة و المهر في ذمته، لم يكن للزوجة مطالبته به، لأنّها أهل حرب و لا أمان لها علي هذا المهر.

و كذا لو ماتت و لها ورثة كفّار، لم يكن لهم أيضا المطالبة به، لما مرّ في الزوجة. و لو كان الورثة مسلمين، كان لهم المطالبة به.

و لو ماتت الحربيّة ثمّ أسلم الزوج بعد موتها، كان لوارثها المسلم

ص: 109

مطالبة الزوج بالمهر، و ليس للحربيّ [1] مطالبته به. و كذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت، طالبه وارثها المسلم دون الحربيّ.

و لو دخل المسلم أو الحربيّ دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشتري به شيئا، لم يتعرّض له، سواء كان مع المسلم أو الذمي، لأنّه أمانة معهم، و للحربيّ أمان.

و لو دفع الحربيّ إلي الذمي في دار الإسلام شيئا وديعة، كان في أمان إجماعا.

مسألة 67: إذا خلّي المشركون أسيرا مسلما من أيديهم و استحلفوه علي أن يبعث إليهم فداء عنه،

أو يعود إليهم، فإن كان كرها، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع و لا فدية إجماعا، لأنّه مكره، و إن (لم يكن مكرها) [2] لم يجب الوفاء بالمال - و به قال الشافعي(1) - لأنّه حرّ لا يستحقّون بدله، فلا يجب الوفاء بشرطه.

و قال عطاء و الحسن و الزهري و النخعي و الثوري و الأوزاعي و أحمد:

يجب الوفاء به، لقوله تعالي وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (2)(3).

و ليس حجّة، لأنّه ليس علي إطلاقه إجماعا، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.

و لو عجز عن المال، لم يجز له الرجوع إليهم، سواء كان رجلا أو امرأة.

أمّا المرأة: فأجمعوا علي تحريم رجوعها إليهم.

ص: 110


1- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 465:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 244، حلية العلماء 723:7، المغني 539:10، الشرح الكبير 560:10.
2- النحل: 91.
3- المغني 539:10-540، الشرح الكبير 560:10-561.

و أمّا الرجل: فعندنا كذلك - و به قال الحسن البصري و النخعي و الثوري و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ الرجوع إليهم معصية، فلا يلزمه بالشرط، كما لو كان امرأة.

و قال الزهري و الأوزاعي و أحمد في رواية [1]: يلزمه الرجوع، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله عاهد قريشا علي ردّ من جاءه مسلما(2)(3). و هو ممنوع.

مسألة 68: المستأمن إذا نقض العهد و رجع إلي داره،

فما خلّفه عندنا من وديعة و دين فهو باق في عهدة الأمان إلي أن يموت.

و للشافعي أربعة أوجه: أحدها: أنّه فيء. و الثاني: أنّه في أمانه إلي أن يموت، فإن مات فهو فيء. و الثالث: أنّه في أمانه، فإن مات فهو لوارثه. الرابع: أنّه في أمانه، لأنّ عقد الأمان للمال مقصود، و إلاّ فينتقض أيضا تابعا لنفسه(4).

و الرقّ كالموت في الرقيق، فإن قلنا: يبقي أمانه بعد الرقّ، فلو عتق ردّ عليه، و لو مات رقيقا، فهو فيء، إذا لا إرث من الرقيق.

و فيه قول آخر لهم مخرّج: إنّه لورثته(5).

و مهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان، و هذا [2] العذر يؤمّنه، كقصد [3] السفارة.

ص: 111


1- المغني 540:10، الشرح الكبير 561:10، الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 465:11، روضة الطالبين 476:7، حلية العلماء 723:7.
2- سنن البيهقي 144:9.
3- المغني 540:10، الشرح الكبير 561:10.
4- الوجيز 196:2.
5- الوجيز 196:2.
البحث السابع: في التحكيم.
مسألة 69: إذا حصر الإمام بلدا، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا علي حكمه،

فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا علي حكم سعد بن معاذ، فأجابهم النبي صلّي اللّه عليه و آله إلي ذلك(1).

و هل يجوز للإمام إنزالهم علي حكم اللّه تعالي ؟ قال علماؤنا بالمنع - و به قال محمد بن الحسن(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، قال: «إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم علي حكم اللّه فلا تنزلوهم، فإنّكم لا تدرون ما حكم اللّه تعالي فيهم، و لكن أنزلوهم علي حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في وصيّة النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا علي حكم اللّه فلا تنزلهم و لكن أنزلهم علي حكمي ثمّ اقض بينهم بعد بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم علي حكم اللّه لم تدروا تصيبوا حكم اللّه فيهم أم لا»(4).

و لأنّ حكم اللّه تعالي في الرجال: القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة، و في النساء: الاسترقاق أو المنّ، فيكون مجهولا، فكان الإنزال

ص: 112


1- المغازي - للواقدي - 512:2، صحيح البخاري 143:5، صحيح مسلم 3: 1388-1389-1768، المصنّف - لابن أبي شيبة - 425:14-18677، مسند أحمد 401:3-10784 و 484-11283 و 204:7-205-24573، المغني 537:10.
2- المبسوط - للسرخسي - 7:10، بدائع الصنائع 107:7.
3- صحيح مسلم 1358:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 954-2858، مسند أحمد 492:6-22521 نحوه.
4- الكافي 29:5-30-8، التهذيب 139:6-232.

علي حكم اللّه مجهولا، فكان باطلا.

و قال أبو يوسف: يجوز ذلك، لأنّ حكم اللّه تعالي معلوم، لأنّه في حقّ الكفرة: القتل في المقاتلين، و الاسترقاق في ذراريهم، و الاستغنام في أموالهم(1).

و نحن نقول: حكم اللّه تعالي معلوم في حقّ قوم ممتنعين و مع الظهور عليهم، أمّا في حقّ قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.

مسألة 70: يجوز أن ينزلوا علي حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يري بلا خلاف،

فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أجاب بني قريظة لمّا رضوا بأن ينزلوا علي حكم سعد بن معاذ، فحكم بقتل الرجال و سبي الذراري، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لقد حكم بما حكم اللّه تعالي به فوق سبعة أرقعة»(2).

قال الخليل: الرقيع اسم سماء هذه الدنيا، و يقال: كلّ واحدة رقيع للأخري، فهي أرقعة(3).

مسألة 71: يشترط في الحاكم سبعة: الحرّيّة و الإسلام و البلوغ و العقل و الذكوريّة و الفقه و العدالة.

فالعبد ليس مظنّة للفراغ في نظر أمور الناس و كيفيّة القتال و ما يتعلّق به من المصالح، لاشتغال وقته بخدمة مولاه.

و الكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين و لا يؤمن عليهم. و الصبي جاهل بالأمور الخفيّة المنوطة بالحرب، و كذا المجنون. و المرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب و مصالحها [1]. و الجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعا.

و الفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (4).

ص: 113


1- المبسوط - للسرخسي - 7:10، بدائع الصنائع 107:7.
2- المغازي - للواقدي - 512:2، المغني 538:10.
3- العين 157:1.
4- هود: 113.

و لا يشترط الفقه بجميع المسائل، بل بما يتعلّق بالجهاد.

و يجوز أن يكون أعمي - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ المقصود رأيه دون بصره، و الرأي لا يفتقر إلي البصر.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(2) ، لأنّه لا يصلح للقضاء.

و الفرق: احتياج القاضي إلي معرفة المتداعين بالبصر، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.

و كذا يجوز أن يكون محدودا في القذف مع التوبة، لاجتماعه الشرائط، خلافا لأبي حنيفة(3).

و يجوز علي حكم أسير معهم مسلم، لارتفاع القهر بالردّ إليه.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(4) ، لأنّه مقهور. و هو ممنوع.

و لو كان المسلم عندهم أو عندنا حسن الرأي فيهم، احتمل الجواز علي كراهيّة، لأنّه جامع للصفات، و المنع، للتهمة.

و لو نزلوا علي حكم رجل غير معيّن و يتعيّن باختيارهم، جاز، فإن اختاروا من يجوز حكمه، قبل، و إلاّ فلا، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: لا يجوز إسناد الاختيار إليهم، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم، أمّا لو جعلوا اختيار التعيين إلي الإمام، جاز إجماعا، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح للتحكيم(6).

و يجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعا، فإن اتّفقا، جاز. و لو مات أحدهما، لم يحكم الآخر إلاّ بعد الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. و لو اختلفا،7.

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 479:11، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 482:7، المغني 537:10، الشرح الكبير 416:10.
2- الفتاوي الهندية 202:2.
3- الفتاوي الهندية 202:2.
4- الفتاوي الهندية 202:2.
5- بدائع الصنائع 108:7.
6- العزيز شرح الوجيز 480:11، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 482:7.

لم ينفذ حكم أحدهما إلاّ أن يتّفقا.

و يجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعا.

و لو كان أحدهما كافرا، لم يجز، لأنّ الكافر لا يركن إليه لا حالة الجمع و لا الانفراد.

و لو مات الحاكم الواحد قبل الحكم، لم يحكم غيره إلاّ أن يتّفقوا علي من يقوم مقامه، فإن اتّفقوا، ردّوا إلي مأمنهم.

و لو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط و رضي به الجيش و نزلوا علي ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته، لم يحكم، و ردّوا إلي مأمنهم، و يكونون علي الحصار كما كانوا.

مسألة 72: و ينفذ ما يحكم به الحاكم 1 ما لم يخالف مشروعا،

و يشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذرّيّة و غنيمة المال، نفذ إجماعا، كقضيّة سعد(1) ، و إن حكم باسترقاق الرجال و سبي النساء و الولدان و أخذ الأموال، جاز أيضا، و إن حكم بالمنّ و ترك السبي بكلّ حال، جاز أيضا إذا رآه حظّا، لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين، و كما يجوز للإمام أن يمنّ علي الأساري مع المصلحة جاز للحاكم.

و إن حكم بعقد الذمّة و أداء الجزية، جاز، لأنّهم رضوا به، فينفذ كغيره من الأحكام، و هو أحد قولي الشافعي(2).

و في الآخر: لا يلزم، لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة، فلا يثبت إلاّ بالتراضي، و لهذا لا يسوغ للإمام إجبار الأسير علي إعطاء الجزية(3).

ص: 115


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادرها في ص 113، الهامش (2).
2- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، روضة الطالبين 483:7.
3- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، روضة الطالبين 483:7.

و الفرق: أنّ الأسير لم يرض بفعل الإمام و هؤلاء قد رضوا.

و إن حكم عليهم بالفداء، جاز كما جاز للإمام.

و لو حكم بالمنّ علي الذريّة، قال بعض العامّة: لا يجوز، لأنّ الإمام لا يملك المنّ علي الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم(1).

و قال بعضهم: يجوز، لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي، بخلاف من سبي، فإنّه يصير رقيقا بنفس السبي(2).

و إن حكم علي من أسلم بالاسترقاق و من أقام علي الكفر بالقتل، جاز. و لو أراد أن يسترقّ بعد ذلك من أقام علي الكفر، لم يكن له ذلك، لأنّه لم يدخل علي هذا الشرط. و إن أراد أن يمنّ عليه، جاز، لأنّه ليس فيه إبطال شيء شرطه، بل فيه إسقاط ما كان شرطا من القتل.

و لو حكم بالقتل و أخذ الأموال و سبي الذرّية و رأي الإمام أن يمنّ علي الرجال أو علي بعضهم، جاز، لأنّ سعدا حكم علي بني قريظة بقتل الرجال، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففعل(3) ، بخلاف مال الغنيمة إذا حازه المسلمون، فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.

مسألة 73: إذا نزلوا علي حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه،

عصموا أموالهم و دماءهم و ذراريهم من الاستغنام و القتل و السبي، لأنّهم أسلموا و هم أحرار لم يسترقّوا و أموالهم لم تغنم.

و لو أسلموا بعد الحكم عليهم، فإن حكم بقتل الرجال و سبي الذراري و نهب الأموال، نفذ الحكم إلاّ القتل، فإنّهم لا يقتلون، لقوله عليه السلام:

ص: 116


1- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
2- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
3- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.

«أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم»(1).

و لو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام، لم يجز، لأنّهم ما نزلوا علي هذا الحكم، بل وجب القتل بالحكم و سقط بالإسلام.

و قال بعض العامّة: يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.

و يكون المال علي ما حكم به من الاستغنام، و تسترقّ الذرّيّة.

و إذا حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذرّيّة و أخذ المال، كان المال غنيمة، و يجب فيه الخمس، لأنّه أخذ بالقهر و السيف.

مسألة 74: لو دخل حربيّ إلينا بأمان فقال له الإمام: إن رجعت إلي دار الحرب،

و إلاّ حكمت عليك حكم أهل الذمّة، فأقام سنة، جاز أن يأخذ منه الجزية.

و إن قال له: اخرج إلي دار الحرب، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّا، فأقام سنة، ثمّ قال: أقمت لحاجة، قبل قوله، و لم يجز أخذ الجزية منه، بل يردّ إلي مأمنه، لأصالة براءة الذمّة.

قال الشيخ: و إن قلنا: إنّه يصير ذمّيا، كان قويّا، لأنّه خالف الإمام(3).

و لو حكم الحاكم بالردّ، لم يجز، لأنّه غير مشروع و قد قلنا: إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.

ص: 117


1- المغني 536:10، الشرح الكبير 412:10، و نحوه في صحيح البخاري 2: 131، و سنن أبي داود 44:3-2640، و سنن النسائي 14:5، و سنن الدارمي 218:2.
2- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
3- المبسوط - للطوسي - 16:2.

و لو اتّفقوا علي حاكم جامع للشرائط، جاز أن يحكم إجماعا، كما تقدّم، و لا يجب عليه الحكم سواء قبل التحكيم أو لم يقبله، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة، لأنّه دخل باختياره، فجاز أن يخرج باختياره.

و لو حكم الحاكم بغير السائغ، لم ينفذ، فإن رجع و حكم بالسائغ، فالوجه نفوذه، لأنّ الأوّل لا اعتبار به في نظر الشرع، فلا يخرجه عن الحكومة، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز حكمه استحسانا(1).

و ينفذ حكم الحاكم علي الإمام، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه، و له أن يقضي بما دونه، فإنه قضي بغير القتل، فليس للإمام القتل، و إن قضي بالقتل، فهل له الاسترقاق و فيه ذلّ مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان(2).

و كذا الوجهان لو حكم بقبول الجزية فهل يجبرون و هو عقد مراضاة ؟ فإن قلنا: يلزمهم، فمنعهم كمنع أهل الذمّة الجزية(3).

و لو حكم بالإرقاق فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان(4).

و كذا الخلاف في كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق(5).

و لو شرط أن يسلّم إليه مائة نفر فعدّ مائة، قتلناه، لأنّه وفّي المائة.4.

ص: 118


1- الفتاوي الهندية 201:2-202.
2- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 481:11، روضة الطالبين 483:7.
3- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11.
4- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 482:11، روضة الطالبين 483:7.
5- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 483:11-484.
الفصل الرابع في الغنائم
اشارة

و فيه بابان:

الأوّل: في أقسامها.
اشارة

الغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال و شبهه، كأرباح التجارات و الزراعات و الصناعات و غيرها، أو اكتسبت بالقتال و المحاربة، و قد مضي(1) حكم الأوّل، و البحث هنا في القسم الثاني.

و أقسامه ثلاثة: ما ينقل و يحوّل، كالأمتعة و الأقمشة و الدوابّ و النقدين و غيرها، و ما لا ينقل و لا يحوّل، كالأراضي، و ما هو سبي، كالنساء و الأطفال.

البحث الأوّل: فيما ينقل و يحوّل.
مسألة 75: الغنيمة من دار الحرب ما أخذت بالغلبة و الحرب و إيجاف الخيل و الركاب.

و أمّا الفيء فهو مشتقّ من «فاء يفيء» إذا رجع، و المراد به في قوله تعالي ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ (2) ما حصل و رجع عليه من غير قتال و لا إيجاف بخيل و لا ركاب، و ما هذا حكمه فهو للرسول عليه السلام خاصّة و لمن قام بعده من الأئمّة عليه السلام دون غيرهم.

و ما يؤخذ بالفزع، مثل أن ينزل المسلمون علي حصن أو قلعة

ص: 119


1- مضي في ج 5 ص 420.
2- الحشر: 6.

فيهرب أهله و يتركون أموالهم فيه فزعا، فإنّه يكون من جملة الغنائم التي تخمّس، و أربعة الأخماس للمقاتلة، كالغنائم.

و قال الشافعي: إنّ ذلك من جملة الفيء، لأنّ القتال ما حصل فيه(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و هو الأقوي(2).

و قد كانت الغنيمة محرّمة فيما تقدّم من الشرائع، و كانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها، فلمّا أرسل اللّه محمّدا صلّي اللّه عليه و آله أنعم بها عليه، فجعلها له خاصّة.

قال اللّه تعالي يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ (3).

و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «أحلّ لي الخمس و لم يحل لأحد قبلي.. و جعلت لي الغنائم»(4).

و قال عليه السّلام: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي» و ذكر من جملتها «أحلّت لي الغنائم»(5) فاعطي عليه السّلام الغنائم بقوله قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ (6) نزلت يوم بدر لمّا تنازعوا في الغنائم، فقسّمها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و أدخل معهم جماعة لم يحضروا الوقعة، لأنّها كانت له عليه السّلام يصنع بها ما شاء، ثمّ نسخ ذلك و جعلت للغانمين أربعة1.

ص: 120


1- الوجيز 288:1، العزيز شرح الوجيز 326:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 248، منهاج الطالبين: 198، روضة الطالبين 316:5، الحاوي الكبير 388:8، حلية العلماء 690:7.
2- المبسوط - للطوسي - 64:2.
3- الأنفال: 1.
4- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 64:2.
5- صحيح البخاري 119:1، صحيح مسلم 370:1-371-521، سنن الدارمي 224:2، مسند أحمد 495:1-2737، و 237:4-13852.
6- الأنفال: 1.

أخماسها، و الخمس الباقي لمستحقّه(1) ، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 76: ما يحويه العسكر ممّا ينقل و يحوّل إن لم يصح تملّكه للمسلمين كالخمور و الخنازير،

فليس غنيمة، و ما يصحّ تملكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة علي سبيل الغلبة دون ما يختلس و يسرق، فإنّه خاصّ للمختلس، و دون ما ينجلي عنه الكفّار من غير قتال، فإنّه فيء، و دون اللقطة، فإنّها لآخذها.

أمّا الغنيمة: فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخمس لأربابه، و الباقي للغانمين.

و أمّا الأشياء المباحة في الأصل - كالصيود و الأحجار و الأشجار - فإن لم يكن عليها(2) أثر لهم، فهي(3) لواجدها(4) ، و ليست(5) غنيمة، و به قال الشافعي و مكحول و الأوزاعي(6) ، خلافا لأبي حنيفة و الثوري حيث جعلاها(7) للمسلمين(8).

و لو كان عليها(9) أثر - كالطير المقصوص و الأشجار المقطوعة و الأحجار المنحوتة - فهي(10) غنيمة.

ص: 121


1- المغازي - للواقدي - 131:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 45:3، التفسير الكبير 115:15، الجامع لأحكام القرآن 360:7، أسباب النزول - للنيسابوري -: 132.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
6- روضة الطالبين 458:7، العزيز شرح الوجيز 426:11، المغني 477:10 - 478، الشرح الكبير 477:10.
7- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: جعلاه. و ما أثبتناه لأجل السياق.
8- المغني و الشرح الكبير 477:10.
9- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
10- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

و لو وجد في دار الحرب شيء يحتمل أن يكون للمسلمين و الكفّار - كالخيمة و السلاح - فالوجه: أنّه لقطة.

و قال الشيخ: يعرّف سنة ثمّ يلحق بالغنيمة(1). و به قال أحمد(2).

فإن وجد قدح منحوت في الصحراء فعرفه المسلمون، فهو لهم، و إلاّ فغنيمة، لأنّه في دارهم.

و لو وجد صيدا في أرضهم لا مالك له و احتاج إلي أكله، فإنّه له، و لا يردّه إجماعا، لأنّه لو وجد طعاما مملوكا للكفّار، كان له أكله إذا احتاج إليه، فالصيد المباح أولي.

و لو أخذ من بيوتهم أو خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسنّ [1]، فهو أحقّ به إجماعا. و لو صار له قيمة بنقله أو معالجته، فكذلك، و به قال أحمد و مكحول و الأوزاعي و الشافعي(3).

و قال الثوري: إذا دخل به دار الإسلام، دفعه في المغنم [2]، و إن عالجه فصار له ثمن، اعطي بقدر عمله فيه، و دفع في المغنم [3](4).

و ليس شيئا، لأنّ القيمة صارت له بعلمه و نقله، فلم يكن غنيمة حال أخذه.0.

ص: 122


1- المبسوط - للطوسي - 30:2.
2- المغني 480:10، الشرح الكبير 476:10.
3- المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.
4- المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.

و لو ترك صاحب المغنم [1] شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله فقال:

من حمله فهو له، جاز، و صار لآخذه. و به قال مالك(1) ، خلافا لبعض العامّة(2).

و لو وجد في أرضهم ركازا، فإن كان في موضع يقدر عليه بنفسه، فهو له، كما لو وجده في دار الإسلام، يخرج خمسه، و الباقي له.

و إن لم يقدر عليه إلاّ بجماعة المسلمين، فإن كان في مواتهم، قال الشافعي: يكون كما لو وجده في دار الإسلام، و إلاّ فهو غنيمة(3).

و قال مالك و الأوزاعي و الليث و أحمد: هو غنيمة، سواء كان في مواتهم أو غير مواتهم، لأنّه مال مشترك ظهر عليه بقوّة جيش المسلمين، فكان غنيمة، كالأموال الظاهرة(4).

مسألة 77: لا يجوز التصرّف في شيء من الغنيمة قبل القسمة إلاّ ما لا بدّ للغانمين منه،

كالطعام، و ضابطه: القوت و ما يصلح به القوت، كاللحم و الشحم، و كلّ طعام يعتاد أكله، و علف الدوابّ: التبن و الشعير و ما في معناهما، إجماعا، إلاّ من شذّ(5) - و به قال سعيد بن المسيّب و عطاء و الحسن البصري و الشعبي و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لما رواه العامّة عن ابن عمر، قال: كنّا نصيب العسل

ص: 123


1- المنتقي - للباجي - 177:3، المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.
2- المغني 478:10-479، الشرح الكبير 477:10.
3- المغني 479:10، الشرح الكبير 476:10.
4- المغني 479:10، الشرح الكبير 476:10.
5- كما في المغني 480:10، و الشرح الكبير 460:10.
6- المغني 480:10-481، الشرح الكبير 460:10، المحرّر في الفقه 177:2 - 178، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 427:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 459:7، حلية العلماء 667:7.

و الفواكه في مغازينا فنأكله و لا نرفعه(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في وصيّة النبي صلّي اللّه عليه و آله:

«و لا تحرقوا زرعا لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله»(2).

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلي ذلك، فإنّ نقل الميرة(3) عسر جدّا، و قسمته تستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه.

و قال الزهري: لا يؤخذ إلاّ بإذن الإمام، لأنّه غنيمة، فهو لأربابه(4).

و هو ممنوع، لاشتداد الحاجة.

و هل يجوز أخذ الطعام أو العلف مع عدم الحاجة ؟ الوجه: المنع، لأنّه مغنوم لجماعة الغانمين غير محتاج إليه، فأشبه سائر الأموال. نعم، لهم التزوّد لقطع المسافة بين أيديهم.

و قال بعض العامّة: يجوز مع عدم الحاجة أيضا(5) ، لأن عمر سوّغ الأكل(6) ، و لم يقيّد بالحاجة.

و الحيوان المأكول يجوز ذبحه و الأكل منه مع الحاجة، و لا تجب القيمة، لأصالة البراءة.0.

ص: 124


1- صحيح البخاري 116:4.
2- الكافي 29:5-8، التهذيب 138:6-232.
3- الميرة: الطعام. الصحاح 821:2 «مير».
4- المغني 481:10، الشرح الكبير 460:10، حلية العلماء 667:7.
5- العزيز شرح الوجيز 429:11-430، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 667:7، الحاوي الكبير 167:14.
6- سنن سعيد بن منصور 274:2-275-2750، المغني 481:10، الشرح الكبير 461:10.

و لا فرق بين الغنم و غيرها.

و قال بعض الشافعيّة: ما يمكن سوقه يساق، و أمّا الغنم فتذبح، لأنّها كالأطعمة، و لهذا قال عليه السّلام حين سئل عن ضالّتها: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(1)(2).

و قال بعض العامّة: تجب القيمة، لندور الحاجة إليه، بخلاف الطعام(3).

و ليس بشيء، لأنا فرضنا الحاجة.

و إذا ذبح الحيوان للأكل، ردّ الجلود إلي المغنم، و لا يجوز استعمالها، لعدم الحاجة إليها. و لو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك، ردّه إلي المغنم مع اجرة المثل لمدّة استعماله و أرش نقص أجزائه بالاستعمال. و لو زادت قيمته بالصنعة، فلا شيء له، لأنّه متعدّ.

و أمّا ما عدا الطعام و العلف و اللحم فلا يجوز تناوله و لا استعماله و لا الانفراد به، لقوله عليه السّلام: «أدّوا الخيط و المخيط فإنّ الغلول عار و نار و شنار يوم القيامة»(4).

و للشافعيّة في الفواكه وجهان(5).7.

ص: 125


1- صحيح البخاري 163:3، صحيح مسلم 1346:3-1347-1722، سنن أبي داود 137:2-1712، سنن الترمذي 655:3-656-1372، سنن ابن ماجة 836:2-837-2504، الموطأ 757:2-46.
2- العزيز شرح الوجيز 429:11.
3- العزيز شرح الوجيز 429:11، روضة الطالبين 459:7، حلية العلماء 7: 667.
4- سنن ابن ماجة 950:2-951-2850.
5- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 427:11، حلية العلماء 667:7، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 459:7.

و يمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد و يشقّ نقله و بين غيره.

و أمّا الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة، لأنّه نوع من الطعام. و لو كان غير مأكول، فإن احتاج إلي أن يدهن به أو دابّته، لم يكن له ذلك إلاّ بالقيمة، قاله الشافعي، لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه، و لا هو طعام و لا علف(1).

و قال بعض العامّة: يجوز، لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه و دابّته كالحاجة إلي الطعام و العلف(2).

و يجوز أن يأكل ما يتداوي به أو يشربه - كالجلاب و السكنجبين و غيرهما - عند الحاجة، لأنّه من الطعام.

و قال أصحاب الشافعي: ليس له تناوله، لأنّه ليس قوتا و لا يصلح به القوت(3).

و الوجه: الجواز، لأنّه يحتاج إليه، فأشبه الفواكه.

و ليس له غسل ثوبه بالصابون، لأنّه ليس طعاما و لا علفا، و إنّما يراد للتحسين و التزيين لا للضرورة.

و لا يجوز الانتفاع بجلودهم و لا اتّخاذ النعال منها و لا الجرب [1] و لا الخيوط و لا الحبال - و به قال الشافعي(4) - لأنّه مال غنيمة لا تعمّ الحاجة0.

ص: 126


1- الامّ 263:4، المهذّب - للشيرازي - 241:2، المغني 483:10، الشرح الكبير 463:10.
2- المغني 482:10-483، الشرح الكبير 463:10.
3- المغني 483:10، الشرح الكبير 463:10.
4- الامّ 263:4، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 429:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، المغني 484:10.

إليه، فلا يختصّ به البعض.

و رخّص مالك في الحبل يتّخذ من الشعر، و النعل و الخفّ يتخذ من جلود البقر(1).

مسألة 78: الكتب التي لهم: فإن كان الانتفاع بها حلالا - كالطبّ

و الأدب و الحساب و التواريخ - فهي غنيمة، و إن حرم الانتفاع بها - مثل كتب الكفر و الهجو و الفحش المحض - فلا يترك [1] بحاله، بل يغسل إن كان علي رقّ [2] أو كاغذ ثخين يمكن غسله، ثمّ هو كسائر أموال الغنيمة، و إن لم يكن، أبطلت منفعته بالتمزيق، ثم الممزّق كسائر الأموال، فإنّ للممزّق قيمة و إن قلّت.

و كذا كتب التوراة و الإنجيل، لأنّها مبدّلة محرّفة، فلا يجوز الانتفاع بها، و إنّما تقرّ في أيدي أهل الذمّة، لاعتقادهم، كما يقرّون علي الخمر.

و الأولي أنّها لا تحرق، لما فيها من أسماء اللّه تعالي.

و أمّا جوارح الصيد - كالفهد و البازي و كلب الصيد - فغنيمة. و لو لم يرغب فيها أحد من الغانمين، جاز إرسالها و إعطاؤها غير الغانمين. و لو رغب فيها بعض الغانمين، دفعت إليه، و لا تحسب عليه من نصيبه، لأنّه لا قيمة لها. و إن رغب فيها الجميع، قسّمت، و لو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها، أقرع بينهم.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الإمام يخصّ بالكلاب من شاء(2).

ص: 127


1- المدوّنة الكبري 36:2، المغني 484:10، الشرح الكبير 464:10.
2- الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 423:11.

قالوا: و للإمام أن يسلّمها إلي واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه [1]، و لا يكون محسوبا عليه(1).

و اعترض عليه: بأنّ الكلب منتفع به، فليكن حقّ اليد فيه لجميعهم، كما أنّ من مات و له كلب، لا يستبدّ به بعض الورثة(2).

و قال بعضهم: إن أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس و لم ينازع فيه، سلّم إليه، و إن تنازعوا، فإن وجدنا كلابا و أمكنت القسمة عددا، قسّمت و إلاّ أقرع بينهم، و قد تعتبر قيمتها عند من يري لها قيمة أو ينظر إلي منافعها(3).

و لو وجدوا خنازير، قتلوها، لحصول الأذي منها.

و لو وجدوا خمرا، أراقوه، و لو كان لظروفه قيمة، أخذوها غنيمة، إلاّ أن تزيد مئونة الحمل علي قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم.

و لا يجوز لبس ثياب الغنيمة و لا ركوب دوابّها، لأنّه مال مغنوم، فلا يختصّ به أحد.

و لو كان للغازي دوابّ أو رقيق، جاز له أن يطعمهم ممّا يجوز له أكله، سواء كانوا للقنية أو للتجارة، للحاجة، بخلاف ما لو كان معه بزاة أو صقور، لعدم الحاجة إليها، بخلاف الخيل.

و لا يجوز استعمال أسلحة الكفّار إلاّ أن يضطرّ إليه في القتال، فإذا انقضي الحرب، ردّه إلي المغنم، و به قال الشافعي(4).7.

ص: 128


1- العزيز شرح الوجيز 423:11، روضة الطالبين 457:7.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 423:11-424، و روضة الطالبين 457:7.
3- العزيز شرح الوجيز 424:11، روضة الطالبين 457:7.
4- العزيز شرح الوجيز 429:11، روضة الطالبين 459:7.

و قال أبو حنيفة: يجوز استعمال أسلحتهم(1).

و لو جمعت الغنائم و ثبتت يد المسلمين عليها و فيها طعام أو [1] علف، لم يجز لأحد أخذه إلاّ لضرورة، لأنّا أبحنا له الأخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة، فبعد الاستيلاء أولي. و لأنّ الغانمين ملكوها بالحيازة، فخرجت عن المباحات، فلا يجوز الأكل منها إلاّ أن لا يجد غيره، لأنّ حفظ النفس واجب، سواء حيزت في دار الحرب أو دار الإسلام.

و قال بعض العامّة: إن حيزت في دار الحرب، جاز الأكل، كما جاز قبل الحيازة، لأنّ دار الحرب مظنّة الحاجة(2).

و هو غلط، لأنّ المسلمين ملكوه، فلا يباح أخذه إلا بإذن. و لأنّ الحيازة في دار الحرب تثبت الملك، كالحيازة في دار الإسلام، و لهذا جاز قسمته، و تثبت فيه أحكام الملك.

مسألة 79: لو فضل معه من الطعام فضلة فأدخله دار الإسلام، ردّه إلي المغنم و إن قلّ،

فإن كانت الغنيمة لم تقسّم، ردّ في المغنم، و إن قسّمت، ردّه إلي الإمام، فإن أمكن تفريقه كالغنيمة، فرّق، و إن لم يمكن، لتفرّق الغانمين و قلّة ذلك، احتمل جعله في المصالح.

و لا خلاف في وجوب ردّ الكثير، لأنّ المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب، فالفاضل غير محتاج إليه، فيردّ.

ص: 129


1- الهداية - للمرغيناني - 144:2، بدائع الصنائع 124:7، شرح معاني الآثار 3: 251، العزيز شرح الوجيز 429:11.
2- المغني 491:10، الشرح الكبير 466:10-467.

و أما القليل فكذلك - و هو أحد قولي الشافعي و قول أبي حنيفة و أبي ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقوله عليه السّلام: «أدّوا [1] الخيط و المخيط»(2).

و لأنّه مال لم يقسّم، فأشبه الكثير.

و قال مالك: يكون مباحا لا يجب ردّه إلي المغنم - و به قال الأوزاعي و عطاء الخراساني و مكحول و الشافعي في القول الآخر، و أحمد في الرواية الأخري - لأنّه أبيح إمساكه عن القسمة، فأبيح في دار الإسلام، كمباحات دار الحرب(3).

و الفرق ظاهر.

و عن أبي حنيفة أنّه إن كان ذلك قبل قسمة الغنيمة، ردّه إلي المغنم، و إن كان بعدها، باعه و تصدّق بثمنه(4).

مسألة 80: ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر،

فهو

ص: 130


1- الامّ 262:4، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 668:7، الحاوي الكبير 169:14، التنبيه في الفقه الشافعي: 234، روضة الطالبين 460:7، المغني 486:10-487، الشرح الكبير 466:10.
2- سنن ابن ماجة 950:2-2850.
3- المدوّنة الكبري 38:2، الحاوي الكبير 169:14، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11-431، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 460:7، حلية العلماء 668:7، التنبيه في الفقه الشافعي: 234-235، المغني 487:10، الشرح الكبير 466:10.
4- الهداية - للمرغيناني - 145:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، الحاوي الكبير 170:14، حلية العلماء 668:7.

للمقاتلة يؤخذ منه الخمس، و الباقي للغانمين. و ما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام، فهو للإمام خاصّة عندنا. و ما يتركه المشركون فزعا و يفارقونه من غير حرب، فهو للإمام أيضا. و ما يؤخذ صلحا أو جزية، فهو للمجاهدين، و مع عدمهم يقسم في فقراء المسلمين، و ما يؤخذ غيلة من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة، أعيد إليهم، فإن لم يكن كان لآخذه، و فيه الخمس.

و من مات من أهل الحرب و خلّف مالا فماله للإمام إذا لم يكن له وارث.

و قال بعض الشافعيّة: لو دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين و أخذوا مالا علي صورة السرقة، كان ملكا لآخذه خاصّة، لأنّ السارق يقصد تملك المال و إثبات اليد عليه، و مال الحربي غير معصوم، فكأنّه غير مملوك، و صار سبيله سبيل الاستيلاء علي المباحات، بخلاف مال الغنيمة، فإنّه و إن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملّك، إذ لا يجوز التغرّر بالمهج لاكتساب الأموال، و إنّما الغرض الأعظم رفع كلمة اللّه تعالي، و قمع أعداء الدين، و للقصد أثر ظاهر فيما يملك بالاستيلاء(1).

و قال بعضهم: إنّه غنيمة مخمّسة، كأنّهم جعلوا دخوله دار الحرب و تغريره بنفسه قائما مقام القتال، و لهذا قالوا: لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصّصين و أخذت مالا، فهو غنيمة مخمّسة(2).

و روي عن أبي حنيفة أنّه لا يخمّس، بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوّة و امتناع(3).

و في رواية أخري: يؤخذ الجميع منهم، و يجعل في بيت المال(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب و أخذ من1.

ص: 131


1- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
2- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
3- العزيز شرح الوجيز 425:11.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11.

حربيّ مالا بالقتال، أخذ منه الخمس، و الباقي له، و إن أخذه علي جهة السوم ثمّ جحد أو هرب، فهو له خاصّة و لا خمس(1).

و قال بعضهم: ما يؤخذ بالاختلاس يملك المختلسون أربعة أخماسه، لأنّهم ما وصلوا إليها إلاّ بتغرير أنفسهم، كما لو قاتلوا(2).

و عن أبي إسحاق أنّ المختلس يكون فيئا، لأنّه حصل بغير إيجاف خيل و لا ركاب(3) ، كما هو مذهبنا.

و قال بعضهم: هذا إذا دخل الواحد أو النفر اليسير دار الحرب و أخذوا، فأمّا إذا أخذ بعض الجند الداخلين بسرقة و اختلاس، فهو غلول، لأنّهم قالوا: ما يهديه الكافر إلي الإمام أو إلي واحد من المسلمين و الحرب قائمة لا ينفرد به المهدي إليه، بل يكون غنيمة، بخلاف ما إذا أهدي من دار الحرب إلي دار الإسلام(4).

و قال أبو حنيفة: إنّه ينفرد المهدي إليه بالهديّة بكلّ حال(5).

و المال الضائع الذي يؤخذ علي هيئة اللقطة إن علم أنّه للكفّار، قال بعض الشافعيّة: إنّه يكون لواجده، لأنّه ليس مأخوذا بقوّة الجند أو قوّة الإسلام حتي يكون فيئا، و لا بالقتال حتي يكون غنيمة(6).7.

ص: 132


1- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
2- الحاوي الكبير 207:14، العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 7: 457-458.
3- الحاوي الكبير 206:14-207، العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7، و انظر: الحاوي الكبير 223:14.
5- العزيز شرح الوجيز 425:11، و انظر: مختصر اختلاف العلماء 498:3-1650.
6- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7.

و قال بعضهم: يكون غنيمة لا يختصّ به الآخذ(1).

و لو أمكن أن يكون للمسلمين، وجب تعريفه يوما أو يومين، لأنّه يكفي إنهاء التعريف إلي الأجناد إذا لم يكن مسلم سواهم، و لا ينظر إلي الاحتمال (بطروق التجّار) [1].

و قال بعضهم: إنّه يعرّف سنة علي ما هو قاعدة التعريف(2).

و قال بعضهم: لو وجد ضالّة في دار الحرب، فهو غنيمة، فالخمس لأهله، و الباقي له و لمن معه. و لو وجد ضالّة لحربيّ في دار الإسلام، لا يختصّ هو به، بل يكون فيئا. و كذا لو دخل صبي أو امرأة بلادنا فأخذه رجل، يكون فيئا. و لو دخل منهم رجل فأخذه مسلم، يكون غنيمة، لأنّ لآخذه مئونة، و يري الإمام فيه رأيه، فإن رأي استرقاقه، كان الخمس لأهله، و الباقي لمن أخذه، بخلاف الضالّة، لأنّها مال الكفّار حصل في أيدينا من غير قتال(3).

مسألة 81: لو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئا، ضمن

لأنّه لم يستعمله في الوجه السائغ شرعا، و ما يأخذه لا يملكه بالأخذ و لكن أبيح له الأخذ و الأكل.

و لو أخذ بعض الغانمين فوق ما يحتاج إليه و أضاف به غانما أو غانمين، جاز، و ليس فيه إلاّ إتعاب نفسه بالطبخ و إصلاح الطعام.

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 426:11، روضة الطالبين 458:7.
2- العزيز شرح الوجيز 426:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 458:7.
3- العزيز شرح الوجيز 426:11، روضة الطالبين 458:7.

و ليس له أن يضيف غير الغانمين، فإن فعل، فعلي الآكل الضمان إن كان عالما، و إن كان جاهلا، استقرّ الضمان علي المضيف.

و لو لحق الجند مدد بعد انقضاء القتال و حيازة الغنيمة، فالوجه: أنّ لهم الأكل في موضع يشاركون في القسمة. و للشافعيّة وجهان، أحدهما:

الجواز، لحصوله في دار الحرب التي هي مظنّة عزّة الطعام. و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّه معهم كغير الضيف(1).

مسألة 82: إنّما يسوغ للغانمين أكل ما سوّغناه إذا كانوا في دار الحرب

التي تعزّ فيها الأطعمة علي المسلمين، فإذا انتهوا إلي عمران دار الإسلام و تمكنوا من الشراء، أمسكوا.

و لو خرجوا عن دار الحرب و لم ينتهوا إلي عمران دار الإسلام، فالأقرب جواز الأكل، لبقاء الحاجة الداعية إليه، فإنّهم لا يجدون من يبيعهم و لا يصادفون سوقا. و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: المنع، لأنّ مظنّة الحاجة دار الحرب، فيناط الحكم بها(3).

و لو وجدوا سوقا في دار الحرب و تمكّنوا من الشراء، احتمل جواز الأكل، للعموم.

و هو أظهر وجهي الشافعيّة، لأنّهم جعلوا دار الحرب في إباحة الطعام بمنزلة السفر في الرخص، فإنّ الرخص [1] و إن ثبتت [2] لمشقّة السفر

ص: 134


1- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11، روضة الطالبين 460:7.
2- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 460:7-461.
3- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 460:7-461.

فالمترفّه الذي لا مشقّة عليه يشارك فيها من حصلت له المشقّة(1).

و ليس للغانم أن يقرض ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو يبيعه، فإن فعل، فعلي من أخذه ردّه إلي المغنم. فإن أقرضه غانما آخر، فليس ذلك قرضا حقيقيّا، لأنّ الآخذ لا يملك ما يأخذه حتي يملّكه غيره.

و حينئذ فالأقرب أنّه ليس للمقرض مطالبة المقترض بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب، و لا يلزم الآخذ الردّ، لأنّ المستقرض من أهل الاستحقاق أيضا، فإذا حصل في يده، فكأنّه أخذه بنفسه. و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: أنّ له مطالبته بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب، لأنّه إذا أخذه صار أحق به، و لم تزل يده عنه إلاّ ببدل.

و علي هذا الوجه له مطالبته بردّ مثله من المغنم لا من خالص ملكه، فلو ردّ عليه من خالص ملكه، لم يأخذه المقرض، لأنّ غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتي لو لم يكن في المغنم طعام آخر سقطت المطالبة. و إذا ردّ من المغنم، صار الأوّل أحقّ به، لحصوله في يده.

و علي هذا الوجه إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم، فيردّ المستقرض علي الإمام.

و إذا دخلوا دار الإسلام و قد بقي عين القرض في يد المستقرض، بني علي أنّ الباقي من طعام المغنم هل يجب ردّه إلي المغنم ؟ إن قلنا:

نعم، ردّه إلي المغنم، و إن قلنا: لا، فإن جعلنا للقرض اعتبارا، فيردّه إلي المقرض، و إن قلنا: لا اعتبار له، فلا يلزمه شيء(3).

مسألة 83: لو باع الغانم ما أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه

من

ص: 135


1- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 461:7.
2- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 432:11، روضة الطالبين 461:7.
3- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 432:11، روضة الطالبين 461:7.

الغنيمة، فهو إبدال مباح بمباح، كإبدال الضيوف [1] لقمة بلقمة، و كلّ منهما أولي بما تناوله من يد الآخر.

و لو تبايعا صاعا بصاعين، لم يكن ذلك ربا، لأنّه ليس معاوضة حقيقيّة، بل هو كما لو كان في يد عبده طعام فتقابضا صاعا بصاعين.

قال بعض الشافعيّة: من جعل للقرض اعتبارا يلزمه أن يجعل للبيع [2] اعتبارا حتي يجب علي الآخذ تسليم صاع إلي بائعه. و إن تبايعا صاعا بصاعين، فإن سلم بائع الصاع الصاع، لم يملك إلاّ طلب صاع تشبيها بالقرض، و إن سلّم المشتري الصاعين، لم يطلب إلاّ صاعا، و ملك الزائد علي البذل(1).

إذا عرفت هذا، فالمأخوذ حيث قلنا: إنّه مباح للغانم غير مملوك فليس له أن يأكل طعامه و يصرف المأخوذ إلي حاجة أخري بدلا عن طعامه، كما لا يتصرّف الضيف فيما قدّم إليه إلاّ بالأكل.

و لو قلّ الطعام و خاف قائد الجيش الازدحام و التنازع عليه، جعله تحت يده و قسّمه علي المحتاجين علي إقدار الحاجات.

مسألة 84: الأقرب أنّ حقّ الغانم من الغنيمة يسقط بالإعراض عن الغنيمة و تركها قبل القسمة،

لأنّ المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين و الذبّ عن الملّة، و الغنيمة تابعة، فمن أعرض عنها فقد أخلص عمله بعض الإخلاص، و جرّد قصده للمقصد الأعظم. و لأنّ الغنيمة لا تملك قبل القسمة، بل تملك إن تملّك علي قول(2) ، فالحقّ فيه كحقّ الشفعة.

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 433:11.
2- العزيز شرح الوجيز 433:11.

و بالجملة، إن قلنا: تملك إن تملّك فهو كحقّ الشفعة، و إن قلنا:

تملك، فلا ينبغي أن يكون مستقرّا، ليتمكّن من تمحيض الجهاد ليحصل المقصد الأعظم، فلو قال أحد الغانمين: وهبت نصيبي من الغانمين، صحّ، و كان إسقاطا لحقّه الثابت له، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه إن أراد الإسقاط، صحّ، و إن أراد التمليك، لم يصح، لأنّه مجهول(2).

مسألة 85: إذا حاز المسلمون الغنائم و جمعوها، ثبت حقّهم فيها،

و ملكوها، سواء جمعوها في دار الحرب أو في دار الإسلام - و به قال الشافعي(3) - لأنّه يجوز القسمة في دار الحرب.

و قال أبو حنيفة: إذا حازوها في دار الحرب، لا تملك، و إنّما تملك بعد إحرازها في دار الإسلام(4). و ليس بجيّد.

و مع الحيازة يثبت لكلّ واحد منهم حقّ الملك.

و قيل: لا يملك إلاّ باختيار التملّك، لأنّه لو قال واحد: أسقطت حقّي، سقط، و لو كان ملكا له، لم يزل بذلك، كما لو قال الوارث:

أسقطت حقّي في الميراث، لم يسقط، لثبوت الملك له و استقراره(5).

و فيه نظر، لأنّه بالحيازة قد زال ملك الكفّار عنها، و لا يزول إلاّ إلي المسلمين. نعم، ملك كلّ واحد منهم غير مستقرّ في شيء بعينه، أو جزء

ص: 137


1- العزيز شرح الوجيز 433:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 433:11، روضة الطالبين 462:7.
3- العزيز شرح الوجيز 436:11، روضة الطالبين 463:7، تحفة الفقهاء 3: 298، بدائع الصنائع 121:7، الهداية - للمرغيناني - 142:2.
4- الهداية - للمرغيناني - 142:2، تحفة الفقهاء 298:3، بدائع الصنائع 7: 121، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 436:11، و روضة الطالبين 463:7.

مشاع، بل للإمام أن يعيّن نصيب كلّ واحد بغير اختياره، بل هو ملك ضعيف.

مسألة 86: من غلّ من الغنيمة شيئا، ردّه إلي المغنم،

و لا يحرق رحله - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أصحاب الرأي(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يحرق رحل الغالّ(2). و لأنّ فيه إضاعة المال، و لم يثبت لها نظير في الشرع.

و قال الحسن البصري و فقهاء الشام منهم، مكحول و الأوزاعي: إنّه يحرق رحله، إلاّ المصحف و ما فيه روح، لما رواه عمر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه و اضربوه»(3)(4).

و نمنع صحّة السند.

قال أحمد: و لا تحرق آلة الدابّة، كالسرج و غيره، لأنّه يحتاج إليه للانتفاع(5).

و قال الأوزاعي: يحرق سرجه(6).

ص: 138


1- شرح السنّة 368:6، المنتقي - للباجي - 204:3، الجامع لأحكام القرآن 4: 260، المغني و الشرح الكبير 524:10.
2- سنن أبي داود 68:3-69-2712، سنن البيهقي 2:9، المغني و الشرح الكبير 524:10، شرح السنّة 368:6.
3- سنن أبي داود 69:3-2713، سنن البيهقي 103:9، المستدرك - للحاكم - 128:2.
4- المغني و الشرح الكبير 524:10، معالم السنن - للخطابي - 39:4، شرح السنّة 368:6.
5- المغني 525:10، الشرح الكبير 526:10.
6- المغني 525:10، الشرح الكبير 526:10، معالم السنن - للخطابي - 40:4، شرح السنّة 368:6.

و لا تحرق ثياب الغالّ التي عليه إجماعا، لأنّه لا يجوز تركه عريانا، و لا ما غلّ من الغنيمة إجماعا، لأنّه مال المسلمين، و لا يحرق سلاحه، لأنّه يحتاج إليه للقتال، و هو منفعة للمسلمين عامّة، و لا نفقته. و لو أبقت النار شيئا - كالحديد - فهو لمالكه، للاستصحاب.

و لا تحرق كتب العلم و الأحاديث، لأنّه نفع يرجع إلي الدين، و ليس القصد بالإحراق إضراره في دينه.

و لو لم يحرق متاعه حتي تجدّد له آخر، لم يحرق المتجدّد إجماعا.

و كذا لو مات لم يحرق رحله إجماعا، لأنّها عقوبة، فتسقط بالموت.

قال أحمد: و لو باعه أو وهبه، نقض البيع و الهبة و أحرق(1). و لو كان الغالّ صبيّا، لم يحرق إجماعا.

و كذا لو كان عبدا، لأنّ المتاع لسيده، فلا يعاقب بجناية عبده.

و لو غلّت امرأة أو ذمي، قال أحمد: يحرق متاعهما(2).

و لو أنكر الغلول و ادّعي ابتياعه، لم يحرق متاعه إجماعا، إلاّ أن يثبت بالإقرار أو البيّنة، فيحرق عند أحمد(3).

و لا يحرم الغالّ سهمه من الغنيمة، سواء كان صبيّا أو بالغا، لأنّ سبب الاستحقاق - و هو حضور الحرب - ثابت، و الغلول لا يصلح مانعا، كغيره من أنواع الفسوق، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(4).

و في الثانية: يحرم سهمه(5).

و قال الأوزاعي: إن كان صبيّا، حرم سهمه(6).

و إذا أخذ سهمه، لم يحرق إجماعا.0.

ص: 139


1- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
2- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
3- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
4- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
5- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
6- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
مسألة 87: إذا تاب الغالّ قبل القسمة، وجب ردّ ما غلّة في المغنم إجماعا،

لأنّه حقّ لغيره، فيجب عليه ردّه إلي أربابه.

و لو تاب بعد القسمة، فكذلك - و به قال الشافعي(1) - لأنّه مال لغيره، فيجب ردّه إلي أربابه، كما لو تاب قبل القسمة.

و قال مالك: إذا تاب بعد القسمة، أدّي خمسه إلي الإمام، و تصدّق بالباقي - و به قال الحسن البصري - بناء علي فعل معاوية(2)(3). و ليس حجّة.

فإن تمكّن الإمام من قسمته، فعل، و إلاّ تصدّق به بعد الخمس، لأنّ تركه تضييع له و تعطيل لمنفعته التي خلق لها، و لا يتخفّف به شيء من إثم الغالّ، و في الصدقة به نفع لمن يصل إليه من المساكين، و ما يحصل من أجر الصدقة يصل إلي صاحبه، فيذهب به الإثم عن الغالّ، فيكون أولي.

مسألة 88: لو سرق من الغنيمة شيئا،

فإن كان له نصيب من الغنيمة بقدره أو أزيد بما لا يبلغ نصاب القطع، لم يجب عليه القطع، لأنّه و إن لم يملكه لكن شبهة الشركة درأت عنه الحدّ، و إن زاد علي نصيبه بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع، وجب عليه القطع، لأنّه سارق.

هذا إذا لم يعزل منه الخمس، و لو عزل الإمام الخمس ثم سرق و لم يكن من أهل الخمس، فإن كان من الخمس، قطع، و إن كان من أربعة الأخماس، قطع إن زاد علي نصيبه بقدر النصاب.

ص: 140


1- صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - 24:8، و انظر: المغني 527:10، و الشرح الكبير 528:10.
2- سنن سعيد بن منصور 270:2-2732.
3- المغني 526:10-527، الشرح الكبير 527:10-528، الجامع لأحكام القرآن 261:4، صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - 24:8.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: إذا سرق من أربعة الأخماس ما يزيد علي نصيبه بقدر النصاب، وجب القطع.

و الثاني: لا يقطع، لأنّ حقّه لم يتعيّن، فكلّ جزء مشترك بينه و بينهم، فكان كالمال المشترك - و هو رواية(1) عندنا - و لأنّا لو قلنا: إنّه يقطع في المشترك، فإنه لا يقطع هنا، لأنّ حقّ كلّ واحد من الغانمين متعلّق بجميع المغنم، لأنّه يجوز أن يعرض الباقون، فيكون الكلّ له. و علي كلّ حال فيستردّ المسروق إن كان [باقيا، و بدله إن كان] [1] تالفا، و يجعل في المغنم(2).

و لو كان السارق عبدا، فهو كالحرّ، لأنّه يرضخ له، فإن كان ما سرقه أزيد ممّا يرضخ له بقدر النصاب، وجب القطع، و إلاّ فلا. و كذا المرأة.

و لو سرق عبد الغنيمة منها، لم يقطع، لئلاّ يزيد ضرر الغانمين.

نعم، يؤدّب حسما للجرأة.

و لو كان السارق ممّن لم يحضر الوقعة، فلا نصيب له منها، فيقطع.

و لو كان أحد الغانمين ابنا للسارق، لم يقطع إلاّ إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بمقدار النصاب، لأنّ مال الولد في حكم ماله.

و لو كان السارق سيّد عبد [له نصيب] [2] في الغنيمة، كان حكمه حكم8.

ص: 141


1- الكافي 223:7-7، التهذيب 104:10-105-406، الإستبصار 241:4-910.
2- العزيز شرح الوجيز 438:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 464:7، حلية العلماء 669:7، الحاوي الكبير 207:14-208.

من له نصيب، لأنّ مال العبد لسيّده. و بذلك كلّه قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

و زاد الشافعي: الابن إذا سرق و للأب سهم في الغنيمة أو أحد الزوجين(2).

و زاد أبو حنيفة: إذا كان لذي رحم محرم منه فيها حقّ، لم يقطع(3).

و الغالّ هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة و لا يطّلع الإمام عليه و لا يضعه مع الغنيمة. و لا ينزّل منزلة السارق في القطع، إلاّ أن يغلّ علي وجه السرقة، فإنّ الغلول أخذ مال لا حافظ له و لا يطّلع عليه غالبا، و السرقة أخذ مال محفوظ.

و السارق عندنا لا يحرق رحله.

و قال بعض العامّة: يحرق(4).

مسألة 89: ليس لأحد الغانمين أن يبيع غانما آخر شيئا من الغنيمة،

فإن باعه، لم يصح لأنّ نصيبه مجهول، و كذا وقوعه في نصيبه. و كذا لا يصحّ لو كان طعاما، لأنّ إباحة التناول لا تقتضي إباحة البيع، فيقرّ في يد المشتري، و ليس للمشتري ردّه إلي البائع و لا للبائع قهره عليه، لأنّه أمانة في يدهما لجميع المسلمين. و لو لم يكن من الغانمين. لم تقرّ يده عليه.

و لو أقرضه الغانم لمن لا سهم له، لم يصح، و استعيد من القابض.

و كذا لو باعه منه. و كذا لو جاء رجل من غير الغانمين فأخذ من طعام الغنيمة، لم تقرّ يده عليه، إذ لا نصيب له، و عليه ضمانه.

ص: 142


1- المغني 551:10، الشرح الكبير 275:10، العزيز شرح الوجيز 438:11 - 439، روضة الطالبين 464:7.
2- الامّ 365:7، الحاوي الكبير 208:14، العزيز شرح الوجيز 438:11-439، روضة الطالبين 464:7، و انظر: المغني 551:10، و الشرح الكبير 275:10.
3- المغني 551:10، الام 365:7.
4- المغني 551:10.

و لو باعه من غير الغانمين، بطل البيع، و استعيد.

و يجوز للإمام أن يبيع من الغنيمة شيئا قبل القسمة لمصلحة، فلو عاد الكفّار و أخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب، فضمانه علي المشتري، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين.

و في الأخري: ينفسخ البيع، و يكون من ضمان أهل الغنيمة، فإن كان المشتري قد وزن الثمن، استعاده، و إلاّ سقط إن كان [لا] [1] لتفريط منه، و إن كان لتفريط منه، مثل أن خرج به من العسكر وحده، فكقولنا(1).

و ليس بجيّد، لأنّ التلف في يد المشتري، فلا يرجع بالضمان علي غيره، كغيره من المبيعات.

و إذا قسّمت الغنائم في دار الحرب، جاز لكلّ من أخذ منهم التصرّف فيه كيف شاء بالبيع و غيره، فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه، لم يضمنه البائع.

و لأحمد روايتان(2).

و يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة و بعدها.

و قال أحمد: ليس له ذلك، لأنّه يحابي(3).

و يندفع الخيال بأخذه بالقيمة العدل.

مسألة 90: لا يسقط حقّ الغانم من الغنيمة بالإعراض بعد القسمة،

ص: 143


1- المغني 491:10-492، الشرح الكبير 518:10.
2- المغني 492:10، الشرح الكبير 518:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 149-150، المحرّر في الفقه 173:2.
3- المغني 493:10، الشرح الكبير 519:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 150:4.

كسائر الأملاك، و أمّا قبلها فالأقرب سقوطه.

و لو أفرز الخمس و لم تقسّم الأخماس الأربعة بعد، فالأقرب أنّ الإعراض مسقط، لأنّ إفراز الخمس لا يعيّن حقوق الواحد فالواحد من الغانمين، فلا يلزمهم في حقوقهم عكس ما كانوا عليه من قبل، و هو أصحّ قولي الشافعي(1).

و الثاني: أنّه لا يسقط، لأنّ بإفراز الخمس تتميّز حقوقهم عن الجهات العامّة، و يصير الباقي لهم، كسائر الأملاك المشتركة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إذا استقسم الغانمون الإمام، لم يسقط حقّ أحدهم بالإعراض، لأنّه يشعر باختيار التملّك و تأكيد الحق، دون ما إذا استبدّ الإمام بإفراز الخمس، فإنّهم لم يحدثوا ما يشعر بقصد التملّك [1](3).

و لو قال: اخترت الغنيمة، ففي منعه من الإعراض للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا، فقد يتغيّر الرأي في الشيء المقدور [2] عليه، و الاستقرار لا يحصل قبل القسمة.

و الثاني: نعم، كما أنّ ذا الخيار في العقود إذا اختيار أحد الطرفين لا يعدل إلي الآخر(4).

و لو أعرض الغانمون بأجمعهم ففي صحّة إعراضهم لهم وجهان:

أحدهما: لا يصحّ، و إلاّ لاستحقها أرباب الخمس، فيزيد حقّهم و اللّه تعالي قد عيّن لهم الخمس.

و أصحهما: الصحّة، و تصرف الأخماس الأربعة إلي مصارف7.

ص: 144


1- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
3- العزيز شرح الوجيز 434:11.
4- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.

الخمس، لأنّ المعني المصحّح للإعراض يشمل الواحد و الجمع(1).

و أمّا الخمس: فسهم اللّه تعالي و سهم رسوله و سهم ذوي القربي للإمام عندنا خاصّة، فيصحّ إعراضه، كما يصحّ إعراض الغانم.

و عند العامّة أنّ سهم ذوي القربي لكلّ من يستحقّ الخمس.

و في صحّة إعراضهم وجهان:

أحدهما: يصحّ، كما يصحّ إعراض الغانمين.

و الثاني: المنع، لأنّ سهمهم منحة أثبتها اللّه تعالي لهم من غير معاناة و شهود وقعة، فليسوا كالغانمين الذين يحمل حضورهم علي إعلاء الكلمة(2).

و المفلس الذي حجر عليه القاضي لإحاطة الديون به يصح إعراضه، لأنّ اختيار التملّك بمنزلة ابتداء الاكتساب، و ليس علي المفلس الاكتساب.

و في صحّة اعراض السفيه المحجور عليه نظر، أقربه: أنّه ليس له إسقاط الملك و لا إسقاط حقّ الملك، فلو صار رشيدا قبل القسمة و انفكّ عنه الحجر، صحّ إعراضه.

و لا يصحّ إعراض الصبي عن الرضخ و لا إعراض الوليّ عنه، فإن بلغ قبل القسمة، صحّ إعراضه.

و لا يصحّ إعراض العبد عن الرضخ، و يصحّ إعراض السيّد، فإنّه حقّه.

و الأقرب: صحّة إعراض السالب عن السلب - و هو أصحّ وجهي الشافعي(3) - كإعراض الغانمين.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّه متعيّن له، فأشبه الوارث(4).

مسألة 91: من أعرض من الغانمين يقدّر كأنّه لم يحضر الوقعة،

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 434:11-435، روضة الطالبين 463:7.
3- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.
4- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.

و يقسّم المال أخماسا: خمسه لمستحقّيه، و أربعة أخماس لباقي الغانمين، و هو أصحّ قولي الشافعي(1).

و الثاني: أنّ نصيب المعرض يضمّ إلي الخمس، لأنّ الغنائم في الأصل للّه تعالي، لقوله تعالي قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ (2) فمن أعرض رجعت حصّته إلي أصلها(3).

و لو مات واحد من الغانمين و لم يعرض، انتقل حقّه إلي الورثة، لأنّه ثبت له ملك أو حقّ ملك، و كلاهما موروث، فإن شاءوا أعرضوا، و إن شاءوا طلبوا.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه في أنّه هل يملك الغانمون قبل القسمة ؟ أظهرها: أنّهم لا يملكون بل يملكون إن تملّكوا، بدليل صحّة الإعراض، و لو ملكوا بالاستيلاء، لما سقط عنهم بالإعراض. و لأنّ للإمام أن يخص كلّ طائفة بنوع من المال، و لو ملكوا لم يجز إبطال حقّهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.

و الثاني: يملكون بالحيازة و الاستيلاء، لأنّ الاستيلاء علي ما ليس بمعصوم من الأموال سبب للملك [1]. و لأنّ ملك الكفّار زال بالاستيلاء، فلو لم يملكه الغانمون، بقي الملك [2] لا مالك له. نعم، هو ملك ضعيف يسقط بالإعراض، و لا تجب الزكاة فيه قبل اختيار التملّك علي الأظهر.

و الثالث: أنّ ملكهم موقوف، إن سلمت الغنيمة إلي أن اقتسموا، ظهر7.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.
2- الأنفال: 1.
3- العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.

أنّهم ملكوها بالاستيلاء، و إلاّ بان بالموت أو الأعراض عدم الملك، لأنّ قصد الاستيلاء علي المال لا يتحقّق إلاّ بالقسمة، لما تقدم من أنّ الغرض إعلاء كلمة اللّه تعالي، فإذا اقتسموا تبيّنّا قصد التملّك بالاستيلاء.

و إذا قلنا بالوقف، قال الجويني: لا نقول: نتبين بالقسمة أنّ حصّة كلّ واحد من الغانمين علي التعيين صارت ملكا بالاستيلاء، بل نقول: إذا اقتسموا، تبيّنّا أنّهم ملكوا الغنائم أوّلا ملكا مشاعا ثمّ تتميّز الحصص بالقسمة(1).

مسألة 92: لو وقع في المغنم من يعتق علي بعض الغانمين، لم يعتق حصّته ما لم يقع في حصّته،

و لم يمنعه ذلك عن الإعراض، قاله بعض الشافعيّة(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه المذهب أن نقول: ينعتق منه نصيبه منه، و يكون الباقي للغانمين(3). و به قال أحمد(4).

و قال الشافعي: إنّه لا ينعتق عليه لا كلّه و لا بعضه(5). و هو مقتضي قول أبي حنيفة(6).

لنا: ما تقدّم من أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ و قد وجد،

ص: 147


1- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 436:11، روضة الطالبين 463:7.
2- الوجيز 193:2.
3- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
4- المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 149.
5- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 239:14، العزيز شرح الوجيز 11: 445، روضة الطالبين 468:7، المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10.
6- المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10.

و لأنّ ملك الكفّار قد زال و لا يزول إلاّ إلي المسلمين، و هو أحدهم، فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة، فينعتق عليه ذلك النصيب.

احتجّ الشافعي: بأنّه لم يحصل تملّك تام، إذ للإمام أن يعطيه حصّته من غيره، فنصيبه غير متميّز من الغنيمة.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الأوّل أقوي(1).

ثمّ قال الشيخ(2): ينعتق نصيبه، و لا يلزمه قيمة ما يبقي للغانمين، لأصالة البراءة، و لا دليل علي شغلها [1]. و القياس علي المعتق باطل، لأنّ هناك إنّما وجب عليه التقويم، لأنّ العتق صدر عنه.

أمّا لو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم، فإنّه ينعتق نصيبه قولا واحد.

و لو رضي بالقسمة، فالأقرب التقويم عليه، لأنّ ملكه برضاه.

هذا إذا كان موسرا، و لو كان معسرا، عتق قدر نصيبه، و لم يقوّم عليه الباقي.

و لو أسر أباه منفردا به، لم ينعتق عليه، لأنّ الأسير لا يصير رقيقا بالأسر، بل باختيار الإمام، لأنّ للإمام حقّ الاختيار إن شاء قتله، و إن شاء استرقّه، و ان شاء منّ عليه، و إن شاء فأداه، فإن اختار الإمام استرقاقه، عتق علي السبابي أربعة أخماسه، و قوّم الخمس عليه إن كان موسرا، قاله بعض الشافعيّة(3).

قال: و لو أسر امّه، أو ابنه الصغير، فإنّه يصير رقيقا بالأسر، فإن7.

ص: 148


1- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
3- العزيز شرح الوجيز 446:11، روضة الطالبين 469:7.

اختار تملّكهما، عتق عليه أربعة أخماسهما، و قوّم الباقي عليه إن كان موسرا، و إن كان معسرا، رقّ الباقي، و إن لم يختر [1] التملّك، كان أربعة الأخماس لمصالح المسلمين و خمسه لأهل الخمس(1).

قال: و لو أنّ حربيا باع من المسلمين امرأته و قد قهرها، جاز. و لو باع أباه أو ابنه بعد قهرهما، لم يجز، لأنّه إذا قهر زوجته، ملكها، فيصحّ بيعها، و إذا قهر أباه أو ابنه، ملكه فعتق عليه فلا يجوز بيعه [2].

و لو أعتق بعض الغانمين عبدا من الغنيمة قبل القسمة، فإن كان ممّن لم يثبت فيه الرقّ، كالرجل قبل استرقاقه، لم يعتق، لأنّه عليه السّلام قال: «لا عتق إلاّ في ملك»(2) و إن كان ممّن يملك، كالصبي و المرأة، فالوجه عندنا أنّه يعتق عليه قدر حصّته و يسري إلي الباقي، فيقوّم عليه، و يطرح باقي القيمة في المغنم.

هذا إذا كان موسرا، و إن كان معسرا، عتق عليه قدر نصيبه، لأنّه موسر بقدر حصّته من الغنيمة، فإن كان بقدر حصّته من الغنيمة، عتق و لم يأخذ من الغنيمة شيئا، و إن كان دون حصّته [3]، أخذ باقي نصيبه، و إن كان أكثر، عتق قدر نصيبه.

و لو أعتق عبدا آخر و فضل من حقّه عن الأوّل شيء، عتق بقدره منر.

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 446:11-447، روضة الطالبين 469:7.
2- سنن أبي داود 258:2-2190، سنن الترمذي 486:3-1181، سنن البيهقي 320:7، سنن سعيد بن منصور 253:1-1027، المستدرك - للحاكم - 2: 419 بتفاوت يسير.

الثاني، و إن لم يفضل شيء، كان عتق الثاني باطلا.

مسألة 93: ليس للغانم وطء جارية المغنم قبل القسمة،

فإن وطئ عالما بالتحريم، حدّ بقدر نصيب غيره من الغانمين قلّوا أو كثروا، و به قال مالك و أبو ثور و الشافعي في القديم(1).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: لا حدّ، للشبهة(2).

قال الشافعي: بل يعزّر، و لا ينفذ الاستيلاد في نصيبه. و إن قلنا:

يملك، ففي نفوذه للشافعيّة وجهان، لضعف الملك(3).

و قيل: إن قلنا: يملك، نفذ، و إن قلنا: لا يملك، فوجهان، كاستيلاد الأب جارية الابن، فإن نفذ في نصيبه و هو موسر بما يخصّه من الغنيمة أو بغيره، سري، و الولد جميعه حرّ، و في وجوب قيمة حصّة غيره من الولد إشكال ينشأ من أنّه ينتقل الملك إليه قبل العلوق أو بعده ؟ و أمّا الحدّ: فلا يجب، و المهر يجب جميعه إن قلنا: لا ملك له، و يوضع في المغنم، و إن قلنا: يملك، حطّ عنه قدر حصّته(4).

ص: 150


1- المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10، المهذّب - للشيرازي - 242:2، الحاوي الكبير 235:14، العزيز شرح الوجيز 439:11، حلية العلماء 7: 670، روضة الطالبين 464:7.
2- الامّ 269:4-270، مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 235:14، الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 439:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، حلية العلماء 670:7، بدائع الصنائع 122:7، المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10.
3- الوجيز 193:2، و انظر: العزيز شرح الوجيز 439:11 و ما بعدها، و روضة الطالبين 464:7 و ما بعدها، و الحاوي الكبير 235:14 و ما بعدها.
4- الوجيز 193:2، و انظر: العزيز شرح الوجيز 439:11 و ما بعدها، و روضة الطالبين 464:7 و ما بعدها، و الحاوي الكبير 235:14 و ما بعدها.

و لو وطئها جاهلا بالتحريم، فلا حدّ إجماعا، لأنّ الشركة شبهة، و هو غير عالم. و أمّا المهر: فقال الشيخ: لا يجب عليه المهر، لعدم الدلالة علي شغل الذمّة به(1).

و قال الشافعي: يجب عليه، لأنه وطئ [1] في غير ملك سقط فيه الحدّ عن الواطئ، فيجب المهر، كوطء الأب جارية ابنه(2).

و لو أوجبنا المهر ثمّ قسّمت الغنيمة فحصلت الجارية في نصيبه، لم يسقط، لأنّه وجب بالوطي السابق.

و لو أحبلها، قال الشيخ رحمه اللّه: يكون حكم ولدها حكمها، فيكون له منه بقدر نصيبه من الغنيمة، و يقوّم بقيّة سهم الغانمين عليه، و يلزمه سهم الغانمين، و ينظر فإن كانت القيمة قدر حقّه، فقد استوفي حقّه، و إن كان أقلّ، أعطي تمام حقّه، و إن كان أكثر، ردّ الفضل، و يلحق به الولد لحوقا صحيحا، لأنّه شبهة، و تكون الجارية أمّ ولده(3). و به قال الشافعي و أحمد(4).

و قال أبو حنيفة: يكون الولد رقيقا و لا يلحق نسبه، لأنّ وطيه لم يصادف0.

ص: 151


1- المبسوط - للطوسي - 32:2.
2- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 439:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، روضة الطالبين 464:7، الحاوي الكبير 235:14، حلية العلماء 7: 671، المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10.
3- المبسوط - للطوسي - 32:2.
4- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 236:14 و 237، الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 442:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 466:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 521:10.

ملكا، لأنّ الغانم يملك بالقسمة(1). و ليس بجيّد، لأنّ ملكهم [1] يتحقّق بالاستيلاء، فلهم نصيب.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذه الجارية تصير أمّ ولده في الحال(2). و به قال أحمد(3).

و قال الشافعي: لا تصير أمّ ولد في الحال، لأنّها ليست ملكا له، فإذا ملكها بعد ذلك، ففي صيرورتها أمّ ولد قولان(4).

فعلي قول الشيخ رحمه اللّه تقوّم الجارية عليه، و يغرم سهم الغانمين(5).

و به قال أحمد(6). و للشافعي قولان(7).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وضعت، نظر فإن كانت قوّمت عليه قبل الوضع، فلا يقوّم عليه الولد، لأنّ الولد إنّما يقوّم إذا وضعت و في هذه الحال وضعته في ملكه، و إن كانت بعد لم تقوّم عليه، قوّمت هي و الولد معا بعد الوضع، و أسقط منه نصيبه، و أغرم الباقي للغانمين(8) ، لأنّه منع من رقّه، لشبهة بالوطي.2.

ص: 152


1- بدائع الصنائع 122:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 521:10، العزيز شرح الوجيز 442:11، الحاوي الكبير 236:14 و 237.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2.
3- المغني 553:10، الشرح الكبير 522:10.
4- العزيز شرح الوجيز 440:11 و 441، الحاوي الكبير 237:14، روضة الطالبين 464:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 522:10.
5- المبسوط - للطوسي - 32:2.
6- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.
7- الحاوي الكبير 237:14 و 238، العزيز شرح الوجيز 441:11 و 442، روضة الطالبين 466:7.
8- المبسوط - للطوسي - 32:2.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه تلزمه قيمته حين الوضع تطرح في المغنم، لأنّه فوّت رقّه، فأشبه ولد المغرور.

و الثانية: لا ضمان عليه بقيمته، لأنّه ملكها حين علقت، و لم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال، فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها، و لأنّه يعتق حين علوقه و لا قيمة له حينئذ(1).

و الحقّ ما قاله الشيخ، لأنّها قبل التقويم ملك الغانمين. و نمنع عتقه من حين علوقه، و بعد التقويم ولدت علي ملكه، فكان الولد له، و لا قيمة عليه للغانمين.

و لو وطئها و هو معسر، قال الشيخ رحمه اللّه: تقوّم عليه مع ولدها، و يستسعي في نصيب الباقين، فإن لم يسع في ذلك، كان له من الجارية مقدار نصيبه و الباقي للغانمين، و يكون الولد حرّا بمقدار نصيبه، و الباقي يكون مملوكا لهم، و الجارية أمّ ولد و إن ملكها فيما بعد(2).

و قال بعض العامّة: إذا وطئها و هو معسر، كان في ذمّته قيمتها و تصير أمّ ولد، لأنّه استيلاد جعل بعضها أمّ ولد، فجعل جميعها أمّ ولد، كاستيلاد جارية الابن(3).

و قال آخرون: يحسب عليه قدر حصّته من الغنيمة، و يصير ذلك المقدار أمّ ولد، و الباقي رقيق للغانمين(4).0.

ص: 153


1- المغني 554:10، الشرح الكبير 523:10.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2.
3- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.
4- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.

و لو وطئ الأب جارية من المغنم و ليس له نصيب فيها بل لولده، كان الحكم فيه كما لو وطئ الابن.

البحث الثاني: في الأساري.
مسألة 94: الأساري ضربان: ذكور و إناث، و الذكور إمّا بالغون أو أطفال،

و هم من لم يبلغ خمس عشرة سنة.

فالنساء و الأطفال يملكون بالسبي، و لا يجوز قتلهم إجماعا، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن قتل النساء و الولدان(1). و يكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة: الخمس لأهله، و الباقي للغانمين.

و لو أشكل أمر الصبي في البلوغ و عدمه، اعتبر بالإنبات، فإن أنبت الشعر الخشن علي عانته، حكم ببلوغه، و إن لم ينبت ذلك، جعل من جملة الذرّيّة، لأنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بهذا، و أجازه النبي صلّي اللّه عليه و آله(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الباقر عليه السّلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عرضهم يومئذ علي العانات، فمن وجده أنبت قتله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري»(3). و أمّا البالغون الأحرار: فإن أسروا قبل تقضي الحرب و انقضاء القتال، لم يجز إبقاؤهم بفداء و لا بغيره، و لا استرقاقهم، بل يتخيّر الإمام بين قتلهم

ص: 154


1- سنن أبي داود 54:3-2672، سنن سعيد بن منصور 239:2-2626 و 2627، المصنّف - لعبد الرزّاق - 202:5-9384، المعجم الكبير - للطبراني - 19: 75-150.
2- شرح معاني الآثار 216:3، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4، و انظر: سنن البيهقي 58:6.
3- التهذيب 173:6-339.

و بين قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف فيتركهم حتي ينزفوا بالدم و يموتوا.

و إن أسروا بعد أن وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها و انقضي القتال، لم يجز قتلهم، و يتخيّر الإمام بين أن يمنّ عليهم فيطلقهم، و بين أن يفاديهم علي مال و يدفعونه إليه، و يخلص به رقابهم من العبوديّة، و بين أن يسترقّهم و يستعبدهم. ذهب إليه علماؤنا أجمع.

و قال الشافعي: يتخيّر الإمام بين أربعة أشياء: أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة، لا بالتحريق و لا بالتغريق، و لا يمثّل بهم، أو يمنّ عليهم بتخلية سبيلهم، أو يفاديهم بالرجال أو بالمال علي ما يراه من المصلحة لا علي اختيار الشهوة، أو يسترقّهم، و يكون مال الفداء و رقابهم إذا استرقّوا كسائر أموال الغنيمة(1). و هو رواية عن أحمد(2) ، و لم يفرّقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده.

و قال أبو حنيفة: ليس له المنّ و الفداء، بل يتخيّر بين القتل و الاسترقاق لا غير(3).

و قال أبو يوسف: لا يجوز المنّ، و يجوز الفداء بالرجال دون الأموال(4).2.

ص: 155


1- العزيز شرح الوجيز 410:11، المهذّب - للشيرازي - 238:2، الحاوي الكبير 173:14، روضة الطالبين 450:7-451، حلية العلماء 653:7، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 131، المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 398:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 127، المحرّر في الفقه 172:2.
3- تحفة الفقهاء 301:3-302، بدائع الصنائع 119:7-120، الهداية - للمرغيناني - 141:2-142، العزيز شرح الوجيز 410:11، الحاوي الكبير 173:14، حلية العلماء 654:7، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 131، المغني 10: 394، الشرح الكبير 399:10.
4- تحفة الفقهاء 302:3، بدائع الصنائع 119:7-120، الهداية - للمرغيناني - 141:2-142.

و قال مالك: يتخيّر بين القتل و الاسترقاق و الفداء بالرجال دون المال(1). و هو رواية عن أحمد(2) ، و به قال الأوزاعي و أبو ثور(3).

و في رواية عن مالك: لا يجوز المنّ بغير فداء(4).

و حكي عن الحسن البصري و عطاء و سعيد بن جبير كراهة قتل الأساري(5).

لنا: قوله تعالي فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (6).

و قتل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم بدر عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث(7).

و روي العامّة: أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قتل عقبة صبرا(8). و قتل أبا عزّة يوم أحد(9). و منّ علي ثمامة بن أثال(10). و قال في أساري بدر: «لو كان مطعم ابن عدي حيّا ثمّ سألني في هؤلاء النتني [1] لأطلقتهم له»(11) وفادي أساري0.

ص: 156


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 131، العزيز شرح الوجيز 410:11.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
3- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
4- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
5- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
6- سورة محمد: 4.
7- الحاوي الكبير 173:14، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 394:10، الشرح الكبير 400:10.
8- المغني 394:10.
9- سنن البيهقي 65:9، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 394:10.
10- سنن البيهقي 319:6، و 65:9، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 10: 394.
11- سنن أبي داود 61:3-2689، سنن البيهقي 319:6، مسند أحمد 5: 35-16291، المعجم الكبير - للطبراني - 117:2-1505، المغني 394:10.

بدر - و كانوا ثلاثة و سبعين رجلا - كلّ واحد بأربعمائة(1). وفادي رجلا أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لم يقتل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط، و طعن ابن أبي خلف فمات بعد ذلك»(3).

و لأنّ كلّ خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسري، فإنّ ذا القوّة و النكاية في المسلمين قتله أنفع و بقاؤه أضرّ، و الضعيف ذا المال لا قدرة له علي الحرب، ففداؤه أصلح للمسلمين، و منهم من هو حسن الرأي في الإسلام و يرجي إسلامه، فالمنّ عليه أولي أو يرجي بالمنّ عليه المنّ علي الأساري من المسلمين [1]، أو يحصل بخدمته نفع و يؤمن ضرره، كالصبيان و النساء، فاسترقاقه أولي، و الإمام أعرف بهذه المصالح، فكان النظر إليه في ذلك كلّه.

و أمّا الذي يدلّ علي التفصيل: قول الصادق عليه السّلام: «كان أبي يقول:

إنّ للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها و لم تضجر أهلها، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم و تركه يتشحّط في دمه حتي يموت» إلي أن قال: «و الحكم الآخر: إذا وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها و أثخن أهلها فكلّ أسير أخذ علي تلك الحال و كان في أيديهم فالإمام فيه0.

ص: 157


1- المغني 394:10.
2- العزيز شرح الوجيز 410:11.
3- التهذيب 173:6-340.

بالخيار إن شاء منّ عليهم [1]، و إن شاء فاداهم أنفسهم، و إن شاء استعبدهم، فصاروا عبيدا»(1).

احتجّ مالك بأنّه لا مصلحة في المنّ بغير عوض(2). و هو ممنوع.

و احتجّ عطاء بقوله تعالي فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (3) فخيّره بعد الأسر بين هذين لا غير(4).

و هو تخيير في الأسير بعد انقضاء الحرب.

و احتجّ أبو حنيفة: بقوله تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (5) بعد قوله فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (6) لأنّ آية المنّ نزلت بمكة و آية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت، و هي براءة، فيكون ناسخا(7).

و نمنع النسخ، فإنّ العامّ و الخاصّ إذا تعارضا، عمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ. و هذا التخيير ثابت في كلّ أصناف الكفّار، سواء كانوا ممّن يقر علي دينه بالجزية، كأهل الكتاب، أو لا، كأهل الحرب - و به قال الشافعي(8) - لأنّ الحربيّ كافر أصلي، فجاز استرقاقه كالكتابيّ، و لأنّ حديث الصادق(9) عليه السّلام).

ص: 158


1- الكافي 32:5-1، التهذيب 143:6-245 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
3- سورة محمد: 4.
4- المغني 393:10-394، الشرح الكبير 399:10.
5- التوبة: 5.
6- سورة محمّد: 4.
7- انظر: بدائع الصنائع 120:7، و المغني 394:10، و الشرح الكبير 399:10.
8- العزيز شرح الوجيز 410:11، المهذّب - للشيرازي - 237:2، روضة الطالبين. 451:7، الحاوي الكبير 176:14، المغني 393:10، الشرح الكبير 398:10.
9- انظر الهامش (2).

عامّ في كلّ أسير.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن أسر رجل بالغ، فإن كان من أهل الكتاب أو ممّن له شبهة كتاب، فالإمام مخيّر فيه علي ما مضي بين الأشياء الثلاثة، و إن كان من عبدة الأوثان، تخيّر الإمام فيه بين المفادة و المنّ، و يسقط الاسترقاق(1). و به قال أبو سعيد الإصطخري(2). و عن أحمد روايتان(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز في العجم دون العرب(4). و هو قول الشافعي في القديم(5).

و احتجّ الشيخ رحمه اللّه بأنّه لا يجوز له إقرارهم بالجزية، فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق.

و نمنع الملازمة، و يبطل بالنساء و الصبيان، فإنّهم يسترقّون و لا يقرّون بالجزية.

و هذا التخيير تخيير مصلحة و اجتهاد لا تخيير شهوة، فمتي رأي الإمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال، تعيّنت عليه، و لم يجز العدول عنها، و لو تساوت المصالح، تخيّر تخيير شهوة.

و قال مالك: القتل أولي(6).0.

ص: 159


1- المبسوط - للطوسي - 20:2.
2- الحاوي الكبير 176:14، المهذّب - للشيرازي - 237:2، حلية العلماء 7: 654، روضة الطالبين 451:7، العزيز شرح الوجيز 410:11.
3- المغني 393:10 و 395، الشرح الكبير 398:10.
4- تحفة الفقهاء 302:3، بدائع الصنائع 119:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 117-118، الهداية - للمرغيناني - 160:2، الحاوي الكبير 176:14، المغني 395:10، الشرح الكبير 398:10.
5- العزيز شرح الوجيز 411:11، المهذّب - للشيرازي - 237:2، حلية العلماء 655:7، روضة الطالبين 451:7.
6- المغني 395:10، الشرح الكبير 400:10.
مسألة 95: الأقرب جواز استرقاق بعض الشخص، و الفداء و المنّ في الباقي.

و للشافعية وجهان بناء علي القولين في أنّ أحد الشريكين إذا أولد الجارية المشتركة و هو معسر، يكون الولد كلّه حرّا، أو يكون بقدر نصيب الشريك رقيقا؟ فعلي تقدير عدم الجواز قالوا: إذا ضرب الرقّ علي بعضه، رقّ الكلّ. و قال بعضهم: يجوز أن يقال: لا يرقّ شيء(1).

و إن اختار الفداء، جاز الفداء بالمال سلاحا كان أو غيره. و يجوز أن يفدي بأساري المسلمين. و يجوز أن يفديهم بأسلحتنا في أيديهم، و لا يجوز ردّ أسلحتهم في أيدينا بمال يبذلونه، كما لا يجوز بيع السلاح منهم. و في جواز ردّها بأساري المسلمين وجهان، و الأقرب عندي: الجواز.

و أمّا العبيد إذا وقعوا في الأسر، كانوا كسائر الأموال المغنومة لا يتخيّر الإمام فيهم، لأنّ عبد الحربي ماله، لأنّه لو أسلم في دار الحرب و لم يخرج و لا قهر سيّده، لم يزل ملك الحربيّ عنه، و إذا سباه المسلمون، كان عبدا مسلما لا يجوز المنّ عليه، و يجوز استرقاقه، و لو لا أنّه مال، لجاز تخلية سبيله كالحرّ، و لما جاز استرقاقه، لأنّه مسلم. و هذا قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لو رأي الإمام قتله، لشرّه و قوّته، قتله و ضمن قيمته للغانمين(3).

و الأولي عندي جواز قتله من غير ضمان، دفعا لشرّه.

مسألة 96: لو أسلم الأسير بعد الأسر، سقط عنه القتل إجماعا،

لما

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 411:11، روضة الطالبين 451:7.
2- العزيز شرح الوجيز 410:11، روضة الطالبين 450:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:2، العزيز شرح الوجيز 410:11، روضة الطالبين 450:7.

رواه العامّة من قوله عليه السّلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم»(1) الحديث.

و من طريق الخاصّة: قول زين العابدين عليه السّلام: «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار قنّا [1]»(2).

و هل بسقوط القتل يصير رقّا أو يتخيّر الإمام في باقي الجهات ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: يسترقّ بنفس الإسلام - و به قال أحمد(3) - لأنّه أسير يحرم قتله، فيجب استرقاقه، كالمرأة.

و الثاني: التخيير بين المنّ و الفداء و الاسترقاق - و هو قول الشيخ(4) رحمه اللّه - لأن أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أسروا رجلا من بني عقيل فأوثقوه و طرحوه في الحرّة، فمرّ به النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا محمّد علي م أخذت و أخذت سابقة [2] الحاج ؟ فقال: «أخذت بجريرة حلفائك من ثقيف» و كانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين، و مضي النبي صلّي اللّه عليه و آله، فناداه يا محمّد يا محمّد، فقال له: «ما شأنك ؟» فقال: إنّي مسلم، فقال: «لو قلتها و أنت تملك أمرك لأفلحت كلّ الفلاح» و فادي به النبي صلّي اللّه عليه و آله الرجلين(5) ، و لو صار رقيقا، لم يفاد به(6).0.

ص: 161


1- صحيح البخاري 138:9، صحيح مسلم 53:1-35، المستدرك - للحاكم - 522:2، سنن ابن ماجة 1295:2-3927 و 3928، سنن سعيد بن منصور 332:2-333-2933.
2- الكافي 35:5-1، التهذيب 153:6-267.
3- المغني 396:10، الشرح الكبير 403:10.
4- المبسوط - للطوسي - 20:2.
5- صحيح مسلم 1262:3-1641، سنن البيهقي 320:6 و 67:9.
6- المهذّب - للشيرازي - 237:2، الحاوي الكبير 179:14، حلية العلماء 7: 656، العزيز شرح الوجيز 484:11، روضة الطالبين 451:7-452، المغني 396:10، الشرح الكبير 403:10.

و عند الشافعي يسترقّ بنفس الإسلام، و لا يمنّ عليه و لا يفادي به إلاّ بإذن الغانمين، لأنّه صار مالا لهم(1).

و إذا فادي به مالا أو رجالا، جاز ليخلص من الرقّ، فإن فأداه بالرجال، جاز بشرط أن تكون له عشيرة تحميه من المشركين حيث صار مسلما، و إلاّ لم يجز له [1] ردّه. و المال الذي يفادي به يكون غنيمة للغانمين.

مسألة 97: لو أسلم الأسير قبل الظفر به و وقوعه في الأسر،

لم يجز قتله إجماعا، و لا استرقاقه و لا المفاداة به [2]، لأنّه أسلم قبل أن يقهر بالسبي، فلا يثبت فيه التخيير.

و لا فرق بين أن يسلم و هو محصور في حصن أو مصبور أو رمي نفسه في بئر و قد قرب الفتح، و بين أن يسلم في حال أمنه - و به قال الشافعي(2) - لأنّه لم يحصل في أيدي المسلمين بعد، و يكون دمه محقونا لا سبيل لأحد عليه، و يحقن ماله من الاستغنام و ذريّته من الأسر، و يحكم بإسلامهم تبعا له.

و قال أبو حنيفة: إسلامه بعد المحاصرة و دنوّ الفتح لا يعصم نفسه

ص: 162


1- المهذّب - للشيرازي - 237:2، الحاوي الكبير 179:14، حلية العلماء 7: 656، العزيز شرح الوجيز 484:11، روضة الطالبين 452:7، المغني 10: 396، الشرح الكبير 403:10.
2- الحاوي الكبير 178:14-179، العزيز شرح الوجيز 412:11، روضة الطالبين 452:7.

عن الاسترقاق و لا ماله عن الاغتنام(1).

و لا فرق بين مال و مال.

و قال أبو حنيفة: إسلامه يحرز ما في يده من الأموال دون العقارات.

و هو الذي [1] يذهب إليه، لأنّها بقعة من دار الحرب، فجاز اغتنامها، كما لو كانت لحربي(2).

و لا فرق بين أن يكون في دار الإسلام أو دار الحرب، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إذا أسلم في دار الإسلام، عصم ماله الذي معه في دار الإسلام دون ما معه في دار الحرب(4).

و ليس بجيّد، لعموم الخبر(5).

و قال أبو حنيفة: الحربي إذا دخل دار الإسلام و له أولاد صغار في دار الحرب، يجوز سبيهم(6).

و الحمل كالمنفصل، و به قال الشافعي(7).0.

ص: 163


1- العزيز شرح الوجيز 412:11.
2- المبسوط - للسرخسي - 66:10. الهداية - للمرغيناني - 144:2-145، العزيز شرح الوجيز 412:11، المغني 469:10، الشرح الكبير 414:10.
3- الحاوي الكبير 220:14، حلية العلماء 661:7، العزيز شرح الوجيز 11: 412، روضة الطالبين 452:7.
4- العزيز شرح الوجيز 412:11.
5- تقدّم الخبر و كذا الإشارة إلي مصادره في ص 161، الهامش (1).
6- بدائع الصنائع 105:7، العزيز شرح الوجيز 413:11، حلية العلماء 7: 662، المغني 468:10، الشرح الكبير 413:10.
7- العزيز شرح الوجيز 413:11، الحاوي الكبير 220:14، روضة الطالبين 7: 452، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.

و جوّز أبو حنيفة استرقاق الحمل تبعا للأم(1).

و ليس بجيّد، لأنّه مسلم بإسلام أبيه، فأشبه المنفصل.

و لو سبيت الزوجة و هي حامل و قد أسلم أبوه، حكم بإسلام الحمل و حرّيّته - و به قال الشافعي و أحمد(2) - كالمولود.

و قال أبو حنيفة: يحكم برقّه مع امّه، لأنّ الأم سري إليها الرقّ بالسبي فيسري إلي الحمل، لأنّ ما سري إليه العتق سري إليه الرقّ، كسائر أعضائها(3).

و الفرق: عدم انفراد الأعضاء بحكم عن الأصل، بخلاف الحمل.

و هل يحرز ولد ابنه الصغير؟ إشكال ينشأ من مشابهة الجدّ للأب، و من مفارقته إيّاه، كالميراث. و للشافعيّة وجهان(4).

و لهم ثالث: أنّ الوجهين فيما إذا كان الأب ميّتا، فأمّا إذا كان الأب حيّا، لم يحرز الجدّ(5).

و قيل: الوجهان في الصغير الذي أبوه حيّ، فإن كان ميّتا، أحرز الجدّ، وجها واحدا(6).

و المجانين من الأولاد كالصغار. و لو بلغ عاقلا ثمّ جنّ، فالأقرب أنّه1.

ص: 164


1- بدائع الصنائع 105:7، الحاوي الكبير 220:14-221، حلية العلماء 7: 662، العزيز شرح الوجيز 413:11، المغني 469:10، الشرح الكبير 10: 413.
2- الحاوي الكبير 220:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.
3- بدائع الصنائع 105:7، الحاوي الكبير 220:14-221، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.
4- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
5- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
6- العزيز شرح الوجيز 413:11.

يحرز.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو أسلمت المرأة قبل الظفر، أحرزت نفسها و مالها و أولادها الصغار، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: لا تحرزهم، و به قال مالك(2).

و أمّا الأولاد البالغون العاقلون فلا يحرزهم إسلام أحد من الأبوين، لاستقلالهم بالإسلام.

مسألة 98: لو استأجر مسلم من حربيّ أرضه في دار الحرب، صحّت الإجارة،

فلو غنمها المسلمون، كانت غنيمة، و كانت المنافع للمستأجر، لأنّه ملكها بالعقد، فلا يبطل بتجديد الملك بالاستغنام، كالبيع.

و لو أسلم و زوجته حامل، عصم الحمل علي ما تقدّم. و يجوز استرقاق الزوجة - و هو أحد وجهي الشافعي(3) - كما لو لم تكن زوجة مسلم. و الثاني: لا تسترقّ، لما فيه من إبطال حقّه(4).

و لو أعتق المسلم عبده الذمّي مطلقا إن جوّزنا بغير نذر فلحق بدار الحرب ثمّ أسر، احتمل جواز استرقاقه، لإطلاق إذن الاسترقاق، و عدمه، لأنّ للمسلم عليه ولاء، و استرقاقه يقتضي إبطاله عنه، فلا يجوز استرقاقه، كما لو أبق و هو مملوك.

و لو كان لذمي في دار الإسلام عبد ذمّي فأعتقه، صحّ عتقه، فإن لحق بدار الحرب فأسر، جاز استرقاقه عندنا إجماعا، و هو أحد وجهي

ص: 165


1- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
2- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
3- الحاوي الكبير 221:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، العزيز شرح الوجيز 413:11-414، روضة الطالبين 452:7.
4- الحاوي الكبير 221:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، العزيز شرح الوجيز 413:11-414، روضة الطالبين 452:7.

الشافعي(1).

و الثاني: المنع، لتعلّق ولاء الذمّي به(2).

و ليس بجيّد، لأنّ سيّده لو لحق بدار الحرب، جاز استرقاقه فهو أولي، و سقط حقّه بلحوق معتقه.

مسألة 99: لو أسلم عبد الذمّي أو أمته في دار الحرب ثمّ أسلم مولاه،

فإن خرج إلينا قبل مولاه، فهو حرّ، و إن خرج بعده، فهو علي الرقّيّة، لما رواه العامّة عن أبي سعيد الأعسم، قال: قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في العبد و سيّده قضيّتين: قضي أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيّده أنّه حرّ، فإن خرج سيّده بعد، لم يردّ عليه، و قضي أنّ السيّد إذا خرج قبل العبد ثمّ خرج العبد، ردّ علي سيّده(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله حيث حاصر أهل الطائف قال: أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ، و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد»(4).

و لأنّه بخروجه إلينا قبل مولاه يكون قد قهره علي نفسه فيكون قد ملكها، لأنّ القهر يقتضي التملّك، فكان حرّا، أمّا لو خرج مولاه أوّلا، فإنّ العبد يكون قد رضي ببقائه في العبوديّة حيث لم يقهره علي نفسه بالخروج، فكان باقيا علي الرقّيّة.

ص: 166


1- الحاوي الكبير 222:14، حلية العلماء 663:7، العزيز شرح الوجيز 11: 415، روضة الطالبين 453:7.
2- الحاوي الكبير 222:14، حلية العلماء 663:7، العزيز شرح الوجيز 11: 415، روضة الطالبين 453:7.
3- سنن سعيد بن منصور 290:2-2806، المغني 470:10، الشرح الكبير 10: 415.
4- التهذيب 152:6-264.

قال الشيخ رحمه اللّه: و إن قلنا: إنّه يصير حرّا علي كلّ حال، كان قويّا(1).

و لو خرج إلينا قبل مولاه مسلما، ملك نفسه، لما قلناه.

و لو كان سيّده صبيّا أو امرأة و لم يسلم حتي غنمت و قد حارب معنا، جاز أن يملك مولاه. و كذا لو أسر سيّده و أولاده و أخذ ماله و خرج إلينا، فهو حرّ، و المال له و السبي رقيقه.

و لو لم يخرج قبل مولاه، فإن أسلم مولاه، كان باقيا علي الرقّيّة له، و إن لم يسلم حتي غنم المسلمون العبد، كان غنيمة للمسلمين كافّة.

و لو أسلمت أمّ ولد الحربيّ و خرجت إلينا، عتقت، لأنّها بالقهر ملكت نفسها، و تستبرئ نفسها، و هو قول أكثر العلماء(2).

و قال أبو حنيفة: تتزوج إن شاءت من غير استبراء(3).

و ليس بجيّد، لأنّها أمّ ولد منكوحة للمولي عتقت، فلا يجوز لها أن تتزوّج من غير استبراء، كما لو كانت لذمّي.

و لو أسلم العبد و لم يخرج إلينا، فإن بقي مولاه علي الكفر حتي غنم، انتقل إلي المسلمين، و زال ملك مولاه عنه، و إن أسلم مولاه، كان باقيا علي ملكيّته.

و لو عقد لنفسه أمانا، لم يقرّ المسلم علي ملكه، لقوله تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (4).

و كذا حكم المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق و أمّ الولد في ذلك كلّه علي السواء.1.

ص: 167


1- المبسوط - للطوسي - 27:2.
2- المغني 470:10، الشرح الكبير 415:10.
3- المغني 470:10، الشرح الكبير 415:10.
4- النساء: 141.
مسألة 100: لا يجوز لغير الإمام قتل الأسير بغير قول الإمام قبل أن يري الإمام رأيه فيه،

فإن قتله مسلم أو ذميّ، فلا قصاص و لا دية و لا كفّارة، لأنّه لا أمان له، و هو حرّ إلاّ أن يسترقّ، و به قال الشافعي(1).

و قال الأوزاعي، تجب عليه الدية(2) ، لتعلّق حقّ الغانمين به، و لهذا يجوز للإمام أن يفاديه بالمال و يكون لهم.

و ليس بجيّد، لأنّ الحق إنّما يتعلّق بالبدل لا به، فإنّه حرّ لا ملك لهم فيه، نعم، يعزّر قاتله.

و يجب أن يطعم الأسير و يسقي و إن أريد قتله بعد بلحظة، لقول الصادق عليه السّلام: «الأسير يطعم و إن كان يقدّم للقتل»(3).

و لو عجز الأسير عن المشي و لم يكن مع المسلم ما يركبه، لم يجب قتله، لأنّه لا يدري ما حكم الإمام فيه، لقول زين العابدين عليه السّلام: «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه»(4).

و يكره قتل من يجب قتله صبرا من الاسراء [1] و غيرهم، و معناه أنّه يحبس للقتل، فإن أريد قتله، قتل علي غير ذلك الوجه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لم يقتل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد

ص: 168


1- الحاوي الكبير 178:14، حلية العلماء 655:7، العزيز شرح الوجيز 11: 411، روضة الطالبين 451:7، المغني 400:10، الشرح الكبير 397:10.
2- حلية العلماء 655:7، الحاوي الكبير 178:14.
3- التهذيب 153:6-268.
4- التهذيب 153:6-267.

عقبة بن أبي معيط»(1).

و لو وقع في الأسر [1] امرأة أو صبي فقتل، وجبت قيمته علي القاتل، لأنّه صار مالا بنفس الأسر.

مسألة 101: الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك،

فإن جلب منهم قوم تعارفوا بينهم بما يوجب التوارث، قبل قولهم بذلك، سواء كان ذلك قبل العتق أو بعده، و يورثون علي ذلك، لتعذّر إقامة البيّنة عليه من المسلمين، و قوله عليه السّلام: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز» [2].

و سواء كان النسب نسب الوالدين و الولد أو من يتقرّب بهما إلاّ أنّه لا يتعدّي ذلك إلي غيرهم، و لا يقبل إقرارهم به.

فإذا أخذ الطفل من بلاد الشرك، كان رقيقا، فإذا أعتقه السابي، نفذ عتقه، قاله الشافعي. [قال] [3]: و ثبت [4] له الولاء عليه. فإن أقرّ هذا المعتق بنسب، نظرت فإن اعترف بنسب أب أو جدّ أو أخ أو ابن عمّ، لم يقبل منه إلاّ ببيّنة، لأنّه يبطل حقّ المولي من الولاء(2). و هو حسن قال: و لو أقرّ بولد، ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يقبل إقراره، لما تقدّم. و الثاني: يقبل، لأنّه يملك أن يستولد فملك الإقرار بالولد. و الثالث:

إن أمكن أن يكون ولد له بعد عتقه، قبل، لأنّه يملك الاستيلاد بعد عتقه و لا يملكه قبل ذلك(3).

ص: 169


1- التهذيب 173:6-340.
2- الحاوي الكبير 247:14-248.
3- الحاوي الكبير 248:14.
مسألة 102: إذا سبي من لم يبلغ، صار رقيقا في الحال،

فإن سبي مع أبويه الكافرين، كان علي دينهما - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «كلّ مولود يولد علي الفطرة و إنّما أبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجسانه»(2) و هما معه.

و قال الأوزاعي: يكون مسلما، لأنّ السابي يكون أحقّ به، فإنّه يملكه بالسبي، و تزول ولاية أبويه عنه، و ينقطع ميراثه منهما و ميراثهما منه، فيكون تابعا له في الإسلام، كما لو انفرد السابي به(3).

و نمنع من الأصل، و ملك السابي لا يمنعه اتّباعه لأبويه، فإنّه لو كان لمسلم عبد و أمة كافران، فزوّجه منها، فإنّ الولد يكون كافرا و إن كان المالك مسلما.

و إن سبي منفردا عن أبويه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتبع السابي في الإسلام(4). و هو قول العامّة(5) كافّة، لأنّ الكفر إنّما يثبت له تبعا لأبويه و قد انقطعت تبعيّته لهما، لانقطاعه عنهما و إخراجه عن دارهما و مصيره إلي دار الإسلام تبعا لسابيه المسلم، فكان تابعا له في دينه.

قال الشيخ رحمه اللّه: و حينئذ لا يباع إلاّ من مسلم، فإن بيع من كافر، بطل البيع(6).

ص: 170


1- مختصر اختلاف العلماء 482:3، المغني 465:10، الشرح الكبير 10: 405، الكافي في فقه أهل المدينة: 209، الحاوي الكبير 246:14، حلية العلماء 663:7، المهذّب - للشيرازي - 240:2.
2- صحيح البخاري 125:2، مسند أحمد 464:2-7141 و 537-7655.
3- مختصر اختلاف العلماء 483:3، المحلّي 324:7، الحاوي الكبير 14: 246، المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10.
4- المبسوط - للطوسي - 23:2.
5- المغني 463:10، الشرح الكبير 403:10، الحاوي الكبير 246:14، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، روضة الطالبين 451:7.
6- المبسوط - للطوسي - 23:2.

و إن سبي مع أحد أبويه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتبع أحد أبويه في الكفر(1). و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد في رواية، لأنّه لم ينفرد عن أحد أبويه، فلم يحكم بإسلامه، كما لو سبي معهما(2).

و قال الأوزاعي و أحمد في الرواية الأخري: يحكم بإسلامه، لقوله عليه السّلام:

«كلّ مولود يولد علي الفطرة»(3) الحديث، و هو يدلّ من حيث المفهوم علي أنّه لا يتبع أحدهما، لأنّ الحكم متي علّق علي شيئين لا يثبت بأحدهما، و التهويد قد ثبت بهما، فإذا كان معه أحدهما، لم يهوّده. و لأنّه يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه، كما لو أسلم أحد الأبوين(4).

و دلالة المفهوم ضعيفة، و نمنع قوله: إنّه يتبع السابي.

قال الشيخ رحمه اللّه: لو مات أبو الطفل المسبيّ معهما، لم يحكم بإسلامه، و جاز بيعه علي المسلمين، و يكره بيعه علي الكافر، لأنّه بحكم الكافر فجاز بيعه علي الكافر(5).

و قال أحمد: لو مات أبواه أو أحدهما، حكم بإسلامه، لقوله عليه السّلام:

«كلّ مولود»(6) الحديث، و هو يدلّ علي أنّه إذا ماتا أو مات أحدهما، حكم بإسلامه، لأنّ العلّة إذا عدمت عدم المعلول(7).4.

ص: 171


1- المبسوط - للطوسي - 22:2.
2- مختصر اختلاف العلماء 482:3، المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الحاوي الكبير 246:14.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 170، الهامش (2).
4- المحلّي 324:7، المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4.
5- المبسوط - للطوسي - 22:2-23.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 170، الهامش (2).
7- الكافي في فقه الإمام أحمد 131:4.

احتجّ الشيخ: بأنّه مولود بين كافرين، فإذا ماتا أو مات أحدهما، لم يحكم بإسلامه، كما لو كانا في دار الحرب، و لأنّه كافر أصلي، فلم يحكم بإسلامه بموت أبويه، كالبالغ.

مسألة 103: إذا سبيت المرأة و ولدها الصغير، كره التفرقة بينهما،

بل ينبغي للإمام أن يدفعهما إلي واحد، فإن لم يبلغ سهمه قيمتهما، دفعهما إليه و استعاد الفاضل، أو يجعلهما في الخمس، فإن لم يفعل، باعهما و ردّ قيمتهما في المغنم.

و قال بعض علمائنا: لا تجوز التفرقة(1).

و أطبق العامّة علي المنع من التفرقة(2) ، لقول النبي عليه السّلام: «من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه بينه و بين أحبّته يوم القيامة»(3).

و لو رضيت الأمّ بالتفرقة، كره ذلك أيضا، لما فيه من الإضرار بالولد.

و حكم البيع كذلك.

و تجوز التفرقة بين الولد و الوالد، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه - و به قال بعض

ص: 172


1- كالشيخ الطوسي في المبسوط 21:2، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 1: 318.
2- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 243:14، الوجيز 191:2، الوسيط في المذهب 30:7، العزيز شرح الوجيز 132:4 و 420:11، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، روضة الطالبين 82:3 و 455:7، حلية العلماء 122:4 و 665:7، المغني 459:10، الشرح الكبير 408:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، المبسوط - للسرخسي - 139:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، الاختيار لتعليل المختار 41:2.
3- سنن الترمذي 580:3-1283 و 134:4-1566، سنن الدارمي 227:2 - 228، سنن البيهقي 126:9، مسند أحمد 573:6-22988، المستدرك - للحاكم - 55:2.
4- المبسوط - للطوسي - 21:2.

الشافعيّة(1) - لأنّه ليس من أهل الحضانة بنفسه، و لأصالة الجواز، و لم يرد فيه نصّ بالمنع و لا معني النصّ، لأنّ الأمّ أشفق من الأب و أقلّ صبرا، و لهذا قدّمت في الحضانة، فافترقا.

و منع أبو حنيفة و الشافعي منه، لأنّه أحد الأبوين، فأشبه الأمّ(2).

و الفرق ما تقدّم.

و إنّما تكره التفرقة بين الامّ و الولد الصغير، فإذا بلغ سبع سنين، جازت التفرقة، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه - و به قال مالك و الشافعي في قول(4) - لأنّه في تلك الحال يستغني عن الامّ.

و قال بعض علمائنا: إذا استغني الولد عن الامّ، جازت التفرقة(5). و به قال الأوزاعي و الليث بن سعد(6).

و قال أبو ثور: إذا كان يلبس ثيابه وحده و يتوضّأ وحده، لأنّه حينئذ يستغني عن الامّ(7).0.

ص: 173


1- الوجيز 191:2، الوسيط 30:7، العزيز شرح الوجيز 420:11-421، حلية العلماء 665:7، الحاوي الكبير 243:14، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
2- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
3- الخلاف 531:5، المسألة 18.
4- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، الوسيط 69:3، العزيز شرح الوجيز 133:4 و 421:11، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 9: 361، روضة الطالبين 83:3 و 456:7، الحاوي الكبير 243:14، حلية العلماء 122:4-123، مختصر اختلاف العلماء 163:3، تحفة الفقهاء 115:2.
5- انظر: شرائع الإسلام 59:2.
6- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، مختصر اختلاف العلماء 163:3.
7- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.

و قال الشافعي في القول الآخر: لا يجوز التفريق بينهما إلي أن يبلغ - و به قال أحمد و أصحاب الرأي - لقول النبي عليه السّلام: «لا يفرّق بين الوالدة و ولدها» فقيل: إلي متي ؟ قال: «حتي يبلغ الغلام و تحيض الجارية»(1).

و لأنّ ما دون البلوغ مولّي عليه، فأشبه الطفل(2).

و تجوز التفرقة بين البالغ و امّه إجماعا.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: المنع(3).

و لو فرّق بينهما بالبيع، قال الشيخ: إنّه محرّم و يصحّ البيع(4). و به قال أبو حنيفة(5) ، لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6) و أصالة الصحّة، و عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات، و لأنّ النهي في هذا العقد لا لمعني في المعقود عليه، فأشبه البيع وقت النداء.

و قال الشافعي: لا ينعقد البيع. و به قال أحمد(7).ن.

ص: 174


1- المستدرك - للحاكم - 55:2.
2- المغني 460:10-461، الشرح الكبير 409:10-410، الوسيط 69:3، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 361:9، روضة الطالبين 83:3 و 456:7، العزيز شرح الوجيز 133:4، و 421:11، الحاوي الكبير 243:14، حلية العلماء 122:4-123، تحفة الفقهاء 115:2، المبسوط - للسرخسي - 139:13.
3- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 13 و 132:4.
4- الخلاف 531:5 و 532، المسألتان 18 و 19.
5- المبسوط - للسرخسي - 140:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، تحفة الفقهاء 115:2، الاختيار لتعليل المختار 41:2، الحاوي الكبير 245:14، العزيز شرح الوجيز 133:4، حلية العلماء 123:4، المجموع 361:9، المغني 10: 461، الشرح الكبير 410:10.
6- المائدة: 1.
7- حلية العلماء 123:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، تحفة الفقهاء 2: 115، المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10. و في الوجيز 139:1، و العزيز شرح الوجيز 133:4، و الوسيط 69:3، و روضة الطالبين 83:3، و الحاوي الكبير 244:14-245، و حلية العلماء 666:7 قولان أو وجهان.
مسألة 104: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يفرّق بين الولد و الجدّة أمّ الأمّ، لأنّها بمنزلة الأمّ في الحضانة

مسألة 104: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يفرّق بين الولد و الجدّة أمّ الأمّ، لأنّها بمنزلة الأمّ في الحضانة(1).

و قال أكثر العامّة: لا يفرّق بين الولد و الجدّ للأب أيضا، و كذا الجدّة له أو الجدّ للأمّ، لأنّهما بمنزلة الأبوين، فإنّ الجدّ أب و الجدّة أمّ، و لهذا يقومان مقامهما في استحقاق الحضانة و الميراث فقاما مقامهما في تحريم التفريق(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: تجوز التفرقة بين الأخوين و الأختين [1]. و به قال مالك و الليث بن سعد و الشافعي و ابن المنذر، للأصل، و لأنّها قرابة لا تمنع الشهادة، فلم يحرم التفريق، كقرابة ابن العمّ(3).

و قال أحمد: لا تجوز - و به قال أصحاب الرأي - لأنّه ذو رحم محرم، فلم يجز التفريق بينهما، كالولد و الوالد(4).

و الفرق: قوّة الشفقة و ضعفها.

ص: 175


1- المبسوط - للطوسي - 21:2.
2- المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10.
3- المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10، الحاوي الكبير 245:14، حلية العلماء 124:4، الوسيط 68:3، العزيز شرح الوجيز 421:11، المجموع 9: 361 و 362، روضة الطالبين 456:7.
4- المبسوط - للسرخسي - 139:13، حلية العلماء 124:4، المغني 10: 461، الشرح الكبير 410:10.

قال الشيخ رحمه اللّه: تجوز التفرقة بين من خرج من عمود الوالدين من فوق و أسفل، كالإخوة و أولادهم، و الأعمام و أولادهم و سائر الأقارب(1).

و هو قول أكثر العلماء(2) ، للأصل.

و قال أبو حنيفة: لا تجوز التفرقة بينه و بين كلّ ذي رحم محرم، كالعمّة (مع) ابن أخيها و الخالة مع ابن أختها بالقياس علي الأبوين(3). و هو باطل.

و تجوز التفرقة بين الرحم غير المحرم إجماعا، و كذا بين الامّ و ولدها من الرضاع أو أخته منه، لأنّ القرابة به لا توجب نفقة و لا ميراثا، فلا تمنع التفريق، كالصداقة.

و تجوز التفرقة بينهما في العتق، فتعتق الامّ دون الولد، و بالعكس.

و كذا تجوز التفرقة في الفداء إجماعا، لأنّ العتق لا تفرقة فيه في المكان، و الفداء تخليص، كالعتق.

و لو اشتري من المغنم اثنين أو أكثر و حسبوا عليه بنصيبه بناء علي أنّهم أقارب تحرم التفرقة بينهم فظهر عدم النسب بينهم، وجب عليه ردّ الفضل الذي فيهم علي المغنم، لأنّ قيمتهم تزيد بذلك، فإنّ من اشتري اثنين علي أنّ أحدهما أمّ، يحرم الجمع في الوطء و التفرقة بينهما، فتقلّ قيمتها لذلك، فإذا ظهر أنّ إحداهما أجنبيّة، أبيح له وطؤها و التفريق، فتكثر القيمة، فيردّ الفضل، كما لو اشتراهما فوجد معهما حليّا.4.

ص: 176


1- المبسوط - للطوسي - 21:2.
2- المغني 462:10، الشرح الكبير 411:10، الحاوي الكبير 245:14.
3- المبسوط - للسرخسي - 139:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، الحاوي الكبير 245:14.

و لو جنت جارية و تعلّق الأرش برقبتها و لها ولد صغير لم يتعلّق به أرش، فإن فداها السيّد، فلا كلام، و إن امتنع، قال الشيخ: لم يجز بيعها دون ولدها، لاشتماله علي التفرقة، لكن يباعان معا، و يعطي المجنيّ عليه ما يقابل قيمة جارية ذات ولد، و الباقي للسيّد، فلو كانت قيمة الجارية - و لها ولد - دون ولدها مائة و قيمة ولدها خمسون، خصّ الجارية ثلثا الثمن، فإن و في بالأرش، و إلاّ فلا شيء غيره، و إن زاد، ردّ الفضل علي السيّد(1).

قال: و لو كانت الجارية حاملا بحرّ و امتنع سيّدها من الفداء، لم يجز بيعها، و تصبر حتي تضع، و يكون الحكم كما لو كان منفصلا، و إن كانت حاملا بمملوك، جاز بيعهما معا، كالمنفصل(2).

قال رحمه اللّه: لو باع جارية حاملا إلي أجل ففلس المشتري و قد وضعت ولدا مملوكا من زنا أو زوج، فهل له الرجوع فيها دون ولدها؟ وجهان:

أحدهما: ليس له: لأنّه تفريق بينها و بين ولدها، و يتخيّر بين أن يعطي قيمة ولدها و يأخذهما، و بين أن يدع و يضرب مع الغرماء بالثمن.

و الثاني: له الرجوع فيها، لأنّه ليس تفرقة، فإنّهما يباعان معا و ينفرد هو بحصّتها(3).

قال: و لو ابتاع جارية فأتت بولد مملوك في يد المشتري و علم بعيبها، لم يكن له ردّها بالعيب، لأنّه تفريق، و لا يلزمه ردّ الولد، لأنّه ملكه و سقط الردّ، و يكون له الأرش، فإن علم بالعيب و هي حامل، تخيّر بين الردّ و الأرش(4).

مسألة 105: لو سبيت امرأة و ولدها، لم يفرّق بينهما،

فإن و في

ص: 177


1- المبسوط - للطوسي - 22:2.
2- المبسوط - للطوسي - 22:2.
3- المبسوط - للطوسي - 22:2.
4- المبسوط - للطوسي - 22:2.

نصيب أحد بهما، دفعا إليه، و إلاّ اشترك مع الإمام فيهما، أو باعهما و جعل ثمنهما في المغنم.

فإن فرّق بينهما في القسمة، لم يصح.

و للشافعي قولان كما في البيع(1).

و علي القول بصحّته قال بعض أصحابه: لا يقرّان علي التفريق و لكن يقال لهما: إن رضيتما ببيع الآخر ليجتمعا في الملك فذاك، و إلاّ فسخنا البيع(2).

و قال بعضهم: يقال للبائع: إمّا أن تتطوّع بتسليم الآخر، أو فسخ البيع، فإن تطوّع بالتسليم فامتنع المشتري من القبول، فسخ البيع(3).

و لو كان له أمّ و جدة فبيع مع الامّ، اندفع المحذور، و إن بيع مع الجدّة و قطع عن الامّ، فللشافعي قولان(4).

و له قولان في تعدّي التحريم إلي سائر المحارم، كالأخ و العمّ(5).

و لو ألجأت الضرورة إلي التفرقة، جاز، كما لو كانت الأمّ حرّة، جاز بيع الولد. و لو كانت الامّ لواحد و الولد لآخر، فله أن ينفرد ببيع ما يملكه.

مسألة 106: إذا أسر المشرك و له زوجة لم تؤسر، فالزوجيّة باقية،

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 455:7.
2- الحاوي الكبير 245:14، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 7: 455-456، المجموع 361:9.
3- العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9.
4- الوسيط 30:7، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9.
5- الوسيط 30:7، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9، و 362.

للاستصحاب. و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سبي يوم بدر سبعين رجلا من الكفّار، فمنّ علي بعضهم و فادي بعضا(1) ، فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم، و به قال أكثر العلماء.

و قال أبو حنيفة: ينفسخ النكاح، لافتراق الزوجين في الدار، و طروّ الملك علي أحدهما، فانفسخ النكاح، كما لو سبيت المرأة وحدها(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الملك لا يحصل بنفس الأسر بل باختيار الإمام له.

إذا ثبت هذا، فإن منّ الإمام عليه أو فأداه، فالزوجيّة باقية، و إن استرقّه، انفسخت.

و لو أسر الزوجان معا، انفسخ النكاح عندنا - و به قال مالك و الثوري و الليث و الشافعي و أبو ثور(3) - لقوله تعالي وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (4)وَ الْمُحْصَناتُ : المزوّجات إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بالسبي.

قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في سبي أو طاس(5).

و قال ابن عباس: إلاّ ذوات الأزواج من المسبيّات(6).

و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال في سبي أو طاس: «لا توطأ حامل حتي تضع،0.

ص: 179


1- المغني 467:10، الشرح الكبير 406:10.
2- حلية العلماء 666:7، المغني 467:10، الشرح الكبير 407:10، و انظر: العزيز شرح الوجيز 416:11.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 209، الشرح الكبير 405:10، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 416:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 7: 666، روضة الطالبين 453:7.
4- النساء: 24.
5- المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10، العزيز شرح الوجيز 416:11.
6- المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10.

و لا حائل حتي تحيض»(1) و أباح الوطء بعد وضع الحامل و استبراء الحائل، و لو كان النكاح باقيا، حرم الوطء.

و قال أبو حنيفة و الأوزاعي و أحمد: لا ينفسخ، لأنّ الرقّ لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته، كالعتق(2).

و الجواب: البحث في استجداد الملك، و هو عندنا موجب لفسخ النكاح، و الفرق واقع بين الابتداء و الاستدامة.

و لو أسرت الزوجة وحدها، انفسخ النكاح إجماعا، و لا فرق بين أن يسبي الزوج بعدها بيوم أو أزيد أو أنقص.

و قال أبو حنيفة: إن سبي بعدها بيوم، لم ينفسخ النكاح(3).

و ليس بجيّد، لأنّ المقتضي للفسخ موجود و هو السبي، فانفسخ النكاح، كما لو حصل السبي بعد شهر.

و لا فرق بين أن يسبيهما واحد أو اثنان.

و الوجه: أنّه إذا سباهما واحد و ملكهما معا، لا ينفسخ النكاح إلاّ بفسخه، و كذا لو بيعا من واحد.

و لو كان الأسير طفلا، انفسخ النكاح في الحال، كالمرأة، لتجدّد الملك بالأسر، بخلاف البالغ.0.

ص: 180


1- ورد نصّه في سنن البيهقي 124:9 نقلا عن الشافعي، و كذا في العزيز شرح الوجيز 416:11، و المهذّب - للشيرازي - 241:2. و بتفاوت في سنن أبي داود 248:2-217، و سنن الدارمي 171:2، و مسند أحمد 509:3-11414، و المستدرك - للحاكم - 195:2.
2- العزيز شرح الوجيز 416:11، المغني 465:10-466، الشرح الكبير 10: 405-406.
3- المغني 466:10، الشرح الكبير 406:10.

و لو كان الزوجان مملوكين، قيل: لا ينفسخ النكاح، لعدم حدوث رقّ فيهما، لأنّه كان ثابتا قبل السبي(1).

و الوجه: أنّ الغانم يتخيّر، كما لو بيعا عليه.

مسألة 107: قد ذكرنا فيما تقدّم

مسألة 107: قد ذكرنا فيما تقدّم(2) أنّ الغانم الموسر إذا وطئ جارية المغنم، تكون أمّ ولد في الحال

عند الشيخ رحمه اللّه.

و للشافعيّة طريقان: إن قلنا: إنّ الغانمين لا يملكون قبل القسمة، فلا ينفذ الاستيلاد في نصيبه، لأنّ نفوذه لم يصادف الملك. و إن قلنا:

يملكون، ففي نفوذ الاستيلاد وجهان، لأنّه ملك ضعيف. و يقرب الوجهان لضعف الملك من الوجهين في نفوذ الاستيلاد للمشتري في زمن الخيار إذا حكمنا بثبوت الملك.

الطريق الثاني: إن قلنا بثبوت الملك، قطعنا بنفوذ الاستيلاد، و إلاّ فقولان كالقولين في استيلاد الأب جارية الابن. و قد تجعل هذه الصورة أولي بنفوذ الاستيلاد، لأنّ حقّ الابن [1] أقوي من حقّ سائر الغانمين، و حقّ الأب أضعف من حقّ الغانم الواطئ.

و يخرج من الطريقين قولان في نفوذ الاستيلاد في نصيبه.

و إذا قيل به، فلو ملك الجارية بالوقوع في سهمه أو بسبب آخر يوما، ففي نفوذ الاستيلاد حينئذ قولان(3).

ص: 181


1- انظر: الوجيز 191:2، و العزيز شرح الوجيز 416:11، و الوسيط 28:7، و المهذّب - للشيرازي - 241:2، و روضة الطالبين 454:7.
2- تقدّم في ص 152.
3- العزيز شرح الوجيز 440:11-441، روضة الطالبين 465:7.

و قال بعض(1) الشافعيّة: ان كانوا محصورين و لم يغنموا غير تلك الجارية، قطع بنفوذ الاستيلاد في حصّته منها، بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها، فإنّه يحتمل جعل الجارية لغيره.

و إذا نفذ الاستيلاد في نصيبه سري مع يساره إلي الباقي، و تحصل السراية بنفس العلوق أو بأداء قيمة نصيب الشريك ؟ قولان.

و يحصل يسار الواطئ بحصّته في المغنم إذا غنموا غيرها، فإن لم تف حصّته من غير الجارية بالقيمة، حصلت السراية بمقدار حصّته.

و يمكن أن يخرج علي أنّ الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة ؟ إن قلنا: لا يملك، لم يكن موسرا بالحصّة، فإنّ الحكم بغناه موقوف علي أن لا يعرض و يستقرّ ملكه، فإن أعرض، تبيّنّا أنّه لم يكن غنيّا، و لا نقول: إنّ حقّ السراية يلزمه اختيار التملّك، فإنّ الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب.

و إن لم يحكم بالاستيلاد، فإن تأخّرت القسمة حتي وضعت، قال بعضهم: تجعل الجارية في المغنم و تدخل في القسمة، فإن دخلها نقص بالولادة، لزمه الأرش، و قبل الوضع الجارية حامل بحر. و بيع هذه الجارية لا يصحّ، و القسمة عندهم بيع، فكيف يمكن دخول القسمة فيها!؟(2) و قال بعضهم: تسلّم هذه الجارية بحصّته [إليه] [1] إذا كانت حصّته تفي بقيمتها أو أزيد(3).7.

ص: 182


1- هو صاحب الحاوي كما في العزيز شرح الوجيز 441:11، و روضة الطالبين 7: 465، و انظر: الحاوي الكبير 238:14.
2- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 465:7-466.
3- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 466:7.

و قيل: تؤخذ قيمتها و تلقي في المغنم، لأنّه بالإحبال فرّق بينها و بين الغانمين(1).

و أمّا إذا كان الواطئ معسرا، فقد سبق(2) قول الشيخ رحمه اللّه فيه.

و قالت الشافعيّة: يثبت الاستيلاد في حصّته و لا يسري، و يخلق الولد كلّه حرّا في قول، لأنّ الشبهة تعمّ الجارية، و حرّيّة الولد تثبت بالشبهة. و إن لم يثبت الاستيلاد، كما لو وطئ جارية الغير بظنّ أنّها جاريته أو زوجته، ينعقد الولد حرّا، و لا يثبت الاستيلاد.

و في قول آخر: الحرّيّة في قدر حصّته، كالاستيلاد في قدرها، و ليس كالوطء بالشبهة، فإنّ الشبهة حصلت من الظنّ، و هو لا يتبعّض، و الشبهة هنا حصلت من جهة استحقاق المستولد ملكا أو ولاية ملك، و هو متبعّض.

فإن قلنا: لا يعتق من الولد إلاّ قدر حصّته من الامّ، فلو ملك باقي الجارية من بعد، بقي الرقّ فيه، لأنّها علقت برقيق في غير الملك. و إن قلنا:

جميعه حرّ ففي ثبوت الاستيلاد في باقيها إذا ملكه قولان، لأنّه أولدها حرّا في غير الملك(3).

البحث الثالث: في أحكام الأرضين.
مسألة 108: الأرضون علي أربعة أقسام:
الأوّل: ما يملك بالاستغنام من الكفّار و يؤخذ قهرا بالسيف،

و هي تملك بالاستيلاء كما تملك المنقولات، و تكون للمسلمين قاطبة لا تختصّ

ص: 183


1- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 466:7.
2- سبق في ص 153.
3- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 467:7.

بها المقاتلة، بل يشاركهم غيرهم من المسلمين، و لا يفضّل الغانمون علي غيرهم أيضا، بل هي للمسلمين قاطبة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه فتح هوازن و لم يقسّمها [1].

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام في حديث طويل: «و الأرض التي فتحت عنوة - إلي قوله - و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، و ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير»(2) يعني الإمام.

و قال الشافعي: يقسّم بين الغانمين كسائر الأموال. و به قال أنس بن مالك و الزبير و بلال(3).

و قال الثوري: يتخيّر الإمام بين القسمة و الوقف علي المسلمين(4).

و رواه العامّة عن علي عليه السّلام(5).

و قال أبو حنيفة: يتخيّر الإمام بين قسمتها و وقفها و أن يقرّ أهلها عليها و يضرب عليهم الخراج يصير حقّا علي رقبة الأرض لا يسقط بالإسلام(6).7.

ص: 184


1- بداية المجتهد 401:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 219، المنتقي - للباجي - 223:3، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 137، حلية العلماء 678:7.
2- الكافي 454:1-455-4، التهذيب 128:4-130-366.
3- الحاوي الكبير 260:14، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 137، حلية العلماء 7: 677، المنتقي - للباجي - 223:3، المبسوط - للسرخسي - 37:10، و انظر: الشرح الكبير 531:10-532.
4- حلية العلماء 678:7، الشرح الكبير 531:10-532.
5- حلية العلماء 678:7، الشرح الكبير 531:10-532.
6- العزيز شرح الوجيز 447:11 و 449، الحاوي الكبير 260:14، حلية العلماء 678:7.
الثاني: أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال،

فتترك في أيديهم ملكا لهم يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع و الشراء و الوقف و سائر أنواع التصرّف إذا عمروها و قاموا بعمارتها. و يؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب، فإن تركوا عمارتها و تركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة، و جاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بالنصف أو الثلث أو الربع، و كان علي المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة مئونة الأرض إذا بقي معه النصاب العشر أو نصف العشر، ثمّ علي الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة، لرواية الرضا(1) عليه السّلام.

الثالث: أرض الصلح، و هي كلّ أرض صالح أهلها عليها،

و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو غيره، و ليس عليهم غيره. فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا، و يسقط عنهم مال الصلح، لأنّه جزية و قد سقطت بالإسلام، فلأربابها التصرّف فيها بالبيع و غيره.

و للإمام أن يزيد و ينقص بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية و نقصانها.

و لو باعها المالك من مسلم، صحّ، و انتقل ما عليها إلي رقبة البائع.

هذا إذا صولحوا علي أنّ الأرض لهم، أمّا لو صولحوا علي أنّ الأرض للمسلمين و علي أعناقهم الجزية، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين و مواتها للإمام.

الرابع: أرض الأنفال، و هي أرض انجلي أهلها عنها طوعا و تركوها،

ص: 185


1- التهذيب 119:4-342.

أو كانت مواتا لغير المالك فأحييت، أو كانت آجاما و غيرها ممّا لا تزرع فاستحدثت مزارع، فإنّها كلها للإمام خاصّة ليس لأحد معه فيها نصيب، فكان له التصرّف فيها بالبيع و غيره حسب ما يراه، و كان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

و يجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان، إلاّ ما أحييت بعد موتها، فإنّ من أحياها أولي بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره، فإن أبي، كان للإمام نزعها من يده، و تقبيلها لمن يراه، و علي المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصّته العشر أو نصف العشر.

قال الشيخ رحمه اللّه: و كلّ موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج الإنسان مئونته و مئونة عياله لسنته، وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله(1).

مسألة 109: الأرض المأخوذة بالسيف عنوة يقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف و غيره،

و علي المتقبّل إخراج مال القبالة و حقّ الرقبة، و فيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصفه، فلا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع و الشراء و الوقف و غير ذلك.

و للإمام أن ينقله من متقبّل إلي غيره إذا انقضت مدّة قبالته، و له التصرّف فيه بما يراه من مصلحة المسلمين، و ارتفاع هذه الأرض ينصرف إلي المسلمين بأجمعهم و في مصالحهم، لقول الرضا عليه السّلام: «و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبّله بالذي يري، كما صنع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل أرضها و نخلها، و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان

ص: 186


1- المبسوط - للطوسي - 236:1.

البياض أكثر من السواد و قد قبّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر، و عليهم في حصصهم العشر أو [1] نصف العشر»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح، لا يصحّ بيعها و لا هبتها و لا وقفها، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح، كسدّ الثغور و معونة الغزاة و بناء القناطر و أرزاق القضاة و الولاة و صاحب الديوان و غير ذلك من المصالح.

و أمّا الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصّة، و لا يجوز لأحد إحياؤه إلاّ بإذنه إن كان ظاهرا. و لو تصرّف فيها أحد من غير إذنه، كان عليه طسقها، و حال الغيبة يملكها المتصرّف من غير إذن، لأنّ عمر بن يزيد روي - في الصحيح - أنّه سمع رجلا يسأل الصادق عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمّرها و أكري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:

من أحيي أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه إلي الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم عليه السّلام فليوطّن نفسه علي أن تؤخذ منه»(2) إذا عرفت هذا، فإذا زرع فيها أحد أو بني أو غرس، صحّ له بيع ماله فيها من الآثار و حقّ الاختصاص بالتصرّف، لا بيع الرقبة، لأنّها ملك المسلمين قاطبة.

روي أبو بردة بن رجا أنّه سأل الصادق عليه السّلام: كيف تري في شراء أرض الخراج ؟ قال: «و من يبيع ذلك!؟ هي أرض المسلمين» قلت:4.

ص: 187


1- التهذيب 119:4-342.
2- التهذيب 145:4-404.

يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمّ قال:

«لا بأس اشتر حقّه منها و يحوّل حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوي عليها و أملأ بخراجها [1] منه»(1).

مسألة 110: الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال

يختصّ بها الإمام ليس لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه حال ظهوره عليه السّلام، و يجوز للشيعة حال الغيبة التصرّف فيها، لأنّهم عليهم السلام أباحوا شيعتهم ذلك.

و أمّا أرض مكّة: فالظاهر من المذهب أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فتحها بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك - و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي(2) - لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال لأهل مكّة: «ما تروني صانعا بكم ؟» فقالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم، فقال: «أقول كما قال أخي يوسف لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ (3) أنتم الطلقاء»(4).

و من طريق الخاصّة: رواية صفوان بن يحيي و أحمد بن محمد بن أبي نصر قالا: ذكرنا له الكوفة، إلي أن قال: «إنّ أهل الطائف أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و إن أهل مكّة دخلها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله

ص: 188


1- التهذيب 146:4-406، الاستبصار 109:3-387.
2- شرح معاني الآثار 311:3، المنتقي - للباجي - 220:3، معالم السنن - للخطّابي - 240:4، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 224:14، حلية العلماء 725:7، العزيز شرح الوجيز 455:11 و 456.
3- يوسف: 92.
4- السيرة النبويّة - لابن هشام - 55:4، سنن البيهقي 118:9، الحاوي الكبير 225:14.

عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم و قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1).

و قال الشافعي: إنّه عليه السّلام فتحها صلحا بأمان قدّمه لهم قبل دخوله(2).

و هو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد(3).

و أمّا أرض السواد - و هي الأرض المغنومة من الفرس، التي فتحها عمر بن الخطّاب، و هي سواد العراق، و حدّه في العرض من منقطع الجبال ب «حلوان» إلي طرف القادسيّة، المتّصل ب «عذيب» من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلي ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة، فأمّا الغربي الذي تليه البصرة إنّما هو إسلامي، مثل [شط](4) عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا و مواتا، فأحياها عثمان بن أبي العاص.

و سمّيت سوادا، لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض و التفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. و لمّا فتحها عمر بعث عمّار بن ياسر علي صلاتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا، واليا علي بيت المال، و عثمان بن حنيف علي مساحة الأرض، و فرض للثلاثة في كلّ يوم شاة، شطرها مع السواقط [1] لعمّار، و شطرها للآخرين، و قال: ما أري قرية تؤخذ منها كلّ يوم شاة إلاّ سريع في خرابها(5) - قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه المذهب أنّ2.

ص: 189


1- الكافي 512:3-513-2، التهذيب 118:4-119-341.
2- مختصر المزني: 273، حلية العلماء 725:7، الحاوي الكبير 224:14، العزيز شرح الوجيز 455:11، روضة الطالبين 469:7، معالم السنن - للخطّابي - 241:4، المنتقي - للباجي - 220:3.
3- الحاوي الكبير 224:14.
4- أضفناها من منتهي المطلب - للمصنّف - 937:2.
5- الخراج - للقاضي أبي يوسف -: 36، الأموال - لأبي عبيد -: 74 ذيل الرقم 172.

الأرض التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس، و الأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة الغانمين و غيرهم، و يقبّلها الإمام لمن شاء، و يأخذ ارتفاعها يصرفه في مصالح المسلمين.

و لا يصحّ بيع شيء من هذه الأرض و لا هبته و لا معاوضته و لا تملّكه [1] و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه. و لا يصحّ أن يبني دورا و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك، و متي فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا، و هو باق علي الأصل.

ثمّ قال رحمه اللّه: و علي الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة، تكون هذه الأرضون [و غيرها ممّا فتحت] [2] بعد الرسول صلّي اللّه عليه و آله إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه السّلام إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة، و يكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(1).

قال الشيخ رحمه اللّه - و وافقه الشافعي(2) -: إنّ عثمان بن حنيف مسح أرض الخراج، و اختلفوا، فقال الساجي: اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب. و قال أبو عبيدة: ستّة و ثلاثون ألف ألف جريب. ثمّ ضرب علي كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و علي الكرم ثمانية دراهم، و علي جريب الشجر و الرطبة ستّة دراهم، و علي الحنطة أربعة دراهم، و علي الشعير درهمين. ثم كتب بذلك إلي عمر، فأمضاه(3).4.

ص: 190


1- المبسوط - للطوسي - 34:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 266:2، حلية العلماء 728:7، العزيز شرح الوجيز 454:11.
3- المبسوط - للطوسي - 33:2-34.

و أبو حنيفة وافقهما إلاّ في الحنطة و الشعير، فإنّه قال: يؤخذ من الحنطة قفيز و درهمان، و من الشعير قفيز و درهم(1).

و قال أحمد: يؤخذ من كلّ واحد منهما قفيز و درهم(2) ، لقوله عليه السّلام:

«منعت العراق قفيزها و درهمها»(3) معناه: ستمنع.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ سواد العراق فتح صلحا(4). و هو محكي عن أبي حنيفة(5).

و قال بعضهم: اشتبه الأمر عليّ فلا أدري أفتح عنوة أو صلحا(6).

ثمّ اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: إنّ عمر جعل الأربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل الخمس عوضا عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة، فصارت الأرض لأهل الخمس و المنقولات للغانمين(7).

و قال بعضهم: إنّه قسّمها بين الغانمين و لم يخصّها بأهل الخمس ثمّ استطاب قلوبهم عنها و استردّها(8).

[ثمّ اختلفوا] [1] فقال الأكثرون: إنّه بعد ردّها وقفها علي المسلمين و آجرها [2] من أهلها، و الخراج المضروب عليها اجرة منجّمة تؤدّي في كلّ سنة. و هو نصّ الشافعي في كتاب الرهن(9).7.

ص: 191


1- حلية العلماء 729:7، العزيز شرح الوجيز 454:11.
2- حلية العلماء 729:7، العزيز شرح الوجيز 455:11.
3- صحيح مسلم 222:4-896، سنن أبي داود 166:3-3035، مسند أحمد 516:2-7511.
4- العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 469:7.
5- العزيز شرح الوجيز 449:11.
6- العزيز شرح الوجيز 449:11.
7- العزيز شرح الوجيز 449:11.
8- العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 469:7.
9- العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.

قال سفيان الثوري: جعل عمر السواد وقفا علي المسلمين ما تناسلوا(1).

و قال بعضهم: إنّه باعها من أهلها و الخراج ثمن منجّم، لأنّه لم يزل الناس يبيعون أرض السواد و يشترون من غير إنكار(2).

و قال آخرون من الشافعيّة: ما فعله عمر عدول عن الأصل الممهّد، فإنّه يشترط في الإجارة ضبط المدّة، و في البيع ضبط جملة الثمن، لكن قالوا: إنّها بالاسترداد رجعت إلي حكم أموال الكفّار، و الإمام يفعل للمصلحة الكلّيّة في أموال الكفّار ما لا يجوز مثله في أموال المسلمين، فرأي عمر [1] المصلحة لئلاّ يشتغلوا بالعمارة و الزراعة عن الجهاد(3).

و قال بعضهم: إنّه وقفها وقفا لا مؤبّدا محرّما، بل جعلها موقوفة علي مصالح المسلمين ليؤدّي ملاّكها علي تداول الأيدي و تبدّلها بالبيع و الشراء خراجا ينتفع به المسلمون، فيجوز بيعها و هبتها و رهنها علي الثاني لا الأوّل، و يجوز علي الوجهين لأربابها إجارتها مدّة معلومة(4).

و هل لهم الإجارة المؤبّدة بمال يتراضيان عليه ؟ جوزه بعضهم تبعا لفعل عمر، و قال: من استحلّ منفعة علي جهة لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البين و إحلال غيره محلّه(5).

و منع بعضهم(6).7.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 450:11.
2- العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.
3- العزيز شرح الوجيز 450:11-451.
4- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.
5- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.
6- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.

و الفاسد في إجارة عمر احتمل لمصلحة كلّيّة، و الجزئيّات ليست كالكلّيّات، فلا يجوز لغير سكّانها أن يزعج واحدا من السكّان و يقول:

أنا أستغلّها [1] و اعطي الخراج، لأنّه مالك رقبتها إرثا علي أحد الوجهين، و مالك منفعتها علي الآخر، لعقد بعض أجداده مع عمر، و الإجارة لازمة لا تنفسخ بالموت.

هذا فيما يزرع و يغرس من الأراضي، و أمّا المساكن و الدور: فإن قلنا: إنّ تلك الأراضي مبيعة من أربابها، فكذا المساكن و الدور، و إن قلنا:

موقوفة، فوجهان(1).

مسألة 111: إذا نزل الإمام علي بلد فحاصره و أرادوا الصلح علي أن يكون البلد لهم و كانوا من أهل الكتاب،
اشارة

جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة: بذل الجزية، و أن يجري عليهم أحكام المسلمين، و أن لا يجتمعوا مع مشرك علي قتال المسلمين.

و تكون أرضهم ملكا لهم [يصحّ لهم] [2] التصرّف فيها بجميع الأنواع.

و يجوز للمسلمين استئجارها منهم، لأنّها ملك له [3] و تكون الأجرة له [4] و الخراج عليه [5].

و لو باعها من مسلم، صحّ البيع، و به قال أبو حنيفة و الشافعي(2).

و قال مالك: لا يصحّ، لأنّه يؤدّي إلي إسقاط الخراج، و هو غير

ص: 193


1- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 7: 470.
2- حلية العلماء 730:7، العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.

جائز، لأنّه حقّ للمسلمين(1).

و ليس بجيّد، لأنّه لا يسقط بل ينتقل ما كان علي الأرض إلي رقبته.

فحينئذ إذا اشتراها المسلم، انتقل ما كان عليها من الخراج إلي رقبة الذّميّ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يكون متعلّقا بالأرض، لأنّ عنده لا يسقط بالإسلام(3).

تذنيب: كلّ أرض ترك أهلها عمارتها، كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها،

و عليه طسقها لأربابها، لأنّه مصلحة لهم، فكان سائغا.

و كلّ أرض موات سبق إليها سابق فعمرها و أحياها، كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف، فإن كان لها مالك معروف، وجب عليه طسقها لمالكها.

و إذا استأجر مسلم دارا من حربيّ ثمّ فتحت تلك الأرض، لم تبطل الإجارة، لأنّ حقّ المسلم تعلّق بها، و تملّكها المسلمون، لأنّها من الغنائم.

ص: 194


1- العزيز شرح الوجيز 534:11، حلية العلماء 730:7.
2- العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.
3- العزيز شرح الوجيز 534:11.
الباب الثاني: في كيفية قسمة الغنيمة
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: ما ينبغي تقديمه، و هي الديون و الجعائل و السّلب و الرضخ و الخمس.

و النظر في هذا البحث مختصّ بالأوّل، فنقول: إذا كان لمسلم علي حربيّ دين فاسترقّ الحربيّ، لم يسقط الدّين عنه - و به قال الشافعي(1) - عملا باستصحاب البقاء، و عدم سقوط ما ثبت في الذمّة شرعا.

و قال أبو حنيفة: يسقط، لأنّ المسترقّ انقلب عمّا كان عليه و كأنّه قد عدم ثمّ وجد(2).

نعم، لو كان الدّين للسابي و ملكه، فالأقوي سقوطه، إذ لا يتحقّق للمولي شيء علي عبده، كما لو كان له علي عبد غيره دين فملكه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و الثاني: لا يسقط في صورة السبي و لا في المشتري، و إذا لم يسقط، فيقضي من المال المغنوم بعد استرقاقه، و يقدّم الدّين علي الغنيمة كما يقدّم علي الوصيّة و إن زال ملكه بالرقّ، كما أنّ دين المرتدّ يقضي من ماله و إن

ص: 195


1- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 53:5، العزيز شرح الوجيز 417:11.
3- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.

حكمنا بزوال ملكه، و لأنّ الرقّ بمثابة الحجر أو الموت، فيوجب تعلّق الديون بالمال(1).

و إن غنم المال قبل استرقاقه، ملكه الغانمون، و لم ينعكس الدّين عليه، كما لو انتقل بوجه آخر.

و إن غنم مع استرقاقه، احتمل تقديم الدّين علي حقّ الغانمين، كما يقدّم في التركة علي حقوق الورثة. و تقديم الغنيمة، لأنّ ملك الغانمين يتعلّق بعين المال، و الدّين في الذمّة، و المتعلّق بالعين متقدّم علي المتعلّق بالذمّة، كما إذا جني العبد المرهون، يقدّم حقّ المجنيّ عليه علي حقّ المرتهن.

و لا تتحقّق الجمعيّة بين الاغتنام و الأسر في حقّ الرجال في هذا الحكم، فإنّ المال يملك بنفس الأخذ، و الرقّ لا يحصل بنفس الأسر للرجال الكاملين، و لكن يظهر ذلك في حقّ النسوة و فيما إذا فرض الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر.

و إذا لم يوجد مال يقضي منه، فهو في ذمّته إلي أن يعتق.

و هل يحلّ الدّين المؤجّل بالرقّ؟ وجهان(2) ، كالوجهين في الحلول بالفلس، و الرقّ أولي بالحلول، لأنّه أشبه بالموت، فإنّه يزيل الملك و يقطع النكاح.

هذا إذا كان الدّين لمسلم، و إن كان لذمّيّ، فكذلك، لأنّه محترم كأعيان أموال الذمّي، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم بسقوطه(4).

و إن كان لحربيّ و استرقّ المديون، فالأقرب: سقوط الدّين، لأنّ7.

ص: 196


1- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.
2- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
4- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.

ملتزم الدّين انتقل من كونه حربيّا لا يجري عليه حكم إلي كونه رقيقا ليس له علي نفسه حكم، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يسقط، كما لو أسلم من عليه الدّين أو قبل الأمان، و يجعل الرقّ كأمان يحدث(2).

هذا إذا استرقّ من عليه الدّين، أمّا لو استرقّ من له الدّين، فلا تبرأ ذمّة من عليه الدّين، بل هو كودائع الحربيّ المسبيّ، و كما لو استقرض مسلم من حربيّ مالا، أو اشتري منه سهما [1] و التزم الثمن ثمّ استرقّ مستحقّ الدّين، فإنّ الدّين لا يسقط عن ذمّة المسلم عند بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: لو كان لحربيّ علي حربيّ دين فاسترق أحدهما، يسقط، لزوال ملكه(4).

و لو قهر المديون ربّ المال، سقط، لأنّ الدار دار حرب حتي إذا قهر العبد سيّده، يصير حرّا، و يصير السيّد عبدا. و لو قهرت الزوجة زوجها، انفسخ النكاح.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان دين المسترقّ علي مسلم، يطالب به، كما يطالب بودائعه، لأنّه ملتزم، و إن كان علي حربي، يسقط، لأنّ المستحقّ قد زال ملكه، و الحربيّ غير ملتزم حتي يطالب(5).

و لو استقرض حربيّ من حربيّ أو التزم بالشراء ثمنا ثمّ أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان معا أو علي الترتيب، استمرّ الاستحقاق عند بعض7.

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
2- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7-455.
4- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.
5- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.

الشافعيّة(1).

و نصّ الشافعي علي أنّه لو ماتت زوجة الحربيّ فجاءنا مسلما أو مستأمنا فجاء ورثتها يطلبون مهرها، لم يكن لهم فيه شيء(2).

و لأصحابه طريقان: أحدهما: أنّ فيهما قولين نقلا و تخريجا.

أصحّهما: أنّه يبقي الاستحقاق، فيستدام حكم العقد بعد الإسلام.

و الثاني: المنع، لبعد أن يمكّن الحربيّ من مطالبة المسلم أو الذمي في دارنا.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الأوّل، و به قال ابن سريج من الشافعيّة. و حمل نصّه الثاني علي ما إذا سمي لها خمرا أو خنزيرا و قبضته في الكفر(3).

و لو أتلف حربي مالا علي حربيّ أو غصبه ثمّ أسلما أو أسلم المتلف، فوجهان:

أصحّهما: أنّه لا يطالب بالضمان، لأنّه لم يلتزم شيئا، و الإسلام يجبّ ما قبله، و الإتلاف ليس عقدا يستدام، بخلاف الملتزم بها، و لأنّ الحربيّ إذا قهر حربيّا علي ماله، ملكه، و الإتلاف نوع من القهر.

و الثاني: يطالب، لأنّه لازم في شرعهم، فكأنّهم تراضوا عليه(4).

و لو جني الحربيّ علي مسلم فاسترقّ، فأرش الجناية في ذمّته7.

ص: 198


1- المهذب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7، منهاج الطالبين: 309-310.
2- المهذب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11-419، روضة الطالبين 455:7.
4- العزيز شرح الوجيز 419:11، روضة الطالبين 455:7.

لا يتحوّل إلي رقبته، بخلاف المكاتب إذا جني يكون الأرش في ذمّته يؤدّيه من الكسب، فإن عجز و عاد قنّا، تحوّل الأرش إلي رقبته.

و الفرق: أنّ الرقّ - الذي هو محلّ تعلّق الأرش - كان موجودا في حال الكتابة إلاّ أن الكتابة المانعة من البيع منعت من التعلّق، فإذا عجز، ارتفع المانع و ثبت التعلّق، و في الحربيّ لم يكن عند الإتلاف رقّ و إنّما حدث بعده.

البحث الثاني: في الجعائل.
مسألة 112: يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدله علي مصلحة من مصالح المسلمين،

كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ يغير عليه أو ثغر يدخل منه بلا خلاف، و قد استأجر النبي صلّي اللّه عليه و آله في الهجرة من دلّهم علي الطريق(1).

و يستحقّ المجعول له الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل مسلما كان أو كافرا.

فإن كانت الجعالة عينا ممّا في يده، وجب أن تكون معلومة بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و إن كانت دينا، وجب أن تكون معلومة الوصف و القدر، و إلاّ لزم الغرر و أفضي إلي التنازع.

و إن كانت من مال المشركين، جاز أن يكون معلوما و مجهولا جهالة لا تمنع التسليم، و لا يفضي إلي التنازع، مثل: من دلّ علي القلعة الفلانية فله جارية منها، أو جارية فلان، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل للسريّة الثلث أو الربع ممّا غنموا(2). و لا نعلم فيه خلافا، و صحّت هذه المشارطة مع جهلها،

ص: 199


1- صحيح البخاري 116:3، سنن البيهقي 118:6.
2- سنن أبي داود 80:3-2748-2750، سنن ابن ماجة 951:2-2851 و 2852، المغني 407:10، الشرح الكبير 425:10.

للحاجة، بل الجعل نفسه غير مملوك و لا معلوم و لا مقدور علي تسليمه.

و إنّما تثبت الجعالة بحسب الحاجة، لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون، فلا تصرف إلي غيرهم إلاّ مع الحاجة. فإن كان المال منه، مثل: من دلّنا علي ثغر القلعة فله دينار، وجب دفع الجعل بنفس الدلالة، و لا يتوقّف علي فتح القلعة، خلافا لبعض الشافعيّة [1]. و إن قال: من الغنيمة، استحقّ بالدلالة و الفتح معا، لأنّ جعالة شيء منها يقتضي اشتراط فتحها حكما.

مسألة 113: لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فتحت علي أمان و كانت من الجملة،

فإن اتّفق المجعول له و أربابها علي بذلها أو إمساكها بعوض، جاز، و إن تعاسرا، قال الشيخ رحمه اللّه: تفسخ الهدنة، و يردّون إلي مأمنهم(1). و هو قول بعض الشافعيّة(2). و عندي فيه نظر.

و لو لم يستثن المصالح في الصلح الجارية، أخذت منه و سلّمت إلي الدالّ.

و إن كان المصالح قد استثني جماعة من أهله يختارهم فاختار الجارية منهم، فالصلح صحيح، خلافا لبعض الشافعيّة، فإنّه قال: يبطل، لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ(3).

و ليس بجيّد، لإمكان إمضائه بالتراضي.

ص: 200


1- المبسوط - للطوسي - 28:2.
2- المهذب - للشيرازي - 245:2، المغني 408:10، الشرح الكبير 427:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، حلية العلماء 675:7-676.

فإن اختار الدالّ قيمتها، مضي الصلح، و سلّم إليه القيمة، لتعذّر تسليم العين إليه. و إن امتنع، فإن اختار صاحب القلعة دفعها إلي الدالّ و أخذ قيمتها، دفعت الجارية إلي الدالّ، و سلّم إلي صاحب القلعة قيمتها، و يكون جارية مجري الرضخ، و كان الصلح ماضيا. و إن امتنع كلّ منهما، فسخ الصلح عند الشيخ(1) ، لتعذّر إمضائه، لأنّ حقّ الدالّ سابق، و لا يمكن الجمع بينه و بين الصلح، و لصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة، و هو مذهب الشافعي(2).

و الوجه: دفع القيمة، كما لو أسلمت الجارية قبل دفعها إليه، لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين. و رعاية حكمة دفع ضرر يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين كافّة، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها مناف لحكمة الشارع.

مسألة 114: لو فتحت القلعة عنوة أو صلحا و لم تكن الجارية داخلة في الهدنة،

فإن كانت الجارية باقية علي الكفر، سلّمت إليه، عملا بالشرط.

و إن أسلمت قبل الصلح و الأسر، دفع إلي الدالّ قيمتها، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله صالح أهل مكة عام الحديبيّة علي أنّ من جاء منهم مسلما ردّه إليهم، فلمّا جاءت مسلمات منعه اللّه تعالي من ردّهنّ (إلي الكفّار) [1] و أمره بردّ مهورهنّ علي أزواجهنّ، و فسخ ما كان عقده عليه السّلام من الهدنة(3).

ص: 201


1- المبسوط - للطوسي - 28:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 245:2، المغني 408:10، الشرح الكبير 427:10.
3- المغازي - للواقدي - 631:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 340:3، صحيح البخاري 257:3-258، سنن البيهقي 228:9، دلائل النبوّة - للبيهقي - 171:4، مصابيح السنّة - للبغوي - 112:3-3083.

و لو أسلمت بعد الأسر، فإن كان المجعول له مسلما، سلّمت إليه بالشرط، فإنّها رقّ، و إن كان كافرا، لم تسلّم إليه بل قيمتها، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: تسلّم إليه، و يطالب بإزالة الملك، لأن الكافر لا يستديم ملك المسلم(1).

و لو ماتت الجارية قبل الظفر أو بعده، قال الشيخ: لا تدفع إليه قيمتها، لأنّ الشرط اقتضي إمكان تسليمها، و هو غير ممكن، فلا يجب له العوض، كما لو لم تفتح القلعة(2). و هو أحد وجهي الشافعي(3).

و في الآخر: تدفع إليه القيمة، كما لو أسلمت(4).

و ليس بجيّد، لأنّه علّق حقّه علي شيء معيّن و تلف من غير تفريط، فسقط حقّه، بخلاف المسلمة، لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.

و لو كان الدليل جماعة، كانت الجارية بينهم.

إذا عرفت هذا، فإنّ الجارية تسلّم إلي الكافر إن ظفرنا بها، فإن لم تفتح القلعة، لعجز، أو تجاوزناها مع القدرة، فلا شيء له علينا و إن أتمّ الدلالة، إلاّ إذا رجعنا إلي الفتح بعلامته.

و لو فتحها طائفة أخري سمعوا العلامة، فلا شيء عليهم، إذ لم يجر معهم الشرط.

و إن لم تكن فيها جارية، فلا شيء له، و كذا إن كانت قد ماتت قبل7.

ص: 202


1- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 473:11.
2- المبسوط - للطوسي - 28:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، حلية العلماء 675:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، حلية العلماء 675:7.

المعاقدة.

و إن ماتت بعد الظفر و قبل التسليم، فعلينا البدل إمّا اجرة المثل أو قيمة الجارية.

و للشافعيّة فيه وجهان بناء علي أنّ الجعل المعيّن يضمن ضمان العقد أو ضمان اليد، كالصداق(1).

و إن ماتت قبل الظفر و بعد العقد، ففي وجوب البدل للشافعي قولان(2).

و لو لم يحصل من القلعة شيء إلاّ تلك الجارية، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان(3).

مسألة 115: يجوز للإمام و نائبه أن يبعث سريّة تغير علي العدوّ وقت دخوله دار الحرب،

و يجعل لهم الربع بعد الخمس، فما قدمت به يخرج خمسه و الباقي يعطي السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش و السريّة أيضا.

و كذا إذا قفل [1] من دار الحرب مع الجيش فأنفذ سريّة تغير، و جعل لهم الثلث بعد الخمس، جاز، فإذا قدمت السريّة بشيء، أخرج خمسه ثم اعطي السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش و السريّة معه - و به قال الحسن البصري و الأوزاعي و أحمد(4) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان

ص: 203


1- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، الوسيط 47:7، حلية العلماء 675:7.
2- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، الوسيط 47:7، حلية العلماء 675:7.
3- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 474:11، الوسيط 48:7.
4- المغني 401:10-402، الشرح الكبير 428:10، المحرّر في الفقه 2: 176.

ينفلهم إذا خرجوا بادين بالربع و ينفلهم إذا قفلوا بالثلث(1).

و قال حبيب بن مسلمة الفهري: شهدت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نفل الربع في البداءة و الثلث في الرجعة(2).

و لأنّ فيه مصلحة للمسلمين، فكان سائغا، كالسّلب.

و قال عمرو بن شعيب: لا نفل بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، لأنّ اللّه تعالي خصّه بالأنفال، فقال يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ (3) فخصّه بها(4).

و هو باطل، لأنّ ما ثبت للنبي صلّي اللّه عليه و آله ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل علي التخصيص.

و قال مالك و سعيد بن المسيّب: لا نفل إلاّ من الخمس(5).

و قال الشافعي: يخرج من خمس الخمس(6).

مسألة 116: و إنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق، فإن لم يشترطه الإمام و لا نائبه،

فلا نفل، لأنّ الأصل تسوية الغانمين، و إنّما يثبت النفل مع قلّة المسلمين و كثرة المشركين، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة، تحريضا لهم علي القتال، و لو كانوا مستظهرين عليهم، فلا حاجة

ص: 204


1- سنن الترمذي 130:4-1561، المغني 402:10-403.
2- سنن أبي داود 80:3-2750، سنن البيهقي 313:6، المستدرك - للحاكم - 2: 133، مسند أحمد 163:5-17015، المغني 402:10، الشرح الكبير 10: 429.
3- الأنفال: 1.
4- المغني 402:10، الشرح الكبير 428:10.
5- بداية المجتهد 396:1، المنتقي - للباجي - 176:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 215، المغني 402:10، الشرح الكبير 429:10.
6- المهذّب - للشيرازي - 244:2، العزيز شرح الوجيز 349:7.

إليه، فإنّ أكثر مغازي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم تكن فيها أنفال.

و لو رأي التنفيل بدون الربع أو الثلث، فعل.

و هل تجوز الزيادة عليهما [1]؟ منع منه الأوزاعي و مكحول و أكثر العامّة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله انتهي إلي الثلث(1) ، فلا ينبغي تجاوزه(2).

و قال الشافعي: يجوز، لأنّه نفل مرّة الربع و مرّة الثلث و مرّة نصف السدس، فعلم انتفاء الضابط، و أنّه موكول إلي نظر الإمام(3).

و ليس حجّة، لاتّفاق الوقائع علي عدم الزيادة، فكان ضابطا فيه، و مع ذلك فإنّه يناقض قوله: إنّه يخرج من خمس الخمس(4)انظر: العزيز شرح الوجيز 350:7.(5) ، فلو شرط نائب الإمام زيادة علي الثلث، ردّ إليه علي الأوّل، و لزم الوفاء علي الثاني.

و قد اختلف في تأويل البداءة و الرجعة، فقيل: البداءة أوّل سريّة، و الرجعة: الثانية(6).

و قيل: البداءة: السريّة عند دخول الجيش إلي دار الحرب، و الرجعة:

عند قفول الجيش(6).

و إنّما زادهم في الرجعة، للمشقّة، فإنّ الجيش في البداءة ردء [2] للسريّة تابع لها، و الجيش مستريح و العدوّ خائف، و ربّما كان غارّا، و في7.

ص: 205


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 204، الهامش (2).
2- المغني 404:10، الشرح الكبير 430:10.
3- العزيز شرح الوجيز 349:7-350، المغني 404:10، الشرح الكبير 10: 430.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 204، الهامش
5- .
6- انظر: العزيز شرح الوجيز 350:7.

الرجعة لا ردء للسريّة، لانصراف الجيش، و العدوّ مستيقظ علي حذر.

و كما يجوز التنفيل للسريّة يجوز لبعض الجيش، لبلائه أو لمكروه تحمّله، دون سائر الجيش، فلو نفذ الإمام سريّة فأتي بعضهم بشيء و بعضهم لم يأت، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا بشيء دون الآخرين مع الشرط.

و قال أحمد: يجوز من غير شرط(1).

مسألة 117: لو قال الأمير: من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت

أو فعل كذا فله كذا، أو من جاء بأسير فله كذا، جاز في قول عامّة العلماء(2) ، لقوله عليه السّلام: «من قتل قتيلا فله سلبه»(3).

و لاشتماله علي المصلحة و التحريض علي القتال، فجاز، كزيادة السهم للفارس و السّلب لقاتله.

و كره مالك ذلك و لم يره، و قال: لا نفل إلاّ بعد إحراز الغنيمة، لأنّ القتال علي هذا الوجه إنّما هو للدنيا(4).

و هو منقوض بالسّلب، و استحقاق السهم من الغنيمة، و زيادة سهم الفارس.

و إنّما يجوز التنفيل مع المصلحة للمسلمين، فلو انتفت لم يجز.

و النفل لا يختصّ بنوع من المال، لأنّ النبي عليه السّلام جعل الثلث أو

ص: 206


1- المغني 404:10، الشرح الكبير 431:10.
2- المغني 405:10، الشرح الكبير 431:10.
3- سنن البيهقي 307:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12-369-14030، المعجم الكبير - للطبراني - 296:7-297-6995-6997 و 7000.
4- المدوّنة الكبري 31:2، بداية المجتهد 396:1، المغني 405:10، الشرح الكبير 432:10.

الربع(1) ، و هو عام في كلّ مغنوم.

و قال الأوزاعي: لا نفل في الدراهم و الدنانير، لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما، فكذا غيره(2).

و ليس بشيء، لأنّ القاتل إنّما نفل السّلب، و ليس الدراهم و الدنانير من السّلب.

و لو قال: من رجع إلي الساقة فله دينار، جاز، لأنّ في الرجوع إليهم منفعة.

و يستوي في النفل الفارس و الراجل إلاّ أن يفضّل بعضهم في القسم، فيستحق قدر المسمّي، لأنّ النفل شيء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.

و لو بعث الإمام سريّة و نفلهم بالثلث بعد الخمس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوما منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام، فإن نفلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل، جاز، و لو نفلهم من سهم العسكر، لم يجز، لأنّه أمير علي السريّة لا علي العسكر.

هذا إذا خرج الجيش مع السريّة، أمّا لو لم يخرج، جاز تنفيله، لأن الغنيمة كلّها للسريّة، و لا يشاركهم الجيش، لاختصاص السريّة بالجهاد.

و لو بعث أمير السريّة سريّة من السريّة و نفل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر، جاز من حصّة أصحاب [1] السريّة لا من حصّة العسكر، إلاّ أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل، فحينئذ يكون نائبا عن الأمير.0.

ص: 207


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 204، الهامش (1).
2- المغني 406:10، الشرح الكبير 432:10.

و لو فقد رجل من السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه و بعضهم ذهب حتي أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلي أصحابهم و وجدوا المفقود، فكلّهم شركاء في النفل، لأنهم فارقوا العسكر جملة و أحرزوا المصاب بالعسكر جملة، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتال بعضهم، و بعضهم كان ردءا لهم.

و لو أصاب الرجل المفقود غنيمة و الذين أقاموا لانتظاره غنيمة و السريّة غنيمة ثمّ التقوا، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة، كما لو لم يفترقوا، لأنّهم اشتركوا في الإحراز.

و لو تفرّقت السريّة سريّتين و بعدت إحداهما عن الأخري بحيث لا تقدر إحداهما علي عون الأخري ثمّ أصابت كلّ سريّة غنيمة أو أصابت إحداهما دون الأخري ثمّ التقتا، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة، و لو لم يلتقوا إلاّ عند العسكر، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصّة.

و لو أصابت السريّة الغنائم ثمّ لم يقدروا علي الرجوع إلي العسكر فخرجوا إلي دار الإسلام من موضع آخر، قيل [1]: تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم علي سهام الغنيمة، لأنّهم تفرّدوا بالإحراز إلي دار الإسلام، و هو سبب في التملّك، و إذا صارت الغنيمة كلّها لهم، بطل التنفيل.

و لو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، احتمل الجواز - و هو قول أبي حنيفة، و أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال يوم بدر: «من أخذ شيئا فهو له»(2).6.

ص: 208


1- بدائع الصنائع 115:7، المبسوط - للسرخسي - 47:10، الامّ 144:4، المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، المغني 10: 454.
2- سنن البيهقي 315:6.

و احتمل المنع - و هو الثاني للشافعي(1) - لأنّ من أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخمس من خمسه، و من يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام (أن يشترط) [1] إسقاطه، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين.

مسألة 118: لو بعث سريّتين يمنة و يسرة 2 و نفل إحداهما بالثلث و الأخري بالربع، جاز 3،

لاختلاف المصلحة باختلاف البعد و القرب، و سهولة أحد الطريقين و صعوبة الآخر، و الأمن و الخوف، و اختلاف المبعوث إليهم في القوّة و الضعف.

فلو بعث واحدا مع سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث، فلا شيء له في السريّة التي خرج إليها بغير إذن الإمام، و التي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.

و استحسن أبو حنيفة أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّي له، و هو الربع [4].

أمّا لو ضلّ رجل من إحدي السريّتين فوقع في الأخري فأصاب الغنيمة، فالوجه أنّه يشاركهم، فيأخذ من السريّة التي وقع فيها، لا من التي [5] خرج معها.

و لو بعث سريّة و نفلهم بالربع ثمّ أرسل أخري و قال لهم: الحقوا

ص: 209


1- المهذب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، المغني 10: 454.

بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم، فلحقوا السريّة الاولي و قد كانوا غنموا غنيمة ثم غنموا معهم غنيمة أخري جميعا، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعا، و نفل الغنيمة الاولي للسريّة الأولي، لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة، فلا يثبت حقّ للسريّة في الغنيمة الاولي، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الأولي، لأنّه يتضمّن إبطال حقّ التأكّد، و حقّ السرية الأولي لم يثبت علي وجه الخصوص في الغنيمة الثانية حين لحق بها الثانية، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما، فصحّ الاشتراك.

هذا إذا أخبرت السريّة الثانية الأولي بالتنفيل أو أخبروا بعضهم [1] و لو أميرهم، و لو لم يخبروهم، قال أبو حنيفة: تكون الغنيمتان للأولي، لأنّ الشركة تشتمل علي الضرر و الغرور بالأولي، فلا تصحّ إلاّ بعد العلم [2].

قال ابن الجنيد: لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ، فأنجدهم المسلمون، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر.

مسألة 119: يصحّ التنفيل بالشيء 3 المجهول،

فلو قال: من جاء بشيء فله منه طائفة، فجاء رجل بمتاع، نفله الإمام بما يراه مصلحة.

و لو قال: من جاء بشيء فله منه قليل أو يسير أو شيء منه، فله أن يعطيه أقلّ من النصف، لأنّ القليل و اليسير يتناول ما دون النصف، لأنّ مثله لا يكون يسيرا، و كذا «الشيء» يفهم منه في الغالب القلّة، فصار كما لو قال: قليلا.

ص: 210

و لو قال: من جاء بشيء فله جزؤه، فله أن ينفله بالنصف و ما دونه دون ما فوقه، لأنّ الجزء اسم للبعض منه إلي النصف، يقال: جزء من جزءين، و يقال لأكثر من النصف: جزءان من ثلثه، فدلّ علي أنّ ما زاد علي النصف لا يكون جزءا.

و لو قال: من جاء بشيء فله سهم رجل، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس، لأنه المتيقّن.

قال محمّد بن الحسن الشيباني: لو قال: من جاء بألف درهم فله ألفا درهم، فجاء بالألف، لم يكن له أكثر من ألف.

و لو قال: من جاء بالأسير فله الأسير و ألف، لزمه دفعهما، لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير، فلا يعطيه إلاّ ما أصابه من المال، و في الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير [1].

قال ابن الجنيد: لو قال: من جاء بأسير فله مائة درهم، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.

مسألة 120: لو قال: من أصاب ذهبا أو فضّة فهو له،

فأصاب سيفا محلّي بأحدهما، كان له الحلية دون السيف و الجفن، لأنّهما متغايران، و الجعل إنّما وقع بأحدهما.

و لو أصاب خاتما، نزع فصّه للغنيمة، و كان الخاتم له.

و لو أصاب أبوابا فيها مسامير فضّة لو نزعت لهلكت الأبواب، قال محمد: لا شيء له، لأنّ المسمار مغيب في الباب، فصار كالمستهلك [2].

و لو قال: من أصاب قزّا فهو له، فأصاب جبّة محشوة بقزّ، فلا شيء له، لأنّ الحشو مغيب في الجبّة، و المغيب لا عبرة به.

ص: 211

أمّا لو قال: من أصاب ثوب قزّ فهو له، فأصاب رجل جبة بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها، فله الثوب القزّ، و الآخر غنيمة.

و لو قال: من أصاب جبّة حرير فهو له، فأصاب جبّة ظهارتها و بطانتها حرير، فهي له. و كذا لو كانت الظهارة حريرا، أمّا لو كانت البطانة حريرا، فلا شيء له.

و لو صعد رجل السور يقاتل المسلمين، فقال الإمام: من صعد السطح فأخذه فهو له و خمسمائة، فصعد رجل فأخذه، لزمه دفعه و دفع خمسمائة. و لو سقط الرجل من السور فقتله رجل خارج الحصن، فلا شيء له، لأنّ قصد الجعالة إظهار الجلادة و الجرأة.

و لو رماه رجل فطرحه من السور، قال محمّد: يستحقّ ذلك، لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر في السقوط لإظهار كسر قلوبهم [1].

و لو صعد إليه فسقط داخل الحصن فقتله، فله النفل، لأنّه أتي بالمطلوب و زيادة.

و لو التقي الصفّان، فقال الأمير: من جاء برأس فله كذا، انصرف إلي رءوس الرجال دون الصبيان، أمّا لو انهزم الكفّار فقال: من جاء برأس فله كذا، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.

و لو ادّعي قتله فقيل: بل كان ميّتا، حلف و اعطي النفل.

و لو جاء برأس لا يعلم كفره و إسلامه، لم يعط حتي يعلم كفره. و لو ادّعي آخر أنّه قتله، فالقول قول الآتي به مع اليمين، فلو نكل فلا نفل.

و في استحقاق المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي

ص: 212

قتله، و هو إقرار بإبطال حقّ نفسه و إثبات الحقّ للمدّعي، و إقراره حجّة عليه لا علي غيره، و من أنّ الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده، فإذا نكل عن اليمين، فقد جعل ماله من الحقّ إلي المدّعي، و له هذه الولاية، فصار ذلك للمدّعي.

مسألة 121: لو قال: من دخل باب هذه المدينة فله ألف،

فاقتحم (جماعة من المسلمين) [1] فدخلوها، استحقّ كلّ واحد منهم ألفا، لأنّه شرط لكلّ داخل، بخلاف: من دخل فله الربع، فدخل عشرة، فلهم الربع الواحد، لأنّ الربع اسم لجزء واحد من المال. و لو دخل واحد ثمّ آخر، اشتركوا في النفل، لتعلّق الاستحقاق بالدخول حالة الخوف.

و لو قال: من دخل فله جارية، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة، فلكل واحد قيمة جارية وسط، أمّا لو قال: جارية من جواريهم، فليس لهم إلاّ ما وجد، فرقا بين المضاف و المطلق.

و لو قال: من دخل أولا فله ثلاثة، و من دخل ثانيا فله اثنان، و من دخل ثالثا فله واحد، فدخلوا علي التعاقب، فلكل منهم ما سماه، لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.

و لو دخلوا دفعة، بطل نفل الأوّل و الثاني، و كان لهم جميعا نفل الثالث، لأنّ الأوّل هو المتقدّم، و الثاني من تقدّمه واحد و لم يوجد، و الثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه، كان ثالثا، لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان، فيكون فعله أشقّ، فاستحقاقه أولي.

فلو دخل اثنان أوّل مرّة، بطل نفل الأوّل، و نفل الثاني يكون لهما،

ص: 213

لانعدام الأوّليّة بالمقارنة، بخلاف الثاني، فإنّه يصدق مع المسبوقيّة و المقارنة.

و لو قال: من دخل أوّلا من المسلمين فله كذا، فدخله ذمّي ثمّ مسلم، استحقّ المسلم، لأنّ أوّليّة الذمّي لا تمنع هذه الصفة، كالدابّة، أمّا لو قال: من دخل من المسلمين أوّلا من الناس، لم يستحقّ.

البحث الثالث: في السّلب.
مسألة 122: يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سلب المقتول إجماعا،

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال يوم حنين [1]: «من قتل قتيلا فله سلبه» فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ سلبهم [2]، رواه العامّة [3].

و من طريق الخاصّة: رواية عبد اللّه بن ميمون، قال: أتي علي عليه السّلام بأسير يوم صفّين فبايعه، فقال علي عليه السّلام: «لا أقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين» فخلّي سبيله، و أعطي سلبه الذي جاء به(1). و إذا أخذ الآتي السّلب فالقاتل أولي.

و لأنّ فيه مصلحة عظيمة تنشأ من التحريض علي القتال.

مسألة 123: و إنّما يستحقّ القاتل السّلب بشروط:
الأوّل: أن يخصّه الإمام به و يشرطه له

- و به قال أبو حنيفة و الثوري

ص: 214


1- التهذيب 153:6-269.

و مالك و أحمد في رواية(1) - لأنّ السّلب جعل تحريضا علي القتال، فلا يستحقّه إلاّ بشرط الإمام، كالنفل.

و قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و ابن الجنيد من علمائنا، و أحمد في الرواية الأخري: يخصّ به القاتل، سواء قال الإمام أو لم يقل(2) ، لما تقدّم من الرواية(3).

و ليس فيها دلالة علي عدم الشرط قبل ابتداء القتال، فجاز أن يكون الرسول صلّي اللّه عليه و آله شرط له ذلك أوّلا، و إذا شرط له السّلب، جاز له أخذه و إن لم يأذن له الإمام.

و قال الأوزاعي: يشترط إذن الإمام. و إن لم يشرطه [1]. في الاستحقاق.

قال: لأنّه مجتهد فيه، فلا ينفذ أمره فيه إلاّ بإذن الإمام(4).

الثاني: أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم،

فلو قتل امرأة أو صبيّا أو شيخا فانيا لا رأي له و نحوهم ممّن لم يقاتل، لم يستحقّ سلبه إجماعا، لأنّ قتل هؤلاء منهيّ عنه، فلا يستحقّ به نفل. و لو قتل

ص: 215


1- تحفة الفقهاء 297:3، النتف 721:2، الهداية - للمرغيناني - 149:2، مختصر اختلاف العلماء 456:3-1611، بدائع الصنائع 115:7، بداية المجتهد 397:1، المغني 419:10، الشرح الكبير 447:10، حلية العلماء 658:7، الحاوي الكبير 393:8 و 155:14.
2- المغني 419:10، الشرح الكبير 446:10-447، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 355:7، الحاوي الكبير 393:8 و 155:14، حلية العلماء 7: 658، المهذب - للشيرازي - 238:2، روضة الطالبين 331:5، بداية المجتهد 397:1، تحفة الفقهاء 298:3، الهداية - للمرغيناني - 149:2، النتف 2: 721.
3- تقدّمت الرواية و كذا الإشارة إلي مصادرها في ص 214 و الهامش (3).
4- المغني 420:10، الشرح الكبير 448:10.

أحدهم و هو مقاتل، استحقّ سلبه، لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل، فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث: أن يكون المقتول ممتنعا، فلو قتل أسيرا له أو لغيره،

أو من أثخن بالجراح و عجز عن المقاومة، لم يستحقّ سلبه - و به قال الشافعي و أحمد و مكحول(1) - لأنّ ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بدر فأجاز عليه عبد اللّه بن مسعود فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سلبه لابني عفراء، و لم يعط ابن مسعود شيئا(2).

و لأنّه لم يغرّر بنفسه في دفع شرّه.

و قال أبو ثور و داود: يستحقّ سلبه علي أيّ وجه قتله، لعموم الخبر(3).

و الخبر محمول علي القاتل حالة الامتناع.

و لو قطع يدي رجل و رجليه و قتله آخر، فالسّلب للقاطع دون القاتل، لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.

و لو قطع يديه أو رجليه و قتله آخر، قال الشيخ رحمه اللّه: السّلب للقاتل، لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعا، فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعدو، و مقطوع الرّجلين يمتنع برمي يديه(4).

ص: 216


1- المهذّب - للشيرازي - 239:2، الحاوي الكبير 156:14، روضة الطالبين 5: 331، المغني 414:10، الشرح الكبير 444:10.
2- العزيز شرح الوجيز 358:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، المغني 10: 414 و 417، الشرح الكبير 444:10، و انظر: صحيح البخاري 95:5، و صحيح مسلم 1424:3-1800، و سنن البيهقي 92:9، و مسند أحمد 560:3-11733، و 583-11895، و 117:4-118-13065.
3- المهذّب - للشيرازي - 239:2، المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.
4- المبسوط - للطوسي - 67:2.

و قال بعض العامّة: يخصّ القاطع، لأنّه عطّله(1).

و ليس جيّدا، لما قاله الشيخ رحمه اللّه.

و قال بعضهم: يكون غنيمة، لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه، و القاتل قتل مثخنا(2).

أمّا لو قطع يده و رجله من خلاف ثمّ قتله آخر، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين، فالسّلب له، و إلاّ فللقاتل.

و لو عانق رجل رجلا فقتله آخر، فالسّلب للقاتل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المعانق ليس قاتلا، و القاتل كفي المسلمين شرّه.

و قال الأوزاعي: للمعانق(4).

الرابع: القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلا في حكم المقتول،

فلو أسر رجلا، لم يستحق سلبه و إن قتله الإمام أو لم يقتله، لأنّه صلّي اللّه عليه و آله جعل السّلب للقاتل(5).

و قال مكحول: من أسر مشركا، استحقّ سلبه(6).

و قال بعض العامّة: إن استبقاه الإمام، كان له فداؤه أو رقبته و سلبه، لأنّه كفي المسلمين شرّه، لأنّ الأسر أصعب من القتل، و قد كفي المسلمين شرّه(7).

ص: 217


1- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
2- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
3- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10-450.
4- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10-450.
5- المعجم الكبير - للطبراني - 295:7-297-6995-6997-6997 و 7000، المصنّف - لابن أبي شيبة - 369:12-14030، و 372-14036، و 524:14-18834، شرح معاني الآثار 227:3، سنن البيهقي 307:6 و 309.
6- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
7- المغني 415:10-416، الشرح الكبير 449:10.

و ليس جيّدا، لأنّ الجعل للقتل لا للأسر. نعم، لو شرط الإمام السّلب لمن استأسر، استحقّ سلبه [1].

الخامس: أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلي صفّ المشركين أو إلي مبارزة من يبارزهم،

فيكون له السّلب، فلو لم يغرّر بنفسه، مثل أن يرمي سهما في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركا، لم يكن له سلبه، لأنّ القصد التحريض علي القتال و مبارزة الرجال و لا يحصل إلاّ بالتغرير.

و لو حمل جماعة من المسلمين علي مشرك فقتلوه. فالسّلب في الغنيمة، لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا بأنفسهم في قتله.

و لو اشترك اثنان في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما، فالسّلب لهما - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) - لأنّ قوله صلّي اللّه عليه و آله: «من قتل قتيلا فله سلبه»(2) يتناول الاثنين و الواحد علي حد واحد، فلا وجه للتخصيص.

و قال أحمد في رواية: يكون غنيمة، لأنّ سبب استحقاق السّلب التغرير، و لا يحصل بقتل الاثنين(3).

و هو ممنوع، فقد يحصل التغرير بالاثنين.

و لو اشترك اثنان في ضربه و كان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر، قال

ص: 218


1- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 359:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 239، بدائع الصنائع 115:7، المغني 416:10، الشرح الكبير 448:10 - 449.
2- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 217.
3- المغني 416:10-417، الشرح الكبير 448:10-449.

بعض العامّة: يكون السّلب له، لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء و أتيا النبي صلّي اللّه عليه و آله فأخبراه، فقال: «كلاكما قتله» و قضي بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح(1)(2).

السادس: أن يقتله و الحرب قائمة، سواء قتله مقبلا أو مدبرا،

أمّا لو انهزم المشركون فقتله، لم يستحقّ السّلب، بل كان غنيمة، إذ لا تغرير حينئذ، بخلاف ما لو قتله مدبرا و الحرب قائمة لأنّ التغرير موجود، فإنّ الحرب كرّ و فرّ. و به قال الشافعي(3).

و قال أبو ثور و داود: لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السّلب مطلقا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ ابن مسعود ذفف [1] علي أبي جهل فلم يعطه النبي صلّي اللّه عليه و آله سلبه(5).

و إن شرطنا في المبارزة إذن الإمام، لم يستحقّ القاتل السّلب إلاّ مع إذنه في المبارزة، و إلاّ استحقّ.

السابع: أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة أمّا سهم أو رضخ،

و لو لم يكن له نصيب و لا رضخ له الإمام شيئا بأن يكون مخذلا كعبد اللّه بن

ص: 219


1- صحيح البخاري 112:4، صحيح مسلم 1372:3-1752.
2- المغني 417:10، الشرح الكبير 449:10.
3- الام 142:4، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 358:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 331:5، حلية العلماء 659:7، الحاوي الكبير 397:8 و 156:14، المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.
4- المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10، المهذّب - للشيرازي - 239:2، حلية العلماء 659:7، الحاوي الكبير 398:8.
5- المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.

أبيّ، أو يكون معينا علي المسلمين أو مرجفا، لم يستحقّ سلبا، لأنّ ترك السهم من حيث إنّه عاون علي المسلمين، فلا يستحقّ السّلب، أو يكون لنقص فيه، كالمرأة و المجنون، فالذي قوّاه الشيخ رحمه اللّه استحقاق السّلب، لعموم الخبر(1)المغني 413:10، الشرح الكبير 442:10.(2).

و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: لا يستحقّ، لأنّ السهم آكد من السّلب، للإجماع علي استحقاق السهم دون السّلب، فإذا انتفي السهم انتفي السّلب(3).

و الصبي عندنا يسهم له، فيستحقّ السّلب.

و للشافعي قولان(4).

و من يستحقّ الرضخ - كالمرأة و العبد و الكافر - فالأقوي استحقاقه للسّلب، للعموم، و لأنّه من أهل الغنيمة.

و للشافعي قولان(5).

و العاصي بالقتال - كالداخل بغير إذن الإمام أو بنهي أبويه عنه مع عدم تعيينه - لا يستحقّ السّلب.

و لو قتل العبد، استحقّ مولاه سلبه. و لو خرج بغير إذن مولاه، قال بعض الجمهور: لا سلب له، لأنّه عاص(5).

مسألة 124: اختلف علماؤنا في السّلب هل يخمّس أم لا؟

علي قولين:

أحدهما: يجب فيه الخمس، و به قال ابن عباس و الأوزاعي

ص: 220


1- المبسوط - للطوسي - 66:2، و تقدّم الخبر و كذا الإشارة إلي مصادره في ص 217 و الهامش
2- .
3- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.
4- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.
5- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.

و مكحول(1).

و الثاني: لا يجب، و هو قويّ، لأنّه عليه السّلام قضي بالسّلب للقاتل(2) ، و لم يخمّس السّلب، و به قال الشافعي و ابن المنذر و ابن جرير و أحمد، للعموم(3).

و قال إسحاق: إن كان السّلب كثيرا، خمّس، و إلاّ فلا. و هو قول عمر(4).

و نمنع أنّه غنيمة، فلا يدخل تحت عموم الآية(5) ، و لو سلّم فالعامّ يخصّ بالسنّة.

إذا عرفت هذا، فالسّلب يستحقّه القاتل من أصل الغنيمة - و به قال الشافعي و مالك في إحدي الروايتين(6) - لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل السّلب للقاتل(7) مطلقا، و لم ينقل أنّه جعله من خمس الخمس.

و في الرواية الثانية عن مالك أنّه يحسب من خمس الخمس الذي هو سهم المصالح، لأنّه استحقّه القاتل للتحريض علي القتال، فكان من سهم).

ص: 221


1- المغني 418:10، الشرح الكبير: 445، حلية العلماء 658:7.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 217، الهامش 5.
3- الامّ 142:4، الحاوي الكبير 393:8، العزيز شرح الوجيز 361:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 334:5، حلية العلماء 658:7، المغني 418:10، الشرح الكبير 445:10.
4- المغني 418:10، الشرح الكبير 445:10-446، حلية العلماء 659:7، بداية المجتهد 398:1.
5- الأنفال: 41.
6- الامّ 142:4، مختصر المزني: 148، الحاوي الكبير 401:8، حلية العلماء 659:7، العزيز شرح الوجيز 362:7، روضة الطالبين 334:5.
7- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 217، الهامش (5).

المصالح، كالنفل(1).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل، مع أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يقدّره و لم يستعلم قيمته، و لو وجب احتسابه من خمس الخمس، لوجب العلم بقدره و قيمته.

و أمّا النفل: فيستحقّه من قوطع عليه بعد الفعل و يخمّس عليه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا نفل إلاّ بعد الخمس»(2).

و لقوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (3).

و يستحقّه المجعول له زائدا عن سهمه الراتب له، و لا يتقدّر بقدر، بل هو موكول إلي الإمام، قلّ أو كثر.

و النفل يكون إمّا بأن يبذل الإمام من سهم نفسه الذي هو الأنفال، أو يجعله من الغنيمة.

و لو جعل الإمام نفلا علي فعل مصلحة فتبرّع من يقوم بها مجّانا، لم يكن له أن ينفل. و كذا لو وجد من ينتدب بنفل أقلّ، لم يكن له أن ينفل الأكثر، إلاّ أن يعلم الإمام أنّ طالب النفل الأكثر أنكي للعدوّ و أبلغ في مقصوده.

مسألة 125: السّلب كلّ مال متّصل بالمقتول ممّا يحتاج إليه في القتال،

كالثياب و العمامة و القلنسوة و الدرع و المغفر و البيضة و الجوشن و السلاح، كالسيف و الرمح و السكّين، فهذا كلّه سلب يستحقّه القاتل إجماعا.

ص: 222


1- المغني 419:10، الشرح الكبير 446:10، حلية العلماء 659:7، العزيز شرح الوجيز 362:7.
2- سنن أبي داود 82:3-2753، سنن البيهقي 314:6، شرح معاني الآثار 3: 242، مسند أحمد 513:4-15435.
3- الأنفال: 41.

و أمّا ما لا يحتاج إليه في القتال ممّا هو متّصل به و إنّما يتّخذ للزينة أو غيرها، كالتاج و السوار و الطرق و الهميان الذي للنفقة، و المنطقة، فهل يكون سلبا أم لا؟ تردد الشيخ فيه، و قوّي كونه سلبا(1) - و هو قول أحمد و أحد قولي الشافعي(2) - لأنّه لابس له، فهو سلب في الحقيقة، فيدخل تحت عموم الخبر(3)مختصر المزني: 149، الحاوي الكبير 399:8، العزيز شرح الوجيز 360:7، روضة الطالبين 333:5، المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452، المحرّر في الفقه 175:2.(4).

و قال الشافعي في الآخر: إنّه لا يكون سلبا، لأنّه لا يحتاج إليه في القتال، فأشبه المنفصل(5).

و الحكم معلّق علي الاسم الذي يندرج فيه صورة النزاع دون صورة النقص، فافترقا.

و الدابّة التي يركبها من السّلب و إن لم يكن راكبا لها إذا كانت بيده - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لأنّه يستعان بها في الحرب، فأشبهت السلاح.2.

ص: 223


1- المبسوط - للطوسي - 67:2.
2- المغني 421:10، الشرح الكبير 450:10-451، معالم السنن - للخطابي - 43:4، الامّ 142:4-143، الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 333:5، حلية العلماء 7: 661، الحاوي الكبير 400:8، و 157:14-158.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 217، الهامش
4- .
5- الحاوي الكبير 400:8، و 157:14-158، حلية العلماء 661:7، العزيز شرح الوجيز 360:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 5: 333، المغني 421:10، الشرح الكبير 450:10-451، معالم السنن - للخطابي - 43:4.

و في رواية عن أحمد أنّها ليست سلبا، لأنّ السّلب ما كان علي بدنه(1).

و ينتقض بالسيف و الرمح.

و كذا ما علي الدابة من سرج و لجام و جميع آلاتها و حلية تلك الآلات من السّلب، لأنّه تابع لها، و يستعان به في القتال.

و لو كانت الدابة في منزله أو مع غيره أو منفلتة [1]، لم تكن سلبا، كالسلاح الذي ليس معه.

و لو كان راكبا عليها فصرعه عنها ثمّ قتله بعد نزوله عنها، فهي من السّلب.

و لو كان ماسكا بعنانها غير راكب، قال ابن الجنيد: تكون من السّلب - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2) - لأنّه يتمكّن من القتال عليها، فأشبهت ما في يده من السيف و الرمح.

و في رواية عن أحمد: أنّها ليست سلبا، لأنّه ليس راكبا عليها، فأشبه ما لو كانت في يد غلامه(3).

و أمّا الجنيب [2] الذي يساق خلفه: فليس من السّلب، لأنّ يده ليست عليه.

و لو كان راكبا دابّة و في يده جنيب له، قال ابن الجنيد: يكون من2.

ص: 224


1- المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452، المحرّر في الفقه 2: 175.
2- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 223.
3- المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452.

السّلب، لأنّه ممّا يستعان به علي القتال و يده عليه، فكان سلبا، كالفرس المركوب. و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: لا يكون سلبا، لأنّه لا يمكن ركوبهما معا، فلا يكون سلبا(2).

و يجوز سلب القتلي و تركهم عراة، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال في قتيل سلمة ابن الأكوع: «له سلبه أجمع»(3).

قال ابن الجنيد: و لا أختار أن يجرّد الكافر في السّلب.

و كرهه الثوري(4) ، و لم يكرهه الأوزاعي(5).

و لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ سلب أحد عند مباشرته للحروب.

مسألة 126: الأقرب افتقار مدّعي السّلب إلي بيّنة بالقتل

- خلافا للأوزاعي(6) - لقوله عليه السّلام: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه»(7).

و لأنّه مدّع، فافتقر إلي البيّنة.

احتج: بأنّ النبي عليه السّلام قبل قول أبي قتادة(8).

و ليس حجّة، لأنّ خصمه أقرّ له فاكتفي بإقراره.

و هل يفتقر الي شاهدين ؟ قال به أحمد، لأنّ النبي عليه السّلام اعتبر البيّنة(9) ، و إطلاقها ينصرف إلي شاهدين، و لأنّها دعوي قتل، فاعتبر شاهدان، كقتل

ص: 225


1- الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7-361، روضة الطالبين 333:5.
2- الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7-361، روضة الطالبين 333:5.
3- صحيح مسلم 1375:3 ذيل الحديث 1754، سنن أبي داود 49:3-2654، سنن البيهقي 307:6.
4- المغني 424:10، الشرح الكبير 452:10.
5- المغني 424:10، الشرح الكبير 452:10.
6- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
7- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.
8- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.
9- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.

العمد(1).

و قال بعض العامّة: يقبل شاهد و يمين، لأنّها دعوي مال. و يحتمل قبول شاهد من غير يمين، لأنّ النبي عليه السّلام قبل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين(2)(3).

مسألة 127: لو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، جاز

- و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال يوم بدر: «من أخذ شيئا فهو له»(5).

و الثاني: المنع، و إلاّ سقط حقّ أهل الخمس من خمسه، و من يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام أن يشترط إسقاطه، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين. و تأوّل الخبر بأنّ غنائم بدر لم تكن للغانمين، لأنّ الآية(6) نزلت بعدها، و لهذا قسيم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لمن لم يحضرها(7).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو قال الإمام قبل لقاء العدوّ: من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له بعد الخمس، كان جائزا، لأنّه معصوم و فعله حجّة(8).

ص: 226


1- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
2- المصادر في الهامش (7-9) من ص 225.
3- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
4- المهذّب - الشيرازي - 245:2، حلية العلماء 676:7، بدائع الصنائع 7: 115، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.
5- سنن البيهقي 315:6.
6- الأنفال: 41.
7- المصادر في الهامش (4).
8- المبسوط - للطوسي - 68:2-69.
البحث الرابع: في الرضخ.
مسألة 128: لا سهم للنساء في الغنيمة، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يراه،

للحاجة إليهنّ في معالجة الطبخ و مداواة المرضي و غير ذلك، فيدفع إليهنّ الإمام من الغنيمة شيئا دون السهم، و له أن يسوّي بين النساء في الرضخ، و أن يفضّل مع المصلحة، عند علمائنا أجمع، و أكثر العلماء(1) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي عليه السّلام كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحي، و يحذين [1] من الغنيمة، و أمّا السهم فلم يضرب لهنّ(2).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحي، و لم يقسّم لهنّ من الفيء شيئا و لكن نفلهنّ»(3).

و لأنّهنّ لسن من أهل القتال، و لهذا لم يجب عليهنّ فرضه.

و قال الأوزاعي: يسهم للنساء، لأنّ النبي عليه السّلام ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم، فقال رجل من القوم: أعطيت سهلة مثل سهمي(4)(5).

ص: 227


1- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 126:4 ذيل الحديث 1556، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، روضة الطالبين 329:5 و 330.
2- صحيح مسلم 1444:3-1812، سنن الترمذي 125:4-126-1556، سنن البيهقي 332:6، مسند أحمد 507:1-2807، المغني 443:10، الشرح الكبير 496:10.
3- الكافي 45:5-8، التهذيب 148:6-260.
4- سنن سعيد بن منصور 283:2-2784.
5- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 126:4، ذيل الحديث 1556، معالم السنن - للخطابي - 49:4، حلية العلماء 681:7.

و ليس حجّة، لأنّ في الحديث: أنّها ولدت، فأعطاها النبي صلّي اللّه عليه و آله لها و لولدها، و عندنا يسهم للمولود كالرجل.

مسألة 129: لا سهم للعبيد، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه مصلحة و إن جاهدوا،

و به قال أكثر العلماء(1) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس في المرأة و المملوك يحضران الفتح ليس لهما سهم، و قد يرضخ لهما(2).

و لأنّه ليس من أهل القتال، فلا يجب عليه الجهاد، فأشبه المرأة.

و قال أبو ثور: يسهم للعبد - و هو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و النخعي - لأنّ حرمة العبد في الدين كحرمة الحرّ، و فيه من العناء ما فيه، فأسهم له كالحرّ(3).

و الفرق: أنّ الحرّ يجب عليه الجهاد، و الحرّيّة مظنّة الفراغ [1] للنظر و الفكر في مصالح المسلمين، بخلافه.

و لا فرق بين العبد المأذون له و غيره في عدم الإسهام، بل يرضخ لهما.

و قال ابن الجنيد: يسهم للعبد المأذون - و به قال الأوزاعي و أبو ثور(4) -

ص: 228


1- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 127:4 ذيل الحديث 1557، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، معالم السنن - للخطابي - 49:4، روضة الطالبين 329:5.
2- صحيح مسلم 1446:3 ذيل الحديث 140، سنن البيهقي 332:6، المغني 443:10، الشرح الكبير 496:10.
3- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10.
4- معالم السنن - للخطابي - 49:4، المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10.

و غير المأذون لا يسهم له إجماعا.

ثمّ إن كره مولاه الغزو، لم يرضخ له، لعصيانه، و إن عرف منه الإباحة، استحقّ الرضخ كالمأذون.

و لو أعتق العبد قبل انقضاء الحرب، أسهم له.

و لو قتل سيّد المدبّر قبل تقضي الحرب و هو يخرج من الثلث، عتق و أسهم له مع حضوره.

و من نصفه حر قيل: يرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ، و يسهم له بقدر ما فيه من الحرّيّة، لأنّه ممّا يمكن تنصيفه فينصف كالميراث(1).

و قيل: يرضخ له، لأنّه ليس من أهل وجوب القتال، فأشبه الرقيق(2).

و الخنثي المشكل يرضخ له، لعدم علم الذكوريّة، و لعدم وجوب الجهاد عليه(3).

و قيل: له نصف سهم و نصف الرضخ، كالميراث(4).

و لو ظهر حاله و علم أنّه رجل، أتمّ له سهم الرجل، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده، أو قبل القسمة أو بعدها، لأنّه قد ظهر لنا استحقاقه للسهم و اعطي دون حقّه.

مسألة 130: يسهم للصبي إذا حضر الحرب و إن ولد بعد الحيازة قبل القسمة،

كالرجل المقاتل، عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي(5) -

ص: 229


1- المغني 444:10، الشرح الكبير 496:10.
2- المغني 444:10، الشرح الكبير 496:10.
3- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
4- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
5- المغني 445:10، الشرح الكبير 497:10، حلية العلماء 681:7، الحاوي الكبير 413:8.

لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أسهم للصبيان بخيبر(1). و أسهم أئمّة المسلمين كل مولود ولد في دار الحرب.

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له ممّا أفاء اللّه عليه(2)»(3).

و لأنّه حرّ ذكر(4) حضر القتال، و له حكم المسلمين، فيسهم له كالرجل. و لأنّ في إسهامه بعثا له بعد البلوغ علي الجهاد، فيكون لطفا له فيجب. و لأنّه معرّض للتلف، فأشبه المحارب.

و قال مالك: يسهم له إذا قاتل و قدر عليه و مثله قد بلغ القتال(5).

و قال أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و الليث و أحمد و أبو ثور: لا يسهم له، بل يرضخ(6) و عن القاسم و سالم ليس شيء، لأنه ليس من أهل القتال، فلم يسهم له، كالعبد(7).

و الفرق: أنّ المظنّة للاستحقاق - و هي الحرّيّة و الذكورة - تثبت له،0.

ص: 230


1- المغني 445:10، الشرح الكبير 497:10.
2- في المصدر: عليهم.
3- التهذيب 147:6-148-259.
4- في الطبعة الحجريّة: ذكر حرّ.
5- بداية المجتهد 392:1، المنتقي - للباجي - 179:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
6- المبسوط - للسرخسي - 45:10، الهداية - للمرغيناني - 147:2، الوجيز 1: 290، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، حلية العلماء 681:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2 و 246، روضة الطالبين 329:5، المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
7- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.

فيثبت الحكم.

مسألة 131: الكافر لا يسهم له، بل يرضخ له الإمام ما يراه،

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في رواية(1) - لأنّه ليس من أهل الجهاد، لأنّه لا يخلص نيّته للمسلمين، فلا يساويهم في الاستحقاق.

و قال الثوري و الزهري و إسحاق: يسهم له، كالمسلم - و هو رواية عن أحمد - لما رواه الزهري أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم(2).

و لأنّ الكفر نقص في الدين، فلم يمنع استحقاق السهم، كالفسق(3).

و يحتمل أن يكون الراوي سمّي الرضخ إسهاما. و الفرق بين الكفر و الفسق ظاهر.

و إنّما يستحقّ الكافر الرضخ عندنا أو السهم عند آخرين لو خرج إلي القتال بإذن الإمام. و لو خرج بغير إذنه، لم يسهم له و لم يرضخ إجماعا، لأنّه غير مأمون علي الدين.

و لو غزا جماعة من الكفّار بانفرادهم فغنموا، فغنيمتهم للإمام، لما يأتي من أنّ الغنيمة بغير إذن الإمام له.

و قال بعض العامّة: غنيمتهم لهم و لا خمس فيها، لأنّه اكتساب مباح لم يؤخذ علي وجه الجهاد، فكان كالاحتطاب(4).

ص: 231


1- الوجيز 190:1، العزيز شرح الوجيز 354:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2 و 246، المغني 446:10، الشرح الكبير 499:10.
2- سنن سعيد بن منصور 284:2-2790.
3- المغني 446:10، الشرح الكبير 499:10.
4- المغني 477:10، الشرح الكبير 458:10.

و قال بعضهم: فيه الخمس، لأنّه غنيمة قوم من أهل دار الإسلام، فأشبه غنيمة المسلمين(1).

و يجوز أن يستعين الإمام بالمشركين في الجهاد - و به قال الشافعي(2) و جماعة من العلماء [1] - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله استعان بناس من اليهود في حربه(3).

و قال ابن المنذر: لا يستعان بهم(4). و عن أحمد روايتان(5).

و يشترط أن يكون المستعان به من المشركين في الحرب حسن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.

مسألة 132: لا حدّ معيّن للرضخ، بل هو موكول إلي نظر الإمام

لكن لا يبلغ للفارس سهم فارس و لا للراجل سهم راجل، كما لا يبلغ بالتعزير الحدّ.

و ينبغي أن يفضّل بعضهم علي بعض بحسب مراتبهم و كثرة النفع به و ضدّ ذلك، و لا يسوّي بينهم في السهام، لأنّ السهم منصوص عليه غير موكول إلي الاجتهاد فلم يختلف، كالحدّ و الدية، و الرضخ مجتهد فيه،

ص: 232


1- المغني 477:10، الشرح الكبير 457:10.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 380:11، روضة الطالبين 441:7، المغني 10: 447، الشرح الكبير 421:10.
3- سنن سعيد بن منصور 284:2-2790.
4- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.
5- المغني 447:10، الشرح الكبير 420:10-421.

فاختلف، كالتعزير.

قال الشيخ رحمه اللّه: الرضخ، يكون من أصل الغنيمة(1) - و هو أحد أقوال الشافعي(2) - لأنّهم يستحقّون ذلك لمعاونة الغانمين في تحصيل الغنيمة، فكانوا كالحفّاظ و الناقلين تكون أجرتهم من الأصل. و لو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال و حصّته من الخمس، جاز.

و الثاني للشافعي: يكون من أربعة الأخماس، لأنّهم يستحقّون ذلك بحضورهم الوقعة، فأشبهوا الغانمين(3).

و الثالث: أنّه يدفع من سهم المصالح، لأنه مستحقّ الرضخ ليس من أصحاب السهم و لا من أصحاب الخمس، فلم يكن الدفع إليه إلاّ علي وجه المصلحة، فكان من سهم المصالح(4).

و لو استأجر الإمام أهل الذمّة للقتال، جاز، و لا يبيّن المدّة، لأنّ ذكر المدّة غرر، فربما زادت مدّة الحرب أو نقصت، و عفي عن الجهالة هنا، لموضع الحاجة. فإن لم يكن قتال، لم يستحقّوا شيئا، و إن كان قتال، فإن قاتلوا، استحقّوا الأجرة، و إلاّ فإشكال ينشأ من أنّه منوط بالعمل و لم يوجد، و من أنّه يستحقّ [1] بالحضور، لأنّه بمنزلة القتال في حقّ المسلم يستحقّ به السهم، فكذا هنا. و الأول أقوي.

و لو زادت الأجرة علي سهم الراجل أو الفارس، احتمل أن يعطي مان.

ص: 233


1- المبسوط - للطوسي - 70:2.
2- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكي ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.
3- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكي ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.
4- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكي ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.

يكون رضخا من الغنيمة، و ما زاد يكون من سهم المصالح، و أن يدفع ذلك كلّه من الغنيمة، لجريانه مجري المئونة التي لا يعتبر فيها النقصان عن السهم.

و لو غزا الرجل بغير إذن الإمام، أخطأ. و لو غنم مع العسكر، فسهمه للإمام. و لو غزا بغير إذن أبويه أو بغير إذن صاحب الدّين، استحقّ السهم، لتعيّن الجهاد عليه بالحضور.

مسألة 133: قال الشيخ رحمه اللّه: ليس للأعراب من الغنيمة شيء و إن قاتلوا مع المهاجرين،

بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه مصلحة(1).

و نعني بالأعراب من أظهر الإسلام و لم يصفه، و صولح علي إعفائه عن المهاجرة و ترك النصيب.

و يجوز أن يعطيهم الإمام من سهم ابن السبيل من الصدقة، لأنّ الاسم يتناولهم.

و منعه ابن إدريس، و أوجب لهم النصيب كغيرهم من المقاتلة(2).

و الشيخ رحمه اللّه استدلّ بقول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إنّما صالح الأعراب علي أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا علي إن دهمه من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة [1] نصيب»(3).

و لا نعلم صحّة سند هذه الرواية.

ص: 234


1- المبسوط - للطوسي - 74:2، النهاية: 299.
2- السرائر: 160.
3- التهذيب 150:6-261.
البحث الخامس: في كيفية القسمة.
مسألة 134: أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع ما تقدّم من السّلب،

لأنّ حقّه متعلّق بالعين، ثمّ اجرة الحمّال و الحافظ و الناقل و الراعي، لأنّ ذلك من مؤنها يؤخذ من أصلها، ثمّ الرضخ إن قلنا: إنّه يخرج من أصل الغنيمة، ثمّ يفرز خمس الباقي لأهله، و تقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.

و تقدّم قسمة الغنيمة علي قسمة الخمس، لأنّ مستحقّ الغنيمة حاضرون، و يقف رجوعهم و انصرافهم إلي مواطنهم علي قسمة الغنيمة، و أهل الخمس غيّاب في مواطنهم. و لأنّ الغنيمة حصلت باجتهاد الغانمين فكأنّها بعوض، فكانت آكد من الخمس.

مسألة 135: للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره،

كفرس جواد و ثوب مرتفع و جارية حسناء و سيف قاطع و غير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر، عند علمائنا أجمع، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يصطفي من الغنائم الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة خيبر و غيرها(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صفو الأموال»(2).

و سأله أبو بصير عن صفو المال، فقال: «الإمام يأخذ الجارية الحسناء و المركب الفاره و السيف القاطع و الدّرع قبل أن تقسّم الغنيمة، هذا صفو

ص: 235


1- سنن أبي داود 152:3-2991-2995، سنن البيهقي 304:6.
2- التهذيب 132:4-367.

المال»(1).

و هذا الحقّ عندنا ثابت للإمام بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله، لمشاركته إيّاه في تحمّل الأثقال و إتمام ذوي الحقوق مؤونتهم مع قصور حقّهم.

و قالت العامّة: إنّه مختصّ بالنبي عليه السّلام يبطل بموته(2).

و هل الاصطفاء قبل الخمس أو بعده ؟ فهم ممّا تقدّم في الرضخ.

مسألة 136: إذا أخرج الإمام من الغنيمة الرضخ و الجعائل و اجرة الحافظ

و غيره و ما تحتاج الغنيمة إليه من النفقة مدة بقائها، يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة ممّا ينقل و يحوّل من الأموال الحاضرة، للراجل سهم و للفارس سهمان.

و لا خلاف بين العلماء في أن الراجل له سهم، و اختلفوا في الفارس.

فقال أكثر علمائنا: إنّه يستحقّ سهمين: سهم له، و سهم لفرسه(3).

و به قال أبو حنيفة(4).

و قال ابن الجنيد من علمائنا: للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، و سهم له. و هو قول أكثر العامّة، و نقله العامّة عن علي عليه السّلام، و به قال عمر

ص: 236


1- التهذيب 134:4-375.
2- المغني 303:7، الشرح الكبير 490:10.
3- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 295، و المبسوط 70:2-71، و القاضي ابن البراج في المهذّب 186:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 258 - 259، و ابن حمزة في الوسيلة: 204، و ابن إدريس في السرائر: 157، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 324:1.
4- تحفة الفقهاء 300:3-301، بدائع الصنائع 127:7، الهداية - للمرغيناني - 146:2، المبسوط - للسرخسي - 41:10، حلية العلماء 678:7، الحاوي الكبير 415:8، بداية المجتهد 394:1.

ابن عبد العزيز و الحسن البصري و ابن سيرين و حبيب بن أبي ثابت و مالك و من تبعه من أهل المدينة، و الثوري و الليث و من تبعه من أهل مصر، و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد(1).

لنا: ما رواه العامّة عن المقداد رحمه اللّه، قال: أعطاني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سهمين: سهم لي و سهم لفرسي(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «للفارس سهمان، و للراجل سهم»(3).

و لأنّه حيوان ذو سهم، فلا يزاد علي الواحد، كالآدمي.

و ما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أعطي للفارس ثلاثة أسهم(4).

و ما رواه الخاصّة: أنّ عليّا عليه السّلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم(5) ، فمحمول علي صاحب الأفراس الكثيرة، لما رواه الباقر عليه السّلام: «أنّ عليا عليه السّلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهمين لفرسيه [1]، و سهما له، و يجعل للراجل سهما»(6).8.

ص: 237


1- المغني 434:10-435، الشرح الكبير 502:10-503، الكافي في فقه الإمام أحمد 143:4، الموطأ 456:2-21، المدوّنة الكبري 32:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المنتقي - للباجي - 196:3، مختصر المزني: 149، الحاوي الكبير 415:8، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 372:7، المهذّب - للشيرازي - 245:2، روضة الطالبين 340:5.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 261:20-614.
3- الكافي 44:5-2، التهذيب 146:6-253، الإستبصار 3:3-3.
4- المغني 435:10، الشرح الكبير 503:10.
5- التهذيب 147:6-257، الإستبصار 4:3-4.
6- الاستبصار 4:3-5، التهذيب 147:6-258.

إذا عرفت هذا، فإنّه يعطي ذو الفرسين فما زاد ثلاثة أسهم: سهما له و سهمين لأفراسه، و لا يزاد علي السهمين و إن كثرت الأفراس - و به قال أحمد(1) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يسهم للخيل، و كان لا يسهم للرجل فوق فرسين و إن كان معه عشرة أفراس(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الحسين بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام، قال: «إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلاّ لفرسين منها»(3).

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي: لا يسهم لأكثر من فرس واحد، لأنّ النبي عليه السّلام لم يسهم لأفراس الزبير إلاّ لواحد(4)(5).

و هو معارض بما روي عن الزبير أنّه عليه السّلام أسهم له عن فرسين(6).

مسألة 137: و يسهم للفرس سواء كان عتيقا

- و هو الذي أبواه

ص: 238


1- المغني 438:10، الشرح الكبير 506:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 144، المنتقي - للباجي - 196:3، الحاوي الكبير 162:14، حلية العلماء 7: 680، العزيز شرح الوجيز 373:7.
2- سنن سعيد بن منصور 281:2-2774.
3- التهذيب 174:6-256، الاستبصار 4:3-6.
4- سنن البيهقي 329:6.
5- تحفة الفقهاء 301:3، بدائع الصنائع 126:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 45، الهداية - للمرغيناني - 146:2، الموطأ 456:2-457 ذيل الحديث 21، المدوّنة الكبري 32:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المنتقي - للباجي - 196:3، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، المهذّب - للشيرازي - 246:2، روضة الطالبين 341:5، حلية العلماء 680:7، الحاوي الكبير 14: 162.
6- المغازي - للواقدي - 688:2، سنن البيهقي 329:6.

عتيقان عربيّان كريمان - أو برذونا - و هو الذي أبواه أعجميّان - أو مقرفا - و هو الذي أبوه برذون و امّه عتيقة - أو هجينا، و هو عكس البرذون - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة(1) - لصدق اسم الفرس في الجميع. و لأنّه حيوان ذو سهم، فاستوي الفاره و غيره، كالآدمي.

و قال الأوزاعي: لا يسهم للبرذون، و يسهم للمقرف و الهجين سهم واحد(2).

و عن أحمد روايات:

إحداها: يسهم لما عدا العربي سهم واحد. و هو قول الحسن البصري.

الثانية: أنّه يسهم له مثل سهم العربي. و به قال عمر بن عبد العزيز و الثوري.

الثالثة: أنّها إن أدركت إدراك العراب، أسهم لها، مثل الفرس العربي، و إلاّ فلا.

الرابعة: أنّه لا يسهم لها(3).7.

ص: 239


1- الامّ 337:7، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 372:7، المهذّب - للشيرازي - 245:2-246، روضة الطالبين 340:5-341، حلية العلماء 679:7، الحاوي الكبير 418:8، و 161:14، الموطّأ 457:2، ذيل الحديث 21، المنتقي - للباجي - 197:3، المغني 436:10، الشرح الكبير 504:10.
2- الحاوي الكبير 418:8، و 162:14، حلية العلماء 679:7.
3- المغني 436:10-437، الشرح الكبير 504:10، المحرّر في الفقه 2: 176، الكافي في فقه الإمام أحمد 144:4، حلية العلماء 679:7.

و عن أبي يوسف روايتان(1):

إحداهما: أنّه يسهم له، كالعربي.

الثانية: أنّه يسهم له سهم واحد، لأنّ البرذون لا كر له و لا فرّ، فأشبه البعير.

و قد بيّنّا عدم اعتبار التفاضل في السهام بشدّة البلاء في الحرب.

مسألة 138: لا يسهم لغير الخيل من الإبل و البغال و الحمير و الفيلة و غيرها،

عند علمائنا - و هو قول عامّة العلماء، و مذهب الفقهاء في القديم و الحديث(2) - لأنّه لم ينقل عن النبي صلّي اللّه عليه و آله إسهام غير الخيل مع أنّه كان معه يوم بدر سبعون بعيرا(3). و لأنّ الفرس له كرّ و فرّ و طلب و هرب، بخلاف غيرها.

و حكي عن الحسن البصري أنّه قال: يسهم للإبل خاصّة(4).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه يسهم للبعير سهم واحد، و لصاحبه سهم آخر.

و الثانية: أنّه إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير، أسهم له ثلاثة أسهم: سهمان لبعيره. و سهم له، و إن أمكنه الغزو علي الفرس، لم يسهم لبعيره، لقوله تعالي فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (5) و هي

ص: 240


1- انظر: حلية العلماء 679:7-680.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 507:10، الحاوي الكبير 418:8، العزيز شرح الوجيز 372:7، المدوّنة الكبري 32:2، المبسوط - للسرخسي - 10: 19.
3- المغني 440:10، الشرح الكبير 507:10.
4- المغني 438:10، الشرح الكبير 507:10.
5- الحشر: 6.

الإبل. و لأنّه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض، فيسهم له، كالفرس(1).

و لا دلالة (في الآية) [1] علي إسهام الركاب، و الجامع لا يصلح للعلّيّة، لنقضه بالبغال و الحمير، و لا فرق بين أن تقوم الإبل مقام الخيل أو تزيد في العمل.

و يسهم للخيل مع حضورها الوقعة و إن لم يقاتل عليها و لا احتيج إليها في القتال، لأنّه أحضرها للقتال و لزم عليها مئونة.

و لو كانت الغنيمة من فتح حصن أو مدينة، فالقسمة فيها كالقسمة في [2] غنائم دار الحرب - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قسّم غنائم خيبر [3] للفارس ثلاثة أسهم، و للراجل سهمين، و هي حصون(3).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إلي الخيل بأن ينزل أهل الحصن فيقاتلوا خارجه، فيسهم [4] له.

و لو حاربوا في السفن و فيهم الرجالة و أصحاب الخيل، قسّمت الغنيمة كما تقسّم في البرّ، للراجل سهم، و للفارس سهمان، سواء احتاجوا إلي الخيل أو لا، للرواية عن الصادق عليه السّلام لمّا سأله حفص بن غياث عن سريّة في سفينة قاتلوا و لم يركبوا الفرس كيف تقسّم ؟ فقال عليه السّلام: «للفارس سهمان، و للراجل سهم»(4).3.

ص: 241


1- المغني 438:10-439، الشرح الكبير 507:10.
2- المغني 441:10، الشرح الكبير 506:10.
3- المغني 442:10، الشرح الكبير 503:10.
4- التهذيب 146:6-253، الإستبصار 3:3-3.
مسألة 139: يسهم للفرس المستعار للغزو، و السهم للمستعير

- و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنه متمكّن من الغزو عليه شرعا و عقلا، فأشبه المستأجر. و لأنّ سهم الفرس لمنفعته، و هي مملوكة للمستعير.

و قال بعض الحنفيّة: السهم للمالك. و هو رواية عن أحمد(2). و قال بعضهم: لا يسهم للفرس(3) ، لأنّ السهم نماء الفرس، فأشبه الولد [1]. و لأنّ مالكه لا يستحقّ شيئا فكذا فرسه، كالمخذّل [2].

و الفرق: أنّ النماء و الولد غير مأذون له فيه، بخلاف الغزو. و المخذّل لا يستحقّ سهما بالحضور، للخذلان، بخلاف المستعير، فإنّ صاحب الفرس لو حضر لاستحقّ سهما، و إنّما منع، للغيبة، فلا قياس، للاختلاف في العلّة.

و لا نعلم خلافا في استحقاق المستأجر لسهم الفرس إذا استأجره للغزو.

و لو استعار فرسا لغير الغزو فغزا عليه، استحقّ السهم الذي له، و أمّا (سهم الفرس) [3] فكالفرس المغصوب.

و لو استأجره لغير الغزو فغزا عليه، سقط سهم الفرس، لأنّه

ص: 242


1- المهذّب - للشيرازي - 246:2، روضة الطالبين 341:5، الحاوي الكبير 8: 419، العزيز شرح الوجيز 374:7، المغني 452:10، الشرح الكبير 10: 501.
2- المغني 452:10، الشرح الكبير 501:10.
3- المغني 452:10، الشرح الكبير 501:10.

كالغاصب.

و لو كان المستأجر أو المستعير ممّن لا سهم له، كالمرجف و المخذّل، أو له رضخ، كالمرأة و العبد، كان حكمه حكم فرسه المملوكة، و قد تقدّم(1).

مسألة 140: لو غصب فرسا فقاتل عليه، استحقّ الغاصب سهم راجل.

و أمّا سهم الفرس: فإن كان صاحبه حاضرا في الحرب، فالسهم له، و إلاّ فلا شيء له، لأنّه مع الحضور قاتل علي فرسه من يستحقّ السهم، فاستحقّ السهم، كما لو كان مع صاحبه، و إذا ثبت أنّ للفرس سهما، ثبت لمالكه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله جعل للفرس سهما [1] و لصاحبه سهما(2) ، و ما كان للفرس كان لمالكه.

و أمّا مع الغيبة: فإنّ الغاصب لا يملك منفعة الفرس، و المالك لم يحضر، فلا يستحقّ سهما، فلا يستحقّ فرسه.

و قال بعض الشافعيّة: يسهم للغاصب، و عليه اجرة الفرس لمالكه، لأنّ الفرس كالآلة، فكان حاصلها لمستعملها، كما لو غصب سيفا فقاتل به، أو قدوما [2] فاحتطب به(3).

و الفرق: أنّ السيف و القدوم لا شيء لهما، و الفرس جعل لها النبي صلّي اللّه عليه و آله

ص: 243


1- تقدّم في ص 227 و 228.
2- صحيح البخاري 37:4، المغني 453:10.
3- المغني 453:10، الشرح الكبير 509:10-510، العزيز شرح الوجيز 7: 374، روضة الطالبين 341:5.

سهما، و لمّا لم تكن الفرس أهلا للتملّك كان السهم لمالكها.

و قال بعض الحنفيّة: لا سهم للفرس. و هو قول بعض الشافعيّة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب علي الغاصب اجرة المثل، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.

و لو كان الغاصب ممّن لا سهم له كالمرجف، فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضرا، و إلاّ فلا شيء له.

و قال بعض العامّة: حكم المغصوب حكم فرسه، لأنّ الفرس يتبع الفارس في حكمه، فيتبعه إذا كان مغصوبا، قياسا علي فرسه(2).

و ليس بجيّد، لأنّ النقص في الفارس و الجناية منه، فاختصّ المنع به و بتوابعه، كفرسه التابعة له، بخلاف المغصوب.

و كذا البحث لو غزا العبد بغير إذن مولاه علي فرس مولاه.

و لو غزا جماعة علي فرس واحدة بالتناوب، قال ابن الجنيد: يعطي كلّ واحد سهم راجل ثمّ يقسّم بينهم سهم فرس واحدة. و هو حسن.

مسألة 141: لو غزا العبد بإذن مولاه علي فرس مولاه، رضخ للعبد،

و أسهم للفرس. و السهم و الرضخ لسيّده [1]. و لو كان معه فرسان، رضخ له، و أسهم لفرسيه - و به قال أحمد(3) - لأنّه فرس حضر الوقعة و خوصم عليه، فاستحقّ مالكه السهم، كما لو كان الراكب هو السيّد.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا سهم للفرس: لأنّه تحت من لا سهم.

ص: 244


1- المغني 453:10، الشرح الكبير 510:10، العزيز شرح الوجيز 374:7، روضة الطالبين 341:5.
2- المغني 453:10، الشرح الكبير 510:10.
3- المغني 451:10، الشرح الكبير 500:10.

له، فلم يسهم له، كما لو كان تحت مخذّل(1).

و الفرق: أنّ المخذّل لا يستحقّ شيئا بالحضور، ففرسه أولي بعدم الاستحقاق.

و لو غزا الصبي علي فرس، أسهم له و لفرسه علي خلاف بيننا و بين العامّة في استحقاق الصبي السهم.

و لو غزت المرأة أو الكافر علي فرس لهما، فالأقرب أنّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما و أقلّ من سهم الفارس، لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس. و لأنّ سهم الفرس له، فإذا لم يستحقّ هو بحضوره سهما ففرسه أولي، بخلاف العبد، فإنّ الفرس هناك لغيره و هو السيّد.

و لو غزا المرجف أو [1] المخذّل علي فرس، فلا شيء له و لا لفرسه.

و لو غزا العبد بغير إذن مولاه، لم يرضخ [2] له، لأنّه عاص.

مسألة 142: ينبغي للإمام أن يتعاهد خيل المجاهدين - التي تدخل دار الحرب

- و يعتبرها، فيأذن في استصحاب ما يصلح للقتال، و يمنع من استصحاب ما لا يصلح له، لأنّه كلّ و ضرر، كالحطم - و هو الذي يتكسّر من الهزال، و القحم - بفتح القاف و سكون الحاء - و هو الكبير السنّ الهرم الفاني، و الضرع - بفتح الضاد و الراء - و هو الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه، و الأعجف، و هو المهزول، و الرازح، و هو الذي لا حراك به من الهزال.

فلو ادخل فرس من هذه، قال الشيخ رحمه اللّه: يسهم له(2) - و به قال

ص: 245


1- المغني 451:10، الشرح الكبير 500:10.
2- المبسوط - للطوسي - 71:2، الخلاف 203:4، المسألة 28.

الشافعي(1) - لعموم الأخبار، و لأنّ كلّ جنس يسهم له فإنّه يستوي فيه القويّ و الضعيف، كالآدمي.

و قال ابن الجنيد منّا: لا يسهم له - و به قال مالك و أحمد، و قول للشافعي(2) - لأنّه لا ينتفع به، فأشبه المخذّل.

و المريض يسهم له إذا لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد، كالمحموم و صاحب الصداع، لأنّه من أهل الجهاد، و يعين عليه برأيه و تكبيره [1] و دعائه.

و إن خرج [2]، كالزمن و الأشلّ و المفلوج، فهل يسهم له ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: يسهم له، عندنا، سواء منع مرضه من الجهاد أولا، كالطفل(3).

و لو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو مبارزته، أسهم له، و لم يمنع بذلك من الإسهام.

و لو استأجر أجيرا للحرب ثمّ دخلا معا دار الحرب، أسهم لهما معا، سواء كانت الأجرة [3] في الذمّة أو معيّنة، و يستحقّ مع ذلك الأجرة. و لو لم يحضر المستأجر، استحقّ المؤجر السهم و الأجرة، لأنّ الإسهام يستحقّ0.

ص: 246


1- الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، حلية العلماء 678:7، الحاوي الكبير 420:8، روضة الطالبين 341:5، المغني 440:10، الشرح الكبير 481:10.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 481:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 143، الامّ 145:4، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، الحاوي الكبير 420:8، حلية العلماء 679:7، روضة الطالبين 341:5.
3- المبسوط - للطوسي - 71:2-72، الخلاف 205:4، المسألة 30.

بالحضور.

مسألة 143: الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة للغنيمة، لا بدخوله المعركة.

فلو دخل دار [1] الحرب فارسا ثمّ ذهب [2] فرسه قبل حيازة الغنيمة، فلا سهم لفرسه. و لو دخل راجلا فأحرزت الغنيمة و هو فارس، فله سهم فارس [3] - و به قال الشافعي و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و ابن عمر(1) - لأنّه حيوان يسهم له، فاعتبر وجوده حال القتال، كالآدمي.

و قال أبو حنيفة: الاعتبار بدخول دار الحرب، فإن دخل فارسا، فله سهم فارس و إن نفق فرسه قبل القتال، و إن دخل راجلا، فله سهم راجل و إن استفاد فرسا فقاتل عليه(2).

و عنه رواية أخري كقولنا، لأنّه دخل الحرب بنيّة القتال، فلا يتغيّر سهمه بذهاب دابّته أو حصول دابّة أخري له، كما لو كان ذلك بعد القتال(3).

و الفرق تقدّم.

و لو دخل الحرب فارسا فمات فرسه بعد تقضّي الحرب قبل حيازة الغنائم، للشافعي قولان(4) مبنيّان علي أنّ ملك الغنيمة هل يتحقّق بانقضاء

ص: 247


1- الحاوي الكبير 421:8، روضة الطالبين 342:5، المغني 434:10، الشرح الكبير 508:10-509.
2- المبسوط - للسرخسي - 42:4-43، بدائع الصنائع 126:7 و 127، الحاوي الكبير 421:8، المغني 434:10، الشرح الكبير 509:10.
3- المغني 434:10، الشرح الكبير 509:10.
4- العزيز شرح الوجيز 365:7-366، روضة الطالبين 336:5.

الحرب أو الحيازة ؟ و كذا لو وهب فرسه أو أعاره أو باعه، البحث في ذلك كلّه واحد.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا إذا كان الحرب في دار الكفر، فأمّا إذا كان في دار الإسلام، فلا خلاف في أنّه لا يسهم إلاّ للفرس الذي يحضر القتال(1).

مسألة 144: من مات من الغزاة أو قتل قبل حيازة الغنيمة و تقضّي القتال، فلا سهم له.

و إن مات بعد ذلك، فسهمه لورثته - و به قال أحمد(2) - لأنّه إذا مات قبل حيازة الغنيمة، فقد مات قبل ملكها و ثبوت اليد عليها، فلم يستحقّ شيئا، و إن مات بعده، فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسّمت صحّت قسمتها و ملك سهمه، فاستحقّ السهم، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام، و إذا استحقّ السهم، انتقل إلي ورثته، كغيره من الحقوق.

و قال أبو حنيفة: إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمتها في دار الحرب، فلا سهم له، لأنّ ملك المسلمين لا يتمّ إلاّ بذلك(3).

و نمنع ذلك، بل يملك بالاستيلاء و الحيازة.

و قال الشافعي و أبو ثور، إن حضر القتال، أسهم له، سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها، و إن لم يحضر، فلا سهم له(4) - و نحوه قال مالك

ص: 248


1- المبسوط - للطوسي - 71:2.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 515:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 148.
3- بدائع الصنائع 121:7، المغني 440:10-441، الشرح الكبير 516:10.
4- روضة الطالبين 336:5، المغني 441:10، الشرح الكبير 515:10.

و الليث بن سعد(1) - لقوله عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(2).

(و نحن نقول) [1] بموجبه، فإنّ من قتل قبل تقضّي الحرب لم يشهد الوقعة بكمالها.

مسألة 145: لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة 2 علي بعض،

بل يقسّم للفارس سهمان، و للراجل سهم، و لذي [3] الأفراس ثلاثة، سواء حاربوا أو لا إذا حضروا للحرب لا للتخذيل و شبهه، و لا يفضّل أحد لشدّة بلائه و حربه، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لقوله تعالي:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (4) أضاف الباقي إلي الغانمين فاستووا فيه، عملا بالظاهر.

و لأنّه عليه السّلام قسّم للفارس سهمين و ثلاثة علي تفاوتهم في عدد الخيل، و للراجل سهما(5).

من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن قسم بيت المال:

«أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين

ص: 249


1- المدوّنة الكبري 33:2، المنتقي - للباجي - 180:3، المغني 441:10، الشرح الكبير 515:10-516.
2- الجامع لأحكام القرآن 16:8.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 372:7، روضة الطالبين 340:5، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 148:4.
4- الأنفال: 41.
5- سنن أبي داود 75:3-76-2733-2736، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.

اللّه، أجملهم كبني رجل واحد لا يفضّل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث علي آخر ضعيف منقوص»(1).

و قال مالك: يجوز أن يفضّل بعض الغانمين علي بعض، و يعطي من لم يحضر الوقعة(2) ، لأنّ النبي عليه السّلام أعطي من غنيمة بدر من لم يشهدها(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يفضّل، و لا يعطي من لم يحضر الوقعة(4) ، لقوله عليه السّلام: «من أخذ شيئا فهو له»(5).

و الجواب: أنّه ورد في قضيّة بدر، و غنائمها لم تكن للغانمين.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، جاز، لأنّه معصوم و فعله حجّة(6).

و نحن لا ننازعه، بل هل لنائبه ذلك ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: الجواز، لأنّ النبي عليه السّلام قاله في غزاة بدر.

و الثاني: المنع، لأنّه عليه السّلام قسّم الغنائم للفارس سهمين و للراجل سهما. و قضيّة بدر منسوخة(7).

مسألة 146: الغنيمة تستحقّ بالحضور قبل القسمة،

فلو غنم المسلمون ثمّ لحقهم مدد قبل تقضي الحرب، أسهم له إجماعا، و إن كان بعده و بعد

ص: 250


1- التهذيب 146:6-255 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- العزيز شرح الوجيز 374:7.
3- المغازي - للواقدي - 153:1، و 683:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 2: 334 و 338 و 345 و 346 و 440، المنتظم 134:3.
4- العزيز شرح الوجيز 374:7.
5- سنن البيهقي 315:6، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.
6- المبسوط - للطوسي - 68:2-69، الخلاف 189:4، المسألة 14.
7- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، روضة الطالبين 329:5، و انظر: المغني 454:10، و الشرح الكبير 511:10.

القسمة، فلا شيء له إجماعا.

و إن كان بعد انقضاء الحرب و حيازة الغنيمة قبل القسمة، أسهم له، عندنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لرواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلي دار الإسلام و لم يلقوا عدوّا حتي يخرجوا إلي دار الإسلام.

فهل يشاركونهم فيها؟ قال: «نعم»(2).

و لأنّهم اجتمعوا علي الغنيمة في دار الحرب، فأسهم لهم، كما لو حضروا القتال.

و قال الشافعي: لا يسهم له - و به قال أحمد - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم يقسّم لأبان بن سعيد بن العاص و أصحابه لمّا قدموا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بخيبر بعد أن فتحها(3)(4).

و هي حكاية حال، فجاز أن يكونوا قد حضروا بعد القسمة.

مسألة 147: إذا لحق الأسير بالمسلمين، فإن كان بعد تقضّي الحرب و قسمة الغنيمة،

لم يسهم له إجماعا، لأنّ المدد لو لحقهم بعد القسمة لم يسهم له فكذا الأسير.

و إن لحق بهم بعد انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين، استحقّ السهم

ص: 251


1- بدائع الصنائع 121:7، العزيز شرح الوجيز 364:7، المغني 455:10، الشرح الكبير 481:10.
2- التهذيب 145:6-146-253، الاستبصار 2:3-1.
3- سنن أبي داود 73:3-2723، سنن سعيد بن منصور 285:2-2793.
4- المغني 455:10 و 456، الشرح الكبير 481:10 و 482، الامّ 146:4، المهذّب - للشيرازي - 247:2، العزيز شرح الوجيز 364:7، روضة الطالبين 5: 335.

عندنا، و هو قول العلماء لا نعلم فيه خلافا.

و إن لم يقاتل، أسهم له - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه لو قاتل استحقّ السهم إجماعا، و كلّ من يستحقّ مع القتال يستحقّ مع عدمه إذا حضر الوقعة، كغير الأسير.

و قال أبو حنيفة: لا يسهم له - و هو ثاني الشافعي - لأنّه حضر ليتخلّص من القتل و الأسر لا للقتال، فأشبه المرأة(2).

و ينتقض بما لو قاتل، و لأنّ الاعتبار بالحضور مع كونه من أهل القتال، لا بالقتال.

و لو دخل [1] التجار أو الصنّاع مع المجاهدين دار الحرب كالبقّال و البيطار و الخيّاط و غيرهم من أتباع العسكر، فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أو الصناعة، استحقّوا، و إن لم يقصدوا، فإن جاهدوا، استحقّوا، و إن لم يجاهدوا، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يسهم لهم بحال(3) ، لأنّهم لم يدخلوا للجهاد و النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «الأعمال بالنيّات»(4).

و لو اشتبه الحال، قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّه يسهم لهم [2]، لأنّهم7.

ص: 252


1- الامّ 146:4، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، الوجيز 1: 292، العزيز شرح الوجيز 371:7، حلية العلماء 684:7، روضة الطالبين 340:5.
2- المبسوط - للسرخسي 46:10، الامّ 146:4، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 371:7، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، حلية العلماء 684:7.
3- المبسوط - للطوسي - 72:2.
4- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 215:1 و 341:7.

حضروا، و السهم يستحقّ بالحضور(1).

و للشافعي قولان: الإسهام و عدمه.

و اختلف أصحابه، فقال بعضهم: القولان فيما إذا لم يقاتلوا، و لو قاتلوا، استحقّوا قولا واحدا، كالأسير. و منهم من قال: القولان فيما إذا قاتلوا، و إن لم يقاتلوا لم يستحقّوا قولا واحدا. و منهم من قال: القولان في الصورتين(2).

و قال أبو حنيفة: إن قاتلوا، استحقّوا، و إن لم يقاتلوا، لم يستحقّوا(3).

مسألة 148: الجيش إذا خرج غازيا من بلد فبعث الإمام منه سريّة فغنمت السريّة، شاركهم الجيش،

و لو غنم الجيش، شاركتهم السريّة في غنيمته، و هو قول العلماء(4) كافّة إلاّ الحسن البصري، فإنّه حكي فيه أنّه قال: تنفرد السريّة بما غنمت(5).

و فعل النبي عليه السّلام حيث أشرك بين السريّة - التي بعثها قبل أوطاس فغنمت - و بين الجيش(6) يبطل قوله.

و لأنّه عليه السّلام كان ينفل في البداءة الربع و في الرجعة الثلث(7). و هو يدلّ

ص: 253


1- المبسوط - للطوسي - 72:2.
2- الامّ 146:4، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، العزيز شرح الوجيز 370:7، حلية العلماء 684:7، روضة الطالبين 339:5.
3- بدائع الصنائع 126:7، الحاوي الكبير 425:8، الشرح الكبير 480:10.
4- المغني 485:10، الشرح الكبير 516:10.
5- الحاوي الكبير 427:8.
6- الحاوي الكبير 427:8، المغني 486:10، الشرح الكبير 516:10.
7- المستدرك - للحاكم - 133:2، سنن أبي داود 80:3-2750، سنن البيهقي 313:6، مسند أحمد 163:5-17015.

علي اشتراكهم فيما سواه.

و قوله عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(1) مسلّم، فإنّ المراد الحضور حقيقة أو حكما، كالمدد [1].

و لو بعث الإمام من الجيش سريّتين إلي جهة واحدة فغنمتا، اشترك الجيش و السريّتان إجماعا.

و لو اختلفت الجهة، قال الشيخ: اشترك الجميع(2) - و هو قول بعض الشافعيّة(3) - كما لو اتّفقت الجهة، و هما من جيش واحد، فاشتركوا.

و قال بعض الشافعيّة: لا تتشارك السريتان، و كلّ واحدة منهما مع الجيش كالجيش الواحد، فأمّا إحداهما مع الأخري فكالمنفردتين لا تقاسم إحداهما الأخري(4).

و لو بعث الإمام سريّة و هو مقيم ببلد الإسلام، فغنمت، اختصّت بالغنيمة إجماعا، و لا يشاركهم الإمام و لا جيشه. و كذا لو بعث جيشا و هو مقيم بالبلد، لم يشاركه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان يبعث السرايا و هو مقيم بالمدينة و لا يشاركهم [2] في الغنيمة(5).7.

ص: 254


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 427:8، و القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 16:8.
2- المبسوط - للطوسي - 73:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 685:7، الحاوي الكبير 8: 428، العزيز شرح الوجيز 367:7، روضة الطالبين 338:5.
4- المهذّب - للشيرازي - 247:2، الحاوي الكبير 428:8، العزيز شرح الوجيز 7: 367-368، روضة الطالبين 338:5.
5- المهذّب - للشيرازي - 247:2، الحاوي الكبير 428:8، العزيز شرح الوجيز 367:7.

و لو بعث سريّتين و هو مقيم ببلد أو بعث جيشين، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه، لأنّ كلّ سرية انفردت بالغزو و الغنيمة، بخلاف ما لو بعث بالسريّتين [1] من الجيش الواحد، لأنّه ردء لكلّ واحدة منهما. و لو اجتمعت السريتان فغنمتا، كانتا جيشا واحدا.

و لو بعث لمصلحة الجيش رسولا أو دليلا أو طليعة أو جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثمّ رجع إليهم، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسهم له، لأنّ القتال ليس شرطا - و هو أحد وجهي الشافعيّة [1](1) - لأنّه كان في مصلحتهم، و خاطر بنفسه بما هو أكثر من الثبات في الصفّ، فشارك.

و الثاني: لا يسهم له، لأنّه لم يحضر الاغتنام(2).

و لو غنم أهل الكتاب، نظر، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلي دار الحرب، فالحكم علي ما شرطه، و إن لم يأذن، فغنيمتهم للإمام، عندنا.

و قال الشافعي: ينزعه [3] منهم و يرضخ لهم. و له قول آخر: إنّه يقرّهم عليه، كما لو غلب بعض المشركين علي بعض(3).

قال ابن الجنيد: إذا وقع النفير فخرج أهل المدينة متقاطرون فانهزم العدوّ و غنم أوائل المسلمين، كان كلّ من خرج أو تهيّأ للخروج و أقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من مكيدة العدوّ شركاء في الغنيمة.7.

ص: 255


1- حلية العلماء 685:7، العزيز شرح الوجيز 368:7، روضة الطالبين 5: 338.
2- حلية العلماء 685:7، العزيز شرح الوجيز 368:7، روضة الطالبين 5: 338.
3- حلية العلماء 683:7.

و كذا لو حاصرهم العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلي أن ظفروا و غنموه إذا كانوا مشتركين في المعونة لهم و الحفظ للمدينة و أهلها، فإن كان الذين هزموا العدوّ قد لقوه [1] علي ثمان فراسخ من المدينة فقاتلوه و غنموه، كانت الغنيمة لهم دون من كان في المدينة، الذين لم يعاونوهم خارجها.

مسألة 149: اختلف علماؤنا في أولويّة موضع القسمة،

فقال الشيخ رحمه اللّه: تستحبّ القسمة في أرض العدوّ، و يكره تأخيرها إلاّ لعذر من خوف المشركين أو الكمين [2] في الطريق أو قلّة علف أو انقطاع ميرة(1).

و قال ابن الجنيد: الاختيار إلينا أن لا نقسّم إلاّ بعد الخروج من دار الحرب.

و بجواز القسمة في دار الحرب قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(2) ، لما رواه العامّة عن أبي إسحاق الفزاري [3]، قال:

قلت للأوزاعي: هل قسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله شيئا من الغنائم بالمدينة ؟ قال:

لا أعلمه إنّما كان الناس يبيعون [4] غنائمهم و يقسّمونها في أرض عدوّهم،

ص: 256


1- المبسوط - للطوسي - 35:2.
2- المدوّنة الكبري 12:2، المنتقي - للباجي - 176:3، الامّ 140:4، المهذّب - للشيرازي - 245:2، حلية العلماء 686:7، العزيز شرح الوجيز 363:7.

و لم يقفل [1] رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن غزاة قطّ أصاب فيها غنيمة إلاّ خمّسه و قسّمه من قبل أن يقفل، من ذلك غزاة بني المصطلق و هوازن و خيبر(1).

و من طريق الخاصّة: قول الشيخ رحمه اللّه: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قسّم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر، و كان ذلك دار حرب(2).

و لأنّ كلّ موضع جاز فيه الاغتنام جازت فيه القسمة، كدار الإسلام.

و قال أصحاب الرأي: لا يقسّم إلاّ في دار الإسلام، لأنّ الملك لا يتمّ عليها إلاّ بالاستيلاء التامّ، و لا يحصل ذلك إلاّ بإحرازها في دار الإسلام(3).

و نمنع الكبري.

و لو قسّمت، قال: أساء القاسم و جازت قسمته، لأنّها مسألة اجتهاديّة ينفذ [2] حكم الحاكم فيها إذا وافق قول بعض المجتهدين(4).

و احتجاج ابن الجنيد من علمائنا - بأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إنّما قسّم غنائم حنين [3] و الطائف بعد خروجه من ديارهم [4] إلي الجعرانة(5) - لا يدلّ علي مطلوبه، لأنّها حكاية حال، فجاز وقوعها لعذر.3.

ص: 257


1- المغني 459:10، الشرح الكبير 479:10.
2- المبسوط - للطوسي - 35:2
3- بدائع الصنائع 121:7، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10، حلية العلماء 686:7.
4- بدائع الصنائع 121:7، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10، حلية العلماء 686:7.
5- المغازي - للواقدي - 944:3، السيرة النبويّة - لابن هشام - 135:4، المنتظم 338:3.

قال ابن الجنيد: و لو صارت دار أهل الحرب دار ذمّة تجري فيها أحكام المسلمين فأراد الوالي قسمتها مكانه، فعل، كما قسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعض غنائم خيبر قبل أن يرحل عنهم(1).

قال: و لو غزا المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون و غنموهم، قسّموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا ذلك قبل إدخالها المدن. و لو كان المشركون بادية أو متنقّلة و لا دار لهم فغزاهم المسلمون فغنموهم، كان قسمتها إلي الوالي إن شاء قسّمها مكانه، و إن شاء قسّم بعضها و أخّر بعضها [1]، كما قسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله المغنم بخيبر(2).

مسألة 150: يكره للإمام أن يقيم الحدّ في أرض العدوّ، بل يؤخّره حتي يعود إلي دار الإسلام

ثمّ يقيم عليه الحدّ - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لئلاّ تحمل المحدود الغيرة فيدخل إلي دار الحرب.

و قال الشافعي و مالك: لا يؤخّره، و لا يسقط عنه الحدّ، سواء كان الإمام مع العسكر أو لا(4).

و إن رأي الوالي في تقديم الحدّ مصلحة، قدمه سواء كان مستحقّ الحدّ أسيرا، أو أسلم فيهم و لم يخرج إلينا، أو خرج من عندنا لتجارة و غيرها.

أمّا لو قتل مسلما فإنّه يقتصّ منه في دار الحرب - و به قال الشافعي

ص: 258


1- المغازي - للواقدي - 689:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 363:3، المنتظم 294:3.
2- نفس المصادر في الهامش (1).
3- الحاوي الكبير 210:14، المغني 528:10، حلية العلماء 671:7، مختصر اختلاف العلماء 473:3-1627.
4- الحاوي الكبير 210:14، المغني 528:10، حلية العلماء 671:7، مختصر اختلاف العلماء 473:3-1627.

و مالك [1] و أحمد(1) - لعموم الأمر بالحدّ و القصاص. و لأنّ المقتضي لإيجاب القصاص موجود، و المانع من التقديم - و هو خوف اللحاق بالعدوّ - مفقود. و لأنّ كلّ موضع حرم فيه الزنا وجب فيه حدّ الزنا، كدار الإسلام.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه القصاص و لا الحدّ إلاّ أن يكون معه إمام أو نائب عن الإمام، لأنّه مع غيبة الإمام و نائبه لا يد للإمام عليه، فلا يجب عليه الحدّ بالزنا، كالحربيّ(2).

و نمنع من ثبوت حكم الأصل، و يفرق بأنّ الحربيّ غير ملتزم بأحكام الإسلام، بخلاف المسلم.

مسألة 151: المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام،

فلو غنموا ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم، فإنّ الأولاد تردّ إليهم بعد إقامة البيّنة، و لا يسترقّون إجماعا.

و أمّا العبيد و الأموال: فإن أقام أربابها البيّنة بها قبل القسمة، ردّت عليهم بأعيانها، و لا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا في قول عامّة أهل العلم(3) ، خلافا للزهري و عمرو بن دينار، فإنّهما احتجّا: بأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة، كسائر أموالهم(4).

و هو خطأ، فإنّا بيّنّا أن الكفّار لا يملكون مال المسلم بالاستغنام.

و إن جاءوا بالبيّنة بعد القسمة، فلعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يردّ علي أربابه، و يرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من

ص: 259


1- مختصر المزني: 272، الحاوي الكبير 210:14، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، حلية العلماء 671:7.
2- الحاوي الكبير 210:14، حلية العلماء 671:7.
3- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10.
4- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10.

بيت المال. اختاره الشيخ(1) - و به قال أبو بكر و ابن عمر و سعد بن أبي وقّاص و ربيعة و الشافعي و ابن المنذر(2) - لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه ذهب فرس له فأخذها العدوّ فظهر عليه المسلمون، فردّ عليه في زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الترك يغيرون علي المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أ يردّ عليهم ؟ قال: «نعم، و المسلم أخو المسلم، و المسلم أحقّ بماله أينما وجده»(4) الثاني: أنّه يكون للمقاتلة، و يعطي الإمام أربابها أثمانها من بيت مال المسلمين. و هو قول للشيخ(5) أيضا، و به قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و مالك و أحمد في رواية. و في أخري: لا حقّ لصاحبه فيه بحال. و نقله العامّة عن علي عليه السّلام و عمر و الليث و عطاء و النخعي(6).

احتجّ الشيخ بما رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب الصادق عليه السّلام3.

ص: 260


1- المبسوط - للطوسي - 26:2، الخلاف 523:5، المسألة 10.
2- المغني 472:10، الشرح الكبير 470:10، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 216:14، العزيز شرح الوجيز 485:11، و انظر: الخلاف 523:5، المسألة 10.
3- سنن أبي داود 64:3-65-2698، و عنه في المغني 471:10، و الشرح الكبير 469:10.
4- التهذيب 159:6-160-288، الإستبصار 4:3-7.
5- النهاية: 295.
6- المغني 471:10-472، الشرح الكبير 469:10-470، المبسوط - للسرخسي - 54:10، بدائع الصنائع 122:7، المدوّنة الكبري 14:2، بداية المجتهد 398:1، المنتقي - للباجي - 185:3.

في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتل من أولاد المسلمين [أو من مماليكهم] فيحوزونه، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم و أخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين و أولادهم الذين أخذوهم من المسلمين فكيف يصنع فيما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين و مماليكهم ؟ قال: فقال: «أما أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين و لكن يردّ إلي أبيه أو إلي أخيه أو إلي امّه بشهود، و أمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون، و يعطي مواليهم قيمة أثمانهم من بيت المال»(1).

و هو مرسل [1]، و روايتنا أصحّ طريقا.

و احتجّ أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أنّ رجلا وجد بعيرا [له] [2] كان المشركون أصابوه، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: «إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك، و إن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة»(2).

و هو معارض بما رويناه من طريق [3] العامّة(3).

و لو أخذ المال أحد الرعيّة نهبة [4] أو سرقة أو بغير شيء، فصاحبه أحقّ به بغير شيء - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لما رواه العامّة: أنّ قوما أغاروا علي سرح النبي صلّي اللّه عليه و آله، فأخذوا ناقته و جارية من الأنصار، فأقامت0.

ص: 261


1- التهذيب 159:6-287، الاستبصار 4:3-5-8 بتفاوت في بعض الألفاظ. و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10-470.
3- تقدّم في ص 260، و كذا الإشارة إلي مصادره في الهامش (3).
4- الحاوي الكبير 216:14، المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10.

عندهم أيّاما ثمّ خرجت في بعض الليل، قالت: فما وضعت يدي علي ناقة إلاّ رغت [1] حتي وضعتها علي ناقة ذلول فامتطيتها ثمّ توجّهت إلي المدينة و نذرت إن نجّاني اللّه عليها أن أذبحها، فلمّا قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأخذها، فقلت: يا رسول اللّه إنّي نذرت أن أنحرها، فقال: «بئس ما جازيتيها [2]، لا نذر في معصية اللّه»(1).

و قال أبو حنيفة: لا يأخذه إلاّ بالقيمة، لأنّه صار ملك الواحد بعينه، فأشبه ما لم قسم(2). و نمنع الصغري.

و لو اشتراه المسلم من العدوّ، بطل الشراء، و كان لصاحبه أخذه بغير شيء، لأنّ المشرك لا يملك مال المسلم بالاستغنام.

و قال أحمد: ليس لصاحبه أخذه إلاّ بثمنه، لرواية عن عمر(3).

و ليست حجّة.

و لو أبق عبد لمسلم [3] إلي دار الحرب فأخذوه، لم يملكوه بأخذه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لما تقدّم [4].0.

ص: 262


1- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10 نقلا عن صحيح مسلم 1262:3 - 1263 ذيل الحديث 1641، و مسند أحمد 594:5 و 599-600، ذيل الحديث 19362 و 19393.
2- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10.
3- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10-472.
4- الامّ 254:4، النتف 727:2-728، المبسوط - للسرخسي - 55:10، بدائع الصنائع 128:7، المغني 477:10، الشرح الكبير 475:10.

و قال مالك و أحمد و أبو يوسف و محمد: يملكونه(1).

و لو أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم، أخذ منه بغير قيمة.

و لو دخل مسلم دار الحرب فسرقه أو نهبه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلي دار الإسلام، فصاحبه أحقّ به، و لا تلزمه قيمة، و لو [1] أعتقه من هو في يده أو تصرّف فيه ببيع أو غيره، كان باطلا.

و لو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين فلم يعلم صاحبه، فهو غنيمة بناء علي ظاهر الحكم باليد، و به قال الثوري و الأوزاعي(2).

و قال الشافعي: يوقف حتي يجيء صاحبه(3).

و لو وجد شيء موسوم عليه: حبس في سبيل اللّه، قال الثوري:

يقسم ما لم يأت صاحبه(4).

و قال الشافعي: يردّ كما كان، لأنّه قد عرف مصرفه - و هو الحبس - فهو بمنزلة ما لو عرف صاحبه(5).

و لو أصيب غلام في بلاد الشرك فقال: أنا لفلان من بلاد المسلمين [2]، ففي قبول قوله من غير بيّنة نظر. و كذا البحث لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم. لكنّ الوجه هنا القبول قبل الاستغنام.

و لو كان في يد مسلم مال مستأجر أو مستعار من مسلم ثمّ وجده المستأجر أو المستعير، كان له المطالبة به قبل القسمة و بعدها، لأنّ ملك0.

ص: 263


1- المدوّنة الكبري 15:2، بدائع الصنائع 128:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 55، المغني 477:10، الشرح الكبير 475:10.
2- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
3- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
4- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
5- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.

المسلم لا يزول بالاستغنام، فلا تزول توابعه.

و قال أبو حنيفة: ليس له الأخذ، لأنّه لا حقّ له في العين لا ملكا و لا يدا، بل حقّه في الحفظ و قد بطل بخروجه [1] عن ملك صاحبه(1). و هو ممنوع.

و لو دخل حربيّ دار الإسلام بأمان فاشتري عبدا مسلما ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه [2] المسلمون، كان باقيا علي ملك البائع، لفساد البيع، فيردّ علي المالك، و يردّ المسلم عليه الثمن الذي أخذه، لأنّه في أمان. و لو تلف العبد، كان للسيّد القيمة، و عليه ردّ ثمنه، و يترادّان الفضل.

و لو أسلم الحربيّ في دار الحرب و له مال و عقار، أو دخل مسلم دار الحرب و اشتري بها عقارا أو مالا ثمّ غزاهم المسلمون فظهروا علي ماله و عقاره، لم يملكوه، و كان باقيا عليه إن كان المال ممّا ينقل و يحوّل، و أمّا العقار فإنّه غنيمة، و به قال الشافعي و مالك و أحمد في غير العقار، و قالوا في العقار: إنّه كغيره، لأنّه مال مسلم، فلا يجوز اغتنامه، كما لو كان في دار الإسلام(2).

و قال أبو حنيفة: العقار يغنم، و أمّا غيره فإن كان في يده أو يد مسلم أو ذمّيّ، لم يغنم، و إن كان في يد حربيّ، غنم(3).

مسألة 152: لو فرّ المسلمون 3 من الزحف قبل القسمة، لم يكن لهم 4

ص: 264


1- انظر: الهداية - للمرغيناني - 145:2.
2- الام 278:4، المغني 469:10، الهداية - للمرغيناني - 145:2، النتف 729:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 144:2-145، المغني 469:10.

نصيب في الغنيمة ما لم يعودوا قبل القسمة، لأنّهم عصوا بالفرار، و تركوا الدفع عنها.

و لو فروا بعد القسمة، لم يؤثر في ملكهم الحاصل بالقسمة، لأنهم ملكوا ما حازوا بالقسمة، فلا يزول ملكهم بالهرب.

و لو هربوا قبل القسمة فذكروا أنّهم ولّوا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلي فئة، فالوجه: أنّ لهم سهامهم فيما غنم قبل الفرار و لا شيء لهم فيما غنم بعده ما لم يلحقوا القسمة.

و الأجير علي القتال يستحق الأجرة بالعقد و السهم بالحضور. و لو حضر المستأجر أيضا، استحقّ هو أيضا.

و عن أحمد روايتان: إحداهما هذا، و الأخري: أنّه لا يسهم للأجير، لأنّ غزوة بعوض، فكأنّه واقع من غيره، فلا يستحقّ شيئا(1).

و ينتقض بالمرصد للقتال.

و الأجير علي العمل إن كان في الذمّة كأن يستأجره لخياطة ثوب أو غيره في ذمّته، فإذا حضر الأجير الوقعة، استحقّ السهم إجماعا، لأنّه حضر الوقعة و هو من أهل القتال، و إنّما في ذمّته حقّ لغيره، فلا يمنعه من استحقاق السهم، كما لو كان عليه دين.

و إن كان قد استأجره مدّة معلومة لخدمة أو لغيرها، فإن خرج بإذن المستأجر، استحقّ السهم بالحضور، و إلاّ فلا، لأنّه عاص بالجهاد، فلا يستحقّ سهما، اللّهم إلاّ أن يتعيّن عليه فإنّه يستحق السهم.

إذا ثبت هذا، فإنّ السهم يملكه في الصورة التي قلنا باستحقاقه لها، ليس للمؤجر عليه سبيل.4.

ص: 265


1- المغني 520:10-521، الشرح الكبير 513:10-514.

و للشافعي في الثاني [1] ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه يستحقّ السهم، لقول النبي عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(1).

و لأنّ الأجرة تستحقّ بالمنفعة و السهم بحضور الوقعة و قد وجد.

الثاني: أنّه يرضخ له و لا يسهم، لأنّه قد حضر الوقعة مستحقّ المنفعة، فلا يسهم له، كالعبد.

الثالث: يخيّر الأجير بين ترك الأجرة و الإسهام و بين العكس، لأنّ كلّ واحد من الأجرة و السهم يستحقّ بمنافعه، و لا يجوز أن يستحقّهما لمعني واحد، فأيّهما طلب استحقّه(2).

قال: و تكون الأجرة - التي يخيّر بينها و بين السهم - الأجرة التي تقابل مدّة القتال، و يخيّر قبل القتال و بعده، أمّا قبل القتال فيقال له: إن أردت الجهاد فاقصده و اطرح الأجرة، و إن أردت الأجرة فاطرح الجهاد، و يقال بعد القتال: إن قصدت الجهاد، أسهم لك و تركت الأجرة، و إن كنت قصدت الخدمة، أعطيت الأجرة دون الغنيمة(3).

و لو استؤجر للخدمة في الغزو أو أكري دوابّه له و خرج معها و شهد الوقعة، استحقّ السهم - و به قال الليث و مالك و ابن المنذر(4) - لقوله عليه السّلام:

«الغنيمة لمن شهد الوقعة»(5).8.

ص: 266


1- الجامع لأحكام القرآن 16:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 338:5، الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 368:7-369.
3- العزيز شرح الوجيز 369:7، روضة الطالبين 339:5.
4- المغني 521:10، الشرح الكبير 514:10.
5- الجامع لأحكام القرآن 16:8.

و قال الأوزاعي و إسحاق: لا يسهم له(1).

و عن أحمد روايتان(2).

و لو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدوابّ التي من المغنم، أو رعيها، جاز، و حلّت له الأجرة، و لا يجوز له ركوب دوابّ الغنيمة إلاّ أن يشرطه في الإجارة.

و لو دفع إلي المؤجر فرسا ليغزو عليها، لم يملكها بذلك، لأصالة بقاء الملك علي صاحبه.

و قال أحمد: يملكها به(3). و ليس جيّدا.

مسألة 153: لو اشتري المسلم أسيرا من يد 1 العدوّ،

فإن كان بإذنه، دفع ما أدّاه المشتري إلي البائع إجماعا، لأنّه أدّاه بإذنه، فصار نائبا عنه في الشراء، و وكيلا في ابتياع نفسه.

و إن اشتراه بغير إذنه، لم يجب علي الأسير دفع الثمن إلي المشتري - و به قال الثوري و الشافعي و ابن المنذر(4) - لأنّه متبرّع.

و قال مالك: يجب دفع الثمن كالأوّل - و به قال الحسن البصري و النخعي و الزهري و أحمد - لأنّ عمر قال في حديث: و أيّما حرّ اشتراه التجّار فإنّه تردّ إليهم رءوس أموالهم، فإنّ الحرّ لا يباع و لا يشتري. فحكم للتجّار برءوس أموالهم(5).

و هو محمول علي إذنهم.

ص: 267


1- المغني 520:10، الشرح الكبير 513:10.
2- المغني 520:10-521، الشرح الكبير 513:10-514.
3- المغني 391:10، الشرح الكبير 456:10.
4- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
5- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.

فلو أذن له في الشراء و أداء الثمن ثمّ اختلفا في قدره، فالقول قول الأسير - و به قال الشافعي(1) - لأنّه منكر.

و قال الأوزاعي: يقدّم قول المشتري، لأنّهما اختلفا في فعله و هو أعلم به(2).

و هو ممنوع، و إنّما اختلفا في القدر المأذون فيه، و هو فعل الأسير، فهو أعلم به.

مسألة 154: إذا استولي أهل الحرب علي أهل الذمّة فسبوهم و أخذوا أموالهم ثمّ قدر عليهم المسلمون،

وجب ردّهم إلي ذمّتهم، و لا يجوز استرقاقهم إجماعا، لأنّهم لم ينقضوا ذمّتهم، فكانوا علي أصل الحرّيّة، و أموالهم كأموال المسلمين.

قال علي عليه السّلام: «إنّما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا و أموالهم كأموالنا»(3).

فمتي علم صاحبها قبل القسمة وجب ردّها إليه، و إن علم بعدها، فعلي ما تقدّم من الخلاف في أموال المسلمين.

و هل يجب فداؤهم ؟ قال بعض العامّة: نعم يجب مطلقا، سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا - و هو قول عمر بن عبد العزيز و الليث - لأنّا التزمنا حفظهم لمعاهدتهم و أخذ الجزية منهم، فلزمنا القتال عنهم، فإذا عجزنا عن ذلك و أمكننا تخليصهم بالفدية، وجب، كمن يحرم عليه إتلاف شيء فيتلفه فإنّه يغرمه(4).

ص: 268


1- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
2- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
3- أورده ابن قدامة في المغني 489:10.
4- المغني 489:10، الشرح الكبير 563:10.

و قال قوم منهم: لا يجب فداؤهم إلاّ أن يكون الإمام قد استعان بهم في قتاله فسبوا، لأنّه سبب في أسرهم(1).

و إنّما يثبت ما ذكرناه لو كانوا علي شرائط الذمة، و لو لم يكونوا، استرقّوا بالسبي، كالحربي.

و يجب فداء الأساري من المسلمين مع المكنة.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «أطعموا الجائع، و عودوا المريض، و فكّوا العاني»(2).

و فادي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رجلين من المسلمين برجل أخذه من بني عقيل(3).

البحث السادس: في أقسام الغزاة.
اشارة

الغزاة ضربان:

مطوّعة،

و هم الذين إذا نشطوا غزوا، و إن لم ينشطوا قعدوا لمعايشهم، فهؤلاء لهم سهم الصدقات، إذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين و أسهم لهم.

و الثاني: من أرصد نفسه للجهاد،
اشارة

فهؤلاء لهم من الغنيمة أربعة الأخماس، و يجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل.

ص: 269


1- المغني 489:10، الشرح الكبير 563:10.
2- صحيح البخاري 87:7، سنن أبي داود 187:3-3105، سنن البيهقي 3: 379 و 3:10، المغني 490:10.
3- المغني 490:10، الشرح الكبير 563:10.
مسألة 155: ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان

- و هو الدفتر الذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة - و يكتب عطاياهم، و يجعل لكلّ قبيلة عريفا، و يجعل لهم علامة بينهم و يعقد لهم ألوية، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله عرّف عام خيبر علي كلّ عشرة عريفا(1) ، و جعل يوم فتح مكّة للمهاجرين شعارا، و للأوس شعارا، و للخزرج شعارا(2) ، امتثالا لقوله تعالي وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا (3).

فإذا أراد الإمام القسمة، قدّم الأقرب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فالأقرب، فيقدّم بني هاشم علي بني المطّلب، و بني عبد شمس علي بني نوفل، لأنّ عبد شمس أخو هاشم من الأبوين، و نوفل أخوه من الأب، ثمّ يسوّي بين عبد العزّي و عبد الدار، لأنّهما أخوا عبد مناف، فإن استووا في القرب، قدّم أقدمهم هجرة، فإن تساووا، قدّم الأسنّ.

فإذا فرغ من عطايا أقارب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، بدأ بالأنصار، و قدمهم علي جميع العرب، فإذا فرغ من الأنصار، بدأ بالعرب، فإذا فرغ من العرب، قسّم علي العجم، و ليس ذلك فرضا.

مسألة 156: قال الشيخ رحمه اللّه: ذرّيّة المجاهدين إذا كانوا أحياء يعطون علي ما تقدّم،

فإذا مات المجاهد أو قتل و ترك ذرّيّة أو امرأة، فإنّهم يعطون كفايتهم من بيت المال من الغنيمة، فإذا بلغوا، فإن أرصدوا نفوسهم للجهاد، كانوا بحكمهم، و إن اختاروا غيره، خيّروا ما يختارونه، و تسقط مراعاتهم، و هكذا حكم المرأة لا شيء لها(4).

ص: 270


1- المهذّب - للشيرازي - 249:2، الأمّ 158:4، و فيه: عام حنين.
2- المغازي - للواقدي - 819:2-821، الامّ 158:4.
3- الحجرات: 13.
4- المبسوط - للطوسي - 73:2.

و للشافعي في إعطاء الذرّيّة و النساء بعد موته قولان:

أحدهما: أنّهم يعطون، لأنّه إذا لم يعط ذرّيّة بعده لم يجرّد نفسه للقتال، فإنّه يخاف علي ذرّيّته الضياع، لأنّا لا نعطيه إلاّ ما يكفيه، لا ما يدّخره لهم.

و الثاني: أنّهم لا يعطون، لأنّا إنّما نعطيهم تبعا للمجاهدين، لا أنّهم من أهل الجهاد، فإذا مات، انتفت تبعيّتهم للمجاهدين، فلم يستحقّوا شيئا من الفيء(1).

مسألة 157: و يحصي الإمام المقاتلة و هم بالغوا الحلم،

فيحصي فرسانهم و رجالهم ليوفر عليهم علي قدر كفايتهم، و يحصي الذريّة و هم من لم يبلغ الحلم، و يحصي النساء، ليعلم قدر كفايتهم.

قال ابن عمر: عرضت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة، و عرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني(2).

و يقسّم عليهم في السنة مرّة واحدة، لأنّ الجزية و الخراج و مستغل الأراضي التي انجلي عنها المشركون إنّما تكون في السنة مرّة واحدة، فكذلك القسمة.

و يعطي المولود، و تحسب مئونته من كفاية أبيه إلاّ أنّه يفرده بالعطاء، و كلّما زادت سنّة زاد في عطاء أبيه.

و يعطي كلّ قوم منهم قدر كفايتهم بالنسبة إلي بلدهم، لاختلاف

ص: 271


1- المهذّب - للشيرازي - 250:2، روضة الطالبين 323:5، حلية العلماء 7: 692، الحاوي الكبير 450:8، الوجيز 289:1، العزيز شرح الوجيز 341:7.
2- الامّ 156:4، المغني 445:10، الشرح الكبير 498:10.

الأسعار في البلدان. و يجوز أن يفضّل بعضهم علي بعض في العطاء من سهم سبيل اللّه و ابن السبيل لا من الغنيمة.

و نقل العامّة عن عليّ عليه السلام أنّه سوّي بينهم في العطاء، و أخرج العبيد فلم يعطهم شيئا، لأنّهم استووا في سبب الاستحقاق - و هو نصب أنفسهم للجهاد - فصاروا بمنزلة الغانمين(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و ليس للأعراب من الغنيمة شيء(2) ، علي ما تقدّم(3). و اختاره الشافعي(4) أيضا.

و يجب علي من استنهضه الإمام للجهاد النفور معه علي ما تقدّم(5).

مسألة 158: إذا مرض واحد من أهل الجهاد، فإن لم يخرج به عن كونه من أهل الجهاد

- كالحمّي و الصداع - لا يسقط عطاؤه، لأنّه كالصحيح.

و إن كان مرضا لا يرجي زواله - كالزمن و الفلج - خرج به عن المقاتلة، و كان حكمه حكم الذرّيّة في العطاء و سقوطه، و قد تقدّم(6).

و لو مات المجاهد بعد حئول الحول و استحقاق السهم، كان لوارثه المطالبة بسهمه، قاله الشيخ(7) رحمه اللّه، لأنّه استحقّه بحؤول الحول، و المجاهدون معيّنون، بخلاف الفقراء، فإنّهم غير معيّنين، فلا يستحقّون بحؤول الحول، و للإمام أن يصرف إلي من شاء منهم، بخلاف المجاهدين.

ص: 272


1- الام 155:4، الحاوي الكبير 477:8.
2- المبسوط - للطوسي - 74:2، النهاية: 299.
3- تقدّم في ص 234، المسألة 133.
4- الامّ 154:4، الحاوي الكبير 477:8.
5- تقدّم في ص 9.
6- تقدّم في ص 246.
7- المبسوط - للطوسي - 73:2-74.

و للشافعي قول آخر: إنّه إنّما يستحقّ بعد موته إذا صار المال إلي يد الوالي، لأنّ الاستحقاق إنّما هو بحصول المال لا بمضي الزمان(1).

مسألة 159: قال الشيخ رحمه اللّه: ما يحتاج الكراع و آلات الحرب إليه يؤخذ من بيت المال

من مال [1] المصالح، و كذا رزق الحكّام و ولاة الأحداث و الصلاة و غيره من وجوه الولايات و المصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة و من سهم سبيل اللّه، و من جملة ذلك ما يلزمه فيما يخصّه من الأنفال و الفيء، و هي جنايات من لا عقل له، ودية من لا يعرف قاتله و غير ذلك ممّا نقول: إنّه يلزم بيت المال(2).

و لو أهدي المشرك إلي الإمام أو إلي رجل من المسلمين هديّة و الحرب قائمة، قال الشافعي: تكون غنيمة، لأنّه إنّما أهدي ذلك من خوف الجيش، و إن أهدي إليه قبل أن يرتحلوا من دار الإسلام، لم تكن غنيمة و انفرد بها(3).

و قال أبو حنيفة: تكون للمهدي إليه علي كلّ حال. و هو رواية عن أحمد(4).

ص: 273


1- الامّ 156:4، مختصر المزني: 152، الحاوي الكبير 454:8.
2- المبسوط - للطوسي - 75:2.
3- الحاوي الكبير 223:14، العزيز شرح الوجيز 425:11 و 487، روضة الطالبين 458:7 و 485، المغني 556:10، الشرح الكبير 529:10.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11 و 488، المغني 556:10، الشرح الكبير 10: 529.

ص: 274

الفصل الخامس: في أحكام أهل الذمّة
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في وجوب الجزية و من تؤخذ منه.
مسألة 160: الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام،

في كلّ عام.

و هي واجبة بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (1).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في وصيّة من يبعثه أميرا علي سريّة أو جيش: «.. فإن أبوا فادعهم إلي إعطاء الجزية»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «.. فإن أبوا هاتين فادعهم إلي إعطاء الجزية»(3).

و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.

إذا عرفت هذا، فعقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه: أقررتكم بشرط الجزية و الاستسلام. و يذكر مقدار الجزية، فيقول الذمّي: قبلت، أو:

رضيت، و شبهه.

ص: 275


1- التوبة: 29.
2- سنن أبي داود 37:3-2612، مسند أحمد 483:6-22469، المغني 10: 557-558، الشرح الكبير 576:10.
3- الكافي 29:5-8، التهذيب 139:6-232.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجب ذكر مقدار الجزية لكن ينزل علي الأقلّ(1).

و قيل: لا يجب ذكر الاستسلام، نعم يجب ذكر كفّ اللسان عن اللّه تعالي و رسوله(2).

و في صحته مؤقتا قولان(3).

و لو قال: أقررتكم ما شئت أنا، فقولان قريبان [1]، و أولي بالجواز.

و لو قال: ما شئتم، صحّ، لأنّ عقد الجزية غير لازم من جانب الكفّار، فإنّ لهم الالتحاق بدارهم متي شاءوا.

مسألة 161: و يعقد الجزية لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذكر.

و نعني بالكتابي من له كتاب حقيقة، و هم اليهود و النصاري، و من له شبهة كتاب، و هم المجوس، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديما و حديثا.

و الكتاب إمّا التوراة أو الإنجيل، فأهل التوراة اليهود، و أهل الإنجيل النصاري. و قد كانت النصرانيّة في الجاهلية في ربيعة و غسّان و بعض قضاعة، و اليهوديّة في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة،

ص: 276


1- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 492:11-493، الوسيط 56:7، روضة الطالبين 488:7.
2- الوجيز 197:2، و انظر العزيز شرح الوجيز 493:11، و الوسيط 56:7، و روضة الطالبين 488:7.
3- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 493:11، الوسيط 56:7-57، روضة الطالبين 488:7.

و المجوسيّة في تميم، و عبادة الأوثان، و الزندقة كانت في قريش و بني حنيفة.

و تؤخذ الجزية من جميع اليهود و جميع النصاري علي الشرائط الآتية، سواء كانوا من المبدّلين أو غير المبدّلين، و سواء كانوا عربا أو عجما في قول علمائنا أجمع - و به قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(1) - لعموم الآية(2). و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أخذ من أكيدر دومة [1]، و هو رجل من غسّان أو كندة من العرب(3) ، و أخذ من نصاري نجران(4) ، و هم عرب، و أمر معاذا أن يأخذ الجزية من أهل اليمن(5) ، و هم كانوا عربا.

و قال أبو يوسف: لا تؤخذ الجزية من العرب(6).

و الإجماع يبطله، فإنّ اليهود و النصاري من العرب سكنوا في زمن الصحابة و التابعين في بلاد الإسلام و لا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية.0.

ص: 277


1- المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10، الامّ 174:4، الحاوي الكبير 284:14، مختصر اختلاف العلماء 484:3-1635.
2- التوبة: 29.
3- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 186:9 و 187.
4- سنن أبي داود 167:3-3041، السيرية النبويّة - لابن هشام - 233:2، الدلائل - لأبي نعيم - 457:2-245، الدلائل - للبيهقي - 389:5، المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10.
5- سنن أبي داود 167:3-3038، سنن الترمذي 20:3-623، سنن النسائي 5: 25-26، سنن البيهقي 187:9، المستدرك - للحاكم - 398:1.
6- الحاوي الكبير 284:14، حلية العلماء 696:7، المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10.
مسألة 162: تؤخذ الجزية ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ و التبديل،

و من نسله و ذراريه، و يقرون بالجزية و لو ولد بعد النسخ.

و لو دخلوا في دينهم بعد النسخ، لم يقبل منهم إلاّ الإسلام، و لا تؤخذ منهم الجزية، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «من بدّل دينه فاقتلوه»(2).

و لأنّه ابتغي دينا غير الإسلام، فلا يقبل منه، لقوله تعالي وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (3).

و قال المزني: يقرّ علي دينه، و تقبل منه الجزية مطلقا(4) ، لقوله تعالي وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (5).

و المراد المشاركة في الإثم و الكفر دون إقراره علي عقيدته.

و لا فرق بين أن يكون المنتقل إلي دينهم ابن كتابيّين أو ابن وثنيّين أو ابن كتابيّ و وثنيّ في التفصيل الذي فصّلناه.

و لو ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية و الآخر لا تقبل، ففي

ص: 278


1- المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 495:7، حلية العلماء 7: 697، العزيز شرح الوجيز 507:11.
2- سنن الترمذي 59:4-1458، سنن ابن ماجة 848:2-2535، سنن الدار قطني 108:3-90، و 113-108، سنن البيهقي 195:8 و 202 و 205، و 71:9، المستدرك - للحاكم - 538:3-539، مسند أحمد 358:1-1874، و 465-466-2548، و 530-531-2960، و 304:6-305-21510.
3- آل عمران: 85.
4- المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 495:7، حلية العلماء 7: 697، العزيز شرح الوجيز 507:11.
5- المائدة: 51.

قبول الجزية منه تردّد.

مسألة 163: المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود و النصاري إجماعا،

لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه علماؤنا أنّ الصادق عليه السّلام سئل عن المجوس أ كان لهم نبي ؟ قال: «نعم، أما بلغك كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي أهل مكة أسلموا و إلاّ نابذتكم بحرب، فكتبوا إليه أن خذ منّا الجزية و دعنا علي عبادة الأوثان، فكتب إليهم إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب، فكتبوا إليه زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه و كتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(2).

فالروايات متظافرة [1] بأنّهم أهل كتاب - و به قال الشافعي(3) - لقول عليّ عليه السّلام: «أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلّمونه و كتاب يدرسونه» الحديث، رواه العامّة(4).

ص: 279


1- الموطأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، الأموال - لأبي عبيد -: 37-78، المصنّف - لابن أبي شيبة - 224:3، و 243:12-244-12696 و 12697، المصنّف - لعبد الرزّاق - 69:6-10025، و 325:10-19253، ترتيب مسند الشافعي 130:2-430، المغني 559:10، الشرح الكبير 10: 577.
2- الكافي 567:3-568-4، التهذيب 158:6-285.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 507، حلية العلماء 696:7.
4- سنن البيهقي 189:9، المغني 559:10، الشرح الكبير 577:10.

و من طرق الخاصّة: ما تقدم [1].

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا كتاب لهم، لقوله عليه السّلام: «سنوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1)(2).

و يحتمل أن يكون المراد من له كتاب باق، أو لأنّهم كانوا يعرفون التوراة و الإنجيل.

مسألة 164: لا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلاّ الإسلام،

فلو بذل عبّاد الأصنام و النيران و الشمس الجزية، لم تقبل، سواء العرب و العجم - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (4) خرج منهم الثلاثة، لنصّ خاصّ، فبقي الباقي علي عمومه.

و ما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا:

لا إله إلاّ اللّه»(5) الحديث.

ص: 280


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (1) من ص 279.
2- المغني 559:10-560، الشرح الكبير 576:10-577، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:4، العزيز شرح الوجيز 507:11.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 507، روضة الطالبين 494:7، حلية العلماء 695:7، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
4- التوبة: 5.
5- صحيح مسلم 51:1 و 52-32 و 33، و 53-35، سنن أبي داود 3: 44-2640، سنن ابن ماجة 1295:2-3927-3929، سنن النسائي 14:5، سنن الترمذي 3:5-4-2606 و 2607، سنن الدار قطني 9:2-2، سنن الدارمي 218:2، سنن البيهقي 49:9، المستدرك - للحاكم - 522:2، مسند أحمد 4: 576-577-15727، المغني 565:10، الشرح الكبير 579:10-580.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في حديث: «سيف علي مشركي العرب، قال اللّه تعالي فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)»(2) الحديث.

و قال أبو حنيفة: تقبل من جميع الكفّار إلاّ العرب، لأنّهم يقرّون علي دينهم بالاسترقاق فاقرّوا بالجزية، كأهل الكتاب، و أمّا العرب فلا تقبل منهم، لأنّهم رهط النبي عليه السّلام، فلا يقرّون علي غير دينه(3).

و الفرق: أنّ أهل الكتاب لهم حرمة بكتابهم، بخلاف غيرهم من الكفّار، و العرب قد بيّنّا أنّهم إن كانوا يهودا أو نصاري أو مجوسا، قبلت منهم الجزية، و إلاّ فلا، و لا فرق بين العرب و العجم، لأنّ الجزية تؤخذ بالدين لا بالنسب.

و قال أحمد: تقبل من جميع الكفّار إلاّ عبدة الأوثان من العرب(4).

و قال مالك: تقبل من جميعهم إلاّ مشركي قريش، لأنّهم ارتدّوا(5).

و قال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز: إنّها تقبل من جميعهم، لأنّ النبي عليه السّلام كان يبعث السريّة و يوصيهم بالدعاء إلي الإسلام أو الجزية(6).7.

ص: 281


1- التوبة: 5.
2- الكافي 10:5-2، التهذيب 136:6-230.
3- مختصر اختلاف العلماء 484:3-1635، تحفة الفقهاء 307:3، المبسوط - للسرخسي - 7:10، الهداية - للمرغيناني - 160:2، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، العزيز شرح الوجيز 507:11.
4- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، المحرّر في الفقه 182:2، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:4.
5- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، حلية العلماء 695:7، العزيز شرح الوجيز 507:11.
6- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 953-2858، سنن الدارمي 216:2-217.

و هو عامّ في كلّ كافر(1).

و نمنع العموم، بل الوصيّة في أهل الذمّة.

مسألة 165: من عدا اليهود و النصاري و المجوس لا يقرون بالجزية

بل لا يقبل منهم إلاّ الإسلام و إن كان لهم كتاب، كصحف إبراهيم و صحف آدم و إدريس (و شيث)(2) و زبور داود - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّها ليست كتبا منزلة علي ما قيل، بل هي وحي يوحي، و لأنّها مشتملة علي مواعظ لا علي أحكام مشروعة.

و القول الثاني للشافعي: يقرّون بالجزية، لقوله تعالي مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (4)(5).

و ليس حجّة، لأنّه للعهد.

قال ابن الجنيد من علمائنا: الصابئون تؤخذ منهم الجزية و يقرّون عليها، كاليهود و النصاري - و هو أحد قولي الشافعي(6) - بناء علي أنّهم من أهل الكتاب و إنّما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولها.

و قال أحمد: أنّهم جنس من النصاري. و قال أيضا: أنّهم يسبتون،

ص: 282


1- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
2- ما بين القوسين لم يرد في «ق، ك».
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 506، الوسيط 60:7، حلية العلماء 697:7، روضة الطالبين 494:7، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
4- التوبة: 29.
5- المصادر في الهامش (3).
6- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 508، الوسيط 61:7، حلية العلماء 697:7، روضة الطالبين 495:7.

فهم من اليهود(1).

و قال مجاهد: إنّهم من [اليهود و] [1] النصاري(2).

و قال السدي: إنّهم من أهل الكتاب(3).

و كذا السامرة، و متي كانوا كذلك قبلت منهم الجزية.

و قد قيل عنهم: إنّهم يقولون: إنّ الفلك حيّ ناطق، و إنّ الكواكب السبعة السيّارة آلهة(4). و متي كان الحال كذلك لم يقرّوا علي دينهم بالجزية.

و قال المفيد رحمه اللّه: و قد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين و من ضارعهم في الكفر سوي من ذكرناه من الثالثة الأصناف.

فقال مالك بن أنس و الأوزاعي: كلّ دين بعد الإسلام سوي اليهوديّة و النصرانيّة فهو مجوسيّة، و حكم أهله حكم المجوس. و روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: الصابئون مجوس. و قال الشافعي و جماعة من أهل العراق: حكمهم حكم المجوس. و قال بعض أهل العراق: حكمهم حكم النصاري.

قال: فأمّا نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية إلي غير من عدّدناه، لسنّة7.

ص: 283


1- المغني 558:10، الشرح الكبير 580:10، المحرّر في الفقه 183:2.
2- النكت و العيون (تفسير الماوردي) 133:1، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10.
3- النكت و العيون (تفسير الماوردي) 133:1، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10.
4- الحاوي الكبير 294:14، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10، و انظر الوسيط 61:7.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فيهم، و التوقيف الوارد عنه في أحكامهم.

قال: و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصاري في الجزية و الديات، لأنّه كان لهم فيما مضي كتاب» و لو خلّينا و القياس، لكانت المانويّة و المزدقيّة و الديصانيّة عندي بالمجوس أولي من الصابئين، لأنّهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسيّة و تكاد تختلط بها.

و أمّا المرقونيّة و الماهانيّة: فإنّهم إلي النصرانيّة أقرب من المجوسيّة، لقولهم في الروح و الكلمة و الابن بقول النصاري و إن كانوا يوافقون الثنويّة في أصول أخر.

و أمّا الكينونيّة [1]: فقولهم يقرب من النصرانيّة لأصلهم [2] في التثليث و إن كان أكثره لأهل الدهر.

و أمّا السمنيّة: فتدخل في حكم مشركي العرب و تضارع مذاهبها قولها [3] في التوحيد للبارئ و عبادتهم سواه تقرّبا إليه و تعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق لهم. و قد حكي عنهم ما يدخلهم في جملة الثنويّة.

ثمّ قال: فأمّا الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عددناه، لأنّ جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل، و منهم من يجعل معه هيولي في القدم صنع منها العالم، فكانت عندهم الأصل، و يعتقدون في الفلك و ما فيه:

الحياة و النطق و أنّه المدبّر لما في العالم و الدالّ عليه، و عظّموا الكواكب

ص: 284

و عبدوها من دون اللّه تعالي، و سمّاها بعضهم ملائكة، و جعلها بعضهم آلهة، و بنوا لها بيوتا للعبادات، و هؤلاء علي طريق القياس إلي مشركي العرب و عبّاد الأوثان أقرب من المجوس، لأنّهم وجّهوا عبادتهم إلي غير اللّه تعالي في التحقيق و علي القصد و الضمير، و سمّوا من عداه من خلقه بأسمائه، جلّ عمّا يقول المبطلون.

و المجوس قصدت بالعبادة اللّه تعالي علي نيّاتهم في ذلك و ضمائرهم و عقودهم و إن كانت عبادة الجميع علي أصولنا غير متوجّهة في الحقيقة إلي القديم، و لم يسمّوا من أشركوا بينه و بين اللّه تعالي في القدم [1] باسم في معني الإلهيّة و مقتضي العبادة، بل من ألحقهم بالنصاري أقرب في التشبيه [2]، لمشاركتهم إيّاهم في اعتقاد الإلهيّة في غير القديم، و تسميتهم له بذلك، و هما: الروح عندهم، و النطق الذي اعتقدوه [في] [3] المسيح، و ليس هذا موضع الردّ علي متفقّهة العامّة فيما اجتنبوه من خلافنا فلنشرحه [4]، و إنّما ذكرنا منه طرفا، لتعلّقه بما تقدّم من وصف مذهبنا في الأصناف و بيّنّاه في التفصيل(1). هذا آخر كلام شيخنا المفيد رحمه اللّه.

و للشافعي في الصابئين و السامرة - و هم عنده مبتدعة النصاري2.

ص: 285


1- المقنعة: 270-272.

و اليهود - قولان(1)الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 509:11، الحاوي الكبير 305:9، روضة الطالبين 479:5، و 495:7-496.(2).

و قال بعض أصحابه: إن كانوا كفرة دينهم، فلا يقرّون، و إن كانوا مبتدعة، أقروا، فلو عقدنا له و أسلم منهم عدلان و شهدا بكفره، تبيّن بطلان العقد، و يغتال، لتلبيسه(3).

و المتولّد بين الكتابيّ و الوثنيّ في مناكحته قولان للشافعي، و الصحيح عنده أنّه يقرّر(3).

و لو توثّن نصرانيّ و له ولد صغير امّه نصرانيّة، فله حكم التنصّر، و إن كانت وثنيّة، فهو تابع للتوثّن أو يبقي عليه حكم التنصّر؟ للشافعي وجهان(4).

و لا يغتال إذا بلغ و إن كان يغتال أبوه علي الأصحّ عندهم(5).

و لا يحلّ وطء سبايا غور، لأنّهم ارتدّوا بعد الإسلام.

و في استرقاقهم خلاف بينهم، و الظاهر عندهم جواز استرقاق الوثنيّ و سبايا غور أولاد المرتدّين(6).

و أمّا عندنا فإنّ ذبائح أهل الكتاب لا تحلّ إجماعا منّا. فأمّا مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 166: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار،

انتقلوا في الجاهليّة إلي النصرانيّة. و انتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان، و هم

ص: 286


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادرهما في الهامش
2- من ص 282.
3- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 508:11-509.
4- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 510:11، روضة الطالبين 496:7.
5- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 510:11، روضة الطالبين 496:7.
6- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 511:11.

تنوخ و بهراء، فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب، تؤخذ منهم الجزية كافّة [1]، كما تؤخذ من غيرهم - و به قال علي عليه السّلام و عمر بن عبد العزيز(1) - لأنّهم أهل كتاب، فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب.

و قال أبو حنيفة: لا تؤخذ منهم الجزية، بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة، فيؤخذ من كلّ خمس من الإبل شاتان، و يؤخذ من كلّ عشرين دينارا دينار، و من كلّ مائتي درهم عشرة دراهم، و من كلّ ما يجب فيه نصف العشر العشر و ما يجب فيه العشر الخمس - و به قال الشافعي و ابن أبي ليلي و الحسن بن صالح بن حيّ و أحمد بن حنبل - لأنّ عمر ضعّف الصدقة عليهم(2).

و هي حكاية حال لا عموم لها، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك. و لأنّه كان يأخذ جزية لا صدقة و زكاة. و لأنّه يؤدّي إلي أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقلّ من ذلك. و لأنّه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبّدا بغير عوض بأن لا يكون له زرع و لا ماشية.

و روي العامّة عن علي عليه السّلام أنّه قال: «لئن تفرّغت لبني تغلب ليكوننّ لي فيهم رأي، لأقتلنّ مقاتلتهم، و لأسبيّن ذراريهم، فقد نقضوا العهد، و برئت منهم الذمّة حين نصّروا أولادهم»(3).0.

ص: 287


1- المغني و الشرح الكبير 582:10.
2- المغني و الشرح الكبير 582:10-582، الكافي في فقه الإمام أحمد 172:4، الحاوي الكبير 345:14 و ما بعدها، سنن البيهقي 216:9.
3- الأموال - لأبي عبيد -: 34 ذيل رقم 71، المغني و الشرح الكبير 582:10.

إذا ثبت أنّ المأخوذ جزية، فلا تؤخذ من الصبيان و المجانين و النساء - و به قال الشافعي(1) - لما تقدّم، و لأنّ عمر قال: هؤلاء حمقي رضوا بالمعني دون الاسم(2).

و قال عمر بن عبد العزيز حيث لم يقبل من نصاري بني تغلب إلاّ الجزية: لا و اللّه إلاّ الجزية، و إلاّ فقد أذنتكم بالحرب(3).

و قال أبو حنيفة: إنّها صدقة تؤخذ مضاعفة من مال من يؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما. و به قال أحمد(4).

و علي ما قلناه يكون مصرفه مصرف الجزية.

و لو بذل التغلبيّ الجزية و تحطّ عنه الصدقة، قبل منه، لأنّ المأخوذ منه عندنا جزية.

و من قال: إنّه صدقة قال: ليس لهم ذلك، لئلاّ يغيّر الصلح(5).

أمّا الحربي من التغلبيّين فإنّه إذا بذل الجزية، قيل: قبلت منه، لقوله عليه السّلام: «ادعهم إلي إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم»(6)(7).0.

ص: 288


1- المهذّب - للشيرازي - 253:2، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 11: 498 و 499 و 501 و 529، الوسيط 62:7-64، روضة الطالبين 490:7 و 492، الحاوي الكبير 307:14، المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10.
2- المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10، الحاوي الكبير 346:14، العزيز شرح الوجيز 529:11.
3- المغني و الشرح الكبير 582:10.
4- المغني و الشرح الكبير 582:10.
5- المغني و الشرح الكبير 584:10.
6- صحيح مسلم 1356:3-1357-3، سنن أبي داود 37:3-3612، سنن ابن ماجة 953:2-954-2858، سنن الدارمي 216:2-217.
7- المغني و الشرح الكبير 584:10.

و لو أراد الإمام نقض صلحهم و تجديد الجزية عليهم، جاز، خلافا لبعض العامّة(1).

مسألة 167: لا تحلّ ذبائح بني تغلب و لا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمّة

- أمّا من أباح أكل ذبائح أهل الذمّة فقال الشافعي: لا يباح أكل ذبائح أهل الذمّة من العرب كافّة(2) - و نقله العامّة عن علي عليه السّلام و عطاء و سعيد ابن جبير و النخعي(3) ، لأنّهم أهل كتاب [1]، فلا تحلّ ذبائحهم علي ما يأتي.

و لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام من التحريم(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن ذبائح نصاري العرب هل تؤكل ؟ فقال: «كان علي عليه السّلام ينهي عن أكل ذبائحهم و صيدهم، و قال: لا يذبح لك يهودي و لا نصراني أضحيتك»(5).

و قال الباقر عليه السّلام: «لا تأكل ذبيحة نصاري العرب»(6).

و قال أبو حنيفة: تحلّ ذبائحهم. و به قال الحسن البصري و الشعبي و الزهري و الحكم و حمّاد و إسحاق(7).

و عن أحمد روايتان(8).

ص: 289


1- المغني و الشرح الكبير 584:10.
2- الامّ 232:2، مختصر المزني: 284، الحاوي الكبير 93:15-94، المهذّب - للشيرازي - 258:1، المغني 587:10، و انظر مختصر اختلاف العلماء 205:3-1304.
3- المغني 587:10.
4- سنن البيهقي 217:9، الامّ 232:2، المهذّب - للشيرازي - 258:1، المغني 587:10.
5- التهذيب 64:9-271، الاستبصار 81:4-82-304.
6- التهذيب 68:9-288، الإستبصار 85:4-320.
7- المغني 587:10، حلية العلماء 421:3.
8- المغني 587:10.
مسألة 168: و تؤخذ الجزية من أهل خيبر.

و ما ذكره بعض أهل الذمّة منهم أنّ معهم كتابا من النبي صلّي اللّه عليه و آله بإسقاطها(1) ، لا يلتفت إليهم، لأنّه لم ينقله أحد من المسلمين.

قال ابن سريج: ذكر أنّهم طولبوا بذلك، فأخرجوا كتابا ذكروا أنّه بخطّ علي عليه السّلام كتبه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و كان فيه شهادة سعد بن معاذ و معاوية.

و تاريخه بعد موت سعد و قبل إسلام معاوية، فاستدلّ بذلك علي بطلانه(2).

و لو غزا الإمام قوما فادّعوا أنّهم أهل كتاب، سألهم، فإن قالوا: دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول القرآن في دينهم، أخذ منهم الجزية، و شرط عليهم نبذ العهد، و المقاتلة لهم إن بان كذبهم، و لا يكلّفون البيّنة علي ذلك، و يقرّون بأخذ الجزية. فإن بان كذبهم، انتقض عهدهم، و وجب قتالهم.

و يظهر كذبهم باعترافهم بأجمعهم أنّهم [1] عبّاد وثن. فإن اعترف بعضهم و أنكر الآخرون، انتقض عهد المعترف خاصّة دون غيره. و لا تقبل شهادتهم علي الآخرين.

فإن أسلم منهم اثنان و عدّلا ثمّ شهدا [2] أنّهم ليسوا أهل ذمّة، انتقض العهد.

و لو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن و له ابنان صغير و كبير، فأقاما علي عبادة الأوثان ثمّ جاء الإسلام و نسخ كتابهم، فإنّ الصغير إذا بلغ و قال: إنّني علي دين أبي و أبذل الجزية، أقرّ عليه و أخذ منه

ص: 290


1- الحاوي الكبير 310:14، العزيز شرح الوجيز 511:11.
2- العزيز شرح الوجيز 511:11.

الجزية، لأنّه تبع أبيه في الدين، لصغره. و أمّا الكبير فإن أراد أن يقيم علي دين أبيه و يبذل الجزية، لم يقبل، لأنّ له حكم نفسه، و لا يصحّ له الدخول في الدين بعد نسخه.

و لو دخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثمّ مات ثمّ جاء الإسلام و بلغ الصبي و اختار دين أبيه ببذل الجزية، أقرّ عليه، لأنّه تبعه في الدين، فلا يسقط بموته. و أمّا الكبير فلا يقرّ بحال، لأنّ حكمه منفرد.

مسألة 169: اختلف علماؤنا في الفقير.

فقال الشيخ رحمه اللّه: لا تسقط عنه الجزية، بل ينظر بها إلي وقت يساره، و يؤخذ منه حينئذ ما يقرّر عليه في كلّ عام حال فقره(1) - و به قال المزني و الشافعي في قول(2) - لعموم حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (3).

و لقوله عليه السّلام: «خذ من كلّ حالم دينارا»(4) و هو عامّ.

و لأنّ عليّا عليه السّلام وظف علي الفقير دينارا(5).

ص: 291


1- المبسوط - للطوسي - 38:2.
2- الامّ 179:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 300:14-301، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المهذّب - للشيرازي - 252:2، روضة الطالبين 496:7، حلية العلماء 698:7، المغني 576:10، الشرح الكبير 589:10.
3- التوبة: 29.
4- أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير 309:14، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 504:11، و ابن قدامة في المغني 576:10، و الكافي في فقه الإمام أحمد 173:4، و في المصادر الحديثيّة هكذا: عن معاذ أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا وجّهه إلي اليمن أمره أن يأخذه من كلّ حالم دينارا. انظر سنن أبي داود 167:3-3038، و سنن الترمذي 20:3-623، و سنن البيهقي 98:4 و 193:9، و مسند أحمد 304:6-21508، و 309-21532، و 328-21624، و الأموال - لأبي عبيد -: 31-32-64.
5- انظر: المقنعة: 272، و التهذيب 119:4-120-343، و الاستبصار 53:2-54-178.

و قال المفيد و ابن الجنيد منّا: لا جزية عليه [1] - و هو قول آخر للشافعي(1) - لأنّ الجزية حقّ يجب بحؤول الحول، فلا تجب علي الفقير، كالزكاة و العقل [2].

و الجواب: أنّ الزكاة و العقل وجبا بطريق المواساة، و الجزية لحقن الدم و السكني، و لا فرق بين الغني و الفقير في ذلك.

و للشافعي قول ثالث: إنّه يخرج من الدار(2).

إذا ثبت هذا، فالإمام يعقد لهم الذمّة علي الجزية، و تكون في ذمّته، فإذا أيسر، طولب بها.

مسألة 170: و تسقط الجزية عن الصبي إجماعا،

لقوله عليه السّلام لمعاذ:

«خذ من كلّ حالم دينارا»(3) دلّ بمفهومه علي سقوط الجزية عن غير البالغ.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في حديث: «و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض [3] الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»(4).

و إذا بلغ بالإنبات أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة و كان من

ص: 292


1- مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 300:14-301، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، حلية العلماء 698:7.
2- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، روضة الطالبين 497:7.
3- تقدمت الإشارة إلي مصادره في ص 291، الهامش (4).
4- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

أهل الذمّة، طولب بالإسلام أو بذل الجزية، فإن امتنع منهما، صار حربا، فإن اختار الجزية، عقد معه الإمام ما يراه، و لا عبرة بجزية أبيه، فإذا حال الحول من حين العقد عليه، أخذ ما شرط.

و لو كان الصبي ابن وثنيّ و بلغ، طولب بالإسلام خاصّة.

و لو بلغ مبذّرا، لم يزل الحجر عنه، و يكون ماله في يد وليّه.

و لو أراد عقد الأمان بالجزية أو المصير إلي دار الحرب، أجيب، و ليس لوليّه منعه، لأنّ الحجر لا يتعلّق بحقن دمه و إباحته بل بماله، كما لو أسلم أو ارتدّ.

و لو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة، احتمل أن يكون للوليّ منعه، لأنّ حقن دمه يمكن بالأقلّ.

و لو صالح الإمام قوما علي أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم، فإن كانوا يؤدون الزائد من أموالهم، جاز، و يكون زيادة في جزيتهم، و إن كان من مال أولادهم، لم يجز، لأنّه تضييع لمالهم فيما ليس واجبا عليهم.

و لو بلغ سفيها، لم تسقط عنه الجزية، و لا يقرّ في دار الإسلام بغير عوض، للعموم(1).

و لو منعه وليّه، لم يقبل منه، لأنّ مصلحته بقاء نفسه.

و إن لم يعقد أمانا، نبذناه إلي دار الحرب و صار حربا.

مسألة 171: إذا عقد الإمام الجزية لرجل، دخل هو و أولاده الصغار و أمواله في الأمان،

فإذا بلغ أولاده، لم يدخلوا في ذمّة [1] أبيهم و جزيته إلاّ

ص: 293


1- التوبة: 29.

بعقد مستأنف - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الأب عقد الذمّة لنفسه، و إنّما دخل أولاده الصغار لمعني الصغر، فإذا بلغوا، زال المقتضي للدخول.

و قال أحمد: يدخلون بغير عقد متجدّد، لأنّه عقد دخول فيه الصغير [1]، فإذا بلغ، لزمه، كالإسلام(2).

و الفرق: علوّ الإسلام علي غيره من الأديان، فألزم به، بخلاف الكفر.

إذا ثبت هذا، فإنّه يعقد له الأمان من حين البلوغ، و لا اعتبار بجزية أبيه، فإن كان أوّل حول أقاربه، استوفي منه معهم في آخر الحول، و إن كان في أثناء الحول، عقد له الذمّة، فإذا جاء أصحابه و جاء الساعي، فإن أعطي بقدر ما مضي من حوله، أخذ منه، و إن امتنع حتي يحول الحول، لم يجبر علي الدفع.

و لو كان أحد أبوي الطفل وثنيّا، فإن كان الأب، لحق به، و لم تقبل منه الجزية بعد البلوغ، بل يقهر علي الإسلام، فإن امتنع، ردّ إلي مأمنه في دار الحرب، و صار حربا. و إن كانت الامّ، لحق بالأب، و أقرّ في دار الإسلام بالجزية.

مسألة 172: الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا،

لقوله عليه السّلام:

«رفع القلم عن ثلاثة - و عدّ - المجنون حتي يفيق»(3).

ص: 294


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 503:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 253، روضة الطالبين 493:7، المغني 574:10، الشرح الكبير 590:10.
2- المغني 574:10، الشرح الكبير 590:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 173.
3- سنن أبي داود 140:4-4401، و 141-4403، سنن ابن ماجة 1: 658-2041، سنن الدارمي 171:2، مسند أحمد 226:1-1187، و 7: 146-24173 بتفاوت يسير.

و لقول الصادق عليه السّلام: «جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب علي عقله»(1).

و لأنّه محقون الدم، و لا مقتضي لوجوب الجزية.

و لو كان الجنون غير مطبق، فإن لم يكن مضبوطا بأن تكون ساعة من أيّام أو من يوم، اعتبر الأغلب، لعدم القدرة علي ضبط الإفاقة. و إن كان مضبوطا بأن يجنّ يوما و يفيق يومين أو أقلّ أو أكثر، احتمل اعتبار الأغلب كالأوّل - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ اعتبار الأصول بالأغلب. و أن تلفّق أيّام إفاقته، فإذا كملت حولا، أخذت منه [1]، و يحتمل أن تؤخذ في آخر كل حول بقدر ما أفاق فيه.

و كذا الاحتمالان لو كان يجنّ ثلث الحول و يفيق ثلثيه أو بالعكس.

و لو تساوت أيّام إفاقته و جنونه بأن يجنّ يوما و يفيق يوما، أو يجنّ نصف الحول و يفيق نصفه [2]، فإنّ إفاقته تلفّق، لتعذّر الأغلب، لعدمه هنا.

و لو كان يجنّ نصف الحول ثمّ يفيق مستمرّا، أو يفيق نصفه ثمّ يجنّ مستمرّا، فعليه في الأوّل من الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرّت الإفاقة بعد الحول. و في الثاني لا جزية عليه، لأنّه لم تتمّ الإفاقة حولا.

مسألة 173: لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا،

لقوله عليه السّلام: «خذ من كلّ حالم»(3) خصّ الذّكر به.

ص: 295


1- الكافي 567:3-3، الفقيه 28:2-101، التهذيب 114:4-334.
2- المغني 575:10، الشرح الكبير 591:10.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 291، الهامش (4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن قتل النساء»(1).

و لو بذلت امرأة الجزية، عرّفت أنّه لا جزية عليها، فإن ذكرت أنّها تعلم ذلك و طلبت دفعه إلينا، جاز أخذه هبة لا جزية، و تلزم علي شرط لزوم الهبة. و لو شرطت ذلك علي نفسها، لم تلزم، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية، لأنّه لا حدّ للجزية قلّة و لا كثرة، فلزمه ما التزم به.

و لو بعثت امرأة من دار الحرب تطلب عقد الذمّة و تصير إلي دار الإسلام، مكّنت منه، و عقد لها بشرط التزام أحكام الإسلام، و لا يؤخذ منها شيء إلاّ أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا شيء عليها. و إن أخذ منها شيء علي غير ذلك، يردّ عليها، لأنّها بذلته معتقدة أنّه عليها.

و لو كان في حصن رجال و نساء و صبيان فامتنع الرجال من أداء الجزية و بذلوا أن يصالحوا علي أنّ الجزية علي النساء و الولدان، لم يجز، لأنّ النساء و الصبيان مال و المال لا يؤخذ منه الجزية، و لا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه و يترك من تجب عليه. فإن صالحهم علي ذلك، بطل الصلح، و لا يلزم النساء شيء. و لو طلب النساء ذلك و يكون الرجال في أمان، لم يصحّ.

و لو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوي النساء، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية، لم يجز، و يتوصّل إلي فتح الحصن و يسبين، لأنّهنّ أموال للمسلمين.7.

ص: 296


1- الكافي 28:5-29-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يلزمه عقد الذمّة لهنّ علي أن تجري عليهنّ أحكام الإسلام، و لا يأخذ منهنّ شيئا، فإن أخذ منهنّ شيئا، ردّه عليهنّ(1).

و لو دخلت الحربية دار الإسلام بأمان للتجارة، لم يكن عليها أن تؤدّي شيئا و إن أقامت دائما بغير عوض، بخلاف الرجل. و لو طلبت دخول الحجاز علي أن تؤدّي شيئا، جاز، لأنّه ليس لها دخول الحجاز.

مسألة 174: تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني و الزمن

- و هو أحد قولي الشافعي(2) - للعموم(3).

و الثاني للشافعي: لا تؤخذ(4).

و في رواية حفص عن الصادق عليه السّلام أنّها تسقط عن المقعد و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان(5).

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو وقعوا في الأسر، جاز للإمام قتلهم(6).

و الأعمي مساو لهما علي الأقرب.

و تؤخذ من أهل الصوامع و الرهبان - و هو أحد قولي الشافعي(7) -

ص: 297


1- المبسوط - للطوسي - 40:2.
2- الامّ 176:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 310:14، المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
3- التوبة: 29.
4- المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، الحاوي الكبير 14: 310، الوسيط 65:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
5- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.
6- المبسوط - للطوسي - 42:2.
7- الامّ 176:4، المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7. الحاوي الكبير 310:14، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المغني 578:10، الشرح الكبير 589:10.

للعموم(1). و قد فرض عمر بن عبد العزيز علي رهبان الديارات الجزية علي كلّ راهب دينارين(2). و لأنّه كافر صحيح قادر علي الجزية، فوجبت عليه، كالشمّاس [1].

و الثاني للشافعي: لا جزية عليهم، لأنّهم محقونون بدون الجزية، فلا تجب، كالنساء(3).

و نمنع الصغري.

مسألة 175: اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية علي المملوك،

فالمشهور: عدم وجوبها عليهم، و هو قول العامّة بأسرهم، لقوله عليه السّلام:

«لا جزية علي العبد»(4).

و لأنّه مال، فلا تؤخذ منه الجزية، كغيره من الحيوانات [2].

و قال قوم: لا تسقط، لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية ؟ قال: «نعم» قلت: فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية ؟ قال: «نعم، إنّما هو ماله يفديه إذا أخذ يؤدّي عنه»(5).

ص: 298


1- التوبة: 29.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 47-109، المغني 578:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، الوسيط 65:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، الحاوي الكبير 310:14، المغني 578:10، الشرح الكبير 589:10.
4- المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
5- الفقيه 29:2-106.

و لأنّه مشرك، فلا يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوض، كالحرّ.

و لا فرق بين أن يكون العبد لمسلم أو ذمّي إن قلنا بوجوب الجزية عليه، و يؤدّيها مولاه عنه.

و منع بعض الجمهور أخذ الجزية من عبد المسلم، و إلاّ لزم أن يؤدّي المسلم الجزية(1).

و هو ضعيف، لأنّه يؤدّيها عن حقن دم العبد.

و لو كان نصفه حرّا، وجب عليه عن نصفه الحرّ، و في نصفه الرقيق قولان، فإن أوجبناه، أخذ النصيب من مولاه.

و لو أعتق العبد، فإن كان حربيّا، قهر علي الإسلام أو يردّ إلي دار الحرب، قاله الشافعي(2).

و قال ابن الجنيد منّا: لا يمكّن من اللحقوق بدار الحرب، بل يسلم أو يحبس، لأنّ في لحوقه بدار الحرب معونة علي المسلمين.

و إن كان ذميّا، لم يقرّ في دار الإسلام إلاّ بالجزية، فإن لم يفعل، ردّ إلي مأمنه بدار الحرب، عند الشافعي(3) ، و حبس، عند ابن الجنيد.

و لا خلاف بين العلماء أنّه بعد العتق تلزمه الجزية لما يستقبل، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يقرّ بغير جزية، سواء أعتقه المسلم أو الكافر(4) ، و ما روي عن مالك أنّه قال: لا جزية عليه إن كان المعتق مسلما(5).0.

ص: 299


1- المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
2- العزيز شرح الوجيز 501:11، روضة الطالبين 491:7.
3- العزيز شرح الوجيز 501:11، روضة الطالبين 491:7.
4- المغني 580:10، الشرح الكبير 588:10.
5- العزيز شرح الوجيز 501:11، المغني 581:10، الشرح الكبير 588:10.
مسألة 176: يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية من شاء من الأقارب و إن لم يكن محارم،

دون الأجانب، بأن يشترط، فإن أطلق، لم يتبعه إلاّ صغار أولاده و زوجاته و عبيده، لأنّهم أموال، و لا تتبعه نسوة الأقارب.

و أمّا الأصهار فالأقرب: عدم إلحاقهم بالأجانب.

و للشافعي وجهان(1).

و إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أعتق العبد فاستقلّوا [1]، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يقتلوا بعد الردّ إلي مأمنهم.

و الأقارب [2]: أنّه يجب علي الصبي استئناف عقد لنفسه.

و للشافعيّة وجهان(2).

و إن اكتفي بعقد أبيه، لزمه مثل ما لزم الأب و إن كان فيه زيادة.

و إذا بلغ سفيها، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم، و يصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

و من يجنّ يوما و يفيق يوما سبق(3) حكمه.

و للشافعي أقوال:

ص: 300


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 503:11، الوسيط 64:7، روضة الطالبين 493:7.
2- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 499:11-500، الوسيط 63:7، روضة الطالبين 490:7.
3- سبق في المسألة 172.

أحدها: تلتقط أيّام [إفاقته] [1] و تكمل سنة، و يؤخذ منه دينار.

و الثاني: لا شيء.

و الثالث: كالعاقل.

و الرابع: ينظر إلي الأغلب.

و الخامس: ينظر إلي آخر السنة، كما في تحمّل العقل. و إذا وقع مثله في الأسر، نظر إلي وقت الأسر(1).

البحث الثاني: في مقدار الجزية.
مسألة 177: اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدرا معيّنا لا يجوز تغييره علي أقوال ثلاثة:
أحدها: أنّ فيها مقدرا،

و هو ما قدّره عليّ عليه السّلام: علي الفقير اثنا عشر درهما، و علي المتوسّط أربعة و عشرون، و علي الغني ثمانية و أربعون في كلّ سنة(2) - و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية(3) - لما رواه العامّة: أنّ

ص: 301


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 498:11، الوسيط 62:7-63، روضة الطالبين 490:7.
2- الفقيه 26:2-95، التهذيب 120:4-343، الاستبصار 53:2-54-178.
3- المبسوط - للسرخسي - 78:10، الهداية - للمرغيناني - 195:2، بدائع الصنائع 112:7، مختصر اختلاف العلماء 486:3-1636، أحكام القرآن - للجصّاص - 96:3، الجامع لأحكام القرآن 112:8، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 171:4، الحاوي الكبير 299:14، حلية العلماء 697:7-698، العزيز شرح الوجيز 520:11، بداية المجتهد 404:1.

النبي عليه السّلام أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا(1).

و ما تقدّم(2) من وضع علي عليه السّلام، و كذا وضع عمر(3) ، و لم يخالفهما أحد، فكان إجماعا.

الثاني: أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّة و لا كثرة،

بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة و كثرة بحسب المصلحة، ذهب إليه أكثر علمائنا(4) ، و الثوري و أحمد في رواية(5) ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا(6). و صالح أهل نجران علي ألفي حلّة، النصف في صفر، و النصف في رجب(7). و ما وضعه عليّ عليه السّلام و عمر(8). و صالح عمر بني تغلب علي مثلي ما علي المسلمين من الصدقة(9). و هو يدلّ علي عدم التقدير فيه.

ص: 302


1- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 291.
2- تقدّم في ص 291 و كذا الإشارة إلي مصادره في الهامش (5).
3- الأموال - لأبي عبيد -: 44-45-104، سنن البيهقي 196:9، المغني 10: 566، الشرح الكبير 592:10.
4- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 545:5، المسألة 9، و سلاّر في المراسم: 141، و ابن حمزة في الوسيلة: 205، و ابن إدريس في السرائر: 110، و المحقّق في شرائع الإسلام 328:1.
5- المغني 566:10، الشرح الكبير 592:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 171، الحاوي الكبير 299:14، حلية العلماء 698:7، العزيز شرح الوجيز 520:11، بداية المجتهد 404:1.
6- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 291.
7- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 195:9.
8- راجع المصادر المذكورة في الهامش (5) من ص 291، و الهامش (3) من هذه الصفحة.
9- الأموال - لأبي عبيد -: 33-34-70 و 71، المغني 566:10، الشرح الكبير 592:10-593.

و من طريق الخاصّة: رواية زرارة - الصحيحة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام ما حدّ الجزية علي أهل الكتاب ؟ و هل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلي غيره ؟ فقال: «ذلك إلي الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء علي قدر ما يطيق»(1) الحديث.

الثالث: أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة، و تتقدّر في طرف القلّة،

فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار - و هو قول ابن الجنيد، و أحمد في رواية(2) - لأنّ عليّا عليه السّلام زاد علي ما قرّره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و لم ينقص منه(3) ، فدلّ علي أنّ الزيادة موكولة إلي نظره دون النقصان.

و قال الشافعي: أنّها مقدّرة بدينار علي الغني و الفقير لا يجوز النقصان منه، و تجوز الزيادة عليه إن بذلها الذميّ(4).

و قال مالك: هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهما، و في حقّ المتوسّط بعشرين درهما، و في حقّ الفقير بعشرة دراهم(5).

ص: 303


1- الفقيه 27:2-98، التهذيب 117:4-337، الاستبصار 53:2-176 بتفاوت و زيادة.
2- المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 172:4.
3- راجع المصادر المذكورة في الهامش (3) من ص 301.
4- الامّ 179:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 299:14، الوجيز 2: 200، العزيز شرح الوجيز 519:11 و 520، الوسيط 69:7، حلية العلماء 697:7، المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 500:7، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، بداية المجتهد 404:1، مختصر اختلاف العلماء 3: 486-1636، أحكام القرآن - للجصّاص - 96:3، الجامع لأحكام القرآن 111:8 و 112.
5- بداية المجتهد 404:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 217، الجامع لأحكام القرآن 8: 112، مختصر اختلاف العلماء 486:3-1636، حلية العلماء 698:7، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، و فيها بعض المقصود.
مسألة 178: تجب الجزية بآخر الحول، و يجوز أخذها سلفا

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول، و تؤخذ في آخر كلّ حول، فلا تجب بأوّله، كالزكاة و الدية.

و قال أبو حنيفة: تجب بأوّله، و يطالب بها عقيب العقد، و تجب الثانية في أوّل الحول الثاني و هكذا، لقوله تعالي حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (2)(3).

و المراد التزام إعطائها، لا نفس الأخذ و الإعطاء حقيقة، و لهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعا.

إذا عرفت هذا، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان و العروض علي حسب قدرتهم، و لا يلزمهم شيء معيّن، كذهب أو فضّة - و به قال الشافعي(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا بعث معاذا إلي اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالم دينارا أو عدله معافري [1](5).

و أخذ النبي صلّي اللّه عليه و آله من نصاري نجران ألفي حلّة(6).

ص: 304


1- المهذّب - للشيرازي - 252:2، حلية العلماء 702:7، الهداية - للمرغيناني - 162:2، المغني 568:10، الشرح الكبير 594:10.
2- التوبة: 29.
3- الهداية - للمرغيناني - 162:2، المغني 568:10، الشرح الكبير 594:10، حلية العلماء 702:7، الحاوي الكبير 315:14.
4- المغني 568:10، الشرح الكبير 595:10.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (4) من ص 291.
6- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 195:9، المغني 568:10، الشرح الكبير 595:10.

و كان عليّ عليه السّلام يأخذ الجنس، فيأخذ الحبال من صانعها، و المسال [1] من صانعها، و الإبر من صانعها، ثمّ يدعو الناس فيعطيهم الذهب و الفضّة، فيقتسمونه، ثمّ يقول: «خذوا هذا [2] فاقتسموا» فيقولون: لا حاجة لنا فيه، فيقول: «أخذتم خياره و تركتم شراره لتحملنّه»(1).

و لا تتداخل الجزية، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر، استوفيت منه أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّه حقّ ماليّ يجب في آخر كلّ حول، فلا تتداخل، كالدية و الزكاة.

و قال أبو حنيفة: تتداخل، لأنّها عقوبة، فتتداخل، كالحدود(3).

و الفرق: ما تقدّم.

مسألة 179: يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء علي رءوسهم، و إن شاء علي أرضيهم.

و هل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رءوسهم شيئا و عن أرضيهم شيئا آخر؟ منع منه الشيخان و ابن إدريس(4) ، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام:

ص: 305


1- الأموال - لأبي عبيد -: 49-117، المغني 569:10، الشرح الكبير 10: 595.
2- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، الوسيط 70:7، الحاوي الكبير 315:14، روضة الطالبين 501:7، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 174:4، المحرّر في الفقه 184:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 161:2، بدائع الصنائع 112:7، مختصر اختلاف العلماء 487:3-1637، الوسيط 70:7، العزيز شرح الوجيز 521:11، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الحاوي الكبير 316:14.
4- المقنعة: 273، النهاية: 193، المبسوط - للطوسي - 38:2، السرائر: 110.

أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية و يأخذون من الدهاقين جزية رءوسهم، أما عليهم في ذلك شيء موظّف ؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا علي أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع علي رءوسهم، و ليس علي أموالهم شيء، و إن شاء فعلي أموالهم، و ليس علي رءوسهم شيء»(1).

و في حديث آخر قال: «فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل علي أراضيهم، و إن أخذ من أراضيهم فلا سبيل علي رءوسهم»(2).

و قال أبو الصلاح: يجوز الجمع بينهما(3) ، لعدم تقدّر الجزية قلّة و كثرة، فجاز أن يأخذ من أرضيهم [1] و رءوسهم، كما يجوز أن يضعفها [2] علي رءوسهم. و لأنّه أنسب بالصّغار.

و نقول بموجب الحديثين، و نحملهما علي ما إذا صالحهم علي قدر معيّن، فإن شاء أخذه من رءوسهم، و لا شيء حينئذ علي أرضيهم [3]، و بالعكس.

مسألة 180: يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين إجماعا،

بل تستحبّ، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ضرب علي نصاري أيلة ثلاثمائة دينار - و كانوا ثلاثمائة نفر - في كلّ سنة، و أن يضيفوا من

ص: 306


1- الكافي 566:3-567-1، الفقيه 27:2-98، التهذيب 117:4-337، الاستبصار 53:2-176.
2- التهذيب 118:4-338، الاستبصار 53:2-177.
3- انظر: الكافي في الفقه: 349.

يمرّ [1] بهم من المسلمين ثلاثة أيّام، و لا يغشوا مسلما(1).

و شرط علي نصاري نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها، و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين بعيرا و ثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن(2).

و لأنّ الحاجة تدعو إليه، و ربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندة و إضرارا.

و لو لم يشترط الضيافة، لم تكن واجبة - و به قال الشافعي(3) - للأصل. و لأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي، فالضيافة أولي.

و قال بعض العامّة: تجب بغير شرط(4).

و تجوز لجميع الطارقين، و لا تختصّ بأهل الفيء، خلافا لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين(5).

و يجب أن تكون الضيافة زائدة علي أقلّ ما يجب عليهم من الجزية - و هو أحد قولي الشافعي(6) - فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله شرط زيادة علي الدينار الضيافة(7). و الدينار عنده مقدار [2] الجزية(8). و لأنّه لو شرط الضيافة من3.

ص: 307


1- سنن البيهقي 195:9، الحاوي الكبير 303:14، المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 201-503.
3- المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
4- المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
5- الحاوي الكبير 304:14، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 502:7.
6- الحاوي الكبير 303:14-304، حلية العلماء 699:7-700، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 502:7.
7- راجع المصادر المذكورة في الهامش (2).
8- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 303.

الجزية و لم يمرّ بهم أحد، خرج الحول بغير جزية.

و الثاني للشافعي: تحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده(1)(2).

و يجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومة بأن يكون عدد من يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوما. و يكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

و الأقرب عندي: جواز الزيادة مع الشرط.

و يجب أن يعيّن القوت قدرا و جنسا، و عطف الدوابّ كذلك. و لا يكلّفوا الذبيحة، و لا الضيافة بأرفع من طعامهم، إلاّ مع الشرط.

و ينبغي أن تكون الضيافة علي قدر الجزية، فيكثرها علي الغني، و يقلّلها علي الفقير، و يوسّطها علي المتوسّط.

و ينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم و في بيعهم و كنائسهم. و يؤمرون بأن يوسّعوا أبواب البيع و الكنائس، و أن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء، نزلوا في بيوت الفقراء و لا ضيافة عليهم. و إن لم تسعهم، لم يكن لهم إخراج أهلها منها.

و من سبق إلي منزل، كان أحقّ به، و لو اجتمعوا، فالقرعة.

و إذا شرطت الضيافة و امتنع بعضهم منها، اجبر عليها [1]. و لو امتنع الجميع [2]، قهروا و قوتلوا مع الحاجة، فإن قاتلوا، نقضوا العهد و خرقوا7.

ص: 308


1- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 303.
2- الحاوي الكبير 304:14، حلية العلماء 700:7، العزيز شرح الوجيز 11: 523، روضة الطالبين 502:7.

الذمّة، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد علي أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم، لزمه إجابتهم، و لا يتعيّن الدينار.

مسألة 181: مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا،
اشارة

إلاّ في أرض الحجاز علي ما يأتي - و به قال الشافعي(1) - لقوله تعالي حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (2) جعل إباحة الدم ممتدّا إلي إعطاء الجزية، و ما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

و ما رواه العامّة من قوله عليه السّلام: «فادعهم إلي الجزية (فإن أطاعوك فاقبل منهم) [1] و كفّ عنهم»(3).

و من طريق الخاصّة: رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام في أهل الجزية أ يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شيء سوي الجزية ؟ قال:

«لا»(4).

و قال أحمد: إذا خرج من بلده إلي أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجرا، أخذ منه نصف العشر، لقوله عليه السّلام: «ليس علي المسلمين عشور، إنّما العشور علي اليهود و النصاري»(5)(6).

ص: 309


1- الوجيز 201:2، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7، المغني 588:10، الشرح الكبير 615:10.
2- التوبة: 29.
3- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 953-954-2858، مسند أحمد 483:6-22469، و 492-22521 بتفاوت يسير.
4- الكافي 568:3-7، الفقيه 28:2-99، التهذيب 118:4-339.
5- سنن البيهقي 199:9 و 211، المصنّف - لابن أبي شيبة - 197:3، مسند أحمد 569:6-22972.
6- المغني 588:10، الشرح الكبير 615:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 182.

و يحتمل أن يطلق لفظ العشور علي الجزية، أو يحمل علي المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب: مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء،

لأنّه مال أخذ بالقهر و الغلبة، فكان مصرفه المجاهدين، كغنيمة دار الحرب.

مسألة 182: اختلف 1 في الصّغار.

فقال ابن الجنيد: إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم و بين المسلمين أو تحاكموا [2] إلينا في خصوماتهم، و أن تؤخذ منهم و هم قيام علي الأرض.

[و] [3] قال الشيخ رحمه اللّه: الصّغار التزام أحكامنا و إجراؤها [4] عليهم(1).

و قال الشافعي: هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم، فيأخذ المستوفي بلحيته و يضربه في لهازمه [5]، و هو واجب في أحد قوليه حتي لو وكّل مسلما بالأداء لم يجز. و إن ضمن المسلم الجزية، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. و يجوز ذلك مع العرب و العجم. فيقول الإمام: أبدلت الجزية بضعف الصدقة، فيكون ما يأخذه جزية باسم الصدقة. فيأخذ من خمس من الإبل شاتين، و من خمس و عشرين بنتي مخاض، و ممّا سقت السماء الخمس، و من مائتي درهم

ص: 310


1- المبسوط - للطوسي - 43:2.

عشرة دراهم، و من عشرين دينارا دينارا، و يأخذ من ستّ و ثلاثين بنتي لبون، فإن لم تكن، فبنتي مخاض، و مع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهما. و لا يضعّف الجبران ثانيا. و الإمام أيضا يعطي الجبران.

و هل يحطّ عنهم الوقص ؟ فيه ثلاثة أوجه له: أحدها: لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاة شاة، و من مائة درهم خمسة. و الثاني: يحطّ. و الثالث:

لا يحطّ إلاّ إذا أدّي إلي التجزئة، فيأخذ من سبع [1] من الإبل و نصف ثلاث شياه.

ثمّ علي الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة، فإن لم يف بمال الجزية إذا قوبل بعدد رءوسهم، زاد إلي ثلاثة أضعاف و زيادة، و له أن يقنع بنصف الصدقة [و] [2] إن كان وافيا.

قال الشافعي: و يجوز أخذ العشر من بضاعة تجّار أهل الحرب و تجوز الزيادة إن رأي، و النقصان إلي نصف العشر عن الميرة ترغيبا لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. و هل يجوز حطّ أصله ؟ خلاف.

و أمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن يتّجر في الحجاز، ففيه خلاف.

و لا يؤخذ العشر في السنة أكثر من مرّة، و إنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط، فلو دخل بأمان من غير شرط، فأصحّ الوجهين أنّه لا شيء عليهم.

ص: 311

و أمّا الخراج فإنّما يكون إذا قرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج، و يسقط بالإسلام، فإن ملّكناها عليهم و رددناها بخراج، فذلك اجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق(1).

مسألة 183: إذا مات الذمّي بعد الحول، لم تسقط عنه الجزية،

و أخذت من تركته - و به قال الشافعي و مالك(2) - لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته، فلا يسقط بالموت، كسائر الديون.

و قال أبو حنيفة: تسقط - و هو قول عمر بن عبد العزيز، و عن أحمد روايتان - لأنّها عقوبة، فسقطت بالموت(3).

و نمنع أنّها عقوبة و إن استلزمتها، بل معاوضة، لأنّها وجبت لحقن الدماء و المساكنة، و الحدّ يسقط بالموت، لفوات محلّه و تعذّر استيفائه، بخلاف الجزية.

و لو مات في أثناء الحول، ففي مطالبته بالقسط نظر أقربه: المطالبة - و به قال ابن الجنيد - لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة، و إنّما أخّرنا المطالبة إرفاقا، و لو لم يمت لم يطالب في أثناء السنة مع عقد العهد علي أخذها في آخر السنة، عملا بالشرط.

ص: 312


1- الوجيز 200:2-201.
2- الحاوي الكبير 312:14، حلية العلماء 702:7-703، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11 و 522، المهذّب - للشيرازي - 252:2، روضة الطالبين 501:7، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، المغني 10: 580، الشرح الكبير 597:10.
3- تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، حلية العلماء 703:7، الحاوي الكبير 312:14، العزيز شرح الوجيز 521:11، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 174:4.

و تقدّم الجزية علي وصاياه. و الوجه: مساواتها للدّين، فتقسّط التركة عليهما مع القصور.

و لو لم يخلّف شيئا، لم يطالب ورثته بشيء.

و لو مات قبل الحول، لم يؤخذ من تركته شيء أيضا.

و لو أفلس، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

و لو مات الذمّيّ و قد استسلف منه عن السنة المقبلة، ردّ علي ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة 184: لو أسلم الذميّ في أثناء الحول، سقطت الجزية إجماعا منّا.

و إن أسلم بعد الحول، قال الشيخان و ابن إدريس: تسقط(1) - و به قال مالك و الثوري و أبو عبيد و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لقوله تعالي حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (3) أوجب الأخذ حالة الصّغار، و لا يتحقّق في حقّ المسلم، فلا تثبت الجزية أيضا.

و لقوله تعالي قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (4) و هو عامّ.

ص: 313


1- المقنعة: 279، النهاية: 193، المبسوط - للطوسي - 42:2، السرائر: 110.
2- مقدمات - لابن رشد -: 284، التفريع 363:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 174، الكافي في فقه أهل المدينة: 217، المغني 578:10، الشرح الكبير 10: 596، المحرّر في الفقه 184:2، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 7: 112، الهداية - للمرغيناني - 161:2، حلية العلماء 703:7، العزيز شرح الوجيز 521:11.
3- التوبة: 29.
4- الأنفال: 38.

و قوله عليه السّلام: «ليس علي المسلم جزية»(1).

و أسلم ذمّيّ فطولب بالجزية و قيل له: إنّما أسلمت تعوّذا، قال: إنّ في الإسلام معاذا، فرفع إلي عمر، فقال عمر: إنّ في الإسلام معاذا، و كتب أن لا تؤخذ منه الجزية(2).

و لأن الجزية صغار، فلا تؤخذ، كما لو أسلم قبل الحول.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر: لا تسقط(3) ، و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر، لأنّها دين مستحقّ و استحقّت المطالبة به، فلا يسقط بالإسلام، كالخراج و الدين(4).

و الفرق: أنّها عقوبة بسبب الكفر و صغار، بخلاف الدّين.

و لا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

و فرّق الشيخ رحمه اللّه، فأوجب الجزية علي التقدير الأوّل دون الثاني، كما لو زني ذمّيّ بمسلمة، لا يسقط عنه القتل بإسلامه(5).

و لو أسلم في أثناء الحول، سقطت عنه الجزية، و هو أحد قولي4.

ص: 314


1- سنن أبي داود 171:3-3053، سنن الدار قطني 156:4 و 157-6 و 7، المصنّف - لابن أبي شيبة - 197:3، مسند أحمد 368:1-1950.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 52-122، المغني 579:10، الشرح الكبير 10: 597.
3- الخلاف 547:5، المسألة 11.
4- المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، حلية العلماء 702:7، الحاوي الكبير 315:14، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 145، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، روضة الطالبين 501:7، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، المغني 578:10، الشرح الكبير 596:10.
5- التهذيب 135:4.

الشافعي(1). و الثاني: يؤخذ منه القسط(2).

و لو استسلف منه [الجزية] [1] ثمّ أسلم في أثناء الحول، ردّ عليه قسط باقي الحول.

و هل يردّ لما مضي ؟ الأقرب: عدمه.

و الفرق بين أن يأخذ منه و أن لا يأخذ ظاهر، لتحقّق الصّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث: فيما يشترط علي أهل الذمّة
مسألة 185: لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلاّ بشرطين:

التزام إعطاء الجزية في كلّ حول، و التزام أحكام الإسلام بمعني وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقّ أو ترك محرّم.

و عقد الذمّة و الهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعا.

و لو شرط عليهم في الذمّة [شرطا] [2] فاسدا، مثل أن لا جزية عليهم، و أن يظهروا المناكير، أو أن يسكنوا الحجاز، أو يدخلوا الحرم أو المساجد، أو

ص: 315


1- المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، الحاوي الكبير 315:14، روضة الطالبين 501:7، معالم السنن - للخطابي - 255:4.
2- مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 313:14 و 315، المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، العزيز شرح الوجيز 521:11، روضة الطالبين 7: 501، المغني 578:10، الشرح الكبير 596:10.

عدم الالتزام بأحكام الإسلام، لم يصحّ الشرط إجماعا. و الأقرب: فساد العقد أيضا.

و ينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين و رفعتهم.

قال ابن الجنيد: اختار أن يشترط عليهم أن لا يظهروا سبّا لنبيّنا عليه السّلام، و لا لأحد من الأنبياء و الملائكة، و لا سبّ أحد من المسلمين، و لا يطعنوا في شيء من الشرائع، و لا يظهروا شركهم في عيسي و العزير، و لا يرعون خنزيرا في شيء من أمصار الإسلام، و لا يمثلوا ببهيمة و لا يذبحوها إلاّ من حيث نصّ لهم في كتبهم علي مذبحها، و لا يقرّبوها لصنم و لا لشيء من المخلوقات، و لا يربوا [1] مسلما، و لا يعاملوه في بيع و لا إجارة و لا مساقاة و لا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين، و لا يسقوا مسلما خمرا، و لا يعطوه محرّما، و لا يقاتلوا مسلما، و لا يعاونوا باغيا، و لا ينقلوا أخبار المسلمين إلي أعدائهم، و لا يدلّوا علي عوراتهم، و لا يحيوا من بلاد المسلمين [2] شيئا إلاّ بإذن و إليهم، فإن فعلوا، كان للوالي إخراجه من أيديهم، و لا ينكحوا مسلمة بعقد و لا غيره، و يشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله، كدخول الحرم، و سكني الحجاز، و غيرهما، يقال [3]: فمن فعل شيئا من ذلك فقد نقض عهده، و أحلّ دمه و ماله، و برئت منه ذمّة اللّه و ذمّة رسوله [4] و المؤمنين.

مسألة 186: جملة ما يشترط علي أهل الذمّة ينقسم ستّة:
اشارة

ص: 316

الأوّل: ما يجب شرطه، و لا يجوز تركه،

و هو أمران: أحدهما:

شرط الجزية عليهم، و ثانيهما: التزام أحكام الإسلام، و لا بدّ منهما معا لفظا و نطقا، و لا يجوز الإخلال بهما و لا بأحدهما، فإن أغفل أحدهما، لم تنعقد الجزية، لقوله تعالي حَتّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (1) و الصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لو منع [1] الرجال و أبوا أن يؤدّوا الجزية، كانوا ناقضين للعهد، و حلّت دماؤهم و قتلهم»(2).

الثاني: ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه،

و هو: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم علي حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة علي حرب المسلمين، لأنّهم إذا قاتلونا، وجب علينا قتالهم، و هو ضدّ الأمان.

و هذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث: ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ،

و هو سبعة: ترك الزنا بالمسلمة و عدم إصابتها باسم النكاح، و أن لا يفتنوا مسلما عن دينه، و لا يقطع عليه الطريق، و لا يؤوي عين المشركين، و لا يعين علي المسلمين بدلالة أو بكتابة كتاب إلي أهل الحرب بأخبار المسلمين و يطلعهم علي عوراتهم، و لا يقتلوا مسلما و لا مسلمة، فإن فعلوا شيئا من ذلك و كان تركه شرطا في العقد، نقضوا العهد، و إلاّ فلا.

ص: 317


1- التوبة: 29.
2- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّا، حدّهم الإمام، و إن لم يوجبه، عزرهم بحسب ما يراه.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يكون نقضا للعهد مع الشرط، لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضا للعهد [1] إذا لم يشترط [2] لم يكن نقضا و إن اشترط [3]، كإظهار الخمر و الخنزير(1).

و نمنع الكلّية و ثبوت الحكم في الأصل.

و قال أبو حنيفة: لا ينتقض العهد إلاّ بالامتناع من الإمام علي وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الأمان وقع علي هذا الشرط، فيبطل ببطلانه.

و لأنّ عمر رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة علي الزنا، فقال: ما علي هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس(3).

الرابع: ما فيه غضاضة علي المسلمين،

و هو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ للّه تعالي أو رسوله، وجب قتلهم، و كان نقضا للعهد.

و إن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب اللّه تعالي بما

ص: 318


1- المهذّب - للشيرازي - 258:2، التنبيه: 239، الوسيط 85:7، حلية العلماء 711:7، الحاوي الكبير 317:14-318، العزيز شرح الوجيز 547:11، روضة الطالبين 516:7.
2- المغني 598:10، الشرح الكبير 623:10.
3- المغني 599:10، الشرح الكبير 623:10.

لا ينبغي، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك، كان نقضا للعهد، و إلاّ فلا.

و قال بعض الشافعيّة: يجب شرط ذلك، فإن أهمل، فسد عقد الذمّة، لأنّه ممّا يقتضيه الصّغار(1).

الخامس: ما يتضمّن المنكر و لا ضرر فيه علي المسلمين،

و هو: أن لا يحدثوا كنيسة و لا بيعة في دار الإسلام، و لا يرفعوا أصواتهم بكتبهم، و لا يضربوا الناقوس، و لا يطيلوا أبنيتهم علي بناء المسلمين، و لا يظهروا خمرا و لا خنزيرا في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه، سواء شرط عليهم أو لا، فإن خالفوا و كان مشروطا عليهم، انتقض أمانهم، و إلاّ فلا، بل يجب الحدّ أو التعزير، لما رواه العامّة عن عمر، قال: من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قبل الجزية من أهل الجزية [1] علي أن لا يأكلوا الربا، و لا يأكلوا لحم الخنزير، و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه و ذمّة رسوله(3) صلّي اللّه عليه و آله، و قال: ليست لهم اليوم ذمّة»(4).

و لأنّه عقد منوط بشرط، فمتي لم يوجد الشرط زال حكم العقد، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

ص: 319


1- انظر: المهذّب - للشيرازي - 258:2، و حلية العلماء 712:7.
2- المغني 597:10، الشرح الكبير 623:10.
3- في التهذيب و الطبعة الحجريّة: رسول اللّه.
4- الفقيه 27:2-97، التهذيب 158:6-284.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يكون نقضا للعهد و إن شرط عليهم(1). و به قال الشافعي(2).

قال بعض أصحابه: إنّما لا يكون نقضا، لأنّه لا ضرر علي المسلمين فيه(3).

و قال آخرون: لا يكون نقضا، لأنّهم يتديّنون به(4).

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّه ينتقض عهدهم فأوّل ما يعمل أنّه يستوفي منهم موجب الجرم، ثمّ بعد ذلك يتخيّر الإمام بين القتل و الاسترقاق و المنّ و الفداء.

و يجوز له أن يردّهم إلي مأمنهم في دار الحرب و يكونوا حربا لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحا للمسلمين، قاله الشيخ(5) رحمه اللّه.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يردّ إلي مأمنه، لأنّه دخل دار الإسلام بأمان، فوجب ردّه، كما لو دخل بأمان صبي.

و الثاني: يكون للإمام قتله و استرقاقه، لأنّه كافر لا أمان له، فأشبه الحربيّ المتلصّص(6). و هو الأقرب عندي، لأنّه فعل ما ينافي الأمان، بخلاف من أمّنه صبي، فإنّه يعتقده أمانا.7.

ص: 320


1- المبسوط - للطوسي - 44:2.
2- المهذب - للشيرازي - 258:2، روضة الطالبين 515:7، منهاج الطالبين: 314، العزيز شرح الوجيز 545:11.
3- المهذّب - للشيرازي - 258:2، العزيز شرح الوجيز 545:11.
4- المهذّب - للشيرازي - 258:2، العزيز شرح الوجيز 545:11.
5- المبسوط - للطوسي - 44:2.
6- المهذّب - للشيرازي - 258:2، حلية العلماء 712:7-713، العزيز شرح الوجيز 549:11-550، روضة الطالبين 517:7.
السادس: التميز عن المسلمين.

و ينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الذمّة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء: في لباسهم، و شعورهم، و ركوبهم، و كناهم.

أمّا اللباس: فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب، فعادة اليهود:

العسلي، و عادة النصاري: الأدكن، و المجوس: الأسود. و يكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع. و يأخذهم بشدّ الزنّار في وسط النصراني فوق الثياب، و اليهودي بوضع [1] خرقة فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون. و يجوز أن يلبسوا العمائم و الطيلسان، فإن لبسوا قلانس [2]، شدّوا في رأسها علما ليخالف قلانس القضاة، و يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب و فضّة، أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. و كذا يأمر نساءهم بلبس شيء يفرق بينهنّ و بين المسلمات من شدّ الزنّار تحت الإزار. و يختم في رقبتهنّ. و يغيّروا أحد الخفّين، فيكون أحدهما أحمر و الآخر أبيض. و لا يمنعون من لبس فاخر الثياب.

و أمّا الشعور: فلا يفرّقون شعورهم، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله فرّق شعره(1).

و يحذفون مقاديم رءوسهم، و يجزّون شعورهم.

و أمّا الركوب: فلا يركبون الخيل، لأنّه عزّ. و يركبون ما عداها بغير

ص: 321


1- صحيح مسلم 1817:4-1818-2336، سنن النسائي 184:8، الموطأ 2: 948-3.

سرج. و يركبون عرضا، رجلاه إلي جانب و ظهره إلي آخر. و يمنعون تقليد السيوف و حمل السلاح و اتّخاذه.

و أمّا الكني: فلا يتكنّوا بكني المسلمين، كأبي القاسم، و أبي عبد اللّه، و أبي محمد، و أبي الحسن، و شبهها. و لا يمنعون من جميع الكني، فإنّ [1] النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لأسقف نجران: «أسلم أبا الحارث»(1).

مسألة 187: من انتقض أمانه،

يتخيّر الإمام فيه بين المنّ و القتل و الاسترقاق و الفداء علي ما بيّنّاه. فإن أسلم قبل اختيار الإمام، سقط ذلك كلّه إلاّ ما يوجب حدّا أو قودا أو استعادة مال.

قال الشيخ رحمه اللّه: فإنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ(2) ، لأنّه حقّ ثبت في ذمّته فلا يسقط بإسلامه، كالدّين.

و لو أسلم بعد استرقاقه، لم ينفعه في ترك الاسترقاق، و كذا المفاداة.

و أمّا المستأمن - و هو المعاهد في عرف الفقهاء - فهو الذي له أمان بغير ذمّة، فللإمام أن يؤمنه دون الحول بعوض و غيره. و لو أراد إقامة حول، وجب العوض.

فإذا عقد له الأمان، فإن خاف منه الإمام الخيانة بإيواء عين المشركين و شبهه، نبذ الإمام إليه الأمان، و يردّه إلي دار الحرب، لقوله تعالي وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلي سَواءٍ (3) بخلاف أهل الذمّة، فإنّه لا تنقض ذمّتهم بخوف الخيانة، لالتزامهم بأحكام الإسلام من الحدود

ص: 322


1- المصنّف - لعبد الرزّاق - 316:10-19220، المغني 610:10، الشرح الكبير 606:10.
2- المبسوط - للطوسي - 44:2.
3- الأنفال: 58.

و غيرها، فيكون ذلك مانعا لهم عن الخيانة و المعاهدون لا يلزمهم حدّ و لا عقوبة، فلا زاجر لهم عن الخيانة، فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف الخيانة.

و ينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم و أسماء آبائهم و عددهم و حليتهم، و يعرّف علي كلّ عشرة منهم عريفا ليحفظ من يدخل فيهم و يخرج عنهم كأن يبلغ صغير أو يفيق مجنون أو يقدم غائب أو يسلم واحد أو يموت، و يجبي جزيتهم. و إن تولاّه بنفسه، جاز.

مسألة 188: لا يجوز أخذ الجزية ممّا لا يسوغ للمسلمين تملّكه،

كالخمر و الخنزير إجماعا. نعم، يجوز أخذها من ثمن ذلك، فلو باع ذمّيّ خمرا أو خنزيرا [1] علي ذمّيّ و قبض الثمن، جاز أخذه من الجزية، لأنّا عقدنا الذمّة علي تديّنهم بدينهم.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن صدقات أهل الذمّة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و لحم خنازيرهم و ميتتهم، قال: «عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر، و كلّما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم، و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم»(1).

و إذا عقد لهم الذمّة، عصموا أنفسهم و أموالهم و أولادهم الأصاغر من القتل و الصبي و النهب ما داموا علي الذمّة، و لا يتعرّض لكنائسهم و خمورهم و خنازيرهم ما لم يظهروها.

ص: 323


1- الكافي 568:3-5، الفقيه 28:2-100، التهذيب 113:4-114-333 بتفاوت يسير.

و لو ترافعوا إلينا في خصوماتهم، تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضي شرع الإسلام و بين ردّهم إلي حاكمهم.

و من أراق من المسلمين لهم خمرا أو قتل خنزيرا، فإن كان مع تظاهرهم، فلا شيء عليه، و إلاّ وجب عليه قيمته عند مستحليه.

و إذا مات الإمام و قد ضرب لما قرّره من الجزية أمدا معيّنا أو اشترط الدوام، وجب علي القائم بعده إمضاء ذلك إجماعا، لأنّ الإمام معصوم. أمّا نائبه: فلو قرّرهم ثمّ مات المنوب فإن كان ما قرّره صوابا، وجب اتّباعه، و إلاّ فسخ.

إذا ثبت هذا، فإنّ الثاني ينظر في عقدهم، فإن كان صحيحا، أقرّهم عليه، لأنّه مؤبّد. و إن كان فاسدا، غيّره إلي الصحّة، لأنّه منصوب لمصالح المسلمين.

ثمّ إن كان ما عقده الأوّل ظاهرا معلوما، اتّبع، و إن لم يكن معلوما و شهد عدلان به، عمل عليه، و لا تقبل شهادة بعضهم علي بعض.

فإن اعترفوا بالجزية و كانت دون الواجب، لم يلتفت إليهم، و طالبهم بالواجب، فإن بذلوه، و إلاّ ردّهم إلي مأمنهم. و إن اعترفوا بالواجب، أقرّهم عليه. و إن اتّهمهم في الزائد، حلّفهم.

و لو قيل باستئناف العقد معهم، لأنّ عقد الأوّل لم يثبت عنده، كان حسنا.

مسألة 189: قد بيّنّا أنّ أقلّ الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره اثنا عشر درهما نقرة مسكوكة أو مثقال.

و الدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم.

و للإمام أن يماكس بالزيادة ما شاء. و لو لم يبذل إلاّ الدينار، وجب

ص: 324

القبول. و لو بذل الزيادة ثمّ علم عدم الوجوب، لم ينفعه، كالشراء بالعين، إلاّ أن ينبذ العهد ثمّ يرجع إلي بذل دينار.

و قيل: ينفع، كما يجوز ابتداء العقد به(1).

و قال بعض الشافعيّة: الأصل في الجزية الدينار، و لا يقبل الدراهم إلاّ بالسعر و القيمة، كما يجعل أصل نصاب الفضّة ربع دينار، و تقوّم النقرة بالذهب كالسّلع، و لا يجب علي الإمام أن يخبرهم عن أقلّ ما يجب عليهم(2).

و علي القول بعدم قبول الدينار لو التزموا بالزيادة أوّلا مع جهلهم بعدم اللزوم يكونون ناقضين للعهد عند بعض الشافعيّة(3) ، كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية. و حينئذ يبلغون المأمن أو يقتلون ؟ للشافعي قولان(4).

فإن قلنا: يبلغون، فعادوا فطلبوا العهد [1] بدينار، أجيبوا إليه.

ثمّ إن كان النبذ بعد مضي سنة، لزمه ما التزمه بتمامه. و إن كان في أثناء السنة، لزمه لما مضي قسطه ممّا التزم.

و إذا ضرب علي الفقير دينارا، و علي المتوسّط دينارين، و علي الغني أربعة، كان الاعتبار في هذه الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد.

و لو قال بعضهم: أنا فقير أو متوسّط، قبل قوله إلاّ أن تكذّبه البيّنة.

مسألة 190: إذا شرطت الضيافة عليهم ثمّ رأي الإمام نقلها

إلي

ص: 325


1- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.
2- العزيز شرح الوجيز 519:11، روضة الطالبين 500:7.
3- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.
4- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.

الدنانير، لم يجز إلاّ برضاهم، لأنّ الضيافة قد تكون أهون عليهم. و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: يجوز، لأنّ الأصل الدنانير(2).

فعليه إذا ردّت إلي الدنانير، فهل تكون في المصالح العامّة أو تختصّ بأهل الفيء؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الثاني، لأنّ القياس في الضيافة الاختصاص أيضا إلاّ أنّ الحاجة اقتضت التعميم، فإذا ردّت إلي الأصل، ثبت الاختصاص، كما في الدينار المضروب ابتداء(3).

و إنّما تشترط الضيافة علي الغني و المتوسّط، دون الفقير - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه قد يتعسّر القيام بها. و الثاني: يجوز كالجزية(5).

و علي القول بأنّ الضيافة من الجزية يجوز اشتراطها عليه لكن لا يزاد علي دينار.

و لو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام، لم يلزم. نعم، له أن يأخذ الطعام و يذهب به و لا يأكل عندهم، بخلاف طعام الوليمة، فإنّه لا يجوز إخراجه، لأنّ تلك معاوضة و الوليمة تكرمة.

و لا يطالبهم بطعام الثلاثة في اليوم الأوّل. و لو لم يأتوا بطعام اليوم فللضيف المطالبة به من الغد إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار.

و لا يلزمهم اجرة الطبيب و الحمّام و ثمن الدواء.

و لو تنازعوا في إنزال الضيف، فالخيار له. و لو تزاحم الضيفان علي واحد7.

ص: 326


1- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 7: 502.
2- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 7: 502.
3- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.
4- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.
5- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.

من أهل الذمّة، فالخيار للذمّي. و ليكن للضيفان عريف [1] يرتّب أمورهم.

و إذا دفع الذمّيّ الجزية، أخرج يده من جيبه و حني ظهره و طأطأ رأسه و صبّ ما معه في كفّة الميزان، و يأخذ المستوفي بلحيته، و يضرب في لهزمتيه. و اللّهزمتان في اللّحيين: مجتمع اللحم بين الماضغ و الاذن. و يكفي الضرب في أحد الجانبين و لا يراعي الجمع بينهما بالهيئة المذكورة.

و هل هي واجبة أو مستحبّة ؟ وجهان(1). و ينبني عليهما جواز أن يوكّل الذمّي مسلما بأداء الجزية، و أن يضمن مسلم عن ذمّي، و أن يحيل الذمّيّ علي مسلم.

و لو وكّل الذمّيّ ذمّيّا بالأداء، قال الجويني: الوجه طرد الخلاف، لأنّ كلّ واحد منهم يثبت معني الصّغار في نفسه(2).

و لو وكّل مسلما بعقد الذمّة، جاز، فإنّ الصّغار يثبت عند الأداء دون العقد.

مسألة 191: قد بيّنّا الخلاف فيما لو امتنع قوم من أهل ذمّة الكتاب من أداء الجزية باسمها و بدّلوا أداءها باسم الصدقة،

فقال الشافعي و أبو حنيفة:

يجوز(3). و قال مالك: لا يجوز(4).

و هل تسقط عنهم الإهانة حينئذ؟ منع بعضهم منه(5).

ص: 327


1- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 527:11، و روضة الطالبين 504:7.
2- العزيز شرح الوجيز 527:11، روضة الطالبين 504:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 11: 528، روضة الطالبين 505:7، المغني 581:10-582، الشرح الكبير 582:10.
4- انظر: العزيز شرح الوجيز 528:11.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 528:11.

و لا فرق في جواز التبديل بين العرب و العجم، فإنّ الحاجة و اقتضاء الصدقة [1] لا يختلف.

و عند الشافعي لا تؤخذ من مال الصبيان و المجانين و النساء، لأنّها جزية في الحقيقة(1) و قال أبو حنيفة: يجوز أخذها من النساء(2).

و ينظر الإمام في تضعيف الصدقة، فإن نقص عن الجزية، زاد إلي ثلاثة أضعاف و أكثر.

و لو كثروا و عسر العدد ليعلم الوفاء، ففي جواز الأخذ بغالب الظنّ وجهان، و الظاهر عند الشافعي المنع، و أنّه لا بدّ و أن يتحقّق أخذ دينار من كلّ رأس(3).

و يجوز الاقتصار علي تضعيف الصدقة إذا حصل الوفاء.

و لو شرط [2] ضعف الصدقة و زاد علي دينار عن كلّ واحد ثمّ سألوا إسقاط الزيادة و إعادة اسم الجزية، أجيبوا إليه، لأنّ الزيادة أثبتت لتغيّر.

الاسم.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّهم لا يجابون إليه(4).7.

ص: 328


1- الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، روضة الطالبين 7: 505، المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10.
2- الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، المغني و الشرح الكبير 582:10.
3- العزيز شرح الوجيز 529:11، روضة الطالبين 505:7.
4- الحاوي الكبير 348:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، و انظر: روضة الطالبين 506:7.

و من ملك مائتين من الإبل، أخذ منه [1] ثمان حقاق أو عشر بنات لبون.

و لا يفرق بأخذ أربع حقاق و خمس بنات لبون، كما لا يفرق في الصدقة عند الشافعي(1).

و يأخذ من ستّين من البقر أربع تبيعات لا ثلاث مسنّات، و لا يجعل كأنّه ملك مائة و عشرين من البقر، كما لا يجعل في مائتين من الإبل كأنّه ملك أربعمائة حتي يجوز التفريق بأخذ أربع حقاق و خمس بنات لبون.

و في تضعيف الجبران عنده وجهان:

أحدهما: يضعّف، فيؤخذ مع [كل بنت مخاض أربع شياه أو أربعون] [2] درهما، لأنّه بعض الصدقة الموجودة.

و أصحّهما: المنع، لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضّعف، فيؤخذ مع [كل] [3] بنت مخاض شاتان أو عشرون درهما(2).

و لو لم يوجد في مال صاحب ستّ و ثلاثين بنت لبون، أخذ الإمام حقّتين و يردّ جبرانين.

و لا خلاف بينهم في أنّ الجبران لا يضعّف هنا، و يخرج الإمام الجبران1.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
2- العزيز شرح الوجيز 530:11.

من الفيء، كما إذا أخذه، ردّه إلي الفيء(1).

و هل يؤخذ من بعض النصاب قسطه من واجب تمام النصاب، كشاة من عشرين شاة و نصف شاة من عشر؟ فيه للشافعي قولان:

أحدهما: نعم، قضيّة للتضعيف.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّ الأثر عن عمر ورد في تضعيف ما يجب علي المسلم لا في إيجاب ما لا يجب فيه شيء علي المسلم(2).

مسألة 192: إذا استأذن الحربيّ في دخول دار الإسلام،

إذن له الإمام إن كان يدخل للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه.

و لا يجوز توظيف مال علي الرسول و المستجير لسماع كلام اللّه تعالي، فإنّ لهما الدخول من غير إذن.

و إن كان يدخل لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها، فيجوز أن يأذن له، و يشترط عليه عشر ما معه من مال التجارة، لأنّه لمّا ارتفق بالتجارة جعل عليه في مقابلة إرفاقه شيء.

و إنّما يؤخذ العشر من مال التجارة، و لا يعشّر ما معه من ثوب و مركوب.

و للشافعيّة وجهان في أنّه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط علي العشر؟ أصحّهما عندهم: الجواز.

و كذا يجوز نقصها، فيردّ العشر إلي نصف العشر فما دون خصوصا فيما تكثر حاجة المسلمين إليه، كالميرة(3).

و لو رأي أن يأذن لهم و يرفع الضريبة أصلا، ففي جوازه وجهان:

ص: 330


1- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
2- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
3- الوسيط 76:7، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7.

أحدهما: المنع، لئلا يتردّدوا و يرتفقوا بدار الإسلام من غير مال.

و أظهرهما: الجواز لدعاء الحاجة إليه(1).

ثمّ إن شرط الأخذ من تجارة الكافر، أخذ، سواء باع ماله أو لا. و إن شرط الأخذ من الثمن، فلا يؤخذ ما لم يبع.

و أمّا الذمّيّ فله أن يتّجر فيما سوي الحجاز من بلاد الإسلام، و لا يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن يشترط عليه مع الجزية.

ثمّ الذمّيّ في بلد الحجاز كالحربيّ في بلد الإسلام - و لا يؤخذ منهما في كلّ حول إلاّ مرّة واحدة - إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجرا. و يكتب له و للذمّيّ براءة حتي لا يطالب في بلد آخر قبل مضيّ الحول.

و لو رجع الحربيّ إلي دار الحرب ثمّ عاد في الحول، فوجهان:

أحدهما: أنّه يؤخذ في كلّ مرّة، لئلاّ يرتفق بدار الإسلام بلا عوض، بخلاف الذمّيّ، فإنّه في قبضة الإمام.

و الثاني: أنّه لا يؤخذ إلاّ مرّة، لأنّ الضريبة كالجزية(2).

و يتخيّر الإمام فيما يضرب بين أن يستوفيها دفعة واحدة و بين أن يستوفيها في دفعات.

و ما ذكرناه من أخذ المال من تجارة الحربيّ أو الذمّيّ [فيما] [1] إذا شرط عليه ذلك، فأمّا إذا أذن للحربيّ في دخول دار الإسلام أو الذمّيّ في دخول الحجاز بلا شرط، فوجهان:

أحدهما: يؤخذ، حملا للمطلق علي المعهود.7.

ص: 331


1- الوسيط 77:7، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7.
2- العزيز شرح الوجيز 533:11، روضة الطالبين 507:7.

و الثاني: المنع، لأنّهم لم يلتزموا(1).

و قال أبو حنيفة: إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجّارا، أخذ منهم مثل ما يأخذون و إن لم يشترط، و إلاّ فلا يؤخذ منهم(2).

و اعترض عليه بأنّه مجازاة غير الظالم. و لأنّه لو وجب أن نتابعهم في فعلهم، لوجب أن نقتل من أمّنّاه إذا قتلوا من أمّنوه(3).

مسألة 193: إذا صالحنا طائفة من الكفّار علي أن تكون أراضيهم لهم

و يؤدّون خراجا عن كلّ جريب في كلّ سنة شيئا، جاز، و يطرد ملكهم.

قال الشافعي: و المأخوذ جزية مصرفه مصرف الفيء، و التوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية(4).

و يشترط أن يكون ما يخصّ كلّ واحد من أهل الجزية قدر دينار إذا وزّع علي عدد رءوسهم، و يلزمهم ذلك، زرعوا أو لا.

و لا يؤخذ من أراضي الصبيان و المجانين و النساء.

و لهم بيع تلك الأراضي وهبتها و إجارتها.

و لو استأجر مسلم، فالأجرة للكافر، و الخراج عليه.

و لو باعها من مسلم، انتقل الواجب إلي رقبة البائع، و لا خراج علي المشتري.

ص: 332


1- الوسيط 76:7، العزيز شرح الوجيز 533:11، روضة الطالبين 507:7، حلية العلماء 715:7.
2- العزيز شرح الوجيز 533:11، حلية العلماء 716:7، المغني 592:10، الشرح الكبير 616:10.
3- حكي الرافعي الاعتراض عن الشافعيّة في العزيز شرح الوجيز 533:11.
4- الوسيط 77:7، العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.

و عند أبي حنيفة يلزمه الخراج(1).

و قال مالك: لا يصحّ بيعها من مسلم(2).

و لو أسلموا بعد الصلح، سقط عنهم الخراج - خلافا لأبي حنيفة(3) - و عليهم أن يؤدّوا عن الموات الذي يمنعوننا عنه دون ما لا يمنعون عنه.

و لو أحيوا منه شيئا بعد الصلح، لم يلزمهم شيء لما أحيوا إلاّ إذا شرط عليهم أن يؤدّوا عمّا يحيونه.

و لو صالحناهم علي أن تكون الأراضي لنا و هم يسكنونها و يؤدّون عن كلّ جريب كذا، فهذا عقد إجارة، و المأخوذ أجرة، فتجب معها الجزية، و لا يشترط أن تبلغ دينارا عن كلّ رأس. و تؤخذ من أراضي النساء و الصبيان و المجانين. و يوكّل المسلم في أدائها. و ليس لهم بيع تلك الأراضي وهبتها، و لهم إجارتها، فإنّ المستأجر يؤجر.

البحث الرابع: في بقايا أحكام المساكن و الأبنية و المساجد.
مسألة 194: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للحربيّ دخول دار الإسلام إلاّ بإذن الإمام

خوفا من تضرّر المسلمين بالتجسيس و شراء سلاح و غير ذلك، فإذا أذن لمصلحة كأداء رسالة و تجارة، جاز بعوض و غيره.

فإن دخل بغير أمان، فقال: أتيت لرسالة، قبل قوله، لتعذّر إقامة البيّنة عليه.

ص: 333


1- الهداية - للمرغيناني - 158:2، العزيز شرح الوجيز 534:11.
2- حلية العلماء 730:7، العزيز شرح الوجيز 534:11.
3- الوسيط 78:7، الحاوي الكبير 370:14، العزيز شرح الوجيز 534:11.

و لو قال: أمّنني مسلم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقبل إلاّ ببيّنة، لإمكان إقامتها(1).

و قال بعض الشافعيّة: يقبل، كما لو قال: لرسالة(2).

و الفرق: إمكان إقامة البيّنة علي الثاني دون الأوّل.

و لو دخل و لم يدّع شيئا، كان للإمام قتله و استرقاقه و أخذ ماله، لأنّه حربيّ دخل دارنا بغير أمان و لا عهد، بخلاف الذمّي إذا دخل الحجاز بغير إذن، لأنّ الذمّيّ محقون الدم، فيستصحب الحكم فيه، بخلاف الحربيّ.

مسألة 195: لا يجوز لكافر حربيّ أو ذمّيّ سكني الحجاز إجماعا،

لقول ابن عباس: أوصي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بثلاثة أشياء، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» (قال:

و سكت عن الثالث) [1].

و قال عليه السّلام: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»(3).

و المراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار الحجاز خاصّة، و نعني بالحجاز مكّة و المدينة و خيبر و اليمامة و ينبع و فدك و مخاليفها [2].

و سمّي حجازا، لأنّه حجز بين نجد و تهامة.

ص: 334


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- الحاوي الكبير 340:14، حلية العلماء 715:7، العزيز شرح الوجيز 11: 496، روضة الطالبين 489:7.
3- الموطّأ 892:2-18، سنن البيهقي 208:9، المغني 603:10، الشرح الكبير 612:10.

و جزيرة العرب ما بين عدن إلي ريف العراق طولا، و من جدّة و السواحل إلي أطراف الشام عرضا، قاله الأصمعي و أبو عبيد(1).

و قال أبو عبيدة: هي من حفر أبي موسي [1] إلي اليمن طولا، و من رمل «يبرين» [2] إلي منقطع السماوة عرضا(2).

قال [3] الخليل: إنّما قيل لها جزيرة العرب، لأنّ بحر الحبش و بحر فارس و الفرات أحاطت بها، و نسبت إلي العرب، لأنّها أرضها و مسكنها و معدنها(3).

و إنّما قلنا: إنّ المراد بجزيرة العرب الحجاز خاصّة، لأنّه لولاه لوجب إخراج أهل الذمّة من اليمن، و ليس واجبا، و لم يخرجهم عمر من اليمن و هي من جزيرة العرب، و إنّما أوصي النبي عليه السّلام بإخراج أهل نجران من جزيرة العرب(4) ، لأنّه عليه السّلام صالحهم علي ترك الربا، فنقضوا العهد(5).1.

ص: 335


1- غريب الحديث - للهروي - 67:6 «جزر»، سنن البيهقي 209:9، الحاوي الكبير 337:14، العزيز شرح الوجيز 512:11، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
2- غريب الحديث - للهروي - 67:2، سنن البيهقي 208:9-209، الحاوي الكبير 337:14، العزيز شرح الوجيز 512:11، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
3- العين 62:6 «جزر»، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
4- سنن البيهقي 208:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 345:12-13037، مسند أحمد 322:1-1701.
5- سنن أبي داود 167:3-168، الحديث 3041 و ذيله، العزيز شرح الوجيز 514:11.

و يجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام، و أن يقيموا ثلاثة أيّام، فيجوز (حينئذ أن ينتقل) [1] إلي غيره من بعض مواضع الحجاز، لأنّه لا مانع منه.

و لو مرض بالحجاز، جازت له الإقامة، لمشقّة الانتقال عليه. و لو مات، دفن فيه.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن و غيره(1).

و لو كان له دين، لم يكن له المقام أكثر من ثلاثة أيّام لاقتضائه، بل يوكّل في قبضه.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يمنعه من ركوب بحر الحجاز، لأنّه ليس بموضع إقامة، و لا له حرمة ببعثة النبي صلّي اللّه عليه و آله منه. و لو كان فيه جزائر و جبال، منعوا من سكناها، و كذا حكم سواحل بحر الحجاز، لأنّها في حكم البلاد(2).

مسألة 196: لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازا و لا استيطانا،

قاله الشيخ(3) رحمه اللّه - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لقوله تعالي فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (5) و المراد به الحرم، لقوله تعالي وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (6) يريد ضررا بتأخّر الجلب عن الحرم، و لقوله تعالي سُبْحانَ الَّذِي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (7).

ص: 336


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- المبسوط - للطوسي - 48:2.
3- المبسوط - للطوسي - 47:2.
4- المهذّب - للشيرازي - 259:2، حلية العلماء 713:7، الحاوي الكبير 14: 334، العزيز شرح الوجيز 515:11، روضة الطالبين 498:7، المغني 10: 605، الشرح الكبير 611:10.
5- التوبة: 28.
6- التوبة: 28.
7- الإسراء: 1.

و قال أبو حنيفة: يجوز [لهم] [1] دخول الحرم و الإقامة فيه مقام المسافر، و لا يستوطنوه، و يجوز لهم دخول الكعبة، لأنّ المنع من الاستيطان لا يمنع الدخول و التصرّف، كالحجاز(1).

و لم نستدلّ نحن بمنع استيطان الحجاز علي المنع من دخول الحرم، بل استدللنا بالآية علي وقوع الفرق، فيبطل القياس.

إذا عرفت هذا، فإن قدم بميرة لأهل الحرم، منع من الدخول، فإن أراد أهل الحرم الشراء منه، خرجوا إلي الحلّ و اشتروا منه.

و لو جاء رسولا، بعث الإمام ثقة يسمع كلامه، و لو امتنع من أداء الرسالة إلاّ مشافهة، خرج إليه الإمام من الحرم لسماع كلامه، فإن دخل بغير إذن عالما، عزّر، لا جاهلا.

فلو [2] مرض في الحرم، نقله منه، و لو مات، لم يدفنه [3] فيه، بخلاف الحجاز.

فإن دفن في الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينبش، و يترك مكانه، لعموم ورود منع النبش(2).

و قال الشافعي: ينبش و يخرج إلي الحلّ إلاّ أن يتقطّع(3).6.

ص: 337


1- حلية العلماء 713:7، الحاوي الكبير 334:14، العزيز شرح الوجيز 11: 517، المغني 605:10-606، الشرح الكبير 611:10.
2- المبسوط - للطوسي - 48:2.
3- العزيز شرح الوجيز 516:11، المهذّب - للشيرازي - 259:2، منهاج الطالبين: 313، روضة الطالبين 498:7، التفسير الكبير 26:16.

و لو صالحهم الإمام علي دخول الحرم بعوض، قال الشيخ: جاز، و وجب عليه دفع العوض. و إن كان خليفة للإمام و وافقه علي عوض فاسد، بطل المسمّي، و له اجرة المثل(1).

و منع الشافعي من ذلك كلّه و أبطل الصلح.

قال: فإن دخلوا إلي الموضع الذي صالحهم عليه، لم يردّ العوض، لأنّه حصل لهم ما صالحهم عليه، و إنّما أوجب ما صالحهم عليه، لأنّه لا يمكنهم الرجوع إلي عوض المثل، فلزمهم المسمّي و إن كان الصلح فاسدا. و لو وصلوا إلي بعض ما صالحهم علي دخوله، أخرجهم، و كان عليهم العوض بقدره(2).

و لو صالح الإمام الرجل أو المرأة علي الدخول إلي الحجاز بعوض، جاز، لأنّ المرأة كالرجل في المنع.

و لو صالح المرأة علي سكني دار الإسلام غير الحجاز بعوض، لم يلزمها ذلك، لأنّ لها المقام فيها بغير عوض، بخلاف الحجاز.

مسألة 197: المسجد الحرام لا يجوز لمشرك ذمّيّ أو حربيّ دخوله إجماعا،

لقوله تعالي فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (3).

و أمّا مساجد الحجاز غير الحرم و سائر المساجد بالبلدان فحكمها واحد، فذهبت الإماميّة إلي منعهم من الدخول فيها بإذن مسلم و بغير إذنه، و لا يحلّ للمسلم الإذن فيه - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(4) - لأنّه

ص: 338


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 259:2، الحاوي الكبير 336:14، العزيز شرح الوجيز 516:11، روضة الطالبين 498:7.
3- التوبة: 28.
4- المغني 608:10، الشرح الكبير 614:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4.

مسجد، فلا يجوز لهم الدخول إليه، كالحرم.

و لقوله عليه السّلام: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [1].

و لأنّ منعهم كان مشهورا.

دخل أبو موسي علي عمر و معه كتاب حساب عمله، فقال عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه، قال: إنّه لا يدخل المسجد، قال: و لم لا يدخل ؟ قال:

لأنّه نصرانيّ، فسكت(1). و هو يدلّ علي شهرته بينهم.

و لعدم انفكاكهم من حدث الجنابة و الحيض و النفاس، و هذه الأحداث تمنع من المقام في المسجد فحدث الشرك أولي. و لأنّهم ليسوا من أهل المساجد. و لأنّ منعهم من الدخول فيه إذلال لهم و قد أمرنا به.

و قال أكثر العامّة: يجوز لهم الدخول بإذن المسلم(2) ، لأنّ النبي عليه السّلام أنزل وفد ثقيف في المسجد(3). و شدّ ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من المسجد(4).

و لو سلّم، لكان في صدر الإسلام.3.

ص: 339


1- المهذّب - للشيرازي - 259:2، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4، المغني 608:10، الشرح الكبير 614:10.
2- أحكام القرآن - لابن العربي - 213:2، العزيز شرح الوجيز 518:11، المغني 607:10، الشرح الكبير 614:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4، المجموع 174:2.
3- المغازي - للواقدي - 964:3، السيرة النبويّة - لابن هشام - 184:4، الكامل في التاريخ 284:2، تاريخ الإسلام - للذهبي - 668:2، سنن أبي داود 3: 163-3026، سنن البيهقي 444:2، مسند أحمد 253:5-17454.
4- صحيح البخاري 125:1، و 215:5، صحيح مسلم 1386:3-1764، سنن النسائي 46:2، سنن البيهقي 444:2، مسند أحمد 205:3-9523.

و لو وفد قوم من المشركين إلي الإمام، أنزلهم في فضول منازل المسلمين، فإن لم يكن، جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت، و إن لم تكن، أسكنهم في أفنية الدور و الطرقات، و لا يمكّنهم من الدخول في المساجد بحال.

مسألة 198، البلاد التي ينفذ فيها حكم الإسلام علي أقسام ثلاثة:
أحدها: ما أنشأه المسلمون و أحدثوه و اختطّوه،

كالبصرة و بغداد و الكوفة، فلا يجوز إحداث كنيسة فيها و لا بيعة و لا بيت صلاة للكفّار، و لا صومعة راهب إجماعا، لقول ابن عباس: أيّما مصر مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة، و ما كان قبل ذلك فحقّ علي المسلمين أن يقرّ لهم(1).

و في حديث آخر: أيّما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، و لا يضربوا فيه ناقوسا، و لا يشربوا فيه خمرا، و لا يتّخذوا فيه خنزيرا(2).

و لأنّه بلد المسلمين و ملكهم، فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر.

و لو صالحهم علي التمكّن من إحداثها، بطل العقد.

فأمّا ما وجد من البيع و الكنائس في هذه البلاد، مثل كنيسة الروم في بغداد، فإنّها كانت في قري لأهل الذمّة فأقرّت علي حالها، أو كانت في برّيّة فاتّصل بها عمارة المسلمين. فإن عرف إحداث شيء بعد بناء المسلمين و عمارتهم، نقض.

ص: 340


1- سنن البيهقي 201:1 نحوه.
2- سنن البيهقي 202:1، المغني 599:10-600، الشرح الكبير 609:10.
الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة، و هو ملك المسلمين قاطبة،

فلا يجوز أيضا إحداث كنيسة و لا بيعة و لا صومعة راهب و لا بيت صلاة للمشركين، لأنّها صارت ملكا للمسلمين.

و أمّا ما كان موجودا قبل الفتح: فإن هدمه المسلمون وقت الفتح، لم يجز استجداده أيضا، لأنّه بمنزلة الأحداث في ملك المسلمين.

و إن لم يهدموه، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز إبقاؤه(1). و هو أحد قولي الشافعي(2) ، لأنّ هذه البلاد ملك المسلمين، فلا يجوز أن تكون فيها بيعة، كالبلاد التي أنشأها المسلمون.

و الثاني: يجوز إبقاؤها(3) ، لقول ابن عباس: أيّما مصر مصرته العجم ففتحه اللّه علي العرب فنزلوه، فإنّ للعجم ما في عهدهم.

و لأنّ الصحابة فتحوا كثيرا من البلاد عنوة، فلو يهدموا شيئا من الكنائس.

و لحصول الإجماع عليه، فإنّها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير [1].

الثالث: ما فتح صلحا، فإن صالحهم علي أنّ الأرض لهم و يأخذ منهم الخراج عليها،

فهنا يجوز إقرارهم علي بيعهم و كنائسهم و بيوت نيرانهم و مجتمع عباداتهم و إحداث ما شاءوا من ذلك فيها و إنشائه و إظهار الخمور فيها و الخنازير و ضرب الناقوس و الجهر بقراءة التوراة و الإنجيل،

ص: 341


1- انظر: المبسوط - للطوسي - 46:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 321:14-322، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 538:11، روضة الطالبين 510:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 321:14-322، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 538:11، روضة الطالبين 510:7.

لأنّ ذلك لهم، و إنّما يمنعون من الأشياء الستّة السابقة من الزنا و اللواط بالمسلمين و افتتان المسلم عن دينه و قطع الطريق و إيواء عين المشركين و إعانتهم علي المسلمين.

و إن صالحهم علي أن تكون الأرض للمسلمين و يؤدّون الجزية إلينا بسكناهم فيها، فالحكم في البيع و الكنائس علي ما يقع عليه الصلح.

فإن شرطنا لهم إقرارهم علي البيع و الكنائس أو علي إحداث ذلك و إنشائه، جاز، لأنّه إذا جاز أن يصالحهم علي أن تكون الأرض بأجمعها لهم، جاز أن يكون بعض الأرض لهم بطريق الأولي.

و إن شرطنا عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها، جاز ذلك أيضا.

و لو لم نشترط شيئا، لم يجز لهم تجديد شيء، لأنّ الأرض للمسلمين.

و إذا شرط عليهم التجديد و الإحداث، فينبغي أن يبيّن مواضع البيع و الكنائس.

و أمّا البلاد التي أحدثها الكفّار و حصلت تحت يدهم، فإن أسلم أهلها، كالمدينة و اليمن، فحكمها حكم القسم الأوّل. و إن فتحت عنوة أو صلحا، فقد تقدم إذا عرفت هذا، فكلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه، جاز نقضه و تخريبه، و كلّ موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه.

فلو انهدم هل يجوز إعادته ؟ تردّد الشيخ(1) فيه.

و قال الشافعي: يجوز لهم إعادته - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّهم0.

ص: 342


1- المبسوط - للطوسي - 46:2.
2- الهداية - للمرغيناني - 162:2، مختصر اختلاف العلماء 497:3-1647، العزيز شرح الوجيز 539:11، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.

يقرّون عليها، و بناؤها كاستدامتها، و لهذا يجوز تشييد حيطانها و رمّ ما تشعّث منها. و لأنّا أقررناهم علي التبقية، فلو منعناهم من العمارة لخربت(1).

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز لهم ذلك - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه إحداث للبيع و الكنائس في دار الإسلام، فلم يجز، كما لو ابتدئ بناؤها، و لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لا تبني الكنيسة في دار [1] الإسلام، و لا يجدّد ما خرب منها»(3) بخلاف رمّ ما تشعّث، لأنّه إبقاء و استدامة و هذا إحداث(4).

مسألة 199: ظهر من هذا الاتّفاق علي جواز رمّ ما تشعّث ممّا لهم إبقاؤه و إصلاحه.

و هل يجب إخفاء العمارة ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم:

العدم، كما يجوز إبقاء الكنيسة، فحينئذ يجوز تطيينها من داخل و خارج و إعادة الجدار الساقط، و علي الأوّل يمنعون من التطيين من خارج. و إذا أشرف الجدار علي السقوط، بنوا جدارا داخل الكنيسة، و قد تمسّ الحاجة

ص: 343


1- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 256، الوسيط 81:7، حلية العلماء 706:7-707، الحاوي الكبير 14: 323، روضة الطالبين 510:7، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 179:4، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.
3- الكامل - لابن عدي - 1199:3، المهذّب - للشيرازي - 256:2، المغني 10: 602، الشرح الكبير 610:10.
4- المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10، المهذّب - للشيرازي - 256:2، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، الوسيط 81:7، حلية العلماء 706:7-707، الحاوي الكبير 323:14، روضة الطالبين 510:7.

إلي بناء ثان و ثالث، فينتهي الأمر إلي أن لا يبقي من الكنيسة شيء. و يمكن الجواب [1] بإيقاع العمارة ليلا(1).

و لو انهدمت الكنيسة، فللشافعي في جواز إعادتها وجهان:

أحدهما: المنع، لأنّ الإعادة ابتداء.

و أصحّهما عندهم [2]: الجواز - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّ الكنيسة مبقاة لهم، فلهم التصرّف في مكانها(2).

و إذا جوّزنا إعادتها، لم يكن لهم توسيع خطّتها، لأنّ الزيادة كنيسة جديدة متّصلة بالأولي، و هو أصحّ وجهي الشافعي. و الثاني: الجواز(3).

مسألة 200: دور أهل الذمّة علي أقسام ثلاثة:
أحدها: دار محدثة،

و هو أن يشتري عرصة و يستأنف فيها بناء، فليس له أن يعلو علي بناء المسلمين إجماعا، لقوله عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه»(4).

و لأنّه يشتمل علي اطّلاعهم علي عورات المسلمين، و علي استكثارهم و ازديادهم عليهم.

و للشافعيّة قول بجوازه(5).

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 539:11، روضة الطالبين 510:7.
2- راجع المصادر المذكورة في الهوامش (2) من ص 342 و (1 و 2) من ص 343.
3- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، الوسيط 81:7، روضة الطالبين 510:7.
4- الفقيه 243:4-778. و في صحيح البخاري 117:2، و سنن الدار قطني 3: 252-30، و سنن البيهقي 205:6 و غيرها بدون «عليه».
5- العزيز شرح الوجيز 540:11-541، روضة الطالبين 511:7.

و المراد أن لا يعلو علي بناء جيرانه دون غيرهم.

و للشافعيّة قول: إنّه لا يجوز أن يطيل بناءه علي بناء أحد من المسلمين في ذلك البلد(1).

و لا فرق بين أن يكون [بناء] الجار [1] معتدلا أو في غاية الانخفاض.

ثمّ المنع لحقّ الدّين لا لمحض حقّ الجار حتي [يمنع] [2] و إن رضي الجار.

و هل يجوز أن يساوي بناء المسلمين ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: ليس له ذلك، بل يجب أن يقصر عنه(2) ، لقوله عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه»(3)الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11، المهذّب - للشيرازي - 2:

255، حلية العلماء 705:7، الحاوي الكبير 324:14، روضة الطالبين 7:

511.(4) و لا يتحقّق علوّ الإسلام بالمساواة. و لأنّا منعنا من مساواتهم للمسلمين في اللباس و الركوب فكذا هنا. و هو أحد وجهي الشافعي.

و الثاني: الجواز، لعدم الاستطالة علي المسلمين(6).

و ليس بجيّد، لأنّا منعناه المساواة في اللباس و الركوب، و أوجبنا التمييز [3]، فكذا هنا. و لأنّ علوّ الإسلام لا يتحقّق معها.1.

ص: 345


1- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 324:14، العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 511:7.
2- المبسوط - للطوسي - 46:2.
3- راجع المصادر في الهامش
4- من ص 344.

و لو كان أهل الذمّة في موضع منفرد، كطرف بلدة، منقطع عن العمارات، فلا منع من رفع البناء. و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني:

المنع، كما يمنعون من ركوب الخيل(1).

الثاني: دار مبتاعة لها بناء رفيع،

فإنّها تترك علي حالها من العلوّ إن كانت أعلي من المسلمين، لأنّه هكذا ملكها، و لا يجب هدمها، لأنّه لم يبنها و إنّما بناها المسلمون، فلم يعل علي المسلمين شيئا.

و كذا لو كان للذمّيّ دار عالية فاشتري المسلم دارا إلي جانبها اقصر منها، أو بني المسلم دارا إلي جانبها أقصر منها، فإنّه لا يجب علي الذمّيّ هدم علوّه.

أمّا لو انهدمت دار الذمّيّ، العالية فأراد تجديدها، لم يجز له العلوّ علي المسلم إجماعا، و لا المساواة علي الخلاف.

و كذا لو انهدم ما علا منها و ارتفع، فإنّه لا يكون له إعادته.

و لو تشعّث منه شيء و لم ينهدم، جاز له رمّه و إصلاحه، لأنّه استدامة و إبقاء لا تجديد.

الثالث: دار مجدّدة،

و حكمها حكم المحدثة سواء، و قد تقدّم(2).

مسألة 201: قد بيّنّا أنّهم يمنعون من ركوب الخيل، لأنّه عزّ و قد ضربت عليهم الذلّة.

و للشافعيّة وجه: أنّهم لا يمنعون، كما لا يمنعون من الثياب النفيسة.

و الأظهر: المنع(3).

ص: 346


1- الوسيط 82:7، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11، حلية العلماء 706:7، روضة الطالبين 511:7.
2- تقدّم في القسم الأوّل.
3- حلية العلماء 705:7، العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 512:7.

و استثني بعضهم عن المنع البراذين الخسيسة(1).

و ألحق بعضهم البغال النفيسة بالخيل، لما في ركوبها من التجمّل(2).

و لا يمنعون من البهائم و إن كانت رفيعة القيمة.

و لا يركبون بالسرج. و تكون ركبهم من الخشب دون الحديد.

و يمنعون من تقليد السيوف و حمل السلاح، و من لجم الذهب و الفضة.

و قال بعض الشافعيّة: هذا كلّه في الذكور البالغين، فأمّا النساء و الصغار فلا يلزمون الصّغار، كما لا تضرب عليهم الجزية(3).

مسألة 202: لا ينبغي تصدير أهل الذمّة في المجالس، و لا بدأتهم بالسلام،

و لا يترك لهم صدر الطريق، بل يلجئون إلي أضيق الطريق إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطرق عن الزحمة، فلا بأس.

قال عليه السّلام: «لا تبدءوا اليهود و النصاري بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق [1] فاضطرّوه إلي أضيقه»(4).

و ليكن التضييق عليه بحيث لا يقع في وهدة، و لا يصدم جدارا.

و لا يوقّرون.

و لا يجوز أن يبدأ من لقيه منهم بالسلام.

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 512:7.
2- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11-542، الوسيط 82:7، روضة الطالبين 513:7.
3- العزيز شرح الوجيز 542:11، روضة الطالبين 513:7.
4- صحيح مسلم 1707:4-2167، سنن الترمذي 154:4-1602، و 5: 60-2700.

قال عليه السّلام: «إنّا غادون غدا فلا تبدءوهم بالسلام، و إن سلموا عليكم فقولوا: و عليكم»(1).

قالت عائشة: دخل رهط من اليهود علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و قالوا: السام عليك، ففهمتها فقلت: و عليك السام و اللعنة و السخط، فقال عليه السّلام: «مهلا يا عائشة، فإنّ اللّه تعالي يحبّ الرفق في الأمور كلّها» فقلت: يا رسول اللّه ألم تسمع ما قالوا؟ فقال: «قولي: و عليكم»(2). فعلي هذا لا ينبغي أن يردّ بأزيد من قوله: و عليكم.

و لا تجوز مودّتهم.

قال اللّه تعالي لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (3) الآية.

و منع بعض الشافعيّة من دخول نساء أهل الذمّة الحمّام مع نساء المسلمين، لأنّه احتساب في الدين. و كذا منع من لبس أهل الذمّة الديباج(4).

و الأقرب: عدم المنع، كما لا يمنع من رفيع القطن و الكتّان.

مسألة 203: يجب علي أهل الذمّة الانقياد لحكمنا، فإذا فعلوا ما يعتقدون تحريمه،

يجري عليهم حكم اللّه فيه، و لا يعتبر فيه رضاهم، كالزنا و السرقة، فإنّهما محرّمان عندهم كما في شرعنا. و أمّا ما يستحلّونه

ص: 348


1- مسند أحمد 546:7-26694 و 26695، المصنّف - لابن أبي شيبة - 8: 443-5815 باختلاف يسير.
2- صحيح البخاري 14:8، و 70-71، صحيح مسلم 1706:4-2165، سنن الترمذي 60:5-2701 باختلاف في بعض الألفاظ.
3- المجادلة: 22.
4- العزيز شرح الوجيز 544:11، روضة الطالبين 514:7.

و هو محرّم عندنا كالخمر، فإن تظاهروا به، حدّوا عليه، و إلاّ فلا.

و لو نكح واحد من المجوس محرما له، لم يتعرّض له.

و تنتقض الذمّة بقتال المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع أو لا، لأنّ عقد الذمّة الكفّ عن القتال، فالقتال يناقضه.

و لو منعوا الجزية و الانقياد للأحكام، انتقض العهد، لأنّ عقد الذمّة بهما يتمّ، و لذلك (يشترط التعرّض للجزية) [1] و الانقياد للأحكام في ابتداء العقد، و هو محمول علي منعها مع القدرة، فأمّا العاجز المستمهل فلا ينتقض عهده.

و يحتمل أن يقال في القادر: تؤخذ منه الجزية قهرا، و لا يجعل الامتناع ناقضا، كما لو امتنع عن دين.

و أمّا الامتناع من [2] إجراء الأحكام: فإن امتنع هاربا، احتمل أن لا يكون ناقضا، و ان امتنع راكنا إلي عدوّ و قوّة، دعي إلي الاستسلام، فإن نصب القتال، انتقض عهده بالقتال.

و قال بعضهم: إنّ الامتناع من البذل نقض العهد من الجماعة و من الواحد، و الامتناع من الأداء مع الاستمرار نقض من الجماعة دون الواحد، لأنّه يسهل إجباره عليه(1).

و في قطع الطريق أو القتل الموجب للقصاص للشافعيّة طريقان:6.

ص: 349


1- الحاوي الكبير 317:14، العزيز شرح الوجيز 547:11، روضة الطالبين 7: 515-516.

أحدهما: أنّهما [1] كالقتال، لأنّ شهر السلاح و قصد النفوس و الأموال مجاهرة تناقض الأمان.

و أظهرهما: أنّهما [2] كالزنا بالمسلمة، لأنّه ليس فيهما منابذة للمسلمين [3]. و لا يلتحق [4] بالمنابذة التوثّب علي رفقة أو شخص معيّن.

و يجري الطريقان فيما إذا قذف مسلما(1).

و سواء قلنا: ينتقض العهد بها أو لا ينتقض، يقام عليهم بموجب ما فعلوه من حدّ أو تعزير.

فإن قتل الذمّيّ لقتله مسلما أو لزناه و هو محصن، فهل يصير ماله فيئا تفريعا علي الحكم بالانتقاض ؟ للشافعية وجهان(2).

و أمّا ذكر الرسول صلّي اللّه عليه و آله بسوء إذا جاهروا به فللشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: أنّه ينتقض العهد به بلا خلاف، كالقتال، لأنّ ما يجب شرطه عليهم إذا خالفوه انتقض العهد.

و أظهرهما عندهم: أنّه كالزنا بالمسلمة، و يجيء فيه الخلاف.

و طعنهم في الإسلام و في القرآن كذكرهم الرسول عليه السّلام بالسوء(3).

و قال بعضهم: إن ذكر النبي عليه السّلام بسوء يعتقده أو يتديّن به بأن قال:

إنّه ليس برسول، و إنّه قتل اليهود بغير حقّ، أو نسبه إلي الكذب، ففيه الخلاف، و أمّا ذكره بما لا يعتقده و لا يتديّن به، كما لو نسبه إلي الزنا، أو7.

ص: 350


1- الوجيز 203:2، العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.
2- العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.
3- الوجيز 203:2، العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.

طعن في نسبه، فإنّه ينتقض به العهد، سواء شرط عليهم الكفّ عنه أو لا(1).

و قال آخرون: إنّ الخلاف فيما إذا طعنوا بما لا يتديّنون به، فأمّا ما هو من قضيّة دينهم، فلا ينتقض العهد بإظهاره بلا خلاف، و من هذا القبيل قولهم في القرآن: إنّه ليس من عند اللّه(2).

و ذكر اللّه تعالي بسوء كذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بطريق الأولي لكنّهم [1] جعلوا إظهار الشرك، و قولهم: إنّه ثالث ثلاثة، و معتقدهم في المسيح بمثابة إظهار الخمر و الخنزير، و قالوا: لا ينتقض العهد بها(3) ، مع أنّ جميع ذلك يتضمّن ذكر اللّه تعالي بالسوء، و لا يستمرّ ذلك إلاّ علي أنّ السوء الذي يتديّنون به لا ينتقض العهد به.

مسألة 204: حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل يبلغهم المأمن ؟

للشافعي قولان:

أحدهما: نعم، لأنّهم دخلوا دار الإسلام بأمان، فيبلغون المأمن، كمن دخل بأمان صبيّ.

و أصحّهما عندهم: المنع، بل يتخيّر الإمام فيمن انتقض عهده بين القتل و الاسترقاق و المنّ و الفداء، لأنّه كافر لا أمان له، كالحربيّ، بخلاف من أمّنه صبيّ، فإنّه يعتقد لنفسه أمانا، و هنا فعل باختياره ما يوجب الانتقاض.

ص: 351


1- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 516:7.
2- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 517:7.
3- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 517:7.

و القولان فيما إذا انتقض الأمان بغير القتال، فأمّا إذا نصبوا القتال، صاروا حربا في دار الإسلام، فلا بدّ من استئصالهم(1).

البحث الخامس: في المهادنة
مسألة 205: المهادنة و الموادعة و المعاهدة ألفاظ مترادفة
اشارة

معناها: وضع القتال و ترك الحرب مدّة بعوض و غير عوض.

و هي جائزة بالنص و الإجماع.

قال اللّه تعالي بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَي الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (2) و قال تعالي فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلي مُدَّتِهِمْ (3) و قال تعالي وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (4).

و صالح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله سهيل بن عمرو بالحديبيّة علي وضع القتال عشر سنين(5).

و الإجماع واقع عليه، لاشتداد الحاجة إليه.

و يشترط في صحّة عقد الذمّة أمور أربعة:
الأوّل: أن يتولاّه الإمام أو من يأذن له،

لأنّه من الأمور العظام، لما

ص: 352


1- المهذّب - للشيرازي - 258:2، حلية العلماء 712:7-713، الحاوي الكبير 320:14، العزيز شرح الوجيز 549:11-550، روضة الطالبين 517:7.
2- التوبة: 1.
3- التوبة: 4.
4- الأنفال: 61.
5- المغازي - للواقدي - 611:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، الكامل في التاريخ 204:2، دلائل النبوّة - للبيهقي - 145:4، سنن أبي داود 3: 86-2766.

فيه من ترك الجهاد علي الإطلاق أو في جهة من الجهات. و لأنّه لا بدّ فيه من رعاية مصلحة المسلمين و النظر لهم، و الإمام هو الذي يتولّي الأمور العامّة.

هذا إذا كانت المهادنة مع الكفّار مطلقا أو مع أهل إقليم، كالهند و الروم.

و يجوز لوالي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة تلي ذلك الإقليم للحاجة، و كأنّه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه.

فإن عقد المهادنة واحد من المسلمين، لم يصحّ، فإن دخل قوم ممّن هادنهم دار الإسلام بناء علي ذلك العقد، لم يقرّوا و لكن يلحقون مأمنهم، لأنّهم دخلوا علي اعتقاد أمان.

الثاني: أن يكون للمسلمين إليه حاجة و مصلحة إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم،

و إمّا لرجاء إسلام المشركين، و إمّا لبذل الجزية منهم و التزام أحكام الإسلام.

و لو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين بأن يكون في المسلمين قوّة و في المشركين ضعف و يخشي قوّتهم و اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال، لم تجز له مهادنتهم، بل يقاتلهم إلي أن يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا أهل كتاب.

قال اللّه تعالي فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَي السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (1).

و إذا طلب الكفّار الهدنة، فإن كان فيها مضرّة علي المسلمين، لم تجز إجابتهم، و إن لم تكن، لم تجب الإجابة أيضا. و يجتهد الإمام و يحافظ علي

ص: 353


1- سورة محمد: 35.

الأصلح من الإجابة و الترك فيفعله، بخلاف الجزية، فإنّ الإجابة فيها واجبة.

الثالث: أن يخلو العقد عن شرط فاسد،

و هو حقّ كلّ عقد، فإن عقدها الإمام علي شرط فاسد، مثل: أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم، أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلي ذلك، أو أنّ لهم نقض الهدنة متي شاءوا، أو يشترط ردّ الصبيان أو الرجال، أو أن لا ينزع اسراء المسلمين من أيديهم، أو يردّ إليهم المسلم الذي أسروه و أفلت [1] منهم، أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم، فهذه الشروط كلّها فاسدة يفسد بها عقد الهدنة، كما يفسد عقد الذمّة باقتران الشروط الفاسدة به، مثل: أن يشترط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمّة، أو إظهار الخمور و الخنازير، أو يأخذ الجزية بأقلّ ما يجب عليهم، أو علي أن يقيموا بالحجاز، أو يدخلوا الحرم. و يجب علي من عقد معهم الصلح إبطاله و نقضه.

الرابع: المدة.

و يجب ذكر المدة التي يهادنهم عليها. و لا يجوز له مهادنتهم مطلقا، لأنه يقتضي التأبيد، و التأبيد باطل، إلاّ أن يشترط الإمام الخيار لنفسه في النقض متي شاء. و كذا لا يجوز إلي مدّة مجهولة، و هذا أحد قولي الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه إذا هادن مطلقا، نزّل الإطلاق عند ضعف المسلمين علي عشر سنين(2).

و أمّا عند القوّة فقولان.

أحدهما: أنّه يحمل علي أربعة أشهر، تنزيلا علي الأقلّ.

ص: 354


1- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.
2- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.

و الثاني علي سنة، تنزيلا علي الأكثر(1).

و اعترضه بعضهم بأنّه لا تجوز الهدنة مع القوّة إلي سنة بل أقلّ من سنة(2).

مسألة 206: إذا كان بالمسلمين قوّة و رأي الإمام المصلحة في المهادنة،

هادن أربعة أشهر فما دون إجماعا.

قال اللّه تعالي فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (3).

و لا يجوز أن يهادن سنة، لأنّها مدّة الجزية، و لا يقرّر الكافر سنة بغير جزية.

و فيما بين الأربعة الأشهر و السنة للشافعي قولان:

الجواز، لأنّها مدة تقصر عن مدّة الجزية كالأربعة.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّ اللّه تعالي أمر بقتل المشركين(4) مطلقا، و أذن في الهدنة أربعة أشهر(5)(6).

و أمّا إذا كان في المسلمين ضعف، فإنه تجوز الزيادة علي السنة بحسب الحاجة إلي عشر سنين، فإن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هادن قريشا بالحديبيّة عشر سنين(7) ، و كان عليه السّلام قد خرج ليعتمر لا ليقاتل، و كان بمكّة

ص: 355


1- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11 روضة الطالبين 521:7.
2- العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.
3- التوبة: 2.
4- التوبة: 5.
5- التوبة: 2.
6- المهذّب - للشيرازي - 260:2، حلية العلماء 719:7، الحاوي الكبير 14: 351، العزيز شرح الوجيز 557:11، روضة الطالبين 521:7.
7- السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، الكامل في التاريخ 204:2، تاريخ الطبري 634:2، المغني 510:10، الشرح الكبير 567:10، العزيز شرح الوجيز 557:11.

مستضعفون، فأراد أن يكثروا و يظهر المسلمون، فهادنهم حتي كثروا و أظهر من بمكّة إسلامه.

قال الشعبي: لم يكن في الإسلام فتح قبل صلح الحديبيّة(1).

و لا تجوز الزيادة علي عشر سنين عند الشيخ(2) و ابن الجنيد - و به قال الشافعي(3) - فإن اقتضت الحاجة الزيادة، استأنف عقدا.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تتقدّر الزيادة بعشر، بل تجوز بحسب ما يراه الإمام، لأنّه عقد يجوز في العشر فجاز في الزيادة عليها، كعقد الإجارة(4) و لا بأس به.

و علي الأوّل لو صالح علي أكثر من عشر سنين، بطل الزائد خاصّة، و صحّ في العشر، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: يبطل العقد بناء علي تفريق الصفقة(5).

مسألة 207: إذا كان في المسلمين قوّة،

لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة إجماعا، لقوله تعالي فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (6) و يجوز إلي أربعة أشهر فما دون

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 557:11.
2- المبسوط - للطوسي - 51:2.
3- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 351:14، المهذّب - للشيرازي - 2: 261، الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 557:11، الوسيط 90:7، روضة الطالبين 521:7.
4- الاختيار لتعليل المختار 190:4، حلية العلماء 720:7، العزيز شرح الوجيز 559:11، المغني 510:10، الشرح الكبير 567:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 166:4.
5- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 559:11، الوسيط 91:7، المهذّب - للشيرازي - 261:2، روضة الطالبين 521:7.
6- التوبة: 5.

إجماعا.

و تردّد الشيخ في أكثر من أربعة أشهر و أقلّ من سنة، ثمّ قال: و الظاهر أنّه لا يجوز(1).

و للشافعي قولان(2)المغني 510:10، الشرح الكبير 568:10.(3).

و إذا شرط مدّة معلومة، لم يجز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما، لأنّه يفضي إلي ضدّ المقصود.

و هل يجوز أن يشترط الإمام لنفسه دونهم ؟ قال الشيخ(4) و ابن الجنيد: يجوز - و به قال الشافعي(5) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لمّا فتح خيبر عنوة بقي حصن منها، فصالحوه علي أن يقرّهم ما أقرّهم اللّه تعالي، ففعل(6).

و لأنّه عقد شرّع لمصلحة المسلمين فيتبع مظان المصلحة.

و قال بعض العامّة: لا يجوز لأنّه عقد لازم، فلا يجوز اشتراط نقضه، كالبيع(6).

و نمنع الملازمة و الحكم في الأصل، فإن العقود اللازمة عندنا يدخلها الخيار، و هذا نوع خيار.0.

ص: 357


1- المبسوط - للطوسي - 51:2.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 355.
4- المبسوط - للطوسي - 51:2.
5- المهذّب - للشيرازي - 261:2، العزيز شرح الوجيز 559:11، روضة الطالبين 521:7، المغني 509:10-510، الشرح الكبير 568:10.
6- المغازي - للواقدي - 669:2-670، السيرة النبويّة - لابن هشام - 352:3، دلائل النبوّة - للبيهقي - 226:4، المهذّب - للشيرازي - 261:2، المغني 10: 510، الشرح الكبير 568:10، و انظر: صحيح البخاري 252:3، و سنن البيهقي 224:9، و مصابيح السنّة - للبغوي - 116:3-3091.

إذا ثبت هذا، فلو شرط الإمام لهم أن يقرّهم ما أقرّهم اللّه، لم يجز، لانقطاع الوحي بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله، و يجوز أن يشترط أن يقرّهم ما شاء.

مسألة 208: الهدنة ليست واجبة علي كلّ تقدير،

لكنّها جائزة، لقوله تعالي وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (1) بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك برخصة قوله وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (2) و بما تقدّم(3) ، و إن شاء، قاتل حتي يلقي اللّه تعالي شهيدا [عملا](4) بقوله تعالي:

وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ (5) و كذلك فعل مولانا الحسين عليه السّلام، و النفر الذين وجههم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي هذيل و كانوا عشرة فقاتلوا مائة حتي قتلوا و لم يفلت منهم أحد إلاّ خبيب، فإنّه أسر و قتل بمكة(6).

و تجوز مهادنتهم علي غير مال إجماعا، و كذا علي مال يأخذه منهم إجماعا.

أمّا لو [صالحهم] [1] علي مال يدفعه إليهم، فإن كان لضرورة، مثل:

أن يكون في أيدي المشركين أسير مسلم يستهان به و يستخدم و يضرب،

ص: 358


1- الأنفال: 61.
2- البقرة: 195.
3- تقدّم في صدر المسألة 205.
4- إضافة يقتضيها السياق.
5- البقرة: 190.
6- السيرة النبويّة - لابن هشام - 178:3-182، تاريخ الطبري 538:2-539، الكامل في التاريخ 167:2-168.

جاز للإمام بذل المال و استنقاذه، للمصلحة، و كذا لو كان المسلمون في حصن و قد أحاط بهم المشركون و أشرفوا علي الظفر، أو كانوا خارجين من المصر و قد أحاط بهم العدوّ أو كان مستظهرا، جاز بذل المال.

و إن لم تكن هناك ضرورة، لم يجز بذل المال، بل وجب القتال.

و هل يجب مع الضرورة بذل المال ؟ إشكال، و إذا بذل المال، لم يملكه الآخذ، لأنّه أخذه بغير حقّ.

و يجوز أن يهادنهم عند الحاجة علي وضع شيء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين، و كذا لو رأي الإمام مع قوّته علي العدوّ أن يضع بعض ما يجوز تملّكه من أموال المشركين بالقدرة عليهم حفظا لأصحابه و تحرّزا من دوائر الحروب، جاز.

مسألة 209: إذا عقد الهدنة، وجب عليه حمايتهم من المسلمين و أهل الذمّة،

لأنّه أمّنهم ممّن هو في قبضته و تحت يده، كما أمّن من في يده منهم، فإنّ هذا فائدة العقد.

و لو أتلف مسلم أو ذمّيّ عليهم شيئا، وجبت قيمته.

و لا تجب حمايتهم من أهل الحرب و لا حماية بعضهم من بعض، لأنّ الهدنة هي التزام الكفّ عنهم فقط لا مساعدتهم علي عدوّهم.

و لو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم، لم يجب عليه استنقاذهم.

قال الشافعي: ليس للمسلمين شراؤهم، لأنّهم في عهدهم(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز، لأنّه لا يجب أن يدفع عنهم و لا يحرم

ص: 359


1- المغني 514:10، الشرح الكبير 573:10.

استرقاقهم(1).

مسألة 210: لو شرط الإمام ردّ من جاء مسلما من الرجال،

فجاء مسلم فأرادوا أخذه، فإن كان ذا عشيرة و قوّة تحميه و تمنعه عن الافتتان و الدخول في دينهم، جاز ردّه إليهم و لا يمنعهم منه، عملا بالشرط، و عدم الضرر عليه متحقّق، إذ التقدير ذلك بمعني أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه، و لا يجبره الإمام علي المضيّ معهم، و له أن يأمره في السرّ بالهرب منهم و مقاتلتهم.

و إن كان مستضعفا لا يؤمن عليه الفتنة، لم تجز إعادته عندنا، و به قال الشافعي(2).

و قال أحمد: تجوز(3).

و هو غلط، و لهذا لم نوجب علي من له قوّة علي إظهار دينه و إظهار شعائر الإسلام المهاجرة عن بلاد الشرك، و أوجبناها علي المستضعف.

و لو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقا، لم يجز، لأنّه يتناول من لا يؤمن افتتانه و من يؤمن.

و لو جاء صبي و وصف الإسلام، لم يردّ، لأنّه لا يؤمن افتتانه عند بلوغه. و كذا لو قدم مجنون.

فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون، فإن وصفا الإسلام، كانا مع [1] المسلمين، و إن وصفا الكفر، فإن كان كفرا لا يقرّ أهله عليه، ألزما الإسلام

ص: 360


1- المغني 515:10، الشرح الكبير 573:10.
2- الحاوي الكبير 360:14، العزيز شرح الوجيز 573:11، روضة الطالبين 7: 529، المغني 517:10، الشرح الكبير 571:10.
3- المغني 517:10، الشرح الكبير 571:10.

أو الردّ إلي مأمنهما. و إن كان ممّا يقرّ أهله عليه، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ إلي مأمنهما.

و لو جاء عبد، حكمنا بحرّيّته، لأنّه قهر مولاه علي نفسه. و لو جاء سيّده، لم يردّ عليه، لأنّه مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان، و لا يردّ عليه قيمته.

و للشافعي في ردّ القيمة قولان(1).

مسألة 211: لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقا إجماعا،

لقوله تعالي إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ - إلي قوله - فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفّارِ (2) و سبب ذلك أنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة، فجاء أخواها يطلبانها، فأنزل اللّه هذه الآية، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه منع الصلح»(3).

إذا عرفت هذا، فلو صالحناهم علي ردّ من جاء من النساء مسلمة، كان الصلح باطلا. و الفرق بينها و بين الرجل من وجوه:

الأوّل: لا يؤمن أن يزوّجها وليّها بكافر فينالها.

الثاني: لا تؤمن، لضعف عقلها من الافتتان في دينها.

الثالث: عجزها عن الهرب و النجاة بنفسها لو طلبته.

و إذا طلبت امرأة أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار، جاز لكلّ

ص: 361


1- الحاوي الكبير 366:14.
2- الممتحنة: 10.
3- المهذّب -: للشيرازي - 261:2، المغني 518:10، الشرح الكبير 569:10، و انظر: المغازي - للواقدي - 631:2، و السيرة النبوية - لابن هشام - 340:3، و دلائل النبوّة - للبيهقي - 171:4، و الجامع لأحكام القرآن 61:18.

مسلم [1] إخراجها، و تعيّن عليه ذلك مع المكنة، لما فيه من استنقاذ المسلم.

مسألة 212: إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ لمن جاء مسلما،

أو يطلق، أو يشترط الردّ.

فإن شرط عدم الردّ، فلا ردّ و لا غرم. و كذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.

و إن أطلق و لم يشترط الردّ و لا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثم أسلمت، لم يجز ردّها إجماعا. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها، لم تدفع إليه لقوله تعالي فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفّارِ (1).

و لو طلب أحدهم مهرها، لم يدفع إليه.

و لو جاء زوجها أو وكيله يطلبها، لم تردّ إليه إجماعا.

و إن طلب [2] مهرها و لم يكن قد سلّمه إليها، فلا شيء له إجماعا.

و إن كان قد سلّمه، ردّ عليه ما دفعه [3]، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لقوله تعالي وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا (3) و المراد منه الصداق،

ص: 362


1- الممتحنة: 10.
2- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 361:14، حلية العلماء 721:7، العزيز شرح الوجيز 566:11، المهذّب - للشيرازي - 262:2، روضة الطالبين 524:7، المغني 515:10، الشرح الكبير 570:10، الجامع لأحكام القرآن 64:18.
3- الممتحنة: 10.

و أيضا فإنّ البضع متقوّم و هو حقّه، فإذا حلنا بينه و بين حقّه، لزمنا بدله.

و الثاني: لا يردّ عليه - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و المزني - لأنّ بضع المرأة ليس بمال، فلا يدخل في الأمان، و لهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه، دخل فيه أمواله، و لا يدخل فيه زوجته(1).

و هو قياس ضعيف في مقابلة النصّ فلا يسمع، خصوصا مع تأكّد النصّ بعمله عليه السّلام، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة(2).

و إن شرط الردّ لمن جاء منهم إليهم، لم يجب [1] الردّ، و وجب الغرم لما أنفق من المهر.

و للشافعي قولان(3) أيضا.

مسألة 213: إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة إلي بلد الإمام

أو بلد خليفته و منع من ردّها، فأمّا إذا قدمت إلي غير بلدهما، وجب علي المسلمين منعه من أخذها، لأنّه من الأمر بالمعروف.

فإذا منع غير الإمام و غير خليفته من ردّها، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام، لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح و لا تصرّف لغير الإمام و خليفته فيه.

ص: 363


1- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 361:14 و 362، حلية العلماء 7: 721، المهذّب - للشيرازي - 262:2، العزيز شرح الوجيز 566:11، روضة الطالبين 524:7، الكافي في فقه الإمام أحمد 168:4، المغني 515:10، الشرح الكبير 570:10، الجامع لأحكام القرآن 64:18.
2- المغازي - للواقدي - 631:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 341:3، صحيح البخاري 258:3، سنن البيهقي 228:9.
3- العزيز شرح الوجيز 566:11، روضة الطالبين 524:7.

و لو سمّي مهرا فاسدا و أقبضها إيّاه كخمر أو خنزير، لم تكن له المطالبة به و لا بقيمته، لأنّه ليس بمال و لا قيمة له في شرعنا.

و المغروم هو الذي دفعه الزوج من صداقها، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: المغروم الأقلّ من مهر مثلها و [ما بذله] [1] فإن كان مهر المثل أقلّ، فالزيادة كالموهوب، و إن كان المبذول أقلّ، فهو الذي فات عليه(2).

و لو لم يدفع إلاّ بعضه، لم يستحقّ إلاّ ذلك القدر.

و لو كان أعطاها أكثر ممّا أصدقها أو أهدي إليها هدية أو أنفق في العرس أو أكرمها بمتاع، لم يجب ردّه، لأنّه تطوّع به، فلا يردّ عليه. و لأنّ هذا ليس ببدل عن البضع الذي حيل بينه و بينه، إنّما هو هبة محضة، فلا يرجع بها، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.

مسألة 214: لو قدمت مسلمة إلي الإمام فجاء رجل و ادّعي أنّها زوجته،

فإن اعترفت له بالنكاح، ثبت، و إن أنكرت، كان عليه إقامة البيّنة:

شاهدان مسلمان عدلان، و لا يقبل شاهد و امرأتان، و لا شاهد و يمين، لأنه نكاح، فلا يثبت إلاّ بذكرين.

فإذا ثبت النكاح بالبيّنة أو باعترافها فادّعي أنّه سلّم إليها المهر، فإن

ص: 364


1- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
2- الحاوي الكبير 364:14-365، العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.

صدّقته، ثبت له، و إن أنكرت، كان عليه البيّنة، و يقبل فيه شاهد و امرأتان، و شاهد و يمين، لأنّه مال، و لا يقبل قول الكفّار في البابين و إن كثروا.

فإن لم تكن له بيّنة، كان القول قولها مع اليمين.

و لا يثبت الغرم بمجرّد قوله: دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يمين عليها، لأنّ الصداق علي غيرها(2).

و قال بعضهم: يتفحص الإمام عن مهر مثلها، و قد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب، و [1] من الأساري، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر، و سلّمه(3).

و قال بعض الشافعيّة: لو ادّعي الدفع و صدّقته، لم يعتمد علي قولها و لا يجعل حجّة علينا(4).

و قال بعضهم: إقرارها بمثابة البيّنة(5).

مسألة 215: لو قدمت مجنونة، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها و قدمت، لم تردّ،

و يردّ مهرها، لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بضعها.

و إن كانت قد وصفت الإسلام و أشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تردّ أيضا، لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام و هي مجنونة، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام، ردّ مهرها عليه، و إن أقرّت بالكفر، ردّت عليه.

ص: 365


1- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
2- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
3- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7-525.
4- العزيز شرح الوجيز 567:11-568، روضة الطالبين 525:7.
5- العزيز شرح الوجيز 567:11-568، روضة الطالبين 525:7.

و لو جاءت مجنونة و لم يخبر عنها بشيء، لم تردّ عليه، لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلي دار الإسلام لأنّها أسلمت، و لا يردّ مهرها، للشكّ، فيجوز أن تفيق و تقول: إنّها لم تزل كافرة، فتردّ حينئذ، فينبغي أن يتوقّف عن ردّها حتي تفيق و يتبيّن أمرها.

فإن أفاقت، سئلت، فإن ذكرت أنّها أسلمت، أعطي المهر و منع منها، و إن ذكرت أنّها لم تزل كافرة، ردّت عليه.

و ينبغي أن يحال بينه و بينها حال جنونها، لجواز أن تفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.

و لو جاءت صغيرة و وصفت الإسلام، لم تردّ إليهم، لئلاّ تفتن عند بلوغها عن الإسلام. و لا يجب ردّ المهر بل يتوقّف عن ردّه حتي تبلغ، فإن بلغت و أقامت علي الإسلام، ردّ المهر، و ان لم تقم، ردّت هي وحدها - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ إسلامها غير محكوم بصحّته. و إن قلنا بصحّة إسلام الصبي، فظاهر، فلا يجب ردّ مهرها، كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها، فيحافظ علي حرمة الكلمة.

و الثاني للشافعي: أنّه يجب ردّ مهرها، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها، فوجب ردّ مهرها، كالبالغة.

ثمّ فرّق بينها و بين المجنونة: بأنّ المنع في المجنونة، للشكّ في إسلامها، و في الصغيرة، لوصف الإسلام(2).

و نمنع ذلك، فإنّ وصف الإسلام لا يحكم به فيها، و إنّما منعناه منها، للشكّ في ثباتها عليه بعد بلوغها، فإذا بلغت فإن ثبتت علي الإسلام، رددنا1.

ص: 366


1- العزيز شرح الوجيز 570:11.
2- العزيز شرح الوجيز 570:11.

مهرها، و إن وصفت الكفر، رددناها.

مسألة 216: لو قدمت أمة مسلمة إلي الإمام، صارت حرّة،

لأنّها قهرت مولاها علي نفسها، فزال ملكه عنها، كما لو قهر عبد حربي سيّده الحربيّ، فإنّه يصير حرّا. و الهدنة إنّما تمنع من في قبضة الإمام من المسلمين و أهل الذمّة.

فإن جاءت سيّدها يطلبها، لم تدفع إليه، لأنّها صارت حرّة، و لأنّها مسلمة. و لا يجب أيضا ردّ قيمتها، كالحرّة في الأصل، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: تردّ قيمتها عليه، لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم، و هذه من أموالهم، فعلي هذا تردّ علي السيّد قيمتها لا ما اشتراها به(2).

فإن جاء زوجها يطلبها، لم تردّ عليه، لما مضي. و إن طلب مهرها، فإن كان حرّا، ردّ عليه، و ان كان عبدا، لم يدفع إليه المهر حتي يحضر مولاه فيطالب به، لأنّ المال حقّ له.

و لو حضر السيّد دون العبد، لم يدفع إليه شيء، لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها و بين الزوج، فإذا حضر الزوج و طالب، ثبت المهر للمولي، فيعتبر حضورهما معا.

و لو أسلمت ثمّ فارقتهم، قال بعض الشافعيّة: لا تصير حرّة، لأنّهم في أمان [منّا] [1] فأموالهم محظورة علينا، فلا يزول الملك عنها بالهجرة،

ص: 367


1- المهذّب - للشيرازي - 263:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
2- الوجيز 205:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 263، روضة الطالبين 527:7.

بخلاف ما إذا هاجرت ثمّ أسلمت، فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض، فجاز أن تملك نفسها بالقهر(1).

و لم يتعرّض أكثرهم لهذا التفصيل، و أطلق الحكم بالعتق و إن أسلمت ثمّ فارقتهم، لأنّ الهدنة جرت معنا و لم تجر معها(2).

إذا عرفت هذا، فنقول: إن أوجبنا غرامة المهر و القيمة، نظر، فإن حضر الزوج و السيّد معا، أخذ كلّ واحد منهما حقّه، و إن جاء أحدهما دون الآخر، احتمل أنّا لا نغرم شيئا، لأنّ حقّ الردّ مشترك بينهما و لم يتمّ الطلب، و أنّه نغرم حقّ الطالب، لأنّ كلّ واحد من الحقّين متميّز عن الآخر، و أنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب، و لا نغرم للزوج. و الفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد، فإنّه له أن يسافر بها، و إذا لم ينفرد الزوج باليد، لم يؤثّر طلبه علي الانفراد.

و للشافعيّة ثلاثة أقوال(3) كالاحتمالات.

و لو كان زوج الأمة عبدا، فلها خيار الفسخ إذا [عتقت] [1] فإن فسخت النكاح، لم يغرم المهر، لأنّ الحيلولة حصلت بالفسخ، و إن لم تفسخ، غرم المهر.

و لا بدّ من حضور السيّد و الزوج معا و طلب الزوج المرأة و السيّد المهر، فإن انفرد أحدهما، لم يغرم، لأنّ البضع ليس ملك السيّد، و المهر غير مملوك للعبد.7.

ص: 368


1- المهذّب - للشيرازي - 263:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
2- العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
3- العزيز شرح الوجيز 571:11، روضة الطالبين 527:7.
مسألة 217: لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت، وجب عليها أن تتوب،

فإن لم تفعل، حبست دائما، و ضربت أوقات الصلوات، عندنا، و قتلت، عند العامّة علي ما سيأتي.

فإن جاء زوجها و طلبها، لم تردّ عليه، لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلا ثمّ ارتدّت، فوجب حبسها، و يردّ عليه مهرها، لأنّه حلنا بينه و بينها بالحبس.

و عند العامّة إن جاء قبل القتل، ردّ عليه مهرها، للحيلولة بينه و بينها بالقتل، و إن جاء بعد قتلها، لم يردّ عليه شيء، لأنّا لم نحل بينه و بينها عند طلبه لها(1).

و لو ماتت مسلمة قبل الطلب، فلا غرم، لأنّه لا منع بعد الطلب. و كذا لو مات الزوج قبل طلبها، لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.

و لو مات أحدهما بعد المطالبة، وجب ردّ المهر عليه، لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة، فإن كانت هي الميّتة، ردّ المهر عليه، و إن كان هو الميّت، ردّ المهر علي ورثته.

و لو قتلت قبل الطلب، فلا غرم، كما لو ماتت، و إن قتلت بعده، ثبت الغرم.

ثمّ قال الجويني: إنّ الغرم علي القاتل، لأنّه المانع بالقتل(2).

و فصّل بعضهم بأنّه إن قتلها علي الاتّصال بالطلب، فالحكم ما ذكره، و إن تأخّر القتل، فقد استقرّ الغرم علينا بالمنع، فلا أثر للقتل بعده، و في الحالين لا حقّ للزوج فيما علي القاتل من القصاص أو الدية، لأنّه

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 569:11، روضة الطالبين 526:7.
2- العزيز شرح الوجيز 571:11، روضة الطالبين 528:7.

لا يرثها(1).

و لو جرحها جارح قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج و قد انتهت إلي حركة المذبوحين، فهو كالطلب بعد الموت.

و إن بقيت فيها حياة مستقرّة، فالغرم علي الجارح، لأنّ فواتها يستند إلي الجرح، أو في بيت المال، لحصول المنع في الحياة ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: الثاني، و لا يسقط الغرم(2).

و لو طلّقها الزوج بعد قدومها مسلمة، فإن كان بائنا أو خلعا قبل المطالبة، لم يجب ردّ المهر إليه، لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام، فقد تركها باختياره، و إن كان بعد المطالبة، ردّ إليه، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة و الحيلولة.

و إن كان رجعيّا، لم يكن له المطالبة بالمهر، لأنّه أجراها إلي البينونة، أمّا لو راجعها، فإنّه يردّ عليه المهر مع المطالبة، لأنّ له الرجعة في الرجعي، و إنّما حال بينهما الإسلام.

و لو ملكها بشرط أن تطلّق نفسها علي الفور، فكالطلاق البائن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لو طلّقها رجعيّا، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة، لأنّ الرجعة فاسدة، فلا معني لاشتراطها(3).

و هو ممنوع، لتضمّن الرجعة قصد الإمساك و إن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلة.

مسألة 218: لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها و أسلم، نظر،

فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها، كان علي النكاح، لأنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 571:11-572، روضة الطالبين 528:7.
2- العزيز شرح الوجيز 572:11، روضة الطالبين 528:7.
3- العزيز شرح الوجيز 572:11، روضة الطالبين 528:7.

زوجها، فقال علي عليه السّلام: «أ تسلم ؟» قال: لا، ففرّق بينهما، ثمّ قال: «إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك، و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب»(1).

إذا عرفت هذا، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة، ردّت إليه، و وجب عليه ردّ مهرها إليها، لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة و قد زالت.

و لو أسلم بعد انقضاء عدّتها، لم يجمع بينهما و بانت منه.

ثمّ إن كان قد طالب بالمهر قبل انقضاء عدّتها، كان له المطالبة، لأنّ الحيلولة حصلت قبل إسلامه. فإن لم يكن طالب قبل انقضاء العدّة، لم يكن له المطالبة بالمهر، لأنّه التزم حكم الإسلام، و ليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.

و لو كانت غير مدخول بها و أسلمت ثمّ أسلم، لم يكن له المطالبة بمهرها، لأنّه أسلم بعد البينونة، و حكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.

مسألة 219: كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من المسمّي في العقد و المقبوض،
اشارة

فإن كان المقبوض أقلّ من المسمّي، لم تجب الزيادة علي ما دفعه، لقوله تعالي وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا (2) و إن كان المقبوض أكثر، كان الزائد هبة، فلا يجب ردّها.

فإن اختلفا في المقبوض، كان القول قولها مع اليمين و عدم البيّنة.

قال الشيخ رحمه اللّه: فإن أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ

ص: 371


1- التهذيب 301:7-1257، الإستبصار 182:3-661.
2- الممتحنة: 10.

المقبوض كان أكثر، كان له الرجوع بالفضل(1).

و في هذا الإطلاق نظر، فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين، لم يكن له الرجوع بشيء.

تنبيهان:
الأوّل: كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ للمصالح،

لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: محلّ الغرم خمس الخمس المعدّ للمصالح. و الثاني: إن كان للمرأة مال، أخذ منها(2).

الثاني: لو شرطنا في الصلح ردّ من جاء مطلقا، لم يصحّ علي ما تقدّم.

فإذا بطل، لم يردّ من جاءنا منهم، رجلا كان أو امرأة، و لا يردّ البدل عنها بحال، لأنّ البدل استحقّ بشرط، و هو مفقود هنا، كما لو جاءنا من غير هدنة.

مسألة 220: لو قدم إلينا عبد فأسلم، صار حرّا، فإذا جاء سيّده يطلبه،

لم يجب ردّه و لا ردّ ثمنه، لأنّه صار حرّا بالإسلام، و لا دليل علي وجوب ردّ ثمنه.

و إذا عقد الإمام الهدنة ثمّ مات، وجب علي من بعده من الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأوّل إلي أن يخرج مدّة الهدنة، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّه معصوم فعل مصلحة، فوجب علي القائم بعده تقريرها إلي وقت خروج

ص: 372


1- المبسوط - للطوسي - 55:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 262:2، العزيز شرح الوجيز 568:11، روضة الطالبين 525:7.

مدّتها.

و إذا نزل الإمام علي بلد و عقد معهم صلحا علي أن يكون البلد لهم و يضرب علي أرضهم خراجا يكون بقدر الجزية و يلتزمون أحكامنا و يجريها عليهم، كان ذلك جائزا، و يكون ذلك في الحقيقة جزية، فإذا أسلم واحد منهم، سقط عنه ما ضرب علي أرضه من الصلح، و صارت الأرض عشريّة، لأنّ الإسلام يسقط الجزية.

و لو شرط عليهم أن يأخذ منهم العشر من زرعهم علي أنّه متي [1] قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية، كان جائزا، فإن غلب في ظنّه أنّ العشر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية، لا يجوز أن يعقد عليه.

و إن أطلق و لا يغلب علي ظنّه الزيادة و النقصان، قال الشيخ: الظاهر من المذهب جوازه، لأنّه من فروض الإمام، فإذا فعله، كان صحيحا، لأنّه معصوم(1).

مسألة 221: إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال أو غيرهما، لم يمض،

و وجب نقضه، لكن لا يجوز اغتيالهم، بل يجب إنذارهم و إعلامهم أوّلا. و إذا وقع صحيحا، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلي انقضاء المدّة أو صدور خيانة [2] منهم تقتضي الانتقاض.

و لو عقد نائب الإمام عقدا فاسدا، كان علي من بعده نقضه.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان فساده من طريق الاجتهاد، لم يفسخه،

ص: 373


1- المبسوط - للطوسي - 56:2.

و إن كان بنصّ أو إجماع، فسخه(1).

و ينبغي للإمام إذا عاهد أن يكتب كتابا يشهد عليه علي عقد الهدنة ليعمل به من بعده. و لا بأس أن يقول فيه: لكم ذمّة اللّه و ذمّة رسوله و ذمّتي. و مهما صرحوا بنقض العهد و قاتلوا المسلمين أو آووا عينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا، فقد انتقض عهدهم.

البحث السادس: في تبديل أهل الذمّة دينهم، و نقض العهد.
مسألة 222: إذا انتقل ذمّيّ تقبل منه الجزية - كاليهودي أو النصراني أو المجوسي
اشارة

- إلي دين يقرّ أهله عليه بالجزية، كاليهودي يصير نصرانيّا أو مجوسيّا، أو [1] بالعكس، لعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يقبل منه ذلك، و لا يجب قتله، بل يجوز إقراره بالجزية، لأنّ الكفر كالملة الواحدة.

و الثاني: لا يقرّ، لقوله عليه السّلام: «من بدّل دينا فاقتلوه»(2) و لقوله تعالي:

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (3) .

ص: 374


1- العزيز شرح الوجيز 560:11، روضة الطالبين 522:7.
2- صحيح البخاري 75:4، المستدرك - للحاكم - 538:3-539، سنن ابن ماجة 848:2-2535، سنن أبي داود 126:4-4351، سنن الترمذي 4: 59-1458، سنن النسائي 104:7، سنن الدار قطني 108:3-90، مسند أبي داود الطيالسي: 350-2689، مسند أحمد 358:1-1874، و 465 - 466-2547 و 2548. و فيها جميعا: «من بدّل دينه..».
3- آل عمران: 85.

فعلي الأوّل قال الشيخ: لو انتقل إلي بعض المذاهب، أقرّ علي جميع أحكامه. و إن انتقل إلي المجوسية، فمثل ذلك غير أنّا علي أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال و لا أكل ذبائحهم. و من أجاز أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول: إن انتقل إلي اليهوديّة أو النصرانيّة(1) ، أكلت ذبيحته، و إن انتقل إلي المجوسيّة، لا تؤكل و لا يناكح.

قال: و إذا قلنا: لا يقرّ علي ذلك - و هو الأقوي عندي - فإنّه يصير مرتدّا عن دينه(2).

تذنيب: إذا قلنا: لا يقرّ عليه، فبأيّ شيء يطالب ؟

منهم من يقول: إنّه يطالب بالإسلام لا غير، لاعترافه ببطلان ما كان عليه، و ما عدا دين الإسلام باطل، فلا يقرّ عليه(3).

و منهم من يقول: إنّه يطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل(4).

و قوّي الشيخ رحمه اللّه الأوّل(5). فعليه إن لم يرجع إلاّ إلي دينه الأوّل، قتل، و لم ينفذ إلي دار الحرب، لما فيه من تقوية أهل الحرب.

و لو انتقل من لا يقرّ علي دينه إلي دين من يقرّ أهله عليه، كالوثني ينتقل إلي التهوّد أو التنصّر، الأقوي: ثبوت الخلاف السابق فيه.

و لو انتقل الذمّيّ إلي دين لا يقرّ أهله عليه، لم يقرّ عليه إجماعا.

و ما الذي يقبل منه ؟ قيل: لا يقبل منه إلاّ الإسلام(6) - و قوّاه الشيخ(7) -

ص: 375


1- في «ق، ك» و المصدر: و النصرانيّة.
2- المبسوط - للطوسي - 57:2.
3- الحاوي الكبير 376:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2.
4- الحاوي الكبير 376:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2.
5- المبسوط - للطوسي - 57:2.
6- الحاوي الكبير 377:14.
7- المبسوط - للطوسي - 57:2.

للآية(1) و الخبر(2)الحاوي الكبير 377:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2، حلية العلماء 6:

434-435.(3).

و قيل: يقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه، لأنّه انتقل من دين يقرّ أهله عليه إلي ما لا يقرّ أهله عليه، فيقبل منه(3).

و استبعده ابن الجنيد و قال: لا يقبل منه إلاّ الإسلام، لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه، و صار حكمه حكم المرتدّ.

و قيل: يقبل منه الإسلام، أو الرجوع إلي دينه الأوّل، أو الانتقال إلي دين يقرّ أهله عليه، لأنّ الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة، لأنّ جميعها كفر. و هو الأظهر عند الشافعيّة(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و أمّا أولاده: فإن كانوا كبارا، أقرّوا علي دينهم، و لهم حكم نفوسهم، و إن كانوا صغارا، نظر في الأمّ، فإن كانت علي دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية، أقرّ ولده الصغير في دار الإسلام، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت، و إن كانت علي دين لا يقرّ أهله عليه، كالوثنيّة و غيرها، فإنّهم يقرّون أيضا، لما سبق لهم من الذمّة، و الامّ لا يجب عليها القتل(5).

مسألة 223: إذا عقد الإمام الهدنة، وجب عليه الوفاء

بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلاف نعلمه، لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6) و قال تعالي فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلي مُدَّتِهِمْ (7).

ص: 376


1- آل عمران: 85.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 374، الهامش
3- .
4- الحاوي الكبير 377:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2، حلية العلماء 6: 434-435.
5- المبسوط - للطوسي - 57:2-58.
6- المائدة: 1.
7- التوبة: 4.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كان بينه و بين قوم عهد فلا يشدّ عقدة و لا يحلّها حتي ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم علي سواء»(1).

و لو شرع المشركون في نقض العهد، فإن نقض الجميع، وجب قتالهم، لقوله تعالي فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (2).

و إن نقض بعض، نظر فإن أنكر عليهم الباقون بقول أو فعل ظاهر، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا منكرون لفعلهم مقيمون علي العهد، كان العهد [1] باقيا في حقّه.

و إن سكتوا علي ما فعل الناقضون و لم يوجد إنكار و لا تبرّ من ذلك، كانوا كلّهم ناقضين للعهد، لأنّ سكوتهم دالّ علي الرضا به، كما لو عقد بعضهم الهدنة و سكت الباقون، دلّ علي رضاهم، كذا هنا.

فإذا نقض الجميع، غزاهم الإمام و بيّتهم و أغار عليهم، و يصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. و إن كان من بعض، غزا الإمام الناقضين دون الباقين علي العهد. و لو كانوا ممتزجين، أمرهم الإمام بالتمييز ليأخذ من نقض. و لو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نقض، قتله، و من لم يعترف بذلك، لم يقتله و قبل قوله، لتعذّر معرفته إلاّ منه.

و لو نقضوا العهد ثمّ تابوا عنه، قال ابن الجنيد: أري القبول منهم.

مسألة 224: لو خاف الإمام من خيانة المهادنين و غدرهم بسبب أو أمارة دلّته علي ذلك، جاز له نقض العهد.

ص: 377


1- سنن أبي داود 83:3-2759، سنن البيهقي 231:9، مسند أحمد 5: 522-18943.
2- التوبة: 7.

قال اللّه تعالي وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلي سَواءٍ (1) يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتي تصير أنت و هم سواء في العلم.

و لا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتي يكون عن أمارة تدلّ علي ما خافه.

و لا تنتقض الهدنة بنفس الخوف، بل للإمام نقضها، و هذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة، فإن عقد الذمّة لا ينتقض بذلك، لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب، و لهذا يجب علي الإمام إجابتهم عليه، و عقد الهدنة و الأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم، فافترقا.

و لأن عقد الذمّة آكد، لأنّه عقد معاوضة و مؤبّد، بخلاف الهدنة و الأمان، و لهذا لو نقض بعض أهل الذمّة و سكت الباقون، لم ينتقض عهدهم، و لو كان في الهدنة، انتقض.

و لأنّ أهل الذمّة في قبضة الإمام و لا يخشي الضرر كثيرا من نقضهم، بخلاف أهل الهدنة، فإنّ الإمام يخاف منهم الغارة علي المسلمين و الضرر الكثير.

مسألة 225: إذا انتقضت 1 الهدنة لخوف الإمام و نبذ إليهم عهدهم، ردّهم إلي مأمنهم،

و صاروا حربا. فإن لم يبرحوا عن حصنهم، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم، لأنّهم في منعتهم [2] كما كانوا قبل العقد. و إن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين، ردّهم الإمام إلي مأمنهم، لأنّهم دخلوا إليه

ص: 378


1- الأنفال: 58.

من مأمنهم، فعليه (أن يردّهم) [1] إليه، و إلاّ لكان خيانة من المسلمين، و اللّه لا يحبّ الخائنين.

فإذا زال عقد الهدنة، نظر فيما زال به، فإن لم يتضمّن وجوب حقّ عليه، مثل أن يأوي لهم عينا أو يخبرهم بخبر المسلمين و يطلعهم علي عوراتهم، ردّه إلي مأمنه، و لا شيء عليه. و إن كان يوجب حقّا، فإن كان لآدميّ، كقتل نفس أو إتلاف مال، استوفي ذلك منه، و إن كان للّه تعالي محضا، كحدّ الزنا و الشرب، أقيم عليه أيضا، عندنا، خلافا للعامّة(1) ، و إن كان مشتركا، كالسرقة، أقيم عليه، عندنا. و للعامّة قولان(2).

مسألة 226: إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين، كان عليه أن يذبّ عنهم

كلّ من لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. و لو عقد الهدنة لقوم منهم، كان عليه أن يكفّ عنهم كلّ [2] من يجري عليه أحكامه من المسلمين و أهل الذمّة، و ليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب و لا بعضهم عن بعض.

و الفرق: أنّ عقد الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم، فكانوا كالمسلمين، و الهدنة عقد أمان لا يتضمّن جري الأحكام، فاقتضي أن يأمن من جهته من يجري عليه حكم [3] الإمام دون غيره.

فإن شرط الإمام في عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام - كالعراق - أو في طرف بلاد الإسلام، كان

ص: 379


1- المهذّب - للشيرازي - 264:2، الشرح الكبير 574:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 264:2، الشرح الكبير 574:10، حلية العلماء 7: 722-723.

الشرط فاسدا، لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام، فلا يجوز أن يشترط خلافه. و إن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام و دار الحرب، كان الشرط جائزا، لعدم تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.

إذا ثبت هذا، فمتي قصدهم أهل الحرب و لم يدفعهم عنهم حتي مضي حول، فلا جزية عليهم، لأنّ الجزية تستحقّ بالدفع، فإن سباهم أهل الحرب، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال، لأنّ عليه حفظ أموالهم.

فإن كان في جملته خمر أو خنزير، لم تلزمه استعادته [1]، لأنّه لا يحلّ إمساكه.

و إذا أغار أهل الحرب علي أهل الهدنة و أخذوا أموالهم و ظفر الإمام بأهل الحرب و استنقذ أموال أهل الهدنة، قال الشافعي: يردّها الإمام عليهم(1).

و كذا إذا اشتري مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة، وجب ردّه عليهم، لأنّه في عهد منه، فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم، كأهل الذمّة.

و قال أبو حنيفة: لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم، لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم، كما لو أغار أهل الحرب علي أهل الحرب(2).1.

ص: 380


1- المهذّب - للشيرازي - 257:2، العزيز شرح الوجيز 577:11، روضة الطالبين 531:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 88:10، العزيز شرح الوجيز 577:11.

و قول أبي حنيفة فيه قوّة.

مسألة 227: إذا انتقض العهد، جاز قصد بلدهم و تبييتهم و الإغارة عليهم في بلادهم

إن علموا أنّ ما أتوا به ناقض للعهد. و إن لم يعلموا، فكذلك الحكم، أو لا يقاتلون إلاّ بعد الإنذار للشافعيّة وجهان(1).

و الأولي أنّه إذا لم يعلموا أنّه خيانة، لا ينتقض العهد إلاّ إذا كان المأتيّ به ممّا لا يشكّ في مضادّته للهدنة، كالقتال.

فأمّا من دخل دارا بأمان أو مهادنة، فلا يغتال و إن انتقض عهده، بل يبلغ المأمن.

و لو(2) نقض السوقة العهد و لم يعلم الرئيس و الأشراف بذلك، احتمل النقض في حقّ السوقة، و عدمه، لأنّه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو نقض الرئيس و امتنع الأتباع و أنكروا، ففي الانتقاض في حقّهم للشافعي قولان، أحدهما: الانتقاض، لأنّه لم يبق العهد في حقّ المتبوع فلا يبقي في حقّ التابع(4).

هذا حكم نقض عهد(5) الهدنة، و أمّا نقض الذمّة: فنقضه من البعض ليس بنقض من الباقين، و قد سلف الفرق.

و المعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين و يلحقه بأوّل بلاد الكفر(6) ، و لا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلاّ أن يكون بين

ص: 381


1- العزيز شرح الوجيز 560:11، روضة الطالبين 522:7.
2- في «ق»: «و إن» بدل «و لو».
3- العزيز شرح الوجيز 562:11، روضة الطالبين 523:7.
4- العزيز شرح الوجيز 562:11، روضة الطالبين 523:7.
5- كلمة «عهد» لم ترد في «ق، ك».
6- في «ق»: الكفّار.

أوّل بلاد الكفر و بلده الذي يسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلي المرور عليه.

و إذا هادنه الإمام مدّة لضعف و خوف ثمّ زال الخوف و قوي المسلمون، وجب البقاء عليه، لقوله تعالي فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلي مُدَّتِهِمْ (1) و إن كانت المدّة عشر سنين.

و يجب علي الذين هادنّاهم الكفّ عن قبيح القول و العمل في حقّ المسلمين و بذل الجميل منهما. و لو كانوا يكرمون المسلمين فصاروا يهينونهم، أو يضيفون الرسل و يصلونهم فصاروا يقطعونهم، أو يعظّمون كتاب الإمام فصاروا يستخفّون، أو نقصوا عمّا كانوا يخاطبونه به، سألهم الإمام عن سبب فعلهم، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله، قبله، و إن لم يذكروا عذرا، أمرهم بالرجوع إلي عادتهم، فإن امتنعوا، أعلمهم بنقض الهدنة و نقضها، عند الشافعيّة(2).

و سبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله تنتقض به الهدنة كالذمّة، عند الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة فيهما(4).

مسألة 228: لو كان تحت كافر عشر زوجات فأسلمن و هاجرن و جاء الزوج يطلبهنّ،

أمر باختيار أربع منهنّ، و يعطي مهورهنّ، سواء اختار الأكثر مهرا أو الأقلّ، و سواء اختار من دفع إليهنّ المهر أو بعضه أو من لم يدفع إليهنّ، فإذا اختار من لم يدفع إليهنّ شيئا، لم يرجع بشيء.

و لو جاءت مستولدة، فهي كالأمة.

ص: 382


1- التوبة: 4.
2- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11، روضة الطالبين 7: 523-524.
3- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11.
4- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11.

و أمّا المكاتبة: فإن اقتضي الحال عتقها، فكذلك، و تبطل الكتابة، و إلاّ فهي علي كتابتها. فإن أدّت مال الكتابة، عتقت بالكتابة. قال الشافعي:

و للسيّد الولاء(1). فإن عجزت و رقّت، حسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها، و لا يحسب منه ما أخذ قبل الإسلام.

مسألة 229: لو عقدنا الهدنة بشرط أن يردّوا من جاءهم منّا مرتدّا و يسلّموه إلينا،

وجب عليهم الوفاء بما التزموه، فإن امتنعوا، كانوا ناقضين للعهد.

و إن عقدنا بشرط أن لا يردّوا من جاءهم، ففي الجواز إشكال.

و للشافعي قولان:

أشهرهما: الجواز، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله شرط ذلك في مهادنة قريش(2).

و الثاني: المنع، لإعلاء الإسلام، و إقامة حكم المرتدّين [عليه](3)(4).

و قال بعضهم: هذا الشرط يصحّ في حقّ الرجال دون النساء كما لو شرط ردّ من جاءنا مسلما، لأنّ الإبضاع يحتاط لها، و يحرم علي الكافر من المرتدّة ما يحرم علي المسلم(5).

فإن أوجبنا الردّ، فالذي عليهم التمكين و التخلية دون التسليم.

ص: 383


1- الحاوي الكبير 366:14، العزيز شرح الوجيز 574:11، روضة الطالبين 7: 530.
2- المغازي - للواقدي - 611:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، دلائل النبوّة - للبيهقي - 147:4، صحيح البخاري 242:3، صحيح مسلم 3: 1411-1784.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: حكمهم. و ما أثبتناه من المصادر.
4- الحاوي الكبير 367:14، العزيز شرح الوجيز 575:11، روضة الطالبين 530:7.
5- الحاوي الكبير 367:14، العزيز شرح الوجيز 575:11، روضة الطالبين 530:7.

و كذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرّض لردّ من ارتدّ بالنفي و الإثبات.

و حيث لا يجب عليهم التمكين و لا التسليم فعليهم مهر من ارتدّ من نساء المسلمين، و قيمة من ارتدّ من رقيقهم، و لا يلزمهم غرم من ارتدّ من الرجال الأحرار.

و لو عاد المرتدّون إلينا، لم نردّ المهر، و رددنا القيمة، لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم و النساء لا يصرن زوجات.

و حيث يجب التمكين دون التسليم فمكّنوا، فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلي المطلوبين أو لم نصل. و حيث يجب التسليم فنطالبهم به عند الإمكان.

فإن فات التسليم بالموت، فعليهم الغرم.

و إن هربوا نظر إن هربوا قبل القدرة علي التسليم، فلا يغرمون، أو بعدها، فيغرمون.

و لو هاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة و طلبها زوجها و جاءتهم امرأة منّا مرتدّة، لا نغرم لزوج المسلمة المهر، و لكن نقول له: واحدة بواحدة، و نجعل المهرين قصاصا، و يدفع الإمام المهر إلي زوج المرتدّة، و يكتب إلي زعيمهم ليدفع مهرها إلي زوج المهاجرة المسلمة.

هذا إن تساوي القدران، و لو كان مهر المهاجرة أكثر، صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلي زوجها و الباقي إلي زوج المهاجرة. و إن كان مهر المرتدّة أكثر، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلي زوجها و الباقي إلي زوج المرتدّة.

ص: 384

و بهذه المقاصّة فسّر أكثر الشافعيّة(1) قوله تعالي وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَي الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا (2).

و لو قال زوج المسلمة: لا ذنب لي في التحاق المرتدّة بدار المهادنين فلم منعتموني حقّي، قلنا: ليس لك حقّ علي قياس أعواض المتلفات، و إنّما نغرم لك بحكم المهادنة، و أهل المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد.

البحث السابع: في الحكم بين المعاهدين و المهادنين.
مسألة 230: إذا تحاكم إلينا أهل الذمّة بعضهم مع بعض، تخيّر الحاكم

بين الحكم بينهم علي مقتضي حكم الإسلام و بين الإعراض عنهم - و به قال مالك(3) - لقوله تعالي فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (4).

و لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم و إن شاء تركهم»(5).

و لأنّهما لا يعتقدان صحّة الحكم، فأشبها المستأمنين.

و قال المزني: يجب الحكم - و للشافعي قولان - لقوله تعالي:

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 576:11، روضة الطالبين 531:7.
2- الممتحنة: 11.
3- أحكام القرآن - لابن العربي - 620:2، الجامع لأحكام القرآن 184:6، العزيز شرح الوجيز 103:8.
4- المائدة: 42.
5- التهذيب 300:6-839.

وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (1) و الأمر للوجوب.

و لأنّ دفع الظلم عنهم واجب علي الإمام، و الحكم بينهم دفع لذلك عنهم، فلزمهم [1] كالمسلمين(2).

و آيتنا أخصّ، و القياس باطل، لأنّ المسلمين يعتقدون صحّة الحكم.

و لو تحاكم إلينا ذمّيّ مع مسلم أو مستأمن مع مسلم، وجب علي الحاكم أن يحكم بينهما علي ما يقتضيه حكم الإسلام، لأنّه يجب عليه حفظ المسلم من ظلم الذمّي، و بالعكس.

و لو تحاكم إلينا مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة، لم يجب علي الحاكم أن يحكم بينهما إجماعا، لأنّه لا يجب علي الإمام دفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الذمّة. و لأنّ أهل الذمّة آكد حرمة، فإنّهم يسكنون دار الإسلام علي التأبيد.

مسألة 231: إذا استعدي أحد الخصمين إلي الإمام، أعداه علي الآخر

في كلّ موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما، فإذا استدعي خصمه، وجب عليه الحضور إلي مجلس الحكم، لأنّ هارون بن حمزة سأل الصادق عليه السّلام:

رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة، فقضي بينهما حاكم من حكّامهما بجوز فأبي الذي قضي عليه أن يقبل، و سأل أن يردّ إلي حكم المسلمين، قال: «يردّ إلي حكم المسلمين»(3).

ص: 386


1- المائدة: 49.
2- الحاوي الكبير 385:14-386، الوجيز 15:2، العزيز شرح الوجيز 8: 103، الوسيط 138:5-139، روضة الطالبين 490:5-491، المغني 10: 190، التفسير الكبير 235:11، الجامع لأحكام القرآن 184:6.
3- التهذيب 301:6-842.

و يجب إذا حكم بينهم أن يحكم بحكم المسلمين، لقوله تعالي:

وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (1) و قال تعالي وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ (2).

و لو جاءت ذمّيّة تستعدي علي زوجها الذمّيّ في طلاق أو ظهار أو إيلاء، تخيّر في الحكم بينهم و الردّ إلي أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم. فإن حكم بينهم، حكم بحكم الإسلام، و يمنعه في الظهار من أن يقربها حتي يكفّر. و لا يجوز له أن يكفّر بالصوم، لافتقاره إلي نيّة القربة، و لا بالعتق، لتوقفه علي ملك المسلم، و هو لا يتحقّق في طرفه إلاّ أن يسلم في يده أو يرثها، بل بالإطعام.

مسألة 232: يجوز للمسلم أخذ مال من نصرانيّ مضاربة،

و لا يكره ذلك، لأنّ المسلم لا يتصرّف إلاّ فيما يسوغ.

و يكره للمسلم أن يدفع إلي المشرك مالا مضاربة، لأنّ الكافر قد يتصرّف بما لا يسوغ في الشرع، فإن فعل، صحّ القراض.

و ينبغي له إذا دفع إليه المال أن يشترط عليه أن لا يتصرّف إلاّ بما يسوغ في شرعنا، فإن شرط عليه ذلك فابتاع خمرا أو خنزيرا، فالشراء باطل، سواء ابتاعه بعين المال أو في الذمّة، لأنّه خالف الشرط. و لا يجوز له أن يقبض الثمن، فإن قبض الثمن، ضمنه.

و إن لم يشترط عليه ذلك بل دفع المال إليه مطلقا فابتاع ما لا يجوز ابتياعه، فالبيع باطل، فإن دفع الثمن، فعليه الضمان أيضا، لأنّه ابتاع ما ليس بمباح عندنا.

و إطلاق العقد يقتضي أن يبتاع لربّ المال ما يملكه ربّ المال،

ص: 387


1- المائدة: 42.
2- المائدة: 49.

فإذا [1] خالف، ضمن.

فإن باع المضارب و نضّ المال، فإن علم ربّ المال أنّه تصرّف في محظور، أو خالط محظورا، لم يجز له قبضه، كما لو اختلطت أخته بأجنبيّات، و إن علم أنّه عين المباح، قبضه، و إن شكّ، جاز علي كراهة.

و لو أكري نفسه من ذمّيّ، فإن كانت الإجارة في الذمّة، صحّ، لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته. و إن كانت معيّنة، فإن استأجره ليخدمه شهرا أو يبني له شهرا، صحّ أيضا. و تكون أوقات العبادة مستثناة منها.

مسألة 233: لو فعل الذمّيّ ما لا يجوز في شرع الإسلام و لا في شرعهم

- كالزنا و اللواط و السرقة و القتل و القطع - كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود، لأنّهم عقدوا الذمّة بشرط أن يجري عليهم أحكام المسلمين.

و إن كان ما يجوز في شرعهم - كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و نكاح المحارم - لم يتعرّض لهم ما لم يظهروه، لأنّا نقرّهم عليه، و ترك التعرّض لهم فيه، لأنّهم عقدوا الذمّة و بذلوا الجزية علي هذا. فإن أظهروا ذلك و أعلنوه، منعهم الإمام و أدّبهم علي إظهاره.

قال الشيخ: و قد روي أصحابنا أنّه يقيم عليهم الحدّ بذلك، و هو الصحيح(1).

و لو جاء نصرانيّ باع من مسلم خمرا أو اشتري منه خمرا، أبطلناه بكلّ حال تقابضا أو لا، و رددنا الثمن إلي المشتري. فإن كان مسلما، استرجع الثمن، و أرقنا الخمر، لأنّا لا نقضي علي المسلم بردّ الخمر، و جاز إراقتها، لأنّ الذمّيّ عصي بإخراجها إلي المسلم، فيعاقب بإراقتها عليه. و إن

ص: 388


1- المبسوط - للطوسي - 61:2.

كان المشتري المشرك، رددنا إليه الثمن، و لا نأمر الذمّيّ بردّ الخمر، بل يريقها، لأنّها ليست كمال الذمّيّ.

و نمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن، فإن اشتري، لم يصح البيع.

و قال بعض الشافعيّة: يملكه و يلزم البيع(1).

و الأوّل أنسب بإعظام القرآن.

قال الشيخ: و كذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و آثار السلف و أقاويلهم - و الأقوي عندي الكراهة - أمّا كتب النحو و اللغة و الشعر و باقي الأدب: فإنّ شراءها جائز لهم، إذ لا حرمة لها(2).

مسألة 234: لو أوصي مسلم لذمّي بعبد مسلم، لم تصحّ الوصيّة،

لأنّ المشرك لا يملك المسلم.

و قال بعض الناس(3): تصحّ الوصيّة، و تلزم برفع اليد عنه، كما لو ابتاعه.

فعلي هذا لو أسلم و قبل الوصيّة، صحّ، و ملكه بعد موت الموصي.

و علي الأوّل لا يملكه و إن أسلم في حياة الموصي، لأنّ الوصيّة وقعت في الأصل باطلة.

و لو كان العبد مشركا فأسلم العبد قبل موت الموصي ثمّ مات، فقبله الموصي له، لم يملكه، لأنّ الاعتبار في الوصيّة حال اللزوم، و هي حالة الوفاة.

و علي القول الثاني يملكه و يرفع يده عنه.

و لو أوصي الذمّي ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم، لم تصحّ،

ص: 389


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، حلية العلماء 118:4، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3.
2- المبسوط - للطوسي - 62:2.
3- كما في المبسوط - للطوسي - 62:2، و انظر: الحاوي الكبير 393:14، و العزيز شرح الوجيز 17:4، و روضة الطالبين 11:3.

لأنّها في معصية.

و كذا لو أوصي أن يستأجر خدما للبيعة و الكنيسة، أو يعمل صلبانا، أو يشتري مصباحا أو يشتري أرضا فيوقف عليها.

و لو أوصي الذمّيّ ببناء كنيسة تنزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم، أو وقفها علي قوم يسكنونها، أو جعل أجرتها للنصاري، جازت الوصيّة، لأنّ نزولهم ليس بمعصية، إلاّ أن تبني لصلواتهم.

و كذا لو أوصي للرهبان بشيء، صحّت الوصيّة، لجواز صدقة التطوّع عليهم.

و لو أوصي أن يكون لنزول المارّة للصلاة فيه، قيل: تبطل الوصيّة في الصلاة، و تصحّ (في نزول) [1] المارّة، فتبني كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة خاصّة، فإن لم يمكن ذلك، بطلت الوصيّة [2].

و قيل: تبني الكنيسة بالثلث، و تكون لنزول المارّة، و يمنعون من الاجتماع للصلاة فيها [3].

و لو أوصي بشيء تكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة، بطلت الوصيّة، لأنّها كتب محرّفة مبدّلة منسوخة.

و خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوما من داره فوجد في يد عمر صحيفة، فقال:

«ما هي ؟» فقال: من التوراة، فغضب عليه و رماها من يده، و قال: «لو كان موسي أو عيسي حيّين لما وسعهما إلاّ اتّباعي»(1).

إذا ثبت [4] هذا، فإنّه يكره للمسلم اجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس و البيع من بناء و نجارة و غير ذلك، و ليس محرّما.ر.

ص: 390


1- الجامع لأحكام القرآن 355:13 باختصار.
الفصل السادس: في قتال أهل البغي
اشارة

الأصل في ذلك قول اللّه تعالي وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمْرِ اللّهِ (1).

قيل: وردت في طائفتين من الأنصار وقع بينهم [قتال] [1] فلمّا نزلت، قرأها عليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فأقلعوا. و ليس فيها تعرّض للخروج و البغي علي الإمام، و لكن إذا أمرنا بقتال طائفة بغت علي طائفة أخري، فلأن نقاتل الذين بغوا علي الإمام إلي أن يفيئوا إلي أمر اللّه أولي(2).

و المراد بالباغي في عرف الفقهاء: المخالف للإمام العادل، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه بالشرائط الآتية. و سمّي باغيا إمّا لتجاوزه الحدّ المرسوم له، و البغي: مجاوزة الحدّ.

و قيل: لأنّه ظالم بذلك، و البغي: الظلم. قال اللّه تعالي ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ (3) أي: ظلم(4).

و قيل: لطلبه الاستعلاء علي الإمام، من قولهم: بغي الشيء، أي: طلبه(5).

مسألة 235: قتال أهل البغي واجب بالنصّ و الإجماع.

ص: 391


1- الحجرات: 9.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11-70.
3- الحجّ: 60.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11.

قال اللّه تعالي فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (1).

و روي العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «من حمل علينا السلاح فليس منّا»(2).

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السّلام: «القتال قتالان: قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتي يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و قتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتي يفيئوا إلي أمر اللّه أو يقتلوا»(3).

و لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة، و قد قاتل علي عليه السّلام ثلاث طوائف: أهل البصرة يوم الجمل: عائشة و طلحة و الزبير و عبد اللّه بن الزبير و غيرهم، و هم الناكثون الذين بايعوه و نكثوا بيعته. و قاتل أهل الشام معاوية و من تابعه، و هم القاسطون، أي: الجائرون. و قاتل أهل النهروان: الخوارج، و هم المارقون، و قد أخبره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال:

«تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و هؤلاء كلّهم عندنا محكوم بكفرهم، لكن ظاهرهم الإسلام. و عند الفقهاء أنّهم مسلمون لكن قاتلوا الإمام العادل، فإنّ الإمامة كانت لعليّ عليه السّلام بعد عثمان عندهم(5).

و الأصل في ذلك: أنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان، فلا يستحقّ7.

ص: 392


1- الحجرات: 9.
2- صحيح البخاري 62:9، صحيح مسلم 98:1 و 99-98 و 100 و 101، سنن ابن ماجة 860:2-2575، مسند أحمد 144:3-9129.
3- التهذيب 114:4-335، و 144:6-247.
4- المستدرك - للحاكم - 140:3.
5- المبسوط - للطوسي - 264:7.

الثواب الدائم إلاّ به.

مسألة 236: قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا الموضع
اشارة

ليعرف الإمام الذي يجب اتّباعه، و يصير الإنسان باغيا بالخروج عليه، و ليست من علم الفقه، بل هي من علم الكلام، فلنذكر كلاما مختصرا، فنقول

يشترط في الإمام أمور:
الأوّل: أن يكون مكلّفا،

فإنّ غيره مولّي عليه في خاصّة نفسه، فكيف يلي أمر الأمّة!

الثاني: أن يكون مسلما ليراعي مصلحة المسلمين و الإسلام،

و ليحصل الوثوق بقوله، و يصحّ الركون إليه، فإنّ غير المسلم ظالم و قد قال اللّه تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (1).

الثالث: أن يكون عدلا، لما تقدّم،

فإنّ الفاسق ظالم و لا يجوز الركون إليه و المصير إلي قوله، للنهي عنه في قوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (2). و لأنّ الفاسق ظالم، فلا ينال مرتبة الإمامة، لقوله تعالي:

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (3) .

الرابع: أن يكون حرّا،

فإنّ العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرّغ للنظر في مصالح المسلمين. و لأنّ الإمامة رئاسة عامّة و العبد مرءوس، و هي من المناصب الجليلة، فلا تليق به.

الخامس: أن يكون ذكرا ليهاب،

و ليتمكّن من مخالطة الرجال،

ص: 393


1- هود: 113.
2- هود: 113.
3- البقرة: 124.

و يتفرّغ للنظر، فإنّ المرأة ناقصة العقل.

السادس: أن يكون عالما،

ليعرف الأحكام و يعلّم الناس، فلا يفوت الأمر عليه بالاستفتاء و المراجعة.

السابع: أن يكون شجاعا،

ليغزو بنفسه، و يعالج الجيوش، و يقوي علي فتح البلاد، و يحمي بيضة الإسلام.

الثامن: أن يكون ذا رأي و كفاية،

لافتقار قيام نظام النوع إليه.

التاسع: أن يكون صحيح السمع و البصر و النطق،

ليتمكّن من فصل الأمور. و هذه الشرائط غير مختلف فيها.

العاشر: أن يكون صحيح الأعضاء،

كاليد و الرّجل و الاذن. و بالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة و سرعة النهوض. و هو أولي قولي الشافعيّة(1).

الحادي عشر: أن يكون من قريش،

لقوله عليه السّلام: «الأئمة من قريش»(2) و هو أظهر قولي الشافعيّة(3).

و خالف فيه الجويني(4) ، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ علي

ص: 394


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11، روضة الطالبين 263:7.
2- المستدرك - للحاكم - 76:4، المصنّف - لابن أبي شيبة - 169:12-170-12438، المعجم الكبير - للطبراني - 252:1-725، سنن البيهقي 121:3، و 144:8، مسند أحمد 29:4-12489، و 579:5-19278.
3- الأحكام السلطانية - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11، روضة الطالبين 262:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11.

الأنصار يوم السقيفة به(1) ، و بذلك أخذت الصحابة بعده.

قالت الشافعيّة: فإن لم يوجد في قريش من يستجمع الصفات المعتبرة، نصب كنانيّ، فإن لم يوجد، فرجل من ولد إسماعيل عليه السّلام(2).

و هو باطل عندنا، لأنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشر عليهم السّلام علي ما يأتي.

ثمّ إنّ قريشا ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، فعلي قولهم: «إذا لم يوجد قرشي، ينبغي نصب كنانيّ» ينبغي أنّه إذا لم يوجد كنانيّ، نصب خزيميّ و هكذا يرتقي إلي أب بعد أب إلي أن ينتهي إلي إسماعيل عليه السّلام.

فإن لم يوجد من ولد إسماعيل من يصلح لذلك، قال بعضهم: يولّي رجل من العجم(3).

و قال بعضهم: يولّي جرهميّ، و جرهم أصل العرب، و فيهم تزوّج إسماعيل عليه السّلام حين أنزله أبوه عليه السّلام أرض مكة. فإن لم يوجد جرهميّ، فرجل من نسل إسحاق(4).

و لا يشترط أن يكون هاشميّا عندهم(5).

الثاني عشر: يجب أن يكون الإمام معصوما عند الشيعة،

لأنّ المقتضي لوجوب الإمامة و نصب الإمام جواز الخطأ علي الأمّة، المستلزم لاختلال النظام، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الاجتماع مظنّة التنازع و التغالب، فإنّ كلّ

ص: 395


1- العزيز شرح الوجيز 71:11، و انظر: تاريخ الطبري 220:3، و الكامل في التاريخ 325:2.
2- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
3- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
4- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.

واحد من بني النوع يشتهي ما يحتاج إليه، و يغضب علي من يزاحمه في ذلك، و تدعوه شهوته و غضبه إلي الجور علي غيره، فيقع من ذلك الهرج و المرج، و يختلّ أمر الاجتماع، مع أنّ الاجتماع ضروريّ لنوع الإنسان، فإنّ كلّ شخص لا يمكنه أن يعيش وحده، لافتقاره إلي غذاء و ملبوس و مسكن، و كلّها صناعيّة لا يمكن أن تصدر عن صانع واحد إلاّ في مدّة لا يمكن أن يعيش تلك المدّة فاقدا لها، أو يتعسر إن أمكن، و إنّما يتيسّر لجماعة يتعاونون و يتشاركون في تحصيلها، يفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك، فيتمّ النظام بمعاوضة عمل بعمل و معاوضة عمل بأجرة، فلهذا قيل: الإنسان مدنيّ بالطبع، فلا بدّ حينئذ من سلطان قاهر، مطاع، نافذ الأمر، متميّز عن غيره من بني النوع، و ليس نصبه مفوضا إليه، و إلاّ وقع المحذور، و لا إلي العامّة، لذلك أيضا، بل يكون من عند اللّه تعالي.

و لا يجوز وقوع الخطأ منه، و إلاّ لوجب أن يكون له إمام آخر، و يتسلسل، فلهذا وجب أن يكون معصوما.

و لأنّه تعالي أوجب علينا طاعته و امتثال أوامره، لقوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) و ذلك عامّ في كلّ شيء، فلو لم يكن معصوما، لجاز أن يأمر بالخطإ، فإن وجب علينا اتّباعه، لزم الأمر بالضدّين، و هو محال، و إن لم يجب، بطل العمل بالنصّ.

و يجب عندهم أن يكون معصوما من أوّل عمره إلي آخره، لسقوط محلّه9.

ص: 396


1- النساء: 59.

عند الناس لولاه.

الثالث عشر: أن يكون منصوصا عليه من اللّه تعالي، أو من النبي صلّي اللّه عليه و آله،

أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ فيهما، لأنّ العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها، فلو لم يكن منصوصا عليه، لزم تكليف ما لا يطاق. و النصّ من اللّه تعالي يعلم إمّا بالوحي علي نبيّه عليه السّلام، أو بخلق معجز [1] علي يده عقيب ادّعائه الإمامة.

الرابع عشر: أن يكون أفضل أهل زمانه، ليتحقّق التميز عن غيره.

و لا يجوز عندنا تقديم المفضول علي الفاضل - خلافا لكثير من العامّة(1) - للعقل و النقل.

أمّا العقل: فإنّ الضرورة قاضية بقبحه.

و أمّا النقل: فقوله تعالي أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (2) و هذه صيغة تعجّب من اللّه تعالي، دالّة علي شدّة الإنكار، لامتناعه في حقّه تعالي.

و الأفضليّة تتحقّق بالعلم و الزهد و الورع و شرف النسب و الكرم و الشجاعة و غير ذلك من الأخلاق الحميدة [2].

الخامس عشر: أن يكون منزّها عن القبائح، لدلالة العصمة عليه.

و لأنّه يكون مستحقّا للإهانة و الإنكار عليه، فيسقط محلّه من قلوب العامّة، فتبطل فائدة نصبه. و أن يكون منزّها عن الدناءات و الرذائل، كاللعب

ص: 397


1- انظر: الأحكام السلطانيّة - للماوردي - 8، و العزيز شرح الوجيز 72:11، و روضة الطالبين 263:7.
2- يونس: 35.

و الأكل في الأسواق و كشف الرأس بين الناس و غير ذلك ممّا يسقط محلّه و يوهن مرتبته. و أن يكون منزّها عن دناءة الآباء و عهر الأمّهات.

و قد خالفت العامّة في ذلك كلّه.

مسألة 237: و إنّما تنعقد الإمامة بالنصّ عندنا علي ما سبق.
اشارة

و لا تنعقد بالبيعة، خلافا للعامّة بأسرهم، فإنّهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة، و وافقونا علي صحّة الانعقاد بالنصّ،

لكنّهم جوّزوا انعقادها بأمور:
أحدها: البيعة

أحدها: البيعة(1).

و اختلفوا في عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم.

فقال بعضهم: لا بدّ من أربعين، لأنّ عهد الإمامة أعظم خطرا من عقد الجمعة، و هذا العدد معتبر في الجمعة عند الشافعيّة ففي البيعة أولي(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يكفي أربعة، لأنّه أكمل نصب الشهادات(3).

و قال بعضهم: ثلاثة، لأنّ الثلاثة مطلق الجمع، فإذا اتّفقوا، لم يجز مخالفة الجماعة(4).

و قال بعضهم: اثنان، لأنّ أقلّ الجمع اثنان(5).

و قال بعضهم: واحد، لأنّ عمر بن الخطّاب بايع أبا بكر أوّلا ثمّ وافقه الصحابة(6).

و قال بعضهم: يعتبر بيعة أهل الحلّ و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه الناس الذين يسهل حضورهم، و لا يشترط اتّفاق أهل الحلّ و العقد في سائر البلاد، بل إذا وصل الخبر إلي أهل البلاد البعيدة، فعليهم الموافقة و المتابعة [1]. و علي هذا فلا يتعيّن للاعتبار عدد، بل لا يشترط العدد، فلو تعلّق الحلّ و العقد بواحد مطاع، كفت بيعته لانعقاد الإمامة(7).

ص: 398


1- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
2- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
3- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
4- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
6- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
7- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.

قالوا: و لا بد و أن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتي لو كان واحدا، شرط ذلك فيه.

و هل يشترط في البيعة حضور شاهدين ؟ وجهان للشافعيّة.

و يشترط في انعقاد البيعة أن يجيب الذين يبايعونه، فإن امتنع، لم تنعقد إمامته(1).

الأمر الثاني: استخلاف الإمام قبله، و عهده إليه،

كما عهد أبو بكر إلي عمر. و انعقد الإجماع بينهم علي جوازه(2).

قالوا: و الاستخلاف أن يجعله خليفة في حياته ثمّ يخلفه بعد موته(3).

و لو أوصي له بالإمامة من بعده، ففيه وجهان عندهم، لأنّه بالموت يخرج عن الولاية، فلا يصحّ منه تولية الغير(4).

و يشكل بأنّ مرادهم بجعله خليفة في حياته إن كان استنابه، فلا يكون عهدا إليه بالإمامة، أو جعله إماما في الحال، فهذا إمّا خلع لنفسه أو اجتماع إمامين في وقت واحد، أو جعله إماما بعد موته، و هذا معني لفظ الوصيّة(5).

و لو جعل الأمر شوري بين اثنين فصاعدا بعده، كان كالاستخلاف، إلاّ أنّ المستخلف غير معيّن، فيحتاج إلي تشاورهم اتّفاقهم علي جعل واحد منهم خليفة، كقضيّة عمر حيث جعل الأمر شوري في ستّة(6).

ثمّ اختلفوا في أنّه هل يشترط في المولّي شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتي لو كان صغيرا أو فاسقا عند العهد، بالغا عدلا عند موت المولّي، لم ينصب إماما إلاّ أن يبايعه أهل الحلّ و العقد؟(7) و بعضهم لم يشترط ذلك(8).

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
2- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
3- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
4- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
5- العزيز شرح الوجيز 73:11-74.
6- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 264:3-265.
7- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
8- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.

و لو عهد إلي غائب مجهول الحياة، لم يصحّ. و لو كان معلوم الحياة، صحّ.

فإن مات المستخلف و هو غائب بعد [استقدمه] [1] أهل الاختيار، فإن بعدت غيبته و استضرّ المسلمون بتأخير النظر في أمورهم، اختار أهل الحلّ و العقد نائبا له يبايعونه بالنيابة دون الخلافة، فإذا قدم، انعزل النائب(1).

و لو خلع الخليفة نفسه، كان كما لو مات، فتنتقل الخلافة إلي وليّ العهد علي خلاف(2).

و يجوز أن يفرق بين أن يقول: الخلافة بعد موتي لفلان، أو بعد خلافتي(3).

و اختلفوا في أنّه هل يجوز العهد إلي الوالد و الولد كما يجوز إلي غيرهما؟ فقال بعضهم بالمنع كالتزكية و الحكم لهما عندهم(4).

و قال آخرون بالفرق بين الوالد و الولد، لأنّ الميل إلي الولد أشدّ(5).

و اختلفوا في أنّ وليّ العهد لو أراد أن ينقل ما إليه من ولاية العهد إلي غيره، لم يجز، لأنّه إنّما يجوز له النظر و تثبت الولاية بعد موت المولي.

و لو عهد إلي اثنين أو أكثر علي الترتيب، فقال: الخليفة بعدي فلان،7.

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
2- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
3- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 10، العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
5- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.

و بعد موته فلان، جاز، و انتقلت الخلافة إليهم علي ما رتّب.

و لو مات الأوّل في حياة الخليفة، فالخلافة بعده للثاني. و لو مات الأوّل و الثاني في حياته، [فهي](1) للثالث علي خلاف، لأنّ المفهوم من اللفظ جعل الثاني خليفة بعد خلافة الأوّل(2).

و لو مات الخليفة و الثلاثة أحياء و صارت الخلافة إلي الأوّل فأراد أن يعهد بها إلي غير الآخرين، فالظاهر من مذهب الشافعي جوازه، لأنّه إذا انتهت الخلافة إليه، صار أملك بها و يوصلها إلي من شاء، بخلاف ما إذا مات و لم يعهد بها إلي أحد، ليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني، و يقدّم عهد الأوّل علي اختيارهم.

و ليس لأهل الشوري أن يعيّنوا واحدا منهم في حياة الخليفة إلاّ أن يأذن لهم في ذلك، فإن خافوا انتشار الأمر بعده، استأذنوه، فإن أذن، فعلوا.

و أنّه يجوز للخليفة أن ينصّ علي من يختار الخليفة بعده، كما يجوز له أن يعهد إلي غيره حتي لا يصحّ إلاّ اختيار من نصّ عليه، كما لا يصحّ إلاّ تقليد من عهد إليه، لأنّهما من حقوق خلافته.

و إذا عهد بالخلافة إلي غيره، فالعهد موقوف علي قبول المولّي(3).

و اختلفوا في وقت القبول.

فقيل: بعد موت المولّي، لأنّه وقت نظره و قيامه بالأمور(4).

و الأصحّ عندهم: أنّ وقته ما بين عهد المولّي و موته(5).66

ص: 401


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: فهو. و ما أثبتناه أنسب بسياق العبارة.
2- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
3- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266
4- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266
5- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266

و قيل: إذا امتنع المولي من القبول فيبايع غيره، فكأنّه لا تولية(1).

و كذا إذا جعل الأمر شوري فترك القوم الاختيار، لا يجبرون عليه، فكأنّه ما جعل الأمر إليهم(2).

الأمر الثالث: القهر و الاستيلاء.

فإذا مات الإمام فتصدّي للإمامة من يستجمع شرائطها من غير استخلاف و بيعة، و قهر الناس بشوكته و جنوده، انعقدت الخلافة، لانتظام الشمل بما فعل(3).

و لو لم يكن مستجمعا للشرائط بل كان فاسقا أو جاهلا، فللشافعيّة وجهان، أظهرهما: أنّ الحكم كذلك و إن كان عاصيا بما فعل(4).

و هذا من أغرب الأشياء إيجاب المعصية(5) ، فهذا كلّه ساقط عندنا، لأنّا قد بيّنّا أنّ الإمامة لا تثبت إلاّ بالنصّ، لوجوب العصمة، و أنّ البيعة لا تصلح للتعيين. قال اللّه تعالي ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (6) و الأمر الثالث أبلغ في المنع و البطلان.

مسألة 238: تجب طاعة الإمام عندنا و عند كلّ أحد أوجب نصب الإمام ما لم يخالف المشروع

- و هذا القيد يفتقر إليه غيرنا حيث جوّزوا إمامة الفاسق - لقوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (7).

و قال عليه السّلام: «من نزع يده من طاعة إمامه فإنّه يأتي يوم القيامة و لا حجّة

ص: 402


1- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
2- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
3- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
4- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
6- القصص: 68.
7- النساء: 59.

له»(1).

و لا فرق عندهم بين أن يكون عادلا أو جائرا(2).

و لا يجوز عندهم نصب إمامين في وقت واحد، لما فيه من اختلاف الرأي و تفرّق الشمل(3).

و جوّز أبو إسحاق من الشافعيّة نصب إمامين في إقليمين، لأنّه قد يحدث في أحد الإقليمين ما يحتاج إلي نظر الإمام و يفوت المقصود بسبب البعد(4).

فإن عقدت البيعة لرجلين معا، فالبيعتان باطلتان. و إن ترتّبتا، فالثانية باطلة. و ينظر إن جهل الثاني و من بايعه تقدم بيعة الأوّل، لم يعزّر، و إلاّ عزّر(5).

و لما روي من قوله عليه السّلام: «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما»(6).

و تأوّله بعضهم بما إذا أصرّ و لم يبايع الأوّل، فإنّه يكون باغيا يقاتل(7).

و قال بعضهم: لا تطيعوه و لا تقبلوا قوله، فيكون كمن مات أو قتل(8).

و لو عرف سبق أحدهما و لم يتعيّن، أو لم يعلم أوقعا معا أو علي التعاقب، فالحكم كالجمعتين.1.

ص: 403


1- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 75:11، و في مسند أحمد 2: 223-5643، و 229-5685 نحوه.
2- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 267:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 75:11-76، روضة الطالبين 267:7.
4- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
5- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
6- صحيح مسلم 1480:3-1853، المستدرك - للحاكم - 156:2، سنن البيهقي 144:8 بتفاوت يسير.
7- العزيز شرح الوجيز 76:11.
8- العزيز شرح الوجيز 76:11.

و لو سبق أحدهما علي التعيين و اشتبه السابق، وقف الأمر إلي أن ينكشف الحال، فإن طالت المدّة أو لم يمكن الانتظار، قال بعض الشافعيّة: تبطل البيعتان، و تستأنف بيعة أحدهما(1). و في جواز العدول إلي غيرهما خلاف(2).

و ذكر أنّه لو ادّعي كلّ منهما أنّه الأسبق، لم تسمع الدعوي و لم يحلف [الآخر] [1] لأنّ الحقّ يتعلّق بجميع المسلمين. و أنّه لو قطعا التنازع و سلّم أحدهما [الأمر] [2] إلي الآخر، لم تستقرّ الإمامة له، بل لا بدّ من بيّنة تشهد بتقدّم بيعته. و أنّه لو أقرّ أحدهما للآخر بتقدّم بيعته، خرج منها المقرّ، و لا بدّ من البيّنة ليستقرّ الأمر للآخر، فإن شهد له المقرّ مع آخر، قبلت شهادته إن كان يدّعي اشتباه الأمر قبل الإقرار، و إن كان يدّعي التقدّم، لم تسمع، لما في القولين من التكاذب(3).

و إذا ثبتت الإمامة بالقهر و الغلبة فجاء آخر فقهره، انعزل، و صار القاهر إماما.

و لا يجوز خلع الإمام بلا سبب و لو خلعوه، لم ينفذ، لأنّ الآراء تتغيّر، فلا نأمن تكرّر التولية و العزل، و في ذلك سقوط الهيبة و الوقع من القلب.

و لو عزل الإمام نفسه، نظر إن عزل للعجز عن القيام بأمور المسلمين من7.

ص: 404


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
2- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.

هرم أو مرض، انعزل عندهم. ثمّ إن ولّي غيره، انعقدت الإمامة لمن ولاّه، و إلاّ بايع الناس غيره.

و إن عزل نفسه من غير عذر، ففي انعزاله وجهان:

أحدهما: ينعزل، و لا يكلّف أن يترك مصلحة نفسه محافظة علي مصلحة غيره، و صار كما لو لم يجب إلي المبايعة ابتداء.

و الثاني: المنع، لما روي أنّ أبا بكر قال: أقيلوني(1). و لو تمكّن من عزل نفسه، لما طلب الإقالة(2).

و قال بعضهم: للإمام أن يعزل وليّ العهد، لأنّ الخلافة لم تنتقل إليه، فلا يخشي من تبديله الفساد و الفتنة(3).

و قال بعضهم: ليس له ذلك ما لم يتغيّر حاله و إن جاز له عزل من استنابه في إشغاله في الحال، لأنّه يستنيبه لنفسه، و استخلاف وليّ العهد يتعلّق بالمسلمين عامّة، فصار كأهل البيعة يبايعون، و لا يعزلون من بايعوه(4).

مسألة 239: الإمام عندنا لا يتحقّق منه صدور الفسق، لأنّه واجب العصمة من أوّل عمره إلي آخره.

أمّا من لم يشترط عصمته، فالأظهر عند الشافعيّة منهم: أنّ الإمام لا ينعزل بالفسق، لأنّهم يجوزون إمامة الفاسق(5) ، فإذا كان لا يمنع الفسق من الابتداء فأولي أن لا يمنع من الاستدامة. و لا ينعزل بالإغماء، لأنّه

ص: 405


1- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 169:1.
2- العزيز شرح الوجيز 76:11-77، روضة الطالبين 267:7-268.
3- العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 11، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.

متوقّع الزوال.

قالوا: و ينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم، و بالجنون(1).

و قال بعضهم: لو كان الجنون منقطعا و كان زمان الإفاقة أكثر و تمكّن معه من القيام بالأمور، لم ينعزل. و ينعزل بالعمي و الصمم و الخرس، و لا ينعزل بثقل السمع و تمتمة اللسان(2).

و بينهم خلاف في أنّهم هل يمنعان ابتداء التولية ؟ و في أنّ قطع إحدي اليدين أو الرّجلين هل يؤثّر في الدوام(3).

مسألة 240:
يثبت وصف البغي بشرائط ثلاثة:
أحدها: أن يكونوا في كثرة و منعة لا يمكن كفّهم و تفريق جمعهم

إلاّ بإنفاق و تجهيز جيوش و قتال، فأمّا إن كانوا نفرا يسيرا كالواحد و الاثنين و العشرة و كيدها كيد ضعيف. فليسوا أهل بغي [1]، و كانوا قطّاع طريق، ذهب إليه الشيخ في المبسوط(4) و ابن إدريس(5) ، و هو مذهب الشافعي(6) لأنّ عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه لمّا جرح عليّا عليه السّلام، قال لابنه الحسن عليه السّلام: «إن برئت رأيت رأيي، و إن مت فلا تمثلوا به»(7).

ص: 406


1- العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
2- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 18، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 18-19، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
4- المبسوط - للطوسي - 264:7.
5- السرائر: 158.
6- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7، المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.
7- الكامل في التاريخ 391:3، المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.

و قال بعض الجمهور: يثبت لهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الإمام(1). و فيه قوّة.

الثاني: أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية،

أمّا لو كانوا معه و في قبضته، فليسوا أهل بغي [1]، لأنّ عليّا عليه السّلام كان يخطب، فقال رجل بباب المسجد: لا حكم إلاّ للّه، تعريضا بعليّ عليه السّلام أنّه حكم في دين اللّه، فقال عليّ عليه السّلام: «كلمة حقّ أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا اسم اللّه فيها، و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدؤكم بقتال»(2) فقوله عليه السّلام: «ما دامت أيديكم معنا» يعني لستم منفردين.

الثالث: أن يكونوا علي المباينة بتأويل سائغ عندهم

بأن تقع لهم شبهة تقتضي الخروج علي الإمام، فأمّا إذا لم يكن لهم تأويل سائغ و باينوا، فهم قطّاع طريق حكمهم حكم المحارب.

و الشافعيّة اعتبروا في أهل البغي صفتين:
إحداهما: أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج علي الإمام،

أو منع الحقّ المتوجّه عليهم، لأنّ من خالف الإمام [2] من غير تأويل، كان معاندا، و من يتمسّك بالتأويل، يطلب الحقّ علي اعتقاده، و لا يكون معاندا، فيثبت له نوع حرمة، كما في حقّ من خرج علي عليّ عليه السّلام حيث اعتقدوا أنّه يعرف قتلة عثمان، و يقدر عليهم و لا يقتصّ منهم، لرضاه

ص: 407


1- المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.
2- تاريخ الطبري 73:5، الكامل في التاريخ 335:3، سنن البيهقي 184:8، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 58، العزيز شرح الوجيز 79:11.

بقتله و مواطأتهم إيّاه.

و كذا مانعو أبي بكر عن الزكاة، حيث قالوا: أمرنا بدفع الزكاة إلي من صلاته سكن(1) لنا، و هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أنت لست كذلك.

و التأويل المشروط في أهل البغي إذا كان بطلانه مظنونا، فهو معتبر. و إن كان بطلانه مقطوعا به، فوجهان:

أظهرهما: أنّه لا يعتبر، كتأويل أهل الردّة.

و الثاني: يعتبر، و يكتفي بغلطهم فيه(2).

قالوا: و لهذا كان معاوية و أصحابه بغاة. و استدلّوا عليه: بقوله عليه السّلام: «إنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية»(3).

ثمّ قالوا: إن شرطنا في البغي أن يكون بطلان التأويل مظنونا، كان معاوية [مبطلا] [1] فيما ذهب إليه ظنّا، و إن شرطنا العلم، قلنا: إنّ معاوية كان مبطلا قطعا(4).

و أمّا الخوارج: فهم صنف مشهور من المبتدعة يعتقدون تكفير أصحاب الكبائر و استحقاق الخلود في النار بها، كشرب الخمر و الزنا و القذف، و يستحلّون دماء المسلمين و أموالهم، إلاّ من خرج معهم، و طعنوا في1.

ص: 408


1- إشارة إلي الآية 103 من سورة التوبة.
2- العزيز شرح الوجيز 78:11-79، روضة الطالبين 271:7-272.
3- صحيح مسلم 2236:4-73، المستدرك - للحاكم - 149:2، 155، 156، و 386:3، 387، 397، سنن البيهقي 189:8، المعجم الكبير - للطبراني - 4: 85-3720، المصنّف - لابن أبي شيبة - 291:15-19691، الطبقات الكبري - لابن سعد - 252:3، مسند أحمد 350:2-6502، و 400:3-10782، و 5: 221-17312، و 281:6-21366.
4- العزيز شرح الوجيز 79:11.

عليّ عليه السّلام و عثمان، و لا يجتمعون معهم في الجمعات و الجماعات.

و للشافعيّة خلاف في تكفيرهم(1).

و هل حكمهم إذا لم يكفّروهم حكم أهل البغي، أو حكم أهل الردّة ؟ الأصحّ عندهم: الثاني(2) ، و علي هذا تنفذ أحكامهم، بخلاف أحكام البغاة.

و أكثر الشافعيّة: [علي](3) أنّه إن أظهر قوم رأي الخوارج و تجنّبوا الجماعات و كفّروا الإمام و من معه، فإن لم يقاتلوا و كانوا في قبضة الإمام، فلا يقتلون و لا يقاتلون(4) ، لقول عليّ عليه السّلام للخارجيّ: «لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه، و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدؤكم بقتال»(5).

ثمّ إنّهم إن صرّحوا بسبّ الإمام أو غيره من أهل العدل، عزّروا، و إن عرّضوا، فوجهان(6).

و عندنا: أنّ الخوارج كفّار و أنّ من سبّ الإمام وجب قتله.

و لو بعث الإمام إليهم واليا فقتلوه، فعليهم القصاص.

و هل يتحتّم قتل قاتله، كقاطع الطريق، لأنّه شهر السلاح، أو لا، لأنّه لا يقصد إخافة الطريق ؟ للشافعيّة أقوال ثلاثة(7) ، أحدها: فيه وجهان(8).7.

ص: 409


1- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
2- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 406، الهامش (3).
6- العزيز شرح الوجيز 79:11-80، روضة الطالبين 272:7.
7- كلمة «ثلاثة» لم ترد في «ق، ك».
8- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
الصفة الثانية: أن يكون لهم شوكة و عدد بحيث يحتاج الإمام في ردّهم إلي الطاعة

إلي كلفة ببذل مال و إعداد رجال و نصب قتال(1).

و شرط جماعة من الشافعيّة في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء. و ربما قالوا: ينبغي أن يكونوا بحيث لا يحيط بهم أجناد الإمام(2).

و المحقّقون لم يعتبروا ذلك، بل اعتبروا استعصاءهم و خروجهم عن قبضة الإمام حتي لو تمكّنوا من المقاومة - مع كونهم محفوفين بجند الإمام - قاوموهم(3).

و هل يشترط أن يكون بينهم إمام منصوب أو منتصب ؟ قولان: الأكثر علي المنع - و هو قول أكثر الشافعيّة(4) - لأنّه ثبت لأهل الجمل و أهل النهروان حكم البغاة و لم يكن فيما بينهم إمام.

و قال بعضهم: يعتبر في أهل البغي وراء ما سبق أمران: أن يمتنعوا من حكم الإمام، و أن يظهروا لأنفسهم حكما. و لا يعتبر أن يكون عددهم عدد أجناد الإمام، بل يكفي أن يتوقّعوا الظفر(5).

مسألة 241: كلّ من خرج علي إمام عادل ثبتت إمامته بالنصّ عندنا،

و الاختيار عند العامّة وجب قتاله إجماعا، و إنّما يجب قتاله بعد البعث إليه و السؤال عن سبب خروجه و إيضاح ما عرض له من الشبهة و حلّها له و كشف الصواب إلاّ أن يخاف كلبهم و لا يمكنه ذلك في حقّهم، أمّا

ص: 410


1- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
2- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
3- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
4- الحاوي الكبير 102:13، العزيز شرح الوجيز 81:11، روضة الطالبين 7: 273.
5- العزيز شرح الوجيز 81:11، روضة الطالبين 273:7.

إذا أمكنه تعريفهم، وجب عليه أن يعرّفهم.

فإذا عرّفهم، فإن رجعوا، فلا بحث، و إن لم يرجعوا، قاتلهم، لأنّ اللّه تعالي أمر بالصلح، فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما (1) قبل الأمر بالقتال.

و لأنّ الغرض كفّهم و دفع شرّهم، فإذا أمكن بمجرّد القول، لم يعدل إلي القتل، و إذا أمكن بالإثخان، لم يعدل إلي التذفيف، فإن التحم القتال و اشتدّ الحرب، خرج الأمر عن الضبط.

و لمّا أراد أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قتل [1] الخوارج، بعث إليهم عبد اللّه بن عباس ليناظرهم فلبس حلّة حسنة و مضي إليهم، فقال: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و زوج ابنته فاطمة عليها السلام، و قد عرفتم فضله، فما تنقمون منه ؟ قالوا: ثلاثا: إنّه حكّم في دين اللّه، و قتل و لم يسب، فإمّا أن يقتل و يسبي أو لا يقتل و لا يسبي، إذا حرمت أموالهم حرمت دماؤهم، و الثالث: محا اسمه من الخلافة. فقال ابن عباس: إن خرج عنها رجعتم إليه ؟ قالوا: نعم.

قال ابن عباس: أمّا قولكم: حكّم في دين اللّه تعنون الحكمين بينه و بين معاوية، و قد حكّم اللّه في الدين، فقال وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها (2) و قال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (3) فحكم في أرنب قيمته درهم، فبأن يحكم في هذا الأمر العظيم أولي. فرجعوا عن هذا.5.

ص: 411


1- الحجرات: 9.
2- النساء: 35.
3- المائدة: 95.

قال: و أمّا قولكم: كيف قتل و لم يسب! فأيّكم لو كان معه فوقع في سهمه عائشة زوج النبي صلّي اللّه عليه و آله، فكيف يصنع و قد قال اللّه تعالي وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً (1) ؟ قالوا: رجعنا عن هذا.

قال: و قولكم: محا اسمه من الخلافة، تعنون أنّه لمّا وقعت المواقفة بينه و بين معاوية كتب بينهم: هذا ما واقف عليه أمير المؤمنين عليّ معاوية، قال له: لو كنت أمير المؤمنين ما نازعناك، فمحا اسمه، فقال ابن عباس: إن كان محا اسمه من الخلافة، فقد محا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اسمه من النبوّة لمّا قاضي سهيل بن عمرو بالحديبيّة كتب الكتاب علي: هذا ما قاضي عليه رسول اللّه سهيل بن عمرو، فقالوا له: لو كنت نبيّا ما خالفناك، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله لعليّ: «امحه» فلم يفعل فقال لعليّ: «أرنيه» فأراه إيّاه، فمحاه النبي صلّي اللّه عليه و آله بإصبعه، و قال: «ستدعي إلي مثلها» فرجع بعضهم، و بقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا، فقاتلهم عليّ عليه السّلام فقتلهم(2).

مسألة 242: و يجب قتال أهل البغي علي كلّ من ندبه الإمام لقتالهم عموما أو خصوصا أو من نصبه الإمام.

و التأخير عن قتالهم كبيرة.

و يجب علي الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الإمام علي التعيين فيجب عليه، و لا يكفيه قيام غيره، كما قلنا في جهاد المشركين.

ص: 412


1- الأحزاب: 53.
2- الحاوي الكبير 102:13-104، المبسوط - للطوسي - 265:7-266، و انظر: السيرة النبويّة - لابن هشام - 331:3-332، و سنن البيهقي 42:7، و دلائل النبوّة - للبيهقي - 146:4 و 147، و صحيح البخاري 242:3، و 4: 126، و مسند أحمد 370:5-18095.

و الفرار في حربهم كالفرار في حرب المشركين، تجب مصابرتهم حتي يفيئوا إلي الحقّ و يرجعوا إلي طاعة الإمام أو يقتلوا، بغير خلاف في ذلك. فإذا رجعوا، حرم قتالهم، لقوله تعالي حَتّي تَفِيءَ إِلي أَمْرِ اللّهِ (1) و كذا إن ألقوا السلاح و تركوا القتال، أمّا لو انهزموا، فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها.

و لو استعان أهل البغي بنسائهم و صبيانهم و عبيدهم في القتال و قاتلوا معهم أهل العدل، قوتلوا مع الرجال و إن أتي القتل عليهم، لأنّ العادل يقصد بقتاله الدفع عن نفسه و ماله.

و لو أرادت امرأة أو صبي قتل إنسان، كان له قتالهما و دفعهما عن نفسه و إن أتي علي أنفسهما.

مسألة 243: لو استعان أهل البغي بأهل الحرب و عقدوا لهم ذمّة أو أمانا علي هذا،

كان باطلا، و لا ينعقد لهم أمان و لا ذمّة، لأنّ من شرط عقد الذمّة و الأمان أن لا يجتمعوا علي قتال المسلمين، فحينئذ يقاتل الإمام و أهل العدل المشركين مقبلين و مدبرين، كالمنفردين عن أهل البغي.

و إذا وقعوا في الأسر، تخيّر الإمام فيهم بين المنّ و الفداء و الاسترقاق و القتل.

و ليس لأهل البغي أن يتعرّضوا لهم - قاله الشيخ(2) رحمه اللّه - من حيث إنّهم بذلوا لهم الأمان و إن كان فاسدا، فلزمهم الكفّ عنهم، لاعتمادهم علي قولهم، لا من حيث صحّة أمانهم.

فإن استعانوا بأهل الذمّة فعاونوهم و قاتلوا معهم أهل العدل، راسلهم

ص: 413


1- الحجرات: 9.
2- المبسوط - للطوسي - 272:7-273.

الإمام و سألهم عن فعلهم، فإن ادّعوا الشبهة المحتملة بأن يدّعوا الجهل و اعتقاد أنّ الطائفة من المسلمين إذا طلبوا المعونة جازت معونتهم، أو ادّعوا الإكراه علي ذلك، كانت ذمّتهم باقية، و قبل قولهم، و لم يكن ذلك نقضا للعهد.

و إن لم يدّعوا شيئا من ذلك، انتقض عهدهم، و خرقوا الذمّة - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّهم لو انفردوا و قاتلوا الإمام خرقوا الذمّة، و انتقض عهدهم، فكذا إذا قاتلوا مع أهل البغي.

و الثاني للشافعي: لا يكون نقضا، لجهل أهل الذمّة بالمحقّ، فيكون شبهة(2).

و ليس جيّدا، لاعتقادهم بطلان الطائفتين.

إذا عرفت هذا، فإنّه بمجرّد قتالهم مع أهل البغي من غير شبهة يجوز قتلهم مقبلين و مدبرين. و لو أتلفوا أموالا و أنفسا، ضمنوها عندنا.

و أمّا الشافعي في أحد قوليه: فإنّه لا يجعل القتال نقضا، فيكون حكمهم حكم أهل البغي في قتالهم مقبلين لا مدبرين(3).

و أمّا ضمان الأموال: فإنّ أهل الذمّة يضمنونها عنده قولا واحدا(4). و أمّا أهل البغي: فقولان، و فرّق بأمرين:

أحدهما: أنّ لأهل البغي شبهة دون أهل الذمّة.

الثاني: أنّا أسقطنا الضمان عن أهل البغي لئلاّ تحصل لهم نفرة عن7.

ص: 414


1- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 94:11، روضة الطالبين 280:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 94:11، روضة الطالبين 280:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7.

الرجوع إلي الحقّ، و أمّا أهل الذمّة فلا يتحقّق هذا المعني فيهم(1).

و أمّا نحن: فلا فرق بينهما في وجوب الضمان عليهما.

و إن استعانوا بالمستأمنين، انتقض أمانهم، و صاروا حربا لا أمان لهم.

فإن ادّعوا الإكراه، قبل بالبيّنة لا بمجرّد الدعوي، بخلاف أهل الذمّة، لأنّ الذمّة أقوي حكما.

مسألة 244: يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمّة علي حرب أهل البغي،

و به قال أصحاب الرأي(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: ليس له ذلك(3). و هو خلاف ما عليه الأصحاب.

و الشافعي خرّج ذلك أيضا، لأنّ أهل الذمّة يجوّزون قتل أهل البغي مقبلين و مدبرين و ذلك لا يجوز(4).

و هو ممنوع علي ما يأتي تفصيله.

أمّا لو استعان من المسلمين بمن يري قتلهم مقبلين و مدبرين في موضع لا يجوز ذلك، لم يجز إلاّ بأمرين: أحدهما: فقد من يقوم مقامهم.

الثاني: أن يكون مع الإمام قوّة متي علم منهم قتلهم مدبرين كفّهم عنه.

مسألة 245: إذا افترق أهل البغي طائفتين ثمّ اقتتلوا، فإن كان للإمام قوّة علي قهرهما،

فعل، و لم يكن له معاونة إحداهما علي الأخري، لأنّ كلّ

ص: 415


1- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10.
2- المغني 55:10، الشرح الكبير 56:10.
3- المبسوط - للطوسي - 274:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 220:2، العزيز شرح الوجيز 93:11، روضة الطالبين 279:7-280، المغني 55:10، الشرح الكبير 56:10.

واحدة علي خطأ، و الإعانة علي الخطأ من غير حاجة خطأ، بل يقاتلهما معا حتي يعودوا إلي طاعته، و إن لم يتمكّن من ذلك، تركهما، فأيّهما قهرت الأخري دعاها إلي الطاعة، فإن أبت، قاتلهم.

و إن ضعف عنهما و خاف من اجتماعهما عليه، جاز أن يضمّ إحداهما إليه و يقاتل الأخري، و يقصد كسرها و منعها عن البغي، لا معاونة من يقاتل معها. و ينبغي أن يعاون التي هي إلي الحقّ أقرب.

فإن انهزمت التي قاتلها أو رجعت إلي طاعته، كفّ عنها، و لم يجز له قتال الطائفة الأخري التي ضمّها إليه إلاّ بعد دعائها إلي طاعته، لأنّ ضمّها إليه يجري مجري أمانه إيّاها.

مسألة 246: إذا لم يمكن دفع البغاة إلاّ بالقتل، وجب،

و لا يقاتلون بما يعمّ إتلافه، كالنار و المنجنيق و التغريق، لأنّ القصد بقتالهم [1] فلجمعهم و رجوعهم إلي الطاعة، و النار تهلكهم و تقع علي المقاتل و غيره، و لا يجوز قتل من لا يقاتل.

و لو احتاج أهل العدل إلي ذلك و اضطرّوا إليه بأن يكون قد أحاط بهم البغاة من كلّ جانب و خافوا اصطدامهم، و لا يمكنهم التخلّص إلاّ برمي النار أو المنجنيق، جاز ذلك. و كذا إن رماهم أهل البغي بالنار أو المنجنيق، جاز لأهل العدل رميهم به.

إذا عرفت هذا، فلا إثم علي قاتلي أهل البغي إذا لم يندفعوا إلاّ به، و لا ضمان مال و لا كفّارة، لأنّه امتثل الأمر بقتل مباح الدم، لقوله تعالي:

فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (1) و إذا لم يضمنوا النفوس فالأموال أولي بعدم الضمان.

ص: 416


1- الحجرات: 9.

و القتيل من أهل العدل شهيد، لأنّه قتل في قتال أمر اللّه تعالي به، و لا يغسّل و لا يكفّن، و يصلّي عليه، عندنا، لأنّه شهيد معركة أمر بالقتال فيها، فأشبه معركة الكفّار.

و قال الأوزاعي و ابن المنذر: يغسّل و يصلّي عليه، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمر بالصلاة علي من قال: لا إله إلاّ اللّه(1)(2).

و نحن نقول بموجبه، لأنّا نوجب الصلاة علي الشهيد، و ليس في الخبر الأمر بالغسل و التكفين.

إذا ثبت هذا، فإنّ ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغي حال الحرب غير مضمون، لأنّه مأمور بالقتال، فلا يضمن ما يتولّد منه. و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ أبا بكر قال للذين قاتلهم بعد ما تابوا: تدون قتلانا، و لا ندي قتلاكم(3).

و لأنّهما فرقتان من المسلمين: محقّة و مبطلة، فلا تستويان في سقوط الغرم، كقطّاع الطريق.

و أمّا ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغي قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّي الحرب: فإنّه يكون مضمونا، لأنّه ليس لأهل العدل ذلك، فكان إتلافا بغير حق، فوجب عليهم الضمان.

و يحتمل أن يقال: إن احتاج أهل العدل إلي قتل أو إتلاف مال في تفرّقهم و تبديل كلمتهم، جاز لهم ذلك، و لا ضمان.1.

ص: 417


1- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، المعجم الكبير - للطبراني - 447:12-13622، حلية الأولياء 320:10.
2- المغني 57:10، الشرح الكبير 59:10.
3- المغني 58:10، الشرح الكبير 59:10، العزيز شرح الوجيز 86:11.

و لو أتلف أهل البغي مال أهل العدل أو نفسه قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّيه، فإنّه يضمنه إجماعا.

و أمّا ما يتلفه الباغي علي العادل من مال و نفس حالة الحرب: فإنّه مضمون عليه عندنا بالغرامة و الدية - و هو قول مالك و أحد قولي الشافعي(1) - لقوله تعالي وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (2).

و لأنّها أموال معصومة و أنفس معصومة أتلفت بغير حقّ و لا ضرورة، فوجب ضمانها، كالتالف في غير الحرب.

و قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في الثاني: لا يكون مضمونا لا في المال و لا في النفس، لأنّه لم ينقل عن عليّ عليه السّلام أنّه ضمّن أحدا من أهل البصرة و لا أهل الشام ما أتلفوه. و لأنّ فيه تنفيرا عن طاعة الإمام، فأشبه أهل الحرب(3).

و نمنع أنّه عليه السّلام لم يضمّن فجاز [أنّه عليه السّلام ضمّن] [1] و لم ينقل، أو لم يحصل إتلاف مال، أو جهل المتلف. و عدم الغرم يفضي إلي كثرة الفساد بإتلاف أموال أهل العدل، مع أنّ الآية - و هي قوله تعالي:7.

ص: 418


1- المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10، حلية العلماء 619:7، المهذّب - للشيرازي - 221:2، الحاوي الكبير 106:13، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7، بدائع الصنائع 141:7.
2- الشوري: 40.
3- بدائع الصنائع 141:7، الهداية - للمرغيناني - 172:2، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، حلية العلماء 619:7، المهذّب - للشيرازي - 221:2، الحاوي الكبير 106:13، روضة الطالبين 275:7.

اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ (1) و قوله تعالي وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) - تدلّ علي وجوب الضمان.

و لأنّ الضمان يتعلّق بأهل البغي قبل الحرب و بعده، فكذا حالة الحرب، لأنّها أكثر الحالات معصية، فلا تتعقّب سقوط العقاب.

مسألة 247: لو قتل الباغي واحدا من أهل العدل، وجب عليه القصاص،

لما تقدّم [1] من الآيات. و لعموم قوله عليه السّلام: «لو قتله ربيعة و مضر لأقدتهم به» [2].

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما: طرد القولين في وجوب المال. و الثاني:

القطع بالمنع، لأنّ القصاص سقط بالشبهة، و تأويلهم موجب للشبهة(3).

و علي القول بوجوب القصاص لو آل الأمر إلي المال، فهو في مال الباغي. و علي القول بعدمه فهل سبيله سبيل دية العمد حتي تجب في مال القاتل و لا تتأجّل، أو دية شبيه العمد حتي تكون علي العاقلة و تتأجّل ؟ لهم خلاف(4).

و تجب الكفّارة علي الباغي عندنا و عند الشافعي [3] علي تقدير حكمه [بوجوب] [4] القصاص أو الدية، و إلاّ فوجهان، أشبههما عندهم [5]:

ص: 419


1- المائدة: 45.
2- الإسراء: 33.
3- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10.
4- العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7.

المنع، لأنّ الكفّارة حقّ اللّه تعالي، و هو أولي بالتساهل(1).

و لو استولي باغ علي أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها، فعليه الحدّ، و الولد رقيق بغير نسب.

و في وجوب المهر مع إكراهها قولان للشافعي(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا خلاف في أنّ الحربيّ إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين و نفوسهم ثمّ أسلم، فإنّه لا يضمن و لا يقاد به(3).

و أمّا المرتدّ: فإنّه يضمن عندنا ما أتلفه حالة الحرب أو قبلها أو بعدها.

و أمّا الشافعي و أبو حنيفة: فأسقطا ضمان ما يتلفه حالة الحرب من مال و نفس(4).

و أمّا الذين يخالفون الإمام بتأويل يعتقدونه و لا شوكة لهم و لا امتناع، لقلّة عددهم، فإنّه يلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفس و مال إن كان علي صورة القتال. و إن لم يكن قتال، فكذلك عندنا، خلافا للشافعي في أحد القولين(5).

و هو غلط، إذ لا تعجز كلّ شرذمة تريد إتلاف نفس أو مال أن تبدي تأويلا و تفعل من الفساد ما تشاء، و ذلك يفضي إلي إبطال السياسات.

و أمّا الذين لهم كثرة و شوكة و لا تأويل لهم: ففي ضمان ما أتلفوا من المال طريقان للشافعيّة:1.

ص: 420


1- العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7.
2- العزيز شرح الوجيز 87:11، روضة الطالبين 276:7.
3- المبسوط - للطوسي - 267:7.
4- انظر: الوجيز 165:2، و العزيز شرح الوجيز 88:11، و روضة الطالبين 7: 276، و الهداية - للمرغيناني - 177:2، و المغني 70:10.
5- العزيز شرح الوجيز 88:11.

أحدهما: القطع بوجوبه، لأنّهم ليسوا بأهل البغي، كالذين لهم التأويل دون الشوكة.

و أظهرهما عندهم: طرد القولين في الباغي(1).

و عندنا يجب عليهم الضمان.

مسألة 248: قد بيّنّا أنّه ينبغي للإمام وعظ أهل البغي و أمرهم بالطاعة

لتكون كلمة أهل الدين واحدة، فإن امتنعوا، آذنهم بالقتال، فإن طلبوا الإنظار، بحث الإمام عن حالهم و اجتهد، فإن عرف عزمهم علي الطاعة و طلب الإنظار لحلّ الشبهة، أنظرهم. و إن ظهر له أنّهم يقصدون استلحاق مدد، لم ينظرهم. و إن سألوا ترك القتال أبدا، لم يجبهم.

و حيث لا يجوز الإنظار لو بذلوا مالا أو رهنوا الأولاد و النساء، لم يلتفت إليهم، لأنّهم قد يقوون في المدّة، و يتغلّبون علي أهل العدل، و يستردّون ما بذلوا.

و لو كان بأهل العدل ضعف، أخّر الإمام القتال، و لا يخطر بالناس.

مسألة 249: أهل البغي قسمان:
أحدهما: أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها

و لا رئيس يلجئون [1] إليه، كأهل البصرة، و أصحاب الجمل.

و الثاني: أن يكون لهم فئة يرجعون إليها و رئيس يعتضدون به و يجيش لهم الجيوش،

كأهل الشام، و أصحاب معاوية بصفّين.

فالأوّل لا يجاز علي جريحهم، و لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم و الثاني يجاز علي جريحهم، و يتبع مدبرهم، و يقتل أسيرهم، سواء

ص: 421


1- العزيز شرح الوجيز 88:11، روضة الطالبين 276:7.

كانت الفئة حاضرة أو غائبة، قريبة أو بعيدة [1]، ذهب إلي هذا التفصيل علماؤنا أجمع - و به قال ابن عباس و أبو حنيفة و أبو إسحاق من الشافعيّة(1) - لأنّا لو لم نقتلهم لم نأمن عودهم [2] و قتالهم.

[و] [3] لأنّ حفص بن غياث سأله عن طائفتين، إحداهما باغية، و الأخري عادلة، فهزمت العادلة الباغية، قال: «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، و لا يقتلوا أسيرا، و لا يجيزوا [4] علي جريح»(2).

هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم تكن لهم فئة يرجعون إليها، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها، فإنّ أسيرهم يقتل، و مدبرهم يتبع، و جريحهم يجاز عليه.

و قال الشافعي: لا يجاز علي جريح الفريقين معا، و لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم(3) ، لقول عليّ عليه السّلام: «لا يذفّف علي جريح، و لا يتبع مدبر»(4).

و نقول بموجبه، لأنّه قاله في الفئة التي لا رئيس لها.8.

ص: 422


1- المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10، المبسوط - للسرخسي - 126:10، بدائع الصنائع 140:7-141، الهداية - للمرغيناني - 171:2، العزيز شرح الوجيز 91:11.
2- التهذيب 144:6-246، الكافي 32:5-2 و فيه عن الإمام الصادق عليه السّلام.
3- المهذّب - للشيرازي - 219:2 و 220، حلية العلماء 616:7 و 617، العزيز شرح الوجيز 90:11 و 91، روضة الطالبين 278:7، الهداية - للمرغيناني - 2: 171، المغني 60:10، الشرح الكبير 58:10.
4- سنن البيهقي 181:8.
مسألة 250: لو وقع أسير من أهل البغي في يد أهل العدل و كان شابّا من أهل القتال،

جلدا، حبس و عرض عليه المبايعة، فإن بايع علي الطاعة و الحرب قائمة، قبل منه و أطلق. و إن لم يبايع، ترك في الحبس.

فإذا انقضت الحرب فإن تابوا و طرحوا السلاح و تركوا القتال أو ولّوا مدبرين إلي غير فئة، أطلق. و إن ولّوا مدبرين إلي فئة، لم يطلق عندنا في الحال.

و قال بعضهم: يطلق، لأنّه لا يتبع مدبرهم(1). و قد بيّنّا خلافه.

و هل يجوز قتله ؟ الذي يقتضيه مذهبنا: التفصيل، فإن كان ذا فئة، جاز قتله، و إلاّ فلا - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ في ذلك كسرا لهم.

و قال الشافعي: لا يجوز قتله(3) ، لأنّ ابن مسعود قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

«يا بن أمّ عبد ما حكم من بغي من أمّتي ؟» قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال:

«لا يتبع مدبرهم، و لا يجاز علي جريحهم، و لا يقتل أسيرهم، و لا يقسم فيئهم»(4).

و هو محمول علي ما إذا لم تكن له فئة.

و لو كان الأسير صبيّا أو عبدا أو امرأة أطلقوا، لأنّهم لا يطالبون بالبيعة، لأنّهم ليسوا من أهل الجهاد، و إنّما يبايعون علي الإسلام خاصّة.

و قال بعضهم: يحبسون كالرجال، لأنّ فيه كسر قلوبهم(5).

ص: 423


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 91:11، و روضة الطالبين 278:7.
2- بدائع الصنائع 140:7-141، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 220:2، حلية العلماء 617:7، العزيز شرح الوجيز 11: 91، روضة الطالبين 278:7، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
4- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10-61، الشرح الكبير 57:10-58.
5- الحاوي الكبير 122:13، المهذّب - للشيرازي - 220:2، العزيز شرح الوجيز 91:11، روضة الطالبين 279:7.

و كذا الزّمن و الشيخ الفاني.

و لو أسر كلّ من الفريقين أساري من الآخر، جاز فداء أساري أهل العدل بأساري أهل البغي.

و لو امتنع أهل البغي من المفاداة و حبسوهم، جاز لأهل العدل حبس من معهم، توصّلا إلي تخليص أساراهم.

و قال بعض العامّة: لا يجوز، لأنّ الذنب في حبس أساري أهل العدل لغيرهم(1).

و لو قتل أهل البغي أساري أهل العدل، لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم إذا لم تكن لهم فئة، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم.

مسألة 251: أموال أهل البغي، التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم،

و لا تجوز قسمتها [1] بحال.

أمّا ما حواه العسكر من السلاح و الكراع و الدوابّ و الأثاث و غير ذلك:

فللشيخ قولان:

أحدهما: أنّها تقسّم بين أهل العدل، و تكون غنيمة، كأموال المشركين، للفارس سهمان، و للراجل سهم، و لذي الأفراس ثلاثة(2). و به قال ابن الجنيد.

و الثاني: أنّه لا تحلّ قسمتها، بل هي باقية علي ملكهم لا تجوز قسمتها و لا استغنامها(3) ، و به قال السيّد المرتضي(4) و ابن إدريس(5) و كافّة

ص: 424


1- المغني 62:10، الشرح الكبير 59:10.
2- النهاية: 297.
3- المبسوط - للطوسي - 266:7.
4- مسائل الناصريّات: 443، المسألة 206.
5- السرائر: 159.

العلماء، لما رواه العامّة عن أبي أمامة، قال: شهدت صفّين و كانوا لا يجيزون [1] علي جريح، و لا يقتلون مولّيا، و لا يسلبون قتيلا(1).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: «و لا يقسم فيئهم»(2).

و من طريق الخاصّة: قول مروان بن الحكم: لمّا هزمنا عليّ - عليه السلام - بالبصرة ردّ علي الناس أموالهم، من أقام بيّنة أعطاه، و من لم يقم بيّنة أحلفه. قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين اقسم الفيء بيننا و السبي.

[قال:] [2] فلمّا أكثروا عليه قال: «أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه ؟» فكفّوا(3).

و قول الصادق عليه السّلام: «كان في قتال عليّ عليه السّلام علي أهل القبلة بركة، و لو لم يقاتلهم عليّ لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم»(4).

احتجّ الشيخ رحمه اللّه: بسيرة عليّ عليه السّلام، و لأنّهم أهل قتال فحلّت أموالهم، كأهل الحرب.

و السيرة معارضة بمثلها، و الفرق ما تقدّم.

و لا استبعاد في الجمع بين القولين و تصديق نقلة السيرتين، فيقال بالقسمة للأموال إذا كان لهم فئة يرجعون إليها إضعافا لهم و حسما لمادّة0.

ص: 425


1- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
2- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10-61، الشرح الكبير 57:10-58.
3- التهذيب 155:6-273.
4- التهذيب 145:6-250.

فسادهم، و بعدمها فيما إذا لم تكن لهم فئة، لحصول الغرض فيهم من تفريق كلمتهم و تبدد شملهم. و هذا هو الذي أعتمده.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز سبي ذراري الفريقين من أهل البغي و لا تملّك نسائهم بلا خلاف بين الأمّة في ذلك.

و لا يجوز لأهل العدل الانتفاع بكراع أهل البغي و لا بسلاحهم بحال، إلاّ في حال الضرورة، كما لو خاف بعض أهل العدل علي نفسه، و ذهب سلاحه، فإنّه يجوز أن يدفع عن نفسه بسلاحهم. و كذا يركب دوابّهم مع الحاجة، و هذا في الموضع الذي منعنا من قسمة أموالهم فيه، أمّا في غيره فالجواز أظهر.

مسألة 252: لو غلب أهل البغي علي بلد فأخذوا الصدقات و الجزية و الخراج،

لم يقع ذلك موقعه، لكن للإمام أن يجيز ذلك، لأنّهم أخذوه ظلما و عدوانا، فلا يتعيّن في إبراء ذمّتهم، كما لو غصبوهم مالا غير الجزية و الصدقات.

و قال الشافعي و أبو ثور من أصحاب الرأي [1]: يقع ذلك موقعه، فإذا ظهر أهل العدل بعد ذلك عليه، لم يكن لهم مطالبتهم بإعادة ذلك، لأنّ عليّا عليه السّلام لمّا ظهر علي البصرة، لم يطالب بشيء ممّا جبوه(1).

و لا حجّة فيه، لما بيّنّا من أنّ للإمام إجازة ذلك، للمشقّة الحاصلة من تكليف إعادة ذلك من الناس خصوصا إذا أقاموا في البلد سنين متطاولة.

ص: 426


1- مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 133:13، المهذّب - للشيرازي - 2: 221، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 83:11-84، روضة الطالبين 7: 274، المغني 66:10-67، الشرح الكبير 63:10، الهداية - للمرغيناني - 171:2.

و أمّا الحدود إذا أقاموها: قال الشيخ: لا تعاد عليهم مرّة أخري، للمشقّة(1).

مسألة 253: إذا زالت يد أهل البغي عن البلد و ملكه أهل العدل فطالبهم العادل

بالصدقات فذكروا أنّهم استوفوا منهم، فإن لم يجز الإمام ذلك، طالبهم به مرّة ثانية و إن أجازه، فالأقرب: قبول قولهم بغير بيّنة، لأنّ ربّ المال إذا ادّعي إخراج زكاته، قبلت دعواه بغير بيّنة.

و هل يحتاج إلي اليمين ؟ قال بعض الشافعيّة: نعم(2) ، لأنّه مدّع، فلا تقبل دعواه بغير بيّنة، لكن لمّا تعسّر إثبات البينة، افتقر إلي اليمين، فإن نكل، أخذت الزكاة، لا بمجرّد النكول، بل بظاهر الوجوب عليه.

أمّا لو ادّعي أداء الخراج، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقبل قوله، بخلاف الزكاة، لأنّها تجب علي سبيل المواساة، و أداؤها عبادة، فلهذا قبل قوله في أدائها، بخلاف الخراج، فإنّه معاوضة، لأنّه ثمن أو اجرة، فلا يقبل قوله في أدائه، كغيره من المعاوضات(3).

و لو ادّعي أهل الذمّة أداء الجزية إلي أهل البغي، لم تقبل منهم، لكفرهم، و لأنّها معاوضة عن المساكنة و حقن الدماء، فلا يقبل قولهم فيه.

مسألة 254: أهل البغي عندنا فسّاق و بعضهم كفّار،

فلا تقبل شهادتهم و إن كان عدلا في مذهبه، لقوله تعالي إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (4)

ص: 427


1- المبسوط - للطوسي - 276:7.
2- الامّ 220:4، المهذّب - للشيرازي - 221:2-222، العزيز شرح الوجيز 11: 84، روضة الطالبين 275:7.
3- المبسوط - للطوسي - 277:7.
4- الحجرات: 6.

و لقوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (1).

و سواء في ذلك أن يشهد لهم أو عليهم، و سواء كان علي طريق التديّن أو لا علي وجه التديّن.

و قال أبو حنيفة: تقبل شهادتهم، و هم فسّاق، لأنّ أهل البغي بخروجهم عن طاعة الإمام و البغي قد فسقوا و لكن تقبل شهادتهم، لأنّ فسقهم من جهة الدين، فلا تردّ به الشهادة، و قد قبل شهادة الكفّار بعضهم علي بعض(2).

و أطبق الجمهور كافّة علي قبول شهادتهم(3).

و قال أكثر العامّة: أقبل شهادته إذا كان ممّن لا يري أنّه يشهد لصاحبه بتصديقه كالخطّابيّة، فإنّهم يعتقدون تحريم الكذب و الإقدام علي اليمين الكاذبة، فإذا كان لبعضهم حقّ علي من يجحده و لا شاهد له به فذكر ذلك لبعض أهل مذهبه و حلف له أنّه صادق فيما يدّعيه، ساغ له في مذهبه أن يشهد له بدعواه(4) و عندنا لا تقبل شهادة من خالف الحقّ من سائر الفرق علي ما يأتي.

و أمّا الحكم و القضاء بين الناس: فإنّه لا يجوز عندنا إلاّ بإذن الإمام أو من نصبه الإمام، فإذا نصب أهل البغي قاضيا، لم ينفذه قضاؤه مطلقا، سواء1.

ص: 428


1- هود: 113.
2- المغني 65:10، الشرح الكبير 62:10، الحاوي الكبير 136:13.
3- المغني 65:10، الشرح الكبير 62:10، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 82:11، مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 136:13، روضة الطالبين 7: 273.
4- انظر: الحاوي الكبير 136:13، و العزيز شرح الوجيز 82:11، و 130:13 - 131.

حكم بحق أو باطل، لأنّه فاسق بمجرّد التولية، و العدالة عندنا شرط في القضاء.

و قال أبو حنيفة: إن كان قاضيهم - الذي نصبوه - من أهل العدل، نفذ قضاؤه، و إن كان من أهل البغي، لم ينفذ(1).

و قال الشافعي: ينفذ مطلقا، سواء كان من أهل البغي أو من أهل العدل إذا لم يستحلّ دماء أهل العدل و لا أموالهم. و إن استحلّ ذلك، لم ينفذ حكمه إجماعا(2).

و قال بعض الشافعيّة: ينفذ قضاء أهل البغي مطلقا رعاية لمصلحة الرعايا(3).

و قال آخرون منهم: من ولاّه صاحب الشوكة نفذ قضاؤه و إن كان جاهلا أو فاسقا(4).

و لو كتب قاضي البغاة كتابا، لم يجز لأحد من القضاة إنفاذه عندنا، خلافا لبعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: يستحبّ أن لا يقبل، استخفافا لهم و إهانة(6).

و لو كتب قاضيهم بسماع البيّنة دون الحكم المبرم، لم يحكم به قاضينا.7.

ص: 429


1- الحاوي الكبير 135:13، حلية العلماء 620:7، العزيز شرح الوجيز 11: 83، المغني 68:10، الشرح الكبير 64:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 221:2، حلية العلماء 620:7، الحاوي الكبير 13: 135، روضة الطالبين 273:7، المغني 68:10، الشرح الكبير 64:10.
3- العزيز شرح الوجيز 82:11، روضة الطالبين 273:7.
4- العزيز شرح الوجيز 82:11.
5- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7.
6- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7.

و للشافعي قولان:

أحدهما كما قلنا، لما فيه من معاونة أهل البغي و إقامة مناصبهم.

و أصحّهما عنده: نعم، لأنّ الكتاب الذي يرد يتعلّق برعايانا، و إذا نفذ حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم فلأن تراعي مصالح رعايانا أولي(1).

مسألة 255: من قتل من أهل العدل في المعركة لا يغسّل و لا يكفّن، و يصلي عليه، عندنا.

و من قتل من أهل البغي لا يغسّل و لا يكفّن و لا يصلّي عليه، عندنا، لأنّه كافر.

و قال مالك و الشافعي و أحمد: يغسّل و يكفّن و يصلّي عليه، لقوله عليه السّلام:

«صلّوا علي من قال: لا إله إلاّ اللّه»(2)(3).

و ليس عامّا عندهم، لخروج الشهيد عنه. و لأنّ من لم يعترف بالنبوّة مخرج عنه.

و قال أصحاب الرأي: إن لم تكن لهم فئة، صلّي عليهم. و إن كان لهم فئة، لم يصلّ عليهم، لأنّه يجوز قتلهم في هذه الحالة، فأشبهوا الكفّار(4).

و قال أحمد: لا يصلّي علي الخوارج، كالشهيد(5).

ص: 430


1- العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7، منهاج الطالبين: 291.
2- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، المعجم الكبير - للطبراني - 447:12-13622، حلية الأولياء 320:10.
3- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10، الوجيز 75:1، العزيز شرح الوجيز 424:2، المهذّب - للشيرازي - 142:1، المجموع 267:5، روضة الطالبين 634:1.
4- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10.
5- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10.

و قال مالك: لا يصلّي علي الأباضيّة و لا القدريّة و سائر [أهل] [1] الأهواء(1).

مسألة 256: إذا فعل أهل البغي حال امتناعهم ما يوجب الحدّ،

أقيم عليهم مع القدرة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(2) - لعموم الآيات و الأحاديث الدالّة علي وجوب الحدّ مطلقا.

و قال أصحاب الرأي: إذا امتنعوا بدار الحرب، لم يجب الحدّ عليهم و لا علي من عندهم من تاجر أو أسير، لأنّهم خرجوا عن دار الإمام، فأشبهوا أهل دار الحرب(3).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل إن كان مسلما، فإنّا نوجب عليه الحدّ لكن تكره إقامته في دار الحرب، فإذا جاء إلي دار الإسلام، أقيم عليه.

و لأنّ كلّ موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها، كدار العدل.

مسألة 257: يجوز للعادل قصد الباغي بالقتل، لأنّه محكوم بكفره،

فجاز قصده بالقتل، كالحربيّ، خلافا لبعض العامّة، حيث منعوا منه، بل يقصد دفعهم و تفريق جمعهم(4).

قال ابن الجنيد: لا يستحبّ أن يبدأ و الي المسلمين أهل البغي بحرب و إن كان قد استحقّوا بفعلهم المتقدّم القتل، إلاّ أن يبدؤونا هم بالقتال،

ص: 431


1- المدوّنة الكبري 182:1، المغني 65:10، الشرح الكبير 61:10.
2- المغني 69:10، الشرح الكبير 65:10، حلية العلماء 618:7.
3- المغني 69:10، الشرح الكبير 65:10.
4- العزيز شرح الوجيز 89:11.

لجواز حدوث إرادة التوبة، فإنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول في كلّ موطن: «لا تقاتلوا القوم حتي يبدؤوكم فإنّكم بحمد اللّه علي حجّة و ترككم إيّاهم حتي يبدؤوكم حجّة أخري»(1).

قال: و لا يستحبّ بيات أحد من أهل البغي و لا قتاله غيلة و لا علي غرّة حتي يبدروا، و قد وصّي أمير المؤمنين عليه السّلام الأشتر بذلك(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: يكره للعادل القصد إلي أبيه الباغي أو ذي رحمه(3).

و هو قول أكثر العلماء(4) ، لقوله تعالي وَ إِنْ جاهَداكَ (5) الآية.

و لأنّ أبا بكر أراد قتل ابنه [1] يوم أحد، فنهاه النبي صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك، و قال:

«دعه ليلي قتله غيرك»(6).

و قال بعض العامّة: لا يكره، لأنّه قتل بحقّ، فأشبه إقامة الحدود(7).

و الفرق: بإمكان الرجوع هنا، بخلاف استيفاء الحدّ، فإنّه يجب و إن تاب.

إذا عرفت هذا، فإن خالف و قتله، كان جائزا، لأنه مباح الدم، فجاز0.

ص: 432


1- الكافي 38:5-3.
2- شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - 381:4-382.
3- المبسوط - للطوسي - 278:7.
4- المغني 66:10، الشرح الكبير 62:10، مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 138:13، المهذّب - للشيرازي - 220:2، روضة الطالبين 282:7.
5- لقمان: 15.
6- المبسوط - للطوسي - 279:7، المغازي - للواقدي - 257:1، الكامل في التاريخ 156:2، الحاوي الكبير 138:13، و ليس فيما عدا المبسوط مقالة الرسول صلّي اللّه عليه و آله.
7- المغني 66:10، الشرح الكبير 62:10.

قتله، كالكافر.

و لا يمنع العادل [1] من ميراثه - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه قتله بحقّ، فأشبه القصاص.

و قال الشافعي: لا يرثه - و عن أحمد روايتان - لعموم قوله عليه السّلام: «ليس لقاتل شيء»(2)(3).

و المراد ظلما، لأنّ القاتل حدّا أو قصاصا يرث إجماعا.

و لو قتل الباغي العادل، منع من الميراث - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه قتله بغير حقّ، فلا يرثه، كالعمد.

و قال أبو حنيفة: لا يمنع من الميراث، لأنّه قتله بتأويل، فأشبه قتل العادل الباغي(5).

و الفرق: بأنّ العادل قتل الباغي بحق، بخلاف العكس.

مسألة 258: من سبّ اللّه تعالي أو أحدا من أنبيائه أو ملائكته أو الإمام، وجب قتله،
اشارة

عندنا، لأنّه كافر بذلك. و قال الجمهور: يستتاب و يعزّر.

و سيأتي البحث فيه.

ص: 433


1- الهداية - للمرغيناني - 172:2، بدائع الصنائع 142:7، المبسوط - للسرخسي - 131:10، الحاوي الكبير 139:13، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
2- الموطّأ 867:2-10، سنن الدار قطني 95:4-96-84، سنن البيهقي 38:8، مسند أحمد 80:1-349 و 350.
3- الحاوي الكبير 140:13، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
4- مختصر المزني: 258، العزيز شرح الوجيز 518:6، روضة الطالبين 33:5، المغني 10: 66، الشرح الكبير 63:10.
5- المبسوط - للسرخسي - 131:10-132، الهداية - للمرغيناني - 172:2، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
و أمّا الردّة:

فهي الخروج عن الملّة بالكفر، فمانع الزكاة ليس بمرتد، و يجب قتاله حتي يدفع الزكاة، فإن دفعها، و إلاّ قتل.

و لو منعها مستحلاّ للمنع، كان مرتدّا. و كذا كلّ من اعتقد عدم وجوب ما علم من الدين ثبوته بالضرورة.

و قال بعض العامّة: إنّ مانع الزكاة مرتدّ و إن كان مسلما(1). و ليس بمعتمد.

فإذا أتلف المرتدّ مالا أو نفسا حال ردّته، ضمن، سواء تحيّز به و صار في منعة أو لا، لقوله تعالي فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (2).

و ما رواه العامّة عن أبي بكر أنّه قال لأهل الردّة حين رجعوا: تردّون علينا ما أخذتم منّا، و لا نردّ عليكم ما أخذنا منكم، و أن تدوا قتلانا، و لا ندي قتلاكم، قالوا: نعم(3).

و قال الشافعي: لا ضمان عليه - و به قال أحمد في الأنفس، و قال في الأموال بقولنا - لأنّ تضمينهم يؤدّي إلي تنفيرهم عن الرجوع إلي الإسلام، فأشبهوا أهل البغي(4).

و نمنع الحكم في الأصل، و لأنّه يؤدّي إلي كثرة الفساد.

و لو قصد رجل رجلا أو امرأة، يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو الفساد به، فله أن يقاتله و يدفعه عن نفسه بأقّل ما يمكنه دفعه به إجماعا و إن أتي ذلك علي نفسه، لقوله عليه السّلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد»(5).

ص: 434


1- انظر: المغني 435:2.
2- البقرة: 194.
3- المغني 70:10، الشرح الكبير 60:10.
4- المغني 70:10، الشرح الكبير 60:10.
5- صحيح البخاري 179:3، سنن ابن ماجة 861:2-2580، سنن الترمذي 4: 28-1418، و 29-1419، سنن النسائي 115:7-116، سنن البيهقي 3: 265-266، و 187:8، 335، مسند أحمد 127:1-591.

و الأقوي عندي: أنّه إن ظنّ التلف، وجب دفع المال و التوقّي به.

و لو قتل القاصد، لم يجب علي القاتل قود و لا دية و لا كفّارة.

و هل يجب عليه أن يدفع عن نفسه ؟ الحقّ عندنا ذلك، لقوله تعالي:

وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ (1) و هو أحد قولي الشافعي(2).

و الثاني: لا يجب، لأنّ عثمان بن عفّان استسلم للقتال مع القدرة علي الدفع(3).

و الثانية ممنوعة، مع أنّ فعله ليس حجّة.

أمّا المال فلا يجب الدفاع عنه.

و المرأة و الصبي يجب عليهما الدفاع عن فرجهما، لأنّ التمكين منهما محرّم، و في ترك الدفع نوع تمكين.

ثمّ المدافع عن نفسه و ماله و فرجه إن أمكنه التخلّص بالهرب، وجب - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّه أسهل طريق إلي الدفع.

و الثاني: لا يلزمه، لأنّ إقامته في مكانه مباح له، فلا يلزمه أن ينصرف عنه لأجل غيره(5).

و ليس بجيّد، لأنّ في الانصراف حفظ النفس، فوجب.

و كذا المضطرّ إلي أكل ميتة أو نجاسة أو شرب نجس يجب عليه7.

ص: 435


1- البقرة: 195.
2- الحاوي الكبير 455:13-456، الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 11: 314-315، روضة الطالبين 393:7.
3- الحاوي الكبير 455:13-456، الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 11: 314-315، روضة الطالبين 393:7.
4- الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 320:11، روضة الطالبين 393:7.
5- الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 320:11، روضة الطالبين 393:7.

تناوله لحفظ الرمق. و هو أحد وجهي الشافعي(1).

و الثاني: لا يجب، لأنّه يتوقّي النجاسة(2).

و ليس بجيّد، لأنّ النجاسة حكم شرعي و قد عفي عنه، فلا يتلف نفسه لذلك.9.

ص: 436


1- الوجيز 217:2، العزيز شرح الوجيز 158:12-159، روضة الطالبين 2: 548-549.
2- الوجيز 217:2، العزيز شرح الوجيز 158:12-159، روضة الطالبين 2: 548-549.
الفصل السابع: في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
مقدّمة: الأمر طلب الفعل بالقول علي جهة الاستعلاء،

و النهي نقيضه. و لا يشترط العلوّ. و المعروف هو الفعل الحسن المختصّ بوصف زائد علي حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه. و المنكر هو الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه.

و الحسن ما للقادر عليه المتمكّن منه و من العلم بحسنه أن يفعله، و أيضا ما لم يكن علي صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ. و القبيح هو الذي ليس للمتمكّن منه و من العلم بقبحه أن يفعله، أو الذي علي صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ.

و الحسن شامل للمباح و المندوب و الواجب و المكروه، و القبيح هو الحرام، و قد يطلق في العرف الحسن علي ماله مدخل في استحقاق المدح، فيتناول الواجب و المندوب خاصّة.

مسألة 259: في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فضل عظيم و ثواب جزيل.

قال اللّه تعالي كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1) و قال تعالي لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلي لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (2).

ص: 437

قال اللّه تعالي كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1) و قال تعالي لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلي لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (2).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رجلا من خثعم جاء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه أخبرني ما أفضل الإسلام ؟ قال: الإيمان باللّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فأيّ الأعمال أبغض إلي اللّه عزّ و جلّ؟ قال:

الشرك باللّه، قال: ثم ما ذا؟ قال: قطيعة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر [1]»(3).

و قد حذّر اللّه تعالي في كتابه عن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في قوله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (4) الآية، و قوله تعالي لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (5).

و قال أبو الحسن عليه السّلام: «لتأمرنّ [2] بالمعروف و لتنهنّ [3] عن المنكر أو4.

ص: 438


1- آل عمران: 110.
2- المائدة: 78 و 79.
3- الكافي 58:5-9، التهذيب 176:6-355.
4- المائدة: 78.
5- النساء: 114.

ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(1).

و قال الباقر عليه السّلام: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما قدست امّة لم تأخذ [1] لضعيفها من قويّها بحقّه غير مضيع [2]»(3).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا علي البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، و سلّط بعضهم علي بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء»(4).

و قال الصادق عليه السّلام لقوم من أصحابه: «إنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم، و كيف لا يحقّ لي ذلك!؟ و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتي يتركه»(5).

مسألة 260: المعروف قسمان: واجب و ندب، فالأمر بالواجب واجب،

و بالمندوب ندب. و أمّا المنكر فكلّه حرام، فالنهي عنه واجب، و لا خلاف في ذلك.

ص: 439


1- الكافي 56:5-3، التهذيب 176:6-352.
2- الكافي 56:5-57-4، التهذيب 176:6-353، و فيهما عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام.
3- الكافي 56:5-2، التهذيب 180:6-371.
4- التهذيب 181:6-373، و فيه: «.. علي البرّ و التقوي..».
5- التهذيب 181:6-182-375.

قال اللّه تعالي وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1) و قال خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (2).

و قال الباقر عليه السّلام: «يكون في آخر الزمان قوم يتبع [1] فيهم قوم مراءون يتقرّؤون و يتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير، يتبعون زلاّت العلماء و فساد علمهم [2]، يقبلون علي الصلاة و الصيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمّ الفرائض و أشرفها، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هناك يتمّ غضب اللّه عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار و الصغار في دار الكبار، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل لأنبياء و منهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحلّ المكاسب، و تردّ المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، و ألفظوا بألسنتكم، و صكّوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتّعظوا و إلي الحقّ رجعوا، فلا سبيل عليهم إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (3) هنالك فجاهدوهم2.

ص: 440


1- المائدة: 2.
2- الأعراف: 199.
3- الشوري: 42.

بأبدانكم، و أبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا و لا مريدين بالظلم ظفرا حتي يفيئوا إلي أمر اللّه و يمضوا علي طاعته».

قال: «أوحي اللّه تعالي إلي شعيب النبي صلّي اللّه عليه و آله إنّي لمعذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، و ستّين ألفا من خيارهم، فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحي اللّه عزّ و جلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي»(1).

مسألة 261: اختلف علماؤنا في وجوبهما.

فقال بعضهم(2): إنّه عقليّ، فإنّا كما نعلم وجوب ردّ الوديعة و قبح الظلم نعلم وجوب الأمر بالمعروف الواجب، و وجوب النهي عن المنكر.

و قال بعضهم(3): إنّه سمعيّ، لأنّه معلوم من دين النبي صلّي اللّه عليه و آله، و قد دلّ السمع عليهما كما تقدّم، و لو وجبا بالعقل، لما ارتفع معروف و لما وقع منكر، أو كان اللّه تعالي مخلاّ بالواجب، و التالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة: أنّ الأمر بالمعروف هو الحمل علي فعل المعروف، و النهي عن المنكر هو المنع منه، فلو كانا واجبين بالعقل، لكانا واجبين علي اللّه تعالي، لأنّ كلّ واجب عقليّ فإنّه يجب علي كلّ من حصل فيه وجه الوجوب، و لو وجبا علي اللّه تعالي، لزم أحد الأمرين.

و أمّا بطلانهما فظاهر.

ص: 441


1- الكافي 55:5-56-1، التهذيب 180:6-181-372.
2- كالشيخ الطوسي في الاقتصاد: 146-147 و قوّي القول الثاني.
3- كالسيّد المرتضي و ابن إدريس في السرائر: 160، و الشيخ الطوسي في التبيان 2: 549، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 264.

أمّا الأوّل: فلأنّه يلزم منه الإلجاء.

و أمّا الثاني: فلأنّه تعالي حكيم يستحيل منه فعل القبيح و الإخلال بالواجب.

لا يقال: الإلجاء وارد عليكم لو وجبا علي المكلّف، لأنّ الأمر هو الحمل، و النهي هو المنع، و لا فرق بين صدورهما من اللّه تعالي أو المكلّف في اقتضائهما الإلجاء، و هو يبطل التكليف.

لأنّا نقول: منع المكلّف لا يقتضي الإلجاء، لأنّه لا يقتضي الامتناع، بل هو مقرّب، و هو يجري مجري الحدود في اللطفيّة، و لهذا تقع القبائح مع حصول الإنكار.

مسألة 262: اختلف علماؤنا في وجوبهما علي الأعيان أو علي الكفاية ؟

فقال السيّد المرتضي: إنّهما علي الكفاية(1).

و قال الشيخ: إنّهما علي الأعيان(2) ، لقوله عليه السّلام: «لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر»(3) و هو عامّ.

و نقول بموجبه، فإنّ الواجب علي الكفاية يخاطب به الكلّ، و يسقط بفعل البعض.

احتجّ السيّد: بأنّ الغرض وقوع المعروف و ارتفاع المنكر، فمتي حصلا صار التعاطي لهما عبثا.

مسألة 263: شرائط وجوبه أربعة:
اشارة

ص: 442


1- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 160.
2- النهاية: 299، الاقتصاد: 147.
3- الكافي 56:5-3، و في التهذيب 176:6-352 بتفاوت يسير، و الحديث فيهما عن أبي الحسن عليه السّلام.
الأوّل: أن يعلم الآمر و الناهي المعروف معروفا و المنكر منكرا

لئلاّ يغلط فيأمر بالمنكر و ينهي عن المعروف.

الثاني: أن يجوّز تأثير إنكاره،

فلو غلب علي ظنّه أو علم أنّه لا يؤثر، لا يجب الأمر بالمعروف و لا النهي عن المنكر. و هو شرط في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باللسان و اليد(1) دون القلب.

قال الصادق عليه السّلام لمّا سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أ واجب هو علي الأمّة جميعا؟ فقال: «لا» فقيل: و لم ؟ قال: «إنّما هو علي القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا علي الضّعفة الذين لا يهتدون سبيلا»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم، فأما صاحب سيف و سوط فلا»(3).

الثالث: أن يكون المأمور أو المنهي مصرّا علي الاستمرار،

فلو ظهر منه الإقلاع، سقط الوجوب، لزوال علّته.

الرابع: أن لا يكون في الإنكار مفسدة علي الآمر و لا علي أحد من المؤمنين بسببه،

فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلي ماله أو إلي أحد من المسلمين، سقط الوجوب.

مسألة 264: مراتب الإنكار ثلاثة:
الأولي: بالقلب،

و هو يجب مطلقا، و هو أوّل المراتب، فإنّه إذا علم أنّ فاعله ينزجر بإظهار الكراهة، وجب عليه ذلك. و كذا لو عرف أنّه

ص: 443


1- في الطبعة الحجريّة: باليد و اللسان.
2- التهذيب 177:6-360، و في الكافي 59:5-16 بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- الكافي 60:5-2، التهذيب 178:6-362 بتفاوت يسير.

لا يكفيه ذلك و عرف الاكتفاء بنوع من الإعراض عنه و الهجر، وجب عليه ذلك، لقول الصادق عليه السّلام في الحديث السابق(1): «و كيف لا يحقّ لي ذلك!؟ و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتي يتركه».

الثانية: باللسان،

فإذا لم ينزجر بالقلب و الإعراض و الهجر، أنكر باللسان بأن يعظه و يزجره و يخوّفه، و يتدرج في الإنكار بالأيسر من القول إلي الأصعب.

الثالثة: باليد،

فإذا لم ينجع [1] القول و الوعظ و الشتم، أمر و نهي باليد بأن يضرب عليهما، لقول الصادق عليه السّلام: «ما جعل اللّه عزّ و جلّ بسط اللسان و كفّ اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا»(2).

و لو افتقر إلي الجراح و القتل، قال السيّد المرتضي: يجوز ذلك بغير إذن الامام(3).

و قال الشيخ رحمه اللّه: ظاهر مذهب شيوخنا الإماميّة أنّ هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلاّ للأئمّة أو لمن يأذن له الإمام فيه.

قال رحمه اللّه: و كان المرتضي رحمه اللّه يخالف في ذلك و يقول: يجوز فعل ذلك بغير إذنه، لأنّ ما يفعل بإذنه يكون مقصودا، و هذا بخلاف ذلك، لأنّه غير مقصود، و إنّما قصده المدافعة و الممانعة، فإن وقع ضرر، فهو غير

ص: 444


1- سبق في ص 439.
2- الكافي 55:5-1، التهذيب 169:6-325.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الاقتصاد: 150.

مقصود(1). و قد أفتي الشيخ بذلك أيضا في كتاب التبيان(2).

مسألة 265: لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلاّ الإمام 1 أو من نصبه الإمام لإقامتها،

و لا يجوز لأحد سواهما إقامتها علي حال.

و قد رخص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ علي مملوكه إذا لم يخف ضررا علي نفسه و ماله و غيره من المؤمنين، و أمن بوائق الظالمين.

قال الشيخ: و قد رخص أيضا في حال الغيبة إقامة الحدّ علي ولده و زوجته إذا أمن الضرر(3).

و منع ابن إدريس ذلك في الولد و الزوجة، و سلّمه في العبد(4).

و في رواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق عليه السّلام: من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي ؟ فقال: «إقامة الحدود إلي من إليه الحكم»(5). و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان(6) ، عملا بهذه الرواية، كما يأتي(7) أنّ للفقهاء الحكم بين الناس، فكان إليهم إقامة الحدود، و لما في تعطيل الحدود من الفساد.

و قد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم علي قوم و جعل إليه إقامة

ص: 445


1- الاقتصاد: 150.
2- التبيان 549:2 و 566.
3- النهاية: 301.
4- السرائر: 161.
5- الفقيه 51:4-179، التهذيب 155:10-621.
6- المقنعة: 810، النهاية: 302.
7- يأتي في المسألة التالية (266).

الحدود، جاز له أن يقيمها عليهم علي الكمال، و يعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ لا بإذن سلطان الجور، و يجب علي المؤمنين معونته و تمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك و ما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدّي من جعل إليه الحقّ، لم يجز له القيام به و لا لأحد معونته علي ذلك(1).

و منع ابن إدريس(2) ذلك [1].

نعم، لو خاف الإنسان علي نفسه من ترك إقامتها، جاز له ذلك، للتقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس، فإن بلغ الحال ذلك، لم يجز فعله، و لا تقيّة فيها علي حال.

مسألة 266: الحكم و الفتيا بين الناس منوط بنظر الإمام،

فلا يجوز لأحد التعرّض له إلاّ بإذنه. و قد فوّض الأئمّة عليهم السلام ذلك إلي فقهاء شيعتهم، المأمونين المحصّلين [2] العارفين بالأحكام و مداركها، الباحثين عن مأخذ الشريعة، القيّمين بنصب الأدلّة و الأمارات، لأنّ عمر بن حنظلة سأل الصادق عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلي الطاغوت أو إلي السلطان أ يحلّ ذلك ؟ فقال: «من تحاكم إلي الطاغوت [3] فحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا، لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه تعالي أن يكفر به» قلت: كيف يصنعان ؟ قال «انظروا إلي من كان منكم قد روي حديثنا و نظر في

ص: 446


1- النهاية - للطوسي - 301، و السرائر: 161.
2- السرائر: 161.

حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فلترضوا به حاكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ و علينا ردّ، و الرادّ علينا رادّ علي اللّه و هو علي حدّ الشرك باللّه عزّ و جلّ»(1).

و روي أبو خديجة عن الصادق عليه السّلام، قال: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلي أهل الجور و لكن انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا [1] فاجعلوه بينكم فإنّي جعلته قاضيا فتحاكموا إليه»(2).

إذا عرفت هذا، فينبغي لمن عرف الأحكام و مأخذها من الشيعة الحكم و الإفتاء و له بذلك أجر عظيم ما لم يخف في ذلك علي نفسه أو علي أحد من المؤمنين، فإن خاف شيئا من ذلك، لم يجز له التعرّض بحال.

مسألة 267: لو طلب أحد الخصمين المرافعة إلي قضاة الجور، كان متعدّيا للحقّ،

مرتكبا للإثم، مخالفا للإمام، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلي قاض أو سلطان جائر فقضي عليه بغير حكم اللّه فقد شركه في الإثم»(3).

و يجب علي كلّ متمكّن منع الطالب لقضاة الجور، و مساعدة غريمه علي المرافعة إلي قضاة الحقّ بلا خلاف.

و إذا ترافع إلي الفقيه - العارف بالأحكام، الجامع لشرائط الحكم - خصمان، وجب عليه الحكم بينهما علي مذهب أهل الحقّ، و لا يجوز له أن يحكم بما يخالف الحقّ من المذاهب، لقوله تعالي:

ص: 447


1- الكافي 412:7-5، التهذيب 218:6-514 بتفاوت في بعض الألفاظ.
2- الكافي 412:7-4، التهذيب 219:6-516.
3- الكافي 411:7-1، الفقيه 3-4، التهذيب 218:6-219-515.

وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (1) .

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ فهو كافر باللّه العظيم»(2).

إذا ثبت هذا، فلو اضطرّ إلي الحكم بمذهب أهل الخلاف بأن يكون قد اضطرّ إلي الولاية من قبلهم و لم يتمكّن من إنفاذ الحكم بالحق، جاز له ذلك ما لم يبلغ إلي الدماء، فإنّه لا تقيّة فيها، و يجتهد في تنفيذ الأحكام علي الوجه الحقّ ما أمكن، للضرورة الداعية إليه.

و لقول زين العابدين عليه السّلام: «إذا كنتم في أئمّة جور فاقضوا في أحكامهم و لا تشهروا أنفسكم فتقتلوا، و إن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم»(3).

إذا ثبت هذا، فلو تمكّن من إنفاذ الحكم بالحقّ و حكم بحكم أهل الخلاف، كان آثما ضامنا، لأنّ عليّا عليه السّلام اشتكي عينه فعاده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فإذا عليّ عليه السّلام يصيح، فقال له النبي صلّي اللّه عليه و آله: «أجزعا أم وجعا يا عليّ؟» فقال:

«يا رسول اللّه ما وجعت وجعا أشدّ منه» قال: «يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل ليقبض روح الفاجر أنزل معه سفّودا [1] من نار فيقبض روحه به، فتصيح [2] جهنّم» فاستوي عليّ عليه السّلام جالسا فقال: «يا رسول اللّه أعد عليّ حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت، فهل يصيب ذلك أحدا من أمّتك ؟» فقال: «نعم، حكّاما جائرين، و آكل مال اليتيم، و شاهد الزور»(4).ظ.

ص: 448


1- المائدة: 44.
2- الكافي 408:7-2، التهذيب 221:6-523.
3- الفقيه 3:3-3، التهذيب 225:6-540.
4- التهذيب 224:6-537 بتفاوت في بعض الألفاظ.
مسألة 268: يجوز لفقهاء الشيعة، العارفين بمدارك الأحكام، الجامعين لشرائط الحكم الإفتاء بين الناس.

و يجب عليهم ذلك حال غيبة الإمام عليه السّلام إذا أمنوا الضرر و لم يخافوا علي أنفسهم و لا علي أحد من المؤمنين.

قال اللّه تعالي إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ (1) الآية، و قال تعالي فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (2).

و قال الباقر عليه السّلام: «لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من نظر إلي فرج امرأة لا تحلّ له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب علي المفتي الإفتاء عن معرفة لا عن تقليد. و إنّما يحلّ له الإفتاء بعد المعرفة بالأحكام و مداركها و الأصول و النحو الذي يحتاج إليه في ذلك، و اللغة المحتاج إليها فيه، و لا يحلّ له الإفتاء بغير علم، لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه»(4).

و لو خاف علي نفسه من الإفتاء بالحقّ، جاز له - مع الضرر و خوفه - الإفتاء بمذاهب أهل الخلاف و السكوت، لأنّا جوّزنا الحكم بمذهب

ص: 449


1- البقرة: 159.
2- التوبة: 122.
3- التهذيب 224:6-534.
4- الكافي 409:7-2، التهذيب 223:6-531.

الخلاف للضرورة فالإفتاء أولي.

و يجوز لفقهاء الحقّ أن يجمّعوا بين الناس في الصلوات، و يستحبّ ذلك استحبابا مؤكّدا مع الأمن.

و قد اختلف علماؤنا في الجمعة حال الغيبة و الأمن و التمكّن من الخطبتين علي ما يسوغ، فجوّزه بعض(1) علمائنا، و منعه آخرون(2).

و لا يجوز لأحد أن يعرّض نفسه للتولّي من قبل الظالمين، إلاّ أن يعلم أنّه لا يتعدّي الواجب و لا يرتكب القبيح و يتمكّن من وضع الأشياء مواضعها، فإن علم أو ظنّ أنّه يخلّ بشيء من ذلك، لم يجز له التعرّض لذلك مع الاختيار، فإن أكره، جاز له، و يجتهد في تنفيذ الأحكام علي مذهب الحقّ ما أمكن.1.

ص: 450


1- كالشيخ الطوسي في النهاية: 302، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 151.
2- منهم سلاّر في المراسم: 261، و ابن إدريس في السرائر: 161.
الفصل الثامن: في الرباط
اشارة

الرباط فيه فضل كثير و ثواب عظيم.

قال سلمان: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: «رباط ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر و قيامه، فإن مات جري عليه عمله الذي كان يعمل، و اجري عليه رزقه، و أمن الفتّان»(1).

و معني الرباط الإقامة عند الثغر لحفظ بيضة الإسلام. و أقلّه ثلاثة أيّام، و أكثره أربعون يوما، فإن زاد، كان جهادا ثوابه ثواب المجاهدين.

و قال أحمد: لا طرف له في القلّة(2).

و ليس جيّدا، لأنّه لا يصدق علي المجتاز في الثغر أنّه مرابط.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «الرباط ثلاثة أيّام، و أكثره أربعون يوما، فإذا جاز [1] ذلك فهو جهاد»(3).

و الرباط حال ظهور الإمام أشدّ استحبابا، أمّا حال الغيبة فلا يتأكّد استحبابها و إن كانت مستحبّة، لأنّها لا تتضمّن قتالا، بل حفظا و إعلاما.

و أفضل الرباط المقام بأشدّ الثغور خوفا، لشدّة الحاجة هناك، و كثرة النفع بمقامه به.

ص: 451


1- أورده ابنا قدامة في المغني 370:10، و الشرح الكبير 369:10. و في صحيح مسلم 1520:3-1913، و سنن البيهقي 38:9، و المعجم الكبير - للطبراني - 6: 266-6177، و 267-6178 بتفاوت.
2- المغني 370:10، الشرح الكبير 369:10.
3- التهذيب 125:6-218.

فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه و سوّغ له القتال، جاز له، و إن كان مستترا أو لم يسوّغ له القتال، لم يجز القتال ابتداء، بل يمنع الكفّار من الدخول إلي دار الإسلام، و يعلم المسلمين بأحوالهم، فإن قاتلوه، جاز له مقاتلتهم، و يقصد بذلك الدفع عن نفسه و عن بيضة الإسلام.

مسألة 269: تستحبّ المرابطة بنفسه و غلامه و فرسه.

و يكره له نقل الذرّيّة و الأهل إلي الثغور المخوفة، لجواز استيلاء الكفّار عليهم، و ظفر العدوّ بالذراري و النسوان مع ضعفهم عن الهرب.

و لو عجز عن المرابطة بنفسه، رابط فرسه أو غلامه أو جاريته، أو أعان المرابطين.

و ينبغي لأهل الثغور أن يجتمعوا في المساجد للصلوات، لأنّه ربما جاءهم الكفّار دفعة فخافوا بسبب كثرتهم.

و يستحبّ الحرس في سبيل اللّه.

قال ابن عباس: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: «عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية اللّه، و عين باتت تحرس في سبيل اللّه»(1).

مسألة 270: لو نذر المرابطة، وجب عليه الوفاء به،

سواء كان الإمام ظاهرا أو غائبا، لأنّه نذر في طاعة، فيجب الوفاء به، كغيره من الطاعات، إلاّ أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال و لا يجاهدهم إلاّ دفعا عن الإسلام و النفس، لقول [أبي الحسن] [1] عليه السّلام: «يرابط و لا يقاتل، فإن خاف علي بيضة الإسلام

ص: 452


1- سنن الترمذي 175:4-1639، و عنه في المغني 375:10، و الشرح الكبير 373:10.

و المسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان، لأنّ في درس الإسلام درس ذكر محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله»(1).

و لو نذر أن يصرف شيئا من ماله إلي المرابطين، وجب الوفاء به، سواء كان الإمام ظاهرا أو مستترا، لأنّه نذر في طاعة، فوجب الوفاء به، كغيره من الطاعات.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كان في حال ظهور الإمام، وجب الوفاء به، و إلاّ لم يجب، إلاّ أن يخاف الشنعة من تركه، فيجب عليه حينئذ صرفه في المرابطة. و إذا لم يخف، صرف في أبواب البرّ(2) ، لرواية علي بن مهزيار(3).

مسألة 271: لو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة، وجب عليه الوفاء،

لأنّها إجارة علي فعل طاعة، فلزمت، كالجهاد. و لا فرق بين حال ظهور الإمام و غيبته.

و قال الشيخ رحمه اللّه بذلك حال ظهور الإمام، و أمّا حال غيبته فلا يلزمه الوفاء بالعقد، و يردّ علي المؤجر ما أخذه منه، فإن لم يجده، فعلي ورثته، فإن لم يكن له ورثة، لزمه الوفاء به(4).

و المعتمد: ما قلناه، غير أنّه لا يقصد بالجهاد الدعاء إلي الإسلام، لأنّه مخصوص بالإمام و نائبه، بل يقصد الدفاع عن نفسه و عن الإسلام. و متي قتل المرابط، كان شهيدا.

ص: 453


1- التهذيب 125:6-219 بتفاوت يسير.
2- النهاية: 291، المبسوط - للطوسي - 8:2-9.
3- التهذيب 126:6-221.
4- المبسوط - للطوسي - 9:2.

تمّ الجزء السادس [1] من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه علي يد مصنّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي، حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه اللّه علي طاعته.

و فرغ من تصنيفه و كتابته في ثاني عشري شهر ربيع الأوّل من سنة تسع عشرة و سبعمائة بالحلّة. و يتلوه في الجزء السابع [2] بتوفيق اللّه تعالي:

القاعدة الثانية في العقود، و فيه كتب: كتاب البيع، و فيه مقاصد: الأوّل: في أركانه، و فيه فصول.

و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمد و آله الطاهرين [3].

ص: 454

المجلد 10

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء العاشر

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، و به نستعين

القاعدة الثانية: في العقود.

اشارة

و فيه كتب:

كتاب البيع،

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في أركانه،
اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ماهيّته

و هو انتقال عين مملوكة من شخص إلي غيره بعوض مقدّر علي وجه التراضي، فلا ينعقد علي المنافع، و لا علي ما لا يصحّ تملّكه، و لا مع خلوّه عن العوض المعلوم، و لا مع الإكراه.

و هو جائز بالنصّ

ص: 5

قال اللّه تعالي وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1).

و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(2).

و سأل الصادق عليه السّلام عن معاذ بيّاع الكرابيس، فقيل: ترك التجارة، فقال: «عمل عمل الشيطان [1]، من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله، أما علم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قدمت عير من الشام فاشتري منها و اتّجر فربح فيها ما قضي دينه»(3).

و لا خلاف بين الأمّة فيه. و لأنّ الحاجة قد تتعلّق بما في يد الغير و لا يبذله بغير عوض، فتسويغ البيع يوصل كلاّ إلي غرضه و رفع حاجته.1.

ص: 6


1- البقرة: 275.
2- صحيح البخاري 84:3، سنن أبي داود 274:3، 3459، المصنّف - لابن أبي شيبة - 124:7-126، 2607 و 2608 و 2611.
3- التهذيب 4:7، 11.
الفصل الثاني في الصيغة
مسألة 1: الأشهر عندنا: أنّه لا بدّ منها،

و لا تكفي المعاطاة في الجليل و الحقير، مثل: أعطني بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه، أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار، فيأخذه - و به قال الشافعي مطلقا(1) - لأصالة بقاء الملك، و قصور الأفعال عن الدلالة علي المقاصد. و بعض الحنفيّة و ابن سريج في الجليلة(2).

و قال أحمد: ينعقد مطلقا - و نحوه قال مالك، فإنّه قال: بع بما يعتقده الناس بيعا(3) - لأنّه تعالي أحلّ البيع و لم يبيّن الكيفيّة، فتحال علي العرف كالقبض، و البيع وقع في زمانه عليه السّلام كثيرا و لم ينقل اللفظ، و إلاّ لتواتر(4).

و الجواب: المعاطاة تثبت في غير البيع، فيجب عود النصّ إلي غيرها. و نمنع عدم التواتر، و الاستغناء بالإباحة عنه.

ص: 7


1- الوجيز 132:1، العزيز شرح الوجيز 10:4، المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 162:9، روضة الطالبين 5:3، حلية العلماء 13:4، بدائع الصنائع 134:5، المغني و الشرح الكبير 5:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 5:2، بدائع الصنائع 134:5، العزيز شرح الوجيز 4: 10، الوسيط 8:3، المجموع 162:9، روضة الطالبين 5:3، المغني و الشرح الكبير 5:4.
3- حلية العلماء 14:4، العزيز شرح الوجيز 11:4، روضة الطالبين 5:3، المغني و الشرح الكبير 5:4.
4- المغني 5:4، الشرح الكبير 5:4-6.

و الحوالة في الحقيرة علي العرف، فتختلف بأجناس الأموال.

و فسّره بعض الشافعيّة بما دون نصاب السرقة(1). و هو تحكّم.

مسألة 2: صيغة الإيجاب: «بعت» أو «شريت» أو «ملّكت» من جهة البائع.
اشارة

و القبول من المشتري: «قبلت» أو «ابتعت» أو «اشتريت» أو «تملّكت».

و لا يشترط الاتّحاد إجماعا، فيقول البائع: شريت، فيقول المشتري:

تملّكت.

و يشترط أمور:
الأوّل: تقديم الإيجاب علي الأقوي

- خلافا للشافعي و أحمد(2) - عملا بالأصل، و الدلالة علي الرضا ليست كافية.

الثاني: الإتيان بهما بلفظ الماضي،

فلو قال: أبيعك، أو قال:

أشتري، لم يقع إجماعا، لانصرافه إلي الوعد.

و لو تقدّم القبول بلفظ الطلب بأن قال: بعني، بدل قوله: اشتريت، فقال البائع: بعتك، لم ينعقد - و به قال أبو حنيفة و المزني و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّه ليس صريحا في الإيجاب، فقد يقصد أن يعرف أنّ البائع هل يرغب في البيع ؟

ص: 8


1- العزيز شرح الوجيز 10:4، المجموع 164:9، روضة الطالبين 5:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 166:9، روضة الطالبين 4:3، منهاج الطالبين: 94، الحاوي الكبير 40:5، العزيز شرح الوجيز 10:4، المغني و الشرح الكبير 4:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 3:2.
3- بدائع الصنائع 133:5، مختصر اختلاف العلماء 49:3، 1126، المغني و الشرح الكبير 4:4، الحاوي الكبير 41:5-42، الوجيز 132:1، العزيز شرح الوجيز 11:4، حلية العلماء 14:4، المجموع 168:9.

و أصحّ وجهي الشافعي: الجواز - و به قال مالك - لوجود اللفظ المشعر من الجانبين(1).

و عن أحمد روايتان(2) كالقولين.

نعم، لو قال المشتري بعد ذلك: اشتريت، أو: قبلت، صحّ إجماعا.

و لو تقدّم بلفظ الاستفهام فيقول: أ تبيعني ؟ فيقول: بعتك، لم يصحّ إجماعا، لأنّه ليس بقبول و لا استدعاء.

الثالث: النطق،

فلا تكفي الإشارة إلاّ مع العجز، للأصل. و لا الكتابة، لإمكان العبث.

و للشافعيّة وجهان(3).

الرابع: التصريح،

فلا يقع بالكناية مع النيّة، مثل: أدخلته في ملكك، أو: جعلته لك، أو: خذه منّي بكذا، أو: سلّطتك عليه بكذا، عملا بأصالة بقاء الملك. و لأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب.

و أصحّ وجهي الشافعي: الوقوع، قياسا علي الخلع(4).

و نمنع الأصل، و ينتقض بالنكاح.

الخامس: الجزم،

فلو علّق العقد علي شرط، لم يصحّ و إن كان

ص: 9


1- المهذب - للشيرازي - 264:1، المجموع 168:9، روضة الطالبين 5:3، منهاج الطالبين: 94، حلية العلماء 14:4، العزيز شرح الوجيز 11:4، الحاوي الكبير 41:5، بداية المجتهد 270:2، المغني و الشرح الكبير 4:4.
2- المغني و الشرح الكبير 4:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 3:2، العزيز شرح الوجيز 11:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 167:9، حلية العلماء 15:4، العزيز شرح الوجيز 12:4-13.
4- المجموع 166:9، روضة الطالبين 6:3، منهاج الطالبين: 94، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 12:4.

الشرط المشيئة، للجهل بثبوتها حالة العقد و بقائها مدّته. و هو أحد قولي الشافعيّة.

و أظهر الوجهين لهم: الصحّة، لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد، لأنّه لو لم يشأ لم يشتر(1).

فروع:
أ - إنّما يفتقر إلي الإيجاب و القبول فيما ليس بضمنيّ من البيوع،

أمّا الضمنيّ، ك «أعتق عبدك عنّي بكذا» فيكفي فيه الالتماس و الجواب، و لا تعتبر الصيغ المتقدّمة إجماعا.

ب - لو اتّحد المتعاقدان، كالأب عن ولده، افتقر إلي الإيجاب و القبول،

و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الآخر: الاكتفاء بأحد اللفظين(2).

ج - لا بدّ من التطابق في المعني بين الصيغتين،

فلو قال: بعتك هذين بألف، فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو: قبلت نصفهما بنصف الثمن. أو قال: بعتكما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، لم يقع علي إشكال في الأخير أقربه: الصحّة و اختيار البائع.

ص: 10


1- المجموع 170:9، روضة الطالبين 8:3، العزيز شرح الوجيز 13:4.
2- المجموع 170:9، روضة الطالبين 7:3، العزيز شرح الوجيز 13:4.
الفصل الثالث في المتعاقدين
مسألة 3: يشترط فيهما البلوغ و العقل،
اشارة

فلا تصحّ عبارة الصبي، سواء كان مميّزا أو لا، أذن له الوليّ أو لا - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ العقل لا يمكن الوقوف علي حدّه المنوط التصرّف به، لخفائه و تزايده تزايدا علي التدريج، فجعل الشارع له ضابطا هو البلوغ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة. و لأنّ المميّز غير مكلّف، فأشبه غيره.

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخري: يصحّ عقد المميّز بإذن الوليّ، لقوله تعالي وَ ابْتَلُوا الْيَتامي (2) و إنّما يتحقّق الاختبار بتفويض التصرّف(3).

و الجواب: الابتلاء يثبت بتفويض الاستيام و المماكسة و تدبير البيع ثمّ يعقد الوليّ.

ص: 11


1- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 155:9-156 و 158، روضة الطالبين 9:3، منهاج الطالبين: 94، حلية العلماء 10:4، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 15:4، الوسيط 12:3، بدائع الصنائع 135:5، المغني 4: 321، الشرح الكبير 7:4.
2- النساء: 6.
3- بدائع الصنائع 135:5، المغني 321:4، الشرح الكبير 7:4، الوسيط 3: 12، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9.

و في وجه لنا و للشافعيّة: جواز [بيع] [1] و الاختبار(1).

و في وجه لأبي حنيفة: انعقاد بيع المميّز بغير إذن الوليّ موقوفا علي إجازة الوليّ(2).

و في وجه آخر لنا: جواز بيعه إذا بلغ عشرا.

فروع:
أ - لو اشتري الصبي و قبض أو استقرض و أتلف، فلا ضمان عليه،

لأنّ التضييع من الدافع، فإن كان المال باقيا، ردّه، و علي الوليّ استرداد الثمن، و لا يبرأ البائع بالردّ إلي الصبي، و به قال الشافعي(3).

ب - كما لا تصحّ تصرّفاته اللفظيّة كذا لا يصحّ قبضه،

و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتّهب الوليّ له و لا لغيره و إن أمره الموهوب منه بالقبض.

و لو قال مستحقّ الدّين للمديون: سلّم حقّي إلي هذا الصبي، فسلّم قدر حقّه، لم يبرأ عن الدّين، و بقي المقبوض علي ملكه لا يضمنه الصبي، لأنّ البراءة تستند إلي قبض صحيح و لم يثبت.

و لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول عن إذن أهل الدار أو أوصل هديّة إلي إنسان عن إذن المهدي، فالأقرب: الاعتماد، لتسامح السلف فيه.

ج - المجنون إن كان له حال إفاقة فباع أو اشتري فيها، صحّ، و إلاّ فلا.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 15:4، روضة الطالبين 9:3.
2- بدائع الصنائع 135:5، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9، المغني 321:4، الشرح الكبير 8:4.
3- العزيز شرح الوجيز 15:4، روضة الطالبين 10:3، المجموع 156:9.

و لو ادّعي الجنون حالة العقد، قدّم قوله.

و لو لم يعرف له حالة جنون، قدّم قول مدّعي الصحّة.

و يقدّم قول الصبي لو ادّعي إيقاعه حالة الصبا.

د - لا ينعقد بيع المجنون و إن أذن وليّه،

و لا المغمي عليه و لا السكران و لا الغافل و لا الناسي و لا النائم و الهازل و لا المكره.

مسألة 4: الاختيار شرط في المتعاقدين،
اشارة

فلا يصحّ بيع المكره و لا شراؤه، لقوله تعالي إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1).

و في معني الإكراه بيع التلجئة، و هو: أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطئ رجلا علي إظهار شرائه منه و لا يريد بيعا حقيقيّا، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أحمد و أبو يوسف و محمّد(2) - لأنّهما لم يقصدا البيع، فكانا كالهازلين.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: يصحّ بيع التلجئة، لأنّه تمّ بأركانه و شروطه خاليا عن مقارنة مفسد، فصحّ، كما لو اتّفقا علي شرط فاسد ثمّ عقدا بغير شرط(3). و نمنع المقدّمات.

و كذا القصد شرط في البيع إجماعا.

فروع:
أ - لو رضي من منع عقده بفعله بعد زوال المانع، لم يصحّ،

إلاّ

ص: 13


1- النساء: 29.
2- المغني 302:4، المجموع 334:9.
3- المغني 302:4، المجموع 334:9، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3.

المكره، للوثوق بعبارته.

ب - لو أكرهه علي بيع عبد فباع اثنين أو نصفه، فإشكال.

و كذا بثمن فباع بأزيد أو أنقص، أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه.

ج - لو ادّعي الإكراه،

قبل مع اليمين مع القرينة لا بدونها.

مسألة 5: يشترط أن يكون البائع مالكا أو من له ولاية،
اشارة

كالأب و الجدّ له و الحاكم و أمينه و الوكيل، فلو باع الفضولي، صحّ، و وقف علي إجازة المالك - و به قال مالك و إسحاق و أبو حنيفة و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دفع إلي عروة البارقي دينارا ليشتري له شاة فاشتري به شاتين، فباع إحداهما بدينار و جاء بدينار و شاة، و حكي له، فقال صلّي اللّه عليه و آله له: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك»(2).

و لأنّه عقد له مجيز حال وقوعه، فيجب أن يقف علي إجازته، كالوصيّة.

و قال أبو ثور و ابن المنذر و الشافعي في الجديد و أحمد في الرواية الأخري: يبطل البيع - و هو قول لنا - لقوله عليه السّلام لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»(3).

ص: 14


1- بداية المجتهد 172:2، بدائع الصنائع 147:5، الهداية - للمرغيناني - 3: 68، الاختيار لتعليل المختار 26:2، العزيز شرح الوجيز 31:4 و 32، روضة الطالبين 21:3، المجموع 259:9، حلية العلماء 74:4-75، المغني 4: 296، الشرح الكبير 18:4.
2- سنن الترمذي 559:3، 1258، سنن الدارقطني 10:3، 29، المغني 296:4 - 297، الشرح الكبير 18:4.
3- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داود 283:3، 3503، سنن الترمذي 534:3، 1232، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5، 317، 339، مسند أحمد 403:4، 14887، و 455، 15145، المعجم الكبير - للطبراني - 3: 217-218، 3097-3099، 3102، 3103.

و لأنّه باع ما لا يقدر علي تسليمه، فأشبه الآبق و الطير في الهواء(1).

و الجواب: النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، و نصرفه إلي أنّه باع عن نفسه و يمضي فيشتريه من مالكه، لأنّه ذكره جوابا له حين سأله أنّه يبيع الشيء ثمّ يمضي و يشتريه و يسلّمه، و القدرة علي التسليم من المالك موجودة إن أجازه.

فروع:
أ - شرط أبو حنيفة للوقف أن يكون للعقد مجيز في الحال،

فلو باع مال الطفل فبلغ و أجاز، لم ينعقد. و كذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه و أجاز(2).

و هو قول للشافعيّة تفريعا علي القديم(3).

ب - لو اشتري فضوليّا، فإن كان بعين مال الغير،

فالخلاف في البطلان و الوقف علي الإجازة، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يقع للمشتري بكلّ حال(4).

و إن كان في الذمّة لغيره و أطلق اللفظ، قال علماؤنا: يقف علي الإجازة، فإن أجازه، صحّ، و لزمه أداء الثمن، و إن ردّ، نفذ عن المباشر

ص: 15


1- المغني 296:4-297، الشرح الكبير 18:4، بداية المجتهد 172:2، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4 و 32، المجموع 259:9 و 261، روضة الطالبين 21:3، الهداية - للمرغيناني - 68:3.
2- بدائع الصنائع 149:5، العزيز شرح الوجيز 32:4.
3- العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 22:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 69:3، المجموع 261:9، حلية العلماء 75:4، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.

- و به قال الشافعي في القديم و أحمد(1) - و إنّما يصحّ الشراء، لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال غيره، و إنّما وقف [1] علي الإجازة، لأنّه عقد الشراء له، فإن أجازه، لزمه، و إنّ ردّه، لزم من اشتراه، و لا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا.

و قال أبو حنيفة: يقع عن المباشر. و هو جديد للشافعي(2).

ج - لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها،

و به قال الشافعي و أحمد(3) ، و لا نعلم فيه خلافا، لنهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن بيع ما ليس عندك(4). و لاشتماله علي الغرر، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها و لا قادر علي تسليمها.

أمّا إذا اشتري موصوفا في الذمّة سواء كان حالاّ أو مؤجّلا، فإنّه جائز. و كذا لو اشتري عينا شخصيّة غائبة مملوكة للبائع موصوفة بما يرفع الجهالة، فإنّه جائز إجماعا.

د - لو باع سلعة و صاحبها حاضر ساكت، فحكمه حكم الغائب،

قاله علماؤنا و أكثر أهل العلم، منهم: أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو يوسف(5) ، لاحتمال السكوت غير الرضا.

و قال ابن أبي ليلي: سكوته إقرار، كالبكر(6).

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 21:3، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
2- بدائع الصنائع 150:5، حلية العلماء 77:4، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 21:3.
3- المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 14، الهامش (3).
5- المجموع 264:9، المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.
6- المجموع 264:9، المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.

و الفرق: الحياء المانع من كلامها.

ه - الغاصب و إن كثرت تصرّفاته فللمالك أن يجيزها و يأخذ الحاصل في الحال،

و يتتبّع [1] العقود و يعتمد مصلحته في نسخ أيّها شاء، فينفسخ فرعه، و هو أضعف قولي الشافعي، و أصحّهما عنده: بطلان الجميع(1).

و - لو باع بظنّ الحياة 2 و أنّه فضوليّ فبان موته و أنّه مالك، صحّ البيع

- و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه.

و أضعفهما: البطلان، لأنّه كالغائب عن [3] مباشرة العقد، لاعتقاده أنّ المبيع لغيره(3).

و له آخر: أنّه موقوف علي تيقّن(4) الحياة أو الموت(5).

ز - لو باع الهازل، لم ينعقد عندنا، لأنّه غير قاصد، فلا يترتّب عليه حكم.

و للشافعي وجهان(6).

ح - لو باع الفضولي أو اشتري مع جهل الآخر، فإشكال

ينشأ من أنّ

ص: 17


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 260:9-261، روضة الطالبين 22:3.
2- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 261:9، روضة الطالبين 22:3.
3- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 261:9، روضة الطالبين 22:3-23.
4- في الطبعة الحجريّة: يقين.
5- العزيز شرح الوجيز 34:4.
6- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 173:9، روضة الطالبين 23:3.

الآخر إنّما قصد تمليك العاقد. أمّا مع العلم: فالأقوي ما تقدّم. و في الغاصب مع علم المشتري أشكل، إذ ليس له الرجوع بما دفعه إلي الغاصب هنا.

ط - يرجع المشتري علي البائع غير المالك

بما دفعه ثمنا و بما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء مع جهله أو ادّعاء البائع الإذن.

و هل يرجع بما دفعه ممّا حصل له في مقابلته نفع ؟ قولان.

و لو كان عالما، لم يرجع بما اغترم و لا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا.

و الأقوي: أنّ له الرجوع مع بقاء الثمن، لعدم الانتقال، بخلاف التالف، لأنّه أباحه فيه من غير عوض.

ي - لا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادّعاء الملكيّة للبائع،

لأنّه بني علي الظاهر، علي إشكال ينشأ من اعترافه بالظلم، فلا يرجع علي غير ظالمه.

يأ - لو تلفت العين في يد المشتري، كان للمالك الرجوع علي من شاء منهما،

لدفع مال الغير بغير إذنه، و قبضه كذلك، فإن رجع علي المشتري العالم، لم يرجع علي البائع، لاستقرار التلف في يده. و إن رجع علي البائع، رجع [1] عليه إن لم يكن قبض، و لو قبض، تقاصّا و ترادّا الفضل. و لو كان المشتري جاهلا، رجع علي البائع، لغروره، و لا يرجع البائع عليه، لضعف المباشرة.

يب - لو ضمّ المملوك إلي غيره، صحّ في ملكه

و وقف الآخر علي

ص: 18

الإجازة عندنا [1]، و سيأتي بحثه في تفريق الصفقة.

مسألة 6: لا يشترط إسلام العاقد إلاّ إسلام المشتري في شراء العبد المسلم،
اشارة

فلا ينعقد شراء الكافر للمسلم، عند أكثر علمائنا(1) - و به قال أحمد و مالك في إحدي الروايتين و أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ الاسترقاق سبيل فينتفي، لقوله تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (3).

و لأنّه ذلّ، فلا يثبت للكافر علي المسلم، كالنكاح. و لأنّه يمنع من استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه، كالنكاح.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في أضعف القولين، و مالك في الرواية الأخري، و بعض(4) علمائنا: يصحّ و يجبر علي بيعه، لأنّه يملكه بالإرث، و يبقي [2] عليه - لو أسلم - في يديه، فصحّ شراؤه(5).

ص: 19


1- منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 167:2، و ابن زهرة في الغنية: 210، و المحقق في شرائع الإسلام 16:2.
2- المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2، أحكام القرآن - لابن العربي - 510:1، الجامع لأحكام القرآن 421:5، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9 و 359-360، روضة الطالبين 11:3، الحاوي الكبير 381:5، التفسير الكبير 83:11.
3- النساء: 141.
4- انظر: شرائع الإسلام 16:2.
5- المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، الحاوي الكبير 381:5 - 382، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9 و 359-360، روضة الطالبين 11:3، الجامع لأحكام القرآن 421:5.

و الفرق: أنّ الإرث و الاستدامة أقوي من الابتداء، لثبوته بهما للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه، و لا يلزم من ثبوت الأقوي ثبوت الأدون مع أنّنا نقطع الاستدامة عليه بمنعه منها و إجباره علي إزالتها.

فروع:
أ - الخلاف واقع في اتّهابه

و قبول الوصيّة به و الاستئجار عليه.

ب - لو وكّل الكافر مسلما في شراء مسلم، لم يصحّ

- و به قال أحمد(1) - لأنّ الملك يقع للموكّل.

و لو انعكس، فالأقرب: الصحّة - و هو أحد وجهي أحمد(2) - لأنّ المانع ثبوت السبيل، و الملك هنا للمسلم.

و الآخر له: لا يصحّ، لأنّ ما منع من شرائه منع من التوكيل فيه، كالمحرم في الصيد(3).

و الفرق: الممنوع هنا الإعانة.

ج - لو كان المسلم ممّن ينعتق علي الكافر، فالأقرب عندي: صحّة البيع،

لأنّه يستعقب العتق و إن كرهه، فلا إذلال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة [1]، و إحدي روايتي أحمد(4).

ص: 20


1- المغني 332:4.
2- المغني 332:4.
3- المغني 332:4.
4- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 14:3، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، المغني 4: 332، الشرح الكبير 47:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2.

و في الأخري: لا يصحّ، لأنّ ما منع من شرائه لم يبح له الشراء و إن زال ملكه، كالصيد(1).

و الفرق: أنّ المحرم لو ملكه لثبت عليه، بخلاف المتنازع.

د - كلّ شراء يستعقب العتق فكالقريب،

كما لو أقرّ كافر بحرّيّة عبد مسلم ثمّ اشتراه من مالكه، أو قال لغيره: أعتق عبدك المسلم عنّي و عليّ ثمنه، ففعل. و الخلاف كما تقدّم.

ه - يجوز أن يستأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته، لأنّه دين عليه،

و يتمكّن من تحصيله بغيره.

و آجر بعض الأنصار نفسه من ذمّيّ يستقي له كلّ دلو بتمرة، و أتي به النبي صلّي اللّه عليه و آله فلم ينكره(2).

و كذا في الإجارة علي العين.

و للشافعي وجهان:

أظهرهما عنده: الصحّة، إذ لا يستحقّ بالإجارة رقبته بل منفعته بعوض، و هو في يد نفسه إن كان حرّا، و في يد سيّده إن كان عبدا.

و الثاني: يبطل، لما فيه من الاستيلاء و الإذلال باستحقاق استعماله(3).

فإن قلنا بالصحّة، فهل يؤمر بأن يؤجر من مسلم ؟ للشافعي وجهان(4).

ص: 21


1- الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2، المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4.
2- سنن ابن ماجة 818:2، 2448، المغني 332:4.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، المهذّب - للشيرازي - 402:1، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
4- العزيز شرح الوجيز 18:4، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
و - في صحّة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي

و - في صحّة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي(1) ،

و سيأتي.

و يجوز إعارته و إيداعه منه.

ز - لا يمنع الكافر من استرجاعه بالعيب،

و يتصوّر علي وجهين: بأن يبيع مسلما [1] - ورثه أو أسلم في يده - بثوب من مسلم ثمّ يجد في الثوب عيبا - و هو أظهر وجهي الشافعي(2) - لأنّه قهري كالإرث. و الآخر: المنع، لأنّه مختار، فتستردّ قيمة العبد و يفرض كالتالف، فالثوب له ردّه قطعا(3).

أو بأن يجد مشتري العبد فيه عيبا.

و فيه للشافعي وجهان: المنع، فإنّه كما يحرم علي الكافر تملّك المسلم كذا يحرم علي المسلم تمليك الكافر المسلم. و الجواز، إذ لا اختيار للكافر هنا(4).

ح - إذا حصل المسلم في ملك الكافر بإرث أو شراء و قلنا بصحّته،

أو أسلم العبد دون مولاه، أمره الحاكم بإزالة الملك عنه إمّا ببيع أو عتق أو غيرهما، و لا يكفي الرهن و الإجارة و التزويج و الحيلولة.

و في الكتابة للشافعي وجهان: الأظهر: الاكتفاء، لقطع السلطنة عنه.

و المنع، لبقاء ملك الرقبة(5).

ص: 22


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، المهذّب - للشيرازي - 316:1، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
2- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، الوسيط 15:3، المجموع 356:9-357، روضة الطالبين 12:3.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، الوسيط 15:3، المجموع 356:9-357، روضة الطالبين 12:3.
4- الوسيط 15:3، العزيز شرح الوجيز 18:4، المجموع 357:9، روضة الطالبين 12:3.
5- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 20:4، الوسيط 16:3، الحاوي الكبير 382:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 357:9، روضة الطالبين 13:3.

و الأقرب عندي: الأوّل في المطلقة، و الثاني في المشروطة.

ط - لو أسلمت مستولدة الكافر، امتنع بيعها

علي أصحّ قولي الشافعي. و في أمره بالإعتاق، له وجهان: الأمر، لاستحقاقها العتق، و لا بدّ من دفع الذلّ. و الأظهر: المنع، للإجحاف و التخسير، فيحال بينهما، و تستكسب في يد غيره له، و يؤخذ منه النفقة [1](1). و هو عندي حسن.

ي - لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر،

باعه الحاكم بثمن المثل، و يكون الثمن للكافر، فإن لم يجد راغبا، صبر مع الحيلولة. و لو مات الكافر، أمر وارثه بما يؤمر مورثه

يأ - لا يجوز للكافر شراء المصحف

- و هو أظهر قولي الشافعي(2) - لما فيه من تعظيم الكتاب العزيز. و الآخر له: الجواز(3).

و في أخبار [2] الرسول صلّي اللّه عليه و آله عندي تردّد. و للشافعي وجهان(4).

مسألة 7: يشترط في العاقد انتفاء الحجر عنه،

فلو كان محجورا عليه برقّ أو سفه أو فلس أو مرض مع المحاباة و قصور الثلث علي رأي، بطل، أو وقف علي الإجازة علي الخلاف، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالي في أبوابه.

ص: 23


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 20:4، الوسيط 16:3، المجموع 9: 357-358، روضة الطالبين 14:3.
2- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب للشيرازي 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، منهاج الطالبين: 94، بدائع الصنائع 135:5، المغني 331:4، الشرح الكبير 15:4.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب للشيرازي 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، منهاج الطالبين: 94، بدائع الصنائع 135:5، المغني 331:4، الشرح الكبير 15:4.
4- العزيز شرح الوجيز 17:4، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3.

و هل يشترط البصر؟ الأظهر: لا، فيصحّ بيع الأعمي و شراؤه مع الوصف الرافع للجهالة، سواء كان ممّا يدرك بالذوق أو الشمّ أو لا. و له خيار الخلف في الصفة، كالمبصر، و به قال أحمد و أبو حنيفة(1).

و للشافعيّة طريقان: أحدهما: أنّه علي قولين. و الثاني: القطع بالمنع، لأنّا نثبت خيار الرؤية في بيع الغائب و هنا لا رؤية، فيكون كبيع الغائب علي شرط نفي الخيار(2).

قال الشافعي: و لو رآه بصيرا ثمّ اشتراه قبل مضيّ زمن يتغيّر فيه، صحّ(3).

و لو باع سلما أو أسلم، فإن عمي بعد ما بلغ سنّ التمييز، صحّ، لأنّ الاعتماد في السّلم علي الأوصاف و هو يعرفها، ثمّ يوكّل من يقبض، و لا يصحّ قبضه بنفسه علي أصحّ قوليه، لأنّه لا يميّز بين المستحقّ و غيره.

و إن عمي قبل سنّ التمييز أو كان أكمه، فوجهان عنده: عدم الصحّة، لعدم معرفته بالألوان. و أظهرهما: الجواز، لأنّه يتخيّل فرقا بين الألوان و يعرف أحوالها بالسماع(4).

و منع المزني من تسلّمه(5).

و قال عبيد اللّه بن الحسن: يجوز شراؤه، و إذا أمر إنسانا بالنظر إليه، لزمه(6).4.

ص: 24


1- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، حلية العلماء 97:4-98، المجموع 302:9-303، العزيز شرح الوجيز 52:4، الهداية - للمرغيناني - 34:3، الاختيار لتعليل المختار 15:2، المبسوط - للسرخسي - 77:13.
2- العزيز شرح الوجيز 52:4، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 302:9.
3- المجموع 303:9، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
4- المجموع 303:9، العزيز شرح الوجيز 53:4، الحاوي الكبير 339:5.
5- الحاوي الكبير 339:5، العزيز شرح الوجيز 53:4.
6- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
الفصل الرابع: العوضان
اشارة

و يشترط فيهما أمور:

الأوّل: الطهارة.
مسألة 8: يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصليّة،
اشارة

فلا تضرّ النجاسة العارضة مع قبول التطهير.

و لو باع نجس العين كالخمر و الميتة و الخنزير، لم يصحّ إجماعا، لقوله تعالي فَاجْتَنِبُوهُ (1)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (2) و الأعيان لا يصحّ تحريمها، و أقرب مجاز إليها جميع وجوه الانتفاع، و أعظمها البيع، فكان حراما.

و لقول جابر: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله - و هو بمكة - يقول: «إنّ اللّه و رسوله حرّم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام»(3).

و ما عرضت له النجاسة إن قبل التطهير، صحّ بيعه، و يجب إعلام المشتري بحاله، و إن لم يقبله، كان كنجس العين.

ص: 25


1- المائدة: 90.
2- المائدة: 3.
3- صحيح البخاري 110:3، صحيح مسلم 1207:3، 1581، سنن الترمذي 3: 591، 1297، سنن النسائي 309:7، سنن البيهقي 12:6، مسند أحمد 4: 270، 14063.
فرع: كما لا يجوز للمسلم مباشرة بيع الخمر

فكذا لا يجوز أن يوكّل فيه ذمّيّا، و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أكثر أهل العلم(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز للمسلم أن يوكّل ذمّيّا في بيعها و شرائها(2).

و هو خطأ، لما تقدّم. و لأنّه نجس العين، فيحرم فيه التوكيل، كالخنزير.

مسألة 9: الكلب إن كان عقورا، حرم بيعه، عند علمائنا
اشارة

- و به قال الحسن و ربيعة و حمّاد و الأوزاعي و الشافعي و داود و أحمد(3). و عن أبي حنيفة روايتان(4). و بعض أصحاب مالك منعه(5) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن ثمن الكلب(6).

و قال الرضا عليه السّلام: «ثمن الكلب سحت»(7).

ص: 26


1- المجموع 227:9، منهاج الطالبين: 94، المغني 307:4، الشرح الكبير 47:4.
2- بدائع الصنائع 141:5، حلية العلماء 58:4، المجموع 227:9، المغني 4: 307، الشرح الكبير 47:4.
3- المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4، حلية العلماء 55:4، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 23:4، المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 9: 226-228، الحاوي الكبير 375:5، روضة الطالبين 16:3، بداية المجتهد 2: 126، الهداية - للمرغيناني - 79:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 79:3، حلية العلماء 58:4-59، العزيز شرح الوجيز 23:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
5- العزيز شرح الوجيز 23:4، حلية العلماء 59:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
6- صحيح البخاري 78:3، 110، 111، صحيح مسلم 1198:3، 1567، المستدرك - للحاكم - 34:2، سنن الترمذي 575:3، 1276، سنن أبي داود 3: 279، 3481-3483، سنن النسائي 189:7، سنن البيهقي 6:6، الموطّأ 2: 656، 68، المصنّف - لابن أبي شيبة - 243:6-244، 948 و 950 و 952، مسند أحمد 260:4، 14002، و 296-297، 14242، و 320، 14388.
7- الكافي 120:5، 4، تفسير العياشي 321:1، 111.

و قال الصادق عليه السّلام: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»(1).

أمّا كلب الصيد: فالأقوي عندنا جواز بيعه - و به قال أبو حنيفة، و بعض أصحاب مالك، و جابر و عطاء و النخعي(2) - لما روي عن جابر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن ثمن الكلب و السنّور إلاّ كلب الصيد(3).

و عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام عن ثمن كلب الصيد، قال: «لا بأس بثمنه، و الآخر لا يحلّ ثمنه»(4).

و لأنّه يحلّ الانتفاع به، و يصحّ نقل اليد فيه و الوصيّة به.

و قال الشافعي و أحمد و الحسن و ربيعة و حمّاد و الأوزاعي و داود بالتحريم - و هو قول لنا - لأنّه عليه السّلام نهي عن ثمن الكلب(5)المجموع 228:9، روضة الطالبين 16:3، منهاج الطالبين: 94، العزيز شرح الوجيز 23:4، الحاوي الكبير 375:5-376، بداية المجتهد 126:2، المغني 324:4-325، الشرح الكبير 15:4.(6) ، و هو عامّ.

و لأنّه نجس العين، فأشبه الخنزير(6).

و نمنع العموم، إذ ليس من صيغه، و النجاسة غير مانعة، كالدهن النجس، و الخنزير لا ينتفع به، بخلافه.

فروع:
أ - إن سوّغنا بيع كلب الصيد، صحّ بيع كلب الماشية و الزرع

ص: 27


1- التهذيب 356:6، 1017، تفسير العياشي 321:1، 114.
2- الهداية - للمرغيناني - 79:3، بدائع الصنائع 143:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 327، المنتقي - للباجي - 28:5، حلية العلماء 58:4، المجموع 9: 228، العزيز شرح الوجيز 23:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
3- سنن النسائي 309:7، سنن البيهقي 6:6.
4- التهذيب 356:6، 1016.
5- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش
6- من ص 26.

و الحائط، لأنّ المقتضي - و هو النفع - حاصل هنا.

ب - تصحّ إجارة كلب الصيد

- و به قال بعض الشافعيّة(1) - لأنّها منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها.

و منع بعضهم و الحنابلة، لأنّه حيوان يحرم بيعه فحرمت إجارته، كالخنزير، و لا تضمن منفعته في الغصب فلا يجوز أخذ العوض عنها(2).

و الأصلان ممنوعان، و الخنزير لا منفعة فيه.

ج - تصحّ الوصيّة بالكلب الذي يباح 1 اقتناؤه، و كذا هبته،

و به قال بعض الشافعيّة و بعض الحنابلة(3).

و قال الباقون منهما: لا تصحّ الهبة، لأنّها تمليك في الحياة، فأشبهت البيع(4).

و الحكم في الأصل ممنوع.

د - يحرم قتل ما يباح اقتناؤه من الكلاب إجماعا،

و عليه الضمان

ص: 28


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1، المجموع 231:9، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 90:6، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5-385، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 253:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 401:1، المجموع 231:9، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 90:6، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 253:4، منهاج الطالبين: 159، المغني 4: 325.
3- المهذّب - للشيرازي - 459:1، المجموع 231:9، روضة الطالبين 17:3، التنبيه في الفقه الشافعي: 141-142، حلية العلماء 59:4، العزيز شرح الوجيز 25:4، روضة الطالبين 17:3، المغني 315:4.
4- حلية العلماء 60:4، المجموع 231:9، روضة الطالبين 17:3.

علي ما يأتي، و به قال مالك و عطاء(1).

و قال الشافعي و أحمد: لا غرم، لأنّه يحرم أخذ عوضه، فلا يجب غرم بإتلافه(2).

و الأصل ممنوع.

أمّا الكلب العقور فيباح قتله إجماعا، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «خمس من الدوابّ كلّهنّ فاسق يقتلن في الحرم: الغراب و الحدأة و العقرب و الفأرة و الكلب العقور»(3).

أمّا الكلب الأسود: فإن كان ممّا ينتفع به، لم يبح قتله - خلافا لأحمد(4) - لما تقدّم. و قوله عليه السّلام: «الكلب الأسود شيطان»(5) لا يبيح قتله.

ه - لا بأس ببيع الهرّ،

عند علمائنا - و به قال ابن عباس و الحسن و ابن سيرين و الحكم و حمّاد و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي(6) - لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس بثمن الهرّ»(7).

ص: 29


1- المنتقي - للباجي - 28:5، المجموع 228:9، المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
2- المجموع 228:9، المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
3- صحيح البخاري 17:3، صحيح مسلم 857:2، 71، الموطّأ 357:1، 90، سنن البيهقي 209:5 و 210، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
4- المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
5- صحيح مسلم 365:1، 510، سنن ابن ماجة 306:1، 952، سنن أبي داود 1: 187، 702، سنن الترمذي 161:2-162، 338، سنن النسائي 64:2، سنن البيهقي 274:2، مسند أحمد 184:6، 20816، و 187-188، 20835.
6- المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 327، الوجيز 1: 134، العزيز شرح الوجيز 26:4-28، الوسيط 19:3، مختصر المزني: 90، الحاوي الكبير 381:5 و 382، المجموع 229:9، روضة الطالبين 18:3-19.
7- التهذيب 356:6، 1017.

و لأنّه ينتفع به، و يحلّ اقتناؤه، فجاز بيعه كغيره.

و كرهه أبو هريرة و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد و أحمد، لما روي عن جابر أنّه سئل عن ثمن السنّور، فقال: زجر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك(1)(2).

و هو محمول علي غير المملوك، أو ما لا نفع فيه.

و - يجوز اقتناء كلب الصيد و الزرع و الماشية و الحائط،

دون غيره، لقوله عليه السّلام: «من اتّخذ كلبا إلاّ كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كلّ يوم قيراط»(3).

و لو اقتناه لحفظ البيوت، فالأقرب: الجواز - و هو قول بعض الشافعيّة، و بعض الحنابلة(4) - لأنّه في معني الثلاثة.

و منع منه بعضهم، لعموم النهي(5).

ز - يجوز تربية الجرو 1 الصغير لإحدي المنافع المباحة

- و هو أقوي وجهي الحنابلة(6) - لأنّه قصد لذلك، فله حكمه، كما جاز بيع العبد الصغير الذي لا نفع فيه.

و الآخر: لا يجوز، لأنّه ليس أحد المنتفع بها(7).

ح - لو اقتناه للصيد ثمّ ترك الصيد مدّة، لم يحرم اقتناؤه مدّة تركه.

و كذا لو حصد الزرع أو هلكت الماشية أو خرج من البستان إلي أن يصيد أو

ص: 30


1- صحيح مسلم 1199:3، 1569.
2- المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4، المجموع 229:9.
3- صحيح مسلم 1203:3، 58، سنن أبي داود 108:3، 2844، سنن الترمذي 4: 80، 1490، سنن البيهقي 251:1، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 268:1، الحاوي الكبير 379:5-380، المجموع 234:9، روضة الطالبين 18:3، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 268:1، الحاوي الكبير 379:5-380، المجموع 234:9، روضة الطالبين 18:3، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
6- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
7- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.

يزرع آخر أو يشتري ثمرة أخري.

ط - لو اقتني كلب الصيد من لا يصيد، جاز

- و هو أحد وجهي الحنابلة(1) - لاستثنائه عليه السّلام كلب الصيد(2)المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.(3).

و الآخر: المنع، لأنّه اقتناه لغير حاجة، فأشبه غيره، إذ معني كلب الصيد كلب يصيد(3). و المراد بالقوّة.

مسألة 10: لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منّا

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(4) - للإجماع علي نجاسته، فيحرم بيعه، كالميتة.

و قال أبو حنيفة: يجوز، لأنّ أهل الأمصار يبايعونه لزروعهم من غير نكير، فكان إجماعا(5).

و نمنع إجماع العلماء، و لا عبرة بغيرهم. و لأنّه رجيع نجس، فلم يصحّ بيعه، كرجيع الآدمي.

أمّا غير النجس: فيحتمل عندي جواز بيعه.

مسألة 11: لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إجماعا منّا،
اشارة

و به قال أحمد(6).

ص: 31


1- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش
3- من ص 30.
4- المغني 327:4، الشرح الكبير 16:4، المجموع 230:9، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 23:4، حلية العلماء 55:4-57، الحاوي الكبير 383:5، روضة الطالبين 16:3.
5- المجموع 230:9، حلية العلماء 58:4، العزيز شرح الوجيز 23:4، الحاوي الكبير 383:5، المغني 327:4، الشرح الكبير 16:4.
6- المغني 329:4.

و قال أبو حنيفة: يجوز(1).

أمّا بعد الدباغ: فكذلك عندنا، لأنّه لا يطهر به، خلافا للجمهور، و قد تقدّم(2) ذلك.

أمّا عظام الميتة: فيجوز بيعها ما لم تكن من نجس العين، كالكلب و الخنزير، و لهذا جاز بيع عظام الفيل.

و لبن الشاة الميتة حرام لا يصحّ بيعه.

و علي قول الشيخ(3) يجوز بيعه.

فروع:
أ - لحم المذكّي ممّا لا يؤكل لحمه لا يصحّ بيعه،

لعدم الانتفاع به في غير الأكل المحرّم. و لو فرض له نفع ما، فكذلك، لعدم اعتباره في نظر الشرع.

ب - لا يصحّ بيع الترياق، لأنّه يحرم تناوله،

لاشتماله علي الخمر و لحوم الحيّات. و لا يحلّ التداوي به إلاّ مع خوف التلف. و كذا سمّ الأفاعي لا يحلّ بيعه [1].

أمّا السمّ من الحشائش: فإن كان لا ينتفع به أو كان يقتل قليله، لم يجز بيعه، لعدم نفعه. و إن أمكن التداوي بيسيره، جاز بيعه.

ج - الأليات المقطوعة من الشاة الميتة أو الحيّة لا يحلّ بيعها

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 24:4، المجموع 231:9، الحاوي الكبير 383:5.
2- في ج 2 ص 232، المسألة 328.
3- النهاية: 585.

و لا الاستصباح بدهنها مطلقا.

أمّا الدهن النجس بملاقاة النجاسة له فيجوز بيعه لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصّة.

و للشافعي قولان:

أحدهما: لا يجوز تطهيره، فلا يصحّ بيعه، و به قال مالك و أحمد(1).

و الثاني: يجوز تطهيره، ففي بيعه عنده وجهان(2).

و في جواز الاستصباح قولان، و الأظهر عنده: جوازه و منع بيعه(3).

و الدهن النجس بذاته - كودك [1] الميتة - لا يجوز بيعه عنده(4) قولا واحدا. و في الاستصباح وجهان(5).

و يجوز هبة الدهن النجس و الصدقة به و الوصيّة به، و كذا الكلب الجائز بيعه.

و بعض الشافعيّة منع من الهبة و الصدقة خاصّة(6).

مسألة 12: يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة،

لأنّ الملك سبب لإطلاق

ص: 33


1- المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 236:9 و 238، العزيز شرح الوجيز 24:4-25، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 236:9-237، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 24:4-25، حلية العلماء 62:4، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
3- المجموع 237:9، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 25:4، حلية العلماء 62:4، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
4- المجموع 236:9، العزيز شرح الوجيز 24:4، روضة الطالبين 17:3.
5- المجموع 237:9-238.
6- العزيز شرح الوجيز 25:4، و انظر المجموع 239:9.

التصرّف، و المنفعة المباحة كما يجوز استيفاؤها يجوز أخذ العوض عنها، فيباح لغيره بذل ماله فيها توصّلا إليها و دفعا للحاجة بها، كسائر ما أبيح بيعه.

و سواء اجمع علي طهارته، كالثياب و العقار و بهيمة الأنعام و الخيل و الصيود، أو مختلفا في نجاسته، كالبغل و الحمار و سباع البهائم و جوارح الطير، الصالحة للصيد، كالفهد و الصقر و البازي و الشاهين و العقاب، و الطير المقصود صوته، كالهزار و البلبل. و هذا هو الأقوي عندي، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و قال بعض علمائنا: يحرم بيع السباع كلّها إلاّ الهرّ، و المسوخ، برّيّة كانت، كالقرد و الدبّ، أو بحريّة، كالضفادع و السلاحف و الطافي، و الجوارح كلّها طائرة كانت، كالبازي، أو ماشية، كالفهد(2).

و قال أبو بكر بن عبد العزيز و ابن أبي موسي: لا يجوز بيع الصقر و الفهد و نحو هذا، لأنّها نجسة، فأشبهت الكلب(3).

و النجاسة ممنوعة.

مسألة 13: الفقّاع عندنا نجس إجماعا،

فلا يجوز بيعه و لا شراؤه، لأنّه كالخمر علي ما تقدّم(4) ، خلافا للجمهور(5) كافّة. و كذا النبيذ، خلافا لبعض الجمهور(6).

ص: 34


1- المجموع 240:9، العزيز شرح الوجيز 26:4-28، روضة الطالبين 18 - 19، المغني 327:4، الشرح الكبير 10:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 4:2.
2- المحقّق في شرائع الإسلام 9:2-10.
3- المغني 327:4، الشرح الكبير 10:4.
4- تقدّم في ج 1 ص 65 (الفرع الثالث).
5- المغني 337:10، الشرح الكبير 339:10، الهداية - للمرغيناني - 111:4، بدائع الصنائع 117:5.
6- العزيز شرح الوجيز 28:1، المجموع 564:2.

و الدم كلّه نجس، فلا يصحّ بيعه. و كذا ما ليس بنجس منه، كدم غير ذي النفس السائلة، لاستخباثه.

و كذا يحرم بيع أبوال و أرواث ما لا يؤكل لحمه.

و قيل(1): في الأبوال كلّها إلاّ بول الإبل، لفائدة الاستشفاء به.

و المتولّد بين نجس العين و طاهرها يتبع الاسم.

الشرط الثاني: المنفعة.
مسألة 14: لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه،

لأنّه ليس مالا، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و لا نظر إلي ظهور الانتفاع إذا انضمّ إليها أمثالها، و لا إلي أنّها قد توضع في الفخّ [1] أو تبذر. و لا فرق بين زمان الرخص و الغلاء. و مع هذا فلا يجوز أخذ حبّة من صبرة الغير، فإن أخذت، وجب الردّ، فإن تلفت، فلا ضمان، لأنّه لا ماليّة لها.

و هذا كلّه للشافعي أيضا، و في وجه آخر له: جواز بيعها و ثبوت مثلها في الذمّة(2). و ليس بجيّد.

مسألة 15: لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات،

كالخفّاش و العقارب و الحيّات و بنات وردان و الجعلان و القنافذ و اليرابيع، لخسّتها، و عدم التفات نظر الشرع إلي مثلها في التقويم، و لا تثبت الملكيّة لأحد عليها، و لا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها، فإنّها مع ذلك لا تعدّ مالا. و كذا عند الشافعي(3).

ص: 35


1- كما في شرائع الإسلام 9:2.
2- العزيز شرح الوجيز 26:4، المجموع 239:9-240، روضة الطالبين 18:3.
3- الوجيز 133:1-134، العزيز شرح الوجيز 28:4، المجموع 240:9، روضة الطالبين 19:3، منهاج الطالبين: 94.

و في السباع التي لا تصلح للصيد عنده وجهان، لمنفعة جلودها(1).

أمّا العلق: ففي بيعه لمنفعة امتصاص الدم إشكال.

و أظهر وجهي الشافعي و أحمد: الجواز(2).

و كذا ديدان القزّ تترك في الشصّ [1] فيصاد بها السمك(3).

و الأقرب عندي: المنع - و هو أحد الوجهين لهما(4) - لندور الانتفاع، فأشبه ما لا منفعة فيه، إذ كلّ شيء فله نفع ما.

و منع الشافعي من بيع الحمار الزّمن(5).

و ليس بجيّد، للانتفاع بجلده.

مسألة 16: ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له،

فيحرم بيعه، كآلات الملاهي، مثل العود و الزمر، و هياكل العبادة، المبتدعة، كالصليب و الصنم، و آلات القمار، كالنرد و الشطرنج إن كان رضاضها [2] لا يعدّ مالا، و به قال الشافعي(6).

و إن عدّ مالا، فالأقوي عندي: الجواز مع زوال الصفة المحرّمة.

ص: 36


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 28:4 و 29، المجموع 240:9، روضة الطالبين 19:3.
2- الوسيط 20:3، العزيز شرح الوجيز 29:4، المجموع 241:9 و 248، روضة الطالبين 20:3، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
3- العزيز شرح الوجيز 29:4، حلية العلماء 72:4، المجموع 248:9، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
4- العزيز شرح الوجيز 29:4، المجموع 241:9، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
5- العزيز شرح الوجيز 29:4-30، المجموع 241:9، روضة الطالبين 20:3.
6- العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 256:9، روضة الطالبين 20:3.

و للشافعي ثلاثة أوجه: الجواز مطلقا، لما يتوقّع في المآل. و الفرق بين المتّخذة من الخشب و نحوه و المتّخذة من الجواهر النفيسة. و المنع - و هو أظهرها - لأنّها آلات المعصية لا يقصد بها سواها(1).

أمّا الجارية المغنّية إذا بيعت بأكثر ممّا يرغب فيها لو لا الغناء: فالوجه:

التحريم - و به قال أحمد و الشافعي في أحد الوجوه(2) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

«لا يجوز بيع المغنّيات و لا أثمانهنّ و لا كسبهنّ»(3).

و سئل الصادق عليه السّلام عن بيع جواري(4) المغنّيات، فقال: «شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق»(5).

و لأنّه بذل للمعصية.

و الثاني: يبطل إن قصد الغناء، و إلاّ فلا.

و الثالث - و هو القياس -: يصحّ(6).

و لو بيعت علي أنّها ساذجة، صحّ.

مسألة 17: يصحّ بيع الماء المملوك، لأنّه طاهر ينتفع به لكن يكره،

و سيأتي.

ص: 37


1- الوسيط 20:3-21، و فيه الأظهر هو التفصيل. العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 256:9، روضة الطالبين 20:3.
2- المغني 307:4، الشرح الكبير 46:4-47، العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 254:9، روضة الطالبين 20:3.
3- أورد نصّه ابنا قدامة في المغني 307:4، و الشرح الكبير 47:4، و في سنن ابن ماجة 733:2، 2168 ما بمعناه.
4- في الكافي و التهذيب: الجواري.
5- الكافي 120:5، 5، التهذيب 356:6، 1018، الاستبصار 61:3، 201.
6- العزيز شرح الوجيز 30:4، روضة الطالبين 20:3، المجموع 254:9.

و هل يجوز بيعه علي طرف النهر أو بيع التراب و الحجارة حيث يعمّ وجودها؟ للشافعي وجهان: الجواز - و به نقول - لظهور منفعته. و المنع، لأنّه سفه(1).

و كذا يجوز بيع كلّ ما يعمّ وجوده و هو مملوك ينتفع به.

مسألة 18: يجوز بيع لبن الآدميّات عندنا

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه طاهر ينتفع به، كلبن الشاة. و لجواز أخذ العوض عليه في إجارة الظئر.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجوز - و عن أحمد روايتان كالمذهبين - و هو وجه للشافعيّة، لأنّه مائع خارج من آدميّ، فأشبه العرق. و لأنّه من آدميّ، فأشبه سائر أجزائه(3).

و الفرق: عدم نفع العرق، و لهذا لا يباع عرق الشاة و يباع لبنها، و سائر أجزاء الآدميّ يجوز بيعها، كالعبد و الأمّة، و إنّما حرم في الحرّ، لانتفاء المالك، و حرم بيع المقطوع من العبد، لعدم المنفعة.

مسألة 19: يجوز بيع العبد الموصي بخدمته دائما،

و البستان الموصي بنفعه مؤبّدا، لفائدة الإعتاق و الإرهان و جميع فوائدهما لو أسقط الموصي له حقّه، و لا يجوز بيع ما لا نفع فيه، كرطوبات الإنسان و فضلاته،

ص: 38


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 30:4-31، روضة الطالبين 21:3، منهاج الطالبين: 94، المجموع 255:9-256.
2- الوسيط 20:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4، حلية العلماء 67:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 254:9، المغني 330:4، الشرح الكبير 14:4، بدائع الصنائع 145:5.
3- بدائع الصنائع 145:5، حلية العلماء 68:4، العزيز شرح الوجيز 31:4، المجموع 254:9، روضة الطالبين 21:3، المغني 330:4، الشرح الكبير 4: 14، الوسيط 20:3.

كشعره و ظفره، عدا اللبن علي ما تقدّم(1).

الشرط الثالث: الملك.
اشارة

فلا يصحّ بيع المباحات و ما يشترك فيه المسلمون قبل حيازته، مثل:

الكلإ، و الماء، و الحطب قبل حيازتها إجماعا.

و لو كانت في ملكه، فالوجه: أنّها له - و سيأتي - فيصحّ بيعها.

و عن أحمد روايتان(2).

فإن قلنا بالصحّة فباع الأرض، لم يدخل الكلأ و لا الماء إلاّ أن ينصّ عليهما، لأنّهما [1] بمنزلة الزرع.

و كذا لا يصحّ بيع السمك قبل اصطياده، و لا الوحش قبل الاستيلاء عليه.

مسألة 20: لا يصحّ بيع الأرض الخراجيّة،
اشارة

لأنّها ملك المسلمين قاطبة لا يتخصّص بها أحد. نعم، يصحّ بيعها تبعا لآثار المتصرّف.

و في بيع بيوت مكة إشكال، المرويّ: المنع - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و أبو عبيد(3) ، و كرهه إسحاق(4) - لقوله عليه السّلام في مكة:

«لا تباع رباعها و لا تكري بيوتها»(5).

ص: 39


1- في المسألة السابقة (18).
2- المغني 335:4، الشرح الكبير 24:4.
3- بدائع الصنائع 146:5، العزيز شرح الوجيز 455:11، المجموع 248:9، حلية العلماء 69:4-70، الحاوي الكبير 385:5، الوسيط 42:7، المغني 4: 330، الشرح الكبير 22:4.
4- المغني 330:4، الشرح الكبير 22:4.
5- نقله ابنا قدامة في المغني 330:4، و الشرح الكبير 22:4 عن الأثرم. و نحوه في سنن البيهقي 35:6.

و لأنّها فتحت عنوة، لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه حبس عن مكة الفيل و سلّط عليها رسوله و المؤمنين، و أنّها لم تحلّ لأحد قبلي و لا تحلّ لأحد بعدي، و إنّما أحلّت لي ساعة من نهار»(1).

و في قول لنا: الجواز - و به قال طاوس و عمرو بن دينار و الشافعي و ابن المنذر، و عن أحمد روايتان(2) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لمّا قيل له: أين تنزل غدا؟ قال: «و هل ترك لنا عقيل من رباع [1]؟»(3) يعني أنّ عقيلا باع رباع أبي طالب، لأنّه ورثه دون إخوته، و لو كانت غير مملوكة لما أثّر بيع عقيل شيئا. و باع جماعة من الصحابة منازلهم و لم ينكر عليهم. و نزل سفيان بعض رباع مكة فهرب و لم يعطهم اجرة، فأدركوه فأخذوها منه(4).

فروع:
أ - الخلاف في غير مواضع النسك،

أمّا بقاع المناسك - كبقاع السعي

ص: 40


1- صحيح البخاري 39:1، و 6:9، صحيح مسلم 988:2 و 989، 447 و 448، سنن أبي داود 212:2، 2017، سنن البيهقي 52:8، مسند أحمد 2: 472، 7201 بتفاوت، و نصّه في المغني 330:4، و الشرح الكبير 23:4.
2- المغني 330:4، الشرح الكبير 22:4-23، المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 248:9، الوسيط 42:7، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 11: 455-456، روضة الطالبين 469:7، حلية العلماء 69:4، الحاوي الكبير 5: 385، بدائع الصنائع 146:5، التفسير الكبير 24:23، الجامع لأحكام القرآن 33:12.
3- صحيح البخاري 181:2، صحيح مسلم 984:2، 1351، سنن ابن ماجة 2: 912، 2730، المستدرك - للحاكم - 602:2.
4- المغني 331:4، الشرح الكبير 23:4.

و الرمي و غيرهما - فحكمها حكم المساجد.

ب - الوجه: أنّه يجوز إجارة بيوت مكة.

و قال الشيخ: لا يجوز لأحد منع الحاجّ عن دورها، لقوله تعالي:

سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (1) (2) .

و فيه نظر.

ج - إذا بني بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة، جاز بيعها،

كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعا. و إن كانت من تراب الحرم و حجارته، فعلي الخلاف.

مسألة 21: و لا يجوز بيع الحرّ بالإجماع،

لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي ثمّ غدر، و رجل باع حرّا فأكل ثمنه، و رجل استأجر أجيرا فاستوفي منه و لم يوفه أجره»(3).

و لو سرقه فباعه، قطع (لإفساده، لا حدّا) [1].

مسألة 22: يشترط في الملك التماميّة،

فلا يصحّ بيع الوقف، لنقص الملك فيه، إذ القصد منه التأبيد. نعم، لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين أربابه، و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه، جوّز أكثر علمائنا بيعه، خلافا للجمهور، و سيأتي.

و لا يصحّ بيع أمّ الولد بالإجماع و عندنا إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان دينا علي مولاها، و لا وجه له سواها. و في اشتراط موته حينئذ خلاف، لما رواه

ص: 41


1- الحجّ: 25.
2- النهاية: 284، المبسوط - للطوسي - 384:1.
3- صحيح البخاري 118:3، سنن ابن ماجة 816:2، 2442.

أبو بصير عن الصادق عليه السّلام في رجل اشتري جارية فوطئها [1] فولدت له فمات، قال: «إن شاءوا أن يبيعوها باعوها في الدّين الذي يكون علي مولاها من ثمنها، فإن كان لها ولد قوّمت علي ولدها من نصيبه، و إن كان ولدها صغيرا انتظر [2] به حتي يكبر ثمّ يجبر علي قيمتها، فإن مات ولدها بيعت في الميراث إن شاء الورثة»(1).

و لو مات ولدها، جاز بيعها مطلقا، لهذه الرواية. و كذا لو كانت مرهونة، و سيأتي.

و لا يصحّ بيع الرهن، لتعلّق حقّ المرتهن به، و نقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن، لأنّ الحقّ لا يعدوهما بلا خلاف.

و لو باع و لم يعلم المرتهن ففكّ، لزم البيع، لانتفاء المعارض، و من أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة 23: الأقوي بين علمائنا صحّة بيع الجاني،

سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ، أوجبت القصاص أولا، علي النفس أو ما دونها - و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد قوليه(2) - لأنّه حقّ غير مستقرّ في [الجاني] [3] يملك أداءه من غيره، فلم يمنع البيع، كالزكاة، و لو أوجبت

ص: 42


1- التهذيب 80:7، 344.
2- بدائع الصنائع 156:5، المغني 274:4، الشرح الكبير 12:4، مختصر المزني: 83، الحاوي الكبير 263:5-264، المهذّب - للشيرازي - 294:1، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 38:4-39، حلية العلماء 278:4.

قصاصا، فهو يرجي سلامته و يخشي تلفه، فأشبه المريض.

و قال بعض علمائنا: لا يصحّ بيعه(1). و هو القول الآخر للشافعي، لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه، كالرهن، بل حقّ الجناية آكد، لتقدّمها عليه(2).

و الفرق: أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين، فلو أبطله بالبيع، بطل حقّ الوثيقة، الذي التزمه برضاه.

و للشافعي قول ثالث: وقوعه موقوفا إن فدي لزم، و إلاّ فلا(3).

إذا عرفت هذا، فإن باعه و أوجبت الأرش أو القود فعفي إلي مال، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا، و عند الباقين بالأرش، و يزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه، لأنّ الخيار للسيّد، فإذا باعه فقد اختار الفداء، فيتعيّن عليه، و لا خيار للمشتري، لعدم الضرر، فإنّ الرجوع علي غيره.

هذا مع يسار المولي، و به قال أحمد و أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: لا يلزم السيّد فداؤه، إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء، فلا يلزمه، كما لو قال الراهن: أنا أقضي الدّين من غير [1] الرهن(5).

و الفرق: أنّه أزال ملكه عن الجاني، فلزمه الفداء، كما لو قتله، بخلاف الرهن.4.

ص: 43


1- المبسوط - للطوسي - 135:2.
2- العزيز شرح الوجيز 38:4، المهذّب - للشيرازي - 294:1، حلية العلماء 4: 278، روضة الطالبين 26:3، المغني 274:4، الشرح الكبير 12:4.
3- العزيز شرح الوجيز 39:4، روضة الطالبين 26:3.
4- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4.
5- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4.

و إن كان معسرا، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلا، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمّة المعسر، فيبقي الحقّ مقدّما علي حقّ المشتري، و يتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب، لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. و إن لم تستوعب، رجع بقدر أرشه. و لو علم تعلّق الحقّ به، فلا رجوع.

و لو اختار المشتري الفداء، فله، و البيع بحاله، لقيامه مقام البائع في التخيّر، و حكمه في الرجوع فيما فداه به علي البائع حكم قضاء الدّين عنه.

و للشافعي في المعسر قولان: البطلان، صيانة لحقّ المجنيّ عليه، و إثبات الخيار للمجنيّ عليه، فينفسخ البيع و يباع في الجناية [1].

و إن أوجبت قصاصا، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ و الأرش، فإن اقتصّ منه، احتمل تعيّن الأرش، و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان، و لا يبطل البيع من أصله - و به قال أحمد و بعض الشافعيّة(1) - لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن، كالمريض و المرتدّ.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: يرجع بجميع الثمن، لأنّ تلفه لمعني استحقّ عليه عند البائع، فجري مجري إتلافه(2).

و ينتقض بالردّة و المرض، و التلف غير الإتلاف.

و لو أوجبت قطع عضو فقطع عند المشتري، فقد تعيّب في يده، فإنّ4.

ص: 44


1- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4، العزيز شرح الوجيز 218:4.
2- المغني 274:4-275، الشرح الكبير 109:4، العزيز شرح الوجيز 218:4.

استحقاق القطع دون حقيقته.

و في منع ردّه بعيبه إشكال.

و عن أحمد روايتان(1).

و لو اشتراه عالما بعيبه، فلا ردّ و لا أرش، و به قال الشافعي و أحمد(2).

مسألة 24: المرتدّ إن كان عن فطرة، ففي صحّة بيعه نظر

ينشأ من تضادّ الحكمين، و من بقاء الملك، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة، فالوجه: صحّة بيعه، لعدم تحتّم قتله، لاحتمال رجوعه إلي الإسلام.

و كذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن لم يتب إلاّ بعدها، فالأقرب: صحّة بيعه، لأنّه قنّ يصحّ إعتاقه و يملك استخدامه، فصحّ بيعه، كغير القاتل. و لإمكان الانتفاع به إلي حين القتل و يعتق فينجرّ ولاء أولاده، فصحّ بيعه، كالمريض المأيوس من برئه.

و يحتمل العدم، لتحتّم قتله و إتلاف ماليّته و تحريم إبقائه، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه، و المنفعة [المفضية] [1] إلي قتله لا يتمهّد بها محلاّ للبيع، كمنفعة الميتة في سدّ بثق [2] و إطعام كلب.

و الأقوي الأوّل، لثبوت أحكام الحياة، و وجوب القتل غير مانع، كمرض المأيوس من برئه، و الميتة لم يكن لها نفع سابق و لا لاحق.

ص: 45


1- المغني 275:4، الشرح الكبير 109:4.
2- المغني 275:4، الشرح الكبير 109:4.

و للحنابلة قولان(1) كالوجهين.

مسألة 25: لا يجوز بيع المكاتب،

لانتفاء السلطنة عليه إلاّ بالاستيفاء، سواء كان مطلقا أو مشروطا ما لم يعجز المشروط، فإن عجز، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

و يصحّ بيع المدبّر، لبقاء الملك فيه، و يبطل تدبيره حينئذ، خلافا للشيخ(2) ، و سيأتي.

و كذا يصحّ بيع الموصي به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع و ذو الخيار: فإنّه يوجب فسخ السابق.

و هل يصحّ؟ قال بعض علمائنا: نعم(3). و هو الأقوي، و إلاّ لم يكن مبطلا، إذ لا أثر للفاسد، فيتضمّن الحكمين.

و قال بعضهم بالنفي، لعدم مصادفة الملك(4).

مسألة 26: العبد إن لم يكن مأذونا له في التجارة، لم يمض بيعه و لا شراؤه بعين المال،

لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

و هل يقع باطلا أو موقوفا علي رضا السيّد؟ الأقرب عندي: الثاني - و هو أحد وجهي الحنابلة(5) - كالفضولي.

و الآخر: البطلان، لأنّه تصرّف من المحجور عليه(6).

و أمّا الشراء بثمن في الذمّة: فالأقوي المنع، لأنّه لو صحّ، فإمّا أن

ص: 46


1- المغني 275:4، الشرح الكبير 13:4.
2- المبسوط - للطوسي - 171:6.
3- كما في شرائع الإسلام 231:2.
4- انظر: شرائع الإسلام 231:2.
5- المغني 322:4.
6- المغني 322:4.

يثبت الملك له، و هو ليس أهلا له، أو لسيّده فإمّا بعوض علي السيّد و هو لم يرض به، أو علي العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير من يلزمه الثاني!؟ و يحتمل الصحّة، لتعلّقه بالذمّة و لا حجر علي ذمّته.

و للشافعي قولان(1).

فإن قلنا بها، احتمل أن يكون للسيّد، لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه، كالصيد. و البائع إن علم رقّه، انتظر العتق، و ليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. و إن جهل فإن شاء صبر، و إن شاء فسخ، و رجع في العين، لإعساره. و أن يكون للعبد، فللسيّد إقراره عليه و انتزاعه، و للبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. و إن تلف في يد العبد، صبر إلي العتق. و إن انتزعه السيّد، ملكه، لما مرّ.

و هل يرجع البائع ؟ وجهان للشافعي(2).

و الأقرب عندي: الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

و إن تلف، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. و في الجهل إشكال.

و إن قلنا بالبطلان، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. و إن كان تالفا، فله القيمة أو المثل، فإن تلف في يد السيّد، رجع عليه، لتلف ماله في يده، و إن شاء انتظر العتق، لأنّه الآخذ.

و إن تلف في يد العبد، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق، و به قال الشافعي(3) ، و هو إحدي روايتي أحمد. و في الأخري: يتعلّق برقبته(4).4.

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 373:4.
2- العزيز شرح الوجيز 373:4.
3- العزيز شرح الوجيز 373:4.
4- المغني 323:4.

و اقتراض العبد كشرائه.

و أمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالي.

الشرط الرابع: القدرة علي التسليم.
اشارة

و هو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر.

و القدرة قد تنتفي حسّا كالآبق، و شرعا كالرهن.

و المشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفردا و إن عرفا مكانه - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي(1) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الغرر(2) ، و هذا غرر.

و في الصحيح عن رفاعة عن الكاظم عليه السّلام، قلت له: يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فأعطيهم الثمن و أطلبها أنا؟ فقال:

«لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري معها منهم شيئا ثوبا أو متاعا فتقول لهم:

أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما، فإنّ ذلك جائز»(3).

ص: 48


1- المدوّنة الكبري 155:4، المنتقي - للباجي - 41:5، مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 326:5، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 34:4، المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 284:9، حلية العلماء 82:4-83، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، روضة الطالبين 23:3، منهاج الطالبين: 94، المغني 4: 293، الشرح الكبير 27:4.
2- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2195، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن البيهقي 338:5، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75، المصنّف - لابن أبي شيبة - 6: 132، 550 و 553، مسند أحمد 497:1، 2747، و 312:2، 6271 و 332، 6401.
3- الكافي 194:5، 9، التهذيب 124:7، 541.

و لأنّه غير مقدور علي تسليمه، فأشبه الطير في الهواء.

و قال بعض علمائنا بالجواز(1) ، و به قال شريح و ابن سيرين(2) - و اشتري ابن عمر من بعض ولده بعيرا شاردا(3) - لأنّه مملوك، فصحّ.

فروع:
أ - لو باع الآبق علي من هو في يده أو علي من يتمكّن من أخذه،

صحّ، لانتفاء المانع.

ب - لو باع الآبق منضمّا إلي غيره، صحّ،

فإن لم يظفر به، لم يكن له رجوع علي البائع بشيء، و كان الثمن في مقابلة الضميمة، لقول الصادق عليه السّلام: «فإن لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه»(4).

ج - الضالّ يمكن حمله علي الآبق، لثبوت المقتضي،

و هو: تعذّر التسليم. و العدم، لوجود المقتضي لصحّة البيع، و هو العقد. فعلي الأوّل يفتقر إلي الضميمة، و لو تعذّر تسليمه، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

و علي الثاني لا يفتقر، و يكون في ضمان البائع إلي أن يسلّمه أو يسقط عنه.

و منع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق، لتعذّر التسليم [1](5).

ص: 49


1- السيّد المرتضي في الانتصار: 209.
2- المحلّي 391:8، المغني 293:4، الشرح الكبير 27:4، حلية العلماء 4: 84، الحاوي الكبير 326:5.
3- المحلّي 391:8، المغني 293:4، الشرح الكبير 27:4.
4- الفقيه 142:3، 622، التهذيب 124:7، 540.
5- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 34:4، الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، منهاج الطالبين: 94، روضة الطالبين 23:3.
مسألة 27: لا يصحّ بيع السمك في الماء،

و هو قول أكثر العلماء، كالإماميّة و الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أحمد و الحسن و النخعي و أبي يوسف و أبي ثور(1) ، و لا نعلم لهم مخالفا.

و إنّما يصحّ بشروط ثلاثة: كونه مملوكا، و كون الماء رقيقا لا يمنع المشاهدة، و إمكان صيده.

فإن كان في بركة لا يمكنه الخروج منها و هي صغيرة، صحّ البيع - و به قال الشافعي(2) - لإمكان التسليم فيه.

و لو كانت البركة كبيرة و احتيج في أخذه إلي تعب شديد، فالأقوي صحّة البيع، و هو أضعف وجهي الشافعي(3).

و الأظهر عنده: المنع كالآبق(4).

و الفرق: علم القدرة مع المشقّة هنا.

و لو كان في أجمة، لم يجز بيعه، عند أكثر العلماء(5).

و قال ابن أبي ليلي و عمر بن عبد العزيز فيمن له أجمة يحبس السمك فيها: يجوز بيعه، لأنّه يقدر علي تسليمه ظاهرا، فأشبه ما يحتاج إلي مئونة في كيله و نقله(6).

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 4: 36، حلية العلماء 82:4-83، الحاوي الكبير 327:5، روضة الطالبين 3: 24، الجامع الصغير - للشيباني -: 328، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4 - 28، الخراج - لأبي يوسف -: 87.
2- الحاوي الكبير 327:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 24:3، العزيز شرح الوجيز 36:4.
3- المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 36:4، روضة الطالبين 24:3.
4- المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 36:4، روضة الطالبين 24:3.
5- المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
6- المغني 294:4، الشرح الكبير 28:4.

و هو خطأ، لأنّه مجهول، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

و لو ضمّه مع القصب، فأقوي الوجهين لنا: البطلان، إلاّ مع العلم بهما و إمكان التسليم.

و روي لنا: الجواز(1).

مسألة 28: لا يصحّ بيع الطير في الهواء، سواء كان مملوكا أو غيره

إجماعا، لأنّه في المملوك و غيره غرر و قد نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(2) ، و فسّر بأنّه بيع السمك في الماء و الطير في الهواء(3).

و لو باع الحمام المملوك و هو طائر، فإن كان يألف الرجوع، فالأقوي: الجواز - و هو أضعف وجهي الشافعي(4) - للقدرة علي التسليم، كالعبد المنفذ في شغل.

و الأقوي عنده: المنع - و به قال أحمد - إذ لا قدرة في الحال، و ليس له وازع يوثق به(5).

و ينتقض بالغائب، فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

و إن كان في البرج، قال الشيخ: إن كان مفتوحا، لم يصحّ بيعه، لأنّه إذا قدر علي الطيران لم يمكن تسليمه - و به قال الشافعي و أحمد(6) - و إن كان مغلقا، جاز(7) إجماعا.

ص: 51


1- كما في المبسوط - للطوسي - 157:2، و السرائر: 233.
2- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 48.
3- كما في المغني 294:4، و الشرح الكبير 27:4.
4- الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 36:4، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
5- الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 36:4، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
6- المجموع 284:9، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
7- المبسوط - للطوسي - 157:2.
مسألة 29: لو باع ماله المغصوب، فإن كان يقدر علي استرداده و تسليمه، صحّ البيع

- كالوديعة - إجماعا. و إن لم يقدر، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر علي انتزاعه من يد الغاصب - و به قال الشافعي(1) - لعدم القدرة علي التسليم.

و لو باعه ممّن يقدر علي انتزاعه من يده، فالأقوي عندي: الصحّة - و هو أصحّ وجهي الشافعي(2) - لأنّ القصد الحصول للمشتري.

و الأضعف: البطلان، لعجز البائع(3).

و علي قولنا إن علم المشتري حال البيع، فلا خيار له. و به قال الشافعي(4).

و لو عرض له عجز، فكذلك - و هو أحد وجهي الشافعي(5) - لسقوطه حال البيع، فلا يتجدّد بعده، لعدم موجبه.

و الآخر: الثبوت(6).

و إن جهل، فله الخيار، إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

و لو علم بالغصب و عجز البائع فاشتراه كذلك، فالوجه عندي:

الصحّة، و لا خيار له، سواء قدر علي انتزاعه أو لا.

مسألة 30: لو باع عضوا من عبد أو شاة، لم يصحّ، لتعذّر التسليم حسّا،

إذ لا يمكن إلاّ بفصله، و هو يفسد ماليّته أو ينقصها. و كذا لو باع

ص: 52


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 285:9، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3، منهاج الطالبين: 94.
2- الوسيط 24:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، المجموع 9: 285، روضة الطالبين 24:3، منهاج الطالبين: 94-95.
3- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، المجموع 285:9.
4- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.
5- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.
6- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.

نصفا معيّنا من سيف أو إناء، لأنّ التسليم لا يمكن إلاّ بالقطع و الكسر، و فيه نقص و تضييع للمال، و هو ممنوع منه. و كذا قال الشافعي(1).

و الوجه: اعتبار المصلحة، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلي الثمن، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

و لو باع نصفا معيّنا من ثوب ينقص قيمته بالقطع، فالأقوي عندي:

الجواز - و هو أضعف وجهي الشافعيّة(2) - كما لو باع ذراعا معيّنا من أرض.

و أظهرهما: المنع، لحصول الضرر في التسليم(3).

و لو كان لا ينقص بالقطع، جاز - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لزوال المانع.

الشرط الخامس: العلم بالعوضين.
مسألة 31: أجمع علماؤنا علي أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل
اشارة

فينتفي الغرر، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفا يرفع الجهالة - و به قال الشعبي و النخعي و الأوزاعي و الحسن البصري و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و مالك و إسحاق و الشافعي في أصحّ القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لنهيه عليه السّلام عن

ص: 53


1- المجموع 317:9، روضة الطالبين 25:3، منهاج الطالبين: 95، الوجيز 1: 134، العزيز شرح الوجيز 37:4.
2- العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3.
3- العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3.
4- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3، منهاج الطالبين: 95.
5- المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 290:9 و 301، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 51:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، الحاوي الكبير 5: 14، روضة الطالبين 35:3، منهاج الطالبين: 95.

الغرر(1)البقرة: 275.(2).

و لأنّه باع ما لم يره و لم يوصف فلم يصحّ، كبيع النوي في التمر.

و لأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع، كالسلم.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في القول الثاني، و أحمد في الرواية الثانية بالصحّة، لقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و لأنّه عقد معاوضة، فلا تفتقر صحّته إلي رؤية المعقود عليه، كالنكاح(3).

و الآية ليست للعموم، إذ ليست من صيغه. سلّمنا، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

و النكاح لا يقصد فيه المعاوضة، و لا يفسد بفساد العوض و لا بترك ذكره، و لا يدخله شيء من الخيارات، و في اشتراط لزومه مشقّة علي المخدّرات و إضرار بهنّ.

فروع:
أ - القائلون بالجواز اختلفوا،

فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار

ص: 54


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 48 الهامش
2- .
3- المحلّي 342:8، المغني 77:4-78، الشرح الكبير 28:4، الوجيز 1: 135، العزيز شرح الوجيز 51:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، المجموع 9: 301، منهاج الطالبين: 95، الحاوي الكبير 14:5، بداية المجتهد 155:2.

الرؤية، و هو رواية عن أحمد(1). و في الأخري: لا يثبت(2) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار(3).

ب - من الشافعيّة من طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع،

لأنّه المالك للتصرّف، و اجتناب هذا الغرر يسهل عليه(4).

و القولان في البيع و الشراء يجريان في إجازة الغائب، و الصلح عليه، و جعله رأس مال السّلم، و في صحّة إصداقه و الخلع عليه، و في هبة الغائب و رهنه، و هما أولي عندهم بالصحّة، إذ ليسا من عقود المغابنات(5).

و في بيع الأعمي و شرائه طريقان، أحدهما: أنّه علي قولين. و الثاني:

القطع بالمنع(6). و قد تقدّم(7).

ج - يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع، كداخل الثوب،

فلو باع ثوبا مطويّا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، و هو قول المشترطين(8).

ص: 55


1- الهداية - للمرغيناني - 32:3، المغني 77:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، بداية المجتهد 155:2، حلية العلماء 88:4، المجموع 301:9.
2- المغني 77:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 33:3، المغني 82:4-83، الشرح الكبير 29:4.
4- المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3، العزيز شرح الوجيز 51:4.
5- العزيز شرح الوجيز 52:4، المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3.
6- العزيز شرح الوجيز 52:4، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 302:9 - 303، روضة الطالبين 35:3، حلية العلماء 97:4.
7- تقدّم في ص 24، المسألة 7.
8- المغني 80:4، الشرح الكبير 29:4.

و لو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه علي الباقي، كظاهر صبرة الحنطة و الشعير، صحّ البيع، لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهر الباطن، فله الخيار، و هو قول الشافعي(1) تفريعا علي اشتراط الرؤية.

و عنه قول آخر: إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصّبرة، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها(2).

و كذا صبرة الجوز و اللوز و الدقيق و المانعات في الظروف.

و لا تكفي رؤية ظاهر صبرة البطّيخ و الرمّان و أعلي سلّة العنب و الخوخ، للتفاوت غالبا.

د 1 - لو أراه أنموذجا و قال: بعتك من هذا النوع كذا، فهو باطل،

إذ لم يعيّن مالا و لا وصف، و لا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم، و هو أصحّ وجهي الشافعي(3).

ه - لو أراه أنموذجا و بني أمر البيع عليه، نظر

إن قال: بعتك من هذا النوع كذا، فهو باطل، لأنّه لم يعيّن مالا و [لا] [2] راعي شروط السّلم، و لا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم - و هو أصحّ وجهي الشافعي(4) - لأنّ

ص: 56


1- العزيز شرح الوجيز 56:4، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3-38.
2- العزيز شرح الوجيز 56:4، حلية العلماء 99:4، المجموع 297:9، روضة الطالبين 38:3.
3- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
4- انظر المصادر في الهامش (4).

اللفظ و الوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

و لو قال: بعتك الحنطة التي في هذا البيت و هذا الأنموذج منها، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع، لم يصحّ - و هو أصحّ وجهي الشافعي(1) - لأنّ المبيع غير مرئيّ، و لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال، بخلاف استقصاء الأوصاف.

و الثاني: الصحّة، تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف(2).

و إن أدخله، صحّ علي أصحّ وجهي الشافعي، كما لو رأي بعض الصّبرة(3).

و عندي في الفرق إشكال.

و - لو كان البعض المرئي لا يدلّ علي الباقي

لكن كان صوانا [1] له خلقة، كقشر الرمّان و العفص، كفت رؤيته و إن كان المقصود مستورا، لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

و كذا الجوز و اللوز في قشرهما الأعلي - و هو قول الشافعي(4) - و يباع بشرط الصحّة، فإن ظهر معيبا بعد كسره، فإن كان له حينئذ قيمة، فللمشتري الأرش خاصّة، و إلاّ فله الثمن أجمع.

و هل يصحّ بيع اللبّ وحده ؟ الأقرب عندي: جوازه، للأصل السالم عن معارضة الغرر، لأنّا إنّما نجوّزه علي تقدير ظهور الصحّة.

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
2- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
3- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
4- الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 291:9، روضة الطالبين 38:3-39، منهاج الطالبين: 95.

و قال الشافعي: لا يجوز، إذ لم يمكن تسليمه إلاّ بكسر القشر، و فيه تغيير عين المبيع(1). و ليس بجيّد.

ز - لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية،

إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. و يجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة 32: يشترط رؤية البائع و المشتري جميعا أو وصفه لهما أو لأحدهما و رؤية الآخر،
اشارة

فلو لم يرياه أو أحدهما و لا وصف له، بطل.

و القائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية و الوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلي ثبوت الخيار للبائع، لأنّه جاهل بصفة العقد، فأشبه المشتري، و به قال أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: لا خيار له، لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة، و الزيادة في المبيع لا تثبت الخيار(3).

فروع:
أ - كلّ موضع يثبت الخيار

إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقا عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع علي الفور، لأنّه خيار الرؤية، فيثبت عندها، و به قال أحمد(4).

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 291:9، روضة الطالبين 39:3.
2- حلية العلماء 88:4، المغني 82:4-83، الشرح الكبير 29:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 33:3، حلية العلماء 89:4، المغني 83:4، الشرح الكبير 29:4.
4- المغني 80:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.

و له آخر: أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه، لأنّه خيار ثبت بمقتضي العقد من غير شرط، فيقيّد بالمجلس، كخيار المجلس(1).

و الوجهان للشافعيّة، و أصحّهما عندهم: الثاني(2).

ب - لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا،

لم يكن له ذلك، إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود و الموصوف.

و من جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم: انفسخ، لأنّ العقد غير لازم في حقّه، فملك الفسخ، كحالة الرؤية. و هو أصحّ وجهي الشافعي. و في الآخر: لا ينفسخ(3).

ج - إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية، لم يلزم،

لتعلّق الخيار بالرؤية، و به قال أحمد و الشافعي في أظهر الوجهين(4).

د - لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري، لم يصحّ الشرط،

و به قال أحمد و الشافعي في أظهر الوجهين [1].

و هل يفسد البيع ؟ الأقوي عندي: ذلك، و سيأتي.

مسألة 33: يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع
اشارة

وصفا يكفي

ص: 59


1- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 294:9، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3.
3- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، الحاوي الكبير 22:5.
4- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، و انظر: المجموع 293:9.

في السّلم عندنا، و إذا فعل ذلك، صحّ البيع في قول أكثر العلماء(1) ، لانتفاء الجهالة بذكر الأوصاف، فصحّ، كالسّلم.

و عن أحمد و الشافعي وجهان، أحدهما: أنّه لا يصحّ حتي يراه، لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع، فلم يصحّ البيع بها(2).

و يمنع عدم المعرفة مع ذكر الأوصاف.

أمّا ما لا يصحّ السّلم فيه فلا يصحّ بيعه بالصفة، لعدم ضبطه.

فروع:
أ - إذا وصفه و وجده علي الصفة، لم يكن له الفسخ،

عند علمائنا أجمع - و به قال محمّد بن سيرين و أحمد و أيّوب و مالك و العنبري و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(3) - لأنّه سلم له المعقود بصفاته، فلم يكن له خيار، كالمسلم فيه. و لأنّه مبيع موصوف، فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال، كالسّلم.

و قال الثوري و أصحاب الرأي: له الخيار بكلّ حال، لأنّه يسمّي خيار الرؤية(4).

و للشافعيّة وجهان(5) ، كالمذهبين.

ص: 60


1- المغني 84:4، الشرح الكبير 29:4.
2- المغني 84:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المجموع 291:9.
3- المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المدوّنة الكبري 208:4، العزيز شرح الوجيز 62:4.
4- المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 293:9، العزيز شرح الوجيز 4: 62، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4-86، الشرح الكبير 30:4.

و [له] [1] خيار الرؤية إذا لم يجده علي الوصف.

ب - لو وجده بخلاف الوصف، فله الخيار قولا واحدا،

و يسمّي خيار الخلف في الصفة، لأنّه وجد الموصوف بخلاف الصفة، فلم يلزمه، كالسّلم.

ج - لو اختلفا فقال البائع: لم تختلف صفته.

و قال المشتري: قد اختلفت، قدّم قول المشتري، لأصالة براءة ذمّته من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

مسألة 34: يصحّ بيع الغائب إذا كانا قد شاهداه و لا يتطرّق إليه التغيير غالبا،
اشارة

كالأرض و أواني الحديد، أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية و العقد، ذهب إليه علماؤنا - و هو قول عامّة العلماء(1) - لوجود المقتضي - و هو العقد - خاليا عن مفسدة الجهالة، فيثبت الحكم، كما لو شاهداه حالة العقد، إذ الشرط العلم، و لا يحصل بالمشاهدة زيادة فيه.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يصحّ، و اشترط مقارنة الرؤية للعقد - و هو رواية أخري عن أحمد، و هو محكي عن الحكم و حمّاد - لأنّ ما كان شرطا في صحّة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد، كالقدرة علي التسليم(2).

و الجواب: القول بالموجب، فإنّ الشرط العلم، و هو ثابت حال العقد.

و ينتقض بما لو شاهدا دارا و وقفا في بيت منها و تبايعا، أو أرضا

ص: 61


1- المغني 89:4، الشرح الكبير 30:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 296:9، العزيز شرح الوجيز 4: 55، المغني 89:4-90، الشرح الكبير 30:4.

و وقفا في طرفها، صحّ إجماعا مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال.

فروع:
أ - لو رآه و قد تغيّر عمّا كان، لم يتبيّن بطلان البيع

- و هو أصحّ وجهي الشافعي(1) - لكن للمشتري الخيار. و إن لم يتغيّر، لزم البيع قولا واحدا.

ب - لو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالبا، لم يصحّ البيع،

لأنّه مجهول، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و إن احتمل التغيّر و عدمه أو كان حيوانا، فالأقرب عندي: جواز بيعه - و هو أصحّ وجهي الشافعي(3) - لأنّ الظاهر بقاؤه بحاله، و لم يعارضه ظاهر غيره. فإن وجده متغيّرا، فله الخيار.

و يقدّم قول المشتري لو ادّعي التغيّر، لأنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع علي المبيع علي هذه الصفة و الرضا به، و المشتري ينكره، و هو أحد قولي الشافعي(4).

و أضعفهما: تقديم قول البائع، لأصالة عدم التغيّر و استمرار العقد(5).

و في أضعف وجهي الشافعي: بطلان البيع، لما فيه من الغرر(6).

ص: 62


1- المجموع 296:9، التنبيه في الفقه الشافعي: 88-89، روضة الطالبين 3: 37، العزيز شرح الوجيز 55:4.
2- الحاوي الكبير 26:5، المجموع 296:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4، المغني، 90:4، الشرح الكبير 31:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 297:9، العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 37:3، و انظر: الحاوي الكبير 26:5.
4- الحاوي الكبير 27:5، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4.
5- الحاوي الكبير 27:5، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4.
6- انظر: المصادر في الهامش (3).
ج - لو شاهده أحدهما دون الآخر،

ثبت الخيار للآخر مع الوصف عندنا، و مطلقا عند من جوّز بيع الغائب(1).

مسألة 35: البيع بالصفة نوعان:
بيع عين معيّنة،

كقوله: بعتك عبدي التركي، و يذكر صفاته، فيصحّ العقد عليه، و ينفسخ بردّه علي البائع، و تلفه قبل قبضه، لكون المعقود عليه معيّنا، فيزول العقد بزوال محلّه. و يجوز التفرّق قبل قبض ثمنه و قبضه، كبيع الحاضر.

و بيع موصوف غير معيّن،

مثل: بعتك عبدا تركيّا، و يستقصي في الوصف كالسّلم، فإن سلّم إليه غير ما وصف فردّه أو علي ما وصف فأبدله، لم يفسد العقد، إذ لم يقع علي عين هذا فلا ينفسخ بردّه، كالسّلم.

و هل يجب قبض الثمن أو المبيع قبل التفرّق ؟ الوجه: المنع.

و قال الشافعي و أحمد: لا يجوز التفرّق قبل قبض أحد العوضين، كالسّلم(2).

و نمنع المساواة، لأنّه بيع الحالّ، فأشبه بيع العين.

مسألة 36: لا يصحّ بيع اللبن في الضرع، عند علمائنا أجمع
اشارة

- و به قال الشافعي و إسحاق و أحمد، و نهي عنه ابن عباس و أبو هريرة، و كرهه طاوس و مجاهد(3) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يباع صوف علي ظهر أو لبن

ص: 63


1- انظر: المغني 82:4، و الشرح الكبير 29:4.
2- المغني 88:4، الشرح الكبير 30:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 326:9، روضة الطالبين 40:3، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 113:4، الحاوي الكبير 332:5، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 59:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 4: 31، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2.

في ضرع(1).

و سأله سماعة عن اللبن يشتري و هو في الضرع، قال: «لا»(2) و الظاهر أنّ المسئول الصادق عليه السّلام.

و لجهالة قدره و وصفه. و لأنّه يحدث شيئا فشيئا.

و قال مالك: إذا عرفا قدر الحلاب في كلّ دفعة، صحّ و إن باعه أيّاما معلومة(3).

و أجازه الحسن و سعيد بن جبير و محمّد بن مسلمة [1]، كلبن الظئر(4).

و الحاجة فارقة.

تذنيب: سوّغ الشيخ بيع اللبن في الضرع إذا ضمّ إليه ما يحتلب منه مع مشاهدة المحلوب

(5) ، لقول سماعة: «إلاّ أن يحلب في سكرّجة [2] فيقول: أشتري منك هذا اللبن في السكرّجة و ما في ضرعها [3] بثمن مسمّي، فإن لم يكن في الضرع [4] شيء، كان ما في السكرّجة»(6).

ص: 64


1- سنن الدار قطني 14:3، 40-42، سنن البيهقي 340:5، المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4.
2- الكافي 194:5، 6، الفقيه 141:3، 620، التهذيب 123:7، 538، الإستبصار 3: 104، 364.
3- المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4، حلية العلماء 114:4، العزيز شرح الوجيز 59:4.
4- المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4.
5- النهاية: 400.
6- انظر: المصادر في الهامش (2).

و الأشهر عندنا: البطلان، إذ ضمّ المعلوم إلي المجهول لا يصيّره معلوما.

مسألة 37: اختلف علماؤنا في بيع الصوف علي ظهور الغنم،

و الأشهر: المنع - و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لأنّه صلّي اللّه عليه و آله نهي أن يباع صوف علي ظهر(2).

و لأنّه متّصل بالحيوان، فلم يجز إفراده بالعقد، كأعضائه.

و قال بعض(3) علمائنا بالجواز - و به قال مالك و الليث بن سعد، و هو رواية أخري عن أحمد(4) - و هو الأقوي عندي، لما رواه إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السّلام: ما تقول في رجل اشتري من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما؟ قال: «لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»(5) و هو يدلّ علي المطلوب، لأنّ ضمّ المجهول إلي مثله لا يؤثّر في العلم، فبقي أن يكون الصوف مقصودا بالذات و الحمل بالعرض.

و لأنّه مبيع مملوك مشاهد يجوز بيعه بعد تناوله، فجاز بيعه قبل

ص: 65


1- بدائع الصنائع 168:5، مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 332:5، المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 327:9 و 328، روضة الطالبين 3: 40، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 114:4، العزيز شرح الوجيز 60:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2.
2- سنن الدار قطني 14:3، 40-42، سنن البيهقي 340:5.
3- انظر: المقنعة: 609، و السرائر: 232-233.
4- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 331، العزيز شرح الوجيز 60:4، المجموع 9: 328.
5- الكافي 194:5، 8، الفقيه 146:3، 642، التهذيب 123:7-124، 539.

تناوله، كالثمار. و لوجود المقتضي و عدم المانع - و هو الجهالة - كالرطبة، بخلاف الأعضاء، لتعذّر تسليمها مع سلامة الحيوان.

و لا فرق بين بيعه قبل التذكية و بعدها، خلافا للشافعي، لعدم الإيلام حينئذ(1).

مسألة 38: لا يجوز بيع الملاقيح - و هي ما في بطون الأمّهات - و لا المضامين
اشارة

- و هي ما في أصلاب الفحول - جمع ملقوح، يقال: لقحت الناقة و الولد ملقوح به، إلاّ أنّهم استعملوه بحذف الجارّ. و قيل: جمع ملقوحة من قولهم: لقحت، كالمجنون من جنّ. و جمع مضمون، يقال:

ضمن الشيء، أي: تضمّنه و استسرّه. و منهم من عكس التفسيرين.

و لا نعرف خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين، للجهالة، و عدم القدرة علي التسليم، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الملاقيح و المضامين(2) ، و لا خلاف فيه.

تذنيب: لو باع الحمل مع امّه، جاز إجماعا،

سواء كان في الآدمي أو غيره.

و لو ضمّ الحمل إلي الصوف، قال الشيخ: يجوز(3) ، كما لو ضمّ إلي الأمّ.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن ذلك: «لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»(4).

ص: 66


1- المجموع 327:9، روضة الطالبين 41:3، العزيز شرح الوجيز 60:4.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 230:11، 11581.
3- النهاية: 400.
4- الكافي 194:5، 8، الفقيه 146:3، 642، التهذيب 123:7-124، 539.

و فيه إشكال أقربه: الجواز إن كان الحمل تابعا للمقصود، و إلاّ فلا.

مسألة 39: يحرم بيع عسيب الفحل - و هو نطفته
اشارة

- لأنّه غير متقوّم و لا معلوم و لا مقدور عليه. و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عنه(1).

أمّا إجارة الفحل للضراب فعندنا مكروهة و ليست محرّمة - و هو أضعف وجهي الشافعي، و به قال مالك(2) - لأنّها منفعة مقصودة يحتاج إليها في كلّ وقت، فلو لم يجز الإجارة فيها، تعذّر تحصيلها، لعدم وجوب البذل علي المالك.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ وجهيه، و أحمد: أنّها محرّمة، لأنّه عليه السّلام نهي عن عسيب الفحل(3).

و لأنّه لا يقدر علي تسليمه، فأشبه إجارة الآبق. و لأنّه متعلّق باختيار الفحل و شهوته. و لأنّ القصد هو الماء، و هو ممّا لا يجوز إفراده بالبيع(4).

و نحن نقول بموجب النهي، لتناوله البيع، أو التنزيه. و نمنع انتفاء القدرة، و العقد وقع علي الإنزاء، و الماء تابع، كالظئر.

ص: 67


1- سنن أبي داود 267:3، 3429، سنن الترمذي 572:3، 1273، سنن النسائي 7: 310، سنن البيهقي 339:5، سنن الدار قطني 47:3، 195، المستدرك - للحاكم - 42:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 145:7، 2682.
2- المهذّب - للشيرازي - 401:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 62:3، منهاج الطالبين: 97، حلية العلماء 122:4، و 385:5، العزيز شرح الوجيز 101:4، بداية المجتهد 224:2، المغني 300:4.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في الهامش (1).
4- المغني 300:4، و 148:6، الشرح الكبير 44:6، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:2، بداية المجتهد 224:2، المهذّب - للشيرازي - 401:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، حلية العلماء 120:4، و 385:5، العزيز شرح الوجيز 4: 101، روضة الطالبين 62:3.
فروع:
أ - الإنزاء غير مكروه، و النهي غير متوجّه إلي الضراب،

بل إلي العوض عليه، و قد سئل الرضا عليه السّلام عن الحمر [1] تنزيها علي الرّمك [2] لتنتج البغال أ يحلّ ذلك ؟ قال: «نعم أنزها»(1).

ب - إذا استأجر للضراب، فالوجه: عدم الاستحقاق إلاّ مع إنزال الماء في فرج الدابّة،

لأنّه و إن كان تابعا لكنّه المقصود، كالاستئجار علي الإرضاع.

ج - حرّم أحمد أخذ الأجرة علي الضراب دون إعطائها،

لأنّه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه(2).

و ليس بجيّد، إذ تسويغ الإعطاء يستلزم تسويغ الأخذ.

د - لو اعطي صاحب الفحل هديّة أو كرامة من غير إجارة، جاز،

و به قال الشافعي و أحمد(3) ، و هو ظاهر علي مذهبنا، لأنّه سبب مباح، فجاز أخذ الهديّة عليه.

و عن أحمد رواية بالمنع(4).

ه - نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن حبل الحبلة

ه - نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن حبل الحبلة(5).

ص: 68


1- التهذيب 384:6، 1137، الإستبصار 57:3، 185.
2- المغني 300:4.
3- العزيز شرح الوجيز 102:4، المغني 300:4، و 149:6، الشرح الكبير 45:6.
4- المغني 300:4، العزيز شرح الوجيز 102:4.
5- صحيح مسلم 1153:3، 1514، سنن النسائي 293:7، سنن البيهقي 5: 340، مسند أحمد 479:1، 2640.

و فسّر بأمرين: نتاج النتاج، و هو بيع حمل ما تحمله الناقة، و جعله أجلا كان أهل الجاهليّة يتبايعون لحم الجزور إلي حبل الحبلة.

و هو بمعنييه باطل، لجهالته، و جهالة الأجل.

مسألة 40: بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة باطل بالإجماع،

لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن ذلك كلّه(1).

و الملامسة: أن يبيعه شيئا و لا يشاهده علي أنّه متي لمسه وقع البيع.

و هو ظاهر كلام أحمد و مالك و الأوزاعي(2).

و له تفاسير ثلاثة:

أن يجعل اللمس بيعا بأن يقول صاحب الثوب للراغب: إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

و هو باطل، لما فيه من التعليق.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه من صور المعاطاة(3).

و أن يأتي بثوب مطويّ له في ظلمة فيلمسه الراغب، و يقول صاحب الثوب: بعتك بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام النظر، و لا خيار لك إذا رأيته. فسّره الشافعي(4).

قال بعض الشافعيّة: إن أبطلنا بيع الغائب، بطل، و إلاّ صحّ تخريجا من تصحيح شرط نفي الخيار(5).

ص: 69


1- صحيح مسلم 1151:3، 1511، و 1153، 1513، سنن ابن ماجة 2: 733، 2170، و 739، 2194، سنن النسائي 259:7، سنن الدارمي 253:2 و 254، سنن البيهقي 341:5 و 342، الموطّأ 666:2، 76.
2- المغني 297:4، الشرح الكبير 32:4-33، بداية المجتهد 148:2.
3- العزيز شرح الوجيز 103:4.
4- العزيز شرح الوجيز 103:4، الحاوي الكبير 337:5، روضة الطالبين 63:3.
5- العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3.

و أن يبيعه علي أنّه إذا لمسه وجب البيع و سقط خيار المجلس و غيره. و يبطل عنده(1) ، لفساد الشرط(2).

و الوجه عندي: صحّته إن كان قد نظره.

و المنابذة قيل: أن يجعل النبذ بيعا بأن يقول: أنبذ إليك ثوبي بعشرة ثمّ ينبذه، و يكتفيان به بيعا. و قيل: أن يقول: بعتك كذا بكذا علي أنّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع، قالهما الشافعيّة(3).

و ظاهر كلام أحمد و مالك و الأوزاعي أن يقول: إذا(4) نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا(5).

و قيل: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلي الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه(6).

و الحصاة أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلي أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

و قيل أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا(7).

و قيل: أن يقول: بعتك هذا بكذا علي أنّي متي رميت هذه الحصاة وجب البيع(8).

و لا نعلم خلافا في بطلان الجميع.4.

ص: 70


1- أي: عند الشافعي.
2- العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3.
3- الحاوي الكبير 337:5، العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3 و 64، منهاج الطالبين: 97.
4- في «ق، ك»: «إن» بدل «إذا». و في المغني و الشرح الكبير هكذا: أيّ ثوب نبذته..
5- المغني 297:4، الشرح الكبير 32:4-33، بداية المجتهد 148:2.
6- المغني 297:4، الشرح الكبير 33:4.
7- المغني 298:4، الشرح الكبير 33:4.
8- المغني 298:4، الشرح الكبير 33:4.
مسألة 41: يجب ذكر جنس المبيع أو مشاهدته،

عند علمائنا أجمع بأن يقول: بعتك عبدي أو فرسي، و لا يكفي أن يقول: بعتك ما في كمّي أو خزانتي أو ما ورثته من أبي، مع جهالة المشتري - و هو أحد قولي الشافعي(1) - للجهالة.

و له آخر: الجواز، لأنّ المعتبر في بيع الغائب كون المبيع متعيّنا، و الجهالة لا تزول بذكر الجنس، فلا معني لاشتراطه(2).

و لا يكفي ذكر الجنس، بل لا بدّ من ذكر النوع بأن يقول: عبدي التركي. و هو ظاهر قول الشافعي(3).

و لا يكفي ذكرهما عندنا إلاّ مع ذكر الصفات الرافعة للجهالة - و به قال مالك(4) - للجهالة معه. و هو أضعف وجهي الشافعي(5).

و أصحّهما - و به قال أبو حنيفة - الاكتفاء. نعم، لو كان له عبدان من ذلك النوع، فلا بدّ و أن يزيد ما يقع به التمييز(6).

و يشترط ذكر صفات السّلم لترتفع الجهالة، و هو أحد وجهي الشافعي، و به قال أحمد(7).

و أظهرهما: الاكتفاء بمعظم الصفات(8).

مسألة 42: يجب العلم بالقدر،

فالجهل به فيما في الذمّة ثمنا كان أو

ص: 71


1- المجموع 292:9، روضة الطالبين 42:3، العزيز شرح الوجيز 61:4.
2- المجموع 292:9، روضة الطالبين 42:3، العزيز شرح الوجيز 61:4.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
4- بداية المجتهد 148:2، الحاوي الكبير 14:5، حلية العلماء 87:4، العزيز شرح الوجيز 62:4.
5- المجموع 293:9، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
6- الحاوي الكبير 14:5، المجموع 292:9-293، العزيز شرح الوجيز 62:4.
7- العزيز شرح الوجيز 62:4، حلية العلماء 85:4-86، المجموع 293:9، روضة الطالبين 42:3.
8- العزيز شرح الوجيز 62:4، حلية العلماء 85:4-86، المجموع 293:9، روضة الطالبين 42:3.

مثمنا مبطل. فلو قال: بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا، لم يصحّ السّلم - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - للغرر.

و لو قال: بعتك ثوبي هذا بما باع به فلان فرسه، و هما لا يعلمانه أو أحدهما، لم يصحّ - و هو أظهر وجهي الشافعي(2) - للجهالة.

و له آخر: الجواز، لإمكان الاستكشاف(3).

و ثالث: إن حصل العلم قبل التفرّق، صحّ العقد(4).

و لو قال: بعتك بألف من الدراهم و الدنانير، بطل، للجهل بقدر كلّ منهما، إذ لا فرق بينه و بين: بعتك بألف بعضها ذهب و بعضها فضّة. و به قال الشافعي و أحمد(5).

و عن أبي حنيفة أنّه يصحّ و يتساويان فيه، كالإقرار(6).

و يبطل بأنّه لو فسّره بغير التسوية، صحّ، و لو اقتضي التسوية، لم يصحّ.

و لو باع الثوب برقمه، و هو الثمن المكتوب عليه، فإن علماه [1]، صحّ إجماعا، لأنّه بيع بثمن معلوم قدره. و كرهه طاوس [2]. و لو لم يعلماه، بطل.4.

ص: 72


1- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 311:9، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 46:4، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، حلية العلماء 104:4، بدائع الصنائع 207:5.
2- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
3- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
4- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
5- العزيز شرح الوجيز 46:4، روضة الطالبين 31:3، المجموع 339:9، منهاج الطالبين: 95، الشرح الكبير 38:4، مختصر اختلاف العلماء 102:3، 1178.
6- مختصر اختلاف العلماء 102:3، 1178، المجموع 339:9، العزيز شرح الوجيز 46:4، الشرح الكبير 38:4.

و لو قال: بعتك بمائة دينار إلاّ عشرة دراهم، لم يصحّ، إلاّ أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. و كذا لو قال: بعتك بدينار غير درهم، أو: إلاّ درهما.

مسألة 43: يجب العلم بنوع الثمن من ذهب أو فضّة بالدراهم،

و لا يصحّ لو كان مجهولا.

و لو أطلق و في البلد نقد واحد يعلمانه، انصرف الإطلاق إليه، عملا بالظاهر. و كذا لو تعدّدت و غلب أحدها و إن كان فلوسا، إلاّ أن يعيّن غيرها.

و لو تعدّدت و تساوت، وجب التعيين. فإن أبهم، بطل - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - للجهالة.

و كما ينصرف المطلق إلي الجنس الغالب أو المتّحد كذا ينصرف في الوصف إلي الغالب بأن تختلف النقود، كالراضية و الرضويّة و إن اتّحد النوع. و كذا الصحيح و المكسّر. و لو لم يكن هناك غالب، وجب التعيين، و إلاّ بطل البيع - و به قال الشافعي(2) - لما تقدّم.

مسألة 44: لو كان لكلّ منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد، صحّ البيع،

سواء كانا متساويين في القيمة أو لا، و يتقسّط الثمن علي القيمتين - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أحد قوليه(3) - لأنّ جملة المبيع معلومة، و العقد وقع عليها، فصحّ، كما لو كانا لواحد، أو كما لو باعا عبدا واحدا لهما أو قفيزين من صبرة واحدة.

ص: 73


1- روضة الطالبين 32:3، المجموع 329:9، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4-47، الكتاب - بشرح اللباب - 230:1.
2- العزيز شرح الوجيز 47:4، روضة الطالبين 32:3.
3- المغني 316:4، العزيز شرح الوجيز 145:4.

و الثاني له: لا يصحّ - و هو قول للشيخ(1) أيضا - لأنّ كلّ واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن، و هو مجهول، بخلاف ما لو كانا لواحد، فإنّ جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط، و الثمن يتقسّط علي العبد المشترك و القفيزين بالأجزاء، فلا جهالة فيه(2).

و نحن نمنع الجهالة في المبيع، إذ مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة لا الأجزاء بالأجزاء، و وجوب التقويم و البسط ليعرف كلّ واحد حقّه بعد البيع، فلا يقتضي بطلانه.

مسألة 45: ذهب علماؤنا إلي أنّه لا يصحّ بيع المكيل و الموزون جزافا، لأنّه غرر.
اشارة

و لقول الصادق عليه السّلام: «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة»(3).

و لإفضائه إلي التنازع لو وجب ضمانه.

و لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الطعام مجازفة و هو يعلم كيله(4). و كذا إذا لم يعلم كيله بل هو أبلغ في المنع، إذ الجهالة لمّا أبطلت من أحد الطرفين كان إبطالها من الطرفين أولي.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد - و لا نعرف لهم مخالفا من الجمهور -: إنّه يصحّ، لقول ابن عمر: كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن نبيعه حتي ننقله من مكانه. و لأنّه معلوم بالرؤية، فصحّ بيعه، كالثياب(5).

ص: 74


1- الخلاف 335:3، المسألة 13.
2- العزيز شرح الوجيز 145:4، المغني 316:4.
3- التهذيب 122:7، 530، الإستبصار 102:3، 355.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 247:4، و الشرح الكبير 40:4.
5- المغني 245:4، الشرح الكبير 40:4، بداية المجتهد 146:2.

و نمنع الرواية و نقول بموجبها، فإنّه عليه السّلام نهاهم عن بيعها إلاّ بعد نقلها، و هو يستلزم معرفتها غالبا. و الثوب غير مكيل و لا موزون.

فروع:
أ - حكم المعدود حكم الموزون و المكيل،

فلا يصحّ بيعه جزافا، لأنّه مقدار يعرف به كمّيّة المبيع، فلا يصحّ بدونها، كالوزن و الكيل.

ب - لو تعذّر الوزن أو العدد، كيل بعضه 1 بمكيال و وزن أو عدّ،

و نسب إليه الباقي، لقول الصادق عليه السّلام - و قد سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي علي حساب ذلك من المعدود [2] -: «لا بأس به»(1).

و سئل عليه السّلام: أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ثمّ أخذ سائره علي قدر ذلك، فقال: «لا بأس»(2).

و لأنّه يحصل المطلوب، و هو العلم.

و منع أحمد من ذلك.(3).

و قال الثوري: كان أصحابنا يكرهون هذا، لاختلاف المكاييل، فيكون في بعضها أكثر من بعض، و الجوز يختلف عدده، فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر(4).

و هو غلط، فإنّه إذا جاز بيعه جزافا، كان هذا أولي.

ص: 75


1- الكافي 193:5، 3، الفقيه 140:3-141، 617، التهذيب 122:7، 533.
2- الكافي 194:5، 7، الفقيه 142:3، 625، التهذيب 122:7-123، 534، الاستبصار 102:3، 357، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
3- المغني 248:4، الشرح الكبير 42:4.
4- المغني 248:4، الشرح الكبير 42:4.
ج - لو باعه جزافا، بطل.

و كان القول قول المشتري في المقدار، سواء كان باقيا أو تالفا.

د - لا فرق بين الثمن و المثمن في الجزاف في الفساد عندنا و الصحّة عندهم،

إلاّ مالكا، فإنّه قال: لا يجوز الجزاف في الأثمان، لأنّ لها خطرا، و لا يشقّ وزنها و لا عددها، فأشبه الرقيق و الثياب(1). و مع هذا فإنّه جوّز بيع النقرة و التبر و الحليّ جزافا(2).

مسألة 46: و كما لا يصحّ بيع الصبرة جزافا فكذا أجزاؤها المشاعة،
اشارة

كالنصف و الثّلث و الربع، لوجود المانع من الانعقاد، و هو الجهالة.

و جوّزه الجمهور كافّة، لأنّ ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه، كالحيوان. و لأنّ جملتها معلومة [1] بالمشاهدة فكذا أجزاؤها(3).

و نحن نمنع الأصلين.

أمّا لو باع جزءا معلوم القدر، كالقفيز، فإنّه يصحّ عندنا و عند الجمهور(4) - إلاّ داود(5) - إذا علما اشتمالها علي ذلك، لأنّه معلوم مشاهد، فصحّ بيعه كغيره.

احتجّ بأنّه غير مشاهد و لا موصوف(6).

و يبطل بأنّه قياس، و هو لا يقول به. و نمنع عدم المشاهدة، فإنّ مشاهدة الجملة تستلزم مشاهدة البعض.

ص: 76


1- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
2- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، المغني 245:4، الشرح الكبير 40:4.
4- المغني 249:4، حلية العلماء 105:4.
5- المغني 249:4، حلية العلماء 105:4.
6- المغني 249:4.
فروع:
أ - لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم، فإن علما قدر القفزان، صحّ البيع، و إلاّ بطل،

للجهالة.

و قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد: يصحّ، لأنّه معلوم بالمشاهدة، و الثمن معلوم، لإشارته إلي ما يعرف [مبلغه] [1] بجهة لا تتعلّق بالمتعاقدين، و هو أن تكال الصبرة و يقسّط الثمن علي قدر قفزانها فيعلم مبلغه(1).

و نحن نمنع العلم، و قد سبق.

و قال أبو حنيفة: يصحّ البيع في قفيز واحد، و يبطل فيما سواه، لجهالة الثمن، كما لو باع المتاع برقمه(2).

و لو قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كلّ ذراع بدرهم، أو: هذه الأغنام كلّ رأس بدرهم، لم يصحّ عندنا، و به قال أبو حنيفة أيضا و إن سوّغ البيع في قفيز واحد من الصبرة(3).

و قال الشافعي: يصحّ، سواء كانت الجملة معلومة أو مجهولة(4).

ص: 77


1- المغني 248:4، الشرح الكبير 39:4، حلية العلماء 105:4، المجموع 9: 313، العزيز شرح الوجيز 48:4.
2- بدائع الصنائع 158:5-159، حلية العلماء 105:4، العزيز شرح الوجيز 4: 48، المغني 248:4، الشرح الكبير 39:4.
3- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4.
4- حلية العلماء 48:4، المجموع 313:9، روضة الطالبين 33:3-34، العزيز شرح الوجيز 48:4.

و لو قال: بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا، لم يصحّ إجماعا و إن علم الجملة، بخلاف الصبرة و الأرض و الثوب، لاختلاف قيمة الشاة، فلا يدري كم العشرة من الجملة.

ب - لو قال: بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم،

و لم يعلما أو أحدهما القدر، بطل البيع عندنا، لما مرّ. و كذا عند أحمد، لأنّ «من» للتبعيض و «كلّ» للعدد، و هو مجهول. و له آخر: الصحّة(1).

و للشافعيّة وجهان:

البطلان، لأنّه لم يبع جميع الصبرة و لا بيّن المبيع منها.

و الصحّة في صاع واحد، كما لو قال: بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم(2).

ج - لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم علي أن أزيدك قفيزا،

أو أنقصك علي أنّ لي الخيار فيهما، لم يصحّ عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّه لا يدري أ يزيده أم ينقصه.

و لو قال: علي أن أزيدك قفيزا، لم يجز، لأنّ القفيز مجهول.

فإن قال: علي أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخري أو وصفه وصفا يرفع الجهالة، صحّ عندهم، إذ معناه: بعتك هذه الصبرة و قفيزا من الأخري بعشرة(4).

و إن قال: علي أن أنقصك قفيزا، لم يصحّ، لأنّ معناه: بعتك هذه

ص: 78


1- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2.
2- حلية العلماء 106:4، المجموع 313:9، العزيز شرح الوجيز 49:4.
3- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2، و انظر: المجموع 315:9.
4- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4.

الصبرة إلاّ قفيزا كلّ قفيز بدرهم و شيء مجهول.

و لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم علي أن أزيدك قفيزا من الأخري، لم يصحّ، لإفضائه إلي جهالة الثمن في التفصيل، لأنّه يصير قفيزا و شيئا بدرهم.

و لو قصد أنّي أحطّ ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به، لم يصحّ، للجهالة.

و لو قال: هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كلّ قفيز بدرهم علي أن أزيدك قفيزا من الأخري، صحّ، إذ معناه: بعتك كلّ قفيز و عشر قفيز بدرهم.

و لو جعله هبة، صحّ عندنا، خلافا لأحمد(1).

و إن أراد أنّي لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها، صحّ، لعلمهما بجملة القفزان، فعلما قدر النقصان من الثمن.

و لو قال: علي أن أنقصك قفيزا، صحّ، لأنّ معناه: بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم، كلّ قفيز بدرهم و تسع.

د - لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كلّ صاع بدرهم، فإن علما القدر، صحّ.

و قال الشافعي: يصحّ البيع إن خرج كما ذكر، لأنّه لم يشترط علم القدر.

و إن خرج زائدا أو ناقصا، فأصحّ قوليه: البطلان، لامتناع الجمع بين بيع الكلّ بعشرة و مقابلة كلّ واحد بدرهم، لأنّه باع جملة الصبرة بالعشرة

ص: 79


1- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4.

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم و الجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة و النقصان محال.

و الثاني: يصحّ، لإشارته إلي الصبرة، و يلغي الوصف، فإن خرج ناقصا، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن، لمقابلة الصبرة به، أو [بالقسط] [1]، لمقابلة كلّ صاع بدرهم ؟ وجهان.

و إن خرج زائدا، ففي مستحقّ الزيادة وجهان:

أظهرهما: أنّها للمشتري، لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه، فلا خيار له.

و في خيار البائع وجهان، أصحّهما: العدم، لأنّه رضي ببيع جميعها.

و الثاني: أنّ الزيادة للبائع، فلا خيار له. و في المشتري وجهان، أصحّهما: ثبوت الخيار، إذ لم يسلم له جميع الصبرة(1).

ه - لو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء،

فإن علما القدر منهما، صحّ، و إلاّ بطل، خلافا للجمهور.

و - إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها،

فإن اختلفت - كصبرة ممتزجة من جيّد و رديء - لم يصحّ إلاّ بعد المشاهدة للجميع. و لو باعه نصفها أو ثلثها، فكذلك. و به قال بعض الحنابلة(2). و بعضهم سوّغه، لأنّه اشتري جزءا مشاعا، فاستحقّ من جيّدها و رديئها(3).

ز - لو اشتري الصبرة جزافا، قال مالك: يجوز له بيعها قبل نقلها،

ص: 80


1- المجموع 313:9-314، روضة الطالبين 34:3، العزيز شرح الوجيز 49:4.
2- المغني 245:4-246، الشرح الكبير 40:4.
3- المغني 426:4، الشرح الكبير 40:4.

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلي حقّ يوفّيه، فأشبه الثوب الحاضر. و هو رواية عن أحمد(1).

و له أخري: المنع، لقول ابن عمر: كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حتي ننقله من مكانه(2)(3).

ح - منع المجوّزون الغشّ بأن يجعلها علي دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الرديء أو المبلول في باطنها،

لأنّه عليه السّلام مرّ علي صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا، فقال: «يا صاحب الطعام ما هذا؟» فقال:

أصابته السماء يا رسول اللّه، قال: «أ فلا جعلته فوق الطعام حتي يراه الناس ؟» ثمّ قال: «من غشّنا فليس منّا»(4).

فإن وجده كذلك، فللشافعيّة [1] طريقان:

أحدهما: أنّ فيها قولي بيع الغائب، لأنّ ارتفاع الأرض و انخفاضها يمنع تخمين القدر، و إذا لم يفد العيان إحاطة، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

و الثاني: القطع بالبطلان، لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية، و الرؤية حاصلة هنا، فيبعد إثبات الخيار معها، و لا سبيل إلي نفيه، للجهالة.

و اعترض بأنّ الصفة و القدر مجهولان في بيع الغائب، و مع ذلك ففيه

ص: 81


1- بداية المجتهد 146:2-147، المغني 246:4.
2- سنن البيهقي 314:5.
3- المغني 247:4.
4- المغني 246:4، و انظر: صحيح مسلم 99:1، 102، و سنن الترمذي 3: 606، 1315.

قولان، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟ و إذا ثبت الخيار - و هو قول أحمد(1) - فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

و فيه طريق ثالث للشافعي: القطع بالصحّة، اعتمادا علي المعاينة، و جهالة القدر معها غير ضائرة(2).

و أثبت أحمد الخيار بين الفسخ و أخذ تفاوت ما بينهما، لأنّه عيب(3).

و لو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود، فلا خيار للمشتري، بل للبائع إن لم يعلم، و إلاّ فلا.

و لو ظهر تحتها دكّة، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان:

البطلان، لأنّه ظهر أنّ العيان لم يفد علما.

و الأظهر: الصحّة، و للمشتري الخيار، تنزيلا لما ظهر منزلة العيب و التدليس(4).

ط - لو علم قدر الشيء، لم يجز بيعه صبرة، عندنا،

و هو ظاهر - و به قال أحمد(5) - لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «من عرف مبلغ شيء فلا يبعه جزافا حتي يبينه»(6).

ص: 82


1- المغني 246:4.
2- الوسيط 35:3، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 50:4، المجموع 9: 314، روضة الطالبين 34:3-35.
3- المغني 246:4.
4- المجموع 314:9، روضة الطالبين 35:3، العزيز شرح الوجيز 50:4.
5- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 246:4، و الشرح الكبير 40:4.

و كرهه عطاء و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و مالك و إسحاق و طاوس(1).

و عن أحمد أنّه مكروه غير محرّم(2).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا بأس بذلك، لأنّه إذا جاز مع جهلهما، فمع علم أحدهما أولي(3).

ي - لو باع ما علم كيله صبرة،

قال أبو حنيفة و الشافعي: يصحّ - و هو ظاهر قول أحمد - لأنّه لا تغرير فيه، فأشبه ما لو علما كيله أو جهلاه(4).

و قال مالك: إنّه تدليس إن علم به المشتري، فلا خيار له، لأنّه دخل علي بصيرة، و إن جهل مع علم البائع، تخيّر في الفسخ، لأنّه غشّ(5). و هو قول بعض الحنابلة(6).

و عند بعضهم أنّه فاسد(7) ، و هو مذهبنا، لما تقدّم.

يأ - لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل، صحّ عندنا،

فإن قبضه و اكتاله، تمّ البيع، و إن قبضه بغير كيل، فإن زاد، ردّ الزيادة، و إن نقص، رجع بالناقص. و إن تلف، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه، سواء قلّ النقص أو كثر.

و الأقوي: أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله - خلافا لأحمد(8) - لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقة، فإنّه لو زاد، كانت له. قال: فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل، فوجهان، أحدهما: الصحّة، لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. و المنع، لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض(9).

ص: 83


1- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
2- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
3- المغني 247:4، الشرح الكبير 40:4.
4- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
5- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
6- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
7- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
8- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
9- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
يب - لو كال طعاما و آخر ينظر إليه،

فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل ؟ أمّا عندنا فنعم - و هو إحدي روايتي أحمد(1) - لانتفاء الجهالة.

و كذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاما فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

و أخري عنه بالمنع(2).

مسألة 47: لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة، صحّ
اشارة

- كالثوب و الدار و الغنم - بالإجماع. و كذا لو باع جزءا منه مشاعا، كنصفه أو ثلثه، أو جزءا معيّنا، كهذا البيت، و هذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعا منها أو عشرة من غير تعيين، فإن لم يقصد الإشاعة، بطل إجماعا. و إن قصد الإشاعة، فإن لم يعلما عدد الذّراعان، بطل البيع إجماعا، لأنّ الجملة غير معلومة، و أجزاء الأرض مختلفة، فلا يمكن أن تكون معيّنة و لا مشاعة.

و إن علم الذّراعان، للشيخ قولان:

البطلان [1] - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها، و موضعها مجهول.

و الصحّة(4) - و به قال الشافعي و أحمد(5) - إذ لا فرق بين عشر الأرض و بين ذراع من عشرة علي قصد الإشاعة.

و هو عندي أقرب. و ليس الذراع بقعة معيّنة، بل هو مكيال.

ص: 84


1- المغني 248:4، الشرح الكبير 41:4.
2- المغني 248:4، الشرح الكبير 41:4.
3- المغني 250:4، الشرح الكبير 35:4، العزيز شرح الوجيز 43:4.
4- المبسوط - للطوسي - 153:2، الخلاف 164:3، المسألة 264.
5- راجع المصادر في الهامش (4).
فروع:
أ - لو اتّفقا علي أنّهما أرادا قدرا منها غير مشاع، لم يصحّ البيع،

لاتّفاقهما علي بطلانه. و لو اختلفا فقال المشتري: أردت الإشاعة فالبيع صحيح، و قال البائع: بل أردت معيّنا، فالأقرب تقديم قول المشتري، عملا بأصالة الصحّة و أصالة عدم التعيين.

ب - لو قال: بعتك من هذه الدار من هاهنا إلي هاهنا، جاز،

لأنّه معلوم.

ج - لو قال: بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلي حيث ينتهي الذرع طولا،

فالأقرب عندي: البطلان، لاختلاف الذرع [1]، و الجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

و للشيخ قول بالجواز(1) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

د - لو قال: بعتك نصيبي من هذه الدار، و لا يعلم قدره،

أو: نصيبا أو سهما أو جزءا أو حظّا أو قليلا أو كثيرا، لم يصحّ، و إن علما نصيبه، صحّ.

ه - لو قال: بعتك نصف داري ممّا يلي دارك،

قال الشافعي و أحمد: لا يصحّ، لجهله بالمنتهي(3). و فيه قوّة.

ص: 85


1- المبسوط - للطوسي - 154:2، الخلاف 164:3، المسألة 265.
2- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 316:9-317، العزيز شرح الوجيز 43:4.
3- المغني 250:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2، و فيها قول أحمد فقط.
و - لو قال: بعتك عبدا من عبدين أو أكثر،

أو: شاة من شاتين أو أكثر، لم يصحّ علي الأشهر - و به قال الشافعي و أحمد(1) - للجهالة، و بالقياس علي الزائد علي الثلاثة، أو في غير العبيد، كالثياب و الدوابّ، أو لم يجعل له الاختيار أو زاده علي الثلاث، أو علي النكاح، فإنّه لو قال:

أنكحتك إحدي ابنتي، بطل إجماعا.

و في رواية لنا: يجوز(2) ، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في القديم في عبد من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. و لأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين، و كما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد، لدعاء الحاجة إليه، و في الأكثر يكثر الغرر، و الحاجة لا تنفي الغرر(3).

و يندفع بالتعيين. و ما ذكروه من التخيير ضعيف.

و لو قال: بعتك شاة من هذا القطيع، بطل.

و الأقرب: أنّه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو في عشرة، و في شاة من شاتين أو عشرة، بطل، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز - حكم الثوب حكم الأرض. و لو قال: بعتك من هاهنا إلي هاهنا،

صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع، و إن كان ممّا ينقصه القطع و شرطه، جاز،

ص: 86


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 286:9-287 و 288، حلية العلماء 84:4، المغني 250:4، الشرح الكبير 33:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 10:2.
2- انظر: الكافي 217:5، 1، و الفقيه 88:3، 330، و التهذيب 72:7، 308.
3- الهداية - للمرغيناني - 23:3، المجموع 287:9 و 288، حلية العلماء 4: 85، العزيز شرح الوجيز 41:4-42، المغني 250:4، الشرح الكبير 33:4.

و إلاّ فالأقوي عندي: الجواز أيضا، لأنّه سلّطه علي قطعه ببيعه إيّاه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، كما لو اشتري نصفا معيّنا من الحيوان(1).

و ليس بجيّد، لامتناع التسليم هنا، بخلاف التسليم في الثوب، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

و كذا البحث لو باعه ذراعا من أسطوانة من خشب، و الخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا: و لو كانت الأسطوانة من آجرّ، جاز. قالوا:

بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلي انتهاء الآجرّة، فلا يلحق الضرر بذلك(2).

ح - الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوما، فلو استثني جزءا مجهولا، بطل،

كقوله: بعتك هؤلاء العبيد إلاّ واحدا، و لم يعيّنه، سواء اتّفقت القيم أو لا. و لا فرق بين أن يقول: علي أن تختار من شئت منهم أو لا، و لا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

و لو باع جملة الشيء و استثني جزءا شائعا، كنصف أو ثلث، جاز.

و لو قال: بعتك هذه الصبرة إلاّ صاعا، فإن كانت معلومة الصيعان، صحّ، و إلاّ فلا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لأنّه عليه السّلام نهي عن الثّنيا [1] في البيع(4).

ص: 87


1- حلية العلماء 108:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 317:9.
2- المجموع 317:9-318، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 37:4.
3- الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 50:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، روضة الطالبين 35:3.
4- صحيح مسلم 1175:3، 85، سنن الترمذي 585:3، 1290، سنن النسائي 7: 296، مسند أحمد 326:4، 14427.

و قال مالك: يصحّ و إن كانت مجهولة الصيعان(1). و هو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة، إذ لا فرق بين بيعها بأسرها و بين استثناء صاع معلوم منها.

أمّا نحن فلمّا أبطلنا بيعها مع الجهل، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط - لو باعه صاعا من هذه الصبرة و هما يعلمان العدد، صحّ.

و هل ينزّل علي الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع، أو لا، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع، لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان، فيبقي المبيع ما بقي صاع ؟ فيه احتمال.

و أظهرهما عند الشافعيّة: الأوّل(2).

و لو لم يعلما العدد، فإن نزّلناه علي الإشاعة، فالأقرب: البطلان، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و إن قلنا: المبيع صاع غير مشاع، جاز - و هو أظهر وجهي الشافعي(4) - فالمبيع أيّ صاع كان حتي لو تلفت الصبرة سوي صاع، تعيّن، و للبائع أن يسلّم صاعا من أسفلها و إن لم يكن مرئيّا، لعدم التفاوت.

و قال القفّال من الشافعيّة: يبطل، لأنّه غير معيّن و لا موصوف، فصار كما لو فرّقها و باعه واحدا منها(5).

ي - لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد،

فقال سيّده: بعتك

ص: 88


1- العزيز شرح الوجيز 50:4، و انظر بداية المجتهد 164:2، و الكافي في فقه أهل المدينة: 332.
2- المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3، العزيز شرح الوجيز 43:4.
3- المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3، العزيز شرح الوجيز 43:4.
4- العزيز شرح الوجيز 43:4 و 44، المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3.
5- حلية العلماء 104:4، العزيز شرح الوجيز 43:4، المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3.

عبدي من هؤلاء، و المشتري يراهم، بطل، للجهالة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الآخر: يكون كبيع الغائب(1).

يأ - يجب في المستثني إمكان انفراده للبائع،

فلو باع أمة و استثني وطئها مدّة، لم يصحّ. و لو استثني الكافر خدمة العبد - الذي بيع عليه لإسلامه - مدّة، فالأقرب: الجواز ما لم تثبت الخدمة عليه سلطنة، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة 48: إبهام السلوك كإبهام المبيع،

فلو باعه أرضا محفوفة بملكه من جميع الجهات و شرط السلوك من جانب و لم يعيّن، بطل البيع، لتفاوت الغرض باختلاف الجهات، و به قال الشافعي(2).

و لو عيّن السلوك من جانب، صحّ إجماعا، و كذا لو قال: بعتكها بحقوقها، و يثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

و لو أطلق و لم يعيّن جانبا، فوجهان، أظهرهما: ثبوت السلوك من الجميع، لتوقّف الانتفاع عليه. و عدمه، لسكوته عنه. و حينئذ هل هو بمنزلة نفي السلوك ؟ احتمال.

و للشافعيّة كالوجهين(3).

و لو شرط نفي الممرّ، فالوجه: الصحّة، لإمكان الانتفاع بالإيجار و توقّع تحصيل المسلك.

و يحتمل - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - البطلان، لتعذّر الانتفاع في الحال.

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 42:4، المجموع 287:9، روضة الطالبين 28:3.
2- العزيز شرح الوجيز 44:4، المجموع 241:9، روضة الطالبين 30:3.
3- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 241:9، روضة الطالبين 30:3.
4- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 241:9-242، روضة الطالبين 30:3.

و لو كانت الأرض المبيعة الملاصقة للشارع، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. و إن كانت ملاصقة للمشتري [1]، فليس له السلوك في ملك البائع، بل يدخل في ملكه السابق إن جري البيع مطلقا. و لو قال: بحقوقها، فله السلوك في ملك البائع. و هذا كلّه كقول الشافعيّة(1).

و لو باع دارا و استثني لنفسه بيتا، فله الممرّ. و إن نفي الممرّ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر، صحّ، و إن لم يمكن، فالأقرب الصحّة.

و للشافعيّة وجهان(2).

مسألة 49: لو باع الدهن بظرفه و قد شاهده أو وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ

إذا عرف المقدار، عندنا، و مطلقا عند مجوّزي بيع الجزاف(3). و كذا كلّ ما تتساوي أجزاؤه، كالعسل و الدبس و الخلّ.

و لو باعه كلّ رطل بدرهم، فإن عرف الأرطال، صحّ، و إلاّ فلا، و حكمه حكم الصبرة. و لو باعه مع الظرف بعشرة، صحّ، لأنّه باع عينين يجوز العقد علي كلّ واحد منهما منفردا فجاز مجتمعا.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهم و عرفا قدر المجموع، صحّ و إن جهلا تفصيله.

و منع منه بعض الشافعيّة و بعض الحنابلة، لأنّ وزن الظرف يزيد و ينقص و لا يعلم كم بدرهم منهما، فيدخل علي غرر(4).

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 242:9، روضة الطالبين 30:3.
2- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 242:9، روضة الطالبين 30:3.
3- المغني 251:4، الشرح الكبير 42:4.
4- حلية العلماء 110:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 319:9، المغني 252:4، الشرح الكبير 42:4.

و الباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلّ منهما منفردا، فصحّ مجتمعا. و لأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم و يشتري السمن كذلك(1).

و لا يضرّ اختلاف القيمة فيهما، كما لو اشتري ثوبا مختلفا أو أرضا كلّ ذراع بدرهم، فإنّ القيمة مختلفة، و يكون ثمن كلّ ذراع درهما، و لا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد و بعض الرديء بدرهم.

و إن باعه كلّ رطل بدرهم علي أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه و لا يكون مبيعا و هما يعلمان زنة كلّ واحد منهما، صحّ، لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة و الظرف رطلان، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهما. و لو لم يعلما زنتهما و لا زنة أحدهما، بطل، لأدائه إلي جهالة الثمن في الحال في الجملة و التفصيل، و به قال الشافعي و أحمد(2).

مسألة 50: يجوز بيع النحل إذا شاهدها و كانت محبوسة بحيث لا يمكنها الامتناع

- و به قال الشافعي و محمّد بن الحسن و أحمد(3) - لأنّها معلومة يقدر علي تسليمها، فصحّ بيعها كغيرها.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز بيعها منفردة، لأنّه لا ينتفع بعينه، فأشبه الحشرات(4).

و الجواب: المنع من عدم الانتفاع، لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه

ص: 91


1- حلية العلماء 110:4، المغني 251:4 و 252، الشرح الكبير 42:4.
2- المجموع 320:9، المغني 252:4، الشرح الكبير 42:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 321:9 و 322، حلية العلماء 4: 111، بدائع الصنائع 144:5، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
4- بدائع الصنائع 144:5، المجموع 322:9، حلية العلماء 112:4، المغني 4: 329، الشرح الكبير 9:4.

منافع للناس، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها [1] - و به قال بعض الحنابلة(1) - لجهالتها.

و قال بعضهم: يجوز(2).

و الضابط: العلم، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت و يشاهدها و يعرف كثرتها من قلّتها، جاز، و إلاّ فلا.

مسألة 51: و يجوز بيع دود القزّ - و به قال الشافعي و أحمد

(3) - لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه، فأشبه البهائم.

و قال أبو حنيفة في رواية عنه: إنّه لا يجوز بيعه. و في رواية اخري: إن كان معه قزّ، جاز بيعه، و إلاّ فلا، لأنّه لا ينتفع بعينه، فأشبه الحشرات(4).

و ليس بجيّد، لأنّ النفع بها ظاهر، و هو ما يخرج منها، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشيء غير النتاج، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة، فإنّ هذه يخرج منها الحرير، و هو أفخر الملابس.

و كذا يجوز بيع بزره.

و منعه بعض الحنابلة(5). و هو خطأ، لما مرّ.

ص: 92


1- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
2- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
3- العزيز شرح الوجيز 28:4، حلية العلماء 72:4، المجموع 227:9 و 253، روضة الطالبين 19:3، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 4:2.
4- بدائع الصنائع 144:5، الهداية - للمرغيناني - 45:3، حلية العلماء 72:4، المجموع 227:9 و 253، المحلّي 31:9، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
5- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
مسألة 52: المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة،

و به قال عامّة الفقهاء(1).

و حكي عن بعض الناس: المنع من بيعه، لأنّه نجس، لقوله عليه السّلام:

«ما أبين من حيّ فهو ميّت»(2) و الميتة نجسة(3).

و قد قيل: إنّه دم(4).

و هو خطأ، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض: «خذي فرصة [1] من مسك فتطهّري بها»(5).

و لا دلالة في الخبر، لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولد، و يلقي الطير البيض. و الدم المحرّم هو المسفوح، فإنّ الكبد حلال و هو دم، و قد روي جواز بيعه عن الصادق عليه السّلام(6).

إذا ثبت هذا، فقد جوّز الشيخ بيع المسك في فأرة و إن لم يفتق، و فتقه أحوط(7) ، و به قال بعض الشافعيّة، لأنّ بقاءه في فأرة مصلحة له، فإنّه يحفظ رطوبته و ذكاء رائحته، فأشبه ما مأكوله في جوفه(8).

ص: 93


1- المجموع 306:9 و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
2- سنن أبي داود 111:3، 2858، المستدرك - للحاكم - 234:4 نحوه.
3- حلية العلماء 102:4، المجموع 306:9، الحاوي الكبير 334:5، و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
4- حلية العلماء 102:4، المجموع 306:9، الحاوي الكبير 334:5، و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
5- صحيح البخاري 85:1-86، سنن النسائي 135:1-136، سنن البيهقي 1: 183، معرفة السنن و الآثار 488:1-489، 1461، مسند أبي عوانة 317:1.
6- انظر: الفقيه 143:3، 628، و التهذيب 139:7، 615.
7- المبسوط - للطوسي - 158:2، الخلاف 170:3، المسألة 278.
8- المجموع 306:9، العزيز شرح الوجيز 24:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.

و منع أكثر أصحاب الشافعي و أصحاب أحمد، لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة، و تبقي رائحته [فلم يجز] [1] بيعه مستورا، لجهالة صفته، كالدرّ في الصدف(1).

و الوجه: الصحّة، لأنّ صفة المسك معلومة، فيشتريه بشرط الصحّة، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة 53: لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة و لا النوي في التمر

- و هو وفاق - للجهالة.

و لو باع لؤلؤة في صدف، لم يجز أيضا، للجهالة، و به قال محمّد [2].

و قال أبو يوسف: يجوز، و له الخيار إذا رآه، لأنّه كالحقّة [3].

و نحن نمنع من حكم الأصل، لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة 54: قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تبطل البيع،
اشارة

و كذا المنفصل المعلوم إذا جهلت نسبته إلي المستثني منه، فلو باعه بعشرة إلاّ ثوبا و عيّنه، لم يصحّ. و كذا لو باعه بثوب إلاّ درهما مع جهل النسبة.

و لو استثني جزءا معلوما مشاعا، كثلث أو ربع من الصبرة أو الحائط، أو جزءين و أزيد، كتسعين أو ثلاثة أثمان، صحّ البيع، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لانتفاء الجهالة.

ص: 94


1- الحاوي الكبير 334:5-335، المجموع 306:9، العزيز شرح الوجيز 4: 24، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، روضة الطالبين 28:3، العزيز شرح الوجيز 42:4، المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.

و قال أبو بكر و ابن أبي موسي: لا يجوز(1). و ليس بمعتمد.

و كذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان، كثلثه أو ربعه، لوجود المقتضي و انتفاء المانع.

و قال بعض الحنابلة: لا يجوز، قياسا علي استثناء الشحم(2).

و هو خطأ، لجهالة الشحم.

و لو قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلاّ مكّوكا [1]، صحّ.

فروع:
أ - لو باع قطيعا و استثني شاة معيّنة، صحّ البيع،

و إن لم تكن معيّنة، بطل - و هو قول أكثر العلماء(3) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(4). و نهي عن الغرر(5). و لأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ، كما لو قال: إلاّ شاة مطلقة.

و قال مالك: يصحّ أن يبيع مائة شاة إلاّ شاة يختارها، أو يبيع ثمرة حائطه و يستثني ثمرة نخلات يعدّها(6).

ب - لو قال: بعتك هذا بأربعة دراهم إلاّ بقدر درهم،

أو: إلاّ ما يخصّ درهما، صحّ، لأنّ قدره معلوم من المبيع و هو الربع، فكأنّه قال:

بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. و لو قال: إلاّ ما يساوي درهما، صحّ مع العلم

ص: 95


1- المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.
2- المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.
3- المغني 232:4، الشرح الكبير 33:4.
4- سنن أبي داود 262:3، 3405، سنن الترمذي 585:3، 1290، سنن النسائي 296:7.
5- تقدّم تخريجه في ص 48، الهامش (2).
6- المغني 232:4، الشرح الكبير 33:4.

لا مع الجهالة، إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع و قد يكون أكثر و أقلّ.

ج - لو باعه سمسما و استثني الكسب 1، لم يجز،

لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة، و هو غير معلوم. و كذا لو استثني الشيرج. و كذا لو باعه قطنا و استثني الحبّ أو بالعكس، و به قال الشافعي(1).

مسألة 55: لو باعه حيوانا مأكولا و استثني رأسه و جلده، فالأقوي بطلان البيع -
اشارة

و به قال أبو حنيفة و الشافعي(2) - لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه، كالحمل، و لأنّه مجهول.

و في قول لنا: الشركة بقيمة ثنياه [2]، لقول الصادق عليه السّلام: «اختصم إلي أمير المؤمنين عليه السّلام رجلان اشتري أحدهما من الآخر بعيرا و استثني البيّع الرأس و الجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري: هو شريكك في البعير علي قدر الرأس و الجلد»(3).

و قال مالك: يكون له ما استثناه، و يصحّ البيع في السفر دون الحضر، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد و السواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها(4).

و ليس بجيّد، لتساوي السفر و الحضر في الحكم.

و قال أحمد: يصحّ الاستثناء مطلقا، لأنّ المستثني و المستثني منه معلومان، فصحّ، كما لو استثني نخلة معيّنة(5).

ص: 96


1- المجموع 325:9، روضة الطالبين 73:3، العزيز شرح الوجيز 118:4.
2- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
3- الكافي 304:5، 1، التهذيب 81:7، 350.
4- المدونة الكبري 293:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
5- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.

و ليس بجيّد، للعلم هنا.

فروع:
أ - لو باع الرأس و الجلد أو شارك فيهما، فالوجه عندي: البطلان،

للجهالة و تعذّر التسليم.

و في قول لنا: إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه [1]، لقول الصادق عليه السّلام في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد، فقضي أنّ البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير، قال: فقال: «لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك هذا الضرار و قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس»(1).

ب - لو امتنع المشتري من ذبحها، قال أحمد: لم يجبر عليه،

و يلزمه قيمة ذلك، لما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه قضي في رجل اشتري ناقة و شرط ثنياها، فقال: «اذهبوا إلي السوق فإذا بلغت أقصي ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها»(2).

و قد بيّنّا أنّ الأقوي بطلان البيع.

ج - لو استثني شحم الحيوان، لم يصحّ البيع - و به قال أحمد

ج - لو استثني شحم الحيوان، لم يصحّ البيع - و به قال أحمد(3) -

لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(4). و لأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع،

ص: 97


1- التهذيب 79:7، 341، و بتفاوت في الكافي 293:5، 4.
2- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2-22.
3- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.
4- تقدّم تخريجه في ص 95، الهامش (5).

لجهالته.

مسألة 56: لو استثني الحمل، صحّ عندنا - و به قال الحسن و النخعي
اشارة

و إسحاق و أبو ثور و أحمد في رواية(1) - لأنّ نافعا [1] روي عن ابن عمر أنّه باع جارية و استثني ما في بطنها(2).

و لأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في أخري، و الثوري:

لا يصحّ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع، فلا يصحّ استثناؤه. و لأنّه عليه السّلام نهي عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(3)المبسوط - للسرخسي - 19:13، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، الحاوي الكبير 225:5-226، المغني 233:4، الشرح الكبير 36:4 - 37، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.(4)(5).

و نحن نقول بالموجب، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، و البيع إنّما تناول الامّ دون الحمل، و إطلاق الاستثناء عليه مجاز، بل نقول نحن:

إنّه لو باع الامّ و لم يستثن الحمل، لم يدخل في البيع، و كان للبائع، و الاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب: لو باع أمة حاملا بحرّ، جاز البيع عندنا، للأصل،

خلافا للشافعي، لأنّ الحمل لا يدخل في البيع، فصار كأنّه مستثني، فلا يصحّ بيعها(5).

ص: 98


1- المغني 233:4، الشرح الكبير 36:4-37، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.
2- المغني 233:4، الشرح الكبير 37:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 95، الهامش
4- .
5- المجموع 324:9-325، روضة الطالبين 72:3، العزيز شرح الوجيز 4: 116، المغني 233:4، الشرح الكبير 37:4.

و نمنع بطلان الاستثناء.

مسألة 57: لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة،

بل لا بدّ من النظر إلي مؤخّرها - و به قال أبو يوسف(1) - لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها، فيشترط رؤيته.

و قال محمّد بن الحسن: لا يشترط، لأنّ الأصل في الحيوان الوجه، فتكفي رؤيته، كالعبد و الأمة(2).

و نحن نمنع المقيس عليه، و نوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه، سواء كان حيوانا أو غيره، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض علي الخلاف.

و لو اشتري دارا فرأي خارجها، لم يصحّ، إلاّ إذا وصف الباقي وصفا يرفع الجهالة، و يثبت خيار الرؤية، و به قال زفر(3).

و قال أبو حنيفة و صاحباه: إذا رأي خارجها، كان رؤية لها(4). و ليس بجيّد.

مسألة 58: و كما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما و لواحق المبيع،
اشارة

فلو شرطا شرطا مجهولا، بطل البيع. و لو شرطا تأجيل الثمن، وجب أن يكون معلوما، فلو أجّله إلي الحصاد و نحوه، بطل البيع، للجهالة.

فإن أسقط الأجل، لم ينقلب جائزا عندنا - و به قال الشافعي(5) - لأنّه

ص: 99


1- الهداية - للمرغيناني - 34:3، بدائع الصنائع 293:5.
2- بدائع الصنائع 293:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 34:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 34:3، بدائع الصنائع 294:5.
5- المبسوط - للسرخسي - 27:13.

انعقد باطلا.

و قال أبو حنيفة: ينقلب جائزا، لأنّه أسقط المفسد قبل تقرّره، فجعل كأن لم يكن، و لهذا لو أسقط في الأجل الصحيح قبل مضيّ المدّة، جعل كأن لم يكن إلاّ إلي هذا الوقت و يتمّ البيع(1).

و ليس بشيء، لأنّه مع الصحيح إسقاط لحقّ ثبت في عقد صحيح، و هنا لم يثبت، لفساد العقد، فلا يتحقّق الإسقاط.

تذنيب: لو باعه بحكم المشتري و لم يعيّن، بطل البيع إجماعا،

فإن هلك في يد المشتري، فعليه قيمته.

قال الشيخ: يوم ابتاعه إلاّ أن يحكم علي نفسه بأكثر من ذلك، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. و لو كان بحكم البائع فحكم بأقلّ من قيمته، لم يكن له أكثر(2).

و المعتمد: بطلان البيع، للجهالة، و وجوب القيمة يوم التلف إن كان من ذوات القيم، و إلاّ المثل.

و يحتمل في ذي القيمة اعتبارها يوم القبض و الأعلي. و كذا لو باعه بحكم ثالث من غير تعيين الثمن أو وصفه أو شرط فيه.

و كما يجب القيمة علي المشتري أو المثل كذا يجب عليه أرش النقص لو حصل و الأجرة إن كان ذا اجرة إن استوفي المنافع، و إلاّ فإشكال.

و لا يضمن تفاوت السعر، و له الزيادة التي فعلها في العين، عينا كانت أو صفة، و إلاّ فللبائع و إن كانت منفصلة.

ص: 100


1- الهداية - للمرغيناني - 50:3، المبسوط - للسرخسي - 27:13.
2- النهاية و نكتها 146:2.
الشرط السادس: عدم النهي.
اشارة

اعلم أنّ النهي قد يقتضي الفساد و قد لا يقتضيه، و الثاني قد يكون للتحريم و قد يكون للكراهة، و قد مضي بعض ذلك، و قد وقع الخلاف في كثير من الباقي، و نحن نبيّن بعون اللّه تعالي جميع ذلك علي التفصيل.

و يحصره أقسام:

الأوّل: بيع ما لم يقبض.
اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأمور ثلاثة:

الأوّل: ماهيّة القبض.
اشارة

قال الشيخ: القبض فيما لا ينقل و يحوّل هو التخلية، و إن كان ممّا ينقل و يحوّل، فإن كان مثل الدراهم و الدنانير و الجواهر و ما يتناول باليد، فالقبض هو التناول، و إن كان مثل الحيوان، فالقبض نقل البهيمة و غيرها إلي مكان آخر. و إن كان ممّا يكال أو يوزن، فالقبض فيه الكيل أو الوزن(1).

و به قال الشافعي في أظهر القولين، و أحمد في أظهر الروايتين(2) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من اشتري طعاما فلا يبعه حتي يكتاله»(3).

و سئل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلاّ أن

ص: 101


1- المبسوط - للطوسي - 120:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 275:9-276 و 283، الوسيط 3: 152، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 305:4-306، روضة الطالبين 3: 177، الحاوي الكبير 226:5-227، المغني 238:4، الشرح الكبير 131:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 18:2-19.
3- صحيح مسلم 1162:3، 1528.

يوليه الذي قام عليه»(1) فجعل عليه السّلام الكيل و الوزن هو القبض، لأنّا أجمعنا علي بيع الطعام بعد قبضه.

و سئل عليه السّلام عن رجل اشتري متاعا من آخر و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه و قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون ؟ فقال عليه السّلام: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته، فالمبتاع ضامن لحقّه حتي يردّ ماله إليه»(2) فجعل القبض هو النقل.

و لقضاء العرف بذلك، و عادة الشرع ردّ الناس إلي العرف فيما لم يضع له الشارع لفظا.

و قال أبو حنيفة: «القبض التخلية مطلقا في المنقول و غيره - و هو قول [1] لنا و للشافعي، و قول مالك، و رواية عن أحمد - مع التمييز، لأنّه خلّي بينه و بين المبيع، فكان قبضا له، كالعقار(3).

و نمنع المساواة، للعرف.

و في رواية عن الشافعي: تكفي التخلية لنقل الضمان إلي المشتري، لأنّ البائع أتي بما عليه، فيخرج عن ضمانه، و التقصير من المشتري، حيث لم ينقل، فيثبت ما هو حقّ البائع. و لا تكفي لجواز التصرّف(4).3.

ص: 102


1- التهذيب 35:7، 146.
2- الكافي 171:5-172، 12، التهذيب 21:7، 89، و 230، 1003.
3- بدائع الصنائع 244:5، المجموع 283:9، الحاوي الكبير 227:5، روضة الطالبين 175:3 و 176، الوسيط 152:3، العزيز شرح الوجيز 306:4، المغني 238:4، الشرح الكبير 131:4.
4- المجموع 277:9، روضة الطالبين 176:3، العزيز شرح الوجيز 306:4، الوسيط 152:3.
مسألة 59: هل يشترط في القبض كونه فارغا عن أمتعة البائع ؟

قال الشافعي: نعم(1).

و الأقرب عندي: المنع مع التخلية و تمكينه من اليد و التصرّف بتسليم المفتاح إليه، فلو باع دارا أو سفينة مشحونة بأقمشة و مكّنه منها بحيث جعل له تحويله من مكان إلي غيره، كان قبضا.

و لا يشترط في التخلية حضور المتبايعين عند المبيع، و هو أظهر وجوه الشافعي(2).

و آخر: اشتراطه، فإذا حضرا و قال البائع للمشتري: دونك هذا، و لا مانع، حصل القبض(3).

و آخر: اشتراط حضور المشتري دون البائع ليتمكّن من إثبات اليد عليه، و إذا حصلت التخلية، فإثبات اليد و التصرّف إليه(4).

و هل يشترط زمان إمكان المضيّ إليه ؟ أصحّ الوجهين للشافعيّة:

نعم(5).

مسألة 60: إذا كان المبيع في موضع لا يختصّ بالبائع،

كفي في المنقول النقل من حيّز إلي آخر. و إن كان في موضع يختصّ به، فالنقل من زاوية إلي أخري بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرّف، و يكفي لدخوله في ضمانه. و إن نقل بإذنه، حصل القبض، و كأنّه استعار البقعة المنقول إليها.

و لو اشتري الدار مع الأمتعة فيها صفقة و خلّي بينهما، حصل القبض في الدار. و في الأمتعة إشكال، أصحّ وجهي الشافعي: عدم القبض بدون

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 305:4، المجموع 276:9، منهاج الطالبين: 103، روضة الطالبين 175:3.
2- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
3- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
4- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
5- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.

نقلها، كما لو بيعت وحدها. و الثاني: أنّ القبض يحصل فيها تبعا(1).

و لو أحضر البائع السلعة فقال المشتري: ضعه، ففعل، تمّ القبض - و به قال الشافعي(2) - لأنّه كالوكيل في الوضع.

و لو لم يقل المشتري شيئا، أو قال: لا أريد، حصل القبض، لوجود التسليم، كما إذا وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، يبرأ عن الضمان، و هو أصحّ وجهي الشافعي. و الضعيف: لا يحصل، كما في الإيداع(3).

و للمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان الثمن مؤجّلا أو [وفّاه] [1] - كما أنّ للمرأة قبض الصداق من دون إذن الزوج إذا سلّمت نفسها - و إلاّ فلا، و عليه الردّ، لأنّ البائع يستحقّ الحبس لاستيفاء الثمن، و لا ينفذ تصرّفه فيه لكن يدخل في ضمانه.

و إذا كان المبيع معتبرا تقديره، كما لو اشتري ثوبا مذارعة، أو أرضا كذلك، أو متاعا موازنة، أو حنطة مكايلة، أو معدودا بالعدد، لم يكف النقل و التحويل، بل لا بدّ من التقدير علي إشكال. و هذا كلّه كقول الشافعي(4).

فروع:

أ - لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة، دخل المقبوض في ضمانه.

فإن باعه كلّه، لم يصحّ، لأنّه ربما يزيد علي قدر ما يستحقّه.

و لو باع ما يستحقّه، فالوجه عندي: الجواز - و هو أضعف وجهي4.

ص: 104


1- المجموع 277:9، روضة الطالبين 176:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
2- المجموع 277:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 306:4.
3- المجموع 277:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
4- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.

الشافعي(1) - لحصول القبض. و أصحّهما عنده: المنع، لأنّه لم يجر قبض مستحقّ بالعقد(2). و هو ممنوع.

ب - لا اعتبار بالقبض الفاسد، بل الصحيح،

لسقوط الأوّل عن نظر الشرع، فلا يكون شرطا في صحّة شرعيّ [1].

و الصحيح: أن يسلّم المبيع باختياره أو يوفّي المشتري الثمن، فله القبض بغير اختيار البائع. و الفاسد: أن يكون الثمن حالاّ و قبض المبيع بغير اختيار البائع من غير دفع الثمن، فللبائع المطالبة بالردّ إلي يده، لأنّ له حقّ الحبس إلي أن يستوفي.

ج - لو كان لزيد طعام علي عمرو سلما،

و لخالد مثله علي زيد، فقال زيد: اذهب إلي عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه، فقبضه، لم يصحّ لخالد، عند أكثر علمائنا(3) - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الطعام بالطعام حتي يجري فيه الصاعان، يعني صاع البائع و صاع المشتري(5) ، و سيأتي، بل ينبغي أن يكتال لنفسه و يقبضه ثمّ يكيله علي مشتريه.

و هل يصحّ لزيد؟ الوجه: المنع - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(6) - لأنّه لم يجعله نائبا في القبض، فلم يقع له، بخلاف الوكيل.4.

ص: 105


1- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
2- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
3- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 122:2، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 387:1-388.
4- المجموع 279:9، روضة الطالبين 178:3، العزيز شرح الوجيز 308:4.
5- سنن ابن ماجة 750:2، 2228، سنن الدار قطني 8:3، 24، سنن البيهقي 5: 316، و لم ترد فيها كلمة «بالطعام».
6- المغني 240:4، و انظر: المجموع 279:9، و روضة الطالبين 178:3، و العزيز شرح الوجيز 308:4.

و في رواية: يصحّ، لأنّه أذن له في القبض، فأشبه الوكيل(1).

و ليس بجيّد، لأنّه قبضه لنفسه باطلا، فحينئذ يكون باقيا علي ملك عمرو.

و كذا لو دفع إليه مالا و قال: اشتر لي به طعاما، فإن قال: اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك، صحّ الشراء و القبض للموكّل.

و هل يصحّ لنفسه ؟ منعه الشيخ، لاتّحاد المقبوض و القابض(2). و هو وجه للشافعي(3).

و في آخر: الجواز، لأنّ الباطل أن يقبض من نفسه لغيره(4).

و لو قال: اقبضه لنفسك، منع الشافعيّة منه، لأنّه لا يتمكّن من قبض مال الغير لنفسه، فإنّ فعله فهو مضمون عليه(5).

و إن قال: اشتر لنفسك، لم يصحّ الشراء، لأنّه لا يصحّ أن يملك الإنسان بثمن لغيره. و لا يتعيّن له بالقبض، و به قال الشافعي(6).

و قال أحمد: يصحّ الشراء، كالفضولي(7).

و تكون الدراهم أمانة في يده، لأنّه لم يقبضها ليتملّكها.

فإن اشتري، نظر إن اشتري في الذمّة، وقع عنه، و أدّي الثمن من ماله. و إن اشتري بعينها، للشافعيّة وجهان: الصحّة و البطلان(8).

و لو كان المالان أو المحال به قرضا أو إتلافا، جاز عندنا، خلافا4.

ص: 106


1- المغني 240:4.
2- المبسوط - للطوسي - 121:2.
3- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3-180، العزيز شرح الوجيز 310:4.
4- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3-180، العزيز شرح الوجيز 310:4.
5- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
6- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
7- المغني 241:4.
8- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.

للشافعي(1).

د - لو أبقي زيد الطعام في المكيال لمّا اكتاله لنفسه و سلّمه إلي مشتريه، جاز،

و ينزّل استدامته في المكيال منزلة ابتداء الكيل، و هو أظهر وجهي الشافعي، و به قال أحمد(2).

و لو اكتاله زيد ثمّ كاله علي مشتريه فوقع في المكيال زيادة أو نقصان بما يعتاد في المكيال، فالزيادة لزيد و النقصان عليه، و إن كان كثيرا، ردّت الزيادة إلي الأوّل و رجع عليه بالنقصان.

ه - يجوز التوكيل في القبض من المشتري و في الإقباض من البائع.

و هل يجوز أن يتولاّهما الواحد؟ منعه الشيخ(3) - و به قال الشافعي في وجه(4) - لأنّه لا يجوز أن يكون قابضا مقبضا.

و الوجه: الجواز - و به قال أحمد و الشافعي في وجه(5) - كما لو باع الأب من ولده الصغير.

و كذا يجوز أن يوكّل المشتري من يده يد البائع، كعبده.

و - لو أذن لمستحقّ الطعام أن يكتال من الصبرة حقّه، فالوجه عندي: الجواز

- و هو أضعف وجهي الشافعيّة(6) - لأنّ القصد معرفة القدر.

و أصحّهما: المنع، لأنّ الكيل أحد ركني القبض، فلا يجوز أن يكون4.

ص: 107


1- المجموع 273:9-274، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 4: 301-302.
2- المجموع 279:9-280، روضة الطالبين 179:3، العزيز شرح الوجيز 4: 309، المغني 241:4.
3- انظر: المبسوط - للطوسي - 381:2.
4- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
5- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 311:4.
6- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.

نائبا فيه عن البائع متأصّلا لنفسه(1).

ز - لو قال من عليه طعام من سلم و له مثله لمستحقّه: احضر اكتيالي و أقبضه لك،

ففعل، فالوجه: الجواز.

و منع منه الشافعي و أحمد، للنهي(2)(3).

و هل يكون قابضا لنفسه ؟ لأحمد وجهان:

أقواهما: نعم، لأنّ قبض المسلم فيه قد وجد في مستحقّه، فصحّ القبض له، كما لو نوي القبض لنفسه، فإذا قبضه غريمه، صحّ. و إن قال:

خذه بهذا الكيل فأخذه، صحّ، لأنّه قد شاهد كيله و علمه، فلا معني لاعتبار كيله مرّة ثانية.

و المنع - و به قال الشافعي - للنهي(4)(5).

النظر الثاني: في وجوبه 1
اشارة

يجب علي كلّ واحد من المتبايعين تسليم ما استحقّه الآخر بالبيع، فإن قال كلّ منهما: لا أدفع حتي أقبض، قال الشيخ: يجبر البائع أوّلا(6).

و أطلق، و هو أحد أقوال الشافعي، الأربعة، و أحمد في رواية، لأنّ تسليم

ص: 108


1- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
2- سنن ابن ماجة 750:2، 2228، سنن الدار قطني 8:3، 24، سنن البيهقي 316:5.
3- المجموع 279:9، روضة الطالبين 178:3، العزيز شرح الوجيز 308:4، المغني 240:4.
4- راجع المصادر في الهامش (2).
5- المغني 240:4-241.
6- المبسوط - للطوسي - 147:2-148.

المبيع يتعلّق به استقرار البيع و تمامه، فإنّ ملك المشتري في المبيع إنّما يستقرّ بتسليمه إلي البائع، لأنّه لو تلف قبل القبض، بطل.

و ثانيها - و به قال أبو حنيفة و مالك -: أنّه يجبر المشتري علي تسليم الثمن أوّلا، لأنّ حقّه متعيّن في المبيع، فيؤمر بدفع الثمن ليتعيّن حق البائع أيضا.

و ثالثها: لا يجبران لكن يمنعان من التخاصم، فإن سلّم أحدهما ما عليه، اجبر الآخر.

و رابعها: أنّ الحاكم يجبرهما معا علي التسليم(1).

هذا إذا كان الثمن في الذمّة، و إن كان معيّنا أو تبايعا عرضا بعرض، فقولان للشافعيّة خاصّة: عدم الإجبار لهما [1] [2]، و الإجبار لهما معا، و به قال الثوري و أحمد(2).

و الأخير عندي علي التقديرين أجود، لأنّ كلّ واحد منهما قد وجب له حقّ علي صاحبه.

مسألة 61: إذا ابتدأ البائع بالتسليم إمّا تبرّعا أو بالإجبار علي القول به، أجبر المشتري

علي التسليم في الحال إن كان الثمن حاضرا في

ص: 109


1- الوسيط 156:3، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 12:4 و 314، المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 181:3، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 181:3-182، العزيز شرح الوجيز 312:4-313، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.

المجلس، و إن كان في البلد، فكذلك.

و أظهر وجهي الشافعي: الحجر عليه في المبيع [1] عند بعض الشافعيّة(1) ، و مطلقا عند آخرين، لئلاّ يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(2).

و الأقرب: عدم الحجر، و هو أضعفهما(3).

و إن كان غائبا قدر مسافة القصر، قال الشافعي: لا يكلّف البائع الصبر إلي إحضاره، بل في وجه يباع المبيع و يوفي حقّه من ثمنه.

و الأظهر عنده: أنّ له الفسخ، كما لو أفلس المشتري(4).

و عند علمائنا: له الفسخ بعد ثلاثة أيّام مع انتفاء الإقباض ثمنا و مثمنا، و سيأتي.

و إن قصر عنها، فهل هو كالبلد أو مسافة القصر؟ للشافعي وجهان(5).

و إن كان معسرا، فهو مفلس، فإن حجر عليه الحاكم، فالبائع أحقّ بمتاعه إن شاء فسخ و إن شاء ضرب مع الغرماء.

و قال الشافعي: إن كان معسرا، فالبائع أحقّ بمتاعه في أحد الوجهين.4.

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 302:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 97، روضة الطالبين 182:3، منهاج الطالبين: 104، العزيز شرح الوجيز 313:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
3- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 182:3، منهاج الطالبين: 104، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 182:3، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.

و في الآخر: يباع و يوفي حقّ البائع من ثمنه [1]، فإن فضل، فللمشتري(1).

فروع:

أ - كلّ موضع قلنا: له الفسخ، فله ذلك بغير حكم حاكم

- و به قال أحمد(2) - لأنّه فسخ المبيع [2] للإعسار بثمنه، فملكه البائع، كالفسخ في عين ماله إذا أفلس. و كلّ موضع قلنا: يحجر عليه، فذلك إلي الحاكم، لأنّ ولاية الحجر إليه.

ب - إنّما يثبت للبائع حقّ الحبس إذا كان الثمن حالاّ،

و ليس له الحبس إلي أن يستوفي الثمن المؤجّل. و كذلك ليس له الحبس إذا لم يتّفق التسليم إلي أن حلّ الأجل، و به قال الشافعي(3).

ج - لو ابتدأ المشتري بالتسليم إمّا تبرّعا أو إجبارا علي تقدير وجوبه،

فالحكم في البائع كالحكم في المشتري في المسألة.

د - لو هرب المشتري قبل وزن الثمن و هو معسر مع عدم الإقباض،

احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال، لتعذّر استيفاء الثمن. و الصبر ثلاثة أيّام، للرواية(4). و الأوّل أقوي، لورودها في الباذل.8.

ص: 111


1- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 183:3، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
2- المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4.
3- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
4- الكافي 171:5، 11، الفقيه 127:3، 554، التهذيب 21:7، 88.

و إن كان موسرا، أثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثمّ إن وجد الحاكم له مالا، قضاه، و إلاّ باع المبيع و قضي منه، و الفاضل للمشتري، و المعوز عليه.

مسألة 62: ليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء،

و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(1).

و حكي عن مالك ذلك في القبيحة، أمّا الجميلة فتوضع علي يدي عدل حتي تستبرأ، لأنّ التهمة تلحقه فيها فمنع منها(2).

و ليس بجيّد، فإنّه مبيع لا خيار فيه، قبض ثمنه فوجب دفعه إليه كغيره. و التهمة لا تمنعه من التسلّط، كالقبيحة.

و لو طالب المشتري البائع بكفيل لئلاّ تظهر حاملا، لم يكن له ذلك، لأنّه ترك التحفّظ لنفسه حال العقد.

النظر الثالث: في حكمه.
اشارة

و له حكمان: انتقال الضمان إلي المشتري، و تسويغ التصرّفات. فهنا مطلبان:

الأوّل: الضمان.

و لا خلاف عندنا في أنّ الضمان علي البائع قبل القبض مطلقا، فلو تلف حينئذ، انفسخ العقد، و سقط الثمن - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(3) ، و هو محكي عن الشعبي و ربيعة [1] - لأنّه

ص: 112


1- المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4-124.
2- المغني 293:4، الشرح الكبير 124:4.
3- الوسيط 143:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 286:4-287، روضة الطالبين 159:3، منهاج الطالبين: 102، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 19، المغني 237:4، الشرح الكبير 128:4.

قبض مستحقّ بالعقد، فإذا تعذّر، انفسخ البيع، كما لو تفرّقا قبل القبض في الصرف.

و قال أبو حنيفة: كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلاّ العقار(1).

و قال مالك: إذا هلك المبيع قبل القبض، لا يبطل البيع، و يكون من ضمان المشتري، إلاّ أن يطالبه به فلا يسلّمه، فيجب عليه قيمته للمشتري - و به قال أحمد و إسحاق - لقوله عليه السّلام: «الخراج بالضمان»(2) و نماؤه للمشتري، فضمانه عليه. و لأنّه من ضمانه بعد القبض فكذا قبله، كالميراث(3).

و لا حجّة في الخبر، لأنّه لم يقل: «الضمان بالخراج» و الخراج:

الغلّة، و الميراث لا يراعي فيه القبض و هنا يراعي، فإنّه يراعي في الدراهم و الدنانير، بخلاف الميراث فيهما، و هذا مذهب مالك، و هو اختيار أحمد(4).

و نقل عنهما معا أنّ المبيع إذا لم يكن مكيلا و لا موزونا و لا معدودا، فهو من ضمان المشتري، و منهم من أطلق(5) ، كما تقدّم.

تذنيب: لو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع، لم يبرأ، و حكم العقد لا يتغيّر

- و به قال الشافعي(6) - فلو تلف المبيع قبل القبض، انفسخ4.

ص: 113


1- المغني 237:4، الشرح الكبير 128:4.
2- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داود 284:3، 3508-3510، سنن البيهقي 321:5 و 322، مسند أحمد 74:7، 23704.
3- الوسيط 143:3، المحلّي 379:8، المغني 237:4 و 238، الشرح الكبير 4: 127 و 129.
4- انظر: المغني 192:4، و الشرح الكبير 179:4، و العزيز شرح الوجيز 76:4.
5- العزيز شرح الوجيز 287:4.
6- منهاج الطالبين: 102، روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.

العقد، و سقط الثمن عن المشتري إن لم يكن دفعه، و إن كان قد دفعه، استعاده.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا ينفسخ العقد، و لا يسقط الثمن عن المشتري(1).

مسألة 63: إذا انفسخ العقد، كان المبيع تالفا علي ملك البائع،

فلو كان عبدا، كان مئونة تجهيزه عليه، و به قال الشافعي(2).

و هل يقدّر أنّه ينتقل الملك إليه قبيل التلف، أو يبطل العقد من أصله ؟ فيه احتمال. و أصحّ وجهي الشافعيّة: الأوّل(3) ، فالزوائد الحادثة في يد البائع - كالولد و الثمرة و الكسب(4) - للمشتري، و للبائع علي الثاني.

مسألة 64: إذا تلف المبيع قبل القبض، فإن تلف بآفة سماويّة، فهو من مال البائع

علي ما تقدّم.

فإن أتلفه المشتري، فهو قبض منه، لأنّه أتلف ملكه، فكان كالمغصوب إذا أتلفه المالك في يد الغاصب، يبرأ من الضمان، و به قال الشافعي(5).

و له وجه: أنّه ليس بقبض و لكن عليه القيمة للبائع، و يستردّ الثمن، و يكون التلف من ضمان البائع(6).

و إن أتلفه البائع، قال الشيخ: ينفسخ البيع، و حكمه حكم ما لو تلف3.

ص: 114


1- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.
2- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.
3- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 288:4.
4- أي: كسب العبد المبيع مثلا.
5- الوسيط 143:3، العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.
6- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.

بأمر سماويّ، لامتناع التسليم(1). و هو أصحّ وجهي الشافعي - و به قال أبو حنيفة - لأنّ المبيع مضمون عليه بالثمن، فإذا أتلفه، سقط الثمن(2).

و الآخر له - و به قال أحمد -: لا ينفسخ البيع، و يكون كالأجنبي يضمنه بالمثل في المثلي، و بالقيمة في غيره، لانتقال الملك عنه إلي المشتري و قد جني علي ملك غيره، فأشبه إتلاف الأجنبي(3).

و إن أتلفه أجنبيّ، قال الشيخ: لا يبطل البيع، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ فيسترجع الثمن من البائع، لأنّ التلف حصل في يد البائع، و بين الإمضاء فيرجع علي الأجنبي بالقيمة إن لم يكن مثليّا، و يكون القبض في القيمة قائم مقام القبض في المبيع، لأنّها بدله(4). و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين(5).

و هل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن ؟ يحتمل ذلك، كما يحبس المرتهن قيمة الرهن. و العدم، لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتي ينتقل إلي البدل، بخلاف الرهن.

و للشافعي(6) كالوجهين.3.

ص: 115


1- المبسوط - للطوسي - 117:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 162:3، العزيز شرح الوجيز 289:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 162:3، العزيز شرح الوجيز 289:4، المغني 237:4، الشرح الكبير 126:4.
4- المبسوط - للطوسي - 117:2.
5- المغني 236:4-237، الشرح الكبير 125:4-126، المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 161:3-162، العزيز شرح الوجيز 288:4-289، حلية العلماء 343:4.
6- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.

فروع:

أ - لو استغلّ البائع المبيع قبل القبض ثمّ تلف، فلا اجرة عليه

إن جعلنا إتلافه كالسماويّة، و إلاّ فعليه الأجرة.

و للشافعي(1) كالوجهين.

ب - لو أكلت الشاة ثمنها المعيّن قبل القبض،

فإن كانت في يد المشتري، فهو كما لو أتلفه. و إن كانت في يد البائع، فهو كإتلافه. و كذا إن كانت في يد أجنبيّ، فكإتلافه. و إن لم تكن في يد أحد، انفسخ البيع، لأنّه هلك [1] قبل القبض بأمر لا ينسب إلي آدميّ، فصار كالسماويّة.

ج - إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة هناك،

أمّا غير المعيّن فلا يبطل البيع بإتلافه. و كذا الثمن المضمون.

د - لو باع عينا بأخري و قبض إحداهما فباعها أو أعتقها أو استحقّت بالشفعة ثمّ تلفت الأخري قبله،

بطل العقد الأوّل دون الثاني، و يرجع مشتري التالفة بقيمة عينه، لتعذّر ردّه، و علي الشفيع مثل الثمن، لأنّه عوض الشقص. و لو تلفت العين الأخري قبل قبض المشتري الثاني، بطل البيعان.

مسألة 65: لو تلف بعض المبيع قبل القبض بآفة سماويّة، فإن كان للتالف قسط من الثمن،

كعبد من عبدين مات [2]، بطل العقد فيه عند كلّ من يبطل البيع بالإتلاف.

و في الآخر خلاف.3.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 162:3.

أمّا عندنا فلا يبطل، بل يتخيّر المشتري في الفسخ، لتبعّض الصفقة عليه، و الإمضاء.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الفسخ بناء علي الإبطال بتفريق الصفقة.

و الآخر: الصحّة علي ذلك التقدير فرقا بين الفساد المقترن بالعقد، و الطارئ(1).

و إن لم يكن للتالف قسط من الثمن، كما لو سقطت يد العبد، لعلمائنا قولان:

أحدهما: تخيير المشتري بين الفسخ و الإمضاء مجّانا مع القدرة علي الفسخ، لأنّه ارتضاه معيبا، فكأنّه اشتراه معيبا عالما بعيبه، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و الثاني: أنّ للمشتري مع اختيار الإمضاء الأرش، لأنّه عوض الجزء الفائت قبل قبضه، و كما لو تلف الجميع كان مضمونا علي البائع فكذا البعض إمّا الجزء أو الوصف. و هو أقواهما عندي.

و لو تعيّب بفعل المشتري، كما لو قطع يد العبد قبل قبضه، فلا خيار له، لأنّه أتلف ملكه، فلا يرجع به علي غيره، و يجعل قابضا لبعض المبيع حتي يستقرّ عليه ضمانه.

و إن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال، فلا يضمن اليد المقطوعة بأرشها المقدّر و لا بما نقص القطع من القيمة، و إنّما يضمنها بجزء من4.

ص: 117


1- الوسيط 92:3، الوجيز 140:1 و 145، العزيز شرح الوجيز 141:4 و 293، الحاوي الكبير 295:5، روضة الطالبين 166:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 164:3، العزيز شرح الوجيز 292:4، المغني 237:4، الشرح الكبير 126:4.

الثمن كما يضمن الكلّ بكلّ الثمن، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّ وجهي الشافعيّة في كيفيّته - و به قال ابن سريج -: أنّه يقوّم صحيحا و مقطوعا و يؤخذ من الثمن بمثل نسبة التفاوت [1]، فلو كان صحيحا بعشرين و مقطوعا بخمسة عشر، فعليه ربع الثمن.

و أضعفهما: أنّه يستقرّ من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة، و هو النصف، فلو قطع يديه و اندملتا ثمّ مات العبد في يد البائع، وجب علي المشتري تمام الثمن(1).

و الثاني: أنّ إتلافه ليس بقبض، فلا يكون قابضا بشيء من العبد، و يضمن بأرشها المقدّر، و هو نصف القيمة، كالأجنبي(2).

و لو تعيّب بفعل أجنبيّ، تخيّر المشتري بين الفسخ، و يتبع البائع الجاني، و الإمضاء بجميع الثمن، و يغرم الجاني.

قال بعض الشافعيّة: إنّما يغرم إذا قبض العبد لا قبله، لجواز انفساخ البيع بموت العبد في يد البائع(3).

ثمّ الغرامة الواجبة علي الأجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع ؟ قولان للشافعيّة، أصحّهما: الأوّل(4).

و لو تعيّب بفعل البائع، احتمل جعل جنايته كالأجنبي، فيتخيّر المشتري بين الفسخ و الرجوع عليه بالأرش. و كالسماويّة - و هو الأشهر من وجهي الشافعيّة(5) - فيتخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.3.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3-165.
2- العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3-165.
3- القائل هو الماوردي في الحاوي الكبير 225:5، و كما في العزيز شرح الوجيز 292:4، و روضة الطالبين 165:3.
4- العزيز شرح الوجيز 292:4-293، روضة الطالبين 165:3.
5- العزيز شرح الوجيز 292:4-293، روضة الطالبين 165:3.

فروع:

أ - احتراق سقف الدار أو تلف بعض الأبنية كتلف عبد من عبدين،

لأنّه يمكن إفراده بالبيع بتقدير الاتّصال و الانفصال، بخلاف يد العبد، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الآخر: أنّه كسقوط يد العبد(1).

ب - النقص ينقسم إلي فوات صفة، و هو العيب،

و إلي فوات جزء، و ينقسم إلي ما لا ينفرد بالقيمة و الماليّة، كيد العبد، و هو في معني الوصف، و إلي ما ينفرد، كأحد العبدين.

ج - المبيع بصفة أو رؤية متقدّمة من ضمان البائع حتي يقبضه المبتاع

- و به قال أصحاب أحمد(2) - و إن لم يكن مكيلا أو موزونا، لتعلّق حقّ التوفية به، فجري مجري الكيل.

و قال أحمد: لو اشتري من رجل عبدا بعينه فمات في يد البائع، فهو من مال المشتري، إلاّ أن يطلبه فيمنعه البائع. و لو حبسه عليه ببقيّة الثمن، فهو غاصب، و لا يكون رهنا إلاّ أن يكون قد اشترط في نفس البيع الرهن(3).

المطلب الثاني: في التصرّفات.

مسألة 66: لعلمائنا في بيع ما لم يقبض أقوال أربعة:

الجواز علي كراهيّة مطلقا

- و به قال البتّي(4) خاصّة - للأصل الدالّ

ص: 119


1- الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، روضة الطالبين 166:3.
2- المغني 238:4، الشرح الكبير 125:4.
3- المغني 238:4.
4- المغني 239:4، الشرح الكبير 125:4، و انظر: بداية المجتهد 144:2.

علي إباحة أنواع التصرّف في الملك، و قد صار ملكا له بالعقد.

و قول الباقر أو الصادق عليهما السّلام في رجل اشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها، قال: «لا بأس»(1).

و قول الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه، قال: «لا بأس، و يوكّل الرجل المشتري منه بكيله و قبضه»(2).

و المنع مطلقا -

و به قال الشافعي و أحمد في رواية، و هو مرويّ عن ابن عباس، و به قال محمّد بن الحسن(3) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي أن تباع السّلع حيث تبتاع حتي يحوزها [1] التجّار إلي رحالهم(4).

و لأنّ الملك قبل القبض ضعيف، لأنّه ينفسخ البيع لو تلف، فلا يفيد ولاية التصرّف.

و لأنّ المبيع قبل القبض مضمون علي البائع للمشتري، فلو نفّذنا بيعه للمشتري، لصار مضمونا للمشتري، و لا يتوالي ضمانا عقدين من شيء واحد.

و المنع في المكيل و الموزون

مطلقا، و الجواز في غيرهما - و به قال أحمد في رواية، و إسحاق، و هو مرويّ عن عثمان و سعيد بن المسيّب4.

ص: 120


1- التهذيب 89:7، 377.
2- الكافي 179:5، 3، التهذيب 36:7، 151.
3- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 264:9 و 270، روضة الطالبين 3: 166، منهاج الطالبين: 103، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، الحاوي الكبير 220:5، حلية العلماء 77:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 18، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4، بداية المجتهد 144:2.
4- سنن أبي داود 282:3، 3499، سنن الدار قطني 13:3، 36، سنن البيهقي 5: 314.

و الحسن و الحكم و حمّاد بن أبي سليمان(1) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الطعام قبل قبضه(2).

و قول الصادق عليه السّلام: «ما لم يكن فيه [1] كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلاّ أن يوليه الذي قام عليه»(3).

و المنع في الطعام

خاصّة - و به قال مالك و أحمد في رواية(4) - لما تقدّم في الحديثين.

قال ابن عبد البرّ: الأصحّ عن أحمد بن حنبل أنّ الذي منع من بيعه قبل قبضه هو الطعام(5).

و قال [ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ من اشتري طعاما فليس له أن يبيعه حتي ينقله من مكانه(6).

و قال] [2] أصحاب الرأي: بيع المنقول قبل القبض لا يجوز.

و أمّا العقار فقال محمّد بن الحسن: لا يجوز قبل قبضه(7).

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: يجوز، لأنّ عدم القبض في المنقول4.

ص: 121


1- المغني 235:4، الشرح الكبير 124:4، الحاوي الكبير 220:5، المجموع 270:9، حلية العلماء 78:4، العزيز شرح الوجيز 292:4.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 12:11، 10875.
3- التهذيب 35:7، 146.
4- بداية المجتهد 144:2، المحلّي 521:8، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 293:4، حلية العلماء 79:4، المجموع 270:9، المغني 4: 236، الشرح الكبير 124:4.
5- المغني 236:4، الشرح الكبير 125:4.
6- المجموع 270:9، المغني 236:4، الشرح الكبير 125:4.
7- المبسوط - للسرخسي - 9:13، بدائع الصنائع 181:5، حلية العلماء 77:4.

مانع من الجواز، لخطر انفساخ البيع بهلاك المعقود عليه، و هذا لا يتحقّق في العقار(1).

و لنا قول خامس:

المنع من المكيل و الموزون خاصّة إلاّ تولية، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه إلاّ أن توليه، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه»(2).

و الأقرب عندي: الكراهيّة إلاّ في الطعام فالمنع أظهر

و إن كان فيه إشكال.

فروع:

أ - المبيع إن كان دينا، لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين،

لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولي، فلا يجوز بيع [المسلم فيه] [1] قبل قبضه و لا الاستبدال به، و به قال الشافعي(3).

ب - تجوز الحوالة بالمسلم فيه بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقّه

علي من له عليه دين من قرض أو إتلاف. و عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين من قرض أو إتلاف علي المسلم [إليه] [2] لأنّ الحوالة إيفاء4.

ص: 122


1- المبسوط - للسرخسي - 9:13، بدائع الصنائع 181:5، بداية المجتهد 2: 144، المجموع 270:9، الحاوي الكبير 220:5 و 221، حلية العلماء 78:4، العزيز شرح الوجيز 293:4، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4-128.
2- الفقيه 129:3، 560، التهذيب 35:7-36، 147.
3- المهذّب - للشيرازي - 308:1، المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، منهاج الطالبين: 103، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 301:4.

و استيفاء، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و آخر: تجوز الحوالة به، لأنّ الواجب علي المسلم إليه توفير الحقّ علي المسلم و قد فعل، و لا تجوز الحوالة عليه، لأنّها بيع سلم بدين.

و أصحّها [1]: المنع، لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره(1).

ج - لو كان الدّين ثمنا - كما لو باع بدراهم أو دنانير في الذمّة

- ففي الاستبدال عنها لنا روايتان بالجواز - و هو جديد الشافعي(2) - لأنّ ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق، و أبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي صلّي اللّه عليه و آله، فقال: «لا بأس به بالقيمة»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل باع طعاما بدراهم إلي أجل، فلمّا بلغ الأجل تقاضاه، فقال: ليس عندي دراهم خذ منّي طعاما، قال: «لا بأس به إنّما له دراهم يأخذ بها ما شاء»(4).

و القديم: المنع، للنهي عن بيع ما لم يقبض. و لأنّه عوض في معاوضة، فأشبه المسلم فيه(5).

د - لو باع بغير الدراهم و الدنانير في الذمّة،

فجواز الاستبدال عنه مبنيّ علي أنّ الثمن ما ذا؟ و المثمن ما ذا؟ و الوجه: أنّ الثمن هو ما ألصق به «الباء» و المثمن ما يقابله، و هو4.

ص: 123


1- المجموع 273:9-274، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 4: 301-302.
2- المجموع 274:9، روضة الطالبين 172:3-173، العزيز شرح الوجيز 302:4.
3- سنن الترمذي 544:3، 1242، مسند أحمد 206:2، 5534.
4- الكافي 186:5، 8، الفقيه 166:3، 734، التهذيب 33:7، 136، الاستبصار 77:3، 256.
5- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 302:4.

أحد وجهي [1] الشافعية(1).

و الثاني: أنّ الثمن هو النقد، و المثمن ما يقابله، فلو باع نقدا بنقد، فلا مثمن فيه. و لو باع عرضا بعرض، فلا ثمن فيه(2).

و أصحّهما [2]: أنّ الثمن هو النقد، فإن لم يكن أو كانا نقدين، فالثمن ما ألصق به «الباء»(3).

و علي الأوّل - و هو أنّ الثمن ما ألصق به «الباء» - يجوز الاستبدال عن غير الدراهم و الدنانير كما(4) يجوز الاستبدال عنهما. و علي الآخر لا يجوز عنده(5).

ه - لو استبدل عن أحد النقدين الآخر، لم يشترط قبض البدل في المجلس - قاله الشيخ(6) ، للرواية(7) - لأنّ النقدين من واحد.

و منعه ابن إدريس(8) ، و هو قول الشافعي(9) ، و كذا قال الشافعي لو استبدل عن الحنطة شعيرا علي تقدير تسويغه(10).

و - لا يشترط تعيين البدل في العقد

- و هو أصحّ وجهي الشافعي(11) - و يكفي الإحضار في المجلس، كما لو تصارفا في الذمّة ثمّ عيّنا و تقابضا في المجلس.4.

ص: 124


1- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
2- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
3- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
4- في «ك»: كما أنّه.
5- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 302:4.
6- النهاية: 380.
7- الكافي 245:5، 2، الفقيه 186:3، 837، التهذيب 102:7-103، 441.
8- السرائر: 218.
9- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
10- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
11- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.

و أضعفهما: الاشتراط، لئلاّ يكون بيع دين بدين(1).

ز - لو استبدل عنها ما لا يوافقها في علّة الربا،

كما لو استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا، فإن عيّن، جاز.

و في اشتراط قبضه في المجلس للشافعي وجهان:

الاشتراط، لأنّ أحد العوضين دين، فيشترط قبض الثاني، كرأس مال المسلم في السلم.

و أصحّهما - و به نقول -: المنع، كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمّة لا يشترط قبض الثوب في المجلس(2).

و إن لم يعيّن البدل بل وصف و التزم في الذمّة، فعلي الوجهين عنده(3).

و الوجه عندنا: الجواز.

ح - ما ليس بثمن و لا مثمن من الديون

- كدين القرض و الإتلاف - يجوز الاستبدال عنه إجماعا، لاستقراره في الذمّة. و في تعيين البدل و القبض في المجلس علي ما تقدّم للشافعي(4).

ط - يجوز بيع الدّين من غير من عليه الدّين،

كما لو كان له علي زيد مائة فاعتاض عن عمرو عبدا ليكون المائة له، عندنا - و هو أضعف قولي الشافعي(5) - كما يجوز بيعه ممّن عليه، و هو الاستبدال.

و أصحّهما: المنع، لعدم القدرة علي التسليم(6). و هو ممنوع.

و علي الأوّل يشترط أن يقبض مشتري الدّين [الدّين] [1] ممّن عليه4.

ص: 125


1- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
2- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
3- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
4- المجموع 274:9، روضة الطالبين 174:3، منهاج الطالبين: 103، العزيز شرح الوجيز 303:4-304.
5- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.
6- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.

في المجلس عند الشافعي(1) ، و أن يقبض بائع الدّين العوض في المجلس حتي لو توفّي قبل قبض أحدهما، بطل العقد.

ي - لو كان له دين علي إنسان و لآخر دين علي ذلك الإنسان

فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه عليه و قبل الآخر، لم يصحّ، اتّفق الجنس أو اختلف، لنهيه عليه السّلام عن بيع الكالئ بالكالئ(2).

يأ - لو باع شيئا بدراهم أو دنانير معيّنة فوجدها معيبة،

لم يكن للمشتري إبدالها. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع، كما في طرف المبيع، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن(4). و سيأتي.

مسألة 67: و هل يصحّ بيعه من بائعه ؟ أمّا المجوّزون فإنّهم جزموا بالجواز هنا.

و اختلف المانعون، فبعضهم منع - و هو أصحّ وجهي الشافعي(5) - كبيعه من غيره. و بعضهم جوّز - و هو الثاني(6) - كبيع المغصوب من الغاصب.

قال بعض الشافعيّة: الوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقيصة، و إلاّ فهو إقالة بصيغة البيع(7).

و لو ابتاع شيئا يحتاج إلي قبض فلقيه ببلد آخر، فالأقرب: أنّ له أخذ بدله.

و منع منه الحنابلة و إن تراضيا، لأنّه مبيع لم يقبض(8).4.

ص: 126


1- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.
2- سنن الدار قطني 71:3، 269، سنن البيهقي 290:5، المستدرك - للحاكم - 57:2.
3- المجموع 269:9، روضة الطالبين 171:3، العزيز شرح الوجيز 300:4.
4- العزيز شرح الوجيز 300:4.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4.
6- العزيز شرح الوجيز 296:4.
7- العزيز شرح الوجيز 296:4-297.
8- المغني 239:4-240، الشرح الكبير 129:4.

و إن كان ممّا لا يحتاج إلي قبض، جاز.

مسألة 68: و الأقرب عندي: أنّ النهي يتعلّق بالبيع لا بغيره من المعاوضات.

و منع الشيخ من إجارته قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه، لأنّ الإجارة ضرب من البيوع(1).

و للشافعيّة وجهان: المنع، لأنّ التسليم مستحقّ فيها، كما في البيع.

و الجواز، لأنّ موردها غير مورد البيع، فلا يتوالي ضمانا عقدين من جنس واحد(2).

و منع الشيخ من الكتابة، لأنّها نوع بيع(3). و هو ممنوع.

و أمّا الرهن فجوّزه الشيخ(4) ، و هو حقّ، لأنّه ملكه، فصحّ منه التصرّف فيه.

و للشافعي قولان: الصحّة، لأنّ التسليم غير لازم فيه. و المنع، لضعف الملك، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الرهن، كالمكاتب لا يرهن كما لا يباع(5).

و يجري القولان و علّتهما في الهبة(6).

و علي تقدير الصحّة فنفس العقد ليس قبضا، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه إلي المرتهن و المتّهب.

و في العتق للشافعي وجهان:

أصحّهما: النفوذ، و يصير قابضا، لقوّة العتق و غلبته، و لهذا جاز عتق4.

ص: 127


1- المبسوط - للطوسي - 120:2.
2- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، الوسيط 147:3، الوجيز 1: 145، العزيز شرح الوجيز 296:4.
3- المبسوط - للطوسي - 120:2.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2.
5- المجموع 265:9، روضة الطالبين 167:3، الحاوي الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 295:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 167:3، الحاوي الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 295:4.

الآبق دون بيعه.

و أضعفهما: المنع، لأنّه إزالة ملك، فأشبه البيع(1).

و أمّا تزويج الأمة فجوّزه الشيخ(2) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

قال الشيخ: و يكون وطؤ المشتري أو الزوج قبضا(4). و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: وطؤ الزوج لا يكون قبضا(6).

و أمّا السّلم فحكمه حكم البيع، و كذا التولية، إلاّ علي ما تقدّم من رواية منع البيع و جواز التولية.

و عن مالك جواز التولية(7) ، و هو وجه للشافعيّة(8).

و أمّا الاشتراك فإنّه عندنا إنّما يكون بالمزج أو بأحد العقود الناقلة للنصف، و الأوّل يستدعي القبض، و الثاني تابع.

و جوّز مالك الشركة قبل القبض(9).4.

ص: 128


1- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 264:9، روضة الطالبين 167:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 294:4-295، حلية العلماء 79:4.
2- المبسوط - للطوسي - 120:2.
3- الوسيط 147:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 296:4، المجموع 9: 265، روضة الطالبين 168:3.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2.
5- الهداية - للمرغيناني - 80:3، بدائع الصنائع 246:5، العزيز شرح الوجيز 296:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4.
7- بداية المجتهد 146:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 320، العزيز شرح الوجيز 296:4.
8- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4.
9- بداية المجتهد 146:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 320، العزيز شرح الوجيز 296:4.

و خالف فيه الشافعي - إلاّ في وجه - و أبو حنيفة و أحمد، لأنّها بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن(1).

و أمّا الإقالة فإنّها جائزة قبل القبض - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لأنّها ليست بيعا علي ما يأتي.

و قال مالك: إنّها بيع مطلقا(3).

و قال أبو حنيفة: إنّها بيع في حقّ غير المتعاقدين، و فسخ في حقّهما(4). و سيأتي.

و القائلون بأنّها بيع أوجبوا القبض(5).

مسألة 69: و المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه،

فلو ورث مالا، جاز له بيعه قبل قبضه - و به قال الشافعي(6) - عملا بالأصل، إلاّ أن يكون المورّث قد اشتراه و مات قبل قبضه، فليس للوارث بيعه عند المانعين(7) ، كما لم يكن للمورّث.

و لو أوصي له بمال فقبل الوصيّة بعد الموت، فله بيعه قبل أخذه،4.

ص: 129


1- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4، الحجّة علي أهل المدينة 706:2، المغني 241:4-242، الشرح الكبير 4: 130.
2- العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3، المغني 245:4، الشرح الكبير 132:4.
3- المدوّنة الكبري 76:4، العزيز شرح الوجيز 281:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
4- تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 306:5، الهداية - للمرغيناني - 54:3-55، العزيز شرح الوجيز 282:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 4: 132.
5- المغني 245:4، الشرح الكبير 132:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.
7- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.

و به قال الشافعي(1).

و إن باع بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا: الوصيّة تملك بالموت.

و إن قلنا: تملك بالقبول أو هو موقوف، قال الشافعي: لا يصحّ(2).

و يحتمل الصحّة، لأنّ القبول قد يكون بالفعل.

و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو مع التفريط - و يسمّي ضمان اليد - يجوز بيعه قبل قبضه، لتمام الملك فيه.

و لو باع عبدا و سلّمه ثمّ فسخ المشتري، لعيب، فللبائع بيعه قبل قبضه، لأنّه الآن صار مضمونا بالقيمة.

و لو فسخ السّلم، لانقطاع المسلم فيه، فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده. و كذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري قبل قبضه.

و بهذا كلّه قال الشافعي(3).

أمّا ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه:

جواز بيعه قبل قبضه، كمال الصلح و الأجرة المعيّنة، لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يصحّ، لتوهّم الانفساخ بتلفه، كالمبيع [1](4).

و أمّا الصداق فيجوز للمرأة بيعه قبل قبضه، نصّ عليه الشيخ(5).0.

ص: 130


1- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
2- المجموع 266:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
3- المجموع 266:9، روضة الطالبين 169:3-170، العزيز شرح الوجيز 4: 298.
4- المجموع 266:9، روضة الطالبين 170:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
5- المبسوط - للطوسي - 120:2، الخلاف 98:3، المسألة 160.

و للشافعي قولان مبنيّان علي أنّه مضمون في يد الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد؟ فعلي الأوّل - و هو أصحّهما عنده - لا يصحّ.

و يجريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض، و بيع العافي عن القود المال المعفوّ عليه عنده(1).

و عندنا يجوز ذلك كلّه.

و أمّا الأمانات فيصحّ بيعها قبل قبضها - و به قال الشافعي(2) - فلمالك الوديعة بيعها قبل قبضها، و كذا بيع مال الشركة و القراض في يد الشريك و العامل، و بيع المال في يد الوكيل و المرتهن بعد الفكّ، و المال في يد الولي بعد بلوغ الصبي و رشده، و ما احتطبه العبد و اكتسبه و قبله بالوصيّة قبل أن يأخذه السيّد، لتمام الملك عليها، و حصول القدرة علي التسليم.

و منع الشيخ من بيع الصرف قبل قبضه(3).

و مال الغنيمة إذا تعيّن عليه ملكه. صحّ بيعه قبل قبضه، قاله الشيخ(4). و هو جيّد.

مسألة 70: قد بيّنّا أنّ السّلم نوع من البيع،

فمن منع من بيع غير المقبوض منعه هنا. و من جوّزه هناك جوّزه هنا.

فلو أسلم في طعام ثمّ باعه من آخر، قال الشيخ: لا يصحّ إلاّ أن يجعله وكيله في القبض، فإذا قبض عنه، صار حينئذ قبضا عنه(5).2.

ص: 131


1- المجموع 267:9، روضة الطالبين 170:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
2- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.
3- المبسوط - للطوسي - 120:2.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2-121.
5- المبسوط - للطوسي - 121:2.

و إذا حلّ عليه الطعام بعقد السّلم فدفع إلي المسلم دراهم و قال:

خذها بدل الطعام، قال الشيخ: لم يجز، لأنّ بيع المسلم فيه لا يجوز قبل القبض، سواء باعه من المسلم إليه أو من أجنبي(1).

و إن قال: اشتر بها الطعام لنفسك، قال: لم يصحّ، لأنّ الدراهم باقية علي ملك المسلم إليه، فلا يصحّ أن يشتري بها طعاما لنفسه، فإن اشتري بالعين، لم يصحّ، و إن اشتري في الذمّة، ملك الطعام و ضمن الدراهم(2).

و لو كان عليه طعام قرضا فأعطاه من جنسه، فهو نفس حقّه.

و إن غايره فإن كان في الذمّة و عيّنه قبل التفرّق و قبضه، جاز، و إن فارقه قبل قبضه، قال الشيخ: لا يجوز، لأنّه يصير بيع دين بدين(3).

و إن كان معيّنا و فارقه قبل القبض، جاز.

مسألة 71: لو كان له في ذمّة غيره طعام فباع منه طعاما بعينه

ليقبضه الطعام الذي في ذمّته منه، لم يصحّ، لأنّه شرط قضاء الدّين الذي في ذمّته من هذا الطعام بعينه، و هذا لا يلزم، و لا يجوز أن يجبر علي الوفاء به، فيفسد الشرط فيفسد البيع، لاقترانه به، لأنّ الشرط يحتاج أن يزيد بقسط من الثمن و هو مجهول ففسد البيع. و لو قلنا: يفسد الشرط و يصحّ البيع، كان قويّا. هذا كلّه كلام الشيخ(4).

و الوجه عندي: صحّتهما معا، لأنّه شرط لا ينافي الكتاب و السّنّة.

قال الشيخ: و لو باع منه طعاما بعشرة دراهم علي أن يقبضه الطعام2.

ص: 132


1- المبسوط - للطوسي - 121:2.
2- المبسوط - للطوسي - 121:2.
3- المبسوط - للطوسي - 122:2-123.
4- المبسوط - للطوسي - 123:2.

الذي له عليه أجود منه، لم يصحّ، لأنّ الجودة لا يجوز أن تكون ثمنا بانفرادها، و إن قضاه أجود ليبيعه طعاما بعينه بعشرة، لم يجز(1).

و الوجه عندي: الجواز في الصورتين، لأنّه شرط في البيع ما هو مطلوب للعقلاء سائغ فكان مشروعا، و ليست الجودة هنا ثمنا بل هي شرط.

مسألة 72: إذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة فلمّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما، جاز

إن أخذ مثل ما أعطاه. و إن أخذ أكثر، لم يجز. و قد روي أنّه يجوز علي كلّ حال. هذا قول الشيخ(2).

و الوجه عندي ما تضمّنته الرواية، لأنّه صار مالا له، فجاز له بيعه بمهما أراد، كغيره.

القسم الثاني: الربا.
اشارة

و تحريمه معلوم بالضرورة من دين النبي صلّي اللّه عليه و آله، فالمبيح له مرتدّ.

قال اللّه تعالي وَ حَرَّمَ الرِّبا (3) و قال تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (4).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول اللّه و ما هي ؟ قال: «الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرّم اللّه إلاّ

ص: 133


1- المبسوط - للطوسي - 123:2.
2- المبسوط - للطوسي - 123:2.
3- البقرة: 275.
4- البقرة: 278 و 279.

بالحقّ، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولّي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات»(1).

و لعن آكل الربا و مؤكله و شاهديه و كاتبه(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «درهم ربا أعظم عند اللّه تعالي من سبعين زنية كلّها بذات محرم»(3).

و أجمعت الأمّة علي تحريمه.

و هو لغة: الزيادة(4). و اصطلاحا: بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة، و انضمام شرائط تأتي إن شاء اللّه تعالي.

و هو قسمان: ربا الفضل، و ربا النسيئة، و قد أجمع العلماء علي تحريمهما.

و قد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة، فحكي عن ابن عباس و أسامة بن زيد و زيد بن أرقم و ابن الزبير أنّ الربا في النسيئة خاصّة، لقوله عليه السّلام: «لا ربا إلاّ في النسيئة»(5)(6) ثمّ رجع ابن عباس إلي قول4.

ص: 134


1- صحيح مسلم 92:1، 145، سنن أبي داود 115:3، 2874، سنن البيهقي 6: 284، و 20:8 و 249، المغني 134:4، الشرح الكبير 133:4.
2- سنن أبي داود 244:3، 3333، المصنّف - لابن أبي شيبة - 559:6، 2042، المصنّف - لعبد الرزّاق - 315:8-316، 15351، المغني و الشرح الكبير 4: 134.
3- الكافي 144:5، 1، الفقيه 174:3، 782، التهذيب 14:7، 61 بتفاوت يسير.
4- الصحاح 2349:6، تهذيب اللغة 272:15.
5- صحيح البخاري 98:3، سنن النسائي 281:7، مسند أحمد 6: 262، 21255، المعجم الصغير - للطبراني - 18:2، المعجم الكبير - للطبراني - 172:1، 429 و 431-433.
6- الحاوي الكبير 76:5، المغني و الشرح الكبير 134:4.

الجماعة(1) ، لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلا بمثل»(2).

و النظر فيه يتعلّق [بأمرين] [1]:

الأوّل: الشرائط،
اشارة

و هي اثنان: الاتّفاق في الجنس، و دخول التقدير، فهنا مطلبان:

الأوّل: في الجنس.

و المراد به الماهيّة، كالحنطة و الأرز و إن اختلفت صفاتها. و هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، و النوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، و قد ينقلب كلّ منهما إلي صاحبه، فكلّ نوعين اجتمعا في اسم خاصّ فهما جنس، كالتمر كلّه جنس و إن كثرت أنواعه كالبرنيّ و المعقليّ.

مسألة 73: و قد أجمع المسلمون علي ثبوت الربا في الأشياء الستّة،

لقول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، و الفضّة بالفضّة مثلا بمثل، و التمر بالتمر مثلا بمثل، و البرّ بالبرّ مثلا بمثل، و الملح بالملح مثلا بمثل، و الشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربي، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد»(3).

و اختلف فيما سواها، فحكي عن طاوس و قتادة و داود و بعض نفاة القياس الاقتصار عليها، و لا يجري في غيرها، و هي علي أصل الإباحة، لقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (4).

ص: 135


1- المغني و الشرح الكبير 134:4.
2- صحيح البخاري 97:3، سنن الترمذي 543:3، 1241، سنن البيهقي 5: 276، مسند أبي داود الطيالسي: 290، 2181.
3- سنن الترمذي 541:3، 1240.
4- المغني و الشرح الكبير 135:4، و الآية 275 من سورة البقرة.

و عند الإماميّة أنّ الضابط الكيل أو الوزن أو العدد علي خلاف في الأخير، فأين وجد أحدها ثبت الربا، لأنّه الزيادة، و هي إنّما تثبت في المقدّر بأحد المقادير.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(1).

و قوله تعالي وَ حَرَّمَ الرِّبا (2) يقتضي تحريم كلّ زيادة إلاّ ما أجمعنا علي تخصيصه.

مسألة 74: و اتّفق العلماء علي أنّ ربا الفضل لا يجري إلاّ في الجنس الواحد،

إلاّ سعيد بن جبير، فإنّه قال: كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، كالحنطة بالشعير، و التمر بالزبيب، و الذرّة بالدخن، لتقارب نفعهما، فجريا مجري نوعي جنس واحد(3).

أمّا الأوّلان: فسيأتي البحث فيهما. و أمّا الثالث و شبهه: فهو باطل، لقوله عليه السّلام: «بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم»(4) مع أنّ الذهب و الفضّة متقاربان.

مسألة 75: و الربا عندنا ثابت في الصّور بالنصّ،

فإنّا إنّما نثبته في المقدّر بأحد المقادير المذكورة، و هي: الكيل، و الوزن، و العدد علي خلاف فيه، إذ القياس عندنا باطل.

أمّا القائلون بالقياس فقد اتّفقوا علي أنّه لعلّة، ثمّ اختلفوا.0.

ص: 136


1- الكافي 146:5، 10، الفقيه 175:3، 786، التهذيب 17:7، 74، و 19، 81، و 94، 397، و 118، 515، الاستبصار 101:3، 350.
2- البقرة: 275.
3- المغني 136:4، الشرح الكبير 135:4-136.
4- سنن الترمذي 541:3، 1240.

فقال النخعي و الزهري و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي و أحمد في رواية: إنّ علّة الذهب و الفضّة كونه موزون جنس، و علّة الأعيان الأربعة الباقية مكيل جنس، فيجري الربا في كلّ مكيل أو موزون بجنسه، مطعوما كان أو غيره(1).

و هو الذي ذهبنا إليه، فيجري في الحبوب و الثّوم و القطن و الصوف و الكتّان و الحنّاء و الحديد و النورة و الجصّ و غير ذلك ممّا يدخله الكيل و الوزن دون ما عداه و إن كان مطعوما، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله سئل عن الرجل يبيع الفرس بالأفراس، فقال: «لا بأس إذا كان يدا بيد»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «البعير بالبعيرين و الدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس»(3).

و لأنّ قضيّة البيع المساواة، و المؤثّر في تحقيقها الكيل و الوزن و الجنس، فإنّ الكيل و الوزن سوّي بينهما صورة، و الجنس سوّي بينهما معني.

و قال الشافعي في الجديد: العلّة في الأربعة أنّها مطعومة في جنس واحد، فالعلّة ذات وصفين، و في النقدين: جوهر الثمنيّة غالبا. و هو رواية عن أحمد - و عن بعض الشافعيّة أنّه لا علّة في النقدين(4) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله4.

ص: 137


1- المغني و الشرح الكبير 136:4، تحفة الفقهاء 25:2، بدائع الصنائع 183:5، الهداية - للمرغيناني - 61:3، حلية العلماء 148:4 و 151، العزيز شرح الوجيز 72:4.
2- مسند أحمد 252:2، 5851.
3- الكافي 190:5، 1، الفقيه 177:3، 797، التهذيب 118:7، 511، الاستبصار 100:3، 347.
4- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.

نهي عن بيع الطعام إلاّ مثلا بمثل(1) ، و هو عامّ في المكيل و غيره. و لأنّ الطعم وصف شرف، فإنّ به قوام الأبدان، و الثمنيّة وصف شرف، فإنّ بها قوام الأموال، فيجري الربا في كلّ مطعوم دخله الكيل و الوزن أولا، كالبطّيخ و الأترج و السفرجل و الخيار و البيض، و سواء أكل نادرا، كالبلّوط، أو غالبا، و سواء أكل وحده أو مع غيره، و سواء أكل تقوّتا أو تأدّما أو تفكّها أو غيرها ممّا يقصد للطعم غالبا دون ما ليس بمطعوم و إن كان موزونا، كالحديد و الرصاص و الأشنان - و يبطل بقول الصادق عليه السّلام:

«لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(2) - لأنّ قوله عليه السّلام: «الطعام بالطعام مثل بمثل»(3) علّق الحكم باسم الطعام، و الحكم المعلّق بالاسم المشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق، كالقطع المعلّق باسم السارق، و الحدّ المعلّق باسم الزاني(4).

و قال الشافعي في القديم: العلّة في الأربع كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال و لا يوزن، و لا فيما ليس بمطعوم. و به قال سعيد بن المسيّب و أحمد في رواية، لأنّ سعيد بن المسيّب روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لا ربا إلاّ فيما كيل أو وزن ممّا يؤكل أو2.

ص: 138


1- أورد نصّه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 137:4، و انظر: صحيح مسلم 1214:2، 1592، و سنن الدار قطني 24:3، 84.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 136، الهامش (1).
3- صحيح مسلم 1214:2، 1592، سنن الدار قطني 24:3، 84.
4- المهذّب - للشيرازي - 277:1، التهذيب - للبغوي - 334:3-337، المجموع 393:9 و 395 و 397، روضة الطالبين 44:3-45 و 46، حلية العلماء 4: 149، العزيز شرح الوجيز 72:4 و 74 و 77، المغني و الشرح الكبير 137:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 32:2.

يشرب»(1)(2).

و يضعّف بقول الدار قطني: الصحيح أنّه من قول سعيد بن المسيّب، و من رفعه فقد وهم(3).

و قال مالك: العلّة القوت أو ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدّخرات(4) ، فإنّ علّة الطعم لا تستقيم، لثبوت الطعم لكلّ شيء، فينبغي أن يعلّل بالقوت الذي يعلّل به الزكاة، كما أنّ الجواهر لم يجر الربا إلاّ فيما تجب الزكاة، و هو الذهب و الفضّة.

و يبطل بالملح، فإنّه لا يقتات، و الإدام يصلح به القوت، و النار و الحطب.

و قال ربيعة بن عبد الرحمن: الاعتبار بما تجب فيه الزكاة(5) ، فكلّ ما وجبت فيه الزكاة جري فيه الربا، فلا يجوز بيع بعير ببعيرين و لا بقرة ببقرتين.

و يبطل بما تقدّم، و بالملح، فإنّه لا تجب فيه الزكاة، و يجري فيه الربا.4.

ص: 139


1- سنن الدار قطني 14:3، 39.
2- التهذيب - للبغوي - 337:3، المجموع 397:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، الحاوي الكبير 83:5، العزيز شرح الوجيز 72:4، المغني 138:4، الشرح الكبير 137:4.
3- سنن الدار قطني 14:3 ذيل الحديث 39، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 4: 138، و الشرح الكبير 137:4.
4- الحاوي الكبير 83:5، التهذيب - للبغوي - 337:3، المجموع 401:9، العزيز شرح الوجيز 72:4، المغني و الشرح الكبير 138:4.
5- المجموع 401:9، حلية العلماء 151:4، الحاوي الكبير 83:5، المغني و الشرح الكبير 138:4.

و قال ابن سيرين: الجنس الواحد هو العلّة(1).

و ليس بصحيح، لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمر أن يؤخذ البعير بالبعيرين لمّا أنفذ بعض الجيوش و قد نفدت الإبل(2).

و هذا البحث ساقط عنّا، لأنّا نعتبر النصّ لا القياس، فمهما دلّ علي شيء عملنا به، و قد سئل الصادق عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال:

«لا بأس به» و الثوب بالثوبين، قال: «لا بأس به» و الفرس بالفرسين، فقال:

«لا بأس به» ثمّ قال: «كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد»(3).

مسألة 76: قد بيّنّا أنّ كلّ مكيل أو موزون يجري فيه الربا مع الشرائط سواء أكل أو لا.

أمّا الشافعي حيث علّل بالطعم اعتبره، فكلّ موضع لا يثبت فيه الطعم لا يثبت فيه الربا إلاّ النقدين.

و لا فرق عنده بين أن يؤكل للتداوي، كالهليلج و السقمونيا و غيرهما، و بين ما يؤكل لسائر الأغراض.

و قسّم المطعومات إلي أربعة: ضرب يؤكل قوتا، و آخر يؤكل تأدّما، و ثالث يؤكل تفكّها، و رابع يؤكل تداويا. و يجري الربا في ذلك كلّه لا في مأكول الدوابّ، كالقضب و الحشيش و النوي(4).

و حكي وجه للشافعيّة: أنّ ما يهلك كثيره و يستعمل قليله في الأدوية3.

ص: 140


1- المجموع 400:9، حلية العلماء 152:4، الحاوي الكبير 83:5، العزيز شرح الوجيز 72:4. المغني و الشرح الكبير 138:4.
2- علل الحديث 390:1، 1167، سنن البيهقي 287:5.
3- التهذيب 119:7، 517، الاستبصار 101:3، 351.
4- المجموع 397:9 و 399، روضة الطالبين 45:3، العزيز شرح الوجيز 72:4 و 73.

- كالسقمونيا - لا يجري فيه الربا(1).

و في الزعفران عندهم وجهان:

أصحّهما: جريان الربا فيه، لأنّ المقصود الأظهر منه الأكل تنعّما أو تداويا إلاّ أنّه يمزج بغيره.

و الثاني: لا يجري، لأنّه يقصد منه الصبغ و اللون(2) ، و هو قول القاضي أبي حامد(3).

و الطين الخراساني لا يعدّ مأكولا، و يسفّه آكله - و إنّما يأكله قوم لعارض بهم - و لو كان مستطابا، لاشتراك الكلّ في استطابته، و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لعائشة: «لا تأكلي الطين فإنّه يصفّر اللون»(4) و يجري آكل ذلك مجري من يأكل التراب و الخزف، فإنّ من الممكن من يأكل ذلك، فلا ربا فيه.

و عند بعضهم أنّه ربويّ(5).

و الأرمني دواء، كالهليلج.

و فيه وجه آخر لهم: أنّه لا ربا فيه، كسائر أنواع الطين(6) ، و هو قول القاضي ابن كج(7).

و أمّا دهن البنفسج و الورد و اللبان ففيه لهم وجهان، أحدهما: ثبوت الربا، لأنّها متّخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره، و إنّما لا يؤكل في4.

ص: 141


1- المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، العزيز شرح الوجيز 73:4.
2- المجموع 397:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، الحاوي الكبير 105:5، العزيز شرح الوجيز 72:4-73.
3- العزيز شرح الوجيز 73:4.
4- كما في المغني 139:4.
5- المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 73:4.
6- المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 73:4.
7- العزيز شرح الوجيز 73:4.

العادة ضنّا بها(1).

و في دهن الكتّان وجهان عندهم، أصحّهما: أنّه ليس بربويّ، لأنّه لا يعدّ للأكل(2).

و كذا دهن السمك، لأنّه يعدّ للاستصباح و تدهين السّفن لا للأكل(3).

و في وجه: أنّه مال ربا، لأنّه جزء من السمك(4).

و في حبّ الكتّان وجهان(5) ، و كذا في ماء الورد(6).

و لا ربا عندهم في العود و المصطكي(7).

و أمّا الماء ففي صحّة بيعه و ثبوت الملك فيه وجهان، فعلي الجديد فيه وجهان أيضا:

أصحّهما: أنّه ربويّ، لأنّه مطعوم، لقوله تعالي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي (8).

و الثاني: لا ربا فيه، لأنّه ليس مأكولا(9).4.

ص: 142


1- المجموع 398:9-399، روضة الطالبين 45:3، الوسيط 49:3 و 50، العزيز شرح الوجيز 73:4.
2- المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، الوسيط 49:3، العزيز شرح الوجيز 73:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4، الوسيط 49:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4، الوسيط 49:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4.
6- العزيز شرح الوجيز 73:4، روضة الطالبين 45:3.
7- كما في العزيز شرح الوجيز 73:4.
8- البقرة: 249.
9- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 46:3، حلية العلماء 149:4، العزيز شرح الوجيز 73:4-74.

و لا ربا في الحيوان، لأنّه لا يؤكل علي هيئته، و ما يباح أكله علي هيئته كالسمك الصغير علي وجه يجري فيه الربا(1).

و الحقّ عندنا في ذلك كلّه ثبوت الربا في كلّ مكيل أو موزون، سواء كان مأكولا أو لا. و السمك يوزن، فيجري فيه الربا مطلقا.

مسألة 77: إذا بيع مال بمال

فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: أن لا يكون شيء منهما ربويّا.

الثاني: أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر.

الثالث: أن يكونا ربويّين.

فالأوّل لا يجب فيه رعاية التماثل قدرا و لا الحلول و لا التقابض في المجلس،

اتّحدا جنسا أو لا، فيجوز بيع ثوب بثوبين، و عبد بعبدين، و دابّة بدابّتين، و بيع ثوب بعبد و عبدين نقدا و نسيئة، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمر عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن يشتري بعيرا ببعيرين إلي أجل(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سأله منصور بن حازم عن الشاة بالشاتين و البيضة بالبيضتين، قال: «لا بأس به ما لم يكن فيه كيل و لا وزن»(4).

و سأل منصور بن حازم الصادق عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال:

«لا بأس به» و الثوب بالثوبين، قال: «لا بأس به» و الفرس بالفرسين، فقال:9.

ص: 143


1- المجموع 399:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
2- المجموع 400:9، روضة الطالبين 46:3-47، العزيز شرح الوجيز 75:4.
3- سنن أبي داود 250:3، 3357، سنن الدار قطني 69:3، 261، سنن البيهقي 5: 287، المستدرك - للحاكم - 56:2-57.
4- التهذيب 118:7، 513، الاستبصار 100:3-101، 349.

«لا بأس به» ثمّ قال: «كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد»(1).

و عن الباقر عليه السّلام: «لا بأس بالثوب بالثوبين»(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إسلاف الشيء في جنسه(3). فلا يجوز بيع فرس بفرسين سلفا و لا نسيئة، بل يجب التقابض في المجلس عنده، و هو إحدي الروايات عن أحمد، لأنّ النبي عليه السّلام نهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة(4). و لأنّ الجنس أحد وصفي علّة تحريم التفاضل، فيحرم فيه النساء، كالوصف الآخر(5).

و تحمل الرواية علي النساء في الطرفين، أو علي أنّ النهي للتنزيه نهي كراهة لا نهي تحريم. و الربا عندنا يثبت لا لعلّة، بل للنصّ علي ثبوته في كلّ مكيل أو موزون، و إباحة التفاضل فيما عداهما، علي أنّه منقوض بإسلاف الدراهم في الحديد.

و قال مالك: يجوز إسلاف أحد الشيئين في مثله متساويا لا متفاضلا.

و لا يجوز بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمرا واحدا إمّا الذبح أو غيره، لأنّ الغرض إذا كان بهما سواء، كان بيع الواحد باثنين نسيئة ذريعة إلي الربا(6).4.

ص: 144


1- التهذيب 119:7، 517، الاستبصار 101:3، 351.
2- التهذيب 119:7، 518.
3- التهذيب - للبغوي - 342:3، العزيز شرح الوجيز 76:4.
4- سنن أبي داود 250:3، 3356، سنن ابن ماجة 763:2، 2270، سنن الترمذي 538:3، 1237، سنن البيهقي 288:5-289، سنن الدارمي 254:2، المعجم الكبير - للطبراني - 247:7، 6847، و 248، 6851، و 273، 6940.
5- المغني 143:4، الشرح الكبير 179:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 39:2.
6- العزيز شرح الوجيز 76:4، حلية العلماء 155:4.

و يبطل بقوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(1).

الثاني: أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر،

كبيع ثوب بدراهم أو دنانير، أو بيع حيوان بحنطة أو شعير. و حكمه كالأوّل، فيجوز بيع أحدهما بالآخر - و إن كان أزيد قيمة منه - نقدا و نسيئة، للإجماع علي السلف و النسيئة مع تغاير الثمن - الذي هو أحد النقدين - و المثمن، إلاّ الصرف خاصّة، و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

الثالث كالأوّل عندنا،

للإجماع علي إسلاف أحد النقدين في البرّ أو الشعير أو غيرهما من الربويّات و المكيلات، و النسيئة أيضا، و هو قول أبي حنيفة(2).

و قال الشافعي: إن اختلفت العلّة فيهما، كالذهب بالقوت، فلا تجب رعاية التماثل و لا الحلول و لا التقابض، فيجوز إسلاف أحد النقدين في البرّ، أو بيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة.

و إن اتّفقت العلّة، فإن اتّحد الجنس، وجب فيه رعاية التماثل و الحلول و التقابض في المجلس، كما لو باع الذهب بالذهب و البرّ بالبرّ، و ثبت فيه أنواع الربا الثلاثة - و عندنا لا يجب الثالث إلاّ في الصرف - و إن اختلف الجنس، لم يجب التماثل، بل الحلول و التقابض في المجلس، لقوله عليه السّلام: «و لكن بيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب و البرّ بالشعير و الشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد»(3)(4).8.

ص: 145


1- الجامع لأحكام القرآن 86:10، المغني 146:4، الشرح الكبير 147:4.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 76:4.
3- سنن البيهقي 276:5، شرح معاني الآثار 4:4.
4- العزيز شرح الوجيز 76:4، روضة الطالبين 47:3-48.

و الجواب: يحتمل أن يكون التقييد باليد علي سبيل الأولويّة، أو في الصرف.

فروع:

أ - يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلا نسيئة،

لقول الصادق عليه السّلام:

«ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأمّا نظرة فلا يصلح»(1).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام «ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح»(2).

ب - المصوغ من أحد النقدين لا يجوز بيعه بجنسه

من التبر أو المضروب متفاضلا بل بوزنه و إن كان المصوغ أكثر قيمة. و كذا الصحيح و المكسّر لا يجوز التفاضل فيهما مع اتّحاد الجنس - و به قال الشافعي(3) - لما رواه عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ينهي عن مثل هذا إلاّ مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أري بهذا بأسا، قال أبو الدرداء: من يعذرني من هذا، أخبره عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و يخبرني عن رأيه، و اللّه لا ساكنتك بأرض أنت فيها، ثمّ قدم أبو الدرداء علي عمر فذكر له ذلك، فكتب عمر إلي معاوية أن لا تبع ذلك إلاّ وزنا بوزن مثلا بمثل(4).4.

ص: 146


1- الكافي 191:5، 6، التهذيب 93:7، 395.
2- التهذيب 93:7-94، 396.
3- العزيز شرح الوجيز 74:4، حلية العلماء 153:4، المغني و الشرح الكبير 141:4.
4- سنن البيهقي 280:5، المغني 141:4، الشرح الكبير 143:4.

و قال مالك: يجوز أن يبيعه بقيمته من جنسه(1). و أنكر أصحابه ذلك، و نفوه عنه(2).

و احتجّ من أجازه: بأنّ الصنعة لها قيمة، و لهذا لو أتلفه وجبت قيمته و إن زادت.

و الجواب: لا نسلّم أنّ الصنعة تدخل في البيع و إن قوّمت علي الغاصب. سلّمنا لكن لا نسلّم أنّه يقوّم بجنسه بل بغير جنسه.

ج - الفلوس يثبت الربا فيها عندنا،

لأنّها موزونة، و به قال أبو حنيفة(3) ، و هو وجه ضعيف للشافعيّة، لحصول معني الثمنيّة(4).

و في الأظهر عندهم: انتفاء الربا، لانتفاء الثمنيّة و الطعم، و الوزن و الكيل ليسا علة عندهم(5) و قد تقدم بطلان التعليل.

د - يكره بيع أفراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل و الوزن متفاضلا نسيئة،

لقول الباقر عليه السّلام: «البعير بالبعيرين و الدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس»(6) و هو يدلّ بمفهومه علي كراهيّة النسيئة فيه.

ه - لا يشترط التقابض في المجلس مع اتّحاد الجنس و اختلافه إلاّ في الصرف

- و به قال بعض الشافعيّة(7) - لأنّهما عينان من غير جنس الأثمان، فجاز التفرّق فيهما قبل القبض، كالحديد. نعم، يشترط الحلول4.

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 74:4، حلية العلماء 153:4، المغني و الشرح الكبير 141:4.
2- المصادر في الهامش (1) ما عدا العزيز شرح الوجيز.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 74:4.
4- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
5- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
6- الكافي 190:5، 1، الفقيه 177:3، 797، التهذيب 118:7، 511، الإستبصار 100:3، 347.
7- روضة الطالبين 47:3، العزيز شرح الوجيز 75:4.

مع الاتّفاق جنسا.

و قال بعض الشافعيّة: إذا كانا ربويّين، وجب فيهما القبض قبل التفرّق، كالذهب و الفضّة(1) ، لقوله عليه السّلام: «لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق و لا البرّ بالبرّ و لا الشعير بالشعير و لا التمر بالتمر و لا الملح بالملح إلاّ سواء بسواء عينا بعين يدا بيد»(2).

و الجواب: أنّه لا يدلّ علي المنع مع عدم التقابض إلاّ من حيث المفهوم، و هو ضعيف.

مسألة 78: لعلمائنا قولان في أنّ الحنطة و الشعير هل هما جنس واحد أو جنسان ؟

و الأقوي عندي: الأوّل - و به قال مالك و الليث و الحكم و حمّاد(3) - لأنّ معمر بن عبد اللّه بعث غلاما له و معه صاع من قمح، فقال: اشتر شعيرا، فجاءه بصاع و بعض صاع، فقال له: ردّه، فإنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الطعام بالطعام إلاّ مثلا بمثل، و طعامنا يومئذ الشعير(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يصلح الشعير بالحنطة إلاّ واحدا بواحد»(5).8.

ص: 148


1- روضة الطالبين 48:3، العزيز شرح الوجيز 76:4.
2- صحيح مسلم 1210:3، 1587، سنن البيهقي 276:5، معرفة السنن و الآثار 8: 33-34، 11021.
3- بداية المجتهد 135:2، الحاوي الكبير 111:5، المغني 151:4-152، الشرح الكبير 149:4-150.
4- صحيح مسلم 1214:3، 1592، سنن الدار قطني 24:3، 83 و 84، سنن البيهقي 283:5، المغني 152:4، الشرح الكبير 150:4.
5- الكافي 189:5، 12، التهذيب 94:7، 398.

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل» و سئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلاّ شعيرا أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: «لا، إنّما أصلهما واحد»(1).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تبع الحنطة بالشعير إلاّ يدا بيد، و لا تبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير»(2).

و لأنّ أحدهما يغشّ بالآخر، فهما كنوعي جنس واحد.

و قال بعض(3) علمائنا: إنّهما جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد و نسيئة - و به قال الشافعي(4) - لقوله عليه السّلام: «بيعوا الذهب بالورق، و الورق بالذهب، و البرّ بالشعير، و الشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد»(5).

و لأنّهما لا يشتركان في الاسم الخاصّ، فكانا جنسين، كالشعير و الذرّة.

و أجابوا عن حديث معمر بأنّه أعمّ من هذا الحديث. و الغشّ ينتقض بالفضّة، فإنّه يغشّ بها الذهب.

و الجواب: أنّ الراوي فهم تناول الطعام لصورة النزاع. و بالجملة فالتعويل علي أحاديث الأئمّة عليهم السّلام. و الاختصاص بالاسم لا يخرج الماهيّات عن التماثل، كالحنطة و الدقيق.1.

ص: 149


1- الكافي 187:5، 3، التهذيب 94:7، 399.
2- التهذيب 95:7، 408.
3- هو ابن إدريس في السرائر 254:2.
4- الامّ 31:3، المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 110:5، بداية المجتهد 135:2، المحلّي 492:8، المغني 151:4، الشرح الكبير 149:4.
5- سنن البيهقي 276:5، معرفة السنن و الآثار 33:8-34، 11021.

مسألة 79: ثمرة النخل كلّها جنس واحد،

كالبرنيّ و المعقلي و الآزاد و الدقل و إن كان رديئا في الغاية لا يجوز التفاضل فيه نقدا و لا نسيئة، فلا يباع مدّ من البرنيّ بمدّين من الدقل و كذا البواقي لا نقدا و لا نسيئة، و كذا ثمرة الكرم كلّها جنس واحد، كالأسود و الأبيض و الطيّان و الرازقي، لقول الصادق عليه السّلام: «لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل، و التمر مثل ذلك»(1).

و كان عليّ عليه السّلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر(2).

و في حديث آخر ذلك و زيادة: «و لم يكن عليه السّلام يكره الحلال» [1].

و سئل عن الطعام و التمر و الزبيب، فقال: «لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلاّ أن تصرفه نوعا إلي نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنان بواحد و أكثر»(3) و إطلاق التمر يدلّ علي اتّحاده حقيقة.

و قال الباقر عليه السّلام: «يكره وسق من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لأنّ تمر المدينة أجودهما»(4).

تذنيب: الطلع كالثمرة في الاتّفاق و إن اختلفت أصولهما،

و طلع الفحل كطلع الإناث.8.

ص: 150


1- الكافي 187:5، 3، التهذيب 94:7، 399.
2- الكافي 188:5، 8، التهذيب 94:7، 400، و 97، 413.
3- الفقيه 178:3، 804، التهذيب 95:7، 406.
4- الفقيه 178:3، 805، التهذيب 95:7-96، 408.

مسألة 80: اللحوم أجناس مختلفة باختلاف أصولها،

فلحم الغنم ضأنه و ما عزه جنس واحد، و لحم البقر جاموسها و عرابها جنس واحد مغاير للأوّل، و لحم الإبل عرابها و بخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّلين، و كذا باقي اللحوم، عند علمائنا أجمع - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال المزني و أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) - لأنّها فروع أصول مختلفة هي أجناس متعدّدة، و كانت أجناسا كاصولها، كما في الأدقّة و الخلول. و لأنّها متفاوتة في المنافع و متخالفة في الأغراض و الغايات، فأشبهت المختلفات جنسا.

و للشافعي قول آخر: إنّها جنس واحد، فلحم البقر و الغنم و الإبل و السموك و الطيور و الوحوش كلّها جنس واحد - و هو رواية عن أحمد أيضا - لأنّها اشتركت في الاسم في حال حدوث الربا فيها الذي لا يقع بعده التمييز إلاّ بالإضافة، فكانت جنسا واحدا، كأنواع الرطب و العنب، و تخالف الثمار المختلفة بالحقيقة، فإنّها و إن اشتركت في اسم الثمرة لكنّها امتازت بأساميها الخاصّة(2).

و الجواب: المنع من الاشتراك في الاسم الخاصّ، و ليس إطلاق لفظ اللحم عليها إلاّ كإطلاق الحيوان و الجسم عليها.

و قال مالك: اللّحمان [1] ثلاثة أصناف: الإنسي و الوحشي صنف واحد،4.

ص: 151


1- المهذّب - للشيرازي - 279:1، حلية العلماء 161:4، الحاوي الكبير 154:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، روضة الطالبين 59:3، الوسيط 55:3، العزيز شرح الوجيز 95:4، المغني و الشرح الكبير 155:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، حلية العلماء 161:4-162، الحاوي الكبير 154:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، روضة الطالبين 59:3، الوسيط 3: 56، العزيز شرح الوجيز 95:4، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4.

و الطير صنف، و لحوم ذوات الماء صنف واحد - و هو رواية أخري عن أحمد إلاّ أنّه جعل الوحشي صنفا آخر - لأنّ لحم الطير لا تختلف المنفعة به، و لا يختلف القصد في أكله(1).

و الجواب: يبطل بلحم الإبل و لحم الغنم، فإنّها تختلف المنفعة بها و القصد إلي أكلها.

فروع:

أ - الوحشيّ من كلّ جنس مخالف لأهليّة، فالبقر الأهلي مع البقر الوحشيّ جنسان مختلفان،

و الغنم الأهليّة و الغنم الوحشيّة - و هي الظباء - جنسان، و الحمر الوحشيّة و الأهليّة جنسان أيضا عندنا، و به قال الشافعي في أصحّ القولين و أحمد(2) ، خلافا لمالك(3) ، و قد سبق.

ب - لحم السمك مخالف لباقي اللحوم،

عند علمائنا أجمع، و هو أصحّ قولي الشافعي و أحمد في رواية(4).

و للشافعي قول: إنّ اللّحمان كلّها صنف واحد(5) ، فعلي هذا القول في السمك عنده قولان:

أحدهما: أنّ لحومها و لحوم باقي الحيوانات البرّيّة جنس واحد،1.

ص: 152


1- بداية المجتهد 136:2، العزيز شرح الوجيز 95:4، حلية العلماء 163:4، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4-155.
2- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3، حلية العلماء 163:3، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3، و انظر: المغني 155:4، و الشرح الكبير 154:4.
5- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 151.

لشمول الاسم لها، قال اللّه تعالي وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا (1)(2).

و الجواب: أنّه كشمول الثمار للتمر و التفّاح.

و الثاني: أنّ الحيتان مخالفة لباقي اللحوم، لأنّ لها اسما خاصّا، و لهذا لو حلف لا يأكل اللحم، لم يحنث بلحوم الحيتان. و لأنّه لا يسمّي لحما عند الإطلاق، و لهذا لا يضاف اللحم إلي اسمه فيقال: لحم السمك، كما يقال: لحم الإبل(3).

ج - لحم السمك هل هو جنس واحد أو أجناس ؟ الأقوي: الأوّل،

لشمول اسم السمك للكلّ، و الاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة.

و يحتمل أن يكون أجناسا متعدّدة، فكلّ ما اختصّ باسم و صفة كان جنسا مخالفا لما غايره ممّا اختصّ باسم آخر و صفة أخري، فالشبّوط و القطّان و البني أجناس مختلفة، و كذا ما عداها.

د - الأقوي في الحمام - و هو ما عبّ و هدر،

أو كان مطوّقا علي اختلاف التفسير - أنّه جنس واحد، فلحم القماري و الدباسي و الفواخت جنس واحد، لشمول اسم الحمام لها، و تقاربها في المنافع.

و يحتمل تعدّدها بتعدّد ما يضاف إليه.

أمّا الحمام مع غيره من الطيور كالعصافير و الدجج فأولي بالتغاير.

ه - الجراد جنس بانفراده مغاير لسائر اللحوم البرّيّة و البحريّة،

و هو ظاهر عند علمائنا حيث أوجبوا اختلاف اللحوم باختلاف أصولها، و هو4.

ص: 153


1- فاطر: 12.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 154:5، العزيز شرح الوجيز 95:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 154:5، العزيز شرح الوجيز 95:4.

أصحّ قولي الشافعي(1). و في قول آخر للشافعي: إنّه من جنس اللحوم، فحينئذ هل هو من البرّيّة أو البحريّة ؟ وجهان(2).

و - أعضاء الحيوان الواحد كلّها جنس واحد مع لحمه،

كالكرش و الكبد و الطحال و القلب و الرئة، و الأحمر و الأبيض واحد، و كذا الشحوم كلّها بعضها مع بعض و مع اللحم جنس واحد، لأنّ أصلها واحد، و تدخل تحت اسمه.

و للشافعيّة في ذلك طريقان:

الأشهر عندهم أن يقال: إن جعلنا اللحوم أجناسا، فهذه أولي، لاختلاف أسمائها و صفاتها، و إن قلنا: إنّها جنس واحد، ففيها وجهان، لأنّ من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل هذه الأشياء علي الصحيح.

و الثاني عن القفّال أن يقال: إن جعلنا اللحوم جنسا واحدا، فهذه مجانسة لها، و إن جعلناها أجناسا، فوجهان، لاتّحاد الحيوان، فأشبه لحم الظهر مع شحمه(3).

و كذا المخ جنس آخر عندهم. و الجلد جنس آخر. و شحم الظهر مع شحم البطن جنسان. و سنام البعير معهما جنس آخر، أمّا الرأس و الأكارع فمن جنس اللحم(4).

و الكلّ عندنا باطل، فإنّ الحقّ تساوي هذه الأشياء. و التعلّق بالحنث أو بعدمه غير مفيد، فإنّ اليمين يتبع الاسم و إن كانت الحقيقة واحدة، كما لو حلف أن لا يأكل خبزا، فأكل دقيقا، لم يحنث و إن كان واحدا.3.

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3.
2- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3.
3- العزيز شرح الوجيز 96:4.
4- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 60:3.

تنبيه: كلّ ما حكمنا فيه باختلاف الجنس و تغايره، فإنّه يجوز بيع بعضه ببعض

متفاضلا نقدا و نسيئة إلاّ الصرف، فلا يجوز النسيئة فيه، و كلّ ما حكمنا فيه بالتماثل فإنّه لا يجوز التفاضل فيه.

مسألة 81: المشهور المنع من بيع اللحم بحيوان من جنسه

- و به قال الفقهاء السبعة [1] و مالك و الشافعي و أحمد(1) - لما رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع اللحم بالحيوان(2). و مراسيل ابن المسيّب حجّة عندهم(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كره اللحم بالحيوان»(4).

و لأنّه نوع في الربا بيع بأصله الذي هو منه فلم يجز، كما لو باع5.

ص: 155


1- المغني 159:4-160، الشرح الكبير 159:4، التفريع 129:2، مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 157:5، حلية العلماء 193:4، المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 364:3، روضة الطالبين 3: 60، الوسيط 57:3، العزيز شرح الوجيز 98:4.
2- الموطّأ 655:2، 64، المراسيل - لأبي داود -: 133، 15، المستدرك - للحاكم - 35:2، سنن الدارقطني 71:3، 266.
3- انظر: مختصر المزني: 78، و الجرح و التعديل 61:4، و الكفاية - للخطيب البغدادي -: 404، و اللمع: 159، و الحاوي الكبير 158:5، و المجموع (المقدّمة) 60:1 و 61، و تهذيب الأسماء و اللغات 221:1.
4- الكافي 191:5، 7، التهذيب 45:7، 194، و 120، 525.

الشيرج [1] بالسمسم من غير اعتبار.

و الأقرب عندي: الجواز علي كراهيّة، للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا، لفقد شرطه، و هو التقدير بالكيل أو الوزن، المنفي في الحيوان الحيّ. و أمّا الكراهيّة: فللاختلاف.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و المزني بالجواز، لأنّه باع ما فيه الربا بما لا ربا فيه فجاز، كما لو باع الحيوان بالدراهم(1).

و قال محمّد بن الحسن: يجوز علي اعتبار اللحم في الحيوان، فإن كان دون اللحم الذي في مقابلته، جاز(2).

فروع:

أ - الممنوع إنّما هو بيع لحم الحيوان بجنسه،

أمّا بغير جنسه - كلحم الشاة بالإبل - فإنّه يجوز، لجواز بيع لحم أحدهما بلحم الآخر فبالآخر حيّا أولي.

أمّا الشافعيّة: ففي كون اللحوم كلّها جنسا واحدا أو أجناسا [2] متعدّدة عندهم قولان، فإن قالوا بالوحدة، لم يجز بيع لحم الشاة بالإبل الحيّة، و لا لحم البقر بالشاة الحيّة و كذا البواقي. و إن قالوا باختلاف، فقولان:5.

ص: 156


1- بدائع الصنائع 189:5، الهداية - للمرغيناني - 64:3، مختصر اختلاف العلماء 41:3، 1118، المغني 160:4، الشرح الكبير 159:4، مختصر المزني: 79، الحاوي الكبير 157:5، حلية العلماء 194:4، العزيز شرح الوجيز 98:4.
2- بدائع الصنائع 189:5، الهداية - للمرغيناني - 64:3، مختصر اختلاف العلماء 41:3، 1118، حلية العلماء 194:4، الحاوي الكبير 157:5.

أحدهما: المنع، لأنّ أبا بكر منع من بيع العناق بلحم الجزور(1).

و الجواب: أنّ فعل أبي بكر و قوله ليس حجّة.

و الثاني [1]: الجواز - و به قال مالك و أحمد - لأنّه يجوز بيعه بلحمه فجواز بيعه به أولي(2).

ب - يجوز بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالآدمي و السبع و غيرهما،

عندنا، لجواز بيعه بجنسه فبغيره حيّا أولي. و لأنّ سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه، و هو منفيّ هنا، و به قال مالك و أحمد، لأنّ الحيوان لا ربا فيه جملة فجاز بيعه بما فيه الربا(3).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الثاني: المنع - و هو اختيار القفّال - لعموم السنّة(4). و هو ممنوع.

ج - يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة، و لحم السمك بالحيوان الحيّ عندنا، لما تقدّم.

و عند الشافعي قولان، أحدهما: أنّ لحم السمك إن كان من جملة اللحم، كان كما لو باع لحم غنم ببقر. و إن كان ليس من جملة اللّحمان،3.

ص: 157


1- رواه الشافعي في مختصر المزني: 78، و أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 284:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 158:5، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 98:4، و كذلك ابنا قدامة في المغني 162:4، و الشرح الكبير 159:4.
2- الوسيط 57:3، حلية العلماء 194:4-195، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3، التفريع 129:2، المغني 163:4-164، الشرح الكبير 159:4.
3- التفريع 129:2، المغني 164:4، الشرح الكبير 159:4، حلية العلماء 195:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 365:3، الحاوي الكبير 5: 159، حلية العلماء 195:4، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.

فقولان، لوقوع اسم اللحم و الحيوان عليه. و الثاني: الجواز(1).

د - يجوز بيع الشحم و الألية و الطحال و القلب و الكلية و الرئة بالحيوان عندنا

- و للشافعيّة وجهان(2) - و كذا السنام بالإبل، للنهي عن بيع اللحم بالحيوان، و لم يرد في غيره.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّه في معني اللحم.

و كذا الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا [و إن كان مدبوغا](3) فلا منع. و علي الوجهين أيضا بيع لحم السمك بالشاة(4).

ه - يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية من البيض،

أو بدجاجة فيها بيضة، أو ببيضة لا غير، لوجود المقتضي، و هو عموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (5) السالم عن معارضة الربا، لانتفاء شرطه، و هو الكيل أو الوزن هنا.

و منع الشافعيّة من بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة قولا واحدا، لأنّ ذلك بمنزلة بيع اللبن بالحيوان اللبون [1]. و سيأتي.

مسألة 82: الألبان تابعة لأصولها تختلف باختلافها و تتّفق باتّفاقها،

فلبن الغنم ضأنه و معزه [2] جنس، و لبن الإبل عرابها و بخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّل، و لبن البقر عرابها و جاموسها جنس واحد مخالف للأوّلين.5.

ص: 158


1- الحاوي الكبير 159:5، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.
2- العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.
3- أضفناها من المصدر.
4- نفس المصدر في الهامش (2).
5- البقرة: 275.

و لبن الوحشي مخالف للإنسي، فلبن البقر الوحشي [1] مخالف للبن البقر الإنسي. و كذا لبن الظبي و لبن الشاة جنسان، عند علمائنا أجمع.

و قد نصّ الشافعي علي أنّ الألبان أجناس(1) ، و لم يذكر غير ذلك، إلاّ أنّ له في اللّحمان قولين: أحدهما: أنّها جنس واحد - قاله أصحابه - لا فرق بينها [2](2) ، فجعلوا في الألبان قولين: أحدهما: أنّها جنس واحد، و هو المشهور عن أحمد. و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: أنّها أجناس، و به قال أبو حنيفة(3).

لنا: أنّها فروع تابعة لأصول مختلفة بالحدّ و الحقيقة، فكانت فروعها تابعة لها، كالأدهان و الخلول - و هذا بخلاف اللّحمان، فإنّ للشافعي قولا بالتماثل فيها(4) - لأنّ الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها و هي مختلفة، فيدام حكمها علي الفروع، بخلاف أصول اللحم.

احتجّ الآخرون بأنّ الألبان اشتركت في الاسم الخاصّ في أوّل حال).

ص: 159


1- المهذّب - للشيرازي - 280:1، حلية العلماء 162:4، الحاوي الكبير 120:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، المغني و الشرح الكبير 157:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، حلية العلماء 4: 161-162، الحاوي الكبير 154:5، الوسيط 155:3-156، التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 95:4، روضة الطالبين 59:3، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4 و 155.
3- المهذّب - للشيرازي - 280:1، الحاوي الكبير 120:5، حلية العلماء 4: 162، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، الوسيط 3: 57، المغني و الشرح الكبير 157:4، الهداية - للمرغيناني - 65:3.
4- راجع المصادر في الهامش (4).

حدوث الربا فيها، فكانت جنسا واحدا، كثمار النخل، المختلفة الأنواع، بخلاف الخلول و الأدهان، لأنّ دخول الربا حصل في أصولها قبل اشتراكها في الاسم.

و الجواب: الطلع جنس واحد.

فروع:

أ - يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متماثلا و متفاضلا نقدا،

و يكره نسيئة، لاختلاف الجنس، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و لبن الوحشي و الإنسي جنسان، و لهذا لا يضمّ إليها في الزكاة و لا ينصرف إطلاق الاسم إليها.

و في قول آخر له: إنّها جنس(2)التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 3:

57.(3) ، فلا يباع بعضه ببعض متفاضلا لا نقدا و لا نسيئة.

ب - يجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا لا متفاضلا علي ما يأتي.

و منع الشافعي من ذلك(4) ، و جوّز في اللبن بيع بعضه ببعض متساويا(4). و فرّق أصحابه(5) بوجهين:4.

ص: 160


1- الام 27:3، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 159.
4- الام 20:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 134:5، الوجيز 137:1، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، حلية العلماء 172:4، التهذيب - للبغوي - 343:3، روضة الطالبين 55:3.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 92:4.

الأوّل: اللبن معظم منفعته في حال رطوبته، و بقاء رطوبته من مصلحته، بخلاف الرطب، فإنّ رطوبته تفسده، و معظم منفعته إذا جفّ.

الثاني: الرطب ينتهي إلي حال الجفاف بنفسه، فاعتبرت تلك الحال، و اللبن لا ينتهي إلي حال الجفاف بنفسه، بل ربما يطرح معه غيره ليتجفّف، فلم ينتظر به هذه الحال.

ج - يجوز بيع الجنس بعضه ببعض إذا لم يخالطه غيره،

فإن خالطه ماء أو ملح أو إنفحة و إن كان كثيرا، لم يؤثّر في الجواز، خلافا للشافعي(1).

لنا: أنّه مع الممازجة إن كان التساوي في الجنس باقيا، جاز البيع مع التساوي قدرا، و إن زال و حصل الاختلاف، جاز مع التساوي قدرا، و عدمه.

و لو باع حليبا بلبن قد حمض و تغيّر و لم يخالطه غيره، جاز عندنا و عنده(2) ، لأنّ تغيّر الصفة لا يمنع من جواز البيع، كالجودة و الرداءة.

مسألة 83: الأدهان تتبع أصولها، و كذا الخلول و الأدقّة و السمون

و العصير و الدبوس و البيوض إن اعتبرنا العدد، فدهن الشيرج و البزر و دهن اللوز و الجوز أجناس مختلفة يباع بعضها ببعض متماثلا و متفاضلا نقدا، و في النسيئة الأقوي: الكراهة، لأنّها فروع أجناس مختلفة، فتختلف باختلافها.

و خلّ العنب و خلّ التمر جنسان، و كذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان، و دبسهما جنسان أيضا.3.

ص: 161


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 349:3-350، العزيز شرح الوجيز 88:4، روضة الطالبين 54:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.

و دقيق الحنطة و دقيق الشعير جنس واحد، أمّا دقيق أحدهما مع دقيق الدخن أو الذرّة أو الباقلاء فجنسان.

و سمن الغنم و سمن البقر و سمن الإبل أجناس متعدّدة باختلاف أصولها.

و كذا السمن و الزيت، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - و قد سئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد، قال: «يدا بيد لا بأس»(1).

و بيض الدجاج و النعام و الطيور أجناس مختلفة باختلاف الأصول، و هو المشهور من مذهب الشافعي(2).

و في الأدقّة حكاية قول عن أمالي حرملة أنّها جنس واحد(3).

و أبعد منه وجه ذكره الشافعيّة في الخلول و الأدهان، و يجري مثله في عصير العنب و عصير الرطب(4).

و بيوض الطيور أجناس عندهم إن قالوا بتعدّد اللّحمان، و إلاّ فوجهان، أصحّهما: التعدّد في البيوض عندهم(5).

و الزيت المعروف مع زيت الفجل - و هو دهن يتّخذ من بزر الفجل يسمّي زيتا - جنسان، لأنّه يصلح لبعض ما لا يصلح له الزيت.

و من الشافعيّة من ألحقهما [1] باللّحمان(6).

و التمر من النخل مع التمر الهندي جنسان، لاختلافهما في الحقيقة4.

ص: 162


1- التهذيب 94:7، 399، و 97، 416، و 121، 529.
2- العزيز شرح الوجيز 97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4.
4- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
5- الحاوي الكبير 155:5، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
6- العزيز شرح الوجيز 97:4.

و الأصول.

و عن [ابن القطان](1) من الشافعيّة وجه: أنّهما واحد(2).

و البطّيخ المعروف مع الهندي مختلفان.

و للشافعيّة فيه قولان(3).

و كذا القثّاء مع الخيار.

و البقول - كالهندباء و النعنع و غيرهما - أجناس، لاختلافهما حقيقة و جنسا.

مسألة 84: الأصل مع كلّ فرع له واحد،

و كذا فروع كلّ أصل واحد - و ذلك كاللبن الحليب مع الزّبد و السمن و المخيض و اللّبإ و الشيراز [1] و الأقط و المصل [2] و الجبن و الترجين [3] و الكشك و الكامخ، و السمسم مع الشيرج و الكسب و الراشي، و بزر الكتّان مع حبّه، و الحنطة مع الدقيق و الخبز علي اختلاف أصنافه من الرقاق و الفرن و غيرهما و مع الهريسة، و الشعير مع السويق، و التمر مع السيلان و الدبس و الخلّ منه و العصير منه، و العنب مع دبسه و خلّه، و العسل مع خلّه، و الزيت مع الزيتون و غير ذلك - عند علمائنا3.

ص: 163


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: أبي العطاف. و ذلك تصحيف. و ما أثبتناه كما في المصدر، و هو الموافق لما في تاريخ بغداد 4: 365، 2229، و طبقات الفقهاء - للشيرازي -: 121، و تهذيب الأسماء و اللغات 2: 214، 327، و طبقات الشافعيّة - للاسنوي - 146:2، 917، و طبقات الشافعيّة - لابن قاضي شهبة - 124:1، 74.
2- العزيز شرح الوجيز 97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.

أجمع، فلا يجوز التفاضل بين اللبن و الزّبد و السمن و المخيض و اللّبإ و الأقط و غير ذلك ممّا تقدّم، بل يجب التماثل نقدا، و لا يجوز نسيئة لا متماثلا و لا متفاضلا. و لا فرق في ذلك بين أن يباع الأصل مع فرعه، أو بعض فروعه مع البعض.

و منع الشافعي من بيع الزّبد و السمن باللبن متساويا نقدا، لأنّهما مستخرجان من اللبن، و لا يجوز عنده بيع ما استخرج من شيء بأصله(1) ، كما لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم، و الزيت بالزيتون(2).

و هو غلط، لأنّهما إن تساويا في الحقيقة، جاز البيع فيهما مع التساوي قدرا و نقدا. و إن اختلفا، جاز مطلقا.

قال أبو إسحاق - ممّا حكي عنه في التعليل -: إنّ الزّبد لا يخلو من لبن فيكون بيع لبن مع غيره بلبن(3).

و لا يرد بيع اللبن بمثله، لأنّ الزّبد لا حكم له ما دام في أصله و لم ينفرد، فإنّ بيع السمسم بالسمسم يجوز مع تفاضل الدهن و لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم.

و هذا الأصل عندنا باطل، لأنّه عندنا يجوز بيع السمسم بالشيرج متساويا نقدا لا نسيئة.

و منع الشافعي أيضا من بيع المخيض باللبن، لأنّ اللبن فيه زبد5.

ص: 164


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:1، الحاوي الكبير 121:5، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 351:1، حلية العلماء 4: 184، الحاوي الكبير 123:5، العزيز شرح الوجيز 98:4.
3- الحاوي الكبير 121:5.

و المخيض لا زبد فيه فيؤدّي إلي تفاضل اللبنين(1).

و ما ذكرناه أحقّ، لعدم الانفكاك من التماثل و الاختلاف، و علي كلا التقديرين يجوز.

و قد علّل(2) أيضا بأنّ في المخيض أجزاء مائيّة، و لا يجوز بيع المشوب بالماء بالخالص. و هو ممنوع أيضا.

و منع أيضا من بيع اللّبإ و الشيراز بالحليب، لانعقاد أجزائها، فلا يمكن كيلها، و لا يجوز بيع اللبن وزنا(3). و هو ممنوع.

و منع أيضا من بيع اللبن بالمصل و الجبن و الكشك، لانعقاد أجزائها، و مخالطة الملح و الإنفحة(4).

و هو ممنوع، لأنّ الأجزاء اليسيرة لا اعتبار لها في حصول الاختلاف، و لو حصل، جاز أيضا.

و أمّا المطبوخ فإن لم تنعقد أجزاؤه و إنّما يسخن، فإنّه يجوز عنده بيع بعضه ببعض، كالعسل المصفّي بالشمس و النار(5). و إن طبخ حتي انعقدت أجزاؤه، فوجهان عنده: الجواز، كما يجوز بيع الدهن بالدهن، و المنع، لما فيه من لبن و غيره، فكان كبيع لبن و غيره بلبن(6). و الأصل ممنوع.

و السمن يجوز بيع بعضه ببعض، لأنّه لا يخالطه غيره. قال: و بيعه3.

ص: 165


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:1، الحاوي الكبير 122:5، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
2- انظر: الحاوي الكبير 122:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 284:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، الحاوي الكبير 121:5.
5- التهذيب - للبغوي - 353:3 و 354، العزيز شرح الوجيز 94:4، روضة الطالبين 58:3.
6- التهذيب - للبغوي - 354:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.

وزنا أحوط(1).

و أمّا المخيض فإن خالطه ماء، لم يجز بيع بعضه ببعض عنده، لجواز تفاضل اللبنين أو الماءين، و إن لم يخالطه ماء، جاز(2).

و عندنا يجوز مطلقا.

و أمّا الأقط و المصل و الجبن و الكامخ فلا يجوز بيع الواحد منها بواحد من نوعه عنده، لانعقاد أجزائها، و الكيل مختلف فيها و الكيل أصلها، و فيها ما خالطه غيره(3).

و لا اعتبار عندنا بذلك بل يجوز.

و أمّا بيع نوع منها بنوع آخر - كالسمن بالزّبد و المخيض، و الزّبد بالمخيض - فإنّه جائز عندنا.

و منع الشافعي من السمن بالزّبد، لأنّ السمن مستخرج منه، و جوّز الباقي، و إنّما أجاز المخيض بالسمن، لأنّ المخيض ليس فيه سمن، فكانا بمنزلة الجنسين(4).

ثمّ اعترض علي نفسه في المنع من بيع الشيرج بالكسب، و المخيض و السمن بمنزلته.

و أجاب: بأنّ الكسب لا ينفرد عن الشيرج، و لا بدّ أن يبقي فيه شيء،2.

ص: 166


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 57:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 57:3-58.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، الحاوي الكبير 121:5 و 122.

بخلاف اللبن، فإنّ المخيض لا يبقي فيه سمن [1].

و عندنا أنّ المخيض و السمن جنس يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا.

و أمّا الزّبد بمثله يجوز بيعه به.

و حكي عن أبي إسحاق أنّه لا يجوز، لأنّه إذا كان في الزّبد لبن، لم يجز بيعه باللبن عنده(1).

و الصحيح عندهم: الجواز - كمذهبنا - لأنّ ذلك القدر يسير لا يتبيّن إلاّ بالنار و التصفية، فلم يكن له حكم(2).

فروع:

أ - دهن السمسم و كسبه جنس واحد عندنا،

لما بيّنّا من أنّ الفروع المستندة إلي أصل واحد جنس واحد، فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب متفاضلا.

و قال الشافعي: إنّهما جنسان، كالمخيض و السمن(3).

و الأصل عندنا ممنوع.

ب - عصير العنب مع خلّه و عصير التمر مع خلّه

بل و العنب مع خلّه و التمر مع خلّه جنس واحد في كلّ واحد منها، فلا يجوز بيع عصير العنب بخلّ العنب متفاضلا، و لا عصير التمر بخلّ التمر متفاضلا.3.

ص: 167


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، حلية العلماء 188:4، الحاوي الكبير 5: 122، العزيز شرح الوجيز 93:4 و فيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلي أبي إسحاق، و كذا في بقيّة المصادر.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، حلية العلماء 188:4، الحاوي الكبير 5: 122، العزيز شرح الوجيز 93:4 و فيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلي أبي إسحاق، و كذا في بقيّة المصادر.
3- التذهيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّهما جنسان، لاختلافهما في الوصف و الاسم و المقصود(1). و هو ممنوع.

ج - الشيرج مع دهن ما يضاف إليه جنس واحد يحرم التفاضل فيه

و يجب التساوي نقدا، كالشيرج و دهن البنفسج و دهن النيلوفر.

مسألة 85: يجوز بيع عسل النحل بعضه ببعض متساويا نقدا،

و لا يجوز نسيئة و لا متفاضلا مطلقا قبل التصفية من الشمع و بعدها، لأصالة الإباحة، و ورود النصّ(2) بها مع سلامته عن معارضة الربا، لما يأتي من جواز بيع الشيئين المختلفين بجنسيهما، و بعد التصفية يكونان مثلين.

و منع الشافعي من بيع بعضه ببعض قبل التصفية متساويا و متفاضلا، لأدائه إلي تفاضل العسلين، لأنّ الشمع قد يكون في أحدهما أكثر(3).

ثمّ اعترض أصحابه بجواز بيع التمر بعضه ببعض و إن جاز أن يكون النوي في أحدهما أكثر، و كذا بيع قديد اللحم بقديد و إن كان فيه عظام.

ثمّ أجابوا بأنّ النوي و العظام من مصلحة التمر و اللحم فلم يكلّف نزعه، للضرورة، فجاز بيعه معه، بخلاف الشمع. و لأنّ العظام و النوي غير مقصودين، بخلاف الشمع، و لا يجوز ما فيه الربا بجنسه و معه ما يقصد بالبيع(4). و هو ممنوع.

و أمّا إن صفّي فإن صفّي بالشمس، جاز بيع بعضه ببعض، لأنّ الشمس لا يختلف تأثيرها فيه. و إن صفّي بالنار، فوجهان، أصحّهما:5.

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
2- البقرة: 275.
3- الامّ 24:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 118:5.
4- انظر: الحاوي الكبير 118:5.

الجواز، لقلّة الاختلاف. و البطلان، لاختلاف أثر النار، فربما عقدت أجزاء بعضه دون بعض(1).

و الحقّ ما قلناه نحن.

فروع:

أ - عسل الطّبرزد و عسل القصب جنس واحد،

و هما جميعا من قصب السكر. و يجوز بيع أحدهما بالآخر و بعض منه ببعض عند علمائنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، لخفّة أثر النار فيهما. و الثاني:

المنع، لأجل الطبخ(2).

و عندنا لا أثر للنار في المنع.

ب - يجوز بيعهما بعسل النحل، لأنّهما جنسان مختلفان باختلاف أصولهما،

فجاز التساوي فيهما و التفاضل نقدا، و في النسيئة خلاف.

ج - يجوز بيع السّكّر بالسّكّر متساويا نقدا لا نسيئة.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع، لأنّ النار تدخله(3). و قد بيّنّا أنّ ذلك غير مانع.

د - يجوز بيع السّكّر بعسل النحل متفاضلا،

لاختلافهما في الجنس.

و يجوز بيع السّكّر بعسله عندنا، خلافا للشافعي [1].3.

ص: 169


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 354:3، حلية العلماء 4: 181، العزيز شرح الوجيز 94:4.
2- حكي الوجهين السبكي في تكملة المجموع 97:11 عن القاضي أبي الطيّب و غيره.
3- التهذيب - للبغوي - 354:3، حلية العلماء 181:4، العزيز شرح الوجيز 4: 93، روضة الطالبين 58:3.

ه - يباع العسل بالعسل وزنا و كيلا،

لعدم التفاوت بينهما، و ثبوت التقارب فيهما.

و قال الشافعي: يباع وزنا(1).

و قال أبو إسحاق: يباع كيلا، لأنّ أصله الكيل(2).

و - السكّر و النبات و الطّبرزد جنس واحد،

و به قال الشافعي(3).

و السّكّر الأحمر - و هو القواليب [1] - عكر [2] الأبيض و من قصبه جنس من السّكّر و النبات أيضا.

قال الجويني: الأظهر أنّه من جنس السّكّر(4).

و للشافعيّة وجهان(5).

مسألة 86: قد بيّنّا أنّ أصل كلّ شيء و فرعه واحد يباع أحدهما بالآخر متساويا

لا متفاضلا، نقدا، و لا يجوز نسيئة مطلقا إذا كان ممّا يكال أو يوزن، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها و دقيق الشعير و سويقها و السويق بالدقيق متساويا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و ربيعة و الليث و النخعي و قتادة و إسحاق و الشافعي في أحد القولين، لكن بعض أصحابه أنكر هذا القول عنه، و عن أحمد روايتان(6) - عملا بالأصل السالم عن3.

ص: 170


1- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 58:3، المسألة 87.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 58:3، المسألة 87.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4.
4- العزيز شرح الوجيز 97:4.
5- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
6- المغني 153:4، الشرح الكبير 159:4، المهذّب - للشيرازي - 283:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 36:2، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 182:4، الحاوي الكبير 108:5 و 109، العزيز شرح الوجيز 90:4 و 91، روضة الطالبين 56:3.

معارضة الربا، لوجوب التساوي الرافع للربا.

و قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»(1) و مثله عن الصادق(2) عليه السّلام.

و لأنّ الدقيق نفس الحنطة، و إنّما تفرّقت أجزاؤه، فصار بمنزلة الحنطة الدقيقة مع السمينة.

و المشهور عن الشافعي: المنع - و هو محكيّ عن الحسن البصري و مكحول و الحكم و حمّاد و أحمد في الرواية الأخري - لأنّ التماثل معتبر في ذلك بحالة الكمال و الادّخار، لأنّ النبي عليه السّلام سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: «أ ينقص الرطب إذا يبس ؟» قالوا: نعم، قال: «فلا إذن»(3) فإذا باع الدقيق بالحنطة، لم يعلم تساويهما حنطتين، فلم يجز(4).

و الجواب: المنع من التفاوت، لأصالة بقاء التساوي.

و قال أبو ثور(5): يجوز بيع الدقيق بالحنطة متفاضلا، لأنّهما بمنزلة الجنسين، لاختلافهما في الاسم، فإنّه لو حلف لا يأكل أحدهما، لم يحنث4.

ص: 171


1- الفقيه 178:3، 802، التهذيب 94:7، 401.
2- دعائم الإسلام 42:2، 98.
3- سنن الدار قطني 50:3، 206، المستدرك - للحاكم - 38:2، المغني 144:4، الشرح الكبير 162:4، العزيز شرح الوجيز 89:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 4: 182، الحاوي الكبير 108:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 3: 56، المغني 153:4، الشرح الكبير 159:4.
5- الحاوي الكبير 108:5، حلية العلماء 182:4.

بأكل الآخر.

و الجواب: الاختلاف بالاسم لا يوجب الاختلاف في الحقيقة، لأنّ(1) أفراد النوع تختلف في الاسم و إن استوي حكمه. و ينتقض ببيع اللحم بالحيوان، مع أنّ النصّ عن أهل البيت عليهم السّلام المنع، و لم يقولوا ذلك إلاّ عن وحي.

فروع:

أ - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الحنطة بالسويق متساويا نقدا،

لأنّهما جنس واحد.

و منع الشافعي(2) منه، بل جعلوه أبعد من الحنطة بالدقيق في الجواز، لأنّ النار تدخله، و منه ما ينقع بالماء ثمّ يجفّف ثمّ يقلي.

و الكلّ عندنا جائز متساويا نقدا، لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن البرّ بالسويق، فقال: «مثلا بمثل لا بأس به»(3).

ب - يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة و لا متفاضلا.

لنا: أنّ الخبز فرع الحنطة، فكان حكمها حكم الجنس الواحد.

و قال الشافعي(4): لا يجوز بيع الحنطة بالخبز - و به قال أحمد(5) - لأنّه4.

ص: 172


1- في «ق، ك»: فإنّ، بدل لأنّ.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 152:4، الشرح الكبير 160:4.
3- الكافي 189:5، 9، التهذيب 95:7، 404.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3.
5- الشرح الكبير 160:4.

متنوّع أصل يحرم فيه الربا، فلم يجز بيعه بالدقيق مع الحنطة.

و الجواب: المنع من حكم الأصل.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع الخبز بالحنطة متفاضلا(1) - و هو قياس قول أبي ثور(2) - لأنّ بالصنعة صار في حكم الجنسين.

و الجواب: زيادة الصفة غير مؤثّرة في الاتّحاد بالحقيقة.

ج - يجوز بيع الخبز بالخبز، سواء كانا رطبين أو يابسين أو بالتفريق،

مثلا بمثل، نقدا لا نسيئة - و به قال أحمد(3) - للأصل، و لأنّ معظم منفعتهما في حال رطوبتهما، فجاز بيع أحدهما بالآخر، كاللبن باللبن.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع أحدهما بالآخر، إذا كانا رطبين أو أحدهما، لأنّهما جنس يجري فيه الربا، بيع بعضه ببعض علي صفة يتفاضلان في حال الكمال و الادّخار.

و إن كانا يابسين مدقوقين بحيث يمكن كليهما، فقولان:

قال في كتاب الصرف: لا يجوز، لأنّه قد خالطه الملح، فقد يكثر في أحدهما دون الآخر.

و روي عنه حرملة أنّه يجوز، لأنّ ذلك حالة كمال و ادّخار، و ليس للملح موضع للمكيال، فإنّ الملح يطرح مع الماء فيصير صفة فيه(4).

و الحقّ ما قدّمناه من الجواز مطلقا.1.

ص: 173


1- الاختيار لتعليل المختار 48:2، الهداية - للمرغيناني - 65:3، حلية العلماء 4: 184.
2- حلية العلماء 184:4.
3- المغني 154:4، الشرح الكبير 163:4، حلية العلماء 184:4.
4- الام 80:3، المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 184:4، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4 و 91.

د - بيع الحنطة بالفالوذج جائز عندنا.

و منع الشافعي(1) من بيعه بالحنطة كالدقيق، لأنّه نشأ، و هو من الحنطة، و كذا كلّ ما يعمل من الحنطة لا يجوز بيعه بالحنطة، و كذا ما يعمل من التمر لا يباع بالتمر، و كلّ ما يجري فيه الربا كذلك.

و عندنا يجوز متساويا مع الاتّفاق، و متفاضلا لا معه.

ه - بيع الدقيق بالدقيق جائز إذا اتّحد أصلهما، كدقيق الحنطة بمثله أو بدقيق الشعير،

لأنّهما جنس علي ما تقدّم(2). و لا فرق بين الناعم بالناعم أو الخشن بالناعم، و مع الاختلاف في الأصل يجوز متفاضلا نقدا، و يكره نسيئة، كدقيق الحنطة بدقيق الذرّة، و به قال أحمد(3).

و اختلف قول الشافعي في الدقيق بالدقيق مع اتّحاد الجنس، فقال في القديم و الجديد معا: لا يجوز، لإمكان تفاضلهما حال الكمال و الادّخار، لإمكان كون أحدهما من حنطة ثقيلة الوزن، و الآخر من خفيفة، فيستويان دقيقا ناعما و لا يستويان حنطة(4).

و المعتبر إنّما هو حالة البيع، علي أنّ التجويز لا ينافي المعلوم.

و نقل البويطي و المزني معا عنه الجواز(5).3.

ص: 174


1- التهذيب - للبغوي - 350:3، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 3: 350.
2- في ص 162، المسألة 83.
3- المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، حلية العلماء 183:4، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع الناعم بالناعم و الخشن بالخشن، و لا يجوز بيع الناعم بالخشن(1).

و قد سبق(2) أنّ الاختلاف في الأوصاف لا يؤثّر في الاتّحاد في الحقيقة.

و - يجوز بيع الدقيق بالسويق متساويا نقدا،

و لا يجوز متفاضلا و لا نسيئة، لاتّحادهما في الحقيقة.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»(3).

و قال الشافعي: لا يجوز، لدخول النار في السويق(4). و نمنع المانعيّة.

و قال مالك و أبو يوسف و محمّد: يجوز بيع الدقيق بالسويق متفاضلا(5). و رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(6).

و روايته الأصل أنّه لا يجوز، لأنّ السويق صار بالصنعة جنسا آخر،6.

ص: 175


1- العزيز شرح الوجيز 91:4، حلية العلماء 183:4، المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
2- في ص 173.
3- الفقيه 178:3، 802، التهذيب 94:7، 401.
4- الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، المغني 153:4-154، الشرح الكبير 162:4.
5- المدوّنة الكبري 108:4، الهداية - للمرغيناني - 64:3، الاختيار لتعليل المختار 48:2، المغني 154:4، الشرح الكبير 162:4.
6- نقله الشيخ الطوسي في الخلاف 54:3، المسألة 76.

فصار كالجنسين(1).

و هو ممنوع، و منتقض بالدقيق مع الحنطة، فإنّه قد زال عنه اسمها بالصنعة و لم يصر جنسا آخر.

مسألة 87: الخلول إن اتّحدت أصولها، جاز بيع بعضها ببعض متساويا نقدا،

و لا يجوز نسيئة. و إن اختلفت، جاز التفاضل نقدا، و يكره نسيئة، فيجوز بيع خلّ العنب بخلّ العنب متساويا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ تلك حال ادّخاره، فصار كبيع الزبيب بالزبيب.

و كذا يجوز بيع خلّ العنب بعصيره متساويا عندنا و عنده(3) ، لأنّه لا ينقص إذا صار خلاّ، فهما متساويان في حال الادّخار.

و يجوز بيع خلّ العنب بخلّ التمر عندنا و عنده(4) ، لأنّهما جنسان.

و يجوز بيع خلّ العنب بخلّ الزبيب عندنا - خلافا له(5) - لاتّحاد أصلهما.

احتجّ بأنّ في خلّ الزبيب ماء.

و هو غير مانع، لأنّه إن أفاد اختلاف الحقيقة، جاز متفاضلا، و إلاّ متساويا.

و يجوز بيع خلّ الزبيب عندنا، لاتّحاد جنسهما.3.

ص: 176


1- فتاوي قاضي خان بهامش الفتاوي الهنديّة 278:2، الهداية - للمرغيناني - 3: 64، الاختيار لتعليل المختار 47:2.
2- الام 81:3، التهذيب - للبغوي - 350:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
3- المجموع 150:11.
4- الحاوي الكبير 112:5، التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
5- الحاوي الكبير 112:5، التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.

و قال الشافعي: لا يجوز، لأنّ في كلّ واحد منهما ماء، فإن قلنا: في الماء ربا، لم يجز، لمعنيين: جواز تفاضل الزبيب و العنب، و جواز تفاضل الماء(1). و ليس بشيء.

و كذا يجوز بيع خلّ التمر بخلّ التمر عندنا، خلافا له، لاشتمالهما علي الماء عنده(2).

فأمّا خلّ التمر بخلّ الزبيب(3) فإنّه يجوز عندنا متساويا و متفاضلا.

و عنه وجهان: إن قلنا: في الماء ربا، لم يجز. و إن قلنا: لا ربا فيه، جاز، لاختلاف جنسي الزبيب و التمر(4).

و أمّا بيع الدبس بالدبس فيجوز عندنا متساويا مع اتّفاق أصله، كدبس التمر بدبس التمر، و مع الاختلاف يجوز التفاضل، كدبس التمر بدبس العنب.

و منع الشافعي من جوازه و إن تساويا قدرا و جنسا، لاشتماله علي الماء و قد دخلته النار(5).

و يجوز عندنا بيع الدبس بالتمر مع اتّحاد الأصل متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة.

و قال الشافعي: لا يجوز مطلقا، لما تقدّم(6).3.

ص: 177


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
3- في «ق، ك»: خلّ الزبيب بخلّ التمر.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
5- التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
6- انظر: التهذيب - للبغوي - 350:3.

مسألة 88: يجوز بيع الجوز بالجوز و اللوز باللوز

و إن كان عليهما قشر، لأنّ صلاحه فيه. و الجوز موزون، لأنّه أكبر من التمر و ربما تجافي في المكيال. و أمّا اللوز فإنّه مكيل، و هذا مذهب الشافعي(1).

و حكي القاضي ابن كج عن نصّ الشافعي أنّه لا يجوز بيع الجوز بالجوز و اللوز باللوز في القشر(2).

و يجوز عندنا بيع لبّ الجوز بلبّ الجوز و لبّ اللوز بلبّ اللوز - و به قال الشافعي(3) - عملا بالأصل.

و عند الشافعيّة وجه آخر: أنّه لا يجوز بيع اللبّ باللبّ، لخروجه عن حال الادّخار(4).

و يجوز بيع البيض بالبيض و إن كان أحدهما أكبر أو أزيد من الآخر.

و للشافعي قولان: أحدهما: المنع، كما في الجوز بالجوز. و الثاني - و هو المشهور -: الجواز مع التساوي(5). و المعيار فيه الوزن عنده(6).

و ليس بشيء.

مسألة 89: الأدهان أربعة:

أ - ما يعدّ للأكل،

كالزيت و الشيرج و دهن الجوز و اللوز(7) و دهن الصنوبر و ما أشبه ذلك، فهذا يجري فيه الربا بشرط التساوي جنسا، و إنّما يتساوي الجنس باعتبار اتّحاد الأصول علي ما تقدّم، فيجوز بيع الشيرجز.

ص: 178


1- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- العزيز شرح الوجيز 99:4، و انظر روضة الطالبين 61:3.
3- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
4- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
5- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
6- العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
7- في «ق، ك»: اللوز و الجوز.

بالشيرج متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة، و هو ظاهر مذهب الشافعيّة(1).

و حكي عن أبي إسحاق أنّه قال: الشيرج لا يباع بعضه ببعض، لأنّه يطرح في طبخه الماء و الملح(2).

و ليس بصحيح، لأنّ الماء لا يختلط به و يتميّز مع كسبه، و كذا الملح و إن أثّر طعمه فيه دون جسمه، علي أنّ هذا المزج لا يغيّر الحقيقة عن التساوي.

و يجوز بيع جنس بجنس آخر متساويا و متفاضلا نقدا، و يكره نسيئة، كدهن الشيرج بدهن اللوز، و به قال الشافعي(3).

ب - ما يعدّ للتطيّب،

كدهن الورد و البنفسج و البان. و عندنا يجري فيه الربا، لأنّه موزون سواء اختلف ما يضاف إليه أو لا.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّه لا ربا فيه، لأنّه لا يعدّ للأكل. و الثاني:

فيه الربا، لأنّ أصله السمسم، و إنّما يعدّ لأعظم منفعته، لأنّه ليس بمأكول، و حينئذ فكلّه واحد، لأنّ أصله واحد و إنّما اختلفت الرائحة(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع المتطيّب متفاضلا و إن كان أصله واحدا إذا اختلف طيبه، لاختلاف المقصد بهما، فصارا كالجنسين(5).

و قالوا أيضا: يجوز بيع المتطيّب بغير المتطيّب متفاضلا(6).

و الكلّ باطل، لأنّها فروع أصل واحد فيه الربا، فلا يجوز التفاضل4.

ص: 179


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 117:5، حلية العلماء 184:4، العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، المجموع 139:11.
3- انظر: الام 19:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 4: 73، روضة الطالبين 56:3، المغني 150:4، الشرح الكبير 152:4.
5- المغني 150:4، الشرح الكبير 152:4، حلية العلماء 185:4.
6- حلية العلماء 185:4.

فيها.

ج - ما يعدّ للتداوي،

كدهن الخوخ و اللوز المرّ و حبّة الخضراء و ما أشبه ذلك، فإنّه يجري فيه الربا، لأنّه مكيل أو موزون. و علّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي(1).

د - ما يعدّ للاستصباح،

كالبزر و دهن السمك. و يجري فيهما الربا، لأنّه مكيل أو موزون، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساويا نقدا لا نسيئة، و بصاحبه متفاضلا نقدا و نسيئة.

و للشافعيّة وجهان(2) ، أحدهما: جريان الربا فيه، لأنّه يؤكل، و أصله حبّ الكتّان، و هو مأكول يطرح في الملح. و الثاني: لا يجري، لأنّه لا يؤكل في عادة الناس، و لهذا لا يستطاب، و أكله سفه.

مسألة 90: يجوز بيع المطبوخ بالنيء من جنسه و من غير جنسه،

و كذا المطبوخ بالمطبوخ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر و الحلول دون غيره، عند علمائنا، عملا بالأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع المطبوخ بالنيء [1] مع اتّحاد الجنس مطلقا، لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلي التفاضل بينهما لو كانا علي حالة الادّخار(3).3.

ص: 180


1- انظر: المجموع 398:9، و 185:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، التهذيب - للبغوي - 3: 352، العزيز شرح الوجيز 73:4، روضة الطالبين 45:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 94:4، روضة الطالبين 58:3.

و ينتقض بالتمر، فإنّ الشمس تجفّفه، و يختلف جفافها فيه. و لأنّ ذلك غير معتدّ به، لعدم العلم بجفافه أزيد.

إذا ثبت هذا، فإنّ عصير العنب جنس يباع بعضه ببعض متساويا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ حالته حالة كمال، و لا ينقص إذا بلغ إلي حالة كماله بالحموضة. و كذا عصير الرمّان و السفرجل و التفّاح و قصب السّكّر.

و يجوز بيع بعض هذه الأجناس بجنس آخر منها متفاضلا، لتعدّدها جنسا. و كذا إن طبخت بالنار أو بعضها، عندنا مطلقا و عند الشافعي مع اختلاف الجنس لا اتّفاقه، فلا يجوز عنده بيع المطبوخ بالمطبوخ و لا بغيره إذا اتّفق الجنس(2).

مسألة 91: جيّد كلّ شيء و رديئه جنس لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلا لا نقدا و لا نسيئة،

و يجوز متساويا نقدا لا نسيئة، عند علمائنا، فلا يجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسّر مع زيادة تقابل الصحّة، و به قال الشافعي، خلافا لمالك، و قد تقدّم(3).

مسألة 92: يجوز بيع الجنسين المختلفين بأحدهما

إذا زاد علي ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف، و ذلك كمدّ عجوة و درهم بمدّي عجوة أو بدرهمين أو بمدّي عجوة و درهمين، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(4) - حتي لو باع دينارا في خريطة8.

ص: 181


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 4: 185، العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 165:4-166.
2- انظر: المغني 165:4-166، و الشرح الكبير 163:4.
3- تقدّم في ص 146، الفرع (ب) من المسألة 77.
4- حلية العلماء 170:4-171، الحاوي الكبير 113:5، التهذيب - للبغوي - 3: 347-348.

بمائة دينار، جاز.

لنا: الأصل السالم عن معارضة الربا، لأنّ الربا هو بيع أحد المثلين بأزيد منه من الآخر، و المبيع هنا المجموع، و هو مخالف لأفراده.

و ما رواه أبو بصير قال: سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم ؟ قال: «إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس، و إن كانت أكثر فلا يصلح»(1).

و سأله عبد الرحمن بن الحجّاج عن شراء ألف درهم و دينار بألفي درهم، قال: «لا بأس بذلك»(2).

و لأنّ أصل العقود الصحّة، و مهما أمكن حمله عليها لم يحمل علي الفساد، كشراء اللحم من القصّاب، فإنّه سائغ، حملا علي التذكية، و لا يحمل علي الميتة و إن كان الأصل، لأنّ أصالة الصحّة أغلب. و كذا لو اشتري إنسان شيئا بمال معه، حمل علي أنّه له ليصحّ البيع.

و هنا يمكن حمل العقد علي الصحّة بأن يجعل الخريطة في مقابلة ما زاد علي الدينار، فيصحّ العقد، و في مسألة مدّ عجوة بصرف المدّ الآخر من التمر في مقابلة الدرهم، أو صرف الدرهم إلي الدرهم و الدرهم الآخر في مقابلة المدّ، أو صرف مدّ عجوة إلي الدرهمين و الدرهم إلي المدّين.

و قال الشافعي: لا يجوز ذلك كلّه - و به قال أحمد - لأنّ فضالة بن عبيد قال: شريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب و خزر، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: «لا يباع مثل هذا حتي يفصل»(3).5.

ص: 182


1- التهذيب 113:7، 489، الإستبصار 98:3، 339.
2- الكافي 246:5، 9، الفقيه 185:3، 834، التهذيب 104:7، 445.
3- صحيح مسلم 1213:3، 90، سنن أبي داود 249:3، 3352، سنن الترمذي 3: 556، 1225، و العزيز شرح الوجيز 84:4-85.

و لأنّ العقد إذا جمع عوضين، وجب أن ينقسم أحدهما علي الآخر علي قدر قيمة الآخر في نفسه، فإن كان مختلف القيمة، اختلف ما يأخذه(1) من العوض، كما لو باع ثوبين بدراهم، فإذا احتيج إلي معرفة ثمن كلّ منهما، قوّم الثوبين و قسّم علي قدر القيمتين، فلو كانت قيمة أحدهما ستّة و الآخر ثلاثة و بيعا بعشرة، بسطت عليهما أثلاثا. و بهذا الطريق يعرف قيمة شقص الشفعة، المنضمّ إلي غيره. و كذا لو تلف أحد العبدين المبيعين صفقة في يد البائع قبل القبض، فكذا هنا إذا باع مدّا و درهما بمدّين، فينظر إلي ما يساوي الدرهم، فيكون مدّا و نصفا، فيخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المدّين(2).

و الجواب: جاز أن يكون في القلادة من الذهب ما يزيد، فتجب معرفة القدر، فلهذا أوجب الفصل. و قسط الثمن لا يقتضي شراء كلّ جزء بما قسط عليه من الثمن.

فروع:

أ - لو باع نوعين من جنس واحد مختلفي القيمة بنوع واحد،

كدينار معزّي و دينار إبريزي بدينارين إبريزية، جاز مع التساوي قدرا، و لا اعتبار بالقيمة عندنا. و كذا لو باع درهما صحيحا بدرهم مكسور أو درهما صحيحا و درهما مكسورا بصحيحين أو مكسورين، سواء قلّت قيمة المكسور عن1.

ص: 183


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: ما يأخذ. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- المهذّب - للشيرازي - 280:1، التهذيب - للبغوي - 347:3، حلية العلماء 4: 170، الحاوي الكبير 113:5، العزيز شرح الوجيز 84:4-85، روضة الطالبين 53:3، المغني 169:4-170، الشرح الكبير 170:4-171.

قيمة الصحيح أو لا. و كذا درهم و ثوب بدرهمين، و به قال أحمد في الجنس الواحد(1) ، كبيع دينارين مختلفين بدينارين متّفقين، و كبيع مكسور و صحيح بمكسورين أو صحيحين.

و جوّزه أبو حنيفة مطلقا، و منعه الشافعي مطلقا، و قد تقدّم(2).

و الأصل أنّ الصنعة لا قيمة لها في الجنس، و لهذا لا يجوز بيع المصوغ بأكثر متفاضلا.

ب - لو تلف الدرهم المعيّن المنضمّ إلي المدّ قبل قبضه أو ظهر استحقاقه

و كان المثمن مدّين و درهمين، احتمل بطلان البيع في الجميع حذرا من الربا، لاستلزام بسط الثمن علي أجزاء المبيع إيّاه، فتلف نصفه - علي تقدير مساواة المدّ درهما - يقتضي سقوط النصف من الثمن، فيصير ثمن المدّ الثاني مدّا و درهما.

و يحتمل البطلان في التخالف، فإنّ المقتضي لصحّة هذا البيع صرف كلّ جنس إلي ما يخالفه لتحصل السلامة من الربا، فالدرهم في مقابلة المدّين خاصّة، و يبقي المدّ في مقابلة الدرهمين.

و يحتمل التقسيط، لأنّه مقتضي مطلق العقد، و الربا المبطل إنّما يعتبر حين العقد، و هو في تلك الحال كان منفيّا.

ج - لو باعه مدّا و درهما بمدّين ثمّ تلف الدرهم المعيّن و كان المدّ المضاف إليه يساوي درهما،

و كلّ من المدّين يساوي درهما أيضا، بقي مدّ في مقابلة المدّ الآخر، و بطل البيع في المدّ الثاني.

و لو كان يساوي درهمين، فقد تلف ثلث العوض، فيبطل من الآخر ثلثه، فيبقي مدّ في مقابلة مدّ و ثلث مدّ، و لا يثبت الربا هنا، لأنّ الزيادة7.

ص: 184


1- المغني 171:4، الشرح الكبير 171:4-172.
2- في 146-147، الفرع (ب) من المسألة 77.

حصلت بالتقسيط الثابت بعد صحّة البيع.

د - لو كان كلّ من المدّين لواحد فباعهما أحدهما و لم يجز الآخر،

بطل البيع في مدّه، و سقط من الثمن نصف المدّ و نصف درهم، و ثبتا للبائع في مقابلة مدّه إن تساويا قيمة، و لو اختلفا فكانت قيمة مدّ الفاسخ نصف قيمة مدّ البائع، كان للبائع ثلثا مدّ و ثلثا درهم عوض مدّه.

ه - لو باعه مدّا و درهما بمدّين فتلف الدرهم قبل القبض و هو يساوي مدّا و نصفا،

فالذي يخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المدّين، فيبقي مدّ في مقابلة أربعة أخماس مدّ، و يجيء الاحتمالات.

و - لو باعه درهما صحيحا و مكسورا بدرهمين صحيحين ثمّ تلف الصحيح المعيّن،

بسطت قيمة الصحيحين علي الصحيح و المكسور، و سقط ما قابل الصحيح منها، و يجيء الاحتمالات.

مسألة 93: يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بمثلها،

و بشاة خالية من اللبن، و بلبن من جنسها، عند علمائنا، خلافا للشافعي(1).

لنا: الأصل السالم عن معارضة الربا، لأنّ الشاة ليست مقدّرة بالكيل و الوزن، و لا اللبن الذي في ضرعها، و إنّما يكون مكيلا أو موزونا بعد حلبه، فأشبه الثمرة علي رءوس النخل. و لأنّه ما دام في الضرع يكون تابعا للمبيع ليس مقصودا بالذات.

احتجّ بأنّ اللبن يأخذ قسطا من الثمن، لحديث المصرّاة، فإنّ النبيّ عليه السّلام أوجب مع ردّها بعينها صاعا من تمر(2) ، و لو لا دخوله في العقد و تقسيط9.

ص: 185


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 353:3، الحاوي الكبير 125:5، حلية العلماء 186:4، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- صحيح البخاري 93:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داود 3: 270، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251، سنن النسائي 253:7 و 254، سنن البيهقي 318:5 و 319.

الثمن عليه، لم يضمنه، كما أنّ المشتري إذا ردّ المبيع بعيب بعد أن حدث عنده نماء أو ولد في يده، لم يردّ عوض ذلك. و لأنّ اللبن في الضرع كالشيء في الوعاء و الدراهم في الخزانة، و إذا كان له قسط من الثمن، كان بيع لبن مع غيره بلبن.

و الجواب: المنع من أخذه قسطا من الثمن، و إلزامه بالصاع، لأنّه فصل اللبن عن الشاة و انتفع به، و البحث في المتّصل في أساسات الحيطان، فإنّها تتبع الدار، و لو قلعت، قوّمت بانفرادها.

سلّمنا، لكنّ البيع وقع للجملة لا للإجزاء، ألا تري أنّه لا يجوز بيعه منفردا؟

فروع:

أ - لو باع الشاة اللبون بلبن البقر، جاز عندنا،

لأنّه يجوز بيعه بلبن الشاة، فلبن غيره أولي.

و للشافعي قولان(1) مبنيّان علي أنّ الألبان هل هي جنس واحد أو أجناس متعدّدة ؟ فعلي الأوّل لا يجوز، و يجوز علي الثاني. و يجب التقابض عنده في الحال قبل التفرّق، لأنّه بيع لبن بلبن من جنس آخر.

ب - لو كانت الشاة لا لبن فيها،

جاز بيعها بلبن جنسها أو (من غير)(2) جنسها. و كذا لو كان في ضرعها لبن فحلبه ثمّ باعها بلبن، جازر.

ص: 186


1- انظر: التهذيب - للبغوي - 353:3، و الحاوي الكبير 123:5-125، و العزيز شرح الوجيز 99:4، و روضة الطالبين 61:3.
2- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: بغير.

- و به قال الشافعي(1) - لأنّ المتخلّف في الضرع يسير لا يحلب في العادة، فلا عبرة له.

ج - لو كانت مذبوحة و في ضرعها لبن، جاز بيعها بلبن،

و بشاة مذبوحة في ضرعها لبن، و بخالية من لبن. و بحيّة ذات لبن و خالية عنه، و بلبن من جنسها.

و قال الشافعي: لا يجوز إذا كان في الشاة المذبوحة لبن، و إن لم يكن في ضرعها لبن، جاز إذا سلّمت لتزول جهالتها(2).

د - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن.

و منعه أكثر الشافعيّة(3).

و ليس بشيء، لأنّ اللبن المتّصل بأصله لا اعتبار به في العوضين، كما يجوز بيع السمسم بمثله من غير اعتبار الدهن فيهما، و كذا لو باع دارا مموّهة بالذهب بمثلها أو دارا فيها بئر ماء بمثلها.

احتجّوا بأنّ اللبن في الضرع بمنزلة كونه في الآنية، فكأنّه باع شاة و لبنا بشاة و لبن، و لو كان اللبنان منفصلين، لم يجز، و كذا إذا كانا في الضرع.

ثمّ فرّقوا بين السمسم بمثله و بين المتنازع بأنّ الدهن غير موجود فيه بصفته و إنّما يحصل بالتخليص و الطحن.

و الماء غير مملوك عند بعضهم، و لا يدخل في البيع، بل كلّ من5.

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 62:3، المسألة 100.
3- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 185.

أخذه استحقّه. و عند آخرين أنّه مملوك و أصل في البيع إلاّ أنّ في ثبوت الربا في الماء قولين، فإن نفيناه عنه، فلا بحث، و إلاّ منعنا من بيع الدار بالدار و فيهما ماء.

و الجواب: المنع من مساواة كون اللبن في الضرع لكونه في الإناء، لأنّه بعد الحلب مقدّر بكيل أو وزن، بخلاف كونه في الضرع. و لأنّه كالجزء من الشاة تابع للمبيع لا أصلا، بخلاف المحلوب.

و ما ذكروه في دهن السمسم ينقض عليهم المنع من بيع السمسم بالشيرج، فإنّه إذا لم يكن في السمسم بصفته، لم يمنع مانع من بيعه بالدهن. و كون الماء غير مملوك باطل.

ه - يجوز بيع نخلة فيها ثمر بنخلة مثمرة أو بثمرة أو بنخلة خالية،

لما مرّ في الشاة، خلافا للشافعي(1).

مسألة 94: كلّ ما له حالتا رطوبة و جفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض

مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس. و إن اختلف، جاز مطلقا، فيجوز بيع الرطب بمثله، و العنب بمثله، و الفواكه الرطبة بمثلها، و الحنطة المبلولة بمثلها، و اللحم الطري بمثله، و التمر و الزبيب و الفواكه الجافّة، و المقدّد و الحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله - و به قال مالك و أبو حنيفة و أبو يوسف و محمّد و أحمد و المزني(2) - لوجود المقتضي، و هو عموم الحلّ، السالم عن معارضة الربا، لتساويهما في الحال و فيما بعد. فإن اختلفا في حالة اليبس، فبشيء يسير لا اعتبار به كالتمر الحديث3.

ص: 188


1- الحاوي الكبير 125:5.
2- المدوّنة الكبري 102:4، المنتقي - للباجي - 243:4، بدائع الصنائع 5: 188، المغني 145:4، الشرح الكبير 164:4، الحاوي الكبير 134:5، التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.

بالعتيق. و لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته، فجاز بيع بعضه ببعض، كاللبن.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع الرطب بالرطب متساويا، لأنّهما علي غير حالة الادّخار، و لا نعلم تساويهما في حالة الادّخار، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر، كالرطب بالتمر(1).

و هو ضعيف، لما بيّنّا من التفاوت اليسير.

و ينتقض بالرطب الذي لا يصير تمرا في العادة، كالبربن و شبهه، فإنّ فيه قولين(2) ، و كذا الفواكه التي لا تجفّف و البقول.

و أمّا إن باع بعض الجنس الواحد ببعض مع اختلاف الحالين، كبيع الرطب بالتمر، و العنب بالزبيب، و اللحم الطري بالمقدّد، و الحنطة المبلولة باليابسة، و الفاكهة الجافّة بالرطبة، فالمشهور عند علمائنا: المنع و إن تساويا قدرا - و به قال سعد بن أبي وقّاص و سعيد بن المسيّب و مالك و أحمد و الشافعي و إسحاق و أبو يوسف و محمّد(3) - لما رواه الجمهور: أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: «أ ينقص الرطب إذا يبس ؟» فقالوا:

نعم، فقال: «فلا إذن»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام4.

ص: 189


1- مختصر المزني: 77، المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 3: 343، شرح السنّة - للبغوي - 60:5، الحاوي الكبير 134:5، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3، المغني 145:4، الشرح الكبير 164:4.
3- المغني 144:4، الشرح الكبير 161:4، بداية المجتهد 139:2، المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3، شرح السنّة - للبغوي - 5: 59-60، الحاوي الكبير 131:5، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
4- سنن الدار قطني 50:3، 206، المستدرك - للحاكم - 38:2، المغني 144:4، الشرح الكبير 162:4، العزيز شرح الوجيز 89:4.

قال: «لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس و الرطب رطب، فإذا يبس نقص»(1).

و لأنّه جنس يجري فيه الربا بيع بعضه ببعض علي صفة يتفاضلان في حال الكمال و الادّخار، فوجب أن لا يجوز، كالحنطة بالدقيق.

و قال بعض(2) علمائنا بالجواز مع التساوي - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن العنب بالزبيب، قال: «لا يصلح إلاّ مثلا بمثل» قال: «و التمر و الرطب مثلا بمثل»(4).

و لأنّه وجد التساوي فيه كيلا حال العقد، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثّر فيه، كالحديث و العتيق.

و الرواية ضعيفة، لأنّ سماعة في طريقها. و القياس لا يسمع في مقابلة النصّ، مع قيام الفرق، فإنّ الحديث و العتيق علي صفة الادّخار و لقلّة النقصان فيه لا يمكن الاحتراز عنه.

فروع:

أ - نبّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في قوله: «أ ينقص إذا جفّ؟»(5) علي علّة الفساد،

و أنّ المماثلة عند الجفاف تعتبر - و إلاّ فهو عليه السّلام يعلم النقصان عند الجفاف - [و](6) جعل الوصف المنصوص عليه علّة بالنصّ يقتضيق.

ص: 190


1- التهذيب 94:7، 398، الاستبصار 93:3، 314.
2- هو ابن إدريس في السرائر 258:2-259.
3- بدائع الصنائع 188:5، الحاوي الكبير 131:5، شرح السنّة - للبغوي - 59:5-60، العزيز شرح الوجيز 89:4، المغني 144:4، الشرح الكبير 161:4.
4- التهذيب 97:7، 417، الاستبصار 92:3، 313.
5- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 189.
6- أضفناها لأجل السياق.

العموميّة في جميع صور موارده.

ب - لا خلاف في جواز بيع الرطب بالتمر في صورة العرايا،

و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

ج - قد بيّنّا عموميّة الحكم في جميع صور الوصف الذي هو النقص عند الجفاف،

و أنّه لا يجوز بيع رطبه بيابسه، سواء اتّفقت العادة بضبط الناقص أو لا. و يجوز عندنا بيع رطبه برطبه متساويا، خلافا للشافعي(1) في الأخير.

و حكي إمام الحرمين وجها للشافعي في المشمش و الخوخ و ما لا يعمّ تجفيف رطبه أنّه يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة، لأنّ رطوبتها أكمل أحوالها، و التجفيف، في حكم النادر(2).

د - يجوز بيع الحنطة المقليّة بمثلها متساويا و بغير المقليّة،

لقلّة الرطوبة فيها.

و خالف الشافعي(3) فيهما معا.

ه - لا يجوز بيع الحنطة و فروعها بالنخالة متفاضلا، لأنّهما جنس واحد،

حيث إنّ أصلهما الحنطة.

و قال الشافعي: يجوز، لأنّ النخالة ليست مطعومة(4).

و نحن نمنع التعليل بالطعم.

و - لا يجوز بيع الحنطة المسوّسة بالحنطة المسوّسة إذا لم يبق فيها3.

ص: 191


1- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 189.
2- العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
3- الحاوي الكبير 135:5، التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 4: 91، روضة الطالبين 56:3.
4- العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.

لبّ إلاّ متساويا، خلافا للشافعي، فإنّه سوّغ البيع مع التفاضل، حيث علّل بالطعم(1). و هو ممنوع.

ز - المأكولات التي لا تكال و لا توزن كالمعدودات لا ربا فيها عندنا،

إلاّ علي رأي من يثبت الربا في المعدودات.

و للشافعي قولان، ففي القديم: لا ربا فيها. و في الجديد: يثبت(2).

فعلي قولنا و قوله القديم يجوز التفاضل فيها، كرمّانة برمّانتين و سفرجلة بسفرجلتين. و علي الجديد لا يجوز بيع المتفاضل.

و أمّا مع التساوي: فإن كان ممّا ييبس و تبقي منفعته يابسا كالخوخ المشمّس، فإذا جفّ، جاز بيع بعضه ببعض متساويا، و لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا عنده(3) ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب عنده(4).

و إن كان ممّا لا ييبس و لا ينتفع بيابسه كالقثّاء و الخيار و شبههما، ففي جواز بيع بعضه ببعض رطبا متساويا قولان: المنع، نصّ عليه في الأم، لأنّ بعضه يحمل من الماء أكثر من البعض. و الجواز، لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته، فجاز، كاللبن باللبن. و كذا حكم الرطب الذي لا يصلح للتجفيف و العنب الذي لا يصلح لذلك(5).

ثمّ إنّ هذا المبيع إن كان ممّا لا يمكن كيله، كالقثّاء و البطّيخ5.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 277:1 و 278، التهذيب - للبغوي - 334:3-337، شرح السنّة - للبغوي - 44:5، المجموع 397:9، حلية العلماء 148:4 - 150، العزيز شرح الوجيز 72:4، روضة الطالبين 44:3-45.
3- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3 و 55.
4- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3 و 55.
5- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، روضة الطالبين 51:3 و 55.

و الخيار و ما أشبهه، فإنّه يباع بعضه ببعض وزنا متساويين عنده، و إن كان ممّا يمكن كيله و وزنه، كالتفّاح و الخوخ الصغار، فوجهان: جواز بيع بعضه ببعض وزنا، لأنّه أحصر له. و الكيل، لأنّ الأصول الأربعة كلّها مكيلة، فردّت إليها(1).

مسألة 95: يجوز بيع مدّ حنطة فيها قصل

- و هو عقد التبن - أو زؤان - و هو حبّ أسود غليظ الوسط - أو تراب بمجري العادة بمدّ حنطة مثله أو بخالص من ذلك، عند علمائنا، و كذا إذا كان في أحدهما شعير، سواء كثر عن الآخر أو ساواه، و سواء زاد في الكيل أو لا، عملا بالأصل السالم عن الربا، لأنّ التقدير تساويهما وزنا أو كيلا. و القصل و الزّؤان و التراب بمجري العادة و الشعير لا يؤثّر، لقلّته، فأشبه الملح في الطعام و الماء اليسير في الخلّ.

و قال الشافعي: لا يجوز بيعه بمثله و لا بالخالص. أمّا بمثله:

فللاختلاف، إذ قد يكون القصل و شبهه في أحدهما أكثر. و أمّا بالخالص:

فلتفاضل الحنطتين. أمّا إذا كان التراب يسيرا جدّا بحيث لا يزيد في الكيل، فإنّه يجوز بيعه بمثله لا بالخالص. و كذا التبن الناعم جدّا، لأنّه لا يأخذ قسطا من المكيال، لأنّه يكون في خلل الحنطة، فلا يؤدّي إلي تفاضل الكيل و تفاوت الحنطتين. و لا يجوز فيما يوزن و إن قلّ التراب، عنده، لأنّ قليله يؤثّر في الميزان(2).

تذنيب: حكم الدرديّ في الخلّ و الثفل في البزر

حكم التراب في3.

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 82:4، روضة الطالبين 51:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 349:3-350، العزيز شرح الوجيز 88:4، روضة الطالبين 54:3.

الحنطة.

تنبيه: لو كان أحد العوضين مشتملا علي الآخر غير مقصود، صحّ مطلقا،

كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

المطلب الثاني: في شرط التقدير.

قد عرفت أنّه يشترط في الربا أمران: الاتّحاد في الجنس، و قد مضي. و كونهما مقدّرين بالكيل أو الوزن إجماعا.

و هل يثبت الربا مع التقدير بالعدد؟ الأصحّ: المنع، عملا بالأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(1).

و سئل عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال: «لا بأس ما لم يكن فيه كيل و لا وزن»(2).

إذا تقرّر هذا، فلا ربا إلاّ فيما يكال أو يوزن مع التفاوت. و لو تساويا قدرا، صحّ البيع نقدا.

و لو انتفي الكيل و الوزن معا، جاز التفاضل نقدا و نسيئة، كثوب بثوبين و بيضة ببيضتين، سواء اختلفت القيمة أو اتّفقت.

مسألة 96: الأجناس الأربعة - أعني الحنطة و الشعير و التمر و الملح - مكيلة في عهده

صلّي اللّه عليه و آله، فلا يباع بعضها ببعض إلاّ مكيلة. و لا يجوز بيع شيء منها بشيء آخر من جنسها وزنا بوزن و إن تساويا، و لا يضرّ مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن. و أمّا الموزون: فلا يجوز بيع بعضه

ص: 194


1- الكافي 146:5، 10، الفقيه 175:3، 786، التهذيب 17:7، 74، و 19، 81، و 94، 397، و 118، 515، الاستبصار 101:3، 350.
2- التهذيب 118:7، 513، الاستبصار 100:3-101، 349.

ببعض كيلا، و لا يضرّ مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل - و به قال الشافعي(1) - لأدائه إلي التفاضل في المكيال، لاحتمال أن يتفاوتا بأن يكون أحدهما أوزن و أثقل من البعض، فيأخذ الأخفّ في المكيال أكثر فيتفاضلا في الكيل، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عنه(2).

أمّا لو تساويا في الثقل و الخفّة و علم التفاوت [1] بينهما، فالأقرب:

الجواز - خلافا للشافعي(3) - لأنّ التفاوت اليسير لا اعتبار به، كما في قليل التراب.

أمّا الملح إذا كان قطعا كبارا، فإنّه يباع وزنا، لتجافيه في المكيال، فيعتبر حاله الآن - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - نظرا إلي ما له من الهيئة في الحال.

و الآخر: أنّه يسحق و يباع كيلا(5). و ليس بمعتمد.

و كذا كلّ ما يتجافي في المكيال يباع بعضه ببعض وزنا.

و أمّا ما عدا الأجناس الأربعة: فإنّ كان موزونا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فهو موزون. و كذا إن كان مكيلا في عهده عليه السّلام، حكم فيه بالكيل، فلو أحدث الناس خلاف ذلك، لم يعتدّ بما أحدثوه، و كان المعتبر تقرير الرسول عليه السّلام أو العادة في عهده عليه السّلام، و به قال الشافعي(6).3.

ص: 195


1- التهذيب - للبغوي - 344:3-345، العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 49:3.
2- صحيح مسلم 1210:3، 1587.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
5- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
6- التهذيب - للبغوي - 345:3، العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.

و حكي عن أبي حنيفة أنّه يعتبر فيه عادات البلدان(1).

و قد روي ابن عمر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «المكيال مكيال المدينة و الميزان ميزان مكة»(2).

و لأنّ المعتاد في زمانه عليه السّلام يضاف التحريم إليه كيلا أو وزنا، فلا يجوز أن يتغيّر بعد ذلك، لعدم النسخ بعده عليه السّلام.

و أمّا ما لم يكن علي عهده عليه السّلام و لا عرف أصله بالحجاز أو لم يكن أصلا في الحجاز فإنّه يرجع فيه إلي عادة البلد، و به قال أبو حنيفة، فإنّه قال: المكيلات المنصوص عليها مكيلات أبدا، و الموزونات موزونات أبدا، و ما لم ينصّ عليه فالمرجع فيه إلي عادة الناس(3) ، لأنّ أنسا قال: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا، و ما كيل منه مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا»(4).

و لأنّ غير المنصوص قد عهد من الشارع ردّ الناس فيه إلي عوائدهم، كما في القبض و الحرز و الإحياء، فإنّها تردّ إلي العرف، و كذا هنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه يردّ إلي عادة الحجاز في أقرب الأشياء شبها به، كالصيد يتبع فيه ما حكمت الصحابة به في قتل المحرم. و ما لم يحكم فيه بشيء يردّ إلي أقرب الأشياء شبها به.7.

ص: 196


1- التهذيب - للبغوي - 345:3، حلية العلماء 167:4، العزيز شرح الوجيز 80:4.
2- مصابيح السنّة 338:2، 2121، المعجم الكبير - للطبراني - 392:12 - 393، 13449، حلية الأولياء 20:4، و فيها: «.. مكيال أهل المدينة.. ميزان أهل مكة».
3- الهداية - للمرغيناني - 62:3، الكتاب - بشرح اللباب - 266:1-267.
4- سنن، الدارقطني 18:3، 58، المغني 136:4-137.

و الثاني: يعتبر عادة البلاد و يحكم فيه بالغالب، كما في الحرز و الإحياء و القبض حين ردّ الناس فيه إلي العرف. و ينبغي أن يكون مع استواء البلاد فيه - فكأنّه لا يعلم الكيل أغلب عليه أو الوزن - أن يردّ إلي أقرب الأشياء شبها، لتعذّر العرف فيه(1).

فروع:

أ - ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا و تعجيلا،

و لا يجوز بيعه بمثله وزنا، لأنّ الغرض في السلف و المعجّل بغير جنسه معرفة المقدار، و هو يحصل بهما، و الغرض هنا المساواة، فاختصّ البيع في بعضه ببعض به.

ب - إذا كان الشيء يكال مرّة و يوزن اخري و لم يكن أحدهما أغلب،

فالوجه: أنّه إن كان التفاوت بين المكاييل يسيرا، جاز بيع بعضه ببعض متماثلا وزنا وكيلا. و إن كان التفاوت كثيرا، لم يجز بيعه وزنا، بل كيلا.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان أكبر جرما [1]، اعتبر الوزن، لأنّه لم يعهد في الحجاز الكيل فيما هو أكبر جرما من التمر. و إن كان مثله أو أصغر، فوجهان: الوزن، لقلّة تفاوته. و الكيل، لعمومه، فإنّ أكثر الشبه مكيل(2).

و قال بعضهم: ينظر إلي عادة الوقت(3).3.

ص: 197


1- انظر العزيز شرح الوجيز 81:4.
2- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
3- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.

ج - لو كان الشيء يباع في بعض البلاد جزافا و في بعضها كيلا أو وزنا

و لم يكن له أصل أو لم يعرف، قال الشيخ: يحكم بالربا بالاحتياط(1).

و قيل: يحكم بعادة البلد الذي يقع فيه(2).

د - لو اختلفت البلدان فكان في بعضها يباع كيلا و في بعضها يباع وزنا و في بعضها جزافا،

فالوجه: ما تقدّم أيضا من أنّ لكلّ بلد حكم نفسه، فيحرم التفاضل فيه إذا كان في بلد يكال أو يوزن. و يجوز في غيره.

و قال بعض الشافعيّة: الاعتبار بعادة أكثر البلدان، فإن اختلفت العادة و لا غالب، اعتبر بأشبه الأشياء به(3).

و قال بعضهم: الاعتبار بعادة بلد البيع(4).

ه - لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سائر المكاييل المحدثة بعده،

كما أنّا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفّتي الميزان، نكتفي به و إن لم نعرف قدر ما في كلّ كفّة.

و - لا بدّ في المكيال من معرفة مقداره،

فلا يجوز التعويل علي قصعة و نحوها ممّا لا يعتاد الكيل بها، إلاّ إذا عرف نسبتها إلي الصاع. و كذا الوزن لا بدّ من اعتباره بالأرطال المعهودة المقدّرة في نظر الشرع، فلو عوّلا علي صنجة مجهولة، لم يصحّ.

و قد يمكن الوزن بالماء بأن يوضع الشيء في ظرف و يلقي علي الماء و ينظر إلي مقدار غوصة. لكنّه ليس وزنا شرعيّا و لا عرفيّا، فيحتمل التعويل3.

ص: 198


1- النهاية: 378.
2- القائل هو المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 45:2، و المختصر النافع: 127.
3- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.
4- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.

في الربويّات عليه.

مسألة 97: ما يباع كيلا أو وزنا لا يجوز بيعه مجازفة

- و به قال الشافعي(1) - لما فيه من الغرر المنهيّ عنه.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة»(2).

و قال مالك: يجوز في البادية بيع المكيل دون الموزون جزافا(3) ، لأنّ المكيال يتعذّر في البادية، و في التكليف به(4) مشقّة، فجاز بالحزر و التخمين، كبيع التمر بالرطب في العرايا.

و الجواب: نمنع تعذّر المكيال، لأنّه يمكن بالقصعة و شبهها ممّا لا يخلو أحد عنه غالبا، و يعلم تقديره إمّا تحقيقا أو تقريبا. نعم، الميزان يتعذّر غالبا. و يعارض بأنّ الكيل معني يعتبر المماثلة و المساواة به فيما يجري فيه الربا، فاستوي فيه الحضر و البادية كالوزن. و بيع العرايا مستثني، لحاجة الفقراء إلي الرطب.

فروع:

أ - المراد جنس المكيل و الموزون و إن لم يدخلاه

إمّا لقلّته كالحبّة و الحبّتين أو لكثرته كالزّبرة [1] العظيمة.

ب - إذا خرج بالصنعة عن الوزن، جاز التفاضل فيه،

كالثوبه.

ص: 199


1- التهذيب - للبغوي - 344:3.
2- الفقيه 143:3، 627، التهذيب 122:7، 530، الإستبصار 102:3، 355.
3- حلية العلماء 169:4، العزيز شرح الوجيز 82:4.
4- في «ق، ك»: و في تكليفهم إيّاه.

بالثوبين، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس به» و قد سئل عن الثوب بالثوبين(1).

و كذا يجوز بيع الغزل بالثياب المبسوطة و إن كان أحدهما أكثر وزنا، لخروج الثوب بالصنعة عن الوزن.

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة و الغزل أكثر وزنا من الثياب، قال: «لا بأس»(2).

ج - لو كان الشيء في أصله غير موزون و لا مكيل ثمّ صار باعتبار صفة إلي الكيل أو الوزن،

جري فيه الربا حالة اتّصافه بتلك الصفة لا قبلها، و ذلك كالبطّيخ، و الرمّان إذا كان رطبا و لم يدخله الكيل و الوزن حينئذ، فإنّه لا يجري فيه الربا، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا. أمّا إذا جفّف و صار موزونا حالة جفافه، فإنّه يثبت فيه الربا في هذه الحال، فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا، بل متساويا.

و للشافعي حال رطوبته قولان:

الجديد: ثبوت الربا فيه، فلا يجوز بيع بعضه ببعض رطبين إذا كان له حالة جفاف متساويا و متفاضلا، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب و إن تساويا. و يجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي.

و القديم: عدم الربا، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا و إن جفّ، لأنّه ليس مال ربا.

و إن كان ممّا لا يجفّ، كالقثّاء، ففي جواز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة قولان: المنع مطلقا، كبيع الرطب بالرطب. و الجواز مع التساوي».

ص: 200


1- التهذيب 119:7، 517، الإستبصار 101:3، 351.
2- الكافي 190:5، 2، الفقيه 137:3، 596، التهذيب 120:7، 524، و في الأخيرين: «المنسوجة» بدل «المبسوطة».

وزنا، لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلي هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ و القثّاء، بيع وزنا. و إن أمكن، كالتفّاح و التين، ففي بيعه وزنا وجهان للشافعيّة، أصحّهما: الوزن، لأنّه أحصر. و علي الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه(1).

د - كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا كذا لا يجوز بيعه مكيلا،

إلاّ إذا علم عدم التفاوت فيه. و كذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا و لا موزونا، إلاّ مع علم عدم التفاوت.

ه - لو كانا في حكم الجنس الواحد و اختلفا في التقدير،

كالحنطة المقدّرة بالكيل، و الدقيق المقدّر بالوزن، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن [1]، للاختلاف قدرا. و تسويغه بالوزن.

و - يجوز بيع الخبز بمثله و إن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة.

و كذا الخلّ بمثله، لعدم الأصالة.

الأمر الثاني 2: في الأحكام.
مسألة 98: لو دعت الضرورة إلي بيع الربويّات متفاضلا مع اتّحاد الجنس، وجب توسّط عقد بينهما،

فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزنا، بيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس، لانتفاء الربا هنا، لعدم

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 81:4-82، روضة الطالبين 51:3.

شرطه، و هو اتّحاد الجنس.

و روي أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أمّر أخا عديّ علي خيبر، فأتي بتمر جيّد، فقال: «أ و تمر خيبر كلّه هكذا؟» فقال: لا، و لكنّا نبيع الصاع بالصاعين و الصاعين بالثلاثة، فقال: «لا تفعلوا و لكن بيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر»(1).

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة، قال: سألته عن الطعام و التمر و الزبيب، فقال: «لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلاّ إن كان صرفته نوعا إلي نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد و أكثر»(2).

فروع:

أ - لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا

- و به قال الشافعي(3) - للأصل.

و قال مالك: يجوز مرّة واحدة، و لا يجوز أن يجعله عادة(4).

و هو غلط، لأنّ المقتضي إن كان كونه ربا، لم يجز و لا مرّة. و إن كان غيره، فلا بدّ من بيانه.

ب - يجوز توسّط غير البيع،

و ذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقص ثمّ يتبارءان، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه، أو4.

ص: 202


1- صحيح البخاري 102:3 و 229، و 178:5، و 132:9، صحيح مسلم 3: 1215، 1593، سنن النسائي 171:7، سنن الدار قطني 17:3، 54، سنن البيهقي 285:5 و 291، الموطّأ 623:2، 20 و 21.
2- الفقيه 178:3، 804، التهذيب 95:7، 406 بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
4- العزيز شرح الوجيز 78:4، المغني 193:4.

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة و يهب صاحب المكسّرة الزيادة منه، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه و هبته و بيعه ما يفعله الآخر أو لا، خلافا للشافعي، فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه(1).

لنا: عموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

ج - لو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة، جاز،

و يسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف، و يكون النصف الآخر أمانة في يده. أمّا لو كان له عشرة علي غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت أحد عشر، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه علي الإشاعة، و يكون مضمونا عليه، لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة، فله أن يستقرضها و يشتري بها النصف الآخر، فيكون جميع الدينار له، و عليه خمسة.

و لو باعه بعشرة و ليس مع المشتري إلاّ خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أخري و ردّها إليه عن باقي الثمن، جاز، و به قال الشافعي(3). أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه، جاز عندنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

مسألة 99: القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر و إفراز الحقوق بعضها من بعض،

و ليست بيعا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لأنّ لها اسما

ص: 203


1- التهذيب - للبغوي - 361:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
4- التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
5- الحاوي الكبير 126:5 و 127، و انظر: التهذيب - للبغوي - 345:3، و العزيز شرح الوجيز 82:4، و روضة الطالبين 51:3.

يخصّها، و تدخل فيها القرعة، و لا تفتقر إلي لفظ بيع أو تمليك، و لا يجوز إلاّ بقدر الحقّين، و لا يثبت بها الشفعة.

و القول الأصحّ: أنّها بيع، لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما، فإذا تعيّن لأحدهما شيء بالقسمة، فقد اشتري نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه، فكان ذلك بيعا(1). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فنقول: إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا، جازت القسمة كيلا و وزنا، و قسمة المكيل بالوزن و بالعكس، و ما لا يباع بعضه ببعض عنده(2) ، كالرطب بمثله و العنب بمثله، متساويا و متفاضلا، نقدا و نسيئة و إن كان يمنع ذلك في البيع.

و كذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب و الآخر التمر أو الزبيب.

و يجوز قسمة الثمرة علي رءوس النخل.

و للشافعي قولان مبنيّان علي أنّ القسمة بيع أم لا، فإن كانت بيعا، لم تجز، كما لا يجوز بيع الثمرة علي أصلها بمثلها.

و نحن نمنع ذلك، لجواز بيع الثمرة علي رءوس النخل بمثلها. نعم، الممنوع بيعها بخرصها تمرا.

و إن لم تكن عنده بيعا و إنّما هي إفراز حقّ، فقولان، أحدهما: المنع مطلقا. و الثاني: الجواز في الرطب و العنب خاصّة دون باقي الثمار، لأنّ للخرص مدخلا فيهما، و لهذا جاز خرصهما علي الفقراء، فجازت5.

ص: 204


1- الحاوي الكبير 126:5 و 127، و انظر: التهذيب - للبغوي - 345:3، و العزيز شرح الوجيز 82:4، و روضة الطالبين 51:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3 و 345، حلية العلماء 172:4، الحاوي الكبير 134:5، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، روضة الطالبين 51:3 و 55.

قسمتهما بين الشركاء، بخلاف باقي الثمار(1).

و الحقّ عندنا الجواز مطلقا.

مسألة 100: قد بيّنّا أنّ الجيّد و الرديء في الجنس الواحد واحد

لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلا، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل استبدل قوصرتين [1] فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها مشقّق، فقال: «هذا مكروه، لأنّ عليّا عليه السّلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، و لم يكن [عليّ] [2] عليه السّلام يكره الحلال»(2).

مسألة 101: يجوز بيع العصير بالبختج 3 مثلا بمثل نقدا،

لأنّ خالد بن أبي الربيع [4] سأل الصادق عليه السّلام: ما تري في التمر و البسر الأحمر مثلا بمثل ؟ قال: «لا بأس» قلت: فالبختج و العصير [5] مثلا بمثل ؟ قال:

«لا بأس»(3).

و اعلم أنّ هذا الحديث يدلّ علي جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

و المراد به البسر المطبوخ بالنار، لذهاب رطوبته، و مساواته للتمر في عدم

ص: 205


1- التهذيب - للبغوي - 345:3، العزيز شرح الوجيز 82:4، و انظر روضة الطالبين 51:3.
2- الكافي 188:5، 7، التهذيب 96:7-97، 412.
3- الكافي 190:5، 18، التهذيب 97:7-98، 418.

النقصان عند الجفاف، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة 102: قد بيّنّا جواز بيع البرّ بالسويق متساويا نقدا،

و لا يجوز متفاضلا و لا نسيئة، لاتّحاد الأصل فيهما، و لا اعتبار بزيادة الرّيع [1] في أحدهما، لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال: ما تقول في البرّ بالسويق ؟ فقال: «مثلا بمثل لا بأس به» قال: قلت له: إنّه يكون له ريع أو يكون له فضل، فقال: «ليس له مئونة ؟» قلت: بلي، قال:

«فهذا بذا» و قال: «إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد»(1).

مسألة 103: لو دفع إلي الطحّان طعاما و قاطعه علي أن يعطيه به طحينا أنقص،

أو دفع إلي العصّار سمسما و قاطعه علي شيرج أنقص، لم يجز.

و كذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل: فلربا الفضل، و أمّا الثاني: فلربا النسيئة.

و سأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلي الطحّان الطعام فيقاطعه علي أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقا، فقال: «لا» قال: فقلت:

فالرجل يدفع السمسم إلي العصّار و يضمن له لكلّ صاع أرطالا مسمّاة، قال: «لا»(2).

مسألة 104: يكره أن يدفع الإنسان إلي غيره البقر و الغنم

علي أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها و أولادها شيئا معلوما. و إن فعل ذلك، كان ضريبة غير لازمة.

و كذا يكره أن يدفع الغنم و الإبل إلي غيره علي أن يبدل له - إذا

ص: 206


1- الكافي 189:5، 9، التهذيب 95:7، 404.
2- الكافي 189:5، 11، التهذيب 96:7، 411.

ولدت - الذكور بالإناث و بالعكس.

لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل قال لرجل: ادفع إليّ غنمك و إبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها، فقال: «إنّ ذلك فعل مكروه، إلاّ أن يبدلها بعد ما تولّد و يعزلها».

قال: و سألته عن الرجل يدفع إلي الرجل بقرا و غنما علي أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها و أولادها كذا و كذا، قال: «ذلك مكروه»(1).

مسألة 105: لا ربا بين الولد و والده،

فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه، لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. و كذا بين السيّد و عبده المختصّ به، لأنّ مال العبد لمولاه. و لا بين الرجل و زوجته، و لكلّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. و لا بين المسلم و الحربيّ، فيأخذ منهم الفضل و لا يعطيهم إيّاه، لأنّهم في الحقيقة فيء للمسلمين.

و لقول الباقر عليه السّلام: «ليس بين الرجل و ولده و بينه و بين عبده و لا بين أهله ربا، إنّما الربا فيما بينك و بين ما لا تملك» قلت: و المشركون بيني و بينهم ربا؟ قال: «نعم» قلت: فإنّهم مماليك، فقال: «إنّك لست تملكهم، إنّما تملكهم مع غيرك، أنت و غيرك فيهم سواء، و الذي بينك و بينهم ليس من ذلك، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك»(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ليس بين الرجل و ولده ربا، و ليس بين السيّد و عبده ربا»(3).

ص: 207


1- التهذيب 120:7-121، 526، و في الكافي 191:5، 9 بدون الذيل.
2- الاستبصار 71:3، 236، و في الكافي 147:5، 3، و التهذيب 17:7، 75 بزيادة يسيرة.
3- الكافي 147:5، 1، التهذيب 18:7، 76.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم و نأخذ منهم و لا نعطيهم»(1).

فروع:

أ - لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب و دار الإسلام،

فلا يجوز للمسلم أن يربي علي المسلم في الدارين - و به قال مالك و أحمد و الشافعي و أبو يوسف(2) - للعموم(3).

و قال أبو حنيفة: لا ربا بين مسلمين(4) إذا أسلما في دار الحرب(5).

ب - لا ربا عندنا بين المسلم و الحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا،

و سواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب - و به قال أبو حنيفة(6) - للأحاديث السابقة.

و روي الجمهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا ربا بين المسلمين و أهل الحرب في دار الحرب»(7) و نحن لم نشرط الدار.ل.

ص: 208


1- الكافي 147:5، 2، التهذيب 18:7، 77، الإستبصار 70:3-71، 235.
2- المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4، الحاوي الكبير 75:5، حلية العلماء 192:4، الوسيط 48:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
3- البقرة: 275.
4- في «ق، ك»: المسلمين.
5- المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4-200، العزيز شرح الوجيز 99:4 - 100.
6- الهداية - للمرغيناني - 66:3، الاختيار لتعليل المختار 49:2، بدائع الصنائع 192:5، حلية العلماء 192:4، الحاوي الكبير 75:5، المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4.
7- أورده ابنا قدامة في المغني 176:4، و الشرح الكبير 200:4 نقلا عن مكحول.

و لأنّه في الحقيقة فيء للمسلمين و قد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز(1) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

و قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو يوسف: يثبت الربا بين المسلم و الحربيّ مطلقا كثبوته بين المسلمين، للعموم(2)(3).

ج - هل يثبت الربا بين الجدّ و ولد الولد؟ إشكال،

أقربه: الثبوت، عملا بالعموم الدالّ علي التحريم، و أصالة إرادة الحقيقة، و ولد الولد يسمّي ولدا مجازا.

و كذا يثبت بينه و بين زوجته بالعقد المنقطع، لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت(4) في حقّ العقد الدائم، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

و لا فرق بين الولد الذكر و الأنثي، لشمول اسم الولد لهما.

د - يثبت الربا بين السيّد و عبده المشترك بينه و بين غيره،

لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد و فيما في يده، و عليه دلّ حديث الباقر(5) عليه السّلام.

ه - في ثبوت الربا بين المسلم و الذمّيّ خلاف أقربه: الثبوت،

لعصمة أموالهم، و عموم الأحاديث و النصوص الدالّة علي تحريم مطلق الربا.

مسألة 106: يجب علي آخذ الربا المحرّم ردّه علي مالكه إن عرفه،

لأنّه مال له لم ينتقل عنه إلي الآخذ، و يده يد عادية، فيجب دفعه إلي المالك

ص: 209


1- في «ق، ك»: فجائز.
2- البقرة: 275.
3- الحاوي الكبير 75:5، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3، المغني 176:4، الشرح الكبير 198:4-199، بدائع الصنائع 192:5.
4- في «ق، ك»: ثبت.
5- الكافي 147:5، 3، التهذيب 17:7، 75، الاستبصار 71:3، 236.

كالغصب. و لو لم يعرف المالك، تصدّق به عنه، لأنّه مجهول المالك. و لو وجد المالك قد مات، سلّم إلي الوارث، فإن جهلهم، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. و لو لم يعرف المقدار و عرف المالك، صالحه. و لو لم يعرف المالك و لا المقدار، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي.

هذا إذا فعل الربا متعمّدا، و أمّا إذا فعله جاهلا بتحريمه، فالأقوي أنّه كذلك.

و قيل: لا يجب عليه ردّه(1) ، لقوله تعالي فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهي فَلَهُ ما سَلَفَ (2) و هو يتناول المال الذي أخذه علي وجه الربا.

و سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يأكل الربا و هو يري أنّه له حلال(3) ، قال: «لا يضرّه حتي يصيبه متعمّدا [فإذا أصابه متعمّدا](4) فهو بمنزلة الذي قال اللّه عزّ و جلّ»(5).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: «أتي رجل إلي أبي عليه السّلام [1]، فقال:

إنّي قد [2] ورثت مالا و قد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي و قد عرفت أنّ فيه ربا و أستيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه و قد سألت فقهاء أهل العراق و أهل الحجاز، فقالوا: لا يحلّ لك أكله6.

ص: 210


1- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 376.
2- البقرة: 275.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: أنّ له حلالا. و ما أثبتناه من المصدر.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- الكافي 144:5-145، 3، التهذيب 15:7، 66.

من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر عليه السّلام: إن كنت تعرف أنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوي ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد وضع ما مضي من الربا و حرّم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتي يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، و وجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه، كما يجب علي من يأكل الربا»(1).

إذا تقرّر هذا، فإنّما أباح عليه السّلام له الربا مع امتزاجه بناء علي أنّ الميّت ارتكبه بجهالة، و تمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث: الغرر.
اشارة

و قد نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(2) ، كبيع عسيب الفحل، و بيع ما ليس عنده، و بيع الحمل في بطن امّه، لنهيه عليه السّلام عنه(3). و لأنّه غرر، لعدم العلم بسلامته و صفته و قد يخرج حيّا أو ميّتا، و لا يقدر علي تسليمه عقيب العقد و لا الشروع فيه، بخلاف الغائب.

و من الغرر بيع الملاقيح و المضامين. و الملاقيح ما في بطون الأمّهات، و المضامين ما في أصلاب الفحول. و كانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة و ما يضربه الفحل في عام أو أعوام(4).

ص: 211


1- التهذيب 16:7، 70، و بتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي 146:5 ضمن الحديث 9، و الفقيه 175:3، 789.
2- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدار قطني 3. 15، 46، سنن البيهقي 338:5، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75، مسند أحمد 497:1، 2747.
3- سنن البيهقي 338:5 و 341، غريب الحديث - للهروي - 206:1، الاستذكار - لابن عبد البرّ - 98:20، 29400.
4- كما في المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.

و منه بيع المجر، لنهيه عليه السّلام عنه(1). و لأنّه غرر.

قال أبو عبيدة: هو بيع ما في الأرحام(2). و قيل: القمار(3) ، و قيل:

المحاقلة و المزابنة(4) [1].

و يجوز أن يبيع الدابّة و يشترط حملها، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5) و الجهالة هنا لا تضرّ، لأنّه تابع، فأشبه أساسات الحيطان، و هو أحد قولي الشافعيّة بناء منه علي أنّ الحمل له حكمه(6) ، فيجوز اشتراطه. و في الثاني: لا يجوز بناء علي أنّه لا حكم للحمل(7).

و لو باعها علي أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها، بطل العقد - و به قال الشافعي(8) - لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة 107: لو باع شاة علي أنّها لبون، صحّ

- و به قال الشافعي في أحد

ص: 212


1- غريب الحديث - للهروي - 206:1، سنن البيهقي 341:5، الاستذكار - لابن عبد البرّ - 98:20، 29400.
2- حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 134:4.
3- المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.
4- المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.
5- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- في الطبعة الحجريّة: حكم.
7- الوسيط 85:3، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 323:9، روضة الطالبين 73:3.
8- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3.

القولين(1) - لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان، و يأخذ قسطا من الثمن، فجاز شرطه.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه، كالحمل(2).

و بطلان التالي ممنوع. و الفرق: عدم العلم بوجود الحمل، بخلاف اللبن، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم، فإنّه لا يصحّ، لتعذّر الوفاء به، و لعدم ضبط اللبن.

مسألة 108: يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه

- و به قال الشافعي(3) - لأنّ المقصود و إن كان مستورا إلاّ أنّه لمصلحته، كالجوز.

و إن كان غير ما يؤكل لحمه، جاز عندنا أيضا إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخا، لأنّه لا ينتفع به في الأكل، و هو أحد قولي الشافعي بناء علي أنّ منيّة نجس أم لا، فإن كان نجسا، لم يجز بيعه، و إلاّ جاز(4).

و أمّا إذا كان متّصلا بالحيوان، فلا يجوز بيعه منفردا، كالحمل، و يجوز اشتراطه.

و إن انفصل من الحيوان بعد موته، فإن كان قد اكتسي الجلد الفوقاني الصلب، كان مباحا. و إن لم يكتس الجلد الصلب، كان حراما، لأنّه مائع

ص: 213


1- التهذيب - للبغوي - 526:3، الوسيط 84:3، المجموع 324:9، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، الشرح الكبير 55:4.
2- العزيز شرح الوجيز 118:4، الشرح الكبير 55:4.
3- انظر: المهذّب - للشيرازي - 269:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 253:9، حلية العلماء 72:4.

فينجس بها، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه لا يحلّ(2) ، لأنّه بمنزلة لحمها. و هو ممنوع.

و يجوز بيع بزر القزّ عندنا، لأنّه طاهر ينتفع به، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: لا يجوز بناء علي بيض ما لا يؤكل لحمه(3).

مسألة 109: و من الغرر بيع الطير في الهواء و السمك في الماء
اشارة

و قد سلف(4). و لا يجوز استئجار برك الحيتان لأخذ السمك منها - و به قال الشافعي(5) - لأنّ العين لا تملك بالإجارة. و بيع السمك فيها لا يجوز، لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها و يأخذه، جاز، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. و لأنّه عقد علي منفعة مقصودة، فجاز العقد عليها، و به قال أكثر الشافعيّة(6).

و قال أبو حامد [1] في التعليق: لا يجوز. و فرّق بين البركة و الشبكة، فإنّ الشبكة تحبس الصيد، و الاصطياد يكون بها، و أمّا البركة فإنّ الصيد

ص: 214


1- المهذّب - للشيرازي - 18:1، المجموع 244:1، حلية العلماء 119:1، التهذيب - للبغوي - 186:1، روضة الطالبين 128:1.
2- التهذيب - للبغوي - 186:1، المجموع 244:1، روضة الطالبين 128:1، حلية العلماء 119:1-120.
3- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 253:9، العزيز شرح الوجيز 24:4.
4- في ص 50 و 51، المسألتان 27 و 28.
5- المجموع 285:9، روضة الطالبين 325:4.
6- المجموع 285:9، روضة الطالبين 325:4.

ينحصر فيها بغيرها.

و هذا لا معني له، لأنّ البركة بها يمكن الاصطياد و يحبس كالشّرك [1]، و الانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع:

أ - لو استأجر أرضا للزراعة فدخل إليها السمك

ثمّ نضب الماء منها و بقي السمك، لم يملكه المستأجر بذلك، بل كان أحقّ به، لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض و لا الانتفاع بها، فلو تخطّي أجنبيّ فأخذ السمك، ملكه بالأخذ.

ب - لو طفرت سمكة إلي سفينة فيها ركّاب، لم يملكها صاحب السفينة،

و هي لآخذها، و ليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب، لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج - لو عشّش الطائر في دار أو أرض و فرّخ فيها،

أو توحّل الظبي في أرضه، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه، و يكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. و كذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان، لم يملكه بذلك، و كان أحقّ به. و لو دخل الماء في أرضه، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد، ملكه و إن كانت في غير أرضه، لأنّها بمنزلة يده. و كذا لو غرف الماء بدلوه و لو من أرض غيره، ملكه. و هذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة [2].

مسألة 110: بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفا علي إجازة المالك،
اشارة

فإن أجاز البيع، لزم، و إلاّ بطل. و لا يقع فاسدا في أصله و لا لازما.

ص: 215

و لا فرق بين البيع و الشراء - و به قال مالك و الشافعي في القديم(1) - لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه، و له مجيز في حال وقوعه، فجاز أن يقف علي إجازته، كالوصيّة.

و لأنّه عليه السّلام دفع إلي عروة البارقي دينارا يشتري به شاة، فاشتري به شاتين و باع إحداهما بدينار و جاء بشاة، و دينار، فقال النبيّ عليه السّلام: «بارك اللّه في صفقة يمينك»(2) فأجاز عليه السّلام بيع الشاة و شراء الشاتين، و لو كان بيع الفضولي و شراؤه باطلين، لما أقرّه عليه السّلام علي ذلك.

و قال أبو حنيفة: يقف البيع علي إجازة المالك، و لا يقف الشراء علي إجازة المشتري له، بل يقع للوكيل(3).

و عن أحمد روايتان في البيع و الشراء جميعا(4).

و قال الشافعي في الجديد: يبطل البيع من أصله(5) ، لقوله عليه السّلام لحكيم ابن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»(6).7.

ص: 216


1- بداية المجتهد 172:2، منهاج الطالبين: 95، روضة الطالبين 21:3، المجموع 9: 259 و 261، حلية العلماء 76:4 و 77، الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 31:4، التهذيب - للبغوي - 530:3، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
2- سنن الترمذي 559:3، 1258، سنن الدار قطني 10:3، 29.
3- الهداية - للمرغيناني - 68:3 و 69، بدائع الصنائع 148:5 و 150، الاختيار لتعليل المختار 26:2، حلية العلماء 75:4، الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
4- المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4، حلية العلماء 76:4، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9، بداية المجتهد 172:2.
5- الوسيط 22:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4، حلية العلماء 74:4، التهذيب - للبغوي - 530:3، منهاج الطالبين: 95، روضة الطالبين 3: 21، المجموع 259:9، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
6- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داود 283:3، 3503، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5، مسند أحمد 403:4، 14887، المعجم الكبير - للطبراني - 217:3، 3097.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لم يضمن»(1).

و لأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا، لعدم القدرة علي التسليم، فبيع ما لا ملك فيه و لا قدرة علي تسليمه أولي.

و الجواب: النهي لا يدلّ علي الفساد في المعاملات. و نمنع التعليل في الآبق بما ذكر، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر، فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع:

أ - هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح علي الأقوي

و إن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفا بل إمّا لازم أو باطل(2).

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه و كذا في العتق(3).

و أمّا الإجارة و الهبة فعندنا يقعان موقوفين علي الإجازة. و للشافعي القولان(4).

ب - لو اشتري الفضولي لغيره شيئا بعين مال الغير، وقف علي الإجازة

ص: 217


1- التهذيب 230:7، 1005.
2- المبسوط - للطوسي - 163:4، الخلاف 257:4-258، المسألة 11.
3- المجموع 259:9، روضة الطالبين 21:3، العزيز شرح الوجيز 32:4.
4- المجموع 259:9، روضة الطالبين 21:3، العزيز شرح الوجيز 32:4.

عندنا، و هو القديم للشافعي، و علي الجديد لا يصحّ(1).

و إن اشتري في الذمّة، فإن أطلق و نوي كونه للغير، وقف علي الإجازة، فإن ردّ، نفذ في حقّه، و هو القديم للشافعي، و علي الجديد يقع للمباشر(2).

و لو أضاف فقال: اشتريت لفلان بألف في ذمّته، فهو كما لو اشتري بعين ماله. و لو قال: اشتريت لفلان بألف، و لم يضف الثمن إلي ذمّة الغير، وقف علي إجازة الغير، فإن ردّ، احتمل نفوذه في حقّه. و البطلان.

و علي قول الشافعي في القديم: يقف علي الإجازة، فإن ردّ، فالاحتمالان(3). و علي الجديد وجهان: إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. و البطلان(4).

ج - لو اشتري الفضولي لغيره شيئا بمال نفسه، فإن لم يسمّه،

وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. و إن سمّاه، فإن لم يأذن له، لغت التسمية، و به قال الشافعي(5).

و هل يقع عنه أو يبطل من أصله ؟ احتمال. و للشافعي وجهان(6).

و إن أذن له، فهل تلغو التسمية ؟ للشافعي وجهان، فإن قلنا به، ففي9.

ص: 218


1- التهذيب - للبغوي - 530:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 260:9.
2- التهذيب - للبغوي - 530:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 260:9.
3- في «ق، ك»، و الطبعة الحجريّة: فالاحتمالات. و ما أثبتناه موافق لما في المصادر.
4- التهذيب - للبغوي - 530:3-531، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3-22، المجموع 260:9.
5- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
6- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. و إن قلنا: لا، وقع عن الآذن(1).

و الثمن المدفوع هل يكون قرضا أو هبة ؟ فيه للشافعي وجهان(2).

و الأقرب: البطلان فيما لو أذن، إذ ليس للإنسان أن يملك شيئا و الثمن علي غيره.

و قال أبو حنيفة في البيع و النكاح: إنّه يقف عقد الفضولي فيه علي الإجازة. و أمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق: يقع عن العاقد، و لا يقع موقوفا(3).

و عن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّي الغير(4).

د - شرط الوقف [1] عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مجيز في الحال

سواء كان مالكا أو لا حتي لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته، لا يتوقّف علي إجازته بعد البلوغ. و المعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتي لو باع مال الطفل فبلغ و أجاز، لم ينعقد. و كذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه و أجاز(5).

و المعتمد: أنّ الطلاق لا يقع موقوفا.

ه - لو غصب مالا و باعه و تصرّف في ثمنه مرّة بعد اخري،

كان ذلك موقوفا علي اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء، و فسخ الجميع أو أيّها شاء، و له تتبّع العقود الكثيرة، فيراعي مصلحته، و هذا أضعف4.

ص: 219


1- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
2- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
3- بدائع الصنائع 148:5-150، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 32:4.
5- بدائع الصنائع 149:5، الاختيار لتعليل المختار 26:2، العزيز شرح الوجيز 32:4.

قولي الشافعي، و الأصحّ عنده: البطلان(1).

و كذا الخلاف لو ربح الغاصب في المغصوب، يكون الربح له أو للمالك ؟(2).

و الحقّ عندنا أنّه إن اشتري بعين المال، كان للمالك الربح مع الإجازة. و إن لم يجز، بطل البيع من أصله. و إن اشتري في الذمّة، فللغاصب الربح، لأنّه نقد المال دينا عليه.

و - لو باع مال أبيه علي ظنّ أنّه حيّ و أنّه فضوليّ فظهر بعد العقد أنّه كان ميّتا

و أنّ الملك كان للبائع، فإنّه يصحّ البيع، لصدوره من المالك في محلّه، و هو أصحّ قولي الشافعي(3). و هذا بخلاف ما لو أخرج مالا و قال: إن مات مورّثي فهذا زكاة ما ورثته منه، و كان قد ورث، فإنّه لا يجزئه، لأنّ النيّة شرط في الزكاة، و لم يبن نيّته علي أصل، أمّا البيع فلا حاجة له إلي النيّة.

و الثاني للشافعي: البطلان، فإنّه و إن كان منجّزا في الصورة إلاّ أنّه معلّق في المعني. و التقدير: إن مات مورّثي فقد بعتك. و لأنّه كالعابث حيث باشر العقد مع اعتقاده(4) أنّه لغيره، و العبث لا عبرة به في نظر الشرع(5).9.

ص: 220


1- الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
2- العزيز شرح الوجيز 33:4.
3- الوسيط 23:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 261:9.
4- في «ق، ك»: اعتقاد.
5- الوسيط 23:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3-23، المجموع 261:9.

و أمّا الهازل فلا ينعقد بيعه عندنا. و في انعقاده عنده وجهان(1).

و كذا بيع التلجئة باطل عندنا. و صورته أن يخاف غصب ماله و الإكراه(2) علي بيعه فيبيعه من إنسان بيعا مطلقا و لكن توافقا قبله علي أنّه لدفع الظلم.

و ظاهر مذهب الشافعي انعقاده(3).

و هو خطأ، لقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (4).

و كذا الخلاف عنده لو باع العبد علي [ظنّ](5) أنّه آبق أو مكاتب فظهر أنّه قد رجع أو فسخ الكتابة، و فيما إذا زوّج أمة أبيه علي ظنّ أنّه حيّ ثمّ بان موته هل يصحّ النكاح ؟(6) و الوجه عندنا: صحّة ذلك.

أمّا لو قال: إن مات أبي فقد زوّجتك هذه الجارية، فإنّ العقد هنا باطل، لتعلّقه علي شرط. و له قولان(7).

و هذه المسألة مع أكثر فروعها قد سبقت(8).

مسألة 111: يجوز بيع الأعمي و شراؤه،

سواء كان أكمه و هو الذي

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
2- كذا، و الظاهر: أو الإكراه.
3- العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9، المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4.
4- النساء: 29.
5- أضفناها من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 33:4-34، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
7- العزيز شرح الوجيز 34:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
8- في ص 14 و ما بعدها، المسألة 5 و فروعها.

خلق أعمي، أو يكون قد عمي بعد أن أبصر لكن بشرط علمه بالمبيع أو المشتري إمّا باللمس إن عرفه به أو بالذوق إن علمه به أو يوصف له وصفا يرفع الجهالة - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(1) - لعموم الجواز. و لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه، فكان سائغا. و لأنّ المقتضي موجود، و الأصل، و المعارض لا يصلح للمانعيّة، لأنّا فرضنا معرفته، فكان كما لو باع شيئا غائبا عنه يعلم بالمشاهدة. و لأنّ في الصحابة من كان أعمي و لم ينقل أنّهم منعوا من البيع مع كثرتهم، و لو كانوا منعوا، لنقل. و لأنّ الأخرس تقوم إشارته مقام عبارته فالأعمي ينبغي أن يقوم مسّه و ذوقه و شمّه مقام رؤيته.

و قال الشافعي: إن كان أكمه، لم يجز بيعه. و إن كان عمي بعد أن كان بصيرا، فإن اشتري ما لم يره، لم يجز البيع. و إن اشتري ما قد كان رآه، فإن كان الزمان يسيرا لا يتغيّر في مثله أو كان المبيع ممّا لا يتغيّر و إن مرّ عليه الزمان الطويل، فإنّ هذا يجوز له بيعه. فإنّ وجده متغيّرا، ثبت له الخيار.

و إن كان قد مضي زمان يتغيّر فيه كأن رآه صغيرا [1] و قد صار رجلا، فإنّه لا يصحّ بيعه.

هذا علي القول بعدم جواز بيع خيار الرؤية، و أمّا علي الجواز فهل يصحّ بيعه ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يجوز أيضا، لأنّ بيع خيار الرؤية يثبت فيه الخيار متعلّقا4.

ص: 222


1- التلقين - في الفقه المالكي - 1-384:2، التهذيب - للبغوي - 535:3، الهداية - للمرغيناني - 34:3، مختصر اختلاف العلماء 79:3، 1157، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، المجموع 302:9-303، روضة الطالبين 3: 35، العزيز شرح الوجيز 52:4.

بالرؤية، و هذا منفي في حقّ الأعمي.

و الثاني: يجوز، لأنّ رؤيته إذا لم تكن شرطا في صحّة البيع فلم يفقد في حقّ الأعمي إلاّ الرؤية. و يمكن أن يقوم صفة غيره له مقام رؤيته في إثبات الخيار.

و وجه المنع: أنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد، فلا يصحّ بيعه، كما لو قال: بعتك عبدا(1).

و الجواب: المنع من جهل الصفة، إذ التقدير العلم بها.

إذا ثبت هذا، فقد أثبت علماؤنا و أبو حنيفة(2) له الخيار إلي معرفته بالمبيع إمّا بمسّه أو بذوقه أو أن يوصف له إذا لم يدركه بذلك.

و اعلم أنّ السّلم كالحالّ يجوز بيع الأعمي فيه و شراؤه كالبصير، و به قال الشافعي(3).

قال المزنيّ: أراد بذلك الأعمي الذي عرف الألوان قبل أن يعمي، فأمّا من خلق أعمي فلا معرفة له بالأعيان.

و صوّب المزنيّ أبو العباس و أبو علي ابن أبي هريرة. و خطّأه أبو إسحاق المروزي، فإنّ الأعمي يجوز أن يتعرّف الصفات في نفسه3.

ص: 223


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 170:3-171، المسألة 279. و انظر: المهذّب - للشيرازي - 271:1، و المجموع 302:9-303، و روضة الطالبين 3: 35، و التهذيب - للبغوي - 535:3، و العزيز شرح الوجيز 52:4، و مختصر اختلاف العلماء 79:3، 1157، و المغني 299:4، و الشرح الكبير 32:4.
2- الهداية - للمرغيناني - 34:3، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
3- الوسيط 38:3، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 53:4 و 54، المهذّب - للشيرازي - 303:1، المجموع 303:9، روضة الطالبين 36:3، حلية العلماء 355:4، التهذيب - للبغوي - 535:3.

بالسماع، فإذا أسلم في ثوب موصوف، جاز، و يكون بمنزلة بصير يسلم في شيء لم يره و يذكر أوصافه، فإنّه يجوز، كذا هنا(1).

و هذه المسألة أيضا قد سلفت(2).

مسألة 112: من الغرر جهالة الثمن علي ما تقدّم،
اشارة

و من صور الجهالة أن يبيع الشيء بثمنين مختلفين أحدهما حالّ و الآخر مؤجّل، أو أحدهما إلي أجل و الآخر إلي أزيد، فيقول مثلا: بعتك هذا الثوب إما بعشرة دراهم نقدا أو باثني عشر نسيئة، و إمّا بعشرة مؤجّلة إلي شهر أو باثني عشر إلي شهرين - و به قال الشافعي(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيعتين(4) في بيعة(5).

و فسّره الشافعي بأمرين، أحدهما هذا، قال: و يحتمل أن يكون المراد أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف علي أن تبيعني دارك هذه بألف(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن

ص: 224


1- مختصر المزني: 88، حلية العلماء 358:4، الحاوي الكبير 339:5، المهذّب - للشيرازي - 303:1-304، العزيز شرح الوجيز 53:4 و 54.
2- في ص 24، المسألة 7.
3- المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 338:9، روضة الطالبين 64:3، الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 104:4، الوسيط 71:3، التهذيب - للبغوي - 536:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: بيعين. و ما أثبتناه من المصادر.
5- سنن الترمذي 533:3، 1231، سنن النسائي 296:7، سنن البيهقي 343:5، مسند أحمد 366:2، 6591، و 246:3، 9795، و 297، 10157، الموطّأ 2: 663، 72.
6- مختصر المزني: 88، الوسيط 72:3، الحاوي الكبير 341:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 338:9، روضة الطالبين 64:3، التهذيب - للبغوي - 536:3-537، العزيز شرح الوجيز 104:4.

بيع ما ليس عندك، و عن بيعين في بيع»(1).

و لأنّ الثمن هنا مجهول، فكان بمنزلة ما لو قال: بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بألف.

أمّا لو قال: بعتك بعشرة نقدا و باثني عشر إلي شهر، فإنّه كذلك عندنا، لعدم التعيين.

و قال بعض(2) علمائنا: يكون للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين، لأنّه رضي بنقل العين في مقابلة الثمن القليل بالأجل الكثير، فلا تجوز الزيادة عليه لأجل الزيادة في الأجل.

و لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين: بالنقد كذا، و بالنسيئة كذا، فأخذ المبتاع علي ذلك الشرط فقال: هو بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، يقول:

ليس له إلاّ أقلّ النقدين إلي الأجل الذي أجّله نسيئة»(3).

و الجواب: يمنع رضاه بالأقلّ ثمنا و الأزيد أجلا، بل رضي بالأقلّ ثمنا مع قلّة الأجل، و بالأكثر مع زيادته.

و الرواية ضعيفة جدّا، لأنّ السكوني ضعيف، و الراوي عنه النوفلي ضعيف أيضا.

و جوّز بعض الشافعيّة هذا البيع(4) ، و يكون له بعشرة معجّلا، و باثني عشر مؤجّلا.3.

ص: 225


1- التهذيب 230:7، 1005.
2- الشيخ الطوسي في النهاية: 387-388.
3- التهذيب 53:7، 230.
4- التهذيب - للبغوي - 536:3، روضة الطالبين 64:3.

إذا ثبت هذا، فالتفسير الذي ذكره الشافعي ثانيا ليس بشيء عندنا، لأنّه يجوز البيع بشرط علي ما يأتي إن شاء اللّه.

تذنيب: لو قال: بعتك نصف هذا العبد بألف و نصفه بألفين، صحّ.

و لو قال: بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة، لم يصحّ، لأنّ ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن علي المثمن بالسويّة، و آخره يناقضه، هكذا قال بعض الشافعيّة(1).

و الأقوي عندي: الجواز، لأنّ الأوّل كالمطلق أو العامّ، و الثاني كالمبيّن له.

مسألة 113: من صور جهالة الثمن ما لو استثني بعضا منه غير معلوم
اشارة

كأن يقول: بعتك بعشرة إلاّ شيئا، أو جزءا، أو نصيبا، و لم يعيّن. و لا يحمل علي الوصيّة اقتصارا بما يخالف العرف علي مورد النصّ خصوصا مع عدم التنصيص في غيره.

و لو قال: بعتك هذا القفيز من الطعام بأربعة دراهم إلاّ ما يخصّ واحدا منه، فإن أراد ما يساوي واحدا في الحال، فإن عرفا المقدار، صحّ، و إلاّ فلا.

و إن أراد ما يساوي واحدا عند التقويم، بطل، لأنّه مجهول.

و إن أراد ما يخصّه إذا وزّع القفيز علي المبلغ المذكور قبل الاستثناء، صحّ، و كان الاستثناء(2) للربع، فيصحّ البيع في ثلاثة أرباع القفيز بأربعة.

و إن أراد ما يخصّه إذا وزّع الباقي بعد الاستثناء علي المبلغ المذكور علي معني أن يكون قد استثني من القفيز ما يخصّ واحدا ممّا يستقرّ عليه

ص: 226


1- التهذيب - للبغوي - 537:3، العزيز شرح الوجيز 104:4، روضة الطالبين 64:3.
2- في «ق، ك»: استثناء.

البيع بعد الاستثناء، دخلها الدور، لأنّا لا نعلم قدر المبيع إلاّ بعد معرفة المستثني و بالعكس، فنقول: إنّه يبطل البيع، للجهالة حالة العقد، إلاّ أن يعرفا ذلك وقت العقد بطريق الجبر و المقابلة أو غيره.

و طريقه أن نقول: المستثني شيء [1]، فالمبيع قفيز [إلاّ شيئا، فربع قفيز](1) إلاّ ربع شيء هو الذي يخصّ الدرهم، و قد تقدّم أنّ الذي يخصّ الدرهم شيء، فربع قفيز كامل يعدل شيئا و ربع شيء، فالقفيز الكامل يعدل خمسة أشياء، فالمستثني خمسه، لأنّ المستثني شيء و قد ظهر أنّه خمسة.

أو نقول: صحّ البيع في الجميع إلاّ في شيء - و ذلك الشيء هو ما يقابل الواحد - بجميع الثمن، فإذا جبرنا القفيز بشيء و زدنا علي الأربعة ما يقابله - و هو واحد - صار القفيز بأجمعه يعدل خمسة، فالمقابل للواحد الخمس.

فروع:

أ - لو قال: بعتك بعشرة إلاّ ثلث الثمن، فالثمن سبعة و نصف،

لأنّا نفرض الثمن شيئا فنقول: إنّه قد باعه بعشرة إلاّ ثلث شيء يعدل شيئا كاملا، و هو جملة الثمن، فإذا جبرنا و قابلنا، كانت العشرة الكاملة تعدل شيئا و ثلثا، فالشيء الذي هو الثمن ثلاثة أرباع العشرة.

و لو قال: إلاّ ربع الثمن، فالثمن ثمانية. و لو قال: إلاّ خمس الثمن، فهو ثمانية و ثلث، و علي هذا.

ب - لو قال: بعتك بعشرة و ثلث الثمن، فهو خمسة عشر،

لأنّا

ص: 227


1- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

نفرض الثمن شيئا مجهولا، و الثمن يعدل عشرة و ثلث شيء، فعشرة و ثلث شيء تعدل شيئا هو جملة الثمن، يسقط ثلث شيء بثلث شيء، تبقي عشرة تعدل ثلثي شيء، فالشيء الكامل يعدل خمسة عشر.

و لو باعه بعشرة و ربع الثمن، فهو ثلاثة عشر و ثلث، لأنّا نفرض الثمن شيئا، فعشرة و ربع شيء تعدل الثمن و هو شيء، فإذا أسقطنا ربع شيء بربع شيء، بقي عشرة تعدل ثلاثة أرباع شيء، فكلّ ربع ثلاثة و ثلث، فالثمن ثلاثة عشر و ثلث، و علي هذا.

ج - لو قال: بعتك نصيبي - و هو السدس مثلا - من الدار من حساب مائتين، صحّ البيع

و إن جهل في الحال قدر الثمن، و يكون له سدس المائتين، لأنّ المراد جعل المائتين في مقابلة الجميع، و يكون له ما يقتضيه الحساب.

و لو قال: بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار، فإن عرف القدر حالة العقد، صحّ. و إن جهل، بطل. و لو عرف عدد الورثة و قدر الاستحقاق إجمالا، فالأقوي الصحّة، و يكون له ما يقتضيه الحساب.

و كذا لو قال: بعتك جزءا من مائة و أحد عشر جزءا، فإنّه يصحّ و إن جهل النسبة. و كذا يصحّ لو عكس، فقال: بعتك نصف تسع عشر هذا الموضع و جهل القدر من السهام.

و كذا لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض علي الاختلاف بأن ورث من أبيه حصّة و من أمّه أقلّ أو أكثر، و جعل لواحد منهما أحد النصيبين و للآخر الباقي، فإنّه يصحّ و إن جهلا قدر نسبة النصيب إلي الجميع في الحال و نسبة النصيب في الثمن، و يرجعان إلي ما يقتضيه الحساب، إذ الثمن في مقابلة الجملة، فلا تضرّ جهالة الأجزاء.

ص: 228

د - لو باعه خمسة أرطال علي سعر المائة باثني عشر درهما، صحّ

و إن جهل في الحال قدر الثمن، لأنّه ممّا يعلم بالحساب، و لا يمكن تطرّق الزيادة إليه و لا النقصان، فينتفي الغرر، و يثبت الثمن ثلاثة أخماس درهم، لأنّ نسبة المائة إلي ثمنها - و هو اثنا عشر - كنسبة خمسة إلي ثمنها، فالمجهول الرابع، فيضرب الثاني - و هو اثنا عشر - في الثالث - و هو خمسة - يبلغ ستّين يقسمها علي الأوّل - و هو مائة - يخرج ثلاثة أخماس درهم، و هو ثمن المبيع. أو نقول: الاثنا عشر عشر و خمس عشر المائة، فنأخذه بهذه النسبة من الخمسة، و هو ثلاثة أخماس واحد.

و لو قال: بعتك بخمسة دراهم علي سعر المائة باثني عشر، أخذت ربع و سدس المائة، لأنّ الخمسة ربع و سدس من الاثني عشر(1).

ه - لو كان له ثلاث قطائع من الغنم ثانيها ثلاثة أمثال أوّلها،

و ثالثها ثلاثة أمثال ثانيها، فاشتري آخر منه ثلثي الأوّل و ثلاثة أرباع الثاني و خمسة أسداس الثالث، اجتمع له مائة و خمسة و عشرون رأسا، فطريق معرفة قدر كلّ قطيع أن نقول: نفرض القطيع الأوّل شيئا فالثاني ثلاثة أشياء و الثالث تسعة أشياء، فنأخذ ثلثي شيء و ثلاثة أرباع ثلاثة أشياء و خمسة أسداس تسعة أشياء، و نجمعها، فتكون عشرة أشياء و ربع و سدس شيء، و هو يعدل مائة و خمسة و عشرين، فالشيء يعدل اثني عشر.

و - لو تطرّقت الجهالة بعد البيع، لم تثمر فساده، بل وقع صحيحا.

ثمّ إن لم يمكن تدارك العلم، اصطلحا، و يجبرهما الحاكم عليه قطعا للتنازع. و إن أمكن، وجب المصير إليه، فلو كان له قطعة أرض بينر.

ص: 229


1- في «ق، ك»: و سدس الاثني عشر.

شجرتين و قدرها، أربعة عشر ذراعا و طول إحدي الشجرتين ستّة و طول الأخري ثمانية، فاجتاز ظبي بينهما فطار إليه طائران من الرأسين بالسويّة حتي تلاقيا علي رأس الظبي، فباع القطعة من اثنين بثمن واحد صفقة واحدة لأحدهما من أصل شجرته إلي موضع الظبي و للآخر من موضع الظبي إلي أصل الأخري، ثمّ خفي موضع الالتقاء، فطريق معرفة حقّ كلّ منهما أن يجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلي موضع الظبي شيئا و نضربه في نفسه، فيكون الحاصل مالا [1]، و نضرب طولها - و هو ستّة - في نفسه، فيكون المجموع مالا و ستّة و ثلاثين، و جذره مقدار ما طار الطائر، لأنّه وتر القائمة، فيكون مربّعه مساويا لمجموع مربّعي صاحبتها بشكل العروس [2]، و يبقي من موضع الظبي إلي أصل الأخري أربعة عشر إلاّ شيئا مربّعه مائة و ستّة و تسعون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و مربّع الطويلة أربعة و ستّون مجموعهما مائتان و ستّون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و هو يعدل مالا و ستّة و ثلاثين، لتساوي الوترين حيث طارا بالسويّة، فإذا جبرت و قابلت، بقي مائتان و أربعة و عشرون تعدل ثمانية و عشرين شيئا، فالشيء يعدل ثمانية، و هو ما بين أصل القصيرة و الظبي، فيبقي ما بينه و بين أصل الأخري يعدل ستّة، فكلّ وتر عشرة.

ز - لو باع اثنين صفقة قطعة علي شكل مثلّث قاعدته أربعة عشر

ص: 230

ذراعا و أحد ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر و الآخر خمسة عشر علي أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلي أحد الضلعين، و للآخر منه إلي الضلع الآخر و بسط الثمن علي الأذرع، فطريق معرفة نصيب كلّ منهما أن نقول: نفرض ما بين الضلع الأقصر و مسقط العمود شيئا، فيكون مربّعه مالا و مربّع الضلع مائة و تسعة و ستون، و إذا نقص المال منه، بقي مربّع العمود مائة و تسعة و ستّون إلاّ مالا، و يبقي من مسقط العمود إلي الطرف الآخر أربعة عشر إلاّ شيئا، و مربّعها مائة و ستّة و تسعون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و يسقط [1] من مربّع الأوّل، و هو مائتان و خمسة و عشرون، تبقي تسعة و عشرون و ثمانية و عشرون شيئا إلاّ مالا، و هو مربّع العمود، و يكون معادلا لمائة و تسعة و ستّين إلاّ مالا، فإذا قابلت، بقي مائة و أربعون تعدل ثمانية و عشرين شيئا، فالشيء خمسة، و هو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر و مسقط العمود، و مربّعه خمسة و عشرون، و إذا [2] أسقطناه من مائة و تسعة و ستّين، بقي مائة و أربعة و أربعون، و هو مربّع العمود. و من الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود و طرف القاعدة تسعة مربّعة أحد و ثمانون، و إذا أسقطناه من مائتين و خمسة و عشرين، تبقي مائة و أربعة و أربعون، و هو مربّع العمود، و العمود يكون اثني عشر.

ح - لو قال زيد لعمرو: بعتك داري بثمن [ما معي و](1) ثلث ما معك تمام ثمن المبيع،

فقال عمرو: قبلت [3] بثمن [ما معي](2) و ربع ما معكا.

ص: 231


1- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
2- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

تمامه، فطريق معرفة قدر الثمن و قدر ما مع كلّ منهما أن نفرض ما مع زيد شيئا و ما مع عمرو ثلثه تصحيحا للثلث، فإذا أخذ زيد واحدا، صار معه شيء و واحد، و هو ثمن المبيع، و إذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد، صار معه ثلثه و ربع شيء، و هو ثمن المبيع، فشيء واحد يعدل ثلثه و ربع شيء، فإذا قابلت، صار ثلاثة أرباع شيء يعدل اثنين، و الشيء يعدل اثنين و ثلثي واحد، فالثمن ثلاثة و ثلثا واحد، فإذا صحّحت الكسر، كان مع زيد ثمانية و مع عمرو تسعة و ثمن المبيع أحد عشر.

ط - لو باعه حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستّة أذرع ثمّ مال حتي غاب رأسه في الماء،

و كان بين موضعه وقت الانتصاب و موضع رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين، فطريق معرفة قدر عمقه أن نفرض القدر(1) الغائب من الرمح وقت الانتصاب شيئا، فيكون مربّعه مع مربّع العشرة مساويا لمربّع الرمح بشكل العروس، و مربّع الشيء مال، و مربّع العشرة مائة، فمربّع طول الرمح مال و مائة، فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئا و ستّة، و مربّعه مال و اثنا عشر شيئا و ستّة و ثلاثون، لأنّ الخطّ إذا انقسم بقسمين، فإنّ مربّعه مساو لمربّع كلّ قسم و لضرب أحد القسمين في الآخر مرّتين، فالمال ضرب الشيء في نفسه، و ستّة و ثلاثون ضرب ستّة في نفسها، و اثنا عشر شيئا ضرب ستّة في الشيء مرّتين، و هو معادل المال و مائة، و بعد المقابلة تبقي أربعة و ستّون تعدل اثني عشر شيئا، و يكون الشيء خمسة و ثلثا، و طول الرمح أحد عشر و ثلث ذراع، فالفاضل عن ستّة عمق الماء.ر.

ص: 232


1- في الطبعة الحجريّة: قدر.
مسألة 114: يجوز ابتياع الجزء المشاع المعلوم النسبة من كلّ جملة يصحّ بيعها،

سواء كان عقارا أو حيوانا أو نباتا أو ثمرة معلومة القدر أو طعاما معلوم القدر، للأصل، و انتفاء المانع و هو الجهالة.

و لو باع جزءا شائعا من شيء بمثله من ذلك الشيء - كما لو كانت العين بينهما نصفين فباع أحدهما الآخر نصفه بنصف صاحبه - جاز عندنا، للأصل. و لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يصحّ، لانتفاء فائدته(1).

و نمنع انتفاء الفائدة، بل له فوائد:

منها: ما لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة، انقطعت ولاية الرجوع بالتصرّف.

و منها: لو ملكه بالشراء ثمّ اطّلع بعد هذا التصرّف علي عيب، لم يملك الردّ علي بائعه.

و منها: لو ملّكته صداقا و طلّقها الزوج قبل الدخول، لم يكن له الرجوع فيه.

و كذا يجوز ابتياع الجملة و استثناء الجزء الشائع، كربع الثمرة و قدر الزكاة.

مسألة 115: قد بيّنّا أنّ بيع الغائب لا يصحّ إلاّ مع تقدّم الرؤية
اشارة

أو الوصف الرافع للجهالة، لما فيه من الغرر.

و للشافعي في بيع الأعيان الغائبة و الحاضرة التي لم تر مع عدم

ص: 233


1- العزيز شرح الوجيز 42:4، المجموع 256:9-257 و 287، روضة الطالبين 28:3.

الوصف قولان:

قال في القديم و الإملاء و الصرف [من](1) الجديد: إنّه صحيح - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد - لقوله عليه السّلام: «من اشتري شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه»(2) و معلوم أنّ الخيار إنّما يثبت في العقود الصحيحة.

و لأنّه عقد معاوضة، فلم يكن [من](3) شرطه رؤية المعقود عليه، كالنكاح.

و قال في الأم و البويطي: لا يصحّ - و هو ما اخترناه، و به قال المزني - لأنّه غرر و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(4).

و لأنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصحّ بيعه، كما لو أسلم في شيء و لم يصفه(5).

و الجواب عن الحديث: أنّا نقول بموجبه، فإنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا لم يخرج علي الوصف، إذ لا وجه له علي تقدير الصحّة مطلقا سواء وصف أو لا، لوجود الرضا من المتبايعين علي التبادل في الثمن و المثمن4.

ص: 234


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «في». و المثبت أنسب بالعبارة.
2- أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 51:4، و بتفاوت يسير في سنن الدار قطني 4:3، 10 و سنن البيهقي 268:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «في». و المثبت أنسب بالعبارة.
4- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدار قطني 15:3، 46، سنن البيهقي 266:5 و فيها: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر.
5- التهذيب - للبغوي - 282:3-284، العزيز شرح الوجيز 51:4، المجموع 9: 290، روضة الطالبين 35:3، بداية المجتهد 155:2، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4.

مهما كانا، فيكون بمنزلة المرئي، و معلوم أنّ المرئي لا خيار فيه، فلمّا أثبت الخيار علمنا اقترانه باشتراط وصف رافع للجهالة.

و القياس عندنا باطل مع قيام الفرق و القلب بأن يقال: فلا يثبت فيه خيار الرؤية، كالنكاح.

إذا تقرّر هذا، فنقول: اختلف أصحابه في محلّ القولين علي طريقين، أصحّهما عند أكثرهم: أنّ القولين مطّردان في المبيع الذي لم يره واحد منهما أو رآه أحدهما خاصّة.

و الثاني: أنّ القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشتري، و أمّا إذا لم يشاهده البائع، فإنّه يبطل البيع قولا واحدا، لسهولة الاجتناب عن هذا الغرر علي البائع، لأنّه المالك و المتصرّف في المبيع. و منهم من عكس، لأنّ البائع معرض عن الملك و المشتري محصّل له، فهو [أجدر] [1] بالاحتياط.

و حينئذ يخرج لهم طريقة ثالثة، و هي القطع بالصحّة إذا رآه المشتري(1).

فروع:

أ - لو آجر غير المرئيّ له [2]، فإن كان المباشر للعقد قد رآه، صحّت الإجارة عندنا،

و إن لم يكن قد رآه، لم تصحّ.

و عند الشافعيّة القولان السابقان في بيع الغائب مع عدم الرؤية(2).

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 51:4، المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3.
2- التهذيب - للبغوي - 284:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 290:9.

ب - لو آجر شيئا بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السّلم

ثمّ سلّم في مجلس عقد السلم، بطل عندنا ذلك كلّه، خلافا للشافعي، فإنّ فيه قولي(1) بيع الغائب عنده(2).

ج - لو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص عليها، صحّ النكاح عنده

و حصلت البينونة و سقط القصاص. و في صحّة المسمّي القولان، فإن لم يصحّ، وجب مهر المثل علي الرجل في النكاح و علي المرأة في الخلع و وجبت الدية علي المعفوّ عنه(3).

و عندي في ذلك إشكال.

د - الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي و لا الموصوف و رهنه،

لأنّهما ليسا من عقود المغابنات، بل الراهن و الواهب مغبونان، و المتّهب و المرتهن مرتفقان، و لا خيار لهما عند الرؤية، لانتفاء الحاجة إليه.

ه - لو رآه قبل الشراء ثمّ وجده كما رآه بعد الشراء، فلا خيار له،

و هو قول الشافعي تفريعا علي صحّة البيع عنده(4).

و إن وجده متغيّرا، لم يبطل البيع من أصله - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لبقاء(6) العقد في الأصل علي ظنّ غالب، لكن له الخيار.ء.

ص: 236


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: قول. و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب - للبغوي - 284:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 290:9.
3- التهذيب - للبغوي - 284:3-285، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 290:9-291.
4- التهذيب - للبغوي - 288:3 و 289، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 296:9.
5- الوسيط 40:3، العزيز شرح الوجيز 55:4، التهذيب - للبغوي - 288:3، روضة الطالبين 37:3، المجموع 296:9.
6- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: لبناء.

و أضعف الوجهين: البطلان، لتبيّن انتفاء المعرفة(1).

و لا نعني بالتغيّر هنا التعيّب خاصّة.

و - استقصاء الأوصاف علي الحدّ المعتبر في السّلم لا يقوم مقام الرؤية و كذا سماع وصفه بالتواتر،

لأنّ الرؤية تطلع علي أمور لا يمكن التعبير عنها، و هو أصحّ وجهي الشافعي(2).

و في الآخر: أنّه يقوم الاستقصاء و السماع بالتواتر مقام الرؤية، لأنّ ثمرة الرؤية المعرفة و هما يفيدانها، فيصحّ البيع، و لا خيار(3).

و هو ممنوع، لأنّ بعض الأوصاف لا يحصل علمه إلاّ بالرؤية.

مسألة 116: الرؤية المشترطة في كلّ شيء علي حسب ما يليق به،
اشارة

ففي شراء الدار لا بدّ من رؤية البيوت و السقوف و السطوح و الجدران داخلا و خارجا و رؤية المستحمّ و البالوعة. و في شراء البستان لا بدّ من رؤية الأشجار واحدة واحدة و الجدران و مسيل الماء، و لا يحتاج إلي رؤية أساس البنيان و لا عروق الأشجار.

و في اشتراط رؤية طريق الدار إشكال.

و لا يجوز رؤية العورة في الأمة و العبد، و لا بدّ من رؤية باقي بدن العبد، و هو أظهر وجهي الشافعي(4).

و كذا في بدن الجارية، لاختلاف الصفات.

و للشافعي وجوه: اعتبار رؤية ما يري في العبد، و رؤية ما يبدو عند

ص: 237


1- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 236.
2- الوسيط 38:3، العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
3- الوسيط 38:3، العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
4- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 39، المجموع 291:9.

المهنة، و الاكتفاء برؤية الوجه و الكفّين(1).

و يشترط رؤية الشعر، و هو أصحّ وجهي الشافعي(2).

و الأقرب اشتراط رؤية الأسنان و اللسان، و هو أحد وجهي الشافعي(3).

و لا بدّ في الدوابّ من رؤية مقدّمها و مؤخّرها و قوائمها و ظهرها.

و لا يشترط جري الفرس بين يديه - خلافا لبعض الشافعيّة(4) - للأصل.

و لو كان الثوب رقيقا لا يختلف وجهاه، كفي رؤية أحدهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5).

و لا بدّ من تقليب الأوراق في شراء الكتب و رؤية جميعها.

و لا يصحّ بيع اللبن في الضرع علي ما تقدّم(6).

و لو قال: بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا رطلا، لم يجز، لعدم العلم بوجود القدر في الضرع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الآخر: يجوز، كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف، فيجيء6.

ص: 238


1- العزيز شرح الوجيز 58:4، الوسيط 40:3، روضة الطالبين 39:3، المجموع 291:9.
2- الوسيط 40:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، التهذيب - للبغوي - 285:3، روضة الطالبين 39:3، المجموع 291:9.
3- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 39، المجموع 291:9.
4- العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 39:3، المجموع 292:9.
5- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 40، المجموع 292:9.
6- في ص 63، المسألة 36.

فيه حينئذ قولا بيع الغائب(1).

و لو سكب شيئا من اللبن فأراه إيّاه ثمّ باعه مدّا ممّا في الضرع، لم يجز.

و في رواية لنا: الجواز، و قد سلفت(2).

و للشافعي القولان(3).

و يحتمل عندي الجواز لو كان المبيع قدرا يسيرا يتيقّن وجوده حالة الحلب.

و لو قبض علي قدر من الضرع و أحكم شدّه ثمّ باعه ما فيه، لم يصحّ عندنا. و للشافعي وجهان(4).

فروع:

أ - يجوز بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ و بعده،

سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا، لكن بعد السلخ لا يجوز إلاّ بالوزن، أمّا قبله فالأقرب جوازه من دونه.

و منع الشافعي من بيعها قبل السلخ و بعده، سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا، لأنّ المقصود اللحم، و هو مجهول(5).

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
2- في ص 64.
3- العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
4- الوسيط 41:3، العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
5- الوسيط 42:3، العزيز شرح الوجيز 60:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 41:3، و فيها عدم صحّة بيعها قبل السلخ فقط.

و نحن نمنع ذلك كما قبل الذبح و(1) لو قصده حالة الشراء أو شرطه فيه.

ب - يجوز بيع الأكارع و الرءوس بعد الإبانة و قبلها من المذبوح نيئة و مشويّة،

و لا اعتبار بما عليها من الجلد، فإنّه مأكول، و به قال بعض الشافعيّة [1].

ج - لو رأي بعض الثوب و بعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره و لا وصف، لم يصحّ،

و هو أحد قولي الشافعي، للجهالة، سواء قال ببطلان بيع الغائب أو لا.

أمّا علي البطلان: فظاهر.

و أمّا علي الصحّة: فلأنّه ناظر إلي بعضه فيسهل النظر إلي باقية، بخلاف الغائب فقد(2) يعسر إحضاره و تدعو الحاجة إلي بيعه، فجاز هناك و لم يجز هنا. و لأنّ الرؤية فيما رآه سبب اللزوم، و عدمها فيما لم ير سبب الجواز، و العقد الواحد لا يتصوّر إثبات الجواز و اللزوم فيه معا، و لا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين(3).

و هذان [الفرقان](4) باطلان، لأنّهم جوّزوا بيع ما في الكمّ مع سهولةز.

ص: 240


1- كلمة «و» لم ترد في «ق».
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: قد. و ما أثبتناه - كما هو الأنسب بالعبارة - من العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 61:4، المجموع 296:9، روضة الطالبين 42:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: القدران. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

إخراجه(1). و سبب الردّ في البعض يكفي في ردّ الكلّ، كما لو وجد البعض معيبا.

د - لو كان شيئين [1] فرأي أحدهما دون الآخر،

فإن وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ البيع، و إلاّ بطل، عند علمائنا، للجهالة.

أمّا الشافعي فإنّه جوّز بيع الغائب من غير وصف في قول، و أبطله في آخر، فعلي البطلان لا يصحّ البيع فيما لم يره، و فيما يراه قولا تفريق الصفقة.

و علي الصحّة ففي صحّة العقد فيهما قولان، أحدهما: البطلان، لأنّه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم، لأنّ ما رآه لا خيار فيه، و ما لم يره يثبت فيه الخيار، فإن صحّحناه، فله ردّ ما لم يره و إمساك ما رآه(2).

و علي مذهبنا إذا خرج ما لم يره علي غير الوصف، كان بالخيار في الفسخ و الإمضاء.

ه - لو خرج الموصوف علي خلاف الوصف، فللمشتري الخيار في طرف الرداءة،

و للبائع في طرف الزيادة علي ما تقدّم.

و من جوّز بيع الغائب من غير وصف - كالشافعي - أثبت له الخيار هنا عند الرؤية، سواء شرطه أولا، لأنّه شرط شيئا و لم يحصل، فثبت الخيار(3).

و قال بعض الشافعيّة: لو خرج علي غير الوصف، لم يثبت الخيار إلاّ أن يشترطه(4).

و هل له الخيار قبل الرؤية ؟ مقتضي مذهبنا أنّه ليس له ذلك، إذ ثبوت9.

ص: 241


1- العزيز شرح الوجيز 61:4.
2- العزيز شرح الوجيز 61:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 296:9.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
4- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.

الخيار منوط بخروجه علي خلاف(1) الوصف.

أمّا الشافعي فظاهر مذهبه - علي قوله بمنع بيع الغائب - أنّ الإجازة لا تنفذ، لأنّ الإجازة رضا بالعقد و التزام له، و ذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه و هو جاهل بحاله. و لو كفي قوله: أجزت، مع الجهل، لأغني قوله في الابتداء: اشتريت(2).

و له وجه آخر بالنفوذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشتري بشرط أنّه لا خيار(3).

و أمّا الفسخ فوجهان عنده بناء علي نفوذ الإجازة، فإن قال بنفوذها، فالفسخ أولي، و إن منع من نفوذها، ففي الفسخ وجهان: عدم النفوذ، لأنّ الخيار في الخبر(4) منوط بالرؤية. و أصحّهما عنده: النفوذ، لأنّ حقّ الفسخ ثابت له عند الرؤية مغبوطا كان أو مغبونا، فلا معني لاشتراط الرؤية في نفوذه(5).

و - لو كان البائع قد رآه، فإن زادت صفته وقت العقد، تخيّر في الفسخ و الإمضاء.

و لو لم تزد، فلا خيار.

و الشافعي أطلق و ذكر وجهين: ثبوت الخيار كما للمشتري، لأنّه كخيار المجلس يشتركان فيه. و أصحّهما: لا، لأنّه أحد المتبايعين، فلا يثبت له الخيار مع تقدّم الرؤية كالمشتري(6).

و لو كان البائع لم يره، فإن كان قد وصف له وصفا يرفع الجهالة9.

ص: 242


1- في الطبعة الحجريّة: «غير» بدل «خلاف».
2- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: في الجزء. و ذلك تصحيف.
5- العزيز شرح الوجيز 62:4-63.
6- العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.

و لم يزد، فلا خيار، و إن زاد فله الخيار. و لو لم يوصف له، بطل البيع.

و قال الشافعي علي تقدير جواز بيع الغائب: في ثبوت الخيار للبائع وجهان: المنع - و به قال أبو حنيفة - لأنّ جانب البائع بعيد عن الخيار، بخلاف جانب المشتري. و الثبوت، لأنّه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشتري(1).

ز - الأقرب ثبوت خيار المجلس مع خيار الرؤية، لتعدّد السبب،

فيتعدّد المسبّب، و كما في شراء الأعيان الحاضرة.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يثبت، للاستغناء بخيار الرؤية عنه، فعلي الأوّل يكون خيار الرؤية علي الفور، و إلاّ لثبت خيار مجلسين، و علي الثاني يمتدّ بامتداد مجلس الرؤية(2).

ح - لو اشتري موصوفا ثمّ تلف في يده قبل الرؤية، لم يبطل البيع

إلاّ أن يثبت المشتري الخلاف و يختار الفسخ. و للشافعي قولان(3).

و لو باعه قبل الرؤية بوصف البائع، صحّ عندنا - خلافا للشافعي(4) - كما لو باعه في زمن خيار الشرط، فإنّه يجوز علي أصحّ القولين عنده، لأنّه يصير مجيزا للعقد(5).

ط - لا يشترط الرؤية مع الوصف الرافع للجهالة

- و هو أحد قولي6.

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 63:4، الهداية - للمرغيناني - 33:3، الاختيار لتعليل المختار 23:2.
2- العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3-43، المجموع 294:9.
3- العزيز شرح الوجيز 63:4-64، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
4- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
5- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9-296.

الشافعي(1) - لانتفاء الغرر، فلا يشترط ذوق الطعم في المطعوم، و لا الشمّ في المشموم، و لا اللمس في الملموس.

و علي قول الشافعي باشتراط الرؤية يشترط في هذه الإدراك بهذه المشاعر، لأنّ كيفيّاتها المقصودة إنّما تعرف بهذه الطرق(2).

و له قول آخر علي اشتراط الرؤية أيضا: عدم الاشتراط(3).

ي - لو كان غائبا في غير بلد التبايع، سلّمه في ذلك البلد.

و لو شرط تسليمه في بلد التبايع، جاز عندنا، كالسّلم.

و منع بعض الشافعيّة و إن جوّزه في السّلم، لأنّ السّلم مضمون في الذمّة، و العين الغائبة غير مضمونة في الذمّة، فاشتراط نقلها يكون بيعا و شرطا(4).

و نمنع بطلان اللازم علي ما يأتي.

يأ - لو رأي ثوبين ثمّ سرق أحدهما و جهل بعينه ثمّ اشتري الباقي،

فإن تساويا صفة و قدرا و قيمة، احتمل صحّة البيع، لكونه معيّنا مرئيّا معلوما. و العدم، كبيع أحدهما. و الأوّل أقرب.

و لو اختلفا في شيء من ذلك، لم يصحّ عندنا قطعا، لأنّ الرؤية لم تفد شيئا، فإنّ المشتري لا يدري الباقي هل هو الطويل أو القصير؟ فلم يستفد من الرؤية حال المبيع عند العقد، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يجوز، لأنّه لا يقصر عن بيع الغائب في العلم(5).9.

ص: 244


1- العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
2- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
3- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
4- الحاوي الكبير 21:5-22، العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 3: 43، المجموع 293:9.
5- الوسيط 43:3، العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 294:9.

يب - لو اختلفا فقال المشتري: ما رأيت المبيع. و قال البائع: بل رأيته،

قدّم قول البائع، عملا بصحّة البيع. و لأنّ للمشتري أهليّة الشراء و قد أقدم عليه، فكان ذلك اعترافا منه بصحّة العقد. و هو أحد قولي الشافعي(1) بناء علي القول باشتراط الرؤية.

أمّا علي القول بعدمه [1] فوجهان، هذا أحدهما، لأنّه اختلاف في سبب الخيار، فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب. و أظهرهما عندهم: تقديم قول المشتري، كما لو اختلفا في اطّلاعه علي العيب(2).

القسم الرابع: النهي عن بيع و شرط.
اشارة

اعلم أنّ عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه، أمّا ما ينافيه فلا يقبلها.

روي الجمهور أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع و شرط(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمّار عن الصادق عليه السّلام قال: «بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رجلا من أصحابه واليا، فقال له: إنّي بعثتك إلي أهل اللّه - يعني أهل مكة - فانههم عن بيع ما لم يقبض، و عن شرطين في بيع، و عن ربح ما لم يضمن»(4).

ص: 245


1- في «ق، ك»: الشافعيّة.
2- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3-44، المجموع 294:9.
3- معرفة علوم الحديث: 128، المهذّب - للشيرازي - 275:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، المغني 308:4، الشرح الكبير 56:4.
4- التهذيب 231:7، 1006.

و هذان النصّان ليسا علي الإطلاق إجماعا، لما يأتي من جواز الشرط في العقد، و قبول عقد البيع للشرط.

إذا تقرّر هذا، فكلّ شرط يخالف الكتاب و السنّة فإنّه باطل إجماعا.

و في بطلان البيع ببطلانه بحث سيأتي، و ما لا يخالف الكتاب و السنّة فإنّه جائز ما لم يتضمّن ما ينافي العقد،

فأقسام الشرط أربعة:
أ - ما يوافق مقتضي العقد و يؤكّده،

مثل أن يشترط التسليم أو خيار المجلس أو التقابض أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يؤثّر في العقد نفعا و لا ضرّا.

ب - شرط لا يقتضيه العقد لكن يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد.

و هو قد يتعلّق بالثمن، كالأجل و الرهن و الضمان، أو بالمثمن، كاشتراط صفة مقصودة في السلعة، كالصناعة و الكتابة، أو بهما معا، كالخيار. و هو جائز.

فهذه الشروط لا تفسد العقد، و تصحّ في أنفسها عندنا و عند الشافعي(1).

ج - ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين لكنّه ممّا بني علي التغليب و السراية،

كشرط العتق. و هو جائز أيضا.

د - ما لم يبن علي التغليب و السراية و لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين و لا يقتضيه العقد،

فهذا عندنا جائز إن لم يخالف المشروع و لم يناف مقتضي العقد، و ذلك مثل أن يبيعه دارا و يشترط سكناها سنة، و به قال الأوزاعي و أحمد بن حنبل و إسحاق(2).

و إن خالف المشروع، مثل أن يبيع جارية بشرط أن لا ينتفع بها

ص: 246


1- التهذيب - للبغوي - 515:3، العزيز شرح الوجيز 115:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، روضة الطالبين 71:3، المجموع 364:9.
2- المغني 308:4، الشرح الكبير 56:4، المجموع 378:9.

المشتري، فهذا باطل.

و الشافعي أبطل هذين القسمين معا(1) ، و سيأتي.

مسألة 117: قد بيّنّا أنّ كلّ شرط ينافي مقتضي العقد

فإنّه يكون باطلا، مثل أن يشتري جارية بشرط أن لا خسارة عليه، و معناه أنّه متي خسر فيها فضمانه علي البائع. و كذا لو شرط عليه أن لا يبيعها علي إشكال، أو لا يعتقها علي إشكال، أو لا يطأها، فإنّ هذه الشروط باطلة، لمنافاتها مقتضي العقد، فإنّ مقتضاه ملك المشتري و النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «الناس مسلّطون علي أموالهم»(2).

و سأل عبد الملك بن عتبة [الكاظم] [1] عليه السّلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع متاعا علي أن ليس عليّ منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ و كيف يستقيم و حدّ ذلك [2]؟ قال: «لا ينبغي»(3).

و إذا بطلت الشروط، بطل البيع - خلافا لبعض(4) علمائنا - لأنّ التراضي إنّما وقع علي هذا الشرط، فبدونه لا تراضي، فتدخل تحت قوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (5) و به قال الشافعي و النخعي و الحسن البصري و أبو حنيفة و أحمد

ص: 247


1- المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 368:9 و 369 و 376 و 378.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 176:3-177، المسألة 290.
3- التهذيب 59:7، 253، الاستبصار 84:3، 284.
4- الشيخ الطوسي في المبسوط 149:2.
5- النساء: 29.

ابن حنبل(1).

و قال ابن شبرمة: البيع جائز و الشرط جائز أيضا(2) ، لأنّ جابرا قال:

ابتاع منّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعيرا بمكة، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني علي ظهره إلي المدينة(3).

و قال ابن أبي ليلي: البيع صحيح و الشرط باطل - و هو رواية أبي ثور عن قول للشافعي(4) - لأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها و يكون ولاؤها لمواليها، فأجاز النبي صلّي اللّه عليه و آله البيع و أبطل الشرط(5)(6).

و الجواب عن الأوّل: أنّا نقول بموجبه، و إنّما يرد علي الشافعي حيث أبطل مثل هذا الشرط علي ما تقدّم في التقسيم.

و عن الثاني: جاز أن يكون شرط الولاء في العتق، فلا يبطل ببطلانه، بخلاف البيع.4.

ص: 248


1- مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 312:5، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 368:9 و 376، روضة الطالبين 72:3، حلية العلماء 129:4، الوسيط 77:3، العزيز شرح الوجيز 115:4-116 و 120، المحلّي 415:8، المغني 309:4، الشرح الكبير 61:4.
2- معرفة علوم الحديث: 128، المحلّي 415:8، حلية العلماء 131:4، المجموع 376:9.
3- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 1223:3، 113، سنن البيهقي 337:5 بتفاوت.
4- حلية العلماء 126:4، العزيز شرح الوجيز 121:4، روضة الطالبين 75:3، المجموع 369:9.
5- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 1141:2، 1504، و راجع أيضا المصادر في الهامش (2) من ص 250.
6- معرفة علوم الحديث: 128، المحلّي 415:8، الحاوي الكبير 312:5، حلية العلماء 131:4، المجموع 376:9، المغني 309:4، الشرح الكبير 61:4.

و قسّم بعض الشافعيّة الشرط إلي صحيح و فاسد، ففي الأوّل العقد صحيح قطعا، و في الثاني إن لم يكن شيئا يفرد بعقد و لا يتعلّق به غرض يورث تنازعا، لم يؤثّر في البيع، كما لو عيّن الشهود و قلنا: لا يتعيّنون، لم يفسد به العقد، لأنّا(1) إذا ألغينا تعيين(2) الشهود، أخرجناه عن أن يكون من مقاصد العقد. و إن تعلّق به غرض، فسد العقد بفساده، للنهي عن بيع و شرط(3)في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العقود» بدل «الشروط». و ما أثبتناه من المصدر.(4). و لأنّه يوجب الجهل بالعوض.

و إن كان ممّا يفرد بعقد، كالرهن و الكفيل، ففي فساد البيع بشرطهما علي نعت الفساد قولان: الفساد - و به قال أبو حنيفة - كسائر الشروط(4) الفاسدة. و الصحّة - و به قال المزني - لأنّه يجوز إفراده عن البيع، فلا يوجب فساده فساد البيع، كالصداق لا يوجب فساده فساد النكاح(5).

قال عبد الوارث بن سعيد: دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيّين: أبو حنيفة و ابن أبي ليلي، و ابن شبرمة، فصرت إلي أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعا و شرط شرطا، فقال: البيع و الشرط فاسدان، فأتيت ابن أبي ليلي فسألته، فقال: البيع جائز و الشرط باطل، فأتيت ابن شبرمة فسألته، فقال: البيع و الشرط جائزان، فرجعت إلي أبي حنيفة فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: لست أدري ما قالا، حدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع و شرط. ثمّ أتيت ابن أبي ليلي، فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: ما أدري ما قالا، حدّثني هشام بن6.

ص: 249


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و لأنّا. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: تعيّن. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 245، الهامش
4- .
5- العزيز شرح الوجيز 120:4-121، روضة الطالبين 75:3-76.

عروة عن أبيه عن عائشة أنّها قالت: لمّا اشتريت بريرة جاريتي شرطت عليّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها، فجاء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقال:

«الولاء لمن أعتق» فأجاز البيع و أفسد الشرط، فأتيت ابن شبرمة فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: ما أدري ما قالا، حدّثني مسعر عن محارب عن جابر قال: ابتاع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله [منّي](1) بعيرا بمكة، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني علي ظهره إلي المدينة، فأجاز النبيّ صلّي اللّه عليه و آله الشرط و البيع(2).

مسألة 118: و من الشروط الجائزة عندنا أن يبيعه شيئا
اشارة

و يشترط في متن العقد أن يشتري منه شيئا أو يبيعه شيئا آخر أو يقرضه شيئا أو يستقرض منه، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(4).

و قال عليه السّلام: «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترطه عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ»(5).

و هذه الشروط كلّها سائغة لا تخالف كتاب اللّه تعالي، فوجب جوازها و لزومها و صحّة العقد معها.

و قال الشافعي: لا يجوز ذلك، لأنّه جعل الثمن و الرفق بالعقد الثاني

ص: 250


1- أضفناها من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي، و كما ورد سابقا في ص 248.
2- الخلاف 29:3-30، المسألة 40، معرفة علوم الحديث: 128، المبسوط - للسرخسي - 13:13-14، المحلّي 415:8-416.
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93.
5- الكافي 169:5، 1، التهذيب 22:7، 94، و فيهما: «.. فيما وافق..».

ثمنا، و اشتراط العقد الثاني فاسد، فبطل(1) بعض الثمن، و ليس له قيمة يتعلّق به حتي يفرض التوزيع عليه و علي الباقي(2).

و الجواب: المنع من جعل الرفق بالعقد الثاني جزءا من الثمن.

و لا نسلّم بطلان اشتراط العقد الثاني، فإنّه المتنازع. ثمّ ينتقض بشرط العتق و ما حكم بجوازه من الشروط.

فروع:

أ - لو تبايعا بشرط أن يبيعه شيئا آخر،

فقد قلنا: إنّه يصحّ عندنا، خلافا للشافعي(3). و ينصرف الثاني إلي البيع الصحيح، فإذا باعه الثاني صحيحا، صحّ، و وفي بالشرط. و إن باعه باطلا، لم يعتدّ به، و وجب عليه استئناف عقد صحيح، عملا بمقتضي الشرط و تحصيلا له.

ب - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إيّاه، لم يصحّ،

سواء(4) اتّحد الثمن قدرا و وصفا و عينا أو لا، و إلاّ جاء الدور، لأنّ بيعه له يتوقّف علي ملكيّته له، المتوقّفة علي بيعه، فيدور.

أمّا لو شرط أن يبيعه علي غيره، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنّة.

لا يقال: ما ألزمتموه من الدور آت هنا.

لأنّا نقول: الفرق ظاهر، لجواز أن يكون جاريا علي حدّ التوكيل أو

ص: 251


1- في الطبعة الحجريّة: فيبطل.
2- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3 و 72، المجموع 368:9 و 373، المغني 314:4.
3- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3 و 72، المجموع 368:9 و 373، المغني 314:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و سواء. و الصحيح ما أثبتناه.

عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط البيع علي البائع.

ج - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر(1) أو يقرضه بعد شهر أو في الحال،

لزمه الوفاء بالشرط، فإن أخلّ به، لم يبطل البيع، لكن يتخيّر [البائع](2) بين فسخه للبيع و بين إلزامه بما شرطه، فإن فسخ البيع، فالنماء المتجدّد بين العقد و الفسخ للمشتري، أمّا المتّصل فللبائع، لأنّه تابع للعين.

د - لو باعه شيئا بشرط أن يقرضه أو يبيعه أو يؤجره، صحّ عندنا علي ما قلناه،

خلافا للشافعي، فعلي قوله لو تبايعا البيع الثاني، فإن كانا يعلمان بطلان الأوّل، صحّ، و إلاّ فلا، لإتيانهما به علي حكم الشرط الفاسد(3).

و قال بعض أصحابه: يصحّ أيضا(4).

و هذا التفريع لا يتأتّي علي قولنا إلاّ فيما لو كان البيع الأوّل فاسدا، كما لو قال: بعتك هذا بما شئت بشرط أن تبيعني كذا بكذا، فحينئذ نقول:

إن كانا يعلمان بطلان الأوّل و تبايعا الثاني صحيحا، كان لازما، لأنّه كابتداء العقد، إذ لا عبرة بالشرط الفاسد مع علم فساده. و إن لم يعلما بطلانه، صحّ أيضا إن اثبت لهما الخيار إن قصدا معا بالذات البيع الأوّل، و إلاّ اختصّ بالخيار من قصده بالذات دون من قصده بالعرض.

ه - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه علي زيد بكذا، فباعه بأزيد،

فإن قصد إرفاق زيد أو غرضا معتبرا عند العقلاء، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء،9.

ص: 252


1- أي: شيئا آخر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: المشتري. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9.
4- العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9.

لمخالفة الشرط، فإن فسخ، رجع بالعين، و ليس لزيد خيار. و إن لم يقصد، فلا خيار.

و لو باعه بأقلّ، تخيّر، إلاّ مع تعلّق الغرض.

و لو أطلق الثمن، باع بما شاء و لا خيار.

و لو باعه علي عمرو، تخيّر، سواء باعه بثمن عيّنه أو بأزيد أو بأنقص أو بأقلّ من ثمن المثل أو أطلق.

و لو عيّن الثمن و أطلق المشتري فباع بأقلّ أو أزيد، تخيّر مع تعلّق الغرض، و إلاّ فلا.

و - لو شرط أن يبيعه علي زيد فامتنع زيد من شرائه، احتمل ثبوت الخيار

بين الفسخ و الإمضاء. و العدم، إذ تقديره: بعه علي زيد إن اشتراه.

مسألة 119: من الشروط الفاسدة شرط ما لا يدخل تحت قدرة البائع عليه،
اشارة

فلو اشتري الزرع بشرط أن يجعله سنبلا، أو البسر بشرط أن يجعله تمرا، بطل و يبطل البيع علي ما اخترناه، خلافا لبعض [1] علمائنا.

نعم، يجوز اشتراط تبقيته في الأرض أو علي رءوس النخل إلي أوان ذلك.

و كذا يصحّ اشتراط ما يدخل تحت قدرة البائع من منافعه، مثل أن يشتري ثوبا و يشترط خياطته عليه، أو غزلا و يشترط نساجته، أو فضّة و يشترط عليه صياغتها، أو طعاما و يشترط عليه طحنه(1) أو خبزه، أو قزّا و يشترط سلّه [2]، و كذا كلّ منفعة مقصودة، عملا بالعمومات السالمة عن

ص: 253


1- في الطبعة الحجريّة: طبخه.

معارضة مخالفة فعل هذه الشروط للكتاب و السنّة.

و كذا لو اشتري زرعا و شرط علي بائعه أن يحصده، أو اشتري ثوبا و شرط صبغه، أو لبنا و شرط عليه طبخه، أو نعلا علي أن ينعل به دابّته، أو عبدا رضيعا علي أن يتمّ إرضاعه، أو متاعا علي أن يحمله إلي بيته و البائع يعرف البيت، فهذا كلّه سائغ لازم عندنا، لما تقدّم.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّه يفسد قطعا، لأنّه شراء للعين و استئجار للبائع علي العمل، فقد شرط العمل في العين كالزرع قبل أن يملكه، فأشبه ما لو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه. و لأنّ الحصاد - مثلا - يجب علي المشتري، فإذا شرطه علي البائع، فقد شرط ما لا يقتضيه العقد. و لأنّه شرط تأخير التسليم، لأنّ معني ذلك أن يسلّمه إليه مقطوعا.

و الثاني: أنّ الاستئجار يبطل، و في البيع قولا تفريق الصفقة.

و الثالث: أنّهما باطلان، أمّا شرط العمل: فلما تقدّم. و أمّا البيع:

فلأنّ الشرط إذا فسد فسد البيع(1).

و الجواب: لا نسلّم أنّه استئجار و إن أفاد فائدته، بل هو شرط لزم البائع بعقد البيع، ثمّ إنّه يبطل بشرط الرهن مع الثمن في المبيع.

و الثاني باطل، لأنّ هذا يصحّ إفراده بالعقد، فخالف سائر الشروط.

و كذا الثالث إنّه ليس بتأخير، لأنّه يمكن تسليمه خاليا عن العمل و يسلّم الزرع قائما. و لأنّ الشرط من التسليم، فلم يكن ذلك تأخيرا للتسليم.4.

ص: 254


1- الحاوي الكبير 32:5، التهذيب - للبغوي - 520:3، العزيز شرح الوجيز 4: 105-106، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9-374.
فروع:

أ - يشترط في العمل المشروط في العقد علي البائع أن يكون محلّلا،

فلو اشتري العنب علي شرط أن يعصره البائع خمرا، لم يصحّ الشرط و البيع علي إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه، و هو المانع من صحّة البيع، و من اقتران البيع بالمبطل.

و بالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو إيقاف البيع إن لم يرض بدونه بطل، و إلاّ صحّ؟ نظر.

ب - لو اشترط شرطا مجهولا، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد،

أو يصبغ له ثوبا و يطلقهما أو أحدهما، فالوجهان.

ج - لا فرق في الحكم بين اقتران البيع و العمل في الثمن و تعدّده

بأن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة و [استأجرني](1) علي خياطته بدرهم، أو يقول: بعتك هذا الثوب و آجرتك نفسي علي خياطته بعشرة، فيقول:

قبلت.

و للشافعيّة الأقوال(2) السابقة.

د - لو اشتري حطبا علي ظهر بهيمة مطلقا، صحّ،

و يسلّمه إليه في موضعه.

ص: 255


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: استأجرتك. و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9 و 374.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يصحّ البيع حتي يشترط تسليمه إليه في موضعه، لأنّ العادة قد تقتضي حمله إلي داره(1).

و المعتمد: الأوّل، فعلي هذا لو شرط حمله إلي داره، صحّ عندنا و عندهم بمقتضي الثاني.

ه - لو شرط علي البائع عملا سائغا، تخيّر المشتري

بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و كان ممّا يتقوّم، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري. و لو لم يكن ممّا يتقوّم، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.

و - لو كان الشرط علي المشتري،

مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ المشتري له ثوبه، فتلف الثوب، تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمة، و إلاّ مجّانا.

مسألة 120: لو اشتري بشرط تأجيل الثمن عليه إلي مدّة معيّنة، صحّ، و هو بيع النسيئة،
اشارة

عند علمائنا - و هو قول الشافعي(2) أيضا و إن منع من شرط غير الأجل(3) - لورود النصّ فيه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة»(4).

إذا ثبت هذا، فشرط الأجل المشروط في البيع أن يكون مضبوطا محروسا من الزيادة و النقصان، فلو شرط قدوم الحاجّ أو نزول المطر أو

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 374:9.
2- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
3- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3.
4- الكافي 206:5 (باب الشرطين في البيع) الحديث 1، التهذيب 47:7، 201.

إقباض المبيع، بطل العقد و الشرط، لاشتماله علي الغرر و قد نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عنه(1).

و لو شرط تأجيل الثمن إلي ألف سنة مثلا، فالأقوي الجواز، عملا بالعموم الدالّ علي تسويغ مثله. و القطع بالموت قبله باطل، لمنعه أوّلا، و لمنع صلاحيّته للتأثير - كشكّ حياته - في المدّة القليلة، فكما لا يمنع الشكّ كذا اليقين.

و قال بعض الشافعيّة: لو أجّل الثمن إلي ألف سنة، بطل العقد، للعلم بأنّه لا يبقي إلي هذه المدّة(2).

و لو سلّم، لم يقتض المنع، لجواز انتقاله عنه إلي وارثه.

فروع:

أ - إذا أجّل الثمن إلي مدّة معلومة، سقط الأجل بموت من عليه

علي ما يأتي.

و هل يثبت للورثة الخيار؟ إشكال ينشأ من زيادة الثمن في مقابلة الأجل و لم يسلم لهم الارتفاق به، و من لزوم البيع و انعقاده و انتقال السلعة إلي المشتري، فلا يبطل بالتعجيل المستند إلي حكم الشرع مطلقا.

ب - لو آجر ثوبا ألف سنة، لم يصحّ،

لا باعتبار زيادة الأجل، بل للعلم بفساد العين و عدم الانتفاع به طول المدّة.

ج - لا فرق بين أن يشترط الأجل في الثمن المعيّن المشخّص

أو

ص: 257


1- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن البيهقي 266:5، مسند أحمد 312:2، 6271، و 71:3، 8667، و 284، 10062.
2- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.

الثابت في الذمّة، فلو شرط ثمنا معيّنا، كهذه الدنانير، و تأديتها في أجل معلوم، صحّ. و كذا لو شرط تسليم المبيع المعيّن في مدّة معيّنة كأن يشتري منه هذا الثوب بعشرة بشرط أن يسلّم الثوب بعد شهر، صحّ عند علمائنا أجمع، خلافا للشافعي فيهما، فإنّه قال: يفسد لو كان الأجل في المبيع أو الثمن المعيّن، لأنّ الأجل رفق اثبت ليحصل الحقّ في الذمّة و المعيّن حاصل(1). و ليس بجيّد.

د - لو حلّ الأجل فأجّل البائع المشتري مدّة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أوّلا،

فهو وعد غير لازم، لعدم وجود المقتضي له، إذ الوعد غير موجب، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يلزم(3). و يبطل علي قوله ببدل الإتلاف، فإنّه لا يتأجّل و إن أجّله(4).

و قال مالك: يتأجّل(5).

ه - لو أوصي من له دين حالّ علي إنسان بإمهاله مدّة،

فعلي ورثته إمهاله تلك المدّة، للزوم التبرّعات بعد الموت، و الوصيّة هنا لم تتناول العين، فلا تخرج من الثلث علي إشكال.

و - لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل، لم يسقط،

و ليس للمستحقّ مطالبته في الحال، لأنّ الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط، و لهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة الجيّدة أو الدنانير الصحاح الجودة أو الصحّة، لم تسقط.4.

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
2- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
3- العزيز شرح الوجيز 107:4، المجموع 339:9.
4- العزيز شرح الوجيز 107:4، المجموع 339:9.
5- العزيز شرح الوجيز 107:4.

و للشافعي وجهان(1).

مسألة 121: يصحّ اشتراط الخيار علي ما يأتي،
اشارة

و شرط وثيقة بالرهن و الكفيل و الشهادة، و به قال الشافعي(2) أيضا، فيصحّ البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفّل به كفيل أو يشهد عليه، سواء كان الثمن حالاّ أو مؤجّلا.

و كذا يجوز أن يشترط المشتري علي البائع كفيلا بالعهدة، عملا بعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) السالم عن معارضة مخالفته للكتاب و السنّة، بل هي موافقة لهما، لقوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (4)وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (5).

و هل يجوز أن يشترط المشتري علي البائع رهنا علي عهدة الثمن المقبوض لو خرج المبيع مستحقّا؟ الأقرب ذلك.

و لا بدّ من تعيين الرهن بالمشاهدة أو الوصف، كما يوصف المسلم فيه - و به قال الشافعي(6) - دفعا للغرر، و حسما لمادّة التنازع.

و قال مالك: لا يشترط التعيين، بل ينزّل المطلق علي ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة(7).

و قال أبو حنيفة: لو قال: رهنتك أحد هذين العبدين، جاز، كالبيع(8).

و قد تقدّم بطلانه.

ص: 259


1- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9-340.
2- الوسيط 74:3، الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 68:3.
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- البقرة: 283.
5- البقرة: 282.
6- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
7- العزيز شرح الوجيز 110:4.
8- العزيز شرح الوجيز 110:4.

و لا يشترط أن يكون مشخّصا، فلو شرط ارتهان عبد حبشي موصوف بصفات السّلم، جاز و إن لم يكن له عبد في الحال.

و يشترط في الكفيل التعيين إمّا بالمشاهدة أو المعرفة بالاسم و النسب.

و هل يكفي الوصف مثل أن يقول: رجل موسر ثقة ؟ الأقرب ذلك، فإنّ الاكتفاء بالصفة أولي من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله، خلافا للشافعي حيث شرط تعيين شخصه(1) ، و بعض الشافعيّة حيث لم يشترط التعيين مطلقا، بل إذا أطلق أقام من شاء(2).

فروع:

أ - الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الشهود لو شرط الإشهاد،

لأنّ المطلوب في الشهود العدالة لإثبات الحقّ عند الحاجة، بخلاف الرهن و الكفيل، لتفاوت الأغراض فيهما.

و قال بعض الشافعيّة: يشترط أيضا كالرهن و الكفيل، و تفاوت الأغراض هنا متحقّق، فإنّ بعض العدول أوجه، و قوله أسرع قبولا، و عدالته أشهر و أوضح، فتتفاوت الأغراض في أعيانهم(3).

و ليس بجيّد، إذ لا اعتبار بهذه الجزئيّات، لعدم انضباطها.

ب - لو عيّن الشهود في الشرط، تعيّنوا،

عملا بالشرط، إذ لا منافاة فيه للكتاب و السنّة. و للشافعي قولان(4).

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
2- العزيز شرح الوجيز 110:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
3- الوسيط 75:3، العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
4- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3.

ج - لا يشترط في الرهن التعرّض لكون المرهون عند المرتهن أو غيره،

عملا بأصالة عدم الاشتراط.

و للشافعيّة وجهان(1).

فإنّ اتّفقا مع الإطلاق علي وضعه عند المرتهن أو غيره، فذاك. و إن تنازعا، احتمل انتزاع الحاكم له و وضعه عند ثقة تحقيقا للاستيثاق. و جعله في يد الراهن، إذ لو لم يرض به المرتهن، لشرط نزعه عنه مع أصالة استمرار الحال.

و لو شرطا في عقد الرهن وضعه عند المرتهن أو غيره، لزم، فإن امتنع الغير، وضعه الحاكم مع التنازع عند الثقة.

مسألة 122: الأقرب جواز اشتراط رهن المبيع نفسه علي ثمنه.
اشارة

و منع أكثر الشافعيّة منه، لأنّ الثمن إن كان مؤجّلا، لم يجز حبس المبيع لاستيفائه، أو حالاّ، فله حبسه لاستيفائه، فلا معني للحبس بحكم الرهن. و لأنّ قضيّة الرهن كون المال أمانة و أن يسلّم الدّين أوّلا، و قضيّة البيع بخلافه، فيلزم تناقض الأحكام. و لأنّ فيه استثناء منفعة، فلا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه. و لأنّ المشتري لا يملك رهن المبيع إلاّ بعد صحّة البيع، فلا تتوقّف عليه صحّة البيع، و إلاّ دار(2).

و الجواب: أنّ المؤجّل لا يجوز حبس المبيع عليه إذا لم يجر رهن أو إذا جري ؟ [الأوّل مسلّم، و الثاني ممنوع](3) لكنّ التقدير جريان الرهن فيه،

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 376:9.
2- الوسيط 75:3-76، العزيز شرح الوجيز 108:4-109، روضة الطالبين 3: 68.
3- ما أثبتناه بين المعقوفين أشير إليه في «ق، ك» برمز «م ع» و في الطبعة الحجريّة برمز «مم». و المثبت توضيح لما في «ق، ك».

فهو موضوع النزاع. و الحالّ قد يتقوّي أحد الجنسين بالآخر فيه. و لا امتناع في بقاء المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان. و يسلّم الدّين أوّلا، لإقدامه علي الرهن. و استناء بعض المنافع جائز، لما تقدّم. و الدور ممنوع، لأنّا نسلّم أنّه لا تتوقّف صحّة البيع علي الرهن، لكن، لا كلام فيه، بل في أنّه هل يمنع صحّة البيع ؟ و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا بوجوب بداءة البائع بالتسليم أو أنّهما يجبران معا، أو لا إجبار ما لم يبتدئ أحدهما، بطل البيع، لأنّه شرط يبطل مقتضي البيع، لتضمّنه حبس المبيع إلي استيفاء الثمن، فإن قلنا: البداءة بالمشتري، فوجهان: صحّة الشرط، لموافقته مقتضي العقد. و العدم، فيفسد البيع، لتناقض الأحكام(1).

و الجواب: أنّ مقتضي البيع عند الإطلاق وجوب بداءة تسليم البائع، أمّا عند الشرط فلا.

و الحاصل: أنّ الشرط يقتضي شيئا لا يقتضيه العقد، فإن اقتضي ما ينافيه، بطل، و إلاّ فلا. و نحن نمنع اقتضاء إطلاق العقد ما ينافي هذا الشرط، بل إطلاقه صالح لاقتران قيد الشرط به و عدمه.

فروع:

أ - لو شرط أن يرهنه المبيع بالثمن بعد القبض و يردّه إليه، صحّ البيع و الشرط عندنا،

خلافا للشافعي(2).

لنا: أنّه شرط سائغ لا ينافي مقتضي العقد و لا يخالف الكتاب

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 68:3.
2- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 68:3.

و السنّة، فيكون لازما.

ب - لو رهنه بالثمن من غير شرط، صحّ عندنا مطلقا

و عند الشافعي إن كان بعد القبض. و إن كان قبله، فلا إن كان الثمن حالاّ، لأنّ الحبس ثابت له. و إن كان مؤجّلا، فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر(1).

ج - لو شرط رهن غير المبيع علي الثمن أو شرط رهن المبيع علي غيره، صحّ عندنا،

و قد تقدّم.

مسألة 123: لو لم يرهن المشتري ما شرطه أو لم يتكفّل الذي عيّنه،
اشارة

فلا خيار له، بل للبائع الخيار. و لا يقوم رهن و لا كفيل آخر مقام المعيّن، لتفاوت الأغراض في خصوصيّات الأعيان هنا، فإن فسخ البائع، فلا بحث، و إن أجاز، فلا خيار للمشتري، لأنّه إسقاط حقّ عنه، فإذا لم يثبت له الخيار مع ثبوته فمع إسقاطه أولي.

و لو عيّن شاهدين فامتنعا من تحمّل الشهادة، فإن قلنا: لا بدّ من تعيين الشاهدين، فللبائع الخيار، و إن أسقطنا التعيين، فلا.

و لو شرط المشتري علي البائع إقامة كفيل علي العهدة فلم يوجد أو امتنع المعيّن، ثبت للمشتري الخيار. و لو أسقطه المشتري، فلا خيار له.

فروع:

أ - لو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيّب أو وجد به عيبا قديما،

فله الخيار في البيع، و إن تعيّب بعد القبض، فلا خيار.

ب - لو اختلفا في تعيّب الرهن، فادّعي الراهن حدوثه بعد القبض

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 69:3.

و المشتري سبقه، قدّم قول الراهن استدامة للبيع.

ج - لو هلك الرهن بعد القبض أو تعيّب ثمّ اطّلع علي عيب قديم به، فلا أرش له،

لأصالة البراءة.

و هل له فسخ البيع ؟ الأقرب: العدم، لأنّ الفسخ إنّما يثبت إذا أمكنه ردّ الرهن كما أخذه.

و يحتمل الثبوت، لأنّه لم يسلم إليه ما شرطه عليه و وجب له، و الردّ إنّما يجب مع بقاء العين، إذ مع تلفها لا يمكن.

ثمّ إن كان التلف بغير تفريط، لم يثبت وجوب الردّ، و إن كان بتفريط، قام ردّ العوض مقام ردّه.

مسألة 124: من الشروط الجائزة شرط العتق،
اشارة

فلو اشتري عبدا أو أمة بشرط أن يعتقها المشتري، صحّ البيع و لزم الشرط، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أحمد في أصحّ الروايتين عنه، و هو أصحّ قولي الشافعي(1) أيضا - لعموم قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و ما روي من أنّ عائشة اشترت بريرة و شرط عليها مواليها أن تعتقها و يكون ولاؤها لهم، فأنكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله شرط الولاء دون العتق، و قال:

«شرط اللّه أوثق، و قضاء اللّه أحقّ، و الولاء لمن أعتق»(3).

ص: 264


1- بداية المجتهد 161:2، المغني 309:4، الشرح الكبير 62:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 364:9 و 366، روضة الطالبين 69:3، حلية العلماء 162:4، التهذيب - للبغوي - 516:3، الوسيط 78:3-79، العزيز شرح الوجيز 110:4، مختصر اختلاف العلماء 131:3، 1209.
2- البقرة: 275.
3- صحيح البخاري 93:3 و 198-199، صحيح مسلم 1141:2-1142، 6، و 1143، 8، سنن البيهقي 338:1، شرح معاني الآثار 44:4 و فيها نحوه. و في العزيز شرح الوجيز 110:4 مثله.

و روي أبو ثور عن الشافعي أنّه لو باع عبدا بشرط العتق، صحّ البيع، و بطل الشرط(1).

و المشهور عن أبي حنيفة و أصحابه: أنّ البيع فاسد، لأنّه شرط علي المشتري إزالة ملكه عنه، فكان فاسدا، كما لو شرط عليه أن يبيعه(2).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و إنّما هو لازم للشافعي.

ثمّ قال أبو حنيفة: إنّه مضمون بالثمن المسمّي في العقد(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يضمنه بالقيمة(4).

و أجاب(5) الشافعي عن قياسه: بأنّ العتق يخالف البيع، فإنّه يقصد بالعوض في الكتابة، و إذا قال: أعتق عبدك و عليّ كذا، صحّ. و لأنّه يضمن فيما ذكروه بالقيمة و هنا بالثمن عند أبي حنيفة، فافترقا.

و روي عن أبي حنيفة أنّ البيع جائز(6) ، كما قلناه نحن.4.

ص: 265


1- حلية العلماء 126:4، العزيز شرح الوجيز 110:4، مختصر اختلاف العلماء 132:3، 1029.
2- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1029، حلية العلماء 127:4، التهذيب - للبغوي - 516:3، الوسيط 79:3، العزيز شرح الوجيز 110:4، المجموع 366:9، المغني 309:4، الشرح الكبير 62:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1209، حلية العلماء 127:4، المجموع 366:9-367.
4- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1209، حلية العلماء 127:4، المجموع 366:9-367.
5- لم نعثر علي الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
6- حلية العلماء 127:4.
فروع:

أ - يجوز اشتراط العتق مطلقا و بشرط أن يعتقه عن المشتري نفسه،

و به قال الشافعي علي أصحّ القولين من جواز شرط العتق(1). أمّا لو شرط العتق عن البائع، فإنّه يجوز عندنا - خلافا له(2) - لأنّه شرط لا ينافي الكتاب و السنّة.

ب - الأقوي عندي: أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوق:

حقّ للّه تعالي، و حقّ للبائع، و حقّ آخر للعبد أيضا.

و للشافعي وجهان: أنّه حقّ اللّه تعالي، كالملتزم بالنذر. و أنّه حقّ البائع، لأنّ اشتراطه يدلّ علي تعلّق غرضه به(3). و الظاهر أنّه بواسطة هذا الشرط تسامح في الثمن.

فإن قلنا: إنّه حقّ البائع، فله المطالبة به قطعا. و إن قلنا: إنّه حقّ اللّه تعالي، فكذلك عندنا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه ثبت بشرطه، و له غرض في تحصيله.

و له آخر: أنّه ليس للبائع المطالبة به، إذ لا ولاية له في حقوق اللّه تعالي(5).

و علي ما اخترناه نحن للعبد المطالبة بالعتق علي إشكال ينشأ من ثبوت حقّ له للانتفاع به، فكان له المطالبة به. و من أنّه منوط باختيار

ص: 266


1- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3، المجموع 364:9.
2- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3، المجموع 364:9.
3- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3-70، المجموع 364:9.
4- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
5- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.

المشتري، إذ له الامتناع، فيتخيّر البائع حينئذ بين الفسخ و الإمضاء، لكنّ الأوّل أقرب.

ج - الولاء عند علمائنا إنّما يثبت مع العتق المتبرّع به

لا مع العتق الواجب بنذر و كفّارة و شبهه علي ما يأتي.

أمّا العتق المشترط في البيع فيحتمل إلحاقه بالواجب، لوجوبه عليه بعقد البيع، و إجباره علي فعله. و بالمتبرّع به، إذ له الإخلال بالشروط المشترطة في البيع من عتق و غيره، و يثبت الخيار للبائع، فكأنّ العتق في الحقيقة هنا مستند إلي اختياره، فيكون متبرّعا به.

فعلي الأوّل لا ولاء هنا، أمّا للبائع: فلانتقال الملك عنه، و صدور العتق من غيره، و لا يصحّ شرط الولاء. و أمّا للمشتري: فلوجوب العتق عليه.

و أمّا علي الثاني فيثبت الولاء للمشتري.

د - إذا أعتقه المشتري، فقد وفي بما وجب عليه و التزم به،

و الولاء له إن أثبتناه و إن قلنا: إنّ العتق حقّ البائع، لأنّه صدر عن ملك المشتري.

و إن امتنع، اجبر عليه إن قلنا: إنّه حقّ للّه تعالي. و إن قلنا: إنّه حقّ للبائع، لم يجبر، كما في شرط الرهن و الكفيل، لكن يتخيّر البائع في الفسخ، لعدم سلامة ما شرطه له.

و للشافعي قولان: الإجبار و عدمه(1).

فإن قلنا بالإجبار، حبس عليه حتي يعتق، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ القاضي يعتق عليه(2).9.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
2- العزيز شرح الوجيز 112:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.

و الأولي عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلا فأهمل.

ه - إن قلنا: إنّ العتق حقّ للبائع، فلو أسقطه، سقط،

كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثمّ عفا عنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ شرط الرهن و الكفيل أيضا لا يفرد بالإسقاط، كالأجل(1).

و - هل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفّارة ؟

الوجه أن نقول: إن شرط البائع عتقه عن كفّارة المشتري، أجزأه، و تكون فائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق.

و إن لم يشرط، فإن قلنا: إنّ العتق هنا حقّ للّه تعالي، لم يجزئ، كإعتاق المنذور عتقه عن الكفّارة. و إن قلنا: إنّه حقّ للبائع، فكذلك إن لم يسقط حقّه، و إن أسقطه، جاز، لسقوط وجوب العتق حينئذ.

و للشافعيّة علي هذا التقدير وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: المنع، لأنّ البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة، فكأنّه أخذ عن العتق عوضا(2).

ز - يجوز للمشتري الاستخدام، لعدم خروجه عن ملكه إلاّ بالعتق و لم يحصل بعد.

و يجوز أيضا الوطء، فإن حملت، صارت أمّ ولد، فإن أعتقها، صحّ عندنا، لعدم خروجها بالاستيلاد عن ملكه، و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3).5.

ص: 268


1- العزيز شرح الوجيز 112:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
2- العزيز شرح الوجيز 112:4.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 112:4، و روضة الطالبين 70:3، و المجموع 9: 365.

و قال بعضهم: ليس له عتقها، لأنّ عتقها قد استحقّ بالإحبال فقد تعذّر عليه عتقها(1).

ح - لو استخدم أو أحبل و لم يعتق، فإن أجبرناه علي العتق،

لم يضمن شيئا. و إن خيّرنا البائع بين الفسخ و الإمضاء، فكذلك، لأنّ النماء المتجدّد في زمان خيار البائع للمشتري، سواء فسخ البائع بعد ذلك أو لا.

و الأقرب: أنّ الإحبال كالإتلاف.

و لو اكتسب العبد قبل عتقه، فهو للمشتري أيضا.

ط - لو قتل هذا العبد قبل عتقه، كانت القيمة للمشتري،

و يقوّم عبدا مشروط العتق، و لا يكلّف صرف القيمة إلي عبد آخر ليعتقه، لتعلّق الشرط بالعين و قد تلفت.

ي - لو قتله المشتري أو مات أو تلف سواء كان بتفريطه أو لا،

لم يجب شراء غيره، لكن يرجع البائع بما يقتضيه شرط العتق، فيقال: كم قيمته لو بيع مطلقا و بشرط العتق ؟ فيرجع البائع بالنسبة من الثمن، فإذا قيل:

إنّه يساوي مائة بغير شرط و تسعين بشرط العتق، زيد علي الثمن تسعه.

و له الفسخ، لعدم الوفاء بالشرط، فيدفع ما أخذه من الثمن و يرجع بقيمة العبد. و في اعتبارها إشكال.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّه لا يلزم المشتري إلاّ الثمن المسمّي، لأنّه لم يلتزم غيره.

الثاني: أنّ عليه مع ذلك قدر التفاوت، كما قلناه.

الثالث: أنّ البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد و لا شيء له، و إن شاء5.

ص: 269


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 112:4، و روضة الطالبين 70:3، و المجموع 9: 365.

فسخ و ردّ ما أخذه من الثمن و رجع بقيمة العبد.

الرابع: أنّ العقد ينفسخ، لتعذّر إمضائه، إذ لا سبيل إلي إيجاب شيء علي المشتري من غير تفويت و لا التزام، و لا إلي الاكتفاء بالمسمّي، فإنّ البائع لم يرض به إلاّ بشرط العتق.

و هل هذه الوجوه متفرّعة علي أنّ العتق للبائع أو مطّردة سواء قلنا:

إنّه للبائع أو للّه تعالي ؟ فيه رأيان، أظهرهما: الثاني(1).

و نحن قد قلنا: إنّه بالخيار بين الفسخ و الإمضاء مع المطالبة بالنقص، و هو جار فيما إذا قلنا: إنّه حقّ للّه تعالي أو للبائع.

يأ - شرط العتق إنّما يتناول السبب المباح، فلو نكل به فانعتق، لم يأت بالشرط،

و كان للبائع الخيار بين الفسخ و الإمضاء، و يكون بمنزلة التالف، و قد تقدّم.

يب - شرط العتق إنّما يتناول العتق مجّانا،

فلو أعتقه المشتري و شرط عليه الخدمة أو شيئا، تخيّر البائع بين فسخ البيع و الإمضاء، فإن فسخ، فالأقرب نفوذ العتق، و يرجع البائع بالقيمة، كالتالف.

و يحتمل فساده، لوقوعه علي خلاف ما وجب عليه، و سقوط الشرط خاصّة، فينفذ العتق، و لا خيار للبائع و لا شيء له.

يج - لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه، تخيّر البائع بين فسخ البيع و الإمضاء،

فإن فسخ البيع، بطلت هذه العقود، لوقوعها في غير ملك تامّ.

و يخالف هنا العتق بشرط، لأنّ العتق مبنيّ علي التغليب و السراية، فلا سبيل إلي فسخه مع القول بصحّته.

و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فعله المشتري ؟ فيه احتمال.6.

ص: 270


1- العزيز شرح الوجيز 112:4-113، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9-366.

يد - لو باعه من غيره و شرط عليه العتق، احتمل الصحّة،

لوقوع غرض البائع به، و كما لو أعتقه بوكيله. و البطلان، لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه، فليس له نقله إلي غيره.

و للشافعيّة(1) كالوجهين.

يه - لو قلنا بثبوت الولاء للمشتري، لم يصح اشتراطه للبائع،

لمنافاته النصّ.

و في صحّة البيع مع بطلانه خلاف كما تقدّم من صحّة البيع مع بطلان الشرط.

و للشافعي قولان فيما لو شرط مع العتق كون الولاء للبائع: بطلان العقد، لأنّ شرط الولاء مغيّر لمقتضي العقد، لتضمّنه نقل الملك إلي البائع و ارتفاع العقد. و الصحّة، لحديث بريرة، فإنّ عائشة أخبرت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّ مواليها لا يبيعونها إلاّ بشرط أن يكون الولاء لهم، فقال عليه السّلام: «اشتري و اشترطي لهم الولاء»(2) أذن في الشراء بهذا الشرط، و هو لا يأذن في باطل(3).

و نحن نمنع الرواية، و لهذا لم يثبت القائلون بالفساد الإذن في شرط الولاء، لأنّ هشاما تفرّد به، و لم يتابعه سائر الرواة عليه(4).

و علي تقدير صحّة البيع ففي صحّة الشرط للشافعيّة وجهان:

العدم، لأنّه عليه السّلام خطب بعد ذلك و قال: «ما بال أقوام يشترطون4.

ص: 271


1- حلية العلماء 128:4-129، روضة الطالبين 71:3، المجموع 365:9.
2- صحيح البخاري 199:3، صحيح مسلم 1142:2-1143، 8 نحوه.
3- حلية العلماء 128:4، التهذيب - للبغوي - 516:3-517، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 71:3، المجموع 366:9.
4- كما في التهذيب - للبغوي - 517:3، و العزيز شرح الوجيز 114:4.

شروطا ليست في كتاب اللّه تعالي، كلّ شرط ليس في كتاب اللّه تعالي فهو باطل، شرط اللّه أوثق، و قضاء اللّه أحقّ، و الولاء لمن أعتق»(1).

و الصحّة، لأنّه أذن في اشتراط الولاء و لا يأذن في باطل. لكنّ المشهور بينهم فساد العقد(2).

يو - لو جري البيع بشرط الولاء دون شرط العتق

بأن قال: بعتكه بشرط أن يكون الولاء لي إن أعتقته يوما من الدهر، بطل العقد - و به قال الشافعي(3) - لأنّه لم يشترط العتق حتي يحصل الولاء تبعا له.

يز - لو اشتري من يعتق عليه بشرط الإعتاق، لم يصحّ العقد،

لتعذّر الوفاء بهذا الشرط، فإنّه يعتق عليه قبل أن يعتقه.

يح - لو باعه عبدا بشرط أن يعتقه بعد شهر أو سنة، صحّ عند علمائنا،

و لزمه الشرط.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ العقد باطل، و هو أصحّهما عندهم(4).

و علي قولنا لو مضي الشهر و لم يعتقه، تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء، فيلزمه بالإعتاق كلّ وقت، و له الترك مطلقا، فيرجع بالنقصان الحاصل بسبب عدم المشروط.

يط - لو لم يختر البائع شيئا فبادر المشتري قبل تخيّره إلي العتق،9.

ص: 272


1- صحيح مسلم 1142:2-1143، 8.
2- حلية العلماء 128:4، العزيز شرح الوجيز 113:4-114، روضة الطالبين 3: 71، المجموع 366:9.
3- العزيز شرح الوجيز 114:4، روضة الطالبين 71:3، المجموع 366:9.
4- حلية العلماء 128:4، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.

فإن قصد في الشرط الإعتاق حين خروج الأجل، احتمل تخيّره بين الفسخ فيطالب بالعوض، كالتالف. و الإمضاء إمّا مع الأرش أو بدونه علي ما تقدّم.

و إن قصد تحصيل العتق بعد الأجل مطلقا، فلا خيار له، لحصول مقصوده.

ك - لو باعه عبدا بشرط أن يدبّره، صحّ عندنا،

لقبول البيع الشرائط السائغة، خلافا للشافعي(1) ، و قد سبق.

فإن فعل المشتري ما شرط عليه، فقد بريء و إلاّ تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء بالتفاوت علي ما تقدّم في العتق.

إذا تقرّر هذا، فإذا دبّره، لم يكن له الرجوع في تدبيره علي إشكال ينشأ من الوفاء بما عليه، و قضيّة التدبير جواز الرجوع فيه، و من عدم تحصيل الغرض، إذ الرجوع فيه إبطال له، فينافي صحّة الشرط. و له أن يدبّره مطلقا و مشروطا بأن يقول: إذا متّ في سنتي هذه فأنت حرّ، فإن لم يقع الشرط، وجب عليه استئناف تدبير آخر إن قلنا بعدم الرجوع.

كأ - لو باعه بشرط أن يكاتبه، صحّ عندنا

- خلافا للشافعي(2) علي ما تقدّم - لأنّه شرط مرغّب فيه مندوب إليه يؤول إلي العتق، و عقد البيع قابل للشروط، فكان لازما.

ثمّ إن أطلق، تخيّر المشتري في الكتابة بأيّ قدر شاء، و يتخيّر في الكتابة المشروطة و المطلقة، فإن طلب السيّد أزيد من قيمته و امتنع العبد، تخيّر البائع في الفسخ و الإمضاء و إلزام المشتري بالكتابة بقيمة العبد، فإن امتنع العبد، تخيّر البائع، و لا يجب علي المشتري الكتابة بدون القيمة.9.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.
2- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 3: 70، المجموع 366:9.

كب - لو باعه دارا بشرط أن يجعلها وقفا، صحّ عندنا،

و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: لا يصحّ(1).

و بأيّ وجه حصل الوقف حصل الشرط مع إطلاق البائع، فلو جعلها مسجدا أو وقفها علي من يصحّ الوقف عليه و لو علي ولده و من يلزمه مئونته، صحّ. و لا يكفي الحبس.

كج - لو باعه شيئا بشرط أن يتصدّق به، صحّ عند علمائنا،

لأنّه شرط سائغ بل مستحبّ، و عقد البيع قابل له، فيكون لازما، لعموم قوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(2) خلافا للشافعي [1].

و مع الإطلاق تجزئ الصدقة علي من شاء المشتري.

كد - لو باعه شيئا بشرط لا يقتضيه العقد و لا ينافيه و لا يتعلّق به غرض يورث تنافسا و تنازعا،

مثل: أن يشرط لا يأكل إلاّ الهريسة، و لا يلبس إلاّ الخزّ، و شبه ذلك، فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا.

و هل يلغو أو يفيد تخيّر البائع لو أخلّ به بين الفسخ و الإمضاء؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: صحة البيع و بطلان الشرط. و الثاني:

الفساد في العقد أيضا حيث إنّه أوجب ما ليس بواجب، و كذا لو باع بشرط أن يصلّي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان أو يصلّي الفرائض في أوّل أوقاتها(3).9.

ص: 274


1- حلية العلماء 129:4، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.
2- صحيح البخاري 120:3، سنن الدار قطني 27:3، 99، المستدرك - للحاكم - 49:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 568:6، 2064.
3- العزيز شرح الوجيز 115:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 364:9.
مسألة 125: قد تقدّم
اشارة

مسألة 125: قد تقدّم(1) أنّ بيع الحمل لا يصحّ،

للنهي عن بيع الملاقيح(2). و لأنّه غير معلوم و لا مقدور، و كما لا يصحّ بيعه منفردا لم يصح منضمّا إلي غيره بأن يقول: بعتك هذه الجارية و حملها، لأنّ جزء المبيع إذا كان مجهولا كان المبيع مجهولا.

نعم، يجوز انضمامه تبعا لا مستقلاّ، كأساسات الحيطان.

فلو باع الأمة الحامل و أطلق، لم يدخل الحمل عندنا، لأنّه ليس جزءا من المسمّي و لا تابعا له عادة.

و قال الشافعي: يدخل الحمل في البيع تبعا لو أطلق(3). و هل يقابله قسط من الثمن ؟ فيه له قولان(4).

و لو باع الحامل و استثني حملها، كان تأكيدا للإخراج.

و للشافعي قولان في صحّة البيع:

أحدهما: أنّه يصحّ، كما لو باع الشجرة و استثني الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

و أصحّهما عنده: أنّه لا يصحّ، لأنّ الحمل لا يصحّ إفراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه، كأعضاء الحيوان(5).

و الملازمة ممنوعة، و ليس العلّة في امتناع الاستثناء انتفاء صحّة إفراده بالبيع.

ص: 275


1- في ص 66 المسألة 38.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 230:11، 11581.
3- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.
4- العزيز شرح الوجيز 116:4.
5- الوسيط 85:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.

و لو باع الحامل و شرط المشتري الحمل، صحّ، لأنّه تابع كأساسات الحيطان و إن لم يصحّ ضمّه في البيع مع الأمّ، للفرق بين الجزء و التابع.

و لو كانت الجارية حاملا و كانت لواحد و الحمل لآخر، لم يكن لمالك الحمل بيعه علي مالك الأمّ، و لمالك الامّ بيعها من مالك الحمل و غيره، عندنا، لما بيّنّا من جواز الاستثناء للحمل. و للشافعيّة وجهان(1).

و لو كانت الجارية حاملا بحرّ فباعها مالكها، صحّ.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، و يكون الحمل مستثني شرعا.

و الثاني: البطلان، لأنّ الحمل لا يدخل في البيع حيث هو حرّ، فكأنّه استثناء(2). و قد بيّنّا جواز الاستثناء.

فروع:

أ - لو باع الجارية بشرط أنّها حامل، صحّ عندنا،

لأنّه شرط يرغب لا يخالف الكتاب و السنّة، فكان لازما.

و للشافعي قولان مبنيّان علي أنّ الحمل هل يعلم أم لا؟ إن قال: لا، لم يصحّ شرطه. و إن قال: نعم، صحّ، و هو الأصحّ عنده(3).

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف في غير الآدمي، كالدابّة، أمّا الأمة فيصحّ قطعا، لأنّ الحمل فيها عيب، فاشتراط الحمل إعلام بالعيب، فيصير كما لو باعها علي أنّها آبقة أو سارقة(4).

ب - لو قال: بعتك هذه الدابّة و حملها، لم يصحّ عندنا،

لما تقدّم(5)

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3-73، المجموع 9: 324-325.
2- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3-73، المجموع 9: 324-325.
3- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
5- في ص 275.

من أنّ الحمل لا يصحّ جعله مستقلا بالشراء و لا جزءا من المبيع(1).

و للشافعيّة وجهان:

الصحّة، لأنّه داخل في العقد عند الإطلاق، فلا يضرّ التنصيص عليه، كما لو قال: بعتك هذا الجدار و أساسه(2).

و نمنع الصغري و المقيس عليه أيضا.

و أصحّهما: العدم، لأنّه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم، و ما لا يجوز بيعه منفردا لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره، بخلاف ما لو باع بشرط أنّها حامل، فإنّه جعل الحامليّة وصفا تابعا(3).

ج - لو قال: بعتك هذه الشاة و ما في ضرعها من اللبن، لم يجز عندنا.

و للشافعيّة وجهان(4) سبقا في الحمل.

و لو قال: بعتك هذه الجبّة و حشوها، صحّ، لأنّه جزء منها و داخل في مسمّاها، فذكره ذكر ما دخل في اللفظ، فلا يضرّ التنصيص عليه، بخلاف الحمل، فإنّه ليس داخلا في مسمّي الشاة و الأمة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الآخر: أنّ الخلاف في الشاة مع حملها يجري هنا(5).

و علي قولهم بالبطلان ففي بيع الظهارة و البطانة في الجبّة قولا تفريق الصفقة، و في صورة الدابّة يبطل البيع في الجميع.9.

ص: 277


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: البيع. و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
3- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9، و لم نعثر علي الوجهين فيما سبق.
5- التهذيب - للبغوي - 526:3، الوسيط 84:3، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.

و الفرق: إمكان معرفة قيمة الحشو عند العقد، بخلاف الحمل و اللبن، لأنّه(1) لا يمكن معرفة قيمتهما عند العقد، فيتعذّر تقسيط الثمن(2).

و اعترض بجريان قولي تفريق الصفقة حيث يتعذّر التوزيع، كما لو باع شاة و خنزيرا(3).

د - لو باع حاملا و شرط وضعها في يوم معيّن، لم يصحّ البيع،

لأنّه غير مقدور عليه، و هو قول الشافعي(4).

ه - لو باعه دجاجة ذات بيضة و شرطها، صحّ.

و إن جعلها جزءا من المبيع، لم يصح. و كذا لو جعلها مستقلّة بالبيع.

و بالجملة، فالبحث و الخلاف هنا كما في حمل الجارية و الدابّة.

و - لو باعه شاة بشرط أنّها لبون، فقد سبق(5) جوازه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ الخلاف فيه كالخلاف في البيع بشرط الحمل.

و الثاني: القطع بصحّة البيع.

و الفرق: أنّ شرط الحمل يقتضي وجوده عند العقد و ليس معلوما، و شرط كونها لبونا لا يقتضي وجود اللبن حينئذ، و إنّما يجوز اشتراط صفة فيها، فكان بمثابة شرط معرفة صنعه في العبد حتي لو شرط كون اللبن في الضرع، كان بمثابة شرط الحمل(6).9.

ص: 278


1- في «ق، ك»: «فإنّه» بدل «لأنّه».
2- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
3- المعترض هو إمام الحرمين الجويني كما في العزيز شرح الوجيز 117:4.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
5- في ص 212، المسألة 107.
6- الوسيط 84:3، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ هذا الشرط. و كذا قال في شرط الحمل(1) ، و قد سبق(2).

ز - لو باع شاة لبونا و استثني لبنها، صحّ عندنا،

لوجود المقتضي، و هو ورود البيع علي محلّ معلوم.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: عدم الصحّة، كما لو استثني الحمل في بيع الجارية(3).

مسألة 126:
هنا شروط وافقنا الشافعي

هنا شروط وافقنا الشافعي(4) علي صحّتها في البيع،

مثل أن يبيع بشرط البراءة من العيوب، و بيع الثمرة بشرط القطع. و سيأتي البحث عنهما. و كذا لو شرط ما يقتضيه العقد، و قد سلف(5).

و هنا شروط اخري له فيها خلاف:

أ - لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط أن يكال بمكيال معيّن

أو يوزن بميزان معيّن أو يذرع بذراع معيّن.

فإن كان البيع حالاّ يؤمن معه بقاء المكيال و الميزان و الذراع، صحّ البيع لكن يلغو الشرط، لأنّه إن كان معروفا، رجع إلي المتعارف منه، و إلاّ كان البيع باطلا، للجهالة، و ذلك كما لو قال: بعتك عشر طاسات طعام بهذه الطاسة و هي غير معلومة النسبة إلي المكيال المعتاد، أو: بعتك ملء هذا الجوالق، أو: ملء هذه الآنية.

ص: 279


1- العزيز شرح الوجيز 118:4، و فيه: لا يصحّ البيع بهذا الشرط.
2- في ص 213، المسألة 107.
3- حلية العلماء 125:4، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 325:9.
4- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3-74.
5- في ص 246.

و إن كان البيع مؤجّلا، لم يصحّ الشرط إن كان معلوم النسبة، و صحّ البيع، و إلاّ فلا.

و لا فرق في اشتراط ذلك في المبيع أو الثمن.

ب - لو عيّنا في البيع رجلا يتولّي الكيل أو الوزن(1) ،

احتمل اللزوم، إخلادا إلي ثقته و معرفته و نصحه. و العدم، لقيام غيره مقامه.

و للشافعي وجهان(2).

و الأقوي عندي: اللزوم مع الحلول، أمّا مع الأجل فيحتمل البطلان قويّا، لإمكان عدمه.

ج - لو باع دارا و شرط سكناها، أو دابّة و استثني ظهرها،

فإن لم يعيّن مدّة، بطل العقد، للجهالة، و ثبوت الغرر. و إن عيّن مدّة، صحّ عندنا، عملا بمقتضي الشرط السالم عن معارضة الكتاب و السنّة، و به قال أحمد(3). و للشافعي قولان(4).

د - لو باعه دارا بشرط أن يقفها عليه و علي عقبه و نسله،

فالأولي الصحّة، كما لو شرط وقفها علي الغير. و كذا لو باعه دارا(5) بشرط أن يقف عليه دكّانه أو علي غيره.ه.

ص: 280


1- في «ك»: و الوزن.
2- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 74:3.
3- المغني 228:4، الشرح الكبير 56:4، العزيز شرح الوجيز 118:4، المجموع 378:9.
4- التهذيب - للبغوي - 517:3، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 369:9 و 378، و في المغني 228:4، و الشرح الكبير 56:4 نسب القول بعدم الصحّة إلي الشافعي.
5- في «ق، ك»: داره.

و كذا يصحّ لو شرط إعماره إيّاها، لأنّه شرط مرغب فيه يصحّ الابتداء به، فصحّ جعله شرطا في عقد قابل للشروط. فعلي هذا لو أطلق الإعمار، احتمل البطلان، لأنّه كما ينصرف إلي عمر البائع ينصرف إلي عمر المشتري و لا أولويّة.

و لو شرط الإسكان، صحّ و إن كان مطلقا، و له إخراجه متي شاء، للوفاء بمطلق الشرط. و فرق بين أن يشرط له سكناها من غير تعيين مدّة و بين أن يشرط الإسكان، لأنّ الثاني شرطه التقرّب إلي اللّه تعالي، بخلاف الأوّل.

ه - لو باعه بشرط أن لا يسلّم المبيع حتي يستوفي الثمن، فالأقوي الصحّة،

لأنّه كشرطه الرهن.

و قال الشافعي: إن كان الثمن مؤجّلا، بطل العقد. و إن كان حالاّ، يبني علي أنّ البداءة في التسليم بمن ؟ فإن جعل ذلك من قضايا العقد، لم يضرّ ذكره، و إلاّ فسد العقد(1).

و - لو قال لغيره: بع عبدك من زيد بألف علي أن عليّ خمسمائة،

فباعه علي هذا الشرط، صحّ البيع عندنا، لأنّه شرط سائغ لا يوجب جهالة في المبيع و لا في الثمن، فكان لازما.

و لابن سريج من الشافعيّة قولان:

أظهرهما: أنّه لا يصحّ البيع، لأنّ الثمن يجب جميعه علي المشتري، و هاهنا جعل بعضه علي غيره.

و الثاني: نعم، و يجب علي زيد ألف و علي الآمر خمسمائة، كما لو9.

ص: 281


1- التهذيب - للبغوي - 517:3، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 369:9.

قال: ألق متاعك [في البحر](1) علي أن عليّ كذا(2).

و الوجه: أن نقول: إن قصد الآمر الضمان من الثمن، كان ضمانا متبرّعا به صحيحا. و إن قصد الجعالة، لزمه مع الفعل، و علي المشتري ألف كاملة.

و كذا لو قال: بعه منه بألف علي أنّ الألف عليّ، صحّ، و كان الثمن لازما له بمجرّد الضمان المتبرّع به، و لا يرجع علي المشتري، و لا يجب علي المشتري للبائع شيء.

ز - لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم علي أن أزيدك صاعا،

و قصد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر، بطل عندنا، للجهل بالصبرة، فلو علما بها(3) ، صحّ البيع عندنا.

و الشافعي لمّا جوّز بيع الصبرة منع البيع هنا علي تقدير إرادة الهبة أو بيعه القفيز من موضع آخر، لأنّه شرط عقد(4) في عقد. و إن أراد أنّها إن خرجت عشرة اصع، أخذت تسعة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح عنده أيضا، لأنّه لا يدري حصّة كلّ صاع. و إن كانت معلومة، صحّ. و إن كانت عشرة، فقد باع كلّ صاع و تسعا بدرهم(5).

و لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم علي أن أنقصك صاعا،9.

ص: 282


1- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 120:4، حلية العلماء 136:4-137، و في روضة الطالبين 75:3 من دون نسبة إلي ابن سريج.
3- في «ق، ك»: علماها.
4- في «ق، ك»: عقدا.
5- الحاوي الكبير 222:5، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 314:9.

فإن أراد ردّ صاع إليه، فهو فاسد عند الشافعي، لأنّه شرط عقدا في عقد.

و إن أراد أنّها إن خرجت تسعة اصع أخذت عشرة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح عندنا و عنده. و إن كانت معلومة، صحّ عنده، فإذا كانت تسعة اصع، فيكون كلّ صاع بدرهم و تسع(1).

و بعض الشافعيّة منع من الصحّة مع العلم أيضا، لأنّ العبارة لا تبني علي الحمل [1] المذكور(2).

ح - لو قال: بعتك هذه الدار أو هذه الأرض بكذا، صحّ البيع مع المشاهدة

و إن جهل قدرهما. و كذا لو قال: بعتك نصفها أو ربعها أو غيرهما(3) من الأجزاء المشاعة.

و لو قال: بعتك هذه الأرض كلّ ذراع بدرهم، فإن علما قدر الذّراعان، صحّ البيع، و إلاّ بطل.

و قال أبو حنيفة: يبطل مطلقا و لا في ذراع واحد، بخلاف الصبرة، فإنّه(4) يجوز فيها إطلاق القفيز، و الأرض لا يجوز فيها إطلاق الذراع(5).

و قال الشافعي: يصحّ مع المشاهدة(6).

و لو قال: بعتك من هذه الأرض عشرة أذرع، لم يصحّ، لاختلاف4.

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3، المجموع 315:9.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3، المجموع 315:9.
3- في «ق، ك»: غيره.
4- في «ق، ك»: «لأنّه» بدل «فإنّه».
5- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4.
6- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4، روضة الطالبين 33:3 - 34.

أجزائها، و الجملة غير معلومة، فلا يمكن أن تكون معيّنة و لا مشاعة.

ط - لو باعه شيئا و شرط فيه قدرا معيّنا، فأقسامه أربعة،

لأنّه إمّا أن يكون مختلف الأجزاء أو متّفقها، و علي التقديرين فإمّا أن ينقص المقدار عن الشرط أو يزيد:

الأوّل: أن يبيع مختلف الأجزاء - كالأرض و الثوب - و ينقص،

كأن يبيع أرضا معيّنة علي أنّها عشرة أذرع أو ثوبا كذلك فنقص ذراعا.

قال علماؤنا: يتخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء. و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(1).

أمّا الصحّة: فلصدور العقد من أهله في محلّه جامعا للشروط فكان صحيحا. و للعموم السالم عن معارضة ما يقتضي البطلان، و نقص الجزء كنقص الصفة.

و أمّا الخيار: فللنقص، و هو عيب.

و القول الآخر للشافعي: البطلان، لأنّ قضيّة قوله: «بعتك هذه الأرض» اختصاص البيع بهذه الأرض و عدم تناوله لغيرها، و قضيّة الشرط أن تدخل الزيادة [1] في البيع، فوقع التضادّ. لكنّ الأظهر عندهم: الأوّل(2) ، كما اخترناه.

إذا تقرّر هذا، فنقول: إذا اختار المشتري البيع، فهل يجيز بجميع الثمن أو بالقسط؟ لعلمائنا قولان.3.

ص: 284


1- الهداية - للمرغيناني - 23:3، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74-75.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3.

أحدهما: بجميع الثمن - و هو أظهر قولي الشافعي(1) - لأنّ المتناول بالإشارة تلك القطعة لا غير و إن كان الأظهر عنده(2) في الصبرة الإجازة بالقسط، لأنّ صبرة الطعام إذا كانت ناقصة عن الشرط و أجزاؤها متساوية، يكون ما فقده مثل ما وجده، و في الثوب أو القطعة من الأرض لم يكن ما فقده مثل ما وجده. و لأنّه في الصبرة لا يؤدّي تقسيط ذلك إلي جهالة الثمن في التفصيل و إن كان في الجملة مجهولا، و أمّا الثوب أو القطعة فإنّه إذا قسّم الثمن علي قيمة ذرعانه و جعل الفائت مثل واحد منها، أدّي إلي أن يكون الثمن حالة العقد مجهولا في الجملة و التفصيل.

لا يقال: أ ليس إذا وجد عيبا و قد حدث عنده عيب، أخذ أرشه، فصار الثمن مجهولا في الجملة و التفصيل ؟ لأنّا نقول: ذلك لا يؤثّر في العقد، لأنّه وقع في الابتداء علي الجملة، و صحّ بها، و لهذا لا يسقط منه شيء مع إمكان الردّ، و هنا يكون واقعا في الابتداء علي ما ذكرنا.

لا يقال: لم لا قسّمتموه علي عدد الذّرعان ؟ لأنّا نقول: ذرعان الثوب تختلف، و لهذا لو باع ذراعا منه و لم يعيّن موضعه، لم يجز.

و الثاني: أنّه يتخيّر بين الفسخ و الإمضاء بحصّته من الثمن، و لا يقسّط بالنسبة إلي الأجزاء، لاختلافها، بل بالنسبة من القيمة حال كمالها و نقصها.9.

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 49:4، و روضة الطالبين 34:3، و حلية العلماء 4: 109.

و للشيخ قول: إنّه إذا كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض، وجب عليه أن يوفيه منها(1).

و ليس بعيدا من الصواب، لأنّه أقرب إلي المثل من الأرش.

إذا تقرّر هذا، فنقول: لا يسقط خيار المشتري بأن يحطّ البائع من الثمن قدر النقصان.

الثاني: أن يبيعه مختلف الأجزاء - كالأرض و الثوب - فيزيد علي المشترط،

مثل: أن يبيعه علي أنّها عشرة أذرع فتخرج أحد عشر، فالخيار هنا للبائع بين الفسخ و الإمضاء للجميع بكلّ الثمن، و لا يمكن أن يجعل ذراع منه للبائع، لأنّ ذلك مختلف. و لأنّه يؤدّي إلي الاشتراك و لم يرضيا بذلك.

و يحتمل ثبوت الزيادة للبائع، فيتخيّر المشتري حينئذ، للتعيّب بالشركة.

فإن دفع البائع الجميع، سقط خياره. و يحتمل عدم سقوطه. و الأوّل أقوي، لأنّ زيادة العين هنا كزيادة الصفة، إذ العقد تناول القطعة المعيّنة، فزيادة الذراع زيادة وصف، فيجب علي المشتري قبوله، كما لو دفع إليه أجود.

و للشافعي قولان في صحّة البيع و بطلانه(2) ، إذ لا يمكن إجبار البائع علي تسليم الزيادة و لا المشتري علي أخذ ما سمّاه.

فإن صحّحه، فالمشهور عنده: أنّ للبائع الخيار. فإن أجاز، فالجميع3.

ص: 286


1- النهاية: 420.
2- حلية العلماء 108:4، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.

للمشتري و لا يطالبه للزيادة بشيء(1).

و اختار بعض الشافعيّة أنّه لا خيار للبائع، و يصحّ البيع في الكلّ بالثمن المسمّي، و ينزّل شرطه منزلة ما لو شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما، لا خيار له(2).

فعلي المشهور لو قال المشتري: لا تفسخ فإنّي أقنع بالقدر المشروط و الزيادة لك، فهل يسقط خيار البائع ؟ فيه قولان: السقوط، لزوال الغبن عن البائع. و عدمه، لأنّ ثبوت حقّ المشتري علي الشياع يجرّ ضررا(3).

و لو قال: لا تفسخ حتي أزيدك في الثمن لما زاد، لم يكن له ذلك، و لم يسقط به خيار البائع عندنا و عند الشافعي(4) قولا واحدا.

و كذا حكم الثوب و الشياه لو باعها علي أنّها عشرون رأسا فنقصت أو زادت.

الثالث: أن يكون متساوي الأجزاء و ينقص،

فالخلاف هنا كما تقدّم في المختلف، لكن بعض من خيّر المشتري بين الأخذ بالجميع أو الفسخ هناك جعل له الخيار هنا بين أخذ الحصّة من الثمن و الفسخ، لما مرّ من الفرق.

الرابع: أن يبيع متساوي الأجزاء و يزيد،

فالخلاف الخلاف في المختلف مع الزيادة، لكن بعض من أبطل البيع أوّلا أو قال بأنّه يأخذ الجميع بالمسمّي خيّر هنا المشتري بين الفسخ و الأخذ للمشترط بالمسمّي، فيردّ الزيادة إلي البائع.3.

ص: 287


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
3- العزيز شرح الوجيز 119:4-120، روضة الطالبين 75:3.
4- العزيز شرح الوجيز 120:4، روضة الطالبين 75:3.

ي - لو باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس و قبله المشتري، جاز عندنا،

و لزم البيع و الشرط، لصحّته، لتضمّنه إسقاط حقّ المشتري من الرجوع فيما وقع صحيحا أو حقّ البائع.

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما: أنّ المسألة علي قولين:

الصحّة، لقوله عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا إلاّ بيع الخيار»(1) و أراد البيع الذي نفي عنه الخيار و استثناه من قوله: «بالخيار».

و أصحّهما عندهم: البطلان(2).

فإن صحّ الشرط، صحّ البيع و لزم. و إن أبطلنا الشرط، ففي فساد البيع عندهم وجهان، أصحّهما عندهم: نعم، لأنّه شرط ينافي مقتضي العقد، فأشبه ما إذا قال: بعتك بشرط أن لا أسلّمه(3).

يأ - لو باع الغائب بشرط نفي خيار الرؤية، فالأقوي عندي: الجواز،

كما لو أسقط خياره لو وجده ناقصا عن شرطه.

و للشافعيّة فيه الخلاف الذي سبق في شرط نفي خيار المجلس.

و أكثرهم قطعوا هنا بفساد الشرط و البيع معا، لأنّ المشتري لم ير المبيع و لا عرف حاله، فنفي الخيار فيه يؤكّد الغرر، بخلاف نفي خيار المجلس، لأنّه غير مخلّ بمقصود العقد [1]، و لا يثبت فيه غرر، و إنّما أثبته2.

ص: 288


1- صحيح البخاري 84:3، صحيح مسلم 1163:3، 1531، سنن أبي داود 272:3 - 273، 3454، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5.
2- الوسيط 100:3، العزيز شرح الوجيز 121:4، روضة الطالبين 103:3 - 104، المجموع 178:9-179.
3- العزيز شرح الوجيز 121:4-122.

الشرع علي سبيل الإرفاق بالمتعاقدين، فجاز أن يكون نفيه غير قادح(1).

يب - لو قال لعبده: إذا بعتك فأنت حرّ، لم يصح،

لبطلان العتق المعلّق عندنا. و يجوز عند الجمهور.

نعم، يجوز عندنا تعليق نذر العتق كأن يقول: للّه عليّ أن أعتقك إذا بعتك.

فعلي ما اختاره الجمهور في الصورة الاولي لو باعه بشرط نفي الخيار، قالت الشافعيّة: إن قلنا: البيع باطل، أو قلنا: الشرط صحيح، لم يعتق.

أمّا علي التقدير الأوّل: فلأنّ اسم البيع يقع علي الصحيح و لم يوجد.

و أمّا علي الثاني: فلأنّ ملكه قد زال و العقد قد لزم، و لا سبيل له إلي إعتاق ملك الغير.

و إن قلنا: العقد صحيح و الشرط باطل، عتق، لبقاء الخيار، و نفوذ العتق من البائع في زمان الخيار(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يعتق إلاّ أن يبيع بشرط الخيار، لأنّ خيار المجلس غير ثابت عندهما(3).

و علي الصورة التي تجوز عندنا - و هو النذر - لو باعه بشرط نفي الخيار، لم يصح البيع، لصحّة النذر، فيجب الوفاء به، و لا يتمّ برفع الخيار.4.

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 122:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
2- حلية العلماء 19:4، العزيز شرح الوجيز 122:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
3- العزيز شرح الوجيز 122:4.

و علي قول بعض علمائنا - من صحّة البيع مع بطلان الشروط - يلغو الشرط، و يصحّ البيع و يعتق.

يج - يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد واحد،

كبيع و سلف و إجازة أو بيع و نكاح و إجارة، أو إجارة و بيع و كتابة و نكاح، و يقسّط العوض علي قيمة المبيع و إجارة المثل و مهر المثل من غير حصر لمهر المثل علي إشكال.

و لو كان أحد الأعواض مؤجّلا، قسّط المسمّي عليه كذلك، فلو باعه عبدا يساوي عشرة حالاّ و عشرين مؤجّلا إلي سنة مثلا، و آجره داره مدّة سنة بعشرين و ثمن المبيع مؤجّل سنة و العوض عشرون، قسّط بينهما بالسويّة.

خاتمة تتعلّق بحكم البيع الفاسد:
اشارة

البيع الفاسد لا يفيد ملكيّة المشتري للمعقود عليه، سواء فسد من أصله أو باقتران شرط فاسد أو بسبب آخر. و لو قبضه، لم يملكه بالقبض.

و لو تصرّف فيه، لم ينفذ تصرّفه فيه، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (2).

و قول الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجيء مستحقّ الجارية، فقال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع

ص: 290


1- المغني 310:4، الشرح الكبير 63:4، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 122:4، التهذيب - للبغوي - 518:3، روضة الطالبين 76:3، المجموع 9: 377.
2- البقرة: 188.

قيمة الولد، و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد، التي(1) أخذت منه»(2).

و قال أبو حنيفة: إن اشتري بما لا قيمة له - كالدم و الميتة - فالحكم كما قلناه.

و إن اشتراه بشرط فاسد أو بما له قيمة في الجملة - كالخمر و الخنزير - ثمّ قبض المبيع بإذن البائع، ملكه، و نفذ تصرّفه فيه، لكن للبائع أن يستردّه بجميع زوائده المتّصلة و المنفصلة.

و لو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة أو إعتاق، و بالجملة كلّ تصرّف يمنع من الرجوع، فعليه قيمته إلاّ أن يشتري عبدا بشرط العتق، فإنّه قال: يفسد العقد، و إذا تلف في يده، فعليه الثمن.

و يكره للمشتري التصرّف فيها، فإن وطئها، ردّها و مهرها. فإن قال:

بعتكها و لم يذكر العوض، ملكها بالقبض. و لو قال: بعتكها بغير عوض، لم يملك بالقبض.

و استدلّ بحديث بريرة، فإنّ عائشة اشترتها و اشترطت لمواليها الولاء فقبضتها و أعتقتها، فأجاز النبيّ صلّي اللّه عليه و آله العتق(3) ، و هذا العقد(4) فاسد.

و لأنّ المشتري علي صفة يملك المبيع ابتداء العقد و قد حصل عليه ضمان بدله من عقد فيه تسليط، فوجب أن يملكه، كما لو كان العقدد.

ص: 291


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة و الاستبصار: «الذي» بدل «التي» و ما أثبتناه من التهذيب.
2- التهذيب 82:7، 353، الاستبصار 84:3، 285.
3- صحيح البخاري 200:3، صحيح مسلم 1142:2-1143، 8، سنن البيهقي 336:10-337، شرح معاني الآثار 45:4.
4- في «ق، ك»: و هذا عقد.

صحيحا(1).

و حديث بريرة ممنوع، سلّمناه، لكن يحتمل أنّ الشرط وقع قبل العقد أو بعد تمامه، و البيع الصحيح لا يملك فيه بالقبض، و يملك عليه فيه المسمّي، بخلاف المتنازع، و مع الفرق يبطل القياس.

ثمّ نعارضه بأنّه مبيع مستردّ بزوائده المتّصلة و المنفصلة، فلا يثبت الملك فيه للمشتري، كما لو اشتري بدم أو ميتة عنده.

مسألة 127: إذا اشتري شراء فاسدا، وجب عليه ردّه علي مالكه،

لعدم خروجه عنه بالبيع، و عليه مئونة الردّ، كالمغصوب، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به.

و ليس للمشتري حبسه لاسترداد الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: له ذلك، و به قال أبو حنيفة(2).

و لا يتقدّم به علي الغرماء، و هو أحد قولي الشافعي. و في الآخر:

يتقدّم، و به قال أبو حنيفة(3).

و يجب عليه أيضا أجرة المثل للمدّة التي كانت في يده، سواء استوفي المنفعة أو تلفت تحت يده، لأنّ يده ثبتت عليه بغير حقّ، فهو كالمغصوب.

و لو زادت العين في يد المشتري زيادة منفصلة كالولد و الثمرة، أو متّصلة كالسمن و تعلّم الصنعة، وجب عليه ردّ الزيادة أيضا، لأنّها نماء ملك البائع، فيتبع الملك، فإن تلفت الزيادة، ضمنها المشتري، و هو أحد وجهي

ص: 292


1- التهذيب - للبغوي - 518:3، الحاوي الكبير 316:5، العزيز شرح الوجيز 4: 122، المجموع 377:9، المغني 310:4، الشرح الكبير 63:4، و ليس فيها بعض الفروع المذكورة في المتن.
2- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 369:9.
3- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 369:9.

الشافعيّة. و في الآخر: لا يضمنها المشتري عند التلف(1).

و إن نقصت، وجب عليه ردّ أرش النقصان، لأنّ الجملة مضمونة عليه حيث قبضها بغير حقّ. و لأنّه قبضها علي سبيل المعاوضة، فأشبهت المقبوض علي وجه السوم.

و إن تلف جميعها، وجب عليه قيمتها يوم التلف، كالعارية. و يحتمل يوم القبض. و يحتمل أكثر القيم من حين القبض إلي حين التلف، كالمغصوب، فإنّه في كلّ آن مخاطب من جهة الشرع بالردّ.

هذا إذا(2) لم يكن مثليّا، و إن كان مثليّا، وجب ردّ مثله، لأنّه أقرب إلي العين من القيمة، و لا يضمن تفاوت السعر، كما لو كانت العين باقية و دفعها، لم يضمن تفاوت السوق.

و للشافعي(3) هذه الأقوال الثلاثة.

و لو أنفق علي العبد أو الدابّة مدّة مقامه في يده، لم يرجع علي البائع إن كان عالما بفساد البيع، لأنّه يكون كالمتبرّع بالإنفاق علي مال الغير. و إن كان جاهلا، رجع، لأنّ الغارّ هو البائع.

و للشافعي(4) في الجاهل وجهان هذا أحدهما.

مسألة 128: لو كان المبيع بالبيع الفاسد جارية، لم يجز للمشتري وطؤها،
اشارة

و به قال أبو حنيفة و الشافعي و إن ذهب أبو حنيفة إلي الملك(5) بما

ص: 293


1- التهذيب - للبغوي - 518:3، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 3: 76، المجموع 370:9.
2- في «ق، ك»: «إن» بدل «إذا».
3- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 370:9.
4- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 370:9.
5- الحاوي الكبير 317:5، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 370:9 و 371.

تقدّم من الشروط.

فإن وطئها عالما بالتحريم، وجب عليه الحدّ مطلقا عندنا، لأنّه وطئ ملك الغير بغير إذنه مع علمه بالتحريم و انتفاء الشبهة عنه، إذ التقدير العلم بالتحريم، فكان زانيا يجب عليه الحدّ.

و للشافعي أقوال:

أحدها: ثبوت الحدّ إن اشتراها بميتة أو دم، و سقوطه إن اشتراها بما له قيمة، كالخمر، و الخنزير أو بشرط فاسد، لاختلاف العلماء، كالوطي في النكاح بلا وليّ.

و الثاني: وجوب الحدّ مطلقا، لأنّ أبا حنيفة لم يبح الوطء و إن كان يثبت الملك، بخلاف الوطء في النكاح بلا وليّ.

و الثالث: سقوط الحدّ مطلقا، لأنّه يعتقد أنّها ملكه. و لأنّ في الملك اختلافا(1).

و ليس بمعتمد.

و يجب المهر، سواء سقط الحدّ أو لا، و لا يسقط بالإذن الذي يتضمّنه التمليك الفاسد.

و قال الشافعي: إذا لم يجب الحدّ يجب المهر(2) ، لأنّ الحدّ إذا سقط للشبهة لم يسقط المهر.

و هل يشترط في وجوبه عدم علمها(3) بالتحريم ؟ الأقرب عندي:».

ص: 294


1- انظر: التهذيب - للبغوي - 518:3، و العزيز شرح الوجيز 123:4، و روضة الطالبين 76:3 و 77، و المجموع 370:9 و 371.
2- الحاوي الكبير 317:5-318، التهذيب - للبغوي - 518:3، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 371:9.
3- في «ق، ك» بدل «عدم علمها»: «جهلها».

العدم، لأنّها ملك الغير، فلا عبرة بالعلم في طرفها، بخلاف الحرّة حيث سقط مهرها مع علمها بالتحريم، لأنّ الجارية هنا مال، فالتصرّف فيها بالوطي تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فكان عليه عوضه.

و يحتمل السقوط، لنهيه عليه السّلام عن مهر البغيّ(1).

ثمّ إذا وجب المهر، لا يخلو إمّا أن تكون ثيّبا أو بكرا، فإن كانت ثيّبا، وجب مهر مثلها. و إن كانت بكرا، وجب مع المهر أرش البكارة. أمّا مهر البكر: فللاستمتاع بها. و أمّا أرش البكارة: فلإتلاف ذلك الجزء.

لا يقال: كيف يجب المهر مع أنّ السيّد أذن في الوطء، و معلوم أنّ السيّد لو أذن في وطئ أمته، لم يجب المهر، فكيف يجب مع مهر البكر أرش البكارة!؟ مع أنّ الرجل إذا نكح نكاحا فاسدا حرّة و أزال بكارتها أنّه لا يضمن البكارة.

لأنّا نقول: أمّا الإذن فيمنع حصوله من السيّد، و إنّما ملّكه الجارية، و التمليك إذا كان صحيحا، تضمّن إباحة الوطء. و إذا كان فاسدا، لم يبحه، فلم يسقط بذلك ضمانه.

و النكاح تضمّن في الحرّة الإذن في الوطء، لأنّه معقود علي الوطء، و الوطء يتضمّن إتلاف البكارة. و ليس كذلك البيع، فإنّه ليس بمعقود علي الوطء، و لهذا يجوز شراء من لا يحلّ وطؤها و لا يصحّ نكاحها. و لأنّها سلّمت نفسها في النكاح لا علي وجه الضمان لبدنها، و هنا البيع يقتضي ضمان البدن، فافترقا.

لا يقال: إذا أوجبتم مهر البكر، فكيف توجبون ضمان البكارة و قد2.

ص: 295


1- سنن أبي داود 267:3، 3428، سنن الترمذي 439:3، 1133، و 575، 1276، و 402:4، 2071، سنن النسائي 189:7 و 309، المستدرك - للحاكم - 33:2.

دخل ضمانها في المهر!؟ لأنّا نقول: إتلاف البكارة إتلاف جزء من البدن، و المهر ضمان المنفعة، فلا يدخل أحدهما في الآخر.

لا يقال: إذا ضمن البكارة، ينبغي أن يجب مهر ثيّب، لأنّه قد ضمن البكارة، و يجري مجري من أزال بكارتها بإصبعه ثمّ وطئها.

لأنّا نقول: إذا وطئها بكرا، فقد استوفي منفعة هذا الجزء، فوجب عليه قيمة ما استوفي من المنفعة، فإذا أتلفه، وجب ضمان عيبه.

و يحتمل أنّ عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيّبا، لما روي عن الصادق عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمّة، إلي أن قال: «و إن كان زوّجها وليّ لها، رجع علي وليّها بما أخذته، و لمواليها عليه إن كانت بكرا عشر قيمتها [و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها](1) بما استحلّ من فرجها»(2).

فروع:
أ - لو حملت هذه الجارية من المشتري، لحق به الولد،

لأنّه وطئها بشبهة، فيكون حرّا، لأنّ الشبهة من جهة الملك، و لا يمسّه الرقّ، و لا يثبت عليه ولاء، بل هو حرّ الأصل. و يجب علي الواطئ قيمته للبائع، لأنّه نماء ملكه و قد حال بينه و بينه بالحرّيّة، فكان عليه قيمته.

و لقول الصادق عليه السّلام في رجل اشتري جارية فأولدها فوجدت

ص: 296


1- ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 404:5-405، 1، التهذيب 349:7، 1426، الاستبصار 216:3 - 217، 787 بتفاوت في بعض الألفاظ.

الجارية مسروقة، قال: «يأخذ الجارية صاحبها، و يأخذ الرجل ولده بقيمته»(1).

ب - لو نقصت بالولادة، وجب عليه مع قيمته الولد أرش نقصان الولادة،

و لا يجبر الولد النقصان، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يجبر الولد النقصان(3).

و سيأتي بطلانه في باب الغصب إن شاء اللّه تعالي.

ج - تعتبر قيمة الولد يوم سقوطه حيّا، لأنّه وقت الحيلولة بينه و بين صاحبه.

و لو سقط ميّتا، فلا شيء، لأنّه لا قيمة له حينئذ، و لا يقوّم قبل سقوطه، لأنّه لا قيمة له حينئذ، فإذا لم يكن له قيمة حين سقط، لم يضمن و هو قبل ذلك لا قيمة له.

لا يقال: لو ضربه أجنبيّ فسقط ميّتا، وجب عليه الضمان، و كان للسيّد من ديته أقلّ الأمرين من دية الجنين و من قيمته حين(4) سقط.

لأنّا نقول: الواطئ يضمنه بالحيلولة بينه و بين سيّده، و وقت الحيلولة حين السقوط و كان ميّتا، فلم يجب ضمانه. و ضمان الضارب قائم مقام خروجه حيّا، فلهذا ضمنه للبائع، و إنّما ضمن الأقلّ، لأنّ دية الجنين إن كانت أقلّ، لم يضمن أكثر من ذلك، لأنّه بسبب ذلك ضمن. و إن كانت القيمة أقلّ، كان الباقي لورثته، و يطالب به المالك من شاء من الجاني و المشتري.

ص: 297


1- الكافي 215:5، 10، التهذيب 65:7، 280، الاستبصار 84:3، 286.
2- التهذيب - للبغوي - 519:3، العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 3: 77، المجموع 372:9.
3- بدائع الصنائع 302:5، المبسوط - للسرخسي - 22:13.
4- في الطبعة الحجريّة: «يوم» بدل «حين».

و قال أبو حنيفة: يعتبر قيمة الولد يوم المحاكمة(1).

د - قيمة الولد تستقرّ هنا علي المشتري، أمّا لو اشتري جارية و استولدها فخرجت مستحقّة،

يغرم قيمة الولد، و يرجع علي البائع، لأنّه غرّه إن كان جاهلا بالحال. و إن علم عدم استحقاق البائع لها، لم يرجع، لعدم المقتضي للرجوع.

ه - لو سلّم الجارية المبيعة إلي البائع حاملا فولدت في يد البائع،

ضمن المشتري ما نقص بالولادة. و لو ماتت من ذلك، ضمن القيمة، لثبوت السبب في يده، فكان كوجود المسبّب عنده. و كذا لو أحبل أمة غيره بشبهة فماتت في الطلق.

أمّا لو أكره امرأة حرّة علي الزنا فحملت ثمّ ماتت في الطلق، احتمل الضمان أيضا، لأنّه سبّب في الإتلاف. و عدمه.

و للشافعي قولان(2).

فعلي الثاني الفرق: أنّ الولد لم يلحق بالزاني فلم يثبت تكوّنه منه، و هنا قد ثبت كونه منه.

و لأنّ ضمان المملوك أوسع من ضمان الحرّ، لأنّه يضمن باليد و بالجناية، فجاز أن يضمن المملوكة بذلك دون الحرّة.

و - هذه الأمة لو حبلت لم تكن

و - هذه الأمة لو حبلت لم تكن(3) في الحال أمّ ولد،

إذ هي ملك الغير في نفس الأمر.

ص: 298


1- الحاوي الكبير 318:5، حلية العلماء 135:4.
2- التهذيب - للبغوي - 519:3، العزيز شرح الوجيز 491:4، المجموع 9: 372.
3- في «ق، ك»: لم تك.

فإن ملكها المشتري بعد ذلك في وقت ما من الدهر، قال الشيخ:

تصير أمّ ولد(1) ، بناء منه علي أنّ من أولد من جارية غيره ولدا حرّا ثمّ ملكها فإنّها تصير أمّ ولد، لأنّها علقت منه بحرّ، فأشبه مملوكته.

و المعتمد خلافه، لرواية ابن مارد(2). و لأنّها حملت منه في ملك غيره، فأشبهت الأمّة المزوّجة.

و للشافعي قولان(3).

و لو علقت بمملوك، لم تصر أمّ ولد إلاّ في مسألة واحدة، و هي المكاتب إذا وطئ أمته، فإذا ملكها بعد ذلك، فالاحتمالان.

و للشافعي القولان(4) أيضا.

مسألة 129: لو باع المشتري فاسدا 1 ما اشتراه، لم يصحّ،
اشارة

لأنّه لم يملكها [2] بالشراء الأوّل، و يجب علي المشتري الثاني ردّها علي البائع الأوّل، فإن تلفت في يد المشتري الثاني، كان للمالك أن يطالب بقيمتها من شاء منهما، لأنّ الأوّل ضامن، و الثاني قبضها من يد ضامنة بغير إذن صاحبها، فكان ضامنا. و لأنّه دخل فيها علي وجه الضمان كالمشتري الأوّل.

و متي تعتبر القيمة ؟ لعلمائنا قولان:

ص: 299


1- المبسوط - للطوسي - 150:2، و 186:6.
2- التهذيب 482:7-483، 1940.
3- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 371:9.
4- المهذّب - للشيرازي - 20:2، التهذيب - للبغوي - 519:3، حلية العلماء 6: 244، روضة الطالبين 553:8.

أحدهما: حين التلف، و هو الأقوي، لأنّه قبضها بإذن مالكها فلم يضمن إلاّ يوم التلف، كالعارية. و لأنّه في كلّ حال مخاطب بردّ العين لا غير، و القيمة إنّما تعلّقت بذمّته يوم التلف. و لو كانت العين موجودة، لم يضمن تفاوت القيمة السوقيّة.

و الثاني: أنّه يضمنها بالأكثر من قيمتها من حين القبض إلي حين التلف، لأنّه في كلّ حال مأمور بردّها، فإذا لم يفعل، وجب عليه قيمتها في تلك الحال، كالمغصوب، و نمنع وجوب القيمة إذا لم يفعل بل إذا تلفت، و التقدير بقاؤها.

إذا ثبت هذا، فالحال لا يخلو إمّا أن تكون قيمته في يد الأوّل و الثاني علي السواء أولا.

فإن كان الأوّل، رجع بالقيمة علي من شاء كما قلناه، لكن يستقرّ الضمان علي الثاني. فإذا رجع المالك عليه، لم يرجع الثاني علي الأوّل بشيء، لاستقرار التلف في يده.

و إن كان الثاني، فلا يخلو إمّا أن تكون الزيادة في يد الأوّل بأن كانت تساوي في يده مائتين ثمّ صارت تساوي مائة ثمّ باعها، فإن رجع علي الأوّل، رجع بمائتين، و رجع الأوّل علي الثاني بمائة. و إن رجع علي الثاني، رجع بمائة و يرجع علي الأوّل بالمائة الأخري، و لا يرجع الأوّل علي الثاني بشيء. و إمّا أن تكون الزيادة في يد الثاني، فإن رجع علي الأوّل، رجع عليه بالمائة لا غير، و يرجع علي الثاني بالمائة الزائدة، لحصولها في يده و تلفها في يده، و يرجع الأوّل علي الثاني بالمائة الأصليّة التي أخذها المالك منه. و إن رجع علي الثاني، رجع عليه بالمائتين، و لا يرجع علي الأوّل بشيء.

ص: 300

هذا إذا قلنا بأنّه يرجع بأكثر القيم، و إن قلنا: يرجع بالقيمة يوم التلف لا غير، فإن كانت قيمته حينئذ أقلّ من قيمتها مع الأوّل، رجع بها خاصّة، و إن كانت أكثر، رجع بها علي الثاني، و لا يرجع الثاني علي الأوّل بشيء.

هذا كلّه فيما إذا كانت العين من ذوات القيم، و إن كانت من ذوات الأمثال، رجع بالمثل علي من شاء، و يكون الحكم ما تقدّم. فإن تعذّر المثل، رجع بالقيمة حين الإعواز. و لو كان المشتري الثاني قد دفع إلي الأوّل الثمن، رجع به عليه.

تنبيه: إذا كان البيع فاسدا و تقابضا الثمن و المثمن و أتلف البائع الثمن،

لم يكن للمشتري إمساك العبد عليه، بل يجب ردّه علي البائع، و يكون المشتري من جملة الغرماء، لأنّه لم يقبضه وثيقة، و إنّما قبضه علي أنّه يملكه، فإذا بان بخلاف ذلك(1) ، وجب ردّه، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال أبو حنيفة: للمشتري إمساك العبد و يكون أحقّ به من بين سائر الغرماء، فيستوفي منه الثمن(3).

مسألة 130: لو فسد العقد بشرط فاسد ثمّ حذفا الشرط،

لم ينقلب العقد صحيحا، سواء كان الحذف في المجلس أو بعده - و به قال الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه وقع باطلا، و لا موجب لتصحيحه، و الأصل بقاء ما كان علي ما كان. و لأنّ العقد الفاسد لا عبرة به، فلا يكون لمجلسه

ص: 301


1- في «ق، ك»: «بخلافه» بدل «بخلاف ذلك».
2- حلية العلماء 136:4، المغني 312:4، الشرح الكبير 65:4، و فيها نسبة القول إلي الشافعي.
3- حلية العلماء 136:4، المغني 312:4، الشرح الكبير 65:4.
4- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 375:9.

حكم، بخلاف الصحيح.

و قال أبو حنيفة: إن كان الحذف في المجلس، انقلب صحيحا. و هو القول الآخر للشافعي(1).

مسألة 131: لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما،

فإن كان بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد، لأنّ زيادة الثمن لو التحقت بالعقد، لوجب علي الشفيع كلّ ذلك، و التالي باطل إجماعا. و كذا الحكم في رأس مال السّلم و المسلم فيه و الصداق و غيرها. و كذا لو نقص في مدّة الخيار من الثمن و غيره، لا يلتحق بالعقد حتي يأخذ الشفيع بما سمّي في العقد لا بما بقي بعد الحطّ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: الزيادة في المثمن و الصداق و رأس المال في السّلم تلزم، و كذا في الثمن إن كان باقيا. و إن كان تالفا، فله مع أصحابه اختلاف فيه، و لا يثبت في المسلم فيه علي المشهور. و شرط الأجل يلتحق بالعقد في الثمن و الأجرة و الصداق و سائر الأعواض.

قال: فأمّا الحطّ: فإن حطّ البعض، يلتحق بالعقد دون حطّ الكلّ(3).

و إن كانت هذه الإلحاقات قبل لزوم العقد بأن كانت في مجلس العقد أو في زمن الخيار المشروط، فعندنا لا تلتحق كما لا تلتحق بعد لزوم العقد، لتمام العقد، كما بعد اللزوم.

و للشافعي ثلاثة أقوال، هذا أحدها.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3-78، المجموع 375:9.
2- العزيز شرح الوجيز 124:4-125، روضة الطالبين 78:3، المجموع 9: 375.
3- العزيز شرح الوجيز 125:4.

و الثاني: أنّها تلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط، لأنّ مجلس العقد كنفس العقد، ألا تري أنّه يصلح لتعيين رأس مال السّلم و العوض في عقد الصرف، بخلاف زمان الخيار المشروط؟ و الثالث: أنّها تلحق. أمّا في مجلس العقد: فلما ذكرناه. و أمّا في زمن الخيار المشروط: فلأنّه في معناه من حيث إنّ العقد غير مستقرّ بعد، و الزيادة قد يحتاج إليها لتقرير(1) العقد، فإنّ زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلي إمضاء العقد.

ثمّ اختلف أصحابه.

فقال بعضهم: هذا الجواز مطلق.

و قال بعضهم: بل هو مفرّع علي قولنا: إنّ الملك في زمن الخيار للبائع، فأمّا إذا قلنا: إنّه للمشتري، أو قلنا: إنّه موقوف و أمضينا(2) العقد، لم يلتحق، كما بعد اللزوم. و إن قلنا: إنّه موقوف و اتّفق الفسخ، فيلحق، و يرتفع بارتفاع العقد، لأنّا إذا قلنا: إنّ الملك للمشتري، فالزيادة في الثمن لا يقابلها شيء من المثمن. و كذا الأجل و الخيار لا يقابلهما شيء من العوض، و حينئذ يمتنع الحكم بلزومهما.

و إذا قالوا: إنّها تلتحق، فالزيادة تجب علي الشفيع كما تجب علي المشتري. و في الحطّ قبل اللزوم مثل هذا الخلاف. فإن الحق بالعقد، انحطّ عن الشفيع أيضا. و علي هذا الوجه ما يلتحق بالعقد من الشروط الفاسدةز.

ص: 303


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: لتقدير. و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و إمضاء. و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في إفساده. و إن حطّ جميع الثمن، كان كما لو باع بغير ثمن(1).

و قد قلنا ما عندنا في ذلك.

و قد بقي من المناهي ما يذكر في مظانّه، كالمحاقلة و المزابنة، و يذكران في بيع الثمار، لتعلّقهما بها، و غير ذلك من المناهي المحرّمة و المكروهة يذكر إن شاء اللّه تعالي في لو أحق البيع.5.

ص: 304


1- العزيز شرح الوجيز 125:4-126، روضة الطالبين 78:3، المجموع 374:9-375.
المقصد الثاني: في أنواع البيع
اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الحيوان.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: الأناسي من أنواع الحيوان إنّما يملكون بسبب الكفر الأصلي
اشارة

إذا سبوا ثمّ يسري الرقّ إلي ذرّيّة المملوك و أعقابه و إن أسلموا ما لم يتحرّروا بسبب من أسباب التحرير.

سئل الصادق عليه السّلام عن قوم مجوس خرجوا علي ناس من المسلمين في أرض الإسلام هل يحلّ قتالهم ؟ قال: «نعم و سبيهم»(1).

و سئل الكاظم عليه السّلام عن القوم يغيرون علي الصقالبة [1] و النّوبة [2] فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون إلي الغلمان فيخصونهم ثمّ يبعثون إلي بغداد إلي التجّار، فما تري في شرائهم و نحن نعلم أنّهم مسروقون، إنّما أغاروا(2) عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال: «لا بأس بشرائهم، إنّما أخرجوهم(3) من الشرك إلي دار الإسلام»(4).

ص: 305


1- التهذيب 161:6، 294.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: أغار.. أخرجهم. و ما أثبتناه من المصدر.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: أغار.. أخرجهم. و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 162:6، 297.

و لو التقط الطفل من دار الحرب و لا مسلم فيها، ملك، و لا يملك لو التقط من دار الإسلام و لا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم، لجواز أن يكون منه، لقول الصادق عليه السّلام: «المنبوذ حرّ»(1).

و سئل الباقر عليه السّلام عن اللقيطة، فقال: «حرّة لا تباع و لا توهب»(2).

فإذا انتفي هذا التجويز، ملك.

و لو أقرّ اللقيط من دار الإسلام - بعد بلوغه - بالرقّيّة، قبل، لقوله عليه السّلام:

«إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(3).

و قيل: لا يقبل، للحكم بحرّيّته أوّلا شرعا، فلا يتعقّبه الرقّ(4).

أمّا لو كان معروف النسب، فإنّه لا يقبل إقراره بالرقّيّة قطعا.

و بالجملة، كلّ من أقرّ علي نفسه بالعبوديّة و كان بالغا رشيدا مجهول النسب، حكم عليه بها، سواء كان المقرّ له مسلما أو كافرا، و سواء كان المقرّ مسلما أو كافرا.

و لو رجع بعد إقراره عنه، لم يلتفت إلي رجوعه، لاشتماله علي تكذيب إقراره، و دفع ما يثبت عليه عنه بغير موجب.

و لو أقام بيّنة، لم تسمع، لأنّه بإقراره أوّلا قد كذّبها.

أمّا لو اشتري عبدا فادّعي الحرّيّة، قبلت دعواه مع البيّنة، و إلاّ فلا.

سئل الصادق عليه السّلام عن شراء مماليك(5) أهل الذمّة إذا أقرّوا لهم بذلك، فقال: «إذا أقرّوا لهم بذلك فاشتر و انكح»(6).9.

ص: 306


1- الكافي 224:5، 2، التهذيب 78:7، 336.
2- التهذيب 78:7، 334.
3- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.
4- ممّن قال به ابن إدريس في السرائر 354:2.
5- في الكافي: مملوكي. و في التهذيب: مملوك.
6- الكافي 210:5، 7، التهذيب 70:7، 299.
مسألة 132: العبد الذي يوجد في الأسواق يباع و يشتري يجوز شراؤه.

و إن ادّعي الحرّيّة، لم يقبل منه ذلك إلاّ بالبيّنة. و كذا الجارية، لأنّ ظاهر التصرّف يقتضي بالرقّيّة.

و لما رواه حمزة بن حمران - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام، قال: أدخل السوق و أريد أشتري جارية، فتقول: إنّي حرّة، فقال: «اشترها إلاّ أن تكون لها بيّنة»(1).

و في الصحيح عن العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مملوك ادّعي أنّه حرّ و لم يأت ببيّنة علي ذلك، أشتريه ؟ قال: «نعم»(2).

أمّا لو وجد في يده(3) و ادّعي رقّيّته و لم يشاهد شراؤه له و لا بيعه إيّاه، فإن كان كبيرا، فإن صدّقه، حكم عليه بمقتضي إقراره. و إن كذّبه، لم تقبل دعواه الرقّيّة إلاّ بالبيّنة، عملا بأصالة الحرّيّة. و إن سكت من غير تصديق و لا تكذيب، فالوجه: أنّ حكمه حكم التكذيب، إذ قد يكون السكوت لأمر غير الرضا.

و إن كان صغيرا، فإشكال أقربه أصالة الحرّيّة فيه.

مسألة 133: يملك الرجل كلّ بعيد و قريب، سوي أحد عشر:

الأب و الامّ، و الجدّ و الجدّة لهما أو لأحدهما و إن علوا، و الولد ذكرا كان أو أنثي، و ولد الولد كذلك و إن نزل، و الأخت، و العمّة و الخالة و إن علتا، كعمّة الأب و خالته و عمّة الجدّ و خالته و هكذا في التصاعد، سواء كانتا لأب أو لأمّ أو لهما، و بنت الأخ و بنت الأخت و إن نزلتا، سواء كانت الاخوّة من الأبوين أو

ص: 307


1- الكافي 211:5، 13، الفقيه 140:3، 613، التهذيب 74:7، 318.
2- الفقيه 140:3، 614، التهذيب 74:7، 317.
3- أي: في يد المتصرّف.

من أحدهما، فمن ملك أحد هؤلاء عتق عليه.

أمّا المرأة فتملك كلّ أحد، سوي الأب و الامّ و الجدّ و الجدّة و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا.

مسألة 134: الرضاع يساوي النسب في تحريم النكاح إجماعا.

و هل يساويه في تحريم التملّك ؟ لعلمائنا قولان أحدهما: نعم - و هو الأقوي - لما رواه ابن سنان - في الصحيح - قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام - و أنا حاضر - عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتي فطمته هل يحلّ لها بيعه ؟ قال: فقال: «لا، هو ابنها من الرضاعة حرم عليها بيعه و أكل ثمنه» قال: ثمّ قال: «أ ليس قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ؟»(1).

و عن السكوني عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام أتاه رجل، فقال: إنّ أمتي أرضعت ولدي و قد أردت بيعها، فقال: خذ بيدها و قل: من يشتري منّي أمّ ولدي ؟»(2).

فيحرم علي الرجل أن يملك من الرضاع ما يحرم أن يملكه من النسب، كالأب و إن علا، و الامّ و البنت و إن نزلت و غيرهم ممّا تقدّم.

و كذا المرأة يحرم عليها أن تملك من الرضاع ما يحرم عليها من النسب.

مسألة 135: يكره للإنسان أن يملك القريب غير من ذكرناه،

كالأخ و العمّ و الخال و أولادهم. و تتأكّد في الوارث.

و يصحّ أنّ يملك كلّ من الزوجين صاحبه، لعدم المقتضي للمنع،

ص: 308


1- التهذيب 326:7، 1342.
2- الفقيه 309:3، 1488، التهذيب 325:7، 1340.

لكن الزوجيّة تبطل. و لو ملك كلّ منهما بعض صاحبه، بطل النكاح أيضا.

و ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصّة، للرواية(1) ، لكن رخّصوا عليهم السّلام لشيعتهم خاصّة في حال غيبة الإمام عليه السّلام التملّك و الوطء و إن كانت للإمام أو بعضها، و لا يجب إخراج حصّة غير الإمام منها، لتطيب مواليد الشيعة.

و لا فرق بين أن يسبيهم المسلم أو الكافر، لأنّ الكافر من أهل التملك، و المحلّ قابل للملكيّة.

و كلّ حربيّ قهر حربيّا فباعه صحّ بيعه و إن كان أخاه أو زوجته أو ابنه أو أباه، و بالجملة كلّ من ينعتق عليه و غيرهم، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتّخذها، قال: «لا بأس»(2).

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتّخذها، قال: «لا بأس»(3).

أمّا غير من ينعتق عليه: فلأنّ القاهر مالك للمقهور بقهره إيّاه.

و أمّا من ينعتق عليه: ففيه إشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض. و دوام القرابة الرافعة للملك بالقهر.

و التحقيق: صرف الشراء إلي الاستنقاذ و ثبوت الملك للمشتري بالتسلّط، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.0.

ص: 309


1- التهذيب 135:4، 378.
2- التهذيب 77:7، 330، الاستبصار 83:3، 281.
3- التهذيب 77:7، 329، الاستبصار 83:3، 280.
المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 136: كما يصحّ ابتياع جملة الحيوان كذا يصحّ ابتياع أبعاضه بشرطين:

الإشاعة، و علم النسبة، كالنصف و الثلث، إجماعا، لوجود المقتضي خاليا عن المعارض.

و لا يصحّ بيع الجزء المعيّن، فلو باعه يده أو رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر، بطل، لعدم القدرة علي التسليم.

و كذا لا يصحّ أن يبيع جزءا مشاعا غير معلوم القدر، مثل أن يبيعه جزءا منه أو نصيبا أو شيئا أو حظّا أو قسطا أو سهما، بطل، للجهالة.

و يصحّ لو باعه نصفه أو ثلثه أو غير ذلك من الأجزاء المشاعة المعلومة.

و يحمل مطلقه علي الصحيح، كما لو باعه النصف، فإنّه يحمل علي الجزء المشاع، لأصالة صحّة العقد.

أمّا المذبوح: فالأقوي عندي جوازه فيه، لزوال المانع هناك، فإنّ القدرة علي التسليم ثابتة هنا، فيبقي المقتضي للصحّة خاليا عن المانع.

مسألة 137: لو استثني البائع الرأس و الجلد في الحيّ، فالأقرب:
اشارة

بطلان البيع

في السفر و الحضر، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

و قال أحمد: يجوز ذلك. و توقّف في استثناء الشحم(2).

و قال مالك: يجوز ذلك في السفر، و لا يجوز في الحضر، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد و السواقط. فجوّز له أن يشتري اللحم

ص: 310


1- حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، بدائع الصنائع 175:5.
2- حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.

دونها(1).

و هو خطأ، لجواز انتفاعه ببيعها و غيره من الطبخ و شبهه.

و قال بعض(2) علمائنا: يكون للبائع بنسبة ثمن الرأس و الجلد إلي الباقي.

و كذا لو اشترك اثنان في شراء شاة و شرط أحدهما الرأس و الجلد، لم يصحّ، و كان له بقدر ما له، لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال:

«اختصم إلي أمير المؤمنين عليه السّلام رجلان اشتري أحدهما من الآخر بعيرا و استثني البيّع الرأس و الجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري: هو شريكك في البعير علي قدر الرأس و الجلد»(3).

و عن هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء و اشترك فيه رجل آخر بدرهمين بالرأس و الجلد فقضي أنّ البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير، فقال:

«لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك، هذا الضرار، و، قد أعطي حقّه إذا اعطي الخمس»(4).

فروع:
أ - قد نقلنا الخلاف في الصحّة و البطلان. و الأقرب عندي:

التفصيل،

و هو صحّة أن يستثني البائع الرأس و الجلد في المذبوح، و البطلان في الحيّ.

ص: 311


1- المدوّنة الكبري 293:4، حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
2- الشيخ الطوسي في الخلاف 92:3، المسألة 149.
3- الكافي 304:5، 1، التهذيب 81:7، 350.
4- الكافي 293:5، 4، التهذيب 79:7، 341 بتفاوت.
ب - لا فرق بين الرأس و الجلد و غيرهما من الأعضاء.

و لو استثني الشحم، بطل البيع في الحيّ و المذبوح. و كذا لو استثني عشرة أرطال من اللحم فيهما معا.

ج - لو اشترك اثنان في شراء حيوان أو غيره و شرط أحدهما لنفسه الشركة في الربح دون الخسران،

فالأقرب: بطلان الشرط. و لو شرطا أن يكون لأحدهما رأس المال، و الربح و الخسران للآخر، احتمل الجواز.

د - لو قال إنسان لغيره: اشتر حيوانا أو غيره بشركتي أو بيننا،

فاشتراه كذلك، صحّ البيع لهما، و علي كلّ منهما نصف الثمن، لأنّه عقد يصحّ التوكيل فيه، فيلزم الموكّل حكم ما فعله الوكيل، فإن أدّي أحدهما الجميع بإذن الآخر في الإنقاد عنه، لزمه قضاؤه، لأنّه أمره بالأداء عنه. و لو لم يأذن له في الأداء عنه بل تبرّع بذلك، لم يجب عليه القضاء، و كان شريكا في العين. و لو تلفت العين، كانت بينهما، ثمّ رجع الآخر علي الآمر بما نقده عنه بإذنه.

مسألة 138: لو اشتري اثنان جارية، حرم علي كلّ واحد منهما وطؤها.

فإن وطئها أحدهما لشبهة، فلا حدّ، لقوله عليه السّلام: «ادرءوا الحدود بالشبهات»(1).

و لو كان عالما بالتحريم، سقط من الحدّ بقدر نصيبه، و حدّ بقدر نصيب شريكه.

ص: 312


1- تاريخ بغداد 303:9، إحكام الفصول في أحكام الأصول: 686، كنز العمّال 5: 305، 12957 نقلا عن أبي مسلم الكجي عن عمر بن عبد العزيز مرسلا.

فإن حملت، قوّم عليه حصّة الشريك و انعقد الولد حرّا و إن كان عالما بالتحريم، لتمكّن الشبهة فيه بسبب الملكيّة التي له فيها، و علي أبيه قيمة حصّة الشريك منه يوم الولادة، لأنّه وقت الحيلولة و أوّل أوقات التقويم.

إذا تقرّر هذا، فإنّه لا تقوّم هذه الأمة علي الواطئ الشريك بدون الحمل، خلافا لبعض(1) علمائنا، لعدم المقتضي له.

و يحتمل التقويم بمجرّد الوطء، لإمكان العلوق منه، و تحفّظا من اختلاط الأنساب.

و في رواية ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجال اشتركوا في أمة، فائتمنوا بعضهم علي أن تكون الأمة عنده، فوطئها، قال: «يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد، و يضرب بقدر ما ليس له فيها، و تقوّم الأمة عليه بقيمة و يلزمها، فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأوّل، و إن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه(2) أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن و هو صاغر، لأنّه استفرشها» قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل، قال: «ذلك له، و ليس له أن يشتريها حتي تستبرأ، و ليس علي غيره أن يشتريها إلاّ بالقيمة»(3).

و هذه الرواية غير دالّة علي المطلوب من وجوب التقويم بنفس الوطء، لأنّه سوّغ لغيره من الشركاء شراءها، فلو وجب التقويم، لم يجز ذلك.

إذا ثبت هذا، فنقول: لو أراد الواطئ شراءها بمجرّد الوطء، لم تجب9.

ص: 313


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 411-412.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بها» بدل «فيه». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 217:5، 2، التهذيب 72:7، 309.

إجابته لكن تستحبّ، و مع الحمل يجب التقويم، فإذا قوّمت عليه بمجرّد الوطء، فلا يخلو إمّا أن تكون قيمة الجارية حينئذ أقلّ من الثمن الذي اشتريت به أو أكثر أو مساويا. و لا إشكال في المساوي و الأكثر بل في الأقلّ، فنقول: لا يجب عليه زيادة عن القيمة، و تحمل الرواية علي ما إذا نقصت القيمة بالوطي، و أنّه يجب عليه تمام الثمن إذا كانت الجارية تساويه لولاه. و يؤيّده تعليله عليه السّلام بقوله: «لأنّه استفرشها» و لو أراد أحد الشركاء شراءها و أجيب إليه، لم يجب عليه أكثر من القيمة، لعدم وقوع نقصان منه للعين و أوصافها.

مسألة 139: لو اشتري حيوانا، ثبت له الخيار مدّة ثلاثة أيّام علي ما يأتي.

فلو باعه حيوانا ثمّ تجدّد فيه بعد الشراء عيب قبل القبض، كان المشتري بالخيار بين الفسخ و الإمضاء، و كذا غير الحيوان، فإن اختار الفسخ، فلا بحث. و إن اختار الإمضاء، أمسك بجميع الثمن علي رأي، و مع الأرش علي الأقوي، لأنّ الجميع مضمون علي البائع و كذا أبعاضه.

و لو تلف الحيوان بعد القبض في يد المشتري، فضمانه علي البائع أيضا إذا لم يحدث فيه المشتري حدثا و لا تصرّف فيه إذا كان التلف في الثلاثة، لأنّ الخيار فيها للمشتري، فالضمان علي البائع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة، فهو من مال البائع»(1).

أمّا لو أحدث فيه و تصرّف ثمّ تلف، لم يكن له الرجوع علي البائع بشيء. و كذا لو تلف بعد الثلاثة و إن لم يتصرّف، لسقوط الخيار حينئذ.

ص: 314


1- الفقيه 127:3، 555، التهذيب 67:7، 288.

و كذا لو تلف غير الحيوان بعد القبض و لا خيار هناك، فمن ضمان المشتري.

و لو تجدّد في الحيوان عيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، تخيّر - كالأوّل - في الردّ و الإمساك مجّانا أو مع الأرش علي الأقوي، لما تقدّم من أنّ جميعه مضمون علي البائع فكذا أبعاضه.

و لو كان العيب سابقا، كان له الردّ مع عدم التصرّف مطلقا، سواء كان حيوانا أو غيره، ذا خيار أو غيره، و له الأرش مخيّرا فيهما. و لو تصرّف، لم يكن له الردّ مطلقا إلاّ مع وطئ الأمة الحامل و حلب الشاة المصرّاة خاصّة، لكن يثبت له الأرش. و إذا ردّ، لم يلزمه - سوي العين - شيء، لأنّ العيب مضمون علي البائع، و لا يمنع العيب المتجدّد من الردّ بالعيب السابق.

أمّا لو تجدّد بعد الثلاثة أو كان المشتري قد تصرّف في العين، لم يكن له الردّ لا مع الأرش و لا بدونه.

و وافقنا مالك علي أنّ عهدة الرقيق ثلاثة أيّام إلاّ في الجنون و الجذام و البرص، فأيّها إذا ظهر في السنة يثبت(1) الخيار(2) ، كما قلناه نحن.

و منع الشافعي(3) من ذلك.

مسألة 140: لو باع أمة أو دابّة و كانت حبلي، فإن شرط دخول الحمل في البيع

بأن قال: بعتك هذه الأمة و حملها، لم يصح، لأنّه مجهول علي ما

ص: 315


1- في «ق، ك»: ثبت.
2- الاستذكار 37:19، المعونة 1064:2، التلقين 1-392:2، مختصر اختلاف العلماء 98:3، 1176، معالم السنن - للخطّابي - 156:5، حلية العلماء 242:4.
3- حلية العلماء 241:4، الاستذكار 40:19-41، 28051، معالم السنن - للخطّابي - 157:5، المعونة 1064:2.

تقدّم(1).

و إن شرطه فقال: بعتك هذه الأمة بكذا و الحمل لك، دخل الحمل في البيع، و كان مستحقّا للمشتري، كما لو اشترط دخول الثمرة.

و إن استثناه البائع، لم يدخل في البيع، و كان باقيا علي ملكه. و إن أطلق، فكذلك يكون للبائع، لأنّه ليس جزءا من الامّ، فلا يدخل في مسمّاها.

و قال الشافعي: لو أطلق، دخل الحمل في البيع تبعا، لأنّه كالجزء منه(2). و هل يقابله قسط من الثمن ؟ له خلاف [و](3) أقوال تأتي. و لو استثني البائع الحمل، ففي صحّة البيع عنده وجهان(4).

إذا تقرّر هذا، فلو علم وجود الحمل عند البائع، كان الولد له ما لم يشترطه المشتري. و لو أشكل و لم يعلم أنّه هل تجدّد عند المشتري أو كان عند البائع، حكم به للمشتري، لأصالة العدم السابق.

فلو وضعت الجارية الولد لأقلّ من ستّة أشهر، فهو للبائع، و لو كان لأزيد من مدّة الحمل، فهو للمشتري. و لو كان بينهما، فكذلك.

فإن اختلفا في وقت إيقاع البيع فادّعي المشتري تقدّمه علي ستّة أشهر و البائع تأخّره عن ستّة أشهر، قدّم قول البائع مع عدم البيّنة و اليمين.

و لو سقط الولد قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعل المشتري و كان9.

ص: 316


1- في ص 275، المسألة 125.
2- التهذيب - للبغوي - 526:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 3: 72، المجموع 324:9، الاستذكار 14:19، 27911.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- الوسيط 85:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.

الولد مشترطا في البيع، قوّمت حاملا و حائلا، و أخذ من الثمن بنسبة التفاوت.

و لو اشتري الدابّة أو الأمة علي أنّها حامل فلم تكن كذلك، فله الردّ مع عدم التصرّف، و الأرش مع التصرّف.

مسألة 141: العبد و الأمة لا يملكان شيئا عند أكثر
اشارة

مسألة 141: العبد و الأمة لا يملكان شيئا عند أكثر(1) علمائنا

- سواء ملّكهما مولاهما شيئا أو لا - لا أرش جناية و لا فاضل ضريبة و لا غيرهما.

و وافقنا الشافعي في ذلك إذا لم يملّكه مولاه، فإن ملّكه مولاه، فقولان:

أحدهما - القديم -: أنّه يملك، و به قال مالك إلاّ أنّه قال: يملك و إن لم يملّكه مواليه و [إليه](2) ذهب داود و أهل الظاهر و أحمد في إحدي الروايتين.

و الثاني للشافعي - الجديد -: أنّه لا يملك - كما قلناه نحن - و به قال أبو حنيفة و الثوري و أحمد في الرواية الأخري، و إسحاق(3) ، و هو مذهب الشيخ أبي جعفر من علمائنا. و قال أيضا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية(4).

ص: 317


1- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 121:3، المسألة 207، و ابن إدريس في السرائر 353:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 58:2.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، الحاوي الكبير 265:5 و 266، حلية العلماء 360:5، التهذيب - للبغوي - 467:3، روضة الطالبين 230:3، المحلّي 320:8، أحكام القرآن - لابن العربي - 3: 1165، الجامع لأحكام القرآن 147:10، المعونة 1069:2، المغني 277:4.
4- النهاية: 543.

لنا: قوله تعالي ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (1) و قوله تعالي ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ (2) نفي عن المماليك ملكيّة شيء البتّة.

و لأنّه مملوك فلا يكون مالكا، لتوقّف ملكيّته لغيره علي ملكيّته لنفسه. و لأنّه مال فلا يصلح أن يملك شيئا، كالدابّة.

احتجّوا بما رواه العامّة عنه عليه السّلام «من باع عبدا و له مال فماله للعبد إلاّ أن يستثنيه السيّد»(3).

و من طريق الخاصّة بما رواه زرارة قال: سألت الصادق عليه السّلام: الرجل يشتري المملوك و ماله، قال: «لا بأس به» قلت: فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه به، قال: «لا بأس»(4).

و لأنّه آدميّ حيّ فأشبه الحرّ.

و الجواب عن الأوّل: أنّه غير ثابت عندهم، و معارض بما رواه العامّة، و هو قوله عليه السّلام: «من باع عبدا و له مال فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع»(5) و لو ملكه العبد، لم يكن للبائع، فلمّا جعله للبائع دلّ علي انتفاء ملكيّة العبد.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن2.

ص: 318


1- النحل: 75.
2- الروم: 28.
3- سنن الدارقطني 133:4-134، 31، و فيه: «من أعتق عبدا..»
4- الكافي 213:5، 3، الفقيه 139:3، 606، التهذيب 71:7، 305.
5- سنن أبي داود 268:3، 3433 و 3435، سنن البيهقي 324:5، مسند أحمد 2: 73، 4538، و 231:4، 13802.

أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا، فقال:

«المال للبائع، إنّما باع نفسه، إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له»(1) و التقريب ما تقدّم.

لا يقال: لو لم يملك العبد شيئا، لم تصحّ الإضافة إليه. و لأنّه يملك النكاح.

لأنّا نقول: الإضافة إلي الشيء قد تصحّ بأدني ملابسة، كقولك لأحد حاملي الخشبة: خذ طرفك. و قال الشاعر:

إذا كوكب الخرقاء(2)

أضاف الكوكب إليها، لشدّة سيرها فيه.

و ملك النكاح، للحاجة إليه و الضرورة، لأنّه لا يستباح في غير ملك.

و لأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه، بخلاف المال، فافترقا.

فروع:
أ - قال الشيخ رحمه اللّه: إذا باع العبد و له مال،

فإن كان البائع يعلم أنّ له مالا، دخل المال في البيع. و إن لم يعلم، لم يدخل و كان للبائع(3) ، لما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يشتري المملوك و له مال لمن ماله ؟ فقال: «إن كان علم البائع أنّ له مالا، فهو

ص: 319


1- الكافي 213:5، 2، التهذيب 71:7، 306.
2- المحتسب 228:2، المخصّص 4:6، شرح المفصّل، المجلّد 1، الجزء 3، الصفحة 8، المقرّب: 235، لسان العرب 639:1 «غرب». و تمام البيت هكذا: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةسهيل أذاعت غزلها في الغرائب
3- النهاية: 543.

للمشتري، و إن لم يكن علم، فهو للبائع»(1).

و الجواب: أنّه محمول علي ما إذا شرطه المشتري، عملا بالأصل، و بما تقدّم(2) في رواية محمّد بن مسلم.

و الحقّ أنّ المال للبائع، سواء علم به أو لا ما لم يشترطه المشتري.

ب - لو اشتراه و ماله جميعا، صحّ البيع بشرطين: العلم بمقداره، و أن لا يتضمّن الربا.

فلو كانت معه مائة درهم و اشتراه مع ماله بمائة درهم، لم يصحّ البيع، لأنّه ربا. و لو اشتراه بمائة و درهم، صحّ البيع، و كان المائة مقابلة المائة، و الدرهم في مقابلة العبد. و كذا لو اشتراه بغير الجنس أو لم يكن الثمن ربويّا أو لم يكن المال الذي معه ربويّا.

و لو اشتراه و ماله مع جهله بالمال، لم يصحّ، لأنّه جزء من المبيع مقصود فوجب العلم به.

ج - لو اشتراه و شرط ماله، فكذلك. فإن كانا ربويّين، شرطت زيادة الثمن،

و إلاّ فلا، إلاّ في شيء واحد، و هو العلم بقدر المال، فإنّه ليس شرطا هنا، لأنّه تابع للمبيع ليس مقصودا بالذات، فكان كماء الآبار و خشب السقوف.

و قال(3) بعض الشافعيّة: إنّما تجوز الجهالة فيما كان تبعا(4) إذا لم يمكن إفراده بالبيع، و إنّما تجوز الجهالة في مال العبد، لأنّه ليس بمبيع، و إنّما يبقي علي ملك العبد، و الشرط يفيد عدم زوال ملكه إلي

ص: 320


1- الكافي 213:5، 1، الفقيه 138:3، 605، التهذيب 71:7، 307.
2- في ص 319.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و به قال. و الصحيح ما أثبتناه.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: بيعا. و الصحيح ما أثبتناه.

البائع، بل يكون للعبد، فيكون المشتري يملك عليه(1).

د - إن قلنا: إنّ العبد يملك، فإنّه يملك ملكا ناقصا لا تتعلّق به الزكاة،

و حينئذ تسقط، أمّا عن العبد: فلعدم تماميّة الملك، كالمكاتب.

و أمّا عن السيّد: فلأنّه ملك الغير. و إن نفينا الملك، فالزكاة علي السيّد، لتماميّة الملك في حقّه.

و لو ملّكه جارية، جاز له وطؤها علي التقديرين، لجواز الإباحة، فالتمليك لا يقصر عنها و إن نفيناه لتضمّنه إيّاها.

و إذا وجب عليه كفّارة، فإن قلنا: يملك، كفّر بالمال، و إلاّ بالصيام، و لا يدخل في البيع و إن قلنا: إنّ العبد يملك، لما تقدّم من الأحاديث.

ه - لو اشتري عبدا له مال و قلنا بملكيّة العبد

فاشترطه المبتاع فانتزعه المبتاع من العبد فأتلفه(2) ثمّ وجد بالعبد عيبا، لم يكن له الردّ - و به قال الشافعي(3) - لأنّ العبد يكثر قيمته إذا كان له مال، و بتلف المال نقصت قيمته، فلم يجز ردّه ناقصا.

و قال داود: يردّ العبد وحده، لأنّ ما انتزعه لم يدخل في البيع(4).

و هو غلط، لنقص القيمة كما قلناه.

و - لو اشتري عبدا مأذونا له في التجارة و قد ركبته الديون و لم يعلم المشتري، لم يثبت له الخيار،

لأنّ الديون تتعلّق بالمولي. و إن قلنا: تتعلّق

ص: 321


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 337:4، و روضة الطالبين 203:3.
2- في «ق، ك»: و أتلفه.
3- حلية العلماء 277:4، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 125:3، المسألة 210.
4- المحلّي 422:8، المغني 276:4، الشرح الكبير 323:4-324، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 125:3، المسألة 210.

بالعبد، فلا تتعلّق برقبته بل بذمّته، و ذلك غير ضائر للمشتري، فلا يكون عيبا في حقّه، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: يثبت له الخيار(2).

و قال أبو حنيفة: البيع باطل. و بناه علي أصله من تعلّق الديون برقبته(3).

ز - لو قال العبد لغيره: اشترني و لك عليّ كذا، لم يلزمه شيء،

سواء كان للمملوك مال حين قوله أولا، و سواء شرط المبتاع المال أو لا، و سواء قلنا: العبد يملك أو لا، و سواء قلنا: المال يدخل في الشراء مع علم البائع أو لا، لأنّ المولي لا يثبت له علي عبده شيئا.

و للشيخ قول آخر: إنّه يجب عليه الدفع إن كان له شيء في تلك الحال، و إلاّ فلا(4).

و قد روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال له غلام: إنّي كنت قلت لمولاي:

بعني بسبعمائة درهم و لك عليّ ثلاثمائة درهم، فقال الصادق عليه السّلام: «إن كان لك يوم شرطت أن تعطيه [شيء](5) فعليك أن تعطيه، و إن لم يكن لك يومئذ شيء فليس عليك شيء»(6).

مسألة 142: لو دفع إنسان إلي عبد غيره مأذونا له في التجارة مالا ليشتري نسمة

و يعتقها و يحجّ عنه بالباقي، فاشتري المأذون أباه و دفع إليه بقيّة المال للحجّ فحجّ به، ثمّ اختلف مولي المأذون و ورثة الدافع و مولي

ص: 322


1- حلية العلماء 273:4.
2- حلية العلماء 273:4.
3- حلية العلماء 273:4.
4- النهاية: 412.
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- الكافي 219:5، 1، التهذيب 74:7، 316.

الأب، فكلّ منهم يقول: اشتري بمالي، قال الشيخ: يردّ الأب إلي مواليه يكون رقّا كما كان، ثمّ أيّ الفريقين الباقيين أقام البيّنة بما ادّعاه، حكم له به(1) ، لما رواه ابن أشيم عن الباقر عليه السّلام في عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عنّي و حجّ بالباقي، ثمّ مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشتري أباه فأعتقه عن الميّت و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت، فحجّ عنه، فبلغ ذلك موالي أبيه و ورثة الميّت جميعا فاختصموا جميعا في الألف، فقال موالي معتق العبد:

إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، و أمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه، و أيّ الفريقين أقاموا البيّنة أنّه اشتري أباه من أموالهم كان لهم رقّا»(2).

و ابن أشيم ضعيف، فلا يعوّل علي روايته، علي أنّا نحمل الرواية علي إنكار موالي الأب البيع، و حينئذ يقدّم قوله، ثمّ أيّ الفريقين أقام البيّنة علي دعواه حكم له بها. و علي ظاهر الرواية ينبغي أن يدفع الأب إلي مولي الابن المأذون، لأنّ ما في يد المملوك لمولاه.

و لو أقام كلّ من الثلاثة بيّنة علي دعواه، فإنّ رجّحنا بيّنة ذي اليد، فالحكم كما تقدّم من دفع الأب إلي مولي المأذون. و إن رجّحنا بيّنة الخارج، فالأقرب: ترجيح بيّنة الدافع، عملا بمقتضي صحّة البيع، فهو معتضد بالأصل.ظ.

ص: 323


1- النهاية: 414.
2- الكافي 62:7، 20، التهذيب 234:7-235، 1023، و 243:9-244، 945 بتفاوت في بعض الألفاظ.

و يحتمل تقديم بيّنة مولي الأب، لادّعائه ما ينافي الأصل، و هو الفساد.

مسألة 143: إذا كان مملوكان لشخصين مأذونان لهما في التجارة
اشارة

اشتري كلّ منهما الآخر من مالكه لمولاه، فإن سبق عقد أحدهما، صحّ عقده، و بطل عقد الآخر، لأنّ للمأذون الشراء لمولاه و العبد قابل للنقل بالابتياع، فلا مانع للمقتضي عن مقتضاه، و لمّا انتقل العبد إلي مولي الأوّل بطل الإذن من مولاه له، فلم يصادف العقد أهلا يصدر عنه علي الوجه المعتبر شرعا، فكان عقده لاغيا.

و إن اقترن العقدان في وقت واحد، بطلا، لأنّ حالة شراء كلّ واحد منهما لصاحبه هي حالة بطلان الإذن من صاحبه له.

و قال الشيخ في النهاية: يقرع بينهما، فمن خرج اسمه كان البيع له، و يكون الآخر مملوكه.

ثمّ قال: و قد روي أنّه إذا اتّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة، كانا باطلين. و الأحوط ما قدّمناه(1).

و يؤيّد ما اخترناه نحن من البطلان مع الاتّفاق زمانا: رواية أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان و يبيعان بأموالهما و كان بينهما كلام فخرج هذا و يعدو إلي مولي هذا، و هذا إلي مولي هذا، و هما في القوّة سواء، فاشتري هذا من مولي هذا العبد، و ذهب هذا فاشتري هذا من مولي العبد الآخر فانصرفا إلي مكانهما فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه و قال له: أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك. قال:

ص: 324


1- النهاية: 412.

«يحكم بينهما من حيث افترقا، يذرع الطريق فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد، و إن كانا سواء فهما ردّ علي مواليهما، جاءا سواء و افترقا سواء إلاّ أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له إن شاء باع و إن شاء أمسك، و ليس له أن يضرّ به»(1).

ثم قال الشيخ في التهذيب عقيب هذه الرواية: و في رواية أخري:

«إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما فأيّهما وقعت القرعة به كان عبدا للآخر»(2).

فروع:
أ - حكم الإمام عليه السّلام بذرع الطريق بناء علي الغالب و العادة،

فإنّ كلّ واحد منهما يجدّ فيما يرومه، لدلالة قول الراوي: ذهب كلّ منهما يعدو إلي مولي الآخر. و التقدير أنّهما متساويان في القوّة، و الأصل عدم المانع، فبالضرورة يكون من كانت مسافته أقلّ أسبق في العقد من الآخر، و مع التساوي في المسافة يحكم بالاقتران، للظنّ الغالب به، فإن فرض تقدّم أحدهما، صحّ عقده، و إلاّ بطلا، لما تقدّم.

ب - الرواية بالقرعة لم نقف عليها،

لكنّ الشيخ رحمه اللّه ذكر هذا الإطلاق في النهاية و التهذيب(3).

و الظاهر أنّ القرعة لاستخراج الواقع أوّلا مع علم المتقدّم و اشتباه تعيينه، أو مع الشكّ في التقدّم و عدمه، أمّا مع الاقتران فلا وجه للقرعة.

ص: 325


1- التهذيب 72:7-73، 310.
2- التهذيب 73:7، 311.
3- النهاية: 412، التهذيب 73:7، 311.
ج - لو قلنا بصحّة وكالة السيّد لعبده في الشراء

فاتّفق أن وكّل كلّ واحد منهما مملوكه في شراء الآخر له، صحّ العقدان معا إن لم تبطل الوكالة مع الانتقال.

د - لا نريد بالبطلان في الموضع الذي حكمنا به هنا وقوع العقدين فاسدين،

بل أن يكون العقدان هنا بمنزلة عقد الفضولي إن أجازه الموليان، صحّا معا، و إلاّ فلا. و لو أجازه أحدهما خاصّة، صحّ عقده خاصّة.

ه - لو اشتري كلّ منهما الآخر لنفسه بإذن مولاه

و قلنا: إنّ العبد يملك ما يملكه مولاه، فإن اقترنا، بطلا. و ان سبق أحدهما، فهو المالك للآخر(1).

مسألة 144: لو اشتري من غيره جارية ثمّ ظهر أنّها سرقت من أرض الصلح،

قال الشيخ رحمه اللّه: يردّها المشتري علي البائع أو ورثته و يسترجع الثمن. و لو لم يخلف وارثا، استسعيت الجارية في ثمنها(2) ، لما رواه مسكين السمّان، قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل اشتري جارية سرقت من أرض الصلح، قال: «فليردّها علي الذي اشتراها منه، و لا يقربها إن قدر عليه لو كان موسرا» قلت: جعلت فداك فإنّه قد مات و مات عقبه، قال:

«فليستسعها»(3).

و لأنّه بيع باطل، لظهور الملكيّة لغير البائع.

و الردّ علي البائع، لاحتمال أن يكون السارق غيره و قد حصلت في يده، فتدفع إليه علي سبيل الأمانة إلي أن يحضر مالكها و يسترجع الثمن منه.

ص: 326


1- الفرعان «د، ه» لم يردا في «ك».
2- النهاية: 414.
3- التهذيب 83:7، 355، و فيه: «.. أو كان موسرا..».

و بالجملة، فهذه الرواية مشكلة.

و المعتمد هنا: أنّ المشتري يدفع الجارية إلي الحاكم ليجتهد في ردّها علي مالكها الذي سرقت منه، و لا شيء للمشتري مع تلف البائع من غير تركة. و لا تستسعي الجارية، لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و قيل: تكون بمنزلة اللقطة(1).

مسألة 145: لو اشتري عبدا موصوفا في الذمّة فدفع البائع إليه عبدين
اشارة

ليختار واحدا منهما فأبق أحدهما من يد المشتري، قال الشيخ رحمه اللّه: يردّ المشتري إلي البائع العبد الباقي، و يسترجع نصف الثمن، و يطلب الآبق، فإن وجده، اختار حينئذ، و ردّ النصف الذي قبضه من البائع إليه. و إن لم يجده، كان العبد الباقي بينهما(2) ، لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام في رجل اشتري من رجل عبدا و كان عنده عبدان و قال للمشتري: اذهب بهما فاختر أحدهما و ردّ الآخر و قد قبض المال، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده، قال «ليردّ الذي عنده منهما و يقبض نصف الثمن ممّا أعطي من البيّع، و يذهب في طلب الغلام، فإن وجده اختار أيّهما شاء و ردّ النصف الذي أخذ، و إن لم يجده كان العبد بينهما، نصف للبائع و نصف للمبتاع»(3).

و الرواية ضعيفة السند. و مثل هذه الرواية رواها محمّد بن مسلم عن الباقر(4) عليه السّلام.

ص: 327


1- القائل به هو ابن إدريس في السرائر 356:2.
2- النهاية: 411.
3- التهذيب 82:7-83، 354.
4- الكافي 217:5، 1، الفقيه 88:3، 330.

و المعتمد: أنّ التالف مضمون علي المشتري بقيمته، لأنّه كالمقبوض بالسوم، و له المطالبة بالعبد الثابت في ذمّة البائع بالبيع.

فرع: لو اشتري عبدا من عبدين، لم يصحّ،

للجهالة.

مسألة 146: يجب علي البائع للجارية استبراؤها قبل بيعها
اشارة

- إذا كان يطؤها - بخمسة و أربعين يوما إن كانت من ذوات الحيض و لم تر الدم. و لو رأت الدم، استبرأها بحيضة. و لو كانت صغيرة أو يائسة أو حاملا أو حائضا، فلا استبراء.

و كذا يجب علي المشتري استبراؤها بعد شرائها قبل وطئها لو جهل حالها، لئلاّ تختلط الأنساب.

و هذا الاستبراء بمنزلة العدّة في الحرّة.

و لو أخبره البائع الثقة باستبرائها، صدّقه، و لم يجب عليه الاستبراء، تنزيلا لإخبار المسلم علي الصدق.

و لو كانت الجارية لامرأة فاشتراها منها، لم يجب عليه الاستبراء، إذ لا يتحقّق اختلاط النسب هنا.

و لو اشتري أمة حاملا، لم يجز له وطؤها قبلا قبل مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيّام، إلاّ أن تضع، فإن وطئها، عزل عنها استحبابا. و إن(1) لم يعزل، كره له بيع ولدها. و يستحبّ له أن يعزل له من ميراثه قسطا.

تنبيه: أطلق علماؤنا كراهة وطئ الأمة الحامل بعد مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيّام.

و عندي في ذلك إشكال.

ص: 328


1- في «ق، ك»: فإن.

و التحقيق فيه أن نقول: هذا الحمل إن كان من زنا، لم تكن له حرمة، و جاز وطؤها قبل أربعة أشهر و عشرة أيّام و بعدها. و إن كان عن وطئ مباح أو جهل الحال فيه، فالأقوي: المنع من الوطء حتي تضع.

مسألة 147: يكره وطؤ المولودة من الزنا بالملك و العقد معا،

لأنّه قد ورد كراهة الحجّ و التزويج من ثمنها فالنكاح لها أبلغ في الكراهة.

روي أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: تكون لي المملوكة من الزنا أحجّ من ثمنها و أتزوّج ؟ فقال: «لا تحجّ و لا تتزوّج منه»(1).

و عن أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «لا يطيب ولد الزنا أبدا، و لا يطيب ثمنه، و الممزيز(2) لا يطيب إلي سبعة آباء» فقيل:

و أيّ شيء الممزيز(3) ؟ قال: «الرجل يكسب مالا من غير حلّه فيتزوّج أو يتسرّي فيولد له فذلك الولد هو الممزيز(4)»(5).

إذا ثبت هذا، فإن خالف و وطئ، فلا يطلب الولد منها.

مسألة 148: يكره للرجل إذا اشتري مملوكا أن يريه ثمنه في الميزان.

و يستحبّ له تغيير اسمه، و أن يطعمه شيئا من الحلاوة، و أن يتصدّق عنه بأربعة دراهم، لما رواه زرارة قال: كنت عند الصادق عليه السّلام، فدخل عليه رجل و معه ابن له، فقال له الصادق عليه السّلام: «ما تجارة ابنك ؟» فقال:

التنخّس، فقال له الصادق عليه السّلام: «لا تشتر سبيا و لا غبيّا(6) ، فإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفّة الميزان، فما من رأس يري ثمنه في كفّة الميزان

ص: 329


1- الكافي 226:5، 8، التهذيب 78:7، 332، الإستبصار 105:3، 368.
2- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
3- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
4- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
5- الكافي: «225:5، 6، التهذيب 78:7، 333.
6- في الكافي: «و لا عيبا».

فأفلح، و إذا اشتريت رأسا فغيّر اسمه و أطعمه شيئا حلوا إذا ملكته، و تصدّق عنه بأربعة دراهم»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من نظر إلي ثمنه و هو يوزن لم يفلح»(2).

مسألة 149: قد بيّنّا أنّه يجب الاستبراء في شراء الإماء،
اشارة

و ستأتي تتمّته في باب العدد إن شاء اللّه تعالي.

إذا ثبت هذا، فإذا باع الجارية و سلّم المشتري إلي الثمن، وجب عليه تسليم الجارية في مدّة الاستبراء إلي المشتري، سواء كانت جميلة أو قبيحة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3).

و قال مالك: إن كانت جميلة، لا يسلّمها، و إنّما يضعها علي يدي عدل حتي تستبرأ. و إن كانت قبيحة أجبر علي تسليمها، لأنّ الجميلة يلحقه فيها التهمة فمنع منها(4).

و ليس بجيّد، لأنّ الظاهر العدالة و السلامة، فلا يسقط حقّه من القبض بالتهمة.

و يبطل أيضا بأنّه مبيع لا خيار فيه، فإذا نقد الثمن، وجب تسليمه، كسائر المبتاعات(5).

إذا تقرّر هذا، فإن اتّفقا علي وضعها علي يد عدل، فإن قبضها

ص: 330


1- الكافي 212:5، 14، التهذيب 70:7-71، 302.
2- الكافي 212:5، 15، التهذيب 71:7، 303.
3- الامّ 87:3، الحاوي الكبير 276:5، التهذيب - للبغوي - 479:3، المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4-124.
4- الحاوي الكبير 276:5، التهذيب - للبغوي - 479:3، حلية العلماء 364:7، المغني 293:4، الشرح الكبير 124:4.
5- في «ق، ك»: البياعات.

المشتري و سلّمها إلي العدل، فهي من ضمانه. و إن سلّمها البائع، كانت من ضمانه، لأنّ التسليم لم يحصل للمشتري و لا لوكيله، و ليس العدل نائبا عنه في القبض.

فإن اشتراها بشرط أن يضعها البائع علي يد عدل، كان الشرط و البيع صحيحين، عملا بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و لأنّه شرط سائغ مرغوب فيه، فوجب أن يكون مباحا.

و قال الشافعي: يفسد الشرط و العقد معا، لأنّ العقد علي المعيّن لا يجوز فيه شرط التأخير(2). و هو ممنوع.

تذنيب: ليس للمشتري بعد شرائه الجارية شراء مطلقا أن يطلب من البائع كفيلا

بالثمن أو ببدن البائع لو خرجت حاملا، لأنّه لم يشترط الكفيل في العقد، فلا تلزمه إقامته بعده، كما لو باع بثمن مؤجّل ثمّ طلب منه كفيلا أو رهنا فامتنع البائع، إذ لو سلّم إليه الثمن ثمّ طلب منه كفيلا علي عهدة الثمن، لم يكن له ذلك.

مسألة 150: لا يجوز التفرقة بين الامّ و ولدها في البيع
اشارة

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا توله والدة بولدها»(4).

ص: 331


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- انظر: الامّ 87:3.
3- الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 132:4-133، الوسيط 69:3، حلية العلماء 122:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، روضة الطالبين 82:3، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 228:5، المغني 10: 459، الشرح الكبير 408:10.
4- أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 132:4، و في سنن البيهقي 5:8، و غريب الحديث - للهروي - 65:3 و الكامل - لابن عدي - 2412:6: «لا توله والدة عن ولدها».

و عن أبي أيّوب عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه بينه و بين أحبّته يوم القيامة»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه سماعة قال: سألته عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما، و عن المرأة و ولدها؟ فقال: «لا، هو حرام إلاّ أن يريدوا ذلك»(2).

و في الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام، قال: اشتريت له جارية من الكوفة، قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت: يا أمّاه، فقال لها أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أ لك أمّ؟» قالت: نعم، فأمر بها فردّت، فقال:

«ما آمنت لو حبستها أن أري في ولدي ما أكره»(3).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول:

«أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بسبي من اليمن، فلمّا بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمّها معهم، فلمّا قدموا علي النبي صلّي اللّه عليه و آله سمع بكاءها، فقال: ما هذه ؟ قالوا: يا رسول اللّه احتجنا إلي نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فاتي بها و قال: بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا»(4).

و في الصحيح عن ابن سنان، قال الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري4.

ص: 332


1- سنن الترمذي 580:3، 1283، و 134:4، 1566، سنن الدار قطني 3: 67، 256، سنن البيهقي 126:9، سنن الدارمي 227:2-228، المستدرك - للحاكم - 55:2، المعجم الكبير - للطبراني - 182:4، 4080، مسند أحمد 6: 575، 23002.
2- الكافي 218:5-219، 2، الفقيه 137:3، 600، التهذيب 73:7، 312.
3- الكافي 219:5، 3، التهذيب 73:7، 313.
4- الكافي 218:5، 1، الفقيه 137:3، 599، التهذيب 73:7، 314.

الغلام أو(1) الجارية و له الأخ أو الأخت أو أمّ بمصر من الأمصار، قال:

«لا يخرجه من مصر إلي مصر آخر إن كان صغيرا و لا تشتره، و إن كانت له أمّ فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت»(2).

و لاشتماله علي ضرر كلّ من الامّ و الولد، فيكون منفيّا بقوله تعالي:

ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (3) و بقوله عليه السّلام: «لا ضرر و لا إضرار»(4).

فروع:
أ - إنّما يتحقّق المنع مع حاجة الولد إلي الأمّ، فلو استغني عنها، زال المنع،

لأصالة الإباحة السالم عن معارضة الضرر الحاصل بالتفريق.

ب - لو فرّق بينهما بالبيع، لم يصحّ عندنا

- و به قال الشافعي(5) - لما تقدّم من الأحاديث الدالّة علي الردّ.

و قال أبو حنيفة: يصحّ، لأنّ المنع لا يعود إلي المبيع و إنّما يعود إلي الضرر اللاحق بهما، فلا يمنع صحّة البيع، كالبيع وقت النداء(6).

ص: 333


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 219:5، 5، الفقيه 140:3، 616، التهذيب 67:7-68، 290.
3- الحج: 78.
4- سنن الدار قطني 228:4، 85، مسند أحمد 515:1، 2862.
5- الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 133:4، الوسيط 69:3، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، حلية العلماء 123:4، الحاوي الكبير 244:14، روضة الطالبين 83:3، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 5: 232، المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10.
6- مختصر اختلاف العلماء 162:3، 1242، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 232:5، الاختيار لتعليل المختار 41:2-42، الهداية - للمرغيناني - 54:3، المغني 333:4، و 461:10، الشرح الكبير 410:10، العزيز شرح الوجيز 4: 133، الحاوي الكبير 245:14، حلية العلماء 123:4، المعونة 1071:2.

و هو خطأ، لأنّ النهي عنه لمعني في البيع، و هو حصول الضرر بالتفرقة. و لأنّ التسليم تفريق محرّم، فيكون كالمتعذّر، إذ لا فرق بين العجز الحسّي و الشرعي.

ج - لو رضي كلّ من الولد و الامّ بالتفريق، صحّ التفريق، لعدم المقتضي للمنع. و لحديث ابن سنان عن الصادق عليه السّلام، و قد سبق(1).

د - الضابط في غاية التحريم الاستغناء، فمتي حصل استغناء الطفل عن الامّ، جاز التفريق،

و إلاّ فلا.

و يحصل الاستغناء ببلوغ سبع سنين.

و قيل: بالاستغناء عن الرضاع(2).

و المشهور: الأوّل، لأنّه سنّ التمييز، فيستغني عن التعهّد و الحضانة، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و يقرب منه قول مالك حيث جعل التحريم ممتدّا إلي وقت سقوط الأسنان(4).

ص: 334


1- في ص 333.
2- كما في شرائع الإسلام 59:2.
3- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3، المجموع 361:9، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، مختصر اختلاف العلماء 163:3، بداية المجتهد 168:2، تحفة الفقهاء 115:2.
4- بداية المجتهد 168:2، المعونة 1071:2، العزيز شرح الوجيز 133:4، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.

و قال في الآخر: حدّه البلوغ(1). و به قال أبو حنيفة(2) ، لما رواه عبادة بن الصامت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا يفرّق بين الامّ و ولدها» قيل: إلي متي ؟ قال: «حتي يبلغ الغلام و تحيض الجارية»(3).

ه - قال بعض

ه - قال بعض(4) علمائنا بكراهة التفريق لا بتحريمه، و المشهور:

التحريم.

و هذا الخلاف إنّما هو إذا كان التفريق بعد سقي الأمّ ولدها اللّبأ، فأمّا قبله فلا يجوز قطعا، لأنّه يسبّب إلي إهلاك الولد.

و - يكره التفريق بعد البلوغ

- و به قال الشافعي(5) - لما فيه من التوحّش بانفراد كلّ منهما عن صاحبه.

و التقييد بالصغر في حديث(6) ابن سنان، للتحريم لا الكراهة.

و لو فرّق مع البلوغ بالبيع أو الهبة، صحّا - و به قال الشافعي(7) - لوجود المقتضي السالم عن معارضة النهي، لاختصاصه بالصغر.

و قال أحمد: يبطل البيع و الهبة(8). و ليس بمعتمد.

ص: 335


1- الوسيط 69:3، العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 361:9، روضة الطالبين 83:3، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
2- مختصر اختلاف العلماء 162:3، تحفة الفقهاء 115:2، العزيز شرح الوجيز 133:4، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
3- سنن الدار قطني 68:3، 258، سنن البيهقي 128:9، المستدرك - للحاكم - 2: 55، العزيز شرح الوجيز 132:4.
4- كالشيخ الطوسي في النهاية: 546، و المحقّق الحلّي في المختصر النافع: 132، و شرائع الإسلام 59:2.
5- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3، المجموع 361:9.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 333، الهامش (2).
7- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3.
8- العزيز شرح الوجيز 133:4.
ز - الأقوي كراهة التفريق بين الأخوين و بين الولد و الأب أو الجدّ في البيع،

و ليس محرّما - و به قال الشافعي(1) - عملا بالأصل. و لأنّ القرابة بينهما لا تمنع القصاص فلا تمنع التفرقة في البيع، كابن(2) العمّ عندهم(3).

و في قول آخر له: إنّ التفريق بين الولد و الجدّة و الأب و سائر المحارم كالأمّ في تحريم التفريق(4).

و قال أبو حنيفة: يحرم التفريق بين الأخوين، لأنّه رحم ذو محرم من النسب، فأشبه الولد(5).

و الجواب: الفرق بجواز القصاص هنا دون الأوّل عندهم.

ح - يجوز التفريق بين البهيمة و ولدها بعد استغنائه عن اللبن و قبله

إن كان ممّا يقع عليه الذكاة(6) أو كان له ما يموّنه من غير لبن امّه.

و منع بعض الشافعيّة من التفريق قبل الاستغناء، قياسا علي الآدمي(7). و الحرمة فارقة بينهما.

ط - كما لا يجوز التفريق بالبيع كذا لا يجوز بالقسمة و الهبة و غيرها

ص: 336


1- حلية العلماء 124:4، العزيز شرح الوجيز 421:11، روضة الطالبين 7: 456، المجموع 361:9.
2- في بدائع الصنائع و المغني: كابني.
3- المغني 333:4، الاختيار لتعليل المختار 41:2، بدائع الصنائع 229:5.
4- العزيز شرح الوجيز 421:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9 و 362.
5- تحفة الفقهاء 115:2، الاختيار لتعليل المختار 41:2، الهداية - للمرغيناني - 54:3، حلية العلماء 124:4.
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: الزكاة. و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 362:9، روضة الطالبين 84:3.

من العقود الناقلة للعين، بخلاف نقل المنافع، فله أن يؤجر الامّ من شخص و ولدها من آخر، إلاّ أن يستوعب المدّة الممنوع من التفرقة فيها، فإنّ الأقوي المنع من التفريق حسّا بحيث لا يجتمعان إلاّ نادرا.

ي - لا يحرم التفريق بالعتق، فلو أعتق الأمّ دون ولدها أو بالعكس،

فلا بأس. و لا في الوصيّة، فلعلّ الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم.

فإن اتّفق قبله، فإشكال.

يأ - لو لم تحصل التفرقة الحسّيّة، فالأقوي جواز البيع،

كمن يبيع الولد و يشترط استخدامه مدّة المنع. و كذا لو باعه علي من لا يفارق البائع و الامّ بل يلازمهما.

يب - في الردّ بالعيب إشكال، أقربه: المنع، لحصول التفريق فيه،

فلو اشتري الجارية و الولد ثمّ تفاسخا البيع في أحدهما أو ردّه بعيب فيه، منع، لما فيه من التفريق.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز(1).

أمّا الرهن: ففي التفريق بينهما به إشكال، أقربه: الجواز، لكن ليس للمرتهن البيع و لا للراهن إلاّ مع الآخر.

يج - لا بأس بالتفريق بالسفر، لعدم المقتضي للمنع،

و أصالة الإباحة.

يد - لو كانت الامّ رقيقة و الولد حرّا و بالعكس، لم يمنع من بيع الرقيق،

لثبوت التفريق قبل البيع، فلا يحدث البيع تفريقا، لاستحالة تحصيل الحاصل.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 360:9.
مسألة 151: يجوز لمن يشتري الأمة أن ينظر إلي وجهها و محاسنها

و أن يمسّها بيده و يقلبها - إلاّ العورة، فلا يجوز له النظر إليها - للحاجة الداعية إلي ذلك، فوجب أن يكون مشروعا لينتفي الغرر.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: «لا بأس بأن ينظر إلي محاسنها و يمسّها ما لم ينظر إلي ما لا ينبغي له النظر إليه»(1).

و لا يجوز ذلك لمن لا يريد الشراء إلاّ في الوجه، لقول الصادق عليه السّلام:

«لا أحبّ للرجل أن يقلب جارية إلاّ جارية يريد شراءها»(2).

و سأله حبيب بن معلي الخثعمي: إنّي اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت، قال: «أمّا لمن يريد أن يشتري فليس به بأس، و أمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه»(3).

مسألة 152: لو اشتري جارية فوطئها ثمّ ظهر استحقاقها لغير البائع مع جهل المشتري،
اشارة

فإن كانت بكرا، غرم عشر قيمتها لصاحبها، و دفعها إليه.

و إن كانت ثيّبا، كان عليه نصف العشر، لقول الصادق عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمة دلّست نفسها، إلي أن قال: «و لمواليها عليه عشر قيمة ثمنها إن كانت بكرا، و إن كانت ثيّبا فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها»(4).

و لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، و انتفع بما له عوض، فوجب

ص: 338


1- التهذيب 75:7، 321.
2- التهذيب 236:7، 1030.
3- التهذيب 236:7، 1029.
4- الكافي 404:5، 1، التهذيب 349:7، 1426، الاستبصار 216:3 - 217، 787.

الرجوع عليه به.

و قال الشافعي: يجب مهر المثل(1).

و هو ممنوع، إذ لا عقد نكاح هنا.

فإن أولدها المشتري الجاهل بالغصبيّة، فالولد لا حق به، لموضع الشبهة، و هو حرّ، لأنّه اعتقد أنّه ملكها بالشراء، و عليه قيمته لمولاه يوم سقط حيّا - و به قال الشافعي(2) - لأنّه أتلف علي مولاها رقّه باعتقاده أنّها ملكه.

و لا يقوّم حملا لعدم إمكان تقويم الحمل، فيقوّم في أوّل حالة انفصاله، لأنّها أوّل حالة إمكان تقويمه. و لأنّ ذلك هو وقت الحيلولة بينه و بين سيّده.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و علي مولاها أن يدفع ولدها إلي أبيه بقيمته يوم يصير إليه» قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به ؟ قال: «يسعي أبوه في ثمنه حتي يؤدّيه و يأخذ ولده» قلت: فإن أبي الأب السعي في ثمن ابنه ؟ قال: «فعلي الإمام أن يفديه، و لا يملك ولد حرّ»(3).

و قال أبو حنيفة: يقوّم يوم المطالبة، لأنّ ولد المغصوبة لا يضمنه إلاّ بالبيع(4).

و قد بيّنّا أنّه يحدث مضمونا، فيقوّم حال إتلافه.7.

ص: 339


1- الوجيز 213:1، العزيز شرح الوجيز 470:5-472، التهذيب - للبغوي - 4: 315، روضة الطالبين 146:4.
2- مختصر المزني: 117، الحاوي الكبير 153:5، الوجيز 214:1، العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 149:4.
3- التهذيب 350:7، 1429، الإستبصار 217:3-218، 790.
4- الحاوي الكبير 153:7.

و لو انفصل الولد ميّتا، لم تجب قيمته، لأنّا لا نعلم حياته قبل ذلك.

و لأنّه لم يحل بينه و بينه، و إنّما يجب التقويم لأجل الحيلولة.

إذا ثبت هذا، فإنّ المشتري إن كان عالما بالغصبيّة، فالولد رقّ لمولاه، و لا يرجع بالثمن علي البائع و لا بما غرمه.

و يحتمل عندي رجوعه بالثمن إن(1) كان باقيا، أمّا إذا تلف فلا.

و إن كان جاهلا، فإنّه يرجع بالثمن الذي دفعه و بما غرمه ممّا لا نفع في مقابلته، كقيمة الولد.

و هل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع، كأجرة الخدمة و السكني و العقر؟ إشكال ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض، و من استيفاء عوضه.

و تفصيل هذا أن يقال: إن علم المشتري بالغصب، لم يرجع، لأنّه قد أباح البائع إتلاف ماله بغير عوض، و به قال الشافعي(2).

و التحقيق ما قلناه من الرجوع مع قيام العين لا مع التلف.

و أمّا إذا لم يعلم المشتري بالغصب، فعلي ثلاثة أضرب.
ضرب: لا يرجع به عليه قولا واحدا،

و هو قيمتها إن تلفت في يده، أو أرش البكارة إن تلفت في يده، أو بدل جزء منها إن تلف في يده، لأنّ المشتري دخل مع الغاصب علي أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه، لم يرجع به، و به قال الشافعي(3).

و ضرب: يرجع به قولا واحدا،

و هو ما إذا ولدت في يده منه و رجع

ص: 340


1- في الطبعة الحجريّة: «إذا» بدل «إن».
2- الوسيط 419:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1.
3- الوسيط 419:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1، التهذيب - للبغوي - 4: 316-317.

عليه بقيمة الولد، فإنّه يرجع به علي الغاصب، لأنّه دخل معه علي أن لا يكون الولد مضمونا عليه، و لم يحصل من جهته إتلاف، بل المتلف الشرع بحكم بيع الغاصب منه، و به قال الشافعي(1).

الثالث: ما اختلف فيه، و هو مهرها و اجرة منفعتها، فهنا إشكال

تقدّم.

و للشافعي قولان:

ففي القديم: يرجع، لأنّه دخل في العقد علي أن يتلفه بغير عوض فقد غرّه.

و قال في الجديد: لا يرجع - و به قال أبو حنيفة و أصحابه - لأنّه غرم ما استوفي به له، فلم يرجع به(2).

و لو أمسكها و لم يستخدمها و تلفت المنفعة تحت يده، ففي الرجوع للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه يرجع بأجرتها، لأنّه لم يستوف بدل ما غرم، و دخل في العقد علي أن لا يضمنها.

و الثاني: لا يرجع، لأنّ تلفها تحت يده بمنزلة إتلافها(3).

مسألة 153: يصحّ بيع الحامل بحرّ، لأنّها مملوكة،

و حرّيّة الحمل لا تخرج الرقّيّة عن الملكيّة، فيصحّ بيعها، لوجود المقتضي السالم عن المعارض.

ص: 341


1- الوسيط 420:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 380:1، حلية العلماء 243:5-244، الحاوي الكبير 155:7، العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 151:4.
3- الوسيط 420:3، العزيز شرح الوجيز 478:5، التهذيب - للبغوي - 316:4، روضة الطالبين 151:4.
مسألة 154: العبد المرتدّ إمّا أن يرتدّ عن فطرة أولا،

فإن لم يكن عن فطرة، صحّ بيعه، لأنّه مملوك لا يجب قتله في الحال، و يمكن بقاؤه بردّه إلي الإسلام، فصحّ(1) بيعه، كالقاتل.

و أمّا إن كانت عن فطرة، ففي جواز بيعه إشكال ينشأ من تضادّ الأحكام، إذ وجوب القتل ينافي جواز البيع، و من بقاء الملكيّة.

أمّا المرتدّة فإنّه يجوز بيعها مطلقا، سواء كانت عن غير فطرة أو عنها، لعدم وجوب قتلها بالارتداد. و وجوب الحبس - إن أثبتناه في حقّها - لا ينافي الملكيّة و الانتفاع.

و كذا يجوز بيع المريض المأيوس من برئه لفائدة الإعتاق، أمّا ما لا يستقرّ فيه الحياة فالأقوي بطلان بيعه و عتقه.

مسألة 155: من اشتري جارية من وليّ اليتيم، صحّ الشراء،

و جاز له نكاحها و استيلادها عملا بالمقتضي السالم عن المعارض، و قول الكاظم عليه السّلام و قد سئل في رجل ترك أولادا صغارا و مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ و ما تري في بيعهم ؟ فقال: «إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و ينظر لهم كان مأجورا فيهم» قلت: فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها أمّ ولد؟ قال:

«لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(2).

مسألة 156: إذا اشتري الإنسان ثلاث جوار ثمّ دفعهنّ إلي البيّع

و قوّم

ص: 342


1- في الطبعة الحجريّة: فيصحّ.
2- الكافي 208:5، 1، الفقيه 161:4-162، 564، التهذيب 68:7-69، 294 بتفاوت و زيادة فيها.

عليه كلّ جارية بقيمة معيّنة، و قال له: بع هؤلاء الجواري و لك نصف الربح، فباع البيّع جاريتين و أحبل المالك الثالثة، لم يكن عليه شيء فيما أحبل، و كان عليه للبيّع اجرة مثل عمله فيما باع.

و قال الشيخ في النهاية: يكون عليه فيما باع نصف الربح(1) ، تعويلا علي رواية أبي علي بن راشد، قال: قلت له: إنّ رجلا اشتري ثلاث جوار قوّم كلّ واحدة بقيمة فلمّا صاروا إلي البيّع جعلهنّ بثمن، فقال للبيّع: لك عليّ نصف الربح، فباع جاريتين بفضل علي القيمة و أحبل الثالثة، قال:

«يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع، و ليس عليه فيما أحبل شيء»(2).

و هذه الرواية غير مسندة إلي إمام.

و تحمل هذه الرواية علي ما إذا عيّن قدر الربح، و كان القول علي سبيل الجعالة.2.

ص: 343


1- النهاية: 414.
2- التهذيب 82:7، 352.

ص: 344

الفصل الثاني في الثمار
اشارة

و فيه مطلبان:

الأوّل: في أنواعها.
اشارة

و هي ثلاثة:

الأوّل: في ثمرة النخل.
اشارة

إذا باع ثمرة النخل، فلا يخلو إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. فإن كان قبل ظهورها فلا يخلو إمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة إلي الغير إمّا الأصول أو ثمرة سنة أخري، أو غيرهما.

فإن باعها منفردة، لم يصحّ إجماعا، لأنّه غير موجود و لا معلوم الوجود، و لا يمكن تسليمه، و لا يعلم حقيقته و لا وصفه، فكان كبيع الملاقيح و المضامين، بل هو هو في الحقيقة.

و روت العامّة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الثمار حتي تزهي، قيل:

يا رسول اللّه و ما تزهي ؟ قال: «حتي تحمرّ»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل اشتري بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر، فقال: «لا، حتي يزهو» قلت:

و ما الزهو؟ قال: «حتي يتلوّن»(2).

و إن باعها منضمّة إلي الأصول، فالوجه عندي: البطلان، إلاّ أن يجعل

ص: 345


1- صحيح البخاري 101:3، سنن النسائي 264:7، سنن البيهقي 300:5، الموطّأ 618:2، 11.
2- الكافي 176:5، 8، التهذيب 84:7، 359، الاستبصار 86:3، 294.

انضمامها علي سبيل التبعيّة فلا يضرّ فيها الجهالة، كأساسات الحيطان و أصول الأشجار، أمّا إذا جعلت جزءا مقصودا من المبيع، ففيه الإشكال، يقتضي النصّ الجواز.

و إن باعها منضمّة إلي شيء غير الثمرة، فإنّه يجوز. و ينبغي أن يكون ذلك علي سبيل التبعيّة لا الأصالة، لما تقدّم، لكنّ إطلاق النصّ يقتضي إطلاق الجواز.

روي سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: «لا، إلاّ أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل»(1).

و الوجه عندي: المنع. و هذه الرواية مع ضعف سندها لم تسند إلي إمام، فلا تعويل عليها.

و إن باعها منضمّة إلي ثمرة سنة أخري، فلا يخلو إمّا أن تكون السنة الأخري سابقة ثمرتها موجودة أو لا حقة، فإن كانت سابقة، صحّ إجماعا.

و إن كانت لا حقة أو كانت سابقة لم تخرج، جاز أيضا، لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، قال: «لا بأس به يقول: إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل»(2).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن شراء9.

ص: 346


1- الكافي 176:5، 7، الفقيه 133:3، 578، التهذيب 84:7، 360، الإستبصار 86:3-87، 295.
2- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الاستبصار 87:3، 299.

النخل، فقال: «كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة، و لكن السنتين و الثلاث، كان يقول: إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخري»(1).

و يحتمل قويّا: المنع، لأنّه مبيع غير مشاهد و لا معلوم الوصف و القدر، فيكون باطلا، للغرر. و لأنّه كبيع الملاقيح و المضامين. و يحمل قوله عليه السّلام: «إن لم يخرج في هذه السنة» أي إن لم تدرك، أو أراد إن لم تخرج في بعض السنة المتأخّرة عن سنة البيع.

و يؤيّد هذا: ما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «كان الباقر عليه السّلام يقول: إذا بيع الحائط فيه النخل و الشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتي تبلغ ثمرته، و إذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة»(2) و تعليق الحكم علي وصف يقتضي نفيه عند عدمه.

مسألة 157: و لو باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها،
اشارة

فإمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة، فإن باعها منفردة، فإمّا أن يبيعها بشرط القطع أو بشرط التبقية أو مطلقا.

فإن باعها بشرط القطع، صحّ البيع إجماعا، لأنّ مع شرط القطع يظهر أنّ غرض المشتري هو الحصرم و البلح و أنّه حاصل.

و إن باعها بشرط التبقية، فالأقوي عندي: الجواز، لعموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (3) السالم عن صلاحيّة المعارض للمعارضة، لأنّ المعارض ليس إلاّ تجويز العاهة و التلف عليها، لكن ذلك التجويز متطرّق إلي غير الثمار،

ص: 347


1- التهذيب 87:7، 373، الاستبصار 86:3، 292.
2- الفقيه 157:3-158، 690، التهذيب 87:7، 372، الإستبصار 86:3، 293.
3- البقرة: 275.

كالحيوان و شبهه، فلو كان مانعا من بيع الثمرة، لكان مانعا من بيع الحيوان، و التالي باطل بالإجماع، فالمقدّم مثله. و لأنّه مال مملوك طاهر منتفع به فجاز بيعه. و لأنّه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعا، فجاز بشرط التبقية، كما لو باعه بعد بدوّ الصلاح بشرط التبقية.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك(1) الأرض كلّها، فقال:

«اختصموا في ذلك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فكانوا يذكرون ذلك فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتي تبلغ الثمرة و لم يحرّمه، و لكن فعل ذلك من أجل خصومتهم»(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فسمع ضوضاء [1]، فقال: ما هذا؟ فقيل: تبايع الناس بالنخل فقعد [2] النخل العام، فقال صلّي اللّه عليه و آله:

أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتي يطلع فيه شيء. و لم يحرّمه»(3).

و منع جماعة(4) من علمائنا هذا البيع - و هو مذهب الفقهاء الأربعة(5) -4.

ص: 348


1- في الكافي و الفقيه: ثمرة تلك.
2- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الاستبصار 87:3، 299.
3- الكافي 174:5-175، 1، التهذيب 86:7، 366، الاستبصار 88:3، 301.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 414-415، و المبسوط 113:2، و الخلاف 85:3، المسألة 140، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 52:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 250.
5- بداية المجتهد 149:2، المعونة 1005:2، التلقين 373:2، الحاوي الكبير 5: 190، الاختيار لتعليل المختار 9:2، الهداية - للمرغيناني - 25:3، العزيز شرح الوجيز 346:4 و 347، الوسيط 181:3، التهذيب - للبغوي - 382:3، روضة الطالبين 210:3، المغني 218:4، الشرح الكبير 231:4.

للحديث(1) الذي رواه العامّة أوّلا، و ما رواه الخاصّة أيضا، و قد سبق(2).

و أيضا ما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يشتري(3) النخل حولا واحدا حتي يطعم إن كان يطعم، و إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل»(4).

و سأل الحسن بن علي الوشّاء الرضا عليه السّلام: هل يجوز بيع النخل إذا حمل ؟ فقال: «لا يجوز بيعه حتي يزهو» قلت: و ما الزهو جعلت فداك ؟ قال: «يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك»(5).

و الجواب: حمل النهي علي الكراهة، جمعا بين الأدلّة خصوصا و قد نصّ الإمام عليه السّلام علي ذلك.

و إن باعها مطلقا و لم يشترط القطع و لا التبقية، فالأقوي عندي:

الجواز - و به قال أبو حنيفة(6) - لأنّه لو شرط القطع، جاز إجماعا، و لو شرط التبقية، جاز علي الأقوي، و الإطلاق لا يخلو عنهما، فكان الجواز أقوي. و لما تقدّم من الأدلّة. و لأنّ القطع تفريغ ملك البائع و نقل المبيع4.

ص: 349


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 345، الهامش (1).
2- في ص 345.
3- في المصدر: «لا تشتر».
4- التهذيب 88:7، 374، الإستبصار 85:3، 290.
5- الكافي 175:5، 3، التهذيب 85:7، 363، الإستبصار 87:3، 298.
6- الهداية - للمرغيناني - 25:3، الحاوي الكبير 191:5، التهذيب - للبغوي - 3: 382، حلية العلماء 214:4، العزيز شرح الوجيز 347:4، بداية المجتهد 2: 149، المعونة 1006:2، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4.

عنه، و ليس ذلك شرطا في البيع.

و منع جماعة(1) من أصحابنا إطلاق البيع هنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(2) - لأنّ الإطلاق يقتضي التبقية، و هو منهيّ عنها.

و لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها(3) ، و هذا يقتضي النهي عن بيع مطلق. و لأنّ النقل في الثمار إنّما يكون عند بلوغ الثمرة في العرف و العادة، فينصرف إليه مطلق البيع كإطلاق الثمن مع العرف في نقد(4) البلد، فإنّه ينصرف إليه.

و الجواب: لا نسلّم النهي عن التبقية. و ما ورد(5) عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في ذلك فقد بيّنّا أنّه للكراهة. و نحن نسلّم عود الإطلاق إلي التبقية، و نمنع التحريم فيها، لما بيّنّا من جواز اشتراطها.

تذنيب: إذا باعها مطلقا، وجب علي البائع الإبقاء مجّانا إلي حين أخذها عرفا،

كما فيما بعد بدوّ الصلاح.

و قال أبو حنيفة: المطلق يقتضي القطع في الحال، فهو بمنزلة ما لو شرط القطع عنده، و لهذا جوّز المطلق، لأنّ بيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط

ص: 350


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 113:2، و الخلاف 85:3، المسألة 140، و ابن حمزة في الوسيلة: 250.
2- المهذّب - للشيرازي - 288:1، روضة الطالبين 210:3، الوسيط 181:3، الحاوي الكبير 191:5، التهذيب - للبغوي - 382:3، حلية العلماء 212:4 - 213، العزيز شرح الوجيز 346:4 و 347، بداية المجتهد 149:2، المعونة 2: 1006، التلقين 373:2، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4.
3- صحيح البخاري 101:3، صحيح مسلم 1167:3، 54، سنن النسائي 262:7 - 263، الموطّأ 618:2، 10، مسند أحمد 70:2، 4511، و 170، 5270.
4- في الطبعة الحجريّة: «إطلاق» بدل «نقد».
5- في الطبعة الحجريّة: و ما روي.

التبقية عنده باطل(1).

و إن باعها قبل بدوّ الصلاح منضمّة إلي شيء أو إلي ثمرة سنة أخري، فإنّه يجوز إجماعا منّا، لرواية يعقوب بن شعيب - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا»(2).

مسألة 158: لو باع بستانا بدا صلاح بعضه و لم يبد صلاح الباقي،

فعلي ما اخترناه نحن يجوز، لأنّا جوّزنا بيع ما لم يبد صلاحه منفردا فمنضمّا إلي ما بدا صلاحه أولي.

أمّا القائلون بالمنع من علمائنا فإنّه يجوز عندهم أيضا، لأنّ العاهة قد أمنت فيما بدا صلاحه، فجاز بيعه، و ما لم يبد صلاحه يجوز بيعه منضمّا إليه تبعا، كما لو باعه مع الزرع.

و لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا»(3).

و هل يشترط اتّحاد البستان ؟ قال الشيخ: نعم، بمعني أنّه لو كان بستان قد بدا صلاحه و البستان الآخر لم يبد صلاح شيء منه، لم يجز بيعهما صفقة واحدة. و لو كان بعض نخل البستان الواحد قد بدا صلاحه و البعض الآخر لم يبد صلاحه، جاز بيعه أجمع في عقد واحد(4).

و هذا القول لا اعتبار به عندنا.

و الشافعي فصّل هنا، فقال: إن كانت النخلة واحدة بأن بدا صلاح

ص: 351


1- الهداية - للمرغيناني - 25:3، الاختيار لتعليل المختار 9:2، الحاوي الكبير 191:5، حلية العلماء 214:4، التهذيب - للبغوي - 382:3، العزيز شرح الوجيز 347:4، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4-232.
2- الكافي 175:5، 5، التهذيب 85:3، 362، الإستبصار 87:3، 297.
3- الكافي 175:5، 5، التهذيب 85:3، 362، الاستبصار 87:3، 297.
4- المبسوط - للطوسي - 114:2.

بعض طلعها و بعضه لم يبد صلاحه، جاز بيع ثمرتها أجمع صفقة واحدة، لعسر التمييز و الفرق بينهما. و إن تعدّد النخل و كان بعضه قد بدا صلاحه دون البعض، فإن كان البستان واحدا و ضمّ أحدهما إلي الآخر في الصفقة، جاز، كما في النخلة الواحدة و إن كان ما بدا صلاحه نخلة واحدة.

و إن أفرد ما بدا صلاحه بالبيع، صحّ إجماعا. و إن أفرد ما لم يبد صلاحه بالبيع، ففي اشتراط شرط القطع وجهان، سواء اتّحد نوع النخل أو اختلف:

أحدهما: أنّه يشترط، إذ ليس في المبيع شيء قد بدا صلاحه، فيتبعه في عدم شرط القطع.

و الثاني: أنّه لا يشترط، و يكون ما لم يبد صلاحه تابعا لما بدا، لدخول وقت بدوّ الصلاح، فكأنّه موجود بالفعل.

و لو اختلف نوع الثمرة - كالبرني و المعقلي - في البستان الواحد فأدرك نوع دون آخر و باعهما صفقة واحدة، ففي الجواز وجهان أحدهما:

أنّه يجوز، لأنّه إذا كان يضمّ بعض النوع إلي بعض آخر ضمّ نوع إلي نوع آخر من جنسه كالزكاة. و الثاني: لا يضمّ، لأنّه قد يتباعد إدراكهما، فصارا كالجنسين.

و لو اختلف جنس الثمرة فكان أحدهما رطبا و الآخر عنبا و بدا صلاح أحد الجنسين و ضمّهما في البيع، وجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه منهما، و لا يتبع أحد الجنسين الآخر. و إن تعدّد البستان فبدا صلاح أحدهما دون الآخر، فإنّه لا يتبع أحدهما الآخر(1) ، بل يجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه - و به قال أحمد - لأنّه إنّما جعل ما لم يبد صلاحه تابعا فيا.

ص: 352


1- في الطبعة الحجريّة: فإنّه لا يتبعه أحدهما.

البستان الواحد، لما فيه من اشتراك الأيدي و التضرّر به، أمّا ما كان في قراح آخر فوجب أن يعتبر بنفسه(1).

و قال مالك: يجوز ضمّ أحد البستاين إلي الآخر و إن أدرك أحدهما خاصّة دون البستان الآخر من غير شرط القطع إذا كان مجاورا له و كان الصلاح معهودا لا منكرا(2).

و ربما نقل(3) عنه الضبط في المجاور ببساتين البلدة الواحدة، لأنّ الغرض الأمن من العاهة، و ما جاوره بمنزلة ما في هذا القراح.

مسألة 159: لو كان الذي بدا صلاحه من النخل لواحد و ما لم يبد صلاحه لآخر،

فباع مالك ما لم يبد صلاحه ثمرة ملكه، جاز عندنا مطلقا و عند جماعة من علمائنا و الجمهور بشرط القطع.

و للشافعي قول آخر، و هو: أنّه فصّل فقال: لا يخلو إمّا أن يكونا معا في بستان واحد أو نخل كلّ واحد منهما في بستان منفرد.

فإن كانا في بستان واحد، فوجهان مع اتّحاد المالك علي ما تقدّم.

و أمّا مع تعدّده فقولان:

أحدهما: طرد الوجهين هنا.

و الثاني: القطع بالمنع، إذ لا يتعدّي حكم أحد المالكين إلي الآخر، فيجب شرط القطع.

و إن كانا في بستانين، فقولان:

ص: 353


1- انظر العزيز شرح الوجيز 349:4، و روضة الطالبين 211:3-212.
2- بداية المجتهد 152:2، العزيز شرح الوجيز 349:4، حلية العلماء 215:4، المغني 223:4.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 349:4.

أحدهما: القطع بأنّه لا عبرة به، و لا نظر إلي بدوّ الصلاح في بستان غير البائع.

و الثاني: أنّه إذا لم يفرق فيما إذا بدا فيه الصلاح من ذلك البستان و لم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره، فقياسه أن لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتّحاد البستان(1).

مسألة 160: إذا باعه الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع، جاز
اشارة

إجماعا علي ما تقدّم، و يجب الوفاء به علي المشتري (إذا لم يشترطه)(2) علي البائع.

و لو تراضيا علي الترك جاز إجماعا منّا، و به قال الشافعي(3) ، و كان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

و قال أحمد: يبطل البيع و تعود الثمرة إلي البائع(4). و ليس(5)..

و لو أبقاه المشتري و لم ينكر البائع أو أنكر، فعلي المشتري أجرة المثل عن مدّة الإبقاء.

تذنيب: لا فرق بين ما إذا اشترط القطع في مقطوع ينتفع به أو لا ينتفع به،

عملا بالأصل، فلو شرط القطع فيما لا منفعة فيه - كالجوز و الكمّثري - جاز.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز البيع بشرط القطع إلاّ إذا كان المقطوع

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 350:4، روضة الطالبين 212:3.
2- بدل ما بين القوسين في «ق، ك»: إلاّ أن يشترطه.
3- العزيز شرح الوجيز 347:4، روضة الطالبين 210:3.
4- المغني 221:4، الشرح الكبير 223:4-224، العزيز شرح الوجيز 347:4.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «ليس بجيّد».

ممّا ينتفع به، كالحصرم و اللوز(1).

مسألة 161: لو كانت الأشجار للمشتري فباع الثمرة عليه بأن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة

و يبقي الثمرة له ثمّ يبيع الثمرة من مشتري الشجرة، أو يوصي بالثمرة لإنسان ثمّ يبيع الموصي له الثمرة من الوارث، لم يشترط اشتراط القطع عندنا، لما مرّ.

و أمّا المشترطون فقد اختلفوا هنا.

فقال أكثر الشافعيّة: إنّه يشترط شرط القطع في صحّة البيع، لشمول الخبر، و للمعني أيضا، فإنّ المبيع هو الثمرة، و لو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شيء لكن يجوز له الإبقاء، و لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا، إذ لا معني لتكليفه قطع ثماره من أشجاره(2).

و قال بعضهم: لا حاجة إلي شرط القطع، لأنّه يجمعهما ملك مالك واحد، فأشبه ما لو اشتراهما معا(3).

و لو باع الشجرة و عليها ثمرة مؤبّرة، بقيت للبائع، فلا حاجة إلي شرط القطع، لأنّ المبيع هو الشجرة و ليست متعرّضة للعاهات، و الثمرة مملوكة بحكم الدوام.

و لو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها البائع لنفسه، صحّ عندنا، و لم يجب شرط القطع.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم، لأنّ الثمار و الحال هذه مندرجة لو لا الاستثناء، فكان كملك مبتدأ.

ص: 355


1- العزيز شرح الوجيز 347:4، روضة الطالبين 210:3.
2- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 210:3.
3- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 210:3.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يجب، لأنّه في الحقيقة استدامة ملك، فعلي هذا له الإبقاء إلي وقت الجذاذ. و لو صرّح بشرط الإبقاء، جاز، و علي الأوّل لا يجوز(1).

مسألة 162: لو باع الثمار مع الأصول قبل بدوّ الصلاح من غير شرط القطع،

جاز إجماعا، لقوله عليه السّلام: «من باع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع»(2) دلّ علي أنّه لو اشترطها، كانت للمشتري، و ذلك هو بيع الثمرة مع الأصول. و لأنّ الثمرة هنا تتبع الأصل، و الأصل غير معرّض للعاهة. و يحتمل في التابع(3) ما لا يحتمل في غيره إذا أفرد بالتصرّف، كالحمل في البطن، و اللبن في الضرع، و السقف مع الدار و أساسات الحيطان.

و لو شرط بائع الأصل و الثمرة قطع الثمرة قبل بدوّ الصلاح، لم يجز، لتضمّنه الحجر عليه في ملكه.

مسألة 163: لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها، جاز مطلقا و بشرط القطع إجماعا،

للأصل السالم عن معارضة تطرّق الآفة.

و لو باعها حينئذ بشرط التبقية، جاز عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(4) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الثمرة حتي

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 211:3.
2- سنن أبي داود 268:3، 3433، سنن الترمذي 546:3، 1244، سنن النسائي 297:7، مسند الحميدي 277:2، 613.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: البائع. و الصحيح ما أثبتناه.
4- المهذّب - للشيرازي - 288:1، حلية العلماء 214:4، الحاوي الكبير 5: 193، العزيز شرح الوجيز 346:4، التلقين 372:2، المعونة 1006:2، المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4.

تزهي(1) ، و قد ثبت أنّه إنّما نهي عنه قبل أن تزهي عن بيع يتضمّن التبقية، لأنّه يجوز شرط القطع عند أبي حنيفة مطلقا(2) ، فثبت أنّ الذي أجازه هو الذي نهي عنه [1].

و لأنّ النقل و التحويل يجوز في البيع بحكم العرف، فإذا شرط جاز، كما لو شرط أن ينقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان، فإنّه يجوز.

و لأنّ النهي عن بيع الثمار حتي يبدو صلاحها، و الحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها.

ثمّ عند الإطلاق يجوز الإبقاء [إلي](3) أوان الجذاذ، للعرف. و شرط التبقية تصريح بما هو من مقتضيات العقد.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا يجوز بشرط التبقية، و يجب القطع في الحال في صورة الإطلاق، إلاّ أنّ محمّدا يقول: إذا تناهي عظم الثمرة، جاز فيها شرط التبقية، لأنّ هذا شرط الانتفاع بملك البائع علي وجه لا يقتضيه العقد، كما لو شرط تبقية الطعام في منزله(4).

و الجواب: نسلّم الملازمة، و نمنع بطلان التالي، و ما لا يقتضيه العقد يجوز اشتراطه إذا لم يناف العقد و لا الشرع. و شرط تبقية الطعام في منزله جائز عندنا.4.

ص: 357


1- صحيح البخاري 101:3، سنن النسائي 264:7، سنن البيهقي 300:5، الموطّأ 618:2، 11.
2- الهداية - للمرغيناني - 25:3، المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4-264.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4-264، الحاوي الكبير 193:5، حلية العلماء 215:4، العزيز شرح الوجيز 346:4.
مسألة 164: يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدوّ صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة أو سنة أخري

- و به قال مالك(1) - لما تقدّم(2) من قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين: «لا بأس به» و إذا جاز(3) ذلك قبل بدوّ الصلاح فبعده أولي.

و منع الشافعي منه(4) و ليس بجيّد.

مسألة 165: حدّ بدوّ الصلاح في ثمرة النخل تغيّر اللون من الخضرة

- التي هي لون البلح - إلي الحمرة أو الصفرة - و هو قول أكثر الجمهور(5) - لما رواه العامّة من قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «حتي تزهي» قيل: يا رسول اللّه و ما تزهي ؟ قال: «حتي تحمرّ أو تصفرّ»(6).

و في حديث آخر: «حتي تحمارّ أو تصفارّ»(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «حتي يزهو» قلت: و ما الزهو؟ قال: «حتي يتلوّن»(8).

و عن الرضا عليه السّلام: «حتي يزهو» قال الراوي: قلت: و ما الزهو جعلت فداك ؟ قال: «يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك»(9).

ص: 358


1- العزيز شرح الوجيز 346:4.
2- في ص: 346.
3- في «ق، ك»: أجاز.
4- العزيز شرح الوجيز 346:4، روضة الطالبين 209:3.
5- المغني 224:4، الشرح الكبير 301:4-307.
6- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 194:5، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 350:4.
7- صحيح البخاري 101:3، المغني 224:4، الشرح الكبير 310:4.
8- الكافي 176:5، 8، التهذيب 84:7، 359، الإستبصار 86:3، 294.
9- الكافي 175:5، 3، الفقيه 133:3، 580، التهذيب 85:7، 363، الاستبصار 87:3، 298.

و حكي عن بعض الفقهاء أنّه قال: بدوّ الصلاح في الثمار بطلوع الثريّا(1) ، لأنّ ابن عمر روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيع الثمار حتي تذهب العاهة، فقال له عثمان بن عبد اللّه بن سراقة: متي ذلك ؟ قال: إذا طلع الثريّا(2).

و الجواب: هذه التتمّة من قول ابن عمر لا من قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فلا عبرة به، و إنّما قال ذلك بناء علي عادة أهل تلك البلاد أنّ طلوع الثريّا إنّما يكون عند بلوغ الثمرة، و إلاّ فهو مختلف في البلاد. و الغرض ببلوغ الثمرة زوال الغرر الحاصل من تطرّق العاهة، و ذلك يحصل ببلوغها لا بطلوع الثريّا.

الثاني: في ثمرة الأشجار.
مسألة 166: لا يجوز بيع ثمرة الشجرة

مسألة 166: لا يجوز بيع ثمرة الشجرة(3) قبل ظهورها عاما واحدا

إجماعا، لأنّها معدومة، فكانت كبيع الملاقيح و المضامين، إذ لا فرق بينهما، فإنّ كلّ واحد منهما نماء و ثمرة مستكنّ في أصله لم يبرز إلي الخارج.

و هل يجوز بيعها قبل ظهورها عامين ؟ الأقوي عندي: المنع، و قد تقدّم البحث فيه في ثمرة النخل، و الخلاف هنا كما هو ثمّ.

و كذا لو باع الثمرة قبل ظهورها منضمّة إلي شيء آخر.

مسألة 167: و يجوز بيع ثمرة الشجرة

مسألة 167: و يجوز بيع ثمرة الشجرة(4) بعد ظهورها و إن لم يبد صلاحها سنة،

و بعده بشرط القطع و مطلقا و بشرط التبقية، لما مرّ.

ص: 359


1- بداية المجتهد 151:2.
2- مسند أحمد 146:2، 5086، سنن البيهقي 300:5.
3- في «ق، ك»: الشجر.
4- في «ق، ك»: الشجر.

و الخلاف هنا كالخلاف هناك.

و كذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعدا.

و يجوز بيعها منضمّة إلي الأصول قبل بدوّ الصلاح و بعده و بشرط القطع و عدمه.

و كذا يجوز منضمّة إلي غيرها مطلقا قبل انعقادها و بعده، سواء كان بارزا كالتفّاح و المشمش و العنب، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره، كالجوز في القشر الأسفل، و اللوز، أو في قشر لا يحتاج إليه، كالقشر الأعلي للجوز و الباقلاء(1) الأخضر و الهرطمان [1] و العدس.

و كذا السنبل يجوز بيعه، سواء كان بارزا كالشعير، أو مستترا كالحنطة، و سواء بيع منفردا أو مع أصله، و سواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة 168: بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقاد، و في الزرع عند اشتداد الحبّ،

لأنّ عمّار بن موسي سأل الصادق عليه السّلام عن الكرم متي يحلّ بيعه ؟ فقال: «إذا عقد و صار عنقودا(2) - و العنقود اسم الحصرم بالنبطيّة -»(3).

و عن محمّد بن شريح عن الصادق عليه السّلام في ثمر الشجر «لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته» فقيل له: و ما صلاح ثمرته ؟ فقال: «إذا عقد بعد سقوط و رده»(4).

ص: 360


1- في الطبعة الحجريّة: و الباقلي.
2- في المصدر: عقودا.
3- التهذيب 84:7، 358.
4- التهذيب 91:7، 388، الاستبصار 89:3، 203.

و قال الشافعي: إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. و إن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه، و هو أن يبدو فيه الماء الحلو و يصفرّ لونه. و إن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو و يطيب أكله. و إن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. و إن كان مثل القثّاء و الخيار الذي لا يتغيّر لونه و لا طعمه فبأن يتناهي عظم بعضه و هو وقت أخذه(1).

و النقل علي ما ذكرناه، فهو أولي من الأخذ بالتخمين و الاستحسان.

الثالث: الخضر - كالقثّاء و الباذنجان و البطّيخ و الخيار - يجوز بيعه
اشارة

بعد انعقاده و ظهوره. و لا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لون أو طعم أو غيرهما، لأنّه مملوك طاهر منتفع به، فجاز بيعه، كغيره من المبيعات.

و يجوز بيعها منفردة و منضمّة إلي أصولها و غير أصولها بشرط القطع و التبقية و مطلقا.

و قال الشافعي: إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح، وجب شرط القطع، كما في ثمرة النخل. و إن باع الأصل خاصّة، صحّ البيع.

و كذا لو باعها منضمّة إلي الثمرة التي لم يبد صلاحها(2).

و إذا باع البطّيخ و غيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [جاز](3) مطلقا عندنا.

و قال الشافعي: يجب شرط القطع إن خيف خروج غيره، لأنّه إذا وجب

ص: 361


1- المهذّب - للشيرازي - 288:1، الحاوي الكبير 195:5-196، العزيز شرح الوجيز 350:4، روضة الطالبين 212:3، المغني 224:4، الشرح الكبير 4: 301-307.
2- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
3- إضافة يقتضيها السياق.

شرط القطع خوفا من الجائحة التي الغالب فيها العدم، فلأن يجب خوفا من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولي(1).

و الجواب: المنع من كون الاختلاط مانعا من البيع، لإمكان المخلص عنه.

و إن لم يخف اختلاطه بغيره، صحّ بيعه بشرط القطع و بغير شرطه(2).

مسألة 169: لو أفردت أصول البطّيخ و غيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها، صحّ البيع،

و كانت الثمرة للبائع، عملا باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

و لا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع، و ما يحدث بعده للمشتري، و به قال الشافعي(3).

و إن خيف اختلاط الحملين، لم يجب شرط(4) القطع عندنا، للأصل.

و قال الشافعي: يجب(5).

و لو باع الأصول قبل خروج الحمل، فلا يجب اشتراط القطع، للأصل.

و قال الشافعي: لا بدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(6).

و لو باع البطّيخ مع أصوله، لم يجب شرط القطع عندنا، كالثمرة مع الشجرة.

و قال بعض أصحاب الشافعي: لا بدّ من شرط القطع، بخلاف الثمرة مع

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
3- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «اشتراط» بدل «شرط».
5- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
6- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.

الشجرة، لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة، بخلاف البطّيخ مع أصله، فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ و أصله و الأرض أيضا، استغني عن شرط القطع، و كان الأرض هنا كالأشجار ثمّ(1).

مسألة 170: لو باع الثمرة الظاهرة و ما يظهر بعد ذلك، صحّ البيع عندنا

- و به قال مالك(2) - لأصالة الصحّة. و لأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية، فكما يصحّ(3) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. و لأنّ ذلك يشقّ تمييزه، فجعل ما لم يظهر تبعا لما يظهر، كما أنّ ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين: «لا بأس به»(4) و الخضراوات من جملة الثمار.

و قال الشافعي: لا يصحّ البيع - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق، فلا يجوز بيعها، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شيء منها(5).

و الجواب: الفرق، فإنّ مع الظهور يبقي المعدوم تابعا، فجاز بيعه،

ص: 363


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- الموطّأ 619:2 ذيل الحديث 13، الاستذكار 108:19، 28387، و 109، 28389، بداية المجتهد 157:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 333، الحاوي الكبير 196:5، حلية العلماء 216:4-218، بدائع الصنائع 139:5، المغني 225:4، الشرح الكبير 219:4.
3- في «ق، ك»: صحّ.
4- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الإستبصار 87:3، 299.
5- حلية العلماء 216:4-217، الحاوي الكبير 196:5 و 197، الاستذكار 19: 109، 28390، بدائع الصنائع 139:5، المغني 224:4-225، الشرح الكبير 4: 219.

بخلاف عدم الظهور، فإنّ العدم يبقي أصلا.

مسألة 171: و يجوز بيع ما يجزّ جزّة و جزّات،
اشارة

و كذا ما يخرط خرطة و خرطات، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاولي و الخرطة الأولي، سواء بدا صلاحها أو لا، كالكرّاث و الهندباء و النعناع و التوت و الحنّاء، عملا بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

و لما رواه ثعلبة بن زيد(1) ، قال: سألت الباقر عليه السّلام: عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات، فقال: «لا بأس به» قال: فأكثرت السؤال عن أشباه هذا، فجعل يقول: «لا بأس»(2).

و عن سماعة قال: سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات ؟ فقال: «إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطة»(3).

و عن معاوية بن ميسرة قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن بيع النخل سنتين، قال: «لا بأس به» قلت: فالرطبة نبيعها هذه الجزّة و كذا و كذا جزّة بعدها؟ قال: «لا بأس به» ثمّ قال: «كان أبي يبيع الحنّاء كذا و كذا خرطة»(4).

تذنيب: من جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين

يحتمل تجويز بيع الورق من التوت و الحنّاء و شبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولي - تفريعا علي الجواز في

ص: 364


1- في الكافي: عن ثعلبة عن بريد. و في التهذيب: ثعلبة بن زيد عن بريد.
2- الكافي 174:5 (باب بيع الثمار و شرائها) الحديث 1، التهذيب 86:7، 366.
3- الكافي 176:5، 7، التهذيب 86:7، 367.
4- الكافي 177:5، 11، التهذيب 86:7، 368.

الثمرة - المنع فيه، لأنّه لا أصل له ظاهرا يرجع إلي معرفة المجزوز تقريبا، و لا فرع ظاهر له، بخلاف ورق التوت و الحنّاء.

و لو بيع ما يخرط أو يجزّ مع أصله، صحّ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 172: يجوز بيع الزرع قصيلا 1 بشرط القطع و بشرط التبقية و مطلقا،

عملا بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق و اقتضت العادة فيه القصل، وجب علي المشتري قصله، فإن لم يفعل، فللبائع قطعه و تركه بالأجرة.

و إن شرط التبقية، جاز، و وجب علي البائع إبقاؤه إلي كمال حدّه، للأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلاّ بشرط القطع(1).

و لو باعه الزرع مع الأرض، جاز إجماعا.

و كذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها و بعده مطلقا و بشرط القطع و التبقية منضمّة إلي الأرض و منفردة، عملا بالأصل و العمومات.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلاّ بشرط القطع أو القلع، سواء كان ممّا يجزّ مرارا أو مرّة واحدة(2).

ص: 365


1- المهذّب - للشيرازي - 288:1، العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.

و لو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة 173:
الثمرة إمّا بارزة،

كالتفّاح و الكمّثري و الخوخ و المشمش و أشباهه، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره و علي الأرض إجماعا، لظهوره و مشاهدته.

و إمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام،
اشارة

و هو قسمان:

الأوّل: ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته و يبقي معه،

كالرمّان و الجوز و اللوز في القشر الثاني، فهذا يجوز بيعه إجماعا، لأنّه إذا اخرج من قشره، سارع إليه الفساد، فلم يقف بيعه علي ذلك. و لا فرق بين أن يباع علي شجرة أو مقطوعا علي الأرض.

الثاني: ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته،

كالجوز و اللوز في قشريه، فإنّه يجوز بيعه عندنا، سواء قشر من قشره الأعلي أو لا، و سواء كان مقطوعا علي الأرض أو باقيا علي الشجرة - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(1) - لأنّه حائل من أصل الخلقة، فلا يمنع من جواز البيع، كقشر الرمّان و البيض.

و كذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه و إن لم ينزع عنه القشر الأعلي، سواء كان رطبا أو يابسا، و سواء بيع منفردا أو منضمّا و مقطوعا و غير مقطوع، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(2) - لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع ذلك كلّه إلاّ بعد أن يقشر الجوز و اللوز

ص: 366


1- المغني 225:4، العزيز شرح الوجيز 354:4، المعونة 1011:2، التلقين 2: 374.
2- المغني 225:4، حلية العلماء 99:4-100، الهداية - للمرغيناني - 26:3، العزيز شرح الوجيز 354:4.

و شبههما من القشر الأعلي، لا علي رأس الشجرة و لا علي وجه الأرض، و لا بيع الباقلاء الأخضر حتي ينزع عنه القشر الأعلي(1).

و جوّز أبو العباس بن القاص و أبو سعيد الإصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلي، و هو قول الشافعي أيضا، لأنّه يؤكل رطبا، و بقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. و كذا قالا في الجوز و اللوز إذا كانا رطبين، فأمّا إذا يبسا، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلي(2).

و احتجّ الشافعي: بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه و فيما لا مصلحة له فيه، فلم يجز بيعه، كالمعادن و الحيوان المذبوح قبل سلخه(3).

و الجواب: المنع من اللازم، فإنّه يجوز عندنا بيع المعادن بشرط المشاهدة، و بيع الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة 174: السنبل يجوز بيعه،

سواء كان حبّه ظاهرا، كالشعير و السلت، أو مستورا، كالحنطة و العدس و السمسم، قبل بدوّ الصلاح و بعده بشرط القطع و التبقية و مطلقا - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - للأصل و العمومات.

ص: 367


1- التهذيب - للبغوي - 386:3، العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 9: 308، روضة الطالبين 215:3، منهاج الطالبين: 107، المعونة 1011:2، المغني 225:4.
2- العزيز شرح الوجيز 353:4، حلية العلماء 99:4-100، التهذيب - للبغوي - 386:3، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 306:9، منهاج الطالبين: 107.
3- العزيز شرح الوجيز 353:4، المغني 225:4.
4- الهداية - للمرغيناني - 26:3، بداية المجتهد 152:2، التلقين 374:2، المعونة 1011:2.

و قال الشافعي: إن كان الحبّ ظاهرا، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد و قبله، لظهور المقصود. و إن كان مستورا كالحنطة، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة، و مع السنبلة قولان:

القديم: الجواز، لنهيه عليه السّلام عن بيع الحبّ حتي يشتدّ(1) ، و قد اشتدّ، فيزول النهي، و إلاّ انتفت فائدة الغاية.

و الجديد: المنع، لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(2).

أمّا الأرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله، لأنّه يدّخر في قشره(3).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه كالحنطة(4).

مسألة 175: إذا كان المقصود مستورا في الأرض، لم يجز بيعه
اشارة

إلاّ بعد قلعه، كالجزر و الثوم و البصل - و به قال الشافعي(5) - للجهالة، لانتفاء المشاهدة و الوصف.

و يجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع و الإبقاء، خلافا للشافعي في الإبقاء(6).

ص: 368


1- سنن أبي داود 253:3، 3371، سنن البيهقي 303:5، المستدرك - للحاكم - 19:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 307:9-308، التهذيب - للبغوي - 387:3، الحاوي الكبير 199:5، العزيز شرح الوجيز 353:4، روضة الطالبين 216:3.
3- العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
4- العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
5- التهذيب - للبغوي - 387:3-388، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
6- التهذيب - للبغوي - 387:3 و 388، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.

و الشلجم نوعان: منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. و منه ما يكون ظاهرا، فيجوز(1) بيعه بشرط القطع و التبقية.

و يجوز أيضا بيع اللوز في قشره الأعلي قبل انعقاد الأسفل، لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح، عند الشافعي(2).

و عندنا يجوز مطلقا، سواء يبس قشره أو لا، و سواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع:
أ - اختلف الشافعيّة في المنع من

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(3) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه

هل هو مقطوع به أو مفرّع علي قول منع بيع الغائب ؟ قال الجويني: أنّه مفرّع عليه، فلو جوّز بيع الغائب، صحّ البيع فيها جميعا(4).

و قيل: إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض و ما في معناه ليس مبنيّا علي بيع الغائب، لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته و هنا لا يمكن(5).

ب - علي قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز

- مثلا - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض، فطريقان:

أحدهما: أنّ البيع باطل في الجوز و الحبّ، و في الشجر و الأرض قولا تفريق الصفقة.

ص: 369


1- في الطبعة الحجريّة: يجوز.
2- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
3- في «ق، ك»: «في» بدل «من».
4- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
5- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.

و أصحّهما عندهم: القطع بالمنع في الكلّ، للجهل بأحد المقصودين و تعذّر التوزيع(1).

و الأقوي عندنا: الجواز، و الجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضا فيها بذر لم يظهر مع البذر، صحّ عندنا إن كان البذر تابعا.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: بطلان البيع في البذر خاصّة. و في الأرض طريقان سبقا. و من قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلي التوزيع، بل يوجب جميع الثمن بناء علي أحد القولين فيما لو باع ماله و مال غيره و صحّحنا البيع في ماله و خيّرناه، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(2).

و أمّا علي مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا، بطل البيع في الجميع، للجهالة.

و لو باع البذر وحده، بطل عندنا و عند كلّ من يوجب العلم في المبيع، سواء عرف قدر البذر و شاهده قبل رميه أو لا، لخفاء حاله عند العقد، و إمكان تجدّد الفساد بعد العقد، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة، فإنّ فساده معلوم الوقت.

و لو باع الأرض وحدها، صحّ البيع، و وجب عليه الصبر إلي وقت أخذ الزرع. و له الخيار في الفسخ و الإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة 176: كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها علي رءوس الأشجار
اشارة

و مقطوعة قبل بدوّ الصلاح و بعده مع شرط القطع و التبقية و الإطلاق

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 216:3.
2- حلية العلماء 208:4، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 216:3.

بشرطين: الإشاعة و العلم بالجزئيّة - كالنصف و الثلث مثلا - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها، عند علمائنا أجمع.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح، لأنّ البيع يفتقر إلي شرط القطع، و لا يمكن قطع النصف إلاّ بقطع الجميع، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(1).

و الجواب: المنع من اشتراط القطع، و قد تقدّم.

سلّمنا، لكن لا يلزم ثبوته، لإمكان قسمة الثمار علي رءوس الأشجار.

سلّمنا، لكن هذا الضرر أدخله البائع علي نفسه، كما لو باع ثمرة تفتقر إلي سقي يضرّ بالأصل.

فروع:
أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل، صحّ إجماعا،

و كانت الثمرة تابعة عند المانعين(2) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان و الشجرة لآخر،

فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة، صحّ عندنا مطلقا علي ما تقدّم.

و للشافعي وجهان بناء علي الخلاف في اشتراط القطع هنا(3).

ج - لو كانت الأشجار و الثمار مشتركة بين رجلين،

فاشتري أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة، جاز عندنا.

و منع الشافعي من الجواز(4).

و لو اشتري نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة، جاز عندنا.

ص: 371


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
3- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
4- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.

و منع الشافعي من جوازه مطلقا، و جوّزه بشرط القطع، لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة، و جملة الأشجار للآخر، و علي مشتري الثمرة قطع الكلّ، لأنّه بهذه المقابلة(1) الزم قطع النصف المشتري بالشرط، و الزم تفريغ الأشجار لصاحبها، و بيع الشجرة علي أن يفرغها المشتري جائز(2).

و كذا لو كانت الأشجار لأحدهما و الثمرة بينهما، فاشتري صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة، جاز مطلقا عندنا، و بشرط القطع عند الشافعي(3).

مسألة 177: يجوز للبائع أن يستثني جزءا مشاعا - كالثلث و شبهه
اشارة

- إجماعا، لأنّه لا يؤدّي إلي جهالة المستثني منه.

و كذا يجوز أن يستثني نخلات بعينها إجماعا، و أن يستثني عذقا معيّنا مشخّصا من أعذاق النخلة الواحدة، و لا يجوز أن يستثني نخلة غير معيّنة و لا عذقا غير مشخّص إجماعا، و لا الأجود و لا الأردأ، لأنّ الاستثناء غير معلوم، فصار المبيع مجهولا.

و هل يجوز استثناء أرطال معلومة و إمداد معلومة ؟ ذهب علماؤنا إلي جوازه - و به قال مالك(4) - لأنّه استثني معلوما، فأشبه ما لو استثني جزءا مشاعا.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سأله ربعي: إنّ لي نخلا بالبصرة فأبيعه و اسمّي الثمن و أستثني الكرّ من التمر أو أكثر، قال: «لا بأس»(5).

ص: 372


1- في المصدر: «المعاملة» بدل «المقابلة».
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
3- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
4- بداية المجتهد 164:2، المنتقي - للباجي - 236:4-237، حلية العلماء 4: 222، الهداية - للمرغيناني - 26:3، المغني 231:4، الشرح الكبير 34:4.
5- الكافي 175:5، 4، التهذيب 85:7، 365، الاستبصار 87:3-88، 300.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد بن حنبل: لا يجوز، لأنّ النبيّ عليه السّلام نهي عن بيع السنين و عن الثنيا(1). و لأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر، فالاستثناء منه يغيّر حكم المشاهدة، لأنّه [1] لا يدري كم يبقي في حكم المشاهدة منه فلم يجز(2).

و الجواب: المراد بالنهي: الثنيا المجهولة، لجواز استثناء الجزء المشاع و النخلة المعلومة إجماعا. و العلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء و عدمه، و جهالة القدر حاصلة فيهما معا، فلا وجه للتخصيص.

فروع:
أ - إذا استثني جزءا مشاعا أو أرطالا معيّنة فتلف من الثمرة شيء،

سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع: فظاهر.

و أمّا في الأرطال المعلومة: فيؤخذ منه بالحزر و التخمين، فيقال: هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثني مائة رطل - مثلا - من الثمرة و ممّا(3) يتخلّف منها، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثني نخلات بعينها أو عذقا معيّنا من نخلة

فذهب بعض

ص: 373


1- سنن البيهقي 304:5، مسند أحمد 338:4، 14504.
2- الهداية - للمرغيناني - 26:3، الاختيار لتعليل المختار 10:2، الام 84:3، حلية العلماء 222:4، المغني 231:4، الشرح الكبير 34:4.
3- في «ق»: و ما.

الثمرة، فإن كان من الثنيا، سقط التالف. و إن كان التالف غير المستثني، كان المستثني للبائع.

ج - لو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا إلاّ مكّوكا، صحّ البيع،

لأنّ القفيز معلوم القدر، و المكّوك أيضا معلوم، فكان الباقي معلوما. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة 178: لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح علي شرط القطع
اشارة

و مطلقا عندنا، أو باع لقطة واحدة من القثّاء و البطّيخ و شبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة أخري أو في أصول الخضر، كان المتجدّد للبائع تبعا للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت، فلا بحث. و إن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض، كان المشتري شريكا للبائع، فإن علم القدر دون العين، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر و لا العين، اصطلحا، كما لو وقع طعام شخص علي طعام غيره و لم يعلما قدرهما.

و إن كان قبل القبض، تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء، للتعيّب في يد البائع، فإن فسخ، أخذ الثمن الذي دفعه. و إن أمضي البيع، كان شريكا: إن علما مقدار ما لكلّ منهما، أخذ القدر الذي له. و إن جهلاه، اصطلحا. و حكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

و أمّا عند الشافعي: إذا امتزجت الأولي بالثانية و لم تتميّزا، فقولان:

أحدهما: فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملة، فانفسخ البيع، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

ص: 374

و الثاني: أنّه لا ينفسخ البيع، فإن سلّم البائع الجميع إلي المشتري، أجبر المشتري علي قبوله، و مضي البيع. و إن امتنع، فسخ البيع - و به قال المزني - لأنّ المبيع زاد، و ذلك لا يوجب بطلان العقد، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(1).

و الفرق ظاهر، لأنّ الزيادة في الطول و البلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلي زيادة صفة، فوجب عليه قبولها، بخلاف الامتزاج، فإنّه يتضمّن زيادة العين، فلا يجب قبولها، كما لو باع ثوبا فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع، لم يجب علي المشتري قبولهما، و لا يجبر البائع علي تسليمهما، بخلاف طول الغصن و بلوغ الثمرة، فإنّه يجب علي البائع تسليم الأصل و الزيادة.

فروع:
أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل و عدم امتيازه،

فإن شرط القطع، صحّ البيع قطعا، سواء أهمل حتي امتزج أو لا. و ان لم يشترطه، فإن قلنا ببطلان البيع علي تقدير الامتزاج، احتمل البطلان هنا حذرا من الاختلاط. و الصحّة، لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها، و المزج مترقّب الحصول، فلا يؤثّر في البيع السابق.

و للشافعي وجهان، أحدهما: الأوّل. و الثاني: أنّ البيع يقع موقوفا، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلي المشتري تبيّنّا صحّة البيع. و إن لم يدفع،

ص: 375


1- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 173:5، المهذّب - للشيرازي - 288:1 - 289، حلية العلماء 219:4-220، العزيز شرح الوجيز 351:4، و 362، روضة الطالبين 221:3.

يظهر عدم انعقاده من أصله(1).

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط،

فقد قلنا: إن كان قبل القبض، كان للمشتري الفسخ، و لا يبطل البيع. و إن كان بعده، لم ينفسخ.

و للشافعيّة قولان قبل القبض:

أحدهما: الفسخ، لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(2). و هو ممنوع.

و الثاني: عدم الفسخ، لبقاء عين المبيع، و إمكان إمضاء البيع، فيثبت للمشتري الخيار(3).

و قال بعضهم: لا خيار له، و إنّه لا فرق بين المزج قبل القبض و بعده(4).

ثمّ إن قال البائع: أسمح بترك المتجدّدة، ففي سقوط خيار المشتري وجهان:

أصحّهما عندهم: السقوط، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

و الثاني: عدمه، لما في قبوله من المنّة(5). و هو الوجه عندي.

و لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتي امتزجا، جري القولان في الفسخ. و كذا لو باع حنطة فانثال عليها مثلها قبل القبض، أو المائعات(6).

و لو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها، قال بعضهم:

ينفسخ البيع قطعا، لأنّه يورث الاشتباه، و أنّه مانع من صحّة البيع لو فرض

ص: 376


1- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
2- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
3- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
4- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
5- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
6- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.

في الابتداء، و في الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة، و هي غير مانعة(1).

و فيه وجه: أنّه لا ينفسخ، لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(2).

و لو باع جزّة من القتّ و الكرّاث و شبههما من المجزوزات بشرط القطع و لم يقطعها حتي طالت و تعذّر التميّز، جري القولان(3).

و منهم من قطع بعدم الفسخ هنا، تشبيها لطولها بكبر الثمرة و سمن الحيوان(4).

و فرّق الأوّلون: بأنّ الزيادة في الطلع و سمن الحيوان من نماء الطلع و الحيوان، الذي هو ملك المشتري، فلهذا كانت له، بخلاف طول القتّ و الكرّاث، لأنّها حدثت من الأصول التي هي ملك البائع، فكانت له، فيجيء القولان، لحصول المزج و عدم التميّز(5).

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض، لم يبطل البيع عندنا،

و قد سبق(6).

و للشافعيّة طريقان:

القطع بعدم الفسخ - و هو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت بأخري.

و الثاني: أنّه علي القولين في الممتزج قبل القبض، بخلاف مسألة الحنطة، لأنّ هناك قد تمّ التسليم و انقطعت العلائق بينهما، و في الثمار لا تنقطع، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي و غيره(7).

ص: 377


1- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3-222.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 363:4، و روضة الطالبين 222:3.
6- في ص 374.
7- التهذيب - للبغوي - 373:3، العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 3: 222.
د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا و اتّفقا علي شيء، فلا بحث.

و إن تحاكما، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. و هذا ظاهر في الحنطة و شبهها.

أمّا في الثمار فمن هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناء علي الجائحة من ضمان البائع أو المشتري ؟(1).

و لهم وجه ثالث: أنّها في يدهما جميعا(2).

و الوجه أن نقول: إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل، فهي في يد المشتري. و إن كانت الأصول في يد البائع و الثمرة في يد المشتري، فهما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة 179: لو باع شجرة عليها ثمرة، فالثمرة للبائع

إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر علي ما يأتي، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تثمر في السنة مرّتين و يغلب عليها التلاحق، صحّ البيع عندنا علي ما تقدّم، و لا يخفي الحكم السابق عندنا.

و قال الشافعي: لا يصحّ البيع إلاّ بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(3). و يجيء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(4).

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط و لم يتّفق القطع حتي حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك، فعندنا يبقي شريكا

ص: 378


1- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.

و يصطلحان.

و نقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(1).

و لأصحاب الشافعي طريقان: فعن بعضهم: القطع بعدم الانفساخ، و تخطئة المزني في نقله، لأنّ الاختلاط و تعذّر التسليم لم يوجد في المبيع، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(2).

و أثبت الأكثرون القولين و قالوا: الاختلاط و إن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد، و هو الثمرة الحادثة، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للأصول، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة، أجبر المشتري علي القبول. و ان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة، اجبر البائع علي القبول، و أقرّ العقد(3).

و يحتمل أن يجيء في الإجبار علي القبول للشافعيّة خلاف.

و إن استمرّا علي النزاع، قال المثبتون للقولين: يفسخ العقد بينهما، كما لو كان المبيع الثمرة.

و قال القاطعون: لا فسخ، بل إن كانت الثمرة و الشجرة في يد البائع، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. و إن كانتا في يد المشتري، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع، و هو الذي يقتضيه القياس، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا: و لو قلنا بالفسخ، استردّ المشتري الثمن و ردّ الشجرة مع جميع الثمار(4).3.

ص: 379


1- العزيز شرح الوجيز 363:4، و انظر: روضة الطالبين 222:3.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4-364، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 364:4، روضة الطالبين 222:3-223.
مسألة 180: إذا ضمّ ما يملكه من الثمرة إلي غيره مملوكة لغيره و باعهما في عقد واحد،

فإن كان المشتري عالما، لزم البيع في نصيب البائع بحصّته من الثمن، و كان نصيب غيره موقوفا إن أجاز، لزم البيع، و إن لم يجز، بطل في نصيبه خاصّة، و لا خيار للمشتري هنا. و إن كان جاهلا، تخيّر مطلقا، سواء أجاز المالك أو لا، لتفاوت الأغراض في الغرماء.

و يحتمل عدم الخيار فيما لو أجاز المالك، و ثبوته لو لم يجز، لتبعّض الصفقة عليه.

و لو باع الثمرة بأجمعها و فيها الزكاة، فإن كان المشتري عالما و شرط البائع عليه نصيب الفقراء، صحّ البيع. و كذا لو لم يشترط و ضمن البائع حصّة الفقراء. و لو لم يضمن البائع و لا شرط الزكاة، بطل البيع في نصيب الفقراء، و لزمه في نصيب المالك.

و إن كان جاهلا، تخيّر بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن أو يردّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن و بين الردّ.

و الثاني: أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بجميع الثمن أو يردّ(1).

مسألة 181: إذا باع الثمرة و احتاجت إلي السقي ليزيد نماؤها،
اشارة

وجب علي البائع تمكينه من ذلك، لنهيه عليه السّلام عن الضرر(2). فإن كان سقيها يضرّ

ص: 380


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 44:3 و 45، و 146:4، و الحاوي الكبير 205:5.
2- الكافي 280:5، 4، و 292-293، 2، و 294، 8، الفقيه 45:3، 154، و 147، 648، التهذيب 146:7-147، 651، و 164، 727، سنن ابن ماجة 784:2، 2340 و 2341، سنن الدار قطني 77:3، 288، سنن البيهقي 69:6 و 70، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، المعجم الكبير - للطبراني - 86:2، 1387، مسند أحمد 515:1، 2862، و 446:6-447، 22272.

النخل، قدّم مصلحة المشتري.

و لا يجب علي البائع صاحب الأصول في كلّ حال سقي ثمرة المشتري، لأصالة براءة ذمّته، بل التمكين منه.

و قال الشافعي: يجب علي البائع سقي الثمرة قبل التخلية و بعدها قدرا تنمو به الثمار و تسلم عن التلف و الفساد، لأنّ التسليم واجب عليه، و السقي من تتمّة التسليم، كالكيل في المكيلات و الوزن في الموزونات، فيكون علي البائع(1).

و نحن نمنع كون السقي من تتمّة التسليم، لأنّ التسليم هو التخلية و قد حصل، فلا يجب عليه إنماء المبيع كغذاء الحيوان.

فروع:
أ - قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجبا علي البائع بل التمكين

أ - قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجبا علي البائع بل التمكين(2) ،

فإن منعه منه حتي تلفت أو عابت، ضمن الأرش، لأنّه سبّب في الإتلاف، و الأرش في العيب هو قدر قيمة التفاوت بين كونها حالة الأخذ و كونها بالغة حدّ الكمال إلي وقت أخذها بمجري العادة. مثلا: إذا باعها و هي بسر و احتاجت إلي سقي حتي تصير رطبا فمنعه البائع منه فلم تبلغ كماليّة الترطيب، كان

ص: 381


1- الحاوي الكبير 170:5، التهذيب - للبغوي - 386:3، المهذّب - للشيرازي - 288:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 219:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: التمكّن. و الصحيح ما أثبتناه.

عليه أرش التفاوت بين كونها رطبا كاملا و ناقصا. و في التلف يجب عليه قيمة البسر.

ب - لو احتاج المشتري في السقي إلي آلة، لم يجب علي البائع إقامتها.

و لو كان للبائع آلة، كدولاب و دالية، لم يجب عليه تمكين المشتري من السقي بها. و يجيء علي قول الشافعي الوجوب.

ج - قال الشافعي: السقي يجب علي البائع،

فلو شرط علي المشتري، بطل العقد، لأنّه خلاف مقتضاه(1). و هو ممنوع.

مسألة 182: لو باع الأصول و الثمرة للبائع ثمّ أراد سقيها بالماء و كان ذلك لا يضرّ النخل،
اشارة

وجب علي المشتري تمكينه منه، لأنّه ممّا ينفع ثمرته و يبقيها، و كان عليه تمكينه منه كتركها علي الأصول، و به قال الشافعي(2).

ثمّ اعترض أصحابه علي أنفسهم بأنّ البائع لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها و عطشت، وجب علي البائع سقيها عندهم، لأنّه صاحب الأصول، فألاّ قلتم هنا: يجب السقي علي المشتري، لأنّه صاحب الأصول ؟ و الجواب: أنّهم لم يقولوا: إنّه يجب عليه السقي، لأنّه صاحب الأصول، بل وجب عليه السقي، لأنّه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة، و ذلك إنّما يكون بالسقي، و هنا لم يلزمه تسليم الثمرة و لم يملكها من جهته(3).

و إن كان السقي ينفعهما معا، لم يكن لأحدهما منع الآخر منه. و إن كان يضرّهما معا، لم يكن لأحدهما السقي إلاّ برضا الآخر.

ص: 382


1- التهذيب - للبغوي - 385:3-386، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 219:3.
2- التهذيب - للبغوي - 371:3، العزيز شرح الوجيز 344:4، روضة الطالبين 3: 208.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و أمّا إن كان السقي يضرّ بالأصول، فإن استغنت الثمرة عنه، منع صاحب الثمرة منه.

و إن استضرّت الثمرة بتركه، أو كان المشتري يريد سقي الأصول، لحاجتها إليه و كان ذلك يضرّ بالثمرة، قال بعض الشافعيّة: إن رضي أحدهما بإدخال الضرر عليه، أقرّ العقد بينهما. و إن لم يرض واحد منهما، فسخ العقد، لتعذّر إمضائه إلاّ بضرر أحدهما(1).

و قال بعضهم: أيّهما احتاج إلي السقي، أجبر الآخر عليه و إن أضرّ به، لأنّه دخل معه في العقد علي ذلك، لأنّ مشتري الأصول اقتضي عقده تبقية الثمرة، و السقي من تبقيتها، و البائع اقتضي العقد في حقّه تمكين المشتري من حفظها و تسلّمها، و يلزم كلّ واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر و إن أضرّ به(2).

إذا تقرّر هذا، فإنّما له أن يسقي القدر الذي له فيه صلاحه، فإن اختلفا في ذلك، رجع إلي أهل الخبرة، فما احتاج إليه أجبر عليه، و أيّهما طلب السقي، فالمئونة عليه، لأنّه لحاجته.

تذنيب: لو كانت الثمرة مؤبّرة، فهي للبائع.

فإن عطشت و تعذّر سقيها فطالبه المشتري بقطعها، لتضرّر الأصول ببقائها عليها، فإن كان الضرر يسيرا، لم يلزمه القطع. و ان كان كثيرا يخاف من جفاف النخل أو نقصان حملها، أجبر المشتري علي تركه - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه

ص: 383


1- التهذيب - للبغوي - 371:3، المهذّب - للشيرازي - 287:1-288، العزيز شرح الوجيز 345:4.
2- التهذيب - للبغوي - 371:3، المهذّب - للشيرازي - 287:1-288، العزيز شرح الوجيز 345:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 210:4، التهذيب - للبغوي - 3: 371، الحاوي الكبير 172:5، العزيز شرح الوجيز 344:4.

دخل في العقد علي ذلك.

و الثاني له: يجبر البائع علي قطعها، لأنّ الضرر يلحقها و إن بقيت، و الأصول تسلم بقطعها. و لأنّ ضرر الأصول أكثر لتعذّر أمثال الثمرة في المستقبل بذلك(1). و هذا القول لا بأس به عندي.

مسألة 183: إذا
اشارة

مسألة 183: إذا(2) باع الأصل خاصّة و عليه ثمرة ظاهرة، فالثمرة للبائع،

و الأصل للمشتري في غير النخل، و فيه مع التأبير أو اشتراطه، و للمشتري مع عدمه، و لا يجب علي البائع قلع الثمرة مع الإطلاق، بل يجب علي المشتري تبقيتها إلي أوان الجذاذ - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(3) - لأنّ النقل و التفريغ إنّما يجب بحسب العادة و العرف، فإنّ بائع الدار يجب عليه نقل الأقمشة و الأطعمة علي حسب العرف نهارا لا ليلا شيئا بعد شيء، كذا هنا تفريغ النخل من الثمرة إنّما يكون في أوان تفريغها في العادة، و هو وقت الجذاذ.

و قال أبو حنيفة: يلزمه قطعها في الحال و تفريغ النخل، لأنّ المبيع مشغول بملك البائع، فلزمه(4) نقله و تفريغه، كما لو باع دارا فيها قماش(5).

ص: 384


1- المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 210:4، التهذيب - للبغوي - 3: 371، الحاوي الكبير 172:5، العزيز شرح الوجيز 344:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4، المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 209:4، التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.
4- في الطبعة الحجريّة: فيلزمه.
5- المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4-207، الهداية - للمرغيناني - 3: 25، حلية العلماء 209:4، التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.

و الجواب ما تقدّم.

فروع:
أ - لو شرط قطع الثمرة في الحال، وجب علي البائع قطعها في الحال،

عملا ب «الشروط» و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

ب - لو شرط الإبقاء، صحّ عندنا، لأنّه مقتضي البيع علي الإطلاق،

و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: يفسد البيع(3). و ليس بجيّد.

ج - المرجع في وقت القطع إلي العادة،

فما كانت العادة فيه أن يقطع قبل نضجه كالمكتوم يؤخذ بسرا، كلّف البائع القطع بمجري العادة، و لا يكلّفه قطع الجميع إذا لم يتّفق بيعه دفعة. و إذا جاء وقت الجذاذ، لم يمكّن من أخذها علي التدريج، و لا أن يؤخّر إلي نهاية النضج، بل يؤخذ بالعادة في ذلك كلّه. هذا مع الإطلاق، و أمّا مع الشرط فبحسبه.

د - لو تعذّر السقي، لانقطاع الماء، أو تعذّر الآلة و عظم ضرر النخل و لم يكن في الإبقاء منفعة لصاحب الثمرة، فالأقوي عندي: إلزام صاحب الثمرة بقطعها علي ما تقدّم.

و للشافعي قولان تقدّما(4).

ه - لو أصاب الثمار آفة و لم يكن في إبقائها فائدة،

فإن لم يتضرّر

ص: 385


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 346:4، المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4.
3- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.
4- في ص 383، تذنيب المسألة 182.

صاحب النخل، كان لصاحب الثمرة الإبقاء، عملا بالإطلاق، و انتفاء الضرر. و إن كان يتضرّر، فالأقوي: إلزامه بالقطع، دفعا للضرر مع انتفاء الفائدة.

و للشافعي قولان(1).

و - لو احتاج صاحب الثمرة إلي السقي، وجب علي صاحب الأصل تمكينه منه مع انتفاء ضرره علي ما تقدّم،

و من الدخول إلي البستان لذلك، فإن لم يأمنه، نصب الحاكم أمينا للسقي، و مئونته علي البائع.

و يحتمل تمكين البائع من السقي، و علي المشتري مراقبته. و هو الوجه عندي.

ز - لو لم يسق البائع و تضرّر المشتري ببقاء الثمار، لامتصاصها رطوبة الأشجار،

أجبر البائع علي السقي أو القطع، فإن تعذّر السقي، لانقطاع الماء، فالاحتمالان السابقان.

ح - لو قضت العادة بأخذ بعض الثمرة بسرا و الباقي رطبا، وجب اتّباعها.

و لو قضت بأخذها كلّها بسرا، فعليه نقلها. و لو أراد إبقاءها ليأخذها شيئا فشيئا ليكون أنفع له، لم يكن له ذلك، بل يأخذها و ينقلها عند إمكان نقلها. و إذا استحكمت حلاوته، فعليه نقله. و لو قضت العادة بأخذها تمرا أو قسبا [1]، اتّبعت العادة.

ط - لو كان النخل ممّا يعتاد التخفيف منه بقطع بعض ثمرته و باع الأصل

و استثني الثمرة أو باع الثمرة خاصّة، لم يجب التخفيف هنا، عملا بأصالة سلامة الملك علي مالكه، فليس لغيره التصرّف فيه بشيء.

ص: 386


1- الوسيط 180:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.

و لو باع الثمرة و اشترط تخفيفها، احتمل بطلان البيع، لجهالة الباقي من المبيع.

و الوجه: الصحّة، لأنّ المبيع غير مجهول، أقصي ما في الباب أنّه شرط قطع البعض، فيبني في ذلك علي العادة.

أمّا لو باع الثمرة، فالوجه: أنّه لا يجب علي المشتري تخفيفها، سواء تضرّر النخل أو الثمرة أو لا.

ي - لو باع الأصل دون الثمرة و كانت عادة أولئك القوم قطع الثمار قبل إدراكها،

كما لو كان الكرم في البلاد الشديدة البرد لا تنتهي ثمارها إلي الحلاوة و اعتاد أهلها قطع الحصرم، ففي إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ نظر:

من حيث إنّ إطلاق العقد يحمل علي المعتاد، فيكون المعهود كالمشروط، و من حيث إنّ تواطؤ قوم معيّنين ليس حجّة، بخلاف العادة العامّة الثابتة في زمان النبيّ عليه السّلام.

يأ - لو تبايعا بشرط القطع، وجب الوفاء به، فإن تراضيا علي الترك،

جاز، فكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

و قال أحمد: يبطل البيع، و تعود الثمرة إلي البائع(1). و لا وجه له.

مسألة 184: و لا فرق بين الثمرة و غيرها من المبيعات،
اشارة

فلو اشتري ثمرة بعد بدوّ صلاحها أو قبله بشرط القطع أو مطلقا علي ما اخترناه، و بالجملة، علي وجه يصحّ البيع فتلفت، فإن كان التلف قبل القبض، فهو من ضمان البائع، و انفسخ العقد. و لو تلف البعض، انفسخ فيه خاصّة، و تخيّر المشتري في أخذ الباقي بحصّته، و في الفسخ فيه أيضا.

ص: 387


1- العزيز شرح الوجيز 347:4.

و إن كان ذلك بعد القبض - و هو التخلية بين المشتري و بينها - فهي من ضمان المشتري - و لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي، كالريح و الثلج و البرد، أو بغير سماوي، كالسرقة و الحريق، و لا بين أن يكون التالف أقلّ من الثلث أو أكثر - و به قال أبو حنيفة، و هو الجديد من قولي الشافعي(1) ، لأنّ امرأة أتت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقالت: إنّ ابني اشتري ثمرة من فلان، فأذهبتها الجائحة، فسأله أن يضع عنه، فتألّي [1] أن لا يفعل، فقال عليه السّلام:

«تألّي فلان أن لا يفعل خيرا»(2) و لو كان ذلك واجبا عليه، لأجبره عليه.

و لأنّ التخلية يتعلّق بها جواز التصرّف فيغلب الضمان، كالنقل و التحويل.

و قال في القديم: إذا تلفت بعد القبض، فهي من ضمان البائع أيضا - فإن تلفت كلّها، انفسخ العقد. و إن تلف بعضها، انفسخ فيه. و هل ينفسخ في الباقي ؟ مبنيّ علي قولي تفريق الصفقة - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أمر بوضع الجوائح، و نهي عن بيع السنين(3).

و لأنّ التخلية ليست بقبض صحيح، و لهذا لو عطشت الثمرة، كان من ضمان البائع إذا تلفت(4).7.

ص: 388


1- المغني 233:4-234، الشرح الكبير 271:4-272، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، التهذيب - للبغوي - 392:3، روضة الطالبين 3: 219.
2- الموطّأ 621:2، 15، سنن البيهقي 305:5، مسند أحمد 252:7، 24221، المغني 234:4، الشرح الكبير 272:4-273.
3- سنن الدار قطني 31:3، 118، سنن البيهقي 306:5.
4- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، التهذيب - للبغوي - 393:3، روضة الطالبين 219:3، المغني 233:4-234، الشرح الكبير 271:4 و 273 و 276-277.

و قال مالك: إن كان التالف أقلّ من الثلث، كان من ضمان المشتري.

و إن كان قدر الثلث فما زاد، كان من ضمان البائع، لأنّ الثمرة لا بدّ و أن يأكل منها الطائر و يسقط منها الريح، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل بين ذلك و بين الجائحة، فقدّر بما دون الثلث(1).

و قال أحمد: إن تلفت بأمر سماويّ، كان من ضمان البائع. و إن تلفت بنهب أو سرقة، كان من ضمان المشتري، لأنّ ما يتلفه الآدمي يرجع إلي بدله منه، فلهذا كان من ضمانه، بخلاف الجائحة(2).

و الجواب: أنّ الحديث استضعفه الشافعي(3) ، فلا يجوز أن يحتجّ به.

و يحتمل أن يكون أراد بذلك في بيع السنين، أو قال ذلك ندبا لا واجبا.

و التخلية قبض صحيح، لأنّه يتعلّق بها جواز التصرّف، و لا يمكن نقلها، فأشبهت العقار.

و أمّا عطش الثمرة فيمنع أنّه من ضمان البائع. و لو قلنا به، فهو مبنيّ علي قوله: إنّ العقد يقتضي أن يكون سقيها علي البائع، كما اقتضي تركها علي الأصول إلي أوان الجذاذ، فإن عجز عن تسليم الماء، ثبت للمشتري5.

ص: 389


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 334، المغني 234:4-235، الشرح الكبير 4: 281-283، حلية العلماء 345:4، الحاوي الكبير 205:5-206، العزيز شرح الوجيز 360:4.
2- حلية العلماء 345:4، و انظر: المغني 233:4-234، و الشرح الكبير 271:4 و 278-280.
3- المغني 234:4، الشرح الكبير 274:4-275.

الخيار.

و قول مالك ليس بصحيح، لأنّ ما يأكله الطير لا يؤثّر في العادة و لا يبلغ ما حدّه به إلاّ أن يقع عليه الجذاذ، فيكون ذلك من جملة الجوائح.

و ينتقض ما قاله أحمد بالعبد إذا مات في يد البائع أو قتل، فإنّهما سواء و إن كان يرجع في أحدهما إلي الضمان.

فروع:
أ - لو تلفت الثمرة بعد التخلية و بلوغ أوان الجذاذ و إمكانه من المشتري،

فعلي ما قلناه الضمان علي المشتري، لأنّا نوجبه عليه و إن لم يبلغ أوان الجذاذ فمع بلوغه و إمكان الجذاذ منه يكون أولي. و كذا علي جديد الشافعي(1).

و علي قديمه قولان:

أحدهما: أنّه يكون من ضمان البائع أيضا، لأنّ الآفة أصابته قبل نقله فكان كما لو أصابته قبل أوان الجذاذ. و لأنّ التسليم لا يتمّ ما دامت الثمار متّصلة بملك البائع.

و الثاني: أنّها من ضمان المشتري، لأنّه بتركه(2) النقل مع قدرته عليه يكون مفرّطا، فانتقل الضمان إليه. و لانقطاع العلقة بينهما، إذ لا يجب السقي علي البائع حينئذ(3).

ص: 390


1- الحاوي الكبير 209:5، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 3: 219، حلية العلماء 344:4 و 346.
2- في الطبعة الحجريّة: بترك.
3- العزيز شرح الوجيز 360:4، حلية العلماء 346:4، روضة الطالبين 219:3.
ب - لو تلف بعض الثمار، فكالكلّ،

إلاّ أن يتلف قبل التخلية، فإنّه يثبت للمشتري الخيار في التسليم.

و لو عابت الثمار بالجائحة و لم تتلف، فإن كان بعد التخلية، فلا خيار للمشتري، و هو جديد الشافعي(1). و علي قديمه يكون له الخيار(2).

و إن كان قبلها، فمن ضمان البائع.

ج - لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة،

فإن كان قبل التخلية، فمن ضمان البائع. و إن كان بعدها، فمن المشتري.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّها من ضمان البائع، لأنّ التسليم لا يتمّ بالتخلية، علي القديم.

و الثاني: أنّها من ضمان المشتري، علي القديم أيضا، لتمكّنه من الاحتراز عنه بنصب الحفاظ. و لأنّ الرجوع علي الجاني بالضمان يتيسّر(3).

د - لو اختلفا في الجائحة أو في قدرها، فالقول قول البائع

- و به قال الشافعي(4) - لأنّ الثمن قد لزم بالبيع، و الأصل أن لا جائحة.

ه - إذا لم يمكّن البائع المشتري من السقي أو لم يسقه عند من أوجب السقي عليه،

أو شرطه عند من لا يوجبه و أخلّ به و عرض في الثمار آفة بسبب العطش، فإن تلفت، وجب علي البائع الضمان، لأنّه سبب في الإتلاف.

ص: 391


1- العزيز شرح الوجيز 360:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 360:4، روضة الطالبين 219:3، المغني 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 360:4، حلية العلماء 347:4، روضة الطالبين 220:3.
4- روضة الطالبين 220:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ في انفساخ البيع قولين.

و أصحّهما: القطع بالفسخ، لأنّ استحقاق السقي بالعقد قبل التخلية، و ما يستند إلي سبب سابق علي القبض فهو بمنزلة ما لو سبق بنفسه. و علي تقدير عدم الفسخ فعلي البائع الضمان للقيمة أو المثل، و إنّما يجب ضمان ما تلف، و لا ينظر إلي ما كان ينتهي إليه لو لا العارض(1).

و لو تعيّبت و لم تفسد، تخيّر المشتري و إن جعلنا الجائحة من ضمانه، لأنّ الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي إمّا بالشرط عندنا أو مطلقا عند الشافعي(2) ، فالعيب الحادث بترك السقي كالعيب المتقدّم علي القبض.

و لو أفضي التعيّب إلي تلفه، نظر إن لم يشعر به المشتري حتي تلف، عاد البحث في الانفساخ، و لزم الضمان علي البائع إن قلنا بعدم الفسخ، و لا خيار بعد التلف.

و إن شعر به و لم يفسخ حتي تلف، فوجهان: أحدهما: يغرم البائع، لعدوانه. و عدمه، لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة عليه(3).

و - لو باع الأصل و الثمرة معا فتلفت الثمرة بجائحة قبل التخلية،

بطل العقد فيها، و يتخيّر المشتري في الأشجار مع إمضاء البيع بقدر حصّتها من الثمن، و فسخ البيع فيها أيضا.

و للشافعي في بطلان بيع الأصول قولان(4).

ص: 392


1- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
3- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
4- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.

و إن تلفت بعد التخلية، فهي من ضمان المشتري عندنا و عند الشافعي(1) أيضا قولا واحدا، لانقطاع العلائق هنا، و الثمرة متّصلة بملك المشتري.

ز - لو اشتري طعاما مكايلة و قبضه جزافا فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري،

لحصول القبض. و إن جعلنا الكيل شرطا فيه، فالأقرب أنّه من ضمان البائع.

و للشافعي وجهان، لبقاء الكيل بينهما(2).

ح - ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة قطعها قبل بدوّ صلاحها إلاّ أن يشرطه،

بل يجب عليه تبقيتها إلي أوان أخذها عرفا بالنسبة إلي جنس الثمرة، فما قضت العادة بأخذه بسرا اقتصر عليه، و ما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخّر إلي وقته. و كذا لو باع الأصل و استثني الثمرة و أطلق، وجب علي المشتري إبقاؤها.

ط - لو أتلف الثمرة أجنبيّ قبل التخلية، تخيّر المشتري بين فسخ البيع و إلزام المتلف.

و الأقرب: إلحاق البائع به، فيتخيّر المشتري بين فسخ البيع و إلزام البائع بالمثل، أو القيمة، سواء زادت عن الثمن المسمّي المدفوع إلي البائع أو نقصت عنه.

و لو تلفت المشتري، فكالقبض يكون من ضمانه.

مسألة 185: يجوز بيع الثمرة بجميع العروض و الأثمان إلاّ بالثمرة،

و هي المزابنة، و بيع الزرع كذلك إلاّ بالحبّ، و هي المحاقلة، هذا هو المشهور من تفسير المحاقلة و المزابنة.

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.

و المحاقلة مأخوذة من الحقل، و هي الساحة التي تزرع، سمّيت محاقلة، لتعلّقها بزرع في حقل. و المزابنة مأخوذة من الزّبن، و هو الدفع، سمّيت بذلك، لأنّها مبنيّة علي التخمين، و الغبن فيها ممّا يكثر فيريد المغبون دفعه و الغابن إمضاءه فيتدافعان.

و الأصل في تحريم المحاقلة و المزابنة النصّ.

روي جابر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن المحاقلة و المزابنة.

فالمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق [1] من حنطة. و المزابنة:

أن يبيع الثمرة بمائة فرق من تمر(1).

و هذا التفسير إن كان من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فذاك. و إن كان من الراوي، فهو أعرف بتفسير ما رواه.

و لأنّه مجهول المقدار بيع بجنسه و هما ربويّان فلم يصحّ، لجواز زيادة أحدهما علي صاحبه، بل هو الغالب، لندور التساوي.

مسألة 186: قد عرفت أنّ المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية

علي وجه الأرض، و المزابنة: بيع الرطب علي رأس النخل بالتمر علي وجه الأرض، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2).

و قال مالك: المحاقلة إكراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو

ص: 394


1- مختصر المزني: 81، العزيز شرح الوجيز 354:4-355، و في سنن ابن ماجة 762:2، 2286، و سنن النسائي 37:7، و سنن البيهقي 307:5، بدون التفسير.
2- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 354:4، حلية العلماء 348:4 و 352، التهذيب - للبغوي - 398:3، الحاوي الكبير 212:5، المجموع 309:9، بدائع الصنائع 194:5، الهداية - للمرغيناني - 44:3، المغني 201:4، الشرح الكبير 165:4.

الربع أو غيرهما(1). و نقل عنه أيضا ما يقاربه، و هو أنّ المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحبّ(2) ، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن المحاقلة و المزابنة، و المحاقلة: كراء الأرض(3).

و ذكر ابن المنذر في بعض ألفاظه: و المحاقلة استكراء الأرض بالحنطة(4).

و ليس بجيّد، لأنّ إكراء الأرض بالحنطة إنّما هو بذل الحنطة في مقابلة المنفعة، و المنفعة ليست بحنطة. و إذا باع السنبل بالحنطة، فقد باع حنطة بحنطة مع الجهالة بالتساوي، و هو غير جائز.

و المزابنة هي ضمان الصّبرة بقدر معلوم بأن يقول الشخص لغيره في صبرة مشاهدة: ضمنت لك صبرتك هذه بمائة قفيز، فيقول المالك: هي أقلّ من ذلك، فيقول لمالكها: يكال الآن إن زاد فلي، و إن نقص فعليّ.

و هذا ليس عقدا و إنّما هو قمار. و القصد النهي عن عقده، فالمشهور ما تقدّم.

مسألة 187: هل يشترط في المحاقلة و المزابنة اتّحاد الثمن و المثمن أم لا؟
اشارة

قيل: نعم(5). فيكون النهي متناولا لبيع الحنطة الثابتة في السنابل

ص: 395


1- بداية المجتهد 222:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 316، التهذيب - للبغوي - 398:3، العزيز شرح الوجيز 355:4.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 94:3، المسألة 152.
3- صحيح مسلم 1179:3، 1546، سنن الدار قطني 75:3-76، 285، مسند أحمد 365:3، 11183.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر، و في المغني - لابن قدامة - 298:4 نقله عن أبي سعيد.
5- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 416.

بحبّ منها معيّن المقدار. و لبيع ثمرة النخل، الثابتة عليها بثمرة منها، فيجوز بيع كلّ منهما بتمر موضوع علي الأرض من غير تلك الثمرة، و بحبّ موضوع علي الأرض من غير تلك السنابل، للأصل.

و لما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: [اختر] إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّي و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك و أردّ عليك، قال: «لا بأس»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه، فقال: «لا بأس به»(2).

و قال بعض(3) علمائنا: لا يشترط ذلك، بل يحرم بيع الزرع بالحنطة الموضوعة علي الأرض و بيع الثمرة في النخلة بالتمر الموضوع علي الأرض - و به قال الشافعي(4) - حذرا من الربا، لأنّ كلّ واحد منهما بيع مال الربا بجنسه(5) من غير تحقّق المساواة في المعيار(6) الشرعي، لأنّ المعتاد فيهما الكيل، و لا يمكن كيل الحنطة في السنابل و لا الثمرة علي رأس النخل.

و التخمين بالخرص لا يغني، كما لو كان كلّ واحد منهما علي وجه الأرض.ر.

ص: 396


1- التهذيب 91:7، 389، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الكافي 176:5-177، 10، التهذيب 89:7، 379، الاستبصار 91:3، 310.
3- ابن إدريس في السرائر 367:2.
4- الام 62:3-63، الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 355:4، حلية العلماء 348:4 و 352.
5- في الطبعة الحجريّة: من جنسه.
6- في «ق، ك»: العيار.

و نمنع الربا، لأنّه لا يثبت إلاّ في المكيل أو الموزون، و لا شيء من الثمرة علي رأس(1) النخل و لا من الزرع في السنابل بمكيل أو موزون.

و قد روي ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «إنّ رجلا كان له علي رجل خمسة عشر وسقا من تمر و كان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك، فأبي أن يقبل، فأتي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال:

يا رسول اللّه إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقا من تمر، فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال: يا رسول اللّه لا يفي و أبي أن يفعل، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لصاحب النخل:

اجذذ نخلك، فجذّه فكال له خمسة عشر وسقا» فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط و لا أعلم إلاّ أنّي قد سمعته منه أنّ أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: هذا ربا، قلت: أشهد باللّه إنّه من الكاذبين، قال: صدقت»(2).

فروع:
أ - لو اختلف الجنس، جاز البيع إجماعا،

كأن يبيع الشعير في سنبله بالدخن الموضوع علي الأرض، أو ثمرة النخل فيها بعنب أو زبيب موضوع علي الأرض.

و اشترط الشافعي التقابض هنا بالنقل لما علي وجه الأرض، و بالتخلية فيما علي الشجر(3). و هو بناء علي مذهبه من وجوب التقابض في

ص: 397


1- في «ق، ك»: رءوس.
2- التهذيب 91:7-92، 390، الاستبصار 92:3، 312.
3- العزيز شرح الوجيز 355:4.

الربويّات مع اختلاف الجنس، و قد سلف بحثه(1).

ب - إن جعلنا العلّة في المحاقلة و المزابنة الربا، لم يجز بيع غير النخل و الزرع بجنسه

الموضوع علي الأرض، فلا يجوز بيع العنب في أصله بزبيب أو عنب موضوع علي الأرض، و كذا غيره من الفواكه، و لا بيع الدخن في سنبله بحبّ دخن موضوع علي الأرض، عملا بتعميم الحكم عند تعميم علّته. و إن لم نجعل العلّة ذلك، جاز جميع ذلك.

ج - الحنطة و الشعير عندنا أنّهما جنس واحد في الربا

علي ما تقدّم(2) ، خلافا للشافعي(3). فعلي أصلنا هذا إذا جعلنا العلّة الربا، لم يجز بيع الحنطة في السنبل بالشعير الموضوع علي الأرض و بالعكس، و إلاّ جاز.

د - في أكثر تفاسير المحاقلة أنّها بيع الحنطة في السنبل بحنطة

إمّا منها أو من غيرها علي ما تقدّم، فهل يدخل فيه الشعير الثابت في سنبله بالشعير المصفّي ؟ إن جعلناه من جنس الحنطة أو قلنا: العلّة الربا، شمل التحريم، و إلاّ فلا، لكن لا يكون محاقلة إن لم يكن من الجنس و إن قلنا بالتحريم لعلّة الربا فيه.

أمّا غير الشعير و الحنطة كالدخن يباع في سنبله بحبّ مصفّي إمّا منه أو من غيره، و الذرّة و الأرز و غير ذلك من أنواع الزرع فهل يكون محاقلة ؟ في بعض ألفاظ علمائنا أنّ المحاقلة هي بيع الزرع بالحبّ من جنسه(4) ، فيكون ذلك كلّه محاقلة. و إن لم نجعل ذلك محاقلة بل خصّصنا اسم

ص: 398


1- في ص 147، الفرع (ه) من المسألة 77.
2- في ص 148، المسألة 78.
3- الامّ 31:3، المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 110:5، بداية المجتهد 135:2، المحلّي 492:8، المغني 151:4، الشرح الكبير 149:4.
4- كشف الرموز 506:1-507، و كما في شرائع الإسلام 54:2.

المحاقلة بالحنطة، هل يثبت التحريم ؟ إن جعلنا العلّة في الحنطة الربا، ثبت هنا، و إلاّ فلا.

أمّا الثمرة فالمشهور اختصاص المزابنة بثمرة النخل منها دون غيرها، لكن في التحريم إن جعلناه معلّلا بالربا، ثبت في غير النخل، و إلاّ فلا.

ه - لو باع الزرع قبل ظهور الحبّ بالحبّ، فلا بأس

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه حشيش، و هو غير مطعوم و لا مكيل، سواء تساويا جنسا أو اختلفا. و لا يشترط التقابض في الحال.

و - قد بيّنّا أنّ بيع الصّبرة باطل إلاّ مع العلم بقدرها،

فلو باع صبرة بأخري مجهولتين من جنس واحد، لم يجز مطلقا عندنا علي ما تقدّم(2).

و قال الشافعي: إن أطلقا البيع، لم يجز، لأنّ التساوي شرط، و الجهل به كالعلم بالتفاضل، فيكون البيع باطلا.

و إن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل أو مثلا بمثل، فإن كيلتا و تساويتا، صحّ البيع. و إن تفاوتتا، فقولان، أحدهما: الفساد، لتفاضلهما. و الثاني: الصحّة، و يأخذ بقدر صبرته.

و إن اختلف الجنس و أطلقا، صحّ البيع. و إن شرطا التساوي، فإن خرجتا متساويتين، صحّ البيع. و إن تفاضلتا، قيل للّذي له الفضل: أ ترضي بتسليمه ؟ فإن أجاب، لزم البيع. و إن أبي، قيل للآخر: أ تأخذ بقدر صبرتك ؟ فإن رضي، لزم البيع. و إن أبي، فسخ العقد بينهما(3).

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 355:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 217:3.
2- في ص 74، المسألة 45، و ص 80، الفرع (ه) من المسألة 46.
3- العزيز شرح الوجيز 83:4، الحاوي الكبير 108:5، روضة الطالبين 52:3، المغني 147:4، الشرح الكبير 148:4.

و هذا عندنا كلّه باطل، لما تقدّم.

مسألة 188: و استثني من المزابنة العرايا، و هي جمع عريّة،

و العريّة:

النخلة تكون في دار الإنسان أو في بستانه، فيباع ثمرتها رطبا بخرصها تمرا كيلا، فلا تجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد.

و الشافعي أطلق الجواز في بيع العرايا، و هو أن يبيع الرطب علي رءوس النخل بخرصه تمرا فيما دون خمسة أوسق، سواء تعدّدت النخلة أو اتّحدت. و لا يجوز عنده فيما زاد علي خمسة أوسق قولا واحدا. و في خمسة أوسق قولان - و به قال أحمد - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رخّص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق(1). الشكّ من الراوي(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز بيع العرايا مطلقا بحال البتّة، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن المزابنة(3). و هي بيع التمر بالتمر كيلا، و بيع العنب بالزبيب كيلا. و لأنّه لا يجوز فيما زاد علي خمسة أوسق كذلك في خمسة أوسق، كما لو كان علي وجه الأرض(4).

ص: 400


1- صحيح البخاري 99:3، صحيح مسلم 1171:3، 1541، سنن أبي داود 3: 252، 3364، سنن الترمذي 595:3، 1301، سنن البيهقي 311:5، الموطّأ 2: 620، 14.
2- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 357:4، التهذيب - للبغوي - 401:3، حلية العلماء 174:4-175، المهذّب - للشيرازي - 282:1، روضة الطالبين 3: 218، الحاوي الكبير 216:5، المغني 196:4-197، الشرح الكبير 165:4 - 166.
3- صحيح مسلم 1171:3، 1542، الموطّأ 624:2-625، 23-25، سنن ابن ماجة 762:2، 2266، سنن الترمذي 594:3، 1300، سنن النسائي 7: 37، سنن البيهقي 307:5.
4- حلية العلماء 174:4-176، المغني 197:4، الشرح الكبير 165:4.

و الجواب: الخاصّ مقدّم علي العامّ.

و قال مالك: يجوز في موضع مخصوص، و هو أن يكون قد وهب لرجل ثمرة نخلة ثمّ شقّ عليه دخوله إلي قراحه، فيشتريها منه بخرصها من التمر يعجّله له، لأنّ العريّة في اللغة هي: الهبة و العطيّة(1).

و قال أحمد في إحدي الروايتين: يخرص الرطب في رءوس النخل و يبيعه بمثله تمرا(2).

إذا تقرّر هذا، فإنّ العريّة عندنا إنّما تكون في النخلة الواحدة تكون في دار الإنسان، فلا تجوز فيما زاد علي النخلة الواحدة، عملا بالعموم، و اقتصارا في الرخص علي مواردها.

مسألة 189: و هذه الرخصة عامّة للغني و الفقير

- و به قال الشافعي في الأمّ(3) - لعموم اللفظ. و لأنّ كلّ بيع جاز للفقير جاز للغني، كسائر البياعات.

و قال في الإملاء و اختلاف الحديث: لا يجوز بيع العرايا إلاّ للفقير خاصّة - و به قال أحمد - لأنّ محمود بن لبيد قال: قلت لزيد بن ثابت:

ما عراياكم هذه ؟ فسمّي رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّ الرطب يأتي و لا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس، و عندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخّص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من

ص: 401


1- بداية المجتهد 216:2-217، الكافي في فقه أهل المدينة: 315، حلية العلماء 177:4، العزيز شرح الوجيز 356:4، المغني 198:4، الشرح الكبير 168:4.
2- المغني 196:4، الشرح الكبير 165:4، العزيز شرح الوجيز 356:4.
3- الامّ 56:3، و كما في الحاوي الكبير 218:5.

التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا(1)(2).

و الجواب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، و الحديث دلّ علي أنّ سبب الرخصة الحاجة، و هي غير مختصّة بالفقراء.

مسألة 190: قد بيّنّا أنّ الضابط في التسويغ إنّما هو بالنخلة الواحدة في الدار الواحدة

أو البستان الواحد. و لو كان له عدّة دور في كلّ واحدة نخلة، جاز بيعها عرايا.

و أجاز الشافعي العريّة في أقلّ من خمسة(3) بمهما كان قولا واحدا، و به قال المزني و أحمد. و منع من الزيادة. و في الخمسة قولان، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رخّص في العرايا الوسق و الوسقين و الثلاثة و الأربعة(4). و لأنّ الخمسة جعلت في حدّ الكثرة، و وجبت الزكاة. و استدلّ علي الجواز في الخمسة بإطلاق التسويغ في العريّة ثمّ ورد النهي فيما(5) زاد علي خمسة أوسق(6).

مسألة 191: إذا تبايعا العريّة، وجب أن ينظر إلي الثمرة علي النخلة

و يحزر ذلك رطبا فيتبايعاه بمثله تمرا، و لا يشترط التماثل في الخرص بين

ص: 402


1- أورده الشافعي في اختلاف الحديث: 197، و المزني في مختصره: 81، و ابن قدامة في المغني 198:4.
2- الحاوي الكبير 218:5، حلية العلماء 177:4-178، العزيز شرح الوجيز 4: 358، المغني 200:4، الشرح الكبير 167:4، و انظر: اختلاف الحديث: 197.
3- أي: خمسة أوسق.
4- سنن البيهقي 311:5، المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4.
5- في «ق»: «عمّا» بدل «فيما».
6- الامّ 54:3-55، مختصر المزني: 81، الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 375:4، التهذيب - للبغوي - 401:3، حلية العلماء 175:4 و 179، المهذّب - للشيرازي - 282:1، المغني 197:4، الشرح الكبير 165:4.

ثمرتها عند الجفاف و ثمنها، و لا يجوز التفاضل عند العقد، و لا تكفي مشاهدة التمر علي الأرض و لا الخرص(1) فيه، بل لا بدّ من معرفة مقداره بالكيل أو الوزن.

و قال الشافعي: يجب التماثل بين ثمرتها عند الجفاف و بين التمر المجعول ثمنا(2).

و الأصل العدم. و الربا لا يثبت علي تقدير إتلاف الرطب. و لا يجب الترقّب بحيث يثبت فيه. نعم، يحرم التفاضل بين الرطب و التمر، و تجب المساواة و إن كنّا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر، لأنّ هذا مستثني، للرخصة.

مسألة 192: لا يجب التقابض في الحال عندنا قبل التفرّق،

بل الحلول، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر، للأصل و الإطلاق.

و قال الشافعي: يجب التقابض في الحال قبل التفرّق(3). فيخلّي صاحب الثمرة بينها و بين مشتريها و يسلّم صاحب التمر التمر إلي مشتريه لينقله و يحوّله.

و ليس من شرط ذلك عنده(4) حضور التمر عند العقد، بل إذا شاهد الثمرة علي رءوس النخل ثمّ شاهد التمر علي الأرض ثمّ تبايعا و مضيا جميعا إلي النخلة فسلّمها إلي مشتريها ثمّ مضيا إلي التمر فسلّمه إلي مشتريه، جاز عنده(5) ، لأنّ التفرّق لم يحصل بينهما قبل التقابض، و الاعتبار بتفرّقهما دون مكان البيع.

ص: 403


1- في «ق»: «الحزر» بدل «الخرص».
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، المغني 199:4، الشرح الكبير 167:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 281:1، العزيز شرح الوجيز 356:4، التهذيب - للبغوي - 402:3، المغني 199:4، الشرح الكبير 168:4.
4- انظر: المغني 200:4، و الشرح الكبير 168:4.
5- انظر: المغني 200:4، و الشرح الكبير 168:4.
مسألة 193: لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عريّة،
اشارة

لعموم المنع من المزابنة(1) ، خرج عنه العريّة في النخلة الواحدة - و به قال أحمد(2) - للحاجة، فيبقي الباقي علي المنع، سواء اتّحد العقد أو تعدّد. أمّا لو تعدّد المشتري فالوجه: الجواز.

و قال الشافعي: يجوز أن يبيع العريّة من رجل ثمّ يبيع منه أو من غيره عريّة أخري في عقد آخر حتي يأتي علي جميع حائطه، للعموم(3).

و هو ممنوع. و لأنّ فيه توصّلا إلي المحرّم و هو المزابنة، لأنّه يبيع جميع النخل في عقود متعدّدة.

فروع:
أ - لو باع في صفقة واحدة من رجلين كلّ واحد منهما نخلة معيّنة،

جاز. و كذا لو باعهما نخلتين مشاعا بينهما، و به قال الشافعي(4) ، خلافا لأحمد، لأنّ البائع - عنده - لا يجوز أن يبيع أكثر من عريّة واحدة(5).

ب - لو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عريّة، جاز

- و هو

ص: 404


1- صحيح مسلم 1168:3، 1539، و 1171، 1542، سنن الترمذي 3: 594، 1300، سنن البيهقي 307:5، الموطأ 624:2-625، 23-25.
2- المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4، العزيز شرح الوجيز 357:4، حلية العلماء 180:4.
3- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 357:4، حلية العلماء 179:4، المهذّب - للشيرازي - 282:1، التهذيب - للبغوي - 402:3، روضة الطالبين 218:3، المغني 197:4-198، الشرح الكبير 166:4.
4- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
5- العزيز شرح الوجيز 357:4، المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4.

أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ تعدّد الصفقتين بتعدّد البائع أظهر من تعدّدها بتعدّد المشتري.

و الثاني لهم: لا تجوز الزيادة علي خمسة أوسق نظرا إلي مشتري الرطب، لأنّه محلّ الخرص الذي هو خلاف قياس الربويّات، فلا ينبغي أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة(2).

و الجواب: أنّ ذلك يأتي في بائع واحد، أمّا في اثنين فلا.

ج - لو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة، احتمل جواز أربع نخلات.

و قال الشافعي: لا يجوز في أكثر من عشرة أوسق، و يجوز فيما دونها، و في العشرة قولان(3).

مسألة 194: و هل تثبت العريّة في العنب ؟

إن قلنا بتناول تحريم المحاقلة العنب، احتمل الثبوت، و إلاّ فلا بأس في بيعه بالزبيب أو العنب، اقتصارا بالمنع علي مورده، و انتفاء أصالة العلّيّة بالربا، لانتفاء شرطه، و هو الكيل أو الوزن في الثمرة علي رءوس الأشجار.

أمّا الشافعي فإنّه عمّم التحريم في العنب كالثمرة، و جوّز بيع العريّة منه، لأنّ في حديث ابن عمر أنّه قال: و العرايا بيع الرطب بالتمر و العنب بالزبيب(4). و لأنّ العنب يخرص كما يخرص النخل و يوسق، و هو ظاهر يمكن معرفة مقداره بالتخمين(5).

ص: 405


1- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
2- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
3- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
4- صحيح مسلم 1171:3، 1542.
5- الام 55:3، المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 219:5، التهذيب للبغوي - 403:3، العزيز شرح الوجيز 356:4، روضة الطالبين 218:3، المغني 201:4، الشرح الكبير 169:4.

أمّا ما عدا ذلك من الثمار التي تجفّف - كالمشمش و الخوخ و الإجّاص - ففي جواز بيعه علي شجرة بخرصه للشافعي قولان:

الجواز، كالرطب و العنب، لأنّ الحاجة تدعو إليه.

و المنع، لأنّ العشر لم يجب، و لم يسنّ الخرص منها. و لأنّها تستتر في ورقها فيخفي خرصها(1).

مسألة 195: إنّما يجوز بيع الرطب بخرصه تمرا

إذا كان علي رءوس النخل في العريّة خاصّة، فأمّا إذا كان الرطب علي وجه الأرض، فإنّه لا يجوز، لأنّ ذلك إنّما جاز للحاجة و لا حاجة إلي شراء ذلك علي وجه الأرض، و إنّما الغرض في جوازه علي النخل ليؤخذ شيئا فشيئا.

و لو باع الرطب علي رءوس النخل بالرطب علي رءوس النخل خرصا أو باع الرطب علي رءوس النخل خرصا بالرطب علي وجه الأرض كيلا، فالأقوي: الجواز، للأصل السالم عن معارضة الربا، (لانتفائه بانتفاء شرطه)(2) - و به قال أبو علي ابن خيران من الشافعيّة(3) - لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه رخّص في بيع العرايا بالتمر و الرطب(4).

ص: 406


1- المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 219:5، حلية العلماء 4: 180، التهذيب - للبغوي - 403:3، العزيز شرح الوجيز 356:4، روضة الطالبين 218:3.
2- بدل ما بين القوسين في «ك»: لانتفاء شرطه.
3- المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 216:5، التهذيب - للبغوي - 403:3، حلية العلماء 178:4، العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.
4- صحيح البخاري 98:3، صحيح مسلم 1168:3، 1539، سنن أبي داود 3: 251، 3362، سنن النسائي 267:7 و 268، سنن البيهقي 311:5.

و قال أبو إسحاق منهم: إنّه إن كان نوعا واحدا، لم يجز. و إن كان نوعين، جاز، لأنّ في النوع الواحد لا حاجة إليه، و قد ثبت غرض صحيح في النوعين(1).

و قال الإصطخري منهم: إنّه لا يجوز، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إنّما رخّص في بيعه بالتمر(2) ، فلم يجز غير ذلك(3).

و هو ممنوع، لأنّ المساواة بين الرطب و الرطب أقرب منها بين الرطب و التمر.

و لو باع الرطب علي وجه الأرض بالرطب علي وجه الأرض متساويا، جاز عندنا علي ما تقدّم في باب الربا، خلافا للشافعي(4).

مسألة 196: ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العريّة علي غير مالك الدار

أو البستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان علي إشكال، لأنّ النخلة إذا كانت للغير في ملك إنسان ربما لحقه التضرّر بدخول مشتري الثمرة إليها، و كذا في بستان، و كذا في ثمرة بستانه، فاقتضت الحكمة جواز بيعها علي مالك الدار و البستان و مستأجرهما و مشتري الثمرة، دفعا للحاجة، بخلاف غيرهما.

و ظاهر كلام المجوّزين من الجمهور: العموم، فيجوز لصاحب

ص: 407


1- المهذّب - للشيرازي - 282:1، حلية العلماء 179:4، الحاوي الكبير 5: 216، العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.
2- صحيح البخاري 99:3، سنن البيهقي 310:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 282:1، حلية العلماء 178:4، العزيز شرح الوجيز 4: 357، روضة الطالبين 218:3.
4- العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.

البستان أن يبيع خمسة أوسق من الرطب بخرصها تمرا لأيّ شخص كان.

مسألة 197: يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشيء معلوم منها

لا علي سبيل البيع، عملا بالأصل. و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه.

و لما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّي و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك و أردّ عليك، قال: «لا بأس بذلك»(1).

و هل يجوز البيع ؟ يحتمل ذلك، عملا بالأصل السالم عن معارضة الربا، إذ لا وزن في الثمرة علي رأس الشجرة، فعلي تقدير جواز البيع يثبت فيه أحكامه من الضمان علي البائع قبل الإقباض، و علي المشتري بعده.

و إن منعنا البيع و جوّزنا التقبّل، كان معناه أنّ المتقبّل يأخذ جميع الثمرة و يدفع إلي شريكه عن قدر حصّته ما تقبّل به، فإن كان ما حصل مساويا لما تقبّل به، فلا بحث. و إن زاد فله. و إن نقص فعليه.

و هل يكون ذلك لازما؟ إشكال. و علي تقدير لزومه هل يكون الناقص عليه ؟ و هل يكون مضمونا في يده ؟ الأقرب: ذلك، لأنّه إمّا بيع فاسد أو تقبّل.

و لو تلفت الثمرة بآفة سماويّة بعد القبض، هل يسقط من المال الذي تقبّل به شيء أم لا؟

مسألة 198: يجوز لمشتري الثمرة أن يبيعها بزيادة عمّا ابتاعه

أو

ص: 408


1- الكافي 193:5، 2، الفقيه 142:3، 623، التهذيب 91:7، 389.

نقصان قبل قبضه و بعده، عملا بالأصل، و بما رواه محمّد الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذها، قال: «لا بأس به إن وجد ربحا فليبع»(1).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنّه قال في رجل اشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها، قال: «لا بأس»(2).

مسألة 199: لو اشتري الزرع قصيلا مع أصوله، صحّ.
اشارة

فإن قطعه فنبت، فهو له. فإن شرط صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه، كان عليه أجرة الأرض. و لو لم يشرط المشتري الأصل، فهو لصاحبه. فإذا قصله المشتري و نبت، كان للبائع. و لو لم يقصله، كان شريكا للبائع و يحكم بالصلح.

تذنيب: لو سقط من الحبّ المحصود شيء فنبت في القابل،

فهو لصاحب البذر لا الأرض - خلافا لأحمد(3) - سواء سقاه صاحب الأرض و ربّاه أو لا، و لصاحب الأرض الأجرة، لأنّه شغلها بماله.

تذنيب آخر:

لو اشتري نخلا ليقطعه أجذاعا فتركه حتي حمل، فالحمل له، و عليه الأجرة، سواء سقاه صاحب الأرض أو لا.

و في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له:

الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيحمل النخل، قال: «هو له إلاّ أن يكون صاحب الأرض سقاه و قام عليه»(4).

و هذه الرواية محمولة علي جريان عقد المساقاة بينهما.

مسألة 200: يجوز للإنسان إذا مرّ بشيء من ثمرة النخل و الشجر

ص: 409


1- التهذيب 88:7-89، 376.
2- التهذيب 89:7، 377.
3- المغني 226:4، الشرح الكبير 241:4.
4- التهذيب 90:7، 382.

و الزرع أن يأكل منها(1) من غير إفساد. و لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئا يحمله و يخرج به، لما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة ؟ قال: «لا بأس»(2).

و قد روي عليّ بن يقطين - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال سألته عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر أ يحلّ له أن يتناول منه شيئا و يأكل بغير إذن من صاحبه ؟ و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره المقيم فليس له ؟ و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه ؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: قوله: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا» محمول علي ما يحمله معه، فأمّا ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح(4) ، للرواية السابقة. و لما رواه الحسين بن سعيد عن أبي داود عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أ مرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك، التجّار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم»(5).

مسألة 201: لو كان في قرية نخل و زرع و بساتين و أرحاء و أرطاب،

جاز للإنسان أن يشتري غلّتها، للأصل.

ص: 410


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: منه، و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- التهذيب 93:7، 393، الاستبصار 90:3، 306.
3- التهذيب 92:7، 392، الاستبصار 90:3، 307.
4- التهذيب 92:7-93، الاستبصار 90:3 ذيل الحديث 307.
5- التهذيب 93:7، 394، الاستبصار 90:3، 305.

و لما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن قرية فيها أرحاء و نخل و زرع و بساتين و أرطاب أشتري غلّتها؟ قال:

«لا بأس»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أن يشتري ما فيها من الثمار و الزروع، و يشترط منفعة الرحي مدّة معلومة بشيء معلوم، و أن يتقبّل بمنافع هذه القرية علي اختلاف أصنافها بشيء معيّن، للأصل.3.

ص: 411


1- التهذيب 90:7، 383.

ص: 412

الفصل الثالث في الصرف
اشارة

و هو بيع الأثمان من الذهب أو الفضّة بالأثمان.

و إنّما سمّي صرفا، لأنّ الصرف في اللغة هو: الصوت، و لمّا كان الصوت يحصل بتقليب الثمن و المثمن هنا سمّي صرفا.

و هو جائز إجماعا، و له شرائط تأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 202: من شرط الصرف التقابض في المجلس قبل التفرّق،
اشارة

سواء تماثلا جنسا أو اختلفا، و سواء كانا معيّنين أو غير معيّنين بل موصوفين، لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ هاء و هاء» [1] و هي تقتضي وجوب التقابض في المجلس.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلاّ يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضّة إلاّ يدا بيد»(1).

إذا ثبت هذا، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر، سواء اتّفقا في الجنس أو اختلفا، و سواء اتّحدا وزنا أو اختلفا، و سواء تساويا وصفا أو

ص: 413


1- الكافي 251:5، 31، التهذيب 99:7، 426، الاستبصار 93:3، 318.

تضادّا، لأنّ التقابض في المجلس شرط فيه، و لا يتحقّق ذلك مع إسلاف أحدهما في الآخر.

و لقول الباقر عليه السّلام أنّه قال: «في الورق بالورق وزنا بوزن، و الذهب بالذهب وزنا بوزن»(1).

فروع:
أ - لو افترقا قبل التقابض، بطل البيع، لعدم الشرط.

و لو تفرّقا و قد تقابضا البعض خاصّة و لمّا يتقابضا في الباقي، بطل البيع فيما لم يتقابضا فيه، و يكونان بالخيار في الباقي، لتبعّض الصفقة في حقّهما، و لا يبطل في الباقي المقبوض. و للشافعي قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة(2).

ب - لو قاما عن ذلك المجلس قبل التقابض مصطحبين، لم يحصل الافتراق،

و كان البيع صحيحا، فإن تقابضا في غير ذلك المجلس و لم يفترقا، صحّ البيع و لزم، لحصول التقابض قبل التفرّق، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت ذهبا بفضّة، أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتي تأخذ منه، و إن نزا حائطا فانز معه»(3).

و لأنّ خيار المجلس يبطل مع الافتراق و لا يبطل مع مفارقتهما لذلك المجلس مصطحبين، فلا يكون ذلك افتراقا.

ج - قد بيّنّا أنّه يشترط الحلول، لاشتراط التقابض في المجلس،

فلو

ص: 414


1- التهذيب 98:7، 423.
2- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
3- التهذيب 99:7، 427، الاستبصار 93:3، 319.

أسلف أحدهما في الآخر بأجل قصير جدّا و لو ساعة مع الضبط و لم يتفارقا حتي تقابضا، لم يصحّ البيع أيضا، لما تقدّم(1) في الحديثين عن أمير المؤمنين عليه السّلام و عن الباقر عليه السّلام.

د - لو تصارفا ذهبا بذهب أو فضّة، أو فضّة بفضّة أو ذهب، لم يضرّ طول لبثهما في المجلس

و لا طول مصاحبتهما، سواء كان الثمن و المثمن معيّنين أو مطلقين في الذمّة أو معيّنا و مطلقا و لو امتدّ إلي سنة و أزيد.

ه - لو وكّل أحدهما وكيلا في القبض أو وكّلا وكيلين فيه و تقابض الوكيلان، صحّ البيع

إن تقابض الوكيلان أو قبض وكيل أحدهما من العاقد قبل مفارقة المتبايعين، و إلاّ بطل، لأنّ المجلس متعلّق ببدن المتعاقدين.

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن بيع الذهب بالدراهم فيقول: أرسل رسولا فيستوفي لك ثمنه، قال: «يقول: هات و هلمّ و يكون رسولك معه»(2).

و - لو لم تتّفق المصاحبة و لا ملازمة المجلس فأرسل أحدهما وكيله ليقبض من صاحبه، بطل ذلك العقد،

و احتاج إلي أن يجدّده الوكيل، لفوات الشرط.

و لأنّ ابن الحجّاج سأله عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها و ينتقدها و يحسب ثمنها كم هو دينار ثمّ يقول: أرسل غلامك معي حتي أعطيه الدنانير، فقال: «ما أحبّ أن يفارقه حتي يأخذ الدنانير» فقلت: إنّما هم في دار واحدة و أمكنتهم قريبة بعضها من بعض و هذا يشقّ عليهم، فقال: «إذا فرغ من وزنها و انتقادها فليأمر الغلام الذي

ص: 415


1- في ص 413.
2- الكافي 252:5، 33، التهذيب 99:7، 428.

يرسله أن يكون هو الذي يبايعه و يدفع إليه الورق و يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق»(1).

ز - لا تقوم مصاحبة الوكيل مقام مصاحبة الموكّل،

بل متي تعاقدا و تفرّقا و اصطحب الوكيل و الآخر، بطل البيع، لانتفاء الشرط.

ح - لو تصارف الوكيلان أو أحد صاحبي المال مع وكيل الآخر،

كان الاعتبار بالمتعاقدين لا بالمالكين، فلو تفرّق الوكيلان المتعاقدان دون صاحبي المال، بطل البيع، و بالعكس لا يبطل.

ط - لو تعذّر عليهما التقابض في المجلس و أرادا الافتراق،

لزمهما أن يتفاسخا العقد بينهما، فإن تفرّقا قبله، كان ذلك ربا، و جري مجري بيع مال الربا بعضه ببعض نسيئة، و لا يغني تفرّقهما، لأنّ فساد العقد إنّما يكون به شرعا، كما أنّ العقد مع التفاضل فاسد و يأثمان به.

مسألة 203: لو اشتري بنصف دينار شيئا و بنصفه ورقا، جاز

بشرط أن يقبض ما قابل الورق، لما رواه الحلبي - في الصحيح(2) - قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام: عن رجل ابتاع من رجل بدينار و أخذ بنصفه بيعا و بنصفه ورقا، قال: «لا بأس به» و سألته هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا و يترك نصفه حتي يأتي بعد فيأخذ به ورقا أو بيعا؟ فقال: «ما أحبّ أن أترك منه شيئا حتي آخذه جميعا فلا يفعله»(3).

و اعلم أنّ الدينار المقبوض إذا كان قد انتقل بالبيع، لم يجز التفرّق قبل قبض الورق، سواء قبض العوض الآخر أو لا. و لو قبض العوض

ص: 416


1- الكافي 252:5، 32، التهذيب 99:7، 429، الإستبصار 94:3، 320.
2- «في الصحيح» لم ترد في «ق، ك».
3- التهذيب 99:7-100، 430.

الآخر، لم يكف في قبض الورق، و صحّ البيع فيه خاصّة و إن لم يقبضه.

و لو انعكس الفرض فدفع نصف الدينار خاصّة بعد إقباض الورق و المبيع الآخر، فإن نوي بالدفع عن الورق، صحّ البيع فيهما. و إن نوي بالدفع عن الآخر، بطل في الورق، و تخيّر في الآخر. و إن أطلق، احتمل ضعيفا صرفه إلي الورق تصحيحا للعقد، و البطلان في نصف الورق.

مسألة 204: لو اشتري الإنسان من غيره دراهم بدنانير ثمّ اشتري بها دنانير

قبل قبض الدراهم، بطل الثاني، لأنّه بيع الموزون قبل قبضه، و هو منهيّ عنه(1) علي ما تقدّم(2) ، فإن(3) افترقا، بطل العقدان معا، للتفرّق قبل التقابض في الصرف. و لو كان ثمن الدراهم غير الدنانير، لم يبطل الأوّل، إذ القبض في المجلس ليس شرطا فيه.

مسألة 205: لو كان للإنسان علي غيره دراهم و أمره بأن يحوّلها إلي الدنانير

أو بالعكس بعد المساعرة علي جهة التوكيل في البيع، صحّ و إن تفرّقا قبل القبض، لأنّ النقدين من واحد، و هو بعينه موجب للبيع بالأصالة و قابل بالوكالة، فكان بمنزلة المقبوض.

و لما رواه إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون للرجل عندي الدراهم فيلقاني فيقول: كيف سعر الوضح اليوم ؟ فأقول: كذا و كذا، فيقول: أ ليس لي عندك كذا و كذا ألف درهم وضحا؟ فأقول: نعم، فيقول: حوّلها إلي دنانير بهذا السعر و أثبتها لي عندك، فما تري في هذا؟ فقال لي: «إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك» فقلت:

ص: 417


1- المعجم الكبير - للطبراني - 12:11، 10875.
2- في ص 120 و 121.
3- في الطبعة الحجريّة: «و إن» بدل «فإن».

إنّي لم أوازنه و لم أناقده و إنّما كان كلام منّي و منه، فقال: «أ ليس الدراهم من عندك و الدنانير من عندك ؟» قلت: بلي، قال: «فلا بأس»(1).

أمّا لو لم يكن علي جهة التوكيل في البيع بل اشتري منه بالدراهم - التي في ذمّته - دنانير، وجب القبض قبل التفرّق، لأنّه صرف فات شرطه فكان باطلا.

مسألة 206: لا يشترط الوزن و النقد حالة العقد و لا حالة القبض،

فلو صارفة مائة دينار بألف درهم ثمّ دفع إليه دراهم غير معلومة القدر و النقد و تفرّقا، صحّ البيع إن كان المدفوع قد اشتمل علي الحقّ أو زاد، أمّا لو نقص، فإنّه يبطل في القدر الناقص خاصّة، لوجود المقتضي للصحّة، و عدم المانع، و هو انتفاء القبض، إذ لم يشرط في القبض التعيين.

و لما رواه إسحاق بن عمّار، قال: سألت الكاظم عليه السّلام عن الرجل يأتيني بالورق فأشتريها منه بالدنانير فأشتغل عن تحرير وزنها و انتقادها و فضل ما بيني و بينه، فأعطيه الدنانير و أقول له: إنّه ليس بيني و بينك بيع، و إنّي قد نقضت الذي بيني و بينك من البيع، و ورقك عندي قرض، و دنانيري عندك قرض، حتي يأتيني من الغد فأبايعه، فقال: «ليس به بأس»(2).

و لو كان المدفوع أقلّ من المستحقّ، بطل الصرف في الناقص خاصّة، و تخيّر في الفسخ في الباقي، لتبعّض الصفقة.

و كذا لو دفع إليه الدراهم بقدر حقّه إلاّ أنّ فيها زيوفا، فإنّه يصحّ البيع إن كان الغشّ من الجنس بسبب اختلاف الجوهر في النعومة و الخشونة

ص: 418


1- التهذيب 102:7-103، 441.
2- التهذيب 103:7، 444.

و شبهه، لأنّه من جنس الحقّ، و لو رضي قابضه به، لزم البيع، بخلاف ما إذا لم يكن من الجنس.

و لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير و أتّزن منه و أزن له حتي أفرغ فلا يكون بيني و بينه عمل إلاّ أنّ في ورقه نفاية [1] و زيوفا و ما لا يجوز، فيقول: انتقدها و ردّ نفايتها، فقال:

«ليس به بأس و لكن لا تؤخّر ذلك أكثر من يوم أو يومين فإنّما هو الصرف» قلت: فإن وجدت(1) في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النّفاية ؟ فقال: «هذا احتياط، هذا أحبّ إليّ»(2).

مسألة 207: الجيّد من الجوهرين مع الرديء منه واحد مع اتّحاد الجنس،

و كذا المصوغ و المكسّر، فلو باع آنية من ذهب أو فضّة بأحد النقدين، وجب التقابض قبل التفرّق، لأنّ أصالة الجوهريّة مانعة من التكثّر، و الكسر و ضدّه غير موجبين له. و كذا جيّد الجوهر - كالفضّة الناعمة - مع رديئه كالخشنة - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ الصفة لا قيمة لها في الجنس، فإنّه لا يجوز بيع المصوغ بالتبر متفاضلا.

و خالف فيه الشافعي، لأنّ قيمة الصحيح أكثر من قيمة المكسور، فيؤدّي إلي التفاضل فيلزم الربا(4).

ص: 419


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أخذت» بدل «وجدت». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 246:5، 7، التهذيب 103:7، 444.
3- العزيز شرح الوجيز 87:4، الحاوي الكبير 143:5، المغني و الشرح الكبير 4: 141 و 196.
4- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 143:5، الوجيز 136:1، العزيز شرح الوجيز 84:4، روضة الطالبين 53:3.

و هو ممنوع، لأنّ الربا إنّما يثبت مع زيادة العين لا زيادة الصفة.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستبدل الشاميّة بالكوفيّة وزنا بوزن، فقال: «لا بأس»(1).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستبدل الشاميّة بالكوفيّة وزنا بوزن، فيقول الصيرفي: لا أبدلك حتي تبدلني يوسفيّة بغلّة وزنا بوزن، فقال: «لا بأس به» فقلنا: إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة علي الغلّة، فقال: «لا بأس به»(2) و لو لا اتّحادهما في الجنس، لما جاز ذلك.

إذا ثبت هذا، فإذا اختلف الجنس، جاز التفاضل، لعموم قوله عليه السّلام:

«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(3).

و لأنّ محمّد بن مسلم سأله عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلين بمثل، قال: «لا بأس به يدا بيد»(4).

أمّا إذا اتّحد الجنس، فلا يجوز التفاضل في القدر، بل يجوز في الوصف كما قلنا: إنّه يجوز بيع جيّد الجوهر برديئه متساويا لا متفاضلا، فلو باعه مائة دينار جيّدة و مائة دينار رديئة بمائتين جيّدة أو رديئة أو وسط، جاز عندنا، خلافا للشافعي(5).

مسألة 208: الدراهم و الدنانير المغشوشة إن علم مقدار الغشّ فيها،

ص: 420


1- التهذيب 104:7، 447.
2- الكافي 247:5، 11، التهذيب 104:7-105، 448 بتفاوت يسير.
3- الجامع لأحكام القرآن 86:10.
4- التهذيب 98:7، 424، الاستبصار 93:3، 317.
5- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 143:5، الوجيز 136:1، العزيز شرح الوجيز 84:4، روضة الطالبين 53:3.

جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم يقابل الغشّ ليخلص من الربا لو بيع بقدر الصافي منها، و يجوز بيعها بغير الجنس مطلقا. و إن لم يعلم مقدار الغشّ، وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من الربا، لإمكان أن يتساوي الصافي و الثمن في القدر، فيبقي الغشّ زيادة في أحد المتساويين.

و لما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق، و إذا خلّصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة، قال: «لا يصلح إلاّ بالذهب» و سألته عن شراء الذهب فيه الفضّة و الزئبق و التراب بالدنانير و الورق، فقال: «لا تصارفه إلاّ بالورق»(1).

و لو بيع بوزن المغشوش، فإنّه يجوز، إذ الفاضل عن الصافي مقابل الغشّ.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجوز إنفاقه إلاّ بعد إبانته و إيضاح حاله، إلاّ أن يكون معلوم الصرف بين الناس، لاشتماله علي الغشّ المحرّم.

و لما رواه المفضل بن عمر الجعفي، قال: كنت عند الصادق عليه السّلام، فالقي بين يديه دراهم فألقي إليّ درهما منها، فقال: «ما هذا؟» فقلت:

ستوق، فقال: «و ما الستوق ؟» فقلت: طبقتان فضّة و طبقة من نحاس و طبقة من فضّة، فقال «اكسرها فإنّه لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه»(2).

أمّا مع الإيضاح و البيان فلا بأس، لانتفاء الغشّ.

و لما رواه علي بن رئاب - في الصحيح - قال: لا أعلمه إلاّ عن محمّد ابن مسلم، قال: قلت للصادق عليه السّلام: الرجل يعمل الدراهم يحمل عليهاظ.

ص: 421


1- التهذيب 109:7، 468.
2- التهذيب 109:7، 466، الاستبصار 97:3، 333 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

النحاس أو غيره ثمّ يبيعها، قال: «إذا بيّن ذلك فلا بأس»(1).

و كذا إذا كان يجوز بين الناس، لانتفاء الغشّ أيضا فيه.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال:

جاءه رجل من سجستان، فقال له: إنّ عندنا دراهم يقال لها: الشاهيّة، يحمل علي الدرهم دانقين، فقال: «لا بأس به إذا كان يجوز»(2).

مسألة 209: تراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر

- و به قال أبو حنيفة(3) - احتياطا و تحرّزا من الربا. و لو جمعا، بيعا بهما صرفا لكلّ منهما إلي غير جنسه، و الأصل حمل العقد علي الصحّة مهما أمكن.

و لما رواه أبو عبد اللّه مولي عبد ربّه عن الصادق عليه السّلام أنّه سأله عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضّة و صفر جميعا كيف نشتريه ؟ قال: «اشتر بالذهب و الفضّة جميعا»(4).

و قال الشافعي: لا يجوز، لجهالة المقصود(5). و هو ممنوع.

مسألة 210: تراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بجنس غيرهما لا بأحدهما،

تحرّزا من الربا، كما قلنا في تراب معدن أحد الجوهرين، خلافا للشافعي(6) ، كما تقدّم في تراب المعدن.

و إذا بيع، تصدّق بثمنه، لأنّ أربابه لا يتميّزون. و لو عرفوا، صرف إليهم، لما رواه علي بن ميمون الصائغ، قال: سألت الصادق عليه السّلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به ؟ فقال: «تصدّق به فإمّا لك و إمّا

ص: 422


1- التهذيب 109:7، 467، الاستبصار 97:3، 334.
2- التهذيب 108:7، 465
3- بدائع الصنائع 195:5.
4- الكافي 249:5، 22، التهذيب 111:7، 478.
5- المجموع 307:9.
6- المجموع 307:9.

لأهله» قلت: فإنّ فيه ذهبا و فضّة و حديدا فبأيّ شيء أبيعه ؟ قال: «بعه بطعام» قلت: فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه ؟ قال: «نعم»(1).

مسألة 211: يجوز بيع الرصاص و إن كان فيه فضّة يسيرة بالفضّة،

و بيع النحاس بالذهب و إن اشتمل علي ذهب يسير، و لا اعتبار بهما، لأنّه تابع غير مقصود البتّة بالبيع، فأشبه الحلية علي سقوف الجدران.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام في الأسرب [2] يشتري بالفضّة، فقال: «إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس»(2).

مسألة 212: المصاغ من النقدين معا إن جهل قدر كلّ واحد منهما،

بيع بهما معا أو بجنس غيرهما أو بالأقلّ إن تفاوتا مع الزيادة عليه حذرا من الربا. و إن علم قدر كلّ واحد منهما، بيع بأيّهما شاء مع زيادة الثمن علي جنسه. و لو بيع بهما أو بغيرهما، جاز مطلقا، لأصالة الجواز، و زوال مانعيّة الربا هنا.

و لما رواه إبراهيم بن هلال، قال: سألت الصادق عليه السّلام: جام فيه ذهب و فضّة أشتريه بذهب أو فضّة ؟ فقال: «إن كان تقدر علي تخليصه فلا، و إن لم تقدر علي تخليصه فلا بأس»(3).

مسألة 213: الدراهم و الدنانير إذا كانا خالصين، جاز مصارفة كلّ واحد منهما بجنسه متساويا
اشارة

و بغير جنسه مطلقا، سواء اتّفقت صفتهما أو لا.

ص: 423


1- الكافي 250:5، 24، التهذيب 111:7، 479.
2- الكافي 248:5، 15، التهذيب 111:7-112، 481.
3- الكافي 25:5، 26، التهذيب 112:7، 484.

و إن كان فيهما غشّ، فإن كان له قيمة - كالرصاص و النحاس - جاز بيع بعضها ببعض صرفا للخالص إلي الغشّ، و الغشّ إلي الخالص، و حملا علي صحّة البيع مهما أمكن.

و لما رواه عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام: قلت له: الدراهم بالدراهم مع أحدهما الرصاص وزنا بوزن، فقال: «لا بأس»(1) و به قال أبو حنيفة(2).

و قال الشافعي: لا يجوز، لجهل التساوي بين الفضّتين، لإمكان اختلاف الغشّ، و الجهل بالتساوي فيما فيه الربا كالعلم بالتفاضل، و هو مبني علي مقابلة الجنس بمثله(3).

و هو ممنوع، بل إمّا أن يقابل بمخالفه، أو تقابل الجملة بالجملة، و المركّب من المساوي و المختلف مخالف للمركّب من المساوي و المختلف، كالأنواع المندرجة تحت جنس واحد.

و إن كان الغشّ ممّا يستهلك، كالزرنيخيّة و الاندرانيّة في الفضّة التي تطلي علي النورة، و الزرنيخ المستهلك بدخوله النار، جاز البيع، عندنا أيضا علي ما تقدّم، خلافا للشافعي، للجهل بتساوي الفضّتين(4). و قد بيّنّا عدم اشتراط العلم بهما.

تذنيب: يجوز أن يشتري بكلّ واحد من هذين القسمين متاعا غير أحد النقدين،

لأنّه لمّا جاز شراء النقدين بهما فبغيرهما أولي - و هو أحد وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ عمر قال: من زافت دراهمه فليدخل السوق

ص: 424


1- الفقيه 184:3-185، 833، التهذيب 114:7، 493 بتفاوت يسير.
2- بدائع الصنائع 196:5.
3- حلية العلماء 158:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 281:1، حلية العلماء 158:4.
5- حلية العلماء 158:4.

فليشتر بها سحق الثياب(1).

و من طريق الخاصّة: قول عمر بن يزيد: سألت الصادق عليه السّلام عن إنفاق الدراهم المحمول عليها، فقال: «إذا جازت الفضّة المثلين(2) فلا بأس»(3) و هو محمول علي العلم بحالها و التعامل بمثلها.

و لأنّ المنع من ذلك يؤدّي إلي الإضرار، لأنّه لا يمكنه الانتفاع بها جملة.

و أمّا إذا اشتري بها ذهبا، كان بيعا و صرفا، فيكون هذا العقد قد اشتمل علي أمرين مختلفي الأحكام.

و فيه قولان للشافعي: المنع، و الجواز(4).

و الثاني [1]: المنع، لجهالة المقصود(5). و هو ممنوع.

مسألة 214: السيوف المحلاّة أو المراكب المحلاّة و غيرها بأحد النقدين
اشارة

إن علم مقدار الحلية، جاز البيع بجنسها مع زيادة الثمن في مقابلة السيف أو المركب ليخلص من الربا، أو مع اتّهاب المحلّي من غير شرط.

و يجوز بيعها بالجنس الآخر أو بغير النقدين مطلقا، سواء ساواه أو زاد أو نقص، لقوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(6).

و إن جهل مقدار الحلية، بيع بالجنس الآخر من النقدين أو بغيرهما أو

ص: 425


1- أورده السبكي في تكملة شرح المهذّب (المجموع) 409:10 بتفاوت يسير.
2- في الاستبصار: «الثلثين».
3- التهذيب 108:7، 463، الإستبصار 96:3، 330.
4- حلية العلماء 159:4.
5- حلية العلماء 158:4.
6- الجامع لأحكام القرآن 86:10.

بالجنس مع الضميمة، تحرّزا من الربا.

و لما رواه منصور الصيقل عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم ؟ فقال: «إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس، و إن كانت أكثر فلا يصلح»(1) و الأكثريّة هنا تتناول المساوي جنسا و قدرا، لحصولها بانضمام المحلّي إليها.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع المحلّي بالفضّة بالدراهم(2) ، لما تقدّم.

و قد أبطلناه. فإن باعه بذهب، فقولان، لأنّ العقد جمع بين عوضين مختلفي الأحكام، أحدهما: لا يجوز، لأنّه صرف و بيع، و هما مختلفا الأحكام. و الثاني: الجواز(3). و هو الحقّ عندنا، لأنّ كلّ واحد منهما يصحّ العقد عليه، فجاز جمعهما فيه.

و إن اختلف الحكمان، كما لو باع شقصا و ثوبا صفقة واحدة، فإنّ حكمهما مختلف، لثبوت الشفعة في الشقص دون الثوب.

و لو باعه بغير الذهب و الفضّة، جاز إجماعا، لانتفاء مانعيّة الربا و اختلاف الأحكام.

و لو اشتري خاتما من فضّة له فصّ بفضّة، جاز عندنا مع زيادة الثمن علي الفضّة أو اتّهاب الفصّ.

و منعه الشافعي، لأدائه إلي الربا إذا قسّمت الفضّة علي الفضّة و الفصّ(4).9.

ص: 426


1- التهذيب 113:7، 488، الإستبصار 98:3، 338.
2- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 71:3، المسألة 117.
3- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 71:3، المسألة 118.
4- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 72:3، المسألة 119.

و هو ممنوع، لأنّا شرطنا زيادة الثمن.

و لو باعه بذهب، جاز مطلقا عندنا.

و للشافعي قولان، لأنّه بيع و صرف(1).

تذنيب: لو باع السيف المحلّي بالنسبة بمساوئ الحلية في النقد

أو بالنقد الآخر، فإن نقد مقابل الحلية، جاز، و إلاّ فلا، لأنّ القبض في المجلس شرط في الصرف لا في السيف.

و لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن بيع السيف المحلّي بالنقد، فقال: «لا بأس» قال: و سألته عن بيع النسيئة، فقال: «إذا نقد مثل ما في فضّته فلا بأس»(2).

و لو كان الثمن غير النقدين، جاز نسيئة من غير شرط قبض شيء البتّة، لانتفاء شرطيّة القبض هنا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس ببيع السيف المحلّي بالفضّة بنساء إذا نقد عن فضّته، و إلاّ فاجعل ثمنه طعاما، و لينسه إن شاء»(3).

مسألة 215: الدراهم و الدنانير تتعيّنان بالتعيين،

فلو باعه بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير، لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها، بل يجب عليه دفع تلك العين، كالمبيع. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع، و لم يكن له دفع عوضها و إن ساواه مطلقا، و لا للبائع طلبه.

و إن وجد البائع بها عيبا، لم يستبدلها، بل إمّا أن يرضي بها، أو يفسخ العقد - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لاختلاف الأغراض باختلاف

ص: 427


1- الام 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 72:3، المسألة 120.
2- الكافي 249:5-250، 23، التهذيب 112:7، 485، الاستبصار 97:3، 335.
3- التهذيب 112:7، 486، الإستبصار 97:3، 336.
4- الحاوي الكبير 139:5-140، حلية العلماء 155:4-156، المغني 181:4 - 182 و 184، الشرح الكبير 182:4 و 190.

الأشخاص، كالمبيع. و لأنّها عوض يشار إليه بالعقد(1) ، فوجب أن يتعيّن كسائر الأعواض. و لأنّ الدراهم و الدنانير تتعيّن في الغصب و الوديعة فكذا هنا.

و لو أبدلها بمثلها أو بغير جنسها برضا البائع، فهو كبيع المبيع من البائع.

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن بالعقد، بل تتعيّن بالقبض، و يجوز إبدالها بمثلها. و إذا تلفت قبل القبض، لا ينفسخ العقد. و إذا وجد بها عيبا، كان له الاستبدال، لأنّه يجوز إطلاقه في العقد، و ما يجوز إطلاقه لا يتعيّن بالتعيين، كالمكيال و الصنجة. و لأنّه عوض في أعيانها(2).

و الجواب: أنّ جواز الإطلاق ثبت لأنّ له عرفا ينصرف إليه يقوم في بيانه مقام الصفة. و المكيال المراد(3) به تقدير المعقود عليه، و كلّ مكيال قدّر به فهو مقدّر بمثله، و لا يختلف ذلك، و هنا تختلف أعيانها فافترقا.

و العوض ينتقض بما بعد القبض و بالوديعة و بالغصب و بالإرهان و كلّ متساوي الأجزاء.

مسألة 216: إذا تقابضا الصرف ثمّ وجد أحدهما بما صار إليه عيبا،
فهو
اشارة

فهو(4) قسمان.

الأوّل: أن يكونا معيّنين.

فإمّا أن يكون العيب من غير الجنس - كأنّ يشتري فضّة فيخرج رصاصا، أو ذهبا فيخرج نحاسا - أو من الجنس، كأن

ص: 428


1- في «ق، ك»: في العقد.
2- بدائع الصنائع 218:5، الحاوي الكبير 138:5، حلية العلماء 156:4، المغني 184:4، الشرح الكبير 190:4.
3- في الطبعة الحجريّة: و المراد، بزيادة الواو.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و هو. و ما أثبتناه من تصحيحنا.

تكون الفضّة سوداء أو خشنة أو مضطربة السكّة مخالفة لسكّة السلطان.

فإن كان الأوّل، بطل البيع - و به قال الشافعي(1) - لأنّه غير ما اشتراه.

و كذا في غير الصرف لو باعه ثوبا علي أنّه كتّان فخرج صوفا، أو بغلة فخرجت حمارة، لوقوع العقد علي غير هذا الجنس. و يجب ردّ الثمن، و ليس له الإبدال، لوقوع العقد علي عين شخصيّة لا يتناول غيرها.

و لا الأرش، لعدم وقوع الصحيح علي هذه العين.

و قال بعض الشافعيّة: البيع صحيح، و يتخيّر المشتري، لأنّ البيع وقع علي عينه(2). و ليس بجيّد.

و لو كان البعض من غير الجنس، بطل فيه، و كان المشتري أو البائع بالخيار في الباقي بين الفسخ و أخذه بحصّته من الثمن بعد بسطه علي الجنس و علي الآخر لو كان منه، لتبعّض الصفقة عليه.

و للشافعي فيه قولان: الصحّة و البطلان(3).

و إن كان الثاني، تخيّر من انتقل إليه بين الردّ و الإمساك، و ليس له المطالبة بالبدل، لوقوع العقد علي عين شخصيّة.

ثمّ إن كان العيب في الكلّ، كان له ردّ الكلّ أو الإمساك، و ليس له ردّ البعض، لتفرّق الصفقة علي صاحبه.

و إن كان العيب في البعض، كان له ردّ الجميع أو إمساكه.

و هل له ردّ البعض ؟ الوجه: ذلك، لانتقال الصحيح بالبيع، و ثبوت5.

ص: 429


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، حلية العلماء 156:4، الحاوي الكبير 139:5 - 140، روضة الطالبين 155:3، المغني 178:4-179، الشرح الكبير 182:4.
2- حلية العلماء 157:4، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3.
3- الحاوي الكبير 140:5، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 3: 155.

الخيار في الباقي لا يوجب فسخ البيع فيه.

و يحتمل المنع، لتبعّض الصفقة في حقّ صاحبه.

و للشافعي قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا تفرّق، ردّ الكلّ أو أمسكه. و إن قلنا: تفرّق، ردّ المعيب و أمسك الباقي بحصّته من الثمن(1).

و يجيء علي مذهب الشافعيّة البطلان لو اشتري دراهم بدراهم فوجد في بعضها عيبا، لأدائه إلي التفاضل، لأنّ المعيب يأخذ من الثمن أقلّ ما يأخذ السليم، فيكون الباقي متفاضلا(2).

ثمّ إن اتّفق الثمن و المثمن في الجنس، كالدراهم بمثلها، و الدنانير بمثلها، لم يكن له الأرش، لما بيّنّا من أنّ جيّد الجوهر و رديئه جنس واحد، فلو أخذ الأرش، بقي ما بعده مقابلا لما هو أزيد منه مع اتّحاد الجنس، فيكون ربا.

و إن كان مخالفا، كالدراهم بالدنانير (كان له)(3) المطالبة بالأرش مع الإمساك ما داما في المجلس، فإن فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم، بطل فيه، لأنّه قد فات شرط الصرف، و هو التقابض في المجلس. و إن كان مخالفا، صحّ، لأنّه لا يكون صرفا.

القسم الثاني: أن يكونا غير معيّنين

بأن يتبايعا الدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير أو الدراهم بالدنانير في الذمّة و لا يعيّنان واحدا من العوضين و إنّما يعيّنانه في المجلس قبل التفرّق، سواء وصفا العوضين أو

ص: 430


1- الحاوي الكبير 140:5، حلية العلماء 156:4، العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 155:3-156، المغني 181:4-182.
2- انظر: المغني 182:4.
3- بدل ما بين القوسين في «ق، ك»: فله.

أطلقا إذا كان للبلد نقد غالب، مثل أن يقول: بعتك عشرة دراهم مستعصميّة بدينار مصريّ، أو يقول: بعتك عشرة دراهم بدينار، و كان لكلّ من الدراهم و الدنانير نقد غالب، فإنّه يصحّ إجماعا.

و لو لم يكن في البلد نقد غالب، لم يصحّ الإطلاق، و وجب بيان النوع، فإذا تصارفا، وجب تعيين ذلك في المجلس بتقابضهما.

فإن تقابضا ثمّ وجد أحدهما أو هما عيبا فيما صار إليه، فإن كان قبل التفرّق، كان له مطالبته بالبدل، سواء كان المعيب من جنسه أو من غير جنسه، لوقوع العقد علي مطلق سليم.

و إن كان بعد التفرّق، فإن كان العيب من غير الجنس في الجميع، بطل العقد، للتفرّق قبل التقابض. و إن كان في البعض، بطل فيه، و كان في الباقي بالخيار.

و للشافعي قولا تفريق الصفقة(1).

و إن كان العيب من جنسه، كان له الإبدال - و به قال الشافعي في أحد قوليه، و أبو يوسف و محمّد و أحمد(2) - لأنّه لمّا جاز إبداله قبل التفرّق جاز بعده، كالمسلم فيه.

و في الثاني: ليس له الإبدال - و هو قول المزني - و إلاّ لجاز التفرّق في الصرف قبل القبض، و هو باطل(3).

و الملازمة ممنوعة، لحصول القبض، و لهذا لو رضي بالعيب، لزم3.

ص: 431


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 284:4، و روضة الطالبين 156:3.
2- حلية العلماء 155:4، العزيز شرح الوجيز 283:4-284، روضة الطالبين 3: 156.
3- مختصر المزني: 78، حلية العلماء 155:4-156، العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 156:3.

البيع. فلو لم يكن اسم المبيع صادقا عليه، لما كان كذلك.

و هل له فسخ البيع ؟ الوجه: أنّه ليس له ذلك إلاّ مع تعذّر تسليم الصحيح، لأنّ العقد تناول(1) أمرا كلّيّا.

و يحتمل ثبوته، لأنّ المطلق يتعيّن بالتقابض و قد حصل.

و له الإمساك مجّانا و بالأرش مع اختلاف الجنس لا مع اتّفاقه، و إلاّ لزم الربا.

و مع الردّ هل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال.

و لو كان العيب في بعضه، كان له ردّ الكلّ أو المعيب خاصّة - خلافا للشافعي في أحد قوليه(2) - أو إمساكه مجّانا و بالأرش مع اختلاف الجنس.

و إذا ردّه، كان له المطالبة بالبدل، و الخلاف كما تقدّم في ظهور عيب الجميع.

و هل له فسخ العقد؟ علي ما تقدّم من الاحتمال.

و قال الشافعي: إذا جوّزنا الإبدال، لم يكن له الفسخ، كالعيب في المسلم فيه. و إن لم نجوّزه، كان له الخيار في الردّ و الفسخ في الجميع.

و هل له ردّ البعض ؟ مبنيّ علي تفريق الصفقة(3).

و هل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال ينشأ من أنّه صرف في البدل و المردود، و من عدمه.

و لو ظهر العيب بعد التقابض و تلف المعيب من غير الجنس، بطل3.

ص: 432


1- في الطبعة الحجريّة: يتناول.
2- الحاوي الكبير 140:5-141، العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.

الصرف، و يردّ الباقي، و يضمن التالف بالمثل أو القيمة. و لو كان من الجنس، كان له أخذ الأرش إن اختلف الجنس، و إلاّ فلا، لأنّه يكون ربا، بل ينفسخ العقد بينهما، و يردّ مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل، و يسترجع الثمن الذي من جهته.

تذنيب: نقص السعر أو زيادته لا يمنع الردّ بالعيب،

فلو صارفة دراهم - و هي تساوي عشرة - بدينار، فردّها و قد صارت تسعة بدينار أو أحد عشر، صحّ الردّ و لا ربا، و ليس للغريم الامتناع من الأخذ، إذ العبرة في الردّ بالعين لا بالقيمة.

مسألة 217: يجوز إخلاد أحد المتعاقدين إلي الآخر في قدر عوضه،
اشارة

فيصحّ البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس قبل اعتباره، لأصالة صدق العاقل، و اقتضاء عقله الامتناع من الإقدام علي الكذب.

إذا تقرّر هذا، فلو أخبره بالوزن فاشتراه، صحّ العقد، لأنّه كبيع المطلق، لكن يخالفه في التعيين. فإن قبضه ثمّ وجده ناقصا بعد العقد، بطل الصرف مع اتّحاد الثمن و المثمن في الجنس، سواء تفرّقا أو لا، لاشتماله علي الربا حيث باع العين الشخصيّة الناقصة بالزائدة.

أمّا لو اختلف الجنس فإنّ البيع لا يبطل من أصله، لقبول هذا العقد التفاوت بين الثمن و المثمن، فكان بمنزلة العيب، بل يتخيّر من نقص عليه بين الردّ و الأخذ بحصّته من الثمن أو بالجميع علي ما تقدّم.

و لو وجد زائدا و اتّحد الجنس، فإن عيّن بأن قال: بعتك هذا الدينار بهذا الدينار، بطل البيع، لاشتماله علي الربا. و لو لم يعيّن بأن قال: بعتك دينارا بدينار، ثمّ دفع إليه الزائد، صحّ البيع، لعدم تعيين هذا الزائد هنا، لوقوع العقد علي مطلق، و تكون الزيادة في يد قابضها أمانة، لوقوعها في

ص: 433

يده من غير تعدّ منه بل بإذن مالكها.

و يحتمل أن تكون مضمونة، لأنّه قبض الدينار الزائد علي أنّه عوض ديناره، و المقبوض بالبيع الصحيح أو الفاسد مضمون علي قابضه.

نعم، لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في تحقيق الزيادة أو ليزن حقّه منه في وقت آخر ثمّ يردّ الزائد، فإن الزيادة هنا أمانة قطعا.

و لو كان الثمن و المثمن متغايرين في الجنس، صحّ البيع علي ما تقدّم، و الزيادة لصاحبها. و لو كانت الزيادة لاختلاف الموازين، فإنّها لقابضها، لعدم الاعتداد بمثلها، و لإمكان القبض في البعض.

تذنيب: لقابض الزيادة فسخ البيع للتعيّب بالشركة

إن منعنا الإبدال مع التفرّق. و لو أسقطها الدافع، لم يسقط الخيار، إذ لا يجب عليه قبول الهبة. و كذا لدافعها الخيار، إذ لا يجب عليه أخذ العوض. و لو تفرّقا(1) ، ردّ الزائد و طالب بالبدل.

مسألة 218: قد بيّنّا أنّ جيّد الجوهر و رديئه جنس واحد،

و كذا صحيحه و مكسوره، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متساويا، خلافا للشافعي علي ما تقدّم(2).

و لا يجوز التفاضل، فلو أراده، وجب إدخال مخالف في الجنس بينهما. فلو أراد أن يشتري بدراهم صحاح دراهم مكسورة أكثر وزنا منها، لم يجز إجماعا، لاشتمالها علي الربا.

فإن باعها بذهب و قبضه ثمّ اشتري به مكسورة أو صحيحة أكثر، جاز ذلك، سواء كان ذلك عادة أو لا، عند علمائنا - و به قال الشافعي

ص: 434


1- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة، و الظاهر: و لو لم يتفرّقا.
2- في ص 419، المسألة 207.

و أبو حنيفة(1) - لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله استعمل رجلا علي خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «أ كلّ تمر خيبر هكذا؟» فقال:

لا و اللّه يا رسول اللّه إنّا لنأخذ الصاع بالصاعين و الصاعين بالثلاثة، فقال:

«لا تفعل، بع الجمع بالدراهم و ابتع بالدراهم جنيبا»(2). و الجنيب: أجود التمر. و الجمع: كلّ لون من التمر لا يعرف له اسم.

و من طريق الخاصّة: ما رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل يجيء إلي صيرفيّ و معه دراهم يطلب أجود منها، فيقاوله علي دراهم تزيد كذا و كذا بشيء قد تراضيا عليه، ثمّ يعطيه بعد بدراهمه دنانير، ثمّ يبيعه الدنانير بتلك الدراهم علي ما تقاولا عليه أوّل مرّة، قال:

«أ ليس ذلك برضا منهما معا؟» قلت: بلي، قال: «لا بأس»(3).

و قال مالك: إن فعل ذلك مرّة واحدة، جاز. و إن تكرّر، لم يجز، لأنّ ذلك يضارع الربا و يؤدّي إليه(4).

و هو ممنوع، لأنّه باع الجنس بغيره نقدا فجاز، كما لو كان مرّة. و لو كان ذلك ربا، كان حراما مرّة و أكثر.

مسألة 219: إذا باع الصحاح أو الأكثر وزنا بالذهب و تقابضا
اشارة

ثمّ اشتري بالذهب المكسّرة أو الأقلّ وزنا، صحّ البيع عندنا، لعموم قوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(5) سواء تفرّقا بعد التقابض قبل العقد

ص: 435


1- التهذيب - للبغوي - 361:3، حلية العلماء 189:4، العزيز شرح الوجيز 78:4.
2- صحيح البخاري 102:3 و 129، و 178:5-179، صحيح مسلم 3: 1215، 95، سنن النسائي 271:7-272، سنن البيهقي 291:5.
3- التهذيب 106:7، 455.
4- حلية العلماء 189:4، العزيز شرح الوجيز 78:4، المغني 193:4.
5- الجامع لأحكام القرآن 86:10.

الثاني أو لا، و سواء تخايرا بينهما أو لا - و به قال ابن سريج من الشافعيّة(1) - لأنّ دخولهما في العقد رضا به، فجري مجري التخاير، فيلزم الأوّل و ينعقد الثاني.

و قال القفّال منهم: إنّه لا ينعقد البيع الثاني إلاّ بعد التفرّق بعد التقابض قبل العقد الثاني أو التخاير بينهما، إلاّ علي القول الذي يقول: إنّ الخيار لا يمنع انتقال الملك، فأمّا إذا قلنا: يمنع انتقال الملك، فلا يصحّ، لأنّه باعه غير ملكه إلاّ أنّ ذلك يكون قطعا للخيار، و يستأنفان العقد. و الأوّل أصحّ، لأنّ قصدهما للتبايع رضا به، و جار مجري التخاير، لما فيه من الرضا باللزوم [1].

و كذا لو اشتري جارية من رجل ثمّ زوّجها به في مدّة الخيار، صحّ النكاح عندنا و عند أبي العباس بن سريج [2]، و يجري عند القفّال علي الأقوال في الملك [3].

فروع:
أ - لو باعه من غير بائعه قبل التفرّق و التخاير، صحّ عندنا،

لأنّ الملك قد حصل بالعقد، و لهذا يكون النماء للمشتري، و تزلزله لا يمنع من تصرّف المشتري.

و قال الشافعي: لا يصحّ، لأنّه يسقط خيار البائع، و ليس له ذلك(2).

و هو ممنوع، لأنّ صحّة البيع لا تنافي ثبوت الخيار لغير المتعاقدين.

ص: 436


1- حلية العلماء 189:4-190، العزيز شرح الوجيز 78:4.
2- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
ب - لو باعه

ب - لو باعه(1) الصحاح بعوض غير النقدين ثمّ اشتري به المكسّرة، صحّ مطلقا،

سواء تقابضا في المجلس أو لا، تخايرا أو لا.

ج - تجوز الحيلة في انتقال الناقص بالزائد بغير البيع أيضا

بأن يقرضه الصحاح و يقترض منه المكسّرة بقدر قيمتها ثمّ يبرئ كلّ واحد منهما صاحبه، لانتفاء البيع هنا، فلا صرف و لا ربا. و كذا لو وهب كلّ منهما لصاحبه العين التي معه. و كذا لو باعه الصحاح بوزنها ثمّ وهب له الباقي من غير شرط. و لو جمع بينهما في عقد، فالأقرب الجواز، خلافا للشافعي [1].

د - لو اشتري نصف دينار قيمته عشرون درهما و معه عشرة دفعها

و قبض الدينار بأجمعه ليحصل قبض النصف، و يكون نصفه له بالبيع و الآخر أمانة في يده و يسلّم الدراهم، صحّ، و به قال الشافعي(2).

فإن اشتراه بأجمعه بعشرين، دفع العشرة ثمّ استقرضها منه، فيثبت في ذمّته مثلها.

و للشافعي فيه قولان:

أحدهما: هذا، و هو الأصحّ، لأنّ هذه الدراهم دفعها لما عليه من الدّين، و ذلك تصرّف، كما لو اشتري بها النصف الآخر من الدينار، فإنّه يجوز، و يكون ذلك تصرّفا.

و الثاني: المنع، لأنّ القرض يملك بالتصرّف، و هذه الدراهم لم يتصرّف فيها و إنّما ردّها(3) إليه علي حالها، فكان ذلك فسخا

ص: 437


1- في الطبعة الحجريّة: باع.
2- العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: ردّه. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

للقرض(1). و هو ممنوع.

أمّا لو استقرض عشرة غيرها و دفعها عوضا عن باقي الثمن، جاز إجماعا.

ه - لو كان معه تسعة عشر درهما و أراد شراءه بعشرين، فعلي ما تقدّم،

فإن لم يقرضه البائع و تقابضا و تفرّقا قبل تسليم الدرهم، فسد الصرف فيه خاصّة، و كان للبائع نصف عشر الدينار.

و للشافعي [1] قولان في الفساد في الباقي، فإن سوّغ تفريق الصفقة، صحّ، و إلاّ فلا. نعم، يثبت الخيار.

فإن أراد الخلاص من الخيار عندنا و الفسخ عنده، تفاسخا العقد قبل التفرّق ثمّ تبايعا تسعة عشر جزءا من عشرين جزءا من الدينار بتسعة عشر درهما، و سلّم(2) الدينار ليكون الباقي أمانة.

و - لو كان عليه دين عشرة دنانير فدفع عشرة عددا فوزنها فكانت أحد عشر دينارا،

كان الزائد مضمونا علي القابض مشاعا، لأنّه قبض ذلك علي أن يكون بدلا من دينه، و ما يقبض علي سبيل المعاوضة يكون مضمونا، بخلاف الباقي لبائع الدينار في البيع في الفرع السابق، لأنّه قبضه لصاحبه، فكان أمانة في يده.

ثمّ إن شاء طالبه بالدينار، و إن شاء أخذ عوضه دراهم و قبضها في الحال، و إن شاء أخذ عينا غير النقدين، و إن شاء أسلمه إليه في موصوف.

و هل له الاستعادة و دفع القدر لا غير؟ الأقرب: ذلك.

ص: 438


1- حلية العلماء 190:4، العزيز شرح الوجيز 79:4.
2- في الطبعة الحجريّة: يسلّم.
مسألة 220: تجوز المصارفة بما في الذمم،

فلو كان له علي غيره ألف درهم و للغير عليه مائة دينار فتصارفا بهما، صحّ الصرف. و كذا لو اتّفق الجنس و تساوي القدر و إن اختلفت الصفات، عملا بالأصل و النصوص.

و بما رواه عبيد بن زرارة - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يكون له عند الصيرفيّ مائة دينار و يكون للصيرفي عنده ألف درهم، فيقاطعه عليها، قال: «لا بأس»(1).

و لا يشترط هنا التقابض، لحصوله قبل البيع، لكن لا يخلو من إشكال منشؤه اشتماله علي بيع دين بدين.

و لو تباريا أو تصالحا، جاز قطعا.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أيضا اقتضاء أحد النقدين من الآخر و يكون مصارفة عين بدين بأن يكون له علي غيره ألف درهم فيشتريها الغير منه بمائة دينار يدفعها إليه في المجلس، لما تقدّم.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون عليه دنانير، فقال: «لا بأس أن يأخذ بثمنها دراهم»(2).

و سأله في الرجل يكون له الدّين دراهم معلومة إلي أجل فجاء الأجل و ليس عند الذي حلّ عليه دراهم، قال له: خذ منّي دنانير بصرف اليوم، قال: «لا بأس»(3).

و لو لم يحصل قبض العين في المجلس حتي تفارقا قبله، بطل الصرف، لانتفاء شرطه.

ص: 439


1- التهذيب 103:7، 443.
2- التهذيب 102:7، 437، الاستبصار 96:3، 327.
3- التهذيب 102:7، 438، الإستبصار 96:3، 328.
مسألة 221: لو دفع قضاء الدّين علي التعاقب من غير مساعرة و لا محاسبة، كان له الإندار

بسعر وقت القبض و إن كان مثليّا، لأنّه بإقباضه له عيّن حقّه فيه، فيندر ما يساوي من مخالفه في تلك الحال من الدّين الذي عليه.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يكون له علي الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثمّ يتغيّر السعر، قال: «فهي له علي السعر الذي أخذها يومئذ»(1).

و عن يوسف بن أيّوب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له علي رجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: «له سعر يوم أعطاه»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّه يحسب كلّ مقبوض في يوم بسعر ذلك اليوم، سواء كان مثليّا، كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير، أو غير مثليّ، و هو فيه أظهر.

أمّا لو لم يكن الدفع علي وجه القضاء بأن يكون له عند صيرفيّ دينار فيأخذ منه دراهم لا علي وجه الاقتضاء و لم يجر بينهما معاملة و لا بيع، كان الدينار له و الدراهم عليه، فإن تباريا ذلك بعد أن يصير في ذمّة كلّ واحد منهما ما أخذه، جاز، و به قال الشافعي(3).

مسألة 222: لو كان عنده دينار وديعة فاشتراه من صاحبه بدراهم،
اشارة

صحّ إذا دفع الدراهم في المجلس، و لا يشترط ردّ الدينار و قبضه ثانيا، لأنّه

ص: 440


1- الفقيه 184:3، 829، التهذيب 107:7، 459.
2- التهذيب 108:7، 461.
3- الحاوي الكبير 152:5.

مقبوض عنده، فإن تفرّقا قبل قبض الدراهم، بطل الصرف، و كان الدينار مضمونا علي مستودعه، سواء علما وجود الدينار حال عقد البيع أو ظنّاه أو شكّا فيه، لأنّ الأصل البقاء. أمّا لو علما عدمه حينئذ، كان الصرف باطلا.

و كذا حكم غير الصرف من البيوع و المعاوضات.

و قال الشافعي: إذا لم يقرّ الذي عنده الدينار أنّه استهلكه حتي يكون ضامنا و لا أنّه في يده، لم يصحّ الصرف، لأنّه غير مضمون و لا حاضر، و يجوز أن يكون هلك في ذلك الوقت، فيبطل الصرف، أمّا إذا علما البقاء، صحّ الصرف(1).

و هو ممنوع، لأنّ الأصل البقاء، و ظنّه كاف.

فروع:
أ - إذا اشتري دينارا بدينار و تقابضا و مضي كلّ منهما يزن الدينار الذي قبضه، صحّ

إذا اشتمل المقبوض علي الحقّ، سواء زاد عليه أو ساواه، و قد تقدّم(2).

و قال الشافعي: لا يصحّ مع الجهل إلاّ إذا عرف أحدهما وزن الدينار و صدّقه الآخر، فلو وزن أحدهما فوجد المقبوض ناقصا، بطل الصرف، لاشتماله علي عوضين متفاضلين [1].

ب - لو اشتري دراهم بدنانير فقال له آخر: ولّني نصفها بنصف الثمن، صحّ،

لأنّ التولية بيع.

ص: 441


1- الأم 31:3-32.
2- في ص 418، المسألة 206.

و لو قال: اشتر عشرين درهما بدينار لنفسك و ولّني نصفها بنصف الدينار، لم يصح، لأنّ التولية بيع، و لا يصحّ البيع قبل التملّك، و به قال الشافعي، لعلّة المنع من بيع الغائب [1].

ج - لو باعه بنصف دينار، دفع المشتري شقّ دينار، لأنّه حقيقة فيه،

و لا يلزمه نصف دينار صحيح، إلاّ أن يريده عرفا أو يغلب العرف فيه، فينصرف الإطلاق إليه، كما انصرف في نصف درهم و ربع درهم. و لو لم يغلب العرف في أحدهما، وجب التعيين، فإن أخلاّ به، بطل، للجهالة.

فإن باعه شيئا آخر بنصف دينار مطلق، جاز، و وجب شقّ دينار مثل الأوّل.

فإن أعطاه شقّي دينار، بريء منه. و إن أعطاه دينارا صحيحا، فقد زاده خيرا.

و لو باعه الثاني بنصف دينار علي أن يعطيه الأوّل و الثاني صحيحا، جاز، و لزمه دفع صحيح، عملا بالشرط السائغ شرعا، سواء كان البيع الثاني بعد لزوم الأوّل أو قبله في المجلس.

و قال الشافعي: إن كان البيع الثاني بعد لزوم الأوّل، فسد الثاني، لأنّ الزيادة لا تلزم في الأوّل و قد شرطها في الثاني. و إن كان ذلك قبل التفرّق، فسد الأوّل و الثاني [2].

و هو مخالف لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

د - لو باعه ثوبا بمائة درهم من صرف عشرين درهما بدينار، بطل،

لأنّ المسمّي هو الدراهم و هي مجهولة، لأنّ وصف قيمتها لا تصير به معلومة، و لو كان نقد البلد صرف عشرين بدينار، لم يصحّ أيضا، لأنّ

ص: 442


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.

السعر يختلف، و لا يختصّ ذلك بنقد البلد.

و كذا ما يفعلونه الآن يسمّون الدراهم و إنّما يبيعون الدنانير و يكون كلّ قدر معلوم من الدراهم عندهم دينارا. و هو باطل، لأنّ الدراهم لا يعبّر بها عن الدنانير لا حقيقة و لا مجازا، مع أنّ البيع بالكناية باطل، بل يجب التصريح.

و الأقوي عندي: أنّ صرف العشرين بالدينار إذا كان واحدا معيّنا معلوما للمتعاقدين، صحّ البيع، و انصرف الثمن إليه، كما لو كانت الإماميّة عشرين بدينار، و غيرها أزيد أو أنقص، فباعه بدراهم صرفها عشرون بدينار، انصرف إلي الإماميّة عرفا، لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «اشتري أبي أرضا و اشترط علي صاحبها أن يعطيه ورقا كلّ دينار بعشرة دراهم»(1).

مسألة 223: لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ممّا يتعامل الناس به وقت الأجل، بطل البيع،
اشارة

للجهالة.

و لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام:

في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلي أجل، قال: «فاسد، فلعلّ الدينار يصير بدرهم»(2).

أمّا لو استثني الدرهم الآن و كان معلوم النسبة إلي الدينار، صحّ البيع.

و لو كان البيع نقدا و جهل النسبة، بطل أيضا البيع، لجهالة الثمن.

و كذا لو باعه بما يتجدّد من النقد، و لو قدّر الدرهم من الدينار، صحّ.

و الأولي في ذلك كلّه استثناء جزء من الدينار، لما رواه وهب عن

ص: 443


1- الكافي 249:5، 18، التهذيب 112:7، 482.
2- التهذيب 116:7، 502.

الصادق عن الباقر عليهما السّلام أنّه كره أن يشتري الرجل بدينار إلاّ درهما و إلاّ درهمين نسيئة، و لكن يجعل ذلك بدينار إلاّ ثلثا و إلاّ ربعا و إلاّ سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار(1).

و الأصل جهالة النسبة، فإنّها المانعة من الصحّة.

و كذا لو كان الثمن حالاّ و جهل النسبة، لانتفاء شرط البيع، و هو العلم بقدر الثمن.

روي حمّاد بن ميسر عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنّه لا يدري كم الدينار من الدرهم(2).

و كذا لو باعه ثوبا بمائة درهم إلاّ دينارا، لم يصح، لجهالة الثمن، لأنّه لا يعلم كم حصّة الدينار من المائة، و لا يعلم كم يبقي منها ثمنا.

أمّا لو أقرّ بذلك، صحّ، لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح.

و لو قيل بالجواز مع إرادة العرف من إطلاق الدينار علي عدد معلوم من الدراهم، كان أقرب.

تذنيب: لو قال لصائغ: صغ لي خاتما من فضّة فيه درهم

لأعطيك درهما و أجرتك، فصاغه، لم يكن بيعا، و الخاتم للصائغ، لأنّه اشتري فضّة مجهولة بفضّة مجهولة و تفرّقا قبل القبض، و له بعد فراغه ابتياعه بمهما شاء.

مسألة 224: روي جواز ابتياع درهم بدرهم، و يشترط عليه صياغة خاتم
اشارة

مسألة 224: روي جواز ابتياع درهم بدرهم، و يشترط عليه صياغة خاتم(3).

ص: 444


1- التهذيب 116:7، 503.
2- التهذيب 116:7، 504.
3- انظر: الكافي 249:5، 20، و التهذيب 110:7، 471.

و لست أري به بأسا، لانتفاء الربا هنا، إذ الشرط ليس جزءا من أحد العوضين، و لو كان كذلك، لبطل كلّ عقد تضمّن شرطا، لاستلزامه الجهالة في العوض.

و منعه بعض(1) علمائنا، قال: فإن صحّت هذه الرواية، وجب الاقتصار علي هذه الصورة، و لا يجوز التعدية.

تذنيب: لو اشتري ثوبا بعشرين درهما غير معيّنة و دفعها،

و وزنها أكثر من عشرين و أخذ بدل الباقي منه فضّة، جاز.

و لو شرط في بيع الثوب أن يعطيه صحاحا و يأخذ بدل ما يفضل من وزنها فضّة، جاز عندنا، خلافا للشافعي، لأنّه شرط بيعا في بيع، و ذلك غير جائز [1]. و هو ممنوع.

ص: 445


1- لم نتحقّقه، و انظر: شرائع الإسلام 50:2.

المجلد 11

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الحادي عشر

تتمة القاعدة الثانية في العقود

تتمه كتاب البيع

المقصد الثالث: في وثاقه عقد البيع و ضعفه.
مقدّمة:

الأصل في البيع اللزوم؛ لأنّ الشارع وضعه مفيداً لنقل الملك من البائع إلي المشتري، و الأصل الاستصحاب، و الغرض تمكّن كلٍّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه، و إنّما يتمّ باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه. و إنّما يخرج عن أصله بأمرين:

أحدهما: ثبوت الخيار إمّا لأحد المتعاقدين أو لهما من غير نقصٍ في أحد العوضين بل للتروّي خاصّة.

و الثاني: ظهور عيب في أحد العوضين، فهنا فصلان:

ص: 5

ص: 6

الفصل الأوّل: في الخيار
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: في أقسامه،
اشارة

و هي سبعة، و ينظمها مباحث:

الأوّل: خيار المجلس.
اشارة

مسألة 225: ذهب علماؤنا إلي أنّ لكلٍّ من المتبايعين خيارَ الفسخ بعد العقد ما داما في المجلس، و لا يلزم العقد بمجرّده، إلّا أن يشترطا أو أحدهما سقوط الخيار و هو قول عليّ (عليه السّلام) و ابن عمر و أبي هريرة و أبي بردة من الصحابة، و من التابعين: شريح و الشعبي و سعيد بن المسيّب و الحسن البصري و طاوُوس و عطاء و الزهري. و من الفقهاء: الأوزاعي و ابن أبي ذئب و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد و الشافعي(1) لما رواه الجمهور عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «المتبايعان كلّ واحد منهما علي صاحبه بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار

ص: 7


1- المغني 7:4، الشرح الكبير 69:4، مختصر اختلاف العلماء 47:3، 1125، الاستذكار 230229:20، 29957 29959، بداية المجتهد 170:2، مختصر المزني: 75، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 15:4، العزيز شرح الوجيز 169:4، المجموع 184:9، روضة الطالبين 100:3.
2- الموطّأ 671:2، 79، سنن أبي داوُد 273272:3، 3454، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5.

ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(1).

و لأنّه عقد يحصل فيه التغابن، و يحتاج إلي التروّي، فوجب أن يشرع لاستدراك أمره بثبوت الخيار ليخلص من الغبن المؤدّي إلي الضرر المنفي شرعاً. و لأنّه عقد يقصد به تمليك المال، فلا يلزم بمجرّد العقد، كالهبة.

و قال أبو حنيفة و مالك: يلزم العقد بالإيجاب و القبول، و لا يثبت خيار المجلس؛ لأنّ عمر قال: البيع صفقة أو خيار. معناه: صفقة لا خيار فيها، أو صفقة فيها خيار. و لأنّه عقد معاوضة، فلا يثبت فيه خيار، كالنكاح و الكتابة و الخلع(2).

و قول عمر ليس حجّةً خصوصاً مع معارضته لما ورد عن النبيّ و أهل بيته (عليهم السّلام). و قد روي الشعبي عن عمر(3) أيضاً مثل قولنا، فسقط الاستدلال بهذه الرواية بالكلّيّة، أو تُحمل «أو» بمعني الواو.

و لأنّا نقول بموجبه؛ فإنّ البيع إمّا صفقة لا خيار فيها بشرط إسقاط الخيار، أو خيار بأصل العقد.

و النكاح يخالف البيع؛ فإنّه لا يدخله خيار الشرط. و لأنّه لا يعقد في العادة إلا بعد التروّي و الفكر؛ لعدم تكثّره، بخلاف البيع.5.

ص: 8


1- الكافي 170:5، 6، الخصال 127 128، 128، التهذيب 20:7، 85، الاستبصار 72:3، 240.
2- مختصر اختلاف العلماء 46:3، 1125، الاستذكار 227226:20، 29941 و 29942، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 1615:4، التهذيب للبغوي - 290:3، العزيز شرح الوجيز 169:4، المجموع 184:9، بداية المجتهد 170:2، المغني 7:4، الشرح الكبير 69:4.
3- الحاوي الكبير 37:5.

إذا ثبت هذا، فقد اختلفوا في قوله (عليه السّلام): «إلّا بيع الخيار».

فقال أبو حنيفة و مالك: بيع الخيار ما يثبت فيه الخيار بالشرط إمّا ثلاثة أيّام، كما هو مذهب أبي حنيفة، أو ما تدعو الحاجة إليه، كقول مالك(1).

و قال الشافعي: بيع الخيار ما قطع فيه الخيار و أسقط منه(2).

مسألة 226: و يثبت هذا خيار المجلس في جميع أقسام البيع، كالسلف و النسيئة و المرئيّ و الموصوف و الصرف و التولية و المرابحة، و بالجملة جميع ما يندرج تحت لفظ البيع ممّا لم يشترط فيه سقوطه؛ لعموم قوله: «البيّعان بالخيار»(3) عند كلّ مَنْ أثبت الخيار إلّا في صُور وقع فيها الخلاف:

أ إذا باع مال نفسه من ولده الصغير أو بالعكس، فالأقرب ثبوت الخيار هنا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) لأنّ الوليّ هنا قائم مقام الشخصين في صحّة العقد، فكذا في الخيار.

و الثاني: لا يثبت؛ لأنّ لفظ الخبر «البيّعان» و ليس هنا اثنان(5).

و الجواب: أنّه ورد علي الغالب.9.

ص: 9


1- بداية المجتهد 209:2، حلية العلماء 19:4، الحاوي الكبير 65:5، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
2- المجموع 191190:9.
3- صحيح البخاري 84:3، سنن ابن ماجة 736:2، 2182 و 2183، سنن أبي داوُد 274:3، 3459، سنن الترمذي 550:3، 1247، سنن النسائي 249:7، سنن الدارمي 250:2، سنن البيهقي 271269:5.
4- الوسيط 101:3، حلية العلماء 18:4، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
5- الوسيط 101:3، حلية العلماء 18:4، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.

و علي ما قلناه يثبت الخيار للوليّ و للطفل معاً، و الوليّ نائب عن الطفل، فإن التزم لنفسه و للطفل، لزم. و إن التزم لنفسه، بقي الخيار للطفل. و إن التزم للطفل، بقي لنفسه.

و لو فارق المجلس، لم يبطل الخيار؛ لأنّ مفارقة المجلس مع الاصطحاب لا تُعدّ مفارقةً مؤثّرة في زوال الخيار، و الشخص لا يفارق نفسه و إن فارق المجلس، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه بمفارقته المجلس يلزم العقد(1). و ليس بجيّد.

و حينئذٍ إنّما يلزم بإسقاط الخيار، أو اشتراط سقوطه في العقد، و إلّا يثبت دائماً.

و كذا لو باع مال أحد ولديه علي الآخر و هُما صغيران، و البحث كما تقدّم.

ب لو اشتري مَنْ ينعتق عليه بالملك كالأب و الابن، لم يثبت خيار المجلس فيه أيضاً؛ لأنّه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري؛ لأنّه وطّن نفسه علي الغبن المالي، و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروّي لدفع الغبن عن نفسه.

و أمّا من جهة البائع فهو و إن كان عقد معاوضة لكنّ النظر إلي جانب العتق أقوي، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يثبت؛ لقوله (عليه السّلام): «لن يجزي(2) ولد والده إلّا بأن».

ص: 10


1- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
2- في المصادر: «لا يجزي..».

يجده مملوكاً فيشتريه(1) فيعتقه»(2) فإنّه يقتضي إنشاء إعتاقٍ بعد العقد(3). و هو ممنوع.

و أكثر الشافعيّة بنوا الخيارَ هنا علي أقوال الملك في زمن الخيار، فإن كان للبائع، فلهما الخيار، و لا يحكم بالعتق إلّا بعد مضيّ الخيار. و إن كان موقوفاً، فلهما الخيار أيضاً، و إذا أمضيا العقد، ظهر أنّه عتق بالشراء. و إن كان للمشتري، فلا خيار له، و يثبت للبائع(4).

و متي يعتق ؟ فيه وجهان عندهم:

أظهرهما: أنّه لا يحكم بالعتق حتي يمضي زمان الخيار ثمّ يحكم بعتقه يوم الشراء.

و الثاني: أنّه يعتق في الحال.

و حينئذٍ هل يبطل خيار البائع ؟ وجهان، كما إذا أعتق المشتري العبدَ الأجنبيّ في زمن الخيار، فإنّ فيه الوجهين. و أقواهما: ثبوت الخيار للبائع و إن كان المشتري مالكاً في زمن الخيار، و أنّ العبد لا يعتق في الحال؛ لأنّه لم يوجد منه الرضا إلّا بأصل العقد(5).

ج إذا اشتري العبد نفسه من مولاه و قلنا بالصحّة، فلا خيار له.

و للشافعيّة في خيار المجلس هنا وجهان(6).7.

ص: 11


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يشتريه». و ما أثبتناه من المصادر.
2- صحيح مسلم 1148:2، 1510، سنن ابن ماجة 1207:2، 3659، سنن أبي داوُد 335:4، 5137، سنن الترمذي 315:4، 1906، مسند أحمد 458:2، 7103، و 517، 7516، و 72:3، 8676 و 193، 9452.
3- العزيز شرح الوجيز 171:4، المجموع 176:9.
4- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
5- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
6- العزيز شرح الوجيز 172171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9-177.

د لو اشتري جمداً في شدّة الحرّ، ففي الخيار إشكال. و للشافعيّة وجهان؛ لتلفه بمضيّ الزمان(1).

ه لو شرطا نفي خيار المجلس في عقد البيع، صحّ الشرط و سقط الخيار.

و للشافعيّة في صحّة البيع و الشرط قولان(2).

و لو اشتري الغائب بوصفٍ، يثبت عندنا خيار المجلس و الرؤية معاً فيه.

و للشافعي في صحّة البيع قولان، فإن قال بصحّته، لم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية عنده(3). و ليس بجيّد.

مسألة 227: و لا يثبت خيار المجلس في شيء من العقود سوي البيع عند علمائنا؛ عملاً بأصالة اللزوم، و عروض الجواز، خرج عنه البيع؛ لقوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار»(4) فيبقي الباقي علي اللزوم بمقتضي عموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5).

و أثبت الشافعي خيار المجلس فيما شابه البيع، كصلح المعاوضة(6).

و هو مبنيّ علي القياس الباطل عندنا.9.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 177:9.
2- التهذيب للبغوي 291:3، روضة الطالبين 104103:3، المجموع 179178:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 172:4، و روضة الطالبين 102101:3، و المجموع 177:9.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 9، الهامش (3).
5- المائدة: 1.
6- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.

إذا ثبت هذا، فاعلم أنّ العقد إمّا أن يكون جائزاً من الطرفين - كالشركة و الوكالة و القراض و الوديعة و العارية أو جائزاً من أحد الطرفين لازماً من الآخر، كالضمان و الكتابة. و لا خيار في هذين القسمين.

أمّا الجائز من الطرفين: فلأنّهما بالخيار أبداً، فلا معني لخيار المجلس.

و أمّا الجائز من أحدهما: فلهذا المعني من حيث هو جائز في حقّه، و الآخر دخل فيه موطّناً نفسه علي الغبن، و مقصود الخيار التروّي لدفع الغبن عن نفسه.

و كذا الرهن لا يثبت فيه خيار المجلس، إلّا أن يكون مشروطاً في بيعٍ و أقبضه قبل التفرّق و أمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع حتي ينفسخ الرهن تبعاً.

و قال بعض الشافعيّة: يثبت الخيار في الكتابة(1). و بعضهم أثبته في الضمان(2). و هُما غريبان.

أو يكون لازماً من الطرفين، و هو قسمان: إمّا أن يكون عقداً وارداً علي العين، و إمّا وارداً علي المنفعة.

فمن أنواع الأوّل: البيعُ، و يثبت خيار المجلس في جميع أنواعه إلّا ما استثني. و يثبت خيار الشرط في جميع أنواعه إلّا السلف و الصرف و به قال الشافعي(3) لافتقار العقد فيهما إلي التقابض في المجلس و التفرّق من غير علقة بينهما، و ثبوت الخيار بعد التفرّق يمنع لزوم القبض فيه، و يثبت9.

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.
2- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.
3- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 170:4 و 193، التهذيب للبغوي 292:3 و 293، روضة الطالبين 111:3، المجموع 192:9.

بينهما علقة بعد التفرّق.

و لا يثبت خيار المجلس في الصلح؛ لاختصاص الخبر(1) بالبيع.

و قسّم الشافعي الصلحَ إلي أقسام ثلاثة: صلح هو بيع، مثل أن يدّعي داراً فيقرّ المتشبّث له بها ثمّ يصالحه منها علي عوض. و صلح هو إجارة بأن يدّعي داراً فيقرّ له بها ثمّ يصالحه علي أن يخدمه هو أو عبده أو يسكنه داره سنةً. و صلح هو هبة و حطيطة بأن يدّعي عليه شيئاً فيقرّ له ثمّ يبرئه من بعضه إن كان دَيْناً و يأخذ الباقي، أو يهب له بعضه إن كان عيناً و يأخذ الباقي. فالأوّل يدخله الخياران معاً، و الباقيان لا يدخلهما شيء من الخيارين؛ لأنّه شرع فيهما علي يقين بأنّه لا حظّ له فيهما(2).

و أمّا الإقالة: فإنّها فسخ عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(3) ، فلا يثبت فيها الخيار.

و في الثاني له: أنّها بيع، فيثبت فيها الخيار(4).

و الحوالة ليست بيعاً عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

و عند الشافعي قولان:

أحدهما: أنّها ليست معاوضةً، فلا خيار فيها.

و الثاني: أنّها معاوضة فوجهان، أظهرهما: أنّه لا خيار أيضاً؛ لأنّها ليست علي قواعد المعاوضات؛ إذ لو كانت معاوضةً، كانت باطلةً؛ لاشتمالها علي بيع دَيْن بدَيْن. و لأنّهما بمنزلة الإبراء، و لهذا لا تصحّ بلفظ9.

ص: 14


1- أي خبر «البيّعان بالخيار» المتقدّم في ص 9.
2- العزيز شرح الوجيز 170:4 و 172 و 193، روضة الطالبين 100:3 و 102 و 110، المجموع 175:9 و 192.
3- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
4- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

البيع، و تجوز في النقود من غير قبض(1).

و الضمان ليس بيعاً، فلا يدخله الخيار و به قال الشافعي(2) لأنّ الضامن دخل فيه مقطوعاً به مع الرضا بالغبن.

و أمّا الشفعة: فليست بيعاً عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس لأحدٍ، و لا خيار الشرط؛ لأنّها لا تقف علي التراضي.

و قال الشافعي: لا يثبت فيها خيار الشرط. و أمّا خيار المجلس فلا يثبت للمشتري؛ لأنّه يؤخذ منه الشقص بغير اختياره.

و في ثبوته للشفيع وجهان:

الثبوت؛ لأنّ سبيل الأخذ بالشفعة سبيل المعاوضات، و لهذا يثبت فيه الردّ بالعيب و الرجوع بالعهدة.

و المنع؛ لأنّ المشتري لا خيار له، و يبعد اختصاص خيار المجلس بأحد المتعاقدين(3).

فاختلف أصحابه علي تقدير الثبوت في معناه.

فقال بعضهم: إنّ الشفيع بالخيار بين الأخذ و الترك ما دام في المجلس مع القول بالفور(4).

و غلّط إمام الحرمين هذا القائلَ، و قال: إنّه علي الفور، ثمّ له الخيار9.

ص: 15


1- التهذيب للبغوي 293:3، حلية العلماء 35:5، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
2- التهذيب للبغوي 292:3، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 175:9.
3- العزيز شرح الوجيز 172:4 و 193، روضة الطالبين 102:3 و 111، المجموع 177:9 و 192.
4- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

في أخذ الملك و ردّه(1).

و أمّا اختيار عين المال المبيع من المفلس: فليس ببيع عندنا، فلا يثبت فيه خيار، بل يلزمه أخذه، و لا خيار له، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم وجهاً: إنّه بالخيار ما دام في المجلس(3).

و أمّا الوقف: فلا خيار فيه عندنا و عند الشافعي(4) ؛ لأنّه إزالة ملك علي وجه القربة، و يزول أيضاً إلي غير ملك، فهو كالعتق.

و أمّا الهبة بنوعيها: فلا خيار فيها عندنا؛ لأنّها ليست بيعاً.

و أمّا الشافعي فقال: إنّها غير لازمة قبل القبض، فلا خيار فيها(5). و إذا قبض فإن لم يكن فيها ثواب، فلا خيار فيها؛ لأنّه قصد التبرّع، فلا معني لإثبات الخيار فيها.

و إن وهب بشرط الثواب أو مطلقاً و قلنا: أنّه يقتضي الثواب، فيه وجهان:

أظهرهما: أنّه لا خيار فيها؛ لأنّها لا تسمّي بيعاً، و لفظ الهبة لفظ الإرفاق، فلا يثبت بمقتضاه الخيارُ.

و الثاني: أنّه يثبت فيها خيار المجلس و خيار الشرط(6).

و قال بعضهم: إنّه لا يثبت خيار الشرط، و في خيار المجلس9.

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
2- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
3- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
4- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
5- المهذّب للشيرازي 454:1، التهذيب للبغوي 527:4، حلية العلماء 48:6، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، المجموع 178177:9.
6- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 173172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

قولان(1).

و أمّا الوصيّة: فلا خيار فيها؛ لأنّه بالخيار إلي أن يموت، و إذا(2) مات فات.

و أمّا القسمة: فلا خيار فيها، سواء تضمّنت ردّاً أو لا؛ لأنّها ليست بيعاً.

و قال الشافعي: يثبت الخيار إن تضمّنت ردّاً. و إن لم تتضمّن، فإن جرت بالإجبار، فلا خيار فيها. و إن جرت بالتراضي، فإن قلنا: إنّها إفراز حقّ، لم يثبت خيار. و إن قلنا: إنّها بيع، فكذلك في أصحّ الوجهين(3).

و أمّا النوع الثاني و هو الوارد علي المنفعة فمنه النكاح، و لا يثبت فيه خيار المجلس؛ للاستغناء عنه بسبق التأمّل غالباً. و لأنّه لا يقصد فيه العوض.

و أمّا الصداق: فلا يثبت فيه خيار المجلس عندنا؛ لأنّه ليس ببيع.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: ما قلناه؛ لأنّه أحد عوضي النكاح، و إذا لم يثبت في أحد العوضين لم يثبت في الآخر. و لأنّ المال تبع [في(4)] النكاح، و إذا لم يثبت الخيار في المتبوع لم يثبت في التابع.

و الثاني: يثبت؛ لأنّ الصداق عقد مستقلّ.

و منهم مَنْ قال: يثبت فيه خيار الشرط. فعلي هذا إن فسخ، وجب مهر المثل.».

ص: 17


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 193:4.
2- في «ق، ك»: «فإذا».
3- التهذيب للبغوي 294293:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 178:9.
4- أضفناها من المصدر. و في الطبعة الحجريّة: «يتبع النكاح».

و علي هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع، أحدهما: الثبوت؛ لأنّه معاوضة، و إذا فسخ، بقي الطلاق رجعيّاً. و عدمُه؛ لأنّ القصد منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح(1).

و أمّا الإجارة: فلا يثبت فيها خيار المجلس بنوعيها، أعني المعيّنة، و هي المتعلّقة بالزمان، و التي في الذمّة؛ لأنّها ليست بيعاً.

و قالت الشافعيّة: في ثبوت خيار المجلس فيها وجهان:

الثبوت؛ لأنّها معاوضة لازمة، كالبيع، بل هي ضرب منه في الحقيقة.

و قال بعضهم بعدمه؛ لأنّ عقد الإجارة مشتمل علي غرر؛ لأنّه عقد علي معدوم و الخيار غرر فلا يضمّ غرر إلي غرر(2).

و قال القفّال: إنّ الخلاف في إجارة العين، أمّا الإجارة علي الذمّة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة؛ لأنّها ملحقة بالسَّلَم حتي يجب فيها قبض البدل في المجلس(3). و هو ممنوع.

و قال بعضهم: لا يثبت خيار الشرط، و يثبت خيار المجلس في إجارة الذمّة كالإجارة المعيّنة. و لأنّ الغرر يقلّ في خيار المجلس، بخلاف خيار الشرط(4).3.

ص: 18


1- المهذّب للشيرازي 58:2، الوسيط 103:3، الوجيز 27:2، العزيز شرح الوجيز 173:4 و 255:8، المجموع 178:9، روضة الطالبين 103102:3، و 590:5.
2- المهذّب للشيرازي 407:1، المجموع 178:9، التهذيب للبغوي 294:3-295، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 103:3.
3- التهذيب للبغوي 295:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
4- المهذّب للشيرازي 407:1، حلية العلماء 405404:5، التهذيب للبغوي 295:3.

و علي تقدير ثبوت الخيار في إجارة العين فابتداء المدّة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرّق أو من وقت العقد؟ قولان:

أحدهما: من وقت انقضاء الخيار؛ لأنّ الاحتساب من وقت العقد يعطّل [المنافع(1)] علي المكري أو المكتري، و علي هذا لو أراد المكري أن يكريه من غيره في مدّة الخيار، لم يجز و إن كان محتملاً في القياس.

و الصحيح عندهم: أنّه يحسب من وقت العقد؛ إذ لو حسب من وقت انقضاء الخيار، لتأخّر ابتداء مدّة الإجارة عن العقد، فيكون بمنزلة إجارة الدار السنة القابلة، و هي باطلة عندهم.

و علي هذا فعلي مَنْ تُحسب مدّة الخيار؟ إن كان قبل تسليم العين إلي المستأجر، فهي محسوبة علي المكري. و إن كان بعد التسليم، فوجهان مبنيّان علي أنّ المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار من ضمان مَنْ يكون ؟ أصحّهما: أنّه من ضمان المشتري، فعلي هذا فهي محسوبة علي المستأجر، و عليه تمام الأُجرة.

و الثاني: أنّها من ضمان البائع، فعلي هذا تُحسب علي المكري، و يحطّ من الاُجرة بقدر ما يقابل تلك المدّة(2).

و أمّا المساقاة: فلا خيار فيها عندنا للمجلس؛ لتعلّقه بالبيع و ليست به.

و لا يثبت فيها خيار الشرط عند الشافعي(3) ، كالإجارة المعيّنة المتعلّقة بالزمان؛ لأنّها عقد علي منفعة تتلف بمضيّ الزمان، و المساقاة من1.

ص: 19


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
3- المهذّب للشيرازي 399:1.

شرطها أن تكون مدّتها معلومةً عقيب العقد.

و هل يثبت في المساقاة خيار المجلس ؟ للشافعي طريقان:

أظهرهما: أنّه علي الخلاف المذكور في الإجارة.

و الثاني: القطع بالمنع؛ لأنّ الغرر فيه أعظم، فإنّ كلّ واحد من المتعاقدين لا يدري ما يحصل له، فلا يضمّ إليه غرر آخر(1).

و أمّا المسابقة و المراماة: فقولان عند الشافعي، فإن قلنا: إنّها لازمة، فهي كالإجارة. و إن قلنا: إنّها جائزة، فهي كالعقود الجائزة(2).

و عندنا لا خيار فيها مطلقاً.

و أمّا العتق: فإنّه إسقاط حقّ، و كذا التدبير؛ لأنّه عتق معلّق بشرط.

و الكتابة لا خيار للسيّد فيها؛ لأنّه دخل علي وجه القربة، و تحقّق الغبن في معاوضته؛ لأنّه باع ماله بماله. و أمّا العبد فله الخيار أبداً؛ لأنّ العقد جائز من جهته علي ما اختاره الشيخ(3) ، و به قال الشافعي(4).

و الطلاق إسقاط حقّ، فلا يثبت فيه خيار.

مسألة 228: مسقطات خيار المجلس أربعة:
اشارة

أ اشتراط سقوطه في متن العقد.

ص: 20


1- المهذّب للشيرازي 399:1، المجموع 178:9، حلية العلماء 371:5، التهذيب للبغوي 295:3، العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3.
2- الوسيط 102:3، العزيز شرح الوجيز 174:4، حلية العلماء 463462:5، التهذيب للبغوي 295:3، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
3- الخلاف 18:3، المسألة 21.
4- المهذّب للشيرازي 12:2، الوسيط 526:7، الوجيز 289:2، العزيز شرح الوجيز 513:13، الحاوي الكبير 146:18 و 294، التهذيب للبغوي 481:8، حلية العلماء 202201:6، روضة الطالبين 505:8.

ب الافتراق.

ج التخاير.

د التصرّف، فإن كان من المشتري، سقط خياره في الردّ؛ لأنّه بتصرّفه التزم بالملك، و اختار إبقاء العقد. و إن كان البائع، كان فسخاً للعقد.

أمّا الأوّل: فإذا تعاقدا و شرطا في متن العقد سقوط خيار المجلس أو غيره، سقط؛ لأنّه شرط سائغ، لتعلّق الأغراض بلزوم العقد تارة و جوازه اخري، فيصحّ؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1) و صحّته تقتضي الوفاء به.

و لو شرط أحدهما سقوطه عنه خاصّة، سقط بالنسبة إليه دون صاحبه، فليس له اختيار الفسخ، و لصاحبه اختياره.

و أمّا الثاني: فإنّه مسقط للخيار إجماعاً؛ لقوله (عليه السّلام): «ما لم يفترقا»(2) جعل مدّة الخيار لهما دوامهما مصطحبين، سواء أقاما كذلك في المجلس أو فارقاه، فيكون ما عداه خارجاً عن هذا الحكم تحقيقاً لمسمّي الغاية.

و يحصل بالتفرّق بالأبدان لا بالمجلس خاصّة؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً، و حيث علّق الشارع الحكم عليه و لم يبيّنه دلّ علي حوالته فيه علي عرف الناس، كغيره من الألفاظ، كالقبض و الحرز و الإحياء.9.

ص: 21


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- سنن ابن ماجة 736:2، 2181، سنن أبي داوُد 273272:3، 3454 و 3456 و 3457، سنن الترمذي 550:3، 1247، سنن النسائي 250249:7، سنن الدارمي 250:2، سنن البيهقي 268:5، الموطّأ 671:2، 79.

و لما روي عن الباقر (عليه السّلام) قال: «إنّي ابتعت أرضاً فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خُطاً ثمّ رجعت فأردت أن يجب البيع»(1).

و أمّا الثالث: فإنّه يقطع خيار المجلس إجماعاً.

و صورته: أن يقولا: تخايرنا أو اخترنا إمضاء العقد، أو أمضيناه، أو اخترناه، أو التزمنا به، و ما أشبه ذلك، فإنّه يدلّ علي الرضا بلزوم البيع.

إذا ثبت هذا، فإن قالاه في نفس العقد بأن عقدا علي أن لا يكون بينهما خيار المجلس، فهو القسم الأوّل، و قد ذكرنا مذهبنا فيه، و أنّه يقتضي سقوط خيار المجلس؛ عملاً بالشرط.

و اختلفت الشافعيّة في ذلك علي طريقين:

أحدهما: أنّ هذا الشرط لا يصحّ قولاً واحداً؛ لأنّه خيار يثبت بعد تمام العقد، فلا يسقط بإسقاطه قبل تمام العقد، كخيار الشفعة.

و الثاني: أنّه يصحّ و يسقط الخيار؛ لقوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار»(2) و الاستثناء من الإثبات نفيٌ، فيكون بيع الخيار لا خيار فيه، و يريد ببيع الخيار ما أُسقط فيه الخيار. و لأنّ الخيار حقٌّ للمتعاقدين و فيه غرر أيضاً، فإذا اتّفقا علي إسقاطه، جاز، كالأجل، و كما لو أسقطاه بعد العقد.

و علي القول ببطلان الشرط ففي بطلان البيع وجهان: البطلان؛ لأنّه شرط نافي مقتضاه فأفسده، كما لو شرط أن لا يبيعه أو لا يتصرّف فيه. و الصحّة؛ لأنّه شرط لا يؤدّي إلي جهالة العوض و لا المعوّض(3).3.

ص: 22


1- التهذيب 20:7، 84، الاستبصار 72:3، 239.
2- صحيح مسلم 1163:3، 1531، صحيح البخاري 84:3، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5، الموطّأ 671:2، 79 بتفاوت يسير في غير الأوّل.
3- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 179178:9، حلية العلماء 18:4-19، التهذيب للبغوي 291:3، روضة الطالبين 104103:3.
فروع التفرّق:

أ قد عرفت أنّ الحوالة في التفرّق علي العادة، فلو تبايعا و أقاما سنةً في مجلسهما لم يتفرّقا بأبدانهما، بقي الخيار. و كذا لو قاما و تماشيا مصطحبين منازل كثيرة، لم ينقطع الخيار؛ لعدم تحقّق التفرّق، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و لباقيهم قولان غريبان:

أحدهما: أنّه لا يزيد الخيار علي ثلاثة أيّام؛ لأنّها نهاية الخيار المشروط شرعاً(2). و هو ممنوع.

و الثاني: قال بعضهم: لو لم يتفرّقا لكن شرعا في أمرٍ آخر و أعرضا عمّا يتعلّق بالعقد و طال الفصل، انقطع الخيار(3). و ليس بشيء.

ب التفرّق حقيقة في غير المتماسّين، و هو يحصل بأن يكون كلّ واحد منهما في مكان ثمّ يتبايعا. لكن ذلك غير مراد من قوله (عليه السّلام): «ما لم يتفرّقا»(4) أي ما لم يجدّدا افتراقاً بعد عقدهما، فيبقي المراد: ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإنّه متي فارق تخلّلهما أجسام أكثر ممّا كان يتخلّلهما أوّلاً، فيثبت معني الافتراق بأقلّ انتقالٍ و لو بخُطوة.

و فصّل الشافعي هنا، فقال: إن كانا في دارٍ صغيرة، لم يحصل التفرّق إلّا بأن يخرج أحدهما من الدار، أو يصعد أحدهما إلي العلوّ و الآخر في

ص: 23


1- الوسيط 104:3، العزيز شرح الوجيز 175:4، التهذيب للبغوي 307:3، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 178177:4، روضة الطالبين 104:3 و 105، المجموع 180:9.
3- العزيز شرح الوجيز 178177:4، روضة الطالبين 104:3 و 105، المجموع 180:9.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 22، الهامش (2).

السفل. و كذا المسجد الصغير و السفينة الصغيرة لا يحصل التفرّق إلّا بالخروج منهما.

و إن كانا في دارٍ كبيرة و كان أحدهما في البيت و الآخر في الصفّة، حصل الافتراق، أو يخرج أحدهما من البيت إلي الصحن أو يدخل من الصحن في بيت أو صُفّة. و كذا السفينة الكبيرة إذا صعد أحدهما إلي أعلاها و بقي الآخر في أسفلها.

و إن كانا في صحراء أو سوق، قال الشافعي: يحصل التفرّق بأن يولّيه ظهره.

قال أصحابه: لم يرد أنّه يجعل ذلك بتفسير التولية، و إنّما أراد إذا ولاّه ظهره و مشي قليلاً.

و قال الإصطخري: يشترط أن يبعد بحيث إذا كلّمه صاحبه علي الاعتياد من غير رفع الصوت، لم يسمع(1).

و كلّ هذه تخمينات، الأولي الإعراض عنها، و الاعتماد علي ما دلّ عليه اللفظة.

ج لا يحصل التفرّق ببقائهما في المجلس و ضَرْب ساترٍ بينهما كستْرٍ و شبهه، و يكون كما لو غمّضا أعينهما. و كذا لو شُقّ بينهما نهر لا يتخطّي. و كذا لو بُني بينهما جدار من طين أو جصّ.

و في الآخِر للشافعيّة وجهان، أصحّهما: عدم السقوط؛ لأنّهما في مجلس العقد(2).9.

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.

و ألحقه الجويني بما إذا حُمل أحدهما و أُخرج(1).

و صحن الدار و البيت الواحد إذا تفاحش اتّساعهما كالصحراء.

د لو تباعدا كثيراً و تناديا و تبايعا، صحّ البيع إجماعاً، و يثبت الخيار ما داما في مجلس العقد و موضعهما، و به قال جماعة من الشافعيّة(2).

و قال الجويني: لا خيار هنا؛ لأنّ التفرّق الطارئ قاطع للخيار، فالمقارن يمنع ثبوته(3). و ليس بشيء.

ه لو فارق أحدهما موضعه و بقي الآخر، بطل خيار الأوّل قطعاً. و في الثاني للجويني احتمالان:

سقوط خياره و هو الأقوي عندي لتحقّق معني الافتراق، فإنّه يحصل بقيام أحدهما عن مكانه.

و عدمُه، بل يدوم إلي أن يفارق مكانه(4). و ليس بشيء.

و كذا لو هرب أحدهما خاصّة، سواء فعل ذلك حيلة في لزوم العقد أو لا، و سواء كانا عالمين بالحكم أو بالتفريق أو جاهلين بهما أو بالتفريق؛ لتحقّق الافتراق في الجميع.

و لو مات أحد المتعاقدين في مجلس العقد، احتمل سقوط الخيار؛ لأنّه يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولي. و عدمُه؛ لانتفاء افتراق الأبدان، فيثبت للوارث ما دام الميّت و الآخر في المجلس، أو الآخر و الوارث علي احتمال، كخيار الشرط و العيب.

و للشافعي قولان كالاحتمالين؛ لأنّه قال في «المختصر» في «البيع»: إنّ الخيار لوارثه. و قال في «المكاتب»: إذا باع و لم يتفرّقا حتي مات9.

ص: 25


1- العزيز شرح الوجيز 178:4.
2- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.
3- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.
4- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.

المكاتب، وجب البيع.

و اختلف أصحابه في القولين علي ثلاثة طرق:

أظهرها: أنّه قولان: لزوم البيع، و عدم لزومه، بل يثبت الخيار للوارث و السيّد.

و الثاني: القطع بثبوت الخيار للوارث و السيّد.

و الثالث: ثبوته في الوارث دون السيّد.

و الفرق: أنّ الوارث خليفة المورّث، فيقوم مقامه في الخيار، و السيّد ليس خليفةً للمكاتب، بل يأخذ بحقّ الملك. و علي هذا العبدُ المأذون إذا باع أو اشتري و مات في المجلس، يجيء فيه الخلاف(1). و قد عرفت ما عندنا فيه.

و لو مات الوكيل بالشراء في المجلس، انتقل الخيار إلي الموكّل.

هذا إذا فرّعنا علي أنّ الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء، و هو الوجه عند الشافعيّة(2).

و لهم آخر: أنّ الاعتبار بمجلس الموكّل(3).

ز إذا قلنا بلزوم البيع، انقطع خيار الميّت. و أمّا الحيّ: فإن جعلنا الموت تفريقاً و أسقطنا الخيار للمقيم بعد مفارقة صاحبه، سقط هنا أيضاً.

و للشافعيّة قول: إنّه لا يسقط حتي يفارق ذلك المجلس(4).

و قال الجويني تفريعاً علي هذا القول -: إنّه يلزم العقد من الجانبين؛ لأنّ الخيار لا يتبعّض في السقوط، كما في الثبوت(5).

ح إن قلنا بثبوت الخيار للوارث، فإن كان حاضراً في المجلس،9.

ص: 26


1- الحاوي الكبير 57:5، العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 207:9.
2- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
3- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
4- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
5- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.

امتدّ الخيار بينه و بين العاقد الآخر حتي يتفرّقا أو يتخايرا.

و يحتمل أن يمتدّ الخيار بينه و بين الآخر ما دام الميّت و الآخر في المجلس.

و إن كان غائباً، فله الخيار إذا وصل الخبر إليه.

ثمّ هو علي الفور أو يمتدّ بامتداد مجلس بلوغ الخبر إليه ؟ للشافعيّة وجهان: الفور؛ لأنّ المجلس قد انقضي و إنّما أثبتنا له الخيار؛ لئلّا يبطل حقّا كان للمورّث. و عدمُه؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث، فيثبت له علي ما يثبت للمورّث(1).

و الأوّل عندي أقرب.

و هذان الوجهان عند الشافعيّة كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث و كان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدّة الخيار. ففي وجهٍ: هو علي الفور. و في آخر: يدوم و يمتدّ ما كان يدوم للمورّث لو لم يمت. هذا علي قول الأكثر.

و قال بعضهم: في كيفيّة ثبوت الخيار للوارث وجهان نقلوهما في كيفيّة ثبوته للعاقد الباقي:

أحدهما: أنّ له الخيار ما دام في مجلس العقد، فإذا فارقه، بطل. فعلي هذا يكون خيار الوارث الواحد في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمّل و يختار ما فيه الحظّ.

و الثاني: أنّ خياره يتأخّر إلي أن يجتمع مع الوارث في مجلسٍ. فعلي هذا حينئذٍ يثبت الخيار للوارث(2).9.

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.
2- العزيز شرح الوجيز 180179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.

ط لو تعدّد الوارث، فإن كانوا حضوراً في مجلس العقد، فلهم الخيار إلي أن يفارقوا العاقد الآخر، و لا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1) لأنّه لم يحصل تمام الافتراق، لأنّهم ينوبون عن الميّت جميعهم.

و كذا إذا بلغهم و هُمْ في مجالسهم ففارقوا مجالسهم إلّا واحداً، لم يلزم العقد.

و إن كانوا غُيّباً عن المجلس، فإن قلنا: في الوارث الواحد يثبت له الخيار في مجلس مشاهدة المبيع، فلهُم الخيار إذا اجتمعوا في مجلسٍ واحد. و إن قلنا: له الخيار إذا اجتمع مع العاقد، فكذلك لهُم الخيار إذا اجتمعوا معه.

ي لو فسخ بعضهم و أجاز بعضهم، فالأقوي أنّه ينفسخ في الكلّ، كالمورّث لو فسخ في حياته في البعض و أجاز في البعض. و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في آخر: أنّه لا ينفسخ في شيء(2).

لو أُكرها علي التفرّق و ترك التخاير، لم يسقط خيار المجلس و كان الخيار باقياً إلّا أن يوجد منه ما يدلّ علي الرضا باللزوم، و هو أظهر الطريقين عند الشافعيّة.

و الثاني: أنّ في انقطاعه وجهين، كالقولين في صورة الموت، و هذا أولي ببقاء الخيار؛ لأنّ إبطال حقّه قهراً مع بقائه بعيد(3).2.

ص: 28


1- العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 107106:3، المجموع 208:9.
2- العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 208:9.
3- العزيز شرح الوجيز 181180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 181:9-182.

و كذا لو حُمل أحد المتعاقدين و أُخرج عن المجلس مُكرَهاً و مُنع من الفسخ بأن يُسدّ فوه مثلاً.

و لو لم يُمنع من الفسخ، فطريقان للشافعيّة:

أظهرهما: أنّ في انقطاع الخيار وجهين:

أحدهما: ينقطع و به قال أبو إسحاق لأنّ سكوته عن الفسخ مع القدرة رضا بالإمضاء.

و أصحّهما: أنّه لا ينقطع؛ لأنّه مُكرَه في المفارقة، فكأنّه لا مفارقة، و السكوت عن الفسخ لا يُبطل الخيار، كما في المجلس.

و الثاني: القطع بالانقطاع، فإن قلنا به، انقطع خيار الماكث أيضاً، و إلّا فله التصرّف بالفسخ و الإجازة إذا وجد التمكّن(1).

و هل هو علي الفور؟ فيه ما سبق من الخلاف، فإن قلنا بعدم الفور و كان مستقرّاً حين زائلة للإكراه في مجلسٍ، امتدّ الخيار بامتداد ذلك المجلس. و إن كان مارّاً، فإذا فارق في مروره مكان التمكّن، انقطع خياره، و ليس عليه الانقلاب إلي مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر إن طال الزمان. و إن لم يطُلْ، ففيه احتمال عند الجويني(2).

و إذا لم يبطل خيار المُخْرَج، لم يبطل خيار الماكث أيضاً إن مُنع من الخروج معه. و إن لم يُمنع، بطل؛ لحصول التفرّق باختياره؛ إذ لا يشترط فيه مفارقة كلٍّ منهما المجلسَ، بل يكفي مفارقة أحدهما و بقاء الآخر فيه باختياره، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).9.

ص: 29


1- العزيز شرح الوجيز 181180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 181:9-182.
2- العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3.
3- العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 182:9.

يب لو ضُربا حتي تفرّقا بأنفسهما، فالأقرب: عدم انقطاع الخيار؛ لأنّه نوع إكراه. و للشافعي قولان(1).

و لو هرب أحدهما و لم يتبعه الآخر مع التمكّن، بطل خيارهما. و إن لم يتمكّن، بطل خيار الهارب خاصّة. و في بطلان خيار الآخر وجهان للشافعيّة(2).

و الأقرب عندي: البطلان إن كان الهرب اختياراً؛ لأنّه باختياره فارقه، و لا يقف افتراقهما علي تراضيهما جميعاً؛ لأنّه لمّا سكت عن الفسخ و فارقه صاحبه، لزم.

يج لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل التفرّق، لم ينقطع الخيار، لكن يقوم وليّه أو الحاكم مقامه، فيفعل ما فيه مصلحته من الفسخ أو الإجازة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3).

و لهم آخر مخرَّج من الموت: أنّه ينقطع(4).

و لو فارق المجنون مجلس العقد، قال الجويني: يجوز أن يقال: لا ينقطع الخيار؛ لأنّ التصرّف انقلب إلي القيّم عليه(5).

و عُورض بأنّه لو كان كذلك، لكان الجنون كالموت(6).

و لو خرس أحدهما قبل التفرّق، فإن كان له إشارة مفهومة، قامت4.

ص: 30


1- التهذيب للبغوي 307:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3.
2- التهذيب للبغوي 307:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 183182:9.
3- الوسيط 106:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، التهذيب للبغوي 318:3، الحاوي الكبير 58:5، روضة الطالبين 108:3، المجموع 209:9.
4- الوسيط 106:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، التهذيب للبغوي 318:3، الحاوي الكبير 58:5، روضة الطالبين 108:3، المجموع 209:9.
5- العزيز شرح الوجيز 181:4.
6- العزيز شرح الوجيز 181:4.

مقام لفظه. و إن لم يكن له إشارة مفهومة و لا خطّ، كان حكمه حكم المغمي عليه ينوب عنه الحاكم.

يد لو جاءا مصطحبين و تنازعا في التفرّق بعد البيع فادّعاه أحدهما و أنّ البيع قد لزم، و أنكر الآخر، قُدّم قول المنكر مع اليمين؛ لأصالة دوام الاجتماع، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يبني علي الظاهر، فإن قصرت المدّة، قُدّم قول المنكر مع اليمين. و إن طالت، قُدّم قول المدّعي؛ لندور الاجتماع المدّة الطويلة، فمدّعيه يدّعي خلاف الظاهر، فيُقدّم قول مدّعي الفسخ بالتفرّق بناءً علي الظاهر(1).

و لو اتّفقا علي التفرّق و قال أحدهما: فسخت قبله، و أنكر الآخر، قُدّم قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يُقدّم قول مدّعي الفسخ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه(2). و ليس شيئاً.

و لو اتّفقا علي عدم التفرّق و ادّعي أحدهما الفسخَ، احتُمل أن تكون دعواه فسخاً.

يه لو اشتري الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان، فالأقرب: تعلّق الخيار بهما و بالموكّلين جميعاً في المجلس، و إلّا فبالوكيلين. فلو مات الوكيل في المجلس و الموكّل غائب، انتقل الخيار إليه؛ لأنّ ملكه أقوي من9.

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 182:4، و في روضة الطالبين 108:3، و المجموع 183:9 القول الأوّل.
2- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 182:4، روضة الطالبين 108:3، المجموع 183:9.

ملك الوارث.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ الخيار يتعلّق بالموكّل. و الثاني: أنّه يتعلّق بالوكيل(1).

فروع التخاير:

أ لو قال أحد المتعاقدين: اخترت إمضاء العقد، سقط خياره قطعاً؛ لرضاه بالتزام البيع، و لا يسقط خيار الآخر؛ عملاً بأصالة الاستصحاب السالم عن معارضة الإسقاط، و كما في خيار الشرط إذا أسقط أحدهما الخيار، يبقي خيار الآخر، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخر: أنّه يسقط أيضاً؛ لأنّ هذا الخيار لا يتبعّض في الثبوت فلا يتبعّض في السقوط(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ(3) اشتراط الخيار لأحدهما دون الآخر سائغ، فجاز الافتراق في الإسقاط.

ب لو قال أحدهما للآخر: اختر، أو خيّرتك، فقال الآخر: اخترت إمضاء العقد، انقطع خيارهما معاً، و إن اختار الفسخ، انفسخ، و إن سكت و لم يختر إمضاء العقد و لا فسخه، فهو علي خياره لم يسقط. و أمّا الذي خيّره فإنّه يسقط خياره؛ لأنّه جعل له ما ملكه من الخيار، فسقط خياره؛ لأنّه جَعَله لغيره، و هو أظهر قولي الشافعيّة.

و في الثاني: لا يسقط؛ لأنّه خيّره، فإذا لم يختر، لم يسقط بذلك

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
2- العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
3- في «ق، ك»: «فإنّ» بدل «لأنّ».

حقّ المخيّر، كما أنّ الزوج إذا خيّر زوجته فسكتت و لم تختر، لم يسقط بذلك حقّه، كذا هنا(1).

و الفرق: أنّه ملّك الزوجة ما لا تملك، فإذا لم تقبل، سقط، و هنا كلّ واحد منهما يملك الخيار، فلم يكن قوله تمليكاً له، و إنّما كان إسقاطاً لحقّه من الخيار، فسقط.

و يدلّ عليه قوله (عليه السّلام): «أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر»(2) فإنّه يقتضي أنّه إذا قال لصاحبه: اختر، لا يكون الخيار لكلّ واحد منهما، كما في قوله: «ما لم يتفرّقا»(3).

هذا إذا قصد بقوله: «اختر» تمليك الخيار لصاحبه، و يسقط(4) حقّه منه. و لو لم يقصد، لم يسقط خياره، سواء اختار الآخر أو سكت.

و الموت كالسكوت، فلو قال له: اختر، و قصد التمليك ثمّ مات القائل، سقط خياره. و لو مات المأمور، فكسكوته.

ج لو اختار أحدهما الإمضاءَ و الآخرُ الفسخَ، قُدّم الفسخ علي الإجازة؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما، و لا انتفاؤهما؛ لاشتماله الجمعَ بين النقيضين، فتعيّن تقديم أحدهما، لكنّ الذي اختار الإمضاء قد دخل في عقدٍ ينفسخ باختيار صاحبه الفسخَ و رضي به، فلا أثر لرضاه به لازماً بعد ذلك.».

ص: 33


1- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 179:9، العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3.
2- صحيح البخاري 84:3، سنن أبي داوُد 273:3، 3455، سنن البيهقي 269:5.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 22، الهامش (2).
4- في «ق، ك»: «سقط».

د لو تقابضا العوضين في المجلس ثمّ تبايعا العوضين معاً ثانياً، صحّ البيع الثاني؛ لأنّه صادف الملك، و هو رضا منهما بالأوّل، و هو المشهور عند الشافعيّة(1).

و عند بعضهم أنّه مبنيّ علي أنّ الخيار هل يمنع انتقال الملك ؟ إن قلنا: يمنع، لم يصح(2).

ه لو تقابضا في عقد الصرف ثمّ أجازا في المجلس، لزم العقد. و إن أجازاه قبل التقابض، فكذلك، و عليهما التقابض. فإن تفرّقا قبله، انفسخ العقد.

ثمّ إن تفرّقا عن تراضٍ، لم يحكم بعصيانهما، فإن انفرد أحدهما بالمفارقة، عصي، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: أنّ الإجازة قبل التقابض لاغية؛ لأنّ القبض متعلّق بالمجلس، و هو باقٍ، فيبقي حكمه في الخيار(3).

البحث الثاني: في خيار الحيوان.
مسألة 229: إذا كان المبيع حيواناً، يثبت

مسألة 229: إذا كان المبيع حيواناً، يثبت(4) الخيار

فيه للمشتري خاصّة ثلاثة أيّام من حين العقد علي رأي، فله الفسخ و الإمضاء مدّة ثلاثة أيّام عند علمائنا أجمع، خلافاً للجمهور كافّة.

لنا: الأخبار المتواترة عن أهل البيت (عليهم السّلام) بذلك، و هُمْ أعرف بالأحكام حيث هُمْ مظانّها، و مهبط الوحي، و ملازمو الرسول (صلّي اللّه عليه و آله).

ص: 34


1- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
3- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3.
4- في «ق، ك»: «ثبت».

قال الصادق (عليه السّلام): «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري، و هو بالخيار اشترط أو لم يشترط»(1).

و لأنّ العيب في الحيوان قد يثبت خفياً غالباً، و في الثلاثة يختبر و يظهر أثره، فوجب أن يكون مشروعاً؛ دفعاً للضرر. و لأنّه يثبت في الشاة المصرّاة فكذا في غيرها؛ لأنّ المناط هو ظهور العيب الخفيّ. و لأنّ الحيوان يغتذي و يأكل في حالتَي صحّته و سقمه و يتحوّل طبعه قلّما ينفكّ(2) عن عيبٍ خفيّ أو ظاهر، فيحتاج إلي إثبات الخيار ليندفع عنه هذا المحذور.

مسألة 230: هذا الخيار و خيار المجلس يثبتان بأصل الشرع،

سواء شرطاه في العقد أو أطلقا. أمّا لو شرطا سقوطه، فإنّه يسقط إجماعاً؛ لعموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّما يثبت الخيار للمشتري لو لم يتصرّف في الحيوان في الثلاثة، فإن تصرّف فيه، سقط خياره إجماعاً؛ لأنّه دليل علي الرضا به.

و لقول الصادق (عليه السّلام): «فإن أحدث المشتري فيما اشتري حدثاً قبل ثلاثة أيّام فذلك رضا منه فلا شرط له» قيل: و ما الحدث ؟ قال: «إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلي ما يحرم عليه قبل الشراء»(4).

و لا فرق بين أن يكون التصرّف لازماً كالبيع، أو غير لازم كالهبة قبل القبض، و الوصيّة، فإنّه بأجمعه مُسقط للخيار.

ص: 35


1- الفقيه 126:3، 549، التهذيب 24:7، 101 بتفاوت.
2- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «و بتحوّل طبعه قلّما ينفكّ». أو: و «يتحوّل طبعه و قلّما ينفكّ».
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- الكافي 169:5، 2، التهذيب 24:7، 102.
مسألة 231: و كما يسقط هذا الخيار بالتصرّف كيف كان فكذا يسقط باشتراط سقوطه في العقد.

و كذا بالتزامه و اختيار الإمضاء بعد العقد.

و لا يسقط بالرضا بالعيب الموجود في الحيوان، و لا بالتبرّي من عهدة العيب الحادث في الثلاثة. و كذا لا يسقط خيار العيب بإسقاط خيار الثلاثة.

نعم، لو أسقط خيار الثلاثة، سقط خيار العيب المتجدّد فيها، و كان من ضمان المشتري.

مسألة 232: و هذا الخيار يثبت للمشتري خاصّة

عند أكثر(1) علمائنا.

و قال السيّد المرتضي (رحمه اللّه): يثبت للبائع(2) أيضاً.

لنا: الأصل لزوم العقد، خرج عنه جانب المشتري، نظراً له لخفاء العيب، فإنّ عيوب الحيوانات أكثرها باطنة لا تظهر(3) إلّا بالاختبار و التراخي و التروّي المفتقر إلي طول الزمان، أمّا البائع فإنّه المالك، و قلّ أن يخفي عليه جودة حيوانه، و عيب الثمن ظاهر في الحال.

و لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال: «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري»(4) و التخصيص بالوصف يدلّ علي نفي الحكم عمّا عداه.

احتجّ السيّد المرتضي (رحمه اللّه) بقول الصادق (عليه السّلام): «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا»(5).

ص: 36


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 386، و سلّار في المراسم: 173، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 353:1، و ابن إدريس في السرائر 244243:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 22:2.
2- الانتصار: 207.
3- في الطبعة الحجريّة: «لا تظهر له».
4- تقدّمت الإشارة إلي مصدره في ص 35، الهامش (1).
5- التهذيب 2423:7، 99.

و الجواب: ثبوته للمشتري يدلّ علي ثبوته للمجموع، و لا يدلّ علي ثبوته للآخر.

و أيضاً يُحمل علي ما إذا كان الثمن حيواناً إمّا في ثمن حيوانٍ آخر أو في ثوبٍ أو غيرهما؛ جمعاً بين الأدلّة.

و لوجود المقتضي لثبوت الخيار للمشتري، و هو خفاء عيب الحيوان، فإذا كان الثمن حيواناً، كان المقتضي لثبوت الخيار فيه متحقّقاً، و لا يثبت إلّا للبائع.

و يؤيّده قول الباقر (عليه السّلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): المتبايعان بالخيار حتي يفترقا و صاحب الحيوان ثلاث»(1) و هو عامّ في البائع و المشتري. فعلي هذا لو باع حيواناً بحيوان، يثبت(2) الخيار لهما معاً، و علي ما اخترناه يكون الخيار للمشتري خاصّة.

و لو كان الثمن حيواناً و المثمن ثوباً، فلا خيار. أمّا للمشتري: فلأنّه لم يشتر حيواناً. و أمّا البائع: فلأنّه ليس بمشترٍ، و الحديث إنّما يقتضي ثبوته للمشتري خاصّة.

البحث الثالث: في خيار الشرط.
مسألة 233: لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع؛

للأصل. و لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) فإذا وقع علي شرطٍ سائغ،

ص: 37


1- الكافي 170:5، 4، و فيه: «البيّعان..» التهذيب 24:7، 100، و فيه «البائعان..».
2- في «ق، ك»: «ثبت».
3- المائدة: 1.

وجب الوفاء. و قولِه (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إنّما اختلفوا في أنّه مقدّر أم لا؟ فمن قدّره اختلفوا في مدّة تقديره، فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّه لا يتقدّر في أصل الشرع بقدر معيّن، بل يجوز أن يشترط خياراً مهما أراد من الزمان، طال أو قصر بشرط ضبطه بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، كاليوم و الشهر و السنة و السنين المعدودة المعيّنة المضبوطة ابتداءً و انتهاءً - و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد بن حنبل(2) للعمومات السابقة.

و قولِ الصادق (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(3).

و سُئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل مسلم احتاج إلي بيع داره، فجاء إلي أخيه، فقال: أبيعك داري هذه و تكون لك أحبّ إليَّ من أن تكون لغيرك علي أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلي سنة أن تردّ عليَّ، فقال: «لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلي سنة ردّها عليه» قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة ؟ قال: «الغلّة للمشتري، أ لا تري أنّها لو احترقت لكانت من ماله»(4).

و لأنّه لا فرق بين المدّة القليلة و الكثيرة، فإذا جاز في القليلة، جاز في6.

ص: 38


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- النتف 446:1، المبسوط للسرخسي 41:13، مختصر اختلاف العلماء 51:3، 1128، تحفة الفقهاء 66:2، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، المغني 9897:4، الشرح الكبير 7473:4، الوسيط 108:3، العزيز شرح الوجيز 190:4، الحاوي الكبير 65:5، الذخيرة 24:5.
3- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93، و فيهما: «المسلمون..».
4- التهذيب 23:7، 96.

الكثيرة، بل هي أولي؛ لأنّ الخيار جُعل إرفاقاً بالمتعاقدين، فإذا زادت المدّة، كان الإرفاق المطلوب حصوله في نظر الشرع أزيد. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فكانت إلي تقدير المتعاقدين.

و قال الشافعي: لا يجوز اشتراط مدّة في العقد تزيد علي ثلاثة أيّام - و به قال أبو حنيفة لقول عمر: ما أجد(1) لكم أوسع ممّا جعل رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لحبّان(2) بن منقذ جعل له عهدة ثلاثة أيّام إن رضي أخذ، و إن سخط ترك(3).

و عن ابن عمر أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة(4) في رأسه، فكان يُخدع في البيع، فقال (صلّي اللّه عليه و آله): «إذا بايعت فقُلْ: لا خلابة» و جَعَل له الخيار ثلاثة أيّام(5).

و قوله: «لا خلابة» عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط.

و لأنّ الخيار غرر ينافي مقتضي البيع(6) ، و إنّما جوّز لموضع الحاجة، فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب، و آخر حدّ القلّة الثلاثة؛ لقوله تعالي فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (7) ثمّ قال تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ (1) و أجاز رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) للمهاجر أن يقيم بمكّة بعد قضاء مناسكه ثلاثاً(2)(3).4.

ص: 39


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «ما أُحلّ». و الظاهر أنّها تصحيف ما أثبتناه من المصدر.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لحنان». و كذا في الموارد الآتية، و ما أثبتناه من المصدر، و كما في تهذيب الأسماء و اللغات للنووي 152:1، 111.
3- سنن الدارقطني 54:3، 216، سنن البيهقي 274:5.
4- الآمّة: هي الشجّة التي بلغت أُمّ الرأس، و هي الجلدة التي تجمع الدماغ. لسان العرب 33:12 «أمم».
5- سنن ابن ماجة 789:2، 2355، سنن الدارقطني 5655:3، 220.
6- في الطبعة الحجريّة: «العقد» بدل «البيع».
7- هود: 64.

و لأنّ الخيار غرر ينافي مقتضي البيع(6) ، و إنّما جوّز لموضع الحاجة، فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب، و آخر حدّ القلّة الثلاثة؛ لقوله تعالي فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (7) ثمّ قال تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ (1) و أجاز رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) للمهاجر أن يقيم بمكّة بعد قضاء مناسكه ثلاثاً(2)(3).

و قال مالك: يجوز في ذلك قدر ما يحتاج إليه، فإن كان البيع من الفواكه التي لا تبقي أكثر من يوم، جاز الخيار فيها(4) يوماً واحداً. و إن كان ضيعةً لا يمكنه أن يصل إليها إلّا في أيّامٍ، جاز الخيار أكثر من ثلاث؛ لأنّ الخيار إنّما يثبت للحاجة إليه، فجاز حسب الحاجة(5).

و الجواب: لا عبرة بتحريم عمر، فإنّه ليس أهلاً لأن يُحلّل أو يُحرّم. و جَعل رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لحبّان بن منقذ عهدة ثلاثة أيّام لا يدلّ علي المنع عن الزائد. و لو كان الخيار مشتملاً علي غرر، لما ساغ التقدير بثلاثة أيّام، و إذا كان الضابط الحاجةَ، وجب أن يتقدّر بقدرها، كما قاله مالك، و الغالب4.

ص: 40


1- هود: 65.
2- صحيح مسلم 985:2، 442، و 986، 444، سنن النسائي 122:3، سنن البيهقي 147:3، مسند أحمد 39:6، 20002، المعجم الكبير للطبراني 96:18 و 97، 169 171.
3- مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 65:5، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 190:9 و 225، الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 190:4، الوسيط 108:3، حلية العلماء 21:4، التهذيب للبغوي 318:3، روضة الطالبين 108:3، المبسوط للسرخسي 41:13، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، مختصر اختلاف العلماء 51:3، 1128، النتف 446:1، تحفة الفقهاء 65:2، بداية المجتهد 209:2، الذخيرة 24:5، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
4- كلمة «فيها» لم ترد في «ق، ك».
5- بداية المجتهد 209:2، الحاوي الكبير 65:5، الذخيرة 2423:5، حلية العلماء 2119:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.

الحاجة إلي الزيادة علي الثلاثة، و لمّا كانت الحاجة تختلف باختلاف الأشخاص و أحوالهم وجب الضبط بما يعرفه المتعاقدان من المدّة التي يحتاجان إليها.

مسألة 234: و إنّما يصحّ شرط الخيار إذا كان مضبوطاً محروساً

من الزيادة و النقصان، و أن يُذكر في متن العقد، فلو جعل الخيار إلي مقدم(1) الحاجّ أو إدراك الغلّات أو إيناع الثمار أو حصاد الزرع أو دخول القوافل أو زيادة الماء أو نقصانه أو نزول الغيث أو انقطاعه، بطل العقد؛ لأنّ للأجل قسطاً من الثمن، فيؤدّي جهالته إلي جهالة العوض، و يؤدّي إلي الغرر المنهيّ عنه.

و لو ذكرا مثل هذا الخيار ثمّ أسقطاه بعد العقد أو اختارا الإمضاء، لم ينقلب صحيحاً؛ لأنّه وقع فاسداً، فلا عبرة به، و الأصل بقاء الملك علي بائعه و لم يوجد مزيل عنه فبقي علي حاله.

و إذا ذكرا أجلاً مضبوطاً قبل العقد أو بعده، لم يعتدّ به؛ لأنّ العقد وقع منجّزاً فلا يؤثّر فيه السابق و اللاحق، و إنّما يعتدّ بالشرط لو وقع في متن العقد بين الإيجاب و القبول، فيقول مثلاً: بعتك كذا بكذا و لي الخيار مدّة كذا، فيقول: اشتريت.

مسألة 235: إذا اشترطا

مسألة 235: إذا اشترطا(2) مدّة معيّنة أكثر من ثلاثة أيّام في العقد، صحّ

علي ما بيّنّاه.

و قال الشافعي بناءً علي أصله: يبطل العقد. فإن أسقطا ما زاد علي الثلاث في مدّة الخيار، لم يحكم بصحّة العقد و به قال زفر لأنّه عقد وقع

ص: 41


1- في هامش «ق»: «الأصل: قدوم».
2- في «ق، ك»: «شرطا».

فاسداً، فلا يصحّ حتي يبتدأ، كما لو باع درهماً بدرهمين و أسقطا درهماً(1).

و قال أبو حنيفة: يصحّ العقد بإسقاط ذلك؛ لأنّ المفسد ما زاد علي الثلاث، فإذا أسقطه، وجب أن يصحّ العقد. و الدليل علي جواز إسقاطه أنّه خيار مشروط في العقد، فإذا أسقطاه في الثلاث، سقط، كاليوم الثالث(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ العقد غير قائم بينهما، و الخيار لم يثبت فيسقط، بخلاف الثالث؛ لأنّه يثبت(3) فصحّ إسقاطه، بخلاف ما زاد عليه، فإنّه لم يثبت.

مسألة 236: إذا اشتري شيئاً بشرط الخيار و لم يُسمّ وقتاً و لا أجلاً، بل أطلقه، بطل البيع

و به قال الشافعي(4) للجهالة المتضمّنة لجهالة العوض.

و للشيخ (رحمه اللّه) قول: إنّه يصحّ البيع، و يكون له الخيار ثلاثة أيّام، و لا خيار له بعد ذلك(5).

و هو محمول علي إرادة خيار الحيوان.

ص: 42


1- التهذيب للبغوي 323318:3، حلية العلماء 22:4، الحاوي الكبير 67:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 108:3، المجموع 190:9 و 194، المبسوط للسرخسي 42:13، الاختيار لتعليل المختار 19:2.
2- المبسوط للسرخسي 42:13، الاختيار لتعليل المختار 19:2، الحاوي الكبير 67:5، حلية العلماء 22:4، التهذيب للبغوي 323:3، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
3- في «ق، ك»: «ثبت».
4- الحاوي الكبير 67:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9 و 194، بداية المجتهد 210209:2، المغني 126124:4، الشرح الكبير 7574:4.
5- الخلاف 20:3، المسألة 25.

و قال أبو حنيفة: البيع فاسد، فإن أجازه في الثلاثة، جاز عنده خاصّة.

و إن لم يجز حتي مضت الثلاثة، بطل البيع(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: له أن يجيز بعد الثلاثة(2).

و قال مالك: إن لم يجعل للخيار وقتاً، جاز، و جعل له من الخيار مثل ما يكون في تلك السلعة(3).

و قال الحسن بن صالح بن حيّ: إذا لم يعيّن أجل الخيار، كان له الخيار أبداً(4).

مسألة 237: قد ذكرنا أنّه إذا قرن الخيار بمدّة مجهولة، بطل البيع

و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) لما تقدّم. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فلا يجوز مع الجهالة، كالأجل.

و قال ابن أبي ليلي: الشرط باطل و البيع صحيح؛ لأنّ عائشة اشترت

ص: 43


1- مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1132، الهداية للمرغيناني 27:3، النتف 446:1، الاختيار لتعليل المختار 19:2، بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 253:20، 30084، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
2- الاستذكار 253:20، 30085، و حكاه عنهما أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
3- بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 253:20، 30083، العزيز شرح الوجيز 190:4، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
4- المحلّي 373:8، بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 254:20، 30088، مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1132، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
5- الحاوي الكبير 67:5، حلية العلماء 30:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9، المغني 126124:4، الشرح الكبير 7574:4.

بريرة و شرط مواليها أن تجعل ولاءها لهم، فأجاز النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) البيع و ردّ الشرط(1). و هذا يدلّ علي أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد(2).

و قال ابن شُبْرُمة: الشرط و البيع صحيحان و هو ظاهر ما روي عن أحمد(3) لما رواه جابر قال: إنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) ابتاع منّي بعيراً بمكة فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني علي ظهره إلي المدينة، فأجاز النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) الشرط و البيع(4) ، فكذلك سائر الشروط.

و قال مالك: البيع صحيح، و يضرب له من الأجل ما يختبر في مثله في العادة؛ لأنّ ذلك متقرّر(5) في العادة، فإذا(6) أطلقا، حُمل عليه(7).

و الجواب: أنّ حديث عائشة قضيّة في عين. و يحتمل أن يكون الشرط قد وقع قبل العقد أو بعده، فلا يكون معتبراً. و قد روي أنّه أمرها أن تشتري و تشترط الولاء(8) ؛ ليبيّن فساده بياناً عامّاً.

و خبر جابر: نقول بموجبه؛ لأنّه شرط بعد العقد و نقد الثمن؛ لدلالة كلامه عليه، و ذلك غير مانع من صحّة العقد السابق.8.

ص: 44


1- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 1141:2، 1504.
2- حلية العلماء 30:4، المغني 126:4، الشرح الكبير 75:4.
3- حلية العلماء 30:4، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
4- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 1223:3، 113، سنن البيهقي 337:5.
5- في الشرح الكبير: «مقرّر». و في المغني: «مقدّر». و الأخير مناسب لما يأتي عند الجواب عن قول مالك.
6- في الطبعة الحجريّة: «فإن» بدل «فإذا».
7- حلية العلماء 31:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
8- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 11431142:2، 8.

سلّمنا لكن شرط الحمل إلي المدينة معلوم، فجاز اشتراطه في العقد، و ليس محلَّ النزاع.

و العادة المقدّرة ممنوعة؛ إذ لا عادة مضبوطة هنا؛ لأنّه إنّما يُشرط نادراً.

مسألة 238: قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا قال: بعتك علي أن تنقدني الثمن إلي ثلاث، فإن نقدتني الثمن إلي ثلاث، و إلّا فلا بيع بيننا، صحّ البيع

مسألة 238: قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا قال: بعتك علي أن تنقدني الثمن إلي ثلاث، فإن نقدتني الثمن إلي ثلاث، و إلّا فلا بيع بيننا، صحّ البيع(1) ،

و به قال أبو حنيفة. و يكون في ذلك إثبات الخيار للمشتري وحده(2).

قال أبو حنيفة: و لو قال البائع: بعتك علي أنّي إن رددت الثمن بعد ثلاثة فلا بيع بيننا، صحّ. و يكون في ذلك إثبات الخيار للبائع وحده(3) ؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(4).

و لأنّه نوع بيع، فجاز أن ينفسخ بتأخّر القبض، كالصرف.

و قال الشافعي: إنّ ذلك ليس بشرط خيار، بل شرط فاسد يُفسد العقد؛ لأنّه علّق العقد علي خطر فلا يصحّ، كما لو علّقه بقدوم زيد. و لأنّ عقده لا يتعلّق فكذا فسخه(5).

لا يقال: ينتقض بالنكاح.

لأنّا نقول: فسخه لا يتعلّق بذلك، بل إنّما يتعلّق الطلاق و ليس

ص: 45


1- الخلاف 40:3، المسألة 57.
2- حلية العلماء 28:4، المغني 129:4، الشرح الكبير 67:4.
3- حلية العلماء 28:4.
4- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
5- حلية العلماء 28:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9 و 379، المغني 129:4، الشرح الكبير 67:4.

بفسخ.

و يفارق الصرف؛ لأنّ القبض واجب فيه بالشرع، و هنا بخلافه.

و نحن في ذلك من المتوقّفين.

مسألة 239: يجوز اشتراط أقلّ من الثلاثة

عندنا و عند الباقين(1) خلافاً لمالك - لأنّه يجوز عندنا أكثر من ثلاثة، و عند الباقين يجوز ثلاثة، فالناقص أولي.

أمّا مالك، فإنّه اعتبر الحاجة، فإنّها إن دعت إلي شهر أو أزيد، جاز شرطه. و إن كان المبيع ممّا يسارع إليه الفساد أو يُعرف حاله بالنظر إليه ساعة أو يوماً، لم تجز الزيادة(2).

و قالت الشافعيّة: فيما لو كان المبيع ممّا يسرع إليه الفساد عادة لو شرط الثلاث، هل يبطل البيع أو يصحّ و يباع عند الإشراف علي الفساد و يقام ثمنه مقامه ؟ وجهان(3).

مسألة 240: روي الجمهور أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة في رأسه فكان يُخدع في البيع،

فقال له النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله): «إذا بايعت فقُلْ: لا خلابة»

ص: 46


1- المبسوط للسرخسي 41:13، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، الحاوي الكبير 6968:5، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 190:9، روضة الطالبين 108:3، العزيز شرح الوجيز 190:4.
2- بداية المجتهد 209:2، الذخيرة 2423:5، حلية العلماء 2119:4، الحاوي الكبير 65:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
3- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 108:3.

و جَعَل له الخيار ثلاثاً(1).

و في رواية «و جعل له بذلك خيار ثلاثة أيّام»(2).

و في رواية: «قُلْ: لا خلابة، و لك الخيار ثلاثاً»(3).

و هذه الروايات مسطورة في كتب فقههم دون مشهورات كتب أحاديثهم.

و هذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمَيْن بمعناها، كان بمنزلة التصريح باشتراط الثلاثة. و إن كانا جاهلَيْن، لم يثبت الخيار.

و إن علم البائع دون المشتري، للشافعيّة فيه وجهان:

أحدهما: لا يثبت؛ لعدم التراضي، و هو لا يعلمه فلا يلزمه.

و الثاني: يثبت؛ للخبر(4). و لا يعذر في جهله، كما إذا كان محجوراً عليه، لزمه حكم الحجر و إن كان جاهلاً.

و الأقرب أن نقول: إذا قال البائع: بعتك كذا بكذا و لا خلابة، و قصد إثبات الخيار ثلاثاً لنفسه و كان المشتري عالماً، يثبت(5) الخيار، و إلّا فلا.

مسألة 241: إذا اشترط الخيار مدّةً معيّنة و أطلقا مبدأها، قال الشيخ (رحمه اللّه): المبدأ انقضاء خيار المجلس
اشارة

بالتفرّق لا من حين العقد(6). و هو أحد قولي الشافعيّة؛ لأنّه لو جعل المبدأ العقد، لزم اجتماع الخيارين، و هُما مِثْلان و المِثْلان يمتنع اجتماعهما. و لأنّ الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت، و خيار المجلس ثابت و إن لم يوجد الشرط، فيكون المقصود ما بعده.

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 183:4.
2- العزيز شرح الوجيز 183:4.
3- العزيز شرح الوجيز 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 193192:9.
5- في «ق، ك»: «ثبت».
6- الخلاف 33:3، المسألة 44.

و أُجيب: بأنّ الخيار واحدٌ له جهتان: المجلس و الشرط، و لا بُعْد فيه، كما أنّه قد يجتمع خيار المجلس و العيب.

و لو نُزّل الشرط علي ما بعد المجلس، لزم الجهل بالشرط؛ لأنّ وقت التفرّق مجهول.

و أُجيب بأنّ جهالة المجلس كجهالة(1) العقد؛ لأنّ لهما فيه الزيادة و النقصان، فكانت المدّة بعده، كالعقد(2).

و الأقرب: أنّ المبدأ من حين العقد؛ لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فكان ابتداؤها من حين العقد، كالأجل، لا من حين التفرّق و لا خروج الثلاثة في الحيوان.

فروع:

أ إذا شرطا مدّةً لتسليم الثمن، فابتداؤها من حين العقد.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إن جعلنا الخيار من وقت العقد، فالأجل أولي.

و الثاني: من حين التفرّق.

و الفرق: أنّ الأجل لا يثبت إلّا بالشرط، فالنظر فيه إلي وقت الشرط، و الخيار قد يثبت من غير شرط، فمقصود الشرط إثبات ما لولاه لما ثبت. و أيضاً فإنّ الأجل و إن شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكن يخالفه من

ص: 48


1- في «ق، ك»: «كحالة». و في المغني و الشرح الكبير: «حالة المجلس كحالة..».
2- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 192:4، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 198:9، روضة الطالبين 110:3، المغني 116112:4، الشرح الكبير 76:4.

وجوه، و اجتماع المختلفين ممكن(1).

ب إن(2) قلنا: إنّ المبدأ هو العقد كما اخترناه فلو انقضت المدّة و هُما مصطحبان، انقطع خيار الشرط بانقضاء مدّته، و بقي خيار المجلس. و إن تفرّقا و المدّة باقية، فالحكم بالعكس. و إن قلنا: المبدأ التفرّق كما قاله الشيخ(3) فإذا تفرّقا، انقطع خيار المجلس، و استؤنف خيار الشرط.

ج إن قلنا: إنّ ابتداء المدّة من حين العقد فشرطا أن يكون ابتداؤها من حين التفرّق، لم يصح؛ لأنّه يجعله مجهولاً، و يقتضي زيادةً علي الثلاثة، و هو ممنوع عند الشافعيّة(4).

و إن قلنا: ابتداؤها من حين التفرّق فشرطا أن يكون ابتداؤه(5) من حين العقد، صحّ عندنا و هو أحد قولي الشافعيّة(6) لأنّ ابتداء المدّة معلومة و لم يزد به علي الثلاثة بل نقص فجاز، كما لو شرط يومين.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّهما شرطا الخيار في المجلس، و الخيار فيه ثابت بالشرع، فلم يصح اشتراطه(7).

و هو ممنوع؛ فإنّه يصحّ اشتراط القبض و غيره من مقتضيات العقد.

د لو قلنا بأنّ مبدأ المدّة العقدُ و أسقطا الخيار مطلقاً قبل التفرّق،4.

ص: 49


1- حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 192:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 199:9.
2- في الطبعة الحجريّة: «إذا» بدل «إن».
3- الخلاف 33:3، المسألة 44.
4- انظر المصادر في الهامش (4) من ص 40.
5- أي: ابتداء الخيار.
6- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 199:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4.
7- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 199:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4.

سقط الخياران: خيار المجلس و الشرط. و إن قلنا بالتفرّق، سقط خيار المجلس دون خيار الشرط؛ لأنّه غير ثابت بَعْدُ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

مسألة 242: الأقرب عندي أنّه لا يشترط اتّصال مدّة شرط الخيار
اشارة

مسألة 242: الأقرب عندي أنّه لا يشترط اتّصال مدّة شرط الخيار(2) بالعقد،

فلو شرط خيار ثلاثة أو أزيد من آخر الشهر، صحّ العقد و الشرط؛ عملاً بالأصل، و بقوله (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم»(3) و لأنّه عقد تضمّن شرطاً لا يخالف الكتاب و السنّة، فيجب الوفاء به؛ لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4).

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه إذا تراخت المدّة عن العقد، لزم، و إذا لزم لم يَعُدْ جائزاً(5).

و هو ممنوع؛ فإنّ خيار الرؤية لم يثبت قبلها، و كذا الخيار بعد الثلاثة؛ لعدم التسليم.

فروع:

أ لو قال: بعتك و لي الخيار عشرة أيّام، مثلاً و أطلق، اقتضي اتّصال

ص: 50


1- العزيز شرح الوجيز 192:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 199:9.
2- في «ق، ك»: «اتّصال مدّة خيار شرط الخيار».
3- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 27:3، 98 و 99، سنن البيهقي 249:7، معرفة السنن و الآثار 237:10، 14349، و 238، 14351، المستدرك - للحاكم 49:2 و 50، المصنّف لابن أبي شيبة 568:6، 2064، المعجم الكبير للطبراني 275:4، 4404.
4- المائدة: 1.
5- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.

المدّة بالعقد؛ للعرف.

ب لو قال: عشرة أيّام متي شئت، بطل؛ للجهالة.

ج لو شرط خيار الغد دون اليوم، صحّ عندنا علي ما تقدّم، خلافاً للشافعي(1).

د لو شرط خيار ثلاثة أيّام ثمّ أسقطا اليوم الأوّل، سقط خاصّة، و بقي الخيار في الآخَرَيْن.

و قال الشافعي: يسقط الكلّ(2).

مسألة 243: إذا تبايعا و شرطا الخيار إلي الليل،

لم يدخل الليل في الشرط، و كذا لو تبايعا و شرطا الخيار إلي النهار، لم يدخل النهار - و به قال الشافعي(3) لأنّ الغاية جُعلت فاصلةً بين ما قبلها و ما بعدها تحقيقاً للغاية، فلو دخل ما بعدها في حكم ما قبلها، لم يكن غاية. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فلا يدخل حدّها في محدودها، كالأجل.

و قال أبو حنيفة: يدخل الليل و النهار معاً إذا كانا غايتين؛ لأنّ «إلي» قد تستعمل للغاية، و بمعني «مع» ك إِلَي الْمَرافِقِ (4) فإذا شرط الخيار، لم ينتقل الملك فلا ينتقل(5) بالشكّ(6).

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.
2- التهذيب للبغوي 330:3، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 192:9.
3- الحاوي الكبير 69:5، حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، المجموع 191:9، روضة الطالبين 109:3، المغني 117:4.
4- المائدة: 6.
5- في «ق، ك»: «فلا ننقله».
6- المبسوط للسرخسي 52:13، بدائع الصنائع 268267:5، الحاوي الكبير 69:5، حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، المجموع 191:9، المغني 117:4.

و نمنع استعمالها بمعني «مع» حقيقةً؛ لأنّها للحدّ حقيقةً، فلا تكون حقيقةً في غيرها؛ دفعاً للاشتراك. و الاستعمال لا يدلّ عليه، و المجاز أولي من الاشتراك، علي أنّ البيع يوجب الملك و إنّما الشرط منع، فما تحقّق منع، و ما لم يتحقّق منه وجب إنفاذ حكم العقد.

و قال أبو حنيفة: و لو شرط الخيار إلي الزوال أو إلي وقت العصر، اتّصل إلي الليل(1). و ليس بجيّد.

تذنيب: لو شرطا الخيار إلي وقت طلوع الشمس من الغد، صحّ؛ لأنّه وقت معلوم محروس من الزيادة و النقصان.

و لو شرطا إلي طلوعها من الغد، قال الزبيري(2): لا يصحّ؛ لأنّ طلوع الشمس مجهول؛ لأنّ السماء قد تتغيّم فلا تطلع الشمس(3).

و هو خطأ؛ فإنّ التغيّم إنّما يمنع من الإشراق و اتّصال الشعاع لأمن الطلوع.

و لو شرطاه إلي الغروب أو إلي وقته، جاز قولاً واحداً؛ لأنّ الغروب سقوط القرص، و لا مانع لها من ذلك، كما يمنع الغيم من طلوعها.

و التحقيق عدم الفرق؛ لأنّ الطلوع ثابت في الأوّل لكنّه قد يخفي، و كذا الغروب قد يخفي.

مسألة 244: يجوز جَعْل خيار الشرط لكلّ واحد من المتعاقدين
اشارة

و لأحدهما دون الآخر و أن يشرط لأحدهما الأكثر و للآخر الأقلّ؛ لأنّه شُرّع

ص: 52


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 34:3، المسألة 46.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الزهري» بدل «الزبيري». و ما أثبتناه من المصادر.
3- العزيز شرح الوجيز 191190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.

للإرفاق بهما، فكيفما تراضيا به جاز.

و لدلالة حديث حبّان بن منقذ علي أنّه (عليه السّلام) جعل للمشتري الخيار(1) ، و لم يفرق أحد بينه و بين البائع.

و هل يجوز جَعْل الخيار للأجنبيّ؟ ذهب علماؤنا أجمع إلي جوازه، و أنّه يصحّ البيع و الشرط و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أصحّ القولين(2) لأنّه خيار يثبت بالشرط للحاجة و قد تدعو الحاجة إلي شرطه للأجنبيّ؛ لكونه أعرف بحال المعقود عليه. و لأنّ الخيار إلي شرطهما؛ لأنّه يصحّ أن يشترطاه لأحدهما دون الآخر فكذلك صحّ أن يشترطاه للأجنبيّ.

و للشافعي قول: إنّه لا يصحّ، و يبطل البيع و الشرط معاً؛ لأنّه خيار يثبت في العقد فلا يجوز شرطه لغير المتعاقدين، كخيار الردّ بالعيب(3).

و الفرق: أنّ خيار العيب يثبت لا من جهة الشرط، بخلاف المتنازع.

فروع:

أ إذا شرط الخيار للأجنبيّ، صحّ سواء جَعَله وكيلاً في الخيار أو لا.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 183:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1134، المبسوط للسرخسي 47:13، الهداية للمرغيناني 30:3، الاختيار لتعليل المختار 21:2، بداية المجتهد 212:2، المغني 108:4، الشرح الكبير 76:4، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 196:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4.
3- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 196:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، المغني 106:4، الشرح الكبير 76:4. بداية المجتهد 212:2.

و قال أبو حنيفة: إذا شرطه لأجنبيّ، صحّ، و كان الأجنبيّ وكيلاً للّذي شرطه(1).

و للشافعي قول ثالث: إنّه إن جعل فلاناً وكيلاً له في الخيار، صحّ. و إن لم يجعله وكيلاً، لم يصح(2). و ما تقدّم يُبطله.

ب لو جعل المتعاقدان خيار الشرط للموكّل الذي وقع العقد له، صحّ قولاً واحداً؛ لأنّه المشتري أو البائع في الحقيقة و الوكيل نائب عنه.

ج لا فرق في التسويغ بين أن يشترطا أو أحدهما الخيار لشخصٍ واحد و بين أن يشترط هذا الخيارَ لواحدٍ و هذا الخيارَ لآخرَ.

و كذا عند الشافعي لا فرق بينهما علي القولين(3).

و كذا يجوز أن يجعلا شرط الخيار لهما و لأجنبيّ أو اثنين أو جماعة، و لأحدهما مع الأجنبيّ.

د لو شرطه لفلان، لم يكن للشارط خيار، بل كان لمن جَعَله خاصّة، و هو أحدقو لي الشافعي تفريعاً علي الجواز. و في الآخر: أنّه يكون له و للآخر، و يكون الآخر وكيلا له و به قال أبو حنيفة و أحمد لأنّه نائب عنه في الاختيار، فإذا ثبت للنائب فثبوته للمنوب أولي(4).4.

ص: 54


1- انظر: النتف 448447:1، و الهداية للمرغيناني 30:3، و الاختيار لتعليل المختار 21:2، و المغني 106:4، و الشرح الكبير 76:4، و العزيز شرح الوجيز 194:4.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 194:4، و روضة الطالبين 111:3، و المغني 106:4، و الشرح الكبير 76:4.
3- العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 196:9.
4- النتف 448447:1، المغني 106:4، الشرح الكبير 76:4، المهذّب - للشيرازي 265:1، المجموع 197:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4.

و ليس بجيّد؛ اقتصاراً علي الشرط، كما لو شرطاه لأحدهما، لم يكن للآخر شيء، و كما لو شرطاه لأجنبيّ دونهما.

ه قال محمّد بن الحسن في جامعه الصغير: قال أبو حنيفة: لو قال: بعتك علي أنّ الخيار لفلان، كان الخيار له و لفلان(1).

و قال أبو العباس: جملة الفقه في هذا أنّه إذا باعه و شرط الخيار لفلان، نظرت فإن جعل فلاناً وكيلاً له في الإمضاء و الردّ، صحّ قولاً واحداً. و إن أطلق الخيار لفلان، أو قال: لفلان دوني، فعلي قولين: الصحّة و عدمها. و به قال المزني(2).

و لو شرطا الخيار للأجنبيّ دونهما، صحّ البيع و الشرط عندنا، و يثبت الخيار للأجنبيّ خاصّة؛ عملاً بالشرط، و هو أحد قولي الشافعي. و علي الثاني أنّه لا يختصّ بالأجنبيّ، بل يكون للشارط أيضاً لا يصحّ هذا الشرط، و لا يختصّ بالأجنبيّ(3).

ز لو شرطا الخيار لأجنبيّ، كان له خاصّة دون العاقد، فإن مات الأجنبيّ في زمن الخيار، ثبت الآن له؛ لأنّ الحقّ و الرفق له في الحقيقة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة علي تقدير اختصاص الأجنبيّ بالخيار(4).

ح لو شرطا الخيار لأحدهما و للأجنبيّ أو لهما و للأجنبيّ، فلكلّ واحد منهم الاستقلال بالفسخ؛ عملاً بمقتضي الشرط. و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر، فالفسخ أولي.9.

ص: 55


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 35:3، المسألة 48.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3635:3، المسألة 48.
3- العزيز شرح الوجيز 194:4.
4- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9.

ط لو باع عبداً و شرط الخيار للعبد، صحّ البيع و الشرط معاً عندنا - و هو أحدقو لي الشافعي(1) لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ.

ي لا فرق بين جَعْل الخيار لأحد المتعاقدين و للأجنبيّ في اشتراط ضبط مدّته و هو أصحّ قولي الشافعيّة(2) لأنّه مع عدم الضبط تتطرّق الجهالة إلي المبيع. و الثاني: أنّه يصحّ مع جهالة المدّة في حقّ الأجنبيّ خاصّة؛ لأنّه يجري مجري خيار الرؤية فلا يتوقّت. و الصحيح عندهم الأوّل(3).

مسألة 245: إذا اشتري شيئاً أو باع بشرط أن يستأمر فلاناً، صحّ
اشارة

عندنا؛ لأنّه شرط سائغ يتعلّق به غرض العقلاء، فيندرج تحت قوله (عليه السّلام): «المؤمنون(4) عند شروطهم»(5) و هو أحد قولي الشافعي بناءً علي أنّه يصحّ شرط الخيار للأجنبيّ. و الثاني: المنع(6) علي ما تقدّم.

إذا تقرّر هذا، فإنّه ليس للشارط أن يفسخ حتي يستأمر فلاناً و يأمره بالردّ؛ لأنّه جعل الخيار له دون العاقد، و هو أحد قولي الشافعي(7). و الثاني: أنّه يجوز له الردّ من غير أن يستأمر، و ذكر الاستئمار احتياطاً(8). و المعتمد: الأوّل.

ص: 56


1- التهذيب للبغوي 330:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 196:9.
2- لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. و انظر: التهذيب للبغوي 331:3.
3- لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. و انظر: التهذيب للبغوي 331:3.
4- في «ق، ك»: «المسلمون».
5- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9.
7- في «ق، ك»: «الشافعيّة».
8- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9، المغني 111:4، الشرح الكبير 77:4.
فروع:

أ لا بدّ من ضبط مدّة الاستئمار؛ لأنّ الجهالة فيه توجب تطرّقها إلي العقد، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه لا يشترط ضبطه، بل يجوز من غير تحديد، كما في خيار الرؤية(1).

و إذا قلنا: لا بدّ من تحديده، لم ينحصر في مدّة معيّنة، بل يجوز اشتراط ما أراد من الزمان، قلّ أو كثر بشرط ضبطه و هو أحد قولي الشافعيّة كخيار الرؤية.

و الثاني: أنّه لا يزيد علي ثلاثة أيّام، كخيار الشرط(2). و قد أبطلنا ذلك فيما تقدّم.

ب يجوز للوكيل أن يشترط الخيار للموكّل؛ لأنّه يجوز جَعْله للأجنبيّ فللموكّل أولي و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3) لأنّ ذلك لا يضرّه.

و هل له شرط الخيار لنفسه ؟ عندنا يجوز ذلك؛ لأنّه يجوز في الأجنبيّ ففي الوكيل أولي، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: ليس له ذلك(4).

ج للوكيل أن يجعل شرط الخيار لغيره و لغير موكّله حسبما تقتضيه مصلحة الموكّل، فلوكيل البيع شرط الخيار للمشتري، و لوكيل الشراء شرط الخيار للبائع.

و مَنَع الشافعي من ذلك، و أبطل البيع(5). و ليس بجيّد.

د لو شرط الخيار لنفسه أو أذن له الموكّل فيه صريحاً، ثبت له

ص: 57


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 195:4، و روضة الطالبين 112111:3، و المجموع 197:9.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 195:4، و روضة الطالبين 112111:3، و المجموع 197:9.
3- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.
4- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.
5- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.

الخيار، و لا يفعل إلّا ما فيه الحظّ للموكّل؛ لأنّه مؤتمن. و كذا الأجنبيّ لو جُعل الخيار له.

و فرّق الشافعي بينهما، فلم يوجب علي الأجنبيّ رعاية الحظّ(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ جَعْل الخيار له ائتمان له.

و هل يثبت الخيار للموكّل في هذه الصورة مع ثبوته للوكيل ؟ الوجه: لا؛ اقتصاراً بالشرط علي مورده.

و للشافعيّ وجهان(2).

و حكي الجويني فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكّل ثلاثة أوجُه: إنّ الخيار يثبت للوكيل أو للموكّل أو لهما(3).

و قد عرفت مذهبنا فيه.

مسألة 246: يشترط تعيين محلّ الخيار المشترط و تعيين مستحقّه،

فلو باعه عبدين و شرط الخيار في أحدهما لا بعينه، لم يصحّ الشرط و لا العقد؛ لأنّه خيار مجهول المحلّ، و غرر، فيكون منفيّاً، و يقدّر بمنزلة ما لو باعه أحدهما لا بعينه، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز في العبدين و الثوبين و الثلاثة، و لا يجوز في الأربعة فما زاد(5).

و ليس بشيء؛ لما بيّنّا.

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
2- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
3- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
4- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- العزيز شرح الوجيز 191:4.

و لو شرطه في أحدهما بعينه، صحّ البيع و الشرط معاً؛ للأصل، و عموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) و «المسلمون عند شروطهم»(2) و هو أحد قولي الشافعي(3) و يثبت لكلّ مبيع حكمه، فيثبت الخيار فيما شُرط فيه الخيار، و يكون الآخر خالياً عن الخيار.

و في القول الآخر: لا يصحّ؛ لأنّه جمع بين عينين مختلفي الحكم بعقدٍ واحد(4).

و بطلانه ممنوع، كما لو جمع بين بيع و صرف، أو بيع و إجارة.

و لو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه أو لأحد الرجلين لا بعينه، بطل البيع و الشرط.

و لو شرط الخيار يوماً في أحد العبدين بعينه، و يومين في الآخر، صحّ عندنا. و للشافعي قولان(5).

مسألة 247: بيع الخيار جائز عندنا،

و هو أن يبيعه شيئاً عقاراً أو غيره، و يشترط البائع الخيار لنفسه سنةً أو أقلّ أو أكثر إن جاء بالثمن الذي قبضه من المشتري و ردّه إليه، كان أحقّ بالمبيع. و إن خرجت المدّة و لم يأت بالثمن، سقط خياره، و وجب البيع للمشتري؛ للأصل، و عموم

ص: 59


1- البقرة: 275.
2- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 27:3، 98 و 99، سنن البيهقي 249:7، معرفة السنن و الآثار 237:10، 14349، و 238، 14351، المعجم الكبير للطبراني 275:4، 4404، المستدرك للحاكم 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة 568:6، 2064.
3- الوسيط 110:3، حلية العلماء 50:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
4- الوسيط 110:3، حلية العلماء 50:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.

قوله تعالي إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) و قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و قوله (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم»(3).

و قول الباقر (عليه السّلام): «إن بعت رجلاً علي شرط إن أتاك بمالك، و إلّا فالبيع لك»(4) و غيره من الأحاديث، و قد سبق.

أمّا الجمهور فإنّه لا يصحّ إلّا عند مَنْ جوّز شرط الخيار.

و الخلاف في تقديره بالثلاثة الأيّام كما تقدّم.

مسألة 248: إذا شرط الخيار ثلاثة أيّام أو أزيد علي مذهبنا ثمّ مضت المدّة و لم يفسخا و لا أجازا، تمّ العقد و لزم

و به قال الشافعي(5) لأنّ شرط الخيار في المدّة منع من لزوم العقد تلك المدّة، فإذا انقضت، ثبت موجب العقد، كالأجل في الدَّيْن إذا انقضي، ثبت الدَّيْن؛ لزوال المانع. و لأنّ تركه للفسخ حتي يتعدّي الأجل رضاً منه بالعقد، فلزمه.

و قال مالك: لا يلزم بمضيّ المدّة؛ لأنّ مدّة الخيار ضُربت لحقٍّ له لا لحقٍّ عليه، فلم يلزمه الحكم بنفس مرور الزمان، كمضيّ الأجل في حقّ المُولي(6).

و الفرق أنّ تقدّم المدّة ليست سبباً لإيقاع الطلاق، بخلاف المتنازع.

مسألة 249: لو باعه عبدين و شرط الخيار فيهما، صحّ

عندنا و عند

ص: 60


1- النساء: 29.
2- البقرة: 275.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 59 الهامش (2).
4- التهذيب 23:7، 97.
5- حلية العلماء 26:4، المجموع 195:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 78:4.
6- حلية العلماء 26:4، المجموع 195:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 78:4.

الجمهور(1).

فإن أراد الفسخ في أحدهما خاصّة، فالأقرب أن نقول: إن شرطه فيهما علي الجمع و التفريق، صحّ، و كان له الفسخ في أحدهما خاصّة. و إن لم يشترطه علي الجمع و التفريق بل اشتراهما صفقةً واحدة و أطلق شرط الخيار، لم يكن له التفريق؛ لأنّه عيب، فلا يجوز له ردّ المبيع معيباً.

و الشافعي بناه علي قولَي تفريق الصفقة في الردّ بالعيب(2).

و لو اشتري اثنان من واحد بستاناً صفقةً واحدة بشرط، فإن جَعَله علي الجمع و التفريق، كان لأحدهما الفسخ و إن لم يفسخ صاحبه. و إن لم يجعله كذلك، فإشكال أقربه أنّ له ذلك أيضاً و به قال الشافعي(3) لأنّه بجَعْل الخيار قد سلّطه علي الردّ في نصيبه، كما في الردّ بالعيب.

و الأصل عندنا ممنوع علي ما يأتي.

و لو شرط الخيار لأحدهما دون الآخر، صحّ البيع و الشرط، و هو أصحّ قولي الشافعي. و في الثاني: يبطلان معاً(4).

مسألة 250: إذا شرطا الخيار فأراد أحدهما فسخ العقد، كان له ذلك،
اشارة

سواء حضر صاحبه أو لم يحضر و به قال الشافعي و أبو يوسف و زفر و أحمد بن حنبل(5) لأنّه رَفْعُ عقدٍ لا يفتقر إلي رضا شخص، فلم يفتقر

ص: 61


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 191:4، و روضة الطالبين 109:3، و المجموع 193:9.
2- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
3- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
4- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- التهذيب للبغوي 332:3، المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 200:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4، مختصر اختلاف العلماء 54:3، 1131، الهداية للمرغيناني 29:3، تحفة الفقهاء 79:2، بدائع الصنائع 273:5، المبسوط للسرخسي 44:13، النتف 448:1، الاختيار لتعليل المختار 19:2، المغني 127:4، الشرح الكبير 77:4.

إلي حضوره، كالطلاق.

و لقول الصادق (عليه السّلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضي في رجل اشتري ثوباً بشرط إلي نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنّه رضيه و استوجبه، ثمّ ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه»(1) و لا فرق بين الالتزام و الفسخ.

و لأنّ الفسخ أحد طرفي الخيار، فلا يتوقّف علي حضور المتعاقدين، كالإمضاء.

و قال أبو حنيفة: ليس له الفسخ إلّا بحضور صاحبه و به قال محمّد لأنّ العقد تعلّق به [حقّ(2)] كلّ واحد من المتعاقدين، فلم يكن لأحدهما فسخه بغير حضور الآخر، كالوديعة(3).

و ينتقض بما إذا وطئ الجارية في مدّة الخيار بغير حضور صاحبه. و الوديعة لا حقّ للمودع فيها، و يصحّ فسخها مع غيبته.

إذا عرفت هذا، فإنّ هذا الفسخ لا يفتقر إلي الحاكم؛ لأنّه فسخ متّفق علي ثبوته، فلا يفتقر إلي الحاكم.

و قال أبو حنيفة: يفتقر(4) كالعنّة.1.

ص: 62


1- الكافي 173:5، 17، التهذيب 23:7، 98.
2- ما بين المعقوفين من المغني.
3- تحفة الفقهاء 79:2، بدائع الصنائع 273:5، المبسوط للسرخسي 44:13، الهداية للمرغيناني 29:3، الاختيار لتعليل المختار 19:2، النتف 448:1، مختصر اختلاف العلماء 54:3، 1131، العزيز شرح الوجيز 193:4، التهذيب للبغوي 332:3، المجموع 200:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 77:4.
4- الوجيز 141:1.

و الفرق ظاهر؛ لأنّ الفسخ بالعنّة مختلف فيه.

و نقل الشيخ عن أبي حنيفة و محمّد أنّه إذا اختار الفسخ في البيع مدّة خياره، لم يصح إلّا بحضور صاحبه، و إذا كان حاضراً، لم يفتقر إلي رضاه، و الفسخ بخيار الشرط إن كان بعد القبض، فلا فسخ إلّا بتراضيهما أو حكم الحاكم(1).

تذنيب: إذا شرطا الخيار مدّة لهما أو لأحدهما ثمّ التزما البيع قبل انقضاء المدّة، جاز؛

للحديث السابق(2) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام). و لأنّه حقّه أسقطه، فسقط، كالدَّيْن و خيار(3) المجلس.

و لو شرطا الخيار لأجنبيّ، فإن قلنا: إنّه وكيل لمن شرط له الخيار، فالأقرب أنّ له الإسقاط مع المصلحة. و لو أراد الموكّل الإسقاط أو اختار الإمضاء أو الفسخ أو الصبر، فالأمر إليه. و إن قلنا: إنّه مالك للخيار، فالأقرب أنّ له الإسقاط مطلقاً. و لا دَخْل لمن جعل له الخيار فيه.

مسألة 251: الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كلّ عقد
اشارة

معاوضة، خلافاً للجمهور علي تفصيل، فالسَّلَم يدخله خيار الشرط، و كذا الصرف علي إشكال فيه؛ للعموم(4).

و قال الشافعي: لا يدخلهما خيار الشرط و إن دخلهما خيار المجلس؛ لأنّ عقدهما يفتقر إلي التقابض في المجلس، فلا يحتمل التأجيل، و المقصود من اشتراط القبض أن يتفرّقا و لا علقة بينهما تحرّزاً من الربا أو

ص: 63


1- الخلاف 35:3، المسألة 47.
2- في ص 61.
3- في «ق، ك»: «و كخيار».
4- و هو قوله (صلّي اللّه عليه و آله): «المسلمون عند شروطهم». انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 59.

من بيع الكالي بالكالي. و لو أثبتنا الخيار، لبقيت العلقة بينهما بعد التفرّق(1). و نمنع الملازمة.

و الصلح يصحّ دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم، و به قال الشافعي إن كان بيعاً، كصلح المعاوضة. و إن كان هبةً و حطيطةً، لم يدخله خيار الشرط. و إن اشتمل علي الإجارة كأن يصالح مدّعي العين علي السكني سنة، لم يدخله خيار الشرط(2).

و الوجه: دخول الشرط في جميع ذلك.

و الرهن يدخله خيار الشرط؛ للعموم.

و قال الشافعي: لا يدخله(3).

و الحوالة يصحّ فيها خيار الشرط.

و قال الشافعي: لا يدخلها(4).

و الضمان يصحّ دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم.

و قال الشافعي: لا يدخل(5).

و أمّا الوكالة و العارية و القراض و الشركة و الوديعة و الجُعالة: فقال الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيها(6).2.

ص: 64


1- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 193:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 97، المهذّب - للشيرازي 304:1، المجموع 192:9، روضة الطالبين 111110:3، التهذيب للبغوي 292:3، الحاوي الكبير 30:5.
2- التنبيه في الفقه الشافعي: 103، التهذيب للبغوي 293:3.
3- التهذيب للبغوي 292:3، المجموع 175:9.
4- التنبيه في الفقه الشافعي: 105، المهذّب للشيرازي 345:1، المجموع 192:9، الحاوي الكبير 30:5، العزيز شرح الوجيز 193:4، روضة الطالبين 111:3.
5- التنبيه في الفقه الشافعي: 106، المهذّب للشيرازي 348:1، المجموع 175:9، التهذيب للبغوي 292:3.
6- الخلاف 13:3، المسألة 12.

و قال الشافعي: لا يدخلها(1). و لا بأس به؛ لأنّها عقود جائزة لكلٍّ منهما فسخها، سواء كان هناك شرطُ خيارٍ أو لا، فلا معني لدخوله.

و الشفعة لا يدخلها خيار الشرط؛ لأنّها لا تقف علي التراضي.

و المساقاة و الإجارة المعيّنة قال الشيخ: يدخلهما خيار الشرط(2). و هو جيّد؛ للعموم.

و مَنَع الشافعي من دخوله فيهما؛ لأنّهما عقد علي منفعة تتلف بمضيّ الزمان و من شرط المساقاة أن تكون مدّته معلومةً عقيب العقد(3).

و أمّا الإجارة في الذمّة كأن يستأجره ليبني له حائطاً أو ليخيط له ثوباً: فقال الشيخ بدخول خيار الشرط فيها(4) ؛ للعموم.

و اختلفت الشافعيّة، فقال أبو إسحاق و ابن خيران: لا يدخلها خيار الشرط و لا المجلس؛ لأنّ الإجارة عقد علي ما لم يُخلق، فقد دخلها الغرر، فلا يدخلها بالخيار غرر آخر(5).

و قال الإصطخري: يدخلها الخياران؛ لأنّ مضيّ المدّة لا ينقص من المعقود عليه شيئاً(6).

و قال آخرون منهم: لا يدخلها خيار الشرط، و يدخل خيار المجلس؛5.

ص: 65


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 13:3، المسألة 12.
2- الخلاف 14:3 و 15، المسألتان 14 و 15.
3- المهذّب للشيرازي 399:1 و 407، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 404:5 و 405، العزيز شرح الوجيز 174173:4، المجموع 178:9 و 192.
4- الخلاف 15:3، المسألة 15.
5- العزيز شرح الوجيز 173:4، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:3، المسألة 15.
6- العزيز شرح الوجيز 173:4، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:3، المسألة 15.

لقلّة الغرر في خيار المجلس و كثرته في خيار الشرط(1).

و الوقف لا يدخله خيار الشرط؛ لأنّه إزالة ملك علي وجه القربة إلي غير ملك، فأشبه العتق.

و أمّا الهبة المقبوضة: فإن كانت لأجنبيّ غير معوّض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرَّف المتّهب، يجوز للواهب الرجوع فيها. و إن اختلّ أحد القيود، لزمت.

و هل يدخلها خيار الشرط؟ الأقرب: ذلك.

و قال الشافعي: إنّها قبل القبض غير لازمة. و إذا قبض و قلنا: لا تقتضي الثواب، لم يثبت فيها خيار. و إن قلنا: تقتضي الثواب، قال أبو حامد: في ثبوت الخيارين وجهان، أحدهما: أنّهما يثبتان؛ لأنّها بمنزلة البيع. و الثاني: لا يثبتان؛ لأنّ لفظ الهبة لفظ الإرفاق، فلم يثبت بمقتضاه الخيار.

و قال أبو الطيّب: لا يدخل خيار الشرط، و في خيار المجلس وجهان(2).

و الوصيّة لا يثبت فيها الخياران؛ لأنّه بالخيار إلي أن يموت.

و النكاح لا يثبت فيه الخياران؛ لأنّه لا يقصد فيه العوض، فإن شرطه، بطل العقد.

و إن شرط الخيار في الصداق وحده، صحّ؛ للعموم.

و للشافعي قولان: عدم الدخول؛ لأنّه أحد عوضي النكاح، فإذا لم يثبت في أحدهما، لم يثبت في الآخر. و الدخول(3).9.

ص: 66


1- المهذّب للشيرازي 407:1، حلية العلماء 405:5، التهذيب للبغوي 295:3.
2- انظر: الخلاف للشيخ الطوسي 15:3، المسألة 16، و العزيز شرح الوجيز 193:4، و المجموع 178177:9.
3- المهذّب للشيرازي 58:2، التهذيب للبغوي 294:3، الوسيط 103:3، العزيز شرح الوجيز 256255:8، روضة الطالبين 590:5، منهاج الطالبين: 219، المجموع 192:9.

و الخلع لا يدخل فيه خيار الشرط و به قال الشافعي(1) لأنّ القصد منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح.

و السبق و الرمي قال الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيهما(2) ؛ لأنّه لا مانع منه(3).

و للشافعي قولان مبنيّان علي أنّهما إجارة أو جُعالة(4).

و أمّا القسمة فإنّ خيار الشرط يدخلها، سواء اشتملت علي ردٍّ أو لا؛ لعموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون(5) عند شروطهم»(6).

و قال الشافعي: إن كان فيها ردّ، فهي بيع يدخلها الخياران. و إن لم يكن فيها ردّ، فإن كان القاسمُ الحاكمَ، فلا خيار؛ لأنّها قسمة إجبار. و إن كان الشريكين(7) ، فإن قلنا: أنّها إفراز و تمييز، فلا خيار. و إن قلنا: بيع، ثبت فيها الخياران(8).

و العتق لا يثبت فيه خيار؛ لأنّه إسقاط حقٍّ، و كذا التدبير؛ لأنّه عتْقٌ معلّق علي شرط. و لأنّه جائز للمولي الرجوع فيه متي شاء.0.

ص: 67


1- التهذيب للبغوي 294:3، الحاوي الكبير 29:5.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فيه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 19:3، المسألة 23.
4- التهذيب للبغوي 295:3، حلية العلماء 463462:5، العزيز شرح الوجيز 174:4، المجموع 178:9.
5- في «ق، ك»: «المسلمون» بدل «المؤمنون».
6- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
7- في «ق، م» و الطبعة الحجريّة: «الشريكان». و الصحيح ما أثبتناه.
8- التهذيب للبغوي 294293:3، الوسيط 102:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، المجموع 178:9، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 18:3، المسألة 20.

و أمّا الكتابة: فقال الشيخ: إن كانت مشروطةً، لم يثبت للمولي خيار المجلس، و لا يمتنع خيار الشرط؛ لعموم تسويغه. و العبد له الخياران معاً، له أن يفسخ أو يُعجّز نفْسَه، فينفسخ العقد. و إن كانت مطلقةً، فإن أدّي من مكاتبته شيئاً، فقد انعتق بحسابه، و لا خيار لواحدٍ منهما بحال(1).

و في ثبوت الخيارين للعبد عندي نظر.

و قال الشافعي: لا خيار للسيّد فيها؛ لأنّه دخل علي وجه القربة و تحقّق الغبن؛ لأنّه باع ماله بماله، و أمّا العبد فله الخيار أبداً؛ لأنّ العقد جائز من جهته(2). و فيه نظر.

تذنيب: لا يصحّ اشتراط الخيار في شراء ما يستعقب العتق،

كشراء القريب، و شراء العبد نفسه إن سوّغناه؛ لأنّه منافٍ لمقتضاه.

البحث الرابع: في خيار الغبن.
مسألة 252: الغبن سبب ثبوت الخيار للمغبون

عند علمائنا و به قال مالك و أحمد(3) لقوله (عليه السّلام): «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام»(4).

و لقوله تعالي إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (5) و معلوم أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض.

ص: 68


1- الخلاف 18:3، المسألة 21.
2- التهذيب للبغوي 292:3، العزيز شرح الوجيز 170:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 19:3، المسألة 21.
3- الذخيرة 112:5، العزيز شرح الوجيز 236:4، المغني 92:4، الشرح الكبير 88:4.
4- المعجم الأوسط للطبراني 382:5، 5193.
5- النساء: 29.

و لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أثبت الخيار في تلقّي الركبان(1) ، و إنّما أثبته للغبن.

و كذلك أيضاً يثبت الخيار بالعيب، و ذلك لحصول الغبن، فكذا هنا.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا يثبت للمغبون خيار بحال؛ لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) لم يُثبت لحبّان بن منقذ الخيارَ بالغبن، و لكن أرشده إلي شرط الخيار ليتدارك عند الحاجة. و لأنّ نقص قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد، كالغبن اليسير(2).

و الجواب: أنّ إرشاده (عليه السّلام) إلي اشتراط الخيار لا ينافي ثبوت طريقٍ آخر له؛ لأنّ إثبات الخيار أنفع، لأنّ له الفسخ مع الغبن القليل و الكثير و العيب و عدمه، بخلاف الغبن، فلمّا كان أعمّ نفعاً أرشده (عليه السّلام) إليه، و الغبن اليسير لا يعدّه الناس عيباً فلا عبرة به.

مسألة 253: و إنّما يثبت الغبن بشرطين:

الأوّل: عدم العلم بالقيمة وقت العقد سواء أمكنه أن يعرف القيمة بالتوقيف أولا، فلو عرف المغبون القيمة ثمّ زاد أو نقص مع علمه، فلا غبن و لا خيار له إجماعاً؛ لأنّه أدخل الضرر علي نفسه.

الثاني: الزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن الناس بمثلها وقت العقد، فلو باعه بعشرين و هو يساوي تسعة عشر أو أحد و عشرين، فلا خيار؛ لجريان مثل هذا التغابن دائماً بين الناس، و عدم ضبط الأثمان الموازية للمثمنات؛ لعسره جدّاً، فلم يعتد بالخارج عنه قلّةً أو كثرةً مع

ص: 69


1- صحيح مسلم 1157:3، 17، سنن أبي داوُد 269:3، 3437، سنن الترمذي 524:3، 1221، سنن البيهقي 348:5، مسند أحمد 269:3، 9951.
2- المغني 9392:4، الشرح الكبير 88:4، الوجيز 143:1، العزيز شرح الوجيز 239236:4، روضة الطالبين 132:3.

القلّة.

أمّا لو باعه بعشرين و هو يساوي أربعين أو عشرة، فإنّ الغبن هنا يثبت قطعاً مع جهله بالقيمة.

و إنّما تؤثّر الزيادة الفاحشة و النقيصة الفاحشة في تزلزل العقد و ثبوت الخيار فيه لو ثبتتا وقت العقد، و لو كانتا بعده، لم يعتدّ بهما إجماعاً.

و قال أحمد: إن كان المشتري مسترسلاً غير عارف بالمبيع و هو ممّن لو توقّف لعرفه، لم يثبت له الخيار؛ لأنّ مَنْ يعرف السلعة أو يمكنه أن يتعرّفها فلم يفعل جعل كأنّه رضي بالغبن و صار بمنزلة العالم بالعيب(1). و هو ممنوع.

مسألة 254: لمّا لم يُقدّر الشارع للغبن حدّا عُرف أنّه قد أحال الناس فيه إلي العادات

جرياً علي القاعدة المعهودة عند الشرع من ردّ الناس إلي العرف بينهم فيما لم ينصّ فيه علي شيء.

إذا تقرّر هذا، فلا تقدير للغبن عندنا، بل الضابط ما قلناه من أنّ ما لا يتغابن الناس بمثله يثبت معه الخيار، و ما يتغابن الناس بمثله لا يثبت فيه خيار.

و قال مالك: إن كان الغبن الثلث، لم يثبت الخيار. و إن كان أكثر من الثلث. ثبت الخيار(2). و هو تخمين لم يشهد له أصل في الشرع.

مسألة 255: و إنّما يثبت الخيار للمغبون خاصّةً

دون الغابن إجماعاً؛ لأنّ المقتضي لثبوت الخيار و هو التضرّر بعدمه إنّما يتحقّق في طرف

ص: 70


1- المغني 9392:4، الشرح الكبير 88:4.
2- الذخيرة 113:5، العزيز شرح الوجيز 236:4، المغني 94:4، الشرح الكبير 89:4.

المغبون فيختصّ بالحكم، و يثبت الخيار له بين الفسخ و الإمضاء مجّاناً، و لا يثبت به الأرش إجماعاً.

و لو دفع الغابن التفاوت، احتُمل سقوط خيار المغبون؛ لانتفاء موجبه و هو النقص. و عدمُه؛ لأنّه ثبت له، فلا يزول عنه إلّا بسببٍ شرعيّ و لم يثبت.

و لا يسقط هذا الخيار بتصرّف المغبون، لأصالة الاستصحاب، إلّا أن يخرج عن الملك ببيعٍ و عتقٍ و شبهه؛ لعدم التمكّن من استدراكه. و كذا لو منع مانع من الردّ كاستيلاد الأمة و وقْفها و كتابتها اللازمة. و لا يثبت(1) الأرش هنا أيضاً؛ لأصالة البراءة.

البحث الخامس: في خيار التأخير.
مسألة 256: مَنْ باع شيئاً و لم يسلّمه إلي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخير الثمن و لو ساعة، لزمه البيع ثلاثة أيّام،

فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة، فهو أحقّ بالعين، و لا خيار للبائع. و إن مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن، تخيّر البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع؛ لأنّ الصبر أبداً مضرّ بالبائع و قد قال (عليه السّلام): «لا ضرر و لا ضرار»(2) فوجب أن يضرب له أجل يتمكّن فيه من التخلّص من الضرر، فضرب له الثلاثة، كالحيوان.

ص: 71


1- في «ق»: «و لم يثبت».
2- سنن ابن ماجة 784:2، 2341، سنن الدارقطني 77:3، 288، و 227:4، 83، سنن البيهقي 69:6 و 70 و 157، و 133:10، مسند أحمد 515:1، 2862، المستدرك للحاكم 58:2، المعجم الكبير للطبراني 86:2، 1387، و 302:11، 11806، المعجم الأوسط - للطبراني 382:5، 9351.

و لقول الكاظم (عليه السّلام) و قد سُئل عن الرجل يبيع البيع فلا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: «الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه، و إلّا فلا بيع بينهما»(1).

و سأل زرارة الباقرَ (عليه السّلام) قلت: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده و يقول: حتي آتيك بثمنه، قال: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له»(2).

و خالف العامّة في ذلك كافّة، و لم يُثبتوا للبائع خياراً؛ للانتقال بالعقد، و سقوط حقّ البائع من العين، و انتقال حقّه إلي الثمن. و هو ممنوع.

مسألة 257: لو كان المبيع ممّا يسرع إليه الفساد كالفواكه و شبهها ممّا يفسد ليومه، فالخيار فيه إلي الليل؛
اشارة

لأنّ الصبر أكثر من ذلك يؤدّي إلي تضرّر المشتري لو ابقيت السلعة و طُولب بالثمن، و إلي تضرّر البائع لو لم يطالب.

و ما روي عن الصادق أو الكاظم (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن، قال: «إن جاء ما بينه و بين الليل بالثمن، و إلّا فلا بيع له»(3).

تذنيب: لو كان ممّا يصبر يومين، احتمل أن يكون له الخيار إلي الليل و إلي اليومين؛

عملاً بأصالة العقد و لزومه.

مسألة 258: لو قبض المشتري السلعة و لم يقبض البائع الثمن،
اشارة

ص: 72


1- التهذيب 22:7، 92، الاستبصار 78:3، 259.
2- الكافي 171:5، 11، الفقيه 127:3، 554، التهذيب 21:7، 88، الاستبصار 7877:3، 258.
3- الكافي 172:5، 15، التهذيب 2625:7، 108، الاستبصار 78:3، 262.

فلا خيار للبائع؛ لأنّ ثبوت هذا الخيار علي خلاف الأصل، فيقتصر في ثبوته علي ما ورد به النصّ، و يبقي ما عداه علي الأصل من لزوم البيع. و لأنّ البيع تأكّد بالقبض. و لأنّ البائع قد رضي باللزوم حيث دفع المبيع إليه.

و كذا لو كان الثمن مؤجّلاً و لو لحظة، سقط الخيار، سواء تأخّر عن الأجل المضروب بسنة(1) مثلاً أو لا؛ لما قلناه.

و لو قبض البائع بعض الثمن، لم يبطل الخيار؛ لأنّه يصدق عليه حينئذٍ أنّه لم يقبض الثمن.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: اشتريت محملاً و أعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثمّ احتبست أيّاماً ثمّ جئت إلي بائع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثمّ قلت: لا و اللّه لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضي بأبي بكر بن عيّاش ؟ قلت: نعم، فأتيناه فقصصنا عليه قصّتنا، فقال أبو بكر: بقول مَنْ تحبّ أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره ؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: «من اشتري شيئاً فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له»(2).

فروع:

أ لو قبض المشتري المبيع ثمّ دفعه وديعةً عند بائعه أو رهناً حتي يأتي بالثمن، فلا خيار للبائع؛ لأنّه بإقباضه رضي بلزوم البيع، و يده الآن يد نيابة عن المشتري، فكأنّه في يد المشتري.

ب لو مضي ثلاثة أيّام فما زاد و لم يفسخ البائع البيع و أحضر

ص: 73


1- في الطبعة الحجريّة: «سنة».
2- الكافي 173172:5، 16، التهذيب 2221:7، 90.

المشتري الثمن و مكّنه منه، سقط الخيار؛ لزوال المقتضي لثبوته، و هو التضرّر بالتأخير.

ج لو مضت ثلاثة ثمّ طالب البائع المشتري بالثمن بعدها فوعده به، لم يسقط خيار البائع بالطلب؛ لأنّه حقٌّ ثبت شرعاً، فلا يسقط إلّا بوجهٍ شرعيّ.

د لو سلّم البائع بعض المبيع دون الباقي ثمّ مضت ثلاثة، كان له الخيار في الجميع بين الفسخ فيه و الصبر؛ لأنّه يصدق عليه أنّه لم يدفع المبيع، و ليس له فسخ البيع في غير المقبوض؛ لأنّ تفريق الصفقة عيبٌ.

ه لو شرط تأخير بعض الثمن فأخّر الباقي، فلا خيار؛ لأنّ الثمن ليس حالّا. و يحتمل ثبوته بعد تأخير العقد ثلاثة أيّام، كالجميع. و كذا لو شرط تأخير الثمن فأخّره عن الأجل، فلا خيار.

مسألة 259: لو هلك المتاع في مدّة ثلاثة أيّام الخيار هنا، قال الشيخ: يكون من ضمان المشتري؛

لأنّ المبيع انتقل إليه و لزمه(1) ، و وجب عليه دفع عوضه. و لو هلك بعدها، قال: يكون من مال البائع؛ لأنّ الخيار قد ثبت له، فكأنّه ملكه(2).

و المعتمد: أنّه يكون من ضمان البائع علي التقديرين؛ لقوله (عليه السّلام): «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(3) و التقدير أنّ المشتري لم يقبض المبيع.

و لأنّ عقبة بن خالد سأل الصادقَ (عليه السّلام) في رجل اشتري متاعاً من

ص: 74


1- في الطبعة الحجريّة: «لزم».
2- النهاية: 386.
3- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.

رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غداً إن شاء اللّه، فسرق المتاع من مال مَنْ يكون ؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المال و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتي يردّ إليه ماله»(1).

البحث السادس: في خيار الرؤية.
مسألة 260: البيع علي أقسام ثلاثة:

بيع عين شخصيّة حاضرة. و لا خلاف في صحّته مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و بدونها خلاف. و بيع عين شخصيّة غائبة. و بيع عين غير شخصيّة بل مضمونة، كالسَّلَم.

و شرط صحّة بيع العين الشخصيّة الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع، و قد سبق الخلاف في ذلك.

و يجب فيه ذكر اللفظ الدالّ علي الجنس، فيقول: بعتك عبدي، أو حنطتي؛ دفعاً للغرر.

و قال أبو حنيفة: لا يشترط ذلك، بل لو باعه ما في كُمّه من غير ذكر جنسه، صحّ(2).

و يجب أيضاً ذكر اللفظ الدالّ علي المميّز، و ذلك بذكر جميع الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها و تتطرّق الجهالة بترك بعضها،

ص: 75


1- الكافي 172171:5، 12، التهذيب 21:7، 89، و 230، 1003.
2- تحفة الفقهاء 81:2، الهداية للمرغيناني 32:3، الاختيار لتعليل المختار 23:2، المحلّي 337:8، التهذيب للبغوي 286:3، الحاوي الكبير 14:5، العزيز شرح الوجيز 51:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 301:9، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 5:3، المسألة 1.

و لا يكفي ذكر الجنس عن الوصف، خلافاً للشافعي في أحد قوليه(1).

و لا تشترط الرؤية، بل يكفي الوصف، سواء البائع و المشتري في ذلك، خلافاً للشافعي، فإنّه تارة جوّز بيع المجهول، و تارة لم يكتف بالوصف، بل أوجب المشاهدة للبائع و المشتري، و تارة أوجب مشاهدة البائع لسهولة دفع الغرر عنه، فإنّه المالك المتصرّف في المبيع، و تارة أوجب مشاهدة المشتري؛ لأنّ البائع معرض عن الملك و المشتري محصّل له، فهو أجدر بالاحتياط(2).

مسألة 261: إذا وصفه و لم يجده المشتري علي الوصف،

تخيّر بين الفسخ و الإمضاء. و لو وجده أجود، لم يكن له خيار. أمّا لو وصفه وكيل البائع فوجده(3) أجود، كان الخيار للبائع. و لو شاهد بعض الضيعة و وُصف له الباقي ثمّ وجدها علي خلاف الوصف(4) ، كان مخيّراً بين الفسخ في الجميع و الإمضاء فيه لا في البعض.

مسألة 262: بيع العين الشخصيّة الموصوفة جائز

عندنا، و يثبت الخيار لو لم توجد علي الوصف علي ما تقدّم.

و لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «من اشتري شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه»(5).

و من طريق الخاصّة أنّهم (عليهم السّلام) سُئلوا عن بيع الجرب الهرويّة، فقالوا

ص: 76


1- المهذّب للشيرازي 270:1، المجموع 292:9، التهذيب للبغوي 286:3، الحاوي الكبير 20:5، العزيز شرح الوجيز 51:4 و 61، روضة الطالبين 42:3.
2- العزيز شرح الوجيز 51:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 290:9.
3- في «ق، ك»: «فوُجد».
4- في الطبعة الحجريّة: «الأصل» بدل «الوصف».
5- سنن الدارقطني 54:3، 8 و 10، سنن البيهقي 268:5.

«لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فإن وجدها كما ذُكرت و إلّا ردّها»(1).

و أراد بالبارنامج كتاب يذكر فيه صفات السلعة علي الاستقصاء.

و لو وُجد علي الوصف، فلا خيار؛ لأصالة اللزوم، و عدم المقتضي لثبوته.

و قال الشافعي: يثبت الخيار علي كلّ حال(2).

مسألة 263: قد بيّنّا أنّه لا بدّ من استقصاء الأوصاف مع الغيبة،

كالسَّلَم، و لا يكفي ذكر الجنس و لا النوع ما لم يميّزه بكلّ وصف تتطرّق الجهالة بتركه و تتفاوت القيمة بذكره؛ لأنّه (عليه السّلام) نهي عن الغرر(3) ، خلافاً للشافعي و أبي حنيفة و غيرهما(4).

و إذا باع العين الغائبة علي وجه الصحّة كما إذا استقصي الأوصاف عندنا و مطلقاً عند الشافعي، يكون له الخيار عند الرؤية و ظهور خلاف الوصف.

و يجوز أن يوكّل البصير غيره بالرؤية [و(5)] بالفسخ و الإجازة علي ما يستوصفه؛ للأصل، و كالتوكيل في خيار العيب، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: لا يجوز التوكيل؛ لأنّ هذا الخيار مربوط بإرادة مَنْ له الخيار [و](6) لا تعلّق له بغرض و لا وصف ظاهر، فأشبه ما لو أسلم الكافر

ص: 77


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 6:3، المسألة 1.
2- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، التهذيب للبغوي 286:3، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
3- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داوُد 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن النسائي 262:7، سنن الدارمي 254:2، الموطّأ 664:2، 75، مسند أحمد 497:1، 2747، و فيها «نهي (صلّي اللّه عليه و آله) عن بيع الغرر».
4- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 75، و الهامش (1).
5- أضفناهما من «العزيز شرح الوجيز».
6- أضفناهما من «العزيز شرح الوجيز».

علي عشرة(1) ، ليس له أن يوكّل بالاختيار(2).

و القياس ممنوع، و كذا حكم الأصل.

مسألة 264: قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الغائب مع الوصف
اشارة

الرافع للجهالة لا بدونه.

و للشافعي قول بالجواز بدونه(3).

و علي قوله هذا هل يجوز بيع الأعمي و شراؤه ؟ وجهان:

أظهرهما: أنّه لا يجوز أيضاً؛ لأنّ الغائب يثبت فيه خيار الرؤية و هنا لا يمكن إثباته.

و الثاني: الجواز، و يقوم وصف غيره له مقام رؤيته، كالإشارة القائمة مقام النظر للأخرس، و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(4).

و علي قول الشافعي بمنع بيع الأعمي و شرائه لا يصحّ(5) منه الإجارة و الرهن و الهبة(6).

و عندنا أنّ ذلك كلّه جائز منه.

ص: 78


1- أي: عشر نسوة.
2- العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 294:9.
3- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 302:9، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3.
4- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 303302:9، حلية العلماء 97:4-98، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 360، الهداية للمرغيناني 34:3، الاختيار لتعليل المختار 15:2، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يمتنع بيع الأعمي و شراؤه و لا يصحّ..» و الصحيح ما أثبتناه.
6- التهذيب للبغوي 535:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 303:9.

و كذا له أن يكاتب عبده.

و فيه وجهان للشافعيّة علي تقدير منع البيع: المنعُ، كالبيع. و الجوازُ؛ تغليباً لجانب العتق(1).

و يجوز عندنا و عنده(2) أن يؤاجر نفسه، و أن يشتري نفسه، و أن يقبل الكتابة علي نفسه؛ لأنّه لا يجهل نفسه، و أن ينكح و أن يزوّج مولاته، و به قال الشافعي(3) تفريعاً علي أنّ العمي غير قادح في الولاية.

و لو باع سلماً أو اشتري، صحّ مع ضبط الوصف.

و للشافعي تفصيل: إن كان قد عمي بعد سنّ التمييز، صحّ البيع؛ لأنّه يعتمد الأوصاف، و هو يميّز بين الألوان و يعرف الأوصاف ثمّ يوكّل مَنْ يقبض عنه علي الوصف المشروط. و إن كان أكمه أو عمي قبل بلوغ سنّ التمييز، فوجهان: المنع؛ لأنّه لا يعرف الألوان و لا يميّز بينها، فلا يصحّ سلمه. و الصحّة كما اخترناه لأنّه يعرف الصفات و الألوان بالسماع و يتخيّل الفرق بينها(4).

و كلّ ما لا يصحّ من الأعمي من التصرّفات فسبيله أن يوكّل و به قال الشافعي(5) للضرورة.

تذنيب: لو باعه ثوباً علي حَفّ

تذنيب: لو باعه ثوباً علي حَفّ(6) نسّاج علي أن ينسج له الباقي، بطل؛

لأنّ بعضه بيع عين حاضرة و بعضه في الذمّة مجهول.

ص: 79


1- العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 303:9.
2- التهذيب للبغوي 535:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 36:3.
3- العزيز شرح الوجيز 5352:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
4- العزيز شرح الوجيز 53:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
5- العزيز شرح الوجيز 53:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
6- الحفّ: المنسج. الصحاح 1344:4 «حفف».
البحث السابع: في خيار العيب و ما يتبعه.
مسألة 265: الأصل في البيع من الأعيان و الأشخاص السلامة عن العيوب، و الصحّة،

فإذا أقدم المشتري علي بذل ماله في مقابلة تلك العين، فإنّما بني إقدامه علي غالب ظنّه المستند إلي أصالة السلامة، فإذا ظهر عيب سابق علي العقد، وجب أن يتمكّن من التدارك، و ذلك بثبوت الخيار بين إمضاء البيع و فسخه.

إذا عرفت هذا، فإطلاق العقد أو شرط السلامة يقتضيان السلامة، فإن ظهر عيب سابق، كان للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء.

و الأصل فيه ما رواه الجمهور: أنّ رجلاً اشتري غلاماً في زمن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) و كان عنده ما شاء اللّه ثمّ ردّه من عيب وجد به(1).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، قال: «إن كان الثوب قائماً ردّه علي صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خِيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»(2).

إذا ثبت هذا، فالعيب هو الخروج عن المجري الطبيعي إمّا لزيادة أو نقصان موجب لنقص الماليّة، كزيادة الإصبع و نقصانها.

مسألة 266: التدليس بما يختلف الثمن بسببه يوجب الخيار

و إن لم يكن عيباً، كتحمير الوجه و وصل الشعر و التصرية و أشباه ذلك؛ لما فيه من الضرر الناشئ بفقد ما ظنّه حاصلاً.

ص: 80


1- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داوُد 284:3، 3510، المستدرك للحاكم 15:2، مسند أحمد 118:7، 23993.
2- الكافي 207:5، 2، التهذيب 60:7، 258.

و كذا لو شرط وصفاً يتعلّق به غرض معقول و إن كان ضدّه أجود من الماليّة، فإنّ الخيار يثبت لو لم يخرج علي الوصف، كما لو شرط العبد كاتباً أو خيّاطاً أو فحلاً.

أمّا لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا تزيد به الماليّة، فإنّه لغو لا يوجب الخيار، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 267: إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً سابقاً علي العقد و لم يحدث عنده عيب و لا تصرّف فيه، كان مخيّراً

بين فسخ البيع و الإمضاء بالأرش و به قال أحمد(1) لأنّه ظهر علي عيب لم يقف علي محلّه، فكان له المطالبة بالأرش، كما لو حدث عنده عيب. و لأنّ الثمن في مقابلة السليم، فإذا ظهر عيب، كان قد فات جزء من المبيع، فكان للمشتري المطالبة بما يقابله من الثمن؛ لأنّ الأرش في الحقيقة جزء من الثمن.

و قال الشافعي: لا يثبت له الأرش، بل يتخيّر بين الردّ و الإمساك بجميع الثمن؛ لحديث المصرّاة، فإنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) جعل له الخيار بين الإمساك من غير أرش، أو الردّ؛ لأنّه قال: «إن رضيها أمسكها، و إن سخطها ردّها»(2) فثبت أنّه إذا أمسك لم يستحقّ شيئاً. و لأنّه يملك ردّه فلم يكن له المطالبة بجزء من الثمن، كما لو كان الخيار بالشرط(3).

و حديث المصرّاة نقول بموجَبه؛ لأنّ التصرية ليست عيباً و إن كانت تدليساً. و الأرش عندنا يثبت في العيب لا التدليس.

ص: 81


1- المغني 259:4، الشرح الكبير 9796:4.
2- سنن أبي داوُد 270:3، 3443.
3- المهذّب للشيرازي 291:1، العزيز شرح الوجيز 217:4 و 253، روضة الطالبين 121:3 و 126 و 140، المغني 260259:4، الشرح الكبير 97:4.

سلّمنا، لكنّه (عليه السّلام) لم يسقط عنه الأرش كما لم يثبته، علي أنّ الحقّ: الأوّل. و خيار الشرط لا يوجب الأرش؛ لعدم فوات جزء من العين.

مسألة 268: لو تجدّد العيب بعد القبض في يد المشتري من غير تصرّف، فإن كان حيواناً، كان من ضمان البائع

إن تجدّد في ثلاثة أيّام الخيار، و في جذام الرقيق و برصه و جنونه إن تجدّد في السنة ما بين العقد و ظهوره. و إن كان غير حيوان، فلا ضمان علي البائع و به قال مالك(1) لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) جعل عهدة البيع ثلاثة أيّام(2) ، و أنّه إجماع أهل المدينة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة فهو من مال البائع»(4).

و لأنّ الحيوان قد يكون فيه العيوب ثمّ تظهر.

و أمّا عيوب السنة فقد وافقنا مالك(5) عليها؛ لأنّ الرضا (عليه السّلام) قال: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، و في غير الحيوان أن يتفرّقا، و أحداث السنة تُردّ بعد السنة» قلت: و ما أحداث السنة ؟ قال: «الجنون و الجذام و البرص و القرن، فمن اشتري فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يردّ علي صاحبه إلي تمام السنة من يوم اشتراه»(6).

ص: 82


1- التفريع 177:2، حلية العلماء 242:4، العزيز شرح الوجيز 218:4، المغني 262:4، الشرح الكبير 101:4.
2- سنن ابن ماجة 754:2، 2244، سنن أبي داوُد 284:3، 3506، سنن الدارمي 251:2، سنن البيهقي 324:5، المصنّف لابن أبي شيبة 227:14، 18175، مسند أحمد 151:5، 16934، و فيها «عهدة الرقيق» بدل «عهدة البيع».
3- كما في المغني 262:4، و الشرح الكبير 101:4.
4- الفقيه 127:3، 555، التهذيب 67:7، 288.
5- انظر: المصادر في الهامش (1).
6- الكافي 217216:5، 16، التهذيب 64:7، 274.

و قال الشافعي: إذا حدث العيب بعد القبض، لم يثبت به الخيار مطلقاً - و به قال أبو حنيفة لأنّه عيب ظهر في يد المشتري، فلا يثبت به خيار، كما لو كان بعد الثلاث أو السنة(1).

و الجواب: الفرق؛ فإنّ امتداد الخيار دائماً ممّا يضرّ البائع، فلا بدّ من ضبطه لئلاّ يتضرّر المشتري بإسقاطه.

مسألة 269: لو تجدّد العيب بعد العقد و قبل القبض، كان للمشتري ردّه؛

لأنّه مضمون في يد البائع، فكما لو تلفت الجملة كانت من ضمانه، كذا الأجزاء، و كما إذا كان العيب موجوداً حالة العقد و به قال الشافعي(2) لأنّ المبيع في يد البائع مضمون بالثمن، فكان النقص الموجود فيه كالنقص الموجود حالة العقد في إثبات الخيار.

و هل للمشتري الإمساك مع الأرش ؟ منع الشيخ منه و قال: ليس له مع اختيار الإمساك الأرش، بل إمّا أن يردّه أو يمسكه بجميع الثمن(3). و به قال الشافعي(4) ؛ لأنّه جعل هذا العيب بمنزلة الموجود، فلا يثبت به أمران، فإذا ثبت به الفسخ، لم يثبت به الأرش. و ادّعي الشيخ عدم الخلاف(5).

و الأقوي عندي: أنّ للمشتري المطالبة بالأرش مع الإمساك؛ لأنّه جزء من الثمن مقابل لما تلف قبل قبضه من المبيع، فكان له المطالبة به،

ص: 83


1- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 241:4، العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3، المغني 262:4، الشرح الكبير 101:4.
2- المهذّب للشيرازي 291:1، العزيز شرح الوجيز 217:4، روضة الطالبين 127126:3.
3- الخلاف 109:3، المسألة 178.
4- روضة الطالبين 140:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4.
5- انظر: الخلاف 109:3، المسألة 178.

كالجميع.

مسألة 270: لو تراضي البائع و المشتري علي أخذ الأرش و الإمساك، قال الشيخ: يجوز

(1) . و هو الحقّ عندنا؛ لأنّه يثبت من غير الصلح فمعه أولي. و احتجّ الشيخ بعموم قوله (عليه السّلام): «الصلح جائز بين المسلمين إلّا ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»(2) و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة؛ لأنّه إذا تعذّر الردّ يثبت الأرش، فجاز أن يثبت الأرش بتراضيهما، كخيار وليّ القصاص.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه خيار ثبت لفسخ البيع، فلا يجوز التراضي به علي مال، كخيار المجلس و الشرط. و علي تقدير الصحّة يستحقّ الأرش، و يسقط الردّ، و علي تقدير عدمها لا يجب الأرش(3).

و في سقوط الردّ له وجهان: السقوط؛ لأنّ صلحه تضمّن رضاه بالمبيع. و عدمُه - و هو الصحيح عندهم لأنّه رضي بالمبيع لحصول الأرش، فإذا لم يثبت له لم يسقط خياره(4).

و هذان الوجهان عندهم في خيار الشفعة إذا صالح عنه علي عوض(5).

مسألة 271: لو كان العيب بعد القبض لكن سببه سابق علي العقد أو علي القبض،

كما لو اشتري عبداً جانياً أو مرتدّاً أو محارباً، فإن قُتل قبل

ص: 84


1- الخلاف 109:3، المسألة 178.
2- سنن ابن ماجة 788:2، 2353، سنن أبي داوُد 304:3، 3594، سنن الترمذي 635:3، 1352، سنن البيهقي 65:6.
3- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 239:4، روضة الطالبين 140:3.
4- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 239:4، روضة الطالبين 140:3.
5- حلية العلماء 239:4.

القبض، انفسخ البيع إجماعاً. و إن كان بعد القبض، فإن كان المشتري جاهلاً بحاله، فله الأرش؛ لأنّ القبض سلطة علي التصرّف، فيدخل المبيع في ضمانه، و تعلُّق القتل برقبته كعيب من العيوب، فإذا هلك، رجع علي البائع بالأرش، و هو نسبته ما بين قيمته مستحقّاً للقتل و غير مستحقٍّ من الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و أصحّهما: أنّه من ضمان البائع و به قال أبو حنيفة لأنّ التلف حصل بسببٍ كان في يده، فأشبه ما لو باع عبداً مغصوباً فأخذه المستحقّ، فحينئذٍ يرجع المشتري عليه بجميع الثمن(1).

و الأوّل أولي. و الفرق بينه و بين المغصوب ظاهر، و هو ثبوت الملك في المتنازع دون صورة النقض. و يبتني علي الوجهين مئونة تجهيزه(2) من الكفن و الدفن و غيرهما. فعلي ما قلناه يكون علي المشتري، و علي ما قاله الشافعي و أبو حنيفة يكون علي البائع(3).

و لو كان المشتري عالماً بالحال أو تبيّن له بعد الشراء و لم يردّ، لم يرجع بشيء، كما في غيره من العيوب.

و علي قول الشافعي و أبي حنيفة وجهان:

أحدهما: أنّه يرجع بجميع الثمن إتماماً للتشبيه بالاستحقاق.

و أصحّهما عند جمهور الشافعيّة: أنّه لا يرجع بشيء؛ لدخوله في العقد علي بصيرة، أو إمساكه مع العلم بحاله، و ليس هو كظهور الاستحقاق من كلّ وجه، و لو كان كذلك، لم يصحّ بيعه البتّة(4).3.

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «موته و تجهيزه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3.
4- العزيز شرح الوجيز 219218:4، روضة الطالبين 127:3.

و كذا لو اشتري عبداً وجب عليه القطع بسرقة أو قصاص، فإنّه يصحّ إجماعاً، بخلاف صورة الجاني؛ فإنّ فيه خلافاً، فإذا قبضه المشتري ثمّ قُطع في يده، فعلي ما اخترناه إذا كان المشتري جاهلاً، لم يكن له الردّ؛ لكون القطع من ضمانه، بل يرجع بالأرش، و هو ما بين قيمته مستحَقّاً للقطع و غير مستحقٍّ من الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و علي الثاني: له الردّ و استرجاع جميع الثمن، كما لو قُطع في يد البائع. و لو تعذّر الردّ بسبب، فالنظر في الأرش علي هذا الوجه إلي التفاوت بين العبد السليم و الأقطع(1).

و إن كان المشتري عالماً، فليس له الردّ و لا الأرش.

مسألة 272: يسقط الردّ و الأرش معاً بعلم المشتري بالعيب
اشارة

قبل العقد و كذا بعده بشرط إسقاطهما و تبرّي البائع من العيوب حالة العقد مجملةً أو مفصّلةً مع علمه بالعيب و جهله و يسقط الردّ خاصّة بتصرّف المشتري في السلعة قبل العلم بالعيب أو بعده أو حدوث عيبٍ آخر عند المشتري من جهته أو من غير جهته إذا لم يكن حيواناً في مدّة الخيار، و يثبت له الأرش في هذه الصور خاصّة. و لو كان العيب الحادث قبل القبض، لم يمنع الردّ مطلقاً لأنّ علمه بالعيب و رضاه به دليل علي انتفاء الغرر، فيسقط الخيار. و كذا إسقاط حكم العيب بعد العلم به.

و أمّا تبرّي البائع من العيوب فإنّه مسقط للردّ و الأرش معاً عند علمائنا أجمع، سواء كان المبيع حيواناً أو لا، و سواء علم البائع بالعيب أو لا، و سواء فصّلها أولا، و سواء كان العيب باطناً أو لا و به قال أبو حنيفة

ص: 86


1- العزيز شرح الوجيز 219:4، روضة الطالبين 128:3.

و الشافعي في أحد أقواله(1) لما رواه الجمهور عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و عن أُمّ سلمة أنّ رجلين اختصما في مواريث قد درست إلي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، فقال النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله): «استهما و توخّيا و ليحلّل أحدكما صاحبه»(3) و هو يدلّ أنّ البراءة من المجهول جائزة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم إلا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(4).

و لأنّه إسقاط حقٍّ، فيصحّ في المجهول، كالطلاق و العتاق. و لأنّ خيار العيب إنّما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرّح بالبراءة، فقد ارتفع الإطلاق.

و القول الثاني للشافعي: أنّه لا يبرأ البائع بالتبرّي من كلّ العيوب إلّا من عيبٍ واحد، و هو العيب الباطن في الحيوان إذا لم يعلمه، فأمّا إذا علمه أو كان ظاهراً علمه أو لم يعلمه، أو كان بغير الحيوان، فإنّه لا يبرأ منه - و به قال مالك، و هو الصحيح عندهم لأنّ عبد اللّه بن عمر باع عبداً من زيد بن3.

ص: 87


1- المبسوط للسرخسي 91:13، الهداية للمرغيناني 41:3، الاختيار لتعليل المختار 31:2، مختصر اختلاف العلماء 142:3، 1215، الاُم 70:3، المهذّب للشيرازي 295:1، حلية العلماء 282:4، التهذيب للبغوي 474:3، الحاوي الكبير 271:5 و 272، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133:3، المحلّي 41:9.
2- الحاوي الكبير 272:5، العزيز شرح الوجيز 243:4، الذخيرة 24:5، المغني 384:4، الشرح الكبير 54:4، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- مسند أحمد 451:7، 26177، المصنّف لابن أبي شيبة 234233:7، 3016، و 269:14، 18338، سنن البيهقي 66:6، المغني 280:4.
4- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93.

ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم(1) فأصاب به عيباً فأراد ردّه علي ابن عمر فلم يقبله، فارتفعا إلي عثمان، فقال عثمان لابن عمر: أ تحلف أنّك لم تعلم بهذا العيب ؟ فقال: لا قدرة لي عليه، فردّه عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم و لم ينكر عليه أحد(2).

و فعْلُ عثمان لا حجّة فيه.

و القول الثالث للشافعي: أنّه لا يبرأ البائع من شيء من العيوب البتّة بالتبرّي - و هو إحدي الروايتين عن أحمد لأنّه خيار ثابت بالشرع، فلا ينتفي بالشرط، كسائر مقتضيات العقد. و لأنّ البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومةً، كالرهن و الكفيل، و العيوب المطلقة مجهولة(3).

و الكبري في الأوّل ممنوعة. و الفرق بين الرهن و الكفيل و بين المتنازع أنّ الحاجة تدعو إليه هنا، بخلاف الرهن و الضمين.

و عن أحمد رواية اخري: أنّه يبرأ من كلّ عيب لم يعلمه في الحيوان و غيره، و لا يبرأ من كلّ عيب يعلمه في الحيوان و غيره(4) ؛ لأنّ كتمان المعلوم تلبيس.

و لبعض الشافعيّة طريقة اخري عن الشافعي: أنّه يبرأ في الحيوان من4.

ص: 88


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بمائتي درهم». و ما أثبتناه من بعض المصادر في الهامش التالي.
2- المهذّب للشيرازي 295:1، الحاوي الكبير 272:5 و 273، التهذيب للبغوي 274:3، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133132:3، المدوّنة الكبري 349:4، المغني 280:4، الشرح الكبير 67:4، المحلّي 4241:9، مختصر اختلاف العلماء 142:3، 1215.
3- الحاوي الكبير 272:5، التهذيب للبغوي 274:3، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133:3، المغني 279:4، الشرح الكبير 67:4.
4- المغني 280:4، الشرح الكبير 67:4، العزيز شرح الوجيز 243:4.

غير المعلوم دون المعلوم، و لا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم، و في غير المعلوم قولان(1).

و أثبت بعضهم طريقة رابعة، و هي: ثلاثة أقوال في الحيوان و غيره، ثالثها: الفرق بين المعلوم و غير المعلوم(2).

فروع:

أ لو قال: بعتك بشرط أن لا تردّ بالعيب، جري فيه هذا الاختلاف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه فاسد قطعاً يُفسد العقد(3).

و الأقرب: أنّه إن قصد إسقاط الخيار، لزم البيع.

ب لو عيّن بعض العيوب و شرط البراءة عنه، صحّ، و برئ ممّا عيّنه خاصّة.

و قال الشافعي: إن كان العيب خفيّاً لا يشاهد، مثل أن يشرط البراءة من الزنا و السرقة و الإباق، برئ منها إجماعاً؛ لأنّ ذكرها إعلام و اطّلاع عليها. و إن كان ممّا يشاهد كالبرص فإن أراه قدره و موضعه، برئ أيضاً. و إن لم يره، فهو كشرط البراءة مطلقاً؛ لتفاوت الأغراض باختلاف قدره و موضعه(4).

ج ما لا يعرفه البائع و يريد البراءة عنه لو كان، يصحّ البراءة منه علي ما تقدّم.

و للشافعي ما تقدّم من الخلاف في الأقوال.

فعلي البطلان في العقد وجهان للشافعيّة: البطلان، كسائر الشروط

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
2- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
3- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
4- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.

الفاسدة. و أظهرهما عندهم: الصحّة؛ لاشتهار القصّة المذكورة بين الصحابة في قضيّة ابن عمر. و لأنّه شرط يؤكّد العقد و يوافق ظاهر الحال، و هو السلامة عن العيوب.

و علي الصحّة فذلك في العيوب الموجودة عند العقد، أمّا الحادث بعده و قبل القبض فيجوز الردّ به(1).

د لو شرط البراءة عن العيوب الكائنة و التي تحدث، جاز عندنا؛ عملاً بعموم «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و للشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم: أنّه فاسد(3).

فإن أفرد ما يستحدث بالشرط، فهو بالفساد أولي عندهم(4).

و الأولي عندنا: الصحّة.

لا يقال: التبرّي ممّا لم يوجد يستدعي البراءة ممّا لم يجب، و هو باطل.

لأنّا نقول: التبرّي إنّما هو من الخيار الثابت بمقتضي العقد لا من العيب.

ه ما مأكوله في جوفه من الجوز و البطّيخ لو تبرّأ من العيوب فيه، صحّ عندنا؛ عملاً بالشرط.

و هل يلحق بالحيوان ؟ عند الشافعيّة قولان:

أحدهما: نعم، فيجوز التبرّي من عيوبه الخفيّة الباطنة غير المعلومة.3.

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
4- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.

و الثاني و هو الأشهر بينهم -: لا، لتبدّل أحوال الحيوان، فإنّه يغتذي في الصحّة و السقم و تتحوّل(1) طباعه، فالغالب فيه وجود العيب في باطنه، فلهذا جوّز التبرّي من عيوبه، بخلاف البطّيخ، فإنّ الأكثر فيه السلامة(2).

و إذا شرط البراءة، صحّ، فإن حدث عند البائع فيه عيب قبل القبض، فإن عمّم التبرّي من العيوب التي يدخل فيها المتجدّد، صحّ. و إن خصّص بالثابت، لم يبرأ. و إن أطلق، فالأقرب: الانصراف إلي الثابت حالة العقد، و به قال الشافعي(3).

و كذا لو عمّم، لم يدخل عنده؛ لأنّه إسقاط للحقّ قبل ثبوته، و إبراء ممّا لا يجب عليه.

و قال أبو يوسف: يبرأ منه؛ لأنّ الشرط أسقط ذلك، و قد وُجد في حال سبب وجوب الحقّ، فصار كما لو وُجد بعد ثبوته(4).

ز ينبغي للبائع إعلام المشتري بالعيب إذا أراد التبرّي، أو ذكر العيوب مفصّلةً و التبرّي منها؛ لأنّه أبعد من الغشّ، فإن أجمل البراءة من كلّ عيب، صحّ، و لزم علي ما تقدّم.

مسألة 273: تصرّف المشتري كيف كان يُسقط الردّ بالعيب السابق

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(5) لأنّ تصرّفه فيه رضا منه به علي الإطلاق، و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتي يعلم حال صحّته و عدمها.

ص: 91


1- في الطبعة الحجريّة: «فتتحوّل».
2- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 244:4، و روضة الطالبين 133:3.
4- الاختيار لتعليل المختار 31:2.
5- بدائع الصنائع 270:5، الشرح الكبير 103:4.

و لقول الباقر (عليه السّلام): «أيّما رجل اشتري شيئاً و به عيب أو عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبرأ فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و علم بذلك العوار و بذلك العيب أنّه يمضي عليه البيع، و يردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»(1).

و قال الصادق (عليه السّلام): «أيّما رجل اشتري جارية فوقع عليها فوجد بها عيباً لم يردّها، و ردّ البائع عليه قيمة العيب»(2).

و قال الشافعي: لا يسقط الردّ؛ للأصل(3). و ليس بشيء.

إذا ثبت هذا، فإنّ الأرش لا يسقط بتصرّف المشتري، سواء تصرّف قبل العلم بالعيب أو بعده، و ليس تصرّفه فيه مؤذناً برضاه به مجّاناً. نعم، يدلّ علي رضاه بترك الردّ، و لما تقدّم من الأحاديث.

مسألة 274: إذا اشتري أمةً ثيّباً فوطئها قبل العلم بالعيب ثمّ علم به، لم يكن له الردّ،

بل الأرش خاصّة و به قال عليّ (عليه السّلام) و الزهري و الثوري و أبو حنيفة(4) لما تقدّم.

و لقول الصادق (عليه السّلام) في رجل اشتري جاريةً فوقع عليها، قال: «إن وجد بها عيباً فليس له أن يردّها و لكن [يردّ(5)] عليه بقدر ما نقّصها العيب» قال: قلت: هذا قول عليّ (عليه السّلام)؟ قال: «نعم»(6).

ص: 92


1- الكافي 207:5، 3، التهذيب 60:7، 257.
2- التهذيب 60:7، 260.
3- الحاوي الكبير 261:5.
4- العزيز شرح الوجيز 276:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4، المحلّي 77:9، الحاوي الكبير 246:5، المبسوط للسرخسي 95:13، بداية المجتهد 182:2.
5- أضفناها من المصدر.
6- الكافي 215214:5، 5، التهذيب 61:7، 262.

و لأنّ الوطء يجري مجري الجناية؛ لأنّه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال، فوجب أن يمنع الردّ، كما لو كانت بكراً.

و قال الشافعي: يردّها و لا يردّ معها شيئاً و به قال مالك و أبو ثور و عثمان البتّي و أحمد في إحدي الروايتين، و رواه أبو علي الطبري عن زيد ابن ثابت لأنّه معني لا ينقص من عينها و لا من قيمتها، و لا يتضمّن الرضا بالعيب، فلا يمنع الردّ، كوطي الزوج، و الخدمة(1).

و الجواب: المنع من ثبوت الحكم في الأصل و من عدم النقص في القيمة.

و قال ابن أبي ليلي: يردّها و يردّ معها مهر مثلها و هو مرويّ عن عمر لأنّه إذا فسخ العقد صار واطئاً في ملك البائع، فلزمه المهر(2).

و هو باطل؛ لأنّ الردّ بالعيب فسخ للعقد في الحال، و لهذا لا يجب ردّ النماء و لا يبطل الشفعة، فيكون وطؤه قد صادف ملكه، فلا ضمان.

مسألة 275: و لو كانت الأمة بكراً فافتضّها، لم يكن له ردّها بالعيب السابق،

و يثبت له الأرش، و به قال الشافعي أيضاً و أبو حنيفة(3).

أمّا عندنا: فلما مرّ من أنّ التصرّف يمنع الردّ.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ البكارة قد ذهبت، و ذلك نقصان من عينها،

ص: 93


1- المهذّب للشيرازي 292:1، الحاوي الكبير 246:5، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4، المحلّي 77:9، المبسوط للسرخسي 95:13، بداية المجتهد 182:2.
2- الحاوي الكبير 246:5، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
3- مختصر المزني: 83، الحاوي الكبير 247:5، العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 150:3، المبسوط للسرخسي 95:3، المغني 260:4، الشرح الكبير 99:4.

كما لو اشتري عبداً فخصاه ثمّ وجد به عيباً، فإنّه لا يردّه و إن زادت قيمته بذلك لنقصان عينه. و كذا لو اشتري ذا إصبع زائدة فقطعها(1).

و قال مالك: يردّها و يردّ أرش البكارة. و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2) ، بناءً علي أنّ العيب لا يمنع من الردّ.

مسألة 276: قد بيّنّا أنّ التصرّف من المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق مطلقاً،
اشارة

إلّا في صورتين:

إحداهما: وطؤ المشتري الجارية الحامل قبل البيع، فإنّه يردّها و يردّ معها نصف عُشْر قيمتها، فلو تصرّف في الحامل بالاستخدام و غيره من العقود الناقلة و غيرها بدون الوطي أو معه، لم يكن له الردّ، و كان له الأرش.

و لو وطئ و كان العيب غير الحبل السابق(3) ، لم يكن له الردّ أيضاً، بل كان له الأرش، فالضابط اختصاص العيب بالحبل أو(4) التصرّف بالوطي؛ لأنّ ابن سنان سأل الصادقَ (عليه السّلام) عن رجل اشتري جاريةً و لم يعلم بحبلها فوطئها، قال: «يردّها علي الذي ابتاعها منه، و يردّ عليه نصف عُشْر قيمتها لنكاحه إيّاها و قد قال عليّ (عليه السّلام): لا تردّ التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»(5).

فروع:

أ نصف العُشْر يجب لو كانت ثيّباً، أمّا لو حملت البكر من السحق

ص: 94


1- انظر: الحاوي الكبير 247:5، و العزيز شرح الوجيز 277:4، و المغني 260:4، و الشرح الكبير 99:4.
2- المغني 260:4، الشرح الكبير 99:4.
3- كلمة «السابق» لم ترد في «ق، ك».
4- في «ق، ك»: «و» بدل «أو».
5- الكافي 214:5، 2، التهذيب 6261:7، 266.

ثمّ اشتراها و وطئها بكراً ثمّ ظهر سبق الحبل(1) علي البيع، فإنّه يردّها أيضاً. و الأقرب: أنّه يردّ معها عُشْر قيمتها؛ لأنّ الشارع قد ضبط أرش البكارة بنصف العُشْر. و عليه تُحمل الرواية عن عبد الملك بن عمرو عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يشتري الجارية و هي حبلي فيطؤها، قال: «يردّها و يردّ عُشْر ثمنها إذا كانت حبلي»(2).

و يحتمل نصف العُشْر؛ لعموم الأحاديث الشاملة للثيّب و البكر.

و يحتمل عدم الردّ؛ لفوات جزء من العين و هو البكارة، و تعيّب الجارية بذهاب العذرة، و ليس ذلك عيب الحبل(3).

ب لا فرق بين الوطي في القُبُل و الدُّبُر، فإنّ له الردّ فيهما، و يردّ معها نصف العُشْر؛ لأنّ الوطء في الدُّبر مساوٍ له في القُبُل في إيجاب جميع المهر.

ج لو وطئ البكر في الدُّبُر و وجدها حاملاً، كان له الردّ هنا قطعاً؛ لعدم الجناية بغير الوطي، و يردّ هنا نصف العُشْر؛ لسلامة البكارة.

الصورة الثانية: الشاة المصرّاة، فإذا اشتري شاةً و حلبها ثمّ وجدها مصرّاةً، كان له الردّ بعد ثلاثة أيّام و حلب اللبن منها، فلو كان العيب غير التصرية أو كان التصرّف بغير الحلب، سقط الردّ، و لا أرش؛ لأنّه ليس عيباً.

مسألة 277: التصرية هي جمع اللبن في الضرع،

مشتقّة من الصري، و هو الجمع، يقال: صري الماء في الحوض. و كذا قوله (عليه السّلام): «من ابتاع محفَّلةً»(4) و هي أيضاً من الجمع، و لهذا سُمّي اجتماع الناس محافل.

ص: 95


1- في الطبعة الحجريّة: «الحمل» بدل «الحبل».
2- التهذيب 62:7، 268، الاستبصار 81:3، 274.
3- قوله: «و يحتمل عدم الردّ.. عيب الحمل» لم يرد في «ق».
4- سنن أبي داوُد 271:3، 3446، سنن النسائي 254:7، مسند أحمد 490:2، 7333.

فإذا جمع الرجل اللبن في الضرع ليبيعها و يدلّس بذلك كثرة لبنها، لم يجز؛ لأنّه غشّ، فإذا باعها(1) مصرّاةً ثمّ ظهر المشتري علي تصريتها، ثبت له الخيار بين الردّ و الإمساك و به قال عبد اللّه بن مسعود و ابن عمر و أبو هريرة و أنس و الشافعي و مالك و الليث و ابن أبي ليلي و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و زفر(2) لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، و إن سخطها ردّها و صاعاً من تمر»(3).

و قال أبو حنيفة: لا يثبت بذلك خيار؛ لأنّ نقصان اللبن ليس بعيب، و لهذا لو وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها، لم يثبت الخيار له، و التدليس [بما ليس(4)] بعيب لا يثبت الخيار، كما لو علفها حتي انتفخ جوفها فظنّها المشتري حاملاً(5).

و يبطل بالخبر، و أنّه تدليس بما يختلف الثمن لاختلافه، فوجب به2.

ص: 96


1- في الطبعة الحجريّة: «باع» بدل «باعها».
2- المغني 253252:4، الشرح الكبير 89:4، المحلّي 6766:9، المهذّب - للشيرازي 289:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 94، الحاوي الكبير 236:5، حلية العلماء 226:4، التهذيب للبغوي 421:3، العزيز شرح الوجيز 229:4، روضة الطالبين 129:3، بداية المجتهد 175:2، الاستذكار 86:21، 30559 30561، مختصر اختلاف العلماء 59:3، 1139.
3- صحيح البخاري 9392:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن البيهقي 318:5.
4- أضفناها لأجل السياق من المغني و الشرح الكبير.
5- المغني 253:4، الشرح الكبير 89:4، حلية العلماء 226:4، التهذيب للبغوي 422421:3، الحاوي الكبير 237236:5، العزيز شرح الوجيز 229:4، بداية المجتهد 175:2.

الردّ، كما لو كانت شمْطاء(1) فسوّد شعرها. و ما ذكره يبطل أيضاً ببياض الشعر، فإنّه ليس بعيب ككبر السن إذا دلّس بتسويده. و انتفاخ البطن لا ينحصر في الحبل، فقد يكون لكثرة الأكل و الشرب، فلا معني لحملة علي الحمل.

إذا ثبت هذا، فإنّ التصرية تدليس يوجب الخيار عندنا، و ليست عيباً. و قال الشافعي: إنّها عيب(2). و منعهما معاً أبو حنيفة(3).

مسألة 278: و تختبر التصرية بثلاثة أيّام،
اشارة

و يمتدّ الخيار بامتدادها كما في الحيوانات؛ للخبر(4) ؛ لأنّ الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية، فإنّه لا يعرف ذلك قبل مضيّها؛ لجواز استناد كثرة اللبن إلي الأمكنة، فإنّها تتغيّر، أو إلي اختلاف العلف، فإذا مضت ثلاثة أيّام، ظهر ذلك، و يثبت له الخيار حينئذٍ علي الفور.

و لا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها؛ لعدم العلم بالتصرية و إن ثبت خيار الحيوان، و هو قول أبي إسحاق(5) من الشافعيّة.

و قال أبو علي بن أبي هريرة منهم: مدّة الثلاثة المذكورة في الخبر إنّما تثبت بشرطه(6) ، و لا تثبت بالتصرية، فإذا استبان، ثبت له الخيار

ص: 97


1- الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. و المرأة: شمطاء. الصحاح 1138:3 «شمط».
2- الاُمّ 68:3، الحاوي الكبير 237:5، بداية المجتهد 175:2.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- صحيح مسلم 1158:3، 24 و 25، سنن أبي داوُد 270:3، 3444، سنن الترمذي 554553:3، 1252، سنن البيهقي 320:5، سنن الدارقطني 74:3، 279، مسند أحمد 304:3، 10208.
5- حلية العلماء 226:4، الحاوي الكبير 240:5.
6- أي: بشرط الخيار.

علي الفور(1).

و منهم مَنْ قال: إذا وقف علي التصرية فيما دون الثلاثة، ثبت له الخيار فيها إلي تمامها(2). كما اخترناه نحن، و ذكر القاضي أبو حامد في جامعه أنّ الشافعي نصّ عليه في اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلي(3).

فروع:

أ لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيّام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود، ثبت له الخيار إلي تمام الثلاثة أيّام؛ لأنّه كغيره من الحيوان. أمّا لو أسقط خيار الحيوان، فإنّ خيار التصرية لا يسقط.

و هل يمتدّ إلي الثلاثة، أو يكون علي الفور؟ إشكال. و للشافعيّة وجهان(4).

ب ابتداء هذه الثلاثة من حين العقد لا من حين التفرّق، كما قلنا في خيار المجلس. و للشافعيّة وجهان(5).

ج لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها، فالأقرب

ص: 98


1- العزيز شرح الوجيز 230:4.
2- المهذّب للشيرازي 289:1، التهذيب للبغوي 428:3، الحاوي الكبير 240:5.
3- انظر: الخلاف للطوسي 103:3، المسألة 168، و المغني 255:4، و الشرح الكبير 94:4.
4- التهذيب للبغوي 428:3، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 129:3.
5- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.

ثبوت الخيار؛ لأنّه عيب سابق. و التنصيص علي الثلاثة بناء علي الغالب، و هو قول بعض الشافعيّة القائلين بامتداد الخيار إلي ثلاثة؛ لامتناع مجاوزة الثلاثة كما في خيار الشرط. و علي القول الثاني يثبت علي الفور(1).

د لو علم أنّها مصرّاة فاشتراها كذلك، فلا خيار له؛ لإقدامه علي العيب، و انتفاء التدليس في طرفه، فلا وجه لثبوت الخيار له، كما في غيرها من العيوب، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: يثبت له الخيار؛ لظاهر الخبر(2). و لأنّ انقطاع اللبن لم يوجد و قد يبقي علي حاله فلم يجعل ذلك رضا به، كما إذا تزوّجت بعنّين ثمّ طالبت بالفسخ، ثبت؛ لجواز أن لا يكون عنّيناً عليها(3).

و ليس بشيء، و الأصل ممنوع.

مسألة 279: و تثبت التصرية في الشاة إجماعاً،

و الأقرب: ثبوتها في البقرة و الناقة و به قال الشافعي و غيره(4) ممّن أثبت الخيار، إلّا داوُد (5)

ص: 99


1- الحاوي الكبير 240:5، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 97، الهامش (5).
3- التهذيب للبغوي 428:3، الحاوي الكبير 241240:5، حلية العلماء 231:4، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3، المغني 253:4، الشرح الكبير 90:4.
4- المهذّب للشيرازي 289:1، التهذيب للبغوي 421:3 و 428، حلية العلماء 225:4، الحاوي الكبير 241:5، العزيز شرح الوجيز 221:4، روضة الطالبين 129:3، المغني 256:4، الشرح الكبير 92:4.
5- حلية العلماء 226:4، المغني 256:4، الشرح الكبير 92:4.

لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم»(1) و في روايةٍ: «مَنْ باع مُحفّلةً»(2) و لم يفصّل. و لأنّه تدليس بتصرية، فأشبه الإبل و الغنم.

و قال داوُد: تثبت التصرية في الشاة و الناقة، دون البقرة؛ لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم»(3) و لم يذكر البقرة(4).

و ينتقض بالخبر الآخر(5) ، و عدم الذكر لا يدلّ علي العدم خصوصاً و البقر لبنها أغزر و أكثر نفعاً من الإبل و الغنم، فالخبر يدلّ عليها بالتنبيه.

مسألة 280: و لا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة

في الخبر: الإبل و البقر و الغنم عند علمائنا؛ لأصالة لزوم البيع. و لأنّ لبن ما عداها غير مقصود، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه غير مختصّ بالأنعام، بل هو ثابت في جميع الحيوانات المأكولة(6).

و لو اشتري أتاناً فوجدها مصرّاة، فلا خيار له؛ لأنّه ليس عيباً، و لا يُعدّ تدليساً؛ إذ المقصود لذاته ظَهْرها، و لا مبالاة بلبنها، و هو أضعف وجهي الشافعيّة.

ص: 100


1- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن النسائي 253:7، سنن الدارقطني 75:3، 283، سنن البيهقي 321320:5، مسند أحمد 131:3، 9055، المعجم الكبير للطبراني 419:12، 13545.
2- سنن ابن ماجة 753:2، 2240، سنن البيهقي 319:5.
3- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن النسائي 253:7، سنن الدارقطني 75:3، 283، سنن البيهقي 321320:5، مسند أحمد 131:3، 9055، المعجم الكبير للطبراني 419:12، 13545.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 99، الهامش (6).
5- و هو قوله (عليه السّلام): «مَنْ باع محفّلةً» المتقدّم آنفاً.
6- التهذيب للبغوي 428:3، منهاج الطالبين: 102، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.

و الأصح عندهم: أنّه يثبت له الردّ؛ لأنّه مقصود لتربية الجَحْش(1).

و هل يردّ معها شيئاً؟ مبنيّ علي طهارة لبنها.

فعلي قول أكثرهم هو نجس، و لا يردّ معه شيئاً.

و قال الإصطخري منهم: إنّه طاهر، فيردّ معها ما يردّ مع الشاة(2).

و لو اشتري جاريةً فوجدها مصرّاة، فلا خيار له عندنا؛ لأنّ لبنها غير مقصود غالباً إلّا علي ندور، فإنّ اللبن في الآدميّات غير مقصود بالذات، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: أنّه يثبت به الخيار؛ لأنّ غزارة ألبان الجواري مطلوبة في الحضانة، مؤثّرة في القيمة، و يختلف ثمنها بذلك. و لأنّه إذا كثر لبنها حسن بدنها، فكان تدليساً(3).

و ليس بشيء؛ لندوره.

و علي تقدير الردّ هل يردّ معها شيئاً؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: يردّ؛ لأنّ اللبن فيها مقصود، و لهذا يثبت الردّ، فيردّ صاعاً من تمر.

و الثاني: لا يردّ شيئاً؛ لأنّ لبن الآدميّات لا يباع عادةً، و لا يعتاض عنه غالباً(4).

مسألة 281: إذا ردّ المصرّاة، ردّ معها اللبن الذي احتلبه منها.

فإن كان قد تغيّر وصفه حتي الطراوة و الحلاوة، دفع الأرش. و لو فقد ذلك اللبن،

ص: 101


1- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
2- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
3- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
4- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.

دفع مثله؛ لأنّه ملك البائع، لأنّ العقد وقع عليه؛ لأنّه كان موجوداً حال العقد، فيجب ردّه عليه، و أقرب الأشياء إليه مثله، فينتقل إليه مع عدمه. فإن تعذّر المثل أيضاً، فالقيمة وقت الدفع.

و كذا لو تغيّر تغيّراً فاحشاً بحيث يخرج عن حدّ الانتفاع، فهو كالتالف.

و لو ردّها قبل الحلب، فلا شيء عليه؛ لأنّه لم يتصرّف.

و قالت الشافعيّة: إن كان ظهور التصرية قبل الحلب، ردّها(1) ، و لا شيء عليه. و إن كان بعده، فاللبن إمّا أن يكون باقياً أو تالفاً، فإن كان باقياً، فلا يكلّف المشتري ردّه مع المصرّاة؛ لأنّ ما حدث بعد البيع ملكٌ له و قد اختلط بالمبيع و تعذّر التمييز، و إذا أمسكه، كان بمثابة ما لو تلف(2).

و الوجه: أنّه يكون شريكاً، و يقضي بالصلح؛ لعدم التمكّن من العلم بالقدر.

و لو أراد ردّه، وجب علي البائع أخذه؛ لأنّه أقرب إلي استحقاقه من بدله، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الأصحّ عندهم: عدم الوجوب؛ لذهاب طراوته بمضيّ الزمان(3).

و اتّفقوا علي أنّه لو حمض و تغيّر، لم يكلّف أخذه(4).

و الأقرب: ذلك إن خرج عن حدّ الانتفاع، و إلّا وجب مع الأرش.

و إن تلف اللبن، دفع المصرّاة و صاعاً من تمر(5) ؛ للخبر(6).

و المعتمد: ما قلناه، و وجوب صاع التمر لو ثبت، لكان في صورة تعذّر اللبن و مثله و مساواته للقيمة.).

ص: 102


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «ردّه». و ما أثبتناه يقتضيه سياق العبارة.
2- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
3- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
4- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
5- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 96، الهامش (4).

و لا يخرج ردّها علي الخلاف في تفريق الصفقة عند الشافعي؛ لتلف بعض المبيع و هو اللبن؛ لأنّ الأخبار وردت بدفع صاع التمر مع دفع العين(1).

و هل يتعيّن للضمّ إليها جنس التمر؟ اختلفت الشافعيّة علي طريقين:

قال أبو إسحاق و غيره: إنّه يتعيّن التمر، و لا يعدل عنه؛ لقوله (عليه السّلام): «و صاعاً من تمر»(2)سنن ابن ماجة 753:2، 2940، سنن أبي داوُد 271:3، 3446.(3) فإن أعوز التمر أو كان في موضع يعزّ فيه التمر و كانت قيمته قيمةَ الشاة أو أكثر من نصف قيمتها، دفع إليه قيمته بالحجاز حين الدفع؛ لأنّا لو دفعنا إليه قيمة التمر و كان أكثر من قيمة الشاة، دفعنا إليه البدل و المبدل.

و علي هذا لو كانت قيمته بالحجاز أكثر من قيمة الشاة ما حكمه ؟ قال(4) بعض الشافعيّة: يدفع إليه التمر و إن كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة؛ لأنّه وجب بسببٍ آخر، و هو إتلاف اللبن، كما إذا زادت قيمة المبيع في يده حتي تضاعفت ثمّ وجد بالثمن عيباً، فإنّه يردّه و يسترجع المبيع و قد زادت قيمته.

و الطريق الثاني: أنّه لا يتعيّن التمر.

و علي هذا القول للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ القائم مقامه الأقوات، كما في صدقة الفطر؛ لأنّه قد ردّ صاعاً من تمر. و في حديثٍ أنّه «إن ردّها ردّ معها مثلَيْ أو مِثْل لبنها قَمْحاً»(4) فالمراد أنّه يردّ صاعاً من غالب قوت البلد، و لمّا كان غالب قوت الحجاز التمرَ نصّ عليه، و هو الأصحّ عندهم، لكن لا يتعدّي إلي الأقط،6.

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 96، الهامش
3- .
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و قال». و الصحيح ما أثبتناه.

بخلاف ما في صدقة الفطر.

و علي هذا فوجهان:

أحدهما: أنّه يتخيّر بين الأقوات؛ لأنّ في بعض الروايات ذكر التمر و في بعضها ذكر القمح، فأشعر بالتخيير.

و أصحّهما: أنّ الاعتبار بغالب قوت البلد، كما في صدقة الفطر، و هو قول مالك.

و الثاني حكاه بعض الشافعيّة: أنّه يقوم مقامه غير الأقوات حتي لو عدل إلي مثل اللبن أو إلي قيمته عند إعواز المثل، اجبر البائع علي القبول اعتباراً بسائر المتلفات.

هذا كلّه فيما إذا لم يرض البائع، فإن تراضيا علي غير التمر من قوت أو غيره أو ردّ اللبن المحلوب عند بقائه، جاز إجماعاً(1).

و حكي القاضي ابن كج من الشافعيّة وجهين في جواز إبدال التمر بالبُرّ عند اتّفاقهما عليه(2).

مسألة 282: نحن لمّا أوجبنا ردّ العين أو المثل أو القيمة مع تعذّرهما سقط عنّا التفريع الآتي.

أمّا مَنْ أوجب الصاع من التمر أو البُرّ فللشافعيّة وجهان في القدر، أصحّهما: أنّ الواجب صاع قلّ اللبن أو كثر؛ لظاهر الخبر(3)الغُرّة: العبد أو الأمة. الصحاح 768:2 «غرر».(4) ، لأنّ اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده و يتعذّر التمييز، فقطع الشارع الخصومةَ بينهما بتعيّن بدلٍ له، كما أوجب الغُرّة(4) في الجنين مع اختلاف

ص: 104


1- العزيز شرح الوجيز 231230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 96، الهامش
4- .

الأجنّة ذكورةً و أُنوثةً، و أرشَ الموضحة مع اختلافها صغراً و كبراً.

و الثاني: أنّ الواجب يتقدّر بقدر اللبن؛ لقوله (عليه السّلام): «من ابتاع مُحفّلةً فهو بالخيار ثلاثة أيّام فإن ردّها ردّ معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً»(1)العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.(2) و علي هذا فقد يزيد الواجب علي الصاع و قد ينقص.

و منهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع علي نصف قيمة الشاة، و قطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف. و منهم مَنْ أطلقه إطلاقاً(3).

و علي القول بالوجه الثاني قال الجويني: تعتبر القيمة الوسطي للتمر بالحجاز، و قيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز، فإذا كان اللبن عُشْر الشاة مثلاً، أوجبنا من الصاع عُشْر قيمة الشاة(4).

و لو اشتري شاة بصاع تمر فوجدها مصرّاة، فعلي الأصحّ عند الشافعيّة أنّه يردّها و صاعاً، و يستردّ الصاع الذي هو ثمن(4).

و علي الوجه الثاني لهم: تقوّم مصرّاة و غير مصرّاة، و يجب بقدر التفاوت من الصاع(5).

أمّا غير المصرّاة فإذا حلب لبنها ثمّ ردّها بعيب، لم يكن له ذلك عندنا، بل له الأرش؛ لأنّ التصرّف مانع من الردّ، و الحلب تصرّف.

و عند الشافعي يردّ بدل اللبن كما في المصرّاة(6).

و له قول آخر: أنّه لا يردّه؛ لأنّه قليل غير معنيّ بجمعه، بخلاف ما في المصرّاة(7).

و الجويني خرّج ذلك علي أنّ اللبن هل يأخذ قسطاً من الثمن أولا؟3.

ص: 105


1- تقدّمت الإشارة إلي مصدره في ص 103، الهامش
2- .
3- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
4- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
5- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
6- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
7- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.

و الصحيح عندهم: الأخذ(1).

مسألة 283: لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلب ناسياً أو لشغل عرض أو تحفّلت هي بنفسها، فالأقرب: ثبوت الخيار؛

لأنّ ضرر المشتري لا يختلف، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيباً لم يعلمه البائع.

و يحتمل ضعيفاً: سقوط الخيار؛ لعدم التدليس.

و للشافعيّة وجهان(2) كالاحتمالين.

مسألة 284: قد بيّنّا أنّ التصرية إنّما تثبت في الأنعام.

و قال الشافعي: تثبت في سائر الحيوانات المأكولة(3).

و هذا الخيار منوط بخصوص التصرية، و قد يلحق بها التدليس، فلو حبس ماء القناة أو الرحي ثمّ أرسله عند البيع أو الإجارة فتخيّل المشتري كثرته ثمّ ظهر له الحال، فله الخيار.

و كذا لو حمّر وجه الجارية أو سوّد شعرها أو جعّده أو أرسل الزنبور في وجهها فظنّها المشتري سمينةً ثمّ بان الخلاف، فله الخيار.

أمّا لو لطخ ثوب العبد بالمداد فتخيّل المشتري كونه كاتباً، فلا خيار فإنّ الذنب فيه للمشتري حيث اغترّ بما ليس فيه كثير تغرير، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يثبت؛ لأنّه تدليس(4).

و كذا لو علف(5) الدابّة كثيراً فظنّها المشتري حبلي، أو كانت الشاة

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
2- التهذيب للبغوي 429:3، حلية العلماء 231:4، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
3- الحاوي الكبير 242241:5، التهذيب للبغوي 428:3، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3، منهاج الطالبين: 102.
4- العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 132:3.
5- في «ق، ك»: «أعلف».

عظيمةَ الضرع خلقةً فظنّ كثرة اللبن؛ لأنّه لا يتعيّن في الجهة التي يظنّها، فلا خيار.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 285: لو اشتري مصرّاةً و رضي بها ثمّ وجد بها عيباً آخر، ثبت له الردّ

إن لم يكن قد تصرّف بالحلب. و أمّا إن تصرّف به، فلا ردّ.

و عند الشافعيّة التصرّف غير مسقط للردّ، فيثبت له الردّ كما لو وجد بالمبيع عيباً فرضي به ثمّ وجد عيباً آخر، ثبت له الردّ و يردّ بدل اللبن(2).

و فيه وجه آخر: أنّه كما لو اشتري عبدين فتلف أحدهما و أراد ردّ الآخر، فيخرّج علي تفريق الصفقة(3).

فإن قيل: فهلّا قلتم: لا يثبت؛ لأنّ اللبن مبيع و قد تلف في يده، و لا يجوز ردّ المبيع بعد(4) تلف شيء منه ؟ أجابوا: بأنّ التلف هنا لاستعلام العيب، و هو لا يمنع الردّ. و كذا لو جزّ الشاة فوجدها معيبةً، إن كان الجزّ للاستعلام، كان له الردّ، و إلّا فلا(5).

و عندنا أنّ ذلك يمنع الردّ دون المصرّاة؛ للخبر(6).

مسألة 286: لو ظهرت التصرية لكن درّ اللبن علي الحدّ الذي كان يدرّ مع التصرية و استمرّ كذلك، فلا خيار؛

لزوال الموجب له.

ص: 107


1- التهذيب للبغوي 430:3، العزيز شرح الوجيز 233232:4، روضة الطالبين 132:3.
2- الحاوي الكبير 242:5، التهذيب للبغوي 429:3، العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
3- الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
4- في «ق، ك»: «مع» بدل «بعد».
5- لم نعثر علي الإشكال و الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
6- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 96، الهامش (3).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يسقط؛ لثبوته بمجرّد التصرية(1).

و كذا الوجهان إذا لم يعرف المشتري بالعيب القديم إلّا بعد زواله، و كذا لو اعتقت الأمة تحت العبد و لم يعرّف بعتقها حتي عُتق الزوج(2).

مسألة 287: إذا اشتري شاةً علي أنّها لبون، صحّ الشراء -

و به قال الشافعي(3) لأنّه شرط لا يخالف الكتاب و السنّة، و هو مقصود للعقلاء.

و إن اشتراها علي أنّها تحلب كلّ يوم كذا رطلاً، لم يصحّ؛ لأنّ اللبن يختلف، فلا يصحّ الشرط.

و لو اشتراها علي أنّها حامل، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يصحّ؛ لأنّ الحمل يعلم في الظاهر و يتعلّق به أحكام.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّه لا يعلم(4). و ليس بشيء.

مسألة 288: لو ماتت الشاة المصرّاة أو الأمة المدلَّسة، فلا شيء للمشتري؛

لأنّ الردّ امتنع بموتها، و الأرش يتبع العيب و لا عيب هنا. و لو زالت التصرية قبل انتهاء الثلاثة، فلا خيار. و لو زالت بعدها، ثبت.

المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 289: خيار الشرط يثبت في كلّ عقد

سوي الوقف و النكاح،

ص: 108


1- العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
2- العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
3- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
4- المهذّب للشيرازي 272:1، المجموع 324:9، حلية العلماء 112:4، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3.

و لا يثبت في الطلاق و لا العتق و لا الإبراء، فإن تصرّف المشتري، سقط الخيار؛ لأنّ تصرّفه قبل انقضاء مدّة الشرط دليل علي الرضا بلزوم العقد. و كذا لو أسقط خياره.

و لو كان الخيار للبائع أو مشتركاً فأسقط البائع خياره، سقط. و لو تصرّف البائع، فهو فسخ.

و لو أذن أحدهما للآخر في التصرّف فتصرّف، سقط الخياران. و لو لم يتصرّف، سقط خيار الآذن دون المأمور؛ لأنّه لم يوجد منه تصرّفٌ فعليّ و لا قوليّ.

مسألة 290: لا يبطل الخيار بتلف العين،

بل إن كان مثليّا فاختار صاحبه الفسخ، طالَبه بالمثل. و إن لم يكن مثليّا، طالَب بالقيمة.

أمّا لو ظهر المشتري علي عيب في العبد بعد موته، فلا ردّ؛ إذ لا مردود.

و كذا لو قُتل أو تلف الثوب أو أُكل الطعام، فليس له الردّ هنا قطعاً.

و كذا لو خرجت العين عن قبول النقل من شخص إلي آخَر، فلا ردّ، كما لو أعتق العبد أو أولد الجارية أو وقف الضيعة ثمّ عرف كونه معيباً، فقد تعذّر الردّ إمّا لتصرّفه في العين، كما هو مذهبنا، أو لأنّه لا يتمكّن من نقل العين إلي البائع بالردّ، كما هو مذهب الشافعي(1).

نعم، يرجع علي البائع بالأرش و به قال الشافعي و أحمد(2) لأنّه عيب لم يرض به وَجَده بعد اليأس من الردّ، فوجب أن يكون له الرجوع بأرش العيب، كما لو أعتقه ثمّ وجد به عيباً.

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 245:4، روضة الطالبين 134:3، المغني 269:4.
2- التهذيب للبغوي 451:3، العزيز شرح الوجيز 245:4، روضة الطالبين 134:3، المغني 269:4.

و قال أبو حنيفة: إذا قتله خاصّة، لا يرجع بأرش العيب، كما لو باعه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ البيع لا يتعلّق به الضمان، و إنّما يتعلّق بالتسليم. و لأنّه في البيع لم ييأس من الردّ.

مسألة 291: و الأرش جزء من الثمن
اشارة

نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليماً إلي تمام القيمة، و إنّما كان الرجوع بجزء من الثمن؛ لأنّه لو بقي كلّ المبيع عند البائع، كان مضموناً عليه بالثمن، فإذا احتبس جزء منه، كان مضموناً بجزء من الثمن، فلو كانت القيمة مائةً دون العيب و تسعين مع العيب، فالتفاوت بالعشر، فيكون الرجوع بعُشْر الثمن إن كان مائتين، فبعشرين، و إن كان بخمسين، فبخمسة.

و متي تُعتبر قيمته ؟ يحتمل أن يكون الاعتبار بقيمته يوم البيع؛ لأنّ الثمن يومئذٍ قابَل المبيع. و أن يكون الاعتبار بقيمته يوم القبض؛ لأنّه يوم دخول المبيع في ضمانه. و أن يكون الاعتبار بأقلّ الثمنين منهما؛ لأنّ القيمة إن كانت يوم البيع أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري. و إن كانت يوم القبض أقلَّ، فما نقص من ضمان البائع.

و للشافعيّة وجوه ثلاثة كالاحتمالات، و أكثرهم قطع باعتبار أقلّ القيمتين(2).

و لو اختلف المقوّمون، أُخذ بالأوسط.

و إذا ثبت الأرش، فإن كان الثمن بَعْدُ في ذمّة المشتري، برئ عن قدر الأرش عند طلبه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة. و الآخر: أنّه لا يتوقّف علي

ص: 110


1- التهذيب للبغوي 451:3، العزيز شرح الوجيز 245:4، المغني 269:4.
2- التهذيب للبغوي 452:3، العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.

الطلب، بل يبرأ بمجرّد الاطّلاع علي العيب(1).

و إن كان قد سلّمه و هو باقٍ في يد البائع، فالأقرب: أنّه لا يتعيّن حقّ المشتري فيه، بل للبائع إبداله؛ لأنّه غرامة لحقته، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الأظهر عندهم: أنّه يتعيّن لحقّ المشتري(2).

و لو كان المبيع باقياً و الثمن تالفاً، جاز الردّ و يأخذ مثله إن كان مثليّا، و قيمته إن كان متقوّماً أقلّ ما كانت من يوم البيع إلي يوم القبض؛ لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك البائع. و إن كانت يوم القبض أقلّ، فالنقص من ضمان المشتري.

و يجوز الاستبدال عنه كما في القرض. و خروجه عن ملكه بالبيع و نحوه كالتلف.

و لو خرج و عاد، فهل يتعيّن لأخذ المشتري أو للبائع إبداله ؟ الأقرب: الأوّل، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّ للبائع إبداله(3).

و إن كان الثمن باقياً بحاله، فإن كان معيّناً في العقد، أخذه.

و إن كان في الذمّة و نقده، ففي تعيّنه لأخذ المشتري للشافعيّة وجهان(4). و إن كان ناقصاً، نُظر إن تلف بعضه، أخذ الباقي و بدل التالف.

و إن رجع النقصان إلي الصفة، كالشلل و نحوه، ففي غرامة الأرش للشافعيّة وجهان، أصحّهما: العدم، كما لو زاد زيادة متصلة، يأخذها مجّاناً(5).3.

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.
2- العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
4- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
5- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
فروع:

أ لو لم تنقص القيمة بالعيب، كما لو اشتري عبداً فخرج خصيّاً، كان له الردّ؛ لأنّه نقص في الخلقة خارج عن المجري الطبيعي، فكان له الردّ.

و في الأرش إشكال ينشأ عن عدم تحقّقه؛ إذ لا نقص في الماليّة هنا.

و قالت الشافعيّة: لا أرش له و لا ردّ(1).

ب لو اشتري عبداً بشرط العتق ثمّ وجد به عيباً، فإن كان قبل العتق، لم يجب عليه أخذه، و كان له الردّ. فإن أخذه، كان له ذلك و المطالبة بالأرش؛ لأنّ الخيار له.

و إن ظهر علي العيب بعد العتق، فلا سبيل إلي الردّ؛ لأنّ العتق صادف ملكاً فغلب جانبه، و يثبت له الأرش، خلافاً لبعض الشافعيّة؛ لأنّه و إن لم يكن معيباً لم يمسكه(2). و هذا ليس بشيء.

ج لو اشتري مَنْ يعتق عليه ثمّ وجد به عيباً، فالأقوي أنّ له الأرش دون الردّ؛ لخروجه بالعتق.

و للشافعيّة في الأرش قولان: الثبوتُ و عدمُه(3).

مسألة 292: لو زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب،

لم يكن له الردّ لا في الحال و لا فيما بعده و إن عاد إليه بفسخ أو بيع و غيره؛ لأنّه قد تصرّف في المبيع، و قد بيّنّا أنّ التصرّف مبطل للردّ، لكن له الأرش، سواء زال الملك بعوض كالبيع و الهبة بشرط الثواب، أو بغير عوض.

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.

و قالت الشافعيّة: إن زال الملك بعوض، فقولان:

أحدهما: له الأرش؛ لتعذّر الردّ، كما لو مات العبد أو أعتقه، و هذا تخريج ابن سريج. و علي هذا لو أخذ الأرش ثمّ ردّه عليه مشتريه بالعيب، فهل يردّه مع الأرش و يستردّ الثمن ؟ وجهان.

و الثاني و هو الصحيح عندهم، و هو منصوص الشافعي -: أنّه لا يرجع بالأرش. و في تعليله خلاف(1).

قال أبو إسحاق و ابن الحدّاد: لأنّه استدرك الظلامة ببيعه و روّج العيب كما رُوّج عليه(2).

و قال ابن أبي هريرة: لأنّه ما أيس من الردّ فربما يعود إليه و يتمكّن منه، فلم يكن له الرجوع بالأرش، كما لو قدر علي ردّه في الحال.

و أجابوا عن الأوّل: بأنّه لم يستدرك ظلامته، بل غبن المشتري في البيع. و لأنّه لم يحصل له استدراك الظلامة من جهة مَنْ ظلمه، فلا يسقط حقّه بذلك(3).

و الصحيح عندنا ما قلناه من أنّ له الرجوع بالأرش قال أصحاب مالك: و هذا هو الصحيح من مذهب مالك(4) ؛ لأنّ البائع لم يغرمه ما أوجبه العقد، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه أو كاتبه. و لأنّه عندنا يتخيّر المشتري مطلقاً بين الردّ و الرجوع بالأرش مع عدم التصرّف، و معه يثبت له الأرش لا غير.

و كونُه لا ييأس من الردّ، فأشبه ما إذا كان قادراً علي الردّ لا يُسقط حقَّ المشتري من طلب الأرش عندنا.2.

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
4- بداية المجتهد 180179:2، التفريع 174:2.

و إن زال الملك بغير عوض، فعلي تخريج ابن سريج يرجع بالأرش. و علي المنصوص وجهان مبنيّان علي التعليلين: إن علّلنا باستدراك الظلامة، يرجع؛ لأنّه لم يستدرك الظلامة. و إن علّلنا بعدم اليأس من الردّ، فلا؛ لأنّه ربما يعود إليه(1).

مسألة 293: لو ظهر علي العيب بعد بيعه علي آخر، فقد قلنا: إنّه لا ردّ له،

سواء ردّ عليه أو لا، بل له الأرش، فإن ظهر المشتري الثاني علي العيب فردّه علي الأوّل بالعيب، لم يكن للأوّل ردّه علي البائع؛ لأنّه ببيعه قد تصرّف فيه، و التصرّف عندنا يُسقط الردَّ، و إنّما له الأرش خاصّة.

و قال الشافعي: له الردّ بناءً منه علي أنّ هذا التصرّف لا يمنع الردّ. و لأنّه زال التعذّر الذي كان، و تبيّن أنّه لم يستدرك(2) الظلامة، و ليس للمشتري الثاني ردّه علي البائع الأوّل؛ لأنّه ما تلقّي الملك منه(3).

و لو حدث عيب في يد المشتري الثاني ثمّ ظهر عيبٌ قديم، فعلي التعليل بتعذّر الردّ: للمشتري الأوّل أخذ الأرش من بائعه، كما لو لم يحدث عيب، و لا يخفي الحكم بينه و بين المشتري الثاني.

و علي التعليل الآخر: إن قَبِله المشتري الأوّل مع العيب الحادث، خيّر بائعه، إن قَبِله، فذاك، و إلّا، أخذ الأرش منه(4).

و قال بعضهم: لا يأخذ الأرش، و استرداده رضا بالعيب(5).

و إن لم يقبله و غرم الأرش للثاني، ففي رجوعه بالأرش علي بائعه

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و لأنّه زال للتعذّر الذي كان و يئس أن أنّه يستدرك». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 248247:4، روضة الطالبين 136135:3.
4- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
5- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.

وجهان:

أحدهما: عدم الرجوع و به قال ابن الحدّاد لأنّه ربّما قَبِله بائعه أو قَبِله هو، فكان متبرّعاً بغرامة الأرش.

و أظهرهما: أنّه يرجع؛ لأنّه ربّما لا يقبله بائعه فيتضرّر(1).

و قال بعضهم: يمكن بناء هذين الوجهين علي ما سبق من المعنيين: إن علّلنا بالأوّل، فإذا غرم الأرش، زال استدراك الظلامة، فيرجع. و إن علّلنا بالثاني، فلا يرجع؛ لأنّه ربّما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه. و علي الوجهين معاً لا يرجع ما لم يغرم للثاني، فإنّه ربّما لا يطالبه الثاني بشيء فيبقي مستدركاً للظلامة(2).

و لو كانت المسألة بحالها و تلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان قد أعتقه ثمّ ظهر العيب القديم، رجع الثاني علي الأوّل بالأرش، و رجع الأوّل بالأرش علي بائعه بلا خلاف؛ لحصول اليأس عن الردّ، لكن هل يرجع علي بائعه قبل أن يغرم لمشتريه ؟ فيه وجهان مبنيّان علي المعنيين، إن علّلنا باستدراك الظلامة، فلا يرجع ما لم يغرم، و إن علّلنا بالثاني، يرجع. و يجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو علي بائعه ؟(3).

مسألة 294: لو باعه المشتري علي آخر ثمّ ظهر له العيب، سقط الردّ

عندنا دون الأرش علي ما تقدّم.

و عند الشافعي لا يسقط إذا عاد إليه بالردّ بالعيب علي ما قلناه في المسألة السابقة.

و إن عاد إليه لا بالردّ بالعيب، كما لو عاد بإرثٍ أو اتّهابٍ أو قبول وصيّةٍ أو إقالة، فلا ردّ له عندنا أيضاً.

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
2- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
3- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.

و للشافعيّة وجهان من مأخذين:

أحدهما: البناء علي المعنيين السابقين، فإن علّلنا بالأوّل، لم يردّ - و به قال ابن الحدّاد لأنّ استدراك الظلامة قد حصل بالبيع و لم يبطل ذلك الاستدراك، بخلاف ما لو ردّ عليه بالعيب. و إن علّلنا بالثاني، يردّ؛ لزوال(1) العذر، و حصول القدرة علي الردّ، كما لو ردّ عليه بالعيب.

و الثاني من المأخذين: أنّ الملك العائد هل ينزّل منزلة غير الزائل ؟ قيل: نعم؛ لأنّه عين ذلك المال و علي تلك الصفة. و قيل: لا؛ لأنّه ملك جديد، و الردّ نقض لذلك الملك(2).

و يتخرّج علي هذا فروع:

أ لو أفلس بالثمن و قد زال ملكه عن المبيع و عاد، هل للبائع الفسخ ؟ ب لو زال ملك المرأة عن الصداق و عاد ثمّ طلّقها قبل المسيس، هل يرجع في نصفه أو يبطل حقّه من العين كما لو تعذّر؟ ج لو وهب من ولده و زال ملك الولد و عاد، هل للأب الرجوع ؟(3).

مسألة 295: لو عاد إليه بطريق الشراء ثمّ ظهر عيب قديم

كان في يد البائع الأوّل، فإن علّلنا بالمعني الأوّل، لم يردّ علي البائع الأوّل؛ لحصول الاستدراك، و يردّ علي الثاني. و إن علّلنا بالثاني، فإن شاء ردّ علي الثاني، و إن شاء ردّ علي الأوّل. و إذا ردّ علي الثاني، فله أن يردّ عليه، و حينئذٍ يردّ

ص: 116


1- في «ق، ك»: «فردّ؛ لزوال». و في الطبعة الحجريّة: «فردّ بزوال». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
2- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
3- العزيز شرح الوجيز 249248:4.

هو علي الأوّل.

و يجيء وَجْهٌ لهم: أنّه لا يردّ علي الأوّل بناءً علي أنّ الزائل العائد كالذي لم يَعُدْ.

و وَجْهٌ: أنّه لا يردّ علي الثاني؛ لأنّه لو ردّ عليه لردّ هو ثانياً عليه(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لسقوط حقّ المشتري من الردّ بتصرّفه.

مسألة 296: إذا زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب و كان الزوال بغير عوض، فلا ردّ له

علي ما اخترناه إذا عاد إليه مطلقاً.

و قال الشافعي: إذا زال ملكه لا بعوضٍ، نُظر إن عاد لا بعوض أيضاً، فجواز الردّ مبنيّ علي أنّه هل يأخذ الأرش لو لم يَعُدْ؟ إن قلنا: لا، فله الردّ؛ لأنّ ذلك لتوقّع العود. و إن قلنا: يأخذ، فينحصر الحقّ فيه أو يعود إلي الردّ عند القدرة ؟ فيه وجهان.

و إن عاد بعوض، كما لو اشتراه، فإن قلنا: لا ردّ في الحالة الأُولي، فكذا هنا، و يردّ علي البائع الأخير(2). و إن قلنا: يردّ، فهنا يردّ علي الأوّل أو علي الأخير أو يتخيّر؟ ثلاثة أوجُه خارجة ممّا سبق(3).

مسألة 297: لو باع زيد شيئاً من عمرو ثمّ اشتراه زيد منه فظهر فيه عيب كان في يد زيد، فإن كانا عالمَين بالحال، فلا ردّ.

و إن علم زيد خاصّةً، فلا ردّ له؛ لعلمه بالعيب، و لا لعمرو أيضاً؛ لزوال ملكه و تصرّفه فيه عندنا، و به قال الشافعي؛ لزوال ملكه(4).

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 136:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الآخر». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
4- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.

و هل يثبت لعمرو أرشٌ؟ الأقرب: ذلك و هو أحد قولي الشافعي(1) لوجود سببه، و هو سبق العيب مع تعذّر الردّ.

و الصحيح عنده: أنّه لا أرش له؛ لاستدراك الظلامة أو لتوقّع العود(2).

فإن تلفت في يد زيد، أخذ الأرش عندنا؛ لما تقدّم، و عنده علي التعليل الثاني لا الأوّل(3).

و كذا الحكم لو باعه من غيره.

و إن كان عمرو عالماً، فلا ردّ له، و لزيدٍ الردُّ؛ لأنّه اشتري معيباً مع جهله بعيبه و عدم تصرّفه.

و لو كانا جاهلين فلزيدٍ الردُّ، و به قال الشافعي إن اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه(4). ثمّ لعمرو أن يردّ عليه عند الشافعي(5). و نحن لا نقول به؛ لأنّه تصرّف فيه.

و إن اشتراه بمثله، فلا ردّ لزيد في أحد وجهي الشافعي؛ لأنّ عَمْراً يردّه عليه، فلا فائدة فيه، و له ذلك(6)(7).

مسألة 298: لو اشتري المعيب جاهلاً بعيبه و رهنه المشتري ثمّ عرفه بالعيب، فلا ردّ له

علي قولنا من أنّ تصرّفه يمنع الردّ، و يثبت له الأرش.

و قال الشافعي: لا ردّ له في الحال. و هل يأخذ أرشه ؟ إن علّلنا باستدراك الظلامة، فنعم. و إن علّلنا بتوقّع العود، فلا. و علي هذا لو تمكّن من الردّ، ردّ عنده. و لو حصل اليأس أخذ الأرش(8).

و إن كان المشتري قد آجره، فلا ردّ له؛ لتصرّفه فيه، و له الأرش.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
2- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
3- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
4- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
5- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
6- أي: و لزيدٍ الردُّ، في الوجه الآخر.
7- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
8- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.

و قال الشافعي: إن لم نجوّز بيع المستأجر، فهو كالرهن. و إن جوّزناه، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدّة الإجارة، ردّ عليه، و إلّا تعذّر الردّ. و في الأرش الوجهان، و يجريان فيما لو تعذّر الردّ لغَصْبٍ أو إباق(1).

و لو عرف العيب بعد أن زوّج الجارية أو العبد و لم يرض البائع بالأخذ، قطع بعض الشافعيّة بثبوت الأرش للمشتري هنا. أمّا علي الأوّل: فظاهر. و أمّا علي الثاني: فلأنّ النكاح يراد للدوام، و اليأس حاصل(2).

و قال بعضهم بما تقدّم(3).

و لو كاتب المشتري ثمّ عرف العيب، قال بعض الشافعيّة: إنّه كالتزويج(4).

و قال بعضهم: لا يأخذ الأرش علي المعنيين، بل يصبر؛ لأنّه قد استدرك الظلامة بالنجوم، و قد يعود إليه بالعجز و ردّه(5).

و الأظهر عندهم: أنّه كالرهن، و أنّه لا يحصل الاستدراك بالنجوم(6).

و لو وجد المشتري بالشقص عيباً بعد أخذ الشفيع، فله الأرش.

و للشافعي وجهان(7).

مسألة 299: الخيار إن كان موقّتاً، امتدّ بامتداد ذلك الوقت،
اشارة

كالمجلس، و الحيوان، و المشروط وقته.

و إن لم يكن موقّتاً كخيار العيب هل هو علي الفور أم لا حتي لو

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 250249:4، روضة الطالبين 137:3.
2- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.
3- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.)
4- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.
5- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 138137:3.
6- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 138:3.
7- العزيز شرح الوجيز 250:4.

علم بالعيب و أهمل المطالبة لحظةً، هل يسقط الردّ؟ الأقرب: أنّه لا يسقط الخيار، بل لو تطاول زمان سكوته بعد العلم بالعيب، كان له بعد ذلك المطالبةُ بالأرش، أو الردّ؛ لأنّ الأصل بقاء ما ثبت.

و قال الشافعي: إنّ الخيار علي الفور، و يبطل بالتأخير من غير عذر؛ لأصالة لزوم البيع، فإذا أمكنه الردّ و قصّر، لزمه حكمه(1).

و أصالة اللزوم هنا ممنوعة؛ لأنّ التقدير ثبوت الخيار.

فروع:

أ لو ركب الدابّة ليردّها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم يكن ذلك رضا بها، و به قال الشافعي(2) أيضاً.

ب لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها، لم يكن ذلك رضا منه بإمساكها.

ج لو حلبها في طريقه، فالأقرب: أنّه تصرّف يؤذن بالرضا بها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يكون رضا بإمساكها؛ لأنّ اللبن له و قد استوفاه في حال الردّ(3).

مسألة 300: لصاحب الخيار في العيب و غيره مطلقاً أن يختار الفسخ أو الإمضاء

مع الأرش أو بدونه و علي كلّ حال، سواء كان البائع له أو المشتري منه حاضراً أو غائباً، و لا يشترط أيضاً قضاء القاضي و به قال

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 251250:4، روضة الطالبين 138:3.
2- المهذّب للشيرازي 291:1، و في حلية العلماء 241240:4، و العزيز شرح الوجيز 254:4، و روضة الطالبين 140:3 وجهان.
3- العزيز شرح الوجيز 254:4، روضة الطالبين 140:3.

الشافعي و أبو يوسف و زفر و أحمد بن حنبل(1) لأنّه رَفْعُ عقدٍ لا يفتقر إلي رضا شخص، فلم يفتقر إلي حضوره، كالطلاق.

و قال أبو حنيفة: إن كان قبل القبض، فلا بُدّ من حضور الخصم. و إن كان بعده، فلا بدّ من رضاه أو قضاء القاضي(2). و قد تقدّم.

مسألة 301: الخيار ليس علي الفور في العيب و غيره

علي ما تقدّم، خلافاً للشافعي، فإنّه اشترط الفوريّة و المبادرة بالعادة، فلا يؤمر بالعَدْوِ و الركض ليردّ(3).

و إن كان مشغولاً بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة، فله الخيار(4) إلي أن يفرغ.

و كذا لو اطّلع حين دخل وقت هذه الأُمور فاشتغل بها، فلا بأس إجماعاً. و كذا لو لبس ثوباً أو أغلق باباً.

و لو وقف علي العيب ليلاً، فله التأخير إلي أن يصبح.

و إن لم يكن عذر، قال بعض الشافعيّة: إن كان البائع حاضراً، ردّه عليه. و إن كان غائباً، تلفّظ بالردّ، و أشهد عليه شاهدين. و إن عجز، حضر عند القاضي و أعلمه الردّ(5).

ص: 121


1- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 200:9، حلية العلماء 237:4، العزيز شرح الوجيز 251:4، روضة الطالبين 138:3، الاختيار لتعليل المختار 19:2، النتف 448:1، المغني 266:4، الشرح الكبير 106:4.
2- المغني 266:4، الشرح الكبير 106:4، حلية العلماء 237:4، العزيز شرح الوجيز 251:4، و انظر: النتف 448:1، و الاختيار لتعليل المختار 19:2.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، العزيز شرح الوجيز 251250:4، روضة الطالبين 138:3، المغني 258:4، الشرح الكبير 106:4.
4- الأنسب بالعبارة: «التأخير» بدل «الخيار».
5- الوسيط 128127:3، الوجيز 144143:1، العزيز شرح الوجيز 251:4، روضة الطالبين 138:3.

و لو رفع إلي القاضي و المردود عليه حاضر، قال بعض الشافعيّة: هو مقصّر يسقط خياره به، و هو الظاهر من مذهبهم(1).

و قال بعضهم: لا يقصّر؛ لأنّ الشفيع لو ترك المشتري و ابتدر إلي القاضي و استعدي عليه، فهو فوق مطالبة المشتري؛ لأنّه ربّما يحوجه(2) إلي المرافعة(3).

و كذا الوجهان لو تمكّن من الإشهاد فتركه و رفع إلي القاضي(4).

و إن كان البائع غائباً عن البلد، رفع الأمر إلي مجلس الحكم، فيدّعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمنٍ معلوم، و أنّه أقبضه الثمن ثمّ ظهر العيب، و أنّه فسخ البيع، و يقيم البيّنة علي ذلك، و يحلفه القاضي مع البيّنة للغيبة، ثمّ يأخذ المبيع منه و يضعه علي يد عدْلٍ، و يبقي الثمن دَيْناً علي الغائب يقضيه القاضي من ماله، فإن لم يجد سوي المبيع، باعه فيه إلي أن ينتهي إلي الخصم أو القاضي في الحالين.

و لو تمكّن من الإشهاد علي الفسخ، هل يلزمه ؟ للشافعيّة وجهان(5).

و يجري الخلاف فيما لو أخّر لعذر مرض و غيره(6).

و لو عجز في الحال عن الإشهاد، فهل عليه التلفّظ بالفسخ ؟ وجهان للشافعيّة(7).3.

ص: 122


1- الوسيط 128:3، العزيز شرح الوجيز 251:4.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يخرجه» بدل «يحوجه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 251:4.
4- الوسيط 128:3، العزيز شرح الوجيز 251:4.
5- العزيز شرح الوجيز 252:4، روضة الطالبين 139:3.
6- العزيز شرح الوجيز 252:4، روضة الطالبين 139:3.
7- العزيز شرح الوجيز 253252:4، روضة الطالبين 139:3.

و لو لقي البائع فسلّم عليه، لم يضرّ. و لو اشتغل بمحادثته، بطل حقّه.

و لو أخّر الردّ مع العلم بالعيب ثمّ قال: أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ لي حقَّ الردّ، قال الشافعي: يعذر إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في قرية لا يعرفون الأحكام، و إلّا فلا(1).

و لو قال: لم أعلم أنّ الخيار و الردّ يبطل بالتأخير، قبل قوله؛ لأنّه ممّا يخفي علي العامّة.

و إذا بطل حقّ الردّ بالتقصير، يبطل حقّ الأرش عند الشافعيّة(2) أيضاً.

و ليس بجيّد علي ما عرفت.

و لمن له الردّ أن يمسك المبيع و يطلب الأرش علي ما اخترناه، و به قال أحمد(3) ، خلافاً للشافعي(4).

و ليس للبائع أن يمنعه من الردّ ليغرم له الأرش إلّا برضاه، و به قال الشافعي(5). و لو تراضيا علي ترك الردّ بجزء من الثمن أو بغيره من الأموال، صحّ عندنا، و به قال أبو حنيفة و مالك و ابن سريج و الشافعي في أضعف القولين. و في الأقوي: المنع. فعلي قوله يردّ المشتري ما أخذ. و في بطلان حقّه من الردّ وجهان: البطلان؛ لأنّه أخّر الردّ مع الإمكان، و أسقط حقّه. و أصحّهما: المنع؛ لأنّه ترك حقّه علي عوض و لم يسلم له3.

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 139:3.
2- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
3- المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4، العزيز شرح الوجيز 253:4.
4- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4.
5- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.

العوض، فيبقي علي حقّه(1).

و هذان الوجهان في حقّ مَنْ يظنّ صحّة الصلح، أمّا مَنْ يعلم فساده فإنّ حقّه يبطل عند الشافعيّة كافّة(2).

مسألة 302: لو انتفع المشتري بركوب الدابّة أو استخدام العبد أو حلب الشاة أو

مسألة 302: لو انتفع المشتري بركوب الدابّة أو استخدام العبد أو حلب الشاة أو(3) شبهها، سقط حقّ الردّ

دون الأرش علي ما تقدّم.

و لو كان المبيع رقيقاً فاستخدمه في مدّة طلب الخصم أو القاضي، بطل الردّ، و به قال الشافعي(4).

و لو كان بشيء خفيف، مثل: اسقني، أو: ناولني الثوب، أو: أغلق الباب، سقط الردّ أيضاً.

و في وجهٍ للشافعيّة: أنّه لا أثر له؛ لأنّ مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك(5).

و ليس بشيء؛ لأنّ المسقط مطلق التصرّف، و غير المملوك قد يؤمر أيضاً بالأفعال الكثيرة.

و لو ركب الدابّة لا للردّ، بطل ردّه.

و لو كان له أو للسقي، فللشافعيّة وجهان، أظهرهما: سقوط الردّ؛ لأنّه ضرب من الانتفاع، كما لو وقف علي عيب الثوب فلبسه للردّ، و لو كانت جموحاً يعسر قودها و سوقها، عذر في الركوب. و الثاني و به قال أبو حنيفة -: أنّه لا يبطل؛ لأنّه أسرع للردّ. فعلي الأوّل لو كان قد ركبها للانتفاع فاطّلع علي عيب بها، لم تجز استدامته و إن توجّه للردّ(6).

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
2- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
3- في «ق، ك»: «و» بدل «أو».
4- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
5- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
6- العزيز شرح الوجيز 254:4، روضة الطالبين 140:3، حلية العلماء 241240:4، بدائع الصنائع 270:5.

و إن كان لابساً فاطّلع علي عيب الثوب في الطريق فتوجّه للردّ و لم ينزع الثوب، فهو معذور؛ لعدم اعتياد نزع الثوب في الطريق.

و لو علف الدابّة أو سقاها في الطريق، لم يضرّ؛ لأنّه ليس تصرّفاً ينفعه.

و لو كان عليها سرج أو أكاف فتركهما عليها، بطل حقّه؛ لأنّه استعمال و انتفاع، و لو لا ذلك لاحتاج إلي حمل أو تحميل.

و يُعذر بترك العذار و اللجام؛ لخفّتهما، فلا يعدّان انتفاعاً، و للحاجة إليهما في قودها.

و لو أنعلها في الطريق، فإن كانت تمشي بغير نعل، بطل حقّ الردّ، و إلّا فلا.

مسألة 303: قد بيّنّا أنّ حدوث عيب عند المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق

علي قبضه من البائع إلّا في ثلاثة أيّام الحيوان؛ لأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع، فيكون من ضمان المشتري فيسقط ردّه؛ للنقص الحاصل في يده، فإنّه ليس تحمّل البائع به للعيب السابق أولي من تحمّل المشتري به للعيب الحادث.

و لما روي عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيباً، قال: «إن كان الثوب قائماً بعينه، ردّه علي صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قُطع أو خِيط أو صُبغ يرجع بنقصان العيب»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ الأرش لا يسقط؛ دفعاً لتضرّر المشتري، فإنّه دفع الثمن في مقابلة العين الصحيحة.

ص: 125


1- التهذيب 60:7، 258.

إذا عرفت هذا، فلو دفع المشتري إلي البائع العين ناقصةً مع الأرش و رضي البائع، أو دفع البائع الأرش و رضي المشتري، فلا بحث.

و إن رضي البائع به معيباً بالعيب المتجدّد عند المشتري مجّاناً، لم يجب علي المشتري القبول، بل له المطالبة بالأرش؛ لأنّه حقّه.

و قال الشافعي: إمّا أن يردّه المشتري، أو يقنع به معيباً مجّاناً(1).

و إن تنازعا فدعا أحدهما إلي الإمساك و غرامة أرش العيب القديم، و دعا الآخر إلي الردّ مع أرش العيب الحادث، أُجبر المشتري علي الإمساك مع الأرش؛ لأنّ الأصل أن لا يلزم المشتري تمام الثمن إلّا بمبيعٍ سليم، فإذا تعذّر ذلك، الزم بالعين مع جبرها بعوض الجزء الفائت منها.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّ المتّبع رأي المشتري، و يُجبر البائع علي ما يقع له؛ لأنّ الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلّا بمبيعٍ سليم، فإذا تعذّر ذلك، فُوّضت الخيرة إليه. و لأنّ البائع و المشتري قد استويا في حدوث العيب عندهما و لا بدّ من إثبات الخيار لأحدهما، فإثباته للمشتري أولي؛ لأنّ البائع ملبّس بترويج المبيع، فكان رعاية جانب المشتري أولي، فيتخيّر المشتري حينئذٍ بين أن يردّه و يدفع أرش العيب الحادث عنده، و بين أن يمسكه و يأخذ أرش العيب القديم، و بهذا الوجه قال مالك و أحمد، و هو قول الشافعي في القديم.

الثاني: أنّ المتّبع رأي البائع؛ لأنّه إمّا غارم أو آخذ ما لم يردّ العقد عليه.3.

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 255:4، روضة الطالبين 141:3.

و الثالث و هو الأصحّ عندهم -: أنّ المتّبع رأي مَنْ يدعو إلي الإمساك و الرجوع بأرش العيب القديم، سواء كان هو البائع أو المشتري؛ لما فيه من تقرير العقد. و لأنّ الرجوع بأرش العيب القديم يستند إلي أصل العقد؛ لأنّ قضيّته أن لا يستقرّ الثمن بكماله إلّا في مقابلة السليم، و ضمّ أرش العيب الحادث إدخال شيء جديد لم يكن في العقد، فكان الأوّل أولي.

فعلي هذا لو قال البائع: تردّه مع أرش العيب الحادث، فللمشتري الامتناع، و يأخذ أرش العيب القديم. و لو أراد المشتري أن يردّه مع أرش العيب الحادث، فللبائع الامتناع، و يغرم أرش القديم(1).

و قال أبو حنيفة و الشافعي أيضاً: إذا لم يرض البائع بردّه معيباً، كان للمشتري المطالبة بأرش العيب. و إن رضي بردّه معيباً، لم يكن للمشتري أرش؛ لأنّه عيب حدث في ضمان أحد المتبايعين لا لاستعلام العيب، فأثبت الخيار للآخر، كالعيب الحادث عند البائع(2).

و قال مالك و أحمد: يتخيّر المشتري بين أن يردّه و يدفع أرش العيب الحادث عنده، و بين أن يمسكه و يأخذ أرش العيب الحادث عند البائع(3) ؛ لما تقدّم.

و قال حمّاد و أبو ثور: يردّه المشتري و يردّ معه أرش العيب قياساً علي المصرّاة(4) ؛ فإنّ النبي (عليه السّلام) أمر بردّها و ردّ صاع من تمر عوض4.

ص: 127


1- العزيز شرح الوجيز 256255:4، روضة الطالبين 141:3.
2- لم نعثر علي قولهما في حدود المصادر المتوفّرة لدينا، و انظر: حلية العلماء 267:4.
3- بداية المجتهد 184183:2، حلية العلماء 267:4، المغني 261:4، الشرح الكبير 99:4.
4- حلية العلماء 267:4، المغني 261:4.

اللبن(1).

و هو ضعيف؛ لأنّ ذلك إنّما كان لاستعلام العيب.

مسألة 304: قد بيّنّا أنّ الخيار في الردّ و الأرش علي التراخي.

و قال الشافعي: إنّه علي الفور علي ما تقدّم(2).

فعلي قوله يجب علي المشتري إعلام البائع علي الفور، فلو أخّره من غير عذر، بطل حقّه من الردّ و الأرش، إلّا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالباً، كالرمد و الحُمّي، فلا يعتبر الفور في الإعلام علي أحد القولين، بل له انتظار زواله ليردّه سليماً عن العيب الحادث من غير أرش(3).

و عندنا أنّ العيب المتجدّد مانع من الردّ بالسابق، سواء زال أو لا، و للمشتري الأرش علي التقديرين.

و لو زال العيب الحادث بعد ما أخذ المشتري أرش العيب القديم، لم يكن له الفسخ، و ردّ الأرش عندنا علي ما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّ أخذ الأرش إسقاط. و الثاني: نعم، و الأرش للحيلولة(4).

و لو لم يأخذه لكن قضي القاضي بثبوته، فوجهان للشافعيّة بالترتيب، و أولي بجواز الفسخ(5).

و لو تراضيا و لا قضاء، فوجهان بالترتيب، و أولي بالفسخ في هذه

ص: 128


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 96، الهامش (3).
2- في ص 121، المسألة 301.
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 141:3.
4- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142141:3.
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، و انظر: روضة الطالبين 142141:3.

الصورة، و هو الأصحّ في هذه الصورة عندهم، و أمّا بعد الأخذ، فالأصحّ: المنع(1).

و لو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث(2) ، ردّ عند الشافعي(3) ، و فيه وجه ضعيف(4).

و لو زال العيب القديم قبل أخذ أرشه، لم يأخذه عندهم(5). و لو زال بعد أخذه، ردّه.

و منهم مَنْ جَعَله علي وجهين، كما لو نبتت سنّ(6) المجنيّ عليه بعد أخذ الدية، هل [يردّ(7)] الدية ؟(8).

مسألة 305: كلّ ما يثبت الردّ به علي البائع لو كان في يده يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري،

و ما لا ردّ به علي البائع لا يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري إلّا في الأقلّ، فلو خصي العبد ثمّ عرف عيباً قديماً، لم يردّ و إن زادت قيمته.

و لو نسي القرآن أو الصنعة ثمّ عرف به عيباً قديماً، فلا ردّ؛ لنقصان القيمة.

و كذا لو زوّجها ثمّ عرف [بها] عيباً قديماً؛ لأنّه بتصرّفه أسقط الردّ.

و قال بعض الشافعيّة: إلّا أن يقول الزوج: إن ردّك المشتري بعيب

ص: 129


1- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
2- في «ق، ك»: «العيب الحادث».
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
4- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
6- في الطبعة الحجريّة: «كما لو ثبت سبق» بدل «كما لو نبتت سنّ». و هي تصحيف. و في «ق، ك»: «نبت سنّ» و الصحيح ما أثبتناه.
7- ما بين المعقوفين من المصدر. و بدله في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يأخذ».
8- التهذيب للبغوي 457:3، العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.

فأنتِ طالق، و كان ذلك قبل الدخول، فله الردّ؛ لزوال المانع بالردّ(1).

مسألة 306: لو اشتري الأب من الابن جاريةً أو بالعكس ثمّ عرف بعيبها بعد وطئها و هي ثيّب، لم يكن له الردّ

عندنا؛ لتصرّفه.

و قال الشافعي: لا يبطل الردّ و إن حرمت علي البائع؛ لأنّ الماليّة لا تنقص بذلك. و كذا لو كانت الجارية رضيعةً فأرضعتها أُمّ البائع أو ابنته في يد المشتري ثمّ عرف بها عيباً(2).

و هنا نحن نقول: إن كان الإرضاع بقول المشتري، كان تصرّفاً؛ لأنّه يخرج بذلك عن الإباحة، فلا ردّ. و إن لم يكن بقوله، كان له الردّ؛ لأنّه لم يتصرّف في المبيع.

و إقرار الرقيق علي نفسه في يد المشتري بدَيْن المعاملة أو بدَيْن الإتلاف مع تكذيب المولي لم يمنع من الردّ بالعيب القديم. و إن صدّقه المولي علي دَيْن الإتلاف، مَنَع؛ لأنّه عيب تجدّد في يد المشتري. فان عفا المقرّ له بعد ما أخذ المشتري الأرش، لم يكن له الفسخ، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: يردّه و يردّ الأرش(3).

و الوجهان جاريان فيما إذا أخذ الأرش لرهينة العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه و نحوها إن مُكّن(4) من ذلك ثمّ زال المانع من الردّ(5) ، قال بعض الشافعيّة: أصحّهما أنّه لا فسخ(6). و هو مقتضي مذهبنا.

تذنيب: لو اشتري عبداً و حدث في يد المشتري نكتة بياض بعينه (7)

ص: 130


1- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
2- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «تمكّن».
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
6- التهذيب للبغوي 458457:3، العزيز شرح الوجيز 257256:4، روضة الطالبين 142:3.
7- أي: بعين العبد.

و وجد نكتة قديمة ثمّ زالت إحداهما فاختلفا، فقال البائع: الزائلة القديمةُ فلا ردّ و لا أرش، و قال المشتري: بل الحادثةُ و لي الردّ، قال الشافعي: يحلفان علي ما يقولان، فإن حلف أحدهما دون الآخر، قُضي بموجب يمينه. و إن حلفا، استفاد البائع بيمينه دفع الردّ، و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش، فإن اختلفا في الأرش، فله الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن(1).

مسألة 307: لو كان المبيع من أحد النقدين كآنية من ذهب أو فضّة اشتراها بمثل وزنها و جنسها ثمّ اطّلع علي عيبٍ قديم، كان له الردّ

دون الأرش؛ لاشتماله علي الربا، فإنّه لو أخذ الأرش لنقص الثمن عن وزن الآنية، فيصير الثمن المساوي لوزنها يقابله ما دونها(2) ، و ذلك عين الربا.

فإن حدث عند المشتري عيبٌ آخر، لم يكن له الأرش؛ لما تقدّم، و لا الردّ مجّاناً؛ إذ لا يُجبر البائع علي الضرر، و لا الردّ مع الأرش؛ لاشتماله علي الربا، لأنّ المردود حينئذٍ يزيد علي وزن الآنية. و لا يجب علي المشتري الصبر علي المعيب مجّاناً. فطريق التخلّص فسخ البيع؛ لتعذّر إمضائه، و إلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيباً بالقديم سليماً عن الجديد، و يجعل بمثابة التالف.

و يحتمل الفسخ مع رضا البائع، و يردّ المشتري العين و أرشها، و لا ربا، فإنّ الحليّ في مقابلة الثمن، و الأرش في مقابلة العيب المضمون، كالمأخوذ بالسوم.

و للشافعيّة ثلاثة أوجُه، اثنان منها هذان الاحتمالان، إلّا أنّهم لم يشترطوا في الاحتمال الثاني رضا البائع بالردّ.

ص: 131


1- التهذيب للبغوي 457:3، العزيز شرح الوجيز 257:4، روضة الطالبين 142:3.
2- كذا في جميع النسخ الخطيّة و الحجريّة.

و الثالث: أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم، كما في غير هذه الصورة، و المماثلة في مال الربا إنّما تشترط في ابتداء العقد و قد حصلت، و الأرش حقٌّ ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق(1).

و هذا الوجه عندي لا بأس به.

و الوجهان الأوّلان [اتّفقا(2)] علي أنّه لا يرجع بأرش العيب القديم، و أنّه يفسخ العقد، و اختلفا في أنّه يردّ الحليّ مع أرش النقص أو يمسكه و يردّ قيمته ؟.

و قياس صاحب القول الثالث تجويز الردّ مع الأرش أيضاً، كما في سائر الأموال.

و إذا أخذ الأرش، قيل: يجب أن يكون من غير جنس العوض؛ لئلاّ يلزم ربا الفضل(3).

و الأقرب: أنّه يجوز أن يكون من جنسهما؛ لأنّ الجنس لو امتنع أخذه؛ لامتنع أخذ غير الجنس؛ لأنّه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شيء آخر.

و لو تلفت الآنية ثمّ عرف المشتري العيب القديم، قالت الشافعيّة: يفسخ العقد، و يستردّ الثمن و يغرم قيمة التالف(4). و تلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ؛ لأنّ الشافعي جوّز الإقامة بعد [التلف(5)(6)].3.

ص: 132


1- العزيز شرح الوجيز 257:4، روضة الطالبين 143:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أيضاً». و هي تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه بقرينة السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
4- حلية العلماء 261:4، العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك»، و الطبعة الحجريّة: «الفسخ». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
6- حلية العلماء 261:4، التهذيب للبغوي 494493:3.

و كذا إذا اختلف المتبايعان بعد تلف المبيع، تحالفا و ترادّا.

و يخالف إذا كان المبيع من غير جنس الثمن الذي فيه الربا؛ لأنّه يمكنه أخذ الأرش، فلا يجوز له فسخ العقد مع حدوث النقص و التلف عنده، و هنا لا يمكن ذلك، فلم يمكن إسقاط حقّه بغير عوض، و لا يمكن أخذ الأرش هنا؛ للربا.

و لهم وجه آخر: أنّه يجوز أخذ الأرش(1). و حينئذٍ هل يشترط كونه من غير الجنس ؟ وجهان تقدّما.

و هذه المسألة لا تختصّ بالحليّ و النقدين، بل تجري في كلّ ربويّ بِيع بجنسه.

مسألة 308: قد بيّنّا أنّ تصرّف المشتري يمنع من الردّ قبل علمه بالعيب و بعده.

و قال الشافعي: لا يمنع(2).

فلو اشتري دابّةً و أنعلها ثمّ وقف علي العيب القديم، فلا ردّ عندنا، بل له الأرش.

و قال الشافعي: إن كان نَزْعُ النعل لا يؤثّر فيها عيباً، نَزَعه و ردَّها. و إن لم ينزع، لم يجب علي البائع القبول. و إن كان النزع يخرم ثقب المسامير و يتعيّب الحافر به فنزع، بطل حقّه من الردّ و الأرش عنده، و كان تعيّبه(3) بالاختيار قطعاً للخيار(4)(5).

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
2- الحاوي الكبير 261:5.
3- في «ق» و الطبعة الحجريّة: تعييبه.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «للاختيار». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- العزيز شرح الوجيز 259258:4، روضة الطالبين 143:3.

و فيه احتمال عند بعضهم(1).

و لو ردّها مع النعل، اجبر البائع علي القبول عنده، و ليس للمشتري طلب قيمة النعل، فإنّه حقير في معرض ردّ الدابّة.

ثمّ تَرْكُ النعل من المشتري تمليك حتي يكون للبائع لو سقط(2) ، أو إعراض حتي يكون للمشتري ؟ فيه لهم وجهان، أشبههما: الثاني(3).

و كلّ هذا ساقط عندنا.

مسألة 309: لو صبغ المشتري الثوب بما به تزيد قيمته ثمّ عرف عيبه السابق، فلا ردّ

عندنا، خلافاً للشافعي(4).

فإن رضي بالردّ من غير طلب شيء، قال الشافعي: يجب علي البائع قبوله، و يصير الصبغ ملكاً [له(5)] لأنّه صفة للثوب لا تزايله، بخلاف النعل(6).

قال الجويني: و لم يذهب أحد إلي أنّه يردّ الثوب و يبقي شريكاً بالصبغ(7) ، كما في المغصوب، فإنّه يكون شريكاً، و الاحتمال يتطرّق إليه(8).

ص: 134


1- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 143:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أو إسقاط» بدل «لو سقط». و ما أثبتناه من المصادر ما عدا التهذيب.
3- الوسيط 134:3، التهذيب للبغوي 450:3، العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144143:3.
4- الوسيط 134:3، العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
5- في الطبعة الحجريّة: «و يكون الصبغ ملكه» بدل ما أثبتناه من «ق، ك».
6- المصادر في الهامش (3).
7- في الطبعة الحجريّة: «في الصبغ».
8- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.

و إن أراد الردّ و أخذ قيمة الصبغ، ففي وجوب الإجابة علي البائع للشافعيّة وجهان، أظهرهما: العدم، لكن يأخذ المشتري الأرش(1).

و لو طلب المشتري أرش العيب و قال البائع: رُدّ الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ، فوجهان لهم: القبول [و(2)] أنّ المجاب البائع، و لا أرش للمشتري(3).

و لمّا حكي الجويني الخلاف في الطرفين ذكر أنّ الصبغ الزائد جري مجري أرش العيب الحادث في طرفي المطالبة، و يريد به أنّه إذا قال البائع: ردّ مع الأرش، و قال المشتري: أمسك و آخذ الأرش، ففي مَنْ يجاب ؟ وجهان. و كذا إذا قال المشتري: أردّه مع الأرش، و قال البائع: بل أغرم الأرش(4).

و وجه المشابهة بين الصبغ الزائد و أرش العيب الحادث أنّ إدخال الصبغ في ملك البائع مع أنّه دخيل في العقد كإدخال الأرش الدخيل.

ثمّ المجاب منهما في وجهٍ مَنْ يدعو إلي فضل الأمر بالأرش القديم(5).

أمّا لو قصر الثوب ثمّ ظهر علي العيب بعد القصارة، فلا ردّ عندنا، بل له الأرش.

و عند الشافعيّة(6) يبني علي أنّ القصارة عين أو أثر؟ إن قلنا بالأوّل، فهي كالصبغ. و إن قلنا بالثاني، ردّ الثوب مجّاناً، كالزيادات المتّصلة(7).3.

ص: 135


1- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
4- العزيز شرح الوجيز 259:4.
5- العزيز شرح الوجيز 259:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «الشافعي».
7- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
مسألة 310: إذا اشتري ما المقصود منه مستور بقشره -

كالبطّيخ و النارنج و الرمّان و الجوز و اللوز و البندق و البيض فكسره ثمّ وجده فاسداً، نظر إن لم يكن [لفاسده(1)] قيمة كالبيض الفاسد و البطّيخ الأسود رجع بجميع الثمن؛ لأنّ العقد ورد علي ما لا منفعة فيه، فلم يكن صحيحاً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلّة، بل إنّ الردّ يثبت علي سبيل استدراك الظلامة(3).

و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكلّه عند فوات كلّ المبيع.

و تظهر فائدة الخلاف في أنّ القشور الباقية بمن تختصّ حتي يكون عليه تطهير الموضع عنها؟ و إن كان لفاسده قيمة كالبطّيخ الحامض أو المدود بعضُ الأطراف فله الأرش، و لا ردّ؛ لتصرّفه.

و للشافعيّة تفصيل، قالوا: إنّ للكسر حالتين:

إحداهما: أن لا يوقف علي ذلك الفساد إلّا بمثله، فقولان:

أحدهما: لا ردّ كما قلنا و به قال أبو حنيفة و المزني، كما لو عرف بعيب الثوب بعد قطعه، و علي هذا هو كسائر العيوب الحادثة، فيرجع المشتري بأرش العيب القديم.

ص: 136


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لمكسوره». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- المهذّب للشيرازي 293292:1، التهذيب للبغوي 463:3، العزيز شرح الوجيز 260:4، روضة الطالبين 144:3.
3- العزيز شرح الوجيز 260:4، روضة الطالبين 144:3.

و الثاني: له الردّ و به قال مالك و أحمد في رواية لأنّه نقص لا يعرف العيب إلّا به، فلم يمنع الردّ، كالمصرّاة.

فإن أثبتنا له الردّ، فهل يغرم أرش الكسر؟ قولان، أحدهما: نعم، كالمصرّاة. و الثاني: لا؛ لأنّه لا يعرف العيب إلّا به، فهو معذور فيه، و البائع بالبيع كأنّه(1) سلّطه عليه.

و إن قلنا بالأوّل، غرم ما بين قيمته صحيحاً فاسد اللُّبّ و مكسوراً فاسد اللُّبّ، و لا ينظر إلي الثمن.

الحالة الثانية: أن يمكن الوقوف علي ذلك الفساد بأقلّ من ذلك الكسر، فلا ردّ، كما في سائر العيوب(2).

إذا عرفت هذا، فكسر الجوز و نحوه و نقب النارنج من صُور الحالة الأُولي، و كسر النارنج من صُور الحالة الثانية.

و كذا البطّيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شيء فيه. و كذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير. و التدويد لا يُعرف إلّا بالتقوير، و قد يحتاج إلي الشقّ ليعرف.

و ليست الحموضة عيباً في الرمّان، بخلاف البطّيخ.

و لو شرط حلاوة الرمّان فظهرت حموضته بالغرر، كان له الردّ. و إن كان بالكسر أو الشقّ، فالأرش لا غير.4.

ص: 137


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فإنّه» بدل «كأنّه». و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 261260:4، روضة الطالبين 145144:3، مختصر المزني: 83، المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 464463:3، حلية العلماء 264262:4، بدائع الصنائع 284:5، المغني 273:4، الشرح الكبير 105:4.
مسألة 311: إذا باع الثوب المطويّ، صحّ البيع إذا علم باطنه كظاهره.

و لو كان مطويّاً علي طاقين، فكذلك؛ لأنّه يري جميع الثوب من جانبيه إن تساوي الوجهان المطويّان، و إلّا فلا.

فلو اشتري ثوباً مطويّاً أو ثوباً ينتقص بالنشر فنشره و وقف علي عيب لا يوقف عليه إلّا بالنشر، فلا ردّ؛ لانتقاصه بالنشر، بل له الأرش.

و للشافعي قولان(1) تقدّما في البطّيخ و شبهه.

مسألة 312: الفسخ يرفع العقد من حين وقوعه لا من أصله؛

لأنّ العقد لا ينعطف حكمه علي ما مضي، فكذا الفسخ، و هو أصحّ قولي الشافعيّة.

و في الثاني: إذا اتّفق الفسخ قبل القبض، يردّ العقد من أصله؛ لضعف العقد، فإذا فسخ، فكأنّه لا عقد(2). و ليس بشيء.

و لهم وجه آخر: أنّه يرفع العقد من أصله مطلقاً(3).

إذا عرفت هذا، فعندنا أنّ الاستخدام بل كلّ تصرّف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الردّ، إلّا في وطئ الجارية الحامل و حلب المصرّاة خاصّةً.

و قال الشافعي: الاستخدام لا يمنع من الردّ بالعيب، و كذا وطؤ الثيّب، فإذا ردّها، لم يضمّ إليها مهراً عنده و به قال مالك و أحمد في رواية لأنّه معني لا يوجب نقصاً و لا يشعر رضا، فأشبه الاستخدام(4).

ص: 138


1- التهذيب للبغوي 464:3، العزيز شرح الوجيز 261:4، روضة الطالبين 146:3.
2- الوسيط 138:3، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
3- العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
4- حلية العلماء 256:4، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3، بداية المجتهد 182:2، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.

و الأصل ممنوع.

و قال أبو حنيفة: إنّه يمنع الردّ(1) ، كقولنا.

و لو وطئها البائع بشبهة، فكوطئ المشتري لا يمنع الردّ. و وطؤها عن رضا منها زنا، و هو عيب حادث.

هذا إذا وُطئت بعد القبض، و لو وطئها المشتري قبل القبض، فلا ردّ عندنا.

و قال الشافعي: له الردّ، و لا يصير قابضاً لها، و لا مهر عليه إن سلمت و قبضها(2).

و إن تلفت قبل القبض، فلا مهر عليه؛ لأنّه وطؤ صادف ملكاً.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ عليه المهر للبائع. و هُما مبنيّان علي أنّ العقد إذا انفسخ بتلفٍ قبل القبض، ينفسخ من أصله أو من حينه ؟ و أصحّهما عندهم: الثاني(3).

و إن وطئها أجنبيّ و هي زانية، فهو عيب حدث قبل القبض. و إن كانت مكرهةً، فللمشتري المهر، و لا خيار له بهذا الوطي. و وطؤ البائع كوطي الأجنبيّ، لكن لا مهر عليه إن قلنا: إنّ جناية البائع قبل القبض كالآفة السماويّة.

و الوجه عندنا: أنّ عليه المهر.

و أمّا البكر فافتضاضها بعد [القبض(4)] نقصٌ حادث، و قبله جنايةه.

ص: 139


1- حلية العلماء 256:4، بداية المجتهد 182:2، العزيز شرح الوجيز 276:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
2- العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
3- العزيز شرح الوجيز 277276:4، روضة الطالبين 150:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العقد». و الصحيح ما أثبتناه.

علي المبيع قبل القبض.

و إن افتضّها الأجنبيّ بإصبعه، فعليه ما نقص من قيمتها.

و إن افتضّها بالجماع، فعليه المهر و أرش البكارة، و لا تداخل، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و الثاني الأصحّ عندهم: الدخول، فعليه مهر مثلها بكراً، و علي الأوّل عليه أرش البكارة و مهر مثلها ثيّباً(2).

ثمّ المشتري إن أجاز العقد، فالجميع له، و إلّا فقدر(3) أرش البكارة للبائع؛ لعودها إليه ناقصةً، و الباقي للمشتري.

و إن افتضّها البائع، فإن أجاز المشتري، فلا شيء علي البائع إن قلنا: جنايته كالآفة السماويّة. و إن قلنا: إنّها كجناية الأجنبيّ، فالحكم كما في الأجنبيّ. و إن فسخ المشتري، فليس علي البائع أرش البكارة.

و هل عليه مهر مثلها [ثيّباً(4)] إن افتضّ بالجماع ؟ يبني علي أنّ جنايته كالآفة السماويّة أو لا.

و إن افتضّها المشتري، استقرّ عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها، فإن سلمت حتي قبضها، فعليه الثمن بكماله. و إن تلفت قبل القبض، فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن. و هل عليه مهر مثل ثيّبٍ إن افتضّها بالجماع ؟ يبني علي أنّ العقد ينفسخ من أصله أو من حينه ؟ هذا هو الصحيح عندهم(5).3.

ص: 140


1- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151150:3.
2- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151150:3.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بقدر». و الصحيح ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «هنا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151:3.

و فيه وجه: أنّ افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الأجنبيّ(1).

مسألة 313: لو باع شيئاً ثمّ ظهر المشتري علي عيب و لم يتصرّف، كان له الردّ أو الأرش،

فإن اختار الردّ، فلا يخلو إمّا أن تكون العين قائمةً بحالها فيردّها، أو تنقص. و قد تنقص عند المشتري، و قد مضي حكمه. أو تزيد، فلا يخلو إمّا أن تكون هذه الزيادة متّصلةً، كسمن الجارية، و تعلّم العبد الصنعة أو القرآن، و كبر الشجرة، فهذه الزيادة تابعة لردّ الأصل، و لا شيء علي البائع بسببها، أو تكون منفصلةً، كالولد و الثمرة و كسب العبد و مهر الجارية الموطوءة بالشبهة أو بالزنا إن أثبتنا فيه مهراً للأمة، و أُجرة الدابّة إذا ركبت من غير إذن المشتري عندنا و بإذنه عند الشافعي، فهذه الزيادة لا تتبع الردّ بالعيب، بل تسلم للمشتري، و يردّ الأصل دون هذه الزيادة و به قال الشافعي و أحمد(2) لأنّ هذه حصلت في ملك المشتري.

و لأنّ مخلد بن خفاف(3) ابتاع غلاماً فاستغلّه(4) ثمّ أصاب به عيباً، فقضي له عمر بن عبد العزيز بردّه و غلّته، فأخبره عروة عن عائشة أنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قضي في مثل هذا أنّ الخراج بالضمان، فردّ عمر قضاءه و قضي لمخلد بالخراج(5).

ص: 141


1- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151:3.
2- المهذّب للشيرازي 292:1، التهذيب للبغوي 436:3، شرح السنّة للبغوي 122:5، العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 151:3، بداية المجتهد 182:2، المغني 259258:4، الشرح الكبير 9897:4.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «حداف». و هي تصحيف.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فاستعمله». و ما أثبتناه من المصادر.
5- سنن البيهقي 322321:5، شرح السنّة 123:5، التهذيب للبغوي 430:3-434، العزيز شرح الوجيز 278:4.

و معني الحديث أنّ ما يخرج من المبيع من فائدة و غلّة فهو للمشتري في مقابلة أنّه لو تلف، كان من ضمانه، بخلاف الغاصب؛ لأنّ المشتري مالك للعين، و الغاصب غير مالك.

و قال مالك: إن كان النماء ولداً، ردّه معها. و إن كان ثمرةً، ردّ الأصل دونها؛ لأنّه حكم تعلّق برقبة الاُم، فوجب أن يسري إلي الولد، كالكتابة(1).

و هو خطأ؛ لأنّ الردّ ليس بمستقرّ، و متي حدث عيب عند المشتري مَنَع الردّ. و لأنّ الولد ليس بمبيع، فلا يمكن ردّه بحكم ردّ الاُم.

و قال أبو حنيفة: النماء يمنع من الردّ بالعيب؛ لأنّ الردّ في الأصل تعذّر؛ لأنّه لا يمكن ردّه منفرداً عن نمائه، لأنّ النماء موجبه، فلا يرفع العقد مع بقاء موجبه، و لا يمكن ردّه معه؛ لأنّه لم يتناوله العقد، و إذا(2) تعذّر الرجوع، فالأرش(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّ هذا إنّما حدث في ملك المشتري، فلم يمنع الردّ، كما لو حدث في يد البائع، و كما لو كان كسباً. و النماء ليس موجباً بالعقد، بل موجبه الملك، كالكسب، و لو أوجبه العقد، لوجب أن يعود إلي البائع بفسخه.

و كذا يلحق بالنماء المنفصل ما يكسبه العبد بعمله أو يوهب له أو يوصي له، فإنّ هذا يكون للمشتري.4.

ص: 142


1- بداية المجتهد 183182:2، شرح السنّة 122:5، العزيز شرح الوجيز 278:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
3- بدائع الصنائع 302:5، شرح السنّة 122:5، التهذيب للبغوي 436:3، بداية المجتهد 183:2، العزيز شرح الوجيز 278:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
مسألة 314: لا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض و الزوائد الحادثة بعده

إذا كان الردّ بعد القبض. و إن كان الردّ قبله، فكذلك عندنا.

و للشافعيّة في الزوائد وجهان بناءً علي أنّ الفسخ و الحال هذه رفع للعقد من أصله أو من حينه ؟ و الأصح عندهم: أنّها تسلم للمشتري أيضاً(1).

و لو كان المبيع جاريةً فحبلت و ولدت في يد المشتري، فإن نقصت بالولادة، سقط الردّ بالعيب القديم، و كان له الأرش و به قال الشافعي(2) لأنّه حدث عنده عيب و إن لم يكن الولد مانعاً.

و إن لم تنقص، فالأولي جواز ردّها وحدها من دون الولد و هو أحد قولي الشافعيّة و أكثرهم عليه(3) لأنّ هذا التفريق موضع حاجة، كما لو رهن جارية فولدت حُرّاً، يباع الرهن دون الولد.

و منهم مَنْ مَنَع؛ لأنّ في ذلك تفريقاً بين الاُمّ و الولد فيتعيّن الأرش، إلّا أن يكون الوقوف علي العيب بعد بلوغ الولد سنّاً لا يحرم بعده التفريق(4)(5).

و كذا حكم الدابّة لو حملت عند المشتري و ولدت، فإن نقصت بالولادة، فلا ردّ، و يتعيّن(6) الأرش. و إن لم تنقص، ردّها دون ولدها؛ لأنّه للمشتري.

مسألة 315: لو اشتري جاريةً حبلي أو دابّة حاملاً ثمّ وجد بها عيباً،

ص: 143


1- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152151:3.
2- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
3- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بعد بلوغ الولد سنّاً فإنّه لا يحرم بعده التفريق». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
6- في الطبعة الحجريّة: فيتعيّن.

فإن ظهر عليه قبل الوضع، ردّها حاملاً؛ لأنّ الزيادة حدثت عند البائع و النماء(1) فيها كالمتّصل.

و إن ظهر عليه بعد الوضع، فإن نقصت بالولادة، فلا ردّ إلّا أن تضع في مدّة الثلاثة، فإنّ العيب الحادث فيها من غير جهة المشتري لا يمنع من الردّ بالعيب السابق و يتعيّن الأرش. و إن لم تنقص، ردّها و ردّ الولد معها؛ لأنّه جزء من المبيع، و له قسط من الثمن، و له حكم بانفراده، و هو أحد قولي الشافعيّة(2).

و في الآخر: لا يردّ الولد، بناءً علي أنّ الحمل لا حكم له و لا يأخذ قسطاً من الثمن، فيكون بمنزلة ما لو تجدّد الحبل عند المشتري(3). و ليس شيئاً.

و يخرّج علي هذا الخلاف أنّه هل للبائع حبس الولد إلي استيفاء الثمن ؟ و أنّه لوهلك قبل القبض، هل يسقط من الثمن بحصّته ؟ و أنّه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض ؟ فإن قلنا: له قسط من الثمن، جاز الحبس، و سقط الثمن، و لم يجز البيع، و إلّا انعكس الحكم.

مسألة 316: لو اشتري نخلةً عليها طلْعٌ غير مؤبَّر و وجد بها عيباً بعد التأبير، ردّها و ردّ الثمرة

أيضاً؛ لأنّ لها قسطاً من الثمن، فإنّها مشاهدة مستيقنة.

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما عندهم: أنّها علي القولين في الحمل، تشبيهاً للثمرة في الكمام بالحمل في البطن. و الثاني: القطع بأنّها تأخذ قسطاً من الثمن(4).

ص: 144


1- في «ق، ك»: «فالنماء».
2- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
3- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
4- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
مسألة 317: لو اشتري جاريةً حائلاً أو

مسألة 317: لو اشتري جاريةً حائلاً أو(1) بهيمةً حائلاً فحبلت ثمّ اطّلع علي عيب، فإن نقصت بالحمل، فلا ردّ

إن كان الحمل في يد المشتري، و به قال الشافعي(2).

و إن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع، فله الردّ، و الحكم في الولد كما تقدّم من أنّه للمشتري؛ لأنّه نما علي ملكه.

و للشافعيّة ما تقدّم من الخلاف إن قلنا: إنّه يأخذ قسطاً من الثمن، يبقي للمشتري، فيأخذه إذا انفصل.

و حكي بعضهم وجهاً آخر [أنّه للبائع(3)] لاتّصاله بالأُمّ عند الردّ.

و إن قلنا: إنّه لا يأخذ قسطاً من الثمن، فهو للبائع و يكون تبعاً للاُمّ عند الفسخ كما يكون تبعاً لها عند العقد(4).

و أطلق بعض الشافعيّة أنّ الحمل الحادث نقصٌ، أمّا في الجواري: فلأنّه يؤثّر في النشاط و الجمال، و أمّا في البهائم: فلأنّه ينقص لحم المأكول و ينقص الحمل(5) عليها و الركوب(6).

و لو اشتري نخلةً و أطلعت في يده ثمّ اطّلع علي عيب، فالأقرب: أنّ الطلع [له؛ لأنّه(7)] نماء منفصل(8) متميّز عن الأصل، كالحبل لو تجدّد عند

ص: 145


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو» و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لأنّه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 280279:4، روضة الطالبين 152:3.
5- كذا، و في المصدر: «و يخلّ بالحمل» بدل «و ينقص الحمل».
6- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153152:3.
7- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الآن». و الصحيح ما أثبتناه.
8- في «ق، ك»: «مستفصل».

المشتري.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو كان علي ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزّه ثمّ عرف به عيباً، فعندنا يسقط الردّ بالتصرّف، و يتعيّن له الأرش.

و قال الشافعي: له الردّ و يردّ الصوف معه(2).

فإن استجزّ ثانياً و جزّه ثمّ عرف العيب القديم، لم يكن له الردّ عندنا، بل الأرش.

و قال الشافعي: له الردّ، و يردّ الصوف الأوّل لا الثاني؛ لحدوثه في ملكه(3).

و لو لم يجزّه، ردّه تبعاً و به قال الشافعي(4) لأنّه كالمتّصل.

و لو اشتري أرضاً و بها أُصول الكرّاث و نحوه، لم تدخل في المبيع.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: تدخل. فعلي الدخول إن أنبتت في يد المشتري ثمّ ظهر علي عيب في الأرض، يردّ الأرض، و يبقي النابت للمشتري، فإنّها ليست تبعاً في الأرض(5) ، و لهذا لا يدخل الظاهر منها في ابتداء البيع فيه(6).3.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
2- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
3- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
4- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
5- الظاهر: تبعاً للأرض.
6- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
مسألة 318: الثمن المعيّن إذا خرج معيباً، يردّه البائع بالعيب ما لم يتصرّف،

كالمبيع، و به قال الشافعي(1).

و إن لم يكن معيّناً، استبدل به، و لا يفسخ العقد، سواء خرج معيباً بخشونة أو سواد أو ظهر أنّ سكّته مخالفة لسكّة النقد الذي تعاقدا عليه، أو(2) خرج نحاساً أو رصاصاً.

و لو تصارفا و تقابضا ثمّ وجد أحدهما بما قبض خللاً، فإن كانا معيّنين و خرج من غير الجنس، يبطل الصرف.

و للشافعيّة قولان هذا أحدهما. و الثاني: أنّه صحيح تغليباً للإشارة(3).

هذا إذا كان له قيمة، و إن لم يكن له قيمة، بطل إجماعاً.

و إن خرج بعضه بهذه الصفة، بطل العقد فيه، و في الباقي قولا تفريق الصفقة للشافعيّة: إن لم يبطل، فله الخيار. و إن أجاز، فإن كان الجنس مختلفاً بأن يتبايعا فضّةً بذهب، فالقولان في أنّ الإجازة بجميع الثمن أو بالحصّة. و إن كان متّفقاً، فالإجازة بالحصّة؛ لامتناع الفضل(4).

و إن خرج [أحدهما(5)] خشناً أو أسود، فلآخذه الخيار، و لا يجوز الاستبدال.

فإن خرج بعضه [كذلك(6)] فله الخيار، و ليس له فسخ المعيب و إجازة الباقي.

و للشافعيّة قولا تفريق الصفقة، فإن جوّزنا، فالإجازة بالحصّة؛ لأنّ

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المصدر في الهامش (1).
4- المصدر في الهامش (1).
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
6- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

العقد صحّ في الكلّ، فإذا ارتفع، كان بالقسط(1).

و إن كانا غير معيّنين، فإن خرج أحدهما نحاساً و هُما في المجلس، استبدل. و إن تفرّقا قبله، بطل العقد؛ لأنّ المقبوض غير ما ورد عليه العقد.

و إن خرج خشناً أو أسود، فإن لم يتفرّقا، تخيّر بين الرضا به و الاستبدال. و إن تفرّقا، ففي أنّ له الاستبدال للشافعيّة قولان: أحدهما: لا؛ لأنّه قبض بعد التفرّق. و أصحّهما: نعم، كالمُسْلَم فيه إذا خرج معيباً(2).

و الأصل فيه أنّ القبض الأوّل صحيح إذا رضي به جاز، و البدل مأخوذ، فقام مقام الأوّل.

و يجب أخذ البدل قبل التفرّق عن مجلس الردّ.

و إن خرج البعض كذلك و تفرّقا، فإن جوّزنا الاستبدال، استبدل، و إلّا تخيّر بين فسخ الجميع و الإجازة.

و في أنّ له فسخ المعيب خاصّة قولا تفريق الصفقة(3).

و حكم رأس مال السَّلم(4) حكم عوض الصرف.

و لو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيباً بعد تلفه، فإن كان العقد علي معيّنين فاختلف الجنس، فهو كبيع العرض بالنقد. و إن كان متّفقاً، فالخلاف الذي سبق لهم في الحليّ(5).

و إن ورد علي ما في الذمّة و لم يتفرّقا بَعْدُ، غرم ما تلف عنده،3.

ص: 148


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 156155:3.
2- العزيز شرح الوجيز 284283:4، روضة الطالبين 156:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «المسلم». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.

و يستبدل. و كذا إن تفرّقا و جوّزنا الاستبدال.

و لو وجد المُسْلَم إليه برأس مال السَّلَم عيباً بعد تلفه عنده، فإن كان معيّناً أو في الذمّة و عُيّن و قد تفرّقا و لم نجوّز الاستبدال، فيسقط من المُسْلَم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال. و إن كان في الذمّة و هُما في المجلس، يغرم التالف و يستبدل. و كذا إن كان بعد التفرّق و جوّزنا الاستبدال.

مسألة 319: لو اشتري عبداً بمائة ثمّ دفع بالمائة ثوباً برضا البائع ثمّ وجد المشتري بالعبد عيباً و ردّه، فالوجه: أنّه يرجع بالمائة؛

لأنّ الثوب ملك بعقدٍ آخر، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يرجع بالثوب؛ لأنّه إنّما ملك الثوب بالثمن، و إذا فسخ البيع، سقط الثمن عن ذمّة المشتري، فينفسخ بيع الثوب به(1).

و لو مات العبد قبل القبض و انفسخ البيع، قال ابن سريج: يرجع بالألف دون الثوب؛ لأنّ الانفساخ بالتلف يقطع العقد و لا يرفعه من أصله. و هو الأصحّ عندهم(2). و فيه وجه آخر لهم(3).

مسألة 320: لو باع عصيراً فوجد المشتري به عيباً بعد أن صار خمراً، لم يمكن الردّ فيتعيّن له الأرش،

و به قال الشافعي(4). فإن تخلّل، فللمشتري ردّه.

و هل للبائع أن يستردّه و لا يدفع الأرش ؟ قال الشافعي: نعم(5).

و ليس بجيّد علي ما تقدّم.

و لو اشتري ذمّي خمراً من ذمّيٍّ ثمّ أسلما و عرف المشتري بالخمر

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
2- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
4- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
5- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.

عيباً، فلا ردّ، بل يأخذ الأرش. و لو أسلم البائع وحده، فلا ردّ أيضاً. و لو أسلم المشتري وحده، فله الردّ قاله ابن سريج(1) لأنّ المسلم لا يتملّك الخمر، بل يزيل يده عنه.

مسألة 321: الإقالة فسخ عندنا

علي ما يأتي(2) ، و ليست بيعاً. فلو اشتري سلعة ثمّ تقايلا فوجد بها عيباً حدث عند المشتري، كان له فسخ الإقالة، و ردّه بالعيب؛ لأنّ هذا العيب من ضمان المشتري، فهو بمنزلة أن يجد عيباً في المبيع.

مسألة 322: قد بيّنّا أنّه يصحّ بيع العين الغائبة الشخصيّة مع ذكر الجنس و كلّ وصف

تثبت الجهالة بفقده، و هو أحد قولي الشافعي. و الآخر: لا يشترط الوصف مطلقاً(3) ، فعلي هذا الثاني لو رآه، ثبت له الخيار عنده.

و علي الأوّل إن وجده ناقصاً عنها، كان له الخيار علي وفق مذهبنا، كما إذا دفع مال المُسْلَم فيه ناقصاً عن صفاته، إلّا أنّ في السَّلَم يلزمه إبداله؛ لأنّ المعقود عليه كلّيّ يثبت(4) في الذمّة، و هنا عين شخصيّة، فيكون له الخيار في إمضاء العقد و فسخه؛ لأنّ العقد تعيّن به، و لا أرش له؛ للأصل.

و إن(5) وجده علي الصفات المذكورة، لزمه البيع، و لا خيار له عندنا؛ لعدم موجبه، و هو أحد وجهي الشافعي، و به قال أحمد؛ لأنّ المعقود عليه سلم له بصفاته، فأشبه المُسْلَم فيه(6).

ص: 150


1- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
2- في ج 12، المسألة 628.
3- المهذّب للشيرازي 270:1، الحاوي الكبير 20:5، حلية العلماء 8685:4، العزيز شرح الوجيز 6261:4، روضة الطالبين 42:3.
4- في «ق، ك»: «ثبت».
5- في الطبعة الحجريّة: «فإن».
6- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.

و الثاني و هو ظاهر مذهبهم -: أنّه يثبت له الخيار(1) ؛ للإجماع علي تسميته بيع خيار الرؤية، فينبغي أن يثبت فيه الخيار. و لأنّ الرؤية تمام هذا العقد؛ لأنّ العقد قائم قبله؛ لأنّه موقوف علي مشاهدته و وجود الصفات فيه، فإذا كان عند الرؤية يتمّ العقد، يثبت الخيار عقيبه، كبيع العين الحاضرة يثبت الخيار عقيب العقد في المجلس، بخلاف السَّلَم؛ لأنّ العقد قد تمّ قبل رؤيته؛ لأنّه معقود علي الموصوف دون العين.

و ليس بشيء؛ فإنّ التسمية لا يجب عمومها. و وقوف العقد علي المشاهدة ظاهراً لا يوجب وقوفه في نفس الأمر؛ لأنّه إذا كان علي الصفات، لم يكن موقوفاً علي شيء، بل يكون لازماً.

و علي قول الخيار هل يثبت علي الفور أو علي المجلس ؟ للشافعي وجهان: أحدهما: علي المجلس؛ لأنّه ثبت بمقتضي العقد، فكان علي المجلس، كخيار المجلس. و الثاني: يكون علي الفور؛ لأنّه معلّق بمشاهدة المبيع، فكان علي الفور، كخيار ردّ العيب؛ لأنّه يتعلّق بمشاهدة العيب(2). و هذا ساقط عندنا.

مسألة 323: البائع إذا لم يشاهد المبيع، صحّ

إن وصف له وصفاً يرفع الجهالة، و إلّا فلا، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يصحّ، و يثبت له

ص: 151


1- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.
2- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 294:9، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3.

الخيار؛ لأنّه جاهل بصفة المعقود عليه، فأشبه المشتري(1).

و قال أبو حنيفة: لا خيار له في الرؤية [للرواية(2)] التي رجع إليها؛ لأنّ عثمان و طلحة تناقلا داريهما إحداهما بالكوفة و الأُخري بالمدينة، فقيل لعثمان: إنّك غبنت، فقال: ما أُبالي؛ لأنّي بعت ما لم أره، و قيل لطلحة، فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلي جبير بن مطعم، فجعل الخيار لطلحة(3).

و لأنّا لو جعلنا الخيار للبائع، لكُنّا قد أثبتنا له الخيار لتوهّم الزيادة، و الزيادة في المبيع لا تثبت الخيار، فإنّه لو باع شيئاً علي أنّه معيب فبان سليماً، لم يثبت الخيار، بخلاف المشتري؛ لأنّه يثبت الخيار له لتوهّم النقصان(4).

و الخبر لا حجّة فيه. و الخيار لا يتعلّق بالزيادة و النقصان، فإنّ المشتري لو قال: هو أجود ممّا ظننته و قد اخترت الفسخ، كان له. و كذا صاحب خيار المجلس و الشرط له الفسخ، و لا يشترط زيادة و لا نقصان.

و يبطل أيضاً بما لو باع ثوباً علي أنّه عشرة أذرع فظهر أحد عشر، فإنّه يثبت للبائع الخيار عنده(5).

و لو كان البائع شاهَدَ المبيع و لم يشاهده المشتري، فلا خيار للبائع4.

ص: 152


1- التهذيب للبغوي 286:3، حلية العلماء 8988:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 8382:4، الشرح الكبير 29:4.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- سنن البيهقي 268:5، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4.
4- التهذيب للبغوي 286:3، حلية العلماء 89:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، المغني 8382:4، الشرح الكبير 29:4.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 63:4.

إذا لم يردّ(1) و هو قول الشافعي(2) لأنّه أحد المتبايعين، فلا يثبت له خيار الرؤية مع تقدّمها، كالمشتري.

و حكي أبو حامد وجهاً أنّه يثبت للبائع أيضاً؛ لأنّه خيار ثبت بمطلق العقد، فيشترك فيه البائع و المشتري، كخيار المجلس(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّ المشتري إنّما يثبت(4) له؛ لعدم الرؤية، لا لأجل العقد، بخلاف خيار المجلس.

مسألة 324: إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية و لم يوصف المبيع، كان البيع باطلاً.

و يصحّ عند الشافعي(5). و حينئذٍ لو اختار الإمضاء، لم يصح؛ لأنّ الخيار يتعلّق بالرؤية. و لأنّه يؤدّي إلي أن يلزمه المبيع المجهول الصفة. و لو فسخ قبل الرؤية، جاز؛ لجواز الفسخ في المجهول.

و لو تقدّمت رؤيتهما علي البيع و عرفاه ثمّ غاب عنهما، جاز بيعه؛ عملاً بأصالة الاستصحاب. و لأنّه مبيع معلوم عندهما حالة العقد، فأشبه ما إذا شاهداه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ البيع حتي يشاهداه حالة التبايع و هو محكيّ عن الحكم و حمّاد لأنّ ما كان شرطاً في صحّة العقد يجب أن يكون موجوداً حالة العقد، كشهادة النكاح(6).

ص: 153


1- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
2- حلية العلماء 89:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
3- حلية العلماء 90:4، و انظر: العزيز شرح الوجيز 63:4، و روضة الطالبين 42:3، و المجموع 293:9.
4- في «ق، ك»: «ثبت».
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 51:4، و المجموع 290:9.
6- حلية العلماء 94:4، الحاوي الكبير 2625:5، المغني 89:4، الشرح الكبير 30:4.

و الفرق: أنّ الشهادة تراد لتحمّل العقد و الاستيثاق عليه، فلهذا اشترطت حال العقد.

و ينتقض بما لو شاهدا داراً ثمّ وقفا في بعض بيوتها أو في صحنها و تبايعاها، أو شاهدا أرضاً ثمّ وقفا في طرفها و تبايعاها، و هو جائز بالإجماع مع أنّ مشاهدة الكلّ لا توجد حال العقد.

مسألة 325: إذا كان المبيع ممّا لا يتغيّر كالحديد و النحاس و الرصاص و باعه بالوصف، أو كان قد شاهده، صحّ.

فإن وجده بحاله، لزم البيع. و إن كان ناقصاً، ثبت الخيار؛ لأنّ ذلك كحدوث العيب، و به قال الشافعي(1).

و لو اختلفا فقال البائع: هو بحاله. و قال المشتري: قد نقص، للشافعي قولان، أحدهما: تقديم قول المشتري؛ لأنّ الثمن يلزمه و لا يلزمه إلّا ما اعترف به(2).

و لو كان المبيع طعاماً يفسد فعقدا عليه و قد مضي زمان يفسد في مثله، لم يصح البيع، و به قال الشافعي(3).

و لو كان الزمان ممّا يحتمل الفساد فيه و الصحّة، فالأقوي: الصحّة؛ عملاً باستصحاب الحال. و مَنَع الشافعي(4) منه.

و لو كان حيواناً، جاز بيعه؛ لأصالة البقاء، و هو أحد قولي

ص: 154


1- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 54:4، روضة الطالبين 3736:3، المجموع 296:9.
2- العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.
3- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297296:9.
4- العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.

الشافعي(1).

و حكي عن المزني المنع(2).

و عن ابن أبي هريرة أنّه إن طالت المدّة، لم يجز؛ لأنّه بيع الغرر(3).

و هو ممنوع؛ لأصالة السلامة و البقاء.

مسألة 326: المشهور عند علمائنا أنّ الملك ينتقل بنفس الإيجاب و القبول إلي المشتري

انتقالاً غير لازم إن اشتمل علي خيار، و يلزم بانقضائه، و الملك في الثمن للبائع و هو أحد أقوال الشافعي، و به قال أحمد لقوله (عليه السّلام): «مَنْ باع عبداً و له مال فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع»(4).

و لأنّه عقد معاوضة يقتضي الملك، فلزمه بنفس العقد، كالنكاح.

و الثاني للشافعي: أنّه ينتقل بالعقد و انقضاء الخيار، فيكون في مدّة الخيار للبائع، و الملك في الثمن للمشتري، و به قال أبو حنيفة و مالك، إلّا أنّهما قالا: لا يثبت خيار المجلس، فيكون ذلك في خيار الشرط؛ لأنّه إيجاب غير لازم مع سلامة المعقود عليه، فلم ينتقل الملك، كعقد الهبة.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الهبة ليست عقد معاوضة، بل هي تبرّع محض، و عدم اللزوم لا يمنع الملك في المعاوضات، كما لو كان معيباً.

و الثالث: أنّ الملك مراعي، فإن فسخا، تبيّنّا أنّ الملك لم ينتقل بالعقد، و إن أجازا، تبيّنّا أنّه انتقل بالعقد من حين العقد؛ لأنّ البيع سبب

ص: 155


1- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.
2- العزيز شرح الوجيز 55:4، المجموع 297:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 55:4، و المجموع 297:9.
4- سنن أبي داوُد 268:3، 3433، مسند أحمد 73:2، 4538، و 231:4، 13802.

الزوال، إلّا أنّ شرط الخيار يشعر بأنّه لم يرض بَعْدُ بالزوال جزماً، فوجب أن يتربّص و ينظر عاقبة الأمر. و لأنّ العقد لو أوجب الملك لأجاز التصرّف، و لا يجوز أن يتعلّق الملك بالتفرّق بالأبدان؛ لأنّ ذلك ليس من أسباب الملك، فلم يبق إلّا أنّه يملك بالعقد و يتبيّن ذلك بالتفرّق(1).

و هذا يلزم عليه البيع قبل القبض و الرهن؛ فإنّ الملك حاصل فيه و التصرّف لا يجوز.

إذا ثبت هذا، فلا فرق عند الشافعي بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما و به قال مالك لأنّه بيع نقل ملك البائع، فوجب أن ينقله إلي المشتري كما لو لم يكن لهما خيار(2).

و قال أبو حنيفة: إن كان الخيار لهما أو للبائع، لم ينتقل ملكه. و إذا كان للمشتري وحده، خرج المبيع من ملك البائع، و لا يدخل في ملك المشتري؛ لأنّه شرط الخيار لنفسه، فلم يزل ملكه عن الثمن، و لا يجوز أن يجتمع له الثمن و المثمن فيما يصحّ تمليكه(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الخيار لا يمنع انتقال الملك، علي أنّ هذا القول يستلزم المحال، و هو ثبوت ملكٍ لغير مالك.

إذا عرفت هذا، فللشافعيّة طرق في موضع الأقوال4.

ص: 156


1- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 213:9، حلية العلماء 16:4، العزيز شرح الوجيز 196:4، روضة الطالبين 112:3، المغني 3028:4، الشرح الكبير 79:4.
2- العزيز شرح الوجيز 196:4، المجموع 213:9، المغني 3228:4، الشرح الكبير 79:4.
3- بدائع الصنائع 265264:5، العزيز شرح الوجيز 196:4، المغني 2928:4، الشرح الكبير 79:4.

أحدها: أنّ الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما إمّا بالشرط أو في خيار المجلس، أمّا إذا كان لأحدهما، فهو المالك للمبيع؛ لنفوذ تصرّفه فيه.

و الثاني: أنّه لا خلاف في المسألة و لكن إن كان الخيار للبائع، فالملك له. و إن كان للمشتري، فهو له. و إن كان لهما، فهو موقوف. و تنزّل الأقوال علي هذه الأحوال.

و الثالث: طرد الأقوال في الأحوال، و هو أظهر عند عامّة الشافعيّة.

و إذا جرت الأقوال، فما الأظهر منها؟ قال أبو حامد: الأظهر: أنّ الملك للمشتري. و به قال الجويني.

و قال بعضهم: الأظهر: الوقف.

و الأشبه عندهم: أنّه إن كان الخيار للبائع، فالأظهر بقاء الملك له. و إن كان للمشتري، فالأظهر: انتقاله إليه. و إن كان لهما، فالأظهر: الوقف(1).

مسألة 327: كسب العبد و الجارية المبيعين في زمن الخيار للمشتري؛

لانتقال الملك إليه عندنا.

و قال الشافعي: إن قلنا: الملك للمشتري أو إنّه موقوف، فالنماء له. و إن قلنا: الملك للبائع، فوجهان:

قال الجمهور: الكسب للبائع؛ لأنّه المالك حال حصوله.

و قال بعضهم: إنّه للمشتري؛ لأنّ سبب ملكه موجود أوّلاً و قد استقرّ عليه آخراً فيكتفي به. و إن فسخ البيع، فهو للبائع إن قلنا: الملك للبائع أو موقوف. و إن قلنا: للمشتري، فوجهان: أصحّهما: أنّه له.

ص: 157


1- العزيز شرح الوجيز 196:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214213:9.

و عن أبي إسحاق أنّه للبائع؛ نظراً إلي المآل.

و قال بعضهم: الوجهان مبنيّان علي أنّ الفسخ رفع للعقد من حينه أو من أصله ؟ إن قلنا بالأوّل، فهو للمشتري. و إن قلنا بالثاني، فللبائع(1).

و اللبن و البيض و الثمرة و مهر الجارية بوطي الشبهة كالكسب.

مسألة 328: فإذا حملت الجارية أو الدابّة عند المشتري في زمان الخيار لامتداد المجلس أو للشرط عندنا، فهو كالكسب،

و هو عندنا للمشتري، و عندهم علي ما تقدّم من الأقوال(2).

أمّا لو كانت الجارية أو الدابّة حاملاً(3) عند البيع و ولدت في زمان الخيار، فحكمه حكم النماء المتّصل، كسمن الدابّة.

و قال الشافعي: يبني علي أنّ الحمل هل يأخذ قسطاً من الثمن ؟ و فيه قولان:

أحدهما: لا؛ لأنّ الحمل كالجزء منها، فأشبه سائر الأعضاء، فعلي هذا هو كالكسب بلا فرق.

و أصحّهما: نعم، كما لو بِيع بعد الانفصال مع الاُمّ، فالحمل و الأُمّ علي هذا عينان بِيعتا معاً، فإن فسخ البيع، فهُما معاً للبائع، و إلّا فللمشتري(4).

مسألة 329: إذا كان المبيع رقيقاً فأعتقه البائع في زمان الخيار المشروط لهما أو للبائع، فالأقرب نفوذ عتقه،

و به قال الشافعي علي كلّ

ص: 158


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214:9، المغني 3938:4، الشرح الكبير 80:4.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214:9.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أمّا لو كانت الجارية و الدابّة حاملين». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 215214:9.

قولٍ.

أمّا إذا كان الملك له: فظاهر.

و أمّا علي غير هذا القول: فلأنّه بسبيل من فسخ، و الإعتاق يتضمّن الفسخ، فينتقل الملك إليه قُبَيْله(1).

و يحتمل أن يقال: لا يصحّ؛ لعدم مصادفة العتق الملك، لكن يبطل البيع؛ لأنّ العتق و إن كان باطلاً علي هذا الاحتمال إلّا أنّه أبلغ في الفسخ.

و إن أعتقه المشتري، فإن كان الخيار له خاصّةً، نفذ العتق مطلقاً؛ لأنّه إمّا مصادف للملك أو إجازة و التزام بالمبيع، و ليس فيه إبطال حقّ البائع؛ إذ لا خيار له.

و إن أعتقه البائع و الخيار للمشتري، لم يصح؛ لأنّه لم يصادف ملكاً.

و عند الشافعي(2) لا ينفذ إن قال: إنّ الملك للمشتري، تمّ البيع أو فسخ. و يجيء فيما لو فسخ الوجهُ الناظر إلي المآل. و إن قال بالوقف، لم ينفذ إن تمّ البيع، و إلّا نفذ. و إن قال: إنّه للبائع، فإن اتّفق الفسخ، نفذ، و إلّا فقد أعتق ملكه الذي تعلّق به حقٌّ لازم، فصار كإعتاق الراهن.

و إن كان الخيار للبائع أو لهما فأعتقه المشتري، فالأقوي: النفوذ؛ لأنّه صادف ملكاً. ثمّ إمّا أن يجعل العتق كالتلف أو يجعله موقوفاً، كعتق الراهن.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الملك للبائع، لم ينفذ إن فسخ البيع. و إن تمّ، فكذلك في أصحّ الوجهين. و الثاني: ينفذ اعتباراً بالمآل. و إن قلنا بالوقف، فالعتق موقوف أيضاً إن تمّ العقد، بانَ نفوذه، و إلّا فلا.9.

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.

و إن قلنا: الملك للمشتري، ففي نفوذ العتق وجهان:

أصحّهما و هو ظاهر النصّ -: أنّه لا ينفذ، صيانةً لحقّ البائع من الإبطال(1).

و عن ابن سريج أنّه ينفذ؛ لمصادفة الملك(2) ، كما قلنا.

ثمّ اختلفوا، فبعضهم قال: ينفذ مطلقاً، سواء كان موسراً أو معسراً. و بعضهم فرّق: إن كان موسراً، نفذ عتقه. و إن كان معسراً، فلا، كالراهن. فإن قلنا: لا ينفذ فاختار البائع الإجازة، ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان، إن قلنا: ينفذ، فمن وقت الإجازة أو الإعتاق ؟ وجهان، أظهرهما: الأوّل.

و إن قلنا بقول ابن سريج، ففي بطلان خيار البائع وجهان:

أحدهما: البطلان، و ليس له إلّا الثمن.

و أظهرهما: أنّه لا يبطل، و لكن لا يردّ العتق، بل يأخذ القيمة لو فسخ، كما في نظيره في الردّ بالعيب، فإنّه لو اشتري عبداً بثوب و أعتق المشتري العبدَ، و وجد البائع بالثوب عيباً، فإنّه يردّه و يرجع بقيمة العبد خاصّةً، كذا هنا(3).

و لو اشتري مَنْ يُعتق عليه كأبيه و ابنه عتق عليه في الحال عندنا؛ لثبوت الملك للقريب.

و قال الشافعي: إنّه كإعتاق المشتري في الخيار(4). و قد تقدّم.

مسألة 330: إذا كان الخيار لهما أو للبائع، ففي إباحة وطي البائع

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
3- العزيز شرح الوجيز 198197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
4- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.

إشكال ينشأ من انتقال الملك عنه، فيكون الوطؤ قد صادف ملك الغير، فيكون محرَّماً، و من أنّه أبلغ في التمسّك بالمبيع و فسخ البيع من الفسخ.

و للشافعيّة طُرق:

أحدها: إن جعلنا الملك له، فهو حلال، و إلّا فوجهان: الحلّ؛ لأنّه يتضمّن الفسخ علي ما يأتي، و في ذلك عود الملك إليه معه أو قُبَيْله.

و الثاني: أنّا إن لم نجعل الملك له، فهو حرام. و إن جعلناه، فوجهان: التحريم؛ لضعف الملك.

و الثالث: القطع بالحلّ علي الإطلاق(1).

و الظاهر من هذا كلّه عندهم الحلّ إن جعلنا الملك له، و التحريم إن لم نجعله له. و لا مهر عليه عندهم بحال.

و أمّا إن وطئ المشتري، فهو حرام عندهم. أمّا إن لم نثبت الملك له: فظاهر. و أمّا إن أثبتناه، فهو ضعيف، كملك المكاتب.

و لا حدّ عليه علي الأقوال؛ لوجود الملك أو شبهته.

و هل يلزمه المهر؟ إن تمّ البيع بينهما، فلا إن(2) قلنا: إنّ الملك للمشتري أو موقوف. و إن قلنا: إنّه للبائع، وجب المهر له.

و عن أبي إسحاق أنّه لا يجب؛ نظراً إلي المآل(3).

و إن فسخ البيع، وجب المهر للبائع إن قلنا: الملك له أو موقوف. و إن قلنا: إنّه للمشتري، فلا مهر عليه في أصحّ الوجهين.

و لو أولدها، فالولد حُرٌّ و نسيب علي الأقوال.ح.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 198:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 216:9.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و إن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الحال» بدل «المآل». و ما أثبتناه هو الصحيح.

و هل يثبت الاستيلاد؟ إن قلنا: الملك للبائع، فلا.

ثمّ إن تمّ [البيع(1)] أو ملكها بعد ذلك، ففي ثبوته حينئذٍ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير للشبهة ثمّ ملكها.

و علي الوجه الناظر إلي المآل إذا تمّ البيع، نفذ الاستيلاد بلا خلاف. و علي قول الوقف إن تمّ البيع، ظهر ثبوت الاستيلاد، و إلّا فلا. و لو ملكها يوماً، عاد القولان.

و علي قولنا: إنّ الملك للمشتري، ففي ثبوت الاستيلاد الخلافُ المذكور في العتق. فإن لم يثبت في الحال و تمّ البيع، بانَ ثبوته.

ثمّ رتبوا الخلاف في الاستيلاد علي الخلاف في العتق، و اختلفوا في كيفيّته. قال بعضهم: الاستيلاد أولي بالثبوت. و عَكَسه آخرون. و قيل بالتساوي؛ لتعارض الجهتين.

و القول في وجوب قيمة الولد علي المشتري كالقول في المهر.

نعم، إن جعلنا الملك للبائع و فرضنا تمام البيع، فللوجه الناظر إلي المآل مأخذ آخر، و هو القول بأنّ الحمل لا يعرف.

أمّا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فحكم حلّ الوطي كما في حلّ الوطي للبائع إذا كان الخيار له أو لهما. و أمّا البائع فيحرم عليه الوطؤ هنا. و لو وطئ، فالقول في وجوب المهر و ثبوت الاستيلاد و وجوب القيمة كما قلنا في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع(2).

إذا تقرّر هذا، ظهر أنّ المشتري ليس له الوطؤ في مدّة الخيار. فإن9.

ص: 162


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- العزيز شرح الوجيز 199198:4، روضة الطالبين 115114:3، المجموع 217216:9.

وطئ، تعلّق بوطئه أحكام ستّة، ثلاثة منها لا تختلف باختلاف الأقاويل، و ثلاثة تختلف باختلاف الأقاويل.

فأمّا ما لا يختلف: فسقوط الحدّ، و نسب الولد، و حُرّيّته؛ لأنّ الوطء صادف ملكاً أو شبهةً فدرأ الحدّ فثبت النسب و الحُرّيّة.

و أمّا التي تختلف: فالمهر، و قيمة الولد، و كونها أُمَّ ولد. فإن أجاز البائع البيعَ و قلنا: الملك يثبت بالعقد أو يكون مراعيً، فقد صادف الوطؤ الملكَ، فلا مهر و لا قيمة ولدٍ، و تصير أُمَّ ولد. و إن قلنا: ينتقل بالبيع و انقطاع الخيار، فقد وطئ في ملك البائع فيجب المهر.

و في قيمة الولد وجهان بناءً علي القولين في أنّ الحمل هل له حكم ؟ إن قلنا به، وجب؛ لأنّ العلوق كان في ملك البائع. و إن قلنا: لا حكم له، لم يجب؛ لأنّ الوضع في ملك المشتري. و في الاستيلاد وجهان.

و إن فسخ البائعُ العقدَ، فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل بالعقد، أو قلنا: مراعي، فقد صادف الوطؤ ملك البائع، فيجب المهر و قيمة الولد، و لا تصير أُمَّ ولد، إلّا أن ينتقل إلي المشتري بسبب آخر، فالقولان، فإن قلنا: إنّ الملك ينتقل إلي المشتري بالعقد، فالأصحّ أنّه لا يجب المهر.

و قال بعضهم: يجب؛ لأنّها و إن كانت ملكه إلّا أنّ حقّ البائع متعلّق بها(1).

و ليس بصحيح؛ لأنّ وطأه صادف ملكه، و لو كان تعلّق حقّه يوجب المهر لوجب و إن أجاز البائع؛ لأنّ حقّه كان متعلّقاً بها حال الوطي. و تجب قيمة الولد؛ لأنّها وضعته في ملك البائع.

و أمّا الاستيلاد: فقال الشافعي: لا يثبت في الحال(2).

و علي قول أبي العباس تصير أُمَّ ولد. و بكَمْ يضمنها؟ وجهان،1.

ص: 163


1- المهذّب للشيرازي 267:1.
2- المهذّب للشيرازي 267:1.

أحدهما بالثمن، و الثاني بقيمتها(1).

مسألة 331: قد عرفت فيما سبق أنّ خيار المشتري يسقط بوطئه

بل و بكلّ تصرّف حصل منه من بيعٍ و غيره.

و للشافعي في سقوط خياره بوطئه وجهان:

أحدهما: لا يسقط؛ لأنّ وطأه لا يكون اختياراً، لأنّ الوطء لا يمنع الردّ بالعيب فكذا لا يُبطل خيار الشرط، كما في الاستخدام.

و الثاني: يبطل؛ لأنّ الوطء لو وُجد من البائع كان دلالةً علي اختياره المبيع(2).

فإذا وُجد قبل العلم بالاختيار، لم يكن رضا بالمبيع. و لو كان بعد العلم به، سقط خياره إجماعاً، و يكون له الأرش عندنا.

قالت الشافعيّة: إذا قلنا: الوطؤ يُسقط خيارَه، فكذا إذا باعها أو رهنها و أقبضها أو وقفها، فإنّ ذلك يصحّ، و يسقط خياره. و إن قلنا: إنّ(3) الوطء لا يُسقط خياره، لم يسقط بهذه العقود أيضاً(4).

مسألة 332: إذا وطئ المشتري في مدّة خيار البائع و لم يعلم به البائع، لم يسقط خياره،

و به قال الشافعي(5).

و إن صارت أُمَّ ولد، احتمل سقوطه، و عدمه. ففي أخذه الاُمّ وجهان:

أحدهما: له ذلك؛ عملاً بمقتضي أصالة الحقّ الذي كان ثابتاً و استصحابه.

ص: 164


1- المهذّب للشيرازي 267:1.
2- الحاوي الكبير 5655:5، المجموع 203:9.
3- كلمة «إنّ» لم ترد في «ق، ك».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- المجموع 204:9.

و الثاني: ليس له ذلك؛ للنهي عن بيع أُمّهات الأولاد، فتنتقل إلي القيمة إن اختار الفسخ(1).

و إن كان الوطؤ بعلمه فلم يمنعه و لم ينكره، فالأقرب: عدم سقوط حقّ البائع؛ فإنّ السكوت لا يدلّ علي الرضا، كما لو وطئ رجل أمة غيره و هو ساكت، لم يسقط مهرها عنه، و لم يجعل سكوت مولاها رضا به، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يسقط خياره؛ لأنّ إقراره علي ذلك يدلّ علي رضاه بإنفاذ البيع(2). و ليس بشيء.

و كذا لو سكت عن وطئ أمته، لا يسقط به المهر.

و لو وطئ بإذنٍ، حصلت الإجازة، و لا مهر علي المشتري و لا قيمة ولدٍ، و يثبت الاستيلاد بلا خلاف.

مسألة 333: و لو وطئها البائع في مدّة خياره، فإنّه يكون فسخاً للبيع؛

لأنّه لا يجوز أن يكون مجيزاً للبيع و يطؤها، بل ذلك دلالة علي اختيارها و الرضا بفسخ العقد، و به قال الشافعي(3).

و قال المزني: يدلّ علي أنّه إذا طلّق إحدي امرأتيه ثمّ وطئ إحداهما، يكون ذلك رضا بطلاق الأُخري(4).

أجاب بعض الشافعيّة بأنّ الطلاق إن كان معيّناً ثمّ أشكل، لم يكن الوطؤ تعييناً. و إن كان مبهماً، ففي كون الوطي تعييناً للطلاق في الأُخري وجهان للشافعيّة

ص: 165


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 204:9، العزيز شرح الوجيز 203:4.
3- مختصر المزني: 75 76، العزيز شرح الوجيز 202:4، المجموع 202:9.
4- مختصر المزني: 76.

أحدهما: أنّه يكون تعييناً للطلاق، فتكون هذه المسألة كمسألة البيع.

و الثاني: لا يكون تعييناً للطلاق(1).

و الفرق بين هذا و بين وطئ البائع: أنّ النكاح و الطلاق لا يقعان بالفعل مع القدرة علي القول فكذا اختياره، بخلاف الملك، فإنّه يحصل بالفعل كالسبي و الاصطياد فكذا استصلاحه جاز أن يحصل بالفعل، و لهذا منعوا من الرجعة بالفعل(2).

و أمّا إذا باع جاريةً و أفلس المشتري بالثمن [و(3)] ثبت للبائع الرجوع فوطئها، فهل يكون ذلك فسخاً للبيع ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يكون فسخاً، كما يكون فسخاً في مدّة الخيار.

و الثاني: لا يكون فسخاً؛ لأنّ ملك المشتري مستقرّ، فلا يزول بالوطي الدالّ علي الفسخ، بخلاف ملك المشتري في مدّة الخيار(4).

و كذا الوجهان لو اشتري ثوباً بجارية ثمّ وجد بالثوب عيباً فوطئ الجارية، ففي كونه فسخاً وجهان(5).

مسألة 334: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض، انفسخ البيع قطعاً.

و إن كان بعده، لم يبطل خيار المشتري و لا البائع، و تجب القيمة علي ما تقدّم.

و قال الشافعي: إن تلف بعد القبض و قلنا: الملك للبائع، انفسخ البيع؛ لأنّا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولي، فيستردّ الثمن، و يغرم للبائع القيمة.

ص: 166


1- انظر: المجموع 203:9.
2- انظر: المجموع 203:9.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف، فوجهان أو قولان:

أحدهما: أنّه ينفسخ أيضاً؛ لحصول الهلاك قبل استقرار العقد.

و أصحّهما: أنّه لا ينفسخ؛ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض، و لا أثر لولاية الفسخ، كما في خيار العيب.

فإن قلنا بالفسخ، فعلي المشتري القيمة.

قال الجويني: و هنا يقطع باعتبار قيمته يوم التلف؛ لأنّ الملك قبل ذلك للمشتري، و إنّما يقدّر انتقاله إليه قبل التلف.

و إن قلنا بعدم الفسخ، فهل ينقطع الخيار؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كما ينقطع خيار الردّ بالعيب بتلف المبيع.

و أصحّهما: لا، كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع. و يخالف الردّ بالعيب؛ لأنّ الضرر هناك يندفع بالأرش.

فإن قلنا بالأوّل، استقرّ العقد، و لزم الثمن. و إن قلنا بالثاني، فإن تمّ العقد، لزم الثمن، و إلّا وجبت القيمة علي المشتري، و استردّ الثمن. فإن تنازعا في تعيين القيمة، قدّم قول المشتري(1).

و لبعض الشافعيّة طريقة أُخري هي القطع بعدم الانفساخ و إن قلنا: إنّ الملك للبائع، و ذكروا تفريعاً عليه: أنّه لو لم ينفسخ حتي انقضي زمان الخيار، فعلي البائع ردّ الثمن، و علي المشتري القيمة؛ لأنّ المبيع تلف علي ملك البائع، فلا يبقي الثمن علي ملكه(2).

قال الجويني: هذا تخليط ظاهر(3).

مسألة 335: لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار و أتلفه مُتلف

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 200199:4، روضة الطالبين 116115:3، المجموع 221220:9.
2- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.
3- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.

قبل انقضائه، لم ينفسخ البيع، و لا يبطل الخيار؛ لأصالتهما.

و قال الشافعي: إن قلنا: الملك للبائع، انفسخ، كما في صورة التلف؛ لأنّ نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن.

و إن قلنا: إنّه للمشتري أو موقوف، نظر إن أتلفه أجنبيّ، فيبني علي ما لو تلف إن قلنا: ينفسخ العقد ثَمَّ، فهذا كإتلاف الأجنبيّ المبيع قبل القبض، و سيأتي. و إن قلنا: لا ينفسخ و هو الأصحّ فكذا هنا، و علي الأجنبيّ القيمة، و الخيار بحاله، فإن تمّ البيع، فهي للمشتري، و إلّا فللبائع(1).

و لو أتلفه المشتري، استقرّ الثمن عليه، فإن أتلفه في يد البائع و جعلنا إتلافه قبضاً، فهو كما لو تلف في يده.

و إن أتلفه البائع في يد المشتري، قال بعضهم: يبني علي أنّ إتلافه كإتلاف الأجنبيّ أو كالتالف بآفة سماويّة(2) ، و سيأتي.

مسألة 336: لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض كما لو اشتري عبدين فمات أحدهما في يده، سقط الخيار،

و كان له الأرش في عيبهما معاً، و ليس له ردّ الباقي؛ لأنّ التشقيص عيب.

و قال الشافعيّة: لو مات أحدهما، ففي الانفساخ فيما تلف الخلافُ السابق، فإن قلنا بالفسخ، جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة. و إن لم ينفسخ، بقي خياره في الباقي إن قلنا: يجوز ردّ أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار، و إلّا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان. و إذا بقي الخيار فيه و فسخ، ردّه مع قيمة التالف(3).

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 220:9.
2- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 220:9.
3- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.

و لو اشتري عبدين و وجد بهما عيباً، لم يكن له ردّ أحدهما خاصّة، بل يردّهما أو يأخذ أرشهما. و كذا لو كان أحدهما معيباً، فإن مات أحدهما في يده، لم يكن له ردّ الثاني؛ لأنّ التشقيص عيب.

و للشافعيّة قولان بناءً علي تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا تفرّق، رجع بأرش العيب. و إن قلنا: تفرّق، فإنّه يردّه بحصّته من الثمن(1).

و قال بعض الشافعيّة: له فسخ العقد فيهما ثمّ يردّ الباقي و قيمة التالف و يسترجع الثمن(2).

و لا بأس بهذا القول عندي، و الأصل فيه حديث المصرّاة، فإنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أمر بردّ الشاة و قيمة اللبن التالف(3).

مسألة 337: لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين،

فقال البائع: قيمته عشرة و قيمة الموجود خمسة ليخصّ التالف ثلثا الثمن، و عَكَس القولَ المشتري، فالباقي يمكن تقويمه.

و أمّا التالف فقد اختلف قول الشافعي فيه، فقال تارةً: القول قول البائع مع يمينه؛ لأنّ البائع ملك جميع الثمن، فلا يزيل ملكه إلّا عن مقدار يعترف به. و قال اخري: القول قول المشتري؛ لأنّه بمنزلة الغارم، لأنّ قيمة التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمه، فهو بمنزلة المستعير و الغاصب(4).

و قال بعض الشافعيّة: الأوّل أصحّ(5) ؛ لأنّه بمنزلة المشتري و الشفيع،

ص: 169


1- حلية العلماء 245:4، العزيز شرح الوجيز 144142:4.
2- حلية العلماء 245:4، العزيز شرح الوجيز 144:4.
3- صحيح البخاري 9392:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251.
4- حلية العلماء 335:4، العزيز شرح الوجيز 144:4.
5- حلية العلماء 335:4.

و إنّ القول قول المشتري و إن كان الغارم الشفيع؛ لأنّه يريد إزالة ملك المشتري عن الشقص الذي ملكه، كذا هنا يزيل ملك البائع عن الحقّ.

مسألة 338: لو اشتري عبدين من رجل بألف صفقةً فوجد بأحدهما عيباً، لم يكن له ردّ المعيب،

بل إمّا أن يردّهما معاً أو يأخذ الأرش.

و للشافعي قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة، فإن قلنا: الصفقة لا تفرّق، تخيّر بين ردّ الجميع و الترك. و إن قلنا: تفرّق، فله ردّ الكلّ، و له ردّ المعيب خاصّة(1).

و قال أبو حنيفة: له إمساك الصحيح و ردّ المعيب إذا كان ذلك بعد القبض، فأمّا قبل القبض فليس له؛ لأنّ قبل القبض عنده يكون تبعيضاً للصفقة في الإتمام، و بعد القبض [يجوز(2)] تبعيض الصفقة إلّا أن يكون ممّا ينقص؛ لأنّهما عينان، و لا ضرر في إفراد أحدهما عن الآخر، و قد وجد سبب الردّ في أحدهما بعد القبض، فجاز إفراده بالردّ، كما لو شرط الخيار في أحدهما(3).

قال الشافعيّة: ما لا يجوز تبعيض الصفقة فيه قبل القبض، لم يجز بعده كزوجَي خُفّ و مصراعَي باب(4) ، و كذا قال أبو حنيفة: إذا كان المبيع طعاماً فأكل بعضه، لم يردّ الباقي(5) ؛ لأنّه يجري مجري العقد الواحد، لأنّ العيب ببعضه عيب بجميعه، فلم يكن له، كما لو كان قبل القبض أو كان

ص: 170


1- حلية العلماء 243:4، الحاوي الكبير 252:5، العزيز شرح الوجيز 143142:4.
2- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
3- المغني 268:4، الحاوي الكبير 251:5، حلية العلماء 244:4، التهذيب - للبغوي 441:3، العزيز شرح الوجيز 143:4.
4- التهذيب للبغوي 441:3، العزيز شرح الوجيز 143:4.
5- بدائع الصنائع 290:5.

طعاماً، و شرط الخيار يستوي فيه قبل القبض و بعده، و لأنّه هناك رضي به و لو رضي هنا بقبول بعضه، جاز.

و من الشافعيّة مَنْ يقول: إنّ خيار الشرط أيضاً مبنيّ علي تفريق الصفقة، فعلي القول بالردّ فإنّه يقوّم الصحيح و يقوّم المعيب و يقسّم الثمن علي قدر قيمتهما، فما يخصّ المعيب يسقط عنه(1).

إذا ثبت هذا، فلو أراد المشتري ردّ المعيب خاصّةً و رضي البائع، جاز؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و لو عرف بالعيب بعد بيع الصحيح، لم يكن له ردّ الباقي عندنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(3) و يرجع بالأرش.

و لو كان المبيع جملةً فظهر فيها عيب بعد أن باع بعضها، فلا ردّ عندنا، و له الأرش في الباقي و الخارج.

و للشافعي في الباقي وجهان، أصحّهما: أنّه يرجع؛ لتعذّر الردّ، و لا ينتظر(4) عود الزائل ليردّ الكلّ، كما لا ينتظر(5) زوال الحادث. و الوجهان جاريان في العبدين إذا باع أحدهما ثمّ عرف العيب و لم نجوّز ردّ الباقي، هل يرجع بالأرش ؟ و أمّا التالف بالبيع فحكمه حكم الكلّ إذا باعه(6).

مسألة 339: لو اشتري عبداً ثمّ مات المشتري و خلّف وارثين فوجدا به عيباً، لم يكن لأحدهما ردّ حصّته خاصّة؛

للتشقيص، و هو عيب حدث

ص: 171


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الحاوي الكبير 252:5، العزيز شرح الوجيز 143:4.
3- العزيز شرح الوجيز 272:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا ينظر». و الأولي ما أثبتناه من المصدر.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا ينظر». و الأولي ما أثبتناه من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 272:4.

في يد المشتري، لأنّ الصفقة وقعت متّحدة، فلا يجب علي البائع أخذه، بل له الأرش خاصّة. و لو اتّفقا علي الردّ، جاز قطعاً، و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1).

و فيه وجه آخر لهم: أنّه ينفرد، لأنّه ردّ جميع ما ملك(2) و ليس بجيّد؛ لما بيّنّا من اتّحاد الصفقة، و لهذا لو سلّم أحد الابنين نصف الثمن، لم يلزم البائع تسليم النصف إليه.

مسألة 340: لو اشتري رجلان عبداً من رجل صفقةً واحدة ثمّ وجدا به عيباً قبل أن يتصرّفا، فالذي نذهب إليه أنّه ليس لهما الافتراق في الردّ و الأرش،

بل إمّا أن يردّا معاً و يسترجعا الثمن، أو يأخذا الأرش معاً، و ليس لأحدهما الردّ و للآخر الأرش و به قال أبو حنيفة و مالك في رواية، و الشافعي في أحد القولين(3) لأنّ العبد خرج عن ملك البائع دفعةً كاملاً و الآن يعود إليه بعضه، و بعض الشيء لا يشتري بما يخصّه من الثمن لو بِيع كلّه، فلو ردّه إليه مشتركاً فقد ردّه ناقصاً؛ لأنّ الشركة عيب، فلم يكن له ذلك، كما لو حدث عنده عيب.

و قال الشافعي في الثاني: له أن يردّ حصّته و يأخذ الآخر الأرش - و هو أصحّ قوليه عندهم، و به قال أبو يوسف و محمد، و الرواية الثانية عن مالك - لأنّ النصف جميع ما ملكه بالعقد، فجاز له ردّه بالعيب، كجميع العبد لو اشتراه واحد(4).

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
2- العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
3- المبسوط للسرخسي 50:13، المغني 268:4، الشرح الكبير 106:4، حلية العلماء 242:4، الحاوي الكبير 250:5، العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
4- حلية العلماء 242:4، الحاوي الكبير 250:5، العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3، المبسوط للسرخسي 50:13، بداية المجتهد 179:2، المغني 268:4، الشرح الكبير 106:4.

و ليس فيه عندي بُعْدٌ، و قوّاه الشيخ(1) أيضاً؛ إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقّصاً، فالشركة حصلت باختياره، فلم تمنع من الردّ، بخلاف العيب.

مسألة 341: لو انعكس الفرض فاشتري رجل عبداً من رجلين و خرج معيباً، فله أن يُفرد نصيب أحدهما بالردّ قطعاً؛

لأنّ تعدّد البائع يوجب تعدّد العقد. و أيضاً فإنّه لا يتشقّص علي المردود عليه ما خرج عن ملكه.

مسألة 342: لو جوّزنا لكلٍّ من المشتريين من الواحد عبداً الانفراد فانفرد أحدهما و طلب الردّ و طلب الآخر الأرشَ، بطلت الشركة،

و يخلص للممسك ما أمسك و للرادّ ما استردّ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: أنّ الشركة باقية بينهما فيما أمسكه الممسك و استردّه الرادّ(2).

و إن منعنا الانفراد، فلا فرق بين ما ينتقص بالتبعيض و ما لا ينتقص، كالحيوان، فإنّه ليس لأحدهما أن ينفرد بالردّ و الآخر بالأرش.

و للشافعيّة قولان مبنيّان علي أنّ المانع ضرر التبعيض أو اتّحاد الصفقة(3).

و لو أراد الممنوع من الردّ الأرشَ، كان له ذلك، سواء حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر بعتقه مثلاً و هو معسر أو لا.

و قالت الشافعيّة: إن حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر، فله أخذ الأرش. و إن لم يحصل، نظر إن رضي صاحبه بالعيب، فيبني علي أنّه لو اشتري نصيب صاحبه و ضمّه إلي نصيبه و أراد أن يردّ الكلّ و يرجع

ص: 173


1- الخلاف 110:3، المسألة 179.
2- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3.
3- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3.

بنصف الثمن، هل يجبر علي قبوله ؟ وجهان: إن قلنا: لا، أخذ الأرش. و إن قلنا: نعم، فكذلك في أصحّ الوجهين؛ لأنّه توقّع بعيد.

و إن كان صاحبه غائباً لا يعرف الحال، ففي الأرش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة(1)(2).

و لو تصرّفا في العبد، لم يكن لهما الردّ، و كان لهما الأرش. و كذا لو تصرّف أحدهما خاصّة، كان لهما الأرش.

أمّا المتصرّف: فبتصرّفه أسقط حقّه من الأرش.

و أمّا الآخر: فلأنّه يبطل ردّه ببطلان ردّ الآخر.

و لو اشتري رجلان عبداً من رجلين، كان كلّ واحد منهما مشترياً ربع العبد من كلّ واحد من البائعين، فلكلّ واحد ردّ الربع إلي أحدهما إن جوّزنا الانفراد.

و لو اشتري ثلاثة من ثلاثة، كان كلّ واحد منهم مشترياً تُسْع العبد من كلّ واحدٍ من البائعين.

و لو اشتري رجلان عبدين من رجلين، فقد اشتري كلّ واحد من كلّ واحد ربع كلّ واحد، فلكلّ واحد ردّ جميع ما اشتري من كلّ واحد عليه. و لو ردّ ربع أحد العبدين وحده، ففيه قولا تفريق الصفقة(3).

و لو اشتري بعض عبد في صفقة و باقيه في اخري إمّا من البائع الأوّل أو من غيره، فله ردّ أحد البعضين خاصّةً؛ لتعدّد الصفقة. و لو علم بالعيب3.

ص: 174


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «النادرة» بدل «الناجزة» و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 148147:3.
3- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 148:3.

بعد العقد الأوّل و لم يمكنه الردّ فاشتري الباقي، فليس له ردّ الباقي، و له ردّ الأوّل عند الإمكان.

مسألة 343: إذا أذن البائع للمشتري في التصرّف في مدّة الخيار فتصرَّف، سقط خيارهما معاً -

و به قال الشافعي(1) إذ قد وُجد من كلٍّ منهما دلالة اللزوم و سقوط الخيار.

ثمّ التصرّف إن كان عتقاً، نفذ، و بطل خيارهما. و إن كان بيعاً أو هبةً أو وقفاً، فكذلك عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّه منع من التصرّف بحقّ البائع، فإذا أذن فيه، زال المانع، فصحّ التصرّف. و الثاني: لا يصحّ تصرّفه؛ لأنّه ابتدأ به قبل أن يتمّ ملكه. و علي الوجهين جميعاً يلزم البيع و يسقط الخيار(2).

مسألة 344: الخيار عندنا موروث؛

لأنّه من الحقوق، كالشفعة و القصاص في جميع أنواعه، و به قال الشافعي إلّا في خيار المجلس، فإنّه قال في البيوع: إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد، فالخيار لوارثه. و قال في المكاتب: إذا باع فلم يتفرّقا حتي مات المكاتب، فقد وجب البيع(3). و ظاهره أنّ الخيار يبطل بموته.

و اختلفت الشافعيّة في ذلك علي ثلاثة طرق

ص: 175


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 204203:4، روضة الطالبين 118:3.
2- العزيز شرح الوجيز 204203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 304:9.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 207206:9، التهذيب للبغوي 315:3-317، الحاوي الكبير 57:5، حلية العلماء 34:4، العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3.

منهم مَنْ قال: إنّ الخيار لا يبطل بموت المكاتب أيضاً. و قوله: «فقد وجب البيع» أراد أنّ البيع لم يبطل بموته، و إنّما هو باقٍ و إن كانت الكتابة قد انفسخت بموته.

و منهم مَنْ قال: إنّ موت المكاتب يُسقط الخيار، و موت غيره من الأحرار لا يُبطله علي ظاهر النصّين. و الفرق: أنّ السيّد ليس بوارث للمكاتب، و إنّما يعود المكاتب رقيقاً، و فسخه السيّد لحقّ الملك، فلا ينوب منابه في الخيار، بخلاف الحُرّ.

و منهم مَنْ قال: إنّهما قولان، فنقل جواب كلّ واحدة من المسألتين [إلي(1)] الأُخري.

أحد القولين: يبطل خيار المجلس بالموت؛ لأنّ ما بطل [بالتفرّق(2)] بطل بالموت، لأنّ الموت يحصل معه التفرّق أزيد ممّا يحصل مع التباعد.

و الثاني: لا يبطل؛ لأنّه خيار ثابت في العقد، فلم يبطل بالموت، كخيار الثلاث. و يخالف الموت التفرّق؛ لأنّ الموت يكون بغير اختياره. و لأنّ بدنه موجود فهو بمنزلة المغمي عليه و المجنون(3).

قالوا: فإن قلنا: يبطل بالموت، لزم العقد. و إن قلنا: لا يبطل، انتقل إلي وارثه.

ثمّ يُنظر إن كان حاضراً مع المتعاقدين، اعتبر التفرّق، و قام مقام3.

ص: 176


1- إضافة يقتضيها السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بالتصرّف». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 207:9، حلية العلماء 35:4، الحاوي الكبير 5857:5، التهذيب للبغوي 317:3، العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106105:3.

الميّت في ذلك. و إن لم يكن حاضراً في مجلس العقد، فإنّه إذا بلغه، اعتبر مفارقة المجلس الذي هو فيه، فإن فارقه قبل أن يفسخ، لزم العقد، و بطل خياره.

و قال بعض الشافعيّة: له الخيار إذا نظر إلي السلعة ليعرف الحظّ في الإجازة و الفسخ(1).

مسألة 345: خيار الشرط موروث لا يبطل بالموت
اشارة

عند علمائنا و به قال الشافعي و مالك(2) لأنّه حقّ للميّت، فانتقل إلي الوارث، كغيره من الحقوق. و لأنّه خيار ثابت في فسخ معاوضة لا يبطل بالجنون، فلا يبطل بالموت، كخيار الردّ بالعيب.

و قال الثوري و أبو حنيفة و أحمد: يبطل؛ لأنّها مدّة مضروبة في البيع، فوجب أن تبطل بالموت، كالأجل(3).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ محلّ الأجل و هو الذمّة قد بطل. و لأنّ الوارث لا حكم له في تأخير ما يجب علي الميّت؛ لأنّه يكون مرتهناً به، و يمنعون من التصرّف في التركة؛ لأنّ صاحب الحقّ لم يرض بذمّة الوارث فلهذا حلّ، بخلاف مدّة الخيار؛ لأنّها ضُربت للتروّي و طلب الحظّ، و الوارث

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 180179:4، حلية العلماء 35:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208207:9.
2- التهذيب للبغوي 316315:3، حلية العلماء 33:4، المجموع 206:9، المدوّنة الكبري 172:4، بداية المجتهد 211:2، مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1129، الهداية للمرغيناني 30:3، المغني 72:4، الشرح الكبير 86:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1129، الهداية للمرغيناني 30:3، حلية العلماء 34:4، التهذيب للبغوي 316:3، بداية المجتهد 211:2، المغني 7271:4، الشرح الكبير 86:4.

ينتفع بذلك، فانتقل إليه من الموروث.

تذنيب: الوارث إن كان حاضراً، ثبت له ما بقي من المدّة.

و إن كان غائباً، فإن بلغه الخبر في مدّة الخيار، ثبت له الخيار من حين ما علم إلي انقضاء المدّة. و إن بلغه بعد انقضائها، احتُمل أن يكون له الخيار علي الفور، كخيار الردّ بالعيب؛ لأنّ مدّته قد سقطت. و سقوطُ الخيار، و هو الذي عوّل عليه الشيخ(1) ، و هو جيّد؛ لأنّه لو كان الموروث حيّاً، لسقط خياره بانقضاء مدّته فكذا الوارث الذي يثبت له ما يثبت لمورّثه علي حدّ ما ثبت له.

و للشافعي وجهان، أحدهما: يكون له ما بقي من المدّة من حين موت مورّثه. و الثاني: أنّه علي الفور(2).

مسألة 346: يجوز نقد الثمن في مدّة الخيار
اشارة

من غير كراهية و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) لأنّ القبض حكم من أحكام العقد، فجاز في مدّة الخيار، كالإجارة.

و قال مالك: يكره؛ لأنّه يصير في معني بيع و سلف؛ لأنّه إذا أنقده الثمن ثمّ تفاسخا، صار كأنّه أقرضه إيّاه، فيكون قد اشتمل علي بيع و قرض و اجتمعا فيه(4).

ص: 178


1- الخلاف 28:3، المسألة 38.
2- حلية العلماء 34:4، العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.
3- مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 63:5، حلية العلماء 29:4، المجموع 223:9، المغني 70:4، الشرح الكبير 86:4.
4- حلية العلماء 29:4، الحاوي الكبير 63:5، المغني 70:4، الشرح الكبير 86:4.

و هو غلط؛ لأنّ القرض لم يثبت أوّلاً، بل صار في ذمّته بعد الفسخ، و لا منافاة بين البيع و القرض و السلف.

تذنيب: إذا دفع الثمن في مدّة الخيار، جاز للمدفوع إليه التصرّف فيه؛

لأنّه قد ملكه بالعقد، و استقرّ ملكه عليه بتعيّن الدافع أو بتعيينه في العقد.

و مَنَع الشافعي من جواز التصرّف فيه بعد قبضه(1). و ليس بشيء.

مسألة 347: إذا تلف المبيع في زمن الخيار، فإن كان قبل قبض المشتري له، بطل العقد؛
اشارة

لأنّه لو تلف حينئذٍ و البيع لازم، انفسخ، فكذا حال جوازه. و إن تلف في يد المشتري، لم يبطل الخيار، و كان من ضمان المشتري؛ لأصالة ثبوت الخيار، و استصحاب الحال.

و اختلفت الشافعيّة هنا؛ لاختلاف قول الشافعي. قال أبو الطيّب: إنّ الشافعي قال في بعض كتبه: إنّ المبيع ينفسخ، و يجب علي المشتري القيمة. و قال في كتاب الصداق: يلزمه الثمن.

قال: و يحتمل أن يكون المراد بالثمن القيمة. و يحتمل أن يكون المراد به إذا كان الخيار للمشتري وحده و قلنا: إنّ المبيع ينتقل إليه بنفس العقد(2).

و حكي أبو حامد عن الشافعي أنّ الخيار لا يسقط، فإن فسخا العقد أو أحدهما، وجبت القيمة. و إن أمضياه أو سكتا حتي انقضت المدّة، بني الأمر علي الأقوال التي له، فإن قلنا: ينتقل بالعقد أو يكون مراعيً، استقرّ عليه الثمن. و إن قلنا: لا ينتقل بالعقد، أو قلنا: مراعي، استقرّ الثمن

ص: 179


1- الحاوي الكبير 63:5، المجموع 224:9.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

عليه(1). و إن قلنا: لا ينتقل إلّا بانقضاء الخيار، وجبت القيمة؛ لأنّه تلف و هو ملك البائع(2).

و قال أبو حامد: يضمن بالثمن؛ لأنّه مسمّي ثبت بالعقد، فلا يسقط مع بقاء العقد، فإنّ القبض إذا وقع، استقرّ البيع، و إذا استقرّ، لم ينفسخ بهلاك المبيع(3).

قالت الشافعيّة: و الطريقة الأُولي أصحّ؛ لأنّه إذا قلنا: إنّ المبيع في ملك البائع فتلف، لا يجوز أن ينتقل إلي المشتري بعد تلفه.

و ما ذكره من أنّ العقد ثابت فيثبت به المسمّي غير مسلّم؛ لأنّ العقد ينفسخ لما تعذّر إمضاء أحكامه بتلفه، و أمّا إذا قلنا: إنّ المبيع في ملك المالك، فلا يمكنه أن يثبت استقرار العقد بتلفه؛ لأنّ في ذلك إبطالاً لخيار البائع، فمتي شاء المشتري أتلفه و أبطل خياره، و لا يمكن بقاؤه علي حكم الخيار؛ لأنّه إذا لم يتمّ حكم العقد بتلفه فلا يمكن إتمامه فيه بعد تلفه، كما لا يمكن العقد عليه بعد ذلك(4).

و أمّا ما ذكره من أنّ العقد يستقرّ به فليس بصحيح؛ لأنّ القبض لا يستقرّ به العقد مع بقاء الخيار، و لهذا لا يدخل الخيار في الصرف؛ لوجوب التقابض فيه.

و عند أبي حنيفة أنّه إن كان الخيار للمشتري وحده، تمّ العقد. و إن كان للبائع، انفسخ(5).0.

ص: 180


1- كذا ورد قوله: «و إن قلنا: لا ينتقل.. استقرّ الثمن عليه» في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- انظر: مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1130.
فروع:

أ قد عرفت أنّ المبيع إذا تلف قبل قبضه، فهو من مال بائعه، فيرجع المشتري بالثمن لا غير. و إن تلف بعد قبضه و انقضاء الخيار، فهو من مال المشتري. و إن كان في مدّة الخيار من غير تفريط، فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبيّ. و إن كان للمشتري خاصّة، فمن البائع.

ب إذا قبض المبيع في زمن الخيار ثمّ أودعه عند البائع فتلف في يده، فهو كما لو تلف في يد المشتري، و به قال الشافعي حتي إذا فرّع علي أنّ الملك للبائع، ينفسخ البيع و يستردّ المشتري الثمن و يغرم القيمة(1).

ثمّ أبدي الجويني في وجوب القيمة احتمالاً؛ لحصول التلف بعد العود إلي يد المالك(2).

ج لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمن الخيار. و لو تبرّع أحدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع قضيّةً للخيار.

و قال بعض الشافعيّة: ليس له استرداده، و له أخذ ما عند صاحبه دون رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع(3).

د إذا اشتري زوجته بشرط الخيار، بطل النكاح؛ لانتقال الملك إليه عندنا بالعقد.

ص: 181


1- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117116:3، المجموع 221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 221:9.
3- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 221:9.

و قال الشافعي: لا ينتقل، فلو خاطبها بالطلاق في زمن الخيار، فإن تمّ العقد بينهما و قلنا: إنّ الملك للمشتري أو موقوف، لم يصحّ الطلاق. و إن قلنا: إنّه للبائع، وقع. و إن فسخ و قلنا: إنّه للبائع أو موقوف، وقع. و إن قلنا: للمشتري، فوجهان. و ليس له الوطؤ في زمن الخيار؛ لأنّه لا يدري أ يطأ بالملك أو بالزوجيّة ؟ هذا قول الشافعي. و فيه لأصحابه وجه آخر(1).

مسألة 348: الفسخ قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل.

و كذا الإجازة.

فإن قال البائع: فسخت البيع، أو: استرجعت المبيع، أو: رددت الثمن، كان فسخاً إجماعاً.

و قال بعض الشافعيّة: لو قال البائع في زمن الخيار: لا أبيع حتي تزيد في الثمن، و قال المشتري: لا أفعل، كان اختياراً للفسخ. و كذا قول المشتري: لا أشتري حتي تنقص لي من الثمن، و قول البائع: لا أفعل. و كذا طلب البائع حلول الثمن المؤجّل و طلب المشتري تأجيل الثمن الحالّ(2) ، علي إشكال، إلّا أن يقول: لا أبيع(3) حتي تعجّل أو تؤجّل.

و أمّا بالفعل: فكما لو وطئ البائع في مدّة خياره، فإنّه يكون فسخاً عندنا علي ما تقدّم.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه لا يكون فسخاً، بخلاف الرجعة عنده، فإنّها لا تحصل بالوطي(4).

و نحن نقول: إنّها تحصل به؛ لأنّه أبلغ في التمسّك من اللفظ.

ص: 182


1- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 222221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا أبع».
4- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.

و فرّق بأنّ الرجعة لتدارك النكاح، و ابتداء النكاح لا يحصل بالفعل، فكذا تداركه، و الفسخ هنا لتدارك ملك اليمين، و ابتداؤه يحصل تارة بالقول و أُخري بالفعل و هو السبي، فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل(1). و الصغري ممنوعة.

و قال بعضهم أيضاً: إنّه ليس بفسخ تخريجاً علي الخلاف في أنّ الوطء يكون تعييناً للمملوكة و المنكوحة عند إبهام العتق و الطلاق(2).

و الأقوي عندنا: أنّه تعيين.

و قال بعضهم: إنّه يكون فسخاً إذا نوي به الفسخ(3).

و لو قبّل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة، فالوجه عندنا: أنّه يكون فسخاً؛ لأنّ الإسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الإمساك، لكان مُقدماً علي المعصية.

و للشافعيّة وجهان(4).

أمّا الاستخدام و ركوب الدابّة: فيهما للشافعيّة وجهان(5).

و لو أعتق البائع في زمن خياره، كان فسخاً، و به قال الشافعي(6) ، و قد سبق(7).

أمّا لو باع، فكذا عندنا و هو أصحّ قولي الشافعيّة(8) لدلالته علي ظهور الندم.9.

ص: 183


1- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
4- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
5- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
6- التهذيب للبغوي 312:3، العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
7- في ص 160، المسألة 329.
8- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118117:3، المجموع 202:9.

و في الثاني: لا يكون فسخاً؛ لأصالة بقاء الملك، فيستصحب إلي أن يوجد الفسخ صريحاً، بخلاف العتق؛ لقوّته(1).

و إذا كان البيع فسخاً، كان صحيحاً، كالعتق، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: المنع؛ لأنّ الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد معاً، كما أنّ التكبيرة الثانية في الصلاة بنيّة الشروع يخرج بها من الصلاة، و لا يشرع بها في الصلاة(3).

و يمنع عدم حصول الفسخ و العقد في الشيء الواحد بالنسبة إلي شيئين.

و يجري الخلاف في الإجارة و التزويج و الرهن و الهبة إن(4) اتّصل بها القبض، سواء في ذلك هبة مَنْ لا يتمكّن من الرجوع فيها أو(5) مَنْ يتمكّن؛ لزوال الملك في الصورتين، و الرجوع إعادة لما زال(6).

و أمّا العرض علي البيع و الإذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض إن قلنا باشتراطه و الهبة غير المقبوضة: فالأقرب أنّها من البائع فسخ، و من المشتري إجازة؛ لدلالتها علي طلب المبيع و استيفائه، و لهذا يحصل بها الرجوع عن الوصيّة.

و للشافعيّة فيه وجهان، هذا أحدهما. و أظهرهما عندهم: أنّها ليست9.

ص: 184


1- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118117:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و إن» و ما أثبتناه من المصادر.
5- في «ق، ك»: «و مَنْ».
6- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.

فسخاً من البائع و لا إجازةً من المشتري، فإنّها لا تقتضي إزالة ملك، و ليست بعقود لازمة، و يحتمل صدورها عمّن يتردّد في الفسخ و الإجازة(1).

و لو باع البائع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار، قال الجويني: إن قلنا: لا يزول ملك البائع، فهو قريب من الهبة غير المقبوضة. و إن قلنا: يزول، ففيه احتمال؛ لأنّه أبقي لنفسه مستدركاً(2).

مسألة 349: لو أعتق المشتري بإذن البائع في مدّة خيارهما أو خيار البائع، نفذ،

و حصلت الإجازة من الطرفين. و إن كان بغير إذنه، نفذ أيضاً؛ لأنّه مالك أعتق فنفذ عتقه كغيره.

ثمّ إمّا أن يجعل للبائع الخيار أو يبطله كالتالف، فإن أثبتناه، فالأقوي أنّه يرجع بالقيمة كالتالف.

و لو باع أو وقف أو وهب و أقبض بغير إذن البائع، فالأولي الوقوف علي الإجازة، و يكون ذلك إجازةً.

و قالت الشافعيّة: لا ينفذ شيء من هذه العقود(3).

و هل يكون إجازةً؟ قال أبو إسحاق منهم: لا يكون إجازةً، لأنّ الإجازة لو حصلت لحصلت ضمناً للتصرّف، فإذا أُلغي التصرّف فلا إجازة(4).

و قال بعضهم: يكون اجازةً؛ لدلالته علي الرضا و الاختيار. و هو أصحّ عندهم(5) ، كما اخترناه.

ص: 185


1- العزيز شرح الوجيز 204:4، روضة الطالبين 119118:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 204:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
4- العزيز شرح الوجيز 203:4، المجموع 204:9.
5- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.

و لو باشر هذه التصرّفات بإذن البائع أو باع من البائع نفسه، صحّت التصرّفات، و هو أصحّ قولي(1) الشافعيّة(2). و علي الوجهين يلزم البيع و يسقط الخيار(3).

و لو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها، كان مجيزاً. و مجرّد الإذن في هذه التصرّفات لا يكون إجازةً من البائع حتي لو رجع قبل التصرّف، كان علي خياره.

مسألة 350: إذا اشتري عبداً بجارية ثمّ أعتقهما
اشارة

مسألة 350: إذا اشتري عبداً بجارية ثمّ أعتقهما(4) معاً، فإن كان الخيار لهما، عُتقت الجارية خاصّةً؛

لأنّ إعتاق البائع مع تضمّنه للفسخ يكون نافذاً علي رأي، و لا يعتق العبد و إن كان الملك فيه لمشتريه؛ لما فيه من إبطال حقّ الآخر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و علي الوجه الذي قالوه من نفوذ عتق المشتري تفريعاً علي أنّ الملك للمشتري يُعتق العبد و لا تُعتق الجارية(5).

و إن كان الخيار لمشتري العبد خاصّةً، لم ينفذ عتق شيء منهما؛ لأنّ عتق كلّ واحد منهما يمنع عتق الآخر، و ليس أحدهما أولي من الآخر، فيتدافعان، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و في الآخر: أنّه ينفذ عتق أحدهما خاصّةً، و لا ينعتقان معاً؛ لأنّه لا ينفذ إعتاقهما علي التعاقب فكذا دفعةً واحدة(6).

و فيمن يُعتق منهما؟ وجهان

ص: 186


1- الظاهر: «وجهي» بدل «قولي» بقرينة السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
3- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أعتقا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.
6- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.

أحدهما: أنّه ينفذ عتق الجارية؛ لأنّ تنفيذ العتق فيها فسخ، و في العبد إجازة، و إذا اجتمع الفسخ و الإجازة، يقدّم الفسخ، كما يقدّم فسخ أحد المتبايعين علي إجازة الآخر.

و أصحّهما عندهم: أنّه يعتق العبد؛ لأنّ الإجازة إبقاء للعقد، و الأصل فيه الاستمرار(1).

و قال بعضهم: الوجهان مبنيّان علي أنّ الملك في زمن الخيار للبائع أو للمشتري ؟ إن قلنا: للبائع، فالعبد غير مملوك لمشتريه، و إنّما ملكه الجارية، فينفذ العتق فيها. و إن قلنا: للمشتري، فملكه العبد، فينفذ العتق فيه(2).

و قال أبو حنيفة: إنّهما يُعتقان معاً(3).

و إن كان الخيار لبائع العبد وحده، فالمعتق بالإضافة إلي العبد مشترٍ و الخيار لصاحبه، و بالإضافة إلي الجارية بائع و الخيار لصاحبه، قاله بعض الشافعيّة(4) ، و قد سبق الخلاف في إعتاقهما في هذه الصورة.

و الذي يخرج منه الفتوي عندهم أنّه لا يحكم بنفوذ العتق في واحدٍ منهما في الحال، فإن فسخ صاحبه البيع، فهو نافذ في الجارية، و إلّا ففي العبد(5).

و لو كانت المسألة بحالها و أعتقهما معاً مشتري الجارية، فالحكم بينهم بما تقدّم.9.

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 205:4، المجموع 217:9.
2- العزيز شرح الوجيز 205:4.
3- العزيز شرح الوجيز 205:4.
4- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.
5- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 120119:3، المجموع 217:9.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الخيار لهما، عتق العبد دون الجارية. و إن كان الخيار للمعتق وحده، فعلي الوجوه الثلاثة: في الأوّل يُعتق العبد، و في الثاني تُعتق الجارية، و حكم الثالث ظاهر(1).

فروع:

أ كلّ ما جعلناه فسخاً من البائع إذا فَعَله يكون إجازةً من المشتري لو أوقعه.

ب لو قبّلت الجارية مشتريها، لم يكن ذلك تصرّفاً و إن كان مع شهوة إن لم يأمرها. و لو قبّلها، فهو تصرّف و إن لم يكن عن شهوة.

ج لو فسخ المشتري بخياره، فالعين في يده مضمونة. و لو فسخ البائع، فهي في يد المشتري أمانة علي إشكال ينشأ من أنّه قبضها قبض ضمان، فلا يزول إلّا بالردّ إلي مالكها.

ص: 188


1- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 120:3، المجموع 218217:9.
الفصل الثاني: في العيب
اشارة

و فيه مطالب:

الأوّل: في حقيقته.
مسألة 351: العيب هو الخروج عن المجري الطبيعي،

كزيادةٍ أو نقصان، موجبة لنقص الماليّة.

روي السياري عن ابن أبي ليلي أنّه قدّم إليه رجل خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد علي رَكَبها(1) حين كشفتها شعراً و زعمت أنّه لم يكن لها قطّ، قال: فقال له ابن أبي ليلي: إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتي يذهبوه، فما الذي كرهت ؟ فقال: أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال: حتي أخرج إليك فإنّي أجد أذي في بطني، ثمّ دخل و خرج من بابٍ آخر، فأتي محمّد بن مسلم الثقفي، فقال: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) في المرأة لا يكون علي رَكَبها شعر؟ أ يكون ذلك عيباً؟ فقال له محمد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، و لكن حدّثني أبو جعفر (عليه السّلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» فقال له ابن أبي ليلي: حسبك، ثمّ رجع إلي القوم فقضي لهم بالعيب(2).

إذا ثبت هذا، فإذا كان السلعة معيبةً، لم يجب علي البائع إظهار العيب، لكن يكره له ذلك، سواء تبرّأ من العيب أو لا؛ لأصالة براءة الذمّة

ص: 189


1- الرَّكَبُ: منبت العانة. الصحاح 139:1 «ركب».
2- الكافي 216215:5، 12، التهذيب 6665:7، 282.

من وجوب و تحريم، و إنّما كره كتمانه؛ لمشابهته الغشّ بنوع من الاعتبار.

و قال الشافعي: يجب علي البائع أن يبيّنه للمشتري؛ لأنّ النبيّ (عليه السّلام) قال: «ليس منّا مَنْ غشّنا»(1)(2).

و الغشّ ممنوع، بل إنّما يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري له و تبيّنه، و التقصير في ذلك من المشتري.

مسألة 352: إطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة

علي ما مرّ من أنّ القضاء العرفي يقتضي أنّ المشتري إنّما بذل ماله بناءً علي أصالة السلامة، فكأنّها مشترطة في نفس العقد، فإذا اشتري عبداً مطلقاً، اقتضي سلامته من الخصاء و الجبّ، فإن ظهر به أحدهما، كان له الردّ عندنا و به قال الشافعي(3) لأنّ الغرض قد يتعلّق بالفحوليّة غالباً، و الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصيّ من الاستيلاد و غيره، و قد دخل المشتري في العقد علي ظنّ الفحوليّة؛ لأنّ الغالب سلامة الأعضاء، فإذا فات ما هو متعلّق الغرض، وجب ثبوت الردّ و إن زادت قيمته باعتبارٍ آخر.

مسألة 353: الزنا و السرقة عيبان

في العبد و الأمة عندنا و به قال الشافعي(4) لتأثيرهما في نقص القيمة و تعريضهما لإقامة الحدّ.

ص: 190


1- المستدرك للحاكم 9:2، مسند أحمد 506:4، 15406، و 635 636، 16054، مشكل الآثار 134:2.
2- العزيز شرح الوجيز 208:4، روضة الطالبين 121:3.
3- العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 121:3.
4- المهذّب للشيرازي 293:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 95، الوسيط 120:3، حلية العلماء 271270:4، الحاوي الكبير 253:5، التهذيب للبغوي 445:3، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 121:3، منهاج الطالبين: 100، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.

و قال أبو حنيفة: الزنا عيب في الإماء خاصّةً دون العبيد(1) ؛ لأنّ الجارية تفسد عليه فراشه. و السرقة تقتضي تفويت عضو منه فكان عيباً(2).

و الجواب: إقامة الحدّ بالضرب يؤدّي إلي تعطيل منافعه، و ربّما أدّي إلي إتلافه.

و كذا البحث إذا شرب العبد و سكر، كان عيباً؛ لأنّه مستحقّ للحدّ، و فيه تعريض للإتلاف.

و لو [ثبت] زنا العبد(3) عند الحاكم و لم يقمْ عليه الحدّ بعدُ، ثبت الردّ عنده(4).

و اعلم أنّ الإباق من أفحش عيوب المماليك فينقص(5) الماليّة، و لهذا لا يصحّ بيعه منفرداً، لأنّه في معرض التلف. و لأنّه أبلغ في السرقة، بل هو سرقة بنفسه في الحقيقة.

و الإباق الذي يوجب الردّ هو ما يحصل عند البائع و إن لم يأبق عند المشتري. و لو تجدّد في يد المشتري في الثلاث من غير تصرّف، فكذلك، و إلّا فلا. و المرّة الواحدة في الإباق تكفي في أبديّة العيب، كالوطي في إبطال العنّة.».

ص: 191


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العبد». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- تحفة الفقهاء 94:2، بدائع الصنائع 274:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، مختصر اختلاف العلماء 156:3، 1230، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 253:5، الوسيط 120:3، العزيز شرح الوجيز 212:4، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و لو زني العبد». و ما أثبتناه من تصحيحنا.
4- أي عند أبي حنيفة. انظر: العزيز شرح الوجيز 212:4.
5- في «ق، ك»: «ينقص». و الظاهر: «ينقص به الماليّة».
مسألة 354: البول في الفراش عيب في العبد و الأمة

إذا كانا كبيرين - و به قال الشافعي(1) لأنّ ذلك خارج عن المجري الطبيعي، و ينقص به الماليّة، فيثبت به الردّ.

و أمّا إذا كانا صغيرين يبول مثلهما في الفراش، فإنّه ليس بعيب؛ لجريان العادة به، فكان كالطبيعي.

و قال أبو حنيفة: ليس بول العبد الكبير في الفراش عيباً، أمّا بول الأمة الكبيرة فإنّه عيب تردّ به الجارية؛ لأنّ ذلك يؤذي فراش السيّد، بخلاف العبد(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ الغلام يفسد الثياب التي ينام فيها، فيكون ذلك نقصاً.

إذا عرفت هذا، فالضابط في الكبير و الصغير العادة، و لا قدر له، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قدّره بسبع سنين(3).

و لو كانا يبولان في اليقظة، فإن كان ذلك لضَعْفٍ في المثانة أو لسلس أو مرض، فإنّه عيب إجماعاً. و إن كان عن سلامة و إنّما يفعلان ذلك تعبّثاً، فليس بعيب، بل يؤدّبان علي فعله.

و أمّا الغائط فإن كانا يفعلانه في النوم، كان عيباً، إلّا أن يكونا

ص: 192


1- المهذّب للشيرازي 293:1، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 212:4، الوسيط 120:3، حلية العلماء 271:4، التهذيب للبغوي 445:3، روضة الطالبين 123122:3، منهاج الطالبين: 100.
2- الوسيط 120:3، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 271:4، العزيز شرح الوجيز 213:4.
3- التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 123:3.

صغيرين تقضي العادة بصدوره عنهما، فإنّه ليس بعيب.

مسألة 355: البَخَر عيب في العبد و الأمة

الصغيرين و الكبيرين و به قال الشافعي(1) لأنّه مؤذٍ عند المكالمة، و تنقص به القيمة.

و قال أبو حنيفة: إنّ ذلك عيب في الأمة دون العبد؛ لأنّها تفسد عليه فراشه، بخلاف العبد(2).

و ليس بصحيح؛ فإنّ العبد قد يحتاج إلي أن يُسارّه بحديثٍ و يكالمه فيؤذيه.

و لو كان البَخَر في فرج المرأة، كان له الردّ؛ للتأذّي به، و به قال الشافعي(3).

و البَخَر الذي يعدّ عيباً هو الذي يكون من تغيّر المعدة، دون ما يكون لقَلَح(4) الأسنان، فإنّ ذلك يزول بتنظيف الفم.

و أمّا الصُّنان(5): فإن كان مستحكماً يخالف العادة، فهو عيب في العبد و الأمة أيضاً؛ لأنّه مؤذٍ تنقص به القيمة الماليّة. و أمّا الذي يكون

ص: 193


1- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، الحاوي الكبير 253:5، حلية العلماء 271270:4، الوسيط 120:3، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 121:3، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.
2- تحفة الفقهاء 94:2، بدائع الصنائع 274:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، الوسيط 120:3، حلية العلماء 272:4، التهذيب - للبغوي 445:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 213:4.
3- لم نعثر علي قوله في مظانّه ممّا بين أيدينا من المصادر.
4- القَلَح: صُفرة تعلو الأسنان. لسان العرب 565:2 «قلح».
5- الصُّنان: ذَفَر الإبط و خبث الريح. لسان العرب 307306:4 «ذفر» و 250:13 «صنن».

لعارضٍ من عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فإنّه ليس بعيب، و به قال الشافعي(1).

مسألة 356: من اشتري عبداً فوجده مخنّثاً أو مُمكّناً من نفسه، ثبت له الخيار؛

لأنّه ينقص الماليّة، و يثبت العار به علي مالكه.

و لو وجده خنثي مشكلاً أو غير مشكل، كان له الردّ؛ لأنّ فيه زيادةً علي المجري الطبيعي، فكان كالإصبع الزائدة، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إن كان يبول من فرج الرجال، لم يردّ(3). و ليس بصحيح.

و لو وجده غير مختون، فإن كان صغيراً، فلا خيار له؛ لقضاء العادة به. و إن كان كبيراً، فله الخيار؛ لأنّه يخاف عليه من ذلك، و به قال الشافعي(4).

و قال بعض أصحابه: لا ردّ(5).

و أمّا الجارية فلو كانت غير مختونة، لم يكن فيها خيار، صغيرةً كانت أو كبيرة؛ لأنّه سليم فيها. و لأنّ الختان فيها غير واجب بل سنّة، بخلاف الذكر.

نعم، لو كان العبد الكبير مجلوباً من بلاد الشرك و علم المشتري

ص: 194


1- الوسيط 120:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
2- التهذيب للبغوي 445444:3، الحاوي الكبير 254:5، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
3- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
4- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

جلبه، لم يكن له خيار قضاءً للعادة.

مسألة 357: لو اشتري أمةً فخرجت مزوّجةً، أو اشتري عبداً فبان له زوجة، لم يكن له خيار

في الردّ و لا الأرش؛ لأنّه ليس بعيب، و له الخيار في إجازة النكاح و فسخه في طرف المرأة و الرجل، سواء كانا عبدين أو أحدهما، و سواء كانا لمالكٍ واحد أو لمالكين. و حينئذٍ فلا وجه للردّ؛ لأنّه إن رضي بالتزويج، فلا بحث. و إن لم يرض، كان له الفسخ، سواء حصل دخول أو لا.

و قال الشافعي: يثبت له الخيار؛ لما فيه من نقص القيمة، لأنّه ليس له أن يطأ الأمة، فينقص تصرّفه فيها، و يجب عليه نفقة الغلام، أو علي الغلام إن وجدها(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ ذلك مبنيّ علي انتفاء خيار فسخه للنكاح، أمّا معه فلا.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا خيار له أيضاً(2).

و لو ظهرت معتدّةً، فإن كان زمان العدّة قصيراً جدّاً، فلا خيار له؛ لأنّه لا يعدّ عيباً، و لا ينقص الماليّة و لا الانتفاع به.

و إن كان طويلاً، احتمل ثبوت الخيار؛ لتفويت منفعة البُضْع هذه المدّة، فكان كالمبيع لو ظهر مستأجراً. و نفيُه؛ لأنّ التزويج لا يعدّ عيباً، فالعدّة أولي.

و يحتمل أن يقال: إن استعقب فسخ التزويج عدّةً، كان التزويج عيباً، و إلّا فلا.

ص: 195


1- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 446:3، حلية العلماء 266:4، الحاوي الكبير 255:5، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
2- حلية العلماء 266:4، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
مسألة 358: لو اشتري أمةً فوجد بينها و بينه ما يوجب التحريم، كالرضاع و النسب و كونها موطوءة أبيه أو ابنه، لم يكن له الخيار -

و به قال الشافعي(1) لأنّ ذلك لا ينقص قيمتها، و إنّما ذلك أمر يختصّ به، و يخالف التزويج، عند الشافعي؛ لأنّه يحرم به الاستمتاع علي كلّ أحد، فتنتقص بذلك قيمتها.

و العدّة و الإحرام كالتزويج يثبت به الردّ عند الشافعي؛ لأنّ التحريم فيه عامّ فيقلّل الرغبات(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين التحريم المؤبّد و الإحرام و العدّة(3).

و لو كانت صائمةً، لم يكن له خيار الردّ.

و للشافعيّة وجه آخر ضعيف(4).

و لو وجدها رتقاء أو مفضاة أو قرناء أو مستحاضة، فله الخيار؛ لأنّ ذلك عيب، و الاستحاضة مرض.

مسألة 359: لو وجد الجارية لا تحيض، فإن كانت صغيرةً أو آيسةً، فلا ردّ؛

لقضاء العادة بذلك. و لأنّ المجري الطبيعي علي ذلك. و إن كانت في سنّ مَنْ تحيض، فله الردّ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلّا للخروج عن المجري الطبيعي. و كذا لو تباعد حيضها و به قال الشافعي(5) لخروجه عن المجري الطبيعي.

و لقول الصادق (عليه السّلام) و قد سئل عن رجل اشتري جارية مدركة

ص: 196


1- التهذيب للبغوي 447:3، الحاوي الكبير 255:5، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
2- العزيز شرح الوجيز 215:4 و 216، روضة الطالبين 124:3 و 125.
3- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
4- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.

فلم تحض عنده حتي مضي لها ستّة أشهر و ليس بها حمل، قال: «إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب تردّ منه»(1).

مسألة 360: لو اشتري عبداً أو أمةً فخرجا مرتدّين، ثبت له الردّ؛
اشارة

لأنّه يوجب الإتلاف فكان أعظم العيوب، و به قال الشافعي(2).

و لو خرجا كافرين أصليّين، فلا ردّ فيهما معاً، سواء كان ذلك الكفر مانعاً من الاستمتاع كالتمجّس و التوثّن، أو لم يكن كالتهوّد و التنصّر و به قال الشافعي(3) لأنّ هذا نقص من جهة الدين، فلا يعدّ عيباً، كالفسق بما لا يوجب حدّا. و لأنّه لا يؤثّر في تقليل منافع العبد و الجارية و تكثيرها، فلا ينقص به الماليّة.

و قال أبو حنيفة: له الردّ فيهما؛ لأنّ الكفر عيب؛ لقوله تعالي وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ (4)(5).

و عدم الخيريّة لا ينافي السلامة من العيوب.

و لبعض الشافعيّة قول: إنّه لو وجد الجارية مجوسيّة أو وثنيّة، كان له الردّ؛ لنقص المنافع فيها؛ إذ لا يمكنه(6) الاستمتاع بها(7). و هو حسن.

ص: 197


1- الكافي 213:5 (باب مَنْ يشتري الرقيق..) الحديث 1، التهذيب 65:7، 281.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
3- المهذّب للشيرازي 294:1، حلية العلماء 274:4، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3، المغني 264:4، الشرح الكبير 96:4.
4- البقرة: 221.
5- تحفة الفقهاء 95:2، بدائع الصنائع 275:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، المغني 264:4، الشرح الكبير 96:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «لا يمكن».
7- التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.

قال هذا: و لو وجد الأمة كتابيّةً أو وجد العبد كافراً أيّ كُفْرٍ كان، فلا ردّ إن كان قريباً من بلاد الكفر بحيث لا تقلّ فيه الرغبات. و إن كان في بلاد الإسلام حيث تقلّ الرغبات(1) في الكافر و تنقص قيمته، فله الردّ(2). و الأوّل أقوي.

تذنيب: لو شرط إسلام العبد أو الأمة فبان كافراً، كان له الردّ قطعاً؛

لنقصانه عمّا شرط.

و لو شرط كفره فخرج مسلماً، فالأقرب: أنّ له الردّ و هو أحد قولي الشافعي(3) لأنّ الراغب لبني الكفر أكثر، فإنّ المسلم و الكافر معاً يصحّ أن يملكا الكافر، و لا يصحّ للكافر أن يملك المسلم، فحينئذٍ يستفيد المشتري بهذا الشرط غرضاً مقصوداً عند العقلاء، فكان له الفسخ بعدمه، كغيره من الشروط.

و القول الآخر للشافعي: إنّه لا خيار له و هو مذهب أبي حنيفة(4) لأنّ المسلم أفضل من الكافر(5).

مسألة 361: الأقوي عندي أنّه لا يشترط رؤية شعر الجارية،

بل يبني علي العادة في سواده و بياضه دون غيره، فلو اشتري جاريةً و لم ير شعرها، صحّ البيع؛ لأنّه غير مقصود بالذات، فأشبه التابع في البيع. فإن كانت في

ص: 198


1- في «ق، ك»: «الرغبة».
2- التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
3- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448447:3، حلية العلماء 273:4، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.
4- الهداية للمرغيناني 36:3، التهذيب للبغوي 448:3، العزيز شرح الوجيز 206:4.
5- التهذيب للبغوي 448:3، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.

سنّ الكبر الذي يبيض الشعر فيه لو رآه أبيض أو أسود، فلا خيار له. و إن كانت في سنّ أقلّ فوجده أبيض، كان له الخيار؛ لأنّه نقص في اللون، و خروج عمّا يقتضيه المزاج الطبيعي.

أمّا لو اشتراها بعد أن شاهد شعرها فوجده جعداً(1) ثمّ بعد ذلك صار سبطاً(2) و قد كان جعده بصنعة عملها، فلا خيار و به قال أبو حنيفة(3) لأصالة لزوم العقد، و كون هذا ليس عيباً.

و قال الشافعي: لا يصحّ الشراء حتي ينظر إلي شعرها؛ لأنّ الشعر مقصود، و يختلف الثمن باختلافه، فإذا رآه جعداً ثمّ وجده سبطاً، ثبت له الخيار؛ لأنّه تدليس يختلف الثمن باختلافه، فأشبه تسويد الشعر(4). و الفرق ظاهر.

قال أبو حنيفة: إنّ هذا تدليس بما ليس بعيب(5).

نعم، لو شرط كونها جعدةً و كانت سبطةً، كان له الخيار؛ تحقيقاً لفائدة الشرط.

و كذا لو أسلم في جارية جعدة فدفع إليه سبطة، لم يلزمه القبول؛ لأنّه خلاف ما شرطه في السَّلَم.

مسألة 362: إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة

و لا الثيوبة، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.

ص: 199


1- الجعد من الشعر خلاف السبط، أو القصير. لسان العرب 121:3 «جعد».
2- شعر سبط: أي مسترسل غير جعد. الصحاح 1129:3 «سبط».
3- الحاوي الكبير 252:5، حلية العلماء 233:4.
4- التهذيب للبغوي 285:3 و 449، العزيز شرح الوجيز 58:4 و 207، المغني 256:4، الشرح الكبير 90:4.
5- المغني 256:4، الشرح الكبير 90:4.

و قال بعض الشافعيّة: إلّا أن تكون صغيرةً و كان المعهود في مثلها البكارة(1).

و لا بأس به عندي؛ لأنّ البكارة أمر مرغوب إليه، و إنّما يبذل المشتري المال بناءً علي بقائها علي أصل الخلقة، فكان له الردّ؛ قضاءً للعادة.

و لو شرط البكارة فكانت ثيّباً، قال أصحابنا: إذا اشتراها علي أنّها بكر فكانت ثيّباً، لم يكن له الردّ؛ لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل باع جاريةً علي أنّها بكر فلم يجدها علي ذلك، قال: «لا تردّ عليه، و لا يجب عليه شيء، إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها»(2).

و الأقوي عندي أنّه إذا شرط البكارة فظهر أنّها كانت ثيّباً قبل الإقباض، يكون له الردّ أو الأرش، و هو نقص ما بينها بكراً و ثيّباً. و إن تصرّف، لم يكن له الردّ، بل الأرش؛ لأنّه شرط سائغ يرغب فيه العقلاء، فكان لازماً، فإذا فات، وجب أن يثبت له الخيار، كغيره.

و تُحمل الرواية و فتوي الأصحاب علي أنّه اشتراها علي ظاهر الحال من شهادة الحال بالبكارة و غلبة ظنّه من غير شرط. علي أنّ الرواية لم يُسندها الراوي - و هو سماعة مع ضعفه إلي إمام، و في طريقها زرعة و هو ضعيف أيضاً.

و في رواية يونس في رجل اشتري جارية علي أنّها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: «يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق»(3).8.

ص: 200


1- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
2- التهذيب 65:7، 279، الاستبصار 82:3، 277.
3- الكافي 216:5، 14، التهذيب 64:7، 278، الاستبصار 82:3، 278.

و هذه الرواية لم يُسندها الراوي إلي إمام أيضاً، و تُحمل علي ما إذا شرط. و إيجاب الأرش لا ينافي التخيير بينه و بين الردّ مع عدم التصرّف، و وجوبه عيناً مع التصرّف.

و قال الشافعي: إذا شرط البكارة فخرجت ثيّباً، كان له الخيار(1). و هو الذي اخترناه.

و لو شرط الثيوبة فخرجت بكراً، فالأقرب: أنّ له الخيار؛ لأنّه ظهر خلاف ما شرطه.

و يحتمل عدمه؛ لأنّ البكر أرفع قيمةً و أفضل.

و الثاني قول أكثر الشافعيّة، و الأوّل قول أقلّهم(2).

و لو ادّعي الثيوبة قبل التصرّف، لم يسمع؛ لجواز تجدّدها بعد القبض؛ فإنّ البكارة قد تذهب بالطفرة و النزوة، و حمل الثقيل، و الدودة.

أمّا لو ادّعي حصولها قبل الإقباض و كان قد شرط البكارة، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات.

مسألة 363: لو اشتري جاريةً فوجدها مغنّيةً، لم يكن له الخيار -

و به قال الشافعي(3) لأنّ ذلك قد يكون طبيعيّاً. و لأنّه لو كان صناعيّاً، لكان بمنزلة تعلّم صنعة حرام، و ذلك ليس عيباً، بل هو زيادة في ثمنها من غير نقصان في بدنها، كما لو كانت تعرف الخياطة.

ص: 201


1- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 207:4، روضة الطالبين 121:3.
3- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 254:5، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

و قال مالك: إنّه يثبت له الخيار نقله أصحاب الشافعي دون أصحاب مالك لأنّ الغناء حرام و هو ينقصها(1).

و نمنع النقص؛ فإنّ الغناء لهو و لعب و سخف، و الحرام استعماله دون معرفته بالطبع.

مسألة 364: لا خلاف في أنّ الجنون عيب يوجب الردّ

إلي سنة علي ما تقدّم عندنا. و لو كان مخبلاً أو أبله أو سفيهاً، ثبت له الردّ.

و لا عبرة بالسهو السريع زواله إذا لم يعدّ عيباً.

أمّا الصرع: فإنّه عيب، و كذا الجنون الآخذ أدواراً.

مسألة 365: الجذام و البرص و العمي و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعاً.

و كذا أنواع المرض، سواء استمرّ كما في الممراض أو كان عارضاً و لو حمّي يوم، و الإصبع الزائدة، و الحول و الحَوَص(2) و السَّبَل و هو زيادة في الأجفان و استحقاق القتل في الردّة أو القصاص، و القطع بالسرقة أو الجناية، و الاستسعاء في الدَّيْن عيوب إجماعاً، دون الصيام و الإحرام و الاعتداد، و معرفة الغناء و النوح، و العَسَر(3) علي إشكال، و لا كونه ولد زنا و لا عدم المعرفة بالطبخ و الخبز و غيرهما.

و أمّا الشلل و البكم فإنّهما عيبان. و كذا لو كان أرتّ(4) لا يفهم أو كان

ص: 202


1- حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 254:5، و كذا في المغني 264:4، و الشرح الكبير 96:4.
2- الحوص بالتحريك ضيق في مؤخر العين. الصحاح 1034:3 «حوص».
3- يقال: رجل أعسرُ بيّن العَسَر، للّذي يعمل بيساره. الصحاح 745:2 «عسر».
4- رجل أرتُّ بيّن الأرتّ: الذي في لسانه عُقْدة و حُبْسة و يعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه. لسان العرب 3433:2 «رتت».

فقد حاسّة الذوق أو غيرها أو ناقص إصبع أو أنملة أو ظفر أو شعر أو زائد سنّ أو فاقدها أو كونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بَهَق(1) ، أو كون الحيوان مريضاً سواء المخوف و غيره، أو كونه أبيض الشعر في غير أوانه. و لا بأس بحمرته.

و أمّا إذا كان نمّاماً أو ساحراً أو قاذفاً للمحصنات أو مقامراً أو تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر: إشكال أقربه أنّه ليست هذه عيوباً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

مسألة 366: الحبل في الإماء عيب يوجب خيار الردّ للمشتري؛

لاشتماله علي تغرير بالنفس؛ لعدم يقين السلامة بالوضع، و به قال الشافعي(3).

أمّا في غير الإماء من الحيوانات: فإنّه ليس بعيب و لا يوجب الردّ، بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل، كما هو مذهب الشيخ(4).

و قال بعض الشافعيّة: يردّ به(5). و ليس بشيء.

و كون الدابّة جموحاً(6) أو عضوضاً أو رموحاً(7) أو خشنة المشي بحيث يخاف السقوط عيب، بخلاف كون الماء مشمّساً، خلافاً لبعض الشافعيّة(8).

ص: 203


1- البَهَق: بياض يعتري الجلد يخالف لونه، ليس من البرص. الصحاح 1453:4 «بهق».
2- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
3- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
4- المبسوط للطوسي 156:2.
5- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
6- جمح الفرس: إذا اعتزّ فارسه و غلبه. الصحاح 360:1 «جمح».
7- هي التي تضرب برِجْلها. الصحاح 367:1 «رمح».
8- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 125124:3.

و كذا كون الرمل تحت الأرض إذا أُريدت للبناء، و الأحجار إن كانت ممّا تطلب للزرع و [الغرس(1)] عيب، و به قال الشافعي(2).

و لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيّء الأدب أو ولد زنا أو مغنّياً أو حجّاماً أو أكولاً أو زهيداً، فلا ردّ. و تردّ الدابّة بالزهادة.

و كون الأمة عقيماً لا يوجب الردّ؛ لعدم العلم بتحقّقه، فربما كان من الزوج أو لعارضٍ.

مسألة 367: لو كان العبد عنّيناً، كان للمشتري الردّ؛

لأنّه عيب. و تردّ المرأة النكاح به، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: ليس بعيب(4). و هو غلط.

و لو كان ممّن يعتق علي المشتري، لم يردّ به؛ لأنّه ليس عيباً في حقّ كلّ الناس، و لا تنقص ماليّته عند غيره.

و كذا لو كان زوجاً للمشترية أو زوجةً له، و كون العبد مبيعاً(5) في جناية عَمْدٍ و قد تاب عنها، فلا ردّ. و لو لم يتب، قال الشافعي: إنّه عيب(6).

و الجناية خطأ ليست عيباً و إن كثر، خلافاً للشافعي في الكثرة(7).

و من العيوب كون المبيع نجساً ينقص بالغسل، أو لا يمكن تطهيره، و كذا شرب البهيمة لبن نفسها، و به قال الشافعي(8).

و روي الهيثم بن عبد العزيز عن شريح قال: أتي عليّاً (عليه السّلام) خصمان،

ص: 204


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و الغرر». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
3- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
4- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «معيباً». و الظاهر ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
7- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
8- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

فقال أحدهما: إنّ هذا باعني شاةً تأكل الألبان(1) ، فقال شريح: لبن طيّب بغير علف. قال: فلم يردّها(2).

مسألة 368: لو اشتري شيئاً ثمّ ظهر أنّ بايعه باعه وكالةً أو وصايةً أو ولايةً أو أمانةً، ففي ثبوت الردّ لخطر فساد النيابة احتمال.

و من العيوب: آثار الشجاج و القروح و الكيّ و سواد الأسنان و نقص بعض السنّ و زيادته و ذهاب أشفار العين و الكَلَف(3) المغيّر للبشرة و كون إحدي الثديين في الجارية أكبر من الأُخري. و كذا طول إحدي اليدين في الرجل و المرأة علي الاُخري. و كذا طول إحدي الرِّجْلين علي الأُخري، و الحَفَر في الأسنان، و هو تراكم الوسخ الراسخ في أُصولها.

و الضابط أنّ الردّ يثبت بكلّ ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصاً مّا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه.

مسألة 369: لو كان المبيع حيواناً غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرّف، لم يسقط الردّ بالعيب السابق؛

لأنّ الحمل في غير الأمة زيادة. و هذا الحمل للمشتري؛ لتجدّده علي ملكه. أمّا لو كانت حاملاً فولدت عنده ثمّ ردّها، ردّ الولد أيضاً.

و لو كان العبد كاتباً أو صانعاً فنسيه عند المشتري، لم يكن له الردّ بالسابق؛ لتجدّد عيب عنده.

ص: 205


1- في المصدر: «الذبّان» بدل «الألبان».
2- التهذيب 75:7، 322.
3- الكَلَف: شيء يعلو الوجه كالسمسم. و كذا لونٌ بين السواد و الحمرة و هي حمرة كدرة تعلو الوجه. الصحاح 1423:4 «كلف».

مسألة 370: لو باع الجاني خطأً، ضمن أقلّ الأمرين علي رأي، و الأرش علي رأي، و صحّ البيع إن كان موسراً، و إلّا تخيّر المجنيّ عليه.

و إن كان عمداً، وقف علي إجازة المجنيّ عليه، و يضمن الأقلّ من الأرش و القيمة، لا الثمن معها، و للمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن أو الأرش، فإن استوعبت الجناية القيمة، فالأرش ثمنه أيضاً، و إلّا فقدر الأرش، و لا يرجع لو كان عالماً. و له أن يفديه كالمالك، و لا يرجع به. و لو اقتصّ منه، فلا ردّ؛ للفرق بين كونه مستحقّاً للقطع و بين كونه مقطوعاً. فلو ردّه، ردّه معيباً، و له الأرش، و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانياً و غير جانٍ من الثمن.

و للشافعي قولان في صحّة بيع الجاني: أحدهما: يصحّ، و به قال أبو حنيفة و أحمد. و الثاني: لا يصحّ، و قد تقدّما(1).

و اختلفت الشافعيّة في موضع القولين علي ثلاث طرق.

إحداها: أنّ القولين في العمد و الخطأ.

و الثانية: أنّه في الخطأ، فأمّا جناية العمد فلا تمنع قولاً واحداً؛ لأنّها ليست بمال و إنّما تعلّق القتل برقبته، فهو كالمرتدّ.

و الثالثة: أنّ القولين في العمد، فأمّا جناية الخطإ فإنّها تمنع البيع قولاً واحداً؛ لأنّها آكد من الرهن، و الرهن لا يباع قولاً واحداً كذلك الجناية(2).

مسألة 371: كون الضيعة أو الدار منزل الجيوش عيب يثبت به الردّ

مع جهل المشتري لا مع علمه؛ لأنّه يقلّل الرغبات، و تنقص الماليّة به، و به

ص: 206


1- في ج 10، ص 42 و 43، المسألة 23.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 278:4.

قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّما يكون كذلك إذا كان ما حواليها من الدور غير منزل للجيوش، و إنّما اختصّت هذه الدار به، فأمّا إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها، فلا ردّ به(2).

و كذا لو كانت الأرض أو البستان ثقيلةَ الخراج، فإنّه عيب و إن كان الخراج ظلماً أو أخذه غير مستحقّ؛ لأنّه ينقص الماليّة، و تتفاوت القيم و الرغبات.

و المراد بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها.

و قال بعض الشافعيّة: لا ردّ بثقل الخراج و لا بكونها منزل الجيوش؛ لأنّه لا خلل في نفس المبيع(3).

و ألحق بعض الشافعيّة بهاتين ما لو اشتري داراً و إلي جانبها قصّارٌ(4) يؤذي بصوت الدقّ و يزعزع الأبنية، أو اشتري أرضاً فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع(5).

و ليس هذا عندي شيئاً.

و لو اشتري أرضاً يتوهّم أنّه لا خراج عليها فظهر خلافه، قال بعض الشافعيّة: إن لم يكن علي مثلها خراج، فله الردّ. و إن كان، فلا ردّ(6).

و الوجه عندي: عدم الردّ ما لم يشترط عدم الخراج.3.

ص: 207


1- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
2- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
3- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «قصّاراً» بالنصب. و لعلّ في العبارة سقطت كلمة «وجد» كما يؤيّده سياق العبارة اللاحقة لها، فتكون العبارة هكذا: «ما لو اشتري داراً و وجد إلي جانبها قصّاراً».
5- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
6- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
المطلب الثاني: في التدليس.

التدليس بكلّ ما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار بين الفسخ و الإمضاء مع عدم التصرّف، و معه لا شيء؛ إذ ليس بعيب، و لا يثبت(1) به الأرش، و ذلك مثل تحمير الوجه و وصل الشعر و أشباه ذلك من طلاء الوجه بالأبيض بحيث يستر السمرة، و التصرية في الأنعام.

و لو مات العبد المدلَّس أو الأمة المدلَّسة أو الشاة المصرّاة، فلا شيء؛ إذ لا عيب. و كذا لو تعيّب عنده قبل علمه بالتدليس أو بعده قبل الردّ.

و لو بيّض وجهها بالطلاء ثمّ اسمرّ أو احمرّ خدّيها(2) ثمّ اصفرّ، قال الشيخ: لا يكون له الخيار؛ لعدم الدليل عليه(3).

و قال الشافعي: يثبت الخيار(4). و هو أقرب.

و كلّ ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة ممّا لا يعدّ فَقْده عيباً يثبت الخيار عند عدمه، كاشتراط الإسلام أو البكارة أو الجعودة في الشعر و الزجج(5) في الحواجب أو معرفة الصنعة أو كونها ذات لبن أو كون الفهد صيوداً.

و لو شرط ما ليس بمقصود و ظهر(6) الخلاف، فلا خيار، كما لو

ص: 208


1- في «ق، ك»: «فلا يثبت».
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «خدّيه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 111:3، المسألة 183.
4- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 468:3.
5- الزجج: دقّة الحاجبين و طولهما. الصحاح 319:1، لسان العرب 287:2 «زجج».
6- في «ق، ك»: «فظهر».

شرط السبط أو الجهل.

و لو شرط الحلب كلّ يوم شيئاً معلوماً أو طحن الدابّة قدراً معيّناً، لم يصح. و لو شرطها حاملاً، صحّ. و إن شرطها حائلاً فظهر حملها، فإن كانت أمةً، تخيّر. و في الدابّة إشكال من حيث الزيادة و العجز عن حمل ما يحتاج إليه.

المطلب الثالث: في اللواحق.
مسألة 372: لو ادّعي البائع التبرّي من العيوب و أنكر المشتري، قدّم قول المشتري

مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأنّ الإنكار مقدّم، لاعتضاده بالأصل، فحينئذٍ يستردّ الثمن، و يدفع المبيع إلي بائعه إن لم يتصرّف إن شاء، و إن شاء أخذ الأرش. و إن كان قد تصرّف، فله الأرش خاصّةً.

مسألة 373: لو اختلفا في قدم العيب عند البائع و حدوثه عند المشتري

فيدّعي البائع بعد ظهوره حدوثَه عند المشتري و يدّعي المشتري سَبْقَه علي العقد أو القبض، فإن أمكن الاستعلام من شاهد الحال، عوّل عليه، و ذلك بأن يكون العيب مثلاً إصبعاً زائدة أو جراحة مندملة و زمان الابتياع يسير لا يمكن تجدّد هذه الأشياء بعده، قدّم قول المشتري؛ عملاً بشاهد الحال، و لا حاجة هنا إلي اليمين؛ للعلم بصدقه.

و إن كان العيب ممّا لا يمكن قِدَمه، مثل أن يشتريه منذ عشر سنين مثلاً، و يظهر قطع اليد مع طراوة الدم أو جرح معه، فإنّه يقدّم قول البائع من غير يمين أيضاً؛ للعلم بصدقه.

و إن احتمل الأمران كالحرق و الجرح الذي يمكن تجدّده عند كلٍّ منهما بحيث لا يمضي زمان يتيقّن البرء فيه قبل العقد و لا يقصر الزمان

ص: 209

- المتخلّل بين العقد و ظهوره عنه، فإن كان هناك بيّنة تشهد لأحدهما، حكم له بها. و إن لم يكن هناك بيّنة تشهد بشيء، قدّم قول البائع مع يمينه؛ لأصالة السلامة في المبيع حالة العقد، و أصالة صحّة العقد و لزومه، و عدم تطرّق التزلزل بالخيار إليه، فكان الظاهر معه.

و لو أقاما بيّنةً، حكم لبيّنة المشتري؛ لأنّ القول قول البائع؛ لأنّه منكر و البيّنة(1) علي المشتري. و إذا توجّهت اليمين علي البائع لعدم البيّنة، فإن حلف، قضي له بالثمن و لزوم العقد. و إن نكل، فهل يقضي بمجرّد نكوله، أو يفتقر إلي يمين الخصم ؟ الأقوي: الثاني.

و إذا حلف البائع، كيف يحلف ؟ إن كان قال في جواب المشتري لمّا ادّعي أنّ بالمبيع عيباً كان قبل البيع أو قبل القبض و أراد الردّ -: ليس عليَّ الردّ بالعيب الذي يذكره، أو: لا يلزمني قبوله، حلف علي ذلك، و لا يكلّف التعرّض لعدم العيب يوم البيع و لا يوم القبض؛ لجواز أن يكون قد أقبضه معيباً و المشتري عالم به، أو رضي به بعد البيع [لأنّه(2)] لو نطق به لصار مدّعياً و طُولب بالبيّنة و ليس له بيّنة حاضرة.

و إن قال في الجواب: ما بعته إلّا سليماً أو ما أقبضته إلّا سليماً، فهل يلزمه الحلف كذلك، أو يكفيه الاقتصار علي أنّه لا يستحقّ الردّ أو: لا يلزمني قبوله ؟ لعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يكفيه الجواب المطلق، كما لو اقتصر عليه.

و الثاني: أنّه يلزمه التعرّض، كما تعرّض له في الجواب لتكون اليمينق.

ص: 210


1- في «ق، ك» «فالبيّنة».
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

مطابقةً للجواب. و لو كان له غرض في الاقتصار علي الجواب المطلق، اقتصر عليه في الجواب.

و للشافعيّة(1) كالقولين.

و هذا يتأتّي في جميع الدعاوي، كما لو ادّعي أنّه غصبه ثوباً معيّناً، فأجاب بأنّه لا يستحقّ عندي شيئاً، سمع منه.

و لو قال: ما غصبته، فإن حلف عليه، صحّ. و إن حلف علي عدم الاستحقاق، فالوجهان.

و إذا حلف البائع فإنّما يحلف علي القطع و البتّ، فيقول: بعته و لا عيب به، و لا يحلف علي نفي العلم فيقول مثلاً: بعته و لا أعلم به عيباً. و يجوز الحلف هنا علي القطع إذا كان قد اختبره حال العقد و اطّلع علي خفايا أمره، كما يجوز أن يشهد بالإعسار و عدالة الشاهد و غيرهما ممّا يكتفي فيه بالاختبار الظاهر. و عند عدم الاختبار(2) يجوز الاعتماد علي ظاهر السلامة إذا لم يعرف و لا ظنّ خلافه، قال به بعض الشافعيّة(3).

و عندي فيه نظر أقربه: الاكتفاء باليمين علي نفي العلم.

مسألة 374: لو ادّعي المشتري أنّ بالمبيع عيباً، و أنكره البائع، فالقول قوله؛

لأنّ الأصل دوام العقد و السلامة. و لو اختلفا في وصف من الأوصاف

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 274:4، روضة الطالبين 149148:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الاعتبار» بدل «الاختبار» و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.

هل هو عيب أم لا؟ قدّم قول البائع مع يمينه إذا لم يعرف الحال من الغير.

و لو قال واحد من أهل العلم به: إنّه عيب يثبت الردّ، لم يعتدّ به، بل لا بُدَّ من اثنين عدلين.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّه يكفي الواحد(1).

و لو ادّعي البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الردّ، فالقول قول المشتري؛ لأصالة عدم العلم و عدم التقصير، و به قال الشافعي(2).

مسألة 375: لو كان معيباً عند البائع ثمّ زال العيب بعد البيع ثمّ قبضه و قد زال عيبه، فلا ردّ

لعدم موجبه. و سَبْقُ العيب لا يوجب خياراً، كما لو سبق علي العقد و زال قبله، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ، سقط حقّ الردّ.

و لو قبض بعض المبيع ثمّ حدث في الباقي عيب عند البائع قبل قبضه، فهو من ضمان البائع؛ لأنّه ضامن للجميع فالبعض أولي، فيثبت للمشتري الخيار بين الأرش و بين ردّ الجميع، و ليس له ردّ المعيب خاصّة؛ لأنّ في ذلك تشقيصاً، و هو عيب.

مسألة 376: لو باع الوكيل فوجد المشتري به عيباً يوجب الردّ، ردّه علي الموكّل؛

لأنّه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أُمر به، فلا عهدة عليه.

ص: 212


1- التهذيب للبغوي 458:3، العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.
2- العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.

و لو تناكر الموكّل و المشتري في قِدَم العيب و حدوثه، لم يقبل إقرار الوكيل علي موكّله بِقدَم العيب مع إمكان حدوثه، فإن ردّه المشتري علي الوكيل لجهله بالوكالة، لم يملك الوكيل ردّه علي الموكّل؛ لبراءته باليمين. و لو أنكر الوكيل، حلف، فإن نكل فردّ عليه، احتمل عدمُ ردّه علي الموكّل؛ لإجرائه مجري الإقرار. و ثبوتُه؛ لرجوعه قهراً، كما لو رجع بالبيّنة.

مسألة 377: لو ردّ المشتري السلعة لعيبٍ، فأنكر البائع أنّها سلعته، قدّم قوله مع اليمين

و عدم البيّنة؛ لأصالة براءة ذمّته من المطالبات. و لو ردّها المشتري بخيار، فأنكر البائع أنّها سلعته، احتُمل المساواة؛ عملاً بأصالة البراءة. و تقديم قول المشتري مع اليمين و عدم البيّنة؛ لاتّفاقهما علي استحقاق الفسخ، بخلاف العيب.

ص: 213

ص: 214

المقصد الرابع: في بقايا تقاسيم البيع.
اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في المرابحة و توابعها.
اشارة

البيع ينقسم باعتبار ذكر الثمن و عدمه إلي أقسام أربعة؛ لأنّ البائع إمّا أن لا يذكر الثمن الذي اشتراه به، و هو المساومة. و إمّا أن يذكره، فإمّا أن يزيد عليه، و هو المرابحة، أو ينقص منه، و هو المواضعة، أو يطلب المساوي، و هو التولية.

و باعتبار التأخير و التقديم في أحد العوضين إلي أربعة أقسام: بيع الحاضر بالحاضر، و هو النقد. و بيع المؤجّل بالمؤجّل، و هو بيع الكالي بالكالي، و بيع الحاضر بالثمن المؤجّل، و هو بيع النسيئة. و بيع المؤجّل بالثمن الحاضر، و هو السلف، فلنشرع في مسائل الفصل الأوّل بعون اللّه تعالي ثمّ نتبعه بمسائل الفصل الثاني بتوفيقه تعالي.

و في الفصل الأوّل بحثان:

الأوّل: في المرابحة.
مسألة 378: الأقسام الأربعة و هي المساومة و المواضعة و المرابحة و التولية - جائزة

عندنا إجماعاً؛ إذ لا يجب علي البائع ذكر رأس ماله، بل له أن يبيع بأزيد ممّا اشتراه أضعافاً مضاعفة، أو أقلّ، و لا نعلم فيه خلافاً.

و أمّا بيع المرابحة: فإن نسب الربح إلي المال، كان مكروهاً ليس

ص: 215

باطلاً عند علمائنا، و ذلك بأن يقول: شريت هذه السلعة بمائة و بعتكها بمائة و ربح كلّ عشرة درهم، فيكون الثمن مائةً و عشرة دراهم. و هذا هو المشهور عند الجمهور.

و بيع المرابحة أعني نسبة الربح إلي الثمن هو(1) جائز علي كراهية و هو مرويّ عن عبد اللّه بن عباس و ابن عمر(2) لأنّه قد لا يعلم قدر الثمن حالة العقد، و يحتاج في معرفته إلي الحساب.

و لأنّ العلاء سأل الصادقَ (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول: [أبيعك(3)] ب «ده دوازده» أو «ده يازده» فقال: «لا بأس إنّما هذه المراوضة، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة»(4).

و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّي أكره بيع عشرة أحد عشر، و عشرة اثنا عشر، و نحو ذلك من البيع، و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة» و قال: «أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم عليَّ، فبعته مساومة»(5).

و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّي أكره بيع ده يازده و ده دوازده، و لكن أبيعك بكذا و كذا»(6) لما فيه من مشابهة الربا.

و إنّما قلنا بانتفاء التحريم؛ لما تقدّم، و بالأصل، و بقول عليّ بن سعيد: سُئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل يبتاع ثوباً يطلب منه مرابحة، تري ببيع7.

ص: 216


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و هو». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- حلية العلماء 290:4، الحاوي الكبير 279:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 54:2، المغني 280:4، الشرح الكبير 111:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 54:7، 235.
5- الكافي 197:5، 4، التهذيب 5554:7، 236.
6- الكافي 197:5، 3، التهذيب 55:7، 237.

المرابحة بأساً إذا صدق في المرابحة و سمّي ربحاً دانقين أو نصف درهم ؟ فقال: «لا بأس»(1).

و قال إسحاق بن راهويه: هذا البيع لا يجوز؛ لأنّ الثمن مجهول حالة العقد، فلا يجوز، كما لو باعه بما يخرج به الحساب(2).

و هو ممنوع؛ فإنّ رأس المال معلوم، و الربح معلوم، فوجب أن يجوز، كما لو قال: بعتك بمائة و ربح عشرة دراهم.

و قوله ينتقض بما إذا قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم، و هي مجهولة، فإنّه يجوز عنده(3) لما كانت مجهولة الجملة معلومةً عند التفصيل، بخلاف ما يخرج به الحساب؛ لأنّه مجهول في الجملة و التفصيل معاً.

و قال عامّة الفقهاء: إنّه ليس بمكروه؛ للعلم برأس المال و قدر الربح، فكان جائزاً(4).

و الجواز لا ينافي الكراهيّة.

و حملوا ما روي(5) عن ابن عباس و ابن عمر بأنّ الكراهيّة لما فيه من أداء الأمانة و تحمّلها.».

ص: 217


1- التهذيب 55:7، 238.
2- حلية العلماء 290:4، الحاوي الكبير 279:5، المغني 280:4، الشرح الكبير 112:4.
3- انظر: المغني 280:4، و الشرح الكبير 112:4، و الحاوي الكبير 279:5.
4- المهذّب للشيرازي 295:1، التهذيب للبغوي 480:3، الحاوي الكبير 279:5، حلية العلماء 290:4، العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 185:3، الهداية للمرغيناني 56:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 344، الكافي في فقه الإمام أحمد 54:2، المغني 280:4، الشرح الكبير 111:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «رووا» بدل «روي».
مسألة 379: تزول الكراهة بنسبة الربح إلي السلعة

بأن يقول: هذه السلعة عليَّ بعشرة و بعتكها بأحد عشر أو اثني عشر، فإنّه جائز إجماعاً؛ لما تقدّم من الأخبار، و زوال مقتضي الكراهة من تطرّق الجهل و من مشابهة الربا.

إذا ثبت هذا، فلا بُدّ و أن يخبر برأس المال، أو يكون معلوماً عند المشتري، فلو قال: بعتك بما اشتريته و ربح عشرة، و كان المشتري جاهلاً بالثمن، بطل البيع إجماعاً منّا؛ لما فيه من الجهالة بالعوض، فكان باطلاً، كبيع غير المرابحة. و كذا لو كان البائع جاهلاً برأس المال و المشتري عالم به، أو كانا جاهلين، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

فعلي ما قلناه من البطلان لو أُزيلت الجهالة في مجلس العقد، لم ينقلب العقد صحيحاً؛ لفوات شرط الصحّة في صلبه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه ينقلب صحيحاً، و به قال أبو حنيفة(2).

و الثاني و هو أن يكون أحدهما جاهلاً بالقيمة للشافعي: أنّه يصحّ البيع؛ لأنّ الثمن فيه مبني علي الثمن في العقد الأوّل، و الرجوع إليه سهل، فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز؛ لسهولة معرفته(3).

و يمنع حكم الأصل، و ينتقض بما لو قال: بعتك بشيء، ثمّ بيّنه بعد العقد في المجلس.

ص: 218


1- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 187:3.
2- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188187:3.
3- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.

و علي تقدير الصحّة عندهم ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان(1).

و لو كان الثمن دراهم معيّنة غير معلومة الوزن، فالأقرب: المنع من بيعه مرابحةً؛ لجهالة الثمن، كغير المرابحة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يجوز(2) و ليس بشيء.

و لو جمع بين المكروه و غيره، لم تزل الكراهة، و كان العقد صحيحاً، مثل أن يقول: اشتريته بمائة و قد بعتكه بمائتين و ربح كلّ عشرة درهم، فيكون الثمن مائتين و عشرين.

مسألة 380: و لبيع المرابحة عبارات

أكثرها دوراناً علي الألسنة ثلاثة:

أ بعتك بما اشتريت، أو: بما بذلت من الثمن و ربح كذا.

ب بعتك بما قام عليَّ و ربح كذا، أو: بما هو عليَّ و ربح كذا.

ج بعتك برأس المال و ربح كذا.

فإذا قال بالصيغة الأُولي، لم يدخل فيه إلّا الثمن خاصّةً. و إذا قال بالثانية، دخل فيه الثمن و ما غرمه من اجرة الدلّال و الكيّال و الحمّال و الحارس و القصّار و الرفاء و الصبّاغ و الخيّاط و قيمة الصبغ و أُجرة الختان و تطيين الدار و سائر المؤن التي تلزم للاسترباح، و أُجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع؛ لأنّ التربّص ركن في التجارة و انتظار الأرزاق.

و أمّا المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد و كسوته و علف الدابّة فلا تدخل فيه، و يقع ذلك مقابلة المنافع و الفوائد المستوفاة من المبيع، و هو أشهر وجهي الشافعيّة(3). و لهم آخر: أنّها

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.
2- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.
3- التهذيب للبغوي 482:3، العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.

تدخل(1).

أمّا العلف الزائد علي المعتاد، المتّخذ للتسمين فإنّه يدخل.

و أمّا اجرة الطبيب إن كان مريضاً(2) فكأُجرة القصّار، و نحوها، فإنّ قيمته تزيد بزوال المرض، فإن حدث المرض في يده، فهي كالنفقة.

و أمّا مئونة السائس فالأظهر إلحاقها بالعلف، و كذا قول الشافعيّة(3).

و لو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طيّن الدار بنفسه، لم تدخل الاُجرة فيه؛ لأنّ السلعة لا تعدّ قائمةً عليه إلّا بما بذل. و كذا لو تطوّع متطوّع بالعمل.

و لو كان بيت الحفظ ملكه أو تطوّع بإعارة البيت متطوّعٌ، لم يضف الأُجرة. فإن أراد استدراك ذلك، قال: اشتريته، أو: قام عليَّ بكذا و عملت فيه، أو: تطوّع عليَّ متطوّع بما أُجرته كذا و قد بعتك بهما و ربح كذا.

و أمّا العبارة الثالثة: فالظاهر أنّها بمنزلة الأُولي. فإذا قال: رأس مالي كذا، فهو بمنزلة: اشتريته بكذا؛ لأنّه المتبادر إلي الفهم من رأس المال، فيكون حقيقةً فيه، و هو الأظهر من مذهب الشافعي(4).

و قال بعض أصحابه: إنّه كالعبارة الثانية و هو «بما قام عليَّ»(5).

و هل يدخل المَكْسُ(6) الذي يأخذه السلطان في لفظة القيام،».

ص: 220


1- التهذيب للبغوي 482:3، العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
2- أي: إن كان المشتري عبداً مريضاً.
3- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
4- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
5- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
6- المَكْس: الضريبة التي يأخذها الماكس، و هو العَشّار. واصلة الجباية. لسان العرب 220:6 «مكس».

و الفداء الذي يدفعه المولي في جناية العبد؟ إشكال، أقربه: عدم دخول الفداء، و دخول المكس؛ لأنّه من جملة المؤن.

و للشافعيّة وجهان فيهما(1).

و لو استردّ المغصوب بشيء دفعه إلي الغاصب أو غيره ممّن يساعده علي ردّه، لم يدخل.

و هذه العبارات الثلاثة تجري في المحاطّة جريانها في المرابحة.

مسألة 381: و المرابحة نوع من البيع،

فإيجابه كإيجابه، و يزيد: ضمّه الربح و الإخبار بالثمن. و يجب العلم به قدراً و جنساً و بقدر الربح و جنسه، فلو أبهم شيئاً من ذلك، بطل؛ لتطرّق الجهالة في أحد العوضين، فلو قال: بعتك بما اشتريت و ربح كذا، و لم يعلما أو أحدهما قدر الثمن، بطل.

و كذا لو عيّنا الثمن و جهلا الربح، مثل أن يقول: الثمن عشرة و قد بعتك بعشرة و مهما شئت من الربح.

و يجب أيضاً ذكر الصرف و الوزن مع الاختلاف.

و إذا كان المبيع لم يتغيّر البتّة، صحّ أن يقول: اشتريته بكذا، أو: هو عليَّ، أو: ابتعته، أو: تقوّم عليَّ، أو: رأس مالي.

و لو عمل فيه ما لَه زيادة عوض، قال: اشتريته بكذا و عملت فيه بكذا.

و لو استأجر في ذلك العمل، صحّ أن يقول: تقوّم عليّ، و يضمّ الأُجرة و كلّ ما يلزمه من قصّار و صبّاغ و غير ذلك ممّا تقدّم مع علمه بقدر ذلك كلّه.

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
مسألة 382: بيع المرابحة مبنيّ علي الأمانة؛

لاعتماد المشتري بنظر البائع و استقصائه و ما رضيه لنفسه، فيرضي المشتري بما رضيه البائع من زيادة يبذلها، فيجب علي البائع حفظ الأمانة بالصدق في الإخبار عمّا اشتري به و عمّا قام به عليه إن باع بلفظ القيام، فلو اشتري بمائة ثمّ خرج عن ملكه ثمّ اشتراه بخمسين، فرأس ماله خمسون، و لا يجوز ضمّ الثمن الأوّل إليه.

و لو اشتراه بمائة و باعه بخمسين ثمّ اشتراه ثانياً بمائة، فرأس ماله مائة، و لا يجوز أن يخبر بمائة و خمسين لأجل خسرانه الخمسين.

و لو اشتراه بمائة و باعه بمائة و خمسين ثمّ اشتراه بمائة، فإن أراد بيعه مرابحةً بلفظ رأس المال، أو بلفظ «ما اشتريت» أخبر بمائة. و لا يلزمه أن يحطّ عنه ربح البيع الأوّل، كما لم يجز في الصورة الأُولي ضمّ الخسران إلي المائة و به قال أبو يوسف و محمّد و الشافعي(1) لأنّ الثمن الذي يخبر به هو الذي يلي بيع المرابحة، و الذي يلي بيع المرابحة مائة، فجاز أن يخبر بها، كما لو لم يربح فيها.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يجب أن يحطّ ربح البيع الأوّل فيمن يخبر، فيضمّ أحد العقدين إلي الآخر؛ لأنّ المرابحة تضمّ فيها العقود، فيخبر بما يقوم عليه، كما تضمّ اجرة الخيّاط و القصّار، فيخبر بما يقوم عليه، و قد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأوّل؛ لأنّه أَمِن به أن يردّ عليه بعيب، فلا ينقل بعض ما استفاد للعقد بجميع الثمن(2).

ص: 222


1- بدائع الصنائع 224:5، المغني 284:4، الشرح الكبير 116:4، التهذيب للبغوي 483:3، الحاوي الكبير 281:5، حلية العلماء 296:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.
2- بدائع الصنائع 224:5، المغني 284:4، الشرح الكبير 117116:4، الحاوي الكبير 282281:5، حلية العلماء 296:4، العزيز شرح الوجيز 322:4.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الذمّة لزمته في هذا البيع الذي يلي بيع المرابحة. و تقرير الربح في الأوّل ليس بصحيح؛ لأنّ العقد الأوّل قد لزم و لم يظهر فيه عيب، فلا يتعلّق به حكم.

و إن باعه بلفظ «قام عليَّ» فكذلك عندنا؛ لأنّ الإخبار إنّما هو بالثمن الأخير الذي يلي عقد المرابحة، و الملك الأخير إنّما قام عليه بمائة.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: ما قلناه. و الثاني: أنّه لا يخبر إلّا بخمسين، فإنّ أهل العرف يعدّون السلعة و الحال هذه قائمة عليه بذلك(1).

مسألة 383: يجوز لبائع المتاع شراؤه

بزيادة و نقصان حالّا و مؤجّلاً بعد القبض و قبله، إلّا أن يكون موزوناً أو مكيلاً، فلا يجوز قبل القبض مطلقاً علي رأي، و يكره علي رأي، و يمنع في الطعام خاصّة علي رأي، و قد سبق(2).

إذا تقرّر هذا، فإذا باع شيئاً و شرط الابتياع حال البيع، لم يجز؛ لاستلزامه الدور، و يجوز لو كان ذلك من قصدهما و لم يذكراه لفظاً في العقد، فإذا باع غلامه أو صاحبه أو ولده سلعة ثمّ اشتراها بزيادة من غير شرط الابتياع، جاز. و إن قصد بذلك الأخبارَ بالزائد، كره.

و كذا يكره أن يواطئ وكيله فيبيع ما اشتراه منه ثمّ يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة؛ لأصالة صحّة العقد، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

ص: 223


1- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.
2- في ج 10 ص 119 و ما بعدها، المسألة 66.
3- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.

و قال بعضهم: لا يجوز، و يثبت للمشتري الخيار؛ لأنّه تدليس، و هو محرَّم في الشرع، فإذا ظهر له ذلك، ثبت له الخيار(1).

و ليس بجيّد؛ لأصالة اللزوم و الصحّة، و التدليس ممنوع إذا لم يخبر إلّا بالواقع.

نعم، استعمل حيلة شرعيّة؛ لأنّ للإنسان نقل ملكه عنه و شراءه له.

مسألة 384: إذا اشتري شيئاً من ولده أو أبيه، جاز أن يبيعه مرابحةً

و يخبر بثمنه - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(2) لأنّه أخبر بما اشتراه به عقداً صحيحاً، فوجب أن يجوز، كما لو اشتراه من الأجانب.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز ذلك حتي يبيّن؛ لأنّ هؤلاء لا يثبت لهم بشهادته كما لا يثبت لنفسه بقوله، فصار الشراء منهم كالشراء من نفسه. و لأنّه يحابيهم، فهُمْ كعبده و مكاتَبه(3).

و ردّ الشهادة ممنوع عندنا. و لو سلّمنا، فإنّ هذا لا يشبه ردّ الشهادة؛ لأنّه لم تقبل شهادته لهم للتهمة بتفضيلهم علي الأجانب. و الشراء لنفسه منه لا تهمة فيه؛ لأنّ حظّ نفسه عنده أوفر، فلا يتّهم في ذلك، فجري مجري الشهادة عليهم. و أمّا المكاتب فممنوع. و إن سلّم، فإنّه غير متميّز من ملكه، بخلاف الأب و الابن.

مسألة 385: إذا حطّ البائع من الثمن بعد انقضاء العقد،

جاز أن يخبر

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
2- التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 297:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191190:3، بدائع الصنائع 225:5، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- بدائع الصنائع 225:5، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 56:2، حلية العلماء 297:4، العزيز شرح الوجيز 324:4.

المشتري بالأصل، فلو اشتراه بمائة ثمّ حطّ البائع عنه عشرة، أخبر بالمائة، سواء كان الحطّ في زمن الخيار لهما أو لأحدهما، أو لا في زمن الخيار، و كذا الزيادة؛ لأنّ الذي وجب بالبيع إنّما هو أصل الثمن، و عروض السقوط بالإبراء لا يُخرجه عن كونه من الثمن، و الإخبار إنّما هو بالثمن.

و قال الشافعي(1): إن كان الحطّ قبل استقرار العقد مثل أن يكون في المجلس أو مدّة الخيار، فإنّه يلحق بالعقد، و يُخبر بما بعد الحطّ. و إن كان بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد. و كذا الزيادة قبل الحطّ.

و قال أبو حنيفة: يلحق بالعقد(2).

و لو حطّ بعض الثمن بعد لزوم العقد و باع بلفظ «ما اشتريت» لم يلزمه حطّ المحطوط، و به قال الشافعي(3) ، خلافاً لأبي حنيفة(4).

و إن باعه بلفظ «قام عليَّ» لم يُخبر إلّا بالباقي.

فإن حطّ الكلّ، لم يجز بيعه مرابحةً بلفظ «قام».

و لو حطّ عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة، لم يلحق الحطّ المشتري، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: يلحق(6).

مسألة 386: لو اشتري عبداً بثوبٍ قيمته عشرون و أراد بيعه مرابحة

ص: 225


1- المهذّب للشيرازي 296:1، حلية العلماء 293292:4، الحاوي الكبير 281:5، المغني 281:4.
2- بدائع الصنائع 222:5، حلية العلماء 293:4، الحاوي الكبير 281:5، المغني 281:4.
3- حلية العلماء 293:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
4- بدائع الصنائع 222:5، حلية العلماء 293:4، العزيز شرح الوجيز 322:4.
5- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
6- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.

بلفظ الشراء أو بلفظ القيام، ذكر أنّه اشتراه بثوبٍ قيمته كذا، و لا يقتصر علي ذكر القيمة؛ لأنّ البائع بالثوب يشدّد أكثر ما يشدّد البائع بالنقد.

و لو كان قد اشتري الثوب بعشرين ثمّ اشتري به العبد، جاز أن يقول: «قام عليَّ بعشرين» و لا يقول: اشتريته بعشرين.

مسألة 387: لو اشتراه بدَيْنٍ له علي البائع، لم يجب الإخبار عنه،

سواء كان مليّاً أولا، مماطلاً أو لا، قصد التخلّص من الغريم بالتسامح أو لا.

و قال الشافعي: إن كان مليّاً غير مماطل، لم يجب الإخبار عنه. و إن كان مماطلاً، وجب الإخبار عنه؛ لأنّه يشتري من مثله بالزيادة للتخلّص من التقاضي(1). و ليس بشيء.

و كذا لو سامح البائع بزيادة الثمن إمّا لغرضٍ أو لا لغرضٍ، لم يجب الإعلام بالحال.

مسألة 388: إذا اشتري شيئين صفقةً واحدة أو جملة كذلك ثمّ أراد بيع بعضها مرابحةً، لم يكن له ذلك

مع تقسيط الثمن علي الأبعاض، إلّا أن يخبر بصورة الحال، سواء اتّفقت، كقفيزي حنطة، أو اختلفت، كقفيز حنطة و قفيز شعير، أو عبدين، أو ثوبين، أو عبد و ثوب، و سواء ساوي بينهما في التقويم أو لا، و سواء باع خيارها بالأقلّ أو لا، إلّا أن يخبر بصورة الحال في ذلك كلّه؛ لتفاوت القيم و الأغراض. و لأنّ توزيع الثمن علي القيمتين تخمين و حزر و ظنّ يتطرّق إليه الخطأ غالباً، فلم يجز.

و قال الشافعي: يجوز مطلقاً، و يقسّم الثمن علي القيمتين، فما خصّ

ص: 226


1- التهذيب للبغوي 485:3، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.

كلّ واحد منهما فهو ثمنه؛ لأنّ الثمن ينقسم علي المبيع علي قدر قيمة المبيع في نفسه، و لهذا لو باع شقصاً و سيفاً، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص بثمنه فيقوّمان و يقسّم الثمن علي قدر القيمتين، و كذا هنا(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ أخذ الشفعة قهريّ، فالتجأ فيه إلي التقويم تخليصاً من إبطال حقّه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز فيما يقسّم الثمن علي القيمة، و ما يتساوي يجوز، كالطعام(2).

أمّا لو أخبر بالحال فقال: اشتريت المجموع بكذا و قوّمته مع نفسي فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا، فإنّه يجوز إجماعاً.

مسألة 389: يجب الإخبار بالعيوب المتجدّدة في يد المشتري

أو الجناية مثل أن يشتري عبداً صحيحاً بمائة ثمّ يقطع إصبعه، سواء حدث العيب بآفة سماويّة أو بجنايته أو بجناية أجنبيّ، أو اشتراه علي أنّه صحيح - و به قال الشافعي(3) لأنّ المشتري يبني العقد علي العقد الأوّل، و يتوهّم بقاء المبيع علي حاله التي اشتراها البائع.

و لا فرق بين ما ينقص العين و ما ينقص القيمة، كما في الردّ، فلو اشتري عبداً بعشرين ثمّ خصاه فزادت قيمته، فالأقوي وجوب الإخبار

ص: 227


1- المهذّب للشيرازي 296295:1، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 290:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 190189:3، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 291:4، العزيز شرح الوجيز 323:4، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3، بدائع الصنائع 223:5.

بالخصاء و إن زادت به القيمة.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الإخبار عن العيب الحادث و إن نقصت القيمة إذا كان بآفة سماويّة(1).

مسألة 390: لو اطّلع المشتري علي عيبٍ قديم فأسقط أرشه و رضي به، لم يجب ذكره في المرابحة،

كما لو تسامح معه.

و قال الشافعي: يجب(2). و ليس بمعتمد.

و لو أخذ أرش العيب السابق، أسقطه من رأس المال، فلو اشتراه بمائة فوجد به عيباً أخذ أرشه عشرة، أخبر بتسعين و به قال الشافعي(3) لأنّ ما رجع من أرش العيب نقصان من الثمن؛ لما عرفت أنّ الأرش جزء من الثمن، بخلاف ما لو حطّ بعض الثمن أو وهبه إيّاه؛ لأنّ أخذ الأرش قهريّ و ذلك اختياريّ، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فإنّه يخبر بصيغة «رأس مالي» أو «تقوّم عليّ» أو «هو عليَّ بتسعين» و لا يقول: «اشتريته» لأنّ الشراء كان بما سمّي في العقد.

و لو قال بصيغة «اشتريته» وجب أن يخبر بالمائة، و يذكر العيب و استرجاع قدر أرشه.

مسألة 391: لو اشتري عبداً بمائة فجني عليه في يده فأخذ الأرش، لم يضعه في المرابحة
اشارة

إن باع بلفظ «اشتريته» و كذا إن قال: «بما قام عليَّ» و لا يجب ذكر الجناية فيهما.

ص: 228


1- بدائع الصنائع 223:5، العزيز شرح الوجيز 323:4.
2- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
3- انظر: التهذيب للبغوي 484:3، و العزيز شرح الوجيز 323:4، و روضة الطالبين 190:3.

و قال الشافعي: إن باع بلفظ الشراء، ذكر الثمن و أخبر بالجناية. و إن باع بلفظ «قام عليّ» فوجهان:

أحدهما: أنّه نازل منزلة الكسب و الزيادات؛ لأنّه من منافع العبد. و لأنّه لو جني العبد ففداه، لم يضمّه إلي الثمن، و المبيع قائم عليه بتمام الثمن.

و أصحّهما عنده: أنّه يحطّ الأرش من الثمن، كأرش العيب(1).

و فيه(2) بعض القوّة؛ لأنّ المشتري إنّما أخلد إلي البائع وثوقاً بنظره، و هو إنّما بذل الثمن الكثير في مقابلة السليم، فيكون المشتري كذلك.

إذا تقرّر هذا، فالمراد من الأرش هنا علي قولهم بوضعه قدر النقصان، لا المأخوذ بتمامه، فإذا(3) قطعت يد العبد و قيمته مائة فنقص ثلاثين(4) ، يأخذ خمسين، و يحطّ من الثمن ثلاثين لا خمسين، و هو أحد قولي الشافعيّة(5).

و حكي الجويني وجهاً آخر: أنّه يحطّ جميع المأخوذ من الثمن(6).

و إن نقص من القيمة أكثر من الأرش المقدّر، حطّ ما أخذ من الثمن، و أخبر عن قيامه عليه بالباقي و أنّه(7) نقص من قيمته كذا.

تذنيب: لو جني العبد في يد المشتري ففداه، لم يضمّ الفداء إلي رأس ماله،

و يُخبر به؛ لأنّ الفداء لزمه لتخليص ماله و تبقيته عنده، فجري

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
2- أي: في الوجه الثاني.
3- في الطبعة الحجريّة: «فلو» بدل «فإذا».
4- الظاهر: ثلاثون.
5- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
6- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
7- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و أن». و الأنسب ما أثبتناه.

مجري طعامه و شرابه.

مسألة 392: إذا كان قد اشتراه مغبوناً فيه، لم يلزمه الإخبار بالغبن؛

لأنّه باع ما اشتري بما اشتري، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يلزم؛ لأنّ المشتري اعتمد علي نظره و اعتقد أنّه [لا يحتمل(1)] الغبن، فليخبره ليكون علي بصيرة فيأمره.

و رجّح أكثرهم الثاني؛ لأمرين:

أ أنّهم قالوا: لو اشتراه بدَيْنٍ من مماطل، وجب الإخبار عنه؛ لأنّ الغالب أنّه يشتري من مثله بالزيادة. و هو ممنوع.

ب لو اشتري من ابنه الطفل، وجب الإخبار عنه؛ لأنّ الغالب في مثله الزيادة في الثمن عنه نظراً للطفل و احترازاً عن التهمة، فإذا وجب الإخبار عند ظنّ الغبن فلأن يجب عند تيقّنه كان أولي(2).

و لو اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه، فالأصحّ عندهم: أنّه لا يجب الإخبار عنه، كما لو اشتري من زوجته أو مكاتبه(3).

و أوجب أبو حنيفة الإخبار عن البائع إذا كان ابناً أو أباً له(4).

و الأصحّ أنّه لا يجب. و كذا لو كان غلامه.

مسألة 393: لو اشتراه بثمن مؤجّل، وجب الإخبار عنه؛

لاختلاف الثمن بسببه، فإنّ الظاهر التفاوت في الثمن بين المعجّل و المؤجّل، فإنّ

ص: 230


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا يجهل». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
3- التهذيب للبغوي 485:3، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191190:3.
4- العزيز شرح الوجيز 324:4.

المعجّل أقلّ ثمناً و المؤجّل أكثر، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

فإن باعه و ذكر الثمن و أهمل الأجل، تخيّر المشتري بين الرضا به حالّا و بين الفسخ و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2) لأنّه لم يرض بذمّة المشتري، و قد تكون ذمّته دون ذمّة البائع، فلا يلزم الرضا بذلك.

و قال الأوزاعي: يلزمه العقد، و يثبت في ذمّة المشتري مؤجّلاً(3) ؛ لأنّه باعه بما اشتراه، فيثبت علي المشتري مؤجّلاً.

و يمنع أنّه باعه بما اشتراه في الوصف؛ إذ التقدير خلافه، و أنّه باعه حالّا.

أمّا لو قال: اشتريته بمائة و بعتك بها علي صفتها، كان للمشتري مثل الأجل.

مسألة 394: إذا أثمر النخل في يد المشتري أو حملت الدابّة أو الأمة في يده أو تجدّد لها لبن أو صوف و شبهه فاستوفاه المشتري، لم يحطّ النماء

المنفصل الذي استوفاه و لا قيمته من رأس المال، و يُخبر بما اشتراه؛ لأنّ ذلك فائدة تجدّدت في ملكه، فإن اشتراها مثمرةً و أخذ الثمرة أو حاملاً، سقط حصّة الثمرة و الولد من الثمن و أخبر(4) بالحال، كما لو اشتري عينين و باع أحدهما مرابحةً.

و لا يجب أن يُخبر عن وطئ الثيّب و لا عن مهرها الذي أخذه، و به قال الشافعي(5).

ص: 231


1- العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
2- المغني 285:4، الشرح الكبير 114:4.
3- حلية العلماء 295:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «أخبره».
5- العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.

أمّا لو وطئ البكر، فإنّه يُخبر به؛ لأنّه يوجب أرشاً بالاقتضاض.

مسألة 395: إذا باعه بمائة هي رأس ماله و ربح كلّ عشرة واحداً،

و كان قد أخبر بأنّ رأس المال مائة، ثمّ ظهر كذبه و أنّ الثمن تسعون، لم يبطل البيع من أصله - و هو أظهر قولي الشافعي(1) لأنّ سقوط جزء من الثمن المسمّي بضرب من التدليس لا يمنع من صحّة العقد، و لا يقتضي جهالة الثمن، كأرش المعيب(2). و لأنّا لا نسقط شيئاً من الثمن بل نخيّره في الفسخ و الإمضاء بالجميع.

و قال الشافعي في الآخر: إنّ البيع باطل و به قال مالك لأنّ الثمن وقع مجهولاً، لأنّه غير المسمّي، فلم يصح(3). و جوابه تقدّم.

إذا ثبت أنّ البيع صحيح، فإنّ المشتري يتخيّر بين أخذه بجميع الثمن الذي وقع عقد المرابحة عليه، و بين الردّ و به قال أبو حنيفة و محمّد و الشافعي في أحد القولين(4) لأنّ الثمن مسمّي في العقد، و إنّما كان فيه تدليس و خيانة، و ذلك يوجب الخيار دون الحطيطة، كما لو ظهر فيه عيب دلّسه البائع.

و القول الثاني للشافعي: أنّه يأخذه بما ثبت أنّه رأس المال و حصّته

ص: 232


1- التهذيب للبغوي 486:3، حلية العلماء 298:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «البيع» بدل «المعيب». و الظاهر ما أثبتناه كما في هامش «ق».
3- حلية العلماء 298:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
4- حلية العلماء 299:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3، بداية المجتهد 215:2، بدائع الصنائع 226:5، المغني 281:4، الشرح الكبير 112:4.

من الربح و به قال ابن أبي ليلي و أبو يوسف و أحمد بن حنبل لأنّه باعه إيّاه برأس ماله و ما قدّره من الربح، و إنّما ذكر أكثر من رأس المال، فإذا كان رأس المال قدراً، كان متعيّناً به و بالزيادة، بخلاف العيب(1) ؛ لأنّه لم يرض إلّا بالثمن المسمّي، و هنا رضي برأس المال و الربح المقرّر(2).

و يمنع أنّ البيع برأس المال؛ لأنّه عيّنه بالذكر.

قالت الشافعيّة: إذا قلنا بالصحّة، فلا يخلو إمّا أن يكون كذبه في هذا الإخبار خيانةً أو غلطاً.

فإن كان خيانةً، فقولان منصوصان عن الشافعي في اختلاف العراقيّين:

أحدهما و به قال أحمد -: أنّا نحكم بانحطاط الزيادة و حصّتها من الربح؛ لأنّه يملّك باعتبار الثمن الأوّل فينحطّ الزائد عليه، كما في الشفعة.

و الثاني و به قال أبو حنيفة -: أنّا لا نحكم به؛ لأنّه سمّي ثمناً معلوماً، و عقد به العقد فليجب.

و إن كان غلطاً، فالمنصوص القول الأوّل. و الثاني مخرّج من مثله في الحالة الاُولي(3).

مسألة 396: قد بيّنّا أنّه إذا أخبر بالزائد، يتخيّر المشتري،

و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: أنّه يحطّ الزائد و ما يصيبه من الربح(4).

ص: 233


1- وردت العبارة في المغني و الشرح الكبير هكذا: «فإذا بان رأس المال قدراً، كان مبيعاً به و بالزيادة، بخلاف العيب». فلاحظ.
2- المصادر في الهامش (4) من ص 234.
3- التهذيب للبغوي 486:3، حلية العلماء 299:4، العزيز شرح الوجيز 325324:4، روضة الطالبين 191:3.
4- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 434.

فعلي الانحطاط هل للمشتري الخيار؟ للشافعي قولان:

أظهرهما: نفي الخيار؛ لأنّه قد رضي بالأكثر فبالأقلّ أولي.

و الثاني و به قال أبو حنيفة أنّه يثبت الخيار؛ لأنّه إن بان كذبه بالإقرار لم يؤمن كذبه ثانياً و ثالثاً. و إن بان بالبيّنة علي الشراء أو بالبيّنة علي الإقرار، فقد يخالف الباطن الظاهر. و لأنّه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلّة قسمٍ أو إنفاذ وصيّة و نحوها(1).

و للشافعيّة طريق آخر: أنّ القول الأوّل محمول علي ما إذا تبيّن كذب البائع بالبيّنة، و الثاني علي ما إذا تبيّن بالإقرار. و الفرق: أنّه إذا ظهر بالبيّنة خيانته، لم تؤمن خيانته من وجهٍ آخر، و الإقرار يشعر بالأمانة و بذل النصح. و الطريقة الاُولي أظهر عندهم(2).

فإن قلنا: لا خيار له، أو قلنا: له الخيار فأمسك بما يبقي بعد الحطّ، فهل للبائع الخيار؟ للشافعيّة وجهان، و قيل: قولان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه لم يسلم له مسمّاه في العقد.

و أظهرهما: المنع؛ لاستبعاد أن يصير تلبيسه أو غلطه سبباً لثبوت الخيار له(3).

و منهم مَنْ خصّ الوجهين بصورة الخيانة، و قطع بثبوت الخيار عند الغلط(4).

مسألة 397: قد بيّنّا مذهبنا في ظهور كذب إخبار البائع، و أنّ المشتري يتخيّر و لا يحطّ شيئاً،

و هو أحد قولي الشافعي(5). و حينئذٍ إنّما يثبت الخيار

ص: 234


1- المهذّب للشيرازي 297:1، العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
2- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
3- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
4- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
5- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 234.

له؛ لأنّه قد غرّه و دلّس عليه، فلو كان المشتري عالماً بكذب البائع، لم يكن له خيار، و يكون بمنزلة ما لو اشتري معيباً و هو عالم بعيبه.

و إذا ثبت الخيار، فلو قال البائع: لا تفسخ فإنّي أحطّ الزيادة، سقط الخيار.

و للشافعي وجهان(1).

و لا فرق بين أن يظهر الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله أو قلّة أجله.

مسألة 398: لو ظهر كذب البائع بعد هلاك السلعة، ففي سقوط خيار المشتري إشكال

ينشأ: من أنّه ثبت بحقّ فلا يسقط بهلاك المعقود عليه، كغيره من أنواع الخيار. و من أنّ الخيار ثبت لإزالة الضرر، فلا يثبت مع الضرر، كالبائع.

و اختلفت الشافعيّة:

فقال بعضهم: تحطّ الخيانة و حصّتها من الربح قولاً واحداً.

و قال بعضهم بجريان القولين في الانحطاط، فإن قلنا بالانحطاط، فلا خيار للمشتري؛ لأنّ البائع قد لا يريد القيمة، فالفسخ و ردُّ القيمة يضرّ به. و أمّا البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة، فكذا هاهنا. و إن أثبتناه ثَمَّ، ثبت هنا أيضاً، كما لو وجد بالعبد عيباً و الثوب الذي هو عوضه تالف(2). و إن قلنا بعدم الانحطاط، فهل للمشتري الفسخ ؟ وجهان، أظهرهما: لا، كما لو عرف بالعيب بعد تلف المبيع، و لكن يرجع بقدر

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 192:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بألف» بدل «تالف» و الصحيح ما أثبتناه.

التفاوت و حصّته من الثمن، كما يرجع بأرش العيب(1).

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: سقط حقّه، فلا يفسخ و لا يرجع بشيء؛ لأنّ الخيار ثبت له من طريق الحكم لا لنقصٍ، فيسقط بتلف السلعة، كخيار الرؤية(2).

و حكي عن محمّد أنّه قال: يردّ القيمة، و يرجع في الثمن(3). كما قوّيناه نحن أوّلاً.

و قول أبي حنيفة باطل؛ لأنّ الخيار ثبت له لتدليس البائع و نقص الثمن عمّا حكاه، فهو بمنزلة العيب يستره عنه، و لا يشبه خيار الرؤية؛ لأنّه يثبت للاختبار، لا لأجل نقصٍ أو خيانة تثبت. و أمّا الفسخ بعد التلف فإضرار بالبائع، كما لا يثبت إذا تلف المبيع المعيب في يد المشتري.

مسألة 399: يجب عليه الإخبار بكلّ ما يتفاوت الثمن بسببه

علي وجهه كالأجل و شبهه من عيب طرأ في يده فنقص أو جناية علي ما تقدّم. فلو كذب، تخيّر المشتري، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: تحطّ الجناية و قدرها من الربح(4).

هذا في القدر، أمّا لو كذب في سلامة المبيع و كان معيباً، أو في حلول الثمن و كان مؤجّلاً، هل يكون حكمه حكم القدر؟ قال بعض الشافعيّة بذلك، فعلي قول الحطّ فالسبيل النظر إلي القيمة و يقسّط الثمن عليها(5). و نحن لا نقول بذلك.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 192:3.
2- بدائع الصنائع 226:5، حلية العلماء 301:4، العزيز شرح الوجيز 325:4.
3- حلية العلماء 301:4.
4- الوجيز 147:1، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
5- الوجيز 147:1، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
مسألة 400: لو كذب بنقصان الثمن -

بأن قال: كلّ الثمن أو رأس المال أو ما قامت السلعة به عليَّ مائة، و باع مرابحة لكلّ عشرة درهم، ثمّ عاد و قال: غلطت و الثمن مائة و عشرة فإن صدّقه المشتري، فالبيع صحيح؛ لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه بثمن معلوم مسمّي، فيكون صحيحاً، كغيره من العقود و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) كما لو غلط بالزيادة.

و قال بعضهم: البيع باطل؛ لأنّ العقد لا يحتمل الزيادة، و أمّا النقصان فهو معهود عند الشرع بدليل الأرش(2).

و علي ما اخترناه من صحّة البيع لا تثبت الزيادة كما لا يثبت الحطّ، لكن للبائع الخيار في فسخ البيع و إمضائه بلا شيء، و هو أحد وجهي الشافعيّة القائلين به.

و الثاني لهم: تثبت الزيادة مع ربحها، و للمشتري الخيار(3).

و إن كذّبه المشتري، و هو قسمان:

أ أن لا يبيّن للغلط وجهاً محتملاً، فلا تسمع دعواه. و لو أقام بيّنةً، لم تسمع؛ لأنّه أقرّ بأنّ الثمن مائة، و تعلّق بذلك حقّ المشتري، فلا يقبل رجوعه عنه و لا تُسمع بيّنته؛ لأنّ إقراره يكذّبها، بخلاف ما لو أقرّ بأنّ الثمن أقلّ؛ لأنّه اعترف فيها بما هو حقّ لغيره و ضرر عليه. و لأنّ إقراره الثاني يكذّب قوله و بيّنته.

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
2- التهذيب للبغوي 167:3، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
3- العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 193192:3.

فإن ادّعي علم المشتري بصدقه و التمس تحليفه علي أنّه لا يعرف ذلك، اجيب إليه؛ لأنّه ربما يقرّ عند عرض اليمين عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: لا يجاب، كما لا تسمع بيّنته(1).

فإن نكل، تردّ اليمين علي المدّعي، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: لا تردّ(2).

و الوجهان مبنيّان علي أنّ اليمين المردودة بعد نكول المدّعي عليه كالإقرار من جهة المدّعي عليه أو كالبيّنة من جهة المدّعي ؟ و سيأتي تحقيقه فعلي الأوّل تردّ، لا علي الثاني؛ لأنّ بيّنته غير مقبولة.

و إذا(3) قلنا بتحليف المشتري، يحلف علي نفي العلم. فإن حلف، ثبت العقد علي ما حلف عليه، فيثبت المبيع له بمائة و عشرة. و كذا إذا قلنا: لا تعرض اليمين عليه. و إن نكل و رددنا اليمين علي البائع، فإنّه يحلف علي القطع أنّه اشتراه بمائة و عشرة. و إذا حلف، فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه البائع فيكون الثمن عليه مائةً و أحد و عشرين، و بين الفسخ؛ لأنّه دخل في العقد علي أن يكون الثمن مائةً و عشرة مع الربح.

ب أن يبيّن للغلط وجهاً محتملاً، مثل أن يقول: ما كنت اشتريته بنفسه، بل اشتراه وكيلي و أخبرني أنّ الثمن مائة فبانَ خلافه، أو ورد عليَّ كتابه فبانَ مزوّراً، أو يقول: كنت راجعت جريدتي فغلطت من [ثمن(4)]ق.

ص: 238


1- حلية العلماء 302:4، العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
2- حلية العلماء 303:4، العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
4- أضفناها لأجل السياق.

متاع إلي غيره، فتُسمع دعواه للتحليف؛ لأنّ بيان هذه الأعذار يُجوّز ظنّ صدقه، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و بعضهم طرد الخلاف في التحليف، و سماع البيّنة يترتّب علي التحليف، إن قلنا: لا تحليف، فالبيّنة أولي أن لا تُسمع. و إن قلنا: له التحليف، ففي البيّنة وجهان، الأظهر عندهم: سماعها(2).

و عندنا أنّه يحلف المشتري، كما إذا أقرّ بإقباض الرهن ثمّ رجع عن ذلك.

و قال أحمد بن حنبل: القول قول البائع مع يمينه؛ لأنّه لمّا دخل معه المشتري في بيع المرابحة فقد جعله أميناً، فالقول قوله مع يمينه، كالوكيل و الشريك و المُضارب(3).

و هو خطأ؛ لأنّه قبل قوله فيما أخبر به من الثمن، و ذلك لا يصير به أميناً له، كما لو أخبره بقدر المبيع، فإن قال: بعتك هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة، فقبل قوله ثمّ بانت تسعة و أنكر البائع ذلك، لم يقبل قوله. و يفارق الوكيل و الشريك؛ لأنّه استنابه في التصرّف عنه فقبل قوله عليه، بخلاف المتنازع.

مسألة 401: إذا قال: رأس مالي مائة درهم بعتك بها و ربح كلّ عشرة واحداً، اقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الأوّل.

و كذا لو قال: بعتك بمائة و ربح عشرة.

و يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل.

و لو قال: اشتريت بكذا و بعتك به و ربح درهم علي كلّ عشرة،

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
2- العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
3- المغني 286:4، الشرح الكبير 113:4، حلية العلماء 304:4.

فالربح يكون من جنس نقد البلد؛ لإطلاقه الدرهم، و الأصل مثل الثمن، سواء كان من نقد البلد أو غيره.

مسألة 402: لو انتقل إليه بغير عوض، كالهبة، لم يجز بيعه مرابحةً،

سواء قوّمها بثمنٍ مساوٍ أو أزيد أو أنقص، إلّا أن يبيّن الحال في ذلك، و لا يكفي بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال.

و لو اتّهب بشرط الثواب فذكره و باع به مرابحةً، فإن كان قد بيّن ذلك للمشتري، جاز، و إلّا فلا.

و قالت الشافعيّة: يجوز(1) ، من غير تفصيل.

و لو آجر داره بعبدٍ أو نكحت المرأة رجلاً علي عبد، أو خالع زوجته عليه، أو صالح عن الدم عليه، لم يجز بيع العبد مرابحةً بلفظ الشراء. و لو أخبر بالحال، جاز «بما قام عليَّ».

و يذكر في الإجارة أُجرة مثل الدار، و في النكاح و الخلع مهر المثل، و في الصلح عن الدم الدية.

و اعلم أنّ الفقهاء أطبقوا علي تجويز المرابحة فيما إذا قال: بعت بما اشتريت و ربح كذا، أو: بما قام عليَّ و ربح كذا، و لم يذكروا فيه خلافاً، و اختلفوا فيما لو أوصي بنصيب ولده، فقال بعضهم: لا يصحّ بل يصحّ لو قال: مثل نصيب ولدي(2).

و الظاهر أنّهم اقتصروا هنا علي ما هو الأصحّ، و إلّا فلا فرق بين الأمرين.

مسألة 403: إذا دفع التاجر إلي الدلّال ثوباً أو غيره و قوّمه عليه

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.
2- العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.

بعشرين درهماً مثلاً، و أمره بالبيع بذلك، فما زاد فهو للدلّال، و لم يواجبه البيع، جاز ذلك، لكن لا يخبر الدلّال بالشراء بالعشرين؛ لأنّه كذب؛ إذ التقدير أنّه لا بيع هنا فلا يبيعه مرابحةً، و إن أخبر بالحال، جاز؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) سُئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا عليه قيمة و يقولون: بِعْ فما ازددت فلك، فقال: «لا بأس بذلك، و لكن لا يبيعهم مرابحة»(1).

و إذا قال التاجر للدلّال: بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم، فما فضل فهو لك، جاز علي سبيل الجعالة، و لا يكون ذلك بيعاً لازماً، و للتاجر أن يفسخ القول قبل العقد؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال في رجل قال لرجلٍ: بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم، فما فضل فهو لك، قال: «ليس به بأس»(2).

و اعلم أنّه لا فرق بين أن يكون الدلّال ابتدأه للتاجر أو بالعكس.

مسألة 404: قد بيّنّا أنّه إذا اشتري جملة أثواب لم يجز له بيع أفرادها مرابحةً

بمجرّد التقويم مع نفسه، إلّا أن يخبر بالحال؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام): في الرجل يشتري المتاع جميعاً بثمن ثمّ يقوّم كلّ ثوب بما يسوي حتي يقع علي رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟ قال: «لا، حتي يبيّن له إنّما قوّمه»(3).

و لو باعه ثياباً معيّنة من الجملة التي اشتراها علي أن يعطيه خيارها بربح خمسة مثلاً في كلّ ثوب من خيارها، لم يصح؛ للجهالة.

و لما رواه عيسي بن أبي منصور قال: سألت الصادقَ (عليه السّلام): عن القوم

ص: 241


1- الكافي 195:5، 3، الفقيه 135:3، 588، التهذيب 54:7، 233.
2- الكافي 195:5، 2، التهذيب 5453:7، 231.
3- الفقيه 136:3، 590، التهذيب 55:7، 239.

يشترون الجراب الهروي أو المروي(1) أو القوهي، فيشتري الرجل منهم عشرة أثواب و يشترط عليه خياره كلّ ثوب بربح خمسة دراهم أقلّ أو أكثر، فقال: «ما أُحبّ هذا البيع، أ رأيت إن لم يجد فيه خياراً غير خمسة أثواب و وجد بقيّته سواء؟»(2).

مسألة 405: يجوز لمن اشتري شيئاً بيعه قبل قبضه

إذا لم يكن مكيلاً أو موزوناً بربح و غيره؛ لأصالة الإباحة.

و لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن قوم اشتروا بزّاً(3) فاشتركوا فيه جميعاً و لم يقسموه(4) ، أ يصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه ؟ قال: «لا بأس به» و قال: «إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام، لأنّ الطعام يُكال»(5).

و سأل منصور الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل اشتري بيعاً ليس فيه كيل و لا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه ؟ فقال: «لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن، فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه»(6).

و سأل إسماعيل بن عبد الخالق الصادقَ (عليه السّلام): إنّا نبعث الدراهم لها صرف إلي الأهواز فيشتري لنا بها المتاع ثمّ نلبث فإذا باعه وضع عليها صرف، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة يجزئنا عن ذلك ؟ فقال: «لا، بل إذا كانت للمرابحة فأخبره بذلك، و إن كانت

ص: 242


1- في المصدر: المروزي.
2- الفقيه 135:3، 587، التهذيب 57:7، 246 بتفاوت يسير.
3- البَزّ: الثياب. الصحاح 865:3 «بزز».
4- في «ق، ك» و الفقيه: «و لم يقتسموه».
5- الفقيه 136:3، 594، التهذيب 5655:7، 240.
6- الفقيه 136:3، 593، التهذيب 56:7، 241.

مساومةً فلا بأس»(1).

مسألة 406: إذا أمر الإنسان غيره بشراء متاع و بربحه كذا، فإن كان الشراء للآمر، صحّ،

و لزمه ما جَعَله له بعد الشراء؛ لأنّها جعالة صحيحة. و إن كان للمأمور، جاز ذلك، و لم يكن ما ذكره من الربح لازماً له بل و لا الشراء منه، و ليس للمأمور أن يعقد البيع مع الأمر؛ لأنّه بيع ما ليس عنده، و هو منهيّ عنه.

و روي يحيي بن الحجّاج عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب و هذه الدابّة و بعنيها أربحك منها كذا و كذا، قال: «لا بأس بذلك، اشترها، و لا تواجبه البيع قبل أن يستوجبها و تشتريها»(2).

مسألة 407: قد بيّنّا الخلاف فيما إذا اشتري شيئاً مؤجّلاً و أخفي الأجل و أخبر برأس المال، و أنّ الوجه في ذلك: صحّة البيع

و تخيّر المشتري بين الرضا بالثمن حالّا و بين فسخ البيع.

و قال الأوزاعي: للمشتري من الأجل مثل ما كان له(3). و هو قول الشيخ في النهاية(4) ؛ لما روي الحسن بن محبوب عن أبي محمّد الوابشي، قال: سمعت رجلاً سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل اشتري من رجل متاعاً بتأخير إلي سنة ثمّ باعه من رجل آخر مرابحةً، إله أن يأخذ منه ثمنه حالّا و الربح ؟ قال: «ليس عليه إلا مثل الذي اشتري، إن كان نقد شيئاً فله مثل ما نقد، و إن لم يكن نقد شيئاً آخر فالمال عليه إلي الأجل الذي اشتراه إليه» قلت له: فإن كان الذي اشتراه منه ليس بمليّ مثله ؟ قال: «فليستوثق من حقّه

ص: 243


1- الكافي 198:5، 5، التهذيب 58:7، 249.
2- الكافي 198:5، 6، التهذيب 58:7، 250 بتفاوت فيهما.
3- حلية العلماء 295:4.
4- النهاية: 389.

إلي الأجل الذي اشتراه»(1).

و علي ما اخترناه تكون هذه الرواية محمولةً علي ما إذا قال: بعتك بما اشتريته من القدر و الوصف.

مسألة 408: لو أسلم في ثوبين بصفة واحدة و قبضهما و أراد بيع أحدهما مرابحةً، لم يجز،

كما تقدّم، إلّا أن يخبر بصورة الحال.

و قال الشافعي: يجوز في أحد القولين، فعلي هذا يخبر بحصّته من الثمن و هو النصف؛ لأنّ الثمن وقع عليهما متساوياً؛ لتساوي الصفة في الذمّة، فكان بمنزلة شراء قفيزين، فإن حصل في أحدهما نقصان عن الصفة، فذلك نقصان جارٍ مجري الحادث بعد الشراء، فلا يمنع من بيع المرابحة. و به قال أبو يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة: لا يبيعه مرابحةً؛ لأنّ الثوبين يختلفان حال التعيين، فيصيرا بمنزلة العقد الواقع علي ثوبين بأعيانهما(3).

البحث الثاني: في باقي الأقسام.
مسألة 409: التولية نوع من البيع،

و هو أن يخبر برأس المال و يبيعه به من غير زيادة و لا نقصان. و لا خلاف في جوازه.

ص: 244


1- التهذيب 59:7، 254.
2- التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 292:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 190:3، مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 292:4، العزيز شرح الوجيز 323:4، المغني 283282:4، الشرح الكبير 114:4.

و عبارة الإيجاب: بعتك و ولّيتك، فيقول: قبلت. فإذا اشتري شيئاً ثمّ قال لغيره: ولّيتك هذا العقد، جاز.

و يشترط قبوله في المجلس علي قاعدة التخاطب بأن يقول: قبلت، أو: تولّيت. و يلزمه مثل الثمن الأوّل جنساً و قدراً و وصفاً.

و يجب العلم به للمتعاقدين حالة العقد. و هو شرط في صحّته، لا ذكره، فلو لم يعلم برأس المال أحدهما أو كلاهما، بطل؛ لأنّ الجهالة في الثمن أو المثمن مبطلة. و لو لم يعلمه المشتري، أعلمه البائع أوّلاً ثمّ ولاّه العقد.

مسألة 410: قد بيّنّا أنّ عقد التولية بيع

يشترط فيه ما يشترط في مطلق البيع من القدرة علي التسليم و التقابض في المجلس إن كان صرفاً و غيرهما. و يلحق به ما يلحق به(1) من الشفعة و غيرها. فلو كان المبيع شقصاً مشفوعاً و عفا الشفيع، تجدّدت الشفعة بالتولية. و يجوز قبل القبض و إن كان طعاماً علي كراهية علي رأي. و الزوائد المنفصلة قبل التولية إذا تجدّدت بعد الشراء للمشتري، و قبله للمتولّي. و لو حطّ البائع بعد التولية بعض الثمن، لم ينحطّ عن المولّي أيضاً، خلافاً للشافعي(2). و كذا لو حطّ الكلّ.

و للشافعيّة قولٌ آخر بجعل المشتري نائباً عن المولّي، فتكون الزوائد للمولّي، و لا تتجدّد الشفعة، و يلحق الحطّ للمولّي(3).

و علي قولٍ آخر: تنعكس هذه الأحكام و نقول: إنّها بيع جديد(4).

ص: 245


1- بدل «به» في «ق، ك»: «بالبيع».
2- التهذيب للبغوي 489:3، العزيز شرح الوجيز 317:4، روضة الطالبين 184:3.
3- العزيز شرح الوجيز 318317:4، روضة الطالبين 185184:3.
4- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.

و هو الحقّ عندنا.

و علي ظاهر مذهب الشافعيّة: الفرق بين الزوائد و الشفعة و بين الحطّ. و علي هذا لو حطّ البعض قبل التولية، لم تجز التولية إلّا بالباقي. و لو حطّ الكلّ، لم تصحّ التولية(1).

مسألة 411: يشترط في التولية كون الثمن مثليّا

ليأخذ المولّي مثل ما بذله(2) ، فلو اشتراه بعرض، لم تجز التولية، قال بعض الشافعيّة: إلّا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلي إنسان فولّاه العقد. قال: و لو اشتراه بعرض و قال: قام عليَّ بكذا و قد ولّيتك العقد بما قام عليَّ، أو أرادت المرأة عقد التولية علي صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية علي ما أخذه من عوض الخلع، ففي ذلك وجهان للشافعيّة(3).

و عندنا لا تجوز التولية في مثل هذه الأشياء.

مسألة 412: لو أخبر المولّي عمّا اشتري به و كذب، فكالمرابحة

و الكذب فيها، و قد تقدّم، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الآخر: يحطّ قدر الخيانة قولاً واحداً(4).

و لو كان المشتري قد اشتري شيئاً و أراد أن يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن، جاز بلفظ البيع و التولية أو المرابحة أو المواضعة.

ثمّ إن نصّ علي المناصفة أو غيرها، فذاك. و إن أطلق الاشتراك، احتمل فساد العقد؛ للجهل بمقدار العوض، كما لو قال: بعتك بمائة ذهباً و فضّةً. و الصحّة، و يُحمل علي المناصفة، كما لو أقرّ بشيء لاثنين.

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 184:3 و 185.
2- في «ق، ك»: بذل.
3- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.
4- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين.

و الاشتراك في البعض كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.

مسألة 413: المواضعة هي المحاطّة،

مأخوذة من الوضع، و هو أن يخبر برأس المال ثمّ يقول: بعتك به و وضيعة كذا. و كما يجوز البيع مرابحةً يجوز مواضعةً، و ليس في ذلك جهالة، كما لم يكن في الربح جهالة.

و يكره لو قال: بوضيعة درهم من كلّ عشرة، كما قلنا في المرابحة، فلو قال: الثمن مائة بعتك برأس مالي و وضيعة درهم من كلّ عشرة، فالثمن تسعون.

و لو قال: و وضيعة درهم من كلّ أحد عشر، كان الحطّ تسعة دراهم و جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم، فيبقي الثمن أحداً و تسعين إلّا جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم.

و لو قال: بعت بما اشتريت بحطّ «ده يازده» جاز أيضاً.

و فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يحطّ من كلّ عشرة واحد، كما زيد في المرابحة علي كلّ عشرة واحد، فتكون الوضيعة عشرةً، و الثمن تسعين(2). و به قال أبو ثور، و حكاه الشافعيّة عن محمّد بن الحسن، و لم يحكه أصحابه عنه.

و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: أنّه يحطّ من كلّ أحد عشر واحد، فالحطّ تسعة و جزء من أحد عشر جزءاً من درهم، و الثمن تسعون و عشرة أجزاء من أحدعشر [جزءاً(3)] من درهم و به قال أبو حنيفة لأنّ الربح

ص: 247


1- التهذيب للبغوي 488:3، العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «تسعون». و الظاهر ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

في المرابحة جزء من أحد عشر، فليكن كذلك الحطّ في المحاطّة، و ليس في حطّ واحد من العشرة رعاية لنسبة «ده يازده»(1).

و لو كان قد اشتري بمائة و عشرة، فالثمن علي الوجه الأوّل تسعة و تسعون، و علي الثاني مائة. و علي هذا القياس.

و أورد جماعة من فقهاء الشافعيّة صورة المسألة فيما إذا قال: بعت بما اشتريت بحطّ درهم من كلّ عشرة. و أوردوا فيها الوجهين(2).

و هو خطأ؛ فإنّ في هذه الصيغة يصير الحطّ واحداً من كلّ عشرة، و إنّما موضع الخلاف لفظ «ده يازده».

و لو قال: بحطّ درهم من كلّ(3) عشرة، فالمحطوط واحد من عشرة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يكون تسعة و جزءاً من أحد عشر جزءاً(4).

و هو خطأ؛ لأنّ هذا يكون حطّا من كلّ أحد عشر، و لا وجه له.

و لو قال: بحطّ درهم لكلّ عشرة، فالمحطوط واحد من أحد عشر، و يكون كأنّه قال: ضع من كلّ أحد عشر درهماً، فلو قال: بوضيعة «ده دوازده»(5) كانت الوضيعة من كلّ اثني عشر درهماً درهماً(6). و بيانه: أن تضيف قدر الوضيعة إلي الأحد عشر فيصير اثني عشر، فيسقط من كلّ اثني عشر الوضيعة، و هي درهم.ب.

ص: 248


1- حلية العلماء 298297:4، العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 186:3، المغني 287:4، الشرح الكبير 112:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 186:3.
3- في «ق»: «لكلّ» بدل «من كلّ».
4- انظر: العزيز شرح الوجيز 319:4، و روضة الطالبين 186:3.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة، و الظاهر: «يازده دوازده».
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «درهم». و الصحيح بالنصب.

تمّ الجزء السابع(1) من كتاب «تذكرة الفقهاء» بحمد اللّه تعالي (و يتلوه في الجزء الثامن بعون اللّه تعالي: الفصل الثاني: في بيع النقد و النسيئة و السلف، و فيه مطلبان.

فرغت من تسويده سلخ ربيع الأوّل من سنة أربع عشر و سبعمائة بالسلطانيّة. و كتب حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي مصنّف الكتاب، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمّد و آله الطاهرين)(2)(3).ة.

ص: 249


1- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
2- ما بين القوسين لم يرد في «ك».
3- ورد في آخر نسخة «ق»: «تمّ هذا الجزء المشار إليه يوم الثلاثاء خامس عشر شوّال خُتم بالخير و الإقبال من سنة أربع و سبعين و ثمانمائة علي يد العبد الفقير إلي اللّه تعالي الغنيّ، عليّ بن منصور بن حسين المزيدي عفا اللّه عنه. و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين». و ورد في آخر نسخة «ك». «تمّ ذلك في غرّة ربيع الأوّل سنة 916 في دار السلام بغداد، لأجل داعي المؤمنين كتبه حسب..». و مكان النقاط كلمات ممسوحة.

ص: 250

بسم اللّه الرحمن الرحيم وفّق اللّهمّ لإكماله بمحمّد و كرام آله.

الفصل الثاني: في بيع النقد و النسيئة و السلف.
اشارة

و فيه مطلبان:

الأوّل: في بيع النقد و النسيئة.
مسألة 414: مَنْ باع شيئاً معيّناً بثمن، كان الثمن حالّا

مع الإطلاق و اشتراط التعجيل؛ لأنّ قضيّة البيع تقتضي انتقال كلٍّ من العوضين إلي الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متي طُولب صاحبها.

أمّا لو شرط تأجيل الثمن في صلب العقد، فإنّه يصحّ، و يكون البيع نسيئةً؛ لأنّ الحاجة قد تدعو إلي الانتفاع بالمبيع معجّلاً، و استغناء مالكه عنه، و حاجته إلي الثمن مؤجّلاً، فوجب أن يكون مشروعاً، تحصيلاً لهذه المصلحة الخالية عن المبطلات، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 415: إذا شرط تأخير الثمن، وجب تعيين الأجل

بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، بل يجب أن يكون محروساً عنهما، مضبوطاً، فلو جَعَله مؤجّلاً إلي قدوم الحاجّ أو إدراك الغلّات أو جزّ الثمار أو العطاء، إلي غير ذلك من الآجال المجهولة، بطل البيع؛ لتطرّق الجهالة إلي الثمن، لأنّه يزيد عند التجار بزيادة الأجل و ينقص بنقصانه. و لأنّه مشتمل علي غرر عظيم

ص: 251

منهيّ عنه.

و كذا لو قال: بعتك نسيئةً، و لم يذكر الأجل أصلاً، كان البيع باطلاً.

و لو باعه بثمنين إلي أجلين، فالأظهر: البطلان، و قد سبق(1).

مسألة 416: لو باع سلعةً بثمن مؤجّل ثمّ اشتراها قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك الثمن، جاز.

و كذا لو باعها بثمن نقداً و اشتراها بأكثر منه إلي أجل، جاز، سواء كان قد قبض الثمن أو لم يقبض و به قال الشافعي(2) لأنّ البيع ناقل و العين قابلة للنقل دائماً، و المتبايعان من أهل العقد، فكان صحيحاً؛ عملاً بالمقتضي السالم عن المبطل. و لأنّه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها، فجاز بيعها به من بائعها، كما لو كان باعه بسلعة أو بمثل الثمن.

و لأنّ بشار بن يسار سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يبيع المتاع بنسأ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: «نعم، لا بأس» فقلت له: اشتري متاعي، قال: «ليس هو متاعك»(3).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: لا يجوز أن يشتريها بدون ذلك الثمن قبل قبض الثمن. و قال أبو حنيفة: و يجوز أن يشتري بها سلعة قيمتها أقلّ من قدر الثمن. فإن باعها بدراهم و اشتراها بدنانير قيمتها أقلّ من قدر الثمن، لم يجز استحساناً. و لو باعها بأجل ثمّ اشتراها بأكثر من ذلك الأجل، لم يجز. و لو اشتراها وكيله له بأقلّ من الثمن، جاز. و لو اشتراها

ص: 252


1- في ج 10 ص 224، المسألة 112.
2- التهذيب للبغوي 489:3، حلية العلماء 287:4، العزيز شرح الوجيز 137135:4، روضة الطالبين 8685:3، المغني 277:4، الشرح الكبير 51:4.
3- الكافي 208:5، 4، الفقيه 134:3، 585، التهذيب 4847:7، 204.

والد البائع أو ولده أو مَنْ تردّ شهادته له لنفسه، لم يجز بأقلّ من الثمن؛ لما روي أبو إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنّها قالت: دخلت أُمّ ولد زيد(1) بن أرقم و امرأة علي عائشة، فقالت أمّ ولد زيد ابن أرقم: إنّي بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلي العطاء ثمّ اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت: بئس ما شريت و بئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنّه قد أبطل جهاده مع رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إلّا أن يتوب(2). و لأنّ ذلك ذريعة إلي الربا فإنّما أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلي أجل(3).

و خبر عائشة ليس حجّةً. علي أنّه لو كان عندها شيء عن النبيّ (عليه السّلام) روته، و لا يجوز أن تظلّله باجتهادها و هو مخالف في ذلك. علي أنّا نقول بموجبه؛ لأنّها أنكرت شراءه إلي وقت العطاء و هو مجهول، و العقد الثاني مبنيّ عليه، فلهذا أنكرتهما.

و أبو حنيفة يجوّز الذرائع، و هو أن يبيع تمراً جيّداً بدرهم ثمّ يشتري به أكثر منه(4).

مسألة 417: إذا باع نسيئةً ثمّ اشتراه

مسألة 417: إذا باع نسيئةً ثمّ اشتراه(5) قبل الأجل بزيادة أو نقيصة حالّا أو مؤجّلاً، جاز

إذا لم يكن شرطه في العقد، فإن شرطه، بطل، و إلّا

ص: 253


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لزيد».
2- سنن الدارقطني 52:3، 212، سنن البيهقي 331330:5، المغني 277:4، الشرح الكبير 51:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 114113:3، 1195، حلية العلماء 289288:4، التهذيب للبغوي 489:3، المغني 278277:4، الشرح الكبير 5251:4.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- في الطبعة الحجريّة: «اشتراها».

لزم الدور. و لو حلّ الأجل فابتاعه بغير الجنس، جاز مطلقاً، سواء زاد عن الثمن أو نقص. و إن ابتاعه بالجنس، فالأقوي عندي أنّه كذلك.

و قال الشيخ في النهاية: لو باعه بأجل ثمّ حضر الأجل و لم يكن مع المشتري ما يعطيه إيّاه، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إيّاه من غير نقصان من ثمنه، فإن أخذه بنقصان من ثمنه، لم يكن ذلك صحيحاً، و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من المبتاع متاعاً آخر بقيمته في الحال، لم يكن بذلك بأس(1).

و المعتمد: الأوّل؛ لما تقدّم.

مسألة 418: العِيْنَة جائزة

ليست منهيّاً عنها عندنا، و به قال الشافعي(2).

و هي عندنا عبارة عن الإقراض لعين ممّن له عليه دَينٌ ليبيعها ثمّ يقضي دَيْنه منها؛ لأنّ ذلك يجوز في حقّ الغير فيجوز في حقّه.

و لأنّ الصادق (عليه السّلام) سُئل عن رجل يعين عينة إلي أجل فإذا جاء الأجل تقاضاه فيقول: لا و اللّه ما عندي و لكن عيّنّي أيضاً حتي أقضيك، قال: «لا بأس ببيعه»(3).

و قال الصادق (عليه السّلام) في رجل يكون له علي الرجل المال فإذا حلّ قال له: بعني متاعاً حتي أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ، قال: «لا بأس»(4).

و فسّرها الشافعي بأن يبيع الرجل من غيره بثمن مؤجّل و يسلّمه إلي

ص: 254


1- النهاية: 388.
2- العزيز شرح الوجيز 135:4، روضة الطالبين 85:3.
3- التهذيب 48:7، 209، الاستبصار 79:3، 267.
4- الفقيه 183:3، 826، التهذيب 49:7، 210، الاستبصار 80:3، 268.

المشتري ثمّ يشتريه قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك نقداً(1). و هو أيضاً جائز عندنا علي ما تقدّم.

مسألة 419: يجوز البيع نسيئةً و نقداً

بزيادة عن قيمة السلعة في الحال و إن تضاعفت، أو نقصانٍ مع علم المشتري؛ لأصالة الصحّة، و عملاً بمقتضي العقد السالم عن معارضة الغبن. و لا فرق بين العينة و غيرها.

و اعلم أنّ العِيْنَة جائزة كما قلناه.

و لا فرق بين أن يصير بيع العِيْنَة عادةً غالبة في البلد أو لا يصير علي المشهور عند الشافعي(2).

و قال أبو إسحاق: إذا صار عادةً، صار البيع الثاني كالمشروط في الأوّل، فيبطلان جميعاً(3).

مسألة 420: يجوز بيع الشيء غير المشخّص حالّا

و إن لم يكن حاضراً إذا كان عامّ الوجود، كالحنطة و الشعير و غيرهما، و لا يجوز إذا لم يمكن حصوله في الحال، كالفواكه و الرطب و العنب في غير أوانها؛ لوجود المقتضي في الأوّل، و هو العقد جامعاً لشرائط الصحّة من إمكان التسليم و غيره، و تعذّر الشرط في الثاني.

و في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) و قد سُئل عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالّا، قال: «ليس به بأس»(4).

و لو ساومه عليه و لم يواجبه البيع ثمّ حصَّله و باعه بعد ذلك، كان جائزاً؛ لما روي ابن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) قال: «لا بأس

ص: 255


1- العزيز شرح الوجيز 136135:4، روضة الطالبين 8685:3.
2- العزيز شرح الوجيز 137:4، روضة الطالبين 86:3.
3- العزيز شرح الوجيز 137:4، روضة الطالبين 86:3.
4- التهذيب 49:7، 211.

بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثمّ تشتري له نحو الذي طلب ثمّ توجبه علي نفسك ثمّ تبيعه منه بَعْدُ»(1).

و لو باعه قبل شرائه له، جاز؛ لما تقدّم.

و لما رواه ابن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاماً أو بيع نسيئة و ليس عندي، أ يصلح أن أبيعه إيّاه و أقطع له سعره ثمّ أشتريه من مكانٍ آخر فأدفعه إليه ؟ قال: «لا بأس»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّما يجوز إذا كان المبيع غير مشخّص، أمّا إذا كان مشخّصاً بأن يكون مثلاً لزيدٍ عبد أو طعام، فيأتي خالد إلي بكر فيطلب منه ذلك العبد أو الطعام بعينه فيشتريه منه ثمّ يذهب بكر إلي زيد فيشتريه منه ليدفعه إلي خالد، فإنّه لا يجوز؛ لنهيه (عليه السّلام) عن بيع ما ليس عنده(3).

إذا ثبت هذا، فإن فَعَل، كان العقد الأوّل باطلاً، و يكون الثاني صحيحاً، ثمّ يجدّد العقد الباطل بعد العقد الصحيح.

و روي معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: يجيئني الرجل يطلب المبيع(4) الحرير و ليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه فاُقاوله في الربح و الأجل حتي نجتمع علي شيء ثمّ أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه، فقال: «أ رأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه ممّا عندك».

ص: 256


1- الكافي 201:5، 7، التهذيب 49:7، 212.
2- التهذيب 49:7، 213.
3- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داوُد 283:3، 3503، سنن الترمذي 534:3، 1232، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5 و 317 و 339، مسند أحمد 403:4، 14887، و 455، 15145، المصنّف لابن أبي شيبة 192:6، 540، المعجم الكبير للطبراني 218217:3، 3097 3099.
4- في التهذيب: «البيع». و في الفقيه: «بيع». و في الكافي: «المتاع» بدل «المبيع».

أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك ؟ أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه عنه و تدعه ؟» قلت: نعم، قال: «لا بأس»(1).

و ينبغي حمله علي المشخّص.

مسألة 421: لو جاء إليه شخص يطلب متاعاً بقدرٍ معلوم و لم يكن عنده فاستعاره من غيره ثمّ باعه إيّاه ثمّ اشتراه منه و دفعه إلي مالكه، لم يجز؛

لأنّ بيعه له و هو غير مالك باطل، و الاستعارة للبيع غير جائزة و إن جازت للرهن، فيكون الشراء منه أولي بالبطلان.

و في رواية ابن حديد(2) قال: قلت للصادق (عليه السّلام): يجيء الرجل يطلب منّي المتاع بعشرة ألف أو أقلّ أو أكثر و ليس عندي إلّا بألف درهم فأستعيره من جاري فآخذ من ذا و ذا فأبيعه ثمّ أشتريه منه، أو آمر مَنْ يشتريه، فأردّه علي أصحابه، قال: «لا بأس»(3).

و هذه الرواية ضعيفة؛ فإنّ ابن حديد ضعيف جدّاً، فلا تعويل عليها؛ لمنافاتها المذهب.

مسألة 422: يجوز تعجيل المؤجّل بإسقاط بعضه؛

لأنّه إبراء، و هو سائغ مطلقاً، و لا يجوز تأخير المعجّل بزيادة فيه.

نعم، يجوز اشتراط التأجيل في عقدٍ لازم، كالبيع و شبهه، لا بزيادة في الدَّيْن، بل بزيادة في ثمن ما يبيعه إيّاه، فلو كان عليه دَيْنٌ حالّ فطالبه فسأل منه الصبر إلي وقتٍ معلوم بشرط أن يشتري منه ما يساوي مائة بثمانين، جاز؛ لأنّ التأخير أمر مطلوب للعقلاء لا يتضمّن مفسدة، و هو غير

ص: 257


1- الكافي 200:5، 5، الفقيه 179:3، 809، التهذيب 5150:7، 219.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في المصدر: عن حديد.
3- الكافي 200199:5، 1، التهذيب 5049:7، 214.

واجب علي صاحب الحقّ، بل له المطالبة بالتعجيل، و بيع ما يزيد ثمنه علي قيمته جائز مطلقاً، فلا وجه لمنعه مجتمعاً.

و لأنّ محمّد بن إسحاق بن عمّار سأل الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يكون له المال قد حلّ علي صاحبه(1) يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم و يؤخّر عنه المال إلي وقت، قال: «لا بأس»(2).

و سأل محمّد بن إسحاق أيضاً أبا الحسن (عليه السّلام): يكون لي علي الرجل دراهم، فيقول: أخّرني بها و أربحك فأبيعه جبّة تُقوَّم علَيَّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفاً، و أؤخّره بالمال، قال: «لا بأس»(3).

المطلب الثاني: في السَّلَم.
اشارة

و النظر في ماهيّته و شرائطه و أحكامه.

النظر الأوّل: في الماهيّة:
مسألة 423: السَّلَم و السلف عبارتان عن معني واحد،

و هو بيع شيء موصوف في الذمّة مؤجّل بشيء حاضر. يقال: سلف، و أسلف، و أسلم. و يجيء فيه: سلم، غير أنّ الفقهاء لم يستعملوه.

و ذكر الفقهاء فيه عباراتٍ متقاربةً:

أ أنّه عقد علي موصوف في الذمّة ببدلٍ يعطي عاجلاً.

ب إسلاف عرض حاضر في عرضٍ موصوف في الذمّة.

ص: 258


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يكون له المال يدخل عليه صاحبه». و في الفقيه: «.. فيدخل علي صاحبه». و ما أثبتناه من الكافي و التهذيب.
2- الكافي 205:5، 10، الفقيه 183:3، 823، التهذيب 53:7، 228.
3- الكافي 205:5، 11، التهذيب 5352:7، 227.

ج تسليم عاجل في عرض لا يجب تعجيله.

و هذه تعريفات رديئة.

و هو يشارك القرض في اللفظ، فيسمّي كلٌّ منهما سَلَفاً؛ لاشتراكهما في معني، و هو أنّ كلّ واحد منهما إثبات مال في الذمّة بمبذول في الحال.

مسألة 424: و قد أجمع المسلمون علي جوازه.

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ (1).

قال ابن عباس: إنّ السلف المضمون إلي أجلٍ مسمّي قد أحلّه اللّه تعالي في كتابه و أذن فيه، ثمّ قال: قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي (2)(3) مع أنّ اللفظ عامّ يشمل هذا.

و ما رواه العامّة أنّ رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) قدم المدينة و هُمْ يُسلفون في التمر السنة و السنتين، و ربما قال: و الثلاث، فقال: «مَنْ أسلف(4) فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(5).

و من طريق الخاصّة في الحسن -: عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): لا بأس في السَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول و العرض»(6).

ص: 259


1- البقرة: 282.
2- البقرة: 282.
3- الاُم 9493:3، مختصر المزني: 385، الحاوي الكبير 388:5، سنن البيهقي 18:6، المهذّب للشيرازي 303:1، المغني و الشرح الكبير 338:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلف». و ما أثبتناه من المصادر ما عدا مسند أحمد و كما يأتي في ص 264 و 268 و 276.
5- صحيح مسلم 12271226:3، 1604، سنن ابن ماجة 765:2، 2280، سنن الترمذي 603602:3، 1311، سنن أبي داوُد 275:3، 3463، سنن النسائي 290:7، مسند أحمد 367:1، 1938، مختصر المزني: 90، المغني و الشرح الكبير 338:4.
6- التهذيب 27:7، 115.

و لأصالة وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) السالم عن معارض.

مسألة 425: السَّلَف نوع من البيوع لا بُدّ فيه من إيجابٍ و قبول.

فالإيجاب إمّا قوله: بعتك كذا و صفته كذا إلي أجلٍ كذا بكذا، و ينعقد سَلَماً، لا بيعاً مجرّداً، فيثبت له جميع شرائط البيع و يزيد قبض رأس المال قبل التفرّق نظراً إلي المعني لا اللفظ، و إمّا: أسلمت، أو أسلفت، أو ما أدّي معناه، فيقول: قبلت.

و لو أسلم بلفظ الشراء، فقال: اشتريت منك ثوباً أو طعاماً صفته كذا إلي كذا بهذه الدراهم، فقال: بعته منك، انعقد؛ لأنّ كلّ سَلَم بيعٌ، فإذا استعمل لفظ البيع فيه، فقد استعمله في موضعه، و إذا انعقد، فهو سَلَم اعتباراً بالمعني كما قلناه، و لا يكون بيعاً اعتباراً باللفظ.

و فيه للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الاعتبار باللفظ، فلا يجب تسليم الدراهم في المجلس، و يثبت فيه خيار الشرط(2).

و هل يجوز الاعتياض عن الثوب ؟ فيه لهم قولان، كما في الثمن(3).

و منهم مَنْ قطع بالمنع؛ لأنّه مقصود الجنس، كالمبيع(4)(5)] في الأثمان [الغالب(6)] قصد الماليّة لا قصد الجنس(7).

و الحقّ ما قلناه من أنّ الاعتبار بالقصد؛ إذ الألفاظ لا دلالة لها بمجرّد ذواتها ما لم ينضمّ القصد إليها، و لهذا لم يعتد بعبارة الساهي و الغافل و النائم

ص: 260


1- البقرة: 275.
2- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
3- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كالبيع». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.
6- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.
7- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.

و السكران و اللاعب و المكره.

و بعضهم قال بما قلناه، فيجب تسليم الدراهم في المجلس(1).

و لا يثبت فيه خيار الشرط عندهم(2). و لا يجوز الاعتياض عن الثوب عندهم(3) ، كغيره من السلف.

و لو قال: اشتريت ثوباً صفته كذا في ذمّتك بعشرة دراهم في ذمّتي، فإن جعلناه سلفاً، وجب تعيين الدراهم و تسليمها في المجلس. و إن جعلناه بيعاً، لم يجب.

مسألة 426: و كما ينعقد السَّلَم بلفظ البيع، كذا الأقرب: العكس،

فلو قال: أسلمت إليك هذا الثوب و يعينه في هذا الدينار، انعقد بيعاً نظراً إلي المعني لا إلي لفظ السَّلَم، فلا يجب التقابض في المجلس حينئذٍ، و لا يكون هذا سَلَماً إجماعاً.

و للشافعيّة قولان في انعقاده بيعاً نظراً إلي المعني فينعقد. و يحتمل عدم الانعقاد؛ لاختلال اللفظ(4).

و لو قال: بعتك بلا ثمن، أو علي أن لا ثمن عليك، فقال: قبلت، أو اشتريت، و قَبَضه، ففي انعقاده هبةً نظر ينشأ: من الالتفات إلي المعني، و اختلال اللفظ.

و هل يكون المقبوض مضموناً هنا علي القابض ؟ فيه نظر ينشأ: من ثبوت الضمان في البيع الفاسد و هذا منه. و من دلالة اللفظ علي إسقاطه.

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 396395:4، روضة الطالبين 246:3.
2- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247246:3.
3- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
4- الوسيط 424:3، الوجيز 154:1، العزيز شرح الوجيز 395:4، حلية العلماء 358:4، روضة الطالبين 246:3، منهاج الطالبين: 110.

و للشافعيّة وجهان(1).

أمّا لو قال: بعت، و لم يتعرّض للثمن، فإنّه لا يكون تمليكاً، و يجب الضمان، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: فيه الوجهان السابقان(3).

النظر الثاني: في الشرائط.
اشارة

و ينظمها مباحث:

البحث الأوّل: الأجل.
مسألة 427: الأجل شرط في السَّلَم،

فلا يجوز حالّا، فإن بِيع حالّا بلفظ السَّلَم، خرج اللفظ عن حقيقته إلي مجازه، و هو مطلق البيع، و لم يكن سَلَماً و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي(4) لما تقدّم(5) من رواية العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «مَنْ أسلف(6) فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم».

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة، قال: سألته عن السَّلَم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه، قال: «نعم،

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
2- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
3- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
4- مختصر اختلاف العلماء 6:3، 1070، الهداية للمرغيناني 73:3، بدائع الصنائع 212:5، المبسوط للسرخسي 125:12، بداية المجتهد 203:2، مقدّمات ابن رشد: 515، المعونة 988:2، الوسيط 425:3، التهذيب للبغوي 570:3، حلية العلماء 359:4، العزيز شرح الوجيز 396:4، المغني 355:4، الشرح الكبير 354:4.
5- في ص 261.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلف». و ما أثبتناه من المصادر المشار إليها في الهامش (5) من ص 261 ما عدا مسند أحمد و كما سيأتي في ص 268 و 276.

إذا كان إلي أجلٍ معلوم»(1).

و لأنّ الحلول يخرجه عن اسمه و معناه، فإنّه سمّي سَلَماً و سلفاً؛ لتعجيل أحد العوضين و تأجيل الآخر، و معناه أنّه وضع للرفق، و الرفق لا يحصل إلّا بالأجل.

و قال الشافعي: السَّلَم يجوز حالّا و مؤجّلاً و به قال عطاء و أبو ثور و ابن المنذر لأنّ الأجل غرر فيه؛ لأنّ التسليم قد يتعذّر وقت الأجل، فإذا أسقطه، لم يؤثّر في صحّة العقد، كبيوع الأعيان(2).

و لا ينتقض بالكتابة؛ لأنّ الغرر يحصل بإسقاط الأجل؛ لأنّ العبد يتحقّق عجزه عن العوض حال العقد، لأنّ ما في يده مال السيّد إن كان في يده شيء، و لا يلزم السَّلَم في المعدوم؛ لأنّ المفسد تعذّر القبض في محلّه دون الأجل، و الاسم حاصل؛ لأنّ رأس المال يجب قبضه في المجلس، بخلاف المُسْلَم فيه و إن كان حالّا.

و أمّا الرفق فلحظّ المتعاقدين، فإذا أسقطاه، لم يؤثّر في العقد، كما لو أسلم إليه و كان رأس المال أكثر ممّا يساوي حالّا.

و نمنع كون الأجل غرراً، و إلّا لكان منهيّاً عنه و خصوصاً و قد رويتم تأويل الآية في الدَّيْن أنّها عبارة عن السلف(3).4.

ص: 263


1- الكافي 199:5، 2، التهذيب 27:7، 114.
2- الاُم 97:3، مختصر المزني: 90، الحاوي الكبير 397396:5، المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 570:3، الوسيط 425:3، حلية العلماء 359:4، العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3، مختصر اختلاف العلماء 6:3، 1070، الهداية للمرغيناني 73:3، بدائع الصنائع 212:5، المعونة 988:2، المغني 355:4، الشرح الكبير 354:4.
3- راجع ص 261، المسألة 424.

إذا ثبت هذا، فلو باعه سلفاً و لم يرد مطلق البيع، كان باطلاً عندنا؛ لفوات شرطه.

و عند الشافعي يصحّ، و يترتّب عليه حكم السلف من وجوب قبض الثمن في المجلس دون المثمن، و من منع خيار الشرط فيه عندهم. و إذا كان المُسْلَم فيه معدوماً، لم يجز حالّا؛ لتعذّر تسليمه.

مسألة 428: لو أطلق عقد السَّلَم و لم يرد مطلق البيع، بل بيع السَّلَم، فإن قال: حالّا، بطل

عندنا، خلافاً للشافعي علي ما تقدّم(1).

و إن شرط التأجيل، لزم إجماعاً. و إن أطلق، بطل؛ لأنّ الحالّ باطل، و المؤجّل شرطه تعيين الأجل، و مع الإطلاق لا تعيين.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّ العقد يبطل؛ لأنّ مطلق العقود يحمل علي المعتاد، و المعتاد في السَّلَم التأجيل. و لأنّ ما يختلف الثمن باختلافه لا بُدَّ من اشتراطه في السَّلَم، كسائر الأوصاف، و إذا كان كذلك، فسد، و يكون كما لو ذكر أجلاً مجهولاً.

و الثاني: أنّ العقد يصحّ، و يكون الثمن حالّا، كما في المثمن، و هو الأصحّ عندهم(2).

مسألة 429: لو أطلقا العقد و لم يذكرا فيه أجلاً، بطل

عندنا علي ما تقدّم(3) و علي أحد قولي الشافعي(4) ، فلو ألحقا بالعقد أجلاً في مجلس

ص: 264


1- في المسألة السابقة (427).
2- التهذيب للبغوي 571570:3، الوسيط 425:3، العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
3- في المسألة السابقة (428).
4- نفس المصادر في الهامش (2).

العقد، لم يلحق عندنا؛ لأنّ العقد الباطل لا يصحّ بلحوق ما يلحق به في المجلس، و كيف ينقلب الفاسد صحيحاً!؟ و كيف يعتبر مجلسه!؟ و صرّح الشافعي هنا بأنّ الأجل يلحق بالعقد(1).

و يجيء فيه الخلاف السابق في سائر الإلحاقات(2).

قال أصحابه: و هذا دليل علي صحّة العقد عند الإطلاق؛ إذ الفاسد لا ينقلب صحيحاً(3).

و لو صرّحا بالتأجيل في نفس العقد و عيّناه، صحّ العقد، فإن أسقطاه في المجلس، لم يسقط إلّا بالتقايل، و لا يصير العقد حالّا.

و قال الشافعي: يسقط، و يصير حالّا(4).

إذا ثبت هذا، فاعلم أنّ الشرط المبطل للعقد إذا حذفاه في المجلس، لم ينحذف، و لم ينقلب العقد صحيحاً، و هو ظاهر مذهب الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: لو حذفا الأجل المجهول في المجلس، انحذف، و صار العقد صحيحاً(6).

و اختلفت الشافعيّة في جريان هذا الوجه في سائر المبطلات، كالخيار و الرهن الفاسدين و غيرهما. فمنهم مَنْ أجراه مجري الأجل(7).

و قال الجويني: الأصحّ تخصيصه بالأجل؛ لأنّ بين الأجل و المجلس مناسبةً لا توجد في سائر الأُمور، و هي أنّ البائع لا يملك مطالبة المشتري3.

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 396:4، و روضة الطالبين 247:3.
3- العزيز شرح الوجيز 396:4.
4- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
5- العزيز شرح الوجيز 397396:4، روضة الطالبين 247:3.
6- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 247:3.
7- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248247:3.

بالثمن في المجلس، كما لا يملكها في مدّة الأجل، فلم يبعد إصلاح الأجل في المجلس(1).

و اختلفوا أيضاً في أنّ زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الأجل المجهول ؟ تفريعاً علي هذا الوجه. و الأظهر عندهم: أنّه لا يلحق(2).

مسألة 430: يشترط في الأجل المشروط في عقد السَّلَم أن يكون معيّناً مضبوطاً

محروساً من الزيادة و النقصان، كالشهر و السنة المعيّنين، فلو عيّنا أجلاً يحتمل الزيادة و النقصان كالحصاد و موسم الحاجّ و الزائرين و قدوم القوافل و طلوع الثريّا و إدراك الغلّات لم يجز، و بطل العقد عندنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) لما رواه العامّة من قوله (صلّي اللّه عليه و آله): «مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(4)الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 167:3، 740، التهذيب 27:7، 116 بتفاوت يسير.(5).

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلي أجل معلوم، لا يسلم إلي دياس و لا إلي حصاد»(5).

و لأنّ الأجل إذا كان مجهولاً، تعذّر القبض و المطالبة، فلم يصح.

و قال مالك: إذا أسلم إلي الحصاد أو الموسم أو ما أشبه ذلك، جاز؛ لأنّه أجل تعلّق بوقت من الزمان يعرف في العادة لا يتفاوت اختلافه اختلافاً

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3.
2- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 373372:4، الوسيط 426:3، العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3، مختصر اختلاف العلماء 21:3، 1090، بداية المجتهد 204203:2، المغني 356:4، الشرح الكبير 358:4.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 261، الهامش
5- .

كثيراً، فأشبه ما إذا قال: إلي المهرجان. و لأنّ يهوديّاً بعث [إليه النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) - فيما روته] عائشة(1) أن ابعث إليَّ ثوبين إلي الميسرة(2)(3).

و الجواب: قد روي العامّة عن ابن عباس أنّه قال: لا تبايعوا إلي الحصاد و الدياس، و لا تبايعوا إلّا إلي شهر معلوم(4). و نحوه روي الخاصّة عن أمير المؤمنين(5) (عليه السّلام).

و لأنّ ذلك يختلف و يقرب و يبعد، فلا يجوز أن يكون أجلاً، و لا يناط به ما يحتاج إلي التعيين من المطالبة و الأخذ و العطاء و استحقاق الحبس مع المنع.

و المهرجان معروف لا يختلف فيه.

و رواية عائشة لا دلالة فيها، مع أنّ راويها حرمي بن عمارة و كان فيه غفلة. قال ابن المنذر: لا نتابعه عليه أخاف أن يكون من غفلاته(6).

فروع:

أ المعلوم أن يسلم إلي شهر من شهور الأهلّة، فيقول: إلي شهر4.

ص: 267


1- وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة هكذا: «و لأنّ يهوديّاً بعث إلي عائشة» إلي آخره. و هو غلط واضح. و ما أثبتناه ممّا بين المعقوفين موافق لما في المصادر المشار إليها في الهامش التالي.
2- سنن الترمذي 518:3، 1213، سنن النسائي 294:7، سنن البيهقي 25:6، المستدرك للحاكم 23:2 و 24.
3- بداية المجتهد 204203:2، المعونة 989:2، مختصر اختلاف العلماء 22:3، 1090، العزيز شرح الوجيز 397:4، المغني 357356:4، الشرح الكبير 359358:4.
4- المغني 356:4، الشرح الكبير 359:4.
5- الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 167:3، 740، التهذيب 27:7، 116.
6- المغني 357:4، الشرح الكبير 359:4.

كذا؛ لقوله تعالي يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فإذا ذكر هذا الأجل، جاز إجماعاً. و كذا يجوز إلي سنة كذا و يوم كذا بلا خلاف.

ب يجوز التأقيت بشهور الفرس ك «تير ماه» و «مرداد ماه» أو بشهور الروم ك «حزيران» و «تمّوز» كالتأقيت بشهور العرب؛ لأنّها معلومة مضبوطة عند العامّة.

ج يجوز التأقيت بالنيروز و المهرجان و به قال الشافعي(2) لأنّه معلوم عند العامّة.

و نُقل عن بعض الشافعيّة وجهٌ أنّه لا يجوز التأقيت بهما؛ لأنّ النيروز و المهرجان يطلقان علي الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلي أوائل برجي الحمل و الميزان، و قد يتّفق ذلك ليلاً ثمّ يختلس مسير الشمس كلّ سنة بمقدار ربع يوم و ليلة(3).

د لو وقّتاه بفصح النصاري و هو عيد من أعيادهم أو بعيد من أعياد أهل الذمّة، كالشعانين و عيد الفطير، قال الشافعي: لا يجوز(4).

و اختلف أصحابه، فأخذ بعضهم بهذا الإطلاق؛ تجنّباً عن التأقيت3.

ص: 268


1- البقرة: 189.
2- الوسيط 426:3، المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 248:3.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249248:3.
4- المهذّب للشيرازي 306:1، حلية العلماء 374:4، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.

بمواقيت الكفّار(1).

و أكثرهم فصّلوا، فقالوا: إن اختصّ بمعرفة وقته الكفّار و لم يكن معلوماً عندنا البتّة، فالأمر كذلك؛ لأنّه لا اعتماد علي قولهم. و لأنّهم يقدّمونه و يؤخّرونه علي حسابٍ لهم، و لا يجوز الركون [إليهم(2)] قال اللّه تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (3) و إن عرفه المسلمون، جاز، كالنيروز و المهرجان(4). و هو المعتمد عندي.

و كذا لو أخبر الكثيرون البالغون مبلغ التواتر بحيث يؤمن عليهم التواطؤ علي الكذب؛ لانتشارهم في البلاد الكبار من الكفّار.

و هل يعتبر معرفة المتعاقدين ؟ قال بعض الشافعيّة: نعم(5).

و قال بعضهم: لا يعتبر، و يكتفي بمعرفة الناس، و سواء اعتبر معرفتهما أو لا [فلو(6)] عُرّفا، كفي(7).

و في وجهٍ للشافعيّة: لا بُدَّ من معرفة عَدْلين من المسلمين سواهما؛ لأنّهما قد يختلفان، فلا بُدَّ من مرجع(8).

ه لو أجّله إلي عرفة أو الغدير عاشوراء أو يوم المبعث، جاز؛ لأنّ3.

ص: 269


1- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إليه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- هود: 113.
4- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
5- التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
6- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لو». و ما أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
8- التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.

ذلك معلوم.

و لو وقّته بمولد النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) و كانا يعرفانه أو يعتقدانه، جاز، و إلّا فلا؛ لاختلاف الناس فيه، فعندنا أنّه السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، و عند جماعة من العامّة: الثاني عشر(1).

و لو قال: إلي الظهر أو الزوال أو إلي العصر أو إلي الليل، جاز؛ لأنّه معلوم، بخلاف الشتاء أو الصيف.

ز لو وقّت بنفير الحجيج، فإن أقّته بالأوّل أو الثاني، جاز. و إن أطلق، احتُمل البطلان؛ لتردّد المحلّ بين النفيرين.

و قال الشافعي: يحمل علي الأوّل؛ لأنّه أوّل ما يتناوله الاسم، و لتحقّق الاسم به. و كذا الخلاف لو قال: إلي «ربيع» أو «جمادي» أو العيد، و لا يحتاج إلي تعيين السنة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ التوقيت بالنفر الأوّل أو الثاني لأهل مكة جائز؛ لأنّه معروف عندهم، و لغيرهم وجهان(3).

و إن عيّن التوقيت بيوم القَرّ(4) لأهل مكة، وجهان أيضاً؛ لأنّه لا يعرفه إلّا خواصّهم(5).

و قال بعضهم: هذا ليس بشيء؛ لأنّا إن اعتبرنا علم المتعاقدين،3.

ص: 270


1- انظر: السيرة النبويّة لابن هشام 167:1، و البدء و التاريخ 44:2، و دلائل النبوّة للبيهقي 74:1.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، الوجيز 155:1، العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
3- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
4- يوم القَرّ: اليوم الذي يلي عيد النحر؛ لأنّ الناس يقرّون في منازلهم، أو يقرّون بمني. لسان العرب 87:5 «قرر».
5- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.

فلا فرق، و إلّا فهي مشهورة في كلّ ناحية عند الفقهاء و غيرهم(1).

ح لو قال: إلي الجمعة، حُمل علي الأقرب في الجُمع. و كذا غيره من الأيّام؛ قضيّةً للعرف المتداول بين الناس، بخلاف «جمادي» و «ربيع».

ط لو أجّله إلي الجمعة، حلّ بأوّل جزء منه؛ لتحقّق الاسم، فإذا طلع الفجر من يوم الجمعة، فقد حلّ.

و لو قال: إلي شهر رمضان، فإذا غربت الشمس من آخر شعبان، فقد حلّ الشهر، و يحلّ الدَّيْن.

و الفرق بينهما: أنّ اليوم اسم لبياض النهار، و الشهر يشتمل علي الليل و النهار.

و ربما يقال: يحلّ بانتهاء ليلة الجمعة و انتهاء شعبان(2). و المقصود واحد.

ي لو قال: محلّه في الجمعة، أو في رمضان، أو في سنة كذا و كذا، فإن لم يعيّن أوّل ذلك أو آخره، بطل و به قال الشافعي(3) لأنّه جعل اليوم ظرفاً لحلوله و لم يبيّن. و كذا الشهر و السنة و لم يبيّن، فيكون تقديره: أنّه في وقت من أوقات يوم الجمعة.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز، و يُحمل علي الأوّل، كما لو قال: أنت طالق في يوم كذا(4).3.

ص: 271


1- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 400:4، و روضة الطالبين 250:3.
3- المهذّب للشيرازي 307306:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 250:3.
4- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 250:3.

و فرّق الأوّلون بأنّ الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل(1).

و لو قيل بجوازه علي تقدير أنّ الأجل متي شاء البائع أو المشتري في أيّ وقت كان من يوم الجمعة أو من الشهر أو من السنة المذكورة، كان وجهاً، و يتخيّر مَنْ جُعل المشيئة إليه في مبدأ الوقت إلي آخره أيّ وقت طالب أو دفع اجبر الآخر علي القبول، بخلاف المشيئة المطلقة.

لو أجّله إلي أوّل الشهر أو آخره، صحّ، و حُمل علي أوّل جزء من أوّل يوم من الشهر، أو علي آخر جزء من الشهر، كما لو أجّل إلي يوم الجمعة، حُمل علي أوّله و إن كان اسم اليوم عبارةً عن جميع الأجزاء. و لأنّه لو قال: إلي شهر كذا، حمل علي أوّل جزء منه، فقوله: «إلي أوّل شهر كذا» أقرب إلي هذا المعني ممّا إذا أطلق ذكر الشهر، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و المشهور عندهم: البطلان؛ لأنّ اسم الأوّل و الآخر يقع علي جميع النصف، فلا بُدَّ من البيان، و إلّا فهو مجهول(3).

و هو ممنوع؛ لأنّ الأوّل أغلب في العرف.

يب لو أجّله إلي سنة أو سنتين، صحّ، و حمل مطلقه علي الهلاليّة؛ لأنّها أغلب استعمالاً و أظهر عند العرف؛ فإن قيّد بالفارسيّة أو الروميّة أو الشمسيّة، تقيّد بالمذكور. و لو قال بالعدد، فهو ثلاثمائة و ستّون يوماً. و كذا لو قال: إلي خمسة أو ستّة أشهر، حُملت الأشهر علي الهلاليّة؛ لأنّه المتعارف.3.

ص: 272


1- المهذّب للشيرازي 307:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4.
2- التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 251:3.
3- التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 251:3.

ثمّ إن وقع العقد في أوّل الشهر؛ اعتبر الجميع بالأهلّة تامّةً كانت أو ناقصةً، فإن جري في أثناء الشهر، عُدّ ما بقي منه بالأيّام، و عُدّت الأشهر بعد ذلك بالأهلّة، ثمّ يتمّم المذكور بالعدد ثلاثين؛ لأنّ الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين إلّا أنّ في الشهر المنكسر لا بُدَّ من الرجوع إلي العدد؛ لئلّا يؤخّر أمد الأجل عن العقد، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه إذا انكسر الشهر، انكسر الجميع، فيعتبر الكلّ بالعدد(2). و هو قول أبي حنيفة(3).

و ضرب الجويني مثلاً للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض الانكسار، فقال: عقدا و قد بقي من صفر لحظة و نقص الربيعان و جمادي، فيحسب الربيعان بالأهلّة، و يضمّ جمادي إلي اللحظة الباقية من صفر، و يكملان بيوم من جمادي الآخرة سوي لحظة(4).

و قطع بعض الشافعيّة بالحلول عند انسلاخ جمادي في الصورة المذكورة، و أنّ العدد إنّما يراعي لو جري العقد في غير اليوم الأخير(5).

مسألة 431: لا ضابط للأجل قلّةً و كثرةً،

بل مهما اتّفقا عليه من الأجل القليل أو الكثير إذا كان معيّناً، صحّ العقد عليه.

و قال الأوزاعي: أقلّ الأجل ثلاثة أيّام(6). و ليس بمعتمد.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
2- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
3- العزيز شرح الوجيز 399:4.
4- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
5- العزيز شرح الوجيز 400399:4، روضة الطالبين 250:3.
6- حلية العلماء 360:4، مختصر اختلاف العلماء 7:3، 1070، المغني 357:4، الشرح الكبير 355:4.
مسألة 432: لو أسلم في جنسٍ واحد إلي أجلين

أو أسلم في جنسين إلي أجلٍ واحد كما لو أسلم في قفيزي حنطة إلي شهرين يسلّم أحدهما في آخر الشهر الأوّل و الباقي في آخر الثاني، أو أسلم في قفيز حنطة و قفيز شعير إلي شهر يسلّمهما في آخره صحّ عندنا و هو أصحّ قولي الشافعي(1) للأصل.

و الثاني: البطلان في الصورتين؛ لأنّه ربما يتعذّر تسليم بعض النجوم أو بعض الأجناس فيه، فيرتفع العقد فيه، و يتعدّي إلي الباقي(2).

و هو خطأ، و إلّا لزم في القفيز الواحد ذلك؛ لجواز تعذّر بعضه.

مسألة 433: إذا جعل الأجل العطاء، فإن قصد فعله، بطل؛

لتقدّمه و تأخّره، فلا ينضبط. و إن قصد وقته، صحّ إن كان معلوماً، و إلّا فلا. و لو قال: إلي شهر، و أطلق، اقتضي اتّصاله، و وقت العقد مبدأ الشهر فالأجل آخره. و كذا إلي شهرين أو إلي ثلاثة أو إلي سنة أو سنتين، بخلاف المعيّن، فإنّه يحلّ بأوّله.

و لا يشترط في الأجل أن يكون له وَقْعٌ في الثمن، فلو قال: إلي نصف يوم، صحّ؛ للعموم.

ص: 274


1- المهذّب للشيرازي 307:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 98، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 375:4، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 401400:4، روضة الطالبين 251:3.
2- المهذّب للشيرازي 307:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 98، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 375:4، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 401400:4، روضة الطالبين 251:3.
البحث الثاني: العلم.
اشارة

و فيه بابان:

الأوّل: الجنس.

مسألة 434: يجب أن يكون المُسْلَم فيه معلوماً عند المتعاقدين؛

لرواية العامّة عنه (صلّي اللّه عليه و آله) «مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(2)(3).

و لأنّ المُسْلَم فيه عوض غير مشاهد يثبت في الذمّة، فلا بُدَّ من كونه معلوماً.

و إنّما يتحقّق العلم بالمُسْلَم فيه بأمرين: ذِكْر اللفظ الدالّ علي الحقيقة، أعني لفظ الجنس، كالحنطة و الشعير و الأرز و العبد و الثوب و أشباه ذلك. و ذِكْر اللفظ المميّز، و هو ما يوصف به ممّا يميّزه عن جميع ما عداه ممّا يشاركه في الجنس كثيراً برفع الجهالة، كصرابة(4) الحنطة و حمرتها و دقّتها و غلظها و غير ذلك من الأوصاف، فلو لم يذكر الجنس بل قال: بعتك شيئاً صريباً، أو ذكره و لم يذكر الوصف، بطل، سواء كان ممّا

ص: 275


1- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 259، الهامش (5).
2- الكافي 199:5، 3، التهذيب 27:7، 113.
3- في «ي» زيادة: «و قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): لا بأس بالسَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول و العرض». انظر: التهذيب 27:7، 115.
4- صربت الأرض و اصْرَأَبَّ الشيء: املاسَّ وصفا. لسان العرب 523:1 «صرب».

لا ينضبط بالوصف، أو كان و أهمل؛ لأنّ البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه و هو عينٌ فلأنّ لا يحتملها السَّلَم و هو دَيْنٌ أولي.

مسألة 435: يجب أن يذكر كلّ وصف تختلف القيمة به

اختلافاً ظاهراً لا يتغابن الناس بمثله في السَّلَم؛ إذ بدونه يثبت الغرر المنهيّ عنه.

و يجب أن يأتي في ذكر الوصفين باللفظ الظاهر استعماله بين الناس غير خفيّ الدلالة علي المعني عند أهل اللغة بحيث يرجعان إليه عند الاختلاف.

و لا يجب الاستقصاء في الأوصاف إلي أن يبلغ الغاية بحيث يعزّ وجودها و يندر حصولها، فلو أفضي الإطناب إلي عزّة الوجود، كاللآلي الكبار التي يفتقر إلي التعرّض فيها للحجم و الشكل و الوزن و الصفاء، و اليواقيت الكبار و الزبرجد و المرجان التي تفتقر إلي الحجم و الوزن و الشكل و الصفاء؛ لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف، و اجتماعها نادر جدّاً، فيكون بمنزلة السلف فيما يتعذّر حصوله في الأجل.

أمّا اللآلي الصغار التي يعمّ وجودها و يمكن ضبطها بالوزن أو الكيل و ضبط أوصافها التي تختلف القيمة باختلافها فإنّه يصحّ السَّلَم فيها علي الأقوي؛ للأصل الجامع لشرائط الصحّة من إمكان الضبط بالأوصاف المطلوبة، الخالي عن المبطل.

مسألة 436: كلّ ما لا يمكن ضبط أوصافه المرغوب فيها المختلفة الأثمان باختلافها لا يصحّ السَّلَم فيه،

و ذلك كالخبز و اللحم و اللآلي و الدرر و الجواهر التي لا يمكن ضبطها، و تختلف صغراً و كبراً(1) و صفاءً و كدورةً و جودةً و رداءةً و حسن تدوير و ضدّه، و لا في الجلود؛ لاختلافها، فالوركان».

ص: 276


1- في الطبعة الحجريّة: «كبيراً و صغيراً».

ثخين قويّ و الصدر ثخين رخو، و البطن رقيق ضعيف، و الظهر أقوي، فإذا كان مختلفاً، احتاج كلّ موضع منه إلي وصفٍ و لا يمكن ضبطه، و لا يمكن ذرعه؛ لاختلاف أطرافه، فمنها داخل و خارج و زائد و ناقص، و لا يمكن ضبط ذلك بالوزن؛ لأنّ جلدين يتّفقان في الوزن و يختلفان في القيمة؛ لخفّة أحدهما و سعته، و ثقل الآخر و ضيقه.

و كذا الرقّ لا يجوز السَّلَم فيه؛ لأنّه جلد تختلف أوصافه علي ما تقدّم.

و كذا لا يجوز السلف فيما يتّخذ من الجلود، كالنعال المحدثة؛ لاختلاف الجلد. و كذا الخفاف؛ لما فيها من اختلاف الجلود و الحشو الذي لا يوقف عليه، و اشتمالها علي ظهارة و بطانة و حشو تضيق العبارة عن ضبطها و ذكر أطرافها و انعطافاتها.

و حكي عن ابن سريج جواز السَّلَم فيها(1) ، و به قال أبو حنيفة(2).

تذنيب: و لا يجوز السَّلَم في العقار؛ لاختلاف البقاع، و عدم إمكان ضبطها، فلا يصحّ الإطلاق فيها، بل يفتقر إلي التعيين في موضع بعينه، فيكون بيع عين موصوفة، و لا يكون سَلَماً.

مسألة 437: المختلطات علي أقسام أربعة:

أ المقصودة الأركان التي يمكن ضبط أقدارها و صفاتها، كالثياب العتابيّة و الخزوز المركّبة من الإبريسم و الوبر.

و هذا القسم يصحّ السَّلَم فيه عندنا و هو أصحّ وجهي الشافعيّة؛4.

ص: 277


1- العزيز شرح الوجيز 408:4.
2- بدائع الصنائع 309:5، العزيز شرح الوجيز 408:4.

لسهولة ضبط أوصاف بسائطها، و هو منصوص الشافعي(1) لقول الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(2).

و الآخر: أنّه لا يجوز كالسَّلَم في الغالية و المعجونات(3).

و نمنع حكم الأصل، مع إمكان ضبط البسائط.

و لو كان الثوب ممّا يُعمل عليه الطراز بالإبرة بعد النسج من غير جنس الأصل، كالإبريسم علي القطن أو الكتّان، فإن أمكن معرفة تركيبها و ضبط أركانها، جاز، و إلّا فلا.

ب المختلطات التي لا يمكن ضبط أوصاف بسائطها كالهرائس و الأمراق و الحلاوات و المعاجين و الجوارشات(4) و الغالية المركّبة من المسك و العنبر و الكافور لا يصحّ السَّلَم فيها؛ للجهل ببسائطها مع تعلّق الأغراض بها، و به قال الشافعي(5). أمّا لو أمكن معرفة بسائطها و ضبط أوصافها، فإنّه يصحّ السَّلَم فيها، و كانت من القسم الأوّل.

ج المختلطات التي لا يقصد منها إلّا الخليط الواحد كالخَلّ من التمر و الزبيب فيه الماء لكنّه غير مقصود في نفسه، و إنّما يطلب به إصلاح الخَلّ، و يجوز السَّلَم فيه؛ لإمكان ضبطه بالوصف. و احتياجه إلي الماء؛ إذ3.

ص: 278


1- حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
2- الكافي 199:5، 1، التهذيب 27:7، 113.
3- التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
4- الجوارش: نوع من الحلاوات. معرّب. أقرب الموارد 116:2 «جرش».
5- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 581:3، العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3.

لا يمكن قوامه بدونه لا يُخرجه عن الجواز.

و للشافعيّة وجهان، هذا أظهرهما. و الثاني: المنع؛ لاشتماله علي الماء، فأشبه المخيض(1). و الأصل ممنوع.

و أمّا الخبز: فعندنا لا يجوز السَّلَم فيه؛ لاختلاف أجزائه في النضج و عدمه و الخفّة و الغلظ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، لا لما قلناه، بل لأمرين: اختلاطه بالملح، و يختلف الغرض بحسب كثرة الملح و قلّته. و الثاني(2): تأثير النار فيه(3).

و لا عبرة عندنا بالوجهين.

و الثاني لهم: الجواز و به قال أحمد لأنّ الملح فيه مستهلك، فصار الخبز في حكم الشيء الواحد(4).

و نحن لم نعلّل بالمزج، بل بالاختلاف الذي لا يمكن ضبطه.

و الوجهان عند الشافعيّة جاريان في السمك الذي عليه شيء من الملح(5).

و لا بأس به عندنا مع إمكان ضبطه.3.

ص: 279


1- التهذيب للبغوي 579:3، العزيز شرح الوجيز 410409:4، روضة الطالبين 258257:3.
2- أي: الأمر الثاني.
3- المهذّب الشيرازي 304:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 66 67، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258257:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3، المغني 340:4، الشرح الكبير 344:4.
5- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3.

و الجبن يجوز السَّلَم فيه أيضاً مع إمكان ضبطه، و به قال الشافعيّة(1).

و اعترض بعضهم باشتماله علي الإنفحة، و عندهم المختلط لا يجوز السَّلَم فيه.

و أجابه(2) بأنّه ليس مقصوداً، و الممنوع منه إنّما هو السَّلَم في الأخلاط المقصودة؛ لجهالة كلّ واحد منها(3).

و أمّا اللبن الحليب: فيجوز السلف فيه إجماعاً مع وصفه المنضبط.

و أمّا المخيض فعندنا كذلك.

و مَنَع الشافعي منه؛ لاشتماله علي الماء، فإنّه لا يخرج الزبد منه إلّا به، بخلاف خلّ التمر؛ لأنّ الماء عماده و به يكون، و هذا الماء فيه ليس من مصلحته، فصار المقصود منه مجهولاً(4).

و نمنع صيرورة المصلحة علّةً في المعرفة و عدمها علّةً في الجهالة.

و أمّا الأقط: فإنّه يجوز السَّلَم فيه؛ لإمكان ضبطه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه كالجبن يجوز السَّلَم فيه.

و الثاني: أنّه كالمخيض لا يجوز؛ لما فيه من الدقيق(5).

و أمّا الأدهان الطيّبة كدهن البنفسج و اللينوفر و البان و الورد فإنّه يجوز السَّلَم فيها مع إمكان ضبطها.

و قالت الشافعيّة: إن خالطها شيء من جرم الطيب، لم يجز السَّلَم3.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3.
2- في هامش الطبعة الحجريّة: «و جوابه. خ ل».
3- لم نعثر علي الاعتراض و الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4 و 410، روضة الطالبين 258:3.
5- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.

فيها. و إن مزج السمسم بها ثمّ اعتصرها، جاز(1).

د المختلطات في أصل الخلقة، كالشهد. و يجوز السلف فيه و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّ اختلاطه في أصل خلقته، فأشبه النوي في التمر، و كما يجوز السَّلَم في الشهد يجوز في كلّ واحد من ركنية.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ أحد جزءيه الشمع، و قد يقلّ تارة و يكثر اخري، فلا يمكن ضبطه(3).

و هذه الكثرة و القلّة لم يعتبرها الشارع، كما في صغر النواة و كبرها.

و أمّا اللبن: فإنّه شيء واحد يجوز السَّلَم فيه إجماعاً و إن كان قد يحصل منه شيئان مختلفان، كالزبد و المخيض.

مسألة 438: اللحم لا يجوز السلف فيه

عند علمائنا و به قال أبو حنيفة(4) لأنّه لا يضبط بالوصف، ففيه السمين و الهزيل، و المشتمل علي العظم و الخالي عنه، و اللين و القويّ.

و لأنّ جابراً سأل الباقرَ (عليه السّلام) عن السلف في اللحم، قال: «لا تقربه فإنّه يعطيك مرّة السمين، و مرّة التاوي(5) ، و مرّة المهزول، اشتره معاينة يداً بيد»(6).3.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
2- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
3- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
4- تحفة الفقهاء 15:2، بدائع الصنائع 210:5، الهداية للمرغيناني 72:3، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1077، فتاوي قاضيخان 118:2، بداية المجتهد 202:2، المغني و الشرح الكبير 342:4.
5- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «المساوي» بدل «التاوي». و التاوي: الهالك. لسان العرب 106:14 «توا».
6- الفقيه 167:3، 738، التهذيب 45:7، 193.

و قال الشافعي: يجوز؛ لأنّه يجوز في الحيوان فيجوز في اللحم(1).

و الملازمة ممنوعة.

و لا فرق في المنع عندنا بين المطبوخ منه و النيء.

إذا ثبت هذا، فإنّ الشافعي حيث جوّزه قال: يضبط بسبعة(2) أوصاف: الجنس، كلحم الغنم. و النوع، كالضأن. و السنّ، فيقول: لحم صغير أو كبير، فطيم أو رضيع. و الذكر و الأُنثي، و السمين و المهزول، و المعلوف و الراعي، و موضعه من البدن، كلحم الرقبة أو الكتف أو الذراع، و فحل أو خصيّ، و تسليمه إليه مع العظام؛ لأنّ اللحم يدّخر معه، فأشبه النوي في التمر. و لأنّ العظم يلتصق باللحم و يتّصل به أكثر من اتّصال النوي بالتمر. و إن أسلم في مشويّ أو مطبوخ، لم يجز عنده؛ لأنّ النار تختلف فيه. و كره اشتراط الأعجف و إن لم يكره المهزول؛ لأنّ العجف هزال مع مرض. و لأنّ الحموضة في اللبن لا يجوز شرطها؛ لأنّها تغيّر فالعجف أولي(3).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ للمنع من السلف في اللحم.

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين لحم الأهلي و لحم الصيد في المنع عندنا3.

ص: 282


1- الاُم 110:3، التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 416:4، روضة الطالبين 262:3، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1077، بداية المجتهد 202:2، المغني و الشرح الكبير 342:4.
2- كذا حيث إنّ المذكور هنا ثمانية أوصاف. و في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين» ذكرا الفحل أو الخصي من توابع الشرط الرابع الذي هو الذكورة و الأُنوثة، لا شرطاً مستقلا.
3- العزيز شرح الوجيز 417416:4، روضة الطالبين 263262:3.

و الجواز عنده.

و يذكر عنده في لحم الصيد ستّة(1) أوصاف: النوع، و الذكر أو الأُنثي، و السمن أو الهزال، و الصغر أو الكبر، و الجيّد أو الرديء. و إن كان يختلف بالآلة التي يصطاد بها، شرطه، فإنّ صيد الأُحبولة أنظف و هو سليم، و صيد الجارح مجروح متألّم، و يقال: صيد الكلب أطيب من صيد الفهد؛ لطيب نكهة الكلب و تغيّر فم الفهد، فإن كان ذلك يتباين و يختلف، وجب شرطه. و إن كان اختلافاً يسيراً، لم يجب. فإن كان الصيد يعمّ وجوده في جميع الأزمان، أسلم فيه، و جعل محلّه ممّا يتّفقان عليه. و إن كان يوجد في وقتٍ دون وقت، أسلم فيه متي شاء، و جعل محلّه الوقت الذي يوجد فيه عامّاً(2).

و هذا كلّه عندنا ساقط؛ للمنع من السلف في اللحم، و هو قول أبي حنيفة(3)في صدر المسألة.(4).

و أمّا لحم الطير فلا يجوز السلف فيه عندنا علي ما تقدّم(4) ، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: يجوز بناءً علي أصله من جواز السلف في اللحوم، فيصف لحم الطير عنده بالنوع و الصغر و الكبر و السمن و الهزال و الجودة3.

ص: 283


1- المذكور هنا خمسة أوصاف، و لعلّ السادس: الجنس، انظر: المصدر في الهامش التالي.
2- العزيز شرح الوجيز 417:4، روضة الطالبين 263:3.
3- راجع المصادر في الهامش
4- من ص 283.
5- راجع المصادر في الهامش (4) من ص 283.

و الرداءة. و إن كان كبيراً، يذكر موضع اللحم منه، و لا يأخذ في الوزن الرأس و الساق و الرِّجْل؛ لأنّ ذلك لا لحم عليه(1).

مسألة 439: قد بيّنّا أنّ الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلي عزّة الوجود و عسر التحصيل مبطل للسَّلَم؛

لما فيه من تعذّر التسليم، الذي هو مانع من صحّة البيع. و لأنّ في عقد السَّلَم نوعَ غرر، فلا يحصل إلّا فيما يوثق بتسليمه.

ثمّ الشيء قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه، كلحم الصيد في موضع العزّة، و قد لا يكون كذلك إلّا أنّه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي يجب التعرّض لها، عزّ وجوده؛ لندور اجتماعها، كاللآلي الكبار و اليواقيت و الزبرجد علي ما بيّنّا، و كجارية حسناء معها ولد صفته كذا، أو أُخت أو عمّة بحيث يتعذّر حصوله، فإنّه لا يجوز. و لو لم يتعذّر كجارية معها ولد أو شاة لها سخلة فإنّه يجوز عندنا.

و بالجملة، الضابط عزّة الوجود و تعذّره، فيبطل معه و يصحّ بدونه.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: يجب التعرّض للأوصاف التي تختلف بها الأغراض. و بعضهم اعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة. و بعضهم جمع بينهما(2).

و ليست هذه الأقوال بشيء؛ لأنّ كون العبد كاتباً أو أُمّيّا، و كونه قويّاً في العمل أو ضعيفاً أوصاف يختلف بها الغرض و القيمة، و لا يجب التعرّض لها.3.

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 417:4، روضة الطالبين 263:3.
2- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 257:3.

إذا ثبت هذا، فإطلاق الشافعي المنع من السلف في الجارية و ولدها(1) ليس بشيء.

إذا ثبت هذا، فيجب ذكر الصفات المميّزة في الولد المنضمّ إلي الجارية أو الأُخت أو العمّة، كما في صفات الجارية.

مسألة 440: لو شرط كونها حبلي، فالأقرب: الجواز؛

لأنّه وصف مرغوب فيه عند العقلاء، و تختلف به الأغراض و الأثمان، لا يوجب عزّةً و لا تعذّراً في التسليم، فكان جائزاً، كغيره من الشروط.

و للشافعيّة طريقان: أظهرهما: المنع؛ لأنّ اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر(2).

و هو ممنوع؛ لأنّه شرط يمكن حصوله، فجاز انضمامه إلي الشروط و الصفات المشروطة، كما لو شرط كون العبد كاتباً، و كون الجارية ماشطةً مع الصفات المشروطة.

و الثاني: قال أبو إسحاق و جماعة: إنّه علي قولين بناءً علي أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟ إن قلنا: له حكم، جاز، و إلّا فلا؛ لأنّه لا يعرف حصوله(3).

و هو ممنوع؛ لإمكان المعرفة به.

و لو شرط كون الشاة لبوناً، فالأقرب: الجواز. و للشافعيّة قولان(4).

مسألة 441: و لو أسلم في جارية و ولد، جاز،

و به قال الشافعي (5)3.

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 411:4، روضة الطالبين 259:3.
2- حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
3- حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
4- العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
5- انظر: التهذيب للبغوي 577:3.

حيث لم يشترط نسبة الولد إليها، و يكون ذلك شراء جارية كبيرة و عبد صغير إذا لم يقل: ابنها.

و نحن قد بيّنّا جواز ذلك أيضاً.

و لو شرط في العبد أنّه كاتب أو صانع أو غير ذلك من الصنائع، أو كون الجارية ماشطةً أو صانعةً، جاز، و لزمه أدني ما يقع عليه الاسم، و به قال الشافعي(1).

مسألة 442: يجوز السَّلَم في الحيوان بسائر أنواعه

عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(2) لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أمرني رسول اللّه صلي الله عليه و آله أن أُجهّز جيشاً و ليس عندنا ظهر، فأمره النبيّ صلي الله عليه و آله أن يبتاع البعير بالبعيرين و بالأبعرة إلي خروج المصدّق(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بالسَّلَم في الحيوان إذا سمّيت الذي تسلم فيه فوصفته، فإن وفيته و إلّا فأنت أحقّ بدراهمك»(4).

و عن زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال: «لا بأس بالسَّلَم في4.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 412411:4، روضة الطالبين 259:3.
2- التهذيب للبغوي 576:3، شرح السنّة للبغوي 130:5، حلية العلماء 362:4، الوسيط 438:3، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3، بداية المجتهد 201:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 338، المعونة 985:2، الاستذكار 92:20، 29382، مختصر اختلاف العلماء 12:3، 1082، المغني 341:4، الشرح الكبير 339:4.
3- سنن البيهقي 287:5 و 288، المصنّف لعبد الرزّاق 2322:8، 14144.
4- التهذيب 41:7، 174.

الحيوان و المتاع إذا وصفت الطول و العرض، و في الحيوان إذا وصفت أسنانها»(1).

و لأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً، كالثياب.

و قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم في الحيوان؛ لأنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّ من الربا أبواباً لا تحصي(2) ، و إنّ منها السلف في السنّ. و لأنّ الحيوان يختلف كثيراً، فلا يمكن ضبطه بالصفة، فأشبه رؤوس الحيوان و كوارعه(3).

و حديث عمر ليس حجّةً، و لو كان فهو حديث لم يعرفه أصحاب الاختلاف. و أيّ ربا فيه ؟ مع أنّه محمول علي أنّه أراد ما كانوا يسلمون فيه و يشترطون من ضراب فحل بني فلان، علي أنّه قد روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام باع جملاً له يدعي(4) عصيفيراً(5) بعشرين بعيراً إلي أجل(6). و اشتري ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة يوفّيها صاحبها بالربذة(7). و ما ذكروه من اختلافه يستلزم عليه الثياب. و الأطراف لا تثبت صداقاً، بخلاف5.

ص: 287


1- التهذيب 41:7، 175.
2- في المغني و الشرح الكبير: «لا تخفي» بدل «لا تحصي».
3- المغني 340:4، الشرح الكبير 339:4، مختصر اختلاف العلماء 82:3، 1082، بدائع الصنائع 209:5، الاستذكار 92:20، 29384، شرح السنّة للبغوي 130:5، حلية العلماء 362:4، التهذيب للبغوي 576:3، الحاوي الكبير 399:5، الوسيط 438:3، بداية المجتهد 201:2.
4- في الطبعة الحجريّة: «يسمّي» بدل «يدعي».
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عصفر». و ما أثبتناه من المصادر.
6- الموطّأ 652:2، 59، سنن البيهقي 288:5، و 22:6، معرفة السنن و الآثار 192:8، 11602، شرح السنّة للبغوي 56:5.
7- الموطّأ 652:2، 60، سنن البيهقي 288:5، و 22:6، معرفة السنن و الآثار 192:8، 11603، شرح السنّة للبغوي 56:5.

الحيوان.

مسألة 443: لا يجوز السَّلَم في رؤوس الحيوانات المأكولة،

سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين في النيّة، أمّا المطبوخة و المشويّة فلا يجوز قولاً واحداً؛ لاختلاف تأثير النار في ذلك، فلم يجز، كما لا يجوز السَّلَم في اللحم المشويّ و المطبوخ. أمّا النيّة فوجه المنع: أنّ أكثر الرأس العظام و المشافر، فاللحم فيه قليل يختلف، فإذا كان أكثره غير مقصود، لم يجز، بخلاف اللحم عنده يكون فيه العظم؛ لقلّة العظم فيه، فالأكثر مقصود و عندنا أنّ اللحم كالرأس في المنع و بخلاف الحيوان، فإنّ المقصود جملة الحيوان من غير التفات إلي آحاد الأعضاء.

و القول الثاني له: الجواز في النيّة و به قال مالك لأنّ ذلك لحم فيه عظم يجوز شراؤه، فجاز السَّلَم فيه، كاللحم(1).

و الملازمة ممنوعة، فليس كلّ ما جاز بيعه جاز السلف فيه.

و علي تقدير الجواز إنّما يجوز عنده بشروط:

أ أن تكون منقّاةً من الصوف و الشعر، فأمّا السَّلَم فيها من غير تنقية فلا يجوز؛ لستر المقصود بما ليس بمقصود.

ب أن توزن، فإنّها تختلف بالصغر و الكبر اختلافاً بيّناً، فلا يجزئ العدد فيها.4.

ص: 288


1- بدائع الصنائع 209:5، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1078، فتاوي قاضيخان 118:2، المغني و الشرح الكبير 342341:4، بداية المجتهد 202:2، التهذيب للبغوي 582:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3 و 264.

ج أن تكون نيّةً، فأمّا المطبوخة و المشويّة فلا يجوز السَّلَم فيها بحال(1).

و اعتبر بعضهم آخَر: أن تكون المشافر و المناخر منحّاةً عنها(2). و لم يعتمد عليه أكثرهم(3).

مسألة 444: لا يجوز السَّلَم في الكوارع،

سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً؛ لعدم انضباطها، فقد يكثر لحمها و يقلّ.

و اختلفت الشافعيّة(4) ، فقال بعضهم: لا يجوز السَّلَم فيها قطعاً، و لم يحك فيها قولين. و بعضهم قال: إنّ فيها قولين. و لا فرق بينها و بين الرؤوس؛ لأنّ الرؤوس و الأكارع تختلف بالصغر و الكبر، و أكثرها غير مقصود، فإن جوّزوا السَّلَم فيها، اشترطوا الوزن.

و كذا لا يجوز السلف في غير ذلك من أعضاء الحيوان.

و قال بعضهم: يجوز السلف في الكوارع؛ لقلّة الاختلاف في أجزائها(5).

و بعضهم مَنَع من الرؤوس؛ لأنّ الكبر فيها مقصود، فلا يجوز اعتبارها بالوزن، فيلحق بالمعدودات(6) ، لكن بيعها سلفاً بالعدد باطل، فلهذا لم يجز السلف في الرؤوس.3.

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 264:3.
2- العزيز شرح الوجيز 418:4.
3- العزيز شرح الوجيز 418:4.
4- انظر: التهذيب للبغوي 582:3، و العزيز شرح الوجيز 418:4، و روضة الطالبين 264:3.
5- الغزالي في الوجيز 157:1، و انظر: الوسيط 442:3.
6- انظر: الوسيط 442441:3، و العزيز شرح الوجيز 419:4، و روضة الطالبين 264:3.

مسألة 445: لا يجوز بيع الترياق و لا السَّلَم فيه؛

لأنّه يخالطه لحوم الأفاعي، و هي حرام، و يمازجه الخمر، و هو نجس. و كذا جميع السموم من الحيتان و غيرها لا يجوز بيعه و لا السلف فيه؛ لعدم الانتفاع به.

و لو كان ممّا يصلح قليله للدواء و يكون كثيره سمّاً كالسقمونيا، فإنّه يجوز السَّلَم فيه، و يصفه بما يحتاج إليه إذا أمكن ضبط أوصافه.

و لا فرق عندنا في جواز البيع بين قليله و كثيره، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز بيع كثيرة؛ لأنّه سمّ(2).

و هو خطأ؛ لأنّه لم يبع كذلك، و إذا جاز قليله، جاز بيع جنسه؛ لأنّ فيه منفعةً بالجملة.

مسألة 446: يجوز السَّلَم في الحيتان مع إمكان ضبطها -

و به قال الشافعي(3) لأنّها نوع من الحيوان، و قد بيّنّا جواز السلف في أنواعه.

و لا يجوز السلف في شيء من لحوم الطير؛ لأنّا بيّنّا بطلان السَّلَم في اللحوم مطلقاً.

و قال الشافعي: يجوز، بناءً علي مذهبه من جواز السَّلَم في مطلق اللحم، و يصفه بذكر النوع و الصغر و الكبر و السمن و الهزال و الجيّد و الردي. و إن كان كبيراً، ذكر موضع اللحم منه، و لا يأخذ في الوزن الرأس و الساق و الرِّجْل؛ لأنّه لا لحم عليها(4).3.

ص: 290


1- انظر: التهذيب للبغوي 581:3، و العزيز شرح الوجيز 29:4، و روضة الطالبين 20:3، و المجموع 256:9.
2- انظر: التهذيب للبغوي 581:3، و العزيز شرح الوجيز 29:4، و روضة الطالبين 20:3، و المجموع 256:9.
3- الأُم 111:3.
4- العزيز شرح الوجيز 416:4 و 417، روضة الطالبين 262:3 و 263.

و كلّ هذا عندنا باطل.

مسألة 447: يجوز السلف في اللبن و السمن و الزُّبْد و اللبَأ و الأقط؛

لإمكان ضبطها بالوصف، و ينصرف مطلق اللبن إلي الحلو.

و لو أسلم في اللبن الحامض، قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ الحموضة عيب فيه(1).

و الأولي عندي: الجواز؛ فإنّ العيوبة(2) لا تخرجه عن الماليّة و التقويم.

و لو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة، جاز إذا بقي حلواً في تلك المدّة.

و لو تغيّر إلي الحموضة، لم يبرأ؛ لأنّها عيب، إلّا أن يكون حصولها ضروريّاً في تلك المدّة.

و يجوز السَّلَم فيه كيلاً و وزناً، و لا يكال حتي تسكن الرغوة، و يجوز وزنه قبل سكونها.

و يجوز في السمن كيلاً و وزناً، لكن إن كان جامداً يتجافي في المكيال، تعيّن الوزن.

و ليس في الزُّبْد إلّا الوزن، قاله الشافعي(3).

و لو قيل بجواز كيله، أمكن.

و أمّا اللِّبَأ المجفّف: فهو موزون عند الشافعي، و قبل تجفيفه كاللبن(4).

و هل يجوز السلف في المخيض ؟ مَنَع منه الشافعي إن كان فيه ماء(5).

و الأولي عندي: الجواز مطلقاً.3.

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
2- كذا، و لعلّ الأولي: «الحموضة» بدل «العيوبة».
3- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
4- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
5- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.

و لو مخض اللبن من غير ماء، جاز السلف فيه، و يصحّ وصفه بالحموضة، و به قال الشافعي(1).

مسألة 448: يجوز السلف في الأثمان:

الدراهم و الدنانير إذا كان الثمن غير النقدين و به قال الشافعي و مالك(2) لأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً كغيره. و لأنّه يمكن ضبطه بالوصف، و هو أقرب إلي الضبط من غيره، فكان الجواز فيه أولي.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم فيها؛ لأنّها لا تثبت في الذمّة إلّا ثمناً فلا تكون مثمنةً(3).

و هو ممنوع؛ فإنّه يجوز بيع الذهب بمثله و بالفضّة، و الفضّة بمثلها و بالذهب، و لا [بدّ أن(4)] يكون كلّ واحد منهما مثمناً [و(5)] ثمناً كذا هنا.

و إنّما لم يجز بالنقدين؛ لأنّه يكون صرفاً، و من شرطه التقابضُ في المجلس. و لو فرض امتداده حتي يخرج الأجل، فالأولي المنع أيضاً.

و لو كان السَّلَم حالّا و قلنا به، جاز إذا تقابضا في المجلس، و هو قول بعض(6) الشافعيّة.

و قال بعضهم(7): علي تقدير جواز الحالّ لا يجوز هنا؛ لأنّ لفظ السَّلَم يقتضي تقديم أحد العوضين و استحقاق قبضه دون الآخر، و الصرف3.

ص: 292


1- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
2- الاُم 98:3، المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 576:3، حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 268:3، المعونة 968:2، المغني و الشرح الكبير 367:4.
3- تحفة الفقهاء 11:2، الهداية للمرغيناني 71:3، النتف 457:1، المغني 366:4، الشرح الكبير 367:4، حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 421:4-422.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
6- حلية العلماء 363:4، روضة الطالبين 268:3.
7- حلية العلماء 363:4، روضة الطالبين 268:3.

يقتضي تسليم العوضين جميعاً، فلم ينعقد الصرف بلفظ السَّلَم.

و المقدّمتان ممنوعتان.

مسألة 449: يجوز السلف في جميع الثمار و الفواكه؛

لإمكان ضبطها بالوصف.

و قد روي ابن بكير عن الصادق (عليه السّلام) قال: «لا بأس بالسَّلَم في الفاكهة»(1).

و سأل عبدُ اللّه بن بكير الصادقَ (عليه السّلام) عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها فلم يستوف سلفه، قال: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2).

و كذا يجوز السلف في أصناف الطعام من الحنطة و الشعير و الدخن و الذرّة، و أصنافِ الحبوب من العدس و السمسم و الماش و اللوبيا، و غير ذلك من جميع الأشياء التي يمكن ضبط أوصافها، و عموم وجودها في المحلّ، و لا نعلم فيه خلافاً؛ للأصل.

و لما رواه محمّد الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام) عن السَّلَم في الطعام بكيل معلوم إلي أجل معلوم، قال: «لا بأس به»(3).

و كذا يجوز السلف في العسل و السُّكّر و السيلان و الدبس و إن خالطته النار، خلافاً للشافعي فيما خالطته النار(4).3.

ص: 293


1- التهذيب 44:7، 187.
2- الفقيه 165:3، 728، التهذيب 31:7، 131، الاستبصار 74:3، 247.
3- الكافي 185:5، 2، التهذيب 28:7، 121.
4- التهذيب للبغوي 578:3 و 579، العزيز شرح الوجيز 417:4 و 418، و انظر: روضة الطالبين 263:3.

مسألة 450: يجوز السلف(1) في الوبر و الصوف و القطن و الإبريسم و الغزل

المصبوغ و غير المصبوغ و الثياب و الحطب و الخشب و الحديد و الصفر و الرصاص و القير و النفط و البزر و الشيرج و الخضر و الفواكه و ما تنبته الأرض و البيض و الجوز و اللوز و الشحم و الطيب و الملبوس و الأشربة و الأدوية و الصفر و الحديد و الرصاص(2) و النحاس و الزئبق و الكحل و الزيت، و بالجملة سائر أصناف الأموال إذا جمعت الشرائط.

قال الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(3).

و سأله سماعة عن السَّلَم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه، قال: «نعم، إذا كان إلي أجل معلوم»(4).

و سأل الحلبي الصادقَ(5) (عليه السّلام) عن الزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، قال: «لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الزعفران أن يعطيه جميع ما له أن يأخذ نصف حقّه أو ثلثه أو ثلثيه و يأخذ رأس مال ما بقي من حقّه»(6).

و هذا الخبر كما دلّ علي المطلوب فقد دلّ علي مطلوبٍ آخر، و هو: أنّ الزعفران يجوز السَّلَم فيه مع كثرته، مع أنّ الكثير منه قاتل.4.

ص: 294


1- في «س»: «السَّلَم» بدل «السلف».
2- قوله: «و الصفر.. الرصاص» قد تكرّر هنا ذكرها في «س» و الطبعة الحجريّة. و لم يرد ذكرها و كذا النحاس و الزئبق في «ي».
3- الكافي 199:5 (باب السلف في المتاع) الحديث 1، التهذيب 27:7، 113.
4- التهذيب 4241:7، 176.
5- في المصادر: عن الحلبي، قال: سُئل الصادق (عليه السّلام).
6- الكافي 186:5، 10، الفقيه 166:3، 735، التهذيب 29:7، 124.

و روي سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السّلام) قال: «و الأكسية أيضاً مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم»(1) يعني بذلك جواز السلف فيها.

و يجوز السلف في أنواع العطر، العامّة الوجود، كالمسك و العنبر و الكافور، و كذا جميع بسائط العطر، كالعود و الزعفران و الورس. و كذا يجوز السَّلَم في مركّبات العطر، كالغالية(2) و الندّ(3) و العود المطرّي(4) إذا عرف مقدار بسائطه.

و مَنَع الشافعي من المركّب مطلقاً؛ لأنّ كلّ بسيط منه مقصود و لا يُعرف قدره، و يكون سَلَماً في المجهول(5).

و نمنع الجهالة؛ إذ التقدير المعرفة.

و يجوز السَّلَم في الزجاج مع ضبطه بالوصف، و الطين و الجصّ و النورة و حجارة الأرحية و الأبنية و الأواني مع الوصف.

و كذا يجوز في البِرام المعمولة، و الكيزان و الحباب و الطسوس و السرج و المنائر و القماقم و الطناجير مع ضبط هذه كلّها بالوصف، خلافاً للشافعي؛ فإنّه مَنَع؛ لندرة اجتماع الوزن في الصفات المشروطة(6). و هو ممنوع.3.

ص: 295


1- التهذيب 32:7، 132، الإستبصار 74:3، 248.
2- الغالية: نوع من الطيب مركّب من مسك و عنبر و عود و دهن. لسان العرب 134:15 «غلا».
3- الندّ: ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب 421:3 «ندد».
4- طريّ الطيب: فتقه بأخلاطٍ و خلَّصه. لسان العرب 6:15 «طرا».
5- التهذيب للبغوي 581:3، العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3.
6- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.

و كذا يجوز السَّلَم في الكاغذ عدداً مع ضبطه بالوصف. و كذا يجوز في العلس و الأرز، خلافاً للشافعي حيث مَنَع؛ لاستتارهما(1). و ينتقض بمثل الجوز.

و يجوز في الدقيق، خلافاً لبعض الشافعيّة(2).

و لا يجوز السَّلَم علي المنافع، كتعليم القرآن و غيره خلافاً للشافعي(3) لأنّ مثل ذلك لا يُعدّ بيعاً.

مسألة 451: يجوز السَّلَم في عيدان النبل

قبل نحتها مع إمكان ضبطها بالوصف - و به قال الشافعي(4) و يسلم فيه وزناً. و إن أمكن أن يقدّر عرضها و طولها بما يجوز التقدير به في السَّلَم، جاز عدداً.

و أمّا النبل بعد عمله فلا يجوز السلف فيه؛ لأنّه يجمع أخلاطاً غير مقصودة(5) ؛ لأنّ فيه خشباً و عصباً و ريشاً، و به قال الشافعي، قال: و لأنّ فيه ريش النسر. و هو نجس عنده(6).

و أمّا إذا كان منحوتاً حسب، فالأقرب: المنع و به قال الشافعي(7) لعدم القدرة علي معرفة ثخانتها، و يتفاضل في الثخن و يتباين فيه.

و في موضعٍ آخر قال: يجوز السَّلَم في النشاب الذي لا ريش عليه إذا أمكن أن يوصف(8).ر.

ص: 296


1- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
2- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
3- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
5- في «س، ي»: «لأنّه يجمع أخلاطاً مقصودة».
6- العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3، المغني 340:4، الشرح الكبير 343:4.
7- انظر: العزيز شرح الوجيز 408:4، و روضة الطالبين 257:3.
8- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و مَنَع بعضهم من إمكان وصفه؛ لأنّ أطرافه خفيفة و وسطه ثخين، و لا يمكن ضبط ذلك(1).

و أمّا القسيّ فلا يجوز السَّلَم فيها؛ لاشتمالها علي الخشب و العظم و العصب، و كلّ واحد منها مجهول لا يُعلم قدره و لا يمكن ضبطه، فإن فرض إمكانه، جاز.

مسألة 452: لا يجوز السلف(2) في المشويّ و المطبوخ -

و به قال الشافعي(3) لأنّه لا يُعلم قدر تأثير النار فيه عادة، و تختلف الأغراض باختلاف تأثير النار فيه، و يتعذّر الضبط في السَّلَم فيه، فأشبه الخبز.

و للشافعيّة في الخبز وجهان(4).

و لو أمكن ضبط تأثير النار كالسمن و الدبس و السُّكّر حيث إنّ لتأثير النار فيها نهايةً مضبوطة، جاز.

و أمّا الماء وَرْد: فالأقرب: جواز السَّلَم فيه.

و للشافعيّة فيه خلاف؛ لاختلاف تأثير النار فيما يتصعَّد و يقطّر(5).

و لا عبرة بتأثير الشمس، بل يجوز السَّلَم في العسل المصفّي بالشمس عند الشافعيّة(6).3.

ص: 297


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 409408:4.
2- في «س»: «السَّلَم».
3- التهذيب للبغوي 579:3، الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 263:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4 و 417، روضة الطالبين 257:3 و 263.
5- العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3.
6- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 264:3.

و في العسل المصفّي بالنار عندهم وجهان، و كذا الدبس: أحدهما: المنع؛ لاختلاف تأثير النار فيه. و لأنّ النار تعيبه و تسرع الفساد إليه. و الثاني: الجواز(1) ، كما اخترناه نحن.

الباب الثاني: في ذكر أوصاف هذه الأجناس.

مسألة 453: يجب أن يذكر في مطلق الحيوان أربعة أوصاف:

النوع، و اللون، و الذكورة و الأُنوثة، و السنّ؛ لاختلاف الأغراض باختلاف هذه الصفات، و اختلاف القِيَم بها.

فإن كان رقيقاً، ذكر نوعَه، كالتركي و الرومي و الزنجي، و لونَه إن كان النوع يختلف لونه، كالأبيض و الأصفر و الأسود. و هل يجب التعرّض لصنف النوع إن كان فيه اختلاف ؟ الأولي الوجوب كالنوبي من الزنج.

و للشافعي قولان(2).

و يصف البياض بالسمرة أو الشقرة، و السواد بالصفاء أو الكدورة.

هذا إذا اختلف لون الصنف المذكور، فإن لم يقع فيه اختلاف، أغني ذكره عن اللون.

و يذكر الذكورة أو الأُنوثة؛ لاختلاف الرغبات فيهما.

و يذكر السنّ، فيقول: محتلم، أو ابن ستّ أو سبع.

و يبني الأمر فيه علي التقريب حتي لو شرط كونه ابن سبع مثلاً بلا زيادة و لا نقصان، لم يجز؛ لندور الظفر به.

ص: 298


1- التهذيب للبغوي 579:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3.
2- العزيز شرح الوجيز 413:4، روضة الطالبين 259:3.

و الرجوع في الاحتلام إلي قول العبد. و في السنّ إليه إن كان بالغاً. و إن كان صغيراً فإلي قول سيّده إذا احتمل صدقه، و إن لم يعرف سيّده، رجع إلي أهل الخبرة، و عمل علي ما يغلب عليه ظنونهم من سنّه.

و يزيد في الرقيق وصفين آخرين:

أحدهما: القدّ، فيذكر أنّه طويل أو قصير أو رَبْع(1) ؛ لأنّ القيمة تختلف بذلك و تتفاوت تفاوتاً عظيماً.

و لو قال: خماسي يعني خمسة أشبار أو سداسي يعني ستّة أشبار جاز.

و قال بعض الشافعيّة: المراد بالخماسي ابن خمس سنين، و بالسداسي ابن ست(2).

و قال المسعودي: الخماسي و السداسي صنفان من عبيد النُّوبة معروفان عندهم(3).

و قال بعض الشافعيّة: لا يعتبر ذكر القدّ عند العراقيّين(4).

و كتبهم مملوءة من اعتباره.

الثاني: اشتراط الجودة أو الرداءة، و هو غير مختصّ بالرقيق و لا بالحيوان، و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 454: لا يشترط وصف كلّ عضو علي حياله

(5) بأوصافه المقصودة و إن تفاوت به الغرض و القيمة؛ لإفضائه إلي عزّة الوجود، لكنه.

ص: 299


1- الرَّبْع: ما بين الطويل و القصير. لسان العرب 107:8 «ربع».
2- العزيز شرح الوجيز 414:4.
3- العزيز شرح الوجيز 414:4.
4- الوسيط 439:3، العزيز شرح الوجيز 413:4، روضة الطالبين 260:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حاله». و الصحيح ما أثبتناه.

في التعرّض للأوصاف التي يعتني بها أهل البصر، و يرغب فيها في الرقيق - كالكَحَل(1) و الدَّعَج(2) و تَكَلْثم(3) الوجه و سمن الجارية إشكال ينشأ من تسامح الناس بإهمالها، و يعدّون ذكرها استقصاءً، و من أنّها مقصودة لا يورث ذكرها العزّة.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: عدم الوجوب(4).

و شرط بعض الشافعيّة الملاحة؛ لأنّها من جملة المعاني؛ إذ المرجع إلي ما يميل إليه طبع كلّ أحد(5).

و الأظهر: عدم اعتبارها.

و كذا لا يجب التعرّض لجعودة الشعر و سبوطته.

مسألة 455: لا يشترط في الجارية ذكر الثيوبة و البكارة

إلّا مع اختلاف القيمة باختلافهما اختلافاً بيّناً.

و للشافعيّة قولان.

أحدهما: عدم الوجوب.

و الثاني: الوجوب بناءً علي اختلاف القيمة هل يتحقّق بهما أو لا؟(6).

و لو شرط كون العبد يهوديّاً أو نصرانيّاً، جاز، كشرط الصنعة.

فإن دفع إليه مسلماً، احتمل وجوب القبول؛ لأنّه أجود و يجب قبول الأجود. و العدم؛ لأنّه قد يرغب إلي الكافر؛ لاتّساع العاملين فيه.3.

ص: 300


1- الكَحَل في العين: أن يعلو منابت الأجفان الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كُحْل. لسان العرب 584:11 «كحل».
2- الدعج: شدّة سواد العين مع سعتها. لسان العرب 271:2 «دعج».
3- الكَلْثمة: اجتماع لحم الوجه. لسان العرب 525:12 «كلثم».
4- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.
5- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.
6- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.

و لو شرط كونه ذا زوجة أو كون الجارية ذات زوج، جاز إذا لم يندر وجوده، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و لو شرط كونه سارقاً أو زانياً، جاز قاله بعض الشافعيّة(2).

و لا بأس به، لكنّ الأقرب أنّه لو أتاه بالسليم، وجب القبول.

و لو شرط كون الجارية مغنّيةً أو عوّادة(3) ، لم يجز؛ لأنّها صناعة محظورة، و السرقة و الزنا أُمور تحدث، كالعور و قطع اليد(4).

و في الفرق إشكال.

مسألة 456: لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، جاز -

و هو قول بعض الشافعيّة(5) لأنّه حيوان يجوز السَّلَم فيه، فجاز إسلاف بعضه في بعض، كالإبل.

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّها قد تكبر في المحلّ و هي بالصفة المشترطة، فيسلّمها بعد أن يطأها، فتكون في معني استقراض الجواري(6).

و هو غلط؛ لأنّ الشيئين إذا اتّفقا في إفادة معنيً ما، لم يلزم اتّحادهما، علي أنّا نمنع حكم الأصل؛ فإنّ استقراض الجواري جائز عندنا علي ما يأتي، و إذا اشتري جارية و وطئها ثمّ وجد بها عيباً، ردّها، و لا يجري مجري الاستقراض. و لأنّه يجوز إسلاف صغار الإبل في كبارها،3.

ص: 301


1- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 261260:3.
2- العزيز شرح الوجيز 415414:4، روضة الطالبين 261:3.
3- في العزيز شرح الوجيز 415:4، و روضة الطالبين 261:3: «قوّادة». و العوّادة: التي تضرب بالعود الذي هو آلة من المعازف. القاموس المحيط 319:1 «عود».
4- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
5- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
6- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.

فجاز في الرقيق.

إذا تقرّر هذا، فلو جاء بالجارية الصغيرة و قد كبرت علي الصفات المشترطة، وجب علي المشتري القبول؛ لأنّ المثمن موصوف و هي بصفته. و لأنّه قد جاء بما عليه علي الوجه الذي عليه، فيجب عليه قبوله، كغيره من الأسلاف، و هو أحد قولي الشافعيّة(1).

و الثاني: لا يجوز، و إلّا لزم اتّحاد الثمن و المثمن(2).

و استحالته هنا ممنوعة، و لم يتّحد في أصل العقد، و المحال إنّما هو ذلك، و علي هذا لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً أو كبيرةً في كبيرة بصفتها، و إذا وطئها، فلا مبالاة بالوطي، كوطي الثيّب و ردّها بالعيب.

مسألة 457: و يجب في الإبل ما يجب [ذكره] في مطلق الحيوان

من النوع و الذكورة و الأُنوثة و اللون، كالأحمر و الأسود و الأزرق، و السنّ، كابن مخاض أو بنت لبون أو غير ذلك، و يزيد: من نتاج بني فلان و نَعَمهم إذا كثر عددهم و عرف بهم نتاج، كطي و بني قيس.

و لو نسب إلي طائفة قليلة، لم يجز، كما لو نسب الثمرة إلي بستانٍ بعينه.

و لو اختلف نتاج بني فلان و كان فيها أرحبيّة(3) و مُجَيْديّة(4) ، فلا بدّة.

ص: 302


1- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
2- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
3- أرحب: حيّ أو موضع ينسب إليه النجائب الأرحبيّة. لسان العرب 416:1 «حرب».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: محدثة. و الصحيح ما أثبتناه. قال الفيّومي في المصباح المنير: 564: الإبل المُجَيْديّة علي لفظ التصغير. و نقل عن الأزهري أنّها من إبل اليمن كالأرحبيّة.

من التعيين و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) لأنّ الأنواع مقصودة، فوجب ذكرها. و الآخر: لا يجب؛ لأنّ الإنتاج إذا كان واحداً، تقارب و لم يختلف(2).

مسألة 458: و يجب في الخيل ما يجب ذكره في مطلق الحيوان

من الأُمور الأربعة و ما يجب في الإبل، فإنّ لها نتاجاً كنتاج الإبل، و لا يجب ذكر الشيات(3) ، كالأغرّ و المحجَّل، فإن ذكرها، وجب له ذلك. و لو أهمل، جاز و حمل قوله: «أشقر» أو «أدهم» علي البهيم؛ لأنّ قوله: «أسود» أو «أشقر» يقتضي كون اللون كلّه ذلك؛ لأنّه الحقيقة.

مسألة 459: البغال و الحمير لا نتاج لها، فلا يبيّن نوعهما

بالإضافة إلي قوم، بل يصفهما و ينسبهما إلي بلادهما، و يصفهما بكلّ وصف تختلف به الأثمان.

و أمّا الغنم فإن عرف لها نتاج، فهي كالإبل. و إن لم يعرف لها نتاج، نسبت إلي بلادها. و كذا البقر.

و لو أسلم في شاة حامل أو معها ولدها أو بقرة كذلك، جاز، خلافاً للشافعي(4).

و لو أسلم في شاة لبون، صحّ؛ لأنّه وصف مميّز، فجاز كغيره.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و يكون ذلك شرطاً يتميّز به، و لا يكون سَلَماً في لبن. و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه بمنزلة السلف في حيوان معه لبن مجهول، فلا يجوز(5). و هو ممنوع.3.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
2- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
3- الشية: كلّ لون يخالف معظم لون الفرس و غيره. و الجمع: شياة. الصحاح 2524:6 «وشي».
4- التهذيب للبغوي 577:3، العزيز شرح الوجيز 411:4، روضة الطالبين 259:3.
5- المهذّب للشيرازي 305:1، حلية العلماء 368367:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يلزمه تسليم اللبن، بل له أن يحلبها و يسلّمها، فإنّ الواجب ما من شأنه ذلك.

مسألة 460: هل يجوز السَّلَم في الطيور؟ الأقرب: ذلك

إن أمكن ضبطها بالوصف كالنَّعَم و غيرها.

و للشافعيّة فيه قولان، أحدهما: الجواز كالنَّعَم. و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يمكن ضبط سنّها، و لا يعرف قدرها بالذرع(1).

و يمنع اشتراطهما فيها.

و علي ما قلناه من الجواز يذكر النوع، و يصفه بالصغر و الكبر من حيث الجثّة، و لا يكاد يعرف سنّها، فإن عرف، ذكره.

و يجوز السَّلَم في السمك و الجراد حيّاً و ميّتاً عند عموم الوجود، و يوصف كلّ جنس من الحيوان بما يليق به.

مسألة 461: و يصف اللبن بما يميّزه عن غيره

من ذكر النوع أوّلاً و من اللون، و نوع العلف، كالعوادي و هي التي ترعي ما حلاً من النبات و الأوارك(2) ، و هي التي تقمّ في الحمض، و هو كلّ نبات فيه ملوحة، فتسمّي حمضيّة، و تختلف ألبانها بذلك، فلا بدّ من التعرّض له، و يذكر معلوفة أو راعية؛ لاختلاف اللبن بهما. و الإطلاق يقتضي الحلاوة و الطراوة، فلا يحتاج أن يقول: حليب يومه، أو حلواً.

و أمّا السمن فيجب أن يذكر جنس حيوانه، فيقول: سمن بقر أو ضأن».

ص: 304


1- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 576:3، العزيز شرح الوجيز 416:4، روضة الطالبين 262:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «و الأوراك». و في «ي»: «و الإدراك». و الكلّ غلط، و الصحيح ما أثبتناه. و الإبل الأوارك: التي اعتادت أكل الأراك. و هو شجر من الحمض. لسان العرب 389:10 «أرك».

أو معز، و بمكّة: سمن ضأن نجديّة، و سمن ضأن تهاميّة، و يتباينان في الطعم و اللون و الثمن، فيجب ذكره أبيض أو أصفر، و أنّه حديث أو عتيق. و إطلاقه يقتضي الحديث؛ لأنّ العتيق معيب.

و قيل(1): إن كان متغيّراً، و إلّا فلا، إنّما يصلح للجراح.

و يذكر الجيّد و الردي و القدر وزناً.

و أمّا الزُّبْد فيذكر فيه ما ذكر في السمن، و أنّه زُبْد يومه أو أمسه؛ لأنّه يختلف بذلك. و لا يجوز أن يعطيه زُبْداً أُعيد في السقا و طرّي، فإن أعطاه ما فيه رقّة، فإن كان لحَرّ الزمان، قبل. و إن كان لعيب، لم يقبل.

و أمّا الجبن فيصفه بما تقدّم و يقول: رطب، أو يابس، حديث، أو عتيق. و يذكر بلده؛ لاختلافه باختلاف البلدان.

و أمّا اللبَأ فيوصف بما يوصف به اللبن إلّا أنّه يوزن. و يجوز السَّلَم فيه قبل الطبخ إذا كان حليباً. و يذكر لونه؛ لأنّه يختلف.

و أمّا إذا طُبخ بالنار، فعندنا يجوز السَّلَم فيه مع إمكان ضبطه، خلافاً لبعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يجوز؛ لأنّ النار التي تكون فيه لينة لا تعقد أجزاءه(3).

و الأوّل أشهر عندهم(4) ؛ لأنّ النار تختلف فيه و يختلف باختلافها.

مسألة 462: يجب أن يذكر في الثياب الجنس

من قطن أو كتّان، و البلد الذي ينسج فيه، كبغداديّ أو رازيّ أو مصريّ إن اختلف به الغرض،4.

ص: 305


1- القائل هو القاضي أبو الطيّب، كما في العزيز شرح الوجيز 419:4، و روضة الطالبين 265:3، و انظر حلية العلماء 370:4.
2- المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 370:4.
3- المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 370:4.
4- انظر: حلية العلماء 370:4.

و الطول و العرض، و الصفاقة و الرقّة، و الغِلَظ و الدقّة، و النعومة أو الخشونة، و الجودة و الرداءة. و قد يغني(1) ذكر النوع عن البلد و الجنس إن دلّ عليهما، و لا يذكر مع هذه الأوصاف الوزنَ، فإن ذكره، جاز، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّ اشتراط الوزن مع هذه الأوصاف يوجب العزّة؛ لبُعْد اتّفاقه(3).

و هو ممنوع؛ فإنّه يجوز في الأواني.

و إن ذكر الخام أو المقصور، جاز. و إن أطلق، أعطاه ما شاء؛ لتناول الاسم له، و الاختلاف به يسير، و به قال الشافعي(4).

و إن ذكر جديداً مغسولاً، جاز. و إن ذكر لبيساً مغسولاً، لم يجز؛ لاختلاف اللُّبْس، فلا ينضبط.

و لو شرط أن يكون الثوب مصبوغاً، جاز مع تعيين اللون مطلقاً عندنا.

و قال الشافعي: إن كان يصبغ غزله، جاز؛ لأنّ ذلك من جملة صفات الثوب. و إن صبغ بعد نسجه، لم يجز؛ لأنّه يصير في معني السَّلَم في الثوب و الصبغ المجهول. و لأنّ صبغ الثوب يمنع من الوقوف علي نعومته و خشونته(5).3.

ص: 306


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مضي» بدل «يغني». و ذلك تصحيف. و الصحيح ما أثبتناه.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، حلية العلماء 366:4.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 575:3، حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 255:3.
4- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
5- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.

و الوجهان باطلان؛ لأنّ السَّلَم في المجموع لا يستلزم انعقاده بالتفصيل في الأجزاء، و لو كان السَّلَم في مجموع الثوب و الصبغ، لكان كذلك و إن كان الصبغ في الغزل، و أيّ فرق بينهما؟ و النعومة و الخشونة تُدركان مع الصبغ و عدمه؛ إذ ذلك ليس جوهراً قائماً في المصبوغ مانعاً من إدراكه، و لو جاز ذلك، لما صحّ السلف في الغزل المصبوغ و لا في الغزل المنسوج.

و الأقرب: جواز السلف في الثياب المخيطة، كالقميص و السروال إذا ضبط بالطول و العرض و السعة.

مسألة 463: و يصف الكرسف و هو القطن بنسبة(1) البلد،

كالبصريّ و الموصليّ، و اللون، كالأبيض و الأسمر، و النعومة و الخشونة، و الجيّد و الردي، و كثرة لحمه و قلّته، و طول العطب(2) و قصرها، و كونه عتيقاً أو حديثاً إن اختلف الغرض به. و يصف القدر بالوزن، فإن شرط منزوع الحَبّ، جاز. و إن أطلق، كان له بحَبّه؛ لأنّ الحَبّ فيه بمنزلة النوي في التمر. و المطلق يحمل علي الجافّ.

و يجوز السَّلَم في الحليج و في حبّ القطن، و لا يجوز في القطن في الجوزق(3) قبل التشقّق؛ لعدم معرفته. و يجوز بعده.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و أظهرهما عندهم: العدم؛ لاستتار المقصود بمالا مصلحة فيه(4).3.

ص: 307


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «نسبة».
2- العطب: القطن. لسان العرب 610:1 «عطب».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجوز». و لم نعثر في اللغة علي كلمة «الجوز» بهذا المعني، و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.

و يجوز السَّلَم في الغزل، و يصفه بما ذكرناه إلّا الطول و القصر، و يزيد فيه: دقيقاً أو غليظاً. و يجوز السَّلَم في غزل(1) الكتّان، و يجوز شرط كون الغزل مصبوغاً، و به قال الشافعي و إن منع في الثوب(2).

مسألة 464: يذكر في الإبريسم البلد،

فيقول: خوارزميّ، أو بغداديّ. و يصف لونه، فيقول: أبيض أو أصفر. و يذكر الجودة أو الرداءة، و الدقّة أو الغِلَظ. و لا يحتاج إلي ذكر النعومة أو الخشونة؛ لأنّه لا يكون إلّا ناعماً.

و هل يجوز السلف في القزّ و فيه دودة ؟ الأقرب عندي: ذلك، و يكون الدود جارياً مجري النوي في التمر.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه إن كان حيّاً، لم يكن فيه مصلحة في كونه فيه، فإنّه يقرضه و يفسده. و إن كان ميّتاً، فلا يجوز بيعه، و القزّ دونه مجهول. و إن كان قد خرج منه الدود، جاز السَّلَم فيه(3).

مسألة 465: يجب أن يذكر في الصوف سبعة أوصاف:

البلد، كالحلوانيّ و الحلبيّ أو غير ذلك. و اللون، كالأبيض و الأسود و الأحمر، و طويل الطاقات أو قصيرها، و صوف الذكورة أو الإناث؛ لأنّ صوف الإناث أنعم، فيستغني بذلك عن ذكر النعومة و الخشونة. و يذكر الزمان، فيقول: خريفيّ أو ربيعيّ؛ لأنّ الصوف الخريفيّ أنظف؛ لأنّه عقيب الصيف. و يذكر الجودة أو الرداءة. و يذكر مقداره وزناً، و لا يقبل إلّا نقيّاً من الشوك و البعر. و إن شرط كونه مغسولاً، جاز. فإن عابه الغسل، فالأقوي عندي: الجواز، خلافاً للشافعي(4).3.

ص: 308


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عود» بدل «غزل». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
3- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
4- العزيز شرح الوجيز 420419:4، روضة الطالبين 265:3.

و كذا الوبر و الشعر يجوز السلف فيهما كالصوف، و يضبط بالأوصاف و الوزن.

مسألة 466: الخشب أنواع،

منه الحطب المتّخذ للوقود، و يذكر نوعه من الطرفاء و الخلاف و الأراك و العرعر و غير ذلك؛ لاختلاف الأغراض بسببه، و يذكر الدقّة و الغِلَظ، أو الوسط، و اليبوسة أو الرطوبة(1) ، و الجودة أو الرداءة، و يذكر مقداره بالوزن، و أنّه من نفس الشجر أو أغصانه، و لا يجب التعرّض للرطوبة و الجفاف، فالمطلق يحمل علي الجافّ، و يجب قبول المعوج و المستقيم؛ لأنّهما واحد.

و منه خشب البناء، فيذكر نوعه من التوت أو الساج، و الطول، و الغلظ و الدقّة، و الرطوبة أو اليبوسة، فإن كان يختلف لونه، ذكره، و يصف طوله و عرضه إن كان له عرض، أو دوره أو سمكة، و الجودة و الرداءة، فإن ذكر وزنه، جاز، و لا يحتاج إليه، خلافاً لبعض الشافعيّة(2). و إن لم يذكر سمحاً، جاز، و ليس له العُقد؛ لأنّه عيب، فإذا أسلم فيه، لزمه أن يدفعه إليه من طرفه إلي طرفه بالعرض، أو الدور أو السمك الذي شرطه، فإن كان أحد طرفيه أغلظ ممّا شرطه(3) ، فقد زاده خيراً. و إن كان أدقّ، لم يجب عليه أخذه.

و إن كان الخشب من الجذوع، وجب ذكر نوعها، فإنّ البادرايا و الإبراهيمي و الفحل و الدقل أصلب من غيرها(4).ه.

ص: 309


1- كذا، و الظاهر زيادة جملة «و اليبوسة أو الرطوبة» لأنّ المؤلّف (قدّس سرّه) سيذكر عدم وجوب التعرّض للرطوبة و الجفاف.
2- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «شرط».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «غيره». و الصحيح ما أثبتناه.

و لا يجوز السَّلَم في المخروط؛ لاختلاف أعلاه و أسفله.

و منه: عيدان القسيّ و السهام. و يجب ذكر النوع من نَبْع(1) أو غيره، و الدقّة أو(2) الغِلَظ.

و قال بعضهم: يجب أن يذكر أنّها جبليّة أو سهليّة؛ لأنّ الجبليّ أصلح و أقوي لها(3).

و بعضهم أوجب فيه و في خشب البناء التعرّض للوزن(4)(5).

و يذكر قِدَم نباتها و حدوثه.

و منه ما يصلح للنصب، فيذكر نوعه، كالآبنوس، و لونه، و غِلَظه أو دقّته، و سائر ما يحتاج إلي معرفته بحيث يخرج من حدّ الجهالة.

و منه ما يطلب ليغرس، فيسلم فيه بالعدد، و يذكر النوع و الطول و الغِلَظ.

مسألة 467: أقسام الأحجار ثلاثة

(6) :

منها: ما يتّخذ للأرحية. و يجب أن يصفها بالبلد، فيقول: موصليّ أو تكريتيّ. و إن اختلف نوعه، ذكره. و كذا يذكر اللون إن اختلف. و يصف دوره و ثخانته، و جودته و رداءته. و إن ذكر وزنه، جاز، و كذا إن تركه.

و إن ذكره، شرط وزنه بالقبّان إن أمكن. و إن تعذّر، وُزن بالسفينة، فيترك فيها و ينظر إلي أيّ حدّ تغوص ثمّ يخرج و يوضع مكانه رمل و شبههة.

ص: 310


1- النَّبْعُ: شجر من أشجار الجبال تتّخذ منه القسيّ. لسان العرب 345:8 «نبع».
2- في الطبعة الحجرية: «و» بدل «أو».
3- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «للّون» بدل «للوزن». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
6- أقسام الأحجار، المذكورة هنا أكثر من ثلاثة.

حتي تغوص السفينة إلي الحدّ الذي غاصت، ثمّ يخرج ذلك و يوزن فيعرف وزن الحجارة.

و منها: ما يتّخذ للبناء، فيذكر نوعها و لونها من البياض أو الخضرة، و يصف عظمها، فيقول: ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً علي سبيل التقريب؛ لتعذّر التحقيق. و يصف الوزن مع ذلك، و الجودة و الرداءة.

و يجوز السَّلَم في الأحجار الصغار التي تصلح للمنجنيق، و لا يجوز إلّا وزناً، و ينسبها إلي الصلابة، و لا يقبل المعيب.

و منها: الرخام، و يذكر نوعه، و لونه و صفاءه، و جودته أو رداءته، و طوله و عرضه إن كان له عرض، و(1) دوره إن كان مدوّراً، و ثخانته. و إن كان له خطوط مختلفة، ذكرها.

و منها: حجارة الأواني، فيذكر نوعها، كبِرام طوسيّ أو مكّيّ، و جودتها و رداءتها و جميع ما يختلف الثمن باختلافه و قدره وزناً.

و منها: البلور، و يصفه بأوصافه.

و يجوز السَّلَم(2) في الآنية المتّخذة منها، فيصف طولها و عرضها و عمقها و ثخانتها و صنعتها إن اختلفت، فإن وزن مع ذلك، كان أولي.

و منها: حجارة النورة و الجصّ، و ينسبها إلي أرضها، فإنّها تختلف بالبياض أو السمرة، و يذكر الجودة أو الرداءة.

و إن أسلف في النورة و الجصّ، يذكر كيلاً معلوماً، و لا يجوز إجمالاً. و ليس له أخذ الممطور منها و إن يبس؛ لأنّه عيب.

و منها: الآجُرّ، و يصف طوله و عرضه و ثخانته.».

ص: 311


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «أو» بدل «و».
2- في «س»: «السلف» بدل «السَّلَم».

و في وجهٍ للشافعي: المنع من السلف فيه؛ لأنّ النار مسّته(1).

و يصف اللِّبْن بالطول و العرض و الثخانة.

و لو أسلف(2) في اللِّبْن و شرط طبخه، جاز. و المرجع في ذلك إلي العادة.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب. و لأنّه قد يتلَهْوَج(3) و يفسد(4). و ليس بشيء.

مسألة 468: و يصف أنواع العطر بما يميّز كلّ واحد منها عن صاحبه، فيذكر لون العنبر: أبيض أو أشهب أو أخضر. و إن اختلف في البلدان، قال: عنبر بلد كذا. و يذكر الجودة أو الرداءة.

و يذكر قطعة وزنها كذا إن وجد من الإقطاع بذلك الوزن. فإن شرط قطعة، لم يجبر علي أخذ قطعتين. و إن أطلق، كان له أن يعطيه صغاراً أو كباراً.

و أمّا العود فيتفاوت نوعه، فيجب ذكره، كالهنديّ و غيره. و يذكر كلّ ما يعرف به، و الجودة أو الرداءة. و كذا الكافور، و المسك، و لا يجوز السَّلَم في فأره؛ لأنّ بيعه بالوزن.

مسألة 469: و يجوز السَّلَم في اللبان

(5) و المصطكي و الصمغ العربي و صمغ الشجر(6) كلّه، فإن كان منه في شجرة واحدة كاللبان وصفه بأنّه».

ص: 312


1- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
2- في «س»: «أسلم» بدل «أسلف».
3- أي: لم ينعم طبخه. لسان العرب 360:2 «لهج».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- اللبان: الكندر. لسان العرب 377:13 «لبن».
6- في الطبعة الحجريّة: «الشجرة».

أبيض، و أنّه غير ذكر، فإنّ منه شيئاً يعرفه أهل العلم به يقولون: إنّه ذكر إذا مضغ فسد.

و ما كان منه في شجرٍ شتّي كالغراء وصف شجره.

و يوزن فيه شيء من الشجر، و لا يوزن الشجرة إلّا محضة(1).

و الطين الأرمني و طين البحيرة و المختوم يدخلان في الأدوية. و يوصف جنسه و لونه و جودته أو رداءته، و يذكر الوزن.

و إن كانت معرفته عامّةً، جاز السلف فيه و إن خفي عن المسلمين إذا عرفه غيرهم.

و قال الشافعي: إن لم يعرفه المسلمون، لم يجز. و أقلّهم عَدْلان يشهدان علي تميّز(2) الأرمني عن غيره من الطين الذي بالحجاز و شبهه(3).

مسألة 470: يصف الرصاص بالنوع،

فيقول: قلعي أو اسْرُبّ، و النعومة أو الخشونة، و الجودة أو الرداءة، و اللون إن كان يختلف، و الوزن.

و يصف الصفر بالنوع من شَبَهٍ و غيره، و اللون، و الخشونة أو النعومة، و الوزن.

و كذا يصف النحاس و الحديد، و يزيد في الحديد: الذكر أو الأُنثي، و الذكر أكثر ثمناً؛ فإنّه أحدّ و أمضي.

و أمّا الأواني المتّخذة منها فيجوز السَّلَم فيها و به قال الشافعي(4) فيسلم في طشت أو تَوْر من نحاس أحمر أو أبيض أو شَبَهٍ أو رصاص أو3.

ص: 313


1- كذا، و الظاهر أنّ العبارة هكذا: «و لا يوزن فيه شيء من الشجر، و لا توزن الصمغة إلّا محضة».
2- في الطبعة الحجريّة: «تمييز».
3- الأُمّ 117:3.
4- الاُمّ 131:3.

حديد، و يذكر سعةً معروفة، و يذكر معه الوزن.

و لو لم يذكره، قال الشافعي: يصحّ، كما يصحّ أن يبتاع ثوباً بصفة(1)(2).

و الأقرب: أنّه شرط.

و مَنَع بعض الشافعيّة السَّلَم في القماقم و السطول المقدرة(3) و المراجل؛ لاختلافها، فإنّ القمقمة بدنها واسع و عنقها ضيّق(4).

و قال آخرون منهم بجوازه؛ لإمكان وصفه، و عدم التفاحش في اختلافه(5).

و لو ابتاع أواني من شجر معروف، صحّ مع إمكان ضبطه و سعته و قدره من الكبر و الصغر و العمق، و يصفه بأيّ عمل، و بالثخانة أو الرقّة. و إن شرط وزنه، كان أولي.

مسألة 471: التمر أنواع، فيجب في السَّلَم فيه ذكر النوع،

كالبرنيّ و المعقليّ. و إن(6) اختلفت البلدان في الأنواع، وجب النسبة إليها، فيقال: برنيّ بغداد أحلي من برنيّ البصرة، و آزاد الكوفة خير من آزاد بغداد.

و يذكر اللون إن اختلف النوع، كالمكتوم و الطبرزد منه أحمر و أسود.

و يصفه بالصغر و الكبر، و الجودة و الرداءة، و الحداثة و العتق، فإن».

ص: 314


1- في «س، ي»: «يصفه».
2- الاُمّ 131:3.
3- كذا، و الظاهر: «المدوّرة» بدل «المقدرة».
4- التهذيب للبغوي 580:3، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3، منهاج الطالبين: 112، و انظر: حلية العلماء 370:4.
5- حلية العلماء 369:4.
6- في «س، ي»: «فإن» بدل «و إن».

قال: عتيق عام أو عامين، كان أحوط. و إن لم يذكر، جاز، و يعطيه ما يقع عليه اسم العتيق غير متغيّر و لا مسوّس، فيصف التمر بستّة: النوع، و البلد، و اللون، و الجودة أو الرداءة، و الحداثة أو العتق، و الصغر أو الكبر و به قال الشافعي(1) لاختلاف الأثمان باختلاف هذه الأوصاف.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يكفي أن يذكر الجنس و النوع و الجودة؛ لأنّ ذلك يشتمل علي هذا(2).

مسألة 472: إذا أسلم في الرطب، وصفه بما يصف التمر

إلّا الحداثة و العتق؛ فإنّ الرطب لا يكون عتيقاً، فإذا أسلم في الرطب، لم يجبر علي أخذ المذنَّب(3) و البُسْر، و له أن يأخذ ما أُرطب كلّه، و لا يأخذ مشدّخاً، و هو ما لم يترطّب فشدّخ، و لا الناشف، و هو ما قارب أن يتمر؛ لخروجه من كونه رطباً. و كذا ما جري مجراه من العنب و الفواكه.

و قال بعض الشافعيّة: يجب التعرّض للحديث و العتيق في الرطب(4).

نعم، يجوز أن يشترط لفظ «يومه» أو «أمسه» و يلزم ما شرط. و إن أطلق، جازا معاً.

و أمّا التمر فلا يأخذه إلّا جافّاً؛ لأنّه لا يكون تمراً حتي يجفّ. و ليس عليه أن يأخذه معيباً، و يرجع فيه إلي أهل الخبرة. و لا يجب تقدير المدّة3.

ص: 315


1- حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 264:3، منهاج الطالبين: 112.
2- حلية العلماء 364:4.
3- المذنّب من البُسْر: الذي قد بدا فيه الأرطابُ من قِبَل ذَنَبِه. لسان العرب 390:1 «ذنب».
4- الوسيط 443:3، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 264:3.

التي مضت عليه. و يأخذه مكبوساً. و لا يأخذ ما عطش فأضرّ به العطش، و لا الفطير الذي لا يتناهي تشميسه.

مسألة 473: يصف الحنطة بأُمور ستّة:

البلد، فيقول: شاميّة أو عراقيّة، فإن أطلق، حُمل علي ما يقتضيه العرف إن اقتضي شيئاً، و إلّا بطل، و يقول: محمولة أو مولدة، يعني محمولة من البلد الذي تنسب إليه، أو تكون مولدة في غيره. و يذكر الحداثة و العتق، و الجيّد أو الرديء. و اللون، كالحمراء أو البيضاء أو الصفراء و إن اختلفت بالحدارة، و هو امتلاء الحَبّ، أو الدقّة و صفائه، و يذكر الصرابة أو ضدّها.

و ينبغي أن يذكر القويّ أو ضدّه، و الأُنوثة أو ضدّها، و الحداثة أو العتق(1).

و إذا أسلف في الدقيق، ضبطه بالوصف. و لو أسلم في طعام علي أن يطحنه، جاز، خلافاً للشافعي(2).

و العَلَس قيل: إنّه جنس من الحنطة، حبّتان في كمام فيترك كذلك؛ لأنّه أبقي له حتي يراد استعماله ليؤكل(3).

و حكمه حكم الحنطة في كمامها لا يجوز السلف فيه إلّا ما يلقي(4) عنه كمامه عند الشافعيّة(5) لاختلاف الكمام، و لغيبوبة الحبّ فلا يُعرف.

و الأولي: الجواز، و يبني فيه علي العادة. و له السليم.3.

ص: 316


1- الظاهر زيادة جملة: «و الحداثة أو العتق» حيث ذكرهما المصنّف (قدّس سرّه) آنفاً.
2- الاُمّ 130:3.
3- الاُمّ 103:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إلّا ما يتلف» بدل «إلّا ما يلقي». و الظاهر ما أثبتناه.
5- الاُمّ 103:3.

و كذا حكم كلّ صنف من الحبوب من أُرز أو دخن أو سلت يوصف كما توصف الحنطة [و يطرح(1)] كمامه دون قشره عند الشافعيّة(2).

و عندنا الأقرب: جوازه.

و كذا يصف الشعير بما يصف به الحنطة.

مسألة 474: و يصف العسل بالبلد،

كالجبليّ و المكّي و البلديّ. و الزمان، كالربيعيّ و الخريفيّ و الصيفيّ. و اللون، كالأبيض و الأصفر. و الجودة و الرداءة. و له عسل صافٍ من الشمع، سواء صفّي بالنار أو بغيرها. و يجب عليه قبوله.

و قال الشافعي: لا يجبر علي قبول ما صفّي بالنار؛ لأنّ النار تغيّر طعمه فتنقصه، و لكن يصفّيه بغير نار(3).

و قال بعضهم: إن صفّي بنار لينة، لزمه أخذه(4).

و إن جاءه بعسل رقيق، رجع إلي أهل الخبرة، فإن أسندوا الرقّة إلي الحَرّ، لزمه قبوله. و إن أسندوها إلي العيب، لم يُجبر علي قبوله.

و لو شرطه بشمعه غير صافٍ منه، جاز، و كان بمنزلة النوي.

مسألة 475: قد بيّنّا أنّه يجوز اشتراط الجودة و الرداءة،

بل يجب؛ لاختلاف(5) في القيمة بأعيانهما.ف.

ص: 317


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بطرح». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الاُمّ 104:3.
3- الاُمّ 106:3.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- كذا، و الظاهر: للاختلاف.

و لا يجوز اشتراط الأجود إجماعاً؛ لعدم انحصاره؛ فإنّه ما من متاع إلّا و يمكن وجود ما هو أجود منه.

و فيه إشكال؛ لإمكان ضبطه في بعض الأمتعة، كالطعام، فإنّه قد تتناهي جودته.

و أمّا إن شرط الأردأ، فقال بعض(1) فقهائنا و بعض(2) الشافعيّة: إنّه يجوز؛ لأنّه بأيّ طعام أتاه لزمه أخذه؛ لأنّه إن كان أردأ(3) ، وجب قبوله. و إن كان غيره أردأ منه، وجب قبوله أيضاً؛ لأنّه إذا دفع فوق حقّه في الوصف، وجب عليه قبوله، فلا يؤدّي إلي التنازع و الاختلاف.

و الحقّ: المنع أيضاً هنا؛ لأنّ الأردأ غير مضبوط حالة العقد، و المبيع يجب أن يكون مضبوطاً حالة العقد، فينتفي شرط صحّة البيع، فتنتفي الصحّة.

البحث الثالث: في شرط كون المُسْلَم فيه دَيْناً.

يشترط في المُسْلَم فيه عندنا كونه دَيْناً؛ لأنّ لفظ السَّلَم و السلف موضوع للدَّيْن، فلو قال: بعتك هذه السلعة سَلَماً، و هي مشاهدة، لم يصح؛ لاختلال اللفظ.

أمّا لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس بسَلَمٍ أيضاً، فإن قصد بلفظ السَّلَم مطلق البيع، احتُمل الانعقادُ؛ لجواز إرادة

ص: 318


1- لم نتحقّقه.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 269:3.
3- في «س»: «لأنّه إن كان الواجبَ» بدل «لأنّه إن كان أردأ».

المجاز مع القرينة. و المنعُ؛ للاختلال، و قد سبق.

و كذا يشترط فيه كون المُسْلَم فيه مؤجّلاً، فلا يجوز السلف الحالّ، و قد تقدّم(1).

البحث الرابع: إمكان وجود المُسْلَم فيه عند الحلول.
مسألة 476: يشترط كون المُسْلَم فيه موجوداً وقت الأجل

ليصحّ إمكان التسليم فيه.

و هذا الشرط ليس من خواصّ السَّلَم، بل هو شرط في كلّ مبيع، و إنّما تعتبر القدرة علي التسليم عند وجوب التسليم، سواء كان المبيع حالّا أو مؤجّلاً، فلو أسلم في منقطع عند المحلّ كالرطب في الشتاء لم يصح.

و كذا لو أسلم فيما يندر وجوده و يقلّ وقت الأجل حصوله، كالرطب في أوّل وقته أو آخره؛ لتعذّر حصول الشرط.

و لو غلب علي الظنّ وجوده وقت الأجل لكن لا يحصل إلّا بمشقّة عظيمة، كالقدر الكثير من الباكورة(2) ، فالأقرب: الجواز؛ لإمكان التحصيل عند الأجل و قد التزمه المسلم إليه.

و قال أكثر الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ السَّلَم عقد غرر، فلا يحتمل فيه معاناة المشاقّ العظيمة(3).

مسألة 477: يجوز أن يسلم في شيء ببلدٍ لا يوجد ذلك الشيء فيه،

ص: 319


1- في ص 264، المسألة 427.
2- الباكورة من كلّ شيء: المعجّل المجيء و الإدراك. و الأُنثي: باكورة. لسان العرب 77:4 «بكر».
3- الوسيط 429:3، العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.

بل ينقل إليه من بلدٍ آخر؛ لإمكان التسليم وقت الأجل، فكان سائغاً كغيره.

و لا فرق بين أن يكون قريباً أو بعيداً، و لا أن يكون ممّا يعتاد نقله إليه أو لا. و لا تعتبر مسافة القصر هنا، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إن كان قريباً، صحّ، و إن كان بعيداً، لم يصح(2).

و قال آخرون: إن كان ممّا يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة، لا في معرض التحف و الهدايا و المصادَرات، صحّ السَّلَم، و إلّا فلا(3).

أمّا لو أسلم في شيء يوجد غالباً في ذلك البلد وقت الحلول فاتّفق انقطاعه فيه و أمكن وجوده في غيره من البلاد، فهل يجب علي البائع نقله ؟ الأقرب: ذلك مع انتفاء المشقّة و عدم البُعْد المفرط. و لا عبرة بمسافة القصر و لا إمكان الرجوع من يومه.

مسألة 478: يجوز السَّلَم في كلّ معدوم

إذا كان ممّا يوجد غالباً في محلّه، و يكون مأمون الانقطاع في أجله و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(4) لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: أشهد أنّ السلف المضمون إلي أجل مسمّي قد أحلّه اللّه تعالي في كتابه و أذن فيه. ثمّ تلا قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي (5) الآية، و أنّهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين، و الثمار لا تبقي

ص: 320


1- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
2- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
3- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
4- الوجيز 155:1، العزيز شرح الوجيز 401:4، المهذّب للشيرازي 305:1، حلية العلماء 361:4، روضة الطالبين 252251:3، المنتقي للباجي 300:4، مختصر اختلاف العلماء 10:3، ذيل الرقم 1075، المغني 361360:4، الشرح الكبير 361:4.
5- الاُمّ 9493:3، مختصر المزني: 385، سنن البيهقي 18:6، المهذّب للشيرازي 303:1، المغني و الشرح الكبير 338:4. و الآية 282 من سورة البقرة.

هذه المدّة، بل تنقطع.

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلي أجل و ضمن البيع، قال: «لا بأس»(1).

و لأنّه يثبت في الذمّة مثله و يوجد في محلّه غالباً، فجاز عقد السَّلَم عليه، كما لو كان موجوداً.

و قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم في المعدوم، بل يجب أن يكون جنسه موجوداً حال العقد إلي حال المحلّ؛ لأنّ كلّ زمان من ذلك يجوز أن يكون محلّاً للمُسْلَم فيه بأن يموت المسلم إليه، فاعتبر وجوده فيه، كالمحلّ(2).

و هو غلط؛ لأنّه لو اعتبر ذلك، لأدّي إلي أن تكون آجال العقد مجهولةً، و المحلّ جَعَله المتعاقدان محلّاً، بخلاف المتنازع حيث لم يجعلاه محلّاً، فهو بمنزلة ما بعد المحلّ.

مسألة 479: إذا أسلم فيما يعمّ وجوده وقت الحلول ثمّ انقطع وجوده لجائحة عند المحلّ، لم ينفسخ البيع -

و به قال أبو حنيفة، و هو أصحّ قولي الشافعي(3) لأنّ العقد صحّ أوّلاً، و إنّما تعذّر التسليم، فأشبه ما لو اشتري عبداً فأبق من يد البائع. و لأنّ المُسْلَم فيه تعلّق بالذمّة، فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن، لا ينفسخ العقد، كذا هنا.

و القول الثاني للشافعي: إنّه ينفسخ؛ لأنّ المُسْلَم فيه من ثمرة ذلك

ص: 321


1- الكافي 201:5، 8، التهذيب 28:7، 118.
2- المغني و الشرح الكبير 361:4، مختصر اختلاف العلماء 9:3، 1075، حلية العلماء 361:4، العزيز شرح الوجيز 402:4.
3- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3، المغني و الشرح الكبير 361:4.

العام، و إذا هلكت، انفسخ العقد، كما لو باع قفيزاً من صبرة فتلفت. و إنّما قلنا: إنّ العقد تعلّق بثمرة تلك السنة؛ لأنّه يجبر علي دفعه منها، و كما لو تلف المبيع قبل القبض(1).

و يُمنع تعيين المبيع في ثمرة تلك السنة؛ لأنّهما لو تراضيا علي دفع ثمرة من غيرها، جاز. و لأنّ المُسْلَم فيه لا يجوز تعيينه، و إنّما اجبر علي دفعه؛ لتمكّنه من دفع ما هو بصفة حقّه.

مسألة 480: إذا انقطع المبيع عند الأجل، فقد قلنا: إنّ العقد لا ينفسخ،

بل يتخيّر المشتري بين الصبر إلي وقت إمكان الوجود و بين الفسخ؛ لتضرّره بالصبر. و لأنّه شرط ما لم يسلم له، فكان له الخيار. و لأنّ التأخير كالعيب، و لهذا يختلف الثمن باختلافه، فكان له الخيار، كما لو دفع إليه المعيب.

و لما رواه عبد اللّه بن بكير عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه، قال: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2).

إذا ثبت هذا، فإذا فسخ المشتري البيع، وجب علي المسلم إليه ردّ رأس المال إن كان باقياً. و إن كان تالفاً، فمثله إن كان مثليّا. و إن لم يكن له مثل، ردّ قيمته. و كذا علي قول الشافعي بالفسخ(3).

و إن اختار الصبر إلي مجيء المبيع، طالب به، فإن تعذّر بعضه و وجد بعضه، تخيّر المسلم بين الفسخ في الجميع؛ لتبعّض حقّه، و بين أخذ

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- الفقيه 165:3، 728، التهذيب 31:7، 131، الاستبصار 74:3، 247.
3- المغني و الشرح الكبير 361:4.

الموجود، و يرجع بحصّة الباقي أو يصبر بالباقي.

و هل له أن يأخذ الموجود و يفسخ في المعدوم ؟ الأقرب: ذلك.

و عند الشافعي أنّه مبنيّ علي تفريق الصفقة(1).

و إذا جوّزنا له الفسخ في المعدوم، أخَذَ الموجود بحصّته من الثمن، و هو أصحّ قولي الشافعي. و الثاني: أنّه يأخذه بجميع الثمن أو يردّه(2).

و إذا أخذه بالكلّ، فلا خيار للبائع. و إن أخذه بالحصّة، فالأقرب ذلك أيضاً؛ لأنّ التعيّب بالتفريق حصل من البائع بترك دفع الجميع.

و للشافعي في خيار البائع وجهان(3).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا ينفسخ البيع لو قبض البعض من أصله، كما لا ينفسخ لو لم يقبض شيئاً؛ للأصل.

و لما رواه عبد اللّه بن سنان في الحسن عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله أ رأيت إن أوفاني بعضاً و عجز عن بعض أ يصلح لي أن آخذ بالباقي رأس مالي ؟ قال: «نعم، ما أحسن ذلك»(4).

مسألة 481: و لا فرق في الخيار بين الصبر و الفسخ بين أن لا يوجد المُسْلَم فيه عند المحلّ أصلاً و بين أن يكون موجوداً

و يؤخّر البائع التسليم حتي ينقطع، و هو أحد قولي الشافعيّة، و أنّ الخلاف في فسخ العقد من أصله و الخيار كما تقدّم جارٍ في الصورتين معاً(5).

و فرّق بعضهم، فقال: الخلاف في الفسخ و الخيار إنّما هو فيما إذا

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
2- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- الكافي 185:5، 3، التهذيب 28:7، 122.
5- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.

لم يوجد المُسْلَم فيه عند الأجل، أمّا إذا وُجد و فرّط البائع بالتسليم، فلا ينفسخ العقد بحال؛ لوجود المُسْلَم فيه و حصول القدرة(1).

و ليس بشيء؛ لتضرّر المشتري في الصورتين. و لأنّه كالعيب المتجدّد في يد البائع، فإنّه يوجب للمشتري الخيار.

مسألة 482: لو أجاز المشتري ثمّ بدا له في الفسخ، احتُمل وجوب الصبر،

و عدم الالتفات إليه في طلب الفسخ؛ لأنّه إسقاط حقّ، فأشبه إجازة زوجة العنّين، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و يحتمل أنّ له الفسخَ، و لا يكون ذلك إسقاطَ حقٍّ، بل تكون هذه الإجازة إنظاراً، و الإنظار تأجيل، و الأجل لا يلحق العقد بعد وقوعه، فأشبه زوجة المُولي إذا رضيت بالمقام ثمّ ندمت، فإذا اشترط حقّ الفسخ، لا يسقط.

و لو قال المسلم إليه للمسلم: لا تصبر و خُذْ رأس مالك، فللمسلم(3) أن لا يجيبه.

و للشافعيّة وجه: أنّه يجب عليه الإجابة(4). و ليس بشيء.

و لو حلّ الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدّة و المُسْلَم فيه منقطع، فالوجه: أنّه لا ينفسخ العقد من أصله، بل يتخيّر المشتري كما تقدّم(5).

و للشافعيّة قولان: الفسخ من أصل العقد، و تخيير المشتري(6).

و لو كان موجوداً عند المحلّ و تأخّر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثمّ

ص: 324


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فللمسلم إليه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 402:4، و انظر: روضة الطالبين 252:3.
5- في ص 324، المسألة 480.
6- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.

حضر و المُسْلَم فيه منقطع، فكما تقدّم من تخيير المشتري عندنا، و من الوجهين: الفسخ و التخيير عند الشافعيّة(1).

مسألة 483: لو أسلم في شيء عامّ الوجود عند الحلول ثمّ عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عند المحلّ، احتمل تخيير المشتري

في الحال بين الصبر و الفسخ؛ لتحقّق العجز في الحال.

و يحتمل وجوب الصبر، و لا خيار في الحال؛ لأنّه لم يأت وقت وجوب التسليم.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّه يتخيّر في الفسخ في الحال، أو ينفسخ في الحال. و الثاني: أنّه لا يتخيّر و لا ينفسخ إلّا في المحلّ.

و هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلنّ هذا الطعام غداً فتلف قبل الغد من فعله أنّه يحنث في الحال أو يتأخّر إلي الغد؟(2).

و يحصل الانقطاع بأن لا يوجد المُسْلَم فيه أصلاً بأن يكون ذلك الشيء ينشأ من تلك البلدة و قد أصابته جائحة مستأصلة، و هو انقطاع حقيقي.

و في معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة و لكن لو نقل إليها فسد.

و إذا لم يوجد إلّا عند قوم مخصوصين و امتنعوا من بيعه، فهو انقطاع. و لو كانوا يبيعونه بثمنٍ غال، فليس انقطاعاً، و وجب تحصيله ما لم يتضرّر المشتري به كثيراً. و لو أمكن نقل المُسْلَم فيه من غير تلك البلدة إليها، وجب نقله مع عدم التضرّر الكثير.

مسألة 484: إذا أسلم في شيء و قبض البعض عند الأجل

و تعذّر

ص: 325


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- العزيز شرح الوجيز 403402:4، روضة الطالبين 252:3.

الباقي، فقد قلنا: إنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ في الجميع و في الباقي، سواء باع ما أخذه منه بزائد أو لا؛ لما رواه سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه و يبقي بعض لا يجد وفاء، فيردّ علي صاحبه رأس ماله، قال: «فليأخذ فإنّه حلال» قلت: فإنّه يبيع ما قبض من الطعام بضعف(1) ، قال: «و إن فعل فإنّه حلال»(2).

مسألة 485: و هل له أن يأخذ القيمة بسعر وقت الأجل أو المطالبة ؟ الأقرب: ذلك؛

لأنّه قد استحقّ مالاً في ذمّة البائع فجاز بيعه، كما يجوز بيع سائر الديون، أو أن يعوّضه عن العين(3) بالقيمة، كما لو قضي الدَّيْن من غير جنسه.

و لما رواه أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلي أجل فيحلّ الطعام فيقول: ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخُذْ منّي ثمنه، قال: «لا بأس بذلك»(4).

و قد روي عليّ بن جعفر قال: سألته عن رجل له علي رجلٍ آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم ؟ قال: «إذا قوّمه دراهم فسد، لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم»(5).

قال الشيخ (رحمه اللّه): الذي افتي به ما تضمّنه هذا الخبر من أنّه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم، لم يجز له أن يبيع عليه بدراهم؛ لأنّه يكون قد باع

ص: 326


1- في المصدر: «فيضعف».
2- الكافي 185:5، 4، التهذيب 29:7، 123.
3- في الطبعة الحجريّة: «الدَّيْن» بدل «العين».
4- الكافي 186185:5، 6، التهذيب 30:7، 127، الاستبصار 75:3، 252.
5- قرب الإسناد: 264 265، 1051، التهذيب 30:7، 129، الاستبصار 74:3، 246.

دراهم بدراهم، و ربما يكون فيه زيادة و نقصان و ذلك ربا.

ثمّ تأوّل الخبر الأوّل بأن يكون قد أعطاه في وقت السلف ثمناً غير الدراهم، فلا يؤدّي ذلك إلي الربا؛ لاختلاف الجنسين(1) ؛ لما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتي إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ و رقيقاً و متاعاً يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال: «نعم، يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً»(2).

و الوجه: ما اخترناه. و لا ربا هنا؛ لأنّ التقدير أنّه اشتري متاعاً بأحد النقدين ثمّ باعه بذلك النقد، و من شرط الربا بيع أحد المتماثلين جنساً بصاحبه مع التفاضل.

البحث الخامس: في علم المقدار.
مسألة 486: المبيع إن كان ممّا يدخله الكيل أو الوزن، لم يصح بيعه سلفاً

إلّا بعد ذكر قدره بأحدهما؛ لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «مَنْ أسلف فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم و أجل معلوم»(3).

و من طريق الخاصّة: قال الصادق (عليه السّلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلي أجل معلوم»(4).

ص: 327


1- التهذيب 3130:7.
2- التهذيب 31:7، 130.
3- سنن الترمذي 603602:3، 1311، سنن الدارقطني 3:3، 4، المعجم الكبير - للطبراني 130:11، 11263 و 11264.
4- الفقيه 167:3، 740، و في الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، و التهذيب 27:7، 116 بتفاوت يسير في اللفظ.

و لأنّ السَّلَم يشتمل علي نوع غرر، فلا يحتمل من الغرر ما لا يحتمله الحالّ. و لو باع الحالّ جزافاً، لم يجز.

و يجب أن يكون المكيال متعارفاً عند الناس، فلا يجوز تقديره بإناء معيّن؛ لأنّه قد يهلك فيتعذّر معرفة المُسْلَم فيه، و هو غرر لا يحتاج إليه. و لأنّه أيضاً مجهول؛ لأنّه لا يعلم بذلك قدر المبيع من المكيال المعروف و لا هو مشاهد.

و كذا الصنجة إذا عيّنها، فإن كانت الصنجة المشهورةَ بين العامّة، جاز؛ لأنّها إذا تلفت رجع إلي مثلها. و إن كانت مجهولةً، لم يجز.

و إن عيّنه بمكيال رجل معروف أو ميزانه، فإن كان مكياله و صنجته(1) معروفين، جاز، و إلّا فلا. و إذا كان معروفاً، لم يختصّ به.

و كذا لو أسلم في ثوب علي صفة خرقة أحضرها حال العقد، لم يصح؛ لجواز أن تهلك الخرقة فيكون ذلك غرراً لا حاجة به إليه؛ لأنّه لا يمكنه أن يضبطه بالصفات الموجودة فيها.

مسألة 487: ليس المراد في الخبر

مسألة 487: ليس المراد في الخبر(2) الجمع بين الكيل و الوزن،

بل قد يكون الجمع بينهما مبطلاً؛ لعزّة الوجود، كما لو أسلم في ثوب و وصفه بالذرع و قال: وزنه كذا، أو أسلم في مائة صاع حنطة علي أن يكون وزنها كذا.

نعم، لو ذكر في الخشب مع الصفات المشروطة الوزنَ، جاز؛ لأنّ الزائد يمكن تعديله بالنحت.

لكنّ المراد الأمر بالكيل في الموزونات التي يتأتّي فيها الكيل،

ص: 328


1- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «و ميزانه» بدل «و صنجته».
2- أي النبوي المتقدّم في صدر المسألة 486.

بخلاف أعيان الربا حيث لم يجز بيع بعض المكيلات ببعض في الجنس الواحد وزناً؛ لأنّ المعتبر فيها التساوي بالكيل، فإذا باعها وزناً، ربما تفاضلت كيلاً، فلم يجز.

و المراد هنا بالكيل معرفة المقدار و الخروج(1) عن الجهالة، فبأيّ شيء قدّره جاز، فحينئذٍ يجوز أن يسلف فيما أصله الوزن كيلاً و بالعكس - و به قال الشافعي(2) لما رواه وهب عن الصادق (عليه السّلام) عن الباقر (عليه السّلام) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، قال: «لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن»(3).

و مَنَع بعض الشافعيّة من السَّلَم كيلاً في الموزونات(4).

أمّا لو أسلم في فتات المسك و العنبر و نحوهما كيلاً، لم يصح؛ لأنّ القدر اليسير منه ماليّته كثيرة، و الكيل لا يعدّ ضابطاً فيه.

مسألة 488: لا يكفي العدد في المعدودات التي تدخل تحت الوزن،

كالبطّيخ و القثّاء و الرمّان و السفرجل و الباذنجان و النارنج و البيض، بل يجب الوزن، و لا يعتبر الكيل؛ لأنّها تتجافي في المكيال، و لا العدد؛ لتفاوتها كبراً و صغراً، و إنّما اكتفي بالعدد في العيان تعويلاً علي المشاهدة و تسامحاً، بخلاف السَّلَم الذي لا مشاهدة فيه.

و كذا الجوز و اللوز لا يجوز السلف فيهما عدداً، بل لا بدّ من الوزن.

و في الكيل فيهما للشافعيّة وجهان، أحدهما: الجواز؛ لعدم تجافيهما

ص: 329


1- في «س، ي»: «و خروجه».
2- العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 254:3، منهاج الطالبين: 111.
3- الفقيه 167:3، 739، التهذيب 4544:7، 192، الاستبصار 79:3، 265.
4- العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 254:3.

في المكيال(1).

و كذا الفستق و البندق.

و قال بعضهم: لا يجوز السَّلَم في [قشور(2)] الجوز و اللوز لا كيلاً و لا وزناً؛ لاختلافها(3) غلظةً و رقّةً، و الغرض يختلف باختلافها، فامتنع السلف فيها بالوزن أيضاً(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ القشور هنا كالنوي في التمر، فإنّه يختلف صغراً و كبراً و لم يعتبره الشارع، كذا هنا.

و قال أبو حنيفة: يجوز السَّلَم في البيض عدداً؛ لأنّ التفاوت فيه(5) يسير(6). و ليس بجيّد.

مسألة 489: جميع البقول و الخضراوات كالقثّاء و الخيار و البطّيخ لا يجوز السلف فيها عدداً و لا كيلاً،

بل يجب الوزن.

و لا يجوز السَّلَم في البقول(7) حزماً؛ لعدم ضبطها.

و لا يجوز السَّلَم في البطّيخة الواحدة و السفرجلة الواحدة إلّا مع

ص: 330


1- التنبيه في الفقه الشافعي: 98، حلية العلماء 372:4، العزيز شرح الوجيز 406:4، روضة الطالبين 255:3، منهاج الطالبين: 111.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لاختلاف قشورهما» بدل «لاختلافها».
4- فتح العزيز بهامش المجموع 261260:9. و في العزيز شرح الوجيز 406:4 سقط بعض العبارة.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فيها» بدل «فيه». و الظاهر ما أثبتناه.
6- حلية العلماء 372:4، العزيز شرح الوجيز 406:4، المغني و الشرح الكبير 354:4.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «البقل» بدل «البقول». و الظاهر ما أثبتناه لأجل السياق.

الوزن، فتكون عامّة الوجود لا قليلة الوقوع، و لا في عددٍ منها؛ لأنّه يحتاج إلي ذكر حجمها و وزنها، و ذلك يورث عزّة الوجود.

أمّا اللِّبن فيجوز الجمع فيه بين العدد و الوزن، بل هو الواجب، فيقول: كذا كذا لبنة وزن كلّ واحدة كذا؛ لأنّها تضرب عن اختيار، فالجمع فيها بين الوزن و العدد لا يورث عزّة الوجود، و الأمر فيه علي التقريب دون التحديد.

مسألة 490: لو عيّن مكيالاً غير معتاد كالكوز، فسد العقد.

و إن كان يعتاد، فسد الشرط و صحّ العقد؛ لأنّ ملأه مجهول القدر. و لأنّ فيه غرراً لا حاجة إلي احتماله، فإنّه قد يتلف قبل المحلّ.

و في البيع لو قال(1): بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة، بطل مع جهالة قدر ملء الكوز.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الصحّة(2).

أمّا لو عيّن في البيع أو السَّلَم مكيالاً معتاداً، فإنّه يصحّ البيع و يلغو الشرط، كسائر الشروط التي لا غرض فيها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يفسد؛ لتعرّضه للتلف(3).

و هل السَّلَم الحالّ علي تقدير جوازه كالمؤجّل أو كالبيع ؟ للشافعيّة(4) وجهان، أحدهما: أنّه كالمؤجّل؛ لأنّ الشافعي قال: لو أصدقها ملء هذه الجرّة خَلّاً، لم يصح؛ لأنّها قد تنكسر فلا يمكنه التسليم، كذا هنا(5).

ص: 331


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «في البيع و لو قال». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الوسيط 434:3، العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
3- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «للشافعي».
5- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.

و لو قال: أسلمت إليك في ثوبٍ كهذا الثوب، أو في مائة صاع كهذه الحنطة، لم يصح؛ لإمكان تلف الثوب المحال عليه أو الحنطة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و في الثاني: يصحّ، و يقوم مقام الوصف(1).

و لو أسلم في ثوبٍ و وصفه بصفات السَّلَم ثمّ أسلم في آخر بتلك الصفة، جاز.

مسألة 491: يجوز السَّلَم في المذروع أذرعاً

كالثياب و الحبال و شبهها؛ لأنّ ضبطها بذلك. و لا يجوز في القصب أطناناً، و لا الحطب حزماً، و لا الماء قرباً، و لا المخروز خرزاً(2) ؛ لاختلافها، و عدم ضبطها بالصغر و الكبر. و لو ضبط بالوزن، جاز؛ لأنّ جابراً سأل الباقرَ (عليه السّلام) عن السلف في روايا الماء، فقال: «لا تبعها، فإنّه يعطيك مرّة ناقصة و مرّة كاملة، و لكن اشتر(3) معاينة، و هو أسلم لك و له»(4).

مسألة 492: و كما يجب العلم في المبيع بالقدر و الوصف،

كذا يجب في الثمن. فنقول: إن كان الثمن في الذمّة لم يعيّنه المتعاقدان، فلا بدّ من ضبط صفته و قدره، كما يضبط صفة المُسْلَم فيه، إلّا أن يكون من الأثمان فيكفي إطلاقه إذا كان في البلد نقد غالب واحد.

و يجوز أن يكون رأس المال موصوفاً في الذمّة، و يعيّناه في المجلس قبل التفرّق، فيجري ذلك مجري تعيينه حال العقد.

و إن كان الثمن معيّناً حالة العقد، فإن كان مشاهداً، كفت الرؤية عن

ص: 332


1- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
2- لعلّها: المحزور حزراً.
3- في المصدر: «اشتره».
4- التهذيب 45:7، 193.

وصفه. و إن لم يكن مشاهداً، فلا بدّ من وصفه بما يرفع الجهالة و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أحد القولين، و أبو إسحاق المروزي(1) لأنّ عقد السَّلَم منتظر مترقّب لا يمكن إتمامه في الحال، و إنّما هو موقوف علي وجود المُسْلَم فيه عند المحلّ لا يؤمن انفساخه، فوجب معرفة رأس المال فيه ليؤدّيه له، كما في القرض و عقد الشركة.

و القول الثاني للشافعي: لا يجب تعيينه و ضبطه بالوصف، و هو اختيار المزني(2).

و قال أبو حنيفة: إن كان رأس المال مكيلاً أو موزوناً، وجب ضبط صفاته. و إن كان مذروعاً أو معدوداً، لم يجب ضبط صفاته(3) ؛ لأنّ المكيل و الموزون يتعلّق العقد بقدره بدليل أنّه لو باع صبرة علي أنّها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر، كان له أن يأخذ عشرة و يردّ الباقي، و لو اشتري ثوباً علي أنّه عشرة أذرع فبان أحد عشر ذراعاً، تخيّر البائع إن شاء سلّم الكلّ، و إن شاء فسخ؛ لأنّ العقد تعلّق بعينه.

و احتجّ الشافعي علي عدم الحاجة إلي الوصف: بأنّه عوض مشاهد، فاستغني بمشاهدته عن معرفة قدره، كبيوع الأعيان(4) ، و كما لو كان مذروعاً أو معدوداً، و لا يلزم أعيان الربا؛ لأنّه لا يحتاج إلي معرفة القدر،4.

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 394393:4، المهذّب للشيرازي 307:1، الحاوي الكبير 397:5، روضة الطالبين 245:3، المغني 365:4، الشرح الكبير 366:4.
2- المهذّب للشيرازي 307:1، الحاوي الكبير 397:5، العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
3- بدائع الصنائع 201:5، الحاوي الكبير 397:5، العزيز شرح الوجيز 394:4.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 307:1، و المغني 365:4، و الشرح الكبير 366:4.

و إنّما يحتاج إلي معرفة التساوي فيها.

و الجواب عمّا قاله أبو حنيفة: أنّه خطأ؛ لأنّ المكيل و الموزون يجوز أن يكون جزافاً في البيع و الصداق، فلو تعلّق بقدره، لم يجز. و ما استشهد به فإنّما كان كذلك؛ لأنّ المكيل و الموزون ينتقص و لا ضرر فيه، و الثوب ينتقص بقطعه، فلهذا اختلفا، لا لما ذكره.

و ما قاله الشافعي ضعيف؛ لأنّا نمنع الاكتفاء بالمشاهدة عن معرفة القدر في بيع الأعيان، بخلاف المذروع، فإنّه غير واجب العلم بقدر الذرع و كذا العدد.

إذا ثبت ما قلناه، فلا بدّ من ضبط صفات الثمن، فما لا يضبط بالوصف مثل الجواهر و الأخلاط لا يجوز أن يكون رأس مال السَّلَم، و إنّما يجوز أن يكون رأس المال ما جاز أن يسلم فيه.

هذا إذا لم يكن مشاهداً، و أمّا إذا كان مشاهداً، فلا حاجة إلي الوصف، بل تجب معرفة القدر، سواء كان مثليّا أو لا. و بالجملة، كلّ ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون رأس مال السَّلَم، فإن لم يعرف صفاته، عيّنه، فإن انفسخ السَّلَم؛ لانقطاع المُسْلَم فيه، ردّ رأس المال إن كان موجوداً، و مثله إن كان مفقوداً و له مثل، و إن لم يكن له مثل، ردّ قيمته. و لو اختلفا في قدره أو قيمته، فالقول قول المسلم إليه؛ لأنّه غارم.

مسألة 493: لو كان رأس المال متقوّماً

مسألة 493: لو كان رأس المال متقوّماً(1) و ضُبطت صفاته بالمعاينة، لم يشترط معرفة قيمته،

كثوبٍ بعضُ صفاته مشاهدة، و جارية موصوفة،

ص: 334


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مقبوضاً» بدل «متقوّماً». و الظاهر ما أثبتناه.

و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: فيه قولان(2).

و لا فرق بين السَّلَم الحالّ و المؤجّل.

و بعض الشافعيّة خصّ القولين بالسَّلَم المؤجّل، و قطع في الحالّ بالاكتفاء بالمعاينة فيه(3).

و موضع القولين لهم ما إذا تفرّقا قبل العلم بالقدر و القيمة، أمّا إذا علما ثمّ تفرّقا، فلا خلاف في الصحّة(4).

و ليس بجيّد عندنا، بل القدر يجب أن يكون معلوماً حالة العقد.

و بني كثير من الشافعيّة علي هذين القولين أنّه هل يجوز أن يجعل رأس مال السَّلَم ما لا يجوز السَّلَم فيه ؟ إن قلنا بالأصحّ، جاز، و إلّا فلا(5).

و إذا كان رأس المال جزافاً عنده و اتّفق الفسخ و تنازعا في القدر، كان القول قول المسلم إليه؛ لأنّه غارم(6).

البحث السادس: قبض الثمن.
مسألة 494: يشترط في السَّلَم قبض الثمن في المجلس،

فلا يجوز التفرّق قبله، فإن تفرّقا قبل القبض، بطل السَّلَم عند علمائنا أجمع و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(7) لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق، فلا يجوز فيه التفرّق قبل القبض، كالصرف. و لأنّ المُسْلَم فيه دَيْنٌ

ص: 335


1- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
2- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
3- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
4- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
5- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
6- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
7- بدائع الصنائع 202:5، المهذّب للشيرازي 307:1، التهذيب للبغوي 573:3، العزيز شرح الوجيز 391:4، روضة الطالبين 243242:3، بداية المجتهد 202:2، الذخيرة 230:5، المغني 362:4، الشرح الكبير 363:4.

في الذمّة، فلو أخّر تسليم رأس المال عن المجلس، لكان ذلك في معني بيع الكالئ بالكالئ؛ لأنّ تأخير التسليم ينزّل منزلة الدينيّة في الصرف و غيره. و لأنّ الغرر في المُسْلَم فيه احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل لئلّا يعظم الغرر في الطرفين.

و قال مالك: يجوز أن يتأخّر قبضه يومين و ثلاثة و أكثر ما لم يكن يشترط أو تطول المدّة؛ لأنّه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سَلَماً، فوجب أن لا يفسده، كما لو أخّره و هُما في المجلس(1).

و الفرق ظاهر بين المفارقة قبل القبض في المجلس و فيه، كالصرف.

مسألة 495: لو قبض بعض الثمن في المجلس ثمّ تفارقا قبل قبض الباقي، بطل السَّلَم فيما لم يقبض،

كالصرف، و سقط بقسطه من المُسْلَم فيه. و الحكم في المقبوض كما لو اشتري شيئين فتلف أحدهما قبل القبض.

و لو جاءه(2) المشتري ببعض الثمن في المجلس، كان للبائع الامتناع من قبضه؛ للتعيّب بالتشقيص، بخلاف الدَّيْن، فإنّ المديون لو دفع بعض الدَّيْن، وجب علي صاحب الدَّيْن قبضه.

و لو كان رأس المال منفعة عبد أو دار مدّة معيّنة، صحّ، و كان تسليم تلك المنفعة بتسليم العين.

مسألة 496: لا يشترط تعيين الثمن عند العقد،

فلو قال: أسلمت إليك ديناراً في ذمّتي في كذا، ثمّ عيّن و سلَّم في المجلس، جاز.

ص: 336


1- بداية المجتهد 202:2، الذخيرة 230:5، العزيز شرح الوجيز 391:4، المغني 362:4، الشرح الكبير 363:4.
2- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «جاء».

و كذا في الصرف لو باع ديناراً بدينار أو بدراهم في الذمّة ثمّ عيّن و سلم في المجلس، جاز.

و هذا إذا كان الدينار المطلق منصرفاً إلي نقدٍ معلوم، أمّا لو تعدّد، وجب تعيينه.

و لو أسلم طعاماً بطعام في الذمّة ثمّ عيّن و سلم في المجلس، فإن وصفه بما يرفع الجهالة، جاز.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأن الوصف فيه يطول، بخلاف الصرف، فإنّ الأمر في النقود أهون، و لهذا يكفي فيها الإطلاق و لا يكفي في العروض.

و الثاني: الجواز، و يصفه كما يصف المُسْلَم فيه. و هذا أظهر عند الشافعيّة(1).

مسألة 497: لا يشترط استمرار قبض الثمن،

فلو سلّمه المشتري إلي البائع ثمّ ردّه البائع إليه وديعةً قبل التفرّق، جاز بلا خلاف.

و لو ردّه عليه بدَيْنٍ كان له عليه قبل التفرّق، صحّ؛ لأنّه قد ملكه بالعقد، و استقرّ ملكه بالقبض.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّه تصرّف فيه قبل انبرام(2) ملكه. فإذا تفرّقا، صحّ السَّلَم؛ لحصول القبض و انبرام(3) الملك، و يستأنف إقباضه للدَّيْن(4). و ليس بشيء.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و التزام» بدل «و انبرام». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و التزام» بدل «و انبرام». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و لو كان له في ذمّة غيره دراهم فقال: أسلمت إليك الدراهم التي في ذمّتك في كذا، صحّ؛ لأنّه مقبوض في ذمّة صاحبه علي إشكال.

و قال بعض الشافعيّة: إن شرط الأجل، فهو باطل؛ لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن.

و إن كان حالّا و لم يسلّم المُسْلَم فيه قبل التفرّق، فكذلك.

و إن أحضره و سلم، فوجهان:

الصحّة، كما لو صالح من تلك الدراهم علي دينار و سلّمه في المجلس.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّ قبض المُسْلَم فيه ليس بشرط أمّا لو لم يعيّن الثمن من المال الذي عليه ثمّ حاسبه بعد العقد من دَيْنه عليه، جاز قطعاً و لو كان السَّلَم حالّا، فلو وجد، لكان متبرّعاً به، و أحكام البيع لا تُبني علي التبرّعات، أ فلا تري أنّه لو باع طعاماً بطعام إلي أجل ثمّ تبرّعا بالإحضار، لم يجز(1).

و أطلق بعض الشافعيّة الوجهين في أنّ تسليم المُسْلَم فيه(2) في المجلس و هو حالّ هل يغني عن تسليم رأس المال ؟ و الأظهر عندهم: المنع(3).

مسألة 498: لو أحال المشتري البائع بالثمن علي غيره فقبل المحال عليه و قبضه البائع منه في المجلس، صحّ؛

لحصول القبض في المجلس.

ص: 338


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إليه» بدل «فيه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ، سواء قبضه البائع في المجلس أو لا؛ لأنّه بالحوالة يتحوّل الحقّ إلي ذمّة المحال عليه، فهو يؤدّيه من جهة نفسه لا من جهة المسلم. و لو قبضه المشتري و سلم إلي البائع، جاز(1).

و لو قال [المشتري(2)] للمحال عليه: سلّمه إليه(3) ففعل، لم يكف في صحّة السَّلَم عندهم؛ لأنّ الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلاً للغير لكن يجعل البائع وكيلاً عن(4) المشتري في قبض ذلك، ثمّ السَّلَم يقتضي قبضاً، و لا يمكنه أن يقبض من نفسه(5).

و الوجه: ما قلناه.

أمّا لو لم يقبض البائع في المجلس، فالأقوي: بطلان السَّلَم؛ لعدم القبض في المجلس الذي هو شرط صحّة السَّلَم. و يحتمل الصحّة؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

و لو أحال البائع برأس المال علي المشتري فتفرّقا قبل التسليم، احتمل البطلان و إن جعلنا الحوالة قبضاً و هو قول بعض الشافعيّة(6) لأنّ المعتبر في السَّلَم القبض الحقيقي. و الصحّة؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

و لو أحضر المشتري رأس المال، فقال البائع: سلّمه إليه، ففعل، صحّ، و يكون المحتال وكيلاً عن البائع في القبض.3.

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «البائع» بدل «المشتري». و الظاهر ما أثبتناه كما هو ظاهر المصدر.
3- في «س»: «لي» بدل «إليه».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «غير» بدل «عن». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
6- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و لو كان رأس المال دراهم في الذمّة فصالح عنها علي مال، فالأقرب عندي: الصحّة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ و إن قبض ما صالح عليه(1).

و لو كان الثمن عبداً فأعتقه البائع قبل القبض، صحّ.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ إن لم [نصحّح(2)] إعتاق المشتري قبل القبض، و إن صحّحناه، فوجهان.

و وجه الفرق: أنّه لو نفذ، لصار قابضاً من طريق الحكم، و أنّه غير كافٍ في السَّلَم بدليل الحوالة، فعلي هذا إن تفرّقا قبل قبضه، بطل العقد. و إن تفرّقا بعده، صحّ. و في نفوذ العتق وجهان(3).

مسألة 499: إذا انفسخ السَّلَم بسببٍ و كان رأس المال معيّناً في ابتداء العقد و هو باقٍ، رجع المشتري إليه.

و إن كان تالفاً، رجع إلي بدله إمّا المثل إن كان مثليّا، أو القيمة إن لم يكن.

و إن كان موصوفاً في الذمّة ثمّ عجّل في المجلس و هو باقٍ، فهل له المطالبة بعينه أم للبائع الإتيان ببدله ؟ الأقرب: الأوّل؛ لأنّ المعيّن في المجلس كالمعيّن في العقد.

و يحتمل الثاني؛ لأنّ العقد لم يتناول تلك(4) العين.

و للشافعيّة وجهان(5) كهذين.

تذنيب: لو وجدنا رأس المال في يد البائع و اختلفا،

فقال المشتري

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: لم يصح. و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.
4- في العزيز شرح الوجيز: «ملك» بدل «تلك».
5- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.

أقبضته بعد التفرّق، و قال البائع: بل قبله، قدّم قول البائع؛ تمسّكاً بصحّة البيع و القبض.

و لو أقاما بيّنةً، قال بعض الشافعيّة: بيّنة المسلم إليه أولي؛ لأنّها نافلة(1)(2).

و عندي فيه نظر؛ لأنّ القول قوله فالبيّنة(3) بيّنة الآخر.

مسألة 500: لو وجد رأس المال معيباً، فإن كان معيّناً و كان من غير الجنس، بطل السَّلَم.

و إن لم يكن معيّناً، فإن تقابضا الصحيح في المجلس قبل التفرّق، صحّ السَّلَم، و إلّا بطل.

و إن كان من الجنس، فالأقرب: الصحّة إن افترقا بعد الإبدال، و لو تفرّقا قبله، بطل العقد علي إشكالٍ أقربه: الصحّة.

و لو أسلم مائة في حنطة و مثلها في شعير ثمّ دفع مائتين قبل التفرّق فوجد بعضها(4) زيوفاً من غير الجنس، وُزّع بالنسبة، و بطل من كلّ جنس بنسبة حصّته من الزيوف.

مسألة 501: لو شرط تعجيل نصف الثمن و تأخير الباقي، لم يصح

السَّلَم مطلقاً. أمّا في غير المقبوض: فلانتفاء القبض الذي هو شرط صحّة السَّلَم. و أمّا المقبوض: فلزيادته علي المؤجّل، فيستدعي أن يكون في مقابلته أكثر ممّا في مقابلة المؤجّل، و الزيادة مجهولة.

ص: 341


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «ناقلة» بالقاف.
2- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 245:3.
3- في «س»: «و البيّنة».
4- في الطبعة الحجريّة: «بعدها» بدل «بعضها» و الصحيح ما أثبتناه من «س، ي».
النظر الثالث: في الأحكام.
مسألة 502: قال الشيخ: لا بُدَّ من ذكر موضع التسليم.

و إن كان في حمله مئونة، فلا بُدَّ من ذكره أيضاً(1).

و الشافعيّة قالوا: السَّلَم إمّا حالّ أو مؤجّل.

أمّا الحالّ: فلا حاجة فيه إلي تعيين مكان التسليم، كالبيع، و يتعيّن مكان العقد، لكن لو عيّن موضعاً آخر، جاز، بخلاف البيع عنده؛ لأنّ السَّلَم يقبل التأجيل فيقبل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم(2) بالإحصار(3) ، و الأعيان لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم. و حكم الثمن في الذمّة حكم المُسْلَم فيه. و إن كان معيّناً، فهو كالمبيع(4).

و عندنا لو شرط تعيين المكان في الأعيان، جاز.

و لا نريد بمكان العقد ذلك الموضع بعينه، بل تلك المحلّة، إلّا مع الشرط.

و إن كان السَّلَم مؤجّلاً، فعن الشافعي اختلاف في أنّه هل يجب تعيين مكان التسليم فيه ؟ و قد انقسم أصحابه إلي نُفاة الخلاف و مُثبتيه.

أمّا النُّفاة: فعن بعضهم أنّه إن جري العقد في موضعٍ يصلح للتسليم فيه، فلا حاجة إلي التعيين. و إن جري في موضعٍ غير صالح، فلا بُدَّ من

ص: 342


1- الخلاف 202:3، المسألة 9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «السلم» بدل «التسليم». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بالإحضار» بالضاد المعجمة، و كلتاهما ساقطة في «ي» و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 254:3.

التعيين. و حمل قولي الشافعي علي الحالين.

و قال آخرون: إنّ المُسْلَم فيه إن كان لحملة مئونة، وجب التعيين، و إلّا فلا. و حمل القولين علي الحالين. و بهذا قال أبو حنيفة.

و أمّا المثبتون: فلهم طرق:

أحدها: أنّ المسألة علي قولين مطلقاً.

و الثاني: أنّه إن لم يكن الموضع صالحاً، وجب التعيين لا محالة. و إن كان صالحاً، فقولان.

و الثالث: أنّه إن لم يكن لحملة مئونة، فلا حاجة إلي التعيين. و إن كان له مئونة، فقولان.

و الرابع: إن كان لحملة مئونة، فلا بُدَّ من التعيين، و إلّا فقولان. و هذا أصحّ عند بعضهم.

و وجه اشتراط التعيين: أنّ الأغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة، فلا بُدَّ من التعيين قطعاً للنزاع، كما لو باع بدراهم و تعدّدت نقود البلد.

و وجه عدم الاشتراط و به قال أحمد -: القياس علي البيع، فإنّه لا حاجة فيه إلي تعيين مكان التسليم.

و وجه الفرق بين الموضع الصالح و غيره: اطّراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح، و اختلاف الأغراض في غيره.

و وجه الفرق بين ما لحملة مئونة و غيره قريب من ذلك.

و فتوي الشافعيّة من هذا كلّه علي وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحاً أو كان لحملة مئونة، و عدم الاشتراط في غير هاتين الحالتين(1).4.

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 404403:4، فتح العزيز بهامش المجموع 253:9، روضة الطالبين 253:3، و راجع: بدائع الصنائع 213:5، و المغني 368367:4، و الشرح الكبير 369:4.

و هو عندي أقرب.

و إذا شرطنا التعيين، فلو لم يعيّن، فسد العقد. و إن لم نشترط، فإن عيّن، تعيّن.

و عن أحمد رواية أنّ هذا الشرط يفسد السَّلَم(1).

و إن لم يعيّن، حمل علي مكان العقد.

و قال بعض الشافعيّة: إذا لم يكن في حمله مئونة، يسلّمه في أيّ موضعٍ صالح [شاء(2)(3)].

و في وجهٍ لهم: إذا لم يكن الموضع صالحاً للتسليم، حمل علي أقرب موضعٍ صالح(4).

و لو عيّن موضعاً للتسليم فخرب و خرج عن صلاحية التسليم، احتمل تعيين ذلك الموضع عملاً بالشرط. و يحتمل أقرب موضعٍ صالح. و تخيير المشتري.

و للشافعيّة أقوال ثلاثة(5) ، كالاحتمالات.

فقد ظهر أنّ موضع العقد إن أمكن فيه التسليم، لم يجب شرطه، و إلّا وجب كما لو كانا في مفازة، عند بعض الشافعيّة(6).

و قال بعضهم: فيه قولان: الوجوب، و عدمه. و الأوّل أولي5.

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 404:4، و انظر: المغني 368:4، و الشرح الكبير 369:4.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 253:3.
4- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 253:3.
5- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 254253:3.
6- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.

عندهم(1).

و قال بعضهم: إن كان لحملة مئونة، وجب ذكر الموضع، و إلّا فلا. و به قال أبو حنيفة(2).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يجب ذكر موضع التسليم(3).

و قال أحمد: لا يجب، و إن ذكره، ففي فساد السَّلَم روايتان، إحداهما: الفساد؛ لأنّه شرط ما لا يقتضيه الإطلاق، و فيه غرر؛ لأنّه ربما تعذّر تسليمه في ذلك المكان، فأشبه ما إذا شرط مكيالاً بعينه أو نخلة بعينها(4).

و هو غلط؛ لأنّ القبض يجب بحلوله، و لا يعلم موضعهما في ذلك الوقت، فوجب شرطه، و إلّا كان مجهولاً، و ليس القبض يختصّ بحالة العقد، فإنّه يصحّ في غيرها، فلم يتعلّق بها، بخلاف الحال؛ لأنّ القبض يجب في هذه الحال، فانصرف إليها. و كونه غرراً غلط، و لو كان تعيين المكان غرراً في العقد، لكان تعليقه بزمانٍ غرراً، إلّا أن يكون موضعاً لا يمكن فيه التسليم، فإنّه لا يجوز.

و يحتمل قويّاً أنّه لا يشترط موضع التسليم و إن كان في حمله مئونة، فإن شرطاه، تعيّن.

و لو اتّفقا علي التسليم في غيره، جاز. و مع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم إلي موضع العقد.

و لو كانا في بلد غربة أو برّيّة و قَصْدُهما مفارقته قبل الحلول،4.

ص: 345


1- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
2- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
3- بدائع الصنائع 213:5، المغني 367:4، الشرح الكبير 369:4.
4- المغني 369367:4، الشرح الكبير 369:4، حلية العلماء 376:4.

فالأقرب: وجوب تعيين المكان.

مسألة 503: يجوز أخذ الرهن علي المُسْلَم فيه و كذا الضامن،

و لا نعلم فيه خلافاً.

قال اللّه تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلي آخر الآية الثانية(1).

و روي العامّة عن ابن عباس و ابن عمر أنّهما قالا: لا بأس بالرهن و الحميل(2).

و من طريق الخاصّة: رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: سألته عن السَّلَم في الحيوان و في الطعام و يؤخذ الرهن، قال: «نعم، استوثق من مالك ما استطعت» قال: و سألته عن الرهن و الكفيل في بيع النسيئة، فقال: «لا بأس به»(3).

و لأنّه دَيْن واجب مستقرّ في الذمّة، فجاز أخذ الرهن و الضمين به، كالثمن.

مسألة 504: لا يجوز السلف في ثوبٍ بشرط

مسألة 504: لا يجوز السلف في ثوبٍ بشرط(4) أن يكون من غزل امرأة

بعينها أو نسج شخص بعينه، و لا في الثمرة بشرط أن تكون من نخلة معيّنة أو بستان بعينه، أو في زرع بشرط أن يكون من أرض معيّنة أو قرية صغيرة و به قال الشافعي(5) لتطرّق الموت إلي تلك المرأة أو النساج

ص: 346


1- البقرة: 282 و 283.
2- سنن البيهقي 19:6.
3- التهذيب 42:7، 178.
4- في «س، ي»: «و يشترط». و في الطبعة الحجريّة: «يشترط» بدون الواو. و الظاهر ما أثبتناه من حيث السياق.
5- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3، المغني و الشرح الكبير 360:4.

المعيّن أو تعذّر غزلها و نسجه، و قد تصيب تلك النخلة أو البستان الجائحةُ فتنقطع الثمرة.

و كذا الغلّة فقد تصيب تلك الأرض المعيّنة أو القرية الصغيرة آفةٌ لا يخرج الزرع تلك السنة، فإذَنْ في التعيين غرر لا ضرورة إلي احتماله. و لأنّ التعيين ينافي المدينيّة(1) من حيث إنّه يضيق مجال التحصيل(2) ، و المسلم فيه ينبغي أن يكون دَيْناً مرسلاً في المدينيّة(3) ليتيسّر أداؤه.

أمّا لو أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة، فإن أفاد أمراً زائداً، كمعقليّ البصرة و معقليّ بغداد، فإنّهما صنف واحد، لكن كلّ واحد(4) منهما يمتاز عن الآخر بصفات و خواصّ، فالإضافة إليها تفيد فائدة الأوصاف، و يكون الشرط لازماً.

و إن لم يُفد أمراً زائداً، احتمل عدم الالتفات إليه، كتعيين المكيال؛ لخلوّه عن الفائدة. و الصحّة؛ لأنّه لا ينقطع غالباً، و لا يتضيّق به المجال(5).

و كلاهما للشافعيّة، و أصحّهما عندهم: الثاني(6) ، و هو الأقوي عندي.

إذا تقرّر هذا، فإذا نسب الغلّة إلي قرية عظيمة تبعد الحيلولة فيها فاتّفق، كان بحكم انقطاع المُسْلَم فيه يتخيّر المشتري بين الصبر و الفسخ.3.

ص: 347


1- كذا، و الظاهر: الدينيّة.
2- في الطبعة الحجريّة: «من حيث إنّه يصير محال التسليم» و في هامشها: «التحصيل خ ل» و في «س» بدل «التسليم»: «التحصيل». و العبارة في «ي» ساقطة. و الصحيح ما أثبتناه.
3- كذا، و الظاهر: «الذمّة» بدل «المدينيّة».
4- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لكن ذكر كلّ واحد».
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المحال» و هو خطأ.
6- العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 256:3.

و في رواية زرارة الصحيحة عن الباقر (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل اشتري طعام قرية بعينها، فقال: «لا بأس إن خرج فهو له، و إن لم يخرج كان دَيْناً عليه»(1).

مسألة 505: قد بيّنّا أنّه يجب اشتراط الجودة و الرداءة في كلّ ما يسلم فيه؛

لأنّ القيمة و الأغراض تختلف بهما، و هو أحد قولي الشافعيّة. و القول الثاني: لا يحتاج إليه، و يحمل المطلق علي الجيّد(2). و هو محتمل عندي.

و علي كلّ تقدير إذا اشترطت الجودة أو قلنا: ينزّل عليها المطلق، ينزّل علي أقلّ مراتب الدرجات، كغيرها من الصفات، فإذا شرط الكتابة، كفي أقلّ درجاتها، و كذا الخياطة و شبهها؛ لأنّ المراتب لا نهاية لها، فاكتفي بأقلّ المراتب؛ لأصالة البراءة عمّا زاد.

و لو شرط الرداءة، جاز و يكتفي فيها بمهما كان من أنواعها.

و قال كثير من الشافعيّة: إن شرطا رداءة النوع، جاز؛ لانضباطه. و إن شرطا رداءة العين أو الصفة، لم يجز؛ لأنّها لا تنضبط، و ما من رديء إلّا و هناك خير منه، و إن كان رديئاً، فيفضي إلي النزاع(3).

و اعلم أنّ نوع المُسْلَم فيه لا بُدَّ من التعرّض له، فإن لم ينص علي النوع و تعرّض للرديء تعريفاً للنوع، قالت الشافعيّة: فذلك محتمل لا محالة. و إن نصّ علي النوع، فذكر الرداءة حشو(4).

و أمّا رداءة الصفة فقال كثير منهم بجواز اشتراطه(5) ؛ لأنّهم ذكروها في مقابلة الجودة، و لا شكّ أنّهم لم يريدوا بها جودة النوع.

ص: 348


1- الفقيه 132:3، 574، التهذيب 39:7، 162.
2- العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.
3- العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.
4- العزيز شرح الوجيز 423:4.
5- العزيز شرح الوجيز 423:4.
مسألة 506: الصفات المشترطة إن كانت مشهورةً عند الناس، فلا بحث.

و إن لم تكن مشهورةً إمّا لغرابة الألفاظ المستعملة فيها أو لغيرها، فلا بدّ من معرفة المتعاقدين بها. و إن جهلاها أو أحدهما، لم يصح العقد.

و هل تكفي معرفتهما؟ إشكال ينشأ من أنّه لا بدّ من أن يعرفها غيرهما ليرجعا إليه عند التنازع، و من أنّه عقد علي معلوم عند المتعاقدين، فكان جائزاً، كالمقدار.

و إن جهله غيرهما، فإن شرطنا معرفة الغير، اكتفي بمعرفة عدلين، و لا يفتقر إلي الاستفاضة.

و للشافعيّة قولان: الاكتفاء بالعدلين، و اشتراط الاستفاضة(1).

و كذا يجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلّا عدلان(2).

مسألة 507: إذا دفع البائع من غير الجنس، كما إذا باع تمراً فدفع زبيباً، أو أسلم في ثوب كتّان فدفع ثوب قطن، لم يجب علي المشتري قبوله
اشارة

إجماعاً؛ لأنّه غير ما شرطه، فإن تراضيا عليه، جاز؛ للأصل. و لقوله (عليه السّلام): «الصلح جائز بين المسلمين إلّا ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً»(3).

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه اعتياض، و ذلك غير جائز في السَّلَم(4).

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 270:3.
2- العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 270:3.
3- سنن ابن ماجة 788:2، 2353، سنن أبي داوُد 304:3، 3594، سنن الترمذي 635:3، 1352، سنن البيهقي 65:6.
4- الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.

و هو مصادرة علي المطلوب.

و يؤيّده ما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتي إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ أو رقيقاً أو متاعاً، يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال: «نعم، يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً»(1).

أمّا إن دفع من الجنس لكنّه أجود ممّا شرط، وجب قبوله و لم يكن حراماً؛ لما رواه سليمان بن خالد قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل يسلم في وصف(2) أسنان معلوم و لون معلوم ثمّ يعطي فوق شرطه، فقال: «إذا كان علي طيبة نفس منك و منه فلا بأس به»(3).

و لو كان أكثر، لم يجب القبول؛ لما فيه من المنّة.

و لو جاءه بالثوب المُسْلَم فيه أجود ممّا شرط فأعطاه عوض الجودة شيئاً، جاز و به قال أبو حنيفة(4) لأنّه أخذ عوضاً عن الزيادة، فأشبه ما لو أسلم في عشرة أذرع فجاءه بأحد عشر ذراعاً. و لأنّها معاوضة علي شيء سائغ بشيء مملوك، فكان جائزاً، كغيرها من المعاوضات.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجودة صفة، فلا يجوز إفرادها بالعقد(5) ، كما لو كان مكيلاً أو موزوناً، بخلاف الذرع؛ لأنّه عين و ليس بصفة.1.

ص: 350


1- الكافي 186:5، 7، الفقيه 165:3، 729، التهذيب 31:7، 130، الإستبصار 76:3، 254.
2- في المصدر: وصيف.
3- التهذيب 41:7، 173.
4- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 119:2.
5- المهذّب للشيرازي 308:1.

و يُمنع المنع من جواز إفرادها، و الأصل فيه أنّ هذا نوع من الصلح، و ليس بيعاً حقيقيّاً، فلم يكن به بأس.

و إن دفع أدون في الوصف ممّا عليه، لم يجب قبوله، لكن لو رضي به، جاز؛ لأنّه نوع إسقاط لما وجب له.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن السَّلَم في الحيوان، قال: «ليس به بأس» قلت: أ رأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شيء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه و فوقه بطيب نفس منهم ؟ فقال: «لا بأس به»(1).

و به قال الشافعي(2).

و لو دفع عوضاً عن الرداءة، فالأقرب: الجواز، كما في طرف الجودة.

و أمّا إن جاءه(3) بنوعٍ آخر، كما إذا أسلم في الزبيب الأبيض فجاءه بالأسود، فالأقرب: الجواز؛ لأنّه من جنسه، و المخالفة في الوصف لا غير، لكن بشرط أن يتراضيا عليه.

و للشافعي قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّه يكون اعتياضاً(4). و هو ممنوع.

و للشافعي في قبول الأجود في الوصف مع اتّحاد الجنس قولان:

أحدهما: المنع؛ لما فيه من المنّة.4.

ص: 351


1- الكافي 220:5، 1، الفقيه 166:3، 733، التهذيب 46:7، 198.
2- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «جاء».
4- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 382381:4، الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 425:4.

و أصحّهما: الجواز كما قلناه لأنّ إتيانه به يشعر بأنّه لا يجد سبيلاً إلي إبراء ذمّته بغير ذلك، و هو يهوّن أمر المنّة(1).

و لو اختلف النوع، كما لو أسلم في المعقليّ فجاء بالبرنيّ، أو في الزبيب الأبيض فجاء بالأسود، أو في الثوب الهرويّ فجاء بالمرويّ، لم يجب علي المسلم قبوله؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع.

و قال بعض الشافعيّة: يجب القبول(2).

و الحقّ الأوّل.

فإن قَبِله، جاز و هو أحد قولي الشافعي(3) كما لو اختلفت الصفة.

و الثاني: لا يجوز، كما لو اختلف الجنس(4).

و امتناعه باطل عندنا.

و للشافعيّة اختلاف في أنّ التفاوت بين التركيّ و الهنديّ من العبيد تفاوت جنسٍ أو تفاوت نوعٍ؟ و الصحيح عندهم: الثاني، و في(5) أنّ التفاوت بين الرطب و التمر و بين ما يسقي بماء السماء و ما يسقي بغيره تفاوت نوعٍ أو صفة ؟ و الأشبه: الأوّل(6).

تذنيب: لو دفع الأردأ أزيد من الحقّ، فإن لم يكن ربويّاً، جاز.

و إن كان ربويّاً و كانت المعاوضة علي سبيل البيع، لم يجز؛ لأنّه ربا. و إن لم يكن علي سبيل البيع، فالأقرب عندي: الجواز.

مسألة 508: للمشتري سَلَماً أخذ الحنطة خاليةً من التبن و غيره

و من

ص: 352


1- العزيز شرح الوجيز 425:4.
2- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.
3- حلية العلماء 382:4، العزيز شرح الوجيز 425:4.
4- حلية العلماء 382:4، العزيز شرح الوجيز 425:4.
5- في «س، ي»: «و من» بدل «و في». و الصحيح ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.

الزائد علي العادة من التراب، و أخذ التمر جافّاً، و لا يجب تناهي جفافه؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب أقلّ ما يطلق عليه الاسم. و يجب تسليم الرطب صحيحاً غير مشدّخ(1).

و لا يجوز قبض المكيل و الموزون جزافاً، فإن تراضيا به، فالأقوي عندي: الجواز. و للمشتري ملء المكيال و ما يحتمله، و لا يكون ممسوحاً و لا يدقّه و لا يهزّه و لا يزلزل المكيال و لا يوضع الكفّ علي جوانبه، و ليس له قبض المكيل بالوزن و لا بالعكس إلّا بالتراضي.

مسألة 509: ليس للمشتري المطالبة بالمُسْلَم فيه قبل المحلّ إجماعاً،

و إلّا لبطل فائدة التأجيل. و لو أدّي المُسْلَم إليه قبل المحلّ، لم يجب علي المشتري قبوله، سواء كان له في الامتناع غرض، كما إذا كان وقت نهب، أو كان المُسْلَم فيه حيواناً يحذر من علفها(2) ، أو كان ثمرة أو لحماً يريد أكله عند المحلّ طريّاً، أو كان ممّا يحتاج إلي مكانٍ له مئونة، كالحنطة و القطن، أو لم يكن له غرض في الامتناع، و سواء كان للمؤدّي غرض سوي براءة الذمّة، كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته، أو لا؛ لأنّ التعجيل كالتبرّع بالزيادة، فلا يكلّف تقليد المنّة.

و قال الشافعي: إن كان له في الامتناع غرض، كالخوف من النهب أو تكلّف مئونة الحيوان أو اجرة الدار أو عدم الطراوة، لم يجبر علي القبول؛ لتضرّره.

و إن لم يكن له غرض في الامتناع، فإن كان للمؤدّي غرض سوي براءة الذمّة، أُجبر علي القبول، كالمكاتب يعجّل النجوم ليعتق، فإنّه يجبر

ص: 353


1- الشدخ: الكسر في كلّ شيء رَطْب. لسان العرب 28:3 «شدخ».
2- كذا، و الظاهر: علفه.

السيّد علي قبولها.

و هل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول ؟ وجهان، أحدهما: أنّه يلحق؛ لما في التأخير من خطر انفساخ العقد، أو ثبوت حقّ الفسخ.

و إن لم يكن للمؤدّي غرض سوي البراءة، فقولان، أحدهما: أنّه لا يجبر المستحقّ علي القبول. و أصحّهما: أنّه يجبر؛ لأنّ براءة الذمّة غرض ظاهر، و ليس للمستحقّ غرض في الامتناع فيمنع من التعنّت.

و إن تقابل غرض الممتنع و المؤدّي، فطريقان، أحدهما: أنّه يتساقطان، و يجري القولان. و أصحّهما: أنّ المراعي جانب المستحقّ(1).

و بعضهم طرّد القولين فيما إذا كان للمعجّل غرض في التعجيل و لم يكن للممتنع غرض في الامتناع(2). و هو غريب.

و بعضهم راعي جانب المؤدّي أوّلاً، فقال: إن كان له غرض في التعجيل، يجبر الممتنع علي القبول، و إلّا فإن كان له غرض في الامتناع، فلا يجبر، و إلّا فقولان(3).

و هذا كلّه ساقط عندنا. و حكم سائر الديون المؤجّلة حكم المُسْلَم فيه.

مسألة 510: كلّ مَنْ عليه حقٌّ مالي حالّ أو مؤجّل و قد حلّ إذا دفعه إلي صاحبه، وجب عليه قبوله مطلقاً؛

لأنّ له غرضاً في إبراء ذمّته.

و قالت الشافعيّة: إن كان للمعجّل غرض سوي البراءة، أُجبر علي

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 427426:4، روضة الطالبين 271:3.
2- العزيز شرح الوجيز 427:4، روضة الطالبين 271:3.
3- العزيز شرح الوجيز 427:4.

القبول، و إلّا فطريقان، أحدهما: أنّه علي قولين: أحدهما: عدم الإجبار؛ لأنّ الحقّ له، فله أن يؤخّره إلي متي شاء. و الأصحّ: أنّه يُجبر علي القبول، فحينئذٍ لو أصرّ علي الامتناع، أخذه الحاكم و حفظه له. فإن تلف، كان من المالك(1).

أمّا لو دفعه إليه قبل وقته، فإنّه لا يجب القبول، فإن تلف قبل تسليمه، كان من مال الدافع.

و لو عيّن البائع المُسْلَم فيه في مشخّص أو المديون الدَّيْن في مال بعينه و دفعه إلي صاحبه فامتنع من قبوله فتلف، فإن تعذّر الحاكم، فهو تالف من صاحب الدَّيْن و المُسْلِم. و إن أمكن الوصول إلي الحاكم، فالأقرب: أنّه من مال الدافع؛ لأنّ التعيين يتمّ بقبض الحاكم، مع احتمال الاكتفاء بتعيينه، فحينئدٍ يكون من مال صاحبه أيضاً و يبرأ الدافع.

مسألة 511: إذا تعيّن موضع التسليم بمطلق العقد إذا قلنا: يتعيّن به في موضع العقد، أو تعيّن بالشرط، وجب التسليم فيه،

فإن جاءه في غير موضعه، لم يُجبر علي أخذه؛ لأنّه يفوت عليه غرضه في ذلك الموضع.

و لو بذل له اجرة حمله إلي ذلك الموضع، لم يلزمه قبوله، لكن يجوز له أخذه.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ بذل العوض في المُسْلَم فيه لا يجوز فكذا في تسليمه في موضعٍ دون موضع(2).

و الملازمة ممنوعة.

فإن جعله نائباً عنه في حمله، لم يكن قابضاً، و كان للمسلم إليه،

ص: 355


1- العزيز شرح الوجيز 427:4، روضة الطالبين 271:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 428:4.

و احتاج إلي أن يسلّمه إليه إذا حصل في الموضع المستحقّ.

و لو ظفر المُسلِم به في غير ذلك المكان، فإن كان لنقله مئونة، لم يطالب به.

و هل يطالب بالقيمة للحيلولة ؟ للشافعيّة وجهان: أحدهما: المنع؛ لأنّ أخذ العوض عن المُسْلَم فيه قبل القبض غير جائز. و الثاني: نعم؛ لوقوع الحيلولة بينه و بين حقّه. فإن قلنا بالأوّل، فللمسلم الفسخ و استرداد رأس ماله، كما لو انقطع المُسْلَم فيه(1).

و إن لم يكن لنقله مئونة، كالدراهم و الدنانير، فله مطالبته به علي أحد القولين للشافعيّة(2).

أمّا لو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب و الإتلاف، فله أن يطالبه بالمثل.

و قال أكثر الشافعيّة: له أن يطالبه بالقيمة لا غير(3).

و هذه القيمة المأخوذة عن السَّلَم ليست عوضاً؛ إذ يبقي استحقاق المطالبة بحاله حتي إذا عاد إلي مكان التسليم، يطالبه به و يردّ القيمة.

و لو جاء المسلم إليه بالمُسْلَم فيه في غير مكان التسليم المشترط أو الثابت بمطلق العقد و أبي المستحقّ قبوله، فقد قلنا: إنّه لا يجبر علي قبوله، سواء كان لنقله مئونة أو لم يكن، أو كان الموضع مخوفاً أو لا.

و للشافعيّة(4) فيما إذا لم يكن لنقله مئونة أو لم يكن مخوفاً وجهانة.

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 271:3.
2- الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
3- الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
4- في «س» و الطبعة الحجريّة زيادة: «وجهان» و العبارة في «ي» ساقطة. و حذفناها؛ لأنّها زيادة.

بناءً علي القولين في التعجيل قبل المحلّ، فإن رضي و أخذه(1) ، لم يكن له أن يكلّفه مئونة النقل(2).

مسألة 512: إذا قبض المسلم المُسْلَم فيه ثمّ وجد به عيباً، كان له أن يرضي به،
اشارة

و له أن يردّه، فإذا ردّه، انفسخ القبض، و كان له المطالبة بما لا عيب فيه. و إن رضي به، لزمه. و إن حدث عنده عيب قبل الردّ، لم يكن له أن يردّه، و رجع(3) بأرش العيب و به قال الشافعي(4) لأنّه عوض يجوز ردّه بالعيب، فإذا سقط بحدوث عيبٍ آخر، ثبت الرجوع بالأرش، كبيوع الأعيان.

و قال أبو حنيفة: لا يرجع بالأرش؛ لأنّ الرجوع بالأرش أخذ عوض الجزء الفائت، و بيع المُسْلَم فيه قبل القبض لا يجوز(5).

و هو غلط؛ لأنّ بيع المعيّن قبل القبض لا يجوز و قد جاز أخذ الأرش. و لأنّ ذلك فسخ العقد في الجزء الفائت و ليس ببيع، و لهذا يكون بحسب الثمن المسمّي في العقد.

فأمّا إذا وجد العيب في رأس المال بعد التفرّق، فالحكم فيه كما سبق في المتصارفين إذا وجد أحدهما بما صار إليه عيباً، و قد سبق(6).

ص: 357


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «واحد» بدل «و أخذه». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
3- في «س»: «و يرجع».
4- المهذّب للشيرازي 309:1، حلية العلماء 384:4، مختصر اختلاف العلماء 23:3، 1091.
5- مختصر اختلاف العلماء 23:3، 1091، حلية العلماء 384:4.
6- في ج 10، ص 428، المسألة 216.
تذنيب: إذا ضمن المُسْلَم فيه ضامن فصالحه المسلم عنه،

لم يجز؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل القبض، هذا عند الشافعي(1).

و عندنا الصلح عقد مستقلّ قائم بنفسه ليس بيعاً، فلا تجب مساواته له في أحكامه.

قال: فإن صالح المسلم المسلم إليه، لم يجز أيضاً، إلّا أن يصالحه علي رأس المال بعينه، فيكون فسخاً للعقد، و يصحّ(2).

و الوجه عندي: جواز الأوّل أيضاً.

مسألة 513: إذا تقايلا السَّلَم، وجب ردّ رأس المال

إن كان باقياً بعينه. و إن كان تالفاً، ردّ مثله إن كان مثليّا، و إلّا فالقيمة، فإن تراضيا أن يدفع إليه بدله مع بقائه، جاز أن يدفع العوض.

و هل يجب تعيينه في المجلس ؟ الأقرب: عدم الوجوب.

و قال الشافعي: يجب(3).

فإن كان رأس المال من جنس الأثمان و العوض منه أيضاً، وجب القبض في المجلس عند الشافعي(4).

و الأقرب: أنّه لا يجب؛ لأنّه ليس بيعاً، فلا يجب فيه ما يجب في الصرف.

و إن كان أحدهما من غير جنس الأثمان، لم يجب القبض في المجلس؛ لأنّه ليس بيعاً. و إن كان، فهو بيع عوض معيّن من غير جنس الأثمان بثمن في الذمّة، فجاز فيه التفرّق قبل القبض، كما لو باع سلعة

ص: 358


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- المهذّب للشيرازي 309:1.

بثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: يجب؛ لأنّه لو تفرّقا قبل القبض، كان الثمن و المثمن مضمونين علي البائع. و لأنّ المبيع في الذمّة، فإذا كان المبيع في الذمّة، وجب قبض الثمن(1) في المجلس كما يجب قبض رأس مال السَّلَم في المجلس(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ استحساناً، فلو كان السَّلَم فاسداً، جاز أخذ عوض رأس المال؛ لقوله (عليه السّلام): «مَنْ أسلم في شيء فلا يصرفه إلي غيره»(3)(4)] لأنّه مضمون علي المسلم إليه بعقد السَّلَم، فلا يجوز له أن يدفع عوضه، كالمُسْلَم فيه(5).

و احتجّ الشافعي: بأنّه مال عاد إليه بفسخ العقد، فجاز أن يأخذ عوضه، كالثمن في بيع الأعيان إذا فسخ، و المُسْلَم فيه مضمون علي المسلم إليه بالعقد، و هذا بعد فسخ العقد، فهو بمنزلة الثمن الذي ذكرناه. و المراد بالخبر المُسْلَم فيه(6). و ذلك إجماع.

مسألة 514: لا يجوز بيع السلف قبل حلوله،

و يجوز بعده قبل القبض علي الغريم و غيره علي كراهية.

و يجوز بيع بعضه و توليته و تولية بعضه و الشركة فيه و به قال

ص: 359


1- في «س، ي»: «ثمنه» بدل «الثمن».
2- المهذّب للشيرازي 309:1.
3- سنن أبي داوُد 276:3، 3468، سنن الدارقطني 85:3، 187، المغني و الشرح الكبير 373:4.
4- أضفناها لأجل السياق، و كما في المغني و الشرح الكبير.
5- حلية العلماء 388:4، المغني و الشرح الكبير 373:4.
6- المغني و الشرح الكبير 373:4.

مالك(1) ، و قد تقدّم(2) أكثر ذلك لأنّ العامّة رووا عن النبيّ (عليه السّلام) أنّه نهي عن بيع الطعام قبل قبضه، و رخّص في الشركة و التولية(3).

و من طريق الخاصّة: ما روي أنّ معاوية بن وهب سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتي تكيله أو تزنه إلّا أن يولّيه الذي قام عليه»(4).

و لأنّهما يختصّان بالثمن، فأشبها الإقالة.

و قال الشافعي: لا يجوز للمسلم أن يشرك غيره في المُسْلَم فيه فيقول له: شاركني في نصفه بنصف الثمن، و لا أن يولّيه فيقول: ولني جميعه بجميع الثمن أو نصفه بنصف الثمن؛ لأنّها معاوضة في المُسْلَم فيه قبل قبضه، فلم يجز، كما لو كانت بلفظ البيع(5).

و الملازمة ممنوعة.

مسألة 515: يجوز أن يسلف في شيء و يشترط السائغ،

كالقرض و البيع و الاستسلاف و الرهن و الضمين؛ لأنّه عقد قابل للشرط، و قد شرط ما هو سائغ ممّا لا يوجب جهالةً في أحد العوضين، فيجب أن يكون جائزاً؛ لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6).

و قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(7).

ص: 360


1- المحلّي 2:9، حلية العلماء 386:4، المغني و الشرح الكبير 370:3.
2- في ج 10 ص 128، ذيل المسألة 68.
3- المغني و الشرح الكبير 370:4.
4- التهذيب 35:7، 146.
5- حلية العلماء 386:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 99.
6- المائدة: 1.
7- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.

و لو أسلم في غنم و شرط أصواف نعجات معيّنة، صحّ.

مسألة 516: الشركة و التولية بيع بلفظ الشركة

و التولية حكمها حكم البيع في جميع الأحكام، إلّا أنّها تقتضي(1) البيع بالثمن الأوّل خاصّة. و يلحق بهما جميع ما يلحق بالبيع من الخيار و الشفعة و غيرهما علي إشكال في الشركة.

مسألة 517: لو اختلفا في المُسْلَم فيه، فقال أحدهما: في حنطة، و قال الآخر: في شعير، تحالفا،

و انفسخ العقد؛ لأنّ كلّ واحد مُدّعٍ و منكر، فيقدّم قول المنكر مع يمينه في الدعويين.

و لو اختلفا في قدر المُسْلَم فيه أو في قدر رأس المال أو قدر الأجل، قدّم قول منكر الزيادة في ذلك كلّه مع اليمين.

و قال الشافعي: يتحالفان، كما في بيع العين(2).

و الأصل ممنوع.

و لو اتّفقا علي ذلك و اختلفا في انقضاء الأجل بأن يختلفا في وقت العقد، فيقول أحدهما: عقدنا في رجب، و يقول الآخر: في شعبان، فالقول قول المسلم إليه في بقاء الأجل مع يمينه؛ لأصالة البقاء و المسلم يدّعي انقضاءه، و الأصل أيضاً عدم العقد في رجب.

و لو اختلفا في قبض رأس المال، فقال أحدهما: كان القبض قبل التفرّق فالعقد صحيح، و قال الآخر: كان بعد التفرّق فالعقد فاسد، قُدّم قول مدّعي الصحّة؛ لأصالتها.

ص: 361


1- كذا وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر هكذا: «حكمهما حكم البيع في جميع الأحكام، إلّا أنّهما تقتضيان».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن أقاما بيّنةً، قُدّمت بيّنة الصحّة، قاله بعض الشافعيّة(1). و ليس بجيّد.

و كذا إذا كان رأس المال في يد المسلم، فقال المسلم إليه: قبضته منك قبل الافتراق ثمّ رددته إليك وديعةً أو: غصبتنيه، فالقول قوله؛ لأصالة صحّة العقد. و لأنّه انضمّ إلي الصحّة الإثبات. و فيه نظر.

و لو اختلفا في اشتراط الأجل، فالأقرب: أنّ القول قول مدّعيه إن عقدا بلفظ السَّلَم علي إشكال.

و علي القول بصحّة الحالّ فالإشكال أقوي.

و لو اختلفا في أداء المُسْلَم فيه، فالقول قول المنكر.

و لو اختلفا في قبض الثمن، فالقول قول البائع؛ لأنّه منكر و إن تفرّقا.

مسألة 518: لو وجد البائع بالثمن عيباً، فإن كان من غير الجنس، بطل العقد إن تفرّقا قبل التعويض

أو كان الثمن معيّناً. و إن كان من الجنس، فإن كان معيّناً، تخيّر بين الأرش و الردّ، فيبطل السَّلَم. و إن لم يكن معيّناً، كان له الأرش و المطالبة بالبدل و إن تفرّقا علي إشكال.

و لو كان الثمن مستحَقّاً، فإن كان معيّناً، بطل العقد، و إلّا فإن تفرّقا قبل قبض عوضه، بطل.

و لو أسلم نصرانيّ إلي نصرانيّ في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض، بطل السلف، و للمشتري أخذ دراهمه؛ لتعذّر العين عليه.

و يحتمل السقوط، و القيمة عند مستحلّيه.

مسألة 519: لو أسلم في شيئين صفقة واحدة بثمنٍ واحد، صحّ،

ص: 362


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 393:4، و روضة الطالبين 245:3.

سواء تماثلا أو تخالفا، و يقسّط الثمن علي القيمتين مع التخالف، و علي القدر مع التماثل.

و لو شرط الأداء في أوقات متفرّقة، صحّ إن عيّن ما يؤدّيه في كلّ وقت، و لو لم يعيّن، بطل؛ للجهالة.

و لو شرط رهناً أو ضميناً، فإن عيّناه، تعيّن، و إلّا احتمل البطلان؛ للجهالة المفضية إلي التنازع. و الصحّة، فيحتمل رهن المثل و ضميناً مليّاً أميناً، و تخيّر مَنْ عليه الرهن و الضمين.

و لو شرطا الرهن أو الضمين ثمّ تفاسخا، أو ردّ الثمن لعيبٍ، بطل الرهن، و برئ الضمين.

و لو صالحه بعد الحلول علي مالٍ آخر غير مال السَّلَم، سقط الرهن؛ لتعلّقه بعوض مال الصلح لا به.

خاتمة تشتمل علي مسائل تتعلّق بالقبض سلف أكثرها:
مسألة 520: مَنَع جماعة من علمائنا بيعَ ما لم يقبض في سائر المبيعات،

و قد تقدّم(1) و هو قول الشافعي، و به قال ابن عباس و محمّد بن الحسن(2) لنهيه (عليه السّلام) عن بيع ما لم يقبض(3).

ص: 363


1- في ج 10 ص 120، ضمن المسألة 66.
2- الاُمّ 7069:3، مختصر المزني: 82، الحاوي الكبير 220:5، المهذّب للشيرازي 269:1، المجموع 264:9 و 270، حلية العلماء 77:4، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، روضة الطالبين 166:3، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100، بداية المجتهد 144:2، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4.
3- صحيح البخاري 89:3، سنن النسائي 285:7، المعجم الكبير للطبراني 12:11، 10875، و فيها النهي عن بيع الطعام قبل القبض.

و قال مالك: إنّ كلّ بيع لا يتعلّق به حقّ توفّيه علي البائع يجوز بيعه قبل القبض، سوي الطعام و الشراب(1) ؛ لقوله (عليه السّلام): «من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتي يستوفيه»(2) و هو يدلّ علي أنّ ما عدا الطعام بخلافه.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: ما لا ينقل و يحوّل يجوز بيعه قبل القبض؛ لأنّه مبيع لا يخشي انفساخ العقد بتلفه، فجاز بيعه، كالمقبوض(3).

و قال أحمد: ما ليس بمكيل و لا موزون و لا معدود يجوز بيعه قبل قبضه و به قال الحسن البصري و سعيد بن المسيّب لأنّه إذا لم يكن علي البائع توفيته، فإنّه من ضمان المشتري؛ لأنّ الخراج له، و قد قال (عليه السّلام): «الخراج بالضمان»(4) و إذا كان من ضمان المشتري، لم يخش انفساخ العقد بتلفه، فجاز التصرّف فيه، كالثمن(5).

مسألة 521: لا يتعدّي هذا الحكم إلي غير المبيع،

فيجوز بيع الصداق

ص: 364


1- بداية المجتهد 144:2، الحاوي الكبير 220:5، حلية العلماء 79:4، مختصر اختلاف العلماء 3029:3، 1100، العزيز شرح الوجيز 293:4، المجموع 270:9.
2- صحيح البخاري 90:3، صحيح مسلم 1159:3 و 1160، 29 و 32، سنن ابن ماجة 749:2، 2226 و 2227، سنن النسائي 285:7، سنن البيهقي 31:6.
3- المبسوط للسرخسي 9:13، بدائع الصنائع 181:5، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100، حلية العلماء 78:4، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 293:4، المجموع 270:9، بداية المجتهد 144:2، المغني 239:4، الشرح الكبير 128127:4.
4- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داوُد 284:3، 3508 3510، سنن البيهقي 321:5 و 322، مسند أحمد 74:7، 23704، المستدرك للحاكم 15:2.
5- المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 294:4، المجموع 270:9.

و عوض الخلع قبل قبضه و به قال أبو حنيفة(1) لأنّه لا يخشي انفساخ العقد بتلفه.

و قال الشافعي: لا يجوز(2) ؛ لما تقدّم.

فأمّا الثمن فإن كان معيّناً، فهو بمنزلة المبيع. و إن كان في الذمّة، جاز التصرّف فيه؛ لأنّ ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير و آخذ الدراهم، آخذ هذه من هذه و أُعطي هذه من هذه، فقال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): «لا بأس أن تأخذها ما لم تتفرّقا و بينكما شيء»(3) و هذا أحد قولي الشافعي. و في الثاني: لا يجوز؛ لعموم الخبر(4)(5).

و لو ورث طعاماً، كان له بيعه قبل قبضه و به قال الشافعي(6) لأنّه غير مضمون بعقد معاوضة.

مسألة 522: لو كان لزيد علي بكر طعام من سَلَم و لعمرو علي زيد طعام من سلف، فقال زيد لعمرو: اذهب و اقبض من بكر لنفسك، لم يصح قبضه؛

لأنّه لا يجوز أن يقبض لنفسه مال غيره، و لا يدخل في ملكه بالأمر.

ص: 365


1- حلية العلماء 78:4.
2- الوجيز 145:1، المهذّب للشيرازي 269:1، المجموع 267:9، الحاوي الكبير 230:5، المحلّي 521:8، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100.
3- سنن أبي داوُد 250:3، 3354، سنن البيهقي 284:5، مسند الطيالسي: 255، 1868.
4- تقدّمت الإشارة إلي مصادره في ص 366، الهامش (2).
5- حلية العلماء 81:4، العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 173172:3، المجموع 274:9.
6- الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 169:3، المجموع 265:9، المغني 240:4، الشرح الكبير 130:4.

و لو قال لعمرو: احضر اكتيالي منه لأقبضه لك، فأكتاله، لم يصح؛ لأنّه قبضه قبل أن يقبضه.

و إذا لم يصح القبض لعمرو، فهل يقع القبض للآمر في هاتين المسألتين ؟ للشافعي وجهان بناءً علي القولين إذا باع نجوم الكتابة و قبضها المشتري من المكاتب، فإنّ(1) البيع لا يصحّ، و لا يصحّ القبض للمشتري، و هل يقع القبض للسيّد و يعتق المكاتب ؟ قولان:

أحدهما: يكون قبضاً له؛ لأنّه أذن في القبض، فأشبه قبض وكيله.

و الثاني: لا يكون قبضاً له؛ لأنّه أذن له في أن يقبض لنفسه، و لم يجعله نائباً عنه في القبض، فلا يقع له، بخلاف الوكيل، فإنّه استنابه في القبض، كذا هنا(2).

فإذا قلنا: يصحّ القبض، يكون ملكاً للمسلم. فإذا قلنا: لا يصحّ القبض، يكون ملك المسلم إليه باقياً عليه؛ لأنّ المُسْلَم فيه يتعيّن ملكه بالقبض، فإذا لم يصح القبض، لم يصح الملك.

و لو قال له: احضر معي حتي أكتاله لنفسي ثمّ تأخذه بكيله، فإذا فعل ذلك، صحّ قبضه لنفسه، و يصحّ قبض عمرو منه؛ لما رواه عبد الملك بن عمرو أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): أشتري الطعام فأكتاله و معي مَنْ قد شهد الكيل و إنّما اكتلته لنفسي، فيقول: بعنيه، فأبيعه إيّاه بذلك الكيل الذي اكتلته، قال: «لا بأس»(3).1.

ص: 366


1- في الطبعة الحجريّة: «لأنّ» بدل «فإنّ».
2- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 383:4، العزيز شرح الوجيز 308:4.
3- الكافي 179:5، 7، التهذيب 38:7، 161.

و قال الشافعي: يصحّ قبضه لنفسه، و لا يصحّ قبض عمرو منه؛ لأنّه قبضه(1) جزافاً، و الكيل الأوّل لم يكن له، فيحتاج أن يكيله عليه(2). و هو ممنوع.

و لو اكتاله لنفسه و لم يفرغه من المكيال و يقول لعمرو: خُذْه بكيله لنفسك، صحّ؛ لأنّ استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه. و لو كاله و فرّغه ثمّ كاله جاز، كذلك إذا استدامة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: لا يصحّ القبض؛ لأنّه لم يملكه(3).

مسألة 523: لو كان لزيد عند عمرو طعام من سَلَم، فقال عمرو لزيد: خُذْ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي، لم يجز

عند الشافعي؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل قبضه(4).

و الأولي عندي: الجواز، و ليس هذا بيعاً، و إنّما هو نوع معاوضة.

و لو قال: خُذْها فاشتر لنفسك بها طعاماً مثل الطعام الذي لك عندي، لم يجز؛ لأنّ الدراهم ملك المسلم إليه، فلا يجوز أن يكون عوضاً للمسلم و به قال الشافعي(5) لما رواه الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلمّا حلّ طعامي عليه بعث

ص: 367


1- في «س»: «قبض».
2- المهذّب للشيرازي 309:1، المجموع 279:9، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 179:3.
3- المهذّب للشيرازي 309:1، المجموع 280279:9، العزيز شرح الوجيز 309:4، روضة الطالبين 179:3، المغني 241:4.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 309:1، و المجموع 280:9، و العزيز شرح الوجيز 310:4، و روضة الطالبين 180:3.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3 و 180، المجموع 280:9.

إليَّ بدراهم، فقال: اشتر لنفسك طعاماً و استوف حقّك، قال: «أري أن تولّي ذلك غيرك أو تقوم معه حتي تقبض الذي لك و لا تتولّي أنت شراءه»(1).

إذا ثبت هذا، فإن اشتري بعين تلك الدراهم طعاماً، لم يصح. و إن اشتري في الذمّة، صحّ الشراء، و كان عليه الثمن، و الدراهم للمسلم إليه.

و إن قال: خُذْ هذه فاشتر بها طعاماً ثمّ اقبضه لنفسك، فإنّ الشراء يصحّ، و القبض لا يصحّ؛ لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل أسلف دراهم في طعام فحلّ الذي له، فأرسل إليه بدراهم، فقال: اشتر طعاماً و استوف حقّك، هل تري به بأساً؟ قال: «يكون معه غيره يوفيه ذلك»(2).

و هل يصحّ للآمر؟ فيه وجهان للشافعيّة(3) سبقا(4).

و لو قال: اشتر لي بها طعاماً و اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك، فإنّ الشراء يصحّ و القبض له، و قبضه لنفسه من نفسه لا يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون وكيلاً في حقٍّ لنفسه، و به قال الشافعي(5).

و الأقرب عندي: الجواز.

مسألة 524: لو كان له علي رجل قفيز طعام سَلَماً

و عليه قفيز من قرض، فأحال صاحب القرض بمال السَّلَم، أو كان له قفيز من قرض و عليه

ص: 368


1- الكافي 185:5، 5، الفقيه 164:3، 721، التهذيب 29:7، 125.
2- الكافي 186:5، 9، التهذيب 30:7، 126.
3- المهذّب للشيرازي 308:1-309، المجموع 280:9، حلية العلماء 383:4، العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3.
4- في ص 368 ضمن المسألة 522.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 280:9.

قفيز من سلف، فأحال به علي المقترض، فالوجه عندي: الجواز؛ إذ الحوالة ليست بيعاً.

و لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل عليه كُرّ(1) من طعام فاشتري كُرّاً من رجلٍ آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كُرّك(2) ، قال: «لا بأس به»(3).

و قال الشافعي: لا يصحّ بناءً علي أنّ الحوالة بيع(4). و هو ممنوع.

و لو كان القفيزان من القرض، جازت الحوالة؛ لأنّ القرض يستقرّ و لم يملكه عن عقد معاوضة.

و بعض الشافعيّة قال: لا تجوز الحوالة؛ لأنّ الحوالة لا تصحّ إلّا في الأثمان(5). و ليس بشيء.

مسألة 525: لو كان له علي غيره طعام بكيل معلوم في ذمّته فدفع إليه الطعام جزافاً، لم يكن له قبضه إلّا بالكيل.

فإن أخبره بكيله فصدّقه عليه، صحّ القبض؛ لما رواه محمّد بن حمران عن الصادق (عليه السّلام)، قال: اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال: «لا بأس» قلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل ؟ قال: «لا، أمّا أنت فلا تبعه حتي تكيله»(6).

ص: 369


1- الكُرّ: ستّون قفيزاً، و القفيز ثمانية مكاكيك، و المكّوك: صاع و نصف، فهو علي هذا الحساب اثنا عشر وَسْقاً، و كلّ وَسْق ستّون صاعاً. النهاية لابن الأثير 162:4 «كرر».
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كرّي» و ما أثبتناه من الكافي و التهذيب. و في الفقيه بدلها: «حقّك».
3- الكافي 179:5، 5، الفقيه 129:3، 561، التهذيب 37:7، 156.
4- حلية العلماء 382:4.
5- حلية العلماء 382:4.
6- التهذيب 37:7، 157.

و قال الشافعي: لا يصحّ القبض؛ لأنّه لم يكله عليه(1).

فإن كان الطعام بحاله، كِيل عليه، فإن كان وفق حقّه، فقد استوفاه. و إن كان أقلّ من حقّه، كان له الباقي. و إن كان أكثر من حقّه، ردّ الفضل.

و إن استهلكه قبل أن يكال عليه فادّعي أنّه دون حقّه، كان القول قوله مع يمينه، سواء كان النقصان قليلاً أو كثيراً؛ لأنّ الأصل عدم القبض و بقاء الحقّ، فلا يبرأ منه إلّا بإقراره بالقبض، و به قال الشافعي(2).

و اختلفت الشافعيّة في جواز التصرّف في هذا الطعام المقبوض جزافاً:

فقال بعضهم: إنّه يجوز أن يتصرّف فيما يتحقّق أنّه مستحقّ له من الطعام و يتحقّق وجوده فيه، مثل أن يكون حقّه قفيزاً فيبيع نصف قفيز، فلا يجوز أن يبيع جميعه؛ لاحتمال أن يكون أكثر من حقّه.

و قال بعضهم: لا يجوز أن يبيع شيئاً منه؛ لأنّ العلقة ثَمَّ باقية بينه و بين الذي قبضه منه، فلم يجز التصرّف فيه(3).

و الأوّل أولي؛ لأنّ الضمان قد انتقل إليه بقبضه، فجاز التصرّف فيما هو حقّه منه.

و لو كان له عنده قفيز فأحضره اكتياله عن رجل له عليه مثله ثمّ دفعه إليه بكيله و لم يكله عليه فأتلفه ثمّ ادّعي نقصانه، فإن كان ممّا يقع مثله في الكيل، كان القول قوله مع يمينه فيه. و إن كان ممّا لا يقع مثله في الكيل،3.

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 178:3.
2- المهذّب للشيرازي 308:1، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 178:3.
3- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 381:4، العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3.

لم يُقبل قوله؛ لأنّه يعلم كذبه، و قد نصّ علماؤنا علي أنّه إذا ادّعي النقص في الكيل أو الوزن، فإن كان حاضراً، لم يُقبل منه دعواه، و صُدّق الآخر باليمين. و إن لم يحضر، كان القول قوله مع يمينه.

مسألة 526: لو كان لرجلٍ علي آخر طعامٌ سَلَفاً أو قرضاً فأعطاه مالاً، فإن كان الذي أعطاه طعاماً من جنس ما هو عليه، فهو نفس حقّه.

و إن أعطاه من غير جنسه، فإن كان طعاماً فإن عيّنه، جاز، و وجب قبضه في المجلس، فإن تفرّقا قبل القبض، بطل العقد عند الشافعي(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ لأنّه قضاء دَيْن لا بيع.

و إن كان في الذمّة، صحّ، فإن عيّنه و قبضه إيّاه في المجلس، جاز.

و إن تفرّقا قبل تعيينه أو قبضه، بطل عنده(2) ؛ لأنّه إذا لم يعيّنه، فقد باعه الدَّيْن بالدَّيْن.

و إن تفرّقا قبل القبض، لم يجز؛ لأنّ ما يجري في الربا بعلّة لا يجوز التفرّق فيه قبل القبض.

و إن كان من غير جنس المطعومات، كالأثمان و غيرها، فإن كان غير معيّن، وجب تعيينه في المجلس.

و إن تفرّقا قبل تعيينه، بطل العقد قاله الشافعي لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن(3). و هو ممنوع.

و إن كان معيّناً بالعقد فتفرّقا قبل قبضه، ففي إبطال العقد وجهان: البطلان؛ لأنّ البيع في الذمّة، فوجب قبض الثمن في المجلس، كرأس مال المسلم. و عدمُه، كما لو باع طعاماً بثمن في الذمّة مؤجّل.

ص: 371


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

هذا إذا كان القرض قد استقرّ في ذمّته، و أمّا إذا كان القرض في يده، فإنّه لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ لأنّه قد زال ملكه عن العين، و لم يستقر في ذمّته؛ لأنّه بمعرض أن يرجع في العين.

فأمّا إذا قلنا: إنّه لا يملك إلّا بالتصرّف، فقال بعض الشافعيّة: لا يجوز أخذ بدل القرض، فإنّه و إن كان ملكه باقياً إلّا أنّه قد ضعف بتسليط المستقرض عليه(1).

مسألة 527: لو كان عليه سلف في طعام، فقال للّذي له الطعام: بِعْني طعاماً إلي أجل لأقبضك إيّاه، جاز،

و هي العينة، و قد تقدّمت(2) ؛ للأصل.

و لما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: رجل تعيّن ثمّ حلّ دَيْنه فلم يجد ما يقضي أ يتعيّن من صاحبه الذي عيّنه و يقضيه ؟ قال: «نعم»(3).

و عن بكار بن أبي بكر عن الصادق (عليه السّلام) في رجل يكون له علي الرجل المال فإذا حلّ قال له: بِعْني متاعاً حتي أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ، قال: «لا بأس»(4).

و قال الشافعي: إنّه باطل إن عقد البيع علي ذلك؛ لأنّه شرط في عقد البيع أن يقبضه حقّه، و ذلك غير لازم له، فإذا لم يثبت الشرط، لم يصح البيع. و لأنّه شرط عليه أن لا يتصرّف في المبيع، و ذلك مفسد للعقد(5).

و يمنع عدم اللزوم مع الشرط، فكلّ الشروط غير لازمة إلّا بالعقد،

ص: 372


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في ص 256، المسألة 418.
3- الكافي 204:5، 4، التهذيب 48:7، 208، الاستبصار 79:3، 266.
4- الفقيه 183:3، 826، التهذيب 49:7، 210، الاستبصار 80:3، 268.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.

و لم يشرط عليه عدم التصرّف، بل شرط عليه التصرّف، لكنّه خاصّ فجاز، كالعتق.

أمّا لو لم يشرطا ذلك، فإنّه يصحّ قطعاً و إن نوياه، و به قال الشافعي.

و لو كان(1) له عنده طعام، فقال: اقضني(2) إيّاه علي أن أبيعك إيّاه، فقضاه، صحّ القبض، و لم يلزمه بيعه؛ لأنّه وفّاه حقّه فصحّ. و لو زاده علي ما لَه بشرط أن لا يبيعه(3) منه، لم يصحّ القبض.

و لو باعه طعاماً بمائة إلي سنة، فلمّا حلّ الأجل أعطاه بالثمن الذي عليه طعاماً، جاز، سواء كان مثل الأوّل أو أقلّ أو أكثر، و هو علي المشهور من قول الشافعي: إنّ بيع الثمن يجوز قبل القبض(4).

و مَنَع مالك؛ لأنّه يصير كأنّه بيع الطعام بالطعام(5).

و ليس بصحيح؛ لأنّه باع الطعام بالدراهم، و اشتري بالدراهم طعاماً، فجاز، كما لو اشتري من غيره و باع منه.

مسألة 528: لو باعه طعاماً بثمن علي أن يقضيه طعاماً له عليه أجود ممّا عليه البيع، صحّ؛

لأنّه شرط سائغ، و عموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(6) يقتضيه.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجودة لا يصحّ أن تكون مبيعةً بانفرادها(7).

ص: 373


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في الطبعة الحجريّة: «اقبضني».
3- الظاهر: بشرط أن يبيعه، بدون كلمة «لا».
4- حلية العلماء 384:4.
5- حلية العلماء 384:4.
6- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
7- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 577:3، حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.

و هو غلط؛ لأنّها شرط لا بيع.

مسألة 529: لو اقترض طعاماً بمصر، لم يكن له المطالبة

به بمكّة لو وجد المقترض؛ لاختلاف قيمة الطعام بالبلدان.

و لو طالبه المقترض بأخذ بدله بمكّة، لم يجب علي المقرض قبوله؛ لأنّ عليه مئونةً و كلفةً في حمله إلي مصر. و لو تراضيا علي قبضه، جاز.

و لو طالب صاحب الطعام المقترض بقيمته بمصر، لزمه دفعها إليه؛ لأنّ الطعام الذي يلزمه دفعه إليه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام بمصر. أمّا إذا غصبه طعاماً بمصر فوجده بمكّة، كان له مطالبته به و إن غلا ثمنه.

و قال الشافعي: ليس له ذلك كالقرض(1). و ليس بجيّد.

و لو أسلم إليه في طعام بمصر فطالبه بمكّة، لم يكن له ذلك، و ليس له المطالبة بقيمته؛ لأنّ المسلم إليه لا يجوز أخذ قيمته، قاله الشافعي(2). و فيه ما تقدّم.

مسألة 530: لو باع عبداً بعبد و قبض أحدهما من صاحبه، جاز له التصرّف فيه؛

لأنّ انفساخ العقد بتلفه قد أُمن، فإن باعه فتلف العبد الذي في يده قبل التسليم، بطل الأوّل؛ لتلف المبيع قبل القبض، و لم ينفسخ الثاني؛ لأنّه باعه قبل انفساخ العقد. و يجب عليه قيمته لبائعه؛ لتعذّر ردّه عليه، فهو كما لو تلف في يده.

فإن اشتري شقص دارٍ بعبد و قبض الشقص و لم يسلّم العبد فأخذه الشفيع بالشفعة ثمّ تلف العبد في يده، انفسخ العقد، و لم يؤخذ الشقص من يد الشفيع؛ لأنّه ملكه قبل انفساخ العقد، فيجب علي المشتري قيمة

ص: 374


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

الشقص للبائع، و يجب(1) له علي الشفيع قيمة العبد؛ لأنّه بذلك يأخذ الشقص.

و لو اشتري نخلاً حائلاً من رجل فأثمر في يد البائع، فالثمرة أمانة في يده للمشتري؛ لأنّه(2) حدثت في ملكه.

فإن هلكت الأُصول في يده و الثمرة(3) ، انفسخ العقد، و سقط الثمن، و لا ضمان عليه في الثمرة؛ لأنّها أمانة، إلّا أن يكون أتلفها أو طالبه المشتري بالثمرة فمنعه، فإنّه يصير ضامناً لها، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: تدخل في العقد(5).

و إن هلكت الثمرة دون النخل، فلا ضمان عليه، و لا خيار للمشتري.

و إن هلكت الأُصول دون الثمرة، انفسخ العقد، و كانت الثمرة للمشتري، و سقط عنه الثمن.

و لو كسب العبد المبيع في يد البائع شيئاً، كان حكمه حكم الثمرة.

مسألة 531: لو كان له في ذمّة رجل مال و عنده وديعة له أو رهن فاشتراه منه بالدَّيْن، جاز،

و للمودع و المرتهن أن يقبضه بغير إذن البائع؛ لأنّه قد استحقّ القبض، و قبضه بمضيّ زمان يمكن فيه القبض، و به قال الشافعي(6).

و هل يحتاج إلي نقله من مكانه أو يكفي مضيّ زمان النقل ؟ للشافعي وجهان

ص: 375


1- في الطبعة الحجريّة: «فيجب».
2- في الطبعة الحجريّة: «فإنّه».
3- في «س، ي»: «و الثمر».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.
6- انظر: المجموع 281:9.

أحدهما: أنّه يحتاج؛ لأنّه ممّا ينقل و يحوّل، فلا يحصل قبضه إلّا بالتحويل.

و الثاني: لا يحتاج و هو الأقوي عندي لأنّ المراد من النقل حصوله في يده، و هو حاصل في يده(1).

و إن باعه الوديعة بثمن و لم يقبض الثمن، لم يكن للمودع نقل الوديعة إلّا بإذن البائع، و إذا نقلها بغير إذنه، لم تصر مقبوضةً قبضاً يملك به التصرّف.

مسألة 532: قد تقدّم

مسألة 532: قد تقدّم(2) الخلاف في أنّ بيع المبيع قبل القبض هل يصحّ أم لا؟

و كذا هبته و رهنه من غير البائع.

و أمّا رهنه من البائع فالأقرب عندي: الصحّة؛ عملاً بالأصل. و لأنّ الرهن غير مضمون علي المرتهن، و ما لا يقتضي نقل الضمان فليس من شرط صحّته قبضه، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: لا يصحّ؛ لأنّه عقد يفتقر إلي القبض، فأشبه الهبة(4).

و يصحّ نكاح الأمة قبل قبضها؛ لأنّ نكاح المغصوبة يصحّ.

و الأقوي صحّة إجارة العين قبل قبضها.

و للشافعيّة وجهان(5).

و تصحّ كتابة العبد قبل قبضه، خلافاً للشافعي؛ لأنّ الكتابة تفتقر إلي تخليته للتصرّف، و هو ممنوع حالة العقد(6).

ص: 376


1- انظر: المجموع 281:9.
2- في ج 10 ص 119 و ما بعدها، المسألة 66.
3- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 266:9.
4- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 266:9.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
6- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.

و العتق قبل القبض يصحّ، لأنّ العتق لا يفتقر إلي القبض.

و يصحّ في المغصوب و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ(1) لأنّه إزالة ملك.

مسألة 533: فضول الموازين لا بأس به إذا جرت العادة به

و لم يكن فيه تعدٍّ(2) ؛ لرواية عبد الرحمن بن الحجّاج الصحيحة عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن فضول الكيل و الموازين، فقال: «إذا لم يكن به تعدٍّ(3) فلا بأس»(4).

و كذا يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة و النقصان. و لو كان ممّا يزيد دائماً أو ينقص دائماً، لم يجز؛ لأنّ حنّان قال: كنت جالساً عند الصادق (عليه السّلام)، فقال له معمر الزيّات: إنّا نشتري الزيت بأزقاقه(5) فيحسب لنا نقصان منه لمكان الأزقاق، فقال له: «إن كان يزيد و ينقص فلا بأس، و إن كان(6) يزيد و لا ينقص فلا تقربه»(7).

و ينبغي التعويل في الكيل بصاع المصر؛ لما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر»(8).

ص: 377


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «تعدٍّ». و الصحيح ما أثبتناه. و في المصدر بالنسبة إلي الرواية هكذا: «إذا لم يكن تعدّياً».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «تعدٍّ». و الصحيح ما أثبتناه. و في المصدر بالنسبة إلي الرواية هكذا: «إذا لم يكن تعدّياً».
4- الكافي 182:5، 2، التهذيب 40:7، 167.
5- الزِّقُّ: السقاء، و جمع القلّة أزقاق. الصحاح 1491:4 «زقق».
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة زيادة: «ممّا».
7- التهذيب 40:7، 168، و في الكافي 183:5، 4 بتفاوت في بعض الألفاظ.
8- الكافي 184:5 (باب لا يصلح البيع إلّا بمكيال البلد) الحديث 1، الفقيه 130:3، 565، التهذيب 40:7، 169.

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «لا يحلّ للرجل أن يبيع بصاع سوي صاع المصر، فإنّ الرجل يستأجر الجمّال(1) فيكيل له بمدّ بيته لعلّه يكون أصغر من مدّ السوق، و لو قال: هذا أصغر من مدّ السوق لم يأخذ به، و لكنّه يحمله ذلك و يجعله في أمانته» و قال: «لا يصلح إلّا مدّاً واحداً، و الأمناء(2) بهذه المنزلة»(3).

مسألة 534: لا يجوز أن يدفع إلي الطحّان طعاماً ليأخذ منه الدقيق بزيادة،

و لا السمسم إلي العصّار ليعطيه بكلّ صاع أرطالاً معلومة؛ لأنّ ذلك ليس معاملةً شرعيّة و لا معاوضةً علي عين موجودة و لا مضمونة؛ لتعلّقها بالعين.

و لما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يدفع إلي الطحّان الطعام فيقاطعه علي أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً، قال: «لا» قلت: فالرجل يدفع السمسم إلي العصّار و يضمن لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة، قال: «لا»(4).

مسألة 535: إذا تلف المبيع قبل القبض بآفة سماويّة، فهو من ضمان البائع

علي ما تقدّم(5). و يتجدّد انتقال الملك إلي البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزّأ من الزمان، فالزوائد الحادثة في يد البائع من الولد و اللبن و الصوف و البيض و الكسب للمشتري.

ص: 378


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة و كذا في التهذيب: «الحمّال» بدل «الجمّال».
2- المنا و المناة: كيل أو ميزان، و يثنّي منوان و منيان، و الجمع: أمناء. القاموس المحيط 392:4.
3- الكافي 184:5، 2، التهذيب 40:7، 170 بتفاوت في بعض الألفاظ.
4- الكافي 189:5، 11، التهذيب 4645:7، 197.
5- في ج 10 ص 114، المسألة 64.

و للشافعي وجهان(1).

و كذا الإقالة إذا جعلناها فسخاً.

و الأصحّ فيها(2) جميعاً أنّها للمشتري، و تكون أمانةً في يد البائع.

و لو هلكت و الأصل باقٍ [فالبيع باقٍ(3)] بحاله، و لا خيار للبائع(4).

و في معني الزوائد الركاز الذي يجده العبد، و ما وُهب منه فقَبِله و قبضه، و ما أُوصي له به فقَبِله.

و لو أتلفه المشتري، فهو قبض منه، و به قال الشافعي(5).

و له وجه: أنّه لا يكون قبضاً(6).

هذا إذا كان المشتري عالماً، أمّا إذا كان جاهلاً بأن قدّم البائع الطعام المبيع إلي المشتري فأكله، فهل يجعل قابضاً؟ الأقرب: أنّه ليس قابضاً، و يكون بمنزلة إتلاف البائع، و هو أحد قولي الشافعي(7).

و كذا لو قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلي المالك فأكله جاهلاً، هل يبرأ الغاصب ؟ وجهان للشافعي(8).

و الوجه عندنا: أنّه لا يبرأ.2.

ص: 379


1- العزيز شرح الوجيز 288287:4، روضة الطالبين 160:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة و ظاهر «ي»: «فيهما». و الظاهر ما أثبتناه. و الضمير راجع إلي الزوائد.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق. و يحتمل أن تكون العبارة هكذا: «و لو هلكت و الأصل باقٍ، فلا خيار..».
4- كذا، و الظاهر «للمشتري» بدل «للبائع».
5- المهذّب للشيرازي 303:1، التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 288:4، المجموع 281:9، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.
6- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.
7- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.
8- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.

و إن أتلفه أجنبيّ، فقد تقدّم(1) قولنا فيه.

و للشافعي طريقان:

أظهرهما: أنّه علي قولين، أحدهما: أنّه كالتالف بآفة سماويّة؛ لتعذّر التسليم. و أصحّهما و به قال أبو حنيفة و أحمد أنّه ليس كذلك، و لا ينفسخ البيع؛ لقيام القيمة مقام المبيع، لكن للمشتري الخيار في الفسخ فيغرمه البائع، و مطالبة الأجنبيّ.

و الثاني: القطع بالقول الثاني.

و إن قلنا به، فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن ؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كما يحبس المرتهن قيمة المرهون.

[و أظهرهما: لا؛ لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتي ينتقل إلي البدل، بخلاف الرهن، و لهذا لو أتلف الراهن، غرم القيمة(2)] و إذا أتلف المشتري المبيع، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع.

و علي الأوّل لو تلفت القيمة بآفة سماويّة، فهل ينفسخ البيع؛ لأنّها بدل المبيع ؟ وجهان، أظهرهما: لا(3).

و إن أتلفه البائع، قال الشيخ: ينفسخ البيع، كما لو تلف بآفة سماويّة(4). و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: لا ينفسخ، كإتلاف الأجنبيّ؛ لأنّه جني علي ملك غيره، و علي هذا إنشاء المشتري فسخ البيع، و سقط الثمن. و إن شاء أجاز و غرم2.

ص: 380


1- انظر: ج 10 ص 115، ضمن المسألة 64.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 289288:4، روضة الطالبين 162161:3.
4- المبسوط للطوسي 117:2.

القيمة للبائع، و ادّي الثمن. و الثاني(1): القطع بالقول الأوّل، فإن لم نحكم بالانفساخ، عاد الخلاف في حبس القيمة(2).

و قطع بعضهم بأنّه لا حبس هنا؛ لتعدّيه بإتلاف العين(3).

و إن باع شقصاً من عبد و أعتق باقيه قبل القبض و هو موسر، عتق كلّه، و انفسخ البيع، و سقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماويّة. و إن جعلناه كإتلاف الأجنبيّ، فللمشتري الخيار.

و إتلاف الصبي الذي لا يميّز بأمر البائع أو المشتري كإتلافهما، و إتلاف المميّز بأمرهما كإتلاف الأجنبيّ.

و قال بعض الشافعيّة: إذن المشتري للأجنبيّ في الإتلاف لغو. و إذا أتلف، فله الخيار، و يلزمه لو أذن البائع في الأكل و الإحراق ففعل، كان التلف من ضمان البائع، بخلاف ما إذا أذن للغاصب(4) ففعل، يبرأ؛ لأنّ الملك مستقيم(5).

و قال بعض الشافعيّة: إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبيّ، و كذا إتلاف عبد المشتري بغير إذنه، فإن اختار، جعل قابضاً، كما لو أتلفه بنفسه. و إن فسخ، اتّبع البائعُ الجاني. و لو كان المبيع علفاً فاعتلفه حمار المشتري بالنهار، ينفسخ البيع. و إن اعتلفه بالليل، لا ينفسخ، و للمشتري الخيار، فإن أجاز، فهو قابض، و إلّا طالَبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. و أطلق القول بأنّ».

ص: 381


1- أي الطريق الثاني. و الطريق الأوّل علي قولين مضيا آنفاً.
2- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.
3- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الغاصب». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163162:3، و فيهما: «لأنّ الملك ثَمَّ هناك مستقرّ».

بهيمة البائع إتلافها كالآفة السماويّة(1).

و لو صال العبد المبيع علي المشتري في يد البائع فقَتَله دفعاً، قال بعض الشافعيّة: لا يستقرّ الثمن عليه(2).

و قال بعضهم: إنّه يستقرّ؛ لأنّه أتلفه في غرض نفسه(3).

و الأوّل عندي أصحّ.

مسألة 536: لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع، فللبائع الاسترداد

إذا ثبت له حقّ الحبس. و إن أتلفه في يد المشتري، فعليه القيمة، و لا خيار للمشتري؛ لاستقرار العقد بالقبض و إن كان ظالماً فيه، قاله بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: إنّه يجعل مستردّاً بالإتلاف، كما أنّ المشتري قابض بالإتلاف، و علي هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري(5).

و الأخير عندي أقوي.

و وقوع الدرّة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحّش.

و لو غرّق البحرُ الأرضَ المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبلٍ أو كبسها رمل، فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار؟ للشافعيّة وجهان(6) ، أقربهما: الثاني.

و لو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر، لم ينفسخ البيع؛ لبقاء الماليّة، و رجاء العود.

ص: 382


1- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
2- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
3- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
4- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
5- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
6- التهذيب للبغوي 394:3، العزيز شرح الوجيز 291290:4، روضة الطالبين 163:3.

و فيه للشافعيّة وجه: أنّه ينفسخ كما في التلف(1).

مسألة 537: لو غصب المبيعَ غاصبٌ، فليس للمشتري إلّا الخيار،

فإن اختار، لم يلزمه تسليم الثمن.

و إن سلّمه، قال بعض الشافعيّة: ليس له الاسترداد؛ لتمكّنه من الفسخ(2).

و إن أجاز ثمّ أراد الفسخ، فله ذلك، كما لو انقطع المُسْلَم فيه فأجاز ثمّ أراد الفسخ؛ لأنّه يتضرّر كلّ ساعة.

و كذا لو أتلف الأجنبيّ المبيع قبل القبض و أجاز المشتري ليتبع الجاني ثمّ أراد الفسخ.

و قال بعضهم في هذه الصورة: وجب أن لا يمكّن من الرجوع؛ لأنّه رضي بما في ذمّة الأجنبيّ، فأشبه الحوالة(3).

و لو جحد البائع العين قبل القبض، فللمشتري الفسخ؛ لحصول التعذّر.

مسألة 538: لو باع عبداً من رجل ثمّ باعه من آخر و سلّمه إليه و عجز عن انتزاعه و تسليمه إلي الأوّل، فهذا جناية

منه علي المبيع فينزل منزلة الجناية الحسّيّة حتي ينفسخ البيع في قولٍ للشافعيّة، و يثبت للمشتري الخيار في الثاني(4) بين أن يفسخ و بين أن يأخذ القيمة من البائع(5).

ص: 383


1- التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 163:3.
2- التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.
3- العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.
4- أي القول الثاني للشافعيّة.
5- العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.

و الثاني عندي أقوي.

و لو طالَب البائع بالتسليم و زعم قدرته عليه و قال البائع: أنا عاجز، حلف عليه، فإن نكل، حلف المدّعي علي أنّه قادر، و حبس إلي أن يسلّم أو يقيم بيّنةً علي عجزه.

و لو ادّعي المشتري الأوّل علي الثاني العلمَ بالحال فأنكر، حلّفه، فإن نكل، حلف هو و أخذه منه.

مسألة 539: لو تعيّب المبيع بآفة سماويّة قبل القبض كعمي العبد و شلل يده أو سقوطها، تخيّر المشتري بين الفسخ و الإجازة

بجميع الثمن عند بعض علمائنا و به قال الشافعي(1) و بالأرش عندنا، و قد تقدّم(2).

مسألة 540: قد بيّنّا حكم البيع قبل القبض و ما فيه من الخلاف.

و في العتق للشافعي قولان، أصحّهما: النفوذ(3). و هو الحقّ عندي.

هذا إذا لم يكن للبائع حقّ الحبس، كما إذا كان الثمن مؤجّلاً أو حالّا و قد أدّاه المشتري، أمّا إذا ثبت له حقّ الحبس، فالأقوي عندي: النفوذ أيضاً.

و للشافعيّة قولان، أحدهما هذا. و الثاني: أنّه كإعتاق الراهن(4).

و هو ممنوع؛ لأنّ الراهن حجر علي نفسه بالرهن، و الرهن جعل ليحبسه المرتهن.

و أمّا الوقف فيجوز للمشتري وقفه قبل القبض؛ لما تقدّم.

ص: 384


1- المهذّب للشيرازي 303:1، الحاوي الكبير 225:5، العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3.
2- في ج 10 ص 117، ضمن المسألة 65.
3- العزيز شرح الوجيز 295294:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
4- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.

و الشافعي بناه علي أنّ الوقف هل يفتقر إلي القبول ؟ إن قلنا: نعم، فهو كالبيع. و إن قلنا: لا، فهو كالإعتاق(1).

و كذا في إباحة الطعام للفقراء و المساكين إذا كان قد اشتراه جزافاً.

و الكتابة كالبيع في أصحّ وجهي الشافعيّة؛ إذ ليس لها قوّة العتق(2).

و الاستيلاد كالعتق.

و أمّا هبة المبيع قبل قبضه، و رهنه فإنّهما صحيحان عندنا.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما؛ لأنّ التسليم غير لازم فيهما، بخلاف البيع. و أصحّهما عندهم: المنع؛ لضعف الملك، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الهبة، و لهذا لا يصحّ رهن المكاتب وهبته، كما لا يصحّ بيعه(3).

و قطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوساً بالثمن(4).

و علي تقدير صحّتهما فليس العقد قبضاً، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه من المتّهب أو المرتهن(5).

و لو أذن للمتّهب أو المرتهن حتي قبضه، قال بعض الشافعيّة: يكفي ذلك، و يتمّ به البيع و الهبة أو الرهن بعده(6).

و قال آخرون: [لا(7)] يكفي ذلك للبيع و ما بعده، و لكن ينظر إن قصد قبضه للمشتري، صحّ قبض البيع، و لا بُدَّ من استئناف قبض الهبة(8) ،».

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
2- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
3- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
4- العزيز شرح الوجيز 295:4.
5- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
6- التهذيب للبغوي 405:3، العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
7- ما بين المعقوفين من المصادر.
8- في المصادر: «للبهة» بدل «الهبة».

و لا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه. و إن قصد قبضه لنفسه، لم يحصل القبض للبيع و لا للهبة، فإنّ قبضها يجب أن يتأخّر عن تمام البيع(1).

و الإقراض و التصدّق كالهبة و الرهن، ففيهما خلاف عند الشافعي(2).

و الأقوي عندي: النفوذ.

و أمّا تزويج الأمة قبل القبض فإنّه جائز عندنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و بعضهم فرّق فأبدي قولاً ثالثاً، و هو أن يقال: إمّا أن يكون للبائع حقّ الحبس فلا يصحّ التزويج؛ لأنّه منقص، و إمّا أن لا يكون فيصحّ(4).

و طرّد بعضهم التفصيل في الإجارة، فإن كانت منقصةً، لم تصح، و إلّا صحّت(5).

و لو باع من البائع، فللشافعيّة وجهان(6) سبقا.

و لو وهب منه أو رهن فطريقان: أحدهما: القطع بالمنع؛ لأنّه لا يجوز أن يكون نائباً عن المشتري في القبض. و أصحّهما عندهم: أنّه علي القولين. فإن جوّزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففَعَل، أجزأ، و لا يزول ضمان البيع في صورة الرهن، بل إذا تلف ينفسخ العقد(7).

و لو رهنه من البائع بالثمن، جاز عندنا.3.

ص: 386


1- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
2- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
3- التهذيب للبغوي 405:3، العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
4- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
6- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3.
7- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3.

تذنيب: لو باع عبداً بثوب و قبض الثوب و لم يسلّم العبد، له بيع الثوب و للآخر بيع العبد عندنا.

و مَنْ مَنَع من البيع قبل القبض مَنَع من بيع العبد.

فلو باع الثوب و هلك العبد في يده، بطل العقد في العبد، و لا يبطل في الثوب، و يغرم قيمته لبائعه.

و لا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله؛ لخروجه عن ملكه بالبيع.

و لو تلف العبد و الثوب في يده، غرم لبائع الثوب القيمة، و [ردّ(1)] علي مشتريه الثمن.

مسألة 541: قد بيّنّا أنّ المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه،

فلو اشتري من مورّثه شيئاً و مات المورّث قبل التسليم، فله بيعه، سواء كان علي المورّث دَيْن أو لم يكن. و حقّ الغريم يتعلّق بالثمن.

و إن كان له وارث آخر، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتي يقبضه عند المانعين(2).

و يجوز بيع المال في يد المستعير و المستام، و في يد المشتري و المتّهب في البيع و الهبة الفاسدين، و كذا بيع المغصوب من الغاصب.

و الأرزاق من السلطان لا تُملك إلّا بالقبض، فليس له بيعها قبل قبضها، خلافاً للشافعي؛ فإنّه جوّزه، فبعض أصحابه قال: هذا إذا أفرزه السلطان، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له، و يكفي ذلك لصحّة البيع. و منهم مَنْ لم يكتف بذلك، و حَمَل قوله علي ما إذا وكّل وكيلاً

ص: 387


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 298:4، روضة الطالبين 169:3.

يقبضه فقبضه الوكيل ثمّ باعه الموكّل، و إلّا فهو بيع شيء غير مملوك(1).

و لو وهب الأجنبيّ شيئاً ثمّ رجع، كان له بيعه قبل استرداده.

و الشفيع إذا تملّك الشقص بالشفعة، له بيعه قبل القبض، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: ليس له ذلك؛ لأنّ الأخذ بالشفعة معاوضة(3).

و للموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أخذها.

و لو استأجر صبّاغاً لصَبْغ ثوبٍ و سلّمه إليه، كان للمالك بيعه قبل الصبغ.

و قال الشافعي: ليس له بيعه ما لم يصبغ؛ لأنّ له أن يحبسه إلي أن يعمل ما يستحقّ به العوض، و إذا صبغه، فله بيعه قبل الاسترداد إن وفّي الأُجرة، و إلّا فلا؛ لأنّه يستحقّ حبسه إلي استيفاء الأُجرة(4).

و لو استأجر قصّاراً لقصارة الثوب و سلّمه إليه، جاز له بيعه قبل القصر.

و مَنَع الشافعي من بيعه ما لم يقصر. و إذا قصر فمبنيّ عنده علي أنّ القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ، أو أثر فله البيع؛ إذ ليس للقصّار الحبس(5).9.

ص: 388


1- التهذيب للبغوي 412:3، العزيز شرح الوجيز 299298:4، روضة الطالبين 170:3، المجموع 267:9.
2- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171170:3، المجموع 268:9.
3- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
4- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
5- التهذيب للبغوي 412:3، العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.

و كذا صياغة الذهب و رياضة الدابّة و نسج الغزل.

و إذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك، صحّ البيع.

و قال الشافعي: يبني علي أنّ القسمة بيع أو إفراز؟(1).

و لو أثبت صيداً في احبولةٍ أو سمكة في شبكةٍ(2) ، فله بيعه و إن لم يأخذه.

مسألة 542: تصرّف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض كالولد و الثمرة - جائز

عندنا.

و قال الشافعي: يبني علي أنّها تعود إلي البائع لو عرض انفساخ، أو لا تعود؟ إن عادت، لم يتصرّف فيها كما في الأصل، و إلّا كان له التصرّف(3).

و لو كانت الجارية حبلي عند البائع و ولدت قبل القبض، كان له التصرّف في الولد.

و قال الشافعي: إن قلنا: الحمل يقابله قسط من الثمن، لم يتصرّف فيه، و إلّا فهو كالولد الحادث بعد البيع(4).

مسألة 543: لو باع متاعاً بنقدٍ معيّن مشخّص من ذهب أو فضّة،

جاز للبائع التصرّف فيهما قبل القبض.

و قال الشافعي: ليس للبائع التصرّف فيهما قبل القبض؛ لأنّ الدراهم

ص: 389


1- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
2- في الطبعة الحجريّة: «شبكته».
3- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 269:9.
4- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 269:9.

و الدنانير تتعيّنان بالتعيين كالمبيع، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع. و إن وجد البائع بها عيباً، لم يستبدلها، بل يرضي بها أو يفسخ العقد. و به قال أحمد(1).

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن، و يجوز إبدالها بمثلها. و إذا تلفت قبل القبض، لا ينفسخ العقد. و إذا وجد بها عيباً، فله الاستبدال(2). و قد تقدّم(3).

مسألة 544: الدَّيْن في ذمّة الغير قد يكون ثمناً و مثمناً،

أو(4) لا ثمناً و لا مثمناً.

و نعني بالثمن ما أُلصق به الباء؛ لأنّ هذه الباء تسمّي «باء التثمين» علي قولٍ(5). أو النقد؛ لإطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره. و المثمن ما قابل ذلك علي الوجهين علي قولٍ(6). فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين، فالثمن ما أُلصق به الباء، و المثمن ما قابلة.

فلو باع أحد النقدين بالآخر، فعلي الوجه الثاني لا مثمن فيه.

و لو باع عرضاً بعرض، فعلي الوجه الثاني لا ثمن فيه، و إنّما هو مقابضة.

و لو قال: بعتك هذه الدراهم بهذا العبد، فعلي الأوّل العبدُ ثمن، و المثمن الدراهم. و علي الثاني في صحّة العقد وجهان(7) ، كالسَّلَم في

ص: 390


1- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 172171:3، المجموع 269:9.
2- العزيز شرح الوجيز 300:4.
3- في ص 148، المسألة 318.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الأنسب ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3.
6- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3.
7- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 301:4، و روضة الطالبين 172:3، و المجموع 273:9.

الدراهم و الدنانير؛ لأنّه جعل الثمن مثمناً. و إن صحّ، فالعبد ثمن.

و لو قال: بعتك هذا الثوب بعبد، و وَصَفه، صحّ العقد، فإن(1) قلنا: الثمن ما الصق به الباء، فالعبد ثمن، و لا يجب تسليم الثوب في المجلس. و إن لم نقل بذلك، ففي وجوب تسليم الثوب للشافعيّة وجهان: في وجهٍ: لا يجب؛ إذ(2) لم يجر بينهما لفظ السَّلَم. و في وجهٍ: يجب؛ اعتباراً بالمعني(3).

إذا عرفت هذا، فالضرب الأوّل: المثمن، و هو المُسْلَم فيه لا يجوز الاستبدال عنه و لا بيعه من غيره عند الشافعي(4).

و هل الحوالة تدخل في المُسْلَم فيه إمّا به بأن يحيل المسلم إليه المسلمَ بحقّه علي مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف، و إمّا عليه بأن يحيل المسلم مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف علي المسلم إليه ؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة، أصحّها: لا؛ لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره، و الثاني: نعم، تخريجاً علي أنّ الحوالة استيفاء و إيفاء لا اعتياض. و الثالث: أنّه لا تجوز الحوالة عليه؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْن، و تجوز الحوالة به علي القرض و نحوه؛ لأنّ الواجب علي المُسْلَم إليه توفية(5) الحقّ علي المسلم و قد فعل(6).

الضرب الثاني: الثمن. و إذا باع بدراهم أو دنانير في الذمّة، ففي9.

ص: 391


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إن». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إذا». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و هو الموافق لما في «روضة الطالبين» و «المجموع».
3- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 273:9.
4- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 272:9.
5- في «العزيز شرح الوجيز»: «توفير» بدل «توفية».
6- العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 274:9.

الاستبدال عنها قولان للشافعي:

القديم: أنّه لا يجوز؛ لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض. و لأنّه عوض في معاوضة، فأشبه المُسْلَم فيه.

و الجديد: الجواز(1). و هو الأقوي عندي.

الضرب الثالث: ما ليس بمثمن و لا ثمن، كدَيْن القرض و الإتلاف، فيجوز الاستبدال عنه إجماعاً، كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية، يجوز بيعه منه. و يفارق المُسْلَم فيه؛ لأنّه غير مستقرّ؛ لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السَّلَم.

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يستبدل عن القرض إذا استهلكه، أمّا إذا بقي في يده، فلا؛ لأنّا إن قلنا: إنّ القرض يُملك بالقبض، فبدله غير مستقرّ في الذمّة؛ لأنّ للمقرض أن يرجع في عينه. و إن قلنا: يُملك بالتصرّف، فالمستقرض مسلّط عليه، و ذلك يوجب ضعف ملك المقرض، فلا يجوز الاعتياض عنه(2).

و نحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين.

و اعلم أنّ الاستبدال عند الشافعي بيع ممّن عليه الدَّيْن، و لا يجوز استبدال المؤجّل عن الحالّ، و يجوز العكس، و كان مَنْ عليه الدَّيْن قد عجّله(3).

مسألة 545: القبض فيما لا ينقل كالدور و الأراضي هو التخلية

بينه

ص: 392


1- العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 173172:3، المجموع 274:9.
2- العزيز شرح الوجيز 304:4، روضة الطالبين 174:3، المجموع 274:9.
3- العزيز شرح الوجيز 304:4، روضة الطالبين 174:3، المجموع 276:9.

و بين المشتري، و يمكّنه من اليد و التصرّف بتسليم المفتاح إليه. و لا يعتبر دخوله و تصرّفه فيه.

و الأقرب: أنّه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البائع، خلافاً للشافعي(1).

و لو جمع البائع متاعه في بيت من الدار و خلّي بين المشتري و بين الدار، حصل القبض في الدار كلّها عندنا، و عنده يحصل في غير البيت(2).

و لو اشتري صبرة و لم ينقلها حتي اشتري الأرض التي عليها الصبرة و خلّي البائع بينه و بينها، حصل القبض في الصبرة عند الشافعي(3).

و لو جاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري من قبضه، أجبره الحاكم عليه. فإن أصرّ، أمر الحاكم مَنْ يقبضه عنه، كالغائب.

و لو أحضره البائع فوضعه بين يدي المشتري و لم يقل المشتري شيئاً، أو قال: لا أُريده، فوجهان للشافعيّة(4) ، أضعفهما: أنّه لا يحصل القبض، كما لا يحصل به الإيداع. و أصحّهما عندهم: أنّه يحصل؛ لوجود التسليم، فعلي هذا للمشتري التصرّفُ فيه. و لو تلف، فهو من ضمانه، لكن لو خرج مستحقّاً و لم يجر(5) إلّا وضعه بين يديه، فليس للمستحقّ مطالبة المشتري بالضمان و به قال الشافعي(6) لأنّ هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب.9.

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 305:4، روضة الطالبين 175:3، المجموع 276:9.
2- العزيز شرح الوجيز 305:4، روضة الطالبين 175:3، المجموع 276:9.
3- العزيز شرح الوجيز 306:4، روضة الطالبين 176:3، المجموع 277:9.
4- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 277:9.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و لم يجز» بالزاي المعجمة. و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.

و لو وضع المديون الدَّيْن بين يدي مستحقّه، ففي حصول التسليم خلاف بين الشافعيّة مرتّب علي المبيع. و هذه الصورة أولي بعدم الحصول؛ لعدم تعيّن الملك(1).

و فيه نظر؛ لأنّ الملك يتعيّن بتعيين(2) المديون، و بالدفع قد عيّنه.

و لو دفع ظرفاً إلي البائع و قال: اجعل المبيع فيه، ففَعَل، لا يحصل التسليم؛ إذ لم يوجد من المشتري ما هو قبض. و الظرف غير مضمون عليه؛ لأنّه استعمله في ملك المشتري بإذنه، و في مثله في السَّلَم يكون الظرف مضموناً علي المسلم إليه؛ لأنّه استعمله في ملك نفسه.

و لو قال البائع: أعِرْني ظرفك و اجعل المبيع فيه، ففَعَل، لم يصر المشتري قابضاً أيضاً.

و لو قبض بالوزن ما اشتراه كيلاً أو بالعكس، فهو كما لو قبضه جزافاً إن تيقّن حصول الحقّ فيه، صحّ، و إلّا فلا.

و للشافعيّة قولان فيما لو علم حصول الحقّ(3) ، تقدّما(4).

و لو قال البائع: خُذْه فإنّه كذا، فأخذه مصدّقاً له، صحّ القبض.

و قال الشافعي: لا يصحّ حتي يجري الكيل الصحيح، فإن زاد، ردّ الزيادة. و إن نقص، أخذ الباقي(5).

و لو تلف المقبوض فزعم الدافع أنّه كان قدر حقّه أو أكثر، و زعم9.

ص: 394


1- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بتعيّن» و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.
4- في ص 372، ضمن المسألة 525، و كذا في ج 10 ص 104 105، الفرع (أ) من المسألة 60.
5- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 278:9.

المدفوع إليه أنّه كان دون حقّه أو قدره، فالقول قوله.

و معني التصديق أن يحمل خبره علي الصدق و يأخذه بناءً(1) عليه، أمّا لو أقرّ بجريان الكيل، لم يسمع منه خلافه.

مسألة 546: إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن، لم يكن علي البائع الرضا بكيل المشتري و وزنه،

و لا علي المشتري الرضا بكيل البائع، بل يتّفقان علي كيّال أو وزّان. و لو اختلفا، نصب الحاكم أميناً يتولّاه.

و لو كان لِزيدٍ طعام علي رجل سَلَماً(2) و لآخر مثله علي زيد، فأراد زيد أن يوفّي ما عليه ممّا لَه علي الآخر، فقال: اذهب إلي فلان و اقبض لنفسك ما لي عليه، فالقبض فاسد، و المقبوض مضمون علي القابض.

و هل تبرأ ذمّة الدافع عن حقّ زيد؟ للشافعي وجهان أصحّهما: نعم. و هُما مبنيّان علي القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة و قبضها المشتري هل يعتق المكاتب ؟ فإن قلنا: لا يبرأ، فعلي القابض ردّ المقبوض إلي الدافع(3).

و الوجه: البراءة.

و لو قال زيد: اقبضه لي ثمّ اقبضه منّي لنفسك بذلك الكيل، أو قال: احضر معي لأقبضه لنفسي ثمّ تأخذ أنت بذلك الكيل، ففَعَل، فقبضه لزيد في الصورة الاُولي و قبض زيد لنفسه في الثانية صحيح(4) ، و تبرأ ذمّة البائع

ص: 395


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «منا» بدل «بناءً». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلم» و الصحيح ما أثبتناه. و يحتمل: «من سَلَم».
3- التهذيب للبغوي 413:3، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 279:9.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «صحّ» بدل «صحيح» و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

عن حقّه. و القبض الآخر فاسد عند الشافعيّة(1) ، و المقبوض مضمون عليه.

و في قبضه لنفسه في الصورة الأُولي وجه آخر: أنّه صحيح(2).

و لو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثمّ كاله علي مشتريه و أقبضه، فقد جري الصاعان، و صحّ القبضان، و لا رجوع له. و إن زاد كثيراً، تبيّن أنّ الكيل الأوّل وقع غلطاً، فيردّ زيدٌ الزيادة، و يرجع بالنقصان.

تذنيب: مئونة الكيل الذي يفتقر إليه القبض علي البائع، كمئونة إحضار المبيع الغائب، و مئونة وزن الثمن علي المشتري؛ لتوقّف التسليم عليه، و مئونة نقد الثمن علي المشتري أيضاً، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه علي البائع(3).

مسألة 547: للمشتري أن يوكّل في القبض

و إن وكّل مَنْ يده كيد البائع، كعبده، خلافاً للشافعي(4).

و لا بأس بتوكيل ابنه و أبيه و مكاتَبه عنده(5).

و في توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان له، أصحّهما عنده: أنّه لا يجوز(6).

و لو قال للبائع: وكّل مَنْ يقبض لي عنك، ففَعَل، جاز، و يكون وكيلَ المشتري. و كذا لو وكّل البائع بأن يأمر مَنْ يشتري منه للموكّل.

و لو كان القابض و المقبض واحداً، لم يجز عند الشافعي(7).

و الأولي عندي: الجواز.

ص: 396


1- العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 279:9.
2- العزيز شرح الوجيز 309308:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 279:9.
3- العزيز شرح الوجيز 309:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 279:9.
4- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
6- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
7- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.

و لو اشتري الأب لابنه الصغير من مالٍ لنفسه أو لنفسه من مال الصغير، فإنّه يتولّي طرفي القبض، كما يتولّي طرفي البيع.

و هل يحتاج إلي النقل و التحويل في المنقول ؟ الأقرب: العدم، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: احتياجه(1).

و إتلاف المشتري المبيع قبض. و قبض الجزء المشاع إنّما يحصل بتسليم الجميع، و يكون ما عدا المبيع أمانةً في يده.

و لو طلب القسمة قبل القبض، أُجيب إليها، و به قال الشافعي(2).

أمّا إذا جعلنا القسمة إفرازاً: فظاهر.

و أمّا إذا جعلناها بيعاً: فإنّ الرضا غير معتبر فيه؛ لأنّ الشريك يُجبر عليه، و إذا لم يعتبر الرضا، جاز أن لا يعتبر القبض، كما في الشفعة.

مسألة 548: قد بيّنّا

مسألة 548: قد بيّنّا(3) وجوب تسليم ما علي كلٍّ من البائع و المشتري،

فلو اختلفا في التقديم، فأحد أقوال الشافعي: إجبارهما معاً علي التسليم، فيأمر(4) كلّ واحد منهما بإحضار ما عليه، فإذا أحضرا، سلّم الثمن إلي البائع و المبيع إلي المشتري بأيّهما بدأ جاز، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك و هو المعتمد عندي لأنّ كلّ واحد منهما يستحقّ قبض ما عند الآخر، فيؤمر بإيفائه، كما لو كان لكلٍّ منهما وديعة عند الآخر و تنازعا هكذا.

و الثاني: أنّهما لا يُجبران، بل يمنعهما من التنازع، فإذا سلّم أحدهما

ص: 397


1- العزيز شرح الوجيز 311310:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 280:9.
2- العزيز شرح الوجيز 311:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 281:9.
3- في ج 10 ص 108 «النظر الثاني في وجوب القبض».
4- أي الحاكم.

ما عليه، أجبر الآخر؛ لأنّ علي كلّ واحد إيفاء و استيفاء، فلا سبيل إلي تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.

و الثالث و به قال مالك و أبو حنيفة -: أنّه يُجبر المشتري علي تسليم الثمن أوّلاً؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع، و حقّ البائع غير متعيّن في الثمن، فيؤمر بالتعيين.

و الرابع و به قال الشيخ(1): أنّه يُجبر البائع أوّلاً علي التسليم و به قال أحمد لأنّه لا يخاف هلاك الثمن، فملكه مستقرّ فيه، و تصرّفه فيه بالحوالة و الاعتياض نافذ، و ملك المشتري في المبيع غير مستقرّ، فعلي البائع التسليم ليستقرّ(2).

و في المسألة طريقة اخري للشافعي، و هي: القطع بالرابع، و حَمْل الأوّل و الثاني علي حكاية مذهب الغير، و الثالث من تخريج بعضهم(3).

هذا إذا كان الثمن في الذمّة، و أمّا إذا كان معيّناً، فإنّه يسقط القول الثالث(4).

و إن تبايعا عرضاً بعرض، سقط القول الرابع أيضاً، و بقي قولان: إنّهما يُجبران، و لا يُجبران. و الأوّل أظهر، و به قال أحمد(5).3.

ص: 398


1- المبسوط للطوسي 148147:2، الخلاف 151:3، المسألة 239.
2- المهذّب للشيرازي 302:1، التهذيب للبغوي 512511:3، حلية العلماء 337336:4، الحاوي الكبير 308307:5، العزيز شرح الوجيز 312:4، روضة الطالبين 181:3، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.
3- العزيز شرح الوجيز 312:4.
4- التهذيب للبغوي 512:3، العزيز شرح الوجيز 312:4، روضة الطالبين 181:3.
5- التهذيب للبغوي 512:3، العزيز شرح الوجيز 313312:4، روضة الطالبين 182181:3.

فإن قلنا: يُجبر البائع علي تسليم المبيع أوّلاً أو قلنا: لا يُجبر لكنّه تبرّع و ابتدأ بالتسليم، أُجبر المشتري علي تسليم الثمن في الحال إن كان حاضراً في المجلس، و إلّا فإن كان المشتري موسراً، فإن كان مالُه في البلد، حُجر عليه إلي أن يسلّم الثمن لئلّا يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(1).

و للشافعيّة وجه آخر: أنّه لا يُحجر عليه، و يمهل إلي أن يأتي بالثمن(2). و هو الوجه عندي.

و علي تقدير الحجر قيل: يُحجر عليه في المبيع و سائر أمواله(3).

و قال بعضهم: لا حجر عليه في سائر أمواله إن كان ماله وافياً، بل يتبعه به(4).

و هل يدخل المبيع في الاحتساب ؟ للشافعيّة وجهان، أشبههما عندهم: الدخول(5).

و إن كان غائباً، لم يكلّف البائع الصبر إلي إحضاره؛ لتضرّره، بل في وجهٍ: يباع في حقّه و يؤدّي في ثمنه.

و الأظهر: أنّه يفسخ؛ لتعذّر تحصيل الثمن، كالمفلس. فإن فسخ، فذاك، و إن صبر إلي الإحضار، فالحجر علي ما سبق(6).

و حكي عن بعضهم أنّه لا فسخ، لكن يردّ المبيع إلي البائع، و يحجر علي المشتري، و يمهل إلي الإحضار(7).

و إن كان دون مسافة القصر، فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان3.

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
2- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
3- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
4- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
5- العزيز شرح الوجيز 314313:4، روضة الطالبين 182:3.
6- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.
7- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.

علي مسافة القصر؟ للشافعيّة وجهان(1).

و عندنا أنّ للبائع الفسخ بعد ثلاثة أيّام.

و إن كان معسراً، فهو مفلس، فإن حجر عليه الحاكم، تخيّر البائع بين الفسخ و الضرب مع الغرماء.

و قال الشافعي: إذا كان مفلساً، فالبائع أحقّ بمتاعه في وجهٍ. و في آخر: لا فسخ، لكن يباع و يوفّي من الثمن حقّ البائع، فإن فضل شيء، فهو للمشتري(2).

و هذا التفريع جارٍ فيما إذا اختلف المتواجران(3) في البدأة بالتسليم بغير فرق.

مسألة 549: توهّم قوم أنّ الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في أنّ البائع هل له حقّ الحبس أم لا؟

إن قلنا: البدأة بالبائع، فليس له حبس المبيع إلي استيفاء الثمن، و إلّا فله ذلك(4).

و نازع أكثر الشافعيّة فيه، و قالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرّد البدأة، و كان كلّ واحد منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فأمّا إذا لم يبذل البائع المبيع و أراد حبسه خوفاً من تعذّر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف. و كذا للمشتري حبس الثمن خوفاً من تعذّر تحصيل المبيع، و أن يحبس بالثمن الحالّ، أمّا المؤجّل فلا و إن حلّ الأجل(5).

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.
2- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 183:3.
3- أي: المكري و المكتري.
4- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
5- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.

و لو تبرّع بالتسليم، لم يكن له ردّه إلي حبسه. و كذا لو أعاره من المشتري في أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لو أودعه إيّاه، فله ذلك. و لو صالح من الثمن علي مال، لم يسقط حقّ الحبس لاستيفاء العوض.

و لو اشتري بوكالة اثنين شيئاً و وفّي نصف الثمن عن أحدهما، وجب عليه تسليم النصف.

و قال الشافعي: لا يجب، بناءً علي أنّ الاعتبار بالعاقد(2).

و لو باع بوكالة اثنين، فإذا أخذ نصيب أحدهما من الثمن، فعليه تسليم النصف، و به قال الشافعي(3).3.

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
2- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
3- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.

المجلد 12

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني عشر

تتمة القاعدة الثانية في العقود

تتمة كتاب البيع

المقصد الخامس: في تفريق الصفقة
مسألة 550: إذا جمع بين الشيئين،

فإمّا أن يجمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين، فالأوّل إمّا أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء.

و الأوّل إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع، فالعقد باطل قطعا في الجميع، كما لو جمع بين أختين في النكاح.

و إن لم يكن كذلك، فإمّا أن يجمع بين شيئين كلّ واحد قابل لما أورده عليه من العقد، أو لا يكون كذلك، فالأوّل كما لو جمع بين عينين في البيع، صحّ العقد عليهما.

ثمّ إن كانا من جنسين - كعبد و ثوب - أو من جنس واحد لكن قيمتهما مختلفة - كعبدين - يوزّع الثمن عليهما باعتبار القيمة.

و إن كانا من جنس واحد و اتّفقت قيمتهما - كقفيزي حنطة(1) واحدة - يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء.

و إن كان الثاني، فإمّا أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد - كما لو باع خمرا و ميتة - فهو باطل قطعا، و إمّا أن يكون أحدهما قابلا.

ص: 5


1- في الطبعة الحجريّة: «كقفيزين من حنطة».

فالذي هو غير قابل ضربان:

أحدهما: أن يكون متقوّما، كما لو باع عبده و عبد غيره صفقة واحدة، صحّ البيع، و وقف البيع في عبد غيره، فإن أجازه الغير، و إلاّ بطل.

و الثاني: أن لا يكون متقوّما، فإمّا أن يتأتّي تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة، كما لو باع عبدا و حرّا، فإنّ الحرّ غير متقوّم، لكن يمكن تقدير القيمة فيه بفرض العبوديّة من غير تغيّر في الخلقة، و يصحّ البيع في العبد. و إمّا أن لا يتأتّي تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيّر في الخلقة، كما لو باع خلاّ و خمرا، أو مذكّاة و ميتة، أو شاة و خنزيرا، فإنّه يصحّ البيع في الخلّ و المذكّاة و الشاة.

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا باع عبده و عبد غيره صفقة واحدة، صحّ البيع في عبده، و لا يقع البيع باطلا فيه، و يقف العقد في عبد الغير، فإن أجاز البيع فيه، لزم. و إن فسخ، بطل، و يتخيّر المشتري حينئذ بين فسخ البيع في الجميع و بين أخذ عبده بقسطه من الثمن، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد بالعقد، ثبت له حكمه، فإذا جمع بينهما، وجب أن يثبت لكلّ منهما حكم الانفراد، لأنّ العلّة لهذا الحكم هو الماهيّة، و هي باقية حالة الجمع، فثبت مقتضاها، كما لو باع شقصا مشفوعا و عبدا، ثبتت الشفعة في الشقص دون العبد، كما لو انفرد.

و لأنّ الصفقة اشتملت علي صحيح و فاسد، فانعقد التصحيح(2) في».

ص: 6


1- المهذّب - للشيرازي - 276:1، المجموع 381:9، التهذيب - للبغوي - 3: 495، حلية العلماء 138:4-140، العزيز شرح الوجيز 139:4 و 141، روضة الطالبين 88:3، المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في نسخة من الكتاب - المحقّقة المطبوعة سنة 1375 ه في النجف الأشرف -: «الصحيح».

الصحيح و قصر الفاسد علي الفاسد، كما إذا شهد عدل و فاسق، لا يقضي بردّ الشهادتين و لا بقبولهما، بل تلك مقبولة و هذه مردودة. و لو أخبر بصدق و كذب في خبر واحد، لا يقضي بصدقهما و لا بكذبهما.

و لما رواه محمد بن الحسن الصفّار عن العسكري عليه السّلام: كتب إليه في رجل كانت له قطاع أرضين فحضره الخروج إلي مكّة، و القرية(1) علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرّف حدود القرية الأربعة فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت من فلان - يعني المشتري - جميع القرية التي حدّ منها و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و إنّما له بعض القرية و قد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع عليه السّلام «لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك»(2).

و القول الثاني للشافعي: أنّه يبطل البيع في الجميع(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و اختلفت الشافعيّة في التعليل:

فقال بعضهم: لأنّ اللفظة واحدة لا يتأتّي تبعيضها، فإمّا أن يغلب9.

ص: 7


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و المدينة» بدل «و القرية». و ما أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب 150:7-151، 667، و في الكافي 402:7، 4، و الفقيه 153:3، 674 بتفاوت يسير.
3- المهذّب - للشيرازي - 276:1، المجموع 381:9، التهذيب - للبغوي - 3: 495-496، حلية العلماء 138:4-140، العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 88:3-89، المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4.
4- المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4، العزيز شرح الوجيز 141:4، المجموع 388:9.

حكم الحرام علي الحلال أو بالعكس، و الأوّل أولي، لأنّ تصحيح العقد في الحرام ممتنع، و إبطاله في الحلال غير ممتنع. و لو باع درهما بدرهمين أو تزوّج بأختين، حكم بالفساد، تغليبا للحرمة علي الحلّ.

و قال بعضهم: إنّ الثمن المسمّي يتوزّع عليهما باعتبار القيمة و لا يدري حصّة كلّ واحد منهما عند العقد، فيكون الثمن مجهولا، و صار كما لو قال: بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزّع عليه و علي عبد فلان، فإنّه لا يصحّ(1).

و نقلوا عن الشافعي قوليه في أنّ العلّة هذه أم تلك ؟(2).

و الجواب: الفرق بين الدرهمين و الأختين و بين صورة النزاع ظاهر، لأنّ أحد الدرهمين و إحدي الأختين ليست أولي بالفساد من الأخري، فلهذا أفسدنا العقد فيهما، و هنا بخلافه، لأنّ الفساد تعيّن في إحدي الصورتين بعينها دون الأخري. و العوض ليس مجهولا، لأنّه جعل الجميع في مقابلة الجميع، فسقوط بعضه لا يجعله مجهولا، كأرش العيب.

مسألة 551: لا فرق عندنا بين أن يكون المضموم إلي ما يصحّ بيعه ما لا يصحّ بيعه بنصّ أو إجماع،

كما في العبد و الحرّ، أو ما ثبت التحريم فيه بغيرهما، كما لو اشتري أمة و أمّ ولد، و به قال الشافعي(3) ، لكن عندنا يصحّ البيع فيما يصحّ فيه البيع، و يتخيّر المشتري بعد العلم، فيبطل في الباقي.

ص: 8


1- العزيز شرح الوجيز 140:4، المهذّب - للشيرازي - 276:1، التهذيب - للبغوي - 496:3، حلية العلماء 140:4، روضة الطالبين 89:3.
2- العزيز شرح الوجيز 140:4.
3- العزيز شرح الوجيز 139:4 و 140، روضة الطالبين 89:3، المجموع 9: 381.

و للشافعي القولان السابقان(1).

و قال أبو حنيفة: إن كان الفساد في أحدهما ثبت بنصّ أو إجماع كالحرّ و العبد، فسد في الكلّ. و إن كان قد ثبت بغير ذلك، فسد فيما لا يجوز، و صحّ فيما يجوز، كالأمة و أمّ الولد. و إذا باع ماله و مال غيره، صحّ في ماله، و وقف في مال غيره علي الإجازة(2).

و قال فيمن باع مذكّي و [ما](3) ترك عليه التسمية عمدا: إنّه لا يصحّ في الكلّ(4). و خالفه أبو يوسف و محمد(5).

و قالوا(6) فيمن باع عبدا بخمسمائة نقدا، و خمسمائة إلي العطاء، أو دينا علي غيره: فسد في الكلّ، لأنّ الفساد في الثمن، و الثمن كلّ جزء منه يقابل جميع المبيع(7). و هو ممنوع.

قال أبو حنيفة: إذا باع عبده و مكاتبه، فقد دخلا في العقد. و كذا الأمة و أمّ الولد، لأنّ بيع أمّ الولد تلحقه الإجازة، و هو أن يحكم حاكم بصحّة بيعه، فإذا دخلا فيه ثمّ فسد في أحدهما، لعدم الإجازة، لم يفسد في الآخر، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما، لم ينفسخ العقد في الآخر. و أمّا4.

ص: 9


1- في ص 6 و 7.
2- الهداية - للمرغيناني - 50:3، مختصر اختلاف العلماء 167:3، 1247، حلية العلماء 142:4، العزيز شرح الوجيز 141:4، المجموع 388:9.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و الصحيح ما أثبتناه.
4- الهداية - للمرغيناني - 50:3، الاختيار لتعليل المختار 35:2، حلية العلماء 4: 143، المجموع 388:9.
5- الهداية - للمرغيناني - 50:3، الاختيار لتعليل المختار 35:2، حلية العلماء 4: 143.
6- كذا، و في المصدر: «قال» بدل «قالوا».
7- حلية العلماء 143:4.

إذا باع حرّا و عبدا، فسد فيهما، لأنّ الفساد في نفس العقد، و قبول أحدهما شرط في قبول الآخر، ألا تري أنّه لا يجوز أن يقبل في أحدهما، فإذا فسد في أحدهما، فسد في الآخر(1).

و هو ممنوع، لأنّه لا يدخل في العقد، و حكم الحاكم إذا وجد حكم بصحّة العقد من حين وجد، و قبل ذلك هو فاسد. و لا يقف العقد عند الشافعي علي الإجازة، و القبول لا يصحّ في بعض المعقود عليه، لإمكانه في الجميع، و هنا لا يصحّ الإيجاب إلاّ في أحدهما، و لهذا صحّ القبول فيه خاصّة، و يبطل [بما](2) إذا باع المذكّي و ما لم يسمّ عليه.

مسألة 552: لو باع عبدا و حرّا، صحّ البيع في العبد خاصّة بقسطه من الثمن،

و ذلك بأن يفرض الحرّ عبدا و ينظر قيمتهما ثمّ يبسط المسمّي عليهما، و يبطل ما قابل الحرّ، و يتخيّر المشتري مع الجهل.

و للشافعيّة في صحّة البيع في العبد طريقان:

أحدهما: القطع بالفساد - و به قال أبو حنيفة، كما تقدّم(3) - لأنّ المضموم إلي العبد ليس من جملة المبيعات. و لأنّ الحاجة تدعو إلي التوزيع، و التوزيع هنا يحوج إلي تقدير شيء في الموزّع عليه، و هو غير موجود فيه.

و أصحّهما عندهم: طرد القولين(4).

قال الجويني: و لو قلنا في صحّة البيع قولان مرتّبان علي ما إذا باع عبدا مملوكا و آخر مغصوبا، لأفاد ما ذكرنا من نقل الطريقين(5).

ص: 10


1- انظر: الهداية - للمرغيناني - 50:3، و الاختيار لتعليل المختار 35:2 و 40.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في ص 9.
4- العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 381:9.
5- العزيز شرح الوجيز 140:4.
مسألة 553: لو كان المشتري جاهلا بأنّ المضموم ملك الغير

أو حرّ أو مكاتب(1) أو أمّ ولد ثمّ ظهر له، فقد قلنا: إنّ البيع يصحّ فيما هو ملكه، و يبطل في الآخر إن لم يجز المالك، و يكون للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه، فكان له الفسخ. و لو كان عالما، صحّ البيع أيضا و لا خيار له.

و قطع الشافعي بالبطلان فيما إذا كان عالما، كما لو قال: بعتك عبدي بما يخصّه من الألف إذا وزّع عليه و علي عبد فلان، و ليس كذلك لو كان المضموم إلي العبد مكاتبا أو أمّ ولد، لأنّ المكاتب و أمّ الولد يتقوّمان بالإتلاف، بخلاف الحرّ المضموم إلي العبد(2).

و ليس بعيدا عندي من الصواب البطلان فيما إذا علم المشتري حرّيّة الآخر أو كونه ممّا لا ينتقل إليه بالبيع، كالمكاتب و أمّ الولد، و الصحّة فيما إذا كان المضموم ملك الغير.

مسألة 554: لو باع خلاّ و خمرا، أو مذكّاة و ميتة، أو شاة و خنزيرا، صحّ البيع

فيما يصحّ بيعه، و بطل في الآخر، و يقوّم الخمر عند مستحلّيه و كذا الخنزير، و بسط(3) الثمن عليهما.

و للشافعي في صحّة البيع في الخلّ و المذكّاة و الشاة خلاف مرتّب علي الخلاف في العبد و الحرّ. و الفساد هنا أولي، لأنّ تقدير القيمة غير ممكن هنا إلاّ بفرض تغيّر الخلقة، و حينئذ لا يكون المقوّم هو المذكور في العقد(4).

ص: 11


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة «أو حرّا أو مكاتبا» و الصحيح ما أثبتناه بالرفع في الكلمتين.
2- العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 381:9.
3- في الطبعة الحجريّة: «و قسط» بدل «و بسط».
4- العزيز شرح الوجيز 140:4-141، روضة الطالبين 89:3، المجموع 9: 381-382.

و لو رهن عبده و عبد غيره من إنسان أو وهبهما منه أو رهن عبدا و حرّا أو وهبهما، هل يصحّ الرهن و الهبة في المملوك ؟.

أمّا عندنا: فنعم.

و أمّا عند الشافعي: فيترتّب ذلك علي البيع إن صحّحنا ثمّ، فكذلك هنا، و إلاّ فقولان مبنيّان علي العلّتين إن قلنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فإذا تطرّق الفساد إليه، وجب أن لا ينقسم إذا لم يبن علي الغلبة و السريان، كالعتق و الطلاق، فلا يصحّ. و إن علّلنا بجهالة العوض، صحّ، إذ لا عوض هنا حتي يفرض الجهل فيه(1).

و كذا لو تزوّج مسلمة و مجوسيّة أو أخته و أجنبيّة، لأنّ جهالة العوض لا تمنع صحّة النكاح.

مسألة 555: إذا وقع تفريق الصفقة في الانتهاء، فهو علي قسمين:

الأوّل: أن لا يكون اختياريّا، كما لو اشتري عبدين صفقة ثمّ مات أحدهما قبل القبض فيهما معا.

الثاني: أن يكون التفريق اختياريّا، كما لو اشتري عبدين صفقة ثمّ وجد بأحدهما عيبا.

أمّا الأوّل: فإنّ العقد ينفسخ في التالف قطعا، و لا ينفسخ في الباقي إلاّ أن يختار المشتري فسخه.

و للشافعي طريقان:

أحدهما: أنّه علي القولين فيما لو جمع بين مملوك و غير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد و بين الطارئ قبل القبض.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 141:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 382:9 - 383.

و أظهرهما: عدم الانفساخ في الثاني، لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد، فلا تأثير به للآخر، كما لو نكح أجنبيّتين دفعة واحدة ثمّ ارتفع نكاح إحداهما بردّة أو رضاع، لا يرتفع نكاح الأخري. و لأنّ علّة الفساد إمّا الجمع بين الحلال و الحرام، و إمّا جهالة الثمن، و لم يوجد الجمع بين الحلال و الحرام، و الثمن كلّه ثابت في الابتداء و السقوط طار، فلا يؤثّر في الانفساخ، كما لو خرج المبيع معيبا و تعذّر الردّ لبعض الأسباب و الثمن غير مقبوض، يسقط بعضه علي سبيل الأرش و لا يلزم فيه(1) فساد العقد.

و الطريقان جاريان فيما إذا تفرّقا في السّلم و بعض رأس المال غير مقبوض، أو في الصرف و بعض العوض غير مقبوض و انفسخ العقد في غير المقبوض، هل ينفسخ في الباقي ؟(2).

هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل أن يقبضهما، فأمّا إذا قبض أحدهما و تلف الآخر في يد البائع، فالحكم عندنا كما تقدّم، للمشتري الخيار بين الفسخ في الجميع و أخذ الباقي بحصّته من الثمن. و عند الشافعي يترتّب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض علي الصورة السابقة، و هذه أولي بعدم الانفساخ، لتأكّد(3) العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلي المشتري.

هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري، فإن تلف في يده ثمّ تلف الآخر في يد البائع، فالقول بالانفساخ أضعف، لتلف المقبوض علي ضمانه(4).3.

ص: 13


1- كذا، و في «العزيز شرح الوجيز»: «منه» بدل «فيه».
2- العزيز شرح الوجيز 141:4-142، روضة الطالبين 89:3-90.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لتأكيد» و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
4- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.

و إذا قلنا بعدم الانفساخ، فهل له الفسخ ؟ فيه للشافعيّة وجهان، أحدهما: نعم، و تردّ قيمته. و الثاني: لا، و عليه حصّته من الثمن(1).

و لو استأجر دارا مدّة و سكنها بعض المدّة ثمّ انهدمت الدار، انفسخ العقد في المستقبل.

و هل ينفسخ في الماضي ؟ يخرّج علي الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري، فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ ؟ فيه الوجهان. و إن قلنا: ليس له ذلك، فعليه من المسمّي ما يقابل الماضي. و إن قلنا: له الفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي.

و لو تلف بعض المسلم فيه عند المحلّ و الباقي مقبوض أو غير مقبوض و قلنا: لو انقطع الكلّ، انفسخ العقد، انفسخ في المنقطع، و في الباقي الخلاف المذكور فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. و إذا قلنا:

لا ينفسخ، فله الفسخ، فإن أجاز، فعليه حصّته من رأس المال لا غير. و إن قلنا: إذا انقطع الكلّ، لم ينفسخ العقد، فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكلّ، و إن شاء أجازه في الكلّ.

و هل ينفسخ في القدر المنقطع، و الإجازة في الباقي ؟ للشافعيّة(2) قولان مبنيّان علي الخلاف الذي سيأتي.

و أمّا الثاني، و هو أن يكون اختياريّا، كما لو اشتري عبدين صفقة واحدة ثمّ وجد بأحدهما عيبا، فهل له إفراده بالردّ؟ ذهب علماؤنا إلي المنع.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: هذا، و المشهور: أنّه علي قولين، و بنوهما علي جواز تفريق الصفقة، فإن جوّزناه يجوز الإفراد، و إلاّ فلا.3.

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
2- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.

و قياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر، لكن صرّح كثير من الصائرين إلي جواز التفريق بأنّ منع الإفراد أصحّ، لأنّ الصفقة وقعت مجتمعة، و لا ضرورة إلي تفريقها، فلا تفرّق(1). و هو ما اخترناه نحن.

و القولان مفروضان في العبدين و في كلّ شيئين لا تصل منفعة أحدهما بالآخر، فأمّا في زوجي الخفّ و مصراعي الباب و نحوهما فلا سبيل إلي أفراد المعيب بالردّ قبل القبض، و يجوز بعده.

و الحقّ: المنع من الإفراد مطلقا.

و ارتكب بعض الشافعيّة طرد القولين فيه(2).

و لا فرق علي القولين بين أن يتّفق ذلك بعد القبض أو قبله.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إفراد المعيب بالردّ قبل القبض، و يجوز بعده إلاّ أن تتّصل منفعة أحدهما بالآخر(3).

فإن لم نجوّز الإفراد، فلو قال: رددت المعيب، هل يكون هذا(4) ردّا لهما؟ لبعض الشافعيّة وجهان، أصحّهما: لا(5). و هو أجود.

و لو رضي البائع بإفراده، جاز في أصحّ الوجهين عندهم. فإن جوّزنا الأفراد فإذا ردّه، استردّ قسطه من الثمن، و لا يستردّ الجميع، و إلاّ لخلا بعض المبيع عن المقابل. و علي هذا القول لو أراد ردّ السليم و المعيب معا، فله ذلك أيضا(6).3.

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 142:4-143، روضة الطالبين 90:3-91.
2- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 90:3.
3- العزيز شرح الوجيز 143:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «هنا» بدل «هذا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
6- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.

و فيه للشافعيّة وجه ضعيف(1).

و لو وجد العيب بالعبدين معا و أراد إفراد أحدهما بالردّ، لم يكن له ذلك عندنا.

و يجري القولان للشافعيّة(2) هنا.

و لو تلف أحد العبدين أو باعه و وجد بالباقي عيبا، ففي إفراده قولان للشافعيّة مرتّبان، و هذه الصورة أولي بالجواز، لتعذّر ردّهما جميعا. فإن قلنا: يجوز الإفراد، ردّ الباقي و استردّ من الثمن حصّته. و سبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين و تقويمهما و بسط الثمن المسمّي علي القيمتين(3).

و لو اختلفا في قيمة التالف، فادّعي المشتري ما يقتضي زيادة للواجب علي ما اعترف به البائع، فقولان للشافعيّة:

أصحّهما: تقديم قول البائع مع يمينه، لأنّه ملك جميع الثمن بالبيع، فلا رجوع عليه إلاّ بما اعترف به.

و الثاني: أنّ القول قول المشتري، لأنّه تلف في يده، فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة، كان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده.

و إن قلنا: لا يجوز الإفراد، فقولان:

أحدهما: أنّه يضمّ قيمة التالف إلي الباقي و يردّهما و يفسخ العقد، لأنّ النبيّ عليه السّلام أمر في المصرّاة بردّ الشاة و بدل اللبن الهالك(4) ، فعلي هذا1.

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
2- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
3- العزيز شرح الوجيز 143:4-144، روضة الطالبين 91:3.
4- صحيح مسلم 1158:3، 1524، سنن أبي داود 270:3، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251.

لو اختلفا في قيمة التالف، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنّه حصل التلف في يده و هو الغارم(1).

و لهم في القيمة وجه آخر: أنّ القول قول البائع، لأنّ المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك له(2).

و أصحّهما: أنّه لا فسخ له، و لكنّه يرجع بأرش العيب، لأنّ الهلاك أعظم من العيب(3).

و لو حدث عنده عيب و لم يتمكّن(4) من الردّ، فعلي هذا لو اختلفا في قيمة التالف، عاد القولان السابقان، لأنّه في الصورتين يردّ بعض الثمن، إلاّ أنّ(5) علي ذلك القول يردّ حصّة الباقي، و علي هذا القول يردّ أرش العيب(6).

و النظر في قيمة التالف إلي يوم العقد أو يوم القبض ؟ فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم(7).

مسألة 556: لو باع شيئا يتوزّع الثمن علي أجزائه بعضه له، و بعضه لغيره،

كما لو باع عبدا له نصفه، أو صاع حنطة له نصفه و الباقي لغيره صفقة واحدة، صحّ فيما يملكه، و يتخيّر المشتري مع فسخ المالك الآخر البيع في قدر حصّته، و يبطل في الآخر مع الفسخ.

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.
2- العزيز شرح الوجيز 144:4.
3- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.
4- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لم يتمكّن» بدون الواو.
5- الظاهر: «أنّه» بدل «أنّ».
6- في «س» و الطبعة الحجريّة: «المعيب» بدل «العيب».
7- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.

و الشافعي رتّب ذلك علي ما لو باع عبدين أحدهما له و الآخر لغيره، إن صحّحنا فيما يملكه، فكذا هنا، و إلاّ فقولان، إن علّلنا بالجمع بين الحلال و الحرام، لم يصح. و إن علّلنا بجهالة الثمن، صحّ، لأنّ حصّة المملوك هنا معلومة(1).

و لو باع جميع الثمرة و فيها عشر الصدقة، ففي صحّة البيع في قدر الزكاة إشكال ينشأ من أنّه بالخيار بين إخراج العين و إخراج القيمة، فإذا باعه، كان قد اختار القيمة. و من أنّه باع مال غيره، و الضمان يثبت بعد التضمين.

و للشافعيّة قولان، فإن قلنا: لا يصحّ، فالترتيب في الباقي(2) كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه، لأنّ توزيع الثمن علي ما له بيعه و ما ليس له معلوم علي التفصيل(3).

أمّا لو باع أربعين شاة و فيها قدر الزكاة، فالأقرب: أنّه كالأوّل.

و قال الشافعي: إن فرّعنا علي امتناع البيع في قدر الزكاة، فالترتيب في الباقي كما مرّ فيما لو باع عبده و عبد غيره(4).

و ممّا يتفرّع علي التعليلين: لو باع زيد عبده و عمرو عبده صفقة بثمن واحد، فإنّه يصحّ عندنا، و يوزّع الثمن علي القيمتين.

و للشافعيّة في صحّة العقد قولان(5).

و كذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من أحدهما و هذا من الآخر3.

ص: 18


1- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الباب» بدل «الباقي». و ما أثبتناه من المصادر.
3- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
4- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
5- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3.

بثمن واحد إن علّلنا بالجمع بين الحلال و الحرام، صحّ. و إن علّلنا بجهالة العوض، لم يصح، لأنّ حصّة كلّ واحد منهما مجهولة.

مسألة 557: لو باع عبده و عبد غيره و سمّي لكلّ منهما ثمنا،

فقال:

بعتك هذا بمائة و هذا بخمسين، فقال المشتري: قبلت، صحّ عندنا، و كان له ما سمّاه في مقابلة عبده.

و الشافعي بناه علي العلّتين، فإن علّل باجتماع الحلال و الحرام، فسد العقد. و إن علّل بجهالة الثمن، صحّ في عبده(1).

و للمشتري هنا الخيار أيضا لو فسخ مالك الآخر البيع فيه، لتبعّض الصفقة عليه.

مسألة 558: إذا باع ماله و مال غيره صفقة واحدة، صحّ البيع في ماله،

فإن كان المشتري جاهلا بالحال، فله الخيار، لأنّه دخل في العقد علي أن يسلم له العبدان و لم يسلم، فإن اختار الإمضاء، لزمه قسطه من الثمن، و سقط عنه ما انفسخ البيع فيه عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ الثمن يتقسّط(3) علي العينين علي قدر قيمتهما، فكان له أخذه بما استحقّه من الثمن، و لا يلزمه أخذه بأكثر من ذلك، فإنّ الثمن وقع في مقابلتهما جميعا، فلا يلزم في مقابلة أحدهما إلاّ قسطه.

و الثاني: أنّه يلزمه جميع الثمن - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه لغا ذكر

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3.
2- التهذيب - للبغوي - 496:3، العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 383:9.
3- في الطبعة الحجريّة: «يقسّط».
4- الظاهر أنّ موضع قوله: «و به قال أبو حنيفة» بعد قوله قبل أسطر: «و هو أصحّ قولي الشافعي» لأنّه في بعض المصادر في الهامش التالي كالتهذيب و العزيز - و كذا في الهداية - للمرغيناني - 51:3، و الاختيار لتعليل المختار 40:2، نسب القول الأصحّ للشافعي إلي أبي حنيفة، لا الثاني.

المضموم إلي ماله، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صحّ العقد فيه(1). و لأنّ الإجازة ببعضه تودّي إلي جهالة العوض. و لأنّه لو تلف جزء من المبيع في يد البائع و صار معيبا، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الردّ، كذا هنا.

و فسخ(2) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغوا، بل يسقط من الثمن ما قابله. و يمنع الجهالة. و يمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلّمنا، لكنّ العقد لا يقع متقسّطا علي الأجزاء.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: موضع القولين أن يكون المبيع ممّا يتقسّط الثمن علي قيمته، فإن كان ممّا يتقسّط علي أجزائه، فالواجب قسط المملوك من الثمن قولا واحدا. و الفرق: أنّ التقسيط هنا لا يورث جهالة الثمن عند العقد، بخلاف ما يتقسّط علي القيمة.

و منهم من طرد القولين، و هو الأظهر، لأنّ الشافعي ذكر قولين فيما لو باع الثمرة بعد وجوب العشر فيها و أفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أنّ الواجب جميع الثمن أو حصّته ؟ فإن قلنا: الواجب جميع الثمن، فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه(3). و إن قلنا: الواجب القسط، فوجهان:».

ص: 20


1- التهذيب - للبغوي - 496:3، العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 383:9.
2- قوله: «و فسخ» إلي آخره، كلام المصنّف قدّس سرّه في الجواب عن استدلال الشافعي علي قوله الثاني.
3- في الطبعة الحجريّة: «بما ابتعناه» و في «س»: «ابتاعه». و كلاهما تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه من «ي» و كما في «العزيز شرح الوجيز».

أحدهما: أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا خيار له، لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه و طمع في ثمنه(1).

و إن كان المشتري عالما بالحال، فلا خيار له، كما لو اشتري معيبا يعلم بعيبه(2).

و كم يلزمه من الثمن ؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل، لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع، و هو يقتضي توزيع الأجزاء علي الأجزاء، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و قطع جماعة منهم بوجوب الجميع، لأنّه التزم بالثمن عالما بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد(4).

و لو باع عبدا و حرّا، أو خلاّ و خمرا، أو شاة و خنزيرا، أو مذكّاة و ميتة، [و](5) صحّ العقد فيما يقبله، و كان المشتري جاهلا بالحال فأجاز أو(6) عالما، قسّط الثمن، و لزمه بالنسبة. و التقسيط بأن ينظر إلي قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها، و هو قول الشافعيّة(7).

و لهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان:9.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 146:4-147، روضة الطالبين 93:3، المجموع 9: 383.
2- في «س، ي»: «عيبه».
3- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
4- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو» و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.

أحدهما: القطع بوجوب الجميع، لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع علي قيمته.

و أصحّهما: طرد القولين.

فإن قلنا: الواجب قسط من الثمن، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان:

أحدهما: كما قلناه من النظر إلي القيمة عند مستحلّيه.

و الثاني: أنّه يقدّر الخمر خلاّ، و يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء، و تقدّر الميتة مذكّاة، و الخنزير شاة، و يوزّع عليهما باعتبار القيمة(1).

و قال بعضهم: يقدّر الخمر عصيرا، و الخنزير بقرة(2).

و لو نكح مسلمة و مجوسيّة في عقد واحد و صحّحنا العقد في المسلمة، لم يلزمه جميع المسمّي للمسلمة إجماعا، لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع - كما قاله الشافعي(3) - أثبتنا الخيار أيضا، و هنا لا خيار، فإيجاب الجميع إجحاف.

و قال بعض الشافعيّة: يلزم لها جميع المسمّي، لكن له الخيار في ردّ المسمّي، و الرجوع إلي مهر المثل(4).

و هذا لا يدفع الضرر، لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّي أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا، فما الذي يلزمه ؟ الأقوي عندي أنّه القسط من المسمّي إذا وزّع علي مهر مثل المسلمة و مهر مثل المجوسيّة، و هو أحد قولي الشافعي. و أظهرهما: أنّه يلزمه مهر المثل(5).

و لو اشتري عبدين و تلف قبل القبض أحدهما، انفسخ العقد فيه،9.

ص: 22


1- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
2- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 147:4.
4- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 384:9.
5- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 384:9.

و يثبت له الخيار في الباقي، فإن أجاز، فالواجب قسطه من الثمن، لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء، فلا ينصرف إلي أحدهما في الدوام.

و قال بعض الشافعيّة بطرد القولين(1).

و لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّا و صحّحنا العقد في الباقي و أجاز، فالواجب حصّته إجماعا، لأنّ الفضل بينهما حرام.

و لو باع معلوما و مجهولا، لم يصحّ البيع في المجهول، و أمّا في المعلوم فيصحّ، لعدم المانع.

و عند الشافعي يبني علي ما لو كانا معلومين و أحدهما لغيره، إن قلنا:

لا يصحّ في ماله، لم يصح هنا في المعلوم. و إن قلنا: يصحّ، فقولان مبنيّان علي أنّه كم يلزمه في الثمن ؟ فإن قلنا: الجميع - كما هو قول بعض الشافعيّة - صحّ، و لزم(2) هنا جميع الثمن. و إن قلنا: حصّته من الثمن - كما اخترناه، و ذهب إليه بعض الشافعيّة - لم يصح، لتعذّر التوزيع(3).

و حكي بعضهم قولا أنّه يصحّ، و له الخيار، فإن أجاز، لزمه جميع الثمن(4). و ليس شيئا.

مسألة 559: لو كان الثمن يتوزّع علي الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له و الآخر لغيره

و باعهما من شخص، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره، و هو قول الشافعي(5).

و كذا إذا رهن ما يجوز رهنه و ما لا يجوز.

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3.
2- في المصادر: «لزمه».
3- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 384:9.
4- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 384:9.
5- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.

و إذا وهب ما يجوز هبته و ما لا يجوز، أو تزوّج أخته و أجنبيّة، أو مسلمة و مجوسيّة، صحّ فيما يجوز قولا واحدا عندنا و عند الشافعي(1) ، لأنّ الرهن و الهبة لا عوض لهما، و النكاح لا يفسد بفساد العوض.

و يتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. و إذا أجاز بجميع الثمن، فلا خيار للبائع قطعا.

و إن أخذه بقسطه، ففي خيار البائع للشافعي وجهان:

أحدهما: له الخيار، لتبعّض الثمن عليه.

و الثاني: لا خيار له، لأنّ التبعّض(2) من فعله حيث باع ما يجوز و ما لا يجوز(3).

و هنا مسائل دوريّة لا بدّ من التعرّض لها:

مسألة 560: لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة،

و مات و لا مال سواه، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز، و بطل في الثلث، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه يبطل البيع(4).

و الأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت - كالهبة و سائر التبرّعات - في اعتبار الثلث، فإن زادت عليه و لم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة و لا شيء له سواه - ردّ البيع في بعض العبد، و في الباقي للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بصحّة البيع فيه، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهرا، و الردّ في

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 141:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 382:9.
2- في «س، ي»: «التبعيض».
3- العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
4- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 95:3.

البعض تدارك حادث، لأنّ المحاباة في المرض وصيّة، و الوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

و أظهرهما عند أكثر الشافعيّة: أنّه علي قولي تفريق الصفقة.

و إذا قلنا: يصحّ البيع في الباقي، ففي كيفيّته قولان:

أحدهما: أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث، و القدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن، و يبطل في الباقي، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة و محاباة، فوجب أن يجمع بينهما، فعلي هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة، و يبقي مع الورثة ثلث العبد و قيمته عشرة، و الثمن و هو عشرة، و ذلك مثلا المحاباة و هي عشرة.

و هذا اختيار الشيخ(1) رحمه اللّه و جماعة من الشافعيّة و غيرهم، و لا دور علي هذا القول.

و الثاني: أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع، وجب أن يرتدّ إلي المشتري ما قابله من الثمن(2).

و هو الذي نختاره نحن، فحينئذ يلزم الدور، لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة، و ما يقابله من الثمن يدخل فيها، و ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة و ينقص بنقصانها، فيزيد بحسب زيادة التركة، و تزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل، و يزيد المقابل بحسب زيادة المبيع، و هذا دور.

و يتوصّل إلي معرفة المقصود بطرق:0.

ص: 25


1- أنظر: المبسوط - للطوسي - 64:4.
2- العزيز شرح الوجيز 149:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 389:9 - 390.

منها: أن ينظر إلي ثلث المال و ينسبه إلي قدر المحاباة و يجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة، فنقول: ثلث المال عشرة، و المحاباة عشرون، و العشرة نصفها، فيصحّ البيع في نصف العبد، و قيمته خمسة عشر بنصف الثمن، و هو خمسة، كأنّه اشتري سدسه بخمسة، و ثلثه وصيّة له، يبقي مع الورثة نصف العبد، و هو خمسة عشر، و الثمن خمسة يبلغ عشرين، و هو مثلا المحاباة.

و منها: طريقة الجبر، فنقول: صحّ البيع في شيء من العبد و قابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء، لأنّ الثمن مثل ثلث العبد، و بقي في يد الورثة عبد إلاّ شيئا، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشيء العائد، فالباقي عندهم عبد إلاّ ثلثي شيء، فثلثا شيء قدر المحاباة، و عبد إلاّ ثلثي شيء مثلاه، و إذا كان عبد إلاّ ثلثي شيء مثلي ثلثي شيء، كان عديلا لشيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا العبد بثلثي شيء و زدنا علي عديله مثل ذلك، كان العبد عديلا لشيئين، فعرفنا أنّ الشيء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بقول الشيخ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلاف، لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث و هو ستّة و ثلثان، و في القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح(1) ، و هو نصفه، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز، و ذلك ربا.

و علي ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح، و يبطل في الباقي.

و قطع بعض الشافعيّة بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلاّأ.

ص: 26


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «قفيزا بصحيح». و ذلك خطأ.

يبطل غرض الميّت في الوصيّة(1).

فعلي طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة و ثلثان، و المحاباة عشرة، و ستّة و ثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

و علي طريقة الجبر نفذ البيع في شيء و قابله من الثمن مثل نصفه، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض، و بقي في يد الورثة قفيز إلاّ شيء، لكن حصل لهم نصف شيء، فالباقي عندهم قفيز إلاّ نصف شيء هو المحاباة، و ما في يدهم - و هو قفيز ناقص بنصف شيء - مثلاه، و إذا كان قفيز ناقص بنصف شيء مثلي(2) نصف شيء، كان عديلا للشيء الكامل، فإذا جبرنا و قابلنا، صار قفيز كامل عديل شيء و نصف شيء، فعرف أنّ الشيء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا، فنقول: لا خيار هنا للورثة، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار، لأبطلنا المحاباة أصلا و رأسا بفسخ البيع، و لا سبيل إليه، لأنّ الشرع سلّطه علي ثلث ماله.

و لو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين و قلنا بتقسيط الثمن، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

و لو كان قفيز المريض يساوي أربعين، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

و لو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ، استوت المسائل كلّها، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

و لو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات و فرّعنا عليه.

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 150:4، روضة الطالبين 95:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مثل» و الصحيح ما أثبتناه.

الدور، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه و قد أتلفه. و أمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه، فينتقص قدر الغرم من ماله، و متي كثرت القيمة كان المصروف إلي الغرم أقلّ و المحاباة أكثر، و متي قلّت كان المصروف إلي الغرم أكثر و المحاباة أقلّ.

مثاله: إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين، و قيمة قفيز الصحيح عشرة، و قد أتلفه المريض، فعلي طريقة النسبة مال المريض عشرون و قد أتلف عشرة يحطّها من ماله، فيبقي عشرة كأنّها كلّ ماله، و المحاباة عشرة، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فيصحّ البيع في ثلث القفيز علي القياس الذي مرّ.

و علي طريقة الجبر صحّ البيع في شيء من قفيز المريض، و رجع إليه مثل نصفه، فعند ورثته عشرون إلاّ نصف شيء، لكن قد أتلف عشرة، فالباقي في أيديهم عشرة إلاّ نصف شيء، و ذلك مثلا نصف شيء، فيكون مثل شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كانت عشرة مثل شيء و نصف شيء، فالعشرة نصف القفيز، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث القفيز.

و امتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض ستّة و ثلثان، و ثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة و ثلث، فتكون المحاباة بثلاثة و ثلث، و قد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز، و هو ثلاثة عشر و ثلث يؤدّي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح، و هي ستّة و ثلثان، و يبقي في أيديهم ستّة و ثلثان، و هي مثلا المحاباة.

ص: 28

و لو كان قفيز المريض يساوي ثلاثين و باقي المسألة بحالها، فعلي طريقة النسبة نقول: مال المريض ثلاثون و قد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقي عشرون كأنّه كلّ ماله، و المحاباة عشرون، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

و بالجبر نقول: صحّ البيع في شيء من قفيز المريض، و رجع إليه مثل ثلثه، فالباقي ثلاثون إلاّ ثلثي شيء، لكنّه أتلف عشرة، و الباقي عشرون إلاّ ثلثي شيء، و ذلك مثلا ثلثي شيء، فيكون مثل شيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كان عشرون مثل شيئين، فعرفنا أن الشيء عشرة، و هي ثلث الثلاثين.

و امتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض عشرة، و ثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة و ثلث، فالمحاباة ستّة و ثلثان، و قد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز، و هو عشرون يؤدّي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح، و هي ستّة و ثلثان يبقي في أيديهم ثلاثة عشر و ثلث، و هي مثلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الرديء ما أخذه و لا مال له سوي قفيزه، ففي الصورة الأولي - و هي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين و قيمة قفيز الآخر عشرة - يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد و قيمته عشرة، و يحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الرديء و قيمته خمسة تبقي المحاباة بخمسة، و لهم نصفه الآخر غرامة لما أتلف عليهم، فيحصل لهم عشرة و هي مثلا المحاباة، و الباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد، و لا تجوز المحاباة في شيء إلاّ بعد أن يحصل للورثة مثلاه.

و في الصورة الثانية - و هي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض

ص: 29

الشافعيّة: يصحّ البيع في نصف الجيّد، و هو خمسة عشر، و المحاباة ثلثه، و هو خمسة، و قد حصل للورثة القفيز الرديء و قيمته عشرة، و هي ضعف المحاباة، فيبقي في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شيء جازت المحاباة في مثل ثلثه(1).

و غلّطه بعضهم، لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد، فإنّما نصحّحه بنصف الرديء، و هو خمسة، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة، و إذا كانت المحاباة بعشرة، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون، و ليس في أيديهم إلاّ عشرة. فالصواب أن يقال: يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد، و هو سبعة و نصف بربع الرديء، و هو درهمان و نصف، فتكون المحاباة بخمسة و في يد الورثة ضعفها عشرة(2).

مسألة 561: كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث،

كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث، سواء قدّرت الإقالة فسخا كما هو مذهبنا، أو بيعا جديدا كما هو مذهب الشافعي(3).

إذا ثبت هذا، فنقول: إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا و ماتا في المرض و القفيزان بحالهما و لا مال لهما سواهما و لم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما علي الثلث، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي(4) - و قلنا بالتصحيح بجميع الثمن، فلا بيع و لا إقالة.

ص: 30


1- العزيز شرح الوجيز 152:4.
2- العزيز شرح الوجيز 152:4.
3- الوسيط 492:3-493، العزيز شرح الوجيز 281:4-282، المجموع 9: 269.
4- العزيز شرح الوجيز 153:4.

و إن قلنا بالتصحيح بالقسط، فيدور كلّ واحد - ممّا نفذ فيه البيع و الإقالة - علي الآخر، لأنّ البيع لا ينفذ إلاّ في الثلث، و بالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع، و إذا زاد ذلك، زاد مال الثاني، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول: صحّ البيع في شيء من القفيز الجيّد، و رجع إليه من الثمن نصف ذلك، فبقي في يده عشرون إلاّ نصف شيء، و في يد الآخر عشرة و نصف شيء، ثمّ إذا تقايلا، فالإقالة فيهما(1) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلث عشرة و [ثلث](2) نصف شيء و هو ثلاثة و ثلث و سدس شيء، فيضمّه إلي مال الأوّل، و هو عشرون إلاّ نصف شيء يصير ثلاثة و عشرين و ثلثا إلاّ ثلث شيء، و هذا يجب أن يكون مثلي المحاباة أوّلا، و هو نصف شيء، فيكون ذلك كلّه مثل شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كان ثلاثة و عشرون و ثلث مثل شيء و ثلث شيء يبسط الشيء و الثلث أثلاثا يكون أربعة و الشيء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشيء من ثلاثة و عشرين و ثلث، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة، لأنّ الزائد علي العشرين ثلاثة و ثلث، و هو ثلث العشرة، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم، صار عشرون و ثلاثة و ثلث سبعة أسهم، فتزيد قسمتها علي الأربعة، و السبعة لا تنقسم علي الأربعة، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية و عشرين، فالشيء ثلاثة أرباعها، و هي أحد و عشرون. فإذا عرفنا ذلك، رجعنا إلي الأصل و قلنا:

العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعة و عشرين، لأنّا ضربنا كلّ ثلاثةق.

ص: 31


1- كذا، و الظاهر: «إنّما» بدل «فيهما».
2- أضفناها لأجل السياق.

- و هي سهام العشرة - في أربعة، فصارت اثني عشر، فتكون العشرون أربعة و عشرين و قد صحّ البيع في أحد و عشرين، و ذلك سبعة أثمان أربعة و عشرين.

و إذا عرفنا ذلك و أردنا التصحيح من غير كسر، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر، و القفيز الرديء ثمانية، و قلنا: صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد - و هي أربعة عشر - بسبعة أثمان الرديء، و هي سبعة، فتكون المحاباة سبعة، و يبقي في يد بائع الجيّد [تسعة](1): سهمان بقيا عنده، و سبعة أخذها عوضا، و يحصل في يد الآخر خمسة عشر، لأنّه أخذ أربعة عشر و كان قد بقي في يده سهم، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - و هي خمسة أثمان القفيز الجيّد - بخمسة أثمان القفيز الرديء و هي خمسة، فقد أعطي عشرة و أخذ خمسة، فالمحاباة بخمسة. و الحاصل من ذلك كلّه: المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة، و في يد الثاني عشرة مثلا محاباته خمسة.

و لو كانت المسألة بحالها و القفيز الجيّد يساوي ثلاثين، فنقول: صحّ البيع في شيء منه، و رجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء، فبقي في يده ثلاثون إلاّ ثلثي شيء، و في يد الآخر عشرة و ثلثا شيء، فإذا تقايلا، أخذنا ثلث عشرة و ثلثي شيء، و ذلك ثلاثة دراهم و ثلث و تسعا شيء يضمّ إلي مال الأوّل، فيصير ثلاثة و ثلاثين و ثلثا إلاّ أربعة أتساع شيء، و هو مثلا المحاباة، و هي ثلثا شيء، فيكون مثل شيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، صار ثلاثة و ثلاثون و ثلث مثل شيء و سبعة أتساع شيء، فعلمنا أنّق.

ص: 32


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

ثلاثة و ثلاثين و ثلثا يجب أن تقسّم علي شيء و سبعة أتساع شيء، فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستّة عشر الشيء منه تسعة، و العدد المذكور لا ينقسم علي ستّة عشر، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة، لأنّ الزائد علي الثلاثين ثلاثة و ثلث، و ذلك ثلث العشرة، فإذا فعلنا ذلك، صارت ثلاثة و ثلاثون و ثلث عشرة أسهم يحتاج إلي قسمتهما علي ستّة عشر، و عشرة لا تنقسم علي ستّة عشر، لكن بينهما توافق بالنصف، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين، فنرجع إلي الأصل و نقول:

الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين و سبعين، و الشيء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة، و هو خمسة صارت خمسة و أربعين، و ذلك خمسة أثمان اثنين و سبعين، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح علي الاختصار من غير كسر، جعل القفيز الجيّد أربعة و عشرين ليكون للقفيز الرديء - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح، فنقول:

صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد - و هي خمسة عشر - بخمسة أثمان الرديء، و هي خمسة، فتكون المحاباة بعشرة، و يبقي في يد بائع الجيّد أربعة عشر: تسعة بقيت عنده، و خمسة أخذها عوضا، و يحصل في يد الآخر ثمانية عشر، لأنّه أخذ خمسة عشر، و كان قد بقي عنده ثلاثة، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة، و هي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الرديء، و هي ثلاثة، فقد أعطي تسعة و أخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة، و يستقرّ في يد الأوّل عشرون: تسعة أخذها بحكم الإقالة، و أحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة، و ذلك مثلا محاباته عشرة، و في يد الثاني اثنا عشر: ثلاثة أخذها بحكم الإقالة، و تسعة بقيت عنده من ثمانية

ص: 33

عشر بعد ردّ التسعة، و ذلك مثلا محاباته.

و هنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة علي أصول ظاهرة:

منها: أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان، فيقدّر ثمانية أسهم، و ينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

و منها: أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبدا و لا تنقص عن ثلاثة أثمان أبدا، بل تكون بينهما، فإذا أردت أن تعرف قدرها، فانسب القفيز الرديء إلي الجيّد، و خذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

و إذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز، فانسب الرديء إلي المحاباة في الأصل و زد مثل تلك النسبة علي التبرّع، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

و إذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل، فانظر إلي تبرّع بائع الجيّد و اضربه في ثلاثة أبدا و قابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد، فما زاد علي القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة، فزد علي تبرّعه بمثل نسبة زيادتك علي تبرّع صاحبه، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الأولي: نقول: القفيز الجيّد ثمانية و الرديء أربعة، فالرديء نصف الجيّد، فالتبرّع في ثلاثة أثمان و نصف ثمن، و إذا نسبنا الرديء إلي أصل المحاباة، وجدناه مثله، لأنّ المحاباة عشرة من عشرين، فنزيد علي المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة و نصفا، و زيادة هذا المبلغ علي الثمانية اثنان و نصف، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين و نصف.

ص: 34

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة، زدنا علي الثمنين و النصف مثله يكون خمسة أثمان.

و لا يخفي تخريج الصورة الأخري و نحوها علي هذه الطريقة.

مسألة 562: إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين،

فإمّا أن يكون في عقد واحد، و قد تقدّم(1) حكمه. و إمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة و سلم، أو نكاح و بيع، أو إجارة و بيع.

و هو عندنا جائز، للأصل، و قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و لأنّهما عقدان يصحّان منفردين، فجاز جمعهما في عقد واحد، كما لو تماثلا، و يقسّط المسمّي علي اجرة المثل و ثمن المثل، أو مهر المثل و ثمن المثل، و هو أصحّ قولي الشافعي(3).

و في الآخر: أنّ العقدين معا يبطلان، لأنّهما مختلفا الحكم، فإنّ الإجارة و السّلم يختلفان(4) في أسباب الفسخ و الانفساخ. و كذا النكاح و البيع، و الإجارة و البيع يختلفان في الحكم أيضا، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة و يبطل البيع، و كمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلاّ بانقضاء المدّة، لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ، بخلاف البيع، و إذا اختلفت الأحكام، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما، فيحتاج إلي التوزيع، و تلزم الجهالة(5).

ص: 35


1- في ص 5، المسألة 550.
2- المائدة: 1.
3- العزيز شرح الوجيز 156:4، روضة الطالبين 96:3.
4- في «ي» و الطبعة الحجريّة: مختلفان.
5- نفس المصدر في الهامش (3).

و هو غلط، فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له، كما لو باع شقص دار و ثوبا، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة و احتجنا إلي التوزيع فيه(1).

و صورة الإجارة و السّلم أن يقول: آجرتك هذه الدار سنة، و بعتك العبد سلما بكذا. و الإجارة و البيع: أن يقول: بعتك هذا الثوب و آجرتك داري سنة بكذا. و النكاح و البيع: بعتك هذه الجارية و زوّجتك ابنتي بكذا.

و علي قولي الشافعي ما إذا جمع بين [بيع](2) عين و سلم، أو بيع صرف و غيره بأن باع دينارا و ثوبا بدراهم، لاختلاف الحكم، فإنّ قبض رأس المال شرط في السّلم، و التقابض شرط في الصرف، و لا يشترط ذلك في سائر البيوع(3).

و لو قال: زوّجتك ابنتي و بعتك عبدها بكذا، فهو جمع بين بيع و نكاح، و لا خلاف في صحّة النكاح، أمّا البيع و المسمّي في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضا.

و للشافعي القولان: إن صحّ، وزّع المسمّي علي قيمة المبيع و مهر مثل المرأة، و إلاّ وجب في النكاح مهر المثل عنده(4).

و لو جمع بين بيع و كتابة بأن قال لعبده: كاتبتك علي نجمين، و بعتك عبدي بألف، صحّا عندنا.

و أمّا الشافعي: فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح، فهنا أولي، و إلاّ فالبيع باطل، إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. و في الكتابة3.

ص: 36


1- كذا، و الظاهر: «بسببه» بدل «فيه».
2- إضافة من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 156:4.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 97:3.

قولان(1).

و قال بعض الشافعيّة: هذا لا يعدّ من صور تفريق الصفقة، لأنّا في قول نبطل العقدين جميعا، و في قول نصحّحهما جميعا، فلا تفريق(2).

مسألة 563: إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة،

أمّا إذا تعدّدت، فلا، بل يصحّ الصحيح، و يبطل الباطل، فلو باع ماله في صفقة و مال غيره في أخري، صحّت الأولي إجماعا، و يتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شيء ثمنا مفصّلا، فيقول: بعتك هذا بكذا، و هذا بكذا، فيقول المشتري: قبلت ذلك علي التفصيل.

و لو جمع المشتري بينهما في القبول، فقال: قبلت فيهما، فكذلك - و به قال الشافعي(3) - لأنّ القبول ترتّب علي الإيجاب، فإذا وقع مفرّقا، فكذا القبول.

و قال بعض الشافعيّة: إن لم نجوّز تفريق الصفقة، لم يجز الجمع في القبول(4).

و لو تعدّد البائع، تعدّدت الصفقة أيضا و إن اتّحد المشتري و المعقود عليه، كما لو باع اثنان عبدا من رجل صفقة واحدة، و به قال الشافعي(5).

و هل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة، كما لو اشتري اثنان عبدا من رجل ؟ المشهور عند علمائنا: عدم التعدّد، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب و عدمه، لأنّ المشتري بأن علي الإيجاب السابق، فالنظر إلي من صدر منه الإيجاب، و هو أحد قولي الشافعي. و أصحّهما عنده: التعدّد، كما

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 97:3.
2- العزيز شرح الوجيز 157:4.
3- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
5- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.

في طرف البائع(1).

مسألة 564: من فوائد التعدّد و الاتّحاد:

أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّي أحد المشتريين نصيبه من الثمن، وجب علي البائع تسليم قسطه من المبيع، كما يسلّم المشاع. و إن حكمنا بالاتّحاد، لم يجب تسليم شيء إلي أحدهما و إن وفّي جميع ما عليه حتي يوفي الآخر، لثبوت حقّ الحبس للبائع، كما لو اتّحد المشتري و وفّي بعض الثمن، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

و فيه وجه للشافعيّة: أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة(2).

و منها: أنّا إذا قلنا بالتعدّد، فلو خاطب واحد رجلين، فقال: بعت منكما هذا العبد بألف، فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة، ففي صحّته للشافعيّة وجهان: الصحّة، لأنّه في حكم صفقتين. و أصحّهما: البطلان، لأنّ الإيجاب وقع عليهما، و أنّه يقتضي جوابهما جميعا(3).

و يجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل: بعنا منك هذا العبد بألف، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة(4).

و لو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شيء من الثمن ؟ وجهان للشافعيّة، أحدهما: لا. و الثاني: نعم(5).

و الأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسألة 565: هل الاعتبار في الوحدة و التعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل،

كما لو وكّل رجلان رجلا بالبيع أو بالشراء و قلنا: إنّ الصفقة

ص: 38


1- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
2- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
3- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
5- العزيز شرح الوجيز 158:4.

تتعدّد بتعدّد المشتري، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه:

أحدها: أنّ الاعتبار بالعاقد، لأنّ أحكام العقد تتعلّق به، و لهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل، و خيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

و الثاني: أنّ الاعتبار بالمعقود له، لأنّ الملك يثبت له.

و الثالث: أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له، و في طرف الشراء بالعاقد.

و الفرق: أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له، و في جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتي لو أنكر المعقود له الإذن، بطل البيع.

و هذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن، فهو كالوكيل بالبيع.

و الرابع: أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل، و في البيع بهما جميعا، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع، و لا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتي لو اشتري الواحد شقصا لاثنين، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما، و بالعكس لو اشتري وكيلان شقصا لواحد، لم يجز للشفيع أخذ بعضه، و في جانب البيع حكم تعدّد الوكيل و الموكّل واحد حتي لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل، ليس للشفيع أخذ بعضه، و إذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة، فكذا في سائر الأحكام(1).

و يتفرّع علي هذه الوجوه فروع:

أ - لو اشتري شيئا بوكالة رجلين، فخرج معيبا، و قلنا: الاعتبار6.

ص: 39


1- العزيز شرح الوجيز 158:4-159، روضة الطالبين 98:3-99، المجموع 385:9-386.

بالعاقد، فليس لأحد الموكّلين ردّ نصيبه خاصّة، كما لو اشتري و مات عن ابنين و خرج معيبا، لم يكن لأحدهما ردّ نصيبه خاصّة.

و هل لأحد الموكّلين و الابنين أخذ الأرش ؟ أمّا عندنا: فنعم.

و أمّا عند الشافعي: فكذلك إن وقع اليأس عن ردّ الآخر بأن رضي به. و إن لم يقع، فكذلك علي أصحّ الوجهين(1).

ب - لو وكّلا واحدا ببيع عبد لهما، أو وكّل أحد الشريكين صاحبه، فباع الكلّ ثمّ ظهر عيب، فعلي الأوّل لا يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. و علي الوجوه الباقية يجوز.

و لو وكّل رجل اثنين ببيع عبده، فباعاه من رجل، فعلي الأوّل يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. و علي الوجوه الباقية لا يجوز.

و لو وكّلا رجلا بشراء عبد أو وكّل رجل رجلا بشراء عبد له و لنفسه، ففعل و ظهر العيب، فعلي الأوّل و الثالث ليس لأحد الموكّلين إفراد نصيبه بالردّ. و علي الثاني و الرابع يجوز.

و قال القفّال: إنّه إن علم البائع أنّه يشتري لاثنين، فلأحدهما ردّ نصيبه، لرضا البائع بالتبعيض. و إن جهله البائع، فلا(2). و لا بأس به عندي.

ج - لو وكّل اثنان رجلا ببيع عبد، و رجلان رجلا بشرائه، فتبايع الوكيلان و خرج معيبا، فعلي الأوّل لا يجوز التفريق. و علي الوجوه الباقية يجوز.

و لو وكّل رجل رجلين ببيع عبد و رجل رجلين بشرائه، و تبايع الوكلاء، فعلي الأوّل يجوز التفريق، و لا يجوز علي الوجوه الباقية.9.

ص: 40


1- العزيز شرح الوجيز 159:4، روضة الطالبين 99:3، المجموع 386:9.
2- العزيز شرح الوجيز 159:4، روضة الطالبين 99:3، المجموع 386:9.
المقصد السادس: فيما يندرج في المبيع
اشارة

و ضابطه الاقتصار علي ما يتناوله اللفظ لغة و عرفا.

و الألفاظ التي تمسّ الحاجة إليها ستّة تشتمل عليها مباحث ستّة:

الأوّل: الأرض.
مسألة 566: إذا قال: بعتك هذه الأرض أو العرصة أو الساحة أو البقعة،

تناول اللفظ ما دلّ عليه حقيقة، و هو نفس الأرض، فلو كان فيها ما هو متّصل بها كالأشجار و الأبنية، أو منفصل كالأمتعة و شبهها، لم يدخل.

و لا خلاف في الثاني إلاّ فيما يستثني من المفتاح و شبهه، و إنّما اختلفوا في الأوّل.

فإذا قال: بعتك هذه الأرض دون ما فيها من البناء و الشجر، لم يدخلا إجماعا.

و إن قال: بعتكها بما فيها أو بما اشتملت عليه حدودها، دخلا قطعا.

و إن أطلق، لم تدخل عندنا، لخروجها عن مسمّي الأرض.

و قال الشافعي هنا: إنّه يدخل في البيع. و قال في الرهن: إذا قال:

رهنتك هذه الأرض، و لم يقل: بحقوقها، لم يدخل الشجر و البناء في الرهن(1).

ص: 41


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، الوسيط 169:3، الحاوي الكبير 176:5، حلية العلماء 196:4-197، العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3، المغني 215:4، الشرح الكبير 203:4.

و اختلف أصحابه علي طرق ثلاثة:

أحدها: أنّ البناء و الغراس لا يدخل في بيع الأرض إذا كان مطلقا، و كذلك في الرهن، و الذي قال هنا أراد به إذا قال: بحقوقها، لأنّ الأرض اسم لا يتناول البناء و الشجر، و هما ينفردان عنها في البيع، فلم يدخلا في البيع باسم الأرض.

الثاني: أنّ جوابه مختلف، و لا فرق بين البيع و الرهن، فتكون المسألتان علي قولين، أحدهما: لا يدخل فيهما البناء و الشجر. و الثاني:

يدخلان، لأنّهما للدوام و الثبات في الأرض، فأشبهت أجزاء الأرض، و لهذا يلحق بها في الأخذ بالشفعة.

الثالث: الفرق بين البيع و الرهن، فإنّ البيع يزيل الملك، فهو أقوي من الرهن الذي لا يزيله. و يفيد البيع ملك ما يحدث في الأرض من الشجر، بخلاف الرهن، فليستتبع البيع البناء و الشجر، و لهذا كان النماء الحادث في الأصل المبيع للمشتري، و لم يكن النماء الحادث في الأصل المرهون مرهونا. و هذا الثالث عندهم أوضح الطرق(1).

لا يقال: لو باع النخل، لم تدخل فيه الثمرة و إن كانت متّصلة.

لأنّا نقول: الثمرة لا تراد للبقاء، فليست من حقوقها، بخلاف البناء و الشجر.3.

ص: 42


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، الوسيط 3: 169، حلية العلماء 197:4، الحاوي الكبير 177:5، العزيز شرح الوجيز 4: 328-329، روضة الطالبين 194:3-195، المغني 215:4، الشرح الكبير 4: 203.

و الوجه ما قلناه أوّلا.

مسألة 567: لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، ففي دخول البناء و الشجر إشكال

عندي أقربه: عدم الدخول، لأنّ ذلك ليس من حقوق الأرض، بل حقوقها الممرّ و مجري الماء و أشباه ذلك.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يدخل(1). و به قال الشافعي(2).

و حكي الجويني في وجه أنّه لا يدخل(3) ، كما قلناه.

و قد روي محمد بن الحسن الصفّار عن العسكري عليه السّلام في رجل اشتري من رجل أرضا بحدودها الأربعة فيها زرع و نخل و غيرهما من الشجر، و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه، و ذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها و الخارجة عنها أ تدخل النخل و الأشجار و الزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع عليه السّلام «إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها»(4).

و هذا الخبر صحيح لا ريب فيه، إنّما المشكل صورة النزاع، فإنّه فرق بين أن يبيع الأرض بحقوقها و هو المتنازع، و بين أن يبيعها بما أغلق(5) عليه بابها الذي هو الجواب، فإنّ الشجر و البناء و الزرع و البذر و أصل البقل تدخل في الصورة الثانية.

و كذا لو قال: بعتك الأرض بما فيها أو ما اشتملت عليه حدودها.

مسألة 568: الزرع قسمان:

ص: 43


1- المبسوط - للطوسي - 105:2، الخلاف 82:3، المسألة 132.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.
3- العزيز شرح الوجيز 328:4.
4- التهذيب 138:7، 613.
5- في الطبعة الحجريّة: «يغلق».

أ - ما لا تتعدّد فائدته و ثمرته، بل توجد(1) مرّة واحدة، كالحنطة و الشعير و الدخن و غيرها. و هذا لا يدخل في الأرض لو قال: بعتك هذه الأرض، لأنّه ليس للدوام و الثبات، فكان كالأمتعة في الدار.

و كذا لا يدخل في الأرض الجزر الثابت و لا الفجل و لا السلق و لا الثوم، كالحنطة و الشعير، و به قال الشافعي(2).

أمّا لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، فإنّ هذا القسم من الزرع لا يدخل عندنا، لأنّ الثابت المستمرّ - كالبناء و الغرس - لا يدخل، فغيره أولي بعدم الدخول، و به قال الشافعي(3).

ب - ما تتعدّد فائدته و توجد(4) ثمرته مرّة بعد أخري في سنتين و أكثر، كالقطن و الباذنجان و النرجس و البنفسج، و لا تدخل في الأرض أصولها عندنا و إن قال: بحقوقها.

و للشافعي قولان كالأشجار(5).

و أمّا الظاهر من ثمارها عند العقد فهو للبائع.

و في النرجس و البنفسج وجه للشافعيّة: أنّهما من قبيل الزرع لا يدخلان(6).

و أمّا ما يجزّ مرارا كالقتّ و القصب و الهندباء و الكرّاث و النعناع و الكرفس و الطرخون فلا تدخل في الأرض عندنا و إن قال: بحقوقها، لا ما ظهر منها و لا أصولها.3.

ص: 44


1- الظاهر: «تؤخذ» بدل «توجد».
2- الحاوي الكبير 185:5، التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 195:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 196:3.
4- الظاهر: «تؤخذ» بدل «توجد».
5- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
6- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.

و قال الشافعي: لا تدخل الجزّة الظاهرة عند البيع، بل هي للبائع، و في دخول الأصول الخلاف(1).

و عند بعضهم أنّها تدخل قطعا في بيع الأرض، لأنّها كامنة فيها بمنزلة أجزائها(2).

و بالجملة، كلّ زرع لا يدخل في البيع لا يدخل و إن قال: بعت الأرض بحقوقها عند الشافعي(3).

مسألة 569: إذا باع الأرض و فيها زرع، كان البيع صحيحا،

عملا بالأصل، كما لو باع دارا مشغولة بأمتعة البائع، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ للشافعي فيها قولين، كما لو باع العين المستأجرة، فإنّ فيها قولين باعتبار استثناء المنفعة، و المعتدّة إذا استحقّت السكني في الدار، لم يجز بيعها عندهم قولا واحدا(5).

و أنكر باقي أصحاب الشافعي عليه، و فرّقوا بينهما، لأنّ بقاء الزرع في الأرض لا يحول بين يدي المشتري و بين الأرض، و إنّما للبائع ترك الزرع و الدخول للحاجة إلي ذلك، بخلاف المستأجر و المعتدّة، فإنّ يدهما حائلة، و فرق بينهما، و لهذا لو زوّج أمته و باعها، يصحّ البيع قولا واحدا، لأنّ يد الزوج ليست حائلة، و إنّما ينتفع ببعض منافعها.

قالوا: و لو كان الأمر علي ما قاله أبو إسحاق، لكان البيع هنا باطلا قولا واحدا، لأنّ مدّة إكمال الزرع مجهولة(6).

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 196:3.
4- الوجيز 148:1، العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
6- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
مسألة 570: إذا ثبت أنّ البيع صحيح، و أنّ الزرع للبائع،

فإنّ له تبقيته إلي أوان الحصاد بغير اجرة عليه في المدّة - و به قال الشافعي(1) - لأنّ تبقية الزرع مستثناة من بيعه، فكأنّه باع العين دون المنفعة.

و قال أبو حنيفة: ليس له ذلك، لأنّه بالبيع ملك المشتري المنافع(2).

و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإنّه إذا حضر وقت الحصاد، أمر بالقطع و تفريغ الأرض، و عليه تسويتها و قلع العروق التي يضرّ بقاؤها بالأرض، كعروق الذرّة، كما لو كان في الدار دابّة لا يتّسع لها الباب، فإنّها تنقض، و علي البائع ضمانه.

و لو قطع البائع الزرع قبل أوان حصاده، لم يكن له الانتفاع بالأرض، و كانت المنفعة للمشتري، لأنّه إنّما استحقّ تبقية هذا الزرع قضاء للعادة بالتبقية، و لئلاّ يتضرّر بقطعه، و هذه الضرورة قد زالت، فإذا أزاله، لم يكن له الانتفاع بمكانه، كما لو باع دارا فيها قماش له، فإنّ عليه نقله بمجري العادة، فإن جمع الحمّالين و نقله في ساعة واحدة، لم يكن له حبس الدار إلي أن يمضي زمان العادة في النقل و التفريغ، كذا هنا.

و إذا ترك الزرع حتي استحصد، وجب عليه نقله بحسب الإمكان، فإن أراد تبقيته، لأنّه أنفع له، لم يترك، فإذا حصده، فإن بقي له أصول لا تضرّ بالأرض، لم يكن عليه نقلها، و إلاّ وجب.

مسألة 571: إذا كان المشتري جاهلا بالزرع

بأن تقدّمت رؤيته للأرض قبل البيع و قبل الزرع، ثمّ باعها بعده، كان له الخيار في فسخ البيع، لنقص

ص: 46


1- حلية العلماء 207:4، العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- حلية العلماء 207:4، العزيز شرح الوجيز 330:4.

المبيع عادة، و عدم تمكّنه من الانتفاع به عقيب العقد و هو مقتضاه. و إن شاء أجاز البيع مجّانا بغير أرش و لا اجرة.

و إن كان عالما، لزمه البيع، و سقط خياره، كعالم العيب قبل البيع.

و إذا خلّي البائع بينه و بين الأرض المشغولة بزرعه، كان إقباضا له.

و هل يدخل في ضمان المشتري بذلك ؟ الأقرب: ذلك و إن تعذّر انتفاعه بها، لشغل الزرع المتقدّم - و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) - لحصول التسليم في الرقبة، و هي المبيعة.

و الثاني: لا يدخل في ضمان المشتري، لأنّها مشغولة بملك البائع، كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار مشحونة بأمتعة البائع(2).

و المعتمد: الأوّل، و الفرق أنّ التفريغ في الأمتعة متأتّ في الحال، علي أن الجويني أورد فيها وجها(3) أيضا.

مسألة 572: إذا كان في الأرض أصول لما يجزّ مرّة بعد اخري،

فقد قلنا: إنّها لا تدخل في بيع الأرض.

و قال الشافعي: تدخل. فعلي قوله يشترط المشتري علي البائع قطع الجزّة الظاهرة، لأنّها تزيد، و يشتبه المبيع بغيره(4).

و كذا عندنا لو شرط دخول أصولها في العقد.

و لا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أوان الجزّ أو لا يكون.

قال بعض الشافعيّة: إلاّ القصب، فإنّه لا يكلّف قطعه إلاّ أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به. و لو كان في الأرض أشجار خلاف تقطع من وجه

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
2- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4.
4- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.

الأرض، فهي كالقصب(1).

مسألة 573: لو كان في الأرض بذر كامن لم يظهر،

لم يدخل في بيع الأرض و إن قال: بحقوقها، علي ما تقدّم.

و قال الشافعيّ هنا بالتفصيل الذي ذكره في الزرع، فالبذر(2) الذي لا ثبات لنباته و يؤخذ(3) دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض المبيعة، و يبقي إلي أوان الحصاد، و للمشتري الخيار مع جهله، فإن تركه البائع له، سقطه خياره، و عليه القبول، قاله الشافعي(4).

و عندي فيه إشكال.

و لو قال البائع: أنا آخذه و أفرغ الأرض، فلا خيار للمشتري أيضا إن قصر الزمان، و إلاّ فله الخيار.

و أمّا البذر الذي يدوم(5) نباته، كنوي النخل و الجوز و اللوز و بذر الكرّاث و نحوه من البقول فإنّ حكمها في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار، لأنّ هذه الأصول تركت في الأرض للتبقية، فهي كأصول الشجر إذا غرست(6).

و الحقّ ما قلناه نحن من عدم الدخول في القسمين، عملا بالأصل،

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «فالقدر» بدل «فالبذر». و الكلمتان ساقطتان في «ي» و الظاهر ما أثبتناه لأجل السياق و كما هو في المصدر أيضا.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يوجد» بدل «يؤخذ». و الظاهر ما أثبتناه و كما هو في المصدر أيضا.
4- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3-197.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «تقدّم» بدل «يدوم». و الصحيح ما أثبتناه كما هو في المصدر أيضا.
6- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 197:3.

و استصحاب ملك البائع.

مسألة 574: إذا باع أرضا و فيها حجارة، فإمّا أن تكون مخلوقة فيها أو لا.

فإن كانت مخلوقة، دخلت في بيع الأرض مع الإطلاق، لأنّها من جملة الأرض.

ثمّ إن كانت مضرّة بالغراس و تمنع عروقه من النفوذ، فإن كان المشتري عالما بذلك، فلا خيار له. و إن لم يكن عالما، ثبت له الخيار، لأنّ ذلك عيب، و به قال الشافعي(1).

و فيه وجه(2) آخر له: أنّه ليس بعيب، و إنّما هو فوات فضيلة(3).

و إن لم تضرّ بالأرض و لا بالشجر بأن تكون بعيدة من وجه الأرض لا تصل إليها عروق الشجر، فلا خيار للمشتري، لأنّ ذلك ليس بعيب.

و أمّا إن لم تكن مخلوقة في الأرض، فإمّا أن تكون مبنيّة فيها مدرجة في البناء، فإنّها أيضا تدخل في الأرض إن قلنا بدخول البناء، أو اشترط دخوله. و إمّا أن تكون مودعة فيها مدفونة للنقل [فإنّها] لم تدخل في البيع - و به قال الشافعي(4) - لأنّها بمنزلة الكنوز و الأقمشة في الدار و قد تركت في الأرض للنقل و التحويل.

و إذا كانت للبائع عند الإطلاق، فإمّا أن يكون المشتري عالما بالحال من كونها في الأرض و ضررها، أو جاهلا.

فإن كان عالما، فلا خيار له في فسخ العقد و إن تضرّر بقلع البائع،

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «و في وجه».
3- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
4- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.

و له إجبار البائع علي القلع و النقل تفريغا لملكه، لأنّه لا عرف في تبقيتها، بخلاف الزرع، فإنّ له أمدا ينتظر.

و لا أجرة للمشتري في مدّة القلع و النقل و إن طالت، كما لو اشتري دارا فيها أقمشة و هو عالم بها، لا اجرة له في مدّة النقل و التفريغ.

و علي البائع - إذا نقل - تسوية الأرض، لأنّ الحفر حصل بنقل ملكه من غير تعدّ من صاحب الأرض، فكان عليه تسويتها.

و إن كان جاهلا بالحجارة أو علمها و جهل ضررها، فالأحوال أربعة:

أ - أن لا يكون في ترك الحجارة و لا في قلعها ضرر، فإن لم يحوج النقل و تسوية الأرض إلي مدّة لمثلها اجرة و لم تنقص الأرض بها، فللبائع النقل، لأنّها ملكه، و عليه تسوية الأرض، و لا خيار للمشتري إن كان الزمان يسيرا. و إن كان كثيرا يضرّ بمنفعة الأرض، فله الخيار، فإن فسخ، فلا كلام. و إن أجاز، فهل له الأجرة ؟ وجهان.

و له إجبار البائع علي النقل.

و حكي الجويني وجها أنّه لا يجبر، و الخيرة للبائع(1). و المذهب عندهم الأوّل(2).

ب - أن لا يكون في قلعها ضرر و يكون في تركها ضرر، فيؤمر البائع بالنقل، و لا خيار للمشتري، كما لو اشتري دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال، أو كانت البالوعة مفسدة، فقال البائع: أنا أصلحه و أنقيها، لا خيار للمشتري.

ج - أن يكون الترك و القلع معا مضرّين، فيتخيّر المشتري، سواء3.

ص: 50


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
2- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.

جهل أصل الأحجار أو يكون قلعها مضرّا. و لا يسقط خياره بأن يترك البائع الأحجار، لما في بقائها من الضرر.

و لو قال البائع للمشتري: لا تفسخ و أنا أغرم لك اجرة المثل مدّة النقل، لم يسقط خياره أيضا، كما لو قال البائع: لا تفسخ بالعيب لأغرم لك أرشه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: السقوط(1). و ليس بجيّد.

ثمّ إن اختار المشتري البيع، فعلي البائع النقل و تسوية الأرض، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده.

و هل تجب اجرة المثل لمدّة النقل إن كان النقل قبل القبض ؟ قال الشافعي: يبني علي أنّ جناية البائع قبل القبض كآفة سماويّة أو كجناية الأجنبيّ؟ إن قلنا بالأوّل، لم تجب، لأنّ المبيع قبل القبض مضمون بالثمن، فلا يضمن البائع إلاّ ما يتقسّط عليه الثمن. و إن قلنا بالثاني، فهو كما لو نقل بعد القبض(2).

و إن كان النقل بعد القبض، فوجهان للشافعيّة: عدم الوجوب، لأنّ إجازته رضا بتلف المنفعة في مدّة النقل. و أصحّهما عند أكثرهم: أنّها تجب، لأنّ البيع قد استقرّ و المنافع مضمونة علي المتلف، كضمان أجزائه علي المتلف و إن كان البائع، و كما لو جني علي المبيع بعد القبض، عليه ضمانه.

و الحاصل أنّ في وجوب الأجرة ثلاثة أوجه، ثالثها - و هو الأظهر عندهم -: الفرق بين أن يكون(3) النقل قبل القبض، فلا تجب، أو بعده».

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 198:3.
2- التهذيب - للبغوي - 378:3، العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 3: 198.
3- في الطبعة الحجريّة: «بين كون».

فتجب(1).

و يجري مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية نقصان و عيب(2).

د - أن يكون في قلعها ضرر و لا يكون في تركها ضرر، فللمشتري الخيار، فإن أجاز، ففي الأجرة و الأرش ما مرّ. و لا يسقط خياره بأن يقول:

أقلع و أغرم الأجرة أو أرش النقص. و لو رضي بترك الأحجار في الأرض، سقط خيار المشتري إبقاء للعقد.

ثمّ ينظر في الترك، فإن اقتصر البائع علي قوله: تركتها للمشتري، كان ذلك إعراضا لا تمليكا - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3) - فتكون باقية علي ملك البائع، و الترك أفاد قطع الخصومة.

فإن أراد الرجوع، فله ذلك - و به قال أكثر الشافعيّة(4) - و يعود خيار المشتري.

و قال الجويني: لا رجوع له، و يلزمه الوفاء بالترك(5).

و الثاني للشافعيّة: أنّه تمليك ليكون سقوط الخيار في مقابلة ملك حاصل(6).

و لو قال: وهبتها منك و حصلت شرائط الهبة، حصل الملك. و منهم من طرّد الخلاف، لأنّه لا يقصد حقيقة الهبة، إنّما قصد دفع الفسخ.

و إن لم تجمع شرائط الهبة، بطلت.

و للشافعيّة في صحّتها للضرورة وجهان، إن صحّحناها، ففي إفادة3.

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
2- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
3- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
4- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
5- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3-199.
6- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.

الملك ما ذكرنا في لفظ الترك(1).

هذا كلّه إذا كانت الأرض بيضاء، أمّا إذا كان فيها غرس، نظر إن كانت حاصلة يوم البيع و اشتراها مع الأرض، فنقصان الأشجار و تعيّبها بالأحجار كعيب(2) الأرض في إثبات الخيار و سائر الأحكام.

و إن أحدثها المشتري بعد الشراء، فإن كان قد أحدثها عالما بالأحجار، فللبائع قلعها، و ليس عليه ضمان نقصان الغراس.

و إن أحدثها جاهلا، فله الأرش عندنا، لأنّه عيب تعقّبه تصرّف المشتري، فسقط ردّه.

و للشافعيّة في ثبوت الخيار للمشتري وجهان: الثبوت، لأنّ الضرر ناش من إيداعه الأحجار في الأرض. و الأصحّ عندهم: عدمه، لرجوع الضرر إلي غير المبيع(3).

فإن كانت الأرض تنقص بالأحجار أيضا، نظر فإن لم يورث الغرس و قلع الغروس نقصانا في الأرض، فله القلع و الفسخ عند الشافعي(4) لا عندنا.

و إن أورث الغرس أو القلع نقصانا، فلا خيار في الفسخ، إذ لا يجوز له ردّ المبيع ناقصا، و لكن يأخذ الأرش.

و إذا قلع البائع الأحجار فانتقص الغراس، فعليه أرش النقص بلا خلاف.

و لو كان فوق الأحجار زرع إمّا للبائع أو للمشتري، ترك إلي أوان3.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.
2- كذا، و الظاهر: «كتعيّب».
3- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.
4- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.

الحصاد، لأنّ له غاية منتظرة، بخلاف الغراس، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا فرق بينه و بين الغراس(2).

تذنيب: إنّما وجب علي البائع و الغاصب تسوية الحفر إذا حفر في الأرض المغصوبة، و لم يوجبوا علي هادم الجدار أن يعيده، بل أوجبوا الأرش، لأنّ [طمّ](3) الحفر لا يتفاوت، و هيئات البناء تختلف و تتفاوت، فيشبه(4) [طمّ](5) الحفر بذوات الأمثال، و الهدم بذوات القيم حتي لو رفع لبنة أو اثنتين(6) من رأس الجدار و أمكن الردّ من غير اختلاف في الهيئة، لزمه الردّ إلي تلك الهيئة.

البحث الثاني: في البستان.

إذا قال: بعتك هذا الباغ أو البستان، دخل فيه الأرض و الأشجار و الحائط الدائر عليه، لأنّ لفظ «البستان» يدلّ علي مجموع هذه الأشياء بالمطابقة، لتبادر الذهن إليه.

و لو كان فيه بناء - كبيت أو دار - ففي دخوله في البستان ما مرّ في لفظة «الأرض» فعندنا لا يدخل. و عند الشافعي قولان(7).

ص: 54


1- التهذيب - للبغوي - 379:3، العزيز شرح الوجيز 333:4، روضة الطالبين 199:3.
2- العزيز شرح الوجيز 333:4، روضة الطالبين 199:3.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- في «س، ي»: «فشبه».
5- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حتي لو وقع لبنة أو اثنتان». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
7- الحاوي الكبير 179:5، الوجيز 148:1، العزيز شرح الوجيز 334:4، الوسيط 173:3، روضة الطالبين 200:3.

و هل يدخل العريش الذي توضع عليه القضبان ؟ الظاهر عند الجويني(1) دخوله.

و الأقرب عندي: عدم الدخول.

قالت الشافعيّة: لفظ «الكرم» كلفظ «البستان»(2).

و ليس جيّدا، فإنّ العادة و العرف و الاستعمال تقتضي عدم دخول الحائط في مسمّي الكرم، و دخوله في البستان.

و لو قال: هذه الدار بستان، دخلت الأبنية و الأشجار معا.

و لو قال: هذا الحائط بستان، أو هذه المحوطة، دخل الحائط المحيط و ما فيه من الأشجار، و أمّا البناء ففيه(3) ما سبق، كذا قال بعض الشافعيّة(4).

و لا يظهر فرق بين الأبنية و الأشجار في المحوطة، فإمّا أن يدخلا معا أو يخرجا معا.

و يدخل المجاز و الشرب في لفظ «البستان» و «الباغ» و إن لم يقل:

«بحقوقه» علي إشكال.

البحث الثالث: في القرية.

إذا قال: بعتك هذه القرية أو الدسكرة، دخل في المبيع الأبنية

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 200:3.
2- الوسيط 173:3، العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 200:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و أمّا الشافعيّة» بدل «و أمّا البناء ففيه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 3: 200.

و الساحات الداخلة في السور و سور المحيط بها، لأنّ القرية اسم لذلك، لأنّها مأخوذة من الجمع.

و لا تدخل المزارع فيها - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لو حلف أن لا يدخل القرية، لم يحنث بدخول المزارع.

و لو قال: بعتكها بحقوقها، لم تدخل أيضا، لأنّها ليست من حقوق القرية، فلا بدّ من النصّ علي المزارع، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّها تدخل(3). و بعضهم قال: إن قال: بحقوقها، دخلت، و إلاّ فلا(4).

و كلاهما ضعيف.

أمّا الأشجار التي في وسط القرية فإنّها علي الخلاف السابق فيما لو باع أرضا و فيها شجر.

و الأولي عندي عدم دخولها في القرية.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها تدخل في لفظ القرية، و لا تدخل في لفظ الأرض(5).

و قال الشافعي: إذا قال: بحقوقها، دخلت الأشجار قولا واحدا(6).3.

ص: 56


1- الحاوي الكبير 179:5، الوسيط 174:3، التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3، منهاج الطالبين: 106.
2- التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 3: 200.
3- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
4- فتح العزيز بهامش المجموع 31:9، روضة الطالبين 200:3، و في العزيز شرح الوجيز 335:4 قد سقط بعض القول فلاحظ.
5- العزيز شرح الوجيز 334:4.
6- أنظر: العزيز شرح الوجيز 334:4، و روضة الطالبين 200:3.

و تدخل فيها البيوت و حيطانها و السقوف و الطرق المسلوكة فيها.

و لو وجدت قرينة تدلّ علي إرادة المزارع، دخلت، و إلاّ فلا، كما لو ساومه علي القرية و مزارعها و اتّفقا علي ثمن معيّن ثمّ اشتري القرية بذلك الثمن، فإنّ المزارع تدخل هنا، للقرينة الدالّة علي الدخول.

و كذا لو بذل ثمنا لا يصلح إلاّ للجميع، دخلت، عملا بشاهد الحال.

البحث الرابع: الدار.
مسألة 575: إذا قال: بعتك هذه الدار، دخل في المبيع الأرض

و الأبنية علي تنوّعها حتي الحمّام المعدود من مرافقها، لتناول اسم الدار لذلك كلّه.

و عن الشافعي أنّ الحمّام لا يدخل(1).

و حمله أصحابه علي حمّامات الحجاز، و هي بيوت من خشب تنقل(2).

و لو كان في وسطها أشجار، لم تدخل عندنا.

و قال الشافعي: إن قال: بحقوقها، دخلت قطعا. و إن أطلق، فعلي الطرق المذكورة في لفظ الأرض(3).

و نقل الجويني في دخولها ثلاثة أوجه، ثالثها: الفرق بين أن تكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا، فلا تدخل في لفظ الدار، و بين أن لا تكون كذلك فتدخل(4).

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
2- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
3- العزيز شرح الوجيز 335:4 و 328، روضة الطالبين 200:3 و 194.
4- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3-201.
مسألة 576: الآلات التي في الدار علي أقسام ثلاثة:

أ - المنقولات، كالدلو و البكرة و الرشا و المجارف(1) و السّرر و الرفوف الموضوعة علي الأوتاد من غير تسمّر و السلالم التي لم تسمّر و لم تطيّن و الأقفال و الكنوز و الدفائن.

و هذه لا تدخل في البيع، و به قال الشافعي(2).

و أمّا المفاتيح للأغلاق المثبتة فالأقرب: دخولها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - لأنّها من توابع المغلاق المثبت.

و الآخر: لا تدخل كسائر المنقولات(4).

و كذا الأقرب في ألواح الدكاكين الموضوعة في أبوابها الدخول، لأنّها أبواب لها، فأشبه الباب المثبت.

و يحتمل عدم الدخول، لأنّها تنقل و تحوّل، فكانت كالفرش.

و للشافعيّة وجهان(5).

ب - ما أثبت في الدار تتمّة لها ليدوم فيها و يبقي، كالسقوف

ص: 58


1- في الطبعة الحجريّة: «المخارق». و في «س، ي»: «المخارف». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، الحاوي الكبير 179:5، التهذيب - للبغوي - 379:3 و 380، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
5- الحاوي الكبير 180:5، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 201:3.

و الأبواب المنصوبة و ما عليها من التعاليق(1) و الحلق و السلاسل و الضباب(2).

و هذه تدخل في البيع، لأنّها معدودة من أجزاء الدار.

ج - ما أثبت علي غير هذا الوجه، كالرفوف و الدنان و الإجّانات المثبتة و السلالم المسمّرة و الأوتاد المثبتة في الأرض و الجدران و التحتاني من حجري الرحي و خشب القصّار و معجن الخبّاز.

و الأقرب: عدم الدخول، لأنّها ليست من أجزاء الدار، و إنّما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع و تتحرّك عند الاستعمال.

و للشافعي في الفوقاني من حجري الرحي وجهان إن أدخلنا التحتاني، و الأصحّ: الدخول عندهم(3).

و قطع الجويني بدخول الحجرين في بيع الطاحونة، و بدخول الإجّانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة(4).

مسألة 577: في دخول مسيل الماء في بيع الأرض و شربها من القناة و النهر المملوكين إشكال

أقربه: عدم الدخول، إلاّ أن يشترطها و يقول:

«بحقوقها».

و عن بعض الشافعيّة أنّه لا يكفي ذكر الحقوق(5).

ص: 59


1- الظاهر: «المغاليق» بدل «التعاليق».
2- في «س، ي»: «الضبّات». و في الطبعة الحجريّة: «و الضباط». و هو غلط، و الظاهر ما أثبتناه. و الضبّة: حديدة عريضة يضبّب بها الباب و الخشب. و الجمع: ضباب. لسان العرب 541:1 «ضبب».
3- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 179:4-180، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
4- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 201:3.
5- فتح العزيز بهامش المجموع 34:9، و في العزيز شرح الوجيز 336:4 قد سقط حرف «لا» في قوله: «لا يكفي»، روضة الطالبين 202:3.

و لا تدخل الحجارة المدفونة و لا الآجر المدفون، لأنّه مودع فيها، إلاّ أن تكون الحجارة و الآجر مثبتين فيها.

مسألة 578: إذا كان في الدار بئر الماء، دخلت في المبيع،

لأنّها من أجزاء الدار، و به قال الشافعي(1).

و أمّا الماء الحاصل في البئر فالأقرب دخوله.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه مملوك لصاحب الدار، لأنّه نماء ملكه، فكان داخلا في ملكه كلبن الشاة، و به قال ابن أبي هريرة.

و الثاني: أنّه غير مملوك، لأنّه يجري تحت الأرض و يجيء إلي ملكه، فهو بمنزلة الماء يجري من النهر إلي ملكه لا يملكه بذلك. و لأنّه لو كان ملكا لصاحب الدار، لم يجز للمستأجر إتلافه، لأنّ الإجارة لا تستحقّ إتلاف الأعيان، فعلي هذا لو دخل داخل فاستقي ماء بغير إذن صاحب الدار، ملك الماء و إن كان متعدّيا بالدخول(2).

و إذا باع الماء الذي في البئر، لم يصحّ البيع علي الوجهين عند الشافعي(3) ، لأنّه في أحد الوجهين لا يملك الماء، فلا يصحّ. و في الآخر:

يكون الماء مجهولا فيها، و لا يمكن تسليمه، لأنّه إلي أن يسلّمه يختلط به غيره، فإذا باع الدار، لم يدخل الماء في البيع المطلق علي الوجهين.

ص: 60


1- التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 3: 202.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 198:4، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 336:4، و 239:6-240، روضة الطالبين 202:3، و 373:4، المغني 217:4، الشرح الكبير 203:4.
3- أنظر: العزيز شرح الوجيز 242:6، و روضة الطالبين 375:4.

و أمّا عندنا فإنّه يجوز بيعه منضمّا إلي الدار، و الجهالة لا تضرّ، لأنّها تابعة، كأساسات الحيطان.

و إن شرط دخول الماء في البيع، صحّ عندنا و عنده علي قوله: إنّ الماء مملوك(1).

و أمّا العيون المستنبطة فإنّها مملوكة.

و هل يملك الذي فيها؟ أمّا عندنا: فنعم. و أمّا عند الشافعي:

فوجهان(2).

و لا يمكن بيع الماء الذي فيها منفردا، للجهالة. و يجوز بيع العين و جزء منها.

و أمّا المياه التي في الأنهار - كالفرات و دجلة و ما دونها من المياه في الجبال و العيون - فليست مملوكة، و من أخذ منها شيئا و حازه(3) ملكه، و جاز له بيعه.

و إذا جري من هذه المياه شيء إلي ملك إنسان، لم يملكه بذلك، كما لو توحّل ظبي في أرضه أو نزل ثلج إلي ساحته.

و كذا إذا حفر نهرا فجري الماء إليه من هذه الأنهار، لم يملكه بذلك، فيجوز لغيره الشرب منه.

أمّا لو حفر النهر و قصد بذلك إجراء الماء و كان النهر مملوكا له، فالأولي أنّه يملكه، لأنّه قد حازه(4) حيث أجراه في نهره، فكان كما لو أخذ في آنيته.ه.

ص: 61


1- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 240:6، و روضة الطالبين 373:4، و المغني 4: 217، و الشرح الكبير 203:4.
3- في الطبعة الحجريّة و «س، ي»: «أحازه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة و «س، ي»: «أحازه». و الصحيح ما أثبتناه.
مسألة 579: لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر

- كالنفط و الملح و الغاز و الكبريت - فهو كالماء هل يملكه صاحب الأرض ؟ للشافعيّة وجهان(1).

و عندنا أنّه مملوك له إذا كان في ملكه.

و إن كان باطنا كالذهب و الفضّة و غيرهما من الجامدات، فهي مملوكة تتبع الأرض في الملك و في البيع، لأنّها جزء منها - و به قال الشافعي(2) - إلاّ أنّه لا يجوز بيع معدن الذهب بالذهب.

و لو بيع بالفضّة، جاز عندنا، و عنده قولان(3) سبقا في الجمع بين البيع و الصرف.

مسألة 580: لو باع دارا في طريق غير نافذ، دخل حريمها في البيع و طريقها.

و في دخول الأشجار فيه ما سبق. و إن كانت في طريق نافذ، لم يدخل الحريم و الأشجار في البيع، بل لا حريم لمثل هذه الدار، قاله الشافعي(4).

مسألة 581: لو باع دارا، دخل فيها الأعلي و الأسفل،

لأنّ اسم الدار يشملهما، إلاّ أن تشهد العادة باستقلال الأعلي بالسكني، فلا يدخل. و كذا الخان.

ص: 62


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 199:4، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
3- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
4- التهذيب - للبغوي - 380:3-381، العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 202:3-203.
البحث الخامس: العبد.
مسألة 582: إذا باع عبده أو أمته، لم يتناول العقد مال العبد

إن كان له مال و قلنا: إنّه يملك بالتمليك، اقتصارا علي ما يتناوله اللفظ و إبقاء لغيره علي أصله.

و لو شرط البائع المال لنفسه، فلا بحث في أنّه له، لأنّ ملك العبد ناقص، و للمولي انتزاعه منه دائما.

و إن باعه مع المال، فإن قلنا: إنّه لا يملك ما ملّكه مولاه، اعتبر فيه شرائط البيع، فلو كان مجهولا، لم يصح. و كذا لو كان دينا و الثمن دين، أو كان ذهبا و الثمن منه.

و لو كان ذهبا و الثمن فضّة أو بالعكس، جاز عندنا.

و للشافعي قولان(1).

و إن قلنا: إنّه يملك، انتقل المال إلي المشتري مع العبد، و لا تضرّ الجهالة عند الشافعي(2) ، لأنّ المال هنا تابع و جهالة التابع محتملة كجهالة الأساسات و الحمل و اللبن و حقوق الدار، بخلاف الأصل، فإنّه لا يحتمل الجهالة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المال ليس بمبيع لا أصلا و لا تبعا و لكن شرطه للمبتاع تبقية له علي العبد كما كان، فللمشتري انتزاعه، كما كان للبائع الانتزاع، فلو كان المال ربويّا و الثمن من جنسه، فلا بأس. و علي الأوّل لا يجوز ذلك، و لا يحتمل الربا في التابع كما في الأصل(3).

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.
2- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.
3- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.

و التحقيق أن نقول: إن باعه العبد و ماله بحيث كان المال جزءا من المبيع، شرط فيه ما شرط في المبيع. و إن باعه العبد و شرط له المال، كان المال للمشتري، و اشترط فيه شرائط البيع.

مسألة 583: الأقرب: عدم دخول الثياب التي للعبد في بيعه،

اقتصارا علي ما تناوله حقيقة اللفظ، كالسرج لا يدخل في بيع الدابّة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: تدخل، و فيه وجهان:

أحدهما: أنّ ما عليه من الثياب يدخل اعتبارا بالعرف، و به قال أبو حنيفة(1).

و لا بأس بهذا القول عندي، و هو الذي اخترناه في كتاب القواعد(2).

و الثاني: يدخل ساتر العورة دون غيره(3).

و لا وجه له، لأنّ العرف يقضي بالثاني و اللغة بالأوّل، فهذا لا اعتبار به.

و لو جرّده من الثياب و باعه، لم تدخل قطعا.

و كذا البحث في عذار الدابّة و مفقودها.

و يدخل نعلها، لأنّه متّصل بها، فصار كالجزء منها.

مسألة 584: و لا يدخل حمل الجارية و لا الدابّة في بيعهما إلاّ مع الشرط،

و لا ثمرة شيء من الأشجار إلاّ النخل إذا لم يؤبّر. و لو شرط خلاف ذلك، جاز. و قد تقدّم(4) البحث في هذا كلّه.

ص: 64


1- الحاوي الكبير 181:5، التهذيب - للبغوي - 468:3، العزيز شرح الوجيز 337:4-338، روضة الطالبين 203:3.
2- قواعد الأحكام 85:2.
3- الحاوي الكبير 181:5، التهذيب - للبغوي - 468:3، العزيز شرح الوجيز 337:4-338، روضة الطالبين 203:3.
4- في ج 10 ص 275 و 315-316 و 384، المسائل 125 و 140 و 183.
البحث السادس: الشجر.
مسألة 585: إذا باع شجرة، دخل أغصانها في البيع،

لأنّها معدودة من أجزائها.

أمّا الغصن اليابس فالأقرب: دخوله، و لهذا يحنث لو حلف لا يمسّ جزءا منها، فلمسه. و القطع لا يخرجه عن الجزئيّة، و الدخول في مسمّي الشجرة كالصوف علي الغنم.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه لا يدخل، لأنّ العادة فيه القطع، كما في الثمار(1).

و لو كانت الشجرة يابسة، دخلت أغصانها اليابسة قطعا.

و تدخل العروق أيضا في مسمّي الشجرة، لأنّها جزء منها. و كذا الأوراق، لأنّها جزء من الشجرة.

و في أوراق التوت، الخارجة(2) في زمن الربيع نظر ينشأ: من أنّها كثمار سائر الأشجار، فلا تدخل. و من أنّها جزء من الشجرة(3) فتدخل، كما في غير الربيع. و هو الأقوي عندي.

و للشافعيّة وجهان(4).

و كذا شجر النبق يدخل فيه ورقه.

ص: 65


1- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 338:4، روضة الطالبين 3: 204.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و في ورق التوت الخارج». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- في الطبعة الحجريّة: «الشجر».
4- راجع المصادر في الهامش 1.

و للشافعيّة طريقان، هذا(1) أحدهما، كأوراق سائر الأشجار. و الثاني:

عدم الدخول، لأنّها تلتقط ليغسل بها الرأس(2).

مسألة 586: لو باع شجرة يابسة نابتة،

فعلي المشتري تفريغ الأرض منها. و لو(3) شرط إبقاءها، فإن عيّن المدّة، صحّ. و إن أبهم، بطل، إذ لا حدّ لها ينتهي إليه.

و أطلق الشافعي البطلان لو شرط الإبقاء، كما لو اشتري الثمرة بعد التأبير، و شرط عدم القطع عند الجذاذ(4). و الفرق ظاهر.

و لو باعها بشرط القطع أو القلع، جاز.

و تدخل العروق في البيع عند شرط القلع، و لا تدخل عند شرط القطع، بل تقطع عن وجه الأرض.

و هل له الحفر إلي أن يصل إلي منبت العروق ؟ إشكال.

مسألة 587: لو باع شجرة رطبة بشرط الإبقاء أو بشرط القلع،

اتّبع الشرط، فإن أطلق، فالأقرب أنّه يجب الإبقاء، تبعا للعادة، كما لو اشتري ما يستحقّ إبقاءه.

و لا يدخل المغرس في البيع عندنا، لأنّ اسم الشجرة لا يتناوله، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: أنّه يدخل - و به قال أبو حنيفة - لأنّه يستحقّ منفعة المغرس لا إلي غاية، و ذلك لا يكون إلاّ علي سبيل الملك، و لا وجه لتملّكه إلاّ دخوله في البيع(5).

ص: 66


1- في الطبعة الحجريّة: «و هذا».
2- العزيز شرح الوجيز 338:4، روضة الطالبين 204:3.
3- في «س، ي»: «فلو».
4- العزيز شرح الوجيز 339:4، روضة الطالبين 204:3.
5- العزيز شرح الوجيز 339:4، روضة الطالبين 204:3، منهاج الطالبين: 106.

و المقدّمتان ممنوعتان، لأنّ الغاية انتهاء حياة الشجرة و قد يستحقّ غير المالك المنفعة لا إلي غاية، كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذع عليه.

فعلي الأوّل - الذي اخترناه - لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك، لم يكن له أن يغرس بدلها، و ليس له أن يبيع المغرس، و علي الثاني له أن يغرس بدلها و يبيع المغرس.

و كذا لو باع بستانا و استثني منه البائع نخلة.

و لو اشتري النخلة أو الشجرة بحقوقها، لم يدخل المغرس، بل الإبقاء، و ليس له الإبقاء في المغرس ميّته إلاّ أن يستخلف عوضا من فراخها المشترطة.

مسألة 588: لو باع شجرة أو نخلة و لها فراخ،

لم تدخل الفراخ في النخلة و الشجرة، لأنّها خارجة عن المسمّي، فلا يتناولها العقد إلاّ مع الشرط.

و لو تجدّدت الفراخ بعد البيع، فهي لمشتري النخلة. و لا يستحقّ المشتري إبقاءها في الأرض إلاّ مع الشرط، فإن لم يشرط، كان له قلعها عن أرضه عند صلاحية الأخذ لا قبله، كما في الزرع، و يرجع في ذلك إلي العادة.

و لو اشتري النخلة بحقوقها، لم تدخل الفراخ.

و لو استثني شجرة أو نخلة من البستان الذي باعه، أو اشتري نخلة أو شجرة من جملة البستان الذي للبائع، كان له الممرّ إليها و المخرج منها و مدّ(1) جرائدها من الأرض.

ص: 67


1- في «س»: «مدي» بدل «مدّ».

و لو انقلعت، لم يكن له غرس اخري، سواء كان مشتريا للنخلة أو بائعا لها، إلاّ أن يستثني الأرض.

مسألة 589: لو باع النخل و عليه ثمرة ظاهرة،

فإن كانت مؤبّرة، فهي للبائع إجماعا، إلاّ أن يشترطها المشتري، فتكون له، عملا بمفهوم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إن لم تكن مؤبّرة، فهي للمشتري، إلاّ أن يشترطها البائع، فتكون له.

و مع الإطلاق للمشتري عندنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد بن حنبل(2) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: «من باع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلاّ أن يشترطها(4) المبتاع، قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بذلك»(5).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من باع نخلا قد أبّره فثمره للذي باع إلاّ أن يشترط المبتاع» ثمّ قال: «إنّ عليّا عليه السّلام قال:

ص: 68


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
2- الوسيط 177:3، حلية العلماء 201:4، التهذيب - للبغوي - 367:3، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3، المنتقي - للباجي - 215:4، التفريع 146:2، الذخيرة 157:5، مختصر اختلاف العلماء 95:3، 1173، المغني و الشرح الكبير 206:4.
3- سنن البيهقي 297:5، معرفة السنن و الآثار 68:8، 11147.
4- في المصدر: «يشترط».
5- الكافي 177:5، 12، التهذيب 87:7، 369.

قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بذلك»(1).

و هو يدلّ علي أنّ النخل إذا لم تؤبّر، تكون الثمرة للمشتري، لأنّه عليه السّلام جعل الإبار حدّا لملك البائع، و هو يدلّ علي أنّه جعل ما قبله حدّا لملك المشتري. و لأنّها قبل التأبير كالجزء من النخلة لا يعلم حالها من صحّة الثمرة و فسادها.

و قال ابن أبي ليلي: إنّها للمشتري بكلّ حال، لأنّها متّصلة بالأصل اتّصال الخلقة، فكانت تابعة له، كالأغصان(2).

و نمنع المساواة، فإنّ الغصن يطلب بقاؤه، بخلاف الثمرة، و هو جزء من النخلة داخل في اسمها، بخلاف الثمرة. و لأنّه نماء كامن لظهوره غاية، فلم يتبع أصله بعد ظهوره، كالحمل.

و قال أبو حنيفة: تكون للبائع أبّرت أولا، لأنّه نماء جذاذ انتهي إليه الحدّ، فلم يتبع أصله، كالزرع(3).

و يبطل بأنّه نماء كامن لظهوره غاية، فكان تابعا لأصله قبل ظهوره، كالحمل عنده(4) ، و الزرع ليس من نماء الأرض و لا متّصلا بها، بل هو مودع فيها.

مسألة 590: النخل إمّا فحول أو إناث،

و أكثر المقصود من طلع

ص: 69


1- التهذيب 87:7، 370.
2- مختصر اختلاف العلماء 95:3، 1173، حلية العلماء 201:4، شرح السنّة - للبغوي - 77:5، المغني و الشرح الكبير 206:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 95:3-96، 1173، الوسيط 178:3، حلية العلماء 201:4، شرح السنّة - للبغوي - 77:5، العزيز شرح الوجيز 340:4، المغني و الشرح الكبير 206:4.
4- الاستذكار 14:19، 27911 و 27912.

الفحول استصلاح ثمرة الإناث به.

و الذي يبدأ(1) أوّلا منها أكمة صغيرة ثمّ تكبر و تطول حتي تصير كآذان الحمار، فإذا كبرت تشقّقت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذرّ فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها أجود، فالتشقيق و ذرّ طلع الفحول فيها هو التأبير و التلقيح.

و لا فرق بين أن يؤبّرها الملقّح أو يؤبّرها اللواقح، فإذا كانت الفحول في ناحية الصبا فهبّ الصبا وقت التأبير فأبّرت الإناث برائحة طلع الفحول و كذا إذا تأبّرت من نفسها، الحكم في الجميع واحد، لظهور المقصود.

إذا ثبت هذا، فالتأبير إنّما يعتبر في إناث النخل لا فحولها، فلو باع فحولا بعد تشقيق طلعها، لم يندرج في البيع إجماعا. و كذا إن لم يتشقّق عندنا - و هو أضعف وجهي الشافعيّة(2) - عملا بالأصل، و عدم تناول اسم النخلة له، السالم عن معارضة نصّ التأبير، لأنّا قد بيّنّا أنّ جزءه ذرّ طلع الفحل فيه، و إنّما يتحقّق ذلك في الإناث. و لأنّ طلع الفحل يؤكل علي هيئته، و يطلب لتلقيح الإناث به، و ليس له غاية منتظرة بعد ذلك، فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها، بخلاف طلع الإناث.

و الثاني: الاندراج، كما في طلع الإناث(3). و ليس معتمدا.

مسألة 591: لو أبّر بعض النخلة، كان جميع طلعها للبائع،

و لا يشترط لبقاء الثمرة علي ملكه تأبير جميع طلعها، لما فيه من العسر، و عدم

ص: 70


1- كذا، و الظاهر: «يبدو» بدل «يبدأ».
2- المهذّب - للشيرازي - 286:1، حلية العلماء 202:4، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 286:1، حلية العلماء 202:4، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3.

الضبط، و لأنّه يصدق عليه أنّه قد باع نخلا قد أبّر، فيدخل تحت نصّ أنّه للبائع، و كان غير المؤبّر تابعا للمؤبّر، و هو أولي من العكس، كما أنّ باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية. و لأنّ الباطن صائر إلي الظهور، بخلاف العكس.

و لو باع نخلات أبّر بعض نخلها و بعضه غير مؤبّر، فالوجه عندي: أنّ النخلة المؤبّرة ثمرتها للبائع، و غير المؤبّرة للمشتري، سواء كانت النخلات من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، و سواء كانت في بستان واحد أو بساتين.

و قال الشافعي: إن كانت في بستان واحد و اتّحد النوع و باعها صفقة واحدة، فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبّر بعض ثمرها دون بعض.

و إن أفرد ما لم يؤبّر طلعة، فوجهان:

أحدهما: أنّه يبقي للبائع أيضا، لدخول وقت التأبير، و الاكتفاء به عن نفس التأبير.

و أصحّهما عندهم: أنّه يكون للمشتري، لأنّه ليس في المبيع شيء مؤبّر حتي يجعل غير المؤبّر تبعا له، فيبقي تبعا للأصل.

و إن اختلف النوع، فوجهان:

أحدهما - و به قال ابن خيران -: أنّ غير المؤبّر يكون للمشتري، و المؤبّر للبائع، لأنّ لاختلاف النوع تأثيرا بيّنا في اختلاف [الأيدي](1) وقت التأبير.

و أصحّهما: أنّ الكلّ يبقي للبائع كما لو اتّحد النوع، دفعا لضرر».

ص: 71


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

اختلاف الأيدي و سوء المشاركة.

و إن كانت في بساتين، فحيث قلنا في البستان الواحد: إنّ كلّ واحد من المؤبّر و غير المؤبّر يفرد بحكمه، فهنا أولي. و حيث قلنا بأنّ غير المؤبّر يتبع المؤبّر، فهنا وجهان، أصحّهما: أنّ كلّ بستان يفرد بحكمه.

و الفرق أنّ لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير، و أيضا فإنّه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الأيدي و سوء المشاركة. و لأنّ للخطّة الواحدة من التأثير في الجميع(1) ما ليس في الخطّتين، فإنّ خطّة المسجد تجمع بين المأموم و الإمام و إن اختلف البناء و تباعدت المسافة بينهما.

و لا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين(2).

فروع:

أ - لو باع نخلة و بقيت الثمرة له ثمّ خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة أخري حيث يقتضي الحال اشتراكهما في الحكم - كما هو عند الشافعي - احتمل أن يكون الطلع الجديد للبائع أيضا، لأنّه من ثمرة العام، و لأنّه يصدق علي تلك النخلة أنّها مؤبّرة. و أن يكون للمشتري، لأنّه نماء ملكه بعد البيع.

و للشافعيّة وجهان(3) كهذين.

ب - لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل و إناثها، كان كما لو جمع بين نوعين من الإناث، عند الشافعيّة(4).

و الوجه: أنّ طلع الفحول للبائع، و طلع الإناث للمشتري إن لم يكن3.

ص: 72


1- في العزيز شرح الوجيز: «الجمع».
2- العزيز شرح الوجيز 342:4-343، روضة الطالبين 207:3.
3- العزيز شرح الوجيز 343:4، روضة الطالبين 208:3.
4- العزيز شرح الوجيز 343:4، روضة الطالبين 208:3.

مؤبّرا.

ج - لو تشقّق الطلع من قبل نفسه، فقد بيّنّا أنّه كما لو أبّره.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما.

و قال بعضهم: لا يندرج تحت البيع و إن لم يؤبّر(1).

مسألة 592: غير النخل من الأشجار لا تدخل ثمارها في البيع

- للأصل - إذا كانت قد خرجت، سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كانت بارزة أو مستترة في كمام، و سواء تشقّق الكمام عنها أو لا. و كذا ورد ما يقصد ورده، سواء تفتّح أو لا، عند علمائنا. و كذا القطن و غيره.

و بالجملة، كلّ ما عدا النخل فإنّ ثمرته باقية علي ملك البائع إذا كانت قد وجدت عند العقد، عملا بالأصل السالم عن معارضة النصّ، لتخصيصه بالنخل.

و قالت الشافعيّة: ما عدا النخل أقسام:

أوّلها: ما يقصد منه الورق، كشجر التوت. و قد سبق حكمه.

و شجر الحنّاء و نحوه يجوز أن يلحق بالتوت. و يجوز أن يقال: إذا ظهر [ورقه، فهي](2) للبائع بلا خلاف، لأنّه لا ثمر له سوي الورق، و للتوت ثمرة مأكولة.

و ثانيها: ما يقصد منها الورد، و هو ضربان:

أحدهما: ما يخرج في كمام ثمّ يتفتّح كالورد الأحمر، فإذا بيع أصله بعد خروجه و تفتّحه، فهو للبائع، كطلع النخل المؤبّر. فإن بيع بعد خروجه و قبل تفتّحه، فهو للمشتري، كالطلع قبل التأبير.

ص: 73


1- العزيز شرح الوجيز 343:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

و قال بعضهم: إنّه يكون للبائع أيضا.

و الثاني: ما يخرج ورده ظاهرا، كالياسمين، فإن خرج ورده، فهو للبائع، و إلاّ فللمشتري.

و ثالثها: ما يقصد منه الثمرة، و هو ضربان:

أحدهما: ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر و لا كمام، كالتين، فهو كالياسمين، و الحق العنب بالتين و إن كان لكلّ حبّة منه قشر لطيف و يتشقّق و يخرج منها نور لطيف، لأنّ مثل ذلك موجود في ثمرة النخل بعد التأبير، و لا عبرة به.

و الثاني: ما [لا](1) يكون كذلك، و هو ضربان:

أحدهما: ما تخرج ثمرته في نور ثمّ يتناثر النّور فتبرز الثمرة بغير حائل، كالتفّاح و المشمش و الكمّثري و أشباهها، فإن باع الأصل قبل انعقاد الثمرة، فإنها تنعقد علي ملك المشتري و إن كان النّور قد خرج. و إن باعه بعد الانعقاد و تناثر النّور، فهي للبائع.

و إن باع بعد الانعقاد و قبل تناثر النّور، فوجهان:

أحدهما: أنّها للمشتري تنزيلا للاستتار بالنّور منزلة استتار ثمر الشجر بالكمام.

و الثاني: أنّها للبائع، تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الأبيض. و هو أرجح عند الكرخي.

و الثاني: ما يبقي له حائل علي الثمرة المقصودة، و هو قسمان:

أحدهما: ما له قشر واحد، كالرمّان، فإذا بيع أصله و قد ظهر الرمّان».

ص: 74


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

بقشره، فهو للبائع، و لا اعتبار بقشره، لأنّ إبقاءه من مصلحته، و الذي لم يظهر يكون للمشتري.

و الثاني ما له قشران، كالجوز و اللوز و الفستق و الرانج(1) ، فإن باعها قبل خروجها، فإنّها تخرج علي ملك المشتري. و إن باعها بعد الخروج، تبقي علي ملك البائع، و لا يعتبر في ذلك تشقّق القشر الأعلي علي أصحّ الوجهين. و الثاني: يعتبر.

و اعلم أنّ أشجار الضربين الأخيرين منها: ما تخرج ثمرته في قشره من غير نور، كالجوز و الفستق. و منها: ما تخرج في نور ثمّ يتناثر النّور عنه، كالرمّان و اللوز، و ما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الأصل بعد تناثر النّور عنه، فإن بيع قبله، عاد الكلام السابق(2).

مسألة 593: القطن ضربان:

أحدهما: له ساق يبقي سنين، و يثمر كلّ سنة، و هو قطن الحجاز و الشام و البصرة.

و الثاني: ما لا يبقي أكثر من سنة واحدة.

[و في كليهما](3) لا يدخل الجوزق(4) الظاهر في بيع الأصل، سواء

ص: 75


1- الرانج: النارجيل، و هو جوز الهند. لسان العرب 284:2 «رنج». و في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «النارنج». و هو غلط. و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر أيضا.
2- العزيز شرح الوجيز 340:4-342، روضة الطالبين 205:3-207.
3- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و كلاهما». و الظاهر ما أثبتناه.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجوز» و كذا في المواضع الآتية في هذه المسألة، و لم نعثر في اللغة علي كلمة «الجوز» بهذا المعني. و الصحيح ما أثبتناه.

تفتّح أو لا.

و قال الشافعي: القسم الأوّل كالنخل إن بيع الأصل قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تشقّقه، فالحاصل للمشتري. و إن بيع بعد التشقّق، فهو للبائع. و الثاني كالزرع، فإن باعه قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تكامل القطن، فلا بدّ من شرط القطع. ثمّ إن لم يتّفق القطع حتي خرج الجوزق، فهو للمشتري، لحدوثه من عين ملكه(1).

و قال بعضهم: إن باعه بعد تكامل القطن، فإن تشقّق الجوزق، صحّ البيع مطلقا، و دخل القطن في البيع، بخلاف الثمرة المؤبّرة، لا تدخل في بيع الشجرة، لأنّ الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام، و لا مقصود هنا سوي الثمرة الموجودة. و إن لم يتشقّق، لم يجز البيع في أصحّ الوجهين، لأنّ المقصود مستور بما ليس من صلاحه، بخلاف الجوز و اللوز في القشر الأسفل(2).

مسألة 594: إذا باع الثمرة و لم يشترط القطع،

استحقّ المشتري الإبقاء إلي القطاف بمجري العادة، فإن جري عرف قوم بقطع الثمار، فالأقرب:

إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ، و ذلك كما يوجد في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهي ثمارها إلي الحلاوة و اعتاد أهلها قطع الحصرم.

إذا عرفت هذا، فالثمار يختلف زمان أخذها، فما يؤخذ في العادة بسرا يؤخذ إذا تناهت حلاوته، و ما يؤخذ رطبا إذا تناهي ترطيبه، و ليس له إلزامه بقطعه منصّفا، و ما يؤخذ تمرا إذا انتهي نشافه.

و كذا يرجع إلي العادة في ثمرة غير النخل من سائر الأشجار.

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 342:4، روضة الطالبين 207:3.
2- العزيز شرح الوجيز 342:4، روضة الطالبين 207:3.

تذنيب: لو خيف علي الأصل الضرر لو بقيت الثمرة، لم يجب القطع و إن كان الضرر كثيرا علي إشكال.

مسألة 595: لو انتقل النخل بغير عقد البيع، لم يثبت هذا الحكم فيه،

بل الثمرة الظاهرة للناقل إذا وجدت قبل النقل، سواء كانت مؤبّرة أو غير مؤبّرة، عند علمائنا.

و لا فرق بين أن يكون العقد الناقل عقد معاوضة، كالنكاح و الإجارة و الصلح، أو غير عقد معاوضة، كما لو أصدقها نخلا فأثمر ثمّ طلّقها و قد ظهر طلع غير مؤبّر، فإنّه يرجع بنصف النخل دون الثمرة، للأصل المانع من نقل الملك عن صاحبه إلاّ بسبب شرعيّ، السالم عن معارضة البيع.

و قال الشافعي: إنّ عقود المعاوضات تتبع البيع، فلو أصدقها نخلا بعد الطلع و قبل التأبير أو جعله مال إجارة أو عوض صلح، دخلت الثمرة في العقد أيضا، قياسا علي البيع(1).

و ليس بشيء، لأنّا نعارضه بقياس ما قبل التأبير علي ما بعده.

و لو ملكها بغير عقد معاوضة، كما إذا أصدقها نخلا ثمّ طلّقها بعد الطلع و قبل التأبير، فإنّه يرجع بنصف النخل خاصّة دون الثمرة، لأنّ الزيادة المتّصلة لا تتبع في الطلاق فالثمرة أولي.

و لو باع نخلا فأثمر عند المشتري ثمّ أفلس بالثمن، رجع البائع بالنخل، و لم تتبعه الثمرة عندنا، لانتفاء موجبه، و هو عقد البيع.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّها تتبع، لأنّ ملكه زال عن الأصل، فوجب أن تتبعه

ص: 77


1- نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 345:11.

الثمرة، كما لو زال بالبيع.

و الثاني: لا تتبعه، لأنّه رجع إليه بغير عقد معاوضة، فلم يتبعه الطلع، كما لو طلّق امرأته(1)(2).

و كذا لو وهب نخلة فيها طلع غير مؤبّر، لم يتبع الطلع الأصل، و كان باقيا علي ملك الواهب، سواء كان بمعاوضة أو لا.

و للشافعي القولان(3) السابقان.

و لو رجع في الهبة بعد الطلع قبل التأبير، لم يدخل الطلع في الرجوع.

و للشافعي القولان(4).

و لو رهن نخلا قد أطلع قبل أن يؤبّر، لم يدخل في الرهن، اقتصارا علي ما يتناوله اللفظ. و لأنّ الرهن لا يزيل الملك، فلا يستتبع الثمرة.

و هو جديد الشافعي. و قال في القديم: يدخل(5).

مسألة 596: لو كانت الثمرة مؤبّرة، فهي للبائع،

فإن تجدّدت أخري في تلك النخلة، فهي له أيضا، و إن كان في غيرها، فللمشتري، فإن لم تتميّزا، فهما شريكان، فإن لم يعلما قدر ما لكلّ منهما، اصطلحا، و لا فسخ، لإمكان التسليم.

و كذا لو اشتري طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض، و له الفسخ.

و لو باع أرضا و فيها زرع أو بذر، فهو للبائع، فإن شرطه المشتري

ص: 78


1- نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 345:11.
2- وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة هكذا: «و لو باع نخلا فأثمرت.. و لم تتبعها الثمرة.. أنّه يتبع.. فوجب أن تتبعها الثمرة.. و الثاني: لا تتبعها..» و الصحيح ما أثبتناه.
3- كما في تكملة المجموع 345:11.
4- كما في تكملة المجموع 345:11.
5- كما في تكملة المجموع 345:11.

لنفسه، صحّ، و لا تضرّ الجهالة، لأنّه بائع.

و للبائع التبقية إلي حين الحصاد مجّانا. فإن قلعه ليزرع غيره، لم يكن له ذلك، سواء قصرت مدّة الثاني عن الأوّل أو لا.

و لو كان للزرع أصل ثابت يجزّ مرّة بعد اخري، فعلي البائع تفريغ الأرض منه بعد الجزّة الأولي. و يحتمل الصبر حتي يستقلع.

و لا تدخل المعادن في البيع إلاّ مع الشرط.

و لو(1) لم يعلم بها البائع و قلنا بالدخول مع الإطلاق، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء في الجميع.

و يدخل في الأرض البئر و العين و ماؤهما علي ما قلناه.».

ص: 79


1- في الطبعة الحجريّة: «فلو».

ص: 80

المقصد السابع: في التحالف
اشارة

و مطالبه ثلاثة:

الأوّل: في سببه.
مسألة 597: إنّما يقع التحالف إذا اختلفا

و اشتمل كلام كلّ من المتبايعين علي دعوي ينفيها صاحبه و لا بيّنة هناك، و ذلك مثل أن يدّعي أنّه باع عليه هذا العبد بألف، فيقول المشتري: ما بعتني العبد، بل بعتني هذه الجارية بألف، فكلّ واحد منهما مدّع لما ينكره الآخر، و كلّ منهما منكر لما يدّعيه الآخر، و المنكر يتوجّه(1) عليه اليمين، فيحلف كلّ منهما بيمينه(2) علي نفي ما ادّعاه الآخر، فيحلف المشتري أنّه ما باعه هذا العبد، و يحلف البائع أنّه لم يبعه هذه الجارية، و يحكم ببطلان العقدين معا.

و لا فرق بين أن يكون الثمن معيّنا أو في الذمّة.

و قال الشافعي: إن كان الثمن معيّنا، تحالفا، كما لو اختلفا في جنس الثمن. و إن كان في الذمّة، فوجهان، أحدهما: أنّهما يتحالفان أيضا، كما لو كان معيّنا. و الثاني: أنّه لا تحالف، لأنّ المبيع مختلف فيه، و الثمن ليس بمعيّن حتي يربط به العقد(3).

مسألة 598: و لو قال الزوج: أصدقتك أباك،

فقالت: بل أمّي، حلف

ص: 81


1- في الطبعة الحجريّة: «لمّا يتوجّه».
2- في «س، ي»: «يمينه».
3- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.

كلّ واحد منهما(1) علي نفي ما يدّعيه صاحبه، و لم يجمع أحدهما في اليمين بين النفي و الإثبات، و لا يتعلّق بيمينهما فسخ و لا انفساخ، بل يثبت مهر المثل.

و للشافعي قولان:

أحدهما: التحالف، فيجمع كلّ منهما في يمينه بين النفي و الإثبات.

و الآخر: لا تحالف، بل يحلف كلّ منهما علي نفي ما يدّعيه الآخر، و لا يجمع بين النفي و الإثبات في يمينه، و لا يتعلّق بيمينهما فسخ و لا انفساخ(2).

مسألة 599: لو أقام مدّعي بيع العبد البيّنة علي دعواه،

و أقام مشتري الجارية البيّنة علي دعواه، فإن أمكن الجمع بينهما بأن يكون الثمن مطلقا غير معيّن و الزمان متعدّد، حكم بهما معا، و يثبت(3) العقدان، و لا يمين هنا.

و إن لم يمكن إمّا بأن يكون الثمن واحدا معيّنا، أو اتّحد الزمان بحيث لا يمكن الجمع بين العقدين، تعارضتا، و سيأتي حكم تعارض البيّنتين.

و قال الشافعي: إذا أقام كلّ منهما بيّنة علي ما ذكره، سلّمت الجارية للمشتري، و أمّا العبد فقد أقرّ البائع ببيعه، و قامت البيّنة عليه، فإن كان في يد المشتري، أقرّ عنده. و إن كان في يد البائع، فوجهان:

ص: 82


1- في «س»: «حلف كلّ منهما».
2- العزيز شرح الوجيز 376:4.
3- في «س، ي»: «ثبت».

أحدهما: أنّه يسلّم إلي المشتري، و يجبر علي قبوله.

و الثاني: لا يجبر، لأنّه ينكر ملكه فيه، فعلي هذا يقبضه الحاكم، و ينفق عليه من كسبه. و إن لم يكن له كسب و رأي الحظّ في بيعه و حفظ ثمنه، فعل(1).

مسألة 600: لو اختلفا في قدر الثمن خاصّة،

فقال البائع: بعتك هذا بمائة، فيقول المشتري: بخمسين، فإن كان لأحدهما بيّنة، قضي بها.

و إن أقام كلّ واحد منهما بيّنة علي ما يقوله، سمعنا بيّنة من لا يكون القول قوله مع اليمين و عدم البيّنة.

و عند الشافعي تسمع البيّنتان معا من حيث إنّ كلّ واحد منهما مدّع.

و حينئذ قولان: إمّا التساقط، فكأنّه لا بيّنة، و إمّا التوقّف إلي ظهور الحال(2).

فإن لم يكن لواحد منهما بيّنة، قال أكثر علمائنا(3): إن كانت السلعة قائمة، فالقول قول البائع مع يمينه. و إن كانت تالفة، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنّ المشتري مع قيام السلعة يكون مدّعيا لتملّكها و انتقالها إليه بما ادّعاه من العوض، و البائع ينكره، و أمّا بعد التلف فالبائع يدّعي علي المشتري مالا في ذمّته، و المشتري ينكره، فيقدّم قوله.

و لما روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا و كذا بأقلّ ممّا قال البائع، قال: «القول قول البائع مع

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.
2- العزيز شرح الوجيز 375:4-376، روضة الطالبين 230:3-231.
3- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 147:3، المسألة 236، و المبسوط 2: 146، و النهاية و نكتها 142:2-144، و القاضي ابن البرّاج في جواهر الفقه: 57، المسألة 209.

يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه»(1) و هو يدلّ بالمفهوم علي أنّه إذا لم يكن قائما بعينه، يكون القول قول المشتري.

و قال بعض(2) علمائنا - و لا بأس به -: القول قول البائع إن كانت السلعة في يده، و قول المشتري إن كانت السلعة في يده.

و قال الشافعي: يتحالفان، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة - و به قال محمّد بن الحسن و أحمد في إحدي الروايتين - لما روي ابن مسعود أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، و المبتاع بالخيار»(3) و معني ذلك أنّ القول قوله مع يمينه، و المبتاع بالخيار إن شاء أخذ بما قال، و إن شاء حلف، و إنّما ذكر البائع، لأنّه يبدأ بيمينه.

و لأنّهما اختلفا في العقد القائم بينهما، و ليس معهما بيّنة، فتحالفا، كما لو كانت السلعة قائمة. و لأنّ البائع مدّع زيادة الثمن، و مدّعي عليه في تملّك السلعة بالأقلّ، و المشتري بالعكس، فكلّ منهما مدّع منكر(4).

و نمنع دلالة الخبر علي المطلوب و العموم، إذ ليس كلّ اختلاف يقع من المتبايعين يكون هذا حكمه، فلم قلتم: إنّ صورة النزاع منه ؟ و لم قلتم: إنّ المبتاع يتخيّر بين الأخذ بقوله و الحلف ؟ و لم لا يجوز أن يكون الخيار له في أن يحلفه أو يعفو عنه ؟ و لا نسلّم اختلافهما في العقد،4.

ص: 84


1- الكافي 174:5 (باب إذا اختلف البائع و المشتري) الحديث 1، الفقيه 171:3، 765، التهذيب 230:7، 1001.
2- كابن الجنيد و أبي الصلاح الحلبي و ابن إدريس، انظر: السرائر 282:2-283.
3- سنن الترمذي 570:3، 1270، العزيز شرح الوجيز 375:4.
4- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3، مختصر اختلاف العلماء 126:3، 1203، المبسوط - للسرخسي - 30:13، بداية المجتهد 192:2، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.

بل في الثمن.

و نمنع ثبوت حكم الأصل، فإنّا قد بيّنّا أنّ مع قيام السلعة يكون القول قول البائع مع يمينه من غير تحالف.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة بحالها، تحالفا.

و إن كانت تالفة، لم يتحالفا - و هو الرواية الأخري عن أحمد - لأنّ القياس يقتضي أن يكون القول قول المشتري، لاتّفاقهما علي عقد صحيح، ثمّ البائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري، فيقدّم قوله مع اليمين، إلاّ أنّا تركناه في حال قيام السلعة، لما روي ابن مسعود عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «إذا اختلف المتبايعان و السلعة قائمة و لا بيّنة لأحدهما تحالفا»(1) و بقي الباقي علي حكم القياس، و هو أنّهما قد اتّفقا علي انتقال الملك إلي المشتري و اختلفا فيما يجب عليه، فالبائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري(2).

أجاب الشافعيّة بمنع اقتضاء القياس تقديم قول المشتري، لأنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعي عليه، لأنّ البائع يدّعي العقد بألفين، و المشتري يدّعي العقد بألف، و هنا عقدان مختلفان، و الخبر لم يذكر فيه التحالف و لا في شيء من الأخبار. و علي أنّ التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة، يمكن معرفة ثمنها في العرف، و يتعذّر ذلك إذا تلفت، و كان البيّنة مقدّما علي الدليل(3).4.

ص: 85


1- أورده ابنا قدامة في المغني 288:4، و الشرح الكبير 118:4.
2- المبسوط - للسرخسي - 29:13 و 30، مختصر اختلاف العلماء 126:3، 1203، التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 329:4، العزيز شرح الوجيز 376:4، بداية المجتهد 192:2، المغني 289:4-290، الشرح الكبير 119:4-120.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 376:4.

و عن مالك ثلاث روايات: إحداها كقول الشافعي. و الثانية كقول أبي حنيفة. و الثالثة: إن كان قبل القبض، تحالفا. و إن كان بعد القبض، فالقول قول المشتري، لأنّ بعد القبض صار جانب المشتري أقوي من جانب البائع، لأنّه لمّا دفع إليه السلعة ائتمنه عليها و لم يتوثّق منه، فكان القول قوله(1).

و ليس بصحيح، لأنّ اليد لا تقويه مع اتّفاقهم علي البيع. و التسليم باليد ليس استئمانا، و إنّما يقبل قول الأمين إذا أقامه مقام نفسه، بخلاف صورة النزاع.

و قال زفر و أبو ثور: القول قول المشتري بكلّ حال، لأنّه منكر(2).

و فيه قوّة.

مسألة 601: لو مات المتبايعان و اختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن

ي، فهو كاختلاف المتبايعين عندنا، فإن كانت السلعة قائمة، حلف ورثة البائع. و إن كانت تالفة، حلف ورثة المشتري.

و كذا قال الشافعي بأنّهما يتحالفان كالمتبايعين، لأنّ ما كان للمورّث ينتقل إلي وارثه(3).

و قال أبو حنيفة: إن كان المبيع في يد وارث البائع، تحالفا. و إن كان

ص: 86


1- بداية المجتهد 192:2، حلية العلماء 328:4-329، العزيز شرح الوجيز 4: 376، المغني 288:4 و 289، الشرح الكبير 118:4 و 119.
2- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 329:4، بداية المجتهد 2: 192، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.
3- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 330:4، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 231:3، مختصر اختلاف العلماء 127:3، 1204.

في يد وارث المشتري، فالقول قوله مع يمينه، لأنّ القياس عدم التحالف، فأجزناه مع بقاء السلعة(1).

مسألة 602: إذا اختلفا في المثمن،

فقال البائع: بعتك هذا العبد بألف، فقال المشتري: بل بعتني هذا العبد و هذه الجارية بألف، فالأقرب عندي هنا: تقديم قول البائع، لأنّ المشتري سلم له استحقاق الألف في ذمّته، و يدّعي بيع شيئين، و البائع ينكر أحدهما، فيقدّم(2) قوله.

و قال الشافعي: يتحالفان(3) ، كما تقدّم في مذهبه.

و لو اختلفا في قدر الثمن و المثمن معا بأن يقول البائع: بعتك هذا العبد بألف، و يقول المشتري بعتنيه و هذه الجارية بألفين، فالأقوي عندي هنا: أنّهما يتحالفان - و به قال الشافعي(4) - لأنّ هنا دعويان مختلفتان(5) ، فإذا حلف البائع أنّه ما باعه العبد و الجارية بألفين و حلف المشتري أنّه ما باعه العبد وحده بألف، انفسخ العقدان، أو فسخه الحاكم.

مسألة 603: لو اختلفا في جنس الثمن بأن قال: بعتك بألف دينار،

فيقول المشتري: بل بألف درهم، مع اتّفاقهما علي عين المبيع، فالأقرب عندي هنا: التحالف أيضا، لاتّفاقهما علي نقل المبيع، و اختلافهما في جنس العوض، و أحدهما غير الآخر و غير داخل فيه، فكلّ منهما منكر

ص: 87


1- حلية العلماء 330:4، فتح العزيز بهامش المجموع 155:9، و في العزيز شرح الوجيز 376:4 قد سقط في المنقول عنه بعض ما يغيّر المعني.
2- في «س، ي»: «فقدّم».
3- التهذيب - للبغوي - 503:3، حلية العلماء 331:4، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 231:3، المغني 290:4، الشرح الكبير 122:4.
4- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مختلفان». و الصحيح ما أثبتناه.

مدّع، فيتحالفان، كما قلناه، فيحلف البائع: ما بعته بألف درهم، و يحلف المشتري: ما ابتاعه بألف دينار، و به قال الشافعي(1).

و لو اختلفا في بعض صفاته، قدّم قول منكر زيادة الصفة.

و لو اختلفا في وصفين مختلفين، تحالفا، و به قال الشافعي(2).

مسألة 604: لو اختلفا في شرط في العقد كالأجل،

أو اختلفا في قدر الأجل، أو اختلفا في الخيار و عدمه، أو قدر مدّته، أو اختلفا في اشتراط الرهن أو قدره، أو في الضمان بالمال أو بالعهدة، قدّم قول منكر ذلك كلّه - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ المشتري تمسّك بأصالة العدم، فيقدّم قوله، عملا بأصالة النفي. و لأنّه اختلاف في شرط يلحق بالعقد، فلم يتحالفا، كما لو اختلفا في العيب أو شرط البراءة.

و قال الشافعي: يتحالفان في جميع ذلك، عملا بالقياس، و هو أنّهما اختلفا في صفة العقد القائم بينهما، و ليس معهما بيّنة، فيقضي بالتحالف، كما لو اختلفا في الثمن(4).

و القياس عندنا باطل لا يجوز التعويل عليه، مع أنّ الحكم في الأصل ممنوع علي ما تقدّم.

مسألة 605: قد بيّنّا أنّ التحالف يثبت في كلّ موضع يحصل لكلّ من المتنازعين

أن يكون مدّعيا علي الآخر و منكرا لدعوي الآخر.

ص: 88


1- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 230:3-231.
2- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 230:3-231.
3- حلية العلماء 331:4، المغني 291:4، الشرح الكبير 121:4.
4- الوجيز 152:1-153، التهذيب - للبغوي - 503:3، حلية العلماء 4: 331، روضة الطالبين 230:3-231، المغني 291:4، الشرح الكبير 121:4.

و قال الشافعي: يجري التحالف في كلّ عقود المعاوضات، و لا يختصّ بالبيع، كالسّلم و الإجارة و المساقاة و القراض و الجعالة و الصلح عن دم العمد و الخلع و الصداق و الكتابة، طردا للمعني. ثمّ في البيع و نحوه ينفسخ العقد بعد التحالف أو يفسخ و يترادّان، كما سيأتي. أمّا الصلح عن الدم فلا يعود الاستحقاق، بل أثر التحالف الرجوع إلي الدية [و كذلك لا يرتدّ](1) البضع، و لكن في النكاح ترجع المرأة إلي مهر المثل، و في الخلع الزوج(2)(3).

قال الجويني: أيّ معني للتحالف في القراض ؟ مع أنّه جائز و كلّ واحد منهما بسبيل من فسخه بكلّ حال. و أيّد ذلك بأنّ بعض الشافعيّة منع من التحالف في البيع في زمن الخيار، لإمكان الفسخ بسبب الخيار.

ثمّ أجاب بأنّ التحالف ما وضع للفسخ، و لكن عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب، و يتقرّر العقد بيمين الصادق، فإذا لم يتّفق ذلك و أصرّا، فسخ العقد للضرورة.

و الوجه: أنّ في القراض تفصيلا، و هو: أنّ التحالف قبل الخوض في العمل لا معني له، و أمّا بعده فالنزاع يؤول إلي مقصود من ربح أو اجرة مثل، فيتحالفان. و الجعالة كالقراض(4).

و الأصل عندنا ما قدّمناه من الضابط، و هو التحالف مع ادّعاء كلّ منهما3.

ص: 89


1- بدل ما بين المعقوفين في «س»: «و لذلك لا يزيل». و في «ي»: «و لذلك يريد». و في الطبعة الحجريّة: «و ذلك لا يزيد». و الكلّ غلط، و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: و في الخلع يرجع الزوج إلي مهر المثل.
3- الوسيط 207:3، التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 4: 377، روضة الطالبين 231:3-232.
4- العزيز شرح الوجيز 377:4، روضة الطالبين 232:3.

علي صاحبه ما ينفيه الآخر. و إن كان الادّعاء من طرف واحد، حلف المنكر.

مسألة 606: لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه،

حلف كلّ واحد منهما علي نفي ما يدّعيه صاحبه، و به قال الشافعي، و قال: إنّه لا تحالف هنا(1) ، لأنّ التحالف عنده ليس أن يحلف كلّ منهما علي نفي دعوي الآخر، كما قلناه نحن، بل ما يأتي(2).

إذا ثبت هذا، فإذا حلفا، كان علي مدّعي الهبة ردّه بزوائده، لأنّ البائع إنّما ملّكه العين بزوائدها لو سلم له الثمن.

و قال بعض الشافعيّة: القول قول مدّعي الهبة، لأنّه مالك باتّفاقهما، و صاحبه يدّعي عليه مالا، و الأصل براءة ذمّته(3).

و قال بعضهم: إنّهما يتحالفان(4).

و لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه علي الألف، حلف كلّ منهما علي نفي ما يدّعيه صاحبه، و ردّ الألف و استردّ العين.

و لو قال: رهنتكه(5) علي ألف استقرضتها منك، فقال: بل بعتنيه بألف، قدّم قول المالك مع يمينه، و تردّ الألف، و لا يمين علي الآخر، و لا يكون رهنا، لأنّه لا يدّعيه، و بذلك قال الشافعي(6).

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
2- في ص 95، المسألة 611.
3- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
4- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «وهبتكه» بدل «رهنتكه». و الصحيح ما أثبتناه.
6- التهذيب - للبغوي - 507:3، العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
مسألة 607: هذا كلّه فيما إذا اتّفقا علي وقوع عقد صحيح بينهما،

أمّا لو اختلفا من غير الاتّفاق علي عقد صحيح بأن يدّعي أحدهما صحّة العقد و الآخر فساده - كما لو قال: بعتك بألف، فقال المشتري: بل بألف و زقّ(1) خمر، أو قال أحدهما: شرطنا في العقد خيارا مجهولا أو غيره من الشروط المبطلة، و أنكر الآخر - فلا تحالف، و يقدّم قول مدّعي الصحّة - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّ الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحّة، و لهذا يحكم بصحّة البيع لو ادّعي المشتري حرّيّة العبد المبيع، و قال المالك: بل هو عبد، تصحيحا للعقد.

و كذا من شكّ بعد الصلاة هل ترك ركنا منها أم لا، فإنّه يحكم بصحّة صلاته بناء علي أصالة الصحّة.

و القول الثاني: أنّه يقدّم قول من يدّعي فساد العقد مع يمينه، لأنّ الأصل عدم العقد الصحيح و بقاء الملك للمالك، فصار كما لو اختلفا في أصل البيع(3).

و يعارض بأنّ الأصل عدم العقد الفاسد أيضا، لكن قد وقع العقد بينهما قطعا، و الأصل الصحّة.

قال القفّال: الأصل المأخوذ فيمن قال: لفلان عليّ ألف من ثمن خمر، هل يؤخذ بأوّل كلامه أم يقبل قوله: من ثمن خمر؟ إن قلنا بالثاني،

ص: 91


1- الزّقّ: السقاء، أو الذي تنقل فيه الخمر. لسان العرب 143:10 «زقق».
2- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 332:4، العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 232:3.
3- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 334:4، العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 232:3.

فالقول قول مدّعي الفساد. و إن قلنا بالأوّل، فالقول قول مدّعي الصحّة(1).

و لو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمر، أو بثمن مجهول، فالقول قول مدّعي الصحّة كما قلنا.

و بعض الشافعيّة قال: إنّ فيه طريقين، أحدهما: طرد الوجهين.

و الثاني: القطع بالفساد، لأنّه لم يقرّ بشيء ملزم(2)(3).

و علي قول مدّعي الصحّة لو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمسمائة و زقّ خمر، و حلف البائع علي نفي سبب الفساد، صدّق فيه، و يبقي التنازع في قدر الثمن، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة باقية، و قول المشتري إن كانت تالفة.

و عند الشافعي يتحالفان(4).

مسألة 608: لو اشتري عبدا و سلّمه إلي المشتري،

ثمّ جاءه بعبد و يريد ردّه بعيب فيه، فقال البائع: هذا ليس عبدي الذي ابتعته و قبضته منّي، و ادّعي المشتري أنّه هو، قدّم قول البائع، لأصالة براءة الذمّة، و الرادّ يريد الفسخ، و الأصل مضيّه علي السلامة.

و لو فرض ذلك في السّلم أو قال: ليس هذا علي الوصف الذي أسلمت إليك، فيه وجهان للشافعيّة:

أحدهما: أنّ القول قول المسلم إليه مع يمينه، كما أنّ القول قول

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 379:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لأنّه لم يفسّر بشيء يلتزم». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و نحوه في «التهذيب» للبغوي.
3- العزيز شرح الوجيز 379:4، و انظر: التهذيب - للبغوي - 505:3، و روضة الطالبين 233:3.
4- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.

البائع.

و أصحّهما: أنّ القول قول المسلم، لأنّ اشتغال الذمّة بمال السّلم معلوم، و البراءة غير معلومة.

و يفارق صورة البيع، لأنّهما اتّفقا علي قبض ما ورد عليه الشراء، و تنازعا في سبب الفسخ، و الأصل استمرار العقد.

و الوجهان جاريان في الثمن في الذمّة أنّ القول قول الدافع أو القابض ؟(1) و عن ابن سريج وجه ثالث: الفرق بين ما يمنع صحّة القبض، و بين العيب الذي لا يمنعها، فإذا كان الثمن دراهم في الذمّة و فرض هذا النزاع و كان ما أراد البائع ردّه زيوفا و لم يكن ورقا، فالقول قول البائع، لإنكار أصل القبض الصحيح. و إن كانت ورقا لكنّها رديئة كخشونة الجوهر أو اضطراب السكّة، فالقول قول المشتري، لأنّ أصل القبض قد تحقّق، و لو رضي به، لوقع المقبوض عن الاستحقاق(2).

و لا يخفي مثل هذا التفصيل في المسلم فيه.

و يمكن أن يقال: المعني الفارق في المسلم فيه ظاهر، لأنّ الاعتياض عنه غير جائز، لكن في الثمن لو رضي بالمقبوض، لوقع عن الاستحقاق و إن لم يكن ورقا إذا كانت له قيمة، لأنّ الاستبدال عن الثمن جائز.

و لو كان الثمن معيّنا، فهو كالمبيع، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف، قدّم قول المشتري مع يمينه.

لكن لو كان المعيّن نحاسا لا قيمة له، فالقول قول الرادّ، لأنّه يدّعي3.

ص: 93


1- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.
2- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.

بقاء ملكه و فساد العقد، قاله بعض الشافعيّة(1).

مسألة 609: لو قبض المبيع أو المسلم فيه بالكيل أو الوزن

ثمّ ادّعي النقصان، قال أصحابنا: إن كان حاضرا عند الكيل أو الوزن، لم يلتفت إليه، و قدّم قول الآخر مع اليمين، إذ العادة تقضي باستظهاره و احتياطه في القبض. و إن لم يحضرهما، قدّم قوله مع اليمين، لأصالة عدم القبض.

و قال الشافعي: إن كان النقصان قدر ما يقع مثله في الكيل و الوزن، قبل، و إلاّ فقولان:

أحدهما: أنّ القول قول القابض مع يمينه، لأصالة بقاء حقّه، و به قال أبو حنيفة.

و الثاني: أنّ القول قول الدافع مع يمينه، لأنّهما اتّفقا علي القبض، و القابض يدّعي الخطأ فيه، فيحتاج إلي البيّنة، كما لو اقتسما ثمّ ادّعي أحدهما الخطأ، يحتاج إلي البيّنة، و به قال مالك(2).

و يحتمل عندي التفصيل، و هو أن يقال: إن كان العقد يبطل بعدم القبض، فالقول قول من يدّعي التمام، و إلاّ قدّم قول مدّعي النقصان.

و لو اختلف المتبايعان في القبض، فالقول قول المشتري.

مسألة 610: لو باع عصيرا و أقبضه ثمّ وجد خمرا،

فقال البائع: تخمّر في يدك و القبض صحيح، و قال المشتري: بل سلّمته خمرا و القبض فاسد، و أمكن الأمران جميعا، احتمل تقديم قول البائع، لأصالة عدم الخمريّة، و بقاء الحلاوة، و صحّة البيع و القبض، و براءة الذمّة. و تقديم قول المشتري، لأصالة عدم القبض الصحيح.

ص: 94


1- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 233:3.
2- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.

و للشافعي قولان(1) كهذين الاحتمالين.

و الأقوي عندي الأوّل.

و لو قال أحدهما: إنّه كان خمرا عند البيع، فهو يدّعي فساد العقد و الآخر يدّعي صحّته. و قد تقدّم حكمه.

و لو باعه لبنا أو دهنا في ظرف ثمّ وجد فيه فأرة و تنازعا في نجاسته عند القبض أو عند البيع أو بعدهما، فعندنا قدّم قول البائع، لأصالة الطهارة.

و للشافعي الوجهان(2).

و لو قال المشتري: بعت العبد بشرط أنّه كاتب، و أنكر البائع، قدّم قول البائع، لأصالة عدم الاشتراط، و براءة الذمّة، كما لو اختلفا في العيب، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّهما يتحالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار(3)(4).

و الأصل ممنوع علي ما مرّ.

و لو كان الثمن مؤجّلا فاختلفا في انقضاء الأجل، فالأصل بقاؤه.

المطلب الثاني: في كيفيّة اليمين.
مسألة 611: التحالف عند الشافعي أن يحلف كلّ واحد من المتعاقدين علي إثبات ما يقوله

و نفي ما يقوله صاحبه(5).

ص: 95


1- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
2- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجيد» بدل «الخيار» و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
5- الوسيط 210:3، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 381:4، روضة الطالبين 234:3.

و أمّا نحن فلا نشترط الحلف علي الإثبات، بل يحلف كلّ منهما علي نفي ما يدّعيه الآخر، فإذا قال: بعتك هذا العبد بألف، و قال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف و لم تبعني العبد، و لا بيّنة، حلف البائع أنّه ما باع الجارية، و حلف المشتري أنّه ما اشتري العبد.

و لا يجب علي واحد منهما الجمع بين النفي و الإثبات كما قلناه، خلافا للشافعي(1) ، و لا يكون هذا تحالفا، بل يحلف كلّ منهما علي النفي.

فإذا حلف البائع: أنّه ما باع الجارية، بقيت علي ملكه كما كانت، و انتزعها من يد المشتري إن كانت في يده، و جاز له التصرّف فيها.

و إذا حلف المشتري أنّه ما اشتري العبد، فإن كان العبد في يده، لم يكن للبائع مطالبته به، لأنّه لا يدّعيه. و إن كان في يد البائع، فإنّه لا يجوز له التصرّف فيه، لأنّه معترف بأنّه للمشتري، و أنّ ثمنه في ذمّته.

إذا تقرّر هذا، فإن كان البائع قد قبض الثمن، فإنّه يردّه علي المشتري، و يأخذ العبد قصاصا، و يجوز له بيعه بقدر الثمن. و إن لم يكن قبضه، أخذ العبد قصاصا أيضا، أو باعه بذلك الثمن. و لو زاد الثمن، فهو مال لا يدّعيه الآن أحد.

مسألة 612: الأقرب: انّه يبدأ بيمين من ادّعي عليه أوّلا،

فإن كان البائع قد ادّعي بيع العبد منه و أنكر المشتري و قال: إنّما اشتريت الجارية، حلف المشتري علي نفي شراء العبد، ثمّ حلف البائع علي نفي شراء الجارية.

و إن كان المشتري قد ادّعي أوّلا، فقال: إنّي اشتريت هذه الجارية،

ص: 96


1- الوسيط 211:3، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 381:4، روضة الطالبين 235:3.

فقال البائع: لم أبعه الجارية، بل العبد، قدّم يمين البائع، فإذا حلف علي أنّه ما باع الجارية، حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد.

و للشافعي قولان: قال في البيع: إنّه يبدأ بيمين البائع. و في السّلم:

بالمسلم إليه. و في الكتابة: بالسيّد(1). و هذه الأقوال متوافقة.

و قال في الصداق: إنّه يبدأ بالزوج(2). و هو يخالف سائر الأقوال السابقة، لأنّ الزوج يشبه المشتري.

و قال في الدعاوي: إنّه إن بدئ بيمين البائع، خيّر المشتري. و إن بدئ بيمين المشتري، خيّر البائع(3). و هذا يشعر بالتسوية و التخيير.

فقال أصحابه: إنّ في ذلك طريقين أظهرهما: أنّ المسألة علي ثلاثة أقوال:

أظهرها: أنّ البداءة بالبائع - و به قال أحمد بن حنبل - لما رووه من قوله عليه السّلام: «فالقول ما قال البائع و المبتاع بالخيار، أو يتتاركان، أو يترادّان»(4).

و لأنّ جانب البائع أقوي، فإنّهما إذا تحالفا، عاد المبيع إليه، فكان أقوي، كما أنّ صاحب اليد أقوي من غيره. و لأنّ ملك البائع علي الثمن يتمّ5.

ص: 97


1- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 209:3، حلية العلماء 322:4، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 4: 381.
2- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 209:3، حلية العلماء 322:4، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 4: 381.
3- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 4: 322، العزيز شرح الوجيز 381:4.
4- سنن ابن ماجة 737:2، 2186، سنن أبي داود 285:3، 3511، سنن الترمذي 570:3، 1270، سنن الدارقطني 20:3، 63 و 65، سنن البيهقي 332:5، سنن الدارمي 250:2، مسند أحمد 56:2، 4430-4433، المصنّف - لابن أبي شيبة - 227:6، 896 و 897، المعجم الكبير - للطبراني - 215:2، 10365.

بالعقد، و ملك المشتري علي المبيع لا يتمّ بالعقد.

و الثاني: أنّه يبدأ بالمشتري - و به قال أبو حنيفة - لأنّه مدّعي عليه زيادة ثمن، و الأصل براءة ذمّته عنها، فاليمين في جنبه أقوي. و لأنّه إذا نكل، وجب الثمن الذي ادّعاه البائع، و انفصل الحكم، و ما كان أقرب إلي فصل الحكم بدئ به.

و الثالث: أنّه لا يبدأ بيمين أحدهما، بل يتساويان، فإنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعي عليه، فقد تساويا، فلا ترجيح. و علي هذا فوجهان:

أظهرهما: أنّه يتخيّر الحاكم في ذلك، فيبدأ بيمين من اتّفق.

و الثاني: أنّه يقرع بينهما، كما يقرع بين المتسابقين إلي المباح.

و الطريق الثاني: القطع بأنّ البداءة بالبائع قولا واحدا.

و الذي قاله الشافعي في الصداق بأنّ الزوج يجري مجري البائع، لأنّ البضع يكون ملكه بعد فسخ الصداق، كما يكون المبيع ملك البائع بعد فسخ البيع بالتحالف.

و الذي قاله في الدعاوي و البيّنات فإنّما أراد أنّ الحاكم إذا كان يري ذلك بفعله، لا أنّه خيّره.

و من قال بالثاني قطع بأنّ البداءة في اختلاف الزوجين بالزوج، ل [وجهين:

أحدهما:](1) أنّ أثر تحالف الزوجين إنّما يظهر في الصداق دون البضع، و الزوج هو الذي ينزل عن الصداق، فكان كالبائع له.

و الثاني: أنّ تقدّم البائع إنّما كان لقوّة جانبه، لحصول المبيع له بعدق.

ص: 98


1- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» من حيث السياق.

التحالف، و في النكاح يبقي البضع للزوج.

و إذا قدّمنا طريقة إثبات الخلاف، فإن قدّمنا البائع، لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود، و في الصداق يأتي وجهان:

أحدهما: أنّ البداءة بالمرأة.

و الثاني: أنّ البداءة بالزوج.

و إن قدّمنا المشتري، فالقياس انعكاس الوجهين(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ جميع ما ذكرناه للاستحباب - عندهم(2) - دون الإيجاب.

و أيضا تقدّم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمّة، فأمّا إذا تبادلا عرضا بعرض، فلا وجه إلاّ التسوية.

و ينبغي أن يخرّج ذلك علي أنّ الثمن ما ذا؟ و قد سبق(3) أنّه الذي تدخل عليه الباء و غير ذلك علي ما مضي من الخلاف.

مسألة 613: اليمين عندنا واحدة علي نفي ما ادّعاه الآخر،

فيحلف البائع أنّه لم يبع بخمسمائة، و يحلف المشتري أنّه لم يشتر بألف، لأنّ المدّعي لا يمين عليه، فكلّ مدّع منهما لا يحلف علي ما ادّعاه، و يحلف علي نفي ما ادّعاه الآخر ثمّ ينفسخ العقدان.

و ظاهر قول الشافعي الاكتفاء بيمين واحدة من كلّ واحد من المتعاقدين جامعة بين النفي و الإثبات، فيقول البائع: ما بعت بخمسمائة و إنّما

ص: 99


1- الحاوي الكبير 300:5-301، حلية العلماء 322:4-323، العزيز شرح الوجيز 381:4-382، روضة الطالبين 235:3، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.
2- العزيز شرح الوجيز 382:4، روضة الطالبين 235:3.
3- في ج 10 ص 123-124، الفرع «د» من المسألة 66، و ج 11 ص 390، المسألة 544.

بعت بألف، و يقول المشتري: ما اشتريت بألف و إنّما اشتريت بخمسمائة(1).

و قال الشافعي: لو تداعيا دارا في أيديهما فادّعي كلّ منهما أنّ جميعها له، حلف كلّ واحد علي مجرّد نفي استحقاق صاحبه ما في يده، و لو حلف أحدهما و نكل الآخر، حلف الحالف يمينا اخري للإثبات(2).

قال أصحابه: ففي القولين طريقان:

أحدهما: تقرير القولين.

و الفرق بينهما: أنّ في مسألة التداعي يحلف أحدهما علي نفي دعوي صاحبه في النصف الذي في يده، و يكون القول قول الآخر في النصف الآخر، فإذا نكل، رددنا اليمين علي الأوّل، و هنا يحلف علي صفة عقد تضمّن إثباتا و نفيا، فلهذا كفي يمين واحدة، لأنّ العقد واحد اتّفاقا و التنازع في صفته، فكأنّ الدعوي واحدة، فجاز التعرّض في اليمين الواحدة للنفي و الإثبات، فمنفيّ كلّ واحد منهما في ضمن مثبتة، و منفيّ كلّ واحد منهما في صورة الدار ممتاز عن مثبتة، فلا معني ليمينه علي الإثبات قبل نكول صاحبه.

الثاني: التصرّف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.

و وجهه: الجري علي قياس الخصومات، فإنّ يمين الإثبات لا يبدأ بها في غير القسامة.

و هل يتصرّف بتخريج قول فيما(3) نحن فيه من مسألة الدار أيضا؟».

ص: 100


1- الحاوي الكبير 301:5، الوسيط 210:3، حلية العلماء 324:4-325، التهذيب - للبغوي - 505:3-506، العزيز شرح الوجيز 382:4، روضة الطالبين 235:3.
2- العزيز شرح الوجيز 382:4.
3- كذا، و في المصدر: «ما» بدل «فيما».

قال كثير منهم: نعم، حتي يكون قولان بالنقل و التخريج(1).

و قال الجويني و غيره: لا، لأنّ كلّ واحد لا يحتاج فيما في يده إلي الإثبات، و اليمين علي الإثبات يمين الردّ، فكيف يحلف الأوّل يمين الردّ و صاحبه لم ينكل بعد!؟ و كيف يحلفها الثاني و قد حلف صاحبه!؟(2).

مسألة 614: إذا حلف البائع أنّه لم يبع العبد،

و حلف المشتري أنّه لم يشتر الجارية، انفسخ العقدان. و إن نكل المشتري عن يمين النفي، حلف البائع يمينا اخري علي إثبات دعواه، و حكم علي المشتري. و من قضي بالنكول لم يكلّف البائع يمين الإثبات، بل يحكم له بمجرّد النكول.

و عند الشافعي: إذا اكتفينا بيمين واحدة، يجمع بين النفي و الإثبات، لأنّه أفصل للحكم و أسهل علي الحاكم، و جوّزنا(3) الإثبات قبل نكول.

الخصم، لأنّه تبع للنفي. و لأنّهما يتحالفان علي الإثبات من غير نكول و إن كانت يمينين(4) ، فإذا حلف أحدهما و نكل الثاني، قضي للحالف، سواء نكل عن النفي و الإثبات جميعا أو عن أحدهما. و النكول عن البعض كهو عن الكلّ(5).

و ينبغي أن يقدّم النفي - سواء حلف يمينا واحدة أو اثنتين، لأصالته في الأيمان - علي الإثبات(6).

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 382:4-383.
2- العزيز شرح الوجيز 383:4.
3- في «ي»: «جوّز».
4- قوله: «لأنّه أفصل للحكم.. و إن كانت يمينين» لم يرد في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة زيادة: «و قال بعض الشافعيّة: يقدّم الإثبات، لأنّه المقصود». و حذفناها لزيادتها.

و قال أبو سعيد: يقدّم الإثبات، لأنّ اللّه تعالي قدّمه في اللعان علي النفي، فقال في اليمين وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (1) و لأنّه المقصود من الحالف(2).

و ليس بصحيح، لأنّ الأصل في الأيمان إنّما هو النفي، و أمّا الإثبات فإنّما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي، فيجب أن يقدّم النفي، و كلّ أيمان اللعان إثبات، و ليس فيها نفي. و قوله إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ إثبات للصدق، مثل قوله إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ (3).

و هل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق ؟ الأظهر عندهم: الأوّل(4).

و نقل الجويني الثاني(5).

فإذا قلنا: يحلف أوّلا علي مجرّد النفي، فلو أضاف إليه الإثبات، كان لغوا.

و إذا حلف من وقعت البداءة به علي النفي، عرضت اليمين علي الثاني، فإن نكل، حلف الأوّل علي الإثبات، و قضي له.

و إن نكل عن الإثبات، لم يقض له، لاحتمال صدقه فيما يدّعيه(6) صاحبه و كذبه فيما يدّعيه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه كما لو تحالفا، لأنّ نكول المردود عليه عن».

ص: 102


1- النور: 7.
2- المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 210:3، حلية العلماء 324:4، العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 235:3.
3- النور: 6.
4- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 235:3.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4، و انظر: روضة الطالبين 235:3.
6- في العزيز شرح الوجيز 383:4: «في نفي ما يدّعيه».

يمين الردّ ينزّل في الدعوي منزلة حلف الناكل أوّلا(1).

و لو نكل الأوّل عن اليمين، حلف الآخر علي النفي و الإثبات، و قضي له.

و لو حلفا(2) علي النفي، فوجهان:

أصحّهما عندهم أنّه يكفي ذلك، و لا حاجة بعده إلي يمين الإثبات، لأنّ المحوج إلي الفسخ جهالة الثمن و قد حصلت.

و الثاني: أنّه تعرض يمين الإثبات عليهما، فإن حلفا، تمّ التحالف، و إن نكل أحدهما، قضي للحالف(3).

و القول في أنّه تقدّم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا علي تقدير الاكتفاء بيمين واحدة.

و لو عرض اليمين عليهما فنكلا جميعا، فوجهان:

قال(4) الجويني: إنّ تناكلهما كتحالفهما، فإنّه إذا تداعي رجلان مولودا، كان ذلك كتحالفهما.

و الثاني: أنّه يوقف الأمر كأنّهما تركا الخصومة(5).

المطلب الثالث: في حكم التحالف.
مسألة 615: إذا حلف كلّ من المتبايعين يمين النفي،

سقطت الدعويان عندنا، كما لو ادّعي علي الغير بيع شيء أو شراءه، فأنكر و حلف،

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حلف». و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و قال». و الظاهر ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3. و لا يخفي أنّ في المصدرين نسب الوجه الثاني إلي الجويني أيضا.

سقطت الدعوي، و كان الملك باقيا علي حاله، و لم يحكم بثبوت عقد حتي يحكم بانفساخه.

و أمّا الشافعي القائل بالتحالف فقال: إذا تحالف المتعاقدان، ففي العقد وجهان:

أحدهما: أنّه لا ينفسخ بنفس التحالف.

و فيه وجه آخر: أنّه ينفسخ بالتحالف، كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. و لأنّ التحالف يحقّق ما قالاه، و لو قال البائع: بعت بألف، فقال المشتري: اشتريت بخمسمائة، لم ينعقد، فكذا هنا(1).

قال القاضي أبو الطيّب: الأوّل هو المنصوص للشافعي في كتبه القديمة و الجديدة لا أعرف له غير ذلك، لأنّ البيّنة أقوي من اليمين، و لو أقام كلّ منهما بيّنة علي ما يقوله، لا ينفسخ العقد، فاليمين أولي بعدم الفسخ. و لا يشبه اللعان، لأنّ قول الزوج يقطع النكاح، فقامت يمينه مقام طلاقه، بخلاف المتنازع(2).

مسألة 616: لو رجع أحدهما إلي قول الآخر،

فإن كان قبل التحالف، حكم بمقتضي عقده. و إن كان بعد التحالف، فكذلك، فلو حلف أنّه لم يبع الجارية و حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد ثمّ اعترف المشتري بصدق البائع، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثمّ كذب بيمينه. قال علماؤنا: اليمين قاطعة للدعوي، فإن جاء الحالف تائبا إلي اللّه تعالي و دفع ما حلف عليه، كان لصاحبه أخذه، فكذا يتأتّي هنا.

ص: 104


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 325:4-326، العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 384:4، و فيه بعض المقصود.

و أمّا الشافعي فله قولان:

أحدهما: فسخ العقد بمجرّد التحالف من غير حاجة إلي حكم الحاكم بالفسخ.

و الثاني: أنّه لا ينفسخ إلاّ بحكم الحاكم(1).

فعلي الأوّل فإنّهما يترادّان.

و لو تقارّا علي أحد اليمينين(2) ، لم يعد نافذا، بل لا بدّ من تجديد عقد.

و هل ينفسخ في الحال أو يتبيّن ارتفاعه من أصله ؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الأوّل، لنفوذ تصرّفات المشتري قبل الاختلاف.

و علي هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلي الموافقة، فينظر هل يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن ؟ فإن فعل، اجبر البائع عليه، و إلاّ نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري ؟ فإن فعل فذاك، و إلاّ فحينئذ يحتاج إلي فسخ العقد.

و من الذي يفسخه ؟ وجهان:

أحدهما: الحاكم، لتعذّر إمضائه في الحكم، و كالفسخ في العنّة، لأنّه فسخ مجتهد فيه.

و أظهرهما عندهم: أنّ للمتعاقدين أيضا أن يفسخا، و لأحدهما(3) أن».

ص: 105


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 326:4، العزيز شرح الوجيز 4: 384، روضة الطالبين 236:3.
2- في «س، ي»: «الثمنين».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و أحدهما». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

ينفرد به، كالفسخ بالعيب(1).

قال الجويني: إذا قلنا: الحاكم هو الذي يفسخ، فذلك إذا استمرّا علي النزاع و لم يفسخا أو التمسا الفسخ، فأمّا إذا أعرضا عن الخصومة و لم يتوافقا علي شيء و لا فسخا، ففيه نظر(2).

و إذا فسخ العقد إمّا بفسخهما أو بفسخ الحاكم، وقع الفسخ ظاهرا.

و هل يقع باطنا؟ فيه للشافعيّة(3) ثلاثة أوجه:

أحدها: لا، لأنّ سبب الفسخ تعذّر إمضائه، لعدم الوقوف علي الثمن، و أنّه أمر يتعلّق بالظاهر، و العقد وقع صحيحا في نفسه، و إنّما تعذّر إمضاؤه في الظاهر، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.

و الثاني: أنّه يقع ظاهرا و باطنا، لأنّه فسخ لاستدراك الظلامة، فأشبه الردّ بالعيب.

و الثالث: أنّ البائع إن كان ظالما، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا، لأنّه يمكنه استيفاء الثمن و تسليم المبيع، فإذا امتنع، كان عاصيا، فلا يقع الفسخ بذلك. و إن كان المشتري ظالما، وقع الفسخ ظاهرا و باطنا، لأنّ البائع لا يصل إلي حقّه من الثمن، فاستحقّ الفسخ، كما لو أفلس المشتري(4).

و هل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرّعنا علي انفساخ العقد بنفس7.

ص: 106


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، التهذيب - للبغوي - 508:3، العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
2- العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «للشافعي».
4- المهذّب - للشيرازي - 300:1-301، حلية العلماء 326-327، العزيز شرح الوجيز 384:4-385، روضة الطالبين 236:3-237.

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا؟ اختلفوا فيه(1).

و إذا قلنا بالارتفاع باطنا، ترادّا، و تصرّف كلّ منهما فيما عاد إليه. و إن منعناه، لم يجز لهما التصرّف، لكن لو كان البائع صادقا، فهو ظافر بمال من ظلمه لما استردّ المبيع، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين، أو بنفسه في أصحّهما عندهم(2) ، و استيفاء حقّه من ثمنه.

إذا تقرّر هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّ الفسخ يقع ظاهرا و باطنا، فإنّ للبائع التصرّف في المبيع بجميع أنواع التصرّف حتي بالوطي. و إن قلنا:

يقع ظاهرا دون الباطن، فإن كان البائع ظالما، لم يجز له التصرّف في المبيع بوجه، و وجب عليه ردّه علي المشتري بالثمن المسمّي، لأنّه لا يجوز له أن يستبيح ملك غيره بظلمه. و إن كان المشتري ظالما، فإنّ البائع قد حصل في يده ملك المشتري، و له عليه الثمن، و هو من غير جنسه، فله أن يبيع جميعه أو مقدار حقّه.

و هل يبيعه بنفسه أو يتولاّه الحاكم ؟ وجهان(3):

أحدهما: أنّه يرفعه إلي الحاكم ليبيعه، لأنّ الولاية للحاكم علي صاحبه دون هذا البائع.

و الثاني: يبيعه بنفسه - و هو منصوص الشافعي - لأنّه يتعذّر عليه رفعه إلي الحاكم و إثبات حقّه عنده، فجوّز ذلك للضرورة، كما جوّز إمساك ملك المشتري للحاجة.

و عندنا إن تمكّن من الحاكم، وجب، و إلاّ تولاّه بنفسه، فإذا باعه فإن7.

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 237:3.
2- حلية العلماء 327:4، العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 3: 237.
3- حلية العلماء 327:4، العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 3: 237.

كان الثمن وفق حقّه، فقد استوفاه. و إن نقص، فالباقي في ذمّة المشتري.

و إن فضل، فللمشتري. و إن تلف هذا في يده، كان من ضمانه. و إن تحالفا بعد تلف السلعة، وجب ردّ قيمة المبيع.

و متي تعتبر قيمته ؟ علي وجهين:

أحدهما: أكثر ما كانت من حين القبض.

و الثاني: حال التلف، كالمقبوض علي وجه السوم(1).

و هذه الفروع مبنيّة علي ما إذا اختلفا في قدر الثمن. و ذكر الجويني عبارة نحو(2) هذه الصورة و غيرها، و هي: أنّ الفسخ إن صدر من المحقّ، فالوجه: تنفيذه باطنا. و إن صدر من المبطل، فالوجه: منعه. و إن صدر منهما جميعا، قال: لا شكّ في الانفساخ، و ليس ذلك موضع الخلاف، و كان كما لو تقايلا. و إذا صدر من المبطل، لم ينفذ باطنا. و طريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. و إن صدر الفسخ من الحاكم، فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحقّ(3).

و اعلم أنّ هذا لا يتأتي علي مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمّيّة الثمن، و إنّما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع، كالعبد أو الجارية، أو في تعيين الثمن، كالذهب أو الفضّة، و هنا نقول: إنّ المبطل لا يباح له التصرّف فيما صار إليه، و المحقّ له التصرّف.

مسألة 617: إذا فسخ البيع، كان علي المشتري ردّ المبيع

إن كان قائما

ص: 108


1- الوسيط 216:3، التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 385:4 - 386، روضة الطالبين 237:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «تجري» بدل «نحو». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 237:3، و العبارة فيهما هكذا: «.. و إذا صدر من المبطل و لم ينفذه باطنا، فطريق الصادق..».

بحاله، لقوله عليه السّلام: «إذا اختلف المتبايعان تحالفا و ترادّا» رواه العامّة(1).

و هذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعدّدة، لا في قدر الثمن، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادّعاه و سقطت دعواه بيمين البائع، وجب عليه ردّ ما أخذه، لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.

و إن تلف في يد المشتري، فعليه قيمته، سواء كانت أكثر من الثمن أو أقلّ.

و هل يعتبر وقت التلف، لأنّ مورد الفسخ العين لو بقيت، و القيمة خلف عنها، فإذا فات الأصل، فحينئذ ينظر إليها، أو يوم القبض، لأنّه وقت دخول المبيع في ضمانه، أو الأقلّ، لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري، و إن كان يوم القبض أقلّ، فهو يوم دخوله في ضمانه، أو بأعلي القيم من يوم القبض إلي يوم التلف، لأنّ يده يد ضمان، فتعيّن أعلي القيم ؟ و للشافعيّة هذه الاحتمالات الأربعة أقوال(2) فيما قلناه(3) و فيما إذا اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك(4) علي ما تقدّم.

مسألة 618: لو زادت العين في يد المشتري، فإمّا زيادة متّصلة أو منفصلة.

فإن كانت متّصلة، فهي للبائع يردّها المشتري مع العين.

و إن كانت منفصلة، كالولد و الثمرة و الكسب و المهر، فإن قلنا: العقد

ص: 109


1- الوجيز 153:1، العزيز شرح الوجيز 385:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أقوالا». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في الطبعة الحجريّة: «نقلناه».
4- العزيز شرح الوجيز 385:4-386، روضة الطالبين 237:3.

يرتفع من أصله - و هو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أيّ العينين هو؟ - فالنماء للبائع، و يجب أقصي القيم لو تلف المبيع.

و إن قلنا: من حينه، فالنماء للمشتري، و عليه القيمة يوم التلف.

و عند الشافعي يتأتّي ذلك في هذه الصورة و فيما إذا اختلفا في قدر الثمن و غيره علي ما سلف(1).

و قال بعض الشافعيّة: هذا الخلاف السابق في القيمة متي تعتبر؟ نظرا إلي أنّ العقد يرتفع من أصله أو من حينه ؟ إن قلنا بالأوّل، فالواجب أقصي القيم. و إن قلنا بالثاني، اعتبرنا قيمته يوم التلف(2).

مسألة 619: لو اشتري عبدين و تلف أحدهما

ثمّ اختلفا في قدر الثمن، قدّم قول المشتري مع يمينه، كما ذهبنا إليه.

و قال الشافعي: يتحالفان، بناء علي أصله(3).

و هل يردّ الباقي ؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا.

و إن قلنا: يردّ، فيضمّ قيمة التالف إليه، و في القيمة المعتبرة الوجوه الأربعة(4).

اعترض: بأنّه لم كان الأصحّ هنا غير الأصحّ في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش ؟ أجيب: يجوز أن يكون السبب فيه أنّ النظر إلي القيمة ثمّ ليس ليغرم، و لكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن، و كذلك

ص: 110


1- في ذيل المسألة السابقة.
2- العزيز شرح الوجيز 386:4.
3- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 237:3.
4- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 237:3.

العوض(1) فيما إذا تلف أحد العبدين و وجدنا عيبا بالباقي و جوّزنا إفراده بالردّ، يوزّع(2) الثمن علي قيمة التالف و الباقي، و هاهنا المغروم القيمة، فكان النظر إلي حالة الإتلاف أليق(3).

و لو كان المبيع قائما إلاّ أنّه قد تعيّب، ردّه مع الأرش، و هو قدر ما نقص من القيمة، لأنّ الكلّ مضمون علي المشتري بالقيمة، فيكون البعض مضمونا ببعض القيمة.

أمّا المبيع لو تعيّب في يد البائع و أفضي الأمر إلي الأرش، وجب جزء من الثمن، لأنّ الكلّ مضمون علي البائع بالثمن، فكذا البعض.

و هذا أصل مطّرد في المسائل أنّ كلّ موضع لو تلف الكلّ، كان مضمونا علي الشخص بالقيمة، فإذا تلف البعض، كان مضمونا عليه ببعض القيمة، كالمغصوب و غيره، إلاّ في صورة واحدة، و هي: ما إذا عجّل زكاته ثمّ تلف ماله قبل الحول و كان ما عجّل تالفا، يغرم المسكين القيمة، و لو تعيّب، ففي الأرش وجهان للشافعيّة(4).

تذنيب: لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش، قدّم قول المشتري مع اليمين، لأنّه الغارم.

مسألة 620: التلف قد يكون حقيقيّا،

كما لو هلكت العين، و قد يكون حكميّا، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب و أقبض و تعوّض،

ص: 111


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «الفرض» و في «ي»: «العرض» بدل «العوض». و ما أثبتناه من المصدر.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بالردّ توزيع» و في «ي»: «بالردّ و توزيع». و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 386:4.
4- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 238:3.

و هنا يكون للبائع انتزاع العين، و يحكم ببطلان هذه العقود، و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: إنّ هذه التصرّفات بمنزلة الإتلاف، فتجب القيمة، و تبقي هذه التصرّفات علي الصحّة(2). و ليس جيّدا.

و التعيّب أيضا قد يكون حقيقيّا، كما لو تلف جزء من المبيع أو نقصت صفة من صفاته، و قد يكون حكميّا، كما لو زوّج الجارية المبيعة أو العبد المبيع، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: علي المشتري ما بين قيمتها مزوّجة و خليّة، و تعود إلي البائع و النكاح بحاله(4).

مسألة 621: لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري،

كان عليه قيمته للبائع إذا حلف أنّه لم يبعه، لتعذّر الوصول إليه.

و قال الشافعي: إذا تحالفا، لم يمتنع الفسخ، فإنّ الإباق لا يزيد علي التلف، و يغرم المشتري القيمة(5) كما قلناه.

و لو كاتبه المشتري كتابة صحيحة، كان للبائع فسخها.

و قال الشافعي: يتمّ مكاتبا، ثمّ يغرّم المشتري القيمة، كالإباق(6).

و لو رهنه، كان للبائع انتزاعه و قال الشافعي: تخيّر البائع بين أخذ القيمة و الصبر إلي انفكاك

ص: 112


1- التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 3: 238.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
4- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
5- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
6- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.

الرهن(1).

و لو آجره، كان للبائع أخذه و فسخ الإجارة.

و قال الشافعي: يبني علي أنّ بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا: لا، فهو كما لو رهنه. و إن قلنا: نعم، فللبائع أخذه، لكنّه يترك عند المستأجر إلي انقضاء المدّة، و الأجرة المسمّاة للمشتري، و عليه للبائع أجرة المثل للمدّة الباقية. و إن كان قد آجره من البائع، فله أخذه لا محالة.

و في انفساخ الإجارة وجهان، كما لو باع الدار المستأجرة من المستأجر إن قلنا: لا ينفسخ، فعلي البائع المسمّي للمشتري، و علي المشتري أجرة مثل المدّة الباقية للبائع.

و إذا غرم القيمة في هذه الصورة ثمّ ارتفع السبب الحائل و أمكن الردّ، هل تستردّ القيمة و تردّ العين ؟ يبني ذلك علي أنّه قبل ارتفاع الحائل ملك من هو؟(2).

أمّا الآبق ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه يبقي للمشتري، و الفسخ لا يرد علي الآبق، و إنّما هو وارد علي القيمة.

و أصحّهما عندنا و عندهم(3) أنّه في إباقه ملك البائع، و الفسخ وارد عليه، و إنّما وجبت القيمة، للحيلولة.

و أمّا المرهون و المكاتب ففيهما طريقان:3.

ص: 113


1- التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 3: 238.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3-239.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.

أحدهما: طرد الوجهين.

و أظهرهما عندهم: القطع ببقاء الملك للمشتري، كما أنّ المشتري إذا أفلس بالثمن و العبد آبق، يجوز للبائع الفسخ و الرجوع إليه. و لو كان مرهونا أو مكاتبا، ليس له ذلك(1).

و الوجه عندنا بطلان الكتابة و الرهن كما قلنا.

و أمّا المكتري إذا منعنا بيعه، فهو كالمرهون و المكاتب، أو كالآبق، لأنّ حقّ المكري لا يتعلّق بمورد البيع و الفسخ، و هو الرقبة ؟ فيه للشافعيّة احتمالات(2).

قال الجويني: و إذا قلنا ببقاء الملك للمشتري، فالفسخ وارد علي القيمة، كما في صورة التلف، فلا ردّ و لا استرداد. و إذا قلنا بانقلابه إلي البائع، ثبت الردّ و الاسترداد عند ارتفاع الحيلولة(3).

مسألة 622: لو اختلف المتبايعان، فادّعي أحدهما حرّيّة العبد المبيع و أنكر الآخر،

فالقول قول المنكر مع يمينه.

قال الشافعي: إذا حلف كلّ منهما، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم بحرّيّة العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال، فلا يعتق العبد في الحال، لأنّه ملك المشتري، و هو صادق بزعمه(4).

ثمّ إن فسخ العقد أو عاد العبد إلي البائع بسبب آخر، عتق عليه، لأنّ المشتري كاذب بزعمه، و العبد قد عتق عليه، فهو بمنزلة من أقرّ بحرّيّة العبد ثمّ اشتراه، و لا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا، و يعتق علي

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
4- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 239:3.

المشتري إن كان صادقا، و ولاء هذا العبد موقوف لا يدّعيه البائع و لا المشتري.

و لو صدّق المشتري البائع، حكم بعتقه عليه، و يرد الفسخ إن تفاسخا، كما لو ردّ العبد بعيب ثمّ قال: كنت أعتقته، يرد الفسخ، و يحكم بعتقه.

و لو صدّق البائع المشتري، نظر إن حلف البائع بالحرّيّة أوّلا ثمّ المشتري، فإذا صدّقه البائع عقيب يمينه ثمّ عاد العبد إليه، لم يعتق، لأنّه لم يكذّب المشتري بعد ما حلف بالحرّيّة حتي يجعل مقرّا بعتقه. و إن حلف المشتري بحرّيّته أوّلا ثمّ حلف البائع و صدّقه، عتق إذا عاد إليه، لأنّ حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له و إقرار بالحرّيّة عليه.

و لو كان المبيع بعض العبد، فإذا عاد إلي ملك البائع، عتق ذلك القدر عليه، و لم يقوّم عليه الباقي، لأنّه لم يحصل العتق بمباشرته(1) ، بل بإقراره علي غيره، فصار كما لو خلّف ابنين و عبدا، و قال أحدهما: إنّ أبي أعتق هذا العبد، و أنكره الآخر، فعتق(2) نصيب المقرّ، و لا يقوّم عليه الباقي.

مسألة 623: لو كان المبيع جارية و وطئها المشتري ثمّ اختلفا في قدر الثمن،

حلف المشتري، عندنا إن كانت السلعة تالفة. و إن كانت باقية، حلف البائع.

و عند الشافعي يتحالفان، ثمّ إن كانت ثيّبا، فلا أرش عليه مع ردّها.

و إن كانت بكرا، ردّها مع أرش البكارة، لأنّه نقصان جزء(3).

ص: 115


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لمباشرته». و الظاهر ما أثبتناه.
2- كذا، و الظاهر: «فيعتق».
3- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.

و لو ترافعا إلي مجلس الحكم و لم يتحالفا بعد، فأصحّ وجهي الشافعيّة: أنّ للمشتري وطء الجارية، لبقاء ملكه(1). و بعد التحالف و قبل الفسخ وجهان مرتّبان(2) ، و أولي بالتحريم، لإشرافه علي الزوال(3).

مسألة 624: لو جري البيع بين الوكيلين و اختلفا،

للشافعي في تحالفهما وجهان، وجه المنع: أنّ غرض اليمين ليخاف الظالم فيقرّ، و إقرار الوكيل علي موكّله غير مقبول(4).

و لو تقايل المتبايعان أو ردّ المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع الثمن و اختلفا في قدر الثمن، فالقول قول البائع مع يمينه - قاله الشافعي(5) - لأنّ العقد قد ارتفع، و المشتري يدّعي زيادة، و الأصل عدمها.

مسألة 625: لو ادّعي الفسخ قبل التفرّق و أنكر الآخر،

قدّم قول المنكر مع اليمين، لأصالة البقاء.

و لو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة السلعة التالفة، رجع إلي قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة، قدّم قول المشتري، لأصالة براءته.

و لو تقايلا البيع أو ردّ بعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا في قدره، قدّم قول البائع مع يمينه، لأنّه منكر لما يدّعيه المشتري بعد الفسخ(6).

و لو قال: بعتك و أنا صبي، فقال: بل كنت بالغا، قدّم قول مدّعي الصحّة.

و يحتمل تقديم قول البائع، لأصالة البقاء.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «قريبان» بدل «مرتّبان». و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
4- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
5- العزيز شرح الوجيز 389:4، روضة الطالبين 240:3.
6- مرّ هذا الفرع في ذيل المسألة 624.

و لو قال: بعت و أنا مجنون، و لم يعلم له سبقه، قدّم قول المشتري مع يمينه، و إلاّ فكالصبي.

خاتمة تشتمل علي الإقالة:

مسألة 626: الإقالة بعد البيع جائزة

بل تستحبّ إذا ندم أحد المتعاقدين علي البيع.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من أقال أخاه المسلم صفقة يكرهها أقاله اللّه عثرته يوم القيامة»(1).

إذا عرفت هذا، فالإقالة أن يقول المتبايعان: تقايلنا، أو: تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقبل الآخر.

و لو تقايلا بلفظ البيع، فإن قصدا الإقالة المحضة، لم يلحقها لواحق البيع حيث لم يقصداه.

مسألة 627: الإقالة فسخ للعقد الأوّل،

و ليست بيعا عندنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّها لو كانت بيعا لصحّت مع غير البائع و بغير الثمن الأوّل.

و قال في القديم: إنّها بيع - و به قال مالك - لأنّها نقل ملك بعوض بإيجاب و قبول، فأشبهت التولية(3).

ص: 117


1- شرح السنّة - للبغوي - 120:5، 2117، العزيز شرح الوجيز 280:4.
2- الوسيط 140:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 281:4، حلية العلماء 385:4، التهذيب - للبغوي - 493:3، روضة الطالبين 153:3، المجموع 9: 200، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
3- الوسيط 140:3، حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 393:3، العزيز شرح الوجيز 281:4، روضة الطالبين 153:3، مختصر اختلاف العلماء 3: 103، 1179، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.

و المشابهة لا تستلزم الاتّحاد، و تعارض بما تقدّم، و بأنّ المبيع رجع إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداء، فلم يكن بيعا، كالردّ بالعيب.

إذا عرفت هذا، فالإقالة إذا ذكرت بلفظ الإقالة، فيه الخلاف السابق، أمّا إذا ذكرت بلفظ الفسخ، فلا خلاف في أنّها فسخ، و ليست بيعا، قاله بعض الشافعيّة(1).

مسألة 628: و الإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين و غيرهما، للأصل.

و لأنّ الصيغة ليست لفظ بيع. و لأنّ ما كان فسخا في حقّ المتعاقدين كان فسخا في حقّ غيرهما، كالردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: إنّها فسخ في حقّ المتعاقدين، و هي بمنزلة البيع في حقّ غيرهما، فيثبت فيها الشفعة للشفيع، لأنّ الإقالة نقل ملك بعوض هو مال، فيثبت فيه الشفعة، كالبيع(2).

و نمنع كونها نقل ملك، بل إعادة للملك الأوّل، فبها يعود الملك الأوّل إذا فسخ العقد.

و قال أبو يوسف: هي بيع بعد القبض، و فسخ قبله، إلاّ في العقار، فإنّها بيع فيه قبل القبض و بعده(3).

مسألة 629: لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة

و إن أتي بها قاصدا لها بلفظ البيع، لأنّ القصد المعني.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 281:4، روضة الطالبين 153:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 54:3-55، الاختيار لتعليل المختار 16:2، تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 306:5 و 308، حلية العلماء 385:4، العزيز شرح الوجيز 282:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
3- حلية العلماء 386:4.

و قال أبو حنيفة: يثبت فيها الشفعة و إن كان بلفظ الإقالة(1).

و لو تقايلا في الصرف، لم يجب التقابض في المجلس، لأنّها ليست بيعا. و من جعلها بيعا أوجب التقابض فيه.

و تجوز الإقالة قبل قبض المبيع، لأنّها ليست بيعا. و من جعلها بيعا منع.

و تجوز في السّلم قبل القبض إن كانت فسخا، و إن كانت بيعا، فلا.

و لا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعا، و تجوز إن كانت فسخا.

و للشافعيّة علي تقدير كونها فسخا وجهان:

أحدهما: المنع، كالردّ بالعيب.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كالفسخ بالتحالف، فعلي هذا يردّ المشتري علي البائع مثل المبيع إن كان مثليّا، و قيمته إن كان متقوّما(2).

مسألة 630: يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن

و النقصان فيه لا قدرا و لا وصفا، فلو أقاله بأكثر أو أقلّ، فسدت الإقالة، و كان المبيع باقيا علي ملك المشتري - و به قال الشافعي(3) - لأنها فسخ في الحقيقة، و مقتضاه عود كلّ عوض إلي مالكه، و ليست من الألفاظ الناقلة، كالبيع و شبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها.

ص: 119


1- تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 308:5، الاختيار لتعليل المختار 17:2، حلية العلماء 385:4، العزيز شرح الوجيز 282:4.
2- التهذيب - للبغوي - 493:3-494، العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3.
3- حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 491:3، العزيز شرح الوجيز 4: 282، روضة الطالبين 154:3.

و قال أبو حنيفة: تصحّ الإقالة، و يبطل الشرط، و يجب ردّ الثمن، لأنّ الإقالة تصحّ بغير ذكر بدل، فإذا ذكره فاسدا، لم تبطل، كالنكاح(1).

و نحن نقول: إنّه أسقط حقّه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه، فإذا لم يسلم له الذي شرطه و لا بذل له، لم يزل ملكه عنه، بخلاف النكاح، فإنّه يثبت فيه عوض آخر. و لأنّ شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها، فلم تصحّ، بخلاف النكاح.

مسألة 631: تصحّ الإقالة في بعض المسلم فيه

- و به قال عطاء و طاوس و عمرو بن دينار و الحكم بن عيينة، و إليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي و الثوري، و روي عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: لا بأس به(2) - و هو المعروف، لأنّ الإقالة مستحبّة، و هي من المعروف، و كلّ معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه، كالإبراء و الإنظار.

و قال مالك و ربيعة و الليث بن سعد و ابن أبي ليلي: لا يجوز ذلك.

و كرهه أحمد و إسحاق، و رواه ابن المنذر عن ابن عمر و الحسن و ابن سيرين و النخعي، لأنّه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعا و سلفا، و قد نهي النبيّ عليه السّلام عن البيع و السلف(3). [و](4) لأنّه إذا أقاله في بعضه و ردّ بعض

ص: 120


1- تحفة الفقهاء 111:2، الهداية - للمرغيناني - 55:3، الاختيار لتعليل المختار 16:2، حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 492:3.
2- المغني و الشرح الكبير 372:4، مختصر اختلاف العلماء 26:3، 1096، حلية العلماء 387:4، التهذيب - للبغوي - 493:3، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3، بداية المجتهد 206:2.
3- سنن البيهقي 348:5، شرح معاني الآثار 46:4.
4- زيادة يقتضيها السياق.

رأس المال، يصير في معني القرض، لأنّه ردّ مثله، و يصير الباقي بيعا(1).

و هو منقوض بالرجوع بأرش العيب، فإنّه في معني ما ذكروه.

و كذلك ينتقض باليسير، فانّ بعضهم كان يسلّم جواز الإقالة في اليسير منه.

علي أنّا نمنع من كونه قرضا. و ردّ المثل لا يوجب كونه قرضا، و إلاّ لزم أن يكون البيع إذا أقيل منه قرضا، لوجوب ردّ المثل، و ليس كذلك.

سلّمنا، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع، لكن منع الاجتماع إنّما يكون إذا كان شرطا في البيع، و أمّا لو أسلفه شيئا و باعه شيئا، جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم(2).

مسألة 632: لو اشتري عبدين و تلف أحدهما، صحّت الإقالة عندنا،

لأنّها فسخ.

و من قال: إنّها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب، إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف(3).

و إذا تقايلا و المبيع في يد المشتري، نفذ تصرّف البائع فيه، لأنّها فسخ.

و من جعلها بيعا منع، إذ لا يصحّ التصرّف في المبيع قبل قبضه.

و لو تلف في يده، انفسخت الإقالة عند من قال: إنّها بيع، و بقي البيع كما كان.

ص: 121


1- بداية المجتهد 206:2، المغني و الشرح الكبير 372:4، حلية العلماء 4: 387، التهذيب - للبغوي - 493:3، مختصر اختلاف العلماء 26:3، 1096.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3.

و من قال: إنّها فسخ صحّت الإقالة، و كان علي المشتري الضمان، لأنّه مقبوض علي حكم العوض، كالمأخوذ قرضا و سوما. و الواجب فيه إن كان متقوّما أقلّ القيمتين من يوم العقد و القبض.

و لو تعيّب في يده، فإن كانت بيعا، تخيّر البائع بين إجازة الإقالة مجّانا، و بين أن يفسخ و يأخذ الثمن. و إن كانت فسخا، غرم أرش العيب.

و لو استعمله بعد الإقالة، فإن جعلناها بيعا، فهو كالمبيع يستعمله البائع. و إن جعلناها فسخا، فعليه الأجرة.

و لو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة، فلا ردّ له إن كانت فسخا. و إن كانت بيعا، فله ردّه(1).

و يجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن علي القولين.

و لا يشترط [ذكر](2) الثمن في الإقالة.

و لو أقاله علي أن ينظره بالثمن أو علي أن يأخذ الصحاح عوض المكسّرة، لم يجز.

و يجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.

و تجوز الإقالة في بعض المبيع - كما تقدّم - إذا لم تستلزم الجهالة.

قال الجويني: لو اشتري عبدين و تقايلا في أحدهما، لم تجز علي قول [إنّها](3) بيع، للجهل بحصّة كلّ واحد منهما(4).

و تجوز الإقالة في بعض المسلم فيه، لكن لو أقاله في البعض ليعجّل5.

ص: 122


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «ردّها». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فك». و الظاهر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 282:4-283، روضة الطالبين 154:3-155.

الباقي أو عجّل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي، فهي فاسدة.

نعم، لو قال للمسلم إليه: عجّل لي حقّي، و أخذ دون ما استحقّه بطيبة من نفسه، كان جائزا، لأنّه نوع صلح و تراض، و هو جائز.

و قال الشافعي: لا يجوز(1).

مسألة 633: لا تسقط اجرة الدلاّل و الوزّان و الناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة،

لأنّ سبب الاستحقاق ثابت، فلا يبطل بالطارئ.

و لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

ص: 123


1- لم نعثر عليه في مظانّه.

ص: 124

المقصد الثامن: في اللواحق
اشارة

و فيه فصلان:

الأوّل: في أنواع المكاسب.
مسألة 634: طلب الرزق للمحتاج واجب،

و إذا لم يكن له وجه التحصيل إلاّ من المعيشة، وجب عليه.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ملعون من ألقي كلّه علي الناس»(1).

و هو أفضل من التخلّي للعبادة.

روي عليّ بن عبد العزيز عن الصادق عليه السّلام قال: «ما فعل عمر بن مسلم ؟» قال: جعلت فداك أقبل علي العبادة و ترك التجارة، فقال: «ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، إنّ قوما من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لمّا نزلت وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (2) أغلقوا الأبواب و أقبلوا علي العبادة، و قالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم علي ما صنعتم ؟ فقالوا:

يا رسول اللّه تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا علي العبادة، فقال: إنّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب»(3).

و سأل عمر بن زيد الصادق عليه السّلام: رجل قال: لأقعدنّ في بيتي

ص: 125


1- الكافي 72:5، 7، التهذيب 327:7، 902.
2- الطلاق: 2 و 3.
3- الكافي 84:5، 5، الفقيه 119:3-120، 509، التهذيب 323:6، 885.

و لأصلّينّ و لأصومنّ و لأعبدنّ ربّي عزّ و جلّ، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم»(1).

و سأل العلاء بن كامل الصادق عليه السّلام أن يدعو له اللّه تعالي أن يرزقه في دعة، فقال: «لا أدعو لك، اطلب كما أمرك اللّه»(2).

و سأل الصادق عليه السّلام عن رجل، فقيل: أصابته حاجة، قال: «فما يصنع اليوم ؟» قيل(3): في البيت يعبد ربّه عزّ و جلّ، قال: «فمن أين قوته ؟» قيل: من عند بعض إخوانه، فقال الصادق عليه السّلام: «و اللّه للذي(4) يقوته أشدّ عبادة منه»(5).

و قال الباقر عليه السّلام: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا علي أهله و تعطّفا علي جاره لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر»(6).

مسألة 635: و في طلب الرزق ثواب عظيم.

قال اللّه تعالي فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (7).

و قال الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال»(8).

ص: 126


1- الكافي 77:5، 1، التهذيب 323:6، 887.
2- الكافي 78:5، 3، التهذيب 324:6، 888.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «قال» بدل «قيل». و ما أثبتناه من المصدر.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «باللّه الذي». و ما أثبتناه من المصدر.
5- الكافي 78:5، 4، التهذيب 324:6، 889.
6- الكافي 78:5، 5، التهذيب 324:6، 890.
7- الملك: 15.
8- الكافي 78:5، 6، التهذيب 324:6، 891.

و قال الصادق عليه السّلام: «يا هشام إن رأيت الصفّين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أري أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام يدع خلفا أفضل من عليّ بن الحسين حتي رأيت ابنه محمّد بن عليّ عليهما السّلام فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك ؟ قال: خرجت إلي بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام و كان رجلا بادنا ثقيلا و هو متّكئ علي غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، أما لأعظنّه، فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ عليّ بنهر و هو يتصابّ عرقا، فقلت:

أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، أ رأيت لو جاء أجلك و أنت علي هذه الحال ما كنت تصنع ؟ فقال عليه السّلام: لو جاءني الموت و أنا علي هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه عزّ و جلّ، أكف بها نفسي و عيالي عنك و عن الناس، و إنّما كنت أخاف أن لو جاءني(2) الموت و أنا علي معصية من معاصي اللّه عزّ و جلّ، فقلت: صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني»(3).

و أعتق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ألف مملوك من كدّ يده(4).5.

ص: 127


1- الكافي 78:5، 7، التهذيب 324:6، 892.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «جاء» بدل «جاءني». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 73:5-74، 1، التهذيب 325:6، 894.
4- الكافي 74:5، 4، التهذيب 325:6-326، 895.

و قال الصادق عليه السّلام: «أوحي اللّه عزّ و جلّ إلي داود عليه السّلام أنّك نعم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا» قال: «فبكي داود عليه السّلام أربعين صباحا، فأوحي اللّه عزّ و جلّ إلي الحديد أن لن لعبدي داود، فألان اللّه تعالي له الحديد، فكان يعمل كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة و ستّين درعا، فباعها بثلاثمائة و ستّين ألفا، و استغني عن بيت المال»(1).

و قال محمّد بن عذافر عن أبيه، قال: أعطي أبو عبد اللّه عليه السّلام أبي ألفا و سبعمائة دينار، فقال له: «اتّجر لي بها» ثمّ قال: «أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها و إن كان الربح مرغوبا فيه، و لكن أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده» قال: فربحت فيها مائة دينار، ثمّ لقيته فقلت: قد ربحت لك فيها مائة دينار، قال: ففرح أبو عبد اللّه عليه السّلام بذلك فرحا شديدا، ثمّ قال: «أثبتها لي في رأس مالي»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالي رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً (3): «رضوان اللّه و الجنّة في الآخرة، و المعاش و حسن الخلق في الدنيا»(4).

و قال رجل للصادق عليه السّلام: و اللّه إنّا لنطلب الدنيا و نحبّ أن نؤتي بها، فقال: «تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟» قال: أعود بها علي نفسي و عيالي و أصل منها و أتصدّق و أحجّ و أعتمر، فقال الصادق عليه السّلام: «ليس هذا طلب الدنيا،0.

ص: 128


1- التهذيب 326:5، 896.
2- الكافي 76:5، 12، التهذيب 326:6-327، 898.
3- البقرة: 201.
4- الكافي 71:5، 2، التهذيب 327:6، 900.

هذا طلب الآخرة»(1).

و قال معاذ بن كثير - صاحب الأكسية - للصادق عليه السّلام: قد هممت أن أدع السوق و في يدي شيء، قال: «إذن يسقط رأيك، و لا يستعان بك علي شيء»(2).

مسألة 636: و لا ينبغي الإكثار في ذلك،

بل ينبغي الاقتصار علي ما يموّن نفسه و عياله و جيرانه و يتصدّق به.

قال الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتي تستكمل رزقها، فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ، و أجملوا في الطلب، و لا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية اللّه، فإنّ اللّه تعالي قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا، و لم يقسّمها حراما، فمن اتّقي اللّه عزّ و جلّ و صبر أتاه اللّه برزقه من حلّه، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال، و حوسب عليه يوم القيامة»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها، و لكن أنزل نفسك(4) من ذلك بمنزلة النصف(5) المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، و تكتسب ما لا بدّ للمؤمن منه، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال

ص: 129


1- الكافي 72:5، 10 بتفاوت يسير فيه، التهذيب 327:6-328، 903.
2- الكافي 149:5، 10، التهذيب 329:6، 908.
3- الكافي 80:5، 1، التهذيب 321:6، 880.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و لكن اترك لنفسك». و ما أثبتناه من المصدر.
5- في الكافي و «ي»: «المنصف» بدل «النصف». و النصف: العدل. القاموس المحيط 200:3.

لهم»(1).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «منهومان لا يشبعان: منهوم دنيا، و منهوم علم، فمن اقتصر من الدنيا علي ما أحلّ اللّه له سلم، و من تناولها من غير حلّها هلك إلاّ أن يتوب و يراجع، و من أخذ العلم من أهله و عمل به نجا، و من أراد به الدنيا فهي حظّه»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما أعطي اللّه عبدا ثلاثين ألفا و هو يريد به خيرا» و قال: «ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ(3) و قد يجمعها لأقوام، إذا اعطي القوت و رزق العمل، فقد جمع اللّه له الدنيا و الآخرة»(4).

مسألة 637: فقد ثبت من هذا أنّ التكسّب واجب

إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه و قوت من تجب نفقته عليه، و لا وجه له سواه، و أمّا إذا قصد التوسعة علي العيال و نفع المحاويج و إعانة من لا تجب عليه نفقته مع حصول قدر الحاجة بغيره، فإنّه مندوب إليه، لما تقدّم من الأحاديث.

و أمّا ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه، فإنّه مباح.

و قد يكون مكروها إذا اشتمل علي وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه، كالصرف، فإنّه لا يسلم من الربا، و بيع الأكفان، فإنّه يتمنّي موت الأحياء، و الرقيق و اتّخاذ الذبح و النحر صنعة، لما في ذلك من سلب الرحمة من القلب، و قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من قسا قلبه بعد من رحمة ربّه»(5).

ص: 130


1- الكافي 81:5، 8، التهذيب 322:6، 882.
2- الكافي 36:1، 1، التهذيب 328:6، 906.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عشرة ألف من حلّ». و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 328:6، 907.
5- وجدنا الحديث من دون «رحمه» في الكافي 199:3، 5، و التهذيب 1: 319، 928 عن الإمام الصادق عليه السّلام.

قال إسحاق بن عمّار: دخلت علي الصادق عليه السّلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام، فقال: «ألا سمّيته محمّدا؟» قال: قد فعلت، فقال: «لا تضرب محمّدا و لا تشتمه، جعله اللّه قرّة عين لك في حياتك و خلف صدق من بعدك» قلت: جعلت فداك فأيّ الأعمال(1) أضعه ؟ قال: «إذا عدلته [عن](2) خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفيّا، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا، و لا تسلّمه بيّاع الأكفان، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان، و لا تسلّمه بيّاع طعام، فإنّه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلّمه جزّارا فإنّ الجزّار تسلب [منه](3) الرحمة، و لا تسلّمه نخّاسا، فإنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: شرّ الناس من باع الناس»(4).

و قال الكاظم عليه السّلام: «جاء رجل إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أيّ شيء أسلمه ؟ فقال: أسلمه - للّه أبوك - و لا تسلّمه في خمسة أشياء: لا تسلّمه سبّاء(5) و لا صائغا و لا قصّابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا قال: فقلت: يا رسول اللّه ما السبّاء؟ فقال: الذي يبيع الأكفان و يتمنّي موت أمّتي، و للمولود من أمّتي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، و أمّا الصائغ فإنّه يعالج زين أمّتي، و أمّا القصّاب فإنّه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه، و أمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام علي أمّتي، و لأن يلقي اللّه العبد سارقا أحبّ إليّ من أن يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما، و أمّا النخّاس فإنّه أتاني جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد إنّ شرّ أمّتك الذينة.

ص: 131


1- في المصدر: «في أيّ الأعمال».
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- ما بين المعقوفين من التهذيب.
4- التهذيب 361:6-362، 1037، الإستبصار 62:3-63، 208.
5- في النهاية - لابن الأثير - 430:2: «سيّاء» بالياء المثنّاة التحتانيّة.

يبيعون الناس»(1).

مسألة 638: و يكره اتّخاذ الحياكة و النساجة صنعة،

لما فيهما من الضعة و الرذالة.

قال اللّه تعالي في قصّة نوح عليه السّلام قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام للأشعث بن قيس: «حائك بن حائك، منافق بن كافر»(3).

قيل: إنّه كان ينسج الإبراد(4).

و قيل: إنّ قومه كانوا كذلك(5).

و قال أبو إسماعيل الصيقل الرازي(6): دخلت علي الصادق عليه السّلام و معي ثوبان، فقال لي: «يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة و ليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللّذين تحملهما أنت» فقلت: جعلت فداك تغزلهما أمّ إسماعيل و أنسجهما أنا، فقال لي: «حائك ؟» قلت: نعم، قال: «لا تكن حائكا» قلت: فما أكون ؟ قال: «كن صيقلا» و كان معي مائتا دينار(7) فاشتريت بها سيوفا و مرايا عتقا و قدمت بها الريّ، و بعتها بربح

ص: 132


1- الفقيه 96:3، 369، التهذيب 362:6، 1038، الاستبصار 63:3، 209.
2- الشعراء: 111.
3- نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - 51:1-52، 18.
4- شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - 324:1، حدائق الحقائق 212:1.
5- انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 297:1.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المرادي» بدل «الرازي». و ما أثبتناه من المصدر.
7- في المصدر: «درهم» بدل «دينار».

كثير(1).

مسألة 639: يكره كسب الحجّام مع الشرط.

قال الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّي أعطيت خالتي غلاما و نهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاما أو صائغا»(2).

و سأل أبو بصير الباقر عليه السّلام عن كسب الحجّام، فقال: «لا بأس به إذا لم يشارط»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ الأجرة ليست حراما، للأصل.

و قال الباقر عليه السّلام: «احتجم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، حجمه مولي لبني بياضة و أعطاه(4) ، و لو كان حراما، ما أعطاه، فلمّا فرغ قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

أين الدم ؟ قال: شربته يا رسول اللّه، فقال: ما كان ينبغي لك أن تفعل، و قد جعله اللّه عزّ و جلّ حجابا لك من النار، فلا تعد»(5).

تذنيب: إذا شارط، كره له الكسب مع الشرط، و لم يكره الشرط لمن يشارطه.

قال زرارة: سألت الباقر عليه السّلام عن كسب الحجّام، فقال: «مكروه له أن يشارط، و لا بأس عليك أن تشارطه و تماكسه، و إنّما يكره له، و لا بأس(6) عليك»(7).

ص: 133


1- الكافي 115:5، 6، التهذيب 363:6-364، 1042، الإستبصار 64:3، 213.
2- الكافي 114:5، 5، التهذيب 363:6، 1041، الإستبصار 64:3، 212.
3- الكافي 115:5، 1، التهذيب 354:6، 1008، الإستبصار 58:3، 190.
4- في التهذيب: «و أعطاه الأجر».
5- الكافي 116:5، 3، الفقيه 97:3، 372، التهذيب 355:6، 1010، الإستبصار 59:3، 192.
6- في «س، ي»: «فلا بأس». و ما أثبتناه من المصدر.
7- الكافي 116:5، 4، التهذيب 355:6، 1011، الاستبصار 59:3، 193.

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رجلا سأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن كسب الحجّام، فقال: لك ناضح ؟ فقال له: نعم، فقال: اعلفه إيّاه و لا تأكله»(1).

و هذا يدلّ علي حكمين: الكراهة حيث نهاه عن أكله، و علي الإباحة حيث أمره أن(2) يعلف الناضح به.

و كذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط، و لا معه طلق.

مسألة 640: لا بأس بأجر النائحة بالحقّ،

و يكره مع الشرط، و يحرم بالباطل.

قال حنان بن سدير: كانت امرأة معنا في الحيّ و لها جارية نائحة فجاءت إلي أبي، فقالت: يا عمّ أنت تعلم معيشتي من اللّه و هذه الجارية النائحة، و قد أحببت أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك، فإن كان حلالا، و إلاّ بعتها و أكلت من ثمنها حتي يأتي اللّه عزّ و جلّ بالفرج، فقال لها أبي:

و اللّه إنّي لأعظّم أبا عبد اللّه عليه السّلام أن أسأله عن هذه المسألة، قال: فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أ تشارط؟» قلت: و اللّه ما أدري أ تشارط أم لا، قال: «قل لها: لا تشارط و تقبل كلّما أعطيت»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميّت»(4).

مسألة 641: يكره اجرة الضراب، لأنّه في معني بيع عسيب الفحل.

و يكره إنزاء الحمير علي الخيل، لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي أن ينزي حمار علي

ص: 134


1- التهذيب 356:6، 1014، الإستبصار 60:3، 196.
2- في «س، ي»: «بأن».
3- الكافي 117:5-118، 3، التهذيب 358:6، 1026، الاستبصار 60:3 - 61، 200.
4- الفقيه 98:3، 376، التهذيب 359:6، 1028، الاستبصار 60:3، 199.

عتيق، رواه السكوني عن الصادق(1) عليه السّلام. و في السند ضعف.

و ليس محرّما، للأصل.

و لما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الحمير تنزيها علي الرّمك(2) لتنتج البغال أ يحلّ ذلك ؟ قال: «نعم، أنزها»(3).

و لا تنافي بين الروايتين، لأنّ الإمام عليه السّلام سئل عن الحلّ، فأجاب بثبوته، و قوله: «أنزها» علي سبيل الإباحة، و النهي الوارد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله إنّما هو علي سبيل التنزيه.

مسألة 642: كسب الصبيان و من لا يجتنب

مسألة 642: كسب الصبيان و من لا يجتنب(4) المحارم مكروه،

لعدم تحفّظهم من المحارم، و عدم الوثوق بإباحة ما حصّلوه.

و كذا تكره الصياغة و القصابة، و قد تقدّم بيانه في الرواية(5).

و يكره ركوب البحر للتجارة، لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر و الصادق عليهما السّلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة(6).

و لو حصل الخوف - كما في وقت اضطرابه و تكاثر الأهوية المختلفة - فإنّه يكون حراما.

قال الباقر عليه السّلام في ركوب البحر للتجارة: «يغرّر الرجل بدينه»(7).

ص: 135


1- التهذيب 377:6-378، 1105، الاستبصار 57:3، 184.
2- الرّمكة: البرذونة التي تتّخذ للنسل. و الجمع: رمك. لسان العرب 434:10 «رمك».
3- التهذيب 384:6، 1137، الإستبصار 57:3، 185.
4- في «س، ي»: «لا يتجنّب».
5- و هي حديث الإمام الكاظم عليه السّلام، المتقدّم في ص 131.
6- الكافي 256:5، 1، التهذيب 388:6، 1158.
7- الكافي 257:5، 4، التهذيب 388:6، 1159.

و سأل معلّي بن خنيس الصادق عليه السّلام: عن الرجل يسافر فيركب البحر، فقال: «إنّ أبي كان يقول: إنّه يضرّ بدينك هو ذا الناس يصيبون أرزاقهم و معايشهم»(1).

مسألة 643: يجوز أخذ الأجرة علي تعليم الحكم و الآداب و الأشعار،

و يكره علي تعليم القرآن، لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام جاءه رجل فقال:

يا أمير المؤمنين و اللّه إنّي لأحبّك للّه، فقال له: «و لكنّي أبغضك للّه» قال:

و لم ؟ قال: «لأنّك تبغي في الأذان، و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: من أخذ علي تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة»(2).

و عن إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: قلت: إنّ لنا جارا يكتب و قد سألني أن أسألك عن عمله، فقال: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّي إنّما أعلّمه الكتاب و الحساب و أتّجر عليه بتعليم القرآن، حتي يطيب له كسبه»(3).

و عن حسان المعلّم قال: سألت الصادق عليه السّلام عن التعليم، فقال:

«لا تأخذ علي التعليم أجرا» قلت: الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أشارط عليه ؟ قال: «نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضّل بعضهم علي بعض»(4).

ص: 136


1- الكافي 257:5، 5، التهذيب 388:6، 1160.
2- التهذيب 376:6، 1099.
3- التهذيب 364:6، 1044، الإستبصار 66:3، 217.
4- الكافي 121:5 (باب كسب المعلّم) الحديث 1، التهذيب 364:6، 1045، الاستبصار 65:3، 214.

و سأل الفضل بن أبي قرّة الصادق عليه السّلام: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن، و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحا»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تنافي بين هذين الخبرين، لأنّ الخبر الأوّل محمول علي أنّه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجرا معلوما، و الثاني علي أنّه إن اهدي إليه شيء و أكرم بتحفة، جاز له أخذه، لرواية جرّاح المدائني عن الصادق عليه السّلام قال: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهديّة إذا اهدي إليه»(2).

قال قتيبة الأعشي للصادق عليه السّلام: إنّي أقرأ القرآن فتهدي إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال: «لا» قال: قلت: إن لم أشارطه ؟ قال: «أ رأيت لو لم تقرأه أ كان يهدي لك ؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله»(3).

و هو محمول علي الكراهة، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 644: و يكره خصا الحيوان،

لما فيه من الإيلام، و معاملة الظالمين، لعدم تحرّزهم عن المحرّمات.

و كذا تكره معاملة السفلة و الأدنين و المحارفين، لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «شاركوا من أقبل عليه الرزق فإنّه أجلب للرزق»(4).

ص: 137


1- الكافي 121:5 (باب كسب المعلّم) الحديث 2، الفقيه 99:3، 384، التهذيب 365:6، 1046، الاستبصار 65:3، 216.
2- التهذيب 365:6، و الحديث رقم 1047.
3- التهذيب 365:6، 1048، الاستبصار 66:3، 219.
4- نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - 204:3، 230 بتفاوت في بعض الألفاظ.

و كذا تكره معاملة ذوي العاهات و الأكراد و مجالستهم و مناكحتهم، لما روي من أنّهم حيّ من الجنّ(1).

و كذا تكره معاملة أهل الذمّة.

مسألة 645: من التجارة ما هو حرام،

و هو أقسام:

الأوّل: كلّ نجس لا يقبل التطهير، سواء كانت نجاسته ذاتيّة، كالخمر و النبيذ و الفقّاع و الميتة و الدم و أبوال ما لا يؤكل لحمه و أرواثه و الكلب و الخنزير و أجزائهما، أو عرضيّة، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير، إلاّ الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصّة، لا تحت الأظلّة، لأنّ البخار الصاعد بالاشتعال لا بدّ أن يستصحب شيئا من أجزاء الدهن.

و لو كانت نجاسة الدهن ذاتيّة - كالألية المقطوعة من الميتة أو الحيّة - لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.

و الماء النجس يجوز بيعه، لقبوله التطهير.

و أبوال ما يؤكل لحمه و إن كانت طاهرة إلاّ أنّ بيعها حرام، لاستخباثها، إلاّ بول الإبل للاستشفاء بها.

و يجوز بيع كلب الصيد و الزرع و الماشية و الحائط، و إجارتها و اقتناؤها و إن هلكت الماشية، و تربيتها.

و يحرم اقتناء الأعيان النجسة إلاّ لفائدة، كالكلب و السرجين لتربية الزرع، و الخمر للتخليل.

و يحرم أيضا اقتناء المؤذيات، كالحيّات و العقارب و السباع.

ص: 138


1- الكافي 158:5، 2، الفقيه 100:3، 390، التهذيب 11:7، 42.

الثاني: كلّ ما يكون المقصود منه حراما، كآلات اللهو، كالعود، و آلات القمار، كالنرد و الشطرنج، و هياكل العبادة، كالصنم، و بيع السلاح لأعداء الدين و إن كانوا مسلمين، لما فيه من الإعانة علي الظلم، و إجارة السفن و المساكن للمحرّمات، و بيع العنب ليعمل خمرا، و الخشب ليعمل صنما و آلة قمار، و يكره بيعهما علي من يعمل ذلك من غير شرط، و التوكيل في بيع الخمر و إن كان الوكيل ذمّيّا.

و ليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرّا. و لو آجره لذلك، حرم.

و لو آجر دابّة لحمل خمر، جاز إن كان للتخليل و الإراقة، و إلاّ فلا.

و لا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السلاح علي أعداء الدين و إن كان وقت الحرب.

الثالث: بيع ما لا ينتفع به، كالحشرات، مثل: الفأر و الحيّات و الخنافس و العقارب و السباع ممّا لا يصلح للصيد، كالأسد و الذئب و الرّخم و الحدأة و الغراب و بيوضها، و المسوخ البرّيّة، كالقرد و إن قصد به حفظ المتاع، و الدبّ، أو بحريّة، كالجرّي و السلاحف و التمساح.

و لو قيل بجواز [بيع](1) السباع كلّها، لفائدة الانتفاع بجلودها، كان حسنا.

و يجوز بيع الفيل و الهرّ، و ما يصلح للصيد، كالفهد، و بيع دود القزّ و النحل مع المشاهدة و إمكان التسليم.

و كذا يجوز بيع عامّ الوجود، كالماء و التراب و الحجارة.ق.

ص: 139


1- الزيادة يقتضيها السياق.

و يحرم بيع الترياق، لاشتماله علي الخمر و لحوم الأفاعي. و لا يجوز شربه للتداوي إلاّ مع خوف التلف، و السمّ من الحشائش.

و النبات يجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به، كالسقمونيا، و إلاّ فلا.

و الأقرب: المنع من بيع لبن الآدميّات.

و لو باعه دارا لا طريق لها مع علم المشتري، جاز، و مع جهله يتخيّر.

الرابع: ما نصّ الشارع علي تحريمه عينا، كعمل الصّور المجسّمة، و الغناء و تعليمه و استماعه، و أجر المغنّية.

قال الصادق عليه السّلام و قد سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات، فقال:

«شراؤهنّ حرام، و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «المغنّية ملعونة، ملعون من أكل كسبها»(2).

و أوصي إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن يبعن و يحمل ثمنهنّ إلي أبي الحسن عليه السّلام، قال إبراهيم بن أبي البلاد: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم، و حملت الثمن إليه، فقلت له: إنّ مولي لك يقال له:

إسحاق بن عمر أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات و حمل الثمن إليك، و قد بعتهنّ و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال: «لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت»(3).

أمّا المغنّية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل و لم تلعب بالملاهي و لم يدخل الرجال عليها.4.

ص: 140


1- الكافي 120:5، 5، التهذيب 356:6، 1018، الإستبصار 61:3، 201.
2- الكافي 120:5، 6، التهذيب 357:6، 1020، الإستبصار 61:3، 203.
3- الكافي 120:5، 7، التهذيب 357:6، 1021، الاستبصار 61:3، 204.

روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال»(1).

إذا ثبت هذا، فإن أدخلت الرجال أو غنّت بالكذب، كان حراما، لما تقدّم.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن كسب المغنّيات، فقال: «التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعي إلي الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (2)»(3).

مسألة 646: القمار حرام

و تعلّمه و استعماله و أخذ الكسب به حتي لعب الصبيان بالجوز و الخاتم.

قال اللّه تعالي وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ (4) و قال تعالي:

وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ (5) .

قال الباقر عليه السّلام: «لمّا أنزل اللّه تعالي علي رسوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (6) قيل:

يا رسول اللّه ما الميسر؟ قال: كلّ ما يقمروا به حتي الكعاب و الجوز، فقيل: و ما الأنصاب ؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم، قيل: و الأزلام ؟ قال: قداحهم

ص: 141


1- الكافي 120:5، 3، الفقيه 98:3، 376، التهذيب 357:6، 1022، الإستبصار 62:3، 205.
2- سورة لقمان: 6.
3- الكافي 119:5، 1، التهذيب 358:6، 1024، الإستبصار 62:3، 207.
4- المائدة: 3.
5- المائدة: 90.
6- المائدة: 90.

التي كانوا يستقسمون بها»(1).

و سأل إسحاق بن عمّار الصادق عليه السّلام: الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون، فقال: «لا تأكل منه فإنّه حرام»(2).

و كان الصادق عليه السّلام ينهي عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل، و قال: «هو سحت»(3).

مسألة 647: الغشّ و التدليس محرّمان،

كشوب اللبن بالماء، و تدليس الماشطة، و تزيين الرجل بالحرام.

قال الصادق عليه السّلام: «ليس منّا من غشّنا»(4).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: «يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين من غشّهم»(5).

و نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يشاب اللبن بالماء للبيع(6).

و لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.

قال [عليّ](7): سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك و قد دخلها تضيّق، قال: «لا بأس، و لكن لا تصل الشعر بالشعر»(8).

ص: 142


1- الكافي 122:5-123، 2، الفقيه 97:3، 374، التهذيب 371:6، 1075، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- الكافي 124:5، 10، التهذيب 370:6، 1069.
3- الكافي 123:5، 6، التهذيب 370:6، 1070.
4- الكافي 160:5، 1، التهذيب 12:7، 48.
5- الكافي 160:5، 2، التهذيب 12:7، 49.
6- الكافي 160:5، 5، الفقيه 173:3، 771، التهذيب 13:7، 53.
7- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سماعة». و لقد ورد في المصدر لفظ «سماعة» في الحديث السابق بسطر واحد. و ما أثبتناه من المصدر.
8- التهذيب 359:6، 1030، و فيه: «و قد دخلها ضيق..».

و إذا لم يحصل تدليس بالوصل، لم يكن به بأس.

سئل [الباقر](1) عليه السّلام عن القرامل التي يضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهنّ، فقال: «لا بأس به علي المرأة ما تزيّنت به لزوجها» فقيل له: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال: «ليس هناك، إنّما لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله [الواصلة](2) التي تزني في شبابها، فإذا كبرت قادت النساء إلي الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة»(3).

مسألة 648: و تحرم معونة الظالمين علي الظلم.

قال ابن أبي يعفور: كنت عند الصادق عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك اللّه إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو(4) الشدّة فيدعي إلي البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك ؟ فقال الصادق عليه السّلام: «ما أحبّ أنّي(5) عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و إنّ لي ما بين لابتيها لا و لا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد»(6).

مسألة 649: يحرم حفظ كتب الضلال و نسخها لغير النقض أو الحجّة

و تعلّمها، و نسخ التوراة و الإنجيل، لأنّهما منسوخان محرّفان، و تعليمهما و تعلّمهما حرام، و أخذ الأجرة علي ذلك.

ص: 143


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الصادق». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر، و فيه: «أبو جعفر».
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 119:5، 3، التهذيب 360:6، 1032.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الشدّة.. إن عقدت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الشدّة.. إن عقدت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- الكافي 107:5، 7، التهذيب 331:6، 919.

و كذا يحرم هجاء المؤمنين و الغيبة.

قال اللّه تعالي وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً (1).

و يحرم سبّ المؤمنين و الكذب عليهم و النميمة(2) و مدح من يستحقّ الذمّ و بالعكس، و التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة، بلا خلاف في ذلك كلّه.

مسألة 650: تعلّم السحر و تعليمه حرام.

و هو كلام يتكلّم به أو يكتبه أو(3) رقية أو يعمل شيئا [يؤثّر](4) في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.

و هل له حقيقة ؟ قال الشيخ: لا، و إنّما هو تخييل(5).

و علي كلّ تقدير لو استحلّه قتل.

و يجوز حلّ السحر بشيء من القرآن أو الذكر و الأقسام، لا بشيء منه.

روي إبراهيم بن هاشم قال: حدّثني شيخ من أصحابنا الكوفيّين، قال: دخل عيسي بن سيفي(6) علي الصادق عليه السّلام - و كان ساحرا يأتيه الناس

ص: 144


1- الحجرات: 12.
2- في الطبعة الحجريّة: «التهمة» بدل «النميمة».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- الخلاف 327:5-328، المسألة 14 من كتاب كفّارة القتل، المبسوط - للطوسي - 260:7.
6- في الكافي: «شفقي» بدل «سيفي». و في التهذيب - تحقيق السيّد حسن الخرسان - و كذا الفقيه: «شقفي». و في التهذيب - تحقيق علي أكبر الغفاري - كما في المتن.

و يأخذ علي ذلك الأجر - فقال له: جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجرة و كان معاشي، و قد حججت و منّ اللّه عليّ بلقائك و قد تبت إلي اللّه تعالي، فهل لي في شيء منه مخرج ؟ قال: فقال:

الصادق عليه السّلام: «حلّ و لا تعقد»(1).

و كذا يحرم تعلّم الكهانة و تعليمها، و الكاهن هو الذي له رئيّ(2) من الجنّ يأتيه بالأخبار. و يقتل ما لم يتب.

و التنجيم حرام، و كذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم العنصريّات علي ما يقوله الفلاسفة.

و الشعبذة حرام. و هي الحركات السريعة جدّا بحيث يخفي علي الحسّ الفرق بين الشيء و شبهه لسرعة(3) انتقاله من الشيء إلي شبهه.

و القيافة حرام عندنا.

مسألة 651: يحرم بيع المصحف،

لما فيه من الابتذال له و انتفاء التعظيم، بل ينبغي أن يبيع الجلد و الورق.

قال سماعة: سألته عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: «لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الجلود(4) و الدفّتين(5) ، و قل: أشتري هذا منك بكذا و كذا»(6).

ص: 145


1- الكافي 115:5، 7، التهذيب 364:6، 1043، و انظر: الفقيه 110:3، 463.
2- يقال للتابع من الجنّ: رئيّ، بوزن كميّ، سمّي به لأنّه يتراءي لمتبوعه. النهاية - لابن الأثير - 178:2 «رأي».
3- في الطبعة الحجريّة: «بسرعة».
4- في المصدر: «و الورق» بدل «و الجلود».
5- في الطبعة الحجريّة: «و الدفين». و في «س، ي»: «و الدفتر». و ما أثبتناه من المصدر.
6- الكافي 121:5 (باب بيع المصاحف) الحديث 2.

و سأل جرّاح المدائني الصادق عليه السّلام: عن بيع المصاحف، فقال(1):

«لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الأديم و الحديد»(2).

و لا بأس بأخذ الأجرة علي كتبة القرآن.

قال الصادق عليه السّلام و قد سأله روح بن عبد الرحيم(3) ، فقال له: ما تري أن أعطي علي كتابته أجرا؟ قال: «لا بأس»(4).

مسألة 652: يحرم تعشير المصاحف بالذهب و زخرفتها.

قال سماعة: سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذهب، فقال:

«لا يصلح» فقال: إنّها معيشتي، فقال: «إنّك إن تركته للّه جعل اللّه لك مخرجا»(5).

و الأولي عندي الكراهة دون التحريم، عملا بالأصل، و استضعافا للرواية، لأنّها غير مستندة إلي إمام، و الرواة ضعفاء.

و يكره كتبة القرآن بالذهب.

قال محمّد الورّاق(6): عرضت علي الصادق عليه السّلام كتابا فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب، و كتب في آخره سورة بالذهب، فأريته إيّاه، فلم يعب منه شيئا إلاّ كتابة القرآن بالذهب، فإنّه قال: «لا يعجبني أن يكتب القرآن إلاّ بالسواد كما كتب أوّل مرّة»(7).

ص: 146


1- في «س، ي»: «قال».
2- التهذيب 366:6، 1051.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبد الرحمن». و ما أثبتناه من المصدر.
4- الكافي 121:5-122، 3، التهذيب 366:6، 1053.
5- التهذيب 366:6، 1055.
6- في الكافي: «محمّد بن الورّاق».
7- الكافي 460:2، 8، التهذيب 367:6، 1056.
مسألة 653: السرقة و الخيانة حرام بالنصّ و الإجماع،

و كذا بيعهما.

و لو وجد عنده سرقة، ضمنها، إلاّ أن يقيم البيّنة بشرائها، فيرجع علي بائعها مع جهله.

روي جرّاح عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من اشتري سرقة و هو يعلم فقد شرك في عارها و إثمها»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في الرجل يوجد عنده سرقة، فقال: «هو غارم إذا لم يأت علي بائعها بشهود(3)»(4).

و لو اشتري بمال السرقة جارية أو ضيعة، فإن كان بالعين، بطل البيع، و إلاّ حلّ له وطؤ الجارية، و عليه وزر المال.

روي السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام «لو أنّ رجلا سرق ألف درهم فاشتري بها جارية أو أصدقها امرأة فإنّ الزوجة(5) له حلال، و عليه تبعة المال»(6).

و لو حجّ به مع وجوب الحجّ بدونه، برئت ذمّته إلاّ في الهدي.

و لو طاف أو سعي في الثوب المغصوب أو علي الدابّة المغصوبة،

ص: 147


1- الكافي 228:5، 4، التهذيب 374:6، 1089.
2- الكافي 229:5، 6، التهذيب 374:6، 1090.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شهود». و في التهذيب: «شهودا». و ما أثبتناه من الكافي.
4- الكافي 229:5، 7، التهذيب 374:6، 1091.
5- في المصدر: «الفرج» بدل «الزوجة».
6- التهذيب 386:6، 1147، و 215:8، 767.

بطل.

مسألة 654: التطفيف في الكيل و الوزن حرام بالنصّ

و الإجماع.

قال اللّه تعالي وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَي النّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (1).

و يحرم الرشا في الحكم و إن حكم علي باذله بحقّ أو باطل.

الخامس: ما يجب علي الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه، كتغسيل الموتي و تكفينهم و دفنهم.

نعم، لو أخذ الأجر علي المستحبّ منها(2) ، فالأقرب: الجواز.

و تحرم الأجرة علي الأذان، و قد سبق(3) ، و علي القضاء، لأنّه واجب.

و يجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.

و يجوز أخذ الأجرة علي عقد النكاح و الخطبة في الإملاك(4).

و يحرم الأجر علي الإمامة و الشهادة و قيامها.

مسألة 655: لو دفع إنسان إلي غيره مالا ليصرفه في المحاويج

أو في قبيل و كان هو منهم، فإن عيّن، اقتصر علي ما عيّنه، و لا يجوز له إعطاء غيرهم، فإن فعل، ضمن.

و إن أطلق، فالأقرب: تحريم أخذه منه، لأنّ الظاهر أنّ الشخص هنا لا يتولّي طرفي القبض و الإقباض.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السّلام في رجل أعطاه

ص: 148


1- المطفّفين: 1-3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منهما» بدل «منها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في ج 3 ص 81، المسألة 184.
4- الإملاك: التزويج. الصحاح 1610:4 «ملك».

رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون، أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن(1) صاحبه ؟ قال: «نعم»(2).

و قال بعض علمائنا: يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره، و لا يفضّل نفسه عليهم(3).

و هو عندي جيّد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.

إذا عرفت هذا، فإن كان الأمر بالدفع إلي قوم معيّنين، لم تشترط عدالة المأمور، و إلاّ اشترطت.

مسألة 656: يجوز أكل ما ينثر في الأعراس

مع علم الإباحة إمّا لفظا أو بشاهد الحال. و يكره انتهابه.

فإن لم يعلم قصد الإباحة، حرم، لأنّ الأصل عصمة مال المسلم.

قال إسحاق بن عمّار: قلت للصادق عليه السّلام: الإملاك يكون و العرس فينثر علي القوم، فقال: «حرام، و لكن كل ما أعطوك منه»(4).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا بأس بنثر الجوز و السّكّر»(5).

و عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن النثار من السّكّر و اللوز و أشباهه أ يحلّ أكله ؟ قال: «يكره أكل ما انتهب»(6).

مسألة 657: الولاية من قبل العادل مستحبّة.

و قد تجب إذا ألزمه بها، أو كان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يتمّ إلاّ بولايته.

ص: 149


1- في المصدر: «يستأمر» بدل «يستأذن».
2- التهذيب 352:6-353، 1001.
3- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 12:2.
4- التهذيب 370:6، 1071، الاستبصار 66:3، 220.
5- التهذيب 370:6، 1073، الإستبصار 66:3-67، 222.
6- الكافي 123:5، 7، التهذيب 370:6، 1072.

و تحرم من الجائر، إلاّ مع التمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف علي النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره إلاّ القتل الظلم، فإنّه لا يجوز له فعله و إن قتل.

و لو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية، استحبّ له تحمّله، و كرهت له الولاية.

روي عمّار قال: سئل الصادق عليه السّلام: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر علي شيء [و لا](1) يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلي أهل البيت»(2).

و عن الوليد بن صبيح قال: دخلت علي الصادق عليه السّلام فاستقبلني زرارة خارجا من عنده، فقال لي الصادق عليه السّلام: «يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيّ شيء كان يريد؟ [أ يريد](3) أن أقول له:

لا، فيروي ذلك عليّ؟» ثمّ قال: «يا وليد متي كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما كانت الشيعة تقول: يؤكل من طعامهم، و يشرب من شرابهم، و يستظلّ بظلّهم، متي كانت الشيعة تسأل عن هذا؟»(4).

و روي حمّاد عن حميد قال: قلت للصادق عليه السّلام: إنّي(5) ولّيت عملار.

ص: 150


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 330:6، 915.
3- ما بين المعقوفين من الكافي.
4- الكافي 105:5، 2، التهذيب 330:6-331، 917.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «إنّي». و ما أثبتناه كما في المصدر.

فهل لي من ذلك مخرج ؟ فقال: «ما أكثر من طلب [من](1) ذلك المخرج فعسر عليه» قلت: فما تري ؟ قال: «أري أن تتّقي اللّه عزّ و جلّ و لا تعود»(2).

و كان النجاشي - و هو رجل من الدهاقين - عاملا علي الأهواز و فارس، فقال بعض أهل عمله للصادق عليه السّلام: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا و هو ممّن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب إليه كتابا، قال:

فكتب إليه كتابا: بسم اللّه الرحمن الرحيم، سرّ أخاك يسرّك اللّه» فلمّا ورد عليه الكتاب و هو في مجلسه و خلا ناوله الكتاب و قال: هذا كتاب الصادق عليه السّلام، فقبّله و وضعه علي عينيه و قال: ما حاجتك ؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك، قال له: كم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثمّ أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثمّ قال: هل سررتك ؟ قال: نعم، قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخري، فقال: هل سررتك ؟ فقال: نعم، جعلت فداك، قال: فأمر له بمركب ثمّ أمر له بجارية و غلام و تخت ثياب في كلّ ذلك يقول: هل سررتك ؟ فكلّما قال: نعم، زاده حتي فرغ قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي فيه، و ارفع إليّ جميع حوائجك، قال: ففعل، و خرج الرجل فصار إلي الصادق عليه السّلام بعد ذلك، فحدّثه بالحديث علي جهته، فجعل يستبشر بما فعله، قال له الرجل: يا بن رسول اللّه فإنّه قد سرّك ما فعل بي ؟ قال: «إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله»(3).5.

ص: 151


1- ما بين المعقوفين من التهذيب. و في الكافي: «من طلب المخرج من ذلك».
2- الكافي 109:5، 15، التهذيب 332:6، 922.
3- الكافي 152:2 (باب إدخال السرور علي المؤمنين) الحديث 9، التهذيب 6: 333-334، 925.
مسألة 658: جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب و ظلم و شبهه حرم أخذها،

فإن أخذها، وجب عليه ردّها علي المالك إن عرفه. و إن لم يعرفه، تصدّق بها عنه و يضمن، أو احتفظها أمانة في يده، أو دفعها إلي الحاكم. و لا يجوز له إعادتها إلي الظالم، فإن أعادها، ضمن، إلاّ أن يقهره الظالم علي أخذها، فيزول التحريم.

أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرها. و إن كان قد قبضها مكرها، زال الضمان أيضا.

و إن لم يعلم تحريمها، كانت حلالا بناء علي الأصل.

قال محمّد بن مسلم و زرارة: سمعناه يقول: «جوائز العمّال ليس بها بأس»(1).

و قال الباقر عليه السّلام: «إنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يقبلان جوائز معاوية»(2).

و لو علم أنّ العامل يظلم و لم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم، جاز شراؤه.

قال معاوية بن وهب: قلت للصادق عليه السّلام: أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنّه يظلم، فقال: «اشتر منه»(3).

قال أبو المغراء: سأل رجل الصادق عليه السّلام و أنا عنده، فقال:

أصلحك اللّه أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: «نعم» قلت:

و أحجّ بها؟ قال: «نعم»(4).

ص: 152


1- التهذيب 336:6، 931.
2- التهذيب 337:6، 935.
3- التهذيب 338:6، 938.
4- الفقيه 108:3، 450، التهذيب 338:6، 942.
مسألة 659: ما يأخذ الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة،

و من الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه و اتّهابه، و لا تجب إعادته علي أصحابه و إن عرفوا، لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع و صاحب الأنعام و الأرض، فإنّه حقّ للّه أخذه غير مستحقّه، فبرئت ذمّته، و جاز شراؤه.

و لأنّ أبا عبيدة سأل الباقر عليه السّلام: عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، فقال: «ما الإبل و الغنم إلاّ مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه» قيل له: فما تري في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا(1) ، نقول: بعناها، فيبيعناها، فما تري في شرائها منه ؟ قال: «إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس» قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما تري في شراء ذلك الطعام منه ؟ فقال: «إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل»(2).

روي عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قال لي: «ما لك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام ؟ إنّي أظنّك ضيّقا» قال: قلت: نعم، فإن شئت وسّعت عليّ، قال: «اشتره»(3).

مسألة 660: إذا كان له مال حلال و حرام، وجب عليه تمييزه منه،

و دفع الحرام إلي أربابه، فإن امتزجا، أخرج بقدر الحرام، فإن جهل أربابه،

ص: 153


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أغنيائنا» بدل «أغنامنا». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 228:5، 2، التهذيب 375:6، 1094.
3- التهذيب 336:6، 932.

تصدّق به عنهم، فإن جهل المقدار، صالح أربابه عليه، فإن جهل أربابه و مقداره، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي.

قال الصادق عليه السّلام: «أتي رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك»(1).

مسألة 661: تكره معاملة من لا يتحفّظ من الحرام،

فإن دفع إليه من الحرام، لم يجز له أخذه و لا شراؤه، فإن أخذه، ردّه علي صاحبه. و إن بايعه بمال يعلم أنّه حلال، جاز. و إن اشتبه، كان مكروها.

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «الحلال بيّن، و الحرام بيّن، و بين ذلك أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتّقي الشبهات استبرأ لدينه و عرضه، و من وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمي يوشك أن يقع فيه، ألا إنّ لكلّ ملك حمي، و حمي اللّه محارمه»(2).

و روي الحسن بن عليّ عليهما السّلام عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه كان يقول: «دع ما يريبك إلي ما لا يريبك»(3).

مسألة 662: الأجير إمّا عامّ أو خاصّ،

فالعامّ هو الذي يستأجر للعمل

ص: 154


1- الكافي 125:5، 5، التهذيب 368:6-369، 1065.
2- صحيح البخاري 20:1، صحيح مسلم 1219:3، 1599، سنن الترمذي 3: 511، 1205، سنن الدارمي 245:2، سنن البيهقي 264:5 باختلاف في بعض الألفاظ.
3- سنن الترمذي 668:4، 2518، سنن النسائي 327:8-328، سنن البيهقي 5: 335، مسند أحمد 329:1، 1724، المستدرك - للحاكم - 13:2، المعجم الكبير - للطبراني - 75:3، 2708، شرح السنّة - للبغوي - 13:5، 2032.

المطلق، فيجوز له فعله مباشرة و تسبيبا. و الخاصّ هو الذي يشترط عليه العمل مباشرة مدّة معيّنة، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلاّ بإذنه.

و(1) لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته(2) فيعطيه رجل آخر دراهم فيقول: اشتر لي كذا و كذا، فما ربحت فبيني و بينك، قال: «إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس»(3).

و يجوز للمطلق.

و ثمن الكفن حلال، و كذا ماء تغسيل الميّت و اجرة البدرقة.

مسألة 663: يجوز لمن مرّ بشيء من الثمرة في النخل

أو الفواكه الأكل منها إن لم يقصد، بل وقع المرور اتّفاقا. و لا يجوز له الإفساد و لا الأخذ و الخروج به، و لا يحلّ له الأكل أيضا مع القصد. و لو أذن المالك مطلقا، جاز.

روي محمّد بن مروان قال: قلت للصادق عليه السّلام: أمرّ بالثمرة فآخذ(4) منها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: فإنّهم قد اشتروها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم»(5).

و عن يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن

ص: 155


1- كذا، و الظاهر زيادة الواو حيث إنّها غير مسبوقة بذكر دليل حتي يتمّ العطف عليه.
2- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق، و في المصدر: «فيبعثه في ضيعته» بدل «فيعينه في صنعته».
3- التهذيب 381:6-382، 1125.
4- في المصدر: «فآكل» بدل «فآخذ».
5- التهذيب 383:6، 1134.

الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط، هل يجوز له أن يأكل من ثمره و ليس يحمله علي الأكل من ثمره إلاّ الشهوة و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره ؟ و هل له أن يأكل منه من جوع ؟ قال: «لا بأس أن يأكل، و لا يحمله و لا يفسده»(1).

و هل حكم الزرع ذلك ؟ إشكال أقربه: المنع، لما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يمرّ علي قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال: «لا» قلت: أيّ شيء سنبلة ؟ قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقي منه شيء»(2).

و كذا الخضراوات و البقول.

و لو منعه المالك، فالوجه: أنّه يحرم عليه التناول مطلقا إلاّ مع خوف التلف.

مسألة 664: روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيعتين في بيعة

(3) .

و فسّر بأمرين:

أحدهما: أن يبيع الشيء بثمن نقدا و بآخر نسيئة. و قد بيّنّا بطلان هذا البيع.

و الثاني: أن يكون المراد به أن يقول: بعتك بكذا علي أن تبيعني أنت كذا بكذا.

و الثاني عندنا صحيح، خلافا للشافعي، لأنّه شرط بيع ماله، و ذلك

ص: 156


1- التهذيب 383:6-384، 1135.
2- التهذيب 385:6، 1140.
3- سنن الترمذي 533:3، 1231، سنن النسائي 296:7، سنن البيهقي 343:5، مسند أحمد 366:2، 6591، و 246:3، 9795، و 297، 10157، الموطّأ 2: 663، 72.

غير واجب بالشرط(1).

و هو ممنوع، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2) و قد تقدّم(3).

مسألة 665: النجش حرام،

لأنّه عليه السّلام نهي عنه(4) ، و هو خديعة، و ليس من أخلاق أهل الدين.

و معناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به المشترون بمواطاة البائع.

و روي أنّه عليه السّلام قال: «لا تناجشوا و لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابروا و كونوا عباد اللّه إخوانا»(5).

إذا ثبت هذا، فإذا اشتري(6) المشتري مع النجش، كان البيع صحيحا - و به قال الشافعي(7) - لأصالة صحّة البيع. و قوله تعالي:

ص: 157


1- مختصر المزني: 88، الحاوي الكبير 341:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، الوسيط 72:3، التهذيب - للبغوي - 537:3، العزيز شرح الوجيز 104:4، روضة الطالبين 64:3، المجموع 338:9.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
3- في ج 10 ص 224 و 250، المسألتان 112 و 118.
4- صحيح البخاري 91:3، سنن ابن ماجة 734:2، 2173، مسند أحمد 2: 171، 5282، و 249، 5828، و 334، 6415.
5- المعجم الصغير - للطبراني - 89:2، تاريخ بغداد 273:2، و بتفاوت في المعجم الأوسط - للطبراني - 157:7، 7021، و المصنّف - لابن أبي شيبة - 6: 571، 2074، و سنن البيهقي 92:6، و مسند أحمد 541:2، 7670.
6- في «س، ي»: «اشتراه».
7- الحاوي الكبير 343:5، المهذّب - للشيرازي - 298:1، حلية العلماء 4: 306، التهذيب - للبغوي - 538:3، العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3، بداية المجتهد 167:2، المغني 300:4، الشرح الكبير 88:4.

وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) السالم عن معارضة النهي، لأنّه لمعني في غير البيع، و إنّما هو الخديعة.

و قال مالك: يكون مفسوخا لأجل النهي عنه(2).

و يثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش، سواء كان ذلك بمواطاة البائع و علمه أو لا إن اشتمل علي الغبن، و إلاّ فلا.

و قال الشافعي: إذا علم أنّه كان نجشا، فإن لم يكن بمواطاة البائع و علم، فلا خيار. و إن كان، فقولان.

أظهرهما: عدم الخيار، لأنّه ليس فيه أكثر من الغبن، و ذلك لا يوجب(3) الخيار، لأنّ التفريط من المشتري حيث اشتري ما لا يعرف قيمته، فهو بمنزلة من اشتري ما لا يعرف قيمته، و غبنه بائعه.

و نحن لمّا أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلّيّة.

و الثاني: أنّه يثبت الخيار - كما قلناه - لأنّه تدليس من جهة البائع، فأشبه التصرية(4).

و لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا و كذا، فصدّقه المشتري فاشتراها بذلك، ثمّ ظهر له كذبه، فإنّ البيع صحيح، و الخيار علي هذين4.

ص: 158


1- البقرة: 275.
2- بداية المجتهد 167:2، حلية العلماء 307:4، العزيز شرح الوجيز 131:4، المغني 300:4، الشرح الكبير 88:4.
3- ظاهر الطبعة الحجريّة: «لا يجيز» بدل «لا يوجب». و ظاهر «س، ي»: «لا يعيّن». و ما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.
4- المهذّب - للشيرازي - 298:1، حلية العلماء 307:4، التهذيب - للبغوي - 3: 538، العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3، المغني 301:4، الشرح الكبير 88:4.

الوجهين(1).

و الأقرب عندي: انتفاء الخيار هنا، لأنّ التفريط من المشتري.

مسألة 666: نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن بيع البعض علي البعض،

فقال:

«لا يبيع(2) بعضكم علي بيع بعض»(3).

و معناه أنّ المتبايعين إذا عقدا البيع و هما في مجلس الخيار، فجاء آخر إلي المشتري فقال له: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي اشتريت به، أو أنا أبيعك خيرا منها بثمنها، أو عرض عليه سلعة حسب ما ذكره.

و الأقرب: أنّه مكروه.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، عملا بظاهر النهي، لأنّ الحديث و إن كان ظاهره ظاهر الخبر إلاّ أنّ المراد به النهي. و لأنّه إضرار بالمسلم(4) و إفساد عليه، فكان حراما(5).

و يمنع ذلك.

فإن خالف و فعل ذلك و بائع المشتري، صحّ البيع، لأنّ النهي لمعني في غير البيع، فأشبه البيع حالة النداء.

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3.
2- كذا، و في بعض المصادر: «لا يبع».
3- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1154:3، 1412، سنن ابن ماجة 2: 733، 2171، سنن الترمذي 587:3، 1292، سنن النسائي 256:7، سنن البيهقي 344:5، مسند أحمد 171:2، 5282، و 249، 5828.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بالمسلمين». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- الحاوي الكبير 343:5-344، المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 3: 65، العزيز شرح الوجيز 130:4-131، روضة الطالبين 81:3، المغني 4: 301، الشرح الكبير 48:4.

و كذا إذا اشتري رجل سلعة بثمن فجاء آخر قبل لزوم العقد، فقال للبائع: أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا، فإنّه مكروه عندنا، و حرام عند الشافعي، لأنّه في معني نهيه عليه السّلام. و لأنّ اللفظ مشتمل عليه، لأنّ اسم البائع يقع عليهما، و لهذا يسمّيان متبايعين. و لأنّه عليه السّلام نهي عن أن يخطب الرجل علي خطبة أخيه(1) ، و المشتري في معني الخاطب(2).

مسألة 667: يكره السوم علي سوم المؤمن،

لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:

«لا يسوم الرجل علي سوم أخيه»(3).

فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع و لم يعقد أو أذن فيه لوكيله، كره السوم.

و قال الشافعي: يحرم، كما تحرم الخطبة(4).

و الأصل عندنا مكروه.

و أمّا إن لم يوجد ذلك و لا ما يدلّ عليه بل سكت و لم(5) يجب إلي البيع، لم يحرم السوم، و به قال الشافعي(6).

و أمّا أن يكون لم يصرّح بالرضا، بل ظهر منه ما يدلّ علي الرضا بالبيع، فهو عند الشافعي مبنيّ علي القولين في الخطبة.

ص: 160


1- سنن البيهقي 180:7، سنن النسائي 258:7، مسند أحمد 287:2، 6100.
2- الحاوي الكبير 344:5، العزيز شرح الوجيز 130:4-131، روضة الطالبين 81:3، المغني 301:4، الشرح الكبير 48:4.
3- سنن الترمذي 587:3، 1292، سنن البيهقي 344:5، شرح معاني الآثار 3:3.
4- الحاوي الكبير 344:5، المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 65:3 - 66، حلية العلماء 308:4، التهذيب - للبغوي - 538:3-539، العزيز شرح الوجيز 130:4، روضة الطالبين 80:3.
5- في الطبعة الحجريّة: «فلم».
6- المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 66:3، العزيز شرح الوجيز 130:4، روضة الطالبين 81:3.

قال في القديم: تحرم الخطبة، لعموم النهي.

و قال في الجديد: لا تحرم، لحديث فاطمة بنت قيس، و قوله [صلّي اللّه عليه و آله] لها: «انكحي أسامة» و قد خطبها معاوية و أبو جهم(1) ، فالبيع مثل ذلك(2).

هذا إذا تساوما بينهما، فأمّا إذا كانت السلعة في النداء، فإنّه يجوز أن يستامها واحد بعد واحد، لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع واحد، بل سامها للكلّ و لم يخصّ واحدا.

و أصله أنّ رجلا من الأنصار شكا إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله الشدّة و الجهد، فقال له: «ما بقي لك شيء؟» فقال: بلي قدح و حلس، قال: «فأتني بهما» فأتاه بهما، فقال: «من يبتاعهما؟» فقال رجل: أنا أبتاعهما بدرهم، و قال(3) رجل آخر: عليّ درهمين، فقال النبيّ: «هما لك بالدرهمين»(4).

و لأنّه قد يبيعهما من واحد و يقصد إرفاقه و يخصّصه(5) ، فإذا سامها آخر، فسد غرضه، و إذا نادي عليها، فلم يقصد إلاّ طلب الثمن، فافترقا.

تذنيب: يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس، لدلالته علي شدّة الحرص في طلب الدنيا، لأنّه وقت طلب الرزق من اللّه تعالي.

و لما رواه عليّ بن أسباط رفعه، قال: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس»(6).2.

ص: 161


1- صحيح مسلم 1114:2، 1480، سنن البيهقي 177:7-178، 181، 471، شرح معاني الآثار 5:3 و 6.
2- الحاوي الكبير 345:5، العزيز شرح الوجيز 130:4.
3- في «س، ي»: «فقال».
4- سنن ابن ماجة 740:2، 2198، سنن أبي داود 120:2، 1641، مسند أحمد 558:3-559، 11724 بتفاوت.
5- في الطبعة الحجريّة: «أو تخصيصه».
6- الكافي 152:5، 12.

و تكره الزيادة وقت النداء، بل إذا سكت المنادي، زاد، لقول الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يقول: إذا نادي المنادي فليس لك أن تزيد، و إنّما يحرّم الزيادة النداء، و يحلّها السكوت»(1).

مسألة 668: لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئا إلاّ بإذنه

- إلاّ مع خوف التلف - إن كان غنيّا، أو كان الولد ينفق عليه، لأصالة عصمة مال الغير.

و لو كان الولد صغيرا أو مجنونا، فالولاية للأب، فله الاقتراض مع العسر و اليسر.

و يجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل، و يكون موجبا قابلا، و أن يقوّم جاريته عليه، و يطأها حينئذ.

و لو كان الأب معسرا، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مئونة نفسه خاصّة إذا منعه الولد.

روي محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يحتاج إلي مال ابنه، قال: «يأكل منه ما شاء من غير سرف» و قال: «و في كتاب عليّ عليه السّلام أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له أن يقع علي جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لأبيك»(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لرجل: أنت و مالك لأبيك» ثمّ قال الباقر عليه السّلام: «لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه

ص: 162


1- الكافي 305:5-306، 8، و بتفاوت يسير في التهذيب 227:7-228، 994.
2- التهذيب 343:6، 961، و في الاستبصار 48:3، 157 عن الإمام الباقر عليه السّلام.

ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يحبّ الفساد»(1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده، قال: «لا، إلاّ أن يضطرّ إليه، فليأكل منه بالمعروف، و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذن والده»(2).

مسألة 669: و الولد يحرم عليه مال والده،

فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا إلاّ بإذنه، فلو اضطرّ الولد المعسر إلي النفقة و منعه الأب، كان للولد أن يأخذ قدر مئونته، لأنّه كالدّين علي الأب.

و يحرم علي الامّ أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلاّ إذا منعها النفقة الواجبة عليه.

و كذا يحرم علي الولد أخذ مال الأمّ إلاّ إذا وجب نفقته عليها و منعته.

و ليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوّغنا ذلك للأب، لأنّ الولاية له دونها، لما رواه - في الحسن - محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه، قال: «يأكل منه، فأمّا الأمّ فلا تأكل منه إلاّ قرضا علي نفسها»(3).

و يجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير و يحجّ عنه، للولاية.

و لما رواه سعيد بن يسار قال: قلت للصادق عليه السّلام: أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال: «نعم» قلت: أ يحجّ حجّة الإسلام و ينفق منه ؟ قال: «نعم بالمعروف» ثمّ قال: «نعم، يحجّ منه و ينفق منه، إنّ مال الولد

ص: 163


1- الكافي 135:5، 3، التهذيب 343:6، 962، الإستبصار 48:3، 158.
2- الكافي 135:5، 2، التهذيب 344:6، 963، الاستبصار 48:3-49، 159، و فيها: «فيأكل» بدل «فليأكل».
3- الكافي 135:5، 1، التهذيب 344:6، 964، الاستبصار 49:3، 160.

للوالد، و ليس للولد أن ينفق من مال والده إلاّ بإذنه»(1).

و سأل ابن سنان - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده ؟ قال: «أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلاّ أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه» قال: «و يعلن ذلك.. فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية، فأحبّ أن يفتضّها فليقوّمها علي نفسه قيمة ثمّ يصنع بها ما شاء، إن شاء وطئ، و إن شاء باع»(2).

و علي هذا تحمل الأحاديث المطلقة.

مسألة 670: لا يحلّ لكلّ من الزوجين أن يأخذ من مال الآخر شيئا،

لأصالة عصمة مال الغير، إلاّ بإذنه، فإن سوّغت له ذلك، حلّ.

و لو دفعت إليه مالا و قالت له: اصنع به ما شئت، كره له أن يشتري به جارية و يطأها، لأنّ ذلك يرجع بالغمّ عليها.

روي هشام عن الصادق عليه السّلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول: اعمل به و اصنع به ما شئت، أ له أن يشتري الجارية ثمّ(3) يطأها؟ قال: «ليس له ذلك»(4) و مقصود الإمام عليه السّلام الكراهة، لأصالة الإباحة.

روي الحسين بن المنذر قال: قلت للصادق عليه السّلام: دفعت إليّ امرأتي مالا أعمل به، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال: فقال: «أرادت أن تقرّ

ص: 164


1- التهذيب 345:6، 967، الاستبصار 50:3، 165.
2- التهذيب 345:6، 968، الاستبصار 50:3، 163.
3- كلمة «ثمّ» لم ترد في المصدر.
4- التهذيب 346:6-347، 975.

عينك و تسخن عينها»(1).

و قد وردت رخصة في أنّ المرأة لها أن تتصدّق بالمأدوم إذا لم تجحف به، إلاّ أن يمنعها فيحرم.

قال ابن بكير: سألت الصادق عليه السّلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه ؟ قال: «المأدوم»(2).

و سأل عليّ بن جعفر أخاه (موسي بن جعفر عليهما السّلام)(3): عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه ؟ قال: «لا، إلاّ أن يحلّلها»(4).

مسألة 671: في الاحتكار قولان لعلمائنا:

التحريم، و هو أصحّ قولي الشافعي(5) ، لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يحتكر إلاّ خاطئ»(6) أي آثم.

و قال عليه السّلام: «الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»(7).

و قال عليه السّلام: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من اللّه و بريء اللّه منه»(8).

ص: 165


1- التهذيب 347:6، 976.
2- الكافي 137:5 (باب الرجل يأخذ من مال امرأته..) الحديث 2، التهذيب 6: 346، 973.
3- بدل ما بين القوسين في «س، ي»: «الكاظم عليه السّلام».
4- التهذيب 346:6، 974.
5- المهذّب - للشيرازي - 299:1، حلية العلماء 318:4، العزيز شرح الوجيز 4: 126، روضة الطالبين 78:3.
6- صحيح مسلم 1228:3، 130، سنن ابن ماجة 728:2، 2154، سنن أبي داود 271:3، 3447، سنن الترمذي 567:3، 1267، سنن الدارمي 248:2.
7- سنن ابن ماجة 728:2، 2153، سنن البيهقي 30:6، سنن الدارمي 249:2.
8- المستدرك - للحاكم - 11:2-12، مسند أحمد 116:2، 4865.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ»(1).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدّة و البلاء ثلاثة أيّام، فما زاد علي الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد في العسرة علي ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون»(3).

و روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله «من احتكر علي المسلمين لم يمت حتي يضربه اللّه بالجذام و الإفلاس»(4).

و الكراهة، للأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام»(5).

مسألة 672: الاحتكار هو حبس الحنطة و الشعير

و التمر و الزبيب و السمن و الملح بشرطين: الاستبقاء للزيادة، و تعذّر غيره، فلو استبقاها لحاجته أو وجد غيره، لم يمنع.

و قيل: أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام، و في الرخص أربعين

ص: 166


1- التهذيب 159:7، 701، الإستبصار 114:3، 403.
2- الكافي 165:5، 7، الفقيه 169:3، 751، التهذيب 159:7، 702، الإستبصار 114:3، 404.
3- الكافي 165:5، 7، التهذيب 159:7، 703، الاستبصار 114:3، 405.
4- سنن ابن ماجة 729:2، 2155، الترغيب و الترهيب 583:2، 4 بتفاوت.
5- الكافي 165:5، 5، التهذيب 160:7، 708، الاستبصار 115:3-116، 411.

يوما(1).

و فسّر الشافعيّة الاحتكار: أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه و غلاة علي الناس فحبسه عنهم(2).

فأمّا إذا اشتري في حال سعته، و حبسه ليزيد نفعه(3) ، أو كان له طعام في زرعه فحبسه، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة، فأمّا إذا كان بهم ضرورة، وجب عليه بذله لهم لأحيائهم، و به قال الشافعي(4) أيضا.

و لا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه و عياله ثمّ يفضل شيء فيبيعه في وقت الغلاء.

و لا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.

و لا بأس أن يمسك غلّة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء، و لكنّ الأولي أن يبيع ما فضل عن كفايته.

و هل يكره إمساكه ؟ للشافعيّة وجهان(5).

و تحريم الاحتكار مختصّ بالأقوات، و منها: التمر و الزبيب، و لا يعمّ جميع الأطعمة، قاله الشافعي(6).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن»(7).6.

ص: 167


1- القائل بذلك من أصحابنا الإماميّة هو الشيخ الطوسي في النهاية: 374-375.
2- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «ليريد منعه». و في «ي»: «ليزيد منعه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3.
5- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3-79.
6- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 79:3.
7- الكافي 164:5، 1، التهذيب 159:7، 704، الاستبصار 114:3، 406.

و سأل الحلبي الصادق عليه السّلام: عن الزيت، فقال: «إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل»(2).

مسألة 673: يجبر الإمام أو نائبه المحتكر علي البيع.

و هل يسعّر عليه ؟ قولان لعلمائنا، المشهور: العدم، لما رواه العامّة أنّ السعر غلا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقالوا: يا رسول اللّه سعّر لنا، فقال: «إنّ اللّه هو المسعّر القابض الباسط، و إنّي لأرجو أن ألقي ربّي و ليس أحد(3) منكم يطلبني بمظلمة بدم و لا مال»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فقد الطعام علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأتي المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه فقد الطعام و لم يبق منه شيء إلاّ عند فلان، فمره يبع، قال: فحمد اللّه و أثني عليه، ثمّ قال:

يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد فقد إلاّ شيئا عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه»(5) ففوّض السعر إليه.

و عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلي بطون الأسواق و حيث تنظر

ص: 168


1- الكافي 164:5-165، 3، التهذيب 160:7، 706، الإستبصار 3: 115، 409.
2- الكافي 164:5-165، 3، التهذيب 160:7، 706، الإستبصار 3: 115، 409.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لأحد». و ما أثبتناه من المصادر.
4- سنن ابن ماجة 741:2، 2200، سنن أبي داود 272:3، 3451، سنن الدارمي 249:2، مسند أحمد 629:3، 12181، العزيز شرح الوجيز 127:4.
5- الكافي 164:5، 2، التهذيب 159:7، 705، الإستبصار 114:3، 407.

الأبصار إليها، فقيل لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لو قوّمت عليهم، فغضب عليه السّلام حتي عرف الغضب من وجهه، فقال: أنا أقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلي اللّه يرفعه إذا شاء، و يخفضه إذا شاء»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجوز أن يسعّر حالة الرخص عندنا و عند الشافعي(2).

و أمّا حالة الغلاء فكذلك عندنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: يجوز له أن يسعّر - و به قال مالك - رفقا بالضعفاء.

و أصحّهما: أنّه لا يجوز تمكينا للناس من التصرّف في أموالهم.

و لأنّهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع، فيشتدّ الأمر(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الطعام يجلب إلي البلدة، فالتسعير حرام. و إن كان يزرع بها و يكون عند التناه(4) فيها، فلا يحرم(5).

و حيث جوّزنا التسعير فإنّما هو في الأطعمة خاصّة دون سائر الأقمشة و العقارات.

و يلحق بها علف الدوابّ، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(6).

و إذا قلنا بالتسعير فسعّر الإمام فخالف واحد، عزّر، و صحّ البيع.3.

ص: 169


1- التهذيب 161:7-162، 713، الاستبصار 114:3-115، 408.
2- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
3- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
4- في «العزيز شرح الوجيز»: «الغلاء» بدل «التناه». و في «ي»: «التناء». و الظاهر أنّ كلمة «التناه» مأخوذة من ناه الشيء ينوه: ارتفع و علا. انظر: لسان العرب 13: 550 «نوه».
5- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
6- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.

و للشافعي في صحّته قولان(1).

مسألة 674: تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعا.

و هل هو حرام أو مكروه ؟ الأقرب: الثاني، لأنّ العامّة روت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا تتلقّوا الركبان للبيع»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

لا يتلقّي أحدكم تجارة خارجا من المصر، و لا يبيع حاضر لباد، و المسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعض»(3).

و صورته أن ترد طائفة إلي بلد بقماش ليبيعوا فيه، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد و معرفة سعره. فإن اشتري منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد، صحّ البيع، لأنّ النهي لا يعود إلي معني في البيع، و إنّما يعود إلي ضرب من الخديعة و الإضرار، لأنّ في الحديث «فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق»(4) فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد و يعرفوا السعر، و بعده يثبت لهم الخيار مع الغبن، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. و لو انتفي الغبن، فلا خيار.

و قال الشافعي: إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائدا، ففي ثبوت الخيار(5) وجهان:

أحدهما: يثبت، لظاهر الخبر.

ص: 170


1- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
2- سنن البيهقي 348:5، مسند أحمد 294:3، 10138.
3- الكافي 168:5 (باب التلقّي) الحديث 1، التهذيب 158:7، 697.
4- صحيح مسلم 1157:3، 17، سنن البيهقي 348:5.
5- في «س»: «ثبوته» بدل «ثبوت الخيار».

و أصحّهما: العدم، لأنّه لم يوجد تغرير و خيانة(1).

و لا فرق بين أن يكون مشتريا منهم أو بائعا عليهم.

و لو ابتدأ الباعة و التمسوا منه الشراء مع علم منهم بسعر البلد أو غير علم، فالأقرب: ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.

و للشافعي(2) القولان السابقان.

و لو خرج اتّفاقا لا بقصد التلقّي، بل خرج لشغل(3) آخر من اصطياد و غيره فرآهم مقبلين فاشتري منهم شيئا، لم يكن قد فعل مكروها.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يعصي، لشمول المعني.

و الثاني: لا يعصي، لأنّه لم يتلقّ.

و الأظهر عندهم: الأوّل(4).

فعلي الثاني لا خيار لهم و إن كانوا مغبونين، عند الشافعي(5).

و عندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقا.

و قال بعض الشافعيّة: إن أخبر بالسعر كاذبا، ثبت(6) الخيار.

و حيث ثبت الخيار فهو علي الفور، كخيار العيب.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و هو أصحّهما. و الثاني: أنّه يمتدّ ثلاثة أيّام، كخيار التصرية(7).

و لو تلقّي الركبان و باع منهم ما يقصدون شراءه في البلد، فهو3.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
2- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بشغل».
4- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
5- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
6- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
7- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.

كالتلقّي.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: لا يثبت فيه حكمه، لأنّ النهي ورد عن الشراء.

و الثاني: نعم، لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم(1).

و قال مالك: البيع باطل(2).

و حدّ التلقّي عندنا أربعة فراسخ، فإن زاد علي ذلك، لم يكره و لم يكن تلقّيا، بل كان تجارة و جلبا، لما رواه منهال عن الصادق عليه السّلام قال: قال: «لا تلقّ فإنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن التلقّي» قلت: و ما حدّ التلقّي ؟ قال: «ما دون غدوة أو روحة» قلت: و كم الغدوة و الروحة ؟ قال:

«أربعة فراسخ» قال ابن أبي عمير: و ما فوق ذلك فليس بتلقّ(3).

مسألة 675: يكره أن يبيع حاضر لباد

فيكون الحاضر وكيلا للبادي.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لا يبيع حاضر لباد»(4).

و صورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلي بلد أو قرية فيجيء إليه الحاضر في البلد فيقول: لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيّام بأكثر من ثمنه الآن.

و ليس محرّما، للأصل.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، للنهي(5).

و يحصل له الإثم بشروط أربعة:

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
2- العزيز شرح الوجيز 129:4.
3- الكافي 169:5، 4، التهذيب 158:7، 699.
4- صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن ابن ماجة 734:2، 2176، سنن الترمذي 3: 525، 1222، سنن النسائي 256:7، سنن البيهقي 346:5.
5- الحاوي الكبير 347:5، العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.

أ - أن يكون البدوي يريد البيع.

ب - أن يريد بيعه في الحال.

ج - أن يكون بالناس حاجة إلي المتاع و هم في ضيق.

د - أن يكون الحاضر استدعي منه ذلك.

روي ابن عباس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا يبيع حاضر لباد» قال طاوس:

و كيف لا يبيع ؟ فقال: لا يكون له سمسارا(1).

و الأصل في المنع أنّ فيه إدخال الضرر علي أهل الحضر و تضييقا عليهم، فلهذا نهي عنه.

فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها، جاز ذلك، لأنّه إذا لم يكن بأهل البلد حاجة، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.

و كذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال، فإنّه يجوز للحضري أن يتولّي له البيع.

و لو وجدت الشرائط و خالف الحاضر و باع، صحّ البيع، لأنّ النهي لا لمعني يعود إلي البيع.

و شرط بعض الشافعيّة أن يكون الحاضر عالما بورود النهي فيه، و هذا شرط يعمّ جميع المناهي. و أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، فإن لم تظهر إمّا لكبر البلد و قلّة ذلك الطعام أو لعموم وجوده و رخص السعر، ففيه عندهم وجهان، أوفقهما لمطلق الخبر: أنّه يحرم. و الثاني: لا، لأنّ المعني المحرّم تفويت الرزق، و الربح علي الناس، و هذا المعني لم يوجد هنا. و أن يكون المتاع المجلوب إليه ممّا تعمّ الحاجة إليه، كالصوف و الأقط5.

ص: 173


1- صحيح البخاري 94:3، صحيح مسلم 1157:3، 1521، سنن أبي داود 3: 269، 3439، سنن البيهقي 346:5.

و سائر أطعمة القري، و أمّا ما لا يحتاج إليه إلاّ نادرا فلا يدخل تحت النهي(1).

و لو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظّه، قال بعض الشافعيّة: إذا كان الرشد في الادّخار و البيع علي التدريج، وجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة(2).

و قال بعضهم: لا يرشده إليه توسّعا علي الناس(3).

مسألة 676: روي العامّة أنّه قد نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عن بيع العربان

(4) .

و يقال: عربون، و أربان و أربون. و العامّة يقولون: ربون.

و هو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا علي أنّه إن أخذ السلعة، كان المدفوع من الثمن. و إن لم يدفع الثمن و ردّ السلعة، لم يسترجع ذلك المدفوع - و به قال الشافعي(5) - للنهي الذي رواه العامّة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا يجوز بيع العربون إلاّ أن يكون نقدا من الثمن»(6).

و قال أحمد: لا بأس به، لما روي أنّ نافع بن عبد الحارث اشتري لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر، و إلاّ له كذا و كذا. و ضعّف

ص: 174


1- الحاوي الكبير 347:5-348، العزيز شرح الوجيز 127:4-128، روضة الطالبين 79:3.
2- العزيز شرح الوجيز 128:4، روضة الطالبين 79:3-80.
3- العزيز شرح الوجيز 128:4، روضة الطالبين 79:3-80.
4- سنن ابن ماجة 738:2، 2192، سنن أبي داود 283:3، 3502، سنن البيهقي 342:5.
5- حلية العلماء 313:4، العزيز شرح الوجيز 134:4، المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4.
6- الكافي 233:5 (باب العربون) الحديث 1، التهذيب 234:7، 1021.

حديث النهي(1).

قالت الشافعيّة: إنّه ليس بصحيح، لأنّه شرط أن يكون للبائع شيء بغير عوض، فهو كما لو شرط للأجنبيّ(2).

و يفسّر العربون أيضا بأن يدفع دراهم إلي صانع ليعمل له شيئا من خاتم يصوغه أو خفّ يخرزه أو ثوب ينسجه علي أنّه إن رضيه بالمدفوع في الثمن، و إلاّ لم يستردّه منه. و هما(3) متقاربان.

مسألة 677: بيع التلجئة باطل عندنا،

و هو أن يتّفقا علي أن يظهرا العقد خوفا من ظالم من غير بيع، و يتواطؤ علي الاعتراف بالبيع، أو لغير ذلك - و به قال أحمد و أبو يوسف و محمّد(4) - لأنّ الأصل بقاء الملك علي صاحبه، و لم يوجد ما يخرجه عن أصالته. و لأنّهما لم يقصدا البيع، فلا يصحّ منهما، كالهازلين.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: هو صحيح، لأنّ البيع تمّ بأركانه و شروطه خالية عن مقارنة مفسد، فصحّ، كما لو اتّفقا علي شرط فاسد ثمّ عقدا البيع بغير شرط(5).

و نمنع تماميّة البيع.

و لو تبايعا بعد ذلك بعقد صحيح، صحّ البيع إن لم يوقعاه قاصدين لما تقدّم من المواطاة، لأصالة الصحّة، و عدم صلاحية سبق المواطاة للمانعيّة.

و كذا لو اتّفقا علي أن يتبايعا بألف و يظهرا ألفين فتبايعا بألفين، فإنّ

ص: 175


1- المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4، حلية العلماء 313:4، المجموع 335:9.
2- المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4.
3- أي: هذا التفسير و التفسير المتقدّم في صدر المسألة.
4- المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4، بدائع الصنائع 176:5، المجموع 334:9.
5- المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4، بدائع الصنائع 176:5، المجموع 334:9.

البيع لازم، و الاتّفاق السابق لا يؤثّر، قاله الشافعي، و رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(1).

و روي محمّد عن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ البيع إلاّ علي أن يتّفقا علي أنّ الثمن ألف درهم و يتبايعاه بمائة دينار، فيكون الثمن مائة دينار استحسانا - و إليه ذهب أبو يوسف و محمّد - لأنّه إذا تقدّم الاتّفاق، صارا كالهازلين بالعقد، فلم يصحّ العقد(2).

قالت الشافعيّة: الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثّر فيه، كما لو اتّفقا علي شرط فاسد ثمّ عقدا العقد، فإنّه لا يثبت فيه(3).

مسألة 678: قد ذكرنا أنّ التجارة مستحبّة.

قال الصادق عليه السّلام: «ترك التجارة ينقص العقل»(4).

و قال الصادق عليه السّلام لمعاذ في حديث: «اسع علي عيالك، و إيّاك أن يكونوا هم السعاة عليك»(5).

إذا ثبت هذا، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أوّلا فيتفقّه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثمّ ارتطم»(6).

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول علي المنبر: «يا معشر التجّار الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، و اللّه للربا في هذه الأمّة أخفي من دبيب النملة علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدقة(7) ، التاجر فاجر، و الفاجر في النار إلاّ

ص: 176


1- المجموع 334:9.
2- المجموع 334:9.
3- المجموع 334:9.
4- الكافي 148:5، 1، التهذيب 2:7، 1.
5- الكافي 148:5-149، 6، التهذيب 2:7-3، 3.
6- الكافي 154:5، 23، الفقيه 120:3، 513، التهذيب 5:7، 14.
7- في الكافي «بالصدق».

من أخذ الحقّ و أعطي الحقّ»(1).

«و كان عليّ عليه السّلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا و معه الدرّة علي عاتقه.. فيقف علي أهل كلّ سوق فينادي: يا معشر التجّار اتّقوا اللّه عزّ و جلّ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم و أرعوا إليه بقلوبهم و سمعوا بآذانهم، فيقول: قدّموا الاستخارة، و تبرّكوا بالسهولة، و اقتربوا من المتبايعين، و تزيّنوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، و أوفوا الكيل و الميزان، وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ، وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ، فيطوف في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس»(2).

مسألة 679: يكره الحلف علي البيع،

و كتمان العيب، و مدح البائع، و ذمّ المشتري، و المبادرة إلي السوق أوّلا، لما فيه من شدّة الحرص في الدنيا.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من باع و اشتري فليحفظ خمس خصال، و إلاّ فلا يشتر و لا يبع: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذمّ إذا اشتري»(3).

و قال الكاظم عليه السّلام: «ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم، أحدهم: رجل اتّخذ اللّه عزّ و جلّ بضاعة لا يشتري إلاّ بيمين و لا يبيع إلاّ بيمين»(4).

ص: 177


1- الكافي 150:5، 1، الفقيه 121:3، 519، التهذيب 6:7، 16.
2- الكافي 151:5، 3، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ، التهذيب 6:7، 17.
3- التهذيب 6:7، 18، و في الكافي 150:5-151، 2، و الفقيه 120:3 - 121، 515 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
4- الكافي 162:5، 3، التهذيب 13:7، 56.

و قال الصادق عليه السّلام: «إيّاكم و الحلف، فإنّه يمحق البركة، و ينفق السلعة»(1).

و تكره معاملة ذوي العاهات.

قال الصادق عليه السّلام: «لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شيء»(2).

و كذا تكره مخالطة السفلة و المحارفين و الأكراد، و لا يعامل إلاّ من نشأ في خير.

قال الصادق عليه السّلام: «إيّاكم و مخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول إلي خير»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا تشتر من محارف، فإنّ حرفته لا بركة فيها»(4).

و سأل أبو الربيع الشامي الصادق عليه السّلام، فقلت: إنّ عندنا قوما من الأكراد و إنّهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم و نبايعهم، فقال:

«يا أبا الربيع لا تخالطوهم، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّه عنهم الغطاء، فلا تخالطوهم»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا تخالطوا و لا تعاملوا إلاّ من نشأ في الخير»(6).

و استقرض قهرمان لأبي عبد اللّه عليه السّلام من رجل طعاما للصادق عليه السّلام، فألحّ في التقاضي، فقال له الصادق عليه السّلام: «ألم أنهك أن تستقرض ممّن6.

ص: 178


1- التهذيب 13:7، 57.
2- الكافي 158:5، 3، التهذيب 11:7، 40.
3- الكافي 158:5، 7، التهذيب 10:7، 38.
4- التهذيب 11:7، 41.
5- الكافي 158:5، 2، التهذيب 11:7، 42.
6- الكافي 158:5، 5، الفقيه 100:3، 388، التهذيب 10:7، 36.

لم يكن له فكان»(1).

مسألة 680: يستحبّ إنظار المعسر، و إقالة النادم،

لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتي ضمن له إقالة النادم و إنظار المعسر و أخذ الحقّ وافيا أو غير واف(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يكون الوفاء حتي يرجّح»(3).

و قال: «لا يكون الوفاء حتي يميل الميزان»(4).

و لا ينبغي أن يتعرّض للكيل أو الوزن(5) إلاّ من يعرفهما حذرا من أخذ مال الغير.

مسألة 681: لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة

التي لا يظهر فيها المبيع ظهورا بيّنا، حذرا من الغشّ.

قال هشام بن الحكم: كنت أبيع السابري في الظلال، فمرّ بي الكاظم عليه السّلام فقال: «يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحلّ»(6).

و يحرم أن يزيّن المتاع بأن يظهر جيّده و يكتم رديئه.

قال الباقر عليه السّلام: «مرّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أري طعامك إلاّ طيبا، و سأل عن سعره، فأوحي اللّه تعالي [إليه](7) أن يدير يده في الطعام، ففعل فأخرج طعاما رديئا، فقال لصاحبه:

ص: 179


1- الكافي 158:5، 4، التهذيب 10:7، 39.
2- الكافي 151:5، 4، التهذيب 5:7، 15.
3- الكافي 160:5 (باب الوفاء و البخس) الحديث 5، التهذيب 11:7، 43.
4- الكافي 159:5، 1، التهذيب 11:7، 44.
5- في «ي»: «للكيل و الوزن». و في الطبعة الحجريّة: «الكيل و الوزن».
6- الكافي 160:5-161، 6، التهذيب 13:7، 54.
7- ما بين المعقوفين من المصدر.

ما أراك إلاّ قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين»(1).

مسألة 682: إذا قال له إنسان: اشتر لي، فلا يعطه

مسألة 682: إذا قال له إنسان: اشتر لي، فلا يعطه(2) من عنده

و إن كان الذي عنده أجود، لأنّه إنّما أمره بالشراء، و هو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا قال لك الرجل: اشتر لي، فلا تعطه من عندك و إن كان الذي عندك خيرا منه»(3).

و سأل إسحاق الصادق عليه السّلام: عن الرجل يبعث إلي الرجل فيقول له:

ابتع لي ثوبا، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده، قال: «لا يقربن هذا و لا يدنس نفسه، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (4) و إن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده»(5).

مسألة 683: إذا قال التاجر لغيره: هلمّ أحسن إليك،

باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا قال الرجل للرجل: هلمّ أحسن بيعك، يحرم عليه الربح»(6).

و يكره الربح علي المؤمن، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادق عليه السّلام: «ربح المؤمن علي المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر

ص: 180


1- الكافي 161:5، 7، التهذيب 13:7، 55.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا يعطيه».
3- الكافي 151:5-152، 6، التهذيب 352:6، 998، و 6:7-7، 19.
4- الأحزاب: 72.
5- التهذيب 352:6، 999.
6- الكافي 152:5، 9، الفقيه 173:3، 774، التهذيب 7:7، 21.

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم»(1).

و ينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس، و الجاهل بمنزلة البصير المذاق.

قال قيس: قلت للباقر عليه السّلام: إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلي غيره، فقال: «إن ولّيت أخاك فحسن، و إلاّ فبع بيع البصير المذاق»(2).

و عن الصادق عليه السّلام في رجل عنده بيع و سعّره سعرا معلوما، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر، و من ماكسه فأبي أن يبتاع منه زاده» قال: «لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله لمن أبي عليه و يماكسه(3) و يمنعه من لا يفعل فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعا واحدا»(4).

مسألة 684: يستحبّ إذا دخل السوق الدعاء

و سؤال اللّه تعالي أن يبارك له فيما يشتريه و يخير له فيما يبيعه، و التكبير و الشهادتان عند الشراء.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا دخلت سوقك فقل: اللّهمّ إنّي أسألك من خيرها و خير أهلها، و أعوذ بك من شرّها و شرّ أهلها، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغي عليّ أو أعتدي أو يعتدي عليّ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس و جنوده و شرّ فسقة العرب و العجم، و حسبي اللّه

ص: 181


1- الكافي 154:5، 22، التهذيب 7:7، 23، الاستبصار 69:3، 232.
2- التهذيب 7:7، 24، و في الكافي 153:5-154، 19 عن ميسّر عن الإمام الصادق عليه السّلام.
3- في المصدر: «كايسه» بدل «ماكسه».
4- الكافي 152:5، 10، التهذيب 8:7، 25.

الذي لا إله إلاّ هو عليه توكّلت، و هو ربّ العرش العظيم»(1).

و إذا اشتري المتاع، قال ما روي عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبّر، ثمّ قل: اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك، فاجعل فيه فضلا، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك، فاجعل لي فيه رزقا، ثمّ أعد علي(2) كلّ واحدة ثلاث مرّات»(3).

قال الصادق عليه السّلام: «و إذا أراد أن يشتري شيئا قال: يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رءوف يا رحيم، أسألك بعزّتك و قدرتك و ما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا و أوسعها فضلا و خيرها عاقبة فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له» قال الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت دابّة أو رأسا فقل:

اللّهمّ ارزقني أطولها حياة و أكثرها منفعة و خيرها عاقبة»(4).

مسألة 685: ينبغي له إذا بورك له في شيء من أنواع التجارة

أو الصناعة أن يلتزم به. و إذا تعسّر عليه فيه رزقه، تحوّل إلي غيره.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا رزقت في(5) شيء فالزمه»(6).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئا فليتحوّل إلي غيرها»(7).

ص: 182


1- الكافي 156:5، 2، التهذيب 9:7، 32.
2- كلمة «علي» لم ترد في الكافي.
3- الكافي 156:5، 1، التهذيب 9:7، 33.
4- الكافي 157:5، 3، التهذيب 9:7-10، 34.
5- في الفقيه و التهذيب: «من» بدل «في».
6- الكافي 168:5 (باب لزوم ما ينفع من المعاملات) الحديث 3، الفقيه 3: 104، 423، التهذيب 14:7، 60.
7- الكافي 168:5، 2، التهذيب 14:7، 59.

و ينبغي له التساهل و الرفق في الأشياء.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «بارك اللّه علي سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء»(1).

مسألة 686: يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لماله أن يتناول اجرة المثل،

لأنّه عمل يستحقّ عليه أجرة، فيساوي(2) اليتيم غيره.

و سأل هشام بن الحكم الصادق عليه السّلام فيمن تولّي مال اليتيم ماله أن يأكل منه ؟ قال: «ينظر إلي ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك»(3).

و يستحبّ له التعفّف مع الغني، قال اللّه تعالي وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ (4).

مسألة 687: يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابن سنان الكاظم عليه السّلام عن الإجارة، فقال: «صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، فقد آجر موسي عليه السّلام نفسه و اشترط فقال: إن شئت ثماني و إن شئت عشرا، و أنزل اللّه عزّ و جلّ فيه أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (5)»(6).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادق عليه السّلام،

ص: 183


1- التهذيب 18:7، 79.
2- في «ي» و ظاهر «س»: «فساوي».
3- التهذيب 343:6، 960.
4- النساء: 60.
5- القصص: 27.
6- الكافي 90:5، 2، الفقيه 106:3، 442، التهذيب 353:6، 1003، الاستبصار 55:3، 178.

قال: قلت له: الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اعطي ما يصيب في تجارته، فقال: «لا يواجر نفسه، و لكن يسترزق اللّه عزّ و جلّ و يتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر علي نفسه الرزق»(1) لأنّه محمول علي الكراهة، لعدم الوثوق بالنصح(2).

و أقول: لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد، فإنّ التجارة أولي، لما فيها من توسعة الرزق، و قد نبّه عليه السّلام في الخبر عليه. و لأنّه قد روي «أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء، تسعة أجزاء منها(3) في التجارة، و الباقي في سائر الأجزاء(4)»(5).

مسألة 688: يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب،

و لا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج: قلت للباقر عليه السّلام: أصلحك اللّه ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلي أهل الشام فأبيعهم فلمّا عرّفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل إلي أعداء اللّه، فقال: «احمل إليهم فإنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلي عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك»(6).

ص: 184


1- التهذيب 353:6، 1002، الاستبصار 55:3، 177.
2- التهذيب 353:6، ذيل الحديث 1003، الاستبصار 55:3، ذيل الحديث 178.
3- في «س، ي»: «منه».
4- كذا قوله: «في سائر الأجزاء». و نصّ الرواية في المصدر هكذا: «الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة و واحدة في غيرها».
5- الكافي 318:5-319، 59، الفقيه 120:3، 510.
6- الكافي 112:5، 2، التهذيب 353:6، 1004، الاستبصار 58:3، 189.

و قال حكم السرّاج للصادق عليه السّلام: ما تري فيما يحمل إلي الشام من السروج و أداتها؟ فقال: «لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج»(1).

و قال السرّاد للصادق عليه السّلام: إنّي أبيع السلاح، قال: «لا تبعه في فتنة»(2).

و يجوز بيع ما يكنّ من النبل لأعداء الدين، لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادق عليه السّلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح ؟ فقال:

«بعهما ما يكنّهما، الدرع و الخفّين و نحو هذا»(3).

مسألة 689: يجوز الأجر علي الختان و خفض الجواري.

قال الصادق عليه السّلام: «لمّا هاجرن النساء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها: أمّ حبيب و كانت خافضة تخفض الجواري، فلمّا رآها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لها: يا أمّ حبيب، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم ؟ قالت: نعم يا رسول اللّه إلاّ أن يكون حراما فتنهاني عنه، قال:

لا، بل حلال فادني منّي حتي أعلّمك، فدنت منه، فقال: يا أمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي، أي لا تستأصلي، و أشمّي فإنّه أشرق للوجه و أحظي عند الزوج».

قال: «و كانت لأمّ حبيب أخت يقال لها: أمّ عطيّة ماشطة، فلمّا

ص: 185


1- التهذيب 354:6، 1005، الاستبصار 57:3، 187، و في الكافي 112:5، 1 بتفاوت يسير.
2- الكافي 113:5، 4، التهذيب 354:6، 1007، الإستبصار 57:3، 186.
3- الكافي 113:5، 3، التهذيب 354:6، 1006، الاستبصار 57:3-58، 188.

انصرفت أمّ حبيب إلي أختها أخبرتها بما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فأقبلت أمّ عطيّة إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فأخبرته بما قالت لها أختها، فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

ادني منّي يا أمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه»(1).

مسألة 690: يكره كسب الإماء و الصبيان.

قال الصادق عليه السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلاّ أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهي عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق»(2).

و يكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته، لما فيه من كثرة الحرص علي الدنيا و ترك الالتفات إلي أمور الآخرة.

قال الصادق عليه السّلام: «من بات ساهرا في كسب و لم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت»(4).

و هو محمول علي الكراهة الشديدة، أو علي التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسألة 691: يجوز بيع عظام الفيل و اتّخاذ الأمشاط و غيرها منها،

لأنّها طاهرة ينتفع بها، فجاز بيعها، للمقتضي للجواز، السالم عن المانع.

و لأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظم عليه السّلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه

ص: 186


1- الكافي 118:5، 1، التهذيب 360:6-361، 1035.
2- الكافي 128:5، 8، التهذيب 367:6، 1057.
3- الكافي 127:5، 6، التهذيب 367:6، 1059.
4- الكافي 127:5، 7، التهذيب 367:6، 1058.

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: «لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط»(1).

و كذا يجوز بيع الفهود و سباع الطير.

سأل عيص بن القاسم - في الصحيح - الصادق عليه السّلام عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: «نعم»(2).

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن القرد أن يشتري أو يباع»(3).

و في الطريق قول، فالأولي الكراهة.

و دخل إلي الصادق عليه السّلام رجل فقال له: إنّي سرّاج أبيع جلود النمر، فقال: «مدبوغة هي ؟» قال: نعم، قال: «ليس به بأس»(4).

مسألة 692: لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «الهديّة علي ثلاثة وجوه: هديّة مكافأة، و هديّة مصانعة، و هديّة للّه عزّ و جلّ»(5).

و روي إسحاق بن عمّار قال: قلت له: الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها و لا أعطيه شيئا أ تحلّ لي ؟ قال: «نعم، هي لك حلال و لكن لا تدع أن تعطيه»(6).

ص: 187


1- الكافي 226:5، 1، التهذيب 373:6، 1083.
2- الكافي 226:5، 4، التهذيب 373:6، 1085.
3- الكافي 227:5، 7، التهذيب 374:6، 1086، و 134:7، 594.
4- الكافي 227:5، 9، التهذيب 135:7، 595.
5- الكافي 141:5، 1، التهذيب 378:6، 1107.
6- الكافي 143:5، 6، الفقيه 192:3، 872، التهذيب 379:6، 1112.

و قال محمّد بن مسلم: «جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة»(1).

و هي مستحبّة مرغّب فيها، لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها»(2).

و قبولها مستحبّ، اقتداء برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فإنّه قال: «لو اهدي إليّ كراع لقبلت»(3).

و لو أهدي إليه هديّة طلبا لثوابها فلم يثبه، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقية، لما رواه عيسي بن أعين قال: سألت الصادق عليه السّلام عن رجل أهدي إلي رجل هديّة و هو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتي هلك و أصاب الرجل هديّته بعينها، أ له أن يرتجعها إن قدر علي ذلك ؟ قال:

«لا بأس أن يأخذه»(4).

مسألة 693: لا يجوز عمل التماثيل و الصور المجسّمة.

و لا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل، كالفراش و شبهه، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّما(5) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها، قال:

«لا بأس بما يبسط منها و يفرش و يوطأ، و إنّما يكره منها ما نصب علي الحائط و علي السرير»(6).

مسألة 694: يجوز لمن أمره غيره بشراء شيء أن يأخذ منه

علي ذلك

ص: 188


1- الكافي 143:5، 10، التهذيب 379:6، 1113.
2- الكافي 144:5، 12، التهذيب 380:6، 1115.
3- الكافي 141:5، 2، التهذيب 378:6، 1108.
4- الفقيه 192:3، 871، التهذيب 380:6، 1116.
5- كذا في المصدر و الطبعة الحجريّة، و في «س، ي»: «إنّا» بدل «إنّما».
6- التهذيب 381:6، 1122.

الجعل، لأنّه فعل مباح.

و لما رواه ابن سنان عن الصادق عليه السّلام، قال: سأله أبي و أنا حاضر، فقال: ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم و نجعل له جعلا، فقال الصادق عليه السّلام: «لا بأس به»(1).

مسألة 695: لا بأس بالزراعة، بل هي مستحبّة.

روي سيابة أنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام: أسمع قوما يقولون: إنّ الزراعة مكروهة، فقال: «ازرعوا و اغرسوا، فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحلّ و لا أطيب منه، و اللّه لنزرعنّ الزرع و لنغرسنّ(2) غرس النخل بعد خروج الدجّال»(3).

و سأل هارون بن يزيد الواسطي الباقر عليه السّلام(4) عن الفلاّحين، فقال:

«هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه، و ما في الأعمال شيء أحبّ إلي اللّه من الزراعة، و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ زارعا، إلاّ إدريس عليه السّلام فإنّه كان خيّاطا»(5).

مسألة 696: يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك،

و إلاّ حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه: رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف، و يشارطونه علي شيء مسمّي أن يأخذ منهم إذا صاروا إلي الأمن، هل يحلّ له أن يأخذ منهم ؟ فوقّع عليه السّلام «إذا واجر(6)

ص: 189


1- التهذيب 381:6، 1124.
2- في «ي» و الطبعة الحجريّة و الكافي: «ليزرعنّ.. ليغرسنّ».
3- الكافي 260:5، 3، التهذيب 384:6-385، 1139.
4- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في المصدر: «يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام».
5- التهذيب 384:6، 1138.
6- في المصدر: «آجر».

نفسه بشيء معروف أخذ حقّه إن شاء اللّه»(1).

مسألة 697: يكره بيع العقار إلاّ لضرورة.

قال أبان بن عثمان: دعاني الصادق عليه السّلام فقال: «باع فلان أرضه ؟» فقلت: نعم، فقال: «مكتوب في التوراة أنّه من باع أرضا أو ماء و لم يضعه في أرض و ماء ذهب ثمنه محقا»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «مشتري العقدة مرزوق و بائعها ممحوق»(3).

و قال مسمع للصادق عليه السّلام: إنّ لي أرضا تطلب منّي و يرغّبوني، فقال لي: «يا أبا سيّار أ ما علمت أنّه من باع الماء و الطين و لم يجعل ماله في الماء و الطين ذهب ماله هباء» قلت: جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت، فقال: «لا بأس»(4).

مسألة 698: يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد،

لأنّه قد صار ملكا للبائع بالعقد، فيندرج تحت قوله تعالي وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ (5).

و روي إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السّلام، قال: اشتريت للصادق عليه السّلام جارية فلمّا ذهبت أنقدهم قلت: أستحطّهم، قال: «لا، إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الاستحطاط بعد الصفقة»(6).

ص: 190


1- التهذيب 385:6، 1141.
2- الكافي 91:5، 3، التهذيب 387:6-388، 1155.
3- الكافي 92:5، 4، التهذيب 388:6، 1156.
4- التهذيب 388:6، 1157، و بتفاوت في الكافي 92:5، 8.
5- هود: 85.
6- الكافي 286:5 (باب الاستحطاط بعد الصفقة) الحديث 1، التهذيب 7: 233، 1017، الاستبصار 73:3، 243.

قال الشيخ: إنّه محمول علي الكراهة(1) ، لما روي معلّي بن خنيس عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع، قال:

«لا بأس به» و أمرني فكلّمت له رجلا في ذلك(2).

و عن يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يستوهب من الرجل الشيء بعد ما يشتري فيهب له، أ يصلح له ؟ قال: «نعم»(3).

و كذا في الإجارة. روي عليّ أبو الأكراد عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة و فيه النقش فأشارط النقاش علي شيء فيما بيني و بينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة، فإذا بلغ الحساب قلت له: أحسن، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه، قال:

«بطيب نفسه ؟» قلت: نعم، قال: «لا بأس»(4).

مسألة 699: أصل الأشياء الإباحة إلاّ أن يعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - قال: «كلّ شيء يكون منه حرام و حلال فهو حلال لك أبدا حتي تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه»(5).

و قال عليه السّلام: «كلّ شيء هو لك حلال حتي تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها علي هذا حتي يستبين لك غير

ص: 191


1- التهذيب 233:7، ذيل الحديث 1017، الاستبصار 74:3، ذيل الحديث 245.
2- التهذيب 233:7، 1018، الاستبصار 73:3، 244.
3- التهذيب 233:7-234، 1019، الاستبصار 74:3، 245.
4- التهذيب 234:7، 1020.
5- الكافي 313:5، 39، التهذيب 226:7، 988.

ذلك أو تقوم به البيّنة»(1).

مسألة 700: لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق،

فإنّ علي بن بلال روي عن الحسين الجمّال قال: شهدت إسحاق بن عمّار و قد شدّ كيسه و هو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار، فحلّ الكيس و أعطاه دراهم بدينار، فقلت له: سبحان اللّه ما كان فضل هذا الدينار، فقال إسحاق بن عمّار: ما فعلت هذا رغبة في الدينار، و لكن سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير»(2).

مسألة 701: ينبغي الاقتصاد في المعيشة و ترك الإسراف.

قال الباقر عليه السّلام: «من علامات المؤمن ثلاث: حسن التقدير في المعيشة، و الصبر علي النائبة، و التفقّه في الدين» و قال: «ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [لا](3) لدنياه و لا لآخرته»(4).

و قال الصادق عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلي عُنُقِكَ (5) قال: «ضمّ يده» فقال: «هكذا» وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ (6) قال: «و بسط راحته» و قال: «هكذا»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «ثلاثة من السعادة: الزوجة الموافقة(8) ، و الأولاد البارّون، و الرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه و يروح»(9).

ص: 192


1- الكافي 313:5-314، 40، التهذيب 226:7، 989.
2- الكافي 311:5، 30، التهذيب 227:7، 993.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- التهذيب 236:7، 1028.
5- الإسراء: 29.
6- الإسراء: 29.
7- التهذيب 236:7، 1031.
8- في المصدر: «المؤاتية» بدل «الموافقة».
9- التهذيب 236:7، 1032، و في الكافي 258:5 (باب أنّ من السعادة..) الحديث 2 بتفاوت يسير.
الفصل الثاني: في الشفعة
اشارة

الشفعة مأخوذة من قولك: شفعت كذا بكذا، إذا جعلته شفعا به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه.

و أصلها التقوية و الإعانة، و منه الشفاعة و الشفيع، لأنّ كلّ واحد من الموترين(1) يتقوّي بالآخر.

و في الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه، المنتقلة عنه بالبيع، أو حقّ تملّك قهري يثبت(2) للشريك القديم علي الحادث، و ليست بيعا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

و لا بدّ في الشفعة من مشفوع - و هو المأخوذ بالشفعة، و هو محلّها - و من آخذ له، و من مأخوذ منه، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: المحلّ.
اشارة

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

و اعلم أنّ أعيان الأموال علي أقسام ثلاثة:
الأوّل: الأراضي.

و تثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف - إلاّ من الأصمّ(3) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة فيما

ص: 193


1- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة.
2- في «س، ي»: «ثبت».
3- حلية العلماء 263:5، المغني و الشرح الكبير 460:5.

لم يقسم، فإذا وقعت(1) الحدود فلا شفعة»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة لا تكون إلاّ لشريك»(3).

احتجّ الأصمّ علي قوله بنفي الشفعة في كلّ شيء: بأنّ في إثباتها إضرارا بأرباب الأملاك، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه، لم يبتعه، و يتقاعد الشريك بالشريك، و يستضرّ المالك(4).

و هو غلط، لما تقدّم من الأخبار. و ما ذكره غلط، لأنّا نشاهد البيع يقع كثيرا و لا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. و أيضا فإنّ له مدفعا إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

و تثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شيء من المنقولات، و يوزّع الثمن عليهما بالنسبة، و يأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني: المنقولات،

كالأقمشة و الأمتعة و الحيوانات، و فيها لعلمائنا قولان:

أحدهما - و هو المشهور -: أنّه لا شفعة فيها - و به قال الشافعي(5) -

ص: 194


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «وضعت» بدل «وقعت». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر، و كذا تأتي الرواية أيضا بعنوان «وقعت» في ص 207-208.
2- الموطّأ 713:2، 1، التمهيد 37:7-44، سنن أبي داود 285:3، 3514، سنن البيهقي 103:6 و 105، معرفة السنن و الآثار 308:8، 11986.
3- التهذيب 164:7، 725.
4- المغني و الشرح الكبير 460:5.
5- المهذّب - للشيرازي - 383:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 116، الوجيز 1: 215، الوسيط 69:4، حلية العلماء 263:5، التهذيب - للبغوي - 337:4، العزيز شرح الوجيز 482:5 و 483، روضة الطالبين 155:4، منهاج الطالبين: 151.

لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا شفعة إلاّ في ربع أو حائط»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، ثمّ قال: لا ضرر و لا إضرار»(2).

و قول الصادق عليه السّلام: «ليس في الحيوان شفعة»(3).

و لأنّ الأصل عدم الشفعة، ثبت في الأراضي بالإجماع، فيبقي الباقي علي المنع.

و الثاني لعلمائنا: تثبت الشفعة في كلّ المنقولات - و به قال مالك في إحدي الروايات عنه(4) - لما رواه العامّة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «الشفعة في كلّ شيء»(5).

و من طريق الخاصّة: رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الشفعة لمن هي ؟ و في أيّ شيء هي ؟ و لمن تصلح ؟ و هل تكون في الحيوان شفعة ؟ و كيف هي ؟ فقال: «الشفعة جائزة في كلّ شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره، و إن زاد علي4.

ص: 195


1- نصب الراية 178:4 نقلا عن البزار في مسنده.
2- الكافي 280:5، 4، الفقيه 45:3، 154، التهذيب 164:7، 727.
3- التهذيب 165:7، 733، الإستبصار 117:3-118، 419.
4- حلية العلماء 263:5-264، العزيز شرح الوجيز 483:5، المغني 464:5، الشرح الكبير 472:5.
5- سنن الترمذي 654:3، 1371، سنن البيهقي 109:6، المعجم الكبير - للطبراني - 123:11، 11244، شرح معاني الآثار 125:4.

الاثنين فلا شفعة لأحد منهم»(1).

و لأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة، و ذلك حاصل فيما ينقل.

و الجواب: أنّ خبر العامّة و خبر الخاصّة معا مرسلان، و أخبارنا أشهر، فيتعيّن العمل بها و طرح أخبارهم. و الضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق، و ذلك يختصّ بالأرض دون غيرها، فافترقا.

و قد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات:

روي الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه، فيقول صاحبه: أنا أحقّ به، إله ذلك ؟ قال: «نعم إذا كان واحدا» فقيل: في الحيوان شفعة ؟ فقال: «لا»(2).

و عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت للصادق عليه السّلام: المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحقّ به، إله ذلك ؟ قال: «نعم إذا كان واحدا»(3).

و عن مالك رواية اخري: أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة(4).

الثالث: الأعيان التي كانت منقولة في الأصل ثمّ أثبتت في الأرض للدوام،

كالحيطان و الأشجار، و إن بيعت منفردة، فلا شفعة فيها علي المختار، لأنّها في حكم المنقولات، و كانت في الأصل منقولة، و ستنتهي

ص: 196


1- الكافي 281:5، 8، التهذيب 164:7-165، 730، الإستبصار 116:3، 413.
2- الكافي 210:5، 5، التهذيب 166:7، 735، الاستبصار 116:3، 415.
3- التهذيب 165:7-166، 734، الإستبصار 116:1، 414.
4- حلية العلماء 263:5-264، العزيز شرح الوجيز 483:5، بدائع الصنائع 5: 12.

إليه و إن طال أمدها، و ليس معها ما تجعل تابعة له، و به قال الشافعي(1).

و حكي بعض أصحابه قولا آخر: أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض(2).

و لو بيعت الأرض وحدها، ثبتت الشفعة فيها، و يكون الشفيع معه كالمشتري.

و إن بيعت الأبنية و الأشجار مع الأرض، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ «الرّبع»(3) و هو يتناول الأبنية، و في بعض أخبار الخاصّة: «و المساكن»(4) و هو يتناول الأبنية أيضا، و في بعضها:

«الدار»(5) و هو يتناول الجدران و السقوف و الأبواب.

مسألة 702: الأثمار علي الأشجار

- سواء كانت مؤبّرة أو لا - إذا بيعت معها و مع الأرض، لا تثبت فيها الشفعة - و به قال الشافعي(6) - و كذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع، لأنّها لا تدوم في الأرض.

و كذا الزروع الثابتة في الأرض، لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة، كالفدان(7) الذي يعمل فيها، و عكسه

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:5.
3- تقدّمت الإشارة إلي مصدره في ص 195، الهامش (1).
4- تقدّمت الإشارة إلي مصدره في ص 195، الهامش (2).
5- راجع: الكافي 280:5، 2، و التهذيب 165:7، 731، و الاستبصار 3: 117، 417.
6- المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 265:5، التهذيب - للبغوي - 4: 344، العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1967، المغني 464:5، الشرح الكبير 471:5.
7- الفدان: الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب 321:13 «فدن».

البناء و الشجر.

و قال الشيخ و أبو حنيفة و مالك: تدخل الثمار و الزروع مع أصولها و مع الأرض التي نبت الزرع بها(1) ، لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة، فتثبت الشفعة فيها، كالبناء و الغراس(2).

و يمنع الاتّصال، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

و في الدولاب الغرّاف و الناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله، فكان كالبناء.

و الأقرب: عدم الدخول.

و لا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسألة 703: قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات،

و لا فرق بين أن تباع منفردة أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

و عن مالك رواية ثالثة أنّها: إن بيعت وحدها، فلا شفعة فيها. و إن بيعت مع الأرض، ففيها الشفعة، لئلاّ تتفرّق الصفقة(3).

و الجواب: المعارضة بالنصوص.

و لو كانت الثمرة غير مؤبّرة، دخلت في المبيع شرعا، و لا يأخذها الشفيع، لأنّها منقولة. و لأنّ المؤبّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها، و هو

ص: 198


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت الزرع فيها» بدل «نبت الزرع بها».
2- الخلاف 440:3، المسألة 15، المبسوط - للطوسي - 119:3، المبسوط - للسرخسي - 134:14، بدائع الصنائع 27:5-28، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1967، المدوّنة الكبري 427:5، حلية العلماء 265:5، العزيز شرح الوجيز 484:5، المغني 464:5، الشرح الكبير 471:5.
3- العزيز شرح الوجيز 483:5.

أحد قولي الشافعي. و الآخر: أنّها تدخل في الشفعة، لدخولها في مطلق البيع(1).

و علي هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتي تأبّرت، فوجهان للشافعيّة:

أظهرهما: الأخذ، لأنّ حقّه تعلّق بها، و زيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

و الثاني: المنع، لخروجها عن كونها تابعة للنخل.

و علي هذا فبم يأخذ الأرض و النخيل ؟ وجهان:

أشبههما: بحصّتهما من الثمن كما في المؤبّرة، و هو مذهبنا.

و الثاني: بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص(2).

و لو كانت النخيل حائلة عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع، فإن كانت مؤبّرة، لم يأخذها. و إن كانت غير مؤبّرة، فعلي قولين(3).

و عندنا لا يأخذها، لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع، و الشفعة ليست بيعا.

و إذا بقيت الثمرة للمشتري، فعلي الشفيع إبقاؤها إلي الإدراك مجّانا.

و هذا إذا بيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها، أمّا إذا بيعت الأشجار و مغارسها لا غير، فوجهان للشافعي، و كذا لو باع الجدار مع الأسّ:

أحدهما: أنّه تثبت الشفعة، لأنّها أصل ثابت.3.

ص: 199


1- المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 265:5، العزيز شرح الوجيز 5: 484، روضة الطالبين 156:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4.
3- التهذيب - للبغوي - 344:4-345، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:3.

و أشبههما: المنع، لأنّ الأرض هنا تابعة، و المتبوع منقول(1).

و عندنا أنّ قبل القسمة تثبت الشفعة، و إلاّ فلا.

مسألة 704: لو باع شقصا فيه زرع لا يجزّ مرارا و أدخله في البيع،

أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن دون الزرع، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة و مالك(3) ، و قد سبق(4).

و إن كان ممّا يجزّ مرارا، فالجزّة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبّرة، و الأصول كالأشجار، قاله الشافعي(5).

و عندنا أنّه لا يدخل في الشفعة أيضا و لا في البيع علي ما تقدّم(6).

أمّا ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب و الرفوف و المسامير فالأقرب: أنّه يؤخذ بالشفعة تبعا، كالأبنية.

و لو باع شقصا من طاحونة، لم يدخل شيء من الأحجار فيها علي ما تقدّم(7).

و قال الشافعي: يؤخذ التحتاني(8) إن قلنا بدخوله في البيع، و في الفوقاني وجهان(9).

ص: 200


1- الوسيط 70:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:4.
2- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 4: 156.
3- العزيز شرح الوجيز 485:5.
4- في ص 197-198، المسألة 702.
5- العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:4.
6- في ص 47، المسألة 572.
7- في ص 59، ضمن المسألة 576، القسم الثالث.
8- أي: الحجر التحتاني.
9- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 4: 157.
مسألة 705: شرطنا في محلّ الشفعة من العقار كونه ثابتا.

و احترزنا بالثابت عمّا إذا كان بين اثنين غرفة عالية أو حجرة معلّقة علي سقف لأحدهما أو لغيرهما، فإذا باع [أحدهما](1) نصيبه، فلا شفعة لشريكه، لأنّه لا أرض لها و لا ثبات فأشبهت المنقولات.

و لو كان السقف لهما و بيع معها، فالأقرب: أنّه لا شفعة لشريكه أيضا، لأنّ الأرض التي لهما لا ثبات لها، و ما لا ثبات له في نفسه لا يعدّ(2) ثباتا لما هو عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و الثاني: أنّ الشفعة تثبت، للاشتراك بينهما أرضا و جدرانا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ ما هو أرضهما لا ثبات له.

و لو كان السفل بين اثنين و العلوّ لأحدهما فباع صاحب العلوّ العلوّ و نصيبه من السفل، كان للشفيع أخذ السفل لا غير، لأنّ الشفعة لا تثبت في الأرض إلاّ إذا كانت مشتركة، فكذلك ما فيها من الأبنية، و لا شركة بينهما في العلوّ، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّ الشريك يأخذ السفل و نصف العلوّ بالشفعة، لأنّ الأرض مشتركة بينهما، و ما فيها تابع لها، ألا تري أنّه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق، فكذلك في الشفعة(6). و ليس بشيء.

و لو كانت بينهما أرض مشتركة، و فيها أشجار لأحدهما، فباع صاحب الأشجار الأشجار و نصيبه من الأرض، ففيه الخلاف المذكور.

مسألة 706: يشترط كون المبيع مشتركا بين اثنين لا أزيد،

فلو تعدّد

ص: 201


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- كذا، و الظاهر: «لا يفيد» بدل «لا يعدّ».
3- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
4- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
5- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
6- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.

الشركاء و زادوا علي اثنين، فلا شفعة عند أكثر علمائنا(1) ، خلافا للعامّة.

لنا: الأصل عدم الشفعة، أثبتناها في الاثنين، دفعا لضرورة الشركة، و هذا المعني منتف في حقّ الزائد علي الاثنين، فيبقي علي أصالة العدم.

و ما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله «أنّه قضي بالشفعة في كلّ مشترك(2) لم يقسم ربع أو حائط لا يحلّ له أن يبيعه حتي يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، و إن شاء ترك، فإن باعه و لم يؤذنه فهو أحقّ به»(3) و هو يدلّ علي الاقتصار علي الواحد.

و من طريق الخاصّة: رواية عبد اللّه بن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا ثلاثة، فليس لواحد منهم شفعة»(4).

و في رواية يونس - السابقة(5) - عن الصادق عليه السّلام: «و إن زاد علي الاثنين فلا شفعة لأحد منهم».

و قال بعض(6) علمائنا - و هو قول الجمهور كافّة -: إنّها تثبت مع الكثرة، لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: «الشفعة علي عدد الرجال»(7).6.

ص: 202


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 618، و الشيخ الطوسي في النهاية: 424، و سلاّر في المراسم: 183، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 361.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة، و في المصدر: «شركة» بدل «مشترك».
3- صحيح مسلم 1229:3، 134، سنن النسائي 320:7.
4- الكافي 281:5، 7، التهذيب 164:7، 729، الإستبصار 116:3، 412.
5- في ص 195-196.
6- الشيخ الصدوق في الفقيه 46:3، ذيل الحديث 162.
7- التهذيب 166:7، 736، الاستبصار 116:3-117، 416.

و الطريق ضعيف لا يعوّل عليه.

إذا ثبت هذا، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا، فقال بعضهم: إنّها علي عدد الرءوس(1). و قال بعضهم: إنّها علي عدد الأنصباء(2).

مسألة 707: شرطنا في المأخوذ أن كان ممّا يقبل القسمة،

كالبساتين و الدور المتّسعة و غيرها، لأنّ ما لا يقبل القسمة - كالحمّام و الدار الضيّقة و العضائد الضيّقة و ما أشبه ذلك - لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا(3) - و به قال عثمان و ربيعة و الشافعي و مالك في إحدي الروايتين(4) - لأنّ الشفعة تضرّ بالبائع، لأنّه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة، و قد يمتنع المشتري لأجل الشفيع، و لا يمكنه القسمة، فيسقط حقّ الشفعة، فلهذا لم تجب الشفعة.

ص: 203


1- الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الوسيط 94:4، حلية العلماء 292:5، التهذيب - للبغوي - 361:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4، المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5.
2- الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الوسيط 94:4، حلية العلماء 292:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:3، المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5.
3- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 441:3، المسألة 16، و سلاّر في المراسم: 183، و المحقّق الحلّي في المختصر النافع: 257.
4- المغني 465:5 و 466، الشرح الكبير 468:5 و 469، معالم السنن - للخطّابي - 172:5، المهذّب - للشيرازي - 384:1، الوجيز 215:1، حلية العلماء 268:5، التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 157:4 و 158، و في الخلاف - للشيخ الطوسي - 441:3، المسألة 16 حكاية قول عثمان أيضا.

و لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

لا شفعة في سفينة و لا في نهر و لا في طريق»(1).

و قال بعض(2) علمائنا: تثبت فيه الشفعة - و به قال الثوري و مالك في الرواية الأخري، و أبو حنيفة و أصحابه، و أبو العباس بن سريج من الشافعيّة، و نقله قولا آخر للشافعي(3) - لعموم قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة جائزة في كلّ شيء»(4).

و لأنّ الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة، و الضرر في هذا النوع أكثر، لأنّه يتأبّد ضرره.

و الرواية مقطوعة السند.

و أصل اختلاف الشافعيّة هنا مبنيّ علي علّة ثبوت الشفعة في المنقسم(5) إن قلنا: إنّها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبّد و يدوم، كتضيّق المداخل، و التأذّي بحرفة(6) الشريك أو أخلاقه(7) أو كثرة الداخلين عليه، و ما أشبه ذلك.ر.

ص: 204


1- الكافي 282:5، 11، التهذيب 166:7، 738، الاستبصار 118:3، 420.
2- كالسيّد المرتضي في الانتصار: 215، و ابن إدريس في السرائر 389:2.
3- المغني 465:5-466، الشرح الكبير 469:5، معالم السنن - للخطّابي - 5: 172، الهداية - للمرغيناني - 34:4، المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 268:5، التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 157:4.
4- الكافي 281:5، 8، التهذيب 164:7، 730، الإستبصار 116:3، 413.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التقسيم» بدل «المنقسم». و الصحيح ما أثبتناه.
6- في الطبعة الحجريّة: «بخراءة» بدل «بحرفة» و لها وجه، و في «س، ي» بدلهما: «بجزية». و هي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «اختلافه» بدل «أخلاقه». و ما أثبتناه من المصدر.

و أصحّهما: أنّها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل مئونتها، و الحاجة إلي أفراد الحصّة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصّة صاحبه، كالمصعد و المبرز و البالوعة و نحوها، و كلّ واحد من الضررين و إن كان حاصلا قبل البيع لكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقّه أن يخلص الشريك ممّا هو فيه ببيعه منه، فإذا لم يفعل، سلّطه الشرع علي أخذه. فإن قلنا بالأصحّ، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم، لأنّه يؤمن فيه من ضرر القسمة. و إن قلنا بالأوّل، ثبتت الشفعة فيه(1).

مسألة 708: المراد من المنقسم ما يتجزّأ

و يكون كلّ واحد من جزأيه منتفعا به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره، و لا عبرة بإمكان الانتفاع به من وجوه أخر، للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.

و قيل: المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصانا فاحشا، فلو كانت قيمة الدار مائة و لو قسّمت عادت قيمة كلّ نصف إلي ثلاثين، لم تقسّم، لما فيها من الضرر(2).

و قيل: إنّه الذي يبقي منتفعا به بعد القسمة بوجه ما، أمّا إذا خرج عن حدّ الانتفاع بالكلّيّة - أمّا لضيق الخطّة و قلّة النصيب، أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها وحدها، كشرب القنا(3) ، و مصراعي الباب - فلا ينقسم(4).

مسألة 709: إذا كانت الطاحونة أو الحمّام كبيرين

يمكن إفراد حصّة

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 487:5.
2- التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 157:4.
3- في «العزيز شرح الوجيز» بدل «كشرب القنا»: «كماء سراب القنا». و لعلّها: «كأسراب القنا». و السرب: القناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط. لسان العرب 466:1 «سرب».
4- التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 4: 157-158.

كلّ منهما عن صاحبه من غير تضرّر، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما، أو كان في الرحي أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلّ منهما بحجرين، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة، أو كان الحمّام كثير البيوت يمكن جعله حمّامين، أو متّسع البيوت يمكن جعل كلّ بيت بيتين، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبني فيها فتجعل بئرين لكلّ واحدة بياض يقف فيه المستقي و يلقي فيه ما يخرج منها، تثبت الشفعة في ذلك كلّه.

و لو كان بين اثنين دار ضيّقة لأحدهما عشرها، فإن قلنا بثبوت الشفعة فيما لا يقسم، فأيّهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. و إن حكمنا بمنعها، فإن باع صاحب العشر نصيبه، لم تثبت لصاحبه الشفعة، لأنّه آمن من أن يطلب مشتريه القسمة، لانتفاء فائدته فيها، و لو طلب لم يجب إليه، لأنّه متعنّت مضيّع لماله، و إذا كان كذلك، فلا يلحقه ضرر القسمة.

فإن باع الآخر، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العشر وجهان بناء علي أنّ صاحب الأزيد هل يجاب إذا طلب القسمة، لأنّه منتفع بالقسمة ؟ و الظاهر عند الشافعي أنّه يجاب(1). و نحن نقول بخلافه.

و لو كان حول البئر بياض و أمكنت القسمة بأن تجعل البئر لواحد و البياض لآخر، أو كان موضع الحجر و الرحي واحدا و له بيت ينتفع به و أمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد و البيت لآخر، تثبت الشفعة - و هو أحد قولي الشافعي(2) - و هو مبنيّ علي أنّه لا يشترط فيما يصير لكلّ واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة.

و لو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها و بئر يستقي منها باع أحدهما4.

ص: 206


1- العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 158:4.
2- العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 158:4.

نصيبه منهما، تثبت للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر، أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم، و إلاّ ثبتت في المزرعة.

و هل تثبت في البئر؟ الأقوي: أنّها تثبت، لأنّها تابعة، كالأشجار، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و أصحّهما: المنع، و الفرق بين البئر و الأشجار ظاهر، فإنّ الأشجار ثابتة في محلّ الشفعة، و البئر مباينة عنه(2).

و الفرق لا يخرج البئر عن التبعيّة، و يذكر غيره(3) ، كالحائط.

البحث الثاني: في الآخذ.
مسألة 710: أخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكا في المشفوع،

فلا تثبت الشفعة بالجوار، و إنّما تثبت بالخلطة إمّا في الملك أو في طريقه أو نهره أو ساقيته، و به قال عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار القاضي(4).

و وافقنا الشافعي علي أنّ الشفعة لا تثبت للجار - و به قال عمر و عثمان و عمر بن عبد العزيز و سليمان بن يسار و سعيد بن المسيّب و يحيي ابن سعد الأنصاري، و من الفقهاء: ربيعة و مالك و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور(5) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة فيما

ص: 207


1- التهذيب - للبغوي - 341:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 158:4.
2- التهذيب - للبغوي - 341:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 158:4.
3- أي: أنّ الذي يذكر في البيع غير البئر.
4- المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5-467، حلية العلماء 267:5.
5- المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5، الوجيز 215:1، الوسيط 72:4، حلية العلماء 266:5، التهذيب - للبغوي - 337:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 159:4، بداية المجتهد 256:2.

لم يقسم، فإذا وقعت الحدود و صرّفت(1) الطرق فلا شفعة»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «الشفعة لا تكون إلاّ لشريك»(4).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إذا رفّت الأرف(5) و حدّت الحدود فلا شفعة»(6).

و قال أبو حنيفة و الثوري و ابن شبرمة و ابن أبي ليلي: إنّ الشفعة تثبت بالشركة ثمّ بالشركة في الطريق ثمّ بالجوار(7).

و فصّل أبو حنيفة، فقال: يقدّم الشريك، فإن لم يكن شركة و كان الطريق مشتركا كدرب لا ينفذ، فإنّه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، و لو لم يأخذ هؤلاء، تثبت للملاصق من درب آخر خاصّة، لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «الجار أحقّ بسقبه(8)»(9) و قال عليه السّلام: «جار0.

ص: 208


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «ضربت» بدل «صرّفت». و ما أثبتناه من المصادر. انظر: الهامش التالي.
2- صحيح البخاري 114:3، سنن ابن ماجة 835:2، 2499، سنن أبي داود 3: 285، 3514، سنن البيهقي 102:6.
3- الكافي 280:5، 3، الفقيه 46:3، 161، التهذيب 163:7، 724.
4- التهذيب 164:7، 725.
5- الأرفة: الحدّ و معالم الحدود بين الأرضين. الصحاح 1331:4 «أرف».
6- الكافي 280:5، 4، التهذيب 164:7، 727.
7- حلية العلماء 266:5، التهذيب - للبغوي - 339:4، العزيز شرح الوجيز 5: 489، المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5.
8- السّقب: القرب. النهاية - لابن الأثير - 377:2 «سقب».
9- صحيح البخاري 115:3، سنن أبي داود 286:3، 3516، سنن الترمذي 3: 653، ذيل الحديث 1370.

الدار أحقّ بدار جاره أو الأرض»(1)(2).

و الحديث ممنوع، و قد طعن فيه جماعة، لأنّ الحديث الأخير رواه الحسن(3) [عن](4) سمرة(5) ، و قال أصحاب الحديث: لم يرو عنه إلاّ حديثا واحدا، و هو حديث العقيقة(6)(7). و «الجار» في الحديث الأوّل يحمل علي الشريك.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا شفعة للجار، سواء كان ملاصقا أو مقابلا.

و قال أبو حنيفة: للجار الملاصق الشفعة، و للمقابل أيضا إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا(8). و عن ابن سريج من الشافعيّة(9) تخريج كمذهب أبي حنيفة.

مسألة 711: قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة بالجوار

و لا فيما قسّم و ميّز إلاّ أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدار مع الطريق، و البستان مع الشرب أو النهر، لما رواه منصور بن حازم - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن دار فيها دور و طريقهم واحد

ص: 209


1- سنن أبي داود 286:3، 3517.
2- مختصر اختلاف العلماء 239:4، 1947، حلية العلماء 267:5، المغني 5: 461، الشرح الكبير 466:5.
3- و هو: الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش 6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابن». و ذلك تصحيف.
5- و هو: سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.
6- سنن الترمذي 101:4، 1522، سنن البيهقي 303:9، المستدرك - للحاكم - 4: 237، المعجم الكبير - للطبراني - 242:7-243، 6827-6832، المصنّف - لابن أبي شيبة - 48:8، 4290، و 122:14، 18156.
7- التمهيد 37:1، الاستذكار 19:5، 5686، المغني 462:5، الشرح الكبير 5: 468.
8- العزيز شرح الوجيز 489:5.
9- العزيز شرح الوجيز 489:5.

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة ؟ فقال: «إن كان باب الدار و ما حول بابها إلي الطريق غير ذلك، فلا شفعة لهم، و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة»(1).

و عن منصور بن حازم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ واحد منهم قطعة و تركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشتري نصيب بعضهم، إله ذلك ؟ قال: «نعم، و لكن يسدّ بابه و يفتح بابا إلي الطريق، أو ينزل من فوق البيت و يسدّ بابه، و إن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به، و إلاّ فهو طريقه يجيء يجلس علي ذلك الباب»(2).

و عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: دار بين قوم اقتسموها و تركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشتري نصيب بعضهم، إله ذلك ؟ قال: «نعم، و لكن يسدّ بابه و يفتح بابا إلي الطريق أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به، و إن أراد يجيء حتي يقعد علي الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه»(3).

مسألة 712: الدار إمّا أن يكون بابها مفتوحا إلي درب نافذ،

أو غير نافذ، فإن كان الأوّل و لا شريك له في الدار، فلا شفعة فيها لأحد و لا في ممرّها، لأنّ هذا الدرب غير مملوك. و إن كان الثاني، فالدرب ملك مشترك بين سكّانه علي السويّة. فإن باع نصيبه من الممرّ وحده، فللشركاء الشفعة

ص: 210


1- التهذيب 165:7، 731.
2- الكافي 281:5، 9، التهذيب 165:7، 732، الاستبصار 117:3، 418.
3- التهذيب 167:7-168، 743.

إن كان واحدا و أمكن قسمته، و إلاّ فلا.

و إن باع الدار بممرّها فللشريك في الممرّ الشفعة في الدار و طريقها.

و قال الشافعي: لا شفعة له في الدار، لأنّه لا شركة [له](1) فيها، فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك و عقارا غير مشترك(2).

و قال أبو حنيفة(3) كقولنا من إثبات الشفعة.

و إن أرادوا أخذ الممرّ بالشفعة، قال الشافعي: ينظر إن كان للمشتري طريق آخر إلي الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلي شارع، فلهم ذلك علي المشهور إن كان منقسما، و إلاّ فعلي الخلاف في غير المنقسم.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان في اتّخاذ الممرّ الحادث عسر أو مئونة لها وقع، وجب أن يكون ثبوت الشفعة علي الخلاف الآتي(4).

و إن لم يكن له طريق آخر و لا أمكن اتّخاذه، ففيه وجوه:

أحدها: أنّهم لا يمكّنون منه، لما فيه من الإضرار بالمشتري، و الشفعة شرّعت لدفع الضرر، فلا يزال الضرر بالضرر.

و الثاني: أنّ لهم الأخذ، و المشتري هو المضرّ بنفسه حيث اشتري مثل هذه الدار.

و الثالث: أن يقال لهم: إن أخذتموه علي أن تمكّنوا المشتري من المرور، فلكم الأخذ، و إلاّ فلا شفعة لكم جمعا بين الحقّين(5).

و الأقرب عندي: أنّ الطريق إن كان ممّا يمكن قسمته و الشريك واحد4.

ص: 211


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لهم». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.
3- العزيز شرح الوجيز 490:5.
4- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.
5- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.

و بيع مع الدار المختصّة بالبائع صفقة، فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصّة إن شاء، و إن شاء أخذ الجميع. و إن لم يمكن قسمته، لم يكن له أخذه خاصّة، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك.

و إذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين، فالشركة في صحنه كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. و كذا الشركة في مسيل ماء الأرض، دون الأرض.

مسألة 713: لا تثبت الشفعة في المقسوم و الجوار بغير الشركة

في الطريق و النهر و الساقية و لا إذا بيعت الدار منفردة عن الطريق، أمّا لو باعها مع الطريق ثمّ حوّل الباب، ثبتت الشفعة.

و لو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق، فلا شفعة، عملا بالأصل.

و لو كانت المزرعة مختصّة و بئرها التي يسقي الزرع منها مشتركة حتي بيعت المزرعة و البئر، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرّد الشركة في البئر إشكال ينشأ: من الاقتصار علي مورد النصّ فيما يخالف الأصل، و لا شكّ في مخالفة الشفعة للأصل. و من أنّها مشتركة في مسقي.

و الشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممرّ(1).

مسألة 714: يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري مسلما،

و إلاّ فلا تثبت الشفعة للذمّيّ علي المسلم، و تثبت للمسلم علي الذمّي، و للذمّي علي مثله، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا و لو كان أحدهما حربيّا، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشعبي و أحمد و الحسن بن

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.

صالح بن حي(1) - لأنّه نوع سبيل، و قال اللّه تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (2).

و لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا شفعة لذمّيّ علي مسلم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ليس لليهود و النصاري شفعة»(4).

و لأنّه تملّك بغير مملّك، فأشبه الإحياء.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و الأوزاعي و أصحاب أبي حنيفة:

تثبت للذّميّ الشفعة علي المسلم، لأنّ الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال، فاستوي فيه المسلم و الذمّي، كالردّ بالعيب(5).

و يمنع كونها خيارا، و إنّما هو تملّك قهريّ، فلا يثبت للكافر، للآية(6).1.

ص: 213


1- المغني 551:5، الشرح الكبير 543:5، حلية العلماء 271:5، العزيز شرح الوجيز 490:5-491.
2- النساء: 141.
3- لم نقف علي نصّ الحديث في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا، و قد روي البيهقي في السنن الكبري 108:6 عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا شفعة للنصراني». و في ص 109 «ليس لليهودي و النصراني شفعة». و قد أورد الحديث كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 454:3، المسألة 38 من كتاب الشفعة.
4- الكافي 281:5، 6، التهذيب 166:7، 737.
5- بدائع الصنائع 16:5، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1956، المهذّب - للشيرازي - 385:1، حلية العلماء 271:5، التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4، المدوّنة الكبري 453:5، المغني 551:5، الشرح الكبير 543:5-544.
6- النساء: 141.
مسألة 715: تثبت الشفعة للكافر علي الكافر و إن اختلفا في الدين،

لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلّط الكافر علي المسلم، و كالردّ بالعيب.

فإن كان الثمن حلالا، تثبت(1) الشفعة.

و إن كان خمرا أو خنزيرا، فإن لم يتقابضاه و ترافعا إلي الحاكم، أبطل البيع، و سقطت الشفعة.

و إن وقع بعد التقابض و الأخذ بالشفعة، لم يردّه و لا الشفعة، و صحّ البيع و الأخذ.

و إن كان بعد التقابض و قبل الأخذ بالشفعة، لم يردّ البيع، لأنّهما تقابضا الثمن، و لم تثبت الشفعة - و به قال الشافعي(2) - لأنّ البيع وقع بثمن حرام، فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو كان ثمنه مغصوبا.

و قال أبو حنيفة: تجب الشفعة، بناء علي أصله في أنّ الخمر مال لأهل الذمّة(3). و هو غلط.

و لو بيع شقص فارتدّ الشريك، فهو علي شفعته إن كانت ردّته عن غير فطرة، و كان المأخوذ منه كافرا. و إن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه مسلما، فلا شفعة.

قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الردّة لا تزيل الملك، فهو علي شفعته. و إن قلنا: تزيله، فلا شفعة له. فإن عاد إلي الإسلام و عاد ملكه، ففي عود

ص: 214


1- في «س»: «ثبتت».
2- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 159:4-160، بدائع الصنائع 16:5، المغني 552:5، الشرح الكبير 545:5.
3- بدائع الصنائع 16:5، المغني 552:5، الشرح الكبير 545:5، العزيز شرح الوجيز 491:5.

الشفعة خلاف، و الظاهر: المنع، و إن قلنا بالوقف فمات أو قتل علي الردّة، فللإمام أخذه لبيت المال، كما لو اشتري معيبا أو شرط(1) الخيار و ارتدّ و مات، للإمام ردّه. و لو ارتدّ المشتري، فالشفيع علي شفعته(2).

تذنيب: و لو اشتري المرتدّ عن فطرة، فلا شفعة، لبطلان البيع، و عن غير فطرة تثبت الشفعة.

مسألة 716: هل تثبت الشفعة للوقوف علي المساجد و الربط

و المدارس مثلا؟ كدار(3) يستحقّ رجل نصفها و النصف الآخر ملك المسجد اشتراه متولّي المسجد له، أو وهب منه ليصرفه في عمارته، فباع الرجل نصيبه، ففي جواز أخذ المتولّي بالشفعة نظر.

قال الشافعي: له ذلك مع المصلحة، كما لو كان لبيت المال شريك في دار فباع الشريك نصيبه، للإمام الأخذ بالشفعة(4).

و عندي فيه نظر.

و لو كان نصف الدار وقفا و الآخر طلقا فباع صاحب الطلق نصيبه، فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك و كان واحدا، تثبت له الشفعة - علي رأي - لرفع ضرر القسمة و ضرر مداخلة الشريك. و إن قلنا بعدم ملك الموقوف عليه أو كان متعدّدا و قلنا: لا شفعة مع التعدّد، فلا شفعة.

و قال الشافعي: إن قلنا: لا يملك الوقف، فلا شفعة. و إن قلنا:

يملك، فيبني علي أنّ الملك هل يفرز عن الوقف ؟ إن قلنا: نعم، ففي

ص: 215


1- في الطبعة الحجريّة: «بشرط».
2- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 160:4.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «كدار»: «كذا و». و هو تصحيف.
4- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 160:4.

ثبوت الشفعة وجهان:

أحدهما: تثبت لدفع ضرر القسمة، و علي هذا فلو كان الوقف علي غير معيّن، أخذه المتولّي إن رأي المصلحة.

و أظهرهما: المنع، لأنّ الوقف لا يستحقّ بالشفعة، فينبغي أن لا تستحقّ به الشفعة، و لنقص الملك فيه، فإنّه لا ينفذ تصرّفه فيه، فلا يتسلّط علي الأخذ.

و إن قلنا: لا يفرز الملك عن الوقف، فإن منعنا من شفعة ما لا ينقسم، فلا شفعة. و إن أثبتناه، فوجهان(1).

مسألة 717: لا يستحقّ الشريك بالمنفعة شفعة،

فلو كان الشريك لا ملك له في الرقبة بل كان يستحقّ المنافع أمّا موقّتة بالإجارة، أو مؤبّدة بالوصيّة، لم يكن له الأخذ بالشفعة.

و كذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.

و تثبت الشفعة للمكاتب و إن كان من سيّده، فلو كان السيّد و المكاتب شريكين في الدار، فلكلّ منهما الشفعة علي الآخر.

و المأذون له في التجارة إذا اشتري شقصا ثمّ باع الشريك نصيبه، كان له الأخذ بالشفعة، إلاّ أن يمنعه السيّد أو يعفو عن الشفعة، و له العفو و إن كان مديونا معسرا و كان في الأخذ غبطة، كما أنّ له منعه من جميع الاعتياضات في المستقبل.

و لو أراد السيّد أخذه بنفسه، كان له ذلك، لأنّ أخذ العبد أخذ له في الحقيقة.

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 491:5.

و للشفيع الأخذ بنفسه و بوكيله، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ، بل فيمن له الأخذ.

البحث الثالث: في المأخوذ منه.
مسألة 718: إنّما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدّد ملكه بعد ملك الآخذ،

فلو اشتري اثنان دفعة واحدة، لم يكن لأحدهما علي الآخر شفعة، لعدم الأولويّة و عدم إمكان الشركة(1).

و هل يشترط لزوم البيع ؟ [فيه] نظر أقربه: عدم الاشتراط، فلو باع الشقص بخيار لهما أو للبائع، تثبت(2) الشفعة، و لا يسقط خيار البائع.

و قال الشافعي: يشترط اللزوم من طرف البائع، فلا تثبت مع بقاء مدّة الخيار له.

أمّا علي قول: إنّ الملك لا ينتقل إلي المشتري في مدّة الخيار:

فظاهر.

و أمّا علي قول الانتقال: فلأنّ في أخذه إبطال خيار البائع، و لا سبيل للشفيع إلي الإضرار بالبائع و إبطال حقّه(3).

و عن بعض الشافعيّة احتمال ثبوت الشفعة(4).

و علي ما قلناه لا يتأتّي المنع، لأنّا لا نسقط حقّ البائع من الخيار، بل يأخذ الشفيع علي حدّ أخذ المشتري.

ص: 217


1- أي: الشركة في الشفعة.
2- في «س»: «ثبتت».
3- العزيز شرح الوجيز 492:5، روضة الطالبين 160:4-161.
4- العزيز شرح الوجيز 493:5، روضة الطالبين 161:4.

و أمّا إن كان الخيار للمشتري وحده، يبني عندهم علي الأقوال في انتقال الملك، فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل إلاّ بانقطاع الخيار، أو قلنا: هو مراعي، تثبت الشفعة، لعدم العلم بانتقال الملك إلي المشتري، فيستحقّ فيه الشفعة عليه.

و إن قلنا: إنّه ينتقل بنفس العقد، نقل المزني عن الشافعي أنّها تثبت - و هو مذهبنا، و به قال أبو حنيفة - لأنّه قد انتقل الملك إلي المشتري، و لا حقّ فيه إلاّ له، و الشفيع مسلّط عليه بعد لزوم الملك و استقراره، فقبله أولي، و إنّما ثبت له خيار الفسخ، و ذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة، كما لو وجد به عيبا يثبت(1) له الخيار، و كان للشفيع أخذه.

و نقل الربيع عن الشافعي أيضا أنّه لا شفعة - و به قال مالك و أحمد - لأنّ المشتري لم يرض بالتزام العقد، و في أخذ الشفيع الشقص التزام له و إيجاب للعهدة عليه، فلم يكن له ذلك، كما لو كان الخيار للبائع، بخلاف الردّ بالعيب، لأنّه إنّما يثبت(2) له الردّ لأجل الظلامة، و ذلك يزول بأخذ الشفيع.

و نقل الجويني في المسألة طريقين:

إحداهما: ثبوت القولين هكذا، لكن كلاهما مخرّج(3) من أنّ المشتري إذا اطّلع علي عيب بالشقص و أراد ردّه و أراد الشفيع أخذه بالشفعة، فعلي قول للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. و علي قول لا يمكّن منه.ه.

ص: 218


1- في «س، ي»: «ثبت».
2- في «س»: «ثبت».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مخرّجان». و الظاهر ما أثبتناه.

و الثاني: القطع بأنّه لا يأخذه إلي أن يلزم العقد. و الفرق بين الردّ بالعيب و بينه أنّ الأخذ بالشفعة يفتقر إلي استقرار العقد و تمامه(1).

و نقل بعض الشافعيّة فيما إذا قلنا: إنّه بعد للبائع أو موقوف وجها أنّ للشفيع أخذ الشقص، لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته(2).

و الأصحّ عندهم: المنع، لأنّ ملك البائع غير زائل علي تقدير أنّ الملك للبائع [و](3) غير معلوم الزوال علي تقدير الوقف. و علي الأوّل إذا أخذه الشفيع تبيّنّا أنّ المشتري ملك قبل أخذه، و انقطع الخيار(4).

مسألة 719: لو باع أحد الشريكين حصّته بشرط الخيار ثمّ باع الثاني نصيبه

بغير خيار في زمن خيار الأوّل و قلنا: إنّ الشفعة لا تثبت مع الخيار - كما هو مذهب الشافعي(5) - فلا شفعة في المبيع أوّلا للبائع الثاني، سواء علم به أو لا، لزوال ملكه، و لا للمشتري منه و إن تقدّم ملكه علي ملك المشتري الأوّل إذا قلنا: إنّه لا يملك في زمن الخيار، لأنّ سبب الشفعة البيع، و هو سابق علي ملكه.

و أمّا الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة إن توقّفنا في الملك علي الإجازة أو الفسخ، و للبائع الأوّل إن أبقينا الملك له، و للمشتري منه إن أثبتنا الملك له.

و لو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة، بطلت شفعته إن قلنا: إنّ خيار الفسخ يرفع العقد من أصله. و إن قلنا: يرفعه من حين وقوع الفسخ، فهو

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 493:5، المغني 471:5، الشرح الكبير 534:5.
2- العزيز شرح الوجيز 493:5.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 493:5.
5- العزيز شرح الوجيز 493:5، روضة الطالبين 160:4.

كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة. و إن أخذه بالشفعة ثمّ فسخ البيع، فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار.

مسألة 720: إذا اشتري شقصا فوجد به عيبا،

فإن كان المشتري و الشفيع معا عالمين به، لم يكن للشفيع ردّه لو أخذه من المشتري، و لم يكن للمشتري ردّه لو لم يكن الشفيع أخذه، بل يثبت(1) للمشتري الأرش.

و لو لم يعلما معا بالعيب، كان للشفيع ردّه علي المشتري، و للمشتري ردّه علي البائع.

و إن علم به المشتري خاصّة دون الشفيع، كان للشفيع ردّه بالعيب علي المشتري، و لم يكن للمشتري ردّه علي البائع.

و إن كان الشفيع عالما به دون المشتري، لم يكن للشفيع ردّه علي المشتري، و يثبت للمشتري الأرش.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه استدرك ظلامته، فلم يكن له الرجوع بالأرش(2).

و قال بعضهم: إنّه لم ييأس من الردّ(3).

فإن رجع إلي المشتري ببيع أو إرث أو غير ذلك، فهل له ردّه ؟ مبنيّ علي التعليلين، إن قلنا: إنّه لا يرجع، لأنّه استدرك ظلامته، لم يكن له ردّه.

و إن قلنا بالآخر، فله ردّه.

ص: 220


1- في «س، ي»: «ثبت».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إذا لم يكن المشتري عالما بالعيب و أراد(1) ردّه و أراد الشفيع أخذه و رضي بكونه معيبا، فللشافعي قولان:

أحدهما: أنّ الشفيع أولي بالإجابة، لأنّه حقّ سابق علي حقّ المشتري، فإنّه ثابت بالبيع. و لأنّ الغرض للمشتري استدراك الظلامة و الوصول إلي الثمن، و هذا الغرض يحصل بأخذ الشفيع، و لأنّا لو قدّمنا المشتري، بطل حقّ الشفيع بالكلّيّة، و لو قدّمنا الشفيع، حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته.

و هذا أقوي عندي و هو قول أكثرهم.

و الثاني: أنّ المشتري أولي، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ إذا استقرّ العقد و سلم عن الردّ. و لأنّه قد يريد استرداد عين ماله و دفع عهدة الشقص عنه(2).

مسألة 721: لو ردّه المشتري بالعيب قبل علم الشفيع و مطالبته ثمّ علم و جاء يطلب الشفعة،

فإن قلنا: إنّ المشتري أولي عند اجتماعهما - كما هو أحد قولي الشافعي(3) - فلا يجاب الشفيع.

و إن قلنا: الشفيع أولي، فللشافعي وجهان:

أظهرهما: أنّه يجاب و يفسخ الردّ، أو نقول: تبيّنّا أنّ الردّ كان باطلا.

و هو الأقوي عندي.

و الثاني: لا يجاب، لتقدّم الردّ(4).

و هذا الخلاف في أنّ الشفيع أولي أو المشتري جار فيما إذا اشتري

ص: 221


1- في «س، ي»: «فأراد».
2- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4.
3- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4.
4- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4-162.

شقصا بعبد ثمّ وجد البائع بالعبد عيبا فأراد ردّه و استرداد الشقص، و أراد الشفيع أخذه بالشفعة، و سيأتي(1) ، و فيما إذا اشتري شقصا بعبد و قبض الشقص قبل تسليم العبد، فتلف العبد في يده، تبطل شفعة الشفيع في وجه، و يتمكّن من الأخذ في الثاني(2) ، كما لو تلف بعد أخذ الشفيع، فإنّ الشفعة لا تبطل، بل علي الشفيع قيمة العبد للمشتري، و علي المشتري قيمة الشقص للبائع.

و لو كان الثمن معيّنا و تلف قبل القبض، بطل البيع و الشفعة.

مسألة 722: لا تثبت الشفعة في عقد غير البيع،

سواء كان عقد معاوضة كالهبة المعوّض عنها، و الإجارة و النكاح و غيرها من جميع العقود عند علمائنا أجمع، فلو تزوّج امرأة و أصدقها شقصا، لم تثبت الشفعة عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(3) - للأصل الدالّ علي أصالة عصمة مال الغير، و أنّه لا يحلّ أخذه منه إلاّ عن طيبة نفس، خرج ما اتّفقنا علي إثبات الشفعة فيه، للنصوص، فيبقي الباقي علي أصله.

و ما رواه - في الصحيح(4) - أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة علي بيت في دار له و في تلك الدار شركاء، قال: «جائز له و لها، و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها»(5).

ص: 222


1- في ص 277، المسألة 754.
2- أي: في الوجه الثاني.
3- بدائع الصنائع 10:5-11، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، الحاوي الكبير 249:7، بداية المجتهد 259:2، العزيز شرح الوجيز 497:5، المغني 469:5، الشرح الكبير 464:5-465.
4- جملة «في الصحيح» لم ترد في «س، ي».
5- الفقيه 47:3، 165، التهذيب 167:7، 742.

و قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة في البيوع»(1).

و لأنّ البضع ليس بمال، و إذا ملك الشقص بغير مال، لا تثبت فيه الشفعة، كالهبة.

و قال الشافعي و مالك: تثبت الشفعة(2). ثمّ اختلفا، فقال الشافعي:

يأخذه الشفيع بمهر مثل الزوجة(3).

و قال مالك: بقيمة الشقص، لأنّه عقد معاوضة، فجاز أن تثبت الشفعة في الأرض المملوكة به، كالبيع(4)(5).

و يمنع صلاحيّة عقد المعاوضة للعلّيّة، بل العلّة عقد خاصّ، و هو البيع.

قال مالك: و لو أوجبنا مهر المثل، لقوّمنا البضع علي الأجانب، و لأضررنا(6) بالشفيع، لأنّه قد يتفاوت مهر المثل مع المسمّي، لأنّ المهر قد يسامح فيه في العادة، بخلاف البيع(7)(8).5.

ص: 223


1- الكافي 281:5، 5، التهذيب 164:7، 728.
2- حلية العلماء 384:5، الحاوي الكبير 249:7، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 162:4، المنتقي - للباجي - 207:6، المغني 469:5، الشرح الكبير 465:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 386:1، الحاوي الكبير 250:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، المغني 469:5، المنتقي - للباجي - 208:6.
4- في الطبعة الحجريّة: «كالمبيع».
5- المنتقي - للباجي - 208:6، الحاوي الكبير 250:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «لأضررنا»: «لأضربنا». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «البيع»: «البضع». و ما أثبتناه من المصدر.
8- انظر: المغني 469:5، و الشرح الكبير 465:5.

قالت الشافعيّة: إنّ المرأة ملكت الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل، فوجب الرجوع إلي قيمته في الأخذ بالشفعة، كما لو باع سلعة لا مثل لها(1).

و لا يمتنع تقويم البضع علي الأجنبيّ بسبب، كما نقوّمه(2) علي المرضعة و شاهدي الطلاق إذا رجعا. و المسامحة لا اعتبار بها، و الظاهر أنّ العوض يكون عوض المثل.

مسألة 723: إذا أصدقها شقصا ثمّ طلّقها قبل الدخول،

فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: تثبت الشفعة(3).

فعلي قوله لا يخلو إمّا أن يكون قد طلّقها بعد ما أخذ الشفيع الشقص أو بعد عفوه قبل علمه.

فإن طلّقها بعد ما أخذ، رجع الزوج إلي قيمة الصداق، لزوال ملكها عن الصداق، كما لو باعته ثمّ طلّقها، و يكون له قيمة نصف الصداق أقلّ ما كان من حين العقد إلي حين القبض.

و إن طلّقها بعد عفو الشفيع، رجع في نصف الشقص، لأنّ حقّ الشفيع قد سقط، و الشقص في يدها نصفه، و تعلّق حقّ الشفيع قبل سقوطه لا يمنع من الرجوع بعد سقوطه، ألا تري أنّه لو باعته ثمّ اشترته ثمّ طلّقها الزوج، فإنّه يرجع في نصفه.

ص: 224


1- انظر: المغني 469:5.
2- في «ي»: «يقوّم» بدل «نقوّمه».
3- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 251:7، العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 162:4.

و إن طلّقها قبل أن يعلم الشفيع ثمّ علم و جاء يريد أخذه بالشفعة، فله أخذ نصفه.

و أمّا النصف الآخر فهل الزوج أولي به أو الشفيع ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: أنّ الشفيع أولي، لأنّ حقّه أسبق، فإنّ حقّ الزوج ثبت بالطلاق.

و الثاني: الزوج أولي، لأنّ حقّه ثبت بالنصّ.

و الأوّل أصحّ عندهم، لأنّ حقّ الشفعة في الجملة ثبت أيضا بالإجماع، كما أنّ حقّ الزوج ثبت بالنصّ في الجملة(1).

و هذا عندنا ساقط، إذ لا شفعة هنا.

مسألة 724: لو اشتري شقصا و أفلس بالثمن و أراد البائع الرجوع في الشقص

و طلبه الشفيع، فالأقوي عندي: تقديم حقّ الشفيع، و يؤخذ منه الثمن و يدفع إلي البائع، لأنّ حقّه ثبت بالعقد، و حقّ البائع ثبت بالإفلاس، و العقد أسبق، و أسبق الحقّين أولي بالرعاية. و لأنّ منع الشفيع يقتضي إبطال حقّه بالكلّيّة، و إذا قدّمناه، لا يبطل حقّ البائع، بل ينتقل إلي البدل. و لأنّ حقّ الشفيع أقوي من حقّ البائع، فإنّ الشفيع يبطل تصرّف المشتري و يأخذ الشقص، و البائع لا يبطل تصرّف المشتري عند إفلاسه، و هذا وجه للشافعي(2).

و له وجهان آخران:

أحدهما: تقديم حقّ البائع، لاستناد حقّه إلي ملك سابق. و لأنّ البائع

ص: 225


1- الحاوي الكبير 252:7، العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 4: 162.
2- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.

لم يرض بزوال الشقص إلاّ علي أن يسلم له الثمن، فإذا لم يسلم، وجب أن لا يؤخذ منه.

و الآخر: الشفيع أولي، و يكون الثمن أسوة الغرماء، لأنّ حقّ البائع إذا انتقل عن العين إلي الذمّة، التحق بسائر الغرماء.

و قيل: يقدّم البائع بالثمن رعاية للجانبين.

و الثالث(1): إن كان البائع سلّم الشقص ثمّ أفلس المشتري، لم يكن أولي بالثمن، لرضاه بذمّة المشتري. و إن لم يسلّمه، فهو أولي بالثمن(2).

و هذا الخلاف بين الشافعيّة ثابت في الزوج إذا طلّق قبل الدخول أو ارتدّ و المهر الشقص(3).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشفيع أولي من الزوج، و البائع أولي من الشفيع في الإفلاس، لأنّ الثابت للزوج بالطلاق الملك، و الشفيع يثبت له ولاية التملّك، لكنّ الشفيع أسبق حقّا، فهو أولي بالتقديم(4).

هذا إن اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع، أمّا لو أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة ثمّ طلّق الزوج، أو من يد المشتري ثمّ أفلس، فلا رجوع للزوج و للبائع بحال، لكنّ البائع يرجع إلي الثمن، و الزوج إلي القيمة في مالها، كما لو زال الملك ببيع و شبهه.

و لو طلّقها قبل علم الشفيع و أخذ النصف، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: إذا جاء الشفيع، ففي استرداده ما أخذ الزوج وجهان،5.

ص: 226


1- أي الوجه الثالث للشافعيّة أيضا.
2- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.
3- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.
4- العزيز شرح الوجيز 495:5.

كما إذا جاء بعد الردّ بالعيب(1).

و حكي الجويني طريقة قاطعة بالمنع، لأنّ المهر يشطر بالطلاق من غير اختيار، فيبعد نقضه. فإن قلنا: يستردّه، أخذه و ما بقي في يدها، و إلاّ أخذ ما في يدها، و دفع إليها نصف مهر المثل(2).

و لو كان للشقص الممهور شفيعان و طلبا و أخذ أحدهما نصفه و طلّقها قبل أن يأخذ الآخر، لم يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع.

و هل هو أولي في النصف الآخر أم الشفيع ؟ فيه ما سبق من الخلاف.

و يجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري ثمّ أفلس، فإن قلنا: الشفيع أولي، ضارب البائع مع الغرماء بالثمن.

و إن قلنا: البائع أولي، فإن شاء أخذ النصف الثاني و ضارب مع الغرماء بنصف الثمن، و إلاّ تركه و ضارب بجميع الثمن.

مسألة 725: قد بيّنّا أنّ الشفعة إنّما تثبت بالبيع خاصّة.

و قال الشافعي: تثبت بكلّ عقد معاوضة(3).

و وافقنا(4) علي ما إذا ملك من غير معاوضة، فلا شفعة عليه، كالإرث و الهبة و الوصيّة.

أمّا الإرث: فلأنّ الوارث يملك بغير اختياره، بخلاف المشتري المالك باختياره، فإنّه بدخوله علي الشريك سلّط الشريك عليه دفعا للتضرّر به، و قد كان من حقّه أن لا يدخل عليه.

ص: 227


1- العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 163:4.
2- العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 163:4.
3- حلية العلماء 270:5، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.
4- حلية العلماء 270:5، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.

و أمّا الهبة و الوصيّة: فلأنّ المتّهب و الموصي له تقلّدا المنّة من الواهب و الموصي حيث قبلا تبرّعهما، و لو أخذ الشفيع، لأخذ عن استحقاق و تسلّط، فلا يكون متقلّدا للمنّة، و وضع الشفعة علي أن يأخذ الشفيع بما أخذ به المتملّك.

أمّا لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا: إنّها تقتضي الثواب مع الإطلاق، فلا شفعة فيها أيضا عندنا.

و قال الشافعي: إن كان العوض معلوما، صحّت الهبة، و كانت بيعا، و تثبت فيه الشفعة، سواء تقابضا أو لم يتقابضا - و به قال زفر - لأنّه ملك بعوض، فلم يفتقر إلي التقابض، كالبيع(1).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا تثبت حتي يتقابضا، لأنّ الهبة لا تلزم إلاّ بالقبض، فهو بمنزلة بيع الخيار(2).

و أجاب الشافعيّة بأنّه لا يصحّ ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة، لأنّ العوض يصرفها عن مقتضاها، و تصير عبارة عن البيع، و خاصّة عندهم ينعقد بها النكاح، و لا يفتقر النكاح إلي القبض(3).

فأمّا إذا كانت بغير شرط العوض، فكذلك مبنيّ علي القولين في اقتضائها الثواب.

و كلّ موضع قلنا: تقتضي الثواب تثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن كان مثليّا، و إلاّ القيمة. و كلّ موضع قلنا: لا تقتضيه، لم تثبت الشفعة و لو5.

ص: 228


1- المغني 468:5، الشرح الكبير 464:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 245، 1958، بدائع الصنائع 11:5.
2- بدائع الصنائع 11:5، مختصر اختلاف العلماء 245:4، 1958، المغني 5: 468، الشرح الكبير 464:5.
3- انظر: المغني 468:5-469، و الشرح الكبير 464:5.

أثابه الموهوب له.

و قال ابن أبي ليلي: تثبت الشفعة فيها بقيمة الشقص - و هو إحدي الروايتين عن مالك - لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالاشتراك، و ذلك موجود في الهبة(1).

قالت الشافعيّة: إنّه يملكها بغير بدل، فأشبه الميراث(2). و أمّا الضرر فلا يزال بضرر، و في أخذ الهبة ضرر، لأنّه لا عوض فيها، و إذا أخذها بغير عوض، أبطل غرض(3) الواهب و المتّهب معا.

و عن الشافعي قول آخر: إنّه إذا شرط الثواب، أو قلنا: إنّها تقتضيه، لا يؤخذ - كمذهبنا - لأنّه ليس المقصود منه المعاوضة.

و علي قول الأخذ ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان:

أظهرهما: الأخذ، لأنّه صار بيعا.

و الثاني: لا، لأنّ الهبة لا تتمّ إلاّ بالقبض، و هذا هو الخلاف في أنّ الاعتبار باللفظ أم بالمعني ؟(4)

مسألة 726: لو كان بين اثنين دار،

فادّعي أجنبيّ ما في يد أحدهما، فصالحه المتشبّث عليه، فلا شفعة عندنا، لأنّها تتبع البيع، و الصلح عقد مستقلّ بنفسه مغاير للبيع.

و قال الشافعي: إن صالحه بعد إقراره له به، صحّ الصلح، و تثبت

ص: 229


1- المغني 468:5، الشرح الكبير 463:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 384:1، و انظر: المغني 468:5، و الشرح الكبير 5: 463.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عوض» بدل «غرض». و الظاهر ما أثبتناه.
4- التهذيب - للبغوي - 344:4، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 4: 163.

الشفعة للشريك، لأنّ الصلح عنده بيع. و إن(1) أنكره و صالح، لم يصحّ الصلح عنده بناء علي مذهبه من أنّ الصلح لا يصحّ عن الإنكار(2).

و كذا لو ادّعي رجل علي أحد الشريكين في الدار ألفا، فصالحه منها علي نصف الدار الذي له، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: إن كان مع الإقرار بالألف، صحّ الصلح، و كان للشفيع أخذه بالألف. و إن كان الصلح مع الإنكار، لم يصحّ الصلح، و لم تجب الشفعة(3).

مسألة 727: لو اشتري شقصا فعفا الشريك عن الشفعة ثمّ تقايلا،

لم تثبت الشفعة بالإقالة عندنا علي ما تقدّم(4) من أنّ الشفعة تتبع البيع، و أنّ الإقالة ليست بيعا.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الإقالة فسخ لا بيع، فلا شفعة، كما لا يأخذ بالردّ بالعيب، لأنّ الفسوخ و إن اشتملت علي ترادّ العوضين فلا تعطي أحكام المعاوضات، أ لا تري أنّه يتعيّن فيها العوض الأوّل. و إن قلنا: إنّها بيع، فله الشفعة و أخذه من البائع(5).

و قال أبو حنيفة: تثبت الشفعة بالإقالة، و بالردّ بالعيب بالتراضي(6) ، لأنّه نقل الملك بالتراضي، فأشبه البيع(7).

ص: 230


1- في الطبعة الحجريّة: «فإن» بدل «و إن».
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 449:3-450، المسألة 30.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 450:3، المسألة 31.
4- في ص 222، المسألة 722، و في ص 117، المسألة 627.
5- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
6- في «س» و الطبعة الحجريّة: «و بالتراضي».
7- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5، المغني 470:5، الشرح الكبير 465:5.

و لو تقايلا قبل علم الشريك بالبيع، كان له الأخذ بالشفعة و فسخ الإقالة، لسبق حقّه علي الإقالة.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الإقالة بيع، فالشفيع بالخيار [بين](1) أن يأخذ بها و بين أن يبطلها حتي يعود الشقص إلي المشتري، فيأخذ منه. و إن جعلناها فسخا، فهو كطلب الشفعة بعد الردّ بالعيب(2).

أمّا لو باع المشتري، فللشريك هنا الخيار بين الأخذ من الأوّل و فسخ البيع الثاني، و بين الأخذ من الثاني.

مسألة 728: لو جعل الشقص اجرة في إجارة، أو جعلا في جعالة،

أو أصدقها شقصا أو متّعها به أو خالعها علي شقص، أو صالح عليه عن(3) مال أو دم أو جراحة عن إقرار أو(4) إنكار أو جعله المكاتب عوض نجومه، لم تثبت الشفعة في شيء من ذلك عندنا، بل إنّما تثبت الشفعة في الشراء لا غير، و به قال أبو حنيفة، و هو رواية عن أحمد(5) ، و قد تقدّم(6) بيانه.

و لو أقرضه شقصا، صحّ القرض، و به قال الشافعي(7).

و ليس للشفيع أخذه بالشفعة عندنا.

و قال الشافعي: له الأخذ(8).

ص: 231


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «من» بدل «عن».
4- في «س، ي»: «و» بدل «أو».
5- بدائع الصنائع 10:5-11، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، حلية العلماء 270:5، التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 497:5، بداية المجتهد 259:2، المغني 469:5، الشرح الكبير 464:5-465.
6- في ص 222، المسألة 722.
7- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4-164.
8- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.

و الجعالة لا تثبت بها الشفعة، كما قلنا.

و عند الشافعي تثبت بعد العمل، لأنّ الملك حينئذ يحصل للعامل(1).

أمّا لو اشتري بالشقص شيئا أو جعله رأس مال السّلم، فالأقرب:

ثبوت الشفعة، لصدق البائع علي المشتري.

و لو بذل المكاتب شقصا عوضا عن بعض النجوم ثمّ عجز و رقّ، فلا شفعة عندنا.

و أمّا عند الشافعي ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلي أنّه كان عوضا أو لا، و في الثاني إلي خروجه أخيرا عن العوضيّة، و هذا أظهر عندهم(2).

و يشبه هذا الخلاف خلافهم فيما إذا كان الثمن عينا و تلف قبل القبض(3).

و لو قال لمستولدته: إن خدمت أولادي شهرا، فلك هذا الشقص، فخدمتهم، استحقّت الشقص عند الشافعي. و في ثبوت الشفعة وجهان:

أحدهما: تثبت، لأنّها ملكته بالخدمة، فكان كالمملوك بالإجارة و سائر المعاوضات.

و أظهرهما: المنع، لأنّه وصيّة معتبرة من الثلث كسائر الوصايا، و ذكر الخدمة شرط داخل علي الوصيّة(4).

مسألة 729: لوليّ الصبي و المجنون أن يأخذ لهما بالشفعة ما بيع في شركتهما

مع الغبطة لهما، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.
2- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.
3- العزيز شرح الوجيز 497:5.
4- العزيز شرح الوجيز 498:5، روضة الطالبين 164:4.

و أبو حنيفة(1) - لأنّه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال، فملكه الوليّ في حقّ الصبي و المجنون، كخيار الردّ بالعيب. و للعمومات الدالّة علي ثبوت الشفعة للشريك، فيدخلان فيه، و كلّ حقّ هو لهما فإنّما يتولاّه الوليّ.

و لما رواه الخاصّة عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان [له](2) رغبة فيه»(3).

و قال ابن أبي ليلي: لا شفعة فيه، لأنّ الوليّ لا يثبت له الأخذ بالشفعة، لأنّه لا يملك العفو، و من لا يملك العفو لا يملك الأخذ، و لا يمكن الانتظار بها، لأنّ في ذلك إضرارا بالمشتري، فبطلت(4).

و قال الأوزاعي: تثبت الشفعة، و ليس للوليّ أن يأخذ بها، و يتأخّر ذلك إلي زوال الحجر عن مستحقّها، لأنّ خيار القصاص ثبت للصبي و لا يستوفيه الوليّ، كذلك الشفعة(5).

و الجواب: لا نسلّم أنّه ليس له العفو، بل له ذلك مع المصلحة.

سلّمنا، لكنّ العفو إسقاط حقّه، و الأخذ استيفاء حقّه، و هذا فرق، كما يملك قبض حقوقه و لا يملك إسقاط شيء منها.

و خيار القصاص ثابت للوليّ مع المصلحة.

سلّمنا، لكنّ القصد التشفّي، و ذلك لا تدخله النيابة، و الغرض5.

ص: 233


1- الحاوي الكبير 276:7، المهذّب - للشيرازي - 336:1، الوسيط 377:4، التهذيب - للبغوي - 369:4، العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3، بدائع الصنائع 16:5، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1955، فتاوي قاضي خان (بهامش الفتاوي الهنديّة) 536:3، المغني 496:5، الشرح الكبير 486:5-487.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 281:5، 6، التهذيب 166:7، 737.
4- الحاوي الكبير 276:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1955، المغني 5: 495، الشرح الكبير 485:5.
5- المغني 495:5 و 496، الشرح الكبير 487:5.

بالشفعة إزالة الضرر عن المال، و هو ممّا تدخله(1) النيابة.

مسألة 730: إنّما يأخذ الوليّ لهما إذا كان الأخذ مصلحة

بأن يكون قد بيع بأقلّ من ثمن مثله، أو تزيد قيمة الملك بأخذه، أو يكون له مال يحتاج أن يشتري به العقار، فيأخذه بثمن المثل.

و إن كان الحظّ في الأخذ فترك، لم يصحّ الترك، و لم تسقط الشفعة، و كان للصبي و المجنون بعد الكمال أخذ الشقص - و به قال محمد و زفر(2) - لأنّه إسقاط حقّ للمولّي عليه، لا حظّ له في إسقاطه، فلم يسقط، كالإبراء و إسقاط خيار الردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: إذا عفا، سقطت، لأنّ من ملك الأخذ ملك العفو، كالمالك(3).

و الفرق: أنّ المالك يملك الإبراء و التبرّع، بخلاف الوليّ، فبطل القياس.

و إن كان الحظّ في الترك - بأن يكون قد اشتري بأكثر من ثمن المثل أو لم يكن للصبي مال يشتري به فاستقرض له و رهن ماله و أخذ الشقص - لم يصحّ أخذه، فإن أخذه، لم يصحّ، و لم يملكه الصبي بهذا الأخذ، بل يكون باقيا علي ملك المشتري، و لا يقع للوليّ.

و كذا لو اشتري بأكثر من ثمن المثل، لم يصحّ، و لا يقع له إن سمّي الشراء للطفل. و لو أطلق، وقع له، بخلاف الأخذ بالشفعة، لأنّ الشفعة تؤخذ بحقّ الشركة، و ذلك مختصّ بالصبي، و لهذا لو أراد الوليّ الأخذ لنفسه، لم يصحّ، بخلاف الشراء.

ص: 234


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يدخل» بدل «تدخله». و الصحيح ما أثبتناه.
2- المغني 495:5، الشرح الكبير 486:5.
3- المغني 496:5، الشرح الكبير 486:5.

و في النكاح لو تزوّج لغيره بغير إذنه، لم يقع للعاقد، لأنّه يفتقر إلي ذكر الزوجين، بخلاف البيع، لأنّ عقد النكاح اختصّ بالمعقود له، و الشراء لا يحتاج إلي ذكر المشتري له.

مسألة 731: العفو كالترك ليس للوليّ العفو عن الشفعة

مع الحظّ بالأخذ و لا تركها كما بيّنّا.

و لو كان الحظّ في الترك فترك، سقطت الشفعة، و إذا زال الحجر عن المحجور عليه، لم يكن له المطالبة بها - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوليّ يتبع الحظّ و المصلحة للمولّي عليه، فله الأخذ إذا كان فيه حظّ، فإذا كان الحظّ في العفو، وجب أن يصحّ، كما يصحّ الأخذ، و لهذا يصحّ من الوليّ الردّ بالعيب، و إذا بلغ، لم يكن له الاعتراض، كذا هنا.

و قال بعض(2) الشافعيّة: ليس للوليّ أن يعفو، و إنّما يترك الأخذ إذا لم يكن حظّا، فإذا زال الحجر، كان المحجور عليه بالخيار. و جعله قولا ثانيا للشافعي - و به قال زفر و محمد بن الحسن الشيباني(3) - لأنّ المستحقّ للشفعة له أخذها، سواء كان له فيها حظّ أو لم يكن، و إنّما يعتبر الحظّ في حقّ المولّي [عليه](4) ، و إذا زال عنه الحجر، كان له الأخذ.

مسألة 732: لو باع الوصي أو الوليّ شقصا للطفل و طفل آخر - هو وليّه أيضا - شريك،

كان له الأخذ بالشفعة للآخر، لأنّ الأوّل قد يحتاج إلي البيع، و الثاني إلي الأخذ.

و لو كان الوليّ هو الشريك، فالأقرب: أنّ له الأخذ، لأنّه حقّ ثبت له علي المشتري بعد تمام العقد و انقطاع ملك الطفل، و هو أحد وجهي

ص: 235


1- حلية العلماء 313:5.
2- حلية العلماء 313:5.
3- انظر: بدائع الصنائع 16:5، و حلية العلماء 312:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

الشافعيّة. و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: أنّه ليس له أخذه بالشفعة، لأنّه لو مكّن منه، لم يؤمن أن يترك النظر و الاستقصاء للصبي، و يسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس، كما أنّه لا يمكّن من بيع ماله من نفسه(1).

و لو رفع ذلك إلي الحاكم فباعه، أخذه الوصيّ، لزوال التهمة.

و لو كان البائع الأب أو الجدّ له، جاز له الأخذ - و به قال الشافعي(2) - لأنّه يجوز أن يبيع من نفسه. و لأنّ ولايتهما أقوي، و كذا شفقتهما.

و لو اشتري شقصا للطفل و هو شريك في العقار، فله الأخذ بالشفعة، لثبوت السبب السالم عن معارضة التهمة، إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الثاني: أنّه ليس له الأخذ، لأنّه يلزم الصبي العهدة و لا منفعة له فيه(3).

و ليس بجيّد، لأنّ له أن يشتري للصبي و أن يشتري منه.

و لو وكّل الشريك شريكه في البيع فباع، فله الأخذ بالشفعة - و هو أحد قولي الشافعيّة، و قال بعضهم: إنّه قول الأكثر(4) - لأنّ الموكّل ناظر لنفسه، يعترض و يستدرك إن وقف علي تقصير الوكيل، و الصبي عاجز عن ذلك، فيصان حقّه عن الضياع.

و قال بعضهم: ليس له الأخذ، للتهمة(5).

و لو وكّل إنسان أحد الشريكين ليشتري الشقص من الآخر، فاشتراه، فله الأخذ.

و هنا إشكال، و هو إن رضي الشريك بالبيع، تبطل شفعته، و في هذه الصور كيف تتحقّق الشفعة مع قصد البيع و رضاه حيث كان وكيلا باختياره!؟4.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
2- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
3- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
4- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
5- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.

و قال أبو حنيفة: في الوكيل و الوصي معا تثبت الشفعة في الشراء، و لا تثبت في البيع(1).

و لو وكّل الشريك شريكه ببيع نصف نصيبه، أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكّل إن شاء، فباع نصف نصيب الموكّل مع نصف نصيبه صفقة واحدة، فللموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة.

و هل للوكيل أخذ نصيب الموكّل ؟ للشافعي(2) الوجهان السابقان.

مسألة 733: إنّه سيأتي

مسألة 733: إنّه سيأتي(3) الخلاف في أنّ الشفعة هل تثبت مع الكثرة أم لا

؟ فإن قلنا به لو كان ملك بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه من أحد الآخرين، فالشفعة بين المشتري و الشريك الآخر يشتركان في المبيع - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني و الشافعي في أصحّ الوجهين(4) - لاستوائهما في الشركة و سبب الشفعة، كما لو كان المشتري غيره.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشريك الثالث منفرد بالشفعة، و لا حقّ فيه للمشتري - و هو محكيّ عن الحسن البصري و عثمان البتّي - لأنّ الشفعة تستحقّ علي المشتري، فلا يجوز أن يستحقّها المشتري علي نفسه(5).

و ليس بصحيح، لأنّا لا نقول: تجب له الشفعة، بل لا يستحقّ عليه

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 499:5.
2- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 165:4.
3- لم نعثر علي الخلاف فيما يأتي من مسائل الشفعة، و قد تقدّم في ص 201 - 202، المسألة 706.
4- المغني 525:5، الشرح الكبير 495:5، المهذّب - للشيرازي - 388:1، التهذيب - للبغوي - 374:4، العزيز شرح الوجيز 499:5-500، روضة الطالبين 165:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 388:1، التهذيب - للبغوي - 374:4، العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4، المغني 525:5، الشرح الكبير 5: 495.

في نصف النصيب، لأنّه أولي من الشريك الآخر، و لا بعد في استحقاق الإنسان علي نفسه لأجل تعلّق حقّ الغرماء، كالعبد المرهون إذا جني علي عبد آخر لسيّده، فإنّه يثبت للسيّد علي العبد أرش الجناية لأجل تعلّق حقّ الغير به، و لو لم يكن مرهونا، ما تعلّق به، فعلي هذا يكون الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع، أو يأخذ الجميع، و علي الأوّل يتخيّر بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك.

فإن قال المشتري: خذ الكلّ أو اترك الكلّ و قد تركت أنا حقّي، لم تلزمه الإجابة، و لم يصح إسقاط المشتري الشفعة، لأنّ ملكه مستقرّ علي النصف بالشراء، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان: حاضر و غائب، فأخذ الحاضر الجميع، ثمّ عاد الغائب، له أن يأخذ نصفه، و ليس للحاضر أن يقول: اترك الكلّ أو خذ الكلّ و أنا تركت حقّي، و لا نظر إلي تبعّض الصفقة عليه، فإنّه لزم من دخوله في هذا العقد.

و عن بعض الشافعيّة وجه: أنّه إذا ترك فيه المشتري حقّه، وجب علي الآخر أخذ الكلّ أو ترك الكلّ، كما إذا باع من أجنبيّ و له شفيعان، فترك أحدهما حقّه، يأخذ الآخر الكلّ أو يترك الكلّ، إلاّ أنّ هذا الترك سابق علي اختيار التملّك هناك، و فيما نحن فيه اختيار(1) التملّك بالشراء، فلم يؤثّر الإعراض بعده(2).

و لو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثمّ باع النصف الثاني من ذلك الثالث، فعلي أحد قولي الشافعيّة حكمه حكم ما لو4.

ص: 238


1- في الطبعة الحجريّة: «اختار».
2- العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4.

باع النصف الثاني من أجنبيّ. و علي الآخر: لا شفعة للمشتري، و للشفيع الخيار بين أن يأخذ الكلّ أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر(1).

مسألة 734: تبرّعات المريض عندنا من الثلث،

فلو باع المريض شقصا من دار و له شفيع، فإمّا أن يبيع بثمن المثل أو بدونه، فإن باع بثمن المثل، لزم البيع، و ثبتت فيه الشفعة، سواء كان المشتري و الشفيع وارثين أو أحدهما أو غير وارثين - و به قال الشافعي(2) - لأنّ البيع بثمن المثل لا اعتراض فيه، و إنّما يعترض علي المريض في التبرّع، و به قال أبو يوسف و محمد(3) أيضا.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ بيعه من وارثه، لأنّه محجور عليه في حقّه، فصار كبيع الصبي(4).

و هو غلط، لأنّه محجور عليه في التبرّع في حقّه، كما يحجر عليه في حقّ الأجنبيّ في الثلث، و يصحّ أن يبيع منه بثمن مثله مطلقا، كذا هنا.

و إن باع بدون ثمن المثل، فلا يخلو إمّا أن يكون المشتري و الشفيع أجنبيّين أو وارثين أو المشتري وارثا و الشفيع أجنبيّا أو بالعكس.

فإن كانا أجنبيّين، فإن احتمل الثلث المحاباة، صحّ البيع، و أخذ الشقص بالشفعة، و لا(5) إشكال، لأنّ المحاباة وقعت في البيع، فإذا وقع البيع مسترخصا، لم يسقط حقّ الشفعة، و لم يجز أن يأخذه بأكثر من الثمن.

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4.
2- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
3- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
4- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
5- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «فلا» بدل «و لا».

و إن لم يحتمله، كما لو باع شقصا مستوعبا يساوي ألفين بألف، فإن ردّه الورثة، بطل البيع في بعض المحاباة، و هو ما زاد علي الثلث. و في صحّة البيع في الباقي للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج علي الخلاف في تفريق الصفقة.

و الثاني: القطع بالصحّة(1).

و هو مذهبنا، لكنّ المشتري بالخيار، لتبعّض الصفقة عليه، فإن اختار الشفيع أن يأخذه، لم يكن للمشتري الردّ. و إن لم يرض الشفيع بالأخذ، فللمشتري الخيار بين أخذ الباقي و بين الردّ.

و علي الصحّة ففيما يصحّ البيع ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه يصحّ في قدر الثلث و القدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن.

و الثاني: أنّه لا يسقط من المبيع شيء إلاّ و يسقط ما يقابله من الثمن(2).

و هذا الأخير هو الأقوي عندي، و قد تقدّم(3) بيانه.

فإن قلنا بالأوّل، صحّ البيع - في الصورة المفروضة - في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. و إن قلنا بالثاني، دارت المسألة.

و طريقه أن نقول: صحّ البيع في شيء من الشقص بنصف شيء، يبقي مع الورثة ألفان يعادل شيئا و نصفا و الشيء من شيء و نصف ثلثاه، فعلمنا صحّة البيع في ثلثي الشقص، و قيمته ألف و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث بثلثي الثمن، و هو نصف هذا، فتكون المحاباة بستّمائة و ستّة و ستّين0.

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
2- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
3- في ص 24، المسألة 560.

و ثلثين، يبقي للورثة ثلث الشقص و ثلثا الثمن و هما ألف و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، و ذلك ضعف المحاباة.

و علي القولين(1) للمشتري الخيار حيث لم يسلم له جميع المثمن(2). فإن اختار، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن علي الأوّل، و ثلثيه بثلثي الثمن علي الثاني.

و لو فسخ المشتري قبل طلب الشفيع، لم تبطل الشفعة عندنا.

و للشافعي قولان(3).

و لو أجاز الورثة، صحّ البيع في الجميع.

ثمّ إن قلنا: إنّ إجازتهم تنفيذ لما فعله المورّث، أخذ الشفيع الكلّ بكلّ الثمن. و إن قلنا: إنّها ابتداء عطيّة منهم، لم يأخذ الشفيع القدر النافذ بإجازتهم، و أخذ القدر المستثني عن إجازتهم. و فيه القولان المذكوران عند الردّ.

و إن كانا وارثين أو كان المشتري وارثا، فهي محاباة للوارث، و هي عندنا صحيحة، فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.

أمّا الجمهور: فإنّهم منعوا من المحاباة للوارث، فتكون المحاباة مردودة(4).

ثمّ للشافعي قولان، فإن لم يفرّق الصفقة، بطل البيع في الجميع. و إن قال بالتفريق، فإن قال في القسم الأوّل علي ما سبق من التصوير: إنّ البيع5.

ص: 241


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التفريق» بدل «القولين». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثمن» بدل «المثمن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
4- العزيز شرح الوجيز 502:5، روضة الطالبين 166:4، بدائع الصنائع 14:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.

يصحّ في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن، فهنا في مثل تلك الصورة يصحّ البيع في نصفه بجميع الثمن. و إن قلنا هناك: يصحّ في ثلثيه بثلثي الثمن، فهنا يبطل البيع في الكلّ، لأنّ البيع لا يبطل في شيء إلاّ و يسقط بقدره من الثمن، فما من جزء يصحّ فيه البيع إلاّ و يكون بعضه محاباة، و هي مردودة.

و فيه كلامان:

أحدهما: أنّ المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة و المحاباة في جميع الشقص، و ذلك لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالإبطال، كما أنّه لم يمنع في القسم الأوّل تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة بالإبطال.

و الثاني: أنّ الوصيّة للوارث - عندهم(1) - موقوفة علي إجازة باقي الورثة علي رأي، كما أنّ الوصيّة بما زاد علي الثلث موقوفة علي إجازة الورثة علي رأي، فلنفرّق هنا أيضا بين الإجازة و الردّ، كما في الأوّل.

إذا عرفت هذا و قلنا بالأوّل، تخيّر المشتري بين أن يأخذ النصف بكلّ و بين أن يفسخ، لأنّ الصفقة تفرّقت عليه، و يكون للشفيع أن يأخذ ذلك و إن كان وارثا، لأنّه لا محاباة فيه.

و إن أراد المشتري الردّ و أراد الشفيع الأخذ، كان حقّ الشفيع مقدّما، لأنّه لا ضرر علي المشتري، و جري مجري المبيع المعيب إذا رضيه الشفيع لم يكن للمشتري ردّه.

و إن كان الشفيع وارثا دون المشتري، فعندنا يصحّ البيع فيما يحتمل5.

ص: 242


1- العزيز شرح الوجيز 502:5.

الثلث، و يكون للشفيع أخذه بالشفعة.

و قالت الشافعيّة: إن احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل و صحّحنا البيع في بعض المحاباة في القسم الأوّل و مكّنّا الشفيع من أخذه، ففيه وجوه:

أ - أنّه يصحّ البيع في الجميع، و لا يأخذه الوارث بالشفعة، و هو مذهب أصحاب أبي حنيفة.

أمّا صحّة البيع: فلأنّ المشتري أجنبيّ.

و أمّا بطلان الشفعة: فلأنّها لو ثبتت، لكان المريض قد نفع وارثه بالمحاباة، لأنّ الشفعة تستحقّ بالبيع، فقد تعذّرت الشفعة، فلم نعد ذلك بإبطال البيع، لأنّها فرع عليه، و إذا بطل بطلت، فلم تبطل لأجلها - و هو أصحّ الوجوه عندهم - لأنّا إذا أثبتنا الشفعة، فقد جعلنا للوارث سبيلا إلي إثبات حقّ له في المحاباة. و يفارق الوصيّة ممّن له عليه دين، لأنّ استحقاقه للآخر إنّما هو بدينه، لا من جهة الوصيّة، و هذا استحقاقه حصل بالبيع، فافترقا.

ب - أنّه يصحّ البيع و يأخذه الوارث بالشفعة، لأنّ محاباة البائع مع المشتري، و هو أجنبيّ عنه، و الشفيع يتملّك علي(1) المشتري، و لا محاباة معه من المريض.

ج - أنّه لا يصحّ البيع أصلا، لأنّه لو صحّ لتقابلت فيه أحكام متناقضة، لأنّا إن لم نثبت الشفعة، أضررنا بالشفيع، و إن أثبتناها، أوصلنا إليه المحاباة.».

ص: 243


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مع» بدل «علي». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».

د - يصحّ البيع في الجميع و يأخذ الشفيع ما يقابل الثمن منه، و يبقي الباقي للمشتري مجّانا، لأنّ المحاباة تصحّ مع الأجنبيّ دون الوارث، و يجعل كأنّه باع بعض الشقص منه و وهب بعضه، فيأخذ المبيع دون الموهوب.

ه - أنّه لا يصحّ البيع إلاّ في القدر الموازي للثمن، لأنّه لو صحّ في الكلّ فإن أخذه الشفيع، وصلت إليه المحاباة، و إن أخذ ما وراء قدر المحاباة، كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع، و هو علي خلاف وضع الشفعة(1).

و يضعّف بأنّ صحّة البيع لا تقف علي اختيار الشفيع للشفعة.

و قد يقال في العبارة عن هذا الوجه: إن ترك الشفيع الشفعة، صحّت المحاباة مع المشتري، و إلاّ فهو كما لو كان المشتري وارثا، فلا تصحّ المحاباة.

و وجه ترتيب هذه الأقوال أن يقال: في صحّة البيع وجهان، إن صحّ فيصحّ في الجميع أو فيما وراء قدر المحاباة ؟ وجهان، إن صحّ في الجميع فيأخذ الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أو لا يأخذ شيئا؟ ثلاثة أوجه(2).

و هذا - عندنا - كلّه ساقط.

مسألة 735: من شرط الشفعة: تقدّم ملك الآخذ علي ملك المأخوذ منه

علي ما سبق، فلو كان في يد اثنين ملك اشترياه بعقدين و ادّعي كلّ

ص: 244


1- الوسيط 78:4-79، التهذيب - للبغوي - 367:4-368، العزيز شرح الوجيز 502:5-503، روضة الطالبين 167:4.
2- العزيز شرح الوجيز 503:5.

منهما سبق عقده علي عقد صاحبه، و أنّه يستحقّ الشفعة عليه، فمن أقام البيّنة منهما علي دعواه حكم له بها، و سقطت دعوي الآخر.

و لو أقاما بيّنتين علي السبق - بأن شهدت بيّنة هذا بسبق عقده علي عقد صاحبه، و شهدت بيّنة صاحبه بسبق عقده علي العقد الأوّل، أو شهدت إحداهما لأحدهما أنّه اشتري يوم السبت و صاحبه اشتري يوم الأحد، و شهدت الأخري للآخر أنّه اشتري يوم السبت و الآخر يوم الأحد - تعارضتا، و ينبغي أن يحكم لأكثرهما عددا و عدالة، فإن تساويا، احتمل القرعة، لأنّه أمر مشكل، و كلّ أمر مشكل ففيه القرعة، و القسمة بينهما.

و للشافعي هنا قولان:

أحدهما: تساقط البيّنتين كأنّه لا بيّنة لواحد منهما.

و الثاني: أنّهما تستعملان، و في كيفيّته أقوال:

أحدها: القرعة، فعلي هذا من خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر بالشفعة.

و الثاني: القسمة، و لا فائدة لها إلاّ مع تفاوت الشركة، فيكون التنصيف تعبّدا(1).

و الثالث: الوقف، و علي هذا يوقف حقّ التملّك إلي أن يظهر الحال(2).

و من الشافعيّة من لا يجري قول الوقف هنا، لانتفاء معناه مع كون الملك في يدهما(3).4.

ص: 245


1- كذا، و في المصدر: «مقيّدا» بدل «تعبّدا».
2- العزيز شرح الوجيز 503:5-504، روضة الطالبين 167:4-168.
3- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.

و لو عيّنت كلّ واحدة من البيّنتين وقتا واحدا، فلا تنافي بينهما، لاحتمال وقوع العقدين معا، و لا شفعة لواحد منهما، لأنّا تبيّنّا وقوع العقدين دفعة.

و للشافعيّة وجه: أنّهما تسقطان، لأنّ كلّ واحدة منهما لم تتعرّض لمقصود مقيمها فكأنّه لا بيّنة(1).

البحث الرابع: في كيفيّة الأخذ بالشفعة.
مسألة 736: يملك الشفيع الأخذ بالعقد

إمّا بالفعل بأن يأخذ الحصّة و يدفع الثمن إلي المشتري، أو يرضي بالصبر فيملكه حينئذ، و إمّا باللفظ، كقوله: أخذته، أو: تملّكه، أو: اخترت الأخذ، و ما أشبه ذلك، عملا بالأصل من عدم اشتراط اللفظ.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من لفظ، ك «تملّكت» و ما تقدّم، و إلاّ فهو من باب المعاطاة(2).

و هو ممنوع، لأنّ المعاطاة تتوقّف علي رضاهما، و لا يتوقّف الأخذ بالشفعة علي رضا المشتري.

و لا يكفي أن يقول: لي حقّ الشفعة و أنا مطالب بها، عنده(3) ، لأنّ المطالبة رغبة في الملك، و الملك(4) لا يحصل بالرغبة المجرّدة(5).

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.
2- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.
3- أي: عند البعض من الشافعيّة، المتقدّم قوله آنفا.
4- في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فالملك». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.

و قال بعضهم(1) بقولنا.

و لا يملك الشفيع بمجرّد اللفظ، بل يعتبر مع ذلك أحد أمور:

إمّا أن يسلّم العوض إلي المشتري، فيملك به إن تسلّمه، و إلاّ خلّي بينه و بينه، أو رفع الأمر إلي الحاكم حتي يلزمه التسليم.

و [إمّا](2) أن يسلّم المشتري الشقص، و يرضي بكون الثمن في ذمّته.

و لو كان المبيع دارا عليها صفائح من أحد النقدين و الثمن من الآخر، وجب التقابض فيما قابله خاصّة.

و لو رضي بكون الثمن في ذمّته و لم يسلّم الشقص، حصل الملك عندنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة - لأنّه معاوضة، و الملك في المعاوضات لا يتوقّف علي القبض.

و الثاني لهم: لا يحصل الملك، و قول المشتري ما لم يتّصل به القبض في حكم الوعد.

و إمّا أن يحضر في مجلس القاضي، و يثبت حقّه في الشفعة، و يختار التملّك و يقضي القاضي له بالشفعة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الشرع نزّل الشفيع منزلة المشتري حتي كأنّ العقد له، إلاّ أنّه مخيّر بين الأخذ و الترك، فإذا طلب و تأكّد طلبه بالقضاء، وجب أن يحكم له بالملك.

و الثاني لهم: لا يحصل الملك، و يستمرّ ملك المشتري إلي أن يصل إليه عوضه، أو يرضي بتأخيره.

و إمّا أن يشهد عدلان علي الطلب و اختيار الشفعة، فإن لم نثبتق.

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الملك بحكم القاضي، فهنا أولي، فإن(1) أثبتناه، فوجهان لهم، لقوّة قضاء القاضي(2).

و هذا كلّه غير معتبر عندنا.

مسألة 737: لا يشترط في تملّك الشفيع بالشفعة

حكم الحاكم و لا حضور الثمن أيضا و لا حضور المشتري و رضاه، عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ حكم الشفعة يثبت بالنصّ و الإجماع، فيستغني عن حكم الحاكم، كمدّة الإيلاء و الردّ بالعيب. و لأنّه تملّك بعوض، فلا يفتقر إلي إحضار العوض، كالبيع، و لا إحضار المشتري و رضاه به، كالردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: يعتبر حضور المشتري أو حكم الحاكم، و لا يحكم الحاكم إلاّ إذا أحضر الثمن(4).

و عن الصعلوكي أنّ حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط(5). و هو ممنوع.

و إذا ملك الشفيع بغير تسليم الثمن - بل إمّا بتسليم المشتري الشقص و يرضي بكون الثمن في ذمّته، أو بحضوره في مجلس القاضي و إثبات حقّه في الشفعة و يختار الملك فيقضي له القاضي - لم يكن له أن يتسلّم الشقص حتي يؤدّي الثمن إلي المشتري و إن سلّمه المشتري قبل أداء الثمن، و لا يلزمه أن يؤخّر حقّه بأن أخّر البائع حقّه.

مسألة 738: يجب علي الشفيع دفع الثمن معجّلا،

فإن تعذّر تعجيله

ص: 248


1- الظاهر: «و إن».
2- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 169:4.
3- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.
4- العزيز شرح الوجيز 504:5.
5- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.

أو ادّعي غيبته، أجّل ثلاثة أيّام لإحضاره، لأنّ تحصيله في الحال يتعذّر في غالب العادات، فلو شرط إحضاره في الحال، أدّي إلي إسقاط الشفعة، و ذلك إضرار بالشفيع، فإن أحضر الثمن في مدّة الثلاثة، فهو أحقّ، و إلاّ بطلت شفعته بعدها.

و لو ذكر أنّ الثمن في بلد آخر، أجّل بقدر وصوله من ذلك البلد و ثلاثة أيّام بعده ما لم يتضرّر المشتري.

و لو هرب الشفيع بعد الأخذ، كان للحاكم فسخ الأخذ، و ردّه إلي المشتري و إن لم يكن له ذلك في البيع لو هرب المشتري أو أخّر الدفع، لأنّ البيع حصل باختيارهما، فلهذا لم يكن للحاكم فسخه عليهما، و هنا أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه، فإذا اشتمل علي إضرار بالمشتري، منعه الحاكم و ردّه.

و لو هرب قبل الأخذ، فلا شفعة له، و كذا العاجز عن الثمن.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قصّر في الأداء، بطل حقّه من الشفعة. و إن لم يوجد، رفع إلي الحاكم (و فسخ منه)(1)(2).

و المعتمد: الأوّل، لما قلناه.

و لما روي عليّ بن مهزيار أنّه سأل الجواد عليه السّلام: عن رجل طلب شفعة أرض، فذهب علي أن يحضر المال فلم ينضّ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أ يبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة ؟ قال: «إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيّام، فإن أتاه بالمال4.

ص: 249


1- ورد ما بين القوسين سهوا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بعد تمام الرواية الآتية في نفس المسألة. و موضعه هنا تتمّة لقول بعض الشافعيّة كما في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
2- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 169:4.

و إلاّ فليبع و بطلت شفعته في الأرض، و إن طلب الأجل إلي أن يحمل المال من بلد إلي آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلي تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة أيّام إذا قدم، فإن وافاه، و إلاّ فلا شفعة له»(1).

مسألة 739: و لا يثبت في الشفعة خيار المجلس عند علمائنا،

للأصل الدالّ علي عدمه.

و لدلالة قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(2) علي اختصاص الخيار بالبيع، لأنّه وصف علّق عليه حكم، فينتفي بانتفائه.

و لأنّ الخيار لا يثبت للمشتري، لأنّه يؤخذ الملك منه قهرا، و لا للآخذ، لأنّ له العفو و الإسقاط.

نعم، لو أخذ و ثبت الملك له، لم يكن له الخيار في الفسخ، للأصل.

و للشافعي قولان:

أظهرهما: ثبوت الخيار - و قد تقدّم(3) - بأن يترك بعد ما أخذ، أو يأخذ بعد ما ترك ما دام في المجلس، لأنّ ذلك معاوضة، فكان في أخذها و تركها خيار المجلس، كالبيع(4).

و له قول آخر: إنّه يسقط، لأنّ الشفعة حقّ له ثبت، فإذا أخّره أو تركه، سقط، كغيره من الحقوق(5).

فعلي قوله بالخيار يمتدّ إلي مفارقة المجلس.

ص: 250


1- التهذيب 167:7، 739.
2- صحيح البخاري 84:3، صحيح مسلم 1164:3، 1532، سنن الترمذي 3: 547، 1245، سنن الدارمي 25:2.
3- في ج 11 ص 15، ضمن المسألة 227.
4- الوسيط 81:4، العزيز 172:4، و 506:5، روضة الطالبين 169:4.
5- العزيز شرح الوجيز 172:4، و 506:5، روضة الطالبين 169:4، المجموع 177:9.

و هل ينقطع بأن يفارقه المشتري ؟ وجهان: المنع، لأنّه لا حظّ له في الخيار، فلا اعتبار بمفارقته. و الانقطاع، لحصول التفريق(1).

مسألة 740: يجوز للمشتري التصرّف في الشقص قبل أن يأخذه الشفيع

و قبل علمه بالبيع، فإذا تصرّف، صحّ تصرّفه، لأنّ ملكه بالعقد إجماعا، و فائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات، و صحّ قبض المشتري له، و لم يبق إلاّ أنّ الشفيع ملك عليه أن يملك، و ذلك لا يمنع تصرّفه، كما لو كان الثمن معيبا فتصرّف المشتري في المبيع.

و كذا الموهوب له إذا كان الواهب ممّن له الرجوع فيها، فإنّ تصرّفه يصحّ و إن ملك الواهب [الرجوع](2) فيها.

إذا ثبت هذا، فإنّ تصرّفه إن كان ممّا تجب به الشفعة - كالبيع خاصّة عندنا، و كلّ معاوضة عند الشافعي(3) ، كجعله عوض الصداق أو الخلع أو غير ذلك من المعاوضات - تخيّر الشفيع إن شاء فسخ تصرّفه و أخذ بالثمن الأوّل، لأنّ حقّه أسبق، و سببه متقدّم، فإنّ الشفعة وجبت له قبل تصرّف المشتري. و إن شاء أمضي تصرّفه، و أخذ بالشفعة من المشتري الثاني، لأنّ هذا التصرّف يثبت الشفعة، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر بثلاثين، فإن أخذ من الأوّل، دفع عشرة، و رجع الثالث علي الثاني بثلاثين، و الثاني علي الأوّل بعشرين، لأنّ الشقص يؤخذ من الثالث و قد انفسخ عقده، و كذا الثاني. و لو أخذ من الثاني، صحّ، و دفع عشرين، و بطل

ص: 251


1- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 169:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- المهذّب - للشيرازي - 389:1، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 179:4.

الثالث، فيرجع بثلاثين. و لو أخذ من الثالث، صحّت العقود، و دفع ثلاثين.

و إن كان تصرّفه لا تثبت به الشفعة كالهبة و الوقف و جعله مسجدا، فإنّ للشفيع إبطال ذلك التصرّف، و يأخذ بالثمن الأوّل، و يكون الثمن للمشتري، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: إنّه يكون الثمن للموهوب له(2).

و هو غلط، لأنّ الشفيع أبطل الهبة، و أخذ الشقص بحكم العقد الأوّل، و لو لم يكن وهب كان الثمن له، كذا بعد الهبة المفسوخة.

و كذا للشفيع فسخ الوقف و كونه مسجدا أو غير ذلك من أنواع التصرّفات، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ الوقف يبطل الشفعة، لأنّ الشفعة إنّما تثبت في المملوك و قد خرج من أن يكون مملوكا(4).

و هو غلط، لأنّ ذلك الاستحقاق سابق و الوقف متأخّر، فلا يبطل السابق، و لا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حقّ الغير، كما لو وقف المريض أملاكه أو أعتق عبيده و عليه دين مستوعب، فإنّ العتق و الوقف صحيحان، و إذا مات، فسخا لحقّ الغرماء، كذا هنا.

مسألة 741: إذا ملك الشفيع، امتنع تصرّف المشتري.

و لو طلب الشفيع و لم يثبت الملك بعد، لم يمنع الشريك من التصرّف، لبقائه في ملكه.

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 389:1، الوسيط 91:4، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4-179، المغني 490:5، الشرح الكبير 505:5.
2- المغني 491:5، الشرح الكبير 506:5.
3- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 4: 179.
4- المغني 490:5، الشرح الكبير 505:5.

و يحتمل قويّا المنع، لتعلّق حقّ الشفيع به و تأكّده بالطلب.

و كلاهما للشافعيّة(1) أيضا.

و لو تصرّف الشفيع قبل القبض بعد أن سلّم الثمن إلي المشتري، نفذ.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: المنع، كتصرّف المشتري قبل القبض(2).

و هو باطل، لاختصاص ذلك بالبيع، و الشفعة ليست بيعا. و لأنّه ملك قهريّ كالإرث، فصحّ تصرّفه فيه، كالوارث قبل القبض.

و لو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي، نفذ تصرّفه.

و قالت الشافعيّة: لا ينفذ(3).

و كذا لو ملك برضا المشتري بكون الثمن عنده.

مسألة 742: لا يشترط علم الشفيع بالثمن و لا بالشقص في طلب الشفعة،

بل في الأخذ، فلا يملك الشقص الذي لم يره بالأخذ و لا بالطلب، لأنّه غرر و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عنه(4) ، بل يشترط علم الشفيع في التملّك بالثمن و المثمن معا، فلو جهل أحدهما، لم يصح الأخذ، و له المطالبة بالشفعة.

و لو قال: أخذته بمهما كان، لم يصح مع جهالته بالقدر.

و قالت الشافعيّة: في تملّك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان:

ص: 253


1- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 170:4.
2- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
3- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
4- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75.

أظهرهما: أنّه علي قولي(1) بيع الغائب إن منعناه، لم يتملّكه قبل الرؤية، و ليس للمشتري منعه من الرؤية. و إن صحّحناه، فله التملّك.

[ثمّ](2) منهم من جعل خيار الرؤية علي الخلاف في خيار المجلس.

و منهم من قطع به و قال: المانع هناك - علي رأي - بعد اختصاص ذلك الخيار بأحد الجانبين.

و الثاني: المنع، سواء صحّحنا بيع الغائب أو أبطلناه، لأنّ البيع جري بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه، و هنا الشفيع يأخذ من غير رضا المشتري، فلا يمكن إثبات الخيار فيه.

نعم، لو رضي المشتري بأن يأخذه الشفيع و يكون بالخيار، فعلي قولي بيع الغائب، فإذا جوّزنا له التملّك و أثبتنا الخيار، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن و إقباض المبيع(3) حتي يراه ليكون علي ثقة فيه(4).

و إذا بلغه البيع فقال: قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تمّ عليه العقد، و علم قدره و نظر إلي الشقص أو وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ الأخذ و إن لم يجز المشتري و لا حضر.

و قال أبو حنيفة: لا يأخذ بالشفعة حتي يحضر الثمن، و لا يقضي له القاضي بها حتي يحضر الثمن(5).

و قال محمد: إنّ القاضي يؤجّله يومين أو ثلاثة، و لا يأخذه إلاّ بحكم5.

ص: 254


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق: «قول». و الصحيح ما أثبتناه.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق: «البائع» بدل «المبيع». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
5- المغني 510:5، الشرح الكبير 521:5.

الحاكم أو رضا المشتري، لأنّ الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري، فلا يستحقّ ذلك إلاّ بعد إحضار الثمن، و لهذا كان المشتري لمّا كان يستحقّ تسلّم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلاّ بعد إحضار الثمن(1).

و قد بيّنّا أنّ الشفيع يأخذ بالعوض، فلا يشترط حضوره، كالبيع، و التسليم في الشفعة كالتسليم في البيع، فإنّ الشفيع لا يتسلّم الشقص إلاّ بعد إحضار الثمن، و كون التملّك بغير اختياره يدلّ علي قوّته، فلا يمنع من اعتباره في الصحّة بالبيع.

و إذا كان الثمن مجهولا عند الشفيع، لم يصح الأخذ، لأنّه تملّك بعوض، فلا يصحّ مع جهالة العوض، كالبيع.

و لو قال: أخذته بالثمن إن كان مائة فما دونها، لم يصح الأخذ، لأنّ مثل هذا لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع، كذا الشفعة.

و لو لم يشاهد الشقص و لا وصف له بما يرتفع معه الجهالة، لم يكن له أخذه، و به قال بعض الشافعيّة، سواء قالوا بجواز بيع خيار الرؤية أو لا، لأنّ مع القول بالجواز أثبتوا فيه خيار الرؤية برضا البائع، لأنّه دخل علي ذلك، و في مسألتنا يأخذه الشفيع بغير رضا المشتري، فلا يثبت الخيار(2).

و(3) قال ابن سريج: إلاّ أن يرضي المشتري بخيار الرؤية، فيجوز ذلك علي القول الذي يجيز البيع بها(4).

و قال بعض الشافعيّة: من قال من أصحابنا: إنّه يثبت في الشفعة خيار المجلس يجيز أيضا خيار الرؤية فيها علي أحد القولين(5).

إذا عرفت هذا، فإذا أخذ الشقص بالشفعة، وجب عليه الثمن،ر.

ص: 255


1- بدائع الصنائع 24:5، و انظر: المغني 510:5، و الشرح الكبير 521:5.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- في «س، ي» لم ترد كلمة «و».
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و لا يجب علي المشتري تسليم الشقص حتي يقبض الثمن.

مسألة 743: إذا كان الشقص في يد البائع، فقال الشفيع: لا أقبضه إلاّ من المشتري،

لم يكن له ذلك، و لم يكلّف المشتري أخذه من البائع، بل يأخذه الشفيع من يد البائع، لأنّ هذا الشقص حقّ الشفيع، فحيثما وجده أخذه. و لأنّ يد الشفيع كيد المشتري، لأنّه استحقّ قبض ذلك من جهته، كما لو وكّل وكيلا في القبض، أ لا تري أنّه لو قال: أعتق عبدك عن ظهاري، فأعتقه، صحّ، و كان الآمر كالقابض له، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ للشفيع ذلك، لأنّ الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري، فيلزمه أن يسلّمه بعد قبضه، و علي الحاكم تكليف المشتري أن يتسلّم و يسلّم، أو يوكّل في ذلك، فإن كان المشتري غائبا، نصب الحاكم من يقبضه من البائع عن المشتري و يسلّمه إلي الشفيع، و إذا أخذه الشفيع من المشتري أو من البائع، فإنّ عهدته علي المشتري خاصّة(1).

و لو أفلس الشفيع و كان المشتري قد سلّم الشقص إليه راضيا بذمّته، جاز له الاسترداد، و كان أحقّ بعينه من غيره.

مسألة 744: إنّما يأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد،

لما روي العامّة عن جابر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «فهو أحقّ به بالثمن»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فهو أحقّ بها من غيره بالثمن»(3).

و لأنّ الشفيع إنّما يستحقّ الشفعة بسبب البيع، فكان مستحقّا له

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 545:5-546، روضة الطالبين 192:4.
2- سنن البيهقي 104:6، المغني 505:5، الشرح الكبير 520:5.
3- التهذيب 164:7، 728.

بالثمن، كالمشتري.

لا يقال: الشفيع استحقّه بغير اختيار مالكه، لحاجته إليه، فكان يجب أن يستحقّه بالقيمة، كالمضطرّ إلي طعام الغير.

لأنّا نقول: المضطرّ إنّما استحقّه بسبب الحاجة خاصّة، فكان المرجع في بدله إلي القيمة، و الشفيع يستحقّه لأجل البيع، فإنّه لو كان انتقاله في الهبة أو الميراث، لم يستحقّ فيه الشفعة، و إذا اختصّ ذلك بالبيع، وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.

إذا ثبت هذا، فإن بيع بمثليّ - كالنقدين و الحبوب - أخذه بمثله.

ثمّ إن قدّر بمعيار الشرع، أخذه به. و إن قدّر بغيره كما لو باع بمائة رطل من الحنطة، أخذه بمثله وزنا تحقيقا للمماثلة.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه يأخذه بالكيل(1).

و لو تعذّر المثل وقت الأخذ، لانقطاعه أو لغيره، عدل إلي القيمة، كما في الغصب.

تذنيب: لا يجب علي الشفيع دفع ما غرمه المشتري من دلالة و اجرة وزّان و نقّاد و كيل و غير ذلك من المؤن.

مسألة 745: و لو لم يكن الثمن مثليّا بل مقوّما

- كالعبد و الثوب و شبههما - أخذه الشفيع بقيمة السلعة التي جعلت ثمنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك(2) - لأنّه أحد نوعي الثمن، فجاز أن تثبت الشفعة

ص: 257


1- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 171:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 386:1، حلية العلماء 294:5، التهذيب - للبغوي - 4: 342، العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 171:4، بدائع الصنائع 5: 26، المعونة 1276:2، التفريع 302:2، المغني 505:5، الشرح الكبير 5: 524.

بالمشتري به، كالذي له مثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تبطل الشفعة(1) - و به قال الحسن البصري و سوار القاضي(2) - لما رواه عليّ بن رئاب عن الصادق عليه السّلام في رجل اشتري دارا برقيق و متاع و بزّ و جوهر، قال: «ليس لأحد فيها شفعة»(3).

و لأنّ الشفعة إنّما تجب بمثل الذي ابتاعه به، و هذا لا مثل له، فلم تجب.

و الرواية ضعيفة السند، لأنّ في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة و ليس منّا.

و المثل قد يكون من طريق الصورة و قد يكون من طريق القيمة، كما في بدل الإتلاف و الغصب.

و تعتبر القيمة يوم البيع، لأنّه يوم إثبات العوض و استحقاق الشفعة، فلا اعتبار بالزيادة بعد ذلك و لا النقصان، و به قال الشافعي(4).

و قال ابن سريج: تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار(5).

و قال مالك: الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة(6).

و ليس بجيّد، لما تقدّم من أنّ وقت الاستحقاق وقت العقد5.

ص: 258


1- الخلاف 432:3، المسألة 7.
2- حلية العلماء 294:5، المغني 505:5، الشرح الكبير 524:5.
3- التهذيب 167:7، 740.
4- التهذيب - للبغوي - 342:4، العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 4: 171.
5- حلية العلماء 294:5، العزيز شرح الوجيز 507:5-508، روضة الطالبين 4: 171.
6- حلية العلماء 294:5، العزيز شرح الوجيز 508:5، المغني 507:5، الشرح الكبير 524:5.

للمشتري. و لأنّ الثمن صار ملكا للبائع، فلا تعتبر زيادته في حقّ المشتري.

و لو اختلفا في القيمة في ذلك الوقت، قدّم قول المشتري مع اليمين.

مسألة 746: لو جعل الشقص رأس مال سلم، أخذ الشفيع بمثل المسلم فيه

إن كان مثليّا، و بقيمته إن كان متقوّما.

و لو صالح من دين علي شقص، لم تكن له شفعة.

و عند الشافعي يأخذه بمثل ذلك الدّين إن كان مثليّا، و بقيمته إن كان متقوّما(1).

و لا فرق بين أن يكون دين إتلاف أو دين معاملة.

و لو أمهرها شقصا، فلا شفعة عندنا.

و عند الشافعي يأخذ بمهر مثل المرأة، لأنّ البضع متقوّم، و قيمته مهر المثل. و كذا إذا خالعها علي شقص. و الاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح أو يوم جريان البينونة(2).

و خرّج بعض الشافعيّة وجها أنّه يأخذه بقيمة الشقص(3). و الأصل فيه أنّ المرأة إذا وجدت بالصداق عيبا و ردّته، ترجع بقيمته علي أحد القولين، فإذا كان المستحقّ عند الردّ بالعيب بدل المسمّي، كذا عند الأخذ بالشفعة، و به قال مالك(4).

و لو متّع المطلّقة بشقص، فلا شفعة عندنا.

ص: 259


1- التهذيب - للبغوي - 342:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 4: 171.
2- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 4: 171.
3- في «العزيز شرح الوجيز»: «بقيمته يوم القبض».
4- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.

[و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر، لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق، و الشقص عوض عنها(1).

و لو أخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم، فلا شفعة عندنا](2).

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها، لأنّ النجوم هي التي قابلته(3).

و لو جعل الشقص اجرة دار، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يؤخذ بقيمة المنفعة، و هي أجرة مثل الدار(4).

و لو صالح علي الشقص عن دم، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمة الدم، و هي الدية(5). و يعود فيه مذهب مالك(6).

و لو استقرض شقصا، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمته و إن قلنا: إنّ المستقرض يردّ المثل، لأنّ القرض مبنيّ علي الإرفاق، و الشفعة ملحقة بالإتلاف(7)(8).4.

ص: 260


1- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
2- بعض ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» نصّا، و نحوه في «التهذيب» للبغوي، و «روضة الطالبين». و بعضه الآخر من تصحيحنا لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
4- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
5- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
6- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و ورد في العزيز شرح الوجيز 508:5 - تتمّة لقول الشافعي -: «و يقود منه الجريح و يذهب ملكه» بدل «و يعود فيه مذهب مالك».
7- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالإتلاف». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
8- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
مسألة 747: لو كان الثمن مؤجّلا،

مثلا: اشتري الشقص بمائة مؤجّلة إلي سنة، فللشيخ رحمه اللّه قولان:

أحدهما - و هو الأقوي عندي، و به قال مالك و أحمد و الشافعي في القديم(1) -: أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّا، و ليس له الصبر و الأخذ عند الأجل(2).

لنا: أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن، و يجب أن يكون علي الشفيع مثل الثمن قدرا و وصفا، و التأجيل وصف في الثمن. و لأنّ الشفعة علي الفور، و تأخير الطلب إلي الأجل مناف للفوريّة، و أخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه، فلم يبق إلاّ ما قلنا توصّلا إلي الجمع بين الحقوق كلّها.

و قال الشيخ أيضا: يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه و يعجّل الثمن، و بين أن يصبر إلي أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(3) - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد(4) - لأنّ ذلك يؤدّي إلي أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع، و الذمم لا تتماثل، و لهذا إذا مات من عليه الدّين المؤجّل، حلّ الأجل، و لم ينتقل إلي ذمّة الورثة. و ملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفي و بعضها أسهل في المعاملة.

ص: 261


1- الموطّأ 715:2، ذيل الحديث 3، بداية المجتهد 259:2، المغني 507:5، الشرح الكبير 523:5، المحلّي 95:9، العزيز شرح الوجيز 509:5، و انظر: روضة الطالبين 171:4-172.
2- النهاية: 425.
3- المبسوط - للطوسي - 112:3، الخلاف 433:3، المسألة 9 من كتاب الشفعة.
4- بدائع الصنائع 27:5، مختصر اختلاف العلماء 243:4، 1952، التهذيب - للبغوي - 356:4، الوسيط 83:4، العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 171:4-172، المغني 507:5، الشرح الكبير 523:5.

و لأنّ في ذلك تغريرا بالمشتري، لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل، فيلزمه غرمه، و لا يجوز أن يلزمه ذلك، و لم يحصل له حظّ بهذا البيع.

و هو ممنوع، لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري، فاندفع المحذور.

و للشافعي قول ثالث: إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلي سنة، لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل علي ما تقدّم، و إن أخذها بثمن حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل، فقد كلّفناه أكثر من الثمن، لأنّ ما يباع بمائة إلي سنة لا يساويها حالاّ، و لئلاّ يتأخّر الأخذ و لا يتضرّر الشفيع(1) و علي ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمن مؤجّل إذا كان مليّا موثوقا به أو(2) إذا أعطي كفيلا مليّا، و إلاّ لم يأخذه، لأنّه إضرار بالمشتري، و هو أحد قولي الشافعي علي تقدير قوله بما قلناه. و الثاني له: أنّ له الأخذ علي الإطلاق، و لا ينظر إلي صفته، و لو أخذه ثمّ مات، حلّ عليه الأجل(3).

و علي قول أبي حنيفة و الشيخ و الشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير، لأنّه تأخير بعذر، و لكن هل يجب تنبيه المشتري علي الطلب ؟ فيه وجهان، أحدهما: لا، إذ لا فائدة فيه. و الثاني: نعم، لأنّه ميسور و إن كان الأخذ معسورا(4).

و لو مات المشتري و حلّ عليه الثمن، لم يتعجّل الأخذ علي الشفيع،4.

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 172:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4.
4- العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 172:4.

بل هو علي خيرته إن شاء أخذ في الحال، و إن شاء صبر إلي مجيء ذلك المحلّ.

و لو مات الشفيع، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

و لو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل، صحّ البيع، لأنّ الثمن لو كان حالاّ فباع المشتري صحّ بيعه، فإذا كان مؤجّلا و تأخّر الأخذ، كان جواز البيع أولي، و يتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني و يأخذه بالثمن الثاني و بين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل، و يأخذه بالثمن الأوّل، لأنّ ذلك كان له، و لا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا: إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري، و هو الظاهر عندهم(1) ، و فيه خلاف، و إن قلنا بالثالث، فتعيين(2) العرض إلي الشفيع و تعديل القيمة [إلي](3) من يعرفها.

و لو لم يتّفق طلب الشفعة حتي حلّ الأجل، وجب أن لا يطالب علي هذا القول إلاّ بالسلعة المعدلة، لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع، ألا تري أنّه إذا باع بمتقوّم، تعتبر قيمته يوم البيع. و علي القولين الآخرين لو أخّر الشفعة، بطل حقّه.

مسألة 748: لو ضمّ شقصا مشفوعا إلي ما لا شفعة فيه في البيع،

مثل أن يبيع نصف دار و ثوبا أو عبدا أو غيرهما صفقة واحدة، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين، و أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن، عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(4) ، و لا شفعة في المضموم،

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فيتعيّن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4، المغني 508:5، الشرح الكبير 502:5.

لأنّ المضموم لا شفعة فيه و لا هو تابع لما فيه الشفعة، فلا تثبت فيه الشفعة، كما لو أفرده.

و قال مالك: تثبت الشفعة فيهما معا. و يروي عنه أيضا أنّه إن كان من مصالح الضيعة و توابعها كالثيران و آلات الحرث و العبد العامل في البستان، أخذه الشفيع مع الشقص. و إن كان غير ذلك، لم يأخذه، لأنّه لو أخذ الشقص وحده، تبعّضت الصفقة علي المشتري، و في ذلك ضرر، و لا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(1).

و هو غلط، لأنّه أدخله علي نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة و ما لا تثبت.

ثمّ النظر إلي قيمتهما يوم البيع، فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني: إذا قلنا: إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار، فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذ يحصل(2).

و هذا يتأتّي علي قول الشيخ أيضا.

و إذا أخذ الشفيع الشقص، لم يثبت للمشتري الخيار و إن تفرّقت الصفقة عليه، لدخوله فيها عالما بالحال.

مسألة 749: إذا اشتري شقصا من دار فاستهدمت

إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله، فلها أحوال:

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 510:5، المغني 508:5، الشرح الكبير 502:5.
2- العزيز شرح الوجيز 510:5.

أ - أن تتعيّب من غير تلف شيء منها و لا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن، و بين الترك، و يكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ و بين الأخذ بجميع الثمن، عند بعض(1) علمائنا، و به قال الشافعي(2).

و عند بعضهم(3) يسقط(4) الأرش، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها، فينظر إن تلف شيء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

و إن بقيت العرصة بتمامها و تلفت السقوف و الجدران باحتراق و غيره، فإن قلنا: إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(5) ، أخذ العرصة بحصّتها منه.

ص: 265


1- كالشيخ الطوسي في الخلاف 109:3، المسألة 178، و المبسوط 127:2، و ابن إدريس في السرائر 305:2.
2- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 4: 172-173.
3- انظر: نكت النهاية (النهاية و نكتها) 161:2-162.
4- كذا بصيغة الإثبات. و في جواهر الكلام 359:16 حيث نقل عبارة التذكرة قال: «لا يسقط الأرش». و قال المحقّق الكركي في جامع المقاصد 417:4-418 عند شرح قول المصنّف في القواعد: «و لو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة»: فهاهنا أربع صور: الاولي: أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع.. إلي أن ساق الكلام إلي قوله: و قد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش علي البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك، و قد نبّه كلام المصنّف في التذكرة علي ذلك. انتهي، فلاحظ قوله: «وجوب الأرش علي البائع» حيث إنّه يخالف قول المصنّف: «يسقط الأرش» و يوافق ما في الجواهر من قوله: «لا يسقط». و انظر أيضا: الكافي في الفقه - للحلبي -: 355.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المسمّيين» بدل «المبيعين». و الظاهر ما أثبتناه.

الثمن، و هو الأصحّ، و به قال الشافعي و مالك و أحمد(1).

و إن قلنا: إنّها كأطراف العبد و صفاته، أخذها بكلّ الثمن علي رأي - و به قال الشافعي(2) - و بما بعد الأرش علي رأي.

و فرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة، فيأخذها بجميع الثمن، أو بإتلاف متلف، فيأخذها بالحصّة، لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف، فلا يتضرّر، و به قال أبو حنيفة(3).

ج - أن لا يتلف شيء منها و لكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام و سقوط الجدران، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّها دخلت في البيع و كانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة، فكذا بعد النقض، و كونه منقولا عرض بعد البيع و بعد تعلّق حقّ الشفيع به، و الاعتبار بحال جريان العقد، و لهذا لو اشتري دارا فانهدمت، يكون النقض و العرصة للمشتري و إن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

و الثاني للشافعي: لا يأخذ الشفيع النقض، لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك و أدخل النقض في البيع، لا يؤخذ بالشفعة(5).4.

ص: 266


1- التهذيب - للبغوي - 346:4، العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 4: 173، المغني 504:5، الشرح الكبير 503:5.
2- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.
3- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4، بدائع الصنائع 28:5، مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1972، المغني 504:5، الشرح الكبير 5: 503.
4- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.
5- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.

فإن قلنا بالأوّل، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش علي ما تقدّم، أو يعرض عن الكلّ.

و إن قلنا: إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني علي أنّ السقوف و الجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل، أخذ العرصة و ما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

و إن قلنا بالثاني، فوجهان:

أحدهما: أنّه يأخذ بالحصّة، لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة، فيبعد أن تبقي للمشتري مجّانا و يأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

و الثاني - و هو قياس الأصل المبنيّ عليه -: أن يأخذ بتمام الثمن، كما في الحالة الاولي. و علي هذا فالأنقاض تشبه بالثمار و الزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(1).

و منهم من كان يطلق قولين - تفريعا علي أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - علي أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(2) و وجه الأخذ بالكلّ: أنّه نقص حصل عند المشتري، فأشبه تشقّق الحائط، و الأخذ بالحصة: أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن، كما إذا اشتري شقصا و سيفا.

و اعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(3).

و قال في القديم و مواضع من الجديد: أنّه يأخذه بالحصّة(4).5.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 511:5-512، روضة الطالبين 173:4.
2- العزيز شرح الوجيز 512:5.
3- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 265:7، العزيز شرح الوجيز 512:5.
4- الحاوي الكبير 265:7، العزيز شرح الوجيز 512:5.

و قد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق:

أ - منهم من قال: إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة، و إنّما يأخذ العرصة و ما فيها من البناء، لأنّ ذلك منفصل عنها، كما لو باع دارا، لم يدخل فيها ما كان منفصلا عنها. و هل يأخذ العرصة و البناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة ؟ قولان.

ب - ما ذكر في الطريقة الأولي إلاّ في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولا واحدا.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار، لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع و في ذلك الحال كان متّصلا.

د - المسألة علي اختلاف حالين، فالموضع الذي قال: يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرق أو غير ذلك، و الموضع الذي قال:

يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقية و إنّما ذهب البناء.

ه - إنّ الموضع الذي قال: يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ، و الموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(1).

و بهذه(2) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(3).

أقول: ما فعله المشتري مضمون (و إن كان إذا)(4) حصل بغير فعله لم يضمنه، كما لو قلع عين المبيع، كان تضمينها عليه، و لو سقطت».

ص: 268


1- الحاوي الكبير 265:7-266، العزيز شرح الوجيز 512:5.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «هذه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بدائع الصنائع 28:5، مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1972، العزيز شرح الوجيز 511:5، المغني 504:5، الشرح الكبير 503:5.
4- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «و إذا كان».

لم يسقط شيء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب، فهل يضمن المشتري ؟ قولان لعلمائنا، الأقرب: الضمان.

و لو تلف بعض المبيع، أخذه بحصّته من الثمن.

مسألة 750: إذا بني المشتري أو غرس قبل القسمة، كان للشريك قلعه،

لا من حيث الشفعة، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بني أو غرس في الأرض المشتركة، كان للشريك الآخر قلعه و تخريب البناء مجّانا، و له الأخذ بالشفعة بعد القلع و قبله.

و إن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك، أو لصغره - بإذن الحاكم، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا، أو في الاتّهاب فظهر(1) البيع، أو قاسمه وكيله و أخفي(2) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجيء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بني أو غرس أو زرع بعد القسمة و التمييز ثمّ علم الشفيع، فللمشتري قلع غرسه و بنائه، لأنّه ملكه.

فإذا قلعه، لم يكن عليه تسوية الحفر، لأنّه غرس و بني في ملكه، و ما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه، و ذلك ممّا لا يقابله الثمن، و إنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف و ثلث و ربع، و لا يقابل التراب، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

و إن لم يقلع المشتري الغراس، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء: ترك الشفعة، و أخذها و دفع قيمة البناء و الغراس إن رضي الغارس و الباني،

ص: 269


1- في «س، ي»: «فيظهر».
2- في «س، ي»: «خفي».

و يصير الملك له، و أن يجبر المشتري علي القلع، و يضمن له ما نقص له بالقلع.

و قيل: رابع: أن يبقيه في الأرض بأجرة(1).

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص، لم يلزمه قلعه، قاله الشيخ(2) رحمه اللّه، و الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق و النخعي(3) ، لأنّه بني في ملكه الذي يملك نفعه، فلم يجبر علي قلعه مع الإضرار به، كما لو كان لا شفعة فيه.

و قال أبو حنيفة و الثوري: يجبر علي قلعه، لأنّه بني في حقّ غيره بغير إذنه، فكان عليه قلعه، كما لو بني فيها و بانت مستحقّة(4).

و فرّق(5) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(6).

و قول أبي حنيفة عندي لا بأس به، و البناء و إن كان في ملكه لكنّه ملك غير مستقرّ، فلا يؤثّر في منع القلع، و القياس علي عدم الشفعة باطل.

لا يقال: القسمة تقطع الشركة، و تردّ العلقة بينهما إلي الجوار، و حينئذ وجب أن لا تبقي الشفعة، لاندفاع الضرر الذي كنّا نثبت الشفعة لدفعه، كما لا تثبت ابتداء للجار.5.

ص: 270


1- العزيز شرح الوجيز 520:5، روضة الطالبين 178:4.
2- المبسوط - للطوسي - 118:3، الخلاف 439:3، المسألة 14.
3- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 519:5، روضة الطالبين 4: 176-177، المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.
4- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 519:5، المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فرّقوا».
6- المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.

لأنّا نقول: الجوار و إن لم يكن يكتفي به في الابتداء إلاّ أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء، و لم يخرّج علي الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة، لأنّ الجوار علي حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلي التأذّي(1) بضيق المرافق و سوء الجوار، و لذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين تصرّف المشتري و المستعير إذا بني في أرض المعير أو غرس. و لو كان قد زرع، ترك زرعه إلي أن يدرك و يحصد.

و هل للشفيع أن يطالبه بأجرة بقاء الزرع ؟ الأقوي: العدم، بخلاف المستعير، فإنّه زرع أرض الغير و قد رجع في العارية، فكان عليه الأجرة، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه و استوفي منفعته بالزراعة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: له المطالبة، كما أنّ المعير يبقي بالأجرة(2).

و قد بيّنّا الفرق.

و كذا لو باع أرضا مزروعة، لا يطالبه المشتري بالأجرة لمدّة بقاء الزرع.

و للشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة، و صورة العارية، و صورة الشفعة - وجهان في وجوب الأجرة، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الأجرة، و في الصورتين الأخريين المنع، للمعني الجامع لهما، و هو أنّه استوفي منفعة ملكه(3).

و أمّا إذا زرع بعد المقاسمة، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة، و يبقي زرع المشتري إلي أوان الحصاد، لأنّ ضرره لا يبقي، و الأجرة عليه، لأنّه زرعه5.

ص: 271


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «علي حال ضرر إيصال قد يتأدّي إلي التأذّي». و في «ي»: «علي حال ضرر أيضا..». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 520:5، روضة الطالبين 187:4.
3- العزيز شرح الوجيز 520:5.

في ملكه.

تذنيب: إذا زرع، لزم الشفيع إبقاء الزرع، و حينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلي الإدراك و الحصاد، لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك، و يخرج الثمن من يده، فله في التأخير غرض صحيح، و هو الانتفاع بالثمن إلي ذلك الوقت، قاله بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: و يحتمل أن لا يجوز التأخير و إن تأخّرت المنفعة، كما لو بيعت الأرض في وسط الشتاء، لا تؤخّر الشفعة إلي أوان الانتفاع(2).

و لعلّ بينهما فرقا.

و لو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة، ففي جواز التأخير إلي وقت القطاف وجهان للشافعيّة(3).

و عندي أنّه يجب الأخذ معجّلا.

مسألة 751: لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة و غيرهما، صحّ،

لأنّه واقع في ملكه، و ثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(4) لا يمنع تصرّف المتّهب، و كما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

و عن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرّفاته باطلة، لأنّ للشفيع حقّا لا سبيل إلي إبطاله، فأشبه حقّ المرتهن(5).

و إذا قلنا بالصحّة علي ما اخترناه نحن - و هو الظاهر من قول الشافعيّة(6) - أنّه ينظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة، فللشفيع نقضه، و أخذ

ص: 272


1- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
2- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
3- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فالرجوع». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
6- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.

الشقص بالشفعة، و إلاّ تخيّر بين الأخذ بالأوّل و فسخ الثاني، و بين إمضائه و الأخذ بالثاني.

و عن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(1).

و اختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه:

فمنهم من خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات، أمّا ما لا تثبت فله نقضه، لتعذّر الأخذ به.

و منهم من عمّم و قال: تصرّف المشتري يبطل حقّ الشفيع، كما يبطل تصرّف المشتري المفلس حقّ الفسخ للبائع، و تصرّف المرأة حقّ الرجوع إلي العين إذا طلّق قبل الدخول، و تصرّف المتّهب رجوع الواهب. نعم، لو كان التصرّف بيعا، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(2).

و عن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضا، لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلا للشفعة، لا يكون مثبتا لها، كما إذا تحرّم(3) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّة و تكبيرا، لا تنعقد بها الصلاة، لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(4).

و وجه ظاهر المذهب: أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري، لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله، و لا يشبه تصرّف المفلس و تصرّف المرأة في الصداق، فإنّ حقّ البائع و الزوج لا يبطل بالكلّيّة، بل ينتقل إلي الثمن و القيمة، و الواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه و سلّطه عليه، و هنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة، و لم يوجد منه5.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 521:5.
2- العزيز شرح الوجيز 521:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «أحرم» بدل «تحرّم».
4- العزيز شرح الوجيز 522:5.

رضا و لا تسليم(1).

قال بعض الشافعيّة: يجوز أن يبني الوجهان علي القولين فيما إذا عتقت الأمة تحت عبد و طلّقها قبل أن تختار الفسخ، هل ينفذ الطلاق ؟ و وجه الشبه: أنّ الطلاق يبطل حقّها في الفسخ و لم تسلّطه عليه، كما ذكرنا في الشفيع(2).

و حكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعة تصرّف الوقف، و ينقض ما عداه(3).

مسألة 752: النخل تتبع الأرض في الشفعة،

و به قال الشافعي(4).

فإن طالب بالشفعة و قد زادت النخل بطول و سعف، رجع في ذلك، لأنّ هذه زيادة غير متميّزة، فتبعت الأرض في الرجوع، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعا للأرض في الشفعة و قد قلتم: إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة، فتجوز المزارعة علي ما بين النخل من البياض تبعا للنخيل!؟ و أجيب: بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعا في حكم يختصّ بالنخل، و النخل تبعا لها في حكم آخر يختصّ بالأرض، و إنّما لا يجوز أن يكون الشيء تابعا و متبوعا في أمر واحد، و قد عرفت الكلب مقيس علي الخنزير في النجاسة، و الخنزير مقيس عليه في الغسل من ولوغه عندهم(5).

و لو طلّق الزوج قبل الدخول و كان الصداق نخلا و قد طالت، لا يرجع في النصف، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 522:5.
2- العزيز شرح الوجيز 522:5.
3- العزيز شرح الوجيز 522:5.
4- الحاوي الكبير 269:7، العزيز شرح الوجيز 484:5.
5- لم نعثر علي الاعتراض و الجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

العين، و القيمة تنوب منابها، و في الشفعة إذا لم يرجع في ذلك، سقط حقّه من الشفعة، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا، فإن كان في هذه النخل طلع حدث، نظر فإن كان قد أبّر و تشقّق، كان للمشتري، لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

و إن كان لم يؤبّر، فهل يتبع في الشفعة ؟ أمّا عندنا فلا، لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّة.

و أمّا عند الشافعي فقولان(1) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلا و حدث فيها طلع لم يؤبّر و أراد البائع الرجوع في النخل.

و يفارق ذلك البيع، لأنّه أزال ملكه باختياره، و كان الطلع تابعا إذا لم يكن ظاهرا، و يكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

و كذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة، و فسخ الهبة - فيه قولان(2).

فإن كان المشتري اشتري النخل و فيها الطلع، فإن كان مؤبّرا، فإنّه لا يتبع في البيع، و إذا اشترطه، دخل في البيع، و لا تثبت فيه الشفعة، و إنّما يأخذ الأرض و النخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبّرة، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

و إن كانت موجودة حال البيع، فالأقوي: الدخول في الشفعة، كما دخلت في البيع، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.ه.

ص: 275


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن أخذ الشقص بعد التأبير، لم يتبعه الطلع.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع، كان في الطلع القولان، لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع، لوجب أن يأخذه و إن تشقّق، لأنّ ذلك زيادة متّصلة(1).

و الغراس تبع في الشفعة، لأنّه يراد للتبقية في الأرض و التأبيد.

مسألة 753: إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة

أو نقص البائع منه شيئا بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع و انقضاء الخيار، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ، و لا عليه شيء لا في حطّ الكلّ و لا في حطّ البعض، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد، و الذي استقرّ عليه المسمّي.

و لو كان في زمن الخيار، لم يلحق أيضا الشفيع عندنا، لوقوع العقد علي شيء، فلا تضرّ الزيادة و النقيصة بعده.

و قال الشافعي: يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين، لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد، و إنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. و لأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد، و التغيير يلحق بالعقد، لأنّهما علي اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(2).

فأمّا إذا انقضي الخيار و انبرم(3) العقد فزاد أو نقص، لم يلحق بالعقد، [لأنّ الزيادة](4) لا تثبت إلاّ أن تكون هبة مقبوضة، و النقصان يكون

ص: 276


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الوجيز 218:1، العزيز شرح الوجيز 513:5، روضة الطالبين 173:4، المغني 506:5، الشرح الكبير 522:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «لزم» بدل «انبرم».
4- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الزيادة». و الظاهر ما أثبتناه كما في المغني و الشرح الكبير.

إبراء، و لا يثبت [ذلك](1) في حقّ الشفيع، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع، و لا تثبت الزيادة و إن كانا(3) عنده يلحقان بالعقد، و يقول: الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(4).

و هو غلط، لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد، فلم يثبت في حقّ الشفيع، كالزيادة.

و الفرق ليس بصحيح، لأنّ ذلك لو لحق بالعقد، لثبت في حقّه و إن أضرّ به، كما لو كان في زمن الخيار.

و لو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - و به قال الشافعي(5) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن، فلا شفعة للشريك، لأنّه يصير هبة، فيبطل علي رأي، و يصحّ علي رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع، لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع، و لهذا فاته جزء من الثمن.

مسألة 754: لو كان ثمن الشقص عبدا، ثبتت الشفعة عندنا،

خلافا لبعض علمائنا و بعض الجمهور، و قد سبق(6) ، و يأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيبا، فإمّا أن يكون [قبل](7) أن يحدث عنده

ص: 277


1- ما بين المعقوفين من المغني و الشرح الكبير.
2- المصادر في الهامش (2) من ص 276.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كان» بدل «كانا». و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
4- المغني 506:5، الشرح الكبير 522:5، العزيز شرح الوجيز 513:5.
5- العزيز شرح الوجيز 513:5، روضة الطالبين 173:4.
6- في ص 257، المسألة 745.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «قبل». و الصحيح ما أثبتناه.

عيب أو يكون الوقوف علي العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع، كان له ردّ العبد علي المشتري، و لم يكن له استرجاع الشقص، لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيبا، فإنّه يردّه، و لا يفسخ بيع المشتري، و يرجع البائع إلي قيمة الشقص، كذا هنا.

و قال بعض الشافعيّة: يستردّ المشتري الشقص من الشفيع، و يردّ عليه ما أخذه، و يسلّم الشقص إلي البائع، لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري، فردّ البائع يتضمّن نقض ملكه، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(1).

و المشهور عندهم(2) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلي المشتري و دفع المشتري إلي البائع قيمة الشقص، فإن تساويا، فلا بحث. و إن تفاوتا، لم يرجع المشتري علي الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشيء، و لا يرجع الشفيع علي المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - و هو أحد قولي الشافعيّة(3) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

و الثاني: يتراجعان، لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته، فينبغي أن يستحقّ ذلك علي الشفيع، فيرجع كلّ من كان ما دفعه أكثر علي صاحبه بالزيادة(4).

و لو عاد الشقص إلي المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك،4.

ص: 278


1- العزيز شرح الوجيز 514:5، و أيضا: فتح العزيز 457:11، روضة الطالبين 4: 174.
2- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.
3- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.
4- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.

لم يكن للبائع أخذه منه، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه، فإنّه يجب عليه ردّه علي المالك، و استرداد ما دفعه من القيمة، لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم و دفع القيمة، و إنّما أخذنا القيمة للضرورة و قد زالت، و هنا زال ملك البائع عنه و صار ملكا للشفيع، و انقطع حقّه عنه، و إنّما انتقل حقّه إلي القيمة، فإذا أخذها، لم يبق له حقّ.

و حكي بعض الشافعيّة فيه وجهين بناء علي أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد؟(1) و أمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة، فهنا حقّان، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الشفيع أولي، لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

و الثاني: البائع أولي، لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(2).

و حكي الجويني الجزم بتقديم البائع(3).

و الوجه عندي: تقديم حقّ الشفيع، لسبقه.

فإذا قلنا: الشفيع أحقّ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص، و يرجع المشتري علي الشفيع بقيمة العبد، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: يرجع علي الشفيع بقيمة الشقص(4).

و لو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعده.

ص: 279


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 173:4.
3- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 173:4.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

تصرّفه، لم يكن له ردّه، و كان له علي المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلا قيمة عبد سليم، فلا يرجع عليه بشيء.

و إن كان دفع قيمة معيب، فالأقرب: أنّه يرجع عليه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الثمن الذي استقرّ علي المشتري العبد و الأرش، فينبغي أن يرجع بهما.

و الثاني: أنّه لا يرجع، لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد(2).

قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن يرجع هنا وجها واحدا، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص، لأنّ العقد اقتضي سلامة العبد، و ما دفع إلاّ ما اقتضاه العقد، بخلاف قيمة الشقص، و لهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبد سليم، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب، فإذا لم يدفعه، وجب دفعه، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع(3).

و لو رضي البائع بالعيب و لم يردّ و لا أخذ الأرش، فالأقوي: أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم، لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد، فلا يلحق الشفيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: تجب علي الشفيع قيمة المعيب حتي لو بذل قيمة السليم، استردّ قسط السلامة من المشتري(4).

و غلّط الجويني قائله(5).

تذنيب: للمشتري ردّ الشقص بالعيب علي البائع، و للشفيع ردّه علي المشتري بالعيوب السابقة علي البيع و علي الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع، فلا ردّ في الحال، و لا أرش له علي مذهب4.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
3- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
4- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
5- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.

الشافعي(1) ، المشهور. و يجيء فيه الخلاف فيما إذا باعه. و لو ردّ عليه الشفيع بالعيب، ردّه حينئذ علي البائع.

و لو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع و منعه عيب حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم، حطّ ذلك عن الشفيع.

و إن قدر علي الردّ لكن توافقا علي الأرش، صحّ عندنا، لأنّ الأرش أحد الحقّين.

و للشافعيّة وجهان إن صحّحناها(2) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم: الحطّ. و الثاني: لا، لأنّه تبرّع من البائع(3) ، و هو الذي اخترناه نحن.

مسألة 755: تثبت الشفعة للمفلّس،

فإذا بيع شقص في شركته، كان له الأخذ و العفو، و لم يكن للغرماء الاعتراض عليه، لأنّه إذا أراد الترك، لم نجبره علي الأخذ، لأنّه تملّك، و إن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته، و ليس بمحجور عليه في ذمّته.

و لو مات مفلّس و له شقص فباع شريكه، كان لوارثه الشفعة، خلافا لأبي حنيفة(4).

و للمكاتب أيضا الأخذ بالشفعة و الترك لها، و ليس للسيّد الاعتراض عليه، لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد، بل و له الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري، و بالعكس.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- أي الموافقة التي دلّ عليها قوله: «توافقا».
3- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4-175.
4- المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.

و المأذون له في التجارة، فإن أخذ بالشفعة، جاز، لأنّه مأذون له في الشراء، و إن عفا، كان للسيّد إبطال عفوه، لأنّ الملك للسيّد، فإن أسقطها السيّد، سقطت، و لم يكن للعبد أن يأخذ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.

و للوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. و لو عفا معها، صحّ عفوه، و لم يكن للموكّل المطالبة بها.

و للسفيه أن يأخذ بالشفعة، و يأذن الوليّ أو يتولاّه.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المفلّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن، منع من ذلك، لأنّ الحجر يقتضيه.

مسألة 756: للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في شركة المضاربة،

فإذا أخذ فإن كان هناك ربح، فلا حصّة له في ذلك، بل الجميع للمالك، لأنّ العامل لا يملكه بالبيع، فالجميع لصاحب المال، و كذا إن لم يكن ربح، و للعامل الأجرة. و لو ترك، كان لربّ المال الأخذ، لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.

هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربح، و لو كان قد ظهر فيه ربح، لم يكن هناك شفعة لا للعامل و لا لربّ المال، لزيادة الشركة علي اثنين.

و لو اشتري العامل بمال المضاربة شقصا لربّ المال فيه شركة، فهل تثبت له الشفعة ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: تثبت له، لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه، لتعلّق حقّ الغير به و هو العامل، و يجوز أن يثبت له علي ملكه حقّ لأجل الغير، كما يثبت له علي عبده المرهون حقّ الجناية.

و الثاني: لا تثبت، لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه، و يخالف

ص: 282

الجناية، لأنّها ليست بملك(1).

و قال ابن سريج وجها ثالثا: أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة، و هذا ليس من الشفعة(2).

فأمّا إن كان العامل شفيعه، فإن لم يكن له(3) ربح، فله الشفعة، و إن كان و قلنا: لا يملك بالظهور، فكذلك. و إن قلنا: يملك بالظهور، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان(4) ، كما قلنا في ربّ المال.

مسألة 757: الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر،

عند علمائنا كافّة، و هو قول جميع العامّة، إلاّ النخعي، فإنّه قال: الشفعة تسقط بالغيبة(5).

و هو غلط، لأنّ العمومات دالّة علي المتنازع.

و ما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قال(6): «للغائب شفعة»(7).

إذا ثبت هذا، فإذا بلغه الخبر، طالب حينئذ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة، بطلت شفعته.

مسألة 758: اختلفت علماؤنا رحمهم اللّه في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟

فقال السيّد المرتضي(8) و من(9) تبعه: إنّها تورث، و لا تسقط بموت

ص: 283


1- حلية العلماء 274:5.
2- حلية العلماء 275:5.
3- كلمة «له» لم ترد في «س» و في «ي» سقطت جملة «فإن لم يكن.. فله الشفعة».
4- المغني 499:5.
5- مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1971، المغني 485:5، الشرح الكبير 477:5.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإن» بدل «قال». و ذلك تصحيف.
7- الفقيه 46:3، 160، التهذيب 166:7، 737.
8- الانتصار: 217.
9- كالشيخ الطوسي في الخلاف 27:3، المسألة 36.

مستحقّها و لا بترك مطالبته إن قلنا: إنّها علي التراخي أو كان بعدها(1) إن قلنا: علي الفور - و به قال الشافعي و مالك و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(2) - لأنّه حقّ يتعلّق بالمال، فكان موروثا كغيره من الحقوق الماليّة. و لأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال، فكان موروثا، كخيار الردّ بالعيب.

و قال الشيخ(3) و جماعة من علمائنا(4): إنّها غير موروثة، و إذا مات المستحقّ، بطلت - و به قال الثوري و أبو حنيفة و أحمد بن حنبل(5) - لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّ عليهم السّلام، قال: «لا شفعة إلاّ لشريك [غير](6) مقاسم» و قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: لا يشفع في المحدود، و قال: لا تورث الشفعة»(7).

و لأنّه خيار لاستخلاف مال، فيبطل(8) بالموت، كخيار القبول.

و في طريق الرواية قول، لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.

و الفرق أنّ خيار القبول غير ثابت، فإنّ للموجب أن يبطله قبل قبول القابل.».

ص: 284


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بعده». و الظاهر ما أثبتناه. أي: كان الموت بعد المطالبة.
2- الحاوي الكبير 257:7، حلية العلماء 316:5، التهذيب - للبغوي - 359:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1966، المغني 536:5-537، الشرح الكبير 516:5.
3- الخلاف 436:3، المسألة 12، النهاية: 425-426.
4- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 459:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 259.
5- الحاوي الكبير 257:7، التهذيب - للبغوي - 359:4، حلية العلماء 316:5، العزيز شرح الوجيز 527:5، بدائع الصنائع 14:5 و 22، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1966، المغني 536:5، الشرح الكبير 516:5.
6- ما بين المعقوفين من المصدر.
7- التهذيب 167:7، 741.
8- في «س، ي»: «فبطل».

إذا ثبت هذا، فإنّ الشفعة تثبت للورثة علي قدر الأنصباء، فللزوجة الثّمن، و للأبوين السدسان، و للذكر الباقي لو اجتمعوا. و بالجملة، علي قدر الميراث.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: إنّ الشافعي قال: إنّها علي عدد الرءوس، و نقله المزني عنه. و قال بعضهم: هذا لا يحفظ عن الشافعي، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا، لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت، لا أنّهم يأخذونها بالملك. و قال جماعة من الشافعيّة: إنّها علي قولين(1).

إذا عرفت هذا، فإذا كان الوارث اثنين(2) فعفا أحدهما، صحّ عفوه في حقّ نفسه، و سقط نصيبه من الشفعة بمعني أنّه ليس له المطالبة بها، و للآخر جميع الشقص، لأنّها شفعة وضعت لإزالة الضرر، فلا يثبت بها الضرر. و لأنّها شفعة تثبت لاثنين، فإذا عفا أحدهما توفّر علي الآخر، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - و كما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.

و الثاني لهم: أنّ حقّ الآخر يسقط أيضا، لأنّهما ينوبان مناب الموروث، و لو عفا الموروث عن بعضها، سقط جميعها(4).

و الفرق: أنّ الشفعة تثبت لواحد هو الموروث. و لأنّه يؤدّي إلي تبعيض الشقص، بخلاف مسألتنا.

و الوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري، لأنّهما لو عفوا معا، لكان7.

ص: 285


1- انظر: الحاوي الكبير 259:7، و حلية العلماء 316:5، و التهذيب - للبغوي - 361:4-362، و العزيز شرح الوجيز 527:5-528، و روضة الطالبين 182:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «اثنان». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الحاوي الكبير 259:7.
4- الحاوي الكبير 259:7.

الشقص له، فكذا إذا عفا أحدهما، يكون نصيبه له، بخلاف حدّ القذف، فإنّه وضع للزجر، فللّه تعالي فيه حقّ.

مسألة 759: إذا خرج الشقص مستحقّا،

كانت عهدة المشتري فيه علي البائع، و عهدة الشفيع علي المشتري، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري، لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع و يسلّمه إلي الشفيع، فإن غاب أو امتنع، أقام الحاكم من يسلّمه إلي المشتري و يسلّمه إلي الشفيع. و لو حكم الحاكم بتسلّمه منه، كان كما لو سلّمه المشتري، لأنّ التسليم حقّ علي المشتري - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء و حصول ذلك للمشتري، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن، كانت العهدة عليه، كالمشتري مع البائع، بخلاف الشفيع.

و أمّا إذا أخذه من البائع، فقد قلنا: إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك، لأنّه تسليم مستحقّ علي المشتري، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.

و لو انفسخ عقد المشتري، بطلت الشفعة، لأنّها استحقّت به.

و قال ابن أبي ليلي و عثمان البتّي: تجب عهدة الشفيع علي البائع، لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع، فصار كالمشتري(2).

و قال أبو حنيفة: إن أخذه من المشتري، كانت العهدة علي

ص: 286


1- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 310:5، العزيز شرح الوجيز 545:5-546، مختصر اختلاف العلماء 243:4، 1950، المغني 534:5، الشرح الكبير 540:5.
2- الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 311:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 242، 1950، المغني 534:5، الشرح الكبير 540:5.

المشتري، و إن أخذه من يد البائع، كانت العهدة علي البائع، لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع، تعذّر القبض، و إذا تعذّر القبض، انفسخ البيع بين البائع و المشتري، فكأنّ الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه(1).

و هو خطأ، لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.

تذنيب: لو أخذ الشفيع الشقص و بني أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق، و قلع المستحقّ بناءه و غرسه، فالقول فيما يرجع الشفيع علي المشتري من الثمن و ما نقص من قيمة البناء و الغراس و غير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

مسألة 760: لو كان الثمن دنانير معيّنة،

تعيّنت بالعقد علي قولنا و قول الشافعي(2)في ج 10، ص 427-428، المسألة 215.(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و قد سبق(4). فإذا تعيّنت و ظهر أنّها مستحقّة، فالشراء و الشفعة باطلان.

و لو كان الشراء بمال في الذمّة، لم يتعيّن في المدفوع، فلو ظهر المدفوع مستحقّا، لم يبطل البيع و لا الشفعة، لأنّ الشراء صحيح، و الشفعة تابعة له.

و لو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع، لم تبطل الشفعة، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته، لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري، و هو أمر كلّيّ

ص: 287


1- مختصر اختلاف العلماء 242:4، 1950، الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 311:5، العزيز شرح الوجيز 546:5، المغني 534:5، الشرح الكبير 5: 540.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 427 من ج 10 من هذا الكتاب.
4- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 428 من ج 10 من هذا الكتاب.

يشتمل علي كلّ النقود، فإذا أعطاه شيئا و ظهر استحقاقه، كان عليه إبداله، لأنّ الدفع ظهر بطلانه، و لا تبطل شفعته، و ليس ذلك تركا للشفعة، لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: البطلان، لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه(1).

و يمنع أنّه ترك.

مسألة 761: لو كان الثمن عبدا و أخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد

ثمّ خرج العبد مستحقّا، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب، أو أقرّ المتبايعان و الشفيع أنّه مغصوب، حكمنا ببطلان البيع و الشفعة، و يردّ العبد علي صاحبه، و الشقص علي بائعه، لأنّ البيع إذا كان باطلا، لا تثبت فيه الشفعة.

فإن لم تقم البيّنة بذلك و إنما أقرّ به المتبايعان و أنكر الشفيع، لم يقبل قولهما عليه، و يردّ العبد علي صاحبه، لاعترافهما باستحقاقه له، و يرجع البائع علي المشتري بقيمة الشقص، لاعتراف المشتري ببطلان البيع و قد تعذّر عليه دفع المبيع، فكان كالإتلاف. و ينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل علي صاحبه لو كان، لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص، و به قال الشافعي(2).

مسألة 762: قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقا.

و أثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات(3).

إذا عرفت هذا، فنقول: دية الموضحة عندنا خمس من الإبل، أو

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.

خمسون دينارا، أو خمسمائة درهم، أو خمسون شاة، أو عشرة من البقر، أو من الحلل(1) علي ما يأتي.

و عند الشافعي أنّها خمس من الإبل، فإن أعوزت، فقولان، أحدهما:

ينتقل إلي مقدّر، و هو خمسون دينارا أو خمسمائة درهم نصف عشر الدية. و الثاني: إلي قيمتها.

فإن أعوزت الإبل و قلنا: ينتقل إلي مقدّر فصالحه منه علي شقص مع معرفته، صحّ الصلح، و تثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.

و إن قلنا: ينتقل إلي قيمتها فإن علماها و ذكراها و تصالحا عليها، صحّ، و تثبت الشفعة أيضا بذلك. و إن لم يعلما أو أحدهما، لم يصح الصلح، و لا تثبت شفعة.

و إن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها، فإن كانا لا يعلمان ذلك، ففي الصلح عنها قولان:

أحدهما: يصحّ، لأنّها معلومة العدد و الأسنان، و إنّما يجهل قدّها و لونها، و ذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّ القدّ و اللون مقصودان، فإذا جهل(2) ، لم يصح الصلح، فإذا قلنا: يصحّ، تثبت الشفعة، و أخذ الشقص بقيمة الإبل. و إذا قلنا: لا يصحّ الصلح، لم تثبت شفعة(3).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 763: إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه

إلي

ص: 289


1- كذا، حيث لم يذكر المصنّف قدّس سرّه عدد الحلل.
2- كذا، و الظاهر: «جهلا».
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

الإسلام، كان للشفيع أخذه بالشفعة، لأنّه استحقّها بالبيع، و الانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق، كما لو مات المشتري بعد البيع، كان للشفيع الأخذ بالشفعة.

قال الشافعي: إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلي المسلمين(1) ، و ذلك لا يمنع الشفعة، كما لو اشتري شقصا فيه شفعة ثمّ باعه، و يكون المطالب الإمام أو نائبه. و عندنا إلي ورثته إن كان له وارث مسلم، و إلاّ كان ميراثه للإمام، فتكون الشفعة علي من انتقل الملك إليه.

و لو ارتدّ الشفيع و قتل بالردّة أو مات، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي(2) - و عندنا لوارثه - إن كان قد طالب بها، و إن لم يطالب، فإن جعلناه كالكافر، سقطت شفعته، و هو الأقوي عندي. و إن جعلناه كالمسلم، فالشفعة لوارثه.

و لو مات الشفيع المسلم و لا وارث له، انتقل نصيبه إلي الإمام عندنا، و عند الشافعي إلي المسلمين(3). فعلي قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمام، و علي قوله المسلمون، و يطالب لهم الإمام.

مسألة 764: إذا اشتري شقصا فيه شفعة و وصّي به

فمات ثمّ جاء الشفيع و الموصي له يطالبان، كان الشقص للشفيع، لسبق استحقاقه، و يدفع الثمن إلي الورثة دون الموصي له، لأنّه لم يوص له إلاّ بالشقص و قد سقط حقّه.

ص: 290


1- التهذيب - للبغوي - 372:4.
2- التهذيب - للبغوي - 372:4.
3- انظر: الحاوي الكبير 257:7-258.
البحث الخامس: في التنازع.
مسألة 765: لو اختلف المشتري و الشفيع في قدر الثمن،

فقال المشتري: اشتريته بمائة، و قال الشفيع: بل بخمسين، فأيّهما أقام البيّنة علي ما ادّعاه حكم له بها.

و يثبت ذلك بشاهدين و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين، لأنّه مال.

و لا تقبل فيه شهادة البائع، لأنّه يشهد علي فعل نفسه، و قد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك، و به قال الشافعي، لأنّه يشهد بحقّ لنفسه و فعل نفسه(1).

و قال بعض أصحابه: تقبل، لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعا، و الثمن ثابت له بإقرار المشتري(2).

و قد ذكرنا في القواعد(3) احتمالا حسنا، و هو أنّه تقبل شهادة البائع علي الشفيع بعد القبض، و للشفيع بدون القبض، لأنّه إذا شهد علي الشفيع بالمائة، انتفت التهمة عنه، لاعترافه بأنّه ضامن لمائة، و إذا شهد له بخمسين قبل القبض، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ علي المشتري أكثر من الخمسين، و أنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها، فإذا دفعها، برئت ذمّته باعترافه، و كان ضامنا لها خاصّة، إذ لا يقبض البائع أكثر منها.

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قال الشيخ رحمه اللّه: تقدّم بيّنة المشتري، لأنّه هو المدّعي للثمن، و الشفيع ينكره(4). و لأنّه أعلم بعقده - و هو أحد قولي

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
3- قواعد الأحكام 267:1.
4- الخلاف 431:3-432، المسألة 6 من كتاب الشفعة.

الشافعي(1) - كما تقدّم بيّنة الداخل علي الخارج، و [المشتري](2) هنا داخل.

و لأنّ [المشتري](3) كالبائع، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة، و به قال أبو يوسف(4) أيضا.

و قال أبو حنيفة و محمّد: القول قول الشفيع، لأنّه منكر. و لأنّه الخارج(5).

و لا بأس به عندي.

و للشافعي قول آخر: إنّ البيّنتين تتعارضان هنا، و لا تقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد، لأنّهما لا يتنازعان في اليد، و إنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد، فحينئذ تسقطان، و يكون الحال كما لا بيّنة لواحد منهما(6).

و قال بعض الشافعيّة: يقرع و تقدّم بالقرعة. و هل يحلف من خرجت له القرعة ؟ قولان(7).

و لو لم يكن لواحد منهما بيّنة، قدّم قول المشتري مع يمينه، لأنّه المالك، فلا تزول يده إلاّ بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلاّ بما يقرّ به البائع من الثمن.

لا يقال: الشفيع غارم فيقدّم قوله، كما في الغاصب و المتلف و الضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.7.

ص: 292


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «الشفيع». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «الشفيع». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- بدائع الصنائع 31:5، الهداية - للمرغيناني - 30:4، الحاوي الكبير 7: 246، المغني 515:5، الشرح الكبير 525:5.
5- بدائع الصنائع 31:5، الهداية - للمرغيناني - 30:4، الحاوي الكبير 7: 246، المغني 515:5، الشرح الكبير 525:5.
6- الحاوي الكبير 246:7.
7- الحاوي الكبير 246:7.

لأنّا نقول: الشفيع ليس بغارم، لأنّه لا شيء عليه، و إنّما يريد أن يتملّك الشقص، بخلاف الغاصب و المتلف، و أمّا المعتق فإن [قلنا:](1) العتق يسري باللفظ، فقد وجب عليه قيمته و هو غارم، و إذا قلنا: يسري بأداء القيمة أو مراعي، كان القول قول المالك، لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.

لا يقال: لم لا قلتم: يتحالف المشتري و الشفيع، كما قلتم في البائع و المشتري إذا اختلفا في الثمن ؟ لأنّا نقول: إذا اختلف المتبايعان، فكلّ منهما مدّع و مدّعي عليه، فتحالفا، و ليس كذلك هنا، فإنّ الشفيع مدّع للشقص، و المشتري لا يدّعي عليه شيئا، لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. و لأنّ المتبايعين قد باشرا العقد، بخلاف الشفيع و المشتري.

و لو نكل المشتري عن اليمين، حلف الشفيع علي دعواه، و أخذ بما ادّعاه.

و لو شهد البائع للشفيع، فللشافعيّة وجوه:

أحدها: لا تقبل، و قطع به العراقيّون، لأنّه يشهد علي فعله، كما مرّ.

و الثاني: نعم، و صحّحه البغوي، لأنّه ينقض حقّه.

و الثالث: إن شهد قبل قبضه الثمن، قبلت، لأنّه ينقض حقّه، إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. و إن شهد بعده، فلا، لأنّه يجرّ إلي نفسه نفعا، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق(2).4.

ص: 293


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.

تذنيب: لو ادّعي المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء و أنكر ذلك الشفيع، قدّم قول المشتري، لأنّ ذلك ملكه، و الشفيع يريد تملّكه عليه، فكان القول قول المالك، و به قال ابن سريج(1).

مسألة 766: إذا اختلف المتبايعان في الثمن،

فقد قلنا: إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فإذا حلف البائع، أخذ من المشتري ما حلف عليه.

ثمّ الشفيع إن صدّق البائع، دفع ما حلف عليه، و ليس للمشتري المطالبة به، لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائدا عمّا ادّعاه ظلم، فلا يطالب غير من ظلمه.

و إن لم يعترف بما قال البائع، أدّي ما ادّعاه المشتري ثمنا.

و لو قلنا: إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة، فالحكم كما تقدّم.

و تقبل شهادة الشفيع للبائع، لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة، و إلاّ فلا تهمة، و لا تقبل للمشتري، لأنّه متّهم في تقليل الثمن، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.

و لو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي(2) - عند عدم البيّنة، و فسخ عقدهما أو انفسخ، فإن جري ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص، أقرّ في يده، و علي المشتري قيمة الشقص للبائع.

و إن جري قبل الأخذ، فالأقرب: عدم سقوط حقّه، لاعترافهما معا بجريان البيع و استحقاقه للشفعة، فيأخذها بما قال البائع، لحلفه عليه،

ص: 294


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.

لا بما حلف عليه المشتري، لأنّ للبائع فسخ البيع، فإذا أخذه بما قال المشتري، منع منه. و إن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع، جاز، و ملك الشفيع أخذه بما قال المشتري، فإن عاد المشتري و صدّق البائع و قال: كنت غالطا، فالأقرب: أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه و للشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيبا، فإن قلنا: لا تسقط، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن، فيأخذ منه، و تكون عهدته علي البائع خاصّة، لا علي المشتري، لانفساخ عقده(1).

مسألة 767: لو ادّعي علي رجل شفعة في شقص اشتراه،

فقال له المدّعي عليه: ليس لك ملك في شركتي، قدّم قول المدّعي عليه مع اليمين، و كان علي طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصا في شركة المشتري - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و محمّد بن الحسن(2) - لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد، و إذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة، لم تثبت الشفعة.

و مجرّد الظاهر لا يكفي، كما لو ادّعي ولد أمة في يده.

و قال أبو يوسف: إذا كان في يده، استحقّ به الشفعة، لأنّ الظاهر من اليد الملك(3). و لا بأس به عندي.

و لو لم تكن بيّنة، حلف المشتري - إن ادّعي الطالب علمه بالشركة - علي نفي علمه بالشركة، لأنّها يمين علي نفي فعل الغير، فإذا حلف،

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- العزيز شرح الوجيز 524:5، روضة الطالبين 180:4، المغني 519:5، الشرح الكبير 532:5.
3- المغني 519:5، الشرح الكبير 532:5.

سقطت دعواه، و لا يحلف علي نفي شركته. و لو نكل، حلف الطالب علي القطع بأنّه شريك، لأنّها يمين علي إثبات فعل، فإن حلف، استحقّ الشفعة، و إن نكل، سقطت.

فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب و سقوط شفعته - بصدقه، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة، و لم يضرّ التأخير، لأنّه لعذر، و يكون نكوله عن اليمين عذرا له في التأخير علي إشكال.

و كذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب علي ملكه.

مسألة 768: دار بين اثنين فغاب أحدهما و رأينا نصيبه في يد ثالث،

فادّعي الحاضر أنّه اشتراه، و أنّه يستحقّه بالشفعة، فإن أقام المدّعي بيّنة بالشراء و أقام المتشبّث بيّنة(1) ، قضي بها، و أخذ بالشفعة.

ثمّ إن اعترف المدّعي عليه، سلّم إليه الثمن، لثبوت البيع بالبيّنة.

و إن لم يعترف، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلي أن يقرّ المدّعي عليه، أو يأخذه القاضي حافظا له، أو يجبر علي قبوله أو الإبراء منه، فيه احتمالات ثلاثة.

و لو أقام المدّعي بيّنة بالشراء و أقام المتشبّث بيّنة بأنّه ورثه أو اتّهبه، تعارضت البيّنتان، لأنّ الشراء و الميراث متنافيان، و كذا الشراء و الاتّهاب.

و مع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالي.

و عند الشافعي قولان: التساقط، و استعمالهما، و سيأتي.

و لو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره، فإن لم يكن

ص: 296


1- كذا ورد قوله: «و أقام المتشبّث بيّنة». و الظاهر زيادتها.

للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقا، قضي بالشفعة، لعدم التنافي بين البيّنتين، لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.

و لو سبق تأريخ البيع، فلا منافاة أيضا، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن، فقال له البائع: خذه وديعة إلي أن تجد الثمن فتزنه و تقبضه.

و لو انتفي الاحتمال - بأن تأخّر تأريخ الإيداع و شهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه، و بيّنة الشراء مطلقة - كانت بيّنة الإيداع أولي، لأنّها صرّحت بالملك، ثمّ يراسل الغائب فإن قال: هو لي وديعة، بطلت بيّنة الشراء. و إن قال: لا حقّ لي فيه، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.

و لو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال: باع ما هو ملكه، و أطلقت بيّنة الإيداع، قدّمت بيّنة الشراء.

و أمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة، فالمدّعي عليه إما أن يقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه، أو ينكر أصل الشراء، أو يقول: اشتريته لفلان.

فإن أقرّ، فالأقرب: أنّه لا يأخذه المدّعي، لأنّ المتشبّت لا يقبل قوله علي الغائب، فيوقف الأمر حتي يراسل، فإن أقرّ بصدقه، أخذه الشفيع، و إلاّ فلا، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّ للمدّعي أخذه، لتصادقهما علي البيع، و يكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما، فإذا قدم الغائب، فهو علي حقّه(1).4.

ص: 297


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.

و ليس بجيّد، لأنّه حكم علي الغائب بغير بيّنة.

و إن أنكر الشراء، صدّق في قوله باليمين، لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك، فيحلف كذلك، و لا يلزمه التعرّض لنفي الشراء، لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.

و إن تكلّف في الجواب: لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته، ففي كيفيّة الحلف احتمالان:

أحدهما: أنّه يحلف علي نفي الشراء، لأنّه أجاب به، و إذا أجاب بشيء، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.

و الثاني: أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة، لأنّه لو أجاب بذلك، لكفاه، فكذا في اليمين، و يمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كلّف اليمين، عدل إلي ما يمكنه الحلف عليه. و هما وجهان للشافعيّة(1).

و لو نكل المدّعي عليه، حلف الطالب، و استحقّ الشقص. و في [الثمن](2) ما تقدّم من الوجوه: إمّا أن يقرّ في يد الشفيع، أو يقبضه الحاكم، أو يقهره علي القبض أو الإبراء.

و إن قال: اشتريته لفلان، رجع الحال إلي المضاف إليه، و سيأتي.

مسألة 769: إذا ادّعي أنّه اشتري شقصا في شركته

و أنّه يستحقّ

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اليمين». و الصحيح ما أثبتناه.

الشفعة عليه، فإنّه يحتاج إلي أن يحرّر دعواه فيحدّد(1) المبيع الذي يدّعيه و يذكر ثمنه و يدّعي فيه الشفعة، فإذا فعل ذلك، سئل المدّعي عليه، فإن أقرّ، لزمه، و إن أنكر فقال: وهب لي أو ورثته و لم أشتره، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة، قدّم قوله - علي ما تقدّم - مع اليمين، فإن حلف، سقطت الدعوي، و إن نكل، حلف المدّعي، و استحقّ أخذه بالشفعة.

و أمّا الثمن فإمّا أن يجعل في ذمّة الشفيع إلي أن يطالبه المشتري، لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره، فلم يكن له مطالبته، و إمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له: إمّا أن تأخذه أو تبرئ - و إمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال، فمتي ادّعاه المشتري سلّم إليه، و إلاّ كان محفوظا عليه، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته، و لهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدّين بقبضه، لزم صاحب الدّين قبضه أو الإبراء منه.

هذا إذا أنكر المشتري الشراء، و الشريك القديم غير معترف بالبيع، و لو اعترف و الشقص في يده، فإن لم يعترف بقبض الثمن، ثبتت الشفعة.

و فيه وجه للشافعيّة: أنّها لا تثبت(2).

و إذا قلنا بالثبوت، سلّم الثمن إلي البائع، و العهدة عليه، لأنّه تلقّي الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء و لا بيّنة هناك، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري و يدفعه إلي البائع، و يقبض الشقص من البائع للمشتري و يدفعه إلي4.

ص: 299


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيجدّد» بالجيم، و هو غلط.
2- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.

الشفيع(1).

و إذا أخذ البائع ثمن الشقص، فهل له مخاصمة المشتري و مطالبته بالثمن ؟ الأقرب ذلك، لأنّ له غرضا صحيحا، فإنّه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة، و الرجوع عليه بالدرك أسهل(2) ، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و حينئذ لو حلف المشتري، فلا شيء عليه. و إن نكل، حلف البائع، و أخذ الثمن من المشتري، و كانت عهدته عليه.

و أمّا ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه و يوقف أو يترك في يده ؟ وجهان.

و قيل: إنّ الوجهين في أنّه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع ؟ فإن رضي، فليقنع(4) به(5).

فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن، فإن قلنا: لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض، فهنا أولي، و إلاّ فوجهان أصحّهما عندهم: ثبوتها(6).

ثمّ هل يترك الثمن في يد الشفيع، أم يأخذه القاضي و يحفظه، أم يجبر المشتري علي قبوله أو الإبراء منه ؟ فيه ما تقدّم(7).

مسألة 770: لو ادّعي عليه الشراء فصدّقه و قال: لم أشتره لنفسي،

بل لفلان، فإن كان المضاف إليه حاضرا، استدعاه الحاكم، فإن صدّقه، كان

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سهل». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 182:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فليتبع» بدل «فليقنع». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 182:4.
6- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 182:4.
7- في ص 296، ضمن المسألة 768.

الشراء له، و الشفعة عليه. و إن كذّبه، حكم بأنّ الشراء للمدّعي عليه، و أخذ منه بالشفعة.

و إن كان غائبا، أخذه الحاكم منه، و دفعه إلي الشفيع، و كان الغائب علي حجّته إذا قدم، و لا تؤخّر الشفعة إلي حضور الغائب، لما فيه من إسقاط الشفعة، إذ لكلّ مشتر الالتجاء إلي دعوي الشراء للغائب. و لأنّ الغائب إمّا مصدّق أو مكذّب، و علي التقديرين يستحقّ الشفيع الشفعة إمّا عليه أو علي الحاضر.

و إن قال: اشتريته لطفل هو ابني أو لي عليه ولاية، فالأقرب: ثبوت الشفعة إن ثبت الشراء المطلق، و إلاّ فلا.

أمّا علي التقدير الأوّل: فلأنّ الشراء موجب للشفعة علي كلّ مشتر، سواء كان طفلا أو لا.

و أمّا علي التقدير الثاني: فلأنّ الملك للطفل، و لا تجب الشفعة بإقرار الوليّ عليه، لاشتمال ذلك علي إيجاب حقّ في مال الصغير بإقرار الوليّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه إذا أضاف الشراء إلي من له عليه ولاية، تثبت، لأنّ المقرّ يملك الشراء، فصحّ إقراره فيه، كما يصحّ في حقّ نفسه.

و الثاني: لا تثبت، إذ لا يقبل إقرار الوليّ في حقّ الطفل(1).

تذنيب: إذا ادّعي عليه الشفعة [فيما بيده](2) فقال: هذا الشقص لفلان الغائب أو لفلان الصغير، لم تثبت الشفعة إلي أن يقدم الغائب و يبلغه.

ص: 301


1- المغني 517:5، الشرح الكبير 530:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في يده». و الظاهر ما أثبتناه.

الصغير فيطالبهما بذلك، و لا يسأل المقرّ عن سبب ملك الغائب و الصغير، لأنّ إقراره بعد ذلك يكون إقرارا في ملك الغير و لا يقبل، و يفارق إذا أقرّ بالشراء ابتداء، لأنّ الملك ثبت لهما بذلك الإقرار، فيثبت جميعه.

مسألة 771: لو قال المشتري: إنّي اشتريت الشقص بألف،

فدفع الشفيع إليه الألف و أخذ الشقص بالشفعة فادّعي البائع أنّه باع الشقص بألفين، قضي له بالألفين، عملا بالبيّنة، و لم يكن للمشتري الرجوع علي الشفيع بما زاد علي الألف - و به قال الشافعي(1) - لاعتراف المشتري بكذب بيّنة البائع، و أنّه قد ظلمه في الزيادة، فلم يحكم له بها، و إنّما حكمنا للبائع بها، لأنّه لم يكذّبها.

و قال أبو حنيفة: يأخذ الشفيع بالألفين، لأنّ الحاكم إذا حكم عليه بالبيّنة، فقد أبطل إقراره، و ثبت أنّ البيع كان بألفين(2).

و نمنع كذب المشتري، و إبطال الحاكم إقراره في حقّ البائع لا يقتضي إبطاله في حقّ نفسه.

و لو قال المشتري: صدقت البيّنة و قد كنت نسيت(3) الثمن، لم يقبل قوله، لأنّه رجوع عن إقرار تعلّق به حقّ غيره، فلا يقبل، كما لو أقرّ الإنسان بشيء ثمّ قال: نسيت، هو دونه، لم يقبل.

مسألة 772: لو ادّعي كلّ من الشريكين أنّ له الشفعة علي صاحبه فيما في يده،

رجعنا إليهما و قلنا: متي ملكتما؟ فإن قالا: ملكنا دفعة واحدة، فلا شفعة، لعدم السبق الذي هو شرط الأخذ بالشفعة.

ص: 302


1- المغني 520:5-521، الشرح الكبير 526:5.
2- المغني 521:5، الشرح الكبير 526:5.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنسيت». و هو غلط.

و لو ادّعي كلّ منهما السبق، فقد تقدّم حكمه ما لو أقاما بيّنتين أو أقام أحدهما خاصّة.

و لو لم يكن لأحدهما بيّنة، نظر إلي السابق بالدعوي فقدّمنا دعواه، و كان القول قول الآخر مع يمينه، لأنّه منكر، فإذا حلف، استحقّ نصيبه بالشفعة، و لم تسمع دعواه علي الأوّل، لأنّ ملكه الذي يستحقّ به الشفعة قد زال.

مسألة 773: لو ادّعي أحد الشريكين أنّه قد باع حصّته علي زيد فأنكر زيد،

قدّم قول المنكر - و هو زيد - مع اليمين و عدم البيّنة، فإن صدّق الشفيع شريكه علي البيع، و طلب الشفعة و بذل الثمن ليأخذ الشقص، فالأقرب: ثبوت الشفعة في حقّ البائع للشريك - و هو أحد قولي الشافعي، و قول أبي حنيفة و أحمد(1) - لأنّ البائع أقرّ بحقّ للمشتري، و حقّ للشفيع، و قد سقط حقّ المشتري بإنكاره، فلا يسقط حقّ الشفيع، كما لو أقرّ بحقّ لاثنين فردّه أحدهما.

و القول الثاني للشافعي: [لا](2) لأنّه لا شفعة هنا - و به قال مالك - لأنّ الشفعة فرع علي البيع، فإذا لم يثبت البيع، لم تثبت الشفعة، فإنّ النسب إذا لم يثبت بإقرار أحد الورثة، لم يثبت الميراث(3).

و الفرق: أنّ النسب يتضمّن حقّا له و حقّا عليه، فإذا لم يثبت ما له، لم يثبت ما عليه، و هنا يثبت ما له، و هو الثمن، فتثبت.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4، المغني 476:5، الشرح الكبير 538:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4، المغني 476:5، الشرح الكبير 538:5.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا تثبت الشفعة، فللبائع مخاصمة المشتري و إحلافه، فإن حلف، سقطت الدعوي. و إن نكل، حلف البائع، و يثبت البيع، و تثبت فيه الشفعة.

و هل للشفيع دون البائع إحلاف المشتري ؟ الأقرب ذلك.

و كذا للشفيع إحلاف المشتري لو ملك(1) البائع.

و لو حلف المشتري للبائع، فهل عليه أن يحلف للشفيع ؟ الأقرب ذلك، لأنّه مدّع آخر، فإن حلف، سقطت الشفعة، و لا تسقط بحلف المشتري للبائع. و إن نكل، حلف الشفيع، و كان حكمه مع البائع حكم الشفيع لو لم يقرّ المشتري بالبيع و أقرّ البائع.

و أمّا إن قلنا: تثبت الشفعة، فإن رضي البائع بتسليم الشقص إلي الشفيع و أخذ الثمن منه، كانت العهدة عليه و لا كلام. و إن قال: أنا أطالب المشتري بتسليم الثمن و بتسليم المبيع، فهل له ذلك ؟ فيه وجهان:

أحدهما: ليس له ذلك، لأنّه قد حصل له مقصود دعواه من جهة الشفيع، فلا حاجة له إلي المخاصمة.

و الثاني: له ذلك، لأنّه قد يكون له غرض بأن تكون معاملة المشتري أحبّ إليه في حقوق العقد و في الدرك.

فإن قلنا: لا يخاصم المشتري، دفعه إلي الشفيع، و أخذ الثمن.

لا يقال: أ ليس لو ادّعي علي رجل بدين، فقال رجل: أنا أدفع إليك الذي تدّعيه و لا تخاصمه، لم يلزمه قبوله، فهلاّ(2) قلتم هنا: لا يلزمه قبول الثمن من الشفيع ؟ه.

ص: 304


1- كذا، و الظاهر «هلك» بدل «ملك».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فألاّ» بدل «فهلاّ» و الصحيح ما أثبتناه.

لأنّا نقول: الفرق ثبوت المنّة في قبول الدّين من الدافع إليه تبرّعا، و هنا بخلافه.

و إن قلنا: له مخاصمة المشتري، فإن حلف، سقطت دعواه عنه، و أخذه الشفيع، و كانت العهدة علي البائع. و إن نكل، حلف البائع، و ثبت(1) الشراء، و طولب بالثمن، و كانت الشفعة عليه، و العهدة للشفيع.

و أمّا إن كان البائع يدّعي البيع و يقرّ بقبض الثمن و المشتري ينكر، فهل تثبت الشفعة ؟ قال بعض الشافعيّة: لا تثبت، لأنّها لو ثبتت، لكان الشفيع يأخذه بغير عوض، و ذلك لا يثبت له، كما لا تثبت له الشفعة في الهبة(2).

و قال بعضهم: تثبت الشفعة، لأنّه قد أقرّ بالشفعة، فلزمه، و يأخذه الشفيع(3).

و يكون في الثمن ما تقدّم(4) إمّا أن يأخذه المشتري أو يبرئ، و إمّا أن يحفظه الحاكم، و إمّا أن يبقي في ذمّة الشفيع.

مسألة 774: لو أثبتنا الشفعة مع الكثرة

- كما هو رأي بعض علمائنا و العامّة(5) - إذا كانت دار بين أربعة، فباع أحدهم نصيبه من أجنبيّ فادّعي المشتري علي أحدهم أنّه عفا، و شهد له الشريكان الآخران، قبلت شهادتهما إن كانا قد عفوا(6) عن الشفعة، لأنّهما لا يجرّان بهذه الشهادة نفعا إلي أنفسهما. و إن لم يكونا قد عفوا، لم تسمع شهادتهما، لأنّهما يجرّان

ص: 305


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- في ص 296، ضمن المسألة 768.
5- تقدّم في ص 202، ضمن المسألة 706.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة هنا و فيما يأتي: «عفيا» فصحّحناه بما تري.

إلي أنفسهما استحقاق جميع المبيع.

و لو شهدا بالعفو قبل أن يعفوا فردّت شهادتهما ثمّ عفوا و شهدا، لم تقبل، لأنّ الشهادة إذا ردّت للتهمة ثمّ زالت التهمة، لم تقبل الشهادة، كما لو شهد الفاسق فردّت شهادته فتاب ثمّ أقامها، لم تسمع.

و لو شهدا بعد أن عفا أحدهما، سمعت شهادة العافي، و حلف معه الذي لم يعف، و سقطت شفعة المشهود عليه. و إن عفا الآخر بعد ما شهد، حلف المشتري مع الشاهد، و أخذ جميع الشقص.

فرعان:

أ - لو شهد البائع علي الشفيع بالعفو، فإن كان قبل قبضه الثمن، لم تقبل شهادته، لأنّه يجرّ إلي نفسه نفعا، و هو أن يفلس المشتري فيرجع إليه دون الشفيع. و إن كان بعد قبضه الثمن، قبلت، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: لا تقبل، لأنّه ربّما توقّع العود إلي العين بسبب ما(1).

ب - لو شهد السيّد علي مكاتبه بالعفو عن الشفعة، قبل، لأنّ ذلك في الحقيقة شهادة عليه.

و لو شهد بالشراء فيما لمكاتبه الشفعة فيه، قال بعض الشافعيّة:

تقبل، ثمّ تثبت فيه الشفعة تبعا، و لو شهد له بالشفعة، لم تقبل(2).

و فيه نظر.

مسألة 775: لو كان ملك بين اثنين أحدهما حاضر و الآخر غائب،

و نصيب الغائب في يد وكيله، فادّعي الحاضر علي الوكيل أنّه اشتري نصيب

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 193:4.
2- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 194:4.

الغائب و له فيه الشفعة، و أقام بذلك بيّنة، فإنّ الحاكم يسمع بيّنته، و يثبت الشراء و الشفعة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

قال المزني: و هذا قضاء علي الغائب بالشراء(2) ، يريد أنّ الشراء يثبت و هو علي الغائب، فقال بعض(3) الشافعيّة: إنّه ليس قضاء علي الغائب، و إلاّ احتيج إلي اليمين مع الشهادة.

و هذا الفرع ساقط عنّا، لأنّا نحكم علي الغائب.

مسألة 776: دار بين أخوين و أجنبيّ أثلاثا فباع الأجنبيّ نصيبه

من رجل فطالب أحد الشريكين الأخوين بالشفعة، فقال المشتري: إنّما اشتريته لأخيك، فكذّبه و قال: بل اشتريته لنفسك، فإن صدّقه الذي أقرّ له، كان الشقص بين الأخوين، و كذا إن كذّبه و طالب بالشفعة فإن قال: أحلفوه أنّه اشتراه لأخي، لم يحلف، لأنّ المدّعي يستحقّ نصفه سواء صدّق أو كذّب.

و قد أثبت أبو العباس من الشافعيّة الشفعة للمشتري في هذا الفرع(4).

فإن قال أحد الأخوين للمشتري: شراؤك باطل، و صدّقه الآخر علي (صحّة الشراء)(5) كانت الشفعة للمصدّق خاصّة.

و كذا إن قال أحدهما: لم يبعه و إنّما اتّهبه، و صدّقه الآخر علي الشراء، كانت الشفعة للمصدّق، لأنّ المكذّب أسقط حقّ نفسه و أقرّ أنّه لا شفعة.

ص: 307


1- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 297:7، العزيز شرح الوجيز 524:5، المغني 518:5، الشرح الكبير 530:5-531.
2- مختصر المزني: 121.
3- الحاوي الكبير 298:7.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- بدل ما بين القوسين في «س، ي»: «صحّته».

تذنيب: لو كانت دار في يد رجل فادّعي آخر عليه أنّه يستحقّ سدسها، فأنكره ثمّ قال له المدّعي عليه: خذ منّي السدس الذي ادّعيته بسدس دارك، فإذا فعل هذا، صحّ، و وجبت الشفعة في كلّ واحد من الشقصين للشفيع، عند الشافعي(1).

و عندنا لا تثبت الشفعة و إن كان له، و ليس ذلك صلحا علي الإنكار، لأنّ المدّعي عليه باع المدّعي، دون المدّعي.

مسألة 777: لو كان في يد اثنين دار بالشركة بينهما،

فادّعي أحدهما علي الآخر بأنّ النصف الذي في يده اشتراه من زيد، و صدّقه زيد علي ذلك، و قال الشريك: ما اشتريته و إنّما ورثته من أبي و لا شفعة لك، فأقام الشفيع شاهدين شهدا بأنّ زيدا ملك هذا الشقص ميراثا عن أبيه، لم يشهدا بأكثر من ذلك، قال محمّد بن الحسن: تثبت الشفعة للشفيع، و يقال له: إمّا أن تدفع الشقص إليه و تأخذ الثمن، أو تردّه علي البائع ليأخذه الشفيع من البائع و يأخذ الثمن يدفعه إليك، لأنّ الشاهدين يشهدان لزيد بالملك، و زيد يقرّ أنّ المشتري قد ملكه منه بالشراء، فكأنّهما شهدا لزيد بالملك، و عليه بالبيع(2).

قال ابن سريج من الشافعيّة: هذا غلط، و لا شفعة لهذا المدّعي بذلك، لأنّ البيّنة لم تشهد بالبيع. و أمّا إقراره فليس بينه و بين المشتري منازعة فيثبت إقراره، و إنّما يقرّ علي المشتري بالشفعة، و ليست الشفعة من حقوق العقد علي البائع، فيقبل فيها قول البائع. و لأنّ شهادته مقبولة، لأنّه

ص: 308


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 160:3.

يشهد علي فعل نفسه.

و قال: هذا بمنزلة أن يحلف رجل أنّي ما اشتريت هذه الدار من زيد، فيقول زيد: أنا ما بعتها منه، و قد كانت ملكا لزيد، فإنّه لا يقبل قوله عليه في الحنث، كذا هنا(1).

مسألة 778: لو مات شفيع و له وارثان،

فادّعي المشتري أنّهما عفوا عن الشفعة، و لا بيّنة، فالقول قولهما في عدم العفو، فإن حلفا، تثبت لهما الشفعة، فإن حلف أحدهما و نكل الآخر، لم يحلف المشتري مع نكوله، لأنّه إذا حلف مع نكوله، عاد حقّ الشفعة إلي الشريك الحالف، و لم ينتفع المشتري بيمينه.

ثمّ ينظر في الشريك الحالف، فإن صدّق شريكه علي عدم العفو، كانت الشفعة بينهما، و يأخذ الناكل بالتصديق لا بيمين غيره، و دركه علي المشتري. و إن كذّبه، أحلف الناكل له، و لا يكون النكول مسقطا، لأنّ ترك اليمين عذر، علي إشكال. و إن ادّعي أنّه عفا، حلف هو مع نكوله، و تثبت الشفعة كلّها له. فإن عفا هذا الحالف بعد يمينه، كان للمشتري أن يحلف مع نكول الآخر، لأنّه الآن تسقط عنه الشفعة.

و لو شهد أجنبيّ بعفو أحدهما، فإن حلف بعد عفو الآخر، بطلت الشفعة، و إلاّ أخذ الآخر الجميع.

و لا فرق في هذا الفرع بين أن يكون الشفيعان ورثا الشفعة أو كانا شريكين عند مثبتي الشفعة مع الشركة.

مسألة 779: لو ادّعي علي شريكه أنّه اشتراه و له عليه شفعة،

فأنكر

ص: 309


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 160:3.

الشريك الشراء و ادّعي الميراث، قدّم قول الشريك، لأصالة عدم الشفعة، و قد سبق(1).

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قيل: يقرع، لأنّه مشتبه.

و يحتمل قويّا الحكم ببيّنة الشفيع، لأنّ القول قول مدّعي الإرث مع اليمين، فتكون البيّنة بيّنة الآخر.

مسألة 780: لو ادّعي الشفعة فأنكر المدّعي عليه ملكيّة المدّعي،

فالأقرب: القضاء له باليد علي ما تقدّم(2).

و لو ادّعي أحد المتشبّثين الجميع و الآخر النصف فقضي له بالنصف باليمين و قضي لصاحب الجميع بالنصف، لعدم المزاحمة فيه ثمّ باعه مدّعي الكلّ، لم يكن لمدّعي النصف شفعة إلاّ مع القضاء باليد.

و لو ادّعي عليه أنّه اشتري حصّة الغائب، التي في يده، فصدّقه، احتمل ثبوت الشفعة، لأنّه إقرار من ذي اليد. و عدمه، لأنّه إقرار علي الغائب، فإن قضي بالشفعة فقدم الغائب و أنكر البيع، قدّم قوله مع اليمين، و انتزع(3) الشقص، و طالب بالأجرة من شاء منهما، و لا يرجع أحدهما علي الآخر.

مسألة 781: لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا الشفعة

مسألة 781: لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا الشفعة(4) مع الكثرة -: شراؤك باطل،

و قال الآخر: بل هو صحيح، فالشفعة بأجمعها للمعترف بالصحّة.

ص: 310


1- في ص 298-299، المسألة 769.
2- في ص 295، المسألة 767.
3- في الطبعة الحجريّة: «و انتزعه».
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشركة». و الصحيح ما أثبتناه.

و كذا لو قال: أنت اتّهبته، أو ورثته، و قال الآخر: بل اشتريته.

و لو ادّعي المتبايعان غصبيّة الثمن المعيّن، لم ينفذ في حقّ الشفيع، بل في حقّهما، و لا يمين عليه، إلاّ أن يدّعي عليه العلم، فيحلف علي نفيه.

و لو أقرّ الشفيع و المشتري خاصّة، لم تثبت الشفعة، و علي المشتري ردّ قيمة الثمن علي صاحبه، و يبقي الشقص معه يزعم أنّه للبائع و يدّعي وجوب ردّ الثمن، و البائع ينكرهما، فيشتري الشقص منه اختيارا، و يتبارءان، و للشفيع في الثاني الشفعة.

و لو أقرّ الشفيع و البائع خاصّة، ردّ البائع الثمن علي المالك، و ليس له مطالبة المشتري، و لا شفعة.

و لو ادّعي ملكا علي اثنين، فصدّقه أحدهما، فباع حصّته علي المصدّق، فإن كان المكذّب نفي الملك عنه، فلا شفعة. و إن نفي دعواه عن نفسه، فله الشفعة.

مسألة 782: لو أقام المشتري بيّنة علي الشفيع بأنّه قد عفا عن الشفعة،

و أقام الشفيع بيّنة بأخذه بالشفعة، و الشقص في يد الشفيع، فالأقرب: الحكم ببيّنة السابق، فإن اتّحد أو أطلق التاريخان، احتمل تقديم بيّنة الشفيع، لقوّتها باليد، و بيّنة المشتري، لزيادة علمها بالعفو.

و أصحّهما عند الشافعيّة: الثاني(1).

و فيه نظر، فإنّ بيّنة الآخذ تزيد أيضا الشهادة بالأخذ.

مسألة 783: لو خرج الشقص مستحقّا بعد بناء الشفيع فيه و غرسه،

و قلع المستحقّ البناء و الغرس، فالقول فيما يرجع به الشفيع علي المشتري

ص: 311


1- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 193:4.

من الثمن و ما نقص من قيمة البناء و الغرس و غير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

البحث السادس: في مسقطات الشفعة.
مسألة 784: المشهور عند علمائنا أنّ الشفعة علي الفور،

فإن أخّر الشفيع الطلب مع عدم العذر، بطلت شفعته - و هو المشهور من أقوال الشافعي(1) ، و هو المذكور في كتبه الجديدة، و به قال أبو حنيفة إلاّ أنّه يقدّره بالمجلس(2) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة لمن واثبها»(3).

و عنه عليه السّلام «الشفعة كنشط العقال إن قيّدت ثبتت، و إن تركت فاللوم علي من تركها»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عليّ بن مهزيار عن الجواد عليه السّلام في حديث أنّه حدّ للشفيع مجيء الثمن ثلاثة أيّام إن كان الثمن في البلد و مدّة غيبته، و ثلاثة أيّام بعد حضوره إن كان في غير البلد، ثمّ قال عليه السّلام: «فإن

ص: 312


1- الحاوي الكبير 240:7، المهذّب - للشيرازي - 386:1-387، الوجيز 1: 220، الوسيط 97:4، حلية العلماء 283:5، التهذيب - للبغوي - 346:4، العزيز شرح الوجيز 537:5، روضة الطالبين 188:4، المغني 477:5 و 478، الشرح الكبير 473:5.
2- تحفة الفقهاء 51:3-52، بدائع الصنائع 17:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 26، مختصر اختلاف العلماء 241:4، 1949، الحاوي الكبير 240:7، حلية العلماء 283:5-284، التهذيب - للبغوي - 346:4-350، العزيز شرح الوجيز 539:5، المغني 477:5، الشرح الكبير 473:5 و 474.
3- بدائع الصنائع 17:5، المغني 478:5، الشرح الكبير 474:5.
4- المغني 478:5، الشرح الكبير 473:5، العزيز شرح الوجيز 537:5-538.

وافاه و إلاّ فلا شفعة له»(1) و لو كانت الشفعة علي التراخي، لم تسقط الشفعة بتأخير الثمن، بل كانت تفتقر إلي تجديد فسخ، كما افتقر البائع إذا أخّر المشتري أداء الثمن بعد ثلاثة أيّام.

و لأنّ خيار الشفعة إنّما يثبت لإزالة الضرر عن المال، فكان علي الفور، كخيار الردّ بالعيب.

و القول الثاني للشافعي: أنّ له الخيار ثلاثة أيّام، فإن شاء أخذ بالشفعة، و إن شاء ترك، فإن خرجت الثلاثة و لم يختر الأخذ، بطلت شفعته - و به قال ابن أبي ليلي و الثوري - لأنّ إثبات الخيار علي التراخي إضرار بالمشتري، لأنّ ملكه لا يستقرّ علي المبيع، و لا يتصرّف بعمارته علي حسب اختياره، لأنّه يخاف أن يؤخذ منه فيضيع بعض نفقته، و لا يمكن جعلها علي الفور، لأنّ الشفيع يحتاج إلي أن يتفكّر و ينظر هل الحظّ في الأخذ أو الترك ؟ و يتسبّب في تحصيل الثمن، فإذا جعل علي الفور، أضرّ به، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل، و ليس إلاّ الثلاثة، كما حدّ بها خيار الشرط عندهم - و خيار الحيوان عندنا - و هي آخر حدّ القلّة(2).

و هو يبطل بخيار الردّ بالعيب.

و الثالث: أنّه علي التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه و التصريح بالترك، و ليس للمشتري مطالبته بالأخذ أو الترك - و به قال مالك، إلاّ أنّ عند مالك3.

ص: 313


1- التهذيب 167:7، 739.
2- المهذّب - للشيرازي - 387:1، الحاوي الكبير 240:7، التهذيب - للبغوي - 350:4، حلية العلماء 284:5، الوجيز 220:1، الوسيط 97:4، العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4، المغني 478:5، الشرح الكبير 5: 473.

في انقطاعه روايتين(1): إحداهما: أنّها تنقطع بعد سنة. و الثانية: تنقطع بأن يمضي عليه من الزمان ما يعلم أنّه تارك لها - لأنّ هذا الخيار لا ضرر في تأخيره، لأنّ المنفعة تكون للمشتري، و إن أحدث فيه عمارة من بناء أو غرس، فإنّه يأخذ قيمته، و ما لا ضرر في تأخيره يكون علي التراخي، كخيار القصاص(2).

و نمنع عدم التضرّر(3) و قد سبق.

[و] الرابع: قال في القديم: إنّه علي التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه، أو يوجد منه ما يدلّ علي إسقاطه، مثل أن يقول المشتري: يعني هذا الشقص، أو: بعه لمن شئت، أو: هبة لي أو لمن شئت، أو: قاسمني(4).

و قال بعض الشافعيّة. لا يبطل بهذا، و للمشتري أن يرفعه إلي الحاكم، فيقول له: إمّا أن تأخذ أو تدع(5).

أمّا التراخي: فلما مرّ.4.

ص: 314


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «روايتان». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 241:7-242، حلية العلماء 285:5 و 286، التهذيب - للبغوي - 350:4، الوسيط 97:4-98، العزيز شرح الوجيز 538:5 و 539، روضة الطالبين 188:4، بداية المجتهد 263:2، المعونة 1274:2، المغني 477:5-478، الشرح الكبير 473:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «الضرر».
4- المهذّب - للشيرازي - 386:1، الحاوي الكبير 241:7، حلية العلماء 5: 285، التهذيب - للبغوي - 350:4، العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4، و انظر: الوسيط 98:4.
5- الحاوي الكبير 241:7، التهذيب - للبغوي - 350:4، العزيز شرح الوجيز 5: 538، روضة الطالبين 188:4، و انظر: المهذّب - للشيرازي - 386:1-387، و حلية العلماء 285:5، و الوسيط 98:4.

و أمّا المطالبة: فليزول عن المشتري ما يخافه من أخذ الشفيع، و ذلك يمنعه من العمارة و التصرّف علي حسب اختياره، و قد يلزمه علي العمارة أكثر ممّا يقوم به، فيلحقه الضرر.

و ليس بجيّد، لوجود التضرّر مع التراخي.

و الخامس: أنّه علي التراخي يمتدّ مدّة تتّسع لتأمّل المصلحة في الأخذ(1).

و هو إضرار بالمشتري.

إذا عرفت هذا، فلو أخّر المطالبة مع عدم العذر، بطلت شفعته و إن لم يفارق المجلس، لما تقدّم(2).

و قال أبو حنيفة: إذا لم يفارق المجلس، لم تبطل(3).

مسألة 785: إنّما يحكم بالفوريّة في الشفعة إذا علم الشفيع بالبيع،

فحينئذ إذا أخّر لغير عذر، بطلت، أمّا لو لم يعلم بالبيع، فلا تبطل شفعته و إن مضت سنون كثيرة، و هو علي شفعته إذا علم.

و لو أخبره من يفيد قوله العلم، كالمعصوم أو عدد التواتر، فترك المطالبة و قال: لم اصدّق المخبر، بطلت شفعته، و علم(4) كذبه.

و إن أخبره من لا يفيد خبره العلم، فإن كان ممّن تثبت الحقوق الشرعيّة بإخباره كالعدلين أو الرجل و المرأتين مع عدالتهم، سقطت شفعته أيضا، لأنّ إخبار هؤلاء حجّة في الشرع يعمل بها.

ص: 315


1- العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4.
2- في صدر نفس المسألة.
3- تحفة الفقهاء 51:3-52، بدائع الصنائع 17:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 26، حلية العلماء 283:5-284، العزيز شرح الوجيز 539:5.
4- في الطبعة الحجريّة: «إذا علم» بدل «و علم».

و إن أخبره عدل واحد، فالأقرب: أنّه لا تسقط شفعته، لأنّ الواحد لا تقوم به البيّنة، و هو أحد قولي الشافعي، و رواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة و زفر(1).

و الثاني للشافعي: أنّه تبطل شفعته، و لا يقبل عذره بعدم التصديق، لأنّ الواحد حجّة إذا حلف المدّعي معه(2).

و ليس شيئا، إذ لا يمين هنا، فإنّه غير عالم فكيف يحلف!؟ فإذا لم يحلف كيف يثبت!؟ و لو أخبره من لا يقبل قوله - كالكافر و الفاسق و الصبي - لم تبطل شفعته.

و المرأة كالعبد يقبل قولها، و تبطل شفعته باختيارها عند الشافعي في أحد قوليه. و في الثاني: أنّها كالفاسق(3).

و في النسوة عنده وجهان بناء علي أنّ المدّعي هل يقضي له بيمينه مع امرأتين ؟ إن قلنا: لا، فهنّ كالمرأة، و إلاّ فكالعدل الواحد(4).

و لو بلغ هؤلاء عدد التواتر، بطل حقّه و إن كانوا كافرين أو فسقة، لثبوت العلم عند خبرهم.4.

ص: 316


1- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 190:4، المغني و الشرح الكبير 480:5، عيون المسائل: 134، حلية العلماء 288:5 و 289، و في ص 288 نسبة العكس إلي رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة و زفر.
2- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 541:5، حلية العلماء 288:5، روضة الطالبين 190:4.
3- حلية العلماء 288:5-289، العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 4: 190.
4- العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 190:4.

و لو أخبره واحد فصدّقه و لم يطلب الشفعة، بطلت و إن لم يكن عدلا، لأنّ العلم بذلك قد يحصل بالواحد للقرائن.

مسألة 786: إذا علم بالبيع و جهل استحقاقه للشفعة، لم تبطل شفعته،

و كان له طلبها بعد العلم. و لو علم الشفعة أيضا، لم نكلّفه(1) المبادرة علي خلاف العادة، و العدو حال مشيه و لا تحريك دابّته، بل يمشي علي حسب عادته، بل يرجع(2) في ذلك كلّه إلي العرف، فكلّ ما لا يعدّ تقصيرا لا تبطل به الشفعة، و ما يعدّ تقصيرا أو توانيا في الطلب فإنّه مسقط لها.

مسألة 787: لو أخّر الطلب لعذر، لم تسقط شفعته.

و العذر ضربان:

أحدهما: ينتظر زواله عن قرب، مثل الاشتغال بصلاة واجبة أو مندوبة أو أكل أو قضاء حاجة أو كون في حمّام، فله الإتمام، و لا يكلّف قطعها علي خلاف العادة، و هو أصحّ قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يكلّف قطعها حتي الصلاة إذا كانت نافلة(3).

و علي الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة، جاز له أن يقدّمها، فإذا فرغ، طلب(4) الشفعة، و لا يلزمه تخفيف الصلاة الواجبة و لا المندوبة، و لا يجب عليه الاقتصار علي المجزئ.

و لو علم ليلا، أو كان يريد الصلاة فأصبح إلي الغد، أو أذّن و أقام و صلّي السنّة، لم تبطل شفعته. و كذا لو انتظر الجماعة.

ص: 317


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يكلّفه». و الصحيح: «لم يكلّف» أو ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة: «و يرجع» بدل «بل يرجع».
3- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 189:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «يطلب».

الثاني: ما لا ينتظر زواله عن قرب، كالمرض و الحبس و الغيبة.

أمّا المرض فإن منعه من الطلب و التوكيل فيه، لم تبطل شفعته.

و إن لم يمنعه عن التوكيل فأخّر التوكيل مع إمكانه، بطلت شفعته - و هو أظهر مذاهب الشافعي - لأنّه أخّر الطلب مع إمكانه.

و الثاني له: لا تبطل شفعته بترك التوكيل، لأنّه قد يكون له غرض بأن يطالب بنفسه، لأنّه أقوم بذلك، أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقرّ عليه فيلزمه إقراره برشوة أو غير ذلك، فكان معذورا في تأخيرها.

و الثالث: إن لم يلحقه في التوكيل منّة و لا مئونة ثقيلة(1) ، بطلت، و إلاّ فلا(2).

و المعتمد ما قلناه.

نعم، لو خاف ضررا علي ما قلناه أوّلا فأخّر التوكيل، لم تبطل شفعته.

و لو لم يمكنه التوكيل و لا الطلب و أمكنه الإشهاد علي الطلب، وجب عليه الإشهاد، فإن أهمل الإشهاد لغير عذر، بطلت شفعته عند بعض الشافعيّة، لأنّه قد يترك الطلب للعذر و قد يتركه لغير عذر، فإذا لم يشهد لم يعلم أنّه لعذر، فسقطت شفعته.

و الثاني - و هو الأقوي عندي - أنّه لا يحتاج إلي الإشهاد، لأنّه إذا ثبت عذره، كان الظاهر أنّه ترك الشفعة لأجل ذلك، فقبل قوله في ذلك(3).

و أمّا المحبوس فإن كان حبسه ظلما بغير حقّ أو بحقّ هو عاجز عنه، فحكمه كالمريض إن لم يمكنه التوكيل، لم تسقط شفعته. و إن أمكنه4.

ص: 318


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بفعله» بدل «ثقيلة»، و ما أثبتناه من المصادر.
2- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.
3- العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.

و لم يفعل، سقطت.

و للشافعيّة(1) الوجهان السابقان.

و لو كان محبوسا بحقّ يقدر علي أدائه و يجب عليه دفعه و هو مماطل به، فإن وكّل، جاز. و إن لم يوكّل، بطلت شفعته، لأنّه تركها مع القدرة عليها، و به قال الشافعي(2).

و أمّا الغائب فإذا بلغته الشفعة، فإن أمكنه المسير فسار أو وكّل في الطلب، لم تسقط شفعته. و إن تعذّر عليه المسير و التوكيل، فحقّه باق. و إن أمكنه التوكيل فلم يوكّل، كان علي الوجهين في المريض.

إذا ثبت هذا، فكلّ موضع أخّر لعذر، فهل يجب عليه أن يشهد علي نفسه أنّه علي الطلب ؟ وجهان تقدّما.

و الخوف من العدوّ كالمرض.

و كذا خوف الطريق أو عدم الرفيق مع الحاجة إليه و الخوف علي ضياع شيء من ماله أعذار.

و المسافر إذا بلغه الخبر، يخرج طالبا عند بلوغ الخبر، أو يبعث وكيلا مع أمن الطريق، و إلاّ انتظر من يعتمد عليه و يثق بالسفر معه فيسافر، أو يبعث معه الوكيل.

و الحرّ و البرد المفرطان اللّذان يتعذّر السير معهما كالخوف.

و إذا لم يشهد علي الطلب مع إمكانه، ففي بطلان الشفعة ما تقدّم من الوجهين.4.

ص: 319


1- العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.
2- العزيز شرح الوجيز 539:5-540، روضة الطالبين 189:4.

و لو سار المسافر في الحال طالبا للشفعة، لم تسقط شفعته بترك الإشهاد، و لا يكون الإشهاد واجبا. و كذا لو بعث وكيله في الحال و لم يشهد.

و للشافعي قولان(1).

و كذا لو كان حاضرا في البلد فخرج في الحال إلي المشتري أو إلي الحاكم و لم يشهد.

مسألة 788: إذا علم بالشفعة، مضي إلي المشتري،

و لا يحتاج أن يرفع ذلك إلي الحاكم، لأنّ الشفعة ثبتت بالنصّ و الإجماع، فلا تفتقر إلي الحاكم، كمدّة الإيلاء و الردّ بالعيب، و به قال الشافعي(2).

فإذا لقي المشتري، بدأه بالسلام، لأنّه سنّة. قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

«من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه»(3) فيقول: السلام عليكم، أو: سلام عليك، أو: سلام عليكم، و لا تبطل بذلك شفعته.

قال الجويني: و من غلا(4) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام و قضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام(5).

و كذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثا آخر يتّصل بالسلام، كقوله:

بارك اللّه لك في صفقة يمينك.

قال الشافعي: لا تبطل الشفعة، لأنّ ذلك يتّصل بالسلام، و يكون

ص: 320


1- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 189:4.
2- التهذيب - للبغوي - 352:4، العزيز شرح الوجيز 504:5 و 540.
3- حلية الأولياء 199:8، و انظر: الكافي 471:2، 2.
4- في النسخ الخطيّة و الحجريّة: «عذر» بدل «غلا». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.

دعاء لنفسه، لأنّ الشقص يرجع إليه(1).

و له قول آخر: البطلان(2).

و لو قال غير ذلك، فقد أخّر الشفعة لغير عذر.

و لو قال عند لقائه: بكم اشتريته ؟ لم تبطل شفعته - و هو أحد قولي الشافعيّة(3) - لافتقاره إلي تحقّق ما أخذ به(4).

و قال الباقون: تبطل، لأنّه تأخير، لأنّ من حقّه أن يظهر الطلب ثمّ يبحث(5).

و لو قال: اشتريت رخيصا، و ما أشبهه، بطلت شفعته، لأنّه فضول.

مسألة 789: و لو لم يمض الشفيع إلي المشتري و مشي إلي الحاكم و طلب الشفعة،

لم يكن مقصّرا في الطلب، سواء ترك مطالبة المشتري مع حضوره أو غيبته.

أمّا لو اقتصر علي الإشهاد بالطلب و لم يمض إلي المشتري و لا إلي القاضي مع إمكانه، قال الشيخ رحمه اللّه: لا تبطل شفعته، لعدم الدليل عليه(6) ، و به قال أبو حنيفة(7).

و قال الشافعي: يكون مقصّرا، و بطلت شفعته(8).

و لو جهل البطلان، كان عذرا، و لم يكن مقصّرا، كما لو جهل أصل

ص: 321


1- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
2- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
3- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
4- كذا، و الظاهر: «لافتقاره إلي تحقيق ما أخذه به».
5- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
6- الخلاف 456:3، المسألة 42.
7- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 456:3، المسألة 42، و انظر: العزيز شرح الوجيز 540:5.
8- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 190:4.

الشفعة.

و لو كان المشتري غائبا، رفع أمره إلي القاضي و أخذ، و لم يكف الإشهاد.

و لو لم يتمكّن من الرفع إلي المشتري و لا إلي القاضي، كفاه الإشهاد علي الطلب، فإن تمكّن بعد ذلك من المضيّ إلي المشتري أو القاضي، فالأقرب: عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق، فيكون مقصّرا لو لم يمض إلي أحدهما، لأنّ الالتجاء إلي الإشهاد كان لعذر و قد زال.

و لو لم يتمكّن من المضيّ إلي أحدهما و لا من الإشهاد، فهل يؤمر أن يقول: تملّكت الشقص أو أخذته ؟ الأقرب: ذلك، لأنّ الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري، فإذا فات القيد، لم يسقط الآخر.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 790: لا يجب الطلب في بلد المبايعة،

فلو باع الشقص بمصر ثمّ وجد الشفيع المشتري بمصر آخر فأخّر الطلب فلمّا رجعا إلي مصره طالبه بالشفعة، لم يكن له ذلك، و سقطت شفعته.

فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأنّي إنّما تركت الطلب لآخذ في موضع الشفعة، لم يكن ذلك عذرا، و قلنا له: ليس تقف المطالبة علي تسليم الشقص، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها، فبطل حقّك، لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.

مسألة 791: لو أظهر المتبايعان أنّهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة فعفا

أو تواني في الطلب، ثمّ بان أنّهما تبايعاه بأقلّ من ذلك، لم تسقط

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 190:4.

الشفعة، و كان للشفيع المطالبة بها، لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة الثمن، فإذا كان أقلّ منه، رغب فيه، فلم تسقط بذلك الترك شفعته.

و كذا لو بلغه أنّه باعه بالثمن المسمّي سهاما قليلة ثمّ ظهر أنّها كثيرة.

و كذا إذا كانا قد أظهرا أنّهما تبايعا ذلك بالدنانير، فترك ثمّ بان أنّهما تبايعا ذلك بالدراهم، تثبت الشفعة، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو أقلّ - و به قال الشافعي و زفر(1) - لأنّه قد يكون له غرض في ذلك بأن يكون مالكا لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمّد: إذا كانت قيمتهما سواء، سقطت شفعته - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّهما يجريان مجري الجنس الواحد(2).

و كذا إن أظهرا له أنّ زيدا اشتراها، فترك الشفعة فبان أنّ المشتري عمرو و أنّ زيدا كان وكيلا لعمرو، لم تبطل الشفعة، و كان له المطالبة بها، لاحتمال أن يكون يرضي بشركة زيد و لا يرضي بشركة عمرو.

و لو ظهر كذب نوع الثمن، فقال: اشتريته بدراهم راضيّة، فترك الشفعة فظهر أنّه اشتري بدراهم رضويّة، لم تبطل شفعته، و كان له الطلب.

و كذا لو أخبر بأنّ المشتري اشتري النصف بمائة، فترك الشفيع ثمّ5.

ص: 323


1- التهذيب - للبغوي - 353:4، حلية العلماء 298:5-299، العزيز شرح الوجيز 541:5-542، روضة الطالبين 190:4، بدائع الصنائع 19:5، الاختيار لتعليل المختار 542:2، المغني 481:5، الشرح الكبير 479:5.
2- بدائع الصنائع 19:5، الاختيار لتعليل المختار 73:2-74، حلية العلماء 5: 299، العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 190:4-191، المغني 5: 481، الشرح الكبير 479:5.

بان(1) أنّه اشتري الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشفعة، لأنّه قد يكون له غرض في القليل، و قد يكون له أيضا غرض في الكثير.

و كذا لو قيل له: باع كلّ نصيبه، فترك ثمّ ظهر بعضه أو بالعكس، أو أنّه باعه بثمن حالّ، فترك ثمّ ظهر أنّه مؤجّل، أو أنّه باعه إلي شهر، فترك فظهر أنّه إلي شهرين أو بالعكس، أو أنّه باع رجلين فبان رجلا أو بالعكس، فترك الشفعة قبل ظهور الحال، لم تبطل الشفعة، لاختلاف الغرض بذلك.

و لو ظهر بأنّ الثمن عشرة، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّ الثمن عشرون(2) ، أو أخبر بأنّ الثمن مؤجّل(3) ، فترك فبان حالاّ، أو أنّ المبيع الجميع بألف فبان أنّ البعض بألف، بطل حقّه من الشفعة قطعا.

و لو أخبر(4) أنّه اشتري النصف بمائة، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه اشتري الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشفعة، لأنّه قد يكون له غرض في القليل أو الكثير.

و لو بلغه(5) أنّ المشتري واحد، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه ذلك الواحد و آخر، فله الشفعة من كلّ منهما و من أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع الكثرة، لأنّه ترك الذي ترك له علي أنّه اشتري الجميع، فإذا كان اشتري البعض، تثبت له، و أمّا الآخر فلم يتركه له.».

ص: 324


1- في الطبعة الحجريّة: «ظهر» بدل «بان».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عشرين». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مؤجّلا» بالنصب.
4- تقدّم هذا الفرع آنفا بعد قوله: «و لو ظهر كذب.. كان له طلب».
5- تقدّم هذا الفرع آنفا عند قوله: «.. أو أنّه باع.. أو بالعكس».
مسألة 792: لو أخّر الطلب و اعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة، و أنكر المشتري،

قدّم قول الشفيع إن علم حصول العارض - الذي ادّعاه - له، و إن لم يعلم له هذه الحال، قدّم قول المشتري، لأصالة العدم، و أصالة عدم الشفعة.

و لو قال: لم أعلم ثبوت حقّ الشفعة، أو قال: أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ الشفعة علي الفور(1) ، فإن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في برّيّة لا يعرفون الأحكام، قبل قوله، و له الأخذ بالشفعة، و إلاّ فلا.

مسألة 793: لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع عن المشتري،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تسقط شفعته، و به قال الشافعي، و كذا إذا شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحّة اشتراط الخيار للأجنبيّ، لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشفعة، فلا تسقط به، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن الشفعة قبل تمام البيع(2).

و قال أهل العراق: إنّه تسقط الشفعة، لأنّ العقد تمّ به، فأشبه البائع إذا باع بعض نصيبه، لا شفعة له(3).

قالت الشافعيّة: هذا ليس بصحيح، لأنّ البيع لا يقف علي الضمان، و يبطل بما(4) إذا كان المشتري شريكا، فإنّه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه(5).

ص: 325


1- ورد في النسخ الخطّيّة و الحجريّة قوله: «أو قال.. علي الفور» بعد قوله: «فإن كان قريب العهد بالإسلام». و هو سهو من النّسّاخ.
2- الخلاف 447:3، المسألة 25، و انظر: حلية العلماء 312:5، و العزيز شرح الوجيز 546:5، و المغني 543:5، و الشرح الكبير 483:5.
3- حلية العلماء 312:5، المغني 543:5، الشرح الكبير 483:5، الخلاف - للطوسي - 447:3، المسألة 25.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به» بدل «بما». و الصحيح ما أثبتناه.
5- انظر: المغني 543:5، و الشرح الكبير 484:5.

و القول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي، لدلالة ذلك علي الرضا بالبيع.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو كان الشفيع وكيلا في البيع(1) ، لم تسقط شفعته، سواء كان وكيلا للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء - و به قال الشافعي - لعدم الدليل علي سقوط الشفعة بالوكالة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إن كان وكيلا للبائع، فلا شفعة له، و إن كان وكيلا للمشتري، ثبتت له الشفعة، و الفرق: أنّه إذا كان وكيلا في البيع، لحقته التهمة، و في الشراء لا تهمة(3).

و قال أهل العراق: إذا كان وكيلا للمشتري، سقطت شفعته، بناء علي أصلهم أنّ الوكيل يملك، و لا يستحقّ علي نفسه الشفعة(4).

و يحتمل عندي قويّا بطلان الشفعة، لأنّ التوكيل يدلّ علي الرضا بالبيع.

مسألة 794: لو أذن الشفيع في البيع، فقال: بع نصيبك و قد عفوت عن الشفعة،

أو أبرأه(5) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقّه أو عفا قبل العقد، لم تسقط شفعته، و به قال الشافعي(6).

ص: 326


1- أي: بيع الشقص الذي يستحقّ به الشفعة.
2- الخلاف 448:3، المسألة 27، و راجع: المغني 542:5، و الشرح الكبير 5: 483-484.
3- المغني 542:5، الشرح الكبير 483:5.
4- حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 448:3، المسألة 27، و ابنا قدامة في المغني 542:5، و الشرح الكبير 483:5.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبرأ». و الظاهر ما أثبتناه.
6- حلية العلماء 309:5، مختصر اختلاف العلماء 240:4، 1948، المغني 5: 541، الشرح الكبير 484:5.

و حكي عن عثمان البتّي أنّه قال: تسقط الشفعة(1) ، لرواية جابر عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة في كلّ شرك في أرض(2) أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتي يعرض علي شريكه فيأخذ أو يدع»(3) فأجاز تركه.

و المراد العرض علي الشريك ليبتاع ذلك إن أراد، فيخفّ بذلك المئونة عليه في أخذ المشتري الشقص، لأنّ قوله عليه السّلام: «فيأخذ» ليس بالشفعة، لأنّ العرض متقدّم علي البيع، و الأخذ متعقّب للعرض، فقوله:

«أو يدع» أي: يدع الشراء، لا أنّه يسقط حقّه بتسليمه. و الأصل فيه أنّ ذلك إسقاط حقّ قبل وجوبه، فلا يصحّ، كما لو أبرأه ممّا يدينه إيّاه.

و كذا لو قال للمشتري: اشتر فلا أطالبك بالشفعة و قد عفوت عنها، لم يسقط حقّه بذلك.

فروع:

أ - إذا شهد الشفيع علي البيع، لم تبطل شفعته بذلك، لأنّه قد يريد البيع ليأخذه بالشفعة، و كذا في الإذن بالبيع علي ما تقدّم(4).

ب - لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشتري، لم تسقط شفعته، و قد سلف(5).

ج - لو قال الشفيع للمشتري: بعني أو قاسمني، بطلت شفعته، لأنّه يتضمّن الرضا بالبيع و إجازته له.8.

ص: 327


1- مختصر اختلاف العلماء 240:4، 1948، حلية العلماء 309:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرك بأرض». و ما أثبتناه من المصدر.
3- صحيح مسلم 1229:3، 135.
4- في صدر المسألة 794.
5- في ص 320 ضمن المسألة 788.

د - لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء، سقطت شفعته إن ترتّبت علي اللزوم.

مسألة 795: لو باع أحد الشريكين نصيبه و لم يعلم شريكه حتي باع نصيبه

ثمّ علم بيع شريكه، فالأقرب: عدم الشفعة، لأنّها إنّما ثبتت لزوال الضرر بها عن نصيبه، فإذا باع نصيبه فلا معني لإثباتها، كما لو وجد بالمبيع عيبا ثمّ زال قبل علم المشتري، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه تثبت له الشفعة في النصيب الأوّل، لأنّه استحقّ فيه الشفعة بوجود ملكه حين التبايع، فلم يؤثّر زوال ملكه بعد ذلك(1).

و كذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثمّ علم، و كذا لو تقايلا في هذا بالبيع(2) الثاني.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا شفعة له، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة، لوجود المقتضي، و هو الشركة.

و إن قلنا: له الشفعة، فالأقرب: عدم استحقاق المشتري منه للشفعة إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة، و إلاّ فإشكال أقربه ذلك أيضا، لأنّ الشفعة استحقّها البائع الجاهل، لسبق عقد الشفعة علي عقده، فلا يستحقّها الآخر، لامتناع استحقاق المستحقّين شيئا واحدا.

و لو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه و قلنا بالشفعة مع الكثرة، فوجهان:

أحدهما: أنّه تسقط الشفعة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - كما إذا عفا

ص: 328


1- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4.
2- كذا.
3- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4-192.

عن بعض الشفعة.

و الثاني: لا تسقط، لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. و لأنّه معذور بجهله، و قد بقيت الحاجة - الموجبة للشفعة - للمشاركة(1).

و لو باع الشفيع نصيبه عالما أو وهبه عالما بثبوت الشفعة، بطلت شفعته، سواء قلنا: إنّ الشفعة علي الفور أو علي التراخي، لزوال ضرر المشاركة.

و لو باع بعض نصيبه عالما، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة، فكذلك، لتكثّر الشركاء. و إن قلنا بثبوتها معها، فالأقرب: البطلان أيضا، لثبوت التضرّر بالشركة، فلا أثر للشفعة في زوالها.

و يحتمل عدم البطلان، لأنّ تضرّر الشركة قد يحصل مع شخص دون آخر، و لهذا قلنا: إنّه إذا بلغه أنّ المشتري زيد فترك الشفعة ثمّ بان أنّه عمرو، لم تبطل شفعته، كذا هنا.

أمّا لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل المال، لم تسقط شفعته.

فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثمّ تمكّن من الطلب، ففي ثبوته إشكال ينشأ: من استحقاقه للطلب أوّلا و قد طلب، فلا تبطل شفعته بالبيع، و البيع معذور فيه، لإمكان حاجته، و من بطلان العلّة الموجبة للشفعة، و هي الشركة. و هو أقرب.

و لو تملّك بالشفعة فقال: تملّكت بالشفعة، حالة منع المشتري منها،2.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4-192.

فالأقرب: أنّه يملك الشقص بذلك، فإذا باع نصيبه بعد ذلك، لم تسقط شفعته علي هذا التقدير قطعا. و كذا له النماء من المشتري و الأجرة.

مسألة 796: إذا وجبت الشفعة و اصطلح الشفيع و المشتري علي تركها بعوض،

صحّ عندنا، و سقطت الشفعة - و به قال مالك(1) - لعموم جواز الصلح. و لأنّه عوض علي إزالة ملك في ملك، فجاز، كأخذ العوض علي تمليك امرأته أمرها في الخلع.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا تصحّ المعاوضة، لأنّه خيار لا يسقط إلي مال، فلا يجوز أخذ العوض عنه، كخيار المجلس(2).

و هل تبطل الشفعة ؟ للشافعي وجهان:

أحدهما: البطلان، لأنه تركها بعوض لا يسلم له، فكان كما لو تركها.

و الثاني: لا تسقط، لأنّه لم يرض بإسقاطها مجّانا، و إنّما رضي بالمعاوضة عنها، فإذا لم تثبت له المعاوضة، كانت الشفعة باقية(3).

و هذان الوجهان جاريان في الردّ بالعيب إذا عاوض عنه و قلنا:

لا تصحّ المعاوضة.

و عندنا أنّه تصحّ المعاوضة أيضا.

مسألة 797: إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة:

أخذت نصف الشقص، لم يكن له ذلك.

ص: 330


1- المغني و الشرح الكبير 482:5.
2- الحاوي الكبير 244:7، التهذيب - للبغوي - 353:4، المغني 482:5 - 483، الشرح الكبير 481:5-482.
3- الحاوي الكبير 244:7، التهذيب - للبغوي - 353:4-354.

و هل تسقط شفعته ؟ قال محمّد بن الحسن و بعض الشافعيّة: نعم، لأنّه إذا طلب بعضها، فقد أخّر بعضها، فقد ترك شفعته في بعضها، و إذا ترك بعضها، سقطت كلّها، لأنّها لا تتبعّض(1).

و قال أبو يوسف: لا تسقط، لأنّ اختياره لبعضها طلب للشفعة، فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركا لها، لعدم دلالة الشيء علي نقيضه. و لأنّه لمّا لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب جميعها(2).

و اعترض: بأنّ طلب البعض لا يكون طلبا للجميع، و لا معني لطلب الجميع بطلب البعض، و لا غرض، فتسقط(3).

البحث السابع: في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.
مسألة 798: اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة

- من أصحابنا و من العامّة - هل هي علي عدد الرءوس أو علي قدر الأنصباء؟ فذهب بعض علمائنا إلي أنّها تثبت علي عدد الرجال(4) ، فلو كان لأحد الشركاء النصف و للباقين النصف الآخر بالسويّة فباع صاحب الربع نصيبه، كانت الشفعة بين صاحب النصف و صاحب الربع بالسويّة - و به قال

ص: 331


1- الحاوي الكبير 244:7، حلية العلماء 292:5، المغني 483:5، الشرح الكبير 489:5-490.
2- الحاوي الكبير 244:7، حلية العلماء 293:5، المغني 483:5، الشرح الكبير 490:5.
3- المغني 483:5، الشرح الكبير 490:5.
4- كما في المبسوط - للطوسي - 113:3، و نسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز 393:2 إلي ابن الجنيد.

الشعبي و النخعي و ابن أبي ليلي و ابن شبرمة و أبو حنيفة و أصحابه و المزني و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «الشفعة علي عدد الرجال»(2).

و لأنّ كلّ واحد منهم لو انفرد، كان له أخذ الكلّ، فإذا اجتمعوا اشتركوا، كالبنين في الميراث، و كما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد و للثاني ثلثه و للثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث و السدس حصّتهما معا دفعة و هما موسران، فإنّ النصف يقوّم عليهما بالسويّة و إن اختلف استحقاقهما.

و قال بعض علمائنا: إنّها تثبت علي قدر النّصب(3) - و به قال عطاء و مالك و إسحاق و أحمد في الرواية الأخري و الشافعي في القول الآخر، و هو مذهب سوار القاضي و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(4) - لأنّه حقّ يستفاد بسبب الملك، فكان علي قدر الأملاك كالغلّة.4.

ص: 332


1- المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5، الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الحاوي الكبير 259:7، المهذّب - للشيرازي - 388:1، حلية العلماء 291:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4، الوجيز 219:1، العزيز شرح الوجيز 527:5 و 528، روضة الطالبين 182:4، المحلّي 98:9-99، الاستذكار 281:21، 5-31374.
2- الفقيه 45:3، 156، التهذيب 166:7، 736، الاستبصار 116:3-117، 416.
3- كما في المبسوط - للطوسي - 113:3، و المهذّب - لابن البرّاج - 453:1.
4- المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5، بداية المجتهد 260:2، الاستذكار 280:21، 31370، و 281، 3-31372، المعونة 1269:2، المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 259:7، حلية العلماء 291:5-292، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4، الوجيز 219:1، العزيز شرح الوجيز 527:5 و 528، روضة الطالبين 182:4، المحلّي 99:9، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الهداية - للمرغيناني - 25:4.

ثمّ نقضوا الأوّل(1) بالفرسان و الرجّالة في الغنيمة، من انفرد منهم استحقّ الكلّ، و إذا اجتمعوا تفاضلوا، و كذا أصحاب الديون إذا كان من عليه الدّين ماله مثل أقلّ الديون، و المعتقان استويا، لأنّ العتق إتلاف النصيب الباقي، و سبب الإتلاف يستوي فيه القليل و الكثير، كالنجاسة تقع في المائع، و هنا يستحقّ بسبب الملك، فافترقا(2).

و الفرق ظاهر، فإنّ الفرس كالفارس، فلا تفاضل في الحقيقة، و الدّين كالكسب الحاصل لأرباب الديون، فكانوا فيه علي قدر رءوس أموالهم.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا: الشفعة علي عدد الرءوس، فلا بحث.

و إن قلنا: علي قدر الأنصباء، فلو كان لأحدهما النصف و للآخر الربع و المبيع الربع، استحقّ صاحب النصف ثلثي المبيع، و صاحب الربع ثلثه، فتقسّم الجملة من اثني عشر، لصاحب النصف ثمانية، و لصاحب الربع أربعة، فقد صار لأحدهما الثلثان و للآخر الثلث.

مسألة 799: إذا تزاحم الشركاء، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يتّفقوا علي الطلب، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة البيع، فتثبت بينهم الشفعة علي عدد الأنصباء أو علي عدد الرءوس، فلو كانت الدار بين أربعة بالسويّة باع أحدهم نصيبه، كان للثلاثة الباقية أخذها بالشفعة، فتصير الدار أثلاثا بعد أن كانت أرباعا.

الثاني: أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإمّا أن يكونوا بأجمعهم غيّابا أو بعضهم، و علي كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع التأخّر، لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم، فحكمهم حكم الحاضرين.

ص: 333


1- أي القول الأوّل.
2- راجع المغني 523:5، و الشرح الكبير 491:5.

و إن حضر بعضهم، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصّة.

إذا ثبت هذا، فإن كان الحاضر واحدا أو قدم بعد غيبة الجميع، فليس له أخذ حصّته فقط، لما فيه من التبعيض، و الشفعة وضعت لإزالته، فلا تكون سببا فيه. و لما فيه من تضرّر المشتري، و لا يكلّف الصبر إلي حضور الغيّاب، لأنّه إضرار به و بالمشتري، بل يأخذ الجميع، لأنّ الحاضر هو المستحقّ للجميع بطلبه، و الغيّاب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة، فحينئذ إمّا أن يأخذ الحاضر الجميع أو يترك.

و لو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان، تساويا في أخذ الجميع أو الترك.

الثالث: أن يطلب بعض الشركاء و يعفو بعضهم، فالطالبون بالخيار بين أخذ الكلّ أو تركه و لو كان الباقي واحدا، لأنّ الشفعة إنّما تثبت بسوء المشاركة و مئونة القسمة، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص، لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. و لأنّ الشفعة إنّما تثبت لإزالة الضرر عنه، و في تبعيض الشقص إضرار بالمشتري، فلا يزال الضرر بإلحاق ضرر.

مسألة 800: ليس للشفيع تشقيص الشفعة،

بل إمّا أن يأخذ بالجميع(1) أو يترك الجميع، لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.

إذا ثبت هذا، فلو عفا عن بعض الشفعة، سقطت شفعته، كالقصاص، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: لا يسقط شيء، كعفوه عن بعض حدّ القذف.

ص: 334


1- في «س، ي»: «الجميع».

و الثالث: يسقط ما عفا عنه، و يبقي الباقي(1).

قال الصيدلاني منهم: موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة، فإن أبي و قال: خذ الكلّ أو دعه، فله ذلك(2).

و قال الجويني: هذه الأوجه إذا لم نحكم بأنّ الشفعة علي الفور، فإن حكمنا به، فطريقان: منهم من قطع بأنّ العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي، و منهم من احتمل ذلك إذا بادر إلي طلب الباقي، و طرّد الأوجه(3)(4).

إذا تقرّر هذا، فنقول: إذا استحقّ اثنان شفعة فعفا أحدهما عن حقّه، سقط نصيب العافي، و يثبت جميع الشفعة للآخر، فإن شاء أخذ الجميع، و إن شاء تركه، و ليس له الاقتصار علي قدر حصّته، لئلاّ تتبعّض الصفقة علي المشتري، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يسقط حقّهما - و هو اختيار ابن سريج - كالقصاص.

و الثالث: لا يسقط حقّ واحد منهما تغليبا للثبوت.

و الرابع: يسقط حقّ العافي، و ليس لصاحبه أن يأخذ إلاّ قسطه، و ليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع(5).

هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء، و لو ثبتت لواحد فمات عن اثنين فعفا أحدهما، فهل له كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها، أم كثبوتها4.

ص: 335


1- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 184:4.
2- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 184:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوجه» بدل «الأوجه». و ما أثبتناه من «روضة الطالبين». و بدلها في «العزيز شرح الوجيز»: «الوجوه».
4- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 181:4.
5- العزيز شرح الوجيز 532:5، روضة الطالبين 181:4.

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعيّة وجهان(1).

تذنيب: لو كان للشقص شفيعان فمات كلّ عن اثنين فعفا أحدهم عن حقّه، فللشافعيّة وجوه:

أ - أنّه يسقط جميع الشفعة.

ب - يبقي جميع الشفعة للأربعة، لبطلان العفو.

ج - يسقط حقّ العافي و أخيه خاصّة، لاتّحادهما في سبب الملك، و يأخذه الآخران.

د - ينتقل حقّ العافي إلي الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثا.

ه - يستقرّ حقّ العافي للمشتري، و يأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص.

و - ينتقل حقّ العافي إلي أخيه فقط(2).

و علي ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه الوجوه.

مسألة 801: لو مات عن اثنين و له دار، فهي بينهما بالسويّة،

فلو مات أحدهما و ورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإنّ الشفعة تثبت لأخيه و عمّه - و به قال الشافعي في الإملاء، قال: و هو القياس، و به قال أبو حنيفة و أحمد و المزني(3) - لأنّهما شريكان حال ثبوت الشفعة، فكانت الشفعة بينهما، كما لو ملك الثلاثة بسبب واحد.

و قال في القديم: أنّ أخاه أحقّ بالشفعة - و به قال مالك - لأنّ الأخ

ص: 336


1- العزيز شرح الوجيز 532:5، روضة الطالبين 181:4.
2- العزيز شرح الوجيز 532:5-533، روضة الطالبين 184:4-185.
3- المغني 524:5، المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 255:7، حلية العلماء 299:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4-95، العزيز شرح الوجيز 528:5، روضة الطالبين 183:4.

أخصّ بشركته من العمّ، لاشتراكهما في سبب الملك، و لهذا لو قسّمت الدار، كانا حزبا و العمّ حزبا آخر(1).

و لا معني(2) للاختصاص، لأنّ الاعتبار بالشركة لا بسببها. و أمّا القسمة فإنّ القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء: اثنان للعمّ، و لكلّ واحد جزء، كما يفعل ذلك في الفرائض.

فروع:

أ - لو قلنا: تختصّ بالأخ - كما هو أحد قولي الشافعي - لو عفا عن الشفعة، ففي ثبوتها للعمّ عند الشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها لا تثبت، لأنّه لو كان مستحقّا، لما تقدّم عليه غيره.

و الثاني: تثبت له، لأنّه شريك، و إنّما يقدّم الأخ لزيادة قربه، كما أنّ المرتهن يقدّم في المرهون علي باقي الغرماء، فلو أسقط حقّه، أمسكه الباقون(3).

ب - هذا الحكم لا يختصّ بالأخ و العمّ، بل في كلّ صورة ملك شريكان عقارا بسبب واحد، و غيرهما من الشركاء بسبب آخر، فلو اشتري نصف دار و اشتري آخران النصف الآخر ثمّ باع أحد الآخرين نصيبه، فهل4.

ص: 337


1- المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 256:7، حلية العلماء 5: 300، التهذيب - للبغوي - 363:4، الوسيط 95:4، العزيز شرح الوجيز 5: 528، روضة الطالبين 183:4، المغني 524:5.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فلا معني». و الظاهر ما أثبتناه حيث إنّه ردّ علي الشافعي في قوله القديم.
3- المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 256:7، حلية العلماء 5: 300، العزيز شرح الوجيز 528:5-529، روضة الطالبين 183:4.

الشفعة للآخر الذي يشاركه في الشراء خاصّة، أو له و للأوّل صاحب النصف ؟ للشافعي قولان، لاختلاف سبب الملك(1).

و كذا لو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين و عفا الآخر ثمّ باع أحد المشتريين نصيبه، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخر أم [للكلّ](2) ؟ علي القولين(3).

ج - لو مات صاحب عقار و خلّف ابنتين و أختين، فالمال بأجمعه - عندنا - للبنتين.

و عند العامّة للبنتين الثلثان، و للأختين الثلث.

فلو باعت إحدي الأختين نصيبها، فهل تثبت الشفعة لأختها أو لها و للبنتين ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ ذلك مبنيّ علي القولين اللّذين ذكرناهما، لاختلاف سبب الملك.

و الثاني: [أنّهنّ يشتركن](4) في الشفعة قولا واحدا، لأنّ السبب واحد - و هو الميراث - و إن اختلف قدر الاستحقاق(5).4.

ص: 338


1- التهذيب - للبغوي - 363:4، العزيز شرح الوجيز 529:5، روضة الطالبين 4: 183.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «للكلّ»: «لذلك». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المهذّب - للشيرازي - 388:1-389، التهذيب - للبغوي - 363:4، حلية العلماء 300:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّهم يشتركون». و الصحيح ما أثبتناه.
5- المهذّب - للشيرازي - 389:1، حلية العلماء 301:5، العزيز شرح الوجيز 5: 529، روضة الطالبين 183:4.

د - لو مات الرجل عن ثلاثة(1) بنين و خلّف دارا ثمّ مات أحدهم و خلّف ابنين فباع أحد العمّين نصيبه، فهل يكون العمّ الآخر أحقّ بالشفعة، أو يشترك هو و ابنا(2) أخيه ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ ذلك علي القولين.

و الثاني: أنّهم يشتركون(3).

و الفصل بين هذه و ما تقدّم من مسألة الأخ و العمّ: أنّ هنا يقوم أبناء الميّت منهم مقام أبيهم و يخلفونه في الملك، و لو كان أبوهم باقيا، شارك أخاه في الشفعة، فلهذا شاركوه، و في مسألة الأخ و العمّ البائع ابن أخيهم، و هم لا يقومون مقام أخيهم، و إنّما يقومون مقام أبيهم.

ه - إذا قلنا: إنّ الشفعة للجماعة، قسّم بينهم إمّا علي قدر النصيب أو علي عدد الرءوس.

فإن قلنا: إنّ الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره، فلو عفا عن الشفعة، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّها(4) تثبت(5) ، لأنّه شريكه، و إنّما يقدّم عليه من كان أخصّ بالبائع، فإذا عفا، ثبتت للشريك الآخر، كما لو قتل واحد جماعة واحدا بعد واحد، ثبت القصاص للأوّل، فإذا عفا الأوّل، ثبت القصاص للثاني، كذا هنا(6).

مسألة 802: قد ذكرنا أنّه إذا قدم واحد من الأربعة و تخلّف اثنان

و كان

ص: 339


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثلاث» و ما أثبتناه هو الصحيح.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابني». و الصحيح ما أثبتناه.
3- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أنّه». و ما أثبتناه لأجل السياق.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا تثبت» بزيادة «لا». و الصحيح ما أثبتناه.
6- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضرا، فإنّه إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع، و ليس له أخذ نصيبه، لما فيه من تضرّر المشتري.

فإن أخذ الجميع ثمّ قدم ثان، أخذ منه النصف، لأنّه لا شفيع الآن غيرهما، و وجدت المطالبة منهما دون الثالث، فكانت الشفعة بينهما، فإن قدم الثالث، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء، فإن عفا الثاني، استقرّ علي الأوّل، و إن عفا الثالث، استقرّ عليهما.

و لو كان للشقص غلّة حصلت في يد الأوّل، لم يشاركه الثاني فيها، لأنّه ملك الجميع بالأخذ، و قد حصل النماء في ملكه، فكانت كما لو انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.

و كذا إن أخذ الثاني و حصلت الغلّة في يده، لم يشاركه الثالث فيها.

و لو خرج الشقص مستحقّا، قال أكثر الشافعيّة: إنّ العهدة علي المشتري يرجع الثلاثة عليه، و لا يرجع أحدهم علي الآخر، لأنّ الشفعة [ليست](1) مستحقّة عليهم(2).

و قال بعض الشافعيّة: يرجع الثاني علي الأوّل، و الثالث يرجع عليهما، و الأوّل يرجع علي المشتري، لأنّ الثاني أخذ من الأوّل و دفع الثمن إليه(3).

و قال بعض الشافعيّة: هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من اجرة و نقص قيمة الشقص، فأمّا الثمن فكلّ يستردّ ما سلّمه ممّن سلّمه إليه6.

ص: 340


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعني.
2- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 185:4.
3- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 185:4-186.

بلا خلاف(1). و هو المعتمد.

مسألة 803: لو قال الأوّل: لا آخذ الجميع و إنّما أنتظر مجيء الشركاء ليأخذوا أو يعفوا،

فالأقرب: عدم سقوط شفعته بذلك، لأنّ له غرضا في الترك، و هو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه و يحتاج إلي ثمن كثير ربما لا يقدر عليه في تلك الحال، و مع ذلك يؤدّي حاله إلي عدم التمكّن من العمارة علي ما يريده، و ربما انتزع منه فيضيع تعبه، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه تسقط شفعته، لأنّه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت(2).

و ليس بجيّد، لعدم تمكّنه من أخذ حقّ لا ينازعه فيه غيره.

و لو قال الثاني: لا آخذ النصف، بل الثلث خاصّة لئلاّ يحضر الثالث فيأخذ منّي، فله ذلك، لأنّه يأخذ دون حقّه، بخلاف الأوّل، لأنّ أخذه لبعض الشقص تبعيض للشقص علي المشتري، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و يشكل بأنّه يريد أن يأخذ بعض ما يخصّه، و ليس لأحد الشفيعين أن يأخذ بعض ما يخصّه. فإن أخذ الثلث إمّا علي هذا الوجه أو بالتراضي، و هو سهمان من ستّة، ثمّ قدم الثالث، فله أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده، فإن أخذه، فلا كلام. و إن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، فله ذلك، لأنّ حقّه ثابت في كلّ جزء.

ثمّ له أن يقول للأوّل: ضمّ ما معك إلي ما أخذته لنقسمه نصفين،

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 186:4.
2- الحاوي الكبير 261:7، العزيز شرح الوجيز 533:5، روضة الطالبين 4: 185.
3- العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 186:4.

لأنّا متساويان.

و تصحّ المسألة من ثمانية عشر، لأنّا نحتاج إلي عدد لثلثه ثلث، و هو تسعة، مع الثاني - منها - ثلاثة، و مع الأوّل ستّة، فيأخذ الثالث من الثاني(1) واحدا و يضمّه إلي ما مع الأوّل و هو ستّة، فلا تنقسم، فنضرب(2) اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة، تبقي أربعة عشر، للأوّل و الثالث نصفين، و هذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار، فتكون جملتها اثنين و سبعين - قال بعض الشافعيّة: لمّا ترك الثاني سدسا للأوّل صار عافيا عن بعض حقّه، فيبطل جميع حقّه علي الأصحّ، كما سبق، فينبغي أن يسقط حقّ الثاني كلّه، و يكون الشقص بين الأوّل و الثالث(3) - فكأنّ الثالث يقول للأوّل: نحن سواء في الاستحقاق، و لم يترك واحد منّا شيئا من حقّه، فنجمع ما معنا و نقسمه، بخلاف الثاني، لأنّه ترك شيئا من حقّه. و لأنّه لمّا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، و ذلك ثلثا سهم، و لا يسقط حقّه بما تركه في يد الأوّل، ثمّ يضمّ ما معه إلي ما في يد الأوّل، و هو أربعة أسهم، فيكون أربعة أسهم و ثلثي سهم يقتسمانها نصفين، لأنّه يطالب الأوّل بثلث نصيبه، و هو سهم من ثلاثة و ثلث السهم الذي تركه الثاني، لأنّه لو أخذه لأخذ ثلثه، و يبقي ثلثا هذا السهم تركه الثاني، و سقط حقّه عنه، فيقتسمانه بينهما، فيحصل له ذلك من أربع جهات، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما، و هو ربع ما بيده، و ضمّه إلي ما في يد الأوّل و الثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكلّ واحد4.

ص: 342


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيأخذ الثاني من الثالث». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «نضرب». و الأنسب ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 187:4.

خمسة.

مسألة 804: لو أخذ الأوّل الشقص بالشفعة

ثمّ وجد به عيبا فردّه ثمّ قدم الثاني، كان له أخذ جميع الشقص - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الشفيع فسخ تملّكه، و رجع إلي المشتري بالسبب الأوّل، فكان للشفيع الآخر أن يأخذه، كما لو عفا.

و قال محمد بن الحسن الشيباني: إنّه لا يأخذ إلاّ حصّته، لأنّ الأوّل لم يعف عن الشفعة، و إنّما ردّ ذلك لأجل العيب، فلم يتوفّر نصيبه علي الآخر، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسبب آخر(2).

و الفرق بين صورة النزاع و بين عوده بسبب آخر ثابت، لأنّه عاد غير الملك الأوّل الذي تعلّقت به الشفعة.

مسألة 805: لو حضر اثنان و أخذا الشقص و اقتسماه،

كان للثالث بعد حضوره نقض القسمة، و المطالبة بحصّته من الشفعة، و له أن يأخذ من كلّ واحد منهما ثلث ما في يده، و تبقي القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان بذلك، و إلاّ فلكلّ منهما الفسخ، لأنّه إنّما رضي بأخذ الجميع، و القسمة لم تقع فاسدة في نفسها، بل وقعت صحيحة، و تعقّبها البطلان المتجدّد، فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه، كان له الفسخ.

و لو قدم الثالث و أحد الشريكين كان غائبا، فإن قضي له القاضي علي الغائب، أخذ من الحاضر الثلث، و من الغائب الثلث. و إن لم يقض، أخذ من الحاضر الثلث، لأنّه قدر ما يستحقّه ممّا في يده، و هو أحد وجهي

ص: 343


1- حلية العلماء 296:5، العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 186:4.
2- حلية العلماء 296:5.

الشافعيّة، و الثاني: النصف، لأنّ أحدهما إذا كان غائبا، صار كأنّهما الشفيعان، فيقتسمان بينهما بالسويّة(1).

إذا ثبت هذا، فإن حضر الغائب و غاب هذا الحاضر، فإن كان أخذ من الحاضر ثلث ما في يده، أخذ من الذي كان غائبا و حضر ثلث ما في يده أيضا(2). و إن كان قد أخذ من الحاضر النصف ممّا في يده، أخذ من هذا سدس ما في يده، فيتمّ بذلك نصيبه، و يكون ذلك من ثمانية و أربعين، و المبيع اثنا عشر أخذ ستّة.

مسألة 806: لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصا،

فقال الشفيع: أنا آخذ ما باع فلان و أترك ما باع فلان الآخر، كان له ذلك، لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و قد سلف(5).

و لو باع واحد من اثنين، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما، دون الآخر - و به قال الشافعي(6) - لأنّهما مشتريان، فجاز(7) للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

ص: 344


1- حلية العلماء 296:5، العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 187:4.
2- كلمة «أيضا» لم ترد في «س» و الطبعة الحجريّة.
3- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 289:7، العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 187:4.
4- الحاوي الكبير 289:7، المغني 530:5.
5- راجع ص 37، المسألة 563.
6- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 289:7، العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 187:4، المغني 530:5، الشرح الكبير 498:5.
7- في الطبعة الحجريّة: «فكان» بدل «فجاز».

و قال أبو حنيفة: يجوز بعد القبض، و لا يجوز قبله في إحدي الروايتين، لأنّه قبل القبض يكون تبعيضا للصفقة علي البائع(1) ، بناء علي أصله في أنّه يأخذ المبيع منه.

و هو ممنوع، علي أنّ الباقي يأخذه المشتري و الآخر، و ليس تبعيضا.

و كذا لو باع اثنان من واحد، فإنّ للشفيع أن يأخذ الحصّتين أو حصّة أحدهما دون الآخر، لما تقدّم، خلافا لأبي حنيفة و لمالك(2).

و لو باع الشريكان من اثنين، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود، و للشفيع أخذ الكلّ أو ما شاء منهما إمّا ثلاثة أرباعه، و هو نصيب أحد المشتريين و نصف نصيب الآخر، أو يأخذ نصف الجملة إمّا بأن يأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كلّ واحد، أو يأخذ ربع الجملة، و هو نصف نصيب أحدهما.

مسألة 807: لو باع أحد الشريكين بعض

مسألة 807: لو باع أحد الشريكين بعض(3) نصيبه من رجل ثمّ باع منه الباقي

ثمّ علم شريكه، كان له أن يأخذ المبيع أوّلا خاصّة، أو ثانيا خاصّة، أو هما معا بالشفعة، لأنّ لكلّ واحد من العقدين حكم نفسه، فإن عفا عن الأوّل و أراد أخذ الثاني، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأوّل، لأنّ ملكه علي الأوّل لم يستقرّ، لأنّ للشفيع أخذه، فلا يستحقّ به شفعته، كما لو ارتهن بعضه و اشتري الباقي، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: ليس له أن يأخذ النصيبين معا، و إنّما له أن يأخذ

ص: 345


1- المغني 530:5، الشرح الكبير 498:5، العزيز شرح الوجيز 536:5.
2- المغني 530:5، العزيز شرح الوجيز 536:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «نصف» بدل «بعض».
4- انظر: المغني 533:5.

الأوّل و نصف الثاني - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّ ملكه ثبت له علي الأوّل، فإذا اشتري الثاني، كان شريكا له بالنصف(1).

مسألة 808: إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقة واحدة،

فإن عفا [الشريك](2) عن أحدهم، صحّ عفوه، و لم يجز للمعفوّ عنه مشاركته في الشفعة علي الآخرين، لأنّ ملك المعفوّ عنه لم يسبق ملكهما، و إنّما ملك الثلاثة دفعة واحدة، و إنّما يستحقّ الشفعة بملك سابق لملك المشتري.

فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود علي الترتيب فعفا الشريك عن المشتري الأوّل، و طلب من الآخرين، كان للمشتري الأوّل مشاركته في شفعة الآخرين، لأنّ ملكه سابق لشرائهما.

و كذا إن عفا عن الأوّل و الثاني، شاركاه في حقّ الشفعة علي الثالث.

و لو عفا عن الثاني خاصّة، كان له مشاركته في شفعة الثالث، دون الأوّل.

و لو عفا عن الثالث خاصّة، لم يكن له مشاركته في شفعة الأوّلين.

و لو عفا عن الثاني و الثالث، لم يشاركاه في شفعة الأوّل، لأنّهما حين وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.

مسألة 809: لو وكّل أحد الشركاء الثلاثة ثانيهم،

فباع الوكيل نصيبه و نصيب موكّله صفقة واحدة، كان للثالث الشفعة، و ليس للوكيل و لا للموكّل شفعة علي الآخر، لعدم الأولويّة. و لأنّهما بائعان.

و هل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ الأقوي ذلك، لأنّ

ص: 346


1- انظر: المغني 533:5.
2- زيادة يقتضيها السياق.

المالك اثنان، فهو كما لو تولّيا العقد، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني:

ليس له، لأنّ العاقد واحد في الطرفين اعتبارا بالوكيل(1).

و لو كانت الدار لاثنين فوكّل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه، و جوّز له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة، فباع كذلك، و أراد الموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحقّ النصف الباقي، فله ذلك، لأنّ الصفقة اشتملت علي ما لا شفعة للموكّل فيه - و هو ملكه - و علي ما فيه شفعة - و هو ملك الوكيل - فأشبه من باع شقصين من دارين صفقة واحدة.

فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الأخري، فلكلّ أن يأخذ ما هو شريك فيه، سواء وافقه الآخر في الأخذ أو لا. و إن كان شفيعهما واحدا، جاز له أخذ الجميع، و أخذ أيّتهما شاء، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

مسألة 810: لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحد و لكلّ واحد من الآخرين الربع،

فقارض أحد هذين الرجلين الآخر علي ألف، فاشتري العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف، فلا شفعة هنا، لأنّ البائع لا شفعة له فيما باع، و الشريك الآخر ربّ المال، و الثالث هو العامل، و ربّ المال و العامل بمنزلة الشريكين في المبتاع، فلا يستحقّ أحدهما علي الآخر شفعة فيما ابتاعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

فإن باع الذي كان صاحب النصف الربع الذي بقي له من أجنبيّ،

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 188:4.
2- العزيز شرح الوجيز 537:5، روضة الطالبين 188:4.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 545:5، و روضة الطالبين 192:4، و المغني 5: 499، و الشرح الكبير 547:5.

فالشقص للشفعة أثلاثا، الثلث بالربع الذي لربّ المال، و الثلث بالربع الذي للعامل، و الثلث لمال المضاربة و كان مال القراض بمنزلة شريك آخر، لأنّ حكمه متميّز عن مال كلّ واحد منهما.

مسألة 811: لو اشتري بعيرا و شقصا بعبد و جارية،

و قيمة البعير و الشقص مائتان كلّ واحد بمائة، و كذا قيمة العبد مائة، و قيمة الجارية مائة، تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد و الجارية.

فإن تلف البعير قبل القبض، بطل فيه العقد، و لا يبطل في الشقص، و هو أحد قولي الشافعيّة(1) في طريق تفريق الصفقة، فإن قلنا: يبطل، بطل الكلّ و سقطت الشفعة. و إن قلنا: يصحّ في الشقص، صحّ فيه بنصف العبد و الجارية، و أخذه الشفيع بقيمة ذلك.

و إن تلف العبد، بطل العقد في نصف البعير و نصف الشقص، و أخذ الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.

مسألة 812: لو كانت الدار بين أربعة بالسويّة فاشتري اثنان منهم من واحد نصيبه

و هو الربع، استحقّ الذي لم يشتر عليهما الشفعة، و استحقّ كلّ واحد من المشتريين، لأنّه شريك، فلا يسقط حقّه من الشفعة، و تبسط الدار ثمانية و أربعين سهما، فالربع اثنا عشر، و فيه أربع صور:

أ - أن يطالب كلّ واحد بشفعة، فيقتسمون المبيع أثلاثا، فيحصل لكلّ واحد أربعة.

ب - أن يعفو كلّ واحد من الشريكين عن صاحبه، و يطالب الذي لم يشتر، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما نصف ما في يده، لأنّه ممّا اشتراه

ص: 348


1- لم نعثر عليه في مظانّه.

كلّ واحد شريكه في الشفعة، إذ لا شفعة فيه إلاّ لهما، فيحصل للّذي لم يشتر نصف السهم ستّة، و لكلّ واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.

ج - أن يعفو الذي لم يشتر خاصّة، فكلّ واحد من المشتريين يأخذ من صاحبه ما في يده، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكلّ واحد ستّة.

د - أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخر، فإنّه يأخذ ممّن لم يعف عنه سهمين، و تبقي معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفوّ عنه سهمين، و يأخذ الذي لم يعف عنه من المعفوّ عنه ثلاثة أسهم نصف ما في يده، لأنّه لا شفيع في هذا السهم سواهما، فيحصل مع كلّ واحد منهما خمسة، و مع العافي سهمان.

البحث الثامن: في الحيل المسقطة للشفعة.
مسألة 813: يجوز استعمال الحيل بالمباح مطلقا عندنا

و عند جماعة من العامّة، خلافا لأحمد بن حنبل(1).

فإذا أراد أن يشتري الشقص و لا تلزمه شفعة، أمكنه أن يشتريه بثمن مشاهد لا يعلمان قدره و لا قيمته إذا لم يكن من المكيلات و الموزونات، ثمّ يخرجه عن ملكه بتلف أو غيره بحيث لا يتمكّن من العلم به وقت المطالبة بالشفعة، فإذا طولب بالشفعة و تعذّر عليه معرفة الثمن، سقطت الشفعة، فإن ادّعي الشفيع أنّ الثمن كان معلوما و ذكر قدره فأنكر المشتري، قدّم قول المشتري مع اليمين.

و لو كان الثمن مكيلا أو موزونا، فقال المشتري: إنّه كان جزافا أو كان

ص: 349


1- المغني 511:5.

معلوما و قد نسيته، لم يسمع منه في الجزاف عندنا، و طولب بجواب صحيح، فإن أجاب و إلاّ جعل ناكلا.

و من قال: إنّه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان صحيحا؟ الأقرب عندي ذلك - و هو قول أكثر الشافعيّة(1) - لأنّ نسيان المشتري ممكن، و قد يكون الثمن جزافا عند مجوّزيه، فإذا أمكن، حلف عليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يكون جوابا صحيحا، فيقال له: إمّا أن تجيب بجواب صحيح، و إلاّ جعلناك ناكلا، و يحلف الشفيع، كما لو ادّعي رجل علي آخر ألف درهم دينا، فقال: لا أعلم قدر دينك، لم يكن جوابا(2).

و الفرق: أنّ المدّعي يدّعي عليه قدرا معيّنا، و هو لا يجيب عنه لا بإقرار و لا بإنكار، فلهذا جعلناه ناكلا، و في مسألتنا قوله: «إنّ الثمن كان جزافا، أو: لا أذكره» إنكار للشفعة، لأنّه إذا كان كذلك، لا تجب الشفعة.

نعم، لو قال: لا أدري لك شفعة أم لا، كان كمسألة الدّين.

و لأنّ الدّين إن لم يعلمه من هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له، فيجعل القول قوله مع يمينه، و هنا هذا هو العاقد، و إذا كان جزافا أو لا يعلم، فلا طريق للشفيع إلي معرفته.

مسألة 814: لو أتلف المشتري الثمن المعيّن قبل القبض

و كان قد قبض الشقص و باعه، سقطت الشفعة، و صحّ تصرّف المشتري، و كان عليه قيمة الشقص للبائع.

ص: 350


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و لو أراد المتبايعان التوصّل إلي رغبة الشفيع عن الشفعة، اشتراه بألف إذا كان يساوي مائة ثمّ يبيعه بالألف سلعة تساوي مائة، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه، وجب عليه دفع الألف. و كذا إذا باعه سلعة تساوي مائة بألف ثمّ اشتري الشقص المساوي مائة بألف، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه، أخذه بالألف.

و هذا يصحّ عندنا مطلقا.

و عند الشافعي إنّما يصحّ إذا لم يشترط مشتري الشقص علي بائعه أخذ السلعة بالثمن في العقد، فإنّه متي شرط ذلك، بطل العقد عنده، و يحصل علي المشتري بشراء ما يساوي مائة بألف غرر(1).

مسألة 815: لو نقل الشقص بهبة أو صلح أو بجعله مال إجارة

أو غيرها من العقود المغايرة للبيع، فلا شفعة عندنا.

و وافقنا الشافعي(2) في كلّ عقد لا يشتمل علي المعاوضة، و علي أنّهما إذا اتّفقا علي أن يهب أحدهما الشقص للآخر و يهب الآخر الثمن، و يكون هذا الاتّفاق قبل عقد الهبة و يعقدانها مطلقة، فلا تجب الشفعة.

و لو اتّفقا علي بيع الشقص بألف و هو يساوي مائة ثمّ يبرئه من تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا علي ذلك، رغب الشفيع عن أخذه، لأنّه لو طلبه لزمه الألف.

مسألة 816: و من الحيل أن يبيعه جزءا من الشقص بثمنه كلّه،

و يهب له الباقي أو يهبه بعض الشقص، أو يملّكه إيّاه بوجه آخر غير البيع، ثمّ

ص: 351


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الحاوي الكبير 232:7، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.

يبيعه الباقي، فإنّه لا شفعة عند من يبطلها مع الكثرة، أو يبيعه بثمن حاضر مجهول القدر عند من يجوزه، و يقبضه البائع و لا يزنه، بل ينفقه أو يمزجه بمال له مجهول، فتندفع الشفعة علي أصحّ قولي الشافعيّة(1).

و لو باع بعض الشقص ثمّ باع الباقي، لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانيا علي أحد الوجهين(2).

و لو وكّل البائع شريكه بالبيع فباع، لم يكن له الشفعة علي أحد الوجهين(3).

مسألة 817: لا يكره دفع الشفعة بالحيلة،

إذ ليس فيها دفع حقّ عن الغير، فإنّ الشفعة إنّما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض، فإذا لم يوجد بيع أو وجد مع معارض الشفعة، فلا شفعة، لعدم الثبوت، و به قال أبو يوسف(4).

و قال محمد بن الحسن: يكره(5).

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني(6) ، و لا يكره عندهم دفع شفعة الجار بالحيلة قطعا(7).

و لو اشتري عشر الدار بتسعة أعشار الثمن، فلا يرغب الشفيع، لكثرة

ص: 352


1- العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 195:4.
2- الوجهان للشافعيّة أيضا، انظر: العزيز شرح الوجيز 544:5، و روضة الطالبين 195:4.
3- الوجهان للشافعيّة أيضا، انظر: العزيز شرح الوجيز 544:5، و روضة الطالبين 195:4.
4- الهداية - للمرغيناني - 39:4، العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 196:4.
5- الهداية - للمرغيناني - 39:4، العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 196:4.
6- العزيز شرح الوجيز 545:5، روضة الطالبين 196:4.
7- روضة الطالبين 196:4.

الثمن، ثمّ يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكّن الجار من الشفعة، لأنّ المشتري حالة الشراء شريك في الدار، و الشريك مقدّم علي الجار، أو يخطّ البائع علي طرف ملكه خطّا ممّا يلي دار جاره، و يبيع ما وراء الخطّ، لأنّ ما بين ملكه و بين المبيع فاصلا، ثمّ يهبه الفاصل.

البحث التاسع: في اللواحق.
مسألة 818: لو مات المديون و له شقص يستوعبه الدّين فبيع شقص في شركته،

كان للورثة الشفعة، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلي الورثة علي ما يأتي، و به قال الشافعي(1) ، خلافا لأبي حنيفة(2) و بعض الشافعيّة(3).

و لو كان للمديون دار فبيع بعضها في الدّين، لم يكن للورثة الشفعة، لأنّ البيع يقع لهم، فلا يستحقّون الشفعة علي أنفسهم.

و لو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه، تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه، لأنّ البيع علي الميّت إنّما كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة، فصار البيع كأنّه قد وقع في حال الحياة، و الوارث كان شريكه في حال الحياة، فتثبت له الشفعة، و لا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دينه، لأنّا إذا جعلنا البيع كأنّه وقع في حال الحياة، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

ص: 353


1- التهذيب - للبغوي - 373:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194، المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.
2- المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.
3- العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 194:4.
4- العزيز شرح الوجيز 547:5-548، روضة الطالبين 195:4.

و قال أكثرهم: لا شفعة، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلي الوارث، فإذا بيع فقد بيع ملك الوارث عليه، فلا يستحقّ الشفعة، كما لو كان له علي رجل دين و هو غائب فباع بعض داره ثمّ قدم، لم تثبت له الشفعة، كذا هنا(1).

و ما ذكره أوّلا بعضهم فليس بشيء، لأنّه إنّما يلحق بحال الحياة إذا وجد سببه في حال الحياة و ما لا يمكن(2) ابتداؤه بعد الوفاة، و لو كان كذلك، لم يكن للوارث أن يقضي الدّين من عنده، و يمنع(3) من البيع.

و هذا عندي هو المعتمد.

لا يقال: هذا الدّين وجب علي الميّت، فلا يجوز أن يباع غيره فيه، و إنّما يجعل كأنّه بيع عليه.

لأنّا نقول: من يقول: إنّ الملك ينتقل إلي الوارث قد لزمه ما ألزم، لأنّه يبطل ملك الوارث لأجل دين الميّت، علي(4) أنّ ذلك لا يمنع(5) ، لأنّ هذا الدّين يتعلّق(6) بهذه العين، لأنّها ملكت من جهة السبب، ألا تري أنّ العبد إذا جني، تعلّقت الجناية برقبته، و هي ملك لمولاه، و يباع فيها و إن لم يكن الدّين علي مولاه.

مسألة 819: لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار و لكلّ من الآخرين ربع،

فاشتري صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه، و الآخر غائب، ثمّ باع

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 548:5، روضة الطالبين 195:4.
2- كذا، و الظاهر: «و ما لم يكن».
3- في الطبعة الحجريّة: «و يمتنع».
4- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «و علي».
5- في «س، ي»: «لا يمتنع».
6- في «ي»: «تعلّق».

صاحب ثلاثة الأرباع ربعا منها لرجل، ثمّ قدم الشريك الغائب، كان له أخذ ما يخصّه من المبيع الأوّل بالشفعة، و هو ثمن، و يأخذ المبيع الثاني بأجمعه، إذ لا شفيع غيره.

فإن أراد العفو عن الثاني و الأخذ من الأوّل، أخذ من المشتري الثاني سهما من ستّة، و من الأوّل سهمين من ستّة، لأنّا نفرض الدار أربعة و عشرين سهما، إذ لا تخرج صحيحة من أقلّ.

و إنّما قلنا ذلك، لأنّ صاحب النصف اشتري الربع، فكان بينه و بين الغائب نصفين إن قلنا: إنّ للمشتري شفعة و إنّ الشفعة علي عدد الرءوس فإذا باع الربع ممّا في يده و في يده ثلاثة أرباع، فقد باع ثلث ما في يده، و هو ستّة، و بقي في يده اثنا عشر، و للغائب شفعة ثلاثة أسهم، فإذا قدم، أخذ من المشتري ثلث ما استحقّه، و هو سهم واحد، لأنّه حصل له ثلث ما كان في يد بائعه، و أخذ من الأوّل سهمين.

و إن جعلنا الشفعة علي قدر النصيب، فالذي يستحقّ الغائب سهمان من الستّة، لأنّ ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا سهم، و يأخذ من المشتري الأوّل سهما و ثلثا و من الثاني ثلثي سهم.

هذا إذا عفا عن الثاني، و إن عفا عن الأوّل و أخذ من الثاني، أخذ من المشتري ما اشتراه، و هو ستّة أسهم، لأنّ شريكه بائع، فلا شفعة له.

و إن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين، أخذ ما في يد الثاني، و أخذ من الأوّل سهمين إن جعلنا الشفعة علي عدد الرءوس، و إن قلنا: علي قدر النصيب، يأخذ سهما و ثلثا.

مسألة 820: لو بيع شقص و له شفيعان فعفا أحدهما و مات الآخر و كان وارثه هو العافي،

كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة،

ص: 355

و لا يبطلها العفو السابق، لأنّ العفو وقع عمّا يملكه بالأصالة لا بالميراث.

و كذا لو قذف رجل أباهما و هو ميّت فعفا أحدهما، كان للآخر استيفاء الحدّ كملا، فإن مات و كان العافي وارثه، كان له استيفاؤه بالنيابة عن مورّثه.

مسألة 821: قد سلف

مسألة 821: قد سلف(1) أنّ الإقالة لا توجب الشفعة، خلافا لأبي حنيفة

(2) .

و كذا الردّ بالعيب و إن كان علي سبيل التراضي، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: تثبت الشفعة إن وقع الردّ بالتراضي، لأنّه نقل الملك بالتراضي، فأشبه البيع(4).

و هو خطأ، لأنّه فسخ، و ليس بمعاوضة، و لهذا يعتبر فيه العوض الأوّل، فلم تثبت فيه الشفعة، كالفسخ بالخيار.

و لو لم يقايله(5) ، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره، كان للشفيع الشفعة، لأنّه عفا عمّا استحقّه بالعقد الأوّل، و هذا عقد يستحقّ به الشفعة، فوجبت له.

تذنيب: إذا كان الثمن معيّنا فتلف قبل القبض، بطل البيع و الشفعة، لأنّه تعذّر التسليم، فتعذّر إمضاء العقد، بخلاف الإقالة و الردّ بالعيب.

ص: 356


1- في ص 230، المسألة 727.
2- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5، المغني 470:5، الشرح الكبير 465:5.
3- حلية العلماء 295:5، الوسيط 74:4، الوجيز 215:1، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
4- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5.
5- في «ي»: «و لم يقابل». و في الطبعة الحجريّة: «و لم يقابله» بالباء. و في «س»: «و لم يقايله» بالياء. و الصحيح ما أثبتناه.

و لو ظهر الثمن المعيّن مستحقّا، بطل البيع أيضا و الشفعة.

و لو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف، صحّ بيعه، و للشفيع أخذه بالشفعة، و بطل البيع الأوّل.

أمّا لو باعه ثمّ ظهر استحقاق الثمن المعيّن، بطل الثاني أيضا، و لا شفعة، لأنّ المقتضي لبطلان البيع الاستحقاق لا ظهوره.

آخر: لو وجبت الشفعة و قضي له القاضي بها و الشقص في يد البائع و دفع الثمن إلي المشتري فقال البائع للشفيع: أقلني، فأقاله، لم تصحّ الإقالة، لأنّها إنّما تصحّ بين المتبايعين، و ليس للشفيع ملك من جهة البائع، فإن باعه منه، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.

مسألة 822: لو كان أحد الشريكين في الدار غائبا و له وكيل فيها،

فقال الوكيل: قد اشتريته منه، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة، لأنّ إقرار الوكيل لا يقبل في حقّ موكّله. و لأنّه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرّد دعوي الوكيل، لثبت للوكيل جميع توابع الملك، فكان لو مات(1) الموكّل، لم يفتقر الوكيل في دعوي الشراء منه إلي بيّنة، بل يكتب الحاكم إلي حاكم البلد الذي فيه الموكّل، و يسأله عن ذلك، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ الحاضر يأخذه بالشفعة - و به قال أبو حنيفة و أصحابه - لأنّه أقرّ بحقّ له فيما في يده(2).

و يذكر الحاكم ذلك في السجلّ، فإن قدم الغائب و صدّقه، فلا كلام.

و إن أنكر البيع فإن أقام مدّعيه البيّنة، بطل إنكاره، و إن لم يقم بيّنة، حلف المنكر، ثمّ يردّ النصف عليه و اجرة مثله و أرش نقصه إن كان، و له أن

ص: 357


1- كذا، و الظاهر: «فكان كما لو مات».
2- المغني 518:5، الشرح الكبير 530:5-531.

يرجع بذلك علي من شاء، فإن رجع علي الوكيل، رجع به علي الشفيع، و إن رجع علي الشفيع، لم يرجع به علي الوكيل، لأنّ التلف حصل في يده.

و في وجه للشافعيّة: أنّه يرجع عليه، لأنّه غرّه(1).

مسألة 823: لو حكم حاكم شرع باعتقاده أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة،

لم يعترض عليه من لا يعتقد ذلك من الحكّام.

و كذا عند الشافعي إذا قضي الحنفي بشفعة الجوار، لم يعترض عليه في الظاهر، و في الحكم باطنا عندهم خلاف(2).

أمّا نحن فإن كان الآخذ مقلّدا و قلّد من يجب تقليده، كان مباحا له في الباطن. و إن كان مجتهدا، لم يجز له أن يأخذ علي خلاف مذهبه.

مسألة 824: لو اشتري الشقص بكفّ من الدراهم لا يعلم

مسألة 824: لو اشتري الشقص بكفّ من الدراهم لا يعلم(3) وزنها،

أو بصبرة حنطة لا يعلم كيلها، فعندنا يبطل البيع.

و عند من جوّزه تكال أو توزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر(4).

فإن كان غائبا فتبرّع البائع بإحضاره أو أخبر عنه و اعتمد قوله، فذاك، و إلاّ فليس للشفيع أن يكلّفه الإحضار و الإخبار عنه.

و لو هلك و تعذّر الوقوف عليه، تعذّر الأخذ بالشفعة.

و هذا يتأتّي مثله عندنا، و هو أن يبيع بما لا مثل له ثمّ يتلف قبل العلم بقيمته.

و لو أنكر الشفيع الجهالة، فإن عيّن قدرا و قال للمشتري: قد اشتريته

ص: 358


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- في الطبعة الحجريّة: «لم يعلم».
4- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.

بكذا، و قال المشتري: لم يكن قدره معلوما، فأصحّ القولين عند الشافعيّة:

أنّه يقنع منه بذلك، و يحلف عليه(1) ، و هو المعتمد عندي في عدم العلم بالقيمة.

و قال ابن سريج: لا يقبل منه ذلك، و لا يحلف، بل إن أصرّ علي ذلك، جعل ناكلا، و ردّت اليمين علي الشفيع(2).

و كذا الخلاف لو قال: نسيت(3)(4).

و إن لم يعيّن الشفيع قدرا لكن ادّعي علي المشتري أنّه يعلمه و طالبه بالبيان، فللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم: لا تسمع دعواه حتي يعيّن قدرا، فيحلف المشتري حينئذ أنّه لا يعرف. و الثاني: تسمع، و يحلف المشتري علي ما يقوله، فإن نكل، حلف الشفيع علي علم المشتري، و حبس المشتري حتي يبيّن قدره.

فعلي الأوّل طريق الشفيع أن يعيّن قدرا، فإن وافقه المشتري، فذاك، و إلاّ حلّفه علي نفيه، فإن نكل، استدلّ الشفيع بنكوله، و حلف علي ما عيّنه، و إن حلف المشتري، زاد و ادّعي ثانيا، و هكذا يفعل إلي أن ينكل المشتري، فيستدلّ الشفيع بنكوله و يحلف، و هذا(5) لأنّ اليمين عندهم قد تستند إلي التخمين.

قالوا: و لهذا له أن يحلف علي خطّ أبيه إذا سكنت نفسه إليه(6).

و هذا باطل، و أنّ اليمين لا تصحّ إلاّ مع العلم و القطع دون الظنّ4.

ص: 359


1- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
2- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنسيت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و هكذا» بدل «و هذا». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 516:5-517، روضة الطالبين 175:4.

و التخمين.

مسألة 825: لو خرج بعض الثمن مستحقّا، بطل البيع في ذلك القدر،

و تخيّر المشتري في الفسخ و الإمضاء، و هو أحد قولي الشافعي في تفريق الصفقة(1).

فإن اختار الإمضاء، فللشفيع الأخذ. و إن اختار الفسخ و أراد الشفيع أخذه، فالأقوي تقديمه، و يأخذ بالشفعة، و يبطل فسخ المشتري، لسبق حقّ الشفيع.

و لو ظهر استحقاق ما دفعه الشفيع، لم تبطل شفعته، سواء كان عالما بالاستحقاق أو جاهلا.

و للشافعيّة وجهان(2).

و لو قال الشفيع: تملّكت بهذه الدراهم، لم تسقط شفعته مع استحقاقها أيضا، لعدم تعيّنها بالعقد.

و للشافعيّة قولان(3).

ثمّ إذا قال: تملّكت بهذه الدراهم، حالة العلم بالاستحقاق أو الجهل، فلا يبطل حقّه، كما قلناه، و يتبيّن أنه ملك بالقول لا بالدفع.

و لا يفتقر إلي تملّك جديد، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يفتقر إلي تجديد قوله: تملّكت(4).

و لو خرج الذهب نحاسا، فكالمستحقّ.

و لو خرج الثمن معيبا، فإن رضي البائع، لم يلزم المشتري الرضا

ص: 360


1- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
2- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
3- روضة الطالبين 176:4.
4- روضة الطالبين 176:4.

بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما وقع عليه العقد.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّ الشفعة موروثة، و يشترك الورثة فيها

كما في الميراث، و هو أحد قولي الشافعي علي ما تقدّم(1). و في الثاني: علي عدد الرءوس(2).

فلو مات الشفيع عن ابن و زوجة، فللزوجة ثمن الشفعة، و الباقي للابن، و هو أصحّ طرق الشافعيّة.

و الطريق الثاني: القطع بالتسوية هنا.

و الثالث: علي القولين(3).

مسألة 827: لو كان بين اثنين دار بالسويّة باع أحدهما نصف نصيبه لزيد

ثمّ باع النصف الآخر لعمرو، فالشفعة في النصف الأوّل تختصّ بالشريك الأوّل، ثمّ قد يعفو عنه و قد يأخذ.

و في النصف الثاني للشافعيّة وجوه:

أحدها: أن يختصّ به الأوّل.

و الثاني: يشترك فيه الأوّل و المشتري الأوّل.

و أصحّها عندهم: إن عفا الشريك الأوّل عن النصف الأوّل، اشتركا، و إلاّ اختصّ به الشريك الأوّل(4).

مسألة 828: لو كانت الدار لأربعة فباع أحدهم نصيبه و الثلاثة غيّاب،

فقدم أحدهم و أخذ كلّ الشقص ثمّ نصب الحاكم من يقسّم علي الغيّاب،

ص: 361


1- في ص 285، ضمن المسألة 758.
2- الحاوي الكبير 259:7، حلية العلماء 316:5، التهذيب - للبغوي - 361:4 - 362، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4.
3- العزيز شرح الوجيز 529:5، روضة الطالبين 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 530:5-531، روضة الطالبين 183:4-184.

فاقتسما، و بني الحاضر فيما أصابه أو غرس ثمّ قدم الغائبان، فهل لهما القلع مجّانا؟ فيه احتمال.

و للشافعي وجهان:

أصحّهما عندهم: أنّه ليس لهما ذلك، كما أنّ الشفيع لا يقلع بناء المشتري و غراسه مجّانا.

و الثاني: نعم، لأنّهما يستحقّان كاستحقاق الأوّل، فليس له التصرّف حتي يظهر حالهما، بخلاف الشفيع مع المشتري(1).

و لو حضر اثنان فأخذا الشقص و اقتسما مع القيّم في مال الغائب ثمّ قدم(2) ، فله الأخذ، و إبطال القسمة، فإن عفا، استمرّت القسمة.

و لو أخذ اثنان فحضر الثالث فأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما، و لا يأخذ من الثاني شيئا، فله ذلك، كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الآخر.

مسألة 829: لو وهب شقصا لعبده، لم يصح علي ما اخترناه نحن،

و عند الشيخ أنّه يملك ما يملّكه مولاه(3).

و للشافعي(4) كالقولين.

ص: 362


1- التهذيب - للبغوي - 364:4، العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 4: 186.
2- أي: قدم الغائب.
3- في النهاية: 543، و الخلاف 121:3، المسألة 207: يملك العبد التصرّف في المال و لا يملكه.
4- الحاوي الكبير 265:5-266، التهذيب - للبغوي - 467:3، حلية العلماء 5: 360، الوسيط 204:3، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 203:3، المغني 277:4.

فعلي تقدير أن يملك لو باع شريك العبد حصّته، كان للعبد الأخذ بالشفعة.

و الأولي افتقاره إلي إذن السيّد، لأنّه محجور عليه.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 830: لو كان بينهما دار فمات أحدهما عن حمل فباع الآخر نصيبه،

فهل للحمل شفعة ؟ الأقرب: ذلك، كما أنّه يعزل له الميراث.

إذا ثبت هذا، فإن خرج ميّتا، سقطت الشفعة. و إن خرج حيّا و مات، ثبتت لوارثه الشفعة.

فإن كان للميّت وصيّ، فهل له أخذها حالة الحمل ؟ الأقرب: المنع، لعدم تيقّن حياته، و لا ظنّ للحياة، لعدم الاستناد إلي الاستصحاب، بخلاف الغائب، فإن خرج حيّا، كان له الأخذ، فإن ترك، كان للحمل مع بلوغه و رشده الأخذ.

و يحتمل العدم، لأنّ الحمل لا يملك بالابتداء إلاّ الوصيّة.

و قال الشافعي: لا تثبت للحمل شفعة، لعدم تيقّن الحياة، فإن كان هناك وارث غير الحمل، فله الشفعة. و إن انفصل حيّا، فليس لوليّه أن يأخذ شيئا من الوارث(2). و هو ممنوع.

و لو ورث الحمل شفعة عن مورّثه، فللأب أو الجدّ الأخذ قبل الانفصال، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

ص: 363


1- العزيز شرح الوجيز 545:5، روضة الطالبين 192:4.
2- التهذيب - للبغوي - 370:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.
3- التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.

و قال ابن سريج: ليس لهما الأخذ، لأنّه لا يتيقّن وجوده(1).

مسألة 831: قد بيّنّا أنّ الأقرب ثبوت الشفعة في بيع الخيار،

و لا يسقط الخيار عمّن له الخيار، سواء اشترك الخيار أو اختصّ بأحدهما، و لا يسقط خيار البائع. و كذا لو باع الشريك، ثبت للمشتري الأوّل الشفعة.

و إن كان لبائعه خيار الفسخ فإن فسخ بعد الأخذ، فالمشفوع للمشتري. و إن فسخ قبله، فلا حقّ للبائع، و في المشتري إشكال.

مسألة 832: لو باع المكاتب شقصا بمال الكتابة ثمّ فسخ السيّد الكتابة لعجزه،

لم تسقط الشفعة، لأنّها ثبتت أوّلا، فلا تبطل بالفسخ المتجدّد.

و لو عفا وليّ الطفل عن أخذ الشفعة له و كانت الغبطة في الأخذ، لم يصح العفو.

و الأقرب: أنّ للوليّ الأخذ بعد ذلك، لبطلان العفو، و لا عبرة بالتأخير هنا، لأنّ التأخير حصل في حقّ الطفل لعذر، و هو عفو الوليّ و تقصيره.

و يحتمل أن لا يكون للوليّ المطالبة، لأنّه عفا، فلو أثبتنا له الطلب، لأدّي إلي التراخي، بخلاف الصبي عند بلوغه، لتجدّد الحقّ له حينئذ.

و لو ترك لإعسار الصبي، لم يكن له الأخذ بعد يساره، و لا للصبي، و المغمي عليه كالغائب.

و كذا السكران و إن كان عذره محرّما.

و ليس لغرماء المفلس الأخذ بالشفعة بدله، و لا لهم إجباره علي الأخذ و لا منعه منه و إن لم يكن له فيها حظّ.

نعم، لهم منعه من دفع المال ثمنا فيها. فإن رضي الغرماء بالدفع أو

ص: 364


1- التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.

المشتري بالصبر، تعلّق حقّ الغرماء بالمشفوع، و إلاّ كان للمشتري الانتزاع.

مسألة 833: لو كان لأحد الثلاثة النصف و للآخر الثلث و للثالث السدس،

فباع أحدهم و أثبتنا الشفعة مع الكثرة، فانظر مخرج السهام، فخذ منها سهام الشفعاء، فإذا علمت العدّة قسّمت المشفوع عليها، و يصير العقار بين الشفعاء علي تلك العدّة.

فلو كان البائع صاحب النصف، فسهام الشفعاء ثلاثة: اثنان لصاحب الثلث، و للآخر سهم، فالشفعة علي ثلاثة، و يصير العقار كذلك.

و لو كان صاحب الثلث، فالشفعة أرباعا: لصاحب النصف ثلاثة أرباع، و للآخر ربع.

و لو كان صاحب السدس، فهي بين الآخرين أخماسا: لصاحب النصف ثلاثة، و للآخر سهمان إن قلنا بثبوتها علي قدر النصيب، و إلاّ تساووا.

و لو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره، لم يصح.

مسألة 834: لو باع شقصا من ثلاثة دفعة، فلا شفعة لأحدهم.

و لو رتّب، فإن أخذ من اللاحق و عفا عن السابق، شاركه السابق.

و يحتمل عدمه، لأنّ ملكه حال شراء الثاني يستحقّ أخذه بالشفعة، فلا يكون سببا في استحقاقها.

و لو أخذ من الجميع، لم يشاركه أحد.

و يحتمل مشاركة الأوّل الشفيع في شفعة الثاني، و مشاركة الشفيع الأوّل و الثاني في شفعة الثالث، لأنّه كان ملكا صحيحا حال شراء الثاني، و لهذا يستحقّ لو عفا عنه، فكذا إذا لم يعف، لأنّه إنّما يستحقّ الشفعة

ص: 365

بالملك لا بالعفو، كما لو باع الشفيع قبل علمه، فحينئذ للشفيع سدس الأوّل، و ثلاثة أرباع سدس الثاني، و ثلاثة أخماس الثالث، و للأوّل ربع سدس الثاني، و خمس الثالث، و للثاني خمس الثالث، فيصحّ من مائة و عشرين: للشفيع مائة و سبعة، و للأوّل تسعة، و للثاني أربعة.

و علي الآخر للأوّل نصف سدس الثاني و ثلث الثالث، و للثاني ثلث الثالث، فيصحّ من ستّة و ثلاثين: للشفيع تسعة و عشرون، و للأوّل خمسة، و للثاني اثنان.

مسألة 835: لو باع أحد الأربعة و عفا آخر، فللآخرين أخذ المبيع.

و لو باع ثلاثة في عقود ثلاثة و لم يعلم الرابع و لا بعضهم ببعض، فللرابع الشفعة علي الجميع.

و في استحقاق الثاني و الثالث فيما باعه الأوّل و استحقاق الثالث فيما باعه الثاني وجهان.

و في استحقاق مشتري الربع الأوّل فيما باعه الثاني و الثالث، و استحقاق الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه: الاستحقاق، لأنّهما مالكان حال البيع. و عدمه، لتزلزل الملك. و ثبوته للمعفوّ عنه خاصّة.

فإن أوجبناه للجميع، فللّذي لم يبع ثلث كلّ ربع، لأنّ له شريكين، فصار له الربع مضموما إلي ملكه، فكمل له النصف، و للبائع الثالث و المشتري الأوّل الثلث لكلّ منهما سدس، لأنّه شريك في شفعة مبيعين، و للبائع الثاني و المشتري الثاني السدس لكلّ منهما نصفه، لأنّه شريك في شفعة بيع واحد، و يصحّ من اثني عشر.

مسألة 836: لو وهب المشتري الشقص - الذي اشتراه - لآخر،

كان للشفيع فسخ الهبة، و أخذ الشقص بالشفعة، و يكون الثمن للواهب، و قد

ص: 366

تقدّم(1).

هذا إذا لم تكن الهبة لازمة، و أمّا إن كانت لازمة بأن يعوّض عنها أو كانت لذي الرحم، فالأقرب: أنّ الثمن للمتّهب، فإن قلنا بأنّه للواهب، رجع المتّهب بما دفعه عوضا، و إلاّ تخيّر بينه و بين الثمن.

و لو تقايلا أو ردّه المشتري، فللشفيع فسخ الإقالة و الردّ، و الدرك باق علي المشتري.

و لو تحالفا عند اختلافهما في الثمن، أخذه الشفيع بما حلف عليه البائع، لأنّه يأخذه منه في هذه الصورة، و الدرك علي البائع حينئذ، لفسخ العقد بالتحالف، و ليس للشفيع فسخ البيع و الأخذ من البائع.

و لو غرس المشتري أو بني، فللمشتري قلع غرسه و بنائه، و لا يضمن النقص الداخل علي الأرض بالغرس و البناء، لأنّه لم يصادف ملك الشفيع، و يأخذ الشفيع بكلّ الثمن أو يترك.

و لو امتنع المشتري من القلع، تخيّر الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش - و مع عدمه نظر - و بين النزول عن الشفعة.

فإن اتّفقا علي بذل القيمة أوجبنا قبولها علي المشتري مع اختيار الشفيع، لم يقوّم مستحقّا للبقاء في الأرض، و لا مقلوعا، لأنّه إنّما يملك قلعه مع الأرش، بل إمّا أن تقوّم الأرض و فيها الغرس ثمّ تقوّم خالية، فالتفاوت قيمة الغرس، فيدفعه الشفيع، أو ما نقص منه إن اختار القلع، أو يقوّم الغرس مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

و لو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته1.

ص: 367


1- في ص 272، المسألة 751.

عن قلعه في آخر، فله ذلك.

و لو غرس المشتري أو بني مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثمّ أخذه الشفيع، فالحكم كذلك.

مسألة 837: لو ردّ البائع الثمن بالعيب، لم يمنع الشفيع، لسبق حقّه،

و يأخذه بقيمة الثمن، و للبائع قيمة الشقص و إن زادت عن قيمة الثمن، و لا يرجع المشتري بالزيادة.

و يحتمل تقديم حقّ البائع، لأنّ حقّه استند إلي وجود العيب الثابت حالة التبايع، و الشفعة تثبت بعده، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا، لأنّ حقّه استرجاع الثمن و قد حصل من الشفيع، فلا فائدة في الردّ.

أمّا لو لم يردّ البائع الثمن حتي أخذ الشفيع، فإنّ له ردّ الثمن، و ليس له استرجاع المبيع، لأنّ الشفيع ملكه بالأخذ، فلا يملك البائع إبطال ملكه، كما لو باعه المشتري لأجنبيّ.

و لو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة، بطلت، و للمشتري الأوّل الشفعة علي الثاني.

و لو باع بعض نصيبه و قلنا بثبوتها مع الكثرة، احتمل السقوط، لسقوط ما يوجب الشفعة. و الثبوت، لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء، فله أخذ الشقص من المشتري الأوّل.

و هل للمشتري الأوّل شفعة علي الثاني ؟ إشكال ينشأ: من ثبوت السبب، و هو الملك، و من تزلزله، لأنّه يؤخذ بالشفعة.

مسألة 838: لو وصّي لإنسان بشقص، فباع الشريك بعد الموت

و قبل القبول، استحقّ الشفعة الوارث.

و يحتمل الموصي له إن قلنا: إنّه يملك بالموت خاصّة، فإذا قبل

ص: 368

الوصيّة، استحقّ المطالبة، لأنّا تبيّنّا أنّ الملك كان له، و لا يستحقّ المطالبة قبل القبول، و لا الوارث، لأنّا لا نعلم أنّ الملك له قبل الردّ.

و يحتمل مطالبة الوارث، لأنّ الأصل عدم القبول، و بقاء الحقّ، فإذا طالب الوارث ثمّ قبل الموصي له، افتقر إلي الطلب ثانيا، لظهور عدم استحقاق الطلب.

و يحتمل أنّ المشفوع للوارث، لأنّ الموصي به إنّما انتقل إلي الموصي له بعد أخذ الشفعة.

و لو لم يطالب الوارث حتي قبل الموصي له، فلا شفعة للموصي له، لتأخّر ملكه عن البيع.

و في الوارث وجهان مبنيّان علي من باع قبل علمه ببيع شريكه.

مسألة 839: لو باع أحد الثلاثة حصّته من شريكه ثمّ باع المشتري علي أجنبيّ

و لم يعلم الثالث بالبيعين، فإن أخذ بالثاني، أخذ جميع ما في يد مشتريه، إذ لا شريك له في الشفعة.

و إن أخذ بالأوّل، أخذ نصف المبيع، و هو السدس، لأنّ المشتري شريكه، و يأخذ نصفه من المشتري الأوّل و نصفه من الثاني، لأنّ شريكه لمّا اشتري الثلث كان بينهما.

فإذا باع الثلث من جميع ما في يده و في يده ثلثان، فقد باع نصف ما في يده، و الشفيع يستحقّ ربع ما في يده، و هو السدس، فصار منقسما في أيديهما نصفين، فيأخذ من كلّ واحد منهما نصفه، و هو نصف السدس، و يرجع المشتري الثاني علي الأوّل بربع الثمن، و تكون المسألة من اثني عشر، ثمّ ترجع إلي أربعة: للشفيع النصف، و لكلّ واحد الربع.

ص: 369

و إن أخذ بالعقدين، أخذ جميع ما في يد الثاني و ربع ما في يد الأوّل، فله ثلاثة أرباعه، و لشريكه الربع، و يدفع إلي الأوّل نصف الثمن الأوّل، و إلي الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني، و يرجع الثاني علي الأوّل بربع الثمن الثاني، لأنّه يأخذ نصف ما اشتراه الأوّل، و هو السدس، فيدفع إليه نصف الثمن كذلك، و قد صار نصف هذا النصف في يد الثاني، و هو ربع ما في يده، فيأخذه منه، و يرجع الثاني علي الأوّل بثمنه، و يبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه، فأخذها منه، و دفع إليه ثلاثة أرباع الثمن.

ص: 370

المجلد 13

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثالث عشر

كتاب الديون و توابعها

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في مطلق الدّين

الفصل الأول
مسألة 1: تكره الاستدانة كراهةً شديدة مع عدم الحاجة.

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «إيّاكم و الدَّيْن فإنّه مذلّة بالنهار و مهمّة(1) بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة»(2).

و قال الصادق (عليه السّلام): «نعوذ باللّه من غلبة الدَّيْن و غلبة الرجال و بوار الأيِّم(3)»(4).

ص: 5


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و مذلّة» بدل «و مهمّة» و ما أثبتناه من المصدر. و همّه الأمر همّاً و مهمّةً: حزنه، كأهمّه فاهتمّ. القاموس المحيط 192:4.
2- الكافي 11/95:5، الفقيه 468/111:3، علل الشرائع 527 (الباب 312) الحديث 2.
3- أي: كسادها، من بارت السوق إذا كسدت، و الأيّم: التي لا زوج لها و هي مع ذلك لا يرغب فيها أحد. النهاية لابن الأثير 161:1 «بور».
4- التهذيب 377/183:6.

و قال معاوية بن وهب للصادق (عليه السّلام): إنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات و عليه ديناران فلم يصلّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) عليه و قال: «صلّوا علي صاحبكم» حتي ضمنهما بعض قرابته، فقال الصادق (عليه السّلام): «ذلك الحقّ» ثمّ قال: «إنّ رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إنّما فعل ذلك ليتّعظوا، و ليردّ بعضهم علي بعض، و لئلاّ يستخفّوا بالدين، و قد مات رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) عليه دَيْنٌ، و مات الحسن (عليه السّلام) و عليه دَيْنٌ، و قتل الحسين (عليه السّلام) و عليه دَيْنٌ»(1).

و قال الباقر (عليه السّلام): «كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه عزّ و جلّ إلّا الدَّيْن لا كفّارة له إلّا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحقّ»(2).

مسألة 2: و تخفّ الكراهة مع الحاجة، فإن اشتدّت، زالت.

و لو خاف التلف و لا وجه له إلّا الاستدانة، وجبت.

قال الرضا (عليه السّلام): «مَنْ طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به علي عياله و نفسه كان كالمجاهد في سبيل اللّه عزّ و جلّ، فإن غلب عليه فليستدن علي اللّه عزّ و جلّ و علي رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه، كان علي الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه، كان عليه وزره، إنّ اللّه تعالي يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ (3) فهو فقير مسكين مغرم»(4).

مسألة 3: و يكره له الانقطاع عن طلب الرزق و منع صاحب الديْن دَيْنه.

ص: 6


1- الكافي 2/93:5، التهذيب 378/184183:6.
2- الكافي 6/94:5، الخصال: 42/12، علل الشرائع: 528 (الباب 312) الحديث 4، التهذيب: 380/184.
3- التوبة: 60.
4- الكافي 3/93:5، التهذيب 381/184:6.

قال أبو تمامة(1) للجواد (عليه السّلام): إنّي أُريد أن ألزم مكة و المدينة و عليَّ دَيْنٌ فما تقول ؟ فقال: «ارجع إلي مؤدّي دَيْنك، و انظر أن تلقي اللّه عزّ و جلّ و ليس عليك دَيْنٌ، إنّ المؤمن لا يخون»(2).

مسألة 4: و لو احتاج إلي الديْن و كان له مَنْ يقوم مقامه في الأداء بعد موته، جاز له الاستدانة من غير كراهية.

و كذا إذا كان له وفاء، جاز له الاستدانة.

و لو لم يكن و تمكّن من سؤال الناس، كان أولي من الاستدانة.

قال سلمة: سألت الصادق (عليه السّلام): الرجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به و عليه دَيْنٌ، أ يطعمه عياله حتي يأتي اللّه عزّ و جلّ أمره فيقضي دَيْنه، أو يستقرض علي ظهره في خبث الزمان و شدّة المكاسب، أو يقبل الصدقة ؟ قال: «يقضي ممّا عنده دَيْنه، و لا يأكل أموال الناس إلّا و عنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم، إنّ اللّه تعالي يقول لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (3) و لا يستقرض علي ظهره إلّا و عنده وفاء، و لو طاف علي أبواب الناس يردّوه(4) باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي من بعده، ليس منّا مَنْ يموت إلّا جعل اللّه عزّ و جلّ له وليّاً يقوم في عدته و دَينه فيقضي عِدته و دَيْنه»(5).

ص: 7


1- في الفقيه: «أبو ثمامة» بالثاء المثلّثة.
2- الكافي 9/94:5، الفقيه 472/112111:3، التهذيب 382/185184:6.
3- النساء: 29.
4- في المصدر: «فردّوه». و في «س»: «يردّونه».
5- التهذيب 383/185:6، الكافي 2/9695:5، و فيه عن سماعة، و بتفاوت في بعض الألفاظ فيهما.
مسألة 5: و يجب علي المستدين نيّة القضاء؛ لأنّه واجب.

قال الصادق (عليه السّلام) «مَنْ كان عليه دَيْنٌ ينوي قضاءه كان معه من اللّه عزّ و جلّ حافظان يعينانه علي الأداء عن أمامه(1) ، فإن قصرت(2) نيّته عن الأداء قصّرا عنه من المعونة بقدر ما نقّص من نيّته»(3).

إذا ثبت هذا، فإذا قضي الدَّيْن عن الميّت برئت ذمّته.

قال الوليد بن صبيح: جاء رجل إلي الصادق (عليه السّلام) يدّعي علي المعلّي بن خنيس دَيْناً عليه و قال: ذهب بحقّي، فقال له الصادق (عليه السّلام): «ذهب بحقّك الذي قتله» ثمّ قال للوليد: «قُمْ إلي الرجل فاقضه حقّه فإنّي أُريد أن تبرد عليه جلدته(4) و إن كان بارداً»(5).

مسألة 6: و يكره النزول علي المديون؛ لما فيه من الإضرار به، فإن فعل، فلا يزيد علي ثلاثة أيّام؛

لأنّ الصادق (عليه السّلام) كره أن ينزل الرجل علي الرجل و له عليه دَيْنٌ و إن كان وزنها(6) له ثلاثة أيّام(7).

و سأل سماعةُ الصادق (عليه السّلام) عن الرجل ينزل علي الرجل و له عليه دَيْنٌ أ يأكل من طعامه ؟ قال: «نعم، يأكل من طعامه ثلاثة أيّام ثمّ لا يأكل بعد ذلك شيئاً»(8).

ص: 8


1- في المصادر: «أمانته» بدل «أمامه».
2- في «س» و التهذيب: «قصر».
3- الكافي 1/95:5، الفقيه 473/112:3، التهذيب 384/185:6.
4- في المصدر: «جلده».
5- الكافي 8/94:5، التهذيب 386/186:6 بتفاوت يسير.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بديها» بدل «وزنها» و في الكافي «صرّها». و ما أثبتناه من التهذيب.
7- التهذيب 393/188:6، الكافي 102:5 (باب النزول علي الغريم) الحديث 1.
8- الكافي 102:5 (باب النزول علي الغريم) الحديث 2، الفقيه 491/115:3، التهذيب 463/204:6.

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه كره للرجل أن ينزل غلي غريمه، قال: «لا يأكل من طعامه و لا يشرب من شرابه و لا يعلف(1) من علفه»(2).

مسألة 7: و لا ينبغي للرجل أن يحبس الدَّيْن عن صاحبه مخافة الفقر؛

لقول الباقر (عليه السّلام): «مَنْ حبس حقّ امرئ مسلم و هو يقدر أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان اللّه أقدر علي أن يفقره منه أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ»(3).

و ينبغي للمديون السعي في قضاء الدَّيْن، و أن يترك الإسراف في النفقة، و أن يقنع بالقصد، و لا يجب عليه أن يضيّق علي نفسه، بل يكون بين ذلك قواماً.

و يستحبّ لصاحب الدَّيْن الإرفاق بالمديون، و ترك الاستقصاء في مطالبته و محاسبته؛ لما رواه حمّاد بن عثمان قال: دخل علي الصادق (عليه السّلام) رجل من أصحابه فشكا إليه رجلاً من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السّلام): «ما لأخيك فلان يشكوك ؟» فقال له: يشكوني أن استقضيت حقّي، قال: فجلس مغضباً ثمّ قال: «كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ، أ رأيتك ما حكاه اللّه تعالي فقال يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (4) إنّما خافوا أن يجوز اللّه عليهم ؟ لا و اللّه ما خافوا إلاّ الاستقضاء، فسمّاه اللّه تعالي سوء الحساب، فمن استقضي فقد أساء»(5).

ص: 9


1- كذا، في المصدر: «و لا يعتلف».
2- التهذيب 465/204:6.
3- التهذيب 399/189:6.
4- الرعد: 21.
5- التهذيب 425/194:6.

و يستحبّ لصاحب الدَّيْن إبراء المديون إذا مات معسراً.

قال إبراهيم(1) بن عبد الحميد للصادق (عليه السّلام): إنّ لعبد الرحمن بن سيابة دَيْناً علي رجل قد مات و كلّمناه علي أن يحلّله فأبي، قال: «ويحه أما يعلم أنّ له بكلّ درهم عشرةً إذا حلّله، فإن لم يحلّله فإنّما له بدل درهم درهم(2)»(3).

و ينبغي لصاحب الدَّيْن احتساب ما يهديه إليه المديون ممّا لم تجر عادته بهديّة مثله له من الدَّيْن؛ لأنّ رجلاً أتي عليّاً (عليه السّلام)، قال: إنّ لي علي رجل دَيْناً فأهدي إليَّ، قال: قال: «احسبه من دَيْنك»(4).

مسألة 8: لو التجأ المديون إلي الحرم، لم تجز مطالبته فيه،

بل يُضيّق عليه في المطعم و المشرب إلي أن يخرج و يُطالب حينئذٍ، و كذا إن وجب عليه حدّ فالتجأ إليه؛ لقوله تعالي وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (5).

و لأنّ سماعة بن مهران سأل الصادق (عليه السّلام): عن رجل لي عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقضاه ؟ قال: قال: «لا تسلّم عليه(6) و لا تروّعه حتي يخرج من الحرم»(7).

ص: 10


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل إبراهيم «أبو تميم» و هي تصحيف. و ما أثبتناه كما في المصدر.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بدرهم» بدل «درهم» و ما أثبتناه كما في المصدر.
3- التهذيب 427/195:6.
4- الكافي 103:5 (باب هديّة الغريم) الحديث 1، التهذيب 404/19:6، الإستبصار 23/9:3.
5- آل عمران: 97.
6- في «ي»: «لا، و لا تسلّم عليه» و في الكافي بدون حرف الواو.
7- الكافي 241:4 (باب في مَنْ رأي غريمه في الحرم) الحديث 1، التهذيب 423/194:6.

أمّا لو استدان فيه، فالوجه: جواز المطالبة فيه، كالحدود.

و لو غاب المديون، قضي عنه وكيله إن كان له وكيل، و إلّا قضاه الحاكم؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال: «الغائب يقضي عنه إذا قامت البيّنة عليه، و يُباع ماله و يقضي عنه و هو غائب، و يكون الغائب علي حجّته إذا قدم، و لا يدفع المال إلي الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً»(1).6.

ص: 11


1- الكافي 102:5 (باب إذا التوي الذي..) الحديث 2، التهذيب 413/191:6.
الفصل الثاني: في القضاء
مسألة 9: يجب علي المديون المبادرة إلي قضاء الدَّيْن،

و لا يحلّ تأخيره مع حلوله و تمكّنه من الأداء و مطالبة صاحب الدَّيْن، فإن أخّر و الحال هذه، كان عاصياً، و وجب علي الحاكم حبسه؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يحبس الرجل إذا التوي علي غرمائه، ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبي باعه فقسّمه بينهم، يعني ماله»(1).

إذا ثبت هذا، فلو أصرّ علي الالتواء، كان فاسقاً لا تُقبل شهادته، و لا تصحّ صلاته في أوّل الوقت، بل إذا تضيّق، و لا يصحّ منه فعل شيء من الواجبات الموسّعة المنافية للقضاء في أوّل أوقاتها، و كذا غير الديون من الحقوق الواجبة كالزكاة و الخمس و إن لم يطالب بها الحاكم؛ لأنّ أربابها في العادة مطالبون.

مسألة 10: لو مات المديون و لم يتمكّن من القضاء و لم يخلّف شيئاً البتّة،

لم يكن معاقباً إذا لم ينفقه في المعصية و كان في عزمه القضاء. و لو أنفقه في المعصية أو لم يكن في عزمه القضاء، كان مأثوماً.

قال عبد الغفّار الجازي: سألت الصادق (عليه السّلام): عن رجل مات و عليه دَيْنٌ، قال: «إن كان علي بدنه أنفقه من غير فساد، لم يؤاخذه اللّه عزّ و جلّ إذا علم من نيّته الأداء إلّا مَنْ كان لا يريد أن يؤدّي عن أمانته فهو بمنزلة السارق، و كذلك الزكاة أيضاً، و كذلك مَن استحلّ أن يذهب بمهور

ص: 12


1- الكافي 102:5 (باب إذا التوي الذي..) الحديث 1، التهذيب 412/191:6، الاستبصار 15/7:3.

النساء»(1).

مسألة 11: إذا طُولب المديون بالدَّين الحالّ أو المؤجّل بعد حلوله و كان متمكّناً من القضاء، وجب عليه،

و يجب عليه دفع جميع ما يملكه، عدا دار السكني و عبد الخدمة و فرس لا ركوب و قوت يوم و ليلة له و لعياله.

و لا يجوز بيع دار السكني عند علمائنا أجمع خلافاً للعامّة - (2) لأنّ في ذلك إضراراً بالمديون؛ إذ لا بدّ له من مسكن، فإنّ الإنسان مدنيّ بالطبع لا يمكنه أن يعيش بغير مسكن، فأشبه النفقة التي تُقدم علي الدَّيْن.

و قال زرارة للصادق (عليه السّلام): إنّ لي علي رجل ديناً قد أراد أن يبيع داره فيعطيني، قال: فقال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السّلام): «أُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه، أعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»(3).

و روي إبراهيم بن هاشم أنّ محمّد بن أبي عمير كان رجلاً بزّازاً فذهب ماله و افتقر، و كان له علي رجل عشرة ألف(4) درهم فباع داراً له كان يسكنها بعشرة ألف(5) درهم، و حمل المال إلي بابه، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ قال: هذا مالك الذي لك عليّ، قال: ورثته ؟ قال: لا، قال: وُهب لك ؟ قال: لا، قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال: لا، قال: فما هو؟ قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيْني، فقال محمّد بن

ص: 13


1- التهذيب 411/191:6.
2- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3، المغني 537:4، الشرح الكبير 536:4.
3- التهذيب 390/187:6، الاستبصار 13/6:3.
4- في المصدر: «آلاف».
5- في المصدر: «آلاف».

أبي عمير: حدّثني ذريح المحاربي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: «لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدَّيْن» ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إنّي لمحتاج في وقتي هذا إلي درهمٍ واحد، و ما يدخل ملكي منها درهم واحد(1).

و في وجهٍ لبعض الشافعية(2) مثل ما قلناه.

ثمّ اعترض العامّة علي أنفسهم بأنّ مَنْ وجبت عليه الكفّارة لا يباع عليه مسكنه و خادمه، فما الفرق ؟ و أجابوا بأنّ حقوق اللّه تعالي وجبت علي سبيل المساهلة و الرفق، و حقوق الآدميّين علي سبيل المشاحّة. و لأنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه، و الدَّيْن بخلافه. و لأنّ حقوق اللّه تعالي لم تجب علي سبيل المعاوضة، و حقوق الآدميّين وجبت(3) علي سبيل المعاوضة، فكانت آكد، و لهذا لو وجب حقّ اللّه تعالي علي سبيل العوض مثل أن يتلف شيئاً من الزكاة، فإنّه يباع فيه مسكنه، و لهذا يباع مسكنه في نفقة الزوجة دون نفقة الأقارب(4).

و هو ممنوع، و لهذا جوّزنا له أخذ الزكاة مع المسكن و الخادم، فكان في حكم الفقير.

مسألة 12: و لو كانت دار غلّة، جاز بيعها في الدَّين كغيرها من أمواله؛

إذ لا سكني فيها.

و قال مسعدة بن صدق: سمعت الصادق (عليه السّلام) و سُئل عن رجل عليه دَيْنٌ و له نصيب في دار و هي تغلّ غلّة فربما بلغت غلّتها قوته و ربّما لم تبلغ

ص: 14


1- الفقيه 501/118117:3، التهذيب 441/198:6.
2- الحاوي الكبير 328:6، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
3- في «ي»: «تجب» بدل «وجبت».
4- راجع: الحاوي الكبير 328:6، و التهذيب للبغوي 106:4، و العزيز شرح الوجيز 22:5.

حتي يستدين، فإن هو باع الدار و قضي دَيْنه بقي لا دار له، فقال: «إن كان في داره ما يقضي به دَيْنه و يفضل منها ما يكفيه و عياله فليبع الدار، و إلّا فلا»(1).

مسألة 13: و كذا لا يباع خادمه إذا كان من أهل الإخدام؛

للحاجة إليه خلافاً للعامّة لما قلناه في الدار.

و لما رواه الحلبي في الحسين عن الصادق (عليه السّلام)(2) قال: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدَّيْن، و ذلك أنّه لا بدّ للرجل من ظلٍّ يسكنه و خادم يخدمه»(3).

و فيه وجهٌ للشافعيّة: أنّه لا يباع إذا كان لائقاً به(4) ، كما اخترناه.

و في وجهٍ آخر: أنّه يباع هو و المسكن(5).

كما قلناه.

و ثالثٍ: أنّه يباع الخادم دون المسكن(6).

و كذا لا يباع عليه فرس الركوب.

و لو كان له خادمان، بيع أحدهما؛ لاندفاع الضرورة بالآخر.

و كذا لو كان سكناه فضلة يستغني عنها، وجب بيع تلك الفضلة؛

ص: 15


1- التهذيب 440/198:6، الإستبصار 16/7:3.
2- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
3- الكافي 3/96:5، التهذيب 387/186:6، الاستبصار 12/6:3.
4- العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
5- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3، منهاج الطالبين: 121.
6- العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.

لعدم الضرورة إليها، و لحديث مسعدة، و قد سبق(1).

و لا يكلَّف بيع داره و شراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته. و كذا لا يكلّف بيع خادمه و شراء أدون، و لا بيع فرسه و شراء أدون، للأصل، و عموم النهي عن بيع هذه الأشياء.

قال ابن بابويه: كان شيخنا محمّد بن الحسن يروي أنّه إذا كانت الدار واسعةً يكتفي صاحبها ببعضها، فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه، و يقضي ببعضها دَيْنه، و كذا إن كفته دار بدون ثمنها، باعها و اشتري من ثمنها داراً يسكنها، و يقضي بباقي الثمن دَيْنه(2).

نعم لو كانت دار السكني و عبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه الذي يلبسه رهناً، جاز بيعه، كما أنّه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره، جاز قبض ثمنه كذا هنا.

مسألة 14: إذا غاب صاحب الدَّيْن، وجب علي المديون نيّة القضاء إذا وجده،

و أن يعزل دَيْنه عند وفاته أو يوصي به ليوصل إلي مالكه إن وجد أو إلي وارثه.

و لو جهله، اجتهد في طلبه، فإن أيس منه، قيل: يتصدّق به عنه(3).

و إذا علم اللّه تعالي منه نيّة الأداء، لم يكن عليه إثم؛ لما رواه زرارة قال: سألت الباقر (عليه السّلام) [عن(4)] الرجل يكون عليه الدَّيْن لا يقدر علي صاحبه و لا علي وليّ له و لا يدري بأي أرض هو، قال: «لا جناح عليه بعد

ص: 16


1- في ص 6، صدر المسألة 12.
2- الفقيه 502/118:3.
3- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 307.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.

أن يعلم اللّه تعالي منه أنّ نيّته الأداء»(1).

و سئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل كان له علي رجل حقٌّ ففُقد(2) و لا يدري أ حيّ هو أم ميّت و لا يعرف له وارث و لا نسيب(3) و لا بلد، قال: «اطلبه» قال: إنّ ذلك قد طال فأُصدّق به ؟ قال: «اطلبه»(4).

و هذه الرواية صحيحة السند، و هي تدلّ من حيث المفهوم علي منع الصدقة، و وجوب الطلب دائماً.

و لو كفل الوليّ حال موت المديون المال، سقط ذمّة المديون مع رضا الغرماء؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يكون عليه دَين فحضره(5) الموت فيقول وليّه: عليّ دَيْنك، قال: «يبرئه ذلك و إن لم يوفه وليّه من بعده» و قال: «أرجو أن لا يأثم، و إنّما إثمه علي الذي يحبسه»(6).

و في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يموت و عليه دَيْنٌ فيضمنه ضامن للغرماء، فقال: «إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمّة الميّت»(7).

مسألة 15: لا تحلّ مطالبة المعسر و لا حبسه و لا ملازمته،

عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و مالك - (8) لقوله تعالي

ص: 17


1- التهذيب 395/188:6.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فقد». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر: «نسب».
4- التهذيب 396/188:6.
5- في «س» و الطبعة الحجريّة: «فيحضره».
6- التهذيب 397/188:6.
7- الكافي 99:5 (باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دَيْنه) الحديث 2، الفقيه 497/116:3، التهذيب 392/187:6.
8- الحاوي الكبير 332:6، حلية العلماء 483:4، التهذيب للبغوي 116:4، العزيز شرح الوجيز 26:5، روضة الطالبين 372:3، المغني 543:4، الشرح الكبير 500:4، المعونة 1183:2، الذخيرة 159:8، التلقين 429:2.

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ (1) .

و لقول الباقر (عليه السّلام): «إنّ علياً (عليه السّلام) كان يحبس في الدَّين، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّي سبيله حتي يستفيد مالاً»(2).

و لأنّ مَنْ ليس له مطالبته ليس له ملازمته، كما لو كان دَيْنه مؤجّلاً.

و قال أبو حنيفة: إذا ثبت إعساره و خلّاه الحاكم، كان للغرماء ملازمته، إلّا أنّهم لا يمنعونه من الاكتساب، فإذا رجع إلي بيته فإن أذن لهم في الدخول دخلوا معه، و إن لم يأذن لهم، منعوه من الدخول؛ لقول النبي (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): «لصاحب الحقّ اليد و اللسان»(3) و يريد باليد الملازمة(4).

و هو محمول علي الموسر؛ لما تقدّم.

إذا تقرّر هذا، فإن طُولب المعسر و خاف الحبس أو الإلزام إن اعترف، جاز له الإنكار للدَّيْن و الحلف علي انتفائه، و يجب عليه التورية، و نيّة القضاء مع المكنة.

مسألة 16: و لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة، وجب علي الزوج دفع عوضه؛ لأنّه في الحقيقة دَيْنٌ عليه.

و لما رواه الباقر (عليه السّلام) قال: «قال عليّ (عليه السّلام) المرأة تستدين علي زوجها

ص: 18


1- البقرة: 280.
2- التهذيب 834/299:6، الاستبصار 156/47:3.
3- الكامل لابن عدي 2281:6.
4- بدائع الصنائع 173:7، الهداية للمرغيناني 286:3، المعونة 1183:2، الذخيرة 159:8، حلية العلماء 483:4، التهذيب للبغوي 116:4، العزيز شرح الوجيز 26:5، المغني 543:4، الشرح الكبير 500:4.

و هو غائب، فقال: يقضي عنها ما استدانت بالمعروف»(1).

مسألة 17: لا تصحّ المضاربة بالدَّيْن إلّا بعد قبضه؛

لعدم تعيّنه قبل القبض.

و لما رواه الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السّلام) في رجل يكون له مال علي رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له: هو عندك مضاربة، فقال: «لا يصلح حتي يقبضه منه»(2).

إذا ثبت هذا، فلو فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل، و إلّا فللمالك، و عليه الأُجرة.

مسألة 18: لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّين؛

لما روي عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): لا يباع الدّيْن بالدَّيْن»(3).

و يجوز بيعه بغير الدَّيْن علي مَنْ هو عليه و علي غيره من الناس بأكثر ممّا عليه و بأقلّ و بمساوٍ إلّا في الربوي، فتشترط المساواة؛ لأنّ نهيه (عليه السّلام) عن بيعه بالدَّيْن يدلّ من حيث المفهوم علي تسويغه بغيره مطلقاً.

و كذا يجوز بيعه نقداً، و يكره نسيئةً. قاله الشيخ(4) (رحمه اللّه).

فاندفع المديون إلي المشتري، و إلّا كان له الرجوع علي البائع بالدرك؛ لوجوب التسليم عليه.

قال الشيخ (رحمه اللّه): لو باع الدَّيْن بأقلّ ممّا له علي المديون، لم يلزم المديون أكثر ممّا وزن المشتري من المال(5) ؛ لما رواه أبو حمزة عن

ص: 19


1- التهذيب 426/195194:6.
2- الكافي 4/240:5، الفقيه 634/144:3، التهذيب 428/195:6.
3- الكافي 100:5 (باب بيع الدين بالدين) الحديث 1، التهذيب 400/189:6.
4- النهاية: 310.
5- النهاية: 311.

الباقر (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل كان له علي رجل دَيْنٌ فجاءه رجل فاشتري منه بعرض ثمّ انطلق إلي الذي عليه الدَّيْن فقال له: أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه، فكيف يكون القضاء في ذلك ؟ فقال الباقر (عليه السّلام): «يردّ عليه الرجل الذي عليه الدَّيْن ما له الذي اشتراه به [من(1)] الرجل الذي عليه(2) الدَّيْن»(3).

و هو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادّعاه الشيخ؛ لجواز أن يكون المدفوع مساوياً.

و أيضاً يُحتمل أن يكون ربويّاً، و يكون قد اشتراه بأقلّ، فيبطل الشراء، و يكون الدفع جائزاً بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.

إذا ثبت هذا، فالواجب علي المديون دفع جميع ما عليه إلي المشتري مع صحّة البيع.

مسألة 19: أوّل ما يبدأ به من التركة بالكفن من صلب المال،

فإن فضل شيء، صُرف في الدَّيْن من الأصل أيضاً، فإن فضل شيء أو لم يكن دَيْنٌ، صُرف في الوصيّة من الثلث إن لم يجز الورثة، فإن أجازت، نفذت من الأصل. ثمّ من بعد الوصيّة الميراث؛ لقوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (4) جعل الميراث مترتّباً عليهما.

و روي السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهما السّلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): أوّل ما يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدَّيْن ثمّ الوصيّة

ص: 20


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- في التهذيب: «الذي له عليه». و في الكافي: «الذي له الدين».
3- التهذيب 401/189:6، الكافي 100:5 (باب بيع الدين بالدين) الحديث 2، و فيه السائل هو أبو حمزة.
4- النساء: 11.

ثمّ الميراث»(1).

إذا ثبت هذا، فإن تبرّع إنسان بكفنه، كان ما تركه في الدَّيْن مع قصور التركة؛ لما رواه زرارة في الصحيح قال: سألتُ الصادق (عليه السّلام): عن رجل مات و عليه دَيْنٌ بقدر كفنه، قال: «يكفّن بما ترك إلّا أن يتّجر عليه إنسان فيكفّنه، و يقضي بما ترك دَيْنه»(2).

مسألة 20: يجوز اقتضاء الدَّيْن و الجزية من الذميّ إذا باع خمراً أو خنزيراً علي مثله من ذلك الثمن؛

لأنّه مباح عندهم و قد أُمرنا أن نُقرّهم علي أحكامهم.

و لما رواه داود بن سرحان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل كانت له علي رجل دراهم فباع بها(3) خنازير أو خمراً و هو ينظر، فقضاه، قال: «لا بأس، أمّا للمقضي فحلال، و أمّا للبائع فحرام»(4).

إذا قبت هذا، فلو كان البائع مسلماً، لم يحلّ أخذ الثمن، لبطلان البيع حينئذٍ، سواء كان المشتري مسلماً أو كافراً، و سواء وكّل المسلم الكافرَ في مباشرة البيع أو الشراء و علي كلّ حال.

مسألة 21: لا تصحّ قمسة الدَّيْن؛ لعدم تعيّنه، فلو اقتسم الشريكان ما في الذمم، لم تصحّ القسمة،

و كان الحاصل لهما، و التالف منهما؛ لما رواه الباقر عن عليّ (عليهما السّلام) في رجلين بينهما مال، منه بأيديهما، و منه غائب عنهما اقتسما الذي في أيديهما، و احتال كل منهما بنصيبه، فاقتضي

ص: 21


1- التهذيب 398/189188:6.
2- التهذيب 391/187:6.
3- كلمة «بها» لم ترد في المصدر.
4- التهذيب 429/195:6.

أحدهما و لم يقتض الآخر، قال: «ما اقتضي أحدهما فهو بينهما، و ما يذهب بينهما(1)»(2).

إذا ثبت هذا، فإن احتال كلٌّ منهما بحصّته علي مديون من المديونين بإذن شريكه و فعَلَ الآخر مع المديون الآخرَ ذلك، صحّ، و لم يكن ذلك قسمةً، علي أنّ في ذلك عندي إشكالاً أيضاً؛ لأنّ الحوالة ها ليست بمال مسستحقٍّ علي المحيل.

مسألة 22: أرزاق السلطان لا يصحّ بيعها إلّا بعد قبضها، و كذا السهم من الزكاة و الخمس؛

لعدم تعيّنها.

و هل يجوز بيع الدَّيْن قبل حلوله ؟ الوجه عندي: الجواز، و لا يجب علي المديون دفعه إلّا في الأجل.

و يجوز بيعه بعد حلوله علي منْ هو عليه و علي غيره بحاضر أو مضمون حالٍّ، لا بمؤجّل.

و لو قيل بجوازه كالمضمون، أو بمنعه(3) بالمضمون، كان وجهاً.

و لو سقط المديون أجل الدَّيْن عليه، لم يسقط، و ليس لصاحبه المطالبة في الحال. و يجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه؛ لأنّه يكون إبراءً، و بغير إسقاط إن رضي صاحبه، و لا يجوز تأخيره بزيادة فيه؛ لأنّه يكن رباً.

مسألة 23: لا يجب دفع المؤجَّل قبل أجله، سواء كان دَيْناً أو ثمناً أو قرضاً أو غيرهما،

فإن تبرّع مَنْ عليه، لم يجب علي منْ له الأخذ، سواء

ص: 22


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بماله» بدل «بينهما». و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 430/195:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «بمضمون» بدل «بمنعه».

كان علي مَنْ عليه ضرر في التأخير أو لا، و سواء كان علي مَنْ له ضرر بالتأخير أو لا، فإذا حلّ، وجب علي صاحبه قبضه إذا دفعه مَنْ عليه، فإن امتنع، دفعه إلي الحاكم، و يكون(1) من ضمان صاحبه، و للحاكم إلزامه بالقبض أو الإبراء.

و كذا البائع سلَماً يدفع إلي الحاكم مع الحلول، و هو من ضمان المشتري.

و كذا كلّ مَنْ عليه حقٌّ حالّ أو مؤجَّل فامتنع صاحبه من أخذه.

و لو تعذّر الحاكم و امتنع صاحبه من أخذه، فالأقرب: أنّ هلاكه من صاحب الدَّيْن لا من المديون؛ لأنّه حقّ تعيّن للمالك بتعيين المديون و امتنع من أخذه، فكان التفريط منه.».

ص: 23


1- في الطبعة الحجريّة: «فيكون».
الفصل الثالث: في القرض
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: القرض مستحبّ مندوب إليه مرغّب فيه إجماعاً؛
اشارة

لما فيه من الإعانة علي البرّ، و كشف كربة المسلم.

روي العامّة أنّ النبي (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) قال: «مَنْ كشف عن مسلم كربةً من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربةً من كرب يوم القيامة، و اللّه في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه قال: قال الصادق (عليه السّلام) في قول اللّه عزّ و جلّ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (2) قال: «يعني بالمعروف القرض»(3).

و قال الباقر (عليه السّلام): «من أقرض قرضاً إلي ميسرة كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة عليه حتي يقبضه»(4).

و قال الشيخ (رحمه اللّه): روي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب(5).

و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال النبي (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): ألف درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بها مرّة، و كما لا يحلّ

ص: 24


1- المهذّب للشيرازي 309:1، المغني 383:4، و فيهما: «.. ما دام العبد في عون أخيه».
2- النساء: 114.
3- الفقيه 492/116:3.
4- الفقيه 494/116:3.
5- النهاية: 311 312.

لغريمك أن يمطلك و هو موسر فكذلك لا يحلّ لك أن تستعسره(1) إذا علمت أنّه معسر»(2).

مسألة 24: أداء القرض في الصفة كالقرض، فإن دفع من غير جنسه، لم يلزم القبول؛

لأنّه اعتياض، و ذلك غير واجب.

فإن اتّفقا عليه، جاز؛ للأصل.

و لما رواه علي بن محمّد قال: كتبت إليه: رجل له رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه قال: خُذْ بقيمة ما لَك عندي دراهم، أ يجوز له ذلك أم لا؟ فكتب: «يجوز ذلك عن تراضٍ منهما إن شاء اللّه»(3).

إذا ثبت هذا، فإذا دفع إليه علي سبيل القضاء، حسب بسعر يوم الدفع، لا يوم المحاسبة؛ لأنّ محمّد بن الحسن الصفّار كتب إليه في رجل كان له علي رجل مال فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً و لم يقطعه علي السعر، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام و الزعفران و القطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدَّيْن، بسعر يومه الذي أعطاه و حلّ ماله عليه، أو السعر الثاني بعد شهرين، أو ثلاثة يوم حاسبه ؟ فوقّع «ليس له إلّا علي حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء اللّه»(4).

إذا عرفت هذا، فإن دفع لا علي وجه القضاء، فإن كان المدفوع

ص: 25


1- في المصدر: «تعسره».
2- التهذيب 418/193192:6.
3- التهذيب 469/205:6.
4- التهذيب 432/196:6.

مثليّا، كان له المطالبة به فإن تعذّر فبالقيمة يوم المطالبة. و إن لم يكن مثليّا، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع؛ لأنّه يكون قد دفعه علي وجه الإقراض.

مسألة 25: و لو دفع أجود من غير شرط، وجب قبوله؛

لأنّه زاده خيراً، و لم يكن به بأس.

روي أبو الربيع قال: سُئل الصادق (عليه السّلام): عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه و قد علم المستقرض إ أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها، قال: «لا بأس إذا طابت نفس المستقرض»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) قال: «إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط»(2).

و كذا إذا أخذ الدراهم المكسّرة فدفع إليه دراهم طازجيّة بالطاء غير المعجمة و الزاي المعجمة و الجيم، و هي الدراهم الجيّدة من غير شرط، كان جائزاً؛ لما تقدّم.

و لما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة(3) فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه، قال: «لا بأس» و ذكر ذلك عن علي (عليه السّلام)(4).

مسألة 26: و لو دفع إليه أزيد، فإن شرط ذلك، كان حراماً إجماعاً؛

ص: 26


1- الكافي 253:5 (باب الرجل يقرض الدراهم..) الحديث 2، التهذيب 447/200:6.
2- الكافي 3/254:5، التهذيب 449/201:6.
3- الدرهم الغلّة: المغشوش. مجمع البحرين 436:5 «علل».
4- الكافي 3/254:5، التهذيب 450/201:6.

لما روي(1) الجمهور عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام»(2).

و إن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرّع، كان حلالاً إجماعاً، و لم يكره، بل كان أفضل للمقرض.

و الأصل فيه ما روي العامّة أنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) اقترض من رجل بَكْراً(3) ، فقدمت عليه إبلُ الصدقة، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بَكْره، فرجع أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلّا جملاً خياراً(4) رباعيا(5) ، فقال: «أعطه إيّاه، إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً»(6).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط، و لو وهبها كلّها له صلح»(7).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألتُ الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يكون عليه جُلّة(8) من بُسْر فيأخذ جُلّةً من رطب و هو أقلّ منها،».

ص: 27


1- في «ي»: «رواه».
2- سنن البيهقي 350:5، العزيز شرح الوجيز 433:4 نحوه.
3- البكر: الفتيّ من الإبل. النهاية لابن الأثير 149:1 «بكر».
4- يقال: جمل خيار. أي: مختار. النهاية لابن الأثير 91:2 «خير».
5- يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رَباعيته: رَباع. و ذلك إذا دخل في السنة السابعة. النهاية لابن الأثير 188:2 «ربع».
6- صحيح مسلم 1600/1224:3.
7- الكافي 1/253:5، الفقيه 815/180:3، التهذيب 448/201200:6، بتفاوت يسير.
8- الجُلّة: وعاء التمر. الصحاح 1658:4 «جلل».

قال: «لا بأس» قلت: فيكون(1) عليه جُلّة من بُسْر فيأخذ جُلّة من تمر و هي أكثر منها، قال: «لا بأس إذا كان معروفاً بينكما»(2).

مسألة 27: و لا فرق في تسويغ أخذ الأكثر و الأجود و الأدون و الأردأ مع عدم الشرط

بين أن يكون ذلك عادةً بينهما أو لا يكون و هو قول أكثر الشافعيّة - (3) لما تقدّم.

و قال بعضهم: إذا كان ذلك علي عادة بينهما، كان حراماً، و تجري العادة بينهما كالشرط(4).

و هو غلط، و إذا كان القضاء أكثر مندوباً إليه، فلا يكون ذلك مانعاً من القرض، و لا تقوم العادة مقام الشرط.

مسألة 28: و كذا لو اقترض منه شيئاً و رهن عليه رهناً و أباحه في الانتفاع بذلك لا رهن،

كان جائزاً إذا لم يكن عن شرط؛ لما رواه محمّد بن مسلم في الحسن قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنيةً و إمّا ثياباً، فيحتاج إلي شيء من منفعته فيستأذنه فيأذن له، قال: «إذا طابت نفسه فلا باس» قلت: إنّ مَنْ عندنا يروون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد، قال: «أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة»(5).

ص: 28


1- في «س، ي» بدل «فيكون»: «فكيف». و في الطبعة الحجريّة: «كيف». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 7/254:5، التهذيب 451/201:6.
3- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 400399:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
4- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 400399:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
5- الكافي 255:5 (باب القرض يجرّ المنفعة) الحديث 1، الفقيه 819/181:3، التهذيب 452/202201:6.

و عن محمّد بن عبدة قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن القرض يجرّ المنفعة، قال: «خير القرض الذي يجرّ المنفعة»(1).

إذا عرفت هذا، فلا تنافي بين هذه الأخبار؛ لأنّا نحمل ما يقتضي التحريم علي ما إذا كان عن شرط، و الإباحةَ علي ما إذا لم يكن عنه؛ جمعاً بين الأدلة، و لما تقدّم.

و لقول الباقر (عليه السّلام): «مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلا مثلها، و إن جُوزي أجود منها فليقبل، و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه»(2).

مسألة 29: و لا فرق بين أن يكون مال القرض ربويّاً أو غير ربويّ في تحريم الزيادة مع الشرط،

و عدمه مع غيره؛ لما تقدّم من أنّه قرض جرّ منفعةً بشرط، فكان حراماً، و هو قول جماعة من الشافعية(3).

و قال بعضهم: إنّ ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة، كما يجوز أن يبيع حيواناً بحيوانين(4).

و الفرق: أنّ ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض و إن كان أحدهما أكثر صفةً، كبيع جيّد الجوهر برديئه، و الصحيح بالمكسَّر و إن كان ذلك لا يجوز في القرض.

مسألة 30: مال القرض إن كان مثليّا، وجب رد مثله إجماعاً.

فإن تعذّر المثل، وجب ردّ قيمته عند المطالبة. و إن لم يكن مثليّا، فإن كان ممّا

ص: 29


1- الكافي 2/255:5، التهذيب 453/202:6، الاستبصار 22/9:3.
2- التهذيب 457/203:6.
3- المهذّب للشيرازي 311:1، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.
4- حلية العلماء 400:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.

ينضبط(1) بالوصف و هو ما يصحّ السلف فيه، كالحيوان و الثياب فالأقرب: أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة؛ لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) استقرض «بَكْراً» و ردّ «بازلاً»(2). و البكْر: الفتي من الإبل. و البازل: الذي تمّ له ثمان سنين. و روي أنّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) استقرض «بَكْراً» فأمر بردّ مثله(3). و هو قول أكثر الشافعية(4).

و قال بعضهم: إنّه يُعتبر في القرض بقيمته؛ لأنّه لا مثل له، فإذا ضمنه ضمنه بقيمته، كالإتلاف(5).

و الفرق: أنّ القيمة أحضر فأمر به، و ليس كذلك القرض، فإنّ طريقه الرفق، فسُومح فيه، و لهذا يجوز فيه النسيئة و إن كان ربويّاً، و لا يجوز ذلك في البيع و لا في إيجاب القيمة في الإتلاف.

و أمّا ما لا يُضبط بالوصف كالجواهر و القسيّ و ما لا يجوز السلف فيه تثبت فيه قيمته، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يجوز قرض مثل هذا؛ لأنّه لا مثل له(6).

فإن قلنا: إنّ ما لا مثل له يُضمن بالقيمة، و كذا ما لا يُضبط بالوصف، فالاعتبار بالقيمة يوم القبض؛ لأنّه وقت تملّك المقترض، و هو أحد قولي الشافعيّة، و في الآخَر: أنّه يملك بالتصرّف، فيعتبر قمية(7) يوم القبض أيضاً».

ص: 30


1- في «س، ي»: «يضبط».
2- نقله الغزّالي في الوسيط 457:3، و الوجيز 158:1، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 429:4.
3- صحيح مسلم 1600/1224:3.
4- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 278:3.
5- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 278:3.
6- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3.
7- في الطبعة الحجريّة: «قيمته».

علي أحد الوجهين، و علي الثاني: بالأكثر من يوم القبض إلي يوم التصرّف(1).

و قال بعض الشافعيّة: بالأكثر من يوم القبض إلي يوم التلف(2).

فإن اختلفا في القيمة، قدّم قول المستقرض مع يمينه؛ لأنّه غارم.ه.

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 379278:3.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
البحث الثاني: في أركان القرض
اشارة

أركان القرض ثلاثة:

الأوّل: الصيغة الصادرة من جائز التصرّف.
اشارة

يعتبر فيه أهليّة التبرع لأنّ القرض تبرّع، و لهذا لا يُقرض الوليّ مالَ الطفل، إلّا لضرورة.

و كذلك لا يجوز شرط الأجل، لأنّ المتبرّع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرّعه، و إنّما يلزم الأجل في المعاوضات.

و الإيجاب لا بدّ منه، و هو أن يقول: أقرضتك، أو أسلفتك، أو خُذْ هذا بمثله، أو خُذْه و اصرفه فيما شئت و ردَّ مثله، أو ملّكتك علي أن تردّ بدله.

و لو اقتصر علي قوله: ملّكتك، و لم يسبق وعد القرض، كان هبةً.

فإن اختلفا في ذكر البدل، قدّم قول المقترض؛ لأصالة عدم الذكر.

أمّا لو اتّفقا علي عدم الذكر و اختلفا في القصد، قُدّم قول صاحب المال؛ لأنّه أعرف بلفظه، و الأصل عصمة ماله، و عدم التبرّع، و وجوب الردّ علي الآخذ بقوله (عليه السّلام): «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي»(1).

و يُحتمل تقديم دعوي الهبة؛ قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوض هبة.

ص: 32


1- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، سن البيهقي 95:6، المستدرك للحاكم 47:2، مسند أحمد 19643/6410:5، المصنّف لابن أبي شيبة 604/146:6.

و أمّا القبول فالأقرب أنّه شرط أيضاً؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير، و افتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلي القبول، كالبيع و الهبة و سائر التمليكات(1) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يشترط؛ لأنّ القرض إباحة إتلاف علي سبيل الضمان، فلا يستدعي القبول(2).

و لا بدّ من صدوره من أهله كالإيجاب، إلّا أنّ القبول قد يكون قولاً، و قد يكون فعلاً.

مسألة 31: لا يلزم اشتراط الأجل في الدَّيْن الحال، فلو أجلّ الحالّ لم يتأجّل،

و كان له المطالبة في الحال، سواء كان الدَّيْن ثمناً أو قرضاً أو إجارةً أو غير ذلك و به قال الشافعي - (3) لأنّ التأجيل زيادة بعد العقد، فلا يلحق به، كما لا يلحق به في حقّ الشفيع. و لأنّه حطّ بعد استقرار العقد، فلا يلحق به، كحطّ الكلّ. و لأنّ الأصل عدم اللزوم؛ إذ قوله: قد أجّلت، ليس بعقدٍ ناقل، فيبقي علي حكم الأصل.

و قال أبو حنيفة: إن كان ثمناً، يثبت(4) فيه التأجيل و الزيادة و النقصان، و يلحق بالعقد، إلّا أن يحط الكلّ، فلا يلحق بالعقد، و يكون إبراءً. و كذا في الأُجرة و الصداق و عوض الخلع، فأمّا القرض و بدل المتلف فلا يثبت فيه(5).

و قال مالك: يثبت الأجل في الجميع؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند

ص: 33


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التملكات». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الوسيط 452:3، الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 430:4، روضة الطالبين 273:3.
3- حلية العلماء 402:4، المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4.
4- في «ي»: «ثبت».
5- المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4، حلية العلماء 402:4.

شروطهم».

و لأنّ المتعاقدين يملكان التصرّف في هذا العقد بالإقالة و الإمضاء، فملكا فيه الزيادة و النقصان، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس(1).

و لا دلالة في الخبر؛ إذ لا يدلّ علي الوجوب، فيُحمل علي الاستحباب بالأصل.

و لا يشبه هذا الإقالةَ؛ لأنّ هذا لا يجوز أن يكون فسخاً للأوّل و ابتداء عقد؛ لأنّه لم يوجد منه لفظ الفسخ و لا التمليك.

و أمّا زمان الخيار فكذلك أيضاً؛ لأنّ الملك قد انتقل إلي المشتري عندنا، فلا تثبت الزيادة.

و عند الشيخ أنّ العقد لم يستقرّ، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره، كما يجوز فيه قبض رأس مال السَّلم و عوض الصرف.

و علي مذهب مالك أنّ هذا الحقّ يثبت حالّا، و التأجيل تطوّع من جهته و وَعْدٌ، فلا يلزم الوفاء به، كما لو أعاره داره سنةً، كان له الرجوع.

قال مالك: يثبت الأجل في القرض ابتداءً و انتهاءً، أمّا ابتداءً فبأن يُقرضه مؤجّلاً، و أمّا انتهاءً فبأن يُقرضه حالّا ثمّ يؤجّله(2).

الركن الثاني: المال.
مسألة 32: الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم.

و الأوّل(3) يجوز إقراضه إجماعاً.

ص: 34


1- الذخيرة 295:5، الوسيط 451:3، المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4، حلية العلماء 402:4.
2- العزيز شرح الوجيز 431:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «فالأوّل».

و أمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السَّلَم فيه، جاز إقراضه أيضاً. و إن لم يكن ممّا يجوز السَّلَم فيه، فقولان تقدّما(1).

و هل يجوز إقراض الجواري ؟ أمّا عندنا فنعم و هو أحد قولي الشافعي - (2) للأصل. و لأنّه يجوز إقراض العبيد فكذا الجواري. و لأنّه يجوز السلف فيها فجاز قرضها، كالعبيد، و به قال المزني و داوُد(3).

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. و لأنّه لا يستبيح الوطؤ بالقرض؛ لأنّه ملك ضعيف لا يمنعه من ردّها علي المقرض، و لا يمنع المقرض من أداها منه، و مثل ذلك لا يستباح به الوطؤ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدّة خيار البائع. و لأنّه يمكنه(4) ردّها بعد الوطي، فيكون في معني الإعارة للوطي، و ذلك غير جائز، و إذا ثبت أنّه لا يحلّ وطؤها، لم يصحّ القرض؛ لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما. و لأنّ الملك إذا لم يستبح منه الوطؤ لم يصح؛ لانّه من المنافع المقصودة به، بخلاف ما إذا كانت محرّمةً عليه فاشتراها؛ لأنّ الوطء محرّم من جهة الشرع، و هنا التمليك لا يستباح به، فهو بمنزلة العقد الفاسد، و في هذا انفصال عن السَّلم و العبد، و لا يلزم المكاتب إذا اشتري أمةً(5).4.

ص: 35


1- في ص 16، المسألة 30.
2- المهذّب للشيرازي 310:1، الوسيط 452:3، الوجيز 158:1، حلية العلماء 396:4، التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3.
3- المهذّب للشيرازي 310:1، حلية العلماء 396:4، العزيز شرح الوجيز 431:4، المحلي 82:8، المغني و الشرح الكبير 385:4.
4- في الطبعة الحجرية: «لا يمكنه» بزيادة «لا». و هو غلط.
5- الوسيط 452:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3، المغني 386:4، الشرح الكبير 386385:4.

و نهي السلف ليس حجّةً. و نمنع عدم استباحة الوطي، و الردّ من المقترض لا يوجب ضعف ملكه. و نمنع عدم منع المقرض من استراد العين؛ لأنّ القرض عندنا يُملك بالقبض. و إمكان الإعادة بعد الوطي لا يوجب مماثلتها للإعارة.

قال بعض الشافعيّة: القولان مبنيّان علي الخلاف في أنّ القرض بمَ يُملك ؟ و في كيفيّة البناء طريقان: قال قائلون: إن قلنا: يُملك بالقبض، جاز إقراضها، و إلّا فلا؛ لما في إثبات اليد من غير مالكٍ من خوف الوقوع في الوطي.

و قال بعضهم: إنّا إن قلنا: يُملك بالقبض، لم يجز إقراضها أيضاً؛ لأنّه إذا ملكها فربّما يطؤها ثمّ يستردّها المقرض، فيكون ذلك في صورة إعارة الجواري للوطي. و إن قلنا: لا يُملك بالقبض فيجوز؛ لأنّه إذا لم يملكها لم يطأها(1).

تذنيب: الخلاف المذكور إنّما هو في الجارية التي يحلّ للمستقرض وطؤها، أمّا المحرّمة بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة فلا خلاف في جواز إقراضها منه.

إذا ثبت هذا، فإذا اقترض مَنْ ينعتق عليه، انعتق بالقبض، لأنّه حالة الملك.

مسألة 33: يجوز قرض الحيوان، عند علمائنا

و به قال الشافعي(2) للأصل. و لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) اقترض «بَكْراً» و ردّ «بازلاً»(3). و لأنّه يثبت في

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 431:4.
2- التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3، مختصر اختلاف العلماء 1083/14:3، المغني و الشرح الكبير 385:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 16، الهامش (3).

الذمّة بعقد السَّلَم، فجاز أن يثبت في الذمّة بعقد القرض، كالمكيل و الموزون.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلّا فيما له مثل من الأموال، كالمكيل و الموزون؛ لأنّ ما لا مثل له لا يجوز قرضه، كالجواهر و الإماء(1).

و يُمنع حكم الأصل علي ما تقدّم.

و لأنّ عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً، ثبت في ذمّة المُتْلِف مثله و لهذا جوّز الصلح عنه علي أكثر من قيمة المُتْلَف(2).

و لو سلّمنا الحكم في الجواهر، فلأنّه لا يثبت في الذمّة سَلَماً، بخلاف المتنازع.

و لو سلّمنا المنع في الأمة، فلاحن القرض ملكٌ ضعيف، فلا يباح به الوطؤ، فلا يصحّ الملك. علي أنّ الحقّ عندنا منع الحكم في الأصل.

مسألة 34: يجوز إقراض الخبز، عند علمائنا
اشارة

و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد بن حنبل(3) للحاجة العامّة إليه، و إطباق الناس عليه.

و لأنّ الصباح بن سيابة سأله الصادقَ (عليه السّلام): إنّا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر أو أكبر، فقال (عليه السّلام): «نحن نستقرض الستّين و السبعين عدداً فتكون فيه الصغيرة و الكبيرة فلا بأس»(4).

ص: 37


1- حلية العلماء 397:4، المغني و الشرح الكبير 385:4.
2- المغني و الشرح الكبير 385:4.
3- حلية العلماء 401:4، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3، المبسوط للسرخسي 31:14، الهداية للمرغيناني 66:3، المغني و الشرح الكبير 389:4.
4- الفقيه 493/116:3.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز و هو القول الآخَر للشافعي لأنّه ليس من ذوات الأمثال(1).

و نمنع حصر القرض في المثلي علي ما تقدّم.

تذنيب: يجوز ردّ مثله عدداً أو وزناً

و به قال محمد بن الحسن(2) للحديث السابق. و لقضاء العادة به.

و قال أبو يوسف: يردّ وزناً(3). و هو أحد قولي الشافعي(4). و لا بأس به.

و للشافعي قولٌ آخر: إنّه يجب ردّ القيمة(5).

و الأصل في الخلاف أنّهم إن قالوا: يجب في المتقوّمات المثلُ من حيث الصورة، وجب الردّ وزناً.

و إن قالوا: تجب القيمة، وجب هنا القيمة(6).

فإن شرط ردّ المثل، فللشافعّية علي تقدير وجوب القيمة وجها في جواز الشرط و عدمه(7).

ص: 38


1- المبسوط للسرخسي 401:14، بدائع الصنائع 395:7، الهداية للمرغيناني 66:3، حلية العلماء 401:4، التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3، المغني و الشرح الكبير 389:4.
2- المبسوط للسرخسي 31:14، بدائع الصنائع 395:7، الهداية للمرغيناني 66:3.
3- المبسوط للسرخسي 31:14، الهداية للمرغيناني 66:3، حلية العلماء 401:4.
4- راجع الهامش (12 و 13).
5- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 401:4.
6- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
7- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
مسألة 35: يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.

و يجوز إقراض المكيل وزناً و الموزون كيلاً كما في السلف، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال القفّال: لا يجوز إقراض المكيل بالوزن، بخلاف السَّلَم، فإنّه لا يسوّي بين رأس المال و المُسْلَم فيه. و زاد فقال: لو أتلف مائة منٍّ من الحنطة، ضمنها بالكيل. و لو باع شقصاً. مشفوعاً بمائة منٍّ من الحنطة، يُنظر كم هي بالكيل، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلاً(2).

و الأصحّ في الكلّ الجواز.

الركن الثالث: الشرط.
اشارة

يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض؛ لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) نهي عنه(3) ، فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يردّ الصحيح عن المكسّر، و لا الجيّد عن الردئ، و لا زيادة في الربوي، و كذا في غيره عندنا.

و للشافعي وجهان، أحدهما: الجواز؛ لأنّ عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أمرني رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) أن أجهّز جيشاً فنفدت الإبل، فأمرني أن آخذ بعيراً ببعيرين إلي أجل(4)(5).

و هو محمول علي السَّلَم، و لهذا قال: «إلي أجل» و القرض لا يتأجّل.

ص: 39


1- التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
2- العزيز شرح الوجيز 432:4، و انظر: التهذيب للبغوي 546:3، و روضة الطالبين 275:3.
3- الوسيط 453:3، العزيز شرح الوجيز 433:4.
4- سنن البيهقي 287:5.
5- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.

و لو قيل بالجواز، كان وجهاً، و يُحمل النهي علي الربوي، فإن شرط ذلك في القرض، فسد، و لم يفد جواز التصرف للمقترض.

مسألة 36: يجوز أن يقرضه شيئاً بشرط أن يقضيه في بلدٍ آخَر، عند علمائنا -

و هو وجهٌ عند بعض الشافعية(1) لعدم الزيادة، و جرّه النفعَ، لأنّه قد يكون أضرّ.

و لما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يسلف الرجل الورق علي أن ينقدها إيّاه بأرضٍ أُخري و يشترط، قال: «لا بأس»(2).

و في الصحيح عن أبي الصباح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل(3) يبعث بماله إلي أرض، فقال الذي يريد أن يبعث به معه: أقرضنيه و أنا أُفيك إذا قدمت الأرض، قال: «لا بأس بهذا»(4).

و مَنَع أكثر الشافعيّة منه، لما فيه من دفع خطر الطريق، و لو شرط، كان القرض فاسداً(5).

و لو ردّه أزيد أو في بلدٍ آخَر أو أجود من غير شرط، جاز إجماعاً؛ لقوله (صلّي اللّه عليه و آله): «خياركم أحسنكم قضاءً»(6) رواه العامّة.

ص: 40


1- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276275:3.
2- الكافي 255:5 (باب الرجل يعطي الدراهم..) الحديث 1، التهذيب 459/203:6.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «يسلف الرجل الورق علي أن ينقدها». و الظاهر أنّها من زيادة النسّاخ علماً بأنّها لم ترد في المصدر.
4- الكافي 256:5 (باب الرجل يعطي الدراهم..) الحديث 3، التهذيب 458/203:6.
5- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.
6- صحيح البخاري 153:3، سنن البيهقي 352:5، و 21:6، مسند أحمد 9814/249:3.

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله): «ليس من غريم ينطلق من عنده(1) غريمة راضياً إلّا صلّت عليه دوابّ الأرض و نون البحور، و ليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان و هو مليٌّ إلّا كتب اللّه عزّ و جلّ بكلّ يوم يحبسه أو ليلة ظلماً»(2).

مسألة 37: لو أقرضه بشرط أن يردّ عليه أردأ أو ردّ المكسَّر عن الصحيح، لغا الشرط.

و في فساد العقد للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه علي خلاف قضيّة العقد كشرط الزيادة.

و أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ المنهيّ عنه جرّ المقرض المنفعة إلي نفسه، و هنا لا نفع للمقرض في الشرط، بل للمقترض النفع، فكأنّه زاد في المسامحة و وعده وَعْداً حسناً(3).

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الشرط(4).

و الأقوي عندي صحّته لا لزومه، كما لو شرط التأجيل.

و لو شرط تأخير القضاء و ضرب له أجلاً، نُظر إن لم يكن للمقرض فيه غرض، فهو كشرط ردّ المكسَّر عن الصحيح. و إن كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب و المقترض مليّ، فهو كالتأجيل لغرض(5) ، أو كشرط ردّ الصحيح عن المكسّر؟ فيه وجهان، أظهرهما عندهم: الثاني(6).

ص: 41


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «عند». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 480/113:3.
3- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
4- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
5- كذا، و الظاهر: «لغير غرض» كما في «العزيز شرح الوجيز» و في «روضة الطالبين»: «كالتأجيل لا لغرض».
6- العزيز شرح الوجيز 434433:4، روضة الطالبين 276:3.
مسألة 38: يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل أ بشرط الإشهاد أو الإقرار به عند الحاكم؛

لأنّ ذلك من التوثيق و إحكام الحجّة، فليست منافع ماليّة.

و لو شرط رهناً بدَيْنٍ آخَر، فالأقرب عندي: الجواز؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و قالت الشافعيّة: إنّه كشرط زيادة الصفة(2). و هو ممنوع.

مسألة 39: القرض عقد قابل للشروط السائغة،

فلو أقرضه شيئاً بشرط أن يقرضه مالاً آخَر، صحّ، و لم يلزمه ما شرط، بل هو وَعْدٌ وَعَده.

و كذا لو وهب منه ثوباً بشرط أن يهب منه غيره.

و كذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه، و لكن لا يلزم ذلك.

أمّا إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيعٍ آخَر، فإنّه يجوز عندنا البيع و الشرط، و قد تقدّم(3).

و قالت الشافعيّة: يفسد البيع؛ لأنّهما(4) جَعَلا رِفْقَ القرض أو الهبة أو البيع مع العشرة المذكورة مثلاً ثمناً، و الشرط لغو، فيسقط بسقوطه بعض الثمن، و يصير الباقي مجهولاً(5).

و في وجهٍ للشافعيّة: أنّ الإقراض بشرط الإقراض كالبيع بشرط

ص: 42


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- العزيز شرح الوجيز 434:4، روضة الطالبين 276:3.
3- في ج 10 ص 250، المسألة 118.
4- أي البائع و المشتري.
5- العزيز شرح الوجيز 434:4.

الإقراض(1).

و لو شرط الأجل، لغا الشرط، و لم يفسد القرض.

البحث الثالث: في حكم القرض.
مسألة 40: لا خلاف في أنّ المستقرض يملك القرض، و في الموجب للملك خلاف.

فعندنا أنّه يملك(2) بالقبض و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3) لأنّه قبض لا يجب عليه يتعلّق به جواز التصرف، فوجب أن يتعلّق به الملك، كالقبض في الهبة.

و لأنّه إذا قبضه، ملك التصرّف فيه من جميع الوجوه، و لو لم يملكه لما ملك التصرّف فيه. و لأنّ الملك في الهبة يحصل بالقبض ففي القرض أولي؛ لأنّ للعوض مدخلاً فيه.

و الثاني: أنّه يملك بالتصرّف؛ لأنّه ليس تبرّعاً محضاً؛ إذ يجب فيه البدل، و ليس علي حقائق المعاوضات، فوجب أن يملكه بعد استقرار بدله. و لأنّ العين ما دامت باقية في يده كان للمالك أن يرجع فيها، و للمقترض أن يردّها، و هو يدلّ علي أنّه لم يملكها، و أنّها كالعارية في يده(4).

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 434:4.
2- في «س، ي»: «يملكه».
3- المهذّب للشيرازي 310:1، التهذيب للبغوي 545:3، حلية العلماء 393:4، الوسيط 455:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 435:4، روضة الطالبين 277:3.
4- المهذّب للشيرازي 310:1، التهذيب للبغوي 545:3، حلية العلماء 393:4، الوسيط 456:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 435:4، روضة الطالبين 277:3.

و نمنع وقف التملّك علي استقرار بدله.

سلّمنا، لكنّه يستقرّ بالقبض.

و نمنع أنّ للمالك الرجوع في العين.

و أمّا دفع المقترض للعين فكدفعه للبدل، فكما لا يقال: إنّ لا يخرج عن ملكه لجواز دفعه، كذا مال القرض.

مسألة 41: عندنا أنّ المستقرض يملك بالقبض،

فليس للمقرض أن يرجع فيه مع بقائه في يد المستقرض بحاله و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) صيانةً لملكه، و له أن يؤدّي حقّه من موضعٍ آخَر؛ لانتقال الواجب إلي البدل من المثل أو القيمة.

و أظهر وجهي الشافعيّة: أنّ للمقرض الرجوع في العين مع وجودها و إن ملك المستقرض بالقبض؛ لأنّه يتمكّن من تغريمه بدل حقّه عند الفوات فلأن يتمكّن من مطالبته بعينه كان أولي، و لا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره، كما يرجع الواهب في الهبة(2).

و الحقّ الأوّل، و إنّما تمكّن من تغريمه بدل حقّه؛ لانتقال الواجب في الذمّة بالقبض إليه، ما يملك البائع الثمن بعقد البيع، و ليس له الرجوع في العين.

و الفرق بينه و بين الهبة أنّ الواهب ليس له الرجوع علي المتّهب بعوض الهبة، بخلاف القرض.

مسألة 42: يجب علي المستقرض دفع مال القرض الحالّ عند المطالبة،

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 277:3.
2- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 277:3.

و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتي يقضي المستقرض وطره منه، أو يمضي زمان يسع لذلك(2).

و لو ردّ المستقرض العين التي اقترضها، وجب علي المُقرض القبول لا محالة.

مسألة 43: قد بيّنّا أنّ المستقرض يملك بالقبض بعد العقد،

و هو أحد قولي الشافعي.

و القول الآخَر: إنّه يملك بالتصرّف علي معني أنّه إذا تصرّف تبيّن لنا ثبوت الملك قبله، و هذا يدلّ علي أنّ الملك لم يحصل بالتصرّف، بل بسببٍ آخَر قبله.

ثمّ في ذلك التصرّف وجوه:

أظهرها: أنّ كلّ تصرّف يزيل الملك.

و الثاني: كلّ تصرف يتعلّق بالرقبة.

[و] الثالث: كلّ تصرّف يستدعي الملك.

فعلي الوجوه يكفي البيع و الهبة و الإعتاق و الإتلاف، و لا يكفي الرهن و التزويج و الإجارة و طحن الطعام و خبز الطحين و ذبح الشاة علي الوجه الأوّل، و يكفي ما سوي الإجارة عيل الثاني، و ما سوي الرهن علي الثالث؛ لأنّه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه، كما سيأتي(3).

و قال بعضهم ضابطاً في ذلك، و هو: أنّ التصرّف الذي يملك به

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 435:4.
2- العزيز شرح الوجيز 435:4.
3- العزيز شرح الوجيز 436435:4، روضة الطالبين 277:3.

القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب و البائع عند إفلاس المشتري(1).

و إذا فرّعنا علي الوجه الأوّل، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن قلنا: إنّه لا يزيل الملك، فلا. و إن قلنا: إنّه يزيله، فوجهان؛ لأنّه لا يزيل بصفة اللزوم(2).

تذنيب: إذا كان المال حيواناً، ملكه المقترض بالإقباض، فإذا قبضه كانت نفقته علي المقترض، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخَر: نفقته علي المالك؛ لأنّ الملك إنّما يحصل بالتصرّف، فإذا تصرّف المقترض كانت النفقة عليه من تلك الحال(3).

تذنيبٌ آخَر: لو استقرض مَنْ ينعتق عليه، انعتق بالقبض عندنا.

و مَنْ قال: إنّ الملك بالتصرّف ينعتق بالتصرّف.

مسألة 44: إذا اقترض نصف دينار مكسوراً فأعطاه المقترض ديناراً صحيحاً

عن قرضه نصف دينار و الباقي يكون وديعةً عنده و تراضيا، جاز؛ لأنّه زاده خيراً. و إنّما شرطنا المراضاة؛ لأنّ الشركة عيب، و الكسر عيب، فافتقر إلي المراضاة، فإنّ المقرض كان له ذلك؛ لأنّ هذا و إن كان خيراً من حقّه إلّا أنّ فيه نقصان الشركة و التزام الوديعة.

فإن رضي و اتّفقا علي كسره، لم يجز؛ لأنّ ذلك قسمة إضرار، إلّا مع الحاجة و عدم الراغب في شرائه بمكسورين.

و إذا اتّفقا علي أن يكون نصفه قضاءً و نصفه قرضاً أو ثمناً أو قضاءً لنصف آخَر مكسور، وجب القول؛ لأنّه زاده خيراً، جاز(4) ؛ للأصل.

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
2- العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
3- التهذيب للبغوي 545:3، العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
4- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة.
مسألة 45: قد بيّنّا أنّ الدَّيْن الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل،

إلّا أن يجعل التأجيل شرطاً في عقدٍ لازم، كالبيع و شبهه، مثل: أن يقول: بعتك كذا بشرط أن تصبر عليَّ بالدَّيْن الحالّ كذا، أو اشتري علي هذا الشرط، فإنّه يبقي لازماً؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إذا دفع المقترض أو المديون المال قبل الأجل، لم يجب علي صاحبه قبضه، سواء كان عليه في ذلك ضرر أولا.

و لو مات المديون و كان الدَّيْن مؤجّلاً، حلّ الأجل بموته، و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 46: إذا ردّ المقترض العينَ في المثلي، وجب القبول؛

لأنّها(2) أقرب إلي الحقّ من المثل(3) ، سواء رخصت أولا.

أمّا غير المثلي فإذا(4) دفعه بعينه، هل يجب علي المالك القبول ؟ يحتمل ذلك؛ لأنّ الانتقال إلي القيمة إنّما كان لتعذّر العين و قد وُجدت، فلزمه القبول مع الدفع.

و لا يجب علي المقترض الدفع، بل له دفع القيمة و إن كانت العين موجودةً؛ لأنّه قد ملكها بالقبض، و انتقل إلي ذمّته قيمة العين لا نفسها. و علي هذا يحتمل أن لا يجب علي المالك قبول العين لو دفعها المقترض بحالها إليه؛ لأنّ حقّه القيمة.

و للمالك مطالبة المقترض بالجميع مع الحلول و إمكان الأداء و إن

ص: 47


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه».
3- في الطبعة الحجرية: «و المثل» بدل «من المثل».
4- في الطبعة الحجريّة: «إذا».

أقرضه تفاريق.

و لو أقرضه جملةً فدفع إليه تفاريق، وجب القبول.

مسألة 47: لو اقترض جاريةً، جاز له وطؤها مع القبض؛ لأنّه قد ملكها.

فإذا وطئها، جاز له ردّها علي مالكها مجّاناً؛ إذ لا عوض عليه في وطئه حيث صادف ملكاً.

و لو حملت، صارت أمّ ولد، و لم يجز دفعها، بل يجب دفع قيمتها.

فإن دفعها جاهلاً بحملها ثمّ ظهر الحمل، استردّها.

و هل يرجع بمنافعها؟ إشكال.

و يدفع قيمتها يوم القرض؛ لأنّه الواجب عليه، لا يوم الاسترداد؛ لظهور فساد الدفع.

مسألة 48: قد بيّنّا أنّه لا يجوز إقراض المجهول؛

لتعذّر الردّ، فلو أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبّة من طعام غير معلومة الكيل و لا الوزن أو قدرها بمكيال معيّن أو صنجة معيّنة غير معروفين عند الناس، لم يصح.

فإن تلفت العين، تصالحا؛ إذ ثبت له في ذمّة المقترض مال و لا يعلم أحدهما قدره، و يتعذّر إبراء الذمّة إلّا بالصلح، فيكون الصلح متعيّناً.

و لو ادّعي المالك العلم، لم يُقبل منه إلّا بالبيّنة.

و لو ادّعي الغريم العلم، قُبل قوله مع اليمين؛ لأنّه غارم.

مسألة 49: قد ذكرنا أنّه يجوز أن يقرضه في بلدٍ و يشترط ردّه في غيره.

و لو لم يشترط شيئاً، اقتضي الإطلاق أداء المثل في بلد القرض. فإن شرط القضاء في بلدٍ آخَر، جاز، سواء كان في حملة مئونة أم لا.

ص: 48

و لو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره، وجب الدفع.

و لو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط، وجب القبول علي إشكال.

مسألة 50: لو اشتري منه سلعة بدراهم اقترضا المشتري من البائع فخرجت الدراهم زيوفاً،
اشارة

فإن كان الشراء بالعين و كان البائع عالماً بالعيب، صحن البيع، و كان علي المقترض ردّ مثل الزيوف.

و لو كان الشراء في الذّمة، كان للبائع مطالبته بالثمن سليماً، و للمشتري احتساب ما دفعه ثمناً عن القرض.

و لو لم يكن البائع عالماً بعيب الدراهم و كان الشراء بالعين، كان له فسخ البيع.

تذنيب: لو قال المقرض: إذا متُّ فأنت في حلٍّ، كان وصيّةً تمضي من الثلث.

أمّا لو قال: إن متَّ فأنت في حلٍّ، كان إبراءً باطلاً؛ لأنّه علّقه علي شرط.

مسألة 51: لو اقترض ذمّيٌّ من مثله خمراً أسلم أحدهما، سقط القرض؛

إذ لا يجب علي المسلم أداء الخمر، و لا قيمة؛ لأنّه من ذوات الأمثال، و لا يجوز للمسلم المطالبة به. أمّا لو أقرض الذمّيُّ ذمّيّاً خنزيراً ثمّ أسلم أحدهما، كان لصاحبه المطالبةُ بالقيمة؛ لأنّ الخنزير من ذوات القِيَم، لا من ذوات الأمثال، فالذمّيّ لمّا اقترض الخنزير وجب عليه بالقبض قيمته، و الخمر يجب عليه وقت القبض مثله.

مسألة 52: لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم
اشارة

ص: 49

غيرها، لم يكن عليه إلّا الدراهم الأُولي؛ لأنّها من ذوات الأمثال، فكانت مضمونةً بالمثل. فإن تعذّر المثل، كان عليه قيمتها وقت التعذّر.

و يحتمل وقت القرض من غير الجنس، لا من الدراهم الثانية، حذراً من التفاضل في الجنس المتّحد.

و المعتمد: الأوّل.

قال الشيخ (رحمه اللّه): و مَنْ أقرض غيره دراهم ثمّ سقطت تلك الدراهم و جاءت غيرها، لم يكن [له(1)] عليه إلّا الدراهم التي أقرضها إيّاه، أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه(2).

و قد روي يونس في الصحيح قال: كتبت إلي أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنّه كان لي علي رجل دراهم و إنّ السلطان أسقط تلك الدراهم و جاءت دراهم أعلي(3) من تلك الدراهم الاُولي و لهم(4) اليوم و ضيعة، فأيّ شيء لي عليه ؟ الاُولي التي أسقطها السلطان، أو الدراهم التي أجازها السلطان ؟ فكتب: «الدراهم الاُولي»(5).

و في الصحيح عن صفوان قال: سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيّرت و لا يباع بها شيء، أ لصاحب الدراهم الدراهمُ الأُولي أو الجائزة التي تجوز بين الناس ؟ت.

ص: 50


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- النهاية: 384.
3- في الطبعة الحجريّة و الاستبصار: «أغلي».
4- في الاستبصار: «و لها» بدل «و لهم».
5- التهذيب 507/117:7، الإستبصار 343/99:3، و في الفقيه 503/118:3 بتفاوت.

قال: قال: «لصاحب الدراهمِ الدراهمُ الاُولي»(1).

قال الصدوق (رحمه اللّه) عقيب رواية يونس: كان شيخنا محمد بن الحسن (رضي اللّه عنه) يروي حديثاً في أنّ له الدراهم التي تجوز بين الناس.

قال: و الحديثان متّفقان غير مختلفين، فمتي كان له علي رجل دراهم بنقدٍ معروف فليس له الّا ذلك النقد، و متي كان له علي رجل دراهم بوزنٍ معلوم بغير نقدٍ معروف فإنّما له الدراهم التي تجوز بين الناس(2).

فروع:

أ لو جعل السلطان قيمتها أقلّ، كان الحكم فيه كما في إسقاطها.

ب لو كان رأس مال المضاربة دراهم معيّنة ثمّ أسقط السلطان تلك الدراهم، احتمل أن يكون رأس المال تلك الدراهم بعينها التي أسقطها السلطان؛ لأنّها المدفوعة مضاربةً.

و يحتمل جبر النقص بالربح؛ لأنّه من الخسران.

ج لو تبايعا و النقد في البلد تلك الدراهم ثمّ سقطت، لم يكن للبائع إلّا النقد الأوّل الجاري بين الناس وقت العقد.

و لن تعاملا بعد النقص و العلم، في بلد السلطان أو غيره.

و إن كان قبل العلم، فالوجه: ثبوت الخيار للبائع، سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره؛ لأنّه عيب حدث بعد العقد و قبل الإقباض.

الفصل الرابع في مداينة العبد معاملاته.
اشارة

ص: 51


1- التهذيب 508/117:7، الاستبصار 344/10099:3.
2- الفقيه 504/118:3.

و فيه مباحث:

الأوّل: في غير المأذون.
اشارة

العبد إمّا أن يأذن له مولاه في الاستدانة أو لا، و الثاني إمّا أن يكون مأذوناً له في التجارة أو لا، فالأقسام ثلاثة قدّم منها البحث عن غير المأذون له في التجارة و لا في الاستدانة.

و هذا إن استدان شيئاً، لم يلزم مولاه منه شيء، بل يتبعه المدين إذا اعتق رجع عليه بما لَه عليه إن كان ذا مال. و إن ما تعبداً، سقط الدَّيْن بلا خلاف.

و لو كان المال الذي استدانه بغير إذن مولاه موجوداً، استُعيد به، فإن تلف، تبع به بعد العتق.

و لا فرق بين أن يكون صاحب المال عالماً بعبوديّة أو جاهلاً.

و كذا إن اشتري في ذمّته بغير إذن مولاه.

و هل يصّح عقد الشراء أو القرض ؟ الأولي المنع؛ لأنّه محجور عليه. و لأنّه سيأتي(1) أنّ العبد لا يملك شيئاً، و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّه عقد معاوضة، فلا يصّح من العبد بغير إذن سيّده، كالنكاح(2).

و قال بعضهم: يصحّ؛ لأنّ العبد رشيد و إنّما لا يملك شيئاً، فإذا تصرّف في ذمّته علي وجه لا يستضرّ به السيّد، كالحُرّ المعسر، بخلاف

ص: 52


1- في ص ؟، المسألة 57.
2- المهذّب للشيرازي 396:1، حلية العلماء 358:5، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.

النكاح؛ لأنّ فيه إضراراً بالمولي، لأنّ النفقة تتعلّق بكسبه، و كذا المهر(1).

مسألة 53: لو اقترض بغير إذنٍ،

فإن قلنا بالجواز، فللبائع و المقرض الرجوع فيه إذا كان في يد العبد؛ لأنّه قد تحقّق إعساره، فكان للبائع الرجوعُ، و به قال الشافعي(2).

و فيه إشكال من حيث إنّ المقرض و البائع عالمان بإعساره، فلم يكن لهما الرجوع في العين، كما لو باع المُعْسرَ مع علمه بإعساره و حجر الحاكم عيلة.

و إن كان قد تلف في يده، فقد استقرّ الثمن و عوض القرض عليه في ذمّته يتبع به بعد العتق و اليسار.

و لو كان سيّده قد أخذه منه، فقد ملكه؛ إذ كلّ ما يملكه العبد لمولاه، و لم يكن للبائع و لا للمقرض الرجوع فيه؛ لأنّ السيّد أخذ ذلك بحقٍّ؛ إذ له أخذه منه، فيسقط حقّ البائع و المقرض، كما يسقط حقّ البائع ببيع المبيع، و يكون للبائع و المقرض العودُ في ذمّة العبد يتبعه به إذا أُعتق و أيسر.

و إن قلنا بالمنع و إنّ البيع و القرض فاسدان، فإنّ البائع و المقرض يرجعان في العين إن كانت موجودةً، سواء كانت في يد العبد أو يد السيّد؛ لبقاء ملك البائع و المقرض فيهما.

و إن كانت قد تلفت في يد العبد، كان عليه القيمة يتبع بها بعد العتق و اليسار إن كانت من ذوات القِيَم. و إن كانت من ذوات الأمثال، وجب عليه مثله.

و إن كان قد تلف في يد السيّد، كان علي السيّد المثلُ أو القيمة إن

ص: 53


1- المهذّب للشيرازي 396:1، حلية العلماء 358:5، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- المهذّب للشيرازي 397:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.

شاء رجع به علي السيّد في الحال، و إن شاء طالَب به العبد مع عتقه و يساره.

إذا عرفت هذا، فالأقرب عندي أنّه لا يصحّ شراؤه في ذمّته و لا قرضه؛ لاستحالة أن يثبت الملك له، فإنّه ليس أهلاً للتملّك علي ما يأتي(1) ، و لا للمولي؛ لأنّ إن ملك بغير عوض، فهو تجارة بالباطل؛ إذ المالك إنّما دفع العين ليسلم له العوض، فإذا لم يكن هناك عوض، يكون تسلّطاً علي ملك الغير بغير إذنه.

و إن ملك السيّد بعوضٍ، فإمّا في ذمّته، و هو باطل؛ لأنّ السيّد ما رضي به، أو في ذمّة العبد، و هو باطل؛ لامتناع حصول الشيء لمن ليس عليه عوض، بل علي غيره.

و كلا القولين للشافعيّة؛ بناءً علي القولين في أنّ المفلس المحجور عليه إذا اشتري شيئاً هل يصحّ؟ و وجه الشبه: كماليّة كلّ واحد منهما في عقله و عبارته، و إنّما حجر عليه لحقّ الغير.

هذا أحد الطريقين لهم، و الطريق الآخَر: القطع بالفساد، بخلاف المفلس؛ لأنّه أهل للتملّك(2).

مسألة 54: إن قلنا: الشراء صحيح، فالملك للسيّد.

فإن(3) علم البائع عبوديّتَه، لم يطالبه بشيء و لا للسيّد، بل يصبر حتي يعتق العبد، فإن لم يعتق أو كان معسراً، ضاع الثمن.

ص: 54


1- في ص ؟، المسألة 57.
2- العزيز شرح الوجيز 373:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «و إن».

و إن لم يعلم بالعبوديّة، تخيّر بين الصبر إلي العتق و بين الفسخ و يرجع إلي عين ماله، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم، الملك للعبد، و السيّد بالخيار بين أن يُقرّه عليه و بين أن ينتزعه من يده، و للبائع الرجوع إلي عين المبيع ما دام في يد العبد؛ لتعذّر تحصيل الثمن، كما لو أفلس المشتري بالثمن، فإن تلف في(2) يده، فليس له إلّا الصبر إلي أن يعتق(3).

و إن انتزع السيّد، فهل للبائع الرجوعُ؟ قال أكثر الشافعيّة: إنّه لا يرجع، كما لو زال يد المشتري عمّا اشتراه ثمّ أفلس بالثمن(4).

و قال بعضهم: يرجع، بناءً علي أنّ الملك [يحصل(5)] للسيّد ابتداءً لا بالانتزاع(6).

و إن أفسدنا شراءه، فللمالك استرداد العين مع بقائها، سواء كانت في يد السيّد أو العبد.

فإن تلفت في يد العبد من غير أن يقبضها السيّد، تعلّق الضمان برقبته. و إن تلفت في يد السيّد، طالبَه بالضمان، و إن شاء طالَب العبد بعد العتق.

و لو رآه السيّد و لم يأخذه، لم يضمن بذلك، سواء كان البائع و المقرض عالمَيْن بالعبوديّة أو جاهلَيْن، و سواء رضي السيّد بما فَعَله العبد أو لا إذا لم يكن قد أذن له أوّلاً.3.

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «ما في».
3- العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
4- العزيز شرح الوجيز 374373:4، روضة الطالبين 229:3.
5- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
6- العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 229:3.

و لو أدّي العبد الثمن من مال السيّد، كان للسيّد استرداده؛ لوقوعه فاسداً.

مسألة 55: ليس للعبد أن ينكح بدون إذن سيّده، سواء اضطرّ إليه أو لا،

و إلّا لكان له الوطؤ متي شاء، و ذلك يورث ضعف البنية، و يتضرّر به السيّد.

و كذا حكم كلّ تصرّفٍ يتعلّق برقبة العبد.

أمّا الهبة منه و الوصيّة له فإنّه هبة للسيّد و وصيّة له؛ إذ لا يصحّ أن يملك العبد شيئاً، فإن قَبِل المولي أو العبد بإذنه، ملك المولي، و إلّا فلا.

و لا يصحّ قبول العبد من دون إذن السيّد؛ لعدم رضاه بثبوت الملك، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال آخرون منهم: يصحّ قبول العبد من دون إذن مولاه؛ لأنّه اكتساب لا يستعقب عوضاً، فأشبه الاصطياد بغير إذنه. و لأنّ العبد لو خالع زوجته، صحّ، و ثبت العوض، و دخل في ملك السيّد قهراً، كذا هنا(2).

مسألة 56: لو ضمن بغير إذن السيّد، فالأقرب: الجواز؛

لأنّه تصرّف في الذمّة لا في العين.

ثمّ إن علم المضمون له بالعبوديّة قبل الضمان، و لم يكن له الرجوع، و إلّا رجع، لإعساره، و سيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالي.

و بالجملة، فغير المأذون له في الاستدانة أو التجارة ممنوع من التصرّف في نفسه و ما في يده ببيعٍ و إجارة و استدانة و غير ذلك من جميع العقود، إلّا بإذن مولاه، إلّا الطلاق، فإنّ له إيقاعه و إن كره المولي.

ص: 56


1- الوسيط 203:3، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- الوسيط 203:3، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
مسألة 57: المشهور بين علمائنا أنّ العبد لا يملك شيئاً،

سواء ملّكه مولاه شيئاً أو لا و به قال أو حنيفة و الثوري و إسحاق و أحمد في إحدي الروايتين و الشافعي في الجديد من القولين(1) لقوله تعالي ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (2) و قوله تعالي هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ (3) نفي عنه القدرة مطلقاً، و نفي أن يشارك العبد مولاه في شيء البتّة، فكأنّه تعالي قال: إذا لم يشارك عبد أحد مولاه في ملكه فيساويه، فكذلك لا يشاركني في ملكي أحد فيساويني فيه، فثبت أنّ العبد لا يملك شيئاً. و لأنّه مملوك فلا يملك شيئاً، كالدابّة.

و قال بعض(4) علمائنا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية و ما يملّكه مولاه و به قال مالك و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدي الروايتين، و داوُد و أهل الظاهر(5) لقوله تعالي وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (1) فبيّن تعالي أنّه يغنيهم بعد فقر، فلو(2) لم يملكوا لم يتصوّر فيه الغني.

ص: 57


1- أحكام القرآن للجصّاص 187:3، المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 467:3، حلية العلماء 360:5، الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3.
2- النحل: 75.
3- الروم: 28.
4- انظر: النهاية: 543.
5- الذخيرة 308:5، المعونة 1069:2، المقدّمات الممهّدات 340:2، المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 467:3، حلية العلماء 360:5، الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3، أحكام القرآن للجصّاص 187:3، المغني 277:4، و حكي قول داوُد الشيخ الطوسي في الخلاف 121:3، المسألة 207.

و قال بعض(1) علمائنا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية و ما يملّكه مولاه و به قال مالك و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدي الروايتين، و داوُد و أهل الظاهر(2) لقوله تعالي وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (3) فبيّن تعالي أنّه يغنيهم بعد فقر، فلو(4) لم يملكوا لم يتصوّر فيه الغني.

و لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «مَنْ باع عبداً و له مالٌ فمالُه للعبد إلّا أن يستثنيه السيّد»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يشتري المملوك و له مالٌ لمَنْ مالُه ؟ فقال: «إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري، و إن لم يكن علم فهو للبائع»(4).

و لأنّه آدميّ، فأشبه الحرّ، و الغني يكون بعد العتق، كما يكون في الحُرّ بعد التجارة.

و خبر العامّة غير ثابت عندهم، و عارضوه بما رووه عنه (عليه السّلام) أنّه قال: «مَنْ باع عبداً و له مالٌ فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع»(5).

و قد رواه الخاصّة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر أو الصادق (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً، فقال: «المال للبائع إنّما باع نفسه إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان من مال أو متاع فهو له»(6) و لو ملكه العبد لم يكن للبائع، فلمّا جَعَله للبائع دلّ علي أنّ العبد لم7.

ص: 58


1- الكافي 213:5 (باب المملوك يباع..) ح 1، التهذيب 307/71:7.
2- سنن أبي داوُد 3433/268:3 و 3435، سنن النسائي 297:7، مسند أحمد 4538/73:2.
3- النور: 32.
4- في الطبعة الحجريّة: «و لو».
5- المغني 277:4، و فيه «مَنْ باع عبداً و له مال» بدون الذيل، و في سنن الدارقطني 31/134133:4: «مَنْ أعتق عبداً..».
6- الكافي 213:5 (باب المملوك يباع..) ح 2، التهذيب 306/71:7.

يملك، و ثبت بذلك أنّ الإضافة مجاز.

و يفارق الحُرّ؛ لأنّه غير مملوك.

و ملك النكاح؛ لأنّه موضع حاجة و ضرورة؛ لأنّه لا يستباح في غير ملك. و لأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه، بخلاف المال.

و الفائدة في القولين تظهر في الزكاة، فإن قلنا: يملك، فلا زكاة؛ لضعف ملكه، إذ لمولاه انتزاعه منه متي شاء. و إن قلنا: لا يملك، وجبت الزكاة علي المولي.

و إذا ملّكه جاريةً و قلنا: يملك، استباح وطأها، و إلّا فلا.

و يكفّر بالمال إن قلنا: يملك، و إلّا بالصوم.

البحث الثاني: في المأذون له في الاستدانة.
مسألة 58: يجوز للسيّد أن يأذن لعبده في الاستدانة و التجارة و سائر التصرّفات إجماعاً.

و لأنّه صحيح العبارة، و إنّما مُنع من التصرّف لحقّ السيّد، فإذا أمره، زال المانع.

إذا ثبت هذا، فإذا أذن له في الاستدانة، فإن استدان للمولي بإذنه، كان الضمان علي المولي؛ لأنّه المستدين في الحقيقة، و المملوك نائبه.

و إن استدان لنفسه بإذن المولي، فإن استبقاه مملوكاً أو باعه، فالضمان علي المولي أيضاً؛ لأنّه بإذنه دفع المالك ماله إليه.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر (عليه السّلام)، قال: قلت له: الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دَيْن، قال: «إن كان أذن له أن يستدين فالدَّيْن علي مولاه، و إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شيء علي المولي،

ص: 59

و يستسعي العبد في الدَّيْن»(1).

مسألة 59: لو أعتقه مولاه و قد أذن له في الاستدانة فاستدان،

فالأقرب إلزام العبد بما استدانه؛ لأنّه أخرجه في مصلحته، فكان عليه أداؤه، بخلاف ما لو باعه مولاه أو استبقاه؛ لأنّ التفريط من المولي بإذنه، و عدم تمكن صاحب المال من أخذه.

و لما رواه عثمان بن عيسي عن ظريف الأكفاني قال: كان أذن لغلامٍ له في الشراء و البيع فأفلس و لزمه دَيْنٌ فأُخذ بذلك الدَّيْن الذي عليه، و ليس يساوي ثمنه ما عليه من الدَّيْن، قال: فقال الصادق (عليه السّلام): «إن بعته لزمك، و إن أعتقته لم يلزمك» فعتقه و لم يلزمه شيء(2).

و يحتمل إلزام المولي؛ لأنّه أذن له في الاستدانة، فكأنّه قد أذن له في إتلاف مال الغير، و لا شيء للعبد حالة الإذن، فتضمّن ذلك الالتزام بما يسدينه، و هذا هو المشهور.

مسألة 60: لو استدان العبد بإذن المولي ثمّ مات المولي و عليه ديون و قصرت التركة عن الديون،

قُسّمت التركة علي دَيْن المولي و دَيْن العبد بالنسبة؛ لأنّهما معاً يستحقّان في ذمّة المولي.

و لما رواه زرارة، قالت: سألتُ الباقرَ (عليه السّلام): عن رجل مات و ترك عليه دَيْناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً و في يد العبد مال و متاع و عليه دَيْنٌ استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة، فإنّ الورثة و غرماء الميّت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع و في رقبة العبد، فقال

ص: 60


1- الكافي 3/303:5، التهذيب 445/200:6، الإستبصار 31/1211:3.
2- الكافي 1/303:5، التهذيب 443/199:6، الاستبصار 29/11:3.

«أري أن ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد، و لا علي ما في يده من المتاع و المال إلّا أن يضمنوا(1) دَيْن الغرماء جمعياً، فيكون العبد و ما في يديه للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يديه للغرماء، يقوّم العبد و ما في يديه من المال ثمّ يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا علي الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئاً» قال: «فإن فضل من قيمة العبد و ما كان في يديه عن دَيْن الغرماء ردّه علي الورثة»(2).

مسألة 61: لو أذن المولي لعبده في الشراء للعبد، صحّ.

و الأقرب أنّه لا يملكه العبد، فحينئذٍ يملكه المولي؛ لاستحالة ملكٍ لا مالك له، و لكن للعبد استباحة التصرّف و الوطي لو كان أمةً لا من حيث الملك، بل لاستلزامه الإذن.

إذا عرفت هذا، فليس الإذن في الاستدانة للمملوك إذناً لمملوك المأذون؛ لاختصاصه بالمأذون، فلا يتعدّي إلي غيره بالأصل.

و لا بدّ في إذن الاستدانة من التصريح، فلا يكفي السكوت لو رآه يستدين، و لا ترك الإنكار.

أمّا أمر صاحبَ المال بالإدانة لعبده، فالأقرب أنّه إذن للعبد، فيستبيح العبد التصرّفَ، و يتعلّق الضمان بالمولي، بل هو أبلغ من الإذن للعبد فيه.

ص: 61


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «يضمنوا»: «يظهر» و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 2/303:5، التهذيب 444/200199:6، الإستبصار 30/11:3.
البحث الثالث: في المأذون له في التجارة.
اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأُمور ثلاثة:

الأوّل: فيما يجوز له من التصرّفات.
مسألة 62: إذا أذن السيّد لعبده في التجارة، اقتصر علي ما حدّه له،

و لا يجوز له التعدّي إلي غيره، سواء كان في جنس ما يشتريه و يبيعه أو في القدر أو في السفر إلي موضعٍ. و إن عمّم له، جاز، و لم يختصّ الإذن بشيء من الأنواع دون شيء.

و يستفيد المأذون له في التجارة بالإذن كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها و توابعها، كنشر الثوب و طيّه، و حمل المتاع إلي المنزل و السوق، و الردّ بالعيب، و المخاصمة في العهدة و نحوها، فلا يستفيد به غير ذلك، فليس له النكاح؛ لأنّ الإذن تعلّق بالتجارة، و هي لا تتناول النكاح، فيبقي علي أصالة المنع، و كما أنّ المأذون له في النكاح ليس له أن يتّجر، كذا بالعكس؛ لأنّ كلّ واحد منهما لا يندرج تحت اسم الآخَر.

مسألة 63: ليس للمأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه، لأنّه لا يملك التصرّف في رقبة فكذا في منفعة،

و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يملك ذلك(2). و به قال أبو حنيفة(3).

ص: 62


1- التهذيب للبغوي 555:3، حلية العلماء 359:5، الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 223:3، منهاج الطالبين: 109، الهداية للمرغيناني 4:4، المغني 200:5.
2- العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 223:3.
3- تحفة الفقهاء 288:3، بدائع الصنائع 195:7، المبسوط للسرخسي 6:25، الهداية للمرغيناني 4:4، الاختيار لتعليل المختار 159:2، التهذيب للبغوي 555:3، حلية العلماء 359:5، العزيز شرح الوجيز 366:4.

و هل له إجارة أموال التجارة، كالعبيد و الدوابّ؟ الأقرب: اتّباع العادة في ذلك.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع، كما أنّه لا يؤاجر نفسه.

و الثاني: الجواز؛ لاعتياد التّجار ذلك. و لأنّ المنفعة من فوائد المال، فيملك العقد عليها كالصوف و اللبن. و لأنّ ذلك أنفع للمالك، فيكون محسناً به، فلا سبيل عليه؛ لقوله تعالي ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)(2).

مسألة 64: لو أذن له السيّد في التجارة في نوع من المال، لم يصر مأذوناً في سائر الأنواع

و كذا لو أذن له في التجارة شهراً أو سنةً، لم يكن مأذوناً بعد تلك المدّة، عند علمائنا و به قال الشافعي - (3) اقتصاراً بالإذن علي مورده؛ لعدم تناوله غير ذلك النوع.

و قال أبو حنيفة: إنّ الإذن في نوع يقتضي الإذن في غيره، و كذا الإذن في التجارة مدّةً يقتضي تعميم الأقارب؛ لأنّ في الإذن في نوعٍ أو مدّة غروراً للناس؛ لأنّهم يحسبونه مأذوناً له في كلّ نوع، و الغرور من المغرور صدر حيث بني الأمر علي التخمين و لم يفحص في البحث عن حاله، كما

ص: 63


1- التوبة: 91، المغني 200:5.
2- المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 555:3، الوسيط 197196:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224223:3.
3- التهذيب للبغوي 556:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.

أنّه لو لم يأذن لعبده في التجارة فعامل العبد فتوهّم الغير الإذنَ، لم يلزم المولي حكمٌ، كذا هنا(1).

و اعلم أنّ أبا حنيفة سلّم أنّه لو دفع المولي إليه ألفاً ليشتري به شيئاً، لا يصير مأذوناً له في التجارة(2).

و لو دفع إلي ألفاً و قال: اتّجر فيه فله أن يشتري بعين ما دفع إليه و بقدره في الذّمة لا يزيد عليه.

و لو قال: اجعله رأس مالك و تصرّفْ و اتّجر فيه، فله أن يشتري بأكثر من القدر المدفوع إليه.

مسألة 65: لو أذن لعبده في التجارة و كان للمأذون عبد، لم يكن لعبد المأذون التجارة،

و لا للمأذون أن يأذن له إلّا بإذن مولاه؛ لأنّ المولي إنّما اعتمد علي نظر المأذون، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة، كالتوكيل، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إنّ للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة(4). و ليس بمعتمد.

و لو أذن له السيّد في ذلك ففَعَل، جاز، ثمّ ينعزل مأذون المأذون بعزل السيّد له أو للمأذون، سواء انتزعه من يد المأذون أو لا، و به قال الشافعي(5).

ص: 64


1- تحفة الفقهاء 286:3، المبسوط للسرخسي 5:25 و 9 و 17، التهذيب للبغوي 556:3، العزيز شرح الوجيز 366:4.
2- تحفة الفقهاء 286285:3، العزيز شرح الوجيز 366:4.
3- الوسيط 196:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.
4- العزيز شرح الوجيز 366:4.
5- العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.

و قال أبو حنيفة: إذا لم ينتزعه، لم ينعزل(1).

و هل للمأذون أن يوكّل غيره في آحاد التصرّفات ؟ الأولي المنع؛ لأنّ السيّد لم يرض بتصرّف غيره.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ له ذلك؛ لأنّها تصدر عن نظره، و إنّما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه(2).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 66: ليس للمأذون التصدّق، إلّا مع علم انتفاء كراهية المولي، و لا ينفق علي نفسه من مال التجارة؛

لأنّه ملك لسيّده.

و عند أبي حنيفة له ذلك(3).

و الشافعي(4) وافقنا علي ما قلناه.

و لا يتّخذ الدعوة للمجهزين(5).

و لا يعامل سيّده بيعاً و شراءً؛ لأنّ تصرّفه لسيّده، بخلاف المكاتب يتصرّف لا لسيّده، و به قال الشافعي(6).

ص: 65


1- العزيز شرح الوجيز: 366:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367366:4، روضة الطالبين 224:3.
3- تحفة الفقهاء 288:3، بدائع الصنائع 197:7، الاختيار لتعليل المختار 160:2، الهداية للمرغيناني 5:4، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3.
4- الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 224:3.
5- قال المطرزي في المغرب 101:1: و المجاز عند العامّة: الغليّ من التّجار. و كأنّه أُريد المجهز، و هو الذي يبعث التّجار بالجهاز، و هو فاخر المتاع، أو يسافر به، فحُرّف إلي المجاهز.
6- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 224:3.

و قال أبو حنيفة: له أن يعامل سيّده(1).

و ربما قيّد بعض الشافعيّة ذلك بما إذا ركبته الديون(2).

مسألة 67: لو احتطب المأذون له في التجارة أو اصطاد أو قَبِل الوصيّة أو أخذ من معدن أو مباح، لم ينضمّ إلي مال التجارة،

فليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه؛ لأنّه مال اكتسبه بغير التجارة، فيكون للسيّد، و السيّد لم يأذن له في التصرّف فيه و لا سلّمه إليه ليكون رأس المال، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: له ذلك؛ لأنّه من جملة أكسابه(4)(5).

و هو غير دالّ علي الغرض؛ إذ الكسب لا ينافي المنع.

مسألة 68: و في انعزال المأذون بالإباق نظر، أقربه ذلك، قضاءً للعادة،

فإنّ خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهة المولي لتصرّفه حيث خروج عن الأمانة، و به قال أبو حنيفة(6).

و يحتمل أن لا ينعزل بالإباق، بل له التصرّف في البلد الذي خرج إليه، إلّا إذا خصّ السيّد الإذن بهذا البلد؛ لأنّ الإباق عصيان، فلا يوجب

ص: 66


1- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367:4.
3- الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 555:3، روضة الطالبين 225224:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اكتسابه». و ما أثبتناه من المصادر.
5- التهذيب للبغوي 555، العزيز شرح الوجيز 367:4، روضة الطالبين 224:3.
6- الاختيار لتعليل المختار 162:2، الهداية للمرغيناني 7:4، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، حلية العلماء 362361:5، التهذيب للبغوي 556:3، المغني 200:5.

الحجر، كما لو عصي السيّد من وجهٍ آخَر.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ قهر المولي علي نفسه بالإباق يقتضي قهره علي ما بيده، فلا يناسب الإذن له في التصرّف فيه.

و لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها، ففيه هذا الخلاف. و لا خلاف في أنّ له أن يأذن لمستولدته في التجارة(1).

و عندنا لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها، لم يبطل الإذن.

مسألة 69: لو شاهد عبده يبيع و يشتري فسكت عنه و لم ينكر عليه و لم يظهر منه أثر الاختيار،

لم يصر مأذوناً له في التجارة و به قال الشافعي - (2) كما لو رآه ينكح فسكت، لم يكن مأذوناً له في النكاح، كذا هنا.

و قال أبو حنيفة: إنّه يكون مأذوناً له في التجارة بمجرّد السكوت(3).

مسألة 70: لو ركبت المأذونَ الديونُ، لم يزل ملك سيّده عمّا في يده،

فلو تصرّف فيه المولي ببيع أو هبة أو إعتاق بإذن المأذون و الغرماء، جاز، فيكون الدَّيْن في ذمّة العبد.

فإن أذن العبد دون الغرماء، لم يجز عند الشافعي(4).

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 367:4، روضة الطالبين 225:3.
2- الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، حلية العلماء 357:5، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 225:3، تحفة الفقهاء 286:3، بدائع الصنائع 192:7، الهداية للمرغيناني 3:4، المبسوط للسرخسي 11:25، المغني 200:5.
3- تحفة الفقهاء 286:3، بدائع الصنائع 192:7، المبسوط للسرخسي 11:25، الهداية للمرغيناني 3:4، الاختيار لتعليل المختار 158:2، حلية العلماء 358:5، التهذيب للبغوي 556:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4.
4- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.

و إن أذن الغرماء دون العبد، فللشافعيّة وجهان(1).

و قال أبو حنيفة: إذا ركبته الديون، يزول ملك السيّد عمّا في يده، و لا يدخل في ملك الغرماء(2).

و هو يستلزم المحال، و هو وجود ملكٍ لا مالك له.

و الأقرب: أنّ ما في يده لمولاه، و يصحّ تصرّفه فيه بجميع أنواع التصرّفات، و لا اعتراض للمولي و لا الغرماء.

مسألة 71: لو أقرّ العبد المأذون بديون المعاملة، ففي قبوله إشكال

ينشأ من أنّه يملك ذلك فيملك الإقرار به، و من أنّه إقرار في حقّ المولي.

و المعتمد: الثاني.

و قالت الشافعيّة: إنّه يُقبل، و لا فرق بين أن يُقرّ بها لأجنبيّ أو لولده أو لأبيه(3).

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل إقراره لهما(4).

أمّا أقرّ بغير دَيْن المعاملة فإنّه غير نافذ، و كذا لو أقرّ المأذون؛ لأنّه إقرار في حقّ المولي.

مسألة 72: إذا أقرّ العبد بجناية توجب القصاص أو الدية، أو أقرّ بحدٍّ أو تعزير، لم يُقبل إقراره في حقّ مولاه

بمعني أنّه لا يقتصّ منه ما دام مملوكاً، و لا يطالب بالمال و لا بالحدّ و لا بالتعزير، سواء كان مأذوناً له في

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.
2- الهداية للمرغيناني 8:4، الاختيار لتعليل المختار 163:2، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4.
3- الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.
4- المبسوط للسرخسي 80:25، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4.

التجارة و الاستدانة أو لا و به قال زفر و المزني و داوُد الظاهري و ابن جرير الطبري(1) لأنّه إقرار في حقّ المولي. و لأنّه يسقط حقّ السيّد به، فأشبه إقراره بالخطإ.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك: يُقبل إقراره بما يوجب القصاص، و يكون للمقرّ له استيفاؤه؛ لأنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد علي العبد يُقبل إقرار العبد فيه كالطلاق، بخلاف جناية الخطإ؛ لأنّ العبد تلحقه التهمة في ذلك، و لهذا يُقبل إقرار السيّد بها، و في مسألتنا لا تلحقه التهمة؛ لأنّه يتلف بذلك نفسه، و لهذا يُقبل إقرار المرأة بالقتل و إن تضمّن إبطال حقّ الزوج، و لا يُقبل بما يحرمها عليه مع سلامتها(2).

و نمنع عموميّة أنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد يُقبل فيه إقرار العبد. و التمسّك بالإطلاق تمسّكٌ بأمرٍ جزئيّ لا يدلّ علي الحكم الكلّي.

و قال أحمد: يُقبل إقراره فيما دون النفس، و لا يُقبل في النفس؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أنّه قطع عبداً بإقراره(3).5.

ص: 69


1- المغني 323:4، و 274273:5، الشرح الكبير 280:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 299:4، الهداية للمرغيناني 169:4، الحاوي الكبير 372:5، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 361:5، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5، الهداية للمرغيناني 169:4، المبسوط للسرخسي 100:9، الاُم 217:6، المهذّب للشيرازي 344:2، الحاوي الكبير 372:5، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 361:5، و 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 582، التفريع 231:2.
3- المغني 323:4، و 274273:5، الشرح الكبير 280279:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 299:4، حلية العلماء 361:5، العزيز شرح الوجيز 277:5.

و نحن نمنع ذلك، و إنّما قطعه بالبيّنة.

إذا ثبت هذا، فإن أُعتق نفذ إقراره، و طُولب بمقتضاه.

و إن أقرّ بجناية الخطأ، فعندنا لا يُقبل إقراره في حقّ مولاه علي ما تقدّم.

و قال الشافعي(1) هنا بقولنا.

و يتعلّق الإقرار بذمّته يتبع به إذا أُعتق و أيسر، بخلاف المحجور عليه للسفه إذا أقرّ بالجناية، فإنّه لا يلزم لا حال الحجر و لا بعد فكّه، لأنّا أبطلنا إقراره لسفهه فلا نلزمه إيّاه؛ لأنّ ذلك تضييع لماله الذي حفظناه بالحجر، و العبد رشيد، و إنّما رددنا إقراره لحقّ سيّده، فإذا زال حقّه و ملك المال، ألزمناه حقّ إقراره.

مسألة 73: لو أقرّ العبد بسرقة سواء كان مأذوناً أو لا، لم ينفذ إقراره في حقّ مولاه؛
اشارة

لأنّه إقرار علي الغير، فإن أُعتق، الزم بمقتضاه، سواء كانت السرقة ممّا توجب القطع أو لا، كالسرقة من غير حرز أو لما دون النصاب و يكون المقرّ به في ذمّته تالفاً أو باقياً؛ لأنّه متّهم في إقراره.

و قال الشافعي: إن كانت السرقة لا توجب القطع، لم يُقبل في حقّ المولي، و يتبع العبد بها بعد العتق. و إن أوجبت القطع، صحن إقراره في وجوب القطع عليه، كما يصّح فيما يوجب القصاص(2).

و أمّا المسروق فإن كان تالفاً، فهل يصّح إقراره و يتعلّق برقبته، أو

ص: 70


1- المهذّب للشيرازي 345:2.
2- المهذّب للشيرازي 345:2، التهذيب للبغوي 560:3، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

يكون في ذمّته ؟ للشافعيّة قولان(1):

أحدهما: أنّه يصحّ، و يتعلّق برقبته؛ لأنّ إقراره متضمّن للعقوبة، فلا تهمة فيه، كما لو أقرّ بجناية العمد، فإنّه يصحّ، و إن كان الوليّ إذا عفا وجب المال في رقبته.

و الثاني: لا يجب في رقبته، و إنّما يتعلّق بذمّته؛ لأنّه إقرار بالمال، فأشبه ما لا يجب به القطع. و يفارق الإقرار بالقصاص؛ لإقراره بالعقوبة، و إنّما يصير مالاً بعفو الولي و اختياره، و هنا يُقر(2) بالمال. أ لا تري أنّه إذا أقام المسروق منه شاهداً و امرأتين، ثبت المال دون القطع، و لو شهد بقتل العمد شاهد و امرأتان، لم تثبت العقوبة و لا الدية، فإن رجع عن إقراره، سقط القطع، و يتعلّق المسروق بذمّته قولاً واحداً؛ لأنّ التهمة تلحقه الآن.

و إن كانت العين المسروقة قائمةً، فإن كانت في يد السيّد و أنكر السيّد، قُدّم قوله مع اليمين، و أوجب إقرار العبد القطع، و لا يجب به ردّ العين، و إنّما يثبت بدلها في ذمّته، كالحُرّ إذا أقرّ بسرقة عين في يد مَنْ يدّعيها لنفسه، فإنّه يُقطع و لا يردّ و يغرمها.

و إن كانت في يد العبد، اختلفوا في ذلك علي طريقين:

قال ابن سريج في ردّ ذلك قولين، كما لو كانت العين تالفةً(3).

و قال غيره: لا تردّ العين قولاً واحداً؛ لأنّ يده كيد سيّده، و لو كانت في يد سيّده لم تردّ. و لأنّ هذا يؤدّي إلي أن يُقبل إقراره في أكثر من قيمته،5.

ص: 71


1- المهذّب للشيرازي 345:2، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 327326:8، الوجيز 195:1، العزيز شرح الوجيز 278277:5، روضة الطالبين 6:4.
2- في «س، ي»: «أقرّ».
3- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5.

و هو أن تكون العين أكثر منه قيمةً(1).

و هذا كلّه عندنا بالطل، و إنّ إقراره لا ينفذ لا في المال و لا في القطع.

إذا ثبت هذا، فإنّ الشافعيّة قالوا: إنّه يُقطع، و لا تردّ العين، و به قال مالك و أحمد.

و قال أبو حنيفة: لا يقطع و لا تردّ العين و هو مذهبنا لأنّ العين يحكم بأنّها للسيّد، و لا يجوز أن يقطع في ملك سيّده(2).

و قال محمد: يقطع و تردّ العين؛ لأنّه إنّما أقرّ بسرقة العين، فإذا أوجبنا القطع فيها وجب ردّها(3).

و احتجّ الشافعي بأنّه أقرّ بسرقة عينٍ هي ملكٌ لغيره في الظاهر، فوجب أن يُقبل إقراره في القطع دون العين، كما لو أقرّ الحُرّ بسرقة مال في يد غيره(4).

و نمنع أنّها ملك الغير، بل هي ملك السيّد.

تذنيب: لو صدّق المولي العبد في إقراره بما يوجب القصاص أو الحدّ، قُبِل،

و استوفي من العبد ما يقتضيه إقراره.

مسألة 74: مَنْ عامَل المأذونَ و هو لا يعرف رقّه، صحّ تصرّفه، و لا يشترط علمه بحاله.

و لو عرف رقّه، لم يجز له معاملته، إلّا أن يعرف إذن السيّد.

و لا يكفي قول العبد: أنا مأذون؛ لأنّ الأصل عدم الإذن، فأشبه ما إذا

ص: 72


1- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5، المغني 324:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 582.
3- انظر: الحاوي الكبير 374:5.
4- المغني 324:4.

زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون. و لأنّه مدّعٍ لنفسه، فلا تُقبل دعواه إلّا ببيّنة، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يكفي قول العبد، كما يكفي قول الوكيل(2).

قالت الشافعيّة: بينهما فرق؛ لأنّ في الوكيل لا حاجة إلي دعوي الوكالة، بل يجوز معاملته بناءً علي ظاهر الحال و إن لم يدّع شيئاً، و هنا بخلافه(3).

و إنّما يُعرف كونه مأذوناً إمّا بسماع الإذن من السيّد أو ببيّنة تقوم عليه.

و لو شاع في الناس كونه مأذوناً، فوجهان، أصحّهما عندهم: يكتفي به(4) أيضاً؛ لأنّ إقامة البيّنة لكلّ معاملٍ ممّا يعسر(5).

و الوجه عندي: عدم الاكتفاء، و العسر يندفع بإثبات ذلك عند الحاكم.

و لو عرف كونه مأذوناً ثمّ قال العبد: حجر عليَّ السيّد، لم يعامل.

فإن قال السيّد: لم أحجر عليه، فوجهان للشافعيّة.

أصحّهما عندهم: أنّه لا يعامل أيضاً، لأنّه (العاقد)، و العقد باطل بزعمه.

و الثاني: أنّه يجوز معاملته و هو مذهبنا، و به قال أبو حنيفة اعتماداً3.

ص: 73


1- الوسيط 197:3، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
2- الوسيط 197:3، العزيز شرح الوجيز 368:4.
3- العزيز شرح الوجيز 368:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه» بدل «به». و الصحيح ما أثبتناه.
5- الوسيط 197:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3، منهاج الطالبين 109:3.

علي قول السيّد(1).

مسألة 75: لو عامل المأذونَ مَنْ عرف رقَّه و لم يعرف إذنه ثمّ بانَ كونه مأذوناً، صحّت المعاملة؛

لظهور الإذن المقتضي لصحّتها، و ليس العلم به شرطاً في الصحّة، بل في العلم بها.

و قالت الشافعيّة: إنّه يلحق بما إذا باع مال أبيه علي ظنّ أنّه حيّ فبان ميّتاً(2).

و يقرب منه قولان للشافعيّة فيما إذا كذب مدّعي الوكالة ثمّ عاملة ثمّ ظهر صدق دعوي الوكيل في الوكالة(3).

و كلّ هذا عندنا يقع صحيحاً؛ لما قلناه من أنّ العلم شرط في العلم.

و لو عرف كونه مأذوناً فعامَلَه ثمّ امتنع من التسليم إلي أن يقع الإشهاد علي الإذن، فله ذلك، خوفاً من خطر إنكار السيّد، كما لو صدق مدّعي الوكالة بقبض الحقّ ثمّ امتنع من التسليم حتي يشهد الموكّل علي الوكالة.

و هل يجوز معاملة مَنْ لا يعرف رقّه و حُرّيّته ؟ الأقرب ذلك؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة و عدم الحجر، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: المنع؛ لأنّ الأصل بقاء الحجر الثابت عليه بالصغر(4).

مسألة 76: إذا أطلق له الإذن في الشراء، انصرف إلي النقد،

فإن أذن له في النسيئة، جاز، فيثبت الثمن في ذمّة المولي، و ليس له الاستدانة إلّا مع ضرورة التجارة المأذون له فيها، فيلزم الدَّيْن المولي؛ لأنّ الإذن في الشيء يستلزم الإذن فيما لا يتمّ ذلك الشيء إلّا به.

ص: 74


1- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
2- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
3- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 226:3.
4- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 226:3.

أمّا لو استدان لغير مصلحة التجارة، فإنّه لا يلزم المولي، بل يتبع به بعد العتق، فإن أُعتق أُخذ منه، و إلّا ضاع.

و لا يستسعي علي رأي؛ لأنّ في ذلك إضراراً بالمولي، فكان المؤدّي المولي.

النظر الثاني: في العهدة.
مسألة 77: إذا باع المأذون سلعةً و قبض الثمن فظهرت السلعة مستحقّةً و قد تلف الثمن في يد العبد،

فللمشتري الرجوع ببدله علي السيّد؛ لأنّ العقد له و العبد نائب عنه و عبارته مستعارة، فكأنّه البائع و القابض للثمن، و هو أحد قولي الشافعيّة. و في الثاني: يرجع المشتري علي العبد ببدله؛ لأنّه المباشر للعقد(1).

و لم قولان آخَران:

أحدهما: أنّه لا يرجع علي العبد و لا السيّد؛ لأنّ السيّد بالإذن قد أعطاه استقلالاً، فشرط من معاملة قصر الطمع عن يده و ذمّته(2).

و الثاني: أنّه إن كان في يد العبد وفاء، فلا يطالَب السيّد؛ لحصول غرض المشتري، و إلّا طُولب السيّد(3).

و قال ابن سريج: إن كان السيّد قد دفع إليه عين ماله و قال: بِعها و خُذْ ثمنها و اتّجر فيه، أو قال: اشتر هذه السلعة و بِعْها و اتّجر في ثمنها، ففَعَل ثمّ

ص: 75


1- الوسيط 199:3، العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227226:3.
2- كذا، في العزيز شرح الوجيز: «فشرط من يعامله قصر الطمع علي يده و ذمّته».
3- الوسيط 199:3، العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.

ظهر الاستحقاق و طالَبه المشتري بالثمن، فله أن يطالب السيّد بقضاء الدَّيْن عنه؛ لأنّه أوقعه في هذه الغرامة. و إن اشتري باختياره سلعةً و باعها ثمّ ظهر الاستحقاق، فلا(1).

مسألة 78: المأذون له في التجارة إذا اشتري شيئاً للتجارة، طُولب السيّد بالثمن؛

لأنّه نائب عنه و وكيل له.

و للشافعيّة الأوجُه الثلاثة(2) السابقة في المسألة السابقة.

و الوجه الأوّل و الثاني جاريان في عامل القراض مع ربّ المال؛ لتنزيل ربّ المال العهدة علي المال المعيّن(3).

و لو دفع شخص إلي وكيله مالاً و قال: اشتر لي عبداً و أدِّ هذا في ثمنه، فاشتري الوكيل، ففي مطالبة الموكّل بالثمن عند الشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه يطالَب، و لا حكم لهذا التعيين مع الوكيل؛ لأنّ الوكيل سفير محض، و المأذون مملوكه يلزمه الامتثال و التزام(4) ما يلزمه السيّد ذمّته.

و أحسنهما عندهم: طرد القولين فيه(5).

و الوجه: أن نقول: إن كان الموكّل قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في العقد فاشتري الوكيل به، لم يطالَب الموكّل. و إن لم يدفعه، بطل الشراء إن سمّي الموكّل؛ لمخالفته أمره، و إن لم يسمّه، وقع الشراء له، و كان عليه الثمن، فلا يطالَب الموكّل. و إن لم يكن قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
2- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
3- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلزام». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.

العقد، كان للبائع مطالبة الموكّل.

مسألة 79: إذا توجّهت المطالبة علي العبد، لم تسقط، و لا تندفع عنه بعتقه،

لكن في رجوعه بالمغروم بعد العتق للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لانقطاع استحقاق السيّد بالعتق.

و أظهرهما عندهم: لا يرجع؛ لأنّ المؤدّي بعد العتق كالمستحقّ بالتصرّف السابق علي الرقّ، و هذا كالخلاف في السيّد إذا أعتق العبد الذي آجره في أثناء مدّة الإجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدّة الواقعة بعد العتق ؟(1)

مسألة 80: لو سلّم إلي عبده ألفاً للتجارة فاشتري بالعين شيئاً ثمّ تلف الألف في يده، انفسخ العقد،

كما لو تلف المبيع قبل القبض.

و إن اشتري في الذمّة علي عزم صرف الألف في الثمن، فالأقرب: أنّه لا يجب علي السيّد دفع البدل؛ لأنّه أذن بالمعاملة بما دفعه، و هو ينصرف إلي الشراء بالعين، لكنّ السيّد إن دفع ألفاً آخَر، أمضي العقد، و إلّا فللبائع فسخ العقد، و هو أحد أقوال الشافعيّة.

و الثاني: أنّه ينفسخ بالعقد، كما لو اشتري بالعين، لأنّ المولي حصر إذنه في التصرّف في ذلك الألف و قد فات محلّ الإذن، فبطل البيع.

و الثالث: أنّه يجب علي السيّد ألفٌ آخَر؛ لأنّ العقد وقع له، و الثمن غير متعيّن، فعليه الوفاء بإتمامه(2).

و لا بأس به إن كان السيّد قد أطلق له ذلك، بل هو المتعيّن حينئذٍ، و إلّا فالوجه ما قلناه.

ص: 77


1- الوسيط 200:3، العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.
2- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.

و للشافعيّة وجهٌ رابع، و هو: أن يكون الثمن في كسب العبد(1).

و كذا لو دفع إلي عامل القراض ألفاً للقراض، فاشتري العامل بمالٍ في الذمّة و تلف الألف عنده، هل يجب علي ربّ المال ألفٌ آخَر، أو ينقلب العقد إلي العامل ؟ إن قلنا بالأوّل، فعلي السيّد ألفٌ آخَر. و إن قلنا بالثاني، انفسخ العقد.

و إذا قلنا علي السيّد ألفٌ آخَر، فهل للعبد أن يتصرّف فيه بالإذن السابق، أم لا بدّ من إذنٍ جديد؟ فيه وجهان كالوجهين في أنّه إذا أخرج ألفاً آخَر في صورة القراض، فرأس المال ألفٌ أو ألفان ؟ إن قلنا: ألفٌ، فلا بدّ من إذنٍ جديد. و إن قلنا: ألفان، كفي الإذن السابق.

و الألف الجديد إنّما يطالب به البائع دون العبد، و لا شكّ أنّ العبد لا يمدّ يده إلي ألف من مال السيّد و أنّه لا يتصرّف فيما قبضه البائع، و إنّما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسببٍ من الأسباب و رجع الألف.

مسألة 81: إذا اتّجر المأذون و حصل عليه ديون و في يده مال و كان الذي استدانه في مصلحة التجارة، قُضيت ديونه ممّا في يده،

و إن شاء المولي دفع من عنده. و إن لم يكن بقي في يده شيء، فإنّ الديون تكون(2) في ذمّته يُتبع بها إذا أُعتق و أيسر إن صرفها في غير مصلحة التجارة.

و الشافعيّة أطلقوا و قالوا: لا يتعلّق برقبته و به قال مالك لأنّه دَيْنٌ ثبت علي العبد برضا مَنْ له الدَّيْن، فوجب أن لا يتعلّق برقبته، كما لو استقرض بغير إذن سيّده(3).

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.
2- في «ي»: «تبقي» بدل «تكون».
3- المهذّب للشيرازي 397:1، حلية العلماء 362:5، الوسيط 202:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228227:3، المدوّنة الكبري 256245:5، المغني 322:4.

و قال أبو حنيفة: يُباع العبد فيه إذا طالَبه الغرماء ببيعه؛ لأنّه دَيْنٌ تعلّق بالعبد بإذن سيّده، فوجب أن يباع فيه، كما لو رهنه(1).

و فرقٌ بينهما؛ لأنّ الدَّيْن ثبت فيه باختيار السيّد، و في صورة النزاع إنّما أذن له في التجارة، و لم يأذن له في تأخير الثمن في ذمّته.

و يخالف أيضاً النفقة في النكاح حيث تعلّقت بكسبه؛ لأنّ إذن السيّد في النكاح يتضمّنها، و هُنا لا يتضمّن إذنه، و إنّما أذن له في التجارة و طلب الفائدة، دون المداينة و الخسران.

و قال أحمد بن حنبل: يتعلّق بذمّة السيّد، لأنّه أذن له في التجارة، فقد غرّ الناس بمعاملة، و أذن له فيها، فصار ضامناً(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ السيّد لم يضمن عن عبده، و لا في ذلك غرر، و إنّما أذن له في التجارة، و هذا لا يتضمّن تعديله و لا إثبات وفائه، و يبطل بمن باع رجلاً معسراً و عامَلَه، فإنّه قد غرّ الناس و لا يضمن.

النظر الثالث: في قضاء ديونه.
مسألة 82: ديون معاملات المأذون تؤخذ ممّا في يده من مال التجارة،

سواء فيه الأرباح الحاصلة بتجاراته و رأس المال.

و لو أدّاه السيّد، جاز.

و هل تؤدّي من كسبه بغير طريق التجارة، كالاصطياد و الاحتطاب ؟ مقتضي مذهبنا ذلك؛ لأنّ جميع ذلك ملك السيّد.

و الشافعيّة وجهان

ص: 79


1- تحفة الفقهاء 290:3، المغني 322:4، حلية العلماء 362:5، الوجيز 152:1، الوسيط 202:3.
2- المغني 322:4، حلية العلماء 362:5.

هذا أحدهما، كما يتعلّق به المهر و مُؤن النكاح، إلّا أنّ الشافعيّة قالوا: ما فضل من ذلك يكون في ذمّته إلي أن يعتق.

و الثاني: لا، كسائر أموال السيّد(1).

و علي الأوّل هل يتعلّق بما كسبه بعد الحجر؟ وجهان للشافعيّة، أصحّهما عندهم: أنّها(2) لا تتعلّق برقبته، كما لو استقرض بغير إذن السيّد.

و خالف فيه أبو حنيفة.

و أمّا أنّها لا تتعلّق بذمّة السيّد: فلأنّ ما لزم بمعاوضة معقودة(3) بإذنه وجب أن تكون متعلّقةً بكسب العبد، كالنفقة في النكاح(4).

مسألة 83: لو أذن المولي لجاريته في التجارة فَعَلاها ديونٌ، لم تتعلّق الديون بأولادها،

سواء وُلدوا قبل الإذن في التجارة أو بعدها، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: إن وُلدوا بعد الإذن في التجارة، تعلّق الدَّيْن بهم، و إلّا فلا(6).

و لو أتلف السيّد ما في يد المأذون من أموال التجارة، فعليه ما أتلف بقدر الدَّيْن.

و لو أنّه قتل المأذون و ليس في يده مال، لم يلزمه قضاء الديون، إلّا

ص: 80


1- التهذيب للبغوي 557:3، العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
2- أي الديون.
3- في العزيز شرح الوجيز: «مقصودة» بدل «معقودة».
4- العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
5- العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
6- العزيز شرح الوجيز 371:4.

أن تكون في مصلحة التجارة.

و لو تصرّف فيما في يد المأذون ببيعٍ أو هبة أو إعتاق و لا دَيْن علي العبد، كان تصرّفه ماضياً.

و في وجهٍ للشافعيّة: يشترط أن يتقدّم(1) عليه حَجْراً(2).

و إن كان عليه دَيْنٌ(3).

مسألة 84: إذا باع المأذونَ أو أعتقه، صار محجوراً عليه،

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

و في قضاء ديونه ممّا يكسبه في يد المشتري الخلافُ المذكور فيما يكسبه بعد الحجر عليه.

و أكثر المسائل الخلافيّة في المأذون يبني علي أنّه يتصرّف لنفسه أو لسيّده ؟ فعند أبي حنيفة أنّه يتصرّف لنفسه(5). و عندنا و عند الشافعي(6) لسيّده، فلذلك نقول: ليس له أن يبيع نسيئةً و لا بدون ثمن المثل، و لا يسافر بمال التجارة إلّا بإذن السيّد، و لا يتمكّن من عزل نفسه، بخلاف الوكيل.

و لو أذن لعبده في التجارة مطلقاً و لم يعيّن مالاً، قال بعض الشافعيّة

ص: 81


1- كذا، و في المصدر: «يقدّم».
2- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
3- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة؛ حيث إنّ الشرط بلا جزاء، و قد ورد الجزاء في العزيز شرح الوجيز 372:4، و روضة الطالبين 228:3 هكذا: «فقد سبق حكم تصرّفه» و قد تقدّم حكم تصرّفه في هذا الكتاب ص 39، المسألة 70، فراجع.
4- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
5- العزيز شرح الوجيز 372:4.
6- العزيز شرح الوجيز 372:4.

لا يصحّ هذا الإذن(1).

و قال بعضهم: يصحّ، و له التصرّف في أنواع الأموال(2).

مسألة 85: لو أذن السيّد لعبده في أنّه يضمن عن إنسان مالاً، فضمنه، تعلّق المال بذمّة العبد؛

لأنّه ثبت برضا مَنْ له الحقّ، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يتعلّق بكسبه، و يكون بمنزلة المهر و النفقة؛ لأنّه أذن في سببه(3).

مسألة 86: قد بيّنّا أنّه لا يُقبل إقرار العبد سواء كان مأذوناً له أو لا -

بقصاصٍ و لا حدٍّ و لا في مالٍ في حقّ سيّده.

و قال الشافعي: يُقبل في الجناية و الحدّ(4).

و عندنا أخ صدّقه السيّد الأقرب: القبول.

فإذا ثبت القبول مطلقاً أو بتصديق السيّد، فوليّ الجناية مخيّر بين القصاص و العفو مطلقاً.

و عند الشافعي علي مال(5).

و نحن إنّما نثبت له العفو علي المال مع رضا الجاني.

قال بعض الشافعيّة: علي القول بأنّ الجناية توجب أحد الأمرين إذا

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
2- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
3- العزيز شرح الوجيز 148147:5، روضة الطالبين 476:3.
4- الاُم 217:6، المهذّب للشيرازي 344:2، التهذيب للبغوي 560:3، الحاوي الكبير 372:5، حلية العلماء 361:5، و 326:8، و 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
5- التهذيب للبغوي 560:3، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.

اختار الملك، كان فيه وجهان بناءً علي القولين في المسروق.

لا يقال: لا يثبت العفو علي مال؛ لأنّه يوجب التهمة، لإمكان أن يواطئ العبد مَنْ يقرّ له بالعمد ليعفو عنه.

لأنّا نقول: إنّه أقرّ بالعمد الموجب للقصاص، و ذلك لا تهمة فيه؛ لأنّه لا يأمن استيفاءه منه، و العاقل لا يغرّر بنفسه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المواطاة تنفي ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّ قيمته إذا كانت أقلّ من أرش الجناية، لم يكن للوليّ إلّا ذلك؛ لأنّ الجاني هو العبد، فلا يجب علي غيره شيء. و إن كانت قيمة العبد أكثر، كان الفضل للسيّد؛ إذ ليس لصاحب الجناية أكثر من حقّه.

و إن أراد السيّد أن يفديه، ففيه قولان لعلمائنا، و للشافعي(2) أيضاً كالقولين:

أحدهما: بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش جنايته؛ لأنّ أرش الجناية إن كان أكثر، فلا يتعلّق بغير العبد الجاني، و إنّما تجب قيمته؛ إذ لا شيء له أزيد منها. و إن كان الأرش أقلّ لم يجب بالجناية إلّا هو.

و الثاني: أنّه يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ؛ لأنّه يجوز أن يشتري بأكثر من قيمته بأن يرغب فيه راغب أو يزيد فيه زائد.

مسألة 87: قد عرفت أنّه إذا أقرّ العبد سواء كان مأذوناً له في التجارة أو لا بدَيْن، لم يُقبل؛

ص: 83


1- التهذيب 560:3 و 561، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المهذّب للشيرازي 215:2، التهذيب للبغوي 174:7، حلية العلماء 601:7، الوسيط 378:6، العزيز شرح الوجيز 498:10، روضة الطالبين 212:7.

لأنّه في الحقيقة إقرار في حقّ السيّد، سواء كان قد تلف المال في يده أو لا.

و للشافعي(1) فيما إذا تلف في يده وجهان(2).

و قال ابن سريج: إذا كان المال في يده، فقولان(3).

و منهم مَنْ قال: يُقبل قولاً واحداً(4).

و الحقّ قلنا.

نعم، يُقبل إقراره بكلّ ذلك في ذمّته يتبع به بعد العتق.

تمّ الجزء الثامن(5) من كتاب تذكرة الفقهاء بعون اللّه تعالي و يتلوه في الجزء التاسع(6) بتوفيق اللّه تعالي: المقصد الثاني في الرهن، و فيه فصول علي يد مصنّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي، غفر اللّه تعالي له و لوالديه و لكافّة المؤمنين، ببلدة السلطانيّة في سادس جمادي الأُولي سنة أربع عشرة و سبعمائة.

و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّد المرسلين محمّد النبيّ و آله الطاهرين(7).ن.

ص: 84


1- كذا، و الظاهر: «للشافعيّة».
2- العزيز شرح الوجيز 278277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- العزيز شرح الوجيز 278:5.
4- العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
5- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
6- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
7- ورد في آخر نسخة «س»: و كان الفراغ منه علي يد كاتبه العبد الفقير إلي اللّه الغني زين العابدين بن محي الدّين بن علي بن كرامة، حامداً مصلّياً مسلّماً، نهار الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المعظّم خُتم بالخير و الكرام، سنة اثنين و سبعين و تسعمائة، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين، و الحمد للّه ربّ العالمين.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقصد الثاني: في الرهن

اشارة

و فيه مقدّمة و فصول

أما المقدّمة:
اشارة

ففيها بحثان:

الأوّل: في ماهيّته:

الرهن عقد شُرّع للاستيثاق علي الدّيْن.

و في اللغة: وُضع للثبوت و الدوام. يقال: رهن الشيء: إذا ثبت. و النعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة.

و قيل: جَعْل الشيء محبوساً(1) ، أي شيء كان بأيّ سبب كان.

قال اللّه تعالي كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (2) أي: محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي.

و يقال: رهنت الشيء فهو مرهون. و لا يقال «أرهنت» إلّا في الشواذ من اللغة. يقال: رهن فهو مرهون و ارتهنته فهو مرهن. و يقال: أرهن في الشيء: إذا عدل فيه. و أرهن ابنه: إذا جعله رهينةً و خاطر به.

و جمع الرهن رهون و رهان.

ص: 85


1- الصحاح 2128:5 «رهن»، لسان العرب 189:3 «رهن»، المغني و الشرح الكبير 397:4.
2- المدّثّر: 38.

و أمّا الرُّهن فقال الفرّاء: إنّه جمع الجمع(1).

قال الزجّاج: يحتمل أن يكون جمع رهن، كما يقال: سَقف و سُقُف(2).

الثاني: الرهن سائغ بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (3).

و روي العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قال: «لا يغلق المرتهن الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه و عليه غُرمه»(4).

و عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه الباقر (عليه السّلام): «أنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي»(5).

و عن عائشة: أنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) رهن درعه عند يهوديّ و أخذ منه شعيراً لأهله(6).

و يقال: إنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) عدل عن الرهن عند المسلمين إلي اليهوديّ خوفاً من أن يحابوه أو يُبرؤه من القرض(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو حمزة قال: سألته عن الرهن و الكفيل

ص: 86


1- حكاه عنه الزجّاج في معاني القرآن 367:1، و ابن قدامة في المغني 397:4، و انظر معاني القرآن للفرّاء 188:1.
2- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 397:4، و انظر: معاني القرآن للزجّاج 367:1.
3- البقرة: 283.
4- سنن البيهقي 39:6، الحاوي الكبير 3:6.
5- سنن البيهقي 37:6، الحاوي الكبير 4:6.
6- سنن البيهقي 36:6.
7- سنن البيهقي 36:6.

في بيع النسيئة، قال: «لا بأس به»(1).

و عن معاوية بن عمّار قال: سألتُ الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يسلم في الحيوان و الطعام و يرتهن الرجل، قال: «لا بأس، تستوثق من مالك»(2).

و الأخبار في ذلك كثيرة لا تُحصي.

و قد أجمعت الأُمّة كافّةً علي جواز الرهن في الجملة، و ليس واجباً إجماعاً.

و قوله تعالي وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلي سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (3) المراد منه الإرشاد دون الأمر الموجب.

و هو عقدٌ لازمٌ من طرف الراهن، جائزٌ من جهة المرتهن إجماعاً، فليس للراهن فسخ الرهن، و يجوز للمرتهن فسخه.3.

ص: 87


1- الكافي 233:5 (باب الرهن) ح 1، التهذيب 744/168:7، و الحديث عن الإمام الباقر (عليه السّلام).
2- الكافي 3/233:5، التهذيب 746/168:7.
3- البقرة 283.

ص: 88

الفصل الأوّل: في الأركان
اشارة

و هي أربعة تشتمل عليها أربعة مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة
اشارة

الرهن كالبيع في افتقاره إلي صيغة تدلّ عليه. و الأصل فيه أنّ المعاملات لا بدّ فيها من التراضي بين المتعاملين، و الرضا من الأُمور الباطنة الخفيّة عنّا، و لا يمكن التوصّل إلي معرفته إلّا بالصِّيغ الدالّة عليه.

و الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آتٍ هاهنا.

و اعلم أنّ الرهن إمّا أن يكون مبتدأً متبرّعاً به، و هو الذي لا يقع شرطاً في عقدٍ، بل يقول الراهن: رهنت هذا الشيء عندك علي الدّين الذي عليّ، فيقول المرتهن: قبلت. و إمّا أن يقع شرطاً في عقدٍ، كبيع أو إجارة أو نكاح أو غير ذلك، فيقول: بعتك هذا الشيء بشرط أن ترهنني عبدك، فيقول: اشتريت و رهنت، أو زوّجتك نفسي علي مهرٍ قدره كذا بشرط أن ترهنني دابّتك(1) علي المهر، فيقول الزوج. قبلت و رهنت.

فالقسم الأوّل لا بدّ فيه من الإيجاب و القبول عند من اشترطهما، و لم يكتف بالمعاطاة.

و أمّا القسم الثاني: فقد اختلفوا فيه.

ص: 89


1- في «ج»: «دارك» بدل «دابّتك».

فقال بعض الشافعيّة: إذ قال البائع: بعتك كذا بشرط أن ترهنني كذا، فقال المشتري: اشتريت و رهنت، لا بدّ و أن يقول البائع بعد ذلك: قبلت الرهن. و كذا إذا قالت المرأة: زوّجتك نفسي بكذا بشرط أن ترهنني كذا، فقال الزوج: قبلت النكاح و رهنتك كذا، فلا بدّ و أن يقول المرأة بعد ذلك: قبلت الرهن؛ لأنّه لم يوجد في الرهن سوي مجرّد الإيجاب، و هو بمفرده غير كافٍ في إتمام العقد(1).

و قال آخرون: إنّ وجود الشرط من البائع و الزوجة يقوم مقام القبول؛ لدلالته عليه. و كذا الاستيجاب يقوم مقام القبول(2).

مسألة 88: قد بيّنّا أنّه لا بدّ في الرهن من إيجاب و قبول،

فالإيجاب كقوله: رهنتك، أو: هذا وثيقة عندك علي كذا، أو: هو رهن عنك، و ما أدّي هذا المعني من الألفاظ. و القبول كقوله: قبلت، أو: رضيت، و ما أدّي معناه.

و لا بدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي، فلو قال: أرهنك كذا، أو: أنا أقبل، لم يعتدّ به.

و كذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول؛ لعدم دلالته علي الجزم بالرضا.

و هل يشترط في الصيغة اللفظ العربي ؟ الأقرب العدم.

و لا تكفي الإشارة و لا الكتابة إلّا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة الدالّة عليه. و كذا الكتابة مع الإشارة، و لا تكفي الكتابة المجرّدة عن الإشارة الدالّة علي الرضا.

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 300:3.
2- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 300:3.
مسألة 89: الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تقضي إلي جهالة في بيان إن شُرط فيه،

عند علمائنا أجمع؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون(1) عند شروطهم»(2).

و لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و معني الإيفاء(4) العمل بمقتضاه، فإذا كان مشروطاً، دخل تحت هذا الأمر.

و قالت الشافعيّة: إن شرط في الرهن شرطاً، فإمّا أن يكون من مقتضي عقد الرهن، أو لا يكون من مقتضاه.

فإن كان الأوّل مثل أن يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عَدْلٍ، أو يبيعه عند محلّ الدّيْن، أو يشرط منافعه للراهن، أو علي يباع الرهن في ديْنك عند الحاجة، أو يتقدّم به عند تزاحم الغرماء، أو لا أبيعه إلّا بإذنك، فإنّ مثل هذه الشروط كلّها لا يضر التعرّض بها لا في رهن التبرع و لا في رهن المشروط في العقد، و إنّما هو تصريح بمقتضي العقد و تأكيد لمقتضاه.

و إن كان الثاني فإمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد، كالإشهاد، أو لا يتعلّق به غرض، كقوله: بشرط أن لا يأكل إلّا اللحم، أو ما عداهما(5).

ص: 91


1- في «ج»: «المسلمون» بدل «المؤمنون» و كذا في صحيح البخاري 120:3، و سنن الدارقطني 98/27:3 و 99، و سنن البيهقي 249:7، و المستدرك للحاكم 49:2 و 50، و المصنّف لأبي أبي شيبة 2064/568:6، و المعجم الكبير للطبراني 4404/275:4.
2- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- المائدة: 1.
4- الضمير راجع إلي العقد. و كلمة «به» لم ترد في الطبعة الحجريّة.
5- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.

و الأوّلان، فيهما قولان، كما لو شرطا في البيع، و قد سبق(1) فيه حكمهما.

و الثالث و هو أن يشترط ما عداهما فإمّا أن ينفع المرتهن و يضرّ الراهن، أو بالعكس.

فالنوع الأوّل كما إذا رهن داره بشرط أن يرهن غيرها، أو بشرط أن لا ينفكّ الرهن بعد أداء الدّيْن شهراً، أو أن تكون منافع المرهون أو زوائده للمرتهن، أو أن لا يسلّمه إليه، أو أن لا يبيعه عند محلّ الحقّ، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضي به، فهنا يبطل الشرط عند الشافعي(2).

ثمّ إن كان الرهن رهن تبرّع، فللشافعي قولان:

أصحّهما عنده: أنّ الرهن فاسد أيضاً؛ لما فيه من تغيير قضيّة العقد.

و الثاني: و به قال أبو حنيفة -: أنّ الرهن لا يفسد بفساد الشرط؛ لأنّ الرهن تبرّع من الراهن، و هذا الشرط فيه تبرّع آخر، واحد التبرّعين لا يبطل ببطلان الثاني، كما لو أقرضه الصحاح و شرط ردّ المكسور، يلغو الشرط و يصحّ القرض(3).

و إن كان الرهن مشروطاً في بيع نُظر، فإن لم يجرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً علي أن يبقي محبوساً عنده بعد أداء الثمن شهراً ففي فساد الرهن القولان السابقان(4) في رهن التبرّع.

فإن فسد، ففي فساد البيع قولان في أنّ الرهن و سائر العقود المستقلّةً.

ص: 92


1- في ج 10 ص 246 ضمن «القسم الرابع: النهي عن بيع و شرط» و من 274، الفرع «كد» من المسألة 124.
2- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.
3- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.
4- آنفاً.

إذا شُرطت في البيع علي نعت الفساد هل تُفسد البيع ؟ قولان تقدّما(1). فإن قلنا بصحّة البيع، فللبائع الخيار، صحّ الرهن أو فسد؛ لأنّه إن صحّ، لم يسلم له الشرط. و إن لم يصح، لم يسلم له أصل الرهن.

و إن(2) جرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً و شرط أن تكون منافعه و زوائده للمرتهن فالبيع باطل؛ لأنّ المشروط استحقاقه يصير جزءاً من الثمن، و هو مجهول، و إذا بطل البيع، بطل الرهن و الشرط لا محالة.

هذا ما اتّفق عليه جماهيرهم(3) ، و وراءه كلامان آخران:

أحدهما: نقل المزني في المسألة أنّ للبائع الخيار في فسخ البيع و إثباته، و توهّم أنّه ذهب إلي تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد. و اعترض عليه بأنّه خلاف أصله في أنّ الفاسد لا خيار فيه. و أصحابه خطّاؤه في قيله و توهّمه(4).

و الثاني: أنّ القاضي ابن كج حكي طريقةً اخري أنّ في فساد الرهن قولين. و إن فسد، ففي فساد البيع قولان، كما سبق(5).

و كلامٌ ثالث استحسنه بعضهم، و هو: أنّ الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق فقال: بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك و تكون منفعتها لي، فأمّا إذا قيّد و قال: تكون منفعتها لي سنةً أو شهراً، فهذا جمع بين البيع و الإجارةً.

ص: 93


1- في ج 10 ص 249، ضمن المسألة 117.
2- في النسخة الخطّية «ج» و الطبعة الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 464:4.
4- العزيز شرح الوجيز 464:4.
5- العزيز شرح الوجيز 464:4، و قد سبق آنفاً.

في صفقة واحدة(1) ، و قد سبق حكمه في البيع.

و النوع الثاني، و هو أن يكون الشرط ممّا ينفع الراهن و يضرّ المرتهن، كما لو قال: رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحلّ أو: لا تبيعه بعد المحلّ إلّا إذا مضي شهر، أو: إلّا بما أرضي، أو: بأكثر من ثمن المثل، فهو فاسد عندهم، مفسد للرهن(2).

و قال بعضهم: يجيء في إفساده الرهنَ القولان المذكوران في النوع الأوّل(3).

و استغربه بعضهم(4).

و الفرق علي ظاهر مذهبهم أنّ ما ينفع المرتهن(5) يزيد في الوثيقة، و يؤكّد ما وضع العقد له، و ما يضرّ يخلّ به.

فإن كان الرهن مشروطاً في بيع، عاد القولان في فساده بفساد الرهن المشروط، فإن لم يفسد، فللبائع الخيار(6).

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة قسّم فقال: إن شرط ما هو من مقتضي عقد الرهن مثل كون الرهن في يد المرتهن أو في يد عَدْلٍ، صحّ الشرط.

و إن شرط ما ينافي مقتضي العقد مثل أن يشرط أن لا يسلّمه إليه، أو: أن لا يبيعه عند محلّ الدَّيْن، أو كون المنافع للمرتهن فسد الشرط، لمنافاته مقتضي عقد الرهن.4.

ص: 94


1- العزيز شرح الوجيز 464:4.
2- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطلابين 302301:3.
3- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 302:3.
4- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 302:3.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن» بدل «المرتهن». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 464:4.

و هل يفسد الرهن ؟ يُنظر فإن كان(1) نقصاناً من حقّ المرتهن، بطل عقد الرهن قولاً واحداً. و إن كان زيادةً في حقّ المرتهن، فقولان:

أحدهما: يفسد؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسده، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن.

و الثاني: لا يفسد؛ لأنّ الرهن قد تمّ، و إنّما شرط له زيادة لا يقتضيها، فسقطت الزيادة، و بقي عقد الرهن. و يفارق إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن؛ لأنّ الرهن لم يتمّ.

فإن قلنا: العقد فاسد، ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان:

أحدهما: يفسد و به قال أبو حنيفة لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده؛ لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن تُرك لأجله، و ذلك مجهول.

و الثاني: لا يفسد البيع؛ لأنّ الرهن ينعقد منفرداً عن البيع، فلم يفسد بفساده، كالصداق مع النكاح(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ أبا حنيفة قال: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛ لأنّه عقد يفتقر إلي القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة، فإنّ العمري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه و لا تفسد(3).

و احتجّت الشافعيّة علي الفساد بأنّ هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن، فوجب أن يفسده، كما لو قال: رهنتك علي أن يكون يوماً في يدك و يوماً4.

ص: 95


1- أي الشرط.
2- المهذّب للشيرازي 317:1، و كما في المجموع التكملة الثانية 217216:13.
3- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا، و انظر: المغني 465:4، و الشرح الكبير 457:4.

في يدي. و منعوا الهبة. و العمري تُقبل إذا قال: أعمرتك حياة فلان، فأمّا إذا قال: حياتك، ففيه قولان. و إن سُلّم فالفرق أنّه لم يشرط زوال ملكه، و إنّما شرط عودها إليه بعد موته، و ذلك شرط علي ورثته، فلم يؤثّر، بخلاف مسألتنا فإنّه شرط علي العاقد معه ما ينافي العقد ففسد(1).

و الأقرب عندي: جواز اشتراط كلّ مباح في عقد الرهن إذا لم يناف مقتضاه، فأمّا إذا نافاه، لم يصح، مثل أن يشترط في الرهن عدم بيع الرهن مطلقاً، فإنّه ينافي التوثيق علي الدَّيْن.

و لو شرط الانتفاع بالرهن أو عود منافعه إليه أو أن لا يبيعه المرتهن إلّا بحضور الراهن أو إلّا بعد شهر من حلول الدَّيْن، أو شرط أن يرهن غير الرهن، أو أن يشترط أن لا يسلّمه إلي المرتهن، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضي الراهن، أو حتي يبلغ كذا، أو بعد محلّ الحقّ بشهر، و نحو ذلك، فإنّ ذلك كلّه جائز؛ لأنّها شروط سائغة، فيجب الوقوف عندها؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و لا فرق في الرهن بين أن يكون تبرّعاً أو شرطاً في بيع و شبهه.

و لو شرط علي المرتهن أن يرقنه عند غيره، بطل؛ لأنّه منافٍ لمقتضي الرهن. و إذا بطل الشرط بطل المشروط؛ لأنّ الرضا بالعقد إنّما وقع علي ذلك الشرط، فإذا [قلنا(3)]: لم يصح، لم يصحّ العقد؛ لأنّه بدون الشرط غير مرضيّ به.ة.

ص: 96


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- ما بين المعقوفين نسخة بدل هامش الطبعة الحجريّة.
مسألة 90: زوائد المرهون المتجدّدة بعد الرهن المتّصلة تدخل في الرهن،

كالسمن و تعلّم الصنعة و غيرها، إجماعاً.

و أمّا المنفصلة فإنّها لا تدخل علي ما يأتي عند الإطلاق، لكن لو شرط دخولها مثل أن يرهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونةً، أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهوناً، فإنّه يصحّ الشرط، و يصير النماء المتجدّد مرهوناً، كالأصل؛ عملاً بالشرط، و هو قول الشافعي في القديم و الرهن اللطيف، فإنّه قال: يصحّ الشرط، و يتعدّي الرهن إلي الزوائد؛ لأنّ الرهن عند الإطلاق إنّما لا يسري إلي الزوائد؛ لضعفه، فإذا قوي بالشرط سري. و لأنّه بتملّك الثمرة و لا النتاج، و إنّما هو وثيقة، فيكون رهناً، كالأصل؛ لأنّه منه، فأشبه السمن.

و قال في الأُمّ: لا يصحّ و هو الأصحّ عندهم لأنّ الزوائد حال العقد معدومة غير مملوكة، فيكون قد رهنه قبل ملكه. و لأنّها مجهولة، فلا يصحّ أيضاً رهنه(1).

فعلي القول بالصحّة و هو مذهبنا يصحّ الرهن و البيع. و إن قلنا: لا يصحّ، فهل يصحّ الرهن ؟ قولان مبنيّان علي أصلين:

أحدهما: أنّ الزيادة في حقّ المرتهن إذا فسدت هل تُفسد الرهن ؟ قولان.

و الثاني: أنّ الرهن إذا فسد في بعضه، هل يفسد في الباقي ؟ قولان علي أحد الطريقين في تفريق الصفقة.

فإن قلنا: لا يصحّ الرهن، فهل يفسد البيع ؟ قولان.

ص: 97


1- الاُمّ 195194:3، الحاوي الكبير 251250:6، الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 302:3.

فحصل في ذلك أربعة أقاويل، أحدها: يصحّ الرهن و الشرط و البيع. و الثاني: يفسد الشرط و الرهن و البيع. و الثالث: يفسد الشرط و الرهن و البيع. و الثالث: يفسد الشرط و الرهن، و يصحّ البيع. و الرابع: يفسد الشرط، و يصحّ الرهن و البيع و هو الذي اختاره الشافعي و يثبت له الخيار في البيع؛ لأنّه لم يسلم له ما شُرط(1).

قال المزني: يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن؛ لأنّ الشافعي قال: و لو تبايعا علي أن يرهنه هذا العصير فرهنه إيّاه فإذا هو من ساعته خمر، فله الخيار؛ لأنّه لم يتمّ له الرهن(2).

و خطّأه أصحابه؛ لأنّ الرهن صحيح، و إنّما فسد بعد ذلك، و هنا فاسد من أصله، فإذا قارن العقد أوجب الفساد(3).

تذنيب: هل يصحّ اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونةً؟ نظر، أقربه: المنع؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل، فهي معدومة علي الإطلاق، و هو أحد وجهي الشافعيّة(4).

و علي القول بالفساد هل يفسد الرهن ؟ قولان مخرَّجان للشافعي:

أحدهما: القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.

و ثانيهما: أنّه جمع في هذا الرهن بين معلومٍ و مجهولٍ، فيجيء فيه خلاف تفريق الصفقة(5).

و لو رهن و شرط كون المنافع مرهونةً، فالشرط باطل، و لا يجري فيه3.

ص: 98


1- الحاوي الكبير 251:6، العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 302:3.
2- مختصر المزني: 100.
3- الحاوي الكبير 252:6.
4- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.
5- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.

القولان للشافعي، المذكوران في الزوائد.

تذنيبٌ آخر: لو افترض بشرط أن يرهن به شيئاً و تكون منافعه مملوكةً للمقرض، فالقرض فاسد؛ لأنّه جرّ منفعة، و إذا بطل بطل الرهن.

و إن شرط كون المنافع مرهونةً أيضاً، فإن سوّغنا مثل هذا الشرط في الرهن، صحّ الشرط و الرهن؛ لأنّه لم يجرّ القرض نفعاً.

و عند الشافعيّة يفسد الشرط، و يصحّ القرض، و في الرهن القولان(1).

مسألة 91: لو كان له علي زيد ألف بلا رهن،

فقال زيد المديون: زِدْني ألفاً، أي: أقرضني ألفاً علي أن أدفع إليك رهناً سمّاه بالألفين، فدفع إليه، فسد القرض؛ لأنّه شرط فيه منفعة، و هو الاستيثاق علي الألف الأُولي، و قد نهي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) عن قرضٍ جرَّ منفعة(2).

لا يقال: أ ليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهناً جاز و إن كان قد شرط الاستيثاق ؟ لأنّا نقول: الشرط: هنا تأكيد لما اقتضاه القرض، فإنّه يقتضي ردّ مثله، فإذا شرطه عليه جاز، فلم يجرّ القرض نفعاً؛ لأنّ وجوب الردّ ثابت في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن، أمّا هنا فإنّه شرط الاستيثاق في هذا القرض لدَيْنه الأوّل، فقد شرط استيثاقاً بغير موجب القرض، فلم يجز.

و به قال الشافعي(3).

و إذا فسد الفرض، لم يملكه المقترض، و لا يثبت في ذمّته بدله، و إذا

ص: 99


1- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.
2- أورده الغزّالي في الوسيط 453:3، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 433:4.
3- مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 246:6.

لم يثبت في ذمّته شيء لم يصحّ الرهن؛ لأنّه رهن بالدَّيْن و لم يثبت، و لا يصحّ بالألف الأُولي؛ لأنّه شرط في القرض.

أمّا لو قال: بِعْني عبداً بألف علي أن أُعطيك بها و بالألف التي لك عليَّ رهناً، فباعه علي هذا الشرط، صحّ البيع و الرهن عندنا؛ لأنّه شرط سائغ في عقد بيع، فكان لازماً؛ للآية(1) ، و الخبر(2).

و قال الشافعي: يفسد البيع و الرهن؛ لأنّه شرط في البيع رهناً علي دَيْنٍ آخَر، فصار بمنزلة بيعين في بيعة، و هو أن يقول: بِعْني دارك علي أن أبيعك داري، و ذلك فاسد، فكذا هنا(3).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و قد تقدّم(4).

مسألة 92: لو قال: أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به و بالألف التي لي عليك كذا، أو بذلك الألف وحده، فسد القرض

علي ما تقدّم(5).

و لو قال المستقرض(6): أقرضني ألفاً علي أن أرهن به و بالألف القديم أو بذلك الألف كذا، تردّد الجويني فيه بناءً علي أنّ القبول من المستقرض غير معتبر، و الأصحّ اعتباره، و التسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض و يقبله المستقرض، و بين عكسه(7).

ص: 100


1- المائدة: 1.
2- التهذيب 1503/271:7، الاستبصار 835/232:3 الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 247:6.
4- في ج 10، ص 250، المسألة 118.
5- في صدر المسألة 91.
6- في الطبعة الحجريّة: «المقترض».
7- العزيز شرح الوجيز 465:4.

و كذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن و الدَّيْن القديم عند الشافعي(1).

و يجوز عندنا علي ما تقدّم(2).

فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط، فإمّا أن يعلم فساد ما شرط، أو يظنّ صحّته، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم، صحّ. و إن رهن بهما، لم يصحّ بالألف الذي فسد قرضه؛ لأنّه لم يملكه، و إنّما هو مضمون في يده للمقرض، و الأعيان لا يرهن عليها.

و في صحّته بالألف القديم للشافعيّة قولا تفريق الصفقة، فإن صحّ، لم يوزّع، بل كان الكلّ مرهوناً بالألف القديم؛ لأنّ وضع الرهن علي توثيق كلّ بعضٍ من أبعاض الدَّيْن بجميع المرهون(3).

و لو تلف الألف الذي فسد القرض فيه في يده، صار دَيْناً في ذمّته، و صحّ الرهن بالألفين حينئذٍ.

و أمّا عند ظنّ الصحّة فإذا رهن بالألف القديم، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ الرهن، كما لو أدّي ألفاً علي ظنّ أنّ عليه ألفاً ثمّ تبيّن خلافه، فإنّ له الاسترداد، و ظهر بطلان الأداء(4).

و قال بعضهم: يصحّ، بخلاف المقيس عليه؛ لأنّ أداء الدَّيْن يستدعي سَبْقَ ثبوته، و صحّة الرهن لا تستدي سَبْقَ الشرط(5).

و لو رهن بالألفين و قلنا بتفريق الصفقة فصحّته بالألف القديم علي هذا الخلاف.

و كذا لو باع بشرط بيعٍ آخَر، فإنّه يصحّ البيع و الشرط عندنا، و لا3.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 465:4.
2- في ذيل المسألة السابقة (91).
3- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
4- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
5- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.

يصحّ عندهم(1). فلو أنشأ البيع الثاني ظانّاً صحّة الشرط، فقولان(2).

و كذا لو باع مال أبيه علي ظنّ الحياة فبان ميّتاً.

و لو شرط عليه رهناً في بيع فاسد بظنّ لزوم الوفاء به فرهن، فله الرجوع.

مسألة 93: لو رهن أرضاً و فيها أشجار أو أبنية،

فالوجه: عدم دخول الأشجار و الأبنية في الرهن؛ لأنّها ليست جزءاً من المسمّي و لا نفسه، فلا تندرج تحته علي ما تقدّم(3) في البيع و إن قال: بحقوقها. و تدخل لو قال: بجميع ما اشتملت عليه حدودها.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: الدخول(4) ، و قد سبق(5) في البيع.

و لو رهن شجرة، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة؛ لما تقدّم.

و للشافعية خلافٌ مرتَّب علي الخلاف في البيع، و الرهن أولي بالمنع؛ لضعفه(6).

و في معناه دخول الأُسّ تحت الجدار.

و لا تدخل الثمرة المؤبَّرة تحت رهن الشجرة بحال.

و في غير المؤبَّرة الحقُّ عندنا ذلك و إن دخلت في البيع؛ اقتصاراً علي

ص: 102


1- العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
2- العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
3- في ج 1، ص 570 (الطبعة الحجريّة).
4- الحاوي الكبير 230:6، التهذيب للبغوي 46:4، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
5- في ج 1، ص 570 (الطبعة الحجريّة)؟.
6- الوسيط 481:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.

النصّ فيه، و لا يتعدّي إلي غيره.

و للشافعي قولان، هذا أصحّهما؛ لأنّ الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن، فالموجودة عند العقد أولي، و بهذا يفارق البيع.

و الثاني: الدخول، كالبيع(1) ، و به قال أبو حنيفة، فإنّه قال: تدخل الثمار في الرهن بكلّ حال، بناءً علي أنّ رهن الشجرة دون الثمرة لا يصحّ(2).

و نفي بعضُ الشافعيّة الخلافَ هنا، و قَطَع بعدم الدخول(3).

و لا يدخل البناء(4) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث يمكن إفراده بالانتفاع.

و إن لم ينتفع به إلّا بتبعيّة الأشجار، فكذلك، و هو أشهر طريقي الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّه(6) علي الوجهين في المغارس(7).

و تدخل في رهن الأشجار الأغصانُ و الأوارقُ، و به قال الشافعي(8).3.

ص: 103


1- المهذّب للشيرازي 318:1، التهذيب للبغوي 45:4، الحاوي الكبير 121:6، حلية العلماء 435:4، الوسيط 481:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
2- الفروق للكرابيسي 287:2، بدائع الصنائع 141:6، الهداية للمرغيناني 133:4، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، المغني 472:4.
3- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
4- الظاهر: «البياض» بدل «البناء».
5- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
6- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «إنّها». و الظاهر ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
8- المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.

أمّا التي تفصل غالباً كأغصان الخلاف و ورق الآس و الفرصاد ففيها(1) قولان له، كالقولين في الثمار التي لم تؤثَّر(2).

مسألة 94: لا يدخل الجنين تحت رهن الاُمّ الحامل

و هو أحد قولي الشافعي(3) لعدم شمول الاسم له، و كما في البيع عندنا.

و الجنين عند الشافعي أولي بالاندراج، كالثمرة غير المؤبّرة تحت الشجرة؛ لأنّ الحمل لا يقبل التصرّف علي الانفراد(4) ، فبالحريّ أن يكون تبعاً(5).

و أمّا اللبن في الضرع: ففي دخوله إشكال.

و للشافعيّة طريقان، أحدهما: القطع بأنّه لا يدخل. و المشهور: أنّه علي الخلاف. ثمّ هو عند بعضهم في مرتبة الجنين، و عند آخَرين في مرتبة الثمار؛ لتيقّن وجوده، و سواء أثبت الخلاف أم لا، فالظاهر أنّه لا يدخل في الرهن(6).

و الأقرب: دخول الصوف علي ظَهْر الحيوان؛ لأنّه كالجزء من الحيوان، فدخل تحت رهنه.

ص: 104


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فيها». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
3- الوسيط 482:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الإفراد». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 467:4.
6- العزيز شرح الوجيز 467:4، و انظر: المهذّب للشيرازي 318:1، و التهذيب للبغوي 45:4، و الحاوي الكبير 121:6، و حلية العلماء 437:4، و الوسيط 482:3، و روضة الطالبين 303:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بدخوله، كالأجزاء و الأعضاء.

و أظهرهما: أنّه علي قولين:

أحدهما: الدخول، كالأغصان و الأوراق في رهن الشجرة(1).

و أصحّهما: المنع، كما في الثمار؛ لأنّ العادة فيه الجَزّ(2).

و نقل بعضهم بدل القولين وجهين، و زاد وجهاً آخَر ثالثاً هو: الفرق بين القصير الذي لا يعتاد جزّه، و بين المنتهي إلي حدّ الجَزّ(3).

مسألة 95: لو رهن ما كان في يده و كان معلوما

لو كان في يده الحقُّ(4) أو خريطة(5) فقال: رهنتك هذا الحُقّ بما فيه، أو الخريطة [بما فيها(6)] و ما فيهما(7) معلوم، صحّ الرهن إجماعاً في الظرف و المظروف.

و إن كان ما فيهما مجهولاً، لم يصحّ الرهن قطعاً في المظروف خاصّةً؛ للجهالة، علي إشكال، و به قال الشافعي(8).

و هل يصحّ الرهن في الظرف ؟ أمّا عندنا فنعم. و أمّا عند الشافعي

ص: 105


1- في «ج»: «الشجر».
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، المهذّب للشيرازي 318:1، التهذيب للبغوي 4645:4، حلية العلماء 437:4، روضة الطلابين 304303:3.
3- العزيز شرح الوجيز 468:4، و انظر: روضة الطالبين 304:3.
4- الحُقّ: وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك ممّا يصلح أن يُنحت منه. لسان العرب 56:10 «حقق».
5- الخريطة: وعاء من أَدَم و غيره. الصحاح 1123:3 «خرط».
6- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
7- في «ج» و الطبعة الحجرية: «فيها» بدل «فيهما». و الصحيح ما أثبتناه.
8- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.

ففيه قولان تفريق الصفقة(1).

و لو قال: رهنتك هذا الحُقّ دون ما فيه، صحّ الرهن فيه قطعاً.

و لو قال: رهنتك هذا الحُقّ، و أطلق، صحّ الرهن فيه خاصّةً دون ما فيه.

و أمّا الخريطة فإذا قال: رهنتك هذه الخريطة بما فيها، لم يصح مع الجهالة فيما فيها؛ للجهل به، و يصحّ فيها خاصّةً، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: لا يصحّ.

و مبني الخلاف تفريق الصفقة(2).

و لو قال: رهنتكها دون ما فيها، صحّ الرهن فيها خاصّةً كالحُقّ.

و قال الشافعي: لا يصحّ فيها أيضاً؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تُقصد، و إنّما يُقصد ما فيها، بخلاف الحُق(3).

قال أصحابه: و لو كانت الخريطة ممّا تُقصد لكثرة قيمتها، كانت كالحُقّ. و لو كان الحُقّ لا قيمة له مقصودة، لم يصح رهنه، كالخريطة إذا لم تكن لها قيمة مقصودة(4).

و لو قال: رهنتك هذا الظرف دون ما فيه، صحّ رهنه و إن كانت قيمته قليلةً؛ لأنّه إذا أفرده فقد وجّه الرهن نحوه، و جَعَله المقصود.

و إن رهن الظرف و لم يتعرّض لما فيه نفياً و إثباتاً، فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده، فهو المرهون لا غير.

و إن كان لا يُقصد منفرداً لكنّه متموّل، فالمرهون الظرف وحده؛ لأصالة عدم رهن غيره.3.

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
3- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
4- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: هذا. و الثاني: أنّه يكون رهناً مع المظروف(1).

و لو لم يكن متموّلاً، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: توجّه الرهن إلي المظروف. و الثاني: أنّه يلغي(2).3.

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
البحث الثاني: في العاقد.
مسألة 96: يُشترط في المتعاقدين التكليفُ و الاختيار و القصد و انتفاء الحَجْر عنه بسفه أو فلس،

فلا يصحّ رهن الصبي و لا المجنون المطبق و لا مَنْ يعتوره حالة الجنون إيجاباً و قبولاً، و لا المكره و لا الغافل و لا الساهي و لا النائم و لا المغمي عليه و لا السكران و لا العابث و لا الهازل، سواء في ذلك كلّه الإيجابُ و القبول.

و لا بدّ أن يكون الراهنُ غيرَ محجور عليه بالسفه أو الفلس؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّف في أموالهما، و لا اعتبار باختيارهما، مع أنّ عقد الرهن و التسليم لا يكون واجباً، و إنّما يكون إلي اختيار الراهن، فإذا لم يكن له اختيار، لم يصح منه. و لأنّ الرهن تبرّعٌ فإن صدر من أهل التبرّع، فلا كلام، و إلّا فلا بدّ من قائم يقوم مقام المالك.

و يُشترط وقوعه علي وفق المصلحة و الاحتياط، فإذا رهن الوليّ مال الصبي و المجنون و السفيه أو ارتهن لهم، فلا بدّ من اعتبار مصلحتهم و الاحتياط، و ذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئةً و يرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل، فإنّ ذلك جائز؛ لأنّه إن لم يعرض تلف، ففيه غبطة ظاهرة. و إن تلف الرهن، كان في المشتري ما يجبره.

و لو لم يرض البائع إلّا برهن يزيد قيمته علي المائة، فإن كان الرهن ممّا لا يخشي تلفه في العادة كالعقار، جاز رهنه؛ لما فيه من تحصيل الغبطة و المنفعة للصبي، الخالية عن توهّم التلف.

ص: 108

و ظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة(1).

و لو كان الرهن ممّا يخشي تلفه، فالأقوي: الجواز في موضعٍ يجوز إيداعه.

و مَنَع الشافعي من ذلك؛ لأنّ الرهن يمنع من التصرّف و ربما يتلف فيتضرّر به الطفل(2).

و لو كان الزمان زمان نَهب أو وقع حريق و خاف الوليّ علي مال الطفل، فله أن يشتري عقاراً و يرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيّأ أداؤه في الحال و لم يبع صاحب العقار عقارَه إلّا بشرط الرهن؛ لأنّه يجوز في مثل هذه الحالة إيداع المال ممّن لا يمتد النهب إلي ما في يده، فهذا الرهن أولي.

و لو استقرض له شيئاً و الحال هذه، لم يجز؛ لأنّه يخاف التلف علي ما يستقرضه خوفه علي ما يرهنه.

و لو لم يجد الوليّ مَنْ يأخذ المال وديعةً و وجد مَنْ يأخذه رهناً و كان المرهون أكثر قيمةً من مال القرض، جاز له الرهن.

مسألة 97: يجوز للوليّ أن يستقرض للطفل لحاجته إلي النفقة و الكسوة أو لتوفية ما لزمه

أو لصلاح ضياعه و مرمّتها و عمارة أبنيته أو إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلّات فيه أو لحلول ما لَه من الدَّيْن المؤجَّل، أو(3) النفاق متاعه الكاسد، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك، فبيع ما [تعذّر(4)]

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
2- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يقدر». و الظاهر ما أثبتناه.

رهنه أولي من الاستقراض، فإن تعذّر البيع، استقرض، و رهن من مال الطفل بحسب المصلحة، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز للوليّ رهن ماله بحال من الأحوال(2).

و كذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذّر علي الوليّ استيفاء دَيْن الصبي، فيرتهن به إلي وقت الاستيفاء.

و لو كان له دَيْنٌ مؤجَّل إمّا بأن ورثة كذلك أو بأن باع الوليّ مالَه نسيئةً بالغبطة، فيجوز له حينئذٍ الارتهان للصبي.

و لو كان المشتري موسراً، لم يكتف الوليّ به، بل لا بدّ من الارتهان بالثمن. و لو لم يحصل أو حسن الظنّ بيساره و أمانته، أمكن البيع نسيئةً بغير رهن، كما يجوز إبضاع مال الطفل.

و إذا ارتهن علي الثمن، جاز أن يرتهن علي جميعه، و هو الأظهر من مذهب الشافعيّة(3).

و لهم وجهٌ آخَر: أنّه لا بدّ أن يستوفي ما يساوي المبيع نقداً، و إنّما يرتهن و يؤجّل بالنسبة إلي الفاضل(4).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 98: يجوز للوليّ إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف تلفه بنَهب أو حريق.

و كذا يبيعه و يرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
2- روضة الطالبين 305:3.
3- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 305:3.
4- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.

شيئاً حفظاً لمالِه من النهب و الحريق، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و لهم قولٌ آخَر: إنّ الأولي أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون ممّا يخاف تلفه؛ لأنّه قد يتلف و يرفع الأمر إلي حاكمٍ يري سقوط الدَّيْن بتلف الرهن(2).

و الوجه: الأوّل.

و حيث يجوز للوليّ الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع منه. و لا فرق بين الأولياء في ذلك، سواء الأبُ و الجدُّ للأب و الوصيّ و الحاكم و أمينه.

و حيث يجوز الرهن و الارتهان فللأب و الجدّ أن يعاملا نفسيهما و يتولّيا طرفي العقد؛ للوثوق بشفقتهما.

و هل لغيرهما ذلك ؟ مَنَع منه الشافعيّة(3). و ليس بقويّ.

مسألة 99: يجوز للمكاتب أن يرهن و يرتهن مع المصلحة و الغبطة؛ لانقطاع تصرّف المولي عنه،

و لكن يشترط النظر و المصلحة، كما في الطفل، و هو قول بعض الشافعيّة.

و قال بعضهم: لا يجوز له الرهن استقلالاً، و مع إذن السيّد قولان بناءً علي أنّ الرهن تبرّع(4).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: أنّه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئةً بحال(5) ، و هو المشهور عندنا.

و مع إذن السيّد يجوز عندنا.

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
2- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
3- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
4- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
5- العزيز شرح الوجيز 471470:4، روضة الطالبين 306:3.

و للشافعي مع الإذن قولان(1).

أمّا المأذون فإن دفع إليه السيّد مالاً ليتّجر فيه، فهو كالمكاتب إلّا في وجهين:

أحدهما: أنّ رهنه أولي بالمنع من رهن المكاتب؛ لأنّ الرهن ليس من عقود التجارات.

و شبّهه الجويني بإجارة الرقاب(2). و في نفوذها منه خلاف بين الشافعيّة(3).

و الثاني: أنّ له البيع نسيئةً بإذن السيّد إجماعاً؛ لأنّه مال السيّد، فيكون تصرّفُ المأذون فيه بإذن المولي في الحقيقة تصرّدَ المولي في ماله.

و لو قال له مولاه: اتّجر بجاهك، و لم يدفع إليه مالاً، فله البيع و الشراء في الذمّة حالّا و مؤجّلاً، و كذا الرهن و الارتهان؛ لانتفاء الضرر فيه علي المولي، فإن فضل في يده مال، كان للمولي، و يكون حكمه حكم ما لو دفع إليه المولي مالاً.

مسألة 100: يشترط في الراهن أن يكون مالكاً للرهن أو في حكم المالك بأن يكون مأذوناً له في الرهن؛

لأنّه تصرّف في مال الغير، فلا يجوز إلّا بإذن المالك إمّا من جهة المالك، كالمستعير للرهن، أو من جهة الشرع، كوليّ الطفل، فإنّ له أن يرهن علي ما تقدّم(4).

إذا عرفت هذا، فإذا استعار عبداً من غيره ليرهنه علي دَيْنه الذي عليه فرَهَنه، صحّ.

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 471:4، روضة الطالبين 306:3.
2- العزيز شرح الوجيز 471:4.
3- العزيز شرح الوجيز 471:4.
4- في ص 64، المسألة 97.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَنْ تحفظ عنه من أهل العلم علي أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه علي دنانير معيّنة عند رجل إلي وقتٍ معلوم ففَعَل أنّ ذلك جائز(1).

و هذا يقتضي تعيين المرتهن و قدر الدَّيْن و جنسه و مدّة الرهن؛ لاختلاف العقود بذلك.

و هل يكون سبيلُ هذا العقد سبيلَ العاريّة أو الضمان ؟ الحقّ عندنا الأوّل و هو أحد قولي الشافعي(2) لأنّه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها فكان عاريةً، كما لو استعاره للخدمة. و لأنّ الضمان يثبت في الذمّة، و هنا يثبت في رقبة العبد.

و أصحّهما: أنّ سبيله سبيل الضمان، و معناه أنّ سيّد العبد ضمّن دَيْن الغير في رقبة ماله، كما لو أذن لعبده في ضمان دَيْن غيره، يصحّ، و تكون ذمّته فارغةً، و كما ملك أن يلزم ذمّته دَيْن الغير وجب أن يملك إلزامه عين ماله؛ لأنّ كل واحد منهما محلّ حقّه و تصرّفه(3).

و لأنّ منفعة العبد لسيّده، و العارية ما أفادت المنفعة، و إنّما حصلت المنفعة للراهن لكونه وثيقةً عنه، فهو بمنزلة الضمان في ذمّته.

لأنّ الحق المتعلّق بالذمّة ينبغي أن يتعلّق مثله بالرقبة، كالملك.

ثمّ أجابوا عن الأوّل بأنّ المقبوض للخدمة منفعة للمستعير، بخلاف مسألتنا(4).ه.

ص: 113


1- المغني 412:4.
2- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 293:3.
3- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 293:3.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

و ليس بجيّد؛ لأنّ الضمان عقد مستقلّ بنفسه يتضمّن التعهّدَ بدَيْن الغير، و انتقالَه من ذمّة المضمون عنه إلي ذمّة الضامن، و لم يوجد هنا، فلم يكن ضماناً.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ هذا فيما يدور بين الراهن و المرتهن رهنٌ محض، و فيما بين المعبر و المستعير عارية، و فيما بين المعير و المرتهن حكم الضمان أغلب، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن، و لا يرجع بعد القبض علي الأصحّ عندهم؛ لأنّه ضمن له الدَّيْن في عين ملكه، و يقدر علي إجبار الراهن علي فكّه بأداء الدَّيْن؛ لأنّه معير(1) في حقّه إن كان الدَّيْن حالّا، و في المؤجَّل قولان(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ العارية هنا تكون مضمونةً علي المستعير إجماعاً.

أمّا عند العامّة: فضاهرٌ حيث قالوا بأنّ العارية مطلقاً مضمونة(3).

و أمّا عندنا: فلأنّ المالك لم يدفعه ليملكه المستعير، بل لينتفع به و يردّه علي مالكه، فإذا عرّضه للإتلاف بالرهن، كان ضامناً له، كالملتقط إذا نوي التملّك في اللقطة، فإنّه يكون ضامناً، كذا هنا.

و اعلم أنّ هذا الرهن صحيح، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و قال ابن سريج: إذا قلنا: إنّ ذلك عارية، لم يصح رهنه؛ لأنّ العارية لا تكون لازمةً، و الرهن لازم، فعلي هذا يشترط في الرهن كون المرهون:3

ص: 114


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «معتبر» بدل «معير». و الصحيح ما أثتبناه من المصدر.
2- الوجيز 161160:1.
3- الوجيز 204:1، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 76:4، المغني 354:5، الشرح الكبير 365:5.
4- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3

ملكاً للراهن(1).

و أبطله باقي الشافعيّة بأنّ العارية غير لازمة من جهة المستعير، فإنّ لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحلّ الدَّيْن و إن كان قد أذن في رهنه بدَيْن مؤجَّل. و لأنّ العارية قد تكون لازمةً بأن يعيره جذعاً يبني عليه، و كما لو استعار أرضاً للدفن فدفن ميّته، و أشباههما(2).

و لو قال المديون: أرهن عبدك بدَيْني من فلان، فهو كما لو قبضه فرَهَنه.

مسألة 101: إذا أذن له في رهن عبده علي الدَّيْن الذي عليه لثالثٍ،

كان هذا التصرّف سائغاً، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه؛ لأنّ البيع معاوضة، فلا يملك الثمن مَنْ لا يملك المثمن، و الرهن استيثاق، و الاستيثاق يحصل بما لا يملك، كما يحصل بالكفالة و الإشهاد.

إذا ثبت هذا، فإنّ لمالك العبد الرجوعَ في الإذن قبل الرهن إجماعاً؛ لأنّ العارية قد بيّنّا أنّها غير لازمة، و لم يحصل الضمان بَعْدُ، فعلي قول العارية ظاهر، و علي قول الضمان: فلأنّه بَعْدُ لم يلزم.

و هل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض ؟ إن قلنا: إنّ القبض ليس شرطاً في صحّة الرهن، لم يكن له الرجوع؛ لأنّ الرهن قد لزم بنفس العقد. و إن قلنا: إنّه شرط، صحّ الرجوع؛ لأنّ المستعير مخيّر في فسخ الرهن قبل القبض، فإذا لم يلزم في حقّه و هو المديون، فأولي أن لا يلزم في حقّ غيره، و به قالت الشافعيّة(3).

و أمّا بعد القبض فليس للمالك الرجوعُ في إذن الرهن، و به قال

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3
2- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3
3- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3

الشافعي علي قول الضمان، و أمّا علي قول العارية فوجهان:

أحدهما: أنّ له أن يرجع جرياً علي مقتضي العارية.

و الأظهر: أنّه لا يرجع، و إلّا لم يكن لهذا الرهن معني، و لا يحصل به توثّق(1).

و قال بعضهم: إنّه إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان؛ لمنافاته(2) الإذن بمدّة، كما لو أعار للغراس مدّه(3).

و إذا حكمنا بالرجوع فرجع و كان الرهن مشروطاً في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال.

مسألة 102: إذا أذن له في رهن عبده، فرهنه المديون،

فإن كان الدَّيْن حالّا، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن و إجباره علي افتكاكه مع قدرة المديون منه؛ لأنّه عندنا عارية، و العارية غير لازمة، بل للمالك الرجوع فيها متي شاء.

و أمّا علي أحد قولي الشافعيّة من أنّه ضمان(4): فكذلك أيضاً؛ لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن، و لا يُخرَّج علي الخلاف بين الشافعيّة في أنّ الضامن هل يملك إجبار الأصيل علي الأداء لتبرئة ذمّته تشبيهاً للشغل الذي أثبته بأداء الدَّيْن ؟(5).

و إن كان مؤجَّلاً و أذن له في الرهن عليه، فليس لصاحب العبد إجباره علي الفكّ قبل الحلول علي القول بأنّه ضمان، كمن ضمن دَيْناً مؤجَّلاً لا

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 293:3.
2- كذا في الطبعة الحجريّة، و في «العزيز شرح الوجيز» و «ج»: «لما فيه من» بدل «لمنافاته» و كذا في «ج» من دون «من».
3- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 293:3.
4- العزيز شرح الوجيز 454:4.
5- العزيز شرح الوجيز 454:4.

يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمّته.

و إن قلنا: إنّه عارية، كان له مطالبته بفكاكه؛ لأنّ العارية لا تلزم.

ثمّ إذا حلّ الأجل و أمهل المرتهن الراهنَ، فللمالك أن يقول: إمّا أن تردّ العبد إليَّ، أو تطالبه بالدَّيْن ليؤدّيه، فينفكّ الرهن، كما إذا ضمن دَيْناً مؤجَّلاً و مات الأصيل، فللضامن أن يقول: إمّا أن تطالب بحقّك من التركة، أو تبرئني.

مسألة 103: إذا أذن المالك في الرهن ثمّ حلّ الدَّيْن أو كان حالّا في أصله،

فإن كان الراه معسراً، جاز للمرتهن بيع الرهن، و استيفاء الدَّيْن منه إن كان وكيلاً في البيع، و إلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن، سواء رضي المالك بذلك أو لا؛ لأنّ الإذن في الرهن إذنٌ في لوازمه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

و لو كان الراهن موسراً مُماطلاً، فالأقرب: أنّ للمرتهن البيعَ أيضاً، و لا يكلَّف الصبر علي مطالبة المماطل و لا حبسه و إن جاز له ذلك.

و لو لم يكن مماطلاً و كان حاضراً يمكن استيفاء الدَّيْن منه، لم يجز البيع.

و إن كان غائباً و لا مال له في بلد المرتهن، فالأقوي جواز البيع أيضاً.

و أمّا الشافعيّة فقالوا: إن قلنا: إنّه ضمان، فلا يباع في حقّ المرتهن إن قدر الراهن علي أداء الدَّيْن، إلّا بإذنٍ مجدَّد، و إن كان معسراً، فيباع و إن كره المالك. و إن قلنا: إنّه عارية، فلا يباع إلّا بإذنٍ مجدَّد، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً(1).

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.

و قياس قول مَنْ قال منهم بلزوم الرهن علي قول العارية أنّه يجوز بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما علي قول الضمان(1).

قال بعضهم: الرهن و إن صدر من المالك فإنّه لا يسلَّط علي البيع إلّا بإذنٍ جديد، فإن رجع و لم يأذن، فحينئذٍ يُباع عليه، فإذَنْ المراجعةُ لا بدّ منها(2).

ثمّ إذا لم يأذن في البيع، فقياس مذهبهم أن يقال: إن قلنا: إنّه عارية، فيعود الوجهان في أنّه هل يُمكَّن من الرجوع ؟ و إن قلنا: إنّه ضمان و لم يؤدّ الدَّيْن الراهن، فلا يُمكَّن من الإباء، و يُباع عليه، معسراً كان الراهن أو موسراً، كما لو ضمن في ذمّته، يُطالَب، موسراً كان الأصيل أو معسراً(3).

مسألة 104: إذا أعسر الراهن المستعير للرهن و تعذّر الاستيفاء منه فبِيع الرهن في الدَّيْن و قُضي به الدَّيْن،

فإن فضل من الثمن شيء، فهو لمالك العبد؛ لأنّه ثمن ملكه. و إن أعوز شيء، لم يلزم صاحب العبد شيء؛ لأنّ المعير ليس بضامنٍ للدَّيْن.

و أمّا عند الشافعيّة فكذلك أيضاً، سواء قلنا: إنّ الإذن في الرهن عارية أو ضمان؛ لأنّه إنّما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصّةً، و إذا حصر الضمان في عينٍ لم يتعدّ إلي غيرها(4).

إذا عرفت هذا، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدَّيْن و لم يوجد باذل لأكثر منها، بِيع و صُرف في الدَّيْن. و إن كانت القيمة أكثر من الدَّيْن، فإن وُجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدَّيْن و تساوت قيمة الشقص

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 455:4.
2- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

منفرداً و قيمته منضمّاً أو وُجد باذل لذلك، بِيع الشقص و قُضي منه الدَّيْن، و كان الباقي لمالك العبد.

و لم لم يرض المالك بالتشقيص بِيع الجميع.

و لو كانت قيمة الشقص منضمّاً أكثر من قيمته منفرداً و لم يوجد باذل للزيادة مع الانفراد، بِيع الجميع لئلّا يتضرّر المالك، فإن طلبه المالك، أُجيب إليه.

مسألة 105: إذا بِيع العبد المأذون في رهنه في الدَّيْن و قُضي به الدَّيْن،

نُظر فإن بِيع بقدر قيمته، رجع المالك بذلك علي الراهن علي مذهبنا و مذهب الشافعيّة(1) ، سواء قالوا بأنّه عارية أو مضمون؛ لأنّ المالك إن كان ضامناً، فقد قضي عنه الدَّيْن. و إن كان عاريةً، فهو قيمتها، و هي مضمونة عليه.

و إن بِيع بأقلّ من ثمن المثل إلّا أنّه بما يتغابن الناس بمثله، فالبيع صحيح، و يرجع المالك بتمام القيمة، و هو قول الشافعي علي تقدير قول العارية، و أمّا علي قوله بالضمان فلا يرجع إلّا بما بِيع؛ لأنّه لم يقض من الدَّيْن إلّا ذلك القدر(2).

و إن بِيع بأكثر من ثمن المثل، رجع بذلك أيضاً؛ لأنّه ثمن ماله، و هو قول الشافعي علي تقدير القول بالضمان، و أمّا علي قوله بالعارية فقولان:

أحدهما: أنّه لا يرجع إلّا بالقيمة خاصَّةً؛ لأنّ العارية تضمن بالقيمة مع التلف، و البيع بمنزلة الإتلاف، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا غير، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها، و هو قول أكثر أصحابه.

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.

و الثاني: أنّه يرجع بجميع ما بِيع به(1) كما اخترناه لأنّ بيع العبد واجب عليه، و ثمنه له، و لهذا لو أسقط المرتهن حقّه عن الراهن، رجع ثمن العبد إلي صاحبه، فإذا قضي به دَيْن الراهن، رجع به عليه، و إنّما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.

مسألة 106: لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن، فإن كان بتفريطه، ضمن القيمة للمالك،

و إن كان بغير تفريطه، فلا ضمان عليه؛ لأنّ المرتهن أمسكه علي أنّه رهن لا عارية، و المرتهن أمين للراهن لا يضمن ما يتلف في يده من الرهن علي ما يأتي. و يضمن الراهن للمالك قيمته أو ما بِيع به إن كان أكثر؛ لأنّه عندنا عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعي(2) علي تقدير أنّه عارية، و علي القول الآخَر: إنّه ضمانٌ لا شيء علي الراهن عنده، بل تلف من مالكه؛ لأنّه لم يقبض عنه شيئاً، و الضامن إنّما يرجع بما أدّي، و لم يسقط الحقّ عن ذمّة الراهن.

و قال أبو حنيفة: إنّه يرجع عليه بما سقط بذاك من حقّ المرتهن؛ لأنّ مذهبه أنّ الرهن مضمون علي المرتهن بدَيْنه(3) ، فكأنّه قضي عنه ذلك.

و إن تلف العبد في يد الراهن، ضمن، سواء فرّط فيه أو لا؛ لما قلنا من أنّه عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يبني علي القولين، كما لو تلف في يد المرتهن(4).

مسألة 107: لو جني في يد المرتهن أو في يد الراهن

فبِيع في

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
3- المبسوط للسرخسي 6564:21، الهداية للمرغيناني 128:4.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.

الجناية، كان علي الراهن ضمانه؛ لما بيّنّا أنّه عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعي بناءً علي القول بأنّه عارية(1).

قال الجويني: هذا إذا قلنا: العارية تضمن ضمان المغصوب، و إلّا فلا شيء عليه(2).

و علي القول الثاني: إنّه ضمان، فلا شيء عليه في هذه الصورة(3).

و قال بعض الشافعيّة: قول الضمان أرجح(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد و من الثمن الذي بِيع به في الجناية؛ لأنّه علي كلا التقديرين ثمن ملكه، فيكون له.

مسألة 108: إذا أذن في الرهن فإن سوّغ له الرهن كيف شاء،

جاز للراهن أن يرهن علي أيّ مقدار شاء و عند أيّ مرتهن شاء و كيف شاء من حلول أو تأجيل إلي أيّ أجل شاء؛ لأنّ تعميم هذا النوع من التصرّف يجري مجري التنصيص علي كلّ واحد من الجزئيّات، و لا ريب أنّه لو نصّ علي أيّ جزئيّ كان، صحّ، فكذا مع ما يقوم مقامه.

و إن خصّص البعض و عمّم الباقي، تخصّص ما خصّصه، و لا يجوز له التجاوز، إلّا مع الغبطة للمالك، و ساغ التصرّف في الباقي كيف شاء.

فلو أذن له في الرهن علي مائة عند مَنْ شاء و كيف شاء، لم يجز له التجاوز في القدر إلّا في الأقلّ، و جاز التعميم في الباقي.

و لو أذن له في الرهن عند مَنْ شاء علي أيّ قدر شاء إلي سنة، تخيّر في القدر قلّةً و كثرةً و في الغرماء، و لم يجز له التجاوز عن السنة إلّا ما دون؛ لاشتماله علي الغبطة للراهن.

ص: 121


1- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 456:4.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4.

و لو عيّن المرتهن، تعيّن، و لم يجز التجاوز مطلقاً.

و لو أطلق الإذن و لم يقيّده بتعميمٍ و لا تخصيص، احتُمل الجواز؛ للإطلاق، و انتفاء التخصيص؛ لعدم الأولويّة بالبعض دون البعض، و به قال أبو حنيفة(1).

و المنعُ؛ لما فيه من التغرير بالمالك، لاحتمال أن يرهنه علي أضعاف قيمته و إلي مدّة تزيد علي عمره، و لا غرر أعظم من ذلك. و هو الأقوي، فحينئذٍ يجب بيان جنس الدَّيْن و قدره و صفته في الحلول و التأجيل و غيرهما و هو قول الشافعي علي القول بأنّه ضمان(2) لاختلاف أغراض الضامن بذلك.

و نقل بعض الشافعيّة عن القديم للشافعي أنّه يجوز السكوت عن ذكر الحلول و التأجيل(3).

و هل يجب بيان مَنْ يرهن عنده ؟ الأصحّ عندهم: الوجوب(4).

و لهم وجهٌ آخَر: أنّه لا يجب(5).

و علي القولين إذا عيّن شيئاً من ذلك لم تجُزْ مخالفته. نعم، لو عيّن قدراً، جاز أن يرهن بما دونه(6).

تذنيب: لو عيّن له القدر فزاد عليه، احتُمل بطلانُ الزائد خاصَّةً، و يبقي رهناً علي المأذون فيه لا غير. و بطلانُ الجميع؛ للمخالفة، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش، لا نقول: (يصحّ البيع)(7) في القدر الذي يساويه.

ص: 122


1- بدائع الصنائع 136:6، المغني 413:4.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
5- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
6- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
7- بدل ما بين القوسين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يصحّ من المبيع». و الظاهر ما أثبتناه.

الثمن.

و للشافعي قولان كالاحتمالين، لكنّهم قالوا علي تقدير البطلان في الزيادة لا غير: يبقي في المأذون قولا تفريق الصفقة(1).

تذنيبٌ آخَر: لو قال المستعير: أعرني لأرهنه بألف أو من فلان، فأعاره، فالوجه: التخصيص بما خصّصه المستعير في السؤال، كما لو خصّصه المعير بنفسه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) تنزيلاً للإسعاف علي الالتماس.

مسألة 109: إذا طالَب صاحبُ العبد الراهنَ بفكّه، فلم يفكّه ففكّه صاحبه،
اشارة

فإن كان بغير إذنه، لم يرجع علي الراهن، و كان متبرّعاً متطوّعاً في قضاء دَيْن الراهن، فليس له مطالبته، كما لو تبرّع إنسان بقضاء دَيْن غير من غير مسألة.

و إن قضاه بإذن الراهن، رجع عليه و إن لم يشترط الرجوع؛ لأنّه قد تعلّق برقبة عبده.

فإن اختلف الراهن و سيّد العبد في الإذن، فادّعاه السيّد و أنكره الراهن، فالقول قول الراهن مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأصالة براءة ذمّته، و عدم الإذن في الفكّ من المرتهن. فإن أقام سيّدُ العبد البيّنة أنّ المرتهن أذن له، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن، قُبلت شهادته؛ لأنّه لا يجرّ إلي نفسه بشهادته نفعاً، و لا يدفع بها ضرراً، فانتفت التهمة.

تذنيب: لو رهن إنسان عبده علي دَيْن غيره متبرّعاً من غير إذن

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.

المديون، صحّ الرهن، كما يصحّ الضمان متبرّعاً و الأداء كذلك.

ثمّ إن بِيع العبد في الدَّيْن، صحّ البيع، و ليس لمالكه الرجوعُ علي المديون بشيء؛ لأنّه متبرّع.

مسألة 110: لو استعار عبداً من رجل فرهنه عند رجل بمائة و طالَبه بفكاكه، فدفع الراهن إلي المرتهن خمسين،

قالت الشافعيّة: لم ينفكّ شيء من الرهن حتي يقبضه جميع الدَّيْن(1).

و هو جيّد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهناً علي جميع الدَّيْن و علي كلّ جزء منه.

فحينئذٍ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدَّيْن عن أحد النصيبين، صحّ، و خلص النصيب الذي أدّي الدَّيْن عنه.

و للشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير:

أحدهما: أنّه بمنزلة الصفقة الواحدة؛ لأنّ الراهن واحد، و الحقّ واحد.

و الثاني: أن يكون بمنزلة الصفقتين؛ لأنّ الاعتبار بالمالك دون العاقد.

فإذا قلنا: إنّه بمنزلة الصفقة الواحدة، لم ينفكّ منه شيء. و إذا قلنا: إنّه بمنزلة الصفقتين، انفكّ نصف العبد(2).

و يُنظر في المرتهن، فإن كان قد علم أنّه لسيّدين، فلا خيار له؛ لأنّه علم أنّه عقدين، لأنّه استفاده بإذنهما.

و إن لم يكن يعلم، فإن لم يكن علي بيع، فلا خيار.

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.

و إن كان مشروطاً في بيع، قال ابن سريج منهم: فيه وجهان:

أحدهما: لا خيار له؛ لأنّه حصل له رهن جميع العبد، و إنّما انفكّ بعد الكسر.

[و] الثاني: له الخيار؛ لأنّه دخل فيه علي أن يكون رهناً واحداً، فلا ينفكّ منه شيء إلّا بقضاء جميع الدَّيْن، فإذا بانَ بخلافه، ثبت له الخيار(1).

فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضي أحدهما، انفكّ نصيب كلّ واحد منهما. و إن دفع نصف أحدهما، انفكّ نصف ما عنده، و هو نصف نصيب أحدهما علي أحد القولين.

البحث الثالث: المحلّ.
اشارة

و شروطه أربعة: أن يكون عيناً مملوكة(2) ، يصحّ تقبيضه للمرتهن، و يمكن بيعه.

الشرط الأوّل: أن يكون عيناً، فلا يصحّ رهن المنافع، كما لو رهنه إجارة الدار سنة علي الدَّيْن الذي له عليه؛ لأنّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً، فالمنافع تتلف إلي حلول الأجل، فلا تحصل فائدة الرهن، و إن كان حالّا، فبقدر ما يتأخّر قضاء الدَّيْن يتلف جزء من المرهون، فلا يحصل الاستيثاق. و لأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلّا بإتلافها، و الرهن عند جماعةٍ من شرطه الإقباضُ.

لا يقال: يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.

لأنّا نقول: إنّما جعلنا ذلك قبضاً في الإجارة؛ لأنّ الحاجة في المنافع

ص: 125


1- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
2- اعتبر المصنّف (قدّس سرّه) الشرط الأوّل و الثاني بالعينيّة و المملوكيّة.

داعية، و لا حاجة إلي رهن المنافع. و لأنّ قبض العين ليس بقبضٍ تامّ في الإجارة، فلا ينتقل به الضمان.

و إن رهن اجرة داره سنة، لم يصحّ؛ لأنّ الأُجرة مجهولة. و لأنّها ليست مملوكةً، و إنّما تُملك بعقد الإجارة و لم يوجد.

و رهن المدبَّر إبطالٌ للتدبير علي الأقوي؛ لأنّ التدبير وصيّة، و كما تبطل الوصيّة برهن الموصي به، فكذا المدبَّر يبطل برهنه.

و لو شرط رهن الخدمة فيه، بطل الشرط و الرهن؛ لأنّ الخدمة ليست عيناً يصحّ تعلّق الرهن بها.

مسألة 111: لا يصحّ رهن الدَّيْن إن شرطنا في الرهن القبضَ؛ لأنّه لا يمكن قبضه، لعدم تعيّنه حالة الرهن.

و للشافعيّة في جواز رهنه وجهان:

أحدهما: الجواز؛ تنزيلاً لما في الذمم منزلة الأعيان، أ لا تري أنّه يجوز شراء(1) ما في الذمّة و بيعه سَلَماً.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ الدَّيْن غير مقدور علي تسليمه(2).

و منهم مَنْ رتَّب هذا الخلاف علي الخلاف في بيع الدَّيْن، و الرهن أولي بالمنع؛ لأنّه لا يلزم إلّا بالقبض، و القبض لا يصادف ما تناوله العقد و لا مستحقّاً [بالعقد، و القبض في البيع يصادف مستحقاً(3)] بالعقد؛ لأنّ البيع سبب الاستحقاق(4).

ص: 126


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «شرط» بدل «شراء». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرط الوجيز».
2- حلية العلماء 424:4، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 438:4.
مسألة 112: لا يشترط في صحّة الرهن كونه مفرزاً، بل يصحّ رهن المشاع،

كما يصحّ رهن المقسوم، سواء رهن من شريكه أو من غير شريكه، و سواء كان ذلك ممّا يقبل القسمة أو لا يقبلها، و سواء كان الباقي للراهن أو لغيره، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصّته من الدار المشتركة بينه و بين غيره، عند علمائنا أجمع و به قال مالك و الشافعي و الأوزاعي و ابن أبي ليلي و عثمان البتّي و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار القاضي و أبو ثور و داوُد و أحمد(1) لعموم قوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2) و للأصل. و لأنّها عين يجوز بيعها في محلّ الحقّ، فجاز رهنها، كالمنفرد.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. و لو طرأت الإشاعة علي الرهن بأن يبيع بعضه، ففيه وجهان. و في رهنه من الشريك روايتان؛ لأنّه يستحقّ زوائده عنده لمعنيً(3) قارنَ الرهنَ فلم يصح رهنه، كالمغصوب(4). و يُمنع وجوب زوال اليد، و يُنتقض بالقائل (5)

ص: 127


1- المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، المحلّي 88:8، بداية المجتهد 273:2، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 14:6، التهذيب للبغوي 15:4، حلية العلماء 421:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3، مختصر اختلاف العلماء 2003/288:4.
2- البقرة: 283.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بمعني» و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، بداية المجتهد 273:2، التهذيب للبغوي 15:4، حلية العلماء 422:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 438:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4.
5- أي: رهن القائل و..

و المرتدّ و المغصوب [و] رهن ملك غيره(1) بغير إذنه و لا ولايته، بخلاف المتنازع.

مسألة 113: لو رهن نصيبه من بيتٍ معيّن من الدار المشتركة بإذن الشريك صحّ.

و لو لم يأذن الشريك، فكذلك عندنا و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّه يصحّ بيعه بدون إذن الشريك، فصحّ رهنه.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه ربما تتّفق القسمة و يقع هذا البيت في نصيب صاحبه، فيكون قد رهن ملك غيره، بخلاف البيع، فإنّه إذا باع، زال ملكه عن البيت، و استحالت المقاسمة معه(3).

و بعض القائلين بالثاني قال: إنّ الحكم في البيع مثله(4).

و علي القول بالوجه الأوّل لو اتّفقت القسمة كما قرّر، فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته: فيه احتمالان أوجههما: الثاني إضافةً للغوات إليه، و كيف يُنزّل منزلة الآفة السماويّة و قد حصل له في قطرٍ آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت!؟(5) و قال بعضهم بقولٍ متوسّط بين القولين، و هو أنّه إن كان مختاراً في القسمة، غرم القيمة. و إن كان مُجبراً، فهو كالفوات(6).

تذنيب: القبض في رهن المشارع بتسليم الكلّ، فإذا حصل القبض، جرت المهايأة بين المرتهن و الشريك جريانها بين الشريكين، و لا بأس

ص: 128


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «رهن في ملك غيره» و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب للبغوي 18:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 439438:4، روضة الطالبين 272:3.
3- التهذيب للبغوي 18:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 439438:4، روضة الطالبين 272:3.
4- العزيز شرح الوجيز 439:4.
5- العزيز شرح الوجيز 439:4، روضة الطالبين 282:3.
6- العزيز شرح الوجيز 439:4، روضة الطالبين 282:3.

بتبعيض اليد بحكم الشيوع، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافعَ.

الشرط الثاني: أن تكون العين مملوكةً؛ لأنّ مقصود الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة، و إنّما يتحقّق الثمن فيما يصحّ بيعه، و غير المملوك لا يصحّ بيعه، فلا يصحّ رهنه.

و لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه مطلقاً، كالحُرّ و كالحشرات و ما لا منفعة فيه، كفضلات الإنسان و أشباهها ممّا لا يُعدّ ملكاً؛ إذ لا استيثاق فيه، و سواء فرض له منفعة محرّمة لم يعتبرها الشارع كالآلات اللهو و القمار، التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرّم عنها، أو لم تكن كالحشرات.

و لو كان لها قيمة بعد الكسر، فالوجه: المنع من رهنها ما دامت صحيحة، كما لا يصحّ بيعها إلّا بعد كسرها.

و كذا لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه للمسلم إن كان الراهن أو المرتهن مسلماً، كالخمر و شبهه. و لو كانا ذمّيّين جاز الرهن. و لو أسلما أو أحدهما قبل فكّه، بطل الرهن.

و لو رهن الذمّيُّ خمراً عند مسلمٍ، لم يصح و إن وضعها علي يد ذمّيٍّ علي خلاف.

مسألة 114: لو رهن ملك غيره بغير إذنه، وقف علي الإجازة،

فإن أجازه المالك، صحّ، و إلا بطل.

و لو رهن المملوك له و لغيره، صحّ الرهن في حصّته المملوكة خاصّةً، و كان موقوفاً علي الإجازة في حصّة الآخر، سواء كان الرهن واحداً مشاعاً بينهما، أو رهن ملكين صفقةً أحدهما و الآخر لصاحبه.

مسألة 115: لا يصحّ رهن أرض الخراج، و هي الأرض التي صالح الإمامُ أهل بلدٍ علي أن يكون ملكاً للمسلمين،

و ضرب عليهم الخراج، فإنّ

ص: 129

ذلك اجرة و به قال الشافعي - (1) لأنّ الرهن لا يختصّ بها، بل حكمها راجع إلي جميع المسلمين بالسويّة، فلا يجوز بيع ذلك و لو رهنه.

و أرض العراق و هو سواد الكوفة، فهو من تخوم الموصل إلي عبّاد ان طولاً، و من القادسيّة إلي حلوان عرضاً، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة و لا وقفها و لا رهنها. و مواتها وقت الفتح للإمام خاصّةً.

و قال الشافعي: إنّ عُمر فتحها عنوةً، و قسّم الأراضي بين الغانمين، ثمّ رأي أنّهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها، و ردّها إلي أهلها، و ضرب عليهم الخراج(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه وقفها علي المسلمين، و جعل الخراجَ اجرةً تُؤخذ في كلّ سنة(3).

و قال ابن سريج منهم: إنّ الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كلّ سنة جزء(4).7.

ص: 130


1- الحاوي الكبير 77:6، التهذيب للبغوي 31:4، العزيز شرح الوجيز 442:4، روضة الطالبين 284:3، مختصر اختلاف العلماء 1645/495:3، المغني 416:4، الشرح الكبير 415:4.
2- الحاوي الكبير 77:6، الوجيز 194193:2، العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 415:4.
3- الحاوي الكبير 77:6، و 260:14، حلية العلماء 727:7، التهذيب للبغوي 489:7، الوسيط 463:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.
4- الحاوي الكبير 77:6، و 26126:14، حلية العلماء 726:7، التهذيب للبغوي 489:7، الوسيط 463:3، الوجيز 160159:1، العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.

و ظاهر مذهب الشافعي: الأوّل، و هو مذهب أحمد(1).

و ابن سريج يقول: لم يُرد الشافعي بقوله أرضَ العراق؛ لأنّ الناس يتبايعونها من لدن عمر إلي الآن، و لم ينكر ذلك منكر(2).

و قال أبو حنيفةً: إنّ عمر أقرّ أهلها عليها، و ضرب الخراج(3).

فعلي قول ابن سريج من الشافعيّة يجوز بيعها و رهنها(4) ، و علي قول بعضهم إنّه لا يصحّ بيعها و لا رهنها(5).

و إن كان فيها بناء و غرس، فإن كان البناء معمولاً من ترابها، فحكمه حكمها. و إن كان من غيرها، جاز رهنه و رهن الغراس.

و إن أفرد الغراس بالرهن، صحّ.

و إن رهنه مع الأرض، لم يصح رهن الأرض، فأمّا البناء و الغراس فمبنيّ علي القولين في تفريق الصفقة، فإن قلنا: تُفرّق، صحّ فيه. و إذا قلنا: لا تُفرّق؛ لأنّ الصفقة جمعت حلالاً و حراماً، فسد في الجميع.

و إن قلنا: لأنّ ذلك يؤدّي إلي جهالة العوض في الجائز منه، صحّ الرهن هنا فيما يجوز؛ لأنّه لا عوض فيه.

و إذا صحّ الرهن في البناء و الغراس، فلا خراج علي المرتهن، و إنّما هو علي الراهن، فإنّ الخراج مضروب علي الأرض.

و لو كان الغراس أيضاً، كان علي الراهن دون المرتهن؛ لأنّ الخراج7.

ص: 131


1- انظر: المغني 577:2.
2- انظر: الحاوي الكبير 261:14، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 450:11.
3- الهداية للمرغيناني 141:2، و 156 157.
4- كما في الحاوي الكبير 77:6، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 470:7.
5- كما في الحاوي الكبير 77:6، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 470:7.

تابع للملك، و هو للراهن خاصّةً، و لا شيء علي المرتهن و لا علي المستأجر.

فإن أدّاه المرتهن علي الراهن بغير أمره، لم يرجع عليه به؛ لأنّه متبرّع به متطوّع بقضاء الدَّين.

و قال بعضهم(1): يرجع به لأنّ نفع ذلك عاد إلي المقضي عنه.

و هو يبطل بالهبة.

و إن قضاء بإذنه، فإن شرط له الرجوع، وجب له الرجوع. و إن لم يشترط له الرجوع، بل أطلق الأمر، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لأنّ أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه، كما إذا أمره بشراء شيء له، فإنّ الثمن يجب عليه.

و الثاني: لا يرجع، لأنّه إذا لم يشترط العوض له، كان متطوّعاً، كما لو ملّكه شيئاً و لم يشترط العوض، فإنّه يكون هبةً، و لا يستحقّ عليه شيئاً(2).

و الأصل في الوجهين قولا الشافعي و اختلافهما؛ فإنّه قال: إلّا أن يكون دَفَعه بأمره(3). و هذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان و الرجوع.

و قال تارةً: لو دفع إلي قصّار ثوباً فقصره، فلا اجرة له عليه؛ لأنّه لم يشرطها له(4). فجَعَل علّةَ الاستحقاق الاشتراطَ.

مسألة 116: يجوز رهن العصير؛ لأنّه عين يصحّ تملّكها،

و يجوز

ص: 132


1- و هو مالك، قاله فيما إذا أدّاه مكرهاً أو مختاراً و كان صديقاً للراهن، راجع: الحاوي الكبير 79:6.
2- الحاوي الكبير 79:6، العزيز شرح الوجيز 442:4، روضة الطالبين 285:3.
3- الاُم 151:3، مختصر المزني: 95.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 418417:1.

بيعها إجماعاً، فيصحّ رهنها. و خوف تغيّرها لا يمنع من صحّة الرهن، كما يجوز رهن المريض.

فإن استحال حلواً أو حامضاً، فالراهن بحاله.

و إن صار خمراً بعد الإقباض فيد يد المرتهن، خرج عن كونه رهناً؛ لبطلان الملك فيه، و خرج عن كونه مملوكاً. و لا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيع؛ لحدوث العيب في يده، و هو قول جمهور الشافعيّة(1).

فإذا عاد خلّاً، عاد الرهن، كما يعود الملك.

و قال بعضهم: لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد(2).

و قال بعضهم: لا يخرج عن كونه رهناً، و لا نقول بأنّها مرهونة، بل يتوقّف فإن عاد خلّاً، بانَ أنّ الرهن لم يبطل، و إن بقي علي الخمريّة، ظهر بطلان الرهن(3).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: إنّه لا يزول ملك الراهن عنه، فهو رهن بحاله؛ لأنّ له قيمةً في حال كونه عصيراً، و يجوز أن يصير له قيمة في الثاني، فلا يزول ملكه عنه، كما لو ارتدّ العبد(4).

و ليس بجيّد، لأنّ كونه خمراً يمنع صحّة التصرّف و الضمان علي المرتهن، فبطل فيه الملك، كموت الشاهد. و يفارق المرتدّ؛ لأنّه يصحّ فيه التصرّف.1.

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
2- الحاوي الكبير 110:6، العزيز شرح الوجيز 480:4.
3- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
4- حلية العلماء 455:4، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1.

إذا عرفت هذا، فقولنا: إنّ الرهن يبطل، لا نريد به اضمحلال أثره بالكلّيّة، و إلّا لم يعد الرهن، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.

و لو رهن شاة فماتت في يد المرتهن، بطل ملكها، و خرجت من الرهن.

فإن عاد الراهن فدبغ جلدها، لم يصح تملّكه عندنا؛ لبقاء نجاسته بعد الدبغ.

و عند العامّة يطهر بالدباغ(1) ، فعلي قولهم يعود ملك الراهن إليها.

و للشافعيّة في عود الرهن في الجد بعد الدبغ وجهان:

أحدهما: أنّه يعود الرهن لأنّ الملك الأوّل عاد، فتبعه الرهن، كما إذا انقلب الخمر خلّاً.

و أظهرهما عند أكثر الشافعيّة: لا يعود؛ لأنّ ماليّته مخلوقة(2) بالصنعة و المعالجة، فالراهن مَلَك الجلد بالدباغ، و ذلك أثر استحدثه، و ليس العائد ذلك الملك و هو قول أبي إسحاق بخلاف الخمر إذا تخلّلت؛ لأنّها عادت بنفسها(3).

و اعتُرض بشاة ماتت لرجلٍ فغصبها غاصبٌ و دبغ جلدها هل يملكه3.

ص: 134


1- الحاوي الكبير 59:1، المهذّب للشيرازي 17:1، التهذيب للبغوي 173:1، حلية العلماء 110:1، العزيز شرح الوجيز 81:1، المجموع 217:1، روضة الطالبين 151:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1.
2- كذا في «ج» و الطبعة الحجريّة. و في «العزيز شرح الوجيز»: «مجلوبة» بدل «مخلوقة».
3- الحاوي الكبير 111:6، المهذّب للشيرازي 323:1، التهذيب للبغوي 44:4، حلية العلماء 456:4، العزيز شحر الوجيز 480:4، روضة الطالبين 312:3.

الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق: الأقوي: أنّ الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ.

و الفرق أنّ الغاصب يده بغير حقّ، فكان فعله لا حكم له، و يد المالك يدٌ بحقِّ(1).

فنُقض عليه برجل حجَّر أرضاً مواتاً فجاء ثانٍ أحياها، فإنّ الثاني يملكها و إن كانت يد الأوّل بحقٍّ، فلو كان الدبغ سبباً لملكٍ مستحدث، لملكها به و إن كانت يده بغير حقِّ.

فقال: يد المحجِّر لم تُسند إلي ملكٍ سابق فلهذا كان أحقّ بالملك.

و هذا هو الحجّة عليه؛ لأنّ يد الراهن إذا كانت مستندةً إلي ملكٍ سابق، فإذا عاد الملك ثبت أنّه للمالك السابق.

إذا عرفت هذا، فقال أصحاب أبي حنيفة: لا يزول ملك الراهن و حقّ المرتهن عن الجلد بالموت، كما قالوا في الخمر(2).

و لو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض، ففي بطلان الرهن البطلان الكلّي وجهان للشافعيّة:

أحدهما؛ نعم؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن و جوازه، و يثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

و الثاني: لا، كما لو تخمّر بعد القبض(3).

و قضيّة إيراد أكثرهم ترجيح هذا الوجه؛ لأنّهم قرّبوا هذا الخلاف من3.

ص: 135


1- لم نعثر عليه في مظانّه. و في الحاوي الكبير 111:6 عن أبي إسحاق المروزي أنّه يكون ملكاً لربّه الأوّل دون الدابغ، فلاحِظْ.
2- حلية العلماء 456:4.
3- العزيز شرح الوجيز 48:4، روضة الطالبين 313312:3.

الخلاف في صورة عروض الجنون، أو بنوه عليه، فقالوا: إن ألحقناه الرهن بالوكالة، بطل بعروض الجنون و انقلابه خمراً قبل القبض. و إن ألحقناه بالبيع الجائز، لم يبطل(1).

قال بعضهم: و علي الوجهين لو كان الرهن مشروطاً في بيعٍ، ثبت للمرتهن الخيار؛ لأنّ الخلّ أنقض من العصير، و لا يصحّ الإقباض حالة الشدّة.

و لو فعل و عاد خلّاً، فعلي الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ. و علي الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(2).

ثم القبض فيه علي ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.

و لو انقلب المبيع خمراً قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع و عودة إذا عاد خلّاً علي ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة 117: الخمر قسمان:
خمرٌ محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً و إنّما كانت محترمةً لأنّ اتّخاذ الخلِّ جائز إجماعاً، و العصير لا ينقلب إلي الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فلو لم تُحترم و أُريقت في تلك الحال لتعذَّر اتّخاذ الخَلّ.

و الثاني: خمرٌ غير محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

فالأُولي لا تجب إراقتها. و هل تجب إراقة الثانية ؟ فيه قولان للشافعيّة(3).

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313:3.
2- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313:3.
3- لم نعثر علي ما نُسب إليهم، و لهم وجهان في طهارتها فيما إذا لم يرقها فتخلّلت. انظر: العزيز شرح الوجيز 482:4، و روضة الطالبين 314:3.

فإن تلفت، فلا كلام، و لا خيار للمرتهن؛ لأنّ ذلك حصل في يده.

و إن استحال خلّاً، عاد ملكه لصاحبه مرهوناً، لأنّه يعود مملوكاً بحكم الملك الأوّل، فيعود حكم الرهن؛ لأنّه زال بزوال الملك، فعاد بعوده.

فإن قيل: أ ليس أنّ العقد إذا بطل لا يصحّ حتي يُبتدأ، و الرهن بطل فيه حين صار خمراً؟ فالجواب: أنّ العقد إذا وقع فاسداً، لم يصح حتي يوجد صحيحاً، و ليس كذلك هنا؛ لأنّ العقد وقع صحيحاً، و حدث بالمعقود معني أخرجه من حكم العقد، فإذا زال ذلك، عاد حقّ العقد، كما أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت، حرم وطؤها عليه، و خرجت بذلك من حكم العقد، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة، عاد حكم العقد. و كذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

مسألة 118: إذا كان في يده عصير فصار خمراً فأراقه فجمعه جامعٌ فصار في يده خلّاً،

فالأقرب: أنّه يكون ملكاً للثاني؛ لخروجه عن ملك الأوّل بصيرورته خمراً، و لا يصحّ للمسلم تملّكه ابتداءً و لا استدامةً، و خروجه عن أولويّة اليد بإراقته، فانتفي تعلّقه عنه بالكلّيّة؛ لأنّه أسقط حقّه منها و أزال يده عنها، فيكون ملكاً للثاني؛ لاستيلاء يده عليه، و هذا أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يعود ملكاً للأوّل؛ لأنّه مملوك بالمعني الأوّل، و هو الأظهر عندهم؛ لأنّ الجامع للخمر ممنوع من ذلك، محرّم عليه، و يده لا تثبت عليها، فلا يصحّ تملّكه بذلك(1).

ص: 137


1- حلية العلماء 457:4.

و قوله الأوّل: «أسقط حقّه» ليس بصحيح؛ لأنّه فَعَل الإراقة التي أمره الشرع بها، و لو كان كذلك، لوجب أن تكون مباحةً كالصيود لا يختصّ بملكها الجامعُ، بل يكون أحقّ بها؛ لحصولها في يده.

مع منعه من الجمع علي تقدير إرادة التخليل، و إنّما يُمنع علي تقدير إرادة استعماله خمراً.

و نمنع كون يده لا تثبت عليها علي تقدير إرادة التخليل.

و لا نعني بإسقاط حقّه إلّا إراقتها و عدم إمساكها، و الجامع لا يملكها بالجمع، بل يكون أحقَّ باليد، فإذا صار خلّاً في يده، فقد تجدّد له الملك بالاستيلاء علي المباح، كالاصطياد.

مسألة 119: يجوز تخليل الخمر بطرح شيء فيها، و تحلّ، كما تحلّ لو استحالت من نفسها،
اشارة

عند علمائنا و به قال أبو حنيفة و مالك في إحدي الروايتين(1) لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «يحلّ الدباغ الجلد كما يحلّ التخليل الخمر»(2).

و لأنّها خمر استحالت إلي حموضة الخلّ، فصارت حلالاً، كما لو استحالت بنفسها. و لأنّها خرجت عن كونها حراماً، و زوال وصف الخمريّة عنها، فيزول التحريم المستند إلي الخمريّة، لأنّ زوال العلّة يوجب زوال المعلول.

ص: 138


1- تحفة الفقهاء 329:3، بدائع الصنائع 114113:5، المبسوط للسرخسي 22:24، الاختيار لتعليل المختار 159:4، الاستذكار 36518/314131:24، و 36525/315، التفريع 411:1، الحاوي الكبير 112:6، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 481:4، المجموع 576:2، المحلّي 517:7، المغني 338:10.
2- سنن الدارقطني 6/266:4، الحاوي الكبير 112:6.

و قال الشافعي: إن استحالت الخمر بنفسها، حلّت. و إن طُرح فيها شيء إمّا عصير أو خَلّ أو خبز حارّ أو غير ذلك من الأعيان فصارت خلّاً، لم تحلّ، و لا يجوز إمساكها للتخليل و به قال أحمد و إسحاق و مالك في الرواية الثانية لما رواه أنس أنّ أبا طلحة سأل رسولَ اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) عن أيتام ورثوا خمراً، فقال له: «اهرقها» فقال: أ نخلّلها؟ فقال: «لا»(1) و إذا ثبت أنّه محظور، لم يكن سبباً في الإباحة، كقتل الصيد في الحرم.

و لأنّه مائع لا يطهر بالكثرة، فلم يطهر بالصنعة، كاللبن النجس. و لأنّ ما يقع فيه ينجس، فلا يمكن طهارة الخمر دونه، و المطروح فيه لا يحصل فيه الاستحالة، فهو باقٍ علي نجاسته(2).

و السؤال وقع عن قضيّة خاصّة، فجاز أن لا تتخلّل تلك الخمرة. و لا يلزم من تحريم السبب لو سُلّم تحريمه هنا تحريم المسبَّب، فإنّ مَن اصطاد بآلة محرّمة فَعَل محظوراً و كان الصيد حلالاً به. و كذا لو طلّق في الحيض عندهم فَعَل سبباً محرّماً، و حصلت به البينونة. و نظائره كثيرة لا تحصي. و قتل الصيد في الحرم بمنزلة خلق الصيد. و الخمريّة المقتضية للتنجيس قد زالت، فيزول معلولها، و هو لا تنجيس، بخلاف لا مقيس عليه. و استحالة الخمر مطهّرة له. و المطروح فيه كالآنية.

فروع:

أ - إذا كانت الخمر في ظرفٍ فَنَقلها من الظلّ إلي الشمس أو من

ص: 139


1- سنن أبي داوُد 3675/326:3، مسند أحمد 11779/566:3، بتفاوت يسير.
2- المهذّب للشيرازي 55:1، المجموع 574:2 و 576 و 578 579، الحاوي الكبير 112:6، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 482481:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 338:10، الكافي في فقه أهل المدينة: 190، التفريع 411:1، الاستذكار 36516/313:24 و 36517، و 36528/315.

الشمس إلي الظلّ فتخلّلت، طهرت عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّها لم يخالطها ما يمنعها الطهارة، بخلاف المطروح فيها.

الثاني: أنّها لا تحلّ؛ لأنّ ذلك فعْلٌ محظور(1).

و هو ممنوع، و ينتقض بما إذا أمسكها حتي تخلّلت، فإنّ إمساكها لا يجوز، و إذا تخلّلت في يده حلّت.

ب - لو طرح فيها شيئاً نجساً غير الخمر فانقلبت خلّاً أو عالجها الذمّي أو لمسها حال الخمريّة فانقلبت خلّاً، لم تطهر بالانقلاب؛ لأنّ نجاسة المطروح لم تكن بسبب الخمر و لا بسبب ملاقاته إيّاها، بل بنجاسةٍ لا تطهر بالانقلاب، فلا يطهر ما طُرح فيه بالانقلاب. و لا فرق بين أن تكون نجاسته ذاتيّةً أو عرضيّة.

و ربما خطر لبعض مَنْ(2) لا مزيد تحصيلٍ له الطهارةُ؛ لأنّ النجاسة الواحدة، و حالة الخمريّة العينُ نجسة، فإذا لاقتها نجاسة أُخري، لم يزد أثر التنجيس فيها، فإذا انقلب خلّاً، طهرت مطلقاً.

و هو غلط؛ لأنّ النجاسات متفاوتة في قبول التطهير و عدمه و في سبب التطهير.

ج - حكي الجويني عن بعض الشافعيّة جوازَ تخليل المحترمة؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(3).4.

ص: 140


1- الحاوي الكبير 115:6، التهذيب للبغوي 188:1، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- لم نتحقّقه.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4.

لكنّ المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة و غيرها في تحريم التخليل(1).

د - لا فرق بين الطرح بالقصد و بين أن يتّفق من غير قصد كطرح الريح في إباحته و طهارته مع الانقلاب.

للشافعيّة قولان:

أحدهما: لا فرق بينهما في التحريم، و عدم الطهارة.

و الثاني: الفرق(2).

و الخلاف مبنيّ علي أنّ المعني تحريم التخليل أو نجاسته المطروح فيه. و الأظهر عندهم: أنّه لا فرق(3).

هذا إذا كان المطرح في حالة التخمير، أمّا إذا طرح في العصير بصلاً أو ملحاً و استعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه إذا تخلّل، كان طاهراً؛ لأنّ ما لاقاه إنّما لاقاه قبل التخمير، فيطهر بطهارته كأجزاء الدَّنِّ.

الثاني: لا؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير و تستمرّ نجاسته، بخلاف أجزاء الدّنِّ؛ للضرورة(4).

ه لو طرح العصير علي الخلّ و كان العصير غالباً ينغمر الخلّ فيه عند الاشتداد، طهر إذا انقلب خلّاً؛ لزوال المقتضي للنجاسة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه لا يطهر(5).2.

ص: 141


1- العزيز شرح الوجيز 482:4.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4
4- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.

و لو كان الغالب الخلّ و كان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس به، و به قال الشافعيّة(1).

مسألة 120: قد بيّنّا أنّه يجوز إمساك الخمر المحترمة إلي أن تصير خلّاً،

و هو قول الشافعيّة(2). و التي لا تُحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها حتي تخلّلت، طهرت عندنا أيضاً و هو قول أكثر الشافعيّة(3) لأنّ النجاسة و التحريم إنّما ثبتا للشدّة و قد زالت.

و عن الجويني عن بعض الخلافيّين أنّه لا يجوز إمساك الخمر المحترمة، بل يُضرب عن العصير إلي أن يصير خلّاً، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة و هو خمر، أرقناه(4).

و قال بعضهم: لو أمسك غير المحترمة حتي تخلّلت، لم تحل و لم تطهر؛ لأنّ إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة، فإذا عادت الطهارة بالتخلّل، تطهر أجزاء الظرف أيضاً؛ للضرورة(5).

و قال بعضهم: إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئاً من الخمر كالقوارير طهر، و إن كان مما يشرب، لم يطهر(6).

و كما يطهر الملاقي بعد التخلّل يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حال الغليان.

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة تردّد في بيع الخمر المحترمة بناءً علي

ص: 142


1- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
4- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315314:3، المجموع 577:2.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315314:3، المجموع 577:2.
6- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 577:2.

التردّد في طهارتها مع الانقلاب(1).

و الحقّ عندنا: التحريم.

و العناقيد التي استحالت أجزاءٌ من حبّاتها خمراً يجوز بيعها، و لا يقصد(2) بيع الحبّات التي استحالت.

و للشافعيّة وجهان في جواز بيعها، أعني بيع الحبّات التي استحالت اعتماداً علي طهارة ظاهرها في الحال، و توقّع فائدتها في المآل(3).

و طردوا الوجهين في البيضة المستحيل باطنها دماً(4).

و الحقّ عندنا المنع.

مسألة 121: لو رهنه عصيراً فصار خمراً قبل الإقبال، بطل الرهن علي ما بيّنّا،

و كان للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

و إن صار خمراً بعد القبض، خرج من الرهن، و لا خيار للمرتهن.

فإن اختلفا فقال المرتهن: قبضتُه و هو خمر، و قال الراهن: بل قبضتَه و هو عصير، و إنّما صار خمراً في يدك فالأقوي تقديم قول المرتهن و به قال الشيخ(5) ، و أبو حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي(6) لأنّ مَن في يده مالٌ لغيره فالقول قوله في صفته، كالغاصب و المستعير و غيرهما. و لأنّ المرتهن ينكر أن يكون قد قبض رهناً، و القول قوله مع عدم الرهن(7).

ص: 143


1- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- في «ج»: «و لا يجوز» بدل «لا يقصد».
3- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 578:2.
4- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 578:2.
5- المبسوط للطوسي 214:2، الخلاف 240:3، المسألة 35.
6- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 116:6، المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
7- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 116:6، المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.

و قول الثاني للشافعي: إنّ القول قول الراهن؛ لأنّهما اتّفقا علي العقد و التسليم و اختلفا في صفة المقبوض، فكان القول قول الذي سلّم، كالبائع و المشتري إذا اختلفا في العيب و يمكن حدوثه عند كلّ واحدٍ منهما، فإنّ القول قول البائع.

فإمّا الغاصب و المستعير فإنّ القول قولهما فيما يغرمان؛ لأنّ القول قول الغارم، لأنّه مدّعي عليه، و هنا المرتهن يثبت لنفسه خياراً في العقد بذلك، فهو بمنزلة المشتري.

أمّا لو اختلفا في العقد فقال المرتهن: رهنتنيه خمراً و قبضتُه خمراً، و قال الراهن: بل رهنتكه عصيراً و قبضته عصيراً، قال بعض الشافعيّة: القول قول المرتهن في هذه قولاً واحداً؛ لأنّه ينكر العقد.

و قال آخرون منهم: فيها القولان؛ لأنّه معترف بحصول عقدٍ و قبض، و إنّما يدّعي صفةً في المعقود عليه، و الأصل عدمها(1).

و لو صار العصير خمراً في يد الراهن قبل القبض، بطل الرهن، فإن عاد خَلّاً، لم يعد، و يخالف إذا كان بعد القبض، لأنّ الرهن قد لزم و قد صار تابعاً للملك.

فأمّا إذا اشتري عصيراً فصار خمراً في يد البائع و عاد خلّاً، فسد العقد، و لم يعد ملك المشتري لعوده خلّاً.

و الفرق بينه و بين الرهن أنّ الرهن عاد تبعاً لملك الراهن، و هاهنا يعود ملك البائع؛ لعدم العقد، و لا يصحّ أن يتبعه ملك المشتري.

مسألة 122: لو جني العبد المرهون قبل القبض

و تعلَّق الأرشُ برقبته

ص: 144


1- المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.

و قلنا: رهن الجاني ابتداءً فاسد، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان؛ إلحاقاً للجناية بتخمير العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد، و هذه الصورة أولي بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك في الجاني، بخلاف الخمر(1).

و لو أبق العبد المرهون قبل القبض، قال الجويني: يلزم علي سياق ما سبق تخريج وجهين فيه؛ لانتهاء المرهون إلي حالة يمتنع ابتداء الرهن فيها(2).

الشرط الثالث: أن يكون المرهون ممّا يمكن إثبات يد المرتهن عليه، فلو رهن عبداً مسلماً عند كافر أو رهن مصحفاً عنده، فالأقرب: المنع؛ لما فيه من تعظيم شأن الإسلام و الكتاب العزيز، و من نفي السبيل علي المؤمن، فإنّ إثبات يد المرتهن سبيلٌ عليه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه علي القولين في بيعه منه إن صحّحنا البيع، صحّ الرهن، و يوضع علي يد مسلم؛ لأنّ إزالة الرهن لا يمكن إلّا بفسخه.

و الثاني: القطع بجوازه؛ لأنّه لا ملك للكافر فيه و لا انتفاع، و إنّما هو مجرّد استيثاق، بخلاف البيع؛ لأنّ في التملّك نوع إذلال، و هذا إنّما هو استيثاق به، و إنّما الذلّ بكونه تحت يده، فإذا أخرجناه من يده، جاز(3).

و رهن السلاح من الحربي يترتّب علي بيعه منه.3.

ص: 145


1- المهذّب للشيرازي 316:1، العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
2- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
3- المهذّب للشيرازي 316:1، حلية العلماء 428427:4، العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 283:3.

و في رهن كتب أحاديث رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) و الفقه الخلافُ بين الشافعيّة(1) ، المتقدّم.

و يجوز أن يرهن عند الكافر ما سوي ذلك؛ لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي(2).

و هل يصحّ رهن المصحف عند المسلم ؟ إن قلنا بجواز بيعه، صحّ، و إلّا فلا.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: الصحّة، و به قال مالك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3).

مسألة 123: يجوز رهن الجواري و العبيد؛ لأنّهم أموال يستوثق بهم الدَّيْن، فجاز رهنهم كغيرهم.

و لا فرق بين الجارية الحسناء و غيرها، و سواء كانت الجارية الحسناء مَحْرماً للمرتهن أو غير مَحْرم، و سواء كان المرتهن عَدْلاً أو فاسقاً علي كراهية فيه.

و لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ، أو كبيرةً تشتهي؛ للأصل، و العمومات.

و قال بعض الشافعيّة روايةً: إنّه لا يجوز رهن الجارية الحسناء إلّا أن تكون مَحْرماً للمرتهن(4).

و المذهب المشهور عندهم: الجواز مطلقاً(5).

ص: 146


1- المهذّب للشيرازي 316:1، حلية العلماء 427:4.
2- سنن البيهقي 37:6.
3- المغني 412:4، الشرح الكبير 413412:4.
4- العزيز شرح الوجيز 440:4.
5- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 283:3.

ثم إن كانت صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ، فهي كالعبد يجوز رهنها و إن كانت كبيرةً تشتهي، فإن رهنت من مَحْرم أو امرأة، جاز. و إن رهنت من رجلٍ بالغ أو أجنبيّ، فإن كان ثقةً و عنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهنّ من المقاربة لها، جاز أيضاً، و إلّا وُضعت عند مَحْرمٍ لها أو امرأة ثقة أو عدْل بالصفة المذكورة في المرتهن.

و لو شرط وضعها عند غير مَنْ ذكرنا، فهو شرط فاسد عندهم؛ لما فيه من الخلوة بالأجنبيّة، و خوف الفتنة(1).

و ألحق الجويني بالصغيرة [الخسيسة(2)] مع دمامة(3) الصورة(4).

و الفرق بيّنٌ بينهما عند الباقين(5).

و لو كان المرهون خنثي، فهو كما لو كان جاريةً إلّا أنّه لا يوضع عند المرأة.

الشرط الرابع: أن يكون المرهون ممّا يصحّ بيعه عند حلول الدّين؛ لأنّ الغاية التي وضعها الشارع في الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة، فلا بدّ و أن يكون قابلاً للبيع ليصرف ثمنه في دَيْن المرتهن، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لا يجوز رهنه، فلا يجوز رهن الحُرّ و أُمّ الولد3.

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجرية: «الصغيرة الجثّة». و في «ج»: «الحسنة». و في «روضة الطالبين»: كما أثبتناه. و في «العزيز شرح الوجيز»: «الحسنة الخسيسة». و في الطبعة الحجريّة منه فتح العزيز 6:10 -: «الحسنة» فقط. و الظاهر ما أثبتناه. و في العين للخليل 135:4 «خس» و امرأة مستخسّة، أي: قبيحة الوجه محقورة، اشتُقّت من الخسيس، أي القليل.
3- الدمامة: القِصَر و القبح. لسان العرب 208:12 «دمم».
4- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.
5- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.

و المكاتَب و الوقف و غير ذلك ممّا يمتنع شرعاً بيعه.

مسألة 124: لعلمائنا قولان في جواز التفرقة بين الاُمّ و ولدها الصغير بالبيع و شبهه،

فَمَنعه البعض و كرهه آخرون، و قد تقدّم(1) القولان.

الشافعيّة و إن حرّموا التفريق ففي إفساد البيع عندهم قولان(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز عندنا و عندهم(3) رهن الجارية دون الولد الصغير؛ لأنّ الرهن لا يزيل الملك، فيحصل بذلك تفرقة بينهما، و إنّما هي ملك للراهن له الانتفاع بها و تسليم ولدها إليه. و لأنّ الجارية المرهونة لو ولدت في يد المرتهن، كان ولدها غير مرهون و هي مرهونة، فكذا في الابتداء.

قال الشافعي: إنّ ذلك ليس تفرقةً بين الاُمّ و ولدها(4).

و اختلف في معناه.

فقال بعضهم: إنّ الرهن لا يوجب تفرقةً؛ لأنّ الملك فيهما باقٍ للراهن و المنافع له، فيمكن أن يأمرها بتعهّد الولد و حضانته، و إذا كان كذلك، وجب تصحيح الرهن، ثمّ ما يتّفق من بيعٍ و تفريقٍ فهو من ضرورة إلجاء الراهن إليه.

و قال بعضهم: معناه أنّه لا تفرقة في الحال، و إنّما التفرقة تقع عند

ص: 148


1- في ج 10، ص 331 335، المسألة 150 و الفرع «ه» منها.
2- المهذّب للشيرازي 275:1، المجموع 360:9 و 361، الوجيز 139:1 و 160، الوسيط 61:3، العزيز شرح الوجيز 133:4 و 443، الحاوي الكبير 119:6، و 245244:14، روضة الطالبين 83:3 و 285.
3- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 118:6، المهذّب للشيرازي 1 316، الوجيز 160:1، العزيز شرح الوجيز 443:4، روضة الطالبين 3 285.
4- العزيز شرح الوجيز 443:4، روضة الطالبين 285:3.

البيع، و حينئذٍ يحترز منها بأن يبيعهما معاً.

و القائل الأوّل لا يبالي بأفراد أحدهما بالبيع إذا وقعت الحاجة إلي البيع. و الأصحّ عندهم: الثاني(1).

إذا ثبت هذا، فإذا حلّ الحقّ و أراد بيع الجارية، فإن كان قد تمّ للولد سبع سنين فما زاد، جاز بيعها دونه إجماعاً؛ لأنّ بلوغ هذا السنّ يجوز معه التفريق.

و إن كان له أقلّ من ذلك، فالأقرب: بيعهما معاً و هو أحد قولي الشافعيّة - (2) لأنّ الجمع بينهما في العقد ممكن، بخلاف ما إذا ولدت من الراهن، فإنّها تباع منفردةً عن الولد؛ لأنّ الولد حُرٌّ لا يمكن بيعه. فإذا بِيعا معاً بِيعا صفقةً واحدة لئلّا يقع التفريق؛ للنهي عنه، و يتعلّق حقّ المرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية، فيقال: كم قيمة هذه الجارية ذات الولد دون ولدها؟ فيقال: مائة، و يقال: كم قيمة الولد؟ فيقال: خمسون، فتكون حصّة الجارية ثلثي الثمن المسمّي في العقد.

قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن نُقدّم علي كيفيّة توزيع الثمن مسألةً هي أنّه إذا رهن أرضاً بيضاء ثمّ نبت فيها نخل، فلها حالتان:

إحداهما: أن يرهن الأرض ثمّ يدفن فيها النوي أو يحمل السيل أو الطير النوي إليها فتنبت، فهي للراهن، و لا يُجبر في الحال علي قلعها؛ لإمكان أن يؤدّي الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فإذا دعت الحاجة إلي بيع الأرض، نظر فإن قام ثمن الأرض لو بِيعت وحدها بالدَّيْن، بِيعت وحدها و لم0.

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 443:4، و انظر: روضة الطالبين 285:3.
2- انظر: حلية العلماء 123122:4، المغني 460:10، و الشرح الكبير 409:10.

يقلع النخل، و كذا لو لم يف به، إلّا أنّ قيمة الأرض و فيها الأشجار كقيمتها بيضاء.

و إن لم يف به و نقصت قيمتها بالأشجار، فللمرتهن قلعها لتباع الأرض بيضاء، إلّا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض، فيُباعان و يُوزّع الثمن عليهما.

هذا إذا لم يكن الراهن محجوراً عليه بالإفلاس، فإن كان كذلك، فلا قلع بحالٍ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بها، بل يُباعان و يُوزّع الثمن عليهما، فما يقابل الأرض يختصّ به المرتهن، و ما يقابل الأشجار يُقسّم بين الغرماء. فإن انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار، حُسب النقصان علي الغرماء؛ لأنّ حقّ المرتهن في أرضٍ فارغة، و إنّما مُنع من القلع لرعاية جانبهم، فلا يهمل جانبه بالكلّيّة.

الحالة الثانية: أن تكون النوي مدفونةً في الأرض يوم الرهن ثمّ نبتت، فإن كان المرتهن جاهلاً بالحال، فله الخيار في فسخ البيع الذي شُرط فيه هذا الرهن، فإنّ استحقاق بقاء الأشجار في الأرض عيب فيها يوجب الخيار، فإن فسخ فلا بحث، و إن لم يفسخ، فهو بمنزلة العالم، فلا خيار له.

و إذا بِيعت الأرض مع النخل، وُزّع الثمن عليهما.

و المعتبر في الحالة الأُولي قيمة أرضٍ فارغة، و في الثانية قيمة أرضٍ مشغولة لأنّها كانت كذلك يوم الرهن.

و في كيفيّة اعتبار قيمة الأشجار وجهان نقلهما الجويني في الحالتين:

أظهرهما: أنّ الأرض تُقوّم وحدها، فإذا قيل: قيمتها مائة، قُوّمت مع الأشجار، فإذا قيل: مائة و عشرون، فالزيادة بسبب الأشجار عشرون هي

ص: 150

سدس المائة و العشرين، فيراعي في ثمنها نسبة الأسداس.

و الثاني: أنّه كما قُوّمت الأرض وحدها تُقوّم الأشجار وحدها ثانياً، فإذا قيل: قيمتها خمسون، عرفنا أنّ النسبة بالأثلاث.

و في المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصةً بسبب الاجتماع؛ لأنّا فرضنا قيمتها وحدها مائةً، و قيمة الأشجار وحدها ثابتةً خمسون(1) ، و قيمة المجموع مائة و عشرون.

إذا عرفت هذا، فلنعد إلي مسألة الأُمّ و الولد، فإذا بِيعا معاً و أردنا التوزيع، قال الجويني: فيه طريقان:

أحدهما: أنّ التوزيع عليهما كالتوزيع علي الأرض و الأشجار، فتُعتبر فيه قيمة الأُمّ وحدها. و في الولد الوجهان.

و الثاني: أنّ الأُمّ لا تُقوَّم وحدها، بل تُقوَّم مع الولد خاصّةً؛ لأنّها رهنت و هي ذات ولد، و الأرض بالأشجار(2) و كذا أورده أكثر الشافعيّة.

أمّا لو رهنها حائلاً ثمّ حملت بالولد بعد الرهن و التسليم من نكاح أو زنا و بِيعا معاً، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها، فتُقوَّم خاليةً من ولد، و يُقوَّم الولد، و ينظر حصّتها من الثمن، فيكون للراهن.

و الفرق بين المسألتين أنّ في الأُولي رضي بكونها أُمّ ولد فقُوّمت أُمّ ولد، و في الثانية لم يرض بكونها أُمّ ولد.

فإن قيل: هذا الولد حدث في يد المرتهن، و إذا كان ذلك حادثاً فير.

ص: 151


1- في «ج»: «ثمانية و خمسون». و في الطبعة الحجرية بدون الواو، بدل «ثابتةً خمسون». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- في الطبعة الحجريّة «بالأشجار» بدل «بلا أشجار». و كلاهما ساقط في «ج». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

يده، كان بمنزلة ما رضي به، كما لو حدث فيه نقص و عيب.

قلنا: إنّ ذلك لا يجري مجري النقص الحادث لتلف جزء من الرهن؛ لأنّ التالف مضمون عليه بسقوط حقّ الوثيقة، و في مسألتنا الرهن بحاله، و هذه الزيادة للراهن يقتضي وجوده نقصان قيمة الأُمّ لبيعه معها، فإذا لم يرض به لم يلزمه حكمه.

مسألة 125: إذا رهن شيئاً رطباً يسرع إليه الفساد، نُظر

فإن كان يمكن استصلاحه و تجفيفه كالرطب و العنب، صحّ رهنه، و يجب علي الراهن تجفيفه و استصلاحه؛ لأنّ ذلك من مئونة حفظه و تبقيته، فكانت عليه، كنفقة الحيوان المرهون.

فإن كان ممّا لا يمكن استصلاحه كالثمرة التي لا تجفّف و البقول و الطبائخ و الريحان و ما أشبه ذلك، نُظر فإن كان الدَّيْن حالّا أو يحلّ قبل فساده، صحّ رهنه؛ لأنّ المقصود منه يمكن حصوله.

ثمّ إن بِيع في الدَّيْن أو قُضي الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فذاك، و إلّا بِيع و جُعل الثمن رهناً لئلّا يضيع، و لا تفوت الوثيقة.

فلو تركه المرتهن حتي فسد، ضمن إن أمكن رَفْعُ أمره إلي الحاكم و لم يفعل.

و لو تعذّر الحاكم، فإن نهاه الراهن عن البيع، لم يضمن، و إلّا احتمل الضمان.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الراهن أذن له في بيعه، ضمن، و إلّا لم يضمن.

ص: 152

و إن كان الرهن علي دَيْنٍ مؤجَّلاً، فأحواله ثلاثة:

أ: أن يعلم حلول الأجل قبل فساده، فهو بحكم الرهن علي الدَّيْن الحالّ.

ب: أن يعلم عكسه، فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف علي الفساد و جَعْل ثمنه رهناً، صحّ، و لزم الوفاء بالشرط.

و إن شرط أن لا يُباع بحال قبل حلول الأجل، فهو فاسد و يُفسد الرهن؛ لمناقضته مقصود الاستيثاق.

و إن أطلق العقد و لم يشترط البيع و لا عدمه، فالأقرب: الجواز، و يُجبر علي بيعه؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك؛ لأنّ المالك للشيء لا يعرضه للتلف و الهلاك، بل يبيعه، فيحمل مطلق العقد عليه، كما علي الاستصلاح، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و القول الثاني: إنّه لا يصحّ؛ لأنّ الإجبار علي البيع إجبار علي إزالة ملكه و بيع الرهن قبل حلول الأجل، و ذلك لا يقتضيه عقد الرهن، فلم يجب و إذا ثبت أنّ البيع لا يُجبر عليه، فالمرهون لا يمكن(1) استيفاء الحقّ منه، فلم يصح عقد الرهن، كما لو رهن عبداً علّق عتقه بشرطٍ يُوجد قبل المحلّ(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ في ترك بيعه إضراراً ما بالمالك و المرتهن معاً، و في بيعه إحسان إليهما؛ لاشتماله علي مصلحتهما، فوجب البيع حفظاً للحقّين.3.

ص: 153


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «لا يملك» بدل «لا يمكن». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- التهذيب للبغوي 48:4، العزيز شرح الوجيز 446:4، روضة الطالبين 288287:3.

و ما اخترناه أوّلاً هو الصحيح و به قال أبو حنيفة و أحمد - (1) كما لو شرط، فإنّ الظاهر أنّه لا يقصد فساد ماله، فصار كالمأذون فيه.

ج: أن لا يُعلم واحد من الأمرين و كانا محتملين، ففي جواز الرهن المطلق قولان مرتَّبان علي القولين في القسم الثاني. و الصحّة هنا أظهر.

تذنيب: لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فطرأ ما عرّضه للفساد قبل حلول الأجل، كما لو ابتلّت الحنطة و تعذّر التجفيف، لم ينفسخ الرهن بحالٍ و إن منع الصحّةَ في الابتداء علي قولٍ للشافعيّة(2) ، كما أنّ إباق العبد يمنع صحّة العقد، و إذا طرأ لم يوجب الانفساخ.

و لو طرأ ذلك قبل قبض الرهن، ففي الانفساخ للشافعيّة وجهان(3) ، كما في عروض الجنون و الموت. و إذا لم ينفسخ يُباع و يُجعل الثمن رهناً مكانه.

مسألة 126: المرتدّ إمّا أن يكون عن فطرة أو لا عن فطرة، و الأوّل يجب قتله في الحال،

و لا تُقبل توبته، عند علمائنا. و الثاني تُقبل توبته، و لا يجب قتله في الحال إلّا بعد الامتناع من التوبة عند الاستتابة.

إذا عرفت هذا، فلو ارتدّ العبد، فالأقرب: أنّ الردّة إن كانت عن فطرةٍ، لم يصح رهنه؛ لأنّه في كلّ آن يجب إعدامه شرعاً، و يتعيّن إتلافه، فانتفت غاية الرهن فيه، و هي التوثيق. و إن لم يكن عن فطرة، صحّ رهنه؛ لأنّ الردّة لا تزيل الملك.

و العامّة أطلقوا و قالوا: يصحّ رهن المرتدّ، كما يصحّ بيعه(4) ؛ لبقاء

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 446:4.
2- العزيز شرح الوجيز 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 446:4، روضة الطالبين 288:3.
4- الحاوي الكبير 81:6، التهذيب للبغوي 32:4، الوجيز 160:1، العزيز شرح الوجيز 446:4، الوسيط 466:3، روضة الطالبين 288:3.

الملك مع الردّة، و إنّما يعرضه للإتلاف، فهو بمنزلة المريض المدنف.

و إذا ثبت هذا، فإذا رهنه فإن كان المرتهن عالماً بالردّة، لم يكن له ردّه، و لا يثبت له خيار في البيع الذي شرط رهنه فيه.

ثمّ يُنظر فإن عاد إلي الإسلام و تاب، فقد زال العيب. و إن قُتل بالردّة في يد المرتهن، لم يثبت للمرتهن خيار فسخ البيع المشروط رهنه فيه؛ لأنّ القتل حصل في يده بسبب الردّة و قد رضي بها، فهو بمنزلة أن يرهنه مريضاً فيُعلمه بمرضه ثمّ يموت منه في يده.

لا يقال: الفرق ظاهر؛ فإنّ المريض تلف بتزايد المرض في يد المرتهن.

لأنّا نقول: و المرتدّ قُتل بإقامته علي الردّة في يد المرتهن، و لأنّه و إن قُتل بما كان في يد البائع إلّا أنّه لا يصحّ الرضا به، و هذا مذهب الشافعي(1).

و قيل: إنّه كالمستحقّ(2) ، فعلي هذا يثبت الخيار في البيع.

فأمّا إذا لم يعلم المرتهن حال الرهن بردّته ثمّ علم بعد ذلك قبل أن يُقتل، فله الخيار في البيع المشروط رهنه فيه، فإن قُتل قبل القبض، فله فسخ البيع، و إن قُتل بعده، كان الحكم فيه كما لو رهنه و هو عالم بردّته.

و أمّا إن قُتل قبل أن يعلم بردّته، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّه بمنزلة المستحقّ، و يثبت الخيار للمرتهن(3).

و قال آخرون: إنّه بمنزلة العيب، و لا يثبت للمشتري الخيار في الرهن(4).6.

ص: 155


1- الاُمّ 151:3.
2- انظر: الحاوي الكبير 82:6.
3- انظر: الحاوي الكبير 83:6.
4- انظر: الحاوي الكبير 83:6.

و الشافعي قال هنا: إنّه بمنزلة المستحقّ(1) ، فجَعَله مع العلم بمنزلة العيب، و مع عدم العلم بمنزلة الاستحقاق؛ لأنّه هلك بسببٍ كان موجوداً حال العقد و لم يرض به، و لا يلزم المريض؛ لأنّه تلف بسببٍ حادث.

قال أصحابه: إن قلنا بقوله و قول أبي إسحاق، ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع. و إن قلنا بقول الآخَرين، فلا يثبت له الخيار و لا المطالبة بالأرش إن يكون رهناً.

و يفارق البيع حيث قلنا علي هذا الوجه: إنّه يرجح بأرش العيب؛ لأنّ الرهن لا يلزم إلّا فيما حصل فيه القبض، بخلاف البيع، فما لم يسلمه إليه من صفات الرهن لا يمكنه المطالبة به، و لا يثبت له الخيار لفقده؛ لأنّه قد تلف الرهن في يده و تعذّر عليه ردّه، و الرهن مضمون علي المرتهن بحقّ الوثيقة(2).

و قال الشافعي في الأُمّ: و لو أنّه(3) دلّس فيه بعيب و قبضه فمات في يده موتاً قبل أن يختار فسخ البيع، لم يكن له خيار الفسخ لما فات من الرهن(4).

مسألة 127: يصحّ رهن العبد الجاني، سواء كانت الجناية عمداً أو خطأً.

و الشافعيّة رتّبوا حكم رهنه علي بيعه، فإن قالوا بأنّه لا يصحّ بيعه، فرهنه أولي. و إن صحّ، ففي رهنه قولان. و فرّقوا بينهما بأنّ الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حقّ المجنيّ عليه، فإذا وُجدت أوّلاً، منعت

ص: 156


1- الاُم 151:3.
2- لم نعثر علي نصّه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- في الطبعة الحجريّة: «و به قال الشافعي في الأُم. و لأنّه». و في «ج»: «و به قال الشافعي في الأُم. و لو أنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- الأُم 151:3.

من ثبوت حقّ المرتهن(1).

و للشافعيّة ثلاث طرق:

أحدها: إن كان القتل خطأً، لم يصح قولاً واحداً. و إن كان عمداً، فعلي القولين.

و الثاني: أنّه إن كان عامداً، صحّ قولاً واحداً. و إن كان خطأً، فعلي قولين.

و الثالث: أنّه علي قولين، عمداً كان أو خطأً. و قد مضي توجيه ذلك في البيع. فإذا قلنا: إنّه يصحّ الرهن، فالحكم فيه كما ذكرنا في المرتدّ سواء(2).

إذا عرفت هذا، فإن لم يصحّ الرهن ففداه السيّد أو أسقط المجنيّ عليه حقَّه، فلا بدّ من استئناف رهن.

و إن صحّحناه، قال بعضهم: إنّه يكون مختاراً للفداء، كما سبق في البيع(3).

و قال بعضهم: لا يلزمه الفداء، بخلاف ما في البيع و العتق؛ لأنّ محل الجناية باقٍ هنا، و الجناية لا تنافي الرهن، أ لا تري أنّه لو جني و هو مرهون تتعلّق الجناية به، و لا يبطل الرهن(4).

و إن صحّحنا الرهن و الواجب القصاص و منعناه و الواجب المال فرهن و الواجب القصاص ثمّ عفا المستحقّ علي مال، فيبطل الرهن من أصله أو4.

ص: 157


1- الوسيط 466:3، العزيز شرح الوجيز 447:4، روضة الطالبين 289:3.
2- المهذّب للشيرازي 294:1 و 316.
3- العزيز شرح الوجيز 447:4.
4- العزيز شرح الوجيز 447:4.

هو كجناية تصدر من المرهون حتي يبقي الرهن لو لم يُبَع في الجناية ؟ فيه للشافعيّة وجهان(1).

و إذا قيل به(2) ، فلو كان قد حفر بئراً في محلّ عدوان فتردّي فيها بعد ما رهن إنسان، ففي تبيّن الفساد وجهان. الفرق أنّه في الصورة الأُولي رهن و هو جانٍ، و هنا بخلافه(3).

تذنيب: لو رهن عبداً سارقاً أو زانياً، صحّ الرهن، و يكون ذلك بمنزلة العيب علي ما بيّنّاه.

و إن كان قد قتل في قطع الطريق، فإن كان قبل قدرة الإمام عليه، صحّ علي أحد القولين؛ لأنّه تصحّ منه التوبة. و إن كان بعد القدرة، لم يصح؛ لأنّ قتله متحتّم.

تذنيبٌ آخَر(4): قد بيّنّا أنّ للشافعيّة ثلاث طرق في رهن الجاني، و أنّ منهم مَنْ يقول في ذلك قولان، فإذا قلنا فيها قولان، فرّعنا عليه إذا قلنا: يصحّ الرهن، كانت الجناية مقدّمةً عليه، فإن بِيع فيها جميعه، بطل الرهن. و إن بِيع بعضه، و بقي الباقي رهناً.

لا يقال: إذا صحّحتم الرهن فألا ألزمتموه الفداء كما إذا أعتقه و صحّحتم عتقه.

لأنّا نقول: الفرق بينهما أنّا إذا صحّحنا أبطلنا محلّ الجناية، فضمن المبطل بالأرش، و في مسألتنا محلّ الجناية باقٍ، و الجناية لا تنافي الرهن، و لهذا إذا جني بعد ما رهن، تعلّقت به الجناية، و لم يبطل الرهن.».

ص: 158


1- و 2) العزيز شرح الوجيز 448:4، روضة الطالبين 290:3.
2- الضمير في «به» راجع إلي الوجه الأوّل، و هو بطلان الرهن من أصله.
3- الضمير في «به» راجع إلي الوجه الأوّل، و هو بطلان الرهن من أصله.
4- كلمة «تذنيب» لم ترد في «ج».

و أمّا إذا قلنا: لا يصحّ الرهن، فإن فداه السيّد أو برئ من الجناية، لم يصر رهناً حتي يبدأ رهنه.

قال الشافعي: و لا فرق بين أن يكون الأرش درهماً و العبد يساوي أُلوفاً أو غير ذلك(1).

و إنّما كان كذلك لأنّ اليسير يتعلّق بجميعه كتعلّق الكثير، أ لا تري أنّه لو رهنه عبداً بدرهم يسوي أُلوفاً، لم يجز رهنه بشيءٍ آخَر عند غيره قولاً واحداً، و كذا الجنابة أيضاً.

مسألة 128: يصحّ رهن المدبَّر عند علمائنا؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة و للموصي الرجوع في وصيّته،

و كذا المدبَّر له الرجوع في تدبيره، و إذا صحّ الرهن، بطل التدبير؛ لأنّ ذلك رجوع فيه.

و الشافعيّة اختلفوا في هذه المسألة علي ثلاث طرق:

منهم مَنْ قال: إنّما يكون الرهن مفسوخاً علي القول الذي يقول: إنّ التدبير [تعليق(2)] عتقٍ بصفة لا يصحّ الرجوع فيه، فأمّا إذا قلنا: إنّه وصيّة، صحّ الرهن، و كان رجوعاً عن التدبير، كما إذا أوصي به لزيد ثمّ رهنه، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة، و يصحّ الرهن.

و منهم مَنْ قال: يكون الرهن مفسوخاً علي القولين؛ لأنّ السيّد قد يموت فجأةً، فيبطل مقصود الرهن، و لا يعلم وقت موته حتي يُباع قبله.

و لأنّ الشافعي قال في الأُمّ: «و لو دبّره ثمّ رهنه، كان الرهن مفسوخاً، و لو قال: رجعت عن التدبير ثمّ رهنه، ففيها قولان»(3). و هذا نص في أنّه

ص: 159


1- روضة الطالبين 289:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الاُمّ 158:3.

قبل أن يرجع فيه لا يصحّ الرهن قولاً واحداً.

قال هذا القائل: و إنّما كان كذلك لأنّ الرهن ليس بصريح في الرجوع عن التدبير، فلم يكن رجوعاً، و يفارق سائر الوصايا حيث كان الرهن رجوعاً عنها؛ لأنّ التدبير و إن قلنا: إنّه وصيّة فإنّه آكد و أقوي منها؛ لأنّه عتق يتنجّز بالموت، و قد يكون بعض الوصايا آكد من بعض، فيقدّم بعضها علي بعض.

و منهم مَنْ قال: يصحّ الرهن، و يكون التدبير بحاله؛ لأنّ الشافعي قال: ما جاز بيعه جاز رهنه(1) ، و المدبَّر يجوز بيعه. و لأنّ التدبير لا ينافي الوثيقة؛ لأنّه لا يمنع من البيع عند محلّ الحقّ.

قال: و قول الشافعي: «يكون الرهن مفسوخاً» أراد به إذا امتنع الراهن من بيعه و الرجوع في التدبير، فإنّه يحكم بانفساخ الرهن.

و بيان ذلك: أنّ علي هذه الطريقة يكون رهناً براً، فإن قضاه الراهن من غيره، كان العبد مدبَّراً. و إن باعه في الدَّيْن، بطل التدبير.

و إن امتنع من بيعه و من الرجوع في التدبير، فإن كان له مالٌ غيره، قضي الدَّيْن منه، و أُجبر عليه.

و إن لم يكن له مالٌ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: فيه وجهان:

أحدهما: يُباع عليه، و ينفسخ التدبير.

و الثاني: يُحكم بفساد الرهن(2).

و هذا الوجه الذي تأوّل به صاحب هذه الطريقة كلامَ الشافعي و هو4.

ص: 160


1- الأُمّ 149:3، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 11:6.
2- العزيز شرح الوجيز 448:4.

قوله: «و كان الرهن مفسوخاً» و حَمَله عليه ليس(1) بصحيح؛ لأنّه إذا صحّح رهنه، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه، بل يجب بيعه بحكم الرهن و لزومه.

و الطريقة الأوّلة أصحّ في القياس؛ لأنّ في كون التدبير وصيّةً أو تعليقَ عتقٍ بصفة قولين معروفين، و قضيّة كونه وصيّةً صحّة الرهن.

و الثانية ظاهر كلامه؛ لأنّ كلامه في الأُمّ كالصريح في القطع بالمنع؛ لأنّه قال: «و لو دبّره ثمّ رهنه، كان الرهن مفسوخاً، و لو قال: رجعت عن التدبير، ثمّ رهنه فقولان»(2) فخصّ القولين بما بعد الرجوع.

و الثالثة مخالفة لقوله و للقياس(3).

و المزني اختار أنّ الرهن يصحّ، و يبطل التدبير كما ذهبنا نحن إليه لأنّ التدبير عنده وصيّة كما قلناه و قد ثبت أنّه لو أوصي بعبده ثمّ رهنه، بطلت الوصيّة، و أنّ الشافعي قال: «لو دبَّر عبده ثمّ قال له: إن أعطيت ورثتي كذا بعد موتي فأنت حُرٌّ، كان رجوعاً في التدبير».

قال: و لأنّ الشافعي قال: «لو دبَّر عبده ثمّ وهبه هبة بتاتٍ، بطل التدبير، أقبضه في التدبير أو لم يقضه» و الرهن كالهبة قبل القبض(4) و الجواب: أنّ الذين قالوا: إنّه يصحّ الرهن علي القول الذي يقول: إنّه وصيّة لا يلزمهم ذلك، و يحملون كلام الشافعي الذي حكاه في العتق علي أنّه علي هذا القول قاله.8.

ص: 161


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «و ليس..». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الأُم 158:3.
3- العزيز شرح الوجيز 449:4.
4- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 106:6، و انظر أيضاً: الأُمّ 18:8.

و مَنْ قال: لا يصحّ الرهن علي القولين فقد ذكرنا فرقة بين التدبير و سائر الوصايا.

فأمّا ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا مَنْ يقول: إذا قلنا: التدبير وصيّة، صحّت الهبة، و كان رجوعاً عن التدبير. و إذا قلنا: إنّه [تعليق](1) عتق بصفة، لم يكن ذلك مبطلاً للتدبير. و منهم مَنْ قال: يكون مبطلاً للتدبير علي القولين؛ لأنّ الهبة تنقل الملك إذا انضمّ إليها القبض، فكانت أقوي من الرهن؛ لأنّه لا يفضي عنده إلي إزالة الملك، فافترقا(2).

و اعلم أنّ عامّة الشافعيّة مالوا إلي ترجيح بطلان الرهن؛ لأنّ العتق مستحقّ بالتدبير، فلا يقوي الرهن علي دفعه. و الجويني اختار الصحّة، أمّا علي قول إنّه وصيّة: فظاهر. و أمّا علي قوله إنّه تعليق عتقٍ بصفة: فلأنّه مع ذلك محسوب من الثلث، بخلاف العتق المعلّق(3) النازل في حياة المعلِّق، و الدَّيْن محسوب من رأس المال، و لو مات يخلّف إلّا هذا العبد و الدَّيْن مستغرق و لا رهن، لصرفناه إلي الدَّيْن، و لم نبال باندفاع العتق، فلا معني لمنعه من الرهن لغرض العتق(4).

مسألة 129: لو رهن عبده ثمّ دبَّره، قال الشيخ (رحمه اللّه): يبطل التدبير؛

لأنّه ليس له التصرّف فيه(5).

و الوجه: أن يقال: يقع موقوفاً، فإن أجاز المرتهن، صحّ التدبير، و يكون حكمه أنّه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير، عُتق من الثلث.

ص: 162


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- راجع: الحاوي الكبير 107106:6.
3- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «المطلق» بدل «المعلّق». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 449:4.
5- الخلاف 339:3، المسألة 33.

و لو قصر الثلث أو لم يكن سواه، بيع إمّا كلّه، أو ما يقوم بباقي الدَّيْن، أو جميعه، و يبطل التدبير، كما لو لم يكن رهناً.

و لو لم يجز المرتهن، احتُمل بطلان التدبير، و عدمُه؛ لأنّه تصرّف في الرهن و قد مُنع المتراهنان من التصرّف في الرهن، و كون هذا التصرّف غير مضرّ بالمرتهن، فإنّ للمرتهن أن يبيعه في الدَّيْن، و حينئذٍ يبطل التدبير. و لو لم يبعه و طلب الدَّيْن من باقي التركة، كان له ذلك، فإن وفت التركة بالدَّيْن، قضي منها، و عُتق المدبَّر من الثلث، و لا يُجبر المرتهن علي ذلك.

و هذا كله إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به و قلنا: إنّ الرهن يلزم من عدم الإقباض، و أمّا إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبَّره قبل الإقباض، بطل الرهن؛ لأنّه جائز، و إذا تصرّف تصرّفاً يخالفه، بطل.

و يُحتمل الصحّة.

و قال الشافعي في الأُمّ: لو رهنه و لم يقبضه ثمّ دبَّره أو باعه أو أصدقه أو وهبه، بطل الرهن(1).

قال الربيع من أصحابه: و فيه قولٌ آخَر: إنّ التدبير يصحّ، و الرهن بحاله(2).

و قال باقي الشافعيّة: إنّ قول الربيع من نفسه، و ليس فيها إلّا قولاً واحداً(3).

و أمّا إن كان بعد الإقباض، قال الشافعي في الأُمّ: يكون التدبير موقوفاً(4) ، يريد به أنّ التدبير يصحّ؛ لأنّ الرهن لا ينافيه.4.

ص: 163


1- الاُمّ 139:3، و انظر: حلية العلماء 413:4، و التهذيب للبغوي 15:4.
2- الاُمّ 139:3، حلية العلماء 414:4، التهذيب للبغوي 15:4.
3- حلية العلماء 414:4، التهذيب للبغوي 15:4.
4- الاُمّ 158:3، و انظر: حلية العلماء 420:4.

ثمّ يُنظر فإن انفكّ من الدَّيْن قبل موت سيّده، فهو مدبَّر.

و إن حلّ الحقّ فإن قضاه الراهن من غيره، كان مدبَّراً. و إن باعه في الدَّيْن، بطل التدبير. امتنع من بيعه و من الرجوع إلي التدبير فإن كان له مال، قضي منه، و إلّا بِيع عليه.

و إن مات قبل حلول الحقّ، فقد حلّ الحقّ بالموت، و وجب العتق من الثلث.

ثمّ يُنظر فإن خلّف تركةً تفي بالدَّيْن منها، و عُتق المدبَّر من الثلث. و إن لم يكن غيره، فإن كان الدَّيْن يستغرق قيمته، بِيع فيه. و إن كان له بقدر بعضه، بِيع بقدر الدَّيْن، و كان عتق الباقي وصيّةً يقف علي إجازة الورثة فإن لم يجيزوا، عُتق ثلث الباقي.

و قال بعض الشافعيّة: عندي أنّ تدبير المرهون يبني علي القولين في عتقه؛ لأنّ التدبير سبب من أسباب العتق(1).

و استبعده بعضهم؛ لأنّ نصّ الشافعي بخلافه. و لأنّ العتق يُبطل حقّ المرتهن من غير الرهن؛ لأنّه يمنع من بيعه، و التدبير لا يمنع البيع، فلا يبطل حقّ المرتهن، فاختلفا(2).

و اعلم أنّ بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض؛ للتنافي بينهما، و بين صحّته لو كان بعد الإقباض؛ لعدم التنافي بينهما لا يخلو من مناقضةٍ ما. و باقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.

مسألة 130: لا يصحّ تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع

علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي، فلو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حُرٌّ، لم يصح

ص: 164


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

عندنا، خلافاً للعامّة، فإنّهم قالوا بصحّته(1).

فعلي قولنا لو علّق العتق علي الصفة ثمّ رهنه، صحّ الرهن عندنا، سواء وُجدت الصفة أو لم توجد؛ لبطلان العتق.

و قالت الشافعيّة: رهن المعلّق عتقُه بصفةٍ تصوُّه(2) علي وجوه:

أحدهما: أن يرهن بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل يتيقّن حلوله قبل وجود الصفة، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ، ثمّ يرهنه بحقٍّ حالّ، أو يحلّ قبل ذلك، فإنّ الرهن صحيح قولاً واحداً؛ لأنّ بيعه ممكن عند محلّ الحقّ، و يُباع في الدَّيْن.

فإن لم يتّفق بيعه حتي وُجدت الصفة، فيبني علي القولين في أنّ [أمر(3)] الاعتبار في العتق المعلّق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة ؟ فإن قلنا بالأوّل، عُتق، و للمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. و إن قلنا بالثاني، فهو كإعتاق المرهون، و سيأتي.

و الثاني: أن يرهن بدَيْن مؤجَّل يتيقّن وجود الصفة قبل حلوله، مثل أن يعلّق عتقه بشهر و محلّ الدَّيْن بعد ذلك، فإنّ الرهن فاسد قولاً واحداً.

و من الشافعيّة مَنْ خرّج منه قولاً آخَر من قول الشافعي في الثمرة و الطعام إذا رهنه إلي محلٍّ يفسد قبله.

و قال غيره: هذا ليس بصحيح؛ لأنّ الطعام؛ لأنّ الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه، و جعل ثمنه رهناً، و هنا له غرض في».

ص: 165


1- المغني 293:12، الشرح الكبير 271:12.
2- بدل «تصوّره» في الطبعة الحجريّة: «يصدر». و في «ج»: «تصوّر». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

حصول العتق، فافترقا.

و قال بعض الشافعيّة: فيه طريقان، أحدهما: أنّه علي القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد، فعلي قولٍ يُباع إذا قرب أوان وجود الصفة، و يُجعل ثمنه رهناً.

قال الجويني: هذا إنّما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلّق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن، أمّا إذا لم نقل بذلك، فلا يخاف تسارع الفساد إليه و فوات الوثيقة، فيوجّه الخلاف بشيءٍ آخر، و هو: أنّ الرهن هل يصلح دافعاً(1) للعتق المستحقّ بالتعليق ؟ فتارة: نقول: نعم كالبيع، و أُخري نقول: لا؛ لضعفه.

و الطريق الثاني و هو المشهور -: القطع بالمنع؛ لفوات مقصود الرهن قبل المحلّ، و ليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد؛ لأنّ الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلّا يضيع، فالظاهر من حال المعلّق أيضاً العتق(2) ، و قد تقدّم.

و الثالث: أن يجوز تقدّم الصفة علي حلول الدَّيْن و بالعكس، و لا يتيقّن أحد الأمرين، مثل أن يقول: إذا قام زيد فأنت حُرٌّ، أو: إذا دخلت الدار، أو كلّمت فلاناً.

قال أبو علي من الشافعيّة: لا يجوز قولاً واحداً؛ لأنّه عقد الرهن علي غرر.

و قال أبو حامد: في ذلك قولان.

قال القاضي أبو الطيّب: إنّ القول الآخر مخرَّج من صحّة رهن المدبَّر».

ص: 166


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «رافعاً». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- كذا، و في «العزيز شرح الوجيز»: «و الظاهر من حال المعلّق إمضاء العتق».

إذا قلنا: إنّ التدبير [تعليق(1)] عتق بصفة.

قال: و ليس بصحيح؛ لأنّ المدبَّر يُعتق بموت السيّد، و الظاهر بقاء الحياة، كما صحّ رهن الحيوان و إن جاز أن يموت، و هنا ليس لوجود الصفة قبل المحلّ أو بعده ظاهرٌ، فهو غرر لا حاجة إليه(2).

و قال أبو حنيفة: إنّ الرهن صحيح؛ لأنّ ما جاز بيعه رهنه إذا كان محرزاً، كسائر الأعيان. و لأنّ الأصل استمرار الرقّ(3).

مسألة 131: قد عرفت أنّ مذهبنا بطلان العتق المعلَّق علي الوصف،

أمّا لو نذر عتقه، فإنّه يصحّ إجماعاً، سواء علّقه علي وقت أو وصف، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق عبدي هذا إن جاء، أو: إذا دخل الشهر، أو أطلقه، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق هذا العبد، أو قيّده(4) بالتعجيل، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق هذا العبد الآن.

و علي كلّ واحدٍ من هذه التقادير الثلاثة فإنّ ملكه لا يخرج عنه بهذا النذر، بل بنفس الإعتاق. فحينئذٍ نقول: إن أطلق النذر، تعلّق بذمّته مقتضاه، و وجب عليه العتق.

و هل يجب في الحال ؟ الأقرب: المنع، بل الأقرب: أن يكون وقته العمر، كالواجبات الموسّعة.

و إن قلنا: إنّ الأمر للفور، وجب عتقه معجّلاً، فيكون حكمه حكم المعلَّق بالتعجيل.

ص: 167


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 450449:4، روضة الطالبين 291:3.
3- المغني 409:4، الشرح الكبير 402:4، العزيز شرح الوجيز 430:4.
4- في الطبعة الحجرية و «ج»: «قيّد». و الظاهر ما أثبتناه.

و حكم القول الأقوي حكم النذر المعلّق بالأجل أو الوصف، إلّا في شيء واحد، هو أنّ [في(1)] المطلق يتعلّق وجوب العتق بذمّة الناذر في الحال الوجوبَ الموسَّع، و في المقيّد لا يجب.

فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيّد بالتعجيل قبل عتقه، فإن كان الناذر قد تمكّن من عتقه بعد النذر، وجب عليه الكفّارة لخلف النذر، و إن لم يتمكّن، لم يجب عليه شيء.

و لو مات(2) في النذر المقيّد قبل حصول الوصف أو الوقت، لم يجب عليه شيء، سواء قلنا: إنّه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا؛ لأنّ الوجوب يُقيّد بوقتٍ أو وصفٍ و لم يحصل القيد.

و لو قتله مولاه قبل عتقه، فالأقرب: وجوب الكفّارة في الأقسام الثلاثة.

أمّا في المطلق و المعجّل: فظاهر.

و أمّا في المقيّد بالأجل: فلأنّه فوّت محلّ العتق، فكانت مخالفة النذر بسببه اختياراً.

و إذ قد تمهّدت هذه المسائل، فنقول: إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بالتعجيل، لم يجز له رهنه؛ لوجوب تعلّق حقّ العتق به، و وجوب إخراجه عن ملكه، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دَيْن المرتهن محفوظاً عليه حتي يستوفي منه أو من غيره.

و إن كان مقيّداً بالوقت أو الوصف، فالأقرب: جواز رهنه.

و هل يُباع لو حلّ الدَّيْن قبل الوصف ؟ الأولي: المنع؛ لأنّه و إن».

ص: 168


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
2- في «ج»: «و لو مات العبد».

لم يخرج عن ملكه بالنذر إلّا أنّه تعلّق به حقٌّ للّه تعالي، و بيعه مبطل لذلك الحقّ.

مسألة 132: لا يصحّ رهن المكاتَب، عند علمائنا،

سواء كانت الكتابة مشروطةً أو مطلقةً؛ لأنّها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدَّيْن منه، لأنّه لا يصحّ بيعه، و به قال الشافعي و ابن المنذر؛ لأنّ استدامة القبض في الرهن شرط و لا يمكن ذلك في المكاتب(1).

و قال مالك: يصحّ رهنه؛ لأنّه يجوز بيعه و إيفاء الدَّيْن منه، فعلي هذا يكون ما يؤدّيه في نجوم كتابته رهناً معه، فإن عجز، ثبت الرهن فيه و في مال الكتابة، و إن عُتق، كان ما أدّاه من نجومه رهناً بمنزلة ما لو تكسّب العبد القنّ ثمّ مات(2).

و الحقّ ما قلناه.

نعم، لو كانت الكتابة مشروطةً و عجز، فإنّه يصحّ رهنه؛ لأنّ للمالك حينئذٍ فسخَ الكتابة، و قد يكون الرهن فسخاً لها، و الأقرب ذلك.

مسألة 133: إذا رهن الثمرة علي الشجرة منضمّةً مع أُصولها، صحّ عندنا،
اشارة

سواء كان يمكن تجفيفها أو لا، و سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كان الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً؛ لأنّ الثمرة يصحّ بيعها مطلقاً علي ما تقدّم(3) في باب البيع فصحّ رهنها كذلك، خصوصاً و قد انضمّت إلي أُصولها.

و كذا لو رهنها منفردةً عن أُصولها؛ لما تقدّم.

ص: 169


1- التهذيب للبغوي 22:4، العزيز شرح الوجيز 441:4، روضة الطالبين 284:3، مختصر اختلاف العلماء 2012/295:4، المغني 409:4، الشرح الكبير 401400:4.
2- المغني 409:4، الشرح الكبير 401:4.
3- في ج 10، ص 359 360، المسألة 167.

و قالت الشافعيّة: إن رهنها منضمةً مع الأُصول، فإن كانت الثمرة ممّا يمكن تجفيفها، صحّ الرهن، سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كان الدَّيْنُ حالّا أو مؤجَّلاً.

و إن(1) كانت ممّا لا يمكن تجفيفها و قلنا بالمنع من صحّة رهن ما يتسارع إليه الفساد، فطريقان:

أشبههما عندهم: أنّه لا يصحّ في الثمار، و في الأشجار قولا تفريق الصفقة.

و الثاني: يصحّ فيهما(2) قولاً واحداً، و تكون الثمار تابعةً للأشجار.

و إن رهنها منفردةً عن الأُصول، فإن كانت(3) ممّا لا يمكن تجفيفها، فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد علي وجه الأرض إن كان الدَّيْن(4) حالّا، أو كانت لا تفسد إلي حلوله، صحّ الرهن.

و إن أمكن تجفيفها، فإمّا أن يرهن قبل بدوّ الصلاح أو بعده.

فإن رهنها قبل بدوّ الصلاح، فإن رهنها بدَيْنٍ حالّ و شرط قطعها و بيعها، أو بيعها بشرط القطع، جاز. و إن أطلق، فقولان:

أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز بيعها مطلقاً.

و أصحّهما: الجواز؛ لأنّ حقّ المرتهن لا يبطل باجتياحها، و حقّ المشتري يبطل. و أيضاً فإنّ الحلول قرينة يتنزّل منزلة شرط القطع. و لأنّ استحقاق البيع يوجب قطعها، فأشبه شرط القطع.ه.

ص: 170


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فإن» «و إن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فيها» بدل «فيهما». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «كان». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الرهن» بدل «الدين». و الظاهر ما أثبتناه.

و إن كان الدَّيْنُ مؤجَّلاً، فإن كان يحلّ مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو بعده، جاز، كما لو كان حالّا. و إن كان يحلّ قبل بلوغها وقت الإدراك، فإن شرط قطعها عند المحلّ، كان بمنزلة البقول، و قد أطلق الشافعيّة جواز ذلك.

و للشافعيّة طريقان: منهم مَنْ طرد القولين. و وجه المنع: الشبه(1) بما إذا باع بشرط القطع بعد مدّة. و منهم مَنْ قطع بالجواز.

و إن كان مطلقاً، ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه لا يصحّ، كما لا يصحّ البيع. و لأنّ العادة في الثمار الإبقاء إلي الإدراك، فأشبه ما لو رهن علي أن لا يبيعه عند المحلّ إلّا بعد أيّام.

و الثاني: أنّه يصحّ؛ لأنّ البيع إنّما لم يصحّ لما فيه من الغرر، و ليس في الرهن غرر، و لا يتلف إن تلف من مال صاحبه. و لأنّ مقتضي الرهن البيع عند المحلّ، فكأنّه شرط بيعه عند المحلّ.

و الثالث نقله المزني -: أنّه إن شرط القطع حال المحلّ، صحّ. و إن أطلق، لم يصح؛ لأنّ إطلاقه يقتضي بقاءه إلي حال الجذاذ، و ذلك يقتضي تأخير الدَّيْن عن محلّه، فلا يحتاج إلي الشرط.

و ما تقدّم للقول الآخَر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

و لأنّ وثيقة المرتهن تبطل بذلك، و يلزم عليه الرهن المجهول، فإنّه لا يصحّ و إن لم يكن فيه إلّا جهالة الوثيقة و قد جرت مجري جهالة الملك.

قال أبو إسحاق: و الصحيح أنّه بمنزلة البيع، و قد نصّ عليه الشافعي في كتاب التفليس.».

ص: 171


1- في «العزيز شرح الوجيز»: «التشبيه».

و إن رهنها بعد بدوّ الصلاح، جاز بشرط القطع و مطلقاً إن رهنها بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل في معناه. و إن رهنها بمؤجَّل يحلّ قبل بلوغها أوان إدراكها، فعلي ما تقدّم في القسم الأوّل(1).

فروع:

أ إذا رهن الثمار علي الأشجار و صحّ الرهن، كانت مئونة السقي و الجذاذ و التجفيف علي الراهن دون المرتهن. و إن لم يكن له شيء، باع الحاكم جزءاً منها و أنفقه عليها.

و لو توافق الراهن و المرتهن علي ترك السقي، جاز، بخلاف علف الحيوان.

و قال بعض الشافعيّة: يُجبر عليه، كما يُجبر علي علف الحيوان(2).

ب لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ، فلآخَر منعه، و بعد [أوان(3)] الجذاذ ليس له ذلك، بل يُباع في الدَّيْن إن حلّ، و إلّا أمسكه رهناً.

ج الشجرة التي تثمر في السنة مرّتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدَّيْن الحالّ و المؤجل الذي يحلّ قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها بالأُولي.

فإن شرط أن لا تُقطع عند خروج الثانية، لم يصح؛ لأنّه لا يتميّز عند محلّ الحقّ ممّا ليس برهن.

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 451450:4، روضة الطالبين 292291:3، و انظر: الحاوي الكبير 235234:6، و حلية العلماء 436:4.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز». و بدلها في «روضة الطالبين»: «وقت».

و إن شرط قطعها، صحّ.

و إن أطلق، فللشافعيّة قولان:

فإن صحّحنا أو(1) رهن بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتي حصل الاختلاط، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض؛ لأنّ المرتهن إنّما يتوثّق بعد القبض، فهو و المرهون عنده كالبائع و المبيع محبوس عنده، فإن قلنا: يبطل الرهن، فكذلك، و إن قلنا: لا يبطل، فلو اتّفق قبل القبض، بطل(2).

و للشافعيّة فيه وجهٌ آخَر(3) مضي نظيره فيما إذا تخمّر العصير قبل القبض.

و إذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكلّ رهناً أو توافقاً علي أن يكون النصف من الجملة مثلاً رهناً، فذاك.

و إن تنازعا في قدر المرهون، فالقول قول الراهن مع يمينه، كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة اخري للراهن.

و قال المزني: القول قول المرتهن مع يمينه؛ لأنّ اليد له، كما لو تنازعا في ملك(4).

و أجاب باقي الشافعيّة بأنّ اليد تدلّ علي الملك دون الرهن، كما لو3.

ص: 173


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «أنّه» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه، كما في المصدر أيضاً.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
3- العزيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
4- التهذيب للبغوي 50:4، العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.

قال مَنْ في يده المال: رهنتنيه، و أنكر المالك، كان القول قوله(1).

و قال بعضهم في مسألة الحنطة: إنّ طرد الخلاف محتمل؛ لتعذّر الفرق(2).

د لو رهن زرعاً بعد اشتداد الحَبّ أو قبله، صحّ عندنا؛ لأنّه مال مقوِّم ينتفع به فصحّ رهنه، كما صحّ بيعه.

و قالت الشافعيّة: إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحَبّ، نُظر إن كان تُري حَبّاته في السنبلة، صحّ، و إلّا فقولان، كما في البيع. و الأصحّ عندهم: المنع(3).

و لو رهنه و هو بَقْلٌ، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

و قال بعضهم: إذا كان الدَّين مؤجَّلاً، لم يجز قولاً واحداً و إن صرّح بشرط القطع عند المحلّ؛ لأنّ الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم، و قد يتّفق الحلول في تلك الحال. و لأنّ زيادة الزرع بالطول، فهي كثمرة تحدث و تختلط بالمرهون، و زيادة الثمرة بكبر الحَبّة، فهي كالسمن(4).

البحث الرابع: في الحقّ المرهون به
مسألة 134: يشترط في المرهون به أُمور ثلاثة:

أن يكون دَيْناً ثابتاً في الذمّة حالة الرهن لازماً، فلا يصحّ الرهن علي الأعيان التي ليست مضمونةً، كالوديعة و العارية غير المضمونة و المستأجرة و غير ذلك من الأمانات؛ لأنّها

ص: 174


1- التهذيب للبغوي 50:4، العزيز شرح الوجيز 452:4.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4.
3- التهذيب للبغوي 4049:4، العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
4- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.

ليست ثابتةً في الذمّة عيناً و لا قيمةً.

أمّا الأعيان المضمونة في يد الغير إمّا بحكم العقد كالمبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب و المستعار المضمون و المأخوذ علي جهة السوم و كلّ أمانة فرّط فيها و بقيت بعينها فالأقوي جواز الرهن عليها، و به قال مالك(1).

و قال أبو حنيفة: كلّ عين كانت مضمونةً بنفسها جاز أخذ الرهن بها، يريد ما يُضمن بمثله أو قيمته؛ لأنّ المبيع يجوز أخذ الرهن به؛ لأنّه مضمون بفساد العقد(2).

و يجوز أخذ الرهن بالمهر و عوض الخلع؛ لأنّه يُضمن بمثله أو قيمته، و كذلك الصلح عن دم العمد؛ لأنّه يمكن استيفاء القيمة من الرهن، فصحّ أخذ الرهن به.

و مَنَع الشافعي من أخذ الرهن علي الأعيان المضمونة، كالغصب و الثمن المعيّن و الأُجرة المعيّنة؛ لأنّ العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في الذمّة، فلا يصحّ أخذ الرهن بذلك كالمبيع. و لأنّه إن رهنه علي قيمتها إذا تلفت، فهو رهن علي ما ليس بواجب، و لا يُعلم إفضاؤه إلي الوجوب، و إن أخذ علي عينها، لم يصح؛ لأنّه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. و لأنّ غرض الرهن بيع المرهون و استيفاء الحقّ من ثمنه عند الحاجة، و يستحيل استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون(3).3.

ص: 175


1- العزيز شرح الوجيز 457:4 -
2- تحفة الفقهاء 4140:3، حلية العلماء 409:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، المغني و الشرح الكبير 381:4.
3- حلية العلماء 408:4، العزيز شرح الوجيز 458457:4، روضة الطالبين 296:3.

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاستيفاء إنّما يكون مع الحاجة، مع وجود العين و التمكّن من أخذها لا حاجة إلي البيع، و عند عدمها أو تعذّر أخذها علي مالكها تجب القيمة، و لهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذّر عليه استعادة عينه، سواء ساوت العين أو خالفتها.

و نقل الجويني للشافعيّة وجهاً: أنّه يجوز أخذ الرهن بها، بناءً علي تجويز ضمان الأعيان المضمونة(1).

و فرّق باقيهم بناءً علي الظاهر من مذهبهم: أنّ الضمان التزام في الذمّة، فلو لم تتلف العين المضمونة، لم يجرّ الالتزام ضرراً، و في الرهن دوام الحجر في المرهون يجرّ ضرراً ظاهراً(2)

مسألة 135: و شرطنا كون المرهون به ثابتاً في الذمّة حال عقد الرهن،

فإنّ الذي لم يثبت بَعْدُ لا يجوز الرهن به مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّه(4) وثيقة علي حقّ، فلا يجوز قبل ثبوت الحقّ من غير حاجة، كالشهادة.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجوز عقده قبل الحقّ، و إذا دفع إليه ثوباً و قال: رهنتك هذا علي عشرة دراهم تقرضنيها غداً، و سلم إليه الثوب ثمّ أقرضه الدراهم، لزم الرهن(5). و حكاه القاضي ابن كج من الشافعيّة عن

ص: 176


1- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
2- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، الوسيط 475:3، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3، المغني و الشرح الكبير 399:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «لأنّها». و الصحيح ما أثبتناه.
5- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، المغني و الشرح الكبير 399:4.

بعض أصحابه أيضاً إذا عيّن ما يستقرضه(1).

و منهم مَنْ قال: لو تراهنا بالثمن ثمّ لم يفترقا حتي تبايعا، صحّ الرهن؛ إلحاقاً للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب و القبول(1).

و علي ظاهر مذهب الشافعيّة لو ارتهن قبل ثبوت الحقّ و قبضه، كان مأخوذاً علي جهة سوم الرهن، فإذا استقرض أو اشتري، لم يصر رهناً إلّا بعقدٍ جديد(2).

و فيه وجهٌ لهم: أنّه يصير رهناً(3).

و احتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك وثيقة، فجاز أن يكون عقدها موقوفاً علي حقٍّ يحدث في المستقبل، كضمان الدرك(4).

و الفرق علي تقدير تسليم جوازه؛ فإنّه عندنا باطل، و للشافعي قولان(5) أنّه جاز للحاجة إليه، و الاحتياط في المال(6) ، بخلاف مسألتنا.

مسألة 136: يصحّ عقد الرهن بعد ثبوت الحقّ في الذمّة و تقرّره إجماعاً؛
اشارة

لأنّه دَيْنٌ ثابت، و تدعو الحاجة إلي أخذ الوثيقة، فجاز أخذها، كالضمان.

و لقوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (7) جعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلّها، و محلّها بعد وجوب الحقّ؛ لقوله تعالي إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ (8) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
2- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
4- المغني و الشرح الكبير 399:4.
5- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
6- في «ج»: «و الاحتياط للمال».
7- البقرة: 283.
8- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.

و لقوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (8) جعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلّها، و محلّها بعد وجوب الحقّ؛ لقوله تعالي إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ (1) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

أمّا لو قارنه و امتزج الرهن بسبب ثبوت الدَّيْن مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت هذا الثوب به فقال المشتري: اشتريت و رهنت، أو قال: أقرضتك هذه الدراهم و ارتهنت بها دارك فالأقرب: الجواز و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) لأنّ الحاجة تدعو إليه، فإنّه لو لم ينعقد مع ثبوت الحقّ و شرطه فيه، لم يتمكّن من إلزام المشتري عقده، و كان الخيار إلي المشتري، و الظاهر أنّه لا يبذله، فتفوت الوثيقة بالحقّ.

و لأنّ شرط الرهن في البيع و القرض جائز لحاجة الوثيقة، فكذا مزجه بهما، بل هو أولي؛ لأنّ الوثيقة ها هنا آكد، فإنّ الشرط قد لا يفي به.

و للشافعية وجهٌ آخَر: أنّه فاسد؛ لأنّ أحد شقّي الرهن متقدّم علي ثبوت الدَّيْن، و لو قال لعبده: كاتبتك علي ألف و بعت منك هذا الثوب بكذا، فقال: قبلت الكتابة و البيع، لا يصحّ البيع(3).

و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتي تتمّ الكتابة.

و الثاني: أنّ الرهن من مصالح البيع، و البيع ليس من مصالح4.

ص: 178


1- البقرة: 282.
2- المغني و الشرح الكبير 399:4، التهذيب للبغوي 5:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 458:4، منهاج الطالبين: 115، روضة الطالبين 297296:3.
3- العزيز شرح الوجيز 458:4.

الكتابة(1).

و لا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن علي ثبوت الدَّيْن، و إنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. و يُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع:

أ لو قال البائع: ارتهنت و بعت، و قال المشتري: اشتريت و رهنت، لم يقع عند الشافعيّة؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن علي شقّي البيع(2).

و كذا لو قال: ارتهنت و بعت، و قال المشتري: رهنت و اشتريت؛ لتقدّم شقّي الرهن علي أحد شقّي البيع(3).

ب شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع علي خطاب الرهن، و تقدُّمَ جواب البيع علي جواب الرهن.

و بالجملة، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع، و الآخَر بعد شقّي البيع(4).

ج - لو قال: بعْني عبدك بكذا و رهنت به هذا الثوب، فقال البائع: بعثت و ارتهنت، كان مبنيّاً علي مسألة الاستيجاب و الإيجاب.

د - لو قال البائع: بعتك بكذا علي أن ترهنني دارك به، فقال المشتري: اشتريت و رهنت، فالأقرب: الصحّة إن انضمّ قول البائع: «ارتهنت» أو «قبلت» لأنّ الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه،

ص: 179


1- العزيز شرح الوجيز 458:4.
2- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
4- العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.

كما لو قال: أفعل كذا لتبيعني، لا يكون مستوجباً للبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخَر: يتمّ العقد و إن لم ينضمّ قول البائع(1).

و الوجه: الأوّل.

مسألة 137: يشترط مع ثبوت الدَّيْن لزومه فعلاً حالة الرهن أو قوّةً قريبة من الفعل،

كالثمن في مدّة الخيار، لقرب حاله من اللزوم، و كما لو شرط الرهن في البيع، فإنّ الثمن غير ثابت بَعْدُ، و يصحّ الشرط.

و لا فرق في صحّة الرهن بالدَّيْن اللازم بين أن يكون الدَّيْن مسبوقاً بحالة الجواز أو لم يكن، و لا بين أن يكون مستقرّاً، كالقرض، و أرش الجناية، و ثمن المبيع المقبوض، أو غير مستقرّ، كالثمن قبل قبض المبيع، و الأُجرة قبل استيفاء المنفعة، و الصداق قبل الدخول.

أمّا ما ليس بلازم و لا مصير له إلي اللزوم بحال كنجوم الكتابة عند الشيخ(2) (رحمه اللّه) و عند الشافعي(3) فلا يصحّ الرهن به؛ لأنّ الرهن للتوثيق، و المكاتَب بسيل من إسقاط النجوم متي شاء، و لا معني لتوثيقها. و لأنّه لا يمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن، لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد، لأنّه من جملة مال المكاتب.

و قال أبو حنيفة: يصحّ الرهن بها(4). و هو الوجه عندي.

ص: 180


1- التهذيب للبغوي 6:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
2- المبسوط للطوسي 73:6 و 82، الخلاف 293:6، المسألة 17.
3- الأُمّ 45:8 و 50، الوجيز 161:1 و 289:2، العزيز شرح الوجيز 459:4، و 513:13، حلية العلماء 201:6، روضة الطالبين 297:3، و 505:8.
4- حلية العلماء 408407:4، العزيز شرح الوجيز 459:4.

و يُمنع من إثبات السبيل المكاتَب، بل نقول: عقد الكتابة أوجب عليه المال، فليس له إسقاطه باختياره، بل بالعجز، لا التعجيز من العبد، بل من المولي.

و نمنع عدم التمكّن من استيفائه الدَّيْن من الرهن؛ فإنّ المملوك إذا عجز و لم يعجّزه مولاه، أمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن. و إن عجّزه، كان الإبراء، فسقط الدَّيْن، و بطل الرهن.

و لو جعلنا الخيار مانعاً من نقل الملك في الثمن إلي البائع، فالظاهر منع الرهن عليه؛ لوقوعه قبل ثبوت الدَّيْن، و لا شكّ في أنّه يُباع الرهن في الثمن ما لم تمض مدّة الخيار.

و ما كان الأصل في وضعه الجواز كالجُعْل في الجعالة فإن كان قبل الشروع في العمل، لم يصح الرهن عليه؛ لأنّه لم يجب، و لا يُعلم إفضاؤه إلي الوجوب و اللزوم.

و أمّا بعد الشروع في العمل و قبل إتمامه فالأقوي جوازه؛ لانتهاء الأمر فيه إلي اللزوم، فصار كالثمن في مدّة الخيار، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: المنع؛ لأنّ الموجب للجُعْل هو العمل، و به يتمّ الوجوب، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(1).

أمّا بعد تمام العمل فإنّه يصحّ إجماعاً؛ لأنّه لازمٌ حينئذٍ.

و كذا لا يجوز الرهن علي الدية من العاقلة قبل الحول؛ لأنّها لم تجب بَعْدُ، و لا يُعلم إفضاؤها إلي الوجوب، فإنّهم لو جُنّوا أو افتقروا أو ماتوا، لم تجب عليهم، فلا يصحّ أخذ الرهن بها. فأمّا بعد الحلول(2) فيجوز؛ل.

ص: 181


1- أي بعد حلول الحول.
2- أي بعد حلول الحول.

لاستقرارها.

و يحتمل جوازه قبل الحول؛ لأصالة بقاء الحياة و اليسار و العقل.

و المسابقة إن جعلناها عقداً لازماً كالإجارة، صحّ الرهن علي العوض قبل العمل، و إلّا فلا؛ لأنّه لا يُعلم إفضاؤها إلي الوجوب؛ لأنّ الوجوب إنّما يثبت بسبق غير المخرج و هو غير معلوم و لا مظنون.

قال بعض العامّة: إن قلنا: إنّها إجارة، جاز أخذ الرهن بعوضها. و إن قلنا: جعالة، فلا(1).

و قال بعضهم: إن لم يكن فيها محلّل، فهي جعالة. و إن كان فيها محلّل، فعلي وجهين(2).

و هذا كلّه بعيد؛ لأنّ الجُعْل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنّه لا يستحقّه إذا كان مسبوقاً و قد عمل العمل، و إنّما هو عوض عن السبق، و لا تُعلم القدرة عليه. و لأنّه لا فائدة للجاعل فيه و لا هو مراد له، و إذا لم تكن إجازةً مع عدم المحلّل فمع وجوده أولي؛ لأنّ مستحقّ الجُعْل هو السابق، و هو غير معيّن، و لا يجوز استئجار رجلٍ غير معيّن.

مسألة 138: لا يجوز أخذ الرهن بعوضٍ غير ثابتٍ في الذمّة، كالثمن المعيّن و الأُجرة المعيّنة في الإجارة،

و المعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معيّنة، مثل إجارة الدار و العبد المعيّن و الجمل المعيّن مدّة معلومة أو لحمل شيء معيّن إلي مكانٍ معلوم؛ لأنّه حقٌّ تعلَّق بالعين لا بالذمّة، و لا يمكن استيفاؤه من الرهن؛ لأنّ منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها، و تبطل الإجارة بتلف العين.

ص: 182


1- المغني و الشرح الكبير 380:4.
2- المغني و الشرح الكبير 380:4.

و لو وقعت الإجارة علي منفعةٍ في الذمّة كخياطة ثوب، و بناء جدارٍ جاز أخذ الرهن به؛ لأنّه ثابت في الذمّة، و يمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر عنه(1) مَنْ يعمل، فجاز أخذ الرهن به، كالدَّيْن، و يباع عند الحاجة و تحصل المنفعة من ثمنه.

إذا عرفت هذا، فكلّ ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به، و ما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به، إلّا ثلاثة أشياء: عهدة البيع يصحّ ضمانها و لا يصحّ الرهن بها، و الكتابة لا يصحّ الرهن بها علي إشكالٍ سبق(2) ، و الأقرب: صحّة الضمان فيها، و ما لم يجب لا يصحّ أخذ الرهن به، و يصحّ ضمانه؛ لأنّ الرهن بهذه الأشياء يُبطل الإرفاق، فإنّه إذا باع عبده بألف و دفع رهناً يساوي ألفاً، فكأنّه ما قبض الثمن و لا ارتفق به. و المكاتَب إذا دفع ما يساوي كتابته، فما ارتفق بالأجل؛ لأنّه كان يمكنه بيع الرهن و إمضاء الكتابة و يستريح من تعطيل منافع عبده، بخلاف الضمان. و لأنّ ضرر الرهن يعمّ؛ لأنّه يدوم بقاؤه عند المشتري، فيمنع البائع التصرّف فيه، و الضمان بخلافه.

و لا يجوز الرهن من المالك علي الزكاة قبل الحلول، و لا رهن العاقلة علي الدية قبله؛ لفوات الشرط، و يجوز بعده.

مسألة 139: لا يشترط في الدَّيْن المرهون به أن لا يكون به رهن،

بل يجوز أن يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن، ثمّ هو كما لو رهنهما معاً.

و لو كان الشيء مرهوناً بعشرة و أقرضه عشرةً أُخر علي أن يكون

ص: 183


1- كذا، و الظاهر: «يستأجر من ثمنه..».
2- في ص 112، المسألة 137.

مرهوناً بها أيضاً، صحّ و به قال مالك و الشافعي في القديم(1) كما تجوز الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد.

و الجديد: أنّه لا يجوز و به قال أبو حنيفة كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن(2) ، و إن وفي بالدينين جميعاً، فإن أراد توثيقهما فليفسخا و ليستأنفا رهناً بالعشرين، بخلاف الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد؛ لأنّ الدّيْن يشغل الرهن و لا ينعكس، فالزيادة في الرهن شغل فارغ، و الزيادة في الدَّيْن شغل مشغول(3).

و يُمنع حكم الأصل؛ فإنّه لا استبعاد في صحّة الرهن عند غير المرتهن، و يكون موقوفاً علي إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الأوّلَ، صحّ الثاني.

و الأقرب: أنّه لا يبطل الرهن الأوّل، بل يتقدّم الثاني، فإن فضل بعد دَيْن الثاني شيء، اختصّ بالأوّل، فإن كان قد بقي من العين شيء، اختص الأوّل به. و إن بِيع الجميع و فضل من الثمن فضلة، اختصّ الأوّل بها؛ لأنّه كقيمة المتلف من الرهن يختصّ المرتهن بها دون غيره من الدُّيّان.

سلّمنا، لكنّ الفرق ظاهر؛ فإنّ الدينين إذا كانا لواحدٍ، لم يحصل من التنازع ما إذا تعدّد.

و لو جني العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن علي أن يكون العبد مرهوناً بالفداء و الدَّيْن الأوّل، صحّ عندنا، و به قال الشافعي(4).3.

ص: 184


1- التهذيب للبغوي 33:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «المرهون» بدل «المرتهن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- التهذيب للبغوي 33:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
4- العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.

و لأصحابه طريقان:

أظهرهما عندهم: القطع بالجواز؛ لأنّه من مصالح الرهن من حيث [إنّه(1)] يتضمّن استبقاءه.

و الثاني: أنّه(2) علي القولين(3).

و لو اعترف الراهن بأنّه رهن علي عشرين ثمّ ادّعي أنّه رهن أوّلاً بعشرة ثمّ رهن بعشرة أُخري و نازعه(4) المرتهن، فلا فائدة لهذا الاختلاف عندنا و عند قديم الشافعي.

و في الجديد: يقدّم قول المرتهن مع اليمين؛ لأنّ اعتراف الراهن يقوّي جانبه ظاهراً(5).

و لو قال المرتهن في جوابه: فسخنا الرهن الأوّل و استأنفنا بالعشرين، قدّم قول المرتهن أيضاً؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: قول الراهن؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ(6).

و فرّعوا عليه أنّه لو شهد شاهدان أنّه رهن بألف ثمّ رهن بألفين، لم يحكم بأنّه رهن بألفين. ما لم يصرّح الشهود بأنّ الثاني كان بعد فسخ الأوّل(7).3.

ص: 185


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «أنّهما». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «و باعه». و هي غلط.
5- العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.
6- التهذيب للبغوي 33:4، العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.
7- التهذيب للبغوي 33:4، العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.
الفصل الثاني: في القبض
مسألة 140: اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا؟

علي قولين:

أحدهما: أنّه شرط و هو أحد قولي الشيخ(1) (رحمه اللّه)، و قول المفيد(2) (رحمه اللّه) فلو رهن و لم يقبض، كان الرهن صحيحاً غير لازم، بل للراهن الامتناع عن الإقباض، و التصرّف فيه بالبيع و غيره؛ لعدم لزومه و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في رواية.

و في الثانية: أنّه شرط في المكيل و(3) الموزون(4) لقوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (5) وَصَفَها بكونها مقبوضةً.

و لقول الباقر(6) (عليه السّلام): «لا رهن إلّا مقبوضاً»(7).

و لأنّه عقد إرفاق يفتقر إلي القبول، فافتقر إلي القبض كالقرض. و لأنّه رهن لم يقبض، فلا يلزم إقباضه، كما لو مات الراهن.

ص: 186


1- النهاية: 431.
2- المقنعة: 622.
3- في «ج»: «أو» بدل «و».
4- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 137:6، الهداية للمرغيناني 126:4، الاختيار لتعليل المختار 97:2، المهذّب للشيرازي 312:1، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472471:4، الحاوي الكبير 7:6، روضة الطالبين 307:3، المغني 399:4، الشرح الكبير 420:4.
5- البقرة: 283.
6- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الصادق» بدل «الباقر». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر و لما في مختلف الشيعة 418:5، ضمن المسألة 37 (الفصل الثالث: في الرهن).
7- التهذيب 779/176:7.

و الثاني: أنّه ليس بشرط، بل يلزم الرهن بمجرّد العقد و هو القول الثاني للشيخ(1) (رحمه اللّه) و قول ابن إدريس(2) ، و به قال مالك و أحمد في الرواية الأُخري(3) لقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و لأنّه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله(5) ، كالبيع.

و لا حجّة في وصف الرهن بالقبض؛ لأنّ القصد بالآية كمال الإرشاد، و لهذا أمر تعالي بالكتابة(6) ، و ليس شرطاً مع الأمر، فكيف يكون الوصف شرطاً مع انتفاء الأمر!؟ علي أنّ نفس الرهن ليس شرطاً في الدَّيْن.

و الحديث ضعيف السند.

و الفرق مع القرض ظاهر؛ فإنّه مجرّد إرفاقٍ، بخلاف الرهن؛ فإنّه لا ينفكّ عن معارضةٍ ما.

مسألة 141: القبض هنا كالقبض في البيع و غيره،

و هو إمّا التخلية مطلقاً علي رأي، أو النقل و التحويل فيما يُنقل و يُحوّل، و الكيل و الوزن فيما يُكال و يوزن، و التخلية فيما لا يمكن فيه شيء من ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: لو جوّزنا التخلية في المنقول في البيع،

ص: 187


1- الخلاف 223:3، المسألة 5.
2- السرائر 417:2.
3- بداية المجتهد 274:2، التلقين 416:2، الذخيرة 100:8، المعونة 1153:2، المغني 400399:4، الشرح الكبير 420:4، الحاوي الكبير 7:6، حلية العلماء 410:4، التهذيب للبغوي 6:4، الوسيط 485:3، العزيز شرح الوجيز 472:4.
4- المائدة: 1.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فيه» بدل «قبله». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
6- البقرة: 282.

لم تكف هنا؛ لأنّ القبض(1) مستحقّ في البيع، و هنا بخلافه(2).

و يشترط في القبض صدوره من جائز التصرّف، و هو الحُرّ المكلّف الرشيد غير المحجور عليه لسفهٍ أو فلْسٍ. و يعتبر ذلك حال رهنه و إقباضه؛ لأنّ العقد و التسليم ليس بواجب، و إنّما هو إلي اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح، لم يصح. و لأنّه نوع تصرّفٍ في المال، فلا يصحّ من المحجور عليه من غير إذن، كالبيع.

و تجري النيابة في القبض كما تجري في العقد، و يقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن و سائر أحكامه.

و هل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهنَ في القبض ؟ مَنَع منه الشافعي؛ لأنّ الواحد لا يتولّي طرفي القبض(3).

و ليس جيّداً، كالجدّ و الأب.

و حكم عبده و مدبَّره و أُمّ ولده حكمه؛ لأنّ يدهم وجهان للشافعي:

أحدهما: الجواز؛ لانفراده باليد و التصرّف.

و أصحّهما: المنع، فإنّه عبده القنّ، و هو متمكّن من الحجر عليه(4).

مسألة 142: لو أودع مالاً عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاماً أو كان وكيلاً ثمّ رهنه منه،

فإن لم نشترط القبض، فلا بحث، و يلزم الرهن بمجرّد العقد. و إن شرطناه، فالأقرب: أنّه يلزم الرهن بمجرّد العقد أيضاً؛ لأنّه

ص: 188


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الرهن» بدل «القبض» و ذلك لا معني له، و ما أثبتناه من المصدر.
2- الوسيط 486:3، العزيز شرح الوجيز 472:4، روضة الطالبين 308:3.
3- الحاوي الكبير 10:6، الوسيط 486:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472:4، حلية العلماء 413:4، روضة الطالبين 307:3.
4- الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472:4، روضة الطالبين 307:3.

مقبوض للمرتهن، فيندرج تحت الآية(1) ، و به قال أحمد؛ فإنّ اليد ثابتة و القبض حاصل، و إنّما تغيّر الحكم لا غير، و يمكن تغيّر الحكم مع استدامة القبض؛ كما لو طُولب بالوديعة فجحدها، تغيّر الحكم، و صارت مضمونة(2) عليه من غير أمرٍ زائد. و لو عاد الجاحد فأقرّ بها و قال لصاحبها: خُذْ وديعتك، فقال: دَعْها عندك وديعةً كما كانت و لا ضمان عليك فيها، لتغيَّر الحكم من غير حدوث أمرٍ زائد(3).

و قال الشافعي: لا يصير رهناً حتي تمضي مدّة يتأتّي قبضه فيها، فإن كان منقولاً، فبمضيّ مدّة يمكن نقله فيها. و إن كان مكيلاً، فبمضيّ مدّة يمكن كيله فيها. و إن كان غير منقول، فبمضيّ مدّة التخلية. و إن كان غائباً عن المرتهن، لم يصر مقبوضاً حتي يوافيه هو أو وكيله ثمّ تمضي مدّة يمكن قبضه فيها؛ لأنّ العقد يفتقر إلي القبض، و القبض إنّما يحصل بفعله أو إمكانه(4).

و اعلم أنّ الشافعي قال في الجديد: لا بُدّ من إذنٍ جديد في القبض(5).

و لو وهبه منه، فظاهر قوله أنّه يحصل القبض من غير إذنٍ جديد.

و لأصحابه طرق ثلاثة.

أظهرها: أنّ فيه قولين:

أحدهما: أنّه لا حاجة في واحد من العقدين إلي الإذن في القبض،3.

ص: 189


1- البقرة: 283.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و صار مضموناً». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 404:4، الشرح الكبير 427426:4.
4- المغني 404:4، الشرح الكبير 427426:4.
5- الوسيط 487:3، العزيز شرح الوجيز 473:4، روضة الطالبين 308:3.

بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمّن الإذن في القبض.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا بُدّ منه؛ لأنّ اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن، و لم يجر تعرّض للقبض بحكم الرهن.

و الثاني: تقرير القولين.

و الفرق: أنّ الهبة عقد تمليك، و مقصوده الانتفاع، و الانتفاع لا يتمّ إلّا بالقبض، و الرهن توثيق، و أنّه حاصل دون القبض، و لهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالثٍ، جاز. و لو شرط مثله في الهبة، فسد، و كانت الهبة ممّن المال في يده رضا بالقبض.

و الثالث: القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما، فيتناول قوله في الهبة، و سواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان [يتأتّي(1)] فيه صورة القبض، لكن إذا شرط الإذن، فهذا الزمان معتبر من وقت الإذن، فإن لم يشترط، فهو معتبر من وقت العقد.

و له قولٌ آخَر: لا حاجة إلي مضيّ هذا الزمان، و يلزم العقد بنفسه.

و الأقوي عندهم: الأوّل؛ لأنّا نجعل دوام اليد كابتداء القبض، فلا أقلّ من زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض. و لو كان غائباً، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه و نقله.

و هل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه و مشاهدته ؟ له وجهان:

أحدهما: نعم، ليتيقّن حصوله و يثق به.

و أصحّهما عندهم: لا، و يكتفي بأنّ الأصل بقاؤه.

و اختلفوا في محل القولين، منهم مَنْ جَعَله احتياطاً. و منهم مَنْ حملهر.

ص: 190


1- ما بين المعقوفين من المصدر.

علي ما إذا كان المرهون ممّا يتردّد في بقائه في يده بأن كان حيواناً غير مأمون الآفات، أمّا إذا تيقّنه، فلا حاجة إليه.

و علي اشتراط الحضور و المشاهدة فهل يشترط النقل ؟ وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّ قبض المنقول به يحصل.

و الثاني: لا يشترط؛ لأنّ النقل إنّما يعتبر ليخرج من يد المالك، و هو خارج هنا.

و إذا شرط الحضور أو النقل معه، فهل يجوز أن يوكّل ؟ فيه وجهان:

أصحّهما عندهم: الجواز، كما في ابتداء القبض.

و المنع؛ لأنّ ابتداء القبض و هو النقل وُجد من المودع، فليصدر تتمّته منه(1).

و لو ذهب إلي موضع المرهون فوجده قد خرج من يده، فإن أذن له في القبض بعد العقد، فله أخذه حيث وجده. و إن لم يأذن، لم يأخذه حتي يقبضه الراهن، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.

و لو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل، ففي اشتراط مضيّ زمان يمكن فيه القبض وجهان، فإن شرطناه فهو، كما لو رهن الوديعة من المودع، فيعود الاختلاف المذكور، و قصد الأب قبضاً و إقباضاً(2) نازل منزلة الإذن الجديد.

أمّا لو باع المالك الوديعةَ، أو العاريّةَ ممّن في يده، فهل يعتبر زمان إمكان القبض لجواز التصرّف و انتقال الضمان ؟ الأقرب عندنا: المنع و هوه.

ص: 191


1- العزيز شرح الوجيز 474473:4، روضة الطالبين 309308:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «وافياً» بدل «و إقباضاً». و الصحيح ما أثبتناه.

أحد وجهي الشافعي(1) لأنّه مقبوض حقيقةً، و لأنّ البيع يفيد الملك، و لا معني مع اجتماع الملك و اليد لاعتبار شيء آخَر.

و الثاني: نعم(2).

و هل يحتاج إلي الإذن في القبض ؟ إن كان الثمن حالّا و لم يوفّه، لم يحصل القبض، إلّا إذا أذن البائع فيه. فإن وفّاه أو كان مؤجَّلاً؟ قال بعضهم: إنّه كالرهن(3).

و المشهور: أنّه لا يحتاج إليه(4).

و الفرق: أنّ البيع يوجب القبض، فدوام اليد يقع عن القبض المستحقّ، و لا استحقاق في الرهن.

مسألة 143: لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب، صحّ الرهن ؟

و علي قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهناً بمجرّد العقد.

و علي القول باشتراطه لا بُدّ من مضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض مع إذنٍ في القبض كما تقدّم جديدٍ، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و الثاني: القطع في الغصب بافتقاره إلي إذنٍ جديد؛ لأنّ يده غير صادرة عن إذن المالك أصلاً(6).

إذا عرفت هذا، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 474:4، روضة الطالبين 309:3.
2- العزيز شرح الوجيز 474:4، روضة الطالبين 309:3.
3- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 309:3.
4- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 309:3.
5- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3.
6- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3.

أو المستام أو المبيع فاسداً، صحّ الرهن إجماعاً.

و هل يزول الضمان بالرهن ؟ قال الشيخ(1): لا يزول، و يثبت فيه حكم الرهن، و الحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقي(2) بحاله و به قال الشافعي و مالك و أبو ثور(3) لقوله (عليه السّلام): «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي»(4).

و لأنّ الدوام أقوي من الابتداء، و دوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان، فإنّ المرتهن إذا تعدّي في المرهون، يصير ضامناً، و يبقي الرهن بحاله، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولي. و لأنّه لا تنافي بين الرهن و ثبوت الضمان، كما لو تعدّي في الرهن، فإنّه يصير مضموناً ضمانَ الغصب، و هو رهن كما كان، فكذلك ابتداؤه؛ لأنّه أحد حالتي الرهن.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يزول الضمان و هو منقول عن مالك أيضاً لأنّه مأذون له في إمساكه رهناً(5) ، لم يتجدّد منه فيه عدوان، فلم يضمنه، كما لو قبضه منه ثمّ أقبضه إيّاه أو أبرأه من ضمانه(6).

و منعوا عدم التنافي؛ فإنّ يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها، و يد8.

ص: 193


1- الخلاف 228:3، المسألة 17.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فيبقي». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الحاوي الكبير 39:6، التهذيب للبغوي 20:4، الوسيط 488:3، الوجيز 163:1، العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3، بداية المجتهد 273:2، الذخيرة 114:8، المغني 405:4، الشرح الكبير 427:4، و حكاه عنهم أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 228:3، المسألة 17.
4- سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، مسند أحمد 19620/638:5.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و هنا» بدل «رهناً». و الصحيح ما أثبتناه.
6- المغني 405:4، الشرح الكبير 428427:5، الحاوي الكبير 40:6، التهذيب للبغوي 20:4، الوسيط 488:3، العزيز شرح الوجيز 475:4، الذخيرة 114:8.

المرتهن محقّة جَعَلها الشرع له، و يد المرتهن أمانة، و يدلُّ الغاصب و المستام(1) و نحوهما(2) يد ضامنة، و هُما متنافيان.

و لأنّ السبب المقتضي للضمان زال، فزال الضمان لزواله، كما لو ردّه إلي مالكه، و ذلك لأنّ سببَ الضمان الغصبُ أو العاريةُ و نحوهما، و هذا لم يبق غاصباً و لا مستاماً(3) ، و لا يبقي الحكم مع زوال سببه و حدوث سبب يخالفه حكمه، و أمّا إذا تعدّي في الرهن، فإنّه يضمن؛ لعدوانه، لا لكونه غاصباً و لا مستاماً(4) ، و هنا قد زال سبب الضمان و لم يحدث ما يوجبه، فلم يثبت(5).

و يُمنع استلزام إذن الإمساك رهناً لعدم الضمان، فإنّ المرتهن إذا تعدّي و المودع و غيرهما من الأُمناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت الضمان.

و الفرق بين إقباضه بعد استعارته و استمرار القبض ظاهر؛ فإنّ اليد في الأوّل قد زالت حقيقةً، فلا موجب للضمان، و غاية ثبوت الضمان الدفع إلي المالك و قد حصل، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له، و الإبراء بمنزلته؛ لأنّه إسقاط، فلا ثبوت للساقط بعده؛ لانتفاء سببٍ جديد.

سلّمنا أنّ الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان، و لا نسلّم زوال المقتضي للضمان؛ فإنّ اليد باقية، و الاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان، فليردّه إلي4.

ص: 194


1- في المصدر: «و المستعير» بدل «و المستام».
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و نحوها». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
3- في المصدر: «مستعيراً» بدل «مستاماً».
4- في المصدر: «مستعيراً» بدل «مستاماً».
5- المغني 405:4، الشرح الكبير 428:4.

الراهن ثمّ له الاسترداد بحكم الرهن.

و لو امتنع الراهن من قبضه و من الإبراء من ضمانه، قال بعض الشافعيّة: له أن يجبره عليه(1).

و ليس بجيّد؛ إذ لا يجب علي صاحب الحقّ ترك حقّه، و قد ثبت للراهن ضمانٌ علي المرتهن، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.

و لو أودع الغاصبَ المالَ المغصوب، فالأقوي هنا سقوط الضمان و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّ مقصودَ الإيداع الاستئمانُ، و الضمان و الأمانة لا يجتمعان، و لهذا لو تعدّي المودع في الوديعة، ارتفعت الوديعة، بخلاف الرهن؛ لأنّ الغرض منه التوثيق، إلّا أنّ الأمانة من مقتضاه، و هو مع الضمان قد يجتمعان.

و الثاني: أنّه لا يبرأ، كما في الرهن(3).

و لو آجر العينَ المغصوبة، فالأولي أنّ الإجارة لا تفيد البراءة؛ لأنّه ليس الغرض منها الائتمان، بخلاف الوديعة.

و للشافعيّة وجهان(4).

و لو وكّله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه، فالأقرب: بقاء الضمان؛ لأنّه أولي من الإجارة به، لأنّ في الإجارة تسليطاً علي القبض و الإمساك، بخلاف التوكيل.3.

ص: 195


1- العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
2- الحاوي الكبير 41:6، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
3- الحاوي الكبير 41:6، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
4- الحاوي الكبير 42:6، الوسيط 489:3، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.

و للشافعيّة وجهان(1).

و في معني الإجارة و التوكيل ما إذا قارضه علي المال المغصوب، أو كانت جارية فتزوّجها منه.

و لو صرّح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب و المال باقٍ في يده، احتُمل عدم البراءة؛ لأنّ الغصب سبب وجود القيمة عند التلف، و الإبراء لم يصادف حقّا ثابتاً و إن صادف سببه، و هذا يؤكّد ما تقدّم من انتفاء البراءة مع عقود الأمانات؛ لأنّها أدون من التصريح بالإبراء، فإذا لم تحصل البراءة به، فتلك العقود أولي.

و يُحتمل قويّاً فيما عدا الغصب من المستام و المبيع فاسداً أو العارية المضمونة عدم الضمان؛ لأنّها أخفّ من ضمان الغصب، لاستناد اليد فيها إلي رضا المالك.

مسألة 144: استدامة القبض ليست شرطاً في لزوم الرهن و صحّته،

عند علمائنا أجمع.

أمّا علي قول مَنْ لا يشترط القبض في الابتداء: فظاهر؛ لأنّه إذا لم يكن شرطاً في الابتداء فأولي أن لا يكون في الاستدامة، لأنّ كلّ شرطٍ يُعتبر في الاستدامة يُعتبر في الابتداء، و قد يُعتبر في الابتداء ما لا يُعتبر في الاستدامة.

و أمّا علي قول مَنْ جعل القبض شرطاً في الابتداء: فإنّه لا يجعله شرطاً في الاستدامة.

أمّا العامّة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضاً.

ص: 196


1- الوسيط 489:3، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.

و أمّا مَنْ قال: إنّه شرط، فقد اختلفوا.

فقال الشافعي: إنّه ليس شرطاً؛ لأنّه عقد يُعتبر القبض في ابتدائه، فلا تُشترط استدامته، كالهبة(1).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: استدامة القبض شرط؛ لقوله تعالي فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2).

و لأنّها إحدي حالتي الرهن، فكان القبض فيها شرطاً، كالابتداء(3).

و لا دليل في الآية علي ما تقدّم. و الأصل ممنوع، مع أنّ النصّ علي خلافه، قال (عليه السّلام): «الرهن محلوب و مركوب»(4) و ليس ذلك للمرتهن إجماعاً، فبقي أن يكون للراهن، و هو يدلّ علي عدم اشتراط استدامة القبض.

مسألة 145: لو تصرّف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقاً أو رهنة ثانياً أو جعله مالَ إجارة،

فعلي ما قلناه من لزوم الرهن بمجرّد العقد تكون التصرّفات موقوفةً علي إجارة المرتهن، فإن أجازها، صحّت، و بطلت وثيقته إلّا في الرهن علي إشكال سبق. و إن فسخها المرتهن، بطلت.

و علي القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعاً عن الرهن، فبطل الرهن؛ لأنّه أخرجه عن إمكان استيفاء الدَّيْن عن ثمنه أو فعل ما يدلّ علي قصد

ص: 197


1- حلية العلماء 422:4، المغني 402:4، الشرح الكبير 421:4، بداية المجتهد 274:2.
2- البقرة: 283.
3- المغني 402:4، الشرح الكبير 421420:4، حلية العلماء 422:4، بداية المجتهد 274:2.
4- المستدرك للحاكم 2 ك 58، سنن البيهقي 38:6.

ذلك، و سواء أقبض البيع و الهبة و الرهن الثاني، أو لم يقبضه.

و كتابه العبد و وطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.

أمّا الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعاً؛ إذ لا تعلّق له بمورد الرهن، فإنّ رهن المزوّجة ابتداءً جائز، و به قال الشافعي(1).

و أمّا الإجازة فإن قلنا: إنّ رهن المكري و بيعه جائز، فهي كالتزويج، و إلّا فهي رجوع.

و قال بعضهم: إنّها ليست برجوع بحال(2).

و أمّا لو دبّر العبد المرهون، فيحتمل أن يقال: إنّه رجوع؛ للتنافي بين مقصود التدبير و مقصود الرهن، و إشعاره بالرجوع.

مسألة 146: لو مات المرتهن قبل القبض، لم يبطل الرهن، و هو ظاهر عند مَنْ لم يعتبر القبض.

و أمّا من اعتبره فقد اختلفوا.

فقال بعضهم ببطلانه؛ لأنّه عقد جائز، و العقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين، كالوكالة، و هو أحد قولي(3) الشافعي.

و في الآخَر: لا يبطل الرهن، و يقوم وارثه مقامه في القبض و هو أصحّ قولَي(4) الشافعي لأنّ مصيره إلي اللزوم، فلا يتأثّر بموته، كالبيع في زمن الخيار، و الدَّيْن باقٍ كما كان، و إنّما انتقل الاستحقاق فيه إلي الورثة، و هُمْ محتاجون إلي الوثيقة حاجة مورّثهم، و به قال أحمد؛ و لأنّ المرتهن لو مات كان الدَّيْن باقياً علي تأجيله، فكان الرهن بحاله(5).

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 477:4، روضة الطالبين 311:3.
2- العزيز شرح الوجيز 477:4، روضة الطالبين 311:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «أقوال» بدل «قولي».
4- في الطبعة الحجريّة: «أقوال» بدل «قولي».
5- العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3، حلية العلماء 415:4، المغني 400:4، الشرح الكبير 419:4.

و لو مات الراهن قبل الإقباض، لم يبطل الرهن عند مَنْ لم يشترط القبض.

و أمّا من اشترطه فقد اختلفوا، فللشافعي قولان:

أحدهما(1): أنّه يبطل؛ لأنّه من العقود الجائزة، كما تقدّم(2).

و الثاني: أنّه لا يبطل بموت المرتهن، و يبطل بموت الراهن. و لأصحابه طُرق:

أحدها: أنّ في موتهما قولين نقلاً و تخريجاً:

أحدهما: أنّه يبطل بموت كلّ واحد منهما؛ لأنّه عقد جائز، و العقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين.

و ثانيهما: لا يبطل؛ لأنّ مصيره إلي اللزوم.

و الثاني تقرير القولين، و فرّقوا بأنّ المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة و متعلّق حقّ الغرماء إن كان له غريمٌ آخَر، و في استيفاء الرهن(3) إضرار بهم، و في صورة موت المرتهن يبقي الدَّيْن كما كان، و إنّما ينقل الاستحقاق فيه إلي الورثة، و هُم يحتاجون إلي الوثيقة مورّثهم.

و الثالث: القطع بعدم البطلان، سواي مات الراهن أو المرتهن.

و إذا أثبتنا الرهن، قام ورثة الراهن مقامه في الإقباض، و ورثة المرتهن مقامه في القبض(4).3.

ص: 199


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فللشافعي أقوال أحدها». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- آنفاً.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن» بدل «الرهن». و الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
4- المهذّب للشيرازي 314:1، حلية العلماء 415:4، العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3.

ثمّ اختلف أصحابه في موضع القولين.

فقال بعضهم: موضعهما رهن التبرّع، فأمّا الرهن المشروط في البيع فإنّه لا يبطل بالموت قطعاً؛ لتأكّده بالشرط، و اقترانه بالبيع اللازم، فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم.

و قال بعضهم: بل القولان جاريان في النوعين(1).

مسألة 147: لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل القبض،

فإن لم نجعل القبض شرطاً، فالرهن لازم بمجرّد العقد. و إن جعلناه شرطاً، لم يبطل الرهن؛ لأنّه عقد يؤول إلي اللزوم، فلم يبطل بجنون أحد المتعاقدين، كالبيع الذي فيه الخيار، و يقوم وليّ المجنون مقامه.

فإن كان المجنون الراهنَ و كان الحظّ في التقبيض بأن يكون شرطاً في بيع يتضرّر بفسخه أو غير ذلك من المصالح، أقبضه. و إن كان الحظّ في تركه، لم يجز له تقبيضه.

و إن كان المجنون المرتهنَ، قال بعض العامّة: قبضه وليّه(2) إن اختار الراهن، و إن امتنع، لم يُجبر، فإذا مات، قام وارثه مقامه في القبض(3).

و قالت الشافعيّة: إنّه مرتَّب علي الموت، فإن قلنا: لا يؤثّر الموت، فالجنون أولي. و إن قلنا: يؤثّر(4) ، ففي الجنون وجهان(5).

فإن قلنا: لا يبطل الرهن، فإن جُنّ المرتهن، قبض الرهن مَنْ نصبه

ص: 200


1- العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «إليه» بدل «وليّه». و ذلك خطأ، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
3- المغني 400:4، الشرح الكبير 418:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «مؤثّر». و الأنسب ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.

الحاكم قيّماً في ماله، فإن لم يقبض الراهن و كان الرهن مشروطاً في بيع، فعل ما فيه الحظّ من الفسخ و الإجازة.

و إن جُنّ الراهن فإن كان الرهن مشروطاً في بيع و خاف القيّم فسخ البيع لو لم يسلّمه و الحظّ في الإمضاء، سلّمه. و إن لم يخف أو كان الحظّ في الفسخ، لم يسلّمه.

و كذا لو كان الرهن رهن تبرّع.

و ينبغي أن يُحمل علي ما إذا لم تكن ضرورة و لا غبطة؛ لأنّه يجوز أن يرهن مال المجنون ابتداءً فالاستدامة أولي.

و لو حُجر علي الراهن بفلسٍ قبل التسليم، لم يكن له تسليمه؛ لما فيه من تخصيص المرتهن بثمنه، و ليس له تخصيص بعض غرمائه.

و إن حُجر عليه لسفهٍ، فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون.

و إن أُغمي عليه، لم يكن للمرتهن قبض الرهن، و ليس لأحدٍ تقبيضه؛ لأنّ المغمي عليه لا ولاية لأحد عليه.

فإن أُغمي علي المرتهن، لم يكن لأحدٍ أن يقوم مقامه في قبض الرهن أيضاً.

و إن خرس و كانت له كتابة مفهومة أو إشارة مفهومة، فكالصحيح إن أذن في القبض، جاز، و إلّا فلا. و إن لم تكن له إشارة مفهومة و لا كتابة، لم يجز القبض.

و إن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض أوّلاً، لم يعتدّ به؛ لأنّ إذنهم يبطل بما عرض لهم.

مسألة 148: ليس للمرتهن قبض الرهن إلّا بإذن الراهن؛ لأنّه لا يلزمه تقبيضه،

فاعتُبر إذنه في قبضه، كالواهب.

ص: 201

أمّا في الرهن المتبرّع به: فظاهر.

و أمّا فيما وقع شرطاً في عقدٍ لازم كالبيع و شبهه: فكذلك لا يجب عليه الإقباض، سواء شرط الإقباض في العقد أو لم يشرط، بل يتخيّر المرتهن في إجازة العقد المشروط به، و فسخه، و ليس له إلزام الراهن بالإقباض، فإن تعدّي المرتهن فقبضه بغير إذنٍ، لم يثبت حكمه، و كان بمنزلة مَنْ لم يقبض.

و لو صدر من الراهن ما يدلّ علي الإذن في القبض، كان بمنزلة الإذن، و قام مقامه، مثل أن يرسل العبد إلي مرتهنه، و ردّ ما أخذه من المرتهن إلي يده، و نحو ذلك؛ لأنّه دليل علي الإذن، فاكتفي به، كما لو دعا غيره إلي طعام و قدّمه بين يديه، فإنّ ذلك يجري مجري الإذن في تناوله، كذا هنا.

مسألة 149: لو رهن عصيراً و أقبضه فانقلب في يد المرتهن خمراً،

لم نقل: إنّها مرهونة.

و اختلفت عبارة الشافعيّة.

فقال بعضهم: يُتوقّف إن عاد خَلّاً، بانَ أنّ الرهن لم يبطل، و إلّا ظهر بطلانه(1).

و قال أكثرهم: يبطل الرهن؛ لخروج الرهن عن كونه مالاً، و لا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لحدوثه في يده(2).

ثمّ إن عاد خَلّاً، يعود الرهن، كما يعود الملك و هو أحد قولي الشافعي(3) لأنّه لا يراد ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلّيّة، بل ارتفاع

ص: 202


1- 3) العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
2- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
3- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.

حكمه ما دامت الخمريّة.

و الثاني: أنّه لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد، و به قال أبو حنيفة(1).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ الرهن تابع للملك، و الملك قد عاد إلي الراهن.

و لو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها، لم يطهر، و لم يدخل في ملك الراهن و لا المرتهن عندنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: عون الرهن، كانقلاب الخمر خَلّاً.

و أظهرهما عندهم: عدم العود؛ لأنّ ماليّته مستندة إلي الصنعة و المعالجة، و ليس العائد ذلك الملك(2).

و لو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض، ففي بطلان الرهن البطلان الكلّي للشافعي وجهان:

أحدهما: نعم؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن و جوازه.

و الثاني: لا، كما لو تخمّر بعد القبض.

و علي الوجهين لو كان الرهن شرطاً في بيعٍ، ثبت للمرتهن الخيار؛ لأنّ الخَلّ أنقص من العصير، و لا يصحّ الإقباض في حال الشدّة.

فإن فَعَل و عاد(3) خَلّاً، فعلي الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ، و علي الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(4).

و لو انقلب المبيع خمراً قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع و عوده3.

ص: 203


1- الحاوي الكبير 110:6، العزيز شرح الوجيز 480:4.
2- الحاوي الكبير 111:6، التهذيب للبغوي 44:4، حلية العلماء 456:4، العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 312:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «فعاد» بدل «و عاد».
4- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313312:3.

إذا عاد خَلّاً كما تقدّم في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة 150: لو جني العبد المرهون قبل القبض و تعلّق الأرش برقبته و قلنا: رهن الجاني ابتداءً فاسد،

ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان، إلحاقاً للجناية يتخمّر(1) العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد. و هذه الصورة أولي بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك في الجاني، بخلاف الخمر(2).

و لو أبق العبد المرهون قبل القبض، فللشافعيّة وجهان؛ لانتهاء المرهون إلي حالة تمنع ابتداءً الرهن فيها(3).

مسألة 151: الخمر قسمان:
خمر محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً، و إنّما هي محترمة؛ لأنّ اتّخاذ الخَلّ جائز إجماعاً، و لا ينقلب العصير إلي الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فلو لم تُحترم و أُريقت في تلك الحالة لتعذّر اتّخاذ الخَلّ.

و الثاني: خمر غير محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

إذا عرفت هذا، فإنّ تخليل الخمر بالأجسام الطاهرة جائز، كطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز أو غيرها و به قال أبو حنيفة(4) لأنّ المقتضي للتخليل و هو زوال الخمريّة موجود، و المانع هو طرح شيء فيها -

ص: 204


1- في «ج» و «العزيز شرح الوجيز»: «بتخمير».
2- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
3- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
4- المبسوط للسرخسي 22:24، تحفة الفقهاء 329:3، بدائع الصنائع 114113:5، الهداية للمرغيناني 113:4، الاختيار لتعليل المختار 159:4، الحاوي الكبير 112:6، المغني 338:10، الشرح الكبير 340:10، العزيز شرح الوجيز 481:4.

لا يصلح للمانعيّة، و إلّا لما طهرت البتّة؛ لأنّ الآنية تنجس بملاقاتها، فلو انفعلت الخمر بنجاستها(1) لم تطهر، و هو باطل بالإجماع.

و قال الشافعي: إنّ تخليل الخمر بطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز الحارّ أو غيرها حرام، و الخَلّ الحاصل نجس و به قال أحمد، و عن مالك روايتان كالمذهبين لأنّ أنساً قال: سُئل رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله) أ تتخذ الخمر خَلّاً؟ قال: «لا»(2)(3).

و هو بعد التسليم لا يدلّ علي المطلوب؛ لإمكان إرادة الكراهة، أو أن يُستعمل الخمر عوض الخَلّ.

و جوّز بعضُ الشافعيّة تخليلَ المحترمة؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(4).

ثمّ اختلفوا في الفرق بين الطرح بالقصد و بغير قصدٍ، كطرح الريح، بناءً علي أنّ المعني تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه ؟(5).

و لو طرح في العصير بصلاً أو ملحاً و استعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فلهُمْ وجهان:

أحدهما: إذا تخلّل، كان طاهراً؛ لأنّ الملاقي إنّما لاقاه قبل التخمير، فطهر بطهارته، كأجزاء الدِّنّ.

و الثاني: لا؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير و تستمرّ نجاسته،3.

ص: 205


1- في الطبعة الحجريّة: «بنجاسته». و في «ج»: «بنجاسة». و الظاهر ما أثبتناه.
2- صحيح مسلم 1983/1573:3، سنن الدارقطني 3/265:4.
3- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 338:10، الشرح الكبير 340:10، التفريع 411410:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 190.
4- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.

بخلاف أجزاء الدِّنّ، للضرورة(1) و لو طرح العصير علي الخَلّ و كان العصير غالباً ينغمر الخمر فيه عند الاشتداد، فهل يطهر إذا انقلب خَلّاً؟ فيه هذا الوجهان(2).

و لو كان الغالب الخَلّ و كان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس.

و أمّا [إمساك(3)] الخمر المحترمة إلي أن تصير خَلّاً جائز، و التي لا تُحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها حتي تخلّلت، فهي طاهرات(4) أيضاً؛ لأنّ النجاسة و التحريم إنّما ثبتا للشدّة و قد زالت.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز إمساك الخمر المحترمة، بل يضرب عن العصير إلي أن يصير خَلّاً، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة و هو خمر، أرقناه(5).

و قال بعضهم: لو أمسك التي لا تُحترم حتي تخلّلت، لم تحلّ و لم تطهر؛ لأنّ إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة(6).

و متي عادت الطهارة بالتخليل، طهرت أجزاء الظرف.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الظرف لا يتشرّب شيئاً من الخمر كالقوارير، طهر، و إن كان ممّا يتشرّب، لم يطهر(7).

و يطهر أيضاً ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان.

و لو كان ينقلها من الظلّ إلي الشمس أو بفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالاً للحموضة، فوجهان:

أحدهما: لا تطهر، كما لو طرح فيها شيئاً.3.

ص: 206


1- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «طاهر». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
6- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
7- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315:3.

و أصحّهما: الطهارة عندهم؛ لزوال الشدّة(1).

و تردّد بعضُ الشافعيّة في بيع الخمر المحترمة؛ بناءً علي تردّدهم في طهارتها(2).3.

ص: 207


1- الحاوي الكبير 115:6، الوسيط 493:3، العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
الفصل الثالث: في منع المتراهنين من التصرّفات
مسألة 152: الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن إمّا في عينه أو بدله،

و لا تحصل الوثيقة إلّا بالحجر علي الراهن و قطع سلطنةٍ كان له ليتحرّك إلي الأداء، و بتجديد سلطنةٍ للمرتهن لم تكن، ليتوصّل بها إلي الاستيفاء.

و هذه الوثيقة ليست دائمةً، بل لها غاية تنتهي عندها علي ما يأتي.

إذا ثبت هذا، فالرهن يمنع الراهن لا المرتهن من التصرّفات علي ما يأتي تفصيله في نظرين:

الأوّل: في منع الراهن
اشارة

و يُمنع الراهن من كلّ تصرّف يزيل الملك إلي الغير، كالبيع و الهبة و نحوهما، و إلّا فاتت الوثيقة.

و يُمنع أيضاً ممّا يزاحم المرتهن في مقصود الرهن، و هو الرهن من غيره، و من كلّ تصرّف ينقص المرهون و يقلّل الرغبة فيه، كالتزويج و به قال الشافعي و مالك(1) لأنّ الرغبة في الجارية الخليّة فوق الرغبة في المزوّجة، فالتزويج يوجب نقص ثمنها، و يشغل بعض منافعها، فإنّه يعطّل منافع بُضعها، و يمنع مشتريها من وطئها، و يُعرّضها بوطئها للحمل، و يُمكّن زوجها من الاستمتاع بها ليلاً، و يمنعها عن الخدمة بتربية ولدها،

ص: 208


1- حلية العلماء 440:4، الوجيز 164:1، العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3، المغني و الشرح الكبير 435:4.

فتقلّ الرغبة فيها.

و قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا زوّج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة، كان تزويجه صحيحاً و به قال أبو حنيفة لعموم قوله تعالي وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ (1)(2).

و لأنّ محلّ النكاح غير محلّ الرهن، و لهذا صحّ رهن الأمة المزوّجة(3).

و العامّ مخصوص بما دلّ [علي(4)] منع الراهن و المرتهن من التصرّف في الرهن.

و يُمنع تغاير المحلّين؛ فإنّ البيع يتناول جملتها، و لهذا يستبيح المشتري نكاحها، و إنّما صحّ رهن المزوّجة؛ لبقاء معظم المنفعة فيها، و بقائها محلّاً للبيع، كما يصحّ رهن المستأجرة.

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: يصحّ الرهن، و للمرتهن منع الزوج من وطئها، و مهرها رهنٌ معها(5).

و لا بأس بقوله في المنع من الوطي علي تقدير صحّة العقد.

مسألة 153: قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يجوز للراهن أن يكري داره المرهونة أو يُسكنها غيره،

إلّا بإذن المرتهن، فإن أكراها و حصلت أُجرتها، كان له.

و قال الشافعي: له أن يؤجرها و يُسكنها غيره.

ص: 209


1- النور: 32.
2- الخلاف 253:3، المسألة 60.
3- المبسوط للسرخسي 12:22، حلية العلماء 440:4، العزيز شرح الوجيز 484:4، المغني و الشرح الكبير 435:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- المبسوط للسرخسي 12:22، المغني و الشرح الكبير 435:4.

و هل له أن يسكنها بنفسه ؟ لهم فيه وجهان(1).

و فصَّل أصحابه، فقالوا: إن كان الدَّيْن حالّا أو كان مؤجَّلاً لكنّه يحلّ قبل انقضاء مدّة الإجارة، ففي روايةٍ بناء صحّة الإجارة علي القولين في جواز بيع المستأجر، إن جوّزناه، صحّت الإجارة، و إلّا فلا، و المشهور: بطلانها قطعاً.

أمّا إذا لم نجوّز بيع المستأجر: فظاهر.

و أمّا إذا جوّزناه: فلأنّ الإجارة تبقي و إن صحّ البيع، و ذلك ممّا يقلّل الرغبة(2).

و قال بعضهم: يبطل قدر الأجل، و في الزائد عليه قولا تفريق الصفقة(3).

و إن كان الأجل يحلّ مع انقضاء مدّة الإجارة أو بعدها، صحّت الإجارة.

ثمّ لو اتّفق حلول الدَّيْن قبل انقضائها بموت الراهن، فوجهان:

أحدهما: أنّه تنفسخ الإجارة رعايةً لحقّ المرتهن، فإنّه أسبق، و يُضارب المستأجر بالأُجرة المدفوعة مع الغرماء.

و الثاني: أنّ المرتهن يصبر إلي انقضاء مدّة الإجارة، كما يصبر الغرماء إلي انقضاء العدّة لتستوفي المعتدّة حقّ السكني؛ جمعاً بين الحقّين، و علي هذا يُضارِب المرتهن بدَيْنه مع الغرماء في الحال.

و إذا انقضت المدّة و بِيع المرهون، قضي باقي دَيْنه، فإن فضل منه3.

ص: 210


1- الخلاف 252:3، المسألة 59، و انظر: حلية العلماء 439:4، و المغني 473472:4، و الشرح الكبير 431:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3.
3- العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3.

شيء، فهو للغرماء(1).

هذا كلّه فيما إذا آجر المرهون من غير المرتهن، أمّا إذا آجره منه، فيجوز(2) ، و لا يبطل الرهن؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما، و قد اتّفقا علي ذلك، فجاز، كما اتّفقا علي إيجاز الغير.

و كذا لو كان مستأجراً [من(3)] المرتهن ثمّ ارتهنه، و به قال الشافعي(4) ، و لا نعلم فيه خلافاً.

فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثمّ سلّمه عنهما جميعاً، جاز. و لو سلّم عن الرهن، وقع عنهما جميعاً؛ لأنّ القبض في الإجارة مستحقّ. و لو سلّم عن الإجارة، لم يحصل قبض الرهن.

و قال أبو حنيفة: الرهن و الإجارة لا يجتمعان، و المتأخّر منهما يرفع المتقدّم و يُبطله(5).

و الشافعي جوّز ذلك؛ لأنّ الإعارة من المرتهن لا تُبطل الرهن، فكذا الإجارة(6).

و اعلم أنّ للشافعي قولين:

الجديد: أنّ السبيع من الراهن، و غيرَه من التصرّفات باطلة.3.

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 485484:4، روضة الطالبين 316:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يجوز». و الظاهر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «مع». و في «ج»: «علي». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.
5- المبسوط للسرخسي 164:21، تحفة الفقهاء 42:3، بدائع الصنائع 146:6، التهذيب للبغوي 18:4، العزيز شرح الوجيز 485:4.
6- التهذيب للبغوي 18:4، العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.

و القديم: يجوز وقف العقود بكون هذه التصرّفات موقوفةً علي الانفكاك و عدمه(1).

مسألة 154: لا يصحّ من الراهن إعتاق العبد المرهون؛

لأنّه إتلاف للوثيقة، و إبطال لحقّ المرتهن منها.

و للشافعي في القديم -: الجزم بعدم النفوذ إن كان الراهن معسراً. و إن كان موسراً، فقولان. و في الجديد: الجزم بنفوذه إن كان موسراً. و إن كان معسراً، فقولان. فيحصل له أقوال ثلاثة.

أ: أنّه لا ينفذ بحال و هو الذي ذهبنا إليه لأنّ الرهن عقد لازم حجر به الراهن علي نفسه، فلا يتمكّن من إبطاله مع بقاء الدَّيْن.

ب: أنّه ينفذ؛ لأنّه إعتاقٌ صادفَ الملك، فأشبه إعتاق المستأجر و الزوجة، و به قال أبو حنيفة و أحمد، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول: يستسعي العبد في قيمته إن كان الراهن معسراً.

ج و هو الأصحّ عندهم، و به قال مالك -: أنّه إن كان موسراً، نفذ، و إلّا فلا، تشبيهاً لسريان العتق إلي حقّ المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلي الآخَر، و المعني فيه أنّ [حقّ(2)] الوثيقة لا يتعطّل، و لا يتأخّر إذا كان موسراً(3).

فإن قلنا: إنّه لا ينفذ، فالرهن بحاله، فلو انفكّ بإبراءٍ أو بغيره، فللشافعي قولان

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.
2- أضفناه من المصادر عدا «روضة الطالبين» و «حلية العلماء».
3- حلية العلماء 443:4، العزيز شرح الوجيز 486485:4، روضة الطالبين 317:3، المغني 433432:4، الشرح الكبير 434433:4.

أظهرهما عندهم: أنّه لا يُحكم بنفوذه أيضاً؛ لأنّه لا يملك إعتاقه، فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه للسفه ثمّ زال الحجر.

و الثاني: يُحكم؛ لأنّ المانع من النفوذ في الحال حقّ المرتهن و قد زال.

و الخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبداً ثمّ انفكّ الحجر عنه و لم يتّفق بيع ذلك العبد، هل يُعتق ؟ و إن بِيع في الدَّيْن ثمّ ملكه و لو يوماً ما، لم يُحكم بالعتق.

و منهم مَنْ طرد الخلاف المذكور في الصورة الأُولي(1).

و عن مالك أنّه يُحكم بنفوذ العتق في الصورتين(2).

و إن قلنا: ينفذ العتق مطلقاً، فعلي الراهن قيمته باعتبار يوم الإعتاق.

ثمّ إن كان موسراً، أُخذت منه في الحال، و جُعلت رهناً مكانه. و إن كان معسراً، انظر إلي اليسار، فإذا أيسر، أُخذت منه، و جُعلت رهناً إن لم يحلّ الحقُّ بَعْدُ(3) ، و إن حلّ، طُولب به، و لا معني للرهن(4).

و يحتمل أن يقال: كما أنّ ابتداء الرهن قد يكون بالحالّ و قد يكون بالمؤجَّل، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهناً و إن حلّ الحقّ إلي يتيسّر استيفاؤه.

و بتقدير صحّة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجري مثله في القيمة التي تؤخذ من الموسر.3.

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 486:4، روضة الطالبين 317:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 486:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بعده». و الصحيح ما أثبتناه.
4- ورد التفصيل المذكور في العزيز شرح الوجيز 486:4، و روضة الطالبين 317:3.

و مهما بذله القيمة علي قصد الغرم، صارت رهناً، و لا حاجة إلي عقدٍ مستأنف، و الاعتبار(1) بقصد المؤدّي.

و إذا كان المعتق موسراً، فعلي القول الثاني أو الثالث في وقت نفوذ العتق عندهم طريقان:

أحدهما: أنّه علي الأقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه، ففي قولٍ يتعجّل. و في قولٍ يتأخّر إلي أن يغرم القيمة.

و في قولٍ يتوقّف، فإذا غرم، تبيّنّا صحّة العتق.

و أظهرهما: القطع بنفوذه في الحال، و الفرق أنّ يسري إلي ملك الغير، و لا بدّ من تقدير انتقاله إلي المعتق، فجاز أن نقول: إنّما ينتقل إذا استقرّ ملك [الشريك(2)] و يده علي العوض، و إعتاق الراهن يصادف ملكه(3).

أمّا لو علّق الراهن عتق المرهون، فعندنا: أنّه يبطل؛ لأنّه لا يصحّ تعليق العتق علي شرط.

و أمّا مَنْ جوّزه كالشافعي فقال: يُنظر إن علّق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الانفكاك؛ لأنّ مجرّد التعليق لا يضرّ المرتهن، و حين ينزل العتق لا يبقي له حقّ.

و إن علّق بصفة أُخري، فإن وُجدت قبل فكاك الرهن، ففيه الأقوال3.

ص: 214


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و لا اعتبار» بدل «و الاعتبار». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المشتري». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 487486:4، روضة الطالبين 318317:3.

المذكورة في التنجيز. و إن(1) وُجدت بعده، فوجهان:

أصحّهما عدهم: النفوذ؛ لأنّه لا يبطل حقّ المرتهن.

و الثاني: عدمه إبطالاً للتعليق مطلقاً، كالتنجيز في قولٍ(2).

و الخلاف هنا يُشبه خلافَهم فيما لو قال العبد لزوجته: إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق ثلاثاً، ثمّ عُتق ثمّ فعلته، هل تقع الطلقة الثالثة ؟ لكنّ الخلاف جارٍ و إن علّق بالعتق، فقال: إن عُتقت فأنتِ طالق ثلاثاً. و لا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنّه ينفذ عند الفكاك(3).

فرّقوا بأنّ الطلقة الثالثة ليست مملوكةً للعبد، و محلّ العتق مملوك للراهن، و إنّما منع لحقّ المرتهن(4).

و فيه نظر؛ فإنّ العتق غير مملوك للراهن، كما أنّ الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد، و محلّ الطلاق مملوك للعبد كما أنّ محلّ العتق مملوك للراهن، فلا فرق.

و لو رهن نصف عبده ثمّ أعتق نصفه، فإن أضاف العتق إلي النصف المرهون، ففيه الخلاف. و إن أضافه إلي الطلق أو أطلق، عُتق الطلق.

و هل يسري إلي المرهون ؟ إن جوّزنا عتق المرهون، فنعم، و إلّا فوجهان عند الشافعيّة(5).

و الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسري و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - (6) لأنّ أقصي ما في الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير، و هو يسري إليه،3.

ص: 215


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
3- العزيز شرح الوجيز 487:4.
4- العزيز شرح الوجيز 487:4.
5- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
6- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.

فحينئذٍ هل يفرّق بين الموسر و المعسر؟ قولان للشافعيّة، أحدهما: نعم. و الثاني: لا؛ لأنّه ملكه(1).

و لو وقف المرهون، لم يصح عندنا؛ لما فيه من إفساد حقّ الغير.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه كالعتق؛ لما فيه من القربة و التعليق الذي لا يقبل النقض.

و أظهرهما عندهم: القطع بالمنع، بخلاف العتق، فإنّه أقوي بالسراية و غيرها(2).

و لهم طريقة ثالثة: إن قلنا: الوقف لا يحتاج إلي القبول، فهو كالعتق. و إن قلنا: يحتاج إليه، فيقطع بالمنع(3).

مسألة 155: ليس للراهن وطؤ أمته المرهونة إلّا بإذن المرتهن،

سواء كانت بكراً و ثيّباً، و سواء كانت من أهل الإحبال أو لا؛ لأنّ الوطء ربما أحبلها فتنقص قيمتها، و ربما ماتت في الولادة.

و قال الشافعي: إن كانت الجارية بكراً، لم يكن للراهن وطؤها بحال؛ لأنّ الافتضاض ينقض قيمتها.

و إن كانت ثيّباً، فكذلك [إن كانت(4)] في سنّ مَنْ تحبل؛ لأنّها ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرّض للهلاك في الطلق و نقصان الولادة، و ليس له أن يقول: أطأُ فأعزل؛ لأنّ الماء قد يسبق.

و إن كانت في سنّ مَنْ لا تحبل لصغرٍ أو يأسٍ، فوجهان

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
2- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 318:3.
3- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 318:3.
4- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

أحدهما: له أن يطأها، كسائر الانتفاعات التي لا تضرّ بالمرتهن.

و قال الأكثر: يُمنع من وطئها أيضاً احتياطاً لحسم الباب؛ إذ العلوق ليس له وقت معلوم، و هذا كما أنّ العدّة تجب علي الصغيرة و الكبيرة و الآيسة و إن كان القصد الأصلي استبراء الرحم(1).

و يجري الوجهان فيما إذا كانت حاملاً من الزنا؛ لأنّه لا يخاف من وطئها الحبلُ.

نعم، غشيان مثل هذه المرأة مكروه علي الإطلاق(2).

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ للمرتهن منع الراهن من وطي أمته المرهونة، و لأنّ سائر مَنْ يحرم وطؤها لا فرق بين الآئسة و الصغيرة و نحوهما، كالمعتدّة و المستبرأة و الأجنبيّة(3).

مسألة 156: لو خالف الراهن ما قلناه و وطئ، لم يكن زانياً؛ لأنّه وطئ في ملك، فلا حدّ عليه؛

لأنّ التحريم عارض، كما عرض في المُحْرمة و الصائمة، و لا مهر عليه؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في منفعتها، و وطؤها لا ينقض قيمتها، فأشبه ما لو استخدمها، بخلاف ما لو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر؛ لأنّ المكاتبة قد استقلّت و اضطرب الملك فيها أو زال، و لهذا لو وطئها أجنبيّ، كان المهر لها، و لو وطئ المرهونة أجنبيّ، كان المهر للوليّ.

و لو تلف جزء منها أو بُضْعها مثل أن افتضّ البكر أو أفضاها، فعليه قيمة ما أتلف، فإن شاء جَعَله رهناً معها، و إن شاء جَعَله قضاءً من الحقّ إن

ص: 217


1- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319318:3.
2- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319:3.
3- المغني و الشرح الكبير 436:4.

لم يكن حلّ إذا رضي المرتهن، و إن كان حلّ، جَعَله قضاءً إن كان من جنس الحقّ لا غير، فإنّه لا فائدة في جَعْله رهناً. و لا فرق بين الكبيرة و الصغيرة فيما ذكرناه، و لا نعلم في هذا خلافاً.

فإن أولدها، فالولد حُرٌّ لاحِقٌ به، و لا قيمة عليه؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في ولد المرهونة بحال.

و هل تصير أُمّ ولد للراهن ؟ مذهبنا: أنّها تصير أُمَّ ولدٍ له، و لا يبطل الرهن. ثمّ إن كان الواطئ موسراً، لزمه قيمة الرهن من غيرها؛ لحرمة ولدها يكون رهناً مكانها، و إن كان معسراً، كان الدَّيْن باقياً، و جاز بيعها فيه.

و للشافعي أقوال ثلاثة:

أحدهما: أنّها تصير أُمّ ولد، و تعتق، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً، و لكنّه يجب علي الموسر قيمتها تكون رهناً مكانها؛ لأنّ الاستيلاد أولي بالنفوذ من الإعتاق؛ لأنّه فعل، و الأفعال أقوي و أشدّ نفوذاً، و لهذا ينفذ استيلاد المجنون و المحجور عليه، و لا ينفذ إعتاقهما، و ينفذ استيلاد المريض من رأس المال و إعتاقه من الثلث.

الثاني: القطع بعدم نفوذ الاستيلاد، و لا تخرج من الرهن، و تباع في دَيْن المرتهن، سواء كان موسراً أو معسراً.

و الثالث: الفرق بين الموسر و المعسر، فإن كان موسراً، صارت أُمَّ ولدٍ له، و إن أعتقها، عُتقت، و وجب عليه قيمتها تكون رهناً مكانها. و إن كان معسراً، لم تخرج من الرهن، و بِيعت في حقّ المرتهن.

فقد حصل ثلاثة طرق: أظهرها عندهم: طرد الخلاف في الاستيلاد،

ص: 218

كما في الإعتاق. و الثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد. و الثالث: القطع بعدمه(1).

و قال أبو حنيفة: تصير أُمَّ ولدٍ، و تُعتق، سواء كان موسراً أو معسراً، فإن كان موسراً، لزمته قيمتها تكون رهناً مكانها. و إن كان معسراً، استسعت الجارية في قيمتها إن كانت دون الحقّ، و يرجع بها علي الراهن(2).

و عندنا أنّ أُمّ الولد لا تخرج بالاستيلاد عن الرقّيّة، بل يجوز بيعها في مواضع تأتي.

نعم، إن كان موسراً، مُنع من بيعها لأجل ولدها ما دام حيّاً، فإن مات، جاز بيعها مطلقاً، و إن مات مولاها قبله، عُتقت من نصيب ولدها، و قضي الدَّيْن من التركة.

و إن كان معسراً و لا تركة، بِيعت في الرهن.

قالت الشافعيّة: إن قلنا: ينفذ الاستيلاد، فعليه القيمة، و الحكم كما مرّ في العتق. و إن قلنا: لا ينفذ، فالرهن بحاله. فلو حلّ الحقّ و هي حامل بَعْدُ، لم يجز بيعها؛ لأنّها حامل بحُرٍّ(3).

و فيه وجهٌ آخَر(4).

و إذا ولدت، فلا تُباع حتي تسقي ولدها اللِّبَأ، و إذا سقته و لم تجد مرضع، فلا تباع حتي توجد خوفاً من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد. و لو وجدت مرضع، بِيعت، و لا يبالي بالتفريق بين الاُمّ و ولدها؛ للضرورة، فإنّ الولد حُرٌّ، و بيعه ممتنع.3.

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.
2- المبسوط للسرخسي 21 137 138.
3- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.
4- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.

ثمّ إن كان الدَّيْن يستغرق قيمتها، بِيعت بأجمعها، و إلّا بِيع منها بقدر الدَّيْن و إن أفضي التشقيص إلي نقص رعاية لحقّ الاستيلاد، بخلاف ما لو كان قيمة العبد مائةً و هو مرهون بخمسين و كان لا يشتري نصفه إلّا بأربعين و يشتري الجميع بمائة، فإنّه يُباع الجميع دفعاً لتضرّر المالك. و إن لم يوجد مَنْ يشتري البعض، بِيع الكلّ للضرورة.

و إذا بِيع شيء منها بقدر الدَّيْن منها بقدر الدَّيْن، انفكّ الرهن عن الباقي، و استقرّ الاستيلاد، و تكون النفقة علي المشتري و المستولد بقدر النصيبين، و الكسب بينهما كذلك.

و مهما عادت إلي ملكه بعد ما بِيعت في الدَّيْن، فهل يُحكم بنفوذ الاستيلاد؟ [فيه(1)] طريقان:

أظهرهما: أنّه علي قولين، كما لو استولد جارية الغير بالشبهة ثمّ ملكها، قيل: لا يُحكم به. و قيل: يُحكم، و هو الأظهر عندهم و إن كان الأظهر في هذه الصورة في الإعتاق عدم نفوذ العتق.

و الفرق: أنّ الإعتاق قولٌ يقضي العتق في الحال، فإذا ردّ، لغا بالكلّيّة، و الاستيلاد فعلٌ لا يمكن ردّه، و إنّما منع حكمه في الحال لحقّ الغير، فإذا زال حقّ الغير، عُمل عليه.

و الطريق الثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد؛ لوقوعه في الملك، بخلاف استيلاد جارية الغير بالشبهة(2).

و لو انفكّ الرهن عنها و لم تبع، لم يصح بيعها بعد الاستيلاد.

و منهم مَنْ خرّجه علي الخلاف المذكور فيما إذا بِيعت و عادت؛ لأنّ4.

ص: 220


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 490489:4.

الملك هنا هو الملك الذي تصرّف فيه(1).

و ليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن، و إنّما تباع في الحقّ للضرورة.

مسألة 157: لو ماتت الجارية التي أولدها الراهن بالولادة،

فإن كان الوطؤ بإذن المرتهن، فلا شيء، و إلّا وجب عليه القيمة تكون رهناً.

أمّا عند الشافعي فإذا لم يأذن المرتهن و قلنا: الاستيلاد غير نافذ كما اختاره الشافعي في بعض أقواله فعليه قيمتها تكون رهناً مكانها؛ لأنّه سبّب إلي إتلافها بالإحبال، و الضمان كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب، كحفر البئر و نحوه(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا تجب عليه القيمة؛ لأنّ إضافة الهلاك إلي الوطي بعيدة، و إحالته علي علل و عوارض تقتضي شدّة الطلق أقرب(3).

و لو أولد أمة بالشبهة و ماتت بالولادة، وجب عليه الضمان عندنا.

و أمّا عند الشافعية ففي وجوب القيمة هنا الخلاف(4).

و لو كانت حُرّةً، ففي وجوب الدية وجهان:

أقيسها عندهم: الوجوب؛ لأنّ طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرقّ و الحُرّيّة.

و أشهرهما: المنع؛ لأنّ الوطء سبب ضعيف(5).

و إنّما أوجبنا الضمان في الأمة؛ لأنّ الوطء استيلاء عليها، و العلوق من آثاره، فأدمنا به اليد و الاستيلاء، كما لو نفّر المُحْرم صيداً فبقي نفاره إلي

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 490:4.
2- العزيز شرح الوجيز 490:4.
3- العزيز شرح الوجيز 490:4.
4- العزيز شرح الوجيز 490:4، روضة الطالبين 320:3.
5- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.

التغيّر و التلف، الحُرّة لا تدخل تحت اليد بالاستيلاء.

لو أولد امرأة بالزنا و هي مكرَهة و ماتت بالولادة، فإنّه يجب عليه الضمان، سواء كانت حُرّةً أو أمةً، و هو أحد قولي الشافعي.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ الولادة في الزنا لا تضاف إلي وطئه، لأنّ الشرع قطع نسب الولد عنه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التكوّن من نطفته، و السبب في التلف صادر عنه، و هو أمر حقيقيّ لا يتغيّر بتغيّر الشرائع.

و لا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة؛ لأنّ الهلاك مستند إلي سبب مستحقّ شرعاً.

و كلّ موضع أوجبنا الضمان في الحُرّة فهي(2) الدية المضروبة علي العاقلة.

و كلّ موضع وجبت فيه القيمة فالاعتبار بأيّة قيمة ؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة:

أحدها: بأقصي القِيَم من يوم الإحبال إلي الموت تنزيلاً له منزلة الاستيلاد و الغصب.

و ثانيها: بقيمة يوم الموت؛ لأنّ التلف حينئذٍ متحقّق.

و أصحّها عندهم: بقيمة يوم الإحبال؛ لأنّه سبب التلف، فصار كما لو جرح عبداً قيمته مائة و بقي [مثخناً(3)] حتي مات و قيمته عشرة، فإنّ».

ص: 222


1- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.
2- في «ج»: «فهو».
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «ضمنا» و ذلك تصحيف. و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز».

الواجب مائة(1).

و لو لم تمت الجارية و نقصت قيمتها بالولادة، فعليه الأرش ليكون رهناً معها، و له أن يصرف القيمة أو الأرش إلي قضاء الحقّ، و لا يرهن.

مسألة 158: كلّ تصرّف لا يضرّ بالمرتهن يجوز للراهن فعله،

عند الشافعي و مالك في روايةٍ عنه(2) ، لأبي حنيفة(3) و للشيخ رحمه اللّه.

قال الشيخ: و أمّا استخدام العبد المرهون ركوب الدابّة المرهونة و زراعة الأرض المرهونة و سكني الدار المرهونة، فإنّ ذلك كلّه غير جائز عندنا، و يجوز عند المخالفين(4).

و عن أحمد روايتان(5).

و يمكن الاحتجاج للأوّل بقوله عليه السلام: «الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و علي الذي يركب نفقته»(6).

و يُروي أنّه قال: «الرهن محلوب و مركوب»(7).

ص: 223


1- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.
2- مختصر المزني: 98، الحاوي الكبير 206:6، المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 438:4، الوسيط 500499:3، العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3، المغني 473472:4، الشرح الكبير 431:4.
3- تحفة الفقهاء 42:3، بدائع الصنائع 146:6، الحاوي الكبير 207:6، حلية العلماء 438:4، العزيز شرح الوجيز 491:4، المغني 472:4، الشرح الكبير 431:4.
4- المبسوط للطوسي 206:2.
5- المغني 472:4، الشرح الكبير 431:4، حلية العلماء 438:4، العزيز شرح الوجيز 491:4.
6- سنن ابن ماجه 2440/816:2، سنن الترمذي 1254/555:3.
7- سنن البيهقي 38:6، المستدرك للحاكم 38:2، الكامل لابن عدي 2504:7.

و من طريق الخاصّة: رواية السكوني عن الصادق عن أبيه الباقر عن آبائه عن عليّ عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و علي الذي يركبه نفقته، و الدرّ يشرب إذا كان مرهوناً، و علي الذي يشرب نفقته»(1).

و لأنّ في التعطيل ضرراً منفيّاً بالأصل، و بقوله عليه السلام: «لا ضرر و لا ضرار»(2).

فعلي هذا القول يجوز سكني الدار و ركوب الدابّة و استكساب العبد و لُبس الثوب إذا لم ينتقص باللُّبْس.

و يجوز إنزاء الفحل علي الإناث، إلّا أن يؤثّر نقصاً.

و الأُنثي يجوز الإنزاء عليها إن كان محلّ الدَّيْن قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلول الدَّيْن.

و إن كان يحلّ بعد ظهور الحمل و قبل الولادة، فإن قلنا: الحمل لا يُعرف، جاز أيضاً؛ لأنّها تُباع مع الحمل. و إن قلنا: يُعرف و هو الصحيح عندهم(3) لم يجز؛ لأنّه لا يمكن بيعها دون الحمل، و الحمل غير مرهون.

مسألة 159: لا يجوز للراهن أن يبني في الأرض المرهونة

و لا أن يغرس و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) لأنّه تنقص قيمة الأرض.

ص: 224


1- الفقيه 886/195:3، التهذيب 775/176175:7.
2- سنن ابن ماجة 2340/784:2 و 2341، سنن البيهقي 70:6، سنن الدارقطني 83/227:4، و 85/228، مسند أحمد 22272/447:6.
3- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321320:3.
4- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 221:3، المبسوط للسرخسي 163:21.

و للشافعيّة وجه: أنّه يجوز إن كان الدَّيْن مؤجّلاً(1).

و أمّا الزرع فإن نقصت به قيمة الأرض لاستيفاء قوّتها، لم يجز.

و إن لم تنقص فإن(2) كان بحيث يُحصد قبل حلول الأجل، لم يُمنع منه عند الشافعي(3) ، ثمّ إن تأخّر الإدراك لعارضٍ، تُرك إلي الإدراك.

و إن كان بحيث لا يُحصد [إلّا(4)] بعد الحلول أو كان الدَّيْن حالّا، مُنع منه؛ لنقصان الرغبة في الأرض المزروعة.

و قيل: لا يُمنع منه، لكن يُجبر علي القلع عند الحلول إن لم يف بيعها مزروعةً دون الزرع بالدَّيْن(5).

و لو خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث مُنع، فلا يقلع قبل حلول الأجل، فلعلّه يقتضي الدَّيْن من غيره.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: أنّه يُقلع(6).

فأمّا بعد حلول الدَّيْن و مساس الحاجة إلي البيع يُقلع إن كان قيمة الأرض لا تفي بدَيْنه و تزداد قيمتها بالقلع.

و لو صار الراهن محجوراً بالإفلاس، ففي القلع للشافعيّة وجهان، بخلاف ما لو نبت النخيل من نوي حَمَله السيلُ، فإنّه لا يُقلع3.

ص: 225


1- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «فإن» و الظاهر ما أثبتناه.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «فإن» و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
6- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.

جزماً(1).

مسألة 160: إن قلنا: القبض شرط في الرهن أو لم نقل، فإنّه ليس للراهن السفر بالرهن،

سواء طال سفره أو قصر؛ لما فيه من التعرّض للإتلاف، و لعِظَم الحيلولة بين المرتهن و الرهن، كما يُمنع زوج الأمة عن السفر بها، و له أن يسافر بالحُرّة.

و ما لا منفعة فيه مع بقاء عينه كالنقود و الحبوب فلا تزال يد المرتهن عنه بعد استحقاقه لليد؛ لأنّ اليد هي الركن الأعظم في التوثّق فيه.

و ما لَه منفعة إن أمكن تحصيل الغرض منه مع بقائه في يد المرتهن، وجب المصير إليه؛ جمعاً بين الحقّين.

و إن لم يمكن و اشتدّت الحاجة إلي إزالة يده، جاز.

فالعبد المحترف إذا تيسّر استكسابه في يد المرتهن، لم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب.

فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو شيئاً من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إلي إخراجها من يده، لم يخرج و هو قول الشافعي في القديم(2) و لا يرهن وثيقة.

و المشهور عندهم: أنّه يخرج(3).

ثمّ يُنظر إن استوفي تلك المنافع بإعارة من عَدْل أو إجارة بالشرط السابق، فله ذلك.

ص: 226


1- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
2- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
3- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.

و إن أراد استيفاءها بنفسه، قال الشافعي في الأُمّ: له ذلك(1).

و مَنَع منه في القديم(2).

فحَمَل بعضهم الأوّل علي الثقة، و الثاني علي غيره(3).

و قال آخَرون: فيه قولان مطلقان، و وجّهوا الثاني بما يخاف من جحوده و خيانته لو سلّم إليه، و الأوّلَ بأنّ ما لَه استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه، و هو أظهر عندهم(4).

ثمّ إن وثق المرتهن بالتسليم، فذلك، و إلّا أشهد عليه شاهدين أنّه يأخذه للانتفاع.

فإن كان مشهورَ العدالة موثوقاً به عند الناس، فوجهان أشبههما: أنّه يكتفي بظهور حاله، و لا يكلّف الإشهاد في كلّ أخذ؛ لما فيه من المشقّة.

ثمّ إن إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم استيفاؤها، فذاك. و إن كان لمنفعة تستوفي في بعض الأوقات كالاستخدام أو الركوب، استوفي نهاراً، و ردّ إلي المرتهن ليلاً.

تذنيب: لو باع عبداً و لم يقبض الثمن، كان له حبس العبد في يده إلي أن يستوفي الثمن، فلا يزال يده بسبب الانتفاع؛ لأنّ ملك المشتري غير مستقرّ قبل القبض، و ملك الراهن مستقرّ.3.

ص: 227


1- كما في المهذّب للشيرازي 318:1، و العزيز شرح الوجيز 493:4، و روضة الطالبين 322312:3، و انظر: الاُم 163:3.
2- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.
3- العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.
4- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.

و هل يستكسب في يده للمشتري أم تُعطّل منافعه ؟ الأولي الأوّل.

و للشافعيّة قولان(1).

مسألة 161: كلّ تصرّف مُنع منه الراهن لحقّ المرتهن إذا اقترن بإذن المرتهن، نفذ،

فلو أذن له في الوطي، حلّ له الوطؤ.

ثمّ إن وطئ و لم يُحبل، فالرهن بحاله. و إن أحبل، فكذلك عندنا.

و أمّا عند الشافعيّة فإنّه كالعتق و البيع بالإذن يبطل معه الرهن، و ينفذ التصرّف(2).

و يجوز أن يرجع المرتهن عن الإذن قبل تصرّف الراهن، كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرّف الوكيل. و إذا رجع، فالتصرّف بعده كما لو لم يكن إذنٌ.

و لو أذن في الهبة و الإقباض و رجع قبل الإقباض، صحّ، و امتنع الإقباض؛ لأنّ تمام الهبة بالإقباض.

و لو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن، لم يصح رجوعه و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) لأنّ مبني البيع علي اللزوم، و الخيار داخل [و(4)] إنّما يظهر أثره في حقّ مَنْ له الخيار، و الهبة الركن الأقوي فيها الإقباض.

و الثاني: يصحّ رجوعه؛ لأنّ العقد لم يلزم بَعْدُ، كالهبة قبل

ص: 228


1- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 322:3.
2- المهذّب للشيرازي 320:1، العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 323:3.
3- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الإقباض(1).

و لو رجع المرتهن و لم يعلم به الراهن فتصرّف، ففي نفوذه وجهان مبنيّان علي أنّ الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر؟ الأصحّ: الانعزال، و هو أصحّ وجهية الشافعيّة(2).

و لو باع بإذنه، انفسخ الرهن، و لا تجب عليه قيمته مكانه.

و لو أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات، لم تجب عليه قيمته؛ لأنّه أتلفه بإذنه. و إن ضربه بغير إذنه فمات، لزمته قيمته، بخلاف ما إذا ضرب الزوج امرأته أو الإمام إنساناً تعزيراً؛ لأنّ المأذون فيه هناك ليس مطلق الضرب، بل هو ضرب التأديب، و هنا أيضاً لو قال: أدّبه، فضربه حتي هلك، ضمن.

مسألة 162: لو أحبل الراهن أو باع أو أعتق و ادّعي إذن المرتهن فأنكر، قدّم قول المرتهن مع يمينه؛

لأصالة عدم الإذن و بقاء الرهن، فإن حلف، فهو كما لو تصرّف بغير إذنه. و إن نكل فحلف الراهن، فهو كما لو تصرّف بإذنه. و إن نكل، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يُردّ اليمين علي الجارية؛ لعدم دليلٍ عليه(3).

و للشافعيّة في ردّ اليمين علي الجارية و العبد طريقان: أحدهما: فيه قولان، كما لو نكل الوارث عن يمين الردّ هل يحلف الغرماء؟ و أشبههما: القطع بالردّ؛ لأنّ الغرماء يُثبتون الحقّ للميّت أوّلاً، و الجارية و العبد يُثبتان لأنفسهما(4).

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
2- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
3- المبسوط للطوسي 207:2.
4- العزيز شرح الوجيز 495494:4، روضة الطالبين 323:3.

و لو وقع هذا الخلاف بين الراهن و ورثة المرتهن، حلفوا علي نفي العلم. و لو جري بين المرتهن و ورثة الراهن، حلفوا يمين الردّ علي القطع، فيحلف ورثة المرتهن أنّه لا يعلم أنّ مورّثه أذن للراهن، لأنّه ينفي فعل الغير، فيحلف علي نفي العلم، و يحلف ورثة الراهن علي القطع؛ لأنّه يحلف علي إثبات الإذن، و الحلف علي إثبات فعل الغير حلف علي القطع. و أمّا الراهن و المرتهن فإنّهما يحلفان علي القطع.

و هل يثبت إذن المرتهن برجل و امرأتين ؟ للشافعيّة وجهان، و القياس عندهم: المنع، كالوكالة و الوصاية(1).

مسألة 163: إذا حصل عند الجارية المرهونة ولد، فادّعي الراهن أنّه وطئها بالإذن،

فأتت بهذا الولد منّي و هي أُمّ ولدٍ، فقال المرتهن: بل هو من زوج أو من زنا، قدّم قول الراهن إذا سلّم المرتهن أربعة أشياء: الإذن في الوطي، و الوطء، و أنّها ولدت، و مضيّ مدّة إمكان الولد منه، و هي ستّة أشهر من حين الوطي إلي حين الولادة، و كانت الجارية أُمَّ ولد الراهن، و الولد حُرٌّ لاحِقٌ بأبيه الراهن، ثابت النسب منه، و لا يمين علي الراهن هنا؛ لأنّ المرتهن قد أقرّ بما يوجب إلحاق الولد بالراهن، و كونها أُمَّ ولده؛ لأنّه أقرّ بوطئها، و أنّها ولدت لستّة أشهر من ذلك الوطي، و مع هذا لا يصدق علي أنّ الولد من غيره، و إذا أقرّ الراهن بأنّ الولد منه، لم يُقبل رجوعه فكيف يحلف عليه! و لو منع المرتهن الإذن، فقد بيّنّا أنّ القول قوله.

و لو سلّمه و منع الوطء، قال الشيخ: الأصحّ أنّ القول قول المرتهن

ص: 230


1- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 323:3.

مع يمينه أنّه لم يطأها(1). و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال آخَرون: الأصحّ أنّ القول قول الراهن؛ لأنّه أخبر عمّا يقدر علي إنشائه(3).

و لو سلّم الإذن و الوطء و أنكر الولادة و قال: ما ولدته و لكن التقطته أو استعارته، فالقول قوله، و علي الراهن البيّنة علي الولادة.

و لو سلّم الولادة أيضاً و أنكر مضيّ مدّة الإمكان بأن قال: ولدته من وقت الوطي لما دون ستّة أشهر فالقول قوله أيضاً مع يمينه.

و لو لم يتعرّض المرتهن لهذه الأمور بالمنع أو التسليم و اقتصر علي إنكار الاستيلاد، فالقول قوله مع اليمين، و علي الراهن إثبات هذه الوسائط.

و لو حلف في هذه المسائل، كان الولد حُرّاً، و كان نسبه لاحقاً بالراهن؛ لإقراره بذلك، و حقّ المرتهن لا يتعلّق به.

و أمّا الجارية فلا تصير أُمَّ ولدٍ في حقّ المرتهن، و تُباع في دَيْنه، فإذا رجعت إلي الراهن، كانت أُمَّ ولدٍ، فلا يجوز له بيعها و هبتها مع وجود ولدها.

و كذا لو قال الراهن: أعتقتها بإذنك، و قال المرتهن: لم آذن لك فيه، و حلف و بِيعت في دَيْنه ثمّ ملكها الراهن، عُتقت عليه. لأنّه أقرّ بأنّها حُرّة بإيقاع العتق.

مسألة 164: إذا أعتق أو وهب بإذن المرتهن، بطل حقّه من الرهن،

سواء كان الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً، و ليس عليه أن يجعل قيمته رهناً مكانه.

و لو باع بإذنه و الدَّيْن مؤجَّل، فكذلك، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال

ص: 231


1- المبسوط للطوسي 207:2.
2- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.
3- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.

يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضي الدَّيْن(1).

و قال الشافعي: لا يلزمه، قياساً علي العتق و الهبة(2).

و لو كان الدَّيْن حالّا، قال الشافعي: قضي حقّه من ثمنه، و حُمل إذنه المطلق علي البيع في عرضه لمجيء وقته(3).

و الشيخ أطلق و قال: لو باع بإذنه، انفسخ الرهن، و لا يجب عليه جَعْل قيمته مكانه.

ثمّ قال (رحمه اللّه): لو أذن له بالبيع مطلقاً بعد محلّ الحقّ فباع، صحّ البيع، و كان ثمنه رهناً مكانه حتي يقضي منه أو من غيره؛ لأنّ عقد الرهن يقتضي بيع الرهن عند محلّه عند امتناع مَنْ عليه الدَّيْن من بدله(4).

و لو أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً مكانه، صحّ البيع و الشرط عندنا؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(5) و لا فرق بين أن يكون الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً، و علي الراهن الوفاء بالشرط و به قال المزني و أبو حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي و أصحاب أحمد(6) لأنّ الرهن قد ينتقل من العين إلي البدل شرعاً، كما لو أتلف المرهون، فجاز أن ينتقل إليه شرطاً.

و الثاني و هو الأصحّ عند بعضهم -: أنّها فاسدة الشرط: فلأنّ الثمن3.

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 495:4.
2- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.
3- العزيز شرح الوجيز 495:4.
4- المبسوط للطوسي 209:2 و 210.
5- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- التهذيب للبغوي 30:4، حلية العلماء 446:4، العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.

مجهول عند الإذن، فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالاً آخَر مجهولاً، و إذا بطل الشرط بطل الإذن، فإنّه وقف الإذن علي حصول الوثيقة في البدل و إذا بطل الإذن، بطل البيع(1). و تُمنع الجهالة.

و لو أذن في الإعتاق بشرط أن يجعل القيمة رهناً، أو في الوطي بهذا الشرط إن أحبل، ففيه القولان(2).

و لو أذن في البيع بشرط أن يعجّل حقّه من ثمنه و هو مؤجَّل، صحّ عندنا؛ لأنّه شرط سائغ تدعو الحاجة إليه، و به قال أبو حنيفة و المزني و أصحاب أحمد، إلّا أنّهم قالوا: يصحّ البيع و الإذن، و يجعل الثمن رهناً مكانه؛ لأنّ فساد الشرط لا يوجب فساد الإذن في البيع، فإنّه لو و كلّ وكيلاً يبيع عبده علي أنّه له عُشْر ثمنه، صحّ الإذن و البيع مع أنّ الشرط فاسد؛ لكون الأُجرة مجهولةً، و يرجع الوكيل إلي أُجرة المثل(3).

و قال الشافعي: يفسد الإذن و البيع بفساد الشرط.

ثمّ فرّق بأنّ الموكّل لم يجعل لنفسه في مقابلة الإذن شيئاً، و إنّما شرط للوكيل جُعْلاً مجهولاً، فاقتصر الفساد عليه، و هنا المرتهن شرط لنفسه شيئاً في مقابلة إذنه، و هو تعجيل الحقّ، فإذا فسد، [فسد(4)] ما يقابله(5).3.

ص: 233


1- حلية العلماء 446:4، العزيز شرح الوجيز 496495:4، روضة الطالبين 324:3.
2- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
3- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
4- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
5- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.

و خرّج أبو إسحاق من الشافعيّة قولاً(1) آخَر كما في المسألة السابقة، و هي: ما إذا باع الراهن بإذن المرتهن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً، فإنّ فيها قولين، كذا هنا.

و قدح جماعة من هذا التخريج، قالوا: لأنّ الشرط صحيح في المسألة الأُولي علي قولٍ، فصحّ الإذن المقابل له، هنا الشرط فاسد قولاً واحداً، فلا يمكن تصحيح ما يقابله(2).

و عند ما الشروط هنا صحيحة لازمة.

مسألة 165: لو اختلفا، فقال المرتهن: أذنتُ في البيع بشرط أن ترهن الثمن،

و قال الراهن: بل أذنتَ مطلقاً، فالقول قول المرتهن، كما لو اختلفا في أصل الإذن.

ثمّ إن كان الاختلاف قبل البيع، فليس له البيع، قاله الشافعيّة(3).

و الأقوي أنّ له البيع إذا جعل الثمن رهناً.

و إن كان بعد البيع و حلف المرتهن، فعلي قولنا يصحّ الإذن، فيكون علي [الراهن(4)] رهن الثمن، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و علي الآخر و هو بطلان الإذن -: إن صدّق المشتري المرتهن، فالبيع مردود، و هو مرهون كما كان: و إن كذّبه، نُظر إن أنكر أصل الرهن، حلف، و علي الراهن أن يرهن قيمته. و إن أقرّ بكونه مرهوناً و ادّعي مثل ما

ص: 234


1- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
2- العزيز شرح الوجيز 496:4، و انظر: حلية العلماء 447:4.
3- التهذيب للبغوي 31:4، العزيز شرح الوجيز 4 496، روضة الطالبين 324:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المرتهن». و الصحيح ما أثبتاه.
5- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.

ادّعاه الراهن، فعليه ردّ المبيع، و يمين المرتهن حجّة عليه. و لو أقام المرتهن بيّنةً علي أنّه كان مرهوناً، فهو كما لو أقرّ المشتري به(1).

مسألة 166: المديون إذا خلّف تركةً، فالأقوي انتقالها بالإرث إلي ورثته،

إذ لا يصحّ نقلها إلي الغرماء إجماعاً، و لهذا لو أبرأوا الميّت، سقط حقّهم منها، و للوارث القضاء من غيرها، و لا بقاؤها علي ملك الميّت؛ لعدم صلاحيّته، و لا إلي اللّه تعالي، و إلّا لصُرفت إلي المساكين، فإنّهم مصبّ أمواله تعالي، و لا إلي غير مالكٍ، فتعيّن انتقالها إلي الورثة.

نعم، إنّ للديون تعلّقاً بها؛ لأنّه تعالي إنّما جعل لهم التصرّف بعد الدَّيْن و الوصيّة(2).

و في كيفيّة التعلّق احتمال أنّه كتعلّق الأرش برقبة الجاني؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يثبت شرعاً من غير اختيار المالك، و أنّه كتعلّق الدَّيْن بالمرهون؛ لأنّ الشارع إنّما أثبت هذا التعلّق نظراً للميّت لتبرأ ذمّته، فاللائق به أن لا يسلّط الوارث عليه.

و للشافعي قولان كالاحتمالين، و الثاني عندهم أظهر(3).

فلو أعتق الوارث أو باع و هو معسر، لم يصح، سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون.

و في الإعتاق للشافعيّة خلاف(4).

و إن كان موسراً، نفذا في أحد وجهي الشافعي بناءً علي أنّ التعلّق كتعلّق الأرش، و لم ينفذا في وجهٍ بناءً علي أنّ التعلّق كتعلّق الدَّيْن

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
2- النساء: 11 و 12.
3- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
4- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.

بالرهن(1).

و لهم وجهٌ ثالث، و هو: أنّهما موقوفان إن قضي الوارث الدَّيْن، تبيّنّا النفوذ، و إلّا فلا.

و لا فرق بين أن يكون الدَّيْن مستغرقاً للتركة أو يكون أقلّ منها علي أظهر الوجهين، كما هو قياس الدين و الرهون(2).

و الثاني: أنّه إن كان الدَّيْن أقلّ، نفذ تصرّف الوارث إلي أن لا يبقي إلّا قدر الدَّيْن؛ إذ في إثبات الحجر في مالٍ كثير بشيء يسير جدّاً بُعْدٌ(3).

و إذا حكمنا ببطلان تصرّف الوارث، فلو لم يكن في التركة دَيْنٌ ظاهراً فتصرّف ثمّ ظهر دَيْنٌ بأن كان قد باع شيئاً و أكل ثمنه فرُدّ بالعيب و لزم ردّ الثمن، أو تردّي متردٍّ في بئر كان قد احتفرها عدواناً، فوجهان:

أحدهما: أنّه يتبيّن فساد التصرّف إلحاقاً لما ظهر من الدَّيْن بالدَّيْن المقارن، لتقدّم سببه.

و الثاني: أنّه لا يتبيّن؛ لأنّه كان مسوغاً لهم ظاهراً(4).

فعلي هذا إن أدّي الوارث الدَّيْن، فذاك، و إلّا فوجهان:

أظهرهما: أنّه يفسخ ذلك التصرّف ليصل المستحقّ إلي حقّه.

و الثاني: لا يفسخ، و لكن يطالب الوارث بالدَّيْن، و يُجعل كالضامن(5).

و علي كلّ حال فللوارث أن يمسك عين التركة و يؤدّي الدَّيْن من خالص ماله.

نعم، لو كان الدَّيْن أكثر من التركة، فقال الوارث: آخذها بقيمتها،3.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
2- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
3- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
4- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
5- العزيز شرح الوجيز 498497:4، روضة الطالبين 325:3.

و التمس الغرماء بيعها علي توقّع زيادة راغب، فالأقوي: إجابة الوارث؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تشتري بأكثر من القيمة، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إجابة الغرماء.

و بنوا الوجهين علي أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش الجناية(1) ؟.

و في تعلّق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب و النتاج خلاف، و الوجه: المنع.

و للشافعيّة وجهان متفرّعان علي ما مرّ من أنّ الدَّيْن هل يمنع الميراث ؟ إن مَنَعه، ثبت التعلّق، و إلّا فلا(2).4.

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 498:4، روضة الطالبين 326325:3.
2- العزيز شرح الوجيز 498:4.
النظر الثاني: في منع المرتهن.
مسألة 167: الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن،

فإن جعلنا القبض شرطاً و كان لازماً، استحقّ المرتهن إدامة اليد، و لا تزال يده إلّا للانتفاع علي خلافٍ سبق(1) ، ثمّ يُردّ إليه ليلاً، و إن كان العبد ممّن يعمل بالليل كالحارس، رُدّ إليه نهاراً.

و لو شرطا في الابتداء وضعه علي يد ثالثٍ، صحّ و لزم؛ لأنّه ربما لا يثق أحدهما بالآخَر، و يثقان به.

و لو شرطا وضعه عند اثنين، جاز أيضاً.

ثمّ إن شرطا أنّ لكلٍّ منهما التفرّد بالحفظ أو الاجتماع علي الحفظ في حرزٍ، اتّبع الشرط.

و إن أطلقا، لم يكن لأحدهما التفرّد بالحفظ، كما لو أوصي إلي اثنين أو وكّلهما بشيء لا يستقلّ أحدهما و هو أصحّ وجهي الشافعيّة فحينئذٍ يجعلانه في حرزٍ لهما.

و الثاني: يجوز الانفراد لئلّا يشقّ عليهما، فحينئذٍ إن اتّفقا علي كونه عند أحدهما، جاز. و إن تنازعا و الرهن ممّا ينقسم، قسّم، و حفظ كلّ واحد نصفَه. و إن كان ممّا لا ينقسم، تناوبا في حفظه بالزمان(2).

و لو قسّماه بالتراضي و قلنا بالثاني ثمّ أراد أحدهما أن يردّ ما في يده علي صاحبه، احتمل المنع؛ لاندفاع المشقّة بما جري.

ص: 238


1- في ص 142، ضمن المسألة 160.
2- العزيز شرح الوجيز 499498:4، روضة الطالبين 326:3.
مسألة 168: ليس للمرتهن التصرّف في الرهن بشيء من التصرّفات الفعليّة و القوليّة؛

إذ ليس له إلّا حقّ الاستيثاق، فليس له البيع إلّا بإذن الراهن؛ لقول الصادق (عليه السّلام) في رجل رهن رهناً إلي غير وقت ثمّ غاب هل له وقت يباع فيه رهنه ؟ قال: «لا، حتي يجيء»(1).

و كذا غير البيع من التصرّفات القوليّة كالهبة و الرهن و غيرهما، و كذا التصرّفات الفعليّة يُمنع جميعها إجماعاً.

فلو وطئ الجارية المرهونة فإن كان بغير إذن الراهن، كان بمنزلة وطئ غير المرهونة، إن ظنّها زوجته أو أمته، فلا حدّ، و عليه المهر، و الولد حُرٌّ لاحِقٌ به، و عليه قيمته للراهن يوم سقط حيّاً. و إن لم يظنّ ذلك و لم يدّع جَهْلاً، فهو زانٍ، و لا يكون عقد الرهن شبهةً فيه، بل يلزمه الحدّ، كما لو وطئ المستأجر الجارية المستأجرة.

و يجب المهر إن كانت مُكرَهةً إجماعاً.

و إن كانت مطاوعةً، فلعلمائنا قولان:

إحداهما: أنّه لا يجب و هو أصحّ قولي الشافعي(2) لأنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) نهي عن مهر البغي(3).

و الثاني: الوجوب؛ لأنّه بُضْعٌ مستحقّ لغير الموطوءة، فلا يسقط برضاها. و لأنّه تصرّف في مال الغير، فيجب عليه أرش نقصه. و يجب

ص: 239


1- الكافي 5/234:5، الفقيه 897/197:3، التهذيب 749/169:7.
2- الحاوي الكبير 62:6، التهذيب للبغوي 28:4، حلية العلماء 479478:4، العزيز شرح الوجيز 511:4، روضة الطالبين 338:3، المغني 443:4، الشرح الكبير 489:4.
3- صحيح البخاري 110:3، سنن أبي داود 3481/279:3، سنن النسائي 309:7.

عليها الحدّ.

و لو كانت جاهلةً، وجب المهر أيضاً و إن كان الواطئ عالماً، و يُحدّ هو دونها.

و لو أحبلها، كان الولد رقيقاً لمولاها؛ لأنّ نسبه لا يثبت من المرتهن، لأنّه زانٍ، و يتبع الاُمّ.

و لو ادّعي الواطي الجهالةَ فإن كانت محتملةً بأن يكون قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بلدٍ بعيدٍ عنه يجوز خفاء ذلك عليه، أو نشأ في بلد الكفر قُبلت دعواه.

ثمّ إن أكرهها أو كانت نائمةً، وجب المهر.

و إن طاوعته و لم تدّع الجهالة أو ادّعت و هي ممّن لا تُقبل دعواها، ففي وجوب المهر قولان سبقا(1).

و إن كانت ممّن تُقبل منها دعوي الجهالة، وجب المهر، و سقط عنها الحدّ.

و إذا ادّعي الرجل الجهالة في موضعٍ تُسمع منه، قُبل قوله لدفع الحدّ إجماعاً.

و هل يُقبل لثبوت النسب و حُرّيّة الولد و وجوب المهر؟ الأصحّ ذلك؛ لأنّ الشبهة كما تدرأ الحدَّ تثبت النسبَ و الحُرّيّة، و إذا سقط(2) ، وجب المهر.

و لو كان الوطؤ بإذن الراهن فإن كان علي صيغةٍ يُباح بها البُضْع، فلا حدّ و لا مهر. و يلحق به الولد. و في قيمته قولان.ّ.

ص: 240


1- آنفاً.
2- أي سقط الحدّ.

و إن لم يكن علي صيغةٍ يُباح بها البُضْع فإمّا أن يدّعي الجهالة بتحريم الوطي أو لا يدّعيها، فإن لم يدّع، فهو زنا، و الحكم كما تقدّم.

و للشافعيّة وجهٌ: أنّه لا يُحدّ؛ لأنّ بعضهم قال بجواز وطئ الجارية بإذن مالكها. و هو مذهب عطاء بن أبي رباح(1) من التابعين.

و إن ادّعاها، قُبل منه، و سقط الحدّ، و لحق به النسب، و كان الولد حُرّاً إجماعاً، و لا تلزمه قيمته.

و قيل: تلزمه قيمته(2).

و كذا القولان في المهر.

و الشيخ (رحمه اللّه) رجّح في المبسوط عدمَ وجوبهما عليه(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت مطاوعةً، لم يلزمه المهر؛ لانضمام إذن المستحقّ إلي طواعيتها.

و إن كانت مكرهةً، فقولان:

أحدهما: عدم الوجوب؛ لأنّ المستحقّ(4) قد أذن، فأشبه ما لو زنت الحُرّة.

و أصحّهما عندهم و به قال أبو حنيفة -: يجب؛ لأنّ وجوب المهر حيث لا يجب الحدّ حقّ الشرع، فلا يؤثّر فيه الإذن، كما أنّ المفوّضة تستحقّ المهر بالدخول مع تفويضها(5).

و أمّا الولد ففي وجوب قيمته لهم طريقان4.

ص: 241


1- التهذيب للبغوي 29:4، العزيز شرح الوجيز 511:4.
2- كما في المبسوط للطوسي 209:2.
3- المبسوط للطوسي 209:2.
4- أي: مستحقّ الرهن.
5- العزيز شرح الوجيز 512:4.

أحدهما: أنّه علي القولين في المهر.

و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: الوجوب جزماً.

و الفرق أنّ الإذن في الوطي رضا بإتلاف المنفعة جزماً، و ليس رضاً بالإحبال جزماً. و لأنّ الإذن لا أثر له في حُرّيّة الولد، و إنّما الموجب لها ظنّ الواطئ فحسب(1).

و أمّا الجارية فقال الشيخ (رحمه اللّه): لا تخرج من الرهن في الحال، و إذا بِيعت في الرهن ثمّ ملكها المرتهن، فإنّها أُمّ ولده(2).

و فيه نظر.

و قال الشافعي: لا تصير الجارية أُمّ ولدٍ للمرتهن بحال، فإن ملكها يوماً من الدهر فقولان(3).

و لو ادّعي المرتهن بعد الوطي أنّ الراهن كان قد باعها منه أو وهبها(4) و أقبضها، و أنكر الراهن، فالقول قوله مع يمينه، فإن حلف، فهي و الولد رقيقان له. ثمّ لو ملكها يوماً من الدهر، فهي أُمّ ولدٍ له علي قول(5) ، و الولد حُرٌّ؛ لإقراره السابق، كما لو أقرّ بحُرّيّة عبد الغير ثمّ اشتراه، فإن نكل الراهن و حلف المرتهن، فالولد حُرٌّ و هي أُمّ ولدٍ له.

مسألة 169: ليس للمرتهن بيع الرهن، فإن حلّ الدَّيْن و طالَب المرتهنُ، كان علي الراهن إيفاء الحقّ،

فإن قضاه من غيره، انفكّ الرهن،

ص: 242


1- العزيز شرح الوجيز 512:4.
2- المبسوط للطوسي 209:2.
3- التهذيب للبغوي 29:4، العزيز شرح الوجيز 512:4، روضة الطالبين 339:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «رهنها» بدل «وهبها». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 512:4.

و إلّا طُولب ببيعه، فإن امتنع فإن كان وكيلاً في البيع، باع بالوكالة، و إلّا باعه بإذن الراهن، فإن تعذّر، أذن له الحاكم في البيع أو ولاّه غيره، أو أجبر الراهن علي القضاء أو البيع بنفسه أو بوكيله.

و يُقدَّم المرتهن في الثمن علي سائر الغرماء، سواء كان الراهن حيّاً أو ميّتاً، و سواء كان موسراً أو معسراً، و سواء خلّف وفاءً لباقي الدُّيّان أو لا، و سواء كان الرهن داراً يسكنها الراهن أو لا.

و الرواية التي رواها ابن فضّال عن إبراهيم بن عثمان عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهناً فأردت أن أبيعها، فقال: «أُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»(1) محمولة علي الكراهية، مع أنّا نمنع السند؛ فإنّ ابن فضّال ضعيف.

و إنّما يبيعه(2) الراهن أو وكيله بإذن المرتهن، فلو لم يأذن و أراد الراهن بيعه، قال له الحاكم: ائذن في بيعه و خُذْ حقّك من ثمنه، أو أبرئه.

و لو طلب(3) المرتهن بيعه و امتنع الراهن و لم يقض الدَّيْن، أجبره الحاكم علي قضائه أو البيع، إمّا بنفسه أو بوكيله، فإن أصرّ، باعه الحاكم، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: لا يبيعه، و لكن يُحبس الراهن حتي يبيع(5).4.

ص: 243


1- الكافي 21/237:5، التهذيب 754/170:7.
2- في «ج»: «يبيع».
3- في «ج»: «طالب».
4- التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3، المغني 488:4.
5- تحفة الفقهاء 43:3، بدائع الصنائع 148:6، التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، المغني 488:4.

و لو كان الراهن غائباً، أثبت المرتهن الرهن عند الحاكم حتي يبيعه. فإن لم تكن له بيّنة أو لم يكن في البلد حاكم، فله بيعه بنفسه، كما أنّ مَنْ ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون و هو جامد و لا بيّنة له، يبيعه، و يأخذ حقّه من ثمنه.

مسألة 170: لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن بنفسه، صحّ الإذن.

فإن باع بالإذن، صحّ البيع، سواء كان الراهن حاضراً وقت البيع أو غائباً.

و للشافعي وجهان إذا باع في الغيبة:

أحدهما: كما قلناه من الصحّة و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد كما لو أذن له في بيع مالٍ آخر.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه يبيعه لغرض نفسه، فيكون متّهماً في الاستعجال و ترك النظر(1).

و إن باعه بحضوره، صحّ؛ لانقطاع التهمة، و هو ظاهر قول الشافعي حيث قال: و لو شرط للمرتهن إذا حلّ الحقّ أن يبيعه، لم يجز أن يبيع بنفسه إلّا بأن يحضر ربّ الرهن(2).

و فيه وجه: أنّه لا يصحّ أيضاً؛ لأنّه توكيل فيما يتعلّق بحقّه، فعلي هذا لا يصحّ توكيله ببيعه أصلاً.

و يتفرّع عليه أنّه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن، فإن كان الرهن مشروطاً في بيع، فالبيع باطل: و إن كان رهْنَ تبرّعٍ، فعلي القولين في

ص: 244


1- التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.
2- العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.

الشروط الفاسدة النافعة للمرتهن أنّها هل تُبطل الرهن(1) ؟.

و لو أذن الوارث لغرماء الميّت في بيع التركة، فهو كإذن الراهن للمرتهن. و كذا إذن السيّد للمجنيّ(2) عليه في بيع العبد الجاني.

و الحقّ عندنا صحّة البيع في الغيبة و الحضور، و صحّة التوكيل، عملاً بمقتضي العقود.

مسألة 171: لو قال الراهن للمرتهن: بِع المرهون لي و استوف الثمن ثمّ استوفه لنفسك، صحّ البيع و الاستيفاء للراهن،

ثمّ لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرّد إدامة اليد و الإمساك؛ لأنّ قوله: «ثمّ استوف لنفسك» مشعر بإحداث فعلٍ، فلا بُدّ إذَنْ من وزنٍ جديد أو كيلٍ جديد.

و لو كانت الصيغة: «ثم أمسكه لنفسك» فلا بُدّ من إحداث فعلٍ أيضاً عند بعض الشافعيّة(3).

قال بعضهم: يكفي مجرّد الإمساك(4).

و الأوّل أظهر عندهم(5).

ثمّ إذا استوفاه لنفسه، فيه وجهان؛ لاتّحاد القابض و المقبض، فإن صحّحناه، و هو الأقوي عندي برئت ذمّة الراهن عن الدَّيْن، و المستوفي من ضمانه. و إن أفسدناه و هو الأصحّ عندهم(6) لم يبرأ، و لكن يدخل المستوفي في ضمانه أيضاً؛ لأنّ القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان.

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 328:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المجنيّ». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
4- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
5- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 328:3.
6- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 328:3.

و لو قال: بِعْه لي و استوف الثمن لنفسك، صحّ البيع، و لم يصح استيفاء الثمن عند الشافعي؛ لأنّه ما لم يصح قبضٌ للراهن لا يتصوّر منه القبض لنفسه، و هنا كما قبضه يصير مضموناً عليه(1).

و الوجه: الصحّة؛ لأنّ قوله: «استوف الثمن لنفسك» يتضمّن التوكيل.

و لو قال: بِعْه لنفسك، فللشافعي قولان:

أصحّهما: أنّ هذا الأذان باطل، و لا يُمكّن من البيع؛ لأنّه لا يتصوّر أن يبيع الإنسان مال غيره لنفسه.

و الثاني: أنّه يصحّ، اكتفاءً بقوله: «بِعْه» و إلغاءً لقوله: «لنفسك» و أيضاً فإنّ السابق إلي الفهم منه الأمر بالبيع لغرضه، و هو التوصّل(2) به إلي قضاء الدَّيْن(3).

و لو أطلق و قال: بِعْه، و لم يقل: «لي» و لا «لنفسك» فللشافعيّة وجهان:

أصحّهما: صحّة الإذن و البيع و وقوعه للراهن، كما لو قال لأجنبيّ: بِعْه.

و الثاني: المنع؛ لأنّ البيع مستحقّ للمرتهن بعد حلول الحقّ، و الكلام مفروض فيه، و إذا كان كذلك يُقيّد الإذن به، و صار كأنّه قال: بِعْه لنفسك. و لأنّه متّهم في ترك النظر استعجالاً للوصول إلي الدَّيْن.

و علي التعليلين لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فقال: بِعْه، صحّ الإذن؛ لعدم الاستحقاق و التهمة، فإن قال: بِعْه و استوف حقّك من ثمنه، جاءت3.

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «التوسّل». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.

التهمة(1).

و هذا عندنا ليس بشيء.

و لو قدّر له الثمن، لم يصح عندهم علي التعليل الأوّل، و صحّ علي الثاني. و كذا لو كان الراهن حاضراً عند البيع(2).3.

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
2- العزيز شرح الوجيز 528527:4، روضة الطالبين 329:3.
الفصل الرابع: في حكم الرهن في الضمان
مسألة 172: الرهن في يد المرتهن أمانة لا يسقط بتلفه شيء من الدَّيْن،

و لا يلزمه ضمانه، إلّا إذا تعدّي فيه، عند علمائنا أجمع و به قال عليّ (عليه السّلام) و عطاء و الزهري و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(1) لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه و عليه غُرْمه»(2).

و المراد بالغُنْم الاستفادة و النماء و الزيادة، و الغُرْم: النقصان و التلف. و معني «من صاحبه» أنّه من ضمان صاحبه. و معني «لا يغلق» أي لا يملكه المرتهن بالارتهان.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام) و قد سأله عبيد بن زرارة: رجل رهن سوارين فهلك أحدهما، قال: «يرجع عليه فيما بقي»(3).

و عن الحلبي في الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شيء أو يضيع(4) قال: «يرجع بما لَه عليه»(5).

ص: 248


1- المغني 478:4، الشرح الكبير 444:4، مختصر المزني: 101، الحاوي الكبير 254:6، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4، الوسيط 509:3، حلية العلماء 458:4، التهذيب للبغوي 53:4، بداية المجتهد 276:2.
2- المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
3- التهذيب 758/170:7، الاستبصار 422/118:3.
4- في الكافي: «ضاع».
5- الكافي 11/235:5، التهذيب 757/170:7، الاستبصار 421/118:3.

و لأنّه وثيقة بالدَّيْن فلا يضمن، كالزيادة علي قدر الدَّيْن، و كالكفيل و الشاهد. و لأنّه مقبوض بعقدٍ واحد بعضه أمانة فكان جميعه أمانةً، كالوديعة. و لأنّ الرهن شرّع و ثقةً للدَّين، فهلاك محلّه لا يُسقط(1) ، كموت الكفيل.

و روي عن شريح و النخعي و الحسن البصري أنّ الرهن يُضمن بجميع الدَّيْن و إن كان أكثر من قيمته؛ لأنّه روي عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أنّه قال: «الراهن بما فيه»(2)(3).

و هو محمول علي التعدّي.

و قال مالك: إن كان تلفه بأمرٍ ظاهر كالموت و الحريق فمن ضمان الراهن. و إن ادّعي تلفه بأمرٍ خفيّ، لم يُقبل قوله، و ضمن(4).

و يبطل بأنّ ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب.

و نقل عنه أيضاً أن ما يظهر هلاكه كالحيوان و العقار و الأشجار أمانة، و ما يخفي هلاكه كالنقود و العروض مضمون بالدَّيْن؛ لأنّه متّهم فيه(5).

و قال الثوري و أصحاب الرأي: يضمنه المرتهن بأقلّ الأمرين من4.

ص: 249


1- أي: لا يُسقط الدَّيْن. و لعلّها: «لا يُسقطه».
2- المراسيل لأبي داوُد -: 4/135، سنن الدارقطني 124/32:3، سنن البيهقي 40:6.
3- المغني 479478:4، الشرح الكبير 445444:4، حلية العلماء 459:4، المبسوط للسرخسي 65:21، بدائع الصنائع 160:6، النتف 608:2، أحكام القرآن للجصّاص 527:1.
4- الحاوي الكبير 255:6، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 412 413، حلية العلماء 459:4، العزيز شرح الوجيز 508:4.

قيمته أو قدر الدَّيْن، فإن كانت قيمته أقلَّ، سقط بتلفه من الدَّيْن قدر قيمته، و إلّا سقط الدَّيْن فلا يضمن الزيادة. و رووه عن عمر بن الخطّاب؛ لما رواه عطاء أنّ رجلاً رهن فرساً فنفق عند المرتهن، فجاء إلي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) فأخبره بذلك، فقال: «ذهب حقّك». و لأنّها عين مقبوضة للاستيفاء، فيضمنها مَنْ قبضها كالمبيع إذا حُبس لاستيفاء ثمنه(1).

و حديث عطاء مرسل. قال الدارقطني: يرويه إسماعيل بن أُميّة، و كان كذّاباً(2).

و قيل: يرويه مصعب بن ثابت، و كان ضعيفاً(3).

و يُحتمل أنّه أراد: ذهب حقّك من الوثيقة، بدليل أنّه لم يسأل عن قدر الدَّيْن و قيمة الفرس.

إذا عرفت هذا، فلو شرط الرهن أن يكون مضموناً علي المرتهن، لم يصحّ الشرط، و كان فاسداً، و يصحّ الرهن.

و لو فرّط المرتهن في الحفظ أو تعدّي فيه، كان ضامناً له.

مسألة 173: إذا برئ الراهن عن الديْن بأداءٍ أو إبراءٍ أو حوالةٍ،

كان الرهن أمانةً أيضاً في يد المرتهن، و لا يصير مضموناً عليه، إلّا إذا طلبه الراهن و امتنع من الردّ بعد المطالبة.

و قال بعض الشافعيّة: يكون المرتهن إذا طلبه الراهن و امتنع من الردّ بعد المطالبة.

ص: 250


1- المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4، المبسوط للسرخسي 6564:21، بدائع الصنائع 160:6، حلية العلماء 458:4، العزيز 508:4.
2- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 479:4، و الشرح الكبير 445:4، و انظر: سنن الدارقطني 32:3، ذيل الحديث 124.
3- كما في المغني 479:4، و الشرح الكبير 445:4.

و قال بعض الشافعيّة: يكون المرتهن بعد الإبراء كمن [طيّرت(1)] الريح ثوباً إلي داره حتي يعلم المرتهن به أو يردّه؛ لأنّه لم يرض بيده إلّا علي سبيل الوثيقة(2).

و بالجملة، فالرهن بعد القضاء أو الإبراء أو شبهة أمانة في يد المرتهن، عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضموناً. و إذا أبرأه أو وهبه، لم يكن مضموناً استحساناً(4).

و هو تناقض؛ فإنّ القبض المضمون منه لم يزل و لم يبرأ منه.

و عندنا أنّه كان أمانةً، و بقي علي ما كان عليه، و ليس عليه ردّه؛ لأنّه أمسكه بإذن مالكه، و لا يختصّ بنفعه، فهو كالوديعة، بخلاف العارية المضمونة، فإنّه يختصّ بنفعها، و بخلاف ما لو أطارت الريح إلي داره ثوباً، لزمه ردّه إلي مالكه؛ لأنّ مالكه لم يأذن في إمساكه.

و لو سأل مالكه في هذه الحال دَفعه إليه، لزم مَنْ هو في يده من المرتهن أو العدل دَفْعه مع الإمكان، فإن لم يفعل، صار ضامناً، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة عند طلبها.

و لو كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه و بينه طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت صلاة واجبة، أو كان به مرض أو4.

ص: 251


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «طيّر».
2- العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 335:3.
3- حلية العلماء 459:4، العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 335:3، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
4- بدائع الصنائع 155:6، حلية العلماء 459:4، المغني 479:4، الشرح الكبير 446445:4.

جوع شديد و شبهه فأخّر التسليم لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنّه لا تفريط منه، فأشبه المودع.

مسألة 174: إذا فسد الرهن و قبضه المرتهن، لم يكن عليه ضمان؛

لأنّه قبضه بحكم أنّه رهن، و كلّ عقدٍ كان صحيحه غيرَ مضمون ففاسده كذلك، و كلّ عقدٍ كان صحيحه مضموناً ففاسده مثله.

أمّا الأوّل: فلأنّ الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولي باقتضائه.

و أمّا الثاني: فلأنّ مَنْ أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك، و لم يلتزم بالعقد ضماناً، و لا يكاد يوجد التسليم و التسلّم إلّا من معتقدي الصحّة.

إذا عرفت هذا، فإن أعار المرهون من المرتهن لينتفع به، ضمنه عند الشافعي؛ لأنّ العارية مضمونة عنده(1) ، و لا يضمنه عندنا و لا عند أبي حنيفة(2) ؛ لأنّ العارية غير مضمونة.

فإذا كان الرهن أرضاً و أذن الراهن له في الغراس بعد شهر، فهي بعد الشهر عارية، و قبله أمانة.

فإن غرس قبل الشهر، قلع؛ لأنّه مُتعدٍّ فيه و ظالمٌ، و قال (عليه السّلام): «ليس لعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ»(3).

و لو غرس بعده، فقد غرسه بإذن الراهن؛ لأنّه ملّكه إيّاه بعد انقضاء الشهر، فكان مأذوناً له في التصرّف.

و إن كان البيع فاسداً فإن أراد المرتهن قلعه و نقله، كان له؛ لأنّه عين

ص: 252


1- العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 336:3.
2- بدائع الصنائع 156:6، العزيز شرح الوجيز 508:4.
3- صحيح البخاري 140:3، سنن أبي داوُد 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، مسند أحمد 22272/447:6.

ماله. و إن امتنع من قلعه، تخيّر الراهن بين أن يُقرّه في أرضه، فتكون الأرض للراهن و الغرس للمرتهن، و بين أن يُعطيه ثمن الغراس، فيكون الجميع للراهن، و بين أن يطالبه بقلعه علي أن يضمن له ما نقص [من(1)] الغراس بالقلع، قاله الشيخ(2) (رحمه اللّه).

و هو جيّد، إلّا في قوله: «إنّ له أن يُعطيه ثمن الغراس» فإنّ الأقوي عندي افتقاره إلي رضا المالك.

و البناء كالغرس.

مسألة 175: الشروط المقترنة بعقد الرهن ضربان: صحيحة و فاسدة.
فالصحيحة

ما كان من مقتضي عقد الرهن، مثل أن يشترط كونه علي يد المرتهن أو علي يد عَدْلٍ عيّنه أو عدلين أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند حلول الحقّ، أو يشترط منافعه للراهن، فهذه الشروط لا تؤثّر في العقد؛ لأنّها تأكيد لما اقتضاه، و لا نعلم في صحّة هذه الشروط خلافاً.

و لو شرط أن يبيعه المرتهن، صحّ الشرط و الرهن و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(3) لأنّ ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن، كبيع عينٍ اخري.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه توكيل فيما يتنافي فيه الغرضان، فلم يصحّ، كما لو وكّله في بيعه من نفسه.

و بيان التنافي أنّ الراهن يريد الصبر علي المبيع و الاحتياط في توفير

ص: 253


1- ما بين المعقوفين من المبسوط للطوسي.
2- المبسوط للطوسي 244:2.
3- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، المغني 464:4، الشرح الكبير 456:4.

الثمن، و المرتهن يريد تعجيل الحقّ و إنجاز البيع(1).

و لا يضرّ اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقّاً له، و هو استيفاء الثمن عند حلول الحقّ و إنجاز البيع علي(2) أنّ الراهن إذا وكّله مع العلم بغرضه، فقد سمح له بذلك، و الحقّ له، فلا يمنع من السماحة، كما لو وكّل فاسقاً في بيع ماله و قَبْض ثمنه.

و نمنع عدم جواز توكيله في بيع شيء من نفسه و إن سلّمنا فلأنّ الشخص الواحد يكون بائعاً مشترياً موجباً قابلاً قابضاً من نفسه، بخلاف صورة النزاع.

و لو رهن أمته و شرط كونها عند امرأة أو ذي مَحْرمٍ لها أو كونها في يد المرتهن أو أجنبيّ علي وجه لا يفضي إلي الخلوة بها مثل أن تكون لهما زوجات أو سراري، أو محارم معها جاز؛ لأنّه لا يفضي إلي محرَّم.

و إن لم يكن كذلك، فسد الشرط؛ لإفضائه إلي الخلوة المحرَّمة، و لا يؤمن عليها. و لا يفسد الرهن؛ لأنّه لا يعود إلي نقص و لا ضرر في حقّ المتعاقدين، و يكون حكمه كما لو رهنها من غير شرط، يصحّ الرهن، و جعلها الحاكم علي يد مَنْ يجوز أن تكون عنده.

و إن كان الرهن عبداً فشرط موضعه أو لم يشرط، جاز.

و لو كان مرتهن العبد امرأةً لا زوج لها فشرطت كونه عندها علي وجه يفضي إلي خلوته بها، لم يجز الشرط، و صحّ الرهن.».

ص: 254


1- المغني 464:4، الشرح الكبير 456:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.
2- في «ج»: «و علي».
و أمّا الشروط الفاسدة

فهي(1) ما ينافي مقتضي عقد الرهن، مثل أن يشترط أن لا يسلّمه إليه علي إشكال، أو لا يبيعه عند محلّ الحقّ، أو لا يبيعه إلّا بما يرضي به الراهن أو بما يرضي به رجلٌ آخَر، أو تكون المنافع للمرتهن، أو لا يستوفي الدَّيْن من ثمنه، فإنّها شروط نافت مقتضي العقد ففسدت.

و كذا إن شرط الخيار للراهن علي إشكال، أو أن لا يكون العقد لازماً في [حقّه(2)] أو توقيت الرهن، أو يكون رهناً يوماً، و يوماً لا يكون رهناً، أو يكون مضموناً علي المرتهن أو علي العدل.

و هل يفسد الرهن به ؟ قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يفسد به الرهن؛ لأصالة صحّة العقد(3).

و قال الشافعي: إن اقتضي الشرط نقصاناً من حقّ المرتهن، بطل عقد الرهن قولاً واحداً، و إن كان زيادةً في حقّ المرتهن، فقولان:

أحدهما: يفسد؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسد، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن(4).

و هو الوجه عندي في كلّ شرطٍ فاسدٍ اقترن بعقدٍ، فإنّه يفسده؛ لأنّ العاقد إنّما بذل ملكه بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له لم يصحّ العقد؛ لعدم الرضا به بدونه.

و الثاني: لا يفسده؛ لأنّ الرهن قد تمّ، و إنّما شرط له زيادة لا

ص: 255


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فهو» بدل «فهي» و الظاهر ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «صفة». و هي غلط. و الصحيح ما أُثبت.
3- الخلاف 253:3، المسألة 61.
4- المهذّب للشيرازي 317:1، المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4.

يقتضيها، فسقطت الزيادة، و بقي عقد الرهن، بخلاف ما إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن؛ لأنّ الرهن لم يتمّ(1).

فإن قلنا: إنّ العقد فاسد، فهل يفسد به البيع إذا شُرط فيه ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: يفسد و به قال أبو حنيفة، و هو الأقوي عندي لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده، لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن ترك لأجله، و ذلك مجهول.

و الثاني: لا يفسد البيع؛ لأنّ الرهن يقع منفرداً عن البيع، فلا يفسد بفساده، كالصداق مع النكاح(2).

و قال أبو حنيفة: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛ لأنّه عقد يفتقر إلي القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة؛ فإنّ العُمْري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه، و لا يفسدها(3)(4).

مسألة 176: لو رهن و شرط المرتهن أنّه متي حلّ الحقّ و لم يوفه الراهن فالرهن له بالدَّيْن،

أو: فهو مبيع له بالدَّيْن، فهو شرط فاسد بلا خلافٍ، لقوله (عليه السّلام): «لا يغلق الرهن»(5).

ص: 256


1- المهذّب للشيرازي 317:1، المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4.
2- المهذّب للشيرازي 317:1، العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 301:3، المغني 464:4 ن و تقدّم التفصيل المزبور أيضاً في ص 96 97، ضمن المسألة 89.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و لا يفسده». و الظاهر ما أثبتناه.
4- راجع المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4، و تقدّم القول المزبور أيضاً في ص 97، ضمن المسألة 89.
5- سنن ابن ماجة 2441/816:2، سنن البيهقي 44:6، شرح معاني الآثار 101100:4 الكامل لابن عدي 2499:7.

قال أحمد: معناه: لا يدفع رهناً إلي رجل(1) و يقول: إن جئتك بالدراهم إلي كذا و كذا، و إلّا فالرهن لك(2).

و لأنّه علّق البيع علي شرط، فإنّه جَعَله مبيعاً بشرط أن لا يوفيه الحقّ في محلّه، و البيع المعلّق بشرطٍ لا يصحّ، و إذا شرط هذا الشرط، فسد الرهن؛ لما تقدّم في سائر الشروط الفاسدة.

و قال بعض العامّة: لا يفسد الرهن؛ لقوله (عليه السّلام): «لا يغلق الرهن»(3) فنفي غلقه دون أصله، فدلّ علي صحّته. و لأنّ الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط، فمع بطلانه أولي أن يرضي به(4).

و لو قال: رهنتك هذا علي أن تزيدني في الأجل، بطل، لأنّ الأجل لا يثبت في الدَّيْن إلّا أن يكون مشروطاً في عقدٍ وجب [به(5)] فإذا لم يثبت الأجل لم يصّح الرهن؛ لأنّه جعله في مقابلته.

مسألة 177: قد بيّنّا أنّه إذا شرط في عقد الرهن أنّه إذا حلّ الأجل فهو مبيع،

أو علي أن يكون مبيعاً منه بعد شهر، فالرهن و البيع باطلان.

أمّا الرهن: فلكونه مؤقّتاً.

و أمّا البيع: فلكونه مشروطاً، و يكون المال أمانةً في يده قبل دخول وقت البيع، و بعده يكون مضموناً؛ لأنّ البيع عقد ضمان.

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يصير مضموناً إذا أمسكه عن جهة البيع،

ص: 257


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أجل» بدل «رجل». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر، و كما نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.
2- المغني 466:4، الشرح الكبير 458457:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 160، الهامش (6).
4- المغني 466:4، الشرح الكبير 458:4.
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

أمّا إذا أمسكه علي موجَب الدَّيْن فلا(1).

و المشهور عندهم: الأوّل(2).

فلو غرس أو بني قبل دخول وقت البيع، قلع مجّاناً. و كذا لو غرس بعده و هو عالم بفساد البيع.

و إن كان جاهلاً، لم يقلع مجّاناً؛ لوقوعه بإذن المالك، و جهله بعدم الجواز، فيكون الحكم كما لو غرس المستعير و رجع المعير.

مسألة 178: لو ادّعي المرتهن تلف الرهن في يده، قُبل قوله مع اليمين

و به قال الشافعي(3) لأنّه قد يتعذّر عليه إقامة البيّنة. و لأنّه أمين.

و قال مالك: إن خفي هلاكه، لم يُقبل(4).

و لو ادّعي ردّه إلي الراهن، فالقول قول الراهن مع يمينه، و لا يُقبل قول المرتهن إلّا ببيّنة؛ لأنّه منكر، فعليه اليمين، و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّه أخذه لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير، بخلاف دعوي التلف؛ لأنّه لا يتعلّق بالاختيار، فلا تُساعد فيه البيّنة(5).

قالوا: و كذا الحكم في المستأجر إذا ادّعي الردّ(6).

و يُقبل قول المودع و الوكيل بغير جُعْل من اليمين؛ لأنّهما أخذا المال لتحقّق غرض المالك و قد ائتمنهما.

و أمّا الوكيل بجُعْلٍ و المضارب و الأجير المشترك إذا لم نضمّنه، للشافعيّة.

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 336:3.
2- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 336:3.
3- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
4- العزيز شرح الوجيز 509:4.
5- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
6- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.

فيهم وجهان:

أحدهما: أنّهم مطالَبون بالبيّنة؛ لأنّهم أخذوا لغرض أنفسهم في الأُجرة و الربح.

و أصحّهما عندهم: أنّه يُقبل قولهم مع اليمين؛ لأنّهم أخذوا العين لمنفعة المالك، و انتفاعهم بالعمل [في العين(1)] لا بالعين، بخلاف المرتهن و المستأجر(2).

و الأولي عندي: الأوّل و قال بعضهم: كلّ أمينٍ مصدَّقٌ في دعوي الردّ، كالمودع، و لا عبرة لمنفعته في الأخذ، كما لا عبرة [بها(3)] في وجوب الضمان عند التلف، بخلاف المستعير و المستام(4).

مسألة 179: لو رهن الغاصب العينَ من إنسان فتلف في يد المرتهن،
اشارة

فللمالك تضمين الغاصب، و به قال الشافعي(5).

و هل له أن يطالب المرتهن ؟ الحقّ عندنا: نعم؛ لأنّ يده متفرّعة علي يد الغاصب، و المالك لم يأتمنه، و قال (عليه السّلام):

«علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي»(6) و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 259


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج»: «بالغير» كما هو الظاهر في الطبعة الحجريّة. و ذلك تصحيف، و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
5- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
6- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، المستدرك للحاكم 47:2.

و الثاني: المنع؛ لأنّ يده يد أمانة(1). و هو ممنوع.

و علي ما اخترناه لو رجع المالك علي الغاصب، كان للغاصب الرجوع علي المرتهن مع علمه. و إن رجع علي المرتهن، كان له الرجوع علي الغاصب مع جهله؛ لأنّه غرّة، و عدمه مع علمه؛ لأنّه تلف في يده مع عدوانه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ الضمان يستقرّ علي المرتهن؛ لحصول التلف عنده، و نزول التلف منزلة الإتلاف في المغصوبات.

و أظهرهما عندهم: أنّه يرجع؛ لتغرير إيّاه، و عدم التعدّي منه(2).

و كذا البحث في المستأجر من الغاصب و المستودع منه و المضارب و الذي دفع المغصوب إليه و وكّله ببيعه.

و كلّ ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوباً، فإن علموا، فهُمْ غاصبون أيضاً.

و المستعير منه مع التضمين و مطلقاً عند الشافعي(3) و المستام يطالَبان، و يستقرّ عليهما الضمان؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما يد ضمان.

فروع:

أ - لو رهن بشرط أن يكون مضموناً علي المرتهن، فسد الرهن و الشرط؛ لما بيّنّا من فساد العقد بفساد الشرط، ثمّ لا يكون مضموناً عليه.

ص: 260


1- 3) العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
2- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
3- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.

ب لو قال: خُذْ هذا الكيس و استوف حقّك منه، فهو أمانة في يده قبل أن يستوفي حقّه منه، فإذا استوفاه منه، كان مضموناً عليه. و لو فضل منه فضلة، فالأقرب: أنّها أمانة.

و لو قال: و فيه دراهم خُذْه(1) بدراهمك، و كانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر، أو كانت أكثر من دراهمه، لم يملكه، و دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. و إن كانت معلومةً و بقدر حقّه، ملَكه.

ج لو قال: خُذْ هذا العبد بحقّك، و لم يكن سَلَماً فقَبِل، ملَكه. و إن لم يقبل و أخذه، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة 180: إذا احتاج الرهن إلي مئونة يبقي بها الرهن كنفقة العبد و كسوته و علف الدابّة كانت علي الراهن؛

لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) قال: «الرهن من راهنه، له غُنْمه، و عليه غُرْمه»(2).

قوله (عليه السّلام): «من راهنه» أي: من ضمان راهنه.

و من طريق الخاصّة: قول رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): «الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و علي الذي يركبه نفقته، و الدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً، و علي الذي يشرب نفقته»(3).

و قد قلنا: إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف، و إنّ المنافع للراهن، فتكون نفقته عليه.

و في معناه سقي الأشجار و مئونة الجذاذ و تجفيف الأثمار و أُجرة

ص: 261


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «خذ». و الظاهر ما أثبتناه.
2- نصّه في المغني 468:4، و نحوه في سنن الدارقطني 123/33:3، و سنن البيهقي 39:6، و التهذيب لابن عبد البر 426:6، و 430.
3- الفقيه 886/195:3، التهذيب 775/17617:7.

الإصطبل و البيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو العدل خلافاً لأبي حنيفة في اجرة الإصطبل و البيت(1) و أُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق، و ما أشبه ذلك.

إذا عرفت هذا، فهل يُجبر الراهن علي أداء هذه المئونة حتي يقوم بها من خالص ماله ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يُجبر لتبقي وثيقة المرتهن.

و الثاني: أنّه لا يُجبر عند الامتناع، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل، فعلي الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل، فيباع و يُجعل ثمنه رهنا(2).

قيل عليه: هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده، أو بما يتسارع إليه الفساد. و الأوّل باطل؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع، و الحاجة إلي المئونة معلومة متحقّقة. و إن كان الثاني، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلي نفقة أو مكان يحفظ فيه(3).

و علي الأوّل و هو الأصحّ عندهم لو لم يكن للراهن شيء أو لم يكن حاضراً، باع الحاكم جزءاً من المرهون، و اكتري به بيتاً يحفظ فيه الرهن(4).

و أمّا المئونة الزائدة فيمكن أن يقال: حكمها حكم ما لو هرب3.

ص: 262


1- تحفة الفقهاء 44:3، بدائع الصنائع 151:6، العزيز شرح الوجيز 507:4، المغني 474:4، الشرح الكبير 441:4.
2- العزيز شرح الوجيز 506505:4، روضة الطالبين 332:3.
3- العزيز شرح الوجيز 506:4.
4- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 332:3.

الجمّال و ترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة 181: يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته،

و ليس للمرتهن منعه منه، كفصد العبد و حجامته و المعالجة بالأدوية و المراهم، لكن لا يُجبر عليها، بخلاف النفقة، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجي نفعه و لا يُخاف غائلته، جاز: و إن كان ممّا يخاف، فالأقوي عدم المنع أيضاً منه، و يكتفي بأنّ الغالب منه السلامة.

و للشافعيّة وجهان، و يجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها و تركها خطر، فإن كان الخطر في الترك دون القطع، فله القطع، و ليس له قطع سِلْعَة(2) و لا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. و إن كان الغالب فيه السلامة، ففيه الخلاف(3).

و له أن يختن العبد و الأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل؛ لأنّه أمر لا بدّ منه، الغالب فيه السلامة. و إن لم يندمل و كان فيه نقص، لم يجز. و كذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

و للراهن تأبير النخل المرهونة.

و لو ازدحمت و قال أهل الخبرة: تحويلها أنفع؛ جاز تحويلها.

و كذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

و ما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون، بخلاف ما يحدث من السعف و يجفّ، فإنّ الراهن مختصّ به، و ينزّل منزلة النماء.

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 333:3.
2- السِّلْعة: الضواة، و هي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب
3- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 333:3.

و لا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن، و تأوي ليلاً إلي يد المرتهن أو العدل.

و لو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي و بالقرب ما يكفيها، فللمرتهن المنع، و إلّا فلا.

و تؤوي إلي يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

و لو أراد المرتهن ذلك و ليس بالقرب ما يكفي، لم يُمنع.

و كذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلي حرزٍ.

و لو نَبا(1) بهما المكان و أرادا الانتقال، فإن كان إلي أرضٍ واحدة، فلا إشكال، و إلّا جُعلت الماشية مع الراهن، و يحتاط ليلاً، كما تقدّم.».

ص: 264


1- نبا به منزله و فراشه: لم يوافقه. و نبَتْ بي تلك الأرض: لم أجد بها قراراً. لسان العرب 302:15 «نبا».
الفصل الخامس: في وضع الرهن علي يد العَدْل
مسألة 182: يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن علي يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما،

سواء تعدّد أو اتّحد؛ عملاً بقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض، فمتي قبضه صحّ قبضه و به قال علماؤنا، و جماعة الفقهاء، منهم: عطاء و عمرو بن دينار و مالك و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(2) لأنّه قبض في عقدٍ، فجاز فيه التوكيل، كسائر القبوض.

و قال الحكم و الحارث العكلي و قتادة و داوُد و ابن أبي ليلي: لا يكون مقبوضاً بذلك؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين، كالإيجاب و القبول(3).

و الفرق بينه و بين القبول: أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه؛ لأنّه مخاطَب. و لو كلّ في الإيجاب و القبول قبل أن يوجب له، صحّ.

و ما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن علي يد مَنْ يجوز

ص: 265


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- المغني 419418:4، الشرح الكبير 448:4.
3- المغني 419418:4، الشرح الكبير 448:4.

توكيله، و هو جائز التصرّف، سواء مسلماً أو كافراً، عَدْلاً أو فاسقاً، ذكراً كان أو أُنثي.

و لا يجوز أن يكون صبيّاً؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً، فإن فعلا ذلك، كان قبضه و عدم قبضه واحداً.

و لا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده؛ لأنّ منافع العبد لسيّده، و لا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه، فإن أذن مولاه، جاز.

و أمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ، جاز؛ لأنّه مكتسب، و هو سائغ له بغير إذن السيّد. و إن كان بغير جُعْلٍ، لم يجز؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة 183: لو شرط جَعْل الرهن علي يد عَدْلٍ و شرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ، صحّ؛

لأنّ ذلك [يكون] توكيلاً(1) في البيع منجّزاً، و إنّما الشرط في التصرّف. و صحّ بيعه، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد(2).

و إن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا ينعزل، لا تنفسخ وكالته، و كان له بيع الرهن(3) و به قال أبو حنيفة و مالك(4) لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن، فلم يكن للراهن إسقاطها(5) ، كسائر

ص: 266


1- في «ج» و الطبعة الحجرية: «و لأنّ ذلك توكيلاً». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
2- الهداية للمرغيناني 142:4، الوسيط 506:3، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 423:4، الشرح الكبير 454:4.
3- الخلاف 243:3، المسألة 41، المبسوط للطوسي 217:2.
4- المبسوط للسرخسي 8079:21، بدائع الصنائع 151:6، الهداية للمرغيناني 142:4، حلية العلماء 432:4 العزيز شرح الوجيز 501:4، المغني 423:4، الشرح الكبير 454:4.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «إسقاطه». و الظاهر ما أثبتناه.

حقوقه.

و قال الشافعي و أحمد: يصحّ العزل، و لا يملك البيع؛ لأنّ الوكالة عقد جائز، فلم يلزم العاقد المقام عليها، كسائر الوكالات.

قالوا: و كونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه علي جوازه، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض، فإن عزله عن البيع، فعلي صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه، كما امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(1).

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن، و لو شرطاها بعده، انفسخت بعزل الموكّل و الوكيل إجماعاً.

و أمّا إن عزله المرتهن، فلا ينعزل، قاله الشيخ(2) و به قال أحمد و الشافعي في أحد قوليه(3) ؛ لأنّ العدل وكيل الراهن، إذ المرهون ملكه، و لو انفرد بتوكيله صحّ، فلم ينعزل بعزل غيره.

و الثاني: له عزله(4) ، علي معني أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته، فإذا لم يطالب بالبيع و منعه منه، لم يجز، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة 184: إذا وضعا الرهن عند عدل و شرطا أن يبيعه عند المحلّ، جاز.

قال الشيخ (رحمه اللّه): و ليس للعدل أن يبيعه حتي يستأذن المرتهن بإذنٍ

ص: 267


1- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 423:4، الشرح الكبير 455454:4.
2- الخلاف 243:3، المسألة 42، المبسوط للطوسي 217:2.
3- المغني 423:4، الشرح الكبير 455:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
4- المغني 423:4، الشرح الكبير 455:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.

مجدَّد(1) و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أحمد(2) لأنّ البيع لحقه، فإذا لم يطالب به، لم يجز بيعه، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

و الثاني: أنّه لا يراجع؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(3).

و أمّا الراهن فقال الشيخ (عليه السّلام): لا يشترط تجديد إذنه و لا مراجعته ثانياً عند البيع(4) و هو أحد قولي الشافعي(5) لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

و الثاني: أنّه يشترط تجديد إذنه؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون و يريد قضاء الحقّ من غيره و إبقاء الرهن لنفسه(6).

و لو مات الراهن أو المرتهن، بطلت الوكالة.

و إذا قلنا: إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن، فلو عاد إلي الإذن، جاز البيع، و لم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة: مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد و وكّل، افتقر إلي إذن جديد للمرتهن، و يلزم عليه أن يقال: لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(7).

و لو وضعا الرهن علي يد عَدْلٍ فمات، فإنّ اتّفق الراهن و المرتهن3.

ص: 268


1- الخلاف 244:3، المسألة 43، المبسوط 217:2.
2- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 424423:4، الشرح الكبير 455:4.
3- العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
4- الخلاف 244:3، المسألة 43، المبسوط للطوسي 218217:2.
5- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
6- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
7- الوسيط 506:3، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.

علي كونه في يد عَدْلٍ يرتضيه.

و لو كان الرهن في يد المرتهن فمات، فالرهن بحاله، فإن رضي الراهن أن يكون في يده ورثة المرتهن، كان في أيديهم إن اختاروا. و إن أبي ذلك، لم يُجبر علي تركه في أيديهم؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته، و يضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة 185: يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه، فلو اتّفقا علي نقله من يده، كان لهما؛ لأنّ الحقّ لهما.

و إن اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل و امتنع الآخر، لم ينقل؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته و رضيا بنيابته عنهما في حفظه، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد و إخراجه من يده.

و لو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن، كان له ذلك، و عليهما قبوله منه؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه، فلا يلزمه المقام علي ذلك، فإذا قبضاه فقد بريء العدْل من حفظه. و إن امتنعا من أخذه، رفع أمرهما إلي الحاكم ليُجبرهما علي [تسلّمه(1)] فإن امتنعا أو استترا، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما؛ لأنّ للحاكم ولايةً علي الممتنع من حقٍّ عليه.

و لو ردّه العَدْل علي الحاكم قبل أن يردّه عليهما و قبل امتناعهما من قبضه، لم يكن له ذلك، و كان ضامناً، و كان الحاكم ضامناً أيضاً؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له علي غير الممتنع.

و ليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلي غير المتراهنين مع حضورهما و إمكان الإيصال إليهما، و كذا لو دفعه العَدْل إلي ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما، فإنّه يضمن، و يضمن القابض أيضاً؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلي

ص: 269


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «تسليمه». و الظاهر ما أثبتناه.

غير المتراهنين، و ليس للعَدْل القابض قبضه، فضمنه؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ، فلزمه الضمان.

و لو دفعه إلي أحد المتراهنين، فإنّهما يضمنان أيضاً؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه، فلم يجز له تسليمه إلي أحدهما دون صاحبه، فإذا سلّمه، ضمن، و ضمن القابض؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

و لو امتنعا من القبض و ليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ، جاز و لا ضمان.

و لو امتنع أحدهما فدفعه إلي الآخَر، ضمن.

و الفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما، فإذا دفعه إلي أحدهما، كان ماسكاً لنفسه، فلم يجز.

و لو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده كسفرٍ عزم عليه، أو مرضٍ خاف منه، أو غير ذلك دفعه إلي الحاكم، و قبضه الحاكم عنهما، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. و إن لم يجد حاكماً، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ، و لا ضمان علي أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم، فالأقرب: الضمان؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلي الحاكم.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إن لم يكن له عذرٌ، قال الشيخ (رحمه اللّه): لم يجز له تسليمه إلي الحاكم(2). و هو جيّد.2.

ص: 270


1- المهذب للشيرازي 367:1، العزيز شرح الوجيز 499:4 و 294:7، روضة الطالبين 326:3، و 29:5.
2- الخلاف 247:3، المسألة 49، المبسوط للطوسي 221:2.

و فصّل الشافعي فقال: إن كانت غيبتهما طويلةً و هو السفر الذي يقصر فيه الصلاة فإنّ الحاكم يقبضه عنهما، و لا يلجئه إلي حفظه، و إن لم يجد حاكماً، أودعه عند ثقة أو أمين: و إن كانت المسافة قصيرةً، فهو كما لو كانا حاضرَين(1).

و إن كان أحدهما غائباً و الآخَر حاضراً، لم يجز تسليمه إلي الحاضر، و كان كما لو كانا غائبين.

و ليس له قسمته و إعطاء الحاضر نصفه، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ و غاب أحدهما الآخَر فطالَب، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه و بين الغائب؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً؛ لثبوت يدهما معاً عليها، فقسّمها الحاكم، و هنا الملك لأحدهما و للآخَر حقّ الوثيقة، و ذلك لا يمكن قسمته، فاختلفا.

مسألة 186: لو جعلا الرهن علي يد عَدْلين، جاز إجماعاً، و لهما إمساكه،

و لا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلي الآخَر، ضمن النصف؛ لأنّه القدر الذي تعدّي فيه. و لأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما، و إنّما رضي بأمانتهما جميعاً، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

و يحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

و ليس لهما أن يقتسما الرهن و إن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر، مثل الطعام و الزيت، و هذا أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخَر: يجوز أن يدفعه أحدهما إلي الآخَر؛ لأنّ اجتماعهما علي حفظه ممّا يشقّ عليهما و يتعذّر، فحمل الأمر علي أنّ لكلّ واحدٍ منهما

ص: 271


1- راجع: المغني 422:4، و الشرح الكبير 450:4.

الحفظ(1).

و هو ممنوع؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

و قال أبو حنيفة: إن كان ممّا لا ينقسم، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. و إن كان ممّا يمكن قسمته، لم يجز، بل يقتسمانه(2).

و قال أبو يوسف و محمّد: يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(3).

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخر، لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما، بخلاف البيع، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه، لم يُسلّم إلي غيره.

و علي القول الثاني للشافعيّة و هو جواز دفع أحدهما إلي الآخر لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما، جاز، و انفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلي الآخَر، فوجهان:

أحدهما: يجوز؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه لمّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ ما ينفرد(4) بحفظه، فلم يكن له ردّه إلي غيره. و لأنّ قبل القسمة جاز ذلك؛ه.

ص: 272


1- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 430429:4، المغني 420419:4، الشرح الكبير 449:4.
2- المبسوط للسرخسي 79:21، حلية العلماء 430:4، المغني 420:4، الشرح الكبير 449:4.
3- المبسوط للسرخسي 79:21، حلية العلماء 430:4، المغني 420:4، الشرح الكبير 449:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد». و الظاهر ما أثبتناه.

لحصول المشقّة، و بعد القسمة زالت المشقّة(1).

مسألة 187: لو جني علي الرهن في يد العَدْل، وجبت قيمته علي الجاني، و كانت رهناً.

و للعَدْل حفظها؛ لأنّها بدل الرهن، و له إمساك الرهن و حفظه، و القيمة قائمة مقامه. و بطلت وكالته في بيع العين بتلفها، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة، بل تبطل؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها، و بطلت الوكالة؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن، و إنّما هي باقية علي جوازها، و لهذا للراهن الرجوعُ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

و لو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن، وجب عليه ردّه إليه؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه، فإذا ردّه إلي العَدْل، زال عنه الضمان.

و لو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّي فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه، لم يزل عنه الضمان؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك، فلم يعتد بفعله، و لا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلي صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلي وكيله أو يبرئه من ضمانه.

و لو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل، ضمنه، فإن ردّه إليه، زال الضمان؛ لأنّه قد ردّه إلي وكيله.

و لو افترض ذمّيّ من مسلم مالاً و رهن عنده خمراً و جعله علي يد ذمّيّ، لم يصح الرهن، فإذا حلّ الحقّ و باعها الذمّي العَدْل و جاء بالثمن، قال الشيخ (رحمه اللّه): جاز له أخذه، و لا يُجبر عليه(2).

و للشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان: أحدهما: لا يُجبر؛

ص: 273


1- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 430:4، العزيز شرح الوجيز 499:4، روضة الطالبين 326:3.
2- الخلاف 248:3، المسألة 52، المبسوط للطوسي 223:2.

لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر، و ذلك غير مملوك. و الثاني: يُجبر؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جري مجري الصحيحة، فيقال: إمّا أن تقبض، و إمّا أن تبرئ(1).

و إن جعلها علي يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ، لم يُجبر المرتهن علي قبول الثمن؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه، و لا حكم له.

مسألة 188: إذا أذن الراهن و المرتهن للعَدْل في بيع الرهن،

فإن عيّنا له قدراً أو جنساً، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلي أقلّ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شيء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع، جاز له البيع بثمن المثل حالّا بنقد البلد، و به قال الشافعي(2) ، خلافاً لأبي حنيفة؛ فإنّه جوّز أن يبيعه و لو بدرهمٍ واحد؛ لإطلاق الأوّل(3).

ليس جيّداً؛ لأنّ الإطلاق محمول علي المعتاد المتعارف بين الناس، و هو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس، فالأقوي: الجواز؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. و إن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس، لم يصح، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم و يتغابن الناس يه بخمسة دراهم، فباعه العَدْل بثمانين، بطل، و رجع الراهن في العين إن كانت باقية، و إن كانت تالفةً، كان له الرجوع علي أيّهما شاء.

فإن رجع علي المشتري، رجع بقيمتها، و لا يردّ المشتري علي

ص: 274


1- حلية العلماء 460:4.
2- المغني 426:4، الشرح الكبير 452:4.
3- المغني 426:4، الشرح الكبير 452:4.

العَدْل. و إن رجع علي العَدْل، رجع بجميع القيمة؛ لأنّه أخرج العين من يده علي وجهٍ يجز له، فضمن جميع قيمتها، صار كما لو أتلفها، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة، و هو أصحّ قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس، فيرجع بالباقي علي المشتري؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله، نفذ بيعه، و يلزم عليه المشتري؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(1) لم يرجع عليه بشيء، و مع هذا يجب عليه جميع القيمة(2).

و كذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة و أعطي بعض الأصناف الزكاةَ و حرّم بعضاً، فكم يضمن ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز؛ لأنّ التفضيل جائز.

و الثاني: يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّي بين العدد(3). و كذا لو قالوا(4) في الأُضحية(5).

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله، صحّ البيع.2.

ص: 275


1- كذا، و الظاهر: «بمثله» بدل «عليه».
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 331:3.
3- المهذّب للشيرازي 180:1، المجموع 218:6، الوجيز 295:1، العزيز شرح الوجيز 408:7، روضة الطالبين 192191:2.
4- كذا، و الظاهر: «و كذا قالوا».
5- المهذّب للشيرازي 247:1، المجموع 416:8، الحاوي الكبير 118:15، حلية العلماء 376:3، الوجيز 214:2، العزيز شرح الوجيز 109:12، روضة الطالبين 419:2.

و إن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجّل، لم يصحّ البيع، و يجب ردّ العين، فإن كانت باقيةً، استرجعها، و إن كانت تالفةً، رجع بقيمتها علي مَنْ شاء منهما، فإن رجع علي العدل، رجع العدل علي المشتري؛ لأنّ التلف كان في يده، و إن رجع علي المشتري، لم يرجع علي العدل.

مسألة 189: إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس، صحّ البيع؛

لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه، و هو يقع لأهل الخبرة و البصيرة، و المرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه، فإن كان بعد لزوم البيع و انقطاع الخيار بينهما، لم يعتد بهذه الزيادة؛ لأنّه لا يجوز له قبولها، و لا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

و إن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط، فإنّه يجوز له قبول الزيادة، و فسخ العقد، فإن لم يقبل الزيادة، لم ينفسخ العقد، قاله الشيخ(1) (رحمه اللّه)؛ لأنّ العقد قد صحّ، و هذه الزيادة مظنونة، فلا ينفسخ بها العقد، و هو أحد قولي الشافعي.

و قال في الآخر: إنّه ينفسخ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط، و حالة الخيار بمنزلة حال العقد، و لو دفع إليه زيادة في حالة العقد و باع بالنقصان لم يصح بيعه و إن كان قد باع بثمن المثل، فكذا هنا(2).

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه، فالبيع الأوّل بحاله. و إن كان بعده، فقد ارتفع ذلك البيع، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

ص: 276


1- الخلاف 245:3، المسألة 45.
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332331:3.

و قال بعض الشافعيّة: إذا بدا له، كان البيع بحاله، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ و جعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده، عرفنا عدم الوجوب(1).

و لو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل و باع من الراغب، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

و لهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّة أُخري ؟(2).

مسألة 190: إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً،

و يكون من ضمان الراهن إلي أن يتسلّمه المرتهن، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شيء و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع، و الثمن ملكه، و هو أمين له في قبضه، فإذا تلف، كان من ضمانه، كسائر الأُمناء.

و قال أبو حنيفة و مالك: يكون من ضمان المرتهن(4).

أمّا أبو حنفية فبناه علي أصله من أنّ الرهن مضمون علي المرتهن و الثمن بدله، فيكون مضموناً.

و ليس بجيّد؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

و أمّا مالك فإنّه يقول: البيع حقّ للمرتهن، و هو تابع لحقّه، و الثمن

ص: 277


1- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332:3.
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332:3.
3- حلية العلماء 461:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.
4- حلية العلماء 461:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.

يكون للمرتهن، و يبرأ الراهن ببيع الرهن.

و قوله: «الثمن يكون للمرتهن» ليس بصحيح؛ لأنّه بدل الرهن، و إنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه؛ لما روي عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «الرهن من راهنه»(1)التهذيب للبغوي 65:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.(2) بمعني من ضمان راهنه، و هذه عادة العرب في حذف المضاف.

و لو باع العَدْل و تلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن، فإنّ العهدة علي الراهن، و كذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره، فلم يلزمه الضمان، كأمين الحاكم و سائر الوكلاء.

و لا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة؛ لأنّه نائب الحاكم، و الحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

و الثاني: يكون طريقاً، كالوكيل و الوصي(3).

و قال أبو حنيفة: العهدة علي الوكيل، و يرجع علي الراهن. و بني ذلك علي أنّ حقوق العهدة تتعلّق عنده بالوكيل(4).

و هو ممنوع علي ما يأتي في الوكالة.

و قال مالك: لا عهدة علي العَدْل، و لكن يرجع المشتري علي المرتهن، و يعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن4.

ص: 278


1- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش
2- .
3- المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.
4- بدائع الصنائع 149:6، حلية العلماء 461:4، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.

بمطالبته و استحقاقه، و كانت العهدة عليه، كالموكّل(1).

و قد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

و لو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلي المرتهن، فإنّ للمشتري أن يرجع علي الراهن(2) ، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: يرجع علي العَدْل و يرجع العَدْل علي المرتهن أو علي الراهن أيّهما شاء(4).

و إن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ، لم يكن له الرجوعُ علي المرتهن؛ لأنّه قبضه بحقٍّ، و إنّما يرجع علي الراهن.

و إن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل، كان للمشتري الرجوعُ عليه، و يرجع هو علي الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة، و إن أنكر ذلك، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه، فإن نكل عن اليمين، حلف المشتري، و يرجع عليه، و لم يرجع هو علي الراهن؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة 191: لو باع العَدْل و قبض الثمن ثمّ ادّعي تلفه في يده من غير تفريطٍ،

فالقول قوله مع اليمين، و لا يكلَّف إقامة البيّنة علي ذلك؛ لأنّه أمين، و يتعذّر عليه إقامة البيّنة علي ذلك، فإن كلّفناه البيّنة، شقّ عليه، فربما أدّي إلي أن لا يدخل الناس في الأمانات، و في ذلك ضرر كثير.

و يكون تالفاً من ضمان الراهن.

و قال أبو حنيفة(5): يكون من ضمان المرتهن؛ لأنّه مرهمون، و الرهن

ص: 279


1- حلية العلماء 462:4.
2- في المغني و الشرح الكبير: «المرتهن» بدل «الرهن».
3- المغني 428:4، الشرح الكبير 452:4.
4- بدائع الصنائع 149:6، المغني 428:4، الشرح الكبير 452:4.
5- راجع الهامش (5) من ص 174.

عنده مضمون.

و لو قال العَدْل: دفعت الثمن إلي المرتهن، و أنكر المرتهن ذلك، كان عليه إقامة البيّنة، فإن لم تكن هناك بيّنة، فالقول قول المرتهن مع يمينه، كغيره من الدعاوي، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: القول قول العَدْل مع يمينه(2).

و إذ حلف المرتهن، أخذ حقّه من الراهن، و يرجع الراهن علي العَدْل و إن كان قد أذن له في التسليم.

نعم، لو أذن أوّلاً و صدّقه في التسليم، احتُمل التضمين أيضاً؛ لتقصيره بترك الإشهاد. و عدمه؛ لاعتراف الراهن بأنّه امتثل ما أُمر به، و المرتهن ظالم فيما يأخذه.

و للشافعيّة وجهان، و كذا الوجهان فيما إذا أطلق الإذن في التسليم(3).

فأمّا إذا شرط عليه الإشهاد فتركه، ضمن قطعاً.

و إذا قلنا: إنّه يضمن بترك الإشهاد فلو قال: أشهدت و مات شهودي، و صدّقه الراهن، فلا ضمان. و إن كذّبه، فوجهان يأتيان في باب الضمان إن شاء اللّه تعالي.

احتجّ أبو حنيفة: بأنّه بمنزلة التلف في يده؛ لأنّ العَدْل أمين يُقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه، و لا يُقبل في إيجاب الضمان علي غيره.

و هو ممنوع؛ لأنّ وكيل للراهن في دفع الدَّيْن إلي المرتهن، و إنّما هو وكيل المرتهن في حفظ الرهن، فلم يُقبل قوله فيما ليس بوكيلٍ فيه من4.

ص: 280


1- التهذيب للبغوي 66:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.
2- العزيز شرح الوجيز 502:4.
3- العزيز شرح الوجيز 502:4.

جهته، كما لو وكّل رجلاً في قضاء دَيْنه فادّعي أنّه سلّمه إلي صاحب الدَّيْن و أنكر ذلك.

و يُمنع أنّه كالتلف؛ لأنّ قوله إذا لم يُقبل علي المرتهن، وجب أن يسقط قوله، و لا يكون بمنزلة الإتلاف؛ لأنّه لم يدّع التلف.

إذا عرفت هذا، فإذا حلف المرتهن، كان له الرجوع إمّا علي الراهن و إمّا علي العَدْل.

فإن رجع علي العَدْل، رجع بأقلّ الأمرين من دَيْنه أو قيمة الرهن. و إذا رجع عليه، لم يرجع علي الراهن بذلك؛ لأنّه يقول: إنّ المرتهن ظالم له بما يرجع به عليه، فلم يرجع علي غيره.

و إن رجع علي الراهن، كان للراهن الرجوعُ علي العَدْل؛ لأنّ العدل فرّط في الدفع؛ لأنّه وكّله في دفع يُبرئه من المرتهن، و قد دفع دفعاً لا يبرئه، إلّا أن يكون الدفع بحضرة الراهن أو أشهد شاهدين فغابا أو ماتا.

مسألة 192: قد بيّنّا أنّه ليس للعَدْل أن يبيع مع الإطلاق إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد،

فإن باع نسيئةً فإن أجاز له ذلك، صحّ، و إلّا بطل.

و للشافعيّة وجهٌ: أنّه لو باع نسيئةً، صحّ و لم يعتبروا به(1).

فسلّم إلي المشتري، صار ضامناً.

ثمّ إن كان باقياً، استردّ، و يجوز للعَدْل بيعه بالإذن السابق و إن صار مضموناً عليه، فإذا باعه و أخذ الثمن، لم يكن الثمن مضموناً عليه؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

و إن هلك في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئةً، فالراهن

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 502:4.

بالخيار في تضمين مَنْ شاء من العَدْل و المشتري كمال القيمة.

و إن باع بدون ثمن المثل، فأصحّ قولي الشافعيّة: أنّ الحكم كذلك؛ لأنّه أخرجه من يده علي وجهٍ غير مسوغ.

و الثاني: أنّه إن عزم العَدْل، حطّ النقصان الذي كان محتملاً في الابتداء(1).

و يحتمل الجميع. و إن غرم المشتري، لزمه الجميع.

مسألة 193: لو اختلف المتراهنان، فقال له

مسألة 193: لو اختلف المتراهنان، فقال له(2) أحدهما: بِعْ بدينار.

و قال الآخر: بِعْ بدراهم، لم يبع بواحدٍ منهما؛ لاختلافهما في الإذن، و لكلٍّ منهما حقٌّ في بيعه، فللمرتهن حقّ الوثيقة في الثمن و استيفاء حقّه منه، و للبائع ملك الثمن، فإذا اختلفا، رفع ذلك إلي الحاكم، فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد، سواء كان من جنس حقّ المرتهن أو لم يكن، سواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه؛ لأنّ الحطّ في البيع يكون بنقد البلد.

لو كان النقدان جميعاً نقد البلد، باعه بأعلامها. و إن كانا متساويين في ذلك، باع بأوفرهما حظّا. فإن استويا في ذلك، باع بما هو من جنس الحقّ منهما. فإن كان الحقّ من غير جنسهما، باع بما هو أسهل صرفاً إلي جنس الآخر و أقرب إليه. فإن استويا في ذلك، عيّن له الحاكم أحدهما فباع به و صرف نقد البلد إليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا قال الراهن: بِعْه بدراهم، و قال المرتهن: بدنانير، و كانت الدراهم بقدر حقّ المرتهن، باعه بالدراهم؛ لأنّه لا غرض

ص: 282


1- العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 331:3.
2- أي: للعَدْل.

له في الدنانير(1).

مسألة 194: لو مات الراهن موضوع علي يد عَدْلٍ، بطلت وكالته؛

لأنّه وكيل للراهن، و الوكيل ينعزل بموت الموكّل.

ثمّ الدّيْن إن كان مؤجَّلاً، حلّ؛ لأنّ الأجل يسقط مَنْ عليه الدَّيْن.

و يجب علي ورثة الراهن دفع الدَّيْن، فإن دفعوه من غير الرهن، و إلّا لزمهم بيع الرهن و تسليم الدَّيْن إلي المرتهن؛ لأنّهم نائبون(2) مناب الراهن، فإن امتنعوا، رفع المرتهن ذلك إلي الحاكم، فينصب أميناً يبيع الرهن و يسلّم الثمن إلي المرتهن أو قدر دَيْنه منه؛ لأنّ الحاكم ينوب مناب مَن امتنع من الحقّ عليه في دفعه.

فإذا باع العَدْل و هلك الثمن [في(3)] يده بغير تفريطٍ منه استحقّ الرهن من يد المشتري، فإنّ الحاكم يأمر المشتري بتسليمه إلي مَنْ قامت البيّنة له به إذا استحلفه؛ لأنّه حكم علي الميّت، و لا ضمان علي العَدْل؛ لأنّه أمين.

لا يقال: لِمَ لا يرجع المشتري عليه؛ لأنّه قبض منه الثمن بغير حقٍّ؟.

لأنّا نقول: إنّه سلّمه إليه علي أنّه أمين في قبضه [و(4)] تسليمه إلي المرتهن، فلم يجب بذلك عليه ضمان.

و أمّا المرتهن فقد بانَ له أنّ عقد الرهن كان فاسداً، فإن كان مشروطاً في بيعٍ، ثبت له الخيار فيه، و إلّا سقط حقّه. و أمّا المشتري فإنّه يرجع

ص: 283


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «نائبين». و هي غلط.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «من» بدل في «في». و الصحيح ما أثبتناه.
4- زيادة يقتضيها السياق.

بالثمن في تركه الراهن.

و كذا الحكم في المفلَّس إذا حجر عليه الحاكم و نصب عَدْلاً فباع شيئاً من ماله و تلف في يده الثمن ثمّ بانت العين مستحقّةً.

و للشافعي قولان في أنّه هل يقدّم علي المرتهن و سائر الغرماء؟ أحدهما: أنّه يكون أُسوة الغرماء.

و اختلفت الشافعيّة علي طريقين:

منهم مَنْ قال: في المسألة قولان:

أحدهما: يقدّم حقّ المشتري؛ لأنّه لم يضرّ بثبوته في ذمّة المفلَّس و لا الراهن. و لأنّه إذا لم يقدّم حقّه امتنع الناس من شراء مال المفلَّس، و يؤدّي إلي الإضرار.

و الثاني: يكون أُسوةً للغرماء؛ لتساويهم في ثبوت حقّهم في الذمّة، فاستووا في قسمة ماله بينهم.

و ما قالوه من عدم الإضرار يبطل بحقّ المجنيّ عليه. و ما ذكروه من الإضرار قيل: نادر، و لا يمنع من ابتياعه، كما لا يمنع الأخذ من الشفعة من شراء ما فيه الشفعة.

و منهم مَنْ قال: ليست علي قولين، بل هي علي اختلاف حالين: الموضع الذي قال: إنّه المشتري إذا كان للمفلَّس مال موجود، و الموضع الذي قال: يكون أُسوة الغرماء إذا لم يكن له غير الذي بِيع، ففكّ عنه الحجر ثمّ استفاد مالاً فحجر عليه بسؤال الغرماء، فإنّهم يستوون فيه(1).

مسألة 195: لو تغيّرت حل العَدْل بفسقٍ أو ضعْفٍ و عجْزٍ

يمنعه من

ص: 284


1- المهذّب للشيرازي 329:1.

حفظ الرهن، فأيّهما طلب إخراجه عن يده أخرجه الحاكم من يده؛ لأنّه خرج من أهل الأمانة فيه.

و كذا إذا ظهر بينه و بين أحدهما عداوة فطلب نقله من يده، أُجيب له.

ثمّ إن اتّفقا علي عَدْل يضعانه علي يده، وُضع؛ لأنّ الحقّ لهما. و إن اختلف، عيّن الحاكم عَدْلاً يضعه علي يده.

و إن اختلفا في تغيّر حاله، بحث عنه الحاكم، فإن ثبت قول أحدهما، عمل عليه، فإن كانت حاله تعيّرت، نقله عنه، و إلّا أقرّه في يده. و لم يكن لأحدهما إخراجه إلّا بإذن الآخَر؛ لأنّهما رضيا به في الابتداء.

و كذا لو كان الرهن في يد المرتهن فادّعي الراهن تغيّر حاله، بحث عنه الحاكم و عمل بما ثبت عنده.

فإن مات(1) ، لم يكن لورثته إمساكه إلّا بتراضيهما. و كذا لو مات المرتهن.ل.

ص: 285


1- أي: مات العَدْل.
الفصل السادس: في زوائد و بدله
مسألة 196: الرهن إمّا أن لا يحتاج إلي مئونة،

كالدار و المتاع و نحوه، فهذا ليس للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، بلا خلافٍ؛ لأنّ الرهن ملك الراهن(1) فكذا منافعه، فليس لغيره أخذها بغير إذنه.

فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض و كان دَيْن الرهن من قرض، فإن شرط ذلك في القرض، حرم. و إن لم يشرط(2) ، فالأقرب: الجواز، خلافاً لأحمد(3).

و إن كان الرهن بثمن مبيع أو اجرة دار أو دَيْن غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع؛ جاز و به قال أحمد و الحسن و ابن سيرين و إسحاق(4) للأصل.

و لو كان الانتفاع بعوضٍ، مثل أن يستأجر المرتهن الدار من الراهن بأُجرة مثلها من غير محاباة، جاز في القرض و غيره؛ لأنّ الانتفاع ليس بالقرض، بل بالإجارة.

و إن حاباه في ذلك، فحكمه حكم الانتفاع بغير عوضٍ لا يجوز في القرض مع الشرط، و يجوز في غيره.

و إذا استأجرها المرتهن أو استعارها، لم تخرج عن الرهن و هو

ص: 286


1- في الطبعة الحجريّة: «للراهن».
2- في الطبعة الحجريّة: «لم يشترط».
3- المغني 468467:4، الشرح الكبير 478:4.
4- المغني 468467:4، الشرح الكبير 478:4.

إحدي الروايتين عن أحمد(1) لأنّ القبض مستدام، و لا منافاة بين العقدين.

و في الرواية الثانية: تخرج عن كونها رهناً، فمتي انقضت الإجارة أو العارية، عاد الرهن بحاله(2).

و إذا استعار المرتهن الرهن، صار مضموناً عليه في موضعٍ تُضن فيه العارية عندنا، و عند الشافعي و أحمد مطلقاً بناءً علي أنّ العارية مضمونة مطلقاً(3).

و قال أبو حنيفة: لا ضمان عليه(4).

و إن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن، جاز مطلقاً.

و قال أحمد: يفسد الشرط؛ لأنّه ينافي مقتضي الرهن(5).

و هو ممنوع.

و عن أحمد رواية: أنّه يجوز في البيع(6).

قال أصحابه: معناه أن يقول: بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهراً، فيكون بيعاً و إجارةً، و هو صحيح. و إن أطلق، فالشرط باطل لجهالته ثمنه(7).

و قال مالك: لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلي أجل في4.

ص: 287


1- المغني 467:4، الشرح الكبير 476:4.
2- المغني 467:4، الشرح الكبير 476:4.
3- حلية العلماء 189:5، تحفة الفقهاء 177:3، المغني 468:4، الشرح الكبير 476:4.
4- تحفة الفقهاء 177:3، حلية العلماء 192:5، المغني 468:4، الشرح الكبير 476:4.
5- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
6- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
7- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.

الدُّور و الأرضين. و كرهه في الحيوان و الثياب و القرض(1).

و إمّا أن يحتاج إلي مئونة، فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوضٍ أو بغير عوضٍ بإذن الراهن كالقسم الأوّل.

و إن أذن له في الإنفاق و الانتفاع بقدره، جاز؛ لأنّه نوع معاوضة.

و أمّا مع عدم الإذن فإن كان الرهن محلوباً أو مركوباً، قال إسحاق و أحمد: للمرتهن أن ينفق عليه و يركب بقدر نفقته، و سواء أنفق مع تعذّر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق، أو مع القدرة علي أخذ النفقة من الراهن و استئذانه(2).

و عن أحمد رواية: لا يحتسب له بما أنفق و هو متطوّع بها، و لا ينفع من الرهن بشيء و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي لقوله (عليه السّلام): «الرهن من راهنه، له غُنْمه و عليه غُرْمه»(3).

و لأنّه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به و لا الإنفاق عليه، فلم يكن له ذلك، كغير الرهن(4).

و احتجّ أحمد بقوله (عليه السّلام): «الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، و لبن الدرّ يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، و علي الذي يركب و يشرب النفقة»(5) فجعل منفعته بنفقته(6).4.

ص: 288


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 414، المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
2- المغني 468:4، الشرح الكبير 474:4.
3- راجع الهامش (3) من ص 163.
4- المغني 468:4، الشرح الكبير 474:4.
5- صحيح البخاري 187:3، سنن الترمذي 1254/555:3، سنن الدارقطني 134/34:3، سنن البيهقي 38:6.
6- المغني 469468:4، الشرح الكبير 474:4.

و لا يصحّ ذلك في طرف الراهن؛ لأنّ إنفاقه و انتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر. و لأنّ نفقة الحيوان واجبة، و للمرتهن فيه حقّ و قد أمكنه استيفاء حقّه من نماء الرهن و النيابة عن المالك فيما وجب عليه استيفاء ذلك من منافعه، فجاز ذلك، كما يجوز للمرأة أخذ مئونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه و النيابة عنه في الإنفاق عليها، و النماء للراهن، إلّا أنّ للمرتهن ولاية صرفها إلي نفقته؛ لثبوت يده عليه و ولايته.

هذا إن أنفق محتسباً بالرجوع، و أمّا إن أنفق متبرّعاً بغير نيّة الرجوع، فإنّه لا ينتفع به قولاً واحداً و الوجه: رفع الحال إلي الحاكم، فإن تعذّر، أشهد بالإنفاق، و قاصّ بالنماء.

و أمّا إن كان الرهن حيواناً غير محلوب و لا موكب كالعبد و الجارية، فإنّه لا يجوز للمرتهن استخدامه بنفقته؛ لأنّه مال الغير، فليس له التصرّف فيه إلّا بإذنه، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و في الرواية الأُخري: له الانتفاع باستخدام العبد بنفقته، و به قال أبو ثور(1).

و ليس بشيء.

و أمّا إن كان غير حيوانٍ كدار استهدمت فعمرها المرتهن، لم يرجع بشيء، و ليس له الانتفاع بها بقدر نفقته، فإنّ عمارتها غير واجبة علي الراهن، فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، فإن فَعَل، كان متبرّعاً، بخلاف الحيوان، فإنّ نفقته واجبة علي صاحبه.

ثمّ إن كان ذلك بإذن المالك، رجع عليه؛ لأنّه نابه في الإنفاق بإذنه4.

ص: 289


1- المغني 469:4، الشرح الكبير 477:4.

فكانت النفقة علي المالك، كما لو وكّله في ذلك.

و إن كان بغير إذنه، فهل يرجع عليه ؟ عن أحمد روايتان بناءً علي ما إذا قضي دَيْنه بغير إذنه؛ لأنّه ناب عنه فيما يلزمه(1).

و قال أبو الخطّاب: إن قدر علي استئذانه فلم يستأذنه، فهو متبرع لا يرجع بشيء. و إن عجز عن استئذانه، فعلي روايتين عنه.

و كذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون و كفّنه.

و الأوّل أقيس عندهم؛ إذ لا يعتبر في قضاء الدَّيْن العجزُ عن استئذان الغريم(2).

فإن انتفع المرتهن بالرهن باستخدامٍ أو ركوبٍ أو استرضاعٍ أو استغلالٍ أو سكني أو غيره، حسب من دَيْنه بقدر ذلك.

مسألة 197: زوائد الرهن إمّا متّصلة كسمن العبد و كِبَر الشجرة،

و تتبع الأصل إجماعاً في دخولها تحت الرهن، و إمّا منفصلة كالثمرة و الولد و اللبن البيض و الصوف، فإنّها لا تدخل في الرهن، سواء كانت سابقةً أو متجدّدةً بعد الرهن، إلّا مع الشرط و به قال الشافعي و أحمد في رواية، و أبو ثور و ابن المنذر(3) لقوله (عليه السّلام): «الرهن من راهنه له غُنْمه و عليه غُرْمه»(4) و النماء غُنْمٌ، فيكون للراهن.

و من طريق الخاصّة: رواية إسحاق عمّار الصحيحة عن الكاظم

ص: 290


1- المغني 470:4، الشرح الكبير 477:4.
2- المغني 470:4، الشرح الكبير 478477:4.
3- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 434:4، التهذيب للبغوي 77:4، العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4، المبسوط للسرخسي 75:21.
4- راجع الهامش (3) من ص 163.

(عليه السّلام)، قلت: فإن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة ؟ قال: «لصاحب الدار»(1).

و لأنّه حقّ تعلّق بالأصل يستوفي من ثمنه، فلا يسري إلي غيره، كحقّ الجناية. و لأنّها عين من أعيان ملك الراهن لم يقعد عليها عقد رهن، فلم تكن رهناً، كسائر ماله.

و قال الشعبي و النخعي و أحمد: يدخل النماء المتّصل و المنفصل في رهن الأصل إذا تجدّد المنفصل بعد الرهن، و أمّا المتّصل فيدخل مطلقاً؛ لأنّه حكم ثبت في العين بعقد الملك، فيدخل فيه النماء و المنافع كالملك بالبيع و غيره(2).

و هو ممنوع.

و قال الثوري و أصحاب الرأي: في النماء يتبع، و في الكسب لا يتبع؛ لأنّ الكسب لا يتبع في حكم الكتابة و الاستيلاد و التدبير، فلا يتبع في الرهن، كأعيان مال الراهن(3).

و قال مالك: الولد يتبع في الرهن خاصّةً دون سائر النماء؛ لأنّ الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة، كولد أُمّ الولد(4).

و قال الشافعي: لو رهنه ماشيةً مخاضاً، فالنتاج خارج من الرهن(5).4.

ص: 291


1- الكافي 12/235:5، التهذيب 767/173:7.
2- المغني 471470:4، الشرح الكبير 440:4.
3- المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4، المبسوط للسرخسي 75:21، حلية العلماء 435434:4، العزيز شرح الوجيز 514:4.
4- المدوّنة الكبري 304:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 412، حلية العلماء 435:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.
5- الاُم 163:3، المهذّب للشيرازي 318:1، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.

و خالفه أبو ثور و ابن المنذر(1).

و كما أنّ هذه الزوائد غير مرهونة، فكذا مهر الجارية إذا وُطئت بالشبهة [بل أولي(2)]؛ لأنّه غير حاصل من نفس المرهون، و به قال الشافعي(3).

و عند أبي حنيفة أنّه مرهون أيضاً(4).

و لا خلاف في أنّ كسب المرهون ليس بمرهون، هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن.

مسألة 198: لو رهن حاملاً و مست الحاجة إلي البيع و هي حامل بيع، فتُباع كذلك في الدَّين،

و به قال الشافعي.

قال: لأنّا إن قلنا: إنّ الحمل يُعلم، فكأنّه رهنهما، إلّا فقد رهنها، و الحمل محض(5) صفة(6).

و نحن نقول: إنّ الرهن لا يتعدّي إلي الحمل ما لم يشترطه(7) في العقد، سواء كان ظاهراً أو لا.

و لو ولدت قبل البيع، لم يكن رهناً، كما تقدّم(8).

و للشافعي قولان مبنيّان علي أنّ الحمل هل يُعلم ؟ إن قلنا: لا، فهو

ص: 292


1- المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «وبلاولي». و هي تصحيف.
3- التهذيب للبغوي 77:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
4- العزيز شرح الوجيز 515:4.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «محقق» بدل «محض». و ما أثبتناه من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
7- في «ج»: «ما لم يشرط».
8- في ص 150، ضمن المسألة 124.

كالحادث بعد العقد. و إن قلنا: نعم، فهو رهن يُباع مع الاُمّ، كما لو رهن شيئين(1).

و زاد بعض الشافعيّة فقال: إن قلنا: نعم، ففي كونه مرهوناً قولان؛ لضعف الرهن عن الاستتباع(2).

فإن قلنا: الولد لا يكون مرهوناً كما اخترناه، و هو أحد قوليه فلو صرّح في العقد و قال: رهنتها مع حملها، صحّ عندنا.

و تردّد أصحاب الشافعي فيه، و الظاهر عندهم أنّه لا يكون مرهوناً أيضاً؛ إذ لو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن(3).

و لو حملت بعد الرهن و بقيت حاملاً عند الحاجة إلي البيع، فإن قلنا: الحمل لا يُعلم، بِيعت، و هو كزيادة متّصلة. و إن قلنا: يُعلم، لم يكن الولد مرهوناً، و تعذّر بيعها؛ لأنّ استثناء الحمل لا يمكن، و لا سبيل إلي بيعها حاملاً و توزيعِ الثمن علي الاُمّ و الحمل؛ لأنّ الحمل لا تُعرف قيمته.

و لو رهن نخلة فأطلعت بعد الرهن، لم يدخل الطلع في الرهن عندنا، إلّا مع الشرط.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ بيعها مع الطلع علي قولين، كما في الحمل.

و الثاني: القطع بأنّ الطلع غير مرهون؛ لأنّه يمكن إفراده بالعقد فلا يجعل تبعاً، فإذا قلنا: إنّه غير مرهون، تُباع النخل و يستثني الطلع، بخلاف3.

ص: 293


1- التهذيب للبغوي 78:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 314:4.
2- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
3- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.

الجارية الحامل(1).

و لو كانت مطلعةً وقت الرهن، ففي دخول الطلع عندهم قولان، فإن أدخلناه فجاء وقت البيع و هو طَلْع بَعْدُ، بِيع مع النخل.

و إن أُبّرت، فطريقان:

أحدهما: أنّ الحكم كما إذا ولدت الحامل.

و الثاني: القطع ببيعه مع النخيل؛ لأنّه معلوم مشاهَدٌ وقت الرهن(2).

إذا عرفت هذا، فمتي تعتبر الزيادة ؟ أمّا عندنا فلا فائدة لهذا البحث؛ لأنّها لا تدخل في الرهن مطلقاً، إلّا مع الشرط.

و أمّا عند الشافعي ففي اعتبارها وجهان:

أحدهما: أنّها تعتبر حالة العقد في مقارنة الولد و حدوثه بعده.

و الثاني: أنّ الاعتبار بحالة القبض؛ لأنّ الرهن به يتمّ(3).

مسألة 199: لو جني علي المرهون فوجب الأرش، كان الأرش رهناً، كالأصل،

و ليس من الزوائد؛ لأنّه جزء من المرهون.

و كذا لو اقتضّ البكر، كان الأرش رهناً؛ لأنّه عوض جزء الرهن.

و لو أفضاها، وجب عليه قيمتها؛ لأنّه أتلف بُضْعها، فتكون القيمة رهناً، كالأصل.

و لو ضرب الجارية المرهونة ضاربٌ فألقت جنيناً [ميّتاً(4)] فعليه عُشْر

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
2- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
3- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342314:3.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الاُمّ، و لا يكون مرهوناً عندنا و عند الشافعي(1) ؛ لأنّه بدل الولد.

فإن دخلها نَقْصٌ، لم يجب بسببه شيء آخر، لكن قدر أرش النقصان من العُشْر يكون رهناً.

و إن ألقته حيّاً فمات، فعلي الجاني قيمة الجنين حيّاً و أرش نقص الاُمّ إن انتقصت و هو أصحّ قولي الشافعي(2) و حينئذٍ تكون قيمة الجنين لصاحبه غير داخل في الرهن، و أمّا أرش النقص فإنّه يكون داخلاً في الرهن.

و الثاني للشافعي: أنّه يجب أكثر الأمرين من أرش النقص أو قيمة الجنين، فإن كان الأرش أكثر، فالمأخوذ رهنٌ كلّه. و إن كانت القيمة أكثر، فقدر الأرش من المأخوذ رهن(3).

و لو ضرب دابّة رهناً فألقت جنيناً ميّتاً، فليس علي الضارب سوي أرش النقصان(4) إن نقصت، و يكون رهناً.

مسألة 200: بدل الرهن رهنٌ، فإذا جني جانٍ علي العبد المرهون،

قال الشيخ (رحمه اللّه): الخصم فيه هو السيّد دون المرتهن؛ لأنّ السيّد هو المالك لرقبته، و الأرش الواجب بالجناية ملكه، و ليس للمرتهن إلّا حقّ الوثيقة، فإن أحبّ المرتهن أن يحضر خصومته، كان له، فإذا قضي للراهن بالأرش، تعلّق به حقّ الوثيقة للمرتهن(5). و به قال الشافعي و غيره(6).

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
2- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
3- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «النقص».
5- المبسوط للطوسي 229:2.
6- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 452:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3، المغني 455:4، الشرح الكبير 485:4.

و كذا إذا جني علي العبد المستأجَر أو المودَع، فإنّ الخصم هو المالك.

فإن ترك المطالبة أو أخّرها أو كان غائباً أو له عذر يمنعه من المطالبة، فللمرتهن المطالبة بها؛ لأنّ حقّه متعلّق بموجبها، فكان له الطلب به، كما لو كان الجاني سيّده.

فإن أقرّ الجاني، ثبتت الجناية. و إن أنكر و كان لسيّد العبد بيّنه، أقامها. و إن لم تكن له بيّنة، كان القول قولَ المدّعي عليه الجناية مع يمينه، فإن حلف، برئ. و إن نكل، رددنا اليمين علي المرتهن، فإن حلف، ثبتت الجناية.

و إن نكل، فهل يحلف المرتهن ؟ قولان للشافعي كما في يمين الغريم إذا نكل الوارث(1).

و سواء كانت الجناية عمداً أو خطأً؛ لأنّ العمد و إن أوجب القصاص فقد يعفو السيّد، و يتعلّق حقّ المرتهن بالدية.

إذا عرفت هذا، فإن كانت الجناية عمداً، كان للسيّد أن يقتصّ، لأنّه حقٌّ له، و إنّما ثبت ليستوفي، و ليس للمرتهن مطالبته بالعفو.

فإن اقتصّ، سقط حقّ المرتهن من الرهن و ليس له مطالبة الراهن ببدلٍ عنه و به قال الشافعي(2) لأنّه لم يجب بالجناية مال و لا استحقّ4.

ص: 296


1- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 452:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.
2- المغني 456:4، الشرح الكبير 486485:4.

[بحال(1)] و ليس علي الراهن أن يسعي للمرتهن في اكتساب مالٍ.

و قال أحمد و إسحاق: علي السيّد أن يجعل القيمة مكانه رهناً؛ لأنّه أتلف مالاً استحقّ بسبب إتلاف الرهن، فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية موجبةً للمال(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الواجب في قتل العمد عندنا القصاص، و إنّما يثبت المال لو تصالحا عليه.

ثمّ قالوا: إنّما يؤخذ من السيّد أقلّ القيمتين، فيجعل رهناً؛ لأنّ حقّ المرتهن إنّما يتعلّق بالمال، و الواجب من المال هو أقلّ القيمتين؛ لأنّ الرهن إن كان أقلّ، لم يجب أكثر من قيمته، و إن كان الجاني أقلّ، لم يجب أكثر من قيمته(3).

فإذا اقتصّ المولي من الجاني، كان العبد المجنيّ عليه مرهوناً عند المرتهن.

و إن عفا الوليّ علي مالٍ، كان المال ملكاً للسيّد و رهناً مع العبد عند المرتهن؛ لأنّ الأرش عوض ما تلف من أجزاء العبد.

و إن عفا علي غير مالٍ أو عفا مطلقاً، صحّ العفو، و لم يكن للمرتهن مطالبة الراهن بشيء و هو أحد قولي الشافعي(4) لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب في العمد هو القصاص لا غير، و ليس للمرتهن مطالبة الراهن بالعفو علي مال؛ لأنّ اختيار المال ضرب من الكسب و لا يُجبر الراهن عليه بحقّ4.

ص: 297


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بمال». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المغني 456:4، الشرح الكبير 486485:4.
3- المغني 456:4، الشرح الكبير 486:4.
4- راجع: التهذيب للبغوي 41:4، و العزيز شرح الوجيز 514:4.

المرتهن.

و الثاني للشافعي: أنّ الواجب في العمد أحد الأمرين: إمّا القصاص أو المال، فإذا عفا علي غير مالٍ أو مطلقاً لم يصحّ العفو، و يثبت المال؛ لأنّ إسقاطه القصاص يتعيّن به وجوب المال، فإذا أسقطه أسقط ما تعلّق به حقّ المرتهن، و يثبت المال، و يكون رهناً(1).

مسألة 201: بدل الرهن قد بيّنّا أنّه يكون رهناً، كالأصل،

فيجعل في يد مَنْ كان الأصل في يده من المرتهن أو العَدْل.

و إلي أن يؤخذ هل يقال بأنّه مرهون ؟ قال بعض الشافعيّة: لا يكون مرهوناً؛ لأنّه دَيْنٌ، و الديون لا تكون مرهونةً، فإذا تعيّن، صار مرهوناً، و الحالة المتخلّلة كتخمّر العصير و تخلّله بعده(2).

و قال آخَرون: هو مرهون كما كان، و المسلَّم أنّه لا يرهن الدَّيْن ابتداءً(3).

و قد بيّنّا أنّ الخصومة تتعلّق بالمالك و الجاني، فلو [قعد(4)] المالك عن الخصومة، فالأقرب أنّ المرتهن يُخاصم.

و كذا المستأجر إذا ادّعي العين و قال لمن هي في يده: إنّها ملك فلان آجرها منّي، و إنّما لا يدّعي المستأجر القيمة؛ لأنّ حقّه لا يتعلّق بها.

و هذا أقيس قولَي الشافعي، و أصحّهما عندهم: أنّ المرتهن لا يخاصم(5).

ص: 298


1- راجع: التهذيب للبغوي 41:4، و العزيز شرح الوجيز 514:4.
2- العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 339:3.
3- العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 339:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لا بعد». و الصحيح ما أثبتناه.
5- التهذيب للبغوي 41:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.

ثمّ الجاني إن أقرّ بالجناية أو أقام الراهن البيّنةَ أو حلف بعد نكول المدّعي عليه، ثبتت الجناية.

فإن نكل الراهن، ففي إحلاف المرتهن للشافعي قولان، كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء؟(1).

و لو لم يقتصّ الراهن في الحال و لا عفا، ففي إجباره علي أحدهما للشافعيّة طريقان:

أحدهما: يُجبر ليكون المرتهن علي بيّنة من أمره.

و الثاني: إن قلنا: إنّ موجَب العمد أحد الأمرين، اجبر. و إن قلنا: موجَبه القود، لم يُجبر؛ لأنّه يملك إسقاطه، فتأخيره أولي بأن يملكه(2).

و إن كانت الجناية خطأً أو عفا و وجب المال فعفا عن المال، لم يصح عفوه لحقّ المرتهن.

و فيه قول: إنّ العفو موقوف، و يؤخذ المال في الحال لحقّ المرتهن، فإن انفكّ الرهن، يردّ إلي الجاني، و بانَ صحّة العفو، و إلّا بانَ بطلانه(3).

و لو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب علي جنسٍ آخر، لم يجز إلّا بإذن المرتهن، و إذا أذن، صحّ، و كان المأخوذ مرهوناً.

و لو أبرأ المرتهن الجانيَ، لم يصح؛ لأنّه ليس بمالك.

و الأقرب: سقوط حقّه عن الوثيقة بهذا الإبراء و هو أحد وجهيّ3.

ص: 299


1- المهذّب للشيرازي 322:1، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.
2- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 433452:4، العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 340:3.
3- العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 340:3.

الشافعيّة(1) و يخلص المأخوذ للراهن، كما لو صرّح بإسقاط حقّ الوثيقة.

و أصحّهما: لا؛ لأنّه لم يصح إبراؤه، فلا يصحّ ما تضمّنه الإبراء، كما لو وهب المرهون من إنسان، لا يصحّ، و لا يبطل الرهن(2).3.

ص: 300


1- المهذّب للشيرازي 322:1، حلية العلماء 453:4 العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 341:3.
2- المهذّب للشيرازي 322:1، حلية العلماء 453:4 العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 341:3.
الفصل السابع: في فكّ الرهن
مسألة 202: الرهن ينفكّ بأسباب ثلاثة:
الأوّل: الفسخ منهما أو من المرتهن وحده،

فإنّ الرهن جائز من جهته، فإذا قال المرتهن: فسخت الرهن، أو: أبطلته، أو: أقلته منه، و ما أشبه ذلك، جاز، و ينفكّ الرهن.

و الثاني: تلف المرهون.
و الثالث: براءة ذمّة الراهن عن الدَّين بتمامه إمّا بالقضاء، أو الإبراء، أو الحوالة، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.

و إذا تلف الرهن بآفة سماويّة، بطل الرهن.

و لو جني العبد المرهون، لم يبطل الرهن بمجرّد الجناية، و لكن يُنظر إن تعلّقت الجناية بأجنبيّ، قدّم حقّ المجنيّ عليه؛ لأنّ حقّه متعيّن في الرقبة، و حقّ المرتهن متعلّق بذمّة الراهن و بالرقبة أيضاً، لكن تعلّقه بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه. و لأنّ له بدلاً، و لا بدل للمجنيّ عليه. و لأنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم علي حق المالك، فأولي أن يتقدّم علي حقّ المسترهن.

ثمّ الجناية إن أوجبت القصاص في النفس و اقتصّ المجنيّ عليه، بطل الرهن.

و إن أوجبت قصاصاً في الطرف، اقتصّ منه، و بقي رهناً علي حاله.

و إن أوجبت المال أو عفا علي مالٍ، بِيع العبد في الجناية، و بطل الرهن أيضاً حتي لو عاد إلي ملك الراهن، لم يكن رهناً إلّا بعقدٍ جديد.

ص: 301

و لو كان الواجب دون قيمة العبد، بِيع منه بقدر الواجب، و بقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص، بِيع الكلّ، و الفاضل من الثمن عن الأرش يكون رهناً.

و لو عفا المجنيّ عليه عن المال أو فداه الراهن، بقي العبد رهناً كما كان، و كذا لو فداه المرتهن، و لا يرجع به علي الراهن إن تبرّع بالفداء، و إن فداه بإذنه و شرط الرجوع، رجع، و إن لم يشترط الرجوع، فللشافعيّة وجهان يجريان في أداء دَيْن الغير بإذنه مطلقاً، و ظاهر قول الشافعي: الرجوع(1).

و قال أبو حنيفة: ضمان جناية المرهون علي المرتهن؛ بناءً علي أنّ المرهون مضمون عليه، فإن فداه المرتهن، بقي رهناً، و لا رجوع بالفداء، و إن فداه السيّد أو بِيع في الجناية، سقط دَيْن المرتهن إن كان بقدر الفداء أو دونه(2).

واصلة باطل بما تقدّم.

و هذا كلّه إذا جني العبد بغير إذن السيّد، أمّا لو أمره السيّد بالجناية، فإن لم يكن مميّزاً أو كان أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره، فالجاني هو السيّد، و عليه القصاص أو الضمان.

و هل يتعلّق المال برقبته ؟ الأظهر عند الشافعيّة: المنع و هو الأقوي عندي فإن قلنا: يتعلّق فبِيع في الجناية، فعلي السيّد أن يرهن قيمته4.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 517:4، روضة الطالبين 342:3، المغني 447446:4، الشرح الكبير 480:4.
2- العزيز شرح الوجيز 517:4، المغني 447446:4، الشرح الكبير 481480:4.

مكانه(1).

و علي ما اخترناه من عدم التعلّق إن كان السيّد موسراً أُخذت منه الدية. و إن كان معسراً، في ذمّته، و لا يباع العبد، بل يبقي رهناً بحاله.

و إذ جني مثل هذا العبد، فقال السيّد: أنا أمرتُه بذلك، لم يُقبل قوله في حقّ المجنيّ عليه، بل يُباع العبد فيها، و علي السيّد القيمة لإقراره.

و إن كان العبد مميّزاً يعرف تحريم ذلك كلّه عليه بالغاً كان أو غير بالغ، فهو كما لو لم يأذن له السيّد، إلّا أنّه يأثم السيّد بما فَعَل، لأمره به، و حينئذٍ تتعلّق الجناية برقبته.

و إن أكرهه السيّد، فالقصاص عندنا علي العبد، لكن يُحبس المُكرِه إلي أن يموت.

و عند الشافعيّة يجب القصاص علي المُكِره، و في المُكرَه قولان(2).

مسألة 203: لو جني العبد المرهون علي السيّد، فإن كانت عمداً فإن كانت علي ما دون النفس، فللسيّد القصاص عليه؛

لأنّ السيّد لا يملك الجناية علي عبده، فيثبت عليه بجنايته. و لأنّه يجب للزجر و الانتقام، و العبد أحقّ بالزجر عن سيّده، بخلاف القطع في السرقة، لأنّ القطع يجب بسرقة مالٍ لا شبهة له فيه من حرزه، و العبد له شبهة في مال سيّده، و هو غير محرز عنه في العادة.

فإن أراد المولي استيفاء القصاص، كان له ذلك.

و إن أراد العفو علي مالٍ، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يثبت له علي عبده استحقاق مال ابتداءً، و لهذا لو كانت الجناية خطأ، كانت

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 517:4، روضة الطالبين 342:3.
2- العزيز شرح الوجيز 139:10، روضة الطالبين 16:7.

هدراً علي هذا؛ لأنّ العبد مالٌ للسيّد، فلا يجوز أن يثبت له مالٌ في ماله(1). و هو ظاهر مذهب الشافعي(2).

و قال بعض أصحابه: يثبت له المال؛ لأنّ كلّ مَن استحقّ القصاص استحقّ العفو علي مالٍ، و للسيّد غرضٌ في ذلك بأنّه ينفكّ من الرهن(3).

و الوجه: الأوّل، فيبقي الرهن كما كان.

و إن كانت الجناية علي نفس سيّده عمداً، كان للورثة القصاصُ، فإن اقتصّ الوارث، بطل الرهن.

و هل لهم العفو علي مالٍ؟ قال الشيخ (رحمه اللّه): ليس لهم ذلك؛ لأنّ هذا العبد ملك الورثة، و لا يثبت للمولي علي عبده مالٌ. و لأنّ المورّث لم يكن له ذلك، فكذلك الوارث(4). و هو أحد قولي الشافعي(5).

و الثاني: أنّه تثبت لهم الدية؛ لأنّ الجناية حصلت في ملك غيرهم، فكان لهم العفو علي مال؛ كما لو جني علي أجنبيّ(6).

قال بعض الشافعيّة: هذا مبنيّ علي القولين في وقت وجوب الدية:

أحدهما: تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثمّ تنتقل إلي4.

ص: 304


1- المبسوط للطوسي 224:2.
2- المهذّب للشيرازي 321:1، الحاوي الكبير 154153:6، حلية العلماء 448:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
3- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 448:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
4- المبسوط للطوسي 224:2.
5- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3، المغني 448:4، الشرح الكبير 481:4.
6- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3، المغني 448:4، الشرح الكبير 481:4.

ورثته، و لهذا تُقضي منها(1) ديونه و تُنفذ وصاياه، فعلي هذا لا يمكن العفو علي المال؛ لأنّها(2) تجب علي لسيّده.

و الثاني: تجب في ملك الورثة؛ لأنّها بدل نفسه، فلا تجب في غيره، فعلي هذا تثبت للورثة؛ لأنّها تثبت لغير مولاه بالجناية(3).

و قال بعض الشافعيّة: هذا ليس بصحيح؛ لأنّها إذا وجبت بعد موت السيّد، فقد وجبت لهم علي ملكهم؛ لأنّ العبد انتقل إليهم بموته(4).

و كذا لو كان القتل خطأ علي القولين(5).

و الصحيح: أنّه لا يثبت.

مسألة 204: لو جني العبد المرهون علي مَنْ يرثه السيّد كأبيه و ابنه و أخيه و غيرهم،

فإن كانت علي الطرف عمداً، كان علي المجنيّ عليه القصاص في الطرف، و يبقي الباقي رهناً كما كان، و له العفو علي مالٍ.

و لو كانت الجناية خطأً، ثبت المال.

فإن مات المجنيّ عليه قبل الاستيفاء و ورثه السيّد، قال الشيخ (رحمه اللّه): كان للسيّد ما لمورّثه من القصاص أو المال، و له بيعه فيه، كما لو كان للمورّث؛ لأنّ الاستدامة أقوي من الابتداء، فجاز أن يثبت له علي ملكه المال في الاستدامة دون الابتداء(6). و هو أحد وجهي الشافعيّة(7).

ص: 305


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «منه.. لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «منه.. لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4.
4- العزيز شرح الوجيز 518:4.
5- المهذّب للشيرازي 321:1، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
6- المبسوط للطوسي 225:3.
7- العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.

و الثاني: أنّه كما انتقل إليه سقط، و لا يجوز أن يثبت له علي عبده استدامة الدَّيْن، كما لا يجوز له ابتداؤه(1).

و شبّهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دَيْنٌ علي عبد غيره ثمّ ملكه، يسقط(2) أو يبقي حتي يتبعه به بعد العتق(3).

و استبعد الجويني هذا التشبيه، و قال: كيف يكون الاستحقاق الطارئ علي الملك بمثابة الملك الطارئ علي الاستحقاق!؟ ثمّ أجاب بأنّ الدَّيْن إذا ثبت لغيره، فنَقله إليه بالإرث إدامة لما كان، كما أنّ بقاء الدَّيْن الذي كان له علي عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان(4).

و لو كانت الجناية علي نفس مُورّثه و كانت عمداً، فللسيّد القصاص.

و إن عفا علي مالٍ أو كانت الجناية خطأً، بُني ذلك علي أنّ الدية تثبت للوارث ابتداءً أو يتلقّاها الوارث من القتيل ؟ إن قلنا بالأوّل، لم يثبت. و إن قلنا بالثاني، فعلي الوجهين فيما إذا جني علي طرفه و انتقل إليه بالإرث.

مسألة 205: لو جني عبده المرهون علي عبدٍ له آخَر، فإن لم يكن المجنيّ عليه مرهوناً،

كان للسيّد القصاص، إلّا أن يكون المقتول ابنَ القاتل، و يكون له حقّ القصاص مقدَّماً علي حقّ المرتهن؛ لما تقدّم.

و إن أراد العفو علي مالٍ، لم يكن له ذلك، كما لو جني علي نفس السيّد، خلافاً لبعض الشافعيّة، فإنّه قال: يثبت له المال؛ لأنّ كلّ مَن

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «سقط». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 519528:4.
4- العزيز شرح الوجيز 519:4.

استحقّ القصاص استحقّ العفو علي مالٍ، و للسيّد غرض في ذلك، فإنّه ينفكّ من الرهن(1).

و سواء كان المقتول قِنّاً أو مدبَّراً أو أُمَّ ولدٍ للسيّد.

و إن كان المجنيّ عليه مرهوناً، فإن كان مرهوناً عند غير مرتهن الجاني، كان للسيّد أيضاً القصاصُ؛ لأنّ حقّ القصاص مقدَّم علي حقّ المرتهن، فإنّ الجناية الموجبة للمال مقدَّمة علي حق الرهن، فالقصاص أولي، و إنّما لم يقدَّم حقّ الجناية إذا كانت خطأً، و كانت للسيّد؛ لأنّه لا يثبت له علي عبده مالٌ، و القصاص يثبت له؛ و يبطل الرهنان معاً.

و إن عفا علي مالٍ أو كانت الجناية خطأً، ثبت المال لحقّ المرتهن؛ لأنّ السيّد لو جني علي عبده المرهون، وجب عليه أرش الجناية لحقّ المرتهن، فبأن يثبت علي عبده أولي، فيتعلّق المال حينئذٍ برقبة العبد لحقّ مرتهن المقتول.

و إن عفا بغير مالٍ، فإن قلنا: موجَب(2) العمد أحدُ الأمرين، وجب المال، و لم يصح عفوه عنه إلّا برضا المرتهن.

و إن قلنا: موجَبه القود، فإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال، لم يثبت شيء.

و إن قلنا: يوجبه، فللشافعيّة وجهان، أصحّهما: أنّه لا يثبت أيضاً و هو مذهبنا لأنّ القتل غير موجب علي هذا التقدير، فعفوه المطلق أو علي مالٍ نوعُ اكتسابٍ للمرتهن(3).3.

ص: 307


1- راجع الهامش (5) من ص 191.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يوجب». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 519:4، روضة الطالبين 344:3.

و إن عفا مطلقاً، فإن قلنا: مطلق العفو يوجب المال، يثبت المال، كما لو عفا علي مالٍ.

و إن قلنا: لا يوجبه، صحّ العفو، و بطل رهن مرتهن القتيل، و بقي القاتل رهناً كما كان.

و الحكم في عفو المفلِّس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن، و الراهن محجور عليه في المرهون، كما أنّ المفلَّس محجور عليه في جميع أمواله.

و مهما وجب المال يُنظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها، قال الشيخ (رحمه اللّه): يُباع؛ لأنّه ربما رغب فيه راغبٌ أو زاد مزايدٌ، فيفضل من قيمته شيء يكون رهناً عند مرتهنه(1) ، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: أنّه يُنقل إلي يد مرتهن المجنيّ عليه رهناً، و ينفكّ من يد مرتهنه؛ لأنّه لا فائدة في بيعه(3).

و الأوّل أقوي؛ لأنّ حقّه في ماليّة العبد، لا في العين.

و إن كان(4) أقلَّ، فعلي الأوّل يُنقل من القاتل بقدر الواجب إلي مرتهن القتيل. و علي الثاني: يُباع منه قدر الواجب، و يبقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو نقص بالتشقيص، بِيع الكلّ، و جعل الزائد علي الواجب عند مرتهن القاتل.ه.

ص: 308


1- المبسوط للطوسي 226:2.
2- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.
3- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «كانت» بدل «كان». و الصحيح ما أثبتناه.

و هذان الوجهان إنّما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقلَ، و طلب مرتهن القتيل البيع، ففي وجهٍ: يُجاب هذا، و في وجهٍ: يُجاب ذاك. أمّا إذا طلب الراهن البيعَ و مرتهن المقتول النقلَ، يُجاب الراهن؛ لأنّه لا حقّ لصاحبه في عينه.

و لو اتّفق الراهن و المرتهنان علي أحد الفعلين، تعيّن لا محالة.

و لو اتّفق الراهن و مرتهن القتيل علي النقل، قال الجويني: ليس لمرتهن القاتل المناقشة فيه و طلب البيع(1). و قضيّة التوجيه الثاني: أنّ له ذلك.

و لو كان مرهوناً عند مرتهن القاتل أيضاً، فإن كان العبدان مرهونين بدَيْنٍ واحد، فقد انتقصت الوثيقة، و لا مستدرك، كما لو مات أحدهما.

و إن كانا مرهونين بدَيْنين، نُظر في الدَّينين، فإن اختلفا في الحلول و التأجيل، فله أن يتوثّق لدَيْن القتيل بالقاتل؛ لأنّه إن كان الحالُّ دَيْنَ المقتول، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. و إن كان الحالُّ دَيْنَ القاتل، فقد يريد الوثيقة للمؤجَّل، و يطالب الراهن بالحالّ في الحال.

و كذا الحكم لو كانا مؤجَّلين و أحد الأجلين أطول.

و إن اتّفقا حلولاً و تأجيلاً، فإن اتّفقا قدراً، فإن اختلف العبدان في القيمة و كانت قيمة المقتول أكثر، لم تنقل الوثيقة. و إن كانت قيمة القاتل أكثر، نقل منه قدر قيمة المقتول إلي دَيْن القتيل، و بقي الباقي رهناً بما كان. و إن تساويا في القيمة، بقي القاتل مرهوناً بما كان، و لا فائدة في النقل.3.

ص: 309


1- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.

و إن اختلف الدَّيْنان قدراً، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثرهما قيمةً، فإن(1) كان المرهون بأكثر الدَّيْنين القتيلَ، فله توثيقه بالقاتل. و إن كان المرهون بأقلّهما القتيلَ، فلا فائدة في نقل الوثيقة.

[و إن كان القتيل أقلّهما قيمةً، فإن كان مرهوناً بأقلّ الدَّيْنين، فلا فائدة في نقل الوثيقة(2)] و إن كان مرهوناً بأكثرهما، نُقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلي الدَّيْن الآخَر.

و حيث قلنا بنقل التوثيق فيباع و يقام ثمنه مقام القتيل أو يقام عينه مقامه ؟ فيه الوجهان السابقان.

و لو اختلف الدَّيْنان في الجنس، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول و التأجيل.

و أمّا إن اختلف الدَّيْنان بالاستقرار و عدمه، كما لو كان أحدهما عوضاً ممّا يتوقّع ردّه بالعيب، أو صداقاً قبل الدخول، فإن كان القاتل مرهوناً بالمستقرّ، فلا فائدة لنقل الوثيقة. و إن كان مرهوناً بالآخَر، فالأقرب: جواز النقل، خلافاً للشافعيّة(3).

و لو تساوي الدَّيْنان في الأوصاف و حُكم بعدم النقل، أو قال المرتهن: إنّي لا آمنه و قد جني فبِيعوه وضَعوا ثمنه مكانه، الأقرب: أنّه يُجاب.

و للشافعيّة وجهان(4).3.

ص: 310


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و إن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 521520:4، روضة الطالبين 345:3.
3- العزيز شرح الوجيز 521:4، روضة الطالبين 345:3.
4- العزيز شرح الوجيز 521:4، روضة الطالبين 346:3.

تذنيب: لو كانت الجناية علي مكاتب السيّد، ثبت للمكاتب القصاص و العفو. فإنّ عجّز نفسه، ثبت للسيّد القصاص و العفو علي مالٍ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. و إن قتل مكاتبه، ثبت للسيّد القصاص و العفو علي مالٍ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. لأنّه بمنزلة الوارث، لأنّ الحقّ انتقل إليه من المكاتب. و بالجملة، إذا انتقل الحقّ من المكاتب إلي السيّد بموته أو عجزه، فهو كما لو انتقل من المورّث.

تذنيبٌ آخَر: لو قتل العبد المرهون سيّدَه و له ابنان، كان لهما القصاص.

و هل لهما العفو علي مالٍ؟ للشافعي قولان.

فإن عفا أحدهما، سقط القصاص عندهم؛ لأنّه متي سقط القصاص من أحد الوارثين سقط مطلقاً عندهم.

و عندنا أنّه لا يسقط.

فعلي قولهم هل يثبت للآخَر نصيبه من الدية ؟ علي القولين.

و أمّا العافي فإن شرط المال، فعلي القولين. و إن أطلق فإن قلنا: يوجب القتل العمد القصاصَ خاصّة، فلا شيء له.

و إن قلنا: الواجب أحد الأمرين: إمّا القصاص أو الدية، فهل تثبت الدية ؟ علي القولين(1).

مسألة 206: قد بيّنّا أنّ من أسباب فكّ الرهن براءة ذمّة الراهن

عن

ص: 311


1- الاُم 176:3، و 13:6، المهذّب للشيرازي 321:1، الحاوي الكبير 85:6، و 155، و 95:12 و 104 و 106، العزيز شرح الوجيز 518:4، و 290289:10، روضة الطالبين 343:3، المغني 335:9، و 464 465، و 474، الشرح الكبير 415:9.

جميع الدَّيْن إمّا بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقامة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلّم فيه مرهون به.

و لو اعتاض عن الدَّيْن عيناً، ارتفع الرهن أيضاً؛ لتحوّل الحقّ من الذمّة إلي العين، و براءة الذّمة من الدَّيْن.

فإن تلفت العين قبل التسليم، بطل الاعتياض، و عاد الرهن بحاله، كما عاد الدَّيْن. و فيه إشكال.

و لو برئ الراهن من بعض الدَّيْن بإبراءٍ أو قضاءٍ أو غير ذلك من الأسباب، لم ينفك شيء من الرهن؛ قضيّةً للاستيثاق. قال الشيخ (رحمه اللّه): لأنّه مرهون بجميع الحقّ و بكلّ جزء من أجزائه و وثيقة به و بكلّ جزء منه، كالشهادة، و كما أنّ حقّ الحبس يبقي ما يبقي شيء من الثمن، و لا يعتق شيء من المكاتب ما بقي من المال شيء.

مسألة 207: و لو رهن عبدين، لزم الرهن عندنا و إن لم يقبض المرتهن علي ما تقدّم.

و مَنْ شَرَط القبض كالشافعي لو رهن عبدين و سلم أحدهما، كان المسلَّم رهناً بجميع الدَّيْن عنده(1) ، خلافاً لأبي حنيفة(2).

و سلم أبو حنيفة أنّه لو سلّمهما ثمّ تلف أحدهما، كان الباقي رهناً بجميع الدَّيْن(3) ، فقاس الشافعي عليه.

و لأنّ العقد كان صحيحاً فيهما، و إنّما طرأ انفساخ العقد في أحدهما،

ص: 312


1- الاُم 142:3، الوسيط 517:3، العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- العزيز شرح الوجيز 522:4.
3- العزيز شرح الوجيز 522:4.

فلم يؤثّر في الآخر، كما لو اشتري شيئين ثمّ ردّ أحدهما بعيب أو خيار أو إقالة، و الراهن مخيّر بين إقباض الباقي و منعه.

و لو كان التلف بعد قبض الآخَر، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ، ثبت للبائع الخيار؛ لتعذّر الرهن بكماله، فإن رضي، لم يكن له المطالبة ببدل التالف؛ لأنّ الرهن لم يلزم فيه، و يكون المقبوض رهناً بجميع الثمن.

و لو تلف أحدهما بعد القبض، فلا خيار للبائع؛ لأنّ الرهن لو تلف كلّه لم يكن له خيار، فإذا تلف بعضه كان أولي.

ثمّ إن كان تلفه بعد قبض الآخَر، فقد لزم الرهن فيه. و إن كان قبل قبض الآخَر، فالراهن مخيَّر بين إقباضه و تركه، فإن امتنع من قبضه، ثبت للبائع الخيار، كما لو لم يتلف الآخَر.

و لو رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها، لم ينفسخ عقد الرهن؛ لأنّ ماليّتها لم تذهب بالكلّيّة، فإنّ عرصتها و أنقاضها باقية، و يثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لأنّها تعيّبت و نقصت قيمتها، و تكون العرصة و الأنقاض رهناً بجميع الدَّيْن؛ لأنّ العقد ورد علي مجموع الدار المشتملة علي العرصة و الأنقاض من الأخشاب و الأحجار و نحوها، و ما دخل في العقد استقرّ بالقبض.

تذنيب: إنّما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعضٍ بأحد أُمور ستّة:

أحدهما: تعدّد العقد، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة و نصفه الآخر في صفقة أُخري، فإنّه إذا قضي دَيْن أحد النصفين، خرج ذلك النصف عن الرهن، و بقي الآخَر رهناً بدَيْنه المختصّ به.

ص: 313

و ثانيها: أن يتعدّد مستحقّ الدَّيْن.

و ثالثها: أن يتعدّد مَنْ عليه الدَّيْن.

و رابعها: أن يقضي أحد الوكيلين.

و خامسها: إذا فكّ المستعير نصيب أحد المالكين.

و سادسها: أن يقضي أحد الوارثين ما يخصّه من الدَّيْن.

و نحن نبيّن هذه الجملة.

مسألة 208: الفرض الأوّل ظاهر، و أمّا الثاني فإذا تعدّد مستحقّ الدَّيْن،

كما لو كان لرجلين علي رجلٍ دَيْنان، فرهن منهما بدَيْنهما عليه عيناً صفقةً واحدة ثمّ برئت ذمته عن دَيْن أحدهما بأداءٍ أو إبراءٍ، انفكّ من الرهن بقسط دَيْنه؛ لأنّ نصف العبد رهن عند أحدهما، و نصفه الآخَر عند الآخَر كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه، فإذا وفي أحدهما، خرجت حصّته من الرهن، لأنّ عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين، فكأنّه رهن عند كلّ واحدٍ منهما النصف منفرداً.

فإن أراد مقاسمة المرتهن و أخْذَ نصيب مَنْ وفاه و كان الرهن ممّا لا تنقصه القسمة كالمكيل و الموزون، لزم ذلك. و إن كان ممّا تنقصه القسمة، لم تجب قسمته؛ لما فيه من تضرّر المرتهن بالقسمة، فيقرّ في يد المرتهن يكون نصفه رهناً و نصفه وديعةً، و بهذا قال الشافعي(1) ، و اختاره الشيخ(2) (رحمه اللّه).

و قال أبو حنيفة: لا ينفكّ شيء حتي يؤدّي دَيْنهما جميعاً، سواء كانا شريكين فيه أو لا، و جميعها رهن عند كلّ واحدٍ منهما؛ لأنّ الرهن أُضيف

ص: 314


1- العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- المبسوط للطوسي 240:2.

إلي كلّ العين في صفقة واحدة، و لا شيوع في المحلّ باعتبار تعدّد المستحقّ، و موجَبه صيرورته محبوساً بدَيْن كلّ واحدٍ منهما، فكان استحقاق الحبس لهما استحقاقاً واحداً من غير انقسامٍ بينهما، بخلاف الهبة من اثنين عند أبي حنيفة فإنّ هناك لا بدّ من انقسام الحكم و هو الملك بينهما؛ إذ يستحيل إثباته لكلٍّ منهما علي الكمال في محلٍّ واحد، فدخل فيه الشيوع ضرورةً، بخلاف مسألتنا؛ إذ لا حاجة إلي هذا، لأنّ العين الواحدة يجوز أن تكون محبوسةً لحقّ كلّ واحدٍ منهما علي الكمال، إذ لا تضايق في استحقاق الحبس.

أ لا تري أنّ الرهن الواحد لا ينقسم علي أجزاء الدَّيْن، بل يكون محبوساً كلُّه بكلِّه و بكلّ جزء منه، فكذا هنا تكون العين محبوسةً بحقّها و بحقّ كلّ واحدٍ منهما، فلا يدخل فيه الشيوع.

فإذا قضي الراهن دَيْن أحدهما، فالكلّ رهنٌ عند الآخَر؛ لأنّ جميع العين رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما من غير تفرّقٍ، و علي هذا حبس المبيع إذا اشتري رجلان من رجل فأدّي أحدهما حصّته، لم يكن له أن يقبض شيئاً، و كان لبائع أن يحبس الجميع حتي يستوفي ما علي الآخَر(1).

و الوجهُ: الأوّل.

و للشافعيّة وجهٌ غريب عندهم: أنّه إذا اتّحد جهة الدَّيْنين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما، لم ينفك شيء بالبراءة عن دَيْن أحدهما، و إنّما ينفكّ إذا اختلفت الجهتان(2).

مسألة 209: لو تعدّد مَنْ عليه الدَّيْن،

كما لو استدان شخصان من

ص: 315


1- الاختيار لتعليل المختار 106:2، و 7271:3، العزيز شرح الوجيز 522:4.
2- العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.

رجل شيئاً و رهنا عنده بدَيْنه عليهما شيئاً، صحّ الرهن؛ لأنّ رهن المشاع جائز عندنا و عند الشافعي(1) ، خلافاً لأبي حنيفة(2).

فإذا أدّي أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحقّ، انفكّ نصيبه من الرهن، و ليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة، بل المطالبة بالقسمة إلي الشريك المالك.

فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخَر، صحّت القسمة. و إن قاسمه بغير إذنه، لم تصحّ القسمة، سواء كان ممّا يمكن قسمته بغير رضا الشريك الآخَر و بغير حضوره كالمكيل و الموزون، أو لم يمكن قسمته إلّا بحضور الشريك الآخَر، كالعقار و الأراضي و الحيوان خلافاً لبعض العامّة(3) و هذا كمذهب الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: لا ينفكّ حتي يبرءا عن حقّه جميعاً، و الرهن رهن بكلّ الدَّيْن، و للمرتهن أن يمسكه حتي يستوفي جميع الدَّيْن؛ لأنّ قبض المرتهن حصل في الكلّ من غير شيوع، و تفرّق أملاكها لا يوجب شيوعاً3.

ص: 316


1- الحاوي الكبير 14:6، حلية العلماء 421:4، التهذيب للبغوي 15:4، الوسيط 462:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3، بداية المجتهد 273:2، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/288:4.
2- المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، بداية المجتهد 273:2، الحاوي الكبير 15:6، و 218، حلية العلماء 422:4، التهذيب للبغوي 15:4، الوسيط 462:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 438:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4.
3- العزيز شرح الوجيز 526:4، روضة الطالبين 349:3.
4- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 348:3.

في الرهن، فإنّه يجوز أن يكون ملك الغير مرهوناً بدَيْن الغير، كما لو استعار فرهن. و جوّز أبو حنيفة هذا الرهن و إن لم يجوّز رهن المشاع(1)التهذيب للبغوي 53:4، حلية العلماء 458:4، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 334:3.(2).

تذنيب: لو رهن ثلاثةٌ عبداً عند رجل بدَيْنٍ له علي كلّ واحدٍ منهم، صحّ، و كان الحكم من الخلاف كما تقدّم. فإن مات العبد، كان من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة(3) ، خلافاً لنا و للشافعي(3).

فعلي قول أبي حنيفة يذهب من دَيْن كلّ واحدٍ منهم بالحصّة من العبد، و تراجعوا فيما بينهم حتي لو كان له علي رجل ألف و خمسمائة و علي آخَر ألف و علي آخَر خمسمائة فرهنوه عبداً قيمته ألفان بينهم أثلاثاً فهلك، صار مستوفياً من كلّ واحدٍ ثلثي ما عليه؛ لأنّ المرهون عنده مضمون بأقل من قيمته و من الدَّيْن(4) ، و الرهن هنا أقلّ، فيصير مستوفياً من الدَّيْن بقدر قيمة العبد، و هي ألفان، و هي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدَّيْن عليهم، فيصير مستوفياً من الأكثر ألف درهم، و من الأوسط ستّمائة و ستّة و ستّين و ثلثين، و من الأقلّ ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثلث، و يبقي علي كلّ واحد ثلث دَيْنه.4.

ص: 317


1- الهداية للمرغيناني 140:4، الاختيار لتعليل المختار 106:2، العزيز شرح الوجيز 522:4، و أيضاً راجع المصادر في الهامش
2- .
3- الهداية للمرغيناني 127:4، الاختيار لتعليل المختار 99:2، حلية العلماء 458:4، التهذيب للبغوي 53:4، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4.
4- الهداية للمرغيناني 128:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، الحاوي الكبير 255:6، التهذيب للبغوي 53:4، حلية العلماء 458:4، العزيز شرح الوجيز 508:4.

ثمّ الذي عليه الأكثر يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثلثاً؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ألفاً ثلثه من نصيبه، و ذلك ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، و ثلثه من نصيب الأوسط، و ثلثه من نصيب الأقلّ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

و الأوسط يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه مائتين و عشرين درهماً و تُسْعي درهم؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ستّمائة و ستّين و ثلثين ثلثها من نصيبه، و ذلك مائتان و اثنان و عشرون و تُسْعان، و ثلثها من نصيب الأكثر، و ثلثها من نصيب الأقلّ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

و الذي عليه الأقلّ صار قاضياً من دَيْنه ثلاثمائة و ثلاثين و ثلثاً، ثلثه من نصيبه، و ذلك مائة و أحد عشر و تُسْع ثلثه من نصيب الأوسط، و ثلثه من نصيب الأكثر، فيضمن لصاحبَيْه ما قضي من نصيبهما.

ثمّ تقع المقاصّة بينهم تقاصّوا أو لم يتقاصّوا لاتّحاد الجنس، فمَنْ عليه الأقلّ استوجب علي الكثير ثلاثمائة و ثلاثين و ثلثاً، و هو قد استوجب عليه مائة و أحد عشر و تُسْع، فتقع المقاصّة بهذا القدر، و يرجع الأقلّ عليه بما بقي، و هو مائتان و اثنان و عشرون و تُسْعان.

و كذا مَنْ عليه الأقلّ استوجب علي مَنْ عليه الأوسط مائتين و اثنين و عشرين و تُسْعين، و قد استوجب الرجوع علي الأكثر بثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثُلْث، و هو استوجب الرجوع عليه بمائتين و اثنين و عشرين و تُسْعين، فتقع المقاصّة بهذا القدر، و يرجع عليه بالفضل، و هو مائة و أحد عشر و تُسْع.

مسألة 210: لو وكّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدَيْنه عليهما،

فرهن ثمّ قضي أحد الموكّلين ما عليه، قال بعض الشافعيّة: يخرج

ص: 318

علي قولين. و الصحيح عندهم: الجزم بأنّه ينفكّ نصيبه، و لا نظر إلي اتّحاد الوكيل و تعدّده(1).

قال الجويني: لأنّ مدار الباب علي اتّحاد الدَّيْن و تعدّده، و مهما تعدّد أو المستحقّ عليه فقد تعدّد الدَّيْن(2).

و يخالف ما نحن فيه البيع و الشراء حيث ذكروا خلافاً في أنّ الاعتبار في تعدّد الصفقة و اتّحادها بالمتبايعين أو الوكيل ؟ لأنّ الرهن ليس عقدَ ضمانٍ حتي يُنظر فيه إلي المباشر(3).

مسألة 211: لو كان لاثنين عبدٌ فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثمّ أدّي نصف الدَّيْن و قصد به الشيوع من غير تخصيصٍ لحصّته، لم ينفكّ من الرهن شيء.

و إن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفكّ نصيبه، فقولان للشافعي:

أحدهما: لا ينفكّ، كما لو استعاره من واحد.

و الثاني: ينفكّ، كما لو رهن رجلان من رجلٍ ثمّ أدّي أحدهما نصيبه، و المعني فيه النظر إلي تعدّد المالك، و قطع النظر عن العاقد. و هو أظهر القولين عندهم(4).

و لو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخَر للرهن فرهنهما ثمّ قضي نصف الدَّيْن ليخرج أحدهما عن الرهن، فللشافعيّة

ص: 319


1- العزيز شرح الوجيز 523522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347346:3.
3- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
4- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.

قولان:

قيل: يخرج؛ لانضمام(1) تعدّد المحلّ إلي تعدّد المالك.

و الأصحّ: طرد القولين(2).

و إذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأنّه لمالكَيْن ؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلي بعض الشافعيّة(3).

و قيل: بل للشافعي قولان، أصحّهما: أنّ له الخيار؛ لأنّ مقتضي الرهن المطلق لا ينفكّ شيء منه الّا بعد أداء جميع الدَّيْن و لم يحصل ذلك(4).

و قيل فيه(5) قولٌ ثالث للشافعي، و هو: أنّ المرتهن إن كان عالماً بأنّ العبد لمالكَيْن، فللراهن فكّ نصفه بأداء نصف الدَّيْن: و إن كان جاهلاً، لم يكن للراهن فكّه إلّا بأداء الكل(6).

قال الجويني: ليس لهذا وجهٌ؛ فإنّ عدم الانفكاك لاتّحاد الدَّيْن و العاقدين، و هذا لا يختلف بالعلم و الجهل، و إنّما أثر الجهل الخيار(7).

و لو استعار من رجلين و رهن من رجلين، كان نصيب كلّ واحدٍ من4.

ص: 320


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «انضمام». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
3- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
4- العزيز شرح الوجيز 523:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «و فيه».
6- العزيز شرح الوجيز 523:4.
7- العزيز شرح الوجيز 523:4.

المالكَيْن مرهوناً من الرجلين، فلو أراد فكّ نصيب أحدهما بقضاء نصف دَيْن كلّ واحدٍ منهما، فعلي القولين: و لو أراد فكّ نصف العبد بقضاء دَيْن أحدهما، فله ذلك بلا خلافٍ.

و لو استعار اثنان من واحدٍ و رهنا من واحدٍ ثمّ قضي أحدهما ما عليه، انفكّ النصف؛ لتعدّد العاقد.

و لو استعار ليرهن من واحدٍ فرهن من اثنين أو بالعكس، و لا يجوز.

أمّا في الصورة الأُولي: فلأنّه لم يأذن.

و أمّا بالعكس: فلأنّه إذا رهن من اثنين، ينفكّ بعض الرهن بأداء دَيْن أحدهما، و إذا رهن من واحدٍ، لا ينفكّ شيء إلّا بأداء الجميع.

مسألة 212: لو رهن عبداً بمائة ثمّ مات عن ولدين، فقضي أحدهما حصّته من الدَّين،

هل ينفكّ نصيبه من الرهن ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: ينفكّ، كما لو رهن في الابتداء اثنان.

و أصحّهما و به قطع جماعة -: أنّه لا ينفكّ؛ لأنّ الرهن في الابتداء صدر من واحدٍ، و أنّه أثبت وثيقة، و قضيّتها حبس كلّ المرهون إلي أداء كلّ الدَّيْن، فوجب إدامتها(1).

و لو مات مَنْ عليه الدَّيْن و تعلّق الدَّيْن بتركته فقضي بعض الورثة نصيبه من الدَّيْن، لم يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن علي قولين بناءً علي أنّ أحد الورثة لو أقرّ بالدَّيْن و أنكر الباقون، هل علي المُقرّ أداء جميع الدَّيْن من حصّته من التركة ؟.

و علي هذا البناء فالأصحّ عندهم الانفكاك؛ لأنّ القول الجديد

ص: 321


1- العزيز شرح الوجيز 524:4، و انظر روضة الطالبين 348:3.

للشافعي أنّه لا يلزم أداء جميع الدَّيْن ممّا في يده من التركة(1). و هو مذهبنا أيضاً.

و لأنّ تعلّق الدَّيْن بالتركة إذا مات الراهن إن كان كتعلّق الدَّيْن، فهو كما لو تعدّد الراهن. و إن كان كتعلّق الأرش بالجاني، فهو كما لو جني العبد المشترك فأدّي أحد الشريكين نصيبه، ينقطع التعلّق عنه.

مسألة 213: إذا رهن عيناً عند رجلين، فنصفها رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه،

فإذا قبض أحدهما، خرجت حصّته من الرهن؛ لأنّ عقد الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين، فكأنّه رهن عند كلّ واحدٍ منهما النصف منفرداً.

و لو رهن اثنان عبداً لهما عند اثنين بألف، فهنا أربعة عقود، و يصير كلّ ربع من العبد رهناً بمائتين و خمسين، فمتي قضاها مَنْ هي عليه انفكّ من الرهن ذلك القدر.

و إذا انفكّ نصيب أحد الشريكين بأداء أو إبراءٍ و أراد الذي انفكّ نصيبه القسمة و كان الرهن من المكيلات و الموزونات، قال الشيخ (رحمه اللّه): لم يكن له ذلك(2).

و قال الشافعي: له ذلك(3).

و الوجه: الأوّل.

و إن كان ممّا لا ينقسم بالأجزاء، كعبدين مشتركين متساويي القيمة، لا يُجاب مَنْ أدّي نصيبه من الدَّين لو سأل التفرّدَ بعبدٍ و حَصْرَ الرهن في

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 524:4، روضة الطالبين 348:3.
2- المبسوط للطوسي 240:2.
3- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 348:3.

عبدٍ.

و لو كان الرهن أرضاً مختلفة الأجزاء كالدار، و طلب مَن انفكّ نصيبه القسمةَ، كان علي الشريك إجابته.

و في المرتهن إشكال؛ لما في القسمة من التشقيص و قلّة الرغبات.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إذا جوّزنا القسمة في موضعٍ فسبيل الطالب لها أن يراجع الشريك، فإن ساعده فذاك، و إن امتنع رفع الأمر إلي القاضي ليقسّم.

و لو قاسم المرتهن و هو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك، جاز، و إلّا فلا.

و إذا منعنا القسمة لو رضي المرتهن، قال أكثر الشافعيّة يصحّ(2).

و قال بعضهم: لا يصحّ و إن رضي؛ لأنّ رضاه إنّما يؤثّر في فكّ الرهن، فأمّا في بيع الرهن بما ليس برهنٍ ليصير رهناً فلا(3).

و هذا إشكال قويّ؛ لأنّه يجعلون القسمة بيعاً(4).

و اعلم أنّ القسمة في الحقيقة إنّما تجري مع الشريك؛ لأنّه المالك.

و لو أراد الراهنان القسمةَ قبل فكّ شيء من المرهون، فعلي التفصيل السابق إلي مختلف الأجزاء و متّفقها.

و لو رهن واحد من اثنين و قضي نصيب أحدهما ثمّ أراد ليمتاز ما بقي4.

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 349348:3.
2- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 349:3.
3- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 349:3.
4- الاُم 24:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 126:5، التهذيب للبغوي 345:3، العزيز شرح الوجيز 28:4، روضة الطالبين 51:3، المغني 148147:4.

فيه الرهن، فالأقوي: اشتراط رضا المرتهن الآخَر.

مسألة 214: إذا سقط حقّ المرتهن بإبراءٍ أو قضاء، كان الرهن عنده أمانةً؛

لأنّه كان عنده أمانةً و وثيقةً، فإذا سقطت الوثيقة، بقي أمانةً.

و لا يلزم ردّه حتي يطالبه به؛ لأنّه بمنزلة الوديعة، بخلاف ما إذا أطارت الريح ثوباً إلي دار إنسان، أو دخلت شاة إلي دار إنسان، فإنّه يلزمه ردّه عليه(1) أو إعلامه به؛ لأنّه لم يرض بكونه في يده.

و ينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرأ الراهنَ من الدَّيْن و لم يعلم الراهن أن يُعلمه بالإبراء، أو يردّ الرهن عليه؛ لأنّه لم يتركه عنده إلّا علي سبيل الوثيقة، بخلاف ما إذا علم؛ لأنّه قد رضي بتركه في يده.

و قال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضموناً، و إذا أبرأه أو وهبه لم ثمّ تلف الرهن في يده، لم يضمنه استحساناً؛ لأنّ البراءة أو(2) الهبة لا تقتضي الضمان(3).

و هو تناقض منه؛ لأنّ القبض المضمون عنده لم يزل و لم يُبرأ منه.

إذا عرفت هذا؛ فلو سأل مالكه في هذه الحال دَفْعَه إليه، لزم مَنْ هو في يده من المرتهن أو العَدْل دَفْعه إليه إذا أمكنه، فإن لم يفعل، صار ضامناً، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة بعد طلبها.

و إن كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه و بين الراهن طريقٌ مخوف، أو بابٌ مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت جمعة أو وقت

ص: 324


1- أي: علي مالكه.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- بدائع الصنائع 155:6، حلية العلماء 459:4، المغني 479:4، الشرح الكبير 446445:4.

فريضة، أو كان به مرض أو جوع شديد و ما أشبه ذلك فأخّر التسليم لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنّه غير مفرّط بامتناعه. فإن زال العذر، وجبت المبادرة، و لا حاجة إلي تجديد طلبٍ.

و لو رهن عند اثنين فوفي أحدهما، و بقي نصيب الآخَر رهناً عنده، و يُقرّ الرهن بأسره في يده نصفه رهن و نصفه وديعة.

ص: 325

الفصل الثامن: في التنازع الواقع بين المتراهنين
مسألة 215: لو اختلفا في أصل العقد،

فقال ربّ الدَّيْن: رهنتني كذا، و أنكر المالك، كان القولُ قولَ الراهن مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم الرهن، سواء كان الشيء المدّعي رهناً في يد الراهن أو يد المرتهن، فإن أقام المرتهن البيّنةَ، تثبت دعواه، و إلّا فلا.

و لو اتّفقا علي العقد و اختلفا في وصفٍ يُبطله فادّعاه أحدهما فأنكره الآخَر، فالقول قول منكره، سواء كان الراهنَ أو المرتهنَ؛ لأنّ الأصل صحّة العقد.

و لو اختلفا في عين الرهن، فقال: رهنتني عبدك هذا، فقال: بل العبد الآخر أو الجارية أو الثوب، خرج ما ادّعاه الراهن من الرهن؛ لاعتراف المرتهن بأنّه ليس رهناً، ثمّ يحلف الراهن علي نفي ما ادّعاه المرتهن، و خرجا عن الرهن معاً.

و لو اختلفا في قدر الدَّيْن المرهون به، فقال الراهن: رهنت علي ألف، و قال المرتهن: بل علي ألفين، فالقول قول الراهن مع يمينه، سواء اتّفقا علي أنّ الدَّيْن ألفان و ادّعي الراهن أنّ الرهن علي أحدهما و ادّعي المرتهن أنّه عليهما معاً، أو اختلفا في قدر الدَّيْن و به قال النخعي و الثوري و الشافعي و البتّي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(1) لأنّ الراهن منكر للزيادة التي يدّعيها المرتهن، فالقول قوله؛ لقول النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله): «لو أُعطي الناس بدعواهم لادّعي قوم دماء رجال و أموالهم، و لكنّ اليمين علي

ص: 326


1- المغني 482:4، الشرح الكبير 466:4.

المدّعي عليه». رواه العامّة(1).

و من طريق الخاصّة: رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن الباقر (عليه السّلام): في الرجل يرهن عند صاحبه رهناً لا بيّنة بينهما فيه، ادّعي الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم، فقال صاحب الرهن: إنّه بمائة، قال: «البيّنة علي الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم، فإن لم يكن له بيّنة فعلي الراهن اليمين»(2).

و لأنّ الأصل عدم الرهن و عدم الزيادة التي يدّعيها، فالقول قول النافي، كما لو اختلفا في أصل الدَّيْن.

و حكي عن الحسن و قتادة أنّ القولَ قولُ المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أو قيمته، و نحوه قال مالك؛ لأنّ الظاهر أنّ الرهن بقدر الحق(3).

و قد روي الشيخ نحو هذا القول عن عليّ (عليه السّلام) في رهن اختلف فيه الراهن و المرتهن، فقال الراهن: هو بكذا و كذا، و قال المرتهن: هو بأكثر، قال عليّ (عليه السّلام): «يصدّق المرتهن حتي يحيط بالثمن لأنّه أمينه»(4).

و ما ذكروه من الظاهر ممنوع، فإنّ العادة تقضي رهن الشيء بأقلّ من قيمته و بأكثر و بالمساوي، فلا ضابط لها فيه.

و الرواية عن عليّ (عليه السّلام) ضعيفة السند.

إذا ثبت هذا، فلو اتّفقا علي أنّ الدَّيْن ألفان، و قال الراهن: إنّما رهنتك بأحد الألفين، و قال المرتهن: بل بهما، فالقول قول الراهن كما3.

ص: 327


1- صحيح مسلم 1711/1336:3، و عنه في المغني 482:4، و الشرح الكبير 466:4، و فيها: «لو يُعطي..».
2- الكافي 2/237:5، التهذيب 769/174:7، الاستبصار 432/121:3.
3- المغني 482:4، الشرح الكبير 466:4.
4- التهذيب 774/175:7، الاستبصار 435/122:3.

تقدّم مع يمينه؛ لأنّه ينكر تعلّق حقّ المرتهن في أحد الألفين برهنه، و القول قول المنكر.

و لو اتّفقا علي أنّه رهن بأحد الألفين لكن قال الراهن: هو رهن بالمؤجَّل، و قال المرتهن: بل بالحالّ، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّه منكر. و لأنّ القول قوله في أصل الدَّيْن فكذا في صفته.

و لو كان هناك بيّنة، حُكم بها في جميع هذه المسائل.

و كذا لو قال الراهن: إنّه رهن علي الحالّ، و قال المرتهن: إنّه علي المؤجَّل، يُقدَّم قول الراهن مع يمينه.

مسألة 216: لو اختلفا في قدر المرهون،

فقال الراهن: رهنتك هذا العبد فقال المرتهن: بل هو و العبد الآخَر، قُدّم قول الراهن إجماعاً؛ لأنّه منكر.

و كذا لو رهن أرضاً فيها شجر، ثمّ قال الراهن: رهنت الأرض دون الشجر، و قال المرتهن: بل رهنتها بما فيها، قُدّم قول الراهن؛ لما تقدّم.

و لو قال الراهن: رهنتك الأشجار خاصّةً، فقال المرتهن: بل رهنتها مع الأرض، فالقول قول الراهن.

و لو قال المرتهن: رهنت هذه الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض، و قال الراهن: إنّ هذه الأشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الأرض، و إنّما أحدثتها بعده، فإن كان شاهد الحال يصدّقه، و لا يتصوّر وجودها يوم الرهن، فالمرتهن كاذب، و يقدّم قول الراهن بغير يمينٍ. و إن كان لا يتصور حدوثها، فالراهن كاذب.

ثمّ إن ادّعي في منازعتها أنّه رهن الأرض بما فيها وافقه الراهن، كانت الأشجار مرهونةً، كما يقوله المرتهن، و لا حاجة إلي الإحلاف.

و إن زعم رهن الأرض وحدها أو رهن ما سوي الأشجار المختلف

ص: 328

فيها أو اقتصر علي نفي الوجود، لم يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها رهناً، فيطالب بجواب دعوي الراهن.

فإن استمرّ علي إنكار الوجود و اقتصر عليه المعلوم كذبه فيه، جُعل ناكلاً، و رُدّت اليمين علي المرتهن، فإن رجع إلي الاعتراف بالوجود و أنكر رهنها قبل إنكاره، فإن حلف خرجت عن الرهن و قُبلت يمينه؛ لأنّه لا يلزم من كذبه في نفي الوجود كذبه في نفي الرهن.

و لو كان الأشجار بحيث يحتمل وجودها يوم رهن الأرض و تجدّدها بعده، قُدّم قول الراهن؛ لأصالة عدم الرهن، فإذا حلف فهي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع و سائر الأحكام، و يكفي إنكار الوجود يوم الرهن؛ لأنّه يضمن إنكار ما يدّعيه المرتهن، و هو رهنها مع الأرض.

و للشافعيّة قولٌ: إنّه لا بدّ من إنكار الرهن صريحاً(1).

و لا فرق بين أن يكون الاختلاف في رهن تبرّعٍ أو في رهنٍ مشروطٍ في بيع.

و الشافعيّة فرّقوا و قالوا في الثاني: يتحالفان، كما في سائر كيفيّات البيع(2).

و هو ممنوع عندنا.

مسألة 217: لو ادّعي إنسان علي اثنين أنّهما رهنا عبدهما المشترك بينهما عنده بمائة و أقبضاه،

فإن أنكر الرهن أو الرهن الدَّيْن جميعاً، قُدّم قولهما مع اليمين.

و لو صدّقه أحدهما خاصّة، فنصيب المصدّق رهن بخمسين، و القول في نصيب المكذّب قوله مع يمينه.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 529:4، روضة الطالبين 350:3.
2- العزيز شرح الوجيز 529:4، روضة الطالبين 350:3.

فإن شهد المصدّق للمدّعي علي شريكه المكذّب، قُبلت شهادته؛ لانتفاء شبهة جلب نفع أو دفع ضرر؛ لجهالته، مع عدالته و انتفاء عداوته.

و إن(1) شهد معه آخَر كذلك، ثبت حقّه، و إلّا حلف المدّعي معه، و يثبت الحقّ و رهن الجميع.

و لو أنكر كلّ واحدٍ منهما رهن نصيبه و شهد علي صاحبه الآخَر برهن نصيبه و أنّه أقبضه. قُبلت شهادتهما، و حلف لكلٍّ منهما يميناً، و قضي له برهن الجميع، و إن حلف لأحدهما، ثبت رهن نصيبه، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: لا تُقبل شهادة واحدٍ منهما؛ لأنّ المدّعي يزعم أنّ كلّ واحدٍ منهما كاذب ظالم بجحوده، فإذا نسب المدّعي شاهده إلي الفسق، مُنع من قبول شهادته له(2).

لكن أكثر الشافعيّة علي الأوّل؛ لأنّهما ربما نسيا أو اشتبه عليهما و لحقهما شبهة فيما يدّعيه.

و بالجملة، إنكار الدعوة لا يثبت فسق المدّعي عليه. و لأنّ الكذبة الواحدة لا توجب الفسق، و لهذا لو تخاصم اثنان في شيء ثمّ شهدا لغيرهما في قضيّة، سُمعت شهادتهما و إن كان أحدهما كاذباً في ذلك التخاصم، و لو ثبت الفسق بذلك، لم يجز قبول شهادتهما جميعاً مع تحقّق الجرح في أحدهما، فعلي هذا إذا حلف مع كلّ واحدٍ منهما أو أقام شاهداً آخَر، ثبت رهن الجميع(3).

و قال بعض الشافعيّة: الذي شهد أوّلاً تُقبل شهادته، دون الذي شهد3.

ص: 330


1- في «ج»: «فإن».
2- العزيز شرح الوجيز 530529:4، روضة الطالبين 350:3.
3- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 350:3.

أخيراً؛ لأنّه انتهض خصماً منقماً(1).

و الضابط أن تقول: متي حصلت تهمة في شهادة أحدهما، لم تٌقبل شهادته، و إلّا قُبلت.

مسألة 218: لو ادّعي اثنان علي رجل أنّه رهن عبده عندهما

و قال كلّ واحدٍ منهما: إنّه رهنه عندي دون صاحبي و أقبضنيه دون صاحبي.

فإن كذّبهما جميعاً، فالقول قوله مع اليمين، و يحلف لكلّ واحدٍ منهما يميناً.

و إن كذّب أحدهما و صدّق الآخَر، قضي بالرهن للمصدّق و سلم إليه، و يحلف للآخر، و هو أحد قولي الشافعي. و أصحّهما عنده: أنّه لا يحلف.

و هذان مبنيّان علي أنّه لو أقرّ بمالٍ لزيد ثمّ أقرّ به لعمرو، هل يغرم قيمته لعمرو؟ فيه قولان.

و كذا لو قال: رهنته من زيد و أقبضته، ثمّ قال: لا، بل رهنته من عمرو و أقبضته، هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهناً عنده ؟ إن قلنا: يغرم، فله تحليفه، فربما يُقرّ فتُؤخذ القيمة.

و إن قلنا: لا يغرم، بني علي أنّ النكول و ردّ اليمين هل هو بمثابة الإقرار أو البيّنة ؟ إن قلنا بالأوّل، لم يحلف؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف، و ذلك ممّا لا يفيد شيئاً، كما لو أقرّ.

و إن قلنا بالثاني، حلّفه، فإن نكل فحلف اليمين المردودة، ففيما يستفيد به وجهان:

أحدهما: يقضي له بالرهن، و ينتزع من الأوّل؛ وفاءً لجَعْله كالبيّنة. و أصحّهما: أنّه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهناً عنده، و لا ينتزع المرهون من الأوّل؛ لأنّا و إن جعلناه كالبيّنة فإنّما يفعل ذلك بالإضافة إلي المتداعيين و لا نجعله حجّةً علي غيرهما(2) و إن صدَّقهما جميعاً، فإن لم يدّعيا السبق أو ادّعاه كلّ واحدٍ منهما و قال المدّعي عليه: لا أعرف السابق منكما، فصدّقاه، قيل: يقسم الرهن بينهما، كما لو تنازعا ملكاً في يد ثالثٍ و اعترف صاحب اليد لهما بالملك. و أصحّهما عندهم: أنّه يُحكم ببطلان العقد، كما لو زوّج وليّان و لم يعرف السابق منهما. و إن ادّعي كلّ واحدٍ منهما السبقَ و علم الراهن بصدقه و نفي علمه بالسبق، فالقول قوله مع يمينه، فإن نكل، رُدّت اليمين عليهما، فإن حلف أحدهما دون الآخَر، قضي له. و إن حلفا أو نكلا، تعذّر معرفة السابق، و عاد الوجهان. و إن صدّق أحدهما في السبق و كذّب الآخَرَ، قضي للمصدَّق. و هل يحلف للمكذّب ؟ فيه القولان(3) و حيث قلنا: يقضي للمصدَّق فذاك إذا لم يكن العبد في يد المكذّب، فإن كان، فقولان للشافعيّة: أحدهما: أنّ يده ترجَّح علي تصديق المرتهن الآخَر، و يقضي له

ص: 331


1- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 351:3.
2- العزيز شرح الوجيز 531:4، روضة الطالبين 352351:3.
3- العزيز شرح الوجيز 532531:4، روضة الطالبين 352:3.

بالرهن. و أصحّهما: أنّ المصدَّق يُقدَّم؛ لأنّ اليد لا دلالة لها علي الرهن، و لهذا لا تجوز الشهادة بها علي الرهن(1) و لو كان العبد في أيديهما معاً، فالمصدَّق مقدَّم في النصف الذي هو في يده، و في النصف الآخَر القولان(2) و الاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق العقد لا بسبق القبض حتي لو صدّق هذا في سبق العقد و هذا في سبق القبض، فالمقدَّم الأوّل، خلافاً للشافعي، فإنّ الاعتبار عنده بسبق القبض (3)

مسألة 219: لو ادّعي رجلان علي ثالثٍ برهن عبده عندهما بمائة و أنّه أقبضهما إيّاه،

فإن صدّقهما، حُكم برهنه عندهما. و إن كذّبهما، فالقول قوله مع اليمين و عدم البيّنة. و إن صدّق أحدهما خاصّةً، فنصف العبد مرهون عند المصدَّق بخمسين، و يحلف للآخر. فإن شهد المصدَّق علي المكذّب، فللشافعيّة ثلاثة أقوال: أحدها: أنّه لا تُقبل مطلقاً. و الثاني: أنّه تُقبل مطلقاً. و الثالث: أنّ فيه وجهين بناءً علي أنّ الشريكين إن ادّعيا حقّاً أو ملكاً بابتياع أو غيره فصدّق المدّعي عليه أحدهما دون الآخَر، هل يختصّ المصدَّق بالنصف المسلَّم أو يشاركه الآخَر؟ فيه وجهان: إن قلنا بالاختصاص، قُبلت شهادته للشريك، و إلّا فلا؛ لأنّه يدفع

ص: 332


1- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.
2- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.
3- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.

بشهادته زحمة الشريك عن نفسه. و قيل: إن لم ينكر إلّا الرهن، قُبلت شهادته للشريك، و إن أنكر الدَّيْن و الرهن، فحينئذٍ يُفرّق بين أن يدّعيا الإرث أو غيره(1) و يمكن أن يقال: كما أنّ استحقاق الدَّيْن يثبت بالإرث تارةً و بغيره اخري، فكذلك استحقاق الرهن، فليَجْر التفصيل و إن لم ينكر إلّا الرهن. و لو ادّعي زيد و عمرو علي ابني ثالثٍ أنّهما رهنا عبدهما المشترك منهما بمائة، فصدّقا أحد المدّعيين، ثبت ما ادّعاه، فكان له علي كلّ واحدٍ منهما ربع المائة و نصف نصيب كلّ واحدٍ منهما مرهوناً به. و إن صدّق أحد الابنين زيداً و الآخَر عمراً، ثبت الرهن في نصف العبد لكلّ واحدٍ من المدّعيين في ربعه [بربع](2) المائة؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي علي الابنين نصف العبد، و لم يصدّقه إلّا أحدهما. ثمّ إن شهد أحد الابنين علي الآخَر، قُبلت شهادته. و لو شهد أحد المدّعيين للآخَر، فعلي ما تقدّم في الصورة الثانية، و في فهمها تعسّف. قال ابن سريج: ما انتهيت إليها إلّا احتجت إلي الفكرة حتي أثبتها علي حاشية الكتاب (3)

مسألة 220: لو أرسل مع رجل سلعةً إلي غيره ليستقرض منه

للمُرسِل

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 351:3، و راجع: التهذيب للبغوي 72:4.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 531:4.

و يرهن به السلعة، ففعل، ثمّ اختلف المُرسَل إليه و المُرسِل، فقال المرسَل إليه: إنّ الرسول استقرض مائة و رهن السلعة بإذنك، و قال المُرسِل: لم آذن إلّا في خمسين، فالرسول إن صدّق المُرسِلَ فالمُرسَل إليه مدّعٍ عليهما، أمّا علي المُرسِل فبالإذن، و أمّا علي الرسول فبالأخذ، و القول قولهما في نفي ما يدّعيه. و قال بعض الشافعية: ليس بين المتراهنين نزاع(1) و ليس بجيّد؛ لأنّ الراهن لو أقرّ بالإذن في الزيادة و قبضها، لزمه حكم إقراره، فكان للمرتهن إحلافه. و إن صدّق المُرسَلَ إليه، فالقول في نفي الزيادة قول المُرسِل، و لا يرجع المُرسَل إليه علي الرسول بالزيادة إن صدّقه في الدفع إلي المُرسِل؛ لأنّه مظلوم بقوله، و إن لم يصدّقه، رجع عليه. و فيه نظر؛ لأنّ الرسول وكيل المُرسِل، و بقبضه يحصل الملك للموكّل حتي يغرم له إن تعدّي فيه، و يسلّمه إليه إن كان باقياً، و إذا كان كذلك فرجوع المُرسَل إليه إن كان بناءً علي توجّه العهدة علي الوكيل، فليرجع و إن صدّقه في دفع المال إلي المُرسِل، كما يطالب البائع الوكيلَ بالشراء بالثمن و إن صدّقه في تسليم المبيع إلي الموكّل. و إن كان الرجوع لأنّ للمُقرض أن يرجع في عين القرض ما دام باقياً عندهم(2) فهذا ليس بتغريم و رجوع مطلق، و إنما يستردّ عين المدفوع، فيحتاج إلي إثبات كونه في يده، و لا يكفي فيه عدم التصديق بالدفع إلي المُرسِل. و إن كان غير ذلك، فلم يرجع إذا لم يصدّقه و لم يوجد منه تعدٍّ4.

ص: 334


1- راجع: المهذّب للشيرازي 324:1.
2- العزيز شرح الوجيز 532:4.

عليه و لا علي حقّه.

مسألة 221: لو اختلف المتراهنان في قبض الرهن،

فادّعاه المرتهن و أنكره الراهن، فإن كان في يد الراهن وقت النزاع، فالقول قوله مع يمينه، كما في أصل الرهن؛ لأنّه منكر، و الأصل معه. و إن كان في يد المرتهن و قال: أقبضنيه عن الرهن، و أنكر الراهن، فإن قال: غصبتها منّي و آجرتها لغيرك و حصلت(1) في يدك، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم القبض و عدم الإذن فيه و عدم الرضا به، بخلاف العين المبيعة و المستأجرة إذا حصلت في يد المشتري و المستأجر حيث حكمنا بتمام العقد؛ لأنّ القبض لا يتعلّق به لزوم العقد فيهما، و إنّما يتعلّق به انتقال الضمان و استقراره، و ذلك حاصل بالقبض كيف حصل، و هنا القبض يتعلّق به لزوم العقد؛ لأنّه غير لازم إلّا به عند بعضهم(2) ، فلا يلزمه إلّا بقبضٍ يرضاه، و لهذا لو آجره ثمّ رهنه، صحّت الإجارة و الرهن؛ لأنّهما لا يتنافيان، فإذا أقبضه عن الإجارة، لم يكن له قبضه عن الرهن إلّا بإذنه، فإذا أذن فيه و مضي زمان يمكن فيه القبض، صار مقبوضاً عن الرهن أيضاً. و لو رهنه و سلّمه إليه ثمّ آجره و مضي زمان يمكن قبضه فيه، صار مقبوضاً؛ لأنّ القبض في الإجارة لازم، فلم يُعتبر إذنه فيه. و إن ادّعي قبضه عن جهةٍ اخري مأذون فيها سوي الرهن بأن قال

ص: 335


1- تأنيث الفعل و كذا تأنيث الضمير في «غصبتها» و «آجرتها» باعتبار عين الرهن.
2- التنبيه: 100، الحاوي الكبير 7:6، حلية العلماء 410:4، التهذيب للبغوي 6:4، العزيز شرح الوجيز 471:4، روضة الطالبين 307:3، المغني 399:4، الشرح الكبير 420:4.

أودعتكه [أو أعرت](1) أو اكتريته(2) أو اكريته من فلان فأكراه منك، فوجهان: أحدهما: أنّ القول قول المرتهن؛ لأنّهما اتّفقا علي قبضٍ مأذون فيه، و أراد الراهن أن يصرفه إلي جهةٍ اخري، و الظاهر خلافه؛ لتقدّم العقد المحوج إلي القبض. و أصحّهما عندهم: أنّ القول قول الراهن؛ لأنّ الأصل عدم اللزوم و عدم إذنه في القبض عن الرهن(3) و لهم وجهٌ بعيد فيما إذا قال: «غصبته» أيضاً، أنّ القول قول المرتهن؛ لدلالة اليد علي الاستحقاق، كما يستدلّ بها علي الملك(4) و يجري مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف المتبايعان في القبض حيث كان للبائع حقّ الحبس، إلّا أنّ الأظهر هنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشتري و ادّعي البائع أنّه أعاره أو أودعه؛ لتقوّي اليد بالملك. و هذا يتفرّع علي أنّ حقّ الحبس لا يبطل بالإيداع و الإعارة عند المشتري، و فيه وجهان(5) و لو سلّم الراهن أنّه أذن له في قبضه عن جهة الرهن و ادّعي الرجوع3.

ص: 336


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و اعترف». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في «ث، ج، ر»: «اكتريت».
3- الوسيط 525:3، الوجيز 168:1، العزيز شرح الوجيز 533:4، روضة الطالبين 353:3.
4- الوسيط 525:3، الوجيز 168:1، العزيز شرح الوجيز 533:4.
5- العزيز شرح الوجيز 533:4، روضة الطالبين 353:3.

قبل القبض و أنكر المرتهن الرجوع، فالقول قول المرتهن؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع. و لو قال الراهن: لم تقبضه بعدُ، و قال المرتهن: قبضته، فإن كان الرهن في يد الراهن، فالقول قوله مع يمينه، و إن كان في يد المرتهن، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّ اليد قرينة دالّة علي صدقه.

مسألة 222: يُقبل إقرار الراهن بالقبض،

و يلزمه حكمه بشرط الإمكان، و لا يُقبل لو ادّعي المحال، كما لو قال: رهنته داري اليوم بالحجاز و هُما في العراق و أقبضتها إيّاه، لم يلتفت إليه. و لو أنكر الإقباض، فالقول قوله مع اليمين. فإن أقام المرتهن شاهدين علي إقراره، حُكم بالبيّنة في محلّ الإمكان. فإن قال: أشهدت علي رسم القبالة و لم أقبضه بَعْدُ، كان له إحلاف المرتهن علي أنّه أقبضه. و كذا لو ذكر لإقراره تأويلاً يمكن حمله عليه، كما لو قال: كنت أقبضته بالقول و ظننت أنّه يكفي في القبض، أو وصل إليَّ كتابٌ عن وكيلي ذكر فيه أنّه أقبضه و ظهر أنّ الكتاب مزوَّر، فله الإحلاف أيضاً. و إن لم يذكر تأويلاً، فالأقرب أنّه يُمكَّن من إحلافه و هو ظاهر قول الشافعي(1) لأنّ الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها، فأيّ حاجة إلي تلفّظه بذلك. و له قولٌ آخَر: إنّه لا يلتفت إليه، و لا يُمكَّن من إحلافه؛ لمناقضته لكلامه الأوّل، فلا يُقبل إنكاره بعد اعترافه(2). و لو شهد الشاهدان علي نفس الإقباض و فعله، فليس له الإحلاف

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.
2- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.

بحال. و كذا لو شهدا علي إقراره بالإقباض فقال: ما أقررت، لم يلتفت إليه؛ لأنّه تكذيب للشهود. هذا إذا قامت الحجّة علي إقراره، أمّا لو أقرّ في مجلس القضاء بالإقباض [بعد](1) توجّه الدعوي عليه، ففي مساواته للإقرار في غيره نظر: من حيث إنّه لا يكاد يقرّ عند القاضي إلّا عن تحقيقٍ، سواء ذكر له تأويلاً أو لا، و لا يُمكّن من إحلافه، و هو قول بعض الشافعيّة(2) و قال بعضهم: يُمكّن؛ لشمول الإمكان(3)(4) و لو باعه شيئاً بثمن عليه و شرط علي المشتري رهناً علي الثمن، فادّعي المشتري أنّه رهنه و أقبضه و أنّ الرهن تلف، فلا خيار له في البيع. و إن أقام شاهدين علي إقراره بالقبض فأراد المرتهن تحليفه، كان له ذلك. و كذا لو أقام بيّنةً علي اقرار زيد بدَيْنٍ، فقال زيد: ما قبضت و إنّما أقررت و أشهدت لتقرضني فلم تقرضني فحلّفوه علي ذلك، كان له ذلك. و لو شهدت البيّنة بمشاهدة القبض، لم يكن له الإحلاف. و نظائره كثيرة. و إذا أقرّ الراهن بالإقباض ثمّ ادّعي تأويلاً لإقراره فنفاه المرتهن، كان للراهن إحلافه علي نفي ذلك التأويل.3.

ص: 338


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فقد». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.
3- في العزيز شرح الوجيز: «الإنكار» بدل «الإمكان».
4- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.

و لو لم يتعرّض لنفي التأويل و اقتصر علي قوله: قبضت، قنع منه بالحلف عليه.

مسألة 223: إذا أقرّ رجل بالجناية علي العبد المرهون،

فإن صدّقه المتراهنان، فالأرش رهن عند المرتهن؛ لأنّه عوض الرهن. و إن كذّباه، فلا شيء لهما. و إن صدّقه الراهن و كذّبه المرتهن، كان للراهن أخذ الأرش، و لا حقّ للمرتهن فيه. و إن صدّقه المرتهن و كذّبه الراهن، كان للمرتهن المطالبة بالأرش، و يكون مرهوناً عنده؛ لأنّ حقّه متعلّق به حيث هو عوض الجزء الفائت من الرهن، و لا يؤثّر في سقوطه إنكار الراهن. فإن أخذ المرتهن الأرشَ فإن اتّفق قضاء الدَّيْن من غيره أو سقوطه عن الراهن بإبراءٍ و شبهه، رجع الأرش إلي الجاني المُقرّ، و لا شيء للراهن فيه؛ لإنكار استحقاقه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: يُجعل في بيت المال؛ لأنّه مال ضائع لا يدّعيه أحد؛ إذ المرتهن انقطعت علقته، و الراهن يُنكر استحقاقه، و المُقرّ يعترف بوجوب أدائه عليه(1) و لا بأس بهذا القول.

مسألة 224: إذا جني العبد المرهون علي إنسانٍ، تعلّقت الجناية به،

و كان حقّ المجنيّ عليه مقدَّماً علي حقّ المرتهن؛ لأنّه مقدَّم علي حقّ المالك، فعلي حقّ الرهن أولي.

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 535:4، روضة الطالبين 355:3.

و لو جني علي مال الغير، تعلّقت الجناية برقبته يتبع به بعد عتقه عندنا. و قال أحمد: يتعلّق بالعبد أيضاً، و يقدَّم علي حقّ المرتهن، كالجناية علي النفس(1) و ليس بشيء. إذا عرفت هذا، فلو أقرّ المرتهن بأنّ العبد المرهون عنده جني و ساعده العبد، أو لا(2) ، لم يُقبل من المرتهن في حقّ الراهن، بل يقدَّم قول الراهن مع يمينه؛ لأنّه المالك، و ضرر الجناية يعود إليه. فإذا بِيع في [دَيْن](3) المرتهن، لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق؛ لأنّ العبد إذا كان جانياً، لم يصح بيعه للمرتهن؛ لتعلّق حقّ المجنيّ عليه [به](4) و إذا لم يصح بيعه، كان الثمن باقياً علي ملك المشتري. و إن لم يكن جانياً، فلا حقّ فيه لغير المرتهن، و قد أقرّ بعدم استحقاقه له. و لو أقرّ الراهن بالجناية و أنكر المرتهن، فالقول قوله مع اليمين؛ لأصالة عدم الجناية، و استصحاب الرهن. فإذا بِيع في الدَّيْن، فلا شيء للمُقرّ له علي الراهن؛ لأنّ الراهن لا يغرم جناية الرهن، و لم يُتلف برهنه شيئاً للمُقرّ له؛ لأنّ الرهن سابق علي الجناية، بخلاف ما لو أقرّ بجناية أُمّ الولد حيث يغرم للمُقرّ له و إن كان الاستيلاد سابقاً علي الجناية؛ لأنّ السيّد يغرم جناية أُمّ الولد.ق.

ص: 340


1- المغني 444:4، الشرح الكبير 478:4.
2- أي: أو لم يساعده.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «يد». و هي ساقطة في «ث». و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

و قال بعض الشافعيّة: يُقبل إقرار الراهن، و يُباع العبد في الجناية، و يغرم الراهن للمرتهن(1) و ليس بشيء. هذا إذا تنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن، فإن تنازعا فيها قبل لزوم الرهن، فإن أقرّ الراهن بأنّه كان قد أتلف مالاً عندهم(2) أو جني علي نفسٍ جنايةً توجب المال، فإن لم يعيّن المجنيّ عليه أو عيّنه لكن كذّبه و لم يدّع ذلك، فالرهن مستمرّ بحاله. و إن عيّنه و ادّعاه المجنيّ عليه، فإن صدّقه المرتهن، بِيع في الجناية، و ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع المشروط فيه الرهن؛ لعدم سلامته له. و إن كذّبه المرتهن، لم يُقبل إقراره و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال أبو حنيفة(3) لما فيه من إبطال حقّ المرتهن، و التهمة فيه ظاهرة؛ لجواز أن يكون الراهن و المُقرّ له قد تواطئا علي ذلك بحيث يرتفع الرهن. و القول الثاني للشافعي: أنّه يُقبل؛ لأنّ الراهن مالك فيما أقرّ به، فلا تهمة في إقراره(4). و هو ممنوع. و كذا القولان لو أقرّ العبد بسرقة و قبلناه في القطع، هل يُقبل في المال ؟ و كذا لو قال الراهن: كنت غصبته، أو اشتريته شراءً فاسداً، أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته و أقبضته.3.

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
2- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
3- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
4- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.

و كذا لو قال: كنت أعتقته(1). قال بعض الشافعيّة: و لا حاجة في هذه صورة العتق إلي تصديق العبد دعواه، بخلاف سائر الصور(2). و في الإقرار بالعتق قولٌ ثالث: إنّه إن كان موسراً، نفذ، و إلّا فلا، تنزيلاً للإقرار بالإعتاق منزلة الإعتاق(3). و نقل بعض الشافعيّة الأقوال الثلاثة للشافعي في جميع الصور(4). فإن قلنا: لا يُقبل إقرار الراهن، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف علي نفي العلم بالجناية. و إذا حلف و استمرّ، فهل يغرم الراهن للمجنّي عليه ؟ الوجه عندنا: أنّه لا يغرم؛ لأنّه أقرّ في رقبة العبد بما لم يُقبل إقراره، فكأنّه لم يقرّ، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني و هو الأصحّ عندهم: أنّه يغرم، كما لو قتله؛ لأنّه حال بينه و بين حقّه(5). و كذا القولان فيما إذا أقرّ بدارٍ لزيد ثمّ أقر لعمرو، هل يغرم لعمرو؟ الوجه: ذلك؛ لأنّه بالإقرار الأوّل حالَ بين مَن اعترف باستحقاقه ثانياً و بين حقّه. فإن قلنا: يغرم، طُولب في الحال إن كان موسراً. و إن كان معسراً فإذا أيسر. و فيما يغرم للمجنيّ عليه ؟ طريقان للشافعيّة. قال بعضهم: أصحّ القولين أنّه يغرم الأقلّ من قيمته و أرش الجناية.3.

ص: 342


1- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
2- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
3- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
4- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
5- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.

و ثانيهما: أنّه يغرم الأرش بالغاً ما بلغ. و قال أكثرهم: يغرم الأقلّ بلا خلافٍ، كما أنّ أُمّ الولد لا تفتدي إلّا بالأقلّ إذا جنت؛ لامتناع البيع، بخلاف العبد القِنّ(1). و إن قلنا: لا يغرم الراهن [فإن](2) بِيع في الدَّيْن، فلا شيء عليه، لكن لو ملكه يوماً، فعليه تسليمه في الجناية. و كذا لو انفكّ الرهن عنه. هذا إذا حلف المرتهن، فإن نكل فعلي مَنْ تُردّ اليمين ؟ فيه قولان للشافعيّة: أحدهما: علي الراهن؛ لأنّه المالك للعبد، و الخصومة تجري بينه و بين المرتهن. و أصحّهما عندهم: علي المجنيّ عليه؛ لأنّ الحقّ فيما أقرّ له، و الراهن لا يدّعي لنفسه شيئاً(3). و هذا الخلاف عند بعضهم مبنيّ علي أنّه لو حلف المرتهن، هل يغرم الراهن للمجنيّ عليه ؟ إن قلنا: نعم، تُردّ علي المجنيّ عليه؛ لأنّ الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئاً، و المجنيّ عليه يستفيد بها إثبات دعواه، و سواء قلنا: تُردّ اليمين علي الراهن أو المجنيّ عليه، فإذا حلف المردود عليه، بِيع العبد في الجناية، و لا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لأنّ إقرار الراهن إذا لم يُقبل لا يفوت عليه شيء، و إنّما يلزم الفوات من النكول(4).4.

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «إن». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
4- العزيز شرح الوجيز 537:4.

ثمّ إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد، بِيع كلّه، و إلّا بِيع منه بقدر الأرش. و هل يكون الباقي رهناً؟ فيه وجهان: أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ اليمين المردودة كالبيّنة، أو كإقرار المرتهن بأنّه كان جانياً في الابتداء، فلا يصحّ الرهن في شيء منه(1) و إذا رددنا علي الراهن فنكل، فهل تُردّ الآن علي المجنيّ عليه ؟ قولان: أحدهما: نعم؛ لأنّ الحقّ له، فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره. و أشبههما: لا؛ لأنّ اليمين لا تُردّ مرّةً بعد مرّة، فحينئذٍ [نكول الراهن كحلف(2)] المرتهن في تقرير الرهن(3). و هل يغرم الراهن للمُقرّ له ؟ فيه القولان(4). و إن رددنا علي المجنيّ عليه فنكل، سقطت دعواه، و انتهت الخصومة، عند بعضهم(5). و ردّ آخَرون علي الراهن. و إذا لم يردّ، لم يغرم الراهن قولاً واحداً، و يحال بالحيلولة علي نكوله(6). هذا إذا قلنا: إنّ الراهن لا يُقبل إقراره، أمّا إذا قلنا: إنّه يُقبل، فهل يحلف أم يُقبل قوله من غير يمين ؟ قولان: أحدهما: لا يحلف؛ لأنّ اليمين للزجر و التخويف ليرجع عن قوله إن3.

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن يحلف». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
4- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
5- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
6- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.

كان كاذباً، و هنا لا سبيل إلي الرجوع. و أصحّهما عندهم: أنّه يحلف لحقّ المرتهن، و علي هذا فيحلف علي البتّ؛ لأنّه حلفٌ علي الإثبات(1). و سواء قلنا بالتحليف أو عدمه، فيُباع العبد في الجناية إمّا كلّه أو بعضه علي ما مرّ، و للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن، و إن نكل، حلف المرتهن؛ لأنّا إنّما حلّفنا الراهن لحقّه، فالردّ يكون عليه. و [ما(2)] فائدة حلفه ؟ فيه قولان: أحدهما: أنّ فائدته تقرير الرهن في العبد علي ما هو قياس الخصومات. و الثاني: أنّ فائدته أن يغرم الراهن قيمته لتكون رهناً مكانه، و يُباع العبد في الجناية بإقرار الراهن. فإن قلنا بالأوّل، فهل يغرم الراهن للمُقرّ له؛ لأنّه بنكوله حالَ بينه و بين حقّه ؟ قولان سبقا. و إن قلنا بالثاني، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن ؟ فيه وجهان يُنظر في أحدهما إلي حصول الوثيقة. و الثاني [إلي(3)] أنّ عين المشروط لم يسلم(4). و إن نكل المرتهن، بِيع العبد في الجناية، و لا خيار في البيع، و لا غرم علي الراهن.3.

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 538537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357356:3.

و لو أقرّ بالعتق و قلنا: إنّه لا يُقبل إقراره، قال الشافعي: إنّه يُجعل ذلك كإنشاء الإعتاق حتي تعود فيه الأقوال؛ لأنّ مَنْ ملك إنشاء أمرٍ قُبل إقراره به(1). و قيل: فيه وجهان و إن حكمنا بنفوذ الإنشاء؛ لأنّه ممنوع من الإنشاء شرعاً و إن نفذناه إذا فعل، كما أنّ إقرار السفيه بالطلاق مقبول كإنشائه(2)(3). و لو أقرّ بإتلاف مالٍ، ففي قبوله وجهان؛ لأنّه ممنوع من الإتلاف شرعاً(4). قالوا: و جميع ما ذكرناه في مسألة الإقرار بالجناية مبنيّ علي أنّ رهن الجاني لا يجوز، أمّا إذا جوّزناه، فعن بعض الشافعيّة أنّه يُقبل إقراره لا محالة حتي يغرم للمجنيّ عليه و يستمرّ الرهن(5). و قال آخَرون: يطّرد فيه القولان(6). و وجه عدم القبول: أنّه يحلّ بلزوم الرهن؛ لأنّ المجنيّ عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن(7). و لو أقرّ بجنايةٍ توجب القصاص، لم يُقبل إقراره علي العبد. و لو قال: ثمّ عفي علي مالٍ، فهو كما لو أقرّ بما يوجب المال.

مسألة 225: إذا وطئ جاريته و لم يظهر بها حَمْلٌ، جاز رهنها و إن احتمل أنّها حملت؛

لأنّ الأصل عدم الإحبال، فلا يمتنع من التصرّف لذلك

ص: 346


1- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بإنشائه». و الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
4- العزيز شرح الوجيز 538:4.
5- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
6- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
7- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.

الاحتمال. فإن ظهر بها حَمْلٌ فإن كان لدون ستّة أشهر من حين الوطء، لم يلحق به الولد، و كان مملوكاً، و الرهن بحاله. و كذا لو كان لأكثر من مدّة الحمل، و هو سنة نادراً عندنا، و أربع سنين عند الشافعي(1). و إن كان لستّة أشهر فأكثر إلي سنة عندنا و إلي أربع سنين عند الشافعي(2) ، لحق به الحمل، و صارت أُمَّ ولدٍ، و كان الولد حُرّاً لاحقاً به. و هل يثبت ذلك في حقّ المرتهن ؟ يُنظر فإن كان إقراره بالوطء قبل الرهن أو بعده قبل القبض، إن جعلنا القبض شرطاً، ثبت في حقّ المرتهن، و خرجت من الرهن؛ لأنّه أقرّ في حالةٍ ثبت، و لم يثبت حقّ المرتهن في الرهن، و خرجت من الرهن. و كذا لو كان إقراره بعد لزوم الرهن و صدّقه المرتهن أو قامت عليه بيّنة، فتكون أُمَّ له، ولدٍ و يبطل الرهن. و للمرتهن فسخ البيع الذي شرط فيه رهنها. و قال بعض الشافعيّة: لا خيار له؛ لأنّه قبضها مع الرضا بالوطء، فهو بمنزلة العيب(3). و قال بعضهم: إن كان قد أقرّ بالوطء قبل العقد، فلا خيار له. و إن كان بعد [العقد(4)] فله الخيار(5).4.

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 539:4، روضة الطالبين 357:3.
2- العزيز شرح الوجيز 539:4، روضة الطالبين 357:3.
3- حلية العلماء 463:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «القبض» و الظاهر ما أثبتناه كما في المصدر.
5- حلية العلماء 463:4.

و قال بعضهم: يثبت له الخيار بكلّ حال؛ لأنّ الوطء لا يمنع صحّة عقد الرهن، و لا يثبت الخيار للبائع، و إذا شرط ارتهانها و أقرّ السيّد بالوطء، لم يثبت له بذلك الخيارُ، فلم يكن قبضها رضاً بالحمل الذي يؤول إليه الوطء، و لأنّا إذا جعلنا الظاهر عدمه، فلا نجعل رضاه بالوطء رضاً به، فلم يسقط حقّه بذلك(1). فأمّا إذا أقرّ بالوطء بعد ما قبضها المرتهن و كذّبه المرتهن، فللشافعي قولان: أحدهما: يُقبل إقراره لثبوت الاستيلاد؛ لأنّه أقرّ في ملكه بما لا تهمة عليه، لأنّه يستضرّ بذلك، فيخرج من الرهن، و بقي الدَّيْن في ذمّته، فلزم إقراره. و الثاني: لا يُقبل؛ لأنّه أقرّ بما فسخ به عقداً علي غيره، فلم يُقبل، كما لو باع جاريةً ثمّ أقرّ بعتقها قبل البيع(2). و كذا القولان فيما إذا رهن عبداً و أقبضه ثمّ أقرّ بأنّه جني علي إنسان، أو أعتقه. و علي كلّ حال فالولد حُرٌّ ثابت النسب عند الإمكان. و لو لم يصادف ولداً في الحال و زعم الراهن أنّها ولدت منه قبل الرهن، ففيه الخلاف.

مسألة 226: لو أقرّ بجناية يقصر أرشها عن قيمة العبد و مبلغ الدَّيْن، قُبل في مقدار الأرش علي الخلاف السابق،

و لا يُقبل فيما زاد علي ذلك؛ لظهور التهمة فيه.

ص: 348


1- حلية العلماء 463:4.
2- حلية العلماء 463:4، المغني 439:4.

و قيل بطرد الخلاف(1). و لو باع عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد غصبه أو باعه أو أنّه اشتراه شراءً فاسداً، لم يعتد بقوله؛ لأنّه إقرار في ملك الغير، فيكون مردوداً ظاهراً، بخلاف إقرار الراهن، فإنّه إقرار في ملكه. و قال بعض الشافعيّة: يجري فيه الخلاف المذكور(2). و الحقُّ: الأوّل، فيكون القولُ قولَ المشتري. فإن نكل، فالردّ علي المدّعي أو علي المُقرّ البائع ؟ فيه قولان(3). و لو آجر عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد باعه أو آجره أو أعتقه، لم يُقبل. و فيه الخلاف المذكور للشافعيّة في الرهن؛ لبقاء الملك(4). و لو كاتبه ثمّ أقرّ بما لا تصحّ معه الكتابة، جري فيه الخلاف السابق(5). و الوجه: عدم القبول؛ لأنّ المكاتب بمنزلة مَنْ زال الملك عنه.

مسألة 227: لو أذن المرتهن في بيع الرهن و باع الراهن و رجع المرتهن

[عن(6)] الإذن ثمّ اختلفا، فقال المرتهن: رجعتُ قبل أن بعتَ فيبطل بيعك و يبقي المال رهناً كما كان. و قال الراهن: بل كان رجوعك بعد البيع، قال الشيخ رحمه اللّه: يقدَّم قولُ المرتهن؛ لأنّ الراهن يدّعي بيعاً و الأصل عدمه، و المرتهن يدّعي رجوعاً و الأصل عدمه، فتعارض الأصلان، و لم يمكن العمل بهما و لا بأحدهما؛ لعدم الأولويّة، فسقطا، و الأصل بقاء

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 539:4.
2- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
3- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
4- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
5- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
6- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «علي». و الصحيح ما أثبتناه.

الوثيقة حتي يُعلم زوالها(1). و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّ القول قول الراهن؛ لتقوّي جانبه بالإذن الذي سلّمه المرتهن(2). و قال بعضهم: إن قال الراهن أوّلاً: تصرّفتُ بإذنك، ثمّ قال المرتهن: كنت رجعت قبله، فالقول قول الراهن مع يمينه. و إن قال المرتهن أوّلاً: رجعتُ عمّا أذنتُ، فقال الراهن: كنت تصرّفتُ قبل رجوعك، فالقول قول المرتهن مع يمينه؛ لأنّ الراهن حينما أخبر لم يكن قادراً علي الإنشاء(3). و لو أنكر الراهن أصلَ الرجوع، فالقول قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع.

مسألة 228: لو كان علي إنسان لآخَر ألفان: ألف بِرَهْنٍ، و ألف بغير رهن،

فسلّم المديون إليه ألفاً ثمّ اختلفا، فقال الراهن: دفعت إليك و تلفّظت لك أنّها علي الألف التي بالرهن، و قال المدفوع إليه: بل دفعتها عن الألف الأخري، فالقول قول الدافع؛ لأنّه أعلم بما دفعه، و لأنّه يقول: إنّ الدَّيْن الباقي بلا رهن، و القول قوله في أصله فكذلك في صفته. و إن اتّفقا علي أنّه لم يتلفّظ بشيء و قال الدافع: نويتها عن الألف التي بالرهن، و قال المرتهن: بل أردت بذلك الألفَ الأخري، فالقول قول الدافع أيضاً؛ لما تقدّم، و لأنّه أعلم بنيّته.

ص: 350


1- المبسوط للطوسي 210209:2.
2- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
3- التهذيب للبغوي 28:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 540:4، و روضة الطالبين 358:3.

و كذا البحث لو كان [بأحدهما(1)] كفيلٌ، أو كان أحدهما حالّاً أو ثمنَ مبيعٍ محبوس، فقال: سلّمته عنه، و أنكر صاحبه. و الاعتبار في أداء الدَّيْن بقصد المؤدّي حتي لو ظنّ المستحقّ أنّه يودعه عنده و قصد المديون أداء الدَّيْن، برئت ذمّته، و صار المؤدّي ملكاً للمستحقّ. إذا عرفت هذا، فإن كان عليه دَيْنان فأدّي عن أحدهما بعينه، وقع عنه. فإن أدّي عنهما، قُسّط علي الدَّيْنين. و إن لم يقصد في الحال شيئاً، احتمل توزيعه علي الدَّيْنين؛ لعدم الأولويّة، و مراجعتُه حتي يصرفه الآن إلي أيّهما شاء، كما لو كان له مالان: حاضر و غائب، و دفع زكاةً إلي المستحقّين و لم يعيّن بالنيّة أحدهما، صرفها إلي ما شاء منهما. و كلا الاحتمالين للشافعيّة قولان مثلهما(2). و تردّد بعضهم في الاحتمال الأوّل هل يوزّع علي قدر الدَّيْنين أو علي المستحقّين بالسويّة ؟(3). و لهذه المسألة نظائر: منها: لو تبايع كافران درهماً بدرهمين و سلّم مشتري الدرهم أحدَ الدرهمين ثمّ أسلما، إن قصد تسليمه عن الفضل، فعليه الأصل. و إن قصد تسليمَه عن الأصل، فلا شيء عليه. و إن قصد تسليمه عنهما، وزّع عليهما،3.

ص: 351


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أحدهما». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 541:4، روضة الطالبين 359:3.
3- العزيز شرح الوجيز 541:4، روضة الطالبين 359:3.

و سقط ما بقي من الفضل. و إن لم يقصد شيئاً، فالوجهان. و منها: لو كان لزيدٍ عليه مائة و لعمرو مائة ثمّ وكّلا وكيلاً بالاستيفاء فدفع المديون لزيدٍ أو لعمرو، انصرف إلي مَنْ قصده. و إن أطلق، فالوجهان. و منها: لو قال: خُذْه و ادفعه إلي فلان أو إليهما، فهذا توكيل منه بالأداء، و له التعيين ما لم يصل إلي المستحقّ. و لو لم يعيّن فدفعه الوكيل إلي وكيليهما، فالوجهان. و منها: لو كان عليه مائتان لواحدٍ فأبرأه المالك عن مائة، فإن قصدهما أو واحدةً منهما بعينها، انصرف إلي ما قصده. و إن أطلق فالوجهان. فإن اختلفا فقال المبرئ: أبرأت عن الدَّيْن الخالي عن الرهن و الكفيل، فقال المديون: بل عن الآخَر، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّه أعرف بنيّته.

مسألة 229: لو باعه شيئاً و شرط في العقد رَهْنَ شيء بعينه،

فرهنه ثمّ وجد المرتهن فيه عيباً و ادّعي قِدَمه، و أنكر الراهن ليسقط خيار المرتهن في البيع، فالقول قول مَنْ ينكر القِدَم. و لو رهنه عصيراً ثمّ اختلفا بعد القبض، فقال المرتهن: قبضتُه و قد تخمّر فلي الخيار في البيع المشروط فيه الرهن، و قال الراهن: بل صار عندك خمراً، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأصالة بقاء البيع، و المرتهن يطلب بدعواه التدرّج إلي الفسخ، و هو أصحّ قولي الشافعي.

ص: 352

و الثاني: أنّ القول قول المرتهن مع يمينه و به قال أبو حنيفة لأنّ الأصل عدم القبض الصحيح(1). و لو زعم المرتهن أنّه كان خمراً يوم العقد و كان الشرط شرطَ رَهْنٍ فاسد، فمن الشافعيّة مَنْ طرد القولين. و منهم مَنْ قطع بأنّ القول قول المرتهن. و مأخذ الطريقين أنّ فساد الرهن هل يوجب فساد البيع ؟ إن قلنا: لا، عاد القولان. و إن قلنا: نعم، فالقول قول المرتهن؛ لأنّه ينكر أصل البيع، و الأصل عدمه(2). و خرّج قومٌ القولين علي أنّ المدّعي مَنْ يدّعي أمراً خفيّاً، و المدّعي عليه مَنْ يدّعي أمراً جليّاً، أو المدّعي مَنْ لو سكت تُرك، و المدّعي عليه مَنْ لو سكت لم يُترك. فإن قلنا بالأوّل، فالمدّعي الراهن؛ لأنّه يزعم جريان القبض الصحيح، و الأصل عدمه، فيكون القول قولَ المرتهن. و إن قلنا بالثاني، فالمدّعي هو المرتهن؛ لأنّه لو سكت لتُرك و الراهن لا يُترك لو سكت، فيكون القولُ قولَ الراهن(3). و لو سلّم الراهن العبدَ المشروط رهنُه في البيع ملفوفاً في ثوبٍ ثمّ وُجد ميّتاً، فقال الراهن: مات عندك، و قال المرتهن: بل كان ميّتاً، فالأقوي4.

ص: 353


1- العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
2- العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
3- العزيز شرح الوجيز 544542:4.

تقديم قول المرتهن؛ لأصالة عدم الإقباض. و للشافعيّة فيه القولان السابقان(1). و لو اشتري لبناً و أتي بظرفٍ فصبّه البائع فيه فوُجدت فيه فأرة ميّتة، فقال البائع: إنّها كانت في ظرفك، و قال المشتري: بل دفعته و فيه الفأرة، فالقولان(2). و لو زعم المشتري أنّها كانت فيه يومَ البيع، فهو اختلاف في أنّ العقد جري صحيحاً أو فاسداً، فالقول قول مدّعي الصحّة.3.

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 360:3.
2- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 360:3.
الفصل التاسع: في اللواحق
مسألة 230: الرهن شرعاً: جَعْل المال وثيقةً علي الدَّيْن ليستوفي منه إذا تعذّر استيفاؤه من المديون،

و ليس واجباً إجماعاً. و هو جائز في السفر و الحضر عند عامّة أهل العلم. و حكي عن مجاهد و داوُد أنّهما قالا: لا يجوز إلّا في السفر؛ لقوله تعالي «وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلي سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» (1) فشرط السفر(2). و ليس بشيء؛ لأنّ النبي صلي اللّه عليه و آله رهن درعه عند يهوديّ و كان بالمدينة(3). و لأنّ هذه وثيقة تجوز في السفر، فجازت في الحضر، كالضمان و الشهادة. و شرط السفر في الآية بناءً علي الأغلب، فإنّ عدم الكاتب في العادة لا يكون إلّا في السفر؛ لقوله تعالي

ص: 355


1- البقرة: 283.
2- الحاوي الكبير 54:6، حلية العلماء 407:4، المحلّي 87:8، المغني و الشرح الكبير 398:4.
3- صحيح البخاري 74:3، سنن ابن ماجة 2437/815:2، سنن البيهقي 36:6.

«وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» (1) و شرط السفر لأنّ العدم يكون في الغالب فيه، أ لا تري أنّه شرط عدم الكاتب و يجوز الرهن و إن كان الكاتب غيرَ معدومٍ.

مسألة 231: قد بيّنّا
اشارة

مسألة 231: قد بيّنّا(2) أنّ الرهن يتمّ عند أكثر علمائنا بنفس العقد و إن لم يحصل القبض.

و قال بعضهم: لا بُدَّ من القبض. و للعامّة قولان كهذين. فلو رهن ثمّ جُنّ، لم يبطل الرهن عند الشافعي(3). و قال بعض الشافعيّة: يبطل؛ لأنّ الرهن قبل القبض عقد جائز غير لازمٍ، فيبطل بزوال التكليف، كالوكالة و الشركة(4). و أجابوا عنه: بأنّه و إن لم يكن لازماً إلّا أنّه يؤول إلي اللزوم، فهو كعقد البيع المشروط فيه الخيار، بخلاف الوكالة و الشركة، فإنّهما لا يؤولان إلي اللزوم. و لأنّ تلك العقود تبطل بموت كلّ واحدٍ منهما، و هنا لا يبطل الرهن، فافترقا(5).

تذنيب: لو كان بين شريكين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيتٍ بعينه،

فالأقرب: الصحّة؛ لأنّه يصحّ بيعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

ص: 356


1- النساء: 43، المائدة: 6.
2- راجع ص 189 190، المسألة 140.
3- الحاوي الكبير 8:6، حلية العلماء 416:4، الوجيز 163:1، العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
4- الحاوي الكبير 98:6، حلية العلماء 416:4، العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
5- الحاوي الكبير 9:6.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّه قد يقاسم شريكه، فيقع هذا البيت في حصّة شريكه و هو مرهون، فلا يجوز(1).

تذنيب آخَر: لو كان له غرماء غير المرتهن و حجر عليه الحاكم لأجل الغرماء،

لم يجز تسليم الرهن إلي مَنْ رهنه عنده قبل الحجر؛ لأنّه ليس له أن يرهن ابتداءً في هذه الحالة كذلك تسليم الرهن؛ لحقّ الغرماء و تعلّقه بماله.

مسألة 232: يجب علي الوليّ الاحتياط في مال الطفل و المجنون،

فلو ارتهن في بيعٍ مع المصلحة، جاز، و فيه ثلاث مسائل: أ: لو كان له مال يساوي مائةً نقداً فيبيعه بمائة نسيئةً و يأخذ رهناً، فإنّ هذا بيعٌ فاسد إلّا أن يخاف النهب لأنّ بيعه بذلك نقداً أحظّ. ب: أن يكون ماله يساوي مائةً نقداً، فيبيعه بمائة و عشرين، مائة نقداً، و عشرين نسيئةً، و يأخذ بها رهناً، فإنّه يجوز؛ لأنّ له بيعه بمائة نقداً، و قد زاده خيراً، و كان أولي بالجواز. ج: أن يساوي مائةً نقداً، فيبيعه بمائة و عشرين مؤجَّلةً و يأخذ بالجميع رهناً، فإنّه يجوز مع المصلحة. و للشافعيّة قولان، منهم مَنْ مَنَع؛ لما فيه من التغرير بمال الطفل، و بيع النقد أحوط(2). و ليس بجيّد؛ لأنّه مأمور بالتجارة و طلب الربح، و هذا طريقه، فكان جائزاً. و أمّا قرض ماله فلا يجوز إلّا بشرطين

ص: 357


1- المهذّب للشيرازي 315:1، حلية العلماء 423:4.
2- روضة الطالبين 306:3، المغني 431:4.

أحدهما: أن يخاف عليه النهب أو الغرق و شبهه. و الثاني: أن يكون المقترض ثقةً مليّاً ليأمن جحوده. فإن رأي من المصلحة قبض الرهن، قَبَضه. و إن رأي من المصلحة تركه، لم يقبضه؛ لأنّه إذا خاف عليه التلف فربما رفعه إلي حاكمٍ يري سقوط الدَّيْن بالتلف.

مسألة 233: قد بيّنّا أنّه ليس للراهن وطؤ الجارية المرهونة؛

لجواز أن تحمل فتتلف أو تنقص قيمتها بالحمل، بخلاف الاستخدام و سكني العقار؛ لانتفاء الضرر. و لو كانت صغيرةً لا تحبل أو آيسةً، احتُمل الجواز و به قال بعض الشافعيّة؛ لانتفاء الضرر(1) لما رواه الحلبي في الحسن قال: سألتُ الصادقَ عليه السلام عن رجل رهن جاريته عند قومٍ أ يحلّ له أن يطأها؟ قال: «إنّ الذين ارتهنوا يحولون(2) بينه و بينها» قلت: أ رأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال: «نعم، لا أري هذا عليه حراماً»(3). و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في رجل رهن جاريته قوماً أ له أن يطأها؟ فقال: «إنّ الذين ارتهنوا يحولون(4) بينه و بينها» فقلت: أ رأيت إن قدر علي ذلك خالياً؟ قال: «نعم، لا أري بذلك بأساً»(5). و الشيخ رحمه اللّه مَنَع من ذلك(6).

ص: 358


1- الوجيز 164:1، الوسيط 498497:3، العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319:3، المغني و الشرح الكبير 436:4.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يحيلون». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 15/236235:5، التهذيب 752/169:7.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يحيلون». و ما أثبتناه من المصدر.
5- الكافي 20/237:5، التهذيب 753/170169:7.
6- النهاية: 433، المبسوط للطوسي 206:2، الخلاف 231:3، المسألة 20.
مسألة 234: شرط الحنفيّة في تمام عقد الرهن القبضَ التامّ،

و هو أن يكون مقسوماً مفرغاً متميّزاً(1). و احتُرز بالمقسوم عن رهن المشاع، فإنّه لا يصحّ عندهم(2). و قد بيّنّا بطلان قولهم. و احترزوا بالمفرغ عن [رهن] دارٍ فيها متاع للراهن(3) ، و بالمتميّز عن رهن متّصلٍ بغيره اتّصالَ خلقةٍ، كما لو رهن الثمر علي رأس الشجر دون الشجر، فإنّه لا يجوز عندهم(4). و كذا لا يجوز رهن الزرع في الأرض، دونها، و لا رهن النخل في الأرض، دونها(5). و كذا لا يجوز رهن الأرض، دون النخل أو دون الزرع، أو النخل دون الثمر، و لا رهن الدار دون البناء(6). و في روايةٍ عن أبي حنيفة: جواز رهن الأرض دون الأشجار،

ص: 359


1- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 138:6 و 140 و 142، الهداية للمرغيناني 126:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، النتف 894:2.
2- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 138:6، المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، حلية العلماء 422:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، بداية المجتهد 273:2.
3- تحفة الفقهاء 39:3، بدائع الصنائع 140:6، حلية العلماء 431:4.
4- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 132:4.
5- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 132:4.
6- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 133132:4.

و لا يصحّ دون البناء؛ لأنّه التابع(1). و قد بيّنّا فساد الجميع. و لو رهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن، سقط دَيْنه عند الحنفيّة(2). و لو كانت قيمته خمسةً، رجع المرتهن علي الراهن بخمسة اخري. و لو كانت قيمته خمسة عشر، فالفضل أمانة، عند أبي حنيفة(3). و قال زفر: يرجع الراهن علي المرتهن بخمسة؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالقيمة. و لأنّ الزيادة علي الرهن مرهونة؛ لكونها محبوسةً، فتكون مضمونةً، كقدر الدَّيْن. و لقول عليّ عليه السلام: «يترادّان الفضل»(4)(5).

مسألة 235: لو طالَب المرتهن الراهنَ بالدَّيْن،

لم يكن للراهن أن يقول: أحضر المرهون و أنا أُؤدّي دَيْنك من مالي، بل لا يلزمه الإحضار بعد الأداء أيضاً، و إنّما عليه التمكين، كالمودع. و الإحضار و ما يحتاج إليه من مئونةٍ علي ربّ المال. و لو احتاج إلي بيعه في الدَّيْن، لم يكن عليه الإحضار أيضاً، بل يتكلّف الراهن مئونته، و يحضره القاضي [ليبيعه(6)] و به قال الشافعي(7).

ص: 360


1- المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 133132:4.
2- المبسوط للسرخسي 64:21، بدائع الصنائع 160:6.
3- المبسوط للسرخسي 64:21، بدائع الصنائع 160:6، الهداية للمرغيناني 128:4.
4- سنن البيهقي 43:6.
5- الهداية للمرغيناني 128:4.
6- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بقبضه». و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 361:3.

و قال أبو حنيفة: إذا طالب المرتهنُ الراهنَ بالدَّيْن، أُمر المرتهن بإحضار الرهن؛ لأنّ قبض الرهن قبضُ استيفاءٍ، فلو أُمر بقضاء الدَّيْن قبل إحضار الرهن، ربما يهلك الدَّيْن بعد ذلك، فيصير مستوفياً لدَيْنه مرّتين بناءً علي مذهبه من الضمان، فإذا أحضره، أُمر الراهن بتسليم دَيْنه أوّلاً؛ لتعيّن حقّه كما تعيّن حقّ الراهن، تحقيقاً للتسوية، كما في تسليم المبيع و الثمن يحضر المبيع ثمّ يسلّم الثمن أوّلاً. و كذا إن طالَبه بالدَّيْن في غير بلد الرهن و لا حمل له و لا مئونة، لأنّ الأماكن كلّها كمكان العقد فيما لا حمل له و لا مئونة، أ لا تري أنّه لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء في السَّلَم بالإجماع، فيؤمر بإحضاره. و إن كان لحمله مئونة، يأخذ دَيْنه، و لا يكلّف المرتهن بإحضار الرهن؛ لأنّ المرتهن عاجز عن الإحضار، و التسليم غير واجبٍ عليه في بلدٍ لم يَجْر فيه العقد. و لأنّ الواجب عليه التسليم بمعني التخلية، لا النقل من مكانٍ إلي مكانٍ؛ لأنّ العين أمانة(1).

مسألة 236: لو باع الراهن الرهنَ بغير إذن المرتهن، فإن فسخه المرتهن، بطل.

و إن أمضاه، نفذ. و إن لم يحصل منه إذنٌ و لا فسخ؛ لعدم اطّلاعه عليه، كان البيع موقوفاً علي الإجازة، و لا يقع باطلاً في أصله، و به قال أبو حنيفة(2). و قال أبو يوسف: ينفذ البيع كالإعتاق؛ لأنّه تصرّف في خالص ملكه(3).

ص: 361


1- الهداية للمرغيناني 129127:4.
2- الهداية للمرغيناني 145:4.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و ليس بجيّد؛ لأنّ حقّ المرتهن تعلّق به، فيقف علي إجازته. قال أبو حنيفة: فإن أجاز المرتهن البيعَ، نفذ؛ لأنّ المانع من النفوذ حقّه، و حقّه قد زال بالإجازة. و إن لم يجز البيع و فسخه، انفسخ في روايةٍ عن محمّد حتي [لو افتكّ الراهن الرهنَ(1)] لا سبيل للمشتري عليه؛ لأنّه يملك الإجازة فيملك الفسخ كالمالك؛ لأنّ حقّه يضاهي الملك(2). و أشار في الجامع الكبير إلي أنّه لا ينفسخ؛ لأنّ التوقّف مع المقتضي للنفاذ إنّما كان لصيانة حقّه، و حقّه يُصان بانعقاد هذا العقد موقوفاً، و إذا بقي موقوفاً فإن شاء المشتري صبر حتي يفكّ الراهنُ الرهنَ فيسلّم له المبيع؛ لأنّ المانع علي شرف الزوال، و إن شاء رفع الأمر إلي القاضي ليفسخ القاضي العقد بحكم العجز عن التسليم، و ولاية الفسخ إلي القاضي، و صار كما إذا أبق العبد المشتري قبل القبض، فإنّ المشتري بالخيار إن شاء صبر حتي يرجع الآبق، و إن شاء رفع الأمر إلي القاضي ليفسخ العقد بحكم العجز عن التسليم(3).

مسألة 237: إذا باع الراهن الرهنَ من رجلٍ ثمّ باعه بيعاً ثانياً من غيره قبل أن يُجيز المرتهن،

فالثاني أيضاً موقوف علي إجازته؛ لأنّ الأوّل موقوف، و الموقوف لا يمنع توقّف الثاني، فجاز البيع الأوّل إن أجازه، و جاز البيع الثاني إن أجازه، و به قال أبو حنيفة(4). فإن باع الراهن ثمّ آجر أو رهن أو وهب من غيره و أجاز المرتهن

ص: 362


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الهداية للمرغيناني 145:4.
3- أورده المرغيناني في الهداية 145:4، و الموصلي في الاختيار لتعليل المختار 103:2.
4- الهداية للمرغيناني 145:4.

الإجارة أو الرهن أو الهبة، نفذت، و لم ينفذ البيع السابق عندنا. و قال أبو حنيفة: ينفذ البيع السابق؛ لأنّ تصرّف الراهن في الرهن إذا كان يُبطل حقّ المرتهن، لا ينفذ إلّا بإجازة المرتهن، فإذا أجاز المرتهن تصرّفه، يُنظر فيه، فإن كان تصرّفاً يصلح حقّاً للمرتهن، ينفذ بإجازة المرتهن التصرّف الذي لحقه الإجازة. و إن كان تصرّفاً لا يصلح حقّاً للمرتهن، فبالإجازة يبطل حقّ المرتهن، و النفاذ يكون من جهة الراهن، فينفذ السابق من تصرّفات الراهن. و إن كان المرتهن أجاز اللاحق، فنقول حينئذٍ: المرتهن ذو حظّ من البيع الثاني؛ لأنّه يتحوّل حقّه إلي الثمن بناءً علي مذهبه من أنّ إجازة المرتهن البيعَ تُفيد تعلّقَ الرهن بالثمن، فيصير الثمن رهناً عنده، و يكون المرتهن أحقَّ بثمنه من الغرماء لو مات الراهن، فصحّ تعيينه، لتعلّق حقّ الفائدة به، و لا حقّ للمرتهن في هذه العقود؛ إذ لا بدل في الهبة و الرهن. و أمّا الإجارة فبدلها في مقابلة المنفعة، و حقّه في ماليّة العين لا في المنفعة، فكانت إجازته إسقاطاً لحقّه، فزال المانع من النفاذ، فنفذ البيع السابق، كما لو باع المستأجر من اثنين فأجاز المستأجر الثاني، نفذ الأوّل؛ لأنّه لاحقّ له في الثمن، فكانت الإجازة إسقاطاً(1). و هذا الضابط الذي ذكره ممنوع.

مسألة 238: لو استعار الراهن الرهنَ من المرتهن، خرج من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة؛

لأنّ الضمان باعتبار قبضه و قد زال. فإن هلك في يد الراهن، هلك بغير شيء؛ لفوات القبض الموجب للضمان، و للمرتهن

ص: 363


1- الهداية للمرغيناني 146145:4.

أن يستردّه إلي يده؛ لأنّ عقد الرهن باقٍ إلّا في حكم الضمان في الحال، فإذا استردّه، عاد مضموناً عليه عنده؛ لأنّه عاد القبض بحكم الرهن، فيعود بصفته(1) ، و هو الضمان. و كذا لو أعاره أحدهما أجنبيّاً بإذن الآخَر، خرج عن أن يكون مضموناً، و بقي مرهوناً؛ لما تقدّم. و لكلٍّ منهما أن يردّه رهناً كما كان؛ لأنّ لكلٍّ منهما حقّاً محتوماً فيه، بخلاف ما إذا آجره و لو مات الراهن قبل الردّ إلي المرتهن، يكون اسوةَ الغرماء لأنّ الإجارة تصرّف لازم أوجبت حقّاً لازماً للغير في الرهن، فيبطل به حكم الرهن، و لم يتعلّق بالعارية حقٌّ لازم، فافترقا. و لو استعار المرتهن الرهنَ من الراهن ليعمل به فهلك قبل أخذه في العمل، هلك علي ضمان الرهن؛ لبقاء يد المرتهن، فبقي ضمانه. و كذا إن هلك بعد الفراغ من العمل؛ لأنّ يد العارية ارتفعت و ظهر الضمان. و إن هلك في حالة العمل، هلك بغير ضمان؛ لأنّ يد العارية غير ضامنة. و كذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال(2).

مسألة 239: لو استعار شيئاً ليرهنه فتلف قبل رهنه أو بعد ما افتكّه، فالأقرب: عدم الضمان

و به قال أبو حنيفة(3) لأنّ حفظ العين في الحال بإذن المالك، و بالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكّ لم يصر قاضياً شيئاً من

ص: 364


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بصيغته». و هي غلط.
2- الهداية للمرغيناني 149148:4.
3- الهداية للمرغيناني 150:4، بدائع الصنائع 136:6.

دَيْنه، و الضمان إنّما يتعلّق باعتبار استيفاء الدَّيْن منه و لم يستوف. هذا علي قول أبي حنيفة: إنّ المرتهن ضامن للرهن مطلقاً(1) ، أمّا عندنا فإنه غير مضمون عليه، لكن علي الراهن. و هل يثبت الضمان عليه بنفس القبض بالعارية للرهن أو بالرهن ؟ إشكال أقربه: الثاني. فإن اختلف الراهن و المعير بعد التلف، فادّعي المالك تلفه في يد المرتهن، و قال المستعير: هلك قبل رهنه أو بعد فكّه، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّ الضمان إنّما يجب علي المستعير بإيفاء الدَّيْن منه أو بإمساكه رهناً و هو يُنكرهما.

مسألة 240: قد بيّنّا

مسألة 240: قد بيّنّا(2) الخلافَ في القبض هل هو شرط أو لا؟

و الخلافَ في ماهيّة القبض، فقيل: إنّه التخلية مطلقاً، و إنّما يتحقّق القبض بأن يحضر المرتهن فيقبض، أو يوكّل في قبضه، فيصحّ قبض الوكيل. ثمّ الرهن إن كان خفيفاً يمكن تناوله باليد، فالقبض فيه أن يتناوله بيده، و إن كان ثقيلاً كالعبد و الدابّة فالقبض فيه النقل من مكان إلي آخَر. و إن كان طعاماً فارتهن مكيالاً من طعامٍ بعينه، فقَبْضُه أن يكتاله. و إن ارتهن صُبرة علي أنّ كيلها كذا، فقَبْضُها أيضاً أن يكتاله. و إن ارتهنها جزافاً، فقَبْضُها النقل من مكان إلي مكان. و إذا كان ممّا لا يُنقل و لا يُحوّل من أرضٍ و دارٍ و عليها باب مغلق، فقَبْضُها أن يخلّي صاحبه بينه و بينها و يفتح بابها، أو يدفع إليه مفتاحها. و إن

ص: 365


1- بدائع الصنائع 154:6، الهداية للمرغيناني 127:4، الاختيار لتعليل المختار 99:2.
2- في ص 189 و 190، المسألتان 140 و 141، و كذا في ج 10 ص 101.

لم يكن عليها باب، فقَبْضُه التخلية بينه و بينها من غير حائل. و إن كان الرهن مشاعاً فإن كان ممّا لا يُنقل، خُلّي بينه و بينه، سواء حضر شريكه أو لم يحضر. و إن كان ممّا يُنقل و يُحوّل كالشقص من الجوهر و السيف و غيرهما لم يجز تسليمه إلي مرتهنه إلّا بحضرة شريكه؛ لأنّه يريد نقل نصيبه و نصيب شريكه إلي يده. فإذا حضر و سلّمه إليه، فإن رضيا أن يكون الجميع علي يد المرتهن، جاز. و إن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك، جاز، و ناب عنه في القبض. و إن رضيا أن يكون علي يدَي عَدْلٍ، جاز. و إن تشاحّا و اختلفا، انتزعه الحاكم من يدهما، و وضعه علي يد عَدْلٍ إن لم تكن لمنفعته قيمة. و إن كانت لمنفعته قيمة و أمكن إجارته و كان الانتفاع به لا ينقصه، فإنّه يكري. و لو سلّمه الراهن للمرتهن فقبضه، حصل القبض؛ لأنّ الرهن حصل في يده مع التعدّي في غيره، فأشبه ما لو سلّم الرهن و غيره. و لو كان في يد المرتهن بالعارية السابقة، كفي ذلك في القبض. و هل يفتقر إلي مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض لو لم يكن في يده ؟ الأقرب: المنع. و ليس للمستعير بعد عقد الرهن الانتفاعُ به؛ لأنّ الرهن مانع من التصرّف، فليس له الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل الرهن، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه.2.

ص: 366


1- المبسوط للطوسي 205204:2.

و قال الشافعي: له الانتفاع كما كان(1). و لو رهنه ثوباً فاشتبه عليه بغيره فسلّم إليه أحدهما، لم يثبت القبض؛ لعدم العلم بأنّه أقبضه الرهن، فإن ثبت أنّه الرهن تبيّنّا صحّة القبض. و لو سلّم إليه الثوبين معاً، صحّ القبض؛ لأنّه قد قبض الرهن قطعاً. و لو رهنه داراً فخلّي بينه و بينها و هُما فيها ثمّ خرج الراهن، صحّ القبض في النصف. و قال الشافعي: يصحّ القبض في الجميع؛ لأنّ التخلية تصحّ بقوله مع التمكين منها و عدم المانع، فأشبه ما لو كانا خارجين عنها(2). و قال أبو حنيفة: لا يصحّ حتي يخلّي بينه و بينها بعد خروجه منها؛ لأنّه ما كان في الدار(3) فيده عليها، فلم تحصل التخلية(4). و اعتُرض بأنّ خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها، و دخوله إلي دار غيره لا يُثبت يده عليها. و لأنّه بخروجه عنها محقّق لقوله، فلا معني لإعادة التخلية(5).

مسألة 241: قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن العبد الجاني؛ لبقاء الملك فيه،

لكن يقدَّم حقّ الجناية علي حقّ الرهن؛ لأنّه متقدّم عليه لو تأخّر فمع التقدّم أولي. ثمّ إن اقتصّ منه في النفس، بطل الرهن. و إن اقتصّ في الطرف، بقي الباقي رهناً بحاله.

ص: 367


1- روضة الطالبين 310:3، و انظر الحاوي الكبير 42:6.
2- المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.
3- أي: لأنّه ما دام كائناً فيها.
4- بدائع الصنائع 140:6، المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.
5- المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.

و إن كانت الجناية خطأً، فإن كان الأرش أقلَّ من قيمته، كان الفاضل منه رهناً. و إن ساواها أو زاد، فإن سلّمه المالك إلي المجنيّ عليه في الجناية، بطل الرهن. و إن فداه، سقط الأرش عن رقبته، و بقي العبد رهناً. و إن بِيع في الجناية، فسخ الرهن. ثمّ إن استوعبت الجناية قيمته، بطل الرهن، و إلّا بِيع بقدرها، و كان الباقي رهناً. و الشيخ رحمه اللّه أبطل رهن الجاني عمداً و خطأً [لأنّها(1)] إن كانت عمداً، فقد وجب عليه القصاص. و إن كانت خطأً فلسيّده أن يسلّمه إلي مَنْ جُني عليه، فإنّها تتعلّق برقبة العبد، و السيّد بالخيار بين أن يسلّمه ليُباع في الجناية و بين أن يفديه و [أيّهما(2)] فعل فالرهن علي البطلان؛ لأنّه وقع باطلاً في الأصل، فلا يصحّ حتي يستأنف(3). و الوجه: ما قلناه. و لو كانت الجناية أقلَّ من قيمته و لم يمكن بيع بعضه، بِيع كلُّه و اعطي المجنيّ عليه حقّه، و كان الباقي رهناً مكانه. و لو فداه غير السيّد أو أبرأه المجنيّ عليه، بقي رهناً كما كان.

مسألة 242: قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن المدبَّر، و يبطل التدبير؛

لأنّه وصيّة، فكان الرهن رجوعاً فيه، كما لو أوصي به لزيدٍ ثمّ رهنه، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة، و يصحّ الرهن. قال الشيخ رحمه اللّه: و إن قلنا: إنّ الرهن صحيح و التدبير بحاله، كان

ص: 368


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و أيّما». و المثبت من المصدر.
3- المبسوط للطوسي 212:2.

قويّاً؛ لعدم دليلٍ علي إبطاله(1). قال: فعلي هذا إذا حلّ الأجل في الدَّيْن و قضاه المديون من غير الرهن، كان جائزاً. و إن باعه، كان له ذلك. و إن امتنع من قضاء(2) الدَّيْن، نظر الحاكم فإن كان له مالٌ غيره، قضي دَيْنه منه، و زال الرهن من العبد، و كان مدبَّراً بحاله. و إن لم يكن له مالٌ غيره، باعه الحاكم في الدَّيْن، و زال الرهن و التدبير معاً(3).

مسألة 243: إذا رهن جارية ذات ولدٍ صغير، صحّ.

فإن علم المرتهن، لم يكن له الردّ و لا فسخ البيع المشروط فيه الرهن المذكور. و لو لم يعلم أنّ لها ولداً صغيراً دون سبع سنين ثمّ علم، كان له ردّها، و له فسخ البيع المشروط رهنها إن حرّمنا التفرقة؛ لأنّ ذلك نقص في الرهن، فإنّ بيعها منفردةً أكثر لثمنها، و هو غير جائز هنا؛ لتحريم التفرقة في البيع. فإن اختار إمضاء الرهن و رضي بالنقص، فهو بمنزلة العالم يبطل خياره في فسخ البيع. و لو رهن أرضاً بيضاء، لم يكن له غرسها. فإن نبت فيها نخل بغرسه أو بحمل السيل إليها نويً فنبت، لم يدخل في الرهن، و ليس للمرتهن قلعه.

ص: 369


1- المبسوط للطوسي 213:2.
2- في الطبعة الحجريّة: «أداء» بدل «قضاء».
3- المبسوط للطوسي 213:2.

فإن حلّ الدَّيْن و لم يقض إلّا منها فإن وفي ثمنها بالدَّيْن، بِيعت من غير نخل، و يُترك النخل علي ملك الراهن. و لو لم يف إلّا أنّ الغرس الذي فيها لم يُنقّص ثمنها، بِيعت الأرض للمرتهن، و لم يجب بيع الأشجار معها. و لو نقّص، تخيّر الراهن بين بيعهما جميعاً و بين قلع الشجر و تسليم الأرض سليمةً من الحُفَر لتُباع للمرتهن إذا لم يكن مفلَّساً، فإن فلّس، لم يجز قلعه، بل يُباعان، و يُدفع إلي المرتهن ما قابَل أرضاً بيضاء، و الباقي خارج عنه.

مسألة 244: لو رهن عبدين و سلّم أحدهما إلي المرتهن فمات في يده و امتنع من تسليم الآخَر،

قال الشيخ: لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع؛ لأنّ الخيار في فسخ البيع إنّما يثبت إذا ردّ الرهن و لا يمكنه ردّ ما قبضه؛ لفواته. و كذلك إذا قبض أحدهما و حدث به عيب في يده و امتنع الراهن من تسليم الآخَر إليه، لم يكن له الخيار في فسخ البيع؛ لأنّه لا يجوز له ردّ المعيب للعيب الحادث في يده(1). و الوجه: أن نقول: إن جعلنا القبض شرطاً في الرهن أو شرطاه، تخيّر المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه.

مسألة 245: إذا اشتري شيئاً بثمن علي أن يكون المبيع رهناً،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا يصحّ البيع و به قال الشافعي(2) لأنّ شرطه أن يكون رهناً لا يصحّ، لأنّه شرط أن يرهن ما لا يملك، فإنّ المبيع لا يملكه المشتري قبل تمام العقد، و إذا بطل الرهن بطل البيع؛ لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن

ص: 370


1- المبسوط للطوسي 234:2.
2- العزيز شرح الوجيز 108:4، المغني و الشرح الكبير 463:4.

من غير المبيع، و الرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع، و ذلك متناقض. و لأنّ الرهن يقتضي أن يكون أمانةً في يد البائع، و البيع يقتضي أن يكون المبيع مضموناً عليه، و ذلك متناقض(1). و أمّا إذا شرط البائع أن يسلّم المبيع إلي المشتري ثمّ يردّه إلي يده رهناً بالثمن، فإنّ الرهن و البيع فاسدان، كالأُولي. لا يقال: أ ليس يصحّ شرط الرهن في العقد و إن كان الثمن لم يملكه البائع ؟ لأنّا نقول: إنّما جوّزنا ذلك لموضع الحاجة إلي شرطه ليصير حقّاً للبائع، بخلاف مسألتنا. و أمّا البيع فلا يصحّ أيضاً عند الشافعيّة؛ لأنّ هذا استثناء منفعة المبيع، و ذلك لا يجوز عندهم. و لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع، و الرهن يقتضي إيفاء الدَّيْن منه. و لأنّ البيع يقتضي تسليم المبيع أوّلاً، و الرهن يقتضي تسليم الدَّيْن أوّلاً، و البيع يقتضي أيضاً أن يكون إمساك البائع مضموناً، و الرهن يقتضي أن يكون إمساك المرتهن أمانةً، و ذلك يوجب تناقض [أحكامهما(2)(3)].

مسألة 246: إذا رهن شيئاً عند آخَر فأيّهما مات قام وارثه مقامه في حقّ الرهن.

فإن كان الميّت هو المرتهن، ورث وارثه حقّ الوثيقة؛ لأنّ ذلك ممّا

ص: 371


1- المبسوط للطوسي 235:2.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أحكامها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 109:4.

يورّث، إلّا أنّ للراهن أن يمتنع من كونه في يده؛ لأنّه قد رضي بأمانة المرتهن و لم يرض بأمانة وارثه، فله مطالبته بنقله إلي يد عَدْلٍ. و إن كان الميّت هو الراهن، قام وارثه مقامه في الرهن، فيكون مستحقّاً عليه كما كان مستحقّاً علي الراهن، إلّا أنّ الدَّيْن الذي كان مؤجَّلاً في حقّ الراهن يصير حالّاً في حقّ وارثه؛ لأنّ الأجل لا يورّث، و يسقط بموت مَنْ عليه الدَّيْن. و جملة ذلك أنّ وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلّا في القبض، و وارث الراهن يقوم مقام الراهن إلّا في الأجل في الدَّيْن.

مسألة 247: لو أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئاً من الثمرة قبل محلّ الحقّ،

فإن كان بعد إدراكها و بلوغها أوانَ أخذها و كان في قطعه مصلحة و في تركها مضرّة، أُجبر الممتنع علي القطع؛ لأنّ فيه صلاحاً لهما جميعاً. و إن كان قبل إدراكها، فإن كان للتخفيف عن الأصول أو لازدحام بعضها علي بعض و كان في قطع بعضها مصلحة للثمرة، فإنّه إذا قطع منها كان أقوي لثمرتها و أزكي لها، فإذا كان كذلك قُطع منها و أُجبر الممتنع. و إن كان لا مصلحة في قطعها، فإنّه يُمنع من قطعها، و لا يُجبر الممتنع عليه. فإن اتّفقا جميعاً علي قطعها أو قطع بعضها، كان لهما؛ لأنّ الحقّ لهما، فإذا رضيا بذلك، لم يُمنعا. و ما يلزم القطع من المئونة فعلي الراهن، فإن لم يكن حاضراً، أخذ الحاكم من ماله و أنفق عليه. و لو لم يكن مالٌ، أخذ من الثمرة بقدر الأجرة. فإن قال المرتهن: أنا أنفق عليه علي أنّي أرجع بها في مال الراهن،

ص: 372

أذن له الحاكم في ذلك. فإن قال: أنفق في ذلك علي أن تكون الثمرة رهناً بها مع الدَّيْن الذي عنده، جاز أيضاً. قال الشيخ رحمه اللّه: و من الناس مَنْ مَنَع منه، و هو الأحوط(1). فإن استأجر المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم، فإن كان الحاكم مقدوراً عليه، لم يرجع علي الراهن؛ لأنّه متطوّع به. و إن لم يكن مقدوراً عليه، فإن أشهد عليه عَدْلين أنّه يستأجر ليرجع بالأُجرة عليه، فيه قولان. فإن لم يشهد، لم يكن له الرجوعُ.

مسألة 248: يجب علي المرتهن إذا قبض الرهن أن يحفظه، كما يحفظ الوديعة؛

لأنّه أمانة في يده لغيره، فلا يجوز له التفريط فيها. و لا يجوز له أن يسلّمه إلي غيره و إن كان زوجةً أو ولداً أو مَنْ هو في عياله. و قال أبو حنيفة: له أن يحفظه بنفسه و ولده و زوجته و خادمه الذي في عياله. و لو حفظ بغير مَنْ في عياله أو أودعه، ضمن(2). و ليس بجيّد. و لو رهنه خاتماً فجَعَله في خنصره، فإن كان واسعاً، ضمنه؛ لسقوطه غالباً، و إلّا فلا. و قال أبو حنيفة: يضمنه مطلقاً؛ لأنّه مأذون في الحفظ دون الاستعمال، و هذا لُبْسٌ و استعمال، فصار ضامناً، سواء في ذلك اليمني و اليسري، لأنّ الناس يختلفون فيه تجمّلاً(3). و نحن نقول: إن قصد التجمّل و الاستعمال، ضمن، و إلّا فلا.

ص: 373


1- المبسوط للطوسي 243:2.
2- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
3- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.

و لو جعله في بقيّة الأصابع، كان رهناً بما فيه عند أبي حنيفة و هو مذهبنا لأنّه لا يُلبس كذلك عادةً، فكان من باب الحفظ، دون الاستعمال(1). قال: و لو رهنه سيفين فتقلّدهما، ضمن؛ لأنّ العادة قد جرت بتقليد سيفين في الحرب. و لو كانت ثلاثةً فتقلّدها، لم يضمن؛ لعدم جريان العادة بلُبْس الثلاثة(2). قال: و لو لبس خاتماً فوق خاتم، فإن كان ممّن يتجمّل بلُبْس خاتمين، ضمن، و إن كان لا يتجمّل بذلك، فهو حافظ لا لابس(3). و الضابط ما قلناه من أنّه إن قصد الاستعمال، ضمن، و إلّا فلا.

مسألة 249: قد بيّنّا أنّ اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن علي الراهن،

و به قال الشافعي(4). و قال أبو حنيفة: إنّه علي المرتهن، و كذا اجرة الحافظ. و أمّا اجرة الراعي و نفقة الرهن فإنّها علي الراهن عنده. و الأصل أنّ ما يرجع إلي البقاء يكون علي الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لا؛ لبقاء العين علي ملكه و منافعها مملوكة له، فيكون إبقاؤها عليه، لأنّه مئونة ملكه، كما في الوديعة، و ذلك مثل النفقة في مأكله و مشربه و اجرة الراعي، لأنّه يحتاج إليه لعلف الحيوان، فهو كالطعام و الشراب. و من هذا الجنس كسوة الرقيق و اجرة ظئر ولد الرهن و سقي البستان و تلقيح النخل و جذاذه و القيام بمصالحه.

ص: 374


1- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
2- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
3- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
4- حلية العلماء 442:4، العزيز شرح الوجيز 505:4، روضة الطالبين 332:3، المغني 474:4، الشرح الكبير 441:4.

و أمّا ما يرجع إلي حفظه فهو علي المرتهن، كاُجرة الحافظ؛ لأنّ الحفظ واجب عليه، و الإمساك حقٌّ له، فيكون بدله عليه. و كذا اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن؛ لأنّ الحفظ علي المرتهن، و لا يتأتّي الحفظ إلّا في منزله، فمئونة ذلك تكون علي المرتهن، و هذا لأنّه في الحفظ عاملٌ لنفسه، لأنّه يقصد به إضجار الراهن. و قال أبو يوسف: كري المأوي علي الراهن؛ لأنّه بمنزلة النفقة، لكونه سعياً في تبقيته(1). و ما يلزمه لردّ العين فهو علي المرتهن، و ذلك كجُعْل الآبق، لأنّ يد الاستيفاء كانت ثابتةً علي المحلّ، و يحتاج إلي إعادة يد الاستيفاء ليردّه علي المالك، فكانت من مُؤن الردّ، فيكون عليه. هذا إذا تساوت قيمة الدَّيْن و الرهن، فإن كانت قيمة الرهن أكثر، فعلي المرتهن بقدر المضمون؛ لأنّ الرهن عنده(2) مضمون، و علي الراهن بقدر الأمانة؛ [لأنّه(3)] في قدر الأمانة بمنزلة المودَع، بخلاف اجرة البيت، فإنّه يجب الكلّ علي المرتهن و إن كان في قيمة الرهن فضلٌ؛ لأنّ ذلك إنّما لزمه بسبب الحبس، و حقّ الحبس في الكلّ ثابت له، و أمّا الجُعْل فإنّما لزمه لأجل الضمان، فيتقدّر بقدر المضمون. و أمّا مداواة القروح و الجروح و معالجة الأمراض من الجناية تنقسم بقدر الأمانة و الضمان؛ لأنّها للإصلاح، و بالإصلاح ينتفع المرتهن في المضمون و الراهن في الأمانة. و الخراج علي الراهن خاصّةً و هو جيّده.

ص: 375


1- بدائع الصنائع 151:6، الهداية للمرغيناني 131:4.
2- راجع الهامش (1) من ص 373، ضمن المسألة 239.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لأنّ». و الصحيح ما أثبتناه.

عندنا لأنّه من مؤن الملك، فيكون عليه، كالنفقة. و العُشْر فيما يُخرج و يأخذه الإمام؛ لأنّ العُشْر متعلّق بالعين، فيكون مقدَّماً علي حقّ المرتهن، و لا يبطل الرهن في الباقي، بخلاف ما إذا استحقّ بعض الرهن شائعاً؛ لأنّ تعلّق العُشْر بالخارج لا يخرجه عن ملكه، و لهذا يجوز بيعه و الأداء من محلٍّ آخَر، بخلاف الاستحقاق(1).

مسألة 250: قد بيّنّا

مسألة 250: قد بيّنّا(2) اختلاف الناس في أنّ القبض شرط في صحّة الرهن أو لزومه

او ليس شرطاً فيهما، فالحنفيّة جعلوه شرطاً في اللزوم، و كذا الشافعيّة و بعض علمائنا، خلافاً للباقي من علمائنا و لمالك حيث جعلوه لازماً بمجرّد الإيجاب و القبول. إذا عرفت هذا، فالقبض هنا كالقبض في البيع، فقبض الدار بالتخلية بينه و بينها و يفتح له بابها، أو يسلّم إليه مفتاحها. و لو خلّي بينه و بينها و فيها قماش للراهن، صحّ التسليم عندنا و عند الشافعي(3) ، خلافاً لأبي حنيفة(4). و كذا نقول: لو رهنه دابّةً عليها حَمْلٌ للراهن و سلّم الجميع إليه، صحّ القبض عندنا و عند الشافعي(5) ، خلافاً لأبي حنيفة(6). و لو رهنه الحملَ خاصّةً دون الدابّة أو رهنهما معاً و سلّمهما معاً، صحّ

ص: 376


1- بدائع الصنائع 152151:6، الهداية للمرغيناني 131130:4.
2- في ص 189 و 190، المسألة 140.
3- حلية العلماء 431:4.
4- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6، حلية العلماء 431:4.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.
6- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.

القبض عندنا و عند أبي حنيفة(1). أمّا إذا رهنهما معاً و سلّمهما: فظاهر. و أمّا إذا رهن الحمل: فلأنّ الحمل ليس مشغولاً بالدابّة و لا هو تابع [لها(2)] فصار كما لو رهن متاعاً في دار. و ليس بجيّد؛ لأنّ كلّ ما كان قبضاً في البيع كان قبضاً في الرهن، كالحمل، و قد قال: إذا رهنه سرج دابّةٍ و لجامها و سلّمها بذلك، لم يصح القبض فيه؛ لأنّه تابع للدابّة(3). و هذا ينقض ما ذكرناه في الحمل. و قوله: «إنّه تابع» يبطل به إذا باع الدابّة، فإنّ السرج لا يدخل فيه، و علي أنّ الدابّة في يده فكذلك ما يتبعها. قال: و لو رهن دابّةً عليها سرج أو لجام، دخل ذلك في الرهن من غير ذِكْرٍ(4). و ليس بمعتمد.

مسألة 251: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ الرهن إلّا علي دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة،

و لا يصحّ الرهن علي الأمانات، كالوديعة و العارية و مال القراض و مال الشركة و شبهها من الأمانات، و به قال أبو حنيفة. و علّل بأنّ موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من الرهن، فكان قبض الرهن مضموناً، فلا بدّ من ضمان ثابت ليقع القبض مضموناً و يتحقّق استيفاء الدَّيْن منه(5).

ص: 377


1- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «له». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
4- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
5- الهداية للمرغيناني 133:4.

و لا يصحّ الرهن عنده بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع؛ لأنّ المبيع ليس بمضمون، فإنّه لو هلك لم يضمن البائع شيئاً، و لكن يسقط الثمن، و هو حقّ البائع، فلا يصحّ الرهن به، فلو هلك لهلك بغير شيء؛ لأنّه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضاً بإذنه. و يصحّ علي الأعيان المضمونة بنفسها، و هو أن يكون مضموناً بالمثل عند الهلاك إن كان مثليّاً، أو بالقيمة إن لم يكن مثليّاً، كالمغصوب و المهر و بدل الخلع و الصلح عن دم العمد؛ لأنّ الضمان مقدّر(1) ، فإنّه إن كان قائماً، وجب تسليمه، و إن كان هالكاً، تجب قيمته. و لو كان رهناً بما هو مضمون، فيصحّ(2). قال: و الرهن بالدرك باطل، و تصحّ الكفالة بالدرك. و الفرق: أنّ الرهن مشروع للاستيفاء، و لا استيفاء قبل الوجوب؛ لأنّ الواجب هو الذي يستوفي، و ضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع، فلا يجب قبل الاستحقاق، فلا يصحّ مضافاً إلي حال وجود الدَّيْن؛ لأنّ الاستيفاء معاوضة، فلا يحتمل الإضافة؛ لأنّ إضافة التمليك(3) إلي زمانٍ في المستقبل لا تجوز، و الكفالة مشروعة لالتزام المطالبة، لا لالتزام أصل الدَّيْن، و التزام الأفعال يصحّ(4) مضافاً إلي زمان الاستقبال، كالتزام الصدقات و الصيامات بالنذر. و تفسير الرهن بالدرك كأن يبيع رجل سلعة و قبض ثمنها و سلّمها و خاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهناً قبل الدرك، فإنّهر.

ص: 378


1- كذا، و الظاهر: «متقرّر» بدل «مقدّر» كما في المصدر.
2- الهداية للمرغيناني 133:4.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «التملّك». و ما أثبتناه من المصدر.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لا يصحّ». و ما أثبتناه من المصدر.

باطل عنده حتي لا يملك حبس الرهن، حلّ الدرك أو لم يحلّ. و إذا هلك الرهن عنده، كان أمانةً، حلّ الدرك أو لم يحلّ؛ لأنّه لا عقد حيث وقع باطلاً، بخلاف الرهن بالدَّيْن الموعود بأن يقول: رهنتك هذا لتقرضني، فقبض الرهن و هلك في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفاً، فإنّه يهلك مضموناً علي المرتهن حتي يجب علي المرتهن تسليم الألف إلي الراهن بعد الهلاك؛ لأنّ الموعود جُعل كالموجود باعتبار الحاجة، فكان الرهن حاصلاً بعد القرض حكماً؛ إذ الظاهر أنّ الخلف لا يجري في الوعد، فكان مفضياً إلي الوجود غالباً، بخلاف الرهن بالدرك؛ لأنّ الدرك لا يكون موجوداً غالباً؛ إذ الظاهر أنّ المسلم يبيع مال نفسه(1). و هذا من أغرب الأشياء، فإنّ الدرك إنّما يثبت إذا سبق السبب علي الرهن، فيكون مستحقّاً في الذمّة، و الوعد بالقرض لا يُثبت في الذمّة شيئاً، فكيف يصحّ الرهن علي الثاني دون الأوّل!؟

مسألة 252: قد بيّنّا أنّ الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط من الدَّيْن شيء بتلفه من غير تفريطٍ،

خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: يسقط من الدَّيْن بقدر ما تلف، و نقص السعر لا يوجب سقوط شيء من الدَّيْن عنده حتي لو رهن عبداً قيمته ألف فنقص سعره حتي صار يساوي مائةً، لم يسقط شيء من الدَّيْن عند أبي حنيفة(2). و قال زفر: تسقط تسعمائة من الدَّيْن؛ لنقصان الماليّة بتغيّر السعر، كما لو انتقصت الماليّة بتغيّرٍ في البدن، و هذا لأنّ الضمان الثابت بالرهن

ص: 379


1- الهداية للمرغيناني 134:4، المبسوط للسرخسي 73:21.
2- المبسوط للسرخسي 64:21 و 105، الهداية للمرغيناني 128:4 و 151.

باعتبار الماليّة دون العين، فإنّه ضمان الاستيفاء، و الماليّة تنتقص بنقصان السعر، كما تنتقص بنقصان [العين(1)(2)]. احتجّ أبو حنيفة بأنّ نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس فيه، و هذا غير معتبر في شيء من العقود، و لهذا لا يثبت الخيار للمشتري بنقصان السعر، و لا يُسقط شيئاً من الثمن. و لو انتقص سعر المغصوب، لا يضمن الغاصب شيئاً، بخلاف نقصان البدن؛ لأنّ يد الراهن يد الاستيفاء، و بفوات جزء منه يفوت الاستيفاء، فإذا لم يسقط شيء من الدَّيْن بنقصان السعر بقي مرهوناً بكلّ الدَّيْن. و لو قتله حُرٌّ، غرم قيمته مائة؛ لأنّ المتلف تُعتبر قيمته يوم الإتلاف؛ لأنّ الجابر بقدر الفائت، فيقبض المرتهن قضاءً بمثلها من الدَّيْن، لأنّه ظفر بجنس حقّه، و لا يرجع علي الراهن بشيء من تسعمائة؛ لأنّ الفضل علي المائة تلف في ضمان المرتهن، فصار هالكاً بالدَّيْن؛ لأنّ يد المرتهن يد استيفاء، و بالهلاك يتقرّر الاستيفاء، و قد كانت قيمته في الابتداء ألفاً، فيصير مستوفياً للكلّ من الابتداء، و صار كما لو هلك الرهن، فإنّه يسقط كلّ الدَّيْن. و لو باعه بمائة هي قيمته المتنازلة، أو قال له: بِعْه بما شئت، فباعه بمائة و إن كانت قيمته ألفاً، صحّ عند أبي حنيفة و صاحبَيْه، فيصير المرتهن وكيلَ الراهن لما باعه بإذنه، و صار كأنّ الراهن استردّه و باعه بنفسه، فلو كان4.

ص: 380


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «العيب» و الصحيح ما اثبت.
2- الهداية للمرغيناني 151:4.

كذلك، يبطل الرهن، و يبقي الدَّيْن إلّا بقدر ما استوفي، كذا هنا(1). و هذا كلّه عندنا ساقط؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة. و لو قتل العبد المرهون قتيلاً خطأً، فلا ضمان علي المرتهن عندنا. و قال أبو حنيفة: يضمن؛ لأنّ العبد في ضمانه، و يقال للمرتهن: أفد العبد من الجناية، و ليس للمرتهن أن يدفع العبد؛ لأنّ الدفع تمليك، و هو لا يملك التمليك، فإذا فداه، ظهر المحلّ، و بقي الدَّيْن علي حاله، و لا يرجع علي الراهن بشيء من الفداء عنده؛ لأنّ الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. و إن أبي المرتهن أن يفدي، قيل للراهن: ادفع العبد أو أفده بالدية؛ لأنّ ملك الرقبة للراهن، و إنّما بذل المرتهن الفداء لقيام حقّه. فإن أبي عن الفداء، طُولب الراهن بحكم الجناية، و من حكمها التخيير بين الدفع و الفداء، فإن اختار الدفع، سقط الدَيْن؛ لأنّ العبد استُحقّ لمعني في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك. و كذا إن فدي، لأنّه استخلص لنفسه بالفداء، و كان الفداء علي المرتهن، فصار العبد كالحاصل له بعوضٍ كأنّه اشتراه من وليّ الجناية(2).

مسألة 253: تجوز الزيادة في الرهن بأن يرهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة

ثمّ زاد الراهن ثوباً آخَر ليكون مرهوناً مع الأوّل بعشرة، و أنّ الثوبين يكونان رهناً بكلّ الدَّيْن. و كذا تجوز الزيادة في الدَّيْن بأن يرهن عبداً بألف ثمّ يقترض ألفاً

ص: 381


1- الهداية للمرغيناني 152151:4.
2- تحفة الفقهاء 45:3، بدائع الصنائع 166164:6، الهداية للمرغيناني 153152:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.

اخري و يجعل العبد رهناً بهما، و به قال أبو يوسف(1). و قال أبو حنيفة و محمّد: تجوز الزيادة في الرهن دون الدَّيْن(2). و مَنَع الشافعي و زفر من الزيادة فيهما(3). و الأصل معنا. ثمّ إذا صحّت الزيادة في الرهن، يقسّم الدَّيْن علي قيمة الأوّل عند أبي حنيفة(4) يوم القبض، و علي قيمة الزيادة يوم قُبضت؛ لأن حكم الرهن في الزيادة إنّما يثبت بقبض المرتهن، فتعتبر قيمتها حين يثبت حكم الرهن فيها، كما يعتبر ذلك في قيمة الأصل حتي لو كانت قيمة الأصل يوم قبضه ألفاً، و قيمة الزيادة يوم قُبضت خمسمائة، و الدَّيْن ألف، يُقسّم الدَّيْن أثلاثاً: في الزيادة ثلث الدَّيْن، و في الأصل ثلثا الدَّيْن. و الولد لا يستتبع الزيادة حال بقاء أصله؛ لأنّ الولد تبع، فلا يستتبع غيره حتي يُقسَّم الدَّيْن أوّلاً علي الأمّ و الزيادة، ثمّ ما أصاب الأمّ يقسّم بينها و بين ولدها و علي قدر قيمتها. فإن حصلت الزيادة بعد هلاك الأمّ، تكون رهناً تبعاً للولد؛ لأنّ الولد صار أصلاً حتي يُقسّم الدَّيْن أوّلاً علي الأمّ و الولد، ثمّ ما أصاب الولد يُقسّم بينه و بين الزيادة بشرط بقاء الولد إلي وقت انفكاك الرهن. فلو رهن أمةً قيمتها ألف فولدت ولداً قيمته ألف و زاد عبداً قيمته ألف، قُسّم الدَّيْن أوّلاً علي الأمّ و الولد نصفين، سقط عنده بهلاكها نصف الدَّيْن، و بقي في الولد نصف الدَّيْن، و تبعه العبد، و قُسّم ما فيه عليهما4.

ص: 382


1- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
2- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
3- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
4- الهداية للمرغيناني 156:4.

نصفين بشرط بقاء الولد إلي وقت الفكّ حتي لو هلك الولد قبل فكّه، ظهر أنّه لم يكن في الولد شيء من الدَّيْن، و أنّ الأُمّ هلكت و كلّ الدَّيْن، و أنّ الزيادة لم تصحّ حتي لو هلك العبد أيضاً قبل هلاك الولد أو بعد هلاكه، فذلك أمانة. و لو لم يهلك الولد و زادت قيمته ألفاً فصارت قيمته يوم الفكّ ألفين، فالدَّيْن يُقسّم أوّلاً علي الأُمّ و الولد أثلاثاً: ثُلثه في الأُمّ و قد سقط بهلاكها، و ثُلثاه في الولد، ثمّ يُقسّم ذلك بينه و بين الزيادة أثلاثاً: ثُلثاه في الولد، و ثُلثه في الزيادة. و لو نقصت قيمته فصارت خمسمائة، يُقسّم بين الأُمّ و الولد أثلاثاً: ثلثاه في الأُمّ و قد سقط، و ثلثه في الولد، ثمّ ما أصاب الولد يُقسّم بينه و بين الزيادة: ثُلثه في الولد، و ثُلثاه في الزيادة.

مسألة 254: لو رهن أمةً قيمتها ألف بألف ثمّ قضي الراهن نصف دَيْن المرتهن ثمّ زاد عبداً قيمته ألف،

فالزيادة تكون رهناً تبعاً لنصف الأمة؛ لأنّ نصفها فارغ من الدَّيْن، فيكون محبوساً بالدَّيْن غير مشغول بالدَّيْن، و النصف الآخَر مشغول بالدَّيْن غير محبوسٍ به، فالزيادة تبع للنصف المشغول، لا للنصف الفارغ، فيُقسّم الدَّيْن الذي في النصف المشغول عليه و علي الزيادة أثلاثاً: ثُلثه في النصف المشغول، و ثلثاه في الزيادة(1). و هذا عندنا باطل؛ لأنّ الرهن عندنا مشغول بالدَّيْن و بكلّ جزء منه. قال أبو حنيفة: فلو هلكت الأمة هلكت بثلثي الدَّيْن؛ لأنّ النصف

ص: 383


1- ورد الفرع المزبور في بدائع الصنائع 159158:6.

الفارغ مضمون بالدَّيْن و إن لم يبق مشغولاً بالدَّيْن، أ لا تري أنّه محبوس به، فيهلك ذلك النصف بنصف الدَّيْن المؤدّي حتي يجب علي المرتهن ردّ ذلك النصف الذي اخذ؛ لأنّه بيّن أنّ الاستيفاء وقع مكرّراً؛ لما مرّ من أنّه يصير مستوفياً عند الهلاك بالقبض السابق، ثمّ يهلك النصف بما فيه، و هو ثلث النصف، فلهذا قلنا بأنّها تهلك بثلثي الدَّيْن؛ إذ نصف الدَّيْن مع ثلث النصف يكون ثلثي الدَّيْن(1). و لو زاد أمةً قيمتها خمسمائة فولدت الزيادة ولداً ثمّ ولدت الجارية ولداً، يُقسّم الدَّيْن أوّلاً بين نصف الجارية و بين الزيادة، فما أصاب الزيادة يُقسّم بينها و بين ولدها علي قدر قيمتها، و ما أصاب نصف الجارية يُقسّم بينها و بين ولدها. و لو وجد المرتهن نصف المقبوض رضاضاً أو سيوفاً، تكون الزيادة رهناً تبعاً للأمة يُقسّم الدَّيْن بينهما نصفين؛ لأنّ الاستيفاء لم يصح، لأنّهما ليسا من جنس الدراهم فصحّ الاستيفاء. و لو رهن أمتين قيمة كلّ واحدٍ ألف فولدت إحداهما ولداً قيمته ألف فماتت الأُمّ و بقي الولد، يُقسّم الدَّيْن بين الأمتين نصفين ثمّ ما في الأُمّ يُقسّم بينها و بين ولدها نصفين، فسقط بهلاك الأُمّ ربع الدَّيْن، و بقي في الولد ربعه، و في الأمة الحيّة نصفه. و هذا مبنيّ علي اصول ممنوعة.

مسألة 255: لو رهن عبداً يساوي ألفاً بألف ثمّ أعطاه عبداً آخَر يساوي ألفاً مكان الأوّل،

خرج الأوّل عن الرهن بالتقايل.

ص: 384


1- بدائع الصنائع 159:6.

و قال أبو حنيفة: يكون الأوّل رهناً حتي يردّه علي الراهن، و المرتهن في الآخَر أمين حتي يجعله مكان الأوّل؛ لأنّ الضمان في الأوّل متعلّق بالقبض و الدَّيْن، فيبقي ما بقي القبض و الدَّيْن، و إذا لم يوجد الردّ، بقي الأوّل رهناً في يده، و من ضرورة بقائه أنّه لا يثبت الثاني؛ لأنّ الراهن لم يرض بجَعْلهما رهناً، و إنّما رضي بأحدهما، فإذا لم يخرج الأوّل من ضمان الرهن، لم يتعلّق بالثاني ضمان، فإذا ردّ الأوّل، انتقض الرهن فيه، و قام الثاني مقام الأوّل. ثمّ قيل: ما لم يقبض الثاني قبضاً مستأنفاً لم يصر مضموناً، لأنّ القبض الأوّل لم يوجب الضمان؛ لأنّ يد المرتهن عليه يد أمانة (و يد الراهن يد(1) استيفاء و ضمان، فلا ينوب الأدني عن الأعلي كمَنْ له علي آخَر جياد فاستوفي زيوفاً ظنّها جياداً ثمّ علم بالزيافة و طالَبه بالجياد و أخذها، فالجياد أمانة في يده ما لم يردّ الزيوف و يجدّد القبض. و قيل: لا يشترط تجديد القبض؛ لأنّ يد الأمانة تنوب عن يد المرتهن، لأنّ الرهن تبرّع كالهبة، و قبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة. و لأنّ عين [الرهن(2)] أمانة، و القبض يرد علي العين، فينوب قبض الأمانة عن قبض العين(3).

مسألة 256: تصرّفات الراهن في الرهن ببيعٍ أو هبةٍ أو إجارةٍ لا تقع باطلةً من أصلها،

بل لو أجازها المرتهن، لزمت، فتقع صحيحةً. و لو

ص: 385


1- بدل ما بين القوسين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و يد الراهن يد أمانة و يد المرتهن يد». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الهبة». و المثبت من المصدر.
3- الهداية للمرغيناني 157:4.

فسخها المرتهن، بطلت. و لو لم يعلم حتي قضي الراهن الدَّيْنَ أو(1) أبرأه المرتهن، احتُمل بقاؤها، فتكون لازمةً للراهن. و لو رهن الراهن رهن عند آخَر، فإن قلنا بالبطلان، فلا بحث، و إلّا بقي موقوفاً علي إجازة المرتهن الأوّل، فإن أجازه، احتُمل بطلانُ رهنه، فيكون رهناً بالدَّيْن الثاني، و بقاءُ صحّته، فلو بِيع، قُدّم دَيْن الثاني، فإن فضل شيء فإن قلنا ببطلان الأوّل، كان جميع الغرماء اسوةً فيه، و إلّا اختصّ به المرتهن الأوّل.

مسألة 257: إذا أبرأ المرتهنُ الراهنَ عن الدَّيْن أو وهبه له ثمّ هلك الرهن في يد المرتهن و لم يحدث منعاً بعد الإبراء،

هلك بغير شيء، و لا ضمان علي المرتهن عندنا، و به قال أبو حنيفة استحساناً(2). و قال زفر: يضمن قيمته للراهن و هو القياس عندهم لأنّ القبض وقع مضموناً، فيبقي الضمان ما بقي القبض(3). و نحن نمنع الضمان. و لو ارتهنت امرأة رهناً بصداقها ثمّ أبرأته منه أو و هبته له أو ارتدّت قبل الدخول أو اختلعت منه علي صداقها ثمّ هلك الرهن في يدها، هلك بغيرشيء، و لم يضمن شيئاً؛ لسقوط الصداق، فصار كالإبراء عن الدَّيْن. و لو استوفي المرتهن الدَّيْنَ بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوّعٍ ثمّ هلك

ص: 386


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الهداية للمرغيناني 157:4، بدائع الصنائع 155:6، المبسوط للسرخسي 9089:21، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 597:3.
3- الهداية للمرغيناني 157:4، بدائع الصنائع 155:6، المبسوط للسرخسي 90:21.

الرهن في يده، يهلك بالدَّيْن، و يجب عليه ردّ ما استوفي إلي مَن استوفي منه، و هو مَنْ عليه الدَّيْن أو المتطوّع عنده(1) بخلاف الإبراء. و الفرق: أنّ الإبراء يُسقط الدَّيْن؛ لوجود المسقط، و بالاستيفاء لا يسقط الدَّيْن، بل يتقرّر، لكنّه يتعذّر المطالبة؛ لخلوّها عن الفائدة، لأنّه يعقبه مطالبة مثله، فإذا هلك، يتقرّر الاستيفاء الأوّل، فتبيّن أنّه استوفي مرّتين، فينتقض الاستيفاء الثاني. و كذا إذا أحال الراهن المرتهنَ بالدَّيْن علي غيره ثمّ هلك الرهن، بطلت الحوالة عنده(2) ، و يهلك بالدَّيْن؛ لأنّ بالحوالة لا يسقط الدَّيْن عنده(3) ، و لكن ذمّة المحال عليه تقوم مقام ذمّة المحيل، و لهذا يعود إلي ذمّة المحيل إذا مات المحال عليه مفلساً. و كذا لو تصادقا علي أن لا دَيْن ثمّ هلك الرهن، يهلك بالدَّيْن؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالدَّيْن أو بجهته عند توهّم الموجود، كما في الدَّيْن الموجود و قد بقيت الجهة؛ لأنّه يحتمل أن يتصادقا علي قيام الدَّيْن بعد أن تصادقا علي أن لا دَيْن، بخلاف الإبراء؛ لأنّه مسقط(4). و لو دفع مهر غيره تطوّعاً فطُلّقت المرأة قبل الوطيء، رجع المتطوّع بنصف ما أدّي، عنده(5). و كذا لو اشتري عبداً و تطوّع رجل بأداء ثمنه ثمّ ردّ العبد بعيبٍ، رجع1.

ص: 387


1- المبسوط للسرخسي 90:21، الهداية للمرغيناني 157:4.
2- المبسوط للسرخسي 91:21، الهداية للمرغيناني 157:4.
3- المبسوط للسرخسي 91:21.
4- الهداية للمرغيناني 157:4.
5- المبسوط للسرخسي 95:21.

المتطوّع بما أدّي، عنده(1). و قال زفر: يرجع الزوج و المشتري بذلك علي القابض؛ لأنّ المتطوّع قضي عنهما، فصار كقضائهما بأمرهما(2). و لو رهن شيئاً عند اثنين، فقال أحدهما: ارتهنته أنا و صاحبي بمائة و أقام البيّنة، و أنكر المرتهن الآخَر و الرهن في يدهما، و أنكر الراهن الرهنَ، يقضي للمدّعي برهن نصفه، و يوضع علي يده أو يد عدْلٍ، فإذا قضي الراهن نصيب المدّعي، أخذ الرهن، و به قال محمّد بن الحسن(3). و قال أبو يوسف و هو مرويّ عن أبي حنيفة: لا يقضي بالرهن لواحدٍ منهما، و يردّ الرهن علي الراهن؛ لأنّه لو صحّ في النصف لكان مشاعاً، و رهن المشاع عنده باطل(4). و قد مرّ البحث فيه(5).2.

ص: 388


1- المبسوط للسرخسي 95:21، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 597:3.
2- المبسوط للسرخسي 95:21.
3- المبسوط للسرخسي 132131:21.
4- المبسوط للسرخسي 131:21 و 161، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 601:3، و راجع أيضاً الهامش (4) من ص 129.
5- في ص 129، المسألة 112.

المجلد 14

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الرابع عشر

تتمة كتاب الديون و توابعها

المقصد الثالث: في التفليس

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: المفلس مَنْ ذهب خيار ماله و بقي دونه، و صار ماله فلوساً زيوفاً.
اشارة

و الإفلاس مأخوذ من الفلوس. و قولهم: أفلس الرجل، كقولهم:

أخبث، أي: صار أصحابه خُبثاء؛ لأنّ ماله صار فلوساً و زيوفاً، و لم يبق له مال خطير، و كقولهم: أذلّ الرجل، أي: صار إلي حالة يذلّ فيها. و كذا أفلس، أي: صار إلي حالة يقال فيها: ليس معه فلس، أو يقال: لم يبق معه إلاّ الفلوس، أو كقولهم: أسهل الرجل و أحزن: إذا وصل إلي السهل و الحزن؛ لأنّه انتهي أمره و ما صرفه إلي الفلوس.

و الأصل أنّ المفلس في العرف هو الذي لا مال له و لا ما يدفع به حاجته، و لهذا لمّا قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «أ تدرون مَن المفلس ؟» قالوا:

يا رسول اللّه المفلس فينا مَنْ لا درهم له و لا متاع، قال: «ليس ذلك المفلس، و لكن المفلس مَنْ يأتي يوم القيامة حسناته أمثال الجبال و يأتي

ص: 5

و قد ظلم هذا و أخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته و هذا من حسناته، فإن بقي عليه شيء أخذ من سيّئاتهم فيردّ عليه ثمّ صلّ في النار»(1).

هذا في عرف اللغة، و أمّا في الشرع فقيل: مَنْ عليه الديون بحيث لا يفي بها ماله(2). و شمل مَنْ لا مال له البتّة، و مَنْ له مالٌ قاصر.

و سُمّي مفلساً و إن كان ذا مال؛ لأنّ ماله يستحقّ الصرف في جهة دَيْنه، فكأنّه معدوم، و قد دلّ عليه تفسير النبيّ صلي الله عليه و آله: مفلس الآخرة، فإنّه أخبر أنّ له حسنات كالجبال لكنّها دون ما عليه، فقُسّمت بين الغرماء، فبقي لا حسنة له. و مِثْلُ هذا الرجل يجوز للحاكم الحَجْر عليه بشرائط تأتي.

و هذا التعريف شامل لمن قصر ماله و مَنْ لا مال له، فيحجر عليه في المتجدّد باحتطابٍ و شبهه.

و الفلس سبب في الحجر بشروط خمسة: المديونيّة، و ثبوت الديون عند الحاكم، و حلولها، و قصور ما في يده عنها، و التماس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه.

مسألة 258: إذا حجر الحاكم عليه، ثبت حكمان:

[أحدهما](3): تعلّق الدَّيْن بماله و إن تجدّدت الماليّة بعد الحجر حتي لا ينفذ تصرّفه فيه بما يضرّ الغرماء و لا تزاحمها الديون الحادثة.

و الثاني: أنّ مَنْ وجد عند المفلس عينَ ماله كان أحقَّ به من غيره.

و لو مات مفلساً قبل أن يحجر عليه، تعلّقت الديون بالتركة [و](4)لا فرق بين المفلس و غيره.

ص: 6


1- أورده ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 492:4 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ، و بمعناه في صحيح مسلم 2581/1997:4، و سنن الترمذي 2418/613:4.
2- العزيز شرح الوجيز 3:5، روضة الطالبين 362:3.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و هل يختصّ الغريم بعين ماله ؟ الأقرب: أنّ له الرجوعَ إن كان ما تركه المفلس يفي بالديون، و إن قصر فلا.

و قال أبو حنيفة: ليس للحاكم أن يحجر عليه، فإن أدّي اجتهاده إلي الحجر عليه و فَعَل و أمضاه حاكمٌ، ثبت الحجر، و ليس له التصرّف في ماله، إلاّ أنّ المبيع الذي يكون في يده يكون أُسوةَ الغرماء، و ليس للبائع الرجوعُ فيه(1).

و هو خطأ؛ فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله حجر علي معاذ.

قال عبد الرحمن بن كعب(2): كان معاذ بن جبل من أفضل شباب قومه [و](3) لم يكن يمسك شيئاً، فلم يزل يُدان حتي أغرق ماله في الدَّيْن، فكلّم النبيّ صلي الله عليه و آله غرماءه، فلو تُرك أحد من أجل أحدٍ لتُرك معاذ من أجل النبي صلي الله عليه و آله، فباع لهم رسول اللّه صلي الله عليه و آله مالَه حتي قام معاذ بغير شيء(4).

قيل: إنّما لم يترك [الغرماء](5) لمعاذ حين [كلّمهم](6) النبيّ صلي الله عليه و آله؛ لأنّهم كانوا يهوداً(7).

مسألة 259: إذا مات المفلس و وجد البائع عين ماله،

فقد نقلنا

ص: 7


1- الهداية - للمرغيناني - 285:3 و 287، العزيز شرح الوجيز 4:5، المغني 494:4 و 529، الشرح الكبير 500:4 و 593.
2- في المصادر - ما عدا المغني -: «كعب بن مالك» لا «عبد الرحمن بن كعب».
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- سنن البيهقي 48:6، المستدرك - للحاكم - 273:3، المصنّف - لعبد الرزّاق - 15177/268:8، المغني 493:4 و 530، الشرح الكبير 495:4.
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كلّموا». و ما أثبتناه من المصدر، و هو الموافق لما في بقيّة المصادر المذكورة في الهامش (4).
7- المغني 493:4.

الخلافَ فيه، و قلنا: إنّه لا يختصّ به البائع إلاّ مع الوفاء، و به قال مالك(1) ، خلافاً للشافعي و أحمد(2).

و ذلك لأنّ الميّت قد انقطع تحصيله و لا ذمّة له، فلو خصّصنا البائع بسلعته مع عدم وفاء التركة بالديون، كان إضراراً بباقي الدُّيّان؛ لحصول اليأس من استيفاء الحقّ منه، فوجب اشتراك جميع الدُّيّان في جميع التركة؛ عملاً بالعَدْل.

و لأنّ الأصل عدم الرجوع؛ لانتقال العين إلي المفلس بالشراء، تُرك العمل به في صورة الحيّ؛ للإجماع و النصّ، فيبقي الباقي علي حكم الأصل.

و لما رواه العامّة من قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه و لم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه، فهو أحقّ به، و إن مات فهو أُسوة الغرماء»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو ولاّد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل باع من رجل متاعاً إلي سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله و أصاب البائع متاعه بعينه، له أن يأخذه إذا تحقّق له ؟ قال: فقال:2.

ص: 8


1- المدوّنة الكبري 237:5، بداية المجتهد 288:2، المعونة 1186:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 418، المغني 547:4-548، الشرح الكبير 508:4، الحاوي الكبير 273:6، التهذيب - للبغوي - 86:4، العزيز شرح الوجيز 3:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 334:1، الحاوي الكبير 273:6، الوسيط 20:4، العزيز شرح الوجيز 3:5، روضة الطالبين 363:3، بداية المجتهد 288:2، المغني 548:4، الشرح الكبير 508:4، و في الأخيرين قول أحمد علي العكس، لا ما نُسب إليه في المتن، و أمّا المنسوب إليه فهو في «العزيز شرح الوجيز» فلاحظ.
3- سنن أبي داوُد 286:3-3520/287 و 3522.

«إن كان عليه دَيْنٌ و ترك نحواً ممّا عليه فيأخذ إن تحقّق له، و لو لم يترك نحواً من دَيْنه فإنّ صاحب المتاع كواحدٍ ممّن له عليه شيء، يأخذ بحصّته، و لا سبيل له علي المتاع»(1).

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أكثر الشافعيّة ذهبوا إلي أنّه إذا مات و خلّف وفاءً، لم يكن لصاحب السلعة الرجوعُ فيها(2).

و قال بعضهم: إنّ له أن يرجع فيها إذا مات المشتري و خلّف وفاءً(3)، كما ذهبنا إليه؛ لما قلناه من حديث(4) أبي هريرة، و ما رويناه من طريق الخاصّة عن الصادق عليه السلام.

و لأنّ قبض ثمن السلعة من التركة لا يستقرّ؛ لأنّه ربما ظهر غريمٌ آخَر فيلزمه ردّ بعض ما أخذه أو كلّه.

و احتجّ الشافعي: بأنّ ماله يفي بقضاء ديونه، فلم يكن لصاحب السلعة الرجوعُ فيها، كما لو كان حيّاً(5).

و الفرق ظاهرٌ؛ فإنّ الحيّ يرجع إلي ذمّته لو خرج المقبوض مستحقّاً، بخلاف الميّت.

و اعلم أنّ الشافعي ردّ علي مالك - حيث لم يجوّز له الرجوع بعين المال بعد موت المفلس -: قد جعلتم للورثة أكثر ممّا للموروث الذي عنه(6)ر.

ص: 9


1- التهذيب 421/193:6، الاستبصار 20/8:3.
2- العزيز شرح الوجيز 5:5، روضة الطالبين 363:3، المغني 548:4، الشرح الكبير 508:4.
3- العزيز شرح الوجيز 5:5، روضة الطالبين 363:3، المغني 548:4، الشرح الكبير 508:4.
4- تقدم تخريجه في ص 8، الهامش (3).
5- المهذّب - للشيرازي - 334:1، العزيز شرح الوجيز 5:5، روضة الطالبين 363:3.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «عنه»: «عليه». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

ملكوا، و أكثر حال الوارث أن لا يكون له إلاّ ما للميّت(1).

و قد اعترضه المزني بأنّه قال في الحبس: إذا هلك أهله رجع إلي أقرب الناس بالمحبس. فجَعَل لأقرب الناس بالمحبس [في حياته] ما لم يجعل للمحبس(2).

و أُجيب عن كلام المزني: بأنّ الواقف إذا وقف وقفاً منقطعاً هل يصحّ؟ قولان، فإن قلنا: يصحّ، فإنّه يرجع إذا انقرض الموقوف عليهم إلي الفقراء من أقارب الواقف، لا علي سبيل الميراث عنه، و إنّما جعله صدقة، و سبيل الصدقة الفقراء و المساكين، فجعل أقارب الواقف أولي من غيرهم، فأمّا الواقف فلا ترجع إليه صدقته؛ لأنّه لا يكون متصدّقاً علي نفسه، و في مسألتنا هذه جعل حقّ الورثة آكد من حقّ مورّثهم، فاختلفا(3).

مسألة 260: المنع من التصرّف يفتقر إلي حكم الحاكم بالحجر إجماعاً،

فلو لم يحجر عليه الحاكم، نفذت تصرّفات المفلس بأسرها، و ليس للغرماء منعه من شيء منها إلاّ بعد حجر الحاكم عليه.

أمّا الرجوع إلي عين المبيع أو عين القرض أو غير ذلك من أمواله التي هي معوّضات الديون فهل يفتقر صاحبها إلي سبق الحجر كمنع التصرّف أم لا؟ فيه إشكال ينشأ: من قوله عليه السلام: «أيّما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه»(4) - الذي رواه العامّة - أثبت الأحقّيّة بمجرّد الإفلاس، و من طريق الخاصّة: رواية الكاظم عليه السلام و قد سأله

ص: 10


1- مختصر المزني: 102، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- مختصر المزني: 102، و ما بين المعقوفين من المصدر.
3- راجع: الحاوي الكبير 274:6.
4- المستدرك - للحاكم - 51:2، سنن ابن ماجة 2360/790:2، سنن الدار قطني 107/29:3، العزيز شرح الوجيز 5:5.

عمر بن يزيد عن الرجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه، قال:

«لا يحاصّه الغرماء»(1) و لم يشرط في ذلك الحجر، و من أنّه مالٌ انتقل إليه بعقدٍ شرعيّ، فلا يخرج عنه إلاّ بوجهٍ شرعيّ، و لا وجه إلاّ الحجر، فإنّه يمنعه من التصرّف فيه، فيتحقّق حينئذٍ أولويّة البائع و المقرض و غيرهما بعين أموالهم.

علي أنّ الأحقّيّة في حديث العامّة لا تقتضي الأخذ بدون الحجر، فيجوز أن يكون «أحقّ» علي معني أنّ له التمكّن من الرجوع إلي عينه بسلوك الأسباب المفضية إليه، و من جملتها: طلب الحجر، و الإفلاس يفيد الأحقّيّة.

و كذا في حديث الكاظم عليه السلام في قوله: «لا يحاصّه الغرماء» فإنّه لا يقتضي جواز الأخذ من غير حجر.3.

ص: 11


1- التهذيب 420/193:6، الاستبصار 19/8:3.

ص: 12

الفصل الثاني: في شرائط الحجر عليه
اشارة

قد ذكرنا(1) أنّ الشرائط خمسة: المديونيّة - و لا بُدَّ منه؛ فإنّ مَنْ لا دَيْن عليه لا يجوز الحجر عليه، غنيّاً كان أو فقيراً - مع بلوغه و رشده و عدم سفهه، فلو حجر عليه الحاكم، كان لغواً. و لو استدان بعد ذلك، لم يمنع من الاستدانة، و كذا لا يمنع من سائر التصرّفات، و لا يؤثّر الحجر في منعه من التصرّف فيما اكتسبه من الأموال. و لأنّ سؤال الغرماء شرط(2) في الحجر، فلا يتحقّق من دون الدَّيْن.

مسألة 261: من شرائط الحجر قصور أموال المديون عن الديون،
اشارة

فلو ساوت الديون أو فضلت عنها، لم يجز الحجر عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي - لأصالة عدم الحجر، و رفع اليد عن العاقل، ثبت خلافه فيما إذا قصرت أمواله عن ديونه حفظاً لأموال الغرماء، فبقي الباقي علي الأصل. و لأنّ الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم و استيفاؤها في الحال.

و الثاني له: الحجر إذا ظهرت عليه أمارات الفلس(3).

و هو ممنوع؛ لأنّ في ماله وفاء ديونه، فلم يحجر عليه، كما لو لم تظهر أمارات الفلس.

ص: 13


1- في ص 6.
2- هذا هو الشرط الخامس كما يأتي في ص 20، المسألة 267.
3- التهذيب - للبغوي - 85:4، العزيز شرح الوجيز 7:5-8، روضة الطالبين 365:3.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الحجر مطلقاً، بل يُحبس الغريم أبداً إلي أن يقضيه(1).

فروع:
أ - لا فرق عندنا في المنع من الحجر مع وفاء ماله بديونه بين أن تظهر عليه أمارات الفلس

- مثل أن تكون نفقته من رأس ماله، أو يكون ما في يده بإزاء دَيْنه و لا وجه لنفقته إلاّ ما في يده - أو لا تظهر بأن تكون نفقته في كسبه أو ربح رأس ماله، خلافاً للشافعي(2).

ب - إذا كان مالُه يفي بديونه، لم يُحجر عليه إجماعاً،

بل يُطالب بالديون، فإن قضاها، و إلاّ تخيّر الحاكم مع طلب أربابها منه بين حبسه إلي أن يقضي المال، و بين أن يبيع متاعه عليه، و يقضي به الدَّيْن، و به قال الشافعي(3) ، خلافاً لأبي حنيفة حيث أوجب الحبس، و مَنَع من البيع(4).

ج - إذا رفع الغرماء الغريمَ إلي الحاكم و سألوه الحجر عليه، لم يُجِبْهم إلي ذلك حتي تثبت عنده الديون و قصور أمواله،

فينظر في ماله هل يفي بديونه أم لا؟ فينظر مقدار ما عليه من الديون و يقوم ماله بذلك ؟

ص: 14


1- المبسوط - للسرخسي - 163:24، الهداية - للمرغيناني - 285:3، المغني 529:4-530.
2- المهذّب - للشيرازي - 328:1، الحاوي الكبير 265:6، التهذيب - للبغوي - 85:4، حلية العلماء 488:4-489، العزيز شرح الوجيز 7:5-8، روضة الطالبين 365:3.
3- حلية العلماء 484:4، العزيز شرح الوجيز 18:5، روضة الطالبين 372:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 164:24 و 165، الهداية - للمرغيناني - 285:3، المغني 529:4-530، حلية العلماء 485:4، العزيز شرح الوجيز 18:5.
د - معوّضات الديون و الأعيان التي أثمانها عليه تقوَّم من جملة أمواله

- و هو أحد قولي الشافعيّة(1) - لأنّ أصحابها بالخيار بين أن يرجعوا و بين أن لا يرجعوا و يطالبوه بالثمن.

و في الثاني: لا تُقوَّم؛ لأنّ لأربابها الرجوع فيها، فلا تُحسب أثمانها عليه و لا يقوّمها مع ماله(2).

و ما قلناه أقوي.

ه - قد قلنا: إنّه إذا كان في أمواله وفاء لديونه، لم يُحجر عليه.

و للشافعي قولٌ آخَر: إنّه يُحجر عليه مع ظهور أمارات الفلس، فحينئذٍ - علي قوله - هل يكون لمن وجد متاعه بعينه أن يرجع فيه ؟ له وجهان:

أحدهما: له ذلك؛ لقوله عليه السلام: «فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه»(3)الحاوي الكبير 265:6-266، حلية العلماء 488:4-489، العزيز شرح الوجيز 7:5-8، روضة الطالبين 365:3-366.(4) و لم يفصّل. و لأنّ الحجر موجود.

و الثاني: ليس له الرجوع فيها؛ لأنّه يصل إلي ثمنها من مال المشتري من غير تبرّع الغرماء، فلم يكن له الرجوع في العين، كما قبل الحجر(4).

و - لو لم يكن له مالٌ البتّة، ففي جواز الحجر عليه إشكال

ينشأ: من عدم فائدة الحجر، و هي التحفّظ بما في يده عن الإتلاف، و من الاكتفاء بمجرّد الدَّيْن لجواز الحجر منعاً له من التصرّف فيما عساه يتجدّد في ملكه باصطيادٍ و اتّهابٍ و ظفر بركاز و غيرها.

مسألة 262: من شرائط الحجر ثبوتُ الدَّيْن عند الحاكم؛

لأنّ المتولّي

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 8:5، روضة الطالبين 366:3.
2- العزيز شرح الوجيز 8:5، روضة الطالبين 366:3.
3- تقدّم تخريجه في ص 10، الهامش
4- .

للحجر الحاكم، و ليس له الحجر مجّاناً بقول مَنْ كان، بل ما لم تثبت الديون - إمّا بالبيّنة أو بالإقرار - لم يجز له الحجر.

مسألة 263: و من الشرائط كوْنُ الديون حالّةً،

فلو كانت مؤجَّلةً، لم يجز الحجر بها، سواء كان مالُه يفي بها أو لا؛ لأنّه ليس لهم المطالبة في الحال، و ربما يجد الوفاء عند توجّه المطالبة، فلا تُعجَّل عقوبته بمنعه من التصرّف.

و لو كان البعض حالاًّ و الباقي مؤجَّلاً، فإن وَفَتْ أمواله بالديون الحالّة، فلا حجر؛ لعدم اعتبار الديون المؤجَّلة. و إن قصرت عنها، وجب الحجر.

و إذا حُجر عليه بالديون الحالّة، لم تحلّ عليه الديون المؤجَّلة - و هو أصحّ قولي الشافعيّة، و اختاره المزني و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ المقصود من التأجيل التخفيفُ ليكتسب في مدّة الأجل ما يقضي به الدَّيْن، و هذا المقصود غير ثابت، بخلاف الميّت؛ فإنّ توقّع الاكتساب منه قد بطل.

و لأنّه دَيْنٌ مؤجَّل علي حيّ، فلا يحلّ قبل أجله، كغير المفلَّس، بخلاف الميّت؛ فإنّ ذمّته قد بطلت.

و الثاني للشافعي: أنّها تحلّ - و به قال مالك و أحمد في الرواية الأُخري - لأنّ الإفلاس سبب في تعلّق الدَّيْن بالمال، فأسقط الأجل، كالموت(2)

ص: 16


1- التنبيه: 102، التهذيب - للبغوي - 100:4، حلية العلماء 494:4، الوجيز 170:1، العزيز شرح الوجيز 6:5، روضة الطالبين 364:3، المغني 525:4، الشرح الكبير 543:4.
2- التنبيه: 102، التهذيب - للبغوي - 100:4، حلية العلماء 494:4، العزيز شرح الوجيز 6:5، روضة الطالبين 364:3، المدوّنة الكبري 235:5، بداية المجتهد 286:2، الذخيرة 172:8، المغني 525:4، الشرح الكبير 543:4.

و قد مرّ الفرق.

و رتَّب بعضُ الشافعيّة هذين القولين علي القولين في أنّ مَنْ عليه الدَّيْنُ المؤجَّل لو جُنّ هل يحلّ الأجل ؟ و أنّ الحلول في صورة الجنون أولي؛ لأنّ المجنون لا استقلال له كالميّت، و وليُّه ينوب عنه كما ينوب الوارث عن الميّت(1).

و رأي الجويني الترتيبَ بالعكس أولي؛ لأنّ وليَّ المجنون له أن يبتاع له بثمنٍ مؤجَّل عند ظهور المصلحة، فإذا لم يمنع الجنونُ التأجيلَ ابتداءً فلأن لا يقطع الأجلَ دواماً كان أولي(2).

و عندنا أنّ الجنون لا يوجب الحلول.

مسألة 264: إنّما يقسّم الحاكمُ أموالَه علي الديون الحالّة خاصّةً علي ما اخترناه من عدم حلول المؤجَّلة،

فيبيع أمواله و يقسّمها علي الحالّة بالنسبة، و لا يدّخر شيئاً لأصحاب الديون المؤجَّلة، و لا يدام الحجر بعد القسمة لأصحاب الديون المؤجَّلة، كما لا يُحجر بها ابتداءً، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخَر: أنّها تحلّ الديون المؤجَّلة، فيقسّم المال بين أصحاب هذه الديون و الديون الحالّة ابتداءً، كما لو مات(3).

و إن كان في الديون المؤجَّلة ما كان ثمن مبيعٍ و هو قائم عند المفلس، فلصاحبه الرجوع إلي عين ماله - عنده(4) - كما لو كان حالاًّ ابتداءً.

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 6:5.
2- العزيز شرح الوجيز 6:5.
3- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
4- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.

و قال بعض الشافعيّة: فائدة الحلول أن لا يتعلّق بذلك المتاع حقُّ غير بائعه، و يكون محفوظاً إلي مضيّ المدّة، فإن وجد المفلس وفاءً فذلك، و إلاّ فحينئذ يفسخ(1).

و قيل: لا يفسخ حينئذٍ أيضاً، بل لو باع بثمنٍ مؤجَّل و حَلَّ الأجل ثمّ أفلس المشتري و حُجر عليه، فليس للبائع الفسخُ و الرجوعُ إلي المبيع؛ لأنّ البيع بالثمن المؤجَّل يقطع حقّ البائع عن المبيع بالكلّيّة، و لهذا [لا](2) يثبت فيه حقّ الحبس للبائع(3).

و الأصحّ عندهم: الأوّل(4).

و قال أحمد: يكون موقوفاً إلي أن يحلّ الدَّيْن، فيفسخ البائع إن شاء، أو يترك(5).

مسألة 265: لو اشتري بعد الحجر عليه أمتعةً بأثمان مؤجَّلة أو حالّة، دخلت في البيع في قضاء الديون،

كسائر أموال المفلس؛ لأنّه مَلَكها بالبيع، فكانت كغيرها، و ليس لبائعها تعلّقٌ بها؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال إن كانت مؤجَّلةً علي ما اخترناه من عدم حلول المؤجَّل بالحجر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة علي القول بعدم الحلول.

و الثاني: أنّها لا تُباع، فإنّها كالمرهونة بحقوق بائعها، بل تُوقف إلي انقضاء الأجل، فإن انقضي و الحجر باقٍ، يثبت حقّ الفسخ. و إن أطلق، فكذلك و لا حاجة إلي إعادة الحجر، بل عزلها و انتظار الأجل كإبقاء الحجر

ص: 18


1- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
4- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
5- المغني 523:4، الشرح الكبير 533:4-534.

بالإضافة إلي المبيع(1).

و علي ما اخترناه من جواز بيعها لو لم يتّفق بيعها و قسمتها حتي حلّ الأجل، فالأقرب: جواز الفسخ الآن.

و للشافعيّة وجهان(2).

و لو اشتراها بثمنٍ حالّ، كان لصاحبها الاختصاصُ أو الضرب بالثمن مع الجهل، و مع العلم الصبرُ. و يُحتمل الضربُ. و كذا المقرض.

و نقل الجويني وجهاً آخَر فيما إذا كان الثمن مؤجَّلاً: أنّه لا بُدَّ من إعادة الحجر ليثبت حقّ الفسخ(3).

و لو لم يكن عليه إلاّ ديون مؤجَّلة و طلب أصحابُها الحجْرَ، لم يُجابوا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّ طلب الحجر فرع طلب الدَّيْن و عسر تخليصه فلا يتقدّم عليه.

و الثاني: نعم؛ لأنّهم يتوسّلون به إلي الحلول أو(5) المطالبة(6).

مسألة 266: قد ذكرنا أنّه يشترط كون الديون زائدةً علي قدر ماله،

فلو كانت مساويةً و الرجل كسوبٌ ينفق من كسبه، فلا حجر و إن ظهرت أمارات الإفلاس.

و قد تقدّم(7) أنّ للشافعي وجهين فيما إذا ظهرت أمارات الإفلاس.

و يجري الوجهان فيما إذا كانت الديون أقلَّ و كانت بحيث يغلب علي

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
2- العزيز شرح الوجيز 7:5، روضة الطالبين 365:3.
3- العزيز شرح الوجيز 7:5.
4- العزيز شرح الوجيز 7:5.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 7:5.
7- في ص 12، ضمن المسألة 261، و ص 14، الفرع «أ».

الظنّ انتهاؤها إلي حدّ المساواة، و منه إلي الزيادة؛ لكثرة النفقة. و هذه الصورة عندهم أولي بالمنع(1).

و إذا حجرنا في صورة المساواة، فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس الرجوعُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لإطلاق الحديث(2)العزيز شرح الوجيز 8:5، روضة الطالبين 366:3.(3).

و الثاني: لا؛ لتمكّنه من استيفاء الثمن بتمامه(4).

و هل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله و أثمانها في حساب ديونه ؟ فيه - عندهم - وجهان(4).

و قال بعضهم: إنّ الوجهين مبنيّان علي الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة إن لم نثبت الرجوع، أُدخلت(5) رجاءَ الوفاء. و إن أثبتناه فلا(6).

و هذا كلّه ساقط عندنا، و قد عرفت مذهبنا فيه، و أنّ الحجر إنّما يثبت مع القصور، لا مع المساواة.

مسألة 267: يشترط في الحجر التماسُ الغرماء من الحاكم ذلك،
اشارة

و ليس للحاكم أن يتولّي ذلك من غير طلبهم؛ لأنّه حقٌّ لهم، و هو لمصلحة الغرماء و المفلس و هُمْ ناظرون لأنفسهم لا يحكم الحاكم عليهم.

نعم، لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولايةٌ، كان له الحجر؛ لأنّه

ص: 20


1- العزيز شرح الوجيز 8:5، روضة الطالبين 365:3-366.
2- تقدّم تخريجه في ص 10، الهامش
3- .
4- حلية العلماء 489:4-490، العزيز شرح الوجيز 8:5، روضة الطالبين 366:3.
5- أي الأعيان في الأموال و الأثمان في الديون.
6- العزيز شرح الوجيز 8:5.

الغريم في الحقيقة، فله التماسُ ذلك من نفسه و فِعْلُه، كما لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو لمحجورٍ عليهم بالسفه و كان وليُّهم الحاكمَ، تولاّه القاضي لمصلحتهم من غير التماسٍ.

فروع:
أ - لو كان الدَّيْن للغُيّاب، لم يحجر عليه الحاكم؛

لأنّ الحاكم لا يستوفي ما للغُيّاب في الذمم، بل يحفظ أعيان أموالهم.

ب - لو التمس بعضُ الغرماء الحجرَ دون بعضٍ، فإن كانت ديون الملتمسين قدراً يجوز الحجر بها، حُجر عليه لذلك القدر،

و أُجيبوا إلي ذلك، ثمّ لا يختصّ الحجر بهم، بل يعمّ أثره الجميع.

و إن لم تكن ديونهم زائدةً علي أمواله، فالأقرب: جواز الحجر، و لا ينتظر التماس الباقين؛ لئلاّ يضيع علي الملتمس ماله [بتكاسل](1) غيره.

و يُحتمل العدمُ، و هو أظهر الوجهين عند الشافعيّة(2).

ج - لو لم يلتمس أحد من الغرماء الحجرَ فالتمسه المفلس، فالأقرب عندي: جواز الحجر عليه؛

لأنّ في الحجر مصلحةً للمفلس، كما فيه مصلحة للغرماء، و كما أجبنا الغرماء إلي تحصيل ملتمسهم حفظاً لحقوقهم، كذا يجب أن يجاب المفلس تحصيلاً لحقّه، و هو حفظ أموال الغرماء ليسلم من المطالبة و الإثم، و إذا تحقّق ثبوت غرضٍ للمفلس صحيحٍ في الحجر عليه، أُجيب إليه، و قد روي أنّ حَجْر النبيّ صلي الله عليه و آله علي معاذ كان بالتماسٍ

ص: 21


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بتكامل». و ذاك تصحيف.
2- العزيز شرح الوجيز 6:5.

من معاذ دون طلب الغرماء(1) ، و هو أحد وجهي الشافعي. و الثاني:

لا يُجاب المفلس إليه؛ لأنّ الحُرّيّة و الرشد ينافيان الحجر، و إنّما يصار إلي الحجر إذا حقّت طلبة الغرماء(2)3.

ص: 22


1- كما في العزيز شرح الوجيز 6:5.
2- العزيز شرح الوجيز 6:5، روضة الطالبين 364:3.
الفصل الثالث: في أحكام الحجر
اشارة

إذا حجر الحاكم علي المديون، ثبتت أحكام أربعة: منعه من التصرّف في ماله، و بيع ماله للقسمة علي الديون، و اختصاص صاحب العين بها، و حبسه إلي ثبوت إعساره. فهنا مباحث أربعة:

البحث الأوّل: في منعه من التصرّف.
مسألة 268: يستحبّ للحاكم الإعلامُ بالحجر، و النداء علي المفلس،

و يُشهد الحاكم عليه بأنّه قد حجر عليه و الإعلان بذلك بحيث لا يستضرّ معاملوه. فإذا حجر عليه، منعه من التصرّف المبتدأ في المال الموجود عند الحجر بعوضٍ أو غيره، سواء ساوي العوض أو قصر.

و التصرّف قسمان: إمّا أن يصادف المال أو لا، و الأوّل إمّا إنشاء أو إقرار.

و الأوّل ضربان: ما يصادف المال إمّا بتحصيل ما ليس بحاصل، كالاصطياد و الاحتطاب و قبول الوصيّة، و هذا لا يُمنع منه إجماعاً؛ لأنّ الغرض من الحجر منعه ممّا يتضرّر به الغرماء. و إمّا تفويت ما هو حاصل، فإن تعلّق بما بعد الموت - كالتدبير و الوصيّة - صحّ، فإن حصَّل زيادةً علي الديون، نفذت الوصيّة، و إلاّ بطلت. و إن كان غير متعلّقٍ بالموت، فإمّا أن يكون مورده عينَ مالٍ أو ما في الذمّة. و إمّا أن لا يكون تصرّفه مصادفاً للمال، فلا بُدَّ من البحث عن هذه الأقسام بعون اللّه تعالي.

ص: 23

مسألة 269: كلّ تصرّفٍ للمفلس غير مصادفٍ للمال فإنّه لا يُمنع منه؛

لكماليّته، و عدم المانع من التصرّف فيما تصرّف فيه حيث لم يكُ مالاً، و ذلك كالنكاح، و لا يُمنع منه. و أمّا مئونة النكاح فسيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و كذا الطلاق لا يُمنع منه؛ لأنّ تصرّفه هذا لم يصادف مالاً، بل هو إسقاط ما يجب عليه من المال، فكان أولي بالجواز، و إذا صحّ منه الطلاق مجّاناً، كان صحّة الخلع - الذي هو في الحقيقة طلاقٌ بعوضٍ - أولي بالجواز.

و كذا يصحّ منه استيفاء القصاص؛ لأنّه ليس تصرّفاً في المال، و لا يجب عليه قبول الدية و إن بذل الجاني؛ لأنّ القصاص شُرّع للتشفّي و دفع الفساد، و الدية إنّما تثبت صلحاً، و ليس واجباً عليه تحصيل المال بإسقاط حقّه.

و كذا له العفو عن القصاص مجّاناً بغير عوضٍ. أمّا لو وجبت له الدية بالأصالة - كما في جناية الخطأ - فإنّه ليس له إسقاطها؛ لأنّه بمنزلة الإبراء من الدَّيْن.

و كذا له استلحاق النسب؛ إذ ليس ذلك تصرّفاً في المال و إن وجبت المئونة ضمناً. و كذا له نفيه باللعان.

و كذا لا يُمنع من تحصيل المال بغير عوضٍ، كالاحتطاب و شبهه، و قد سلف(1).

مسألة 270: لو صادف تصرّفه عينَ مالٍ بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ كالبيع و الإجارة، أو بغير معاوضةٍ كالهبة و العتق و الكتابة،

أو بالمنع من الانتفاع

ص: 24


1- في ص 23، ضمن المسألة 268.

كالرهن، قال الشيخ رحمه الله: يبطل تصرّفه(1). و هو أصحّ قولي الشافعي - و به قال مالك و المزني - لأنّه محجور عليه بحكم الحاكم، فوجب أن لا يصحّ تصرّفه، كما لو كان سفيهاً. و لأنّ أمواله قد تعلّق بها حقّ الغرماء، فأشبهت تعلّق [حقّ](2) المرتهن. و لأنّ هذه التصرّفات غير نافذة في الحال إجماعاً، فلا تكون نافذةً فيما بَعْدُ؛ لعدم الموجب.

و القول الثاني للشافعي: إنّ هذه التصرّفات لا تقع باطلةً في نفسها، بل تكون موقوفةً، فإن فضل ما تصرّف به عن الدَّيْن إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّين، نفذ، و إلاّ بانَ أنّه كان لغواً؛ لأنّه محجور عليه بحقّ الغرماء، فلا يقع تصرّفه باطلاً في أصله، كالمريض(3).

و هذا القول لا بأس به عندي، و الأوّل أقوي.

و الفرق بينه و بين المريض ظاهر؛ فإنّ المريض غير محجور عليه، و لهذا لو صرف المال في ملاذّه و مأكله و مشروبه، لم يُمنع منه، بخلاف صورة النزاع.

مسألة 271: إن قلنا ببطلان التصرّفات، فلا بحث.

و إن قلنا: إنّها تقع موقوفةً، فإن فضل ما تصرّف فيه و انفكّ الحجر، ففي نفوذه للشافعي قولان(4).

و إذا لم يف بديونه، نقضنا الأخفّ فالأخفّ من التصرّفات، و نبدأ

ص: 25


1- الخلاف 269:3، المسألة 11.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- التهذيب - للبغوي - 100:4، حلية العلماء 490:4-491، العزيز شرح الوجيز 9:5، روضة الطالبين 366:3-367، المغني 530:4، الشرح الكبير 501:4.
4- العزيز شرح الوجيز 9:5.

بالهبة فننقضها؛ لأنّها تمليك من غير بدلٍ، فإن لم يف، نقضنا البيع، بخلاف الوقف و العتق؛ لأنّ البيع يلحقه الفسخ، فإن لم يف، رددنا العتق و الوقف.

قال بعضهم: هذه التصرّفات علي الترتيب، فالعتق أولي بالنفوذ؛ لقبوله الوقف و تعلّقه بالإقرار، و تليه الكتابة؛ لما فيها من المعاوضة، ثمّ البيع و الهبة؛ لأنّهما لا يقبلان التعليق(1).

و اختلفوا في محلّ القولين:

فقال بعضهم: إنّهما مقصوران علي ما إذا اقتصر الحاكم علي الحجر، و لم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه، فإن فعل ذلك، لم ينفذ تصرّفه قولاً واحداً.

و قال آخَرون: إنّهما مطّردان في الحالين، و هو الأشهر عندهم.

فعلي هذا هل تجب الزكاة عليه ؟ فعلي الأوّل لا تجب، و علي الثاني تجب ما دام ملكه باقياً(2).

و قول الشافعي: «لا زكاة عليه» محمول عند هؤلاء علي ما إذا باع المفلس ماله من الغرماء(3).

مسألة 272: إذا قلنا بأنّه تنفذ تصرّفاته بعد الحجر، وجب تأخير ما تصرّف فيه،

و قضي الدَّيْن من غيره فربما يفضل، فإن لم يفضل، نقضنا من تصرّفاته الأضعف فالأضعف علي ما تقدّم، و يؤخّر العتق كما قلناه.

فإن لم يوجد راغب في أموال المفلس إلاّ في العبد المعتق، و التمس الغرماء من الحاكم بيعه ليقبضوا حقّهم معجّلاً، فالأقرب: إجابتهم إلي ذلك،

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 9:5.
2- العزيز شرح الوجيز 9:5، روضة الطالبين 367:3.
3- العزيز شرح الوجيز 9:5، روضة الطالبين 367:3.

و إلاّ لزم أحد الضررين: إمّا تضرّر الغرماء بالصبر، و ليس واجباً، و إمّا تضرّر المفلس و الغرماء معاً لو بِيعت أمواله بالرخص.

و قال بعض الشافعيّة: يحتمل أن ينقض من تصرّفاته الأخير فالأخير، كما في تبرّعات المريض إذا زادت علي الثلث(1).

و هو حسن لا بأس به عندي.

فلو وقعت دفعةً، احتُمل القرعة.

و لو أجاز الغرماء بعض التصرّفات، نفذ قطعاً، سواء كان سابقاً أو لاحقاً، و سواء كان عتقاً أو غيره.

هذا إذا باع من غير الغرماء، و لو باع منهم، فسيأتي.

مسألة 273: تصرّفاته الواردة علي ما في الذمّة صحيحة،

كما لو اشتري بثمن في الذمّة، أو باع طعاماً سلفاً، صحّ، و يثبت في ذمّته، و هو أظهر مذهبي الشافعي.

و الثاني: أنّه لا يصحّ شراؤه، كالسفيه(2).

و الأوّل أقوي؛ لوجود المقتضي، و هو صدور العقد من أهله في محلّه، سالماً عن معارضة منع حقّ الغرماء؛ لأنّه لم يرد إلاّ علي أعيان أمواله. و كذا لو اقترض.

و ليس للبائع فسخ البيع، سواء كان عالماً بالحجر أو جاهلاً به؛ لأنّ التفريط من جهته حيث أهمل الاحتياط في السؤال عن حالة مُعامله.

إذا ثبت هذا، فإنّ هذه المتجدّدات و شبهها من الاحتطاب و غيره تدخل تحت الحجر.

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 9:5-10، روضة الطالبين 367:3.
2- العزيز شرح الوجيز 10:5، روضة الطالبين 368:3.
مسألة 274: لو باعه عبداً بثمن في ذمّته بشرط الإعتاق،

فإن أبطلنا جميع التصرّفات - سواء وردت علي عين المال أو في الذمّة - فالأقوي:

بطلان البيع؛ لأنّه تصرّف في المال و إن كان في الذمّة.

و إن قلنا بالصحّة فيما يكون مورده الذمّة علي ما اخترناه، صحّ البيع و العتق معاً، و يكون العتق موقوفاً، فإن قصر المال، احتمل صرفه في الدَّيْن، لا رجوعه إلي البائع.

و الأقوي عندي صحّة عتقه في الحال.

و لو وهب بشرط الثواب ثمّ أفلس، لم يكن له إسقاط الثواب.

مسألة 275: لو أقرّ بدَيْنٍ، فإمّا أن يكون قد أقرّ بدَيْنٍ لزمه

و أضافه إلي ما قبل الحجر إمّا من معاملةٍ أو قرضٍ أو إتلاف، أو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر.

فالأوّل يلزمه ما أقرّ به؛ لأنّ الحجر ثبت عليه لحقّ غيره، فلا يمنع صحّة إقراره.

و هل يشارك المُقرّ له الغرماء بمجرّد إضافة إقراره إلي سببٍ سابق ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّه عاقل، فينفذ إقراره؛ لعموم قوله عليه السلام: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(1) و عموم الخبر(2)الأُم 210:3، مختصر المزني: 104.(3) في قسمة ماله بين غرمائه، و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال ابن المنذر(4).

قال الشافعي: و به أقول(4)

ص: 28


1- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.
2- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش
3- .
4- الحاوي الكبير 321:6، التهذيب - للبغوي - 103:4، العزيز شرح الوجيز 10:5، روضة الطالبين 368:3، المغني 531:4، الشرح الكبير 501:4.

و قال: لو كان المفلس قصّاراً أو صائغاً و أفلس و حُجر عليه و عنده ثياب الناس و حُليّهم، أ يقال: لا يُقبل قوله في ردّ أموال الناس ؟(1).

و لأنّ هذا دَيْنٌ ثابت عليه مضاف - بقوله - إلي ما قبل الحجر، فوجب أن يشارك صاحبه الغرماء، كما لو ثبت بالبيّنة، و بالقياس علي ما إذا أقرّ المريض بدَيْنٍ يزاحم المُقرّ له غرماء الصحّة.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا يُقبل في حقّ الغرماء - و به قال مالك و أحمد و محمّد بن الحسن - لأنّ حقّ الغرماء تعلّق بما لَه من المال، و في القبول إضرار بهم بمزاحمته إيّاهم. و لأنّه متّهم في هذا الإقرار، فلا يسقط به حقّ الغرماء المتعلّق بماله، كما لو أقرّ بما رهنه، فحينئذٍ لا يشارك المُقرّ له الغرماء، بل يأخذ ما فضل عنهم(2).

و تُمنع التهمة؛ لأنّ ضرر الإقرار في حقّه أكثر منه في حقّ الغرماء، فلا تهمة فيه، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنّه لا يُقرّ بدَيْنٍ عليه و ليس عليه دَيْنٌ.

مسألة 276: لو أقرّ بدَيْنٍ لاحقٍ بعد الحجر و أسنده إلي ما بعد الحجر،

فإن كان قد لزمه باختيار صاحبه - كالبيع و القرض و غيرهما من المعاملات المتجدّدة بعد الحجر - فإنّه يكون في ذمّته، و لا يشارك المُقرّ له الغرماء؛ لأنّ صاحب المال رضي بذلك إن علم أنّه مفلس، و إن لم يعلم، فقد فرّط في ذلك.

و إن كان قد لزمه عن غير رضا صاحبه - كما لو أتلف عليه مالاً أو جني عليه جناية - فالأقرب: أنّه يُقبل في حقّ الغرماء، كما لو أسند الدَّيْن

ص: 29


1- الأُم 210:3.
2- نفس المصادر في الهامش (3) من ص 28.

إلي [سببٍ](1) سابقٍ علي الحجر؛ لأنّ حقّه ثبت بغير اختياره، و هو أصحّ طريقي الشافعيّة(2).

لا يقال: لِمَ لا قُدّم حقّه علي حقّ الغرماء كما قُدّم حقّ المجنيّ عليه علي حقّ المرتهن ؟

لأنّا نقول: الفرق أنّ الجناية لا محلّ لها سوي الرهن، و الدَّيْن متعلّق بالرهن و الذمّة، فقد اختصّ بالعين، و في مسألتنا الدَّيْنان متعلّقان بالذمّة فاستويا. و لأنّ الجناية قد حصلت من الرهن الذي علّقه به صاحبه، فقُدّمت الجناية كما تُقدَّم علي حقّ صاحبه، و هنا الجناية كانت من المفلس دون المال، فافترقا.

و نظيره في حقّ المفلس أن يجني عبده، فيقدّم علي حقّ الغرماء.

و الطريق الثاني: أنّه كما لو قال: عن معاملةٍ(3).

و لو أقرّ بدَيْن و لم يُسنده إلي ما قبل الحجر و لا إلي ما بعده، حُمل علي الثاني، و جُعل بمنزلة ما لو أسنده إلي ما بعد الحجر؛ لأصالة التأخّر، و عدم التعلّق.

مسألة 277: لو أقرّ المفلس بعين من الأعيان - التي في يده - لرجلٍ

و قال: غصبته منه أو استعرته أو أخذته سَوْماً أو وديعةً، فالأقرب: النفوذ، و مضيّ الإقرار في حق الغرماء، كما لو أقرّ بدَيْنٍ سابقٍ.

و للشافعي قولان، كالقولين في الإقرار بالدَّيْن السابق علي الحجر(4)

ص: 30


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 10:5، روضة الطالبين 368:3.
3- العزيز شرح الوجيز 10:5، روضة الطالبين 368:3.
4- التهذيب - للبغوي - 103:4، العزيز شرح الوجيز 11:5، روضة الطالبين 369:3.

لكنّ الإقرار بالدَّيْن السابق علي الحجر أثره أن يزاحم المُقرّ له الغرماء، و هنا يُسلّم المُقرّ به علي القول بالقبول، و علي القول بعدمه إن فضل، سلّم العين إلي المُقرّ له، و إلاّ غرم قيمتها بعد اليسار.

فإن كذّبه المُقرّ له، بطل إقراره، و قُسّمت العين بين الغرماء.

و كذا لو أقرّ بدَيْنٍ فكذّبه المُقرّ له، لم يُسمع إقراره. و مع عدم قبول إقراره بالعين إن فضلت، دُفعت العين إلي المُقرّ له قطعاً، بخلاف البيع؛ فإنّ فيه إشكالاً.

و كذا الإشكال لو ادّعي أجنبيّ شراء عين في يده من(1) قبل الحجر فصدّقه.

و اعلم أنّ الفرق بين الإنشاءات حيث رددناها في الحال قطعاً و قلنا:

الأصحّ أنّه لا يُحكم بنفوذها عند انفكاك الحجر أيضاً، و بين الأقارير حيث قبلناها في حقّ المفلس جزماً و في حقّ الغرماء علي الأصحّ: أنّ مقصود الحجر منعُه من التصرّف، فيناسبه إلغاء ما ينشئه، و الإقرار إخبار عمّا مضي، و الحجر لا يسلب العبارة عنه.

مسألة 278: لو أقرّ بما يوجب القصاص عليه أو الحدّ، قُبِل،

و أُجري عليه حكم إقراره، سواء أدّي إلي التلف أو لا؛ لانتفاء التهمة. و لأنّه عاقل أقرّ بما يؤثّر في حقّه حكماً، و لا مانع له؛ إذ المانع التصرّف في الماليّة و ليس ثابتاً، فثبت موجَب إقراره.

و لو كان الإقرار بسرقةٍ توجب القطع، قُبِل في القطع، و أمّا في المسروق فكما لو أقرّ بمالٍ، و القبول هنا أولي؛ لبُعْد الإقرار عن التهمة.

ص: 31


1- في «ث»: «منه» بدل «من».

و لو أقرّ بما يوجب القصاص فعفا المستحقّ علي مالٍ، فهو كإقرارٍ بدَيْن جناية.

و قال بعض الشافعيّة: يُقطع هنا بالقبول؛ لانتفاء التهمة(1).

مسألة 279: لو ادّعي رجل علي المفلس مالاً لزمه قبل الحجر فأنكر المفلس،

فإن أقام المدّعي بيّنةً، ثبت حقّه، و ساوي الغرماء. و إن لم تكن له بيّنة، كان علي المفلس اليمين، فإن حلف، برأ، و سقطت الدعوي. و إن نكل، رُدّت اليمين علي المدّعي، فإذا حلف، ثبت الدَّيْن.

و هل يشارك المدّعي الغرماء؟ إن قلنا: إنّ النكول و ردّ اليمين كالبيّنة، زاحَم المدّعي الغرماء، كما لو ثبت دَيْنه بالبيّنة. و إن قلنا: إنّه كالإقرار، فكالقولين.

مسألة 280: لا خلاف في أنّ الحجر يتعلّق بالمال الموجود للمفلس حالة الحجر،

و أمّا المتجدّد بعده باصطيادٍ أو اتّهاب أو قبول وصيّة، الأقرب: أنّ الحجر يتعدّي إليه أيضاً؛ لأنّ مقصود الحجر إيصال حقوق المستحقّين إليهم، و هذا لا يختصّ بالموجود عند الحجر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ الحجر لا يتعدّي إلي المتجدّد؛ لأنّ الحجر علي المفلس لقصر يده عن التصرّف فيما عنده، فلا يتعدّي إلي غيره، كما أنّ حجر الراهن علي نفسه في العين المرهونة لا يتعدّي إلي غيرها(2).

إذا ثبت هذا، فإذا اشتري شيئاً و قلنا بصحّة شرائه، ففيه مثل هذا

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 11:5، روضة الطالبين 369:3.
2- الوسيط 10:4، الوجيز 170:1، العزيز شرح الوجيز 12:5، روضة الطالبين 369:3.

الخلاف.

و هل للبائع الخيارُ و التعلّق بعين متاعه ؟ الأقرب: العدم - و هو أحد وجوه الشافعي(1) - لأنّه إن(2) كان عالماً، كان بمنزلة مَن اشتري معيباً يعلم بعيبه. و إن كان جاهلاً، فقد قصّر بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه؛ فإنّ الحاكم يشهر أمر المحجور عليه بالنداء و الإشهاد و الإعلان.

و الثاني: أنّ البائع إن كان عالماً، فلا خيار له. و إن كان جاهلاً، فله الخيار، و الرجوع إلي عين ماله.

و الثالث: أنّ للبائع الخيارَ في الرجوع إلي عين ماله و إن كان عالماً؛ لتعذّر الوصول إلي الثمن(3).

و كذا المُقرض.

و يقرب من هذا ما إذا باع من عبدٍ بغير إذن مولاه و قلنا بصحّة البيع، فإنّ الثمن يتعلّق بذمّته يتبع به بعد العتق، فإن كان عالماً، ففي ثبوت الخيار وجهان(4).

و إن كان جاهلاً، يثبت.

مسألة 281: إذا لم يثبت للبائع الرجوعُ في المبيع علي المفلس المحجور، فهل يزاحم الغرماء بالثمن ؟ الأقرب: المنع؛

لأنّه دَيْنٌ حادث بعد الحجر برضا صاحبه، و كلّ ما هذا شأنه من الديون لا يزاحم مستحقّها الغرماء، بل إن فضل منهم شيء، أخذه، و إلاّ صبر إلي أن يجد مالاً، و هو أصحّ قولي الشافعي.

ص: 33


1- الوسيط 10:4، العزيز شرح الوجيز 12:5-13، روضة الطالبين 369:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و إن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الوسيط 10:4، العزيز شرح الوجيز 12:5-13، روضة الطالبين 369:3.
4- الوجهان أيضاً للشافعيّة، راجع: العزيز شرح الوجيز 13:5.

و الثاني: أنّه يزاحم؛ لأنّه و إن كان دَيْناً جديداً فإنّه في مقابلة ملكٍ جديد، فلمّا زاد المال جاز أن يزيد الدَّيْن، بخلاف الصداق الذي [لزمه](1) بنكاح بعد الفلس و دَيْن ضمنه بعد الفلس، فإنّه لا مقابل له هناك(2).

مسألة 282: أقسام ديون المفلس، الثابتة بعد الحجر ثلاثة:
أ: ما لزم باختيار مستحقّه،

فإن كان في مقابلته شيء - كثمن المبيع - فقد ذكرنا الخلاف في أنّه هل له المطالبة به أم لا؟ و إن لم يكن في مقابلته شيء، فلا خلاف في أنّ مستحقّه لا يُضارِب الغرماء، بل يصبر إلي فكاك الحجر.

ب: ما لزم بغير اختيار المستحقّ،

كأرش الجناية و غرامة الإتلاف، و فيه وجهان:

[أحدهما:] أنّه لا يضارب به؛ لتعلّق حقوق الأوّلين بأعيان أمواله، فصار كما لو جني الراهن و لا مال له غير المرهون، لا يزاحم المجنيّ عليه المرتهن.

و الثاني: أنّه يضارب؛ لأنّه لم يوجد منه تقصير، فيبعد تكليفه الانتظار(3).

ج: ما يتجدّد بسبب مئونات المال،

كأُجرة الوزّان و الناقد و الكيّال و الحمّال و المنادي و الدلاّل و أُجرة البيت الذي يُحفظ فيه المتاع، فهذه المُؤن كلّها مقدَّمة علي ديون الغرماء؛ لأنّها لمصلحة الحجر و إيصال أرباب

ص: 34


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 13:5.
3- الوجهان أيضاً للشافعيّة، راجع: العزيز شرح الوجيز 13:5، و روضة الطالبين 369:3.

الحقوق حقوقهم، و لو لم تُقدَّم لم يرغب أحد في تلك الأعمال، و حصل الضرر بالمفلس و الغرماء.

و هذا كلّه إذا لم يوجد متطوّعٌ بذلك، و لا في بيت المال سعة له، فإن وُجد متطوّعٌ أو كان في بيت المال سعة، لم يُصرف مال المفلس إليها.

مسألة 283: شرطنا في التصرّف - الذي يُمنع المفلس منه - كونه مبتدأً،

كالابتداء بالبيع و الصدقة و الوقف و الكتابة و الهبة، أمّا ما ليس بمبتدإ فإنّه لا يُمنع منه، فلو اشتري قبل الحجر شيئاً ثمّ اطّلع علي عيبه بعد الحجر، فله الردّ بالعيب إن كانت الغبطة في الردّ؛ لأنّه ليس ابتداء تصرّفٍ، بل هو من أحكام البيع السابق و لواحقه، و الحجر لا يمنع من الأحكام السابقة عليه، و ليس ذلك كما لو باع مع الغبطة؛ لأنّ ذلك تصرّف مبتدأ، و الفسخ ليس تصرّفاً مبتدأً، فافترقا.

فإن منع من الردّ بالعيب السابق تصرّفٌ أو عيبٌ حادث، لزم الأرش، و لم يملك المفلس إسقاطه؛ لأنّه تصرّف في مالٍ وجب له بالإتلاف إلي غير عوضٍ، و هو ممنوع من الإتلاف بالعوض فبغيره أولي.

و لو كانت الغبطة في ترك الردّ بأن كان قيمته مع العيب أكثر من ثمن المثل، لم يكن له الردُّ؛ لما فيه من تفويت المال بغير عوضٍ.

و كذا المريض لو اشتري حال صحّته شيئاً ثمّ وجد عيبه في مرضه فأمسكه و الغبطة في الردّ، كان المقدار الذي ينقصه العيب معتبراً من الثلث.

و كذا وليّ الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيباً و كانت الغبطة في إبقائه، لم يكن له الردّ.

و يثبت في هذه المواضع كلّها الأرش؛ لأنّا لا نشترط في وجوب الأرش امتناع الردّ.

ص: 35

و قال الشافعي: لا يثبت الأرش في هذه الصور؛ بناءً علي أصله من أنّ الأرش لا يثبت مع إمكان الردّ، و الردّ هنا ممكن غير ممتنعٍ في نفسه، بل إنّما امتنع لأنّ المصلحة اقتضت الامتناع منه(1).

مسألة 284: لو تبايعا بخيار ففلّسا أو أحدهما، لم يبطل خيار المفلس،

و كان له إجازة البيع و ردّه، سواء رضي الغرماء أو سخطوا.

و لا يُعتبر هنا الغبطة؛ لأنّ ذلك ليس تصرّفاً مبتدأً، و إنّما مُنع المفلس من التصرّفات المستحدثة.

و فارق الفسخ و الإجازة بالخيار الردَّ بالعيب؛ لأنّ العقد في زمن الخيار متزلزل لا ثبات له، فلا يتعلّق حقّ الغرماء بالمال، و يضعف تعلّقه به، بخلاف ما إذا خرج معيباً، و إذا ضعف التعلّق جاز أن لا يُعتبر شرط الغبطة، و هو أظهر وجوه الشافعي.

و الثاني: أنّ تجويز الفسخ و الإجازة متقيّد بالغبطة، كالردّ بالعيب.

و هو مخرَّج من عقد المريض في صحّته بشرط الخيار ثمّ يفسخ أو يُجيز حالة المرض علي خلاف الغبطة، فإنّه تصرّف من الثلث.

و الفرق: أنّ حجر المريض أقوي، فإنّ إمضاء الورثة تصرّفَ المريض قبل الموت لا يفيد شيئاً، و إمضاء الغرماء و إذنهم فيما يفعله المفلس يفيدهم الصحّة و الاعتبار.

و الثالث: أنّ كلّ واحدٍ من الفسخ و الإمضاء إن وقع علي وفق الغبطة، فهو صحيح، و إلاّ فالنظر إلي الخلاف في الملك في زمن الخيار و إلي أنّ الذي أفلس أيّهما هو؟

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 14:5، روضة الطالبين 370:3.

فإن كان المشتري و قلنا: الملك للبائع، فللمشتري الإجازة و الفسخ.

أمّا الإجازة: فلأنّها جلب ملك. و أمّا الفسخ: فلا يمنع دخول شيء في ملكه، إلاّ أنّه أزال ملكاً. و إن قلنا: الملك للمشتري، فله الإجازة؛ لأنّه يستديم الشيء في ملكه، فإن فسخ، لم يجز؛ لما فيه من إزالة الملك.

و إن أفلس البائع، فإن قلنا: الملك له، فله الفسخ؛ لأنّه يستديم الملك، و ليس له الإجازة؛ لأنّه يُزيله. و إن قلنا: الملك للمشتري، فللبائع الفسخ و الإجازة، كما قلنا في طرف المشتري(1).

و ما ذكرناه أولي.

و لو قيل في الردّ بالعيب: إنّه لا يتقيّد بالغبطة كما في الخيار، كان وجهاً.

مسألة 285: لو جُني علي المفلس أو علي مملوكه أو علي مورّثه جناية، فإن كانت خطأً، وجب المال،

و تعلّق به حقوق الغرماء، و لا يصحّ منه العفو عنه. و إن كانت عمداً توجب القصاص، تخيّر بين القصاص و العفو.

و ليس للغرماء مطالبته بالعفو علي مالٍ؛ لأنّه اكتساب للمال و تملّك، و هو غير لازمٍ، كما لا يلزمه الكسب و قبول الهبة.

فإن استوفي القصاص، فلا كلام. و إن عفا علي مالٍ و رضي الجاني، ثبت المال، و تعلّق به حقوق الغرماء.

و إن عفا مطلقاً، سقط حقّه من القصاص، و لم يثبت له مالٌ - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّ موجَب جناية العمد القصاصُ خاصّةً.

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 14:5-15، روضة الطالبين 370:3.
2- الحاوي الكبير 324:6.

و له قولٌ آخَر: إنّ موجَبها أحد الأمرين: إمّا القصاص، أو الدية(1).

فإن عفا عن القصاص، تثبت له الدية، و تعلّق بها حقوق الغرماء.

و إن عفا علي غير مالٍ، فإن قلنا: الواجب القصاصُ خاصّةً، لم يثبت له شيء. و إن قلنا: الواجب أحد الأمرين، ثبتت الدية، و لم يصح إسقاطه لها؛ لحقّ الغرماء؛ لأنّ عفوه عن القصاص يوجب الدية، فلا يصحّ منه إسقاطها.

مسألة 286: للمفلس المحجور عليه الدعوي؛
اشارة

لأنّه ليس تصرّفاً في مالٍ، بل استيجاب مالٍ، و لا نعلم فيه خلافاً.

فإذا ادّعي علي غيره بمالٍ، فإن اعترف المدّعي عليه، أو قامت له البيّنة، ثبت له المال، و تعلّق به حقّ الغرماء. و إن أنكر و لا بيّنة فإن حلف، برئ، و سقطت الدعوي.

و لو أقام المفلس شاهداً واحداً بدعواه، فإن حلف مع شاهده، جاز، و استحقّ المال، و تعلّق به حقّ الغرماء. و إن امتنع، لم نجبره علي اليمين؛ لأنّا لا نعلم صدق الشاهد، و لو علمناه، يثبت الحقّ بشهادته من غير يمين، فلا نجبره علي الحلف علي ما لا نعلم صدقه. و لأنّه تكسّب، و ليس واجباً عليه.

و لم يحلف الغرماء مع الشاهد عندنا - و هو الجديد للشافعي، و به قال أحمد(2) - لأنّه لا يجوز للإنسان أن يحلف ليُثبت بيمينه ملكاً لغيره حتي يتعلّق حقّه به، كما لا يجوز للزوجة أن تحلف لإثبات مالٍ لزوجها و إن كان إذا ثبت، تعلّقت نفقتها به.

ص: 38


1- الحاوي الكبير 325:6.
2- الحاوي الكبير 328:6-329، المغني 524:4، الشرح الكبير 551:4.

و قال في القديم: إنّ الغرماء يحلفون؛ لأنّ حقوقهم تتعلّق بما يثبت للمفلس كما يحلف الورثة مع شاهدهم بمالٍ(1) لمورّثهم و للوكيل في العقد إذا حالفه مَن العقد معه، تحالفا و إن ثبت العقد لغيره(2).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الورثة يُثبتون بأيمانهم الملكَ لأنفسهم، و الوكيل في العقدِ اليمينُ متعلّقةٌ به؛ لأنّه هو العاقد، فيُثبت بيمينه فعلَ نفسه، و لهذا لا يحلف موكّله علي ذلك.

و كذا مَنْ مات و عليه دَيْنٌ فادّعي وارثه دَيْناً له علي رجل و أقام عليه شاهداً و حلف معه، يثبت الحقّ، و جُعل المال في سائر تركاته. و إن امتنع من اليمين أو لم يكن له شاهد و نكل المدّعي عليه عن اليمين و لم يحلف الوارث اليمينَ المردودة، فهل يحلف الغرماء؟

أمّا عندنا فلا؛ لما تقدّم. و أمّا عند الشافعي فقولان له:

الجديد كقولنا؛ لأنّ حقّه فيما يثبت للميّت، أمّا إثباته للميّت فليس إليه، و لهذا لو وصّي لإنسانٍ بشيء فمات قبل القبول و لم يقبله وارثه، لم يكن للغريم القبولُ.

و قال في القديم: يحلف الغريم؛ لأنّه ذو حقّ في التركة، فأشبه الوارث(3).

إذا عرفت هذا، فالقولان أيضاً في اليمين الثابتة بالنكول، و هو ما إذا3.

ص: 39


1- كذا، و الظاهر: «علي مال» بدل «بمال».
2- نفس المصادر في الهامش (2) من ص 38.
3- التهذيب - للبغوي - 108:4، العزيز شرح الوجيز 15:5-16، روضة الطالبين 371:3.

لم يكن للمفلس بيّنة و ردَّ المدّعي عليه اليمينَ فلم يحلف المفلس، ففي إحلاف الغرماء للشافعي قولان(1).

و عندنا ليس لهم الحلف.

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة ذكر طريقين في إحلاف غرماء المفلس مع شاهده:

أحدهما: طرد القولين.

و الثاني: القطع بالمنع هنا، و الخلاف في الميّت.

و الفرق: أنّ الحقّ للمفلس، فامتناعه عن اليمين يورث ريبةً ظاهرة، و في الصورة الأُولي صاحب الحقّ غير باقٍ، و إنّما يحلف الوارث بناءً علي معرفته بحال مُورّثه و هو [قد](2) يخفي عنه و لا يخفي عن الغرماء، و لأنّ غرماء الميّت آيسون عن حلفه، فمُكّنوا من اليمين لئلاّ يضيع الحقّ، و غرماء المفلس غير آيسين عن حلفه(3).

قال الجويني: الطريقة الثانية أصحّ. و حكي عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوي من الغرماء(4).

و قطع أكثرهم بمنع الدعوي ابتداءً، و تخصيص الخلاف باليمين بعد دعوي الوارث و المفلس(5).

و لا فرق بين أن تكون الدعوي بعينٍ أو بدَيْنٍ.3.

ص: 40


1- الحاوي الكبير 329:6.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 16:5. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 16:5، روضة الطالبين 371:3.
فروع:
أ - لو حلف بعض الغرماء - عند القائلين به - دون بعضٍ، استحقّ الحالفون بالقسط،

كما لو حلف بعض الورثة لدَيْن الميّت.

ب - ليس لمن امتنع من اليمين من الغرماء - إن جوّزنا لهم الحلف - مشاركة الحالف،

كالوارث إذا حلف دون باقي الورثة، لم يكن للباقين مشاركته؛ لأنّ المقبوض باليمين ليس عينَ مال الميّت و لا عوضه بزعم الغريم.

ج - لو حلف الغرماء ثمّ أبرءوا عن ديونهم، فالمحلوف عليه يُحتمل أن يكون للمفلس؛

لخروجه عن ملك المدّعي عليه بحلف الغرماء، و عن ملك الغرماء بإبرائهم عن الدَّيْن، فيبقي للمفلس. و أن يكون للغرماء؛ لأنّه يثبت بحلفهم، و يلغو الإبراء. و هو ضعيف. أو يبقي علي المدّعي عليه، و لا يستوفي أصلاً.

و للشافعي ثلاثة أوجُه(1) كهذه.

مسألة 287: الدَّيْن إن كان حالاًّ أو حلّ بعد الأجل و أراد المديون السفر، كان لصاحب الدَّيْن منعه من السفر حتي يقبض حقّه،

و ليس في الحقيقة هذا منعاً من السفر كما يمنع السيّدُ عبدَه و الزوجُ زوجتَه، بل يشغله عن السفر برفعه إلي الحاكم و مطالبته حتي يُوفي الحقّ، و حبسه إن ماطَل.

و إن كان الدَّيْن مؤجَّلاً، فإن لم يكن السفر مخوفاً، لم يُمنع منه؛ إذ ليس له مطالبته في الحال بالحقّ.

ص: 41


1- العزيز شرح الوجيز 16:5، روضة الطالبين 371:3.

و ليس له أيضاً أن يطالبه برهن و لا كفيل؛ لأنّه ليس له مطالبته بالحقّ فكيف يكون له المطالبة بالرهن أو الكفيل و هو المفرط في حظّ نفسه حيث رضي بالتأجيل من غير رهنٍ و لا كفيل!؟

و هل له أن يكلّفه الإشهاد؟ قال الشافعي: ليس له ذلك(1).

و الأقرب عندي أنّه يجب عليه الإشهاد؛ لما فيه من إبراء الذمّة.

و إن كان السفر مخوفاً - كالجهاد، و ركوب البحر - لم يكن له المنع منه أيضاً و لا المطالبة برهن و لا كفيل؛ إذ لا مطالبة له في الحال، و هو أصحّ وجوه الشافعي.

و الثاني: أنّه يمنعه إلي أن يؤدّي الحقّ أو يُعطي كفيلاً؛ لأنّه في هذا السفر يُعرّض نفسه للهلاك فيضيع حقّه.

و الثالث: إن لم يخلّف وفاءً، مَنَعه. و إن خلّف، لم يكن له منعه اعتماداً علي حصول الحقّ منه(2).

مسألة 288: و لا فرق بين أن يكون الأجل قليلاً أو كثيراً،

و لا بين أن يكون السفر طويلاً أو قصيراً، فلو بقي للأجل نصف نهار ثمّ أراد إنشاء سفرٍ طويل في أوّله، لم يكن لصاحب الدَّيْن منعه منه، فإنه لا يجب عليه إقامة كفيل و لا دَفْع رهن، و ليس لصاحب الدَّيْن مطالبته بأحدهما، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: إذا علم حلول الأجل قبل رجوعه، فله أن يطالبه بكفيل

ص: 42


1- الحاوي الكبير 337:6، التهذيب - للبغوي - 117:4، العزيز شرح الوجيز 17:5، روضة الطالبين 372:3.

- و هو قول بعض الشافعيّة - لأنّ عليه ضرراً في تأخّر حقّه(1).

و الضرر لحقه بواسطة التأجيل، و هو من فعله، و رضي به من غير كفيل، فلم يكن له إزالته بعد ذلك، و كما أنّه ليس له مطالبته بالحقّ في الحال، كذا ليس له المطالبة بكفيلٍ، كما لو لم يسافر.

و لو أراد صاحب المال أن يسافر معه ليطالبه عند الحلول، فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب.

إذا ثبت هذا، فإنّه إذا حلّ الأجل و هو في السفر و تمكّن من الأداء، وجب عليه إمّا برجوعه أو بإنفاذ وكيله أو ببعث رسالته(2) أو بغيره من الوجوه.

مسألة 289: الهبة من الأدني للأعلي لا تقتضي الثواب؛

للأصل، و هو أحد قولي الشافعي(3).

فإن شرطه، صحّ عندنا؛ لقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4).

و للشافعي قولان علي تقدير عدم اقتضاء الثواب(5)

ص: 43


1- الحاوي الكبير 337:6، التهذيب - للبغوي - 117:4، العزيز شرح الوجيز 17:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «رسالة».
3- المهذّب - للشيرازي - 454:1، التنبيه: 139، الحاوي الكبير 549:7، حلية العلماء 57:6، التهذيب - للبغوي - 530:4، العزيز شرح الوجيز 243:4، و 329:6، روضة الطالبين 446:4، منهاج الطالبين: 172، المغني 331:6.
4- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
5- المهذّب - للشيرازي - 454:1، التنبيه: 139، الحاوي الكبير 550:7، التهذيب - للبغوي - 530:4، حلية العلماء 58:6، العزيز شرح الوجيز 329:6، روضة الطالبين 446:4-447، منهاج الطالبين: 172، المغني 332:6.

فإن قلنا بالاقتضاء، أو شرطه مطلقاً، ففيه ثلاثة أقوال للشافعي:

أحدها: قدر قيمة الموهوب.

و الثاني: ما جرت العادة بأن يُثاب مثله في تلك الهبة.

و الثالث: ما يرضي به الواهب(1).

فإذا وهب المفلس هبة توجب الثواب ثمّ حُجر عليه، لم يكن له إسقاطه؛ لأنّه تصرّفٌ في المال بالإسقاط، فيُمنع منه.

فإن قلنا بوجوب القيمة أو ما جرت العادة بمثله، لم يكن له أن يرضي إلاّ بذلك.

و إن قلنا: له ما يرضيه، كان له أن يرضي بما شاء و إن قلّ جدّاً، و لا يعترض عليه - و به قال الشافعي(2) - لأنّ المال لا يثبت إلاّ برضاه، فلو عيّنّا عليه الرضا، لكان تعييناً للاكتساب.

مسألة 290: قد بيّنّا أنّه لو أقرّ بعين، دُفعت إلي المُقرّ له علي إشكال.

و يُحتمل عدم الدفع، و يكون حقّ الغرماء متعلّقاً بها.

فعلي تقدير عدم القبول لو فضلت عن أموال الغرماء دُفعت إلي المُقرّ له قطعاً؛ عملاً بالإقرار.

أمّا البيع فلو باعها حالة الحجر و قلنا بعدم النفوذ ففضلت عن أموال الغرماء، ففي إنفاذ البيع فيها إشكال.

و كذا الإشكال لو ادّعي أجنبيّ شراء عينٍ منه في يده قبل الحجر

ص: 44


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، التنبيه: 139، الحاوي الكبير 550:7-551، حلية العلماء 58:6-59، التهذيب - للبغوي - 530:4-531، الوسيط 276:4، العزيز شرح الوجيز 330:6، روضة الطالبين 446:4.
2- التهذيب - للبغوي - 102:4، العزيز شرح الوجيز 23:5، روضة الطالبين 382:3.

فصدّقه.

و لو قال: هذا المال مضاربة لغائبٍ، قيل: يُقرّ في يده؛ عملاً بمقتضي إقراره، كما لو أقرّ بدَيْنٍ أو بعينٍ.

و لو قال: لحاضرٍ، فإن صدّقه، دُفع إليه علي إشكال. و إن كذّبه، قُسّم بين الغرماء.

و يضرب المجنيّ عليه بعد الحجر بالأرش و قيمة المتلف، و يُمنع من قبض بعض حقّه.

و لا يُمنع من وطئ مستولدته.

و الأقرب: منع غير المستولدة من إمائه، فإن فَعَل و أحبل، صارت أُمَّ ولدٍ، و لا يبطل حقّ الغرماء منها مع القصور دونها.

البحث الثاني: في بيع ماله و قسمته.
مسألة 291: كلّ مَن امتنع من قضاء دَيْنٍ عليه مع قدرته و تمكّنه منه و امتنع من بيع ماله فإنّ علي الحاكم أن يُلزمه بأدائه

أو يبيع عليه متاعه، سواء كان مفلساً محجوراً عليه أو لا، و يقسّمه بين الغرماء - و به قال الشافعي و مالك و أبو يوسف و محمّد(1) - لما رواه العامّة: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله حجر علي معاذ، و باع ماله في دَيْنه(2).

و خطب عمر فقال في خطبته: ألا إنّ أُسيفع جُهَيْنة قد رضي من دينه

ص: 45


1- المهذّب - للشيرازي - 237:1، التنبيه: 101، حلية العلماء 484:4، التهذيب - للبغوي - 104:4 و 109، العزيز شرح الوجيز 18:5، روضة الطالبين 372:3، بداية المجتهد 284:2، المبسوط - للسرخسي - 164:24، المغني 529:4 و 530، الشرح الكبير 495:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (4).

و أمانته أن يقال: سبق الحاجَّ، فادّان معترضاً(1) فأصبح و قد رين به، فمَنْ كان له عليه مالٌ فليحضر غداً فإنّا بائعو ماله و قاسموه بين غرمائه(2).

و هذا رجل من جُهَيْنة كان يشتري الرواحل و يُسرع السير فيسبق الحاجَّ فأفلس.

و «ادّان» يعني استقرض. و قوله: «معترضاً» أي اعترض الناس فاستدان ممّن أمكنه. و «رين به» أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه.

قال أبو عبيد: كلّ ما غلبك فقد ران بك و رانك(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمّار عن الصادق عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل إذا التوي علي غرمائه ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبي باعه فقسّمه بينهم، يعني ماله»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يُباع ماله، بل يحبسه ليبيع بنفسه، إلاّ أن يكون ماله أحدَ النقدين و عليه الآخَر، فيدفع الدراهم عن الدنانير، و الدنانير عن الدراهم؛ لأنّه رشيد لا ولاية لأحدٍ عليه، فلم يجز للحاكم أن يبيع ماله عليه، كما لو لم يكن عليه دَيْنٌ(5)4.

ص: 46


1- في المصادر: «معرضاً».
2- الموطّأ 8/770:2 (الباب 8 من كتاب الوصيّة) المهذّب - للشيرازي - 327:1، الحاوي الكبير 264:6، بداية المجتهد 284:2، المبسوط - للسرخسي - 164:24، العزيز شرح الوجيز 18:5، المغني 530:4، الشرح الكبير 495:4.
3- غريب الحديث - للهروي - 270:3 «رين» و فيه: «... ران بك و ران عليك». و حكاه عنه - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز 18:5.
4- الكافي 102:5 (باب إذا التوي الذي عليه الدَّيْن علي الغرماء) ح 1، التهذيب 412/191:6، الاستبصار 15/7:3.
5- الهداية - للمرغيناني - 285:3، المبسوط - للسرخسي - 164:24 و 165، النتف 752:2، بدائع الصنائع 174:7، التهذيب - للبغوي - 104:4، حلية العلماء 485:4، العزيز شرح الوجيز 18:5، المغني 529:4-530، الشرح الكبير 495:4.

و قياسهم يُنتقض ببيع الدراهم بالدنانير و بالعكس، فإنّه عنده(1) جائز، فجاز في غير النقدين. و يُمنع عدم الولاية؛ لأنّه بمنعه ظالم، فجاز أن تثبت الولاية عليه، كما أنّ الحاكم يُخرج الزكاة من مال الممتنع من أدائها.

مسألة 292: إذا حجر الحاكم علي المفلس، استحبّ له المبادرة إلي بيع ماله و قسمته؛

لئلاّ يتلف منه شيء، و لئلّا تطول مدّة الحجر، و لا يفرط في الاستعجال؛ لئلاّ يطمع المشترون فيه بثمن بخس.

و يستحبّ إحضار المفلس أو وكيله؛ لأنّه يحصي ثمنه و يضبطه.

و لأنّه أخبرُ بمتاعه و أعرفُ من غيره بجيّده من رديئه و ثمنِه، فيتكلّم عليه و يُخبر بقدره، و يعرف المعيب من غيره. و لأنّه يكثر الرغبة فيه، فإنّ شراءه من صاحبه أحبّ إلي المشترين. و لأنّه أبعد من التهمة، و أطيب لنفس المفلس، و أسكن لقلبه، و ليطّلع علي عيبٍ إن كان ليباع علي وجهٍ لا يُردّ.

و كذا يفعل إذا باع المرهون، و ليس ذلك واجباً فيهما.

و يستحبّ أيضاً إحضار الغرماء؛ لأنّه يُباع لهم، و ربما رغبوا في شراء شيء منه فزادوا في ثمنه فانتفعوا هُم و المفلس. و لأنّه أطيب لقلوبهم و أبعد من التهمة.

مسألة 293: و ينبغي للحاكم أن يبدأ ببيع المرهون و صرف الثمن إلي المرتهن؛

لاختصاص حقّ المرتهن بالعين. و لأنّه ربما زادت قيمة الرهن علي الدَّيْن فيضمّ الباقي إلي مال المفلس، و ربما نقصت عن الدَّيْن فيضرب

ص: 47


1- تحفة الفقهاء 35:3، الهداية - للمرغيناني - 83:3، الاختيار لتعليل المختار 61:2.

المرتهن بباقي دَيْنه مع الغرماء.

ثمّ إن كان له عبدٌ جانٍ، قدّم بيعه أيضاً؛ لما قلناه من تعلّق حقّ المجنيّ عليه برقبته و اختصاصه به، و ربما فضل من قيمته شيء فأُضيف إلي مال مولي الجاني. و لا يساوي الرهن، فإنّه إن نقص قيمته عن حقّ الجناية، لم يستحقّ الباقي. و لأنّ حقّه لا يتعلّق بالذمّة بل بالعين خاصّةً، و المرتهن يتعلّق حقّه بالعين و الذمّة معاً.

مسألة 294: و يقدّم بيع ما يخاف عليه الفساد كالفواكه و شبهها؛

لئلاّ يضيع علي المفلس و علي الغرماء، ثمّ الحيوان؛ لحاجته إلي النفقة و كونه عرضةً للهلاك، ثمّ سائر المنقولات؛ لأنّ التلف إليها أسرع من العقارات، ثمّ سائر العقارات؛ لأنّه لا يخشي عليها التلف و لا السرقة، إلاّ(1) مسكنه فإنّه لا يباع.

و ينبغي أن يشهر حال بيعها بين الناس فيظهر الراغبون.

مسألة 295: ينبغي للحاكم أن يقول للمفلس و الغرماء: ارتضوا مَنْ ينادي علي الأمتعة و الأموال؛
اشارة

لأنّ الحاكم لا يكلّف ذلك، بل يردّه إليهم، فإنّه أبعد من التهمة، فإن اتّفقوا علي رجل و كان مرضيّاً، أمضاه الحاكم.

و إن لم يكن ثقةً، ردّه.

لا يقال: أ ليس إذا اتّفق الراهن و المرتهن علي [أن يبيع] الرهنَ غيرُ ثقة(2) ، لم يكن للحاكم الاعتراضُ عليهما؟

لأنّا نقول: الفرق أنّ الحاكم لا نظر له مع الراهن و المرتهن، و في

ص: 48


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و لا» بدل «إلاّ». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في «ج، ر»: «علي بيع الراهن غير ثقة». و في «ث»: «علي بيع الرهن لغير ثقة». و في الطبعة الحجريّة: «علي بيع الرهن من غير ثقة». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

صورة المفلس له نظر و اجتهاد في مال المفلس. و لأنّه قد يظهر غريم فيتعلّق حقّه، فلهذا نظر فيه، بخلاف الرهن.

فإن اختار المفلس رجلاً و اختار الغرماء غيره، نظر الحاكم فإن كان أحدهما غير ثقة دون الآخَر، أقرّ الثقة منهما. و إن كانا ثقتين فإن كان أحدهما متطوّعاً دون الآخَر، أقرّ المتطوّع؛ لأنّه أوفر(1) عليهما. فإن كانا متطوّعين، ضمّ أحدهما إلي الآخَر؛ لأنّه أحوط. و إن كانا غير متطوّعين، اختار أوثقهما و أعرفهما و أقلّهما أُجرةً.

فإن كان المبيع رهناً أو جانياً، أمر بدفع الثمن إلي المرتهن أو وليّ المجنيّ عليه. و إن لم يتعلّق به إلاّ حقّ الغرماء، أمرهم باختيار ثقة يكون المال عنده مجموعاً ليقسّم بينهم علي قدر حقوقهم.

تذنيب: ينبغي أن يرزق المنادي من بيت المال،

و كذا مَنْ يلي حفظه؛ لأنّ بيت المال مُعدٌّ للمصالح، و هذا من جملتها. فإن لم يكن في بيت المال سعة أو كان يحتاج إليه لما هو أهمّ من ذلك، فإن وجد متطوّع ثقة، لم يدفع أُجرة. و إن لم يوجد، دفع الأُجرة من مال المفلس؛ لأنّ البيع حقٌّ عليه.

مسألة 296: ينبغي أن يُباع كلّ متاع في موضع سوقه،

فتباع الكتب في سوق الورّاقين، و البزّ في البزّازين، و الحديد في الحدّادين، و ما أشبه ذلك؛ لأنّ بيعه في سوقه أحوط له و أكثر لطُلاّبه و معرفة قيمته.

فإن باع شيئاً منه في غير سوقه بثمن مثله، جاز، كما لو قال لوكيله:

بِعْ هذا المتاع في السوق الفلاني بكذا، فباعه بذلك الثمن في غير ذلك

ص: 49


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وفر». و الصحيح ما أثبتناه.

السوق و كان غرض الموكّل تحصيل ذلك القدر من الثمن لا غير، فإنّه يصحّ، كذا هنا، بخلاف ما لو قال له: بِعْ من فلان بكذا، فباع من غيره بذلك الثمن، فإنّه يكون قد خالف؛ لأنّه قد يكون له غرض في بيعه من واحدٍ دون واحدٍ.

فإذا باع بثمن المثل ثمّ جاءته الزيادة، فإن كان في زمن الخيار، فسخ البيع احتياطاً للمفلس و الغرماء.

و هل يجب ذلك ؟ إشكال أقربه: الوجوب، كما لو جاءت الزيادة علي ثمن المثل قبل البيع.

و إن جاءت بعد لزوم البيع و انقطاع الخيار، سئل المشتري الإقالة، و يستحبّ له الإجابة إلي ذلك؛ لتعلّقه بمصلحة المفلس و الغرماء و قضاء دَيْن المحتاج. فإن لم يفعل، لم يُجبر عليه.

مسألة 297: و يجب أن يبيع المتاع بثمن مثله حالاًّ من نقد البلد،

فإن كان بقُرْب بلدِ ملك المفلس بلدٌ فيه قوم يشترون العقار في بلد المفلس، أنفذ الحاكم إليهم و أعلمهم ليحضروا للشراء ليتوفّر الثمن علي المفلس، فإذا بلغ ثمن مثله، باعه، و يبيع بنقد البلد و إن كان من غير جنس حقّ الغرماء؛ لأنّه أوفر.

ثمّ إن كان الثمن من جنس مال الغرماء، دفع إليهم. و إن كان من غير جنسه، فإن لم يرض المستحقّون إلاّ بجنس حقّهم، صرفه إلي جنس حقّهم، و إلاّ جاز صَرفه إليهم.

و لو كان سَلَماً و منعنا من المعاوضة عليه قبل قبضه، اشتري الحاكم لهم من جنس حقّهم، و دَفَعه إليهم.

و لو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع، و قال المفلس: لا أُوفيك

ص: 50

إلاّ من جنس مالك، قُدّم قول المفلس؛ لأنّه معاوضة، و لا يجوز إلاّ بتراضيهما عليه.

مسألة 298: لا يدفع السلعة إلي المشتري حتي يقبض الثمن؛ حراسةً لمال المفلس عن التلف.

و قد سبق(1) للشافعيّة أقوال ثلاثة في البداءة بالبائع أو لا؟ فقولٌ: إنّه يبدأ بالبائع، فيسلّم المبيع ثمّ يقبض الثمن. و قولٌ: إنّهما يُجبران علي التسليم إلي عَدْلٍ. و الثالث: أنّهما لا يُجبران.

و هذا الأخير لا يتأتّي هنا؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالثمن و هو حالّ، فلا سبيل إلي تأخيره، بل إمّا يُجبر المشتري علي التسليم أوّلاً، أو يُجبران معاً، و لا يجيء جبر البائع أوّلاً؛ لأنّ مَنْ يتصرّف للغير لا بُدَّ و أن يحتاط.

فإن خالف الواجب و سلّم المبيع قبل قبض الثمن، ضمن.

و ما يقبضه الحاكم من أثمان المبيع من أموال المفلس علي التدريج إن كان الغريم واحداً، سلّم إليه من غير تأخير. و كذا إن أمكنت قسمته بسرعة، لم يؤخّر. و إن كان يعسر قسمته؛ لقلّته و كثرة الديون، فله أن يؤخّر ليجتمع. فإن امتنعوا من التأخير، قسّمه عليهم.

و قال بعض الشافعيّة: يُجبرهم الحاكم علي التأخير(2).

و ليس بجيّد.

و إذا تأخّرت القسمة فإن وجد الحاكم مَنْ يقترضه من الأُمناء ذوي اليسار أقرضهم إيّاه، فإنّه أولي من الإيداع؛ لأنّ القرض مضمون علي

ص: 51


1- في ج 10 ص 108-109 (النظر الثاني في وجوب القبض).
2- العزيز شرح الوجيز 19:5، روضة الطالبين 377:3-378، و فيهما: «فإن أبوا التأخير، ففي النهاية إطلاق القول بأنّه يجيبهم. و الظاهر خلافه».

المقترض، بخلاف الوديعة، فإنّها غير مضمونة علي المستودع، و هي أمانة في يده لا يؤمن تلفها، فلا يرجع المفلس و الغرماء إلي شيء. فإن لم يجد مَنْ يُقرضه إيّاه، جَعَله وديعةً عند أمين. و لو أودع مع وجود المقترض الأمين المليّ، كان جائزاً، لكنّه يكون قد ترك الأولي.

إذا ثبت هذا، فإنّه يقرض المال من المليّ الثقة حالاًّ غير مؤجَّل؛ لأنّ الديون حالّة.

و لو أجّله بأن شرط الأجل في بيعٍ و شبهه عندنا و مطلقاً عند مالك(1) ، لم يجز.

قال الشافعي: مال الصبي يودع و لا يقرض(2).

و فرّق بعض أصحابه بأنّ مال الصبي يُعدّ لمصلحة تظهر له من شراء عقار، أو تجارة، و قرضه قد يتعذّر معه المبادرة إلي ذلك، و مال المفلس مُعدٌّ للغرماء خاصّةً، فافترقا(3).

مسألة 299: إذا لم يوجد المقترض، أودعه الحاكم عند الثقة، و لا يشترط فيه اليسار، بل إن حصل كان أولي.

و ينبغي أن يودع ممّن يرتضيه الغرماء، فإن اختلفوا أو عيّنوا مَنْ ليس بعَدْلٍ، لم يلتفت الحاكم، و عيّن هو مَنْ أراد من الثقات، و لا يودع مَنْ ليس بعَدْلٍ.

و لو تلف شيء من الثمن في يد العَدْل، فهو من ضمان المفلس، و به

ص: 52


1- انظر: الحاوي الكبير 318:6.
2- لم نعثر علي نصّه، و انظر: المهذّب - للشيرازي - 336:3، و حلية العلماء 529:4، و العزيز شرح الوجيز 83:5، و روضة الطالبين 426:3.
3- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر المتوفّرة.

قال الشافعي و أحمد(1).

و قال مالك: العروض من ماله، و الدراهم و الدنانير من مال الغرماء(2).

و قال المغيرة: الدنانير من مال أصحاب الدنانير، و الدراهم من مال أصحاب الدراهم(3).

و ليس بشيء؛ لأنّ المال للمفلس، و إنّما يملكه الغرماء بقبضه، لكن تعلُّق حقِّهم به يجري مجري الرهن حيث تعلّق حقّ المرتهن به، و كما أنّ تلف الرهن من الراهن و إن كان في يد المرتهن، كذا هنا.

و اعلم أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون الضياع في حياة المفلس أو بعد موته، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: ما يتلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء(5).

مسألة 300: إذا ثبتت الديون عند الحاكم و طلب أربابها القسمةَ عليهم، لم يكلّفهم الحاكمُ إقامةَ البيّنة

علي أنّه لا غريم سواهم، و يكتفي الحاكم في ذلك بالإعلان و الإشهاد بالحجر عليه؛ إذ لو كان هناك غريم لظهر و طالَب بحقّه.

ص: 53


1- الحاوي الكبير 317:6 و 330، التهذيب - للبغوي - 105:4، العزيز شرح الوجيز 19:5، روضة الطالبين 378:3، المغني 538:4-539، الشرح الكبير 539:4.
2- الحاوي الكبير 330:6، المغني و الشرح الكبير 539:4.
3- المغني 539:4، الشرح الكبير 540:4.
4- الحاوي الكبير 330:6، التهذيب - للبغوي - 105:4، العزيز شرح الوجيز 19:5، روضة الطالبين 378:3.
5- الحاوي الكبير 141:6 و 330، التهذيب - للبغوي - 105:4، العزيز شرح الوجيز 20:5.

و لا فرق بين القسمة علي الغرماء و القسمة علي الورثة، إلاّ أنّ الورثة يحتاجون إلي إقامة البيّنة علي أنّه لا وارث غيرهم، بخلاف الغرماء.

و الفرق: أنّ الورثة أضبط من الغرماء، و هذه شهادة علي النفي يعسر تحصيلها و مدركها، فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل اعتبارُها حيث كان أعسر(1).

مسألة 301: إذا قسّم الحاكمُ مالَ المفلس بين غرمائه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر، احتُمل عدم نقض القسمة،

بل يشاركهم الغريم الظاهر بالحصّة؛ لأنّ المقصود يحصل به.

و قال الشافعي: تُنقض القسمة، فيستردّ المال من الغرماء، و تُستأنف القسمة، كالورثة إذا قسّموا التركة ثمّ ظهر دَيْنٌ، فإنّه تُنقض القسمة؛ لأنّ الغريم لو كان حاضراً قاسَمهم، فإذا ظهر بعد ذلك، كان حقّه باقياً. و لا يلزم من ذلك نقض حكم الحاكم بالقسمة؛ لأنّ ذلك ليس حكماً منه، كما لو زوّج الصغيرة، لم يصح نكاحه. و لو حكم بالتزويج حاكمٌ آخَر، نفذ عند الشافعي(2).

و أمّا عندنا فالجواب أن نقول: إنّه قسّم علي أنّه لا غريم هناك، فإذا ظهر غريمٌ آخَر، كان ذلك خطأً، فلهذا نُقضت القسمة.

و عن مالك روايتان: إحداهما: تُنقض. و الثانية: لا تُنقض، و لا يخاصمهم الغريم الظاهر؛ لأنّه نقضٌ لحكم الحاكم(3)

ص: 54


1- أي: حيث كان الضبط أعسر.
2- العزيز شرح الوجيز 20:5، و 533:7 و 542، روضة الطالبين 378:3، و 399:5 و 436.
3- حلية العلماء 522:4، المغني 532:4، الشرح الكبير 546:4.

و وافقنا أحمد(1) علي أنّه يشارك.

مسألة 302: لو قسّم الغريمان المالَ - و هو خمسة عشر، و لأحدهما عشرون، و للآخَر عشرة - أثلاثاً، فأخذ صاحبُ العشرين عشرةً،

و صاحبُ العشرة خمسةً، ثمّ ظهر غريمٌ ثالث و له ثلاثون، فإن قلنا بالنقض، نقضت القسمة، و بسط المال علي نسبة ما لكلّ واحدٍ منهم. و إن قلنا بعدم النقض، استردّ الظاهرُ من كلّ واحدٍ منهما نصفَ ما حصل له.

و لو كان [دين كلّ واحدٍ منهما عشرة و قسّم المال بينهما نصفين و كان](2) الذي ظهر له عشرةٌ، رجع علي كلّ واحدٍ منهما بثلث ما أخذ. فإن أتلف أحدهما ما أخذ و هو معسر لا يحصل منه شيء، احتُمل أن يأخذ الغريم الذي ظهر من الآخَر شطر ما أخذ، فكأنّه كلّ المال، ثمّ إن أيسر المتلف، أخذ منه ثلث ما أخذه و قسّماه بينهما. و أن لا يأخذ منه إلاّ ثلث ما أخذه، و ثلث ما أخذه المتلف دَيْنٌ عليه له.

و لو أنّ الغريم الثالث ظهر و قد ظهر للمفلس مالٌ قديم أو حادث بعد الحجر، صُرف منه إلي مَنْ ظهر بقسط ما أخذه الأوّلان، فإن فضل شيء، قُسّم علي الثلاثة.

و إنّما يشارك الغريم الظاهر لو كان حقّه سابقاً علي الحجر، أمّا لو كان حادثاً بعد الحجر، فلا يشارك الأوّلين في المال القديم.

و إن ظهر مالٌ قديم و حدث مال باتّهابٍ(3) أو احتطابٍ و شبهه، فالقديم للقدماء خاصّةً، و الحادث للجميع.

ص: 55


1- المغني 532:4، الشرح الكبير 546:4.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اتّهاب». و الصحيح ما أُثبت.
مسألة 303: إذا باع المفلس شيئاً من ماله قبل الحجر و تلف الثمن في يده بإتلافه

أو بغير إتلافه ثمّ حَجَر عليه الحاكمُ، كان ذلك كدَيْنٍ ظهر علي المفلس، و الحكم ما تقدّم.

و لو باع الحاكمُ مالَه و ظهر الاستحقاق بعد قبض الثمن و تلفه، رجع المشتري في مال المفلس، و لا يطالب الحاكم به. و لو نصب الحاكم أميناً حتي باعه، ففي كونه طريقاً إشكال، كما في العَدْل الذي نصبه القاضي لبيع الرهن.

ثمّ رجوع المشتري في مال المفلس و رجوع الأمين إن قلنا: إنّه طريقٌ للضمان و غرم، للشافعي فيه قولان:

أحدهما: أنّه يضارب مع الغرماء؛ لأنّه دَيْنٌ في ذمّة المفلس، كسائر الديون.

و الثاني: أنّه يُقدَّم علي الغرماء؛ لأنّا لو قلنا بالضمان به، لرغب الناس عن شراء مال المفلس، فكان التقديم من مصالح الحَجْر، كأُجرة الكيّال و نحوها من المُؤن(1).

و الثاني عندي أقوي.

مسألة 304: يجب علي الحاكم أن يُنفق علي المفلس إلي يوم الفراغ من بيع ماله و قسمته،

فيعطيه نفقة ذلك اليوم له و لعياله الواجبي النفقة من الزوجات و الأقارب؛ لأنّه موسر ما لم يزل ملكه. و كذا يكسوهم بالمعروف. و كلّ هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلي هذه الجهات.

و هل ينفق علي الزوجات نفقة المعسرين أو الموسرين ؟ الأقرب عندي: الأوّل.

ص: 56


1- العزيز شرح الوجيز 21:5، روضة الطالبين 379:3.

و يُحتمل الثاني؛ لأنّه لو أنفق نفقة المعسر لما لزمه نفقة الأقارب.

و للشافعي قولان(1).

مسألة 305: لا يُباع علي المفلس مسكنه و لا خادمه و لا فرس ركوبه،

و قد تقدّم(2) ذلك في باب الدَّيْن.

و قد وافقنا علي عدم بيع المسكن أبو حنيفة و أحمد و إسحاق؛ لأنّه ممّا لا غني للمفلس عنه، و لا يمكن حياته بدونه، فلم يصرف في دَيْنه، كقوته و كسوته(3).

و قال الشافعي: يُباع جميع ذلك - و به قال شريح و مالك - و يستأجر له بدلها - و اختاره ابن المنذر - لقوله عليه السلام في المفلس: «خُذُوا ما وجدتم»(4) و قد وجد عقاره(5).

و هو قضيّة شخصيّة جاز أن يقع في مَنْ لا عقار له، مع أنّ الشافعي قال: إنّه يُعدل في الكفّارات المرتّبة إلي الصيام و إن كان له مسكن و خادم، و لا يلزمه صرفهما إلي الإعتاق(6)

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
2- في ج 13، ص 16، المسألة 13.
3- الحاوي الكبير 328:6، المغني 537:4، الشرح الكبير 536:4.
4- صحيح مسلم 1556/1191:3، سنن ابن ماجة 2356/789:2، سنن أبي داوُد 3469/276:3، سنن النسائي 265:7، سنن البيهقي 305:5، و 50:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 3302/319:7، مسند أحمد 11157/461:3، المستدرك - للحاكم - 41:2.
5- الأُمّ 202:3، مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، المهذّب - للشيرازي - 329:1، التهذيب - للبغوي - 106:4، الوسيط 15:4، الوجيز 171:1، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3، منهاج الطالبين: 121.
6- الأُمّ 283:5، مختصر المزني: 205، الحاوي الكبير 496:10، الوجيز 171:1، و 83:2، العزيز شرح الوجيز 22:5، و 314:9-315، الوسيط 15:4، روضة الطالبين 270:6.

فبعض أصحابه خرّج منه قولين في الديون. و بعضهم قرّر القولين، و فرّقوا من وجهين:

أحدهما: أنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه، و الدَّيْن بخلافه.

و ثانيهما: أنّ حقوق اللّه تعالي مبنيّة علي المساهلة، و حقوق الآدميّين علي الشُّحّ و المضايقة.

ثمّ قالوا: المسكن أولي بالإبقاء من الخادم، فينتظم أن يرتّب الخلاف، فيقال: فيهما ثلاثة أوجُه، في الثالث يبقي المسكن دون الخادم.

فإن قلنا بالإبقاء، فذاك إذا كان الإبقاء لائقاً بالحال، دون النفيس الذي لا يليق به، و يشبه أن يكون المراد ذلك: أنّه إن كان ثميناً، بِيع، و إلاّ فلا(1).

مسألة 306: يجب علي الحاكم أن يترك له دَسْت ثوبٍ يليق بحاله و قميص و سراويل و منديل و مكعَّب

(2) ، و يزيد في الشتاء جبّة، و يترك له العمامة و الطيلسان و الخُفّ و دراعة يلبسها فوق القميص إن كان لُبْسها يليق بحاله؛ لأنّ حطّها عنه يزري بحاله.

و في الطيلسان و الخُفّ نظر.

و الأولي الاعتبار بما يليق بحاله في إفلاسه، لا في حال ثروته.

و لو كان يلبس قبل الإفلاس أزيد ممّا يليق بحاله، رُدّ إلي اللائق. و إن كان يلبس دون اللائق تقتيراً، لم يزد عليه في الإفلاس. و يترك لعياله من الثياب ما يترك له، و لا تُترك الفُرُش و البُسُط، بل يسامح باللبد و الحصير القليل القيمة.

ص: 58


1- الوسيط 15:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
2- المكعَّب: البُرْدُ الموشي بوشْيٍ مربّع. و يقال: ثوبٌ مكعَّب: أي مطوي شديد الأدراج. شمس العلوم 5852:9.
مسألة 307: يجوز أن يترك له نفقة يوم القسمة،

و كذا نفقة مَنْ عليه نفقته؛ لأنّه موسر في أوّل ذلك اليوم. و لا يزيد علي نفقة ذلك اليوم، فإنّه لا ضبط بعده. و كلّ ما يُترك له إذا لم يوجد في ماله، اشتري له؛ لقوله عليه السلام: «ابدأ بنفسك ثمّ بمَن تعول»(1) و معلومٌ أنّ في مَنْ يعوله مَنْ تجب نفقته عليه، و يكون دَيْناً عليه، و هي الزوجة، فإذا قدّم نفقة نفسه علي نفقة الزوجة، فكذا علي حقّ الغرماء؛ لأنّ حرمة الحيّ آكد من حرمة الميّت؛ لأنّه مضمون بالإتلاف، و يتقدّم تجهيز الميّت و مئونته علي دَيْنه، فكذا نفقة الحيّ.

و تُقدّم أيضاً نفقة أقاربه، كالوالدين و الولد؛ لأنّهم يجرون مجري نفسه؛ لأنّ النفقة لإحيائهم. و لأنّهم يعتقون عليه إذا ملكهم، كما يعتق إذا ملك نفسه، فكانت نفقتهم كنفقته.

و كذا زوجته تُقدّم نفقتها؛ لأنّ نفقتها آكد من نفقة الأقارب؛ لأنّها تجب علي طريق المعاوضة، و يجب قضاؤها، بخلاف نفقة الأقارب، و فيها معني الإحياء، كما في الأقارب.

و تجب كسوتهم أيضاً؛ لأنّ البقاء لا يتمّ بدونه. فإن كان ممّن عادته الثياب الخشنة، دُفع إليه من الخشن. و إذا كانت عادته الناعم، دُفع إليه أوسط الناعم. و إن كان لباسه من فاخر الثياب الجيّدة، اشتري له من ثمنها أقلّ ما يلبس أقصد مَنْ هو في مثل حاله.

و لو كان ذا كسب، جُعلت نفقته في كسبه، فإن فضل الكسب، فالفاضل للغرماء. و إن أعوز، أُخذ من ماله.

مسألة 308: و لو مات، كُفّن من ماله؛

لأنّ نفقته كانت واجبةً في ماله حالة الحياة فوجب تجهيزه إذا مات، كأقاربه.

ص: 59


1- نوادر الأُصول في أحاديث الرسول 246:1.

[و يلزمه كفن الزوجة](1) و هو أحد قولي الشافعي(2).

و قال في الآخَر: لا يلزمه كفنها - و به قال أحمد - لأنّ النفقة وجبت في مقابلة الاستمتاع و قد فات بالموت، فسقطت النفقة، بخلاف الأقارب، فإنّ قرابتهم باقية(3).

و ينتقض بالعبد؛ فإنّ النفقة وجبت بالملك و قد زال بموته و مع هذا يجب تجهيز العبد.

إذا ثبت هذا، فإنّه يكفّن الكفن الواجب، و هو ثلاثة أثواب: مئزر، و قميص، و إزار عندنا.

و مَن اقتصر في الواجب علي الواحد اقتصر عليه(4) هنا.

و لا يجوز أن يكفّن أزيد ممّا تستحبّ زيادته، إلاّ بإذن الغرماء.

مسألة 309: لا يؤمر المفلس بتحصيل ما ليس بحاصلٍ له

و إن لم يُمكَّن من تفويت ما عنده حتي لو جني علي المفلس أو علي عبده جانٍ، فله القصاص، و لا يلزمه أن يعفو علي المال؛ لأنّه اكتساب.

و لو أوجبت الجناية المالَ، لم يكن له العفو مجّاناً؛ لأنّه تفويت، إلاّ بإذن الغرماء.

و كذا لو قُتل المفلس، لم يكن لوارثه العفوُ مجّاناً إن كان قُتل خطأً.

و لو أسلم في شيء، لم يكن له أن يقبض أدون صفةً أو قدراً، إلاّ بإذن الغرماء.

ص: 60


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- الحاوي الكبير 327:6.
3- الحاوي الكبير 327:6، المغني 534:4-535، الشرح الكبير 539:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عليها». و الصحيح ما أثبتناه.

فإذا قُسّم ماله و قصر عن الديون أو لم يكن له مالٌ البتّة، لم يؤمر بالتكسّب و لا بأن يؤاجر نفسه ليصرف الأُجرة و الكسب في الديون أو في نفقتها - و به قال الشافعي و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقوله تعالي:«وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ» (2).

و لما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري: أنّ رجلاً أُصيب في ثمار ابتاعها فكثر دَيْنه، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «تصدّقوا عليه» فتصدّقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «خُذُوا ما وجدتم [و](3) ليس لكم إلاّ ذلك»(4).

و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا حجر علي معاذ لم يزد علي بيع ماله(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عن الباقر عليهما السلام: «أنّ عليّاً عليه السلام كان يحبس في الدَّيْن، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّي سبيله حتي يستفيد مالاً»(6).

و استعدت امرأة علي زوجها عند أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لا ينفق عليها و كان زوجها معسراً، فأبي أن يحبسه و قال: «إنّ مع العسر يسراً»(7) و لو كان التكسّب واجباً لأمر به.

و لأنّ هذا تكسّب للمال، فلا يُجبر عليه، كما لا يُجبر علي قبول الهبة0.

ص: 61


1- الحاوي الكبير 325:6، حلية العلماء 483:4، العزيز شرح الوجيز 23:5، روضة الطالبين 382:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 422، المعونة 1183:2، المغني 539:4، الشرح الكبير 547:4.
2- البقرة: 280.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- تقدّم تخريجه في ص 57، الهامش (4).
5- راجع: الهامش (4) من ص 7.
6- التهذيب 834/299:6، الاستبصار 156/47:3.
7- التهذيب 299:6-837/300.

و الصدقة و لا تُجبر المرأة علي التزويج لتأخذ المهر، كذا هنا.

و عن مالك رواية أُخري: أنّه إن كان ممّن يعتاد إجارة نفسه، لزمه(1).

و قال أحمد - في الرواية الشهيرة عنه - و إسحاق: يؤاجر، فإن امتنع أجبره القاضي - و به قال عمر بن عبد العزيز و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار القاضي - لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله باع سرقاً في دَيْنه، و كان سرق رجلاً دخل المدينة و ذكر أنّ وراءه مالاً، فداينه الناس، فركبته الديون و لم يكن وراءه مال، فأُتي به النبيّ صلي الله عليه و آله، فسمّاه [سرقاً](2) و باعه بخمسة أبعرة. قالوا:

و الحُرّ لا يجوز بيعه، فثبت أنّه باع منافعه. رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عليهما السلام:

«أنّ عليّاً عليه السلام كان يحبس في الدَّيْن ثمّ ينظر فإن كان له مالٌ أعطي الغرماء، و إن لم يكن له مالٌ دَفَعَه إلي الغرماء، فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم آجروه، و إن شئتم استعملوه»(4) و ذكر الحديث.

و لأنّ المنافع تجري مجري الأعيان في صحّة العقد عليها و تحريم أخذ الزكاة، كالأعيان(5).

و الحديث الذي رووه من طريق العامّة منسوخ بالإجماع؛ لأنّ البيع وقع علي رقبته، و لهذا روي في الحديث أنّ غرماءه قالوا للّذي يشتريه:2.

ص: 62


1- الوسيط 15:4، العزيز شرح الوجيز 23:5.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- المغني 540:4، الشرح الكبير 548:4.
4- التهذيب 838/300:6، الاستبصار 155/47:3.
5- المغني 540:4، الشرح الكبير 548:4، الحاوي الكبير 325:6، التهذيب - للبغوي - 107:4، الوسيط 15:4، حلية العلماء 484:4، العزيز شرح الوجيز 23:5، بداية المجتهد 293:2.

ما تصنع به ؟ فقال: أعتقه، فقالوا: لسنا بأزهد منك في إعتاقه، فأعتقوه(1).

و حديث الخاصّة ضعيف السند؛ لأنّه رواية السكوني، و هو عامّيّ المذهب.

و المنافع لا تجري مجري المال في جميع الأحكام، فإنّه لا يجب عليه الحجّ لأجل المنافع، و لا الزكاة.

مسألة 310: لو كانت له أُمّ ولدٍ أو ضيعةٌ موقوفة عليه، ففي وجوب مؤاجرتهما نظر:

من حيث إنّ المنافع و إن لم تكن مالاً فإنّها تجري مجراها، فيجعل بدلها للدَّيْن، و من حيث إنّ المنافع لا تُعدّ أموالاً حاضرة حاصلة، و لو كانت تُعدّ من الأموال، لوجب إجارة المفلس نفسه، و لوجب بها الحجّ و الزكاة. و الثاني أقرب.

و للشافعيّة وجهان(2) كهذين.

فعلي الأوّل يؤاجره مرّةً بعد أُخري إلي أن يفني الدَّيْن، فإنّ المنافع لا نهاية لها، و قضيّته إدامة الحجر إلي قضاء الدَّيْن. لكنّه كالمستبعد.

و في جواز بيع أُمّ الولد نظرٌ، أقربه ذلك إن كانت قد رُهنت قبل الاستيلاد، فإنّها تُباع في الرهن، أو كان ثمنها دَيْناً علي مولاها و لا وجه له سواها.

مسألة 311: إذا قسّم الحاكمُ مالَ المفلس بين الغرماء، انفكّ حجره،

و لا حاجة إلي حكم الحاكم بذلك؛ لأنّ الحجر لحفظ المال علي الغرماء و قد حصل الغرض، فيزول الحجر، و هو أحد قولي الشافعي.

ص: 63


1- المغني 540:4، الشرح الكبير 549:4.
2- التهذيب - للبغوي - 107:4، العزيز شرح الوجيز 24:5، روضة الطالبين 282:3، منهاج الطالبين: 121.

و الأظهر عنده: أنّه لا بُدَّ من فكّ القاضي؛ لأنّه حَجْرٌ لا يثبت إلاّ بإثبات القاضي، فلا يرفع إلاّ برفعه، كالسفيه. و لأنّه حجر يحتاج إلي نظر و اجتهاد كحجر السفيه(1).

و نمنع الملازمة الأُولي؛ فإنّ الحجر هنا لمعنيً و قد زال، بخلاف السفيه، فإنّه لا يُعلم زواله إلاّ بعد الاختيار المستند إلي الحاكم. و لأنّ هذا الحجر لتفريق ماله و قد حصل، و ذلك لحفظ ماله، فتركه محجوراً عليه يزيد في الغرض. و لأنّه حجر للغرماء و قد اعترفوا بسقوطه.

هذا إذا اعترف الغرماء بأن لا مال له سواه، و لو ادّعوا مالاً، فسيأتي.

مسألة 312: لو اتّفق الغرماء علي رفع الحجر عنه، فالأقوي رفعه؛

لأنّ الحجر لهم، و هو حقّهم، و هُمْ في أموالهم كالمرتهن في حقّ المرهون، و هو أحد قولي الشافعي.

و الآخَر: أنّه لا يرتفع؛ لاحتمال أن يكون هناك غريمٌ آخَر - سواهم - غائب، فلا بُدَّ من نظر الحاكم و اجتهاده(2).

و إدامة العقوبة بالتجويز غير جائز، و لهذا إذا قسّم المال، لم يزل تجويز ورود غريمٍ.

و لو باع المفلس مالَه من غريمٍ بدَيْنه و لا يُعرف له غريمٌ سواه، فالأقرب: صحّة البيع؛ لأنّ الحجر عليه لدَيْن ذلك الغريم، فإذا رضي و برئت ذمّته، وجب أن يصحّ، و هو أحد قولي الشافعي(3)

ص: 64


1- حلية العلماء 519:4، الوسيط 15:4، الوجيز 172:1، العزيز شرح الوجيز 24:5، روضة الطالبين 382:3.
2- الوسيط 15:4، الوجيز 172:1، العزيز شرح الوجيز 24:5-25، روضة الطالبين 383:3.
3- الوجيز 172:1، العزيز شرح الوجيز 25:5، روضة الطالبين 383:3.

و الأظهر عنده(1): أنّه لا يصحّ من غير مراجعة القاضي؛ لأنّ الحجر علي المفلس لا يقتصر علي الغريم الملتمس، بل يثبت علي العموم، و من الجائز أن يكون له غريمٌ آخَر(2).

و الوجهان مفرَّعان علي أنّ بيع المفلس من الأجنبيّ لا يصحّ، فإن صحّ، فهذا أولي(3).

و لو حجر لديون جماعة و باع أمواله منهم بديونهم، فعلي الخلاف(4).

و لو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دَيْنه، فهو كما لو باع من الأجنبيّ؛ لأنّ ذلك لا يتضمّن ارتفاع الحجر، بخلاف ما إذا باع [بكلّ الدَّيْن، فإنّه يسقط الدَّين، فإذا سقط الدَّيْن ارتفع الحجر.

و لو باع](3) من أجنبيّ بإذن الغرماء، لم يصح(6).

و الوجه: الصحّة - و هو أحد قولي الشافعي(7) - كما يصحّ بيع المرهون بإذن المرتهن.

و إذا قلنا: إنّه إذا فُرّقت أمواله و قُضيت الديون ارتفع الحجر عنه، صحّ البيع من الغريم بالدَّيْن؛ لتضمّنه البراءة من الدَّيْن.

و يمكن أن يقال: لا نجزم بصحّة البيع.

و إن قلنا: إنّ سقوط الدَّيْن يُسقط الحجر؛ لأنّ صحّة البيع إمّا أن تفتقر إلي ارتفاع الحجر أو لا، فإن افتقرت، وجب الجزم بعدم الصحّة، و إلاّ لزم3.

ص: 65


1- في «ج، ر»: «عندهم».
2- الوجيز 172:1، العزيز شرح الوجيز 25:5. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 25:5.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين». (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 25:5، روضة الطالبين 383:3.

الدور؛ لأنّه لا يصحّ البيع ما لم يرتفع الحجر، و لا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدَّيْن، و لا يسقط الدَّيْن ما لم يصحّ البيع.

و إن لم تفتقر، فغاية الممكن اقتران صحّة البيع و ارتفاع الحجر، فلتخرج الصحّة علي الخلاف فيما إذا قال: كلّما ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ولداً بعد ولد هل تطلّق بالثاني ؟ و فيما إذا قال العبد لزوجته: إن مات سيّدي فأنتِ طالق طلقتين، و قال السيّد لعبده: إذا متُّ فأنت حُرٌّ، فمات السيّد، هل له نكاحها قبل زوج و إصابة ؟(1).

و هذا عندنا لا يتأتّي.

البحث الثالث: في حبسه.
مسألة 313: مَنْ وجب عليه دَيْنٌ حالّ فطُولب به و لم يؤدّه، نظر الحاكم فإن كان في يده مالٌ ظاهر،

أمره الحاكم بالقضاء، فإن ذكر أنّه لغيره، حكم عليه بإقراره إن صدّقه المُقرّ له أو لم يُعلم منه تصديق و لا تكذيب.

فإن كذّبه، لم يقبل منه إقراره، و ألزمه بالخروج من الديون، فإن امتنع مع قدرته علي القضاء، حبسه الحاكم.

و يحلّ لصاحب الدَّيْن الإغلاظ له في القول بأن يقول: يا ظالم، يا معتدي، و نحو ذلك؛ لقوله عليه السلام: «ليّ الواجد يُحلّ عقوبتَه و عِرْضَه»(2).

و الليّ: المطل. و العقوبة: حبسه. و العرض: الإغلاظ له في القول.

و قال عليه السلام: «إنّ لصاحب الحقّ مقالاً»(3).

و لو ظهر عناده بإخفاء ماله و علم يساره و تمكّنه، كان للحاكم ضربه.

ص: 66


1- العزيز شرح الوجيز 25:5.
2- صحيح البخاري 155:3.
3- صحيح البخاري 155:3، صحيح مسلم 1601/1225:3.

و لو لم يكن في يده مالٌ ظاهر، فإن كان أصل الدعوي مالاً أو كان قد عُرف له أصلُ مالٍ ثمّ خفي أمره، طُولب بالبيّنة علي الإعسار. و إن كانت الدعوي غرامةً عن إتلافٍ أو جناية و لم يُعرف له قبل ذلك أصلُ مالٍ، حكم بقوله مع اليمين.

مسألة 314: إذا ثبت إعسار المديون عند الحاكم بالبيّنة أو بإقرار الغريم، لم يجز حبسه و لا ملازمته،

و وجب إنظاره؛ لقوله تعالي:«وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ» (1).

و لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال لغرماء الذي كثر دَيْنه: «خُذُوا ما وجدتم، و ليس لكم إلاّ ذلك»(2)الهداية - للمرغيناني - 286:3، بدائع الصنائع 173:7، الحاوي الكبير 335:6، التهذيب - للبغوي - 116:4، حلية العلماء 483:4، العزيز شرح الوجيز 26:5، بداية المجتهد 293:2، المغني 543:4، الشرح الكبير 500:4.(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يحبس في الدَّيْن، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّي سبيله حتي يستفيد مالاً»(4).

و لأنّ الحبس إمّا لإثبات الإعسار أو لقضاء الدَّيْن، و الأوّل ثابت، و القضاء متعذّر، فلا فائدة في الحبس.

و قال أبو حنيفة: للغريم ملازمته، لكن لا يمنعه من التكسّب(4).

مسألة 315: إذا كان للمديون مالٌ، أمره الحاكم ببيعه و إيفاء الدَّيْن من ثمنه مع مطالبة أربابها،

فإن امتنع، باع الحاكم متاعه عليه، و قضي منه الدَّيْن، و به قال الشافعي و أحمد(5)

ص: 67


1- البقرة: 280.
2- تقدّم تخريجه في ص 57، الهامش
3- .
4- تقدّم تخريجه في ص 61، الهامش (6).
5- تقدّم تخريجه في ص 45، الهامش (1).

و قال أبو حنيفة: لا يبيع الحاكم، بل يحبس الغريم إلي أن يبيع هو بنفسه(1).

و قد تقدّم(2) البحث في ذلك.

و هل للحاكم أن يحجر عليه ؟ الأقرب عندنا: المنع؛ لأنّ التقدير أنّه متمكّن من الإيفاء، فلا معني للحجر، بل يُحبس أو يُباع عليه، و هو أحد وجهي الشافعي.

و الثاني: أنّه يحجر عليه إذا التمسه الغرماء؛ لئلاّ يتلف ماله(3).

و لو أخفي ماله، حبسه القاضي حتي يُظهره.

روي أنّه عليه السلام قال: [«ليّ الواجد يُحلّ عِرْضَه و عقوبته»(4).

قال المفسّرون: أراد بالعقوبة الحبس و](5) الملازمة، فإن لم ينزجر [بالحبس](6) زاد في تعزيره بما يراه من ضرب و غيره.

و لو كان له مالٌ ظاهر، فهل يحبسه لامتناعه ؟ الأولي ذلك؛ لأنّه صلي الله عليه و آله حبس رجلاً أعتق شقصاً له من عبد في قيمة الباقي(5).

فإن ادّعي أنّه قد تلف ماله و صار معسراً، فعليه البيّنة، فإن شهدوا علي التلف، قُبلت شهادتهم و لم يُعتبر فيهم الخِبْرة الباطنة. و إن شهدت علي إعساره، قُبلت إن كانوا من أهل الخِبْرة الباطنة.6.

ص: 68


1- تقدّم تخريجه في ص 46، الهامش (5).
2- في ص 45، المسألة 291.
3- العزيز شرح الوجيز 26:5، روضة الطالبين 372:3.
4- صحيح البخاري 155:3. (5 و 6) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 26:5، و روضة الطالبين 372:3.
5- العزيز شرح الوجيز 26:5، و راجع سنن البيهقي 49:6.

و يُحمل قولهم: «إنّه(1) معسر» علي أنّهم وقفوا علي تلف المال.

فإن ادّعي المديون أنّه معسر لا شيء له، أو قُسّم مال المحجور علي الغرماء و بقي بعض الدَّيْن فزعم أنّه لا يملك شيئاً آخَر و أنكر صاحب الدَّيْن أو الغرماء إعسارَه، فإن كان الدَّيْن لزمه في مقابلة مالٍ - كما إذا ابتاع أو استقرض، أو باع سَلَماً - فهو كما لو ادّعي هلاك المال، فعليه البيّنة. و إن لزم لا في مقابلة مالٍ، قُبل قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل العدم، و هو أصحّ وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يُقبل، و يحتاج إلي البيّنة؛ لأنّ الظاهر من حال الحُرّ أنّه يملك شيئاً، قلّ أم كثر.

و الثالث: أنّه إن لزمه باختياره - كالصداق و الضمان - لم يُقبل قوله، و عليه البيّنة. و إن لزمه لا باختياره - كأرش الجناية و غرامة المتلف - قُبل قوله مع اليمين؛ لأنّ الظاهر أنّه لا يشغل ذمّته اختياراً، و لا يلتزم بما لا يقدر عليه(2).

مسألة 316: إذا ادّعي المديون الإعسار و كان أصل الدعوي مالاً،

أو كان له مالٌ فادّعي تلفه، افتقر إلي البيّنة؛ لأنّ الأصل بقاء المال في يده، فإذا ادّعي خلاف الأصل، كان عليه البيّنة. فإن لم تكن بيّنة، حلف الغرماء علي عدم التلف. فإذا حلفوا، حُبس.

قال ابن المنذر: أكثر مَنْ يُحفظ عنه العلم من علماء الأمصار و قُضاتهم يرون الحبس في الدَّيْن، منهم: مالك و الشافعي و أبو عبيد

ص: 69


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و يُحمل علي قولهم: إنّهم». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 27:5، روضة الطالبين 373:3.

و النعمان و سوار و عبيد اللّه بن الحسن و شريح و الشعبي(1).

و قال عمر بن عبد العزيز: يُقسّم ماله بين الغرماء، و لا يُحبس. و به قال [عبيد اللّه بن أبي](2) جعفر و الليث بن سعد(3).

و إن شهدت البيّنة بتلف ماله، سُمعت. فإن طلب الغرماء يمينه علي ذلك مع البيّنة، لم يُجابوا؛ لأنّ ذلك تكذيب للشهود.

و إن شهدت البيّنة بالإعسار و قد كان له مالٌ، لم تُسمع إلاّ أن تكون البيّنة من أهل الخِبْرة الباطنة؛ لأنّ الإعسار أمر خفيّ، فافتقرت الشهادة به إلي العِشرة الطويلة و الاختبار في أكثر الأوقات.

فإن شهدت بذلك و كانت من أهل الخِبْرة الباطنة، سُمعت الشهادة، و ثبت الإعسار عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّ النبي صلي الله عليه و آله قال لقبيصة بن المخارق: «يا قبيصة إنّ المسألة لا تحلّ إلاّ لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتي يؤدّيها ثمّ يمسك، و رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتي يصيب قواماً من عيش - أو4.

ص: 70


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 145:1-146، المغني 545:4، الشرح الكبير 497:4، المدوّنة الكبري 204:5، بداية المجتهد 293:2، التفريع 247:2، التلقين 429:2، الذخيرة 204:8، المعونة 1182:2، النوادر و الزيادات 15:10، التنبيه: 101، المهذّب - للشيرازي - 327:1، الوسيط 17:4، التهذيب - للبغوي - 109:4، العزيز شرح الوجيز 26:5-27، روضة الطالبين 372:3، الهداية - للمرغيناني - 104:3، الاختيار لتعليل المختار 141:2.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبد اللّه بن». و ما أثبتناه كما في الإشراف علي مذاهب أهل العلم 146:1، و تاريخ مدينة دمشق 408:37.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 146:1، المغني 545:4، الشرح الكبير 497:4.
4- المغني 545:4، الشرح الكبير 497:4.

قال: سداداً من عيش - و رجل أصابته فاقة حتي يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه: لقد أصاب فلاناً فاقة، فحلّت له المسألة حتي يصيب قواماً من عيش - أو قال: سداداً من عيش -»(1).

و قال مالك: لا تُسمع البيّنة علي الإعسار؛ لأنّها شهادة علي النفي، فلا تُسمع، كما لو شهدت أنّه لا حقّ لزيد علي عمرو(2).

و هو غلط؛ لأنّ هذه الشهادة و إن تضمّنت النفي إلاّ أنّها تشهد بثبوت حال تظهر و يوقف عليها، كما لو شهد أن لا وارث غير هذا، فإنّه تُسمع شهادته، بخلاف الشهادة بأنّه لا حقّ عليه؛ لأنّ ذلك ممّا لا يوقف عليه و لا يشهد به حال يتوصّل بها إلي معرفته، بخلاف صورة النزاع.

مسألة 317: تُسمع بيّنة الإعسار في الحال

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ كلّ بيّنةٍ جاز سماعها بعد مدّة جاز سماعها في الحال، كسائر البيّنات.

و قال أبو حنيفة: لا تُسمع في الحال، و يُحبس المفلس. و اختلف أصحابه في الضابط لمدّة الحبس. فقال بعضهم: يُحبس المفلس شهرين ثمّ تُسمع البيّنة. و قال الطحاوي: يُحبس شهراً. و روي ثلاثة أشهر. و روي أربعة أشهر حتي يغلب علي ظنّ الحاكم أنّه لو كان له مال لأظهره(4)

ص: 71


1- صحيح مسلم 1044/722:2، سنن أبي داوُد 1640/120:2، سنن النسائي 89:5، و لا يخفي أنّ الحديث ورد في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بتفاوت و تقديمٍ و تأخيرٍ في بعض الكلمات و الجملات. و المثبت قريب لما في المصادر.
2- النوادر و الزيادات 15:10، التهذيب - للبغوي - 116:4، العزيز شرح الوجيز 27:5، المغني 545:4، الشرح الكبير 498:4.
3- حلية العلماء 486:4، الوسيط 17:4، الوجيز 172:1، العزيز شرح الوجيز 27:5، روضة الطالبين 373:3، المغني 546:4، الشرح الكبير 498:4.
4- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 226:5، حلية العلماء 486:4، العزيز شرح الوجيز 27:5، المغني 546:4، الشرح الكبير 498:4.

و ليس بصحيح، و إلاّ لاستُغني بذلك عن البيّنة.

مسألة 318: إذا أقام مدّعي الإعسار البيّنةَ، شرط فيها أن يكونوا من أهل الخِبْرة الباطنة

و العشرة المتقادمة و كثرة الملابسة سرّاً و جهراً و كثرة المجالسة و طول الجوار، فإنّ الأموال قد تخفي و لا يُعرف تفصيلها إلاّ بأمثال ذلك. فإن عرف القاضي أنّهم من أهل الخِبْرة، فذاك، و إلاّ جاز له أن يعتمد علي قولهم إذا كانوا بهذه الصفة.

و يكفي شاهدان علي ذلك، كما في سائر الأموال.

و قال بعض الشافعيّة: لا تُقبل هذه الشهادة إلاّ من ثلاثة(1) ؛ لأنّ رجلاً ذكر لرسول اللّه صلي الله عليه و آله أنّ جائحة أصابت مالَه، و سأله أن يُعطيه من الصدقة، فقال صلي الله عليه و آله: «حتي يشهد ثلاثة من ذوي الحجي من قومه»(2).

و هو محمول علي الاحتياط و الاستظهار.

و إذا لم يُعرف له أصل مالٍ و لم يكن أصل الدعوي مالاً، قُدّم قوله فيحلف و تسقط عنه المطالبة.

و إن أقام بيّنةً بالإعسار، قُبلت.

فإن طلب غريمه يمينه مع البيّنة، لم يُجب إليه؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «البيّنة علي المدّعي و اليمين علي المنكر»(3).

و قال الشافعي: يحلف(4)

ص: 72


1- العزيز شرح الوجيز 27:5، روضة الطالبين 373:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 27:5، و راجع المصادر في الهامش (1) من ص 71.
3- سنن البيهقي 252:10، و فيه: «... علي مَنْ أنكر».
4- المهذّب - للشيرازي - 327:1، الحاوي الكبير 333:6، التهذيب - للبغوي - 116:4، حلية العلماء 485:4، العزيز شرح الوجيز 28:5، روضة الطالبين 374:3، المغني 546:4، الشرح الكبير 499:4.

و هل الإحلاف واجب أو مستحبّ؟ قال في حرملة: إنّه واجب؛ لجواز أن يكون له مال لم تقف عليه البيّنة، فإذا ادّعي ذلك، حلف له(1).

و قال في الأُمّ: إنّه مستحبّ؛ لأنّ ذلك قدح في الشهادة فلم يُسمع، كما إذا شهد شاهدان علي رجل أنّه أقرّ لزيد بكذا، فقال المُقرّ له: احلفوا لي المُقرّ أنّني أقررت له، لم يلزم؛ لأنّه قدح في الشهادة، كذا هنا(2).

مسألة 319: صورة الشهادة بالإعسار يجب أن تكون علي الإثبات المتضمّن للنفي،

و لا يجعل الشهادة علي النفي صرفة خالصةً عن الإثبات، فيقول الشهود: إنّه معسر لا يملك إلاّ قوت يومه و ثياب بدنه. و إن قالوا مع ذلك: «إنّه ممّن تحلّ له الصدقة» كان جيّداً، و ليس شرطاً.

و لا يقتصرون علي قولهم: لا شيء له، لئلاّ تتمحّض شهادتهم نفياً لفظاً و معني. فإن طلب الغرماء إحلافه مع البيّنة، لم يلزم، خلافاً للشافعي في أحد قوليه. و في الثاني: أنّه مستحبّ(3).

نعم، لو ادّعي أنّ له مالاً لا يعرفه الشاهد، فالأقوي عندي أنّ له إحلافه علي ذلك؛ لإمكان صدقه في دعواه، و حينئذٍ تتوقّف اليمين علي استدعاء الخصم؛ لأنّها حقّه:

و يجوز أن يعفو عنها، فلا يتبرّع الحاكم بإحلافه.

و الشافعي لمّا أثبت اليمين مطلقاً إمّا علي سبيل الوجوب أو علي سبيل الاستحباب - علي اختلاف قوليه - تردّد في أنّه هل يتوقّف الحلف

ص: 73


1- لاحظ: التهذيب - للبغوي - 116:4، و العزيز شرح الوجيز 28:5، و روضة الطالبين 374:3.
2- لاحظ الأُمّ 212:3، و التهذيب - للبغوي - 116:4، و العزيز شرح الوجيز 28:5، و روضة الطالبين 374:3.
3- العزيز شرح الوجيز 28:5، روضة الطالبين 374:3.

علي استدعاء الخصم ؟ علي وجهين:

أحدهما: لا، كما لو كانت الدعوي علي ميّت أو غائب، و علي هذا فهو من آداب القضاء.

و أظهرهما: نعم، كيمين المدّعي عليه(1).

مسألة 320: قد بيّنّا أنّه يُقبل قوله في الإعسار إذا لم يُعرف له سابقة مال،

مع يمينه، فحينئذٍ نقول: إنّه يُقبل في الحال، كما لو أقام البيّنة تُسمع في الحال، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يتأنّي القاضي و يبحث عن باطن حاله، و لا يقنع بقوله، بخلاف ما إذا أقام البيّنة(3).

و حيث قلنا: إنّه لا يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة لو ادّعي أنّ الغرماء يعرفون إعساره، كان له إحلافهم علي نفي المعرفة، فإن نكلوا، حلف، و ثبت إعساره. و إن حلفوا، حُبس. و كلّما ادّعي ثانياً و ثالثاً و هلُمّ جرّاً أنّه قد ظهر لهم إعساره، كان له تحليفهم، إلاّ أن يعرف القاضي أنّه يقصد الإيذاء و اللجاج. فإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلّيّة.

و لو كان غريباً لا يتمكّن من إقامة البيّنة، وكّل به القاضي مَنْ يبحث عن منشئه و منتقله و يفحص عن أحواله بقدر الطاقة، فإذا غلب علي ظنّه إفلاسه، شهد به عند القاضي؛ لئلاّ تتخلّد عليه عقوبة السجن.

مسألة 321: إذا ادّعي الإعسار و أقام البيّنة عليه، لم يكن للغرماء مطالبته باليمين مع البيّنة علي ما تقدّم

(1) ، سواء شهدت البيّنة بالإعسار أو

ص: 74


1- في ص 72، ضمن المسألة 318.

بتلف المال الذي كان في يده، و هو أحد قولي الشافعي، و ظاهر كلام أحمد(1).

و لهما قولٌ آخَر: إنّه يستحلف؛ لاحتمال أن يكون له مالٌ لا يعرفه الشهود(2).

و يُحتمل قويّاً إلزامه باليمين علي الإعسار إن شهدت البيّنة بتلف المال، و سقوطها عنه إن شهدت بالإعسار؛ لأنّها إذا شهدت بالتلف، صار كمن ثبت له أصل مالٍ و اعترف الغريم بتلفه و ادّعي مالاً غيره، فإنّه يلزمه اليمين، كذا هنا إذا قامت البيّنة بالتلف، فإنّها لا تزيد علي الإقرار.

مسألة 322: لو ثبت الإعسار، خلاّه الحاكم علي ما تقدّم

(1) ، فإن عاد الغرماء بعد أوقات و ادّعوا أنّه استفاد مالاً، و أنكر، قُدّم قوله مع اليمين و عدم البيّنة، و عليهم إقامة البيّنة، فإن جاءوا بشاهدَيْن شهدا بأنّهما رأيا في يده مالاً يتصرّف فيه، أخذه الغرماء.

فإن قال: أخذته من فلان وديعةً أو مضاربةً، و صدّقه المُقرّ له، حُكم عليه بذلك، و ليس للغرماء فيه حقٌّ.

و هل للغرماء إحلافه علي عدم المواطأة مع المُقرّ له و أنّه أقرّ عن تحقيقٍ؟ الأقرب: المنع؛ لأنّه لو رجع عن إقراره لم يُقبل، فلا معني لتحليفه.

و يُحتمل إحلافه؛ لجواز المواطأة، فإذا امتنع من اليمين، حُبس حتي يسلّم المال، أو يحلف. و لأنّه لو أقرّ بالمواطأة، حُبس علي المال مع تصديق الغير.

ص: 75


1- في ص 67، المسألة 314.

و لو طلب الغرماء يمين المُقرّ له، فالأقرب: أنّ لهم إحلافَه؛ لأنّه لو كذّب المُقرّ ثبت المال لهم، فإذا صدّقه، حلف.

و للشافعي الوجهان(1).

و إن كذّبه المُقرّ له، صرف إليهم، و لم يُفدْ إقراره شيئاً.

و لو أقرّ به ثانياً لغير الأوّل، لم يلتفت إليه.

و لو أقرّ به لغائبٍ، وقف حتي يحضر الغائب، فإن صدّقه، أخذه، و لا حقّ فيه للغرماء. و إن كذّبه، أخذه الغرماء، أو يحلف بأنّه للغائب، و تسقط المطالبة عنه؛ لأصالة العسرة، و إمكان صدقه.

مسألة 323: لو ادّعي الغرماء بعد فكّ الحجر أنّه قد استفاد مالاً، كان القولُ قولَه مع اليمين و عدم البيّنة؛

لأنّ الأصل بقاء العسرة.

و إن أقرّ بالمال أنّه استفاده و طلب الغرماء الحَجْرَ عليه، نظر الحاكم فإن كان ما حصل له يفي بالديون، لم يحجر عليه. و إن كان أقلّ، حجر عليه، و قسّم ماله بين الغرماء.

و إن كان قد تجدّد له غرماء قبل الحجر الثاني، قسّم بينهم و بين الأوائل - و به قال الشافعي(2) - لاستواء حقوقهم في الثبوت في الذمّة حال الحجر، فأشبه غرماء الحجر الأوّل.

و قال مالك: يختصّ به الغرماء المتأخّرون؛ لأنّه استفاده من جهتهم(3).

و هو غلط؛ لأنّا لا نعلم ذلك. و لأنّا نقسّم مال المفلس بين غرمائه

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 28:5، روضة الطالبين 375:3.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 152:1.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:1.

و زوجته و إن كان حقّها ثبت لا بمعاوضةٍ.

مسألة 324: لو ثبت للولد علي والده مالٌ و كان الأب معسراً، لم تحلّ مطالبته.

و إن كان موسراً، كان له مطالبته إجماعاً.

فإن امتنع من الأداء، فالأقرب عندي: أنّه لا يُحبس لأجل ولده؛ لأنّ الحبس نوع عقوبةٍ، و لا يعاقب الوالد بالولد.

و لأنّ اللّه تعالي قد بالغ في الوصيّة في الأبوين حتي أنّهما لو أمراه بالكفر لم يُطعهما و مع ذلك يقول لهما قولاً حسناً(1).

و لقوله عليه السلام: «أنت و مالك لأبيك»(2) أي في حكم مال الأب، فكما أنّه لا يُحبس في ماله، كذا في مال ولده الذي هو في حكم ماله.

و لما رواه الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

ما يحلّ للرجل من مال ولده ؟ قال: «قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه» قال:

فقلت له: فقول رسول اللّه صلي الله عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال: «أنت و مالك لأبيك» فقال: «إنّما جاء بأبيه إلي النبي صلي الله عليه و آله فقال له: يا رسول اللّه هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أُمّي، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه و علي نفسه، فقال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شيء، أ فكان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يحبس الأب للابن ؟»(3) و هذا استفهام في معرض الإنكار، و هو يدلّ علي المراد.

ص: 77


1- العنكبوت: 8.
2- سنن ابن ماجة 2291/769:2 و 2292، سنن سعيد بن منصور 2291/115:2 و 2292، سنن البيهقي 481:7، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2736/158:7 و 2742 و 2750.
3- الكافي 6/136:5، الفقيه 456/109:3، التهذيب 966/344:6، الاستبصار 162/49:3.

و هو أحد قولي الشافعي(1).

و له قولٌ آخَر: إنّه يُحبس، و إلاّ لعجز الابن عن الاستيفاء، و يضيع حقّه(2).

و هو ممنوع، بل إذا أثبت الابن الدَّيْنَ عند القاضي، أخذه القاضي منه قهراً من غير حبس، و صرفه إلي دَيْنه. و لأنّه قد يتمكّن من أخذه غيلةً، فلا يكون عاجزاً.

و لا فرق بين دَيْن النفقة و غيرها، و لا بين أن يكون الولد صغيراً أو كبيراً، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إنّه لا يُحبس، إلاّ في نفقة الولد إذا كان صغيراً أو زَمِناً(2).

مسألة 325: لو استؤجر المديون إجارة متعلّقة بعينه و وجب حبسه، ففي منع الإجارة المتعلّقة بعينه نظر

ينشأ: من جواز الحبس مطلقاً؛ عملاً بإطلاق الأمر، و من كون عينه مستحقّةَ المنافع للغير، فلا يجوز حبسه؛ لئلاّ يتعطّل شغل الغير.

و الأقرب: الأوّل.

هذا فيما إذا لم يمكن الجمع بين الحبس و استيفاء المنافع، أمّا لو لم يمتنع الجمع، فإنّه يجوز حبسه قطعاً.

ص: 78


1- التهذيب - للبغوي - 117:4، العزيز شرح الوجيز 29:5، روضة الطالبين 375:3.
2- التهذيب - للبغوي - 117:4، العزيز شرح الوجيز 30:5.
البحث الرابع: في الاختصاص.
مسألة 326: مَنْ أفلس و حجر عليه الحاكم و كان من جملة ماله عينٌ اشتراها من غيره و لم يُقبضه الثمن فوجدها بائعها، كان بالخيار

بين أن يفسخ البيع و يأخذ عينه بالشرائط الآتية، و بين الضرب مع الغرماء بالثمن - و به قال في الصحابة: عليّ عليه السلام و عثمان و أبو هريرة، و في التابعين: عروة ابن الزبير، و من الفقهاء: مالك و الأوزاعي و الشافعي و العنبري و أحمد و إسحاق(1) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «إذا أفلس الرجل و وجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء»(2).

و عن ابن خلدة الزرقي(3) قاضي المدينة قال: أتينا أبا هريرة في صاحبٍ لنا أفلس، فقال أبو هريرة: هذا الذي قضي فيه رسول اللّه صلي الله عليه و آله:

«أيّما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمر بن يزيد - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده

ص: 79


1- المغني 493:4-494، الشرح الكبير 503:4، الحاوي الكبير 266:6، العزيز شرح الوجيز 30:5، روضة الطالبين 383:3.
2- صحيح مسلم 25/1194:3، سنن ابن ماجة 2358/790:2، سنن البيهقي 46:6 بتفاوت.
3- في الطبعة الحجريّة: «أبي حلوة الفروفي». و في «ث، ج»: «... البروقي». و في «ر»: «حلوة البروقي». و كلّها خطأ، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. و اسمه: عمر بن خلدة، كما في المستدرك - للحاكم - 50:2، و تهذيب التهذيب 729/388:7.
4- سنن ابن ماجة 2360/790:2، سنن الدار قطني 107/29:3، المستدرك - للحاكم - 50:2-51.

بعينه، قال: «لا يحاصّه الغرماء»(1).

و لأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض، فكان له الفسخ، كما لو تعذّر المُسْلَم فيه. و لأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه، استحقّ البائع الفسخ و هو وثيقة بالثمن، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولي.

و قال أبو حنيفة: ليس للحاكم أن يحجر عليه، و ليس للبائع الرجوع في عينه، بل يكون أُسوة الغرماء؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق، فيتساوون في الاستحقاق. و لأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس، كالمرتهن(2).

و البائع و إن ساوي الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط، فإنّ بقاء العين شرط لملك(3) الفسخ، و هو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

و الفرقُ: أنّ الرهن مجرّد الإمساك علي سبيل الوثيقة و ليس ببدلٍ، و هنا(4) هو(5) بدل عنها(6) ، فإذا تعذّر استيفاؤه، رجع إلي المُبدل(7).

قال أحمد: لو أنّ حاكماً حكم أنّه(8) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(9) إلير.

ص: 80


1- التهذيب 420/193:6، الاستبصار 19/8:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 285:3 و 287، المغني 494:4، الشرح الكبير 503:4.
3- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «تملّك» بدل «لملك».
4- في «ث، ج» و الطبعة الحجريّة: «رهنا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- هو، أي الثمن.
6- أي: عن العين.
7- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في البدل» بدل «إلي المبدل». و الظاهر ما أثبتناه.
8- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له» بدل «أنّه». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
9- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رجع» بدل «رفع». و ما أثبتناه كما في المصدر.

حاكمٍ يري العمل بالحديث(1) ، جاز له نقض حكمه(2).

إذا عرفت هذا، فلو مات المفلس قبل القسمة، فإن كان في التركة وفاء للديون، اختصّ صاحب العين بماله، و إلاّ كان أُسوةَ الغرماء؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه و لم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به، و إن مات فهو أُسوة الغرماء»(3) و غالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون علي ما سلف(4).

و من طريق الخاصّة: رواية أبي ولاّد عن الصادق عليه السلام، و قد سلفت(5).

و مالك لم يفصّل، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت، بل يشارك الغرماء؛ لما تقدّم(6) من الرواية.

و قد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

و لأنّه إذا مات انتقل الملك إلي الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(7).

و هو ممنوع؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث، و لهذا تتعلّق به ديونه،9.

ص: 81


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالرجوع» بدل «بالحديث». و ما أثبتناه كما في المصدر. و المراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي، المتقدّم في ص 79.
2- المغني 494:4، الشرح الكبير 504:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 8، الهامش (3).
4- في ص 6.
5- في ص 8.
6- آنفاً.
7- راجع: الهامش (1) من ص 8، المسألة 259.

بخلاف ما لو باعه.

مسألة 327: و هذا الخيار يثبت للبائع و المُقرض و الواهب بشرط الثواب.

و بالجملة، كلّ معاوضة، سواء وجد غير هذه العين، أو لم يوجد سواها؛ للعموم(1)نفس المصادر في الهامش (2).(2).

و الأقرب: أنّ هذا الخيار علي الفور - و هو أحد قولي الشافعي، و إحدي الروايتين عن أحمد(3) - لأنّ الأصل عدم الخيار، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. و لأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض، فكان علي الفور، كالردّ بالعيب و الخلف(4) و الشفعة. و لأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلي الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلي تأخير حقوقهم.

و الثاني: أنّه علي التراخي؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلي عوض، فكان علي التراخي، كالرجوع في الهبة(4).

و ما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلي ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر و لم يفسخ، بطل حقّه من الرجوع.

و قال بعض الشافعيّة: يتأقّت بثلاثة أيّام، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق و في الشفعة(5)

ص: 82


1- راجع: الهامش
2- من ص 79.
3- المهذّب - للشيرازي - 329:1، الحاوي الكبير 270:6، حلية العلماء 496:4، الوسيط 20:4، العزيز شرح الوجيز 30:5، روضة الطالبين 383:3، منهاج الطالبين: 122، المغني 495:4، الشرح الكبير 504:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحلب» بدل «الخلف». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 30:5، روضة الطالبين 383:3.
مسألة 328: لا يفتقر هذا الخيار إلي إذن الحاكم،

بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلي حكم الحاكم؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح، و العتق.

و لوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلي أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ، نقض حكمه(1).

و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يفتقر إلي حكم الحاكم و إذنه؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه، كالفسخ بالإعسار(2).

مسألة 329: الفسخ قد يحصل بالقول، كما ينعقد البيع به.

و صيغة الفسخ: فسخت البيع، و نقضته، و رفعته.

و لو اقتصر علي قوله: رددت الثمن، أو: فسخت البيع، فيه إشكال أقربه: الاكتفاء به، و هو أصحّ قولي الشافعي.

و الثاني: لا يكتفي بذلك؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلي العقد المرسل، ثمّ إذا انفسخ العقد، ثبت مقتضاه(1).

و قد يحصل بالفعل، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه، أو وهبها، أو دفعها.

و بالجملة، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ علي الفسخ، كوطئ الجارية المبيعة، علي الأقوي؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات، و تكون هذه التصرّفات تدلّ علي حكمين: الفسخ، و العقد، و هو أحد قولي الشافعي.

و الأصحّ عنده: أنّه لا يحصل الفسخ بها، و تلغو هذه التصرّفات(2)

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 31:5، روضة الطالبين 383:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 329:1-330، التهذيب - للبغوي - 86:4، الحاوي الكبير 270:6، حلية العلماء 497:4، العزيز شرح الوجيز 30:5، روضة الطالبين 383:3.

و اعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت علي الإطلاق بالإجماع، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالي.

و لا يختصّ الرجوع بالبيع علي ما تقدّم(1) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات، و إنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة: العوض المتعذّر تحصيله، و العرض(2) المسترجع، و المعاوضة التي بها انتقل الملك إلي المفلس.

النظر الأوّل: في العوض.
اشارة

يشترط في العوض أمران: الحلول، و تعذّر استيفائه بسبب الإفلاس، فلو كان الثمن مؤجَّلاً، لم يكن له الرجوع؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ و إلاّ لحلّ الأجل بالفلس علي ما تقدّم(3).

و لو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر، فالأقرب: أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق، فإنّه يشارك الغرماء، فعلي هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة 330: لو كانت أمواله وافيةً بالديون، لم يجز الحجر عندنا،

ص: 84


1- في ص 82، المسألة 327.
2- أي المعوّض.
3- في ص 16، المسألة 263.

و هو الظاهر من مذهب الشافعي(1).

و له قولٌ آخَر: إنّه يجوز الحجر عليه(2).

فعلي تقدير جواز الحجر لو حجر، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه ؟ للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه لا يرجع؛ لأنّه يصل إلي الثمن.

و الثاني: أنّه يرجع؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(3).

و هذان الوجهان عندنا ساقطان؛ لأنّهما فرع الحجر و قد منعناه.

مسألة 331: لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها، قال الشيخ رحمه الله: لم يلزمه القبول،

و كان له أخذ عينه(4) - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لما فيه من تحمّل المنّة، و لعموم الخبر(6) ، و لأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

و للشافعيّة فيه وجهٌ آخَر: أنّه لا يبقي له الرجوع في العين، تخريجاً

ص: 85


1- المهذّب - للشيرازي - 328:1، التهذيب - للبغوي - 85:4، الحاوي الكبير 265:6، حلية العلماء 488:4، العزيز شرح الوجيز 7:5-8، روضة الطالبين 365:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 328:1، التهذيب - للبغوي - 85:4، الحاوي الكبير 265:6، حلية العلماء 488:4-489، العزيز شرح الوجيز 7:5-8، روضة الطالبين 365:3.
3- الحاوي الكبير 265:6-266، حلية العلماء 489:4-490، العزيز شرح الوجيز 31:5، روضة الطالبين 384:3.
4- الخلاف 265:3، المسألة 4.
5- العزيز شرح الوجيز 31:5، روضة الطالبين 384:3، المغني 496:4، الشرح الكبير 505:4.
6- سنن أبي داوُد 286:3-3520/287 و 3522.

ممّا إذا حجر عليه الحاكم و في ماله وفاء(1).

و قال مالك: ليس له الرجوع في العين؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن، فإذا بذل له، لم يكن له الرجوع، كما إذا زال العيب من المبيع، لم يكن له ردّه(2).

و يمكن أن نقول: إن كان المدفوع من مال المفلس، لم يجب القبول؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر، فلا يأمن من مزاحمته، فكان له الرجوعُ في العين.

و إن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه، فلم يُجبر صاحب الحقّ علي قبضه، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

و الوجه أن نقول: إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة و كان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها و يرجي لها صعود سعرٍ، كان علي صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة، بخلاف التبرّع عن الزوج و المكاتب؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض، و الغرماء لهم حقٌّ في المعوّض، فكان لهم ذلك؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس، و هو منفيّ.

مسألة 332: إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم

مسألة 332: إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(3) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر،

لم يشارك صاحب السلعة فيما

ص: 86


1- العزيز شرح الوجيز 31:5.
2- المدوّنة الكبري 237:5، الذخيرة 172:8، العزيز شرح الوجيز 31:5، المغني 496:4، الشرح الكبير 505:4.
3- في «ج»: «أموالهم».

أخذه منهم، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس و خصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر، شاركه فيما أخذه.

و لو دفع الغرماء الثمن إلي المفلس من مالهم فبذله للبائع، لم يكن له الفسخُ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه، ملك الثمن.

و لو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه، لم يكن للبائع الفسخُ؛ لزوال سببه، و لأنّه أمكنه الوصول إلي ثمن سلعته من المشتري، فلم يكن له الفسخ، كما لو لم يفلس.

و لو دفع الغرماء إلي المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلي البائع، لم يجب علي البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة 333: لو مات المشتري المفلس، لم يزل الحجر عن المال، بل يتأكّد،

فإنّه لو مات غير محجور عليه، حُجر عليه، فلو قال وارثه للبائع و السلعة باقية: لا ترجع حتي أُقدّمك علي الغرماء، لم يلزمه القبول أيضاً؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

و لو قال: أُؤدّي الثمن من مالي، فالوجه: أنّ عليه القبول، و لم يكن له الفسخ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث، فله تخليص المبيع، و كما أنّ المديون لو دفع الثمن إلي [البائع](1) ، لم يكن له الفسخ، كذا وارثه.

هذا علي تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً، أمّا إذا لم يخلّف

ص: 87


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المشتري». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

وفاءً، فإنّه لا اختصاص له بالعين علي ما بيّنّاه.

مسألة 334: لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره، أو هرب أو مات و هو مليٌّ

فامتنع الوارث من دفع الثمن، فإن كان الثمن حالاًّ و لم تُسلّم السلعة إلي المشتري، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ و الصبر عندنا خاصّةً.

و لو كان البائع قد سلّم السلعة إلي المشتري، لم يكن له الفسخ و إن تعذّر عليه ثبوته(1) أو مطله أو شبه ذلك - و هو أصحّ وجهي الشافعي(2) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس، و يمكن التوصّل إلي الاستيفاء بالسلطان، فإن فُرض عجْزٌ، كان نادراً لا عبرة به.

و الثاني: أنّ له الفسخ؛ لتعذّر الوصول إلي الثمن(3).

مسألة 335: لو باع السلعة و ضمن المشتري ضامنٌ بالثمن،
اشارة

فإن كان البائع قد رضي بضمانه، انتقل حقّه عن المشتري إلي الضامن؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل و قد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلي ذمّة الضامن، فبرئت ذمّة المشتري، و لم يكن للبائع الرجوعُ في العين، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

و لو لم يرض البائع بضمانه، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا، بل متي ضمن و رضي البائع صحّ الضمان، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

ص: 88


1- أي: ثبوت التسليم. و الظاهر: «إثباته». (2 و 3) التهذيب - للبغوي - 87:4، العزيز شرح الوجيز 31:5-32، روضة الطالبين 384:3.

و قال الشافعي: إن ضمن بإذن المشتري، فلا رجوع للبائع في العين؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ علي المشتري، و الوصول من يده كالوصول من يد المشتري. و إن ضمن بغير إذنه، فوجهان:

أحدهما: أنّه يرجع، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

و الثاني: أنّه لا يرجع؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته، و توجّهت المطالبة عليه، بخلاف المتبرّع(1).

تذنيب: لو أُعير من

تذنيب: لو أُعير من(1) المشتري ما يرهنه بالثمن، صحّ،

و لم يكن له الرجوعُ في العين؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

و للشافعي الخلافُ السابق في الضمان(3).

مسألة 336: لو انقطع جنس الثمن، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة و الاستبدالَ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه، و لم يكن للبائع فسخ البيع.

و إن منعنا من الاعتياض، فهو كانقطاع المُسْلَم فيه، و المُسْلَم فيه إذا انقطع، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - و هو أصحّ قولي الشافعي. و في الثاني:

الانفساخ، و هو أضعف قوليه(4) - فكذا هنا.

النظر الثاني: في المعاوضة.
اشارة

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان: سَبْقُ المعاوضة علي الحَجْر، و كونها محضَ معاوضةٍ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه، فالأقرب: الصحّة علي ما تقدّم(2)

ص: 89


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- في ص 27، المسألة 273.

و هل يثبت له حقّ الفسخ و الرجوع في العين ؟ خلافٌ سبق(1). فإن قلنا: لا رجوع، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة علي الحجر، و إلاّ فلا.

و لو آجر الإنسان دارَه و سلّمها إلي المستأجر و قبض الأُجرة ثمّ أفلس و حُجر عليه، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة و فُسخت الإجارة فيما بقي منها، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

و إن كان بعد القسمة، فالأقوي: أنّه يضارب أيضاً - و هو أصحّ وجهي الشافعي(2) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلي عقدٍ سابق علي الحجر، و هو الإجارة، فصار كما لو انهدمت(2) قبل القسمة.

و في الآخَر: أنّه لا يضارب؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة، فصار كما لو استقرض(4).

و يضعَّف بأنّ السبب متقدّم، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة 337: لو باعه جاريةً بعبدٍ و تقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية

و حُجر عليه و هلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

و الأقرب في الطلب: أنّه يضارب كسائر أرباب الديون، و هو أصحّ

ص: 90


1- في ص 33، ضمن المسألة 280. (2 و 4) الحاوي الكبير 310:6، حلية العلماء 518:4، العزيز شرح الوجيز 39:5، روضة الطالبين 390:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «انهدم». و الظاهر ما أثبتناه.

وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يقدّم علي سائر الغرماء بقيمتها؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(1).

و هذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(2) شيئاً بالثمن إذا قلنا: لا يتعلّق بعين متاعه، فإنّا في وجهٍ نقول:

يضارب. و في وجهٍ نقول: يصبر إلي أن يستوفي الغرماء حقوقهم، و لا نقول بالتقدّم بحال.

و الفرق: أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر، و هنا مستند إلي سببٍ سابق علي الحجر، فإذا انضمّ إليه إدخال شيء في ملك المفلس، أثّر في التقديم علي أحد القولين(3).

مسألة 338: قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها،

فلا يثبت الفسخ في النكاح و الخلع و الصلح بتعذّر استيفاء العوض، و هو ظاهر علي معني أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق، و لا الزوج الخلعَ و لا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

و للشافعي قولٌ بتسلّط المرأة علي الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(4) و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و كذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها، و تعذّر الوصول إليها.

ص: 91


1- العزيز شرح الوجيز 40:5، روضة الطالبين 390:3.
2- كلمة «عليه» من «ث، ج، ر».
3- العزيز شرح الوجيز 40:5.
4- الأُم 91:5، مختصر المزني: 232، الحاوي الكبير 461:11، التهذيب - للبغوي - 359:6، العزيز شرح الوجيز 53:10، روضة الطالبين 483:6.

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه و بقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ و عين الصداق موجودة، فهو أحقّ بعين ماله؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به»(1).

مسألة 339: إذا أفلس المُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم، فأقسامه ثلاثة:
أ: أن يكون رأس المال باقياً بحاله،

فللمُسْلِم فسخُ العقد و الرجوع إلي رأس ماله، كما في البائع. و إن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمُسْلَم فيه و لا يفسخ، أُجيب إليه.

ب: أن يكون بعض رأس المال باقياً و بعضه تالفاً،

و حكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ، و سيأتي.

ج: أن يكون رأس المال تالفاً،

فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك، كما لو أفلس المشتري بالثمن و المبيع تالف، بخلاف الانقطاع؛ فإنّه هناك إذا فسخ، رجع إلي رأس المال بتمامه، و هنا إذا فسخ، لم يكن له [إلاّ](2) المضاربة برأس المال. و لو لم يفسخ، لضارَب بالمُسْلَم فيه، و هذا [أنفع؛ إذ الغالب](3) زيادة قيمة المُسْلَم فيه علي رأس المال، فحينئذٍ

ص: 92


1- ورد نصّه في المغني 497:4، و الشرح الكبير 507:4، و بتفاوت يسير في صحيح البخاري 155:3-156، و صحيح مسلم 1559/1193:3، و سنن البيهقي 45:6.
2- الزيادة يقتضيها السياق، و كما هي مقتضي قول المصنّف قدس سره في قواعد الأحكام 148:2.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يقع إذا تعالت». و هي تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.

[يُقوَّم](1) المُسْلَم فيه، و يضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء، فإذا عُرفت حصّته، نُظر إن كان في المال من جنس المُسْلَم فيه، أخذ منه بقدر نصيبه، و إن لم يكن، اشتري له من جنس حقّه، و يبقي له الباقي في ذمّة المفلس، و ليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ؛ لأنّه يأخذ بدل المُسْلَم فيه. و هو(2) أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد و المضاربة(3) مع الغرماء برأس المال؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلي تمام حقّه، فليمكَّن من فسخ السَّلَم، كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه(4).

و ليس عندي بعيداً من الصواب.

و علي هذا فهل يجيء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه ؟

قال بعض الشافعيّة: نعم، إتماماً للتشبيه(5).

و قال بعضهم: لا؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ و غيره، بخلاف الانقطاع(6).

و إذا كان رأس المال تالفاً و انقطع جنس المُسْلَم فيه، فالأقوي أنّه3.

ص: 93


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يقدم». و هي تصحيف، و المثبت هو الصحيح.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و هذا».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المعاوضة» بدل «المضاربة». و ما أثبتناه من المصادر.
4- المهذّب - للشيرازي - 333:1، الحاوي الكبير 308:6، حلية العلماء 516:4، العزيز شرح الوجيز 34:5، روضة الطالبين 386:3. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 34:5، روضة الطالبين 386:3.

يثبت له حقّ الفسخ؛ لأنّ سببه ثابت، و هو الانقطاع، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولي، و لأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

و له فائدة هنا؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال، و ما يخصّه لو لم يفسخ، لم يُصرف إليه، بل يُوقف إلي أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة 340: لو قُوِّم المُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين،

فأفرزنا(1) من المال للمُسْلِم(2) عشرةً؛ لكون الديون ضِعْف المال، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع المُسْلَم فيه، فالأقرب: أنّه يشتري به جميع حقّه و يسلّم إليه؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(3) القسمة.

و الموقوف و إن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه و انقطع حقّه عن غيره من الحصص حتي لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشيء ممّا عند الغرماء، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

و لا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ المُسْلِم، كان الفاضل للغرماء، و ليس له أن يقول: الزائد قد زاد لي، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّا نردّ الموقوف إلي ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة، و الخمسة الباقية تُوزّع عليه و علي باقي الغرماء؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك المُسْلِم، بل هو باقٍ علي ملك المفلس، و حقّ المُسْلِم

ص: 94


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة إضافة «له» و حذفناها لزيادتها.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المسلم». و المثبت هو الصحيح.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يوم». و المثبت هو الصحيح.

في الحنطة(1) ، لا في ذلك الموقوف، فإذا صارت القيمة عشرةً، فليس دَيْنه إلاّ ذلك(2).

و لا استبعاد فيه.

و لو غلا السعر و كُنّا قد أوقفنا العشرة و لم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلاّ بأربعين، فعلي الأوّل لا يزاحمهم، و ليس له إلاّ ما وقف له، و هو العشرة يشتري له بها ربع حقّه، و يبقي الباقي في ذمّة المفلس. و علي الوجه [الثاني](3) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة 341: إذا ضرب الغرماء علي قدر رءوس أموالهم و أخذ المُسْلِم ممّا خصّه قدراً من المُسْلَم فيه

و ارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ و أُعيد الحَجْر و احتاجوا إلي الضرب ثانياً، قوّمنا المُسْلَم فيه، فإن اتّفقت قيمته الآن و القيمة السابقة، فذاك، و إلاّ فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

و إن نقصت، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب: الأوّل، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

و لو كان المُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً، فحصّة المُسْلِم يشتري به شقصٌ منه، للضرورة، فإن لم يوجد، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة 342: الإجارة نوعان:
القسم الأول في إفلاس المستأجر
النوع الأوّل: ما تتعلّق بالأعيان،

كالأرض المعيّنة للزرع، و الدار للسكني،

ص: 95


1- ذكر الحنطة من باب المثال، حيث لم يسبق لها ذكر.
2- العزيز شرح الوجيز 35:5، روضة الطالبين 386:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأوّل». و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 35:5، روضة الطالبين 387:3.

و العبد للخدمة، و الدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(1) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(2) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة و قبل مضيّ شيء من المدّة، كان للمؤجر فسخ الإجارة، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع، و هو المشهور عند الشافعيّة(3).

و حكي الجويني قولاً آخَر للشافعي: إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع، و لا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(4).

إذا عرفت هذا، فنقول: للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة و الرجوع بالعين و المنافع، و في إمضاء الإجارة و الضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً، آجرها الحاكم علي المفلس، و صرف الأُجرة إلي الغرماء.

و لو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية، و المضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة، بناءً علي أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس، يفسخ البيع في الباقي، و يضارب بثمن التالف، و به قال الشافعي(5) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي، كذا هنا إذا مضي بعض المدّة، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(6)4.

ص: 96


1- كذا، و الظاهر: «من النوعين».
2- من هنا شرع المصنّف قدس سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. و يأتي القسم الثاني في ص 101.
3- العزيز شرح الوجيز 36:5، روضة الطالبين 387:3.
4- العزيز شرح الوجيز 36:5.
5- التهذيب - للبغوي - 99:4، العزيز شرح الوجيز 36:5، روضة الطالبين 387:3، المغني 497:4، الشرح الكبير 506:4-507.
6- المغني 497:4، الشرح الكبير 506:4.

و يُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضي بعض المدّة، و يضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة 343: لو أفلس مستأجر الدابّة و حُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة،

و لا في موضعٍ غير محترز، بل يجب عليه نقله إلي مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان، و يقدّم به علي الغرماء؛ لأنّه لصيانة المال و حفظه و إيصاله إلي الغرماء، فأشبه أُجرة الكيّال و الحمّال و أُجرة المكان المحفوظ فيه، فإذا وصل إلي المأمن، وَضَعه عند الحاكم.

و لو وَضَعه علي يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم، فوجهان.

و كذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع:

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد، وجب المضيّ إليه.

و هل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر، أو يجب عليه الصبر إلي المأمن ؟ الأقرب: الأوّل؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ و الإمضاء، و قد وُجد السبب، فيوجد المسبّب.

و يُحتمل الثاني؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلي المأمن، سواء فسخ أو لا، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(1) في نقله من موضع الحجر إلي موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّي،

فإن قلنا: له الفسخ، ففسخ، كان له أُجرة المثل إلي المأمن، سواء زادت عن القسط من المسمّي أو نقصت أو ساوته. و إن قلنا: ليس له الفسخ، فله القسط من».

ص: 97


1- في «ث» و الطبعة الحجريّة: «الأُجرة».

المسمّي.

ج - لو قلنا: ليس له الفسخ، أو قلنا: له الفسخ، و لم يفسخ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلي المأمن من المسمّي ؟ إشكال

ينشأ:

من أنّه مستمرّ علي الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء، فلم يقدّم علي باقي الغرماء في هذا القسط، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلي موضع الحجر، و من أنّ له النقل من المخافة إلي المأمن بأُجرة مقدّمة، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّي.

د - لو كان النقل إلي المأمن إنّما هو في منتهي مسافة الإجارة، وجب النقل إليه.

و يجيء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوي منه في الأوّل.

ه - لو كان النقل إلي المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلي المقصد أو أكثر، فالأولي وجوب النقل إلي المقصد،

و عدم تخييره في الفسخ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

و هل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلي المقصد من المسمّي أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد و صوب مبدأ المسافة علي حدٍّ واحد

أو تعدّدت مواضع الأمن و تساوت قُرْباً و بُعْداً، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً، نُظر إلي المصلحة، فإن تساوت، كان له سلوك أيّها شاء، لكنّ الأولي سلوك ما يلي المقصد؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. و إن اختلفت الأُجرة، سلك أقلّها أُجرةً.

و إن تفاوتت المصلحة، فإن اتّفقت مصلحة المفلس و الغرماء في

ص: 98

شيء واحد، تعيّن المصير إليه. و إن اختلفت، فالأولي تقديم مصلحة المفلس.

مسألة 344: لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها؛ لإفلاس المستأجر،

فإن كانت فارغةً، أخذها، فإن كان قد مضي من المدّة شيء، كان كما تقدّم(1) ، و ينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّي عليه، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

و إن كانت الأرض مشغولةً بالزرع، فإن كان الزرع قد استُحصد، فله المطالبة بالحصاد و تفريغه(2).

و إن لم يكن استُحصد، فإن اتّفق الغرماء و المفلس علي قطعه، قُطع.

و إن اتّفقوا علي التبقية إلي الإدراك، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - علي الغرماء.

و إن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ و بعضُهم التبقيةَ، فالأولي مراعاة ما فيه المصلحة حتي لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل و تزيد عليه، قُطع، و إلاّ فلا، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس و الغرماء؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم، و لا عليهم الصبر إلي أن ينمو.

و لا بأس به عندي.

فعلي هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية، فهو أحد الغرماء، فله طلب القطع.ض.

ص: 99


1- في ص 96، ضمن المسألة 342.
2- كذا، و الظاهر: «تفريغها». أي تفريغ الأرض.

و إن لم تكن له قيمة لو قُطع، أُجيب مَنْ يريد التبقية؛ إذ لا فائدة لطالب القطع فيه(1).

و إذا أبقوا الزرع بالاتّفاق أو بطلب بعضهم حيث لم تكن للمقطوع قيمة، فالسقي و سائر المُؤن إن تطوّع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليها علي قدر ديونهم، فذاك.

و إن أنفق عليها بعضُهم ليرجع، فلا بُدَّ من إذن الحاكم أو(2) اتّفاق الغرماء و المفلس، و إذا حصل الإذن، قدّم المنفق بقدر النفقة؛ لأنّه لإصلاح الزرع.

و كذا لو أنفقوا علي قدر الديون ثمّ ظهر غريمٌ، قدّم المنفقون في قدر النفقة عليه.

و هل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس ؟ الوجه: الجواز؛ لاشتماله علي التنمية، و هو أحد وجهي الشافعي.

و الثاني: المنع؛ لعدم اليقين بحصول الفائدة، و إنّما هو موهوم(3).

النوع الثاني: الإجارة الواردة علي الذمّة.

مسألة 345: هذه الإجارة لا يكون حكمها حكم السَّلَم في وجوب قبض مال الإجارة في المجلس

كما يجب قبض رأس مال السَّلَم فيه؛ للأصل الدالّ علي عدم الوجوب، السالم عن معارضة النصّ الوارد في السَّلَم؛ لانفراد السَّلَم عن الإجارة و مغايرته لها، فلا يجب اشتراكهما في

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 36:5، روضة الطالبين 388:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 36:5-37، روضة الطالبين 388:3.

الحكم، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّهما متساويان في وجوب الإقباض في المجلس(1).

فعلي الأوّل تكون كالإجارة الواردة علي العين. و علي الثاني لا أثر للإفلاس بعد التفرّق؛ لصيرورة الأُجرة مقبوضةً قبل التفرّق.

تذنيب: لا يثبت خيار المجلس في الإجارة؛

لاختصاص النصّ بالبيع، و عدم مشاركته للإجارة في الاسم، و الأصل عدم الخيار، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخَر: يثبت الخيار. فإن أثبته، كان فيه غنية عن هذا الخيار، و إلاّ فهي(2) كما في إجارة العين(3).

القسم الثاني: في إفلاس المؤجر.
اشارة

و فيه نوعان:

النوع الأوّل: في إجارة العين.

فإذا آجر دابّةً من إنسان أو داراً ثمّ أفلس و حجر عليه الحاكم، لم تنفسخ الإجارة، و لم يكن للمستأجر و لا للغرماء فسخ الإجارة؛ لأنّ ذلك عقد لازم عقده قبل الحجر، و المنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال، فيقدّم بها كما تقدّم في حقّ المرتهن، و كما لو أفلس بعد بيع شيء معيّن، فإنّ المشتري أحقّ بما اشتراه.

ثمّ الغرماء لهم الخيار بين الصبر حتي تنقضي مدّة الإجارة ثمّ

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 37:5، روضة الطالبين 388:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو» بدل «فهي». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 37:5، روضة الطالبين 388:3.

يبيعونها، و بين البيع في الحال، فإن اختاروا الصبر إلي انقضاء مدّة الإجارة فإن انقضت المدّة و الدار بحالها، فلا بحث. و إن انهدمت الدار في أثناء المدّة، انفسخت الإجارة.

و إن اختار المؤجر الفسخ فيما بقي من المدّة، فإن كانت الأُجرة لم تُقبض منه، سقطت عنه فيما بقي من المدّة، و إن كانت قد قُبضت منه، رجع علي المفلس بحصّة ما بقي من المدّة.

و هل يضرب بذلك مع الغرماء؟ يُنظر فإن كان ذلك قبل قسمة ماله، فهل يرجع علي الغرماء؟ وجهان مبنيّان علي أنّ وجود السبب كوجود المسبّب، أو لا؟

فإن قلنا بالأوّل، رجع عليهم بما يخصّه؛ لأنّ سبب وجوبه وُجد قبل الحجر، و لو كان الاعتبار بحال وجوبه، لكان إذا وجب قبل القسمة أن لا يشارك به.

و إن قلنا بالثاني، لم يرجع؛ لأنّ دَيْنه تجدّد بعد الحجر، فلم يحاصّ به الغرماء.

و الأوّل أقوي.

فإن طلب الغرماء البيعَ في الحال، أُجيبوا إليه؛ لأنّه يجوز عندنا بيع الأعيان المستأجرة - و هو أحد قولي الشافعي - لأنّه عقد علي منفعة، فلا يمنع من بيع أصل العين، كالنكاح.

و الثاني: لا يصحّ البيع؛ لأنّ يد المستأجر حائلة دون التسليم، فأشبه المغصوب(1)9.

ص: 102


1- العزيز شرح الوجيز 37:5، روضة الطالبين 388:3-389.

فعلي قولنا تُباع في الحال، و يكون المستأجر أحقَّ بالمنافع و اليد مدّة إجارته.

و لو اختلف الغرماء في البيع و الصبر، أُجيب الذي يطلب البيع؛ لأنّه يتعجّل حقّه به، و لا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة؛ إذ لا يجب علي الغرماء الصبر إلي أن يزداد مال المفلس.

النوع الثاني: الإجارة الواردة علي الذمّة.

مسألة 346: إذا التزم المفلس نَقْلَ متاع من بلدٍ إلي آخَر أو عملَ شغلٍ ثمّ أفلس،

فإن كان مال الإجارة باقياً في يده، فله فسخ الإجارة و الرجوع إلي عين ماله. و إن كانت تالفةً، فلا فسخ، كما لا فسخ و الحال هذه عند إفلاس المُسْلَم إليه علي الأصحّ - و به قال الشافعي(1) - و يضارب المستأجرُ الغرماءَ بقيمة المنفعة المستحقّة، و هي أُجرة المثل، كما يضارب المُسْلِم بقيمة المُسْلَم فيه.

إذا عرفت هذا، فإنّ هذا النوع من الإجارة ليس سَلَماً، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الثاني: يكون سَلَماً.

فعلي قوله هذا ما يخصّه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه؛ لامتناع الاعتياض عن المُسْلَم فيه، بل يُنظر فإن كانت المنفعة المستحقّة قابلةً للتبعيض - كما لو استأجره لحمل مائة رطل - فينقل بالحصّة بعضها.

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 37:5، روضة الطالبين 389:3.

و إن لم يقبل التبعيض - كما إذا كان الملتزَم قصارةَ ثوبٍ، أو رياضة دابّة، أو(1) حمل المستأجر إلي بلدٍ، و لو نقل إلي بعض الطريق ضاع - فوجهان للشافعي(2).

قال الجويني: للمستأجر الفسخ بهذا السبب، و المضاربة بالأُجرة المبذولة(3).

و علي ما اخترناه نحن يسقط عنّا هذا، و يقبض الحصّة بعينها؛ لجواز الاعتياض.

و يلزم علي قوله إبطال مذهبه من منع جواز الاعتياض في السَّلَم فيما صوّرناه.

هذا إذا لم يسلّم المؤجر عيناً إلي المستأجر يستوفي المنفعة الملتزمة منها، أمّا إذا التزم النقل إلي البلد في ذمّته ثمّ سلّمه دابّةً لينقل بها، ثمّ أفلس، فإن قلنا: إنّ الدابّة المسلّمة تتعيّن بالتعيين، فلا فسخ، و يقدّم المستأجر بمنفعتها، كما لو كانت الدابّة معيّنةً في عقد الإجارة. و إن قلنا:

لا تتعيّن، فكما لو لم يسلّم الدابّة، فيفسخ المستأجر، و يضارب بمال الإجارة.

تذنيبان:

أ - لو استقرض مالاً ثمّ أفلس و هو باقٍ في يده، فللمُقرض الرجوعُ إلي عين ماله،

كالبائع في عين السلعة و إن ملكها المفلس بالشراء - و هو قول الشافعي(2) أيضاً - سواء قلنا: إنّ القرض يُملك بالقبض أو بالتصرّف.3.

ص: 104


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 37:5، روضة الطالبين 389:3.
2- العزيز شرح الوجيز 38:5، روضة الطالبين 389:3.

أمّا إذا كان لا يُملك بالقبض: فلأنّه يقدر علي الرجوع من غير إفلاس و لا حجر، فمعهما أولي.

و أمّا إذا كان(1) يُملك بالقبض: فلأنّه مملوك ببدلٍ تعذّر تحصيله، فأشبه البيع.

ب - لو باع شيئاً و استوفي ثمنه و امتنع من تسليم المبيع أو هرب، لم يكن للمشتري الفسخ؛

لأنّ حقّه تعلّق بالعين، و لا نقصان في نفس المبيع، فإن تعذّر قبضه، تخيّر حينئذٍ.

و للشافعيّة وجهان(2).

النظر الثالث: في المعوّض.
مسألة 347: يُشترط في المعوّض - و هو المبيع مثلاً - ليرجع إليه مع إفلاس المشتري شيئان:

بقاؤه في ملك المفلس، و عدم التغيّر(3).

فلو هلك المبيع، لم يكن للبائع الرجوع؛ لقوله عليه السلام: «فصاحب المتاع أحقّ بالمتاع إذا وجده بعينه»(4) فقد جعل عليه السلام وجدانَ المتاع شرطاً في أحقّيّة الأخذ.

و لا فرق بين أن يكون الهلاك بآفة سماويّة، أو بجناية جانٍ، أو بفعل المشتري، و لا بين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر.

و ليس له إلاّ مضاربة الغرماء بالثمن؛ عملاً بالأصل، و اختصاص

ص: 105


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كانت» بدل «كان». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 38:5، روضة الطالبين 389:3.
3- يأتي الشرط الثاني - و هو عدم التغيّر - في ص 108، المسألة 350.
4- سنن ابن ماجة 2360/790:2، سنن الدارقطني 106/29:3 و 107، المستدرك - للحاكم - 51:2.

المخالف له بالوجدان، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه إذا زادت القيمة، ضارب بها دون الثمن، و استفاد بها زيادة حصّته(1).

مسألة 348: لو خرجت العين عن ملك المشتري ببيعٍ أو هبة أو عتق أو وقف، فهو كما لو هلكت.

و ليس له فسخ هذه التصرّفات، بخلاف الشفيع، فإنّ له ردّ ذلك كلّه؛ لأنّ حقّ الشفعة كان ثابتاً حين تصرّف المشتري، لأنّ الشفعة تثبت بنفس البيع، و هنا حقّ الرجوع لم يكن ثابتاً حين التصرّف؛ لأنّه إنّما يثبت بالإفلاس و الحجر.

و كذا لا رجوع للبائع لو كاتب المشتري العبد المبيع أو استولد الجارية المبيعة. أما لو دبّر، فإنّ له الرجوع.

و لو نذر عتقه مطلقاً أو نذره عند شرطٍ، فكذلك لا يرجع إلاّ أن يبطل ذلك الشرط و يعلم بطلان النذر.

و لو علّق العتق بصفة، لم يصح عندنا. و عند الشافعي يصحّ، و له الرجوع(2).

و لو آجر العين، فلا رجوع له في المنافع، بل في العين عندنا؛ لأنّه يجوز بيع المستأجر، و هو أحد قولي الشافعيّة إن جوّزوا بيع المستأجر، و إن منعوه، لم يكن له الرجوعُ في العين، فإذا جوّزنا له الرجوع، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحقّ المستأجر، و إلاّ ضارب بالثمن(1)

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 40:5-41، روضة الطالبين 390:3.
مسألة 349: لو رهن المشتري العين، لم يكن للبائع الرجوع؛ لتقدّم حقّ المرتهن.
اشارة

و كذا لو جني العبد المبيع، فالمجنيّ عليه أحقّ ببيعه.

فإن قضي حقّ المرتهن أو المجنيّ عليه ببيع بعضه، فالبائع واجد لباقي المبيع، و سيأتي حكمه إن شاء اللّه تعالي.

و إن انفكّ الرهن أو برئ عن الجناية، فله الرجوع.

و لو زوّج الجاريةَ، لم يمنع البائع من الرجوع فيها. أمّا لو باع صيداً ثمّ أحرم و أفلس المشتري، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين؛ لأنّ تملّكه للصيد حرام.

و لو نقل العين ببيعٍ و شبهه ثمّ حُجر عليه بعد ذلك ثمّ عادت العين، فالوجه عندي: أنّه لا يرجع البائع فيها؛ لأنّ ملك المشتري فيها الآن متلقّي من غير البائع، و لأنّه قد تخلّلت حالة لو صادفها الإفلاس و الحَجْر لما رجع، فيُستصحب حكمها، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه إن عاد إليه بغير عوضٍ - كالهبة و الإرث و الوصيّة له - ففي الرجوع وجهان:

أحدهما: أنّه يرجع؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّ الملك قد تلقّاه من غير البائع(1).

و هذان الوجهان مبنيّان عندهم علي ما إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ، ثمّ باعه و اشتراه و جاء رأس الشهر، هل يُعتق ؟(2)

و إن عاد الملك إليه بعوضٍ كما لو اشتراه [نُظر](3) إن وفّر الثمن علي

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 41:5، روضة الطالبين 391:3.
2- العزيز شرح الوجيز 41:5.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

البائع الثاني، فكما لو عاد بلا عوض، فإن لم يوفّر و قلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض، فالأوّل أولي بالرجوع؛ لسبق حقّه، أو الثاني؛ لقرب حقّه، أو يستويان و يضارب كلّ واحدٍ منهما بنصف الثمن ؟ فيه ثلاثة أوجُه.

تذنيب: لو كاتب العبد كتابةً مطلقة، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين؛

لأنّه كالعتق في زوال سلطنة السيّد عنه.

و إن كانت مشروطةً، فإن كانت باقيةً، لم يكن له الرجوع أيضاً؛ لأنّها عقد لازم.

و إن عجز المكاتَب عن الأداء، فللمفلس الصبر عليه؛ لأنّه كالخيار.

و يُحتمل عدمه.

فإن ردّه في الرقّ، فهل للبائع الرجوع فيه ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّه ليس بملك يتجدّد، بل هو إزالة مانع.

و للشافعي طريقان:

أحدهما: أنّ رجوعه إلي الرقّ كانفكاك الرهن.

و الثاني: أنّه يعود الملك بعد زواله لمشابهة الكتابة زوالَ الملك، و إفادتها استقلالَ المكاتَب، و التحاقه بالأحرار(1).

مسألة 350: قد بيّنّا أنّه يشترط للرجوع في العين في المعوّض أمران:
اشارة

بقاء الملك، و قد سلف(2) ، و بقي الشرط الثاني، و هو: عدم التغيّر.

فنقول: البائع إن وجد العين بحالها لم تتغيّر لا بالزيادة و لا بالنقصان، فإنّ للبائع الرجوعَ لا محالة. و إن تغيّر(3) ، فإمّا أن يكون بالنقصان أو

ص: 108


1- العزيز شرح الوجيز 41:5، روضة الطالبين 391:3.
2- في ص 105، المسألة 347.
3- تذكير الفعل باعتبار المبيع.

بالزيادة.

القسم الأوّل: أن يكون التغيّر بالنقصان، و هو قسمان:
اشارة

الأوّل: نقصان ما لا يتقسّط عليه الثمن، و لا يُفرد بالعقد، و هو المراد بالعيب و نقصان الصفة، كتلف بعض أطراف العبد.

و الثاني: نقصان بعض المبيع ممّا يتقسّط عليه الثمن، و يصحّ إفراده بالعقد.

و نحن نذكر حكم هذه الأقسام بعون اللّه تعالي، ثمّ نتبع ذلك بقسم الزيادة.

القسم الأوّل: نقصان الصفة.

مسألة 351: إذا نقصت العين بالتعيّب، فإن حصل بآفة سماويّة، تخيّر البائع

بين الرجوع في العين ناقصةً بغير شيء، و بين أن يضارب بالثمن مع الغرماء، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع، يتخيّر المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثمن - عند بعض(1) أصحابنا - و بين الفسخ و الرجوع بالثمن.

و علي ما اخترناه نحن - من أنّ المشتري يرجع بالأرش - لا يتأتّي هذا، و إنّما لم يكن للبائع هنا الرجوع بالأرش، و كان للمشتري في صورة البيع الرجوع به؛ لأنّ المبيع مضمون في يد البائع، و كما يضمن جملته يضمن أجزاءه، سواء كانت صفاتاً أو غيرها؛ لأنّ الثمن في مقابلة الجميع، و أمّا هنا فإنّ البائع لا حقّ له في العين إلاّ بالفسخ المتجدّد بعد العيب، و إنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن، فلم تكن العين مضمونةً له، فلم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد، بل يقال له: إمّا أن تأخذ العين مجّاناً، أو تضارب

ص: 109


1- الشيخ الطوسي في الخلاف 109:3، المسألة 178.

بالثمن، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و له قولٌ آخَر: إنّه يأخذ المعيب و يضارب مع الغرماء بما نقص، كما يأتي(2) في الضرب الثاني(3). و هو غريب عندهم(4).

إذا عرفت هذا، فقد وافقنا مالك و الشافعي علي أنّ للبائع الرجوعَ و إن كانت معيبةً(5).

و قال أحمد: إذا تلف جزء من العين - كتغيّر أطراف العبد، أو ذهاب عينه، أو تلف بعض الثوب، أو انهدم بعض الدار، أو اشتري نخلاً مثمراً فتلف الثمرة، و نحو هذا - لم يكن للبائع الرجوعُ؛ لأنّه لم يدرك متاعه بعينه(6).

و هو غلط.

أمّا أوّلاً: فلأنّ العين باقية و إن تلف بعض صفاتها.

و أمّا ثانياً: فلأنّه إذا ثبت له الرجوع في جميع العين بالثمن، فإثبات الرجوع له في بعضها بالثمن أولي، كما لو قال: أنا أرجع في نصف العين بجميع الثمن، فإنّه يجاب إليه قطعاً، كذا هنا.

مسألة 352: إذا تعيّبت العين بجناية جانٍ، فإمّا أن يكون الجاني أجنبيّاً أو البائعَ أو المشتري.

فإن كان أجنبيّاً، فعليه الأرش، و للبائع أن يأخذه معيباً، و يضاربُ2.

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 42:5، روضة الطالبين 391:3.
2- في ص 112، المسألة 354.
3- و هو نقصان ما يتقسّط عليه الثمن.
4- العزيز شرح الوجيز 42:5، و في روضة الطالبين 391:3؛ «شاذّ ضعيف».
5- المغني 498:4، الشرح الكبير 511:4.
6- المغني 498:4-499، الشرح الكبير 511:4-512.

الغرماءَ بمثل(1) نسبة ما انتقص من القيمة من الثمن؛ لأنّ المشتري أخذ بدلاً للنقصان و كان مستحقّاً للبائع، فلا يجوز تضييعه عليه، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض.

و إنّما اعتبرنا في حقّه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي؛ لأنّ التقدير إنّما أثبته الشرع في الجنايات، و الأعواض يتقسّط بعضها علي بعضٍ باعتبار القيمة.

و لو اعتبرنا في حقّه المقدّر، لزمنا أن نقول: إذا قطع الجاني يديه(2) أن يأخذه البائع و قيمته، و هذا محال، بل يُنظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين، و نقول: يضارب البائعُ الغرماء بمثل نسبته من الثمن. و لو قطع إحدي يديه و غرم نصف القيمة و كان الناقص في السوق ثُلث القيمة، ضارَب البائعُ بثلث الثمن و أخذه، و علي هذا القياس.

مسألة 353: لو كان الجاني علي العين البائعَ، فهو كجناية الأجنبيّ؛

لأنّ جنايته علي ما ليس بمملوك له و لا هو في ضمانه.

و إن كان الجاني المشتري، احتُمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبيّ أيضاً؛ لأنّ إتلاف المشتري قبض(3) و استيفاء منه علي ما مرّ(4) في موضعه، و كأنّه صرف جزءً من المبيع إلي غرضه. و أن تكون جنايته كجناية البائع علي المبيع قبل القبض؛ لأنّ المفلس و المبيع في يده كالبائع في المبيع قبل القبض من حيث إنّه مأخوذ منه غير مقرَّر في يده.ع.

ص: 111


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مثل». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قطع يدي الجاني». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «نقص» بدل «قبض». و المثبت هو الظاهر.
4- في ج 10، ص 114، المسألة 64 من كتاب البيع.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّها(1) كجناية الأجنبيّ.

و أصحّهما عنده: أنّها كالآفة السماويّة(2).

و لا يقال: إنّ حقَّ تشبيه جناية المشتري هنا بجناية البائع قبل القبض كتشبيه(3) جناية البائع هناك حتي يقال: كأنّه استرجع بعض المبيع؛ إذ ليس له الفسخ و الاسترجاع إلاّ بعد حَجْر الحاكم عليه، و ليس(4) قبل الحَجْر حقٌّ و لا مِلْكٌ.

تذنيب: لو باع المفلس قبل الحجر بعضَ العين

أو وهبه أو وقفه، فهو بمنزلة تلفه.

القسم الثاني: نقصان العين.

مسألة 354: إذا نقص المبيع نقصاً يتقسّط الثمن عليه، و يصحّ إفراده بالعقد

- كما لو اشتري عبدين صفقةً أو ثوبين كذلك فتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس و حُجر عليه - فللبائع أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن، و يُضارب مع الغرماء بحصّة التالف، و له أن يضارب بجميع الثمن - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لأنّه عين ماله وجدها البائع، فله

ص: 112


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّه». و المثبت هو الصحيح.
2- الوسيط 26:4، العزيز شرح الوجيز 43:5، روضة الطالبين 392:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «تشبيه».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فليس» بدل «و ليس». و الظاهر ما أثبتناه.
5- التهذيب - للبغوي - 88:4، الوسيط 26:4، العزيز شرح الوجيز 43:5، روضة الطالبين 392:3، المغني 499:4، الشرح الكبير 512:4.

أخذها؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحقّ به»(1).

و لأنّه مبيع وجده بعينه، فكان للبائع الرجوعُ فيه، كما لو وجد جميع المبيع.

و في الرواية الأُخري لأحمد: ليس له الرجوع؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه، أشبه ما لو كان عيناً واحدة و قد تعيّبت. و لأنّ بعض المبيع تالف، فلم يملك الرجوع فيه، كما لو قُطعت يد العبد(2).

و الحكم في الأصل ممنوع، و قد سبق، و هذا كما لو بقي جميع المبيع و أراد البائع فسخ البيع في بعضه، مُكّن منه؛ لأنّه أنفع للغرماء من الفسخ في الكلّ، فهو كما لو رجع الواهب في نصف ما وهب.

مسألة 355: إذا اختار فسخ البيع في الباقي و أخذه، ضرب بقسط التالف من الثمن،

و لا يجب عليه فسخ البيع و أخذ الباقي بجميع الثمن؛ لأنّ الثمن يتقسّط علي المبيع، فكأنّه في الحقيقة بيعان بثمنين، و هو أصحّ قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه يأخذ الباقي بجميع الثمن، و لا يضارب بشيء، و طرّدوا هذا القول في كلّ مسألة تضاهي هذه المسألة حتي لو باع سيفاً و شقصاً بمائة، يأخذ الشقص بجميع المائة علي قولٍ(3). و هو بعيد.

هذا إذا تلف أحد العبدين و لم يقبض من الثمن شيئاً.3.

ص: 113


1- صحيح البخاري 155:3-156، صحيح مسلم 1559/1193:3، سنن الدارمي 262:2، المغني 499:4، الشرح الكبير 512:4.
2- المغني 499:4، الشرح الكبير 512:4.
3- العزيز شرح الوجيز 43:5، روضة الطالبين 392:3.

و لو باع عبدين متساويي القيمة بمائة و قبض خمسين و تلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس، فإنّه يرجع في الباقي من العبدين؛ لأنّ الإفلاس سبب يعود به جميع العين، فجاز أن يعود بعضه(1) ، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يردّ(2) بها جميع الصداق إلي الزوج تارة و بعضه أُخري.

و لاندراج صورة النزاع فيما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «إذا أفلس الرجل و وجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء»(3).

و من طريق الخاصّة: قول أبي الحسن عليه السلام و قد سُئل عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه، قال: «لا يحاصّه الغرماء»(4).

و هو الجديد للشافعي.

و قال في القديم: ليس له الرجوعُ إلي العين، بل يُضارب بباقي الثمن مع الغرماء؛ لقول النبي صلي الله عليه و آله: «أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه و لم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به، و إن كان قد اقتضي(5) من ثمنه شيئاً فهو أُسوة الغرماء»(6)(7).

و هذا الحديث مرسل.3.

ص: 114


1- الظاهر: «بعضها».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يريد» بدل «يردّ». و المثبت هو الصحيح.
3- سنن الدارقطني 112/30:3، و 90/229:4، سنن البيهقي 46:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 15162/265:8.
4- التهذيب 420/193:6، الاستبصار 19/8:3.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اقبض» بدل «اقتضي». و الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
6- سنن ابن ماجة 2359/790:3، سنن أبي داوُد 286:3-3520/287، 3521، سنن البيهقي 47:6.
7- العزيز شرح الوجيز 44:5، روضة الطالبين 392:3.

و علي ما اخترناه يرجع في جميع العبد الباقي بجميع ما بقي من الثمن، و به قال الشافعي علي قول الرجوع(1).

و له فيما إذا أصدقها أربعين شاةً، و حالَ عليها الحول فأخرجت شاةً ثمّ طلّقها قبل الدخول قولان:

أحدهما: أنّه يرجع بعشرين(2) شاة.

و الثاني: أنّه يأخذ نصفَ الموجود، و نصفَ قيمة الشاة المُخرَجة(3).

و اختلف أصحابه هنا علي طريقين:

[أحدهما: تخريج القول الثاني و طرد القولين هاهنا](4):

أظهرهما: أنّه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن، و يجعل ما قبض من الثمن في مقابلة التالف، كما لو رهن عبدين بمائة و أخذ خمسين و تلف أحد العبدين، كان الآخَر مرهوناً بما بقي من الدَّيْن بجامع أنّ له التعلّق بكلّ العين، فيثبت له التعلّق بالباقي من العين للباقي من الحقّ.

و الثاني: أنّه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن، و يُضارب الغرماءَ بنصفه؛ لأنّ الثمن يتوزّع علي المبيع، فالمقبوض و الباقي يتوزّع كلّ واحدٍ منهما علي العبدين.

و لا بأس به عندي.

و الطريق الثاني: القطع بأنّه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن، و الفرق بينه و بين الصداق: أنّ الزوج إذا لم يرجع إلي عين الصداق،ق.

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 44:5، روضة الطالبين 392:3.
2- في المصدر: «بأربعين» بدل «بعشرين».
3- العزيز شرح الوجيز 44:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

أخذ القيمة بتمامها، و البائع هنا لا يأخذ الثمن، بل يحتاج إلي المضاربة(1).

مسألة 356: لو قبض بعض الثمن و لم يتلف من المبيع شيء،

احتُمل الرجوع في البعض بنسبة الباقي من الثمن، فلو قبض نصف الثمن، رجع في نصف العبد المبيع، أو العبدين المبيعين، و هو الجديد للشافعي.

و قال في القديم: لا يرجع(2). و قد سلف.

مسألة 357: لو كان المبيع زيتاً فأغلاه المشتري حتي ذهب بعضه ثمّ أفلس، فهو بمثابة تلف بعض المبيع،

كما لو انصبّ بعضه، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه كما لو تعيّب المبيع، و كان الزائلُ صفةَ الثُّفْل(3).

فعلي الأوّل لو ذهب نصفه، أخذه بنصف الثمن، و ضارَب مع الغرماء بالنصف، فإن ذهب ثلثه، أخذ بثلثي الثمن، و ضارَب بالثلث.

و علي الثاني يرجع إليه، و [يقنع](4) به.

و إذا ذهب نصفه مثلاً، فالوجه: أن يطّرد ذلك الوجه في إغلاء الغاصب الزيتَ المغصوب.

و لو كان مكان الزيت العصير، فالوجه: المساواة بينه و بين الزيت هنا و في الغاصب، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الفرق بأنّ الذاهب من العصير ما لا ماليّة له، و الذاهب منه.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 44:5-45.
2- العزيز شرح الوجيز 45:5، روضة الطالبين 392:3.
3- العزيز شرح الوجيز 45:5، روضة الطالبين 393:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ينتفع». و الصحيح ما أثبتناه.

الزيت متموّل(1).

و يُمنع عدم الماليّة؛ لأنّه قبل الغليان مالٌ، فقد أتلفه بالغليان.

و علي القول بالتسوية بين العصير و الزيت لو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم، فأغلاها حتي عادت إلي ثلاثة أرطال، رجع إلي الباقي، و يُضارب بربع الثمن للذاهب(2) ، و لا عبرة بنقصان قيمة المغليّ، كما إذا عادت قيمته إلي درهمين.

و إن زادت قيمته بأن صارت أربعةً، بني علي أنّ الزيادة الحاصلة بالصنعة أثرٌ أو عينٌ؟

إن قلنا: إنّه أثر، فإنّه للبائع بما زاد.

و إن قلنا: عينٌ، قال بعض الشافعيّة: إنّه كالأوّل(3).

و عن بعضهم: أنّ المفلس يكون شريكاً بالدراهم الزائدة(4).

و إن بقيت القيمة ثلاثة كما كانت، فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين؛ لازدياد الباقي بالطبخ، فإن جعلنا هذه الزيادة أثراً، فاز البائع بها.

و إن جعلناها عيناً، فكذلك عند بعض الشافعيّة(5).

و قال غيره: يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم، فإنّ هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب، و هو الذي زاد بالطبخ في الباقي(6).

مسألة 358: لو كان المبيع داراً فانهدمت و لم يهلك شيء من النقْض، فقد أتلف(3) صفة، كعمي العبد و نحوه.».

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 45:5، روضة الطالبين 393:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الذاهب». و الظاهر ما أثبتناه. (3-6) العزيز شرح الوجيز 45:5، روضة الطالبين 393:3.
3- هكذا قوله: «فقد أتلف». و الظاهر أنّ بدلها: «فهو تلف» أو «فقد تلف».

و لو هلك بعضه باحتراقٍ و غيره، فهو تلف عين.

و للشافعيّة خلاف هنا مبنيّ علي تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنّه كالتعيّب أو تلف أحد العبدين ؟(1).

مسألة 359: قد ذكرنا أنّه إذا نقصت ماليّة المبيع بذهاب صفة مع بقاء عينه

- كهزال العبد، أو نسيانه صنعةً، أو كبره، أو مرضه، أو تغيّر عقله، أو كان ثوباً فخَلِق - لم يمنع الرجوع؛ لأنّ فقد الصفة لا يُخرجه عن كونه عين ماله، لكن يأخذ العين بتمام الثمن، أو يترك و يضرب مع الغرماء بالثمن؛ لأنّ الثمن لا يتقسّط علي صفة السلعة من سمن أو هزال أو علمٍ فيصير كنقصه؛ لتغيّر السعر.

و لو كان المبيع أمةً ثيّباً فوطئها المشتري و لم تحمل، فله الرجوع؛ لأنّها لم تنقص في ذات و لا صفة.

و إن كانت بكراً، فكذلك عندنا و عند الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2) ؛ لأنّ الذاهب صفة، لا عين و لا جزء عين.

و في الأُخري: لا يرجع؛ لأنّه أذهب منها جزءً، فأشبه ما لو فقأ عينها(3). و عنده أنّ فوات الجزء مبطل للرجوع(2).

مسألة 360: لو كان المبيع عبداً فجرح، كان له الرجوعُ فيه عندنا

و عند الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(3) ؛ لأنّه فقد صفة، فأشبه نسيان الصنعة و خلق الثوب.4.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 46:5، روضة الطالبين 393:3. (2 و 3) المغني 499:4، الشرح الكبير 518:4.
2- المغني 498:4، الشرح الكبير 511:4.
3- المغني 500:4، الشرح الكبير 519:4.

و في الأُخري: لا يرجع؛ لأنّه ذهب جزء ينقص به الثمن، فأشبه ما لو فُقئت عين العبد. و لأنّه ذهب من العين جزء له بدل، فمنع الرجوع، كما لو قُطعت يد العبد. و لأنّه لو كان نقص صفةٍ، لم يكن للبائع مع الرجوع بها شيء سواه، كما في هزال العبد و نسيان الصنعة، و هنا بخلافه. و لأنّ الرجوع في المحلّ المنصوص عليه يقطع النزاع، و يزيل المعاملة بينهما، و لا يثبت في محلٍّ لا يحصل منه هذا المقصود(1).

و نمنع ذهاب الجزء. سلّمنا، لكن نمنع صلاحيّته للمنع من الرجوع في العين.

إذا عرفت أنّ له الرجوعَ في العين، فليُنظر إلي الجرح، فإن لم يكن له أرش - كالحاصل من فعله تعالي أو فعل بهيمة أو فعل المشتري أو جناية عبده أو جناية العبد علي نفسه - فليس له مع الرجوع أرش.

و إن أوجب أرشاً - كجناية الأجنبيّ - فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصّة ما نقص من الثمن، فينظر كم نقص من قيمته ؟ فيرجع بقسط ذلك من الثمن؛ لأنّه مضمون علي المشتري للبائع بالثمن.

لا يقال: هلاّ جعلتم له الأرش الذي وجب علي الأجنبيّ؟

لأنّا نقول: لمّا أتلفه الأجنبيّ صار مضموناً بإتلافه للمفلس، و كان الأرش له، و هو مضمون علي المفلس للبائع بالثمن، فلا يجوز أن يضمنه بالأرش، و إذا لم يتلفه أجنبيّ، فلم يكن مضموناً، فلم يجب بفواته شيء.

لا يقال: هلاّ كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع ؟

لأنّا نقول: الكسب بدل منافعه، و منافعه مملوكة للمشتري بغير4.

ص: 119


1- المغني 500:4، الشرح الكبير 519:4.

عوضٍ، و هذا بدل جزء من العين، و العين ضمنها جميعاً بالعوض، فلهذا ضمن ذلك للمشتري.

القسم الثاني التغيّر بالزيادة
اشارة

القسم الثاني(1): التغيّر بالزيادة.

اعلم أنّ التغيّر بالزيادة نوعان:

أحدهما: الزيادات الحاصلة لا من خارجٍ، و أقسامه ثلاثة:

أحدها: الزيادة المتّصلة من كلّ وجهٍ،

كالسمن، و تعلّم الحرفة، و كبر الشجر.

و الأقرب عندي: أنّه ليس للغرماء الرجوعُ في العين - و به قال أحمد ابن حنبل(2) - لما فيه من الإضرار بالمفلس؛ لأنّها زيادة قد حصلت في ملكه، فلا وجه لأخذ الغرماء لها.

و لأنّه فسخ بسببٍ حادث، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متّصلة، كالطلاق، فإنّه ليس للزوج الرجوعُ في عين ما دفعه من المهر مع زيادته المتّصلة.

و لأنّها زيادة في ملك المفلس، فلا يستحقّها البائع، كالمنفصلة، و كالحاصلة بفعله.

و لأنّ الزيادة لم تصل إليه من البائع، فلم يكن له أخذها منه، كغيرها من أمواله.

و قال الشافعي و مالك: لا يبطل رجوع البائع في العين بسبب الزيادة المتّصلة، بل يثبت له الرجوعُ فيها إن شاء من غير أن يلتزم للزيادة شيئاً

ص: 120


1- الظاهر: «الثالث».
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 102:2، المغني 505:4، الشرح الكبير 516:4.

- إلاّ أنّ مالكاً خيّر الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به - للخبر(1).

و لأنّه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتّصلة، كالردّ بالعيب.

و فارقَ الطلاق؛ فإنّه ليس بفسخ، و لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين، فيصل إلي حقّه تامّاً، و هنا لا يمكنه الرجوع في الثمن(2).

و الخبر لا يدلّ علي صورة النزاع؛ لأنّه وجد أزيد من عينه التي وقع العقد عليها.

و الفرق واقع بين صورة النزاع و بين الردّ بالعيب؛ لأنّ الفسخ فيه من المشتري، فهو راضٍ بإسقاط حقّه من الزيادة و تركها للبائع، بخلاف المتنازع. و لأنّ الفسخ هناك لمعني قارَن العقدَ، و هو العيب القديم، و الفسخ هنا لسببٍ حادث، فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحقّ به استرجاع العين الزائدة.

و قولهم: «إنّ الزوج إنّما لم يرجع في العين؛ لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة» لا يصحّ؛ فإنّ اندفاع الضرر عنه بطريقٍ آخَر لا يمنعه من أخذ حقّه من العين، و لو كان مستحقّاً للزيادة، لم يسقط حقّه منها بالقدرة علي أخذ القيمة، كمشتري المعيب.

ثمّ كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدةً؛ لكون الزيادة مستحقّةً له،4.

ص: 121


1- راجع الهامش (3) من ص 114.
2- المهذّب - للشيرازي - 331:1، التهذيب - للبغوي - 88:4، الحاوي الكبير 279:6، الوجيز 174:1، الوسيط 27:4، العزيز شرح الوجيز 46:5، و 296:8، روضة الطالبين 393:3-394، و 612:5-613، الذخيرة 179:8، الكافي في فقه أهل المدينة: 417، المغني 505:4، الشرح الكبير 516:4.

فلمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة. و لأنّه لا يمكن فصلها و كذا(1) هنا بل أولي؛ فإنّ الزيادة يتعلّق بها حقّ المفلس و الغرماء، فمنع المشتري من أخذ زيادةٍ ليست له أولي من تفويتها علي الغرماء الذين لم يصلوا إلي تمام ديونهم و المفلسِ المحتاج إلي تبرئة ذمّته عند اشتداد حاجته.

تذنيب: لو زاد الصداق زيادةً متّصلة ثمّ أعسرت الزوجة فطلّقها الزوج، فالأقرب عندي: أنّه يرجع في العين،

و يضرب بالقيمة مع الغرماء.

و قال الشافعي: يرجع في نصف العين زائدةً، و لا يضرب بالقيمة مع الغرماء، كما تقدّم.

القسم الثاني: الزيادة المنفصلة من كلّ وجهٍ،

كالولد و اللبن و ثمر الشجرة.

و هنا يرجع البائع في الأصل خاصّةً دون الزوائد، بل تسلم الزوائد للمفلس، و لا نعلم فيه خلافاً - إلاّ من مالك(2) - لأنّه انفصل في ملك المفلس، فلم يكن للبائع الرجوع فيه، كما لو وجد بالمبيع عيباً، فإنّه يردّه، دون النماء المنفصل، كذا هنا.

نعم، لو كان الولد صغيراً، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه إن بذل قيمته، فذاك، و إلاّ بِيعا معاً، و صَرف ما يخصّ الأُمّ إلي البائع، و ما يخصّ الولد للمفلس(3).

قال بعض الشافعيّة: قد ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأُمّ معيبة و هناك ولد صغير: أنّه ليس له الردّ، و ينتقل إلي الأرش، أو يُحتمل التفريق

ص: 122


1- كذا، و الظاهر: «فكذا» بدل «و كذا».
2- المغني 507:4، الشرح الكبير 518:4.
3- العزيز شرح الوجيز 46:5، روضة الطالبين 394:3.

للضرورة. و فيما إذا رهن الأُمّ دون الولد: أنّهما يباعان معاً، أو يحتمل التفريق، و لم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق، و إنّما احتالوا في دفعه، فيجوز أن يقال بخروجه(1) هنا أيضاً، لكنّهم لم يذكروه اقتصاراً علي الأصحّ.

و يجوز أن يفرّق بأنّ مال المفلس مبيع كلّه و مصروف إلي الغرماء، فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة علي جانب الراجع بكون ملكه مزالاً(2).

مسألة 361: لو كان المبيع بذراً فزرعه المفلس و نبت، أو كان بيضةً فأحضنها و فرخت في يده ثمّ أفلس، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين

عندنا؛ لما تقدّم(3) من أنّ الزيادة المتّصلة تمنع من الردّ، فهنا أولي؛ لاشتمالها علي تغيّر العين بالكلّيّة، و هو أحد قولي الشافعيّة - و إن كان يذهب إلي أنّ الزيادة المتّصلة لا تمنع من الردّ(4) - لأنّ المبيع قد هلك، و هذا شيء جديد له اسم جديد(5).

و الثاني: أنّه يرجع؛ لأنّه حدث من عين ماله، أو هو عين ماله اكتسب هيئةً أُخري، فصار كالوديّ(6) إذا صار نخلاً(7)4.

ص: 123


1- أي: خروج التفريق.
2- العزيز شرح الوجيز 46:5، روضة الطالبين 394:3.
3- في ص 120 و ما بعدها.
4- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 121.
5- المهذّب - للشيرازي - 331:1، التهذيب - للبغوي - 94:4، الحاوي الكبير 282:6، حلية العلماء 503:4، الوسيط 27:4، العزيز شرح الوجيز 46:5-47، روضة الطالبين 394:3-395، المغني 502:4، الشرح الكبير 513:4.
6- الوديّ: صغار الفسيل، و هو صغار النخل. الصحاح 1790:5، و 2521:6 «فسل، ودي».
7- المهذّب - للشيرازي - 331:1، التهذيب - للبغوي - 94:4، الحاوي الكبير 283:6، حلية العلماء 503:4، الوسيط 27:4-28، العزيز شرح الوجيز 47:5، روضة الطالبين 394:3، المغني 502:4، الشرح الكبير 513:4.

و سيأتي مزيد بحثٍ في باب الغصب إن شاء اللّه تعالي.

و يجري مثل هذا الخلاف في العصير إذا تخمّر في يد المشتري ثمّ تخلّل(1).

مسألة 362: لا فرق في الرجوع بالعين دون الزيادة المنفصلة بين أن تكون الزيادة قد نقص بها المبيع و أن لا تكون،

و لا فرق أيضاً بين أن تزيد قيمة العين لزيادة السوق أو تنقص في جواز الرجوع فيها، و قد بيّنّا أنّ العلماء أطبقوا علي أنّ الزيادة للمفلس.

و نُقل عن مالك و أحمد بن حنبل في روايةٍ: أنّ الزيادة للبائع كالمتّصلة(2).

و هو خطأ؛ لأنّها زيادة انفصلت في ملك المشتري، فكانت له.

و لقوله عليه السلام: «الخراج بالضمان»(3) و هو يدلّ علي أنّ النماء للمشتري؛ لكون الضمان عليه.

و الفرق بين المتّصلة و المنفصلة ظاهر؛ فإنّ المتّصلة تتبع في الردّ بالعيب، دون المنفصلة، فيبطل القياس.

و لو اشتري زرعاً أخضر مع الأرض ففلس و قد اشتدّ الحَبّ، لم يرجع في العين - عندنا - للزيادة.

و الشافعيّة طرّدوا الوجهين، و بعضهم قطع بالرجوع(4)3.

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 47:5، روضة الطالبين 395:3.
2- المغني 507:4، الشرح الكبير 518:4.
3- سنن ابن ماجة 2243/754:2، سنن أبي داوُد 3508/284:3-3510، سنن الترمذي 581:3-1285/582 و 1286، سنن النسائي 255:7.
4- العزيز شرح الوجيز 47:5، روضة الطالبين 395:3.
القسم الثالث: الزيادات المتّصلة من وجه دون وجه.

و ذلك كالحمل. و وجه اتّصاله ظاهر.

و وجه انفصاله أن نقول: إذا حدث الحمل بعد الشراء و انفصل قبل الرجوع، فحكم الولد ما تقدّم من أنّه للمشتري خاصّةً.

و إن كانت حاملاً عند الشراء و عند الرجوع جميعاً، فهو كالسمن.

و قد بيّنّا أنّ المعتمد عندنا فيه أنّه ليس له الرجوع في العين إن زادت قيمتها بسببه.

و عند الشافعي و مالك يرجع فيها حاملاً؛ لأنّ الزيادة المتّصلة عندهما لا تمنع من الرجوع في العين(1)المهذّب - للشيرازي - 332:1، التهذيب - للبغوي - 90:4، حلية العلماء 508:4، العزيز شرح الوجيز 47:5-48، روضة الطالبين 395:3.(2).

و إن كانت حاملاً عند الشراء و ولدت قبل الرجوع، لم يتعدّ الرجوع إلي الولد عندنا، و هو ظاهر.

و للشافعي قولان مبنيّان علي الخلاف في أنّ الولد هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا: له حكم، رجع فيهما، كما لو اشتري شيئين. و إن قلنا: لا حكم له، لم يرجع في الولد، و كان الحكم كما لو باعها حاملاً(2).

و ربما يوجّه قولُ التعدّي إلي الولد: بأنّه كان موجوداً عند العقد، ملكه المشتري بالعقد، فوجب أن يرجع إلي البائع بالرجوع، و قولُ المنع:

بأنّه ما لم ينفصل تابع ملحق بالأعضاء، فكذلك تبع في البيع، أمّا عند

ص: 125


1- المهذّب - للشيرازي - 332:1، التهذيب - للبغوي - 90:4، حلية العلماء 508:4، العزيز شرح الوجيز 47:5، روضة الطالبين 395:3، و لاحظ المصادر في الهامش
2- من ص 124، و كذا الهامش (2) من ص 121 أيضاً.

الرجوع فهو مشخّص مستقلّ بنفسه منفرد بالحكم، و كأنّه وُجد حين استقلّ.

و إن كانت حائلاً عند الشراء و حملت(1) عند الرجوع، لم يكن له الرجوعُ عندنا إن زادت قيمتها بالحمل.

و مَنْ جوّز الرجوع مع الزيادة المنفصلة - و هو الشافعي - فعنده قولان موجّهان بطريقين:

أشهرهما: البناء علي أنّ الحمل هل يُعرف و له حكم ؟ إن قلنا: لا، أخذها مع الحمل. و إن قلنا: نعم، قال بعضهم: إنّه لا رجوع له، و يُضارب الغرماء بالثمن(2).

و الأصحّ عندهم: أنّ له الرجوع إلي الولد؛ لأنّ الولد تبع الجارية حال البيع، فكذا حال الرجوع(3).

و وجه المنع: أنّ البائع يرجع إلي ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادة المتّصلة، و لم يكن الحمل موجوداً، و لا يمكن عدّه من الزيادات المتّصلة؛ لاستقلاله و انفراده بكثير من الأحكام.

ثمّ قضيّة المأخذ الأوّل أن يكون الأصحّ اختصاصَ الرجوع بالأُمّ؛ لأنّ الأصحّ أنّ الحمل يُعلم و له حكم، إلاّ أنّ أكثر الشافعيّة مالوا إلي ترجيح القول الآخَر(4)5.

ص: 126


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «حاملاً... أو حملت». و في «ث، ر»: «حاملاً...» و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب - للبغوي - 90:4، العزيز شرح الوجيز 48:5، روضة الطالبين 395:3.
3- راجع: العزيز شرح الوجيز 48:5.
4- العزيز شرح الوجيز 48:5.

و إذا قلنا باختصاص الرجوع بالأُمّ، فقد قال بعض الشافعيّة: يرجع فيها قبل الوضع، فإذا ولدت، فالولد للمفلس(1).

و قال بعضهم: يصبر إلي انفصال الولد، و لا يرجع في الحال، ثمّ الاحتراز عن التفريق [طريقه](1) ما تقدّم(3).

مسألة 363: لو كان المبيع نخلاً، فلا يخلو إمّا أن يكون عليها ثمرة حال البيع، أو لا،

فإن كان فلا يخلو إمّا أن تكون الثمرة مؤبَّرةً حال البيع، أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً حال البيع، فهي للبائع، إلاّ أن يشترطها المشتري، فإن اشترطها، دخلت في البيع.

فإذا أفلس و فسخ، فإمّا أن تكون الثمرة باقيةً أو تلفت.

فإن كانت باقيةً، فإن لم تزد، كان له الرجوع في النخل و الثمرة معاً.

و إن زادت، ففي الرجوع مع الزيادة المتّصلة الخلافُ السابق، فإن قلنا به، رجع فيهما معاً أيضاً. و إن منعناه، رجع في النخل خاصّةً بحصّته من الثمن، دون الثمرة.

و إن تلفت، رجع في النخل، و ضرب بقيمة الثمرة مع الغرماء.

و إن لم تكن مؤبَّرةً حال البيع، فحالة الرجوع إمّا أن تكون مؤبَّرةً أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً، لم تدخل في الرجوع - عندنا - للزيادة التي حصلت بين الشراء و الرجوع.

و مَنْ أثبت الرجوع مع الزيادة المتّصلة - كالشافعي - فله طريقان:

ص: 127


1- ما بين المعقوفين من المصدر.

أحدهما: أنّ أخذ البائع الثمرة علي القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملاً وقت البيع و وضعت قبل الرجوع.

و قد ذكرنا أنّ في الرجوع في الولد له قولين، فكذا في الثمرة.

و الطريق الثاني: القطع بأنّه يأخذ الثمرة هنا؛ لأنّها و إن كانت مستترةً فهي مشاهَدة موثوق بها قابلة [للإفراد](1) بالبيع، فكانت أحد مقصودي العقد، فيرجع فيها رجوعه في النخل.

و الحاصل: أن نقول: إن قلنا: يأخذ الولد، فالثمرة أولي بالأخذ، و إلاّ فقولان(2).

و إن لم تكن مؤبَّرةً حال الرجوع أيضاً، فإن زادت فيما بين الشراء و الرجوع، لم يكن له الرجوع عندنا. و إن لم تزد أو زادت عند مَنْ يُجوّز الرجوع، كان له الرجوع فيهما معاً.

و إن كانت الثمرة غير موجودة حال البيع ثمّ ظهرت و أفلس بعد ظهورها، فإن رجع و عليها الثمرة، فإمّا أن تكون مؤبَّرةً أو غير مؤبَّرة.

فإن كانت مؤبَّرةً أو مدركةً أو مجذوذةً، لم يكن له الرجوع في الثمرة قطعاً؛ لأنّها نماء حصلت للمشتري علي ملكه، فلا يزول عنه، إلاّ بسببٍ، و لم يوجد المزيل.

و لا فرق بين أن يفلس قبل التأبير أو بعده، فإذا أفلس قبل أن تؤبَّر فلم يرجع فيها حتي أُبّرت، لم يكن له الرجوع في الثمرة؛ لأنّ العين لا تنتقل إلي البائع إلاّ بالفلس و الاختيار لها، و هذا لم يخترها إلاّ بعد أن3.

ص: 128


1- بدل ما بين المعقوفين فيما عدا «ث»: «للإقرار». و في «ث»: «للابراز». و كلاهما تصحيف. و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 49:5، روضة الطالبين 396:3.

حصل التأبير، فلم تتبعها في الفسخ.

و إن كانت الثمرة عند الرجوع غير مؤبَّرة، لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنّها نماء حصل علي ملكه، و دخول الطلع غير المؤبَّر في البيع لا يقتضي دخوله في الرجوع، و لا يسقط رجوعه في عين النخل.

و للشافعي قولان:

هذا أحدهما؛ لأنّ الطلع يصحّ إفراده بالبيع، فلا يجعل تبعاً، كالثمار المؤبَّرة، بخلاف البيع؛ لأنّه أزال ملكه باختياره، و هنا بغير اختياره.

و الثاني: أنّه يأخذه مع النخل؛ لأنّه تبع في البيع، فكذلك في الفسخ، كالسمن(1).

و فيه طريقة أُخري للشافعيّة: أنّه لا يأخذ الطلع؛ للوثوق به، و استقلاله في البيع، بخلاف البيع(2) علي ما تقدّم.

و بالجملة، كلّ موضعٍ أزال ملكه باختياره علي سبيل العوض يتبع الطلع، و كلّ موضعٍ زال بغير اختياره، فهل يتبع ؟ قولان، كالردّ بالعيب، و الأخذ بالشفعة.

و كذا إذا زال بغير عوض باختياره و بغير اختياره علي القولين، كالهبة و الرجوع فيها، فإنّ فيها قولين للشافعي(3).

إذا عرفت هذا، فلو باع نخلاً قد [أطلعت](1) و لم تؤبَّر، فإنّها تدخل في البيع، فإن أفلس بعد تلف الثمرة أو تلف بعضها أو بعد بدوّ صلاحها، لم يكن له الرجوعُ في البيع عند أحمد؛ لأنّ تلف بعض المبيع أو زيادتهق.

ص: 129


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أطلع». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

زيادة متّصلة يمنع من الرجوع، و هنا الثمرة دخلت في البيع، فكأنّ المبيع شيء واحد، فإذا تلفت أو بدا صلاحها، يكون المبيع قد تلف بعضه أو زاد، فلا رجوع(1).

أمّا لو كانت الثمرة مؤبَّرةً وقت البيع فشرطها ثمّ أتلفها بالأكل أو تلفت بجائحة ثمّ أفلس، فإنّه يرجع في الأصل، و يُضارب بالثمرة؛ لأنّهما عينان بِيعا معاً.

قال: و لو باعه نخلاً لا ثمرة عليه فأطلعت و [أفلس](2) قبل تأبيرها، فالطلع زيادة متّصلة تمنع الرجوع - عنده - في النخل(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّ للثمرة حكماً منفرداً يمكن بيعها منفردةً، و يمكن فصله، و يصحّ إفراده بالبيع، فهو كالمؤبَّرة، بخلاف الثمن.

و عنه رواية أُخري: أنّه يرجع البائع في الثمرة أيضاً، كما لو فسخ بعيب(4). و هذا كقول الشافعي(5).

و لو أفلس بعد التأبير، لم يمنع من الرجوع في النخل إجماعاً، و الطلع للمشتري عند أحمد(6).

و لو أفلس و الطلع غير مؤبَّر فلم يرجع حتي أُبّر، لم يكن له الرجوعُ عنده(7)، كما لو أفلس بعد [تأبيرها](3).

فإن ادّعي البائع الرجوعَ قبل التأبير، و أنكره المفلس، قُدّم قوله معق.

ص: 130


1- المغني 509:4، الشرح الكبير 524:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلس». و الظاهر ما أثبتناه. (3-5) المغني 509:4، الشرح الكبير 524:4. (6 و 7) المغني 509:4، الشرح الكبير 525:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثمرتها». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

اليمين؛ لأصالة بقاء ملكه، و عدم زواله.

و لو قال البائع: بعت بعد التأبير، و قال المفلس: قبله، قُدّم قول البائع؛ لهذه العلّة.

فإن شهد الغرماء للمفلس، لم تُقبل شهادتهم؛ لأنّهم يجرّون إلي أنفسهم نفعاً.

و إن شهدوا للبائع، قُبلت مع عدالتهم؛ لعدم التهمة.

مسألة 364: قد بيّنّا أنّه إذا باع النخل و لا حمل له

ثمّ أطلع عند المشتري ثمّ جاء وقت الرجوع و هي غير مؤبَّرة، فإنّ الثمرة للمفلس، دون البائع، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و نقل المزني و حرملة عنه أنّه يأخذ الثمرة مع النخل؛ لأنّه تبع في البيع، فكذا في الفسخ(2).

فعلي قوله لو جري التأبير و فسخ البائع ثمّ قال البائع: فسخت قبل التأبير فالنماء لي، و قال المفلس: بل بعده، قُدّم قول المفلس مع يمينه؛ لأصالة عدم الفسخ حينئذٍ، و بقاء الثمار له(3).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: أنّ القولَ قولُ البائع؛ لأنّه أعرف بتصرّفه(4).

و خرّج بعضهم قولاً: إنّ المفلس يُقبل قوله من غير يمين، بناءً علي أنّ النكول و ردّ اليمين كالإقرار، فإنّه لو أقرّ لما قُبل إقراره(3)

ص: 131


1- الحاوي الكبير 284:6، حلية العلماء 504:4، التهذيب - للبغوي - 91:4، العزيز شرح الوجيز 49:5، روضة الطالبين 396:3.
2- الحاوي الكبير 283:6-284، حلية العلماء 505:4، التهذيب - للبغوي - 91:4، العزيز شرح الوجيز 49:5، روضة الطالبين 396:3. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 49:5، روضة الطالبين 396:3.
3- العزيز شرح الوجيز 49:5-50، روضة الطالبين 396:3.

و إنّما يحلف علي نفي العلم بسبق الفسخ علي التأبير، لا علي نفي السبق، فإذا حلف، بقيت الثمار له.

و إن نكل، فهل للغرماء أن يحلفوا؟ فيه ما تقدّم(1) من الخلاف فيما إذا ادّعي المفلس دَيْناً و أقام شاهداً و لم يحلف معه، هل يحلف الغرماء؟ فإن قلنا: لا يحلفون، أو قلنا: يحلفون فنكلوا، عُرضت اليمين علي البائع، فإن نكل، فهو كما لو حلف المفلس.

و إن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبيّنة، فالثمار له.

و إن جعلناه كالإقرار، فيخرّج علي قولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المُقرّ له الغرماء، فإن لم نقبله، صُرفت الثمار إلي الغرماء، كسائر الأموال. و إن فضل شيء، أخذه البائع بحلفه.

هذا إذا كذّب الغرماء البائعَ كما كذّبه المفلس، و إن صدّقوه، لم يُقبل إقرارهم علي المفلس، بل إذا حلف، بقيت الثمار له.

و ليس [لهم](2) المطالبة بقسمتها؛ لأنّهم يزعمون أنّها ملك البائع لا ملكه.

و ليس له التصرّف فيها؛ للحجر، و احتمالِ أن يكون له غريمٌ آخَر.

نعم، له إجبارهم علي أخذها إن كانت من جنس حقوقهم، أو إبراء ذمّته عن ذلك القدر، كما لو جاء المكاتَب بالنجم، فقال السيّد: إنّه حرام، أو مغصوب، لم يُقبل منه في حقّ المكاتَب، و يقال له: خُذْه، أو أبرئه عنه.

و كذا لو دفع المديون دَيْنه إلي صاحبه، فقال: لا أقبضه؛ لأنّه حرام.

و له تخصيص بعض الغرماء به؛ لانقطاع حقّ الباقين عنه، فإمّا أنه.

ص: 132


1- في ص 38، المسألة 286.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له». و الصحيح ما أثبتناه.

يقبضه أو يُبرئه.

و للشافعيّة وجهٌ: أنّهم لا يُجبرون علي أخذها، بخلاف المكاتَب؛ لأنّه يخاف العود إلي الرقّ لو لم يؤخذ منه، و ليس علي المفلس كثير ضرر(1).

فإذا أُجبروا علي أخذها فأخذوها، فللبائع أخذها منهم؛ لإقرارهم أنّها له، و يجب عليهم الدفع إليه لو لم يطلبها، كما لو أقرّوا بعتق عبدٍ في ملك غيرهم ثمّ اشتروه منه.

و إن لم يُجبروا و قسّم سائر أمواله، فله طلب فكّ الحجر إن قلنا بتوقّف الرفع علي إذن الحاكم.

و لو كانت من غير جنس حقوقهم فدفعها المفلس إليهم، كان لهم الامتناع؛ لأنّه إنّما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم، إلاّ أن يكون منهم مَنْ له من جنس الثمرة، كالقرض و السَّلَم، فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بعض حقّه.

و لو لم يكن من جنس حقّ أحدٍ منهم فبِيعت و صُرف ثمنها إليهم تفريعاً علي الإجبار، لم يكن للبائع الأخذ منهم؛ لأنّهم لم يُقرّوا له بالثمن، و عليهم ردّه إلي المشتري، فإن لم يأخذه(2) ، فهو مالٌ ضائع.

و لو شهد بعض الغرماء أو أقرّ بعضهم دون بعضٍ، لزم الشاهد أو المُقرّ الحكم الذي ذكرناه.

و لو كان في المُصدّقين عدْلان شهدا للبائع علي صفة الشهادة و شرطها أو عدْلٌ واحد و حلف البائع معه، قُبلت الشهادة، و قضي له إن شهد الشهوده.

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 50:5، روضة الطالبين 397:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يأخذ». و الظاهر ما أثبتناه.

قبل تصديق البائع أو بعده و قلنا: إنّهم لا يُجبرون علي أخذ الثمرة، و إلاّ فهُمْ يرفعون(1) الضرر عن أنفسهم بشهادتهم؛ إذ يُجبرون علي أخذها و يضيع عليهم بأخذ البائع.

و لو صدّق بعضُ الغرماء البائعَ و كذّبه بعضُهم، فللمفلس تخصيص المكذّبين بالثمار.

و لو أراد قسمتها علي الجميع، فالأقرب: أنّه ليس له ذلك؛ لأنّ مَنْ صدّق البائعَ يتضرّر بالأخذ؛ لأنّ للبائع أخذ ما أخذه منه، و المفلس لا يتضرّر بأن لا يصرف إليه، لإمكان الصرف إلي المكذّبين، بخلاف ما إذا صدّقه الكلُّ، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه له ذلك، كما إذا صدّقوه جميعاً(2).

إذا عرفت هذا، فإذا صرف إلي المكذّبين و لم يف بحقوقهم، فيضاربون المصدّقين في سائر الأموال ببقيّة ديونهم مؤاخذةً لهم بزعمهم، أو بجميع ديونهم؛ لأنّ زَعْم المصدّقين أنّ شيئاً من دَيْن المكذّبين لم يتأدّ؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما عندهم: الأوّل(3).

و جميع ما ذكرناه فيما إذا كذّب المفلس للبائع، أمّا لو صدّقه المفلس علي سبق الفسخ للتأبير، نُظر فإن صدّقه الغرماء أيضاً، قضي له.

و إن كذّبوه و زعموا أنّه أقرّ عن مواطأة جرت بينهما، فعلي القولين الجاريين فيما لو أقرّ بعين مالٍ أو بدَيْن لغيره، فإن قلنا: لا نفوذ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بالثمن ظاهراً، فلم يُقبل إقراره، كما لو أقرّ بالنخل، فللبائع تحليف الغرماء علي أنّهم لا يعرفون فسخه قبل التأبير.3.

ص: 134


1- الظاهر: «يدفعون». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 51:5، روضة الطالبين 398:3.

و منهم مَنْ قال: هو علي القولين السابقين(1) في أنّ الغرماء هل يحلفون إذا ادّعي حقّاً و أقام شاهداً و لم يحلف ؟

و الأوّل أصحّ عندهم؛ لأنّ اليمين هنا وجبت عليهم ابتداءً، و ثَمَّ ينوبون عن المفلس، و اليمين لا تجري فيها النيابة(2).

و في مسألتنا: الأصل أنّ هذا الطلع قد تعلّقت حقوقهم به؛ لكونه في يد غيرهم و متّصل، فعليه التخلية، و البائع يدّعي ما يزيل حقوقهم عنه، فأشبه سائر أعيان ماله.

و ما به النظر في انفصال الجنين و في ظهور الثمار بالتأبير إلي حال الرجوع دون الحجر؛ لأنّ ملك المفلس باقٍ إلي أن يرجع البائع.

مسألة 365: لو كان المبيع أرضاً، فإن كانت بيضاء، كان له الرجوعُ عند الإفلاس بها.

فإن زرع المشتري الأرضَ قبل الحجر، كان له الرجوعُ في الأرض، و الزرع للمفلس؛ لأنّه عين ماله، و ليس الزرع ممّا يتبع الأرض في البيع فأولي أن لا يتبعها في الفسخ.

و كذا لو باعه حائطاً لا ثمر فيه ثمّ أفلس و قد أُبّرت النخلة، لم يكن له الرجوعُ في الثمرة؛ لأنّها لا تتبع الأصل في البيع، فكذا في الفسخ.

إذا ثبت هذا، فإنّه ليس لبائع الأرض و لبائع النخل المطالبةُ بقلع الزرع و لا قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ و الحصاد - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ المشتري زرع في أرضه بحقٍّ، و كذا طلعه علي النخل بحقٍّ، فلم يكن لأحدٍ

ص: 135


1- في ص 38-39، ضمن المسألة 286.
2- العزيز شرح الوجيز 51:5، روضة الطالبين 398:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 333:1، الحاوي الكبير 283:6-284، التهذيب - للبغوي - 91:4، العزيز شرح الوجيز 52:5، روضة الطالبين 398:3، المغني 510:4، الشرح الكبير 525:4.

مطالبته [بقلعه](1) كما لو باع نخلاً فيه ثمرة ظاهرة أو أرضاً فيها زرع، لم يكن للمشتري مطالبة البائع بقطع الثمرة و الزرع، و كذا هنا، و الأُجرة لصاحب الأرض في ذلك، إلاّ أنّ المشتري زرع في أرضه و الزرع تجب تبقيته، فكأنّه استوفي منفعة الأرض، فلم يكن عليه ضمان ذلك.

لا يقال: أنتم قلتم في المؤجر للأرض: إذا زرعها المستأجر و أفلس، رجع المؤجر في الأرض، و له أُجرة التبقية للزرع، فلِمَ لا يكون لبائع الأرض الأُجرةُ؟

لأنّا نقول: الفرق ظاهر؛ فإنّ المعقود عليه في البيع الرقبةُ، و إنّما يحصل له بالفسخ و إن لم يأخذ الأُجرة، و في الإجارة المنفعةُ، فإذا فسخ العقد فيها، لم يجز أن يستوفيها المستأجر بلا عوضٍ، فإذا لم يتمكّن من استيفائها و لم يمكنه من أخذ بدلها، خلا الفسخ عن الفائدة، و لم يعد إليه حقّه، فلا يستفيد بالفسخ شيئاً.

و لأنّ المستأجر دخل في العقد علي أن يضمن المنفعة، فلهذا وجب عليه الأُجرة، بخلاف المتنازع، فإنّ المشتري دخل علي أنّه لا يضمن المنفعة، فجري مجري البائع للأُصول دون ثمرتها.

و حكي بعض الشافعيّة قولاً: إنّ للبائع طلبَ أُجرة المثل لمدّة بقاء الزرع، كما لو بني المشتري أو غرس، كان للبائع الإبقاء بأُجرة المثل(2).

إذا ثبت هذا، فإن اتّفق المفلس و الغرماء علي تبقيته، كان لهم ذلك.

و إن اختلفوا، فطلب المفلس قطعه، أو طلب الغرماء قطعه، أو3.

ص: 136


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بفعله». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 52:5، روضة الطالبين 398:3.

بعضهم طلبه، أُجيب مَنْ طلب القطع علي إشكال؛ لما في التبقية من الغرور، و مَنْ طلب قطعه أراد تعجيل حقّه، و كذا المفلس يريد براءة ذمّته، فأُجيب إلي ذلك.

و يُحتمل إجابة مَنْ طلب ما فيه الحظّ، فيُعمل عليه.

و هو حسن - و كلاهما قولان للشافعيّة(1) - لأنّ النفع متوقّع، و لهذا جاز لوليّ الطفل الزرع له.

مسألة 366: لو باعه أرضاً و فيها بذر مودع، فإن باعها مطلقاً، لم يدخل البذر في البيع؛ لأنّه مودع فيها.

و إن باعها مع البذر، فإن قصد التبعيّة، جاز، و إلاّ بطل؛ لأنّ بعض المبيع المقصود مجهول، فلا يصحّ بيعه.

و إن باع الأرض و شرط البذر أو قصد التبعيّة، دخل في البيع.

فإذا أفلس المشتري بعد ما استحصد و اشتدّ حَبُّه أو كان قد حصده و ذرّاه(2) و نقّاه، لم يكن لصاحب الأرض أن يرجع فيه - [و هو أحد الوجهين للشافعيّة](3)(4) - لأنّ هذا الزرع أعيان ابتدأها اللّه تعالي، و لم يكن موجوداً حال البيع.

و الثاني: أنّ [له الرجوعَ؛ لأنّ](5) ذلك(6) من نماء الزرع، فهو كالطلع

ص: 137


1- العزيز شرح الوجيز 36:5، روضة الطالبين 388:3، المغني 510:4، الشرح الكبير 526:4.
2- ذروت الحنطة و ذرّيتها: نقّيتها في الريح. لسان العرب 283:14 «ذرا».
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 47:5، روضة الطالبين 394:3، المغني 502:4، الشرح الكبير 513:4.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
6- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة زيادة: «ممّا». و الظاهر زيادتها.

يصير تمراً، و لهذا لو غصب رجلاً حَبّاً فبذره في ملكه و استحصد، كان لصاحب البذر دون صاحب الأرض، و كذا البيض لو صار فرخاً(1).

و الفرق بين الغاصب و المتنازع ظاهر.

مسألة 367: لو كانت الثمرة مؤبَّرةً حال البيع و شرطها في البيع، كانت جزءاً من المبيع
اشارة

يتقسّط الثمن عليها و علي الأُصول، فإذا أفلس المشتري و تلفت الثمرة بأكله أو بجائحة أو بأكل أجنبيّ، فقد بيّنّا أنّ للبائع أخذَ الشجر بحصّته من الثمن، و يُضارب مع الغرماء بحصّة الثمرة.

و سبيل التوزيع أن تُقوَّم الأشجار و عليها الثمار، فإذا قيل: قيمتها مائة، قُوّمت الأشجار وحدها، فإذا قيل: قيمتها تسعون، علمنا أنّ قيمة الثمرة عشرة، فيضارب بعُشْر الثمن.

فإن اتّفق في قيمتها انخفاض و ارتفاع، فالاعتبار في قيمة الثمار بالأقلّ من قيمتي وقت العقد و يوم القبض؛ لأنّها إن كانت يوم القبض أقلَّ [فما نقص](2) قبله فهو من ضمان البائع، فلا يُحسب علي المشتري.

و إن كانت يوم العقد أقلَّ، فالزيادة حصلت في ملك المشتري و تلفت، فلا تعلّق للبائع بها.

نعم، لو كانت العين باقيةً، رجع فيها تابعةً للأصل إن لم تحصل زيادة عندنا، و مطلقاً عند الشافعي(3).

[و قال بعض الشافعيّة](4): الاعتبار في قيمته يومَ القبض، و احتسب

ص: 138


1- نفس المصادر في الهامش (4) من ص 137.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ممّا قبض». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 52:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه - لاستقامة العبارة - من المصدر.

الزيادة للبائع بعد التلف، كما أنّها لو بقيت العين، لحصلت له(1).

و هذا ظاهر كلام الشافعي(2).

لكن أكثر أصحابه حملوه علي ما إذا كانت قيمته يوم القبض أقلّ أو لم تختلف القيمة، فسواء أضفتها(1) إلي هذا اليوم أو ذاك اليوم(2).

و أمّا الأشجار فللشافعيّة وجهان:

أظهرهما: أنّ الاعتبار فيها بأكثر القيمتين؛ لأنّ المبيع بين العقد و القبض من ضمان البائع، فنقصانه عليه، و زيادته للمشتري، ففيما يأخذه البائع [يعتبر](5) الأكثر؛ لكون النقصان محسوباً عليه، كما أنّ فيما يبقي للمشتري و يضارب البائع بثمنه [يعتبر](6) الأقلّ؛ لكون النقصان محسوباً عليه.

و الثاني: أنّ الاعتبار بقيمة يوم العقد، سواء كانت أكثرَ القيمتين أو أقلَّهما.

أمّا إذا كانت أكثرَهما: فلما ذكرنا في الوجه الأوّل.

و أمّا إذا كانت أقلَّهما: فلأنّ ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتّصلة، و عين الأشجار باقية، فيفوز بها البائع، و لا تُحسب عليه(3).

قال الجويني: و لصاحب الوجه الأوّل أن يقول: نعم، البائع يفوز بها،3.

ص: 139


1- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و في المصدر: «فبنوا إضافتها» بدل «فسواء أضفتها».
2- العزيز شرح الوجيز 52:5. (5 و 6) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تعيّن... بقيمة». و المثبت من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 52:5-53، روضة الطالبين 399:3.

لكن يبعد أن يفوز بها و هي [حادثة](1) في ملك غيره، ثمّ لا يحتسبها من المبيع، فإذا فاز بها فليقدّر كأنّها وُجدت يوم البيع(2).

و لنذكر مثالاً في اختلاف قيمة الأشجار و الثمار.

فنقول: كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرةً، و قيمة الثمرة خمسةً، فلو لم تختلف القيمة، لأخذ الشجرة بثلثي الثمن(3).

و لو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرةً يوم البيع، فكما لو كانت القيمة بحالها علي أشهر الوجهين. و علي الآخَر: يُضارب بنصف الثمن. و لو نقصت فكانت يوم القبض درهمين و نصفاً، يُضارب بخُمْس الثمن.

و لو زادت قيمة الشجرة أو نقصت، فالحكم علي الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها. و علي الأوّل كذلك إن نقصت. و إن زادت و كانت خمسة عشر، ضارَب بربع الثمن.

تذنيبان:
أ: إذا اعتبرنا في الثمار أقلّ القيمتين، فلو كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان،

نُظر إن كان بمجرّد انخفاض السوق، فلا عبرة به. و إن كان لعيبٍ طرأ و زال، فكذلك علي الظاهر، كما أنّه يسقط بزواله حقّ الردّ. و إن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلي ما كان بارتفاع السوق، اعتبرت قيمته يوم العيب، دون البيع و القبض؛ لأنّ النقصان الحاصل من ضمان البائع

ص: 140


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «جارية». و المثبت من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 53:5.
3- في العزيز شرح الوجيز 53:5، و روضة الطالبين 399:3 زيادة: «و ضارب للثمرة بالثلث».

و الارتفاع بعده في ملك المشتري لا يصلح جابراً له.

ب: إن اعتبرنا في الأشجار أكثر القيمتين، فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائةً و خمسين،

و يوم الرجوع إلي البائع مائتين، فالوجه القطع باعتبار المائتين. و لو كانت قيمتها مائتين يوم العقد و يوم القبض، و يوم الرجوع مائةً، اعتبر يوم الرجوع، فإنّ ما طرأ من زيادة و زال ليس ثابتاً يوم العقد حتي نقول: إنّه وقت المقابلة، و لا يوم أخذ البائع [حتي](1) يحسب [عليه](2).

و لقائلٍ أن يقول: هذا إن استقام في طرف الزيادة، تخريجاً علي ما سبق أنّ ما فاز به البائع من الزيادة الحادثة(3) عند المشتري يُقدَّر كالموجود عند البيع، فلا يستقيم في طرف النقصان؛ لأنّ النقصان الحاصل في يد المشتري كعيبٍ حدث في المبيع.

و إذا رجع البائع علي العين المبيعة، لزمه القناعة بها، و لا يطالب المشتري للعيب بشيء.

مسألة 368: قد ذكرنا أوّلاً أنّ الزيادة إمّا أن تكون حاصلةً لا من خارجٍ،

و قد ذكرنا أقسامه و أحكام تلك الأقسام، و إمّا أن تكون من خارجٍ.

و أقسامها ثلاثة:

أ: أن تكون عيناً محضة.

ب: أن تكون صفةً محضة.

ج: ما يتركّب منهما.

ص: 141


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عليك». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في «ج»: «الحاصلة» بدل «الحادثة».

أمّا الأوّل فله ضربان:

أ: أن تكون قابلةً للتميّز عن المبيع.

ب: أن لا تكون قابلةً للتميّز.

فالأوّل كما إذا اشتري أرضاً فغرس فيها أو بني ثمّ أفلس قبل إيفاء الثمن و أراد البائع الرجوعَ في أرضه، فإن اتّفق الغرماء و المفلس علي القلع و تفريغ الأرض و تسليمها بيضاء، رجع فيها؛ لأنّ ذلك الحقّ لهم لا يخرج من بينهم، فإذا فعلوا، فللبائع الرجوع في أرضه؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

و هل يرجع قبل القلع أو بعده ؟

قال بعض الحنابلة: لا يستحقّه حتي يوجد القلع؛ لأنّ قبل القلع لم يدرك متاعه إلاّ مشغولاً بملك المشتري(1).

و قال الشافعي: يرجع قبله و هُمْ يشتغلون بالقلع، و هو قول أكثر الحنابلة(2).

و ليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس و البناء ليتملّكها مع الأرض.

و إذا قلعوا الغراس و البناء، وجب تسوية الحُفَر من مال المفلس.

و إن حدث في الأرض نقصٌ بالقلع، وجب أرش النقص في ماله.

و يضارب به أو يقدَّم ؟ قال بعض الشافعيّة: يقدَّم علي سائر الديون؛ لأنّه لتخليص ماله و إصلاحه، فكان عليه، كما لو دخل فصيلٌ دارَ إنسانٍ فكبر فلم يمكنه إخراجه إلاّ بهدم بابها، فإنّ الباب يُهدم ليخرج، و يضمن صاحبه ما نقص، بخلاف ما لو وجد البائع عين ماله ناقصةً فرجع فيها، فإنّه4.

ص: 142


1- المغني 513:4، الشرح الكبير 529:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 332:1، العزيز شرح الوجيز 54:5، روضة الطالبين 400:3، المغني 513:4، الشرح الكبير 529:4.

لا يرجع في النقص؛ لأنّ النقص كان في ملك المفلس، و هنا النقص حدث بعد رجوعه في العين، فلهذا ضمنوه، و يضرب بالنقص مع الغرماء(1).

و إن قلنا: ليس له الرجوع قبل القلع، لم يلزمهم تسوية الحُفَر و لا أرش النقص؛ لأنّهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها، فلم يضمنوا النقص، كما لو [قلعه](2) المفلس قبل فلسه.

و لو اختلفوا، فقال المفلس: يقلع، و قال الغرماء: نأخذ القيمة من البائع ليتملّكه، أو بالعكس، أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء، أُجيب مَن المصلحةُ في قوله.

و لو امتنع الغرماء و المفلس معاً من القلع، لم يُجبروا عليه؛ لأنّه حين البناء و الغرس لم يكن متعدّياً بهما، بل فَعَل ذلك بحقٍّ، و مفهوم قوله عليه السلام:

«ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ»(3) أنّه إذا لم يكن ظالماً، فله حقٌّ.

و حينئذٍ يُنظر إن رجع علي أن يتملّك البناء و الغراس مع الأرض بقيمتها، أو يقلع و يغرم أرش النقص، فله ذلك؛ لأنّ الضرر يندفع من الجانبين بكلّ واحدٍ من الطريقين، و الاختيار فيهما إليه.

و ليس للمفلس و لا للغرماء الامتناع من القبول؛ لأنّ مال المفلس معرَّض(4) للبيع، فلا يختلف غرضهم بين أن يتملّكه البائع أو يشتريهه.

ص: 143


1- المهذّب - للشيرازي - 332:1، التهذيب - للبغوي - 93:4، العزيز شرح الوجيز 54:5، روضة الطالبين 400:3، و لاحِظ: المغني 513:4-514، و الشرح الكبير 529:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قطعه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- صحيح البخاري 140:3، سنن أبي داوُد 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، سنن الدار قطني 144/36:3، الموطّأ 26/743:2، مسند أحمد 446:6-22272/447.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «متعرض». و الظاهر ما أثبتناه.

أجنبيّ، و يخالف هذا ما إذا زرع المشتري الأرض و أفلس(1) و رجع البائع في الأرض حيث لا يتمكّن من تملّك الزرع بالقيمة و لا من القلع و غرامة الأرش؛ لأنّ للزرع أمداً منتظَراً يسهل احتماله، و الغراس و البناء للتأبيد، قال كلَّ ذلك الشافعي(2).

و قال أحمد: إذا بذل البائع قيمة الغرس و البناء ليكون له ذلك، أو قال: أنا أقلع و أغرم الأرش، فإن قلنا: له الرجوع قبل القلع، فله ذلك؛ لأنّ البناء و(3) الغراس حصل في ملكه لغيره بحقٍّ، فكان له أخذه بقيمته، أو قلعه و ضمان نقصه، كالشفيعِ إذا أخذ الأرض و فيها غراس و بناء للمشتري، و المعيرِ إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير. و إن قلنا: ليس له الرجوعُ قبل القلع، لم يكن له ذلك؛ لأنّ المفلس بني و غرس في ملكه، فلم يُجبر علي بيعه لهذا البائع و لا علي قلعه، كما لو لم يرجع في الأرض(4).

و ليس عندي بعيداً من الصواب أن يقال: ليس للبائع إجبار المفلس و الغرماء علي القلع و دفع الأرش، و لا علي دفع قيمة البناء و الغرس، بل إمّا أن يختار العين أو يمضي البيع، فإن اختار العين و فسخ البيع، لم يكن له القلع و لا دفع القيمة، بل يرجع و الأرض مشغولة بهذا البناء و الغراس، فتكون قد تعيّبت بالشغل بهما مؤبّداً، فإن انهدم البناء أو قلع الغرس أو مات، سقط حقّ المفلس، و ليس لصاحب الأرض الرجوعُ بالأُجرة مدّة مقامها(5) فيها؛ لأنّه إنّما يرجع في المعيب ثمّ يباع البناء أو الغراس علي».

ص: 144


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلس». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 54:5-55.
3- الظاهر: «أو» بدل «و».
4- المغني 514:4، الشرح الكبير 530:4.
5- في «ث»: «بقائها». و الظاهر: «مقامهما» أو «بقائهما».

صاحب الأرض أو غيره(1) مستحقَّين للبقاء.

و لأحمد قولٌ آخَر: إنّه يسقط حقّ بائع الأرض من الرجوع فيها؛ لأنّه لم يُدرك البائع متاعَه علي وجهٍ يمكنه أخذه منفرداً عن غيره فلم يكن له أخذه، كالحجر و البناء و المسامير في الباب، و كما لو كانت العين مشغولةً بالرهن - و هو قول بعض الشافعيّة - و لأنّ في ذلك ضرراً علي المشتري و الغرماء، فإنّه لا يكون له طريق يسلكون منه إلي البناء و الغراس، و لا يزال الضرر بمثله. و لأنّه لا يحصل بالرجوع هنا انقطاع النزاع و الخصومة، بخلاف ما إذا وجدها مفرّغةً(2).

مسألة 369: لو أراد البائع الرجوعَ في الأرض وحدها و إبقاءَ الغراس و البناء للمفلس و الغرماء، أُجيب إلي ذلك،

بل هو الوجه عندنا لو أراد الرجوع في العين علي ما تقدّم.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يجاب إلي ذلك، كقولنا.

و الثاني: أنّه ليس له الرجوعُ في الأرض خاصّةً، و إبقاء البناء و الغراس للمفلس.

و لأصحابه طريقان:

أحدهما: أنّ في المسألة قولين:

أحدهما - و هو اختيار المزني -: له [أن](3) يرجع كذلك، كما لو صبغ الثوبَ المشتري ثمّ [أفلس](4) ، رجع(5) البائع في الثوب، و يكون المفلس

ص: 145


1- في «ج، ر»: «أو علي غيره».
2- المغني 514:4، الشرح الكبير 530:4-531.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق، و كما في «العزيز شرح الوجيز».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلس». و الظاهر ما أثبتناه.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و رجع». و المثبت هو الصحيح.

شريكاً معه بالصبغ.

و أصحّهما عنده: المنع؛ لما فيه من الضرر، فإنّ الغراس بلا أرض و البناء بلا مقرّ و لا ممرّ ناقص القيمة، و الرجوع إنّما يثبت لدفع الضرر، فلا يدفع بضرر، بخلاف الصبغ، فإنّ الصبغ كالصفة التابعة للثوب.

و الثاني: تنزيل النصّين علي حالين، و له طريقان:

أحدهما: قال بعض الشافعيّة: إنّه حيث قال: «يرجع» أراد ما إذا كانت الأرض كثيرة القيمة، و البناء و الغراس مستحقرين بالإضافة إليها، و حيث قال: «لا يرجع» أراد ما إذا كانت الأرض مستحقرةً بالإضافة إليهما.

و المعني في الطريقين اتّباع الأقلّ للأكثر.

و منهم مَنْ قال: حيث قال: «يرجع» أراد ما إذا رجع في البياض المتخلّل بين الأبنية و الأشجار، و ضارَب للباقي بقسطه من الثمن، [يُمكّن](1) منه؛ لأنّه ترك بعض حقّه في العين.

فإذا فرّعنا علي طريقة القولين، فإن قلنا: ليس له الرجوعُ في الأرض و إبقاء البناء(2) و الغراس للمفلس، فللبائع ترك الرجوع، و يُضارب مع الغرماء بالثمن، أو يعود إلي بذل قيمتهما أو قلعهما و غرامة أرش النقصان، فإن مكّنّاه منه فوافق البائع الغرماء و باع الأرض معهم حين باعوا البناء و الغراس، فذلك.

و إن أبي فهل يُجبر؟ فيه للشافعيّة قولان:».

ص: 146


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يتمكّن». و الظاهر ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
2- فيما عدا «ث» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العين» بدل «البناء».

أحدهما: يُجبر، كما في مسألة الصبغ.

و أصحّهما عندهم: لا يُجبر؛ لأنّ إفراد البناء و الغراس بالبيع ممكن، بخلاف الصبغ.

فإذا لم يوافقهم فباعوا البناء و الغراس، بقي للبائع ولاية التملّك بالقيمة و القلع مع غرامة الأرش، و للمشتري الخيار في المبيع إن كان جاهلاً بحال ما اشتراه(1).

و اعلم أنّ الجويني نقل أربعة أقوال في هذه المسألة.

أ: أن يقال: إنّ البائع فاقد عين ماله، و لا رجوع بحال؛ لأنّ الرجوع في الأرض ينقص قيمة البناء و الغراس.

ب: أنّ الأرض و البناء أو الغراس يُباعان معاً، دفعاً للخُسْران عن المفلس، كما في الثوب المصبوغ.

ج: أنّه يرجع في الأرض، و يتخيّر بين أُمور ثلاثة: إمّا تملّك البناء و الغراس بالقيمة، و إمّا قلعهما مع غرامة أرش النقصان، و إمّا إبقاؤهما بأُجرة المثل تؤخذ من مالكهما(2).

فإذا عيّن واحدةً من هذه الخصال الثلاث فاختار المفلس و الغرماء غيرها أو امتنعوا من الكلّ، فللشافعيّة وجهان في أنّه يرجع إلي الأرض و يقلع مجّاناً، أو يُجبرون علي ما عيّنه


1- العزيز شرح الوجيز 55:5، روضة الطالبين 400:3-401.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مالكها». و الصحيح ما أثبتناه، كما في المصدر أيضاً.

د: أنّه إن كانت قيمة البناء أكثر، فالبائع فاقد عينٍ. و إن كانت قيمة الأرض أكثر، فواجدٌ(1).

مسألة 370: لو اشتري من رجل أرضاً فارغة و اشتري من آخَر غرساً و غرسه في تلك الأرض ثمّ أفلس، كان لصاحب الأرض الرجوعُ فيها،

و لصاحب الغراس الرجوعُ فيه.

ثمّ يُنظر فإن أراد صاحب الغراس قلعه، كان له ذلك، و عليه تسويةُ الحُفَر؛ لأنّه لتخليص ماله، و أرشُ نقص الأرض إن حصل نقصٌ.

فإن أراد صاحب الأرض أن يعطيه قيمته إن لم يختر صاحبه قلعه، قال الشافعي: يكون له مطلقاً(2).

و الأقوي عندي: أنّه يكون له ذلك إن رضي صاحب الغرس، و إلاّ فلا.

و إن أراد صاحب الأرض قلعه و يضمن ما نقص، كان له.

و إن أراد قلعه بغير ضمانٍ، فالأقرب: أنّه ليس له ذلك؛ لأنّ غرسه ثابت في الأرض بحقٍّ، فلا يكون له قلعه مجّاناً.

و لو كان الغراس من المفلس، لم يُجبر علي قلعه من غير ضمانٍ، و هو أحد وجهي الشافعي.

و الثاني: أنّه يجاب إلي ذلك؛ لأنّه إنّما اشتري منه الغراس مقلوعاً، فكان عليه أن يأخذه كذلك، و ليس له تبقيته في ملك غيره، و يفارق المفلس؛ لأنّه غرسه في ملكه فيثبت حقّه في ذلك(3)

ص: 148


1- العزيز شرح الوجيز 55:5-56، روضة الطالبين 401:3.
2- راجع: الحاوي الكبير 293:6.
3- راجع: الحاوي الكبير 293:6، و العزيز شرح الوجيز 56:5، و روضة الطالبين 401:3.

و يُحتمل عندي وجهٌ آخَر، و هو: أن يقال: صاحب الغراس(1) لا يستحقّ الإبقاء في الأرض، و صاحب الأرض لا يستحقّ القلع مجّاناً؛ لأنّه أثبت بحقٍّ، فيُقوَّم الغراس مقلوعاً و ثابتاً، و يأخذ المفلس التفاوت بينهما؛ لأنّه مستحقّ له.

مسألة 371: قد ذكرنا حكم الزيادة من خارجٍ، القابلة للتميّز، و بقي ما لا يقبله،
اشارة

كمزج ذوات الأمثال بعضها ببعضٍ، مثل أن يشتري صاعاً من حنطةٍ أو شعير أو دخن أو غير ذلك من الحبوب و يمزجه بصاعٍ له، أو يشتري مكيلةً من زيتٍ أو سمن أو شيرج أو غير ذلك من الأدهان ثمّ يمزجه بمكيلة، و كذا جميع ذوات الأمثال إذا امتزجت بحيث لا يمكن تخليص بعضها من بعضٍ، فأقسامه ثلاثة:

أ: أن يكون الممتزجان متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخَر،

لم يسقط حقّه من العين - و به قال الشافعي و مالك(2) - و يكون له المطالبة بالقسمة؛ لأنّ عين ماله موجودة فيه، و يمكنه التوصّل إلي حقّه بالقسمة؛ لأنّ الزيت كلّه سواء، فيأخذ حقّه بالكيل أو الوزن.

و قال أحمد: يسقط حقّه من العين؛ لأنّه لم يجد عين ماله، فلم يكن له الرجوعُ، كما لو تلفت. و لأنّ ما يأخذه من غير ماله ممتزجاً بعين ماله(3)

ص: 149


1- في الطبعة الحجريّة: «الغرس».
2- الأُم 203:3، مختصر المزني: 103، الحاوي الكبير 300:6، المهذّب - للشيرازي - 333:1، التهذيب - للبغوي - 97:4، حلية العلماء 513:4، الوجيز 175:1، الوسيط 31:4، العزيز شرح الوجيز 56:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4، التفريع 251:2.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ما يأخذه من عين ماله ممتزجاً بغير ماله». و المثبت هو الصحيح.

إنّما يأخذه عوضاً عن ماله، فلم يختصّ به دون(1) الغرماء، كما لو تلف ماله(2).

و يُمنع عدم وجدانه لعين ماله، بل وجدها ممتزجةً بغيرها.

و الفرق بينه و بين التلف ظاهرٌ؛ لأنّه نقيضه.

و ما يأخذه من غير(3) ماله و إن كان عوضاً عن ماله إلاّ أنّه يُدخل بواسطته في حقّ المفلس مالاً، فكان مقدَّماً به علي باقي الغرماء.

و إن لم تجز القسمة و طالب(4) بالبيع، فالأقرب أنّه يجاب إلي ذلك؛ لأنّ بالقسمة لا يصل إلي عين ماله، و ربما كان له غرض في أن لا يأخذ من زيت المشتري شيئاً، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه لا يجاب إليه؛ لأنّه يصل إلي جميع حقّه بالقسمة، فهو كجماعةٍ ورثوا زيتاً لا يكون لبعضهم أن يطالب بعضاً بالبيع(5).

و الفرق أنّ الورّاث ملكوا الزيت ممزوجاً، و المفلس كان قد ملك متميّزاً عن ملك البائع، و كذا البائع ملك متميّزاً عن ملك المفلس، فافترقا.

ب: أن يمزجه المشتري بأردأ منه.

و للبائع هنا أيضاً الخيار بين الفسخ(6) فيرجع في عينه بالكيل أو الوزن - و به قال الشافعي و مالك(7) - لما

ص: 150


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إذن» بدل «دون». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4-520.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عين» بدل «غير». و الظاهر ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة: «فطالب».
5- المهذّب - للشيرازي - 333:1، الحاوي الكبير 300:6، حلية العلماء 513:4-514، العزيز شرح الوجيز 56:5-57، روضة الطالبين 402:3.
6- كذا قوله: «بين الفسخ». و لعلّها: «في الفسخ».
7- الأُم 203:3، مختصر المزني: 103، الحاوي الكبير 300:6، المهذّب - للشيرازي - 333:1، التهذيب - للبغوي - 97:4، حلية العلماء 514:4، الوجيز 175:1، الوسيط 31:4، العزيز شرح الوجيز 57:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4.

تقدّم في المساوي، فإذا رضي بالأردإ، كان أولي.

و قال أحمد: يسقط حقّه من العين بمجرّد المزج، سواء بالأجود أو الأردأ أو المساوي(1).

و قد تقدّم بطلانه؛ لأنّ عين ماله موجودة من طريق الحكم، فكان له الرجوعُ، كما لو وجد عين ماله منفردة [و] لأنّه ليس فيها أكثر من اختلاطها، و هو لا يُخرج الحقيقة عن حقيقتها، فأشبهت صبغ الثوب و بلّ السويق بالزيت.

و في كيفيّة أخذ حقّه للشافعي طريقان:

أحدهما - و هو الأصحّ عنده و عندي -: أنّه يقسّم بالمكيال أو الوزن، فإن تساويا قدراً، أخذ النصف. و إن تفاوتا، أخذ المقدار(2) الذي له، و إن شاء ضارَب مع الغرماء.

و الثاني: أنّ المكيلين يباعان معاً و يُقسّم الثمن بينهما علي قدر القيمتين؛ لأنّه إن أخذ مكيله من الممتزج، نقص حقّه، و لا يجب عليه المسامحة، و إن أخذ أكثر من مكيله، لزم الربا، فعلي هذا لو كان المبيع يساوي درهمين، و الممتزج به يساوي درهماً، قسّم الثمن بينهما أثلاثاً(3).

و هو خطأ؛ لأنّ هذا نقصان حصل في المبيع، فأشبه تعيّب العبد3.

ص: 151


1- المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مقدار» بدل «المقدار». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المهذّب - للشيرازي - 333:1، الحاوي الكبير 301:6، حلية العلماء 514:4، العزيز شرح الوجيز 57:5، روضة الطالبين 402:3.

و الثوب.

ج: أن يمتزج

ج: أن يمتزج(1) بالأجود،

فالأصحّ أنّه يسقط حقّه من العين، و ليس له إلاّ المضاربة بالثمن - قال الشافعي: بهذا أقول، و هو أصحّ الوجهين(2) - لأنّ عين زيته تالفة من طريق المشاهدة و الحكم.

أمّا من طريق المشاهدة و الحقيقة: فللاختلاط.

و أمّا من طريق الحكم: فلأنّه لا يمكنه الرجوع إلي عينه بالقسمة و أخذ المكيل من الممتزج؛ لما فيه من الإضرار بصاحب الأجود، و لا المطالبة بقيمته، بخلاف المساوي، فإنّه يمكنه المطالبة بقسمته فيه، و بخلاف الثوب المصبوغ، فإن عينه موجودة محسوسة، و كذا السويق، فإنّ عينه لم تفقد و هي مشاهدة.

و قال المزني: له الفسخ، و الرجوع إلي حقّه من المخلوط، كالخلط بالمثل و الأردأ، و كما لو صبغ الثوب و لتَّ السويق(3) ، لا ينقطع(4) حقّ الرجوع، فكذا هنا(5).

و الفرق أنّ الزيت إذا اختلط، لم يمكن الإشارة إلي شيء من

ص: 152


1- فيما عدا «ث» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يمزج».
2- الأُم 203:3، مختصر المزني: 103، الحاوي الكبير 301:6، المهذّب - للشيرازي - 333:1، التهذيب - للبغوي - 98:4، حلية العلماء 515:4، الوجيز 175:1، العزيز شرح الوجيز 57:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4.
3- لتّ السويق: أي بلّه بالماء أو بغيره. لسان العرب 82:2 و 83 «لتت».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يقطع». و الظاهر ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
5- مختصر المزني: 103، الحاوي الكبير 301:6، المهذّب - للشيرازي - 333:1، التهذيب - للبغوي - 98:4، حلية العلماء 515:4، العزيز شرح الوجيز 57:5.

المخلوط بأنّه المبيع، فكأنّه هلك، بخلاف الثوب و السويق.

و من هذا الفرق خرّج بعضهم في المزج بالمثل و الأردأ قولاً آخَر: إنّه ينقطع به حقّ الرجوع، و أيّد ذلك بأنّ الحنطة المبيعة لو انثالت عليها أُخري قبل القبض، ينفسخ المبيع علي قولٍ؛ تنزيلاً له منزلة التلف(1).

و المعتمد عندنا و عندهم(2) أنّ الخلط بالمثل و الأردأ لا يمنع الرجوع، علي ما سبق. و يفارق اختلاط المبيع قبل القبض؛ لأنّ الملك غير مستقرّ، فلا يبعد تأثّره بما لا يتأثّر الملك المستقرّ.

و علي قول المزني بالرجوع في صورة المزج بالأجود، فيه قولان للشافعي في كيفيّة الرجوع:

أصحّهما عندهم: أنّه يكون شريكاً مع المفلس بقدر قيمة مكيله، فيباع المكيلتان، و يقسّم بينهما علي قدر القيمتين، كما في صبغ الثوب.

و الثاني: أنّ نفس المكيلتين يقسّم بينهما باعتبار القيمة، فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوي درهماً و المخلوطة درهمين، أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة(3).

و قد خرّج بعضهم هذا الخلافَ علي أنّ القسمة بيع أو إفراز حقٍّ؟ إن قلنا: إنّها بيع، لم يقسّم عين الزيت؛ لما في القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة. و إن قلنا بالثاني، فيجوز، و كأنّه أخذ بعض حقّه و ترك البعض(4)5.

ص: 153


1- التهذيب - للبغوي - 98:4، الوسيط 31:4، العزيز شرح الوجيز 57:5، روضة الطالبين 402:3.
2- العزيز شرح الوجيز 57:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 333:1، التهذيب - للبغوي - 98:4، حلية العلماء 515:4، الوسيط 32:4، العزيز شرح الوجيز 57:5-58، روضة الطالبين 402:3.
4- العزيز شرح الوجيز 58:5.

و قال بعضهم: إنّ هذا ليس بصحيح؛ لأنّ ذلك إن كان بيعاً، كان رباً، و إن أخذ ثلثه و أبرأه عمّا بقي من مكيلة زيته، لم تكن البراءة واجبةً عليه، فيكون له أن لا يفعل، و يطالب بالباقي، و لا يجوز ذلك؛ لأنّه يأخذ حينئذٍ أكثر ممّا لَه، فلم يبق إلاّ البيع لهما(1).

تذنيبان:
أ: إذا قلنا: الخلط يُلحق المبيعَ بالمفقود

- كما هو قول بعض الشافعيّة، و قول أحمد(2) - لو كان أحد الخليطين كثيراً و الآخَر قليلاً و لا تظهر به زيادة في الحسّ، و يقع مثله بين المثلين، فإن كان الكثير للبائع، فهو واجد عين ماله. و إن كان الكثير للمشتري، فهو فاقد.

و قال بعض الشافعيّة: الحكم الأوّل قطعيّ، و الثاني ظاهر(3).

ب: لو كان المخلوط من غير جنس المبيع كالزيت و الشيرج، فهو فاقد عين ماله،

و ليس له الفسخ حينئذٍ، و يكون بمثابة ما لو تلف المبيع، فيُضارب بالثمن.

قال الجويني: و فيه احتمال، سيّما علي قوله ببيع المخلوط و قسمة الثمن(4).

مسألة 372: قد ذكرنا من أقسام النوع الثاني من الزيادات قسماً واحداً،

و هو أن تكون الزيادة عيناً محضة، و بقي قسمان: ما يكون صفةً محضة، و ما يتركّب منهما، فنبدأ بالصفة المحضة.

ص: 154


1- راجع المهذّب - للشيرازي - 333:1.
2- العزيز شرح الوجيز 58:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 501:4، الشرح الكبير 519:4. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 58:5، روضة الطالبين 402:3.

فنقول: إذا اشتري عيناً و عمل فيها ما يزيد في صفتها - مثل أن يشتري حنطة فيطحنها أو يزرعها، أو دقيقاً فيخبزه، أو ثوباً فيقصره، أو يخيطه قميصاً بخيوط من الثوب، أو غزلاً فينسجه، أو خشباً فينشره ألواحاً، أو ألواحاً فينجرها باباً، و بالجملة أن يعمل شيئاً يزيل اسمه - فإنّه لا يسقط حقّ الرجوع بذلك عندنا إذا أفلس - و به قال الشافعي(1) - لأنّ العين لم تخرج عن حقيقتها بتوارد هذه الصفات عليها، فكان واجداً عين ماله، فله الرجوع فيها.

و قال أحمد: يسقط حقّ البائع من الرجوع؛ لأنّه لم يجد عين ماله بعينه، فلم يكن له الرجوعُ، كما لو أتلفه. و لأنّه غيّر اسمه وصفته، فلم يكن له الرجوع، كما لو كان نويً فنبت شجراً(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ العين لم تخرج عن حقيقتها، و إلاّ لكان الغاصب يملك المغصوب إذا فَعَل به هذه الصفات، و كان ينتقل حقّ المغصوب منه إلي المثل أو القيمة، و ليس كذلك. و تغيير الوصف لا ينافي بقاء العين، و يخالف النوي؛ لأنّ الحقيقة قد زالت و وُجدت أُخري.

إذا عرفت هذا، فنقول: إن لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات، لم يكن للمفلس شركة فيه، بل يأخذه البائع موصوفاً بهذه الصفة، سواء غرم عليها المفلس شيئاً أو لا.

و إن نقصت قيمته، فلا شيء للبائع معه.3.

ص: 155


1- الأُم 303:3، مختصر المزني: 103، الحاوي الكبير 303:6، المهذّب - للشيرازي - 332:1، التنبيه: 102، التهذيب - للبغوي - 96:4، حلية العلماء 509:4، العزيز شرح الوجيز 59:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 502:4، الشرح الكبير 512:4.
2- المغني 502:4، الشرح الكبير 512:4-513.

و إن زادت، صار المفلس شريكاً فيها، كما في زيادات الأعيان.

قال الشافعي: و به أقول - و هو أصحّ القولين - لأنّها زيادة حصلت بفعلٍ متقوّم محترم، فوجب أن لا تضيع عليه، كما لو صبغ الثوب. و لأنّ الطحن و القصارة أُجريت مجري الأعيان، و لهذا كان للطحّان أن يمسك الدقيق علي الأُجرة، و كذا القصّار(1).

و القول الثاني للشافعي - و به قال المزني -: إنّ الزيادة في هذه الأعمال تجري مجري الآثار، و لا شركة للمفلس فيها؛ لأنّها صفات تابعة، و ليس للمفلس فيها عين مال، بل أثر صنعة، فهي كسمن الدابّة بالعلف و كِبَر الوَديّ بالسقي و التعهّد، و كتعلّم الغلام صنعةً، و كما لو اشتري لوزاً فقشره أو غنماً فرعاها. و لأنّ القصارة تزيل الوسخ و تكشف عمّا فيه من البياض، فلا تقتضي الشركة، كما لو كان المبيع لوزاً فكسره و كشف اللُّبّ و زادت به القيمة. و يدلّ عليه أنّ الغاصب لو قصر الثوب أو طحن الحنطة لم يستحق شيئاً(2).

و الفرق ظاهرٌ بين المتنازع و سمن الدابّة بالعلف و كِبَر الوَديّ بالسقي؛ لأنّ القصّار إذا قصر الثوب، صار الثوب مقصوراً بالضرورة، و أمّا السقي و العلف فقد يوجدان كثيراً من غير سمن و لا كِبَر؛ لأنّ الأثر فيه غير منسوبٍ إلي فعله، بل هو محض صنع اللّه تعالي، و لهذا لا يجوز الاستئجار علي4.

ص: 156


1- الحاوي الكبير 303:6، المهذّب - للشيرازي - 332:1، الوجيز 175:1، العزيز شرح الوجيز 59:5، التهذيب - للبغوي - 97:4، حلية العلماء 509:4، روضة الطالبين 403:3، المغني 502:4، الشرح الكبير 512:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 332:1، التهذيب - للبغوي - 96:4، الحاوي الكبير 303:6، حلية العلماء 509:4، الوجيز 175:1، العزيز شرح الوجيز 59:5، روضة الطالبين 402:3، المغني 502:4، الشرح الكبير 512:4.

تسمين الدابّة و [تكبير](1) الوَديّ، و يجوز الاستئجار علي القصارة.

و يخالف المشتري الغاصب؛ فإنّ الغاصب مُعْتدٍ بفعله، فلم يثبت له فيها حقّ، بخلاف مسألتنا.

لا يقال: أ ليس لو صبغ الغاصب الثوبَ، كان شريكاً فيه مع تعدّيه ؟

لأنّا نقول: الصبغ عين ماله، و له قلعه، فإذا تعذّر ذلك، كان شريكاً، بخلاف المتنازع، إلاّ أنّ هذا الفرق يمنع اعتبار مسألتنا أيضاً بالصبغ.

مسألة 373: لو اشتري دقيقاً فخبزه، أو لحماً فشواه، أو شاةً فذبحها،
اشارة

أو أرضاً فضرب من ترابها لِبْناً، أو عرصةً و آلات البناء فبناها فيها(2) داراً ثمّ أفلس، كان شريكاً بهذه الأفعال.

و للشافعي قولان(3).

أمّا لو علّم العبدَ القرآنَ أو الصنعةَ أو الكتابةَ أو الشعرَ المباح، أو راضَ الدابّةَ، فكذلك عندنا؛ لأنّ هذه الأفعال تصحّ المعاوضة عليها، فكانت زيادةً.

و قد اختلفت الشافعيّة:

فقال أبو إسحاق: إنّ هذه لا تلحق بما تقدّم، و لا تجري مجري الأعيان قطعاً؛ لأنّه ليس بيد المعلّم و الرائض إلاّ التعليم، و قد يجتهد فيه فلا يحصل الغرض، فكان كالسمن و نحوه(4).

و الأصحّ عندهم - و به قال ابن سريج -: أنّها من صور القولين؛ لأنّها

ص: 157


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كبر». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- كذا، و الظاهر: «فبني فيها».
3- التهذيب - للبغوي - 96:4 و 97، العزيز شرح الوجيز 59:5، روضة الطالبين 403:3.
4- العزيز شرح الوجيز 59:5، روضة الطالبين 403:3.

أعمال يجوز الاستئجار عليها، و مقابلتها بالعوض(1).

و ضبط صور القولين أن يصنع المفلس بالمبيع ما يجوز الاستئجار عليه، فيظهر به أثر فيه.

و إنّما اعتبرنا ظهور الأثر فيه؛ لأنّ حفظ الدابّة و سياستها عمل يجوز الاستئجار عليه، و لا تثبت به الشركة؛ لأنّه لا يظهر بسببه أثر علي الدابّة.

ثمّ الأثر قد يكون صفةً محسوسة كالطحن و القصارة، و قد يكون من قبيل الأخلاق كالتعليم و الرياضة.

فعلي أحد قولي الشافعي يأخذ البائع العينَ زائدةً بهذا الوصف، و يفوز بالزيادة مجّاناً.

و علي ما أختاره - و هو القول الثاني له - تُباع العين، و يكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته.

فلو كانت قيمة الثوب خاماً خمسةً، و مقصوراً ستّةً، كان للمفلس سدس الثمن، فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت، فالزيادة أو النقصان بينهما علي النسبة.

و لو ارتفعت قيمة الثوب خاصّةً بأن صار مثل ذلك الثوب خاماً يساوي ستّةً، و يسوي مقصوراً سبعةً، فليس للمفلس إلاّ سُبْع الثمن؛ لأنّه قيمة صنعته، و الزيادة حصلت في الثوب للبائع ليس للمفلس فيها شيء؛ لأنّها زيادة سوقيّة.

و لو انعكس الفرض، فزادت قيمة الصنع خاصّةً بأن كان مثل هذا الثوب يسوي مقصوراً سبعةً، و يساوي خاماً خمسةً، فالزيادة للمفلس خاصّةً، فيكون له سُبْعا الثمن. و علي هذا القياس.3.

ص: 158


1- العزيز شرح الوجيز 60:5، روضة الطالبين 403:3.

و هل للبائع إمساك المبيع ببذل قيمة ما فَعَله المفلس و منعه من بيعه ؟ الأقرب: ذلك؛ لوجوب البيع علي كلّ تقدير، و اعتبار الأصل بالبقاء أولي؛ إذ لا يجب بذل عينه للبيع، و به قال بعض الشافعيّة؛ قياساً علي أنّه يبذل قيمة الغراس و البناء(1).

و مَنَع بعضُهم منه؛ لأنّ الصنعة لا تُقابل بعوض(2).

و نحن لمّا منعنا - فيما تقدّم - وجوبَ بذل البناء و الغراس بدفع القيمة، و أوجبنا هنا دفع الصنعة، قلنا ذلك؛ للفرق بين الأعيان التي تُعدّ أُصولاً، و بين الصفات التابعة.

تذنيبان:
أ: إذا استأجره للقصارة أو الطحن فعمل الأجير عمله، كان له حبس الثوب و الدقيق لاستيفاء الأُجرة

إن جعلنا القصارة و الطحن كالأعيان، كما يحبس البائع المبيع لقبض الثمن. و إن جعلنا القصارة و شبهها من الآثار، فلا.

ب: إذا تمّم القصّار و الطحّان العمل و تلف الثوب و الطحين في يده،

إن قلنا: إنّ فعله آثار لا تجري مجري الأعيان، استحقّ الأُجرة كأنّه وقع مسلّماً بالفراغ. و إن قلنا: إنّه أعيان، لم يستحق؛ حيث تلف قبل التسليم، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل تسليمه.

مسألة 374: قد ذكرنا حكم الزيادة إذا كانت صفةً محضة، و بقي ما إذا كانت الزيادة عيناً من وجهٍ و صفةً من وجهٍ.

فنقول: إذا اشتري ثوباً فصبغه، أو سويقاً و لتَّه بزيتٍ و أشباه ذلك ثمّ

********

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 60:5، روضة الطالبين 403:3.

ص: 159

فُلّس، فإن لم تزد القيمة بالصبغ و الزيت أو نقصت، كان للبائع الرجوعُ في عين ماله، و لا شيء للمفلس فيه، و جري الصبغ هنا مجري الصفة إذا لم تزد بها قيمة الثوب، فإنّ الثوب مع الصفة يكون للبائع. و كذا الصبغ هنا.

و إن زادت القيمة، فإمّا أن تزيد بقدر قيمة الصبغ أو أقلّ أو أكثر.

فالأوّل كما لو كان الثوب يساوي أربعةً، و كان الصبغ يساوي درهمين و بِيع مصبوغاً بستّة، فللبائع فسخ البيع في الثوب، و يكون شريكاً في الصبغ للمفلس، و يكون الثمن بينهما أثلاثاً.

و قال أحمد: إذا صبغ الثوب أو طحن الحنطة أو نسج الغزل أو قطع الثوب قميصاً، سقط حقّه من الرجوع(1).

و في تقدير تنزيل الشركة للشافعيّة احتمالان:

أحدهما: أن يقال: كلّ الثوب للبائع، و كلّ الصبغ للمفلس، كما لو غرس الأرض.

و الثاني: أن يقال: بل يشتركان فيهما جميعاً بالأثلاث؛ لتعذّر التميّز، كما في خلط الزيت بمثله(2).

و الوجه عندي: الأوّل.

و لو كانت الزيادة أقلّ من قيمة الصبغ، كما لو كانت قيمته مصبوغاً خمسةً، فالنقصان علي الصبغ؛ لأنّه تتفرّق أجزاؤه في الثوب و تهلك في الثوب(3) و الثوب قائم بحاله، فإذا بِيع، قُسّم الثمن بينهما أخماساً: أربعة

********

(1) المغني 502:4، الشرح الكبير 512:4.

(2) التهذيب - للبغوي - 94:4، العزيز شرح الوجيز 61:5، روضة الطالبين 404:3.

(3) «في الثوب» لم ترد في «ج».

ص: 160

للبائع، و واحد للمفلس.

و إن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ، كما لو بلغ مصبوغاً ثمانيةً، فالزائد علي القيمتين إنّما زاد بصنعة الصبغ، فإن قلنا: إنّ الصنعة - كالقصارة و نحوها من الأعمال - أعيان، فالزائد(1) علي الصبغ للمفلس، فيكون لصاحب الثوب أربعة، و للمفلس أربعة.

و إن قلنا: إنّها آثار و قلنا: إنّ الآثار تتبع العين للبائع و ليس للمفلس منها(2) شيء، كان للبائع قيمة الثوب و أُجرة الصبغ، و ذلك ستّة دراهم هي ثلاثة أرباع الثمن، و للمفلس قيمة صبغه لا غير، و هو درهمان ربع الثمن، قاله بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: نقص الزيادة علي الثوب و الصبغ حتي يجعل الثمن بينهما أثلاثاً، فيكون ثلثاه للبائع، و الثلث للمفلس؛ لأنّ الصنعة اتّصلت بالثوب و الصبغ جميعاً(4).

و الوجه عندي: أنّ الزيادة بأجمعها للمفلس؛ لأنّها عوض الصبغ و الصنعة معاً، و هُما له لا شيء للبائع فيها.

و لو ارتفعت القيمة بعد الصبغ فبلغت ستّة عشر، أو وُجد زبون(5) اشتراه بهذا المبلغ، ففي كيفيّة القسمة عند الشافعيّة الوجوهُ الثلاثة(6) ،

********

(1) في النسخ الخطّيّة: «فالزيادة».

(2) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عنها». و الظاهر ما أثبتناه.

(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 61:5، روضة الطالبين 404:3.

(5) زبنتُ الشيء زَبْناً: إذا دفعتُه، و قيل للمشتري: «زبون» لأنّه يدفع غيره عن أخذ المبيع. و هي كلمة مولّدة ليست من كلام أهل البادية. المصباح المنير: 251 «زبن».

(6) العزيز شرح الوجيز 62:5، روضة الطالبين 404:3.

ص: 161

و الربح علي كلّ حال يُقسّم بحسب قيمة الأصل.

فإذا عُرفت قيمة القدر الذي يستحقّه المفلس من الثمن، فإن شاء البائع تسليمه ليخلص له الثوب مصبوغاً، فله ذلك.

و مَنَع منه بعضُ الشافعيّة(1).

و لو فرضنا أنّ المرتفع قيمة الصبغ خاصّةً، كانت الزيادة بأسرها للمفلس؛ لأنّ قيمة الثوب لم تزد، فلا يأخذ البائع منها شيئاً.

مسألة 375: لو اشتري ثوباً من زيد و صبغاً منه أيضاً ثمّ صبغه و فُلّس بعد ذلك، فللبائع فسخ البيع

و الرجوع [فيهما](2) معاً، إلاّ أن تكون قيمة الصبغ و الثوب معاً بعد الصبغ كقيمة الثوب [وحده](3) قبل الصبغ أو دونها، فيكون فاقداً للصبغ.

و يُحتمل عندي أنّه يخيّر بين أخذه مصبوغاً، و لا يرجع بقيمة الصبغ، و بين الضرب بالثمنين معاً مع الغرماء.

و لو زادت القيمة بأن كانت قيمة الثوب أربعةً و قيمة الصبغ درهمين و قيمة الثوب مصبوغاً ثمانيةً، فعلي ما تقدّم من الخلاف في أنّ الصناعات هل هي آثار أو أعيان ؟ إن قلنا: آثار، أخذها، و لا شركة للمفلس. و إن قلنا:

أعيان، فالمفلس شريك بالربع.

و قد بيّنّا أنّه لا يرجع هنا عندنا للزيادة بالصنعة، إلاّ في الثوب خاصّةً، فيكون الصبغ و الزيادة بأجمعهما للمفلس.

********

(1) العزيز شرح الوجيز 62:5، روضة الطالبين 404:3.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليهما». و الظاهر ما أثبتناه.

(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وحدها». و الظاهر ما أثبتناه.

ص: 162

مسألة 376: لو اشتري الثوبَ من واحدٍ بأربعة هي قيمته و الصبغَ من آخَر بدرهمين هُما قيمته،

و صَبَغه به ثمّ أفلس، فأراد البائعان الرجوعَ في العينين، فإن كان الثوب مصبوغاً لا يساوي أكثر من أربعة و كان خاماً يساوي أربعةً أيضاً، فصاحب الصبغ فاقدٌ ماله، و صاحب الثوب واجدٌ ماله بكماله إن لم ينقص عن أربعة، و ناقصاً إن نقص. و إن كان خاماً يساوي ثلاثةً، و مصبوغاً يساوي أربعةً، كان لصاحب الثوب ثلاثةٌ، و لصاحب الصبغ درهمٌ واحد.

و الشافعيّة لم يفصّلوا بين الصورتين، بل حكموا حكماً مطلقاً أنّ الثوب إذا كان مصبوغاً يساوي أربعةً لا غير، فهي لصاحب الثوب، و صاحبُ الصبغ فاقدٌ. و إن كان الثوب مصبوغاً يساوي أكثر من أربعة، فصاحب الصبغ أيضاً واجدٌ لماله بكماله إن بلغت الزيادة درهمين، و ناقصاً إن لم تبلغ(1).

و إن كانت القيمة بعد الصبغ ثمانيةً، فإن قلنا: الأعمال آثار، فالشركة بين البائعين، كما قلنا في البائع و المفلس إذا صبغه بصبغ نفسه، تفريعاً علي هذا القول. و إن قلنا: أعيان، فنصف الثمن لبائع الثوب، و ربعه لبائع الصبغ، و الربع للمفلس.

مسألة 377: لو اشتري صبغاً فصبغ به ثوباً له ثمّ أفلس،
اشارة

أو اشتري زيتاً فلتَّ به سويقاً ثمّ أفلس، فالأولي أنّ لبائع الصبغ و الزيت الرجوعَ في عين مالَيْهما - و به قال الشافعي(2) - لأنّهما وجدا عين أموالهما ممتزجين، فكانا واجدَيْن.

********

(1) العزيز شرح الوجيز 62:5، روضة الطالبين 405:3.

(2) العزيز شرح الوجيز 62:5، روضة الطالبين 405:3.

ص: 163

و قال أحمد: إنّ بائع الصبغ و الزيت يضربان بالثمن مع الغرماء؛ لأنّه لم يجد عين ماله، فلم يكن له الرجوعُ، كما لو تلف(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ الشافعي قال: بائع الصبغ إنّما يرجع في عين الصبغ لو زادت قيمة الثوب مصبوغاً علي ما كانت قبل الصبغ، و إلاّ فهو فاقد - و قد بيّنّا ما عندنا فيه - و إذا رجع، فالشركة بينهما علي ما تقدّم(2).

و اعلم أنّ هذه الأحكام المذكورة في القسمين مفروضة فيما إذا باشر المفلس القصارةَ و الصبغَ و ما في معناهما بنفسه، أو استأجر لهما أجيراً و وفّاه الأُجرة قبل التفليس، فأمّا إذا حصّلهما بأُجرة و لم يوفّه، فسيأتي.

تذنيب: لو صبغ المشتري الثوب و فُلّس و رجع البائع في عين الثوب و أراد قلع الصبغ عند الإمكان

و أن يغرم للمفلس أرش النقصان، ففي إجابته إلي ذلك إشكال ينشأ: من أنّه إتلاف مال، فلا يجاب إليه، و من مشابهته للبناء و الغراس، و هو قول الشافعي(3).

مسألة 378: لو اشتري ثوباً و استأجر قصّاراً يقصره و لم يدفع إليه أُجرته و فُلّس، فللأجير المضاربة بالأُجرة مع الغرماء.

و قال الشافعي: إن قلنا: القصارة أثر، فليس للأجير إلاّ المضاربة بالأُجرة، و للبائع الرجوعُ في الثوب المقصور، و لا شيء عليه لما زاد(4).

و ليس بجيّد.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ عليه أُجرة القصّار، و كأنّه استأجره(5).

و غلّطه باقي الشافعيّة في ذلك(6).

و إن قلنا: إنّها عين، فإن لم تزد قيمته مقصوراً علي ما كان قبل

********

(1) المغني 503:4-504، الشرح الكبير 521:4-522.

(2) العزيز شرح الوجيز 62:5، روضة الطالبين 405:3.

(3-6) العزيز شرح الوجيزة 63:5، روضة الطالبين 405:3.

ص: 164

القصارة، فهو فاقد عين ماله. و إن زادت، فلكلّ واحدٍ من البائع و الأجير الرجوعُ إلي عين ماله، فإن كانت قيمة الثوب عشرةً، و الأُجرة درهماً، و الثوب المقصور يساوي خمسة عشر، بِيع بخمسة عشر، و صُرف منها عشرة إلي البائع، و درهمٌ إلي الأجير، و الباقي للغرماء.

و لو كانت الأُجرة خمسة دراهم، و الثوب بعد القصارة يساوي أحد عشر، فإن فسخ الأجير الإجارة، فعشرةٌ للبائع، و درهمٌ للأجير، و يضارب مع الغرماء بأربعة. و إن لم يفسخ، فعشرةٌ للبائع، و درهمٌ للمفلس، و يضارب مع الغرماء بخمسة(1).

لا يقال: إذا جعلنا القصارة عيناً و زادت بفعله خمسة، وجب أن يكون الكلّ له، كما لو زاد المبيع زيادة متّصلة، فإن كانت أُجرته خمسةً و لم يحصل بفعله إلاّ درهمٌ، وجب أن لا يكون له إلاّ ذلك؛ لأنّ مَنْ وجد عين ماله ناقصةً ليس له إلاّ القناعة بها، و المضاربة مع الغرماء.

لأنّا نقول: معلومٌ أنّ القصارة صفة تابعة للثوب، و لا نعني بقولنا:

«القصارة عين» أنّها في الحقيقة تُفرد بالبيع و الأخذ و الردّ، كما يُفعل بسائر الأعيان، و لو كان كذلك، لجعلنا الغاصب شريكاً للمالك إذا غصب الثوب و قصره، و ليس كذلك إجماعاً، بخلاف ما إذا صبغه الغاصب، فإنّه يكون شريكاً بالصبغ؛ و إنّما المراد أنّها مشبّهة بالأعيان من بعض الوجوه؛ لأنّ الزيادة الحاصلة بها متقوّمة مقابلة بالعوض، فكما لا تضيع الأعيان علي المفلس لا تضيع الأعمال عليه.

و أمّا بالإضافة إلي الأجير فليست القصارة موردَ الإجارة حتي يرجع

********

(1) العزيز شرح الوجيز 63:5، روضة الطالبين 405:3-406.

ص: 165

إليها، بل مورد الإجارة فعله المحصّل للقصارة، و ذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه، فيجعل الحاصل بفعله - لاختصاصه به - متعلّق حقّه، كالمرهون في حقّ المرتهن.

[أو](1) نقول: هي مملوكة للمفلس مرهونة بحقّ الأجير، و معلومٌ أنّ الرهن إذا زادت قيمته علي الدَّيْن لا يأخذ المرتهن منه إلاّ قدر الدَّيْن، و إذا نقصت، لا يتأدّي به جميع الدَّيْن(2).

و لو قال الغرماء للقصّار: خُذْ أُجرتك و دَعْنا نكن شركاء صاحب الثوب، هل يُجبر عليه ؟

قال بعض الشافعيّة: يُجبر(3). و هو موافق أنّ القصارة مرهونة بحقّه؛ إذ ليس للمرتهن التمسّك بعين المرهون إذا أُدّي حقّه.

و قال بعضهم: لا يُجبر؛ قياساً علي البائع إذا قدّمه الغرماء بالثمن(4).

و هذا القائل كأنّه يُعطي القصارة حكمَ الأعيان من كلّ وجهٍ.

و لو كانت قيمة الثوب عشرةً فاستأجر صبّاغاً فصبغه بصبغٍ قيمته درهمٌ و صارت قيمته مصبوغاً خمسةَ عشر، فالأربعة الزائدة علي القيمتين إن حصلت بصفة الصبغ فهي للمفلس.

و قال الشافعي: هذه الزيادة حصلت بصفة الصبغ، فيعود فيها القولان في أنّها أثر أو عين ؟ فإذا رجع كلّ واحدٍ من الصبّاغ و البائع إلي ماله، بِيع بخمسة عشر، و قُسّمت علي أحد عشر، إن جعلناها أثراً، فللبائع(5) عشرة،

********

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(2-4) العزيز شرح الوجيز 64:5.

(5) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «للبائع». و الظاهر ما أثبتناه.

ص: 166

و للصبّاغ واحد؛ لأنّ الزيادة تابعة لمالَيْهما. و إن جعلناها عيناً، فعشرة منها للبائع و درهمٌ للصبّاغ، و أربعة للمفلس يأخذها الغرماء(1).

و لو بِيع بثلاثين؛ لارتفاع السوق، أو للظفر براغب، قال بعض الشافعيّة: للبائع عشرون، و للصبّاغ درهمان و للمفلس ثمانية(2).

و قال بعضهم: يُقسّم الجميع علي أحد عشر، عشرة للبائع، و واحد للصبّاغ، و لا شيء للمشتري(3).

فالأوّل بناء علي أنّها عين، و الثاني علي أنّها أثر.

و كذا لو اشتري ثوباً قيمته عشرة و استأجر علي قصارته بدرهم و صارت قيمته مقصوراً خمسةَ عشر ثمّ بِيع بثلاثين، قال بعض الشافعيّة - بناءً علي قول العين -: إنّه يتضاعف حقّ كلٍّ منهم، كما في الصبغ(4).

و قال الجويني: ينبغي أن يكون للبائع عشرون، و للمفلس تسعة، و للقصّار درهم كما كان، و لا يضعف حقّه؛ لأنّ القصارة غير مستحقّة للقصّار، و إنّما هي مرهونة عنده بحقّه(5).

مسألة 379: لو أخفي المديون بعضَ ماله و قصر الظاهر عن الديون فحجر الحاكم عليه

و رجع أصحاب الأعيان إليها و قسّم الحاكم الباقي بين الغرماء ثمّ ظهر فعله لم ينقص شيء من ذلك، فإنّ للقاضي أن يبيع أموال الممتنع المماطل، و صَرْف الثمن في ديونه.

و الرجوع إلي عين المال بامتناع المشتري [من](6) أداء الثمن مختلف

********

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 64:5، روضة الطالبين 406:3.

(3) العزيز شرح الوجيز 64:5-65، روضة الطالبين 406:3.

(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 65:5، روضة الطالبين 406:3.

(6) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

ص: 167

فيه، فإذا اتّصل به حكم الحاكم، نفذ(1) ، قاله بعض الشافعيّة(2).

و توقّف فيه بعضٌ؛ لأنّ القاضي ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع، فكيف يجعل حكمه بناءً علي ظنّ آخَر حكماً بالرجوع بالامتناع ؟!(3)

و كلّ مَنْ له الفسخ بالإفلاس لو ترك الفسخ علي مال، لم يثبت المال.

و هل يبطل حقّه من الفسخ إن كان جاهلاً بجوازه، الأقرب: عدم البطلان.

و للشافعي فيه قولان كما في الردّ بالعيب(4).

البحث الخامس: في اللواحق.
مسألة 380: الأقرب عندي أنّ العين لو زادت قيمتها لزيادة السعر، لم يكن للبائع الرجوعُ فيها؛

لأنّ الأصل عدم الجواز، تُرك في محلّ النصّ، و هو وجدان العين بعينها مع مساواة القيمة الثمن أو نقصها عنه؛ للإجماع من مجوّزيه، فبقي الباقي علي الأصل؛ لما في مخالفته من الضرر الحاصل للمفلس و الغرماء، فيكون منفيّاً.

و كذا لو اشتري سلعة بدون ثمن المثل، لم يكن للبائع الرجوع؛ لما فيه من الإضرار به بترك المسامحة التي فَعَلها البائع معه أوّلاً.

و لو نقصت قيمتها؛ لنقص السوق، لم يُمنع من أخذ عينه.

مسألة 381: لو أقرّ الغرماء بأنّ المفلس أعتق عبداً قبل فلسه،

فأنكر

********

(1) في النسخ الخطيّة و الحجريّة بدل «نفذ»: «فقد». و ذلك تصحيف.

(2-4) العزيز شرح الوجيز 65:5، روضة الطالبين 407:3.

ص: 168

المفلس ذلك، فإن شهد منهم عَدْلان، قُبِل، و إلاّ لم يُقبل قولهم. فإن دفع العبد إليهم، وجب عليهم قبوله، أو إبراء ذمّته من قدر ثمنه، فإذا قبضوه، عُتق عليهم.

و لو أقرّوا بأنّه أعتق عبده بعد فلسه، فإن منعنا من عتق المفلس، فلا أثر لإقرارهم.

و إن جوّزناه، فهو كإقرارهم بعتقه قبل فلسه، فإن حكم الحاكم بصحّته أو فساده، نفذ حكمه علي كلّ حال؛ لأنّه فعلٌ مجتهد فيه، فيلزم ما حكم به الحاكم، و لا يجوز نقضه و لا تغييره.

و لو أقرّ المفلس بعتق بعض عبده، فإن سوّغنا عتق المفلس، صحّ إقراره به، و عُتق؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به، لأنّ الإقرار بالعتق يحصل به العتق، فكأنّه أعتقه في الحال.

و إن قلنا: لا يصحّ عتقه، لم يُقبل إقراره، و كان علي الغرماء اليمين أنّهم لا يعلمون عتقه.

و كلّ موضعٍ قلنا: علي الغرماء اليمين، فإنّها علي جميعهم، فإن حلفوا، أخذوا. و إن نكلوا، قضي للمدّعي مع اليمين. و إن حلف بعضٌ دون بعضٍ، أخذ الحالف نصيبه، و حكم الناكل ما تقدّم.

و لو أقرّ المفلس أنّه أعتق عبده منذ شهر، و كان بيد العبد كسبٌ اكتسبه بعد ذلك؛ فأنكر الغرماء، فإن قلنا: لا يُقبل إقراره، حلف الغرماء علي نفي العلم، و أخذوا العبد و الكسب.

و إن قلنا: يُقبل إقراره مطلقاً، قُبِل في العتق و الكسب، و لم يكن للغرماء عليه و لا علي كسبه سبيل.

و إن قلنا: يُقبل في العتق خاصّةً و أنّه يُقبل عتقه، قُبِل في العتق؛

ص: 169

لصحّته منه، و لبنائه علي التغليب و السراية، و لا يُقبل في المال؛ لعدم ذلك فيه، و لأنّا نزّلنا إقراره بالعتق منزلة إعتاقه في الحال، فلا تثبت له الحُرّيّة فيما مضي، فيكون كسبه لسيّده، كما لو أقرّ بعبدٍ ثمّ أقرّ له بعين في يده.

مسألة 382: إذا قبض البائع الثمن و أفلس المشتري ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً، كان له الردُّ بالعيب، و الرجوع في العين.

و يُحتمل أن يضرب مع الغرماء بالثمن؛ لأنّ استحقاقه للعين متأخّر عن الحجر؛ لأنّه إنّما يستحقّ العين بالرجوع و الردّ، لا بمجرّد العيب.

و لو قبض البائع بعض الثمن و السلعة قائمة و فلّس المشتري، لم يسقط حقّه من الرجوع، بل يرجع في قدر ما بقي من الثمن؛ لأنّه سبب تُرجع به العينُ كلّها إلي العاقد، فجاز أن يرجع به بعضها، و هو القول الجديد للشافعي.

و قال في القديم: إذا قبض من الثمن شيئاً، سقط حقّه من الرجوع، و ضاربَ بالباقي مع الغرماء - و به قال أحمد و إسحاق - لما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «أيّما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس و لم يكن قد قبض من ثمنها شيئاً فهي له، و إن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أُسوة الغرماء»(1).

و لأنّ [في](2) الرجوع في قسط ما بقي تبعّض الصفقة علي المشتري و إضراراً به(3) ، و ليس ذلك للبائع.

لا يقال: لا ضرر علي المفلس في ذلك؛ لأنّ ماله يباع و لا يبقي له،

********

(1) سنن ابن ماجة 2359/790:2، سنن الدارقطني 29:3-109/30.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(3) في النسخ الخطّيّة و الحجرية: «ببعض... إضرار به». و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 170

فيزول عنه الضرر.

لأنّا نقول: لا يندفع الضرر بالبيع، فإنّ قيمته تنقص بالتشقيص، و لا يرغب فيه مشقّصاً إلاّ البعضُ، فيتضرّر المفلس و الغرماء بنقص القيمة.

و لأنّه سبب يفسخ به البيع، فلم يجز تشقيصه، كالردّ بالعيب و الخيار.

و لا فرق بين كون المبيع عيناً واحدة أو عينين(1).

و قال مالك: هو مخيّر إن شاء ردّ ما قبضه، و رجع في جميع العين.

و إن شاء حاصّ الغرماء، و لم يرجع(2).

و لا بأس بقول أحمد عندي؛ لما فيه من التضرّر بالتشقيص.

مسألة 383: لو باعه سلعةً فرهنها المشتري قبل إيفاء الثمن ثمّ أفلس المشتري، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين؛
اشارة

لسبق حقّ المرتهن إجماعاً، و قد سلف(3).

فإن كان دَيْن المرتهن دون قيمة الرهن فبِيع كلُّه فقضي منه دَيْن المرتهن، كان الباقي للغرماء.

و إن بِيع بعضه، فهل يختصّ البائع بالباقي بقسطه من الثمن ؟ الأقوي عندي ذلك - و به قال الشافعي(4) - لأنّه عين ماله لم يتعلّق به حقّ غيره.

و قال أحمد: لا يختصّ به البائع؛ لأنّه لم يجد متاعه بعينه، فلم يكن له أخذه، كما لو كان(5) الدَّيْن مستغرقاً(6)

********

(1) العزيز شرح الوجيز 44:5، روضة الطالبين 392:3، المغني 518:4، الشرح الكبير 509:4-510.

(2) بداية المجتهد 288:2، المغني 518:4، الشرح الكبير 510:4.

(3) في ص 107، المسألة 349.

(4) المغني 519:4، الشرح الكبير 514:4.

(5) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لو لم يكن» بدل «لو كان». و الصحيح ما أثبتناه كما في المغني.

(6) المغني 519:4، الشرح الكبير 514:4.

ص: 171

و هو غلط؛ فإنّ بعض حقّه يكون حقّاً له.

و الأصل فيه أنّ تلف بعض العين لا يُسقط حقّ الرجوع عندنا - خلافاً له(1) - فكذا ذهاب بعضها بالبيع.

و لو رهن بعض العين، كان له الرجوع في الباقي بالقسط.

و مَنَع منه أحمد؛ لما فيه من التشقيص، و هو يقتضي الضرر(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التشقيص حصل من المفلس برهن البعض، لا من البائع.

أمّا لو باع عينين فرهن إحداهما(3) ، فإنّه يرجع في العين الأُخري عندنا و عند أحمد في إحدي الروايتين، و لا يرجع في الأُخري(4).

و لو فكّ الرهن أو أُبرئ المفلس من دَيْنه، فللبائع الرجوعُ؛ لأنّه أدرك متاعه بعينه عند المشتري.

و لا فرق بين أن يفلس المشتري بعد فكّ الرهن أو قبله.

تذنيب: لو رهنه المشتري عند البائع علي الثمن ثمّ أفلس المشتري، تخيّر البائع بين فسخ البيع للإفلاس،

فيأخذ العين، و بين إمضاء البيع، فيقدّم(5) حقّه، فإن فضل عن الثمن شيء، كان للغرماء.

و إن كان رهناً عنده علي دَين غير الثمن، تخيّر في فسخ البيع و الرهن، فيأخذ عين ماله و يضرب بالدَّيْن مع باقي الغرماء، و بين إمضاء

********

(1) المغني 519:4-520، الشرح الكبير 514:4.

(2) المغني 520:4، الشرح الكبير 514:4.

(3) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أحدهما». و الصحيح ما أُثبت.

(4) المغني 520:4، الشرح الكبير 514:4.

(5) في الطبعة الحجريّة: «فقدّم».

ص: 172

البيع و الاختصاص في العين المرهونة بقدر الدَّيْن، ثمّ يشارك الغرماء في الفاضل من العين، و يضارب بالثمن.

و هل له فسخ البيع فيما قابَل الزائد عن الرهن بقدره من الثمن ؟ الأقرب ذلك.

مسألة 384: لو باع عبداً فأفلس المشتري بعد تعلّق أرش الجناية برقبته، فللبائع الرجوع؛

لأنّه حقّ لا يمنع تصرّف المشتري فيه، فلم يمنع الرجوع، كالدَّيْن في ذمّته، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الثانية: أنّه ليس للبائع الرجوعُ؛ لأنّ تعلّق الرهن يمنع الرجوع، و أرش الجناية مقدّم علي حقّ المرتهن، فهو أولي أن يمنع(1).

و الفرق بينه و بين الرهن ظاهر؛ فإنّ الرهن يمنع تصرّف المشتري فيه.

فعلي قوله بعدم الرجوع فحكمه حكم الرهن. و علي قولنا بالرجوع تخيّر إن شاء رجع فيه ناقصاً بأرش الجناية، و إن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء.

و إن أُبرئ الغريم من الجناية، فللبائع الرجوعُ فيه عندنا و عنده(2)؛ لأنّه قد وجد عين ماله خالياً من تعلّق حقّ غيره به.

مسألة 385: لو كان المبيع شقصاً مشفوعاً، فالشفيع أحقّ من البائع إذا أفلس المشتري؛

لأنّ حقّه أسبق؛ لأنّ حقّ البائع يثبت بالحجر، و حقّ الشفيع بالبيع، و الثاني أسبق. و لأنّ حقّه آكد؛ لأنّه يأخذ الشقص من المشتري و ممّن نقله إليه، و حقّ البائع إنّما يتعلّق بالعين ما دامت في يد

********

(1 و 2) المغني 520:4، الشرح الكبير 515:4.

ص: 173

المشتري، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ البائع أحقّ؛ للخبر. و لأنّه إذا رجع فيه، عاد الشقص إليه، فزال الضرر عن الشفيع؛ لأنّه عاد كما كان قبل البيع، و لم تتجدّد شركة غيره(1).

و هذان الوجهان للحنابلة(2) أيضاً.

و للشافعيّة وجهٌ ثالث: أنّ الثمن يؤخذ من الشفيع، فيختصّ به البائع؛ جمعاً بين الحقّين، فإنّ غرض الشفيع [في](3) عين الشقص المشفوع، و غرض البائع في ثمنه، و يحصل الغرضان بما قلناه(4).

و يشكل بأنّ حقّ البائع إنّما يثبت في العين، فإذا صار الأمر إلي وجوب الثمن، تعلّق بذمّته، فساوي الغرماء فيه.

و للحنابلة وجهٌ ثالث غير ما ذكروه من الوجهين، و هو أنّ الشفيع إن كان قد طالَب بالشفعة، فهو أحقّ؛ لأنّ حقّه آكد و قد تأكّد بالمطالبة. و إن لم يكن طالَب بها، فالبائع أولي(5).

مسألة 386: لو باع صيداً فأفلس المشتري و كان البائع حلالاً في الحرم و الصيد في الحلّ، فللبائع الرجوعُ فيه؛

لأنّ الحرم إنّما يُحرّم الصيد الذي فيه، و هذا ليس من صيده فلا يُحرّمه.

و لو أفلس المُحْرم و في ملكه صيد و كان البائع حلالاً، كان له أخذه؛

********

(1) الحاوي الكبير 272:6، المهذّب - للشيرازي - 330:1، حلية العلماء 499:4، المغني 522:4، الشرح الكبير 515:4.

(2) المغني 522:4، الشرح الكبير 514:4.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني و الشرح الكبير لأجل السياق.

(4) نفس المصادر في الهامش (1).

(5) المغني 522:4، الشرح الكبير 514:4-515.

ص: 174

لانتفاء المانع عن البائع.

مسألة 387: لو اشتري طعاماً نسيئةً و نظر إليه و قلّبه و قال: أقبضه غداً، فمات البائع و عليه دَيْنٌ، فالطعام للمشتري،

و يتبعه الغرماء بالثمن و إن كان رخيصاً - و به قال الثوري و أحمد و إسحاق(1) - لأنّ الملك يثبت للمشتري فيه بالشراء، و قد زال ملك البائع عنه، فلم يشارك الغرماء المشتري فيه، كما لو قبضه.

مسألة 388: رجوع البائع في المبيع فسخٌ للبيع لا يفتقر إلي شروط البيع،

فيجوز الرجوع مع عدم المعرفة بالمبيع و مع عدم القدرة عليه و مع اشتباهه بغيره، فلو كان المبيع غائباً و أفلس المشتري، كان للبائع فسخ البيع، و يملك المبيع، سواء مضت مدّة يتغيّر فيها المبيع قطعاً أو لا.

ثمّ إن وجده البائع علي حاله لم يتلف منه شيء، صحّ رجوعه.

و إن تلف منه شيء، فكذلك عندنا، و عند أحمد يبطل رجوعه؛ لفوات شرط الرجوع عنده(2).

و لو رجع في العبد بعد إباقه و في الجمل بعد شروده، صحّ، و صار ذلك له، فإن قدر عليه، أخذه، و إن تلف، كان من ماله.

و لو ظهر أنّه كان تالفاً حال الاسترجاع، بطل الرجوع، و كان له أن يضرب مع الغرماء في الموجود من ماله.

و لو رجع في المبيع و اشتبه بغيره، فقال البائع: هذا هو المبيع، و قال المفلس: بل هذا، فالقول قول المفلس؛ لأنّه منكر لاستحقاق ما ادّعاه البائع، و الأصل معه، و الغرماء كالمفلس.

********

(1) المغني 523:4، الشرح الكبير 534:4.

(2) المغني 498:4 و 499، الشرح الكبير 511:4 و 512.

ص: 175

مسألة 389: لو كان عليه ديون حالّة و مؤجَّلة، فقد قلنا: إنّ المؤجَّلة لا تحلّ بالحجر عليه،

فإذا كانت أمواله تقصر عن الحالّة فطلبوا القسمة، قُسّم ماله عليها خاصّةً، فإن تأخّرت القسمة حتي حلّت المؤجَّلة، شارك الغرماء، كما لو تجدّد علي المفلس دَيْنٌ بجنايةٍ.

و لو حلّ الدَّيْن بعد قسمة بعض المال، شاركهم في الباقي، و ضرب بجميع ماله، و ضرب باقي الغرماء ببقيّة ديونهم. و لو مات و عليه دَيْنٌ مؤجَّل، حلّ أجل الدَّيْن عليه. و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 390: قد ذكرنا أنّ المفلس محجور عليه في التصرّفات الماليّة،

فلو أعتق بعض عبده، لم ينفذ عتقه - و به قال مالك و ابن أبي ليلي و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّه تبرّع، و هو ممنوع منه بحقّ الغرماء، فلم ينفذ عتقه، كالمريض المستغرق دَيْنُه مالَه. و لأنّه محجور عليه، فلم ينفذ عتقه، كالسفيه.

و قال أبو يوسف و أحمد - في الرواية الأُخري - و إسحاق: إنّه ينفذ عتقه؛ لأنّه مالك رشيد، فينفذ، كما قبل الحجر، بخلاف سائر التصرّفات؛ لأنّ للعتق تغليباً و سرايةً(2).

و الفرق بين ما بعد الحجر و قبله ظاهر؛ لتعلّق حقّ الغرماء في الثاني، دون الأوّل، و تعلّق حقّ الغير يمنع من نفوذ العتق، كالرهن، و السراية من شرطها الإيسار حتي يؤخذ منه قيمة نصيب شريكه و لا يتضرّر، و لو كان معسراً، لم ينفذ عتقه، إلاّ في ملكه؛ صيانةً لحقّ الغير و حفظاً له عن الضياع، فكذا هنا.

********

(1 و 2) المغني 531:4، الشرح الكبير 502:4.

ص: 176

مسألة 391: لو جني المفلس بعد الحجر جنايةً أوجبت مالاً، شارك المجنيّ عليه الغرماء؛

لأنّ حقّ المجنيّ عليه ثبت(1) بغير اختياره.

و لو كانت الجناية موجبةً للقصاص فعفا صاحبها عنها إلي مالٍ، أو صالحه المفلس علي مالٍ، قال أحمد: شارك الغرماء؛ لأنّ سببه يثبت بغير اختياره، فأشبه ما لو أوجبت المال(2).

و يحتمل عندي أنّه لا يشارك؛ لأنّ الجناية موجَبُها القصاص، و إنّما يثبت المال صلحاً، و هو متأخّر عن الحجر، فلا يشارك الغرماء، كما لو استدان بعد الحجر.

لا يقال: لِمَ لا قُدّم حقّ المجنيّ عليه علي سائر الغرماء، كما لو جني عبد المفلس، فإنّ حقّ المجنيّ عليه مقدّم هنا؟

لأنّا نقول: الفرق ظاهر؛ فإنّ المجنيّ عليه في صورة العبد تعلّق حقّه بعين العبد، و هنا تعلّق حقّه بالذمّة، فكان كغيره من الغرماء.

مسألة 392: قد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يباع علي المفلس مسكنه و لا خادمه إن كان من أهله،

سواء كان المسكن و الخادم - اللّذان لا يستغني عنهما - عين مال بعض الغرماء أو كان جميع أمواله أعيان أموالٍ أفلس بأثمانها، و وجدها أصحابها، أو لا.

و قال أحمد: إن كان المسكن و الخادم عين مال بعض الغرماء، كان له أخذهما؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ أدرك متاعه عند رجل بعينه قد أفلس فهو أحقّ به»(3)

********

(1) في «ث» و الطبعة الحجريّة: «يثبت».

(2) المغني 532:4، الشرح الكبير 502:4-503.

(3) تقدّم تخريجه في ص 92، الهامش (1).

ص: 177

و لأنّ حقّه تعلّق بالعين، فكان أقوي سبباً من المفلس. و لأنّ منعهم من أخذ أعيان أموالهم يفتح باب الحيل بأن يشتري مَنْ لا مال له في ذمّته ثياباً يلبسها و داراً يسكنها و خادماً يخدمه و فرساً يركبها و طعاماً له و لعياله و يمتنع علي أربابها أخذها؛ لتعلّق حاجته بها، فتضيع أموالهم، و يستغني هو [بها](1)(2).

و الحديث ليس علي إطلاقه؛ لأنّه مشروط - إجماعاً - بشرائط مذكورة، فخرج عن الاحتجاج به في صورة النزاع؛ لأنّ شرط الأخذ عندنا أن لا يكون ممّا يحتاج إليه المفلس في ضروريّات معاشه، و لعموم الأخبار الدالّة علي المنع من بيع المسكن، و قد ذكرنا بعضها في باب الدَّيْن(3) ، و حقّ المفلس تعلّق أيضاً بالعين حيث لا سواها، و التفريط في الحِيَل المذكورة من البائع، لا من المفلس.

و لو كان للمفلس صنعة تكفيه لمئونته و ما يجب عليه لعياله، أو كان يقدر علي تكسّب ذلك، لم يُترك له شيء. و إن لم يكن له شيء من ذلك، تُرك له قوت يوم القسمة و ما قبله من يوم الحجر، و لا يُترك له أزيد من ذلك، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و في الثانية: يُترك له ما يقوم به معاشه(4).

و ليس بجيّد.

إذا عرفت هذا، فينبغي أن يُترك له النفقة إلي يوم القسمة و يوم

********

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) المغني 538:4، الشرح الكبير 537:4.

(3) راجع ج 13، ص 14، المسألة 11، و ص 16، المسألة 13.

(4) المغني 538:4، الشرح الكبير 539:4.

ص: 178

القسمة أيضاً، و يجعل ذلك ممّا لا يتعلّق به حقّ بعضهم؛ لأنّ مَنْ تعلّق حقّه بالعين أقوي سبباً من غيره.

و لو تعلّقت حقوق الجميع بالأعيان، قُسّط بينهم بالنسبة.

مسألة 393: لا يجب علي المفلس التكسّب، و قد تقدّم

(1) ، فلا يُجبر علي قبول هديّة و لا صدقة و لا وصيّة و لا قرض، و لا تُجبر المرأة علي أخذ مهرها من الزوج؛ لما في ذلك من المنّة و التضرّر لو قهرت الزوج علي أخذ المهر إن خافت من ذلك، و إلاّ أُخذ منه، و لا تُجبر علي النكاح لتأخذ مهرها؛ لما في النكاح من وجوب حقوقٍ عليها.

مسألة 394: لو اشتري حَبّاً فزرعه و اشتري ماءً فسقاه فنبت ثمّ أفلس

فإنّهما(2) يضربان بثمن الحَبّ و الماء مع الغرماء، و لا يرجعان في الزرع؛ لأنّ عين مالهما غير موجودة فيه، كما لو اشتري طعاماً فأطعمه عبده حتي كبر، فإنّه لا حقّ له في العين، و لأنّ نصيب الماء منه غير معلومٍ لأحدٍ من الناس.

و كذا لو اشتري بيضةً و تركها تحت دجاجة حتي صارت فرخاً ثمّ أعسر، لم يرجع بائع البيضة في الفرخ؛ لأنّ عينها غير موجودة.

و للشافعي وجهان(3).

مسألة 395: إذا باع أمين الحاكم عيناً للمفلس، فتلف الثمن في يده

********

(1) في ص 60، المسألة 309.

(2) أي: بائعا الحَبّ و الماء.

(3) الحاوي الكبير 282:6 و 283، الوسيط 27:4-28، حلية العلماء 503:4، التهذيب - للبغوي - 94:4، العزيز شرح الوجيز 46:5-47، روضة الطالبين 394:3.

ص: 179

بغير تفريطٍ ثمّ ظهر أنّ العين مستحقّة، رجع(1) بالدرك علي المفلس؛ لأنّها بِيعت عليه.

و نقل المزني عن الشافعي أنّ المشتري يأخذ الثمن من مال المفلس(2).

و روي غيره أنّه يضرب بالثمن مع الغرماء(3).

و اختلف أصحابه علي طريقين، منهم مَنْ قال: علي قولين، و منهم مَنْ قال: علي اختلاف حالين(4).

و الوكيل و الوليّ كالأب و الجدّ و أمين الحاكم إذا باعوا مال غيرهم ثمّ استحقّ المال علي المشتري، كانت العهدة علي مَنْ بِيع عليه.

و قد تقدّم الكلام علي ذلك في الرهن، فإنّ أبا حنيفة يقول: علي الوكيل، بخلاف الأب و الجدّ، و قد سبق(5).

و إذا جني عبد المفلس، تعلّق الأرش برقبته، و كان ذلك مقدَّماً علي حقوق الغرماء؛ لأنّ الجناية لا محلّ لها سوي رقبة الجاني، و ديون الغرماء متعلّقة بذمّة المفلس، فيُقدّم الحقّ المختصّ بالعين، كما يُقدّم حقّ الجناية علي حقّ الرهن.

إذا ثبت هذا، فإنّه يُباع العبد في الجناية، فإن كان وفق الجناية، فلا بحث. و إن زادت قيمته، رُدّ الباقي إلي الغرماء. و إن كانت أقلّ،

********

(1) في النسخ الخطّيّة: «يرجع».

(2 و 3) الحاوي الكبير 330:6، المهذّب - للشيرازي - 329:1، العزيز شرح الوجيز 21:5.

(4) الحاوي الكبير 330:6-331، المهذّب - للشيرازي - 329:1، العزيز شرح الوجيز 21:5.

(5) في ج 13، ص 277 و 278، المسألة 190.

ص: 180

لم يثبت للمجنيّ عليه سوي ذلك.

مسألة 396: قد بيّنّا أنّه إذا ظهر غريمٌ آخَر، نقض الحاكم القسمة، أو يرجع علي كلّ واحدٍ بحصّةٍ يقتضيها الحساب.

و مع نقض القسمة لو كان قد حصل نماء متجدّد بعد القسمة هل يتشارك الغرماء فيه ؟ الأقرب: ذلك؛ لظهور بطلان القسمة.

و كذا لو قُسّم التركة ثمّ ظهر بطلان القسمة و حصل النماء.

أمّا لو ظهر دَيْنٌ علي الميّت و أبطلت القسمة، فإن قلنا: النماء للوارث، فلا بحث، و إلاّ تبع التركة.

و لو تلف المال بعد القبض، ففي احتسابه علي الغرماء إشكال.

** *

ص: 181

ص: 182

المقصد الرابع: في الحجر

اشارة

الحجر في اللغة: المنع و التضييق. و منه سُمّي الحرام حَجْراً؛ لما فيه من المنع.

قال اللّه تعالي:«يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْري يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» (1) أي حراماً محرّماً.

و سُمّي العقل حِجْراً؛ لأنّه يمنع صاحبه من ارتكاب القبائح و ما يضرّ عاقبته، قال اللّه تعالي:«هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ» (2).

و اعلم أنّ المحجور عليه نوعان:

أحدهما: مَنْ حُجر عليه لمصلحة الغير.

و الثاني: مَنْ حُجر عليه لمصلحة نفسه.

و أقسام الأوّل خمسة:

أ: حجر المفلس لحقّ الغرماء.

ب: حجر الراهن لحقّ المرتهن.

ج: حجر المريض لحقّ الورثة.

د: حجر العبد لحقّ السيّد، و المكاتَب لحقّ السيّد و حقّ اللّه تعالي.

ه: حجر المرتدّ لحقّ المسلمين.

و هذه الأقسام خاصّة لا تعمّ جميع التصرّفات، بل يصحّ منهم [الإقرار

ص: 183


1- الفرقان: 22.
2- الفجر: 5.

بالعقوبات](1) و كثير من التصرّفات، و لها أبواب مختصّة بها.

و أقسام الثاني ثلاثة:

أ: حجر المجنون.

ب: حجر الصبي.

ج: حجر السفيه.

و المذكور في هذا المقصد ثلاثة: الصغير، و المجنون، و السفيه.

و الحجر علي هؤلاء عامّ؛ لأنّهم يُمنعون من التصرّف في أموالهم و ذممهم، فهنا فصول:ه.

ص: 184


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العقوبات». و الظاهر ما أثبتناه.
الفصل الأوّل: الصغير
اشارة

و هو محجور عليه بالنصّ و الإجماع - سواء كان مميّزاً أو لا - في جميع التصرّفات، إلاّ ما يستثني، كعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبيره و وصيّته و إيصاله الهديّة و إذنه في دخول الدار علي خلافٍ في ذلك.

قال اللّه تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (1) شرط في تصرّفهم الرشدَ و البلوغَ، و عبّر عن البلوغ بالنكاح؛ لأنّه يشتهي بالبلوغ.

و قال اللّه تعالي:«فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ» (2).

قيل: السفيه: المبذّر. و الضعيف: الصبي؛ لأنّ العرب تُسمّي كلّ قليل العقل ضعيفاً. و الذي لا يستطيع أن يملّ: المغلوب علي عقله(3).

مسألة 397: الحجر بالصبا يزول بزوال الصبا، و هو البلوغ. و له أسباب:

منها: ما هو مشترك بين الذكور و الإناث.

و منها ما هو مختصّ بالنساء.

ص: 185


1- النساء: 6.
2- البقرة: 282.
3- الحاوي الكبير 340:6-341، التهذيب - للبغوي - 125:4، و كما في العزيز شرح الوجيز 67:5.

أمّا المشترك: فثلاثة: الإنبات للشعر، و الاحتلام، و السنّ.

و المختصّ أمران: الحيض، و الحبل. و هُما للنساء خاصّة.

فهنا مباحث:

البحث الأوّل: الإنبات.
اشارة

و الإنبات مختصّ بشعر العانة الخشن، و لا اعتبار بالزغب(1) و الشعرِ الضعيف الذي قد يوجد في الصغر، بل بالخشن الذي يحتاج في إزالته إلي الحلق حول ذكر الرجل أو فرج المرأة.

و نبات هذا الشعر الخشن يقتضي الحكم بالبلوغ.

و الأقرب: أنّه دلالة علي البلوغ؛ فإنّا نعلم سبق البلوغ عليه؛ لحصوله علي التدريج.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه بلوغ.

و الثاني: أنّه دليل علي البلوغ(2).

و قال أبو حنيفة: الإنبات ليس بلوغاً و لا دليلاً عليه؛ لأنّه إنبات شعر، فأشبه شعر الرأس و سائر البدن(3).

و الفرق ظاهرٌ؛ فإنّ التجربة قاضية بأنّ هذا الشعر لا ينبت إلاّ بعد البلوغ، بخلاف غيره من الشعور التي في البدن و الرأس.

ص: 186


1- الزغب: أوّل ما يبدو من شعر الصبي. لسان العرب 450:1 «زغب».
2- الحاوي الكبير 343:6، التنبيه: 103، المهذّب - للشيرازي - 337:1-338، حلية العلماء 533:4، التهذيب - للبغوي - 133:4، العزيز شرح الوجيز 70:5، روضة الطالبين 412:3، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4.
3- الحاوي الكبير 343:6، حلية العلماء 533:4، العزيز شرح الوجيز 69:5، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4.

و لما روي العامّة أنّ سعد بن معاذ حكم علي بني قريظة بقتل مقاتلتهم و سبي ذراريهم، فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين، فمَنْ أنبت منهم قُتل، و مَنْ لم ينبت جُعل في الذراري(1).

و عن عطية القرظي قال: عُرضنا علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله يوم قريظة و كان مَنْ أنبت قُتل، و مَنْ لم ينبت خُلّي سبيله، فكنتُ في مَنْ لم ينبت، فخلّي سبيلي(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حفص بن البختري(3) عن الصادق عن الباقر عليهما السلام، قال: قال: «[إنّ](4) رسول اللّه صلي الله عليه و آله عرضهم يومئذٍ علي(5) العانات، فمَنْ وجده أنبت قَتَله، و مَنْ لم يجده أنبت ألحقه بالذراري»(6).

و لأنّه خارج ملازم للبلوغ غالباً، و يستوي فيه الذكر و الأُنثي، فكان عَلَماً علي البلوغ. و لأنّ الخارج ضربان: متّصل و منفصل، فلمّا كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ، كذا المتّصل.

مسألة 398: نبات هذا الشعر دليلٌ علي البلوغ في حقّ المسلمين و الكفّار،

عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أحد القولين(7) - لأنّ ما كان عَلَماً علي البلوغ في حقّ المشركين كان عَلَماً في

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 69:5، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4.
2- سنن ابن ماجة 2541/849:2، سنن أبي داوُد 4404/141:4، سنن البيهقي 58:6، مسند أحمد 18928/519:5، العزيز شرح الوجيز 69:5-70.
3- في المصدر: «أبو البختري» بدل «حفص بن البختري».
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عن» بدل «علي». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
6- التهذيب 339/173:6.
7- المعونة 1174:2، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4، الحاوي الكبير 344:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 533:4، التهذيب - للبغوي - 134:4، العزيز شرح الوجيز 70:5.

حقّ المسلمين، كالحمل.

و في الثاني: أنّه لا يكون عَلَماً علي البلوغ في المسلمين، و يكون دليلاً في حقّ الكفّار.

هذا إذا قال: إنّه دليل علي البلوغ، و إن قال: إنّه بلوغ، كان بلوغاً في حقّ المسلمين و الكفّار(1).

و وجه أنّه بلوغٌ حقيقةً: قياسه علي سائر الأسباب.

و وجه أنّه دليلٌ عليه - و هو أظهر القولين عندنا -: أنّ البلوغ غير مكتسب، و الإنبات شيء يُستعجل بالمعالجة.

و إنّما فرّق بين المسلمين و الكفّار إذا قلنا: إنّه دليل علي البلوغ بأن جعله دليلاً في حقّ الكفّار خاصّةً؛ لأنّه يمكن الرجوع إلي المسلمين في معرفة البلوغ، و مراجعة الآباء من المسلمين و الاعتماد علي إخبارهم عن تواريخ المواليد سهل، بخلاف الكفّار، فإنّه لا اعتماد علي قولهم.

و لأنّ التهمة تلحق هذه العلامة في المسلمين، دون الكفّار - لأنّ المسلم يحصل له الكمال في الأحكام بذلك و استفادة الولايات - فربما استعجلوا بالمعالجة، بخلاف الكفّار، فإنّهم لا يتّهمون بمثله؛ لأنّهم حينئذٍ يُقتلون، أو تُضرب عليهم الجزية، و التهمة بالاستعجال قد لا تحصل في المسلمين؛ لما روي أنّ غلاماً من الأنصار شبَّب بامرأة في شعره، فرُفع إلي4.

ص: 188


1- الحاوي الكبير 344:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 533:4، التهذيب - للبغوي - 134:4، العزيز شرح الوجيز 70:5، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4.

عمر بن الخطّاب، فلم يجده أنبت، فقال: لو أنبتَّ الشعرَ لجلدتُك(1).

مسألة 399: و لا اعتبار بشعر الإبط عندنا.

و للشافعي وجهان، هذا أصحّهما؛ إذ لو كان معتبراً في البلوغ، لما كشفوا عن المؤتزر؛ لحصول الغرض من غير كشف العورة.

و الثاني: أنّه نبات كنبات شعر العانة؛ لأنّ إنبات العانة يقع في أوّل تحريك الطبيعة في الشهوة، و نبات الإبط يتراخي عن البلوغ في الغالب، فكان أولي بالدلالة علي حصول البلوغ(2).

و أمّا نبات اللحية و الشارب فإنّه أيضاً لا أثر لهما في البلوغ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّهما يلحقان بشعر العانة(3).

و بعض الشافعيّة ألحق شعر الإبط بشعر العانة، و لم يلحق اللحية و الشارب بالعانة(2).

و أمّا ثقل الصوت و نهود الثدي و نتوء طرف الحلقوم و انفراق الأرنبة فلا أثر له، كما لا أثر لاخضرار الشارب، و هو أحد قولي الشافعيّة(5).

و الثاني: أنّه ملحق بشعر العانة(6).

و لا بأس به عندي بناءً علي العادة القاضية بتأخّر ذلك عن البلوغ.

ص: 189


1- المهذّب - للشيرازي - 338:1، المغني 556:4-557، الشرح الكبير 557:4، العزيز شرح الوجيز 70:5، و فيها: «لحددتك» بدل «لجلدتك». و نحوه في سنن البيهقي 58:6. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 70:5، روضة الطالبين 412:3.
2- التهذيب - للبغوي - 134:4، العزيز شرح الوجيز 70:5-71، روضة الطالبين 412:3. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3.
البحث الثاني: في الاحتلام.
مسألة 400: الاحتلام - و هو خروج المني، و هو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد - بلوغٌ في الرجل و المرأة،

عند علمائنا أجمع، و لا نعلم فيه خلافاً في الذكر.

قال اللّه تعالي:«وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا» (1) و قال تعالي:«وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ» (2).

و قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يحتلم - و روي: حتي يبلغ الحلم - و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه»(3).

و قال عليه السلام لمعاذ: «خُذْ من كلّ حالمٍ ديناراً»(4).

و قد أجمع العلماء كافّة علي أنّ الفرائض و الأحكام تجب علي المحتلم العاقل(5).

مسألة 401: و لا فرق في إفادة خروج المني البلوغَ بين الرجال و النساء كما في الشعر، عند عامّة أهل العلم.

و للشافعي قول: إنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهنّ؛ لأنّه نادر فيهنّ، ساقط العبرة(6)

ص: 190


1- النور: 59.
2- النور: 58.
3- سنن أبي داوُد 140:4-4399/141-4403 بتفاوت يسير.
4- راجع الهامش (4) من ص 291 في ج 9 من هذا الكتاب.
5- كما في المغني و الشرح الكبير 556:4.
6- الوسيط 40:4، العزيز شرح الوجيز 69:5، روضة الطالبين 412:3.

و علي هذا قال الجويني: الذي يتّجه عندي أن لا يلزمها الغسل؛ لأنّه لو لزم لكان حكماً بأنّ الخارج منيّ، و الجمع بين الحكم بأنّه منيّ و بين الحكم بأنّه لا يحصل البلوغ به متناقض(1).

قال بعض الشافعيّة: إن كان التناقض مأخوذاً من تعذّر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ، فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوي ما نعنيه بلزوم الوضوء علي الصبي إذا أحدث، فبالمعني الذي أطلقنا ذلك و لا تكليف نطلق هذا. و إن كان غير ذلك، فلا بدّ من بيانه(2).

و علي هذا القول تصير أسباب البلوغ ثلاثة أقسام: قسم مشترك بين الرجال و النساء، و قسم مختصّ بالنساء، و قسم مختصّ بالرجال، و هو خروج المنيّ، لكن إطباق أكثر العلماء علي خلاف هذا(3).

قالت أُمّ سلمة: سألت النبيّ صلي الله عليه و آله عن المرأة تري في منامها ما يري الرجل، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «إذا رأت ذلك فلتغتسل»(4).

مسألة 402: الحلم هو خروج المني من الذكر أو قُبُل المرأة مطلقاً،

سواء كان بشهوة أو غير شهوة، و سواء كان بجماع أو غير جماع، و سواء كان في نومٍ أو يقظة.

و لا يختصّ بالاحتلام، بل هو منوط بمطلق الخروج مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعي(5) ، و عندنا في المرأة خاصّة،

ص: 191


1- العزيز شرح الوجيز 69:5، روضة الطالبين 412:3.
2- العزيز شرح الوجيز 69:5.
3- لاحظ العزيز شرح الوجيز 69:5، و المغني 556:4، و الشرح الكبير 555:4.
4- نقله الشيخ الطوسي - كما في المتن - في المبسوط 282:2. و في صحيح مسلم 311/250:1، و سنن البيهقي 169:1، و مسند أحمد 13598/197:4 عن أُمّ سليم.
5- العزيز شرح الوجيز 69:5، روضة الطالبين 412:3.

و لا عبرة بما ينفصل قبل ذلك.

و فيه للشافعيّة وجهان آخَران ذكرهما الجويني:

أحدهما: أنّ إمكان الاحتلام يدخل بمضيّ ستّة أشهر من السنة العاشرة.

و الثاني: أنّه يدخل بتمام العاشرة(1).

و هذه الوجوه عندهم كالوجوه في أقلّ سني الحيض، لكنّ العاشرة هنا بمثابة التاسعة هناك؛ لأنّ في النساء حدّةً في الطبيعة و تسارعاً إلي الإدراك(2).

مسألة 403: الخنثي المشكل إذا خرج المني من أحد فرجيه، لم يُحكم ببلوغه؛
اشارة

لجواز أن يكون الذي خرج منه المني خلقةً زائدة.

و إن خرج المني من الفرجين جميعاً، حُكم ببلوغه.

و إن خرج الدم من فرج النساء، و المني من الذكر، حُكم ببلوغه؛ لأنّه إن كان رجلاً، فخروج الماء بلوغه. و إن كان أُنثي، فخروج دم الحيض بلوغه.

هذا هو المشهور عند علمائنا و عند الشافعي(3).

و للشافعي قولٌ: إنّه إذا أمني و حاض؛ لم يُحكم ببلوغه(4)

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 69:5، روضة الطالبين 412:3.
2- العزيز شرح الوجيز 69:5.
3- الحاوي الكبير 348:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، الوسيط 41:4-42، التهذيب - للبغوي - 134:4، العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3، المغني 559:4، الشرح الكبير 558:4.
4- الحاوي الكبير 348:6، الوسيط 41:4-42، العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3.

و تأوّله أصحابه بوجهين:

أحدهما: أنّه يريد بذلك أنّه: أمني و حاض من فرجٍ واحد.

و الثاني: أنّه أراد إن حاض [أو](1) أمني، لم أحكم ببلوغه؛ لما ذكرناه(2).

إذا ثبت هذا، فإذا خرج من ذكره ما هو بصفة المني و من فرجه ما هو بصفة الحيض، ففي الحكم ببلوغه عند الشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: أنّه يُحكم به؛ لأنّه إمّا ذكر و قد أمني، و إمّا أُنثي و قد حاضت.

و الثاني: لا؛ لتعارض الخارجين، و إسقاط كلّ واحدٍ منهما حكمَ الآخَر، و لهذا لا يُحكم - و الحال هذه - بالذكورة و لا بالأُنوثة(3). و هو ظاهر قول الشافعي(4).

و إن وُجد أحد الأمرين دون الآخَر أو أمني و حاض من الفرج، فعامّة الشافعيّة أنّه لا يُحكم ببلوغه؛ لجواز أن يظهر من الفرج الآخَر ما يعارضه(5).

و قال الجويني: ينبغي أن يُحكم بالبلوغ بأحدهما، كما يُحكم بالذكورة و الأُنوثة، ثمّ إن ظهر خلافه، غيّرنا الحكمَ، و كيف ينتظم منّا أن نحكم بأنّه ذكر أمني(6) و لا نحكم بأنّه قد بلغ!؟(7)3.

ص: 193


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- الحاوي الكبير 348:6.
3- العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3.
4- العزيز شرح الوجيز 71:5.
5- العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3.
6- في العزيز شرح الوجيز 71:5: «أو أُنثي» بدل «أمني».
7- العزيز شرح الوجيز 71:5، روضة الطالبين 413:3.

قال أكثر الحنابلة: إن خرج المني من ذكر الخنثي المشكل [فهو] عَلَم [علي] بلوغه و أنّه ذكر. و إن خرج من فرج المرأة أو حاض، فهو عَلَمٌ علي بلوغه و كونه أُنثي؛ لأنّ خروج البول من [أحد] الفرجين دليل علي كونه رجلاً [أو](1) امرأةً، فخروج المني أو الحيض أولي، و إذا ثبت كونه رجلاً خرج المني من ذكره أو امرأةً خرج الحيض من فرجها، لزم وجود البلوغ.

و لأنّ خروج منيّ الرجل من المرأة أو الحيض من الرجل مستحيل، فكان دليلاً علي التعيين، فإذا ثبت التعيين، لزم كونه دليلاً علي البلوغ، كما لو تعيّن قبل خروجه. و لأنّه منيٌّ خارج من ذكر أو حيض خارج من فرج، فكان عَلَماً علي البلوغ، كالمنيّ الخارج من الغلام، و الحيضِ الخارج من الجارية. و لأنّ خروجهما معاً دليل علي البلوغ، فخروج أحدهما أولي؛ لأنّ خروجهما معاً يفضي إلي تعارضهما، و إسقاط دلالتهما؛ إذ لا يتصوّر أن يجتمع حيضٌ صحيح و منيّ رجل، فوجب أن يكون أحدهما فضلةً خارجة من غير محلّها، و ليس أحدهما بذلك أولي من الآخَر، فتبطل دلالتهما، كالبيّنتين إذا تعارضتا، و كالبول إذا خرج من المخرجين جميعاً، بخلاف ما إذا وُجد أحدهما منفرداً، فإنّ اللّه تعالي أجري العادة أنّ الحيض يخرج من فرج المرأة عند بلوغها، و منيّ الرجل يخرج من ذكره عند بلوغه، فإذا وُجد ذلك من غير معارضٍ، وجب أن يثبت حكمه، و يقضي بثبوت حكم دلالته، كالحكم بكونه رجلاً بخروج البول من ذكره، و بكونه امرأةً بخروجه من فرجها، و الحكمِ للغلام ببلوغه مع [خروج] المني من ذكره، و للجارية بخروج الحيض من فرجها، فعلي هذا إن خرجا جميعاً، لم يثبت كونهر.

ص: 194


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و ما أثبتناه من المصدر.

رجلاً و لا امرأةً؛ لأنّ الدليلين تعارضا، فأشبه ما لو خرج البول من الفرجين(1).

و هذا لا بأس به عندي.

تذنيب: إذا خرج المنيّ من الذكر و الحيضُ من الفرج، فقد بيّنّا أنّهما تعارضا في الحكم بالذكورة أو بالأُنوثة،

و سقط اعتبارهما فيهما.

و هل تثبت دلالتهما علي البلوغ ؟ الأقرب: ذلك - و به قال الشافعي(2)المغني و الشرح الكبير 559:4.(3) - لأنّه إمّا رجل فقد خرج المني من ذكره، و إمّا امرأة فقد حاضت.

و قال بعض الجمهور: لا يثبت البلوغ؛ لأنّه يجوز أن لا يكون هذا حيضاً و لا منيّاً، و لا يكون فيه دلالة، و قد دلّ تعارضهما علي ذلك، فانتفت دلالتهما علي البلوغ، كانتفاء دلالتهما علي الذكوريّة و الأُنوثيّة(3).

البحث الثالث: في السنّ.
مسألة 404: السنّ عندنا دليل علي البلوغ - و به قال جماهير العامّة،

كالشافعي و الأوزاعي و أبي حنيفة و أصحابه و أحمد بن حنبل(4) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال: عُرضت علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله في جيش يوم بدر و أنا ابن ثلاث عشرة سنة، فردّني، و عُرضت عليه يوم أُحد و أنا ابن أربع

ص: 195


1- المغني 558:4-559، الشرح الكبير 558:4، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 192.
4- الحاوي الكبير 344:6، المهذّب - للشيرازي - 337:1، التنبيه: 103، الوجيز 176:1، الوسيط 39:4، حلية العلماء 532:4، التهذيب - للبغوي - 131:4 و 132، العزيز شرح الوجيز 68:5، روضة الطالبين 411:3، الهداية - للمرغيناني - 284:3، بدائع الصنائع 172:7، المغني 557:4، الشرح الكبير 556:4.

عشرة سنة، فردّني و لم يرني بلغت، و عُرضت عليه عام الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني و أخذني في المقاتلة(1).

و عن أنس عن النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كُتب ما لَه و ما عليه، و أُخذت منه الحدود»(2).

و من طريق الخاصّة: رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام، قال:

قلت له: جُعلت فداك في كَمْ تجري الأحكام علي الصبيان ؟ قال: «في ثلاث عشرة سنة و أربع عشرة سنة» قلت: فإنّه لم يحتلم(3) ، قال: «و إن لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه»(4).

و قال مالك: ليس السنّ دليلاً علي البلوغ و لا بلوغاً في نفسه، و لا حدّ للسنّ في البلوغ، بل يُعلم البلوغ بغلظ الصوت و شقّ الغضروف، و هو رأس الأنف(5).

و قال داوُد: لا حدّ للبلوغ من السنّ؛ لأنّ النبي صلي الله عليه و آله قال: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم»(6) فلا يحصل البلوغ بدون الاحتلام و إن طعن في السن(7)4.

ص: 196


1- الطبقات الكبري - لابن سعد - 143:4، تاريخ دمشق 95:31، سنن البيهقي 55:6، مسند الطيالسي: 1859/254.
2- المغني 557:4-558، العزيز شرح الوجيز 68:5.
3- كذا، و في المصدر: «فإن لم يحتلم فيها».
4- التهذيب 856/310:6.
5- المعونة 1174:2، الحاوي الكبير 344:6، حلية العلماء 532:4، العزيز شرح الوجيز 68:5، المغني 557:4، الشرح الكبير 556:4.
6- سنن أبي داوُد 4403/141:4، سنن الدار قطني 173/139:3، سنن البيهقي 206:6، المستدرك - للحاكم - 59:2، مسند أحمد 145:7-24173/146.
7- حلية العلماء 532:4، المغني 557:4، الشرح الكبير 556:4.

و لا دلالة في الخبر علي امتناع إثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل.

مسألة 405: الذكر و المرأة مختلفان في السنّ،
اشارة

فالذكر يُعلم بلوغه بمضيّ خمس عشرة سنة، و الأُنثي بمضيّ تسع سنين، عند علمائنا.

و مَنْ خالَف بين الذكر و الأُنثي أبو حنيفة. و سوّي بينهما الشافعي و الأوزاعي و أبو ثور و أحمد بن حنبل و محمّد و أبو يوسف.

إذا عرفت هذا، فإنّ الشافعي و الأوزاعي و أبا ثور و أحمد و أبا يوسف و محمّد قالوا: حدّ بلوغ الذكر و الأُنثي بلوغ خمس عشرة سنة كاملة(1).

و قال أبو حنيفة: حدّ بلوغ المرأة سبع عشرة سنة بكلّ حال.

و له في الذَّكَر روايتان:

إحداهما: سبع عشرة أيضاً.

و الأُخري: ثماني عشرة سنة كاملة(2).

و قال أصحاب مالك: حدّ البلوغ في الغلام و المرأة سبع عشرة سنة و(3) ثماني عشرة سنة(4)

ص: 197


1- الحاوي الكبير 344:6، التنبيه: 103، المهذّب - للشيرازي - 337:1، الوجيز 176:1، الوسيط 39:4، حلية العلماء 532:4، التهذيب - للبغوي - 131:4 و 132، العزيز شرح الوجيز 68:5، روضة الطالبين 411:3، الهداية - للمرغيناني - 284:3، بدائع الصنائع 172:7، المغني 557:4، الشرح الكبير 556:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 149:2، بدائع الصنائع 172:7، الهداية - للمرغيناني - 284:3، الحاوي الكبير 344:6، الوسيط 40:4، حلية العلماء 532:4، التهذيب - للبغوي - 132:4، العزيز شرح الوجيز 68:5.
3- في أغلب المصادر: «أو» بدل «و».
4- التلقين 423:2، الذخيرة 237:8، المعونة 1174:2، حلية العلماء 532:4-533، المغني 557:4، الشرح الكبير 556:4.

و ما قلناه أولي؛ لأنّ الغالب في منيّ الرجل أنّه يحصل ببلوغ خمس عشرة سنة، و المرأة قد تحيض ببلوغ تسع سنين، فإذا توافقت العلامات، دلّ علي حصول البلوغ بذلك.

و قول أبي حنيفة و مالك و داوُد(1) يدفعه ما تقدّم(2) في خبر ابن عمر و غيره.

تذنيب: لا يحصل البلوغ بنفس الطعن في السنّ الخامسة عشر إذا لم يستكملها؛

عملاً بالاستصحاب و فتوي الأصحاب، و هو الظاهر من مذهب الشافعي(3).

و له وجهٌ آخَر: أنّ البلوغ يحصل بذلك؛ لأنّه حينئذٍ يُسمّي ابن خمس عشرة سنة(4).

و هو ممنوع.

و رواية(3) أبي حمزة عن الباقر عليه السلام في طريقها قولٌ، علي أنّ جريان الأحكام عليه بمعني التحفّظ، أو علي سبيل الاحتياط حتي يكلّف العبادات للتمرين عليها و الاعتقاد لها، فلا يقع منه عند البلوغ الإخلال بشيء منها.

البحث الرابع: في الحيض و الحبل.
مسألة 406: الحيض في وقت الإمكان دليل البلوغ، و لا نعلم فيه خلافاً.

ص: 198


1- تقدّم قول مالك و داوُد في ص 196، المسألة 404.
2- في ص 195-196، المسألة 404. (3 و 4) التهذيب - للبغوي - 132:4، العزيز شرح الوجيز 68:5، روضة الطالبين 411:3.
3- تقدّمت الرواية في ص 196.

و الأصل فيه قول النبيّ صلي الله عليه و آله قال لأسماء بنت أبي بكر: «إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يري منها إلاّ هذا» و أشار إلي الوجه و الكفّين(1) ، علّق وجوب الستر بالحيض، و ذلك نوع تكليف، و قال صلي الله عليه و آله:

«لا تُقبل صلاة حائض إلاّ بخمار»(2) أشعر أنّها بالحيض كُلّفت الصلاة.

و لو اشتبه الخارج هل هو حيض أم لا، لم يُحكم بالبلوغ - إلاّ مع تيقّن أنّه حيض - عملاً بالاستصحاب.

مسألة 407: الحبل دليل البلوغ؛

لأنّه مسبوق بالإنزال، لأنّ اللّه تعالي أجري عادته بأنّ الولد لا يخلق إلاّ من ماء الرجل و ماء المرأة.

قال اللّه تعالي:«أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ» (3) و قال تعالي:«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ» (4).

لكنّ الولد لا يتيقّن إلاّ بالوضع، فإذا وضعت حكمنا بالبلوغ قبل الوضع بستّة أشهر و شيء؛ لأنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر.

و لا فرق بين أن يكون ما ولدته تامّاً أو غير تامّ إذا علم أنّه آدميّ أو مبدأ صورة آدميّ، كعلقة تصوّرت، فإن كانت مطلّقةً و أتت بولدٍ يلحق الزوجَ، حكمنا ببلوغها لما قبل الطلاق.

ص: 199


1- سنن أبي داوُد 4104/62:4، سنن البيهقي 226:2، و 86:7.
2- سنن الترمذي 377/215:2، سنن البيهقي 233:2، المستدرك - للحاكم - 251:1.
3- الإنسان: 2.
4- الطارق: 5-7.

ص: 200

الفصل الثاني: الجنون

و لا خلاف بين العلماء كافّة في الحجر علي المجنون ما دام مجنوناً، و أنّه لا ينفذ شيء من تصرّفاته؛ لسلب أهليّته عن ذلك.

و الحديث يدلّ عليه، و هو قوله عليه السلام: «رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه»(1).

و لا خلاف في أنّ زوال الجنون مقتضٍ لزوال الحجر عن المجنون، سواء حكم به حاكمٌ أو لا، و سواء كان الجنون يعتوره دائماً أو يأخذه أدواراً.

نعم، ينفذ تصرّفه حال إفاقته إذا عُرف رشده، و لا ينفذ حالة جنونه بلا خلافٍ.

الفصل الثالث: السفيه
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الحجر عليه.
مسألة 408: قال اللّه تعالي:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً»

(2) و قال تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (3).

ص: 201


1- تقدّم تخريجه في ص 190، الهامش (3).
2- النساء: 5.
3- النساء: 6.

و إنّما أضاف اللّه تعالي الأموالَ إلي الأولياء و هي لغيرهم؛ لأنّهم القُوّام عليها و المدبِّرون لها، و قد يضاف الشيء إلي غيره بأدني ملابسة، كما يقال لأحد حاملي الخشبة: خُذْ طرفك. فقد شرط اللّه في دفع المال إلي اليتيم أمرين: البلوغ، و قد سبق، و الرشد؛ لأنّ الحجر عليه إنّما كان لعجزه عن التصرّف في ماله علي وجه المصلحة حفظاً لمالِه عليه، و بالبلوغ و الرشد يقدر علي التصرّف، و يحفظ ماله، فيزول الحجر؛ لزوال سببه.

إذا عرفت هذا، فإنّما يزول الحجر عن الصبي بأمرين: البلوغ، و الرشد؛ لقوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (1).

و البلوغ قد سلف.

و أمّا الرشد: فقال الشيخ رحمه الله: هو أن يكون مصلحاً لمالِه، عَدْلاً في دينه، فإذا كان مصلحاً لمالِه غيرَ عَدْلٍ في دينه، أو كان عَدْلاً في دينه غيرَ مصلحٍ لمالِه، فإنّه لا يُدفع إليه(2). و به قال الشافعي و الحسن البصري و ابن المنذر(3) ؛ لقوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (4) و الفاسق موصوف بالغيّ لا بالرشد.

و روي عن ابن عباس أنّه قال في قوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ6.

ص: 202


1- النساء: 6.
2- الخلاف 283:3-284، المسألة 3.
3- الأُم 215:3، مختصر المزني: 105، الحاوي الكبير 339:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 533:4-534، التفسير الكبير - للرازي - 188:9، الوجيز 176:1، العزيز شرح الوجيز 72:5، روضة الطالبين 416:3، بداية المجتهد 281:2، المغني 566:4، الشرح الكبير 559:4.
4- النساء: 6.

رُشْداً» (1) : هو أن يبلغ ذا وقار و حلم و عقل(2). و مثله عن مجاهد(3).

و لأنّ الفاسق غير رشيدٍ، فلو ارتكب شيئاً من المحرَّمات ممّا تسقط به العدالة، كان غير رشيدٍ.

و كذا لو كان مبذّراً لمالِه و تصرّفه في الملاذّ النفسيّة و الثياب الرفيعة و المركوبات الجليلة التي لا يليق بحاله، كان سفيهاً، و لم يكن رشيداً.

و قال أكثر أهل العلم: الرشد الصلاح في المال خاصّةً، سواء كان صالحاً في دينه أو لا، و هو قول مالك و أبي حنيفة و أحمد(4) ، و هو المعتمد عندي؛ لقوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (5).

روي عن ابن عباس أنّه قال: يعني صلاحاً في أموالهم(6).

و قال مجاهد: إذا كان عاقلاً(7).

و إذا كان حافظاً لمالِه، فقد أُنس منه الرشد.

و لأنّ هذا نكرة مثبتة يصدق في صورة ما، و لا ريب في ثبوت الرشد).

ص: 203


1- النساء: 6.
2- أحكام القرآن - للجصّاص - 63:2، تفسير ابن أبي حاتم 865:3، الخلاف - للطوسي - 284:3، ضمن المسألة 3.
3- تفسير الطبري (جامع البيان) 169:4، تفسير ابن أبي حاتم 865:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 63:2، الجامع لأحكام القرآن 37:5، المغني 566:4، الشرح الكبير 559:4، و فيها تفسير الرشد بالعقل فقط.
4- بداية المجتهد 281:2، المعونة 1172:2، التهذيب - للبغوي - 137:4، التفسير الكبير - للرازي - 188:9، العزيز شرح الوجيز 73:5-74، المغني 566:4، الشرح الكبير 559:4.
5- النساء: 6.
6- تفسير الطبري (جامع البيان) 169:4، تفسير ابن أبي حاتم 865:3، المغني 566:4، الشرح الكبير 559:4.
7- راجع المصادر في الهامش (3).

للمصلح لماله و إن كان فاسقاً؛ لأنّه قد وُجد منه رُشْدٌ. و لأنّ العدالة لا تُعتبر في الرشد في الدوام، فلا تُعتبر في الابتداء، كالزهد في الدنيا. و لأنّ هذا مصلح لماله، فأشبه العدل. و لأنّ الحجر عليه إنّما كان لحفظ ماله عليه و حراسته عن التلف بالتبذير، فالمؤثّر فيه ما أثّر في تضييع المال، و الفاسق و إن لم يكن رشيداً في دينه لكنّه رشيد في ماله.

و يُنتقض قولهم بالكافر، فإنّه غير رشيد في دينه، و لا يُحجر عليه، كذا الفاسق. و لأنّه لو طرأ الفسق علي المسلم بعد دفع ماله إليه، لم يزل رشده، و لم يُحجر عليه لأجل فسقه، و لو كانت العدالة شرطاً في الرشد، لزال بزوالها، كحفظ المال.

و لا يلزم من منع قبول شهادته منع دفع ماله إليه، فإنّ المعروف بكثرة الغلط و الغفلة و النسيان و مَنْ لا يتحفّظ من الأشياء المفضية إلي قلّة المروءة - كالأكل في السوق، و كشف الرأس بين الناس، و مدّ الرِّجْل عندهم، و أشباه ذلك - لا تُقبل شهادته، و تُدفع إليه أمواله(1) إجماعاً.

إذا عرفت هذا، فإنّ الفاسق إن كان يُنفق مالَه في المعاصي - كشراء الخمور و آلات اللهو و القمار - أو يتوصّل به إلي الفساد، فهو غير رشيد لا تُدفع إليه أمواله إجماعاً؛ لتبذيره لماله و تضييعه إيّاه في غير فائدة.

و إن كان فسقه لغير ذلك - كالكذب و منع الزكاة و إضاعة الصلاة - مع حفظه لماله، دُفع إليه ماله؛ لأنّ الغرض من الحجر حفظ المال، و هو يحصل بدون الحجر، فلا حاجة إليه.

و كذا لو طرأ الفسق الذي لا يتضمّن تضييع المال و لا تبذيره، فإنّهق.

ص: 204


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليهم أموالهم». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

لا يُحجر عليه إجماعاً.

و اعلم أنّ الشافعي قال: الصلاح في الدين حين تكون الشهادة جائزةً(1).

و قد بيّنّا أنّ الشهادة قد تُردّ بترك المروءة، و الصنائع الدنيئة، كالزبّال، و السؤال علي أبواب الدور و إن كان ذلك لا يُثبت الحجر.

مسألة 409: لو بلغ الصبي غيرَ رشيد، لم يُدفع إليه ماله و إن صار شيخاً و طعن في السنّ،

و هذا قول أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز و العراق و الشام و مصر، فإنّهم يرون الحجر علي كلّ مضيّع لماله، صغيراً كان أو كبيراً - و به قال مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أبو يوسف و محمّد(2) - لقوله تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (3) علّق دفع المال علي شرطين: البلوغ، و الرشد، فلا يثبت الحكم بدونهما.

و قال تعالي:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» (4) يعني أموالهم.

و قال تعالي:«فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ» (5) أثبت الولاية علي السفيه.

ص: 205


1- الأُمّ 215:3، مختصر المزني: 105، الحاوي الكبير 350:6.
2- بداية المجتهد 379:2-380، الجامع لأحكام القرآن 37:5، حلية العلماء 534:4، التهذيب - للبغوي - 138:4، العزيز شرح الوجيز 73:5، روضة الطالبين 416:3، المغني 554:4، الشرح الكبير 553:4، مختصر اختلاف العلماء 2311/216:5، الهداية - للمرغيناني - 281:3، الاختيار لتعليل المختار 252:2.
3- النساء: 6.
4- النساء: 5.
5- البقرة: 282.

و لأنّه مبذّر لماله، فلا يجوز دفعه إليه، كغير البالغ خمساً و عشرين سنة.

و قال أبو حنيفة: لا يُدفع إليه ماله إذا كان قد بلغ سفيهاً، و إن تصرّف، نفذ تصرّفه، فإذا بلغ خمساً و عشرين سنة، فُكّ عنه الحجر، و دُفع إليه ماله و إن كان سفيهاً؛ لقوله تعالي:«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (1) و قد زال اليتم.

و لأنّه قد بلغ أشدّه، و صلح أن يصير جَدّاً. و لأنّه حُرٌّ بالغ عاقل مكلّف، فلا يُحجر عليه، كالرشيد(2).

و الآية لا دلالة فيها، و لو دلّت فإنّما تدلّ بمفهوم الخطاب، و هو ليس حجّةً عنده(3).

ثمّ هي مخصوصة بما قبل خمس و عشرين سنة بالإجماع، فيجب أن تخصّ بما بعدها؛ لأنّ الموجب للتخصيص علّة السفه، و هي موجودة فيما بعدها، فيجب أن يخصّ بها، كما أنّ الآية لمّا خُصّصت في حقّ المجنون لأجل جنونه قبل خمس و عشرين خُصّت أيضاً به بعد خمس و عشرين.

و المنطوق الذي استدللنا به أولي من مفهومه.ة.

ص: 206


1- الأنعام: 152، الإسراء: 34.
2- المبسوط - للسرخسي - 161:24، الهداية - للمرغيناني - 282:3، بدائع الصنائع 170:7، الاختيار لتعليل المختار 152:2، مختصر اختلاف العلماء 2311/216:5، الحاوي الكبير 318:6، حلية العلماء 534:4، العزيز شرح الوجيز 73:5-74، المغني و الشرح الكبير 554:4.
3- كما في المغني 555:4، و الشرح الكبير 554:4، و في ميزان الأُصول 445:1، و شرح اللمع 428:1، و الإشارة في معرفة الأُصول 294 نسبته إلي أصحاب أبي حنيفة.

و كونه جَدّاً ليس تحته معني يقتضي الحكم، و لا أصل له في الشرع يشهد له بالاعتبار، فيكون إثباتاً للحكم بالتحكّم.

ثمّ هو ثابت في مَنْ له دون هذا السنّ، فإنّ المرأة تكون جَدّةً لإحدي و عشرين.

و قياسهم منتقض بمَنْ له دون خمس و عشرين سنة، و موجب الحجر قبل خمس و عشرين ثابت بعدها، فيثبت حكمه.

مسألة 410: هذا المحجور عليه للسفه قبل بلوغه خمساً و عشرين سنة و بعد بلوغه بالاحتلام لا ينفذ تصرّفه البتّة في شيء،

و لا ينفذ إقراره، و لا يصحّ بيعه، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لا يدفع إليه ماله؛ لعدم رشده، فلا يصحّ تصرّفه و إقراره، كالصبي و المجنون. و لأنّه إذا نفذ إقراره و بيعه، تلف ماله بذلك، و لم يُفد منعه من ماله [شيئاً](2).

و قال أبو حنيفة: يصحّ بيعه و إقراره، و إنّما لا يسلّم إليه ماله إلاّ بعد خمس و عشرين سنة.

و بني ذلك علي أصله من أنّ البالغ لا يُحجر عليه، و إنّما يمنع من تسليمه المال؛ للآية(3)(4).

و هو خطأ؛ فإنّ تصرّفه لو كان نافذاً، لسُلّم إليه ماله، كالرشيد. و لأنّه لا فرق بين أن يسلّم إليه أو إلي مَنْ يقبضه بسببه، فإنّه إذا باع، وجب

ص: 207


1- التهذيب - للبغوي - 139:4، العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 417:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- الأنعام: 152، الإسراء: 34.
4- الاختيار لتعليل المختار 153:2، بدائع الصنائع 171:7، الهداية - للمرغيناني - 281:3، حلية العلماء 536:4، المغني و الشرح الكبير 555:4.

تسليمه إلي المشتري، و إلاّ لم يُفد تصرّفه شيئاً، فكان يتسبّب إلي إتلاف ماله بوسائط المشترين.

مسألة 411: لو بلغ و صرف أمواله في وجوه الخير

كالصدقات و فكّ الرقاب و بناء المساجد و المدارس و أشباه ذلك [فذلك](1) ممّن لا يليق به - كالتاجر و شبهه - تبذير - و به قال بعض الشافعيّة(2) - لأنّه إتلافٌ للمال.

قال اللّه تعالي:«وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلي عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ» (3) و هو صريح في النهي عن هذه الأشياء.

و تضييع المال بإلقائه في البحر أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملات و نحوها تبذير.

و كذا الإنفاق في المحرَّمات.

و كذا صَرفه في الأطعمة النفيسة - و به قال بعض الشافعيّة(4) - للعادة.

و قال أكثرهم: لا يكون تبذيراً؛ لأنّ الغاية في تملّك المال الانتفاعُ به و الالتذاذ(5).

و كذا قالوا: إنّ شراء الثياب الفاخرة و إن لم تكن لائقةً به، و الإكثار من شراء الغانيات و الاستمتاع بهنّ و ما أشبهه ليس تبذيراً(6).

و بالجملة، حصر أكثرهم التبذيرَ في التضييعات، كالرمي في البحر، و احتمالِ الغبن الفاحش و شبهه، و في الإنفاق في المحرّمات(7)

ص: 208


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 72:5، روضة الطالبين 414:3.
3- الإسراء: 29 و 30. (4-7) العزيز شرح الوجيز 72:5، روضة الطالبين 414:3.

و ليس بجيّد علي ما سلف.

مسألة 412: المرأة - كالذكر - إذا بلغت و عُلم رشدها، زال الحجر عنها،

و دُفع إليها مالُها، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و عطاء و الثوري و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لعموم قوله تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (2).

و لأنّها يتيم بلغ و أُنس منه الرشد، فيدفع إليه مالُه، كالرجل. و لأنّها بالغة رشيدة، فدُفع إليها مالُها، و نفذ تصرّفها، كالتي دخل بها الزوج.

و عن أحمد رواية أُخري: أنّ المرأة لا يُدفع إليها مالُها ما لم تتزوّج أو تلد أو يمضي لها في بيت زوجها سنة، سواء بلغت رشيدةً أو لا - و به قال عمر بن الخطّاب و شريح و الشعبي و إسحاق - لما رواه شريح قال: عهد إليَّ عمر بن الخطّاب: أن لا تحبيّن(3) الجارية عطيّةً حتي تحول في بيت زوجها [حولاً](4) أو تلد ولداً(5).

و هذا الخبر ليس حجّةً؛ لأنّ قول عمر لا يجب المصير إليه، و ليس مشهوراً، و لا ورد به الكتاب و لا عضده خبرٌ عن النبيّ صلي الله عليه و آله، و لا أفتي به أحد من الصحابة، و لا دلّ عليه قياس و لا نظر، مع أنّه لو كان حجّةً، لكان مختصّاً بالعطيّة. و لا يلزم من منع العطيّة منع مالها عنها و لا منعها من قبضه

ص: 209


1- الأُم 216:3، مختصر المزني: 105، الحاوي الكبير 352:6، التهذيب - للبغوي - 135:4، حلية العلماء 536:4، العزيز شرح الوجيز 74:5، روضة الطالبين 416:3، المغني و الشرح الكبير 560:4.
2- النساء: 6.
3- في المصدر: «لا أُجيز» بدل «لا تحبيّن».
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- المغني و الشرح الكبير 560:4.

و التصرّف فيه بما شاءت.

و قال مالك: لا يُدفع إليها مالُها حتي تتزوّج، و يدخل عليها زوجها، فإذا نكحت، دُفع إليها مالُها بإذن الزوج، و لا ينفذ تبرّعها بما زاد علي الثلث، إلاّ بإذن الزوج ما لم تصر عجوزاً؛ لأنّ كلّ حالة جاز للأب تزويجها فيها من غير إذنها لم ينفكّ عنها الحجر، كالصغير، فإذا كان للأب إجبارها علي النكاح، كانت ولاية المال لغيرها(1).

و نحن نمنع إجبارها علي النكاح، بل متي بلغت رشيدةً كان أمرها في النكاح و غيره إليها علي ما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

سلّمنا، لكنّ الفرق ظاهر؛ فإنّ مصلحتها في النكاح لا يُقدر علي معرفتها إلاّ بمباشرة الأب أو بمباشرتها بعد وقوعه.

و بالجملة، فإنّ للأب إجبارَها علي النكاح؛ لأنّ اختبارها لا يمكن بالنكاح، بخلاف المعاملات من البيع و الشراء و غيرهما، فإنّه يمكن معرفته و مباشرته قبل النكاح و بعده.

و علي هذه الرواية إذا لم تتزوّج، دام الحجر عليها عند أحمد و مالك؛ لفقد شرط رفع الحجر(2).

مسألة 413: إذا بلغت المرأة رشيدةً، صحّ تصرّفها في مالها،

سواء أذن زوجها أو منع، و سواء كانت متبرّعةً أو لا، و سواء كان بقدر الثلث أو أزيد، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و ابن المنذر و أحمد

ص: 210


1- بداية المجتهد 280:2-281، التلقين 423:2 و 424، الحاوي الكبير 353:6، التهذيب - للبغوي - 135:4، حلية العلماء 537:4، العزيز شرح الوجيز 74:5، المغني 560:4، الشرح الكبير 561:4.
2- المغني و الشرح الكبير 561:4.

في إحدي الروايتين(1) - لعموم قوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (2) و هو ظاهر في فكّ الحجر عنهم و إطلاقهم في التصرّف.

و قد قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «يا معشر النساء تصدّقن و لو من حُليّكنّ»(3) و إنّهنّ تصدّقن، فقَبِل صدقتهنّ و لم يسأل و لم يستفصل.

و جاءته امرأة عبد اللّه و امرأة أُخري يقال لها: زينب، فسألته عن الصدقة هل يجزئهنّ أن يتصدّقن علي أزواجهنّ و أيتامٍ لهنّ؟ فقال: «نعم»(4) و لم يذكر لهنّ هذا الشرط.

و لأنّ مَنْ وجب دفع ماله إليه برشده جاز له التصرّف فيه من غير إذنٍ، كالغلام. و لأنّ المرأة من أهل التصرّف، و لا حقّ لزوجها في مالها، فلم(5) يملك الحجر عليها في التصرّف بجميعه، كحُليّها.

و قال مالك و أحمد في الرواية الأُخري: ليس لها أن تتصرّف في مالها بأزيد من الثلث بغير عوضٍ، إلاّ بإذن زوجها(6).

و حكي عن مالك في امرأة أعتقت جارية لها ليس لها غيرها فخشيت - و لها زوج - من ذلك [أن] يُقليها(7) زوجها، قال: له أن يردّ عليها، و ليس».

ص: 211


1- الحاوي الكبير 352:6 و 353، حلية العلماء 537:4، المغني 561:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 113:2، الشرح الكبير 577:4.
2- النساء: 6.
3- سنن الترمذي 635/28:3.
4- المغني 562:4، الشرح الكبير 577:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «فلا».
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 424، التلقين 424:2، حلية العلماء 537:4، العزيز شرح الوجيز 74:5، المغني 561:4، الشرح الكبير 577:4.
7- القلي: البغض. لسان العرب 198:15 «قلا».

لها عتق؛ لما روي أنّ امرأة كعب بن مالك أتت النبيّ صلي الله عليه و آله بحُليٍّ لها، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «لا يجوز للمرأة عطيّة حتي يأذن زوجها، فهل استأذنتِ كعباً؟» فقالت: نعم، فبعث رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي كعب، فقال: «هل أذنتَ لها أن تتصدّق بحُليّها؟» فقال: نعم، فقَبِله(1).

و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال في خطبةٍ خَطَبها: «لا يجوز لامرأة عطيّة في مالها إلاّ بإذن زوجها، إذ هو مالك عصمتها»(2).

و لقوله عليه السلام: «تُنكح المرأة لدينها و جمالها و مالها»(3) و العادة جارية أنّه(4) يتبسّط في مالها، و ينتفع بجهازها.

قالوا: و كذا يجب عليها عنده التجهيز، فلهذا كان له منعها.

و لأنّ العادة تقضي بأنّ الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها، و إذا أعسر بالنفقة أُنظر، فجري ذلك مجري حقوق الورثة المتعلّقة بمال المريض(5).

و حديثهم مرسل، علي أنّه محمول علي ما هو الظاهر منه، و هو أنّه لا يجوز عطيّتها بماله بغير إذنه؛ لأنّه وافق علي تجويز عطيّتها من مالها دون الثلث(6)1.

ص: 212


1- سنن ابن ماجة 2389/798:2.
2- سنن أبي داوُد 3546/293:3، سنن ابن ماجة 2388/798:2، سنن النسائي 278:6، سنن البيهقي 60:6.
3- صحيح مسلم 54/1087:2، سنن الترمذي 1086/396:3، سنن النسائي 65:6، مسند أحمد 13825/233:4.
4- أي الزوج.
5- المغني 561:4-562، الشرح الكبير 577:4.
6- راجع الهامش (6) من ص 211.

و ليس معهم حديث يدلّ علي تحديد المنع بالثلث، فيكون التحديد بالثلث تحكّماً لا دليل فيه و لا قياس يدلّ عليه.

و الفرق بين الزوجة و المريض من وجوه:

أ: المرض سبب يفضي إلي وصول [المال](1) إليهم بالميراث، و الزوجيّة إنّما تجعله من أهل الميراث، فهي(2) أحد وصفي العلّة، فلا يثبت الحكم بمجرّدها، كما لا يثبت للمرأة الحجر علي زوجها و لا لسائر الورّاث بدون المرض.

ب: تبرّع المريض موقوف، فإن برئ من مرضه، صحّ تبرّعه، و هنا أبطلوه علي كلّ حال، و الفرع لا يزيد علي أصله.

ج: يُنتقض ما ذكروه بالمرأة، فإنّها تنتفع بمال زوجها، و تتبسّط فيه عادة، و لها النفقة منه، و انتفاعها بماله أكثر من انتفاعه من مالها، و ليس لها الحجر عليه، علي أنّ هذا المعني ليس موجوداً في الأصل، و من شرط صحّة القياس ثبوت الحكم في الأصل، و المرأة قد ترغب في الرجل لماله، و لا تعترض عليه في تصرّفه، فكذا الرجل، و انتفاعه بمالها لا يستحقّه، و لا يجب عليها التجهيز له، و لو كان كذلك(3) ، لاختصّ بما يستعمل، دون سائر مالها.

مسألة 414: قد بيّنّا أنّ للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير من المأكول و المأدوم بشرط عدم الإضرار،

و عدم المنع منه - و هو إحدي

ص: 213


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النظر». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لذلك» بدل «كذلك». و الظاهر ما أثبتناه.

الروايتين عن أحمد(1) - لأنّ عائشة قالت: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «ما أنفقت المرأة من بيت زوجها غيرَ مُفسدةٍ كان لها أجرها(2) ، و له مثله بما كسب، و لها بما أنفقت، و للخازن(3) مثل ذلك من غير أن ينتقص من أُجورهم شيء»(4) و لم يذكر إذناً.

و أتت أسماءُ النبيَّ صلي الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ليس لي شيء إلاّ ما أدخل الزبير، فهل عليَّ جناح أن أرضخ(5) ممّا يُدخل عليَّ؟ فقال:

«ارضخي بما استطعت، و لا توعي(6) [فيوعي](7) عليك»(8).

و أتت امرأةٌ النبيَّ صلي الله عليه و آله، فقالت: يا رسول اللّه إنّا كَلٌّ علي أزواجنا و أبنائنا، فما يحلّ لنا من أموالهم ؟ قال: «الرطب تأكلنه»(9).

و لأنّ العادة قاضية بالسماح به و طيب النفس عنه، فجري مجري التصريح بالإذن، كما أنّ تقديم الطعام بين يدي الآكل قائم مقام صريح الإذن في أكله.2.

ص: 214


1- المغني 564:4، الشرح الكبير 582:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أجره» و المثبت كما في المصادر ما عدا سنن أبي داوُد، ففيه: «أجر ما أنفقت».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و للجارية» بدل «و للخازن». و ما أثبتناه من المصادر.
4- صحيح مسلم 81/710:2، سنن ابن ماجة 2294/770:2، سنن أبي داوُد 1685/131:2، مسند أحمد 23651/67:7 بتفاوت يسير في بعضها.
5- الرضخ: العطيّة القليلة. النهاية - لابن الأثير - 328:2 «رضخ».
6- أي لا تجمعي و تشحّي بالنفقة فيشحّ عليك. النهاية - لابن الأثير - 208:5 «وعا».
7- ما بين المعقوفين من المصدر.
8- صحيح مسلم 89/714:2، سنن البيهقي 187:4، و 60:6.
9- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2126/585:6، منتخب مسند عبد بن حُميد: 147/79، أُسد الغابة 2056/228:2.

و الرواية الثانية عن أحمد: أنّه لا يجوز؛ لأنّ أبا أُمامة الباهلي(1) قال:

سمعت رسولَ اللّه صلي الله عليه و آله يقول: «لا تنفق المرأة شيئاً من بيتها إلاّ بإذن زوجها» قيل: يا رسول اللّه و [لا](2) الطعام ؟ قال: «ذاك أفضل أموالنا»(3).

و قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه»(4).

و قال: «إنّ اللّه حرّم بينكم دماءكم و أموالكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»(5).

و لأنّه تبرّع بمال غيره بغير إذنه، فلم يجز، كغير الزوجة(6).

و الحقُّ: الأوّل؛ لما تقدّم من الأدلّة، و الأحاديث من طريق العامّة و الخاصّة خاصّةٌ، فتُقدّم علي أحاديث أحمد، العامّة، و الحديث الخاصّ بهذه الصورة ضعيف. و قياس المرأة علي غيرها باطل؛ لأنّ العادة قاضية بالفرق بينهما، فإنّ المرأة تتبسّط في مال زوجها، و تتصرّف بالمأكول منه بالعادة، و الإذن العرفي قائم مقام الإذن الحقيقي.4.

ص: 215


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الكاهلي» بدل «الباهلي». و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
2- ما بين المعقوفين من المصادر.
3- سنن ابن ماجة 2295/770:2، سنن أبي داوُد 296:3-3565/297، سنن الترمذي 57:3-670/58، و 2120/433:4، مسند أحمد 357:6-21791/358، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2127/585:6.
4- سنن البيهقي 100:6.
5- صحيح مسلم 1218/889:2، سنن ابن ماجة 3074/1025:2، سنن أبي داوُد 1905/185:2، مسند أحمد 20172/69:6، و 22978/570 بتفاوت في أوّله فيما عدا الموضع الثاني من مسند أحمد.
6- المغني 564:4، الشرح الكبير 582:4.

أمّا لو منعها فقال: لا تتصدّقي من مالي لا بقليل و لا بكثير و لا تتبرّعي بشيء منه، فإنّها لا يجوز لها التصرّف في شيء إلاّ بإذنه إجماعاً؛ لأنّ المنع الصريح نفي الإذن العرفي.

و لو كان في بيت الرجل مَنْ يقوم مقام امرأته، كجارية و أُخت و خادمة و بنت ممّن يتصرّف في مأكول الرجل، جري مجري الزوجة إن لم يعلم الكراهية.

و لو كانت امرأته ممنوعةً من التصرّف في بيت زوجها كالتي يطعمها بالفرض و لا يُمكّنها من طعامه و لا من التصرّف في شيء من ماله، لم يجز لها الصدقة بشيء من ماله.

مسألة 415: إذا بلغ الصبي لم يدفع إليه مالُه إلاّ بعد العلم برشده،

و يستديم التصرّفَ في ماله مَنْ كان متصرّفاً فيه قبل بلوغه أباً كان أو جدّاً أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ، فإن عرف رشده، انفكّ الحجر عنه، و دفع إليه المال.

و هل يكفي العلم بالبلوغ و الرشد في فكّ الحجر عنه، أم يفتقر إلي حكم الحاكم و فكّ القاضي ؟ الأقرب: الأوّل؛ لقوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا» (1).

و لزوال المقتضي للحجر، و هو الصبا، و عدم العلم بالرشد، فيزول الحجر. و لأنّه حجر لم يثبت بحكم الحاكم، فلا يتوقّف زواله علي إزالة الحاكم، كحجر المجنون، فإنّه يزول بمجرّد الإفاقة. و لأنّه لو توقّف علي ذلك، لطلب الناس عند بلوغهم فكّ الحجر عنهم من الحُكّام، و لكان ذلك

ص: 216


1- النساء: 6.

عندهم من أهمّ الأشياء، و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يحتاج إلي فكّ القاضي؛ لأنّ الرشد يُعلم بنظرٍ و اجتهاد(2).

قال هؤلاء: فكما ينفكّ الحجر عن الصبي عند البلوغ و الرشد بفكّ القاضي، ينفكّ بفكّ الأب و الجدّ(3).

و في الوصي و القيّم لهم وجهان(4).

و هو يقتضي بطلان قولهم بحاجة إزالة الفكّ إلي النظر و الاجتهاد.

قالوا: و إذا كان الحجر لا يزول حتي يُزيله القاضي أو مَنْ ذكرنا، فتصرّفه قبل إزالة الحجر كتصرّف مَنْ أُنشئ الحجر عليه بالسفه الطارئ بعد البلوغ، و يجري الخلاف فيما إذا بلغ غيرَ رشيدٍ ثمّ صار رشيداً(1).

مسألة 416: إذا بلغ رشيداً و زال الحجر عنه ثمّ صار مبذّراً و عاد إلي السفه، حُجر عليه ثانياً،

عند علمائنا أجمع - و به قال القاسم بن محمّد و مالك و الشافعي و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد و أبو يوسف و محمّد(2) - لقوله تعالي:«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا» (3) دلّ بمفهومه علي تعليل جواز الدفع بعلم الرشد، فإذا انتفت

ص: 217


1- العزيز شرح الوجيز 74:5.
2- الأُم 218:3-219، مختصر المزني: 105، الحاوي الكبير 363:6، المهذّب - للشيرازي - 339:1، التهذيب - للبغوي - 138:4، العزيز شرح الوجيز 74:5، روضة الطالبين 416:3، التفسير الكبير 190:9، المغني 568:4، الشرح الكبير 570:4.
3- النساء: 6.

العلّة انتفي الحكم.

و استدلّ الشافعي أيضاً بإجماع الصحابة عليه؛ لما رواه عروة بن الزبير أنّ عبد اللّه بن جعفر رحمه الله ابتاع بيعاً، فقال عليّ عليه السلام: «لآتينّ عثمان ليحجر عليك» فأتي عبد اللّه بن جعفر الزبيرَ، فقال: قد ابتعت بيعاً و إنّ عليّاً عليه السلام يريد أن يأتي عثمان فيسأله الحجر عَلَيَّ، فقال الزبير: أنا شريكك في البيع، فأتي عليّ عليه السلام عثمانَ، فقال له: «إنّ عبد اللّه بن جعفر قد ابتاع بيعَ كذا فاحجر عليه» فقال الزبير: أنا شريكه في البيع، فقال عثمان: كيف أحجر علي رجل شريكُه الزبير!؟(1).

قال أحمد: لم أسمع هذا إلاّ من أبي يوسف القاضي، و لم يخالف عليّ عليه السلام ذلك، و هذه قضيّة مشهورة يشتهر مثلها، و لم يُنقل خلافٌ، فكانت إجماعاً.

و لأنّ التبذير لو قارن البلوغ، مَنَع من دفع المال، فإذا حدث، أوجب انتزاع المال، كالجنون. و لأنّ المقتضي للحجر عليه أوّلاً حفظ المال؛ لأنّ الصبي و إن لم يتلف المال فإنّه غير مأمون عليه؛ لإمكان صدور الإتلاف عنه، فإذا كان الإتلاف صادراً عنه حقيقةً، كان الحجر عليه أولي(2).

و قال أبو حنيفة و زفر: لا يُحجر عليه، و تصرّفه نافذ في ماله - و هو مرويّ عن ابن سيرين و النخعي - لأنّه حُرٌّ مكلّف، فلا يُحجر عليه، كالرشيد. و لأنّه يصحّ طلاقه، فتصحّ عقوده، كالرشيد(3)4.

ص: 218


1- سنن البيهقي 61:6.
2- المغني 568:4-569، الشرح الكبير 570:4-571.
3- حلية العلماء 539:4، التفسير الكبير 190:9، المغني 568:4، الشرح الكبير 570:4.

و القياس باطل؛ لأنّ الرشيد حافظ لماله، فدُفع إليه، بخلاف السفيه.

و الطلاق ليس إتلافَ مالٍ و لا يتضمّنه، فلم يُمنع منه، و لهذا يملكه العبد، دون التصرّف في المال بغير إذن سيّده.

مسألة 417: إذا عاد مبذّراً مضيّعاً لماله بعد رشده و دفع المال إليه، فإنّه يُحجر عليه، و يؤخذ المال منه، كما تقدّم.

و لا يحجر عليه إلاّ الحاكم، و لا يصير محجوراً عليه إلاّ بحكم القاضي - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف(1) - لأنّ التبذير يختلف و يحتاج إلي الاجتهاد، فإذا افتقر السبب إلي الاجتهاد، لم يثبت إلاّ بحكم الحاكم، كما أنّ ابتداء مدّة العنّة لا يثبت إلاّ بحكم الحاكم؛ لموضع الاختلاف فيها و الاجتهاد، فكذا هنا. و لأنّه حجر مختلف فيه، فلا يثبت إلاّ بحكم الحاكم، كالحجر علي المفلس.

و قال محمّد: يصير بالتبذير محجوراً عليه و إن لم يحكم به الحاكم؛ لأنّ التبذير سبب يثبت معه الحجر، فلم يفتقر إلي حكم الحاكم، كالجنون(2).

و الفرق: أنّ الجنون لا يفتقر إلي الاجتهاد، و لا خلاف فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الحجر يُعيده الأب و الجدّ(3). و ليس مشهوراً.

ص: 219


1- حلية العلماء 539:4، العزيز شرح الوجيز 74:5، روضة الطالبين 416:3، المغني 569:4، الشرح الكبير 571:4، المبسوط - للسرخسي - 163:24، الهداية - للمرغيناني - 282:3، الاختيار لتعليل المختار 151:2-152.
2- المبسوط - للسرخسي - 163:24، الهداية - للمرغيناني - 282:3، الاختيار لتعليل المختار 152:2، حلية العلماء 539:4، المغني 569:4، الشرح الكبير 571:4.
3- العزيز شرح الوجيز 74:5، روضة الطالبين 416:3.
مسألة 418: إذا قلنا بمذهب الشيخ رحمه الله: أنّ الرشد عبارة عن العدالة و صلاح المال

(1) ، فلو بلغ رشيداً عَدْلاً فأُزيل الحجر عنه ثمّ صار بعد فكّ الحجر عنه فاسقاً في دينه، فهل يعاد عليه الحجر؟.

قال الشيخ رحمه الله: الأحوط أن يحجر عليه.

و استدلّ عليه بقوله تعالي:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» (2).

و ما رواه العامّة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «اقبضوا علي أيدي سفهائكم»(3) و لا يصحّ القبض إلاّ بالحجر.

و من طريق الخاصّة: ما روي عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا: «شارب الخمر سفيه»(4)(5).

و للشافعي وجهان:

أحدهما: يُحجر عليه - و هو قول أبي العبّاس بن سريج - لأنّ ذلك مانع في فكّ الحجر، فأوجب الحجر عليه، و يستدام الحجر به، كالتبذير.

و الثاني: لا يُحجر عليه - و به قال أبو إسحاق - لأنّ الحجر إنّما كان لحفظ المال، و الفسق في الدين يورث تهمةً فيه، فمَنَع ذلك ثبوت الرشد و فكّ الحجر، و إذا طرأ بعد ذلك، أورث تهمةً في المال، فلم يثبت بذلك

ص: 220


1- المبسوط - للطوسي - 284:2، الخلاف 283:3، المسألة 3.
2- النساء: 5.
3- لم نجده في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا، و أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 288:3، ضمن المسألة 7، و في الحاوي الكبير 356:6، و الجامع لأحكام القرآن 4:6، و كنز العمّال 5525/67:3 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير، بلفظ: «خذوا علي...».
4- تفسير العياشي 22/220:1.
5- المبسوط - للطوسي - 285:2، الخلاف 289:3، المسألة 8.

ابتداء الحجر، بخلاف التبذير؛ لأنّه قد علم منه إفساده للمال، و لم يُنقل عن أحدٍ أنّه حجر حاكمٌ علي فاسقٍ.

و لا يجوز القياس علي استدامة الحجر؛ لأنّ الحجر هناك كان ثابتاً، و الأصل بقاؤه، و هنا ثبت الإطلاق، و الأصل بقاؤه، فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لترك الأصل، و يخالف التبذير؛ لأنّه تتحقّق به إضاعة المال، و بالفسق لا تتحقّق(1).

و نحن لمّا ذهبنا إلي أنّ الفسق لا يوجب الحجر، و أنّه لا تُشترط في الرشد العدالةُ، لم يثبت الحجر عندنا بطريان الفسق ما لم ينضمّ إليه تضييع المال في المحارم و غيرها.

مسألة 419: السفيه إذا زال تبذيره أو فسقه، فكّ الحاكم الحجْرَ عنه،
اشارة

فإن عاد إلي ذلك، أعاد عليه الحجْرَ؛ لأنّ الحجر كان لعلّةٍ، و إذا زالت العلّة، زال الحكم، فإن عادت العلّة، عاد الحكم؛ قضاءً للعلّيّة، و لا يُحجر عليه إلاّ بحكم الحاكم، و لا يزول الحجر عنه إلاّ بحكمه؛ لاحتياجه إلي الاجتهاد في حَجْره و في فكّه معاً.

و حَجْر المفلس قد بيّنّا أنّه لا يثبت إلاّ بحكم الحاكم.

و الأقرب: زواله بقضاء الديون.

و للشافعي وجهان(2).

و أمّا المرتدّ فإنّه يُحجر عليه بنفس الردّة، و هو أحد قولي الشافعي.

ص: 221


1- المهذّب - للشيرازي - 339:1، حلية العلماء 539:4-540، العزيز شرح الوجيز 75:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 334:1، التهذيب - للبغوي - 106:4، حلية العلماء 519:4، العزيز شرح الوجيز 24:5، روضة الطالبين 382:3.

و الثاني: أنّه بحكم الحاكم، كالسفيه(1).

فإذا أسلم و لم يكن عن فطرة، زال حجره - إجماعاً - بنفس الإسلام.

إذا ثبت هذا، فكلّ مَنْ صار محجوراً عليه بحكم الحاكم فأمره في ماله إلي الحاكم، و مَنْ حُجر عليه بغير حكم الحاكم فأمره في ماله إلي الأب أو الجدّ للأب.

إذا عرفت هذا، فإذا حُجر مَنْ طرأ عليه السفه ثمّ عاد رشيداً، فإن قلنا: الحجر عليه لا يثبت إلاّ بحكم الحاكم، فلا يرفع إلاّ برفعه.

و إن قلنا: يثبت بنفسه، ففي زواله خلاف بين الشافعيّة كما فيما إذا بلغ رشيداً(2).

و مَن الذي يلي أمر مَنْ حُجر عليه للسفه الطارئ ؟ إن قلنا: إنّه لا بدّ من ضرب الحاكم، فهو الذي يليه.

و إن قلنا: إنّه يصير محجوراً عليه بنفس السفه، فوجهان عند الشافعيّة مشبَّهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ:

أحدهما: أنّه يلي أمره الأب أو الجدّ، كما في حالة الصغر، و كما إذا بلغ مجنوناً.

و الثاني: يليه الحاكم؛ لأنّ ولاية الأب قد زالت فلا تعود(3).

و الثاني أصحّ عندنا و عندهم، بخلاف المجنون؛ فإنّ حجره بالجنون لا بحكم الحاكم، فكان أمره إلي الأب.7.

ص: 222


1- الحاوي الكبير 342:6، حلية العلماء 541:4.
2- العزيز شرح الوجيز 75:5، روضة الطالبين 416:3.
3- العزيز شرح الوجيز 75:5، روضة الطالبين 416:3-417.
فروع:
أ - ذهب بعض الشافعيّة إلي أنّ عود مجرّد الفسق أو مجرّد التبذير لا أثر له في الحجر،

و إنّما المؤثّر في عود الحجر أو إعادته عودُ الفسق و التبذير جميعاً(1).

و ليس بجيّد، و قد أطبق أكثر الشافعيّة علي أنّ عود التبذير وحده كافٍ في عود الحجر أو إعادته(2).

ب - لو كان يُغبن في بعض التصرّفات خاصّةً، فالأولي الحجر عليه في ذلك النوع خاصّةً؛

لعدم مقتضي الحجر في غيره، و وجوده فيه، و لا بُعْد في تجزّي الحجر، كما في العبد حيث يُحجر عليه في المال دون الطلاق، و كما في المفلس.

و للشافعيّة وجهان:

هذا أحدهما.

و الثاني: استبعاد اجتماع الحجر و الإطلاق في الشخص الواحد(3).

و قد بيّنّا وقوعه، فكيف يستبعد!؟

ج - الشحيح علي نفسه جدّاً مع اليسار لا يُحجر عليه؛

لأنّ الغرض من الحجر حفظ المال، و التقدير أنّه بالغ في الحفظ الغايةَ.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يُحجر عليه.

و الأصحّ عندهم: المنع(2)

ص: 223


1- الغزالي في الوجيز 176:1، و لاحظ: الوسيط 38:4، و حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 76:5، و النووي في روضة الطالبين 417:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 76:5، روضة الطالبين 417:3.
2- حلية العلماء 540:4، العزيز شرح الوجيز 76:5، روضة الطالبين 417:3.
البحث الثاني: في الاختبار.
مسألة 420: يجب اختبار الصبي قبل فكّ الحجر عنه،
اشارة

فإن أُونس منه الرشد، دُفع إليه المال، و إلاّ فلا؛ لقوله تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي» (1) و الابتلاء: الاختبار، كما قال تعالي:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (2) أي يختبركم.

و كيفيّة الاختبار: أنّ اليتيم إن كان صبيّاً، فإن كان من أولاد التجّار، فُوّض إليه البيع و الشراء، فإذا تكرّر ذلك منه و سلم من الغبن و التضييع و إتلاف شيء من المال و صرفه في غير وجهه، فهو رشيد.

و إن كان من أولاد الدهاقين و الوزراء و الأكابر الذين يصانون عن الأسواق، فإنّ اختباره يكون بأن يُسلّم إليه نفقة مدّة قريبة - كالشهر - لينفقها في مصالحه، فإن كان قيّماً بذلك يصرفها في مواضعها و يستوفي الحساب علي وكيله و يستقصي عليه، فهو رشيد.

و إن كان أُنثي لم تُختبر بالبيع و الشراء في الأسواق؛ لأنّ العادة أنّ المرأة لا تباشر ذلك في السوق، و إنّما تُختبر بأن يفوَّض إليها ما يفوَّض إلي ربّة البيت من استئجار الغزّالات، و توكيلها في شراء القطن و الكتّان و الإبريسم و الاعتناء بالاستغزال و الاستنساج، فإذا كانت ضابطةً في ذلك حافظةً للمال الذي في يدها مستوفيةً لما استأجرت له من الأُجراء، فهي رشيدة.

تذنيب: لا تكفي المرّة الواحدة في الاختبار،

بل لا بدّ من التكرار

ص: 224


1- النساء: 6.
2- هود: 7، الملك: 2.

مراراً يحصل معها غلبة الظنّ بالرشد.

مسألة 421: وقت الاختبار قبل البلوغ
اشارة

- و هو قول بعض الشافعيّة و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لقوله تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (2).

و ظاهر الآية أنّ الابتلاء قبل البلوغ؛ لأنّه تعالي سمّاهم يتامي، و إنّما يصدق عليهم هذا الاسم قبل البلوغ. و لأنّه تعالي مدّ اختبارهم إلي البلوغ بلفظ «حتي» فدلّ علي أنّ الاختبار قبل البلوغ.

و لأنّ تأخير اختباره إلي بعد البلوغ يؤدّي إلي الحجر علي البالغ الرشيد، لأنّ الحجر يمتدّ إلي أن يُختبر و يُعلم رشده بمنع ماله، و اختباره قبل البلوغ يمنع ذلك، فكان أولي.

و قال بعض الشافعيّة و أحمد في الرواية الأُخري: إنّ الاختبار إنّما يكون بعد البلوغ؛ لأنّه قبل البلوغ محجور عليه؛ لبقاء الصغر، و إنّما يزول الحجر عنه بالبلوغ، و تصرّف الصبي قد بيّنّا أنّه غير نافذ(3).

و الأوّل أصحّ الوجهين عند الشافعيّة، و هو الذي اخترناه، فعليه كيف يُختبر؟

الأولي أنّ الوليّ يأمره بالمساومة في السِّلَع و يمتحنه في الممارسة و المماكسة و المساومة و تقرير الثمن، فإذا آلَ الأمر إلي العقد، عَقَده الوليّ - فإذا رآه قد اشتري بثمن مثله و لم يغبن و استوفي مقاصد البيع، علم رشده

ص: 225


1- الحاوي الكبير 350:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 535:4، العزيز شرح الوجيز 73:5، روضة الطالبين 415:3، منهاج الطالبين: 124، المغني 568:4، الشرح الكبير 562:4.
2- النساء: 6.
3- الحاوي الكبير 350:6، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 535:4، العزيز شرح الوجيز 73:5، روضة الطالبين 415:3، منهاج الطالبين: 124، المغني 568:4، الشرح الكبير 562:4.

- لأنّ تصرّف الصبي لا ينفذ فكيف يمكن أن يتولّي العقد!؟ و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يسلّم الوليّ إليه شيئاً من المال ليشتري به، و يصحّ بيعه و شراؤه؛ لموضع الحاجة إلي ذلك(1).

و قال بعضهم: يشتري الوليّ سلعةً و يتركها في يد البائع و يواطئه علي بيعها من الصبي، فإن اشتراها منه و فَعَل ما يكون صلاحاً و رشداً، علم منه الرشد(2).

و الأوّل عندي أقوي؛ جمعاً بين المصالح.

تذنيب: إن قلنا: إنّه يدفع إليه المال للاختبار فتلف في يده،

لم يكن علي الوليّ الضمان؛ لأصالة براءة الذمّة.

البحث الثالث: في فائدة الحجر علي السفيه.
مسألة 422: السفيه إذا حجر عليه الحاكم، مُنع من التصرّف في ماله،

و لا يصحّ منه العقود المتعلّقة بالمال، سواء صادف التصرّف في العين - كبيع السلعة التي له و شراء غيرها من السِّلَع، و العتق و الكتابة و الهبة - أو صادف ما في الذمّة، كالشراء بعين مالٍ في الذمّة، أو صادف غير المال، كالنكاح؛ لأنّ فائدة الحجر حفظ ماله، و إنّما يحصل بمنعه من ذلك كلّه.

و للشافعيّة وجهٌ ضعيف في الشراء بمالٍ في ذمّته، تخريجاً من شراء

ص: 226


1- الحاوي الكبير 350:6-351، المهذّب - للشيرازي - 338:1، حلية العلماء 535:4، العزيز شرح الوجيز 73:5، روضة الطالبين 415:3.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر المتوفّرة سواء كانت قبل زمن العلاّمة أو بعده. نعم، نقله في المجموع (التكملة الثانية) 369:13.

العبد بغير إذن مولاه(1).

و المذهب المشهور لهم(2) كما ذهبنا إليه من المنع من ذلك أيضاً؛ لأنّ الحجر تبرّع في حقّه نظراً له، و ذلك يقتضي الردّ حالاًّ و مآلاً، و الحجر علي العبد لحقّ المولي، فلا يمتنع الحكم بصحّته بحيث لا يضرّ بالمولي.

مسألة 423: إذا باع السفيه بعد الحجر عليه و أقبض، استردّ المتاع من المشتري،

و لو تلف في يده، ضمن؛ لعدوانه بالقبض من غير مَنْ له أهليّة الإقباض.

و لو اشتري و قبض أو استقرض فتلف المال في يده أو أتلفه، فلا ضمان عليه، و الذي أقبضه ذلك هو المضيّع لماله، و لوليّه استرداد الثمن إن كان قد أقبضه.

و لا فرق بين أن يكون مَنْ عامله عالماً بحاله أو جاهلاً؛ إذ كان من حقّه أن يبحث عنه و لا يعامل أحداً إلاّ عن بصيرة.

و كما لا يجب الضمان في الحال علي السفيه، لا يجب بعد رشده و رفع الحجر عنه؛ لأنّه حجرٌ ضُرب لمصلحته، فأشبه الصبي، إلاّ أنّ الصبي لا يأثم، و السفيه يأثم؛ لأنّه مكلّف.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أتلف بنفسه، ضمن بعد رفع الحجر عنه(3) و لا بأس به.

ص: 227


1- العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 418:3.
2- التهذيب - للبغوي - 139:4، العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 417:3.
3- العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 418:3.
مسألة 424: يستحبّ للحاكم إذا حجر علي السفيه أن يشهر حاله،

و يشيع حجره عند الناس ليمتنعوا من معاملته و تسلم أموالهم عليهم.

و إن احتاج في ذلك إلي النداء عليه، نادي بذلك ليعرفه الناس، و لا يشترط الإشهاد عليه؛ لأنّه قد يشتهر أمره و يعرفه الناس.

فإذا حجر عليه و اشتري، كان الشراء باطلاً، و استرجع الحاكم منه العينَ، و دَفَعها إلي البائع.

و كذا ما يأخذه من أموال الناس بقرضٍ أو شبهه ممّا يرضي به أرباب الأموال، فإنّ الحاكم يستردّه من السفيه، و يدفعه إلي أربابه إن كان باقياً، و إن كان تالفاً، فهو من ضمان صاحبه، كما تقدّم.

هذا إن كان صاحبه قد سلّطه عليه، و أمّا إن حصل في يده باختيار صاحبه من غير تسليطٍ عليه كالوديعة و العارية، فالأقرب عندي: أنّه يلزمه الضمان إن أتلفه أو تلف بتفريطه؛ لأنّ المالك لم يسلّطه عليه، و قد أتلفه بغير اختيار صاحبه، فكان ضامناً له، كما لو غصبه و أتلفه، و هو قول بعض العامّة(1).

و قال قوم منهم: لا يضمن؛ لأنّ التفريط من المالك حيث سلّطه عليه بإقباضه إيّاه و عرَّضه لإتلافه(2).

و إن كان المالك لم يدفع إليه و لم يسلّطه، بل أتلفه بغير اختياره، كالغصب و الجناية، فعليه ضمانه؛ لأنّه لا تفريط من المالك هنا. و لأنّ الصبي و المجنون لو فَعَلا ذلك، لزمهما الضمان، فالسفيه أولي.

ص: 228


1- المغني 570:4.
2- المغني 570:4.

و مذهب الشافعي(1) في ذلك كما قلناه.

مسألة 425: و حكم الصبي و المجنون كما قلنا في السفيه في وجوب الضمان عليهما

إذا أتلفا مال غيرهما بغير إذنه، أو غصباه فتلف في يدهما، و انتفاء الضمان عنهما فيما حصل في أيديهما باختيار صاحبه كالمبيع و القرض.

و أمّا الوديعة و العارية إذا دفعهما صاحبهما إليهما فتلفتا، فلا ضمان عليهما، فإن أتلفاهما، فالأقرب: أنّه كذلك.

و لبعض(2) العامّة وجهان:

أحدهما: لا ضمان؛ لأنّه عرّضها للإتلاف و سلّطه عليها، فأشبه المبيع.

و الثاني: عليه الضمان؛ لأنّه أتلفها بغير اختيار صاحبها، فأشبه الغصب.

مسألة 426: لو أذن الوليّ للسفيه في التصرّف، فإن أطلق، كان لغواً.

و إن عيّن له نوعاً من التصرّف و قدر العوض، فالأقرب: الجواز، كما لو أذن له في النكاح؛ لأنّ المقصود عدم التضرّر و أن لا يضرّ بنفسه و لا يتلف ماله، فإذا أذن له الوليّ، أمن المحذور، و انتفي المانع، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لأنّه محجور عليه لمصلحة نفسه، فلا يصحّ الإذن له في شيء من التصرّفات، كالصبي. و لأنّ الحجر عليه لتبذيره و سوء(3)

ص: 229


1- التهذيب - للبغوي - 139:4، المغني 570:4.
2- المغني 570:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «لسوء» بدل «و سوء».

تصرّفه، فإذا أذن له فقد أذن فيما لا مصلحة فيه، فلم يصحّ، كما لو أذن في بيع ما يساوي عشرة بخمسة(1).

و الفرق ظاهرٌ بين الصبي و السفيه مع الإذن؛ لأنّه مكلّف عاقل، و التبذير مانع إلاّ مع الإذن؛ لأنّا نشترط فيه الاقتصار علي ما يعيّنه له من جنس المبيع و الثمن.

و بعض الشافعيّة مَنَع من الإذن في النكاح(2)، و هذا يقتضي سلب عبارته بالكلّيّة.

و علي ما قلناه إنّما سلبنا عنه الاستقلال بالنكاح.

و علي هذين الوجهين لو وكّله غيره في شيء من التصرّفات، فعندنا يصحّ؛ لأنّ عبارته معتبرة لم يسلب الشارع حكمها عنه، فصحّ عقده للموكّل حيث لم يصادف تصرّفه مالاً و لا ما يتضرّر به.

و للشافعيّة وجهان(3).

و كذا عندنا يصحّ أن يقبل الهبة و الوصيّة؛ لحصول النفع الذي هو ضدّ المحذور.

و للشافعيّة وجهان(4).

مسألة 427: لو أقرّ السفيه بما يوجب قصاصاً أو حدّاً أو تعزيراً

- كالزنا و السرقة و الشرب و القذف و الشتم و القتل العمد و قطع الجارحة - قُبِل منه؛ لأنّه مكلّف عاقل، و يُحكم عليه به في الحال، و لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم؛ لأنّه لا تعلّق لهذا الإقرار بالمال حتي يتأثّر بالحجر.

ص: 230


1- العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 418:3.
2- العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 418:3.
3- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 418:3.
4- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 418:3.

و يُقبل في السرقة إقراره بها، و يُقطع.

و الأقوي أنّه لا يُقبل في المال - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه متّهم فيه، بخلاف القطع؛ لتعلّقه بالبدن، و هو ليس محجوراً عليه فيه.

و الثاني: أنّه يُقبل، و بناه علي اختلاف قولَيْه في العبد إذا أقرّ بالسرقة(2).

هذا إن قلنا: لا يُقبل إقراره بدَيْن الإتلاف، فإن قبلناه، فأولي أن يُقبل هنا.

مسألة 428: إذا أقرّ السفيه بما يوجب القصاص فعفا المقرّ له علي مالٍ، لم يثبت عندنا؛

لأنّ موجَب العمد القصاص لا غير، و الدية إنّما تثبت بالصلح.

أمّا مَنْ يقول: إنّ موجَب العمد أحد الأمرين: إمّا الدية أو القصاص، فيُحتمل ثبوت الدية - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المال تعلّق ثبوته باختيار الغير، لا بإقرار السفيه. و لأنّه عفو علي مال عن قصاصٍ ثابت فصحّ، كما لو ثبت بالبيّنة.

و الأقوي ما قلناه؛ و لأنّه لو صحّ لاتّخد ذلك وسيلةً إلي الإقرار بالمال بأن يتواطأ المحجور عليه و المُقرّ له علي الإقرار و العفو عنه إلي مالٍ. و لأنّ وجوب المال مستند إلي إقراره، فلم يثبت، كالإقرار به ابتداءً.

فعلي هذا القول - الذي اخترناه - لا يسقط القصاص، و لا يجب المال في الحال.

مسألة 429: لو أقرّ السفيه بنسبٍ صحيح، صحّ، و ثبت النسب؛

لانتفاء المانع، و هو مصادفة الإقرار المال.

و لو وجب الإنفاق علي المُقرّ به، أُنفق عليه من بيت المال.

ص: 231


1- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3.
2- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3.
3- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3.

و قال بعض العامّة: تثبت أحكام النسب - كما يثبت النسب - من وجوب النفقة و غيرها؛ لكون ذلك حصل ضمناً، فأشبه نفقة الزوجة(1).

و الوجه: ما قلناه.

مسألة 430: إذا أقرّ السفيه بدَيْنٍ أو بما يوجب المال - كجناية الخطأ و شبه العمد و إتلاف المال و غصبه - لم يُقبل إقراره به؛

لأنّه محجور عليه لحظّه، فلم يصح إقراره، كالصبي و المجنون. و لأنّا لو قبلنا إقراره في ماله، لزال معني الحجر؛ لأنّه يقرّ به فيأخذه المُقرّ له. و لأنّه أقرّ بما هو ممنوع من التصرّف فيه، فلم ينفذ، كإقرار الراهن بالرهن.

و لا فرق بين أن يسنده إلي ما قبل الحجر أو إلي ما بعده، و هو قول أكثر الشافعيّة و أحمد في إحدي الروايتين(2).

و للشافعيّة قولٌ آخَر: إنّه إذا أسند إقراره إلي ما قبل الحجر، قُبل، تخريجاً من الخلاف في أنّ المفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ سابق علي الحجر هل يزاحم المُقرّ له الغرماء؟(3).

و للشافعيّة فيما إذا أقرّ بإتلافٍ أو جنايةٍ توجب المال قولان:

أصحّهما: الردّ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ معامليّ.

و الثاني: القبول؛ لأنّه لو أثبتنا(4) الغصب و الإتلاف، يضمن، فإذا أقرّ به، يُقبل(5)

ص: 232


1- المغني و الشرح الكبير 575:4.
2- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 418:3، المغني و الشرح الكبير 575:4.
3- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنشأ» بدل «أثبتنا». و المثبت هو الصحيح.
5- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3.
مسألة 431: إذا أقرّ السفيه بالمال و قد كان حجر عليه الحاكم،

فقد قلنا: إنّه لا يُقبل. و إن لم يكن قد حجر عليه، قُبل؛ لعدم المانع، كما أنّه لا يمنع من البيع و الشراء و غيرهما إلاّ بالحجر.

و إذا أقرّ بالمال بعد الحجر، لم ينفذ في الحال.

و هل يلزمه حكم إقراره بعد فكّ الحجر عنه ؟ الوجه: أنّه لا يلزمه، بل يردّ، كما رددناه حالة السفه؛ لأنّه محجور عليه؛ لعدم رشده، فلم يلزمه حكم إقراره بعد فكّ الحجر عنه، كالصبي و المجنون. و لأنّ المنع من نفوذ إقراره في الحال إنّما ثبت لحفظ ماله عليه، و دفع الضرر عنه، فلو نفذ بعد فكّ الحجر، لم يفد إلاّ تأخّر الضرر عليه إلي أكمل حالتيه، بخلاف المحجور عليه للفلس، فإنّ المانع تعلُّق حقّ الغرماء بماله، فيزول المانع بزوال الحقّ عن ماله، فيثبت مقتضي إقراره، و في مسألتنا انتفي الحكم لانتفاء سببه، فلم يثبت كونه سبباً، و بزوال الحجر لم يكمل السبب، و لا يثبت الحكم باختلال السبب، كما لم يثبت قبل فكّ الحجر. و لأنّ الحجر لحقّ الغرماء لا يمنع تصرّفهم، فأمكن تصحيح إقرارهم علي وجهٍ لا يضرّ بذلك الغير بأن يلزمهم بعد زوال حقّ الغير، و الحجر هنا ثبت لحفظ نفسه من أجل ضعف عقله و سوء تصرّفه، و لا يندفع الضرر إلاّ بإبطال إقراره بالكلّيّة، كالصبي و المجنون، و هو قول الشافعي(1).

و قال أبو ثور: إنّه يلزمه ما أقرّ به بعد فكّ الحجر عنه؛ لأنّه مكلَّف أقرّ بمالٍ، فيلزمه؛ لقوله عليه السلام: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(2) مَنَع من

ص: 233


1- العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3، المغني و الشرح الكبير 575:4.
2- لم نجده في المصادر الحديثيّة.

إمضائه في الحال بسبب الحجر، فيمضي بعد فكّ الحجر عنه، كالعبد يُقرّ بدَيْنٍ، و الراهن يُقرّ علي الرهن، و المفلس [علي المال](1)(2).

و قد سبق الفرق.

مسألة 432: هذا حكم تكليفنا في الظاهر، أمّا حكمه فيما بينه و بين اللّه تعالي
اشارة

فإن علم بصحّة ما أقرّ به - كدَيْنٍ لزمه، و جنايةٍ لزمته، و مالٍ لزمه قبل الحجر عليه - فيجب عليه أداؤه بعد فكّ الحجر عنه؛ لأنّه حقٌّ ثابت عليه، فلزمه أداؤه، كما لو لم يُقرّ به. و إن علم فساد إقراره - مثل أن يُقرّ بدَيْنٍ و لا شيء عليه، أو أقرّ بجنايةٍ و لم توجد منه - لم يلزمه أداؤه؛ لأنّه يعلم أنّه لا دَيْن عليه، فلم يلزمه شيء، كما لو لم يُقرّ به.

و كذا لا يجب عليه الأداء فيما أتلفه بدفع صاحب المال إليه و تسليطه عليه بالبيع و شبهه.

تذنيب: لو ادّعي عليه شخص بدَيْنِ معاملةٍ لزمه قبل الحجر، فأقام عليه البيّنة، سُمعت، و حُكم عليه بمقتضي الشهادة.

و إن لم تكن بيّنة، فإن قلنا: إنّ النكول و ردّ اليمين كالبيّنة، سُمعت دعواه. و إن قلنا: كالإقرار، لم تُسمع؛ لأنّ غايته أن يُقرّ و إقراره غير مقبول.

مسألة 433: إذا طلّق السفيه، نفذ طلاقه، سواء طلّق قبل الحجر عليه أو بعده

في قول عامّة أهل العلم(3) ؛ لأنّه لا يدخل تحت حَجْر الوليّ

ص: 234


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المغني و الشرح الكبير 575:4.
3- المغني 571:4، الشرح الكبير 574:4، الحاوي الكبير 363:6، التنبيه: 103، التهذيب - للبغوي 140:4، العزيز شرح الوجيز 78:5، روضة الطالبين 419:3، الهداية - للمرغيناني - 282:3، بداية المجتهد 282:2.

و تصرّفه، و لهذا لا يطلّق الوليّ أصلاً، بل المحجور عليه يطلّق بنفسه إذا كان مكلّفاً، كالعبد. و لأنّ الحجر إنّما يثبت عليه لإبقاء ماله عليه، و البُضْع ليس بمالٍ و لا هو جارٍ مجري الأموال، و لهذا لا ينتقل إلي الورثة، و لا يمنع المريض من إزالة الملك عنه. و لأنّه ليس بتصرّفٍ في المال، فصحّ وقوعه منه، كالإقرار بالحدّ و القصاص. و لأنّه يصحّ من العبد بغير إذن سيّده مع منعه من التصرّف في المال، و هذا يقتضي أنّ البُضْع لا يجري مجري المال. و لأنّه مكلّف طلّق مختاراً، فوجب أن ينفذ، كالعبد و المكاتب.

و قال ابن أبي ليلي: لا يقع طلاقه؛ لأنّ البُضْع يجري مجري المال؛ بدليل أنّه يملكه بمالٍ، و يصحّ أن يزول ملكه عنه بمالٍ، فلم يملك التصرّف فيه، كالمال(1).

و قد سلف بطلانه.

مسألة 434: يصحّ الخلع من السفيه؛

لأنّه إذا صحّ منه الطلاق مجّاناً من غير مقابلةٍ بشيء، فصحّة الخلع الذي هو طلاق بعوضٍ أولي.

إذا ثبت هذا، فإنّ مال الخلع لا يُدفع إليه، و إن دُفع إليه، لم يصحّ قبضه، و إن أتلفه، لم يضمنه، و لم تبرأ المرأة بدفعه إليه، و هو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده؛ لأنّها سلّطته علي إتلافه.

و هل يشترط في خلعه أن يخالع بمهر المثل أو أزيد؟ إشكال ينشأ:

من أنّه يصحّ الطلاق بغير شيء البتّة، فمهما كان من العوض يكون أولي، و من أنّه يجري مجري المعاوضة، فلا يجوز بدون مهر المثل، كالبيع بدون

ص: 235


1- الحاوي الكبير 363:6، حلية العلماء 541:4، بداية المجتهد 283:2، المغني 571:4، الشرح الكبير 574:4.

ثمن المثل.

و كذا يصحّ منه الظهار، و يكفّر بالصوم، و يصحّ منه الرجعة؛ لأنّها ليست ابتداء نكاحٍ، بل تمسّكٌ بالعقد السابق، و يصحّ منه نفي النسب باللعان و ما أشبه ذلك؛ لأنّ هذه لا تعلّق لها بالمال.

و لو كان السفيه مطلاقاً مع حاجته إلي النكاح فتسرّي بجاريةٍ، فإن تبرَّم(1) بها، أُبدلت له.

مسألة 435: قد بيّنّا أنّ عتق السفيه غير نافذ؛

لأنّه إتلافٌ للمال و تصرّفٌ فيه بغير عوضٍ، فلا يصحّ. و لأنّه إذا مُنع من البيع الذي هو إخراج ملكه عن العين بعوضٍ يساويها أو يزيد عليها، فمَنْعُه عن العتق أولي، فإن أعتق، لم يصحّ، و لا يلزمه حكمه بعد رفع الحجر عنه، و به قال الشافعي و الحَكَم(2) و أحمد في إحدي الروايتين(3).

و في الاُخري: أنّه يصحّ عتقه معجّلاً؛ لأنّه عتقٌ من مكلّفٍ مالكٍ تامّ الملك، فصحّ، كعتق الراهن و المفلس(4).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ المفلس و الراهن حُجر عليهما لحقّ غيرهما، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل. و لأنّه تبرّع فلم ينفذ، كهبته و وقفه. و لأنّه محجور عليه لحفظه(5) ، فلم يصح عتقه، كالصبي و المجنون.

ص: 236


1- تبرّم: تضجّر. لسان العرب 43:12 «برم».
2- قوله: «و الحَكَم» كذا ورد في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و ليس في المصادر - في الهامش التالي - منه ذكر. و في المغني و الشرح: «القاسم بن محمّد» بدل «الحَكَم».
3- الحاوي الكبير 360:6، التهذيب - للبغوي - 139:4، العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 417:3، المغني 572:4، الشرح الكبير 573:4.
4- المغني 572:4، الشرح الكبير 573:4.
5- أي: لحفظ ماله عليه.
مسألة 436: الأقوي أنّه لا يصحّ منه عقد النكاح مستقلاًّ،

بل يشترط إذن الوليّ في النكاح - و به قال الشافعي و أبو ثور(1) - لأنّه تصرّفٌ يتضمّن المال، و هو الالتزام بالصداق، فكان ممنوعاً منه؛ لتعلّقه بالمال. و لأنّه يجري مجري المعاوضة الماليّة، فمُنع منه، كالبيع.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يصحّ منه الاستقلال بالنكاح و إن منعه الوليّ؛ لحاجته إليه. و لأنّه عقدٌ غير ماليّ، فصحّ منه، كخلعه و طلاقه، و إن لزم منه المال فحصوله بطريق الضمن، و لا يمنع من العقد، كما لو لزم ذلك من الطلاق(2).

و يُمنع من كونه غير ماليّ؛ لأنّ التصرّف في المال ممنوع منه، سواء كان بطريق الأصالة أو الضمن، و لهذا أوجبنا نفقة الولد - الذي أقرّ به - في بيت المال، و أثبتنا النسب.

مسألة 437: لا يصحّ تدبير السفيه و لا وصيّته بالتبرّعات؛

لأنّه تصرّفٌ في المال، فلم ينفذ منه، كغيرهما من التصرّفات الماليّة.

و قال أحمد: يصحّان؛ لأنّ ذلك محض مصلحة؛ لأنّه تقرّب إلي اللّه تعالي(3).

و يُمنع صلاحيّة التقرّب للنفوذ؛ فإنّ صدقته و وقفه لا ينفذان و إن تقرّب بهما إلي اللّه تعالي.

ص: 237


1- التنبيه: 103، التهذيب - للبغوي - 140:4، العزيز شرح الوجيز 77:5، روضة الطالبين 417:3-418، المغني و الشرح الكبير 572:4.
2- المغني و الشرح الكبير 572:4.
3- المغني 572:4، الشرح الكبير 573:4.

و يصحّ منه الاستيلاد، و تُعتق الأمة المستولدة بموته؛ لأنّه إذا صحّ ذلك من المجنون فصحّته من السفيه العاقل أولي.

و له المطالبة بالقصاص؛ لأنّه موضوع للتشفّي و الانتقام. و له العفو علي مالٍ؛ لأنّه تحصيل للمال، و ليس تضييعاً له. و إذا ثبت المال، لم يكن له التصرّف فيه، بل يقبضه الوليّ.

و إن عفا علي غير مالٍ، صحّ عندنا؛ لأنّ الواجب في العمد القصاص، و الدية إنّما تثبت بالصلح و التراضي، و القصاص ليس مالاً، فلا يمنع من التصرّف فيه بالإسقاط؛ لأنّ ذلك ليس تضييعاً للمال.

و مَنْ قال: الواجب أحد الشيئين، لم يصح عفوه عن المال، و وجب المال، كما لو سقط القصاص بعفو أحد الشريكين عندهم(1).

مسألة 438: حكم السفيه في العبادات حكم الرشيد،

إلاّ أنّه لا يفرّق الحقوق الماليّة بنفسه، كالزكاة و الخمس؛ لأنّه تصرّف في المال، و هو ممنوع منه علي الاستقلال.

و لو أحرم بالحجّ أو بالعمرة، صحّ إحرامه بغير إذن الوليّ.

ثمّ إن كان قد أحرم بحجّة الإسلام أو بعمرته، لم يكن للوليّ عليه الاعتراضُ، سواء زادت نفقة السفر أو لا، و ينفق عليه الوليّ.

و كذا لو أحرم بحجٍّ أو عمرة واجبتين بنذرٍ أو شبهه كان قد أوجبه قبل الحجر عليه.

و إن كان الحجّ أو العمرة مندوبين، فإن تساوت نفقته سفراً و حضراً،

ص: 238


1- المغني و الشرح الكبير 573:4.

انعقد إحرامه، و صحّ نسكه، و كان علي الوليّ الإنفاق عليه، أو يدفع النفقة إلي ثقة؛ لأنّه لا ضرر علي المال في هذا الإحرام.

و إن كان نفقة السفر أكثر، فإن قال: أنا أكتسب الزيادة، فكالأوّل يدفع إليه نفقته الأصليّة في الحضر، و يتكسّب هو في الطريق الزيادة؛ لانتفاء الضرر عن ماله.

و إن لم يكن له كسب أو كان و لا يفي بتلك الزيادة، فللوليّ منعه، و تحلّله بالصوم، كالمحصور إذا جعلنا لدم الإحصار بدلاً؛ لأنّه محجور عليه في المال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ عجزه عن النفقة لا يلحقه بالمُحْصَر، بل هو كالمفلس الفاقد للزاد و الراحلة لا يتحلّل إلاّ بلقاء البيت(1).

و هو مشتمل علي الضرر، فالأوّل أولي.

و لو نذر الحجّ بعد الحجر عليه، فالأقوي انعقاده، لكن لا يُمكَّن منه إن زادت نفقته في السفر و لم يكن له كسب يفي بها، بل إذا رُفع الحجر عنه حجّ.

و قال بعض الشافعيّة: الحجّة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا بالمنذور مسلك واجب الشرع، و إلاّ فهي كحجّة التطوّع(2).

و لو نذر التصدّق بعين ماله، لم ينعقد، و لو نذر في الذمّة، انعقد.

و لو حلف، انعقدت يمينه، فإن حنث، كفّر بالصوم، كالعبد.5.

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 79:5، روضة الطالبين 420:3.
2- العزيز شرح الوجيز 79:5.

و لو فكّ الحجر عنه قبل تكفيره بالصوم في اليمين، و حلف النذر، و الظهار و الإفطار و غير ذلك، لزمه العتق إن قدر عليه؛ لأنّه الآن متمكّن.

و لو فكّ بعد صومه للكفّارة، لم يلزمه شيء.

** *

ص: 240

الفصل الرابع: في المتولّي لمال الطفل و المجنون و السفيه
مسألة 439: قد بيّنّا أنّه ليس للصغير التصرّف في شيء ما من الأشياء قبل بلوغه خمس عشرة سنة في الذكر و تسع سنين في الأُنثي،
اشارة

سواء كان مميّزاً أو لا، مُدركاً لما يضرّه و ينفعه أو لا، حافظاً لماله أو لا.

و قد روي أنّه «إذا بلغ الطفل عشر سنين بصيراً جازت وصيّته بالمعروف و صدقته و أُقيمت عليه الحدود التامّة»(1) و في روايةٍ أُخري: «إذا بلغ خمسة أشبار»(2).

و المعتمد ما تقدّم.

و لو أذن له الوليّ، لم يصح، إلاّ في صورة الاختبار إن قلنا بأنّه قبل البلوغ علي ما تقدّم(3).

و لو قلنا بالرواية، نفذ تصرّفه في الوصيّة بالمعروف و الصدقة، و قُبِل إقراره بهما؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به.

و هل يصحّ بيع المميّز و شراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي: أنّه لا يصحّ و لا ينفذ - و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و به قال الشافعي(4) - لقوله تعالي:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» (5) و إنّما يُعرف زوال السفه بالبلوغ

ص: 241


1- الكافي 28:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية...) ح 1، الفقيه 502/145:4، التهذيب 898/248:8.
2- التهذيب 922/233:10، الاستبصار 1085/287:4.
3- في ص 225، المسألة 421.
4- المغني 4 321، الشرح الكبير 578:4، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 15:4، روضة الطالبين 9:3، المجموع 155:9-156 و 158.
5- النساء: 5.

و الرشد. و لأنّه غير مكلّف فأشبه غير المميّز. و لأنّ العقل لا يمكن الوقوف عليه علي الحدّ الذي يصلح به التصرّف و الذي لا يصلح؛ لخفائه و تزايده إلي وقت البلوغ علي التدريج، و المراتب خفيّة في الغاية، فجَعَل الشارع له ضابطاً، و هو البلوغ، فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة.

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأُخري: يجوز بيع المميّز و شراؤه و تصرّفه بإذن الوليّ؛ لقوله تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي» (1) أي اختبروهم ليُعلم رشدهم، و إنّما يتحقّق اختبارهم بتفويض التصرّف إليهم من البيع و الشراء و غيرهما ليُعلم هل بلغ حدّ الرشد أم لا؟ و لأنّه عاقل مميّز محجور عليه، فصحّ تصرّفه بإذن الوليّ، بخلاف غير المميّز، فإنّه لا يصلح تحصيل المصلحة بتصرّفه؛ لعدم تميزه و عدم معرفته، و لا حاجة إلي اختباره؛ لأنّه قد عُلم حاله(2).

و قد بيّنّا الخلاف في أنّ الاختبار هل هو قبل البلوغ أو بعده ؟ فإن قلنا: إنّه بعد البلوغ، فلا بحث. و إن قلنا: إنّه قبله، قلنا: المراد المساومة و المماكسة، فإذا وقف الحال علي شيء، باع الوليّ و باشر العقد بيعاً و شراءً دون الصبي، و بهذا يحصل الاختبار، و العقل غير معلوم السمة له، و إنّما يُعلم بما ضبطه الشارع علامةً عليه، و هو البلوغ، كالمشقّة المنوطة بالمسافة.

تذنيب: قال أبو حنيفة: لو تصرّف الصبي المميّز بالبيع و الشراء و شبههما، صحّ تصرّفه،

و يكون موقوفاً علي إجازة الوليّ، و أمّا غير المميّز فلا يصحّ تصرّفه، سواء أذن الوليّ أو لا؛ لسلب أهليّته عن مباشرة

ص: 242


1- النساء: 6.
2- بدائع الصنائع 135:5، المغني 321:4، الشرح الكبير 578:4، حلية العلماء 12:4، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9.

التصرّفات(1).

و لا فرق بين الشيء اليسير و الكثير في المنع من تصرّف غير المميّز.

و قال أحمد: يصحّ تصرّف غير المميّز في الشيء اليسير؛ لأنّ أبا الدرداء اشتري عصفوراً من صبي و أرسله(2).

و فعله ليس حجّةً، و جاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكاً للصبي فاستنقذه منه.

مسألة 440: يثبت الرشد عند الحاكم بشهادة رجلين عَدْلين في الرجال، و في النساء أيضاً؛

لأنّ شهادة الاثنين مناط الأحكام.

و يثبت في النساء بشهادة أربع أيضاً؛ لأنّه ممّا تطّلع عليه النساء و لا يطّلع عليه الرجال غالباً، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ علي شهادة الرجال، لزم الحرج و الضيق، و هو منفيّ بالإجماع.

و كذا يثبت بشهادة رجل و امرأتين و بشهادة أربع خناثي؛ لجواز أن يكون نساءً.

و لا يثبت بتصديق الغريم، سواء كان ممّن يؤخذ منه الحقّ أو يدفع إليه؛ لما فيه من التهمة.

مسألة 441: الولاية في مال المجنون و الطفل للأب و الجدّ له و إن علا،

و لا ولاية للأُمّ إجماعاً، إلاّ من بعض الشافعيّة(3) ، بل إذا فُقد الأب و الجدّ و إن علا، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وُجد، فإن لم يوجد، كانت الولاية للحاكم يتولاّها بنفسه أو يولّيها أميناً.

ص: 243


1- بدائع الصنائع 135:5، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9.
2- المغني 321:4، الشرح الكبير 8:4، المجموع 158:9.
3- المهذّب - للشيرازي - 335:1، حلية العلماء 525:4، الوجيز 177:1، العزيز شرح الوجيز 80:5، روضة الطالبين 422:3.

و لا ولاية لجدّ الأُمّ، كما لا ولاية للأُمّ، و لا لغير الأب و الجدّ له من الأعمام و الأخوال و(1) غيرهما من الأنساب، قربوا أم بعدوا.

و قد روي أنّ للأُمّ ولايةَ الإحرام بالصبي(2).

و المعتمد ما قلناه.

و قال أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة: إنّ للأُمّ ولايةَ المال بعد الأب و الجدّ، و تُقدّم علي وصيّهما؛ لزيادة شفقتها(3).

و هو خارق للإجماع.

مسألة 442: الولاية في مال السفيه للحاكم،

سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيهاً؛ لأنّ الحجر يفتقر إلي حكم الحاكم، و زواله أيضاً يفتقر إليه، فكان النظر في ماله إليه، و لا ولاية للأب و لا للجدّ و لا لوصيّهما علي السفيه.

و قال أحمد: إن بلغ الصبي سفيهاً، كانت الولاية للأب أو الجدّ له أو الوصيّ لهما مع عدمهما، و إلاّ فالحاكم(4).

و لا بأس به.

إذا عرفت هذا، فإن كان الأبُ للصبي و الجدُّ موجودين، اشتركا في الولاية، و كان حكم الجدّ أولي لو عارضه حكم الأب.

ص: 244


1- في الطبعة الحجريّة: «أو» بدل «و».
2- راجع التهذيب 6:5-16/7، و الاستبصار 146:2-478/147، و صحيح مسلم 1336/974:2، و سنن أبي داوُد 142:2-1736/143، و سنن النسائي 120:5، و سنن البيهقي 155:5.
3- راجع المصادر في الهامش (3) من ص 243.
4- المغني 570:4-571، الشرح الكبير 562:4-563.
الفصل الخامس: في كيفيّة التصرّف
مسألة 443: الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامي و المجانين اعتبار الغبطة،

و كون التصرّف علي وجه النظر و المصلحة، فللوليّ أن يتّجر بمال اليتيم، و يضارب به و يدفعه إلي مَنْ يضارب له به، و يجعل له نصيباً من الربح، و يستحبّ له ذلك، سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً له أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ، و به قال عليّ عليه السلام و عمر و عائشة و الضحّاك(1).

و لا نعلم فيه خلافاً إلاّ ما روي عن الحسن البصري كراهة ذلك؛ لأنّ خزنه أحفظ و أبعد له من التلف(2).

و الأصحّ ما ذكرناه؛ لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «مَنْ ولي يتيماً له مالٌ فليتّجر له، و لا يتركه حتي تأكله الصدقة»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أسباط بن سالم أنّه قال للصادق عليه السلام:

كان لي أخ هلك فأوصي إلي أخ أكبر منّي و أدخلني معه في الوصيّة و ترك ابناً صغيراً و له مال أ فيضرب به للابن فما كان من فضل سلّمه لليتيم و ضمن له ماله ؟ فقال: «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به، و إن لم يكن له مال فلا يعرّض لمال اليتيم»(2)

ص: 245


1- سنن الدارقطني 109:2-1/110، المغني 317:4، الشرح الكبير 564:4-565.
2- التهذيب 957/342:6.

و لأنّ ذلك أنفع لليتيم و أكثر حظّاً له، لأنّه ينفق من ربحه، و يستدرك من فائدته ما [يقلّه](1) الإنفاق، كما يفعله البالغون في أموالهم و أموال مَنْ يعزّ عليهم من أولادهم.

مسألة 444: و إذا اتّجر لهم ينبغي أن يتّجر في المواضع الآمنة، و لا يدفعه إلاّ لأمين، و لا يغرّر بماله.

و قد روي أنّ عائشة أبضعت مال محمّد بن أبي بكر في البحر(2).

و يُحتمل أن يكون في موضعٍ مأمون قريب من الساحل، أو أنّها ضمنته إن هلك غرمته هي، أو أنّها أخطأت في ذلك فليس فعلها حجّةً.

إذا عرفت هذا، فإنّ للوصيّ أن يتّجر بنفسه، و يجعل الربح بينه و بين اليتيم علي جاري العادة؛ لأنّه جاز أن يدفعه كذلك إلي غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه.

و قال بعض العامّة: لا يجوز أن يعمل به بنفسه؛ لأنّ الربح نماء مال اليتيم، فلا يستحقّه غيره إلاّ بعقدٍ، فلا يجوز أن يعقد الوليّ المضاربة مع نفسه(3).

و هو ممنوع؛ لجواز أن يتولّي طرفي العقد.

و إذا دفعه إلي غيره، كان للعامل ما جَعَله له الوليّ و وافقه عليه؛ لأنّ الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته، و هذا فيه مصلحته، فصار تصرّفه فيه كتصرّف المالك في ماله.

مسألة 445: و يشترط في التاجر بمال اليتيم أن يكون وليّاً

و أن يكون

ص: 246


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «يعلمه» و في «ث»: «يعد». و الصحيح ما أثبتناه. (2 و 3) المغني 317:4، الشرح الكبير 565:4.

مليّاً، فإن انتفي أحد الوصفين، لم يجز له التجارة في ماله، فإن اتّجر، كان الضمان عليه، و الربح لليتيم؛ لما رواه ربعي بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام في رجل عنده مال اليتيم، فقال: «إن كان محتاجاً ليس له مال، فلا يمسّ ماله، و إن هو اتّجر به فالربح لليتيم و هو ضامن»(1).

و في الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في مال اليتيم قال: «العامل به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال» و قال: «إن أعطب أدّاه»(2).

مسألة 446: و يجوز لوليّ اليتيم إبضاع ماله، و هو دفعه إلي مَنْ يتّجر به، و الربح كلّه لليتيم؛

لأنّ ذلك أنفع من المضاربة، لأنّه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلي مَنْ يدفع جميع ربحه إلي اليتيم أولي.

و يستحبّ أن يشتري له العقار؛ لأنّه مصلحة له، لأنّه يحصل منه الفضل، و لا يفتقر إلي كثير مئونة، و سلامته متيقّنة، و الأصل باقٍ مع الاستنماء، و الغرر فيه أقلّ من التجارة، بل هو أولي منها؛ لما في التجارة من الأخطار و انحطاط الأسعار، فإن لم يكن في شرائه مصلحة إمّا لفضل الخراج و جور السلطان أو إشراف الموضع علي البوار، لم يجز.

و يجوز أن يبني عقاره و يستجدّه إذا استهدم من الدور و المساكن؛ لأنّه في معني الشراء، إلاّ أن يكون الشراء أنفع، فيصرف المال إليه، و يقدّمه علي البناء، فإن فضل شيء، صرفه في البناء.

و إذا أراد البناء، بني بما فيه الحظّ لليتيم، و يبنيه بالآجر و الطين، و إن اقتضت المصلحة البناء باللِّبن، فَعَل، و إلاّ فلا؛ لأنّه إذا هدم لا مرجوع له.

ص: 247


1- الكافي 3/131:5، التهذيب 341:6-955/342.
2- الكافي 2/131:5، التهذيب 956/342:6.

و بالجملة، يفعل الأصلح.

و قال الشافعي: يبني بالآجر و الطين لا غير؛ لأنّه إذا بني باللِّبن خاصّةً، لم يكن له مرجوع، و إذا بناه بالآجر و الجصّ، لم يتخلّص منه إلاّ بكسره(1).

و ما قلناه أولي؛ لأنّه إذا كان الحظّ في البناء بغير الآجر، فتركه تضييع حظّه و ماله، و لا يجوز تضييع الحظّ العاجل و تحمّل الضرر المتيقّن لتوهّم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء، و ربما لا يقع ذلك في حياته و لا يحتاج إليه، مع أنّ كثيراً من البلاد لا يوجد فيها الآجر، و كثيراً من البلدان لم تجر عادتهم بالبناء بالآجر، فلو كُلّفوا البناء به لاحتاجوا إلي غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل، فالأولي البناء في كلّ بلدٍ علي عادته.

مسألة 447: لا يجوز بيع عقار الصبي لغير حاجة؛

لأنّا نأمر الوليّ بالشراء له لما فيه من الحظّ و المصلحة، فيكون بيعه تفويتاً للحظّ، فإن احتيج إلي بيعه، جاز، و به قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي و إسحاق و أحمد(2).

و قال بعض العامّة: لا يجوز إلاّ في موضعين:

أ: أن يكون به ضرورة إلي كسوة أو نفقة أو قضاء دَيْن أو ما لا بدّ له منه، و لا تندفع حاجته إلاّ بالبيع، أو قصرت غلّته عن الوفاء بنفقته و ما يحتاج إليه.

ب: أن يكون في بيعه غبطة بأن يدفع فيه زيادة كثيرة علي ثمن مثله

ص: 248


1- المهذّب - للشيرازي - 335:1، العزيز شرح الوجيز 80:5، روضة الطالبين 422:3، المغني 317:4، الشرح الكبير 567:4.
2- المهذب - للشيرازي - 335:1، العزيز شرح الوجيز 80:5، روضة الطالبين 422:3، المغني 318:4، الشرح الكبير 569:4.

و يرغب إليه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله و هو يجد مثله ببعض ذلك الثمن، أو يخاف عليه الخراب و الهلاك بغرقٍ أو حرقٍ أو نحوه، أو يكون ثقيل الخراج و منزل الوُلاة و نحوه، و به قال الشافعي(1).

و قال أحمد: كلّ موضعٍ يكون البيع أنفع و يكون نظراً لهم، جاز، و لا يختصّ بما تقدّم، و كذا لو كانت الدار سيّئة الجيران و يتضرّر الصبي بالمقام فيها، جاز بيعها و شراء عوضها، و الجزئيّات غير محصورة، فالضابط اعتبار الغبطة، و قد يكون الغبطة له في ترك البيع و إن أعطاه الباذل ضِعْفَي ثمنه إذا لم يكن به حاجة إلي الثمن أو لا يمكن صَرف ثمنه في مثله و يخاف ضياعه، فقد روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «مَنْ باع داراً أو عقاراً و لم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه»(2)(3).

مسألة 448: يجوز للوليّ عن الطفل أو

مسألة 448: يجوز للوليّ عن الطفل أو(4) المجنون بيع عقاره و غيره في موضع الجواز بالنقد و النسيئة

و بالعرض بحسب ما تقتضيه المصلحة.

و إذا باع نسيئةً زاد علي ثمنه نقداً، و أشهد عليه، و ارتهن به رهناً وافياً، فإن لم يفعل، ضمن، و هو قول أكثر الشافعيّة(5).

و نقل الجويني وجهين في صحّة البيع إذا لم يرتهن و كان المشتري مليّاً، و قال: الأصحّ: الصحّة، و لا يكون ضامناً؛ اعتماداً علي ذمّة المليّ(6).

و ليس بمعتمد؛ لأنّه في معرض الإتلاف، بخلاف الإقراض؛ لأنّه

ص: 249


1- المغني 318:4، الشرح الكبير 569:4، المهذّب - للشيرازي - 336:1، العزيز شرح الوجيز 80:5-81، روضة الطالبين 422:3-423.
2- سنن ابن ماجة 2490/832:2، سنن البيهقي 34:6، مسند أحمد 18264/397:5 بتفاوت يسير.
3- المغني 318:4، الشرح الكبير 569:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 423:3.

يجوز عند خوف الإتلاف.

و لا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئةً أن يرتهن له من نفسه، بل يؤتمن في حقّ ولده.

و كذا البحث لو اشتري له سَلَماً مع الغبطة بذلك.

مسألة 449: إذا باع الأب أو الجدّ عقار الصبي أو المجنون و ذكر أنّه للحاجة، و رفع الأمر إلي الحاكم، جاز له أن يسجّل علي البيع،

و لم يكلّفهما إثبات الحاجة أو الغبطة؛ لأنّهما غير متّهمين في حقّ ولدهما.

و لو باع الوصيّ أو أمين الحاكم، لم يسجّل الحاكم، إلاّ إذا قامت البيّنة علي الحاجة أو الغبطة، فإذا بلغ الصبي و ادّعي علي الأب أو الجدّ بيع ماله من غير مصلحةٍ، كان القولُ قولَ الأب أو الجدّ مع اليمين، و عليه البيّنة؛ لأنّه يدّعي عليهما خلافَ الظاهر؛ إذ الظاهر من حالهما الشفقة و عدم البيع إلاّ للحاجة.

و لو ادّعاه علي الوصيّ أو الأمين، فالقول قوله في العقار، و عليهما البيّنة؛ لأنّهما مدّعيان، فكان عليهما البيّنة.

و في غير العقار الأولي ذلك أيضاً؛ لهذا الدليل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخَر: أنّه يُقبل قولهما مع اليمين، و الفرق عسر الإشهاد في كلّ قليل و كثير يبيعه(1).

و من الشافعيّة مَنْ أطلق وجهين من غير فرقٍ بين الأولياء، سواء كانوا آباءً أو أجداداً أو غرباء، و لا بين العقار و غيره(2).

و دعوي الصبي و المجنون علي المشتري من الوليّ كدعواهما علي

ص: 250


1- العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 423:3.
2- العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 423:3.

الوليّ.

مسألة 450: و هل للوصيّ و الأمين بيع مال الطفل و المجنون من نفسه و بيع مال نفسه منه ؟

مَنَع منه جماعة من علمائنا(1) و الشافعي(2) أيضاً؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «لا يشتري الوصيّ من مال اليتيم»(3).

و الأقرب عندي: الجواز، و التهمة منتفية مع الوثوق بالعدالة. و لأنّ التقدير أنّه بالغ في النصيحة، و لا استبعاد في كونه موجباً قابلاً، كما في الأب و الجدّ.

إذا عرفت هذا، فهل للأب و الجدّ للأب ذلك ؟ الأولي ذلك - و به قال الشافعي(4) - لأنّ شفقتهما عليه توجب المناصحة له.

و كذا يبيع الأب أو الجدّ عن أحد الصغيرين و يشتري للآخَر.

و هل يشترط العقد، فيقول: «بعت كذا عن فلان، اشتريت كذا من فلان»؟ الأقرب: ذلك، كما لو باع من غيره، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يكتفي بأحدهما، و يقام مقامهما، كما أُقيم الشخص الواحد مقام اثنين، سواء كان بائعاً عن أحد الصغيرين و مشترياً عن الآخَر، أو كان مشترياً لنفسه و بائعاً عن الصغير، أو بالعكس(5).

و إذا اشتري الوليّ للطفل فليشتر من ثقة أمين يؤمن من جحوده في الثاني و حيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقرّ لغيره قبل البيع و ما أشبه

ص: 251


1- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 346:3، المسألة 9، و المبسوط 381:2.
2- العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3.
3- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 81:5.
4- العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3، المغني 242:5، الشرح الكبير 563:4.
5- العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3.

ذلك، و حذراً من خروج الملك مستحقّاً.

و لا يجوز لوليّ الطفل أن يبيع إلاّ بثمن المثل. و قد تفرض المصلحة في البيع بدون ثمن المثل في بعض جزئيّات الصور، فليجز حينئذٍ.

مسألة 451: و أمّا قرض مال الطفل و المجنون فإنّه غير جائز

إلاّ مع الضرورة؛ لما فيه من التغرير و التعريض للإتلاف، بل إن أمكن الوليّ التجارة به أو شراء عقارٍ له فيه الحظّ، لم يقرضه؛ لما فيه من تفويت الحظّ علي اليتيم.

و إن لم يمكن ذلك - بأن خاف من إبقائه في يده [من تلفٍ](1) أو نهب أو سرقةٍ أو حرقٍ أو غير ذلك من الأسباب المتلفة أو المُنقصة للماليّة، و كذا إذا أراد الوليّ السفر و خاف من استصحابه معه أو إبقائه في البلد - جاز له إقراضه من ثقة مليء. و إن تمكّن من الارتهان عليه، وجب، فإن لم يتّفق الرهن و وجد كفيلاً، طالَب بالكفيل.

و لو تمكّن من الارتهان عليه فطلب الكفيل و ترك الارتهان، فقد فرّط.

و لو استقرض الوليّ مع الولاية و الملاءة، جاز؛ نظراً لمصلحة الطفل، فقد روي العامّة أنّ عمر استقرض مال اليتيم(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الربيع عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن رجل ولي [مال] يتيم فاستقرض منه شيئاً، فقال: «إنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس بذلك»(3)

ص: 252


1- زيادة يقتضيها السياق.
2- المغني 319:4.
3- التهذيب 953/341:6، و ما بين المعقوفين من المصدر.

و لأنّه وليّ له التصرّف في ماله بما يتعلّق به مصلحة اليتيم، فجاز له إقراضه للمصلحة.

و إذا كان للصبي مالٌ في بلدٍ فأراد الوليّ نَقْلَه عن ذلك البلد إلي آخَر، كان له إقراضه من ثقة مليء، و يقصد بذلك حفظه من السارق و قاطع الطريق، أو الغرق، أو غير ذلك.

و كذا لو خاف علي مال اليتيم التلف، كما إذا كان له غلّة من حنطة و شبهها و خاف عليها تطرّق الفساد إليها، أقرضها من الثقة المليء خوفاً من تسويسها و تغيّرها؛ لأنّه يشتمل علي نفع اليتيم، فجاز، كالتجارة.

و لو لم يكن لليتيم فيه حظّ، و إنّما قصد إرفاق المقترض و قضاء حاجته، لم يجز إقراضه، كما لم يجز هبته.

و لو أراد الوليّ السفر، لم يسافر به، و أقرضه من مليء مأمون، و هو أولي من الإيداع؛ لأنّ الوديعة لا تُضمن.

و لو لم يوجد المقترض بهذه الصفة، أودعه من ثقة أمين، فهو أولي من السفر به؛ لأنّه موضع الحاجة و الضرورة.

و لو أودعه من الثقة مع وجود المقترض المليء المأمون، لم يكن مفرّطاً، و لا ضمان عليه، فإنّه قد يكون الإيداع أنفع له من القرض، و هو أضعف وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض، فإن فَعَل ضمن(1).

و كلّ موضعٍ جاز له أن يقرضه فيه فإنّه يشترط أن يكون المقترض3.

ص: 253


1- المهذّب - للشيرازي - 336:1، العزيز شرح الوجيز 83:5، روضة الطالبين 426:3.

مليّاً أميناً، ليأمن جحوده و تعذّر الإيفاء.

فإن تمكّن من الارتهان، ارتهن، و إن تعذّر، جاز من غير رهن؛ لأنّ الظاهر ممّن يستقرض من أجل حظّ اليتيم أنّه لا يبذل رهناً، فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظّ.

و يشترط فيمن يُودع عنده الأمانة و في المقترض الأمانةُ و اليسار معاً، فإن أودع أو أقرض من غير الثقة، ضمن.

مسألة 452: لو أخذ إنسان من وليّ اليتيم مالاً و تصرّف في بعضه بغير إذنه ثمّ أيسر بعد ذلك، كان عليه ردّ المال إلي الوليّ

أو إلي الطفل إن كان قد بلغ رشيداً.

و يجوز إذا دفعه إلي الطفل أن لا يشعر بالحال و أن يدفعه إليه موهماً له أنّه علي وجه الصلة؛ لأنّ الغرض و المقصود بالذات إيصال الحقّ إلي مستحقّه؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن الكاظم عليه السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتامٍ فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها و لا يُعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً ثمّ تيسّر بعد ذلك، أيّ ذلك خير له ؟ أ يعطيه الذي كان في يده، أم يدفعه إلي اليتيم و قد بلغ ؟ و هل يجزئه أن يدفعه إلي صاحبه علي وجه الصلة و لا يُعلمه أنّه أخذ له مالاً؟ فقال: «يجزئه أيّ ذلك فَعَل إذا أوصله إلي صاحبه، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته إن شاء ردّه إلي اليتيم إن كان قد بلغ علي أيّ وجه شاء و إن لم يُعلمه أنّه كان قبض له شيئاً، و إن شاء ردّه إلي الذي كان في يده» و قال: «إذا كان صاحب المال غائباً

ص: 254

فليدفعه إلي الذي كان المال في يده»(1).

مسألة 453: و مَنْ كان عنده مالٌ لأيتامٍ فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم علي البعض، حلّ له ذلك،

و برئت ذمّته من جميع المال مع إعلام الوارث؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج و داوُد بن فرقد جميعاً عن الصادق عليه السلام، قالا: سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتامٍ فلا يعطيهم حتي يهلكوا فيأتيه وارثهم و وكيلهم فيصالحه علي أن يأخذ بعضاً و يدع بعضاً و يبرئه ممّا كان له أ يبرأ منه ؟ قال: «نعم»(2).

مسألة 454: يجب علي الوليّ الإنفاقُ علي مَنْ يليه بالمعروف،

و لا يجوز له التقتير عليه في الغاية و لا الإسراف في النفقة، بل يكون في ذلك مقتصداً.

و يجري الطفل علي عادته و قواعد أمثاله من نظرائه، فإن كان من أهل الاحتشام، أطعمه و كساه ما يليق بأمثاله من المطعوم و الملبوس، و كذا إن كان من أهل الفاقة و الضرورة، أنفق عليه نفقة أمثاله.

فإذا ادّعي الوليّ الإنفاقَ بالمعروف علي الصبي أو علي عقاره أو ماله أو دوابّه إن كان ذا دوابّ، فإن كان أباً أو جدّاً، كان القول قولَهما فيه، إلاّ أن يقيم الصبي البيّنةَ بخلافه.

فإنّ ادّعي الصبي بعد بلوغه خلافَ ذلك، كان القول قولَ الأب أو الجدّ للأب مع يمينه، إلاّ أن يكون مع الابن بيّنةٌ.

و إن كان وصيّاً أو أميناً، قُبل قوله فيه مع اليمين، و لا يُكلَّفان البيّنة

ص: 255


1- الكافي 7/132:5، التهذيب 958/342:6.
2- التهذيب 959/343:6.

أيضاً - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1) - لتعذّر إقامة البيّنة علي ذلك.

و في الآخَر: لا يُقبل إلاّ بالبيّنة، كالبيع، لا يُقبل قولهما إلاّ ببيّنة(2).

و الفرق: عدم تعذّر إقامة البيّنة علي البيع؛ لأنّ الظاهر من حال العَدْل الصدقُ، و هو أمين عليه، فكان القول قولَه مع اليمين.

و لو ادّعي خلاف ما تقتضيه العادة، فهو زيادة علي المعروف، و يكون ضامناً.

و كذا لو ادّعي تلف شيء من ماله في يده بغير تفريطٍ، أو أنّ ظالماً قهره عليه و أخذه منه، قُدّم قوله باليمين؛ لأنّه أمين.

أمّا لو ادّعي الإنفاق عليه منذ ثلاث سنين، فقال الصبي: ما مات أبي إلاّ منذ سنتين، قُدّم قول الصبي مع اليمين؛ لأنّ الأصل حياة أبيه، و اختلافهما في أمرٍ ليس الوصيّ أميناً فيه، فكان القولُ قولَ مَنْ يوافق قوله الأصل مع اليمين.

مسألة 455: لمّا نزل قوله تعالي:«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»

(3) تجنّب أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله أموالَ اليتامي و أفردوها عنهم، فنزل قوله تعالي:«وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ» (4) أي: ضيّق عليكم و شدّد، فخالطوهم في مأكولهم و مشروبهم(5)

ص: 256


1- المهذّب - للشيرازي - 337:1، حلية العلماء 527:4-528.
2- المهذّب - للشيرازي - 337:1، حلية العلماء 527:4.
3- النساء: 10.
4- البقرة: 220.
5- تفسير الطبري (جامع البيان) 217:2، تفسير السمرقندي (بحر العلوم) 204:1، زاد المسير: 243:1-244، سنن أبي داوُد 114:3-2871/115، سنن النسائي 256:6، سنن البيهقي 5:6، المستدرك - للحاكم - 278:2-279.

و ينبغي للوليّ النظرُ في حال اليتيم، فإن كانت الخلطة له أصلح - مثل أن يكون إذا خلط دقيقه بدقيقه و خَبَزه دفعة واحدة، كان أرفق باليتيم في المئونة(1) و ألين في الخبز و ما أشبه ذلك - جاز له، بل كان أولي نظراً لليتيم، كما قال تعالي:«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامي قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ» (2) الآية. و إن كان الإفراد أرفق له و أصلح، أفرده.

و سأل [سماعة](3) الصادقَ عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» قال: «يعني اليتامي إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم فيخالطهم و يأكلون جميعاً، و لا يرزأ من أموالهم شيئاً، إنّما هي النار»(4).

إذا عرفت هذا، فينبغي أن يتغابن مع الأيتام، فيحسب لكلّ واحدٍ من عياله و أتباعه أكثر من أكل اليتيم و إن ساوي الواحد منهم؛ تحفّظاً لمال اليتيم، و تحرّزاً من تلف بعضه.

و لو تعدّد اليتامي و اختلفوا كِبَراً و صِغَراً، حسب علي الكبير بقسطه و علي الصغير بقسطه لئلاّ يضيع مال الصغير بقسطه علي نفقة الكبير؛ لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام في قوله عزّ و جلّ:«وَ مَنْ كانَت.

ص: 257


1- في الطبعة الحجريّة: «المؤن».
2- البقرة: 220.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عثمان بن عيسي». و هو - في المصدر - مذكور قبل «سماعة».
4- الكافي 129:5-2/130، التهذيب 949/340:6 بتفاوت.

فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (1) قال: «ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً» قال: قلت: أ رأيت قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» (2) ؟ قال: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم، و تخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمّ تنفقه» قلت: أ رأيت إن كانوا يتامي صغاراً و كباراً و بعضهم أعلي [كسوةً](3) من بعض و بعضهم آكل من بعض و مالهم جميعاً؟ فقال:

«أمّا الكسوة فعلي كلّ إنسان ثمن كسوته، و أمّا الطعام فاجعله(4) جميعاً، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير»(5).

مسألة 456: إذا بلغ الصبي رشيداً، زالت ولاية الوصيّ و غيره عنه،

سواء كان حاضراً أو غائباً، فلا يجوز له بيع مال الغائب بعد بلوغه و رشده، فإن باع كان باطلاً، و به قال الشافعي(6).

و لا فرق بين أن يكون مال الغائب مشتركاً مع صبيٍّ آخَر له عليه ولاية أو لا، و لا بين أن يكون الصغار محتاجين(7) إلي بيع المشترك مع الغائب أو لا، و لا بين أن يكون المتاع ممّا يقبل القسمة أو لا؛ لأنّ البلوغ و الرشد أزالا عنه الولاية، فلا ينفذ تصرّف غيره في ماله إلاّ بإذنه، و بيع الوصي مال

ص: 258


1- النساء: 6.
2- البقرة: 220.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- في المصدر: «فاجعلوه».
5- الكافي 5/130:5، التهذيب 952/341:6.
6- المغني 321:4.
7- في «ث، ر»: «يحتاجون». و في «ج» و الطبعة الحجريّة: «محتاجون». و الصحيح ما أثبتناه.

الغائب الرشيد تصرّفٌ في مال غيره بغير وكالة و لا ولاية، فلم يصح، كبيع ماله المنفرد أو ما لا تضرّ قسمته.

و قال أحمد: يجوز للوصي البيع علي الغائب البالغ إذا كان من طريق النظر(1).

و قال أصحابه: يجوز للوصي البيع علي الصغار و الكبار إذا كانت حقوقهم مشتركةً في عقار في قسمته إضرار و بالصغار حاجة إلي البيع إمّا لقضاء دَيْنٍ أو لمئونةٍ لهم(2).

و قال أبو حنيفة و ابن أبي ليلي: يجوز البيع علي الصغار و الكبار فيما لا بدّ منه(1).

و كأنّهما أرادا هذه الصورة؛ لأنّ في ترك القسمة نظراً للصغار و احتياطاً للميّت في قضاء دَيْنه.

و الحقّ ما قلناه؛ فإنّ ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه، و لا له شهادة شرعٍ بالاعتبار. و لأنّ مصلحة الصغار يعارضها أنّ فيه ضرراً علي الكبار ببيع مالهم بغير إذنهم. و لأنّه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار، كالأجنبيّ.

مسألة 457: قال بعض

مسألة 457: قال بعض(2) علمائنا: ليس لوليّ الصبي استيفاء القصاص المستحقّ له؛

لأنّه ربما يرغب في العفو، و ليس له العفو؛ لأنّه ربما يختار الاستيفاء تشفّياً.

و الوجه عندي: أنّ له الاستيفاء مع المصلحة؛ لأنّ ولايته عامّة،

ص: 259


1- المغني 320:4، الشرح الكبير 634:6.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط 54:7.

فمهما فرض له مصلحة كان للوليّ السعيُ فيها تحصيلاً و إيفاءً، و لدلالة العفو علي مال إن كان ذلك أصلح لليتيم.

و إن عفا مطلقاً، فالأقرب اعتبار المصلحة أيضاً، فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً، اعتمدها، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة.

مسألة 458: ليس للوليّ أن يعتق عبد الطفل و المجنون مجّاناً؛

لأنّ فيه إتلافَ ماله.

و هل له إعتاقه علي مالٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك و كان الحظّ للطفل فيه، أو كتابته كذلك ؟ الأقرب عندي: الجواز، و ذلك مثل أن تكون قيمة العبد ألفاً فيكاتبه علي ألفين أو يعتقه علي ألفين. و إن لم يكن للطفل فيه حظٌّ، لم يصح قطعاً، و به قال أحمد(1).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجوز إعتاقه بمالٍ؛ لأنّ الإعتاق بمالٍ تعليق له علي شرطٍ فلم يملكه وليّ اليتيم، كالتعليق علي دخول الدار(2).

و قال الشافعي: لا تجوز كتابته و لا إعتاقه علي مالٍ؛ لأنّ المقصود منهما العتق دون المعاوضة، فلم يجز، كالإعتاق بغير عوضٍ(3).

و هو غلط؛ للفرق بين التعليق علي أداء المال و دخول الدار؛ فإنّ في الأوّل نفعاً لليتيم، بخلاف الثاني، فجاز الأوّل دون الثاني، كالبيع مع زيادة علي ثمن المثل و بدونه.

و كذا الفرق واقع بين الإعتاق علي عوضٍ و بدونه، كالفرق بين البيع

ص: 260


1- المغني 318:4، الشرح الكبير 563:4.
2- الهداية - للمرغيناني - 258:3، بدائع الصنائع 153:5، المغني 318:4، الشرح الكبير 563:4-564.
3- المهذّب - للشيرازي - 335:1 و 336، العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3، المغني 318:4، الشرح الكبير 564:4.

بثمن المثل و بدونه.

و الأصل فيه أنّ ذلك يشتمل علي معاوضة مطلوبة عند العقلاء، فجاز للوليّ فعلها مع الطفل للمصلحة، و لا فرق بينها(1) و بين البيع بثمنٍ مؤجَّل، و لا عبرة بنفع العبد، و لا يضرّه كونه معلّقاً، فإنّه إذا حصل الحظّ للطفل لم يتضرّر بنفع غيره.

و ما ذكروه إنّما امتنع الحكم فيه لانتفاء المقتضي؛ إذ المقتضي لتسويغ التصرّف حصول المصلحة، و لا مصلحة في تعليق العتق بدخول الدار و لا في الإعتاق بغير عوضٍ.

و لو فرض أنّ المصلحة في العتق مجّاناً، فالأقرب: جوازه، كما لو كان له عبد كبير لا ينتفع به في الاستخدام و غيره و لا يرغب في شرائه راغبٌ فيعتقه ليخلص من مئونته و نفقته.

و كذا لو كان له جارية و أُمّها و هُما تساويان مجتمعتين مائةً، و لو انفردت البنت ساوت مائتين، و لا يمكن إفرادهما بالبيع فأُعتقت الأُمّ ليكثر ثمن البنت، كان جائزاً.

مسألة 459: و للوليّ أن يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة

إمّا مع زيادة الثواب علي العين أو مع تحصيل أمر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعاً يزيد علي بقاء العين له.

و قال الشافعي: لا تجوز الهبة لا مطلقاً و لا بشرط الثواب؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض(2)

ص: 261


1- في «ج، ر»: «بينهما».
2- المهذّب - للشيرازي - 335:1، العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3.

و هو ممنوع؛ إذ التقدير أنّه قصد الثواب.

و كذا للوليّ بذل مال الطفل في مصالحه، كاستكفاف الظالم بالرشوة و تخليص ماله من تعويقه و إطلاق زرعه و ماء شربه و أشباه ذلك.

و لو طمع السلطان في مال اليتيم فأعطاه الوصيّ شيئاً منه، فإن كان يقدر علي دفعه بدون المدفوع، ضمن، و إلاّ فلا.

مسألة 460: ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصبي لا مجّاناً و لا بعوضٍ؛

لأنّ المصلحة بقاء الزوجيّة، لأنّه لا نفقة لها عليه قبل الدخول.

و لو باع شريكه شقصاً مشفوعاً، كان له الأخذ أو الترك بحسب المصلحة، فإن ترك بحكم المصلحة ثمّ بلغ الصبي و أراد الأخذ، لم يُمكَّن منه؛ لأنّ ترك وليّه مع اقتضاء المصلحة كان ماضياً، و الشفعة علي الفور، فكما لا تثبت له لو كان بالغاً و ترك، كذا لا تثبت مع ترك الوليّ - و هذا أصحّ وجهي الشافعيّة - كما لو أخذ بحكم المصلحة ثمّ بلغ و أراد ردّه، لم يكن له ذلك.

و الثاني: يجاب إلي ذلك؛ لأنّه لو كان بالغاً لكان له الأخذُ، سواء وافق المصلحة أو خالفها، و الأخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الوليّ، فلا يفوت عليه بتصرّف الوليّ(1).

مسألة 461: لا يجوز أن يشتري الوصيّ أُضحية و يضحّي بها عن اليتيم،

و كذا الأب لا يضحّي عن ولده الصغير من مال الصغير، و إن ضحّي من مال نفسه، كان متبرّعاً - و به قال أبو حنيفة(2) - إذ لا مصلحة لليتيم فيه.

ص: 262


1- المهذّب - للشيرازي - 336:1، حلية العلماء 528:4، العزيز شرح الوجيز 81:5-82، روضة الطالبين 424:3.
2- نسب عكسه إليه ابنا قدامة في المغني 109:11، و الشرح الكبير 567:4.

و قال أحمد: يجوز للوليّ أن يشتري للصبي أُضحيةً إن كان من أهل ذلك و كان له مالٌ وافر لا يتضرّر بشراء الأُضحية، و يكون ذلك علي وجه التوسعة في النفقة في هذا [اليوم الذي هو](1) يوم الفرح و السرور، الذي هو عيد، و فيه جبر قلب الطفل و أهله و تطييبه و إلحاقه بمن له أب، فينزّل منزلة شراء اللحم خصوصاً مع استحباب التوسعة في هذا اليوم و جري العادة عليه، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «إنّها أيّام أكل و شرب و بعال»(2)(3).

و لا بأس به.

و يجوز للوليّ أن يجعل الصبي في المكتب و عند معلّم القرآن العزيز و الأدب و الفقه و غيرها من العلوم إن كان من أهل ذلك و له ذكاء و فطنة، كما يفعل الإنسان بولده ذلك؛ لأنّ ذلك كلّه من مصالحه، فجري مجري نفقته كمأكوله و مشروبه و ملبوسه، و به قال أحمد(4).

و قال سفيان: ليس للوصيّ أن يسلّم الصبي إلي معلّم الكتابة إلاّ بقول الحاكم(5).

و أنكر أحمد ذلك غاية الإنكار(6).

و كذا يجوز للوصيّ تسليم الصبي إلي معلّم الصناعة إذا كانت مصلحته في ذلك.4.

ص: 263


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- صحيح مسلم 1142/800:2 بتفاوت.
3- المغني 318:4-319، الشرح الكبير 567:4. (4-6) المغني 319:4، الشرح الكبير 568:4.

و الأقرب عندي: أنّه لا يسلّمه(1) إلاّ في صناعة تليق به و لا تثلم من مجده إن كان(2) من أرباب البيوت.

و ليس له أن يسلّمه إلي معلّم السباحة؛ لما فيه من التغرير، إلاّ أن يكون تعليمه في ماء لا يغمره و لا يخاف عليه الغرق فيه.

مسألة 462: و يجب علي الوليّ أن يخرج من ماله الحقوق الواجبة في ماله،

كأُروش الجنايات و الديون التي ركبته بسبب استدانة الوليّ عنه أو بسبب ديون مورّثه. و كذا يخرج عنه الزكاة المستحبّة مع ثبوت استحبابها و إن لم تُطلب، و نفقة الأقارب إن طُلبت.

و إذا دعت الضرورة في حريق أو نهب إلي المسافرة بماله، سافرَ به و إن لم يكن هناك ضرورة، فإن كان الطريق مخوفاً، لم يجز له السفر به، فإن سافر، ضمن.

و إن كان أميناً، فالأقرب أنّه لا يجوز إلاّ مع تيقّن الأمن.

و للشافعيّة وجهان:

المنع مطلقاً، كالمسافرة بالوديعة.

و الجواز مطلقاً؛ لأنّ المصلحة قد تقتضي ذلك، و الوليّ مأمور بالمصلحة، بخلاف المودع(3).

و إذا كان له أن يسافر به، كان له أن يبعثه علي يد أمينٍ.

مسألة 463: لا يجوز لغير الوليّ و الحاكم إقراض مال الصغير؛

لانتفاء ولايته عليه، فإن أقرض، ضمن، إلاّ أن تحصل ضرورة إلي الإقراض،

ص: 264


1- فيما عدا «ث» من النسخ: «لا يسلّم».
2- في الطبعة الحجريّة: «و كان» بدل «إن كان».
3- العزيز شرح الوجيز 82:5-83، روضة الطالبين 425:3-426.

فيجوز للعَدْل إقراضه من ثقة ملي، كما إذا حصل نهب أو حريق، و لا ضمان حينئذٍ؛ لأنّه بفعله محسن، فلا يستعقب فعله الضمان، لأنّه سبيل و قد قال تعالي:«ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (1).

و كذا لا يجوز للوليّ إقراض مال اليتيم لغير ضرورة من نهب أو غرق أو حرق أو إذا سافر.

أمّا الحاكم فإنّه يجوز له الإقراض و إن لم تحصل هذه الموانع، لكثرة أشغاله، قاله بعض الشافعية(2).

و سوّي آخَرون بين الحاكم و غيره في جواز الإقراض مع الضرورة، و عدمه مع عدمها(3)، و هو الوجه عندي.

مسألة 464: قال اللّه تعالي:«وَ ابْتَلُوا الْيَتامي»

أي اختبروهم «... فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» (2) أي أبصرتم، كما قال اللّه تعالي حكايةً عن موسي عليه السلام:«إِنِّي آنَسْتُ ناراً» (3) أي أبصرت.

و قوله تعالي:«وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا» معناه لا تأكلوا أموال اليتامي مبادرة لئلاّ يكبروا فيأخذوها «وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (6).

إذا عرفت هذا، فالوليّ إمّا أن يكون غنيّاً أو فقيراً.

فإن كان غنيّاً، استحبّ له أن يستعفف عنه، فلا يأكل منه شيئاً، عملاً بالآية(7).

ص: 265


1- التوبة: 91. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 83:5، روضة الطالبين 426:3.
2- النساء: 6.
3- القصص: 29. (6 و 7) النساء: 6.

و هل يسوغ له مع الاستغناء أخذ شيء من ماله ؟ الأقرب ذلك علي سبيل أُجرة المثل، و لا يأخذ زيادةً عليه؛ لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: «المعروف هو القوت، و إنّما عني الوصيّ و القيّم في أموالهم ما يصلحهم»(1).

و عن حنان بن سدير عن الصادق عليه السلام، قال: قال الصادق: «سألني عيسي بن موسي عن القيّم للأيتام في الإبل ما يحلّ له منها، فقلت: إذا لاط حوضها(2) و طلب ضالّتها و هَنَأ(3) جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك(4) بضرع و لا فساد نسل»(5).

و عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام، قال: سألته في مَنْ تولّي مال اليتيم ما لَه أن يأكل منه ؟ قال: «ينظر إلي ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك»(6).

فهذا يدلّ علي الرجوع إلي أُجرة المثل.

قال الشيخ في النهاية: [فمَنْ](7) كان وليّاً يقوم بأمرهم و بجمع أموالهم و سدّ خلاّتهم و جمع غلاّتهم و مراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته و حاجته من غير إسراف و لا تفريط.ر.

ص: 266


1- الكافي 3/130:5، التهذيب 950/340:6.
2- لاط حوضها: طيّنه و أصلحه. النهاية - لابن الأثير - 277:4 «لوط».
3- هنأ الإبل: طلاها بالهِناء، و هو ضرب من القطران. لسان العرب 186:1 «هنأ».
4- النهك: المبالغة في الحلب. لسان العرب 500:10 «نهك».
5- الكافي 4/130:5، التهذيب 951/340:6.
6- التهذيب 960/343:6.
7- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فمتي». و ما أثبتناه من المصدر.

ثمّ قال: و المتولّي لأموال اليتامي و القيّم بأُمورهم يستحقّ أُجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة و لا نقصان، فإن نقص نفسَه، كان له في ذلك فضل و ثواب، و إن لم يفعل، كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أُجرة المثل، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها علي حال(1).

و لأنّه عمل يستحقّ عليه الأُجرة، فكان لعامله المطالبة بالأُجرة، كغيرها من الأعمال.

و قال الشافعي: إذا كان غنيّاً، لم يجز له أخذ شيء من مال اليتيم - و به قال أحمد - للآية(2)(3).

و قال أحمد: إن كان أباً، كان له أن يأخذ الأُجرة(4)

و الآية محمولة علي الاستحباب؛ لقوله:«فَلْيَسْتَعْفِفْ» (5) فإنّ المفهوم منه الاستحباب.

و قد روي سماعة عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (6) قال: «مَنْ كان يلي شيئاً لليتامي و هو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضي أموالهم و يقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر و لا يسرف، و إن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئاً»(5)6.

ص: 267


1- النهاية: 361-363.
2- النساء: 6.
3- الحاوي الكبير 352:6، المهذّب - للشيرازي - 337:1، حلية العلماء 531:4، العزيز شرح الوجيز 82:5، روضة الطالبين 424:3، المغني 319:4، الشرح الكبير 576:4.
4- المغني 319:4، الشرح الكبير 576:4. (5 و 6) النساء: 6.
5- الكافي 1/129:5، التهذيب 948/340:6.

و إن كان فقيراً، جاز أن يأخذ إجماعاً.

و في قدره خلاف، الأقرب: أن نقول: يستحقّ أُجرة المثل؛ لما تقدّم، لكن يستحبّ له أن يأخذ أقلّ الأمرين من أُجرة المثل و قدر الكفاية؛ لقوله تعالي:«وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ» (1) و بحصول الكفاية يحصل الاستغناء.

و قال الشافعي: إن كان فقيراً و انقطع بسببه من الاكتساب، فله أخذ قدر النفقة(2).

و قال بعض أصحابنا(3): يأخذ أقلّ الأمرين من قدر النفقة و أُجرة المثل - و به قال أحمد(4) - لأنّه يستحقّه بالعمل و الحاجة جميعاً، فلم يجز له أن يأخذ إلاّ إذا وجدا فيه.

فإذا أكل منه ذلك القدر ثمّ أيسر، فإن كان أباً، لم يلزمه عوضه عنده روايةً واحدة؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة و عدمها(5).

و إن كان غير الأب، فهل يلزمه عوض ذلك ؟ له روايتان:

إحداهما: لا يلزمه - و به قال الحسن البصري و النخعي و الشافعي في أحد القولين - لأنّ اللّه تعالي أمر بالأكل من غير ذكر عوض، فأشبه سائر ما أمر بأكله. و لأنّه عوض عن عملٍ فلم يلزمه بدله، كالأجير و المضارب.4.

ص: 268


1- النساء: 6.
2- المهذّب - للشيرازي - 337:1، حلية العلماء 530:4-531، العزيز شرح الوجيز 82:5، روضة الطالبين 425:3.
3- الشيخ الطوسي في الخلاف 179:3، المسألة 295، و المبسوط 163:2. (4 و 5) المغني 319:4، الشرح الكبير 576:4.

و الثانية: يلزمه عوضه - و هو قول عبيدة السلماني و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و أبي العالية و الشافعي في أحد القولين - لأنّه استباحه للحاجة من مال غيره، فلزمه قضاؤه، كالمضطرّ إلي طعام غيره(1).

و به رواية عندنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمدّ يده فيأخذه و ينوي أن يردّه، قال: «لا ينبغي له أن يأكل إلاّ القصد و لا يسرف، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً» (2)»(3).

و المعتمد: الأوّل؛ لما قلناه. و هذه الرواية في طريقها قول. و لأنّه لو وجب أداؤه مع اليسار لكان واجباً في الذمّة قبل اليسار، فإنّ اليسار ليس بسببٍ للوجوب، فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده، بخلاف المضطرّ، فإنّ العوض واجب عليه في ذمّته؛ لأنّه لم يأكله عوضاً عن شيء، و هنا بخلافه.

مسألة 465: للوصي الاستنابة فيما لا يقدر علي مباشرته إجماعاً،

دفعاً للضرر، و كذا ما يقدر عليه لكن لا يصلح مثله لمباشرته، قضاءً للعادة، و تنزيلاً للإطلاق علي المتعارف من المباشرة و المعهود بينهم.

و أمّا ما يصلح لمثله أن يليه: الأولي المنع؛ لأنّه يتصرّف في مال غيره بالإذن، فلم يكن له الاستنابة، كالوكيل. و لأنّه غير مأذون له فيه، و هو إحدي الروايتين عن أحمد. و في الأُخري: يجوز للوصي ذلك(4)

ص: 269


1- المغني 319:4، الشرح الكبير 576:4، المهذّب - للشيرازي - 337:1، حلية العلماء 530:4-531، العزيز شرح الوجيز 82:5، روضة الطالبين 425:3.
2- النساء: 10.
3- الكافي 3/128:5، التهذيب 946/339:6.
4- المغني 216:5-217، الشرح الكبير 210:5.

و في الوكيل روايتان أيضاً عنده(1).

و عندنا ليس للوكيل أن يوكّل غيره.

هذا كلّه مع الإطلاق، أمّا مع التنصيص علي الاستنابة فإنّه جائز إجماعاً في الوكيل و الوصي، و مع التنصيص علي المنع لا يجوز إجماعاً.

مسألة 466: يجوز لأمين الحاكم أن يبيع علي الحاكم مال اليتيم في موضع جواز البيع،

و كذا للوصي و إن كان الحاكم هو الذي جعله أميناً أو وصيّاً.

و هل للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم ؟ أو يشتري لنفسه منه ؟ مَنَع منه أبو حنيفة؛ لأنّ ذلك قضاء منه، و قضاؤه لنفسه باطل(2). و لا بأس به.

و لو و كلّ رجلٌ الوصيَّ بأن يشتري له شيئاً من مال اليتيم، فاشتري الوصي لموكّله، فالأقرب: الجواز عندنا، خلافاً لأبي حنيفة، مع أنّه جوّز أن يشتري الوصي مال اليتيم لنفسه إذا كان خيراً لليتيم(3).

و اعتبر أصحابه الخيريّة في غير العقار بأن يبيع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة، و أن يشتري لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر، و في العقار يعتبر الخيريّة عند بعضهم بأن يشتري لنفسه بضِعْف القيمة، و أن يبيع من اليتيم بنصف القيمة(4).

مسألة 467: إذا اتّجر الولي بمال الطفل نظراً له و شفقةً عليه فربح، كان الربح للطفل و الخسران علي الطفل أيضاً؛

لأنّه تصرّفٌ سائغ، فلا يستعقب ضمان التصرّف فيه.

و يستحبّ للولي أن يخرج زكاة التجارة حينئذٍ.

و إن اتّجر لنفسه و كان مليّاً في الحال، جاز له ذلك، و كان المال قرضاً

ص: 270


1- المغني 216:5، الشرح الكبير 210:5.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2. (3 و 4) فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 286:2.

عليه، فإن ربح كان له، [و إن](1) خسر كان عليه، و كان عليه الزكاة في ماله استحباباً.

و إن اتّجر لنفسه من غير ولاية أو من غير ملاءة بمال الطفل، كان ضامناً للمال، و الربح للطفل؛ لأنّه تصرّفٌ فاسد، و الربح نماء ملك الطفل، فيكون له، و إن خسر كان ضامناً؛ لما رواه ربعي بن عبد اللّه - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في رجل عنده مالٌ لليتيم، فقال: «إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو اتّجر به فالربح لليتيم، و هو ضامن»(2).

و في الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في مال اليتيم قال: «العامل به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال» و قال: «إن عطب أدّاه»(3).

و بالجملة، التنزّه عن الدخول في أموال اليتامي أحوط.

و قد روي عبد اللّه بن يحيي الكاهلي عن الصادق عليه السلام، قال: قيل له:

إنّا ندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معهم خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا(4) و فيه من طعامهم، فما تري في ذلك ؟ قال: «إن كان دخولكم عليهم منفعةً لهم فلا بأس، و إن كان فيه ضرر فلا» و قال: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ و أنتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» (5)»(6)0.

ص: 271


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الكافي 3/131:5، التهذيب 341:6-955/342.
3- الكافي 2/131:5، التهذيب 956/342:6.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صاحبها» بدل «صاحبنا». و المثبت من المصدر.
5- البقرة: 220.
6- الكافي 4/129:5، التهذيب 339:6-947/340.
مسألة 468: لو كانت مصلحة اليتيم في بيع عقاره، جاز للوصي بيعه

علي ما تقدّم، فإن باعه علي أنّه ينفق علي نفسه، صحّ البيع، و ضمن الثمن لليتيم إذا أنفقه علي نفسه.

و لو كان الورثة كباراً لا حجر عليهم و للميّت وصي و لا دَيْن عليه و لا وصيّة، لم يكن للوصيّ التصرّف في شيء من التركة.

و إن كان عليه دَيْنٌ مستغرق للتركة أو أوصي بوصيّة مرسلة، كأن يؤخذ من التركة ألف مثلاً، كان للوصي أن يبيع من التركة ما يقضي به الدَّيْن، أو ينفذه في الوصيّة من الثلث، و يقدّم بيع العروض و يؤخّر العقار، فإن دعت الحاجة إلي بيعه، بِيع.

و لو طلب الوارث قضاء الدَّيْن أو إنفاذ الوصيّة من ماله و إبقاء عين التركة له، أُجيب إلي ذلك، و لم يكن للوصيّ الاعتراض؛ لأنّ الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلي الوارث بالموت، و يكون الدَّيْن متعلّقاً بالتركة تعلّقَ الدَّيْن بالرهن، أو أرشَ الجناية بالمال، و قد بيّنّا أنّ الورثة إذا كانوا كباراً، لم يكن للوصي عليهم ولاية، سواء كانوا حضوراً أو غُيّاباً.

و ليس للوصيّ أن يبيع أيضاً شيئاً من مالهم.

و قال أبو حنيفة: يبيع ما ليس بعقار؛ استحساناً، لأنّه يخشي تلفه، فكان البيع حفظاً لماله و تحصّناً(1).

و لا يملك الوصي إجارة شيء من مال الكبار.

و قال أبو حنيفة: يملك إذا كانوا غُيّاباً إجارة الجميع(2).

و لو كان بعض الورثة حاضراً و بعضهم غائباً أو واحد منهم غائباً، لم يملك الوصي بيع نصيب الغائب.

و قال أبو حنيفة: يملك بيعه إذا كان عروضاً و رقيقاً و منقولاً لأجل

ص: 272


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.

الحفظ. ثمّ قال: و إذا ملك بيع نصيب الغائب ملك بيع نصيب الحاضر أيضاً(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يملك(2).

و هذه إحدي المسائل الأربع.

و الثانية: لو كان علي الميّت دَيْنٌ لا يحيط بالتركة، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر الدَّيْن عندنا و عند الحنفيّة(3).

و هل يملك بيع الباقي ؟

أمّا عندنا و عند أبي يوسف و محمّد(4) فإنّه لا يملك.

و قال أبو حنيفة: يملك بيع الباقي(5).

[و] الثالثة: لو كان في التركة وصيّة بمال مرسل، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر ما تنفذ به الوصيّة عندنا و عندهم(6).

و هل يملك بيع ما زاد عليه ؟

أمّا عندنا و عند أبي يوسف و محمّد(7) لا يملك.

و قال أبو حنيفة: يملك(8).

[و] الرابعة: إذا كان الورثة كباراً و فيهم صغير، فإنّ الوصيّ يملك بيع نصيب الصغير عند الكلّ(9).

و هل يملك بيع نصيب الكبار؟

أمّا عندنا و عند أبي يوسف و محمّد(10) فلا.

و أمّا عند أبي حنيفة فنعم(11).

مسألة 469: حكم وصيّ وصيّ الأب حكم وصيّ الأب،

و كذا حكم وصيّ الجدّ للأب و وصيّ وصيّه و وصيّ القاضي و وصيّ وصيّه عندنا.

و قال أبو حنيفة: إنّ وصيّ القاضي بمنزلة وصيّ الأب إلاّ في شيء

ص: 273


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
3- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
4- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
5- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
6- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
7- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
8- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
9- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
10- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.
11- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.

واحد، و هو أنّ القاضي إذا جعل [أحداً](1) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في ذلك النوع خاصّةً، و الأب إذا جعل [أحداً](2) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في الأنواع كلّها(3).

و إذا مات الرجل و لم يوص إلي أحدٍ، كان لأبيه - و هو الجدّ - بيع العروض و الشراء، إلاّ أنّ وصي الأب لو باع العروض أو العقار لقضاء الدَّيْن أو تنفيذ الوصيّة، جاز.

و الجدّ إذا باع التركة لقضاء الدَّيْن و تنفيذ الوصيّة، لم يجز عنده(4).

و عندنا يجوز إذا لم يكن للميّت وصيٌّ.

و إذا كان الوصيّ ثقةً كافياً، لم يجز للقاضي عزله. و لو عزله، لم ينعزل، و به قال بعض الحنفيّة(5).

و قال بعضهم: لو عزله، انعزل(6).

و ليس بجيّد؛ لأنّه مخالف لقوله تعالي:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (1).

أمّا لو فسق فإنّه يعزله الحاكم، و يستبدل به قطعاً.

و لو كان عَدْلاً عاجزاً، لم يكن للحاكم الاستبدال به، و كان عليه أن يضمّ إليه ثقة يعينه علي التصرّف.

و قال بعض الحنفيّة: إنّ للقاضي عزله؛ لعجزه(2). و ليس بجيّد.

مسألة 470: للوصي أن يستقرض مال اليتيم مع ملاءته، كالأب؛

لأنّه وُلّي عليه، و له أن يقضي دَيْن نفسه من مال اليتيم.

ص: 274


1- البقرة: 181.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 287:2.

و مَنَع منه الحنفيّة، و جوّزوه في الأب؛ لأنّ الأب لو باع مال اليتيم من نفسه بثمن المثل، جاز(1).

و الوصي لا يملك البيع من نفسه إلاّ أن يكون خيراً لليتيم.

و قال بعضهم: لا فرق بين الأب و الوصي في أنّه ليس له أن يقضي دَيْنه(2).

و روي عن محمّد أنّه ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة(3).

و للأب و الوصي أن يرهن مال اليتيم بدَيْن نفسه مع ملاءة الوصي.

و من قياس مذهب أبي حنيفة أنّه لا يجوز، و به قال أبو يوسف(4).

و قال بعضهم: يجوز للأب أن يرهن مال ولده بدَيْنٍ عن نفسه استحساناً(5).

و لو رهن الأب أو الوصي مال اليتيم بدَيْنهما و قيمته أكثر من الدَّيْن فهلك الرهن عند المرتهن، ضمناه بقيمته عندنا.

و فرّق الحنفيّة ممّا وراء النهر بين الأب و الوصي، فقالوا: يضمن الأب مقدار الدَّيْن خاصّةً، و الوصيّ يضمن جميع القيمة(6).

و قال بعض الحنفيّة(7) بما قلناه أوّلاً.

و هل لأحد الوصيّين أن يبيع علي الآخَر مال اليتيم ؟ الأقوي عندنا ذلك؛ لأنّ الولاية لهما.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأنّ أحد الوصيّين إذا باع من الأجنبيّ لم يجز عنده فكذا إذا باع من الوصيّ الآخَر(8).

مسألة 471: إذا كانت التركة في يد الوارث و ظهر دَيْنٌ، طُولب الوارث.

ص: 275


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
3- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
4- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
5- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
6- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
7- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
8- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.

و لو قضي الوارث الدَّيْن من مال نفسه بنيّة الرجوع إذا كان هناك وارثٌ آخَر، كان له الرجوعُ في التركة، فتصير التركة مشغولةً بدَيْنه.

و إن لم يقل وقت القضاء: إنّي أقضي لأرجع في التركة، و كان متبرّعاً، لم يكن له الرجوع.

و قال أبو حنيفة: له الرجوع(1).

و يجوز للوصي أن يبيع مال الطفل نسيئةً مع خوف التلف، و بدونه مع الغبطة.

و لو باع بتأجيل فاحش بأن لا يباع هذا المال بهذا الأجل، لم يجز.

و كذا إن خاف جحود المشتري عند حلول الأجل أو هلاك الثمن عليه، لم يجز؛ لانتفاء مصلحة اليتيم في ذلك.

و لو طلب المليّ و الأملي البيع و دفع الأملي أقلّ ممّا دفع المليّ و كان بثمن المثل، استحبّ له أن يبيع الأملي.

و كذا المتآجران لو تفاوتا في الأُجرة و صاحب الأقلّ أملي من الآخَر.

مسألة 472: قال الشيخ: إن كان لليتيم علي إنسان مالٌ، جاز لوليّه أن يصالحه علي شيء يراه صلاحاً في الحال،

و يأخذ الباقي، و تبرأ بذلك ذمّة مَنْ كان عليه المال(2).

و الوجه: أن نقول: إن كان ما في ذمّة الغريم أكثر و علم بذلك، لم تبرأ ذمّته؛ إذ لا مصلحة لليتيم في إسقاط ما لَه، و لا تبرأ ذمّة الوصيّ أيضاً. أمّا إذا كان المدّعي عليه منكراً للمال و لا بيّنة عليه فصالح الوصيّ، برئت ذمّته دون ذمّة مَنْ عليه المال.

ص: 276


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 288:2.
2- النهاية: 362.

و لو كان مَنْ عليه المال لا يعلم قدره فصالح علي قدرٍ لا يعلم ثبوته في ذمّته أو ثبوت ما هو أزيد أو أقلّ، صحّ الصلح، و برئت ذمّته. و ينبغي له الاحتياط و تغليب الأكثر في ظنّه.

و للوصيّ أن يصالح مَنْ يدّعي علي الميّت إن كان للمدّعي بيّنة أو علم القاضي بدعواه، و إلاّ لم يجز.

و لو احتال الوصي بمال اليتيم، فإن كان المحال عليه أملي من الأوّل أو مساوياً له في المال و العدالة، جاز.

و قال أبو حنيفة: إذا كان مثله، لم يجز(1). و ليس بجيّد.

و لو كان أدون منه مالاً و عدالةً، لم يجز قطعاً.

تمّ الجزء التاسع(2) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه تعالي و حسن توفيقه، و صلّي اللّه علي محمّدٍ و آله أجمعين.ه.

ص: 277


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 289:2.
2- حسب تجزئة المصنّف قدس سره.

ص: 278

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به ثقتي

المقصد الخامس: في الضمان

اشارة

و فصوله ثلاثة:

الفصل الأوّل: في ضمان المال
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في ماهيّة الضمان و مشروعيّته و أركانه.
اشارة

الضمان عقد شُرّع للتعهّد بمال أو نفس. و يُسمّي الأوّل ضماناً بقولٍ مطلق، و يُخصّ(1) الثاني باسم الكفالة.

و قد تُطلق الكفالة علي ضمان المال لكن بقيدٍ، فيقال: كفالة بالمال.

و الضمان عندنا مشتقّ من التضمّن؛ لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ.

و قال بعضهم: إنّه مشتقّ من الضمّ، فإنّ الضامن قد ضمّ ذمّته إلي ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ، فيثبت في ذمّتهما جميعاً، فلصاحب الحقّ مطالبة مَنْ شاء منهما(2).

و نحن نخالف في ذلك علي ما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و يقال: ضامن و ضمين و كفيل و زعيم و حميل و صبير و قبيل بمعني

ص: 279


1- في «ر»: «يختصّ».
2- المغني و الشرح الكبير 70:5.

واحد.

مسألة 473: و الضمان ثابت بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالي:«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» (1) قال ابن عباس: الزعيم الكفيل(2).

لا يقال: هذه الآية لا يصحّ لكم الاستدلال بها؛ لأنّ حمل البعير مجهول. و لأنّها جعالة. و لأنّه حكاية عن منادي يوسف عليه السلام، و لا يلزمنا شرعه.

لأنّا نقول: حمل البعير معروف عندهم، و لهذا سمّوه وسقاً، و علّق عليه النبيّ صلي الله عليه و آله نصاب الغلاّت، فقال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة»(3).

و أمّا الجعالة فنمنع بطلان الكفالة بها؛ لأنّها تؤول إلي اللزوم.

سلّمنا عدم جواز الضمان فيها، لكن اللفظ اقتضي جواز الكفالة و جوازها بالجعالة ثمّ قام دليل علي أنّ الجعالة لا يتكفّل بها، و هذا الدليل لا ينفي مقتضي اللفظ عن ظاهره.

و أمّا شرع مَنْ قبلنا فقد قيل(4): إنّه يلزمنا إذا لم يدلّ دليلٌ علي إنكاره، و ليس هنا ما يدلّ علي إنكار الكفالة، فيكون ثابتاً في حقّنا.

ص: 280


1- يوسف: 72.
2- صحيفة علي بن أبي طلحة: 661/294، جامع البيان (تفسير الطبري) 14:13، المغني و الشرح الكبير 70:5.
3- صحيح البخاري 144:2، سنن أبي داوُد 1558/94:2، سنن النسائي 17:5، سنن البيهقي 121:4، المصنّف - لابن أبي شيبة - 137:3، مسند أحمد 8968/118:3، و 11181/465.
4- لم نتحقّق القائل.

و أيضاً قوله تعالي:«سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» (1).

و أمّا السنّة: فقد روي العامّة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله خطب يوم فتح مكة(2) و قال(3) في خطبته: «العارية مؤدّاة، و المنحة مردودة، و الدَّيْن مقضيّ، و الزعيم غارم»(4).

و عن أبي سعيد قال: كُنّا مع النبيّ صلي الله عليه و آله في جنازة فلمّا وُضعت قال:

«هل علي صاحبكم من دَيْن ؟» قالوا: نعم، درهمان، قال: «صلّوا علي صاحبكم» فقال عليّ عليه السلام: «هُما علَيَّ يا رسول اللّه و أنا لهما ضامن» فقام رسول اللّه صلي الله عليه و آله فصلّي عليه ثمّ أقبل علي عليّ عليه السلام فقال: «جزاك اللّه عن الإسلام خيراً، فكّ اللّه رهانك كما فككت رهان أخيك»(5).

و عن جابر بن عبد اللّه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان لا يصلّي علي رجل عليه دَيْن، فأُتي بجنازة فقال: «هل علي صاحبكم دَيْنٌ؟» فقالوا: نعم، ديناران، فقال: «صلّوا علي صاحبكم» فقال أبو قتادة: هُما علَيَّ يا رسول اللّه، قال:

فصلّي عليه، قال: فلمّا فتح اللّه علي رسوله صلي الله عليه و آله قال: «أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، مَنْ ترك مالاً فلورثته، و مَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ»(6).

و عن سلمة بن الأكوع أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أُتي برجل ليصلّي عليه، فقال:6.

ص: 281


1- القلم: 40.
2- في المصادر: «حجّة الوداع» بدل «يوم فتح مكة». و ما في المتن كما في المبسوط - للطوسي - 322:2.
3- في «ث» و الطبعة الحجريّة: «فقال» بدل «و قال».
4- سنن الترمذي 2120/433:4، سنن الدار قطني 40:3-166/41، مسند أحمد 21791/358:6، المعجم الكبير - للطبراني - 7615/160:8.
5- المغني 82:5، العزيز شرح الوجيز 143:5، و نحوه عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام في سنن الدار قطني 46:3-194/47، و سنن البيهقي 73:6.
6- سنن النسائي 65:4-66، سنن البيهقي 73:6.

«هل عليه دَيْنٌ؟» قالوا: نعم، ديناران، فقال: «هل ترك لهما وفاءً؟» قالوا:

لا، فتأخّر فقيل: لِمَ لا تصلّي عليه ؟ فقال: «ما تنفعه صلاتي و ذمّته مرهونة إلاّ قام أحدكم فضمنه» فقال أبو قتادة: هُما علَيَّ يا رسول اللّه، فصلّي النبيّ صلي الله عليه و آله عليه(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عيسي بن عبد اللّه قال: احتضر عبد اللّه ابن الحسن، فاجتمع عليه غرماؤه فطالَبوه بدَيْنٍ لهم، فقال: ما عندي ما أُعطيكم و لكن ارضوا بمن شئتم من بني عمّي: عليّ بن الحسين عليهما السلام، أو عبد اللّه بن جعفر، فقال الغرماء: أمّا عبد اللّه بن جعفر فمليّ مطول، و عليّ ابن الحسين رجل لا مال له صدوق، و هو أحبّهما إلينا، فأرسل إليه فأخبره الخبر، فقال: «أضمن لكم المال ولي غلّة» و لم تكن له غلّة كملاً(2) ، فقال القوم: قد رضينا و ضمّنوه، فلمّا أتت الغلّة أتاح اللّه له بالمال فأدّاه(3).

و عن عطاء عن الباقر عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد علَيَّ ما أنا فيه، فقال: «سبحان اللّه أَ وَ ما بلغك أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان يقول في خطبته: مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه، و مَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه، و مَنْ ترك مالاً فللّه(4) ، و كفالة رسول اللّه صلي الله عليه و آله ميّتاً ككفالته حيّاً، و كفالته حيّاً ككفالته ميّتاً؟» فقال الرجل: نفّست عنّي جعلني اللّه فداك(5).

و قد أجمع المسلمون كافّة علي جوازه و إن اختلفوا في فروعه.6.

ص: 282


1- المغني 70:5-71، و فيه: «... إلاّ أن قام...» و في صحيح البخاري 126:3، و سنن النسائي 65:4، و سنن البيهقي 72:6 مختصراً.
2- في الكافي: «تجمّلاً» بدل «كملاً». و كلتاهما لم ترد في التهذيب.
3- الكافي 7/97:5، التهذيب 495/211:6، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
4- في المصدر: «فآكله» بدل «فللّه».
5- التهذيب 494/211:6.

إذا عرفت هذا، فقد نقل العلماء(1) أنّ امتناع النبيّ صلي الله عليه و آله من الصلاة علي المديونين [كان](2) في ابتداء الإسلام، و لم يكن صلي الله عليه و آله يصلّي علي مَنْ لا يخلّف وفاءً عن ديونه؛ لأنّ صلاته عليه شفاعة موجبة للمغفرة، و لم يكن حينئذٍ في الأموال سعة، فلمّا فتح اللّه تعالي الفتوح قال صلي الله عليه و آله: «أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم»(3) و قال صلي الله عليه و آله في خطبته: «مَنْ خلّف مالاً أو حقّاً فلورثته، و مَنْ خلّف كَلاًّ أو دَيْناً فكلّه إلَيَّ و دَيْنه علَيَّ» قيل:

يا رسول اللّه و علي كلّ إمام بعدك ؟ قال: «و علي كلّ إمام بعدي»(4).

إذا عرفت هذا، فأركان الضمان خمسة.

البحث الثاني: في أركان الضمان.
اشارة

أركان الضمان خمسة:

أ: المضمون عنه.

ب: المضمون له.

ج: الضامن.

د: المال المضمون.

ه: الصيغة.

فالنظر هنا يتعلّق بأُمور خمسة:

النظر الأوّل: في صيغة الضمان.
مسألة 474: لا بدّ في الضمان من صيغةٍ تدلّ علي الالتزام،

مثل:

ص: 283


1- كما في العزيز شرح الوجيز 144:5.
2- إضافة يقتضيها السياق. (3 و 4) كما في العزيز شرح الوجيز 144:5.

ضمنت لك ما لك علي فلان، أو: تكفّلت به، أو: تحمّلته، أو: تقلّدته، أو: التزمته، أو: أنا بهذا المال ضمين، أو كفيل، أو ضامن، أو زعيم، أو حميل، أو قبيل.

و قال بعض الشافعيّة: لفظ القبيل ليس بصريح في الضمان(1).

و قال أبو حنيفة(2) كما قلناه من أنّه صريح فيه.

و لو قال: دَيْن فلان علَيَّ، فهو ضامن.

و لو قال: دَيْن فلان إلَيَّ، ففيه للشافعيّة وجهان(3).

و لو قال: أُؤدّي المال أو أُحضره(4) ، فهذا ليس بالتزامٍ، و إنّما هو وَعْدٌ.

مسألة 475: لا يكفي في الضمان الكتابة مع القدرة،

و لا بدّ من النطق صريحاً، فإن عجز و كتب [أو](5) فَعَل من الإشارة ما يدلّ علي الرضا بالضمان، ثبت، و إلاّ فلا؛ لإمكان العبث.

و لا فرق بين أن يكون الكاتب غائباً أو حاضراً.

و لو عجز عن النطق و الكتابة و أشار بما يدلّ عليه، صحّ، كالأخرس.

و لو قيل له: ضمنتَ عن فلان أو تحمّلتَ عنه دَيْنه، فقال: نعم، كفي في الإيجاب؛ لأنّ «نعم» في تقدير إعادة المسئول عنه.

مسألة 476: يشترط في الضمان التنجيز،

فلو علّقه بمجيء الشهر أو

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 167:5، روضة الطالبين 492:3.
2- تحفة الفقهاء 237:3، المبسوط - للسرخسي - 168:19، الهداية - للمرغيناني - 87:3، الاختيار لتعليل المختار 271:2.
3- العزيز شرح الوجيز 167:5، روضة الطالبين 492:3.
4- أي: أُحضر الشخص.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و الظاهر ما أثبتناه.

قدوم زيد، لم يصح.

و كذا لو شرط الضامن الخيار لنفسه، كان باطلاً؛ لأنّه ينافي مقصود(1) الضمان، فإنّ(2) الضامن علي يقين من الغرر(3).

و لو شرط الخيار للمضمون له، لم يضر؛ لأنّ للمضمون له الخيار في الإبراء و المطالبة أبداً، سواء شرط له أو لا، و كذا الكفالة، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: إنّ شرط الخيار لا يُبطلهما، لكنّه يلغو(5).

و لو قال: إن لم يؤدّ إليك غداً فأنا ضامن، لم يصح عندنا - و به قال الشافعي(6) - لأنّه عقد من العقود، فلا يقبل التعليق، كالبيع و نحوه - و قال أبو حنيفة: لو قال رجلٌ لآخَر: إن لم يعطك فلان مالك فهو علَيَّ، فتقاضاه صاحب المال فلم يعطه المديون شيئاً ساعة تقاضاه، لزم الكفيل؛ استحساناً(7) - و كما أنّ عقد الضمان لا يقبل التأقيت [بأن يقول:](8) أنا ضامن إلي شهر فإذا مضي و لم أغرم فأنا بريء.

و قال ابن سريج: إذا جاز علي القديم للشافعي ضمان المجهول أو ما لم يجب، جاز التعليق؛ لأنّ من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليقه.

ص: 285


1- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «مقتضي» بدل «مقصود».
2- في النسخ الخطّيّة: «لأنّ» بدل «فإنّ».
3- كذا، و الظاهر: «الغُرْم».
4- العزيز شرح الوجيز 167:5، روضة الطالبين 493:3.
5- العزيز شرح الوجيز 167:5.
6- العزيز شرح الوجيز 167:5، روضة الطالبين 493:3.
7- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 60:3.
8- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلو قال». و الصحيح ما أثبتناه.

مقصوده بالوجوب. و به قال أبو حنيفة(1).

و قال الجويني: و يجيء في تعليق الإبراء القولان بطريق الأولي، فإنّ الإبراء إسقاط. قال: و كان لا يمتنع(2) من جهة القياس المسامحة به في الجديد أيضاً؛ لأنّ سبب امتناع التعليق في العقود(3) المشتملة علي الإيجاب و القبول خروج الخطاب و الجواب بسببه عن النظم اللائق بهما، فإذا لم يشترط القبول فيه، كان بمثابة الطلاق و العتاق(4).

و كلّ هذا عندنا باطل، فإن التعليق في الضمان و الإبراء مبطل لهما؛ عملاً بالاستصحاب.

مسألة 477: إذا قال له: إذا بعت عبدك من فلان بألف فأنا ضامن للثمن، فباعه بألف، لم يصح الضمان عندنا؛

لأنّه ضمان ما لم يجب، و سيأتي بطلانه.

و لو باعه بألفين، فكذلك.

و مَنْ جوَّز التعليق جوَّز في الأوّل.

و قال أبو يوسف في الثاني: إنّه يصير ضامناً لألف؛ لأنّ مقصود الضامن أنّ الزيادة علي الألف غير ملتزم، و لا غرض له في قدر الثمن(5).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه وجهٌ لهم(6)

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إسقاط مال، و كان لا يمنع». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصور» بدل «العقود». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
5- العزيز شرح الوجيز 168:5.
6- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.

و قال ابن سريج من الشافعيّة: لا يكون ضامناً لشيء؛ لأنّ الشرط - و هو البيع بالألف - لم يتحقّق(1).

و لو باعه بخمسمائة، ففي كونه ضامناً لها للشافعيّة الوجهان(2).

و لو قال: إذا أقرضه عشرة فأنا ضامن لها، فأقرضه خمسة عشر، لم يصح الضمان عندنا؛ لتعليقه علي الشرط، و هو أحد قولي الشافعي، و علي الآخَر: يصحّ(3).

و يضمن عشرة علي الوجهين سواء قلنا: إنّه إذا قال: إذا بعته بألف فأنا ضامن للثمن فباعه بألفين، يبطل الضمان؛ لفقدان الشرط، أو قلنا: إنّه يصحّ ضمان الألف خاصّةً.

و الفرق: أنّ مَن اقترض خمسة عشر فقد اقترض عشرة، و أمّا البيع بخمسة عشر فليس بيعاً بعشرة.

و لو أقرضه خمسة، فعن ابن سريج: تسليم كونه ضامناً لها(4).

قال الجويني: و هو خلاف قياسه؛ لأنّ الشرط لم يتحقّق(5).

مسألة 478: لو ضمن الدَّيْن الحالّ حالاًّ أو أطلق، لزمه الدَّيْن حالاًّ.
اشارة

و إن ضمن الدَّيْن المؤجَّل مؤجَّلاً بذلك الأجل أو أطلق، لزمه كذلك.

و إن ضمن الحالّ مؤجَّلاً إلي أجل معلوم، صحّ الضمان و الأجل عندنا؛ لأنّ الضمان تبرّع، فيحتمل فيه اختلاف الدَّيْنين في الكيفيّة للحاجة.

و لأنّ فيه الجمع بين المصالح، فإنّ صاحب الحقّ قد انتقل حقّه إلي ذمّة أوفي، و الضامن ارتفق بتأخير الحقّ عليه، و كذا المضمون عنه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 287


1- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
2- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
3- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
4- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.
5- العزيز شرح الوجيز 168:5، روضة الطالبين 493:3.

و في الثاني: أنّه لا يصحّ الضمان؛ لأنّ الملتزم مخالف لما علي الأصيل(1).

فعلي الأوّل يثبت الأجل، و لا يطالب الضامن إلاّ بعد حلول الأجل، و لا نقول: التحق الأجل بالدَّيْن الحالّ، و إنّما ثبت عليه مؤجَّلاً ابتداءً.

و لا استبعاد عند الشافعيّة في الحلول في حقّ الأصيل دون الكفيل، كما لو مات الأصيل و عليه الدَّيْن المؤجَّل(2).

هذا قول بعضهم(3).

و ادّعي الجويني إجماع الشافعيّة علي أنّ الأجل لا يثبت(4).

و هل يفسد الضمان بفساد هذا الشرط؟ عندهم وجهان، أظهرهما:

الفساد(5).

و قد بيّنّا أنّ الحقّ عندنا صحّة الضمان و الأجل؛ لقوله عليه السلام:

«المؤمنون عند شروطهم»(3) و قوله تعالي:«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (4) و الضامن عَقَد مؤجَّلاً، فلا يثبت عليه إلاّ كذلك.

تذنيب: لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً إلي شهر فضمنه مؤجَّلاً إلي شهرين، فهو كما لو ضمن الحالّ مؤجَّلاً.

و علي قولنا بصحّة الضمان و الشرط ليس لصاحب المال مطالبة الضامن قبل الأجل، و لا مطالبة المضمون عنه؛ لأنّ الدَّيْن عندنا قد سقط

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 169:5، روضة الطالبين 494:3.
2- العزيز شرح الوجيز 169:5. (3-5) العزيز شرح الوجيز 169:5، روضة الطالبين 494:3.
3- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- المائدة: 1.

عن ذمّته و تحوّل إلي ذمّة الضامن علي ما يأتي.

و أمّا الشافعي فإنّه جوَّز علي تقدير صحّة الضمان المؤجَّل مطالبةَ المضمون عنه معجَّلاً - بناءً علي أصله من أنّ الضمان غير ناقلٍ، بل هو مقتضٍ لتشريك الذمّتين بالدَّيْن(1) - و ليس له مطالبة الضامن معجَّلاً(2).

مسألة 479: لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فضمنه الضامن حالاًّ و التزم التبرّع بالتعجيل، صحّ الضمان عندنا،
اشارة

كما يصحّ ضمان الحالّ مؤجَّلاً، و كان عليه أداء المال في الحال كأصل الضمان، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّه لا يصحّ الضمان؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه، فلا يستحقّ مطالبته دون أصيله.

و الثالث لهم: أنّه يصحّ الضمان، و يكون مؤجَّلاً كأصله، و لا يلزم الضامن تبرّعه بالتعجيل، كما لو التزم الأصيل التعجيل لم يلزمه، فكذا الضامن. و لأنّ الضامن فرع الأصيل، فينبغي أن يكون ما لزمه مضاهياً لما علي الأصيل(3).

فعلي هذا القول هل يثبت الأجل في حقّه مقصوداً أم تبعاً لقضاء حقّ المشابهة ؟ للشافعيّة وجهان(4).

و تظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل و الحال هذه.

ص: 289


1- مختصر المزني: 108، الحاوي الكبير 436:6، المهذّب - للشيرازي - 348:1، حلية العلماء 58:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 171:5، روضة الطالبين 496:3.
2- الحاوي الكبير 455:6، المغني 80:5، الشرح الكبير 95:5.
3- حلية العلماء 57:5-58، العزيز شرح الوجيز 169:5، روضة الطالبين 494:3.
4- العزيز شرح الوجيز 169:5، روضة الطالبين 494:3.

و عَكَس بعض الشافعيّة الترتيبَ، فقال: في صحّة شرط التعجيل وجهان، فإن فسد ففي إفساده الضمانَ وجهان(1)

تذنيب: لو ضمن المؤجَّل إلي شهرين مؤجَّلاً إلي شهر، فهو كما لو ضمن المؤجَّل حالاّ.

و علي قولنا يصحّ، و يكون لصاحب المال مطالبة الضامن بالمال بعد شهر، و ليس له مطالبة المضمون عنه بشيء.

آخَر

آخَر(2): علي قولنا: إنّه يصحّ ضمان المؤجَّل حالاًّ إذا أدّي الضامن المال إلي صاحبه،

لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلاّ عند الأجل إن أذن له في مطلق الضمان.

و لو أذن له في الضمان عنه معجَّلاً، ففي حلوله عليه إشكال، أقربه:

عدم الحلول أيضاً.

مسألة 480: لو ضمن رجل عن غيره ألفاً و شرط المضمون له أن يدفع إليه الضامن أو المضمون عنه كلّ شهر درهماً لا يحسبه من مال الضمان، بطل الشرط إجماعاً.

و هل يبطل الضمان ؟ الأقوي عندي: بطلانه؛ بناءً علي أنّ كلّ شرطٍ فاسد تضمّنه عقدٌ فإنّ العقد يبطل ببطلانه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يبطل الضمان ببطلان هذا الشرط(3).

مسألة 481: لو ضمن دَيْناً أو كفل بدن إنسان ثمّ ادّعي أنّه كفل و ضمن و لا حقّ علي المضمون عنه أو المكفول به، فالقول قول المضمون له

و المكفول له؛ لأنّ الضمان و الكفالة إنّما يصحّان بعد ثبوت الحقّ علي

ص: 290


1- العزيز شرح الوجيز 169:5.
2- في «ث، ج» و الطبعة الحجريّة: «تذنيب» بدل «آخَر».
3- العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3.

المضمون و المكفول.

و هل يحلف المضمون له و المكفول له ؟ الأقرب عندي: اليمين؛ لأنّه منكر لدعوي لو صدق فيها لبطلت دعواه.

و للشافعيّة(1) وجهان(2).

فإن قلنا باليمين فنكل، حلف الضامن و الكفيل، و سقطت المطالبة عنهما.

و لو أقرّ الضامن بأنّه قد ضمن علي شرط أو كفل عليه، فأنكر صاحب الحقّ الشرطَ، فالقول قول صاحب الحقّ مع اليمين؛ لصحّة الضمان في نفس الأمر، و أصالة عدم الشرط.

و قالت الشافعيّة: إنّ هذا مبنيّ علي أنّ الإقرار هل يتبعّض أم لا؟ فإن قيل بالتبعيض، فالقول قول المضمون له. و إن قلنا: لا يتبعّض، فالقول قول الضامن(3).

و لو ادّعي الكفيل أنّ المكفول برئ من الحقّ و ارتفعت الكفالة، و أنكر المكفول له، فالقول قول المكفول له مع يمينه، فإن نكل و حلف الكفيل، برئ من الكفالة، و لم يبرأ المكفول بيمين الكفيل.

النظر الثاني: الضامن.
مسألة 482: يشترط في الضامن أن يكون صحيحَ العبارة أهلاً للتبرّع،

فلا يصحّ ضمان الصبي و المجنون؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاث: عن

ص: 291


1- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «للشافعي».
2- العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3.
3- العزيز شرح الوجيز 170:5-171، روضة الطالبين 496:3.

الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه»(1).

و لأنّهما غير مكلّفين، فلم يكن [لكلامهما](2) حكمٌ.

و كذا لا يصحّ ضمان الساهي و الغافل و الهازل، كلّ ذلك لسقوط التكليف في حقّ أكثرهم، و عدم الوثوق بعبارتهم.

و المغمي عليه(3) و المُبَرْسَم - الذي يهذي و يخلط في كلامه - و النائم؛ لأنّه لا عبرة بصيغتهم الصادرة عنهم، كغيره من العقود.

و لو ضمن السكران، لم يصح عندنا؛ لعدم الوثوق بعبارته.

و للشافعي قولان، كما في سائر تصرّفاته(4).

و الأخرسِ(5) الذي ليس له إشارة مفهومة(6) و لا كتابة و لا يُعلم أنّه ضمن حتي يصحَّح أو يبطل.

و إن كانت له إشارة مفهومة و عُلم ضمانه بها، صحّ، كما في بيعه و سائر تصرّفاته، و به قال أكثر العامّة(7).

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ ضمانه؛ لأنّه لا ضرورة إلي الضمان، بخلاف سائر التصرّفات(8).

و هو خطأ؛ فإنّ الضرورة لا تصحّح الدلالة الباطلة في نفسها.

و لو ضمن بالكتابة، فإن حصل معها إشارة مفهومة أنّه قصد3.

ص: 292


1- المغني 94:3، و بتفاوت في سنن أبي داوُد 4403/141:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لكلامهم». و الصحيح ما أثبتناه.
3- عطف علي قوله: «لا يصحّ ضمان...».
4- العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3.
5- عطف علي قوله: «لا يصحّ ضمان...».
6- كذا قوله: «مفهومة» هنا و فيما يأتي، و الظاهر: «مفهمة».
7- المغني 80:5، الشرح الكبير 78:5، الحاوي الكبير 461:6، التهذيب - للبغوي - 185:4، العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3.
8- العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3.

الضمان، صحّ.

و إن انفردت(1) إشارته المفهومة بالضمان، صحّ أيضاً.

و لو(2) انفردت كتابته عن الإشارة [المفهمة](3) للضمان، لم يصح الضمان، سواء كان يُحسن الإشارة أو لا؛ لأنّ الكتابة قد تكون عبثاً أو تجربةً للقلم(4) أو حكايةَ خطٍّ، فلم يثبت بها(5) الضمان.

و للشافعيّة في الكتابة المنفردة عن إشارة مُفهمة(6) أنّه قصد الضمان وجهان، أصحّهما عندهم: الصحّة عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود(7).

و نحن أيضاً نقول بذلك، و ليس النزاع فيه، بل في مجرّد الكتابة.

و هذا الشرط يقتضي نفي الخلاف، و أنّ الكتابة المجرّدة غير كافية.

أمّا الناطق فلا يكفي في حقّه الكتابة ما لم يتلفّظ بالعقد.

و للشافعيّة فيه الوجهان(8) ، كما في الأخرس.

مسألة 483: يشترط في الضامن الملاءة بالمال الذي ضمنه وقت الضمان،

أو علم المضمون له بالإعسار، فلو ضمن المعسر و لم يعلم المضمون له بإعساره ثمّ ظهر الإعسار، كان بالخيار [بين](9) فسخ الضمان

ص: 293


1- في «ر»: «تفرّدت».
2- في «ر»: «و إن» بدل «و لو».
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المفهومة». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و تجربة القلم». و الظاهر ما أثبتناه.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به» بدل «بها». و الظاهر ما أثبتناه.
6- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «مفهومة» بدل «مُفهمة». و ما في المتن من «ث، ر».
7- الحاوي الكبير 461:6، العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3.
8- العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3.
9- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في». و الظاهر ما أثبتناه.

و الرجوع علي المضمون عنه، و بين إجازته و الصبر علي الضامن إلي زمان قدرته.

و لو علم بإعساره وقت الضمان و رضي به، لم يكن له بعد ذلك خيار، و لزمه الضمان.

و كذا يلزمه الضمان لو كان الضامن مليّاً وقت الضمان و تجدّد إعساره قبل الأداء، و ليس للمضمون له حينئذٍ الرجوع علي المضمون عنه بشيء.

مسألة 484: لو ادّعي المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ،

و قال الضامن: بل ضمنت لك قبله، فإن عيّنا للضمان وقتاً و كان البلوغ غير محتمل فيه، قُدّم قول الصبي؛ لحصول العلم بعدم البلوغ، و لا يمين علي الصبي؛ لأنّها إنّما تثبت في المحتمل.

و إن كان الصغر غير محتمل، قُدّم قول المضمون له من غير يمينٍ؛ للعلم بصدقه، فلا يزال باليمين شكٌّ حاصل.

و إن احتمل الأمران أو لم يعيّنا وقتاً، فالقول قول الضامن مع يمينه - و به قال الشافعي(1) - لأصالة عدم البلوغ وقت الضمان، و عدم ثبوت الحقّ عليه.

و قال أحمد: القول قول المضمون له؛ لأنّ الأصل صحّة العقد و سلامته، كما لو اختلفا في شرطٍ مبطل(2).

و الفرق: أنّ المختلفين في الشرط المفسد يُقدّم فيه قول مدّعي الصحّة؛ لاتّفاقهما علي أهليّة التصرّف، و الظاهر أنّ مَنْ له أهليّة التصرّف

ص: 294


1- التهذيب - للبغوي - 185:4، العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3، المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5-76.
2- المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5.

لا يتصرّف إلاّ تصرّفاً صحيحاً، فكان القول قولَ مدّعي الصحّة؛ لأنّه يدّعي الظاهر، و هنا اختلفا في أهليّة التصرّف، و ليس مع مَنْ يدّعي الأهليّة ظاهرٌ يستند إليه، و لا أصل يرجع إليه، فلا مرجّح لدعواه.

و كذا لو ادّعي أنّه ضمن بعد البلوغ و قبل الرشد، و ادّعي المضمون له أنّه بعد الرشد. و كذا لو ادّعي مَنْ يعتوره الجنون أنّه ضمن حال جنونه، و ادّعي المضمون له أنّ ضمانه في حال إفاقته؛ فإنّ القول قول الضامن؛ لما تقدّم.

أمّا لو لم يعهد منه جنونٌ سابق فادّعي أنّه حالة الضمان كان مجنوناً، فإنّه لا تُسمع دعواه، و له إحلاف المضمون له إن ادّعي علمه بالجنون.

و أمّا مَنْ يعتاد الشرب فادّعي أنّه حالة الضمان كان سكران، و ادّعي صاحب الحقّ أنّه كان حالة الضمان صاحياً، فالوجه: تقديم قول الضامن مع اليمين.

و لو لم يعهد منه الشرب، قُدّم قول المضمون له مع اليمين بانتفاء سكره.

مسألة 485: و لا فرق بين أن يكون الصبي مميّزاً أو غير مميّزٍ في بطلان ضمانه،

و لا بين أن يأذن له الوليّ في الضمان أو لا، و هو قول الشافعي(1).

و عن أحمد روايتان، إحداهما: أنّه يصحّ ضمان المميّز بإذن الولي، كما يصحّ إقراره و تصرّفاته بإذن وليّه(2)

ص: 295


1- مختصر المزني: 109، الحاوي الكبير 461:6، التنبيه: 105، المهذّب - للشيرازي - 346:1، التهذيب - للبغوي - 185:4، العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 474:3-475، المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5.
2- المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5.

و الأصل عندنا ممنوع، علي أنّ الفرق واقع بين الضمان و البيع؛ فإنّ الضمان التزام مال لا فائدة له فيه، فلم يصح منه، كالنذر، بخلاف البيع.

و لو قلنا بالرواية(1) الدالّة علي نفاذ تصرّفه في المعروف إذا بلغ عشراً و كان مميّزاً، احتُمل جواز الضمان إذا كان في معروفٍ.

مسألة 486: شرطنا في صحّة الضمان كون الضامن أهلاً للتبرّع،

فلا يصحّ ضمان العبد و المحجور عليه لسفهٍ، فإنّه لو ضمن لم ينفذ؛ لأنّ الضمان إمّا إقراض إن تعقّبه الرجوع، و إمّا تبرّع إن لم يثبت الرجوع، و كلاهما يتبع المحجور عليه لتبذيرٍ منه. و لأنّه إثبات مالٍ في ذمّته، فلم يصح منه، كالبيع و غيره، و به قال الشافعي(2).

و قال بعض العامّة: يصحّ ضمانه، و يتبع به بعد فكّ الحجر عنه؛ لأنّه مكلّف يصحّ إقراره و يتبع به بعد فكّ الحجر عنه، فكذا ضمانه(3).

و الفرق: أنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق، و جاز أن يكون في ذمّته حقٌّ، فوجب عليه الاعتراف به بحيث يؤدّي بعد فكّ الحجر عنه، بخلاف الضمان، فإنّه تبرّعٌ محض، فكان ممنوعاً منه، كسائر التبرّعات.

و قال بعض أصحاب الشافعي: إنّه يصحّ الضمان من المحجور عليه للتبذير؛ لأنّه إقراض لا محض تبرّع؛ لأنّ الشافعي قال: إذا ضمن في مرض موته بغير إذن مَنْ عليه الحقّ، فهو محسوب من ثلثه، و إن ضمن بإذنه، فهو محسوب من رأس المال؛ لأنّ للورثة أن يرجعوا علي الأصيل(4)

ص: 296


1- تقدّم تخريجها في ص 241، الهامش (1).
2- الحاوي الكبير 461:6، التنبيه: 105، المهذّب - للشيرازي - 346:1، العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 475:3، المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5.
3- المغني 78:5، الشرح الكبير 75:5.
4- العزيز شرح الوجيز 147:5، روضة الطالبين 475:3.

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه و إن لم يكن تبرّعاً(1) فإنّه ممنوع منه؛ كما مُنع(2) من البيع و سائر التصرّفات الماليّة.

و لو أذن له الولي في الضمان، فهو كما لو أذن له في البيع.

و أمّا المحجور عليه للفلس فإنّه يصحّ ضمانه مع رضا المضمون له، و يتبع به بعد فكّ الحجر؛ لأنّه من أهل التصرّف، و الحجر عليه في ماله لا في ذمّته، فأشبه الراهن إذا تصرّف في غير الرهن، و كما لو اقترض أو اشتري في ذمّته، فإنّه لا يزاحم الغرماء.

مسألة 487: العبد إن أذن له مولاه في الضمان فضمن، صحّ،

و لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّ الحجر لحقّ السيّد، فإذا أذن له فيه، زال الحجر، و كان كما لو أذن له في الاستدانة فاستدان.

و إن ضمن بغير إذنه، فإن لم يكن مأذوناً له في التجارة، فالأقرب عندي: صحّة الضمان، كما لو استدان بغير إذن سيّده، و يتبع به بعد العتق، إلاّ أنّ الفرق بين الدَّيْن و الضمان: أنّ صاحب المال لو وجد عين ماله، كان له انتزاعها منه، و المضمون له ليس له انتزاع المال الذي ضمنه ما دام عبداً؛ لأنّه مكلّف له قول صحيح، و إنّما مُنع من التصرّف فيما يتعلّق بسيّده؛ لاشتماله علي ضرر سيّده، و الضمان لا ضرر فيه علي السيّد؛ لأنّه إنّما يطالب به بعد العتق، فلا يُمنع منه، و لهذا لو أقرّ بدَيْنٍ في ذمّته، لزمه الإقرار، و كان للمُقرّ له أن يتبعه به بعد العتق. و لو أقرّ بالجناية، لم يُقبل.

لا يقال: في ذلك إضرار بالسيّد؛ لأنّ السيّد يستحقّ إرث ماله بالولاء إذا أُعتق، و ثبوت الدَّيْن يمنع الإرث.

ص: 297


1- في النسخ الخطّيّة: «متبرّعاً».
2- في النسخ الخطّيّة: «يُمنع».

لأنّا نقول: حكم الإرث لا يمنع الضمان، بخلاف حكم الملك، و لهذا لا يمنع الإقرار، و الملك يمنع الإقرار فيه. و كذا الحُرّ لا يمنع من الضمان لحقّ ورثته.

و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّه لا يصحّ ضمانه؛ لأنّه إثبات مال لآدميّ بعقدٍ، فلم يصح من العبد بغير إذن سيّده، كالمهر(1).

و الفرق: أنّ المهر يتعلّق بكسبه، و النفقة بالسيّد، فيضرّ به علي التقديرين.

و الشيخ رحمه الله مالَ إلي بطلان الضمان؛ لقوله تعالي:«عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ» (2)(3) و هو الأصحّ عند الشافعيّة، و به قال ابن أبي ليلي و الثوري و أبو حنيفة(4).

و إن كان مأذوناً له في التجارة، فحكمه حكم غير المأذون في التجارة في الضمان، إن ضمن بإذن سيّده، صحّ إجماعاً. و إن ضمن بغير إذن سيّده، فالقولان.

و قال أبو ثور: إن كان من جهة التجارة، جاز. و إن كان من غير ذلك، لم يجز(5)7.

ص: 298


1- الحاوي الكبير 457:6، التنبيه: 105-106، المهذّب - للشيرازي - 346:1-347، حلية العلماء 48:5-49، التهذيب - للبغوي - 185:4-186، الوجيز 183:1، الوسيط 235:3، العزيز شرح الوجيز 147:5، روضة الطالبين 476:3، المغني 79:5، الشرح الكبير 76:5.
2- النحل: 75.
3- الخلاف 321:3، المسألة 15.
4- العزيز شرح الوجيز 147:5، روضة الطالبين 476:3، المغني 79:5، الشرح الكبير 76:5.
5- المغني 79:5، الشرح الكبير 76:5-77.
مسألة 488: إذا ضمن بإذن سيّده، صحّ قولاً واحداً.

و هل يتعلّق المال بالذمّة أو الكسب ؟ الأقرب: الأوّل؛ لأنّ ذمّة العبد محلّ الضمان، فعلي هذا يتبع به بعد العتق، و لا يجب علي السيّد شيء، و لا يستكسب العبد فيه، كما لو لم يأذن، و هو أحد قولي الشافعيّة؛ لأنّه إنّما أذن له في الالتزام دون الأداء.

و أظهرهما عندهم: أنّه يتعلّق بما يكسبه العبد بعد الإذن؛ لأنّه ثبت بإذن السيّد، كما لو أذن لعبده في النكاح، تتعلّق النفقة و المهر باكتسابه(1).

و حكي بعض الشافعيّة وجهاً غريباً للشافعيّة: أنّه يتعلّق برقبته، فيباع فيه(2).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه يتعلّق برقبة العبد.

و الثانية - و هي الأظهر عنده -: أنّه يتعلّق بذمّة السيّد(3).

هذا إذا لم يكن مأذوناً له في التجارة، و لو كان مأذوناً له فيها فأذن له في الضمان، فكالأوّل عندنا، و يتعلّق بذمّته؛ لما تقدّم من أنّه أذن له في التزام المال خاصّةً، دون الأداء.

و للشافعيّة وجهان مرتَّبان علي الوجهين في غير المأذون، و أولي بأن [لا](4) يحال علي الذمّة؛ لإشعار ظاهر الحال بخلافه(5)

ص: 299


1- المهذّب - للشيرازي - 347:1، حلية العلماء 49:5، العزيز شرح الوجيز 147:5-148، روضة الطالبين 476:3.
2- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 476:3.
3- المغني 79:5، الشرح الكبير 77:5.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 148:5.

و علي هذا يتعلّق بما يكسبه من بعدُ، أم به و بما في يده من الربح الحاصل، أم بهما و برأس المال ؟ فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم: الثالث(1).

و علي رأيٍ لبعض الشافعيّة: إذا كان مأذوناً له في الضمان، تعلّق بكسبه، و إلاّ لم يتعلّق إلاّ بالذمّة(2).

مسألة 489: إذا قال السيّد لعبده: اضمن و اقضه ممّا تكتسبه، صحّ ضمانه، و تعلّق المال بكسبه.

و كذا لو قال للمأذون له في التجارة: اضمن و اقض من المال الذي في يدك، قضي منه. و كذا إن عيّن مالاً و أمره بالقضاء منه.

و حيث قلنا: يؤدّي ممّا في يده لو كان عليه ديون، فإنّ المضمون له يشارك الغرماء؛ لأنّه دَيْنٌ لزم بإذن المولي، فأشبه سائر الديون، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّ الضمان لا يتعلّق بما في يده أصلاً؛ لأنّه كالمرهون بحقوق الغرماء.

و الثالث: أنّه يتعلّق بما فضل عن حقوقهم رعايةً للجانبين(3).

هذا إذا لم يحجر عليه الحاكم.

و يُحتمل عندي أنّ مال الضمان يُقدَّم علي ديون الغرماء؛ لأنّ مولاه عيّنه فيه.

أمّا لو حجر عليه الحاكم باستدعاء الغرماء ثمّ ضمن بإذن مولاه و جعل الضمان ممّا في يده، لم يتعلّق الضمان بما في يده؛ لتعلّق حقوق الغرماء به

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 476:3.
2- العزيز شرح الوجيز 148:5.
3- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 477:3.

بمقتضي حَجْر الحاكم عليه.

و لو عيّن السيّد مال الضمان من رقبته، تعيّن، كما لو ضمن الحُرّ علي أن يؤدّي من مالٍ معيّن، فإنّ مال الضمان يتعلّق بذلك المال المعيّن، كذا هنا؛ لأنّ الحقوق تتعلّق بأعيان الأموال كالرهن، و أمّا تعلّق الضمان بعين ماله دون ذمّته فلا يصحّ، و صحّ هذا في حقّ العبد؛ لأنّ له ذمّةً.

و لو أذن للعبد في التجارة و في الضمان و لم يعيّن المال من أين يؤدّي، فقد قلنا: إنّ الأقوي تعلّقه بذمّة العبد. و يُحتمل بكسبه و بذمّة المولي.

و قال الشافعي: يتعلّق بما في يده من أموال التجارة، فيقضيه منها علي الوجه الذي يتعلّق بكسبه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إنّما أذن له في الضمان بالإطلاق، فهو ينصرف إلي ذمّته أو كسبه أو ذمّة مولاه.

مسألة 490: المدبَّر و أُمّ الولد و المكاتَب المشروط كالقِنّ في الضمان لا يصحّ إلاّ بإذن سيّده؛

لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ، فأشبه نذر الصدقة، أو نقول:

يصحّ و يتبع به بعد العتق علي الخلاف الذي سبق كما قلناه في العبد القِنّ.

و لو ضمن بإذن سيّده، صحّ، كما لو أذن للعبد، و لأنّ الحقّ للمكاتب أو للسيّد لا يخرج عنهما، و قد اتّفقا علي الضمان، فلا مانع.

و يُحتمل أن لا يصحّ؛ لأنّ فيه تفويتَ الحُرّيّة.

و الوجه عندي: الصحّة إن استعقب ضمانه الرجوع، كما لو أذن له المضمون عنه في الضمان، و يكون الضمان مصلحةً لا مفسدة فيه، كما لو كان المضمون عنه معسراً، فإنّه لا يصحّ، و كما لو تبرّع؛ لأنّ للسيّد منعه من

ص: 301


1- حلية العلماء 50:5.

التصرّف بغير الاكتساب.

و أمّا المكاتب المطلق فليس للسيّد منعه من الضمان مطلقاً كيف شاء؛ لانقطاع تصرّفات المولي عنه.

و لو كان بعض العبد حُرّاً و بعضه رقّاً و لا مهايأة بينه و بين السيّد، لم يكن له الضمان إلاّ بإذنه؛ لتعلّق حقّ السيّد برقبته و تصرّفه.

و كذا لو كان بينهما مهايأة و ضمن في أيّام السيّد.

و لو ضمن في أيّام نفسه، فالأقرب: الجواز.

قال بعض الشافعيّة: يجوز أن يخرج ضمان المُعتَق بعضُه علي الخلاف في الاكتسابات النادرة هل يدخل في المهايأة أم لا؟(1).

و ضمان المكاتب - عند الشافعيّة - بغير إذن السيّد كضمان القِنّ، و بالإذن مبنيّ علي الخلاف في تبرّعاته(2).

مسألة 491: إذا أذن السيّد لعبده في الضمان، صحّ،

و انتقل المال إلي ذمّة العبد أو ذمّة السيّد أو مال العبد الذي في يده لمولاه علي الخلاف.

فإن أدّي مال الضمان حالة الرقّ، فحقّ الرجوع للسيّد؛ لأنّ الأداء من مال السيّد، سواء كان من رقبة العبد أو ممّا في يده أو من كسبه.

و إن أدّاه بعد عتقه، فحقّ الرجوع للعبد؛ لأنّه أدّاه من ماله.

و لو قلنا: إنّه إذا ضمن بإذن سيّده، تعلّق الضمان بذمّة السيّد أو بكسب العبد، فالأقرب: أنّ حقّ الرجوع للسيّد أيضاً.

و للشافعيّة وجهان فيما إذا أدّي بعد العتق:

أصحّهما: أنّ حقّ الرجوع للعبد.

و الثاني: أنّه للسيّد؛ لأنّ مال الضمان كالمستثني عن اكتسابه،

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 477:3.
2- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 477:3.

فلا يستحقّها بالعتق(1).

و لو ضمن العبد لسيّده عن أجنبيّ، لم يصح؛ لأنّه يؤدّيه من كسبِه، و كسبُه لسيّده، فهو كما لو ضمن المستحقّ لنفسه.

و لو ضمن لأجنبيّ عن سيّده، فإن لم يأذن السيّد، فهو كما لو ضمن عن أجنبيّ. و إن ضمن بإذنه، صحّ.

ثمّ إن أدّي قبل العتق، فلا رجوع له. و إن أدّي بعده، ففي رجوعه علي السيّد احتمال.

و للشافعيّة فيه وجهان مبنيّان علي الوجهين فيما لو آجر(2) عبده مدّة ثمّ أعتقه في ابتدائها أو(3) في أثنائها هل يرجع بأُجرة المثل لبقيّة المدّة أو لا؟(4).

مسألة 492: يصحّ ضمان المرأة، و لا نعلم فيه خلافاً،

كما يصحّ ضمان الرجل؛ لأنّ الضمان عقد يقصد به المال، فيصحّ من المرأة، كالبيع.

و لأنّها حُرّة عاقلة مالكة لأمرها نافذة التصرّف في مالها تصحّ منها الاستدانة و غيرها من التصرّفات، فيصحّ منها الضمان، كالرجل.

و لا فرق في صحّة ضمانها بين أن تكون خليّةً من بَعْل أو تكون ذات بعل.

و لا تحتاج إلي إذن الزوج، كما في سائر تصرّفاتها، و به قال أكثر أهل العلم من العامّة و الخاصّة.

و قال مالك: إنّه لا بدّ من إذن الزوج(5). و ليس بمعتمد.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 477:3.
2- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «آجره».
3- كذا قوله: «في ابتدائها أو». و الجملة لم ترد في المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 148:5، روضة الطالبين 477:3.
5- الوجيز 183:1، العزيز شرح الوجيز 147:5.
مسألة 493: المريض يصحّ ضمانه، و لا نعلم فيه خلافاً،

سواء كان مرض الموت أو لا، لكن إن لم يكن مرض الموت و عُوفي من مرضه، صحّ ضمانه مطلقاً.

و إن كان مرض الموت، فإن تبرّع بالضمان، نفذ من الثلث عند كلّ مَنْ أثبت تبرّعاته من الثلث. و مَنْ جَعَل منجّزاته من الأصل أمضاه هنا من الأصل.

و إن لم يتبرّع بالضمان، بل ضمن بسؤال المضمون عنه، كان حكمه حكم ما لو باع نسيئةً.

و الوجه: أنّه إن علم تعذّر الرجوع لفقر المديون بحيث يعلم عدم وصول مالٍ إليه، كان ماضياً من الثلث، كما لو تبرّع، و إلاّ مضي من الأصل.

و أطلق بعض العامّة احتسابَ ضمان المريض من الثلث؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ لا يلزمه و لم يأخذ عنه عوضاً، فأشبه الهبة(1).

و نمنع التبرّع في المتنازع.

النظر الثالث: في المضمون عنه.
مسألة 494: المضمون عنه هو المديون، و هو الأصيل.

و لا يشترط رضاه في صحّة الضمان بالإجماع، كما يجوز أداء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه، فالتزامه في الذمّة أولي بالجواز. و لأنّه يصحّ الضمان عن الميّت بالإجماع. و لما تقدّم(2) من امتناع النبيّ صلي الله عليه و آله من الصلاة علي الميّت حتي ضمنه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، و معلومٌ أنّه لا يتصوّر الرضا من

ص: 304


1- المغني 79:5-80، الشرح الكبير 77:5-78.
2- في ص 281، ضمن المسألة 473.

الميّت.

مسألة 495: و لا يشترط حياة المضمون عنه، بل يجوز الضمان عن الميّت،

سواء خلّف الميّت وفاءً أو لا، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أبو يوسف و محمّد(1) - لما تقدّم(2) من أحاديث العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام و [أبي] قتادة لمّا ضمنا الدَّيْن عن الميّت، و ما رواه الخاصّة أيضاً.

و لأنّ كلّ مَنْ يصحّ الضمان عنه إذا كان له ضامن صحّ و إن لم يكن له ضامن كما لو خلّف وفاءً أو كان حيّاً.

و قال أبو حنيفة و الثوري: لا يصحّ الضمان عن الميّت إذا لم يخلّف وفاءً بمال أو ضمان ضامن؛ لأنّ الموت مع عدم الوفاء يُسقط المطالبة بالحقّ و الملازمة عليه، فوجب أن يمنع صحّة الضمان، كالإبراء(3).

و هو باطل؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحقّ، و لهذا لا يصحّ بعده إبراء، و هنا بخلافه.

و ساعدنا أبو حنيفة فيما إذا ضمن عنه في حياته ثمّ مات معسراً أنّه

ص: 305


1- الأُمّ 229:3-230، و 118:7، الحاوي الكبير 454:6، المهذّب - للشيرازي 346:1، الوسيط 233:3، حلية العلماء 48:5، العزيز شرح الوجيز 144:5، روضة الطالبين 473:3، بداية المجتهد 298:2، المعونة 1232:2، بدائع الصنائع 6:6، الهداية - للمرغيناني - 93:3، الاختيار لتعليل المختار 277:2، المحلّي 112:8، المغني 73:5، الشرح الكبير 83:5.
2- في ص 281 و 282، ضمن المسألة 473.
3- بدائع الصنائع 6:6، الهداية - للمرغيناني - 93:3، الاختيار لتعليل المختار 277:2، الأُم 118:7، الحاوي الكبير 454:6، الوسيط 233:3، حلية العلماء 48:5، التهذيب - للبغوي - 180:4، العزيز شرح الوجيز 144:5، المحلّي 112:8، بداية المجتهد 298:2، المعونة 1232:2، المغني 73:5، الشرح الكبير 83:5.

لا يبطل الضمان(1).

مسألة 496: و لا تشترط معرفة المضمون عنه، فلو ضمن الضامن عمّن لا يعرفه، صحّ ضمانه،
اشارة

عند علمائنا - و به قال الشافعي في أصحّ القولين(2) - لما تقدّم(3) من أنّ عليّاً عليه السلام و أبا قتادة ضمنا عمّن لا يعرفانه.

و لأنّ الواجب أداء الحقّ، فلا حاجة إلي معرفة مَنْ يؤدّي عنه؛ لأنّه لا معاملة بينهما في ذلك. و لأنّه لا يشترط رضاه فلا تشترط معرفته، و به قال أحمد(4) أيضاً.

و الثاني للشافعي: أنّه تشترط معرفته ليعرف حاله، و أنّه هل يستحقّ اصطناع المعروف إليه أو لا؟(5).

و ليس بشيء.

إذا عرفت هذا، فهل تشترط معرفة ما يميّزه عن غيره ؟ الأقرب:

العدم، بل لو قال: ضمنت لك الدَّيْن الذي(6) لك علي مَنْ كان من الناس، جاز علي إشكالٍ.

نعم، لا بدّ من معرفة المضمون عنه بوصفٍ يميّزه عند الضامن بما يمكن القصد معه إلي الضمان عنه لو لم يقصد الضمان عن أيّ مَنْ كان.

ص: 306


1- التهذيب - للبغوي - 180:4، العزيز شرح الوجيز 144:5، و راجع: بدائع الصنائع 6:6.
2- الحاوي الكبير 433:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 233:3، حلية العلماء 52:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 144:5، روضة الطالبين 473:3، المغني 71:5-72، الشرح الكبير 79:5.
3- في ص 281، ضمن المسألة 473.
4- المغني 71:5، الشرح الكبير 79:5.
5- نفس المصادر في الهامش (2).
6- في «ج، ر» زيادة: «كان».
تذنيب: لو تبرّع الضامن بالضمان و رضي المضمون له بضمانه، صحّ الضمان و انعقد و برئت ذمّة المضمون عنه.

و لو أنكر المضمون عنه الضمانَ، لم يبطل ضمانه، و به قال الشافعي(1).

النظر الرابع: في المضمون له.
مسألة 497: المضمون له هو مستحقّ الدَّيْن.

و هل تشترط معرفته عند الضامن ؟ إشكال ينشأ: من عدم التعرّض له و البحث عنه في ضمان(2) عليّ عليه السلام و أبي قتادة، و لأنّ الواجب أداء الحقّ، فلا حاجة إلي ما سوي ذلك. و من أنّه لا بدّ و أن يعرفه الضامن ليأمن الغرر، فإنّ الناس يتفاوتون في المعاملة و الاقتضاء و الاستيفاء تشديداً و تسهيلاً، و تختلف الأغراض في ذلك، فالضمان مع إهماله غرر و ضرر من غير ضرورة.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما: الثاني عندهم(3).

و لا بأس به؛ لحصول المعاملة بين الضامن و بينه بالضمان، فافتقر إلي معرفته للحاجة.

و قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: لا تشترط معرفة الضامن المضمونَ له و لا المضمونَ عنه. و استدلّ بضمان عليّ عليه السلام و أبي قتادة(4)

ص: 307


1- لم نعثر علي قوله بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.
2- تقدّم تخريجه في ص 281، الهامش (5 و 6) و 282، الهامش (1).
3- الحاوي الكبير 433:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، التنبيه: 106، الوسيط 234:3، حلية العلماء 52:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 145:5، روضة الطالبين 474:3، منهاج الطالبين: 129.
4- الخلاف 313:3، المسألة 1.
مسألة 498: يشترط رضا المضمون له في صحّة الضمان،
اشارة

و هو قول أكثر علمائنا(1) - و به قال أبو حنيفة و محمّد و الشافعي في أحد القولين(2) - لأنّه إثبات مالٍ لآدميّ، و تجدّد سلطنة و ولاية لم تكن، فلا يثبت إلاّ برضاه أو مَنْ ينوب عنه، كالبيع و الشراء، و يبعد أن يتملّك الإنسان بتمليك الغير شيئاً من غير رضاه.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا يشترط رضاه(3) ، و هو قول الشيخ(4) رحمه الله؛ لأنّ عليّاً عليه السلام و أبا قتادة ضمنا الدَّيْن عن الميّت(5) و النبيّ صلي الله عليه و آله لم يسأل عن رضا المضمون له.

ثمّ قال الشيخ رحمه الله: و لو قيل: إنّ من شرطه رضا المضمون له، كان أولي؛ بدلالة أنّه إثبات حقٍّ في الذمّة، فلا بدّ من اعتبار رضاه، كسائر الحقوق.

ثمّ قال: و الأوّل أليق بمذهبنا؛ لأنّ الثاني قياس(6).

إذا عرفت هذا، فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضاً؛ لأنّ

ص: 308


1- منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 280، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 108:2، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 301.
2- الهداية - للمرغيناني - 93:3، الاختيار لتعليل المختار 276:2، الحاوي الكبير 434:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 234:3، حلية العلماء 52:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 145:5، روضة الطالبين 474:3، المغني 71:5، الشرح الكبير 79:5.
3- الحاوي الكبير 434:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 234:3، حلية العلماء 52:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 145:5، روضة الطالبين 474:3، المغني 71:5، الشرح الكبير 79:5.
4- الخلاف 313:3، المسألة 2.
5- تقدّم تخريجه في ص 281، الهامش (5 و 6) و 282، الهامش (1).
6- الخلاف 313:3-314 المسألة 2.

الضمان محض التزامٍ، و ليس موضوعاً علي قواعد المعاملات(1).

تذنيب: أبو حنيفة وافقنا علي اشتراط رضا المضمون له في الضمان

إلاّ في مسألة واحدة استثناها، و هي: أنّ المريض لو التمس من الورثة أن يضمنوا دَيْنه فأجابوا، صحّ و إن لم يرض المضمون له(2).

مسألة 499: نحن و أبو حنيفة و الشافعي - في أحد القولين - لمّا اشترطنا في صحّة الضمان رضا المضمون له تفرّع عندنا فرع،

و هو: أنّه هل يُشترط قبول(3) المضمون له، أو لا، بل يكفي في صحّة الضمان الرضا؟ إشكال ينشأ: من أنّه تملّك في مقابلة تمليك الضامن، فيعتبر فيه القبول، كسائر التمليكات و التملّكات. و من أصالة عدم الاشتراط، مع قيام الفرق بينه و بين سائر التملّكات؛ فإنّ الضمان لا يُثبت ملكَ شيء جديد، و إنّما يتوثّق به الدَّيْن الذي كان مملوكاً.

و يُنتقض بالرهن؛ فإنّه لا يفيد إلاّ التوثيق، و يُعتبر فيه القبول.

و للشافعيّة قولان - كالاحتمالين - لكنّ الأصحّ عندهم: الثاني(4).

و الأقرب عندي: الأوّل؛ لأنّه عقد، فلا بدّ من القبول.

قال بعض الشافعيّة: يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم يُجدّد سلطنةً لم تكن، فإن شرطنا القبول فليكن بينه و بين الضمان من التواصل ما بين الإيجاب و القبول في

ص: 309


1- الهداية - للمرغيناني - 93:3، الاختيار لتعليل المختار 276:2، حلية العلماء 52:5.
2- الهداية - للمرغيناني - 93:3، الاختيار لتعليل المختار 277:2، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 63:3، العزيز شرح الوجيز 145:5.
3- أي القبول لفظاً.
4- الحاوي الكبير 434:6-435، الوسيط 234:3، العزيز شرح الوجيز 145:5، روضة الطالبين 474:3، منهاج الطالبين: 129.

سائر العقود. و إن لم نشترط، فيجوز أن يتقدّم(1)(2).

و قد فرّع الجويني علي عدم اشتراط رضا المضمون له، فقال: إذا ضمن من غير رضاه، نُظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه، فالمضمون له بالخيار إن شاء طالَب الضامن، و إن شاء تركه. و إن كان الضمان بإذنه، فحيث قلنا: يرجع الضامن علي المضمون عنه [يُجبر](3) المضمون له علي قبوله؛ لأنّ ما يؤدّيه في حكم ملك المضمون عنه. و حيث قلنا: لا يرجع، فهو كما لو قال لغيره: أدِّ دَيْني عنّي، و لم يشترط الرجوع و قلنا: إنّه لا يرجع(4).

و هل يستحقّ المدين و الحال هذه أن يمتنع من القبول ؟ فيه وجهان بناءً علي أنّ المؤدّي يقع فداءً أو موهوباً ممّن عليه الدَّيْن ؟ إن قلنا بالثاني، لم يكن له الامتناع، و هو الأشهر عندهم(5).

و قد ظهر من هذا أنّ للشافعيّة في اشتراط معرفة المضمون له و المضمون عنه ثلاثة أقوال:

قال بعضهم: لا تشترط معرفتهما.

و قال آخَرون: تشترط معرفتهما.

و قال قوم: تشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه؛ إذ لا معاملة معه(6)5.

ص: 310


1- أي: يتقدّم الرضا علي الضمان، كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 145:5.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «روضة الطالبين». و بدلها في «العزيز شرح الوجيز»: «يتخيّر».
4- العزيز شرح الوجيز 145:5-146، روضة الطالبين 474:3.
5- العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 474:3.
6- الحاوي الكبير 433:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، حلية العلماء 52:5-53، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 145:5-146، روضة الطالبين 474:3، المغني 71:5-72، الشرح الكبير 79:5.

و زاد الجويني قولاً رابعاً، و هو: اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له(1).

النظر الخامس: في الحقّ المضمون به.
مسألة 500: يشترط في الحقّ المضمون به أمران:

الأوّل: الماليّة، فلا يصحّ ضمان ما ليس بمال. و الضابط فيه أن يكون ممّا يصحّ تملّكه و بيعه، و كما لا يصحّ بيع المحرَّمات و الربويّات و غيرهما ممّا تقدّم، كذا لا يصحّ ضمانها.

الثاني: الثبوت في الذمّة، فلو ضمن دَيْناً لم يجب بَعْدُ و سيجب بقرضٍ أو بيعٍ أو شبههما، لم يصح.

و لو قال لغيره: ما أعطيت فلاناً فهو علَيَّ، لم يصح أيضاً عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد(2) - لأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلي ذمّةٍ في التزام الدَّيْن، فإذا لم يكن علي المضمون عنه شيء فلا ضمّ فيه و لا يكون ضماناً. و لأنّ الضمان شُرّع لوثيقة الحقّ، فلا يسبق وجوب الحقّ كالشهادة.

و للشافعيّة هنا طريقان:

أحدهما: قال ابن سريج: المسألة علي قولين:

القديم: أنّه يصحّ ضمان ما لم يثبت في الذمّة و لم يجب؛ لأنّ الحاجة قد تمسّ إليه، كما أنّه في القديم جوّز ضمان نفقة المستقبل. و بهذا قال أبو حنيفة و مالك.

و الجديد: المنع، و به قال أحمد.

ص: 311


1- العزيز شرح الوجيز 146:5، روضة الطالبين 474:3.
2- العزيز شرح الوجيز 149:5.

و الثاني: القطع بالمنع، و يخالف ضمان النفقة؛ لأنّ النفقة - علي القديم - تجب بالعقد، فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب(1).

مسألة 501: لو قال: ضمنت لك ما تبيعه من فلان، فباع الشيء بعد الشيء، لم يصح هذا الضمان عندنا،

و هو أحد قولي الشافعي(2).

و في القديم: يصحّ، و يكون ضامناً للكلّ؛ لأنّ «ما» من أدوات الشرط فتقتضي التعميم(3).

و لو قال: إذا بعت من فلان فأنا ضامن، فإنّه يضمن الأوّل لا غير؛ لأنّ «إذا» ليست من أدوات الشرط.

و قال أبو حنيفة: إذا قال لغيره: إذا بعت فلاناً شيئاً فهو عَلَيَّ، فباعه شيئاً ثمّ باعه شيئاً آخَر، لزم الضامن المال الأوّل خاصّةً. و لو قال: ما بعته اليوم فهو علَيَّ، لزمه ما يبيعه اليوم. و لو قال: مَنْ باع فلاناً اليوم فهو عَلَيَّ، فباعه رجل، لا يلزم الضامن(4).

مسألة 502: إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدَّيْن، فهنا - أي في صورة ضمان ما لم يجب - أولي.

و إن لم نشترط، فللشافعيّة وجهان(5).

و كذا معرفة المضمون عنه.

و إذا ضمن ما لم يجب، فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدَّيْن علي الأصيل، فيطالب حينئذٍ عند مَنْ جوّزه، و أمّا عندنا فلا.

قال مجوّزوه: إذا ضمن ما لم يجب ثمّ رجع عن الضمان، فإن كان

ص: 312


1- العزيز شرح الوجيز 149:5، روضة الطالبين 478:3.
2- العزيز شرح الوجيز 149:5.
3- العزيز شرح الوجيز 149:5، روضة الطالبين 478:3.
4- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 60:3.
5- العزيز شرح الوجيز 149:5، روضة الطالبين 478:3.

بعد لزوم المال، لم يكن له الرجوع.

و إن كان قبله، فعن ابن سريج من الشافعيّة: أنّ له أن يرجع(1).

و قال غيره من الشافعيّة: لا يرجع؛ لأنّ وضع الضمان علي اللزوم(2).

و علي قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال: اقرض فلاناً كذا و علَيَّ ضمانه، فأقرضه، قال بعض الشافعيّة: المذهب أنّه لا يجوز(3).

و قال ابن سريج: إنّه يجوز؛ لأنّه ضمانٌ مقرون بالقبض(4).

مسألة 503: يصحّ ضمان النفقة الماضية للزوجة،

سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين، و كذا ضمان الإدام و نفقة الخادم و سائر المؤن؛ لأنّها تثبت في الذمّة و استقرّت بمضيّ الزمان.

و كذا يصحّ ضمان نفقة اليوم الحاضر؛ لأنّها تجب بطلوع الفجر.

و أمّا النفقة المستقبلة - كنفقة الغد و الشهر المستقبل و السنة المستقبلة - فإنّها غير واجبة في الذمّة، فلا يصحّ ضمانها؛ لأنّ النفقة عندنا إنّما تجب بالعقد و التمكين، و التمكين في المستقبل لم يحصل، فلم تجب النفقة إلاّ مع حصوله، فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب، و هو القول الجديد للشافعي.

و قال في القديم: يصحّ(1).

و هو مبنيّ علي أنّ النفقة تجب بالعقد خاصّةً، و الأوّل مبنيّ علي أنّها تجب بالعقد و التمكين.

و قال الجويني: إن قلنا بالقديم، صحّ الضمان. و إن قلنا بالثاني، فالأصحّ: البطلان(2)

ص: 313


1- الحاوي الكبير 442:6، العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 478:3-479.
2- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.

و فيه قولٌ آخَر مع تفريعنا علي أنّ ضمان ما لم يجب باطل؛ لأنّ سبب وجوب النفقة ناجز، و هو النكاح(1).

و فيه إشكال؛ لأنّ سبب وجوب النفقة إمّا النكاح أو التمكين في النكاح، فإن كان الأوّل، فالنفقة واجبة، فكيف قال: و لم تجب!؟ و إن كان الثاني، فالسبب غير موجود.

مسألة 504: قد بيّنّا أنّ ضمان نفقة المدّة المستقبلة للزوجة باطل.

و علي قول الشافعي بالجواز يُشترط أمران:

أحدهما: أن يقدّر المدّة، فلو أطلق لم يصح فيما بعد الغد. و في الغد وجهان أخذاً من الخلاف فيما إذا قال: آجرتك كلّ شهر بدرهم، و لم يقدّر، هل يصحّ في الشهر الأوّل ؟ قولان.

الثاني: أن يكون المضمون نفقة المعسرين و إن كان المضمون عنه موسراً أو متوسّطاً؛ لأنّه ربما يعسر، فالزائد علي نفقة المعسر غير ثابتٍ؛ لأنّه يسقط بالعسر(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجوز ضمان نفقة الموسرين و المتوسّطين؛ لأنّ الظاهر استمرار حاله(3).

و أمّا نفقة القريب للمدّة المستقبلة فإنّها عندنا أولي بالبطلان؛ لعدم وجوبها، و به قال الشافعي(4).

أمّا نفقة اليوم، فالأقرب: جواز ضمانها؛ لوجوبها بطلوع الفجر.

و للشافعي وجهان، أحدهما: أنّه لا يصحّ(5).

و الفرق بينها و بين نفقة الزوجة: أنّ سبيل هذه النفقة سبيل البرّ و الصلة، لا سبيل الديون، و لهذا تسقط بمضيّ الزمان و ضيافة الغير، و نفقة الزوجة نفقة معاوضة، فسبيلها سبيل الديون.

ص: 314


1- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.
2- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.
3- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.
4- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.
5- العزيز شرح الوجيز 150:5، روضة الطالبين 479:3.
مسألة 505: لا يشترط في المال اللزوم،

بل مطلق الثبوت، سواء كان مستقرّاً لازماً، كثمن المبيع إذا كان في الذمّة، أو متزلزلاً، كضمان الثمن في مدّة الخيار، فإنّه يصحّ ضمانه - و هو أصحّ وجهي الشافعي(1) - لأنّه ينتهي إلي اللزوم بنفسه، فيحتاج فيه إلي التوثيق، و أصل وضع البيع اللزوم.

و الثاني: لا يصحّ ضمانه؛ لأنّه ليس بلازم(2).

و يُمنع اشتراط اللزوم.

و هذا الخلاف بين قولي الشافعي إنّما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما، أمّا إذا كان الخيار مختصّاً بالبائع، فإنّه يصحّ ضمانه بلا خلافٍ؛ لأنّ الدَّيْن لازم في حقّ مَنْ هو عليه(3).

و هو ممنوع.

و قال الجويني: تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنيّ علي أنّ الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلي البائع، أمّا إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بَعْدُ(4).

مسألة 506: الحقوق علي أربعة أضرب:
الأوّل: حقٌّ لازم مستقرّ،

كالثمن بعد قبض المبيع، و الأُجرة بعد انقضاء المدّة، و المهر بعد الدخول، و هذا يصحّ ضمانه إجماعاً.

الثاني: لازمٌ غير مستقرّ،

كالثمن قبل القبض، و المهر قبل الدخول، و الأُجرة قبل انقضاء المدّة، فهذا يصحّ ضمانه أيضاً؛ لأنّه لازمٌ في الحال و إن جاز أن يسقط، كما يسقط المستقرّ بالقضاء و الإبراء و بالردّ بالعيب و غير ذلك.

ص: 315


1- العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 483:3.
2- العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 483:3.
3- العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 483:3.
4- العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 483:3.

و كذا(1) السَّلَم يصحّ ضمانه عندنا و عند الشافعي(2) ؛ لأنّه دَيْنٌ لازمٌ، فصحّ ضمانه، كالقرض.

و قال أحمد بن حنبل في إحدي الروايتين: إنّه لا يصحّ ضمانه؛ لأنّه يؤدّي إلي استيفاء المُسْلَم فيه من غير المُسْلَم إليه، فلا يجوز، كالحوالة به(3).

و الفرق أنّه في الحوالة يطالب ببدل الحقّ، و في الضمان يطالب بنفس الحقّ.

الثالث: ما ليس بلازمٍ و لا يؤول إلي اللزوم،

كالكتابة عند بعض(4) علمائنا.

الرابع: ما ليس بلازمٍ و لكن يؤول إلي اللزوم،

كمال الجعالة.

مسألة 507: الأقرب عندي: أنّه يصحّ ضمان مال الكتابة
اشارة

- و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في وجهٍ(5) ، و خرّجه ابن سريج علي ضمان ما لم يجب و وُجد سبب وجوبه(6). و قال بعضهم: إنّه مأخوذ من تجويز ضمان الجُعْل في الجعالة علي إحدي الروايتين(7) - لأنّه دَيْنٌ علي المكاتب، فصحّ ضمانه، كسائر الديون عليه و علي غيره.

ص: 316


1- في النسخ الخطّيّة: «كذلك».
2- الحاوي الكبير 390:5، المهذّب - للشيرازي - 347:1، التهذيب - للبغوي - 174:4، المغني 377:4، الشرح الكبير 378:4.
3- المغني 377:4، و 75:5، الشرح الكبير 377:4-378، و 88:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2.
4- الشيخ الطوسي رحمه الله في المبسوط 325:2.
5- المغني 75:5، الشرح الكبير 86:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2، العزيز شرح الوجيز 155:5.
6- العزيز شرح الوجيز 155:5.
7- العزيز شرح الوجيز 155:5.

و المشهور من مذهب الشافعي - و إليه مالَ الشيخ(1) رحمه الله و أحمد في الرواية الأُخري -: أنّه لا يصحّ؛ لأنّ مال الكتابة ليس بلازمٍ و لا يؤول إلي اللزوم، فإنّ للمكاتَب أن يُعجّز نفسه و يمتنع من أدائه، فإذا لم يلزم(2) الأصيل فالضمين أولي(3).

و يُمنع عدم لزومه و أنّ للمكاتب تعجيز نفسه، بل يجب عليه القيام في المال؛ لأنّه قد صار دَيْناً عليه.

تذنيب: لو ضمن إنسان عن المكاتَب غير نجوم الكتابة،

فإن كان الدَّيْن لأجنبيّ، صحّ الضمان، و إذا أدّي الضامن، رجع علي المكاتَب إن كان قد ضمن بإذنه.

و إن ضمنه لسيّده، جاز أيضاً.

و الشافعي بناه علي أنّ ذلك الدَّيْن هل يسقط بعجزه ؟ و هو علي وجهين، إن قلنا: نعم، لم يصح، كضمان النجوم، و إلاّ جاز(4).

مسألة 508: في ضمان

مسألة 508: في ضمان(5) ما ليس بلازمٍ في الحال و له مصير إلي اللزوم، و الأصل في وضعه الجواز، كمال الجعالة.

فنقول: إن ضمن قبل الشروع في العمل، لم يصح الضمان؛ لأنّه

ص: 317


1- المبسوط - للطوسي - 336:2.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يلزمه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- الحاوي الكبير 460:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 238:3، حلية العلماء 53:5، التهذيب - للبغوي - 175:4، العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 482:3، المغني 75:5، الشرح الكبير 86:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2.
4- العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 482:3.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه كما استُظهر في هامش الطبعة الحجريّة، و لم يرد في النسخ الخطّيّة.

ضمان ما لم يجب؛ إذ العقد غير لازم، و المال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمّة فكيف يلزم فرعه!؟

و إن ضمن بعد فراغ العمل و استحقاقه للمال، صحّ ضمانه قطعاً؛ لأنّه ضمان ما قد ثبت وجوبه.

و إن ضمن بعد الشروع في العمل و قبل إتمامه، فالأقرب: جواز الضمان؛ لوجود سبب الوجوب، و لانتهاء الأمر فيه إلي اللزوم، كالثمن في مدّة الخيار، و هو أحد قولي الشافعي.

و أصحّهما عنده: المنع؛ لأنّ الموجِب للجُعْل هو العمل؛ إذ به يتمّ الموجَب، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(1).

و قال بعض الشافعيّة: يمكن بناء الوجهين علي الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل، فنقول: إن لم نجوّز الرجوع، فقد لزم الجُعْل من قِبَله. و إن جوّزناه، لم يصح ضمانه(2).

و أمّا مال المسابقة و المناضلة فمبنيّ علي أنّ عقدهما جعالة أو إجارة، فإن كان إجارةً، صحّ الضمان. و إن كان جعالةً، فهو كضمان الجُعْل.

و قال الشيخ(3) رحمه الله و أحمد: يصحّ ضمان مال الجعالة و المسابقة؛ لأنّه يؤول إلي اللزوم. و لقوله تعالي:«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» (4) و لأنّه يؤول إلي اللزوم إذا عمل العمل، و إنّما الذي لا يلزم2.

ص: 318


1- المهذّب - للشيرازي - 347:1، العزيز شرح الوجيز 156:5، و 460:4، روضة الطالبين 483:3، المغني 74:5، الشرح الكبير 87:5.
2- العزيز شرح الوجيز 460:4، و 156:5.
3- الخلاف 316:3 و 317، المسألتان 7 و 8 من كتاب الضمان، المبسوط - للطوسي - 325:2.
4- يوسف: 72.

العملُ، و المال يلزم لوجوده، و الضمان للمال دون العمل(1).

و كلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل.

مسألة 509: يصحّ ضمان أرش الجناية، عند علمائنا،
اشارة

سواء كان من النقدين أو من الإبل و غيرها(2) من الحيوانات - و به قال أحمد(3) - لأنّه ثابت مستقرّ في الذمّة، فصحّ ضمانه، كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم، و كغير الحيوانات من الأموال.

و قال أصحاب الشافعي: إذا لم نجوّز ضمان المجهول ففي ضمان إبل الدية وجهان، و يقال قولان:

أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه مجهول الصفة و اللون.

و الثاني: أنّه صحيح(4).

و نمنع بطلان ضمان المجهول.

سلّمنا، لكن نمنع الجهالة؛ فإنّ الإبل الواجبة في الذمّة عن النفس و الأعضاء و الجراحات معلومة العدد و السنّ، و جهالة اللون و غيره من الصفات الباقية لا تضرّ؛ لأنّ الذي يلزمه أدني لون أو صفة أو غالب إبل البلد، فتحصل معلومة. و لأنّ جَهْلَ ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام. و لأنّ الضمان تلو الإبراء، و الإبراء عنها صحيح فكذا الضمان.

ص: 319


1- الكافي في فقه الإمام أحمد 130:2، المغني 74:5، الشرح الكبير 87:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «أو من غيرهما» بدل «و غيرها».
3- الكافي في فقه الإمام أحمد 130:2، المغني 74:5، الشرح الكبير 87:5.
4- الحاوي الكبير 442:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 238:3، التهذيب - للبغوي - 178:4، العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.

و هذا الوجه(1) عند الشافعيّة أظهر حتي أنّ بعضهم قطع به(2).

تذنيب: إذا كان الضمان بحيث يقتضي الرجوع - كما إذا ضمن بسؤاله - فإنّه يرجع بالحيوان.

و للشافعيّة خلاف كما وقع في اقتراض الحيوان(3).

و هل يصحّ ضمان الدية علي العاقلة قبل تمام السنة ؟ الأقرب:

جوازه؛ لأنّ سبب الوجوب ثابت.

و قالت الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّها غير ثابتة بَعْدُ(4).

مسألة 510: إذا ضمن عيناً لمالكها و هي في يد غيره،

فإن كانت أمانةً لم يتعدّ فيها الأمين، لم يصح الضمان، كالوديعة و العارية غير المضمونة و مال الشركة و المضاربة و العين التي يدفعها إلي الصانع و المال في يد الوكيل و الوصي و الحاكم و أمينه إذا لم يقع منهم تعدٍّ أو تفريط، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّها غير مضمونة العين و لا مضمونة الردّ، و إنّما الذي يجب علي الأمين مجرّد التخلية، و إذا لم تكن مضمونةً علي ذي اليد فكذا علي ضامنه.

و لو ضمنها إن تعدّي فيها، لم يصح؛ لأنّه ضمان ما لم يجب و لم يثبت في الذمّة، فيكون باطلاً، كما لو ضمن عنه ما يدفعه إليه غداً قرضاً.

و قال أحمد: يصحّ ضمانه، فعلي هذا إن تلفت بغير تعدٍّ من القابض و لا تفريط، لم يلزم الضامن شيء؛ لأنّه فرع المضمون عنه، و المضمون عنه

ص: 320


1- أي الوجه الثاني. (2-4) العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.
2- التهذيب - للبغوي - 177:4، العزيز شرح الوجيز 162:5، روضة الطالبين 488:3.

لا يلزمه شيء. و إن تلفت بتعدٍّ أو تفريط، يلزمه ضمانها، و لزم الضامن ذلك؛ لأنّها مضمونة علي مَنْ هي في يده، فلزم ضامنه، كالمغصوب(1).

و هذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب، و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 511: الأعيان المضمونة - كالمغصوب و المستعار مع التضمين أو كونه أحد النقدين و المستام و الأمانات - إذا خان فيها أو تعدّي، فله صورتان:
الأُولي: أن يضمن ردّ أعيانها.

و هو جائز؛ لأنّه ضمان مال مضمون علي المضمون عنه، و به قال أبو حنيفة و أحمد(2).

و المشهور عند الشافعيّة تخريجه علي [قولي](3) كفالة الأبدان(4).

و منهم مَنْ قطع بالجواز مع إثبات الخلاف في كفالة الأبدان. و الفرق:

أنّ حضور الخصم ليس مقصوداً في نفسه، و إنّما هو ذريعة إلي تحصيل المال، فالتزام المقصود أولي بالصحّة من التزام الذريعة(5).

إذا ثبت هذا، فإن ردّها الضامن أو الغاصب، برئ من الضمان.

و إن تلفت و تعذّر الردّ، فهل عليه قيمتها؟ فيه للشافعيّة وجهان،

ص: 321


1- الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2، المغني 76:5، الشرح الكبير 86:5.
2- تحفة الفقهاء 243:3، بدائع الصنائع 7:6، الهداية - للمرغيناني - 92:3، الاختيار لتعليل المختار 276:2، الكافي في فقه الإمام أحمد 130:2، المغني 75:5، الشرح الكبير 87:5، حلية العلماء 76:5، العزيز شرح الوجيز 162:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قول». و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
4- المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 76:5، التهذيب - للبغوي - 177:4، العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 488:3.
5- العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 488:3.

كالوجهين في وجوب الغُرْم علي الكفيل إن [مات المكفول ببدنه(1).

فإن أوجبنا فيجب في المغصوب أقصي القِيَم أم قيمته يوم التلف؛ لأنّ الكفيل](2) لم يكن متعدّياً؟ حكي الجويني فيه وجهين(3).

و لو ضمن تسليم المبيع و هو في يد البائع، جري الخلاف في الضمان، فإن صحّحناه و تلف، انفسخ البيع، فإن لم يوفّر المشتري [الثمن](4) لم يطالب الضامن بشيء.

و إن كان قد وفّره، عاد الوجهان في أنّ الضامن هل يغرم ؟

فإن أغرمناه، فيغرم الثمن أو أقلّ الأمرين من الثمن و قيمة المبيع ؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما عندهم: الأوّل(5).

الثانية: أن يضمن قيمتها لو تلفت.

و الأقوي عندي: الصحّة؛ لأنّ ذلك ثابت في ذمّة الغاصب، فصحّ الضمان.

و قالت الشافعيّة: يبني ذلك علي أنّ المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدَّيْن ؟ إن قلنا: نعم، صحّ ضمان القيمة لو تلفت العين، و إلاّ لم يصح، و هو الأصحّ عندهم(6).

و لو تكفّل ببدن العبد الجاني جنايةً توجب المال، فهو كما لو ضمن عيناً من الأعيان.

ص: 322


1- الحاوي الكبير 434:6، المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 76:5-77، التهذيب - للبغوي - 178:4، العزيز شرح الوجيز 162:5، روضة الطالبين 488:3.
2- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 162:5، روضة الطالبين 488:3.
4- ما بين المعقوفين من المصدر. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 162:5، روضة الطالبين 488:3.

و جزم بعض الشافعيّة بالمنع هنا. و فرّق بأنّ العين المضمونة مستحقّة و نفس العبد ليست مستحقّةً، و إنّما المقصود تحصيل الأرش من بدله، و بدله مجهول(1).

و لو باع شيئاً بثوب أو دراهم معيّنة فضمن ضامن عهدة المبيع حتي إذا خرج مستحقّاً ردّ عليه الثمن و هو قائم في يد البائع، فهذا من صور ضمان الأعيان، فإن تلف في يد البائع فضمن قيمته، فهو كما لو كان الثمن في الذمّة و ضمن العهدة.

و لو رهن ثوباً من إنسان و لم يقبضه، فضمن رجل تسليمه، لم يصح؛ لأنّه ضمان ما لم يجب.

إذا عرفت هذا، فقد اختلف قول الشافعيّة في صحّة ضمان الأعيان المضمونة، كالغصب و شبهه.

فقال بعضهم: يصحّ، و به قال أبو حنيفة و أحمد علي ما تقدّم(2) ؛ لأنّها مضمونة علي مَنْ هي في يده، فهي كالديون الثابتة في الذمّة.

و الثاني(3): لا يصحّ ضمانها؛ لأنّها غير ثابتة في الذمّة، و إنّما يصحّ ضمان ما كان ثابتاً في الذمّة، و وصفنا إيّاها بأنّها مضمونة معناه أنّه يلزمه قيمتها بتلفها، و القيمة مجهولة، و ضمان المجهولة لا يجوز(4).

مسألة 512: للشيخ رحمه الله قولان في ضمان المجهول.
اشارة

قال في الخلاف: لا يصحّ(5) ، و به قال ابن أبي ليلي و الثوري و الليث

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 162:5، روضة الطالبين 488:3.
2- في ص 321، المسألة 511.
3- أي القول الثاني للشافعيّة.
4- المغني 75:5، الشرح الكبير 87:5، و أيضاً راجع المصادر في الهامش (4) من ص 321.
5- الخلاف 319:3، المسألة 13.

و أحمد(1) ؛ لأنّه إثبات مال في الذمّة بعقدٍ لآدمي، فلم يصح في المجهول، كالبيع و كما لو قال: ضمنت لك بعض مالك علي فلان.

و قال في النهاية: لو قال: أنا أضمن لك ما يثبت لك عليه إن لم يأت به إلي وقت كذا، ثمّ لم يُحضره، وجب عليه ما قامت به البيّنة للمضمون عنه، و لا يلزمه ما لم تقم به البيّنة ممّا يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب، و إنّما يلزمه ما قامت له به البيّنة، أو يحلف خصمه عليه، فإن حلف علي ما يدّعيه و اختار هو ذلك، وجب عليه الخروج منه(2). و هذا يشعر بجواز ضمان المجهول، و به قال أبو حنيفة و مالك(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه علي قولين: القديم: أنّه يصحّ. و الجديد: المنع.

و الثاني: القطع بالمنع(5).

و احتجّ المجوّزون بقوله تعالي:«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ3.

ص: 324


1- حلية العلماء 56:5، المغني 72:5، الشرح الكبير 80:5، و في الأخيرين و كذا في الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2 صحّة ضمان المجهول، علي العكس ممّا نُسب إلي أحمد في المتن.
2- النهاية: 315-316.
3- المبسوط - للسرخسي - 174:19، الهداية - للمرغيناني - 90:3، الاختيار لتعليل المختار 274:2، بداية المجتهد 298:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 602:2، عيون المجالس 1666:4، حلية العلماء 56:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:1، العزيز شرح الوجيز 156:5، المغني 72:5، الشرح الكبير 80:5.
4- لاحظ المصادر في الهامش (1).
5- الوسيط 238:3، الوجيز 184:1، العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 483:3.

زَعِيمٌ» (1) و حِمْل البعير مجهول، و يختلف باختلاف الأجناس.

و لعموم قوله عليه السلام: «الزعيم غارم»(2).

و لأنّه التزام حقٍّ في الذمّة عن معاوضة، فصحّ مع الجهالة، كالنذر و الإقرار. و لأنّه يصحّ تعليقه بغرر و خطر، و هو ضمان العهدة، و كما إذا قال لغيره: ألق متاعك في البحر و علَيَّ ضمانه، أو قال: ادفع ثيابك إلي هذا [الرفّاء](3) و علَيَّ ضمانها، فصحّ في المجهول، كالعتق و الطلاق(4).

تذنيب: إن قلنا بصحّة ضمان المجهول فإنّما يصحّ في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك،

كما لو قال: أنا ضامن للدَّيْن الذي عليك، أو أنا ضامن لثمن ما بعت من فلان، و هو جاهل بالدَّيْن و الثمن؛ لأنّ معرفته ممكنة، و الخروج عن العهدة مقدور عليه، أمّا لو لم يمكن الاستعلام، فإنّ الضمان فيه لا يصحّ قولاً واحداً، كما لو قال: ضمنت لك شيئاً ممّا لك علي فلان.

مسألة 513: الإبراء - عندنا - من المجهول يصحّ؛
اشارة

لأنّه إسقاط عمّا في الذمّة، بل هو أولي من ضمان المجهول؛ لأنّ الضمان التزام، و الإبراء إسقاط.

و الخلاف المذكور للشافعيّة في ضمان المجهول آتٍ لهم في الإبراء(5)

ص: 325


1- يوسف: 72.
2- سنن ابن ماجة 2405/804:2، سنن أبي داوُد 3565/297:3، سنن الترمذي 1265/565:3، سنن الدارقطني 8/70:4، سنن البيهقي 72:6، مسند أحمد 21792/358:6.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- المغني 72:5، الشرح الكبير 80:5-81.
5- العزيز شرح الوجيز 156:5، روضة الطالبين 484:3.

و ذكروا للخلاف في الإبراء مأخذين:

أحدهما: الخلاف في صحّة شرط البراءة من العيوب، فإنّ العيوب مجهولة الأنواع و الأقدار.

و الثاني: أنّ الإبراء محض إسقاطٍ، كالإعتاق، أو هو تمليك للمديون ما في ذمّته، ثمّ إذا ملكه يسقط.

و فيه قولان إن قلنا: إنّه إسقاط، صحّ الإبراء عن المجهول - كما ذهبنا نحن إليه - و به قال أبو حنيفة و مالك. و إن قلنا: تمليك، لم يصح، و هو ظاهر مذهب الشافعي(1).

و خرّجوا علي هذا الأصل مسائل:

أ: لو عرف المبري قدر الدَّيْن و لم يعرفه المبرأ عنه، هل يصحّ أم لا؟ و سيأتي إن شاء اللّه تعالي في باب الوكالة.

ب: لو كان له دَيْنٌ علي اثنين، فقال: أبرأت أحدكما، إن قلنا: إنّه إسقاط، صحّ، و طُولب بالبيان. و إن قلنا: تمليك، لم يصح، كما لو كان في يد كلّ واحدٍ منهما ثوب، فقال: ملّكت أحدكما الثوب الذي في يده.

ج: لو كان للأب دَيْنٌ علي شخصٍ فأبرأه الولد و هو لا يعلم موت أبيه، إن قلنا: إنّه إسقاط، صحّ، كما لو قال لعبد أبيه: أعتقتك، و هو لا يعلم موت الأب. و إن قلنا: إنّه تمليك، فهو كما لو باع مال أبيه علي ظنّ أنّه حيّ و هو ميّت

د: الإبراء إذا كان إسقاطاً، لم يحتج إلي القبول، و هو ظاهر مذهب الشافعي. و إن قلنا: إنّه تمليك، لم يحتج إليه أيضاً؛ لأنّه و إن كان تمليكاً3.

ص: 326


1- العزيز شرح الوجيز 156:5-157، روضة الطالبين 484:3.

فالمقصود منه الإسقاط. فإن اعتبرنا القبول، ارتدّ بالردّ. و إن لم نعتبره، ففي ارتداده بالردّ وجهان للشافعيّة(1).

و عندنا أنّه لا يرتدّ.

و احتجّ بعض الشافعيّة علي أنّ الإبراء تمليك: بأنّه لو قال للمديون:

ملّكتك ما في ذمّتك، صحّ و برئت ذمّته من غير نيّة و قرينة، و لو لا أنّه تمليك لافتقر إلي نيّة أو قرينة، كما إذا قال لعبده: ملّكتك رقبتك، أو لزوجته: ملّكتكِ نفسكِ، فإنّه يحتاج عندهم إلي النيّة(2).

و لا يتأتّي ذلك علي مذهبنا؛ لأنّ العتق و الطلاق لا يقعان بالكناية، و إنّ الإبراء عندنا إسقاط محض، و لا يعتبر فيه رضا المبري، و لا أثر لردّه.

تذنيب: لو اغتاب شخصٌ غيرَه ثمّ جاء إليه فقال: إنّي اغتبتك فاجعلني في حلٍّ،

ففَعَل و هو لا يدري بِمَ اغتابه، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يبرأ؛ لأنّ هذا إسقاط محض، فصار كما لو عرف أنّ عبداً قطع عضواً من عبده و لم يعرف عين العضو المقطوع فعفا عن القصاص، يصحّ.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّ المقصود حصول رضاه، و الرضا بالمجهول لا يمكن، بخلاف مسألة القصاص؛ لأنّ العفو عن القصاص مبنيّ علي التغليب و السراية، و إسقاط المظالم غير مبنيّ عليه(3).

مسألة 514: إذا منعنا من ضمان المجهول، فلو قال: ضمنت ما لك علي فلان من درهم إلي عشرة، فالأقوي: الصحّة؛
اشارة

لأنّ ضمان المجهول إذا أبطلناه فإنّما كان باطلاً؛ لما فيه من الغرر، و مع بيان الغاية ينتفي الغرر،

ص: 327


1- العزيز شرح الوجيز 157:5، روضة الطالبين 484:3.
2- العزيز شرح الوجيز 157:5، روضة الطالبين 484:3.
3- العزيز شرح الوجيز 157:5-158، روضة الطالبين 484:3.

فينتفي المقتضي للفساد، فيبقي أصل الصحّة سليماً عن المبطل، و حيث وطّن نفسه علي تلك الغاية فأيّ غرر يبقي فيه ؟ و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: لا يصحّ؛ لما فيه من الجهالة(1).

فإذا قلنا بالصحّة و كان له عليه عشرة أو أكثر، فيلزمه العشرة؛ إدخالاً للطرفين في الملتزم، و هو المتعارف، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يلزمه ثمانية؛ إخراجاً للطرفين.

و الثالث: تسعة؛ إدخالاً للطرف الأوّل؛ لأنّه مبدأ الالتزام(2).

و ما اخترناه أصحّهما عندهم(3).

أمّا لو قال: ضمنت لك ما بين درهم و عشرة، فإن عرف أنّ دَيْنه لا ينقص عن عشرة، صحّ ضمانه، و كان ضامناً لثمانية.

و إن لم يعرف، ففي صحّته في الثمانية للشافعيّة قولان(4)..

و لو قال: ضمنت لك الدراهم التي لك علي فلان، و قلنا ببطلان ضمان المجهول و هو لا يعرف قدرها، احتُمل صحّة ضمان ثلاثة؛ لدخولها قطعاً في اللفظ علي كلّ حال، كما لو قال: آجرتك كلّ شهر بدرهم، هل يصحّ في الشهر الأوّل ؟ للشافعيّة وجهان(5).

و كلّ هذه المسائل آتية في الإبراء.

تذنيب: هل يجوز ضمان الزكاة عمّن هي عليه ؟ الأقوي عندي:

الجواز؛

لأنّها دَيْنٌ ثابت للّه تعالي، فجاز ضمانها.

و المضمون له هنا الحاكم أو المستحقّ؟ إشكال.

ص: 328


1- التهذيب - للبغوي - 179:4، العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.
2- التهذيب - للبغوي - 179:4، العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.
3- العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.
4- العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.
5- العزيز شرح الوجيز 158:5، روضة الطالبين 485:3.

و للشافعيّة وجه يمنع الضمان؛ لأنّها حقّ اللّه تعالي، فأشبه الكفالة ببدن الشاهد لأداء الشهادة(1).

و علي ما اخترناه هل يعتبر الإذن عند الأداء؟ للشافعيّة وجهان أظهرهما: الاعتبار(2).

تذنيب: يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم، كالأموال؛

لأنّها مستحقّة في ذمّة المضمون عنه معلومة، فلا مانع من صحّة ضمانها كالأموال.

البحث الثالث: في ضمان العهدة.
مسألة 515: مَنْ باع شيئاً فخرج المبيع مستحقّاً لغير البائع، وجب علي البائع ردّ الثمن، و لا حاجة فيه إلي شرطٍ و التزام.

قال بعض(1) العلماء: من الحماقة اشتراط ذلك في القبالات.

و إن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقّاً، فهو ضمان العهدة، و يُسمّي أيضاً ضمان الدرك.

و سُمّي ضمان العهدة؛ لالتزام الضامن ما في عهدة البائع ردّه، أو لما ذكره صاحب الصحاح، فقال: يقال: في الأمر عُهدة بالضمّ، أي: لم يُحكم بَعْدُ، و في عقله عُهدة، أي ضعف(2) ، فكأنّ الضامن ضمن ضعف العقد، و التزم ما يحتاج إليه فيه من غُرْم، أو أنّ الضامن التزم رجعة المشتري عليه

ص: 329


1- هو القفّال من الشافعيّة، كما في العزيز شرح الوجيز 151:5، و روضة الطالبين 479:3.
2- الصحاح 515:2 «عهد».

عند الحاجة.

و أمّا الدرك فقال في الصحاح: الدرك: التبعة(1).

و قيل: سُمّي ضمان الدرك؛ لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحقّ عين ماله(2).

و هذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن، و إن لم يكن قد قبض، لم يصح.

و للشافعي في صحّة ضمان العهدة طريقان:

أظهرهما: أنّه علي قولين:

أحدهما: أنّه لا يصحّ؛ لأنّه ضمان ما لم يجب. و لأنّه لا يجوز الرهن به فكذا الضمين.

و أصحّهما - و هو قول الشافعي في كتاب الإقرار - أنّه صحيح - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد - لإطباق الناس عليه، و إيداعه الصكوك في جميع الأعصار. و لأنّ الحاجة تمسّ إلي معاملة مَنْ لا يعرف من الغرماء و لا يوثق بيده و ملكه و يخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق، فيحتاج إلي التوثيق.

و الثاني: القطع بالصحّة(3).

و نمنع كون ضمان العهدة ضمان ما لم يجب؛ لأنّه إذا ظهر عدم5.

ص: 330


1- الصحاح 1582:4 «درك».
2- العزيز شرح الوجيز 151:5، روضة الطالبين 479:3.
3- الحاوي الكبير 441:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، الوسيط 236:3، حلية العلماء 64:5، التهذيب - للبغوي - 175:4، العزيز شرح الوجيز 151:5، روضة الطالبين 479:3، الهداية - للمرغيناني - 90:3، بدائع الصنائع 9:6، الاختيار لتعليل المختار 280:2، الذخيرة 212:9، المغني 76:5، الشرح الكبير 84:5.

استحقاق البائع للعين، ظهر استحقاق الثمن عليه، و ثبوته في ذمّته، و أنّه يجب عليه ردّ الثمن إلي المشتري، إلاّ أنّا لم نكن نعرف ذلك لخفاء الاستحقاق عندنا.

و نمنع عدم جواز الرهن عليه و قد روي داوُد بن سرحان عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الكفيل و الرهن في بيع النسيئة، قال:

«لا بأس»(1).

سلّمنا، لكنّ الفرق ظاهرٌ؛ لأنّ تجويز الرهن يؤدّي إلي أن تبقي العين مرهونةً أبداً.

مسألة 516: قد بيّنّا أنّ الضمان في عهدة الثمن و دركه إن كان بعد قبض البائع الثمنَ، صحّ،

و به قال الشافعي في أصحّ القولين عنده(2).

و إن كان قبله، فوجهان عنده:

أصحّهما: البطلان - كما قلناه نحن - لأنّ الضامن إنّما يضمن ما دخل في ضمان البائع و لزمه ردّه، و قبل القبض لم يتحقّق ذلك.

و الثاني: الجواز؛ لأنّ الحاجة تمسّ إليه و الضرورة تقود إليه؛ إذ ربما لا يثق المشتري بتسليم الثمن إلاّ بعد الاستيثاق(3).

و اعلم أنّ ضمان العهدة في المبيع يصحّ عن البائع للمشتري و عن المشتري للبائع، أمّا ضمانه عن البائع للمشتري فهو أن يضمن عن البائع الثمن متي خرج المبيع مستحقّاً أو رُدّ بعيبٍ، أو أرش العيب. و أمّا ضمانه عن المشتري للبائع فهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، و إن

ص: 331


1- الفقيه 188/55:3، التهذيب 491/210:6.
2- العزيز شرح الوجيز 151:5، روضة الطالبين 479:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 65:5، التهذيب - للبغوي - 175:4، العزيز شرح الوجيز 151:5، روضة الطالبين 480:3.

ظهر فيه عيب أو استحقّ، رجع بذلك علي الضامن، فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخَر.

و حقيقة العهدة الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع، و يذكر فيه الثمن فغرمه عن الثمن الذي يضمنه.

مسألة 517: و كما يصحّ ضمان العهدة للمشتري يصحّ ضمان نقصان الصنجة للبائع،

فإذا جاء المشتري بصنجة و وزن بها الثمن، فاتّهمه البائع فيها، فضمن ضامنٌ النقصانَ إن كانت الصنجة ناقصةً، صحّ الضمان؛ لأنّه من ضمان العهدة.

و كذا لو ضمن رداءة الثمن إذا شكّ البائع في أنّ الثمن الذي دفعه المشتري إليه هل هو من الضرب الذي يستحقّه، صحّ، فإذا خرج ناقصاً، طالَب البائعُ الضامنَ بالنقصان.

و كذا لو خرج رديئاً من غير الجنس الذي يستحقّه المشتري، فردّه علي البائع، طالَب المشتري الضامنَ بالضرب المستحقّ له.

و لو اختلف المتبايعان في نقصان الصنجة، فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأصالة عدم القبض، فإذا حلف طالَب المشتري بالنقصان، و لا يطالب الضامن، علي أقيس الوجهين للشافعيّة؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته، فلا يطالب إلاّ إذا اعترف بالنقصان أو قامت عليه البيّنة(1).

و لو اختلف البائع و الضامن في نقصان الصنجة، صُدّق الضامن - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ الأصل براءة ذمّته، بخلاف المشتري، فإنّ ذمّته كانت مشغولةً بحقّ البائع، فالأصل(1) بقاء الشغل.

ص: 332


1- كذا، و الظاهر: «و الأصل».

و يُحتمل تقديم قول البائع؛ لاعتضاده بالأصل.

و لو باع و شرط كون المبيع من نوع كذا، فخرج المبيع من نوع أردأ، ثبت للمشتري الخيار و الرجوع بالثمن، فإذا ضمن ضامنٌ، كان له الرجوع علي الضامن أيضاً.

و فيه نظر عندي؛ إذ الثمن هنا لم يكن واجباً علي البائع، و إنّما وجب بفسخ المشتري البيع.

و لو شرط كون المبيع كذا رطلاً، فخرج دونه، فإن قلنا ببطلان البيع - كما هو أحد قولي الشافعي(1) - كان للمشتري الرجوع علي ضامن الصنجة عن البائع.

و إن قلنا بأنّ البيع صحيح و ثبت للمشتري الخيار فإذا فسخ رجع علي الضامن أيضاً.

و فيه النظر الذي قلناه.

مسألة 518: لو ضمن رجل عهدة الثمن لو خرج مستحقّاً - كما قلناه في طرف المبيع - فإذا خرج الثمن مستحقّاً، كان للبائع مطالبة الضامن

بالعين التي دفعها إلي المشتري إن كان ذلك بعد الدفع، و فيما قبله قولان للشافعي تقدّما(2).

و لو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع مستحقّاً، فلا شكّ في صحّته كما سبق(3) ، إلاّ من بعض الشافعيّة(4) ، و قد بيّنّا خطأهم فيه.

أمّا لو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع معيباً و ردّه أو بانَ فساد البيع

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 152:5.
2- في ص 331، المسألة 516.
3- في ص 330، ضمن المسألة 515.
4- راجع: الهامش (3) من ص 330.

بسبب غير الاستحقاق، كتخلّف شرطٍ معتبر في المبيع أو اقتران شرطٍ فاسد به، فالأقوي عندي: عدم الجواز في الصورة التي خرج المبيع فيها معيباً؛ لأنّ وجوب ردّ الثمن علي البائع بسببٍ حادث، و هو الفسخ، و الضمان سابق عليه، فيكون ضمان ما لم يجب، و هو أحد قولَي الشافعي(1).

و أمّا إذا ظهر فساد البيع بسبب غير الاستحقاق من تخلّف شرطٍ معتبر أو اقتران شرطٍ فاسد به، فالأقوي عندي: صحّة الضمان؛ لأنّ الثمن يجب ردّه علي البائع، فأشبه ما لو بانَ الفساد بالاستحقاق، و هو أحد قولَي الشافعي.

و في الثاني: لا يصحّ الضمان؛ لأنّ هذا الضمان إنّما جُوّز للحاجة، و إنّما تظهر الحاجة في الاستحقاق؛ لأنّ التحرّز عن ظهور الاستحقاق لا يمكن، و التحرّز عن سائر أسباب الفساد ممكن، بخلاف حالة ظهور الاستحقاق(2).

و نمنع إمكان التحرّز عن جميع أسباب الفساد.

فإن قلنا بالصحّة لو ضمن ذلك صريحاً، قالت الشافعيّة: فيه وجهان في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة(3).

مسألة 519: ألفاظ ضمان العهدة أن يقول الضامن للمشتري: ضمنت لك عهدته، أو ثمنه، أو دركه، أو خلّصتك منه.

و لو قال: ضمنت لك خلاص المبيع و العهدة، لم يصح ضمان الخلاص؛ لأنّه لا يقدر علي ذلك متي خرج مستحقّاً.

ص: 334


1- العزيز شرح الوجيز 152:5، روضة الطالبين 480:3.
2- العزيز شرح الوجيز 152:5-153، روضة الطالبين 480:3.
3- العزيز شرح الوجيز 153:5، روضة الطالبين 480:3.

و في العهدة قولا تفريق الصفقة للشافعيّة(1).

و قال أبو يوسف: العهدة كتاب الابتياع، فإذا ضمن العهدة، كان ضماناً للكتاب(2).

و هو غلط؛ لأنّ العهدة صار في العرف عبارةً عن الدرك و ضمان الثمن، و إذا ثبت للاسم عرفٌ، انصرف الإطلاق إليه.

و لو شرط في البيع كفيلاً بخلاص المبيع، قال الشافعي: بطل، بخلاف ما لو شرط كفيلاً بالثمن(3).

و يشترط أن يكون قدر الثمن معلوماً للضامن إن شرطنا العلم بالمال المضمون، فإن لم يكن، فهو كما لو لم يكن قدر الثمن معلوماً في المرابحة.

و يصحّ ضمان المُسْلَم فيه للمُسْلَم إليه لو خرج رأس المال مستحقّاً بعد تسليم المُسْلَم فيه، و قبله للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: أنّه لا يصحّ(4).

و لا يجوز ضمان رأس المال للمُسْلِم لو خرج المُسْلَم فيه مستحقّاً؛ لأنّ المُسْلَم فيه في الذمّة، و الاستحقاق لا يتصوّر فيه، و إنّما يتصوّر في المقبوض، و حينئذٍ يطالب بمثله لا برأس المال.

مسألة 520: ضمان المال - عندنا - ناقل للمال من ذمّة المديون إلي ذمّة الضامن علي ما يأتي.

ص: 335


1- العزيز شرح الوجيز 153:5، روضة الطالبين 480:3.
2- حلية العلماء 66:5، و انظر: المغني 77:5، و الشرح الكبير 85:5.
3- العزيز شرح الوجيز 153:5، روضة الطالبين 480:3.
4- العزيز شرح الوجيز 153:5، روضة الطالبين 481:3.

و في ضمان الأعيان المضمونة و العهدة إشكال أقربه عندي: جواز مطالبة كلٍّ من الضامن و المضمون عنه بالعين المغصوبة.

أمّا الضامن: فللضمان.

و أمّا المضمون عنه: فلوجود العين في يده أو تلفها فيه.

و في العهدة إن شاء المشتري طالَب البائع، و إن شاء طالَب الضامن؛ لأنّ القصد هنا بالضمان التوثيق لا غير.

و لا فرق بين أن يخرج المبيع مغصوباً، و بين أن يكون شقصاً قد ثبتت فيه الشفعة ببيعٍ سابق، فأخذ الشفيع بذلك البيع.

و لو بانَ بطلان البيع بشرطٍ أو غيره، ففي مطالبة الضامن للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يُطالب، كما لو خرج مستحقّاً، و هو الذي قلنا نحن به.

و الثاني: لا يُطالب؛ للاستغناء عنه بإمكان حبس المبيع إلي استرداد الثمن، لأنّ السابق إلي الفهم من ضمان العهدة هو الرجوع بسبب الاستحقاق(1).

و ليس بجيّد، بل بسبب الاستحقاق و الفساد.

و لو خرج المبيع معيباً فردّه المشتري، ففي مطالبة الضامن بالثمن عندي إشكال.

و للشافعيّة وجهان، قالوا: و أولي بأن لا يطالب فيه؛ لأنّ الردّ هنا بسببٍ حادث، و هو [مختار](2) فيه، فأشبه ما إذا(3) فسخ بخيار شرط أو مجلس، أو تقايلا(4).3.

ص: 336


1- العزيز شرح الوجيز 153:5-154، روضة الطالبين 481:3.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في «ر، ث»: «لو» بدل «إذا».
4- العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3.

و هذا إذا كان العيب مقروناً بالعقد، أمّا لو حدث في يد البائع بعد العقد، قال بعض الشافعيّة: لا يطالب الضامن - و هو المعتمد عندي - لأنّ سبب ردّ الثمن لم يكن مقروناً بالعقد و لم يوجد من البائع تفريط فيه، و في العيب الموجود عند البيع سبب الردّ مقرون بالعقد، و البائع مفرط بالإخفاء، فأُلحق بالاستحقاق(1).

و لو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض الثمن و انفسخ العقد، فهل يطالب الضامن بالثمن ؟ إن قلنا: إنّ البيع ينفسخ من أصله، فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق. و إن قلنا: ينفسخ من حينه، فكالردّ بالعيب.

مسألة 521: لو خرج بعض المبيع مستحقّاً، كان البيع في الباقي صحيحاً، و للمشتري فسخه علي ما تقدّم

(2) .

و للشافعي في صحّة البيع في الباقي قولا تفريق الصفقة(3).

فعلي ما اخترناه و علي قوله بالصحّة في تفريق الصفقة إذا أجاز المشتري بالحصّة من الثمن، طالَب المشتري الضامنَ بحصّة المستحقّ من الثمن. و إن أجاز بجميع الثمن، لم يكن له مطالبة الضامن بشيء.

و للشافعيّة قولان في أنّه هل يجيز بجميع الثمن أو بالحصّة ؟(4).

و الحكم علي ما قلناه.

و إن فسخ، طالَب الضامن بحصّة المستحقّ من الثمن، و أمّا حصّة الباقي من الثمن فإنّه يطالبه بها البائع.

و هل له مطالبة الضامن ؟ أمّا عندنا فلا.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3.
2- في ج 12، ص 6، ضمن المسألة 550. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3.

و للشافعي قولان(1) ، كما لو فسخ بالعيب.

و علي القول الثاني للشافعي في بطلان البيع مع تفريق الصفقة فله طريقان:

أحدهما: أنّه كما لو بانَ فساد العقد بشرطٍ و نحوه.

و الثاني: القطع بتوجيه المطالبة؛ لاستناد الفساد إلي الاستحقاق، لأنّ فسخ العقد ثبت له بسبب الاستحقاق، و ما ثبت له بسبب الاستحقاق يرجع به علي ضامن العهدة، كما لو كان الكلّ مستحقّاً(2).

هذا إذا ضمن بالصيغة المذكورة أوّلاً، أمّا إذا كان قد عيّن جهة الاستحقاق، فقال: ضمنت لك الثمن متي خرج المبيع مستحقّاً، لم يطالب بجهةٍ أُخري.

و كذا لو عيّن جهةً أُخري، لا يطالب عند ظهور الاستحقاق.

مسألة 522: لو اشتري أرضاً و بني فيها أو غرس ثمّ ظهر استحقاق الأرض، و قَلَع المستحقّ البناء و الغراس،

فهل يجب علي البائع أرش النقصان، و هو ما بين قيمته قائماً و مقلوعاً؟ فيه خلاف يأتي، و الظاهر وجوبه، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إن كان البائع حاضراً، رجع المشتري بقيمة البناء و الغراس عليه قائماً، ثمّ المستحقّ إن شاء أعطي البائع قيمته مقلوعاً، و إن شاء أمر بقلعه. و إن كان البائع غائباً، قال المستحقّ للمشتري: إن شئت

ص: 338


1- العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3.
2- العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3-482.
3- التهذيب - للبغوي - 177:4، العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 482:3.

أعطيتك قيمته مقلوعاً، و إلاّ فاقلعه، فإن قَلَعه، رجع المشتري بقيمته علي البائع مقلوعاً؛ لأنّه سلّمه إليه مقلوعاً(1).

و إذا قلنا بوجوب الأرش علي البائع، فلو ضمنه [ضامن](2) ، فإن كان قبل ظهور الاستحقاق، لم يصح عند الشافعي؛ لأنّه مجهول. و لأنّه ضمان ما ليس بواجب.

و إن كان بعد الاستحقاق و قبل القلع، فكمثله(3).

و قال أبو حنيفة: يصحّ في الصورتين(4).

فإن ضمنه بعد القلع و كان قدره معلوماً، صحّ، و إلاّ فقولان.

و إن ضمن ضامنٌ عهدة الأرض و أرش [نقص](5) البناء و الغراس في عقدٍ واحد، قال الشافعي: لم يصح في الأرش، و في العهدة قولا تفريق الصفة(6).

و لو كان البيع بشرط أن يعطيه كفيلاً بهما، فهو كما لو شرط في البيع رهناً فاسداً عند الشافعي(7).

و قال جماعة من الشافعيّة: إنّ ضمان نقصان البناء و الغراس كما3.

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 154:5-155.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- التهذيب - للبغوي - 177:4، العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 482:3.
4- العزيز شرح الوجيز 155:5.
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
6- التهذيب - للبغوي - 177:4، العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 482:3.
7- العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 483:3.

لا يصحّ من غير البائع لا يصحّ من البائع(1).

و هذا إن أُريد به أنّه لغو، كما لو ضمن العهدة لوجوب الأرش عليه من غير التزامٍ، فهو مستمرّ علي ظاهر مذهب الشافعيّة(2)، و إلاّ فهو ذهاب منهم إلي أنّه لا أرش عليه.

مسألة 523: استحقاق رجوع المشتري بالثمن إن كان بسببٍ حادث بعد العقد - كتلف المبيع في يد البائع أو بغَصْبٍ منه،

أو تقايل المشتري - فإنّ المشتري يرجع هنا علي البائع خاصّةً؛ لأنّ هذا الاستحقاق لم يكن موجوداً حال العقد، و إنّما ضمن في العقد الاستحقاق الموجود حال العقد.

و مَنْ جوّز ضمان ما لم يجب جَعَل للمشتري هنا الرجوعَ علي الضامن.

و إن كان الاستحقاق للثمن بسببٍ كان موجوداً حال العقد، فإن كان لا بتفريطٍ من البائع كالشفعة، فإن أخذ الشقص من المشتري، رجع المشتري عليه، و لا يرجع علي البائع و لا علي الضامن؛ لأنّ الشفعة مستحقّة علي المشتري.

و إن كان بتفريطه، فإن كان المشتري ردّ بعيبٍ كان موجوداً حال العقد، رجع علي البائع.

و في رجوعه علي الضامن إشكال.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إن كان فيه عيب و حدث فيه عند المشتري عيب، فليس له ردّه،

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 154:5، روضة الطالبين 481:3.

و له الرجوع بأرش العيب، و يرجع به علي البائع.

و في رجوعه علي الضامن الإشكال السابق.

و الوجهان للشافعيّة(1).

مسألة 524: لو ضمن البائع له ما يحدث المشتري في المبيع

من بناء أو غراس أو ما يلزمه من غرامة عن أُجرة و نفع، فالأقرب: صحّة الضمان، و به قال أبو حنيفة و أحمد؛ لأنّ ضمان ما لم يجب - عندهما - و ضمان المجهول صحيحان(2).

و عندنا أنّ ضمان المجهول صحيح، و ضمان ما لم يجب باطل، لكن نمنع هنا كون المضمون غيرَ واجب.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه مجهول و لم يجب، و كلاهما لا يصحّ ضمانه(3).

فعلي قوله إذا ضمن ذلك البائعُ في عقد البيع أو ضمنه غيره و شرط ذلك في العقد، فسد به العقد عنده، و كذا إن كان في زمن الخيار. و إن كان بعد لزوم العقد، لم يصح و لم يؤثّر في العقد.

و إن ضمن ذلك مع العهدة، فإن كان البائعَ، لم يصح ضمان ما يحدث عنده، و العهدة واجبة عليه بغير ضمان. و إن كان أجنبيّاً، فسد ضمان ما يحدث عنده.

ص: 341


1- روضة الطالبين 481:3.
2- المغني 78:5، الشرح الكبير 86:5، حلية العلماء 66:5.
3- الحاوي الكبير 441:6، حلية العلماء 66:5، المغني 78:5، الشرح الكبير 86:5.
البحث الرابع: في أحكام الضمان.
اشارة

و هي أربعة: مطالبة المستحقّ و الضامن، و الرجوع، و ما يرجع به، ففيها أربعة أنظار:

النظر الأوّل: الضمان عندنا ناقلٌ للمال من ذمّة المضمون عنه إلي ذمّة الضامن،
اشارة

فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال، و ليس له مطالبة المضمون عنه، عند علمائنا أجمع - و به قال ابن أبي ليلي و ابن شبرمة و داوُد و أبو ثور(1) - لما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري أنّه كان مع النبيّ صلي الله عليه و آله في جنازة، فلمّا وُضعت قال: «هل علي صاحبكم من دَيْن ؟» قالوا: نعم، درهمان، فقال: «صلّوا علي صاحبكم» فقال عليّ عليه السلام: «يا رسول اللّه صلِّ عليه و أنا لهما ضامن» فقام رسول اللّه صلي الله عليه و آله فصلّي عليه ثمّ أقبل علي عليّ عليه السلام فقال: «جزاك اللّه عن الإسلام خيراً، و فكّ رهانك كما فككت رهان أخيك» فقلت: يا رسول اللّه هذا لعليّ خاصّةً، أم للناس عامّة ؟ قال:

«للناس عامّة»(2) فدلّ علي أنّ المضمون عنه بري.

و عن جابر قال: توفّي صاحبٌ لنا فأتينا به النبيّ صلي الله عليه و آله ليصلّي عليه، فخطا خطوة ثمّ قال: «أ عليه دَيْنٌ؟» قلنا: نعم، ديناران، فانصرف فتحمّلهما أبو قتادة، فقال: الديناران عَلَيّ، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «وجب حقّ الغريم، و برئ الميّت منهما؟» قال: نعم، فصلّي عليه، ثمّ قال بعد ذلك: «ما فعل الديناران ؟» قال: إنّما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد فقال: قد

ص: 342


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1012/601:2، المغني 82:5، الشرح الكبير 71:5، الحاوي الكبير 436:6، حلية العلماء 58:5.
2- سنن الدار قطني 78:3-291/79 و 292، المغني 82:5، الشرح الكبير 71:5.

قضيتهما، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «الآن برّدتَ جلده»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عطاء عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له:

جُعلت فداك إنّ علَيَّ دَيْناً إذا ذكرته فسد عَلَيَّ ما أنا فيه، فقال: «سبحان اللّه أ وَ ما بلغك أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان يقول في خطبته: مَنْ ترك ضياعاً فعلَيَّ ضياعه، و مَنْ ترك دَيْناً فعلَيَّ دَيْنه، و مَنْ ترك مالاً فللّه(2) ، فكفالة رسول اللّه صلي الله عليه و آله ميّتاً ككفالته حيّاً، و كفالته حيّاً ككفالته ميّتاً» فقال الرجل:

نفّست عنّي جعلني اللّه فداك(3). فلولا براءة ذمّته من الدَّيْن، لم يحصل له نفع بالضمان و لا تنفّس عنه كربه.

و لأنّه دَيْنٌ واحد فمحلّه واحد، فإذا صار في ذمّة الضامن، برئت ذمّة الأوّل، كالمحال به، و ذلك لأنّ الواحد لا يحلّ في محلّين، و ثبوت دَيْنٍ آخَر في ذمّة الضامن يقتضي تعدّد الدَّيْنين.

و قال عامّة الفقهاء - كالثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد و أصحاب الرأي -: إنّ المضمون عنه لا يبرأ من المال، و للمضمون له مطالبة مَنْ شاء من الضامن و من المضمون عنه؛ لقوله صلي الله عليه و آله لأبي قتادة حين قضي الدَّيْن عن الميّت: «الآن برّدتَ عليه جلده»(4).

و قوله عليه السلام: «نفس المؤمن معلّقة بدَيْنه حتي يقضي عنه»(5)7.

ص: 343


1- سنن الدار قطني 293/79:3، سنن البيهقي 74:6 و 75، المستدرك - للحاكم - 58:2، مسند الطيالسي: 1673/233، مسند أحمد 280:4-14127/281، و عن الأخير ابنا قدامة في المغني 82:5، و الشرح الكبير 72:5.
2- في المصدر: «فأكله» بدل «فللّه».
3- التهذيب 494/211:6.
4- تقدم تخريجه في الهامش (1).
5- سنن ابن ماجة 2413/806:2، سنن الترمذي 389:3-1078/390 و 1079، سنن البيهقي 49:6، المستدرك - للحاكم - 26:2-27.

و لأنّ الضمان يفارق الحوالة باسمٍ، فاختصّ عنها بحكمٍ يخالفها(1).

و قوله لأبي قتادة إنّما كان لأنّه بالقضاء تحقّق فائدة الضمان، و عُلم إبراء ذمّة الميّت، و صحّ الحكم منه صلي الله عليه و آله ببرد جلده، و الضمان عنه قضاء أيضاً. و الفرق بالاسم لا يستلزم ما ذكروه؛ لجواز اختصاص الضمان بأُمور لا تثبت في الحوالة.

مسألة 525: ليس للمضمون له مطالبة المضمون عنه، بل يطالب الضامن خاصّةً عندنا.

و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و غيرهم: يرجع علي مَنْ شاء من الضامن و المضمون عنه(2).

و قال مالك: إنّه لا يطالب الضامن، إلاّ إذا عجز عن تحصيله من الأصيل؛ لغيبته أو إعساره؛ لأنّ الضمان وثيقة، فلا يستوفي الحقّ منها إلاّ عند تعذّره، كالرهن(3).

و احتجّ الشافعي: بأنّ الحقّ ثابت في ذمّة كلٍّ منهما، فكان له مطالبته كالضامنين، و لا يشبه الرهن؛ لأنّه مال مَنْ عليه الحقّ، و ليس بذي ذمّةٍ

ص: 344


1- المغني 81:5-83، الشرح الكبير 70:5-73، الكافي في فقه الإمام أحمد 129:2، المحلّي 113:8، مختصر المزني: 108، الحاوي الكبير 436:6، المهذّب - للشيرازي - 348:1، الوسيط 247:3، حلية العلماء 58:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، الوجيز 185:1، العزيز شرح الوجيز 171:5، روضة الطالبين 496:3، بداية المجتهد 296:2.
2- الهداية - للمرغيناني - 90:3، بدائع الصنائع 10:6، الاختيار لتعليل المختار 274:2، و راجع أيضاً المصادر في الهامش (1).
3- المدوّنة الكبري 256:5، بداية المجتهد 296:2، حلية العلماء 59:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 171:5، المغني 83:5، الشرح الكبير 71:5.

يطالب، و إنّما يطالب مَنْ عليه الحقّ، فيقضي منه أو من غيره(1).

هذا إذا ضمن مطلقاً، و لو ضمن بشرط براءة الأصيل، ففي صحّته عند الشافعيّة وجهان:

أشبههما عندهم: المنع؛ لأنّه قرن به شرطاً يخالف مقتضي الضمان.

و الثاني: يصحّ؛ لما روي أنّه لمّا ضمن أبو قتادة الدينارين عن الميّت، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «هُما عليك [وجب](2) حقّ الغريم و برئ الميّت ؟» فقال: نعم، فصلّي عليه(3)(4).

و هذا عندنا ساقط؛ لأنّا نقول ببراءة الأصيل.

و إن لم يشترطه، فلا فائدة لهذا الشرط عندنا. و أمّا عند الشافعي فوجهان كما قلنا.

فعلي تقدير الصحّة في صحّة الشرط وجهان عندهم يشبهان الخلاف في براءة المحيل إذا أحال علي مَنْ لا دَيْن عليه و قلنا بصحّة هذه الحوالة(5).

و قد يعكس بعض الشافعيّة الترتيبَ فيقول: في صحّة الشرط وجهان، إن فسد، ففي فساد الضمان وجهان.

و إذا صحّحنا العقد و الشرط، برئ الأصيل، و كان للضامن الرجوع عليه في الحال إن ضمن بإذنه؛ لأنّه حصل له براءة ذمّته، كما لو أدّي(6).

و عندنا ينبغي أن لا يكون، بل يرجع عليه مع الأداء.3.

ص: 345


1- المهذّب - للشيرازي - 348:1، المغني 83:5، الشرح الكبير 71:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه كما تقدّم.
3- تقدّم تخريجه في ص 343، الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 171:5-172، روضة الطالبين 496:3. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 172:5، روضة الطالبين 496:3.
مسألة 526: إذا أبرأ المالك للدَّيْن ذمّة الضامن، برئ الأصيل عند علمائنا؛

لأنّ الضمان عندنا ناقلٌ للدَّيْن من ذمّة الأصيل إلي ذمّة الضامن، و ليس للضامن أن يرجع علي المضمون عنه إلاّ بما أدّاه، فإذا أُسقط الدَّيْن عنه لم يؤدّ شيئاً، فلم يرجع بشيء.

و لو تعدّد الضمناء علي الترتيب بأن ضمن الدَّيْنَ ضامنٌ ثمّ ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر، فإذا أبرأ الضامنَ الأخير، برئ الأصيل و مَنْ تفرّع عليه عندنا؛ لما تقدّم.

و لو أبرأ المستحقّ للدَّيْن ذمّة الأصيل، لم يبرأ الضامن؛ لأنّ الحقّ سقط عن ذمّة الأصيل بالنسبة إلي صاحب الدَّيْن، فلا يصادف الإبراء استحقاقاً فلا يكون صحيحاً.

و لو أبرأ المستحقّ الضامنَ الأوسط، لم يبرأ الأخير.

و قال العامّة: إذا أبرأ المستحقُّ الأصيلَ، برئ الضمناء؛ لسقوط الحقّ، كما لو أدّي الأصيل الدَّيْنَ أو أحال مستحقَّ الدَّيْن علي إنسان، أو أحال المستحقّ غريمه عليه. و كذا يبرأ ببراءة ضامن الضامن(1).

و لو أبرأ الضامنَ، لم يبرأ الأصيل عندهم؛ لأنّ إبراءه إسقاطٌ للوثيقة، و ذلك لا يقتضي سقوط أصل الدَّيْن كفكّ الرهن(2).

و هذا بناءً علي بقاء الدَّيْن في ذمّة الأصيل، و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 527: لو ضمن الدَّيْن المؤجَّل فمات الأصيل و حلّ عليه الدَّيْن،

ص: 346


1- المهذّب - للشيرازي - 348:1، الوسيط 247:3، العزيز شرح الوجيز 172:5، روضة الطالبين 496:3، المغني 83:5، الشرح الكبير 73:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 348:1، الوسيط 247:3، العزيز شرح الوجيز 172:5، روضة الطالبين 496:3-497.

لم يحل علي الضامن؛ لأنّه حيّ يرتفق بالأجل، قاله أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يحلّ علي الضامن أيضاً؛ لأنّه فرع علي الأصيل(2).

و يحجر الحاكم من تركة الأصيل بقدر الدَّيْن، فإن تلف، ضمن الوارث، كما أنّ النماء له.

و لو أخّر المستحقّ المطالبةَ، كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقّه من تركة الأصيل، و لا يجعل في يده؛ لأنّه إنّما يستحقّ أن يأخذ ما أدّي، و هو الآن لم يؤدّ شيئاً، بل يجعل في يد أمين أو في يد الورثة مع التضمين إن رأي الحاكم ذلك صلاحاً، أو يطالب المستحقّ بإبراء ذمّته؛ لأنّه قد تهلك التركة، فلا يجد مرجعاً إذا غرم.

و قال بعض الشافعيّة: ليس للضامن هذه المطالبة(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الميّت عليه دَيْنٌ قطعاً لم تبرأ ذمّته منه بالكلّيّة، أقصي ما في الباب أنّ المال انتقل من ذمّته إلي ذمّة الضامن بالنسبة إلي المضمون له لا مطلقاً، و الديون علي الميّت تحلّ قطعاً بلا خلاف، و ليس للمضمون له المطالبة بهذا الدَّيْن من التركة عندنا علي ما تقدّم، فيبقي المطالب الضامن خاصّةً، لكنّ القبض علي ما صوّرناه.

و لو مات الضامن، حلّ عليه الدَّيْن فإن أخذ المستحقّ المالَ من تركة الضامن، لم يكن لورثته الرجوعُ علي المضمون عنه قبل حلول الأجل.

و قال زفر: إنّهم يرجعون عليه؛ لأنّه هو أدخلهم في ذلك مع علمه أنّه يحلّ بموته(1).

و هو غلط؛ لأنّ الدَّيْن مؤجَّل علي المضمون عنه، فلا تجوز مطالبته5.

ص: 347


1- حلية العلماء 58:5، المغني 81:5، الشرح الكبير 94:5.

به قبل الأجل، و لم يدخله في الحال، بل في المؤجَّل، و حلوله بموته بسببٍ من جهته، فهو كما لو قضي قبل الأجل.

و قال بعض الشافعيّة: لا يحلّ علي الضامن، كما لم يحل علي الأصيل(1).

النظر الثاني: في مطالبة الضامن.
مسألة 528: إذا ضمن الضامن دَيْناً علي رجل من آخَر، لم يثبت للضامن حقٌّ علي الأصيل الذي هو المضمون عنه

إن كان قد تبرّع بالضمان، و ضمن بغير سؤالٍ من المضمون عنه؛ لأنّه لم يدخله في الضمان.

و ليس للضامن متبرّعاً مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الضمان، بل يؤدّي المال، و لا يرجع به علي أحد.

و إن لم يكن متبرّعاً بالضمان و ضمن بسؤال المضمون عنه، فهل يثبت للضامن حقٌّ عليه و يوجب علقةً بينهما؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يثبت؛ لأنّه اشتغلت ذمّته بالحقّ كما ضمن، فليثبت له عوضه علي الأصيل.

و الثاني: لا يثبت؛ لأنّه لا يفوت عليه قبل الغُرْم شيء، فلا يثبت له شيء إلاّ بالغُرْم(2).

إذا عرفت هذا، فإن كان المضمون له يطالب الضامن بأداء المال، فهل للضامن مطالبة الأصيل بتخليصه ؟ قال أكثر الشافعيّة: نعم، كما أنّه يغرم إذا غرم(1)

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 172:5-173، روضة الطالبين 497:3.

و قال القفّال: لا يملك مطالبته به(1) ، و هو الأقوي عندي؛ إذ الضامن إنّما يرجع بما أدّي، فقبل الأداء لا يستحقّ الرجوع، فلا يستحقّ المطالبة.

و إن كان المضمون له لم يطالب الضامن، فهل للضامن أن يطالب المضمون عنه بالتخليص ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم، كما لو استعار عيناً ليرهنها و رهنها، فإنّ للمالك المطالبة بالفكّ. و لأنّ عليه ضرراً في بقائه؛ لأنّه قد يتلف مال المضمون عنه فلا يمكنه الرجوع عليه.

و أصحّهما عندهم: أنّه ليس له المطالبة؛ لأنّه لم يغرم شيئاً، و لا توجّهت عليه مطالبةٌ، و الضمان تعلّق بذمّته، و ذلك لا يُبطل شيئاً من منافعه، فإذا لم يطالَبْ لم يطالِبْ، بخلاف الرهن؛ فإنّ الرهن محبوس بالدَّيْن، و فيه ضررٌ ظاهر(2).

و معني التخليص أن يؤدّي دَيْن المضمون له ليبرأ ببراءة الضامن.

قال ابن سريج: إذا قلنا: ليس له مطالبته بتخليصه، فللضامن أن يقول للمضمون له: إمّا أن تطالبني بحقّك، أو تبرئني(3).

مسألة 529: إذا ضمن بسؤاله، كان له الرجوع إذا غرم، و ليس له الرجوع قبل الغرم.

و للشافعيّة في أنّه هل يُمكَّن الضامن من تغريم الأصيل قبل أن يغرم ؟ وجهان؛ بناءً علي الأصل المذكور، إن أثبتنا له حقّاً علي الأصيل بمجرّد الضمان، فله أخذه، و إلاّ فلا(4)

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 173:5.
2- العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 497:3.
3- العزيز شرح الوجيز 173:5.
4- العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 497:3.

إذا ثبت هذا، فإن أخذ الضامن من المضمون عنه عوضاً عمّا يقضي به دَيْن الأصيل قبل أن يغرم، الأقرب: أنّه لا يملكه؛ لجواز السقوط بالإبراء، فيكون للأصيل.

و للشافعيّة وجهان؛ بناءً علي الأصل السابق(1).

و لو دفعه الأصيل ابتداءً من غير جبر و مطالبة، فإنّ الضامن لا يملكه كما قلناه أوّلاً، فعليه ردّه، و ليس له التصرّف فيه.

و لو هلك عنده، ضمن، كالمقبوض بالشراء الفاسد، علي إشكالٍ، و هو أحد قولَي الشافعي.

و في الآخَر: يملكه، فله التصرّف فيه، كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجَّلة، لكن لا يستقرّ ملكه إلاّ بالغُرْم، حتي لو أبرأه المستحقّ، كان عليه ردّ ما أخذ، كردّ الزكاة المعجَّلة إذا هلك المال قبل الحلول(2).

و لو دفعه إليه و قال: اقض به ما ضمنتَ عنّي، فهو وكيل الأصيل، و المال أمانة في يده.

مسألة 530: لا يجوز للضامن حَبْسُ الأصيل إذا

مسألة 530: لا يجوز للضامن حَبْسُ الأصيل إذا(1) حَبَس المضمونُ له الضامنَ،

و هو أصحّ قولَي الشافعي.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة - للضامن حبس المضمون عنه؛ بناءً علي إثبات العلاقة بين الضامن و الأصيل(2).

و ليس بجيّد.

و لو أبرأ الضامنُ الأصيلَ عمّا سيغرم، لم يصح الإبراء؛ لأنّه إبراء ممّا

ص: 350


1- في «ث» و الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
2- التهذيب - للبغوي - 172:4، العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 497:3-498.

لم يجب و عمّا يتجدّد، و الإبراء إسقاطٌ يستلزم الثبوت قبل الإبراء.

و قال الشافعي: إن أثبتنا العلاقة بين الضامن و المضمون عنه في الحال، صحّ الإبراء، و إلاّ خرج علي الإبراء عمّا لم يجب و وُجد سبب وجوبه(1).

و لو صالح الضامن الأصيل عن العشرة التي سيغرمها علي خمسة، لم يصح.

و قالت الشافعيّة: إن أثبتنا العلاقة في الحال، صحّ الصلح كأنّه(2) أخذ عوض بعض الحقّ و أبرأ عن الباقي، و إلاّ لم يصح(3).

و لو ضمن ضامن عن الأصيل للضامن بما ضمن، احتُمل صحّة الضمان؛ لأنّ حقّ الضامن و إن لم يكن ثابتاً إلاّ أنّ سبب ثبوته موجود.

و بطلانُه.

و لو رهن الأصيل عند الضامن شيئاً بما ضمن، ففي الصحّة إشكال.

و المنع في هذه المسائل كلِّها عند الشافعيّة أصحُّ الوجهين(4).

و لو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامناً، ففي صحّة الشرط للشافعيّة الوجهان، إن صحّ فإن أدّي الضامن و أعطاه ضامناً، فذاك، و إلاّ فله فسخ الضمان. و إن فسد، فسد به الضمان علي أصحّ الوجهين(3).

النظر الثالث: في الرجوع.
مسألة 531: مَنْ كان عليه دَيْنٌ فأدّاه غيره عنه تبرّعاً بغير إذنه

من غير

ص: 351


1- العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 498:3.
2- في «ث»: «لأنّه» بدل «كأنّه». (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 498:3.
3- العزيز شرح الوجيز 173:5-174، روضة الطالبين 498:3.

ضمان، لم يكن له الرجوع به؛ لأنّه متبرّع بفعله، بخلاف ما لو أوجر طعامَه المضطرَّ، فإنّه يرجع عليه و إن لم يأذن المضطرّ؛ لأنّه ليس متبرّعاً بذلك، بل يجب عليه إطعام المضطرّ استبقاءً لمُهْجته، و يخالف الهبة؛ فإنّ في اقتضائها الثواب خلافاً يأتي؛ لأنّ الهبة متعلّقة باختيار المتّهب، و لا اختيار للمديون هنا، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: إنّه يثبت له الرجوع، إلاّ إذا أدّي العدوّ دَيْن العدوّ، فإنّه يتّخذه ذريعةً إلي إيذائه بالمطالبة(2).

و إن أدّاه بإذن المديون، فإن [جري بينهما](3) شرط الرجوع، ثبت الرجوع.

و إن لم يَجْر شرط الرجوع بينهما، ففي الرجوع إشكال ينشأ: من أنّه لم يوجد منه سوي الإذن في الأداء، و ذلك لا يستلزم الرجوع؛ إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع؛ لانتفاء الدلالات الثلاث في الأداء علي الرجوع.

و من أنّ العادة قاضية في المعاملات بأنّ الرجوع تابع للإذن في الأداء، و الدافع جري في ذلك علي قانون العادات.

و الثاني أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

قال بعض الشافعيّة: يقرب هذا الخلاف من الخلاف في أنّ الهبة5.

ص: 352


1- الوسيط 251:3، العزيز شرح الوجيز 174:5، روضة الطالبين 498:3، منهاج الطالبين: 130، مختصر اختلاف العلماء 1979/261:4.
2- المدوّنة الكبري 255:5 و 218، بداية المجتهد 298:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 399، العزيز شرح الوجيز 174:5، مختصر اختلاف العلماء 1979/261:4.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 174:5.

المطلقة هل تقتضي الثواب و ترتيبه عليه ؟ و الحكم بالرجوع أولي من الحكم بالثواب ثَمَّ؛ لأنّ الهبة مصرّحة بالتبرّع، و الأداء بخلافه. و لأنّ الواهب مبتدئ بالتبرّع، و الأداء هاهنا مسبوق بالاستدعاء الذي هو كالقرينة المشعرة بالرجوع(1).

و أيضاً في الهبة قولٌ فارق بين أن يكون الواهب ممّن يطمع مثله في ثواب المتّهب، أو لا يكون، فخرج وجه ثالث للشافعيّة(2) مثله هنا.

مسألة 532: إذا كان عليه دَيْنٌ فضمنه ضامنٌ عنه و يؤدّي المال عنه إلي المضمون له، فأقسامه أربعة:

الأوّل: أن يضمن بإذن الأصيل و يؤدّي بإذنه.

الثاني: أن يضمن متبرّعاً من غير سؤالٍ، و يؤدّي كذلك.

الثالث: أن يضمن متبرّعاً، و يؤدّي بسؤالٍ.

الرابع: أن يضمن بسؤالٍ، و يؤدّي متبرّعاً.

فالأوّل يرجع الضامن فيه علي المضمون عنه، سواء قال له المضمون عنه: اضمن عنّي، أو أدِّ عنّي، أو أطلق و قال: اضمن و أدِّ، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو يوسف(1) - لأنّه صرف ماله إلي منفعته بأمره، فأشبه ما لو قال: اعلف دابّتي، فعلفها. و لأنّه ضمن بإذنه و دفع بإذنه، فأشبه ما إذا كان مخالطاً له، أو قال: اضمن عنّي.

و قال أبو حنيفة و محمّد: إنّما يرجع إذا قال: اضمن عنّي و أدِّ عنّي،

ص: 353


1- الحاوي الكبير 438:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 62:5، التهذيب - للبغوي - 171:4، العزيز شرح الوجيز 174:5، روضة الطالبين 498:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 131:2 و 132، المغني 86:5، الشرح الكبير 88:5.

و لو لم يقل: أدِّ عنّي، لم يرجع، إلاّ أن يكون مخالطاً له يستقرض منه و يودع عنده، أو يكون مخالطاً له بشركة أو زوجيّة أو نحوهما؛ لأنّه إذا قال: اضمن عنّي و أدِّ عنّي، كان قوله هذا إقراراً منه بالحقّ، و إذا أطلق ذلك، صار كأنّه قال: هب لهذا أو تطوّع عليه، و إذا كان مخالطاً له، رجع - استحساناً - لأنّه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه(1).

و ليس بصحيح؛ لأنّه إذا أمره بالضمان، لا يكون إلاّ لما هو عليه؛ لأنّ أمره إنّما يكون بذلك، و أمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلي ما ضمنه بدليل المخالطة له، فيجب عليه أداء ما أدّي عنه، كما لو صرّح به، و ليس هذا أمراً بالهبة.

هذا إذا عرف من الإطلاق إرادة الضمان عنه، و لو لم يعرف ذلك و لا وُجد قرينة تدلّ عليه، فالوجه: ما قاله أبو حنيفة و محمّد.

مسألة 533: لا فرق في ثبوت الرجوع بين أن يشترط الرجوع أو لا يشترط،

و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و قال الجويني: يحتمل في القياس أن ينزّل الإذن في الضمان و الأداء منزلة الإذن في الأداء من غير ضمان حتي نقول: إن شرط الرجوع، ثبت له الرجوع، و إلاّ فلا، كما في الإذن في الأداء من غير سبق ضمان، و إن لم يشترط، فعلي الخلاف(3).

و المعتمد ما قلناه.

مسألة 534: لو تبرّع بالضمان و الأداء معاً،

فإنّه لا يرجع الضامن علي

ص: 354


1- حلية العلماء 62:5-63، العزيز شرح الوجيز 175:5، المغني 86:5، الشرح الكبير 88:5.
2- الوسيط 251:3، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 498:3.
3- العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 498:3.

المضمون عنه بما أدّاه، عند علمائنا كافّة - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لحديث عليّ عليه السلام و أبي قتادة(2) ، لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله صلّي علي الميّتين بعد ضمانهما ما عليهما، و لو كان لهما الرجوع لما صلّي؛ لبقاء الدَّيْن في ذمّتهما. و لأنّه صلي الله عليه و آله قال:

«الآن برّدت جلده عن النار»(3) و لو بقي الدَّيْن لما حصل التبريد. و لأنّه لو بقي الدَّيْن لما قال لعليّ عليه السلام: «جزاك اللّه عن الإسلام خيراً، فكّ اللّه رهانك كما فككت رهان أخيك»(4)الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1013/601:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 124:1، حلية العلماء 62:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:2، المغني 88:5، الشرح الكبير 89:5.(5) و لو لا براءة الذمّة لما حصل فكّ الرهان.

و لأنّه تبرّع بذلك، فلا يرجع عليه، كما لو علف دوابّه و أطعم عبيده بغير إذنه.

و قال مالك و أحمد في الرواية الثانية: إنّه يرجع بما أدّي - و هو قول عبيد اللّه بن الحسن و إسحاق - لأنّه قضاء مبرئ من دَيْنٍ واجب، فكان من ضمان مَنْ هو عليه، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه. و لأنّ الضمان بغير إذنه صحيح، فإذا لزمه الدفع عنه، رجع عليه، كما لو كان بأمره(5)5.

ص: 355


1- الحاوي الكبير 437:6-438، المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 62:5، التهذيب - للبغوي - 171:4-172، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 124:1، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1013/601:2، الوسيط 251:3، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3، الهداية - للمرغيناني - 91:3، الاختيار لتعليل المختار 274:2، مختصر اختلاف العلماء 1979/261:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:2، المغني 88:5، الشرح الكبير 89:5.
2- راجع المصادر في الهامش (5 و 6) من ص 281، و الهامش (1) من ص 282.
3- راجع المصادر في الهامش (1) من ص 343.
4- راجع المصادر في الهامش
5- من ص 281.

و الفرق بين الضامن و الحاكم ظاهر؛ لأنّ للحاكم الاستدانة عن الممتنع و الدفع، بخلاف الضامن. و الفرق بين الأمر بالضمان و الأداء و عدمه ظاهر، فلا يصحّ القياس.

مسألة 535: لو ضمن متبرّعاً بغير سؤالٍ، و أدّي المال بالسؤال، لا يرجع هنا أيضاً،

عند علمائنا - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الدَّيْن لزمه بتبرّعه، فإنّ اللزوم باعتبار الضمان و لم يأذن فيه، و أمره بالقضاء انصرف إلي ما وجب عليه بالضمان، كما لو أمره بقضاء دَيْنه الذي وجب عليه بالأصالة، و كما لو أذن غير المضمون عنه.

و للشافعي(2) وجهٌ آخَر: أنّه يرجع عليه - و به قال أحمد - لأنّه دفع بأمره، فأشبه ما إذا ضمن بأمره و ما إذا لم يكن ضامناً. و لأنّه أسقط الدَّيْن عن الأصيل بإذنه(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّه لا يملك مطالبته بفكّه، فلا يرجع عليه إذا فكّ نفسه. و الفرق بين ما إذا ضمن بإذنه و بغير إذنه ظاهرٌ، فلا يصحّ القياس.

و الحكم في غير الضامن ممنوع علي ما تقدّم. و إسقاط الدَّيْن مستند إلي الضمان الذي تبرّع به، و الإذن إنّما كان في إسقاط الدَّيْن عن الضامن، لا عنه.

ص: 356


1- الحاوي الكبير 438:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، الوسيط 252:3، حلية العلماء 61:5، التهذيب - للبغوي - 172:4، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3، المغني 87:5، الشرح الكبير 89:5.
2- كذا، و الظاهر: «و للشافعيّة».
3- الحاوي الكبير 438:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، الوسيط 252:3، حلية العلماء 61:5، التهذيب - للبغوي - 172:4، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3، المغني 87:5-88، الشرح الكبير 89:5.

و بعض الشافعيّة رتَّب الوجهين علي الوجهين فيما إذا أدّي دَيْن الغير بإذنه من غير ضمانٍ و من غير شرط الرجوع.

قال: و هذه الصورة أولي بمنع الرجوع؛ لأنّ الإذن في الأداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو.

و ذكر احتمالين فيما إذا أذن في الأداء بشرط الرجوع و الحالة هذه:

أحدهما: يرجع، كما لو أذن في الأداء بهذا الشرط من غير ضمانٍ.

و الثاني: أنّ الأداء مستحقّ بالضمان، و المستحقّ بلا عوض لا يجوز أن يقابَل بعوضٍ، كسائر الحقوق الواجبة(1).

مسألة 536: لو ضمن بسؤالٍ و أدّي بغير سؤالٍ و لا إذن، فإنّه يرجع الضامن عليه،

عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أحد الوجوه(2) - لأنّ الضامن لم يتبرّع بالضمان، بل نقل المال إلي ذمّته غيرَ متبرّعٍ، بل بسؤال المضمون عنه، و الأصل في الباب الالتزام و قد صادفه الإذن فيكتفي به في الرجوع. و لأنّ إذنه في الضمان يتضمّن الإذن في الأداء؛ لأنّ الضمان يوجب عليه الأداء، فكان له الرجوع عليه، كما لو أذن في الأداء.

و الثاني للشافعي: لا يرجع؛ لأنّ الغرم حصل بغير إذن الأصيل، و ربما لم يقصد إلاّ التوثيق بالضمان. و لأنّه دفع بغير أمره، فكان كما لو ضمن بغير أمره(3)

ص: 357


1- العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3.
2- الحاوي الكبير 438:6، حلية العلماء 61:5، المهذّب - للشيرازي - 349:1، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3، المغني 87:5، الشرح الكبير 88:5.
3- الحاوي الكبير 438:6، حلية العلماء 61:5، العزيز شرح الوجيز 175:5، روضة الطالبين 499:3، المغني 87:5، الشرح الكبير 88:5.

و قصد التوثيق يستلزم قصد الأداء عنه؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل.

و القياس باطل؛ للفرق، و هو ما تقدّم من أنّ الأصل في الالتزام إنّما هو الضمان لا الأداء.

و الثالث: إن أدّي من غير مطالبة أو عن مطالبةٍ لكن أمكنه مراجعة الأصيل و استئذانه فلم يفعل، لم يثبت له الرجوع؛ لأنّه لم يكن مضطرّاً إلي الأداء عنه، فكان متبرّعاً به. و إن لم يتمكّن من مراجعته لغيبةٍ أو حبسٍ أو غير ذلك، فله الرجوع(1).

و الحقّ ما تقدّم من وجوب المال بالضمان المأذون فيه، و أنّه لا عبرة بالأداء.

و كذا لو وكّله في أن يشتري عبداً له بألف فاشتراه، فإنّ الوكيل يطالب بالثمن، فإن أدّي من ماله، فإنّه يرجع عندنا إذا لم يكن البائع عالماً بالوكالة.

و للشافعيّة الوجوه الثلاثة فيه(2).

مسألة 537: لو أحال الضامن المضمون له بالدَّيْن - الذي ضمنه - علي إنسان و قَبِل المحتال و المحال عليه الحوالةَ، كان كالأداء

في صورة الرجوع له علي المضمون عنه في كلّ موضعٍ ثبت له الرجوع فيه، و عدمِه في موضع العدم.

و لو أحال ربّ المال غريماً له علي الضامن بالمال الذي ضمنه له فقَبِل الضامن الحوالةَ عليه، كان كالأداء أيضاً يرجع فيما يرجع في الأداء.

ص: 358


1- المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 61:5، العزيز شرح الوجيز 176:5، روضة الطالبين 499:3، المغني 87:5، الشرح الكبير 88:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 360:1-361، حلية العلماء 62:5 و 135.

و لو تصالح المضمون له و الضامن [عن](1) مال الضمان علي عوضٍ، كان كالأداء أيضاً.

و لو صار الدَّيْن ميراثاً للضامن، كان كالأداء في ثبوت الرجوع و عدمه.

النظر الرابع: فيما به يرجع الضامن.
مسألة 538: إذا دفع الضامن المالَ إلي ربّه و كان قد ضمن بسؤال المضمون عنه و كان المدفوع من جنس الدَّيْن و علي صفته، رجع به.

و إن اختلف الجنس، فالمأذون له في الضمان لو صالَح ربَّ الدَّيْن علي غير جنسه، رجع إجماعاً؛ لأنّ الضمان سبب لإثبات الحقّ في ذمّته ثبوتَه في ذمّة الأصيل، و المصالحة معاملة مبنيّة عليه.

ثمّ يُنظر إن كانت قيمة المصالَح عليه أكثر من قدر الدَّيْن، لم يرجع بالزيادة؛ لأنّه متطوّع بها.

و إن كانت أقلّ - كما لو صالح عن ألف علي عبدٍ يساوي ستمائة - لم يرجع إلاّ بستمائة لا غير - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لما رواه عمر ابن يزيد عن الصادق عليه السلام في رجل ضمّن علي رجل ضماناً ثمّ صالح عليه، قال: «ليس له إلاّ الذي صالح عليه»(3).

و عن ابن بكير قال: سألت الصادقَ عليه السلام: عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ثمّ صالح علي بعض ما عليه، قال: «ليس له عليه إلاّ الذي صالح عليه»(4)

ص: 359


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «علي». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الوسيط 254:3، الوجيز 168:1، العزيز شرح الوجيز 177:5، روضة الطالبين 500:3.
3- الكافي 7/259:5، التهذيب 490/210:6.
4- التهذيب 489/210:6.

و لأنّه لم يغرم سواها.

و به قال أحمد(1).

و الثاني: أنّه يرجع بالألف؛ لأنّه قد حصّل براءة ذمّته بما فَعَل، و مسامحة ربّ الدَّيْن جرت معه(2).

و لو باع العبد بألف و تقاصّا، احتُمل الرجوع بالألف؛ لأنّه ثبت في ذمّته ألف، و قيمةِ العبد؛ لأنّ الضمان وُضع للارتفاق.

و الشافعيّة علي الأوّل خاصّة(3).

مسألة 539: لا فرق بين أن يدفع الأقلّ أو الأكثر في القدر أو الوصف فيما ذكرنا،

فلو ضمن ألفاً مكسّرة و دفع ألفاً صحيحة، لم يكن له الرجوع إلاّ بالمكسّرة؛ لأنّه تبرّع بالزيادة، فلا يرجع بها.

و لو انعكس الفرض، فضمن ألفاً صحيحة و أدّي ألفاً مكسّرة، لم يكن له الرجوع بالصحيحة إلاّ بالمكسّرة؛ لأنّه إنّما يرجع بما غرم و بالأقلّ من المغروم و المال.

و للشافعيّة فيما إذا أدّي الضامن [غير](4) الأجود قولان:

أحدهما: أنّ فيه الخلاف المذكور في اختلاف الجنس.

و الثاني: القطع بأنّه يرجع بما أدّي(5)

ص: 360


1- المغني و الشرح الكبير 89:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:2.
2- نفس المصادر في الهامش (2) من ص 359.
3- العزيز شرح الوجيز 177:5، روضة الطالبين 500:3.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصدر له، حيث إنّ القولين للشافعيّة في الأداء من غير الأجود.
5- الحاوي الكبير 439:6، التهذيب - للبغوي - 174:4، العزيز شرح الوجيز 177:5، روضة الطالبين 500:3.

و الفرق أنّ غير الجنس يقع عوضاً، و المكسّرة لا تقع عوضاً عن الصحاح، و لا يبقي إلاّ رعاية حكم الإيفاء و الاستيفاء.

مسألة 540: لو ضمن ألفاً و دفع إليه عبداً قيمته ستمائة، فقال للمضمون له: بعتُ منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان، ففي صحّة البيع وجهان للشافعيّة

(1) .

فإن صحّحنا البيع، رجع بالأقلّ - عندنا - من المال المضمون و من قيمة العبد، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: يرجع بما ضمنه(2).

و لو لم يضمن، بل أذن له المديون في الأداء بشرط الرجوع لو صالَح ربّ الدَّيْن علي غير جنسه، فهل له الرجوع أو لا؟ للشافعيّة ثلاثة أوجُه:

أصحّها عندهم: أنّ له الرجوعَ؛ لأنّ مقصوده أن يبرئ ذمَّتَه و قد فَعَل.

و ثانيها: ليس له الرجوع؛ لأنّه إنّما أذن في الأداء دون المصالحة.

و ثالثها: الفرق بين أن يقول: أدِّ ما علَيَّ من الدنانير - مثلاً - فلا يرجع، و بين أن يقتصر علي قوله: أدِّ دَيْني، أو ما علَيَّ، فيرجع، و يرجع بما سبق في الضامن(1).

مسألة 541: لو ضمن عشرة و أدّي خمسة و أبرأه ربُّ المال عن الباقي، لم يرجع الضامن إلاّ بالخمسة التي غرمها،

و تسقط الخمسة الأُخري عن الأصيل عندنا؛ لأنّ إبراء الضامن يستلزم إبراء المضمون عنه، خلافاً للجمهور؛ فإنّهم قالوا: تبقي الخمسة في ذمّة الأصيل يطالب بها المضمون له؛ لأنّ إبراء الضامن لا يوجب براءة الأصيل(2)

ص: 361


1- الوسيط 251:3، العزيز شرح الوجيز 176:5، روضة الطالبين 500:3.
2- العزيز شرح الوجيز 177:5، روضة الطالبين 501:3.

و لو صالحه من العشرة علي خمسة، لم يرجع إلاّ بالخمسة أيضاً، لكن يبرأ الضامن و الأصيل عن الباقي و إن كان صلح الحطيطة إبراءً في الحقيقة عند الشافعيّة؛ لأنّ لفظ الصلح يشعر برضا المستحقّ بالقليل عن الكثير، بخلاف ما إذا صرّح بلفظ الإبراء عندهم(1).

و اعترض بعض الشافعيّة: بأنّ [لفظ](2) الصلح يتضمّن الرضا بالقليل ممّن يجري الصلح معه، أم علي الإطلاق ؟ الأوّل مسلَّم، و الثاني ممنوع، و لم يتّضح لهم الجواب(3).

و لو أدّي الضامن جميع الدَّيْن و لم يُبرئه المضمون له من شيء منه، لكن وهبه الدَّيْن بعد دفعه(4) إليه، فالأقرب: أنّ له الرجوع.

و فيه للشافعيّة وجهان مبنيّان علي القولين [فيما لو وهبت المرأة](5) الصداق من الزوج ثمّ طلّقها قبل الدخول(6). و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 542: لو ضمن ذمّيٌّ لذمّيٍّ دَيْناً عن مسلمٍ ثمّ تصالحا علي خمر، فهل يبرأ المسلم أم لا؟ يحتمل البراءة؛

لأنّ المصالحة بين الذمّيّين، و أن لا يبرأ، كما لو دفع الخمر بنفسه.

و فيه للشافعيّة وجهان، فإن قالوا بالأوّل، ففي رجوع الضامن علي

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 177:5.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 177:5.
4- في «ث، ج، ر»: «الدفع» بدل «دفعه».
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كما لو وهب». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.
6- الحاوي الكبير 439:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، الوسيط 248:3، حلية العلماء 63:5، التهذيب - للبغوي - 173:4، العزيز شرح الوجيز 178:5-179، روضة الطالبين 502:3.

المسلم وجهان، إن اعتبروا بما أدّي، لم يرجع بشيء، و إن اعتبروا بما أسقط، يرجع بالدَّيْن(1).

و الوجه عندي: أنّ المضمون عنه يؤدّي أقلّ الأمرين من قيمة الخمر عند مستحلّيه، و من الدَّيْن الذي ضمنه.

مسألة 543: لو ضمن الضامنَ ضامنٌ آخَر، انتقل المال من ذمّة الضامن الأوّل إلي ذمّة الثاني،

و سقطت مطالبة المضمون له عن الأصيل و الضامن الأوّل عند علمائنا و جماعةٍ تقدّم(2) ذكرهم.

و قال أكثر العامّة: لا ينتقل، بل تبقي الذمم الثلاث مشتركة، و يصحّ الضمان؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّة الضامن، كما هو ثابت في ذمّة الأصيل، فإذا جاز أن يضمن عن الأصيل جاز أن يضمن عن الضامن(3).

لا يقال: الضمان وثيقة علي الحقّ، فلا يجوز أن يكون له وثيقة، كما لا يجوز أن يأخذ رهناً بالرهن.

لأنّا نقول: الفرق: أنّ الضمان حقٌّ ثابت في الذمّة، و الرهن حقٌّ متعلّق بالعين، و الرهن لا يصحّ بحقٍّ متعلّقٍ بالعين، فافترقا.

فإن أدّي الثاني، فرجوعه علي الضامن الأوّل كرجوع الضامن الأوّل علي الأصيل، فيراعي الإذن و عدمه.

و إذا لم يكن له الرجوع علي الأوّل، لم يثبت بأدائه الرجوع للأوّل علي الأصيل؛ لأنّ الضامن إنّما يرجع بما أدّي و غرم، و الضامن الأوّل لم يغرم شيئاً، فلا يكون له مطالبته بشيء.

ص: 363


1- الوسيط 254:3، التهذيب - للبغوي - 174:4، العزيز شرح الوجيز 177:5، روضة الطالبين 501:3.
2- في ص 342، النظر الأوّل من البحث الرابع: في أحكام الضمان.
3- المغني 83:5-84، الشرح الكبير 82:5، و راجع الهامش (2) من ص 344.

و لو ثبت له الرجوع علي الأوّل فرجع عليه، كان للأوّل الرجوع علي الأصيل إذا وجد شرط الرجوع.

و لو أراد الثاني أن يرجع علي الأصيل و يترك الأوّل، فإن كان الأصيل قد قال له: اضمن عن ضامني، ففي رجوعه عليه للشافعيّة وجهان(1) ، كما لو قال الإنسان: أدِّ دَيْني، فأدّي، و ليس هذا كقول القائل لغيره: اقض دَيْن فلان، ففَعَل، حيث لا يرجع علي الآمر؛ لأنّ الحقّ لم يتعلّق بذمّته.

و إن لم يقل له: اضمن عن ضامني، فإن كان الحال بحيث لا يقتضي رجوع الأوّل علي الأصيل، لم يرجع الثاني عليه.

و إن كان يقتضيه، فكذلك علي أصحّ الوجهين عندهم؛ لأنّه لم يضمن عن الأصيل(2).

و الوجه عندي: أنّه ليس للثاني أن يرجع علي الأصيل علي كلّ تقدير، إلاّ أن يقول: اضمن عن ضامني و لك الرجوع علَيَّ.

و لو ضمن الثاني عن الأصيل أيضاً، لم يصح الضمان عندنا إن ضمن للمضمون له؛ إذ لا مطالبة للمضمون له، فيكون في الحقيقة ضمان ما لم يجب، و لا يتحقّق سبب الوجوب. و إن ضمن للضامن، فالأقوي:

الجواز؛ لوجود سبب الوجوب.

و عند أكثر العامّة يصحّ ضمان الثاني عن الأصيل؛ لشغل ذمّته و ذمّة الضامن الأوّل معاً، فتتشارك الذمم الثلاث في الشغل، فحينئذٍ لا يرجع أحد الضامنين علي الآخَر، و إنّما يرجع المؤدّي علي الأصيل(3)5.

ص: 364


1- التهذيب - للبغوي - 181:4، العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 501:3.
2- العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 501:3.
3- حلية العلماء 64:5، التهذيب - للبغوي - 182:4، العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 501:3، المغني 85:5، الشرح الكبير 73:5.

و لو ضمن عن الأوّل و الأصيل جميعاً، لم يصح ضمانه عن الأصيل عندنا.

و عندهم يصحّ، فإن أدّي، كان له أن يرجع علي أيّهما شاء، و أن يرجع بالبعض علي هذا و بالبعض علي ذاك. ثمّ للأوّل الرجوع علي الأصيل بما غرم إذا وجد شرط الرجوع(1).

مسألة 544: لو كان لرجلٍ علي اثنين عشرةٌ علي كلّ واحدٍ منهما خمسةٌ فضمن كلّ واحدٍ منهما صاحبَه،

فإن أجاز المضمون له الضمانَ، لم يُفد الضمان شيئاً عندنا في باب المطالبة؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل، فإذا ضمن كلّ واحدٍ منهما الآخَر، فقد انتقل ما علي كلّ واحدٍ منهما إلي الآخَر و كانا في الدَّيْن كما كانا قبل الضمان، إلاّ أنّه يستفاد بالضمان صيرورة المال الأصلي في ذمّة كلّ واحدٍ منهما منتقلاً إلي ذمّة الآخَر.

و لا نقول: إنّه يبطل الضمان من أصله؛ لأنّه قد يستفاد منه فائدة، و هي: لو أدّي أحد الضامنين عن مال الضمان بعضَه ثمّ أبرأه صاحب الدَّيْن من الباقي، لم يكن له الرجوع علي المضمون عنه إلاّ بما أدّاه.

و إن لم يأذن لهما المضمون له بالضمان فضمنا، فإن رضي بضمان أحدهما خاصّةً، كان الدَّيْنان معاً عليه، و لم يبق له مطالبة الآخَر، لكنّ الضامن يرجع علي الآخَر إن ضمن بإذنه، و إلاّ فلا.

و عند أكثر العامّة يصحّ ضمان كلٍّ منهما عن صاحبه، و يبقي كلّ الدَّيْن مشتركاً في ذمّتهما معاً علي ما هو أصلهم، فلربّ المال - عندهم - أن يطالبهما معاً و مَنْ شاء منهما بالعشرة، فإن أدّي أحدهما جميعَ العشرة، برئا

ص: 365


1- التهذيب - للبغوي - 182:4، العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 501:3-502.

معاً، و للمؤدّي الرجوع بخمسة إن وجد شرط الرجوع. و إن أدّي كلّ واحدٍ منهما خمسةً عمّا عليه، فلا رجوع، فإن أدّاها عن الآخَر، فلكلّ واحدٍ الرجوعُ علي الآخَر. و يجيء خلاف التقاصّ.

و إن أدّي أحدهما خمسةً و لم يؤدّ الآخَر شيئاً، فإن أدّاها عن نفسه، برئ المؤدّي عمّا كان عليه و صاحبُه عن ضمانه، و بقي علي صاحبه ما كان عليه، و المؤدّي ضامن له.

و إن أدّاها عن صاحبه، رجع عليه بالمغروم، و بقي عليه ما كان عليه(1) ، و صاحبه ضامن له.

و إن أدّاها عنهما، فلكلٍّ نصفُ حكمه(2).

و إن أدّي و لم يقصد شيئاً، فوجهان عندهم(3): التقسيط عليهما؛ لأنّه لو عيّنه عن كلّ واحدٍ منهما، وَقَع، فإذا أطلق اقتضي أن يكون بينهما؛ لاستوائهما فيه. و أن يقال: اصرفه إلي ما شئت، كما لو أعتق عبده عن كفّارته و كان عليه كفّارتان، كان له تعيين العتق عن أيّهما شاء. و كذا في زكاة المالَيْن.

و من فوائده أن يكون بنصيب أحدهما رهنٌ، فإذا قلنا: له صرفه إلي ما شاء، فصَرَفه إلي نصيبه، انفكّ الرهن، و إلاّ فلا.

و لو اختلفا فقال المؤدّي: أدّيتُ عمّا علَيَّ، فقال ربّ المال: بل أدّيتَ عن صاحبك، فالقول قول المؤدّي مع يمينه، و إنّما أحلفناه؛ لأنّه قد3.

ص: 366


1- كلمة «عليه» لم ترد في «ر، ث».
2- الحاوي الكبير 446:6، التهذيب - للبغوي - 182:4، العزيز شرح الوجيز 179:5، روضة الطالبين 502:3-503.
3- الحاوي الكبير 447:6، التهذيب - للبغوي - 183:4، العزيز شرح الوجيز 179:5، روضة الطالبين 503:3.

يتعلّق بهذا فوائد، و إن كان قد يستحقّ المطالبة بالكلّ؛ لأنّه قد يكون ثمناً، فإذا أفلس، رجع في المبيع، و يسقط أيضاً عن صاحبه، فإذا حلف، برئ عمّا كان عليه، و لربّ المال مطالبته بخمسة؛ لأنّه إن كان صادقاً، فالأصل باقٍ عليه. و إن كان كاذباً، فالضمان باقٍ.

و قال بعض الشافعيّة: لا مطالبة له؛ لأنّه إمّا أن يطالب عن جهة الأصالة و قد حكم الشرع بتصديق المؤدّي في البراءة عنها، أو عن جهة الضمان و قد اعترف ربّ المال بأنّه أدّي عنها.

هذا حكم الأداء، أمّا لو أبرأ ربّ الدَّيْن أحدهما عن جميع العشرة، برئ أصلاً و ضماناً عندهم، و برئ الآخَر عن الضمان دون الأصيل عندهم؛ لأنّ الدَّيْن عندهم لا يسقط عن المضمون عنه بسقوطه عن الضامن.

و عندنا يسقط.

و لو أبرأ أحدهما عن خمسة، فإن أبرأه عن الأصيل، برئ عنه و برئ صاحبه عن ضمانه، و بقي عليه ضمان ما علي صاحبه. و إن أبرأه عن الضمان، برئ عنه، و بقي عليه الأصلُ، و بقي علي صاحبه الأصلُ و الضمان.

و إن أبرأه من الخمسة عن الجهتين(1) جميعاً، سقط عنه نصف الأصل و نصف الضمان، و عن صاحبه نصفُ الضمان، و يبقي عليه الأصلُ و نصفُ الضمان فيطالبه بسبعة و نصف، و يطالب المبرأ عنه بخمسة.

و إن لم يَنْوِ عند الإبراء شيئاً، فيُحمل علي النصف، أو يُخيّر ليصرف إلي ما شاء؟ فيه الوجهان.

و لو قال المبرئ: أبرأت عن الضمان، و قال المبرأ عنه: بل عن الأصل، فالقول قول المبرئ(2)3.

ص: 367


1- أي: جهتا الأصالة و الضمان.
2- العزيز شرح الوجيز 179:5، روضة الطالبين 503:3.

هذا كلّه علي مذهب الشافعي، و قد بيّنّا مذهبنا في صدر المسألة.

مسألة 545: لو كان علي زيد عشرة فضمنها اثنان كلّ واحدٍ منهما خمسة، و ضمن أحدهما عن الآخَر و بالعكس، فقد بيّنّا أنّه بمنزلة عدم الضمان

إذا أجاز المضمون له ضمانهما معاً.

و عند أكثر العامّة يصحّ ضمانهما معاً، فلربّ المال - عندهم - مطالبة كلّ واحدٍ منهما بالعشرة نصفها عن الأصيل و نصفها عن الضامن الآخَر، فإن أدّي أحدهما جميعَ العشرة، رجع بالنصف علي الأصيل و بالنصف علي صاحبه.

و هل له الرجوع بالكلّ علي الأصيل إذا كان لصاحبه الرجوعُ عليه إن غرم ؟ فيه الوجهان عندهم.

و إن لم يؤدّ إلاّ خمسة، فإن أدّاها عن الأصيل أو عن صاحبه أو عنهما، ثبت له الرجوع بخمسة(1).

مسألة 546: لو باع شيئاً و ضمن ضامنٌ الثمنَ فهلك المبيع قبل القبض،

أو وجد به عيباً فردّه، أو ضمن الصداق فارتدّت المرأة قبل الدخول، أو فسخت بعيبٍ، فإن كان ذلك قبل أن يؤدّي الضامن، برئ الضامن و الأصيل.

و إن كان بعده فإن كان بحيث يثبت له الرجوع، رجع بالمغروم علي الأصيل، و رجع الأصيل علي ربّ المال بما أخذ إن كان هالكاً، و إن كان باقياً، ردّ عينه.

و هل له إمساكه و ردّ بدله ؟ فيه خلاف مأخوذ ممّا إذا ردّ المبيع بعيبٍ

ص: 368


1- التهذيب - للبغوي - 182:4، العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 502:3.

و عين الثمن عند البائع، فأراد إمساكه و ردّ مثله.

و الأصحّ: المنع، و به قال الشافعي(1).

و لو كان الذي دفعه الضامن أجود أو أزيد، فالأقرب: أنّه ليس للأصيل أخذُ الزيادة.

و إنّما يغرم ربّ المال للأصيل دون الضامن؛ لأنّ في ضمن الأداء عنه إقراضه و تمليكه إيّاه.

و إن كان بحيث لا يثبت له الرجوع، فلا شيء للضامن علي الأصيل، و علي المضمون له ردّ ما أخَذَه.

و علي مَنْ يردّ؟ فيه احتمال أن يردّه علي الضامن، أو علي الأصيل.

و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالي في المتبرّع بالصداق إذا طلّق الزوج قبل الدخول.

مسألة 547: لو كان لرجلٍ علي آخَر دَيْنٌ فادّعي صاحبُ الدَّيْن علي آخَر بأنّه ضمنه له علي المديون،

فأنكر الضامن الضمانَ، سقط حقّ ربّ المال عن الأصيل عندنا؛ لانتقال المال عن ذمّته إلي ذمّة الضامن، خلافاً لأكثر العامّة(2).

ثمّ مدّعي الضمان إن لم تكن له بيّنة فأحلف الضامن علي أنّه لم يضمن، سقط ما لَه، أمّا عن الضامن: فلبراءته باليمين، و أمّا عن الأصيل: فلاعترافه ببراءة ذمّته بالضمان.

و إن كان له بيّنة فأقامها علي الضامن بالضمان، ثبت له عليه المطالبة، فإذا رجع عليه بالمال، رجع الضامن علي الأصيل و إن كان قد كذّب المدّعي

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 178:5، روضة الطالبين 502:3.
2- راجع الهامش (2) من ص 344.

للضمان؛ لأنّ البيّنة أبطلت حكم إنكاره، فكأنّه لم ينكره.

و هذا كما لو اشتري عيناً فادّعي آخَر أنّها ملكه و أنّ بائعها غصبها منه، فقال المشتري في جوابه: إنّها ملك بائعي و ليس لك فيها حقٌّ، و إنّها اليوم ملكي، فأقام المدّعي البيّنة، فإنّ المشتري يرجع علي البائع و إن أقرّ له بالملك.

و كذا لو باع عيناً علي رجل و ادّعي علي آخَر أنّه ضمن الثمن عن المشتري و أقام علي ذلك بيّنةً و أخذ الثمن من الضامن، يرجع الضامن علي الأصيل.

و اعترض بعض الشافعيّة: بأنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار، و إذا أنكر كان مكذّباً للبيّنة زاعماً أنّ صاحب المال ظالم فيما أخذ منه، فكيف يرجع علي الأصيل بما ظلمه به و المظلوم إنّما يرجع علي ظالمه!؟(1).

و الجواب: نمنع أنّ البيّنة إنّما تُقام عند الإنكار، بل يجوز أن يُقرّ الضامن و تقام البيّنة للإثبات علي الأصيل.

سلّمنا أنّه لم يُقرّ، لكنّ البيّنة لا تستدعي الإنكار بخصوصه، بل يكفي الإنكار و ما يقوم مقامه كالسكوت، فربما كان ساكتاً.

سلّمنا استدعاءها الإنكار، لكنّها لا تستدعي الإنكار منه بخصوصه، بل يكفي صدور الإنكار من وكيله في الخصومات، فلعلّ البيّنة أُقيمت في وجه وكيله المنكر.

سلّمنا أنّه أنكر، لكنّه ربما أنكر الضمان و سلّم البيع، و هذا الإنكار لو مَنَع لكان مانعاً للرجوع بجهة غرامة المضمون.

و جائزٌ أن يكون هذا الرجوع باعتبار أنّ المدّعي ظَلَمه بأخذ ما علي الأصيل منه، و للظالم مثل المأخوذ علي الغائب، فيأخذ حقّه ممّا عنده.5.

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 180:5.

أمّا لو وجد منه التكذيب القاطع لكلّ الاحتمالات، فأصحّ وجهي الشافعيّة أنّه يمنع من الرجوع(1).

و قيل: لا يمنع(2) علي ما اخترناه أوّلاً.

البحث الخامس: في اللواحق.
مسألة 548: كلّ موضعٍ قلنا فيه بأنّ المأذون له في الأداء أو الضامن يرجع علي الآذن و المضمون عنه بما غرم

فإنّما هو مفروض فيما إذا أشهد المؤدّي أو الضامن علي الأداء شهادةً يثبت بها الحكم، سواء أشهد رجلين أو رجلاً و امرأتين.

و لو أشهد واحداً اعتماداً علي أن يحلف معه، فالوجه: الاكتفاء؛ لأنّ الشاهد مع اليمين حجّة في نظر الشرع، كافية لإثبات الأداء، عند أكثر العلماء(1) ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يكفي؛ لأنّهما قد يترافعان إلي حنفيٍّ لا يقضي بالشاهد و اليمين، فكان ذلك ضرباً من التقصير(2).

و إنّما تنفع الشهادة ما إذا أشهد عَدْلين أو عَدْلاً و امرأتين ثقتين أو عَدْلاً واحداً علي الخلاف.

و لو أشهد فاسقين مشهورين بالفسق، لم يكف، و كان مقصّراً.

و لو أشهد مستورين فبانا فاسقين، فالأقرب: الاكتفاء؛ إذ يمتنع الاطّلاع علي البواطن، فكان معذوراً، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 371


1- المغني 11:12، الشرح الكبير 94:12.
2- الحاوي الكبير 450:6، الوسيط 253:3، حلية العلماء 86:5، التهذيب - للبغوي - 185:4، العزيز شرح الوجيز 180:5-181، روضة الطالبين 504:3.

و في الثاني: لا يكفي، و يكون بمنزلة مَنْ لم يُشهد؛ لأنّ الحقّ لا يثبت بشهادتهما(1).

و هو غلط، كما لو فسقا بعد الإشهاد و الأداء.

و لا تكفي شهادة مَنْ يُعرف ظعنه(2) عن قريبٍ؛ لأنّه لا يفضي إلي المقصود.

أمّا إذا أدّي من غير إشهادٍ، فإن كان الأداء في غيبة الأصيل، فهو مقصّر بترك الإشهاد؛ إذ كان من حقّه الاحتياط و تمهيد طريق الإثبات. و إن كان بحضوره، فلا تقصير.

مسألة 549: لو جحد ربّ الدَّيْن أداء الضامن إليه، و ادّعاه الضامن، و لا بيّنة، فإن كذّب الأصيل الضامنَ في الدفع، لم يرجع عليه،

فإذا حلف ربّ الدَّيْن، أخذ من الضامن ثانياً، و يرجع الضامن علي المضمون عنه بما أدّاه ثانياً، إلاّ أن يكون الذي أدّاه أوّلاً أقلَّ مقداراً أو أقلَّ صفةً و ادّعي رضاه به، فإنّه يرجع بما أدّاه أوّلاً.

و إن صدّقه الأصيل، فالأقوي: رجوع الضامن عليه بما أدّاه أوّلاً إن ساوي الحقّ أو قصر عنه، لا بما يؤدّيه ثانياً بحلف المضمون له، و يؤدّي الضامن إلي المضمون له ثانياً لحلفه.

و للشافعيّة فيه وجهان، هذا أحدهما.

و الثاني: أنّه ليس له الرجوع بما أدّاه أوّلاً و صدّقه عليه؛ لأنّه لم يؤدّ بحيث ينتفع به الأصيل، فإنّ ربّ المال منكر، و المطالبة بحالها(3)

ص: 372


1- الوسيط 253:3، حلية العلماء 86:5، التهذيب - للبغوي - 185:4، العزيز شرح الوجيز 181:5، روضة الطالبين 504:3.
2- ظعن: سار. الصحاح 2159:6 «ظعن». و المراد هنا السفر.
3- العزيز شرح الوجيز 181:5، روضة الطالبين 504:3.

و لا بأس به عندي.

فعلي هذا القول لو كذّبه الأصيل هل يحلف ؟ قال بعض الشافعيّة:

يبني علي أنّه لو صدّقه هل يرجع عليه ؟ إن قلنا: نعم، حلّفه علي نفي العلم بالأداء. و إن قلنا: لا يرجع، يبني علي أنّ النكولَ و ردَّ اليمين كالإقرار، أو كالبيّنة ؟ إن قلنا بالأوّل، لم يحلّفه؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف الضامن، فيكون كما لو صدّقه، و ذلك لا يفيد الرجوع. و إن قلنا بالثاني، حلّفه طمعاً في أن ينكل فيحلف(1) ، فيكون كما لو أقام البيّنة(2).

و لو كذّبه الأصيل و صدّقه ربّ المال، فالأقوي: أنّه يرجع علي الأصيل؛ لسقوط المطالبة بإقراره، و إقراره أقوي من البيّنة مع إنكاره، و هو أظهر قولَي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يرجع، و لا ينهض قول ربّ المال حجّةً علي الأصيل(3).

و لو أدّي في حضور الأصيل، قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يرجع(2) ، كما لو ترك الإشهاد في غيبته(3).

و ظاهر مذهب الشافعي: أنّه يرجع(4) ؛ لأنّه حال الغيبة مستبدّ بالأمر، فعليه الاحتياط و التوثيق بالإشهاد، و إذا كان الأصيل حاضراً، فهو أولي بالاحتياط، و التقصير بترك الإشهاد في حضوره مستند إليه(5).

مسألة 550: إذا توافق الأصيل و الضامن علي أنّ الضامن أشهد بالأداء

ص: 373


1- في «ج، ر» و المصدر: «و يحلف». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 181:5، روضة الطالبين 504:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه يرجع». و ما أثبتناه كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 181:5، روضة الطالبين 504:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّه لا يرجع». و ما أثبتناه كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 181:5، روضة الطالبين 504:3.

و لكن مات الشهود أو غابوا، ثبت له الرجوع علي الأصيل؛ لاعترافه بأنّ الضامن أتي بما عليه من الإشهاد و التوثيق، و الموت و الغيبة ليسا إليه، و هو قول الشافعي(1).

و نَقَل الجويني وجهاً بعيداً: أنّه لا يرجع؛ إذ لم ينتفع بأدائه، فإنّ القولَ قولُ ربّ المال في نفي الاستيفاء(2).

و لو ادّعي الضامنُ الإشهادَ، و أنكر الأصيلُ الإشهادَ، فالقولُ قولُ الأصيل مع اليمين؛ لأصالة عدم الإشهاد، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ القولَ قولُ الضامن؛ لأنّ الأصل عدم التقصير. و لأنّه قد يكون صادقاً، و علي تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع إضراراً، فليصدَّق؛ للضرورة، كما يصدَّق الصبي في دعوي البلوغ؛ إذ لا يُعرف إلاّ من جهته(1).

و لو قال: أشهدت فلاناً و فلاناً، و كذّباه، فهو كما لو لم يُشهد.

و لو قالا: لا ندري و ربما نسيناه، احتُمل تصديقه و تكذيبه.

و لو أقام بيّنةً علي الشاهدين بأنّهما أقرّا بالشهادة، فالأقوي: السماع.

و إذا لم يُقم بيّنةً علي الأداء و حلف ربّ المال، بقيت مطالبته بحالها، فإن أخذ المال من الأصيل، فذاك. و إن أخذه من الضامن مرّةً أُخري، لم يرجع بهما؛ لأنّه مظلوم بإحداهما، فلا يرجع إلاّ علي مَنْ ظَلَمه.

و في قدر رجوعه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يرجع بشيء، أمّا بالأوّل(4): فلأنّه قصّر عند أدائه بترك الإشهاد. و أمّا بالثاني(5): فلاعترافه بأنّه مظلوم به.

و الأظهر عندهم: أنّه يرجع؛ لأنّه غرم لإبراء ذمّته(2)3.

ص: 374


1- العزيز شرح الوجيز 181:5-182، روضة الطالبين 504:3. (4 و 5) أي: المبلغ الأوّل... المبلغ الثاني.
2- العزيز شرح الوجيز 182:5، روضة الطالبين 505:3.

و علي هذا [هل](1) يرجع بالأوّل؛ لأنّه المبرئ للذمّة، أو بالثاني؛ لأنّه المسقط للمطالبة ؟ فيه لهم وجهان(2).

مسألة 551: إذا ضمن المريض في مرض موته، فإن كان علي وجهٍ يثبت له الرجوع و وجد الضامن مالاً يرجع فيه، فالضمان صحيح،

يُخرج من صلب المال؛ لأنّه عقد شرعيّ ناقل للمال و لم يوجد تبرّعٌ من المريض، فكان ماضياً من الأصل.

و إن كان الضمان متبرَّعاً به غير متضمّن للرجوع، أو كان بالسؤال و له الرجوع، لكن لم يجد مالاً يرجع فيه، بأن يموت الأصيل معسراً، فهذا الضمان من الثلث؛ لأنّه تبرّعٌ محضٌ، فلا ينفذ في أكثر من الثلث. فإذا ضمن المريض تسعين درهماً عن رجلٍ بأمره، و لا مال للمريض سوي التسعين و مات الأصيل و لم يترك إلاّ نصف التسعين و مات الضامن، دَخَلها الدور.

و تقريره أن نقول: إذا وفت التركة بثلثي الدَّيْن، فلا دَوْر؛ لأنّ صاحب الحقّ إن أخذ الحقَّ من تركة الضامن، رجع ورثته بثلثي الدَّيْن في تركة الأصيل. و إن أخذ تركة الأصيل و بقي شيء، أخذه من تركة الضامن، و يقع تبرّعاً؛ لأنّ ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً.

و إن لم تف التركة بالثلثين - كما في هذه الصورة - فقد ثبت الدَّوْر.

و تحقيقه أن نقول: صاحب الحقّ بالخيار إن شاء أخذ تركة الأصيل بتمامها، و حينئذٍ فلا دَوْر أيضاً، و له مطالبة ورثة الضامن بثلاثين درهماً، و يقع تبرّعاً؛ إذ لم يبق للأصيل تركة حتي يُفرض فيها رجوعٌ.

ص: 375


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 182:5، روضة الطالبين 505:3.

فإن أراد الأخذ من تركة الضامن، لزم الدَّوْر؛ لأنّ ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضُه من جهة أنّه يصير المغروم دَيْناً لهم علي الأصيل يتضاربون به مع صاحب الحقّ في تركته، و يلزم من رجوع بعضه زيادة التركة، و من زيادة التركة زيادة المغروم، و من زيادة المغروم زيادة الراجع.

و طريق معرفته أن يقال: يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن شيئاً، و يرجع إليهم مثل نصفه؛ لأنّ تركة الأصيل نصف تركة الضامن، فيبقي عندهم تسعون إلاّ نصف شيء، و هي تعدل مِثْلَي ما تلف بالضمان، و التالف نصف شيء، فمِثْلاه شيءٌ، فإذَنْ تسعون إلاّ نصف شيء يعدل شيئاً، فإذا جبرنا و قابلنا، عدلت تسعون شيئاً و نصف شيء، فيكون الشيء ستّين، فبانَ لنا أنّ المأخوذ ستّون، و حينئذٍ تكون الستّون دَيْناً لهم علي الأصيل، و قد بقي لصاحب الحقّ ثلاثون، فيضاربون في تركته بسهمين و سهمٍ، و تركته خمسة و أربعون يأخذ منها الورثة ثلاثين، و صاحب الحقّ خمسةَ عشر، و يعطّل باقي دَيْنه، و هو خمسة عشر، فيكون الحاصل للورثة ستّين، ثلاثون بقيت عندهم، و ثلاثون أخذوها من تركة الأصيل، و ذلك مِثْلا ما تلف و وقع تبرّعاً، و هو ثلاثون.

و لو كانت المسألة بحالها لكن تركة الأصيل ثلاثون، قلنا: يأخذ صاحب الحقّ شيئاً، و يرجع إلي ورثة الضامن مثل ثلثه؛ لأنّ تركة الأصيل ثلث تركة الضامن، فيبقي عندهم تسعون ناقصةً ثلثَي شيء تعدل مثْلَي المتلف بالضمان، و هو ثلثا شيء، فمِثْلاه شيء و ثلث، فإذَنْ تسعون إلاّ ثلثَي شيء تعدل شيئاً و ثلثاً، فيُجبر و يُقابل، عدلت تسعون شيئين، فالشيء خمسة و أربعون، و ذلك ما أخذه صاحب الحقّ، و صار دَيْناً لورثة الضامن علي الأصيل، و بقي لصاحب الحقّ عليه خمسة و أربعون أيضاً، فيتضاربون

ص: 376

في تركته بسهمٍ و سهمٍ، فيجعل بينهما نصفين.

و لو كانت تركة الأصيل ستّين، فلا دَوْر، بل لصاحب الحقّ أخذ تركة الضامن كلّها بحقّ الرجوع، و يقع الباقي تبرّعاً.

و لو كانت المسألة بحالها و كان قد ضمن عن الضامن ضامنٌ ثانٍ و مات الضامن الثاني و لم يترك إلاّ تسعين درهماً أيضاً، كان لصاحب الحقّ أن يطالب ورثة أيّهما شاء.

فإن طالَب به ورثة الضامن الأوّل، قال بعض الشافعيّين: كان كالمسألة الأُولي يأخذ ستّين، و من ورثة مَنْ كان عليه أصل المال خمسةَ عشر، و يرجع ورثة الضامن علي ورثة الذي كان عليه الحقُّ بثلاثين(1).

و إن طالَب ورثة الضامن الثاني، أخذ منهم سبعين درهماً، و من ورثة مَنْ كان عليه الأصلُ خمسةَ عشر، و يرجع ورثة الضامن الثاني علي الضامن الأوّل بأربعين درهماً، و يرجع الضامن الأوّل في مال مَنْ عليه أصلُ الحقّ بثلاثين.

و إنّما كانت هذه المسألة كالأُولي فيما إذا طالَب ورثة الضامن الأوّل؛ لأنّه لا يأخذ منهم إلاّ ستّين، و يأخذ من تركة الأصيل خمسةَ عشر، كما في الصورة السابقة، لكن لا يتلف من ماله شيء هنا، بل يطالب بالباقي - و هو خمسة عشر - ورثة الضامن.

و أمّا إذا طالَب ورثة الضامن الثاني، فقد غلّطه جماعة الشافعيّة في قوله من جهة أنّه أتلف من مال الثاني ثلاثين؛ لأنّه أخذ منهم سبعين، و أثبت لهم الرجوع بأربعين، و كان الباقي عندهم عشرين، فالمجموع ستّون، و لم يتلف من مال الأوّل إلاّ عشرة؛ لأنّه أخذ منهم أربعين، و أثبت لهم5.

ص: 377


1- العزيز شرح الوجيز 183:5.

الرجوع بثلاثين، و معلومٌ أنّ الضامن الثاني إنّما ضمن تسعين عمّن يملك تسعين، و الأوّل ضمن تسعين عمّن يملك خمسةً و أربعين، فكيف يؤخذ من الثاني أكثر ممّا يؤخذ من الأوّل!؟(1).

و اختلفت الشافعيّة في الجواب.

فقال الأُستاذ أبو إسحاق(2): يأخذ صاحب الحقّ من ورثة الضامن خمسةً و سبعين، و يرجعون بمثلها علي ورثة الأوّل، و يرجع [ورثة](3) الأوّل علي ورثة الأصيل بتركته، و هي خمسة و أربعون، فيكون جملة ما معهم ستّين: خمسة عشر من الأصل، و الباقي من العوض، و ذلك مِثْلا الثلاثين التالفة عليهم، و لم يثبت لصاحب الحقّ مطالبة ورثة الثاني بكمال الدَّيْن(4).

و قال الأكثر: له مطالبة ورثة الثاني بجميع الدَّيْن، ثمّ هُمْ يرجعون علي ورثة الأوّل بخمسة و سبعين، و يتلف عليهم خمسة عشر؛ للضرورة، و يرجع ورثة الأوّل علي ورثة الأصيل بتركته، كما ذكره الأُستاذ(5).

قال الجويني: كأنّ الأُستاذ اعتقد أنّ ضمان الأوّل لم يصح إلاّ في قدرٍ لو رجع معه في تركة الأصيل لما زاد التالف من تركته علي ثلثها، و إذا لم يصح ضمانه فيما زاد، لم يصح ضمان الثاني عنه، و إلاّ دارَ(6).

قالوا: إنّما لا يؤخذ أكثر من الثلث لحقّ الورثة، لكنّه صحيح في الجميع متعلّق بالذمّة، فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر(7)5.

ص: 378


1- العزيز شرح الوجيز 184:5.
2- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في المصدر: «أبو منصور».
3- ما بين المعقوفين من المصدر. (4-7) العزيز شرح الوجيز 184:5.

و يجب أن يكون هذا الخلاف جارياً في مطالبتهم بتتمّة التسعين إذا طالب أوّلاً ورثة الضامن الأوّل و إن [لم](1) يُذكر ثَمَّ. و إن أخذ المستحقّ أوّلاً بتركة الأصيل، برئ الضامنان عن نصف الدَّيْن.

ثمّ المستحقّ - علي جواب الأكثرين - إن شاء أخذ من ورثة الأوّل ثلاثين، و من ورثة الثاني خمسةَ عشر، و إن شاء أخذ الكلَّ من ورثة الثاني و هُمْ يرجعون علي ورثة الأوّل بثلاثين، فيصل إلي تمام حقّه بالطريقين.

و علي جواب الأُستاذ ليس له من الباقي إلاّ ثلاثون، إن شاء أخذها من ورثة الأوّل و لا رجوع، و إن شاء أخذها من ورثة الثاني، و هُمْ يرجعون بها علي ورثة الأوّل(2).

مسألة 552: يجوز ترامي الضمان لا إلي غايةٍ معيّنة.

و هل يجوز دَوْرُه بأن يضمن ضامن رجلاً علي دَيْنٍ ثمّ يضمن الرجل المضمون الضامنَ علي ذلك الدَّيْن بعينه ؟ مَنَع منه الشافعيّة؛ لأنّ الضامن فرع المضمون عنه، فلا يجوز أن يكون أصلَه(3).

و فيه عندي نظر.

أمّا لو ضمن غيرَ ذلك الدَّيْن، فإنّه يجوز قطعاً؛ لأنّ الأصل في شيءٍ قد يكون فرعاً لفرعه في شيءٍ آخَر.

و كذا لو تبرّع الضامن بالضمان، فإنّ الحقّ يثبت في ذمّته، و تبرأ ذمّة المضمون عنه عندنا، فيجوز حينئذٍ للمضمون عنه أن يضمن الضامنَ.

فلو كان له علي اثنين عشرةٌ علي كلّ واحدٍ منهم خمسةٌ، فضمن كلّ واحدٍ صاحبَه فضمن ثالثٌ عن أحدهما العشرةَ و قضاها، سقط الحقّ

ص: 379


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 184:5.
3- راجع: الحاوي الكبير 444:6.

- عندنا و عند الشافعيّة(1) - عن الجميع بالأداء، و رجع علي الذي ضمن عنه بخمسة؛ لأنّها هي التي تثبت في ذمّته، و لم يرجع علي الآخَر بشيء؛ لأنّه لم يضمن عنه، و إنّما قضي الدَّيْن عنه تبرّعاً.

و عند الشافعيّة يكون له الرجوع علي الذي ضمن عنه بالعشرة، و لا يرجع علي الآخَر بشيء؛ لأنّه لم يضمن عنه، و إذا رجع علي الذي ضمن عنه، رجع علي الآخَر بنصفها؛ لأنّه ضمنها عنه و قضاها(2).

و لو كان المضمون عنه دفع مال الضمان إلي الضامن بإذنه و قال له:

اقض هذا المال للمضمون له عنّي، فقضاه، كان أمانةً في يده؛ لأنّه نائب عنه في دفعه إلي صاحب الدَّيْن، فإن(1) تلف قبل الدفع بغير تفريطٍ منه، لم يضمنه.

و إن دفعه إليه عن الذي ضمنه و قال له: خُذْ هذا عوضاً عمّا ضمنته، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: يصحّ و يملكه؛ لأنّ رجوعه عليه يتعلّق بسبب الضمان و الغرم، فإذا وجد أحد السببين، جاز أن يدفعه، كالزكاة.

و الثاني: لا يصحّ و لا يملكه؛ لأنّه يدفعه عوضاً عمّا يغرم، و لم يغرم بَعْدُ، فلا تصحّ المعاوضة علي ما لم يجب له(2).

و يمكن أن يقال: هذا لا يجيء علي مذهب الشافعيّة؛ لأنّ لصاحب الحقّ أن يطالب مَنْ عليه الدَّيْن بذلك، فكيف تصحّ المعاوضة عنه مع3.

ص: 380


1- في «ج»: «و إن».
2- المهذّب - للشيرازي - 348:1، العزيز شرح الوجيز 173:5، روضة الطالبين 497:3.

توجّه المطالبة به!؟ فإن قلنا: إنّه يملك، صحّ له التصرّف فيه، و إلاّ فلا، و يكون مضموناً عليه؛ لأنّه قبضه علي وجه المعاوضة.

مسألة 553: لو ادّعي علي رجلٍ حاضرٍ أنّه باع منه و من الغائب شيئاً بألفٍ و كلٌّ منهما ضامن لصاحبه،

فإن أقرّ الحاضر، لم يلزمه عندنا إلاّ النصف الذي ضمنه، بناءً علي أصلنا من انتقال المال إلي ذمّة الضامن، و عند الشافعيّة من اشتراك الذمّتين في المال(1)الحاوي الكبير 448:6، حلية العلماء 87:5، التهذيب - للبغوي - 183:4-184، العزيز شرح الوجيز 180:5، روضة الطالبين 503:3-504.(2): يؤدّي الحاضر الألف، فإذا قدم الغائب و صدّقه، رجع عليه. و إن أنكره و حلف، لم يكن له الرجوع عليه(2).

و أمّا إن أنكر الحاضر الضمانَ، فإن لم يكن للمدّعي بيّنةٌ، قُدّم قول المنكر مع يمينه. فإذا(3) حلف، سقطت الدعوي عنه.

فإذا قدم الغائب فإن أنكر(4) ، حلف و برئ، و إن اعترف، لزمه خمسمائة التي ادّعاها عليه، و يسقط(5) عنه الباقي؛ لأنّ المضمون عنه سقطت عنه بيمينه، قاله بعض الشافعيّة(6).

و قال بعضهم: إنّه غير صحيح؛ لأنّ اليمين لم تبرئه من الحقّ، و إنّما أسقطت عنه في الظاهر، فإذا أقرّ به الضامن، لزمه، و لهذا لو أقام البيّنة عليه بعد يمينه، لزمه و لزم الضامن، فإذَنْ الحقُّ لم يسقط عنه و لا عن الضامن(7).

و أمّا إذا أقام علي الحاضر البيّنة، وجب عليه الألف عندهم، فإذا قدم

ص: 381


1- راجع المصادر في الهامش
2- من ص 344.
3- في الطبعة الحجريّة: «و إذا».
4- في الطبعة الحجريّة: «فأنكر» بدل «فإن أنكر».
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «سقط». (6 و 7) حلية العلماء 87:5.

الغائب، لم يكن للحاضر الرجوعُ علي الغائب؛ لأنّه منكرٌ لما شهدت به البيّنة، مكذّبٌ لها، مدّعٍ أنّ ما أخذه ظلم، فلم يرجع(1).

و نقل المزني أنّه يرجع بالنصف علي الغائب(2).

و تأوّله الشافعيّة بأُمور، أحدها: أنّه يجوز أن تُسمع البيّنة مع إقراره؛ لأنّه يثبت بذلك الحقُّ علي الغائب، فتُسمع عليهما، أو يكون أنكر شراءه و لم ينكر شراء شريكه و الضمان عنه، بل سكت(3).

مسألة 554: لو شرط في الضمان الأداء من مالٍ بعينه، صحّ الضمان و الشرط معاً؛

لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال، فلو تلف المال قبل الأداء بغير تفريط الضامن، فالأقرب: فساد الضمان؛ لفوات شرطه، فيرجع صاحب المال علي الأصيل.

و هل يتعلّق الضمان بالمال المشروط تعلُّقُه به تعلُّقَ الدَّيْن بالرهن أو الأرش بالجاني ؟ الأقرب: الأوّل، فيرجع علي الضامن لو تلف.

و علي الثاني يرجع علي المضمون عنه.

و كذا لو ضمن مطلقاً و مات معسراً علي إشكالٍ.

و لو بِيع متعلَّق الضمان بأقلّ من قيمته؛ لعدم الراغب، رجع الضامن بتمام القيمة؛ لأنّه يرجع بما أدّي.

و يُحتمل بالثمن خاصّةً؛ لأنّه الذي قضاه.

و لو لم يساو المال قدر الدَّيْن، فالأقرب: الرجوع علي الضامن، و يرجع علي المضمون عنه.

ص: 382


1- حلية العلماء 88:5.
2- مختصر المزني: 108، حلية العلماء 88:5.
3- حلية العلماء 88:5.

و قد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح، فلو ضمن عنه ما في ذمّته، صحّ، و لزمه ما تقوم به البيّنة علي ثبوته وقت الضمان، لا ما يتجدّد، و لا ما يوجد في دفتر و كتاب، و لا ما يُقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المالك بردّ اليمين من المديون.

و لو ضمن ما تقوم به البيّنة، لم يصح؛ لعدم العلم بثبوته حينئذٍ.

مسألة 555: لو ضمن الدَّيْنَ اثنان علي التعاقب مع صاحب الحقّ عن المديون، طُولب الضامن الأوّل، و بطل الثاني؛

لأنّ الحقّ انتقل من ذمّة المضمون عنه إلي ذمّة الضامن، فالضامن الثاني لم يصادف ضمانه حقّاً علي المضمون عنه للمضمون له.

و لو قال الضامن الثاني: ضمنت لك هذا الدَّيْن علي مَنْ كان، فإن قلنا: يصحّ الضمان عن المجهول، صحّ هذا الضمان، و كان ضامناً عن الضامن السابق، و إلاّ بطل.

و لو ضمن الثاني من وكيل صاحب الحقّ، بطل الثاني.

و لو اتّفق ضمان الأوّل مع صاحب الحقّ و ضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد، بطل الضمانان معاً؛ لعدم أولويّة أحدهما بالصحّة و الآخَر بالبطلان.

مسألة 556: لو شرط الضمان في مالٍ بعينه ثمّ أفلس و حجر عليه الحاكم، كان حقّ الضمان في العين التي تعلّق الضمان بها - كالرهن - مقدّماً علي حقّ الغرماء،

فإن فضل شيء من حقّ الضمان، تعلّق حقّ الغرماء بالفاضل، و إلاّ فلا.

ص: 383

و لو ضمن كلٌّ من المديونين ما علي صاحبه، تعاكست الأصالة و الفرعيّة فيهما إن أجازهما المضمون له علي ما بيّنّاه، و تتساقطان إذا أدّي كلّ واحدٍ منهما مالَ الضمان عن صاحبه، فلو شرط أحدهما كونَ الضمان من مالٍ بعينه و حُجر عليه بفلسٍ قبل الأداء، رجع علي الموسر بما أدّي، و يضرب الموسر مع الغرماء.

و لو أجاز ضمانَ أحدهما خاصّةً، رجع عليه بالجميع، و يرجع المؤدّي علي الآخَر بنصيبه، فإن دفع النصف، انصرف إلي ما قصده، و يُصدَّق باليمين، و ينصرف الإبراء إلي ما قصده المبرئ، فإن أطلق فالتقسيط.

و لو ادّعي الأصيل قصده، ففي توجّه اليمين عليه أو علي الضامن إشكال ينشأ: من عدم توجّه اليمين لحقّ الغير، و من خفاء القصد.

و لو تبرّع بالضمان ثمّ سأل ثالثاً الضمانَ عنه فضمن، رجع عليه، دون الأصيل و إن أذن له الأصيل في الضمان و الأداء.

مسألة 557: لو دفع الأصيل الدَّيْنَ إلي المستحقّ أو إلي الضامن، فقد برئ، سواء أذن له الضامن في الدفع أو لا.

و لو ضمن فأنكر الأصيل الإذنَ في الضمان، قُدّم قوله مع اليمين، و علي الضامن البيّنة بالإذن؛ لأصالة عدمه.

و كذا لو أنكر الأصيل الدَّيْنَ الذي ضمنه عنه الضامن؛ لأصالة براءة ذمّته.

و لو أنكر الضامن الضمانَ فاستوفي المستحقّ بالبيّنة، لم يرجع علي

ص: 384

الأصيل إن أنكر الدَّيْنَ أيضاً أو الإذنَ، و إلاّ رجع اقتصاصاً، إلاّ أن ينكر الأصيل الإذنَ و لا بيّنة.

و لو أنكر المستحقّ دفع الضامن بسؤالٍ، قُدّم إنكاره.

فإن شهد الأصيل و لا تهمة، قُبلت، و مع التهمة يغرم ثانياً، و يرجع علي الأصيل بالأوّل مع مساواته الحقّ أو قصوره.

و لو لم يشهد، رجع بالأقلّ من الثاني و الأوّل و الحقّ.

مسألة 558: كما ينبغي التنزّه عن الدَّيْن ينبغي التنزّه عن الضمان مع الإعسار؛ لما فيه من التغرير بمال الغير.

و قد روي أبو الحسن الخزّاز عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول لأبي العباس الفضل: «ما مَنَعك من الحجّ؟» قال: كفالة تكفّلت بها، قال: «ما لك و الكفالات ؟ أما علمت أنّ الكفالة هي التي أهلكت القرون الأُولي؟»(1).

و عن داوُد الرقّي عن الصادق عليه السلام قال: «مكتوب في التوراة: كفالة ندامة غرامة»(2).

و قد روي الحسن(3) بن خالد عن الكاظم عليه السلام، قال: قلت له:

جُعلت فداك، قول الناس: الضامن غارم، قال: فقال: «ليس علي الضامن غُرْمٌ، الغُرْم علي مَنْ أكل المال»(4). و المراد منه أنّ الضمان يستقرّ علي الأصيل.

ص: 385


1- التهذيب 484/209:6.
2- التهذيب 492/210:6.
3- في المصدر: «الحسين».
4- الكافي 104:5-5/105، التهذيب 485/209:6.

ص: 386

الفصل الثاني: في الكفالة
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: العقد.
مسألة 559: الكفالة عقد شُرّع للتعهّد بالنفس، و يشابه الضمان، فإنّ الشيء المضمون قد يكون حقّاً علي الشخص، و قد يكون نفسَ الشخص.

و هي عقد صحيح عند عامّة أهل العلم، و به قال الثوري و مالك و الليث و أبو حنيفة و أحمد و الشافعي(1) ، و لا نعرف فيه مخالفاً، إلاّ ما نُقل عن الشافعي من قوله في كتاب الدعاوي: إنّ الكفالة بالبدن ضعيفة(2).

و قال في اختلاف العراقيّين و في الإقرار و في المواهب و في كتاب اللعان: إنّ الكفالة بالبدن جائزة(3).

و اختلف أصحابه.

فقال بعضهم: إنّ الكفالة صحيحة قولاً واحداً، و أراد بقوله: «إنّها

ص: 387


1- المغني 95:5، الشرح الكبير 98:5، بداية المجتهد 295:2، المعونة 1230:2، الهداية - للمرغيناني - 87:3، المبسوط - للسرخسي - 2:20، مختصر اختلاف العلماء 1975/253:4، النتف 758:2، الاختيار لتعليل المختار 270:2، الحاوي الكبير 462:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، الوجيز 184:1، الوسيط 239:3، حلية العلماء 67:5، التهذيب - للبغوي - 187:4، العزيز شرح الوجيز 159:5، روضة الطالبين 486:3.
2- الأُم 231:3، و 229:6، الحاوي الكبير 462:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 67:5، التهذيب - للبغوي - 187:4، العزيز شرح الوجيز 159:5، المغني 95:5، الشرح الكبير 98:5.
3- الأُم 118:7، الحاوي الكبير 462:6، المهذّب - للشيرازي - 349:1.

ضعيفة» أي ضعيفة في القياس و إن كانت ثابتةً بالإجماع و الأثر.

و منهم مَنْ قال: إنّ فيها قولين:

أحدهما: أنّها صحيحة، و هو قول عامّة العلماء.

و الثاني: أنّها غير صحيحة؛ لأنّها كفالة بعين فلم تصح، كالكفالة بالزوجة و بدن الشاهدَيْن(1).

و الحقّ: الأوّل؛ لقوله تعالي:«قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّي تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ» (2) فطلب يعقوب عليه السلام من بنيه كفيلاً ببدن يوسف عليه السلام، و قالوا ليوسف عليه السلام:«إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ» (3) و ذلك كفالة بالبدن.

و ما رواه العامّة من قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «الزعيم غارم»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام أُتي برجل كفل برجلٍ بعينه فأخذ الكفيل، فقال: احبسوه حتي يأتي بصاحبه»(5).

و لإطباق الناس عليه في جميع الأعصار في كلّ الأصقاع، و لو لم تكن صحيحةً امتنع إطباق الخلق الكثير عليه. و لأنّ الحاجة تدعو إليه، و تشتدّ الضرورة إليه، فلو لم يكن سائغاً لزم الحرج و الضرورة. و لأنّ ما وجب تسليمه بعقدٍ وجب تسليمه بعقد الكفالة، كالمال و وجوب تسليم البدن».

ص: 388


1- المهذّب - للشيرازي - 349:1، حلية العلماء 86:5، التهذيب - للبغوي - 187:4، العزيز شرح الوجيز 159:5، المغني 95:5، الشرح الكبير 98:5.
2- يوسف: 66.
3- يوسف: 78.
4- سنن ابن ماجة 2405/804:2، سنن أبي داوُد 3565/297:3، سنن الترمذي 1265/565:3، سنن الدار قطني 8/70:4، سنن البيهقي 72:6، سنن سعيد ابن منصور 125:1-427/126، مسند أحمد 21792/358:6، و 22001/397.
5- التهذيب 486/209:6، و فيه: «بالمكفول» بدل «الكفيل».

يكون بعقد النكاح و الإجارة.

مسألة 560: و يصحّ عقد الكفالة حالّةً و مؤجَّلةً عند أكثر علمائنا

(1) - و به قال الشافعي(2) - للأصل الدالّ علي الجواز.

و قال الشيخ رحمه الله: لا يصحّ ضمان مال و لا نفس إلاّ بأجلٍ معلوم(3).

و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإذا أطلق عقد الكفالة أو شرط الحلول، كانت حالّةً؛ لأنّ كلّ عقدٍ دَخَله الحلول إذا أطلق اقتضي الحلول، كالثمن.

و إذا ذكر أجلاً، وجب تعيينه، فإن أبهم، كان العقد باطلاً عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لما فيه من الغرر بجهالة الأجل. و لأنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته فيه.

و كذا الضمان.

فإن جَعَله إلي الحصاد و الجذاذ و القطاع(5) ، لم يصح عندنا، و هو أحد قولَي الحنابلة(6).

و الأولي عندهم: صحّته؛ لأنّه تبرّع من غير عوضٍ جعل له أجلاً لا يمنع من حصول المقصود فيه، فصحّ(7).

و عن أحمد رواية: أنّه إذا قيّد الكفالة بساعةٍ، صحّ، و لزمه. و توقّف

ص: 389


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 337:2، و الحلّي في السرائر 77:2، و المحقّق في شرائع الإسلام 115:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 350:1.
3- النهاية: 315.
4- المهذّب - للشيرازي - 350:1، الوسيط 244:3، الوجيز 185:1، حلية العلماء 72:5 و 77، التهذيب - للبغوي - 190:4، العزيز شرح الوجيز 169:5، روضة الطالبين 493:3، المغني 100:5، الشرح الكبير 106:5.
5- في «ث»: «القطاف» بدل «القطاع». (6 و 7) المغني 100:5، الشرح الكبير 106:5.

لو عيّن الوقت المتّسع(1).

و لأنّه شرط فيها شرطاً فاسداً فلم يصح مطلقها؛ لعدم الرضا به، و لا مقيّدها بهذا الشرط؛ لفساده.

و للشافعي وجهٌ آخَر: أنّها تصحّ كالعاريّة بأجلٍ مجهول(2).

و هو غلط؛ لأنّ العاريّة لا تلزم، و لهذا لو قال له: أعرتك أحد هذين الثوبين، جاز، و كان له الانتفاع بأحدهما، و لو قال: كفلت لك بأحد هذين، لم يصح، كذا هنا.

مسألة 561: عقد الكفالة يصحّ دخول الخيار فيه،

فإن شرط الخيار فيها مدّة معيّنة، صحّ؛ لقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

و قولِه تعالي:«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (4) أمر بالوفاء بالعقد، و إنّما وقع العقد علي هذا الشرط، و ليس منافياً لمقتضاه، كما لا ينافي غيره من العقود.

و قال الشافعي: إذا شرط في الكفالة الخيار، بطل العقد؛ لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط الخيار، فإذا شرطه بطل، كالسَّلَم و الصرف(5).

و المقدّمة الأُولي ممنوعة، و الحكم في المقيس عليه ممنوع.

و قال أبو حنيفة: إذا شرط الخيار في الكفالة، صحّ العقد، و بطل الشرط؛ لأنّ الضمان يتعلّق بغرر و خطر، فلم يفسد بالشرط الفاسد،

ص: 390


1- المغني 100:5، الشرح الكبير 106:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 350:1، حلية العلماء 72:5 و 77.
3- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- المائدة: 1.
5- حلية العلماء 77:5، التهذيب - للبغوي - 191:4، العزيز شرح الوجيز 167:5، روضة الطالبين 493:3.

كالنكاح(1).

مسألة 562: لا بدَّ في العقد من صيغةٍ دالّةٍ علي الإيجاب و القبول،

فيقول الكفيل: كفلت لك بدنَ فلان، أو: أنا كفيل بإحضاره، أو: كفيل به، أو بنفسه، أو ببدنه، أو بوجهه، أو برأسه؛ لأنّ كلّ ذلك يُعبَّر به عن الجملة.

و لو كفل رأسه أو كبده أو عضواً لا تبقي الحياة بدونه، أو بجزء شائع فيه، كثلثه أو ربعه، قال بعض علمائنا: لا يصحّ؛ إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجرّداً، و لا يسري العقد إلي الجملة(2).

و قال بعض الشافعيّة: تصحّ الكفالة؛ لأنّه لا يمكن إحضار ذلك المكفول إلاّ بإحضار كلّه(3). و هو الوجه عندي.

و لو تكفّل بعضو تبقي الحياة بعد زواله، كيده و رِجْله و إصبعه و غيرها، للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّه لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء علي صفتها إلاّ بإحضار البدن كلّه، فأشبه الكفالة بالوجه و القلب. و لأنّه حكم تعلّق بالجملة، فيثبت حكمه إذا أُضيف إلي البعض، كالعتق.

و الثاني: لا تصحّ؛ لأنّه لا يمكن(4) إحضاره بدون الجملة مع بقائها(5)

ص: 391


1- حلية العلماء 77:5، العزيز شرح الوجيز 167:5.
2- راجع: شرائع الإسلام 118:2.
3- الحاوي الكبير 465:6، المهذّب - للشيرازي - 350:1، حلية العلماء 74:5، التهذيب - للبغوي - 192:4، العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3.
4- في المغني و الشرح الكبير: «يمكن» بدون «لا» النافية.
5- الحاوي الكبير 465:6، المهذّب - للشيرازي - 350:1، حلية العلماء 74:5، التهذيب - للبغوي - 192:4، العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3، المغني 96:5، الشرح الكبير 100:5-101.

و قال بعض الشافعيّة: لا تصحّ الكفالة في جميع ذلك كلّه، سواء بقيت الحياة بدونه أو لا، و سواء كان جزءً مشاعاً أو لا؛ لأنّ ما لا يسري إذا خصّ به عضواً لم يصح، كالبيع و الإعارة و الوصيّة و الإجارة(1).

البحث الثاني: في الكفيل و المكفول و المكفول له.
مسألة 563: يُشترط في الكفيل البلوغُ و العقلُ و الحُرّيّةُ و جوازُ التصرّف،

فلا تصحّ كفالة الصبي و لا المجنون و لا العبد و لا مَنْ لا يجوز تصرّفه، كالسكران و الغافل و النائم و الساهي و المحجور عليه للسفه و الفلس؛ لأنّ الكفالة تستلزم غرم المال مع عدم الإحضار، و هؤلاء كلّهم ممنوعون من التصرّف في أموالهم.

و لا يُشترط ذلك في المكفول و لا في المكفول له، فإنّه تجوز الكفالة للصبي و المجنون و غيرهما إذا قَبِل الوليّ.

مسألة 564: يُشترط رضا الكفيل، فلا تصحّ كفالة المكره علي الكفالة؛

لأنّه لا يصحّ أن يلزمه الحقّ ابتداءً إلاّ برضاه. و لا نعلم فيه خلافاً.

و كذا يُعتبر رضا المكفول له؛ لأنّه صاحب الحقّ، فلا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه، و كما يُعتبر رضا المرتهن في الارتهان، كذا المكفول له يُعتبر رضاه في الكفالة.

و قال أحمد: لا يُعتبر رضاه؛ لأنّها(2) التزام حقٍّ له من غير عوض،

ص: 392


1- المهذّب - للشيرازي - 350:1، حلية العلماء 74:5، التهذيب - للبغوي - 192:4، العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و ما أثبتناه كما في المصدر.

فلم يُعتبر رضاه فيها(1).

و ليس بصحيح.

أمّا المكفول به فلا يُعتبر رضاه، بل تصحّ الكفالة و إن كره المكفول به، عند علمائنا - و به قال ابن سريج من الشافعيّة(2) - لأنّها وثيقة علي الحقّ، فصحّت بغير أمر مَنْ عليه، كالضمان.

و قال عامّة الشافعيّة - و هو منقول عن الشافعي -: إنّه يُعتبر رضا المكفول(3) به؛ لأنّه إذا لم يأذن المكفول به في الكفالة لم يلزمه الحضور معه، فلم يتمكّن من إحضاره، فلم تصحّ(4) كفالته؛ لأنّها كفالة بغير المقدور عليه، بخلاف الضمان؛ لأنّه يمكنه الدفع من ماله، و لا يمكنه أن ينوب عنه في الحضور(5).

و نمنع عدم لزوم الحضور.

و خلاف الشافعيّة هنا مبنيّ علي أنّ الكفيل هل يغرم عند العجز؟ إن قلنا: لا يغرم، لم تصح الكفالة؛ لأنّه إذا تبرّع لم يتمكّن من إحضاره؛ إذ لا تلزمه الإجابة، فلا تفضي الكفالة إلي مقصودٍ. و إن قلنا: نعم، يغرم عند العجز(6).

فعلي قولنا إذا تكفّل به بغير أمره فطالَبه المكفول له بإحضاره، وجب5.

ص: 393


1- المغني 103:5، الشرح الكبير 102:5.
2- الحاوي الكبير 464:6، حلية العلماء 73:5.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المضمون» بدل «المكفول». و الظاهر ما أثبتناه.
4- في النسخ الخطّيّة: «فلا تصحّ».
5- الحاوي الكبير 464:6، المهذّب - للشيرازي - 350:1، حلية العلماء 73:5، التهذيب - للبغوي - 189:4، العزيز شرح الوجيز 165:5، روضة الطالبين 491:3، المغني 103:5-104، الشرح الكبير 102:5.
6- العزيز شرح الوجيز 165:5.

عليه إحضاره، و وجب علي المكفول به الحضورُ، لا من جهة الكفالة، و لكن لأنّ المكفول له أمره بإحضاره، فهو بمنزلة وكيله في مطالبته بحضوره.

و لو لم يقل المكفول له: أحضره، و لكن قال: أُخرج إليَّ من كفالتك، أو: أُخرج عن حقّي، فهل يجب علي المكفول به الحضور؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّ ذلك يتضمّن الإذن له في إحضاره، و هو أحد وجهي الشافعيّة علي قول ابن سريج.

و الثاني: لا يلزمه؛ لأنّه طالَبه بما عليه من الإحضار، فعلي هذا له حبسه، و لا يلزم المكفول به الحضور(1).

و هو باطل؛ لأنّه يحبس علي ما لا يقدر عليه.

مسألة 565: يُشترط في المكفول به التعيينُ،

فلو قال: كفلت أحد هذين، أو كفلت زيداً أو عمرواً، لم يصح؛ لأنّه لم يلتزم بإحضار أحدهما بعينه.

و كذا لو قال: كفلت لك ببدن زيد علي أنّي إن جئت به و إلاّ فأنا كفيل بعمرو، لم يصح؛ لأنّه لم يلتزم إحضار أحدهما بعينه. و لأنّه علّق الكفالة في عمرو بشرطٍ، و الكفالة لا تتعلّق بالشرط، فلو قال: إن جئت فأنا كفيل به، لم يصح. و كذا لو قال: إن جاء زيد فأنا كفيل به، أو: إن طلعت الشمس، و بذلك كلّه قال الشافعي(2).

و لو قال: أنا أُحضره، أو أُؤدّي ما عليه، لم يكن كفالةً.

ص: 394


1- حلية العلماء 73:5، العزيز شرح الوجيز 165:5-166، روضة الطالبين 492:3.
2- التهذيب - للبغوي - 181:4 و 190 و 191، العزيز شرح الوجيز 161:5 و 167 و 171، روضة الطالبين 487:3 و 493 و 496.
مسألة 566: كلّ مَنْ عليه حقٌّ ماليٌّ صحّت الكفالة ببدنه،

و لا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال؛ لأنّ الكفالة إنّما هي بالبدن لا بذلك المال، و البدن معلوم، فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارضٍ. و لأنّا قد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح، و هو التزام المال ابتداءً، فالكفالة التي لا تتعلّق بالمال ابتداءً أولي، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا تصحّ كفالة مَنْ عليه حقٌّ مجهول؛ لأنّه قد يتعذّر إحضار المكفول به، فيلزمه الدَّيْن، و لا يمكن طلبه منه؛ لجهله. و لأنّهم قالوا ذلك بناءً علي أنّه لو مات، غرم الكفيل ما عليه(2).

و هذا عندنا غير صحيح.

مسألة 567: يُشترط أن يكون ذلك المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه،

فلو تكفّل ببدن مَنْ لا دَيْن عليه أو مَنْ جعل جعالة قبل الفعل و الشروع فيه، لم يصح.

و لو تكفّل ببدن المكاتب للنجوم التي عليه، صحّ عندنا؛ لأنّ مال الكتابة عندنا ثابت في ذمّة المكاتب علي ما سلف(3).

و للشيخ قولٌ بعدم الثبوت؛ لأنّ له أن يُعجّز نفسه(4) ، و به قال الشافعي(5)

ص: 395


1- المهذّب - للشيرازي - 350:1، العزيز شرح الوجيز 159:5-160، روضة الطالبين 486:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 350:1، العزيز شرح الوجيز 160:5، روضة الطالبين 486:3.
3- في ص 316، المسألة 507.
4- المبسوط - للطوسي - 197:2 و 320.
5- الحاوي الكبير 441:6، المهذّب - للشيرازي - 347:1، الوسيط 238:3، التهذيب - للبغوي - 175:4، العزيز شرح الوجيز 155:5، روضة الطالبين 482:3.

فعلي هذا لا تصحّ كفالة بدن المكاتب للنجوم التي عليه؛ لأنّه لو ضمن النجوم لم يصح، فالكفالة بالبدن للنجوم أولي أن لا تصحّ. و لأنّ الحضور لا يجب علي المكاتب، فلا تجوز الكفالة به، كدَيْن الكتابة.

مسألة 568: إذا كان عليه عقوبة، فإن كانت من حقوق اللّه تعالي - كحدّ الزنا و السرقة و الشرب - لم تصح الكفالة ببدنه عليها

عند علمائنا - و هو المشهور من مذهب الشافعي(1) - لأنّ الكفالة للتوثيق، و حقوق اللّه تعالي مبنيّة علي الإسقاط، و ينبغي السعي في دفعها ما أمكن، و لهذا لمّا أقرّ ماعز بالزنا عرض له رسول اللّه صلي الله عليه و آله بالرجوع و الإنكار، فقال له: «لعلّك قبّلتها، لعلّك لامَسْتَها» و أعرض بوجهه صلي الله عليه و آله عنه(2).

و طرّد القاضي ابن سلمة و ابن خيران من الشافعيّة القولين فيه(3).

و الخلاف في هذا الباب شبيه الخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة علي الشهادة و كتاب القاضي إلي القاضي.

و أمّا إن كانت العقوبة من حقوق الآدميّين - كالقصاص و حدّ القذف - فالأقرب عندي: ثبوتها في القصاص، أمّا الحدّ فلا تصحّ الكفالة به؛ لما رواه العامّة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه (عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه)(4) قال: «لا كفالة في حدٍّ»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام،

ص: 396


1- الحاوي الكبير 463:6، المهذّب - للشيرازي - 350:1، التهذيب - للبغوي - 187:4، العزيز شرح الوجيز 160:5، روضة الطالبين 486:3.
2- صحيح البخاري 207:8، سنن الدار قطني 131/121:3 و 132، مسند أحمد 2130/394:1، المعجم الكبير - للطبراني - 11936/338:11.
3- العزيز شرح الوجيز 160:5.
4- بدل ما بين القوسين في «ج، ر»: «أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله».
5- الكامل - لابن عدي - 1681:5، تاريخ بغداد 391:3.

قال: قضي أنّه لا كفالة في حدٍّ(1).

و هذا القول بعدم صحّة الكفالة في الحدّ قولُ أكثر العلماء، و به قال شريح و الحسن البصري و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و أصحاب الرأي و أحمد(2).

و اختلف قول الشافعي فيه.

فقال في باب اللعان: إنّه لا يكفل رجل في حدٍّ و لا لعان(3).

و نقل المزني عنه أنّه قال: تجوز الكفالة بمن(4) عليه حقّ أو حدّ(5).

و اختلف أصحابه في ذلك علي طُرق أظهرها عندهم - و يُحكي عن ابن سريج - أنّه علي قولين:

أحدهما: الجواز؛ لأنّه حقٌّ لازم لآدميٍّ، فصحّت الكفالة به، كسائر حقوق الآدميّين. و لأنّ الحضور مستحقٌّ عليه، فجاز التزام إحضاره.

و الثاني: المنع؛ لأنّ العقوبات مبنيّة علي الدفع، و لهذا قال عليه السلام:

«ادرءوا الحدود بالشبهات»(6) فينبغي إبطال الذرائع المؤدّية إلي توسيعها و تحصيلها. و لأنّه حقٌّ لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذّر إحضار المكفول به، فلم تصح الكفالة بمن(7) هو عليه، كحدّ الزنا(8)5.

ص: 397


1- الفقيه 184/54:3.
2- المغني 97:5، الشرح الكبير 99:5.
3- الأُم 297:5، مختصر المزني: 214، الحاوي الكبير 462:6، العزيز شرح الوجيز 160:5، المغني 97:5، الشرح الكبير 160:5.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لمن» بدل «بمن». و الظاهر ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 160:5، المغني 97:5، الشرح الكبير 100:5.
6- تاريخ بغداد 303:9، تاريخ مدينة دمشق 347:23.
7- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ممّن» بدل «بمن». و الظاهر ما أثبتناه.
8- العزيز شرح الوجيز 160:5.

و أبو حامد من الشافعيّة بني القولين علي أنّه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدَّيْن ؟ إن قلنا: نعم، لم تصح الكفالة؛ لأنّه لا يمكن مؤاخذته بما عليه. و إن قلنا: لا، صحّت، كما لو تكفّل ببدن مَنْ عليه مالٌ(1).

و قضيّة هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر.

و هو اختيار القفّال(2).

و ادّعي الروياني أنّ المذهب المنعُ(3).

الطريق الثاني للشافعيّة: القطع بالجواز، و حَمْلُ ما ذكره في اللعان علي الكفالة بنفس الحدّ(4).

الطريق الثالث: القطع بالمنع؛ لأنّه لا تجوز الكفالة بما عليه، فلا تجوز ببدنه(5).

و الضابط في ذلك أن نقول: حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه، فكلّ مَنْ يلزمه حضور مجلس الحكم عند [الاستدعاء](1) أو يستحقّ إحضاره تجوز الكفالة ببدنه.

مسألة 569: لو ادّعي شخصٌ زوجيّةَ امرأةٍ، صحّت الكفالة ببدنها؛ لوجوب الحضور عليها إلي مجلس الحكم. و كذلك الكفالة بها لمن

مسألة 569: لو ادّعي شخصٌ زوجيّةَ امرأةٍ، صحّت الكفالة ببدنها؛ لوجوب الحضور عليها إلي مجلس الحكم. و كذلك الكفالة بها لمن(2) ثبتت زوجيّته.

و قال بعض الشافعيّة: الظاهر أنّ حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن

ص: 398


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الاستعداء». و الظاهر ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثمّ». و الصحيح ما أثبتناه.

مَنْ عليه القصاص؛ لأنّ المستحقّ عليها لا يقبل النيابة(1).

و لو تكفّل ببدن عبدٍ آبقٍ لمالكه، صحّ، و يلزمه السعي في ردّه.

و يتأتّي فيه ما قيل في الزوجة.

و مَنْ في يده مالٌ مضمون - كالغصب و المستام و العارية بشرط الضمان - تصحّ كفالتُه و ضمانُ عين المغصوب و المستام ليردّها علي مالكها، فإن ردَّ، برئ من الضمان. و إن تلفت، ففي إلزامه بالقيمة وجهان، الأقرب: العدم.

و تصحّ كفالة المستودع و الأمين؛ لوجوب ردّ الوديعة عليه.

و الميّت قد يستحقّ إحضاره ليقيم الشهود الشهادة علي صورته إذا تحمّلوها كذلك من غير معرفة النسب و لا الاسم، فتصحّ الكفالة علي إحضار بدنه.

و أيضاً الصبي و المجنون قد يستحقّ إحضارهما لإقامة الشهادة علي صورتهما في الإتلاف و غيره، فتجوز الكفالة ببدنهما.

ثمّ إن كفل بإذن وليّهما، فله مطالبة وليّهما بإحضارهما عند الحاجة.

و إن كفل بغير إذنه، فهو كالكفالة ببدن العاقل بغير إذنه، و قد بيّنّا(2) جوازه عندنا.

و للشافعي قولان(3).

قال(4) الجويني: لو كفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة، فالكفالة».

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 486:3.
2- في ص 393، ضمن المسألة 564.
3- حلية العلماء 77:5، التهذيب - للبغوي - 192:4، العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 487:3، و راجع الهامش (2 و 5) من ص 393.
4- في الطبعة الحجريّة: «و قال».

باطلة؛ لأنّ مَنْ بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات، و الكفيل فرع المكفول ببدنه، فإذا لم يجب عليه الحضور، لا يمكن إيجاب الإحضار علي الكفيل(1).

و هو حسن.

مسألة 570: كلّ مَنْ يستحقّ عليه الحضور إلي مجلس الشرع تجوز كفالته،

فتصحّ كفالة مَن ادّعي عليه و إن لم تقم البيّنة عليه بالدَّيْن و إن جحد؛ لاستحقاق الحضور عليه.

و الأصل فيه: أنّ المنكر يجب عليه فصل الخصومة، فإذا رضي بتأخيرها، صحّت الكفالة عليه و إن كانت الكفالة في نفسها ليست لازمةً إذا طلب الفصل في الحال.

و أمّا كفالة الحقّ فالحقّ الذي يُدّعي علي المكفول ببدنه إن ثبت بإقراره أو بالبيّنة، فلا خلاف في صحّة الكفالة ببدنه.

و إن(2) لم يثبت لكن ادّعي المدّعي عليه، فإن لم ينكر و لم يصدِّق بل سكت، صحّت الكفالة أيضاً.

و إن أنكر، صحّت الكفالة أيضاً؛ لأنّ الحضور مستحقّ(3) عليه، فجاز [التزام](4) إحضاره، و معظم الكفالات إنّما تتّفق قبل ثبوت الحقوق، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: البطلان؛ لأنّ الأصل براءة ذمّة المكفول، و قد تأيّد ذلك بصريح الإنكار، و الكفالة ببدن مَنْ لا حقّ عليه باطلة(5)

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 487:3.
2- في «ث، ر»: «فإن».
3- في الطبعة الحجريّة: «يستحقّ».
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلزام». و الظاهر ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 487:3.

و الأوّل أقوي.

إذا عرفت هذا، فإنّ الكفالة و إن صحّت لكن ليس للمدّعي قبل ثبوت دعواه إلزام الغريم بكفيلٍ علي الحضور، كما ليس له إلزامه بكفيلٍ علي المال، لكن لو كفله شخص علي الحضور قبل ثبوت الدعوي، صحّ.

إذا ثبت هذا، فإنّ الكفالة تصحّ ببدن الغائب و المحبوس و إن تعذّر تحصيل الغرض في الحال، كما يجوز من المعسر ضمان المال، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز(2).

و تصحّ كفالة مَنْ يُدّعي(3) عليه الكفالة، و كذا مَنْ يُدّعي عليه القصاص و الحدّ؛ لأنّ الحدّ و إن لم تصحّ الكفالة عليه فإنّه تصحّ الكفالة ببدن مَنْ يُدّعي عليه الحدّ؛ لوجوب حضوره عند الحاكم ليثبت المدّعي عليه حقّه بالبيّنة أو الإقرار.

مسألة 571: إذا عيّن الكفيل في كفالته مكانَ التسليم، تعيّن، و لم يجب عليه تسليمه في غير ذلك المكان،

سواء كان أرفق له أو لا.

و لو طلب ذلك المكفولُ له، لم تجب له إجابته.

و إن أطلق، فالأقرب: وجوب تسليمه في موضع العقد؛ لأنّه المفهوم عند الإطلاق.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ فيه قولين، كما لو أطلق السَّلَم و لم يعيّن

ص: 401


1- التهذيب - للبغوي - 188:4، العزيز شرح الوجيز 161:5، روضة الطالبين 487:3.
2- العزيز شرح الوجيز 161:5، المغني 97:5، الشرح الكبير 99:5.
3- في النسخ الخطّيّة: «ادّعي» بدل «يدّعي».

مكان التسليم(1).

و قال الجويني: يُحمل علي مكان الكفالة، و لا يجيء فيه ذلك الخلاف(2).

و علي كلّ تقدير فالأقوي جواز الإطلاق، و حمله علي مكان العقد، و قد بيّنّا أنّه إذا عيّن المكان أو أطلق و حملنا الإطلاق علي موضع العقد فأحضره في غيره، لم يلزمه تسلّمه، سواء كان عليه مئونة أو مشقّة في حمله إلي المعيّن أو لا.

و قال الشافعي: إن كان عليه مئونة أو مشقّة في حمله إلي الموضع الذي عيّنه، لم يلزمه تسلّمه، و إن لم يكن عليه في ذلك ضرر، لزمه قبوله(1).

و حكي أبو العباس ابن سريج فيه وجهين(2).

و الحقّ ما قلناه من أنّه لا يبرأ بالتسليم في غير المعيّن، و به قال أبو يوسف و محمّد(3).

و قال بعض العامّة: إن أحضره بمكانٍ آخَر من البلد و سلّمه، برئ من الكفالة(4).

و قال بعضهم: متي أحضره في أيّ مكانٍ كان و في ذلك الموضع5.

ص: 402


1- المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 80:5.
2- حلية العلماء 81:5.
3- تحفة الفقهاء 245:3، بدائع الصنائع 12:6، المبسوط - للسرخسي - 166:19، الهداية - للمرغيناني - 88:3، الاختيار لتعليل المختار 272:2، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 57:3، المغني 99:5، الشرح الكبير 103:5.
4- المغني 99:5، الشرح الكبير 103:5.

سلطان، برئ من الكفالة؛ لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحكم، و يمكن إثبات الحجّة فيه(1).

و هو غلط؛ لأنّه سلّم ما شرط تسليمه في مكانٍ في غير ذلك المكان، فلم يبرأ بهذا التسليم، كما لو أحضر المُسْلَم فيه في غير المكان المشترط.

و لأنّه قد سلّمه في موضعٍ لا يقدر علي إثبات الحجّة فيه إمّا لغيبة شهوده، أو لعدم(2) معرفة الحاكم و أهل بلده بحالهم(3) أو غير ذلك، و قد يهرب منه و لا يقدر علي إمساكه.

إذا عرفت هذا، فإنّ الكفيل إذا أتي بالمكفول [به] في غير الموضع، لم يلزم المكفول له قبوله، لكن يجوز له قبوله، و له أن يمتنع و إن لم يكن له غرض، خلافاً للشافعي(4) ، كما تقدّم، أو كان(5) بأن كان قد عيّن مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها مَنْ يعينه علي خصمه.

مسألة 572: إذا دفع الكفيلُ المكفولَ ببدنه إلي المكفول له من غير حائلٍ من يد سلطان أو شبهه، بل تسليماً تامّاً، لزمه قبوله،
اشارة

أو إبراء ذمّة الكفيل من الكفالة، فإن امتنع، دَفَعه إلي الحاكم و سلّمه إليه ليبرأ. و إن لم يجد حاكماً، أشهد عَدْلين بإحضاره إلي المكفول له و امتناع المكفول له.

و الأقوي: أنّه يكفي الإشهاد علي الامتناع، و أنّه سلّمه إليه فلم يتسلّمه، و لا يجب دفعه إلي الحاكم؛ لأنّ مع وجود صاحب الحقّ لا يلزمه دَفْعه إلي مَنْ ينوب عنه من حاكمٍ أو غيره.

ص: 403


1- المغني 99:5، الشرح الكبير 103:5.
2- في «ث، ج»: «عدم».
3- أي: حال الشهود.
4- العزيز شرح الوجيز 163:5، روضة الطالبين 489:3.
5- أي: كان له غرض.

و للشافعيّة القولان(1).

و يبرأ الكفيل بتسليم المكفول [به] في المكان الذي وجب التسليم فيه، سواء طلبه المستحقّ أو لم يطلبه بل أتاه به، بشرط أن لا يكون هناك حائل من يد سلطانٍ و متغلّبٍ و حبسٍ بغير حقٍّ لينتفع بتسليمه و يطالب الخصم.

و لو كان المكفول [به] محبوساً في حبس ظالمٍ، لم يكن له أن يسلّمه إليه محبوساً، و لا يبرأ بذلك، و لا يلزمه أن يتسلّمه محبوساً؛ لأنّ ذلك الحبس يمنعه من استيفاء حقّه(2).

و إن كان محبوساً عند الحاكم فسلّمه إليه محبوساً، لزمه تسلّمه، و برئ الكفيل من الكفالة؛ لأنّ حبس الحاكم لا يمنعه من استيفاء حقّه، لإمكان إحضاره و مطالبته بالحقّ، فإذا طالَب الحاكم بإحضاره، أحضره بمجلسه، و حَكَم بينهما، فإذا فرغت الحكومة، ردّه إلي الحبس بالحقّ الأوّل.

و إن توجّه عليه حقّ المكفول له، حَبَسه بالحقّ الأوّل و حقّ المكفول له، و من أيّهما خلص بقي محبوساً علي الآخَر.

فروع:
أ - لو ارتدّ المكفول به و لحق بدار الحرب، لزم الكفيل إحضاره إن تمكّن منه، و إلاّ فلا.

و كذا المحبوس عند غير الحاكم.

ب - لا يُشترط تسليم المكفول به من الكفيل في براءة ذمّة الكفيل،

ص: 404


1- حلية العلماء 79:5.
2- في «ث، خ، ر» و الطبعة الحجريّة: «من الاستيفاء بحقّه».

بل لو جاء المكفول به و سلّم نفسه إلي المكفول له تسليماً تامّاً، برئ الكفيل من الكفالة؛ لأنّ القصد ردّه إلي المكفول له، فلا فرق بين حصوله في يده بالكفيل أو بغيره نائباً عنه.

ج - لو أخذ المكفولُ له المكفولَ به إمّا طوعاً أو كرهاً و أحضره مجلس الحكم،

برئ الكفيل من الكفالة؛ لما تقدّم.

د - لو حضر المكفول به و قال: سلّمت نفسي إليك عن جهة الكفيل، برئ الكفيل،

كما يبرأ الضامنُ بأداء الأصيل الدَّيْنَ.

و لو لم يُسلّمه نَفْسَه عن جهة الكفيل، لم(1) يبرأ الكفيل؛ لأنّه لم يسلّمه إليه و لا أحد من جهته، حتي قال بعض الشافعيّة: لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم و ادّعي عليه، لم يبرأ الكفيل(2).

و ليس بجيّد، و الوجه: ما قلناه أوّلاً.

ه - لو سلّمه أجنبيّ لا عن جهة الكفيل، لم يبرأ الكفيل.

و لو(3) سلّمه عن جهة الكفيل، فإن كان بإذنه، فهو كما لو سلّمه بنفسه؛ إذ لا تُشترط المباشرة. و إن كان بغير إذنه، لم يجب علي المكفول له القبولُ؛ إذ لا يجب عليه قبض الحقّ إلاّ ممّن عليه. لكن لو قَبِل، برئ الكفيل.

مسألة 573: لو تكفّل واحد ببدن رجلٍ لاثنين فسلّمه

مسألة 573: لو تكفّل واحد ببدن رجلٍ لاثنين فسلّمه(4) إلي أحدهما، لم يبرأ من كفالة الآخَر،

فإنّ العقد مع اثنين بمنزلة العقدين، فهو كما لو

ص: 405


1- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «لا» بدل «لم».
2- التهذيب - للبغوي - 188:4-189، العزيز شرح الوجيز 163:5-164، روضة الطالبين 489:3.
3- في النسخ الخطّيّة: «و إن» بدل «و لو».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فسلّم». و الظاهر ما أثبتناه.

تكفّل لكلّ واحدٍ منهما به علي الانفراد، و كما لو ضمن دَيْنين لشخصين فأدّي دَيْن أحدهما، لم يبرأ من دَيْن الآخَر.

و لو كفل رجلان برجلٍ لرجلٍ، صحّت الكفالة، كما يصحّ أن يضمن اثنان واحداً. فإن ردّه أحدهما إلي المكفول له، فهل يبرأ الآخَر؟ الأقرب:

البراءة، كما لو أدّي الدَّيْنَ أحدُ الضمناء، برئ الباقون، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّهما إن كفلا علي الترتيب، وقع تسليمه عن المُسلِّم دون صاحبه، سواء قال: سلّمتُ عن صاحبي، أم لم يقل(1).

و إن كفلا معاً، فوجهان.

قال المزني: يبرأ المسلِّم و الآخَر أيضاً، كالضامنين إذا أدّي أحدهما.

و قال ابن سريج و الأكثر: لا يبرأ، كما لو كان بالدَّيْن رهنان فانفكّ أحدهما، لا ينفكّ الآخَر، بخلاف ما إذا أدّي أحد الضامنين الدَّيْنَ، فإنّه يوجب براءة الأصيل، و إذا برئ الأصيل برئ كلّ ضامنٍ، و هنا سقطت الوثيقة عن أحدهما مع بقاء الحقّ(2).

و لو كفل اثنان بواحدٍ و كفل كلٌّ من الكفيلين ببدن صاحبه، صحّت الكفالات كلّها؛ لأنّ كلّ مكفولٍ هنا عليه حقٌّ. فعلي ما قلناه إذا أحضر أحدُهما المكفولَ به و سلّمه، يبرأ كلّ واحدٍ منهما عن كفالة صاحبه و كفالة الذي كفلا به.

و علي قول ابن سريج وجهان:3.

ص: 406


1- العزيز شرح الوجيز 164:5، روضة الطالبين 489:3-490.
2- حلية العلماء 75:5، التهذيب - للبغوي - 191:4، العزيز شرح الوجيز 164:5، روضة الطالبين 490:3.

أحدهما: يبرأ الأصيل و الكفيل.

و الثاني: أنّ الذي أحضره تسقط كفالته بالمكفول به، و تسقط عن الآخَر كفالته بالكفيل الذي أحضره، و بقي عليه وجوب إحضار المكفول به(1).

مسألة 574: يصحّ ترامي الكفالات،

فلو تكفّل رجل ببدن مَنْ عليه الحقُّ ثمّ تكفّل آخَر ببدن الكفيل و تكفّل ثالثٌ ببدن الكفيل الثاني، جاز، كالضمان يصحّ أن يضمن الضامن الحقَّ و يضمن ثانٍ عن الضامن و يضمن عن ضامن الضامن ضامنٌ آخَر، و هكذا.

فإذا أحضر الكفيلُ الأوّل مَنْ عليه الحقُّ، برئ و برئ الكفيلان الآخَران؛ لأنّهما فرعاه.

و إن أحضر الكفيل الثاني الكفيلَ الأوّل، برئ و برئ الثالث؛ لأنّه فرعه، و لم يبرأ الأوّل و لا مَنْ عليه الحقُّ.

فإن مات مَنْ عليه الحقُّ، فعندنا و عند الشافعي(2) يبرأ الكفلاء الثلاثة، و لا شيء عليهم.

و إن مات الكفيل الأوّل، برئ الكفيلان الآخَران.

و إن مات الثاني، برئ الثالث، دون الأوّل.

و إن مات الثالث، لم يبرأ الأوّلان.

مسألة 575: إذا مات المكفول به، بطلت الكفالة، و لم يلزم الكفيل شيء،

عند علمائنا - و به قال شريح و الشعبي و حمّاد بن أبي سليمان و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(3) - لأنّه تكفّل ببدنه علي أن يُحضره، و قد

ص: 407


1- لاحظ: العزيز شرح الوجيز 164:5، و روضة الطالبين 490:3.
2- في «ث»: «الشافعيّة». و لاحظ الهامش التالي.
3- الهداية - للمرغيناني - 88:3، الاختيار لتعليل المختار 273:3، الحاوي الكبير 466:6، المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 75:5، المغني 105:5، الشرح الكبير 104:5.

سقط الحضور عن المكفول [به] فيبرأ الكفيل، كما لو برئ من الدَّيْن. و لأنّ ما التزم به من أجله يسقط عن الأصل(1) فيبرأ الفرع، كالضامن إذا قضي المضمون عنه الدَّيْنَ أو أُبرئ منه عندهم(2). و لأنّه تكفّل ببدنه، فلا يلزمه ما في ذمّته، كما لو غاب غيبةً منقطعة. و لأنّه لا يلزمه بذل نفسه فما في ذمّته أولي.

و قال مالك و الحكم و الليث: يجب علي الكفيل المال الذي كان في ذمّته - و به قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ الكفيل وثيقة علي الحقّ، فإذا تعذّر استيفاء الحقّ ممّن هو عليه، استوفي من الوثيقة كالرهن(3).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الرهن تعلّق بالمال، فاستوفي منه.

و قال بعض الشافعيّة: لا تبطل الكفالة، و لا ينقطع طلب الإحضار عن الكفيل - و هو أصحّ قولَي الشافعيّة عندهم - بل عليه إحضاره ما لم يُدفن - و قلنا بتحريم النبش لأخذ المال - إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة علي صورته، كما لو تكفّل ابتداءً ببدن الميّت(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الكفالة علي الإحضار إنّما يُفهم منها إحضاره حالَ الحياة، و هو المتعارف بين الناس و الذي يخطر بالبال، فيُحمل الإطلاق عليه.

و علي قول ابن سريج و مالك هل يطالَب بالدَّيْن أو بالأقلّ من الدَّيْن3.

ص: 408


1- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأصيل».
2- المغني 105:5، الشرح الكبير 104:5.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 398، الحاوي الكبير 466:6، المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 76:5، العزيز شرح الوجيز 165:5، روضة الطالبين 491:3، المغني 105:5، الشرح الكبير 104:5.
4- العزيز شرح الوجيز 165:5، روضة الطالبين 491:3.

ودية المقتول ؟ وجهان مبنيّان علي القولين في أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بالأرش أو بالأقلّ من الأرش و قيمة العبد؟(1).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 576: إذا كانت الكفالة حالّةً أو مؤجَّلةً و حلّ أجلها، فإن كان المكفول به حاضراً، وجب علي الكفيل إحضاره
اشارة

إذا طلبه المكفول له، فإن أحضره، و إلاّ حُبس. و إن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً يمكنه ردّه منه، أُمهل الكفيل بقدر ذهابه و مجيئه، فإذا مضي قدر ذلك و لم يأت به من غير عذرٍ، حُبس، و لا يُحبس في الحال، و به قال عامّة أهل العلم.

و قال ابن شبرمة: يُحبس في الحال؛ لأنّ الحقّ قد توجّه عليه(2).

و هو غلط؛ لأنّ الحقّ و إن كان قد حلّ فإنّه يُعتبر فيه إمكان التسليم، و إنّما يجب عليه إحضار الغائب عند إمكان ذلك.

و إن كان غائباً غيبةً منقطعة - و المراد منها أن لا يُعرف موضعه و ينقطع خبره - لم يكلَّف الكفيل إحضاره؛ لعدم الإمكان، و لا شيء عليه؛ لأنّه لم يكفل المال، و به قال الشافعي(3).

و قال أحمد: يجب عليه المال(4) ، مع أنّه قال: إذا مات المكفول برئ الكفيل، و لا شيء عليه(5)

ص: 409


1- العزيز شرح الوجيز 165:5، روضة الطالبين 491:3.
2- حلية العلماء 80:5، المغني 98:5، الشرح الكبير 106:5.
3- العزيز شرح الوجيز 164:5، روضة الطالبين 490:3.
4- المغني 98:5-99، الشرح الكبير 106:5.
5- المغني 105:5، الشرح الكبير 104:5.
فروع:
أ - لو عرف موضعه، فقد بيّنّا أنّه يجب عليه إحضاره،

سواء كان علي أزيد من مسافة القصر أو أنقص.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان دون مسافة القصر، فعليه إحضاره و يُمهَل مدّة الذهاب و الإياب ليتبعه. و إن كان علي مسافة القصر، فوجهان:

أظهرهما عندهم: أنّه كما لو كان دون مسافة القصر، كما لو كان المديون غائباً إلي هذه المسافة، يؤمر بإحضاره.

و الثاني: أنّه لا يُطالَب بإحضاره، إلحاقاً لهذه الغيبة بالغيبة المنقطعة، كما لو غاب [الولي](1) أو شاهدا(2) الأصل إلي مسافة القصر، يكون كما لو غاب غيبةً منقطعة(3).

ب - لو كان غائباً حين كفل،

فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة.

ج - لو كانت الكفالة مؤجَّلةً، لم يكن للمكفول له مطالبة الكفيل بالإحضار قبل الأجل،

سواء كان عليه مئونة في التقديم أو لا.

و لو دَفَعه قبل الأجل، لم يجب علي المكفول له أخذه، سواء كان عليه ضرر في أخذه، أو انتفي الضرر.

و قال بعض العامّة: إذا انتفي الضرر، وجب عليه أخذه(4)

ص: 410


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المولي». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في «ث، ج، ر»: «شاهد».
3- العزيز شرح الوجيز 164:5، روضة الطالبين 490:3.
4- المغني 99:5، الشرح الكبير 103:5-104.

و ليس بمعتمد.

د - لو فرّط الكفيل في تحصيله بأن طالَبه المكفول له بإحضاره و كان متمكّناً منه

فهرّبه أو ماطَل بإحضاره حتي غاب غيبةً منقطعة و لم يُعرف له خبر، فإن أوجبنا المال، وجب هنا، و إلاّ فإشكال.

مسألة 577: قال الشيخ رحمه الله: و مَنْ ضمن لغيره نفسَ إنسان إلي أجلٍ معلوم بشرط ضمان النفس ثمّ لم يأت به عند الأجل، كان للمضمون له حبسه حتي يُحضِر المضمونَ،

أو يخرج إليه ممّا عليه(1).

و هذا يقتضي وجوب أحد الأمرين علي الكفيل: الإحضار، أو الأداء.

فإن طلب المكفول له الإحضار لا غير، فالأقرب عندي: إلزامه به؛ لأنّه قد يكون له غرض لا يتعلّق بالأداء، و قد يرغب المكفول له في القبض من غير الغريم.

و علي ظاهر كلام الشيخ يبرأ الكفيل بأداء المال.

إذا عرفت هذا، فإذا أدّي الكفيل المالَ فإن كان قد كفل بإذنه أو أدّي بإذنه، كان له الرجوع عليه، بخلاف ما قلنا في الضمان: إنّه لو ضمن متبرّعاً و أدّي بالإذن، لم يكن له الرجوع؛ لأنّ الكفالة ليست بالمال، فيكون حكمه حكمَ الأجنبيّ إذا أدّي بإذن مَنْ عليه الدَّيْنُ، كان له الرجوع - علي ما تقدّم - إن شرط الرجوع، أو مطلقاً علي الخلاف.

و إنّما أوجبنا الرجوع هنا فيما إذا كفل بإذنه؛ لأنّ الإذن في الكفالة إذنٌ في لوازمها، و من لوازمها الأداء مع عدم الإحضار.

إذا ثبت هذا، فإن تمكّن من الإحضار و أدّي المال من غير حبسٍ أو

ص: 411


1- النهاية: 315.

معه، فالأقرب: أنّه لا يرجع و إن كفل بإذنه؛ لأنّ الواجب في الكفالة الإحضار مع المكنة، و قد أمكنه الإحضار، فيكون في أداء المال متبرّعاً.

مسألة 578: قد بيّنّا أنّه لا يُعتبر رضا المكفول به عندنا، و هو أحد قولَي الشافعي. و في الثاني: يشترط

(1) .

و إذا كفل بإذن المكفول به فأراد الكفيل إحضاره إمّا لطلب المكفول له أو ابتداءً ليخرج عن العهدة، فعليه الإجابة، و مئونة الإحضار علي الكفيل.

و إن كفل بغير إذنه عندنا أو علي قوله بالصحّة فطالَبه المكفول له بالإحضار، فللكفيل مطالبته بالحضور علي جهة التوكيل من المضمون له.

و لو قال: أُخرج من حقّي، للشافعيّة وجهان:

أحدهما: قال ابن سريج: لم يكن له مطالبة المكفول به بالإحضار، كما لو ضمن بغير إذنه مالاً و طالَب المضمون له الضامنَ، فإنّه لا يطالب الأصيل.

و الثاني: نعم؛ لتضمّنه التوكيلَ في الإحضار(2).

مسألة 579: لو مات المكفول له، انتقل حقّه من الكفالة إلي ورثته،

و تكون الكفالة باقيةً، و تقوم ورثته مقامه، كما لو ضمن له المال، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّ الكفالة تنقطع؛ لأنّها ضعيفة، فلا يُحكم بتوريثها.

و الثالث: إن كان له وصيٌّ أو عليه دَيْنٌ، بقيت الكفالة؛ لأنّ الوصيّ نائبه، و تمسّ حاجته إلي قضاء الدَّيْن، فإن لم يكن وصيٌّ و لا دَيْنٌ، انقطعت الكفالة(3)

ص: 412


1- تقدّم تخريجه في ص 393، الهامش (2 و 5).
2- تقدّم تخريجه في ص 394، الهامش (1).
3- الوسيط 242:3، العزيز شرح الوجيز 166:5، روضة الطالبين 492:3.

و الصحيح عندنا: الأوّل؛ لأنّه حقٌّ للميّت، فانتقل عنه إلي ورثته، كغيره من الحقوق.

و نمنع ضعفها. سلّمنا، لكن تُنتقل إلي الوارث ضعيفةً.

و الثالث لا وجه له؛ لأنّ الكفالة إمّا أن تورث و تكون حقّاً متروكاً للميّت، أو لا، فإن كانت، وُرثت علي التقديرين. و إن لم تكن، لم يُصيّرها الدَّيْن و الوصيّ حقّاً موروثاً.

مسألة 580: إذا تكفّل برجلٍ إلي أجلٍ إن جاء به، و إلاّ لزمه ما عليه،

فإن قدّم كفالة النفس بأن قال: إن لم أُحضره كان علَيَّ كذا، لم يلزمه إلاّ الإحضار، عند علمائنا؛ لأنّ الضمان لا يقبل التعليق بخطر، فإنّه لا يصحّ لو علّقه بقدوم زيدٍ، فلهذا بطل ضمان المال، و وجب عليه الإحضار بالكفالة، و لا يضرّ ضميمة الضمان الباطل؛ لأنّه قصد بالضمان تأكيد الحجّة عليه بالإحضار و تقوية حقّ الإحضار عليه.

و إن قدّم ضمانَ المال، فقال: علَيَّ كذا إلي كذا إن لم أُحضره، و لم يُحضره، وجب عليه ما ذكره من المال؛ لما رواه الخاصّة عن أبي العباس عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلي أجل فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهماً، قال: «إن جاء به إلي أجلٍ فليس عليه مال، و هو كفيل بنفسه أبداً إلاّ أن يبدأ بالدراهم، فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت [به] إلي الأجل الذي أجّله»(1).

و عن أبي العباس أيضاً عن الصادق عليه السلام: رجل كفل لرجلٍ بنفس رجلٍ، فقال: إن جئتُ به و إلاّ فعلَيَّ خمسمائة درهم، قال: «عليه نفسه،

ص: 413


1- التهذيب 209:6-488/210، و ما بين المعقوفين من المصدر.

و لا شيء عليه من الدراهم» فإن قال: علَيّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه، فقال: «تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ الشافعي و محمّد بن الحسن قالا: إذا تكفّل برجلٍ إلي أجلٍ إن جاء به فيه و إلاّ لزمه ما عليه، لا تصحّ الكفالة، و لا يلزمه ما عليه. و كذا لو قال: متي لم أُحضره كان علَيَّ كذا و كذا؛ لأنّ هذا خطر، و لا يجوز تعليق الضمان به، كما لو قال: إن جاء المطر فأنا ضامن، لم يصح(2).

و قال أبو يوسف و أبو حنيفة و أحمد: تصحّ الكفالة، فإن جاء به في الوقت و إلاّ لزمه ما عليه؛ لأنّ هذا موجَب الكفالة و مقتضاها، فصحّ اشتراطه، كما لو قال: إن جئتُ به في وقت كذا و إلاّ فلك حبسي(3).

و لا بأس به عندي.

أمّا لو قال: إن جئتُ به في وقت كذا و إلاّ فأنا كفيل ببدن فلان، أو:

فأنا ضامن ما لك علي فلان، أو قال: إذا جاء زيد فأنا ضامن ما عليه، أو:

إذا قدم الحاج فأنا كفيل فلان، أو قال: أنا كفيل بهذا شهراً، علي إشكالٍ في الأخير، لم تصح الكفالة - و به قال الشافعي و محمّد بن الحسن(4) - لأنّ الضمان خطر، فلا يجوز تعليقه علي شرطٍ، كالهبة.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: فتصحّ؛ لأنّه أضاف الضمان إلي سبب5.

ص: 414


1- التهذيب 493/210:6.
2- حلية العلماء 77:5، الهداية - للمرغيناني - 89:3، المغني و الشرح الكبير 101:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 89:3، حلية العلماء 77:5، المغني 100:5-101، الشرح الكبير 101:5.
4- الهداية - للمرغيناني - 89:3، المغني و الشرح الكبير 101:5.

الوجوب، فتصحّ، كضمان الدرك(1).

و قال بعض العامّة: إذا قال: كفلتُ بفلان إن جئتُ به في وقت كذا و إلاّ فأنا كفيل بفلان، أو ضامنٌ المالَ الذي علي فلان، يصحّ(2).

و الحقّ: البطلان؛ لأنّ الأوّل موقوف، و الثاني معلَّق علي شرط.

مسألة 581: لو قال: كفلتُ ببدن فلان علي أن يبرأ فلان الكفيل، أو علي أن تبرئه من الكفالة، فالأقوي عندي: الصحّة؛

عملاً بقوله تعالي:

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (3) و بقوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و هذا شرط تمسّ الحاجة إليه، و لا وجه لفساده؛ لأنّه شرط تحوّل الوثيقة التي علي الكفيل إليه.

و قالت الشافعيّة: لا تصحّ الكفالة؛ لأنّه شرط فيها شرطاً لا يلزمه الوفاء به، فيكون فاسداً، فتفسد به الكفالة(5).

و نمنع من عدم لزومه مع الشرط.

و قال ابن سريج كما قلناه؛ لأنّه طلب تحويل الحقّ في الكفالة إليه(6).

فعلي هذا لا تلزمه الكفالة إلاّ أن يُبرئ المكفول له الكفيلَ الأوّل من

ص: 415


1- الهداية - للمرغيناني - 89:3، المغني و الشرح الكبير 101:5.
2- المغني 101:5-102، الشرح الكبير 101:5.
3- المائدة: 1.
4- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
5- المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 74:5-75، التهذيب - للبغوي - 190:4-191، العزيز شرح الوجيز 171:5، روضة الطالبين 496:3، و لاحظ: المغني 102:5، و الشرح الكبير 101:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 351:1، حلية العلماء 74:5-75، التهذيب - للبغوي - 190:4، العزيز شرح الوجيز 171:5، روضة الطالبين 496:3.

الكفالة؛ لأنّه إنّما كفل بهذا الشرط، فلا تثبت كفالته بدون شرطه.

و لو قال: كفلتُ لك بهذا الغريم علي أن تبرئني من الكفالة بفلان، أو: ضمنتُ لك هذا الدَّيْن بشرط أن تُبرئني من ضمان الدَّيْن الآخَر، أو:

علي أن تُبرئني من الكفالة بفلان، خرج فيه الوجهان.

و الأولي عندي: الصحّة.

و قال بعض العامّة: لا تصحّ؛ لأنّه شرط فسخ عقدٍ في عقدٍ، فلم تصح، كالبيع بشرط فسخ بيعٍ آخَر(1).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل.

و لو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفّل المكفول له أو المكفول به بآخَر أو يضمن دَيْناً عنه أو يبيعه شيئاً أو يؤجره داره، فالأقرب: الصحّة، خلافاً لبعض العامّة(2).

مسألة 582: تصحّ الكفالة ببدن المحبوس و الغائب؛

لأنّ كلّ وثيقة صحّت مع الحضور صحّت مع الغيبة و الحبس، كالرهن و الضمان. و لأنّ الحبس لا يمنع من التسليم؛ لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم أو أمر مَنْ حَبَسه ثمّ يعيده إلي الحبس بالحقّين جميعاً، و الغائب يمضي إليه فيُحضره إن كانت الغيبة غيرَ منقطعة. و إن لم يعلم خبره، لزمه ما عليه عند بعض العامّة(3).

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ(4)

ص: 416


1- المغني 102:5، الشرح الكبير 101:5.
2- المغني و الشرح الكبير 102:5.
3- المغني 97:5، الشرح الكبير 99:5.
4- العزيز شرح الوجيز 161:5، المغني 97:5، الشرح الكبير 99:5.
مسألة 583: إذا دفع الكفيلُ المكفولَ به إلي المكفول له في وقته و مكانه و سلّمه تسليماً تامّاً، برئ من الكفالة عند أكثر أهل العلم؛

لأنّه عقد علي عملٍ، فيبرأ منه بعمل المعقود عليه، كالإجارة(1).

و قال ابن أبي موسي: لا يبرأ حتي يقول: قد برئت يدي منه، أو: قد سلّمتُه إليك، أو: قد أخرجتُ نفسي من كفالته(2).

و إذا أبرأ المكفول له الكفيلَ من الكفالة أو اعترف بذلك بأن يقول:

أبرأتُه، أو: برئ إليَّ، أو: ردّ إليَّ المكفول به، برئ من الكفالة، و إذا أُبرئ الكفيل، لم يبرأ المكفول به من الدَّيْن، بخلاف الضمان.

و لو أُبرئ المكفول به من الحقّ الذي كفل الكفيل عليه، برئ الكفيل أيضاً.

و لو ادّعي الكفيل أنّ المكفول به برئ من الحقّ و أنّ الكفالة سقطت عنه، و أنكر ذلك المكفولُ له، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن للكفيل بيّنة، فإذا حلف برئ من دعوي الكفيل، فإن جاء المكفول به فادّعي الإبراء، لم يكتف باليمين التي حلفها للكفيل، بل كان عليه يمينٌ أُخري.

و لو نكل في دعوي الكفيل، حلف الكفيل، و برئ من الكفالة، و لا يبرأ المكفول به من الحقّ؛ لأنّه لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره.

و لو نكل عن يمين المكفول به، حلف المكفول به، و برئ هو و الكفيل و إن كان قد حلف علي عدم الإبراء له.

و لو قال: تكفّلتُ لك به و لا حقّ لك عليه، أو ضمنتُ ما عليه و لا شيء عليه، فالقول قول المكفول له؛ لأنّ الظاهر صحّة الكفالة و الضمان.

ص: 417


1- المغني 98:5، الشرح الكبير 102:5.
2- المغني 98:5، الشرح الكبير 102:5.

و هل يحلف ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا يحلف؛ لأنّ دعوي الكفيل تخالف ظاهر قوله.

و الثاني: يحلف؛ لأنّ ما يدّعيه ممكن(1).

فإن حلف، فلا كلام. و إن نكل، رددنا اليمين علي الكفيل؛ لجواز أن يعلم أنّه لا حقّ له عليه بقول المكفول له: إنّه لا حقّ لي عليه.

فإن قال: تكفّلتُ به بشرط الخيار، لم يُقبل منه في قوله: «بشرط الخيار» و حُكم عليه بالكفالة، سواء قلنا: إنّه يدخلها الخيار أو لا، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: يسقط إقراره(2).

و الأصل فيه أنّه إذا عقّب إقراره بما يُبطله، هل يبطل الإقرار أو المُبطل ؟

و لو قال رجل لآخَر: إنّ فلاناً يلازم فلاناً و يضايقه علي حقّه فاذهب و تكفّل به، ففَعَل، كانت الكفالة لازمةً للمباشر دون الآمر؛ لأنّ المباشر فَعَل باختياره، و الأمر بذلك حثّ و إرشاد.

مسألة 584: مَنْ خلّي غريماً من يد صاحبه قهراً و إجباراً، ضمن إحضاره

أو أداء ما عليه؛ لأنّه غصب اليد المستولية المستحقّة من صاحبها، فكان عليه إعادتها أو أداء الحقّ الذي بسببه تثبت اليد عليه.

و لو خلّي قاتلاً من يد الوليّ، لزمه إحضاره أو الدية و إن كان القتل عمداً، و لا نوجب عليه عين حقّ القصاص؛ إذ لا يجب إلاّ علي المباشر، فلمّا تعذّر استيفاؤه وجبت الدية، كما لو هرب القاتل عمداً أو مات، فإن

ص: 418


1- حلية العلماء 78:5، العزيز شرح الوجيز 170:5، روضة الطالبين 495:3.
2- التهذيب - للبغوي - 192:4، العزيز شرح الوجيز 170:5-171، روضة الطالبين 495:3-496.

دفع الدية ثمّ حضر القاتل، تسلّط الوارث علي قتله، و يدفع ما أخذه من المخلّص؛ لأنّ الدية إنّما أخذها لمكان الحيلولة و قد زالت.

و إن لم يقتل و تمكّن من استيفاء القصاص، وجب دفع المال أيضاً إلي صاحبه، و لا يتسلّط الكفيل لو رضي هو و الوارث بالمدفوع بديةٍ و لا قصاص.

و لو تعذّر عليه استيفاء الحقّ من قصاصٍ أو مالٍ و أخذنا المال أو الدية من الكفيل، كان للكفيل الرجوعُ علي الغريم الذي خلّصه قصاصاً.

مسألة 585: إذا كفل بدن شخصٍ ادّعي عليه مال ثمّ قال الكفيل:

لا حقّ لك عليه، قُدّم قول المكفول له؛

لاستدعاء الكفالة ثبوت المال.

فإن تعذّر إحضاره، فهل يجب عليه أداء المال من غير بيّنةٍ؟ إشكال أقربه: عدم الوجوب.

و إن أوجبناه فدفع المال، لم يكن له الرجوعُ علي المكفول به؛ لأنّه اعترف ببراءة ذمّته و أنّه مظلوم في أخذ المال منه، و المظلوم إنّما يرجع علي مَنْ ظَلَمه.

مسألة 586: لو كان لذمّيٍّ علي ذمّيٍّ خمرٌ و تكفّل به ذمّيٌّ آخَر، فأسلم المكفول له أو المكفول عنه، برئ الكفيل و المكفول عنه.

و قال أبو حنيفة: إذا أسلم المكفول عنه، لم يبرأ واحد منهما، و يلزمهما قيمة الخمر؛ لأنّه كان واجباً، و لم يوجد إسقاط و لا استيفاء، و لا وُجد من المكفول له ما أسقط حقّه، فبقي بحاله(1).

و هو غلط؛ لأنّ المكفول به مسلم، فلم يجب عليه الخمر، كما لو كان مسلماً قبل الكفالة، و إذا برئ المكفول به، برئ كفيله، كما لو أدّي الدَّيْن أو أُبرئ منه.

ص: 419


1- المبسوط - للسرخسي - 24:20، اختلاف الفقهاء: 269، المغني 107:5.

و لو أسلم المكفول له، برئ الجميع، و كذا إن أسلم المكفول به.

و إن أسلم الكفيل وحده، برئ من الكفالة؛ لامتناع وجوب الخمر عليه و هو مسلم.

و لو كان ضماناً، فإنّه لا يسقط بإسلام المضمون عنه.

و في رجوع الضامنِ المأذونِ عليه بالقيمة نظر.

مسألة 587: لو قال: أعط فلاناً ألفاً، ففَعَل، لم يرجع علي الآمر،

و لم يكن ذلك كفالةً و لا ضمانَ مالٍ، إلاّ أن يقول: أعطه عنّي.

و قال أبو حنيفة: يرجع عليه إذا كان خليطاً له؛ لجريان العادة بالاستقراض من الخليط(1).

و لو تسلّط الظالم عليه فأخذ منه شيئاً، لم يتسلّط المظلوم علي الآمر، و لم يكن له الرجوعُ بما أخذه الظالم و إن كان سبباً؛ لأنّ الحوالة مع اجتماع المباشر و السبب علي المباشر. أمّا لو قبض و سلّم إلي الظالم، فإنّه يطالب قطعاً.

مسألة 588: إذا كانت سفينة في البحر و فيها متاع فخِيف عليها الغرق

فألقي بعض الركبان متاعَه في البحر لتسلم السفينة و مَنْ فيها، لم يكن له الرجوعُ علي أحدٍ، سواء ألقاه بنيّة الرجوع علي الركبان أو لا بنيّة الرجوع؛ لأنّه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمانٍ.

و لو قال له بعض الركبان: ألق متاعك، فألقاه، لم يرجع أيضاً علي أحدٍ؛ لأنّه لم يكرهه علي إلقائه، و لا ضمن له.

و لو قال له: ألق متاعك و علَيَّ ضمانه، فألقاه، فعلي القائل ضمانُه

ص: 420


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 65:3، المبسوط - للسرخسي - 73:20، العزيز شرح الوجيز 175:5، المغني و الشرح الكبير 107:5.

و إن كان ضمانَ ما لم يجب؛ للحاجة الداعية إلي ذلك.

و لو قيل بأنّه جعالة، خلصنا من الإلزام.

و لو قال: ألقه و أنا و ركبان السفينة ضمناء له، ففَعَل، فالأقرب أن نقول: إن كان ضمانَ اشتراكٍ، فليس عليه إلاّ ضمان حصّته؛ لأنّه لم يضمن الجميع، إنّما ضمن حصّته، و أخبر عن سائر الركبان بضمان الباقي، و لم يُقبل قوله في حقّ الباقين.

و إن كان ضمانَ اشتراكٍ و انفرادٍ بأن يقول: كلّ واحدٍ منّا ضامنٌ لك متاعك أو قيمته، لزم القائل ضمان الجميع، و سواء قال هذا و الباقون يسمعون و سكتوا، أو قالوا: لا نضمن شيئاً، أو لم يسمعوا؛ لأنّ سكوتهم لا يلزمهم به حقّ.

و قال بعض العامّة: يضمنه القائل وحده، إلاّ أن يتطوّع بقيّتهم(1).

و لو قال: ألقه و علَيَّ ضمانه و علي الركبان فقد أذنوا لي، فأنكروا بعد الإلقاء، ضمن الجميع بعد اليمين علي إشكالٍ ينشأ: من استناد التفريط إلي المالك حيث متاعه قبل الاستيثاق.

و لو لم يكن خوف، فالأقرب: بطلان الضمان.

و كذا يبطل لو قال: مزّق ثوبك و علَيَّ ضمانه، أو اجرح نفسك و علَيَّ ضمانه؛ لعدم الحاجة، فلا يصحّ الضمان و لا الجعالة إن ألحقنا مثل هذا بالجعالة؛ لأنّها ليست علي عملٍ مقصود.

أمّا لو قال: طلّق زوجتك و علَيَّ كذا، أو أعتق عبدك و علَيَّ كذا، ففَعَل، لزمه ذلك؛ لإمكان أن يعلم التحريم بينهما فطلب التفرقة بالعوض أو طلب ثواب العتق.

مسألة 589: لو انتقل الحقّ عن المستحقّ ببيعٍ أو إحالةٍ أو غيرهما،

ص: 421


1- المغني و الشرح الكبير 108:5.

برئ الكفيل من الكفالة؛ لأنّه إنّما كفل له، لا لغيره، و قد انتقل المال عنه، فلا يتعدّي حقّ الكفالة إلي مَن انتقل إليه المال.

و كذا لو أحال المكفول به المكفول له بالمال الذي عليه و قَبِل المحتال و المحال عليه، برئ الكفيل أيضاً؛ لأنّ الحوالة كالقضاء إذا كان المحال عليه مليّاً.

أمّا لو كان معسراً أو لم يعلم المحتال، فالأقوي: عدم البراءة، إلاّ أن يرضي بالحوالة علي المعسر.

و لو أدّي الكفيل لتعذّر إحضار المكفول ببدنه، كان له مطالبة المكفول بما أدّاه عنه، سواء كفل بإذنه أو لا.

و لو ظهر بعد الأداء سبق موت المكفول، رجع الكفيل علي المكفول له بما قبضه؛ للعلم ببطلان الكفالة.

و لو مات المحال عليه الموسر و لم يترك شيئاً، برئ الكفيل، و سقط دَيْن المحتال.

مسألة 590: قد بيّنّا أنّ الميّت تحلّ عليه الديون المؤجَّلة عليه، عند علمائنا أجمع

- و عليه عامّة الفقهاء، و به قال الشعبي و النخعي و سعيد بن المسيّب و سوار و مالك و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ هذا الدَّيْن إمّا أن يبقي في ذمّة الميّت أو ذمّة الورثة أو متعلّقاً بالمال.

و الأوّل محال؛ لأنّ الميّت خرجت ذمّته، و تعذّرت مطالبته.

ص: 422


1- المدوّنة الكبري 236:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 987/589:2، بداية المجتهد 286:2، المهذّب - للشيرازي - 234:1، حلية العلماء 519:4، المغني 526:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 105:2، الشرح الكبير 544:4-545.

و الثاني باطل؛ لأنّ صاحب الدَّيْن لم يرض بذمّتهم، و الذمم تختلف و تتباين. و أيضاً فإنّهم لم يلتزموا به.

و الثالث باطل؛ إذ لا يجوز تعلّقه بالأعيان و تأجيله؛ لما فيه من الإضرار بالميّت و صاحب الدَّيْن، و لا منفعة للورثة فيه، بل ربما استضرّوا به.

أمّا الميّت: فلقوله صلي الله عليه و آله: «الميّت مرتهن بدَيْنه حتي يقضي عنه»(1).

و أمّا صاحبه: فقد تتلف الأعيان فيسقط حقّه.

و لا منفعة للورثة؛ فإنّهم لا ينتفعون بالأعيان و لا يتصرّفون فيها. و إن تصوّر في ذلك منفعة لهم، فلا يسقط حقّ الميّت و صاحب الدَّيْن ليحصل لهم منفعة.

و قال ابن سيرين و عبيد اللّه بن الحسن و إسحاق و أبو عبيد و طاوُوس و أبو بكر بن محمّد و الزهري و سعيد بن إبراهيم و الحسن البصري و أحمد في الرواية الأُخري: لا تحلّ؛ لأنّه لو كان له دَيْنٌ مؤجَّل لم يحل، فكذلك ما عليه، كالحيّ. و لأنّ الموت ما جُعل مُبطلاً للحقوق، إنّما هو علامة علي الوراثة، و قد قال عليه السلام: «مَنْ ترك حقّاً أو مالاً فلورثته»(2)(3).

و الفرق: أنّ الحيّ له ذمّة، و ما لَه يمكن حفظه، بخلاف ما عليه، فإنّ2.

ص: 423


1- جامع المسانيد - للخوارزمي - 74:2، المغني 526:4، الشرح الكبير 545:4.
2- صحيح البخاري 128:3، سنن ابن ماجة 2416/807:2، سنن النسائي 66:4، سنن البيهقي 214:3، و 214:6، مسند أبي داوُد الطيالسي: 156-1150/157، مسند أحمد 13744/222:4 و 13745، المصنّف - لعبد الرزّاق - 289:8-15257/290، المعجم الكبير - للطبراني - 264:20-625/266-628، و في الجميع: «مَنْ ترك مالاً فلورثته».
3- حلية العلماء 519:4، المغني 526:4، الشرح الكبير 544:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 105:2.

المديون يتضرّر بترك الحقّ متعلّقاً بالعين. و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا امتنع من الصلاة علي المديون حتي ضمن الدَّيْنَ عليٌّ عليه السلام تارةً و أبو قتادة أُخري(1) لم يسأل هل كان الدَّيْن مؤجَّلاً؟ فلا تجوز مطالبته في الحال لو لم يحل و لم يكن هناك مانع من الصلاة، أو كان حالاًّ؟ و ترك الاستفصال يدلّ علي العموم.

و ما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عليهما السلام، قال: «إذا كان علي الرجل دَيْنٌ إلي أجلٍ و مات الرجل حلّ الدَّيْن»(2).

و عن الحسين بن سعيد قال: سألته عن رجل أقرض رجلاً دراهم إلي أجلٍ مسمّي ثمّ مات المستقرض، أ يحلّ مال القارض عند موت المستقرض منه، أو لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته ؟ فقال: «إذا مات فقد حلّ مال القارض»(3).

مسألة 591: لو مات مَنْ له الدَّيْن المؤجَّل، قال أكثر علمائنا

مسألة 591: لو مات مَنْ له الدَّيْن المؤجَّل، قال أكثر علمائنا(4):

لا يحلّ دَيْنه بموته

- و هو قول أهل العلم(5) - لعدم دليل الحلول، و أصالة الاستصحاب، و براءة ذمّة مَنْ عليه الدَّيْن من الحلول.

و قال الشيخ رحمه الله في النهاية: إذا مات و له دَيْنٌ مؤجَّل، حلّ أجل ما لَه، و جاز للورثة المطالبة به في الحال(6)

ص: 424


1- تقدّم تخريجه في ص 281، الهامش (5 و 6).
2- التهذيب 408/190:6.
3- التهذيب 409/190:6.
4- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 271:3، ضمن المسألة 14، و ابن إدريس في السرائر 53:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 93:2.
5- في الطبعة الحجريّة: «قول أكثر أهل العلم».
6- النهاية: 310.

لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا مات الميّت(1) حلّ ما لَه و ما عليه من الدَّيْن»(2).

و لأنّه دَيْنٌ، فحلّ بموت صاحبه، كما يحلّ بموت مَنْ هو عليه.

و الرواية مقطوعة السند، علي أنّها غير دالّةٍ علي المطلوب بالنصوصيّة؛ إذ لم تشتمل علي ذكر الأجل.

و الفرق بين موت صاحب الدَّيْن و المديون ظاهرٌ؛ فإنّ الميّت لا ذمّة له، فلا يبقي للدَّيْن محلٌّ، و مَنْ له الدَّيْن ينتقل حقّه بعد موته إلي الورثة، و إنّما كان له دَيْنٌ مؤجَّل، فلا يثبت للوارث ما ليس له.

مسألة 592: قد بيّنّا أنّ الدَّيْن المؤجَّل يحلّ بموت مَنْ عليه و أنّ أحمد قد خالف فيه في إحدي الروايتين

(3) .

فعلي قوله يبقي الدَّيْن في ذمّة الميّت كما كان، و يتعلّق بعين ماله، كتعلّق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه، فإن أحبّ الورثة أداء الدَّيْن و التزامه للغريم و يتصرّفون في المال، لم يكن لهم ذلك، إلاّ أن يرضي الغريم، أو يوفوا الحقّ بضمينٍ مليء، أو برهنٍ يثق به لوفاء حقّه، فإنّ الوارث قد لا يكون أميناً و قد لا يرضي به الغريم، فيؤدّي إلي فوات حقّه(4).

و قال بعض العامّة: إنّ الحقّ ينتقل إلي ذمم الورثة بموت مورّثهم من غير أن يشترط التزامهم له، و لا ينبغي أن يلزم الإنسان دَيْن لم يتعاط له،

ص: 425


1- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في المصدر: «الرجل» بدل «الميّت».
2- الكافي 99:5 (باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دَيْنه) ح 1، التهذيب 407/190:6.
3- راجع المصادر في الهامش (3) من ص 423.
4- المغني 526:4-527، الشرح الكبير 545:4.

و لو لزمهم ذلك بموت مورّثهم للزمهم و إن لم يخلّف وفاءً(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا، إلاّ أن يرضي الغريم بتذمّم الورثة بالدَّيْن، و يصير عليهم تبرّعاً منه.

و علي قولنا بحلول الدَّيْن بموت المديون يتخيّر الوارث بين الدفع من عين التركة و من غيرها؛ لانتقال المال إليهم، فإن امتنعوا من الأداء من عين التركة و من غيرها، باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدَّيْن.

مسألة 593: مَنْ مات و عليه دَيْنٌ لم يمنع الدَّيْن من نقل التركة إلي الورثة علي أشهر قولَي أصحابنا؛

لأنّ مستحقّ التركة إمّا الميّت، و هو محال؛ إذ ليس هو أهلاً للتملّك، أو الغريم، و هو محال؛ لأنّه لو أبرأه لم يكن له في التركة شيء، أو لا لمالكٍ، و هو محال، فلم يبق إلاّ الورثة. و لأنّ تعلّق الدَّيْن بالمال لا يزيل الملك في حقّ الجاني [و الراهن](2) و المفلس، فلم يمنع نقله هنا.

و إن تصرّف الورّاث(3) في التركة ببيعٍ أو غيره، صحّ تصرّفهم، و لزمهم أداء الدَّيْن، فإن تعذّر وفاؤه، فسخ تصرّفهم، كما لو باع السيّد عبده الجاني أو النصاب الذي وجبت فيه الزكاة.

و قال بعض علمائنا: إنّ التركة لا تنتقل(4) - و عن أحمد روايتان(5) - لقوله تعالي:«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (6) فجَعَل التركة للوارث

ص: 426


1- المغني 527:4، الشرح الكبير 545:4-546.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الرهن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوارث» بدل «الورّاث». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- شرائع الإسلام 16:4.
5- المغني 527:4-528، الشرح الكبير 546:4.
6- النساء: 11.

من بعد الدَّيْن و الوصيّة، فلا يثبت لهم الملك قبلهما، فعلي هذا لو تصرّف الورثة، لم يصح تصرّفهم - لأنّهم تصرّفوا في غير ملكهم - إلاّ بإذن الغرماء.

و لو تصرّف الغرماء، لم يصح، إلاّ بإذن الورثة.

و الحقّ: الأوّل؛ لأنّ المراد زوال الحجر عن التركة بعد الوصيّة و الدَّيْن.

** *

ص: 427

ص: 428

الفصل الثالث: في الحوالة
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في ماهيّتها و مشروعيّتها.
اشارة

الحوالة مشتقّة من تحويل الحقّ من ذمّةٍ إلي ذمّةٍ. و هي عقد وُضع للإرفاق، منفرد بنفسه، و ليست بيعاً و لا محمولةً عليه عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(1) ، و إلاّ لما صحّت؛ لأنّها بيع دَيْنٍ بدَيْنٍ، و ذلك منهيّ عنه(2) ، و الحوالة مأمور بها، فتغايرا.

و لأنّها لو كانت بيعاً، لما جاز التفرّق قبل القبض؛ لأنّه بيع مال الربا بجنسه، فلا يجوز مع التأخير و التفرّق قبل القبض، و لجازت بلفظ البيع، و لجازت من جنسين، كالبيع.

و لأنّ لفظها يشعر بالتحويل لا بالبيع. فعلي هذا لا يدخلها خيار المجلس، و في خيار الشرط ما تقدّم(3) ، و تلزم بمجرّد العقد.

و قد قيل: إنّها بيع، فإنّ المحيل يشتري ما في ذمّته بما لَه في ذمّة المحال عليه، و جاز تأخير القبض رخصةً؛ لأنّه موضوع علي الرفق، فيدخلها حينئذٍ خيارُ المجلس لذلك(4).

و الصحيح ما تقدّم؛ فإنّ البيع مختصّ بألفاظ و لوازم منفيّة عن هذا

ص: 429


1- راجع المغني و الشرح الكبير 54:5.
2- الكافي 100:5 (باب بيع الدَّين بالدَّيْن) ح 1، التهذيب 400/189:6.
3- في ج 11، ص 64، ضمن المسألة 251.
4- المغني و الشرح الكبير 54:5.

العقد.

مسألة 594: الحوالة عقد جائز بالنصّ و الإجماع.

روي العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «مَطْل الغني ظلم، و إذا أُتبع أحدكم علي مليء فليتبع»(1).

و في لفظٍ آخَر: «و إذا أُحيل أحدكم بحقٍّ علي مليء فليحتل»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يحيل علي الرجل الدراهم أ يرجع عليه ؟ قال:

«لا يرجع عليه أبداً إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك»(3).

و قد أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه العلم علي جواز الحوالة في الجملة.

إذا عرفت هذا، فمعني «أُتبع» هو معني «أُحيل».

قال صاحب الصحاح: يقال: أُتبع فلان بفلان، إذا أُحيل له عليه، و التبيع: الذي لك عليه مال(4).

و الأشهر في الرواية الثانية: «و إذا أُحيل أحدكم» بالواو. و يُروي: «فإذا» بالفاء.

فعلي الأوّل هو مع قوله: «مطل الغني ظلم» جملتان لا تعلّق للثانية

ص: 430


1- صحيح البخاري 123:3، صحيح مسلم 1564/1197:3، سنن ابن ماجة 2403/803:2، سنن أبي داوُد 3345/247:3، سنن الترمذي 1308/600:3، سنن النسائي 317:7، سنن البيهقي 70:6، سنن الدارمي 261:2، الموطّأ 84/674:2، مسند أحمد 8715/78:3.
2- سنن البيهقي 70:6، مسند أحمد 225:3، ضمن ح 9655، العزيز شرح الوجيز 125:5، المغني و الشرح الكبير 54:5 بتفاوت يسير.
3- الكافي 4/104:5، التهذيب 498/212:6.
4- الصحاح 1190:3 «تبع».

بالأُولي، و يصير كقوله عليه السلام: «العارية مردودة، و الزعيم غارم»(1).

و علي الثاني يجوز أن يكون المعني في الترتيب أنّه إذا كان المطل ظلماً من الغني، فليقبل مَنْ أُحيل بدَيْنه عليه، فإنّ الظاهر أنّه يحترز عن الظلم و المطل.

و هل الأمر بالاحتيال علي الإيجاب أو الاستحباب ؟ الأقوي عندنا:

الثاني - و به قال الشافعي(2) - لأصالة البراءة.

و عن أحمد أنّه للوجوب(3)؛ قضيّةً لمطلق الأمر.

مسألة 595: مدار الحوالة علي ستّة أشياء: أشخاص ثلاثة: محيل و محال عليه و محتال، و دَيْنان و معاملة،

فإذا كان لزيدٍ عليك عشرة، و لك علي عمرو مثلها، فأحلت زيداً علي عمرو، فأنت محيل، و زيد محتال، و عمرو محال عليه، و قد كان لزيدٍ عليك دَيْنٌ، و لك علي عمرو دَيْنٌ، و جرت بينك و بين زيد مراضاة بها، انتقل حقّه إلي عمرو، فهذه ستّة أُمور لا بدَّ منها في وجود الحوالة، إلاّ الخامس؛ فإنّ فيه خلافاً يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و يُشترط في صحّتها أُمور، منها ما يرجع إلي الدَّيْنين، و منها ما يتعلّق بالأشخاص الثلاثة.

مسألة 596: الحوالة عقد لازم، فلا بُدّ فيها من إيجابٍ و قبول، كغيرها من العقود.

و الإيجاب كلّ لفظٍ يدلّ علي النقل و التحويل، مثل: أحلتك،

ص: 431


1- ورد نصّه في العزيز شرح الوجيز 125:5-126، و في سنن أبي داوُد 296:3-3565/297، و مسند أحمد 21791/358:6 بتفاوت يسير. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 126:5.

و قَبَلتك، و أتبعتك.

و القبول ما يدلّ علي الرضا، نحو: رضيت، و قَبِلت.

و لا تقع معلّقةً بشرطٍ و لا صفة، بل من شرطها التنجيز، فلو قال: إذا جاء رأس الشهر، أو: إن قدم زيد فقد أحلتك عليه، لم تصح؛ لأصالة البراءة، و عدم الانتقال.

و لا يدخلها خيار المجلس؛ لأنّه مختصّ بالبيع، و ليست بيعاً عندنا.

و هل يدخلها خيار الشرط؟ مَنَع منه أكثر العامّة(1).

و الحقّ: جواز دخوله؛ لقولهم عليهم السلام: «كلّ شرطٍ لا يخالف الكتاب و السنّة فإنّه جائز»(2).

و لو قال: أحلني علي فلان، فقال: أحلتك، افتُقر إلي القبول، و لا يكفي الاستيجاب.

و الخلاف المذكور في البيع في الاستيجاب و الإيجاب آتٍ هنا.

و قطع بعض الشافعيّة بالانعقاد هنا؛ لأنّ الحوالة أُجيزت رفقاً بالناس، فيسامح فيها بما لا يسامح في غيرها(3).

و المعتمد ما قلناه.

مسألة 597: اختلف العامّة في أنّ الحوالة هل هي استيفاء حقٍّ، أو بيع و اعتياض ؟ فللشافعي قولان:

أحدهما - و هو الأقوي عندي -: أنّها استيفاء حقٍّ كأنّ المحتال

ص: 432


1- الحاوي الكبير 30:5، المهذّب - للشيرازي - 345:1، التنبيه: 105، العزيز شرح الوجيز 193:4، روضة الطالبين 111:3.
2- الكافي 1/169:5، الفقيه 553/127:3، التهذيب 94/22:7، الخلاف 255:3، المسألة 64.
3- العزيز شرح الوجيز 128:5، روضة الطالبين 463:3.

استوفي ما كان له علي المحيل و أقرضه المحال عليه؛ لأنّها لو كانت معاوضةً، لجاز أن يحيل بالشيء علي أكثر منه أو أقلّ.

و أظهرهما عندهم: أنّها بيع؛ لأنّها تبديل مالٍ بمالٍ، فإنّ كلّ واحدٍ من المحيل و المحتال يملك بها ما لم يملكه قبلها، و هذا هو حقيقة المعاوضة، و ليس فيها استيفاء و لا إقراض محقّق، فلا يقدّران(1).

و قد بيّنّا عندنا ما في هذا القول.

و علي تقديره هي بيع ما ذا بأيّ شيء؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها بيع عينٍ بعينٍ، و إلاّ لبطلت؛ للنهي عن بيع الدَّيْن بالدَّيْن.

و كأنّ هذا القائل نزّل الدَّيْن علي الشخص منزلة استحقاق منفعةٍ تتعلّق بعينه، كالمنافع في إجارات الأعيان. و هذا غير معقول.

و الثاني - و هو المعقول -: أنّها بيع الدَّيْن بالدَّيْن، فإنّ حقّ الدَّيْن لا يستوفي من عين الشخص، و لغيره أن يؤدّيه عنه.

و استثني هذا العقد عن النهي؛ لحاجة الناس إليه مسامحةً و إرفاقاً، و لهذا المعني لم يُعتبر فيه التقابض، كما في القرض، و لم يجز فيه الزيادة و النقصان؛ لأنّه ليس بعقد مماكسة، كالقرض(2).

و قال الجويني و شيخُه: لا خلاف في اشتمال الحوالة علي المعنيين:

الاستيفاء، و الاعتياض، و الخلاف في أيّهما أغلب ؟(1).

و كلّ هذه تمحّلات لا فائدة تحتها، و لا دليل عليها.3.

ص: 433


1- العزيز شرح الوجيز 126:5، روضة الطالبين 462:3.
البحث الثاني: في الشرائط.
اشارة

و هي أربعة تشتمل عليها أربعة أنظار:

النظر الأوّل: كماليّة الثلاثة،
اشارة

أعني المحيل و المحتال و المحال عليه؛ لأنّ رضاهم شرط علي ما يأتي.

و إنّما يُعتبر الرضا ممّن له أهليّة التصرّف، فلا تصحّ من الصبي و إن كان مميّزاً، أذن له الولي أو لا، و لا المجنون، سواء كانا محيلين أو محتالين أو محالاً عليهما.

و كذا يُشترط رفع الحجر في الثلاثة.

أمّا المحيل: فلما فيه من التصرّف المالي، و السفيه و المفلس ممنوعان منه.

و أمّا المحتال: فكذلك أيضاً؛ لما فيه من الاعتياض عن ماله بماله.

و أمّا المحال عليه: فلأنّه التزام بالمال.

مسألة 598: يُشترط ملاءة المحال عليه وقت الحوالة،

كالضمان، أو علم المحتال بإعسار المحال عليه، فلو كان معسراً و احتال عليه مع جهله بإعساره، كان له فسخ الحوالة، و مطالبة المحيل بالمال، سواء شرط التساوي أو أطلق، عند علمائنا؛ لما فيه من الضرر و التغرير به.

و لما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام أنّه سأله عن الرجل يحيل علي الرجل الدراهم أ يرجع عليه ؟ قال: «لا يرجع عليه أبداً إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك»(1) و هو نصٌّ في الباب.

ص: 434


1- تقدّم تخريجه في ص 430، الهامش (3).

و لا يُشترط استمرار الملاءة، بل لو كان المحال عليه مليّاً وقت الحوالة و رضي المحتال ثمّ تجدّد إعسار المحال عليه بالمال بعد الحوالة، لم يكن للمحتال الرجوعُ علي المحيل؛ لأنّ الحوالة لزمت أوّلاً، و انتقل الحقّ عن ذمّة المحيل إلي ذمّة المحال عليه، فلا يعود إلاّ بسببٍ ناقلٍ للمال.

و لو رضي المحتال بالحوالة علي المعسر، لم يكن له بعد ذلك الفسخُ، و لا الرجوع علي المحيل بشيء، بل لو مات المحال عليه معسراً، ضاع ماله.

إذا ثبت هذا، فقد وافقنا - علي أنّ المحتال يرجع إلي ذمّة المحيل إذا ظهر إفلاسه و لم يشترط للمحال [عليه] الملاءة و لم يعلم المحتال بإفلاسه - مالكُ و أحمد في إحدي الروايتين و جماعة من أصحابه؛ لأنّ الفلس عيب في المحال عليه، لأنّ الظاهر سلامة الذمّة، و قد ظهر أنّها معيبة، فكان له الرجوعُ، كما لو اشتري سلعةً فوجدها معيبةً. و لأنّ المحيل غرّه، فكان له الرجوعُ، كما لو دلّس المبيع(1).

و قال الليث و الشافعي و أبو عبيد و أحمد - في الرواية الأُخري - و ابن المنذر: ليس له الرجوعُ، سواء أمكن استيفاء الحقّ أو تعذّر بمَطْلٍ أو فَلْسٍ أو موتٍ أو غير ذلك؛ لأنّ هذا الإعسار لو حدث قبل قبضه لم يثبت له الخيار، فكذا حال العقد(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ المتجدّد لا يمكن الاحتراز منه، و لا غرر فيه،2.

ص: 435


1- المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 125:2.
2- العزيز شرح الوجيز 132:5، روضة الطالبين 466:3، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 125:2.

بخلاف المقارن.

مسألة 599: قد بيّنّا أنّ الحوالة تقتضي نقل الحقّ من ذمّة المحيل إلي ذمّة المحال عليه، عند علمائنا أجمع،

و به قال عامّة الفقهاء، إلاّ ما يُحكي عن زفر، فإنّه قال: لا ينتقل الحقّ، و أجراها مجري الضمان(1).

و هو خطأ؛ لأنّ الحوالة مشتقّة من تحوّل الحقّ، بخلاف الضمان عندهم(2) ، فإنّه مشتقّ من ضمّ ذمّةٍ إلي ذمّةٍ، فعلّق علي كلّ واحدٍ منهما ما يقتضيه لفظه.

و أمّا عندنا فإنّ الضمان أيضاً ناقل علي ما تقدّم(3) بيانه.

مسألة 600: إذا تمّت الحوالة بأركانها و كان المحال عليه موسراً أو علم المحتال بإفلاسه، انتقل الحقّ من ذمّة المحيل إلي ذمّة المحال عليه،

و لم يكن للمحتال الرجوعُ علي المحيل أبداً - و به قال الشافعي و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(4) - لما رواه العامّة: أنّ حزناً جدّ سعيد بن المسيّب كان له علي عليّ عليه السلام دَيْنٌ فأحاله به، فمات المحال عليه فأخبره، فقال: «اخترت علينا أبعدك اللّه تعالي»(5) فأبعده بمجرّد احتياله، و لم يُخبره أنّ له الرجوعَ، و لو كان له الرجوعُ لأخبره بذلك.

ص: 436


1- مختصر اختلاف العلماء 1993/271:4، تحفة الفقهاء 247:3، بدائع الصنائع 17:6، الهداية - للمرغيناني - 99:3، الاختيار لتعليل المختار 5:3، حلية العلماء 35:5، المغني 58:5-59، الشرح الكبير 55:5.
2- راجع الهامش (1) من ص 344.
3- في ص 342 (النظر الأوّل).
4- الحاوي الكبير 421:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، الوسيط 223:3، حلية العلماء 36:5، التهذيب - للبغوي - 163:4، العزيز شرح الوجيز 132:5، روضة الطالبين 466:3، الذخيرة 249:9، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.
5- الحاوي الكبير 421:6، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا يرجع عليه أبداً» و قد تقدّم(1).

و عن عقبة بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يحيل الرجل بمالٍ علي الصيرفي ثمّ يتغيّر حال الصيرفي أ يرجع علي صاحبه إذا احتال و رضي(2) ؟ قال: «لا»(3).

و لأنّ الحوالة براءة من دَيْنٍ ليس فيها قبض ممّن عليه، فلا يكون فيها رجوعٌ عليه، كما لو أبرأه من الدَّيْن.

و قال شريح و الشعبي و النخعي: متي(4) أفلس أو مات رجع علي صاحبه(5).

و قال أبو حنيفة: يرجع عليه في حالتين: إذا مات المحال عليه مفلساً، و إذا جحد و حلف عليه عند الحاكم.

و قال أبو يوسف و محمّد: يرجع عليه في هاتين الحالتين و في حال أُخري: إذا أفلس و حُجر عليه.

لما روي أنّ عثمان سئل عن رجل أُحيل بحقّه فمات المحال عليه مفلساً، فقال: يرجع بحقّه لا يزرأ(6) علي مال مسلمٍ(7).

و لأنّه عقد معاوضة لم يسلم العوض فيه لأحد المتعاقدين، فكان له5.

ص: 437


1- في ص 430 و 434.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «و رضي»: «و ضمن». و ما أثبتناه من المصدر.
3- التهذيب 501/212:6.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «متي»: «مَنْ». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5- المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.
6- كذا قوله: «لا يزرأ» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدلها في الحاوي الكبير و المغني و الشرح الكبير: «لا توي» أي الهلاك. و الإزراء: التهاون بالشيء، يقال: أزريت به، إذا قصّرت به. الصحاح 2368:6 «زري».
7- الحاوي الكبير 421:6، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.

الفسخ، كما لو اعتاض بثوبٍ فلم يسلّمه إليه.

و لأنّه نَقْلُ حقٍّ من ذمّةٍ إلي غيرها، فإذا لم يسلم له ما نقل إليه، كان له الرجوعُ بحقّه، كما لو أخذ دَيْنه عيناً فتلفت(1) في يد مَنْ عليه الحقّ(2).

و رواية عثمان ضعيفة لم تصح يرويها خليد(3) بن جعفر عن معاوية ابن قرة عن عثمان(4) ، و لم يصح سماعه منه. و قد روي أنّه قال: في حوالة أو كفالة(5) ، و هو يدلّ علي شكّه و تردّده في الرواية، فلا يجوز العمل بها.

علي أنّ قول عثمان ليس بحجّة، خصوصاً مع معارضته للحجّة، و هو قول عليّ عليه السلام(6).

و لا نسلّم أنّ الحوالة معاوضة؛ لاشتمالها علي بيع الدَّيْن بالدَّيْن، و هو منهيّ عنه(7).

و القياس علي العين باطل؛ لأنّه لا يشبه مسألتنا؛ لأنّ في ذلك قبضاً يقف استقرار العقد عليه، و هنا الحوالة بمنزلة العوض المقبوض، و إلاّ كان بيعَ دَيْنٍ بدَيْنٍ.).

ص: 438


1- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة: «و تلفت».
2- تحفة الفقهاء 247:3، بدائع الصنائع 18:6، الهداية - للمرغيناني - 99:3-100، الاختيار لتعليل المختار 5:3، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 73:3، مختصر اختلاف العلماء 1993/271:4، الحاوي الكبير 421:6، الوسيط 223:3، حلية العلماء 36:5، التهذيب - للبغوي - 163:4، العزيز شرح الوجيز 132:5، الذخيرة 249:9، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.
3- في المغني 59:5، و الشرح الكبير 55:5، و نسختَي «ج، خ»: «خالد».
4- راجع: الحاوي الكبير 421:6، و المغني 59:5، و الشرح الكبير 55:5.
5- مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 421:6، المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.
6- المغني 59:5، الشرح الكبير 55:5.
7- تقدّم تخريجه في ص 429، الهامش (2).
مسألة 601: لو شرط المحتال ملاءة المُحال عليه فبانَ معسراً، كان له الرجوعُ علي المحيل؛
اشارة

لما بيّنّا من أنّه يرجع عند الإطلاق فمع شرط الملاءة أولي - و هو قول ابن سريج(1) - لقوله عليه السلام: «المسلمون علي شروطهم(2)»(3).

و لأنّه شرط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضةٍ، فيثبت فيه الفسخ بفواته، كما لو شرط صفة في المبيع، و قد يثبت بالشرط ما لا يثبت بإطلاق العقد، كما لو شرط صفة في المبيع.

و قال المزني - نقلاً عن الشافعي -: إنّه لا يرجع؛ لأنّه قال: غرّه أو لم يغرّه لا يرجع(4).

قال ابن سريج: هذا الذي نقله المزني لا نعرفه للشافعي، و الذي يُشبه أصلَه: أنّه يرجع كما إذا شرط صفة في المبيع فبانَ بخلافها(5).

قال بعض الشافعيّة: الصواب ما نَقَله المزني؛ لأنّ الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط الملاءة مع كونه نقصاً، فلو ثبت ذلك بالشرط لثبت بغير شرطٍ. و لأنّ الإعسار لو حدث لم يثبت له فسخ الحوالة، بخلاف

ص: 439


1- المهذّب - للشيرازي - 345:1، حلية العلماء 36:5، التهذيب - للبغوي - 163:4، العزيز شرح الوجيز 133:5.
2- في «ج، ر»: «المؤمنون عند شروطهم». و في «ث، خ»: «المسلمون عند شروطهم».
3- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 96/27:3 و 98 و 99، و 100/28، سنن البيهقي 249:7، الجامع لأحكام القرآن 33:6، التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3.
4- مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 423:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، العزيز شرح الوجيز 133:5.
5- الحاوي الكبير 423:6، حلية العلماء 36:5، العزيز شرح الوجيز 133:5، المغني 60:5، الشرح الكبير 62:5.

النقص الحادث في المبيع، فكذلك عدم المشروط. و لأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ، و لا يثبت مثل ذلك في الحوالة، فاختلفا(1).

و نمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط، و قد سبق. و نمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط و بعدمه، و نحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب: لو كان المحال عليه معسراً و لم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار و علم سبق الفقر، احتُمل ثبوت الخيار؛ للاستصحاب.

و عدمُه؛ لزوال المقتضي.

مسألة 602: إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط، انتقل المال إلي ذمّة المحال عليه، و برئ المحيل،

سواء أبرأه المحتال أو لا - و هو قول عامّة الفقهاء(2) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ، و إنّما يتحقّق هذا المعني لو انتقل المال من ذمّةٍ إلي أُخري، و ليس هنا إلاّ ذمّة المحيل و المحال عليه، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلي الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار، لم يعد الحقّ إليه؛ لعدم المقتضي.

و قال شيخنا رحمه الله في النهاية: و مَنْ كان له علي غيره مالٌ فأحال به علي غيره، و كان المُحال عليه مليّاً به في الحال و قَبِل الحوالة و أبرأه منه، لم يكن له الرجوعُ عليه، ضمن ذلك المُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المُحال عليه و لم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك، كان له مطالبة المُحيل، و لم تبرأ ذمّته بالحوالة، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال، بطلت

ص: 440


1- العزيز شرح الوجيز 133:5، المغني 60:5، الشرح الكبير 62:5.
2- المغني 58:5، الشرح الكبير 55:5.

الحوالة، و كان له الرجوعُ علي المديون بحقّه عليه، و متي لم يُبرئ المُحال له بالمال المُحيل في حال ما يُحيله، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(1).

و كان الحسن البصري أيضاً لا يري الحوالة مبرئةً إلاّ أن يُبرئه(2).

و احتجّ الشيخ رحمه الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقر عليهما السلام: في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له علي رجلٍ [آخَر]، فيقول له الذي احتال: برئت ممّا لي عليك، قال: «إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه، و إن لم يُبرئه فله أن يرجع علي الذي أحاله»(3).

و هذه الرواية لا بأس بها؛ لصحّة السند، لكنّ المشهور عند الأصحاب و العامّة البراءة بمجرّد الحوالة، فلا بدَّ من حمل الرواية علي شيء، و ليس ببعيدٍ من الصواب حملها علي ما إذا شرط المحيل البراءة، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه، أو نقول: إذا لم يُبرئه، فله أن يرجع علي الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني: في الرضا بالحوالة.
مسألة 603: يشترط في الحوالة رضا المحيل - و هو الذي عليه الحقّ - إجماعاً،

فلو أُكره علي أن يحيل فأحال بالإكراه، لم تصحّ الحوالة، و لا نعرف فيه خلافاً؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً، فلا يلزمه

ص: 441


1- النهاية: 316.
2- المغني 58:5، الشرح الكبير 55:5.
3- الكافي 2/104:5، التهذيب 211:6-496/212، و ما بين المعقوفين من المصدر.

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له علي المحال عليه، إلاّ في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل، و هي ما إذا جوّزنا الحوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ: أحلت بالدَّيْن الذي لك علي فلان علي نفسي، فقَبِل، صحّت الحوالة، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل، بل رضا المحتال و المحال عليه خاصّةً.

مسألة 604: يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل، فلا يلزمه نقله إلي ذمّةٍ أُخري، إلاّ برضاه، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر علي أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً، و كما إذا ثبت حقّه في عينٍ، لا يملك نقله إلي غيرها بغير رضاه.

و قال داوُد و أحمد: لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «مَنْ أُحيل علي مليء فليحتل»(2) و الأمر للوجوب(3).

و نحن نمنع الوجوب، بل المراد به الإرشاد.

مسألة 605: يشترط عندنا رضا المحال عليه،

فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة، و به قال أبو حنيفة و الزهري و المزني(4)

ص: 442


1- الحاوي الكبير 418:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، التهذيب - للبغوي - 162:4، العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3، الهداية - للمرغيناني - 99:3، الاختيار لتعليل المختار 5:3، الذخيرة 243:9، المغني و الشرح الكبير 61:5.
2- مسند أحمد 225:3، ضمن ح 9655.
3- الحاوي الكبير 418:6، بداية المجتهد 299:2، الذخيرة 243:9، المعونة 1228:2، المغني و الشرح الكبير 61:5.
4- الهداية - للمرغيناني - 99:3، الاختيار لتعليل المختار 5:3، الحاوي الكبير 418:6، الوسيط 221:3، حلية العلماء 35:5، التهذيب - للبغوي - 162:4، العزيز شرح الوجيز 127:5، المغني 61:5، الشرح الكبير 61:5-62.

و قال أبو العبّاس ابن القاص: نصّ الشافعي في الإملاء علي أنّها تفتقر إلي رضا المحال عليه - و إليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة، فأشبه المحتال و المحيل. و لأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء و الاستيفاء سهولةً و صعوبةً. و لأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل، فيستصحب إلي أن يظهر المعارض.

و أصحّ القولين عند الشافعي: أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة علي مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - و به قال مالك و أحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة، فلم يفتقر إلي رضا مَنْ عليه الحقّ، كما لو كان وكيلاً في قبضه، بخلاف المحتال، فإنّه ينتقل حقّه، و تبرأ ذمّته منه. و لأنّ المحال عليه محلّ الحقّ و التصرّف، فلا يعتبر رضاه، كما لو باع عبداً، لا يعتبر رضاه(1).

و بنوا الوجهين علي أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل، فلا يشترط؛ لأنّه حقٌّ للمحيل، فلا يحتاج فيه إلي رضا الغير. و إن قلنا بالثاني، يشترط؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(2).

و إن كانت الحوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه، لم تصحّ عند الشافعي إلاّ برضا المحال عليه؛ لأنّا لو صحّحناه، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. و إن رضي، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور علي الأصل المذكور(3)3.

ص: 443


1- الحاوي الكبير 418:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، الوسيط 221:3، حلية العلماء 35:5، التهذيب - للبغوي - 162:4، العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3، بداية المجتهد 299:2، التلقين 443:2، الذخيرة 243:9، المعونة 1229:2، المغني 61:5، الشرح الكبير 61:5-62. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3.

و سيأتي(1).

فقد ظهر من هذا الإجماعُ علي اعتبار رضا المحيل إلاّ في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر، و أنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة: المحيل و المحتال و المحال عليه.

النظر الثالث: في الدَّيْن.
مسألة 606: إذا أحال زيد عمراً علي بكر بألف، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ

مسألة 606: إذا أحال زيد عمراً علي بكر بألف، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(2) مشغولةً بالألف لعمرو، أو لا،

و علي كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بريء الذمّة منها أو مشغولها، فالأقسام أربعة:

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ و بكرٍ مشغولتين، و لا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا، و هو أن تكون ذمّتهما بريئةً، فإذا أحال زيد - و هو بريء الذمّة - عمراً - و لا دَيْن له عليه - علي بكر، و هو بري الذمّة، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ، و هنا لم يوجد، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ، و إنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة؛ لاشتراكهما في المعني، و هو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض، و أن يطالبه من المحال عليه، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بريء الذمّة و المحالُ عليه مشغولها، (فيحيل

ص: 444


1- في ص 445، القسم «د» من الأقسام المذكورة في المسألة 606.
2- في «ج»: «ذمّته» بدل «ذمّة زيد».

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له علي مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ)(1) بقبضه، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ و انتقاله، و لا حقّ [هاهنا](2) ينتقل و يتحوّل، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه، و تحوّل ذلك إلي الوكيل كتحوّله إلي المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة و المحالُ عليه بريء الذمّة.

و في صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه: الصحّة - و به قال أبو حنيفة و أصحابه(3) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها، صار كأنّه قضي دَيْن غيره بذمّته؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض، و إذا قبض حقّاً من غيره، صحّ و سقط عن غيره، كذا هنا، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا: إنّها اعتياض، لم تصحّ؛ لأنّه ليس له علي المحال عليه شيء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. و إن قلنا: إنّها استيفاء حقٍّ، صحّت(4) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه و أقرضه من المحال عليه(5).

قال الجويني: الصحيح عندي تخريج الخلاف علي الخلاف في أنّه3.

ص: 445


1- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه علي مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ». و كذا في «ر» بإسقاط «له» من «لا دَيْن له عليه».
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- راجع: فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 73:3 و 74، و بدائع الصنائع 16:6.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صحّ». و الظاهر ما أثبتناه.
5- التهذيب - للبغوي - 164:4، العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3.

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل ؟ بل هذه(1) الصورة غير(2) تلك الصورة؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل، فإذا قَبِل الحوالة، فقد التزم علي أن يُبرئ المحيل(3).

و هذا ذهابٌ منه إلي براءة المحيل و جَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يبرأ علي قياس الحوالات.

و الثاني - و به قال أكثرهم -: أنّه لا يبرأ، و قبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(4).

ثمّ فرّعوا فقالوا: إن قلنا: لا تصحّ هذه الحوالة، فلا شيء علي المحال عليه، فإن تطوّع و أدّاه، كان كما لو قضي دَيْنَ الغير. و إن قلنا:

تصحّ، فهو كما لو ضمنه، فيرجع علي المحيل إن أدّي بإذنه(5).

و كذا إن أدّي بغير إذنه عندنا و علي أظهر الوجهين عند الشافعيّة(6) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

و للمحال عليه الرجوع علي المحيل هنا قبل الأداء - و هو أحد وجهي الشافعيّة(7) - لأنّ المحيل يبرأ، فينتقل الحقّ إلي ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.3.

ص: 446


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هنا» بدل «هذه». و المثبت كما في المصدر.
2- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في المصدر «عين» بدل «غير». و في «ر»: «علي غير».
3- العزيز شرح الوجيز 127:5.
4- العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3.
5- العزيز شرح الوجيز 127:5-128، روضة الطالبين 462:3. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 128:5، روضة الطالبين 463:3.

و الثاني: ليس له ذلك بناءً علي أنّ المحيل لا يبرأ، كما أنّ الضامن لا يرجع علي المضمون عنه قبل الأداء(1).

و إذا طالبه المحتال بالأداء، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

و هل له ذلك قبل مطالبة المحتال ؟ الأقوي عندي: ذلك.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(2).

و لو أبرأه المحتال، لم يرجع علي المحيل بشيء.

و لو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه، فالأقوي: الرجوع؛ لأنّه قد غرم عنه، و إنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

و للشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلي أنّ الغُرْم لم يستقر عليه، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. و في الثاني إلي أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(3).

و هُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

و لو ضمن عنه ضامنٌ، لم يرجع علي المحيل حتي يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

و لو أحال المحتال علي غيره، نُظر إن أحاله علي مَنْ عليه دَينٌ، رجع علي محيله بنفس الحوالة؛ لحصول الأداء بها. و إن أحال علي مَنْ لا دَيْن عليه، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة 607: الأقوي عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ

ص: 447


1- العزيز شرح الوجيز 128:5، روضة الطالبين 463:3.
2- العزيز شرح الوجيز 128:5، روضة الطالبين 463:3.
3- العزيز شرح الوجيز 128:5، روضة الطالبين 463:3.

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ علي رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً علي المشتري. و لأنّه صائرٌ إلي اللزوم، و الخيار عارضٌ فيه، فيعطي حكم اللازم.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّه ليس بلازم(2).

و هو مصادرة علي المطلوب.

قال بعض الشافعيّة: هذا الخلاف مبنيّ علي أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. و إن قلنا: استيفاء، فتجوز(3).

قالوا: فإن قلنا بالمنع، ففي انقطاع الخيار وجهان:

أحدهما: أنّه لا ينقطع؛ لحكمنا ببطلانه، و تنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

و الثاني: نعم؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(4).

و إن قلنا بالجواز، لم يبطل الخيار عند بعضهم(5).

و قال آخَرون: يبطل؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم، و لو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها، و كانت هذه الحوالة كالحوالة علي النجوم(6).

و الأقوي: بقاء الخيار.

مسألة 608: إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع

ص: 448


1- الحاوي الكبير 419:6، الوسيط 222:3-223، العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.
2- الحاوي الكبير 419:6، الوسيط 222:3-223، العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.
3- العزيز شرح الوجيز 129:5.
4- العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.
5- العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.
6- العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.

بفسخ صاحب الخيار، بطل الثمن، و بطلت الحوالة المترتّبة عليه، فلو أحال البائع علي المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار، بطلت الحوالة؛ لأنّها فرع البيع، و البيع قد بطل.

و عندي فيه نظر؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله، و إنّما تجدّد له البطلان، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

و لو أحال المشتري البائعَ علي غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار، بطلت الحوالة؛ لترتّبها علي البيع، و البيع قد بطل.

و يُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

و علي قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ علي ثالثٍ، يبطل خيارهما جميعاً؛ لتراضيهما. و لو أحال البائع رجلاً علي المشتري، لم يبطل خيار المشتري، إلاّ أن يقبل و يرضي بالحوالة(1).

مسألة 609: لو أحال زيد علي عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلي بكر،

ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلي بكر، فادّعي زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه، و أنكر عمرو ذلك و أنّه احتال و لا شيء لزيد عليه، كان القولُ قولَ عمرو؛ لأصالة براءة ذمّته.

و يُحتمل أن يقال: إن قلنا بصحّة الحوالة علي مَنْ لا مال عليه، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. و إن قلنا: إنّها لا تصحّ، كان القولُ قولَ المحيل؛ لاعترافهما بالحوالة، و ادّعاء المحال عليه بطلانها، و الأصل الصحّة.

مسألة 610: لو أحال السيّد علي مكاتَبه بمال النجوم،

فإن كان بعد

ص: 449


1- العزيز شرح الوجيز 129:5، روضة الطالبين 464:3.

حلوله، صحّ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. و إن كان قبل الحلول، فكذلك علي الأقوي.

و يجيء علي قول الشيخ رحمه الله المنع(1) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(2) - علي المكاتَب؛ إذ له أن يُعجّز نفسه، فله أن يمتنع من أدائه.

و للشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره علي مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما: الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت علي المكاتَب، فأشبه سائر الديون.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ النجوم غير لازمة علي المكاتَب، و له إسقاطها متي شاء، فلا يمكن إلزامه الدفع إلي المحتال(3).

و علي ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب، بطلت الكتابة، و لم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال، و لا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

و لو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة، صحّت الحوالة به قطعاً؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه مبنيّ علي أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه، هل يسقط ذلك الدَّيْن ؟ إن قلنا: نعم، لم تصح الحوالة، و إلاّ صحّت(4).

و المعتمد ما قلناه، و هو قول أكثر الشافعيّة و قول أكثر العامّة(5).

و لو أحال المكاتَبُ السيّدَ علي إنسانٍ بمال الكتابة، صحّت الحوالة5.

ص: 450


1- المبسوط - للطوسي - 321:2.
2- الخلاف 393:6، المسألة 17، المبسوط - للطوسي - 73:6 و 82.
3- العزيز شرح الوجيز 129:5-130، روضة الطالبين 464:3.
4- العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 464:3.
5- روضة الطالبين 464:3، المغني 56:5، الشرح الكبير 57:5.

عندنا و عند أكثر الشافعيّة و أكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(1) ، و تبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة، و يتحرّر، و يكون ذلك بمنزلة الأداء، سواء أدّي المحال عليه أو مات مفلساً؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ، و الكتابة لازمة من جهة السيّد، فمتي أدّي المحال عليه وجب علي السيّد القبول أو الإبراء.

و قال بعض الشافعيّة: لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(2).

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين:

أحدها: جواز إحالة المكاتَب بالنجوم، و إحالة السيّد علي النجوم، و هو قول ابن سريج.

و الثاني: منعهما جميعاً.

و الثالث: أظهرها عندهم، و هو: جواز إحالة المكاتَب بها، و منع إحالة السيّد عليها(3).

و لو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه، سقط عن المكاتَب الباقي، و لم تبطل الحوالة.

مسألة 611: مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل، صحّت الحوالة به إجماعاً.

و إن لم يشرع في العمل، فالأقرب: الجواز؛ لأنّا نجوّز الحوالة علي بريء الذمّة.

ص: 451


1- العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 464:3، المغني 56:5، الشرح الكبير 57:5.
2- العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 464:3.
3- الوسيط 223:3، العزيز شرح الوجيز 130:5.

و قياس الشافعيّة أنّه يجيء في الحوالة به و عليه الخلافُ المذكور في الرهن به و في ضمانه(1).

و قال بعض الشافعيّة: تجوز الحوالة به و عليه بعد العمل، لا قبله(2).

و لو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ علي إنسانٍ بالزكاة، جاز، سواء قلنا: إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة، فجازت الحوالة.

و عندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة و من الاعتياض عنها(3) ، فهنا قالوا: إن قلنا: إنّ الحوالة استيفاء، صحّت الحوالة هنا. و إن قلنا: إنّها اعتياض، لم تجز؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(4).

و لو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة علي مَنْ وجبت عليه، لم تصح؛ لأنّها لم تتعيّن له إلاّ بالدفع إليه.

و لو قَبِل مَنْ وجبت عليه، صحّ، و لزمه الدفع إلي المحتال.

مسألة 612: تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ؛

لأنّها إمّا اعتياض، فلا تصحّ علي المجهول، كما لا يصحّ بيعه، و إمّا استيفاء، و إنّما يمكن استيفاء المعلوم، أمّا المجهول فلا. و لاشتماله علي الغرر.

فلو قال: أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ، فقَبِل، لم تصح.

ص: 452


1- العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 464:3.
2- روضة الطالبين 464:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 157:1، المجموع 428:5-429، و 132:6، حلية العلماء 167:3، التهذيب - للبغوي - 65:3، المغني 671:2، الشرح الكبير 521:2.
4- روضة الطالبين 465:3.

و يحتمل الصحّة، و يكون علي المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة، كما قلناه في الضمان.

و لا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب، فلو كان أحدهما ثمناً و الآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ و ما أشبهه، جازت الحوالة، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 613: تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة،

سواء كان مثليّاً، كالذهب و الفضّة و الحبوب و الأدهان، أو من ذوات القِيَم، كالثياب و الحيوان و غيرهما - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلي مستحقّه من غير تفاوتٍ، و هذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(2) ، و لهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(3).

و الأوّل أصحّ. و الوصول إلي الحقّ قد يكون بالمثل، و قد يكون بالقيمة، و كما يجوز إبراء المديون منه بالأداء، كذا المحال عليه.

و لو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه: الجواز؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة، و تلك العين لا تثبت في الذمّة، فلا تقع الحوالة بها و لا بمثلها؛ لعدمه، بل بالقيمة.

ص: 453


1- المهذّب - للشيرازي - 344:1، حلية العلماء 32:5، التهذيب - للبغوي - 162:4، العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 465:3.
2- في النسخ الخطّيّة: «لا يتحرّر» بالراءين المهملتين.
3- المهذّب - للشيرازي - 344:1، حلية العلماء 32:5، التهذيب - للبغوي - 162:4، العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 465:3.

و لو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً، و له علي آخَر مثلها، فأحاله بها، فالأقرب: الصحّة؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ و القيمة و سائر الصفات، و هو أحد قولَي الشافعي(1).

و الثاني: لا تجوز؛ لأنّ صفاتها مجهولة(2).

و هو ممنوع.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أحال بإبل الدية و عليها و فرّعنا علي جواز الحوالة في المتقوّمات، فوجهان أو قولان مبنيّان علي جواز المصالحة و الاعتياض عنها.

و الأصحّ عندهم: المنع؛ للجهل بصفاتها(1).

و لو كان الحيوان صداقاً و دخل بها، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(4).

و مَنَعه بعضهم؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(5).

النظر الرابع: في تساوي الجنسين.
مسألة 614: من مشاهير الفقهاء

مسألة 614: من مشاهير الفقهاء(2) وجوب تساوي الدَّيْنين

- أعني الدَّيْن الذي للمحتال علي المحيل، و الذي للمحيل علي المحال عليه - جنساً و وصفاً، فلو كان له دنانير علي شخصٍ فأحال عليه بدراهم، لم تصحّ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا

ص: 454


1- المهذّب - للشيرازي - 344:1، العزيز شرح الوجيز 130:5، روضة الطالبين 465:3. (4 و 5) راجع: التهذيب - للبغوي - 162:4.
2- بداية المجتهد 300:2، العزيز شرح الوجيز 131:5، روضة الطالبين 466:3، المغني 55:5، الشرح الكبير 59:5.

استوفاها و أقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلي الدنانير.

و إن جعلناها معاوضةً، فلأنّها و إن كانت معاوضةً فليست هي علي حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة، و إنّما هي معاوضة إرفاقٍ و مسامحة للحاجة، فاشترط فيها التجانس و التساوي في القدر و الصفة؛ لئلاّ يتسلّط علي المحال عليه، كما في القرض.

و لأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه، و لا يمكن إجباره مع الاختلاف.

و لأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل، و لهذا جازت دَيْناً بدَيْن، أ لا تري أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

و مع هذا فقد قال المشترطون للتساوي: إنّه تصحّ الحوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه، و الأحري جواز الإحالة علي مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم: «إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً، لم تصحّ الحوالة» أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلي الدراهم و بالعكس، لكنّها إذا جرت فهي حوالة علي مَنْ لا دَيْن له عليه، و حكمه ما تقدّم(1).

مسألة 615: لو كان عليه إبل من الدية و له علي آخَر مثلها قرضاً، فأحاله صاحب القرض علي المقترض بإبل الدية،

فإن قلنا: يردّ في القرض مثلها، صحّت الحوالة؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ علي صفته من المحال عليه. و لأنّ الخيرة في التسليم إلي مَنْ عليه الدَّيْن، و قد رضي بتسليم ما لَه

ص: 455


1- العزيز شرح الوجيز 131:5، روضة الطالبين 466:3.

في ذمّة المقترض، و هو مثل الحقّ، فكانت الحوالة صحيحةً.

و إن قلنا: إنّه يردّ في القرض القيمة، لم تصحّ الحوالة؛ لاختلاف الجنس.

و كذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر و اللآلئ و غيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

و لو احتال المقرض بإبل الدية، لم تصح؛ لأنّا إن قلنا: تجب القيمة في القرض، فقد اختلف الجنس. و إن قلنا: يجب المثل، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته، و الذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة 616: يجب تساوي الدَّيْنين في القدر،

فلا يحال بخمسة علي عشرة، و لا بعشرة علي خمسة؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق، و لإيصال كلّ حقٍّ إلي مستحقّه، و لم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شيء.

و المراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير و بالعكس، و إلاّ فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها، أو كان له خمسة فأحال بها و بخمسةٍ أُخري، فإنّه تصحّ.

و للشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل علي الكثير: أنّها جائزة، و كأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(1).

و قال أبو العباس ابن سريج: الحوالة بيع إلاّ أنّه غير مبنيّ علي المكايسة و المغابنة و طلب الربح و الفضل، بل جُعل رفقاً، كالقرض، و إن كان نوعَ معاوضةٍ، فلا تجوز إلاّ مع اتّفاق الجنس جنساً و قدراً و صفةً، و قد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفي: و إن حلّ عليه

ص: 456


1- العزيز شرح الوجيز 131:5، روضة الطالبين 466:3.

طعام فأحال به علي رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به؛ لأنّه بيع، و هذا نصٌّ منه(1).

و قيل: ليست بيعاً(2) - و هو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله ندب إليها، فقال: «مَنْ أُحيل علي مليء فليحتل»(3). و لأنّها لا تصحّ بلفظ البيع، و لا تجوز الزيادة فيها و لا النقصان، و لما جازت في النقود إلاّ مع التقابض في المجلس، إلاّ أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالمُسْلَم فيه، و هذا تشمير(4) لقول مَنْ قال: إنّه بيع.

لا يقال: لو كان بيعاً، لكان علي المحيل تسليمه إلي المحال عليه؛ لأنّه عوض من جهته، كما إذا باع شيئاً في يد غيره، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول: أجاب مَنْ قال: «إنّه بيع»: بأنّه لمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة، و قد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة علي أنّه لا يستحقّ بها إلاّ مثل ما كان يستحقّه، بخلاف البيع؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

و فائدة الاختلاف: ثبوت خيار المجلس إن قلنا: إنّها بيع.

و الحقّ ما تقدّم، و الاعتذار باطل؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.».

ص: 457


1- انظر: الحاوي الكبير 419:6، و العزيز شرح الوجيز 126:5، و راجع: الأُم 73:3.
2- انظر: الحاوي الكبير 419:6، و العزيز شرح الوجيز 126:5.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2445/79:7.
4- التشمير: التقليص و الإرسال. لسان العرب 428:4 «شمر».
مسألة 617: الأقرب: أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول و التأجيل،
اشارة

فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل علي الحالّ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه، فإذا أحال به علي الحالّ فقد عجّل.

و كذا يجوز أن يحيل بالحالّ علي المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً، جاز، و إلاّ لم يجز، و وجب علي المحتال الصبر، كما لو احتال مؤجّلاً.

و للشافعيّة قولان:

أصحّهما عندهم: أنّه يشترط التساوي في الحلول و التأجيل؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

و الثاني: أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل علي الحالّ؛ لأنّه تعجيل، و لا يجوز العكس؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ، و تأجيل الحالّ لا يلزم(1).

و نحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً، بل إذا تبرّع به، لم يلزم، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم، فإنّه يلزم، و الحوالة عقد لازم، و المحيل إنّما أحال بالمؤجَّل، و المحال عليه إنّما قَبِل علي ذلك، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع:
أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين، فإن تساويا في الأجل، صحّت الحوالة قطعاً.

و إن اختلفا، صحّت عندنا أيضاً.

و للشافعيّة وجهان بناءً علي الوجهين في الحالّ و المؤجَّل، فإن منعناه هناك، منعناه هنا. و إن جوّزناه هناك، جاز هنا علي حدّ ما جاز هناك علي معني أنّه يجوز أن يحال بالأبعد علي الأقرب؛ لأنّه تعجيل، و لا يجوز

ص: 458


1- العزيز شرح الوجيز 131:5، روضة الطالبين 466:3.

العكس؛ لأنّه تأجيل الحالّ(1).

ب - لو كان أحدهما صحيحاً و الآخَر مكسَّراً،

قالت الشافعيّة:

لم تجز الحوالة بينهما علي الوجه الأوّل، و علي الثاني يحال بالمكسَّر علي الصحيح، و يكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة، و لا يحال بالصحيح علي المكسَّر، إلاَّ إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة، و يرضي بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج علي هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ علي الأجود في كلّ جنسٍ، و بالعكس

(2) .

و الأقرب عندي: جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّي المحال عليه الأجود إلي المحتال، وجب القبول.

و كذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه، خلافاً للشافعيّة، فإنّهم أوجبوه(3) ، حيث يجبر المستحقّ علي القبول(4).

و هذا يتفرّع علي الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع، يُجبر المستحقّ علي قبوله، و لا يكون ذلك معاوضةً؟(5).

ه - لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ، صحّ عندنا

- خلافاً لأحمد(4) - لعموم قوله عليه السلام:

ص: 459


1- العزيز شرح الوجيز 131:5، روضة الطالبين 466:3.
2- العزيز شرح الوجيز 131:5-132.
3- في النسخ الخطّيّة: «جوّزوه» بدل «أوجبوه». (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 132:5.
4- المغني 56:5، الشرح الكبير 59:5.

«المؤمنون عند شروطهم»(1).

و لأنّ مبني الحوالة علي الإرفاق، و هذا مناسب لمقتضي العقد، فيكون لازماً.

و كذا يصحّ لو كان الدَّيْنُ المحال به مؤجَّلاً، فشرط المحتال في الحوالة الحلول، و رضي الثلاثة به، صحّ و لزم؛ عملاً بالشرط.

و - لو اجتمعت شرائط الحوالة و جري بينهما عقدها ثمّ رضي المحتال بأخذ الأقلّ أو الأردأ أو الصبر إلي أجلٍ، صحّ إجماعاً،

و لم يكن للمحيل الرجوعُ علي المحال عليه بتمام دَيْنه.

و كذا لو رضي المحال عليه بدفع الأجود و الأكثر و المعجَّل، صحّ، و لا نعلم فيه خلافاً.

ز - لو احتال بالحقّ الذي له علي مَنْ عليه مثله فتعاوضا عن الحقّ بمخالفه، جاز؛

لأنّه يجوز اقتضاء أحد الجنسين من الآخَر مع التراضي.

و قد روي داوُد بن سرحان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

سألته عن الرجل كانت له علي رجل دنانير فأحال عليه رجلاً بدنانير أ يأخذ بها دراهم ؟ قال: «نعم»(2).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 618: إذا جرت الحوالة بشرائطها، برئ المحيل من دَيْن المحتال،
اشارة

و تحوّل حقّ المحتال إلي ذمّة المحال عليه، و برئ المحال عليه

ص: 460


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- التهذيب 499/212:6.

من دَيْن المحيل، حتي لو أفلس المحال عليه و مات أو لم يمت أو جحد و حلف، لم يكن للمحتال الرجوعُ علي المحيل، كما لو أخذ عوضاً عن الدَّيْن و تلف في يده، و قد سبق(1).

و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله تعرّض للملاءة، فقال: «إذا أُحيل أحدكم علي مليء فليحتل»(2) و لو تمكّن المحتال من الرجوع، لما كان للتعرّض للملاءة كثير فائدةٍ.

و لأنّ الحوالة إمّا أن يتحوّل بها الحقّ، فقد برئت ذمّته، فوجب أن لا يعود إليه، كما لو أبرأه. و إن لم يتحوّل، فلتدم المطالبة كما في الضمان.

و لو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود، ففي صحّة الحوالة إشكال.

و للشافعيّة وجهان، فإن صحّت، ففي صحّة الشرط وجهان لهم إذا طرأ الإفلاس(3).

أمّا لو اقترن الإفلاس بعقد الحوالة و جَهِلَه المحيل، فللمحتال هنا الرجوع - عندنا - علي المحيل علي ما تقدّم.

و عند الشافعيّة يُنظر إن لم يَجْر شرط الملاءة، فالمشهور أنّه لا رجوع للمحتال، و لا خيار له، و ما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحّص(4).

و لهم وجهٌ نَقَله الجويني: أنّه يثبت له الخيار تداركاً لما لحقه من الخسران، كما لو اشتري شيئاً فبانَ معيباً(5):5

ص: 461


1- في ص 435.
2- سنن البيهقي 70:6.
3- العزيز شرح الوجيز 133:5، روضة الطالبين 466:3.
4- العزيز شرح الوجيز 133:5، روضة الطالبين 466:3.
5- العزيز شرح الوجيز 133:5

و إن شرط ملاءة المحال عليه، فبانَ معسراً، فإن قلنا بثبوت الخيار عند الإطلاق، فهنا أولي. و إن منعناه ثَمَّ، ففي الحكم هنا قولٌ للمزني: إنّه لا يرجع(1).

و قال ابن سريج: يرجع، نقلاً عن الشافعي، كما لو اشتري عبداً بشرط أنّه كاتب فبانَ خلافه، يثبت له الخيار(2).

و اختار أكثرهم نَقْلَ المزني؛ لأنّه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار، لثبت عند الإطلاق؛ لأنّ الإعسار نقصٌ في الذمّة، كالعيب في المبيع يثبت الخيار، سواء شرطت السلامة أو لا، بخلاف شرط الكتابة؛ فإنّ فواتها ليس نقصاً، و إنّما هو عدم فضيلةٍ(3).

فإذا جمع بين [صورتي](1) الإطلاق و الاشتراط، حصل للشافعيّة في ثبوت الخيار ثلاثة أوجُه ثالثها: الفرق بين الصورتين(2).

تذنيب: لو صالح مع أجنبيّ عن دَيْنٍ علي عينٍ ثمّ جحد الأجنبيّ و حلف، هل يعود إلي مَنْ كان عليه الدَّيْن ؟

قال بعض الشافعيّة: نعم، و يفسخ الصلح(6).

و قال بعضهم: لا يعود(7).

مسألة 619: لو خرج المحال عليه عبداً، فإن كان لأجنبيٍّ و للمحيل دَيْنٌ في ذمّته، صحّت الحوالة،

كما لو أحال علي معسر، و يتخيّر المحتال عندنا؛ لأنّ إعسار العبوديّة أعظم إعسارٍ، فإن رضي بالحوالة عليه، تبعه

ص: 462


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صورة». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 133:5. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 133:5، روضة الطالبين 467:3.

المحتال بعد العتق.

و لو كان الدَّيْن الذي علي العبد للمحيل ممّا يجب قضاؤه من كسبه أو من رقبته و صحّت الحوالة برضا المحتال، كان له مطالبته علي حدّ ما كان للمحيل.

و هل يلحق بالمعسر في تخيّر المحتال لو كان الدَّيْن ممّا يتعلّق بالرقبة كأرش الجناية ؟ الأقرب ذلك أيضاً.

و لو كان عبداً للمحيل، فالحوالة عليه حوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه، فإن صحّحناها و قلنا: إنّها ضمان، فهذا ضمان العبد عن سيّده بإذنه، و قد سبق(1).

و إنّما قلنا: إنّها حوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه؛ لاستحالة ثبوت دَيْن السيّد في ذمّة عبده.

و أمّا الشافعيّة فقالوا: إن كان في ذمّته دَيْنٌ - بأن ثبت قبل أن مَلَكه - و فرّعنا علي أنّه لا يسقط إذا مَلَكه، فهو كما لو كان لأجنبيّ(2).

مسألة 620: لو اشتري عبداً و أحال المشتري البائعَ بالثمن علي رجلٍ ثمّ اطّلع علي عيبٍ قديم في العبد فردّه، قال الشيخ: تبطل الحوالة؛

لأنّها فرع البيع، فإذا بطل الأصل بطل الفرع(3)(4).

و قال المزني: إنّها لا تبطل(5)

ص: 463


1- في ص 303، ضمن المسألة 491.
2- العزيز شرح الوجيز 134:5، روضة الطالبين 467:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «فرعه» بدل «الفرع».
4- الخلاف 308:3، المسألة 7، المبسوط 313:2.
5- الحاوي الكبير 424:6، الوسيط 225:3، العزيز شرح الوجيز 134:5.

و له قولٌ آخَر: إنّها تبطل(1).

و لأصحاب الشافعي في ذلك ثلاثة طُرق، أظهرها عندهم: أنّ في بطلان الحوالة قولين، أظهرهما: البطلان.

و هُما مبنيّان علي أنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؟

إن قلنا: إنّها استيفاء، بطلت و انقطعت؛ لأنّ الحوالة علي هذا التقدير نوع إرفاقٍ و مسامحة، فإذا بطل الأصل، بطلت هيئة الإرفاق، التابعة له، كما لو اشتري شيئاً بدراهم مكسَّرة و تطوّع بأداء الصحاح ثمّ ردّه بالعيب، فإنّه يستردّ الصحاح، و لا يقال: يطالب بمثل المكسَّرة ليبقي التبرّع بصفة الصحّة.

و إن قلنا: إنّها اعتياض، لم تبطل، كما لو استبدل عن الثمن ثوباً ثمّ ردّ المبيع بالعيب، فإنّه لا يبطل الاستبدال، بل يرجع بمثل الثمن. علي أنّ بعض الشافعيّة مَنَع هذه المسألة، و جَعَلها كمسألة الحوالة.

و الطريق الثاني: القطع بالبطلان.

و الثالث: القطع بعدم البطلان.

و قد تأوّل أصحاب الطريقين الأخيرين، و جمعوا بين قولَي المزني بوجوه:

أحدها: حَمْلُ قوله بالبطلان علي ما إذا كان العيب لا يمكن حدوثه في يد المشتري، أو كان بحيث يمكن حدوثه، إلاّ أنّ البائع أقرّ بقِدَمه، و حَمْلُ قوله بالصحّة علي ما إذا ثبت قِدَمه بالبيّنة و ردَّه.5.

ص: 464


1- مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 424:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، الوسيط 225:3، حلية العلماء 37:5، التهذيب - للبغوي - 166:4، العزيز شرح الوجيز 134:5.

و الفرق: أنّ في الحالة الأُولي اعترف البائع بسقوط الثمن عند الفسخ، و أمّا في الحالة الثانية فإنّه يزعم بقاء حقّه و استمرار الحوالة، فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوي المشتري.

و الثاني: حَمْلُ الأوّل علي ما إذا ذكر المحيل أنّه يحيله من جهة الثمن، و حَمْلُ الثاني علي ما إذا لم يذكر ذلك، فإنّه إذا لم يذكر، لا ينبغي العود إليه؛ لبراءة ذمّته عن حقّه ظاهراً.

و الثالث: أنّ البطلان مفرَّع علي أنّ الحوالة تفتقر إلي رضا المحال عليه، فإنّ الحوالة حينئذٍ تتمّ برضا الثلاثة، فلا تنقطع بموافقة اثنين.

و الرابع: حَمْلُ البطلان علي ما إذا كانت الحوالة علي مَنْ لا دَيْن عليه و رضي المحال عليه، فإنّه إذا أسقط الثمن انقطع تطوّعه، و سقطت المطالبة عنه(1).

و عندي في قول الشيخ رحمه الله بالبطلان نظر.

مسألة

مسألة(2) 621: لم يفرّق الشيخ رحمه الله بين ما إذا كان الردّ بالعيب بعد قبض المبيع أو قبله

(3)العزيز شرح الوجيز 135:5.(4) .

و قال بعض الشافعيّة: إنّ محلّ الخلاف ما إذا كان الردّ بعد قبض المبيع، فإن كان قبله، انقطعت الحوالة بلا خلافٍ؛ لكون المبيع معرضَ الانفساخ، و عدم تأكّده، و لهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردّاً للعقد من أصله علي رأي. ثمّ زيَّف ذلك، و قضي بطرد القولين في الحالتين(4)

ص: 465


1- العزيز شرح الوجيز 134:5-135.
2- في «ث»: «تذنيب» بدل «مسألة».
3- لاحظ: الهامش
4- من ص 463.

و قضيّة الطريقين معاً تجويز الإحالة بالثمن قبل قبض المبيع، لكنّه قبل قبض المبيع غير مستقرّ.

و المشهور في كتب الشافعيّة(1) أنّ من شرط الحوالة استقرار ما يحال عليه(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع(3).

مسألة 622: فرّق بعض الشافعيّة بين أن يتّفق الردّ بعد قبض المحتال مالَ الحوالة، أو قبله.

و فيه للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ الحوالة لا تنقطع إذا اتّفق الردّ بعد القبض جزماً، و الخلاف مخصوص بما إذا كان [ذلك](4) قبل القبض. و الفرق تأكّد الأمر بالقبض، و براءة ذمّة المحال عليه.

و الثاني: طرد القولين في الحالتين، و هو قول أكثرهم(5).

قال المزني: إذا ردّه قبل قبض المحتال مالَ الحوالة، بطلت الحوالة، و تعدّي حقّ المشتري إلي ذمّة المحال عليه، و [به](6) قال أبو إسحاق(7)

ص: 466


1- كما في العزيز شرح الوجيز 135:5-136.
2- في المصدر: «ما يحال به و يحال عليه».
3- العزيز شرح الوجيز 136:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 136:5.
6- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصادر إيّاه.
7- مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 424:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، حلية العلماء 37:5، التهذيب - للبغوي - 166:4، العزيز شرح الوجيز 134:5 و 135.

[و قال أبو علي:](1) لا تبطل(2).

و إن كان الردّ في مدّة الخيار، فالحوالة باطلة؛ لأنّها كانت بالثمن، فصار له الثمن في ذمّة المحال عليه، و انتقل إليها من ذمّة المحيل، فإذا انفسخ البيع، سقط الثمن، فوجب أن يسقط عن ذمّة المحال عليه.

و احتجّ القائل بعدم البطلان: بأنّ المشتري دفع إلي البائع بدل ما لَه في ذمّته، و عاوضه عنه بما في ذمّة المحال عليه، فإذا انفسخ العقد الأوّل، لم ينفسخ، كما لو أعطاه بالثمن ثوباً و سلّمه إليه ثمّ فسخ، لم يرجع عليه بالثوب، كذا هنا.

و قد عرفت ما اخترناه هنا.

مسألة 623: لو أحال البائع رجلاً علي المشتري بالثمن ثمّ ظهر عيب فردَّه المشتري بالعيب، فالأقرب: عدم بطلان الحوالة،

بل هو أولي بعدم البطلان من المسألة السابقة التي احتال البائع فيها؛ لأنّ الحوالة هنا تعلّقت بالأجنبيّ غير المتعاقدين.

و اختلفت الشافعيّة هنا.

فمنهم مَنْ طرّد القولين.

و الجمهور منهم قطعوا هنا بأنّه لا تنقطع الحوالة، سواء قبض المحتال مالَ الحوالة من المشتري أو لم يقبضه؛ لأنّ الحوالة هنا تعلّق بها حقّ غير المتعاقدين، و هو الأجنبيّ المحتال، فيؤخذ ارتفاعها بفسخٍ يخصّ المتعاقدين، و صار كما لو اشتري عبداً بجارية و قبضه و باعه ثمّ وجد بائع

ص: 467


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء ما في المصادر إيّاه.
2- الحاوي الكبير 424:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، حلية العلماء 37:5.

العبد بالجارية عيباً فردّها، لا يفسخ البيع الثاني؛ لتعلّق حقّ الثالث به، بخلاف المسألة الأُولي، فإنّ المحال عليه لا حقّ له في الحوالة(1).

و لو ظهر بطلان البيع من أصله، بطلت الحوالة في المسألتين، فيتخيّر المشتري في الرجوع علي مَنْ شاء من المحتال و البائع.

مسألة 624: لو أحال المشتري البائعَ بالثمن ثمّ فسخ بالعيب،
اشارة

فإن قلنا: لا تبطل الحوالة، برئ المحال عليه، و لم يكن للمشتري مطالبة المحال عليه بشيء بحال؛ لأنّه قبض منه بإذنه، بل يرجع علي البائع فيطالبه إن كان قد قبض مال الحوالة، و لا يتعيّن حقّ المشتري فيما أخذه البائع من المحال عليه، بل للبائع أن يدفع إليه عوضه؛ لبقاء الحوالة صحيحةً. و إن لم يكن البائع قد قبض، فله أن يقبضه.

و هل للمشتري الرجوع عليه قبل قبضه ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: نعم؛ لأنّ الحوالة كالمقبوضة، أ لا تري أنّ المشتري إذا أحال البائع بالثمن، سقط حقّ الحبس(2) ، و الزوج إذا أحال المرأة [بالصداق](3) سقط حقّ حبسها(4).

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يرجع؛ لأنّه لم توجد حقيقة القبض(5).

و إن كان للحوالة حكم القبض، و الغرامة إنّما تكون بحسب القبض،

ص: 468


1- المهذّب - للشيرازي - 346:1، الوسيط 226:3، التهذيب - للبغوي - 166:4، العزيز شرح الوجيز 136:5، روضة الطالبين 467:3-468.
2- أي: حبس المبيع.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «التهذيب» - للبغوي - و «العزيز شرح الوجيز».
4- أي: حبس نفسها عن الزوج.
5- التهذيب - للبغوي - 167:4، العزيز شرح الوجيز 136:5، روضة الطالبين 468:3.

فإن قلنا: لا يرجع المشتري عليه قبل أن يقبض، فله مطالبته بتحصيل مال الحوالة ليرجع عليه؛ لأنّ البائع إنّما ملك مطالبة المحال عليه من جهته، فكيف يمنعه من المطالبة مطلقاً!؟

و فيه للشافعيّة وجهٌ بعيد: أنّه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضاً(1).

و إن قلنا: تبطل الحوالة، فإن كان قد قبض المالَ من المحال عليه، فليس له ردّه عليه؛ لأنّه قبضه(2) بإذن المشتري، و لو ردّ لم تسقط مطالبة المشتري عنه، بل حقّه الردّ علي المشتري و يبقي حقّه فيما قبضه، و إن كان تالفاً، فعليه بدله.

و إن لم يكن قبضه، فليس له قبضه؛ لأنّه عاد إلي ملك المشتري كما كان، و لو خالف و قبض، لم يقع عنه.

و هل يقع عن المشتري ؟ وجهان:

أحدهما: يقع؛ لأنّه كان مأذوناً في القبض بحقّه(3) ، فإذا بطلت تلك الجهة، بقي أصل الإذن.

و أصحّهما: المنع؛ لأنّ الحوالة قد بطلت، و الوكالة عقدٌ آخَر يخالفها، فإذا بطل عقدٌ، لم ينعكس عقداً آخَر(4).

و قد قرّب بعضُهم هذا الخلافَ من الخلاف في أنّ مَنْ يُحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نَفْلاً؟(5)5.

ص: 469


1- العزيز شرح الوجيز 136:5، روضة الطالبين 468:3.
2- في «ث، ج، خ»: «قبض».
3- في «العزيز شرح الوجيز»: «بجهة» بدل «بحقّه».
4- العزيز شرح الوجيز 137:5، روضة الطالبين 468:3.
5- العزيز شرح الوجيز 137:5.

و أمّا في صورة المسألة الثانية - و هي التي أحال البائع فيها ثالثاً علي المشتري بالثمن - إن قلنا بصحّة الحوالة مع فسخ البيع بالعيب - علي ما هو الأصحّ عندنا - فإن كان المحتال قد قبض الحقّ من المشتري، رجع المشتري علي البائع.

و إن لم يكن قد قبضه، فهل يرجع المشتري عليه، أم لا يرجع إلاّ بعد القبض ؟ فيه الوجهان السابقان(1).

فروع:
أ - لا فرق في هاتين المسألتين بين أن يكون الردّ بالعيب أو التحالف

أو الإقالة أو الخيار أو غير ذلك.

ب - إذا قلنا بعدم بطلان إحالة المشتري البائعَ بالثمن، فللمشتري مطالبة البائع بأمرين:

إمّا التحصيل ليغرم، و إمّا الغُرْم في الحال، فإذا قلنا: له الرجوع قبل أن يقبض البائع مالَ الحوالة، فله أن يقول: اغرم لي، و له أن يقول تسهيلاً: خُذْه ثمّ اغرم لي. و إن قلنا: لا رجوع له قبل أن يقبض مالَ الحوالة، فله أن يقول: خُذْه لتغرم لي، و إن رضيت بذمّته فشأنك، فاغرم لي.

ج - الحوالة إذا انفسخت، فالإذن الذي كان ضمناً لا يقوم بنفسه، فيبطل أيضاً.

لكن يشكل بالشركة و الوكالة إذا فسدتا، فإنّ الإذن الضمني يبقي، و يصحّ التصرّف.

و يمكن الفرق بأنّ الحوالة تنقل الحقّ إلي المحتال، فإذا صار الحقّ

ص: 470


1- العزيز شرح الوجيز 137:5، روضة الطالبين 468:3.

له، ملك قبضه لنفسه بالاستحقاق، لا للمحيل بالإذن، بخلاف الوكالة و الشركة، فإنّه إذا بطل خصوص الإذن، جاز أن يبقي عمومه.

مسألة 625: لو أحالت المرأة علي زوجها بالصداق قبل الدخول، صحّ؛ لثبوته في ذمّته بالعقد و إن كان متزلزلاً.

و مَنْ شرط اللزومَ أبطله.

و لو أحال الزوج زوجته بالصداق علي غريمٍ، صحّ؛ لأنّ له تسليمه إليها، و حوالته به تقوم مقام تسليمه، فإذا أحالها علي الغريم ثمّ طلّق قبل الدخول، لم تبطل الحوالة، و للزوج أخذها بنصف المهر.

و هذه المسألة مترتّبة علي ما إذا أحال المشتري البائعَ علي غريمه، إن قلنا: لا تبطل الحوالة هناك، فهنا أولي. و إن قلنا: تبطل، ففي البطلان هنا في نصف الصداق وجهان للشافعيّة(1).

و الفرق: أنّ الطلاق سبب حادث لا استناد له إلي ما تقدّم، بخلاف الفسخ، و الصداق أثبت من غيره، و لهذا لو زاد الصداق زيادةً متّصلة، لم يرجع في نصفه إلاّ برضاها، بخلاف ما إذا كان(2) في المبيع.

و لو أحالها ثمّ ارتدّت قبل الدخول، أو فسخ أحدهما النكاح بعيب الآخَر، ففي بطلان الحوالة هذان الوجهان(3).

و الأظهر: أنّها لا تبطل، و يرجع الزوج عليها بنصف الصداق في صورة الطلاق، و بجميعه في الردّة و الفسخ بالعيب.

ص: 471


1- العزيز شرح الوجيز 138:5، روضة الطالبين 468:3.
2- الظاهر: «كانت».
3- المهذّب - للشيرازي - 345:1، التهذيب - للبغوي - 167:4، العزيز شرح الوجيز 138:5، روضة الطالبين 468:3.

و إذا قلنا بالبطلان، فليس لها مطالبة المحال عليه، بل تطالب الزوجَ بالنصف في الطلاق.

مسألة

مسألة(1) 626: قد بيّنّا الخلافَ فيما إذا أحال المشتري البائعَ بالثمن ثمّ فسخ بعيبٍ و شبهه،

فإنّ المزني أبطل الحوالة؛ لأنّها كانت بالثمن، فصار له الثمن في ذمّة المحال عليه، و انتقل إليها من ذمّة المحيل، فإذا انفسخ البيع، سقط الثمن، فيسقط عن ذمّة المحال عليه(2).

و قال غيره: لا تبطل(3) ؛ لأنّ المشتري دفع مالاً بدل ما لَه في ذمّته، و عاوضه بما في ذمّة المحال عليه، فإذا انفسخ الأوّل، لم تنفسخ المعاوضة، كما لو أعطاه بالثمن ثوباً ثمّ فسخ بالعيب، لم يرجع عليه بالثوب، كذا هنا.

و أُجيب: بأنّ الثوب مَلَكه بعقدٍ آخَر، بخلاف الحوالة، فإنّ نفس الحقّ تحوّل إلي ذمّة المحال عليه، و لهذا لا يجوز أن يختلف ما في ذمّة المحيل و المحال عليه.

و قال بعضهم: لا نسلّم مسألة الثوب أيضاً، بل إذا فسخ العقد، وجب ردّ الثوب الذي أخذه بدلاً من الثمن(4).

لا يقال: قد قال الشافعي: إذا باع عبداً بثوبٍ ثمّ سلّم العبد و تصرّف المشتري، ثمّ وجد بالثوب عيباً، فإنّه يردّه، و لا يبطل التصرّف في العبد(5).

لأنّا نقول: إنّ العبد تعلّق به حقٌّ لغير المتعاقدين، فلم يكن لهما إبطاله، و هنا لم يخرج الحقّ عنهما، فلهذا إذا فسخا البيع، بطلت الحوالة.

ص: 472


1- في «ث»: «تذنيب» بدل «مسألة».
2- راجع الهامش (1) من ص 464.
3- راجع الهامش (1) من ص 465. (4 و 5) لم نعثر عليه في مظانّه.

لا يقال: المحال عليه قد كانت برئت ذمّته من المحيل.

لأنّا نقول: الحقّ في ذمّته لا يتغيّر للمحيل أو للمحتال، فلهذا لا تفتقر الحوالة إلي رضاه عند بعضهم(1).

إذا ثبت هذا، فإن كان المحتال قد قبض الحوالة، فعلي الاختلاف، إن قلنا: ينفسخ، ردّ علي المشتري ما أخذه. و إن قلنا: لا ينفسخ، رجع عليه بالثمن.

و كذا يجري الوجهان(2) لو أحال الزوجة بالصداق ثمّ ارتدّت قبل الدخول، فهل تبطل الحوالة ؟ علي ما تقدّم(3) من الخلاف.

مسألة 627: لو كان المبيع عبداً و أحال البائعُ غريمَه بالثمن علي المشتري

ثمّ تصادق المتبايعان علي أنّه حُرّ الأصل إمّا ابتداءً أو ادّعي العبد الحُرّيّةَ فصدّقاه، فإن وافقهما المحتال، بطلت الحوالة؛ لاتّفاقهم علي بطلان البيع، و إذا بطل البيع من أصله، لم يكن علي المشتري ثمنٌ، و إذا بطلت الحوالة، ردّ المحتال علي المشتري، و بقي حقّه علي البائع كما كان.

و إن كذّبهما المحتال، فإمّا أن تقوم بيّنة علي الحُرّيّة أولا.

فإن قامت، بطلت الحوالة، كما لو تصادقوا.

و هذه البيّنة يتصوّر أن يُقيمها العبد؛ لأنّ العتق حقّه، و أن يبتدئ الشهود علي سبيل الحسبة، و لا يمكن أن يُقيمها المتبايعان؛ لأنّهما كذّباها بالدخول في البيع.

ص: 473


1- راجع المصادر في الهامش (1) من ص 443.
2- المهذّب - للشيرازي - 345:1، حلية العلماء 37:5، التهذيب - للبغوي - 167:4، العزيز شرح الوجيز 138:5، روضة الطالبين 468:3.
3- في ص 471، ذيل المسألة 625.

و يحتمل أن يقيماها إذا أظهرا عذراً بأن يكون البائع قد وكّل في العتق و صادف البيع العبد معتوقاً، فإنّ للبائع هنا إقامةَ البيّنة حيث لم يكن في إقامته تكذيبٌ لها.

و كذا لو ادّعي المشتري عتق البائع و جهله.

و إن لم تكن بيّنة، لم يلتفت إلي تصادقهما في حقّ المحتال، كما لو باع المشتري العبد ثمّ اعترف هو و بائعه أنّه كان حُرّاً، لم يقبل قوله علي المشتري، لكن لهما تحليف المحتال علي نفي علم العتق، فإن حلف، بقيت الحوالة في حقّه، و لم يكن تصادقهما حجّةً عليه، و إذا بقيت الحوالة، فله أخذ المال من المشتري.

و هل يرجع المشتري علي البائع المحيل ؟ الوجه: ذلك؛ لأنّه قضي دَيْنه بإذنه، و علي هذا فيرجع إذا دفع المال إلي المحتال.

و هل يرجع قبله ؟ الأقرب: لا.

و لو نكل المحتال، حلف المشتري.

ثمّ إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار، بطلت الحوالة. و إن جعلناها كالبيّنة، فالحكم كما لو لم يحلف؛ لأنّه ليس للمشتري إقامة البيّنة.

و لو نكل المشتري، فهل للعبد الحلف ؟ الأقرب: ذلك إن ادّعاه و لا بيّنة و نكل المحتال عن اليمين التي وجبت عليه للعبد.

و كذا للبائع الحلف أيضاً.

هذا إذا اتّفقوا علي أنّ الحوالة بالثمن، و لو لم يقع التعرّض لكون الحوالة بالثمن و زعم البائع أنّ الحوالة علي المشتري بدَيْنٍ آخَر له علي المشتري، فإن أنكر المشتري أصل الدَّيْن، فالقول قوله مع يمينه؛ لأصالة

ص: 474

براءة ذمّته.

و إن سلّمه و أنكر الحوالة به، فإن لم نعتبر رضا المحال عليه، فلا عبرة بإنكاره. و إن اعتبرناه، فالقول قول مَنْ يدّعي صحّة الحوالة، أو قول مَنْ يدّعي فسادها؟ فيه للشافعيّة قولان(1) ، أكثرهم علي تقديم مدّعي صحّة الحوالة؛ لأنّ الأصل صحّتها، و هُما يدّعيان ما يفسدها، فكانت حيثيّته أقوي، فإن أقاما البيّنة بأنّ الحوالة كانت بالثمن، سُمعت البيّنة في ذلك؛ لأنّهما لم يكذّباها.

و لو اتّفق المحيل و المحتال علي حُرّيّة العبد و كذّبهما المحال عليه، لم يُقبل قولهما عليه في حُرّيّة العبد؛ لأنّه إقرار علي غيرهما، و تبطل الحوالة؛ لاتّفاق المرجوع عليه بالدَّيْن و الراجع به علي عدم استحقاق الرجوع، و المحال عليه يعترف للمحتال بدَيْنٍ لا يصدّقه فيه، فلا يأخذ منه شيئاً، و إن كان قد أخذ، لم يكن للمأخوذ منه الرجوعُ.

و لو اعترف المحتال و المحال عليه بحُرّيّة العبد، عُتق؛ لإقرار مَنْ هو في يده بحُرّيّته، و بطلت الحوالة بالنسبة إليهما، و كان للمحيل الرجوعُ علي المحال عليه بمال الحوالة، و لم يكن للمحتال الرجوعُ علي المحيل بشيء؛ لأنّ دخوله في قبول الحوالة بالثمن اعتراف ببراءته، فلم يكن له الرجوعُ عليه.

و لو اتّفق المحيل و المحتال علي الحُرّيّة و كذّبهما المحال عليه، لم تبطل العبوديّة، و سقط الثمن عنه؛ لاعتراف البائع و المحتال ببراءة ذمّته، لكنّه يعترف للمحتال بالثمن، فليس للمحتال قبضه.3.

ص: 475


1- العزيز شرح الوجيز 139:5، روضة الطالبين 470:3.

و إن كان قد قبضه، لم يكن للمحال عليه استعادته، لكن إن كان قد قبضه، برئ المحيل علي إشكالٍ أقربه: العدم؛ لاعترافه بأنّ المحتال قد ظلم المحال عليه بأخذ المال منه، فيجب عليه الدفع إلي المحتال.

مسألة 628: إذا كان لرجلٍ علي آخَر دَيْنٌ فأذن المديون له في قبض دَيْنٍ له علي ثالثٍ ثمّ اختلفا،

فقال المديون للقابض: وكّلتك في قبض حقّي من الثالث لي، و قال القابض: بل أحلتني علي الثالث، فإن اختلفا في أصل اللفظ فزعم المديون أنّه وكّله بلفظ الوكالة، و زعم القابض أنّ الجاري لفظ الحوالة و هي مقصودة، فالقول قول المديون مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأنّ الأصل استمرار حقّ القابض علي المديون، و استمرار حقّ المديون علي الثالث، فالموكّل يدّعي بقاء الأصل، و الآخَر يدّعي خلافه، فكان المقدَّم مدّعي الوكالة.

و لو كان مع أحدهما بيّنة، حُكم بها؛ لأنّ اختلافهما في اللفظ، و يمكن إقامة البيّنة عليه.

و لو اتّفقا علي جريان لفظ الحوالة ثمّ ادّعي المديون أنّه قصد التسليط بالوكالة، و عبّر عن الوكالة بلفظ الحوالة، و ادّعي القابض أنّه قصد حقيقة اللفظ، و هو معني الحوالة، احتُمل تقديم قول المديون؛ لأنّه أعرف بلفظه، و أخبَر من غيره بقصده.

و لأنّ الأصل بقاء حقّ المحيل علي المحال عليه، و بقاء حقّ المحتال عليه، و المحتال يدّعي نقلهما و المحيل ينكرهما، و القول قول المنكر مع اليمين، و كما يُستعمل اللفظ في معناه الحقيقي، يُستعمل في معناه المجازي، و التعويل في إرادة أحدهما إلي المتكلّم.

و هذا قول بعض الشافعيّة و أبي حنيفة و أصحابه؛ لأنّ اللفظ محتمل

ص: 476

لما يدّعيه المديون، و هو أعرف بنيّته و إرادته، فأشبه ما إذا قال له المديون:

اقبض، ثمّ اختلفا في المراد منه(1).

و يحتمل تقديم قول المحتال؛ عملاً بالظاهر من حمل الألفاظ علي حقائقها، و مَنْ يدّعي حملها علي مجازاتها فقد ادّعي خلاف الظاهر لا يُقبل منه، كما لو ادّعي ثوباً في يد زيد، فإنّا نقضي لزيد به؛ عملاً بظاهر اليد، كذا هنا، فيُقدَّم قول مدّعي الحوالة؛ عملاً بظاهر اللفظ بشهادة لفظ الحوالة له.

هذا إذا قال له المديون: أحلتك بمائة علي الثالث، أمّا لو قال:

أحلتك بالمائة التي لك علَيَّ علي المائة التي لي علي الثالث، فهذا لا يحتمل إلاّ حقيقة الحوالة، فالقول قول مدّعيها قطعاً.

مسألة 629: إذا قدّمنا قول القابض باعتبار حمل اللفظ علي حقيقته، يحلف، فإن حلف، ثبتت الحوالة، و برئت ذمّته. و إن نكل، حلف المديون، و بطلت الحوالة.
اشارة

و إن قدّمنا قول المديون فيما إذا اختلفا في اللفظ أو اتّفقا علي جريان لفظ الحوالة و اختلفا في المراد، يحلف، فإن حلف، نُظر فإن كان القابض قبض ما علي الثالث، برئت ذمّة الثالث؛ لأنّ القابض إمّا وكيل كما زعم المديون، أو محتال كما زعم القابض، و علي كلا التقديرين يبرأ الثالث بالدفع إليه.

و حكي الجويني وجهاً ضعيفاً: أنّه لا يبرأ في صورة ما إذا اتّفقا علي جريان لفظ الحوالة(2)

ص: 477


1- العزيز شرح الوجيز 140:5، روضة الطالبين 470:3.
2- العزيز شرح الوجيز 140:5.

ثمّ يُنظر فإن كان المقبوض باقياً، فعليه تسليمه.

و هل للقابض مطالبة المحيل ؟ الوجه: ذلك؛ لأنّه إن كان وكيلاً، فحقّه باقٍ علي المديون. و إن كان محتالاً، فقد استرجع المحيل ماله منه ظلماً، فلا وجه لتضييع حقّه، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: ليس للقابض مطالبة المحيل بحقّه؛ لاعترافه ببراءة المديون بدعوي الحوالة(2).

و ليس شيئاً.

هذا كلّه من حيث الظاهر، فأمّا فيما بينه و بين اللّه تعالي فإنّه إذا لم يصل إلي المحتال حقُّه من المحيل، فله إمساك المأخوذ؛ لأنّه ظفر بجنس حقّه من مال المديون، و المديون ظالمٌ له.

و إن كان المقبوض تالفاً، فإن لم يكن بتفريطٍ من القابض، احتُمل أن لا يضمن؛ لأنّه وكيل بقول المحيل، و الوكيل أمين، و ليس للقابض مطالبة المديون بحقّه؛ لأنّه قد استوفاه بزعمه و هلك عنده.

و يحتمل الضمان؛ لأنّه وكيل بحلف المحيل، و تثبت وكالته، و الوكيل إذا أخذ المال لنفسه، ضمن.

و إن كان المحتال لم يقبض من الثالث شيئاً، فليس له القبض بعد حلف المحيل؛ لأنّ الحوالة قد اندفعت بيمين المحيل، و صار المحتال معزولاً عن الوكالة بإنكاره.

و للمديون أن يطالب الثالث بما كان له عليه، و للمحتال مطالبة المديون بحقّه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.3.

ص: 478


1- العزيز شرح الوجيز 140:5-141، روضة الطالبين 470:3.
2- العزيز شرح الوجيز 140:5، روضة الطالبين 470:3.

و الثاني لهم: أنّه ليس له المطالبة(1).

و قطع بعضهم علي أنّه لا يطالب هنا وجهاً واحداً؛ لاعترافه بأنّ حقّه ثابت علي الثالث، و أنّ ما يقبضه المديون من الثالث ليس حقّاً، بخلاف ما إذا كان قد قبض، فإنّ حقّه قد تعيّن في المقبوض، فإذا أخذه المديون، يكون قد أخذ مال المحتال، فافترقا(2).

تذنيب: إذا ادّعي المحتال جريان لفظ الحوالة، و صدّقه المحيل علي ذلك و ادّعي قصد الوكالة

و أنّه لا حقّ عليه للمحتال، و ادّعي المحتال ثبوت الحقّ في ذمّته، فالوجه: أنّه لا يثبت الحقّ بمجرّد جري لفظ الحوالة.

مسألة 630: لو انعكس الفرض، فقال المديون لزيد: أحلتك علي عمرو، و قال القابض: بل وكّلتني بقبض ما عليه، و حقّي باقٍ عليك

- و تظهر الفائدة عند إفلاس عمرو - فإن اختلفا في أصل اللفظ، قُدّم قول مدّعي الوكالة مع يمينه؛ عملاً بأصالة بقاء الحقّين، و المديون يدّعي خلافهما و انتقالهما، فكان عليه البيّنة.

و لو اتّفقا علي جريان لفظ الحوالة، فالوجهان في المسألة الأُولي علي العكس هنا، فكلّ مَنْ قال في المسألة الأُولي: القول قول مدّعي الحوالة يقول هنا: القول قول مدّعي الوكالة، و بالعكس مع اليمين فيهما؛ لما مرّ في الوجهين السابقين.

فإذا قلنا: يُقدّم قول مدّعي الحوالة فحلف، برئ من دَيْن المحتال، و كان لزيد مطالبة عمرو إمّا بالوكالة أو بالحوالة، و ما يأخذه يكون له؛ لأنّ المديون يقول: إنّه حقّه، و علي زعم زيد إنّه للمديون و حقّ زيد علي

ص: 479


1- العزيز شرح الوجيز 141:5، روضة الطالبين 470:3.
2- العزيز شرح الوجيز 141:5، روضة الطالبين 470:3.

المديون، فأخذه بحقّه.

و إذا قلنا: القول قول زيد المحتال فحلف، نُظر إن لم يكن قبض المال من عمرو، فليس له القبض؛ لأنّ قول الموكّل: «ما وكّلتك» يتضمّن عزله - علي إشكالٍ يأتي - لو كان وكيلاً، و له مطالبة المديون بحقّه.

و هل للمديون الرجوع إلي(1) عمرو؟ فيه احتمال: من حيث إنّ المديون اعترف بتحوّل ما كان عليه إلي زيد، و من حيث إنّ زيداً إن كان وكيلَ المديون فإذا لم يقبض، بقي حقّ المديون. و إن كان محتالاً، فقد ظلم المديون بأخذ المال منه، و ما علي عمرو حقّه، فللمديون أن يأخذه عوضاً عمّا ظلم المديون به.

و إن كان قد قبض المال من عمرو، فقد برئت ذمّة عمرو.

ثمّ إن كان المقبوض باقياً، فوجهان:

أحدهما: أنّه يطالب المديون بحقّه، و يردّ المقبوض علي المديون.

و الثاني: أنّه يملكه الآن و إن لم يملكه عند القبض؛ لأنّه جنس حقّه، و صاحبه يزعم أنّه ملكه. و هو المعتمد.

و إن كان تالفاً، نُظر إن تلف بتفريطٍ منه، فللمديون عليه الضمان، و له علي المديون حقّه، و ربما يقع في التقاصّ. و إن لم يكن مقصّراً، فلا ضمان؛ لأنّا إذا صدّقناه في نفي الحوالة، كانت يده يدَ وكالةٍ، و الوكيل أمين.

و نقل الجويني وجهاً آخَر: أنّه يضمن؛ لأنّ الأصل فيما يتلف في يد الإنسان من ملك غيره الضمانُ، و لا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقي».

ص: 480


1- في النسخ الخطّيّة: «علي» بدل «إلي».

حقّه تصديقُه في إثبات الوكالة ليسقط عنه الضمان، كما إذا اختلف المتبايعان في قِدَم العيب و حدوثه، و صدّقنا البائعَ بيمينه في نفي الردّ، ثمّ اتّفق الفسخ بتحالفٍ و غيره، فإنّه لا يُمكَّن من المطالبة بأرش ذلك العيب ذهاباً إلي أنّه حادث بمقتضي يمينه السابقة(1).

مسألة 631: يجوز ترامي الحوالات و دَوْرها،

فلو أحال المديون زيداً علي عمرو ثمّ أحال عمرو زيداً علي بكر ثمّ أحال بكر زيداً علي خالد، جاز، و هكذا؛ لأنّ حقّ الثاني ثابت مستقرّ في الذمّة، فصحّ أن يحيل به كالأوّل، فيبرأ بالحوالة، كما برئ المحيل الأوّل بالحوالة.

و كذا كلّما أحال واحد علي واحدٍ، كان كالأوّل.

و هنا قد تعدّد المحال عليهم و المحتال واحد.

و لو أحال المديون زيداً علي عمرو فأحال عمرو زيداً علي المديون، صحّت الحوالتان معاً، و بقي الدَّيْن كما كان.

و لو أحال المديون زيداً علي عمرو ثمّ ثبت لعمرو مثل ذلك الدَّيْن فأحال زيداً علي المديون، جاز.

مسألة 632: لو كان لزيد علي اثنين مائة علي كلّ واحدٍ خمسون، و كلّ واحدٍ ضامن عن صاحبه،

فأحال أحدهما زيداً بالمائة علي شخصٍ، فعندنا هذا الضمان لا فائدة تحته، بل الدَّيْن كما كان عليهما قبل الضمان.

و مَنْ جوّزه قال: يبرءان معاً(2).

و لو أحال زيد علي أحدهما بالمائة، برئ الثاني؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

ص: 481


1- العزيز شرح الوجيز 142:5، روضة الطالبين 471:3.
2- العزيز شرح الوجيز 142:5، روضة الطالبين 472:3.

و إن أحال زيد عليهما علي أن يأخذ المحتال المائة من أيّهما شاء، فيه للشافعيّة وجهان: المنع؛ لأنّه لم يكن له إلاّ مطالبة واحدٍ، فلا يستفيد بالحوالة زيادة، كما لا يفيد زيادة(1) قدرٍ و صفةٍ. و الجواز؛ للأصل(2).

و لا اعتبار بهذا الارتفاق، كما لو أحاله علي مَنْ هو أملأ منه و أشدّ وفاءً.

مسألة 633: قد بيّنّا أنّه يشترط ملاءة المحال عليه، أو عِلْمُ المحتال بالإعسار في لزوم الحوالة،

فلو بانَ معسراً، كان له الرجوعُ علي الأصيل، سواء شرط الملاءة أو لا.

و مع هذا لو شرط، كان له الرجوعُ لو بانَ معسراً، خلافاً لأكثر الشافعيّة؛ لأنّ الحوالة عندهم لا تردّ بالإعسار إذا لم يشترط، فلا تردّ به و إن شرط(3).

و لو لم يرض المحتال بالحوالة ثمّ بانَ إعسار المحال عليه أو موته، رجع المحتال علي المحيل بلا خلافٍ، فإنّه لا يلزمه الاحتيال علي المعسر؛ لما فيه من الضرر، و إنّما أمر النبيّ صلي الله عليه و آله بقبول الحوالة إذا أُحيل علي ملي(4).

و لو أحاله علي ملي فلم يقبل حتي أعسر، فله الرجوع علي قول مَنْ

ص: 482


1- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في «العزيز شرح الوجيز»: «لا يستفيد بها زيادة».
2- العزيز شرح الوجيز 142:5، روضة الطالبين 472:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 345:1، حلية العلماء 36:5 و 37، التهذيب - للبغوي - 163:4، العزيز شرح الوجيز 133:5، روضة الطالبين 466:3، المغني 60:5، الشرح الكبير 62:5.
4- سنن البيهقي 70:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2445/79:7، مسند أحمد 225:3، ذيل ح 9655.

أوجب قبول الحوالة علي الملي.

مسألة 634: لو كان لزيدٍ علي عمرو ألف درهم و لخالد علي زيد مثلها

فجاء خالد إلي عمرو و قال: قد أحالني زيد بالألف التي له عليك، فإن كذّبه فأقام خالد البيّنةَ بدعواه [ثبتت](1) في حقّه و حقّ زيد، و لزمه الدفع إلي المحتال. و إن لم تكن له بيّنة فأنكر، فالقول قوله مع اليمين، فإذا حلف، سقطت دعواه، و لم يكن لخالد الرجوعُ علي زيد؛ لأنّه أقرّ أنّه بري من دَيْنه بالحوالة. ثمّ ننظر في زيد، فإن كذّب خالداً، كان له مطالبة عمرو بدَيْنه.

و إن صدّق خالداً، برئ عمرو من دَيْنه.

و قال بعض الشافعيّة: ليس من شرط الحوالة رضا المحال عليه عنده(2) ، فحينئذٍ تثبت الحوالة بتصديقه المحتال، و يكون له المطالبة.

و أمّا إن صدّق عمرو خالداً، وجب عليه دفع المال إليه؛ لاعترافه باستحقاقه عليه.

ثمّ ننظر في زيد، فإن صدّقه، فلا كلام. و إن كذّبه، كان القول قولَه مع يمينه، فإذا حلف، رجع علي عمرو بالألف، و لا يرجع خالد عليه بشيء؛ لأنّه قد استوفي حقّه بالحوالة بإقراره، و له أن يستوفي ذلك من عمرو؛ لتصادقهما علي ذلك.

إذا عرفت هذا، فإذا ادّعي أنّ فلاناً الغائب أحاله عليه، فأنكر و لا بيّنة، حلف المنكر.

ص: 483


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثبت» بدل «ثبتت». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 418:6، المهذّب - للشيرازي - 345:1، التنبيه: 105، حلية العلماء 35:5، الوجيز 181:1، العزيز شرح الوجيز 127:5، روضة الطالبين 462:3، منهاج الطالبين: 128.

و قال بعض العامّة: لا تلزمه اليمين، بناءً علي أنّه لا يلزمه الدفع إليه؛ لأنّه لا يأمن إنكار المحيل و رجوعه عليه، فكان له الاحتياط لنفسه، كما لو ادّعي عليه أنّي وكيلُ فلانٍ في قبض دَيْنه منك، فصدّقه و قال: لا أدفعه إليك(1).

مسألة 635: لو كان عليه ألف ضمنه رجلٌ فأحال الضامن صاحب الدَّيْن به

مسألة 635: لو كان عليه ألف ضمنه رجلٌ فأحال الضامن صاحب الدَّيْن به(2) برئت ذمّته و ذمّة المضمون عنه؛

لأنّ الحوالة كالتسليم، و يكون الحكم هنا كالحكم فيما لو قضي عنه الدَّيْن.

و إن(3) كان لرجلٍ دَيْنٌ آخَر علي آخَرَ فطالَبه به، فقال: قد أحلت به علي فلان الغائب، و أنكر صاحب الدَّيْن، فالقول قوله مع اليمين. و إن كان لمن عليه الدَّيْن بيّنة بدعواه، سُمعت بيّنته لإسقاط حقّ المحيل عليه.

مسألة 636: إذا كان له علي رجلٍ دَيْنٌ فأحال

مسألة 636: إذا كان له علي رجلٍ دَيْنٌ فأحال(4) به آخَر ثمّ قضاه المحيل، صحّ القضاء،

كما إذا قضي الإنسان دَيْن غيره عنه.

ثمّ إن كان المحال عليه قد سأله القضاء عنه، كان له الرجوعُ عليه بما أدّاه إلي المحتال.

و إن لم يكن قد سأله ذلك، بل قضاه متبرّعاً به، لم يكن له الرجوعُ عليه - و به قال الشافعي(5) - لأنّه قضي عنه دَيْنه بغير إذنه، و المتبرّع لا يرجع علي أحد.

ص: 484


1- المغني 67:5، الشرح الكبير 68:5.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- في النسخ الخطّيّة: «فإن» بدل «و إن».
4- في الطبعة الحجريّة: «فأحاله».
5- حلية العلماء 41:5.

و قال أبو حنيفة و أصحابه(1): لا يكون متبرّعاً بذلك، و يكون له الرجوعُ به؛ لأنّ الدَّيْن باقٍ في ذمّة المحيل من طريق الحكم و إن برئ في الظاهر؛ لأنّه يرجع عليه(2) عند تعذّره.

و هو غلط؛ لأنّه لا يملك إبطال الحوالة و إسقاط حقّه عن المحيل، فما يدفعه يكون متبرّعاً إذا كان بغير إذن مَنْ عليه [الدَّيْن](3) كالأجنبيّ.

و ما ذكروه فهو ممنوع و ليس بصحيح أيضاً؛ لأنّه لو كان الحقّ باقياً في ذمّته حكماً، لمَلَك مطالبته، كالمضمون عنه.

و إذا أحاله علي مَنْ لا دَيْن عليه و قلنا بصحّة الحوالة إذا رضي المحال عليه، يكون للمحتال مطالبة المحال عليه، فإذا طالَبه، كان له مطالبة المحيل بتخليصه، كالضامن يطالب المضمون عنه بتخليصه، فإن دفع بإذن المحيل، رجع.

و إن دفع بغير إذنه، احتُمل الرجوع؛ لأنّ الحوالة تقتضي التسليط، فإذا سلّطه عليه بالمطالبة، كان ضامناً لما يغرمه. و لأنّه يكون في الحقيقة ضماناً بسؤاله.

و يحتمل عدمه؛ لأنّه متبرّع.

فإن ادّعي المحيل أنّه كان لي عليك ما أحلت به عليك، و أنكر المحال عليه ذلك، قدّم قوله مع اليمين؛ لأصالة عدم ذلك.

و لو ضمن رجل عن رجل ألف درهم و أحال الضامن المضمونَ له علي رجل - له عليه ألف - بالألف، و قَبِل الحوالة، برئ الضامن و المضمون عنه، كما قرّرناه أوّلاً، و رجع الضامن علي المضمون عنه إن كان ضمنق.

ص: 485


1- حلية العلماء 41:5.
2- في «ج، ر»: «إليه» بدل «عليه».
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

بإذنه، سواء أدّي بإذنه أو لا، عندنا، و عند الشافعي إذا أدّي بغير إذنه وجهان(1) ، و سواء قبض المحتال الحوالة أو أبرأ المحال عليه؛ لأنّ الضامن قد غرم، و الإبراء قد حصل للمحال عليه، فلا يسقط رجوع الضامن.

و أمّا إذا أحاله علي مَنْ ليس له عليه شيء، فإن قلنا: لا تصحّ الحوالة، فالمال باقٍ علي الضامن بحاله. و إن قلنا: تصحّ، فقد برئت ذمّة الضامن و المضمون عنه، و لكن لا يرجع علي المضمون عنه بشيء في الحال؛ لأنّه لم يغرم شيئاً، فإن قبض المحتال الحوالة و رجع المحال عليه علي الضامن، رجع علي المضمون عنه، و إن أبرأه من الحوالة، لم يرجع علي المحيل، و لم يرجع الضامن علي المضمون عنه؛ لأنّه لم يغرم شيئاً.

و أمّا إن قبضه منه و وهبه، فهل يرجع علي المحيل ؟ وجهان [كالوجهين فيما](2) إذا وهبت المرأة الصداقَ ثمّ طلّقها.

و قال(3) أبو حنيفة و أصحابه: يرجع عليه، وهب له أو تصدّق به أو ورثه من المحتال. و وافقنا في الإبراء أنّه لا يرجع(4).

و عندنا أنّ هبته قبل القبض بمنزلة الإبراء.

و عندهم(5) لا يكون بمنزلته، و يثبت له الرجوع؛ لأنّه يملك ما في ذمّته بالهبة و الصدقة و الميراث، فكان له الرجوعُ، كالأداء، فإنّه يملك ما في ذمّته بالأداء، بخلاف الإبراء؛ لأنّه إسقاط حقٍّ.

و هو غلط؛ لأنّه لم يغرم عنه شيئاً، فلم يرجع عليه، كالإبراء.5.

ص: 486


1- لاحظ: التهذيب - للبغوي - 164:4، و العزيز شرح الوجيز 128:5.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فقال».
4- حلية العلماء 63:5.
5- حلية العلماء 64:5.

و قولهم: «إنّه يملك ما في ذمّته» غلط؛ لأنّ الإنسان لا يملك في ذمّته شيئاً، و إنّما يسقط عن ذمّته بوجود سبب الملك، فصار كالإبراء.

مسألة 637: لو كان لرجلٍ علي رجلين ألف درهم فادّعي عليهما أنّهما أحالاه علي رجلٍ لهما عليه ألف درهم، فأنكرا ذلك،
اشارة

فالقول قولهما مع أيمانهما، فإن حلفا، سقطت دعواه.

و إن شهد له ابناه، سُمعت عندنا، خلافاً للشافعي(1).

و إن شهد عليهما ابناهما، لم تُسمع عندنا، خلافاً للشافعي(2).

و لو انعكس الفرض فادّعيا عليه إنّما أحالاه و أنكر، فالقول قوله مع يمينه.

فإن شهد عليه ابناه، لم يُقبل عندنا، خلافاً للشافعي(3).

و إن شهد ابناهما، قُبل عندنا، خلافاً للشافعي(4).

و هل تُقبل شهادة ابن كلّ واحدٍ منهما للآخَر؟ للشافعي قولان، بناءً علي أنّ الشهادة إذا رُدّت للتهمة في بعضها، فهل تردّ في الباقي ؟(5).

و لو ادّعي المديون عند مطالبة صاحب الدَّيْن أنّ صاحب الدَّيْن أحال الغائب عليه، فأنكر صاحب الدَّيْن، فأقام المدّعي بيّنةً، سُمعت لإسقاط حقّ المحيل عنه، و لا يثبت بها الحقّ للغائب، قاله بعض الشافعيّة(6) ؛ لأنّ الغائب لا يقضي له بالبيّنة، فإذا قدم الغائب و ادّعي ذلك و أنكر صاحب الدَّيْن أنّه أحاله، احتاج إلي إعادة البيّنة ليثبت له.

و فيه نظر؛ لأنّ المطالبة إنّما تسقط بالبيّنة عن المحال عليه، فإذا قدم الغائب و ادّعي فإنّما يدّعي علي المحال عليه دون المحيل، و هو يُقرّ له بذلك،

ص: 487


1- راجع: حلية العلماء 42:5.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- حلية العلماء 42:5.
4- حلية العلماء 42:5.
5- حلية العلماء 42:5.
6- حلية العلماء 41:5-42.

فلا حاجة به إلي إقامة البيّنة، أ لا تري أنّ المحال عليه لو دفع إليه، لم يكن لصاحب الدَّيْن مطالبته بشيء؛ لأنّ حقّ المطالبة قد سقط عنه بالبيّنة.

و لو ادّعي رجل علي رجل أنّه أحاله عليه فلان الغائب، و أنكر المدّعي عليه، فإنّ القول قوله مع اليمين، فإن أقام المدّعي البيّنةَ، ثبتت في حقّه و حقّ الغائب؛ لأنّ البيّنة يقضي بها علي الغائب.

تذنيب: لو قال صاحب الدَّيْن لمن لا دَيْن له عليه: قد أحلتك بالدَّيْن الذي لي علي فلان فاقبضه منه، كان ذلك وكالةً

عبّر عنها بلفظ الحوالة، فلو مات المحيل، بطلت؛ لأنّها وكالة، و كان لورثة المحيل قبضُ المال.

و كذا لو جُنّ، كان للحاكم المطالبة بالمال.

مسألة 638: الحوالة عند أبي حنيفة ضربان:

مطلقة بأن يقول المحيل للمحتال: أحلتك بالألف التي لك علَيَّ علي فلان، سواء كان له علي فلان ألف أو لم يكن، و إذا قَبِل فلانٌ الحوالةَ، لزمت، و يبرأ المحيل، إلاّ إذا مات المحال عليه مفلساً لم يَدعْ مالاً و لا كفيلاً، و إذا جحد المحال عليه الحوالةَ و لا بيّنة، فيحلف، فيرجع علي المحيل في هاتين الصورتين.

و مقيّدة بأن يقول المحيل: أحلتك علي فلان بالألف التي لك علَيَّ علي أن يؤدّيها من الوديعة التي لي عنده، أو من المال الذي لي عليه، و إذا قَبِل فلان، برئ المحيل من دَيْن المحتال، فلو قال: أحلتك بالألف التي لي علي فلان، فمات فلان مفلساً أو جحد المحال عليه الحوالة و لا بيّنة، بطلت الحوالة، و عاد دَيْن المحتال علي المحيل(1)

ص: 488


1- تحفة الفقهاء 248:3، بدائع الصنائع 16:6، فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 73:3 و 74.

و قد بيّنّا ما عندنا في ذلك.

و لو كانت الحوالة مقيّدةً بوديعةٍ كانت عند المحال عليه، فهلكت الوديعة، أو استُحقّت، بطلت الحوالة، و عاد الدَّيْن إلي المحيل؛ لأنّ المحتال لم يضمن المال مطلقاً، و به قال أبو حنيفة(1).

و لو كانت الحوالة مقيّدةً بغَصْبٍ كان عند المحال عليه، فاستُحقّ الغصب، بطلت الحوالة.

و لو هلك لم تبطل إذا كان مليّاً بمال الحوالة؛ لأنّ مال الضمان قائم مقام عين المغصوب.

و مهما دام المال الذي قصد به الحوالة قائماً لا يكون للمحيل أن يأخذ ماله و لا دَيْنه من المحال عليه؛ لأنّ ذلك المال صار مشغولاً بمال الحوالة.

و لو كاتب المولي أُمّ ولده ثمّ أحال غريمه عليها بمال الكتابة ثمّ مات المولي، انعتقت أُمّ الولد، و بطلت الكتابة.

قال أبو حنيفة: و لا تبطل الحوالة استحساناً(2).

مسألة 639: لو أحاله بألفٍ كانت للمحيل علي المحال عليه، و قَبِل الثلاثة، صحّت الحوالة،

ثمّ [إن](1) أبرأ المحتال المحال عليه عن مال الحوالة، برئ المحيل و المحال عليه عن دَيْن المحتال، أمّا المحيل:

فبالحوالة، و أمّا المحال عليه: فبالإبراء. و يبرأ أيضاً المحال عليه من دَيْن المحيل؛ لأنّه بالحوالة نقل حقّه من المحال عليه إلي المحتال.

و قال أبو حنيفة: يرجع المحيل بدَيْنه علي المحال عليه(2)

ص: 489


1- إضافة يقتضيها السياق.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 74:3-75.

و ليس بجيّد.

و لو وهب المحتال مالَ الحوالة للمحال عليه، جازت الهبة، و بطل ما كان للمحيل علي المحال عليه، و لا يكون للمحيل أن يرجع بدَيْنه علي المحال عليه، و به قال أبو حنيفة(1).

مسألة 640: لو كانت الحوالة مقيّدةً بوديعةٍ كانت عند المحال عليه،

فمرض المحيل فدفع المحال عليه الوديعة إلي المحتال ثمّ مات المحيل و عليه ديون كثيرة، لم يضمن المستودع شيئاً لغرماء المحيل؛ لأنّه دفع بأمر المحيل المالك للوديعة.

و هل يملكها المحتال حينئذٍ؟ الأقرب ذلك؛ عملاً بالحوالة الناقلة.

و قال أبو حنيفة: لا يُسلّم الوديعة للمحتال، بل تكون بينه و بين غرماء المحيل بالحصص؛ لأنّ الدفع وقع حالة الحجر بالمرض(2).

و لو أنّ المحال عليه أمسك الوديعة لنفسه و قضي دَيْن المحتال من مال نفسه، قال أبو حنيفة: تكون الوديعة له، و لا يكون متبرّعاً استحساناً(3).

و الأقرب ذلك إن تراضيا هو و المحتال علي أخذ العوض، فإن لم يقع بينهما عقد مراضاة، كان للمحتال أن يرجع إلي العين، و للمحال عليه استرداد ما دفعه إليه.

مسألة 641: لو كان علي رجلٍ دَيْنٌ لرجلٍ فأحال صاحبَ الدَّيْن بجميع ما لَه عليه

- و هو ألف مثلاً - علي رجل و قَبِل المحال عليه الحوالة، ثمّ إنّ المحيل أحال المحتالَ علي رجلٍ آخَر بجميع ما لَه عليه و قَبِل المحال عليه الثاني، قال أبو حنيفة: تكون الحوالة الثانية نقضاً للأُولي؛ لأنّه لا صحّة للثانية إلاّ بعد نقض الأُولي، و المحيل و المحتال يملكان النقض، فإذا نقضا

ص: 490


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 75:3.
2- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 75:3.
3- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 75:3.

الحوالة الأُولي، انتقضت، و برئ المحال عليه الأوّل، بخلاف ما إذا كان المديون أعطي صاحب الدَّيْن كفيلاً آخَر بعد الكفيل الأوّل، فإنّ الكفالة الثانية لا تكون إبطالاً للكفالة الأُولي؛ لأنّ المقصود من الكفالة التوثيق مع بقاء الدَّيْن علي الأصيل، و ضمّ الكفيل إلي الكفيل يزيد في التوثيق(1).

و هذا غير صحيح علي أصلنا؛ لأنّ الحوالة ناقلة، فإذا صار الدَّين - الذي علي المحال عليه للمحيل - [للمحتال](2) لم يمكن النقض؛ لأنّا نعتبر رضا المحال عليه.

نعم، لو كان المحيل قد قصد بالحوالة الثانية الحوالة بما علي المحال عليه من المال، صحّ، و برئ المحال عليه، و كان متبرّعاً بالحوالة عن المحال عليه، و لا يرجع علي أحدٍ.

مسألة 642: إذا احتال بالحالّ علي شرط الصبر مدّة، وجب تعيينها، و صحّ الشرط عندنا

- خلافاً لأحمد(3) - علي ما بيّنّاه.

و لو لم يعيّن المدّة، بطلت الحوالة؛ لبطلان شرطها.

و لو شرط أداء المال من ثمن دار المحال عليه أو من ثمن عبده، صحّ الشرط؛ لعموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و به قال أبو حنيفة(5).

و هل يُجبر المحال عليه علي بيع داره أو عبده معجَّلاً؟ الأقرب ذلك

ص: 491


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 75:3-76.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- المغني 56:5، الشرح الكبير 59:5.
4- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
5- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 76:3.

إن كانت الحوالة معجَّلةً، و إلاّ عند الأجل.

و قال أبو حنيفة: لا يُجبر علي البيع، و هو بمنزلة ما لو قَبِل الحوالة علي أن يعطي المال عند الحصاد أو ما أشبه ذلك، فإنّه لا يُجبر علي أداء المال قبل الأجل(1).

إذا عرفت هذا، فهل يشترط الأجل في مثل هذه الحوالة ؟ يحتمل ذلك؛ إذ الثمن ليس موجوداً في الحال، بل لا بدّ من مضيّ مدّة يحصل فيها الراغب في الشراء و لو قلّ زمانه، فأشبه المكاتَب إذا عقد الكتابة حالّةً، فحينئذٍ يجب تعيين المدّة، خلافاً لأبي حنيفة(2).

مسألة 643: لو كان عليه دَيْنٌ لزيدٍ فأحال زيداً به علي عمرو و ليس للمديون علي عمرو شيء و قَبِل، صحّت الحوالة علي الأقوي،

و به قال أبو حنيفة(3).

فإذا جاء فضوليٌّ و قضي الدَّيْن عن المحال عليه تبرّعاً، كان للمحال عليه أن يرجع علي المحيل، كما لو أدّي المحال عليه المال بنفسه و ليس عليه دَيْنٌ، فإنّه يرجع علي المحيل، و به قال أبو حنيفة(4).

و لو كان للمحيل دَيْنٌ علي المحال عليه، فجاء الفضوليّ و قضي دَيْن المحتال عن المحيل الذي عليه أصل المال، لم يكن للمحيل أن يرجع بدَيْنه علي المحال عليه عندنا؛ لأنّ قضاء الفضوليّ عنه كقضائه بنفسه.

و لو قضي المحيل دَيْن الطالب بمال نفسه بعد الحوالة، لم يكن له الرجوعُ إذا كان متبرّعاً.

ص: 492


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 76:3.
2- لم نعثر عليه في مظانّه. (3 و 4) فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 77:3.

و قال أبو حنيفة: يرجع(1).

و قد سلف(2) بطلانه.

فعلي قوله لو اختلف المحيل و المحال عليه كلّ واحدٍ منهما يدّعي أنّ الفضوليّ قضي عنه، رجع إلي الفضوليّ.

فإن مات قبل البيان، قال أبو حنيفة: يكون القضاء عن المحال عليه؛ لأنّ القضاء يكون عن المطلوب ظاهراً(3).

مسألة 644: لو أحال البائع غريماً له علي المشتري حوالةً مقيّدةً بالثمن، لم يبق للبائع حقُّ الحبس.

و لو أحال المشتري البائعَ علي غريمٍ له، قال أبو حنيفة: يكون للبائع حقُّ الحبس(4).

و قال: لو أحال الزوج امرأته بصداقها علي آخَر، كان للزوج أن يدخل بها. و لو أحالت المرأة علي زوجها بالمهر غريماً لها، كان لها أن تمنع نفسها؛ لأنّ غريمها بمنزلة وكيلها، ما لم يصل الصداق إلي وكيلها، كان لها حقّ المنع(5).

و يشكل إذا جعلنا الحوالةَ استيفاءً.

ص: 493


1- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 77:3.
2- في ص 485، المسألة 636.
3- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 77:3.
4- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 77:3.
5- فتاوي قاضيخان بهامش الفتاوي الهنديّة 77:3-78.

المجلد 15

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس عشر

تتمة كتاب الديون

المقصد السادس: في الوكالة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في حقيقتها و مشروعيّتها

الوكالة: عقد شُرِّع للاستنابة في التصرّف، و هي جائزة بالكتاب و السنّة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالي:«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها»(1) فجوّز العمل [عليها](2) و ذلك بحكم النيابة عن المستحقّين.

و قوله تعالي:«فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَي الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكي طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(3) و هذه وكالة.

و قوله تعالي:«اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلي وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً»(4) و هذه وكالة.

ص: 5


1- التوبة: 60.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- الكهف: 19.
4- يوسف: 93.

و أمّا السنّة: فما روي العامّة عن جابر بن عبد اللّه قال: أردت الخروج إلي خيبر فأتيت النبي صلي الله عليه و آله و قلت له: إنّي أردتُ الخروج إلي خيبر، فقال:

«إذا لقيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغي منك آيةً فضَعْ يدك علي ترقوته»(1).

و روي أنّه صلي الله عليه و آله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري في قبول نكاح أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان(2) ، و وكّل أبا رافع في نكاح ميمونة(3).

و روي عروة بن الجعد البارقي قال: عُرض للنبيّ صلي الله عليه و آله جَلَبٌ(4) فأعطاني ديناراً، فقال: «يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا شاةً» قال: فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبَه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ أسوقهما، أو:

أقودهما، فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعتُ منه شاةً بدينار و أتيت النبيّ صلي الله عليه و آله بالدينار و الشاة، فقلت: يا رسول اللّه هذا ديناركم و هذه شاتكم، قال: «و صنعتَ كيف ؟» قال: فحدّثته الحديث، فقال: «اللَّهمّ بارك في صفقة يمينه»(5).5.

ص: 6


1- سنن أبي داوُد 3632/314:3، سنن البيهقي 80:6.
2- المحبّر: 76 و 88، تاريخ مدينة دمشق 421:45، و 138:69 و 145، الطبقات الكبري 258:1-259، و 99:8، المستدرك - للحاكم - 22:4، دلائل النبوّة - للبيهقي - 461:3، سنن البيهقي 139:7، المغني و الشرح الكبير 201:5.
3- السيرة النبويّة - لابن هشام - 14:4، تاريخ الطبري 25:3، المحبّر: 91-92، الطبقات الكبري 122:2، و 132:8-134، الثقات - لابن حبّان - 26:2، العلل - للدارقطني - 14:7، سنن الترمذي 841/200:3، المغني و الشرح الكبير 201:5، التمهيد 152:3.
4- الجَلَب: ما جُلب من خيلٍ و إبلٍ و متاعٍ. لسان العرب 268:1 «جلب».
5- تاريخ مدينة دمشق 299:50، سنن الدارقطني 30/10:3، مسند أحمد 18873/507:5، و 18877/508، المغني و الشرح الكبير 201:5.

و روي أنّه وكّل حكيم بن حزام في شراء شاة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مَنْ وكّل رجلاً علي إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتي يُعْلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(2) و غير ذلك من الأحاديث.

و قد أجمعت الأُمّة في جميع الأعصار و الأمصار علي جواز الوكالة في الجملة.

و لأنّ اشتداد الحاجة الداعية إلي التوكيل ظاهرٌ، فإنّه لا يمكن كلّ أحدٍ مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الأفعال، فدعت الضرورة إلي الاستنابة، فكانت مشروعةً.

و لا بدّ في الوكالة من عقدٍ مشتملٍ علي إيجابٍ و قبولٍ، و من موكّلٍ يصدر عنه الإيجاب، و من وكيلٍ يصدر عنه القبول، و من أمرٍ تقع الوكالة فيه. فأركان الوكالة أربعة نحن نذكرها في فصلٍ ثمّ نعقّب بأحكام الوكالة في فصلٍ آخَر إن شاء اللّه تعالي.6.

ص: 7


1- سنن أبي داوُد 3386/256:3، سنن الترمذي 1257/558:3.
2- الفقيه 166/47:3، التهذيب 502/213:6.

ص: 8

الفصل الثاني: في أركان الوكالة
اشارة

و فيه أربعة مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة.
اشارة

الوكالة عقد يتعلّق به حقّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين، فافتقر إلي الإيجاب و القبول، كالبيع.

و الأصل فيه عصمةُ مال المسلم، و منعُ غيره من التصرّف فيه إلّا بإذنه، فلا بدّ من جهة الموكّل من لفظٍ دالٍّ علي الرضا بتصرّف الغير له، و هو كلّ لفظٍ دالٍّ علي الإذن، مثل أن يقول: وكّلتك في كذا، أو فوّضته إليك، و أنَبْتُك فيه، و ما أشبهه.

و لو قال: وكِّلني في كذا، فقال: نعم، أو أشار بما يدلّ علي التصديق، كفي في الإيجاب.

و لو قال: بِعْ و أعتق، و نحوهما، حصل الإذن، و هذا لا يكاد يُسمّي إيجاباً، بل هو أمر و إذْنٌ، و إنّما الإيجاب قوله: وكّلتك، أو: استنبتك، أو:

فوّضت إليك، و ما أشبهه.

و قوله: «أذنتُ لك في فعله» ليس صريحاً في الإيجاب، بل إذْنٌ في الفعل.

و قد وكّل النبيّ صلي الله عليه و آله عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة بلفظ الشراء(1).

ص: 9


1- راجع الهامش (5) من ص 6.

و قال تعالي مُخبراً عن أهل الكهف:«فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَي الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكي طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(1) .

و لأنّه لفظ دلّ علي الإذن، فجري مجري قوله: وكّلتك.

مسألة 645: لا بدّ من القبول إمّا لفظاً - و هو كلّ ما يدلّ علي الرضا بالفعل - أو فعلاً.

و يجوز القبول بقوله: «قبلت» و ما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه، و بكلّ فعلٍ دلّ علي القبول، نحو أن يأمره بالبيع فيبيع، أو بالشراء فيشتري؛ لأنّ الذين وكّلهم النبيّ صلي الله عليه و آله لم ينقل عنهم سوي امتثال أمره، و لأنّه إذنٌ في التصرّف، فجاز القبول فيه بالفعل، كأكل الطعام.

و القبول يُطلق علي معنيين:

أحدهما: الرضا و الرغبة فيما فوّضه إليه. و نقيضه الردّ.

و الثاني: اللفظ الدالّ عليه علي النحو المعتبر في البيع و سائر المعاملات.

و يعتبر في الوكالة القبولُ بالمعني الأوّل حتي لو ردّ و قال: لا أقبل، أو: لا أفعل، بطلت الوكالة. و لو ندم و أراد أن يفعل أو يرجع [لا ينفع](2) بل لا بُدَّ من استئناف إذنٍ جديد مع علم الموكّل؛ لأنّ الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع في الالتزام بالفسخ، فلأن تُرتدّ في الابتداء بالردّ كان أولي.

و أمّا بالمعني الثاني - و هو القبول اللفظي - فالوجه عندنا: أنّه لا يشترط؛ لأنّه إباحة و رفع حجر، فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلي القبول اللفظي، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

ص: 10


1- الكهف: 19.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الثاني: الاشتراط؛ لأنّه إثبات حقّ التسليط و التصرّف للوكيل، فليقبل لفظاً، كما في سائر المملّكات(1).

و لهم طريقٌ آخَر: إنّ الوجهين فيما إذا أتي بصيغة عقدٍ بأن قال:

وكّلتك، أو: استنبتك، أو: فوّضت إليك، و أمّا في صِيَغ الأمر - نحو: بِعْ، أو: اشتر - فلا يشترط القبول لفظاً جزماً، بل يكفي الامتثال علي المعتاد، كما في إباحة الطعام(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «أذنت لك في كذا» بمثابة قوله: «بِعْ و اعتق» لا بمثابة قوله: «وكّلتك» و إن كان «أذنت» علي صِيَغ العقود(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ الوكيل إن شاء قَبِل بلفظه، و إن شاء تصرّف، و كان ذلك قبولاً منه؛ لأنّ الوكالة أمر له، فيصير بالتصرّف محصّلاً للأمر، بخلاف سائر العقود من البيع و الإجارة و الهبة و الوصيّة، فإنّها تتضمّن التمليك، فافتقرت إلي القبول بالقول، و التوكيل جارٍ مجري الوديعة و العارية لا يفتقر إلي القبول بالقول؛ لأنّ ذلك أمر و إباحة.

مسألة 646: و يجوز عندنا القبول علي الفور و التراخي،

نحو أن يبلغه أنّ رجلاً وكّله في بيع شيء منذ سنة فيبيعه، أو يقول: قبلت، أو يأمره بفعل شيء فيفعله بعد مدّة طويلة؛ لأنّ قبول وكلاء النبيّ صلي الله عليه و آله لوكالته كان بفعلهم، و كان متراخياً عن توكيله إيّاهم، و لأنّه أذن في التصرّف، و الإذن قائم ما لم يرجع عنه، فأشبه الإباحة، و لأنّ الوكالة عقد يحتمل فيه

ص: 11


1- بحر المذهب 156:8، الوسيط 283:3، العزيز شرح الوجيز 219:5، روضة الطالبين 534:3، منهاج الطالبين: 135.
2- الوسيط 283:3، الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3، منهاج الطالبين: 135.
3- العزيز شرح الوجيز 220:5.

ضروب من الجهالة، و يصحّ في الموجود و المفقود، فيحتمل فيه تأخير القبول، كالوصيّة، و هو الظاهر من مذهب الشافعي(1).

و قال القاضي أبو حامد من أصحابه: إنّه يجب أن يكون علي الفور، كالبيع(2).

و قال بعضهم: يكتفي بوقوعه في المجلس(3).

هذا في القبول اللفظي، فأمّا بالمعني الأوّل الفعلي فلا يجب التعجيل - عندنا و عنده(4) - بحال.

و إن [لم نشرط](5) القبول فلو وكّله و الوكيل لا يشعر به، ففي ثبوت وكالته إشكال.

و للشافعيّة وجهان يقربان من القولين في أنّ العزل هل ينفذ قبل بلوغ خبره إلي الوكيل ؟ و الوكالة أولي أن لا تثبت؛ لأنّها تسليط علي التصرّف(6).

فإن لم نثبتها، فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل، أم لا؟ للشافعيّة وجهان(7).3.

ص: 12


1- الحاوي الكبير 499:6، المهذّب - للشيرازي - 357:1، التنبيه: 108، بحر المذهب 156:8، حلية العلماء 116:5، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3، المغني 209:5، الشرح الكبير 202:5.
2- الحاوي الكبير 499:6، المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 156:8، حلية العلماء 116:5، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 220:5.
3- البيان 363:6، العزيز شرح الوجيز 220:5.
4- العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرط». و الصحيح ما أثبتناه. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3.

قال بعضهم: إن لم نحكم به، فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة(1).

و الأظهر: ثبوت الوكالة و إن لم يعلم.

فعلي هذا لو تصرّف الوكيل و هو غير عالمٍ بالتوكيل ثمّ ظهر الحال، خرج علي الخلاف فيما إذا باع مال أبيه علي ظنّ أنّه حيّ و كان ميّتاً.

مسألة 647: إذا شرطنا القبول، لم يكتف بالكتابة و الرسالة، كما لو كتب بالبيع.

و إن لم نشترط القبول، كفت الكتابة و الرسالة، و كان مأذوناً في التصرّف. و هو الأقرب عندي.

و إذا شرطنا القبول، لم يكف الاستدعاء بأن يقول: وكِّلني، فيقول:

وكّلتك، بل يشترط القبول، فيقول بعد ذلك: قبلت.

و للشافعيّة قولان، كما في البيع، بل الوكالة أحوج إلي الاشتراط؛ لأنّها ضعيفة(2).

و قيل: يجوز؛ لأنّ الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، فكانت أولي بعدم الاشتراط(3). و لا بأس به.

مسألة 648: لا يصحّ عقد الوكالة معلّقاً بشرطٍ أو وصفٍ،
اشارة

فإن عُلّقت عليهما، بطلت - مثل أن يقول: إن قدم زيد، أو: إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك - عند علمائنا - و هو أظهر مذهب الشافعي(4) - لأنّه عقد يملك به

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 220:5.
2- العزيز شرح الوجيز 220:5-221، روضة الطالبين 534:3-535.
3- العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 118:5، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 366:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3، المغني 210:5، الشرح الكبير 203:5.

التصرّف حال الحياة لم يبن علي التغليب و السراية، فلم يجز تعليقه بشرطٍ، كالبيع. و لأنّ الشركة و المضاربة و سائر العقود لا تقبل التعليق، فكذا الوكالة.

و قال بعض الشافعيّة و أبو حنيفة و أحمد: يصحّ تعليقها علي الشرط؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال في جيش مُؤتة: «أميركم جعفر، فإن قُتل فزيد بن حارثة، فإن قُتل فعبد اللّه بن رواحة»(1) ، و التأمير في معني التوكيل.

و لأنّه لو قال: أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج، أو: وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا، صحّ إجماعاً، و محلّ النزاع في معناه(2).

و الفرق ظاهرٌ بين تنجيز العقد و تعليق التصرّف، و بين تعليق العقد.

إذا ثبت هذا، فلا خلاف في جواز تنجيز الوكالة و تعليق العقد، مثل أن يقول: وكّلتُك في بيع العبد و لا تبعه إلّا بعد شهر، فهذا صحيح، و ليس للوكيل أن يخالف.

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة خرّج الخلاف بينهم في وجوب التنجيز و صحّة التعليق علي أنّ الوكالة هل تفتقر إلي القبول ؟ إن قلنا: لا تفتقر جاز التعليق، و إلّا لم يجز؛ لأنّ فرض القبول في الحال، و الوكالة لم تثبت بَعْدُ، و تأخيرها إلي أن يحصل الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة3.

ص: 14


1- صحيح البخاري 182:5، سنن البيهقي 154:8، مسند أحمد 2314/424:1، تاريخ اليعقوبي 65:2، تاريخ الطبري 36:3، تاريخ الإسلام - للذهبي - (المغازي): 480، السيرة النبويّة - لابن هشام - 15:4، السيرة النبويّة - لابن كثير - 455:2، المغازي - للواقدي - 576:2، المنتظم 318:3، و فيها بتقديم «زيد ابن حارثة» علي «جعفر».
2- المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 118:5-119، البيان 366:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 8:3، روضة القُضاة 3623/643:2، المغني 210:5، الشرح الكبير 202:5-203.

التخاطب(1).

تذنيب:

يصحّ توقيت الوكالة، فيقول: وكّلتك إلي شهرٍ، مثلاً، فليس للوكيل بعد مضيّ الشهر التصرّف.

مسألة 649: قد بيّنّا بطلان الوكالة المعلّقة علي الشرط، و هو أظهر قولَي الشافعيّة

(2) .

فلو تصرّف الوكيل بعد حصول الشرط، فالأقرب: صحّة التصرّف؛ لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد، و صار كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً، فقال: بِعْ كذا علي أنّ لك العُشْر من ثمنه، تفسد الوكالة، و لكن إن باع يصحّ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ؛ لفساد العقد، و لا اعتبار بالإذن الضمني في عقدٍ فاسد، أ لا تري أنّه لو باع بيعاً فاسداً و سلّم إليه المبيع، لا يجوز للمشتري التصرّف فيه و إن تضمّن البيعُ و التسليمُ الإذنَ في التصرّف و التسليط عليه(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الإذن في تصرّف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه و الملك إلي المشتري، و شيءٌ منهما ليس بحاصل، و إنّما أذن له في التصرّف لنفسه ليسلم له الثمن، و هنا إنّما أذن له في التصرّف عن الآذن لا لنفسه.

قال بعض الشافعيّة: أصل المسألة ما إذا كان عنده رهن بدَيْنٍ مؤجَّل، فأذن المرتهن في بيعه علي أن يعجّل حقّه من الثمن، و فيه

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 221:5.
2- راجع الهامش (4) من ص 13.
3- البيان 367:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3.

اختلاف سبق.

و هذا البناء يقتضي ترجيح الوجه الثاني؛ لأنّ ظاهر المذهب للشافعيّة هناك فساد الإذن و التصرّف.

فإن قلنا بالصحّة - و هي الذي اخترناه نحن - [فأثر](1) بطلان الوكالة أنّه يسقط الجُعْل المسمّي إن كان قد سمّي له جُعْلاً، و يرجع إلي أُجرة المثل، و هذا كما أنّ الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق، و يوجب مهر المثل و إن لم يؤثّر في النكاح(2).

مسألة 650: لو قال: وكّلتك بكذا و مهما عزلتك فأنت وكيلي، صحّت الوكالة المنجّزة،

و بطل التعليق، فله عزله، فإذا عزله لم يصر وكيلاً بذلك العقد، بل بتجدّد عقدٍ آخَر.

و للشافعيّة في صحّة الوكالة المنجّزة وجهان:

أصحّهما: صحّة الوكالة في الحال.

و الثاني: البطلان؛ لاشتمالها علي الشرط الفاسد، و هو إلزام العقد الجائز(3).

فعلي قولنا و علي الأصحّ من قولَي الشافعيّة أو كان قوله: «مهما عزلتك» مفصولاً عن الوكالة، فإذا عزله نُظر إن لم يشعر به الوكيل و اعتبرنا شعوره في نفوذ العزل، فهو علي وكالته. و إن لم نعتبره أو كان شاعراً به، لم يَعُدْ وكيلاً بعد العزل عندنا.

ص: 16


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة: «تأثير». و في الطبعة الحجريّة صُحّح ب «فتأثير». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 221:5-222.
3- العزيز شرح الوجيز 222:5، روضة الطالبين 535:3.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ الوكالة هل تقبل التعليق؛ لأنّه علّق التوكيل ثانياً بالعزل ؟

أظهرهما: المنع.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة - أنّه يعود وكيلاً.

فعلي هذا يُنظر في اللفظة الموصولة بالعزل، فإن قال: «إذا عزلتك» أو «مهما» أو «متي» لم يقتض ذلك عود الوكالة إلّا مرّة واحدة.

و إن قال: «كلّما عزلتك» اقتضي التكرار و العود مرّة بعد أُخري؛ لأنّ «كلّما» تقتضي التكرار، دون غيرها.

فلو أراد أن لا يعود وكيلاً، فسبيله أن يوكّل غيره بعزله، فينعزل؛ لأنّ المعلّق عليه عزل نفسه.

فإن كان قد قال: «إن عزلتك» أو: «عزلك أحدٌ من قِبَلي» فالطريق أن يقول: «كلّما عُدْتَ وكيلي فأنت معزول» فإذا عزله ينعزل(1) ؛ لتقاوم التوكيل و العزل، و اعتضاد العزل بالأصل، و هو الحجر في حقّ الغير، و عصمة مال المسلم عن تصرّف الغير(2).

قال الجويني: و فيه نظر علي بُعْدٍ متلقّي من استصحاب الوكالة(3).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ لأنّ الوكالة عندنا لا تقبل التعليق.

مسألة 651: كما أنّ الوكالة لا تقبل التعليق، فالعزل هل يقبل التعليق ؟ الأقرب ذلك؛

لأنّه لا يشترط فيه القبول، و اشتراطه في الوكالة مختلف فيه.

ص: 17


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم ينعزل». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 222:5-223، روضة الطالبين 536:3.
3- العزيز شرح الوجيز 223:5.

و الخلاف للشافعيّة في أنّ الوكالة هل تقبل التعليق أم لا؟ جارٍ في العزل هل يقبل التعليق أم لا؟ و لكن بالترتيب، و العزل(1) أولي بقبوله؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القبول فيه. و تصحيح إرادة الوكالة و العزل جميعاً مبنيّ علي قبولهما التعليق(2).

قال الجويني: إذا أنفذنا العزل و قلنا: تعود الوكالة، فلا شكّ أنّ العزل ينفذ في وقتٍ و إن لطف، ثمّ تترتّب عليه الوكالة(3).

فلو صادف تصرّف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ؟ فيه وجهان للشافعيّة(4).

و إنّما كان يتّضح هذا الفرض و التصوير أن لو وقع بينهما ترتّب [زمانيّ](2) حتي يتصوّر(3) وقوع التصرّف بينهما، لكنّ الترتّب في مثل هذا لا يكون إلّا عقليّاً.

مسألة 652: تجوز الوكالة بجُعْلٍ و غير جُعْلٍ؛

لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وكَّل أُنَيْساً(4) في إقامة الحدود(5) ، و عروةَ في شراء شاة(6) من غير جُعْلٍ، و كان يبعث عُمّاله ليقبضوا الصدقات، و يجعل لهم عمالةً، و لهذا قال له [ابنا

ص: 18


1- في النسخ الخطّيّة و الحجرية: «فالعزل» بدل «و العزل» و الظاهر ما أثبتناه كما في المصدر. (2-4) العزيز شرح الوجيز 223:5، روضة الطالبين 536:3.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تصوّر». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنساً». و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- صحيح البخاري 134:3 و 241 و 250، و 208:8، صحيح مسلم 1324:3-1697/1325 و 1698، سنن البيهقي 213:8 و 219 و 222.
6- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (5).

عمّه](1): لو بعثتنا علي هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس، و نصيب ما يصيبه الناس(2).

البحث الثاني: في الموكّل.
مسألة 653: يشترط في الموكّل أن يملك مباشرة ذلك التصرّف،

و يتمكّن من المباشرة لما يُوكّل فيه إمّا بحقّ الملك لنفسه أو بحقّ الولاية عن غيره، فلا يصحّ للصبي و لا المجنون و لا النائم و لا المغمي عليه و لا الساهي و لا الغافل أن يوكّلوا، سواء كان الصبي مميّزاً أو لا، و سواء كانت الوكالة في المعروف أو لا.

و علي الرواية(3) المقتضية لجواز تصرّف المميّز أو مَنْ بلغ خمسة أشبار في المعروف و وصيّته بالمعروف ينبغي القول بجواز توكيله.

و كذا لو وكّل مَنْ يعتوره الجنون حالَ جنونه.

و لو وكّل حالَ إفاقته، صحّت الوكالة، لكن إذا(4) طرأ الجنون بطلت الوكالة.

مسألة 654: كلّ مَنْ صحّ تصرّفه في شيء تدخله النيابة صحّ أن يوكّل فيه،

سواء كان رجلاً أو امرأةً، حُرّاً أو عبداً، مسلماً أو كافراً، فإنّ

ص: 19


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أتباعه». و الصحيح ما أثبتناه حسب ما يقتضيه سياق النصوص في المصادر.
2- صحيح مسلم 752:2-1072/753، سنن البيهقي 31:7، التمهيد - لابن عبد البرّ - 359:24.
3- الكافي 28:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية...) ح 1، الفقيه 502/145:4، التهذيب 898/248:8، و 922/233:10، الاستبصار 1085/287:4.
4- في «ج، ر»: «لو» بدل «إذا».

المكاتَب يتصرّف في بيعه و شرائه بنفسه، فصحّ أن يوكّل فيه.

و أمّا المرأة فعندنا يصحّ أن توكّل في النكاح، خلافاً للشافعيّة(1).

و كذا يصحّ عندنا توكيل الفاسق في تزويج ابنته - خلافاً للشافعيّة في أحد القولين(2) - لأنّ الفاسق عندنا له ولاية النكاح.

و لا يصحّ توكيل السكران كسائر تصرّفاته، عندنا.

مسألة 655: شرطنا في الموكّل أن يكون متمكّناً من المباشرة

إمّا بحقّ الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو الجدّ له في النكاح و المال. و يخرج عنه توكيل الوكيل، فإنّه ليس بمالكٍ و لا وليّ، و إنّما يتصرّف بالإذن.

نعم، لو مكّنه الموكّل من التوكيل لفظاً أو دلّت عليه قرينة، نفذ.

و العبد المأذون ليس له أن يوكّل فيما أذن له مولاه فيه؛ لأنّه إنّما يتصرّف بالإذن.

و كذا العامل في المضاربة إنّما يتصرّف عن الإذن لا بحقّ الملك و لا الولاية.

و في توكيل الأخ و العمّ و مَنْ لا يجبر في النكاح للشافعيّة وجهان يعودان في النكاح؛ لأنّه من حيث إنّه لا يعزل كالوليّ، و من حيث إنّه لا يستقلّ كالوكيل(3).

ص: 20


1- الحاوي الكبير 508:6، المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 281:3، الوجيز 189:1، التهذيب - للبغوي - 211:4، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 532:3، منهاج الطالبين: 134، المغني 337:7.
2- الحاوي الكبير 506:6، المهذّب - للشيرازي - 356:1، و 37:2، بحر المذهب 152:8، الوسيط 281:3، حلية العلماء 116:5، التهذيب - للبغوي - 211:4، البيان 360:6، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 532:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 356:1، البيان 360:6، الوسيط 281:3، حلية العلماء 344:6، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3.

و عندنا لا ولاية له، و لا مدخل له في النكاح البتّة، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.

و للمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [به](1) من التصرّفات، فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده، كالطلاق و الخُلْع.

و كذا المحجور عليه لسفهٍ لا يوكّل إلّا فيما لَه فعله، كالطلاق و الخُلْع و طلب القصاص.

و المفلس له التوكيل في الطلاق و الخُلْع و طلب القصاص و التصرّف في نفسه، فإنّه يملك ذلك، و أمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.

و أمّا ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ و المولي.

و مَنْ جوّز التوكيل بطلاق(2) امرأة سينكحها و بيع(3) عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الوليّ(4).

و كلّ هذا عندنا باطل.

و مَنْ مَنَع من بيع الأعمي و شرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه؛ للضرورة.

و إذا نفذ توكيل الوكيل، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل ؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

فإذا جعلناه وكيلاً للوكيل، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل1.

ص: 21


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- في «ج، ر»: «في طلاق».
3- الظاهر: «أو بيع».
4- العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3-531.

مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو الولاية.

مسألة 656: الوكالة جائزة في كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه

من البيع و الشراء و المحاكمة و مطالبة الحقوق ممّن هي عليه و إثباتها، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل و غيبته و صحّته و مرضه - و به قال ابن أبي ليلي و مالك و أحمد و الشافعي و أبو يوسف و محمّد(1) - لأنّ الخصومة تصحّ فيها النيابة، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائباً أو مريضاً. و لأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه، فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه، كحالة غيبته أو مرضه.

و لأنّ الصحابة أجمعوا عليه، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاً عليه السلام وكّل عقيلاً و قال: «ما قضي له فلي، و ما قضي عليه فعلَيَّ»(2) ، و وكّل [عبد اللّه](3) بن جعفر أيضاً و قال: «إنّ للخصومة قحماً، و إنّ الشيطان ليحضرها، و إنّي أكره أن أحضرها»(4). و القحم: المهالك. و اشتهر ذلك بين الصحابة، و لم ينكره أحد، فكان إجماعاً.

ص: 22


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، بداية المجتهد 301:2، التلقين 445:2-446، الذخيرة 6:8 و 8، الكافي في فقه أهل المدينة: 394، المعونة 1237:2، المغني 204:5، الشرح الكبير 206:5-207، التنبيه: 108، المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 149:8 و 153، الوسيط 278:3، الوجيز 188:1، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، التهذيب - للبغوي - 210:4، روضة الطالبين 526:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2، تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 7:3، الهداية - للمرغيناني - 136:3، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 355:1، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5، سنن البيهقي 81:6.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبد الرحمن». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.
4- نفس المصادر في الهامش (2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مَنْ وكّل رجلاً علي إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتي يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(1)تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، الاختيار لتعليل المختار 253:2، الهداية - للمرغيناني - 136:3-137، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 7:3، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4، بحر المذهب 153:8، الوسيط 278:3، البيان 355:6، الذخيرة 8:8، المعونة 1237:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، المغني 204:5، الشرح الكبير 207:5.(2) و هو من ألفاظ العموم.

و قال أبو حنيفة: للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل و محاكمته إذا كان الموكّل حاضراً؛ لأنّ حضوره مجلسَ الحكم و مخاصمته حقٌّ لخصمه عليه، فلم يكن له نقله إلي غيره بغير رضا خصمه، كالدَّيْن يكون عليه(2).

و الفرق: إنّ الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته، فلا يملكه، و هنا الوكالة نيابة عنه، فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. و لأنّ الحاجة قد تدعو إلي التوكيل، فإنّه قد لا يُحسن الخصومة، أو [يترفّع](3) عنها، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه، بل ينبغي لذوي المروءات و أهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها.

مسألة 657: و لا فرق في ذلك بين الطلاق و غيره عند أكثر علمائنا

(4) .

و للشيخ رحمه الله قولٌ: إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته و كان غائباً، جاز طلاق الوكيل، و إن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل(5).

ص: 23


1- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش
2- .
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرتفع». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- منهم: ابن إدريس في السرائر 83:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 197:2، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 319.
5- النهاية: 319.

و لا وجه له، و المعتمد: جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل و غيبته.

و للفاسق أن يوكّل غيره في إيجاب العقد علي ابنته و في قبول النكاح عن ابنه.

و للشافعيّة فيهما وجهان(1).

و بعض العامّة فرّق بين القبول عن ابنه و الإيجاب عن ابنه و الإيجاب عن ابنته، فجوّز الأوّل، و مَنَع الثاني(2).

و ليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة، فليس له أن يوكّل فيه؛ لقوله تعالي:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(3) .

و كذا ليس للمُحْرم أن يوكّل في شراء الصيد و لا في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً.

مسألة 658: التوكيل علي أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يأذن الموكّل لوكيله في التوكيل، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً؛ لأنّه عقد أذن له فيه، فكان له فعله، كالتصرّف المأذون فيه.

الثاني: أن ينهاه عن التوكيل، فليس له أن يوكّل إجماعاً؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له فعله، كما لو لم يوكّله.

الثالث: أطلق(4) الوكالة. و أقسامه ثلاثة:

أحدها: أن يكون العمل ممّا يترفّع(5) الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين(6) عن فعل مثلها في العادة، كما

ص: 24


1- بحر المذهب 152:8، البيان 360:6 و 361.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- النساء: 141.
4- في «ج»: «إطلاق». (5 و 6) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرتفع... المرتفعين». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

لو وكّله في البيع و الشراء، و الوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق، أو يعجز عن عمله؛ لكونه لا يُحسنه، فله التوكيل فيه؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلي مثل هذا الشخص لا يقصد منه إلّا الاستنابة، و هو قول علمائنا أجمع و أكثر الشافعيّة(1).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يوكّل؛ لقصور اللفظ(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ [العمل] إذا كان ممّا لا يعمله [الوكيل] عادةً(1) انصرف الإذن إلي ما جرت العادة من الاستنابة فيه.

الثاني: أن يكون العمل ممّا لا يترفّع(2) الوكيل عن مثله، بل له عادة بمباشرته إلّا أنّه عملٌ كثير منتشر لا يقدر الوكيل علي فعل جميعه فيباشره بنفسه، و لا يمكنه الإتيان بالكلّ؛ لكثرتها، فعندنا يجوز له التوكيل، و لا نعلم فيه مخالفاً.

و له أن يوكّل فيما يزيد علي قدر الإمكان قطعاً، و في قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً؛ لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه، فجازت في جميعه، كما لو أذن له في التوكيل فيه بلفظٍ.

و للشافعيّة ثلاثة طرق:

أصحّها عندهم: إنّه يوكّل فيما يزيد علي قدر الإمكان.

و في قدر الإمكان وجهان:

أحدهما: يوكّل فيه أيضاً؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض، فيوكّل في الكلّ، كما لو أذن صريحاً.ه.

ص: 25


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ الوكيل إذا كان ممّا لا يعمله عادةً». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يرتفع». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه؛ لأنّه لا ضرورة إليه، بل يوكّل في الزائد خاصّةً؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة، بخلاف وجود إذنه فيه؛ لأنّه مطلق.

و الثاني: إنّه لا يوكّل في قدر الإمكان، و فيما يزيد عليه وجهان.

و الثالث: إطلاق الوجهين في الكلّ(1).

قال الجويني: و الخلاف علي اختلاف الطرق نظراً إلي اللفظ أو(2) القرينة، و في القرينة تردّد في التعميم و التخصيص(3).

الثالث: ما عدا هذين القسمين، و هو ما أمكنه فعله بنفسه و لا يترفّع عنه، فقد قلنا: إنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه إلّا بإذن الموكّل؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل و لا تضمّنه إذنه، فلم يجز، كما لو نهاه. و لأنّ التوكيل استئمان، فإذا استأمنه(4) فيما يمكنه النهوض به، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه، كالوديعة، و بهذا قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين.

و قال في الأُخري: يجوز له أن يوكّل - و به قال ابن أبي ليلي إذا مرض أو غاب - لأنّ الوكيل له أن يتصرّف بنفسه، فملكه نيابةً للموكّل(5).

[و] الأوّل أولي. و لا يشبه الوكيل المالك، فإنّ المالك يتصرّف في5.

ص: 26


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 120:5، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 544:3.
2- في «ث، خ»: «و» بدل «أو».
3- العزيز شرح الوجيز 236:5.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «استئمار... استأمره». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
5- الفقه النافع 995/1240:3، بحر المذهب 166:8، البيان 368:6، المغني 216:5، الشرح الكبير 210:5.

ملكه كيف شاء، بخلاف الوكيل.

لا يقال: للوصي أن يوكّل و إن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.

لأنّا نقول: إنّ الوصي يتصرّف بولايةٍ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له علي التصرّف فيه، و الوكيل لا يتصرّف إلّا فيما نصّ له عليه، كذلك التوكيل. و لأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلي غيره، كذا أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره، أمّا إذا أذن له الموكّل في التوكيل، فإنّه يجوز له أن يوكّل؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه، فكان كما لو أُذن له في البيع.

مسألة 659: إذا وكّله بتصرّفٍ و قال له: افعل ما شئت، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل؛

لأنّ التوكيل يقتضي تصرّفاً يتولّاه بنفسه، و قوله:

«اصنع ما شئت» لا يقتضي التوكيل، بل يرجع إلي ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه، و هذا أصحّ قولَي الشافعيّة.

و في الثاني: إنّه له التوكيل - و به قال أحمد، و اختاره الشيخ رحمه الله في الخلاف(1) - لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء، فيدخل في عمومه التوكيل(2).

و هو ممنوع.

مسألة 660: كلّ وكيلٍ جاز له التوكيل فليس له أن يوكّل إلّا أميناً؛

لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس بأمين، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ و النظر، كما أنّ الإذن في البيع يفيد البيع بثمن المثل، إلّا أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله، فيجوز، سواء كان أميناً أو لم يكن؛ اقتصاراً علي مَنْ نصّ عليه

ص: 27


1- الخلاف 343:3، المسألة 8.
2- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 119:5-120، البيان 368:6، العزيز شرح الوجيز 237:5، المغني 215:5، الشرح الكبير 209:5.

المالك، و لأنّ المالك قطع نظره بتعيينه.

و لو وكّل أميناً فصار خائناً، فعليه عزله؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ و تفريطٌ علي المالك، و الوكالة تقتضي استئمان أمين، و هذا ليس بأمين، فوجب عزله.

و للشافعيّة وجهان في أنّه هل له عزله ؟(1).

مسألة 661: إذا أذن له أن يوكّل، فأقسامه ثلاثة:
الأوّل: أن يقول له: وكِّل عن نفسك، فَفَعَل، كان الثاني وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه؛

لأنّه نائبه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا ينعزل؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل، و إنّما حصّله بالإذن، فلا يرفعه إلّا بالإذن(2).

و يجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل و جنونه(3).

و الأصحّ: الانعزال.

و لو عزل الموكّل الأوّلَ، انعزل. و في انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة(2).

و لو عزل الأوّل الثاني، فالأقرب الانعزال؛ لأنّه وكيله - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - كما ينعزل بموته و جنونه.

و الثاني: لا ينعزل؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته(3).

ص: 28


1- الحاوي الكبير 518:6-519، المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 168:8، الوسيط 292:3، حلية العلماء 119:5، التهذيب - للبغوي - 215:4، البيان 367:6-368، العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3. (2 و 3) بحر المذهب 167:8، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.
2- العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.
3- بحر المذهب 167:8، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.

و الأصل في ذلك أنّ الثاني وكيل الوكيل كما [لو](1) صرّح [به](2) في التوكيل، أو وكيل الموكّل، و معني كلامه: أقم غيرك مقام نفسك ؟

و الأصحّ أنّه وكيل الوكيل، لكن إذا كان وكيل الوكيل، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل، فينعزل بعزله.

الثاني: لو قال: وكِّل عنّي، فوكَّل عن الموكّل، فالثاني وكيلٌ للموكّل،

كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل، و ليس لأحدهما عزل الآخَر، و لا ينعزل أحدهما بموت الآخَر و لا جنونه، و إنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل، فأيّهما عزل انعزل.

الثالث: لو قال: وكّلتُك بكذا و أذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ، أو:

في أن توكّل وكيلاً،

أو: في أن توكّل فلاناً، و لم يقل: عنّي، و لا عن نفسك، بل أطلق، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه كالصورة الأُولي - و هو أن يكون وكيلاً عن الوكيل - لأنّ المقصود من الإذن في التوكيل تسهيل الأمر علي الوكيل.

و أصحّهما عندهم: إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولّاه بإذن الموكّل، فيقع عنه(3).

و إذا جوّزنا للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.

و لو وكّله عن نفسه، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل

كالإذن في مطلق التوكيل(4).

مسألة 662: يجوز للوصي أن يوكّل و إن لم يفوّض الموصي إليه

ص: 29


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3.
4- العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3.

ذلك بالنصوصيّة؛ لأنّه يتصرّف بالولاية، كالأب و الجدّ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل، وجب أن يتولّي بنفسه، و ليس له أن يوكّل حينئذٍ؛ لقوله تعالي:«فَمَنْ بَدَّلَهُ»(1) الآية.

و يجوز للحاكم أن يوكّل عن السفهاء و المجانين و الصبيان مَنْ يتولّي الحكومة عنهم، و يستوفي حقوقهم، و يبيع عنهم و يشتري لهم، و لا نعلم فيه خلافاً.

البحث الثالث: في الوكيل.
مسألة 663: كما يشترط في الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه، يشترط في الوكيل التمكّن من مباشرته بنفسه،

و ذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه، فلا يصحّ للصبي و لا للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات، سواء كان الصبي مميّزاً، أو لا، و سواء بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار، أو لا، و سواء كان في المعروف، أو لا.

و علي الرواية(2) المسوّغة تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف و الوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما يملكه من ذلك.

لكنّ المعتمد الأوّل.

و لو جُنّ الوكيل أو الموكّل أو أُغمي علي أحدهما، بطلت الوكالة؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف، و سقوط اعتبار تصرّفه و عبارته في شيء البتّة. و قد استثني في الصبي الإذن في الدخول إلي دار الغير و الملك في إيصال الهديّة.

و في اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان، فإن جاز

ص: 30


1- البقرة: 181.
2- تقدّم تخريجها في ص 19، الهامش (3).

فهو وكيل من جهة الآذن و المُهْدي(1).

و إذا(2) قلنا: إنّ تجويزهما علي سبيل التوكيل، فلو أنّه وكّل غيره فيه، فقياس الشافعيّة أنّه علي الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل ؟ فإن جاز، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً(3).

و قال أبو حنيفة و أحمد: يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع و الشراء و غير ذلك من أنواع التصرّفات إذا كان يعقل ما يقول، و لا يحتاج إلي إذن وليّه؛ لأنّه يعقل ما يقول، فجاز توكيله، كالبالغ(4).

و هو غلط؛ لأنّه غير مكلّف، فلا يصحّ تصرّفه، كالمجنون.

و الفرق بينه و بين البالغ ظاهرٌ؛ فإنّ البالغ مكلّف، بخلافه.

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه، عارفاً باللغة التي يحاور بها.

مسألة 664: يجوز للمرأة أن تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً عندنا؛

لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة، بخلاف المُحْرم، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً و لا قبولاً، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: لا يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً و لا قبولاً، كالمُحْرم؛ لأنّهما مسلوبا العبارة في النكاح، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان(6).

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
2- في «ث»: «فإن». و في «خ» و الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «و إذا».
3- العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
4- مختصر اختلاف العلماء 1744/70:4، بدائع الصنائع 20:6، حلية العلماء 129:5-130، العزيز شرح الوجيز 217:5، المغني 203:5، الشرح الكبير 204:5.
5- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 217:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 152:8، الوجيز 189:1، حلية العلماء 323:6، البيان 360:6، العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3، منهاج الطالبين: 206.

و نحن نمنع ذلك في النكاح علي ما يأتي.

و يجوز توكيل المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها و توكيل امرأةٍ أُخري، خلافاً للشافعيّة؛ لأنّ الفرج - عندهم - لا يستباح بقول النساء، و منعوا من توكيل المرأة في الاختيار للنكاح إذا أسلم الكافر علي أكثر من أربع نسوة(1).

و كلّ هذا عندنا جائز.

و كذا يجوز توكيل المرأة في الاختيار للفراق لما زاد علي أربع.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح(2).

مسألة 665: يجوز تعدّد الوكيل في الشيء الواحد، و وحدته،

و لا نعلم فيه خلافاً، فإذا وكّل اثنين في تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف، فله ذلك؛ لأنّه مأذون له فيه. و إن منعه من الانفراد، لم يكن له التفرّد. و إن أطلق، فكذلك لا ينفرد أحدهما؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك، و إنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه، و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1).

مسألة 666: يجوز أن يتوكّل العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.

و للشافعيّة وجهان(2).

ص: 32


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، التهذيب - للبغوي - 215:4، البيان 369:6، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3، المغني 214:5، الشرح الكبير 220:5، تحفة الفقهاء 231:3، بدائع الصنائع 32:6، الهداية - للمرغيناني - 148:3، الاختيار لتعليل المختار 263:2.
2- الوسيط 287:3، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 374:4، و 217:5، روضة الطالبين 230:3 و 532، المغني 240:5، الشرح الكبير 211:5-212.

و في توكّله في قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان:

أحدهما: المنع، كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.

و أصحّهما عندهم: الجواز(1).

و الحقّ ذلك إن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد، و إنّما لم يجز قبوله لنفسه؛ لما يتعلّق به من المهر و مُؤن النكاح.

و كذا يصحّ أن يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يزوّج ابنته فأولي أن لا يزوّج بنت غيره(2).

و الفرق: إنّه إنّما لم يَلِ أمر ابنته؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث و النظر، و هنا قد تمّ البحث و النظر من جهة الموكّل.

و يوكّل المحجور عليه بالسفه في [طرفي](3) النكاح، كتوكيل العبد، و توكيل الفاسق في إيجاب النكاح إذا سلبنا الولاية بالفسق، و نحن لا نسلبه الولاية.

و لا خلاف في جواز قبوله بالوكالة.

و المحجور عليه بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة، و كذا فيماه.

ص: 33


1- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 152:8، الوسيط 282:3، حلية العلماء 115:5، التهذيب - للبغوي - 211:4، البيان 361:6، العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
2- بحر المذهب 152:8، العزيز شرح الوجيز 217:5-218، روضة الطالبين 532:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «طريق». و الصحيح ما أثبتناه.

يلزم علي أصحّ وجهي الشافعيّة، كما يصحّ شراؤه علي الصحيح(1).

و يجوز توكّل المرأة في طلاق زوجة الغير - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما يجوز أن يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها، و يوكّلها في طلاق نفسها.

مسألة 667: كلّ مَنْ لا يملك التصرّف في شيء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه،

كالكافر في تزويج مسلمةٍ، و المُحْرم في شراء صيدٍ، و الطفل و المجنون في الحقوق كلّها.

و للمكاتَب أن يتوكّل بجُعْلٍ؛ لأنّه من اكتسابه للمال و إن لم يأذن له مولاه؛ لأنّه ليس له منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.

و أمّا بغير جُعْلٍ فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد، فالأقرب:

الجواز، كما قلناه في العبد، و إلّا افتقر إلي إذن السيّد؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله، و ليس له بذل عين ماله بغير عوضٍ، فكذا منافعه.

و ليس للعبد المأذون له في التجارة التوكّل في شيء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه؛ لأنّ الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.

مسألة 668: مدار الوكالة بالنسبة إلي الإسلام و الكفر علي ثمان مسائل

تبطل فيها وكالة الذمّيّ علي المسلم، و هي صورتان: أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم علي المسلم، أو للكافر علي المسلم، عند علمائنا أجمع؛ لقوله تعالي:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(3) .

ص: 34


1- البيان 361:6، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
2- بحر المذهب 152:8، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
3- النساء: 141.

و يكره أن يتوكّل المسلم للذمّي، عند علمائنا أجمع. و لم يذكر ذلك أحد من العامّة، بل أطلقوا القول بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً، صحّ التوكيل فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه، فكذلك الدين، كالبيع(1).

و لأنّ كلّ ما صحّ أن يتصرّف فيه لنفسه و دخلته النيابة و لم يشترط فيه العدالة، لم يعتبر فيه الدين، كما لو كان الوكيل فاسقاً، فإنّه يجوز.

فإن وكّل الكافر مسلماً، جاز، و كان أولي.

و إن وكّل المسلم مرتدّاً، جاز؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه، و إنّما تؤثّر في ماله.

مسألة 669: لو وكّل المسلم مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل، لم تبطل وكالته،

سواء لحق بدار الحرب أو لا؛ لأنّه يصحّ تصرّفه لنفسه، فلم تبطل وكالته، كما لو لم يلحق بدار الحرب. و لأنّ الردّة لا تمنع ابتداء وكالته، فلم تمنع استدامتها، كسائر الكفر.

و قال أبو حنيفة: إن لحق بدار الحرب، بطلت وكالته؛ لأنّه صار منهم(2).

و لا دلالة فيه؛ لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.

و لو ارتدّ الموكّل، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه، و تبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.

و للشافعي أقوال ثلاثة، إن قلنا: يزول ملكه أو قلنا: لا يزول و لكن

ص: 35


1- المغني 245:2، الشرح الكبير 215:2.
2- تحفة الفقهاء 236:3، بدائع الصنائع 38:6، الهداية - للمرغيناني - 154:3، الاختيار لتعليل المختار 264:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 11:3، الفقه النافع 996/1241:3.

لا يصحّ تصرّفه، لم تصح وكالته فيه. و إن قلنا ببقاء ملكه و تصرّفه فيه نافذ، صحّ أن يوكّل فيه، و إن قلنا: إنّه موقوف، فالوكالة موقوفة(1).

و لو وكّل المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة، يبني علي انقطاع ملكه و بقائه، إن قطعناه لم تصح، و إن أبقيناه صحّ. و إن قلنا: إنّه موقوف فكذلك التوكيل.

فلو وكّله مرتدّاً أو ارتدّ الوكيل، لم يقدح في الوكالة؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه، لا لغيره.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يبني علي أنّه [هل](2) يصير محجوراً عليه ؟ إن قلنا: نعم، انعزل عن الوكالة، و إلّا فلا(3).

البحث الرابع: فيما فيه التوكيل.
و النظر في شرائطه، و هي ثلاثة:
اشارة

الأوّل: أن يكون مملوكاً للموكِّل.

الثاني: أن يكون قابلاً للنيابة.

الثالث: أن يكون ما به التوكيل معلوماً و لو إجمالاً.

النظر الأوّل: أن يكون مملوكاً للموكّل.

يشترط فيما تتعلّق الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [أو بيع عبد](4) سيملكه، أو إعتاق رقيق سيشتريه،

ص: 36


1- البيان 409:6-410، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
2- إضافة من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو عبداً». و الصحيح ما أثبتناه.

أو قضاء دَيْنٍ يستدينه، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها، و ما أشبه ذلك، لم يصح؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه، فلا تنتظم إنابة غيره فيه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه صحيح، و يكتفي بحصول الملك عند التصرّف، فإنّه المقصود من التوكيل(1).

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف عائد إلي أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف ؟(2).

و لو وكّله في شراء عبدٍ و عتْقِه، أو في تزويج امرأة و طلاقها، أو في استدانة دَيْنٍ و قضائه، صحّ ذلك كلّه؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.

النظر الثاني: في قبول متعلّق الوكالة النيابة.
مسألة 670: الضابط فيما تصحّ فيه النيابة و ما لا تصحّ أن نقول: كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً، لم تصح فيه الوكالة،

و أمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ معيّن، بل غرضه حصوله مطلقاً، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.

و ذلك؛ لأنّ التوكيل تفويض و إنابة، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة، كالطهارة مع القدرة لا يصحّ التوكيل فيها؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً، و هي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. و لأنّ محلّها متعيّن، فلا ينوب غيره منابه.

نعم، عند الضرورة تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء، و الاستنابة في

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 205:5، روضة الطالبين 522:3.
2- العزيز شرح الوجيز 205:5.

صبّ الماء علي أعضائه؛ لأنّ إيصال الماء إلي أعضائه واجب عليه، فيجوز أن يستنيب فيه.

و تجوز الاستنابة في إزالة النجاسة عن بدنه و ثوبه مع القدرة، لا في النيّة، حتي لو غسله ساهياً أو مجنوناً مع نيّة العاجز، صحّ. و لو غسله ناوياً مع غفلة العاجز، بطل.

و كذا الصلاة الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً، فإذا مات، جازت الاستنابة فيها، كالحجّ، عند علمائنا.

و كذا الاستنابة في ركعتي الطواف إجماعاً، و في فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدي الروايتين(1).

و مَنَع الجمهور من الاستنابة في الصلاة إلّا صلاة ركعتي الطواف(2).

و أمّا الصوم فلا يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ و مجّاناً.

و للشافعي قولان فيما لو مات فصام عنه وليُّه(3).

و الاعتكاف لا تدخله النيابة بحال، و به قال الشافعي(4). و عن أحمد6.

ص: 38


1- المغني 207:5، الشرح الكبير 208:5.
2- الحاوي الكبير 497:6، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 182:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.
3- الحاوي الكبير 497:6، التنبيه: 67، المهذّب - للشيرازي - 194:1، بحر المذهب 150:8، حلية العلماء 208:3، التهذيب - للبغوي - 180:3-181، و 210:4، الوسيط 551:2، الوجيز 105:1، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 237:3، و 206:5، روضة الطالبين 246:2، و 523:3، منهاج الطالبين: 77، المجموع 368:6.
4- بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 181:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 237:3، روضة الطالبين 246:2، المجموع 372:6.

روايتان(1).

و أمّا الزكاة فتجوز النيابة في أدائها، فيؤدّيها عنه غيره.

و كذا كلّ ما يتعلّق(2) بالمال من الصدقات الواجبة و المندوبة و الخُمْس، فإنّه يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه و تفريقه.

و يجوز للمُخرج التوكيل في إخراجها و تفريقها و دفعها إلي مستحقّها، و يستنيب الفقراء و الإمام أيضاً في تسلّمها(3) من أربابها؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله بعث عُمّاله لقبض الصدقات و تفريقها، و قال لمعاذ حين بعثه إلي اليمن:

«أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم، و اتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها و بين اللّه حجاب»(4).

و أمّا الحجّ فتجوز النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ، عند الشيخ(5) رحمه الله و عند الشافعي و أكثر العامّة(6) ، أو بموتٍ إجماعاً.

و كذا العمرة و كثير من أفعال الحجّ، كطواف النساء و الرمي.

و كذا تجوز النيابة في ذبح الضحايا و الهدايا؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أناب فيه.3.

ص: 39


1- المغني 207:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «تعلّق».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تسليمها». و المثبت هو الصحيح.
4- صحيح البخاري 158:2-159، سنن ابن ماجة 1782/568:1، سنن أبي داوُد 1584/105:2، سنن الترمذي 625/21:3، المغني 206:5-207.
5- الخلاف 248:2، المسألة 6.
6- الحاوي الكبير 8:4، و 497:6، بحر المذهب 150:8، الوسيط 590:2، حلية العلماء 244:3-245، التهذيب - للبغوي - 249:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 300:3، روضة الطالبين 287:2-288، المجموع 94:7 و 100، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3.

و نحر عن عليّ عليه السلام - و هو غائب - و عنه صلي الله عليه و آله مائة ناقة ثلثيها(1) عنه صلي الله عليه و آله و ثلثها عن عليّ عليه السلام(2).

و تجوز النيابة في الجهاد؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين، و حفظ عمود الدين، و ليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن، إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب، أو لجودة شوره و وفور عقله و ربط جأشه(3) و قوّة بأسه، أو لغير ذلك من الحِكَم و المصالح، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة 671: يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً و قبولاً، و في جميع أنواعه

- كالسَّلَم و الصرف و التولية و غيرها - و في جميع أحكامه و توابعه من الفسخ بالخيار و الأخذ بالشفعة و إسقاطهما، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق، و قد لا يُحْسن التجارة، و قد لا يتفرّغ لها، و قد يكون مأموراً بالتخدير، كالمرأة، فأجاز الشارع التوكيل فيه؛ دفعاً للحاجة، و تحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة اللّه تعالي، كما قال عزّ من قائل:«وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ»(4) .

و يجوز التوكيل في الحوالة و الضمان و الكفالة و عقد الرهن و الشركة و الوكالة و الصلح؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي(5) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

ص: 40


1- في «ث، ج، خ» و الطبعة الحجريّة: «ثلثاها».
2- الفقيه 665/153:2، الكامل في التاريخ 302:2، صحيح مسلم 886:3-1218/892، سنن البيهقي 134:5، الاستذكار 95:13-18188/96، التمهيد 111:2.
3- جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع، يقال: فلان رابط الجأش، أي يربط نفسَه عن الفرار، لشجاعته. الصحاح 997:3 «جأش».
4- الذاريات: 56.
5- الحاوي الكبير 367:6، التنبيه: 103، المهذّب - للشيرازي - 340:1، الوسيط 49:4، الوجيز 177:1، التهذيب - للبغوي - 141:4-143، العزيز شرح الوجيز 85:5، روضة الطالبين 428:3، منهاج الطالبين: 125.

و التفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

و أمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه، و يوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. و أمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

و كذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده و فعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك، و إلّا فلا.

و في الإقرار خلاف يأتي(1).

و يصحّ التوكيل في الهبة و العارية - لأنّها هبة المنافع - في عقدها و فعلها، إلّا في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه، و الدابّةِ ليركبها بنفسه، و شبه ذلك.

و الغصب لا يتصوّر فيه التوكيل، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ، كان الغاصبُ الوكيلَ، دون الموكّل؛ لأنّ فعل ذلك حرام، فلا تصحّ النيابة فيه.

و تصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة و أخذها.

و كذا تصحّ في المساقاة و المزارعة و الإجارة و الوديعة و الجعالة و الفعل المتعلّق بالجعالة، و الحوالة و القرض عقداً و تسليماً و أخذاً، و الوقف و الحبس و العمري و الرقبي، و الوصيّة إيجاباً و قبولاً، و فعل متعلّقها.

و لبعض الشافعيّة قولٌ في منعها؛ لأنّها قربة(2).

و القربة لا تنافي النيابة، كالحجّ و صلاة الطواف.3.

ص: 41


1- في ص 49، المسألة 678.
2- العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.

و تصحّ النيابة في الصدقة - كالزكاة و شبهها - و الإبراء و قبض الأموال، مضمونةً كانت أو غير مضمونة، و في قبض الديون و إقباضها؛ لأنّ ذلك كلّه في معني البيع في الحاجة إلي التوكيل فيها، فيثبت فيها حكمه.

و لا نعلم في شيء من ذلك خلافاً، إلّا ما قلناه.

و كذا تصحّ النيابة في العطايا و قسمة الفيء و الغنيمة و الصدقة.

مسألة 672: يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً؛

لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري و أبا رافع في النكاح له(1).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إلي ذلك، فإنّه ربما احتاج إلي التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه، فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله تزوّج أُمّ حبيبة و هي يومئذٍ بأرض الحبشة(2).

و يجوز التوكيل في الطلاق، حاضراً كان الموكّل أو غائباً علي ما قدّمناه، و في الخلع، و في الرجعة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - كابتداء النكاح، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

و الثاني: المنع، كما لو أسلم الكافر علي أكثر من أربع نسوة و وكّل بالاختيار، و كذا لو طلّق إحدي امرأتيه، أو أعتق أحد عبديه، و وكّل بالتعيين(4).

ص: 42


1- راجع المصادر في الهامش (2 و 3) من ص 6.
2- الكامل في التاريخ 308:2، تاريخ الطبري 165:3، تاريخ مدينة دمشق 135:69، دلائل النبوّة - للبيهقي - 460:3، سنن النسائي 119:6، المعجم الكبير - للطبراني - 402/219:23، مسند أحمد 26862/579:7.
3- بحر المذهب 151:8، البيان 354:6-355، العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.
4- بحر المذهب 151:8، البيان 354:6، العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.

و نمنع الملازمة و ثبوت الحكم في الأصل.

و كذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر و قبضه، و لا تصحّ الوكالة في القَسْم؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج و يتضمّن استمتاعاً.

مسألة 673: كما يصحّ التوكيل في العقود، كذا يصحّ في فسخها

و التوكيل في الإقالة منها و سائر الفسوخ.

و ما هو علي الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

و يصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

و للشافعيّة خلاف فيه(1).

و يجوز التوكيل في الإعتاقِ و التدبيرِ.

و للشافعيّة فيه وجهان يبني علي أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه(2).

و الكتابةِ.

و لا يتصوّر في الاستيلاد؛ لأنّه متعلّق بالوطي، و الوطء مختصّ بالفاعل.

و لا تصحّ الوكالة في الإيلاء؛ لأنّه يمين. و كذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً؛ لأنّه يمين كالإيلاء، أو شهادة علي خلافٍ، و كلاهما لا تدخلهما النيابة، و كذا القسامة.

و لا تصحّ في الظهار؛ لأنّه منكر و زور و بهتان، فلا تدخله النيابة.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ المغلَّب فيه معني اليمين أو

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 52:4، و 207:5، روضة الطالبين 43:3، و 524.
2- العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 523:3.

الطلاق ؟ و معظمهم مَنَع من التوكيل فيه(1).

و أمّا العدّة فلا تدخلها النيابة؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

و الرضاع لا تدخله النيابة؛ لأنّه متعلّق بالمُرضع و المرتضع؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع و انتشار عظمه بلبن المُرضع.

و النفقة يصحّ التوكيل في دفعها و قبضها.

و لا تصحّ النيابة في الأيمان؛ لأنّها عبادة. و لأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم اللّه، فامتنعت النيابة فيها، كالعبادات.

و كذا النذور و العهود لا تدخلها النيابة.

و أمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتي لم يقم غيرها مقامها، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ و لأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه، و لا يتحقّق هذا المعني في نائبه.

فإن استناب فيها، كان النائب شاهداً علي شهادته؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل، و ليس ذلك بتوكيل، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة علي وجه الشهادة.

و كذا تصحّ النيابة في القضاء و الحكم.

مسألة 674: في صحّة التوكيل في المباحات - كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش و إحياء الموات و إجارة الماء و شبهه - إشكال

ينشأ: من أنّه أحد أسباب الملك، فكان كالشراء. و لأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده

ص: 44


1- بحر المذهب 150:8 و 151، البيان 354:6، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.

الوكيل - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أحمد(1) - لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه، فجاز التوكيل فيه، كالشراء و الاتّهاب.

و الثاني للشافعيّة: لا يصحّ كالاغتنام؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة و قد وُجدت من الوكيل، فيكون الملك له(2).

فعلي هذا إن جوّزنا التوكيل فيه، جوّزنا الإجارة عليه، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض، جاز، و كان ذلك للمستأجر.

و إن قلنا بالمنع هناك، منعناه هنا، فيقع الفعل للأجير.

و الجويني رأي جواز الاستئجار عليه مجزوماً به، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل(3).

مسألة 675: يجوز التوكيل في قبض الجزية و إقباضها و المطالبة بها، و في عقد الذمّة.

و في تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [فيه](4) خلافٌ بين الشافعيّة(5).

و أمّا العقوبات - كالقتل و الجنايات و الزنا و القذف و السرقة و الغصب و أشباه ذلك - فلا مدخل للتوكيل فيها، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها و مرتكبها؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها، فإذا لم يفعل(6)

ص: 45


1- المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 524:3، المغني 204:5، الشرح الكبير 205:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 524:3.
3- العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه، أي: توكيله في القبض.
5- العزيز شرح الوجيز 207:5، و 527:11، روضة الطالبين 524:3، و 504:7.
6- أي: لم يمتنع.

أُجري حكمها عليه.

و أمّا حدود اللّه تعالي - كحدّ الزنا و السرقة - فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أمر برجم ماعِز، فرُجم(1).

و قال صلي الله عليه و آله: «اغْدُ يا أُنَيْس إلي امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها» فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت(2).

و وكّل أمير المؤمنين عليه السلام عبد اللّه بن جعفر في إقامة حدّ الشرب علي الوليد بن عقبة، فأقامه(3).

و لأنّ الحاجة تدعو إلي ذلك، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

و للسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

و يجوز التوكيل في إثبات حدود اللّه تعالي - و به قال بعض العامّة(4) - لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ و استيفائه جميعاً، فإنّه قال: «فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها»(5) و هذا يدلّ علي أنّه لم يكن قد ثبت و قد وكّله في إثباته.

و لأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ، فإنّه يدخل في تلك النيابة).

ص: 46


1- صحيح مسلم 23/1323:3، سنن ابن ماجة 2554/854:2، سنن الترمذي 1428/36:4، سنن الدارقطني 91:3-39/92، و 121-132/122 و 133، سنن البيهقي 214:8، سنن الدارمي 178:2.
2- صحيح البخاري 134:3، صحيح مسلم 1324:3-1697/1325، سنن ابن ماجة 2549/852:2، سنن أبي داوُد 4445/153:4، سنن الترمذي 39:4-1433/40، سنن النسائي 241:8-242، سنن البيهقي 213:8، سنن الدارمي 177:2، مسند أحمد 16590/91:5، و 16594/92.
3- صحيح مسلم 1693/1320:3، الكامل في التأريخ 106:3-107، المغني 206:5.
4- المغني 206:5، الشرح الكبير 207:5-208.
5- تقدّم تخريجه في الهامش (2).

الحدودُ و إثباتُها، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولي.

و قال الشافعي: لا يجوز التوكيل في إثباتها؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات، و قد أُمر بإدرائها بالشبهة، و التوكيل توصّلٌ إلي إثباتها(1).

و هو غير منافٍ لقولنا؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

و أمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

و أمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا؛ للأصل.

و للشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها: أنّه علي قولين:

أحدهما: المنع؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة؛ لاحتمال العفو، و لأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو، فليشترط الحضور.

و أصحّهما: الجواز - كما قلناه - لأنّه حقّ يستوفي بالنيابة في الحضور، فكذا في الغيبة، كسائر الحقوق. و احتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [غيبته](2).

الثاني: القطع بالجواز، و حمل المنع علي الاحتياط.

الثالث: القطع بالمنع؛ لعظم خطر الدم(3). و بهذا الأخير قال أبو حنيفة(4).6.

ص: 47


1- التنبيه: 108، المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 278:3، التهذيب - للبغوي - 210:4، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3، المغني 206:5، الشرح الكبير 207:5-208.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «غيبتهم». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
3- بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 113:5-114، البيان 357:6-358، العزيز شرح الوجيز 209:5-210، روضة الطالبين 526:3.
4- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 252:2، حلية العلماء 114:5، المغني 207:5-208، الشرح الكبير 208:5، بحر المذهب 165:8، البيان 357:6.
مسألة 676: و يجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف و القصاص عند الحاكم و إقامة البيّنة عليه،

عند عامّة الفقهاء؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ، فجاز التوكيل في إثباته، كسائر الحقوق.

و قال أبو يوسف: لا يصحّ التوكيل فيه؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو، و الحدّ لا يثبت بذلك، كما لا يثبت بالشهادة علي الشهادة، و لا بكتاب القاضي إلي القاضي و لا برجل و امرأتين، كذا هنا(1).

و نمنعه في الشهادة علي الشهادة و كتاب القاضي إلي القاضي، علي أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل، و إنّما يثبت بالبيّنة، فلم يصح ما قاله.

مسألة 677: يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي و المدّعي عليه التوكيل بالخصومة،

رضي صاحبه أو لم يرض، و ليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

و قال أبو حنيفة: له الامتناع، إلّا أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً(2).

و قال مالك: له ذلك، إلّا أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان، فيعذر

ص: 48


1- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 11:3، الحاوي الكبير 516:6، بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 113:5، البيان 356:6.
2- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2 و 254، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 7:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1030/607:2، عيون المجالس 1186/1684:4، بحر المذهب 153:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 355:6-356، العزيز شرح الوجيز 209:5.

الموكّل في التوكيل(1).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه، فيُمكّن منه، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

و لا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين، كالقصاص و حدّ القذف.

و كذا حدود اللّه تعالي عندنا، خلافاً للشافعي(2).

مسألة 678: في التوكيل بالإقرار إشكال.

و صورته أن يقول: وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخ رحمه الله: إنّه جائز(3). و هو أحد قولَي الشافعيّة؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ، فأشبه الشراء و سائر التصرّفات(4) ، و به قال أبو حنيفة(5) أيضاً.

و معظم الشافعيّة علي المنع؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه، و لا يلزم الغير إلّا علي وجه الشهادة، و هذا كما لو قال: رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان، فإنّه لا يلزمه، كذلك هنا. و لأنّه إخبار، فلا يقبل التوكيل كالشهادة، و إنّما يليق التوكيل بالإنشاءات(6).

ص: 49


1- بحر المذهب 153:8، العزيز شرح الوجيز 209:5، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4.
2- بحر المذهب 165:8، البيان 356:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3.
3- الخلاف 344:3، المسألة 5 من كتاب الوكالة.
4- بحر المذهب 150:8 و 162، الوجيز 188:1، الوسيط 277:3، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5.
5- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 22:6، الهداية - للمرغيناني - 150:3، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1033/608:2، العزيز شرح الوجيز 208:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 150:8 و 162، الوسيط 277:3، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5.

فعلي هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم، تخريجاً، و اختاره الجويني؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه؛ لأنّ قوله: «أقرّ عنّي بكذا» يتضمّن وجوبه عليه.

و أظهرهما: أنّه لا يُجعل مُقرّاً، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً، و كالتوكيل في البيع، فإنّه لا يكون بيعاً، و رضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ(1).

و عندي في ذلك تردّد، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به و قدره، فلو قال: أقرّ عنّي بشيء لفلان، طُولب الموكّل بالتفسير.

و لو اقتصر علي قوله: أقرّ عنّي لفلان، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه كما لو قال: أقرّ عنّي له بشيء.

و أصحّهما: أنّه لا يلزمه شيء بحال؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة، لا بالمال(2).

مسألة 679: لا يصحّ التوكيل بالالتقاط،

فإذا أمره بالالتقاط فالتقط، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

و الميراث لا تصحّ النيابة فيه، إلّا في قبض الموروث و قسمته.

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 277:3، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3.
2- بحر المذهب 162:8، التهذيب - للبغوي - 209:4-210، البيان 359:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3.

و تصحّ النيابة في دفع الديات إلي مستحقّها.

و الجنايات لا تصحّ النيابة فيها؛ لأنّها ظلم، فتتعلّق بفاعلها.

و أمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

و الأشربة لا تصحّ النيابة فيها، و يجب الحدّ علي الشارب؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

و أمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه(1).

و هو بهذا المعني صحيح، و كذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد علي معني أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

و أمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

و كذا يصحّ في السبق و الرمي؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة، و كلاهما تدخله النيابة.

و يصحّ التوكيل في الدعوي؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره، فهو كاستيفاء المال.

و يجوز التوكيل في مطالبة الحقوق و إثباتها و المحاكمة فيها، حاضراً كان الموكّل أو غائباً، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث: في العلم.
مسألة 680: لا يشترط في متعلّق الوكالة - و هو ما وُكّل فيه - أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ،

فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة، و ذلك

ص: 51


1- بحر المذهب 151:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.

يقتضي المسامحة فيها، و لذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار(1).

و لم يشترط القبول اللفظي فيها، و لا الفوريّة في القبول، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتي لا يعظم الغرر.

و لا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة و الخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة: فبأن يقول: وكّلتُك في كلّ قليل و كثير.

فإن لم يُضف إلي نفسه، فالأقوي: البطلان؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

و لو ذكر الإضافة إلي نفسه فقال: وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ، أو: في كلّ أُموري، أو: في كلّ ما يتعلّق بي، أو: في جميع حقوقي، أو: بكلّ قليل و كثير من أُموري، أو: فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي، أو: أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة، فقال: وكّلتُك ببيع أملاكي و تطليق زوجاتي و إعتاق عبيدي، أو لم يفصّل علي ما تقدّم، أو قال: وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه، و لم يفصّل أجناس التصرّفات، أو قال: أقمتك مقام نفسي في كلّ شيء، أو: وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي، أو: في كلّ ما لي التصرّف فيه، فالوجه عندي: الصحّة في الجميع - و به قال ابن أبي ليلي(2) - و يملك كلّ ما تناوله لفظه؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله، كما لو قال: بِعْ مالي كلّه.

و لأنّه لو فصّل و ذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ،9.

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 211:5.
2- بحر المذهب 192:8، البيان 363:6، المغني 211:5، الشرح الكبير 241:5، حلية العلماء 116:5، المبسوط - للسرخسي - 70:19.

صحّ التوكيل، سواء ضمّها بعضها إلي بعضٍ، أو لا، فيكون الإجمال صحيحاً.

و قال الشيخ رحمه الله: لا تصحّ الوكالة العامّة(1). و هو قول جميع العامّة - إلّا ابن أبي ليلي - لما فيه من الغرر العظيم و الخطر الكبير؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله و تطليق نسائه و إعتاق رقيقه، و أن يزوّجه نساء كثيرة، و يلزمه المهور الكثيرة و الأثمان العظيمة، فيعظم الضرر(2).

و الجواب: إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [فيه](3) كما لو وكّله في بيع شيء و أطلق، فإنّه لا يبيع إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد، كذا في الوكالة العامّة.

و كذا يصحّ لو قال له: اشتر لي ما شئت - خلافاً لبعض العامّة(4) ، و عن أحمد رواية أنّه يجوز(5) - عملاً بالأصل، و لأنّ الشريك و المضارب وكيلان في شراء ما شاء. و حينئذٍ ليس له أن يشتري إلّا بثمن المثل و أدون، و لا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه، و لا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

و لو قال: بِعْ مالي كلّه و اقبض ديوني كلّها، صحّ التوكيل؛ لأنّه قد يعرف ماله و ديونه.

و لو قال: بِعْ ما شئت من مالي و اقبض ما شئت من ديوني، صحّ التوكيل؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع، ففي البعض أولي.5.

ص: 53


1- الخلاف 350:3، المسألة 14 من كتاب الوكالة.
2- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 52.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق. (4 و 5) المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5.

و وافقتنا العامّة في جواز: وكّلتُك في بيع أموالي و استيفاء ديوني، أو:

استرداد ودائعي، أو: إعتاق عبيدي(1).

و التفاوت ليس بطائلٍ.

و أمّا الوكالة الخاصّة: فهي المقصورة علي نوعٍ من الأنواع، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه، و ما أشبه ذلك، و لا خلاف في جوازها.

مسألة 681: إذا وكّله في بيع أمواله، صحّ،

و لا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ، بل يبيعها الوكيل و يبيع ما يعلم انتسابها إليه.

و للشافعيّة فيه وجهان، هذا أصحّهما(2).

و لو قال: وكّلتُك في قبض جميع ديوني علي الناس، جاز مجملاً و إن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن، و أنّه واحد أو أشخاص كثيرة، و أيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال: وكّلتُك في بيع شيء من مالي، أو: في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه، أو في قبض شيء من ديوني، و لم يعيّن، فالأقوي: البطلان؛ لجهالته من الجملة، و لا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال: بِعْ ما شئت من أموالي، أو: اقبض ما شئت من ديوني، فإنّه يجوز.

و كذا لو قال: بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز حتي يعيّن(3). و ليس شيئاً.

ص: 54


1- بحر المذهب 193:8، البيان 363:6، العزيز شرح الوجيز 211:5، روضة الطالبين 527:3.
2- العزيز شرح الوجيز 212:5، روضة الطالبين 527:3.
3- العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 528:3.
مسألة 682: لو قال له: بِعْ ما شئت من مالي، جاز، خلافاً لبعض الشافعيّة

(1) .

و لو قال: بِعْ ما شئت من عبيدي، جاز عندنا و عندهم(2).

و فرّقوا: بأنّ الثاني محصور الجنس، بخلاف الأوّل(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه، كعبيده.

و لو قال: اقبض دَيْني كلّه و ما يتجدّد من ديوني في المستقبل، صحّ علي إشكالٍ في المتجدّد.

و لو قال له: اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً، و لم يعيّن الجنس، فالأقوي عندي: الجواز، و يكون الخيار في الشراء إلي الوكيل، و يكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شيء.

و قال أصحاب الشافعي: لا يصحّ مع الإطلاق حتي يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة، و يبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلي شراء عبدٍ مطلق علي أيّ نوعٍ و وصفٍ كان، و في الإبهام ضرر عظيم، فلا يحتمل، و إنّما تمسّ الحاجة في الأكثر و تدعو إلي غلامٍ من جنسٍ معيّن، هذا مذهب أكثرهم(2).

و ذكر بعضهم وجهاً: أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق(3).

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 212:5-213، روضة الطالبين 528:3، المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5. (2 و 3) المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5.
2- الحاوي الكبير 499:6، بحر المذهب 191:8، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 528:3، المغني 213:5، الشرح الكبير 243:5.
3- الحاوي الكبير 499:6، بحر المذهب 191:8، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3.
مسألة 683: إذا وكّله في شراء عبدٍ و أطلق، فقد بيّنّا جوازه.

و عند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه(1)العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3.(2).

و هل يفتقر مع تعيين النوع إلي تعيين الثمن ؟ الأقرب عندي: عدمه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة و ابن سريج(3) - لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً، فيقلّ الغرر. و لأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل؛ لأنّه قد لا يوجد به، و لأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

و الثاني للشافعيّة: لا بدّ من تقدير الثمن، أو بيان غايته بأن يقول:

مائة، أو من مائة إلي ألف؛ لكثرة التفاوت فيه، و يجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه، و إذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً، لم يتمّ التوكيل إلّا بالتعيين(4).

و هو ممنوع.

و لا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم و لا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً، قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من التعرّض له(4).

ص: 56


1- راجع الهامش
2- من ص 55.
3- بحر المذهب 191:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3، تحفة الفقهاء 233:3، بدائع الصنائع 24:6، المغني 213:5.
4- بحر المذهب 191:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3، المغني 213:5.

و ليس شيئاً.

و هل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً: اشتر لي عبداً بمائة، و إن لم يقل: تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا: جوازه، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم بعدم الاكتفاء(2).

و لو قال: اشتر لي عبداً كما تشاء، جاز أيضاً عندنا - و به قال بعض الشافعيّة(3) - لأنّه صرّح بالتفويض التامّ، بخلاف ما لو اقتصر علي قوله:

اشتر لي عبداً، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد و لا تفويضٍ تامّ.

و الأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك، و فرّقوا بينه و بين أن يقول في القراض: اشتر مَنْ شئت من العبيد؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل و تصرّفه، فليس(4) التفويض إليه(5).

و في التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة و السكّة، و في الحانوت للسوق(6).

و كلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة 684: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له علي زيدٍ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفي، و لم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن و جنسه، و به قال بعض الشافعيّة(7).

ص: 57


1- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 213:5.
2- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 213:5، التهذيب - للبغوي - 212:4.
3- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
4- في «العزيز شرح الوجيز»: «فيليق» بدل «فليس».
5- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
6- التهذيب - للبغوي - 212:4، العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
7- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.

و قال بعضهم: لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن و جنسه(1).

و المعتمد: الأوّل؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال: بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل؛ لأنّ العهدة تتعلّق به، فلا بدّ أن يكون علي بصيرةٍ من الأمر، و لا عهدة في الإبراء.

و لو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه، لم يضر.

و اشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه(2).

و أصل الخلاف: إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط، أو تمليك ؟ إن قلنا: إسقاط، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. و إن قلنا: تمليك، فلا بدّ من علمه، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه(3).

و لو قال: وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه، و لم يعلم الموكّل قدره و لا الوكيل، صحّ أيضاً عندنا.

و لو وكّله في الإبراء من شيء، و أطلق، لم يكن للوكيل التعيين، بل يُبرئه من شيء مبهم، و يُحمل علي أقلّ ما يتموّل؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط، و الزائد عليه ثابت في الذمّة، فلا يزول عنها إلّا بمزيل.

و لو قال: وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت، أو ممّا شاء، فالوجه:

الصحّة، و يرجع في القدر إلي مشيئته أو مشيئة الغريم.

و لو وكّله بأن قال: ابرئ فلاناً عن دَيْني، اقتضي ذلك أن يُبرئه من3.

ص: 58


1- الحاوي الكبير 515:6، التهذيب - للبغوي - 211:4، العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.

الجميع. و لو قال: عن شيء منه، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

و لو قال: أبرأه عمّا شئت، لم يجز الاستيعاب، مع احتماله.

مسألة 685: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه
اشارة

مسألة 685: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه(1) ، فأبرأه الوكيل، صحّ،

و برئت ذمّته.

و لو كان له علي رجل حقٌّ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه، صحّ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه، فوجب أن يصحّ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه و المرأةَ في طلاقها، و هو المشهور عند الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يصحّ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه(3).

و هو ضعيف؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلّا بالقبض، و لا يكون قابضاً من نفسه، و هنا يكفي مجرّد الإسقاط، علي أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن، جاز، فإذا أبرأه، برئ الضامن و المضمون عنه عندنا.

و عند العامّة لا يبرأ المضمون عنه(4).

و إن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه، لم يبرأ الضامن عندنا؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه، و لا تصحّ هذه الوكالة، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

ص: 59


1- كذا، و الظاهر: «علي زيد» بدل «عليه».
2- الحاوي الكبير 516:6، بحر المذهب 163:8، الوسيط 287:3، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3-539.
3- الحاوي الكبير 515:6 بحر المذهب 163:8.
4- المغني 241:5، الشرح الكبير 212:5.

و عند العامّة يبرأ الضامن؛ لأنّه فرع علي المضمون عنه(1).

و هنا للشافعيّة وجهٌ واحد: أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه، و إنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(2).

تذنيب:

لو وكّله في إبراء غرمائه و كان الوكيل منهم، لم يكن له أن يُبرئ نفسه، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

و لعلّ بينهما فرقاً.

و لو وكّله في تفرقة شيء علي الفقراء و هو منهم، لم يكن له أن يصرف إلي نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه، فالوجهان(3).

و المعتمد: الجواز في ذلك كلّه.

مسألة 686: إذا وكّله في الخصومة و أطلق بأن قال: وكّلتُك لمخاصمة خصمائي، فإنّه يصحّ،

و يصير وكيلاً في جميع الخصومات؛ عملاً بالعموم، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه؛ لاختلاف العقوبة.

و هذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله و هي غير معلومة(4).

ص: 60


1- المغني 241:5، الشرح الكبير 212:5.
2- الحاوي الكبير 445:6 و 515، المهذّب - للشيرازي - 348:1، العزيز شرح الوجيز 172:5، روضة الطالبين 496:3.
3- البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 260:5، روضة الطالبين 564:3.
4- الوسيط 280:3، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3.
الفصل الثالث: في أحكام الوكالة
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في صحّة ما وافق من التصرّفات، و بطلان ما خالف.
اشارة

و تُعرف الموافقة باللفظ تارةً، و بالقرينة أُخري.

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: المباينة و المخالفة.
مسألة 687: يجب علي الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له و قرّره معه،
اشارة

و لا يجوز له المخالفة في شيء ممّا رسمه له، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل، و يبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

و الموافقة و المخالفة قد تُعرفان بالنظر إلي اللفظ تارةً، و بالقرائن التي تنضمّ إليه أُخري، فإنّ القرينة قد تقوي، فيترك لها إطلاق اللفظ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد، لا يشتريه في الشتاء.

و قد يتعادل اللفظ و القرينة، و ينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة، و هذا كما لو أطلق البيع و قال: قد وكّلتُك في بيعه، و لم يعيّن ثمناً و لا نقداً و لا حلولاً، فباع بغير نقد البلد من العروض و النقود، أو بغبنٍ فاحش، أو مؤجَّلاً، فإذا فَعَل ذلك، لم يصح، و كان مخالفاً؛ لأنّ العرف اقتضي انصراف إطلاق اللفظ إلي المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد، و من نقد البلد الذي يقع فيه البيع، و بثمن المثل، و الحالّ، فلا يملك الوكيل غير ذلك، عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين و مالك؛ قياساً علي الوصي، فإنّه لا يبيع إلّا بثمن المثل من نقد البلد حالاًّ.

ص: 61

و لأنّه وكيل في عقد البيع، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل، كالوكيل بالشراء إذا اشتري بغبنٍ فاحش، و لأنّه إذا باع و أطلق، كان الثمن حالاًّ، فإذا وكّل بالبيع و أطلق، حُمل علي الثمن الحالّ(1).

و قال أبو حنيفة: إذا وكّله في البيع و أطلق، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان، قليلاً كان أو كثيراً، حالاًّ و مؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء؛ لأنّ المبيع ملكه، فإذا أمر ببيعه مطلقاً، حُمل علي العموم في كلّ بيعٍ(2).

و هو ينتقض بالشراء، فإنّه إذا أطلق له الشراء، انصرف الإطلاق إلي الشراء بثمن المثل عنده(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: إذا أطلق له البيع، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد، و يجوز حالاًّ و مؤجَّلاً؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ و المؤجَّل في العادة، فانصرف الأمر إليه(4).6.

ص: 62


1- بحر المذهب 182:8، الوسيط 285:3، حلية العلماء 133:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 223:5-224، روضة الطالبين 537:3، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5، بداية المجتهد 303:2، التلقين: 446، المعونة 1239:2.
2- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 145:3-146، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 23:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 260:2، بداية المجتهد 303:2، المعونة 1239:2، بحر المذهب 182:8، حلية العلماء 134:5، التهذيب - للبغوي - 217:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 224:5، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 146:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5، بحر المذهب 182:8.
4- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 23:3، الهداية - للمرغيناني - 145:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 260:2، بحر المذهب 182:8، حلية العلماء 134:5، البيان 381:6، المغني 255:5، الشرح الكبير 225:5-226.

و هو ممنوع؛ فإنّ الثمن إنّما يكون حالاًّ في غالب العادة، فانصرف الإطلاق إليه، كثمن المثل. و أمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه، فإنّه لا يجوز له مخالفته، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر.

و قال أحمد في الرواية الأُخري: إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به، صحّ، و لا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل، و يضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه، كالمريض(1).

فعلي هذه الرواية يكون البيع صحيحاً، و علي الوكيل ضمان النقص.

و في قدره وجهان:

أحدهما: ما بين ثمن المثل و ما باعه به.

و الثاني: ما بين ما يتغابن الناس به و ما لا يتغابن الناس به.

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع، فأشبه بيع الأجنبيّ.

و أمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله، فإنّه يجوز و يعفي عنه و لا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل، و لا يمكن التحرّز عنه.

فروع:
أ - إذا باع علي الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً، كان حكمه حكم الفضوليّ

يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل، صحّ البيع و لزم، و إلّا بطل، و لا يقع باطلاً من أصله، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

ص: 63


1- المغني 255:5-256، الشرح الكبير 226:5.

و المشهور عندهم: الأوّل(1).

ب - لو كان في البلد نقدان و أحدهما أغلب، فعليه أن يبيع به،

فإن استويا في المعاملة، باع بما هو أنفع للموكّل، فإن استويا تخيّر.

و قال بعض الشافعيّة: إذا استويا في المعاملة، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن، كما لو باع بدراهم و في البلد نقدان متساويان، لا يصحّ حتي يقيّد بأحدهما(2).

و المشهور عندهم(1) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل علي أحد الوجوه المذكورة، لم يصر ضامناً للمال

ما لم يسلّم إلي المشتري، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله،

فيصحّ فعله من الوكيل. و بيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب و العبيد و العقارات و غيرها(3).

ه - كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل، لا يجوز أن يقتصر عليه

و هناك طالبٌ بالزيادة، بل يجب عليه بيعه علي باذل الزيادة مع تساوي الغريمين؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل، و ليس من مصلحته بيعه

ص: 64


1- بحر المذهب 183:8، البيان 382:6، العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.
3- العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.

بالأقلّ مع وجود الأكثر.

و - لو باع بثمن المثل و وجد مَنْ يزيد عليه، فإن كان بعد انقضاء الخيار، فلا كلام.

و إن كان في زمن الخيار و لو في المجلس، فالأقرب: إنّ علي الوكيل الفسخَ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك، و التزام البيع منافٍ لها، فلا يملكه الوكيل.

و قال بعض العامّة: إنّه لا يلزمه فسخ العقد؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها، فلا يلزمه الرجوع إليها، و لأنّ المزايد قد لا يثبت علي الزيادة، و لا يلزم الفسخ بالشكّ(1).

و هو غلط؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع، و النهي يتوجّه إلي الذي زاد، لا إلي الوكيل، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة 688: لو قال الموكّل للوكيل: بِعْه بكَمْ شئت، جاز البيع بالغبن،

و لا يجوز بالنسيئة و لا بغير نقد البلد؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ «كَمْ» لأنّها كناية عن العدد، و يبقي في النقد و النسيئة علي إطلاق الإذن، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

و لو قال: بِعْه بما شئت، فله البيع بغير نقد البلد، و لا يجوز بالغبن و لا النسيئة.

و لو قال: بِعْه كيف شئت، فله البيع بالنسيئة، و لا يجوز بالغبن و لا بغير نقد البلد، و به قال بعض الشافعيّة(2).

ص: 65


1- المغني 256:5، الشرح الكبير 226:5.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 224:5-225، روضة الطالبين 538:3.

و قال بعضهم: يجوز الجميع(1). و لا بأس به عندي.

و لو قال: بِعْه بما عزّ و هان، فهو كما لو قال: بِعْه بكَمْ شئت، قاله بعض الشافعيّة(2).

و قال آخَرون: له البيع بالعرض و الغبن، و لا يجوز بيعه بالنسيئة(3).

و هو المعتمد.

مسألة 689: للحاكم بيع المرهون و مال المفلَّس بنقد البلد.

و لو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو علي تلك الصفة، صرفه إلي مثل حقوقهم.

و قد يحتاج الحاكم في ذلك إلي توسيط عقدٍ آخَر و معاملةٍ أُخري، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ و حقُّهم الصحيحَ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ و إنّه ربا، فيحتاج إلي شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

و لو رأي الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء، جاز، و قد سبق(2).

و المرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلي الحاكم، فإن تعذّر عليه و افتقر إلي بيّنةٍ و لم تكن له، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخري و في بيعه بجنس الدَّيْن و علي صفته، و به قال بعض الشافعيّة(3).

ص: 66


1- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3.
2- في ج 14، ص 50، ضمن المسألة 297.
3- العزيز شرح الوجيز 225:5.

و مَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن علي بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(1).

و إذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون و قضاء الدَّيْن منه بالمرتهن، بل أولي؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة، و [الموكّل](2) قد رضي بتصرّفه، و نصبه لهذا الغرض.

مسألة 690: الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير و أبيه و سائر أُصوله و فروعه

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ، فأشبه ما لو باع من صديقه، و لأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن، و لم يُجعل تعيين الزوج شرطاً، فكذا هنا، و لأنّ القابل غير العاقد، فصحّ البيع، كالأجنبيّ.

و الثاني للشافعيّة: أنّه لا يجوز - و به قال أبو حنيفة، و يعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(4) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه و ابنه الكبير بالميل إليهما، كما تلحقه في حقّ نفسه، و لهذا لا تُقبل شهادته لهما، كما لا تُقبل شهادته لنفسه، و من الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(5).

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 225:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوكيل». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بحر المذهب 179:8، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3.
4- بدائع الصنائع 28:6، الهداية - للمرغيناني - 145:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 22:3، الفقه النافع 997/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 262:2، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 225:5.
5- بحر المذهب 178:8-179، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 225:5-226، روضة الطالبين 538:3.

و أُجري الوجهان للشافعيّة في البيع من الزوج و الزوجة، فإذا قلنا:

لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر، فكالأب و الابن، و إلّا فلا(1).

و هذا عندنا باطل؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم و البيعَ أيضاً؛ إذ الضابط ثمن المثل، فإذا بذله [أيّ](2) مَنْ كان، جاز البيع.

و لو باع من مكاتَبه، صحّ أيضاً.

و للشافعيّة وجهان: الجواز؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. و المنع؛ للتهمة، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(3).

و كذا يصحّ البيع من جميع أقاربه، كأخيه و عمّه و غيرهما.

و الوجهان للشافعيّة في الفروع و الأُصول المستقلّين(4).

أمّا لو باع من ابنه الصغير، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

و مَنَع منه الشافعيّة؛ لأنّه يستقصي لطفله(5) في الاسترخاص، و غرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر، و هُما غرضان متضادّان، فلا يتأتّي من الواحد القيام بهما(6).3.

ص: 68


1- التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- بحر المذهب 179:8، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 238:5، الشرح الكبير 222:5-223.
4- العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 238:5، الشرح الكبير 223:5.
5- في النسخ الخطّيّة: «لابنه» بدل «لطفله».
6- بحر المذهب 178:8، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.

و عن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 691: إذا وكّله في بيع شيء، فإن جوّز له أن يشتريه هو، جاز أن يبيعه علي نفسه، و يقبل عن نفسه.
اشارة

و إن مَنَعه من ذلك، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

و إن أطلق، مَنَع الشيخ من ذلك؛ لأنّه قال: جميع مَنْ يبيع مال غيره - و هُمْ ستّة أنفس: الأب و الجدّ و وصيّهما و الحاكم و أمين الحاكم و الوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين: الأب و الجدّ، و لا يصحّ لغيرهما، و به قال مالك و الشافعي(2).

و قال الأوزاعي: يجوز ذلك للجميع. و هو منقول عن مالك(3) أيضاً.

و قال زفر: لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز للأب و الجدّ و الوصي ذلك، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ، لم يمض البيع استحساناً(5).

ص: 69


1- المغني 238:5، الشرح الكبير 224:5، الوجيز 190:1، العزيز شرح الوجيز 225:5.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 456:2-1846/457، الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، الوجيز 190:1، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، بداية المجتهد 303:2، المغني 237:5، الشرح الكبير 221:5.
3- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6، بداية المجتهد 303:2، المغني 237:5، الشرح الكبير 221:5.
4- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6.
5- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6، المغني 237:5، الشرح الكبير 222:5.

ثمّ استدلّ رحمه الله علي مذهبه: بإجماع الفرقة و أخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير علي نفسه، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

و أيضاً روي أنّ رجلاً وصّي إلي رجلٍ في بيع فرس، فاشتراه الوصي لنفسه، فاستفتي عبد اللّه بن مسعود، فقال: ليس له(1) ، و لم يُعرف له مخالف(2).

إذا عرفت هذا، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه، و الوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم: المنع - و هو إحدي الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص، و غرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر، و هُما غرضان متضادّان، فلا يتأتّي من الواحد القيام بهما.

و أيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير، و الألفاظ المطلقة تُحمل علي [المفهوم](3) منها في العرف الغالب.

و لأنّه تلحقه التهمة، بخلاف الأب و الجدّ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة علي الولد تمنعهما من التسامح معه، فانتفت التهمة عنهما؛ لشفقتهما عليه(4).

و نقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(5).3.

ص: 70


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1847/457:2، الحاوي الكبير 537:6، المغني 238:5، الشرح الكبير 222:5.
2- الخلاف 346:3-347، المسألة 9 من كتاب الوكالة.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العموم». و الصحيح ما أثبتناه.
4- الحاوي الكبير 537:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، الوجيز 190:1، الوسيط 285:3، التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 237:5-238، الشرح الكبير 221:5-222.
5- بحر المذهب 178:8، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.

و احتجّ أبو حنيفة علي جوازه للأب و الجدّ و الوصي إذا اشتري بأكثر من ثمن المثل [بأنّه](1) إذا اشتري الوصي بأكثر من ثمن المثل، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(2) ، فوجب أن يجوز(3).

و احتجّ مَنْ جوّز مطلقاً: بأنّ الوصي و الوكيل نائب عن الأب، فإذا جاز ذلك للأب، جاز للنائب عنه(4).

و ينتقض قول أبي حنيفة: بأنّ الوصي يلي بتوليته، فأشبه الوكيل.

و احتجّ زفر: بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان، و يشبه في ذلك الوصي و الوكيل(5).

و اعلم أنّ المشهور أنّ للأب و الجدّ أن يتولّيا طرفي العقد؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه، فجاز أن يتولّي طرفي العقد، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

و لا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

و أمّا غيرهما فالمشهور: المنع.

و عندي في ذلك تردّد.

فروع:
أ إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده

ص: 71


1- بدل ما بين المعقوفين فيما عدا «ر» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و كلاهما ساقط في «ر». و الظاهر ما أثبتناه.
2- إشارة إلي الآية 34 من سورة الإسراء.
3- المغني 237:5، الشرح الكبير 222:5.
4- راجع: الحاوي الكبير 536:6-537.
5- راجع: الحاوي الكبير 537:6.

الصغير و لا لمن يلي عليه بوصيّةٍ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه، و به قال الشافعي(1).

و عندي فيه نظر أقربه: الجواز في ذلك كلّه.

و أمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه، جاز عندنا علي ما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان(2).

قال ابن سريج: يجوز، كما لو أذن له في البيع من أبيه و ابنه، و كما لو قال لزوجته: طلّقي نفسكِ علي ألف، ففَعَلت، يصحّ، و تكون نائبةً من جهته، قابلةً من جهة نفسها.

و لأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك، فجاز(3).

و هذا علي قول مَن اعتبر التهمة.

و حكي أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(2).

و قال الأكثرون: لا يجوز؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين، و أيضاً فإنّ وقوع الإيجاب و القبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب و وَضْع الكلام، و تجويزه في حقّ الأب و الجدّ خلاف القياس، و لأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(5).

و نحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع، فهو كالأجنبيّ

إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن

ص: 72


1- بحر المذهب 178:8، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3 و 5) الحاوي الكبير 538:6، بحر المذهب 179:8، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- بحر المذهب 179:8، حلية العلماء 128:5.

يشتري لنفسه جاز هنا، و إن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

و قال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ: يجوز هنا؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية، فكذلك بالوكالة(1).

و فيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير، قطع بعض الشافعيّة بالجواز

- كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلي الطفل و بترك الاستقصاء، و تولّي الطرفين في حقّ الولد معهود علي الجملة، بخلاف ما لو باع من نفسه. و لأنّ التهمة قد انتفت، و القابل غير الموجب(2).

و قال بعضهم: لا يجوز، كما لو أذن في بيعه من نفسه(3).

و يجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة و أذن له أن يهب من نفسه، أو بتزويج ابنته و أذن له في تزويجها من نفسه.

و النكاح أولي بالمنع عندهم(2) ؛ لأنّهم رووا أنّه «لا نكاح إلّا بأربعة:

خاطبٍ و وليٍّ و شاهدَيْن»(3).

ه - لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه،

أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده، جاز.

و للشافعيّة الوجهان(6).

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه، فالأقرب: المنع؛ لأنّه متّهم بترك

ص: 73


1- الحاوي الكبير 537:6، بحر المذهب 179:8، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3 و 6) العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
3- العزيز شرح الوجيز 226:5، و انظر: المصنّف - لعبد الرزّاق - 10481/197:6، و سنن الدارقطني 224:3-19/225.

الإيلام، بخلاف القطع؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

و ظاهر مذهب الشافعيّة: المنع في الجميع(1).

مسألة 692: لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين، فيدّعي عن أحدهما و يُنكر عن الآخَر، الأقرب: الجواز؛

لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعي عليه، و عدالته و أمانته تمنعه(2) من الميل عن أحد الجانبين، و هو أضعف وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما، فإنّه يحتاج إلي التعديل من جانبٍ و إلي الجرح من جانبٍ، و علي هذا [فإليه](3) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(4).

و لا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته و أمانته عدمَ الميل بغير الحقّ، و هو مكلّف باعتماد الصحيح، حتي لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه، لم يجز له موافقته عليه.

و لو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع، جاز عندنا.

و عند الشافعيّة وجهان(5).

و منهم: مَنْ قطع بالمنع(6).

و لو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه، جاز عندنا.

ص: 74


1- العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3.
2- الظاهر: «تمنعانه».
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ما إليه». و المثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.
4- بحر المذهب 181:8، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 224:5. (5 و 6) بحر المذهب 181:8، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج علي الوجهين.

و الثاني: القطع بالجواز.

و هُما مبنيّان علي أنّه(1) هل يحتاج إلي القبول ؟ إن قلنا: نعم، جري الوجهان. و إن قلنا: لا، قطعنا بالجواز، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو، و العبد بإعتاق نفسه(2).

و الوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه و لا مال(3) ابنه الصغير علي الخلاف السابق(4) ، و في تخريج شرائه من ابنه البالغ علي الوجهين في سائر الصور.

مسألة 693: كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل و غيبته،

عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته، كالحدود و سائر الحقوق.

و قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة: لا يجوز استيفاء القصاص و حدّ القذف في غيبة الموكّل - و هو الرواية الأُخري عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(6).

ص: 75


1- أي: الإبراء.
2- حلية العلماء 130:5، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3-539.
3- أي: «من مال».
4- في ص 68.
5- بحر المذهب 165:8، المغني 207:5، الشرح الكبير 208:5.
6- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 252:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 11:3، الحاوي الكبير 517:6، بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 357:6-358، العزيز شرح الوجيز 210:5، روضة الطالبين 526:3.

و هو بعيد، و الظاهر أنّه لو عفا، لأعلم الوكيل، و الأصل عدمه، و قد كان قُضاة رسول اللّه صلي الله عليه و آله يحكمون في البلاد و يقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات، مع احتمال النسخ.

و كذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة 694: إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها، صحّ.

و لو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه، لم يدخل العبد و لا المرأة في ذلك - علي إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلي التصرّف في غيره.

و يحتمل أن يملكا ذلك؛ عملاً بعموم اللفظ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه علي ما اخترناه.

و كذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم، لم يملك حبس نفسه و لا خصومتها؛ عملاً بالظاهر.

و لو وكّل رجلاً في تزويج امرأة و لم يعيّن، فالأقرب: أنّ له أن يزوّجه ابنته، و به قال أبو يوسف و محمّد(1).

و لو أذنت له في تزويجها، فالأقرب: أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه، بل لولده و والده.

ص: 76


1- المبسوط - للسرخسي - 118:19، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 47:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.

و فيه لبعض العامّة وجهان(1).

و لو وكّله في شراء عبدٍ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

و الحكم في الحاكم و أمينه و الوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

و قد سبق(2) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة 695: لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده، أو يشتري منه عبداً آخَر، ففَعَل، صحّ عندنا

- و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعيّة(3) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه، فجاز أن يشتريه من مولاه، كالأجنبيّ، و إذا جاز أن يشتري غيره من مولاه، جاز أن يشتري نفسه، كالمرأة لمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها، جاز توكيلها في طلاق نفسها.

و لأنّه قابل للنقل و قابل للاستنابة فيه، فلا مانع مع وجود المقتضي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه، و لهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(4).

و هو باطل؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده، و قد ذكرنا صحّة ذلك، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء و البيع من نفسه،

ص: 77


1- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
2- في ص 69 و ما بعدها، المسألة 691.
3- بدائع الصنائع 77:4، الهداية - للمرغيناني - 145:3، الاختيار لتعليل المختار 258:2، المغني 240:5، الشرح الكبير 211:5-212، الحاوي الكبير 536:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، التنبيه: 109، الوسيط 287:3، التهذيب - للبغوي - 221:4، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.
4- الحاوي الكبير 536:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، التنبيه: 109، الوسيط 287:3، التهذيب - للبغوي - 221:4، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5، الشرح الكبير 212:5.

فهنا أولي.

فعلي هذا لو قال العبد: اشتريت نفسي لزيدٍ، و صدّقه سيّده و زيدٌ، صحّ، و لزم الثمن.

و لو قال السيّد: ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك، فإن جوّزناه، عُتق العبد بقوله و إقراره علي نفسه، و يلزم العبد الثمن لسيّده؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن؛ لعدم حصول العبد له، و كون سيّده لا يدّعيه عليه، فلزم العبد؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

و إن صدّقه السيّد و كذّبه زيدٌ، نُظر في تكذيبه، فإن كذّبه في الوكالة، حلف و برئ، و للسيّد فسخ البيع و استرجاع عبده؛ لتعذّر ثمنه. و إن صدّقه في الوكالة و كذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي، فالقول قول العبد؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة 696: لو وكّله في إخراج صدقته علي المساكين و هو منهم، أو أوصي إليه بتفريق ثلثه عليهم،

أو دفع إليه مالاً و أمره بتفريقه علي مَنْ يريد أو يدفعه إلي مَنْ شاء، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(1).

و قال أحمد: لا يجوز؛ لأنّه أمره بتنفيذه(2).

و أصحابنا قالوا: إذا أخذ شيئاً، فلا يفضّل نفسه، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

و هل هذا علي سبيل(3) الوجوب، أو الاستحباب ؟ نظر.

و هل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به ؟ إشكال.

ص: 78


1- في ج 5، ص 360، المسألة 272.
2- المغني 241:5.
3- في «ج، ر»: «وجه» بدل «سبيل».

و له أن يعطي ولده و أباه و امرأته و مَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

و عن أحمد روايتان(1).

مسألة 697: إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل،

و إن أطلق فالأقرب: الجواز، و يرجع في ذلك إلي مصلحة الموكّل، و المتعارف إن كان فيه عرف.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً و قصراً.

و أصحّهما عندهم: الصحّة.

و علي ما ذا يُحمل ؟ فيه ثلاث أوجُه:

أحدها: أنّه ينظر إلي المتعارف في مثله، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعي الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

و الثاني: له التأجيل إلي أيّة مدّة شاء؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

و الثالث: يؤجّل إلي سنة و لا يزيد عليها؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها، كالجزية و الدية(2).

البحث الثاني: فيما يملك الوكيل بالبيع.
مسألة 698: إذا وكّله في البيع مطلقاً، لم يملك الوكيل قبض الثمن،

ص: 79


1- المغني 241:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 361:1، بحر المذهب 183:8، الوسيط 287:3-288، حلية العلماء 136:5، البيان 386:6، العزيز شرح الوجيز 227:5-228، روضة الطالبين 539:3.

إلّا إذا دلّت القرينة عليه، كما لو أمره بالبيع في سوقٍ بعيدٍ من بلدٍ آخَر يضيع الثمن بترك قبضه، أو لا يتمكّن الموكّل من قبض الثمن، أو يقول له: بِعْه علي مَنْ كان من الغرباء و لا تصاحبه، ففي مثل ذلك يكون مأذوناً له في القبض، فإن دفع السلعة إلي المشتري و لم يقبض، كان ضامناً؛ لأنّ ظاهر حال الموكّل أنّه إنّما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه، و لا يرضي بتضييعه، و لهذا يُعدّ مَنْ فَعَل ذلك مضيّعاً مفرّطاً.

و إن لم تدلّ القرينة عليه، فإن دلّت علي المنع، لم يجز له القبض إجماعاً.

و إن لم تكن هناك قرينة تدلّ علي أحدهما، لم يملك القبض أيضاً؛ لأنّ الوكالة بالبيع مغايرة للوكالة بالقبض، و أحدهما غير الآخَر، و غير دالٍّ عليه بإحدي الدلالات الثلاث، فيكون القبض غيرَ مأذونٍ فيه، و الموكّل إنّما أذن بالبيع، و قَبْضُ الثمن أمرٌ وراء البيع، و ليس كلّ مَنْ يرتضي للبيع يرتضي لقبض الثمن، فقد لا يأتمنه عليه.

و أصحّهما عند الشافعيّة(1): أنّه يملكه؛ لأنّه من توابع البيع و مقتضياته، فالإذن في البيع إذْنٌ فيه و إن لم يصرّح به(2).

مسألة 699: إذا وكّله في البيع، فقد قلنا: إنّه لا يملك قبض الثمن، لكن يملك تسليم المبيع إلي المشتري

إن كان في يده - و هو قول أكثر الشافعيّة(3) - لأنّ البيع يقتضي إزالة الملك، فيجب التسليم. و لأنّ تسليم المبيع إلي المشتري من تمامه و حقوقه.

ص: 80


1- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و الظاهر هكذا: «و هو أحد وجهي الشافعيّة، و أصحّهما عندهم». (2 و 3) الوسيط 288:3، العزيز شرح الوجيز 228:5، روضة الطالبين 539:3.

و قال بعضهم: فيه وجهان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن ؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك تسليم المبيع(1) ؟.

و اتّفقوا علي أنّ الوكيل بعقد الصرف يملك القبض و الإقباض؛ لأنّه شرط صحّة العقد، و كذا في السَّلَم يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال، و وكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم(2).

و عندي في ذلك كلّه نظر، و الوجه: أنّه لا يملك القبض بحالٍ.

مسألة 700: إذا وكّله في البيع، لم يملك قبض الثمن علي ما تقدّم

(3) ، و يملك تسليم المبيع إلي المشتري، لكن لا يسلّم قبل أن يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن، كان ضامناً.

و قال بعض العامّة: إن قلنا: لا(4) يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري، لم يكن ضامناً، و إن قلنا: يملك قبض الثمن، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه، فإن سلّم قبل قبضه كان ضامناً(5).

و التقدير الأوّل يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن، و هو ضعيف.

أمّا لو أذن له في البيع بثمن مؤجَّل، فهنا يسلّم المبيع؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع علي الثمن عند تأجيل الثمن.

و يجيء للشافعيّة قول: إنّه لا يجوز له التسليم، لا لغرض الحبس، لكن لأنّه لم يفوّض إليه(6).

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 228:5-229، روضة الطالبين 539:3.
2- العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3.
3- في ص 79، المسألة 698.
4- في الطبعة الحجريّة: «لم» بدل «لا».
5- المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
6- العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3.

ثمّ إذا حلّ الأجل، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلّا بإذنٍ مستأنف.

مسألة 701: الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء علي ما قلناه نحن،

و لا يملك قبض الثمن علي ما اخترناه، و لا يملك إبراء المشتري من الثمن، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ إبراء الموكّل يصحّ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. و لأنّ الإبراء ليس من البيع و لا من تتمّته، و هو مغاير للبيع و غير لازمٍ له، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلاً فيه. و لأنّ فيه إضراراً بالبائع، و الوكيل منصوب لمصلحته، لا لفعل ما يتضرّر به. و لأنّه مغاير للبيع حقيقةً، و غير مستلزمٍ له و لا لازم، فكان كالإبراء من غير الثمن.

و قال أبو حنيفة: الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن، برئ، و ضمنه الوكيل؛ لأنّ حقوق البيع تتعلّق بالوكيل، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط(2).

و هو باطل؛ فإنّه إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.

و يبطل ما قاله بأمين الحاكم و الوصي و الأب، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع، و لا يملك الإبراء.

ص: 82


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 214:8، الوسيط 289:3، الإقناع في الفقه الشافعي: 112، حلية العلماء 124:5، البيان 371:6، المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
2- تحفة الفقهاء 235:3-236، بدائع الصنائع 28:6، المبسوط - للسرخسي - 33:19 و 35، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 21:3، الهداية - للمرغيناني - 138:3، الاختيار لتعليل المختار 255:2، بحر المذهب 214:8، الوسيط 289:3، البيان 371:6، المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
مسألة 702: إذا وكّله في البيع فباعه بثمنٍ حالٍّ

و قلنا: له قبض الثمن أو جعل له الموكّل(1) ذلك، فلا يسلّم المبيع حتي يقبض الثمن، كما لو أذن فيهما.

و لكلٍّ من الوكيل و الموكّل مطالبة المشتري بالثمن علي كلّ حال - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الموكّل يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن، فجاز له المطالبة به، كسائر ديونه التي وكّل فيها.

و قال أبو حنيفة: ليس للموكّل المطالبة بالثمن؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل، دون الموكّل، و لهذا يتعلّق مجلس الصرف و الخيار به، دون موكّله(3).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ مجلس العقد من شروط العقد و هو العاقد، فيتعلّق به، و أمّا الثمن فهو حقّ الموكّل و مالٌ من أمواله، فكان له المطالبة به.

مسألة 703: إذا وكّله في البيع و مَنَعه من قبض الثمن، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.

و لو مَنَعه من تسليم المبيع، فكذلك.

و قال بعض الشافعيّة: هذا الشرط فاسد؛ فإنّ التسليم مستحقّ

ص: 83


1- في «ج، ر»: «الموكّل له» بدل «له الموكّل».
2- بحر المذهب 214:8، البيان 372:6، العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3، المغني 263:5-264، الشرح الكبير 238:5.
3- تحفة الفقهاء 235:3، بدائع الصنائع 33:6، المبسوط - للسرخسي - 33:19 و 35، الهداية - للمرغيناني - 137:3-138، الاختيار لتعليل المختار 254:2-255، بحر المذهب 214:8، البيان 372:6، العزيز شرح الوجيز 229:5، المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.

بالعقد(1).

ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم: إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتي أنّه يسقط الجُعْل المسمّي فيه، و يرجع إلي أُجرة المثل؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع، و الامتناع من التسليم، فكان الجُعْل مقابلاً بشيءٍ صحيح و شيءٍ فاسد، فليفسد المسمّي.

و قيل: المسألة مبنيّة علي أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم، أم لا؟ إن قلنا: لا، فعند المنع أولي. و إن قلنا: نعم، فكذلك؛ لأنّه من توابع البيع و تمام العقد، كالقبض، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه، و الممنوع منه تسليمه.

نعم، لو قال: امنع المبيع، فهذا الشرط فاسد؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ إثبات اليد عليه، و فرقٌ بين أن يقول:

لا تسلّمه إليه، و بين أن يقول: أمسكه و امنعه منه(2).

و أمّا الوكيل بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ و اشتري في الذمّة، فسيأتي الكلام في [أنّ](1) المطالبة علي مَنْ تتوجّه ؟ و إن سلّمه إليه و اشتري بعينه أو في الذمّة، فالقول في أنّه هل يسلّمه ؟ و هل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ وكيل البائع هل يسلّم المبيع و يقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع ؟.

و جزم بعض الشافعيّة هنا بتسليم الثمن و قبض المبيع؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. و لأنّ الملك في الثمن لا يتعيّن إلّا بالقبض، فيستدعي إذناً جديداً، و أمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك(2).3.

ص: 84


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- الوسيط 288:3، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3.

و مَنْ طرد الخلاف مَنَع العرف الفارق بين الطرفين. و لو كان المعني الثاني معتبراً، لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً، و لم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو في الذمّة، بل ذكروا الوجهين و أطلقوا فيهما(1).

مسألة 704: إذا دفع المشتري الثمن إلي الموكّل أو إلي الوكيل المأذون له أو إلي المطلق إذا جوّزنا له قبض الثمن، فالوكيل يسلّم المبيع،

سواء أذن له الموكّل أو لا، أو مَنَعه؛ لأنّ المشتري إذا دفع الثمن، صار قبض المبيع مستحقّاً، و للمشتري الانفراد بأخذه، فإن أخذه المشتري فذاك، و إن سلّمه الوكيل فالأمر محمول علي أخذ المشتري، و لا حكم للتسليم.

مسألة 705: قد بيّنّا أنّه ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلي المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل

إن أذن له أو لغيره، فلو سلّمه إلي المشتري قبل ذلك، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت القيمة و الثمن متساويين.

و لو كان الثمن أكثر، لم يكن عليه إلّا القيمة؛ لأنّه لم يقبض الثمن، فلا يكون مضموناً عليه، و إنّما يضمن ما فرّط فيه، و هو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.

و لو كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله، فالأقوي أنّه يغرم جميع القيمة حيث فرّط فيها، كما لو لم يبع بل أتلفها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يغرم القيمة، و يحطّ قدر الغبن؛ لصحّة البيع بذلك الثمن(2).

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 230:5.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4-218، العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 541:3.

و لو باع بغبْنٍ فاحش بإذن الموكّل، احتُمل الوجهان.

أمّا الأوّل: فظاهر.

و أمّا الثاني: فقياسه أن لا يغرم إلّا قدر الثمن؛ لصحّة البيع به بالإذن.

فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم، دفعه إلي الموكّل، و استردّ ما غرمه.

البحث الثالث: فيما يملك الوكيل بالشراء.
مسألة 706: الوكيل بالشراء إذا اشتري ما وُكّل فيه، مَلَك تسليم ثمنه؛

لأنّه من تتمّته و حقوقه، فهو كتسليم المبيع في الحكم، و الحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع، الوجه عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع: لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا اشتري الوكيل بثمنٍ معيّن، فإن كان في يده، طالَبه البائع به، و إلّا فلا.

فإن اشتري عبداً و نقد ثمنه، فخرج العبد مستحقّاً، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.

و لو اشتري شيئاً و قبضه و أخّر دفع الثمن إلي البائع لغير عذرٍ فهلك في يده، ضمن. و إن كان لعذرٍ - مثل أن مضي لينقده فهلك، أو نحو ذلك - فلا ضمان عليه؛ لأنّه في الصورة الأُولي مفرّط، دون الثانية.

مسألة 707: إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً

مسألة 707: إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً(1) أو كلّيّةً.

فإن كانت كلّيّةً - مثل أن يقول: وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ، أو يطلق علي الأصحّ كما قلنا - اقتضي ذلك شراء السليم دون المعيب، عند

ص: 86


1- يأتي حكمها في ص 92، المسألة 711.

علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة، كما أنّ الإطلاق في البيع يقتضي سلامة المبيع، حتي أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يشتري العمياء و المقعدة و المقطوعة اليدين و الرِّجْلين؛ لعموم أمره، كالمضارب(2).

و هو خطأ بما تقدّم. و لأنّه إذا أسلم في شيء موصوف استحقّ السليم منه.

و الفرق واقع بين الوكيل و المضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح و المعيب؛ لأنّ صاحب المال أمره أن يشتري ذلك للتجارة و طلب الربح، و ذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم، فلهذا كان له شراؤهما، بخلاف الوكيل؛ فإنّه يقتضي السلامة؛ لجواز أن يريد المالك القنية و الانتفاع، و العيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك، و إنّما يقتني و يدّخر السليم دون المعيب.

و قد ناقض أبو حنيفة نفسَه في أصله؛ فإنّه قال في قوله تعالي:

«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (3) : لا تجوز العمياء و لا المقطوعة اليدين و الرِّجْلين(4).5.

ص: 87


1- الحاوي الكبير 556:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 208:8، حلية العلماء 130:5، التهذيب - للبغوي - 223:4، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 542:3، المغني 260:5، الشرح الكبير 233:5.
2- تحفة الفقهاء 233:3، بدائع الصنائع 29:6، مختصر اختلاف العلماء 1755/76:4، المبسوط - للسرخسي - 39:19، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 32:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1871/464:2، بحر المذهب 208:8، حلية العلماء 130:5، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5، المغني 262:5، الشرح الكبير 234:5.
3- النساء: 92.
4- بدائع الصنائع 108:5، الهداية - للمرغيناني - 19:2، المبسوط - للسرخسي - 2:7، الاختيار لتعليل المختار 234:3، المغني 262:5، الشرح الكبير 235:5.
مسألة 708: لو اشتري الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه، صحّ البيع؛

لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر، و ليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه، فلا يجوز تكليفه به، و يعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.

و يقع البيع للموكّل - و هو قول أكثر الشافعيّة(1) - كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.

و قال الجويني: لا يقع عن الموكّل؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع و إن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولي(2).

و يفارق مجرّد الغبن؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم(3)، فلو صحّ البيع و لزم الموكّل للزم، و لحقه الضرر، و العيب يُثبت الخيار، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.

و حيث يقع عن الموكّل و كان الوكيل جاهلاً بالعيب، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه؛ لأنّه المالك.

و هل يملك الوكيل الردّ بالعيب ؟

أمّا عندنا: فلا؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء، و هو مغاير للردّ، فلا يملكه، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و قال أكثرهم: إنّه يملك الردّ، و ينفرد الوكيل بالفسخ؛ لأنّ الموكّل

ص: 88


1- الوجيز 191:1، الوسيط 289:3، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5، روضة الطالبين 542:3. (2-4) العزيز شرح الوجيز 232:5.

أقامه مقام نفسه في هذا العقد و لواحقه. و لأنّه لو لم يكن له الردّ و افتقر إلي استئذان الموكّل، فربما لا يرضي الموكّل، فيتعذّر الردّ حينئذٍ؛ لكونه علي الفور، و يبقي المبيع في عهدة الوكيل، و فيه ضرر عظيم(1).

و نمنع إقامة الموكّل له مقامه في جميع الأشياء، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد، و هو مضادٌّ للفسخ.

و نمنع كون الخيار علي الفور.

سلّمنا، لكن بالنسبة إلي المالك، فإذا علم بالعيب، اختار حينئذٍ علي الفور إمّا الفسخ أو الإمضاء، كما لو اشتري شيئاً فغاب و لم يعلم بعيبه إلّا بعد مدّةٍ ثمّ ظهر علي العيب.

و لأنّا لو لم نُثبت الردَّ له، لكان كسائر الأجانب عن العقد، فلا أثر لتأخيره. و لأنّ مَنْ له الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه، فهلّا كانت مشاورة الوكيل(2) عذراً؟!

و أيضاً فإنّه و إن تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في العقد أو نواه، علي أنّ في كون المبيع للوكيل و في تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له خلافاً سيأتي.

مسألة 709: لو كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب، فاشتري معيباً جاهلاً بعيبه، كان له الردّ،

و للموكّل أيضاً الردّ؛ لأنّ الملك له.

و إن حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل و رضي بالعيب، لم يكن للوكيل ردّه؛ لأنّ الحقّ له، بخلاف عامل المضاربة إذا اشتري المعيب جاهلاً بعيبه، فإنّ له الردَّ و إن رضي ربّ المال بالعيب؛ لأنّ له حقّاً في العين، و لا يسقط حقّه برضا غيره.

ص: 89


1- البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5.
2- أي: مشاورة الوكيل للموكّل.

و إن لم يحضر الموكّل و أراد الوكيل الردَّ، فقال البائع: توقّف حتي يحضر الموكّل فربما يرضي بالمعيب، لم يلزمه ذلك؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع و فوات الثمن بتلفه.

فإن أخّره بناءً علي هذا القول فلم يرض به الموكّل، لم يسقط الردّ و إن قلنا بأنّ الردّ علي الفور؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.

و إن قال البائع: موكّلك قد علم بالعيب فرضيه، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ، فإن لم تكن له بيّنة، لم يستحلف الوكيل إلّا أن يدّعي علمه، فيحلف علي نفيه عند الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يستحلف؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين(2).

و فيه إشكال من حيث إنّه لا نيابة هنا، و إنّما يحلف علي نفي علمه، و هذا لا ينوب فيه عن أحد.

و إن أقرّ بذلك، لزمه - عندنا - في حقّ نفسه، دون موكّله، فيمينه في حقّه دونه.

و قال ابن أبي ليلي: إنّه لا يردّ حتي يحضر الموكّل و يحلف(3).

فإن ردّ الوكيل فحضر الموكّل و رضي بأخذه معيباً، افتقر إلي عقدٍ جديد؛ لخروجه عن ملكه بالردّ، فلا يعود إلّا بالعقد.

و لو قال الموكّل: قد كان بلغني العيب و رضيت به، فصدّقه البائع، أو5.

ص: 90


1- المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 132:5، التهذيب - للبغوي - 223:4، البيان 378:6، العزيز شرح الوجيز 234:5، روضة الطالبين 543:3، المغني 261:5، الشرح الكبير 234:5.
2- الأُم 105:7، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 133:5، المغني 261:5، الشرح الكبير 234:5.
3- الأُم 105:7، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 133:5.

قامت به بيّنة، بطل الردّ، و علمنا أنّه لم يقع موقعه، و كان للموكّل استرجاعه، و علي البائع ردّه عليه؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ، إلّا أن نقول: إنّ الوكيل لا ينعزل حتي يعلم العزل.

و إن رضي الوكيل بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ، فله ذلك إن صدّقه البائع علي أنّ الشراء له، أو قامت به بيّنة.

و إن كذّبه و لم تكن له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له، فليس له الردّ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَن اشتري شيئاً فهو له، و يلزمه، و عليه غرامة الثمن، و بهذا قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: للوكيل شراء المعيب؛ عملاً بالإطلاق(2).

مسألة 710: لو اشتري الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب، فإن كان بإذن الموكّل، فلا ردّ هنا لا للوكيل و لا للموكّل إجماعاً،

كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.

و إن لم يأذن له، فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك، أو قلنا: إنّه يملكه ؟ يحتمل عدمه؛ لإقدامه علي شراء المعيب عالماً بعيبه، فلا يكون له الردّ، و به قال الشافعي(3).

و يحتمل أن يكون له الردّ؛ لأنّه نائب عن الموكّل، و للموكّل الردّ؛ لجهله، فكذا للوكيل.

أمّا الموكّل فهل له الردّ؟ للشافعيّة وجهان:

ص: 91


1- المغني 262:5، الشرح الكبير 234:5.
2- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 87.
3- العزيز شرح الوجيز 232:5، روضة الطالبين 542:3.

أحدهما: المنع؛ لأنّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد و لواحقه، فيكون اطّلاعه علي العيب كاطّلاع الموكّل، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون علي قولَي شراء الغائب.

و أصحّهما عندهم: أنّ له الردَّ - و هو المعتمد - لأنّ اطّلاعه و رضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ للموكّل، فكذا اطّلاعه في الابتداء(1).

و علي هذا فينتقل الملك إلي الوكيل، أو ينفسخ العقد من أصله ؟ للشافعيّة وجهان(2).

و القائل بالانتقال إلي الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلي أن يتبيّن الحال، و إلّا فيستحيل ارتداد الملك من الموكّل إلي الوكيل.

و هذه الاختلافات متفرّعة علي وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب، و مذهب الشافعيّة [خلافه](2)(4).

و الوجه: أن نقول: إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه و صدّقه علي ذلك، لكن لا وقوعاً لازماً، بل بمنزلة عقد الفضولي؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا اشتري المعيب يكون قد اشتري ما لم يوكّل فيه، فيكون فضوليّاً، و لا يقع العقد عن الوكيل؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب و أجاز عقد وكيله، كان الملك له، فدلّ علي أنّه يقع عن الموكّل، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.

مسألة 711: إذا كانت العين شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها،
اشارة

فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب،

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 232:5-233، روضة الطالبين 542:3. (2 و 4) العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

لم يكن له الردُّ بالاستقلال؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولي، و لأنّ المالك قطع نظره بالتعيين، و ربما رضيه علي جميع صفاته، و ربما كان قد اطّلع علي عيبه.

و للشافعيّة وجهان:

هذا أحدهما؛ لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: إنّ له الردَّ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب(1).

فروع:
أ - لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له: اشتر عبداً هنديّاً، فاشتري معيباً جاهلاً بعيبه: أنّه يملك الردّ؛

لأنّه اشتري ما لم يؤذن له فيه.

لكن الأقرب: المنع؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل، فلا ينتقل خيار الردّ إلي الوكيل.

ب - لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة و ظهر عيبها أنّه متي يقع عن الموكّل ؟ و متي لا يقع ؟

و القياس عندهم يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولي.

نعم، لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به و هو عالم به، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولي؛ لجواز تعلّق الغرض بعينه(2).

ج - لو وكّله في الشراء مطلقاً و عيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء،

فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك و العدمُ.

ص: 93


1- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.
2- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.

قال بعض العامّة: فيه وجهان مبنيّان علي ما إذا علم عيبه بعد شرائه، إن قلنا: يملك ردّه، فليس له شراؤه؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولي. و إن قلنا: لا يملك الردّ هناك، فله الشراء هنا؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره و اجتهاده في جواز الردّ [فكذلك](1) في الشراء(2).

و الوجه عندي: أنّه يجوز له شراؤه، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب، فلا ردّ. و إن لم يكن قد علم، كان له الردّ، و لا يضرّه علم الوكيل؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل، سواء قلنا: إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع، أو لا.

و نمنع الملازمة بين جواز الردّ بعد العقد و منع الشراء؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ و الشراء معاً.

مسألة 712: جميع ما ذكرنا في الحالتين - أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها - مفروض فيما إذا اشتري الوكيل بمالٍ في الذمّة،

أمّا إذا اشتري بعين مال الموكّل، فحيث قلنا هناك: لا يقع عن الموكّل، فهنا لا يصحّ أصلاً، و حيث قلنا: يقع، فكذلك هنا.

و هل للوكيل الردّ؟ أمّا عندنا: فلا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: نعم(3).

و يمكن أن يكون الوجهان عندهم مبنيّين علي المعنيين السابقين، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد و لواحقه، فنعم. و إن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما لزمه العقد و صار المبيع كَلّاً عليه، فلا؛ لأنّ المشتري

ص: 94


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- المغني 262:5-263، الشرح الكبير 235:5.
3- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.

بملك [الغير](1) لا يقع له بحال(2).

مسألة 713: إذا ثبت الردّ للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل علي العيب قبل اطّلاع الوكيل أو بعده و رضيه، سقط عن الوكيل،

بخلاف عامل القراض؛ فإنّه يبقي له الردّ و إن رضي المالك لحظّه في الربح، و لا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل و تقصيره، فإذا أخّر أو صرّح بالتزام العقد، فله الردّ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله، علي إشكالٍ من حيث إنّه نائب، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.

و الأظهر عند الشافعيّة: المنع(3).

و إذا قلنا بأنّه ليس له العود إلي الردّ أو أثبتنا له العود و لم يعد، فإذا اطّلع الموكّل عليه و أراد الردّ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء، أو نواه و صدّقه البائع عليه. و إن كذّبه، ردّه علي الوكيل، و لزمه البيع؛ لأنّه اشتري في الذمّة ما لم يأذن فيه الموكّل، فينصرف إليه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ المبيع يكون للموكّل، و الردّ قد فات؛ لتفريط الوكيل، فيضمن للموكّل(4).

و الذي يضمنه قدر نقصان قيمته من الثمن، فلو كانت القيمة تسعين و الثمن مائةً، رجع بعشرة، و لو تساويا فلا رجوع، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال الأكثر منهم: يرجع بأرش العيب من الثمن؛ لفوات الردّ بغير تقصيره، فكان له الأرش، كما لو تعذّر الردّ بعيبٍ حادث، إلّا أنّ هناك

ص: 95


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العين». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 233:5.
3- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3-543. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 234:5، روضة الطالبين 543:3.

يؤخذ الأرش من البائع؛ لتلبيسه، وهنا من الوكيل؛ لتقصيره(1).

و لو التمس البائع من الوكيل تأخير الردّ حتي يحضر الموكّل، فقد قلنا: إنّه لا تجب عليه الإجابة؛ لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له، فلا يكلّف تأخيره.

فإن أخّر كما التمسه البائع، فحضر الموكّل و لم يرض به، قال بعض الشافعيّة: المبيع للوكيل، و لا ردّ؛ لتأخيره مع الإمكان(2).

و قال بعضهم: له الردّ؛ لأنّه لم يرض بالعيب(3).

و لو ادّعي البائع رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ، ففي إحلافه خلاف سبق(1).

فإن قلنا بالحلف فعرضت اليمين علي الوكيل، فإن حلف ردّه، ثمّ إن حضر الموكّل و صدّق البائع، فله استرداد المبيع من البائع؛ لموافقته إيّاه علي الرضا قبل الردّ، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: لا يستردّ، و ينفذ فسخ الوكيل(6).

و إن نكل، حلف البائع، و سقط ردّ الوكيل، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع، فذاك. و إن كذّبه، قال بعض الشافعيّة: لزم العقد الوكيل، و لا ردّ؛ لإبطال الحقّ بالنكول(2).

مسألة 714: هذا كلّه في طرف الشراء، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً، ردّه عليه إن لم يعلمه وكيلاً،
اشارة

ثمّ هو يردّ علي الموكّل. و إن علمه وكيلاً، ردّه علي الموكّل خاصّةً.

و قال بعض الشافعيّة: إن شاء ردّه علي الوكيل، و إن شاء ردّه علي

ص: 96


1- في ص 90، ضمن المسألة 709. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 543:3.
2- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.

الموكّل، فإذا ردّه علي الوكيل ردّه علي الموكّل(1).

و هو ممنوع؛ لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.

و هل للوكيل حطّ بعض الثمن للعيب ؟ للشافعيّة قولان(2).

و يحتمل أنّه ليس له ذلك؛ لأنّه مأمور بالبيع، و أن يكون له؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن مثل السلعة، و ثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.

و لو زعم الموكّل حدوث العيب في يد المشتري، و صدّق الوكيل المشتري، ردّ المشتري علي الوكيل، و لم يردّ الوكيل علي الموكّل عند الشافعيّة(3).

و الوجه: إنّه مع عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ علي عدم السبق، و يستقرّ البيع للمشتري مجّاناً.

هذا إن علم المشتري بالوكالة. و إن لم يعلم، ردّ علي الوكيل.

تذنيب: هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق علي المالك ؟

سيأتي.

فإن قلنا: له ذلك فلو اشتري أباه فظهر معيباً، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً فيه؛ لأنّه لا يعتق علي الموكّل قبل الرضا بالعيب.

البحث الرابع: في تخصيصات الموكّل.
مسألة 715: يجب علي الوكيل تتبّع تخصيصات الموكّل،
اشارة

و لا يجوز له العدول عنها و لا التجاوز بها، إلّا في صورة السُّوق علي ما يأتي(4) ، بل

ص: 97


1- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
2- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
3- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
4- في ص 98.

يجب النظر إلي تقييدات الموكّل في الوكالة.

و يشترط علي الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال: بِعْ علي زيدٍ، لم يجز له بيعه من غيره؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين، فقد يرغب إلي شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته، و إمّا لخلوّ ماله عن الشبهات، فقد يكون أقرب إلي الحِلّ و أبعد عن الشبهة، و إمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته إيّاه شيئاً، أو لإمكان استرداده منه، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له الموكّل، كان موقوفاً، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع، و إلّا فلا.

تذنيب: لو قال: بِعْه من زيدٍ بمائة، لم يجز بيعه علي غيره بأزيد

إلّا أن يجيز.

مسألة 716: لو عيّن له زماناً، لم يجز له التخطّي و لا العدول عنه،

فإذا قال: بِعْه اليوم، أو يوم كذا، لم يجز له التقديم و لا التأخير؛ لأنّه ربما يحتاج إلي البيع في ذلك الوقت، دون ما قبله و ما بعده، فإن قدّم أو أخّر، وقف علي الإجازة.

و لو عيّن له مكاناً من سُوقٍ و نحوه، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه أكثر و النقد فيه أجود و المتعاملون فيه أسمح، لم يجز له البيع في غيره.

و إن لم يكن له غرض، فالأقرب: جواز بيعه في غيره؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير باعثٍ إليه، و إنّما الغرض و المقصود تحصيل الثمن، فإذا حصل في غيره، جاز، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يجوز التعدّي؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح

ص: 98

لا يطّلع عليه(1).

و هو غير محلّ النزاع؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفي الغرض بالكلّيّة، أمّا لو جوّزنا حصول غرضٍ صحيح، فإنّه لا يجوز له التعدّي.

و لو نهاه صريحاً عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه، لم يجز له التعدّي إلي المنهيّ عنه إجماعاً.

و لو قال: بِعْه في بلد كذا، احتُمل أن يكون كقوله: بِعْه في السُّوق الفلاني، حتي لو باعه في بلدٍ آخَر، جاء فيه التفصيل: إن كان له غرض صحيح في التخصيص، لم يجز التعدّي، و إلّا جاز، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلي غير المعيّن، و كذا الثمن يكون مضموناً في يده، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ، يبيعه في ذلك البلد، فلو نقله صار ضامناً.

مسألة 717: الموكّل إذا أذن للوكيل في البيع، فإمّا أن يُطلق، أو يُقيّد.
اشارة

فإن أطلق، فقد بيّنّا أنّه يُحمل علي البيع بثمن المثل بنقد البلد حالاًّ.

و إن قيّد فقال: بِعْه بمائة درهمٍ، لم يجز له البيع بأقلّ، فإن باع بالأقلّ، كان موقوفاً؛ لأنّه غير مأذون فيه، و يكون الوكيل هنا فضوليّاً، إن أجاز المالك البيعَ صحّ، و إلّا فلا، و كان للموكّل فسخ البيع.

و قول الشيخ رحمه الله: «إذا تعدّي الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل، كان ضامناً لما تعدّي فيه»(2) لا ينافي ما قلناه.

و لو باعه بأكثر من مائة درهمٍ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس

ص: 99


1- الوسيط 293:3-294، التهذيب - للبغوي - 218:4، البيان 373:6، العزيز شرح الوجيز 238:5، روضة الطالبين 546:3.
2- النهاية: 319.

- مثل: أن يبيعه بمائة درهمٍ و ثوبٍ - جاز عند علمائنا، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً، و سواء كانت الزيادة من الأثمان أو لا؛ لأنّها زيادة تنفعه و لا تضرّه.

و قال أصحاب الشافعي: لا يصحّ بيعه بمائةٍ و ثوبٍ - في أحد الوجهين - لأنّه من غير جنس الأثمان(1).

و كونه من غير جنس الأثمان لا ينافي كونها زيادةً. و لأنّ الإذنَ في بيعه بمائة إذنٌ في بيعه بزيادة عليها عرفاً، فإنّ مَنْ رضي بمائة لا يكره الزيادة عليها بثوبٍ ينفعه.

و لو باعه بمائة دينار، أو بمائة ثوب، أو بمائة دينار و عشرين درهماً، أو بمهما كان غير ما عيّن له، لم يجز؛ لأنّ المأتيّ به غير المأمور بتحصيله، و لا هو مشتمل علي تحصيل ما أُمر بتحصيله، و الوكيل متصرّف بالإذن، فإذا عدل عن المأذون فيه، كان فضوليّاً.

و يحتمل عندي قويّاً: جواز بيعه بأكثر من المائة و لو من غير الجنس، إلّا أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم خصوصاً إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً، فإنّ مَنْ رضي بدرهمٍ رضي مكانه بدينارٍ، فجري مجري ما إذا باعه بمائة درهمٍ و دينارٍ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوبٍ؛ لأنّه من غير الجنس.

و يحتمل عندي مع الزيادة الجواز.

و لو باعه بالأزيد و لو قلّ - مثل أن يبيعه بمائة درهمٍ و درهمٍ - صحّ؛ لأنّ المقصود من التقدير أن لا ينقص منها في العرف.5.

ص: 100


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 195:8، البيان 391:6، العزيز شرح الوجيز 243:5، روضة الطالبين 550:3، المغني 256:5، الشرح الكبير 227:5.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أمره ببيعه بمائة درهم، لم يجز أن يبيعه بالأزيد(1) ، سواء كان من الجنس أو لا، و سواء نهاه عن الزيادة أو لم ينهه؛ لأنّه لم يرض بعهدة ما فوق المائة. و لأنّ البيع بالمائتين غير البيع بالمائة، و لهذا لو قال: بعت بمائة درهمٍ، لم يصح القبول بمائتين، كما لا يصحّ القبول بمائتي دينار.

و الأولي الصحّة. و التغاير مسلّم، لكنّ الإذنَ في أحدهما إذنٌ في الآخَر بطريق الأولي، بخلاف القبول؛ لأنّ من شرطه المطابقةَ، فعلي هذا البيعُ بعرضٍ يساوي مائة دينارٍ كالبيع بمائة دينارٍ.

فروع:
أ - لو أمره ببيعه بمائة و نهاه عن البيع بالأزيد، لم يكن له البيع بالأزيد قطعاً؛

لاحتمال تعلّق غرضه بذلك، فلا يجوز التخطّي.

ب - لو أمره ببيعه بمائة و هناك مَنْ يرغب بالزيادة علي المائة، جاز له بيعه بالمائة امتثالاً لأمره.

و يحتمل المنع؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل، و ترك الزيادة مضرّة به.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الجواز؛ لموافقته صريح إذنه.

و الثاني: المنع، كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل و هناك مَنْ يرغب بالزيادة(2).

ج - لا فرق بين أن يكون المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا إذا لم يقصد إرفاقه.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.
2- العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

فلو قال: بِعْه من زيدٍ بمائةٍ و قصد إرفاق زيدٍ، لم يبع بأكثر، فإن باع كان فضوليّاً.

و إن لم يقصد إرفاقه، بل قصد سهولة معاملته أو خلوص ماله عن الشبهة أو بُعْده عنها، جاز أن يبيع بأكثر من المائة، كما لو أطلق.

و لو جهل الأمر، لم يبعه إلّا بالمائة، مع احتمال الأزيد.

د - لو قال: بِعْ بكذا ، و لا تبعه

د - لو قال: بِعْ بكذا(1) ، و لا تبعه(2) بأكثر من مائة، لم يبِعْ بالأكثر،

و يبيع(3) بها و بأقلّ؛ لاحتمال أمره الشيئين، و شموله لهما.

نعم، لا يبيع بأقلّ من ثمن المثل.

و لو كانت المائة أقلّ من ثمن المثل، باع بها لا بالأقلّ.

ه - لو قال: بِعْه بمائةٍ و لا تبعه بمائةٍ و خمسين، لم يبِعْ بأقلّ من مائةٍ و لا بمائةٍ و خمسين؛

للنهي. و له بيعه بأزيد من مائةٍ و أقلّ من مائةٍ و خمسين، و له بيعه أيضاً بأزيد من مائةٍ و خمسين.

و للشافعيّة في بيعه بأزيد من مائةٍ و خمسين وجهان، أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه نهاه عن زيادة خمسين فما فوقها أولي(4).

و - البحث في طرف المشتري كالبحث في طرف البائع،

فلو قال له:

اشتر كذا بمائة، فله أن يشتري بما دونها، إلّا مع النهي، فلا يصحّ؛ لأنّه خالفه، و صريح قوله مقدَّم علي دلالة العرف. و كذا لو قصد الإرفاق للبائع، و ليس له أن يشتري بأزيد من مائة.

ص: 102


1- فيما عدا «ر» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذا».
2- في «خ»: «لا تبع».
3- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «بِيع».
4- بحر المذهب 195:8، العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

و لو قال: اشتر بمائة، و لا تشتر بخمسين، جاز له أن يشتري بما بين مائة و خمسين، و لا يشتري بخمسين؛ لأنّ إذنه في الشراء بمائة دلّ عرفاً علي الشراء بما دونها، خرج منه المحصور بصريح النهي [و] بقي فيما فوقها علي مقتضي الإذن.

و فيما دونها للشافعيّة وجهان(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ لأنّه لم يخالف صريح نهيه، فأشبه ما إذا زاد علي الخمسين.

مسألة 718: لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة فباع نصفه بها، أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ، جاز؛

لأنّه مأذون فيه من جهة العرف، فإنّ مَنْ رضي بمائة ثمناً للكلّ رضي بها ثمناً للنصف، و لأنّه حصّل له المائة و أبقي له زيادة تنفعه و لا تضرّه، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائةٍ و ثوبٍ أو عبد أو نصف عبدٍ.

إذا ثبت هذا، فله بيع النصف الآخَر؛ لأنّه مأذون له في بيعه، فأشبه ما لو باع العبد كلّه بمثلَي ثمنه.

و يحتمل المنع؛ لأنّه قد حصل للموكّل غرضه من الثمن ببيع نصفه، فربما لا يؤثّر بيع باقيه؛ للغني عن باقيه بما حصل له من ثمن نصفه.

و كذا لو وكّله في بيع عبدين بمائة، فباع أحدهما بالمائة، صحّ.

و هل له بيع الآخَر؟ فيه الاحتمالان السابقان.

و لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة، فباع نصفه بأقلّ منها، لم يجز؛ لأنّه غير المأذون فيه.

ص: 103


1- بحر المذهب 194:8، البيان 392:6، العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

و إن وكّله مطلقاً، فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ، لم يجز، و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز، كما إذا أطلق الوكالة؛ بناءً علي أصله في أنّ للوكيل المطلق البيعَ(2).

و هو غلط؛ لما فيه من الضرر علي الموكّل ببيع بعضه، و لم يوجد الإذن فيه نطقاً و لا عرفاً، فلم يجز، كما لو وكّله في شراء عبدٍ، فاشتري نصفه.

و لو قال: اشتره بمائة دينارٍ، فاشتراه بمائة درهمٍ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو قال: بِعْه بمائة درهمٍ، فباعه بمائة دينارٍ.

و الأقرب: الجواز.

و لو قال: اشتر نصفه بمائة، فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة، صحّ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً.

و لو قال: اشتر نصفه بمائة و لا تشتر جميعه، فاشتري أكثر من النصف و أقلّ من الكلّ بمائة، صحّ علي ما تقدّم في البيع؛ لأنّ دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كلّ ما زاد علي النصف، خرج الجميع بصريح نهيه، فيبقي ما عداه علي مقتضي الإذن.

مسألة 719: لو وكّله في شراء عبدٍ موصوفٍ بمائة، فاشتراه علي الصفة بدونها، جاز؛

لأنّه مأذون فيه عرفاً، فلو خالف في الصفة أو اشتراه

ص: 104


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 195:8، الوسيط 299:3، المغني 257:5، الشرح الكبير 228:5، تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 146:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2.
2- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 146:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2، بحر المذهب 195:8، المغني 257:5، الشرح الكبير 228:5.

بأكثر منها، لم يلزم الموكّل.

و لو قال: اشتر لي عبداً بمائة، فاشتري عبداً يساوي مائةً بدونها، جاز؛ لأنّه لو اشتراه بمائةٍ جاز، فإن اشتراه بدونها فقد زاده خيراً، فيجوز.

و إن كان لا يساوي مائةً، لم يجز و إن كان يساوي أكثر ممّا اشتراه به؛ لأنّه خالف أمره، و لم يحصل غرضه.

مسألة 720: لو قال له: بِعْه إلي أجل، و بيّن قدره، فامتثل، صحّ.
اشارة

و إن باع حالاًّ، فإن باع بما يساويه حالاًّ، لم يصح؛ لأنّه يكون ناقصاً عمّا أمره به، فإنّ ما يشتري به الشيء نقداً أقلّ ممّا يشتري به نسيئةً.

و إن باعه بما يساويه نسيئةً إلي ذلك الأجل الذي عيّنه، فإن لم يكن هناك للموكّل غرض في النسيئة بأن يكون في وقتٍ لا يؤمن فيه من النهب أو السرقة، أو كان لحفظه مئونة في الحال، صحّ البيع؛ لأنّه زاده خيراً و قد أحسن إليه، و قال تعالي:«ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»(1) و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: المنع؛ لأنّه ربما كان يحتاج إلي الثمن في ذلك الوقت، أو يخاف من التعجيل خروجه في النفقة(2).

و هو غلط؛ لأنّا فرضنا انتفاء الأغراض بأسرها؛ إذ الكلام فيه.

و إن كان هناك غرض صحيح ممّا ذكرناه أو غيره، لم يصح البيع؛ لأنّه قد خالف ما أمره، فيكون فضوليّاً فيه، إن أجازه صحّ، و إلّا فلا.

فروع:
أ - لا فرق فيما ذكرناه بين ثمن المثل عند الإطلاق،

و بين ما يقدّره

ص: 105


1- التوبة: 91.
2- بحر المذهب 184:8، البيان 387:6، العزيز شرح الوجيز 240:5، روضة الطالبين 548:3.

من الثمن بأن قال: بِعْ بمائةٍ نسيئةً، فباع بمائةٍ نقداً.

ب - لو قال: بِعْه بكذا إلي شهرين، فباعه به إلي شهرٍ،

ففيه ما قدّمناه في النسيئة و الحالّ.

ج - لو قال: اشتر حالاًّ، فاشتراه مؤجَّلاً،

فإن اشتراه بما يرغب به فيه(1) إلي ذلك الأجل، لم يصح الشراء للموكّل؛ لأنّ الثمن يكون أكثر، فيكون فضوليّاً في هذا الشراء.

و إن اشتراه بما يرغب به فيه حالاًّ إلي ذلك الأجل، فللشافعيّة وجهان، كما في طرف البيع(2).

و الحقّ أن نقول: إن كان له غرض بأن يخاف هلاك المال و بقاء الدَّيْن عليه أو غير ذلك من الأغراض، لم يصح، و إلّا جاز.

و قال بعض الشافعيّة: هذا إذا قلنا: إنّ مستحقّ الدَّيْن المؤجَّل إذا عجّل حقّه، يلزمه القبول، أمّا إذا قلنا: لا يلزمه القبول، لا يصحّ الشراء هنا للموكّل بحال(3).

و خرّجوا عليه أنّ الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشتري نسيئةً بثمن مثله نقداً، جاز؛ لأنّه زاده خيراً، و الموكّل بسبيلٍ من تفريغ ذمّته بالتعجيل(4).

د - إذا وكّله في البيع نسيئةً، و لم يعيّن الأجل، صحّ عندنا،

و حُمل الإطلاق علي المتعارف بين الناس. و لو عيّن له، لم تجز الزيادة. و في النقصان قولان.

مسألة 721: لو وكّله في الشراء بخيار أو في البيع به، فاشتراه منجّزاً أو باعه منجّزاً، كان فضوليّاً؛

لأنّه خالف ما أُمر به، فإن أمضاه الموكّل

ص: 106


1- في «ث، ر»: «بما يرغب فيه». و في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بما يرغب فيه به». (2-4) العزيز شرح الوجيز 240:5، روضة الطالبين 548:3.

صحّ، و إلّا فلا.

و لو أمره بالشراء بخيارٍ له، فجَعَله للآخَر أو في البيع، لم يلزم، و كان فضوليّاً؛ لأنّه خالف أمره، و ربما كان له غرض في ذلك صحيح.

أمّا لو قال: اجعل الخيار للآخَر، فجَعَله له، أو قال: اجعل الخيار للجميع، فجَعَله للموكّل خاصّةً، احتُمل الصحّة؛ لأنّه زاده خيراً، و هو الأقوي. و المنع؛ للمخالفة.

مسألة 722: لو سلّم إلي وكيله ديناراً ليشتري له شاةً موصوفة، فاشتري الوكيل بالدينار شاتين كلّ واحدةٍ بتلك الصفة تساوي ديناراً، صحّ

الشراء، و حصل الملك للموكّل فيهما؛ لأنّه إذا أذن له في شراء شاة بدينارٍ فإذا اشتري شاتين كلّ واحدةٍ منهما تساوي ديناراً بدينار، فقد زاده خيراً مع تحصيل ما طلبه الموكّل، فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة بدينار، فباعها بدينارين، أو بشراء شاة تساوي ديناراً بدينار، فاشتراها بنصفه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ الشاتين معاً لا تقعان للموكّل؛ لأنّه لم يأذن له إلّا في شراء واحدة، و لكن يُنظر إن اشتراهما في الذمّة، فللموكّل واحدة بنصف الدينار، و الأُخري للوكيل، و يردّ علي الموكّل نصف دينارٍ، و للموكّل أن ينتزع الثانية منه، و يقرّر العقد فيهما؛ لأنّه عقد العقد فيهما له. و إن اشتراهما بعين الدينار، فكأنّه اشتري واحدةً بإذنه، و أُخري بغير إذنه، فيبني علي أنّ العقود هل تتوقّف علي الإجازة ؟

إن قلنا: لا تتوقّف، بطل العقد في واحدة، و في الثانية قولا تفريق الصفقة.

و إن قلنا: تتوقّف، فإن شاء الموكّل أخذهما بالدينار، و إن شاء اقتصر

ص: 107

علي واحدةٍ، و ردّ الأُخري علي المالك(1).

و استشكله بعض الشافعيّة و مَنَعه؛ لأنّ تعيين واحدة للموكّل أو بطلان العقد فيها ليس بأولي من تعيين الأُخري، و التخيير شبيه بما إذا باع شاةً من شاتين علي أن يتخيّر المشتري، و هو باطل(2).

و نقل الجويني فيما إذا اشتري في الذمّة قولاً ثالثاً: إنّ الشراء لا يصحّ للموكّل في واحدةٍ منهما، بل تقعان للوكيل(3).

و لو كانت كلّ واحدةٍ من الشاتين تساوي أقلّ من دينارٍ، لم يلزم الشراء، و كان فضوليّاً و إن كان مجموعهما تساوي أكثر من الدينار؛ لأنّه لم يمتثل ما أمره به.

و لو كانت إحداهما تساوي ديناراً و الأُخري تساوي أقلّ من دينارٍ، صحّ الشراء؛ لأنّه امتثل و زاد خيراً.

و اعلم أنّ الشافعي ذكر في كتاب الإجارات هذه المسألة، و قال: إذا أعطاه ديناراً و قال: اشتر به شاةً، فاشتري به شاتين، ففيها قولان:

أحدهما: ينتقل ملك الشاتين معاً إلي الموكّل.

و الثاني: ينتقل ملك إحداهما إلي الموكّل، و ملك الأُخري إلي الوكيل، و يكون الموكّل فيها بالخيار إن شاء أقرّها علي ملك وكيله، و إن شاء انتزعها(2).

قال القاضي أبو الطيّب من أصحابه: لا وجه لهذا القول، إلّا أن يكون4.

ص: 108


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 143:5، التهذيب - للبغوي - 222:4، البيان 395:6-396، العزيز شرح الوجيز 241:5، روضة الطالبين 549:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 241:5، روضة الطالبين 549:3.
2- الأُم 32:4.

علي قولٍ محكيٍّ عن الشافعي في المبيع الموقوف(1).

و ذكر أبو حامد أنّه إذا اشتري ذلك في الذمّة، وقع للموكّل في أحد القولين و [تقع](2) إحداهما للوكيل في القول الآخَر، و للموكّل أخذها(3) منه.

قال أبو العباس بن سريج: إنّ ذلك جارٍ مجري الأخذ بالشفعة؛ لتعلّقه بملكه، و مشاركته له في العقد(4).

فأمّا إذا اشتراهما بعين مال الموكّل، ففي أحد القولين يقع الكلّ للموكّل. و علي القول الآخَر لا يصحّ العقد في الشاتين(5) ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقع الملك للوكيل و الثمن عين ملك الموكّل(6).

و الأوّل عندهم أشبه؛ لأنّ المسألة إذا دفع إليه ديناراً و قال: اشتر به شاة.

و القول الصحيح عند الشافعيّة أنّ الشاتين تقعان للموكّل(7). و هو مذهبنا أيضاً نصّ عليه الشيخ في الخلاف(8).

و قال أبو حنيفة: تقع للموكّل إحدي الشاتين بنصف دينار، و تقع الأُخري للوكيل، و يرجع الموكّل عليه بنصف دينار؛ لأنّ الموكّل لم يرض إلّا بأن تلزمه عهدة شاة واحدة، فلا تلزمه شاتان(9).0.

ص: 109


1- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 144:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وقع». و الأنسب ما أثبتناه. و في المصدر بدلها: «يقع».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أخذه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 144:5.
5- في المصدر: بطلان العقد في إحدي الشاتين.
6- بحر المذهب 198:8، البيان 397:6.
7- تقدّم تخريجه في ص 108، الهامش (1).
8- الخلاف 353:3، المسألة 22 من كتاب الوكالة.
9- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 143:5، المغني 259:5، الشرح الكبير 231:5، و انظر: المبسوط - للسرخسي - 65:19، و الهداية - للمرغيناني - 141:3، و بدائع الصنائع 30:6، و الاختيار لتعليل المختار 259:2-260.

و احتجّ الشيخ رحمه الله بحديث عروة البارقي، فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أعطي عروة ابن الجعد البارقي ديناراً و قال له: «اشتر لنا به شاة» قال: فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار، فجئت أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعت منه شاةً بدينار، و أتيت النبيّ صلي الله عليه و آله بالدينار و بالشاة، فقلت: يا رسول اللّه هذا ديناركم و هذه شاتكم، فقال: «و صنعت كيف ؟» فحدّثته، فقال: «اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه»(1).

و لأنّه فَعَل المأذون فيه و زيادة من جنسه تنفع و لا تضرّ، فوقع ذلك كلّه له، كما لو قال: بِعْه بدينار، فباعه بدينارين.

و ما ذكره أبو حنيفة يبطل بالبيع.

مسألة 723: قد بيّنّا أنّه يصحّ شراء الشاتين للموكّل؛

استدلالاً بحديث عروة البارقي، فإذا باع الوكيل إحدي الشاتين من غير إذن الموكّل، فالوجه عندي: إنّ بيعه يقع موقوفاً علي إجازة الموكّل إن أجازه نفذ، و إلّا بطل.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع - كما قلناه - لأنّه لم يأذن له في البيع، فأشبه ما إذا اشتري شاةً بدينارٍ ثمّ باعها بدينارين. و لأنّه باع مال موكّله بغير أمره فلم يجز، كما لو باع الشاتين معاً.

و الثاني: إنّه يصحّ؛ لأنّه إذا جاء بالشاة، فقد حصل مقصود الموكّل، فلا فرق فيما زاد بين أن يكون ذهباً أو غيره، هذا إذا كانت الباقية تساوي ديناراً(2).

ص: 110


1- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (5).
2- البيان 396:6، العزيز شرح الوجيز 242:5، روضة الطالبين 549:3.

و بالصحّة قال أحمد؛ لحديث(1) عروة البارقي(2).

و عندنا أنّ بيع الفضولي يقع موقوفاً، و لا يلزم من إجازة بيع النبيّ صلي الله عليه و آله له ملكه لذلك، فجاز أن يجيز عقد الفضولي. و أيضاً جاز أن يكون عروة وكيلاً عامّاً في البيع و الشراء.

و عند الشافعي يُخرَّج علي هذا ما إذا اشتري [الشاة بدينار و باعها](3) بدينارين، و يقال: هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي، فعلي الجديد يلغو، و علي القديم ينعقد موقوفاً علي إجازة الموكّل(4).

لكن فعل النبيّ صلي الله عليه و آله من تقرير البارقي علي الشراء و البيع يعطي صحّة وقوع العقد، و لا يكون باطلاً في أصله.

و احتجّ أبو حنيفة(5) للشافعي علي أحد قوليه - من وقوع إحدي الشاتين للوكيل - بأنّ الشاتين لو وقعتا للنبيّ صلي الله عليه و آله لما باع إحداهما قبل مراجعته؛ إذ الإنسان لا يبيع مال الغير، كيف! و قد سلّم و تصرّف الفضولي، فإن حكم بانعقاده، فلا كلام في أنّه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك و إجازته، فلمّا باع إحداهما دلّ علي أنّها دخلت في ملكه(6).

و هذا ليس بشيءٍ؛ لأنّ عروة لمّا عرف أنّ الاحتياج إلي الشاة للأُضحية لا إلي أزيد، حصّل المطلوب و باع فضوليّاً و سلّم المبيع و قبض5.

ص: 111


1- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة: «لرواية» بدل «لحديث».
2- المغني 260:5، الشرح الكبير 232:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشاتين بدينار و باعهما». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 242:5، روضة الطالبين 549:3.
5- كذا قوله: «أبو حنيفة». و الظاهر أنّها إمّا تصحيف كنيةٍ أُخري، أو زائدة.
6- العزيز شرح الوجيز 242:5.

الثمن كذلك، و يكون موقوفاً علي الإجازة، فلمّا رضي النبيّ صلي الله عليه و آله بالبيع و ما فَعَله البارقي، لزم.

و لو سلّمنا أنّ إحداهما دخلت في ملكه، لكنّها لا تتعيّن ما لم يختر الموكّل واحدةً منهما، أو يجري بينهما اصطلاح في ذلك، و إذا لم تكن التي ملكها متعيّنةً، فكيف يبيع واحدةً علي التعيين!؟.

و القائلون بالصحّة احتجّ مَنْ ذهب منهم إلي صحّة بيع إحدي الشاتين: بالحديث، و مَنْ مَنَع حَمَل القضيّة(1) علي أنّ عروة كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبيّ صلي الله عليه و آله في بيع أمواله، فيبيع إذا رأي المصلحة فيه(2).

لكن في هذا التأويل بحث؛ لأنّه إن كان قد وكّله في بيع أمواله، لم يدخل فيه ما يملكه من بَعْدُ.

و إن قيل: وكّله في بيع أمواله و ما سيملكه، وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه، إلّا أن يقال: ذلك الخلاف فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه بالتوكيل، أمّا إذا جَعَله تابعاً لأمواله الموجودة في الحال، فيجوز، و هذا كما أنّه لو قال: وَقَفْتُ علي مَنْ سيولد من أولادي، لا يجوز.

و لو قال: علي أولادي و مَنْ سيولد، جاز.

و لو قال له: بِعْ عبدي بمائة درهم، فباعه بمائة و عبد أو ثوب يساوي مائة درهم، قال ابن سريج: إنّه علي قولين بالترتيب علي مسألة الشاتين، و أولي بالمنع؛ لأنّه عدل عن الجنس الذي أمره بالبيع به، إن منع منه فليمنع في القدر الذي يقابل غير الجنس - و هو النصف - أو في5.

ص: 112


1- في النسخ الخطّيّة: «القصّة» بدل «القضيّة».
2- البيان 396:6، العزيز شرح الوجيز 242:5.

الجميع؛ كي لا تتفرّق الصفقة ؟ فيه قولان(1).

إن قلنا: في ذلك القدر خاصّةً، قال بعضهم: إنّه لا خيار للبائع؛ لأنّه إذا رضي ببيع الجميع بالمائة كان راضياً ببيع النصف بها، و أمّا المشتري إن لم يعلم كونه وكيلاً بالبيع بالدراهم فله الخيار. و إن علم فوجهان؛ لشروعه في العقد مع العلم بأنّ بعض المعقود لا يسلم له(2).

مسألة 724: لو دفع إليه ألفاً و قال: اشتر بها بعينها شيئاً، فاشتري شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه في ثمنه، لم يلزمه

(3) ، و كان الوكيل فضوليّاً، إن رضي المالك بالبيع جاز، و إلّا فلا - و به قال الشافعي(4) - لأنّه أمره بعقدٍ ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه، و الوكيل أتي بعقدٍ لا ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه، و يلزم أن يؤدّي ألفاً أُخري، و قد لا يريد لزوم ألفٍ أُخري.

و لو قال: اشتر في الذمّة و سلِّم هذا في ثمنه، فاشتري بعينه، لم يلزم أيضاً، و كان الوكيل فضوليّاً؛ لأنّه ربما يريد حصول ذلك المبيع له، سواء سلّم ما سلّمه إليه أو تلف، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و في الثاني: أنّه يلزم الوكيل؛ لأنّه زاد خيراً حيث عقد علي وجهٍ لو تلف ما سلّمه إليه لم يلزمه شيء آخَر(5).

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 243:5.
2- العزيز شرح الوجيز 243:5، روضة الطالبين 550:3.
3- فيما عدا «ث» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يلزم».
4- المهذّب - للشيرازي - 360:1، التنبيه: 109، الوجيز 192:1، الوسيط 298:3، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 360:1، التنبيه: 109، الوجيز 192:1، الوسيط 298:3، حلية العلماء 134:5، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.

و لو سلّم إليه ألفاً و قال: اشتر كذا بألف، و لم يقل: بعينه، و لا قال:

في الذمّة، بل قال: اصرف هذا في الثمن، فالأقرب: إنّ الوكيل يتخيّر بين أن يشتري بعينها أو في الذمّة؛ لأنّه علي التقديرين يكون آتياً بالمأمور به، و يجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرّد انصرافه إلي ثمن ذلك الشيء، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يشتري بالعين، فإن اشتري في الذمّة لم يصح، و يكون بمنزلة ما لو قال: اشتر بعينه؛ لأنّ قرينة التسليم تشعر به(1).

و هو ممنوع.

مسألة 725: إذا وكّله في بيع عينٍ أو شرائها، لم يملك العقد علي بعضه؛

لأنّ التوكيل إنّما وقع بالجميع، و هو مغاير للأجزاء. و لأنّ في التبعيض إضراراً بالموكّل، و لم يأذن له فيه، فإن فَعَله(2) كان فضوليّاً.

أمّا لو أذن له في بيع عبيدٍ أو شرائهم، مَلَك العقد جملةً و فرادي؛ لأنّ الإذن تناول العقد عليهم جملةً، و العرف في بيعه و شرائه العقد علي واحدٍ واحدٍ، و لا ضرر في جمعهم و لا إفرادهم. و لو كان أحدهما أنفع، وجب المصير إليه؛ لأنّ الوكيل منصوب للمصلحة.

و لو نصّ علي الجمع، فقال: اشتر لي عبيداً صفقةً واحدة، أو: بِعْهم كذلك، أو علي التفريق، فقال: اشتر لي عبيداً واحداً واحداً، أو: بِعْهم كذلك، وجب الامتثال، فإن خالف كان فضوليّاً؛ لأنّ تنصيصه علي أحدهما

ص: 114


1- المهذّب - للشيرازي - 360:1، بحر المذهب 197:8، الوسيط 299:3، حلية العلماء 134:5-135، البيان 383:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.
2- في «ث، ج»: «فَعَل».

بعينه يدلّ علي ثبوت غرضٍ له فيه، فلا تجوز مخالفته، و لم يتناول إذنه سوي ما عيّنه.

و إن قال: اشتر لي عبدين صفقةً، فاشتري عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما و أجاز الآخَر، جاز.

و إن كان لكلّ واحدٍ منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين [بأن](1) أوجبا له البيع فيهما و قَبِل ذلك منهما بلفظٍ واحد، صحّ.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّ عقد الواحد مع الاثنين عقدان(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ القبول من المشتري، و هو متّحد، و الغرض لا يختلف.

و لو اشتراهما من وكيلهما و عيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما، مثل أن يقول:

بعتك هذين العبدين هذا بمائة و هذا بمائتين، فقال: قبلت، صحّ.

و لبعض العامّة وجهان(3).

و لو لم يعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما، صحّ عندنا - خلافاً لبعض العامّة(4) - و يقسّط الثمن علي قدر القيمتين.

مسألة 726: إذا أمره بشراء سلعةٍ، لم يكن له أن يشتري غيرها،

فلو أمره بشراء جاريةٍ معيّنة أو عبدٍ معيّن، فاشتري غير ما عيّن له، فإن كان قد سمّاه أو نواه و صدّقه البائع وقف العقد علي الإجازة، و كان الوكيل فضوليّاً؛ لأنّه اشتري له شيئاً لم يأذن له فيه، فلا يلزمه، و لا يقع عن الوكيل، سواء

ص: 115


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 549:6، بحر المذهب 196:8، التهذيب - للبغوي - 222:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3، المغني 253:5، الشرح الكبير 230:5. (3 و 4) المغني 253:5، الشرح الكبير 230:5.

اشتراه بعين مال الموكّل أو في ذمّته.

و إن أطلق العقد و لم يضفه إلي الموكّل و لا نواه، فإن اشتري بالعين، احتمل الوقوف علي الإجازة، فإن أجازه(1) المالك صحّ، و إلّا بطل؛ لحديث(2)المغني 249:5، الشرح الكبير 258:5-259.(3) عروة البارقي، فإنّه باع مال النبيّ صلي الله عليه و آله، و الشراء بالعين كبيع مال الغير، و أقرّه النبيّ صلي الله عليه و آله و دعا له. و لأنّه تصرّفٌ له مجيزٌ، فصحّ، و وقف علي الإجازة كالوصيّة بالزائد علي الثلث، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و في الأُخري: يبطل - و به قال الشافعي - لأنّه عقد علي مال مَنْ لم يأذن له في العقد، فلم يصح، كما لو باع مال الصبي ثمّ بلغ فأجاز، و قد نهي رسول اللّه صلي الله عليه و آله حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده، فقال: «لا تبع ما ليس عندك»(4) يعني ما لا تملك(5).

و إن اشتري في الذمّة ثمّ نقد ثمنه، وقع البيع للوكيل؛ لأنّه تصرّفٌ صدر من بالغٍ عاقلٍ غير محجورٍ عليه، فصحّ، و وقع للوكيل حيث لم ينو الموكّلَ و لا سمّاه و لا اشتري ما أذن له فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إذا اشتري بمالٍ في ذمّته للموكّل، فالشراء صحيح؛ لأنّه إنّما اشتري بثمنٍ في ذمّته، و ليس ذلك ملكاً لغيره، و يقع البيع للوكيل(5).9.

ص: 116


1- في النسخ الخطّيّة: «أجاز».
2- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش
3- .
4- سنن ابن ماجة 2187/737:2، سنن أبي داوُد 3503/283:3، سنن الترمذي 1232/534:3، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5 و 317 و 339، مسند أحمد 14887/403:4 و 14888، المصنّف - لابن أبي شيبة - 540/129:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 14212/38:8، المعجم الكبير - للطبراني - 217:3-3097/218-3099، و 3102 و 3103.
5- المغني 249:5-250، الشرح الكبير 258:5.

و قال بعضهم: لا يصحّ للموكّل و لا للوكيل؛ لأنّه عقده علي أنّه للموكّل، فلم يقع عن الوكيل، و الموكّل لم يأذن له فيه، فلم يقع عنه(1).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: إنّ الشراء للوكيل؛ لأنّه اشتري في ذمّته بغير إذنه، فكان الشراء له، كما لو لم ينو غيره.

و الثانية: إنّه يقف علي إجازة الموكّل - كما قلناه نحن - فإن أجازه، صحّ؛ لأنّه اشتري له و قد أجازه فلزمه، كما لو اشتري بإذنه. و إن لم يُجزه، قال: يلزم الوكيل؛ لأنّه لا يجوز أن يلزم الموكّل؛ لأنّه لم يأذن في شرائه، و لزم الوكيل؛ لأنّ الشراء صدر منه، و لم يثبت لغيره، فيثبت في حقّه، كما لو اشتراه لنفسه(2).

و ليس بحقٍّ؛ لأنّه اشتري لغيره، فإذا لم يرض الغير، بطل العقد.

و هذا الحكم في كلّ مَن اشتري شيئاً في ذمّته لغيره بغير إذنه، سواء كان وكيلاً للّذي قصد الشراء له، أو لم يكن وكيلاً.

مسألة 727: إذا قال له: بِعْ هذا العبد، فباع عبداً آخَر، فهو فضوليّ في بيع الآخَر؛

لأنّه غير مأذونٍ له فيه، فكان كالأجنبيّ بالنسبة إليه، فإن أمضي المالك البيعَ، صحّ، و إلّا بطل؛ لأنّ المالك لم يرض بإزالة ملكه عنه.

و قال الشافعي في أحد القولين: إنّه باطل(1).

و أمّا الشراء: فإن وقع بعين مال الموكّل، فهو كالبيع. و إن كان في الذمّة، فإن لم يسمّ الموكّلَ و لا نواه، فهو واقع عن الوكيل؛ لجريان

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 553:3.

الخطاب معه، و إنّما ينصرف إلي الموكّل بشرط أن ينويه أو يوافق إذنه.

و قال الشافعي: إذا نواه، لم يعتبر بالنيّة، و وقع الشراء للوكيل، لأنّه لم يوافق أمره، فلغت النيّة(1).

و ليس بجيّد.

قال: و لو سمّاه، فوجهان:

أحدهما: إنّه يبطل العقد رأساً؛ لأنّه صرّح بإضافته إلي الموكّل، و امتنع إيقاعه عنه، فيلغو(2). و هو الذي اخترناه.

و الأظهر عندهم: إنّه يقع عن الوكيل، و تلغو تسمية الموكّل؛ لأنّ تسمية الموكّل غير معتبرة في الشراء(3) ، فإذا سمّاه و لم يمكن صرف العقد إليه، صار كأنّه لم يسمّه(4).

و نحن نمنع وقوعه عن الوكيل؛ لأنّه لم يشتر لنفسه.

هذا كلّه فيما إذا قال البائع: بعت منك، فقال المشتري: اشتريته لفلان، يعني موكّله، فأمّا إذا قال البائع: بعت من فلان، و قال المشتري:

اشتريته لفلان، فظاهر مذهب الشافعيّة بطلان العقد؛ لأنّه لم تجر بينهما مخاطبة، و يخالف النكاح حيث يصحّ من الزوج و وكيل الزوج علي هذه الصفة، بل لا يجوز إلّا ذلك، و للبيع أحكام تتعلّق بمجلس العقد، كالخيار و غيره، و تلك الأحكام إنّما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين، فاعتبر جريان المخاطبة بينهما، و النكاح سفارة محضة(5).

و نحن لا فرق عندنا بين أن يوجب و يخاطب الوكيل أو يوجب3.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 248:5.
2- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 553:3-554.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشرع» بدل «الشراء». و المثبت كما في المصدر. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 554:3.

للموكّل في البطلان.

مسألة 728: وكيل المتّهب بالقبول يجب أن يسمّي موكّله،

و إلّا وقع عنه؛ لجريان الخطاب معه، و لا ينصرف بالنيّة إلي الموكّل؛ لأنّ الواهب قد يقصده بالتبرّع بعينه، و ما كلّ أحد تسمح النفس بالتبرّع عليه، بخلاف المشتري، فإنّ المقصود فيه حصول العوض، هكذا قاله بعض الشافعيّة(1) ، و لا استبعاد في هذا القول.

البحث الخامس: في التوكيل بالخصومة.
مسألة 729: الوكيل بالخصومة إمّا أن يتوكّل عن المدّعي أو عن المدّعي عليه.

فإن كان وكيلاً عن المدّعي، مَلَك الدعوي و إقامة البيّنة و تعديلها و التحليف و طلب الحكم علي الغريم و القضاء عليه. و بالجملة، كلّ ما يقع وسيلةً إلي الإثبات.

و أمّا الوكيل عن المدّعي عليه فيملك الإنكار و الطعن في(2) الشهود و إقامة بيّنة الجرح و مطالبة الحاكم بسماعها و تبيينها و الحكم بها. و بالجملة، عليه السعي في الدفع ما أمكن.

و لو ادّعي المنكر في أثناء حكومة وكيله الإقباضَ أو الإبراءَ، انقلب مدّعياً، و مَلَك وكيله الدعوي بذلك و إقامة البيّنة(3) و طلب الحكم بها من الحاكم، و مَلَك وكيل المدّعي الإنكار لذلك و الطعن في بيّنة المشهود عليه.

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 554:3.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «علي» بدل «في».
3- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة زيادة: «عليه».
مسألة 730: لا يُقبل إقرار الوكيل، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض،
اشارة

أو الإبراء، أو قبول الحوالة، أو المصالحة علي مال، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل، أو أنّ البيّنة فسقة، أو قد زوّروا، أو قد أقرّ وكيل المدّعي عليه بالحقّ المدّعي، لم يُقبل، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و ابن أبي ليلي و زفر و أحمد(1) - لأنّ الإقرار معني يقطع الخصومة و ينافيها، فلا يملكه الوكيل فيها، كالإبراء. و لأنّه غير وكيلٍ في الإقرار، فلا يكون نائباً عنه، و إخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت، و إلّا فلا، و الإقرار إخبار.

و قال أبو حنيفة و محمّد: يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود و القصاص(2).

و قال أبو يوسف: يُقبل إقراره في مجلس الحكم و غيره؛ لأنّ الإقرار

ص: 120


1- الأُم 232:3، مختصر المزني: 110، الحاوي الكبير 513:6، المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 163:8، الوسيط 297:3، الوجيز 192:1، حلية العلماء 121:5، التهذيب - للبغوي - 214:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1839/453:2، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 243:5-244، روضة الطالبين 551:3، تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، المبسوط - للسرخسي - 4:19، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 599:2، الهداية - للمرغيناني - 151:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 599:2، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الحاوي الكبير 513:6، بحر المذهب 163:8، الوسيط 297:3، حلية العلماء 121:5، التهذيب - للبغوي - 214:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1839/453:2، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 244:5، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.

أحد جوابي الدعوي، فصحّ من الوكيل في الخصومة، كالإنكار(1).

و الفرق: أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة، و لا يسقط حقّ الموكّل منها، بخلاف الإقرار، أ لا تري أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود و القصاص، و لا يصحّ منه الإقرار، فنحن نقيس علي أبي حنيفة علي الحدود و القصاص و دعوي النكاح و الطلاق و العفو عن القصاص، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه(2) ، فنقيس المتنازع عليه. و لأنّ الوكيل لا يصالح و لا يبرئ، فكذلك الإقرار. و كذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه، فكذا في مجلس الحكم. و لأنّ الوكيل لا يملك الإنكار علي وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار، فلو مَلَك الإقرار، لامتنع علي الموكّل الإنكار، فافترقا.

فروع:
أ - لو وكّله في الإقرار، ففيه خلاف،

و اختار الشيخ جوازه(3).

و لا استبعاد فيه. و يلزم الموكّل ما أقرّ به، فإن كان معلوماً، لزمه ذلك. و إن كان مجهولاً، رجع في تفسيره إلي الموكّل دون الوكيل.

ب - لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء، لم يلزم إقراره الموكّل علي ما قلناه،

لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. و كذا وكيل المدّعي عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله، لم يسمع في حقّه، لكن تبطل وكالته بالإنكار؛

ص: 121


1- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 598:2، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الحاوي الكبير 513:6، بحر المذهب 163:8، حلية العلماء 121:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1839/454:2، البيان 370:6، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- التهذيب - للبغوي - 214:4، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 244:5.
3- الخلاف 344:3، المسألة 5 من كتاب الوكالة.

لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

و للشافعيّة وجهان في بطلان وكالته(1).

ج - هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال،

أو عين أو دَيْن، أو أرش جناية أو بدل مال ؟ الأقرب عندي: عدم الاشتراط، بل يصحّ التعميم.

و للشافعيّة وجهان(2).

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة و أبهم، لم يصحّ.

د - الأقرب: عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

و للشافعيّة وجهان(3).

ه - الأقرب: إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعي عليه لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي

(2) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة، و ليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم، لكن ردّه مطلقاً بعيد؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة، إلّا أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة و تاركٌ حقَّ النصح(4).

مسألة 731: لو وكّله في استيفاء حقٍّ له علي غيره، فجحده مَنْ عليه الحقّ و أمكن ثبوته عليه، لم يكن للوكيل مخاصمته و لا محاكمته،

و لا يثبت الحقّ عليه؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلي الاستيفاء، و هذه طُرقٌ إليه مغايرة

ص: 122


1- العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 550:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من جهة المدّعي لا يقبل... بيّنة المدّعي عليه». و المثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.
3- العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3.
4- الوسيط 298:3، العزيز شرح الوجيز 244:5.

له، فلا يملكها، و قد يرتضي للقبض مَنْ لا يرتضي للخصومة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو يوسف و محمّد، و رواه الحسن عن أبي حنيفة(1) - لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

و الثاني: نعم؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلّا بالإثبات، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلي الاستيفاء(2) ، و به قال أبو حنيفة(3).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه(4) عيناً أو دَيْناً، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً، و هو أحد قولَي الشافعيّة(5).

و قال أبو حنيفة: إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات، و إن كان عيناً لم يملكه؛ لأنّه وكيل في النقل، فلا يملك الإثبات، كالوكيل في نقل الزوجة(6).ة.

ص: 123


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 164:8، حلية العلماء 122:5، البيان 370:6-371، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3، المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5، تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 25:6، المبسوط - للسرخسي - 21:19 و 68، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 265:2.
2- بحر المذهب 164:8، المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 122:5، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3، المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5.
3- بحر المذهب 164:8، البيان 370:6، حلية العلماء 122:5.
4- في «ث، ر»: «بالاستيفاء». و في «ج، خ»: «بالاستيفاء به».
5- نفس المصادر في الهامش (2).
6- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 25:6، المبسوط - للسرخسي - 21:19 و 68، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 265:2، العزيز شرح الوجيز 230:5، و في المغني 219:5، و الشرح الكبير 244:5 نسبة ذلك إلي بعض أصحاب أبي حنيفة.

و الحقّ ما قلناه؛ فإنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن، جاز له في العين، بخلاف الزوجة؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة 732: إذا وكّله في تثبيت حقّه علي خصمه، لم يكن للوكيل القبضُ
اشارة

- و به قال أحمد(1) - لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً و لا عرفاً؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضي للخصومة يُرتضي للقبض، فإنّه قد يكون خائناً.

و للشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان:

أحدهما: إنّ فيه وجهين أيضاً، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن؛ لأنّه من توابع الإثبات و مقاصده، كقبض الثمن بالإضافة إلي البيع ؟

و أظهرهما: القطع بالمنع؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات، فليس ذلك نفس المأذون فيه و لا واسطته، بخلاف العكس [و](2) بخلاف مسألة قبض الثمن؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع، أقامه مقام نفسه فيه، و أنّه عقد يتضمّن(3) عُهَداً(4) منها: تسليم المبيع و قبض الثمن، فجاز أن يُمكّن من قضاياه، و أمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً(5).

قال بعض الشافعيّة: الخلاف في الصورة الثانية في الأموال، أمّا القصاص و الحدّ فلا يستوفيهما بحال(6).

ص: 124


1- المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- في «ث، خ»: «متضمّن».
4- «عُهَد» جمعٌ، واحدته: «عهدة» بمعني الشرط.
5- العزيز شرح الوجيز 230:5-231.
6- العزيز شرح الوجيز 231:5.

و قال بعضهم: إنّه علي الوجهين(1).

و إذا جمعت بين الأمرين: الاستيفاء و الإثبات و قلت: الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني ؟ حصل - عند الشافعيّة - في الجواب ثلاثة أوجُه، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني(2).

فروع:
أ - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح و لا الإبراء منه،

و لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب - قال بعض العامّة: لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ، أو مَطْله، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة و التثبيت؛

لعلمه بوقوف القبض عليه(1).

و ليس بشيءٍ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلي الحقّ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة و تصريح الجحود.

ج - قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّلُ

(2) أو وكيلُه الثمنَ، فإن سلّمه قبله، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة و الثمن سواءً، أو كان الثمن أكثر. و إن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل، غرّمه جميع القيمة.

و يحتمل أن يحطّ قدر الغبن؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

و للشافعيّة وجهان كهذين، أصحّهما عندهم: الأوّل(3).

ص: 125


1- المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «المالك» بدل «الموكّل».
3- العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 541:3.

و لو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل، فقياس الوجه الثاني عندهم: إنّ المالك لا يغرّمه إلّا قدر الثمن، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم، دَفَعه إلي الموكّل، و استردّ الثمن(1).

د - تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط علي موكّله مطلقاً،

و تُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

و لو شهد فيما هو وكيلٌ فيه، فإن كان ذلك قبل العزل، لم تُقبل؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلي نفسه نفعاً، و هو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

و إن كان بعد العزل، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته، لم تُقبل أيضاً؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله و إظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

و إن لم يخاصم، سُمعت شهادته عندنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لأنّه ما انتصب خصماً، و لا يُثبت لنفسه حقّاً، فكان كالأجنبيّ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

و في الثاني للشافعي: لا تُقبل أيضاً، كما لو شهد قبل العزل(3).

و الفرق ظاهر، و هو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

و قال الجويني: هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة، و قياس المراوزة أن ينعكس، فيقال: إن لم يخاصم، تُقبل شهادته. و إن كان قد خاصم، فوجهان. و رأي أنّ هذا التفصيل فيما إذا جري الأمر علي التواصل، فأمّا إذا طال الفصل، فالوجه: القطع بقبول الشهادة، مع احتمالٍ فيه(2).

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 231:5. (2 و 3) بحر المذهب 215:8، البيان 283:13-284، العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3.
2- العزيز شرح الوجيز 244:5-245، روضة الطالبين 551:3.
مسألة 733: لو وكّل رجلين بالخصومة و لم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما، لم يستقلّ بها أحدهما،

بل يتشاوران و يتباصران(1) ، و يعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه، و يُعينه علي ما فُوّض إليهما، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما، أو أوصي إلي اثنين، لم يكن لأحدهما الانفراد، و هو أصحّ وجهي(2) الشافعي.

و الثاني: إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال؛ لعسر الاجتماع علي الخصومة(3).

و كذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما؛ لأنّ قوله: «افعلا كذا» يقتضي اجتماعهما علي فعله، و هو ممّا يمكن، فتعلّق بهما، بخلاف قوله: «بعتكما» حيث كان منقسماً بينهما؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما علي الاجتماع، فانقسم بينهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه(4).

و الحقّ ما قدّمناه؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم، و منع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذنه، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة 734: إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما، لم يكن للآخَر أن يتصرّف، و لا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا؛

لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره،

ص: 127


1- في «ث»: «يتناصران».
2- في «ث، خ»: «قولَي» بدل «وجهي».
3- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 120:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلي الوصي أميناً ليتصرّفا؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت و اليتيم، و لهذا لو لم يوص إلي أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم(1).

فإن حضر أحد الوكيلين و الآخَر غائب و ادّعي الوكالة لهما و أقام البيّنة، سمعها الحاكم، و حَكَم بثبوت الوكالة لهما، و لم يملك الحاضر التصرّف وحده، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً، و لا يحتاج إلي إعادة البيّنة؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال: هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول: الأصل الحكم للحاضر، و أمّا الغائب فدخل ضمناً، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال، فكذا هنا.

و لو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه، لم يكن للآخَر أن يتصرّف، و لا نعلم فيه خلافاً. و جميع التصرّفات في هذا سواء.

و قال أبو حنيفة: إذا وكّلهما في خصومةٍ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما، فأشبه البيع و الشراء.

مسألة 735: إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته و استيفاء حقوقه، صحّت الوكالة،

فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلي الحاكم، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا - و هو أحد قولَي الشافعيّة(3) - فيسمع

ص: 128


1- المغني 214:5، الشرح الكبير 220:5.
2- بدائع الصنائع 32:6، الهداية - للمرغيناني - 148:3، الاختيار لتعليل المختار 263:2، الفقه النافع 994/1240:3، المغني 214:5، الشرح الكبير 221:5.
3- مختصر المزني: 302، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 70، الحاوي الكبير 321:16، الإقناع في الفقه الشافعي: 196، التنبيه: 255، المهذّب - للشيرازي - 304:2، الوسيط 308:7، الوجيز 241:2، حلية العلماء 142:8، التهذيب - للبغوي - 192:8، العزيز شرح الوجيز 486:12، أدب القضاء - لابن أبي الدم -: 94 و 105، روضة الطالبين 141:8، منهاج الطالبين: 339.

الحاكم دعواه علي خصم موكّله.

و عند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتي يشهد بوكالته شاهدان(1).

و إن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم و حضر عند الحاكم و ادّعي وكالة موكِّله و أحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة، سمع الحاكم الشهادة بذلك، و به قال مالك و الشافعي(2).

و لو أحضر خصماً و ادّعي عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة، لم يسمع الحاكم دعواه.

و قال أبو حنيفة: لا تُسمع الشهادة علي الوكالة، إلّا أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله، فإذا أجاب المدّعي عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ(3).

فحصل الخلاف بيننا و بين أبي حنيفة في فصلين:

أحدهما: إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ، و عنده لا يسمع.

و الثاني: إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته، و عنده5.

ص: 129


1- راجع: المغني و الشرح الكبير 269:5.
2- المغني و الشرح الكبير 270:5، الذخيرة 15:8، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، بحر المذهب 154:8، حلية العلماء 122:5، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3-552.
3- المغني و الشرح الكبير 270:5، بحر المذهب 154:8، العزيز شرح الوجيز 245:5.

تُسمع.

و أبو حنيفة بني ذلك علي أصله، و أنّ القضاء علي الغائب لا يجوز، و أنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ علي الغائب، و أنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم، فما لم يُجب عن دعوي الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة(1).

و الشافعي وافقنا علي ما قلناه؛ لأنّه إثبات وكالةٍ، فلم يفتقر إلي حضور الموكّل عليه، كما إذا كان الموكّل [عليه](2) جماعةً فأُحضر واحد منهم، فإنّ الباقين لا يفتقر إلي حضورهم، كذلك هنا الواحد.

و إنّما لم يسمع الحاكم الدعوي قبل ثبوت الوكالة؛ لأنّ الدعوي لا تُسمع إلّا من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله، و هذا لا يخاصم عن نفسه، و لا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له، فلا تُسمع دعواه، كما لو ادّعي لمن لم يدّع وكالته.

مسألة 736: إذا ادّعي أنّه وكيل فلان في خصومة فلان، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً و صدّقه، ثبتت الوكالة،

و له مخاصمته علي إشكالٍ. و إن كذّبه، أقام البيّنة علي الوكالة، فلا يحتاج إلي أن يدّعي حقّاً لموكّله علي الخصم، عند علمائنا، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تُسمع البيّنة علي الوكالة حتي يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر(4).

ص: 130


1- المغني و الشرح الكبير 270:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.
4- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 9:3-10، حلية العلماء 122:5، العزيز شرح الوجيز 245:5.

و إن كان غائباً و أقام البيّنةَ علي الوكالة، سمعها و أثبتها، و لا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال:

لا تُسمع البيّنة إلّا في وجه الخصم، بناءً علي امتناع القضاء علي الغائب(1).

و قد تقدّم(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ و أن ينصب القاضي مسخراً(3) ينوب عن الغائب، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه(4). و هو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال: و قد اصطلح القُضاة علي أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة، يختصّ [التوكيل](5) بالخصومة في ذلك المجلس(6).

قال الجويني: و الذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس و بعده، و لا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه(7).

مسألة 737: لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه و طلب حقوقه، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً علي العيان.

فإن غاب و أراد الوكيل الخصومة عنه بناءً علي اسمٍ و نسبٍ يذكره و لم يكن معروفاً عند الحاكم، فلا بدّ من إقامة البيّنة علي أنّ فلان بن فلان وكّله، أو علي أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

ص: 131


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1841/455:2، مختصر اختلاف العلماء 1741/68:4، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.
2- في ص 129 و 130.
3- السخرة: ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر و لا ثمن. لسان العرب 353:4 «سخر».
4- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوكيل». و المثبت من المصدر. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.

و بالجملة، لا بدّ و أن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي و يوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة، و ترك البحث و الاستزكاء، تسهيلاً علي الغرماء(1).

و هو خطأ عندنا.

و قال بعضهم أيضاً: يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد؛ لأنّه إخبار و ليس بشهادة(2).

و هو خطأ عندنا أيضاً، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة 738: إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل، مثل أن يقول:

اشتر لي شيئاً إلي مقدم الحاج،

أو مجيء الغلّة، أو: بِعْ كذلك، لم يملك هذا العقد؛ لأنّ اللّه تعالي لم يأذن في الفاسد، و لأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولي.

و لا يملك الصحيح عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد، فإذا عَقَد صحيحاً، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه.

و لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد، فإذا عَقَد صحيحاً، لم يلزم، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. و لأنّه أذن له في محرَّمٍ، فيكون الإذن محرّماً، فلا يملك الحلال بهذا الإذن، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير

ص: 132


1- التنبيه: 109، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 124:5، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3، المغني 252:5، الشرح الكبير 240:5.

لم يملك شراء الخَلّ و الغنم.

و قال أبو حنيفة: يملك بذلك الشراءَ الصحيح؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولي(1).

و هو ممنوع، علي أنّ البيع الصحيح يملك به، و الفاسد لا يملك بالعقد فيه، و إنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة 739: لو وكّله بالصلح عن الدم علي خمرٍ ففَعَل، حصل العفو،

كما لو فَعَله الموكّل بنفسه؛ لأنّ الصلح علي الخمر و إن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض و لكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

و لو وكّله بالصلح عن القصاص علي خمرٍ فصالح علي خنزير، فهو لغو، و يبقي القصاص مستحقّاً علي ما كان عليه قبل الصلح؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه كما لو عفا علي خمر؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة، و الخمر لا تثبت و إن ذكرت، و إنّما تثبت الدية، فلا فرق فيما يصحّ و يثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. و علي هذا لو صالح علي ما يصلح عوضاً كالعبد و الثوب، أو علي الدية نفسها، يجوز(2).

و لا خلاف بينهم في أنّه لو جري هذا الاختلاف بين الموجب و القابل في الصلح، يلغو؛ لعدم انتظام الخطاب و الجواب(3).

ص: 133


1- المبسوط - للسرخسي - 56:19، الاختيار لتعليل المختار 262:2، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 125:5، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، المغني 252:5، الشرح الكبير 240:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 246:5، روضة الطالبين 553:3.

و لو وكّله بأن يخالع زوجته علي خمر، فخالَع علي خمر أو خنزير، فعند الشافعيّة أنّه علي ما تقدّم في الصلح عن الدم(1).

المطلب الثاني: في حكم العهدة.
مقدّمة: قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ و بغير جُعْلٍ،

فإذا وكّله علي البيع أو الشراء أو غير ذلك و جَعَل له جُعْلاً، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء، و ليس التسليم شرطاً في ذلك.

و كذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

و إنّما تقف الأُجرة علي تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة، كالحياكة و الخياطة(2) و الصياغة(3) و أشباه ذلك، فإذا استأجره علي نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلي المستأجر معمولاً، فله الأجر.

و لو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً، وقع مقبوضاً، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع، فلا يقف ذلك علي تسليم الثمن.

أمّا لو قال: وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا و كذا، فإنّه يقف استحقاقه علي التسليم؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق، بخلاف الأوّل.

ص: 134


1- العزيز شرح الوجيز 246:5، روضة الطالبين 553:3.
2- في «ج، ر»: «كالخياطة و الحياكة».
3- في «ث، ر»: «الصباغة».
مسألة 740: الوكيل أمين و يده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده،

إلّا بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه، فلا ضمان عليه، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّي فيه - كما لو ركب الدابّة، أو لبس الثوب، أو فرّط في حفظه - ضمن إجماعاً.

و كذا باقي الأمانات، كالوديعة و شبهها.

و بالجملة، الأيدي علي ثلاثة أقسام:

يد أمانة، كالوكيل و المستودع و الشريك و عامل المضاربة و الوصي و الحاكم و أمين الحاكم و المرتهن و المستعير علي وجهٍ يأتي.

و يد ضامنة، كالغاصب و المستعير علي وجهٍ و المساوم و المشتري شراءً فاسداً و السارق.

و يد مختلف فيها، و هو يد الأجير المشترك، كالقصّار و الصائغ و الحائك و الصبّاغ و ما أشبه ذلك.

و فيها للشافعيّة قولان(1).

و عندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا، فكلّ يد أمانة لا ضمان علي صاحبها إلّا بتعدٍّ أو تفريطٍ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها، فيلحقهم الضرر، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

ص: 135


1- الحاوي الكبير 501:6، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 152:8، الوجيز 237:1، الوسيط 188:4، حلية العلماء 446:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 411:6، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 299:4، المغني 118:6، الشرح الكبير 135:6-136.
مسألة 741: إذا تعدّي الوكيل أو فرَّط - مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه،
اشارة

أو ركب الدابّة - ضمن إجماعاً، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. و لا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي، فله بيع الثوب بعد لُبْسه، و الدابّةِ بعد ركوبها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين: الأمانة و الإذن في التصرّف، فإذا تعدّي، زالت الأمانة و بقي الإذن بحاله. و لأنّ الوكالة أمانةٌ و إذنٌ في التصرّف، و الأمانة حكمٌ يترتّب عليه، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق و من حكمه الأمانة، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن، بخلاف الوديعة؛ فإنّها أمانة محضة، فلا يبقي مع التعدّي.

و الثاني: إنّه تبطل الوكالة؛ لأنّها أمانة، فترتفع بالتعدّي، كالوديعة(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

فعلي ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع و سلَّم العين إلي المشتري، زال الضمان عنه إجماعاً؛ لاستقرار ملك المشتري عليه، و زوال ملك الموكّل عنه، و قد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع:
أ - هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم ؟ الأقرب: عدم الخروج؛

لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري، فيكون التلف علي ملك الموكّل، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 136


1- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 176:8، الوسيط 305:3، حلية العلماء 153:5-154، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 554:3-555، المغني 244:5، الشرح الكبير 214:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 176:8، الوسيط 305:3، حلية العلماء 153:5-154، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 554:3-555، المغني 244:5، الشرح الكبير 214:5.

و الثاني: إنّه يخرج من ضمان عهدته؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع، و دخوله في ملك المشتري و ضمانه(1).

و نحن فيه من المتردّدين.

ب - إذا

ب - إذا(2) باع ما فرّط فيه و قبض الثمن، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه

و إن كان أصله مضموناً؛ لأنّه لم يتعدّ فيه، و قد قبضه بإذن الموكّل، فيخرج عن العهدة.

ج - لو دفع إليه مالاً و وكّله في شراء شيء به، فتعدّي في الثمن، صار ضامناً له،

فإذا اشتري به و سلّم، زال الضمان.

و هل يزول بمجرّد الشراء به ؟ وجهان تقدّما(3).

و إذا قبض المبيع، كان أمانةً في يده.

د - لو تعدّي في العين ثمّ باعها و سلّمها، زال الضمان علي ما تقدّم

(4) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ، عاد الضمان.

مسألة 742: لو دفع إلي وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً - مثلاً - فتصرّف فيها علي أن تكون قرضاً عليه، صار ضامناً؛

لتعدّيه بالتصرّف، و ليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه و لا في الذمّة، فإن فَعَل و نسب الشراء إلي الموكّل أو نواه، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ، و إلّا بطل. و إن لم ينوه و لا سمّاه، وقع عنه.

و لو عادت الدراهم التي أنفقها إلي يده فأراد أن يشتري بها للموكّل

ص: 137


1- بحر المذهب 176:8، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 555:3.
2- في «ث، ج»: «لو» بدل «إذا».
3- في الفرع «أ».
4- في ص 136، ذيل المسألة 741.

ما أمره، كان له ذلك؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني: إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه، فليس له الشراء حينئذٍ، فإذا اشتري شيئاً، لم يكن مضموناً عليه؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. و لو ردّ ما اشتراه بعيبٍ و استردّ الثمن، عاد مضموناً عليه(1).

مسألة 743: إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده،

و لا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه، و لا يضمنه بتأخيره؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض، و لم يرجع عن ذلك، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه، فإن كان لعذرٍ لم يضمن، و يجب عليه مع أوّل وقت الإمكان و إن لم يجدّد الطلب، فإن أخّر ضمن. و إن كان تأخيره لا لعذرٍ(2) ، كان ضامناً كالمودع، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 744: إذا وكّله في الشراء، فإن اشتري ما أمره به علي الوجه الذي أمره به، وقع الملك للموكّل،

و انتقل من البائع إلي الموكّل، و لا ينتقل إلي الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي في أصحّ قولَيْه، و أحمد(3) - لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره، فوجب أن ينتقل الملك إلي ذلك الغير دونه، كالأب و الوصي.

و قال أبو حنيفة: إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلي الموكّل؛ لأنّ

ص: 138


1- العزيز شرح الوجيز 249:5-250، روضة الطالبين 555:3.
2- في «ج، ر»: «لغير عذر» بدل «لا لعذر».
3- بحر المذهب 211:8-212، حلية العلماء 145:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، البيان 397:6، العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 555:3، بداية المجتهد 303:2، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.

حقوق العقد تتعلّق بالوكيل؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه، و لم ينتقل إلي الموكّل(1). و لأنّ الخطاب إنّما جري مع الوكيل و أحكام العقد تتعلّق به(2).

و نمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل، و الخطاب وقع له علي سبيل النيابة للغير.

و ينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول: لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه، وجب أن يعتق عليه؛ لدخوله في ملكه، و ليس كذلك، بل يملكه الموكّل.

و ألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل، و في الزمن الثاني ينتقل إلي الموكّل، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلي الموكّل دون العتق ؟

مسألة 745: إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير، فاشتراه له، لم يصح الشراء

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي، كالعقد علي المجوسيّة، و بهذا خالف سائر الأموال.

ص: 139


1- في الطبعة الحجريّة: «إلي ملك الموكّل».
2- بدائع الصنائع 33:6، الهداية - للمرغيناني - 137:3-138، الاختيار لتعليل المختار 254:2، روضة القضاة 3631/645:2 و 3632، بحر المذهب 212:8، حلية العلماء 145:5، البيان 397:6، العزيز شرح الوجيز 250:5، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.
3- بحر المذهب 201:8، حلية العلماء 146:5، البيان 362:6، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.

و قال أبو حنيفة: يصحّ و يقع للمسلم؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها و يتبايعونها، فصحّ توكيلهم فيها، كسائر أموالهم(1).

و هو باطل؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله، و أيّ سببٍ اقتضي تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

و إذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

و لو كان الثمن في الذمّة، فالملك للموكّل أيضاً، لكن له و للوكيل معاً المطالبة به.

و قال أبو حنيفة: ليس للموكّل المطالبة(2) ، و قد سبق(3).

و أمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

و إذا علم البائع أنّ الملك للموكّل، لم يكن له مطالبة الوكيل، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

و قال بعض العامّة: إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً، و للبائع مطالبة مَنْ شاء منهما، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل، و إن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً(4).

و إن دفع الثمن إلي البائع فوجد به عيباً فردّه علي الوكيل، كان أمانةً في يده، و هو من ضمان الموكّل.

و لو وكّل رجل غيره حتي يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ، ففَعَل، مَلَك5.

ص: 140


1- المبسوط - للسرخسي - 138:13، بحر المذهب 201:8، حلية العلماء 146:5، البيان 362:6، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.
2- المغني 263:5-264، الشرح الكبير 237:5-238.
3- في ص 138-139، المسألة 744.
4- المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.

الموكّل الثمنَ، و عليه عهدة الطعام، دون الوكيل.

و قال بعض العامّة: يكون الوكيل ضامناً عن موكّله(1).

و ليس بشيء.

مسألة 746: إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء، تعلّق أحكام العقد - من رؤية المبيع أو المشتري - بالوكيل دون الموكّل،

حتي تعتبر رؤية الوكيل للمبيع، دون الموكّل، و يلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد، و لا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه، و تسليم رأس المال في السَّلَم و التقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل، و الفسخ بخيار المجلس و الرؤية يثبت للوكيل.

و الأقرب: أنّه يثبت للموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: يثبت للوكيل دون الموكّل حتي لو أراد الموكّل الإجازة، كان للوكيل أن يفسخ(2).

و ليس بجيّدٍ.

و فرّقوا بينه و بين خيار العيب حيث قالوا: لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل(3).

مسألة 747: إذا اشتري الوكيل بثمنٍ معيّن، فإن كان في يده، طالَبه البائع به،

و إلّا طالَب الموكّل؛ لأنّ الملك يقع له.

و إن اشتري في الذمّة، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلي الثمن، طالَبه البائع أيضاً.

ص: 141


1- المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.
2- العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 555:3.
3- العزيز شرح الوجيز 250:5.

و إن لم يسلّم، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً، أو قال: لا أدري هل هو وكيل أم لا، و لا بيّنة، طالَبه.

و إن اعترف بوكالته، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير؛ لوقوع الملك له، و الوكيل سفيرٌ بينهما و مُعبّرٌ(1) للموكّل، فلا يغرم شيئاً، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به، و الالتزام وُجد منه.

و الثالث: أنّه يطالب مَنْ شاء منهما؛ نظراً إلي المعنيين(2).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 748: قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلي الموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: المطالبة للوكيل خاصّةً(3).

فعلي قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم ؟ فيه للشافعيّة وجهان؛ لأنّ بعضهم قال: يثبت الثمن للبائع علي الوكيل، و للوكيل مثله علي الموكّل، بناءً علي أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلي الموكّل، فعلي هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له و إن لم يؤدّ ما عليه.

و قال آخَرون: يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه، و علي هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان، كالمحال عليه.

و الأصحّ عندهم: المنع.

ص: 142


1- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معين» بدل «معبّر». و عبّرت عنه: تكلّمت عنه. المحيط في اللغة 35:2 «عبر». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 556:3.

فإذا غرم الوكيل للبائع، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

و المذهب عندهم: القطع بالرجوع، و إلّا لخرج المبيع [عن](1) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض، و في ذلك تغيير لوضع العقد(2).

و هذا ساقط عندنا؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة 749: علي قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن،

و الموكّل كالمضمون عنه، فيرجع الوكيل إذا غرم.

و القول في اعتبار شرط الرجوع و في أنّه [هل](3) يطالبه بتخليصه قبل الغرم ؟ كما سبق في الضمان(4).

و قد فرّع ابن سريج علي الخلاف في المسألة، فقال: لو سلّم دراهم إلي الوكيل ليصرفها إلي الثمن الملتزم في الذمّة، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء، فعلي الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلي الموكّل، و ليس له إمساكها أو إبدالها.

و إن قلنا: يطالب الوكيل، فله ذلك؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه علي هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته، فإذا عاد إليه فهو ملكه، و للمقترض إمساك ما استقرضه و ردّ مثله(5).

و اعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع علي الموكّل في الجملة،

ص: 143


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق، و كما في «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 251:5، روضة الطالبين 556:3.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- راجع: ج 14، ص 348-349، المسألة 528.
5- العزيز شرح الوجيز 251:5، روضة الطالبين 556:3.

و إنّما الكلام في أنّه متي يرجع ؟ و بأيّ شيء يرجع ؟ و إذا كان كذلك، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمئونة التراجع، لا إقراضاً.

مسألة 750: الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع

علي رأي جماعةٍ من العامّة(1) و تلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً و المشتري معترف بالوكالة، فحقّ رجوعه علي الموكّل عندنا؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

و قال بعض الشافعيّة: حقّ الرجوع بالثمن يكون علي الوكيل؛ لأنّه الذي تولّي القبض، و حصل التلف في يده(2).

و قال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع علي الموكّل؛ لأنّ الوكيل سفير، و يده يد موكّله(3).

و قال بعضهم: يرجع علي مَنْ شاء(4)، كما تقدّم(1).

فإن قلنا: حقّ الرجوع علي الموكّل، فإذا غرم لم يرجع علي الوكيل؛ لأنّه أمينه، فلا يضمن.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قلنا: إنّ حقّ الرجوع علي الموكّل إذا رجع علي الموكّل، رجع الموكّل علي الوكيل؛ لأنّ التلف في يده.

و هو مسلّم، لكن لا يجب عليه الضمان، كما لو تلف في يد الموكّل؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

و إن جعلنا حقّ الرجوع علي الوكيل فغرم، لم يرجع علي الموكّل.

و إذا قلنا: يرجع علي مَنْ شاء منهما، فثلاثة أوجُهٍ:

أشهرها عندهم: أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع علي الوكيل، و إن غرم

ص: 144


1- في المسألة السابقة.

الوكيل رجع علي الموكّل؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل، و المغرور يرجع علي الغارّ، دون العكس.

و الثاني: إنّ واحداً منهما لا يرجع علي الآخَر، أمّا الموكّل: فلأنّه غارّ. و أمّا الوكيل: فلحصول التلف في يده.

و الثالث: إنّ الموكّل يرجع علي الوكيل، دون العكس؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

و الذي يفتي به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما و القرار علي الموكّل(1).

و أمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع علي الموكّل خاصّةً، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا، إلّا أنّه إذا فرّط الوكيل، كان له أن يرجع عليه، و لا يرجع هو علي الموكّل؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه، فكان ضامناً. و إن رجع علي الموكّل، رجع الموكّل علي الوكيل.

و إنّما كان له أن يرجع علي الموكّل؛ لأنّه سلّط الوكيل علي القبض منه.

و إن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل، لم يضمن، و لا يرجع المشتري عليه بالثمن.

و إن كان جاهلاً بالوكالة، كان له أن يرجع علي الوكيل؛ لأنّه القابض.

و لو قامت بيّنة الوكالة، سقط رجوعه عليه، و كان له الرجوع علي الموكّل خاصّةً.

و لو اعترف الموكّل بالوكالة، لم يسقط رجوعه علي الوكيل؛ لإمكان تواطئهما علي إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل، لكن له الرجوع علي مَنْ شاء منهما.7.

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 251:5-252، روضة الطالبين 556:3-557.
مسألة 751: إذا وكّله في شراء عينٍ فاشتراها و قبض الوكيل العينَ و تلفت في يده بغير تفريطٍ

ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً، أو كان و تعذَّر المثل، و بالمثل إن كان مثليّاً؛ لأنّه غاصب، و من يده خرج المال.

و للشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ:

أحدها: هذا.

و الثاني: يطالب الوكيل.

و الثالث: يطالب مَنْ شاء(1) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني: الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلّا علي الوكيل؛ لحصول التلف عنده. و لأنّه إذا ظهر الاستحقاق، بانَ فساد العقد، و صار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. و يجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً(2).

و أمّا نحن فهنا نقول: للمستحقّ مطالبة الوكيل؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ، رجع علي الموكّل بما غرمه؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. و إن رجع علي الموكّل، لم يرجع علي الوكيل، بل استقرّ الرجوع علي الموكّل.

و إن تلفت بتفريطٍ، استقرّ الضمان عليه، فإن رجع عليه لم يرجع هو علي موكّله؛ لأنّه ضامن. و إن رجع علي الموكّل، رجع الموكّل علي الوكيل؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة 752: إذا وكّله في البيع و أطلق، انصرف إلي البيع بثمن المثل.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 252:5، روضة الطالبين 557:3.
2- العزيز شرح الوجيز 252:5، روضة الطالبين 557:3.

و هل يختصّ بالبيع بالعين، أو يشمل بالعين و البيع بثمنٍ في الذمّة ؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة و استوفاه و دَفَعه إلي الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً و ردّه، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن، و له أن يغرّم الوكيل؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

و فيما يغرم ؟

يحتمل قيمة العين؛ لأنّه فوّت عليه العين.

و الثاني(1): الثمن؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلي الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن، فإذا أخذه، دَفَعه [إلي](2) الموكّل، و استردّ القيمة.

مسألة 753: لو

مسألة 753: لو(3) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبداً،

فاشتري العبد بالعين(4) و تلفت في يده قبل التسليم، انفسخ البيع، و لا شيء علي الوكيل. و لو تلفت قبل الشراء، ارتفعت الوكالة.

و لو قال: اشتر في الذمّة و اصرفها إلي الثمن الملتزم، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء، لم ينفسخ العقد، و كان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة، و إلّا طالَب الوكيل، و يرجع الوكيل علي الموكّل.

و لا ينقلب الشراء إلي الوكيل عندنا، و لا يلزمه الثمن، و هو أحد

ص: 147


1- أي: الاحتمال الثاني.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- في «ث، ر، خ»: «إذا» بدل «لو».
4- أي: بعين الدراهم.

أقوال الشافعيّة.

و الثاني: إنّ البيع(1) ينقلب إلي الوكيل، و يلزمه الثمن.

و الثالث: أن يعرض الحال علي الموكّل، فإن رغب فيه و أتي بمثل تلك الدراهم، فالشراء له، و إلّا وقع للوكيل، و عليه الثمن(2).

و الحقّ ما قدّمناه.

و لو تلفت قبل الشراء، لم ينعزل الوكيل.

و إن اشتري للموكّل، وقع للموكّل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: يقع للوكيل(3).

مسألة 754: لو اشتري الوكيل شراءً فاسداً و قبض المبيع و تلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلي الموكّل، فللمالك مطالبته بالضمان.

و هل يرجع هو علي الموكّل ؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد، أو علم به و قبضه، كان له مطالبة الموكّل، و إلّا فالأقرب: أنّه لا يطالبه به؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به، فكان الضمان عليه؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل، و الموكّل لم يأذن فيه، فلا يقع عنه.

و لو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً، فاستقرض، فهو كوكيل المشتري، و في مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

و الظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب، ثمّ إذا غرم رجع علي الموكّل(4).

ص: 148


1- كذا، و الظاهر: «الشراء» بدل «البيع».
2- العزيز شرح الوجيز 252:5-253، روضة الطالبين 557:3.
3- العزيز شرح الوجيز 253:5، روضة الطالبين 557:3.
4- العزيز شرح الوجيز 253:5، روضة الطالبين 558:3.
المطلب الثالث: في نسبة الوكالة إلي الجواز.
مسألة 755: العقود علي أربعة أضرب:
الأوّل: عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين،

و هو البيع و الإجارة و الصلح و الخلع و النكاح، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

و فيه وجهٌ آخَر: إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج(2).

و القائل الأوّل منهم قال: إنّ الزوج لا يملك فسخه، و إنّما يملك قطعه و إزالة ملكه، كما يملك المشتري عتق العبد المشتري و إزالة ملكه عنه، و لا يمنع ذلك لزومه في حقّه(3).

و أمّا الخلع فإنّ الرجل و المرأة معاً ليس لهما فسخه، بل إذا رجعت المرأة في البذل، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني: عقدٌ جائزٌ من الطرفين،

و هي الوكالة و الشركة و المضاربة و الجعالة، فلكلٍّ(1) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث: عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر،

كالرهن؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

و الكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه، و لازمة من جهة المولي(2).

ص: 149


1- في الطبعة الحجريّة: «فلكلّ واحدٍ».
2- الخلاف 18:3، المسألة 21 من كتاب البيوع، المبسوط - للطوسي - 73:6 و 82.
الرابع: المختلف فيه،

و هو السبق و الرمي، إن قلنا: إنّه إجارة، كان لازماً. و إن قلنا: إنّه جعالة، كان جائزاً.

و لا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين؛ لأنّه عقد علي تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ و لا زمان، فكان جائزاً، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت، و بطل تصرّفه بعد الفسخ، و إن فسخها الموكّل فكذلك.

و الأصل في ذلك أنّ [في](1) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه و في نيابة ذلك الشخص، و قد لا يتفرّغ له الوكيل، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

و لا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة 756: قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين،

و تبطل بعزل الموكّل في حضرته و غيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل، كقوله: عزلتك عن الوكالة، أو بلفظٍ يؤدّي معناه، مثل: فسخت الوكالة، أو: أبطلتها، أو:

نقضتها، أو: صرفتك عنها، أو: أزلتك عنها، أو: رفعت الوكالة، أو:

أخرجته عن الوكالة، فينعزل، و يبطل تصرّفه بعد ذلك، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة، ففَعَل المسئول، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل، فله العزل متي شاء، كغيرها من الوكالات.

ص: 150


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
2- بحر المذهب 157:8، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 253:5-254، روضة الطالبين 558:3.

و قال أبو حنيفة: إذا كان التوكيل بمسألة الخصم، لم ينعزل(1).

و إمّا معنيً، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة 757: إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته، قال الشيخ رحمه الله:
اشارة

لأصحابنا روايتان:

إحداهما: إنّه ينعزل في الحال و إن لم يعلم الوكيل بالعزل، و كلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

و الثانية: إنّه لا ينعزل حتي يعلم الوكيل ذلك، و كلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلي أن يعلم.

ثمّ استدلّ علي صحّة الثاني: بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد حصول العلم به، و لهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلي الكعبة و هُمْ في الصلاة داروا و بنوا علي صلاتهم، و لم يؤمروا بالإعادة.

قال: و هذا القول أقوي(2).

و قال في النهاية: و مَنْ وكّل وكيلاً و أشهد علي وكالته ثمّ أراد عزله، فليشهد علي عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل، أو يُعلمه ذلك، كما أشهد علي وكالته، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد علي عزله إذا لم يمكنه إعلامه، فقد انعزل الوكيل عن وكالته، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً، و لا يلزم الموكِّل منه قليل و لا كثير. و إن عزله و لم يُشهد علي عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك، لم ينعزل الوكيل، و كلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً

ص: 151


1- بدائع الصنائع 38:6، الهداية - للمرغيناني - 153:3، النتف 603:2، بحر المذهب 157:8، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- الخلاف 342:3-343، المسألة 3 من كتاب الوكالة.

علي موكّله إلي أن يعلم بعزله(1).

و قال أبو حنيفة: الوكيل إذا عزل نفسه، لم ينعزل إلّا بحضرة الموكّل.

و أمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ، انعزل. و إن بلغه من فاسقٍ، لم ينعزل؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل و أمره، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره، كالمودع. و كذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم، و كذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر، و لأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه(2).

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّه لا ينعزل بالعزل.

و أصحّهما: الانعزال؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلي الرضا، فلا يحتاج إلي العلم، كالطلاق، و لأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل و إن لم يبلغه الخبر(3).

و كذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل، نفذ تصرّفه، و انعزل الوكيل و إن لم يشعر بالحال ضِمناً، و إذا لم يعتبر بلوغ7.

ص: 152


1- النهاية: 318.
2- الهداية - للمرغيناني - 153:3، بدائع الصنائع 37:6، النتف 602:2، بحر المذهب 157:8، حلية العلماء 154:5 و 156، البيان 408:6، العزيز شرح الوجيز 254:5، المغني 243:5، الشرح الكبير 218:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1032/608:2، عيون المجالس 1686:4-1188/1687 و 1189.
3- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 156:8 و 157، الوجيز 193:1، الوسيط 305:3، حلية العلماء 154:5، التهذيب - للبغوي - 213:4، البيان 408:6، العزيز شرح الوجيز 254:5، روضة الطالبين 558:3، منهاج الطالبين: 137.

الخبر في العزل الضمني، ففي صريح العزل أولي. و لأنّه رَفْعُ عقدٍ، فلا يفتقر إلي حضور مَنْ لا يفتقر إلي رضاه، كالنكاح.

و إن علّلتَ بعزل الموكّل، قلتُ: فِلمَ يفتقر إلي علم مَنْ لا يفتقر إلي حضوره ؟

و أمّا الوديعة: فمن الشافعيّة مَنْ يقول: لا تنفسخ إلّا بالردّ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّي، فإذَنْ لم يقف علي العلم.

و منهم مَنْ يقول: إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلّا الاستئمان و الاستحفاظ، و إنّما يلزمه الردّ إذا علم، و ليس كذلك في مسألتنا؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. و أمّا النسخ: ففيه لهم وجهان، علي أنّهما يفترقان؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه، و هنا يتضمّن إبطال التصرّف، و هذا لا يمنع منه عدم العلم.

و أيضاً لا فرق بين النسخ و ما نحن فيه؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني، و إمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به، فما يرجع إلي الإيجاب و الإلزام لا يثبت قبل العلم؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم، و هذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً و رأساً؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال.

و أمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتي يلزمه القضاء، و لا تبرأ ذمّته بالأوّل(1).

و أمّا انعزال القاضي: فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. و علي التسليم - و هو الظاهر من مذهبهم - فالفرق: تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله(2).5.

ص: 153


1- راجع: بحر المذهب 157:8، و العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- العزيز شرح الوجيز 254:5.

و عن أحمد روايتان(1) ، كقولَي الشافعي، و كذا عن أصحاب مالك قولان(2).

و الشيخ رحمه الله استدلّ علي عدم العزل قبل العلم: بما رواه جابر بن يزيد و معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال: «مَنْ وكّل رجلاً علي إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتي يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(3).

و في طريقها عمرو بن شمر، و هو ضعيف.

و في الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: عن رجلٍ وكّل آخَر علي وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور و أَشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر، فقال: اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة، فقال: «إن كان الوكيل قد أمضي الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ علي ما أمضاه الوكيل، كره الموكّل أم رضي» قلت: فإنّ الوكيل أمضي الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ علي ما أمضاه ؟ قال: «نعم» قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتي أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال: «نعم، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة حتي يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة»(4).

و عن العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام في حديثٍ: «إنّ عليّاً عليه السلام أتته امرأة مستعدية علي أخيها، فقالت: يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا6.

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- العزيز شرح الوجيز 254:5.
3- التهذيب 502/213:6.
4- التهذيب 503/213:6.

بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك، فذهب و زوّجني ولي بيّنة إنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني، فأقامت البيّنة، و قال الأخ:

يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني و لم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتي زوّجتها كما أمرَتْني، فقال لها: ما تقولين ؟ فقالت: قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين، فقال لها: لكِ بيّنة بذلك ؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كيف تشهدون ؟ قالوا: نشهد أنّها قالت: اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً، و أنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً، فقال: أ شهدَتْكم علي ذلك بعلمٍ منه و محضر؟ قالوا: لا، قال: أ فتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة ؟ قالوا: لا، قال: أري الوكالة ثابتة و النكاح واقع، أين الزوج ؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك اللّه لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل و أنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح، قال: و تحلف ؟ قال:

نعم يا أمير المؤمنين، فحلف و أثبت وكالته و أجاز النكاح»(1).

و هذه الرواية تدلّ علي أنّه لا عبرة بالشهادة و قول العزل إن لم يعلم الوكيل، و لا بأس به عندي.

تذنيب: إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة،

دون الصبي و الفاسق. فإذا قلنا بالانعزال، فينبغي أن يشهد الموكّل علي العزل؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل: «كنتُ قد عزلتُه» غير مقبولٍ.

مسألة 758: إذا قال الوكيل: عزلتُ نفسي، أو: أخرجتُها عن الوكالة، أو: رددت الوكالة، انعزل.

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت صيغة الموكّل «بِع» و «اعتق» و نحوهما

ص: 155


1- التهذيب 214:6-506/215.

من صِيَغ الأمر، لم ينعزل بردّ الوكالة و عَزْله نفسَه؛ لأنّ ذلك إذن و إباحة، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره، لا يرتدّ بردّ المباح له(1).

و لا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يُشترط حضور الموكّل، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل، لم ينعزل(3). و قد سبق(4).

إذا عرفت هذا، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف، كان فضوليّاً، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

و يحتمل مع الغيبة الصحّة؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

و كذا مع الحضور و عدم الرضا بعزله.

مسألة 759: متي خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ، بطلت الوكالة،

سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

و في الجنون إذا كان ممّا يطرأ و يزول علي قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

و موضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات و يحوج إلي نصب قُوّامٍ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ(5).

ص: 156


1- العزيز شرح الوجيز 254:5، روضة الطالبين 558:3.
2- حلية العلماء 155:5، العزيز شرح الوجيز 254:5-255، روضة الطالبين 558:3، عيون المجالس 1686:4-1188/1687.
3- عيون المجالس 1188/1687:4، حلية العلماء 156:5، العزيز شرح الوجيز 255:5، المغني 243:5، الشرح الكبير 218:5.
4- في ص 152.
5- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 558:3-559.

و في الإغماء لهم وجهان:

أظهرهما عندهم: إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

و الثاني - و هو الأظهر عند الجويني -: إنّه لا يقتضي الانعزال؛ لأنّ المغمي عليه لا يلتحق بمن يُولّي عليه، و المعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّي عليه(1).

مسألة 760: و المحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه و المفلس كالمجنون؛

لأنّه لا يملك التصرّف، فلا يملكه غيره من جهته.

و لا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده، فإن سبقت الوكالة الحجر، بطلت. و كذا إن كان الحجر سابقاً، لم تقع صحيحةً.

و لو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه، صحّ؛ لأنّه مكلَّف، و لم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

و لو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل، فلو كان هو الوكيلَ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولي إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

و لو حُجر علي الوكيل لفلسٍ، لم تبطل الوكالة، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

و لو حُجر علي الموكّل و كانت الوكالة في أعيان ماله، بطلت؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. و إن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص، فالوكالة بحالها؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك

ص: 157


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.

مباشرةً، فله أن يستنيب فيه ابتداءً؛ للأصل السالم عن المعارض، و لا تنقطع الاستدامة.

مسألة 761: لو فسق الوكيل، لم ينعزل عن الوكالة إجماعاً؛

لأنّه من أهل التصرّف، إلّا أن تكون الوكالة [فيما ينافيه](1) الفسق، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم(2).

و عندنا لا يخرج بالفسق أيضاً؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

و أمّا في القبول: فلو فسق الموكّل فيه، لم ينعزل وكيله بفسقه؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

و هل ينعزل الوكيل بفسق نفسه ؟ فيه للعامّة وجهان(3).

و لو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة - كوكيل وليّ اليتيم و وليّ الوقف علي المساكين و نحوه - انعزل بفسقه و فسق موكّله؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

و إن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه، انعزل بفسقه؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. و لا ينعزل بفسق موكّله؛ لأنّه وكيل لربّ المال، و لا ينافيه الفسق.

و لا تبطل الوكالة بالنوم و السكر؛ لأنّ [هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة و سرعة، و لا تثبت عليه ولاية، و لا يخرج بهما](2) عن أهليّة

ص: 158


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية و الحجريّة: «ممّا تنافي». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه. (2 و 3) المغني 244:5، الشرح الكبير 213:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هذه أعذار... زوالها... لا يخرج بها». و المثبت هو الصحيح.

التصرّف، إلّا أن [يحصل](1) الفسق بالسكر، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة 762: إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة، أو تلف المتعلَّق، بطلت الوكالة،

كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل، أو مات العبد، بطلت الوكالة؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ، و قد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً، و لو باعه بيعاً فاسداً، احتُمل البطلان أيضاً؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

و قال ابن المنذر: لا تبطل الوكالة؛ لبقاء ملكه في العبد(2).

و لو دفع إليه ديناراً و وكّله في الشراء بعينه، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل و تصرّف فيه، بطلت الوكالة أيضاً.

و لو وكّله في الشراء مطلقاً و نقد الدينار عن الثمن، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء، و معناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده، و قد تعذّر ذلك بتلفه. و لأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه و لا رضي بلزومه.

و إذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه و اشتري به، فهو كالشراء له من غير إذنٍ؛ لأنّ الوكالة بطلت، و الدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتي يقبضه، فإذا اشتري للموكّل، وقف علي إجازته، فإن أجازه صحّ، و لزم الثمن، و إلّا لزم الوكيل، إلّا أن يُسمّيه في العقد.

ص: 159


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يجعل». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 1900/473:2، المغني 248:5، الشرح الكبير 219:5.

و قال بعض العامّة: إذا اشتري بعين ماله لغيره شيئاً، فالشراء باطل؛ لأنّه لا يصحّ أن يشتري الإنسان بعين ماله ما يملكه غيره بذلك العقد(1).

و قال أصحاب الشافعي: إذا اشتري لغيره بمال نفسه، صحّ الشراء للوكيل، سواء اشتراه بعين المال أو في الذمّة(2).

و الوجه: المنع؛ لأنّه اشتري له ما لم يأذن له في شرائه، فأشبه ما لو اشتراه في الذمّة.

مسألة 763: لو وكّله في بيع عبدٍ أو جاريةٍ ثمّ أعتقه قبل البيع، بطلت الوكالة؛

لأنّ ذلك هلاك للماليّة، فأشبه هلاك العين.

و لو آجره الموكّل، فالوجه: بطلان الوكالة أيضاً - و به قال بعض الشافعيّة(1) - لأنّ الإجارة إن منعت البيع، لم يبق الوكيل مالكاً للتصرّف، و لا الموكّل أيضاً. و إن لم تمنعه، فهي علامة الندم؛ لأنّ مَنْ يريد البيع لا يؤاجر؛ لقلّة الرغبات فيه بسبب الإجارة.

و كذا تزويج الجارية.

و يحتمل [عدم](2) بطلان الوكالة.

و لو كاتبه أو دبّره، انفسخت الوكالة؛ لأنّه يعطي رجوعه عن إذن إخراجه عن ملكه. و لأنّ الكتابة تقطع تصرّف المولي فيه، فلم يُبق محلّاً للبيع.

و في طحن الحنطة الموكّل ببيعها للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الانعزال؛ لبطلان اسم الحنطة، و إشعاره بالإمساك.

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الثاني: العدم؛ عملاً بالاستصحاب، و بقاء العين صالحةً للنقل(1).

هذا إذا عيّن و قال له: «بِعْ هذه الحنطة» و لو أطلق فقال له: «بِعْ حنطةً» ثمّ طحن غلّته، لم تبطل وكالته.

و لو عرض السلعة الموكّل(2) ببيعها علي البيع، لم يكن عزلاً لوكيله(3) عن بيعها؛ لجواز طلب التساعد في الأغراض(4).

و كذا لو وكّل وكيلاً آخَر، لم ينعزل الأوّل؛ لجواز طلب المساعدة و الاعتضاد.

مسألة 764: إذا وكّل السيّد عبدَه في بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات ثمّ أعتقه أو باعه،

فإن قلنا: إنّ توكيله لعبده توكيلٌ حقيقيٌّ، لم ينعزل بالبيع و لا بالعتق، و بقي الإذن بحاله؛ عملاً بالاستصحاب. و لأنّه بعد العتق صار أكمل حالاً ممّا كان عليه أوّلاً.

و إن قلنا: إنّه ليس بتوكيلٍ حقيقيٍّ و لكنّه استخدام و أمر، ارتفع الإذن؛ لزوال الملك، لأنّه إنّما استخدمه و أمره بحقّ الملك و قد زال بالبيع و العتق.

و إذا باعه، فقد صار إلي ملك مَنْ لم يكن في توكيله، و ثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه، فيقطع استدامته.

و علي تقدير ارتفاع الوكالة بالعتق أو البيع لو قال العبد: عزلت نفسي، فهو لغو.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «المأمور» بدل «الموكّل».
3- في «ر، ث، خ»: «للوكيل».
4- في «خ» و الطبعة الحجريّة: «الاعراض».

و فصَّل بعض الفقهاء فقال: إن كانت الصيغة: «وكّلتُك بكذا» بقي الإذن. و إن أمره به، ارتفع الإذن بالعتق و البيع. و إذا حكمنا ببقاء الإذن في صورة البيع، فعليه استئذان المشتري؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً له(1).

و الكتابة كالبيع و الإعتاق في جريان الوجهين.

مسألة 765: لو وكّل عبد غيره في بيع شيءٍ أو شرائه أو غير ذلك من التصرّفات، افتقر إلي إذن المالك.

فلو وكّله بإذنه ثمّ باع المالك عبده، ففي ارتفاع الوكالة أيضاً وجهان: أحدهما: الارتفاع؛ لبطلان إذنه بزوال ملكه.

و [ثانيهما] عدمه؛ لأنّ سيّد العبد أذن له في بيع ماله.

و كذا لو أعتق سيّدُ العبدِ عبدَه، لم تبطل الوكالة(2) هنا قطعاً؛ لأنّ توكيل عبد الغير توكيلٌ حقيقيٌّ ليس استخداماً و لا أمراً.

و هكذا إن باعه، لكن يعتبر رضا المشتري.

و علي الموكّل أن يستأذن المشتري، سواء كان الوكيل عبده أو عبد الغير؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً له، فإن رضي ببقاء الوكالة بقيت، و إلّا بطلت.

و لو لم يستأذن - في الصورتين - المشتري، نفذ تصرّفه؛ لدوام الإذن و إن ترك واجباً.

قال الجويني: و فيه احتمال(3).

مسألة 766: لو وكّل زوجته في بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات، صحّ التوكيل.

فإن طلّقها، لم تبطل الوكالة؛ لأنّ زوال النكاح

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 255:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «وكالته».
3- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 559:3.

لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها.

و لو وكّل رجلاً في نقل امرأته أو بيع عبده أو قبض داره من فلان، فقامت البيّنة بطلاق الزوجة و عتق العبد و انتقال الدار عن الموكّل، بطلت الوكالة؛ لأنّه زال تصرّف الموكّل فزالت وكالته.

مسألة 767: لو وكّله في قبض دَيْنه من رجلٍ فمات، نُظر في لفظ الموكّل،

فإن قال: «اقبض حقّي من فلان» بطلت الوكالة، و لم يكن له القبض من وارثه؛ لأنّه لم يؤمر بذلك، و إنّما وكّله في قبضٍ مبدؤه من المديون و قد مات.

و إن قال: «اقبض حقّي الذي علي فلان» أو «الذي في قِبَل فلان» فله مطالبة وارثه، و القبض منه؛ لأنّ قبضه من الوارث قبضٌ للحقّ الذي علي مورّثه، و إذا قبض من الوارث لم يكن قبضاً من فلان.

لا يقال: لو قال له: «اقبض حقّي من زيدٍ» فوكّل زيد إنساناً في الدفع إليه، كان له القبض منه، فكذا ينبغي أن يقبض من الوارث؛ لأنّ الوارث نائب الموروث، كما أنّ الوكيل نائب الموكّل.

لأنّا نقول: الوكيل إذا دفع عنه بإذنه، جري مجري تسليمه؛ لأنّه أقامه مقام نفسه، و ليس كذلك هنا؛ فإنّ الحقّ انتقل إلي الورثة، فاستحقّت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث، و لهذا لو حلف: لا يفعل شيئاً، حنث بفعل وكيله، و لا يحنث بفعل وارثه.

مسألة 768: إذا وقعت الوكالة مطلقةً غير مؤقّتة، مَلَك الوكيل التصرّفَ أبداً

ما لم يفسخ الوكالة بقوله: فسخت الوكالة، أو: أبطلتها، أو: نقضتها، أو: عزلتك، أو: صرفتك عنها، أو: أزلتك عنها، أو نهاه عن فعل ما أمره به و وكّله فيه، و ما أشبه ذلك من ألفاظ العزل أو المؤدّية معناه، أو يعزل

ص: 163

الوكيل نفسه، أو يوجد من أحدهما ما يقتضي فسخ الوكالة.

فإذا وكّله في طلاق زوجته ثمّ وطئها، احتُمل بطلان الوكالة؛ لدلالة وطئه لها علي رغبته فيها و اختيار إمساكها.

و كذلك لو وطئها بعد طلاقها رجعيّاً، كان ذلك ارتجاعاً لها، فإذا اقتضي الوطء رجعتها بعد طلاقها فلأن يقتضي استبقاءها علي زوجيّتها و منع طلاقها أولي.

و إن باشرها دون الفرج أو قبَّلها أو فَعَل بها ما يحرم علي غير الزوج، فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق ؟ إشكال ينشأ: من حصول الرجعة به، و عدمه.

مسألة 769: لو جحد الموكّل الوكالةَ، ففي كونه عزلاً للوكيل إشكال
اشارة

ينشأ: من استصحاب الحال و عدم التصريح بالعزل، و من حكمه بارتفاع الوكالة و بطلانها من أصلها.

و لو جحد الوكيل الوكالةَ و أنكرها، ففي كونه ردّاً للوكالة إشكال، أقربه: أن نقول: إن كان هذا الإنكار لنسيانٍ أو لغرضٍ في الإخفاء، لم يكن ردّاً. و إن تعمّد و لا غرض له في الإخفاء، فالأقرب: أنّه ردٌّ.

تنبيه: كون الوكالة جائزةً حكمٌ سارٍ في الوكالة بجُعْل و غير جُعْل.

و قال بعض الشافعيّة: إذا شُرط فيها جُعْلٌ معلوم و اجتمعت شرائط الإجارة و عقد العقد بصيغة الإجارة، فهو لازم. و إن عقد بلفظ الوكالة، أمكن تخريجه علي أنّ الاعتبار بصِيَغ العقود أو بمعانيها؟(1).

و نحن لا ننازع في كون الإجارة لازمةً.

ص: 164


1- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3.
مسألة 770: لو وكّله في البيع و أمره بشرط الخيار فشرطه ثمّ ردّه المشتري بالخيار،

أو البائع، أو ظهر فيه عيب فردّه المشتري به، أو ظهر في الثمن المعيّن عيب فردّه البائع، انفسخ البيع، و لم يكن للوكيل بيعه ثانياً، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوكيل فَعَل متعلَّق الوكالة، فارتفعت وكالته. و لأنّه لو بقي وكيلاً فإمّا أن يكون في البيع الأوّل، و هو محال؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، أو في البيع ثانياً، و وكالته لم تتعلّق إلّا ببيعٍ واحد.

و قال أبو حنيفة: لا ترتفع وكالته، و يكون له البيع ثانياً(2).

و ليس بجيّدٍ.

مسألة 771: إذا وكّله في بيع نصيبه من دارٍ، أو في قسمته مع شركائه، أو في أخذه بالشفعة، فأنكر الخصم ملكيّة الموكّل، لم يملك التثبيت

علي ما قدّمناه في نظائره، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني:

يملك(3).

و قال أبو حنيفة: إذا وكّله في القسمة أو طلب الشفعة، كان وكيلاً في تثبيت ذلك؛ لأنّه لا يتوصّل إلي ذلك إلّا بإثبات الملك فيه(4).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه قد يرتضي للإثبات مَنْ لا يرتضي للمطالبة، و بالعكس.

ص: 165


1- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3.
2- العزيز شرح الوجيز 256:5.
3- الحاوي الكبير 501:6، بحر المذهب 201:8، البيان 371:6، العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3، المغني 220:5.
4- بدائع الصنائع 25:6، بحر المذهب 201:8، المغني 220:5.

و قال بعض الشافعيّة: لا يملك التثبيت قولاً واحداً(1).

مسألة 772: لو قال له: بِعْ كذا، و اشترط الخيارَ لي أو للمشتري، أو لنا معاً،

أو اشتر كذا، و اشترِط الخيارَ كذلك، لم يملك البيع المنجّز.

و لو أمره بالبيع و أطلق، لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشتري.

و كذا لو وكّله بالشراء، لم يكن له شرط الخيار للبائع.

و الأقرب: أنّهما يملكان شرطَ الخيار لأنفسهما و لموكّليهما.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّ إطلاق العقد يقتضي عقداً بلا شرط(2).

و الوجه: ما تقدّم؛ لأنّه زاده خيراً.

مسألة 773: التوكيل في شراء العين أو بيعها لا يقتضي الإذن في شراء بعضها و لا بيعه؛

للتضرّر بالتبعيض.

و لو فرض فيه غبطة - كما لو أمره بشراء عبدٍ بألف فاشتري نصفه بأربعمائة ثمّ نصفه الآخَر كذلك - كان فضوليّاً إن سمّاه في العقد أو نواه، و إلّا وقع عنه.

و لا ينقلب الملك إلي الوكيل بعد انصراف العقد الأوّل عنه.

و فيه وجهٌ ضعيف للشافعيّة(3).

و لو قال له: اشتره بهذا الثوب، فاشتراه بنصفه، صحّ؛ لأنّه إذا رضي بزوال كلّ الثوب في مقابلته، فهو بزوال بعضه أشدّ رضاً.

و لو قال: بِعْ هؤلاء العبيد، أو: اشتر لي خمسة أعْبُدٍ، و وصَفَهم له،

ص: 166


1- بحر المذهب 201:8، البيان 371:6.
2- حلية العلماء 137:5، العزيز شرح الوجيز 256:5-257.
3- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 560:3.

فله الجمع و التفريق؛ لعدم التضرّر.

و لو قال: اشترهم صفقةً واحدة، لم يفرّق، فإن فرَّق لم يصحّ للموكّل عند الشافعيّة(1).

و عندنا يكون فضوليّاً.

و لو اشتري خمسةً من مالكَيْن - [لأحدهما](2) ثلاثة، و [للآخَر](3)اثنان - دفعةً واحدة، و صحّحنا مثل هذا العقد، ففي وقوع شرائهم عن الموكّل للشافعيّة وجهان:

أحدهما - و به قال ابن سريج -: إنّه يقع؛ حَمْلاً لكلامه علي الأمر [بتملّكهم](2) دفعةً واحدة.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّه إذا تعدّد البائع لم تكن الصفقة واحدةً(3).

و المعتمد عندنا: الأوّل؛ لصدق الوحدة باعتبارٍ.

و لو قال: بِعْ هؤلاء الأعْبُد الثلاثة بألفٍ، لم يبِعْ واحداً منهم بدون الألف؛ لجواز أن لا يشتري الباقيان بالباقي من الألف.

و لو باعه بألفٍ، صحّ.

و هل له بيع الآخَرَيْن ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: نعم(4) ، و به نقول؛ عملاً بالإذن السابق.3.

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3. (2 و 3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أحدهما... الآخرَ». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بتمليكم». و المثبت هو الصحيح.
3- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.
4- بحر المذهب 185:8، البيان 391:6، العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.

و لو قال: بِعْ من عبيدي مَنْ شئت، أبقي بعضَهم و لو واحداً.

و كذا لو قال: ما شئت، فكذلك.

مسألة 774: إذا وكّله في البيع نسيئةً، فباع كذلك، لم يملك التقاضي،

و لم يلزمه أيضاً لو طلبه المالك منه بعد حلول الأجل، و لكن عليه بيان المعامل حتي لا يكون مضيّعاً لحقّه.

و كذا لو قال: ادفع هذا الثوب إلي صانعٍ، فقال: دفعتُه، طالَبه المالك ببيانه، و كان عليه البيان، فإن امتنع كان متعدّياً.

فلو تلف في يد الصانع(1) ثمّ بيّنه، كان عليه الضمان عند بعض الشافعيّة(2).

و عندي فيه نظر.

و قال أكثر الشافعيّة: لا يلزمه البيان(3).

و ليس بشيءٍ.

و لو قال لغيره: بِعْ عبدك من فلان بألفٍ أدفعُه إليك، فباعه منه، فالأقوي: إنّ البائع يستحقّ الألف علي الآمر دون المشتري، فإذا غرم الآمر رجع علي المشتري مع الإذن و مطلقاً علي إشكالٍ.

و لو قال: اشتر عبدَ فلانٍ لي بثوبك هذا أو بدراهمك، ففَعَل، فالأقرب: البطلان؛ إذ لا يملك الإنسان شيئاً و الثمن علي غيره.

و قالت الشافعيّة: يحصل الملك للآمر، و يرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل(2).

ص: 168


1- كذا قوله: «ادفع هذا الثوب إلي صانعٍ... في يد الصانع» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين»: «ادفع هذا الذهب إلي صائغٍ... في يد الصائغ». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.
2- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 562:3.

و فيه لهم وجهٌ آخَر: أنّه إذا لم يَجْر شرط الرجوع، لا يرجع. و إذا(1) قبض وكيل المشتري المبيع و غرم الثمن من ماله، لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكّل له(2).

و فيه وجه للشافعيّة: إنّ له الحبسَ - و به قال أبو حنيفة - بناءً علي أنّ الملك يحصل للوكيل ثمّ ينتقل إلي الموكّل(3).

مسألة 775: لو وكّله في استيفاء دَيْنه من زيدٍ، فجاء إلي زيد للمطالبة،

فقال زيد للوكيل: خُذْ هذه الدراهم و اقض بها دَيْن فلانٍ، يعني موكّله، فأخذها، صار وكيلَ زيدٍ في قضاء دَيْنه، حتي يجوز لزيدٍ استردادها ما دامت في يد الوكيل(4) ، و لو تلفت عنده، بقي الدَّيْن بحاله.

و لو قال: خُذْها عن الدَّيْن الذي تطالبني به لفلان، فأخذ، كان قابضاً للموكّل، و برئت ذمّة زيدٍ، و ليس له الاسترداد.

و لو قال: خُذْها قضاءً عن دَيْن فلان، احتُمل الوجهان معاً.

فلو تنازع الموكّل و زيدٌ، فالقول قول زيدٍ مع يمينه.

مسألة 776: لو دفع إليه شيئاً و قال: تصدّق به علي الفقراء، فتصدّق و نوي نفسَه، لغت نيّته،

و كانت الصدقة للآمر.

و عندي فيه نظر.

و لو وكّل عبداً ليشتري له نفسَه أو مالاً آخَر من سيّده، جاز عندنا - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(5) - كما يجوز توكيله في الشراء من غير سيّده.

ص: 169


1- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
2- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 562:3.
3- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 563:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «يده» بدل «يد الوكيل».
5- المهذّب - للشيرازي - 359:1، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّ يدَه يدُ السيّد، فأشبه ما لو وكّل إنساناً ليشتري له من نفسه(1).

و هو ممنوع.

فعلي ما اخترناه يجب أن يصرّح بذكر الموكّل، فيقول: اشتريت نفسي منك لموكّلي فلان.

و لو لم يضف بل قال: اشتريت نفسي منك و نوي الإضافة إلي الموكّل، صحّ، و وقع للموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: إذا لم يضف، لم يقع له؛ لأنّ قوله: «اشتريت نفسي» صريح في اقتضاء العتق، فلا يندفع بمجرّد النيّة(2).

و هو ممنوع.

و لو قال العبد لرجلٍ: اشتر لي نفسي من سيّدي، ففَعَل، جاز، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و هل يشترط التصريح بالإضافة إلي العبد؟ الأقرب: العدم، بل تكفي النيّة.

و قال بعض الشافعيّة: يشترط التصريح بالإضافة إلي العبد، فلو أطلق وقع الشراء للوكيل؛ إذ البائع قد لا يرضي بعقدٍ يتضمّن الإعتاق قبل توفية الثمن(4).3.

ص: 170


1- المهذّب - للشيرازي - 359:1، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5. (2-4) العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.

و الرضا بالمشتري غير شرط في البيع.

مسألة 777: لو قال لغيره: أسلم لي في كذا و أدِّ رأسَ المال من مالك ثمّ ارجع علَيَّ، جاز،

كما إذا قال: اشتر هذه السلعة بيني و بينك و أدِّ الثمن عنّي - و به قال ابن سريج من الشافعيّة(1) - و يكون رأس المال قرضاً علي الآمر.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الإقراض لا يتمّ إلّا بالإقباض، و لم يوجد من المستقرض قبضٌ(2).

فإذا أبرأ وكيل المُسْلِم المُسْلَم إليه، لم يلزم إبراؤه الموكّل.

لكن، المُسْلَم إليه لو قال: لا أعرفك وكيلاً، و إنّما التزمت لك شيئاً فأبرأتني عنه، نفذ في الظاهر، و تعطّل بفعله حقّ المسلم.

و في وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة للشافعيّة.

و الأظهر عندهم: وجوبه، لكن لا يغرم مثلَ المُسْلَم فيه و لا قيمته لئلّا يكون اعتياضاً عن المُسْلَم [فيه] و إنّما يغرم له رأس المال(3).

قال الجويني: و هو حسن(4).

و قال بعضهم: إنّه يغرم للموكّل مِثْلَ المُسْلَم [فيه](5).

و لو قال: اشتر لي طعاماً بكذا، قال الشافعي: يُحمل علي الحنطة؛ اعتباراً بعُرْفهم(6).

و الوجه عندي: اعتبار العرف عند كلّ قومٍ.

و علي قول الشافعي لو كان بطبرستان، لم يجز التوكيل؛ لأنّه لا عُرْف فيه لهذا اللفظ عندهم، فيكون [التوكيل](1) في مجهولٍ(2).

ص: 171


1- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 564:3.

و لو وكّله في شراء ما ينطلق عليه الاسم بالاشتراك، وجب التعيين في الوكالة، و إلّا بطلت.

و يجيء علي قول مَنْ يحمل المشترك علي كلا المعنيين الجواز، و حمله علي المعنيين معاً.

و لو قال له: وكّلتُك في إبراء غرمائي، لم يملك إبراء نفسه.

فإن كان قد قال: فإن شئت تبرئ نفسك فافعل، جاز.

و للشافعي خلافٌ تقدّم(1) في أنّه هل يجوز توكيل المديون بإبراء نفسه ؟

و لو قال: فرِّق ثلثي علي الفقراء، و إن شئت أن تضعه في نفسك فافعل، جاز.

و عند الشافعي يبني علي الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه(2).

و لو قال له: اشتر لي بدَيْني عليك طعاماً، صحّ، خلافاً لبعض العامّة(3).

و لو قال: استسلف لي ألفاً من مالك في كُرّ طعامٍ، لم يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره.

و إن قال: اشتر لي في ذمّتك، أو قال: اسلف ألفاً في كُرّ طعامٍ و اقبض الثمن عنّي من مالك أو من الدَّيْن الذي عليك، صحّ؛ لأنّه إذا اشتري في الذمّة، حصل الشراء للموكّل، و الثمن عليه، فإذا قضاه من الدَّيْن5.

ص: 172


1- في ص 59، المسألة 685.
2- بحر المذهب 180:8، العزيز شرح الوجيز 260:5، روضة الطالبين 564:3.
3- المغني 251:5، الشرح الكبير 259:5.

الذي عليه فقد دفع الدَّيْن من ماله بأمر صاحب الدَّيْن بدفعه إليه. و إن قضاه من ماله غير الدَّيْن الذي عليه صار قرضاً عليه.

** *

ص: 173

ص: 174

الفصل الرابع: في التنازع
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في النزاع في أصل الوكالة وصفتها.
مسألة 778: إذا اختلفا في أصل الوكالة، فادّعي الوكيل أنّه وكّله في كذا، و أنكر الموكّل،

فإن كان هناك بيّنة، حُكم بها، و إلّا فالقول قول الموكّل - لأنّه المنكر - مع يمينه؛ لأصالة عدم التوكيل، و لم يثبت أنّه أمينه ليقبل قوله عليه.

و لو اتّفقا علي أصل العقد و اختلفا في بعض الكيفيّات أو المقادير - كما إذا قال: وكّلتني ببيع كلّه، أو ببيعه نسيئةً، أو بشرائه بعشرين، و قال الموكّل: بل ببيع بعضه، أو ببيعه نقداً، أو بشرائه بعشرة - فالقول قول الموكّل؛ لأنّ الأصل عدم الإذن فيما يدّعيه الوكيل.

و لأنّ الإذن صادر عن الموكّل، و هو أعرف بحال الإذن و مقاصده الصادرة عنه.

و لأنّه لمّا كان القولُ قولَه في أصل العقد وجب أن يكون في الصفة كذلك، كما لو اختلف الزوجان في عدد الطلاق، كان القولُ قولَ الزوج فيه؛ لأنّهما لو اختلفا في أصله، كان القولُ فيه قولَه.

و الأصل في ذلك كلّه أنّ الوكيل يدّعي خلاف الأصل، فيكون القولُ قولَ الموكّل مع اليمين، و علي مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

و فرقٌ بين هذا و بين ما إذا اختلف الخيّاط و مالك الثوب، فقال

ص: 175

الخيّاط: أمرتني بقطع الثوب قباءً، فقطعتُه كذلك كما أمرتَني، و قال المالك: بل أمرتُك أن تقطعه قميصاً، كان القولُ قولَ الخيّاط، مع أنّهما لو اختلفا في أصل الإذن، كان القولُ قولَ المالك: بأنّ المالك هناك يريد إلزام الخيّاط الأرشَ، و الأصل عدمه، و هاهنا الموكّل لا يلزم الوكيل غرامة، و إن لزمه الثمن فإنّما لزمه بحكم إطلاق البيع.

مسألة 779: لو وكّله في شراء جاريةٍ، فاشتراها الوكيل بعشرين،

و زعم الوكيل أنّ الموكّل أذن له فيه، و قال الموكّل: ما أذنتُ إلّا في الشراء بعشرة، فالقول قول الموكّل؛ لما تقدّم.

فإذا حلف فإن كان الشراء بعين مال الموكّل فإن ذكر في العقد أنّ المال لفلان أو أنّ الشراء له، كان باطلاً؛ لأنّ المال في يده لم يتعلّق به حقّ الغير قبل الشراء فيُقبل إقراره فيه، و حينئذٍ يكون العقد واقعاً بمال الغير، و قد ثبت بيمين صاحب المال أنّه لم يأذن في الشراء الذي باشره الوكيل، فيلغو العقد.

و إن لم يذكره في العقد، و قال بعد الشراء: إنّني اشتريت له، فإن صدّقه البائع فالعقد باطل أيضاً، و إذا بطل الشراء فالجارية باقية علي ملك البائع، و عليه ردّ ما أخذ.

و إن كذّبه البائع و قال: إنّما اشتريتَ لنفسك و المال لك، و لا بيّنة، حلف علي نفي العلم بالوكالة، و حُكم بصحّة الشراء للوكيل في الظاهر، و سلّم الثمن المعيّن إلي البائع، و غرم الوكيل مثلَه للموكّل.

و إن كان الشراء في الذمّة، فإن نوي الموكِّلَ و لم يسمّه، كانت الجارية للوكيل، و الشراء له ظاهراً؛ لأنّ المتصرّف لغيره في الذمّة يلزمه التصرّف إذا لم يقع لذلك الغير.

ص: 176

و إن سمّاه فإن صدّقه البائع، بطل الشراء؛ لاتّفاقهما علي كونه للغير؛ لأنّ البائع أوجبه للموكّل، فإذا لم يلزمه لم يصح، كما إذا تزوّج امرأةً لغيره بغير إذنه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يلزمه، كما لو أطلق، بخلاف النكاح؛ لأنّ ذكر الزوج شرط فيه، بخلاف البيع، و ثبوت كونه بغير إذنه بيمينه(1).

و إن كذّبه البائع و قال: أنت مبطل في تسميته فيلزم الشراء الوكيل، و يكون كما لو اقتصر علي النيّة، أو يبطل الشراء من أصله ؟ للشافعيّة وجهان. و الأظهر عندهم: صحّته و وقوعه للوكيل(2).

و حيث صحّحنا الشراء و جعلنا الجارية للوكيل ظاهراً و زعمه أنّها للموكّل، فيأمره الحاكم بالرفق للمأمور، فيقول له: إن كنتُ أمرتُك أن تشتريها بعشرين فقد بعتُكها بعشرين، و يقول الآخَر: قبلتُ، ليحلّ له الفرج.

و الضابط: إنّ الوكيل إن كان كاذباً فيما ادّعاه، فإنّ العين المبيعة له في الباطن و الظاهر؛ لأنّ البيع وقع له، و إن كان صادقاً فهي له في الظاهر، دون الباطن.

و اختلف الشافعيّة في ذلك:

منهم مَنْ قال: إنّ هذا الشرط لا يكون في كلام الموكّل، و إنّما يكون في كلام الحاكم، و ينبغي أن يقول الموكّل: بعتكها بعشرين، ليقع البيع، فإنّ البيع لا يقبل التعليق بالشرط، و لهذا لو قال: إن كان قدم فلان فقد بعتك،3.

ص: 177


1- الحاوي الكبير 545:6 و 547، المغني 250:5، الشرح الكبير 259:5.
2- العزيز شرح الوجيز 261:5، روضة الطالبين 565:3.

لم يصح، كذا هنا(1).

و قال بعضهم: يجوز أن يقول ذلك الموكّل و يصحّ؛ لأنّه شرطٌ يقتضيه الإيجاب، فلا يمنع صحّته؛ لأنّه لا يصحّ الإيجاب إلّا أن يكون الوكيل صادقاً فيما قال، و قد وقع البيع للموكّل، كما إذا قال: «إن كان مالي الغائب سالماً فهذه زكاته، و إن لم يكن سالماً فهي نافلة» يصحّ؛ لأنّ ذلك مقتضي الإطلاق و إن كانت الزكاة لا تتعلّق بشرطٍ(2).

قال بعض الشافعيّة: القول الأوّل خطأ؛ لأنّ هذا الموكّل إذا أطلق قوله: «بعتك» يكون ذلك إقراراً منه بالملك و تكذيباً لنفسه فيما ادّعاه فلا يؤمر به، و أمّا الشرط المذكور فلا يضرّ؛ لأنّه أمر واقع يعلمان وقوعه، مثل أن يتّفقا علي أنّ هذا الشيء ملك أحدهما، فيقول: إن كان ملكي فقد بعتك، فيصحّ. و كذا كلّ شرطٍ علما وجوده لا يؤدّي إلي وقوف البيع، بخلاف ما ذكره(1).

إذا ثبت هذا، فإن أوجب الموكّل البيع للوكيل إمّا مطلقاً أو مشروطاً، فقد مَلَك الوكيل المبيعَ ظاهراً و باطناً، و إن امتنع لم نجبره علي ذلك؛ لأنّه قد ثبت بيمينه براءته منه، و لأنّ البيع لا يُجبر عليه، إلّا أنّ هذا المبيع في يد هذا الوكيل فما يصنع به ؟ الأقوي عندي: إنّه يكون في يده للموكّل، و له عليه ما لزمه من الثمن، فيكون له بيعه و استيفاء ذلك منه؛ لتعذّر وصول حقّه إليه إلّا بذلك، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يكون للوكيل ظاهراً و باطناً؛ لأنّا إذا فسخنا العقد في حقّ3.

ص: 178


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 262:5، و روضة الطالبين 566:3.

الموكّل عاد إلي الوكيل، كالمتبايعين إذا تحالفا فسخنا العقد بينهما، و عاد الملك إلي البائع.

و الثالث: إنّه لا يبيعه الوكيل بنفسه، و لكن يواطئ رجلاً يدّعيه رهناً عليه فيقرّ به فيبيعه الحاكم عليه(1).

و الثاني ليس بشيء؛ لأنّه بفسخ البيع عن الموكّل لا يرجع إلي الوكيل، و إنّما يرجع إلي البائع، بخلاف ما ذكره من المتبايعين؛ لأنّه هناك يرجع إلي البائع بملكه السابق.

و أمّا الثالث فيشتمل علي المشقّة المنفيّة بالأصل، و علي الأمر بالكذب، فلهذا جوّزنا له بيعه بنفسه، كالمديون المماطل مع قدرته إذا ظفر صاحب الدَّيْن له بشيء يخالف جنس دَيْنه.

إذا عرفت هذا، فسواء أطلق البيع أو علّق لا يجعل ذلك إقراراً بما قاله الوكيل و تكذيباً لنفسه.

إذا عرفت هذا، فإذا امتنع الموكّل من البيع مطلقاً و مشروطاً فإن كان الوكيل كاذباً، لم يحلّ له وطؤها و لا التصرّف فيها بالبيع و غيره إن كان الشراء بعين مال الموكّل؛ لأنّ الجارية حينئذٍ تكون للبائع. و إن كان الشراء في الذمّة، ثبت الحلّ؛ لوقوع الشراء للوكيل؛ ضرورة كونه مخالفاً للموكّل.

و عندي أنّه لا يبطل إن سمّاه أو نواه.

و قال بعض الشافعيّة: إذا كان كاذباً و الشراء بعين مال الموكّل، فللوكيل بيعها إمّا بنفسه أو بالحاكم؛ لأنّ البائع حينئذٍ يكون آخذاً لمال الموكّل بغير استحقاقٍ، و قد غرم الوكيل للموكّل، فله أن يقول للبائع: ردّ3.

ص: 179


1- العزيز شرح الوجيز 262:5، روضة الطالبين 566:3.

مال الموكّل، أو اغرمه إن كان تالفاً، لكنّه قد تعذّر ذلك بسبب اليمين فيأخذ حقّه من الجارية التي هي ماله.

و إن كان الموكّل صادقاً، ففيه الوجوه الثلاثة السابقة:

أحدها: إنّها تكون للوكيل ظاهراً و باطناً حتي يحلّ له الوطء و كلّ تصرّفٍ - و به قال أبو حنيفة - بناءً علي أنّ الملك يثبت للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل منه إلي الموكّل، فإذا تعذّر نقله منه، بقي علي ملكه.

و منهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمّة و لم يطّرده في الحالتين، و إليه مال الجويني(1).

و ثانيها: إنّه إن ترك الوكيل مخاصمة الموكّل، فالجارية له ظاهراً و باطناً، و كأنّه كذّب نفسه، و إلّا فلا.

و ثالثها - و هو الأصحّ -: إنّه لا يملكها باطناً، بل هي للموكّل، و للوكيل الثمن عليه، فهو كمن له علي رجلٍ دَيْنٌ لا يؤدّيه فظفر بغير جنس حقّه من ماله، فيجيء خلافٌ للشافعيّة في أنّه هل له بيعه و أخذ الحقّ من ثمنه ؟ و الأصحّ عندهم: إنّ له ذلك(2)، كما اخترناه نحن.

ثمّ يباشر البيع أو يرفع الأمر إلي القاضي ؟ فيه لهم وجهان، أصحّهما هنا: إنّ له بيعها بنفسه؛ لأنّ القاضي لا يجيبه إلي البيع، و لأنّ المظفور بماله في سائر الصور يدّعي المال لنفسه فيسلّط غيره عليه، و قد يستبعد، و هنا الموكّل لا يدّعي المال لنفسه(1).

و إذا قلنا: إنّه ليس له أن يأخذ الحقّ من ثمنها فتوقف في يده حتي3.

ص: 180


1- العزيز شرح الوجيز 262:5-263، روضة الطالبين 566:3.

يظهر مالكها، أو يأخذها القاضي فيحفظها؟ فيه للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 780: لو اشتري الوكيل جاريةً لموكّله، فأنكر الموكّل الإذن في شرائها

و قال: ما وكّلتُك في شراء هذه، بل الجارية الأُخري، فالقول قول الموكّل علي ما تقدّم، فإذا حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل، و الحكم علي ما تقدّم في المسألة الأُولي، فيرفق الحاكم و يتلطّف، كما تقدّم.

مسألة 781: لو باع الوكيل نسيئةً و ادّعي إذن المالك فيه، فإن صدّقه المالك صحّ البيع.

و إن كذّبه و قال: ما أذنتُ لك في بيعه نسيئةً، بل في بيعه نقداً، أو قلتُ لك: بِعْه، و لم أذكر شيئاً [فالقول قول المالك](2) لأنّ الإطلاق ينصرف إلي النقد.

ثمّ إن صدّقه الوكيل و المشتري جميعاً، حكمنا بفساد البيع. فإن كانت السلعة قائمةً رجع بها، و كان له أن يطالب أيّهما شاء، و إلّا رجع بالقيمة علي مَنْ شاء منهما.

و إن كذّباه، فالقول قول المالك مع يمينه علي القطع و عدم البيّنة.

فإن أنكر المشتري الوكالةَ و قال: إنّ البائع باع ملكه، فالموكّل حينئذٍ يحتاج إلي إقامة البيّنة، فإن لم تكن هناك بيّنة، قُدّم قول المشتري مع يمينه علي نفي العلم بالوكالة؛ لأنّها يمين علي نفي فعل الغير.

ص: 181


1- العزيز شرح الوجيز 263:5، روضة الطالبين 566:3-567.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

فإن حلف، قُرّر المبيع في يده، و يكون للمالك الرجوعُ علي الوكيل إن كذّبه في عدم إذنه في النسيئة بعد حلف الموكّل له بالقيمة.

و إن نكل المشتري عن اليمين علي نفي علم الوكالة، حلف الموكّل علي ثبوتها، فإذا حلف حُكم ببطلان البيع. و إن لم يحلف و نكل، فهو كما لو حلف المشتري، و نكول الموكّل عن يمين الردّ في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف علي الوكيل، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليّاً.

و الوكيل لا يطالب المشتري بشيء حتي يحلّ الأجل مؤاخذةً له بموجب تصرّفه.

فإذا حلّ، نُظر إن رجع عن قوله الأوّل و صدّقه(1) الموكّل، فلا يأخذ من المشتري إلّا أقلّ الأمرين من الثمن أو القيمة؛ لأنّه إن كان الثمن أقلَّ، فهو موجب عقده و تصرّفه، فلا يُقبل رجوعه فيما يلزمه من زيادة علي العين(2) ، و إن كانت القيمة أقلَّ فهي التي غرمها، فلا يرجع إلّا بما غرم؛ لأنّه قد اعترف أخيراً بفساد العقد.

و إن لم يرجع و أصرّ علي قوله الأوّل، فيطالبه بالثمن بتمامه، فإن كان مِثْلَ القيمة أو أقلَّ فذلك، و إن كان أكثر فالزيادة في يده للموكّل بزعمه، و الموكّل ينكرها، فيحفظها أو يلزمه دفعها إلي القاضي ؟ فيه للشافعيّة خلاف(3).

اعترض بعض الفقهاء بأنّ الموكّل إذا أنكر التوكيل بالنسيئة، كان ذلك عزلاً للوكيل علي رأي، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن!؟

و أُجيب: بأنّه إنّما يستوفي الثمن لأنّ الموكّل ظلمه بتغريمه في3.

ص: 182


1- في النسخ الخطّيّة: «صدّق».
2- في «ج»: «الغير. نسخة بدل».
3- العزيز شرح الوجيز 264:5، روضة الطالبين 567:3.

زعمه، و ظفر بجنس حقّه من مال مَنْ ظلمه، و إن كان من غير الجنس فيأخذه أيضاً(1).

و لا يخرج علي القولين في الظفر بغير جنس الحقّ في غير هذه الصورة؛ لأنّ المالك يدّعيه لنفسه، و يمنع الغير عنه، و الموكّل لا يدّعي الثمن هنا، فأولي مصرفٍ يُفرض له التسليم إلي الوكيل الغارم.

مسألة 782: هذا كلّه إذا لم يعترف المشتري بالوكالة، فإن اعترف بها فإن صدّق الموكّل، فالبيع باطل،

و عليه ردّ المبيع إن كان باقياً. و إن تلف، فالموكّل بالخيار إن شاء غرّم الوكيل؛ لأنّه تعدّي ما أمره الموكّل، و إن شاء غرّم المشتري؛ لتفرّع يده علي يدٍ مضمونة، و لأنّه أتلف السلعة علي الموكّل بشرائه من غير إذن مالكها، و قرار الضمان علي المشتري؛ لحصول الهلاك في يده.

فإن رجع الموكّل عليه، لم يرجع علي الوكيل؛ لحصول التلف في يده، بل يرجع عليه بالثمن الذي سلّمه إليه؛ لخروج المبيع مستحقّاً.

و إن صدّق الوكيل، قُدّم قول الموكّل مع يمينه، فإن حلف أخذ العين، و إن نكل حلف المشتري و بقيت له.

و إن رجع علي الوكيل، لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال؛ لأنّه يُقرّ أنّه ظلمه بالرجوع عليه، و إنّما يستحقّ عليه الثمن المؤجَّل.

فإذا حلّ الأجل، كان للوكيل أن يرجع عليه بأقلّ الأمرين من القيمة و الثمن؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلَّ، فصاحب السلعة يقول: إنّه لا يستحقّ ذلك و لا يغرم إلّا القيمة. و إن كان الثمن المسمّي أقلَّ، رجع به؛ لأنّه

ص: 183


1- المعترض و المجيب هو الإمام الجويني كما في العزيز شرح الوجيز 264:5.

معترف بأنّ صاحب السلعة ظلمه بأخذ القيمة، و أنّ الذي يستحقّه الثمن، فلا يرجع بأكثر منه.

و إن كذّبه أحدهما دون الآخَر، رجع علي المصدِّق، و حلف علي المكذِّب، و يرجع حسب ما ذكرناه في تكذيبهما.

البحث الثاني: في المأذون.
مسألة 783: إذا وكّله في بيعٍ أو هبةٍ أو صلحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو إبراءٍ أو غير ذلك،

ثمّ اختلف الوكيل و الموكّل، فادّعي الوكيل أنّه تصرّف كما أذن له، و أنكر الموكّل و قال: لم تتصرّف البتّة بَعْدُ، فإن جري هذا النزاع بعد عزل الوكيل، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ؛ لأنّ الأصل العدم، و بقاء الحال كما كان، و الوكيل غير مالكٍ للتصرّف حينئذٍ.

و إن جري قبل العزل، فالأقرب أنّه كذلك، و أنّ القول قول الموكّل؛ لأنّ الأصل العدم، و لأنّ الوكيل يقرّ عليه بزوال الملك عن السلعة، فوجب أن لا يُقبل، بخلاف ما إذا ادّعي الردّ أو التلف، فإنّه يبغي [دفع](1) الضمان عن نفسه، لا [إلزام](2) الموكّل شيئاً، و هو أحد قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّ القول قول الوكيل؛ لأنّه ائتمنه، فعليه تصديقه، و لأنّه مالك لإنشاء التصرّف، و مَنْ مَلَك الإنشاء قُبِل إقراره، كالوليّ المُجبَر إذا أقرّ بنكاح مولّيته(3).

ص: 184


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رفع». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التزام». و المثبت هو الصحيح.
3- الحاوي الكبير 521:6-522، المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 169:8، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 264:5-265، روضة الطالبين 568:3، المغني 222:5، الشرح الكبير 248:5.

و بهذا القول قال أبو حنيفة إلّا في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل و الموكّل، فإنّ القول قول الموكّل(1).

و اختلف أصحاب الشافعي فيما هو الأصحّ من القولين و ما كيفيّتهما؟

أمّا [الأوّل](2): فكلام أكثر الشافعيّة ترجيح قول تصديق الموكّل حتي أنّ بعضهم لم يورد غيره.

و قال بعضهم: الأصحّ تصديق الوكيل من جهة القياس.

و أمّا [الثاني](3): فإنّ قول تصديق الموكّل منقول عن الشافعي في مواضع.

و اختلف الناقلون في القول الآخَر:

فقال بعضهم: إنّه منصوص الشافعي.

و قال آخَرون: إنّه مخرَّج خرَّجه ابن سريج و غيره.

و في المسألة وجهٌ ثالث للشافعيّة، و هو: إنّ ما يستقلّ به الوكيل - كالطلاق و الإعتاق و الإبراء - يُقبل فيه قوله مع يمينه، و ما لا يستقلّ - كالبيع - لا بدّ فيه من البيّنة(2).

مسألة 784: لو صدّق الموكّل الوكيلَ في البيع و نحوه، و لكن قال:

كنتُ عزلتُك قبل التصرّف.

و قال الوكيل: بل كان العزل بعد التصرّف، فهو

ص: 185


1- بحر المذهب 169:8، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 265:5، المغني 222:5، الشرح الكبير 248:5. (2 و 3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني... الأوّل». و المثبت كما في «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

كما لو قال الزوج: راجعتكِ قبل انقضاء العدّة، و قالت: انقضت عدّتي قبل أن تراجعني.

و حينئذٍ يحتمل تقديم قول الوكيل؛ لأصالة صحّة تصرّفه، و تقديم قول الموكّل؛ لأصالة عدم سبق العقد.

و التحقيق أنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي التقديم، و الأصل عدمه، فلا أولويّة من هذه الحيثيّة، فتبقي أصالة بقاء الملك علي صاحبه خاليةً عن المعارض.

و لو قال الموكّل: قد باع الوكيل، و قال الوكيل: لم أبِعْ، فإن صدّق المشتري الموكّل، حُكم بانتقال الملك إليه، و إلّا فالقول قوله؛ لأصالة عدم البيع.

مسألة 785: إذا ادّعي الوكيل تلفَ المال الذي في يده للموكّل أو تلفَ الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده،

و أنكر المالك، قُدّم قول الوكيل مع يمينه و عدم البيّنة؛ لأنّه أمينه، فكان كالمودع. و لأنّه قد تتعذّر إقامة البيّنة عليه، فلا يكلَّف ذلك.

و لا فرق بين أن يدّعي التلف بسببٍ ظاهر، كالحرق و النهب، أو بسببٍ خفيّ، كالسرقة و التلف.

و كذا كلّ مَنْ في يده شيء لغيره علي سبيل الأمانة، كالأب و الوصي و الحاكم و أمينه و الودعي و الشريك و المضارب و المرتهن و المستأجر و الأجير المشترك؛ لأنّه لو لا ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات(1) مع الحاجة إليها.

ص: 186


1- في «ج، ر»: «الأمانة».

و قال بعض العامّة: إذا ادّعي التلف بأمرٍ ظاهر - كالحرق و النهب - كان عليه إقامة البيّنة علي وجود هذا الأمر في تلك الناحية، ثمّ يكون القولُ قولَه في تلفها بذلك - و به قال الشافعي أيضاً - لأنّ وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفي، و لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه(1).

مسألة 786: إذا اختلفا في الردّ فادّعاه الوكيل و أنكره الموكّل،

فإن كان وكيلاً بغير جُعْلٍ، احتُمل تقديم قول الوكيل؛ لأنّه قبض المال لنفع مالكه، فكان القولُ قولَه مع اليمين، كالودعي.

و يحتمل العدم؛ لأصالة عدم الردّ. و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن كان وكيلاً بجُعْلٍ، فالوجه: أنّه لا يُقبل قوله؛ لأنّه قبض المال لنفع نفسه، فلم يُقبلْ قوله في الردّ، كالمستعير، و هو أحد قولَي العامّة.

و الثاني: إنّ القولَ قولُ الوكيل؛ لأنّه وكيل، فكان القولُ قولَه، كالوكيل بغير جُعْلٍ؛ لاشتراكهما في الأمانة(2).

و سواء اختلفا في ردّ العين أو ردّ ثمنها.

و جملة الأُمناء علي ضربين:

أحدهما: مَنْ قبض المال لنفع مالكه لا غير، كالمودع و الوكيل بغير جُعْلٍ، فيُقبل قولهم في الردّ عند بعض الفقهاء من علمائنا و غيرهم(3) ؛ لأنّه لو لم يُقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات، فيلحق الناسَ الضررُ.

و الثاني: مَنْ ينتفع بقبض الأمانة، كالوكيل بجُعْلٍ و المضارب و الأجير

ص: 187


1- المغني 221:5، الشرح الكبير 248:5، البيان 419:6.
2- البيان 419:6، المغني 223:5، الشرح الكبير 249:5.
3- المبسوط - للطوسي - 372:2، و 141:4، المغني 223:5، الشرح الكبير 249:5، العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

المشترك و المستأجر و المرتهن.

و الوجه: إنّه لا يُقبل.

مسألة 787: لو أنكر الوكيلُ قبضَ المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنةٍ أو اعترافٍ، فادّعي الردَّ أو التلفَ، لم يُقبل قوله؛

لثبوت خيانته بجحوده.

فإن أقام بيّنةً بما ادّعاه من الردّ أو التلف، لم تُقبل بيّنته.

و للعامّة وجهان:

أحدهما: لا تُقبل - كما قلناه - لأنّه كذّبها بجحده؛ فإنّ قوله: «ما قبضت» يتضمّن أنّه لم يردّ شيئاً.

و الثاني: تُقبل؛ لأنّه يدّعي الردّ و التلف قبل وجود خيانته(1).

و إن كان صورة جحوده: أنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً، أو: ما لك عندي شيء، يُسمع قوله مع يمينه؛ لأنّ جوابه لا يكذّب ذلك، لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّ، فليس له عنده شيء، فلا تنافي بين القولين، إلّا أن يدّعي أنّه ردّ أو تلف بعد قوله: «ما لك عندي شيء» فلا يُسمع قوله؛ لثبوت كذبه و خيانته.

هذا كلّه فيما إذا ادّعي الأمين الردَّ علي مَن ائتمنه، أمّا إذا ادّعي الردّ علي غيره فلا.

و لو ادّعي القيّمُ الردَّ علي اليتيم الذي كان يقوم بأمره، فكذلك.

و لو ادّعي الوكيلُ الردَّ علي رسول المالك لاسترداد ما عنده، فلا خلاف في أنّ الرسول إذا أنكر القبضَ كان القولُ قولَه مع يمينه.

و أمّا الموكّل فإنّه لا يلزمه تصديق الوكيل؛ لأنّه يدّعي الردّ علي مَنْ

ص: 188


1- المغني 223:5-224، الشرح الكبير 250:5.

لم يأتمنه فليُقم البيّنةَ، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و في وجهٍ: عليه تصديقه؛ لأنّه معترف، و يد رسوله يده، فكأنّه يدّعي الردَّ عليه(2).

مسألة 788: إذا وكّل وكيلاً باستيفاء دَيْنٍ له علي إنسان، فقال له: قد استوفيتُه، و أنكر الموكّل، نُظر

إن قال: استوفيتُه و هو قائم في يدي فخُذْه، فعليه أخذه، و لا معني لهذا الاختلاف.

و إن قال: استوفيتُه و تلف في يدي، فالقول قوله(1) مع يمينه علي نفي العلم باستيفاء الوكيل؛ لأصالة بقاء الحقّ، فلا يُقبل قول الوكيل و المديون إلّا ببيّنةٍ؛ لأنّ قولهما علي خلاف الأصل.

و هو الظاهر من مذهب الشافعي(4).

و جَعَله بعض الشافعيّة علي الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع و نحوه(5).

و علي ما اخترناه إذا حلف الموكّل، أخذ حقّه ممّن كان عليه، و لا رجوع له علي الوكيل؛ لاعترافه بأنّه مظلوم.

مسألة 789: لو وكّله في البيع و قبض الثمن، أو بالبيع مطلقاً

و قلنا: إنّ الوكيل يملك بالوكالة في البيع قبضَ الثمن، و اتّفقا علي البيع و اختلفا في قبض الثمن، فقال الوكيل: قبضتُه و تلف في يدي، و أنكر الموكّل، أو قال الوكيل: قبضتُه و دفعتُه إليك، و أنكر الموكّل القبضَ، فالأقوي: عدم قبول قول الوكيل في ذلك.

ص: 189


1- أي: قول الموكّل. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 266:5، روضة الطالبين 568:3.

و للشافعيّة في ذلك طريقان:

أحدهما: إنّه علي الخلاف المذكور في البيع و سائر التصرّفات.

و أظهرهما عندهم: إنّ هذا الاختلاف إن كان قبل تسليم المبيع، فالقول قول الموكّل، كما في المسألة السابقة.

و إن كان بعد تسليمه، فوجهان:

أحدهما: إنّ الجواب كذلك؛ لأنّ الأصل بقاء حقّه.

و أصحّهما: إنّ القولَ قولُ الوكيل؛ لأنّ الموكّل ينسبه إلي الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن، و يلزمه الضمان، و الوكيل ينكره، فأشبه ما إذا قال الموكّل: طالبتُك بردّ المال الذي دفعتُه إليك، أو بثمن المبيع الذي قبضتَه فامتنعتَ مقصّراً إلي أن تلف، و قال الوكيل: لم تطالبني بذلك، أو لم أكن مقصّراً، فإنّ القولَ قولُه.

و هذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقاً أو حالاًّ، فإن أذن في التسليم قبل قبض الثمن، أو أذن في البيع بثمنٍ مؤجَّل، و في القبض بعد الأجل، فهنا لا يكون خائناً بالتسليم قبل القبض، فالاختلاف كالاختلاف قبل التسليم(1).

مسألة 790: إذا صدّقنا الوكيلَ فحلف، فالأقوي: براءة ذمّة المشتري؛

لأنّا قَبِلنا قول الوكيل في قبض الثمن فكيف نوجبه ؟ و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا تبرأ ذمّة المشتري؛ لأصالة عدم الأداء، و إنّما قَبِلنا من الوكيل في حقّه؛ لائتمانه إيّاه(2).

ص: 190


1- العزيز شرح الوجيز 266:5-267، روضة الطالبين 569:3.
2- العزيز شرح الوجيز 267:5، روضة الطالبين 569:3.

و لا بأس به.

فعلي الأوّل إذا حلف الوكيل و قلنا ببراءة ذمّة المشتري ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيباً.

فإن ردّه علي الموكّل و غرمه الثمن، لم يكن له الرجوعُ علي الوكيل؛ لاعترافه بأنّ الوكيل لم يأخذ شيئاً.

و إن ردّه علي الوكيل و غرمه، لم يرجع علي الموكّل، و القول قوله مع يمينه في أنّه لم يأخذ منه شيئاً، و لا يلزم من تصديقنا الوكيلَ في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقّاً علي غيره.

و لو خرج المبيع مستحقّاً، يرجع المشتري بالثمن علي الوكيل؛ لأنّه دفعه إليه، و لا رجوع له علي الموكّل؛ لما مرّ.

و لو اتّفقا علي قبض الوكيل الثمنَ، و قال الوكيل: دفعتُه إليك، و قال الموكّل: بل هو باقٍ عندك، فهو كما لو اختلفا في ردّ المال المسلَّم إليه.

و الظاهر أنّ القول قول الوكيل.

و لو قال الموكّل: قبضتَ الثمن فادفعه إلَيَّ، و قال الوكيل: لم أقبضْه بَعْدُ، فالقول قول الوكيل، و ليس للموكّل طلب الثمن من المشتري؛ لاعترافه بأنّ وكيله قد قبض.

نعم، لو سلّم الوكيل المبيعَ حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن، فهو متعدٍّ بفعله، فللموكّل أن يغرمه قيمة المبيع.

البحث الثالث: في الوكالة بالقضاء.
مسألة 791: إذا دفع إليه مالاً و وكّله في قضاء دَيْنه، ثمّ قال الوكيل:

دفعتُه إلي ربِّ الدَّيْن،

فأنكر ربُّ الدَّيْن، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّه

ص: 191

لم يأتمن الوكيل حتي يلزمه تصديقه، و الأصل عدم الدفع، فإذا حلف طالَب الموكّل بحقّه، و ليس له مطالبة الوكيل.

و لا يُقبل قول الوكيل علي الموكّل، بل لا بدّ من البيّنة؛ لأنّه أمره بالدفع إلي مَنْ لم يأتمنه، فكان من حقّه الإشهادُ عليه، فإذا لم يفعل، كان مفرّطاً غارماً، و هو أصحّ قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّه يُقبل - و به قال أبو حنيفة - لأنّ الموكّل قد ائتمنه، فأشبه ما إذا ادّعي الردَّ عليه(1).

فعلي الأوّل إن ترك الإشهاد علي الدفع، فإن دفع بحضرة الموكّل، فلا رجوع للموكّل عليه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - و إن دفع في غيبته، فله الرجوع.

و لا فرق بين أن يصدّقه الموكّل علي الدفع، أو لا يصدّقه.

و عن بعض الشافعيّة وجهٌ: إنّه لا يرجع عند التصديق(1).

و علي الثاني يحلف الوكيل، و تنقطع مطالبة المالك عنه، و لا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين.

و علي قولنا لو اختلفا، فقال الوكيل: دفعتُه بحضرتك، فأنكر الموكّل، فالقول قول الموكّل مع يمينه.

و إن كان قد أشهد عليه و لكن مات الشهود أو عرض لهم جنون أو فسق أو غيبة، فلا رجوع.

و إن كان قد أشهد شاهداً واحداً أو مستورين فبانا فاسقين، فالأقرب:

عدم الرجوع.3.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.

و للشافعيّة قولان(1).

و لكن ذلك علي ما تقدّم في رجوع الضامن علي الأصيل.

و لو أمره بإيداع ماله، ففي لزوم الإشهاد إشكال يأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 792: لو ادّعي قيّم اليتيم أو الوصي دَفْعَ المال إليه عند البلوغ، لم يُقبل قوله

إلّا بالبيّنة؛ لأصالة عدم الدفع، و هو لم يأتمنه حتي يكلّف تصديقه.

و لقوله تعالي:«فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ»(2) أمر بالإشهاد، و لو كان قوله مقبولاً، لما أمر به؛ لقوله تعالي:«فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ»(3) و لم يأمره بالإشهاد.

و لأنّ الصبي لم يأتمنه عليه، فلم يُقبل قوله عليه، كما إذا ادّعي المودَع أو الوكيل التسليمَ إلي غير المستودع و الموكّل، لم يُقبل قولهما عليه، كما يُقبل علي المودِع و الموكّل.

و هو أظهر مذهب الشافعي(4).

و له آخَر: إنّه يُقبل قوله مع اليمين؛ لأنّه أمين. و لأنّه يُقبل قوله في النفقة عليه، و الإشهاد للإرشاد إلي التورّع عن اليمين(5).

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.
2- النساء: 6.
3- البقرة: 283.
4- بحر المذهب 169:8، التهذيب - للبغوي - 226:4-227، العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.
5- بحر المذهب 169:8، التهذيب - للبغوي - 227:4، العزيز شرح الوجيز 268:5.

و الأوّل أقوي.

و الفرق: إنّ النفقة تتعذّر عليه إقامة البيّنة عليها، بخلاف الدفع.

إذا عرفت هذا، فكلّ مَن ادّعي الردَّ علي مَنْ لم يأتمنه، لم يُقبل قوله عليه، مثل أن يدّعي الأب و الجدّ ردَّ المال إلي الصبي، أو يدّعي المودع الردَّ علي ورثة المستودع، أو يدّعي الملتقط الردَّ علي مالك اللقطة أو ورثته، أو مَنْ أطارت الريح ثوباً إلي داره فادّعي ردَّه، لم يُقبل قوله.

و كذا الشريك و المضارب إذا ادّعيا الردَّ علي ورثة شريكه.

مسألة 793: كلّ مَنْ عليه حقٌّ أو في يده مالٌ لغيره يجب عليه ردّه إلي مالكه عند الطلب.

فلو قال مَنْ في يده المال أو عليه: لا أدفع المال إليه إلّا بالإشهاد، فالأقرب: إنّ له ذلك، سواء كان ممّا يُقبل قوله فيه، كالوديعة و شبهها، أو لم يكن، كالدَّيْن و الغصب و شبههما، و سواء كان علي مَنْ في يده المالُ بيّنةٌ بالمال أو لا بيّنة عليه، احترازاً من لزوم اليمين، و للإنسان غرض في التحرّز من الإقدام علي اليمين و إن كان صادقاً؛ لقوله تعالي:«وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ»(1) و عادة الأُمناء التحرّز من الأيمان.

و للشافعيّة تفصيلٌ هنا و اختلاف.

قال أكثرهم: ننظر في ذلك، فإن كان الذي عنده المال أميناً لصاحب الحقّ إذا ادّعي الردَّ قُبل قوله، كالوكيل و الودعيّ، كان عليه تسليم ما في يده من غير إشهادٍ، فإن أخّر الدفع لأجل الإشهاد، ضمن؛ لأنّه لا ضرر عليه في التسليم، لأنّ قوله مقبول في الردّ، فلا حاجة به إلي البيّنة.

ص: 194


1- البقرة: 224.

و إن كان لا يُقبل قوله في الردّ، كالمرتهن و الشريك و المضارب و الوكيل بجُعْلٍ - في أحد الوجهين - و المستعير، نُظر فإن كان الحقّ لا بيّنة لصاحبه به، وجب عليه الدفع من غير إشهادٍ؛ لأنّه إن ادّعاه عليه بعد ردّه، أمكنه الجواب بأنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً، و يكون القولُ قولَه مع يمينه.

و إن كان لصاحبه به بيّنةٌ، لم يجب عليه الردّ إلّا بعد الإشهاد؛ لأنّه لا يأمن أن يطالبه به بعد الردّ و تقوم به عليه البيّنة، و لا يُقبل قوله في الردّ، فيلزمه غرمه(1).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر، و هو: إنّه إن كان التوقّف إلي الإشهاد يورث تأخيراً أو تعويقاً في التسليم، لم يكن له الامتناع، و إلّا فله ذلك(2).

و لا فرق بين المديون و الغاصب في هذا الباب.

و لو قال الموكّل للوكيل: إنّني طلبته منك فمنعتَني فأنت ضامن؛ لأنّه كان يمكنك الردّ، فأنكر الوكيل و لا بيّنة، قُدّم قوله مع اليمين.

فإذا حلف، كان علي أمانته.

و هل يجب الردّ حينئذٍ؟ الأقرب ذلك.

و إن نكل، حلف الموكّل باللّه بأنّه لقد طالَبه فمنَعَه من غير عذرٍ، و صار الوكيل ضامناً، فإن كان المال قد تلف في يده، وجب عليه ضمانه.

مسألة 794: إذا كان لرجلٍ علي زيدٍ دَيْنٌ، أو كان له في يده عينٌ،

فجاء شخص إلي زيدٍ و قال: إنّ الرجل وكّلني في استيفاء دَيْنه منك، أو في أخذ العين التي في يدك له، فإن قامت للوكيل بيّنةٌ بذلك ثبتت وكالته، و استحقّ المطالبة.

ص: 195


1- بحر المذهب 170:8، البيان 420:6.
2- بحر المذهب 170:8، العزيز شرح الوجيز 269:5، روضة الطالبين 570:3.

و إن لم تكن بيّنةٌ، فإن صدّقه الغريم في دعوي الوكالة، فإن كانت الدعوي عيناً، لم يؤمر بالتسليم إليه؛ لجواز كذبهما معاً، و لصاحب العين تكذيبهما معاً، لكن لو دفع لم يمنع منه أيضاً؛ لأنّه إذا علم أنّه وكيله، جاز له الدفع إليه.

و إن كان(1) دَيْناً، احتُمل وجوب الدفع إليه؛ لاعترافه بأنّه مستحقٌّ للمطالبة.

و الفرق(2) بين الدَّيْن و العين ظاهر، فإنّ المدفوع في الدَّيْن ليس عين مال الموكّل، و أمّا العين فإنّها عين مال الغير، و لم يثبت عند الحاكم أنّه وكيل، فلم يكن له أمره بالدفع.

قال(3) بعض الشافعيّة: إن كان هناك بيّنة تثبت الوكالة، و إن لم تكن فإنّه لا يجب علي مَنْ عليه الدَّيْن تسليمه إليه، سواء صدّقه أو كذّبه، فإذا كذّبه لم يكن له إحلافه.

ثمّ قال: و الذي يجيء علي أصلنا أنّه لا تُسمع دعواه عليه؛ لأنّ عندنا أنّ الوكيل في الخصومة لا يصحّ أن يدّعي قبل ثبوت وكالته(4).

و قال أبو حنيفة: إذا صدّقه، وجب عليه تسليم الدَّيْن.

و له في تسليم العين روايتان، أشهرهما: إنّه لا يجب عليه تسليمها.

و إن كذّبه، كان له إحلافه.

و عنده لا تُسمع بيّنة الوكيل إلّا بعد الدعوي.8.

ص: 196


1- تذكير الفعل باعتبار الحقّ.
2- في النسخ الخطّيّة: «و فرق».
3- في «ث، ر، خ»: «و قال».
4- بحر المذهب 204:8.

و احتجّ بأنّه أقرّ بحقّ الاستيفاء، فكان له مطالبته، كما لو كان الحقّ عيناً، و كما لو أقرّ بأنّ هذا وصيٌّ لصغيرٍ(1).

مسألة 795: إذا دفع المديون الدَّيْنَ أو المستودع الوديعةَ إلي مدّعي الوكالة بعد أن صدّقه عليها،

فإذا حضر المستحقّ و أنكر الوكالة، فالقول قوله مع يمينه.

فإن كان الحقّ عيناً أخذها إن كانت باقيةً. و إن تلفت فله إلزام مَنْ شاء منهما، و لا رجوع للغارم منهما علي الآخَر؛ لأنّه مظلوم بزعمه، و المظلوم لا يؤاخذ إلّا ظالمه.

هذا إذا تلف من غير تفريطٍ منهما، فأمّا إذا تلف بتفريطٍ من القابض، فيُنظر إن غرّم المستحقّ القابضَ فلا رجوع، و إن غرّم الدافعَ فله الرجوع؛ لأنّ القابض وكيل عنده، و الوكيل يضمن بالتفريط، و المستحقّ ظلمه بأخذ القيمة منه، و ما لَه في ذمّة القابض فيستوفيه بحقّه.

مسألة 796: إذا كان الحقّ دَيْناً و كذّب الموكّلُ الوكيلَ في الوكالة بعد أن قبض الوكيل، كان للموكّل مطالبةُ الدافع بحقّه.

و إذا غرمه فإن كان المدفوع باقياً، فله استرداده و إن صار ذلك للمستحقّ في زعمه؛ لأنّه ظلمه بتغريمه، و ذلك مالٌ له ظَفَر به، فكان له أخذه قصاصاً.

و إن كان تالفاً فإن فرّط فيه، غرمه، و إلّا فلا.

و هل للمستحقّ مطالبة القابض ؟ يُنظر إن تلف المدفوع عنده،

ص: 197


1- بدائع الصنائع 26:6، الحاوي الكبير 552:6، بحر المذهب 205:8، حلية العلماء 122:5 و 151، التهذيب - للبغوي - 230:4، البيان 401:6، العزيز شرح الوجيز 271:5، المغني 234:5، الشرح الكبير 261:5.

لم يكن له المطالبة؛ لأنّ المال للدافع بزعمه، و ضمانه له.

و إن كان باقياً، احتُمل ذلك أيضاً؛ لأنّ الآخذ فضوليٌّ بزعمه، و المأخوذ ليس حقّاً له، و إنّما هو مال المديون، فلا تعلّق للمستحقّ به، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ له المطالبة بتسليمه إليه؛ لأنّه إنّما دفعه إليه ليدفعه إلي المستحقّ، و كأنّه انتصب وكيلاً في الدفع من جهته(2)(3).

و لا بأس به.

و إن قلنا به فإذا أخذه المستحقّ، برئ الدافع عن الدَّيْن.

و هل يلزم مَنْ عنده الحقّ دفعه إليه بعد التصديق، أم له الامتناع إلي قيام البيّنة علي الوكالة ؟ الأقرب: الأوّل.

و نصّ الشافعي: إنّه لا يلزمه الدفع إلّا بعد البيّنة(4).

و نصّ فيما إذا أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ من تركة إنسانٍ و بأنّه مات و وارثه فلان: إنّه يلزمه الدفع إليه، و لا يكلّف البيّنة(5).

و لأصحابه في ذلك طريقان:

أحدهما: إنّ المسألتين علي قولين:

في قولٍ: يلزمه الدفع إلي الوكيل و الوارث؛ لأنّه اعترف باستحقاقه الأخذَ، فلا يجوز له منع الحقّ عن المستحقّ.

و في قولٍ: لا يلزمه الدفع إلي واحدٍ منهما إلّا بالبيّنة.3.

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حقه» بدل «جهته». و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 269:5-270، روضة الطالبين 571:3. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.

أمّا في الصورة الأُولي: فلاحتمال إنكار الموكّل الوكالة. و أمّا في الثانية: فلاحتمال استناد إقراره بالموت إلي ظنٍّ خطأً.

و أصحّهما عندهم: تقرير الحقّ للوارث، و عدم اليأس عن إنكار الموكّل للوكالة و بقاء الحقّ له(1).

مسألة 797: لو ادّعي الوكالة فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال، لم يكلّف المديون و الودعيّ الدفع إليه؛

لتجرّد دعواه عن البيّنة، و عدم اعتضادها بالتصديق.

فإن دفع ثمّ حضر الموكّل و أنكر الوكالة، فالقول قوله مع اليمين.

فإذا حلف علي نفي الوكالة و غرم الدافع، كان له أن يرجع علي القابض، دَيْناً كان أو عيناً؛ لأنّه لم يصرّح بتصديقه، و إنّما دفع بناءً علي الظاهر من قوله، فإذا تبيّن خلافه غرم ما غرم.

و لو أنكر الوكالة أو الحقّ و كان الوكيل مأذوناً(2) في إقامة البيّنة، أو قلنا: إنّ الوكيل بالقبض مطلقاً يملك إقامة البيّنة، فله أن يقيم البيّنة و يأخذ.

فإن لم تكن بيّنة، فهل له التحليف ؟ يبني الأمر فيه علي أنّه إذا صدّقه هل يلزمه الدفع إليه ؟ إن قلنا: نعم، فله تحليفه، فلعلّه يصدق إذا عُرضت اليمين عليه.

و إن قلنا: لا، فيبني علي أنّ النكول و ردّ اليمين كإقامة البيّنة من المدّعي أو الإقرار من المدّعي عليه ؟ إن قلنا بالأوّل فله تحليفه طمعاً في أن ينكل، فيحلف الوكيل. و إن قلنا بالثاني فلا.

مسألة 798: لو جاء رجل إلي المديون

و قال: قد أحالني عليك

ص: 199


1- العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.
2- في الطبعة الحجريّة زيادة: «له».

صاحبُ الدَّيْن بكذا، فصدّقه و قلنا: إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه، فالأقرب: إنّه يلزمه الدفع إليه؛ لأنّه يقول: الحقّ لك و أنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ، فصار كالوارث، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا يلزمه الدفع إليه؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف، و يستحقّ الرجوع عليه، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.

و يفارق الميراث؛ لأنّه آمن من ذلك، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.

و يبني علي الوجهين أنّه لو كذّبه و لم تكن بيّنة هل له تحليفه ؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه، و إلّا فكما سبق(1).

مسألة 799: لو قال: مات زيد و له عندي كذا و هذا وصيّه، فهو كما لو قال:

هذا وارثه.

و لو قال: مات و قد أوصي به لهذا الرجل، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.

و إذا أوجبنا الدفع إلي الوارث و الوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ و غرم الدافع، فله الرجوع علي المدفوع إليه، بخلاف صورة الوكالة؛ لأنّه صدّقه علي الوكالة، و إنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد، و هنا بخلافه، و الحوالة في ذلك كالوكالة.

مسألة 800: إذا ادّعي علي إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه و يقبض ثمنه و طالَبه بردّه،

أو قال: بعتَه و قبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ، فأنكر المدّعي عليه، فأقام المدّعي بيّنةً علي أنّه ما أدّاه، فادّعي المدّعي عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه، فيُنظر في صيغة جحوده.

ص: 200


1- المهذّب - للشيرازي - 363:1، بحر المذهب 206:8، البيان 406:6-407، العزيز شرح الوجيز 270:5-271، روضة الطالبين 571:3.

فإن قال: «ما لك عندي شيء» أو «لا يلزمني تسليم شيء إليك» قُبِل قوله في الردّ و التلف؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه، كان صادقاً في إنكاره، و لم يكن بين كلاميه تناقضٌ. و إن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

و إن كانت صيغة جحوده: «أنّك ما وكّلتني» أو «ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً» أو «ما قبضت الثمن» نُظر إن ادّعي التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد، لم يُصدَّقْ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل، و لزمه الضمان.

و إن أقام بيّنةً علي ما ادّعاه، فوجهان للشافعيّة:

أوّلهما عندهم: إنّها تُسمع؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. و أيضاً فلما يأتي في الوديعة.

و الثاني - و هو الأظهر عند الجويني -: أنّها لا تُسمع؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ، و لأنّه لا تُسمع دعواه، و كلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوي مَنْ يقيمها، فإذا فسدت الدعوي استقلّت البيّنة، و هي غير مسموعةٍ من غير دعوي.

لكن عدم سماع الدعوي ليس متّفقاً عليه، و مَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوي لا محالة، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوي، بل يجوز أن تكون الدعوي مسموعةً جزماً، مع الخلاف في سماع البيّنة؛ إذ الدعوي قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم(1).

و إن ادّعي الردَّ بعد الجحود، لم يُصدَّقْ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر، و معلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً علي3.

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 271:5-272، روضة الطالبين 572:3.

الردّ تُسمع(1).

و رأي الجويني أن يكون سماع بيّنته علي الوجهين السابقين؛ لتناقض دعوي الردّ و الجحود(2).

و إن ادّعي التلف بعد الجحود، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين، و لكن يلزمه الضمان؛ لخيانته، كما لو ادّعي الغاصب التلفَ.

مسألة 801: قد بيّنّا أنّه يجب علي الوكيل رعاية تنصيص الموكّل و اتّباع أمره و العدول عن مخالفته،

فإذا قال له: بِعْ هذا ثمّ هذا، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

و لو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع، استحقّه؛ لأنّه فَعَل ما أمره به و إن تلف الثمن في يده؛ لأنّ استحقاقه بالعمل و قد عمل.

فإذا ادّعي خيانةً عليه، لم تُسمع حتي يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول: بعتَ بعشرةٍ و ما دفعتَ إلَيَّ إلّا خمسةً.

و إذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ، فقال المديون و المودع:

دفعتُ، و صدّقه الموكّل و أنكر الوكيل، غرم الدافع بترك الإشهاد - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3). - كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

و إذا قال شخص: أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ، و صدّقه مَنْ يعامله، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد: لم أكن مأذوناً فيه، لم يلتفت إلي قوله، و لم يُحكم ببطلان العقد، و كذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه، إلّا أن يقيم المشتري بيّنةً علي إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.
2- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.
3- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.
الفصل الخامس: في اللواحق
مسألة 802: إذا ولّي الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ، فإن أذن له في الاستنابة، جاز له ذلك.

و إن لم يأذن له، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه، لم يجز له الاستنابة.

و إن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه، جازت له الاستنابة؛ عملاً بقرينة الحال و ظاهر الأمر.

و إذا جازت له، فهل تجوز في جميع العمل، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولّاه ؟ الأقوي: الأوّل.

و للشافعيّة فيه وجهان(1).

و الحكم في ذلك كما تقدّم(2) في الوكالة.

مسألة 803: إذا ادّعي الوكيل الردَّ إلي الموكّل، فالأقوي أنّه يفتقر إلي البيّنة.

و قسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك علي ثلاثة أضرُبٍ:

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه، و هُم المودعون و الوكلاء بغير جُعْلٍ.

و منهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلّا ببيّنةٍ، و هُم المرتهن و المستأجر.

ص: 203


1- الحاوي الكبير 331:16، المهذّب - للشيرازي - 293:2، حلية العلماء 120:8، التهذيب - للبغوي - 195:8، البيان 21:13، العزيز شرح الوجيز 433:12، روضة الطالبين 102:8.
2- في ص 25 و ما بعدها.

و منهم: مَن اختُلف فيه علي وجهين، و هُم الوكلاء بجُعْلٍ و الشريك و المضارب و الأجير المشترك إذا قلنا: إنّه أمين.

أحدهما: إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم، فصاروا كالمرتهن و المستأجر و المستعير.

و الثاني: إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. و كذلك الشريك و المضارب [و الأجير](1) ينتفعون بالربح و عوض عملهم، بخلاف المرتهن، فإنّه يتوثّق بالعين.

و كذلك المستأجر؛ فإنّه يستوفي منفعتها، فافترقا(2).

مسألة 804: لو ادّعي الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها، فقال الموكّل: لم تبعها،

أو يدّعي قبض الثمن من المشتري، فيصدّقه في الإذن و ينكر قبضه إيّاه، فللشافعي قولان:

أحدهما: يُقبل إقرار الوكيل في ذلك، و به قال أبو حنيفة.

إلّا أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ، و هي: إذا قال لوكيله: زوّجني من امرأة، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له و ادّعت ذلك المرأةُ، و أنكر الموكّل العقد، لم يُقبل قول الوكيل. قال: لأنّه يمكنه إقامة البيّنة علي النكاح، لأنّه لا يعقد حتي تحضر البيّنة.

و الثاني للشافعي: إنّه لا يُقبل إقراره علي موكّله؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره علي موكّله، فلم ينتقل إليه(3) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من

ص: 204


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- راجع: المهذّب - للشيرازي - 365:1.
3- كذا قوله: «فلم ينتقل إليه» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدلها في المغني و الشرح الكبير: «فلم يقبل».

حقٍّ(1).

و هذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين و لا يثبت بهما(2) ، و قد تموت الشهود و تتعذّر البيّنة.

مسألة 805: إذا وكّله في البيع و قبض الثمن فقبضه، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل،

فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده، و إن طالَبه وجب عليه ردّه علي حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ - مثل أن يكون في الحمّام، أو يأكل الطعام، أو يصلّي، أو ما أشبه ذلك - لم يصر مفرّطاً؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها، فلا ضمان؛ لما بيّنّاه.

و إن أخّر بغير عذرٍ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ، أو لم يمض؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

و لو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعي أنّه كان قد تلف قبل مطالبته، أو قال: كنتُ رددتُه قبل مطالبته، لم يُقبل قوله؛ لأنّه مكذّب لنفسه، و ضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ، احتُمل سماعها؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه علي ما ادّعاه،

ص: 205


1- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 169:8، حلية العلماء 157:5-158، البيان 415:6، المغني 222:5 و 225، الشرح الكبير 248:5 و 256.
2- تحفة الفقهاء 133:2، بدائع الصنائع 255:2، و 270:6-271، الهداية - للمرغيناني - 190:1، و 117:3-118، الاختيار لتعليل المختار 224:2-225، و 119:3، روضة القضاة 940/213:1، بحر المذهب 169:8، عيون المجالس 743/1049:3.

سقط عنه الضمان، فإذا أقام البيّنةَ علي ذلك قُبل. و عدمُه؛ لأنّه يكذّب بيّنته، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه، و إذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

و يفارق ما إذا صدّقه، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته، فلم يستحقّ مطالبته.

و إن ادّعي أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً، و لا يُقبل قوله في الردّ؛ لأنّه خرج من الأمانة، فيحتاج إلي بيّنةٍ بذلك.

و للشافعيّة وجهان(1) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه و لم يعلم، فلا ضمان عليه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه يضمن؛ لأنّه لمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً علي نفسه(2).

و ليس بشيء.

مسألة 806: لو دفع إلي وكيله عيناً و أمره بإيداعها عند زيدٍ، فأودعها، و أنكر زيد، فالقول قوله مع اليمين،

فإذا حلف برئ.

و أمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن، و إن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يضمن كما في الدَّيْن؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلّا بالبيّنة.

و الثاني: لا يضمن؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع، كان القولُ قولَه في التلف و الردّ، فلم تُفد البيّنة شيئاً، بخلاف الدَّيْن؛ لأنّ

ص: 206


1- حلية العلماء 162:5.
2- حلية العلماء 164:5.

القضاء لا يثبت إلّا بها(1).

و إن صدّقه المُودَع و ادّعي التلف و حلف، لم يضمنها.

و أمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل، لم يضمن. و إن سلّم في غيبته، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل: دُفع(2) بحضرتك، و قال الموكّل: لم تدفع بحضرتي، أو قال: لم تدفعها إلي المودَع، و قال: دفعتُها علي الوجه الذي تقول، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة: القول قول الوكيل مع اليمين، كما إذا ادّعي الردَّ إليه و أنكره، و لا يشبه هذا [ما](3) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض و أنكر الموكّل، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين؛ لأنّه يُثبت حقّاً علي موكّله لغيره، و هنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه(4).

مسألة 807: إذا دفع إلي وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً، فاستقرضها الوكيل و أخرجها، بطلت الوكالة؛
اشارة

لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم، فقد تعذّر بتلفها، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. و إن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً و نقد الدراهم في الثمن، بطلت أيضاً؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء علي أن ينقد ذلك الثمن، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

و قال أبو حنيفة: لا تفسد الوكالة، و لا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم،

ص: 207


1- الوسيط 311:3، المغني 233:5، الشرح الكبير 245:5-246.
2- كذا قوله: «دُفع». و الظاهر: «دفعتُ».
3- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
4- الحاوي الكبير 528:6، الوجيز 193:1، الوسيط 210:3، العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

و يجوز أن يشتري من مال نفسه، و يأخذ الدراهم(1).

و هو غير صحيح؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم، فإذا تلفت سقط الإذن، كما قلناه في العبد.

فإن اشتري للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه، فإذا(2) أضاف العقد إليه لم يصح، و إلّا وقع الشراء له لا للموكّل؛ لأنّه اشتري لغيره شيئاً بعين مال نفسه؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

و الثاني(3): إنّه اشتري له بغير المال الذي عيّنه.

و إن اشتري له في الذمّة، وقع أيضاً للوكيل؛ لأنّه علي غير الصفة التي أذن له فيها.

و يجب علي الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب: إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة و لم ينص علي الشراء بالعين،

بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به، فاشتري في الذمّة علي أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ و أخرجها، وجب عليه دفع عوضها في الثمن، و لم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة 808: إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن،

ففرّط فيها بأن ترك حفظها، ضمنها، فإذا اشتري العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد، فإذا نقد تلك

ص: 208


1- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 17:3، الحاوي الكبير 533:6، حلية العلماء 138:5.
2- في «ج»: «فإن» بدل «فإذا».
3- كذا قوله: «و الثاني». و لم يسبق ذِكْر الأوّل.

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

و لا فرق في ذلك بين مَنْ قال: إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة - و في صحّة بيعه وجهان عنده - و بين مَنْ قال: إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال: لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّي ؟

لأنّا نقول: إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّي فيه، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما، لم يضمن الآخَر، و لم يخرج من حكم الأمانة جملةً، كذا هنا.

مسألة 809: لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها، بطل العقد

عند العامة(1) ، أو كان فضوليّاً عندنا؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج، فإذا كان بغير أمره لم يقع له و لا للوكيل؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين، بخلاف البيع، و لهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري، فافترقا.

و إذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ، صحّ إجماعاً.

و لو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء، فالأقرب: الجواز، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّ الأغراض تختلف، فلا يجوز حتي يصف(3). و اختار الزهري(4)(5) هذا الوجه.

ص: 209


1- الحاوي الكبير 547:6، المغني 250:5، الشرح الكبير 259:5.
2- حلية العلماء 118:5، البيان 365:6، روضة الطالبين 528:3.
3- حلية العلماء 118:5، البيان 365:6.
4- كذا قوله: «الزهري» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدلها في المصدر: «الزبيري».
5- حلية العلماء 118:5.

و المعتمد: الأوّل.

فعلي هذا هل له أن يزوّجه ابنته ؟ الأقرب: الجواز، و به قال أبو يوسف و محمّد(1).

و قال بعض العامّة: لا يجوز له ذلك(2).

و لو أذنت المرأة له في تزويجها، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

و قد روي الحلبي عن الصادق عليه السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً، فقالت: زوّجني فلاناً، فقال: لا زوّجتكِ حتي تُشهدي أنّ أمركِ بيدي، فأشهدت له، فقال عند التزويج للّذي يخطبها: يا فلان عليك كذا و كذا، فقال: نعم، فقال هو للقوم: أشهدوا أنّ ذلك لها عندي و قد زوّجتها من نفسي، فقالت المرأة: ما كنت أتزوّجك و لا كرامة و ما أمري إلّا بيدي و ما ولّيتك أمري إلّا حياءً، قال: «تنزع منه، و يوجع رأسه»(3).

و يحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

و كذا له أن يزوّجها من ولده و والده.

و لبعض العامّة وجهان(4).

مسألة 810: إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه، ثمّ اختلف الوكيل و الموكّل،

فقال الوكيل: اشتريته بألف، و قال الموكّل: بخمسمائة، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل و الموكّل في تصرّفه؛ لأنّ ذلك إثباتٌ

ص: 210


1- المبسوط - للسرخسي - 118:19، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 47:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
2- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
3- الفقيه 171/50:3، التهذيب 508/216:6.
4- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.

لحقّ البائع علي الموكّل.

و قال أبو حنيفة: إن كان الشراء في الذمّة، فالقول قول الموكّل، فإن كان اشتري ذلك بمال الموكّل، فالقول قول الوكيل.

و فرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة، فالموكّل هو الغارم؛ لأنّه يطالبه بالثمن. و إذا اشتراه بما في يده للموكّل، فإنّ الغارم الوكيل؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد علي خمسمائة، فالقول في الأُصول قول الغارم(1).

و قد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ علي موكّله.

و ما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم علي الموكّل؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل، و الحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة 811: إذا دفع إلي الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعةً،

فاشتري بالعين، ثمّ ظهر فيها عيب، فردّها البائع علي الوكيل، كانت أمانةً في يده لموكّله.

و إن كان [اشتراها](2) بألفٍ في الذمّة، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها و قبضها الوكيل، فهي أيضاً علي الأمانة، و يبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

و إن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها علي الوكيل فتلفت عنده، لم يضمنها عندنا.

ص: 211


1- الهداية - للمرغيناني - 144:3، حلية العلماء 151:5، المغني 222:5-223، الشرح الكبير 249:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اشتراه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

و للشافعيّة قولان مبنيّان علي ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا: إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل، كان الوكيل وسيطاً في الدفع، و كان ذلك في يده أمانةً.

و إن قلنا: يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل، و علي الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلي البائع، فإذا دفعها و قضي بها دَيْنه، وجب مثلها عليه للموكّل، و له الرجوع علي الموكّل بألفٍ تقاصّاً، و صارت مضمونةً عليه، فإذا عادت إليه بردّ البائع، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة، و عليه للبائع ألف سليمة، فإذا قضاها رجع علي الموكّل بألف سليمة(1).

مسألة 812: إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ، تناول المتعارف عند الموكّل.

و يحتمل عند الوكيل.

و قال بعض الشافعيّة: ينصرف إلي الحنطة خاصّةً؛ لانطلاقه إليه عرفاً(2).

و هو غير سديدٍ؛ لاختلاف العرف فيه.

و لو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف، فقال: أسلفها في طعامٍ، فأسلفها فيه، صحّ، و إذا أسلمها برئ من الدَّيْن. و إذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة: و إن لم يكن عليه شيء، فقال له:

أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ و يكون لك ألف قرضاً علَيَّ، ففَعَل،

ص: 212


1- بحر المذهب 211:8، البيان 384:6-385.
2- بحر المذهب 193:8، البيان 393:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 564:3.

صحّ(1).

و قال بعضهم: هاتان المسألتان سهو من أبي العباس؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره، و مذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ و يقع المعوَّض لغيره(2).

و تأوّلوا المسألتين بأن يقول: إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ، و لا يعيّنه بالدَّيْن، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه، و يبرأ. هذا في المسألة الأُولي، و في الثانية: أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ، فإذا فَعَل هذا، قال: اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها(3).

قال بعض الشافعيّة: إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا، و لا يحتاج إلي ما شرطه من تأخّر الإذن(4).

و يجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

و كذا لو قال له: اشتر به عبداً، سواء عيّنه أو لم يعيّنه، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(3).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن العبد، جاز. و إن لم يعيّنه، لم يجز؛ لأنّه إذا [لم](4) يعيّن، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع، و هو مجهول(5).5.

ص: 213


1- بحر المذهب 199:8، البيان 394:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.
2- بحر المذهب 199:8، البيان 395:6، روضة الطالبين 563:3-564. (3 و 4) البيان 395:6.
3- البيان 395:6، حلية العلماء 147:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- البيان 395:6، حلية العلماء 147:5.

و لنا: إنّه دفع بإذنه، فأشبه ما إذا عيّن. و قول أبي حنيفة باطل؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له، و لا يتعيّن بالشراء منه، و يبطل عليه به إذا قال:

أطعم عنّي عشرة مساكين، فإنّهم غير معيّنين، و يصحّ عنه.

مسألة 813: إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعامٍ،

فاشتري السلعة و استسلف و لم يُسمّ الموكّلَ في العقد، ثمّ اختلفا، فقال الوكيل: إنّما اشتريت لنفسي، و قال الموكّل: بل لي، فالقول قول الوكيل مع يمينه، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر، و كان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يكون السَّلَم للموكّل ؟ لأنّه دفع دراهمه(1).

و اختلفوا إذا [تصادقا](2) أنّه لم يَنْو لا لَه و لا للموكّل.

فقال أبو يوسف: يكون بحكم الدراهم(3).

و قال محمّد: يكون للوكيل(4).

أمّا الأوّل: فلأنّهما إذا اختلفا، رجّح قول الموكّل؛ لأنّه دفع دراهمه، فكان الظاهر معه.

و إذا أطلق قال أيضاً: يرجّح بالدراهم(5).

و دليلنا: إذا نوي ذلك عن نفسه و صدّقه عليه، وقع لنفسه، فإذا أطلق

ص: 214


1- حلية العلماء 148:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تصادقوا». و الصحيح ما أثبتناه. (3-5) بحر المذهب 200:8، حلية العلماء 148:5.

و اختلفا كان القولُ قولَه، كما لو لم ينقد دراهم.

و ما ذكروه فليس بصحيحٍ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد، فلا يؤثّر فيه.

مسألة 814: إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له،

كان له أن يوكّل؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما - كالوكيل - هل له أن يوكّل ؟ الوجه عندنا: لا، إلّا مع الإذن - و لأصحاب [الشافعي](1) فيه وجهان(2) ، و عن أحمد روايتان(3) - لأنّه لا يملك التزويج إلّا بإذنها، فلا يملك التوكيل فيه إلّا بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها، فلم يعتبر إذنها في توكيله، كالأب(4).

و أمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلي غيره بغير إذن المولّي عليه.

مسألة 815: لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح علي المرأة، فالقول قول الموكّل مع يمينه،

فإذا حلف برئ من الصداق، و بطلت الزوجيّة بينهما، و كان علي الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً، وجب علي الموكّل طلاقها؛ لئلّا يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

و لما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام في رجلٍ قال لآخَر:

ص: 215


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشافعيّة». و الصحيح ما أثبتناه.
2- البيان 360:6، الوسيط 79:5، الوجيز 7:2، حلية العلماء 344:6-345، التهذيب - للبغوي - 285:5، العزيز شرح الوجيز 567:7، روضة الطالبين 418:5-419، المغني 217:5، و 352:7، الشرح الكبير 211:5، و 439:7. (3 و 4) المغني 217:5، الشرح الكبير 211:5.

اخطب لي فلانة فما فعلتَ من شيء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شيء أو شرطتَ فذلك رضاً لي و هو لازم لي، و لم يُشهدْ علي ذلك، فذهب فخطب و بذل عنه الصداق و غير ذلك ممّا طالبوه و سألوه، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه، قال: «يغرم لها نصف الصداق عنه، و ذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال، حلّ لها أن تتزوّج، و لا تحلّ للأوّل فيما بينه و بين اللّه، إلّا أن يطلّقها، لأنّ اللّه تعالي يقول:

«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» (1) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه و بين اللّه تعالي، و كان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [اللّه تعالي](2) لها أن تتزوّج»(3).

مسألة 816: للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره؛

لأنّه الوليّ عليها، فكان له طلب حقّها أين كان.

و لو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض، كان له ذلك أيضاً.

و إن لم توكّله، لم تكن له المطالبة؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ و الرشد.

فإن أقبضه الزوج، كان لها مطالبة الزوج بحقّها، و يرجع الزوج علي الأب بما قبضه منه؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلي غيرها و غير وكيلها، و لم يقع القبض موقعه، فكان للزوج الرجوعُ به.

و لو مات الأب، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. و لو مات معسراً، ضاع ماله؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن

ص: 216


1- البقرة: 229.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الفقيه 169/49:3، التهذيب 213:6-504/214 بتفاوت يسير.

الصادق عليه السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقال عليه السلام: «إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه، و إن لم تكن وكّلته فلها ذلك، و يرجع الزوج علي ورثة أبيها بذلك، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها، و متي طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق و يأخذ بعضاً، و ليس له أن يدع كلّه، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:«إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»(1) يعني الأب و الذي توكّله المرأة و تولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما»(2).

مسألة 817: لو زوّجها الوليّ أو الوكيل و كانت قد دلّست نفسها

و أخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به، فإذا ردّها الزوج، كان له الرجوعُ عليها بالمهر، و لا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها؛ لعدم التفريط منه، و استناد الغشّ إليها خاصّةً.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها، قال: «يؤخذ المهر منها، و لا يكون علي الذي زوّجها شيء»(3).

مسألة 818: لو قال رجل لآخَر: وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا، ففَعَلتُ، و ادّعت المرأة ذلك، فأنكر الموكّل، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ، و إلّا حلف المدّعي عليه عقد النكاح.

ص: 217


1- البقرة: 237.
2- الفقيه 50:3-172/51، التهذيب 215:6-507/216.
3- الكافي 10/407:5، الفقيه 171/50:3، التهذيب 508/216:6.

و قال أحمد بن حنبل: لا يستحلف؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره(1).

هذا إن ادّعي الوكيل، و إن ادّعته المرأة، استحلف؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

و نحن لمّا أوجبنا نصف المهر علي الوكيل، كان له إحلاف الموكّل.

و قال أحمد: لا يلزم الوكيل شيء؛ لأنّ دعوي المرأة علي الموكّل، و حقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل(2).

و عنه رواية أُخري: إنّه يلزمه نصف الصداق - كما قلناه - لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [للثمن و](2) للبائع مطالبته به، كذا هنا(4).

أمّا لو ضمن الوكيل المهر، فلها الرجوع عليه بنصفه؛ لأنّه ضمنه للموكّل، و هو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي: لا يلزم الوكيل شيء(5).

و قال محمّد بن الحسن: يلزم الوكيل جميع الصداق؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره، فيكون ثابتاً في الباطن، فيجب جميع الصداق(6).

و احتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ المرأة تتزوّج و إن لم يطلّق الموكّل؛ لأنّه لم يثبت عقده.5.

ص: 218


1- المغني 224:5، الشرح الكبير 254:5-255. (2 و 4) المغني 224:5، الشرح الكبير 255:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر. (5 و 6) المغني 224:5، الشرح الكبير 255:5.
3- المغني 224:5-225، الشرح الكبير 255:5.

و قال أحمد: لا تتزوّج حتي يطلّق، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره(1).

قال أصحابه: ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له، فيؤخذ بإقرارها، و إنكاره ليس بطلاقٍ(2).

و هل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوي: الإلزام؛ لإزالة الاحتمال، و إزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه، فأشبه النكاح الفاسد.

و يحتمل عدم اللزوم؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح، و لو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة 819: لو ادّعي أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب،

فإن صدّقه الورثة علي التوكيل أو قامت له البيّنة به، ورثت المرأة نصيبها من تركته. و إن لم تصدّقه الورثة و لا قامت البيّنة، لم يكن لها ميراث، و لها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل، فإن حلف فلا ميراث، و إلّا حلفت و أخذت.

و لو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج و أنكر أن يكون تزوّج له، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل، و قد سبق(3).

فقيل: القول قول الموكّل مع اليمين، و به قال أبو حنيفة(4) ، و هو المعتمد؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم(5) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من

ص: 219


1- المغني 225:5، الشرح الكبير 255:5.
2- المغني 225:5، الشرح الكبير 255:5-256.
3- في ص 184، المسألة 783.
4- المغني 225:5، الشرح الكبير 256:5.
5- التهذيب - للبغوي - 229:4، و 257:5، المغني 225:5 و 339:7، الشرح الكبير 256:5، و 457:7، بداية المجتهد 17:2، الحاوي الكبير 57:9، المهذّب - للشيرازي - 41:2، الوسيط 53:5، الوجيز 4:2، العزيز شرح الوجيز 515:7، روضة الطالبين 391:5.

أصلها.

و قال بعض العامّة: القول قول الوكيل، فيثبت التزويج هنا؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر به، فكان القولُ قولَه، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعي أنّه باعه(1).

و لو غاب رجل فجاء آخَر إلي امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها و أبانها و وكّله في تجديد نكاحها بألف، فأذنت في نكاحها، فعقد عليها و ضمن الوكيل الألف، ثمّ جاء الزوج و أنكر ذلك كلّه، فالقول قوله، و النكاح الأوّل بحاله.

ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل، لزمه الألف، إلّا أن يطلّقها زوجها قبل الدخول - و به قال مالك و زفر(2) - لأنّ الوكيل قد أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه، و أنّه ضامن عنه، فلزمه ما أقرّ به، كما لو ادّعي علي رجل أنّه ضمن له ألفاً له علي أجنبيّ، فأقرّ الضامن بالضمان و صحّته و ثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [عنه] و أنكر المضمون عنه، و كما لو ادّعي شفعةً علي إنسانٍ في شقصٍ اشتراه، فأقرّ البائع بالبيع و أنكر المشتري، فإنّ الشفيع يستحقّ الشفعة.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا يلزم الضامن شيء؛ لأنّه فرع المضمون عنه، و المضمون عنه لا يلزمه شيء فكذا فرعه(3).

و لو لم تدّع المرأة صحّة ما ذكره الوكيل، لم يكن عليه شيء.5.

ص: 220


1- المغني 225:5، الشرح الكبير 257:5. (2 و 3) المغني 226:5، الشرح الكبير 257:5.

و يحتمل أنّ مَنْ أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة، و مَنْ أوجب أوجبه في الصورة الأُخري.

مسألة 820: قد بيّنّا أنّه إذا اختلف الوكيل و الموكّل - فقال الموكّل:

أذنتُ لك في البيع نقداً

أو في الشراء بخمسةٍ، و قال الوكيل: بل أذنتَ لي في البيع نسيئةً و في الشراء بعشرة - أنّ القولَ قولُ الموكّل مع يمينه؛ لأصالة عدم الإذن، و به قال الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي(1).

و قال أحمد: القول قول الوكيل؛ لأنّه أمينه في التصرّف، فكان القولُ قولَه في صفته، كالخيّاط إذا قال: أذنتَ لي في تفصيله قباءً، فقال: بل قميصاً(2).

و كذا إذا قال: وكّلتُك في البيع بألفين، فقال: بل بألف.

و قال مالك: إن أُدركت السلعة فالقول قول الموكّل، و إن فاتت فالقول قول الوكيل؛ لأنّها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان، و الأصل عدمه، بخلاف ما إذا كانت موجودةً(3).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّه اختلاف في التوكيل الذي يدّعيه الوكيل، و الأصل عدمه، فالقول قول مَنْ ينفيه، كما لو لم يُقرّ الموكّل بتوكيله في غيره.

و لأنّهما اختلفا في صفة قول الموكّل، فكان القولُ قولَه في صفة كلامه.

و لو قال الوكيل: اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك، فقال الموكّل:

ص: 221


1- مختصر المزني: 111، الحاوي الكبير 544:6-545، المهذّب - للشيرازي - 364:1، الوسيط 307:3، حلية العلماء 158:5، التهذيب - للبغوي - 231:4، العزيز شرح الوجيز 261:5، روضة الطالبين 565:3، المغني 226:5، الشرح الكبير 250:5-251، و انظر: الإقناع - لابن المنذر -: 552.
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 145:2، المغني 226:5، الشرح الكبير 251:5.
3- المغني 227:5، الشرح الكبير 251:5.

ما أذنتُ لك إلّا في شراء غيرها، أو قال: اشتريتُها لك بألفين، فقال:

ما أذنتُ لك إلّا في شرائها بألف، فالقول قول الموكّل مع اليمين، فإذا حلف برئ من الشراء.

ثمّ إن كان الشراء بعين مال الموكّل، بطل البيع، و تُردّ الجارية علي البائع. و إن كان في الذمّة و سمّاه أو نواه و صدّقه البائع، فكذلك، و إلّا وقع للوكيل.

و لو كذّبه البائع في أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه، حلف البائع علي عدم العلم؛ لأنّ الأصل أنّ ما في يد الإنسان له، و كان علي الوكيل غرامةُ الثمن للموكّل، و دَفْعُ الثمن إلي البائع، و تبقي الجارية له(1) ، و لا تحلّ له؛ لأنّه إن كان صادقاً فهي للموكّل، و إن كان كاذباً فللبائع، فإذا أراد استحلالها اشتراها ممّن هي له في الباطن، فإن امتنع من بيعه إيّاها، رفع الأمر إلي الحاكم ليثبت له الدَّيْن ظاهراً و باطناً، و يصير له ما ثبت في ذمّته قصاصاً بالذي أخذ منه الآخَر ظلماً، فإن امتنع الآخَر من البيع، لم يُجبر علي البيع؛ لأنّه عقد مراضاة.

و إن قال له: إن كانت الجارية لي فقد بعتُكها، أو قال الموكّل: إن كنتُ أذنتُ لك في الشراء فقد بعتُكها، صحّ توصّلاً إلي الخلاص.

و للشافعيّة وجهان(2).

و كلّ موضعٍ كانت للموكّل في الباطن، فإن امتنع من بيعها للوكيل،3.

ص: 222


1- الظاهر: «في يده» بدل «له».
2- الحاوي الكبير 545:6، المهذّب - للشيرازي - 365:1، الوسيط 308:3، حلية العلماء 159:5، التهذيب - للبغوي - 232:4، العزيز شرح الوجيز 262:5، روضة الطالبين 566:3.

فقد حصلت في يد الوكيل، و هي للموكّل، و في ذمّته للوكيل ثمنها، فيأذن الحاكم في بيعها و توفية حقّه من ثمنها، فإن كانت للموكّل فقد باعها الحاكم في إيفاء دَيْنٍ امتنع المديون من إيفائه. و إن كانت للوكيل، فقد أذن في بيعها.

مسألة 821: إذا بعث المالك إلي المديون رسولاً ليقبض دَيْنه الذي له عليه،

و كان الدَّيْن دراهم مثلاً، فبعث معه ديناراً فضاع الدينار من الرسول، فهو من مال الباعث؛ لأنّه إنّما أمره بقبض دَيْنه و هو دراهم. فإذا دفع إليه ذهباً، يكون قد صارفه من غير أمره، و قد دفع المديون إلي الرسول غير ما أمر به المرسل، و الصَّرف شرطه رضا المتصارفين، فصار الرسول وكيلاً للباعث في تأديته إلي صاحب الدَّيْن و مصارفته به، فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.

و لو كان الرسول قد أخبر المديونَ بأنّ المالك قد أذن له في قبض الدينار عوضاً عن الدراهم، كان من ضمان الرسول؛ لأنّه غرّه، و أخذ الدينار علي أنّه وكيل.

و لو قبض الدراهم فضاعت، كانت من ضمان صاحبها؛ لأنّها تلفت في يد وكيله. و لو قبض أزيد ممّا أمره بقبضه ثمّ تلف الجميع، فالضمان في الأصل علي صاحب الدراهم، و في الزائد علي الباعث، حيث دفع إلي مَنْ لم يؤمر بالدفع إليه، و يرجع الباعث علي الرسول؛ لأنّه غرّه، و حصل التلف في يده، فاستقرّ الضمان عليه للموكّل، و للموكّل أن يضمن الوكيل؛ لأنّه تعدّي بقبض ما لم يؤمر بقبضه، فإذا ضمنه لم يرجع علي أحدٍ؛ لأنّ التلف حصل في يده، فاستقرّ الضمان عليه.

مسألة 822: لو وكّله في قبض دَيْنه و غاب، فأخذ الوكيل به رهناً

ص: 223

فتلف الرهن في يد الوكيل، فقد أساء الوكيل بقبض الرهن و أخذه حيث لم يأمره المالك، و لا ضمان عليه في الرهن؛ لأنّه رهن فاسد، و القبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح، فكلّ قبضٍ صحيح كان مضموناً فالفاسد فيه يكون مضموناً، و ما لا يكون صحيحه مضموناً لا يكون فاسده مضموناً، و الرهن الفاسد كالصحيح في عدم الضمان بقبضه.

و لو دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعةً فخلطها مع دراهمه فضاعا معاً، ضمن. و إن ضاع أحدهما، فكذلك؛ لأنّه فرّط بالمزج.

و قال بعض العامّة: إن ضاعا معاً، فلا شيء عليه. و إن ضاع أحدهما أيّهما ضاع، غرمه(1).

و هذا كلام غير محصّل، و كيف جعل ضياع مال الاثنين شرطاً في زوال الضمان عنه!؟1.

ص: 224


1- المغني 231:5، الشرح الكبير 260:5-261.
الفصل السادس: فيما به تثبت الوكالة
مسألة 823: تثبت الوكالة بإقرار الموكّل علي نفسه بأنّه وكّله، و بشهادة عَدْلين ذكرين،

و لا تثبت بشهادة رجلٍ و امرأتين، و لا بشهادة رجلٍ و يمين، عند علمائنا أجمع، سواء كانت الوكالة بمالٍ أو لا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوكالة إثبات للتصرّف، فلا تثبت إلّا بشاهدَيْن، كالوصيّة.

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إنّه تُقبل في الوكالة بالمال شهادة رجلٍ و امرأتين و شهادة رجلٍ و يمين(2).

و هو غلط؛ لأنّها شهادة بولايةٍ، فلا تُقبل إلّا برجلين.

و يفارق ما إذا ادّعي أنّه أوصي له بكذا، فإنّه يُقبل فيه شاهد و امرأتان، و شاهد و يمين؛ لأنّ المقصود فيه إثبات المال، دون التصرّف.

مسألة 824: يشترط بقاء شهادة الشاهدَيْن علي الوكالة،

فلو شهد أحدهما أنّه وكّله ثمّ شهد الآخَر أنّه وكّله ثمّ عزله، لم تثبت الوكالة بهذه الشهادة؛ لأنّ أحدهما لم يُثبت وكالته في الحال.

و لو شهدا له بالوكالة مطلقاً ثمّ عاد أحدهما قبل الحكم بها، فقال: قد

ص: 225


1- الأُم 48:7، الحاوي الكبير 8:17، المهذّب - للشيرازي - 334:2، بحر المذهب 215:8، و 133:12، الوجيز 252:2، الوسيط 365:7-366، حلية العلماء 276:8، التهذيب - للبغوي - 218:8، البيان 403:6، و 306:13، العزيز شرح الوجيز 48:13، روضة الطالبين 226:8، المغني 265:5، الشرح الكبير 264:5.
2- المغني 265:5، الشرح الكبير 264:5.

عزله بعد التوكيل، لم يحكم بالشهادة؛ لأنّه رجوع عن الشهادة قبل الحكم، فلا يصحّ للحاكم الحكم بما رجع عنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه [لا](1) يُقبل؛ لأنّه رجوع عن الشهادة، فأشبه ما إذا كان بعد الحكم(2).

و هو غلط؛ لأنّه إذا رجع بعد الحكم، فقد نفذ الحكم بالشهادة. و إذا كان قبل الحكم، لا يمكن الحكم بشهادةٍ مرجوعٍ عنها.

فأمّا إذا حكم بذلك ثمّ قالا أو أحدهما: إنّه عزله بعد ما وكّله، فإن كان ذلك رجوعاً عن الشهادة لم يُقبل.

و كذا لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهد ثالث غيرهما بالعزل، لم يثبت العزل بشهادة واحدٍ؛ لأنّ العزل إنّما يثبت بما يثبت به التوكيل.

و لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهدا معاً بالعزل، تمّت الشهادة في العزل كتمامها في التوكيل.

مسألة 825: من شرط قبول الشهادة اتّفاق الشاهدَيْن علي الفعل الواحد،

فلو شهد أحدهما أنّه وكّله يوم الجمعة، و شهد الآخَر أنّه وكّله يوم السبت، لم تتمّ(3) البيّنة؛ لأنّ التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت، فلم تكمل شهادتهما علي فعلٍ واحد.

و لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة، و شهد الآخَر أنّه أقرّ به يوم السبت، تثبت الشهادة؛ لأنّ الإقرارين إخبار عن عقدٍ واحد، و يشقّ جمع الشهود علي إقرارٍ واحد ليقرّ عندهم في حالةٍ واحدة، فجُوّز له الإقرار

ص: 226


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق و كما هو في حلية العلماء.
2- بحر المذهب 215:8، حلية العلماء 149:5، البيان 403:6.
3- في «ث، خ، ر»: «لم تثبت».

عند كلّ واحدٍ وحده رخصةً للمُقرّ.

و كذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بالوكالة بالعربيّة، و شهد الآخَر أنّه أقرّ بها بالعجميّة، تثبت الوكالة.

و لو شهد أحدهما أنّه وكّله بالعربيّة، و شهد الآخَر أنّه وكّله بالعجميّة، لم تثبت؛ لأنّ الإنشاء هنا متعدّد لم يشهد بأحدهما شاهدان(1).

و كذا لو شهد أحدهما أنّه قال: وكّلتُك، و شهد الآخَر أنّه قال: أذنتُ لك في التصرّف، أو قال: جعلتُك وكيلاً، أو شهد أنّه قال: جعلتُك جريّاً، أي وكيلاً(2) ، لم تتمّ الشهادة؛ لاختلاف اللفظ.

و لو شهد أحدهما أنّه وكّله و شهد الآخَر أنّه أذن له في التصرّف، تمّت الشهادة؛ لأنّهما لم يحكيا لفظ الموكّل، و إنّما عبّرا عنه بلفظهما، و اختلاف لفظهما لا يؤثّر إذا اتّفق معناه.

و لو قال أحدهما: أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله، و شهد الآخَر أنّه وكّله، لم تثبت الوكالة؛ لأنّ الإقرار غير الإنشاء، و كلّ واحدٍ لم تكمل شهادته.

و لو قال أحدهما: أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله، و قال الآخَر: أشهد أنّه أقرّ أنّه جريُّه، أو أنّه أوصي إليه بالتصرّف في حياته، تثبت الوكالة بذلك؛ لأنّهما أخبرا بلفظهما.

و لو شهدا علي الإنشاء لكن شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده، و شهد الآخَر أنّه وكّله و زيداً، أو أشهد أنّه وكّله في بيعه و قال: لا تبعه حتي تستأمرني أو تستأمر فلاناً، لم تتم الشهادة؛ لأنّ الأوّل أثبت استقلاله بالبيع من».

ص: 227


1- في «ث، خ»: «الشاهدان».
2- لسان العرب 142:14 «جرا».

غير شرطٍ، و الثاني ينفي ذلك، فاختلفت الشهادة.

أمّا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده و شهد الآخَر أنّه وكّله في بيع عبده و جاريته، حُكم بالوكالة في العبد؛ لاتّفاقهما عليه، و زيادة الثاني لا تقدح في تصرّفه في الأوّل و لا تضرّ.

و هكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ و شهد الآخَر أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ و إن شاء لعمرو، علي إشكالٍ.

مسألة 826: لا تثبت الوكالة و العزل بشهادة واحدٍ و لا بخبره،

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه حقٌّ ماليّ، فلا يثبت بخبر الواحد و لا بشهادته، كالبيع.

و قال أبو حنيفة: تثبت الوكالة بخبر الواحد و إن لم يكن ثقةً، و يجوز التصرّف للمُخبر بذلك إذا غلب علي ظنّه صدق المُخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكّل. و يثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً؛ لأنّ اعتبار شاهدَيْن عَدْلين في هذا مشِقٌّ، فسقط اعتباره [و](2) لأنّه أذن في التصرّف و منع منه، فلم يعتبر في هذا شرط الشهادة، كاستخدام غلامه و إسلام عبده(3).

و هو غلط؛ لأنّ العقد لا يثبت بشاهدٍ واحد، بخلاف الاستخدام و إسلام العبد؛ لأنّه ليس بعقدٍ.

و لو شهد اثنان أنّ فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر، فقال الوكيل:

ما علمتُ هذا و أنا أتصرّف عنه، ثبتت الوكالة؛ لأنّ معني ذلك أنّي لم أعلم إلي الآن، و قبول الوكالة يجوز متراخياً، و ليس من شرط التوكيل حضور

ص: 228


1- المغني 267:5، الشرح الكبير 266:5، و راجع الهامش (1) من ص 225.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- المغني 267:5، الشرح الكبير 266:5.

الوكيل و لا علمه، و لا يضرّ جهله به.

و لو قال: ما أعلم صدق الشاهدَيْن، لم تثبت وكالته؛ لقدحه في شهادتهما، علي إشكالٍ أقربه ذلك إن طعن في الشهود، و إلّا فلا؛ لأنّ الاعتبار بالسماع عند الحاكم، و جهله بالعدالة مع علم الحاكم بها إمّا بنفسه أو بالتزكية لا يضرّ في ثبوت حقّه.

مسألة 827: يصحّ سماع البيّنة بالوكالة علي الغائب،

و هو أن يدّعي أنّ فلاناً الغائب وكّلني في كذا، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لا يعتبر رضاه في سماع البيّنة، فلا يعتبر حضوره كغيره.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ(2).

و إذا قال له مَنْ عليه الحقّ: إنّك لا تستحقّ مطالبتي، أو لستَ بوكيلٍ، لم تُسمع دعواه؛ لأنّ ذلك طعن في الشهادة. و لو طلب منه الحلف علي استحقاق المطالبة، لم يُسمع كذلك.

و لو قال: قد عزلك الموكّل فاحلف أنّه ما عزلك، لم يستحلف؛ لأنّ الدعوي علي الموكّل، و اليمين لا تدخلها النيابة.

و يحتمل الحلف؛ لأنّه يدّعي عليه استحقاق المطالبة، فيحلف علي نفي العلم.

و لو قال له: أنت تعلم أنّ موكّلك قد عزلك، سُمعت دعواه.

و إن طلب اليمين من الوكيل، حلف أنّه لا يعلم أنّ موكّله عزله؛ لأنّ

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3، المغني و الشرح الكبير 267:5، روضة القُضاة 752/190:1، و 3709/655:2.
2- روضة القُضاة 749/190:1، و 3707/655:2، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3، المغني و الشرح الكبير 267:5.

الدعوي عليه.

و إن أقام الخصم بيّنةً بالعزل، سُمعت، و انعزل الوكيل.

مسألة 828: تُقبل شهادة الوكيل علي موكّله و له فيما ليس بوكيلٍ فيه،

و لا تُقبل لموكّله فيما هو وكيل فيه؛ لأنّه يُثبت لنفسه حقّاً.

و لو شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله، فإن لم يكن قد خاصم قُبلت، و إلّا فلا، و به قال أبو حنيفة(1).

و قال أبو يوسف و محمّد و أحمد بن حنبل: لا تُقبل شهادته، سواء خاصم أو لا؛ لأنّه بعقد الوكالة صار خصماً فيه، فلم تُقبل شهادته فيه، كما لو خاصم فيه، بخلاف ما إذا لم يكن وكيلاً، فإنّه لم يكن خصماً فيه(2).

و هو خطأ؛ لأنّ الوكيل بعد عزله كالأجنبيّ، بل ربما كان متّهماً في حقّ موكّله.

مسألة 829: لو كانت الأمة بين اثنين فشهدا لزيدٍ أنّ زوجها وكّله في طلاقها، لم تُسمع شهادتهما؛

لأنّهما يجرّان إلي أنفسهما نفعاً، و هو زوال حقّ الزوج من البُضْع الذي هو ملكهما.

و لو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق، لم تُقبل شهادتهما؛ لأنّهما يجرّان إلي أنفسهما نفعاً، و هو إبقاء النفقة علي الزوج.

و تُقبل شهادة ولدي الرجل له بالوكالة و شهادة أبويه، خلافاً للعامّة(3).

ص: 230


1- المحيط البرهاني 440:8، حلية العلماء 149:5، العزيز شرح الوجيز 244:5، المغني و الشرح الكبير 268:5.
2- المحيط البرهاني 440:8، حلية العلماء 149:5، المغني و الشرح الكبير 268:5.
3- بحر المذهب 217:8، البيان 404:6، المغني و الشرح الكبير 268:5.

و تُقبل شهادة ابني الموكّل و أبويه بالوكالة، و به قال بعض الشافعيّة(1).

أمّا عندنا: فلأنّه تُقبل شهادة الولد لوالده، و بالعكس.

و أمّا عنده: فلأنّ هذا حقٌّ علي الموكّل يستحقّ به الوكيل المطالبة، فقُبلت فيه شهادة قرابة الموكّل، كالإقرار(2).

و نحن متي فُرضت الشهادة علي الأب منعنا قبولها.

و قال أحمد بن حنبل: لا تُقبل؛ لأنّها شهادة يثبت فيها حقٌّ لأبيه أو ابنه، فلم تُقبل - كشهادة(1) ابني الوكيل و أبويه - لأنّهما يُثبتان لأبيهما نائباً متصرّفاً له، و فارق الشهادة عليه بالإقرار؛ فإنّها شهادة عليه متمحّضة(2).

و الأقرب: إنّه إن كانت الشهادة علي الأب، لم تُسمع. و إن كانت له أو علي الولد أو للولد، سُمعت.

و لو ادّعي الوكيل الوكالةَ، فأنكرها الموكّل، فشهد عليه ابناه، لم تثبت عندنا؛ لأنّه لا تُقبل شهادة الولد علي والده، خلافاً للعامّة(5).

و لو شهد عليه أبواه، قُبلت عندنا و عندهم(6).

و إن ادّعي الموكّل أنّه تصرّف بوكالته، و أنكر الوكيل، فشهد عليه ابناه، لم تُقبل. فإن شهد أبواه سُمعت.5.

ص: 231


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شهادة». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني و الشرح الكبير 268:5-269. (5 و 6) بحر المذهب 217:8، البيان 404:6، المغني و الشرح الكبير 269:5.

و إن ادّعي وكيل لموكّله الغائب حقّاً و طالَب به، فادّعي الخصم أنّ الموكّل عزله و شهد له بذلك ابنا الموكّل، لم تُقبل إن كانت شهادة عليه.

و قال الجمهور: تُسمع، و يثبت العزل؛ لأنّهما يشهدان علي أبيهما(1).

و إن لم يدّع الخصم عزله، لم تُسمع شهادتهما؛ لأنّهما يشهدان لمن لا يدّعيها.

فإن قبض الوكيل فادّعي [الموكّل](2) أنّه كان قد عزل الوكيل و أنّ حقّه باقٍ في ذمّة الغريم، و شهد له ابناه، قُبلت؛ لأنّهما يثبتان حقّاً لأبيهما، خلافاً للعامّة(3).

و لو ادّعي مكاتَبٌ الوكالةَ فشهد له سيّده، لم تُقبل.

و لو شهد له ابنا سيّده أو أبواه، قُبلت عندنا، خلافاً للعامّة(4).

و لو أُعتق العبد و أعاد السيّد الشهادةَ، احتُمل عدمُ القبول؛ لأنّها رُدّت للتهمة. و القبولُ؛ لأنّها رُدّت للملك، لا للتهمة و قد زال المانع.

و للشافعيّة قولان(5).

مسألة 830: لو حضر رجل و ادّعي علي غائبٍ مالاً في وجه وكيله، فأنكره،

فأقام بيّنةً بما ادّعاه، حلّفه الحاكم، و حكم له بالمال، فإذا حضر الموكّل و جحد الوكالةَ، أو ادّعي أنّه كان قد عزله، لم يؤثّر ذلك في الحكم؛ لأنّ القضاء علي الغائب لا يفتقر إلي حضور وكيله.

و لو قال له: بِعْ هذا الثوب بعشرة، فما زاد عليها فهو لك، فمال الجعالة هنا مجهول، فيبطل المسمّي، و يثبت له أُجرة المثل، و لا يلزم

ص: 232


1- المغني و الشرح الكبير 269:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- المغني و الشرح الكبير 269:5.
4- بحر المذهب 217:8، المغني و الشرح الكبير 269:5.
5- بحر المذهب 217:8، البيان 297:13-298، حلية العلماء 150:5.

ما عيّنه له، و به قال الشافعي(1).

و قال أحمد: يصحّ، و يكون للمأمور الزائدُ؛ لأنّ ابن عباس كان لا يري بذلك بأساً. و لأنّه يتصرّف في ماله بإذنه، فصحّ شرط الربح له، كالمضارب و العامل في المساقاة(2).

و الفرق: تعذّر تعيين الأُجرة في المضارب و المساقي، بخلاف الدلالة.

مسألة 831: لو ادّعي الوكالة علي الغائب و أقام شاهدَيْن و ثبتت عند الحاكم و ثبت الحقّ لموكّله،

فادّعي مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه من الحقّ أو قضاه و لم يدّع علم الوكيل بذلك، لم تُسمع منه هذه الدعوي؛ لأنّ سماع هذه الدعوي يؤدّي إلي إبطال الوكالة في استيفاء حقّ الغائب، لأنّه متي ادّعي ذلك مَنْ عليه الحقُّ و سُمعت منه، وقفت المطالبة بالحقّ إلي حضور الموكّل و يمينه، فتقف بذلك الحقوقُ، فيقال له: ادفع الحقّ الذي عليك، و تقف دعواك إلي حضور الموكّل و يمينه.

و إن ادّعي علم الوكيل بذلك، سُمعت دعواه، و سأله عن ذلك، فإن صدّقه بطلت وكالته، و سقطت مطالبته. و إن أنكر، حلف علي ذلك، و به قال الشافعي و زفر(3).

و قال أبو حنيفة و صاحباه: لا يحلف؛ لأنّ هذه اليمين متوجّهة علي الموكّل، فلا ينوب فيها الوكيل(4).

و ليس بصحيح؛ لأنّه ليس بنائبٍ عن الموكّل؛ لأنّ إقراره بذلك

ص: 233


1- المغني 270:5.
2- المغني 270:5.
3- حلية العلماء 151:5.
4- حلية العلماء 151:5.

لا يثبت به حقٌّ علي الموكّل عندنا، فلا تسقط(1) بيمينه الدعوي.

و يدلّ علي قولنا أنّه لو أقرّ الوكيل بذلك، سقطت مطالبته، فإذا أنكر توجّهت عليه اليمين، كصاحب الحقّ.

***».

ص: 234


1- في النسخ الخطّيّة: «و لا تسقط».

المقصد السابع: في الإقرار

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ماهيّته و مشروعيّته

نريد أن نبحث في هذا الفصل عن جميع ما يتعلّق بالإقرار، و لا شكّ في أنّه متعلّق بمُقِرٍّ و مُقَرٍّ له و مُقَرٍّ به، و صيغةٍ تترتّب عليها المؤاخذة. و هذه الأربعة هي أركان الإقرار.

ثمّ المُقَرّ به قد يكون مالاً، و قد يكون غيره، و علي التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصّلاً، و قد يكون مجملاً، و علي كلّ تقديرٍ فقد يُعقَّب الإقرار بما ينافيه(1) و قد لا يُعقَّب.

و إذا لم يكن المُقَرّ به مالاً، فقد يكون عقوبةً من قصاصٍ أو حدٍّ، و قد يكون نسباً و غيره. ثمّ قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك، فالفصول خمسة.

الإقرار: الإثبات، من قولك: قرّ الشيء يقرّ و أقررته و قرّرته إذا أفدته القرار، و لم يُسمّ ما يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثباتٍ، و لكن لأنّه إخبار عن ثبوتٍ و وجوبٍ سابق.

و هو إخبار عن حقٍّ سابق.

ص: 235


1- في الطبعة الحجريّة: «يرفعه» بدل «ينافيه».

و هو معتبر بالكتاب و السنّة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالي:«وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ» إلي قوله:

«أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلي ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا» (1) الآية.

و قوله تعالي:«وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» (2).

و قوله تعالي:«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي» (3).

و قوله تعالي:«كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلي أَنْفُسِكُمْ» (4).

قال المفسّرون: شهادة المرء علي نفسه إقراره(5).

و الآيات في ذلك كثيرة في القرآن العزيز.

و أمّا السنّة: فما روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه أقرّ ماعز عنده بالزنا، فرجمه رسول اللّه صلي الله عليه و آله(6).

و كذلك الغامديّة، و قال: «اغْدُ يا أُنيس علي امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»(7) و الاعتراف هو الإقرار.

و قال صلي الله عليه و آله: «قُولوا الحقّ و لو علي أنفسكم»(8).

و أمّا الإجماع: فقد أجمعت الأُمّة كافّةً علي صحّة الإقرار.5.

ص: 236


1- آل عمران: 81.
2- التوبة: 102.
3- الأعراف: 172.
4- النساء: 135.
5- جامع البيان (تفسير الطبري) 206:5، الكشّاف 570:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 284:2، النكت و العيون 535:1.
6- تقدّم تخريجه في ص 46، الهامش (1).
7- تقدّم تخريجه في ص 46، الهامش (2).
8- أورده الغزالي في الوسيط 317:3، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 273:5.

و لأنّ الإقرار إخبار علي وجهٍ ينفي عنه التهمة و الريبة؛ لأنّ العاقل لا يكذب علي نفسه فيما يضرّ بها، و لهذا كان آكد من الشهادة؛ لأنّ المدّعي عليه إذا اعترف لم تُسمع عليه الشهادة، و إنّما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر.

و لو كذّب المدّعي بيّنته، لم تُسمع. و إن كذب المُقرّ ثمّ صدّقه، سُمع.

** *

ص: 237

ص: 238

الفصل الثاني: في أركانه
اشارة

و هي أربعة؛ لأنّ الإقرار إنّما يتمّ بالصيغة و المُقرّ و المُقَرّ له و المقَرّ به، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة.
مسألة 832: الصيغة هي اللفظ الدالّ علي الإخبار بحقٍّ واجب،

كقوله:

له علَيَّ، أو: عندي، أو: في ذمّتي.

و يشترط فيها التنجيز و الجزم بالحكم.

فإذا قال: عَلَيَّ لفلان كذا، فهو صيغة إقرارٍ.

و كذا: «لفلان علَيَّ، أو: في ذمّتي» إقرار بالدَّيْن ظاهراً.

و قوله: «عندي، أو: معي» إقرار بالعين.

و لو قال له: قِبَلي ألف، فهو دَيْن.

و يحتمل أن يصلح للدَّيْن و العين معاً.

و لو علّق إقراره علي الشرط، لم يصح، و كان لاغياً.

مسألة 833: إذا قال لغيره: لي عليك ألف، فقال في الجواب: زِنْ، أو خُذْ، لم يكن إقراراً؛

لأنّه لم توجد منه صيغة التزامٍ، و قد يذكر مثل ذلك مَنْ يستهزئ و يبالغ في الجحود.

و كذا لو قال: استوف، أو: اتّزن، فكذلك.

ص: 239

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «اتّزن» إقرار؛ لأنّه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الإنسان لنفسه، بخلاف قوله: «زِنْ» و به قال أبو حنيفة(1).

و لو قال: زِنْه، أو: خُذْه، فليس بإقرارٍ أيضاً؛ للاحتمال المذكور، و هو ظاهر مذهب الشافعي(2).

و قال بعض العامّة: يكون إقراراً؛ لأنّ الكناية تعود إلي ما تقدّم في الدعوي(3).

و لو قال: شدّه في هميانك، أو: اجعله في كيسك، أو: اختم عليه، فهو كقوله: زِنْه، أو: خُذْه.

مسألة 834: يصحّ الإقرار بالعربيّة و العجميّة معاً من العربيّ و العجميّ معاً بالإجماع؛

لأنّ كلّ واحدةٍ منهما لغة كالأُخري يُعبَّر بها عمّا في الضمير، و تدلّ علي المعاني الذهنيّة بسبب العلاقة الراسخة بينهما بحسب المواضعة، فإذا كان اللفظ موضوعاً لشيءٍ دلّ عليه.

فإن أقرّ عربيّ بالعجميّة، أو عجميّ بالعربيّة، فإن عرف أنّه عالم بما أقرّ به، لزمه.

و إن قال: ما عرفتُ(2) معناه، فإن صدّقه المُقرّ له علي ذلك، سقط الإقرار. و إن كذّبه، فالقول قول المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ الظاهر من حال

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4. (2 و 3) حلية العلماء 335:8، التهذيب - للبغوي - 258:4، الوجيز 197:1، العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «علمت» بدل «عرفت».

العجميّ أن لا يعرف العربيّة، و كذا العربيّ لا يعرف العجميّة ظاهراً.

مسألة 835: لو قال المدّعي: لي عليك ألف، فقال في الجواب:

نعم،

أو: بلي، أو: أجل، أو: صدقتَ، كان إقراراً؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة.

قال اللّه تعالي: «هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ»(1) .

و لو قال: لعمري، قيل: يكون إقراراً؛ لأنّه يستعمل فيه(2).

و الأقرب: أنّه ليس كذلك؛ لاختلاف العرف فيه.

و لو قال: أنا مُقرٌّ به، أو: بما تدّعيه، أو: بما ادّعيتَ، أو: بدعواك، أو: لستُ منكراً له، فهو إقرار.

و لو قال: أنا مُقرٌّ، و لم يقل: به، أو قال: لستُ منكراً، أو: أنا أُقرّ، لم يكن إقراراً؛ لجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه، أو بأن اللّه تعالي واحد.

و هذا يدلّ علي أنّ الحكم بأنّ قوله: «أنا مُقرّ به» إقرار فيما إذا خاطبه و قال: «أنا مُقرٌّ لك به» و إلّا فيجوز [أن يريد](3) الإقرار به لغيره.

و لو قال: أنا أُقرّ لك به، لم يكن إقراراً؛ لجواز إرادة الوعد، و لأنّه ليس صريحاً في الإخبار؛ لجواز إرادة الإنشاء و الوعد بالإقرار في ثاني الحال، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه إقرار؛ لأنّ قرينة الخصومة و توجّه الطلب تشعر

ص: 241


1- الأعراف: 44.
2- المغني 348:5، بحر المذهب 291:8، التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 398:13، العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».

بالتنجيز(1).

و الأوّل أصحّ.

و لو قال: لا أُنكر ما تدّعيه، كان إقراراً غير محمولٍ علي الوعد عند بعض الشافعيّة؛ لأنّ العموم إلي النفي أسرع منه إلي الإثبات، و لهذا كانت النكرة في معرض النفي تعمّ، و في الإثبات لا تعمّ(2).

و هو مشكل، و الأقرب: إنّه كالإثبات.

و لو سُلّم الفرق، لكنّه لا ينفي الاحتمال، و قاعدة الإقرار الأخذ بالقطع و البتّ و الحكم بالمتيقّن؛ لأصالة براءة الذمّة.

و قال الجويني من الشافعيّة: بتقدير حمله علي الوعد فالقياس أنّ الوعد بالإقرار إقرارٌ، كما أنّا نقول: التوكيل بالإقرار إقرار(1).

و هو غلط، و الحكم في الأصل ممنوع.

و لو قال في الجواب: لا أُنكر أن يكون مُحقّاً، لم يكن مُقرّاً بما يدّعيه؛ لجواز أن يريد في شيءٍ آخَر، و لو قال: فيما يدّعيه، فهو إقرار.

و لو قال: لا أُقرّ به و لا أُنكره، فهو كما لو سكت، فيُجعل منكراً و يطالب بالجواب.

و قيل: تُعرض عليه اليمين(2).

و لو قال: أبرأتني عنه، أو قبضتَه، فهو إقرار، و عليه بيّنة القضاء أو الإبراء.4.

ص: 242


1- الوسيط 328:3، العزيز شرح الوجيز 298:5.
2- التهذيب - للبغوي - 257:4، العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 21:4.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «أبرأتني عنه» ليس بإقرارٍ؛ لقوله تعالي:«فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا» (1) [و](2) تبرئته عن عيب الأُدْرَة(3) لا تقتضي إثباته له(4).

و لو قال: أقررت بأنّك أبرأتني، أو: استوفيت منّي، لم يكن إقراراً.

و لو قال في الجواب: لعلّ، أو: عسي، أو: أظنّ، أو: أحسب، أو: أقدر، أو: أتوهّم، لم يكن مُقرّاً.

مسألة 836: اللفظ قد يكون صريحاً في التصديق و تنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلي الاستهزاء و التكذيب،

و من جملتها: الأداء، و الإبراء، و تحريك اللسان(5) الدالّ علي شدّة التعجّب و الإنكار، فعلي هذا يُحمل قوله: «صدقت» و ما في معناه علي هذه الحالة، فلا يكون إقراراً.

فإن وُجدت القرائن الدالّة علي الإقرار، حُكم به، و إن وُجدت القرائن الدالّة علي غيره، حُكم بعدم الإقرار.

و لو قال: لي عليك ألف، فقال في الجواب: لك علَيَّ ألف، علي سبيل الاستهزاء، لم يكن إقراراً.

و حكي أبو سعيد المتولّي من الشافعيّة أنّ فيه وجهين(6).

مسألة 837: لو قال: أ ليس لي عليك ألف ؟ فقال: بلي، كان مُقرّاً،

و لزمه الألف؛ لأنّه تصديق للإيجاب المناقض للنفي؛ لقوله تعالي:«أَ لَسْتُ

ص: 243


1- الأحزاب: 69.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- الأُدْرَة: انتفاخ الخصية. لسان العرب 15:4 «أدر».
4- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 21:4.
5- كذا قوله: «اللسان». و الظاهر: «الرأس» بدل «اللسان».
6- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 22:4.

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي» (1) .

و لو قال: نعم، فاحتمالان:

أحدهما: إنّه لا يكون مُقرّاً.

و الفرق: إنّ «نعم» في جواب الاستفهام [تصديق لما دخل عليه الاستفهام](2) ، و «بلي» تكذيب له من حيث إنّ أصل «بلي» «بل» زِيدت [عليها](3) «الياء» و هي للردّ و الاستدراك، و إذا كان كذلك فقوله: «بلي» ردّ لقوله: ليس لي عليك ألف، فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام، و نفيٌ له، و نفي النفي إثبات، فكأنّه قال: لك علَيَّ ألف، و قوله: «نعم» تصديق له، فكأنّه قال: ليس [لك علَيَّ](4).

هذا تلخيص ما نُقل عن الكسائي و جماعة من فضلاء اللغة(5) ، و علي وفقه ورد القرآن العزيز.

قال اللّه تعالي:«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي» (6).

قيل: لو قالوا: «نعم» لكفروا(7).

و قال تعالي:«أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلي» (8).0.

ص: 244


1- الأعراف: 172.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عليه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لي عليك». و الظاهر ما أثبتناه.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 298:5.
6- الأعراف: 172.
7- مغني اللبيب 154:1.
8- الزخرف: 80.

و قال تعالي:«أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلي» (1).

و قال تعالي في «نعم»:«فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» (2) و قال:«أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ» (3).

و الثاني: إنّه يكون مُقرّاً؛ لأنّ كلّ واحدٍ من «نعم» و «بلي» يقام مقام الآخَر في العرف.

و الاحتمالان وجهان أيضاً للشافعيّة(4).

و قال الآخَرون: إنّ الأقارير تُحمل علي مفهوم أصل العرف، لا علي دقائق العربيّة(5).

و لو قال: هل لي عليك ألف ؟ فقال: نعم، فهو إقرار.

مسألة 838: إذا قال لغيره: اشتر منّي عبدي هذا، أو: أعطني عبدي هذا، فقال: نعم، فهو إقرار له بملكيّة العبد.

و كذا لو قال: اعتق عبدي هذا، فقال: نعم.

و يحتمل عدمه، و به قال بعض الشافعيّة(6).

و لو قال: بِعْني هذا العبد، فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له.

و هل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة ؟ إشكال؛ لاحتمال أن يكون وكيلاً.

و لو قال: اشتر منّي هذا العبد، فقال: نعم، فهو إقرار بأنّ المخاطب

ص: 245


1- القيامة: 3 و 4.
2- الأعراف: 44.
3- الشعراء: 41 و 42.
4- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 22:4. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4.

مالك للبيع، و ليس إقراراً بأنّه مالك للمبيع.

و لو ادّعي عليه عبداً في يده، فقال: اشتريته من وكيلك فلان، فهو إقرار له، و يحلف المدّعي عليه علي أنّه ما وكّل فلاناً بالبيع.

مسألة 839: لو قال: له علَيَّ ألف في علمي، أو: فيما أعلم أو أشهد، فهو إقرار؛

لأنّ ما في علمه لا يحتمل إلّا الوجوب.

و لو قال: كان له علَيَّ ألف، و سكت، أو: كانت هذه الدار له في السنة الماضية، فالأقرب: إنّه يلزمه الألف و تسليم الدار إليه - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه(1) - لأنّه أقرّ بالوجوب، و لم يذكر ما يرفعه، فيبقي علي ما كان عليه، و لهذا لو تنازعا داراً فأقرّ أحدهما للآخَر أنّها كانت ملكه، حُكم بها له، إلّا أنّه هنا إن عاد فادّعي القضاء أو الإبراء، سُمعت دعواه؛ لأنّه لا تنافي بين إقراره و بين ما يدّعيه. و للعمل بالاستصحاب.

و الثاني للشافعيّة: إنّه ليس بإقرارٍ في الحال بشيء؛ لأصالة براءة الذمّة. و لأنّه لم يذكر أنّ عليه شيئاً في الحال، إنّما أخبر بذلك في زمنٍ ماضٍ، فلا يثبت في الحال. و كذا لو شهدت البيّنة به، لم يثبت(2).

مسألة 840: لو قال: هذه داري أسكنت فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها، لم يكن إقراراً بالملكيّة قطعاً.

و هل يكون إقراراً باليد؟ قال بعض الشافعيّة: نعم؛ لأنّه اعترف

ص: 246


1- المغني 286:5، الشرح الكبير 300:5-301، حلية العلماء 336:8، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4-23.
2- حلية العلماء 337:8، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4-23، المغني 286:5، الشرح الكبير 301:5.

بثبوتها من قَبْلُ و ادّعي زوالها(1).

و قال بعضهم: إنّه ليس بإقرارٍ؛ لأنّه لم يعترف بيد فلان إلّا من جهته(2). و هو الأقوي عندي.

و لو قال: ملّكتُ هذه الدار من زيدٍ، فهو إقرار بالملك لزيدٍ، علي إشكالٍ، و ادّعي انتقالها منه إليه، فإن لم يصدّقه زيد دُفعت إليه. و إن صدّقه، أُقرّت في يده.

و لو قال: اقض الألف التي لي عليك، فقال: نعم، فهو إقرار.

و لو قال في الجواب: أُعطي غداً، أو: ابعث مَنْ يأخذه، أو أمهلني يوماً، أو أمهلني حتي أضرب الدراهم، أو أفتح باب الصندوق، أو أقعد حتي تأخذ، أو لا أجد اليوم، أو لا تدم التقاضي، أو قال: ما أكثر ما تتقاضي و اللّه لأقضينّك، قال أبو حنيفة: يكون مُقرّاً في جميع هذه الصور(1).

و عندي فيه تردّد، و اضطربت الشافعيّة فيه(2).

و كذا لو قال: اسرج دابّة فلان هذه، فقال: نعم، أو قال: أخبرني زيد أنّ لي عليك كذا، فقال: نعم، أو قال: متي تقضي حقّي ؟ فقال: غداً.

[و لو](3) قال له قائل: غصبتَ ثوبي، فقال: ما غصبتُ من أحدٍ قبلكه.

ص: 247


1- المبسوط - للسرخسي - 15:18-16، بدائع الصنائع 208:7، الهداية - للمرغيناني - 181:3-182، روضة القضاة 5022/736:2، الاختيار لتعليل المختار 207:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 124:3، التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 400:13، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 23:4.
2- التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 400:13، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 23:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو». و الصحيح ما أثبتناه.

و لا بعدك، لم يكن مُقرّاً؛ لأنّ نفي الغصب من غيره لا يقتضي ثبوت الغصب فيه.

و كذا لو قال: ما علَيَّ لزيدٍ أكثر من مائة درهم؛ لأنّ نفي الزائد علي المائة لا يوجب إثبات المائة.

و يحتمل أن يكون إقراراً بالمائة. و هو أيضاً وجه للشافعيّة(1).

مسألة 841: قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الصيغة بالإقرار التنجيز،

فلو علّق إقراره علي شرطٍ أو صفةٍ، بطل، كقوله: إن جاء زيد فله علَيَّ كذا، أو إذا جاء رأس الشهر فله كذا.

و لا فرق بين أن يكون الشرط معلومَ الوقوع أو مجهولَه.

و لو قال المعسر: لفلان علَيَّ ألف إن رزقني اللّه تعالي مالاً، لم يكن إقراراً؛ للتعليق، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه إقرار، و صيغة الشرط لبيان وقت الأداء(3).

و المعتمد: أن يستفسره، فإن فسّر بالتأجيل صحّ. و إن فسّره بالتعليق بطل.

و كذا في قوله: «إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ كذا» إن قصد بيان وقت الأداء لزم. و إن قصد التعليق بطل.

مسألة 842: لو ادّعي عليه ألفاً و قال: إنّ فلاناً يشهد لي بها،

فقال المدّعي عليه: إن شهد بها علَيَّ فلان فهو صادق، وجب الألف عليه في الحال، سواء شهد فلان أو لا.

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 23:4.
2- البيان 403:13، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 23:4-24.
3- البيان 402:13، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 24:4.

و لو قال فلان: لا أشهد، أو: أنّ المدّعي كاذب، أو: أنا أشهد ببراءة المُقرّ، كان عليه الأداء في الحال؛ لأنّه حكم بصدقه علي تقدير الشهادة.

و إنّما تتمّ هذه الملازمة و يصدق هذا الحكم لو كان الحقّ ثابتاً في ذمّته؛ لأنّه لو لم يكن ثابتاً لم يصدق هذا الحكم لو شهد، فتكون الملازمة كاذبةً، لكنّا إنّما نحكم بصدقها كغيره من الإقرارات.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه لا يكون إقراراً؛ لما فيه من التعليق(1).

و الأقرب: إنّه إن ادّعي عدم علمه بما قال و أنّ المُقرّ له لا يستحقّ في ذمّته شيئاً و أنّه توهّم أنّ فلاناً لا يشهد عليه، فإن كان ممّن يخفي عنه ذلك قُبِل قوله، و حُمل علي التعليق، و كان كلامه لاغياً، و إلّا ثبت.

و لو شهد عليه شاهد بألفٍ، فقال: هو صادق، أو عَدْل، لم يكن مُقرّاً.

و لو قال: إنّه صادق فيما شهد به، أو عَدْل فيما قال، كان مُقرّاً.

و لو قال: إن شهدا علَيَّ صدّقتُهما، لم يكن مُقرّاً؛ لأنّ غير الصادق قد يصدق.

و لو قال: إن شهد علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح، فكقوله: صادق.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن شهد بها فلان، لم يكن إقراراً، لأنّه معلّق علي شرطٍ.

مسألة 843: لو علّق إقراره بمشيئة اللّه تعالي، بطل،

فلو قال: لك علَيَّ ألف إن شاء اللّه، لم يكن إقراراً - و هو قول الشافعيّة(2) - لأنّه علّق

ص: 249


1- حلية العلماء 336:8، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 24:4.
2- التنبيه: 275، المهذّب - للشيرازي - 347:2، الوسيط 348:3، الوجيز 200:1، التهذيب - للبغوي - 258:4، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4، المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5.

إقراره علي شرطٍ، فلم يصح، كما لو علّقه علي مشيئة زيدٍ. و لأنّ المعلّق علي مشيئة اللّه تعالي لا سبيل إلي معرفته.

و قال أحمد بن حنبل: إنّه يكون إقراراً؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه بأجمعه، و لا يصرفه إلي غير الإقرار، فلزمه ما أقرّ به، و بطل صلته به، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً. و لأنّه عقّب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخَر و لا يقتضي رفع الحكم، فأشبه ما لو قال: له علَيَّ ألف في مشيئة اللّه تعالي(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه محض تعليقٍ علي شرطٍ، فأشبه التعليق بدخول الدار و مشيئة زيدٍ.

و لو قال: له علَيَّ ألف إلّا أن يشاء اللّه تعالي، صحّ الإقرار؛ لأنّه علّق رفع الإقرار علي أمرٍ لا يعلم، فلا يرتفع.

و لو قال: لك علَيَّ ألف إن شئت، أو إن شاء زيد، لم يصح، و به قال أحمد(2) أيضاً.

و قال بعض أصحابه: يصحّ؛ لأنّه عقّب بما يرفع الإقرار، فأشبه استثناء الكلّ(3).

و هو غلط؛ لأنّه علّقه علي شرطٍ يمكن علمه فلم يصح، كما لو قال:

له علَيَّ ألف إن شهد به فلان، و ذلك لأنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق، فلا يتعلّق علي شرطٍ مستقبل.5.

ص: 250


1- المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5-296. (2 و 3) المغني 349:5، الشرح الكبير 296:5.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن شاء اللّه، و قصد التبرّك بالمشيئة و الصلة و التفويض إلي اللّه تعالي، فهو إقرار، كقوله تعالي:«لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ» (1) و قد علم اللّه تعالي أنّهم سيدخلونه.

مسألة 844: لو قال: له علَيَّ ألف إن شاء زيد، أمكن جَعْل مشيئة زيدٍ شرطاً يتوقّف الأمر علي وجودها؛

لأنّ مشيئته متجدّدة، و أمّا مشيئة اللّه تعالي فإنّها غير متجدّدةٍ، و الماضي لا يمكن رفعه، فتعيّن حمل الأمر في مشيئة زيدٍ علي المستقبل، فيكون وعداً لا إقراراً.

و لو قال: بعتك إن شاء اللّه، أو زوّجتك إن شاء اللّه، لم يقع البيع و لا النكاح.

و قال أبو حنيفة: يقع النكاح و البيع، و به قال أحمد(2).

و لو قال: بعتك بألف إن شئتَ، فقال: قد شئتُ و قبلتُ، لم يصح، علي إشكالٍ؛ لأنّ هذا الشرط من موجَب العقد و مقتضاه، فإنّ الإيجاب إذا وُجد من البائع كان القبول إلي مشيئة المشتري و اختياره.

و الحقُّ: البطلان من حيث التعليق؛ إذ لا نعلم حاله عند العقد هل يشاء أم لا، فأشبه ما لو قال: إن شاء زيد.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن قدم فلان، لم يلزمه؛ لأنّه لم يُقرّ به في الحال، و ما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط.

البحث الثاني: في المُقرّ.
مسألة 845: يشترط في المُقرّ البلوغ،

فأقارير الصبي لاغية، سواء كان

ص: 251


1- الفتح: 27.
2- المغني 350:5، الشرح الكبير 296:5.

مميّزاً أو لا، و سواء أذن له الوليّ أو لا، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لقول النبيّ صلي الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه»(2).

و قال أبو حنيفة: إذا كان الصبيّ مميّزاً، صحّ الإذن في البيع و الشراء، و يصحّ إقراره فيه(3).

و قال أحمد: اليتيم إذا أُذن له في التجارة و هو يعقل البيع و الشراء، فبيعه و شراؤه جائز. و إن أقرّ أنّه قبض شيئاً من ماله، جاز بقدر ما أذن له فيه وليُّه(4). و ليس بشيء.

و قول أبي حنيفة: «إذا كان مأذوناً من جهة الوليّ صحّ إقراره؛ قياساً علي تصرّفاته»(5) باطل بالحديث(6) ، و أصله ممنوع.

و لنا و للشافعيّة قولٌ في صحّة تدبيره و وصيّته(7) ، فعلي هذا القولر.

ص: 252


1- الأُم 217:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 4:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، بحر المذهب 221:8، الوسيط 317:3، الوجيز 194:1-195، حلية العلماء 325:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، البيان 391:13، العزيز شرح الوجيز 275:5، روضة الطالبين 4:4، منهاج الطالبين: 139، المغني و الشرح الكبير 272:5، روضة القُضاة 4052/715:2.
2- سنن البيهقي 317:10، المغني 271:5، الشرح الكبير 272:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 180:3، روضة القُضاة 4051/715:2، الحاوي الكبير 4:7، بحر المذهب 221:8، حلية العلماء 325:8، البيان 391:13، المغني و الشرح الكبير 272:5.
4- المغني و الشرح الكبير 272:5.
5- روضة القُضاة 4053/715:2، العزيز شرح الوجيز 275:5.
6- أي: حديث رفع القلم.
7- الحاوي الكبير 5:7، و 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، و 8:2، بحر المذهب 120:14، الوجيز 269:1، و 282:2، الوسيط 403:4، و 497:7، حلية العلماء 69:6، و 181، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 16:4، و 275:5، و 6:7، و 415:13، روضة الطالبين 10:3، و 4:4، و 93:5، و 449:8، المغني 334:12، الشرح الكبير 308:12، و ذلك أيضاً قول الشيخ الطوسي في الخلاف 419:6، المسألة 21 من كتاب المدبّر.

عندنا و عند الشافعي يصحّ إقراره بهما(1).

و الحقّ ما تقدّم؛ لأنّ إقراره لا يصحّ بغير ذلك و بغير ما أذن له فيه، فكذا بهما و بالبيع و الشراء، كالمجنون.

و لو ادّعي أنّه قد بلغ بالاحتلام، أو ادّعت الجارية البلوغَ بالحيض، قُبِل إن كان ذلك في وقت الإمكان، و إلّا فلا.

و لو فُرض ذلك في خصومةٍ، لم يحلفا؛ لأنّه لا يُعرف ذلك إلّا من جهتهما، فأشبه ما إذا علّق نذر العتق بمشيئة الغير، فقال: شئت، يُصدّق بغير يمينٍ. و لأنّهما إن صُدّقا فلا تحليف، و إن كُذّبا فكيف يحلفان و اعتقاد المكذّب أنّهما صغيران ؟ و لأنّه لو حلّفناه لأراد في تحليفه تغرير الصبي، و الصبي لا يحلف، فإذَنْ لو حُلّف لما حلف.

و لو بلغ مبلغاً تيقّن بلوغه فيه، لم يحلف أيضاً علي أنّه كان بالغاً حينئذٍ؛ لأنّا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها، فلا عود إلي التحليف.

و لو جاء واحد من الغُزاة يطلب سهم المقاتلة و ذكر أنّه احتلم، دُفع إليه سهمه؛ لأنّا لا نشترط البلوغ في استحقاق سهم الغنيمة.4.

ص: 253


1- العزيز 275:5، روضة الطالبين 4:4.

و عند المشترطين يحلف و يأخذ السهم(1).

فإن لم يحلف، فللشافعيّة وجهان:

قال بعضهم: يعطي؛ لأنّ الظاهر استحقاقه بحضور الوقعة(2).

و قال بعضهم: لا يعطي؛ لعدم العلم بالبلوغ، و قوله متّهم(3).

و لو ادّعي البلوغ بالسنّ، طُولب بالبيّنة؛ لإمكانها.

و لو كان غريباً أو خاملَ الذِّكْر، التُحق بدعوي الاحتلام.

و قال بعض الشافعيّة: يُطالَب بالبيّنة(1) ؛ لإمكانه(2) في جنس المدّعي، أو يُنظر إلي الإنبات؛ لتعذّر معرفة التأريخ، كما في صبيان الكفّار(6).

و الأظهر عند الشافعيّة: الثاني؛ لأنّه إذا أمكن إقامة البيّنة، كُلّف إقامتها، و لم يُنظر إلي حال المدّعي و عجزه(7).

و الوجه: إنّ دعوي الصبي البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً؛ لأنّ المفهوم من الإقرار الإخبارُ عن ثبوت حقٍّ عليه للغير، و نفس البلوغ ليس كذلك، و لهذا يُطالَب مدّعي البلوغ بالسنّ بالبيّنة، و اختلفوا في تحليف مدّعي البلوغ بالاحتلام، و المُقرّ لا يكلَّف البيّنة و لا اليمين.4.

ص: 254


1- المطالبة بالبيّنة هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث لبعض الشافعيّة، و الأوّل منها هو الالتحاق بدعوي الاحتلام، و الثالث منها: النظر إلي الإنبات. راجع العزيز شرح الوجيز 276:5.
2- كذا قوله: «لإمكانه». و الظاهر: «لإمكانها». (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 276:5، روضة الطالبين 5:4.

نعم، لو قال: أنا بالغ، فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ، فحقّ هذا الوجه أن يكون متضمّناً للإقرار، لا أنّه نفسه إقرار. و بتقدير كونه إقراراً فليس ذلك بإقرار الصبي(1) ؛ لأنّه إذا قال: أنا بالغ، يُحكم ببلوغه سابقاً علي قوله، فلا يكون إقرارُه إقرارَ الصبي.

مسألة 846: يشترط في المُقرّ العقل،

فلا يُقبل إقرار المجنون؛ لأنّه مسلوب القول في الإنشاء و الإقرار بغير استثناء.

و لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقاً أو يأخذه أدواراً، إلّا أنّ الذي يأخذه أدواراً إن أقرّ في حال إفاقته، صحّ؛ لأنّه حينئذٍ عاقل.

و لا بدّ من كماليّة العقل في الإقرار، فالسكران الذي لا يحصّل أو لا يكون كاملَ العقل حالة سكره لا يُقبل إقراره، عند علمائنا أجمع، و كذا بيعه و جميع تصرّفاته؛ لعدم الوثوق بما يقول، و عدم العلم بصحّته، و لا تنتفي عنه التهمة فيما يُخبر به، فلم يوجد معني الإقرار الموجب لقبول قوله.

و للشافعي فيه اضطراب(2).

قال بعض أصحابه: يصحّ إقرار السكران، و لا يصحّ بيعه(3).

و قال بعضهم: بيع السكران يحتمل وجهين: الجواز، و عدمه(4).

و قال بعضهم بالجواز؛ لأنّ أفعاله تجري مجري أفعال الصاحي(5).

قال الشافعي: لو شرب رجل خمراً أو نبيذاً فسكر فأقرّ في حال

ص: 255


1- في «ر»: «إقراراً للصبي» بدل «بإقرار الصبي».
2- العزيز شرح الوجيز 276:5، روضة الطالبين 5:4.
3- بحر المذهب 223:8، الوجيز 57:2، التهذيب - للبغوي - 73:6، العزيز شرح الوجيز 565:8، روضة الطالبين 59:6.
4- بحر المذهب 223:8، المجموع 155:9.
5- بحر المذهب 223:8، المجموع 155:9، روضة الطالبين 9:3.

سكره، لزمه ما أقرّ به(1).

و روي المزني في ظهار السكران ما إذا صحّ كان بمنزلة المجنون في إقراره(2).

و مَنْ أُكره فأُوجر خمراً حتي ذهب عقله ثمّ أقرّ، لم ينفذ إقراره و عند الشافعي(3) أيضاً؛ لأنّه معذور.

و لا فرق عندنا بين أن يسكر قاصداً أو غيره، خلافاً للشافعي(4).

مسألة 847: لا بدّ من القصد في الإقرار،

فلا عبرة بإقرار الغافل و الساهي و النائم؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يبلغ، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي ينتبه»(5).

و كذا المغمي عليه لا ينفذ إقراره؛ لزوال رشده و تحصيله، و كذا المبرسم، و لا نعلم فيه خلافاً؛ لدخول المبرسم و المغمي عليه في معني المجنون و النائم. و لأنّه قولٌ من غائب العقل، فلا يثبت له حكم، كالبيع و الطلاق.

مسألة 848: يشترط في المُقرّ الاختيار،

فلا يقع إقرار المُكره علي الإقرار، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لقول النبيّ صلي الله عليه و آله:

ص: 256


1- الأُمّ 235:3، بحر المذهب 223:8، البيان 392:13.
2- مختصر المزني: 202، الحاوي الكبير 419:10، بحر المذهب 223:8، العزيز شرح الوجيز 564:8.
3- الأُمّ 235:3، بحر المذهب 221:8، البيان 392:13، المغني 272:5-273، الشرح الكبير 273:5.
4- راجع: الحاوي الكبير 419:10، و التهذيب - للبغوي - 72:6، و العزيز شرح الوجيز 564:8، و روضة الطالبين 59:6.
5- تقدّم تخريجه في ص 252، الهامش (2).
6- الحاوي الكبير 5:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، بحر المذهب 222:8 و 223، البيان 391:13، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4، منهاج الطالبين: 139، المغني 272:5-273، الشرح الكبير 273:5.

«رُفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان و ما استُكرهوا عليه»(1).

و لأنّه قول أُكره عليه بغير حقٍّ، فلم يصح، كالبيع.

و لو أقرّ بغير ما أُكره عليه - مثل أن يُكره علي الإقرار لرجلٍ فيقرّ لغيره، أو يُكره علي أنّه يُقرّ بنوعٍ من المال فيُقرّ بغيره، أو يُكره علي الإقرار بطلاق امرأةٍ فيُقرّ بطلاق أُخري، أو يُكره علي الإقرار بعتق عبدٍ فيُقرّ بعتق غيره - صحّ؛ لأنّه أقرّ بما لم يُكره عليه، فصحّ، كما لو أقرّ به ابتداءً.

و لو أُكره علي الإقرار بمائةٍ فأقرّ بمائتين، فالأقرب: نفوذه. و لو أُكره علي الإقرار بمائةٍ فأقرّ بخمسين، لم يُنفذ.

و لو أُكره علي أداء مالٍ، فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك، صحّ بيعه؛ لأنّه لم يُكره علي البيع.

و لو ادّعي المُقرّ الإكراهَ علي الإقرار، لم يُقبل قوله، إلّا بالبيّنة، سواء أقرّ عند سلطانٍ أو عند غيره؛ لأصالة عدم الإكراه، إلّا أن يكون هناك دلالة علي الإكراه، كالقيد و الحبس و التوكيل به، فيكون القولُ قولَه مع يمينه؛ لدلالة هذه الحال علي الإكراه، علي إشكالٍ.

و لو ادّعي أنّه كان زائلَ العقل حالة إقراره، لم يُقبل قوله إلّا بالبيّنة؛ لأصالة السلامة حتي يُعلم غيرها.

و لو لم يُعلم له حالة جنونٍ البتّة، لم يلتفت إليه. و لو عُلم، فالقول قوله مع اليمين.

و لو شهد الشهود بإقراره، لم تفتقر صحّة الشهادة إلي أن يقولوا: أقرّر.

ص: 257


1- كنز العمّال 10307/233:4 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

طوعاً في صحّة عقله و بدنه؛ لأنّ الظاهر سلامة الحال و صحّة الشهادة.

مسألة 849: لا يُقبل إقرار المحجور عليه للسفه بالمال،

و يصحّ في الحدّ و القصاص؛ لانتفاء التهمة فيه.

و إذا فُكّ الحجر عنه، لم يلزمه المال الذي أقرّ به في الحجر؛ لأنّ عدم قبول إقراره صيانة لماله لموضع التهمة فيه، فلو ألزمناه بعد فكّ الحجر بطل معني الحجر.

و لو أقرّ بالسرقة، لزمه القطع، دون المال.

و للشافعي في المال قولان: اللزوم؛ لئلّا يتبعّض إقراره. و العدم؛ لعدم قبول قوله في المال(1).

و التبعيض غير ضائرٍ، كما لو شهد رجل و امرأتان، ثبت المال، دون القطع.

و أمّا في الباطن: فإن كان الذي أقرّ به حقّاً تعلّق به حال الحجر برضا صاحبه كالقرض، لم يلزمه أيضاً؛ لأنّ الحجر مَنَع من معاملته، فصار كالصبي. و إن لزمه بغير اختيار صاحبه كالإتلاف، لزمه أداء ذلك المال في الباطن، و لهذا لو قامت البيّنة عليه حال الحجر، لزمه.

و يُقبل إقرار المحجور بالفلس في النكاح، دون السفيه المحجور؛ اعتباراً للإقرار بالإنشاء.

و قال الجويني: إقرار السفيهة بأنّها منكوحة فلانٍ كإقرار الرشيدة؛ إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة.

ص: 258


1- الحاوي الكبير 43:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، بحر المذهب 222:8، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 140:4، الوجيز 195:1، الوسيط 319:3، البيان 219:6، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

قال: و فيه احتمال من جهة ضعف قولها و خبل عقلها؛ لأنّها غير تامّة الرشد و لا كاملة العقل، فأشبهت المجنون(1).

أمّا المحجور عليه للفلس: فالأقرب نفوذ إقراره في حقّه خاصّةً، و قد سبق البحث فيه.

و يُقبل إقرار المفلس قبل الحجر عليه، سواء أقرّ بعينٍ أو دَيْنٍ.

مسألة 850: يشترط في صحّة الإقرار الحُرّيّة،

فلا يُقبل إقرار العبد بالعقوبة و لا بالمال، عند علمائنا أجمع، سواء كانت العقوبة توجب القتل أو لا - و وافقنا أحمد و المزني علي أنّه لا يُقبل إقراره بعقوبةٍ توجب القتل، دون غيرها من العقوبات(2) - لأنّه لا يملك نفسه و لا التصرّف في نفسه، و هو مال غيره، فإقراره علي نفسه إقرار علي مولاه، و هو غيره، و إقرار الشخص علي غيره غير مسموعٍ.

و قال الشافعي: يُقبل إقراره فيما يوجب الحدّ و القصاص في النفس و الطرف؛ لأنّ عليّاً عليه السلام قطع عبداً بإقراره. و لأنّه لو قامت به البيّنة قُبِل، فالإقرار أولي(3).

و نمنع استناد القطع إلي الإقرار، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولي. و الفرق بين الإقرار و البيّنة ظاهر.

و لو صدّقه المولي علي العقوبة، نفذ الحكم فيه، كالبيّنة.

ص: 259


1- العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 5:4.
2- المغني 273:5-274، الشرح الكبير 279:5-280، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوجيز 195:1، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 5:4-6.

و لو أقرّ المولي عليه و لم يُقر هو، لم يُسمع؛ لأنّه غيره و إقرار الشخص علي غيره غير مسموعٍ. و لأنّ المولي لا يملك من العبد إلّا المال.

و قال بعض العامّة: يصحّ إقرار المولي عليه بما يوجب القصاص، و يجب المال دون القصاص؛ لأنّ المال تعلّق برقبته، و هي مال السيّد، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ(1).

و لو أقرّ بما يوجب القتل، لم يُقبل عندنا.

و قال أحمد: لا يُقبل أيضاً، و يُتبع به بعد العتق - و به قال زفر و المزني و داوُد [و] ابن جرير الطبري - لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. و لأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه و يستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي: يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً؛ لأنّه أحد نوعي القصاص، فصحّ إقراره به، كما دون النفس(3).

و ينبغي علي هذا القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية علي مالٍ إلّا باختيار سيّده؛ لئلّا يلزم إيجاب المال علي سيّده بإقرار غيره.

و هذا كلّه عندنا باطل، و لا شيء ممّا يوجب القصاص في النفس أو5.

ص: 260


1- المغني 273:5، الشرح الكبير 279:5-280.
2- المغني 273:5-274، الشرح الكبير 280:5، الحاوي الكبير 41:7، الوسيط 318:3، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 149:2، المبسوط - للسرخسي - 148:18، الهداية - للمرغيناني - 180:3، الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5.

الطرف أو الحدّ أو المال بثابتٍ علي العبد بإقراره علي نفسه و لا بإقرار مولاه عليه.

و لا يُقبل إقرار العبد بجناية الخطأ و لا شبيه العمد و لا بجناية عمدٍ موجَبها المال، كالجائفة و الهاشمة و المأمومة؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في رقبته، و ذلك يتعلّق بالمولي، و يُقبل إقرار المولي عليه؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في ماله.

و لو أقرّ بسرقةٍ توجب المال، لم يُقبل إقراره، و يُقبل إقرار المولي عليه.

و إن أوجبت القطع في المال فأقرّ بها العبد، لم يُقبل منه.

و عند العامّة يُقبل في القطع، و لم يجب المال، سواء كان ما أقرّ بسرقته باقياً أو تالفاً، في يد العبد أو في يد السيّد، و يُتبع بذلك بعد العتق(1).

و للشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان(2).

و يحتمل أن لا يجب القطع عند العامّة؛ لأنّه شبهة، فيُدرأ بها القطع، لكونه حدّاً يدرأ بالشبهات - و به قال أبو حنيفة - و ذلك لأنّ العين التي يُقرّ بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها، فلا يثبت حكم القطع بها(3).

مسألة 851: لو أقرّ العبد برقّيّته لغير مَنْ هو في يده، لم يُقبل إقراره بالرقّ؛

لأنّ إقراره بالرقّ إقرار بالملك، و العبد لا يُقبل إقراره في المال بحال. و لأنّا لو قَبِلنا إقراره لضرّرنا بسيّده؛ لأنّه إذا شاء أقرّ بنفسه لغير سيّده

ص: 261


1- المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.
2- الحاوي الكبير 43:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، الوسيط 219:3، الوجيز 195:1، حلية العلماء 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.
3- المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.

فأبطل ملك سيّده.

و لو أقرّ به السيّد لرجلٍ و أقرّ هو بنفسه لآخَر، فهو للّذي أقرّ له السيّد؛ لأنّه في يد السيّد، لا في يد نفسه. و لأنّ السيّد لو أقرّ به منفرداً قُبِل، و لو أقرّ العبد منفرداً لم يُقبل، فإذا لم يُقبل إقرار العبد منفرداً فكيف يُقبل في معارضة السيّد!؟ و لو قُبِل إقرار العبد لما قُبِل إقرار السيّد، كالحدّ و جناية العمد عندهم(1).

مسألة 852: المكاتَب المشروط كالقِنّ عندنا لا يُقبل إقراره؛

لأنّه إقرار في حقّ الغير.

و عند العامّة إنّ حكمه حكم الحُرّ في صحّة إقراره(2). و لا بأس به.

و لو أقرّ بجناية خطأ أو عمد توجب المال، فكالإقرار بالمال يُتبع به بعد العتق.

و عند العامّة يُقبل إقراره(3).

فإن عجز عن الكتابة، بِيع في الجناية إن لم يفده سيّده.

و قال أبو حنيفة: يستسعي في الكتابة، فإن عجز بطل إقراره بها، سواء قضي بها أو لم يقض(4).

و عن الشافعي(5) كقولنا.

و عنه قولٌ آخَر: إنّه مراعي إن أدّي لزمه، و إن عجز بطل(6).

و أمّا المطلق: فإذا تحرّر بعضه، كان حكمُ نصيب الحُرّيّة حكمَ الأحرار، و حكمُ نصيب الرقّيّة حكمَ العبيد.

ص: 262


1- المغني 275:5، الشرح الكبير 281:5. (2 و 3) المغني 275:5. (4-6) مختصر اختلاف العلماء 1916/216:4، المغني 275:5.
مسألة 853: قد بيّنّا أنّ العبد إذا أقرّ بالسرقة أو غيرها، لم يلتفت إليه،

خلافاً للعامّة(1).

فإن صدّقه المولي، نفذ إقراره.

ثمّ المال إن كان باقياً، يُسلَّم إلي المالك، سواء كان في يد العبد أو في يد المولي. و لو كان تالفاً، تُبع به بعد العتق.

و لو لم يصدّقه المولي، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: إنّه يُقبل إقراره، و يتعلّق الضمان برقبته مع تلف العين؛ لأنّ إقراره لمّا تضمّن عقوبةً، انقطعت التهمة عنه.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يُقبل، كما لو أقرّ بمال، و يتعلّق الضمان بذمّته، إلّا أن يصدّقه السيّد(2).

و إن كان المُقرّ به باقياً، فإن كان في يد السيّد، لم ينتزع من يده إلّا بتصديقه، كما لو قال حُرٌّ: سرقتُه و دفعتُه إليه. و إن كان في يد العبد، لم ينتزع منه، و لم يُقبل قوله بسرقته.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما عن ابن سريج: إنّ في انتزاعه قولين، إن قلنا: لا ينتزع، ثبت بدله في ذمّته، و به قال أبو حنيفة و مالك. و أبو حنيفة لا يوجب القطع أيضاً و الحال هذه.

و من الشافعيّة مَنْ قَطَع بنفي القبول في المال، كما لو كان في يد السيّد؛ لأنّ يده يد السيّد، بخلاف ما لو كان تالفاً؛ لأنّ غاية ما في الباب فوات رقبته علي السيّد؛ إذ يتبع في الضمان، و الأعيان التي تفوت عليه لو

ص: 263


1- المغني 273:5، الشرح الكبير 281:5.
2- العزيز شرح الوجيز 277:5-278، روضة الطالبين 6:4.

قَبِلنا إقراره فيها لا تنضبط، فيعظم ضرر السيّد.

و منهم مَنْ عَكَس و قال: إن كان المال باقياً في يد العبد، قُبِل إقراره؛ بناءً علي ظاهر اليد. و إن كان تالفاً، لم يُقبل؛ لأنّ الضمان حينئذٍ يتعلّق بالرقبة، و هي محكوم بها للسيّد(1).

فتلخّص من أقوال الشافعيّة أربعة أقوال:

أ: يُقبل مطلقاً.

ب: لا يُقبل مطلقاً.

ج: يُقبل إذا كان المال باقياً.

د: يُقبل إذا كان المال تالفاً.

و لو أقرّ ثمّ رجع عن الإقرار بسرقةٍ، لم يجب القطع.

مسألة 854: لو أقرّ العبد بما يوجب القصاص علي نفسه، لم يُقبل.

و عند العامّة يُقبل(2).

فلو أقرّ فعفا المستحقّ علي مالٍ أو عفا مطلقاً و قلنا: إنّه يوجب المال، فوجهان:

أصحّهما عند الشافعيّة: إنّه يتعلّق برقبته و إن كذّبه السيّد؛ لأنّه إنّما أقرّ بالعقوبة، و المال توجّه بالعفو، و لا يُنظر إلي احتمال أنّه واطأ المستحقّ علي أن يقرّ و يعفو المستحقّ لتفوت الرقبة علي السيّد؛ لضعف هذه التهمة، إذ المستحقّ ربما يموت أو لا يفي، فيكون المُقرّ مخاطراً بنفسه.

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5، الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوجيز 195:1، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

و الثاني: إنّه كذلك إن قلنا: إنّ موجَب العمد القصاصُ، أمّا إذا قلنا:

موجَبه أحدُ الأمرين، ففي ثبوت المال عندهم قولان؛ بناءً علي الخلاف في ثبوت المال إذا أقرّ بالسرقة الموجبة للقطع(1).

مسألة 855: إذا أقرّ العبد بدَيْن خيانةٍ من جهة غصبٍ أو سرقةٍ لا توجب القطع

أو إتلافٍ و صدّقه السيّد، تعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق؛ لأنّ ما يفعله العبد لا يلزم السيّد منه شيء.

و قال الشافعي: يتعلّق برقبته، كما لو قامت عليه بيّنة، فيباع فيه، إلّا أن يختار السيّد الفداء(2).

و إذا بِيع فيه و بقي شيء من الدَّيْن، فهل يُتبع به بعد العتق ؟ قولان للشافعيّة(1).

و إن كذّبه السيّد، لم يتعلّق برقبته عندنا و عنده(4) ، بل يتعلّق بذمّته، و يُتبع به بعد العتق.

و لا يُخرَّج عندهم علي الخلاف فيما إذا بِيع في الدَّيْن و بقي شيء؛ لأنّه إذا ثبت التعلّق بالرقبة فكأنّ الحقّ انحصر فيها و تعيّنت محلّاً للأداء(5).

و قال بعضهم: إنّ القياسيّين خرّجوه علي ذلك الخلاف، و قالوا:

الفاضل عن قدر القيمة غير متعلّقٍ بالرقبة، كما أنّ أصل الحقّ غير متعلّقٍ بها هنا(6).

مسألة 856: لو أقرّ العبد بدَيْن معاملةٍ، نُظر إن لم يكن مأذوناً له في التجارة، لم يُقبل إقراره علي السيّد،

و يتعلّق المُقرّ به بذمّته يُتبع به إذا

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 278:5-279، روضة الطالبين 6:4. (4-6) العزيز شرح الوجيز 279:5، روضة الطالبين 7:4.

أُعتق، سواء صدّقه السيّد أو كذّبه.

و إن كان مأذوناً له في التجارة، ففي قبوله إشكال.

و قال الشافعي: يُقبل و يؤدّي من كسبه و ما في يده، إلّا إذا كان ممّا لا يتعلّق بالتجارة، كالقرض(1).

و لو أطلق المأذون الإقرارَ بالدَّيْن و لم يبيّن جهته، احتُمل عندهم أن يُنزَّل علي دَيْن المعاملة(2).

و الأظهر: إنّه يُنزَّل علي دَيْن الإتلاف.

و لا فرق في دَيْن الإتلاف بين المأذون و غيره.

و لو حجر عليه مولاه فأقرّ بعد الحجر بدَيْن معاملةٍ أسنده إلي حال الإذن، فللشافعيّة وجهان مبنيّان علي القولين فيما لو أقرّ المفلس بدَيْنٍ لزمه قبل الحجر، هل يُقبل في مزاحمة الغرماء؟

و الأظهر عندهم هنا: المنع؛ لعجزه عن الإنشاء في الحال، و يمكن التهمة(3).

قال الجويني: وجوب القطع علي العبد في مسألة الإقرار بالسرقة إذا لم نقبله في المال مُخرَّج علي الخلاف فيما إذا أقرّ الحُرّ بسرقة مال زيدٍ، هل يُقطع قبل مراجعة زيد؟ لارتباط كلّ واحدٍ منهما بالآخَر(1).

مسألة 857: مَنْ نصفه حُرٌّ و نصفه رقيقٌ إذا أقرّ بدَيْن جنايةٍ، لم يُقبل في حقّ السيّد،

إلّا أن يصدّقه، و يُقبل في نصفه، و عليه قضاؤه ممّا في يده.

و إن أقرّ بدَيْن معاملةٍ، قضي نصفه - نصيب الحُرّيّة - ممّا في يده،

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 279:5.

و تعلّق نصيب الرقّيّة بذمّته.

و قال الشافعيّة: إن صحّحنا تصرّفه، قَبِلنا إقراره عليه، و قضيناه ممّا في يده. و إذا لم نصحّحه، فإقراره كإقرار العبد(1).

و إقرار السيّد علي عبده بما يوجب عقوبةً مردود، و بدَيْن الجناية مقبول، إلّا أنّه إذا بِيع فيه و بقي شيء، لم يُتبع به بعد العتق، إلّا أن يصدّقه.

و أمّا إقراره بدَيْن المعاملة فلا يُقبل علي العبد؛ لأنّه لا ينفذ إقرار رجلٍ علي آخَر.

مسألة 858: المريض مرضَ الموت يُقبل إقراره بالنكاح و بموجبات العقوبات.

و لو أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ لأجنبيٍّ، فالأقوي عندي من أقوال علمائنا: إنّه ينفذ من الأصل إن لم يكن متّهماً في إقراره. و إن كان متّهماً، نفذ من الثلث؛ لأنّه مع انتفاء التهمة يريد إبراء ذمّته، فلا يمكن التوصّل إليه إلّا بالإقرار عن ثبوته في ذمّته، فلو لم يُقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً، و بقي المُقرّ له ممنوعاً عن حقّه، و كلاهما مفسدة، فاقتضت الحكمة قبول قوله.

أمّا مع التهمة فإنّ الظاهر أنّه لم يقصد الإخبار بالحقّ، بل قَصَد منعَ الوارث عن جميع حقّه أو بعضه و التبرّعَ به للغير، فأُجري مجري الوصيّة.

و يؤيّده ما رواه العلاء بيّاع السابري عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن امرأة استودعت رجلاً مالاً فلمّا حضرها الموت قالت له: إنّ المال الذي دفعتُه إليك لفلانة، و ماتت المرأة، فأتي أولياؤها الرجل و قالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلّا عندك، فاحلف لنا ما قِبَلك شيء، أ فيحلف لهم ؟

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 279:5، روضة الطالبين 7:4.

فقال: «إن كانت مأمونةً عنده فليحلف، و إن كانت متّهمةً فلا يحلف، و يضع الأمر علي ما كان، فإنّما لها من مالها ثلثه»(1).

و قال الشافعي: يصحّ إقراره للأجنبيّ(2) ، و أطلق، و هو إحدي الروايات عن أحمد(3).

و عنه رواية أُخري: إنّه لا يُقبل؛ لأنّه إقرار في مرض الموت، فأشبه الإقرار لوارثٍ(4).

و عنه ثالثة: إنّه يُقبل في الثلث، و لا يُقبل في الزائد؛ لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك للأجنبيّ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث عندهم، فلم يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته، بخلاف الثلث فما دون(3).

و الحقّ ما قلناه من أنّه إذا لم يكن متّهماً، صحّ إقراره، كالصحيح، بل هنا أولي؛ لأنّ حال المريض أقرب إلي الاحتياط لنفسه و إبراء ذمّته و تحرّي الصدق، فكان أولي بالقبول، أمّا الإقرار للوارث فإنّه متّهم فيه.

مسألة 859: لو أقرّ لأجنبيٍّ في مرضه و عليه دَيْنٌ ثابت بالبيّنة أو بالإقرار في الصحّة و هناك سعة في المال لهما، نفذ إقراره من الأصل

مع نفي التهمة، و مطلقاً عند العامّة(4).

و لو ضاق المال عنهما، فهو بينهما بالحصص - و به قال مالك

ص: 268


1- الكافي 3/42:7، الفقيه 595/170:4، التهذيب 661/160:9، الاستبصار 431/112:4 بتفاوت يسير.
2- المهذّب - للشيرازي - 345:2، العزيز شرح الوجيز 280:5، روضة الطالبين 8:4. (3 و 4) المغني 342:5، الشرح الكبير 274:5.
3- المغني 342:5-343، الشرح الكبير 274:5.
4- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5.

و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور(1). قال أبو عبيد: إنّه قول [أكثر] أهل المدينة(2) - لأنّهما حقّان تساويا في وجوب القضاء من أصل المال لم يختص أحدهما برهنٍ فاستويا، كما لو ثبتا ببيّنةٍ.

و قال النخعي: إنّه يُقدَّم الدَّيْن الثابت بالبيّنة - و به قال الثوري و أصحاب الرأي، و عن أحمد روايتان كالمذهبين - لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته، فوجب أن لا يشارك المُقرّ له مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ، كغريم المفلس الذي أقرّ له بعد الحجر عليه(3).

و إنّما قلنا: إنّه تعلّق الحقّ بتركته؛ لأنّ الشارع مَنَعه من التصرّف في أكثر من الثلث، و لهذا لم تُنفذ هباته و تبرّعاته من الأصل، فلم يشارك مَنْ أقرّ له قبل الحجر و مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ الذي أقرّ له المريض في مرضه.

و لو أقرّ لهما جميعاً في المرض، فإنّهما يتساويان، و لا يُقدَّم السابق منهما.

مسألة 860: لو أقرّ المريض لوارثه بمالٍ،

فالأقوي عندي اعتبار

ص: 269


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 617:2-1050/618، عيون المجالس 1194/1696:4، الذخيرة 260:9، الحاوي الكبير 28:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، حلية العلماء 329:8، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، الهداية - للمرغيناني - 189:3، مختصر اختلاف العلماء 1905/210:4، المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5.
2- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5، تحفة الفقهاء 202:3، الهداية - للمرغيناني - 189:3، الاختيار لتعليل المختار 218:2، المبسوط - للسرخسي - 26:18، الحاوي الكبير 28:7، حلية العلماء 329:8، الذخيرة 260:9، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1050/618:2، عيون المجالس 1194/1696:4.

العدالة.

فإن كان عَدْلاً غير متّهمٍ في إقراره، نفذ من الأصل، كالأجنبيّ.

و إن لم يكن مأموناً و كان متّهماً في إقراره، نفذ من الثلث؛ لما تقدّم في الأجنبيّ.

و لما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام أنّه سأله عن رجل أوصي لبعض ورثته أنّ له عليه دَيْناً، فقال: «إن كان الميّت مريضاً فأعطه الذي أوصاه(1) له»(2).

و قال بعض علمائنا: إنّ إقرار المريض من الثلث مطلقاً(3).

و بعضهم قال: إنّه من الثلث في حقّ الوارث مطلقاً؛ لأنّ الوراثة موجبة للتهمة(4).

و لما رواه هشام [بن سالم عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام](5) عن رجل أقرّ لوارثٍ له - و هو مريض - بدَيْنٍ عليه، قال:

«يجوز إذا كان الذي أقرّ به دون الثلث»(6).

و قال بعضهم: إنّ إقرار المريض مطلقاً من الأصل(7). و لم يعتبر التهمة.3.

ص: 270


1- في المصادر: «أوصي» بدل «أوصاه».
2- الكافي 41:7-1/42، الفقيه 594/170:4، التهذيب 656/159:9، الاستبصار 426/111:4.
3- المختصر النافع: 168.
4- المقنع: 165.
5- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
6- الكافي 4/42:7، الفقيه 592/170:4، التهذيب 659/160:9، الاستبصار 429/112:4.
7- السرائر 506:2، و 217:3.

قال ابن المنذر من العامّة: أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم علي أنّ إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز(1).

و للشافعيّة في الإقرار للوارث طريقان:

أحدهما: إنّه علي قولين:

أحدهما: إنّه لا يُقبل - و به قال شريح و أبو هاشم و ابن أُذينة و النخعي و الثوري و يحيي الأنصاري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد بن حنبل - لأنّه موضع التهمة بقصد حرمان بعض الورثة، فأشبه الوصيّة للوارث. و لأنّه إيصال لماله إلي وارثه بقوله في مرض موته، فلم يصح بغير رضا بقيّة ورثته، كهبته. و لأنّه محجور عليه في حقّه، فلم يصح إقراره له، كالصبي.

و أصحّهما: القبول - كما ذهبنا إليه، و به قال الحسن البصري و عمر ابن عبد العزيز، و من الفقهاء أبو ثور و أبو عبيد - كما لو أقرّ لأجنبيٍّ، و كما لو أقرّ في حال الصحّة، و الظاهر أنّه لا يُقرّ إلّا عن حقيقةٍ، و لا يقصد حرماناً، فإنّه انتهي إلي حالةٍ يصدق فيها الكاذب و يتوب الفاجر.

الطريق الثاني: القطع بالقبول، و حَمْلُ قول الشافعي: «فمَنْ أجاز الإقرار لوارثٍ أجازه، و مَنْ أبي ردّه» [علي](2) حكاية مذهب الغير(3).5.

ص: 271


1- الإجماع - لابن المنذر -: 344/38، المغني 342:5، الشرح الكبير 274:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- الحاوي الكبير 30:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، بحر المذهب 249:8، الوجيز 195:1، الوسيط 320:3، حلية العلماء 330:8، التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 393:13-394، العزيز شرح الوجيز 280:5-281، روضة الطالبين 8:4، المبسوط - للسرخسي - 31:18، تحفة الفقهاء 202:3، الاختيار لتعليل المختار 219:2، الهداية - للمرغيناني - 190:3، مختصر اختلاف العلماء 1906/210:4، المغني 344:5، الشرح الكبير 275:5-276، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1051/618:2، عيون المجالس 1697:4 و 1194/1698 و 1195.

و قال مالك: إن كان المُقرّ متّهماً، بطل الإقرار. و إن لم يكن متّهماً، صحّ و نفذ، و يجتهد الحاكم فيه(1).

مسألة 861: الأصل في إخبار المسلم الصدقُ، فلا يُحمل علي غيره إلّا لموجبٍ.

فإذا أقرّ المريض لوارثٍ أو لغيره و اعتبرنا التهمة، كان الأصل عدمها؛ لأصالة ثقة المسلم و عدالته.

فإن ادّعاها(2) الوارث و قال المُقرّ له: إنّه غير متّهم، فالقول قول المُقرّ له مع اليمين؛ لالتزامه بالظاهر، فلا يُقبل قول الوارث إلّا بالبيّنة.

و إن اعتبرنا التهمة في الوارث خاصّةً و جعلنا الوراثة موجبةً للتهمة و أمضينا إقراره من الثلث كالوصيّة، فالاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار؟ الأقوي: الثاني - و به قال مالك و الشافعي في القديم، و هو قول عثمان البتّي(3) - لأنّ التهمة حينئذٍ تعرض.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد: إنّ الاعتبار بحال الموت، كما في الوصيّة، و هذا لأنّ المانع من القبول كونه وارثاً، و الوراثة تتعلّق بحالة

ص: 272


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1051/618:2، عيون المجالس 1696:4-1194/1698 و 1195، بحر المذهب 249:8، حلية العلماء 331:8، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، مختصر اختلاف العلماء 1905/210:4، المغني 344:5، الشرح الكبير 276:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «ادّعاها»: «ادّعاه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- الوسيط 320:3، التهذيب - للبغوي - 262:4، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، المغني 345:5، الشرح الكبير 278:5، الخلاف - للشيخ الطوسي - 369:3، المسألة 14 من كتاب الإقرار.

الموت(1).

و ليس بمعتمدٍ.

فعلي ما اخترناه لو أقرّ لزوجته ثمّ طلّقها أو لأخيه ثمّ ولد له ولد، صحّ الإقرار.

و لو أقرّ لأجنبيّةٍ ثمّ نكحها أو لأخيه و له ابن فمات، لم يصح من الأصل، و علي الآخَر بالعكس فيهما.

و لو أقرّ في المرض أنّه كان قد وهب من وارثه و أقبض في الصحّة، فالأقوي أنّه لا ينفذ من الأصل.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بالمنع؛ لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال.

و الثاني: إنّه علي القولين في الإقرار للوارث [و] رجّح بعضهم القبولَ؛ لأنّه قد يكون صادقاً فيه، فليكن له طريق إلي إيصال الحقّ إلي المستحقّ(2).

و لو أقرّ لمتّهمٍ و غير متّهمٍ، نفذ في حقّ غير المتّهم من الأصل، و في المتّهم من الثلث.

و عند الشافعيّة لو أقرّ لوارثه و أجنبيٍّ معاً، هل يصحّ في حصّة الأجنبيّ إذا لم يُقبل للوارث ؟ قولان، و الظاهر عندهم: الصحّة(3).

مسألة 862: لو أقرّ في صحّته أو مرضه بدَيْنٍ ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه

ص: 273


1- الحاوي الكبير 31:7، بحر المذهب 250:8، الوسيط 320:3، التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 394:13، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، المغني 345:5، الشرح الكبير 278:5.
2- الوسيط 321:3، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4.
3- العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4.

بدَيْنٍ لآخَر و قصرت التركة عنهما، احتُمل تساويهما و أنّهما يتضاربان في التركة، كما لو ثبت الدَّيْنان بالبيّنة، و كما لو أقرّ بهما في حياته، فإنّ الوارث خليفته، فإقراره كإقراره.

و يحتمل أنّه يقدَّم ما أقرّ به المورّث؛ لأنّه تعلّق بالتركة، فليس للوارث صَرف التركة عنه. و في الثاني قوّة.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين.

و الوجهان جاريان فيما لو أقرّ الوارث بدَيْنٍ عليه ثمّ أقرّ لآخَر بدَيْنٍ عليه(2).

و هُما مبنيّان علي أنّ المحجور عليه بالفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ أسنده إلي ما قبل الحجر هل يُقبل إقراره في زحمة الغرماء؟ للشافعي فيه قولان، فالتركة كمال المحجور عليه من حيث إنّ الورثة ممنوعون عن التصرّف فيها(3).

و لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته بالبيّنة ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْنٍ، جري الخلاف أيضاً، كما تقدّم.

مسألة 863: لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئرٍ كان قد احتفرها في محلّ عدوان،

زاحم صاحبُ البهيمة ربَّ الدَّيْن القديم؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

و للشافعي قولان تقدّما فيما إذا جني المفلس بعد الحجر عليه(4).

و لو مات و خلّف ألف درهم فجاء مُدّعٍ و ادّعي أنّه أوصي بثلث ماله، فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر و ادّعي عليه ألف درهم دَيْناً، فصدّقه الوارث،

ص: 274


1- الوسيط 321:3-322، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 8:4.
2- الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 8:4-9.
3- العزيز شرح الوجيز 282:5.
4- الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 9:4، و راجع ج 14 - من هذا الكتاب - ص 29-30، المسألة 276.

احتُمل صَرفُ الثلث إلي الوصيّة؛ لتقدّمها، و تقدُّمُ الدَّيْن، لأنّه في وضع الشرع مقدَّم علي الوصيّة.

و للشافعيّة قولان مخرَّجان علي قولهم: إنّ إقرار الوارث و الموروث سواء(1).

و لو صدّق الوارث مدّعي الدَّيْن أوّلاً، فالأقوي صَرف المال إليه.

و لو صدّق المدّعيَيْن دفعةً، قسّم الألف بينهما أرباعاً؛ لأنّا نحتاج إلي ألف للدَّيْن و إلي ثلث ألف للوصيّة، فيزاحم علي الألف الألف و ثلث الألف، فيخصّ الوصيّة ثلث عائل، فيكون ربعاً، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: تبطل الوصيّة، و يُقدّم الدَّيْن كما لو ثبتا بالبيّنة(3).

و هو الأقوي، سواء قدّمنا عند الترتيب الأوّلَ منهما أو سوّينا بينهما.

مسألة 864: لو أقرّ المريض بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْنٍ لآخَر مستغرق أو غير مستغرقٍ، سُلّمت العين للمُقرّ له،

و لا شيء للثاني؛ لأنّ المُقرّ مات و لا شيء له.

و لو أقرّ بالدَّيْن أوّلاً ثمّ أقرّ بعين ماله، احتُمل مساواة هذه للأُولي - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّ الإقرار بالدَّيْن لا يتضمّن حَجْراً في العين، و لهذا تنفذ تصرّفاته فيه.

و يحتمل تزاحمهما - و هو الثاني للشافعيّة، و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ لأحد الإقرارين قوّةَ السبق، و للآخَر قوّة الإضافة إلي العين، فاستويا.

ص: 275


1- العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4. (2 و 3) الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4. (4 و 5) الوجيز 195:1، الوسيط 321:3، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4.
البحث الثالث: في المُقرّ له.
اشارة

و له شروط ثلاثة: أهليّته للاستحقاق، و أن لا يكذّب المُقرّ له، و التعيين، فهنا مطلبان:

المطلب الأوّل: أهليّة المُقرّ له للاستحقاق للحقّ المُقرّ به،
اشارة

و إلّا كان الكلام لغواً لا عبرة به، فلو قال: لهذا الحمار أو الحائط أو لدابّة فلان علَيَّ ألف، بطل إقراره.

و لو قال: لفلان علَيَّ بسببها ألف، صحّ، و حُمل علي أنّه جني عليها أو استعملها أو اكتراها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الغالب لزوم المال بالمعاملة، و لا تتصوّر المعاملة معها(1).

و لو قال: لعبد فلان علَيَّ أو عندي ألف، صحّ، و كان الإقرار لسيّده، بخلاف الدابّة؛ لأنّ المعاملة معها لا تُتصوّر، و تُتصوّر مع العبد، و الإضافة إليه كالإضافة في الهبة و سائر الإنشاءات.

و لو قال: علَيَّ ألف بسبب الدابّة، و لم يقل: لمالكها، فالأقرب: إنّه لا يلزمه لمالكها شيء؛ لجواز أن يلزمه بسببها ما ليس لمالكها بأن ينفرها علي راكبٍ أجنبيّ فيسقط، أو يركبها و يجني بيديها علي أجنبيٍّ.

نعم، إنّه يُسأل و يُحكم بموجب بيانه، فإن امتنع من البيان و ادّعي المالك قصده، حلف له، و إلّا فلا.

مسألة 865: الحمل يصحّ أن يملك، و لهذا يُعزل له في الميراث

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 284:5، روضة الطالبين 11:4.

نصيبٌ، و تصحّ الوصيّة به و له.

فإذا قال: لحمل فلانة علَيَّ ألف، أو عندي له ألف، فأقسام أحواله ثلاثة:

فإن أسنده إلي جهةٍ صحيحة بأن يقول: ورثه من أبيه، أو أوصي به فلان له، صحّ(1) إقراره.

ثمّ إن انفصل الحمل ميّتاً، فلا حقّ له، و يكون لورثة مَنْ قال: إنّه ورثه منه، أو للموصي، أو لورثته إن أسنده إلي الوصيّة.

و إن انفصل حيّاً لدون ستّة أشهر من يوم الإقرار، استحقّ؛ لأنّا تبيّنّا وجوده يومئذٍ.

و إن انفصل لأكثر من مدّة الحمل - و هي سنة علي روايةٍ(2) ، و عشرة علي أُخري(3) ، و تسعة علي ثالثةٍ(4) عندنا، و عند الشافعي أربع سنين(5) - فلا شيء له؛ لتيقّن عدمه حينئذٍ.

و إن انفصل لستّة أشهر فما زاد إلي السنة أو العشرة الأشهر أو التسعة عندنا أو إلي أربع سنين عند الشافعي، فإن كانت فراشاً فالأقرب: صحّة الإقرار؛ عملاً بأصالة الصحّة.

و يحتمل البطلان؛ لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار، و الأصل عدم الاستحقاق، و عدم المُقرّ له عند الإقرار.

و الثاني قول الشافعيّة(6).4.

ص: 277


1- في النسخ الخطّيّة: «فيصحّ».
2- الكافي 3/101:6، الفقيه 1600/330:3.
3- لم نعثر عليها في المصادر الحديثيّة، و نسبها إلي الرواية أيضاً ابن حمزة في الوسيلة: 318.
4- الكافي 3/52:6، التهذيب 396/115:8، و 166-578/167.
5- الأُم 222:5، الحاوي الكبير 205:11، المهذّب - للشيرازي - 143:2، البيان 376:10، العزيز شرح الوجيز 451:9، روضة الطالبين 354:6.
6- التهذيب - للبغوي - 260:4، العزيز شرح الوجيز 285:5، روضة الطالبين 11:4.

و إن لم تكن مستفرشةً، فللشافعي قولان:

أحدهما: إنّه لا يستحقّ؛ لأنّا لا نتيقّن وجوده عند الإقرار.

و أظهرهما عندهم: الاستحقاق - و هو المعتمد - إذ لا سبب في الظاهر يتجدّد به العلوق، فالظاهر وجوده وقت الإقرار، و لهذا يُحكم بثبوت نسبه ممّن كانت فراشاً له(1).

فإن ولدت المرأة ذكراً، فهو له.

و كذا لو ولدت ذكرين فصاعداً، فلهم بالسويّة.

و إن ولدت أُنثي، فلها.

و إن ولدتهما معاً، فهو بينهما بالسويّة إن [أسنده](2) إلي الوصيّة، و إلّا فهو بينهما أثلاثاً إن أسنده إلي الإرث.

و لو اقتضي جهة الوراثة التسويةَ بأن يكونا ولدي الأُمّ، كان ثلثه بينهما بالسويّة.

و لو أطلق الإرث حكمنا بما يجب به عند سؤالنا إيّاه عن الجهة.

مسألة 866: لو أسند الإقرار إلي جهةٍ فاسدة بأن يسند الاستحقاق إلي القرض منه أو البيع عليه، فالوجه عندي: الصحّة

- و هو أظهر قولَي الشافعيّة(3) - لأنّه عقّبه بما هو غير معقولٍ و لا منتظم، فأشبه ما إذا قال:

لفلان علَيَّ ألف لا تلزمني.

و الثاني للشافعيّة: البطلان(4).

ص: 278


1- التهذيب - للبغوي - 260:4، العزيز شرح الوجيز 285:5، روضة الطالبين 11:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أسند». و الظاهر ما أثبتناه. (3 و 4) بحر المذهب 254:8، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.

و لهم طريقٌ آخَر: إنّ المطلق إن كان فاسداً، فهنا أولي بالبطلان. و إن قلنا: المطلق صحيح، كانت المسألة علي قولين(1).

و لو أطلق الإقرار، فالأقوي عندي الصحّة أيضاً؛ عملاً بمقتضي إقراره، و حملاً للأقارير علي الصحّة و الجهة الممكنة في حقّه و إن كانت نادرةً، و هو أصحّ قولَي الشافعي، و به قال أبو حنيفة و محمّد(2).

و الثاني للشافعي: البطلان - و به قال أبو يوسف - لأنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملةٍ أو جنايةٍ، و لا مساغ للمعاملة معه و لا للجناية عليه(3).

مسألة 867: لو انفصل الحمل ميّتاً و قلنا بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلي المستحيل أو أطلق، لم يكن له حقٌّ؛

لأنّه إن كان عن وصيّةٍ، فقد ظهر بطلانها؛ لأنّه لا تصحّ الوصيّة إلّا بعد أن ينفصل حيّاً. و إن كان ميراثاً، فلا يثبت له إذا انفصل ميّتاً.

و يُسأل المُقرّ عن جهة إقراره من الإرث أو الوصيّة و يُحكم بموجبها.

قال بعض الشافعيّة: ليس لهذا السؤال و البحث طالبٌ معيّن، و كان

ص: 279


1- الحاوي الكبير 34:7، الوسيط 323:3، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.
2- الحاوي الكبير 34:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2-346، بحر المذهب 253:8-254، الوجيز 195:1-196، الوسيط 323:3، حلية العلماء 332:8، التهذيب - للبغوي - 261:4، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4، مختصر اختلاف العلماء 219:4-1922/220، الاختيار لتعليل المختار 210:2، المبسوط - للسرخسي - 197:17، الهداية - للمرغيناني - 183:3، المغني 276:5، الشرح الكبير 292:5.
3- الاختيار لتعليل المختار 210:2، المبسوط - للسرخسي - 197:17، الهداية - للمرغيناني - 183:3، مختصر اختلاف العلماء 1922/219:4، الحاوي الكبير 34:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2-346، بحر المذهب 253:8، الوجيز 195:1، الوسيط 323:3، حلية العلماء 332:8، التهذيب - للبغوي - 260:4، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.

القاضي يسأل [حسبةً](1) ليصل الحقّ إلي مستحقّه، فإن مات قبل البيان، كان كما لو أقرّ لإنسانٍ فردّه(2).

و قال بعضهم: يطالب ورثته ليفسّر(3).

و إن انفصل حيّاً للمدّة التي قدّرنا من قَبْلُ - و هي أقلّ من ستّة أشهر - فالكلّ له، ذكراً كان أو أُنثي.

و إن انفصل لأقصي مدّة الحمل، فإن كان لها زوج يطؤها أو مولي، لم يصح الإقرار؛ لأنّا لا نعلم وجوده حين الوصيّة؛ لجواز أن يحدث بعدها.

و عندي فيه نظر؛ لأنّ الإقرار و غيره يُحمل علي الصحّة ما أمكن.

و إن لم يكن لها زوج و لا مولي، صحّت الوصيّة؛ لأنّا نحكم بوجوده حال الوصيّة، فصحّت له.

و إن ولدت ولداً بعد آخَر، فإن كان بينهما أقلّ من ستّة أشهر، فالمال لهما؛ لأنّهما حملٌ واحد. و إن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً، فهو للحمل الأوّل، دون الثاني.

و إن ولدت ذكراً و أُنثي، فهو لهما بالسويّة؛ لأنّ ظاهر الإقرار يقتضي التسوية، و من المحتمل أن تكون الجهة الوصيّةَ.

و متي انفصل حيّ و ميّت، جُعل الميّتَ كأن لم يكن، و يُنظر في الحيّ علي ما ذكرنا.

مسألة 868: لو أقرّ بحمل جاريةٍ أو حمل دابّةٍ لإنسانٍ، صحّ الإقرار،

و فيه ما تقدّم من التفصيل فيما إذا أقرّ للحمل، و يُنظر كم بين انفصاله و بين

ص: 280


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حبسه». و المثبت - كما في المصدر - هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.
3- العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4-13.

يوم الإقرار من المدّة علي ما سبق، و يرجع في حمل البهيمة إلي أهل الخبرة.

و إن أطلق أو أسند إلي جهةٍ فاسدة، خرج علي ما تقدّم من الخلاف.

و لو أقرّ لرجلٍ بالحمل، و بالأُم لآخَر، صحّ الإقرار.

و للشافعيّة خلاف.

قالوا: إن جوّزنا الإقرار بالحمل، صحّ الأمران، و إلّا فلا(1).

قال بعضهم: هُما جميعاً للأخير؛ بناءً علي أنّ الإقرار بالحامل إقرار بالحمل(2).

مسألة 869: لو أقرّ لمسجدٍ أو مشهدٍ أو مقبرةٍ أو رباطٍ أو مدرسةٍ و نحوها من القناطر و غيرها،

فإن أسنده إلي جهةٍ صحيحة، كغلّة وقف عليه أو نذر لمصالحه، صحّ.

و إن أطلق، فكذلك.

و للشافعيّة وجهان تخريجاً من القولين في مسألة الحمل(1).

و علي قياسه ما إذا أضاف إلي جهةٍ فاسدة(2).

و الأقوي عندي اللزوم، و لا يلتفت إلي الإضافة الفاسدة علي ما تقدّم.

المطلب الثاني: في اشتراط عدم التكذيب.
مسألة 870: يشترط في الإقرار و الحكم بصحّته عدم تكذيب المُقرّ له للمُقرّ و عدم إنكاره لما أقرّ له به.

نعم، لا يشترط قبوله لفظاً علي رسم الإيجاب و القبول في الإنشاءات.

ص: 281


1- المهذّب - للشيرازي - 346:2، بحر المذهب 225:8، الوجيز 196:1، التهذيب - للبغوي - 261:4، البيان 397:13، العزيز شرح الوجيز 287:5، روضة الطالبين 14:4.
2- العزيز شرح الوجيز 287:5، روضة الطالبين 14:4.

فإذا أقرّ لزيدٍ بألفٍ فكذّبه زيد، لم يدفع إليه، و لا شيء عليه في ذمّته.

و لو أقرّ بعينٍ له، فأنكر زيد أنّها له، لم تُدفع العين إلي المُقرّ له.

ثمّ للقاضي الخيار إن شاء انتزعه(1) من يده و سلّمه إلي أمينه ليحفظه لمالكه إذا ظهر سلّمه إليه، و إن شاء أبقاه في يد المُقرّ كما كان؛ لأنّ يده أولي الناس بحفظه.

و بالجملة، فالحاكم هو المتولّي لحفظ ما يضيع، و هذا في حكم مالٍ ضائعٍ، فيحتاط لمالكه، فإذا رأي استحفاظ صاحب اليد، فهو كما لو استحفظ عَدْلاً آخَر.

و قال بعض الشافعيّة: فيه وجهان:

أظهرهما: تركه في يد المُقرّ.

و الثاني: يحفظه القاضي(2).

و قال قوم منهم: إنّه يُجبر المُقرّ له علي القبول و القبض(3).

و هو بعيد عن الصواب.

و قال بعضهم: موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد للقاضي: في يدي مال لا أعرف مالكه، فالوجه: القطع بأنّ القاضي يتولّي حفظه(4).

و أبعد بعضهم فقال: لا يجوز انتزاعه هنا أيضاً(5).

مسألة 871: لو رجع المُقرّ له عن الإنكار و صدّق المُقرّ في إقراره،

ص: 282


1- تذكير الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار المُقرّ به، أو المال.
2- الوسيط 324:3، الوجيز 196:1، البيان 395:13، العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4. (3-5) العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4.

فالأقرب: إنّ له الأخذ؛ عملاً بإقرار المُقرّ، السالم عن الإنكار، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ فتعارضا، و بقي الإقرار سالماً عن المعارض، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال آخَرون: هذا تفريع علي الخلاف السابق، إن قلنا: يُترك في يد المُقرّ، فهذا حكمٌ منّا بإبطال ذلك الإقرار، فلا يصرف إلي المُقرّ له إلّا بإقرارٍ جديد. و إن قلنا: ينتزعه الحاكم و يحفظه، فكذلك لا يُسلّم إليه، بل لو أراد إقامة البيّنة علي أنّه ملكه، لم تُسمع. و إنّما يُسلّم له إذا فرّعنا علي الوجه البعيد من أنّ المُقرّ له يُجبر علي أخذه، و الظاهر من قول الشافعيّة أنّه لا يُسلّم إليه(2).

مسألة 872: لو أقرّ لزيدٍ فأنكر زيدٌ ثمّ رجع المُقرّ حال إنكار زيدٍ،

فقال: غلطت، أو تعمّدت الكذب و المال ليس لزيدٍ، لم يلتفت إلي رجوعه إن قلنا: ينتزعه الحاكم.

و إن قلنا: يُترك في يده، احتُمل أنّه لا يُقبل إنكاره أيضاً؛ بناءً علي أنّه لو عاد المُقرّ له إلي التصديق قُبِل منه، فإذا كان ذلك متوقَّعاً، لم يلتفت إلي رجوعه.

و احتُمل القبول؛ بناءً علي أنّ الترك في يده إبطال للإقرار.

و للشافعيّة وجهان أظهرهما: الثاني(3).

مسألة 873: لو أقرّ لزيدٍ بعبدٍ فأنكر زيد ملكيّته، فالحكم كما لو أقرّ بغيره من ثوبٍ و شبهه؛

لأنّه محكوم له بالرقّ، فلا يرفع إلّا بيقينٍ.

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4.
2- العزيز شرح الوجيز 288:5-289، روضة الطالبين 14:4-15.
3- العزيز شرح الوجيز 289:5، روضة الطالبين 15:4.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه يُحكم بعتقه - و هو قول الشيخ(1) رحمه الله - لأنّ صاحب اليد لا يدّعيه، و المُقرّ له ينفيه، فيصير العبد في يد نفسه، و يُعتق، و هذا كما إذا أقرّ اللقيط بعد البلوغ بأنّه مملوك زيدٍ فأنكر زيد، يُحكم له بالحُرّيّة، كذا هنا.

و الثاني: المنع - كما قلناه - و يبقي علي الرقّيّة المجهولة المالك، بخلاف صورة اللقيط؛ فإنّه محكوم بحُرّيّته بالدار، فإذا أقرّ و نفاه المُقرّ له، بقي علي أصل الحُرّيّة، فإذاً لا فرق بين العبد و غيره من أعيان الأموال(2).

و لو أقرّ العبد بأنّه ملكٌ لفلان غير مَنْ أقرّ له مولاه به، كان لغواً، و بقي علي الرقّيّة المجهولة المالك.

و لو كان المُقرّ به قصاصاً أو حدَّ قذفٍ فكذّبه المُقرّ له، سقط الإقرار.

و كذا لو أقرّ بسرقةٍ توجب القطع، و أنكر ربٌّ المال السرقةَ، سقط القطع.

و في المال ما تقدّم(3).

و لو أقرّت المرأة بنكاحٍ فأنكر الزوج، سقط حكم الإقرار في حقّه.

مسألة 874: لو كان في يده عبدان، فقال: أحد هذين العبدين لزيدٍ، طُولب بالتعيين،

فإن عيّن واحداً منهما، فقال زيد: ليس هذا عبدي، بل الآخَر، فهو مكذّب للمُقرّ في المعيَّن، و حكمه ما تقدّم، و مُدّعٍ في العبد الآخَر، فإن أقام البيّنة به حُكم له، و إلّا حلف المُقرّ، و سقطت دعواه فيه.

و لو ادّعي علي آخَر ألفاً من ثمن مبيعٍ، فقال المدّعي عليه: قد

ص: 284


1- المبسوط - للطوسي - 23:3.
2- بحر المذهب 267:8، العزيز شرح الوجيز 289:5، روضة الطالبين 15:4.
3- في المسألة 870.

أقبضتُك، فأقام البائع علي المشتري بيّنةً بعد بيّنته بأنّه ما أقبضه الثمن بَعْدُ، سُمعت، و أُلزم المشتري الثمن؛ لأنّه و إن قامت البيّنة علي إقراره بالقبض فقد قامت علي أنّ صاحبه كذّبه، فيبطل حكم الإقرار، و يبقي الثمن علي المشتري.

مسألة 875: قد ذكرنا أنّ من شرط صحّة الإقرار تعيينَ المُقرّ له،

فلو قال: لإنسانٍ عندي كذا، أو لواحدٍ من بني آدم، أو لواحدٍ من خلق اللّه تعالي، أو لواحدٍ من أهل البلد، احتُمل البطلان؛ لعدم التعيين، فلا يطالب به.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّه إذا أقرّ لمعيَّن بشيء فكذّبه المُقرّ له، هل يخرج من يده ؟ إن قلنا: نعم؛ لأنّه مال ضائع، فكذا هنا، و يصحّ الإقرار، و يكون معتبراً، و يخرجه الحاكم من يده و يحفظه من صاحبه. و إن قلنا: لا، لم يصح هذا الإقرار(1).

و الأقرب عندي القبول، و صحّة هذا الإقرار، ثمّ للحاكم انتزاعه من يده و إبقاؤه في يده.

فعلي قولنا بالصحّة لو جاء واحد و قال: أنا الذي أردتَني ولي عليك ألف، فالقول قول المُقرّ مع يمينه في نفي الإرادة و نفي الألف.

و مَنْ أبطل هذا الإقرار فرّق بينه و بين قوله: غصبت هذا من أحد هذين الرجلين، أو هؤلاء الثلاثة، حيث يعتبر؛ لأنّه إذا قال: هو لأحد هذين، فله مُدّعٍ و طالب، فلا يبقي في يده مع قيام الطالب و اعترافه بأنّه ليس له، و أمّا إذا قال: لواحدٍ من بني آدم، فلا طالب له، و يبقي في يده(2).

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 290:5، روضة الطالبين 15:4.
2- العزيز شرح الوجيز 290:5.

و الوجه: ما قلناه من عدم اشتراط تعيينه.

و القائلون به لا يشترطون التعيين من كلّ وجهٍ، بل أن يكون معيّناً ضرب تعيينٍ تتوقّع منه الدعوي و الطلب(1).

البحث الرابع: في المُقرّ به.
مسألة 876: يشترط في المُقرّ به أن يكون مستحقّاً

إمّا بأن يكون مالاً مملوكاً، أو بأن يكون حقّاً تصحّ المطالبة به، كشفعةٍ و حدِّ قذفٍ و قصاصٍ و غير ذلك من الحقوق الشرعيّة، كاستطراقٍ في دربٍ، و إجراء ماءٍ في نهرٍ، و إجراء ماء ميزابٍ إلي ملكٍ، و حقّ طرح خشبٍ علي حائطٍ، أو بأن يكون نسباً.

و لو أقرّ بما لا يصحّ تملّكه مطلقاً - كالأبوال و العذرات و جميع الفضلات - لم يصح، و كان الإقرار لاغياً لا يجب به شيء.

و لو أقرّ بما يتموّله أهل الذمّة - كالخمر و الخنزير - للمُسلم، لم يصح، و يصحّ للذمّي؛ لأنّ المُسلم يضمنه بقيمته عند مستحلّيه لو أتلفه عليهم و كانوا مستترين به.

مسألة 877: يشترط في القضاء و الحكم بالإقرار بالملكيّة لمن أُقرّ له كون المُقرّ به تحت يد المُقرّ و تصرّفه،

فلو أقرّ بما ليس في يده بل في يد الغير - كعبدٍ في يد زيدٍ أقرّ به لغيره - لم يُحكم بثبوت الملكيّة في العبد للمُقرّ له بمجرّد الإقرار، بل يكون ذلك دعويً أو شهادةً.

و لا يلغو الإقرار من كلّ وجهٍ، بل لو حصل المُقرّ به في يده بملكيّةٍ ظاهرة ساعةً من الزمان، أُمر بتسليمه إلي المُقرّ له.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 290:5.

فلو قال: العبد الذي في يد زيدٍ مرهون عند عمرو بكذا، ثمّ ملك العبد ظاهراً، أُمر ببيعه في دَيْن عمرو.

و لو أقرّ بحُرّيّة عبدٍ في يد زيدٍ، لم يُقبل منه، أو شهد [بها](1) فردّت شهادته، لم يُحكم بحُرّيّته في الحال.

فإذا أقدم علي شرائه من زيدٍ صحّ؛ تنزيلاً للعقد علي قول مَنْ صدّقه الشرع، و هو البائع صاحب اليد، بخلاف ما إذا قال: فلانة أُختي من الرضاع، ثمّ أراد أن ينكحها، لم يُمكّن منه؛ لأنّ في الشراء يحصل غرض استنقاذه من أسر الرقّ، و هذا الغرض لا يوجد في النكاح؛ للاستمتاع بفرجٍ اعترف بأنّه حرام عليه.

ثمّ إذا اشتري العبد، حُكم بُحرّيّته، و أُمر برفع يده عنه؛ عملاً بإقراره.

مسألة 878: إذا كان صورة إقراره: إنّ عبد زيدٍ حُرّ الأصل، أو أنّه أُعتق قبل أن أشتريه،

فإذا اشتراه فهو فداء من جهته إجماعاً.

فإذا مات العبد و قد اكتسب مالاً و لا وارث له من الأنساب، فالمال للإمام، و ليس للمشتري أن يأخذ منه شيئاً؛ لأنّه بتقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتي يأخذ منه عوض ما دفعه إليه من الثمن.

و لو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري، لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن؛ لأنّه لا حُرّيّة في زعمه، و المبيع قد تلف قبل قبضه، فبطل البيع.

مسألة 879: لو كانت صيغة الإقرار: إنّك أعتقته و الآن أنت تسترقّه ظلماً، ثمّ عقد البيع معه، فالوجه: إنّه بيع من جهة البائع؛

لأنّه ملكه، و هو يدّعي ملكيّته، و اليد تشهد له، فلا يلتفت إلي إقرار الغير عليه، فكان بمنزلة

ص: 287


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به». و الظاهر ما أثبتناه.

ما لو باعه علي غيره، و يكون افتداءً من جهة المُقرّ؛ لاعترافه بالحُرّيّة، و أنّ هذا العقد ليس بصحيحٍ، حيث لم يصادف محلّاً قابلاً له، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه بيع من الجانبين.

و الثالث: إنّه افتداء من الجانبين(1).

و هذا الثالث خطأ؛ لأنّه كيف يقال: إنّه استنقاذ في طرف البائع!؟ و كيف يأخذ المال لينقذ مَنْ يسترقّه و يعرفه حُرّاً فيفتديه به!؟ بل لو قيل فيه المعنيان معاً و الخلاف في أنّ الأغلب منهما ما ذا؟ كان محتملاً علي ضعفٍ.

و أكثر الشافعيّة علي أنّه بيع من جهة البائع، و أمّا من جهة المشتري فوجهان:

أحدهما: إنّه شراء، كما في جانب البائع.

و الثاني: إنّه افتداء؛ لاعترافه بحُرّيّته و امتناع شراء الحُرّ(2).

مسألة 880: إذا ثبت أنّه بيع من طرف البائع و افتداء من طرف المشتري، لا يبطل خيار المجلس في طرف البائع،

بل يثبت له الخيار ما داما في المجلس. و كذا يثبت له خيار الشرط لو شرط و إن طال زمانه، و هو أحد قولَي الشافعيّة؛ بناءً علي ظاهر مذهبهم من أنّه بيع من جانبه(3).

و لو كان البيع بثمنٍ معيّنٍ فخرج معيباً و ردّه البائع، كان له أن يستردّ العبد، بخلاف ما لو باع عبداً و أعتقه المشتري ثمّ خرج الثمن المعيّن معيباً و رُدّ، فإنّه لا يستردّ العبد، بل يعدل إلي القيمة؛ لاتّفاقهما علي العتق هناك.

و أمّا المشتري فلا يثبت له خيار المجلس و لا خيار الحيوان؛ لأنّه

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
2- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.

ليس شراء في طرفه، بل هو فداء.

و مَنْ قال من الشافعيّة: إنّه شراء في طرفه، أثبت له الخيار(1).

و علي الوجهين فلا ردّ له لو خرج العبد معيباً؛ لاعترافه بحُرّيّته، لكن يأخذ الأرش إن جعلناه شراءً، و إلّا فلا أرش له.

و بهذا الثاني نقول.

و قال الجويني: إذا لم يثبت خيار المجلس للمشتري، ففي ثبوته للبائع وجهان؛ لأنّ هذا الخيار لا يكاد يتبعّض(2).

و ليس بمعتمدٍ.

و قال بعض الشافعيّة: لا يثبت للبائع خيار أيضاً، كما لو باع عبده من نفسه، أو باع عبده علي مَنْ يعتق عليه(3).

و قال بعضهم بثبوت الخيار للبائع في هاتين الصورتين أيضاً(4).

و ليس بجيّدٍ.

مسألة 881: إذا حكمنا بالعتق في هذا العبد، لم يكن للمشتري ولاؤه؛

لاعترافه بأنّه لم يعتقه، و لا للبائع؛ لأنّه يزعم أنّه لم يعتقه، فيكون موقوفاً.

و لو مات العبد و قد اكتسب مالاً، فإن كان له وارث بالنسب، فهو له، و إلّا فيُنظر إن صدّق البائع المشتري، ردّ الثمن.

و إن كذّبه و أصرّ علي كلامه الأوّل، قال بعض(5) فقهائنا: للمشتري أن

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
2- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
3- الوجيز 196:1.
4- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
5- المحقّق في شرائع الإسلام 155:3.

يأخذ منه قدر ما دفعه ثمناً إلي البائع؛ لأنّ المشتري إن كان كاذباً فجميع كسبه له؛ لأنّه مملوكه، و إن كان صادقاً فالكسب للبائع إرثاً بالولاء، و هو قد ظلمه بأخذ الثمن و تعذّر استرداده، فإذا ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقّه، و هو قول المزني(1).

و ظاهر مذهب الشافعي أنّه يوقف المال بأسره، كما كان الولاء موقوفاً(2).

و اضطرب أصحابه.

فقال بعضهم: قول المزني خطأ؛ لأنّ المشتري لو أخذ شيئاً فإمّا أن يأخذ بجهة أنّه كسب مملوكه، و قد بانَ أنّه حُرٌّ بإقراره، أو بجهة الظفر بمال ظالمه، و هو ممتنع؛ لأنّه إنّما بذله فداءً تقرّباً إلي اللّه تعالي باستنقاذ حُرٍّ، فيكون سبيلُه سبيل الصدقات، و الصدقات لا يرجع فيها، و لأنّه لا يدري أنّه يأخذ بجهة الملك، أو بجهة الظفر بمال ظالمه، فيمنع من الأخذ إلي ظهور جهته(3).

و أكثر الشافعيّة علي ما قال المزني(4).

و قال جماعة منهم: إنّ الشافعي ذكر ما قاله المزني أيضاً، و إنّما حَكَم بوقف الزائد علي الثمن وقف الولاء، و أمّا المستحقّ بكلّ حالٍ فلا معني للوقف فيه، و يجوز الرجوع في المبذول فيه علي جهة الفدية و الدية، كما

ص: 290


1- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
2- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
3- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
4- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.

لو فدي أسيراً في يد المشركين ثمّ استولي المسلمون علي بلادهم و وجد الباذل عين ماله، أخذه. و اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ بعد الاتّفاق علي أصل الاستحقاق، كما لو قال: لي عليك ألف ضمنته، فقال: ما ضمنت شيئاً و لكن لك علَيَّ ألف عن قيمة متلفٍ(1).

و الأصحّ: الثبوت، و قطع النظر عن الجهة.

مسألة 882: لو استأجر العبد الذي أقرّ بحُرّيّته بدلاً عن الشراء، صحّ العقد بالنسبة إلي المؤجر،

و كان له المطالبة بالأُجرة، و لا يحلّ للمستأجر استخدامه و الانتفاع به، فإن استخدمه وجب عليه دفع أُجرة المثل إليه، و لم يكتف بما دفعه إلي المؤجر.

و لو أقرّ بحُرّيّة جارية الغير ثمّ قَبِل نكاحها منه، لم يحل له وطؤها إلّا برضاها بما عقد عليه مولاها، و للمولي مطالبته بالمهر، و عليه مهرٌ آخَر لها إن أجازت نكاحه.

و لو قال لزيدٍ: العبد الذي في يدك غصبتَه من فلان، و أنكر زيد، فالقول قوله.

فإن اشتراه، فالأقرب: صحّة العقد، كما لو أقرّ بحُرّيّته ثمّ اشتراه.

و يحتمل البطلان؛ لأنّه مكذّب لإقراره، و إنّما صحّحناه في طرف الحُرّيّة؛ لأنّ الشراء هناك افتداء له من العبوديّة و [إنقاذ](2) من الرقّ، و هذا غير آتٍ هنا.

و للشافعيّة وجهان(3) كهذين.

و لو أقرّ بعبدٍ في يده لزيدٍ، و قال العبد: بل أنا ملك عمرو، سُلّم إلي زيدٍ دون عمرو، و لم يعتبر قول العبد؛ لأنّه في يد مَنْ يسترقّه، لا في يد نفسه، فلو أعتقه زيد لم يكن لعمرو أخذه.

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 294:5-295، روضة الطالبين 19:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الإنقاذ». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 296:5، روضة الطالبين 20:4.

و لو مات العبد عن مالٍ، لم يكن لعمرو التصرّفُ فيه؛ لما فيه من إبطال الولاء علي المعتق، و استحقاق الكسب فرع الرقّ، و لم يثبت له.

مسألة 883: لا يشترط في الإقرار أن يكون المُقرّ به ملكاً للمُقرّ حين يُقرّ،

بل الشرط في الإقرار بالأعيان أن لا تكون مملوكةً للمُقرّ حين إقراره؛ لأنّ الإقرار لا يزيل الملك عن صاحبه، و إنّما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمُقرّ له، و الخبر حكاية عن المخبر به، و الحكاية متأخّرة، و ذو الحكاية متقدّم، فلا بدّ و أن يكون الملك للمُقرّ له في نظر المُقرّ و عنده حتي تقع المطابقة بين إقراره و ما هو في نفس الأمر عنده.

فلو قال: داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لفلان، بطل الإقرار؛ لما فيه من التناقض، و المفهوم منه الوعد بالهبة.

و لا يحتمل أن يقال: إنّه أضاف إلي نفسه؛ لما بينهما من الملابسة، و قد يضاف الشيء إلي غيره بأدني ملابسةٍ، كما في قوله:

إذا كوكب الخرقاء.....(1)

و قول الرجل لأحد حاملي الخشبة: خُذ طرفك.

و لا ريب في أنّ هذه الدار في يده، أو قد كانت ملكه، أو أنّها تُعرف بأنّها ملكه عند الغير، فيُحكم بصريح إقراره للغير؛ لأنّ الاحتمال و لو كان نادراً ينفي لزوم الإقرار، عملاً بالاستصحاب.

و لو قال: مسكني هذا لفلان، كان إقراراً؛ لأنّه أضاف إلي نفسه السكني، و قد يسكن ملك غيره.

ص: 292


1- البيت لشاعر مجهول، و تمامه هكذا: إذا كوكب الخرقاء لاح بسُحرةٍسهيلٌ أذاعت غزلها في الغرائب راجع: لسان العرب 639:1 «غرب».

و لو قال: هذه الدار التي في يدي، أو تُنسب إلَيَّ، أو تُعرف بي، أو التي كانت ملكي، كان إقراراً لازماً.

و لو شهدت البيّنة علي أنّ فلاناً أقرّ بأنّ له دار كذا، و كانت ملكه إلي أن أقرّ، كانت الشهادة باطلةً.

و لو قال المُقرّ: هذه الدار لفلان و كانت ملكي إلي وقت الإقرار، نفذ إقراره، و الذي قاله بعده مناقض لأوّله، فيلغو، كما لو قال: هذه الدار لفلان، و ليست له.

و لو قالت البيّنة: نشهد أنّه باع هذه الدار أو وقفها، و كانت ملكه إلي حين البيع أو الوقف، سُمعت الشهادة، بل كانت مؤكّدةً للبيع و الوقف.

مسألة 884: حكم الديون حكم الأعيان في ذلك،

فلو كان له دَيْنٌ علي زيدٍ في الظاهر من قرضٍ أو أُجرةٍ أو ثمن مبيعٍ، فقال: دَيْني الذي علي زيد لعمرو، فهو باطل.

و لو لم يُضف، بل قال: الدَّيْن الذي علي زيد لعمرو، و اسمي في الكتاب عاريّة و معونة و إرفاق، صحّ؛ لإمكان أن يكون وكيلاً عنه في الإقراض و الإجارة و البيع، ثمّ عمرو يدّعي المال علي زيدٍ لنفسه، فإن أنكر زيد، تخيّر عمرو بين أن يُقيم البيّنة علي دَيْن المُقرّ علي زيدٍ ثمّ علي إقراره له بما علي زيدٍ، و بين أن يُقيم البيّنة أوّلاً علي الإقرار ثمّ علي الدَّيْن.

و استثني بعض الشافعيّة ثلاثة ديون منع من الإقرار بها: أحدها:

الصداق في ذمّة الزوج و لا تقرّ المرأة به. و الثاني: بدل الخُلْع في ذمّة المرأة و لا يُقرّ الزوج به. و الثالث: أرش الجناية و لا يُقرّ به المجنيّ عليه؛ لأنّ الصداق لا يكون إلّا للمرأة، و بدل الخُلْع لا يكون إلّا للزوج، و أرش الجناية لا يكون إلّا للمجنيّ عليه.

ص: 293

نعم، لو كانت الجناية علي عبدٍ أو مال آخَر، جاز أن يُقرّ به للغير؛ لاحتمال كونه له يوم الجناية(1).

و هذا خطأ فاحش؛ فإنّ هذه الديون و إن امتنع ثبوتها للغير ابتداءً و [تقديراً بوكالةٍ](2) فلا امتناع من انتقالها من مُلّاكها إلي الغير إمّا بالحوالة أو بالبيع، فيصحّ الإقرار بها عند احتمال جريان ناقلٍ.

نعم، لو أقرّ بها عقيب ثبوتها بلا فصلٍ بحيث لا يحتمل جريان [ناقلٍ](3) لم يصح.

لكن سائر الديون كلّها كذلك، بل الأعيان أيضاً كذلك، حتي لو أعتق عبده ثمّ أقرّ له السيّد أو غيره عقيب العتق بلا فصلٍ بدَيْنٍ أو عينٍ، لم يصح؛ لأنّ أهليّة التملّك لم تثبت له إلّا في الحال، و لم يَجْر بينهما ما يوجب المال.

و لو فُرض ذلك - كما لو نذر الصدقة علي عبده بعد عتقه بشيءٍ - جاز له الإقرار به.

و الضابط: إمكان التملّك، فمتي فُرض، صحّ الإقرار، و إلّا فلا.

قال بعض الشافعيّة: إن أسند الإقرار بالديون الثلاثة إلي جهة حوالةٍ أو بيعٍ، فذاك، و إلّا فعلي قولين؛ بناءً علي ما لو أقرّ للحمل بمالٍ و أطلق(4).4.

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 291:5-292، روضة الطالبين 17:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تقدير الوكالة». و الظاهر ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 292:5، روضة الطالبين 18:4.
الفصل الثالث: في الأقارير المجهولة
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الإقرار بالشيء المطلق.
مسألة 885: لا يشترط كون المُقرّ به معلوماً، بل يصحّ الإقرار بالمجهول؛

لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، و الخبر قد يقع عن الشيء علي جهة الإجمال، كما قد يقع عنه علي جهة التفصيل، و ربما كان في ذمّة الإنسان شيء لا يعلم قدره، فلا بدّ له من الإخبار عنه ليتواطأ هو و صاحبه علي الصلح بما يتّفقان عليه، فدعت الحاجة و اقتضت الحكمة إلي سماع الإقرار بالمجمل، كما يسمع بالمفصّل، بخلاف الإنشاءات التي لا تحتمل الجهالة و الإجمال في أغلبها؛ احتياطاً لابتداء الثبوت، و تحرّزاً عن الغرر، و بخلاف الدعوي؛ فإنّها لا تُسمع إلّا محرّرة لكون الدعوي له و الإقرار عليه، فيلزم مع الجهالة، دون ما له.

و لأنّ المدّعي إذا لم يُحرّر دعواه، انتفي داعيه، مع أنّ له داعياً إلي تحريرها، و أمّا المُقرّ فلا داعي له إلي التحرير، و لا يؤمن رجوعه مع إقراره، فيضيع حقّ المُقرّ له، فألزمناه إيّاه مع الجهالة.

و لا فرق في الأقارير المجملة بين أن يقع ابتداءً أو في جواب دعوي معلومة، كما لو ادّعي عليه ألف درهم، فقال: لك علَيَّ شيء.

و الألفاظ التي يقع فيها الإجمال لا تنحصر، فلنقتصر علي أكثرها دوراناً بين الناس و أظهرها في الألسنة و لنبدأ بأعمّها، و هو: «الشيء» ثمّ نعقّبه بما يتلوه من مشهورات الألفاظ إن شاء اللّه تعالي.

ص: 295

مسألة 886: إذا قال: علَيَّ شيء، طُولب بالبيان و التفسير،

فإن امتنع، فالأقرب: إنّه يُحبس حتي يبيّن؛ لأنّ البيان واجب عليه، فإذا امتنع منه حُبس عليه كما يُحبس علي الامتناع من أداء الحقّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه لا يُحبس، بل يُنظر إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوي و امتنع من التفسير، جُعل ذلك إنكاراً منه، و تُعرض اليمين عليه، فإن أصرّ جُعل ناكلاً عن اليمين، و حلف المدّعي، و إن أقرّ ابتداءً قلنا للمُقرّ له: ادّع عليه حقّك، فإذا ادّعي فأقرّ بما ادّعاه أو أنكر، أجرينا عليه حكمه، و إن قال: لا أدري، جعلناه منكراً، فإن أصرّ جعلناه ناكلاً؛ لأنّه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبسٍ لا يُحبس.

و الثالث: إنّه إن أقرّ بغصبٍ و امتنع من بيان المغصوب حُبس، و إن أقرّ بدَيْنٍ مبهم فالحكم كما ذكرناه في الوجه الثاني(1).

و قال بعض الشافعيّة: إذا قال: علَيَّ شيء، و امتنع من التفسير، لم يُحبس. و إن قال: علَيَّ ثوب أو فضّة أو طعام، و لم يبيّن، حُبس؛ بناءً علي ما لو فسّر الشيء بالخمر أو الخنزير قُبِل، فحينئذٍ لا يتوجّه بذلك مطالبة و لا حبس(2).

مسألة 887: إذا أقرّ بالشيء و طُولب بالبيان، فإن فسّره بما يتموّل، قُبِل، سواء كان قليلاً أو كثيراً.

و إن فسّره بما لا يتموّل، فإن كان من جنس ما يتموّل - كحبّةٍ من الحنطة أو الشعير أو السمسم، و قمع باذنجانة - فالأقوي: القبول - و هو

ص: 296


1- العزيز شرح الوجيز 303:5، روضة الطالبين 27:4.
2- العزيز شرح الوجيز 303:5-304، روضة الطالبين 27:4.

أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه شيء يحرم أخذه، و علي مَنْ أخذه ردّه.

و الثاني لهم: إنّه لا يُقبل منه هذا التفسير؛ لأنّه لا قيمة له، فلا يصحّ التزامه بكلمة «علَيَّ» و لهذا لا تصحّ الدعوي به(2).

و نمنع عدم سماع الدعوي به.

و التمرة الواحدة و الزبيبة الواحدة حيث لا قيمة لها من هذا القبيل، و هي أولي بالقبول ممّا لو فسّره بحبّة حنطةٍ.

و إن لم يكن من جنس ما يتموّل، فإمّا أن يجوز اقتناؤه لمنفعةٍ، أو لا.

فالأوّل كالكلب المعلَّم و السرجين.

و في التفسير بهما إشكال، أقربه: القبول؛ لأنّهما أشياء يثبت فيها الحقّ و الاختصاص، و يحرم أخذها، و يجب ردّها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يُقبل؛ لأنّها ليست بمالٍ، و ظاهر الإقرار للمال(1).

و لو فسّر بجلد الميتة، لم يُقبل عندنا؛ لأنّه لا يطهر بالدباغ.

و للشافعيّة وجهان؛ لقبوله(2) الدباغ(3).

و من هذا القسم: الخمر المحترمة، و الكلب القابل للتعليم.

و كلب الماشية و الزرع و الحائط مُلحَق بالمعلَّم.4.

ص: 297


1- بحر المذهب 227:8، الوسيط 330:3، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 301:5، روضة الطالبين 26:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لقبولها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بحر المذهب 227:8، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.

و الثاني: كالخمر التي(1) لا حرمة لها، و الخنزير، و جلد الكلب، و الكلب الذي لا منفعة فيه، و هذا لا يُقبل تفسيره به عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أصحّهما، و الثاني: أنّه يُقبل(2).

و الصحيح ما قلناه؛ لأنّه ليس فيه حقّ و اختصاص، و لا يلزم ردّه، و قوله: «علَيَّ» يقتضي ثبوت حقٍّ للمُقرّ له.

مسألة 888: لو قال: له علَيَّ شيء، و فسّره بالوديعة، قُبِل؛

لوجوب ردّها عليه عند الطلب، و قد يتعدّي فيها فتكون مضمونةً عليه.

و نقل الجويني وجهاً للشافعيّة: إنّه لا يُقبل؛ لأنّها في يده، لا عليه(3).

و هو غلط بما تقدّم.

و لو فسّره بحقّ الشفعة، أو حدّ قذفٍ، قُبِل. أمّا لو فسّره بالعيادة أو ردّ السلام أو جواب الكتاب، لم يُقبل؛ لبُعْده عن الفهم في معرض الإقرار؛ إذ لا مطالبة بهما، و الإقرار في العادة بما يطلبه المُقرّ له و يدّعيه، و لأنّهما يسقطان؛ لفواتهما، و لا يثبتان(4) في الذمّة، و الإقرار يدلّ علي ثبوت الحقّ في الذمّة.

و كذا لو فسّره بتسميت عطسةٍ.

و يحتمل القبول إذا أراد أنّ حقّاً علَيَّ ردّ السلام إذا سلّم و تسميته إذا

ص: 298


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الذي». و المثبت يقتضيه السياق.
2- بحر المذهب 227:8، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
3- العزيز شرح الوجيز 302:5.
4- كذا قوله: «بهما... لأنّهما يسقطان؛ لفواتهما، و لا يثبتان» بتثنية الضمير و الفعل في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر هكذا: «بها.... لأنّها تسقط؛ لفواتها، و لا تثبت».

عطس؛ لما روي في الخبر: «للمسلم علي المسلم ثلاثون حقّاً: يردّ سلامه، و يُسمّت عطسته، و يُجيب دعوته...»(1).

أمّا لو قال: له علَيَّ حقٌّ، فإنّه يُقبل التفسير بالعيادة و ردّ السلام.

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين أن يقول: له علَيَّ شيء، أو حقٌّ، كيف! و الحقّ أخصّ من الشيء، فيبعد أن يُقبل تفسير الأخصّ بما لا يُقبل به تفسير الأعمّ(2).

مسألة 889: لو قال: غصبته شيئاً، طُولب بالتفسير و البيان،

فإن فسّر بما يُقبل به التفسير في الصورة السابقة، قُبِل هنا بطريق الأولي إذا احتمله اللفظ ليخرج الوديعة و حقّ الشفعة؛ إذ لا يحتملهما لفظ الغصب.

و لو فسّره بالخمر و الخنزير و غيرهما ممّا لا يُعدّ مالاً، قُبِل هنا؛ لأنّ الغصب لا يقتضي إلّا الأخذ قهراً، و ليس في لفظه ما يشعر بالتزامٍ و ثبوت حقٍّ، بخلاف قوله: «علَيَّ» و به قال الشافعي(3).

و يحتمل قبوله إن كان المُقرّ له ذمّيّاً، و إن كان مسلماً فإشكال.

و ما ليس بمالٍ يقع اسم الغصب عليه.

و لو قال: غصبته شيئاً، ثمّ قال: أردت نفسه فحبستُه ساعةً، لم يُقبل؛ لأنّه جعل له مفعولين، الثاني منهما: «شيئاً» فتجب مغايرته للأوّل.

أمّا لو قال: غصبتُه، ثمّ قال: أردت نفسه، قُبِل.

و قيل: لا يُقبل؛ لأنّ الغصب لا يثبت عليه(4).

ص: 299


1- أورده ابنا قدامة في المغني 315:5، و الشرح الكبير 338:5.
2- العزيز شرح الوجيز 302:5.
3- الوجيز 197:1، الوسيط 332:3، التهذيب - للبغوي - 238:4، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
4- المغني 315:5، الشرح الكبير 338:5.

و كذا لو قال: غبنته؛ لأنّه قد يغصب و يغبن في غير المال.

قال الشافعي: إذا قال الرجل للرجل: غصبت منك شيئاً، ثمّ قال:

أردت به كلباً، أُجبر علي دفعه إليه. و كذا إن قال: جلد ميتة. فإن قال:

خمراً أو خنزيراً، لم أُجبره علي دفعه إليه، و قتلتُ الخنزيرَ و أرقتُ الخمرَ(1).

و حكي عن أبي حنيفة أنّه قال: لو قال: لفلان علَيَّ شيء أو كذا، لم يُقبل تفسيره بغير المكيل و الموزون؛ لأنّ غير ذلك لا يثبت في الذمّة بنفسه(2).

و هو خطأ؛ لأنّ غير المكيل و الموزون متموَّل يدخل تحت العقود، فجاز أن يُفسَّر به الشيء، كالمكيل و الموزون.

و تعليله باطل؛ لأنّه يثبت في الذمّة، و لا اعتبار بسبب ثبوته في الإخبار عنه و الإقرار به.

مسألة 890: لو قال: له عندي شيء، قُبِل تفسيره بالخمر و الخنزير علي إشكالٍ

- و هو المشهور من مذهب الشافعيّة(3) - لأنّه شيء ممّا عنده.

و يحتمل عدم القبول - و هو قول الجويني(4) - لأنّ لفظة «له» تُشعر بثبوت ملكٍ أو حقٍّ.

و يمكن منعه؛ لتسويغ قول القائل: لفلان عندي خمر أو خنزير.

إذا عرفت هذا، فلو شهد بالمجهول، احتُمل السماع، كما إذا كان له

ص: 300


1- الأُم 241:3، الوسيط 332:3.
2- حلية العلماء 339:8، المغني 315:5، الشرح الكبير 339:5.
3- الوسيط 330:3، حلية العلماء 338:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
4- العزيز شرح الوجيز 303:5، روضة الطالبين 26:4.

عليه مائة فأقرّ صاحب الدَّيْن أنّه قبض منه شيئاً من الحقّ و قامت بذلك بيّنة، فإنّها تُسمع، و يُقبل قول صاحب الدَّيْن في قدره مع اليمين، فإن لم يحلف حتي مات، قام وارثه مقامه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ البيّنة إن شهدت بالإقرار بالمجهول، جاز. و إن شهدت بالمجهول، فلا؛ لأنّ البيّنة سُمّيت بيّنةً؛ لأنّها تبيّن ما تشهد به و تكشف عنه، بخلاف الإقرار؛ لأنّه ليس ببيّنةٍ(1)(2).

و علي هذا فالأقوي أنّ الدعوي كالإقرار، فإذا ادّعي أنّه أقرّ له بقبض شيءٍ، أو بأنّ له عليه شيئاً، سُمعت دعواه، و إلّا فلا.

مسألة 891: إذا أقرّ بالمجهول و فسّره بتفسيرٍ صحيح و صدّقه المُقرّ له، فلا بحث.

و إن كذّبه المُقرّ له، فليبيّن جنس الحقّ و قدره، و يدّعيه، و يكون القولُ قولَ المُقرّ في [نفيه](3).

ثمّ لا يخلو التنازع إمّا أن يكون في القدر أو في الجنس.

فإن كان في القدر(4) ، مثل: أن يفسّر إقراره بمائة درهم، فيقول المُقرّ له: بل عليه مائتان، فإن صدّقه علي إرادة المائة، فهي ثابتة باتّفاقهما، و يحلف المُقرّ علي نفي الزيادة.

و إن قال: أراد به المائتين، حلف المُقرّ علي أنّه ما أراد مائتين، و أنّه ليس عليه إلّا مائة، و يجمع بينهما في يمينٍ واحدة، و به قال بعض الشافعيّة(5).

ص: 301


1- في «ث، ج»: «بيّنةً».
2- راجع: حلية العلماء 338:8، و التهذيب - للبغوي - 238:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في ظاهر الطبعة الحجريّة و بعض النسخ الخطّيّة و صريح بعضها الآخَر: «نفسه». و المثبت هو الصحيح.
4- يأتي حكم التنازع في الجنس في المسألة التالية.
5- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 27:4.

و قال بعضهم: لا بدّ من يمينين(1).

و المشهور: الأوّل.

فإن نكل المُقرّ، حلف المُقرّ له علي استحقاق المائتين.

و لا يحلف علي الإرادة؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها، بخلاف ما إذا مات المُقرّ و فسّر الوارث و ادّعي المُقرّ له زيادةً، فإنّ الوارث يحلف علي [نفي](2) إرادة المورّث؛ لأنّه قد يطّلع من حاله مورّثه علي ما لا يطّلع عليه غيره.

و كذا لو أوصي له بمجمل، فبيّنه الوارث، و زعم الموصي له أنّه أكثر، حلف الوارث علي نفي العلم باستحقاق الزيادة، و لا يتعرّض للإرادة.

و الفرق أنّ الإقرار إخبار عن سابقٍ و قد يفرض فيه الاطّلاع، و الوصيّة إنشاء أمرٍ [علي](3) الجهالة، و بيانه - إذا مات الموصي - إلي الوارث.

مسألة 892: لو كان التنازع في الجنس، مثل: أن يقول: له علَيَّ شيء،

ثمّ يفسّره بعبدٍ أو درهمٍ أو بمائة درهم، فيقول المُقرّ له: بل لي عليك جارية أو دينار أو مائة دينار، فيُنظر إن صدّقه المُقرّ له في الإرادة و قال: هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا، ثبت المتّفق عليه، و كان القولُ قولَ المُقرّ في نفي غيره.

و إن صدّقه في الإرادة و قال: ليس لي عليه ما فسّره به، إنّما لي عليه كذا، بطل حكم الإقرار بردّه، و كان مدّعياً في غيره.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 27:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عن». و المثبت هو الصحيح.

و إن كذّبه في دعوي الإرادة و قال: إنّما أراد ما ادّعيتُه، حلف المُقرّ علي نفي الإرادة و نفي ما يدّعيه. ثمّ إنّ المُقرّ له إن كذّبه في استحقاق المُقرّ به، بطل الإقرار فيه، و إلّا ثبت.

و لو اقتصر المُقرّ له علي دعوي الإرادة و قال: ما أردتَ بكلامك ما فسّرتَه به و إنّما أردتَ كذا إمّا من جنس المُقرّ به أو من غيره، لم يُسمع منه ذلك؛ لأنّ الإقرار و الإرادة لا يُثبتان له حقّاً، بل الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، فعليه أن يدّعي الحقّ بنفسه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر ضعيف عندهم: أنّه تُقبل دعوي الإرادة المجرّدة(1).

و هو كالخلاف في أنّ مَن ادّعي علي غيره أنّه أقرّ له بألف هل تُسمع منه دعوي الإقرار، أم عليه [دعوي](2) نفس الألف ؟

و اعلم أنّ مَنْ لا يسمع دعوي الإرادة لا يريد عدم الالتفات إليها أصلاً، و إنّما المراد أنّها وحدها غير مسموعة، فأمّا إذا ضمّ إليها دعوي الاستحقاق، فيحلف المُقرّ علي نفيهما علي الأظهر.

و للشافعيّة في البيع وجهان: إنّه إذا ادّعي المشتري عيباً قديماً بالمبيع، و قال البائع: بعتُه و أقبضتُه سليماً، يلزمه أن يحلف كذلك، أو يكفيه الاقتصار علي أنّه لا يستحقّ الردّ؟ فيجيء لهم هنا وجه: أنّه يكفيه نفي اللزوم، و لا يحتاج إلي التعرّض للإرادة(3).5.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 28:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 305:5.
مسألة 893: إذا أقرّ بالمبهم ثمّ مات قبل التفسير، طُولب الوارث به؛

لأنّه المستحقّ للتركة، فإن فسّر قُبِل منه بمهما كان، فإن ادّعي المُقرّ له خلافه قُدّم قول الوارث مع اليمين، فإن نكل حلف المُقرّ له، و أخذ ما حلف عليه.

و إن امتنع الوارث من البيان، احتُمل أن يوقف أقلّ ما يتموّل، و هو أحد قولَي الشافعيّة(1) ، و أن يوقف الكلّ - و هو الأظهر - لأنّ الجميع و إن لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدَّيْن.

و لو قال الوارث: لا أدري ما أراد و لا أعلم لك شيئاً، حلف - إن طلب المُقرّ له - علي نفي العلم، ثمّ سلّم إلي المدّعي أقلّ ما يتموّل، و لا يُسلّم إليه ما يدّعيه مع اليمين؛ إذ لا يمين علي المدّعي إلّا بالردّ.

البحث الثاني: في الإقرار بالمال.
مسألة 894: إذا قال: له علَيَّ مال، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل،

و لا يُقبل تفسيره بما ليس بمالٍ إجماعاً، كالكلب و الخنزير و جلد الميتة.

و يُقبل بالتمرة الواحدة حيث يكثر؛ لأنّه مال قليل و إن لم يتموّل في ذلك الموضع، و كلّ متموَّلٍ مالٌ، و لا ينعكس.

و كذا لو فسّره بالحبّة من الحنطة و الشعير.

إذا عرفت هذا، فإنّه يُقبل - فيما إذا قال: له علَيَّ مال - التفسير بالقليل و الكثير، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لصدق اسم المال

ص: 304


1- العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4.
2- الحاوي الكبير 13:7، التنبيه: 175، المهذّب - للشيرازي - 348:2، بحر المذهب 231:8، الوجيز 197:1، الوسيط 332:3، حلية العلماء 339:8، البيان 411:13، العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4، منهاج الطالبين: 140، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1043/612:2، عيون المجالس 1701:4-1198/1702، المعونة 1245:2، المغني: 315، الشرح الكبير 340:5.

عليه، و الأصل عدم الزائد.

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل تفسيره بغير المال الزكوي؛ لقول اللّه تعالي:

«خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» (1) و قوله تعالي:«وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ» (2)(3).

و الآية عامّة دخلها التخصيص بالسنّة المتواترة، فلا يخرج اللفظ عن حقيقته.

و قوله:«وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ» ليس المراد الزكاة؛ لأنّها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة، فلا حجّة له فيها.

ثمّ ينتقض بقوله تعالي:«أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ» (4) و التزويج جائز بأيّ نوعٍ كان من المال قليله و كثيره و لو بدرهمٍ.

و عن مالك ثلاثة أوجُهٍ.

أحدها: كما قلناه.

و الثاني: لا يُقبل إلّا أقلّ نصابٍ من نُصُب الزكاة من نوع أموالهم.

[و] الثالث: ما يُستباح به البُضْع و القطع في السرقة؛ لقوله تعالي:

«أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ» (5) (4) .5.

ص: 305


1- التوبة: 103.
2- الذاريات: 19.
3- حلية العلماء 339:8، البيان 412:13، المغني 315:5، الشرح الكبير 340:5. (4 و 5) النساء: 24.
4- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1043/612:2، الذخيرة 288:9-289، عيون المجالس 1701:4-1198/1703، المعونة 1245:2، جامع الأُمّهات: 401، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 339:8-340، البيان 412:13، المغني 315:5-316، الشرح الكبير 340:5.

و يبطل بوقوع اسم المال علي القليل و الكثير، و البُضْع - عندنا و عند الشافعي(1) - يُستباح بالقليل و الكثير.

و هل يُقبل تفسيره بالمستولدة ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّها مال يجوز بيعها بعد موت ولدها، و يُنتفع بها و تُستأجر و إن كانت لا تُباع، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و لو فسّره بوقفٍ عليه، قُبِل.

و خرّج بعض الشافعيّة ذلك علي الخلاف في أنّ الملك في الوقف هل هو للموقوف عليه أم لا؟(3).

مسألة 895: لو قال: له علَيَّ مالٌ عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال و أيّ مال، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموَّل أيضاً،

كما لو قال:

«مال» لم يزد عليه؛ لأنّه يحتمل أن يريد به عظم خطره بكفر مستحلّه و وزر غاصبه و الخائن فيه؛ لأنّ أصل ما يبني عليه الإقرار الأخذ بالمتيقّن و الترك لغيره، و لا يعتبر الغلبة.

و اختلف أصحاب أبي حنيفة:

فمنهم مَنْ قال: لا يُقبل أقلّ من عشرة دراهم - و ذكر أنّه مذهب

ص: 306


1- الحاوي الكبير 396:9-397، المهذّب - للشيرازي - 56:2، الوسيط 215:5، حلية العلماء 444:6، التهذيب - للبغوي - 478:5، العزيز شرح الوجيز 232:8-233، روضة الطالبين 575:5، بداية المجتهد 18:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1291/714:2، المغني و الشرح الكبير 5:8. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4.

أبي حنيفة - لأنّه يُقطع به السارق، و يكون صداقاً عنده(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يُقبل أقلّ من مائتي درهم - قال الرازي:

هذا مذهب أبي حنيفة - لأنّه الذي تجب فيه الزكاة(2).

و قال أبو عبد اللّه الجرجاني: نصّ أبو حنيفة علي ذلك، و قال: إذا أقرّ بأموال عظيمة، يلزمه ستمائة درهم(3).

و اختلف أصحاب مالك:

فمنهم مَنْ يقول: يُقبل ما يُقبل في المال.

و منهم مَنْ قال: يزيد علي ذلك أقلّ زيادة.

و منهم مَنْ قال: قدر الدية.

و منهم مَنْ قال: ثلاثة دراهم نصاب القطع؛ لأنّ الدانق و الحبّة لا يُسمّي عظيماً، فلا يصحّ التفسير به، كما لو قال: مال جزيل(4).2.

ص: 307


1- تحفة الفقهاء 198:3، بدائع الصنائع 220:7، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الفقه النافع 274/525:2، و 545/813، الهداية - للمرغيناني - 180:3-181، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 340:8-341، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 412:13، العزيز شرح الوجيز 306:5، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5.
2- تحفة الفقهاء 197:3-198، بدائع الصنائع 220:7، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الهداية - للمرغيناني - 180:3، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 136:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، الحاوي الكبير 13:7، بحر المذهب 231:8، الوسيط 333:3، حلية العلماء 341:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 412:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، الشرح الكبير 339:5.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 360:3، ضمن المسألة 1 من كتاب الإقرار، و انظر بدائع الصنائع 220:7، و فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 136:3، و بحر المذهب 232:8.
4- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1044/613:2، جامع الأُمّهات: 401، الذخيرة 289:9، المعونة 1246:2، حلية العلماء 341:8، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2.

و هو غلط؛ لأنّا نجري الجزيل مجري العظيم.

و الأصل في ذلك أنّه ليس في العظيم حدٌّ في الشرع و لا في اللغة و لا في العرف، و الناس يختلفون في ذلك، فبعضهم يستعظم القليل، و بعضهم لا يستعظم الكثير، فلم يثبت في ذلك حدٌّ يرجع إليه، و لا في اللغة و لا في العرف قانون يُعوَّل عليه، فيرجع إلي تفسيره و بيانه؛ لأنّه أعرف بمراده.

مسألة 896: لو قال: له علَيَّ مالٌ كثير، قال الشيخ رحمه الله: إنّه يلزمه ثمانون؛

بناءً علي الرواية التي تضمّنت أنّ الوصيّة بالمال الكثير وصيّة بثمانين(1) ، و لم يعرف هذا التفسيرَ أحدٌ من الفقهاء(2).

و قد عرفتَ قولهم في العظيم، و كذا في الكثير عندهم.

و قال الليث بن سعد: يلزمه اثنان و سبعون درهماً؛ لأنّ اللّه تعالي قال:«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» (3) و كانت غزواته صلي الله عليه و آله و سراياه اثنين و سبعين(4).

و هو غلط؛ لأنّ ذلك ليس بحدٍّ لأقلّ الكثير، و إنّما وصف ذلك بالكثرة، و لا يمنع ذلك وقوع الاسم علي ما دون ذلك، و قد قال اللّه تعالي:

«كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً» (5) و ليس المراد ما ذكره، و كذا قوله

ص: 308


1- راجع الكافي 463:7-21/464، و معاني الأخبار: 218 (باب معني الكثير من المال) ح 1، و التهذيب 1147/309:8.
2- الخلاف 359:3، المسألة 1 من كتاب الإقرار.
3- التوبة: 25.
4- الحاوي الكبير 13:7 و 14، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 341:8، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5.
5- البقرة: 249.

تعالي:«اُذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً» (1) و لم ينصرف إلي ذلك، و لهذا أمثال كثيرة في القرآن، و أصحابنا التجئوا في ذلك إلي الرواية(2) ، و كانت المواطن عندهم ثمانين موطناً.

إذا عرفت هذا، فنقول: تُقصر الرواية علي ما وردت عليه، و يبقي الباقي علي الإجمال.

مسألة 897: وافقنا أبو حنيفة

مسألة 897: وافقنا أبو حنيفة(3) في الجليل و النفيس و الخطير علي قبول التفسير بأقلّ ما يتموّل.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم علي تفسير مطلق المال؛ ليكون لوصفه بالعظيم فائدة(4).

و اكتفي بعضهم بالعظم من حيث الجرم و الجثّة(5).

و لو قال: له علَيَّ مال عظيم جدّاً، أو: عظيم عظيم، فكقوله: له علَيَّ مالٌ، و يُقبل تفسيره بما قلّ و كثر.

و كذا لو قال: وافر، أو: خطير.

و لو قال: له علَيَّ مالٌ قليل أو خسيس أو تافه أو يسير، فهو كما لو قال: مال، و تُحمل هذه الصفات علي استحقاق الناس إيّاه، و علي أنّه فانٍ زائل، فكثيره بهذه الاعتبار قليل، و قليله بالاعتبار الأوّل كثير، و قد يستعظم

ص: 309


1- الأحزاب: 41.
2- راجع الهامش (1) من ص 308.
3- العزيز شرح الوجيز 305:5-306.
4- العزيز شرح الوجيز 306:5، روضة الطالبين 29:4.
5- العزيز شرح الوجيز 306:5.

الفقير ما يستحقره الغني.

مسألة 898: لو قال: لزيدٍ علَيَّ أكثر من مال فلان، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل و إن كثر مال فلان؛

لأنّه يحتمل أن يريد به أنّه دَيْنٌ لا يتطرّق إليه الهلاك، و ذلك عين معرَّض للهلاك، أو يريد أنّ مال زيد علَيَّ حلال، و مال فلان حرام، و القليل من الحلال أكثر بركةً من الكثير من الحرام، و كما أنّ القدر مبهم في هذا الإقرار، فكذلك الجنس و النوع مبهمان.

و لو قال: له علَيَّ أكثر من مال فلان عدداً، فالإبهام في الجنس و النوع.

و لو قال: له علَيَّ من الذهب أكثر ممّا لفلان، فالإبهام في القدر و النوع. و لو قال: من صحاح الذهب، فالإبهام في القدر وحده.

و لو قال: له علَيَّ أكثر من مال فلان، و فسّره بأكثر منه عدداً أو قدراً، لزمه أكثر منه، و يرجع إليه في تفسير الزيادة و لو حبّة أو أقلّ.

و لو قال: ما علمتُ أنّ مال فلانٍ كذا، أو ما علمتُ لفلانٍ أكثر من كذا، و قامت البيّنة بأكثر منه، لم يلزمه أكثر ممّا اعترف به؛ لأنّ المال يخفي كثيراً عن الغير، و لا يعرف أحد قدره في الأكثر، و قد يكون ظاهراً و باطناً، فيملك ما لا يعرفه المُقرّ، فكان المرجع إلي ما اعتقده المُقرّ مع يمينه إذا ادّعي عليه أكثر منه. و إن فسّره بأقلّ من ماله مع علمه بماله، لم يُقبل.

مسألة 899: لو قال: لي عليك ألف دينار، فقال: لك علَيَّ أكثر من ذلك، لم يلزمه أكثر من الألف،

بل و لا الألف؛ لأنّ لفظة «أكثر» مبهمة؛ لاحتمالها الأكثريّة في القدر أو العدد، فيحتمل أنّه أراد أكثر منه فلوساً أو حَبّ حنطة أو حَبّ شعير أو دخن، فيرجع في ذلك إلي تفسيره.

و استبعده بعض العامّة؛ لأنّ «أكثر» إنّما تُستعمل حقيقةً في العدد أو في القدر، فيُصرف إلي جنس ما أُضيف «أكثر» إليه، لا يُفهم في الإطلاق غير

ص: 310

ذلك، قال اللّه تعالي:«كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ» (1) و قال تعالي:«أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً» (2)«وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً» (3) مع أنّه إذا قال: له علَيَّ دراهم، لزمه ثلاثة أقلّ الجمع وازنة صحيحة حالّة، مع احتمال إرادة الأدون و الأردأ و المؤجَّل، و لا يُقبل تفسيره بهذه؛ حملاً للّفظ علي ظاهره، و احتمال «أكثر» هنا أبعد(4).

و التحقيق أنّ «أكثر» إن قُرن ب «من» لم تجب مشاركته في الجنس، و إلّا وجب؛ لأنّ «أفعل» بعض لما يضاف إليه.

مسألة 900: لو قال: لزيدٍ علَيَّ مال أكثر ممّا تشهد به الشهود علي فلان، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل أيضاً؛

لاحتمال أنّه يعتقد أنّهم شهدوا زوراً، و يريد أنّ القليل من الحلال أكثر بركةً.

و لو قال: أكثر ممّا قضي [به] القاضي علي فلان، فهو كما لو قال:

أكثر ممّا شهد به الشهود؛ لأنّ قضاء القاضي قد يكون مستنداً إلي شهادة الزور و إلي شهادة الفُسّاق، و يجوز أن يغلط أو يعصي، فيقضي بغير الحقّ، و الحكم الظاهر لا يغيّر ما عند اللّه.

و هذا أظهر وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يلزمه القدر الذي قضي به القاضي؛ لأنّ قضاء القاضي محمول علي الحقّ و الصدق(5).

و ليس جيّداً.

ص: 311


1- غافر: 82.
2- الكهف: 34.
3- سبأ: 35.
4- المغني 317:5-318، الشرح الكبير 348:5.
5- العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4.
مسألة 901: لو قال: لفلانٍ علَيَّ أكثر ممّا في يد زيدٍ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل،

كما لو قال: أكثر من مال فلان.

و لو قال: له علَيَّ أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم، لا يلزمه التفسير بجنس الدرهم، لكن يلزمه ذلك العدد من أيّ جنسٍ شاء و زيادة بأقلّ ما يُتموّل، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و اعتُرض بأنّه يخالف قياس ما سبق؛ لوجهين:

الأوّل: التزام ذلك العدد.

و الثاني: التزام زيادةٍ عليه(2).

و التأويل الذي تقدّم للأكثريّة ينفيهما جميعاً.

و لو قال: له علَيَّ من الدراهم أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم، و كان في يد فلان ثلاثة دراهم، قال بعض الشافعيّة: يلزمه ثلاثة دراهم و زيادة أقلّ ما يُتموّل(3).

و قال بعضهم: لا يلزمه زيادة؛ حملاً للأكثر علي ما سبق(4).

و الأقرب عندي: إنّه يُقبل لو فسّر بما دون الثلاثة أيضاً.

و لو كان في يده عشرة دراهم و قال المُقرّ: لم أعلم و ظننتُ أنّه ثلاثة، قُبِل قوله مع يمينه.

البحث الثالث: في الإقرار بكناية العدد.
مسألة 902: لو قال: لفلان علَيَّ كذا، فهو مبهم بمنزلة قوله: له علَيَّ شيء، فيُقبل تفسيره بما يُقبل به تفسير الشيء.

ص: 312


1- التهذيب - للبغوي - 239:4، العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4. (2-4) العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4.

و لو قال: له علَيَّ كذا كذا، فهو كما لو قال: كذا، و التكرار للتأكيد لا للتجديد، فكأنّه قال: له علَيَّ شيء شيء.

و لو قال: له علَيَّ كذا و كذا، فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متّفقين يُقبل كلّ واحدٍ منهما في تفسير «كذا» من غير عطفٍ.

و كذا لو قال: علَيَّ شيء، أو قال: شيء و شيء.

و لو عقّبه بالدرهم مثلاً، فقال: له علَيَّ كذا درهم، فلا يخلو إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف عليه.

فإن نصبه فقال: له علَيَّ كذا درهماً، لزمه درهم واحد، و كان الدرهم منصوباً علي التمييز؛ لأنّه تفسير لما أبهمه.

و قال بعض الكوفيّين: إنّه منصوب علي القطع، فكأنّه قطع ما ابتدأ به و أقرّ بدرهمٍ(1).

و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يلزمه عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ اسم عددٍ مفرد ينتصب الدرهم المفسّر عقيبه(3).

و هو جيّد إن كان المُقرّ عارفاً بالعربيّة. و الأقرب: الأوّل؛ لأنّه المتيقّن.4.

ص: 313


1- المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5.
2- الحاوي الكبير 26:6، التهذيب - للبغوي - 243:4، البيان 422:13-423، العزيز شرح الوجيز 308:5، المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5، عيون المجالس 1205/1711:4.
3- روضة القضاة 721:2، ذيل الرقم 4072، الاختيار لتعليل المختار 205:2، الوسيط 334:3، العزيز شرح الوجيز 308:5، عيون المجالس 1205/1711:4.

و إن رفعه فقال: كذا درهمٌ، لزمه درهم واحد إجماعاً، و تقديره:

شيء هو درهم، فجعل الدرهم بدلاً من «كذا».

و إن جرّه، لزمه بعض درهمٍ، و صار تقديره: له علَيَّ جزء درهمٍ، أو بعض درهمٍ، و يرجع في تفسير قدره إليه، و يكون «كذا» كنايةً عن ذلك الجزء.

و قال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنّه يلزمه مائة درهم؛ لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه(1) و يجرّ به(2).

و ما ذكرناه أولي؛ لأنّه المتيقّن، و لا يُنظر إلي الإعراب في تفسير الألفاظ المبهمة، و لا تُوازن المبهمات المبيّنات.

و لا فرق بين أن يقول: علَيَّ كذا درهم صحيح، أو لم يقل لفظة «صحيح».

و بعضهم فرّق بأنّه إذا قال: له علَيَّ كذا درهم صحيح، بالجرّ، لم يجز حمله علي بعض درهمٍ، فتتعيّن المائة(3).

و الحقّ أنّه يلزمه درهم واحد.

و قال بعض الشافعيّة: إذا جرّ، لزمه درهم واحد إذا لم يقل:

«صحيح»(4).

و لو وقف، لزمه بعض درهمٍ، كما في حالة الجرّ؛ لأنّه المتيقّن، لأنّه يجوز أن يسقط حركة الجرّ للوقف.5.

ص: 314


1- كذا قوله: «لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه». و فيه اضطراب.
2- الاختيار لتعليل المختار 206:2، العزيز شرح الوجيز 308:5.
3- راجع العزيز شرح الوجيز 308:5، و روضة الطالبين 30:4-31.
4- الحاوي الكبير 26:7، حلية العلماء 350:8، العزيز شرح الوجيز 308:5، روضة الطالبين 31:4، المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه درهم(1).

مسألة 903: لو قال: له علَيَّ كذا كذا، فهو بمنزلة مَنْ لم يكرّر، يلزمه درهم واحد.

ثمّ التقدير أن نقول: إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف.

فإن نصب، لزمه درهم لا غير، و لا يقتضي التكرير الزيادة، كأنّه قال:

له شيء شيء.

و قال أبو حنيفة: يلزمه أحد [عشر](2) درهماً؛ لأنّه أقلّ عددٍ مركّبٍ ينتصب بعده المميّز إن كان عالماً بالعربيّة(3).

و الأجود ما قلناه؛ تنزيلاً للإقرارات علي المتيقّن، لا علي المظنون؛ حيث أُخرجت أصالة براءة الذمّة عن أصلها.

و لو رفع، لزمه درهم واحد أيضاً. و تقديره: كذا كذا هو درهم.

و لا خلاف فيه.

و لو جرّ، لزمه بعض درهمٍ؛ لاحتمال أن يكون قد أضاف جزءاً إلي جزءٍ ثمّ أضاف الجزء الآخر إلي الدرهم، فيصير كأنّه قال: له بعضُ بعضِ

ص: 315


1- بحر المذهب 246:8، البيان 423:13، حلية العلماء 350:8، العزيز شرح الوجيز 308:5، روضة الطالبين 31:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و عشرون». و المثبت كما في المصادر هو الصحيح.
3- الاختيار لتعليل المختار 205:2، بدائع الصنائع 222:7، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 136:3، الفقه النافع 972/1218:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4، الهداية - للمرغيناني - 181:3، الوسيط 334:3-335، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.

درهمٍ، و يُقبل تفسيره.

و كذا لو وقف.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه في الجرّ و الوقف و النصب و الرفع درهم واحد(1).

و الوجه ما قلناه.

و لو قال: كذا كذا كذا درهم، لزمه بعض درهمٍ أيضاً؛ لاحتمال أنّه أراد ثُلث سُبع عُشر درهمٍ.

مسألة 904: لو كرّر «كذا» مع العطف، فقال: له علَيَّ كذا و كذا،

فإن رفع الدرهم، لزمه درهم واحد؛ لأنّه ذكر شيئين ثمّ أبدل منهما درهماً، فكأنّه قال: هُما درهم، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يلزمه درهم و زيادة(2).

و لو نصب، فالأقرب: إنّه يلزمه درهم واحد؛ لأنّ «كذا» يحتمل أن يكون أقلّ من درهمٍ، فإذا عطف عليه مثله ثمّ فسّرهما بدرهمٍ واحد، جاز.

و قال الشافعي: يلزمه درهمان؛ لأنّ «كذا» يقع علي درهمٍ، يعني لمّا وصل الجملتين بالدرهم كان كلّ واحدٍ من المعطوف و المعطوف عليه واقعاً علي درهمٍ، فكأنّه كناية عنه(3).

قال المزني: و قال في موضعٍ آخَر: إذا قال: كذا و كذا درهماً، قيل:

أعطه درهماً أو أكثر من قِبَل أنّ «كذا» يقع علي أقلّ من درهمٍ، و قوله:

ص: 316


1- التهذيب - للبغوي - 243:4.
2- العزيز شرح الوجيز 310:5، روضة الطالبين 31:4.
3- الأُم 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 27:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 246:8-247، الوسيط 334:3، التهذيب - للبغوي - 244:4، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4.

«أو أكثر» أي: إذا فسّره بأكثر من درهمٍ، لزمه، و إلّا فالدرهم يقين. و يُروي في بعض النسخ: «و أكثر». هذا ما نقله المزني(1).

و اختلف أصحاب الشافعي في المسألة علي طريقين:

أشهرهما: إنّه علي قولين:

أصحّهما: إنّه يلزمه درهمان؛ لأنّه أقرّ بجملتين مبهمتين، و عقّبهما بالدرهم، فالظاهر كونه تفسيراً لهما، كما لو قال: له علَيَّ عشرون درهماً، فإنّ الدرهم تفسير للعشرين.

و الثاني - و هو اختيار المزني -: إنّه لا يلزمه إلّا درهم واحد؛ لجواز أن يريد به تفسير اللفظين معاً بالدرهم، و حينئذٍ يكون المراد من كلّ واحدٍ نصف درهمٍ(2).

و زاد بعضهم قولاً ثالثاً، و هو: إنّه يلزمه درهم و شيء، أمّا الدرهم:

فلتفسير الجملة الثانية، و أمّا الشيء: فللأُولي الباقية علي إبهامها. و هو موافق لرواية مَنْ روي «أعطه درهماً و أكثر»(3).

و الطريق الثاني: القطع بأنّه يلزمه درهمان.

و اختلفوا في نقل المزني و التصرّف فيه من وجوه:

أ - حمل ما نقله عن موضعٍ آخَر علي ما إذا قال: «كذا و كذا درهم»4.

ص: 317


1- مختصر المزني: 112، الأُم 223:6، الحاوي الكبير 27:7 و 28، التهذيب - للبغوي - 244:4، البيان 423:13-424، العزيز شرح الوجيز 309:5، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4.
2- الحاوي الكبير 27:7-28، الوجيز 198:1، الوسيط 334:3، حلية العلماء 348:8، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.
3- التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5، روضة الطالبين 31:4.

بالرفع، كأنّه يقول: و كذا الذي أبهمته درهم.

ب - إنّه حيث قال: «درهمان» أراد ما إذا أطلق اللفظ، و حيث قال:

«درهم» أراد ما إذا نواه، فصرف اللفظ عن ظاهره بالنيّة.

ج - إنّه حيث قال: «درهم» أراد ما إذا قال: «كذا و كذا درهماً» فشكّ أنّ الذي يلزمه شيئان أو شيء واحد.

د - إنّه حيث قال: «يلزمه درهم» صوّر فيما إذا قال: «كذا كذا درهماً»(1).

و قال أبو حنيفة: يلزمه أحد و عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ مفرد ميّز عددين أحدهما معطوف علي الآخَر(2).

و حكي عن أبي يوسف أنّه إذا قال: «كذا و كذا، أو: كذا و كذا درهماً»(3) لزمه أحد عشر درهماً(4).

و لو جرّ الدرهم، لزمه درهم عند بعض الشافعيّة(5).

و الحقّ أنّه يلزمه بعض الدرهم، و التقدير أنّه يلزمه شيء و بعض درهمٍ، و كلاهما بعض درهمٍ.

و لو قال: كذا و كذا و كذا درهماً، فإن قلنا: إن كرّر مرّتين لزمه4.

ص: 318


1- الحاوي الكبير 28:7، البيان 424:13، العزيز شرح الوجيز 309:5.
2- بدائع الصنائع 222:7، الاختيار لتعليل المختار 205:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 136:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الهداية - للمرغيناني - 181:3، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4، الوسيط 334:3-335، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.
3- «درهماً» لم ترد في النسخ الخطّيّة.
4- بحر المذهب 248:8، حلية العلماء 350:8، المغني 320:5، الشرح الكبير 344:5.
5- التهذيب - للبغوي - 243:4.

درهمان، فهنا يلزمه ثلاثة. و إن قلنا: يلزمه درهم، فكذا هنا.

مسألة 905: لو قال: له علَيَّ ألف و درهم، أو ألف و دراهم، أو ألف و ثوب، أو ألف و عبد،

فقد عطف معيّن الجنس علي مبهمه، فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف بأيّ شيء أراد، عندنا - و به قال الشافعي و مالك(1) - إذ لا منافاة بين عطف بعض الأجناس علي ما يغايرها، بل هو الواجب، فبأيّ شيء فسّره قُبِل، حتّي لو فسّره بحبّات الحنطة قُبِل.

و لو فسّره بألف كلب، فوجهان علي ما سلف(2).

و قال أبو حنيفة: إن عطف علي العدد المبهم موزوناً أو مكيلاً، كان تفسيراً له. و إن كان مذروعاً أو معدوداً، و بالجملة يكون [متقوّماً](3) لم يكن تفسيراً - كالثوب و العبد - لأنّ «علَيَّ» للإيجاب في الذمّة، فإذا عطف عليه ما يثبت في الذمّة بنفسه، كان تفسيراً له، كقوله: مائة و خمسون درهماً، و قوله: خمسة و عشرون درهماً، فإنّ الدرهم تفسير العشرين، و العشرون تفسير الخمسة(4).

ص: 319


1- الأُم 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 18:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 235:8، الوجيز 198:1، الوسيط 335:3، حلية العلماء 350:8-351، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 310:5، روضة الطالبين 32:4، منهاج الطالبين: 141، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1046/615:2، الذخيرة 278:9، عيون المجالس 1706:4-1201/1707، المعونة 1250:2، المبسوط - للسرخسي - 99:18، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2.
2- في ص 297، المسألة 887.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مفهوماً» و ذلك تصحيف.
4- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 222:7، الاختيار لتعليل المختار 206:2، المبسوط - للسرخسي - 99:18، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 137:3، بحر المذهب 235:8، الوسيط 335:3، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 310:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1046/615:2، الذخيرة 277:9، عيون المجالس 1201/1707:4، المعونة 1250:2، المغني 307:5، الشرح الكبير 344:5-345.

و ما قدّمناه أصحّ؛ لأنّه مفسّر معطوف علي مبهمٍ، فلم يكن تفسيراً، كقوله: مائة و ثوب. و ما ذكره أبو حنيفة منتقض بالثوب، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه، لأنّه يقول: إذا أتلف عبداً أو ثوباً، وجب مثله في ذمّته(1) ، و لهذا يجوز أن يصطلحا علي أكثر من قيمته. و ما ذكروه(2) من مائة و خمسين فإنّ الدرهم المنصوب علي التمييز يميّز الجملتين جميعاً، و يكون لفظه بحكم ما يليه مبهماً، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك(3).

و قد اختلف أصحاب مالك(4) ، فمنهم مَنْ وافقنا، و منهم مَنْ قال:

يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يقول: علَيَّ ألف و درهم، أو: درهم و ألف، أو: ألف و درهمان في أنّ الألف مبهمة.

مسألة 906: لو قال: له علَيَّ خمسة عشر درهماً، فالكلّ دراهم؛

لأنّه لا عطف، و إنّما هُما اسمان جُعلا واحداً، فالمذكور تفسير له، فلو باعه

ص: 320


1- المغني و الشرح الكبير 385:4.
2- كذا، و الظاهر: «ذكره».
3- المهذّب - للشيرازي - 350:2، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
4- كذا قوله: «مالك» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في العزيز شرح الوجيز 310:5: «أحمد». و الاختلاف المذكور موجود في المغني 306:5، و الشرح الكبير 345:5-346.

بخمسة عشر درهماً، صحّ البيع إجماعاً.

و لو قال: ألف و ثلاثة دراهم، فالكلّ دراهم أيضاً؛ قضاءً للعرف فيه.

و لو قال: خمسة و عشرون درهماً، أو: مائة و خمسة و عشرون درهماً، أو: ألف و مائة و خمسة و عشرون درهماً، فالكلّ دراهم؛ لأنّ عرف اللغة و الاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم كلّها أتي بهذه العبارة، و لأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شيء زائد، بل هو تفسير، و ليس تفسيراً للبعض؛ لاحتياج الكلّ إلي التفسير، فيكون تفسيراً للكلّ.

و قال بعض الشافعيّة: في «خمسة و عشرين» الخمسةُ مجملة، و العشرون مفسَّرة بالدرهم؛ لمكان العطف(1) ، فلو باعه بخمسة و عشرين درهماً، لم يصح علي هذا القول.

و كذا الخلاف في مائة و خمسة و عشرين درهماً، و قوله: ألف و مائة و خمسة و عشرون درهماً، أو: خمسون و ألف درهم، أو: مائة و ألف درهم، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة و أبو سعيد الاصطخري:

لا يكون تفسيراً إلّا لما يليه من الجملتين، و ما قبل ذلك يُرجع إلي تفسيره(2).

و قال أكثر الشافعيّة: إنّه يكون تفسيراً للجملتين، و يكون الدرهم المفسّر عائداً إلي الجملتين؛ لأنّ إحدي الجملتين تفسير للأُخري(3).

و لو قال: ثمانية دراهم و ألف، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.4.

ص: 321


1- بحر المذهب 235:8، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
2- الوسيط 335:3-336، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
3- الوجيز 198:1، الوسيط 335:3، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.

و لو قال: ألف و ثلاثة أثواب، فالجميع أثواب.

و كذا: مائة و أربعة دنانير، فالجميع دنانير.

و لو قال: مائة و نصف درهم، فالأقرب: إنّ المائة دراهم.

و لو قال: درهم و نصف، فالنصف يرجع إلي الدرهم، و كذا: عشرة دراهم و نصف، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّ النصف مبهم؛ لأنّه معطوف علي ما تقدّم مفسّراً، فلا يتأثّر به(1).

و أكثرهم قال: الجميع دراهم؛ لجريان العادة به حتي لو قال: له علَيَّ درهم و نصف درهمٍ، عُدّ مُطوّلاً تطويلاً زائداً علي قدر الحاجة(2).

أمّا لو قال: له علَيَّ نصف و درهم، فالنصف مبهم.

و لو قال: مائة و قفيز حنطة، فالمائة مبهمة، بخلاف قوله: مائة و ثلاثة دراهم؛ لأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للكلّ، و الحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال: مائة حنطة.

و لو قال: له علَيَّ ألف درهمٌ(3) ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ، كأنّه قال: الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.

البحث الرابع: في الإقرار بالدرهم.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: في المفرد.
مسألة 907: الدرهم الإسلامي المعتبر في نُصُب الزكوات

و مقادير

ص: 322


1- الوجيز 198:1، الوسيط 336:3، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
2- الوسيط 336:3، التهذيب - للبغوي - 240:4، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلّا درهم». و المثبت هو الصحيح بدون «إلّا».

الديات و غيرها وزنة ستّة دوانيق، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل، و الدانق: ثماني حبّات و خُمْسا حبّةٍ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً و خُمْسي حبّةٍ.

و المراد من الحبّة حبّةُ الشعير لا من كباره و لا من صغاره، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر، بل قُطع من طرفها ما دقّ و طال.

و الدينار: اثنتان و سبعون حبّة منها، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلّام(1).

و المشهور عند علمائنا: إنّ الدانق ثمان حبّات، و به قال ابن سريج(2) من الشافعيّة، فعلي هذا يكون الدرهم ثمانيةً و أربعين حبّةً.

إذا عرفت هذا، فإذا قال: له علَيَّ درهم، و أطلق، حُمل علي المتعارف عند القائل في المعاملة، فإن وافق المشروع فذاك، و إلّا كان حمله علي المتعارف أولي من حمله علي العرف الشرعي.

فلو قال: له علَيَّ ألف درهم، ثمّ قال: هي ناقصة - كدراهم «طبريّة الشام» الواحد منها أربعة دوانيق، أو كدراهم خوارزم، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق و نصف، أو كدراهمنا - اليوم - السلطانيّة، الواحد منها نصف مثقالٍ - فإن كان الإقرار في عرف المُقرّ أو بلد الإقرار و دراهمه تامّة و كان قد ذكره متّصلاً، فالأقوي: القبول، كالاستثناء، فكأنّه استثني من كلّ درهمٍ دانقين، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و قال ابن خيران: إنّها علي قولين؛ بناءً علي أنّ الإقرار هلم.

ص: 323


1- عنه في العزيز شرح الوجيز 311:5، و روضة الطالبين 32:4.
2- المنسوب اليه في العزيز شرح الوجيز 311:5، و روضة الطالبين 32:4 هو المحكيّ عن أبي عبيد القاسم بن سلّام.

يتبعّض ؟(1).

و الثاني: المنع؛ لأنّ اللفظ صريح فيه، و ليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء، و لهذا لو قال: له علَيَّ ألف بل خمسمائة، يلزمه الألف، و لأنّ قوله: «ألف درهم» يقتضي الوازنة، كما لو باع و لم يعيّن، فإذا قال:

نقص، فقد رجع عن إقراره؛ لأنّ الوازنة غير النقص، و ليس النقص من جملتها(2).

و هو خطأ؛ لأنّ الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة و عن الناقصة، و إنّما حُملت علي الوازنة؛ لأنّ عرف الإسلام قائم فيها، لأنّها دراهم الإسلام، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن إقراره، و إنّما صرفه عن ظاهره إلي مستعملٍ، فافترقا.

و إن ذكره منفصلاً، لم يُقبل؛ لأنّه كالاستثناء، و لا يصحّ الاستثناء المنفصل، و عليه وزن الدراهم المتعارفة عند المُقرّ و بلد الإقرار، و إن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل علي وزن دراهم الإسلام، إلّا أن يصدّقه المُقرّ له؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم، و عرف البلد [مؤيّد له](1).

و اختار بعض الشافعيّة القبولَ؛ لأنّ اللفظ محتمل له(2).

و الأصل براءة الذمّة.

و إن كان الإقرار في بلدٍ دراهمه ناقصة، فإن ذكره متّصلاً، قُبِل؛ لأنّ اللفظ و العرف يصدّقانه فيه.4.

ص: 324


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو بدله». و ذلك تصحيف، و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 33:4.

و إن ذكره منفصلاً، احتُمل قويّاً القبول؛ حملاً لكلامه علي نقد البلد، لأنّ للعرف أثراً بيّناً في تقييد الألفاظ، حتي أنّه لو طرأ علي اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً، و صار كما في المعاملات، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يُقبل، و يُحمل مطلق إقراره علي وزن الإسلام، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف باختلاف البلدان(1).

و الفرق ظاهر.

و كذا الخلاف فيما إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام، احتُمل حمل إقراره علي دراهم البلد و علي دراهم الإسلام.

فإن قلنا بالأوّل فلو قال: «عنيت دراهم الإسلام» منفصلاً، لم يُقبل.

و لو قال متّصلاً، فالأقرب: القبول.

و للشافعيّة وجهان، هذا أصحّهما(2).

مسألة 908: و لا فرق بين أن يُقرّ بمائة درهم و يسكت ثمّ يقول:

ناقصة، أو صغار و هي دَيْن،

أو يقول: هي وديعة، أو غصب، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: في الغصب و الوديعة يُقبل؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ، و ذلك لا يقتضي سلامتها، فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد، فلم يُقبل

ص: 325


1- الحاوي الكبير 61:7-62، المهذّب - للشيرازي - 351:2، البيان 416:13.
2- تحفة الفقهاء 201:3، المبسوط - للسرخسي - 13:18، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.

تفسيره بما يخالف ذلك، كالدَّيْن، بخلاف العبد، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.

و لو أقرّ بدراهم و أطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة، فالأقرب: الحمل علي عرف ذلك البلد و دنانيره؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل علي عرف بلدهم، كما في البيع و الأثمان.

مسألة 909: الدرهم عند الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة، فلو أقرّ بدراهم و فسّرها بالفلوس، لم يُقبل.

و لو فسّر بالدراهم المغشوشة، فهو كالتفسير بالناقصة؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم، فيجيء فيه التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.

فإن سكت بعد إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [أو](1) أخذ في كلامٍ غير ما كان فيه، استقرّ عليه الخالصة، فإن عاد و قال: زيوفاً، لم يقبل.

و لو وصل الكلام أو سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ و شبهه ثمّ وصفها بالرداءة، فالأقرب: القبول؛ لأنّ الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة و يحتاج إلي الإقرار بها حذر الموت، فلو لم يُسمع منه ذلك لأدّي إلي كتمان الحقّ و عدم التخلّص و براءة الذمّة، و هو ضرر عظيم، و لأنّه كما قبل الاستثناء، فالقبول هنا أولي؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل، بخلاف الوصف بالغشّ.

و لو قال: له علَيَّ دراهم صغار، و ليس للناس دراهم صغار و هي

ص: 326


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و المثبت يقتضيه السياق.

الناقصة، قُبِل أيضاً تفسيره، خلافاً لبعض الشافعيّة(1).

و لو فسّر بجنس رديء من الفضّة قُبِل، كما لو قال: علَيَّ ثوب، ثمّ فسّر بجنس رديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به، و هنا بخلافه.

مسألة 910: إذا أقرّ بدرهمٍ، انصرف الإطلاق إلي سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه، فإن فسّرها به قُبِل.

و إن فسّرها بسكّة غير سكّة البلد أجود منها، قُبِل؛ لأنّه يُقرّ علي نفسه بما هو أغلظ.

و كذا إن كانت مثلها؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.

و إن كانت أدني من سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن، احتُمل أن لا يُقبل؛ لأنّ إطلاقها يقتضي دراهم البلد و نقده، فلا يُقبل منه دونها، كما لا يُقبل في البيع، و لأنّها ناقصة القيمة، فلم يُقبل تفسيره بها، كالناقصة وزناً.

و يحتمل القبول - و هو الأقوي عندي، و به قال الشافعي(2) - لأنّه يحتمل ما فسّره به، بخلاف الناقصة؛ لأنّ إطلاق الشرع الدراهم لا يتناولها، بخلاف هذه، و لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به، بخلاف هذه، و لهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة و غيره، بخلاف الثمن، فإنّه إيجاب في الحال،

ص: 327


1- المهذّب - للشيرازي - 348:2، البيان 415:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4، المغني 292:5، الشرح الكبير 316:5.
2- الحاوي الكبير 54:7، حلية العلماء 343:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 33:4، المغني 294:5، الشرح الكبير 314:5-315.

و هذا إخبار عن حقٍّ سابق، و لأنّ البيع إنشاء معاملة، و الغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع فيما يروج فيها و يتعامل الناس بها، و الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت بمعاملةٍ في تلك البلدة و ربما يثبت بغيرها، فوجب الرجوع إلي إرادته، و لأنّه لا بدّ من صيانة البيع عن الجهالة، و الحمل علي ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به الجهالة، و الإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.

و قال المزني: لا يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد(1).

مسألة 911: لو قال: له علَيَّ دُرَيْهم، أو دُرَيْهمات، أو درهم صغير، أو دراهم صغار،

فالوجه: قبول تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.

و اضطرب قول الشافعيّة:

فالذي رواه الجويني: إنّه كما لو قال: درهم، أو دراهم، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ السابق، و ليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن، و الوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل، و يجوز أن يكون بالإضافة إلي الدراهم البغليّة(2).

و قال بعض الشافعيّة بذلك في قوله: «دُرَيْهم» و قال في قوله: «درهم صغير»: إن كان بطبريّة يلزمه نقد البلد، و إن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة، و كذلك إن كان بغزنة.

و في هذا القول اضطراب؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بطبريّة، و إن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد

ص: 328


1- الحاوي الكبير 54:7، حلية العلماء 343:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4.
2- العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4.

بغزنة(1).

و قال بعضهم: إذا قال: دُرَيْهم، أو درهم صغير، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة؛ لأنّها أصغر من دراهم الإسلام، و هي أصغر من البغليّة، فهي أصغر الصغيرين، فيؤخذ باليقين. و لم يفرّق بين بلدةٍ و بلدةٍ، و لأنّا لا نفرّق بين أن يقول: مال، و بين أن يقول: مال صغير، فكذلك في الدراهم(2).

مسألة 912: لو قال: له علَيَّ درهم كبير، لزمه درهم من دراهم الإسلام؛ لأنّه كبير في العرف.

و لو كان هناك ما هو أكثر وزناً منه، فالأقرب: المساواة.

فلو فسّره بالأقلّ من دراهم الإسلام، احتُمل القبول؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن، بل بالحلال.

و لو قال: له دُرَيْهم، فهو كما لو قال: درهم؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة قدره عنده، و قد يكون لمحبّته.

المطلب الثاني: في المتعدّد.
مسألة 913: إذا قال: له علَيَّ دراهم، و لم يفسّر العدد، لزمه ثلاثة؛

لأنها أقلّ الجمع، و لا يُقبل تفسيره بأقلّ منها - و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(1) - لأنّ العرب وضعت صيغة آحاد و تثنية و جمع، فقالوا: رجل

ص: 329


1- الحاوي الكبير 16:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، الوسيط 336:3، الوجيز 198:1، حلية العلماء 346:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 34:4.

و رجلان و رجال.

و يحتمل عندي القبول لو فسّره باثنين؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع، كما في قوله تعالي:«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ» (1) و المراد أخوان، و قال عليه السلام: «الاثنان فما فوقهما جماعة»(2) و لأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.

و لو سُلّم أنّه مجاز، فلا تستحيل إرادته، فإذا فسّر به قُبِل؛ لأنّه أعرف بقصده، و الألفاظ لا تدلّ علي المعاني بذواتها، بل باعتبار قصد المتكلّم.

و به قال بعض الشافعيّة(3).

و لو قال: له علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم، لزمه اثنان؛ لأنّ العدد هو المعدود، و كلّ معدودٍ متعدّد، فيخرج عنه الواحد، و لأنّ الاثنين مبدأ العدد و أوّل مراتبه، بخلاف الواحد.

مسألة 914: لو قال: له علَيَّ دراهم عظيمة، أو جليلة، أو جزيلة، أو وافرة، كان له ثلاثة،

و كان كقوله: ثلاثة - و به قال الشافعي(4) - لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً و لا لغةً و لا عرفاً، و تختلف بالأوصاف و أحوال الناس، فالثلاثة أكثر من الاثنين و أقلّ ممّا فوقها، فيحتمل أنّ المُقرّ أراد كثيرة بالنسبة

ص: 330


1- النساء: 11.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 61:2 (الباب 31) ح 248، سنن الدارقطني 1/280:1، المستدرك - للحاكم - 334:4، شرح معاني الآثار 308:1، تاريخ بغداد 415:8.
3- الحاوي الكبير 16:7، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13.
4- الحاوي الكبير 17:7، حلية العلماء 347:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 34:4، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4.

إلي ما دونها، و لأنّ الناس يختلفون، فمنهم مَنْ يستعظم القليل، و منهم مَنْ يستقلّ الكثير، فجاز أن يريد كثيرة في وهمه و ظنّه، و تكون الثلاثة عنده كثيرةً.

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يُقبل أقلّ من مائتين؛ لأنّ بها يحصل الغني و تجب الزكاة(2).

و الحمل علي يقين الأقلّ و براءة الذمّة أولي.

و لو قال: علَيَّ دراهم كثيرة، احتُمل لزوم ثمانين علي الرواية(3).

و الوجه: ما قلناه في العظيمة.

و لو قال: دنانير كثيرة، فعلي الرواية يلزمه ثمانون، و علي قول أبي حنيفة يلزمه عشرة(4) ، و علي قول أبي يوسف و محمّد يلزمه عشرون(5).8.

ص: 331


1- تحفة الفقهاء 197:3، بدائع الصنائع 220:7، الهداية - للمرغيناني - 180:3-181، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الاختيار لتعليل المختار 205:2، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، الحاوي الكبير 17:7، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 306:5، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5.
2- تحفة الفقهاء 197:3، بدائع الصنائع 220:7، الاختيار لتعليل المختار 205:2، الهداية - للمرغيناني - 181:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5.
3- الكافي 463:7-21/464، معاني الأخبار: 1/218، التهذيب 1147/309:8. (4 و 5) الاختيار لتعليل المختار 205:2، الهداية - للمرغيناني - 181:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، حلية العلماء 347:8.

و لو قال: حنطة عظيمة، أو كثيرة، فعلي قول أبي حنيفة يرجع إلي بيانه فيما يُسمّي كثيراً في العادة(1) ، و علي قولهما يلزمه خمسة أوسق(2).

و لو قال: له علَيَّ مائة درهم عدداً، فالأقرب: قبول قوله في إرادة الناقصة.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه مائة درهم - بوزن الإسلام - صحاح، و لا يشترط أن يكون لكلّ واحدٍ ستّة دوانيق، و كذا في البيع، و مَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن، إلّا أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة، و ظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول(1).

و لو قال: علَيَّ مائة عدد من الدراهم، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.

مسألة 915: إذا قال: له علَيَّ ألف درهم زُيَّف، جمع زائف، و هي التي لم تَجْر،

فإن فسّر و قال: أردتُ به أنّها كلّها نحاس أو رصاص، لم يُقبل، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به؛ لأنّ النحاس و الرصاص لا يُسمّي دراهم، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه، فصار كاستثناء الكلّ.

و إن فسّر ذلك بما لفظه نحاس أو رصاص، قال بعض الشافعيّة:

الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك بإقراره أو فصله قُبِل منه؛ لأنّ الشافعي قال: «و لو قال: هي من سكّة كذا، صُدّق مع يمينه، كانت أدني

ص: 332


1- التهذيب - للبغوي - 246:4، العزيز شرح الوجيز 313:5-314، روضة الطالبين 34:4.

الدراهم أو وسطها»(1) - قال بعض الشافعيّة: أدني الدراهم هي المغشوشة(2) - و قول الشافعي: «ثمّ قال: هي نقص أو زيف لم يُصدَّق»(3) يريد إذا قال:

زيف(1) جميعها رصاص أو نحاس(5).

و قال بعضهم: حكم الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل، و إن فَصَلها لم يُقبل(2).

و هو ظاهر كلامه في المسألة؛ لأنّه جمع بين النقص و الزيف و لم يفصل.

و القول الأوّل غير لازمٍ؛ لأنّ قوله: «أدني الدراهم» إنّما عاد إلي السكّة؛ لأنّه قال: «و لو قال: هي من سكّة كذا» لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.

فعلي ما ذكرناه في النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه منها إلّا كما قلنا في النقص.

و لو قال: غصبت(3) ألف درهم، أو: له عندي ألف درهم وديعة، ثمّ قال: هي نقص أو زيف، مفصولاً، لم يُقبل - و هو مذهب الشافعي(4) - كما لو قال: له علَيَّ ألف درهم.5.

ص: 333


1- في «ج، ر»: «زيوف».
2- البيان 416:13.
3- الظاهر: «غصبته».
4- الحاوي الكبير 53:7، المهذّب - للشيرازي - 348:2، بحر المذهب 275:8، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 32:4، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.

و قال أبو حنيفة: يُقبل في الغصب و الوديعة؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين، و ذلك لا يقتضي سلامتها، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً(1).

و هو غلط؛ لأنّ الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم، كما لو قال: له علَيَّ ألف.

و ما علّل به باطل؛ لأنّ الغصب و إن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه، دون ما لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. و يفارق العيب؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.

مسألة 916: إذا قال: له علَيَّ ما بين واحدٍ و عشرة، لزمه ثمانية؛

لأنّ ذلك ما بينهما.

و لو قال: ما بين واحدٍ إلي عشرة، فكالأُولي.

و لم يفرّق أكثر الشافعيّة بينهما(2).

و الوجه: القطع في الأُولي بالثمانية، و في الثانية احتمال.

و لو قال: له علَيَّ من درهمٍ إلي عشرة، احتُمل لزوم عشرة - و به قال محمّد بن الحسن الشيباني(3) - و يدخل الطرفان فيها، كما يقال: من فلان إلي فلان لا يرضي أحد بكذا، و قد سبق(4) في المرافق؛ لأنّ الحدّ إذا كان

ص: 334


1- تحفة الفقهاء 201:3، المبسوط - للسرخسي - 13:18، بحر المذهب 275:8، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.
2- البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 315:5، روضة الطالبين 34:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 220:7-221، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الهداية - للمرغيناني - 183:3، الحاوي الكبير 59:7، بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، التهذيب - للبغوي - 239:4، البيان 421:13.
4- في ج 1، ص 157-158، المسألة 44.

من جنس المحدود دخل فيه.

و قد حكي ابن القاص عن الشافعي أنّه إذا قال: له علَيَّ ما بين الدرهم إلي العشرة، لزمه تسعة(1).

فعلي هذا يكون قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار، و لو قال: قرأتُ القرآن من أوّله إلي آخره، دخل الطرفان، أو:

أكلتُ الطعام من أوّله إلي آخره، دخل الطرفان، فكذا هنا.

و هو أحد وجوه الشافعيّة(2).

و يحتمل وجوب تسعة - و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعيّة(3) - لأنّ الأوّل ابتداء الغاية، و العاشر هو الحدّ، فدخل الابتداء فيه، و لم يدخل الحدّ، و لأنّ الملتزم زائد علي الواحد، و الواحد مبدأ العدد و الالتزام، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم، و لأنّ «من» لابتداء الغاية، و أوّل الغاية منها، و «إلي» لانتهائها، فلا يدخل فيها؛ لقوله تعالي:«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ» (4).7.

ص: 335


1- حلية العلماء 348:8.
2- الحاوي الكبير 59:7، الوسيط 337:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 239:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 34:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 220:7، الهداية - للمرغيناني - 183:3، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الحاوي الكبير 95:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، الوجيز 198:1، الوسيط 337:3، التهذيب - للبغوي - 339:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4، المغني 299:5، الشرح الكبير 349:5.
4- البقرة: 187.

و يحتمل وجوب ثمانية - و به قال زفر(1) - لأنّ الأوّل و العاشر حدّان لا يدخلان في المحدود، كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلي هذا الجدار، لا يدخل الجداران في المبيع.

و المعتمد: الأوّل.

و جماعة من الشافعيّة رجّحوا الثاني؛ لأنّه لو قال: لفلان من هذه النخلة إلي هذه النخلة، تدخل النخلة الأُولي في الإقرار، دون الأخيرة(2).

و ما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر، بل هو كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلي هذا الجدار.

و لو قال: له علَيَّ ما بين درهمٍ إلي عشرة، فقد قلنا: إنّه يلزمه ثمانية؛ لأنّ «ما» بمعني «الذي» كأنّه قال: له العدد الذي يقع بين الواحد إلي العشرة، و هو صريح في إخراج الطرفين.

و عن الشافعي أنّه يلزمه تسعة؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه، فيضمّ الدرهم العاشر إلي الثمانية(3).

و حكي عن القفّال أنّه يلزمه عشرة(4).

فحصل للشافعيّة في هذه المسألة ثلاثة أوجُه، كما في قوله: له علَيَّ من درهمٍ إلي عشرة.4.

ص: 336


1- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 221:7، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الهداية - للمرغيناني - 183:3، الحاوي الكبير 58:7، بحر المذهب 281:8، التهذيب - للبغوي - 239:4.
2- الوجيز 198:1، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.
3- بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.
4- بحر المذهب 281:8، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.

و لو قال: أردتُ بقولي: «من واحدٍ إلي عشرة» مجموع الأعداد كلّها، لزمه خمسة و خمسون درهماً.

و طريقه: أن يزيد أوّل العدد - و هو الواحد - علي العشرة، فيصير أحد عشر، ثمّ يضربها في نصف العشرة، فما بلغ فهو الجواب.

مسألة 917: لو قال: له علَيَّ درهم في عشرة، احتُمل أن تكون العشرة ظرفاً،

و أن تكون مضروباً فيها، فإن أراد الأوّل لزمه درهم، كأنّه قال: له درهم في عشرة لي، و إن أراد الضرب و الحساب لزمه عشرة.

و لو أراد ب «في» «مع» لزمه أحد عشر درهماً؛ لأنّ «في» قد ترد بمعني «مع» يقال: جاء الأمير في جيشه، أي مع جيشه. و يرجع في ذلك إليه، و يُقبل قوله بغير يمين؛ لأنّ لفظه محتمل لذلك كلّه، و هو أعرف بمراده، فإن أطلق سُئل، فإن تعذّر لزمه واحد؛ لأنّه المتيقّن، و الأصل براءة الذمّة.

و عند الشافعيّة أنّه لو قال: أنتِ طالق واحدة في اثنتين - في قولٍ لهم - أنّه يُحمل علي الحساب و إن أطلق؛ لأنّه أظهر في الاستعمال، و ذلك القول عائد هنا(1).

و لو قال: له علَيَّ درهمان في عشرة، و قال: أردتُ الحساب، لزمه عشرون.

و إن قال: أردتُ درهمين مع عشرة، و لم يكن يعرف الحساب، قُبِل منه، و لزمه اثنا عشر؛ لأنّ كثيراً من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعني.

و قال بعض العامّة: لو كان عارفاً بالحساب، لم يُقبل منه؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه لمعانيها في اصطلاحهم(2).

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 315:5، روضة الطالبين 35:4.
2- المغني 300:5.

و الوجه: القبول منه؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.

و إن قال: أردتُ درهمين في عشرة لي، لزمه درهمان؛ لاحتمال ما يقول.

و لو قال: درهمان في دينار، لم يحتمل الحساب و سُئل عن المراد، فإن قال: أردت العطف، أو معني «مع» لزمه الدرهمان و الدينار.

و إن قال: أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه المُقرّ له، بطل إقراره؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في الآخَر باطل، و إن كذّبه فالقول قول المُقرّ له؛ لأنّ المُقرّ وصل إقراره بما يُسقطه، فلزمه ما أقرّ به، و بطل قوله: «في دينار».

و كذا لو قال: له درهمان في ثوبٍ، و فسّره بالسَّلَم، أو قال: في ثوبٍ اشتريته منه إلي سنة، فصدّقه، بطل إقراره؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم، و سقط الثمن، و إن كان قبل التفرّق فالمُقرّ بالخيار بين الفسخ و الإمضاء، و لو كذّبه المُقرّ له فالقول قوله مع يمينه، و له الدرهمان.

البحث الخامس: في الإقرار بالظرف و المظروف.
مسألة 918: الإقرار بأحد شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر،

و الظرف و المظروف شيئان متغايران، فلا يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر؛ لأنّ الأصل البناء علي اليقين، فلا يلزم من الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف، و لا بالعكس.

فلو قال: له عندي ثوب في منديلٍ، أو: تمر في جرابٍ، أو: لبن في كوزٍ، أو: طعام في سفينةٍ، أو: دراهم في كيسٍ، لم يدخل الظرف في الأقارير؛ لاحتمال أن يريد: في جرابٍ لي، أو: في منديلٍ لي، و إذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل، و لا تناقض لو ضمّ هذه اللفظة إلي

ص: 338

الإقرار، و لو كان اللفظ المطلق يدلّ علي الإضافة إلي المُقرّ له، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة إلي المُقرّ.

و كذا لو قال: غصبتُه زيتاً في جرّةٍ، أو: ثوباً في منديلٍ، لم يكن مُقرّاً إلّا بغصب الزيت و الثوب خاصّةً، دون الجرّة و المنديل.

و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أبو حنيفة: إذا قال: غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ، كان غاصباً لهما؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً للثوب، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب، فصار كأنّه غصبه ثوباً و منديلاً(2).

و هو خطأ؛ لاحتمال أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول: غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي، و لو قال ذلك لم يكن غاصباً للمنديل، و مع الإطلاق يكون محتملاً له، فلم يكن مُقرّاً بغصبه، كما لو قال: له عندي ثوب في منديلٍ، و كما لو قال: غصبتُه دابّةً في اصطبلها.

مسألة 919: لو قال: له عندي غمد فيه سيف، أو: جرّة فيها زيت،

ص: 339


1- الأُم 240:3، و 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 25:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 244:8، الوسيط 337:3-338، الوجيز 198:1، حلية العلماء 355:8، التهذيب - للبغوي - 253:4، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 315:5-316، روضة الطالبين 35:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1049/617:2، الذخيرة 279:9، المعونة 1252:2، المغني 300:5-301، الشرح الكبير 352:5.
2- الاختيار لتعليل المختار 208:2، بدائع الصنائع 221:7، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الحاوي الكبير 25:7، بحر المذهب 244:8، الوسيط 338:3، حلية العلماء 355:8، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 316:5 و 317، المغني 301:5، الشرح الكبير 352:5-353، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1049/617:2، الذخيرة 279:9.

أو: جراب فيه تمر، فهو إقرار بالظرف خاصّةً، دون المظروف؛ للتغاير الذي قلناه، و عدم الاستلزام بين الإقرار بالشيء و الإقرار بغيره، و لصدق الإضافة إلي المُقرّ في المظروف.

و لو قال: غصبتُه فرساً في اصطبلٍ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

و لو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج، أو زمام، أو: بغلاً عليه برذعة، فهو إقرار بالدابّة و البغل خاصّةً، دون السرج و الزمام و البرذعة.

أمّا لو قال: غصبتُه عبداً علي رأسه عمامة، أو: في وسطه منطقة، أو:

في رِجْله خُفٌّ، فهو إقرار بها مع العبد؛ لأنّ للعبد يداً علي ملبوسه، و ما في يد العبد فهو في يد سيّده، فإذا أقرّ بالعبد للغير، كان ما في يده لذلك الغير، بخلاف المنسوب إلي الفرس، فإنّه لا يد لها علي ما هو عليها، و لهذا لو جاء بعبدٍ و عليه عمامة و قال: هذا العبد لزيدٍ، كانت العمامة له أيضاً.

و لو جاء بدابّةٍ و عليها سرج و قال: هذه الدابّة لزيدٍ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة: هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار، و تكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار، و إنّما تثبت من جهة العبد(1).

و عامّة أصحاب الشافعي علي أنّه لا فرق بينهما(2).

و لو قال: له عندي دابّة مسروجة، أو: دار مفروشة، لم يكن مُقرّاً بالسرج و الفرش، بخلاف ما لو قال: بسرجها و بفرشها، فإنّه يلزمه السرج و الفرش؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني علي الأوّل.

و كذا لو قال: له عندي سفينة بطعامها، كان إقراراً بالطعام.

و لو قال: سفينة فيها طعام، أو: طعام في سفينةٍ، لم يكن مُقرّاً

ص: 340


1- بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
2- بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.

بالطعام في الأُولي و لا بالسفينة في الثانية.

و لو قال: له عندي ثوب مطرز، كان إقراراً بالطراز؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

و قال بعضهم: إن رُكّب عليه بعد النسج، فوجهان(1).

مسألة 920: لو قال: له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً، دون الخاتم.

و لو قال: خاتم فيه فَصٌّ، فالأقوي أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لجواز أن يريد: فيه فَصٌّ لي، فصار(2) كالصورة السابقة.

و الثاني: إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتي لو باعه دخل فيه، بخلاف تلك الصورة(4).

و اعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله: له عندي درهم في ثوبٍ، أو: زيت في جرّةٍ، أو: سكّين في قرابٍ، أو: فَصٌّ في خاتمٍ، أو: غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ، أو: زيتاً في زقٍّ.

و بالجملة، كلّ مظروف مع ظرفه، و بالعكس - أحدهما: دخول الظرف في المظروف و بالعكس. و الثاني: عدم الدخول(3).

و لو اقتصر علي قوله: عندي خاتم، ثمّ قال بعد ذلك: ما أردتُ

ص: 341


1- الحاوي الكبير 25:7-26، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4. (2 و 4) العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
2- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو» بدل «فصار».
3- المغني 300:5-301، الشرح الكبير 352:5.

الفَصّ، فالأقوي عندي: القبول، و لا يدخل الفَصّ في الإقرار.

و أصحّ وجهي الشافعيّة: إنّه لا يُقبل تفسيره، فيدخل(1) الفَصُّ في الإقرار؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم، فتفسيره رجوع عن بعض المُقرّ به(2).

و لو قال: له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

و كذا لو قال: نعل في حافر دابّةٍ، أو: عروة علي قمقمةٍ.

و لو قال: جارية في بطنها حَمْلٌ، و دابّة في حافرها نعل، و قمقمة عليها عروة، فالأقوي: عدم الدخول.

و للشافعيّة وجهان، كما في قوله: خاتم فيه فَصٌّ(3).

و يترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل علي الوجهين فيما إذا قال: هذه الجارية لفلان، و كانت حاملاً، هل يتناول الإقرار بالحمل ؟ فيه وجهان لهم:

أحدهما: نعم، كما في البيع.

و أظهرهما: لا، و له أن يقول: لم أُرد الحمل، بخلاف البيع؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، و ربما كانت الجارية له، دون الحمل بأن كان الحمل موصًي به، أو كان حُرّاً(4).

و سلّم القفّال أنّه لو قال: هذه الجارية لفلان إلّا حملها، يجوز،4.

ص: 342


1- في «ج، ر»: «و يدخل».
2- الوسيط 338:3-339، الوجيز 198:1، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
3- التهذيب - للبغوي - 254:4، العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
4- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.

بخلاف البيع(1).

فإن قلنا: الإقرار بالجارية يتناول الحمل، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة، و إلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال: جارية في بطنها حمل(2).

و عندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار و لا في البيع.

مسألة 921: لو قال: له ثمرة علي شجرةٍ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً، و لم يكن مُقرّاً بالشجرة.

و لو قال: شجرة عليها ثمرة، فليرتّب علي أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة ؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير، كما في البيع(3).

و في فتاوي القفّال أنّها تدخل(4).

و هو بعيد.

و أمّا قبل التأبير فوجهان، أظهرهما: إنّها لا تدخل أيضاً؛ لأنّ الاسم لا يتناولها، و البيع ينزّل علي المعتاد(5).

و المعتمد عندنا: إنّها لا تدخل الشجرة و لا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

و ضبط القفّال فقال: كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير، و ما لا فلا، إلّا الثمار المؤبَّرة(6).

و قال آخَرون: ما لا يتبع في المبيع و لا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ، و ما يتبع و يتناول فهو داخل، و ما يتبع و لا يتناوله الاسم ففيه وجهان(7).

مسألة 922: لو قال: له علَيَّ ألف في هذا الكيس، لزمه،

سواء كان

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 317:5.
2- العزيز شرح الوجيز 317:5.
3- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
4- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
5- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
6- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
7- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.

فيه شيء أو لم يكن؛ لأنّ قوله: «علَيَّ» يقتضي اللزوم، و لا يكون مُقرّاً بالكيس.

و إن كان فيه دون الألف، فالأقوي: إنّه يلزمه الإتمام، كما لو لم يكن فيه شيء يلزمه الألف، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر؛ لحصر المُقرّ به فيه(1).

و لو قال: [له] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر؛ لجمعه بين التعريف و الإضافة إلي الكيس.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه الإتمام(2).

و هو مبنيّ علي أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم ؟

و الأقوي عندي هنا لزوم الإتمام.

و لو لم يكن في الكيس شيء، فللشافعيّة قولان مبنيّان علي ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز، و لا ماء فيه، هل تنعقد يمينه و يحنث، أم لا؟(3).

و الوجه عندي: لزوم الألف، و عدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة 923: لو قال: له في هذا العبد ألف درهم، فهو مجمل يحتاج إلي الاستفسار،

فاذا طولب بالبيان فإن قال: أردتُ أنّه جني عليه أو علي عبده جناية أرشها ألف، قُبِل و تعلّقت الألف برقبته.

ص: 344


1- الوسيط 339:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.
2- الوسيط 339:3-340، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.
3- الوسيط 340:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.

و إن قال: أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ، فالأقوي: القبول؛ لأنّ الدَّيْن و إن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون، فصار كالتفسير بأرش الجناية، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يُقبل؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف، و محلّ الدَّيْن الذمّة، لا المرهون، و إنّما المرهون وثيقة له، و علي هذا فإذا نازعه المُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير، و طالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(1).

و المعتمد: الأوّل.

و إن قال: أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً، كان ذلك قرضاً عليه.

و إن قال: نقد في ثمنه لنفسه ألفاً، قيل له: كم ثمنه ؟ و هل وزنت شيئاً، أم لا؟ فإن قال: الثمن ألف و لم أزن فيه شيئاً، قال الشافعي: كان العبد كلّه للمُقرّ له(2).

و إن قال: وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال: كان دفعةً واحدة، سئل عن قدر ذلك، فإن قال:

وزنت ألفاً أيضاً، فالعبد بينهما بالسويّة، و إن قال: وزنت ألفين، فثلثا العبد له، و الثلث للمُقرّ له، و علي هذا القياس.

و القول قوله في ذلك مع يمينه، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر، فقد يكون غابناً، و قد يكون مغبوناً، فلا يُنظر إلي قيمة العبد.

خلافاً لمالك؛ فإنّه قال: لو كان العبد يساوي ألفين و قد زعم أنّه وزن4.

ص: 345


1- بحر المذهب 262:8، الوسيط 340:3، الوجيز 199:1، البيان 435:13، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4-37.
2- العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 37:4.

ألفين و وزن المُقرّ له ألفاً، يكون العبد بينهما بالسويّة، و لا يُقبل قوله: إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. و قد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(1).

و الشافعي(2) وافقنا علي ما قلناه.

و إن قال: اشتريناه بإيجابين و قبولين، و وزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً، و أنا اشتريت تسعة أعشاره بألف، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه، سواء وافق قيمته أو لم يوافق، و سواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر، و سواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

و إن قال: أردتُ به أنّه أوصي له بألف من ثمنه، قُبِل و بِيع و دُفع إليه ألف من ثمنه.

و إن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد، لم يكن له ذلك إلّا برضا المُقرّ له؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه، فوجب البيع في حقّه، إلّا أن يرضي بتركه.

و إن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له، و إن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد، و عليه ردّ الألف الذي أخذه.

و إن قال: أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلي ثمنه، قُبِل، و لزمه الألف.4.

ص: 346


1- الوسيط 340:3، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 319:5.
2- الوسيط 340:3، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.

و الخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(1).

و لو قال: له من هذا العبد ألف درهم، فهو كما لو قال: له في هذا العبد.

و لو قال: من ثمن هذا العبد، فكذلك عند بعض الشافعيّة(2).

و لو قال: له علَيَّ درهم في دينار، فهو كما لو قال: ألف في هذا العبد.

و إن أراد ب «في» «مع» لزمه الدرهم و الدينار معاً علي إشكالٍ.

مسألة 924: لو قال: له في ميراث أبي ألف، فهو إقرار علي أبيه بدَيْنٍ.

و كذا لو قال: له من ميراث أبي.

و لو قال: له في ميراثي من أبي، أو: من ميراثي من أبي ألف، رجع إليه في التفسير؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها، إلّا أن يريد إقراراً.

و الفرق: إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلي نفسه، و ما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار، فكان كما لو قال: داري أو مالي لفلان، و في الأُولي لم يُضف الميراث إلي نفسه، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة، و اقتضي قوله وجوبها له في الميراث، و مع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك علي الوجوب؛ لأنّه أضاف الميراث إلي نفسه ثمّ جعل له جزءاً، فكان ذلك هبةً؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله، و ذلك كما يقول: لفلان في هذه الدار نصفها، فإنّه يكون إقراراً بالنصف، و إن قال: له من داري نصفها، كان ذلك

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.

هبةً منه، لا إقراراً.

و مَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلي نفسه و بين تعلّق دَيْن الغير به، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته علي الصحيح و الدَّيْن متعلّق بها(1).

و قال أكثرهم: إنّ الفرق أنّه إذا قال: في ميراث أبي، فقد أثبت حقّ المُقرّ له في التركة، و ذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت، و لا تتعلّق بالتركة. و إذا قال: في ميراثي من أبي، فقد أضاف التركة إلي نفسه، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها و أضافه إليه، و ذلك قد يكون بطريقٍ لازم، و قد يكون علي سبيل التبرّع، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل، و اعتبر فيه شرطه(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين الصورتين(1).

و المشهور: الفرق(2).

و مثله لو قال: له في هذه الدار نصفها، فهو إقرار.

و لو قال: في داري نصفها، فهو وعد بهبةٍ(3).

و اشتهر عن الشافعي أنّه لو قال: له في مالي ألف درهم، كان إقراراً.

و لو قال: من مالي، كان وعداً بهبةٍ، لا إقراراً(4).

و البحث هنا في موضعين:4.

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 38:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:5-320، روضة الطالبين 38:4.
3- في «ث»: «هبة».
4- بحر المذهب 264:8، حلية العلماء 362:8، العزيز شرح الوجيز 320:5، روضة الطالبين 38:4.

أحدهما: إنّ هذا القول في قوله: «في مالي» يخالف ما قال قبل ذلك في قوله: «في ميراثي» و «في داري».

و الثاني: لِمَ فرّق بين «في» و «من»؟

أمّا الأوّل: فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال: له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال: فيه قولان:

أحدهما: إنّه وعد هبة؛ لإضافة المال إلي نفسه.

و الثاني: إنّه إقرار؛ لأنّ قوله: «له» يقتضي الملك، و بوعد الهبة لا يحصل الملك(1).

و منهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة، و حمل ما روي في القول الأخير علي خطأ الناسخ، و ربما أوّله علي ما إذا أتي بصيغة الالتزام، فقال: علَيَّ في مالي ألف درهم، فإنّه يكون إقراراً(2).

و إذا أثبتنا الخلاف، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال: في داري نصفها، و امتنع من طرده فيما إذا قال: في ميراثي من أبي(3).

و قال آخَرون: إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولي؛ لأنّ قوله: «في ميراثي من أبي» أولي بأن يجعل إقراراً من قوله: «في مالي، أو: في داري» لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها، فيحسن إضافة الميراث إلي نفسه مع الإقرار بالدَّيْن، بخلاف المال و الدار(4).

و أمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال: لا فرق، و لم يثبت هذا النصّ، و(1)».

ص: 349


1- في المصدر: «أو» بدل «و».

أوّله(1).

و منهم مَنْ فرّق بأنّ «في» تقتضي كون مال المُقرّ ظرفاً لمال المُقرّ له، و قوله: «من مالي» يقتضي الفصل و التبعيض، و هو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له، و إذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث و الدار لا محالة(2).

و الظاهر عندهم عدم الفرق، و أنّ الحكم في قوله: «في مالي» كما قلنا أوّلاً في «ميراثي»(3).

و استبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال: له في داري نصفها؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلي نفسه، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول: داري لفلان، و خصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن المُقرّ به جزءاً من مسمّي ما أضافه إلي نفسه، كقوله: في مالي ألف درهم، أو: في داري ألف درهم(4).

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(1) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول: علَيَّ ألف درهم في هذا المال، أو: في مالي، أو: في ميراثي، أو: في ميراثي من أبي، أو: في داري، أو: في عبدي، أو: في هذا العبد، فهو إقرار بكلّ حال. و الذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر علي قوله: «في هذا».

ص: 350


1- في النسخ الخطّيّة: «التزام».

العبد» و لم يقل: «علَيَّ».

و لو قال: له في ميراثي من أبي، أو: في مالي ألف بحقٍّ لزمني، أو بحقٍّ ثابت، أو: بأمرٍ صحيح، و ما أشبهه، أو قال: له في مالي بحقٍّ، أو في داري نصفها بحقٍّ، أو: له داري هذه بحقٍّ، لزم ذلك، و كان كما لو قال:

«علَيَّ» فيكون(1) إقراراً بكلّ حالٍ؛ لأنّه قد اعترف أنّ المُقرّ له يستحقّ ذلك، فلزمه.

و اعلم أنّ قضيّة قولنا: إنّ قوله: «علَيَّ في هذا المال، أو: في هذا العبد ألف درهم» إقرار له بالألف: أن يلزمه الألف و إن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

و ربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال: «لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس» و كان فيه دون الألف، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال: في هذا العبد ألف، من غير كلمة «علَيَّ» و فسّره بأنّه أوصي له بألف من ثمنه، فلم يبلغ ثمنه ألفاً، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

و اعلم أنّ بعض العامّة قال: لو قال: له في مالي هذا، أو: من مالي ألف، و فسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه، قُبِل؛ لأنّه أقرّ بألف، فقُبِل، كما لو قال: في مالي. و يجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره، و يجوز أن يضيف غير ماله(2) إليه؛ لاختصاصٍ له، أو يدٍ له عليه أو ولاية، كما قال تعالي:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً» (3) و قال تعالي:«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» (4) و قال تعالي:«وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (5) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.3.

ص: 351


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكون». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في المصدر: «مال غيره» بدل «غير ماله».
3- النساء: 5.
4- الطلاق: 1.
5- الأحزاب: 33.

و لو قال: أردتُ هبةً، قُبِل منه؛ لأنّه محتمل، و إن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه؛ لأنّ الهبة فيها(1) لا تلزم قبل القبض(2).

و كذا لو قال: لفلان في داري هذه نصفها، أو: من داري نصفها(3).

و عن أحمد روايتان:

ففي إحداهما: في مَنْ قال: نصف عبدي هذا لفلان، لم يجز له إلّا أن يقول: وهبته، و إن قال: نصف مالي هذا لفلان، لا أعرفه.

و الثانية: إذا قال: فرسي هذه(4) لفلان، فإقراره جائز(5).

و قد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة: إذا قال: له في مالي ألف درهم، كان إقراراً، و لو قال: من مالي، كان هبةً(6).

و اختلف أصحابه:

فقال بعضهم: إنّه سهو.

و فرّق بعضهم بين «في ميراثي» و «في داري» لأنّ «في مالي» تقتضي أن يكون ماله ظرفاً، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله، و إذا قال: «من مالي» لم يحتمل ذلك، و يفارق الدار؛ لأنّ قوله: «في داري نصفها» بمنزلة قوله: «من داري» لأنّها لا تُسمّي بعد إخراج النصف داراً، و يُسمّي ما بقي).

ص: 352


1- كلمة «فيها» لم ترد في «ث، خ، ر».
2- المغني 312:5، الشرح الكبير 322:5.
3- في «ج» بدل «نصفها»: «بعضها».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في شيء هذا» يدل «فرسي هذه». و ذلك تصحيف، و المثبت من المصدر.
5- المغني 312:5، الشرح الكبير 322:5.
6- تقدّم تخريجه في ص 348، الهامش (6).

بعد الألف مالاً(1).

و بعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله: «في مالي، أو: في داري، أو: من مالي، أو: من داري، أو: ملكي هذا لفلان» لا بأس به عندي، و قد سلف.

مسألة 925: لو قال: له في هذا العبد شركة، صحّ إقراره،

و له التفسير بما شاء من قليلٍ فيه و كثير، و بأيّ قدر شاء.

و قال أبو يوسف: يكون إقراراً بنصفه؛ لقوله تعالي:«فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» (2) و اقتضي ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(3).

و هو غلط؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة، فكان له تفسيره بما شاء، كالنصف، و ليس إطلاق لفظ الشركة علي ما دون النصف مجازاً، و لا يخالف الظاهر، و التسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

و كذا الحكم إذا قال: هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس: في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف و معه، و بالإضراب مع عدم السلب و معه.
مسألة 926: لو قال: له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

ص: 353


1- راجع الهامش (4) من ص 349، و الهامش (2) من ص 350.
2- النساء: 12.
3- روضة القضاة 5092/748:2، بحر المذهب 263:8، البيان 436:13، المغني 312:5، الشرح الكبير 347:5.

و كذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

و لو قال: له علَيَّ درهم و درهم، أو: ثمّ درهم، لزمه درهمان؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه، و لا يصحّ عطف الشيء علي نفسه.

و لو قال: له علَيَّ درهم و درهم و درهم، لزمه بالأوّل و الثاني درهمان.

و أمّا الثالث فإن أراد به العطف و المغايرة، لزمه ثلاثة؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

و إن قال: أردتُ به تكرير الثاني و تأكيده، قُبِل، و لزمه درهمان لا غير، و يُصدَّق باليمين.

و لو قال: أردتُ به تكرير الأوّل، لم يُقبل، و يلزمه ثلاثة؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يُقبل(1).

و كذا الحكم عندهم فيما إذا قال: أنتِ طالق و طالق و طالق، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلي صورة اللفظ، و في الثاني إلي احتمال التكرار و جريان العادة به. و في الإقرار طريقان(2).

و قال ابن خيران من الشافعيّة: إنّه علي قولين في الطلاق(3).4.

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.
2- الحاوي الكبير 55:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5.
3- الحاوي الكبير 55:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 277:8، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.

و قطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة، و فرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار؛ لأنّه يقصد به التخويف و التهديد، و لأنّه يؤكّد بالمصدر، فيقال: هي طالق طلاقاً، و الإقرار بخلافه، و علي هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر، و لأنّ الواو للعطف، و العطف يقتضي المغايرة، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني، كما كان الثاني غير الأوّل، و الإقرار لا يقتضي تأكيداً، فوجب حمله علي العدد(1).

و الحقّ: الأوّل، و أنّه يُحمل علي التأكيد لو قصده، و هو أخبر بلفظه، و لا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد و الإقرار، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز و الاحتمال.

و كذا لو قال: له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم، فهو كما لو قال:

درهم و درهم و درهم.

و لو قال: درهم و درهم ثمّ درهم، لزمه ثلاثة قطعاً؛ لتغاير لفظتي «ثمّ» و الواو، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة 927: لو قال: له علَيَّ درهم مع درهم، أو: معه درهم، أو: فوق درهم، أو: فوقه درهم، أو: تحت درهم، أو: تحته درهم،

فالأقرب: إنّه يلزمه درهم واحد؛ لاحتمال أن يكون المراد «مع درهمٍ لي» أو «فوق درهمٍ لي» و أيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة و تحتيّة الرداءة، و به قال

ص: 355


1- المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 276:8-277، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.

أكثر الشافعيّة(1).

و لهم مذهبان آخَران:

أحدهما: إنّه يلزمه درهمان.

و اختلف هؤلاء، منهم مَنْ ناسبٌ [إلي](2) قول الشافعي.

و منهم مَنْ قال: إنّه مُخرَّج.

فقيل: من الطلاق، فإنّه لو قال: أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة، وقعت طلقتان.

و قيل: مُخرَّج ممّا لو قال: له علَيَّ درهم قبل درهم، فإنّه يلزمه درهمان علي ما يأتي.

و فرّقوا بينه و بين الطلاق؛ لأنّ لفظه الصريح موقع، فإذا أنشأه عمل عليه، و الإقرار إخبارٌ عن سابقٍ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتي يتبيّن المراد(3).

الثاني: قال بعض الشافعيّة: إن قال: درهم معه درهم، أو: فوقه درهم، لزمه اثنان؛ لرجوع الكناية إلي الأوّل الذي لزمه(4).

و لو قال: درهم عليه درهم، أو: علي درهمٍ، فهو كما لو قال: فوقه درهم، أو: فوق درهمٍ.

و لو قال: علَيَّ درهم قبل درهمٍ، أو: قبله درهم، أو: بعده درهم، روي المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان، بخلاف الصورة4.

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 322:5.
4- العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.

السابقة. و الفرق: إنّ الفوقيّة و التحتيّة ترجعان إلي المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم، و القبليّة و البعديّة ترجعان إلي الزمان، و لا يتّصف بهما نفس الدرهم، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم و التأخّر، و ليس ذلك إلّا الوجوب عليه(1).

و فيه قولٌ آخَر للشافعيّة: إنّه لا يلزمه إلّا درهم؛ لأنّ القبليّة و البعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة و غيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما، لكن يجوز رجوعهما إلي غير الواجب(2) بأن يريد:

درهم مضروب قبل درهمٍ، و ما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلي الواجب(3)، لكن يجوز أن يريد: لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(2).

و فيه نظر؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل «له عندي درهم و درهم» مع اتّفاقهم علي لزوم درهمين.

و في المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال: «قبله أو بعده درهم» لزمه درهمان، و إن قال: «قبل درهم أو بعد درهم» لم يلزمه إلّا درهم؛ لاحتمال أن يريد «قبل لزوم درهمٍ، أو: بعد درهمٍ كان لازماً»(3).

و قال أصحاب الرأي: إذا قال: فوق درهم، لزمه درهمان، و إذا قال:

تحت درهمٍ، لزمه واحد؛ لأنّ «فوق» تقتضي في الظاهر الزيادة، و قوله:4.

ص: 357


1- مختصر المزني: 113، بحر المذهب 278:8-279، حلية العلماء 345:8، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4. (2 و 3) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوجوب» بدل «الواجب». و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
2- حلية العلماء 245:8، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.

«تحت» يقتضي [أنّ] ذلك درهم(1).

و كذا البحث لو قال: له علَيَّ درهم مع دينار، لزمه الدرهم لا غير عندنا، و به قال الشافعي(2).

و لو قال: له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة، كان عليه دينار لا غير، و لم يكن عليه القفيز، و هذا قولٌ آخَر للشافعيّة(3).

و اختلفوا، فمنهم مَنْ قال: في المسائل كلّها يلزمه درهمان؛ لأنّ قوله:

«فوق» و «تحت» و «قبله» و «معه» يجري مجري العطف؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

و منهم مَنْ قال: يلزمه درهم واحد.

و منهم مَنْ قال: إذا قال: «فوق» أو «تحت» أو «مع» لزمه واحد، و إذا قال:

«قبل» و «بعد» لزمه درهمان. و فرّقوا بأنّ «قبل» و «بعد» لا يحتمل إلّا التاريخ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلي الآخَر في الإقرار، و «فوق» و «تحت» تُحمل علي الجودة و الرداءة، و «مع» تُحمل [علي](4) «مع درهمٍ لي»(5).

و أمّا أحمد فإنّه ذهب إلي أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(6).

مسألة 928: إذا قال: له علَيَّ، أو: عندي درهم فدرهم،

إن أراد

ص: 358


1- مختصر اختلاف العلماء 1914/215:4، بحر المذهب 278:8، حلية العلماء 346:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، المغني 298:5، الشرح الكبير 350:5.
2- مختصر المزني: 113، الحاوي الكبير 56:7.
3- الأُم 221:6، بحر المذهب 279:8.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- بحر المذهب 279:8، حلية العلماء 346:8، البيان 419:13.
6- العزيز شرح الوجيز 323:5، و انظر المغني 298:5، و الشرح الكبير 349:5.

العطف لزمه درهمان، و إن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد، و به قال الشافعي(1) ، مع أنّه نصّ علي أنّه إذا قال: أنتِ طالق فطالق، أنّه تقع طلقتان(2).

و نقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلي الأُخري، و جَعَلهما علي قولين للشافعي:

أحدهما: إنّه يلزمه درهمان، و تقع طلقتان؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو، و «ثمّ».

و الثاني: إنّه لا يلزمه إلّا واحد، و لا تقع إلّا طلقة؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف، فيؤخذ باليقين(3).

و ذهب الأكثر إلي تقرير النصّين، و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد: فدرهم لازم، أو: فدرهم أجود منه، و مثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

و الثاني: إنّ الطلاق إنشاء، و الإقرار إخبار، و الإنشاء أقوي و أسرع نفوذاً، و لهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ و غداً بدرهمٍ، لا يلزمه إلّا درهم، و لو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً، وقعت طلقتان(4).4.

ص: 359


1- الحاوي الكبير 55:7، بحر المذهب 277:8، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4-40.
2- الحاوي الكبير 55:7، بحر المذهب 277:8، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 40:4.
3- بحر المذهب 277:8، البيان 417:13-418، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 40:4.
4- بحر المذهب 277:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.

و قال أصحاب الرأي و أحمد: إنّه يلزمه درهمان؛ لأنّ الفاء من حروف العطف، كالواو(1).

و التحقيق عندي أنّه إن أراد العطف لزمه اثنان؛ لأنّ المعطوف يغاير المعطوف عليه، و إن لم يرد العطف لم يلزمه الاثنان قطعاً، حيث لم يقصد التعدّد، و لا وجه للاختلاف، و إن أطلق حُمل علي ما يفسّره.

و ينبغي أن يكون موضع الخلاف الإطلاقَ؛ لأنّه يحتمل كلّ واحدٍ منهما، لكنّ الحقيقة العطف أو لا؟ إن قلنا: العطف، لزمه المتعدّد، و إلّا فلا.

و نقل عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان؛ لأنّه إذا قال: له علَيَّ درهم و درهم، لزمه درهمان(2).

و لا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء.

و لو قال: له علَيَّ درهم فقفيز حنطة، فما الذي يلزمه ؟

قيل: درهم لا غير؛ لاحتمال إرادة قفيز حنطة خير منه(3).

و قيل: الدرهم و القفيز(4).

و لو قال: بعتك بدرهم فدرهم، يكون بائعاً بدرهمين؛ لأنّه إنشاء.

مسألة 929: لو قال: له علَيَّ درهم بل درهم، لم يلزمه إلّا درهم واحد؛
اشارة

لجواز أن يقصد الاستدراك لزيادة، فتذكّر أنّه لا حاجة إليه و لا زيادة عليه، فلم يستدرك فيعيد الأوّل.

ص: 360


1- المبسوط - للسرخسي - 8:18، المغني 296:5، الشرح الكبير 350:5، حلية العلماء 345:8، العزيز شرح الوجيز 324:5.
2- العزيز شرح الوجيز 324:5.
3- الحاوي الكبير 58:5، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.
4- الحاوي الكبير 58:5، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.

و لو قال: له درهم لا بل درهم، أو: لا درهم(1) ، فكذلك.

و لو قال: له علَيَّ درهم لا بل درهمان، أو: قفيز حنطة لا بل قفيزان، لم يلزمه إلّا درهمان، و إلّا قفيزان؛ لأنّ «بل» للاستدراك؛ و لا يمكن أن يكون المقصود هاهنا نفي المذكور أوّلاً؛ لاشتمال الدرهمين و القفيزين علي الدرهم و علي القفيز، فلم يبق المقصود إلّا الاقتصار علي الواحد و إثبات الزيادة عليه.

و قال زفر و داوُد: يلزمه ثلاثة أقفزة و ثلاثة دراهم؛ لأنّه أقرّ بقفيز ثمّ نفاه ثمّ أثبت قفيزين، و مَنْ أقرّ بشيء ثمّ نفاه لم يُقبل رجوعه، فلزمه القفيز الذي نفاه و القفيزان اللّذان أقرّ بهما أيضاً، كما لو قال: قفيز حنطة لا بل قفيزا شعير(2).

و الحقّ أنّه يلزمه القفيزان؛ لأنّ قوله: «لا بل قفيزان» ليس نفياً للقفيز، بل نفياً للاقتصار علي واحدٍ و إثبات الزيادة عليه، و هذا بمنزلة ما إذا قال: له قفيز لا بل أكثر، فإنّه يلزمه أكثر من قفيز، و لا يطالب بأكثر من قفيزين، و لا يجوز أن يكون نفياً؛ لأنّ القفيزين اللّذين أقرّ بهما يشتملان علي القفيز.

و يخالف هذا [ما] إذا قال: له علَيَّ قفيزا حنطة لا بل قفيزا شعير؛ لأنّه نفي الإقرار الأوّل حيث لم يدخل في الإقرار الثاني، و في صورة النزاع دخل الأوّل في الثاني، فافترقا.

و قد أورد بعض الشافعيّة إشكالاً، و هو: ما إذا قال: أنتِ طالق طلقة5.

ص: 361


1- كذا قوله: «أو: لا درهم». و الظاهر: «أو: لكن درهم».
2- بحر المذهب 279:8، حلية العلماء 346:8، البيان 419:13، المغني 297:5، الشرح الكبير 351:5.

بل طلقتين، فإنّه يقع الثلاث(1).

تنبيه: هذا الخلاف إنّما هو مفروض فيما إذا أرسل المُقرّ به و لم يعيّنه،

أمّا لو قال: له عندي هذا القفيز بل هذا القفيز، أو: بل هذان القفيزان، أو:

هذا الدرهم بل هذان الدرهمان، فإنّه يلزمه الثلاث قطعاً؛ لأنّ القفيز المعيّن لا يدخل في القفيزين المعيّنين.

و كذا لو اختلف جنس الأوّل و الثاني، لزماه معاً مع الإرسال أيضاً، كما لو قال: له علَيَّ درهم بل دينار، أو: بل ديناران، أو: قفيز حنطة بل قفيز شعير، أو: قفيزا شعير؛ لعدم دخول الأوّل في الثاني، فهو راجع عن الأوّل مثبت للثاني، و الرجوع غير مقبولٍ، فالذي أقرّ به ثانياً يلزمه.

و لو دخل الأوّل في الثاني، لزمه الزائد، فلو قال: له علَيَّ هذا القفيز بل هذا القفيز و هذا الآخَر، فإنّه يلزمه القفيزان معاً؛ لأنّه ضمّ المُقرّ به أوّلاً إلي المُقرّ به ثانياً و أقرّ بهما معاً، فلزماه معاً، و لا يلزمه هنا ثلاثة قطعاً.

فروع:
أ - لو قال: له درهمان بل درهم، أو: له علَيَّ عشرة لا بل تسعة، لزمه الدرهمان و العشرة لا الأقلّ؛

لأنّ الرجوع عن الأكثر لا يُقبل إلّا في الاستثناء، و يدخل الأقلّ فيه، و يخالف ما إذا قال: له علَيَّ درهم لا بل درهمان؛ لأنّه أضرب عن الاقتصار، و أدخله في إقراره الثاني، و يخالف ما إذا قال: درهم لا بل قفيز، فإنّه يلزمه الجميع؛ لأنّ أحدهما لا يدخل في الآخَر، و هنا التسعة داخلة في العشرة، و يخالف الاستثناء؛ لأنّه ليس بإضرابٍ، بل «عشرة إلّا درهماً» عبارة عن تسعة، فافترقا.

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 324:5.
ب - لو قال: له علَيَّ درهم بل درهمان بل ثلاثة، لزمه ثلاثة لا غير.

و لو قال: له دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان، لزمه ديناران و قفيزان.

ج - لو قال: له علَيَّ دينار و ديناران بل قفيز و قفيزان، لزمه ثلاثة دنانير و ثلاثة أقفزة.

و علي هذا القياس.

البحث السابع: في تغاير الزمان.
مسألة 930: إذا قال في يوم السبت: لزيدٍ علَيَّ ألف، ثمّ أقرّ له يوم الأحد بألف، لم يلزمه إلّا ألف واحد.

و الأصل فيه أنّ تكرير الإقرار تكرير للإخبار، و لا يلزم من تكرير الخبر تكرير المُخبَر عنه، فقد يُخبر عن الشيء الواحد أشخاص متعدّدة بإخبارات متعدّدة أو مُخبر واحد بإخبارات كثيرة، و لهذا يحتمل فيه الإبهام، و لو كان إنشاءً لما احتُمل، فتعدّد الخبر لا يقتضي تعدّد المُخبَر عنه فيجمع، إلّا إذا عرض ما يمنع الجمع و التنزيل علي واحدٍ فحينئذٍ يُحكم بالمغايرة، أمّا مع عدم المانع من الجمع فإنّه يجمع، و يكون الخبران عبارتين عن مُخبرٍ واحد؛ لأصالة البراءة. و أمّا لو اعترف بأنّ الإقرار الثاني عبارة عن شيء مغاير لما أقرّ به أوّلاً، فإنّه يُحكم بالتعدّد.

و بهذا قال مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمّد و أحمد؛ لأنّ الإقرار إخبار علي ما بيّنّاه، فإذا أقرّ ثمّ أقرّ بذلك، احتُمل أن يكون الثاني هو الأوّل و أن يكون غيره، فكان المرجع إليه، و لا يلزمه بالشكّ(1).

ص: 363


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1054/619:2، عيون المجالس 1208/1714:4، الحاوي الكبير 59:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 282:8، الوجيز 199:1-200، الوسيط 343:3، حلية العلماء 344:8، التهذيب - للبغوي - 248:4، البيان 416:13-417، العزيز شرح الوجيز 325:5، روضة الطالبين 40:4، المبسوط - للسرخسي - 9:18-10، مختصر اختلاف العلماء 1912/413:4، المغني 295:5.

و قال أبو حنيفة: يلزمه درهمان(1).

و اختلف أصحابه، منهم مَنْ قال: لا فرق بين المجلس الواحد و المجلسين. و منهم مَنْ فرّق بين المجلسين و المجلس الواحد(2) ، إلّا أنّهم لا يختلفون أنّه إذا قال: «درهم درهم» موصولاً أنّه يكون درهماً واحداً(3).

و كذلك إذا سمع شاهدان إقراره بألف ثمّ رفع إلي الحاكم فأقرّ بألفٍ، فقال المدّعي: لي بيّنة بإقراره بألف و هي أُخري، و قال المُقرّ: هي واحدة، لم تُسمع البيّنة.

و كذلك إذا أقرّ بما في كتابٍ عند جماعة فهو إقرار؛ لأنّه إذا أقرّ ثمّ أقرّ و لم يعرّف الأوّل بالألف و اللام فالظاهر أنّه إقرارٌ آخَر، فلزمه ذلك.

و هذا يبطل بما إذا وصل كلامه، و بما إذا أقرّ به عند الحاكم، و لأنّ التعريف إنّما يكون عند مَنْ له عهد به و قد يقرّ عند مَنْ لم يسمع الأوّل، و قد يترك التعريف، و لا يمنع ذلك صحّة كلامه، فلم يكن تركه التعريفَ يوجب عليه مالاً آخَر.

و اعلم أنّه لا فرق عندنا بين أن يكون الإقراران في مجلسٍ واحد أو مجلسين فما زاد، و سواء كتب به صكّاً و أشهد عليه شهوداً، أو علي3.

ص: 364


1- كان الأولي التمثيل بالألفين، أو التمثيل بالدرهم في عنوان المسألة.
2- المبسوط - للسرخسي - 9:18، مختصر اختلاف العلماء 1912/213:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 139:3 و 140، الحاوي الكبير 59:7، بحر المذهب 282:8، حلية العلماء 344:8، التهذيب - للبغوي - 248:4، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 325:5، المغني 295:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1054/620:2، عيون المجالس 1208/1715:4.
3- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 135:3.

التعاقب بأن كتب صكّاً بألف و أشهد عليه ثمّ كتب صكّاً آخَر بألف و أشهد عليه، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا كتب صكّين و أشهد عليهما، أو فيما إذا أقرّ في مجلسين(1).

و من أصحابه مَنْ لا يفرّق بين المجلس و المجلسين(2).

مسألة 931: لو أقرّ بإقرارين مختلفين بالعدد في مجلسٍ واحد أو في مجلسين، دخل الأقلّ في الأكثر،

سواء تقدّم الأقلّ أو تأخّر، فلو أقرّ في أحد اليومين بألف و في الآخَر بخمسمائة، لزمه الألف خاصّةً، و دخل الإقرار بالخمسمائة تحت الإقرار بالألف عندنا و عند الشافعي(1).

و لو أقرّ مرّةً بالعربيّة و أُخري بالعجميّة، لم يلزمه إلّا واحد، و لا اعتبار باختلاف اللغات و العبارات، فقد يعبّر عن الشيء الواحد و يخبر عن المُخبَر الواحد بإخبارات متعدّدة و ألفاظ مختلفة، و المخبر عنه واحد في نفسه غير متعدّدٍ.

مسألة 932: لو لم يمكن الجمع بين الإقرارين في عينٍ واحدة و مُخبَر عنه واحد، تعدّد الحقّ و تغاير،

كما لو أضاف إلي شيئين مختلفين، فقال يوم السبت: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ، ثمّ قال يوم الأحد: له علَيَّ ألف من ثمن جاريةٍ، أو وصف كلّ واحدٍ من المُقرّ به بوصفٍ مخالفٍ مضادٍّ للوصف الآخَر، كما إذا قال يوم السبت: له علَيَّ ألف من صحاح الدراهم، و قال يوم الأحد: له علَيَّ ألف درهم من مكسّر الدراهم، لزمه الألفان في الصورتين معاً؛ لتغاير ثمن العبد و ثمن الجارية، و صحيح الدراهم و مكسّرها.

ص: 365


1- التهذيب - للبغوي - 248:4، العزيز شرح الوجيز 325:5، روضة الطالبين 40:4.

و كذا يتعدّد لو قال: قبضتُ منه يوم السبت ألف درهم، ثمّ قال:

قبضتُ منه يوم الأحد ألف درهم، لزمه الألفان؛ لتغاير القبضين، و يلزم منه تغاير المقبوضين؛ إذ لا يمكن تعدّد القبض في الشيء الواحد، إلّا مع الدفع إلي المُقرّ له، و لكن ذلك دعوي غير مسموعة إلّا بالبيّنة.

و لو قال: طلّقتُها يوم السبت طلقة، ثمّ قال: طلّقتُها يوم الأحد طلقة، حُكم عليه بوقوع طلقتين.

و لو قال يوم السبت: طلّقتُها طلقة، و قال يوم الأحد: طلّقتُها طلقة، لم يلزمه إلّا طلقة.

و كذا لو قال: يوم السبت طلّقتُها طلقة، ثمّ قال: و يوم الأحد تطليقتين، لم يلزمه إلّا طلقتان.

أمّا لو وصف الدراهم بصفةٍ في أحد الإقرارين و أطلق في الآخَر، أو أضاف أحد الإقرارين إلي سببٍ و أطلق في الآخَر، نُزّل المطلق علي المضاف، و لم يجب التعدّد؛ لإمكان الجمع، و الأصل براءة الذمّة.

و كذا لو قامت البيّنة علي إقرارين بتأريخين، يُجمع بينهما؛ لأنّ تكرير الإشهاد و تكرير الصكّ لا تأثير له، لأنّ الحجّة علي الإقرارين لا تفيد إلّا ثبوت الإقرارين، و قد تقدّم(1) أنّ تعدّد الإقرار لا يوجب تعدّد المُقرّ به.

مسألة 933: لو شهد شاهد علي أنّه أقرّ يوم السبت بألفٍ أو بغصب ثوبٍ،

و شهد شاهدٌ آخَر علي أنّه أقرّ يوم الأحد بألفٍ أو بغصب ذلك الثوب، ثبت الألف و الغصب بتلفيق الشهادتين؛ لأنّ الإقرار لا يوجب حقّاً بنفسه، و إنّما هو إخبار عن شيء سابق، فيُنظر إلي المُخبَر عنه و إلي اتّفاقهما

ص: 366


1- في ص 363، المسألة 930.

علي الإخبار عنه.

و كذا لو شهد أحدهما علي إقراره بألفٍ بالعربيّة، و الآخَر علي إقراره بالفارسيّة.

و لو شهد أحدهما علي الإدانة و الآخَر علي الإقرار بها، لم يثبت الدَّيْن، سواء اتّفق الزمان أو اختلف. و كذا لو شهد أحدهما أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت، و شهد الآخَر أنّه وكّل أو طلّق يوم الأحد، أو شهد أحدهما علي أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت، و الآخَر علي أنّه أقرّ بالوكالة أو بالطلاق يوم السبت أو الأحد، لم يثبت بشهادتهما شيء؛ لأنّهما لم يتّفقا علي شيء واحد، و ليس هو إخباراً حتي يُنظر إلي المقصود المُخبَر عنه.

و اعلم: أنّ بعض الشافعيّة لم يفرّق بين الإقرارين و الإنشاءين، فكما لا يُقبل إذا شهد أحدهما علي إنشاء الطلاق أو الوكالة يوم السبت و شهد الآخَر علي إنشائهما يوم الأحد، كذا لا يُقبل لو شهد أحدهما علي أنّه أقرّ يوم السبت و شهد الآخَر علي أنّه أقرّ يوم الأحد؛ لأنّ الشاهدَيْن لم يشهدا علي شيء واحد، بل شهد هذا علي إقرارٍ، و ذلك علي إقرارٍ آخَر، و المقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثّق و الاستظهار، فإذا شهد كلّ واحدٍ علي شيء لم يحصل هذا المقصود، فاتّجه(1) أن لا يُحكم بقولهما(2).

و بعض الشافعيّة أجري الإنشاءات مجري الإقرارات، فكما تُقبل شهادة أحدهما بالإقرار يوم السبت مع شهادة الآخَر بالإقرار يوم الأحد، تُقبل لو شهد أحدهما بإنشاء الطلاق - مثلاً - يوم السبت، و الآخَر بإنشائه4.

ص: 367


1- في الطبعة الحجريّة: «فالمتّجه».
2- انظر: الوسيط 344:3، و العزيز شرح الوجيز 326:5، و روضة الطالبين 41:4.

يوم الأحد(1).

و كلاهما غلط.

أمّا الأوّل: فلأنّ أحد الشاهدَيْن إذا شهد بالإقرار يوم السبت فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته، و إذا شهد الآخَر بالإقرار يوم الأحد فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته، فحصل الاتّفاق بينهما علي شيء واحد، و الاجتماع لا يفيد زيادةً في هذا المشترك، و صار كما لو أطلقا الشهادة بالإقرار من غير تعيين الزمان، و لا يتأتّي هذا في الإنشاء؛ لأنّ مَنْ طلّق اليوم ثمّ طلّق غداً و المرأة رجعيّة فزعم أنّه أراد طلقة واحدة، لم يُقبل منه، خصوصاً عند مَنْ لا يشترط الرجعة، كالعامّة بأسرهم، فكيف يُجمع بين شهادة شاهدٍ علي طلاق اليوم و شهادة آخَر علي طلاق غدٍ!؟ و كذا باقي الإنشاءات و الأفعال، كالقتل و الغصب و غيرهما.

علي أنّه لا تخلو هذه الشهادة في كثير من المواضع من التضادّ و التنافي؛ فإنّ شهادة قتل يوم السبت تنافي شهادة قتل يوم الأحد، بخلاف الإقرارين.

و أمّا الثاني: فلما مرّ من التغاير بين الإنشاءين.

و لو شهد أحدهما علي أنّه قذفه يوم السبت، أو بالعربيّة، و الآخَر أنّه قذفه يوم الأحد، أو بالفارسيّة، لم يثبت بشهادتهما شيء.

و لو شهد أحدهما علي إقراره بأنّه قذفه يوم السبت، أو بالعربيّة قذفه، و الثاني علي إقراره بأنّه قذفه يوم الأحد، أو بالعجميّة قذفه، فلا يلفّق بين الشهادتين أيضاً؛ لأنّ المُقرّ به شيئان مختلفان.

مسألة 934: لو شهد أحدهما عليه بألفٍ من ثمن مبيعٍ،

و شهد الآخَر بألفٍ من قرضٍ، أو شهد أحدهما بألفٍ استقرضه يوم السبت، و الآخَر

ص: 368


1- انظر: الوسيط 344:3، و العزيز شرح الوجيز 326:5، و روضة الطالبين 41:4.

بألفٍ استقرضه يوم الأحد، لم يثبت بشهادتهما شيء، إلّا أنّ للمدّعي أن يعيّن أحدهما، و يستأنف الدعوي عليه، و يحلف مع الذي شهد به، و له أن يدّعيهما و يحلف مع كلّ واحدٍ من الشاهدَيْن.

و إن كانت الشهادتان علي الإقرار بأن شهد أحدهما علي أنّه أقرّ بألفٍ من ثمن مبيعٍ، و شهد الثاني علي إقراره بألفٍ من قرضٍ، فالأقرب: إنّه لا تثبت الألف بهذه الشهادة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

و بنوا الوجهين هنا علي الوجهين فيما إذا ادّعي عليه ألفاً من ثمن مبيعٍ، فقال المدّعي عليه: لك علَيَّ ألف و لكن عن قرضٍ، فهل يحلّ للمدّعي أخذ الألف؛ لاتّفاقهما عليه، أو يحرم؛ لاختلافهما في الجهة ؟ إن قلنا(2): اختلاف الجهة يمنع الأخذ، لم تثبت الألف، و إلّا ثبتت(3).

و لو ادّعي ألفاً فشهد أحد الشاهدَيْن علي أنّه ضمن ألفاً، و الثاني علي أنّه ضمن خمسمائة، ففي ثبوت خمسمائة إشكال. و للشافعي قولان(4).

و هو أحد أقسام الإنشاءات، و قد سلف(5) البحث فيها.

و لو شهد أحد شاهدي المدّعي عليه أنّ المدّعي استوفي الدَّيْن، و الثاني علي أنّه أبرأه، فلا تلفيق علي الأقوي، و له أن يحلف مع أيّهما شاء.

و لو شهد الثاني علي أنّه برئ إليه منه، احتُمل التلفيق؛ لأنّ إضافة البراءة إلي المديون عبارة عن إيفائه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(6).4.

ص: 369


1- التهذيب - للبغوي - 344:8، العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
2- في الطبعة الحجريّة زيادة: «إنّ».
3- التهذيب - للبغوي - 344:8، العزيز شرح الوجيز 327:5.
4- العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «سبق» بدل «سلف».
6- العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
مسألة 935: لو ادّعي علي رجلٍ ألفين، و شهد له شاهد بألفين، و شهد له آخَر بألف،

ثبتت الألف بشهادتهما؛ لاتّفاقهما عليها، و له أن يحلف مع الذي شهد بألفين، و يأخذهما معاً.

و كذا لو كانت الشهادتان علي الإقرار.

هذا إذا لم يختلفا في الشهادة، أمّا لو اختلفا بأن أضاف كلٌّ منهما ما شهد به إلي سببٍ غير الآخَر، مثل: أن يقول أحدهما: من ثمن عبدٍ، و يقول الآخَر: من ثمن جاريةٍ، فإنّه لا تلفيق و لا اتّفاق، و لا تقوم البيّنة بأحدهما؛ لأنّهما مختلفان، و يحلف مع كلّ واحدٍ منهما، و يستحقّ ما شهد به.

و كذا لو اختلفا في صفتها، فقال أحدهما: من ضَرْب كذا، و الآخَر:

من ضرب آخَر، أو قال أحدهما: حالّة، و قال الآخَر: مؤجّلة، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّها لزمته في شعبان، و شهد الآخَر أنّه أقرّ أنّها لزمته في شهر رمضان.

و أمّا إذا أضاف الشاهدان الشهادة إلي سببٍ واحد، فقال كلّ واحدٍ منهما: من ثمن عبدٍ، أو أطلقا و لم يضيفا إلي سببٍ، أو أطلق أحدهما و أضاف الآخَر، فإنّ في هذه المسائل الثلاثة تقوم البيّنة بألفٍ واحدة، و يحلف للأُخري، و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أصحاب الرأي: لا يثبت شيء من ذلك؛ لأنّ الشهادتين اختلفتا

ص: 370


1- الحاوي الكبير 77:7، المهذّب - للشيرازي - 339:2، حلية العلماء 365:8-366، التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.

لفظاً و معني، كما لو أضافا ذلك إلي سببين مختلفين(1).

و هو غلط؛ لأنّهما مالان من نوعٍ واحد غير مضافين إلي سببين مختلفين، فإذا شهد بهما اثنان ثبت الأقلّ منهما، كما لو شهد أحدهما بألفٍ و الآخَر بألفٍ و خمسمائة، فإنّ أبا حنيفة سلّم أنّه إذا شهد أحدهما بألفٍ و الآخَر بألفٍ و خمسمائة تثبت الألف(2).

و لو شهد أحدهما بعشرين و الآخَر بثلاثين، ثبتت العشرون بشهادتهما، كالألف و الألفين علي إشكالٍ.

و يحتمل عدم الثبوت؛ لأنّ لفظ «الثلاثين» لا يشتمل علي لفظ «العشرين» و لفظ «الألفين» يشتمل علي لفظ(3) الألف، فربما سمع أحد الشاهدين الألف و غفل عن آخره.

و للشافعيّة وجهان(4).

مسألة 936: لو ادّعي ألفاً، فشهد له شاهد بألفٍ و آخَر بألفين، فالثاني قد شهد بالزيادة قبل أن يستشهد،

فيكون متبرّعاً تبطل شهادته بالزيادة خاصّةً.

ص: 371


1- الحاوي الكبير 77:7، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 343:8، المغني 157:12، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 376:2، الفقه النافع 931/1170:3، الهداية - للمرغيناني - 126:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 127:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 376:2، الفقه النافع 931/1170:3، التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5.
3- كلمة «لفظ» لم ترد في الطبعة الحجريّة.
4- التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5-328، روضة الطالبين 42:4.

و يحتمل بطلانها في الجميع؛ لأنّه متبرّع بهذه الشهادة، و هي شهادة واحدة و قد رُدّت، بخلاف ما لو قال: أشهد له بألفٍ و ألفٍ أُخري، فإنّه تُردّ شهادته بالألف الأُخري خاصّةً.

و علي التقديرين لا يصير مجروحاً بهذه الزيادة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يصير مجروحاً. و إذا لم يصر مجروحاً عندهم، فالشهادة بالزيادة مردودة.

و في المدّعي قولان:

أحدهما: إنّها تُردّ؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض، فإذا رُدّت في البعض رُدّت مطلقاً.

و قال بعضهم: لا تُردّ، و تثبت الألف خاصّةً، و التبعيض مخصوص بما إذا اشتملت الشهادة علي ما يقتضي الردّ، كما إذا شهد لنفسه و لغيره، و أمّا إذا زاد علي المدّعي، فقوله في الزيادة ليس بشهادة، بل هو كما لو أتي بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم. و علي تقدير قولهم بالجرح فإنّ المدّعي يحلف مع شاهد الألف و يأخذها(1).

و قال الجويني: إنّه علي هذا الوجه إنّما يصير مجروحاً في الزيادة، فأمّا الألف المدّعاة فلا جرح في الشهادة عليه، لكن إذا رُدّت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدّعي علي قولَي التبعيض، فإن لم نبعّضها فلو أعاد الشهادة بالألف، قُبلت؛ لموافقتها الدعوي [و هل](2) يحتاج إلي إعادة».

ص: 372


1- التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 42:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهل». و الظاهر ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».

الدعوي ؟ قال: فيه وجهان، أظهرهما: المنع(1).

البحث الثامن: في لواحق هذا الفصل.
مسألة 937: المُقرّ به المجهول قد يمكن استعلامه من غير رجوعٍ إلي تفسير المُقرّ بأن يحيله علي معرّفٍ. و فيه قسمان:

أحدهما: لو قال: له علَيَّ من الدراهم بقدر وزن هذه الصنجة، أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا، أو بقدر ما باع به فلان عبده، أو بقدر ما في يدي من الدراهم، و ما أشبه ذلك، رجع إلي ما أحال عليه.

و الثاني: أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب، و هو قسمان:

أ - ما اشتمل علي العطف، مثل أن يقول: لزيدٍ علَيَّ مائة درهم و نصف ما لعمرو علَيَّ، و لعمرو علَيَّ مائة و نصف ما لزيدٍ، فطريق معرفته بالجبر و المقابلة أن تفرض ما لزيدٍ شيئاً، فتقول: لزيدٍ شيء و لعمرو مائة و نصف شيء؛ لأنّه نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ حينئذٍ مائة و خمسون و ربع شيء تعدل شيئاً، يسقط من الشيء ربع شيء مقابلة الربع، تبقي مائة و خمسون تعدل ثلاثة أرباع شيء، فالربع خمسون، و الشيء مائتان، فلزيدٍ عليه مائتان، و كذا لعمرو عليه مائتان.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ مائة و ثلث ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ مائة و ثلث ما لزيدٍ، فلكلٍّ منهما عليه مائة و خمسون؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً، و لعمرو مائة و ثلث شيء، فلزيدٍ مائة و ثلث مائةٍ و تُسْع شيء تعدل شيئاً، يسقط تُسْع شيء بمثله، تبقي مائة و ثلث مائة تعدل ثمانية أتساع شيء، فالشيء مائة

ص: 373


1- العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 42:4.

و خمسون.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ مالٌ و نصف ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ مالٌ و نصف ما لزيدٍ، فلكلٍّ من زيدٍ و عمروٍ عليه أربعة؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً، و لعمرو مالٌ و نصف شيء، فلزيدٍ مالٌ و نصف مالٍ و ربع شيء يعدل شيئاً، يسقط ربع شيء بربع شيء، يبقي مالٌ و نصف مالٍ يعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء مالان، و لكلّ مالٍ نصفٌ.

مسألة 938: لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة و نصف ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ عشرة و ثلث ما لزيدٍ، نفرض ما لزيدٍ شيئاً،

فلعمرو عشرة و ثلث شيء، فلزيدٍ خمسة عشر و سدس شيء تعدل شيئاً، يسقط السدس بمثله، تبقي خمسة عشر تعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء ثمانية عشر هي ما لزيدٍ و لعمرو ستّة عشر.

و لو قال: لزيد ستّة و نصف ما لعمرو، و لعمرو اثنا عشر و نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ ستّة عشر، و لعمرو عشرون؛ لأنّا نفرض ما لزيد شيئاً، فلعمرو اثنا عشر و نصف شيء، و لزيدٍ اثنا عشر و ربع شيء يعدل شيئاً، يسقط ربع شيء بمثله، يبقي اثنا عشر يعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء ستّة عشر، و لعمرو اثنا عشر و ثمانية هي نصف ما لزيدٍ، فلعمرو عشرون.

و لو قال: لزيدٍ ستّة و نصف ما لعمرو، و لعمرو اثنا عشر و ثلث ما لزيدٍ، فلزيدٍ أربعة عشر و خُمْسان، و لعمرو ستّة عشر و أربعة أخماس؛ لأنّا نفرض ما لزيدٍ شيئاً، فلعمرو اثنا عشر و ثلث شيء، فلزيدٍ اثنا عشر و سدس شيء يعدل شيئاً، يسقط سدس شيء من الشيء، يبقي اثنا عشر يعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء أربعة عشر و خُمْسان، و لعمرو اثنا عشر و ثلث أربعة عشر و خُمْسان، و هو أربعة و أربعة أخماس، فيكمل لعمرو

ص: 374

ستّة عشر و أربعة أخماس.

ب: ما اشتمل علي الاستثناء.

مسألة 939: إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ستّة إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ ستّة إلّا نصف ما لزيدٍ، نفرض ما لزيدٍ شيئاً،

فلبكر ستّة إلّا نصف شيء، فلزيدٍ ستّة إلّا ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شيء؛ لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثني، فإذا جبرتَ و قابلْتَ، صارت ستّةً تعدل ثلاثةً و ثلاثة أرباع شيء، فإذا أسقطتَ ثلاثة بمثلها، بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء أربعة، فلكلٍّ منهما أربعة.

و لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ عشرة إلّا ثلث ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء و لبكر عشرة إلّا ثلث شيء، فلزيدٍ عشرة إلّا خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء، فإذا جبرتَ و قابلْتَ، صارت عشرةً تعدل خمسةً و خمسة أسداس شيء، فإذا أسقطتَ خمسةً بمثلها، بقي خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء، فالشيء يعدل ستّةً، فهي لزيدٍ، و لبكرٍ ثمانية.

و لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء، و لبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف شيء، فلزيدٍ عشرة و سدس شيء إلّا خمسة تعدل شيئاً، يسقط السدس بمثله، تبقي خمسة تعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء يعدل ستّةً لزيدٍ، و لبكرٍ اثنا عشر.

و اعلم: أنّ الأقسام الممكنة في العطف منفرداً أو الاستثناء منفرداً ثمانية.

أمّا في العطف فأربعة:

أ: أن يتّفق المال فيهما و العطف فيهما.

ب: أن يتّفق المال فيهما و يختلف العطف فيهما.

ج: أن يختلف المال فيهما و يتّفق العطف فيهما.

ص: 375

د: أن يختلف المال فيهما و العطف فيهما.

و أمّا في الاستثناء فأربعة أيضاً:

أ: أن يتّفق المال فيهما و الاستثناء فيهما.

ب: أن يتّفق المال فيهما و يختلف الاستثناء فيهما.

ج: أن يختلف المال فيهما و يتّفق الاستثناء.

د: أن يختلف المال فيهما و الاستثناء فيهما.

و اعلم: أنّه قد يكون في أحدهما الاستثناء و في الآخَر العطف، كما إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ألف و نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ علَيَّ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ ألف و مائتان، و لبكرٍ أربعمائة؛ لأنّا نجعل ما لزيدٍ شيئاً فلبكرٍ ألف إلّا نصف شيء، فلزيدٍ ألف و خمسمائة إلّا ربع شيء تعدل شيئاً كاملاً، فألف و خمسمائة كملاً تعدل شيئاً و ربع شيء، فالشيء ألف و مائتان هي لزيدٍ، و لبكرٍ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ، و نصفه ستّمائة تبقي له أربعمائة.

و اعلم: أنّه إذا اجتمع العطف في أحدهما و الاستثناء في الآخَر، فقد يتّفق المال و قد يختلف، و مع الاتّفاق قد يتّفق العطف و الاستثناء و قد يختلف، و كذا مع الاختلاف. و علي كلّ تقدير فقد يقع الاستثناء في الأوّل و العطف في الثاني، و بالعكس. فعليك باستخراج ذلك كلّه، فإنّه سهل بعد ما أعطيناك من القانون.

و اعلم: أنّه قد يزيد الإقرار علي اثنين. و حكمه كما تقدّم.

فلو قال: لزيدٍ علَيَّ ستّون مثقالاً و نصف ما لعمروٍ - و التقدير علي سبيل التسهيل أنّ المثقال يساوي ثلاثةً و عشرين درهماً، كما في زماننا - ثمّ قال: و لعمرو عندي ستّون و ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ ستّون و ربع ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء، و لبكرٍ ستّون و ربع شيء، و لعمرو ثمانون مثقالاً و ثلث ربع

ص: 376

شيء، فلزيدٍ مائة و سدس ربع شيء تعدل شيئاً، يسقط سدس ربع شيء بسدس ربع شيء، تبقي مائة تعدل ثلاثة أرباع شيء و خمسة أسداس ربع شيء، فالشيء أربعة و عشرون، فمائة مثقال تعدل ثلاثة و عشرين جزءاً من أربعة و عشرين، فإذا بسطْتَ مائة مثقال علي ثلاثة و عشرين جزءاً، كان نصيب الجزء أربعة مثاقيل و ثمانية دراهم.

مسألة 940: إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ألف درهم إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ علَيَّ ألف إلّا ثلث ما لزيدٍ، فلمعرفة ذلك طُرق:

أ: أن نجعل لزيدٍ شيئاً و نقول: لبكرٍ ألف إلّا ثلث شيء، فنأخذ نصفه - و هو خمسمائة إلّا سدس شيء - و نسقطه من الألف، تبقي خمسمائة و سدس شيء، و ذلك يعدل شيئاً المفروض لزيدٍ؛ لأنّه جعل له ألفاً إلّا نصف ما لبكرٍ، فيسقط سدس شيء بسدس شيء، تبقي خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسمائة، فيكون الشيء التامّ ستّمائة، و هو ما لزيدٍ، فإذا أخذتَ ثلثها مائتين و أسقطتَه من الألف، تبقي ثمانمائة، و هو ما أقرّ به لبكرٍ.

ب: أن نجعل لزيدٍ ثلاثة أشياء؛ لاستثنائه الثلث منه، و نسقط ثلثها من الألف المضاف إلي الاثنين، فيكون لهما ألف ناقص شيء، ثمّ نأخذ نصفه و هو خمسمائة ناقصة بنصف شيء، و تزيد علي ما فرضناه لزيدٍ و هو ثلاثة أشياء، يكون خمسمائة و شيئين و نصف شيء، و ذلك يعدل ألف درهم، تسقط خمسمائة بخمسمائة، تبقي خمسمائة في مقابلة شيئين و نصف شيء، فيكون الشيء مائتين، و قد كان لزيدٍ ثلاثة أشياء، فهي إذَنْ ستّمائة.

ج: أن نقول: استثني من أحد الإقرارين النصفَ و من الآخَر الثلثَ، فنضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخَر يكون ستّةً، ثمّ ننظر في الجزء

ص: 377

المستثني من الإقرارين، و كلاهما واحد، فنضرب واحداً في واحدٍ يكون واحداً ننقصه من الستّة تبقي خمسة، فنحفظها و نسمّيها المقسوم عليه، ثمّ نضرب ما يبقي من مخرج كلّ واحدٍ من الجزءين - بعد إسقاطه - في مخرج الثاني، و ذلك بأن نضرب ما يبقي من مخرج النصف بعد النصف - و هو واحد - في مخرج الثلث - و هو ثلاثة - تحصل ثلاثة نضربها في الألف المذكورة في الإقرار يكون ثلاثة آلاف نقسّمها علي العدد المقسوم عليه - و هو خمسة - يخرج نصيب الواحد ستّمائة، فهي ما لزيدٍ، و نضرب ما يبقي من مخرج الثلث بعد الثلث - و هو اثنان - في مخرج النصف - و هو اثنان - يكون أربعةً نضربها في الألف يكون أربعة آلاف نقسّمها علي الخمسة، يخرج من القسمة ثمانمائة، و هي ما لبكرٍ.

و لو قال: لزيد علَيَّ عشرة إلّا ثلثي ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ثلاثة أرباع ما لزيدٍ، نضرب المخرج في المخرج يحصل اثنا عشر، ثمّ نضرب أحد الجزءين في الثاني، و هو اثنان في ثلاثة، يكون ستّةً نسقطها من اثني عشر تبقي ستّة، ثمّ نضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين - و هو واحد - في أربعة، يكون أربعةً نضربها في العشرة المذكورة في الإقرار يكون أربعين نقسّمها علي الستّة يكون ستّةً و ثُلثين، و ذلك ما أقرّ به لزيدٍ. ثمّ نضرب واحداً و هو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة، يكون ثلاثةً نضربها في العشرة يكون ثلاثين نقسّمها علي الستّة يكون خمسةً، و هي ما أقرّ به لعمرو.

و الطريقان الأوّلان يجريان في أمثال هذه الصُّور بأسرها.

و أمّا الطريق الثالث فإنّه لا يطّرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين.

ص: 378

و إذا تكثّرت الإقرارات، احتاج إلي تطويلٍ ليس هذا موضعه، كما لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو ستّة إلّا ربع ما لزيدٍ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بثمانية، و لعمرو بأربعة.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بخمسة و خمسة أسباع، و لعمرو بثمانية و أربع أسباع.

و قد يتصوّر صدور كلّ إقرارٍ من شخصٍ بأن يدّعي مالاً علي زيدٍ و علي عمرو، فيقول زيد: لك علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لك علي عمرو، و يقول عمرو: لك علَيَّ عشرة إلّا ثلث ما لك علي زيدٍ. و طريق الحساب ما تقدّم.

مسألة 941: لو أقرّ لزيدٍ بجميع ما في يده أو بجميع ما ينسب إليه أو يعرف به، صحّ الإقرار،

فلو تنازع المُقرّ و المُقرّ له في شيء هل كان في يد المُقرّ وقت الإقرار أو لا؟ فالقول قول المُقرّ، و علي المُقرّ له البيّنة؛ لأصالة الاستصحاب، و قضاء اليد بالملكيّة، و عدم سبق النسبة علي الإقرار.

و لو قال: ليس لي ممّا في يدي سوي ألف، صحّ الإقرار، و عُمل بمقتضاه.

و لو قال: لا حقّ لي في شيء ممّا في يد فلان، ثمّ ادّعي شيئاً منه و قال: لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار، صُدّق بيمينه.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ درهم أو دينار، لزمه أحدهما، و طُولب بالتعيين.

ص: 379

و قال بعض الشافعيّة: لا يلزمه شيء(1).

و هو خطأ.

و لو قال: علَيَّ ألف أو علي زيد أو علي عمرو، لم يلزمه شيء.

و كذا لو قال علي سبيل الإقرار: أنتِ طالق أوّلاً. و إن ذكره في معرض الإنشاء طُلّقت، كما لو قال: أنتِ طالق طلاقاً لا يقع عليك.

و لو كان في يده عبد و جارية، فقال: أحد هذين لزيدٍ(2) ، صحّ الإقرار، و طُولب بالتعيين، فإن قال: له العبد، نظرتَ في(3) المُقرّ له، فإن صدّقه سلّم العبد إليه. و إن قال: لي الجارية دون العبد، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه في الجارية، و أمّا العبد فقد ردّ إقراره، و فيه وجهان:

أحدهما: يقرّ في يده.

و الثاني: ينزعه الحاكم، فيكون في يده.

مسألة 942: لو قال: غصبتُ هذا العبد من أحد هذين، صحّ هذا الإقرار

- و به قال الشافعي(4) - لأنّ الإقرار بالمجهول يصحّ، كذا يصحّ الإقرار لمجهولٍ.

ثمّ يُطالب بالبيان، فإن قال: لا أعرف عينه، فإن صدّقاه علي ذلك انتُزع العبد من يده، و كانا خصمين فيه. و إن كذّباه و ادّعي كلّ واحدٍ منهما أنّه يعلم أنّه غصبه منه، كان القولُ قولَه مع يمينه؛ لأنّه أعلم بما يعلمه، فإذا حلف انتُزع منه، و كانا خصمين فيه. و إن نكل حلف المدّعي، و كان بمنزلة

ص: 380


1- العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 43:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لفلان» بدل «لزيد».
3- الظاهر: «إلي» بدل «في».
4- الأُم 243:3، الحاوي الكبير 40:7، بحر المذهب 259:8، البيان 442:13، العزيز شرح الوجيز 342:5، روضة الطالبين 52:4.

الإقرار له.

إذا ثبت هذا، فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ، حُكم له به. و إن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً، تعارضت البيّنتان. و إن لم يكن لكلّ واحدٍ منهما بيّنةٌ، حلف كلّ واحدٍ منهما و قسّم، أو وقف حتي يصطلحا. و إن حلف أحدهما و نكل الآخَر، حُكم به للحالف.

هذا إذا لم يبيّن، فأمّا إذا بيّن فقال: هو لهذا، فإنّه يكون له، و لا يغرم للآخَر قولاً واحداً؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر، بخلاف قوله: هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.

فإن قال الآخَر: احلفوه أنّه ليس لي، فإن قلنا: إنّه لو عاد و أقرّ(1) للآخَر لم يغرم له، لم نحلفه؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شيء. و إن قلنا: يغرم، عرضنا عليه اليمين، فإن حلف سقطت الدعوي، و إن نكل حلف المدّعي و غرم.

مسألة 943: لو كان معه عشرة أعْبُد، فقال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً، صحّ الاستثناء؛

لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح، و كذا الاستثناء؛ لأنّ مقتضاه تجهيل المُقرّ به، و هو غير قادحٍ في الإقرار.

ثمّ يُطالَب بالبيان، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ، صحّ تعيينه، و كان القولُ قولَه، فإن عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.

و لو عيّن ما للمُقرّ له جاز، و كان الواحد الفاضل له.

فإن خالفه المُقرّ له و قال: ليس هذا الذي استثنيتَه، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ ذلك البيان لإقراره، و هو أعلم بما أقرّ به و استثناه.

فإن هلك منها تسعة و بقي واحد، فالوجه: إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء

ص: 381


1- في الطبعة الحجريّة: «فأقرّ».

في الباقي - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار، و تفسيره لا يرفع جميع (ما أقرّ به)(2) و إنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعني يرجع إلي التفسير، و جري ذلك مجري ما لو قال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا غانماً، ثمّ مات الكلّ إلّا غانماً، كان غانم للمُقرّ، و لم يُبطل ذلك إقراره، كذا هنا.

و الثاني لهم: لا يُقبل منه أن يدّعي أنّه له؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلي أن لا يجعل للمُقرّ له شيئاً(3).

مسألة 944: إذا أقرّ بمالٍ لزيدٍ، لزمه، و كان مؤاخذاً بإقراره

- و هو المشهور من مذهب الشافعي(4) - عملاً بمقتضي الإقرار.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يلزمه حتّي يُسأل المُقرّ عن سبب اللزوم؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة، و الإقرار ليس موجباً في نفسه، و أسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء، فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً، و هذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل، و كما لو أقرّ بأنّ فلاناً وارثه، لا يُقبل حتي يبيّن جهة الوراثة(5).

و لو قال: علَيَّ ألف درهم و إلّا لفلان علَيَّ ألف دينار، لزمه(4) [و](5)

ص: 382


1- التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 256:8، الوجيز 201:1، الوسيط 355:3، حلية العلماء 354:8، التهذيب - للبغوي - 243:4، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.
2- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «المُقرّ به».
3- نفس المصادر في الهامش (1) ما عدا التهذيب. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
4- في روضة الطالبين 43:4 هكذا: «لزمه ألف درهم».
5- ما بين المعقوفين أضفناه للسياق.

هذا(1) للتأكيد.

و لو قال: وهبتُ منك كذا و خرجتُ منه إليك، لم يكن مُقرّاً بالقبض؛ لجواز أن يريد بالخروج منه الهبة.

و قال القفّال: إنّه يكون مُقرّاً بالقبض؛ لأنّه نسب إلي نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ عنه(2).

و لو قال: وهبتُه، ثمّ قال: لم أقبضه، سُمع منه ذلك، و كان دعوي ترك الإقباض مسموعةً؛ لأنّ الهبة لا تستلزم الإقباض، لكن لا تلزم إلّا به.

و كذا الرهن و الوقف و كلّ ما يشترط فيه القبض.

و لو قال: وهبتُه و ملّكته، ثمّ ادّعي نفي الإقباض، لم تُسمع منه؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض، إلّا أن يعتقد مذهب مالك، فتُسمع منه هذه الدعوي؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة المجرّدة عن الإقباض(3).

مسألة 945: لو أقرّ الأب بعين ماله لولده، لم يكن له الرجوعُ في إقراره،

فإن رجع لم يُقبل منه؛ لأنّ الأصل بقاء الملك للمُقرّ له، و به قال بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: له الرجوع؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع، و يمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع، كالهبة، فيثبت له الرجوع؛

ص: 383


1- أي الكلام الأخير.
2- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1198/673:2، بداية المجتهد 329:2، التفريع 312:2، التلقين: 550، المعونة 1607:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، بحر المذهب 295:8، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 319:6، المغني 274:6، الشرح الكبير 276:6.
4- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.

تنزيلاً للإقرار علي أضعف المِلْكين و أدني السببين، كما يُنزّل علي أقلّ المقدارين(1).

و قال آخَرون: إن أقرّ بانتقال الملك منه إلي الابن، فإنّه يثبت له الرجوع. و إن أقرّ بالملك المطلق، لم يكن له الرجوع(2).

و لو أقرّ في وثيقةٍ بأنّه لا دعوي له علي فلان و لا طلبة بوجهٍ من الوجوه و لا سببٍ من الأسباب، ثمّ قال: إنّما أردت في عمامته أو في قميصه، لا في داره و بستانه، قال بعض الشافعيّة: إنّه يُقبل بمقتضي القياس؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ(3). و هو محتمل.

و يشكل بما إذا قال: كلّ هذه الدراهم لزيدٍ، ثمّ قال: لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.4.

ص: 384


1- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
2- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4-44.
3- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 44:4.
الفصل الرابع: في تعقيب الإقرار بما يرفعه
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في الاستثناء.
مسألة 946: الاستثناء جائز في الإقرار و غيره

- و الأصل فيه قوله تعالي:«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ» (1) و قوله تعالي:

«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً» (2) و هو كثير في القرآن و السنّة و لسان العرب - بشرط اتّصاله بالمستثني منه و عدم استغراقه له، فإن سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثني، لم يصح.

و الرواية عن ابن عباس(3) متأوّلة، و كذا قوله عليه السلام: «إن شاء اللّه»(4).

و لو كان الاستثناء مستغرقاً بطل، فلو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة، كان الاستثناء لغواً، و تثبت العشرة؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب، و عدم انتظامه بين أرباب اللسان.

ص: 385


1- الحجر: 30 و 31، «ص»: 73 و 74.
2- العنكبوت: 14.
3- و هي تجويزه تأخير الاستثناء، راجع: المعتمد 242:1، و إحكام الفصول: 183، و المستصفي 165:2، و المنخول: 157، و المحصول في علم الأُصول 407:1، و الإحكام في أُصول الأحكام 495:2، و التحصيل من المحصول 373:1-374.
4- سنن أبي داوُد 3286/231:3، سنن البيهقي 47:10 و 48.

و الأصل فيه أنّه رجوع و إبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة، فكان باطلاً.

و قواعد الاستثناء خمس:

الأوّل: حكم الاستثناء و المستثني منه متناقضان، فالاستثناء من النفي إثبات، و بالعكس.

الثاني: الاستثناء المتكرّر مع حرف العطف يعود إلي المستثني منه.

و لو خلا عن حرف العطف، فإن زاد الثاني علي الأوّل أو ساواه عادا معاً إلي المستثني منه، كما في العطف، و إن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلي الاستثناء الأوّل، و الاستثناء الأوّل إلي المستثني منه، و تناقضا.

الثالث: إذا ورد الاستثناء عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها علي البعض، فالأقوي: عود الاستثناء إلي الجملة الأخيرة إلّا مع القرينة.

الرابع: الاستثناء من الجنس جائز إجماعاً، و من غيره جائز علي الأقوي.

الخامس: الاستثناء المستوعب و الزائد باطل إجماعاً، و أمّا الأقلّ فإنّه جائز، سواء زاد المستثني علي الباقي أو ساواه أو نقص عنه.

و قال ابن درستويه و أحمد بن حنبل: لا يجوز أن يستثني إلّا الأقلّ من الباقي؛ لأنّه لم يوجد في كلام العرب إلّا ذلك، و اللغة توقيف، و لأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل المتكلّم عنه، و لا يتأتّي ذلك إلّا في القليل، أمّا المساوي و الأزيد فتبعد الغفلة عنه و النسيان له(1).2.

ص: 386


1- المغني 302:5-303، الشرح الكبير 303:5، الحاوي الكبير 21:7، بحر المذهب 237:8، حلية العلماء 352:8، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 343:5، الاستغناء في أحكام الاستثناء: 536، إحكام الفصول: 187، الإحكام في أُصول الأحكام 502:2.

و هو يبطل بقوله تعالي:«إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» (1) و هو يقتضي كون الغاوين أقلَّ علي ما ذهبوا إليه.

و قال في موضعٍ آخَر:«لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» (2) و ذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ، و هو تناقض.

و قال الشاعر:

أدّوا التي نقصت تسعين من مائةثمّ اطلبوا حكماً بالحقّ مقوالا(3)

و هذا استثناء للتسعين من المائة، أو هو في معني الاستثناء.

مسألة 947: لا خلاف في أنّ الاستثناء من الإثبات نفي؛

لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني، و هو الصرف، و الصرف إنّما يكون من الإثبات إلي النفي، و بالعكس، و لأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثني منه علي وجهٍ لولاه لدخل فيه، و لا ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل، و هو العدم في جميع الأشياء، فإذا أخرج بعض الجملة من الحكم الإثباتي، بقي علي أصالة العدم، فكان نفياً.

و أمّا الاستثناء من النفي فهو إثبات عند المحقّقين؛ لأنّه إخراج من النفي، و لا خروج عن النقيضين، فيكون مثبتاً، و لأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا: «لا إله إلّا اللّه» توحيداً، و لما كان كافياً في الإسلام، و لا خلاف في الاكتفاء به؛ فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان إذا جاءه الأعرابي و تكلّم بهذه اللفظة و بالشهادة بالرسالة له عليه السلام حكم بتمام إسلامه، و لو لم يكن الاستثناء من

ص: 387


1- الحجر: 42.
2- الحجر: 39 و 40.
3- لم نهتد لقائله، و ورد البيت بتفاوت يسير في الاستغناء في أحكام الاستثناء: 538، و العُدّة في أُصول الفقه 671:2، و الحاوي الكبير 21:7، و المغني 302:5، و الشرح الكبير 303:5، و المبسوط - للطوسي - 8:3.

النفي إثباتاً لم يكن ذلك إثباتاً للّه تعالي.

و قال أبو حنيفة: الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت و الحكم بالنفي، و هو نفي الحكم(1).

و ليس بصحيح؛ لما تقدّم.

مسألة 948: إذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا تسعة، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثني منه، و المناقض للثبوت عدم.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا واحداً، لزمه تسعة، و هو قول أكثر العامّة(2).

و قال مالك منهم: لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات و لا المئين من الأُلوف، و إنّما يصحّ استثناء الآحاد و العشرات من المئين و الأُلوف(3).

و نُقل عنه أيضاً أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً(4).

و كلاهما باطل؛ لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء و لما ورد به الكتاب العزيز و السنّة المتواترة و استعمال أهل اللغة.

مسألة 949: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية، فهو إقرار بتسعة،

و المعني: إلّا تسعة لا تلزم إلّا ثمانية تلزم، فتلزم الثمانية و الواحد الباقي من العشرة، فإذا استثني تسعةً من العشرة فقد نفي التسعة من العشرة المثبتة، فيبقي المثبت واحداً، فإذا استثني من التسعة المسقَطة ثمانيةً، بقي الساقط واحداً لا غير، و علي هذا.

و الطريق فيه و في نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات و كلّ ما هو نفي،

ص: 388


1- المحصول في علم الأُصول 411:1، الاستغناء في أحكام الاستثناء: 549، الإحكام في أُصول الأحكام 512:2، التحصيل من المحصول 377:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 350:2، البيان 426:13، الشرح الكبير 305:5. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 343:5.

فيسقط المنفيّ من المثبت، فيكون الباقي هو الواجب، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة و كذا الثمانية تجمعهما و تُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع، تبقي تسعة.

و لو قال: عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة، و هكذا إلي الواحد، فعليه خمسة؛ لأنّ الأعداد المثبتة ثلاثون، و المنفيّة خمسة و عشرون.

و طريق تمييز المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلي العدد المذكور أوّلاً، فإن كان زوجاً فالأوتار منفيّة و الأزواج مثبتة، و إن كان وتراً فبالعكس، و ذلك بشرط أن تكون الأعداد المذكورة علي التوالي الطبيعي، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً، و بالعكس.

مسألة 950: لو قال: ليس لفلان علَيَّ شيء إلّا خمسة، لزمه خمسة.

و لو قال: ليس علَيَّ عشرة إلّا خمسة، لم يلزمه شيء عند الأكثر؛ لأنّ «عشرة إلّا خمسة» عبارة عن خمسة، فكأنّه قال: ليس له علَيَّ خمسة(1).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه يلزمه خمسة؛ بناءً علي أنّ الاستثناء من النفي إثبات(2).

و التحقيق أن نقول: إنّ هذا القول صالح للأمرين؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب - و هو: عشرة إلّا خمسة - لم يلزمه شيء، و إن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك السلب في الخمسة، لزمه خمسة، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان، و يُقبل تفسيره مع اليمين.

ص: 389


1- التهذيب - للبغوي - 241:4، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
2- العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
مسألة 951: لو كرّر الاستثناء من غير عطفٍ و كان الثاني مستغرقاً، صحّ الأوّل، و بطل الثاني،

فلو(1) قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا عشرة، بطل، و لزمه خمسة؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة، بطل الاستثناء الثاني أيضاً؛ إذ لا يمكن عوده إلي المستثني منه الأوّل، و إلّا لم يبق شيء؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل و خمسةٍ بالثاني، و لا إلي الاستثناء السابق عليه؛ لأنّه مستوعب له، فوجب الحكم ببطلان الاستثناء الثاني، فيبقي(2) اللازم في ذمّته خمسة.

و لو كان الاستثناء الأوّل مستغرقاً، كما لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة، فالأقرب: إنّه يلزمه أربعة، و يصحّ الاستثناءان معاً؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره، و آخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً، و يصير كأنّه استثني من أوّل الكلام ستّةً؛ لأنّ «عشرة إلّا أربعة» في تقدير «ستّة» فيصير قوله: «له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة» في تقدير «له علَيَّ عشرة إلّا ستّة» و هو أحد وجوه الشافعيّة(3).

و الثاني: إنّه يلزمه عشرة، و يبطل الاستثناء الأوّل؛ لاستغراقه، و الثاني؛ لبطلان المستثني منه(4).

ص: 390


1- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «فلو».
2- في «ج، ر»: «فيكون» بدل «فيبقي».
3- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4-242، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
4- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.

و هو غلط؛ إذ لا يمكن العدول إلي الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل علي الصواب.

و الثالث لهم: إنّه يلزمه ستّة؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل؛ لاستغراقه، فيكون وجوده كعدمه، و رجع الاستثناء إلي أوّل الكلام(1).

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا خمسة، فعلي الوجه الثاني يلزمه عشرة، و علي الآخَرين خمسة.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة، لزمه أربعة؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد، و لا يمكن عود الثاني إلي الأوّل؛ لأنّه مستوعب، و لا إبطال أحدهما؛ إذ الأصل الإفادة، فيرجعان إلي المستثني منه.

مسألة 952: إذا كرّر الاستثناء مع العطف، رجعا جميعاً إلي المستثني منه، فإن استوعبا معاً بطل الثاني.

فلو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة و إلّا أربعة، لزمه واحد.

و كذا لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة و أربعة، لزمه واحد، و كانا جميعاً مستثنيين من العشرة.

و لا فرق بين أن يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.

فإذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا أربعة و إلّا أربعة، لزمه اثنان.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا أربعة و إلّا خمسة، لزمه واحد.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا سبعة و إلّا ثلاثة، لزمه العشرة؛ لأنّ الواو

ص: 391


1- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4-242، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.

تجمعهما و توجب الاستغراق، هذا عند بعض الشافعيّة(1).

و عند بعضهم ما اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه، و الثاني مثل العدد الباقي، فهو المستغرق(2).

و الأصحّ عندهم: الثاني؛ لأنّه إذا قال: له عندي عشرة إلّا سبعة، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة، فإذا قال: و إلّا ثلاثة، أو قال: له علَيَّ عشرة إلّا سبعة و ثلاثة، كانت الثلاثة هي المستغرقة، فوقعت باطلةً(3).

و فرّق بعضهم بين قوله: عشرة إلّا سبعة و ثلاثة، و بين قوله: عشرة إلّا سبعة و إلّا ثلاثة، فقَطَع في الصورة الثانية بالبطلان؛ لأنّهما استثناءان مستقلّان(4).

مسألة 953: إذا كان في الاستثناء أو المستثني منه عددان عطف أحدهما علي الآخَر، ففي الجمع بينهما وجهان

- كما في الصورة السابقة - أصحّهما: عدم الجمع - و هو الأصحّ عند الشافعيّة، و نصّ عليه الشافعي(1) - لأنّ الواو العاطفة و إن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ، و الاستثناء يدور علي اللفظ، مثلاً: لو قال: له علَيَّ درهمان و درهم إلّا درهماً، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة؛ لأنّه استثني درهماً من درهمٍ، و إن جمعنا لزمه درهمان، و كان الاستثناء من ثلاثة.

و لو قال: له علَيَّ ثلاثة إلّا درهمين و درهماً، إن لم نجمع لزمه درهم، و صحّ استثناء الدرهمين، و إن جمعنا لزمه ثلاثة، و كان الاستثناء مستغرقاً.

و لو قال: له ثلاثة إلّا درهماً و درهمين، فإن لم نجمع لزمه درهمان،

ص: 392


1- التهذيب - للبغوي - 242:4، العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 54:4.

و إن جمعنا فثلاثة.

و لو قال: له درهم فدرهم و درهم إلّا درهماً و درهماً و درهماً، لزمه ثلاثة علي الوجهين؛ لأنّا إن جمعنا، جمعنا في الطرفين: الاستثناء و المستثني منه، و إن لم نجمع كان مستثنياً درهماً من درهمٍ.

مسألة 954: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة أو ستّة، قال بعض الشافعيّة: يلزمه أربعة؛

لأنّ الدرهم الزائد مشكوك فيه، فصار كما لو قال:

علَيَّ خمسة أو ستّة، لم يلزمه إلّا خمسة(1).

و الوجه: إنّه يلزمه خمسة؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته، و استثني خمسةً، و استثناء الدرهم الزائد مشكوك فيه، فيبقي الأصل علي الثبوت.

و لو قال: له علَيَّ درهم غير دانق، فإن نصب «غيراً» كان استثناءً للدانق من الدرهم، و لزمه خمسة دوانيق، و إن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ؛ لأنّ معناه: علَيَّ درهم لا دانق.

و حَكَم أكثر الشافعيّة بأنّه استثناء، سواء نصب أو رفع؛ لأنّ السابقَ إلي الفهم الاستثناء، فيُحمل عليه و إن أخطأ في الإعراب(2).

مسألة 955: الاستثناء حقيقة في الجنس، مجاز في غيره؛

لتبادر الأوّل إلي الفهم، دون الثاني، و لأنّ الاستثناء إخراج، و إنّما يتحقّق في الجنس، و في غيره يحتاج إلي تقديرٍ، و مع هذا إذا استثني من غير الجنس، سُمع منه و قُبِل، و كان عليه ما بعد الاستثناء.

فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، أو: إلّا عبداً، صحّ عند علمائنا

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4.
2- العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4.

- و به قال الشافعي و مالك(1) - لوروده في القرآن العزيز:

قال اللّه تعالي:«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ» (2) استثناه من الملائكة، و لم يكن منهم؛ لقوله تعالي:«إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ» (3).

و قال تعالي:«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً» (4) و «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً» (5) و أمثال ذلك كثيرة.

و قال النابغة:

وقفت فيها أُصيلالاً أُسائلها أعيت جواباً و ما بالرَّبْع من أحد

إلّا الأواريّ لَأْياً ما أُبيّنها و النؤْي كالحوض بالمظلومة الجَلَد(6)

و قال الشاعر:

و بلدة ليس بها أنيسإلّا اليعافير و إلّا العيس(7)

و اليعافير: ذكور الظباء، و العيس: الجِمال. و الأواريّ: المعالف.2.

ص: 394


1- الحاوي الكبير 19:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 238:8، الوجيز 201:1، الوسيط 354:3، حلية العلماء 352:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، التلقين: 448-449، الذخيرة 297:9-298، عيون المجالس 1203/1709:4، المعونة 1252:2، تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الهداية - للمرغيناني - 184:3، المبسوط - للسرخسي - 87:18، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5.
2- الحجر: 30 و 31، «ص»: 73 و 74.
3- الكهف: 50.
4- مريم: 62.
5- النساء: 29.
6- ديوان النابغة الذبياني: 14-15.
7- ورد البيت في تهذيب اللغة 426:15، و الكتاب - لسيبويه - 322:2.

و قال أبو حنيفة: إن استثني مكيلاً أو موزوناً جاز، و إن استثني عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ لم يجز.

و بالجملة، لا يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس، إلّا في المكيل و الموزون و المعدود، فيستثني بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس(1).

و قال محمّد بن الحسن و زفر: لا يجوز الاستثناء من غير الجنس - مطلقاً - بحال - و به قال أحمد بن حنبل - لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ، و لم يتناول اللفظ إلّا جنسه، فلم يصح استثناؤه منه(2).

و المرجع في ذلك إلي اللغة، دون ما ذكروه.

و نمنع أنّ الاستثناء مطلقاً ما حدّوه، فقد قيل: معني الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ(3) ، و ذلك حاصل في غير الجنس.5.

ص: 395


1- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الهداية - للمرغيناني - 184:3، الاختيار لتعليل المختار 212:2، المبسوط - للسرخسي - 87:18، مختصر اختلاف العلماء 1913/214:4، الحاوي الكبير 19:7، بحر المذهب 237:8، الوسيط 354:3، حلية العلماء 353:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 345:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، عيون المجالس 1709:4-1203/1710، المعونة 1252:2، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5.
2- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الاختيار لتعليل المختار 212:2، المبسوط - للسرخسي - 87:18، الهداية - للمرغيناني - 184:3، مختصر اختلاف العلماء 1913/215:4، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5، الحاوي الكبير 19:7، بحر المذهب 237:8، حلية العلماء 353:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 346:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، عيون المجالس 1048/1710:4، المعونة 1252:2-1253.
3- انظر: التبصرة في أُصول الفقه: 165، و اللمع في أُصول الفقه: 95.
مسألة 956: إذا ثبت صحّة الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً،

أو: إلّا عبداً، و شبهه، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب و العبد بما لا يستغرق، فإن فسّره بالمستغرق بطل التفسير، كما لو قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً و قيمته ألف درهم؛ لأنّه رجوع و نقض لما اعترف به أوّلاً.

و هل يبطل الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ، فكأنّه تلفّظ به، و لا ريب في أنّه لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً، بطل الاستثناء، و كذا لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ثوباً قيمته ألف، فكذا إذا استثني الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب، فيبطل الاستثناء، و يلزمه الألف، و من أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ، و إنّما الخلل فيما فسّر به اللفظ، فيقال له: هذا التفسير غير صحيحٍ، و يُطالب بتفسيرٍ صحيحٍ.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين، و الأوّل أصحّ عند الجويني(2).

مسألة 957: إذا قال: له علَيَّ ألف إلّا درهماً، فقد استثني المعيّن من المبهم.

فإن قلنا بأنّ الاستثناء من غير الجنس باطل، اقتضي كون الألف دراهمَ؛ لصحّة الإقرار و الاستثناء، و إنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.

و إن قلنا بالجواز سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً، طُولب بتفسير الألف؛ لأنّ المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شيء في الذمّة بالإجمال، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه، بطل التفسير؛ لاشتماله علي الاستثناء المستوعب،

ص: 396


1- بحر المذهب 238:8، العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 55:4.
2- الوسيط 355:3، الوجيز 201:1، العزيز شرح الوجيز 346:5.

و يقال له: الاستثناء قد صحّ بحكم الإطلاق، ففسّر ذلك بما يبقي بعد الدرهم منه شيء.

و يحتمل إلزامه بما فسّر به الألف، فيبطل الاستثناء؛ لأنّه إذا بيّن المُقرّ به، كان الاستثناء رافعاً لجميعه، فيبطل.

و لو استثني المجهول من المعلوم، صحّ، و طُولب بالبيان، كما إذا قال: له علَيَّ عشرة دراهم إلّا شيئاً، فيُطالَب بتفسير الشيء، و يُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. و في الاستثناء الوجهان.

و لو استثني المجهول من المجهول، صحّ الإقرار و الاستثناء، و طُولب بالتفسير فيهما علي وجهٍ لا يستوعب، فإن استوعب فالوجهان، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا شيئاً، طُولب بتفسير الألف و الشيء، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشيء بما لا يستغرق الألف من الجنس الذي بيّنه.

و لو قال: له علَيَّ شيء إلّا درهماً، فقد استثني المعلوم من المجهول، فيفسّر الشيء بما يزيد علي الدرهم و إن قلّ، كما تقدّم في قوله: علَيَّ ألف إلّا درهماً، و لا يلزم من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.

قال بعض الشافعيّة: مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان(1).

و يشكل في استثناء المعلوم من المجهول.

مسألة 958: لو اتّفق اللفظ في المستثني منه و الاستثناء، كما لو قال: له علَيَّ شيء إلّا شيئاً، أو: له علَيَّ مالٌ إلّا مالاً، فالأقوي: صحّة الإقرار

ص: 397


1- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.

و الاستثناء؛ لوقوعه علي القليل و الكثير، فلا يمتنع حمل الثاني علي أقلّ ما يتموّل، و حمل المستثني منه علي الزائد علي أقلّ ما يتموّل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يبطل الاستثناء، كما لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة(1).

و لا معني لهذا التردّد؛ فإنّ فيه غفلةً؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل، و إن صحّحناه ألزمناه [أيضاً أقلّ ما يتموّل، فيتّفق](2) الجوابان.

قيل: يمكن أن يقال: حاصل الجواب لا يختلف، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ، فإنّا إذا أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلّا بتفسير اللفظ الأوّل، و إن لم نبطله طالبناه بتفسيرهما. و له آثار في الامتناع من التفسير، و كون التفسير الثاني غير صالحٍ للاستثناء من الأوّل، و ما أشبه ذلك(3).

مسألة 959: قد بيّنّا أنّه إذا فسّر المجهول بالمستوعب، بطل التفسير.

مثلاً: إذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، أو: ألف إلّا درهماً، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد قيمته علي ألف درهم أو يساويه، فإنّ التفسير يبطل.

و هل يُطالب بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقي معه شيء من الألف، أو لا؟ مبنيّ علي بطلان الاستثناء ببطلان التفسير، إن قلنا: يبطل، لزمه الألف، و لم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر، و إن قلنا: لا يبطل الاستثناء، طُولب بتفسيرٍ يُسمع، فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، صحّ الاستثناء علي ما تقدّم؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً، فتكون قيمته مستثناةً من الألف.

ص: 398


1- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إبقاء ما يتموّل فسبق». و ذلك تصحيف، و المثبت من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.
مسألة 960: إذا قال: له علَيَّ درهم و درهم إلّا درهماً،

قال بعض(1) علمائنا: إن قلنا: إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلي الجميع، صحّ، و لزمه درهم واحد؛ لأنّ الواو تقتضي الجمع، لأنّها للعطف، فتجمع بين المتفرّقين، كما تجمع واو الجمع في الأسماء المتفرّقة، فيصير كأنّه قال: له علَيَّ درهمان إلّا درهماً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و الحقّ: بطلان الاستثناء، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلي الجُمل السابقة أو إلي الأخيرة؛ لأنّ الاستثناء إخراج، و إنّما احتمل مع اشتماله علي التناقض في الجمع؛ لجواز إرادة الأكثر، فإذا قال: جاء المسلمون إلّا زيداً، كان لفظ المسلمين صالحاً لما عدا زيدٍ، كما صلح لذلك، فجاز الاستثناء، و يكون(3) بالاستثناء قد بيّن مراده.

أمّا إذا جاء بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة علي كلّ فردٍ فردٍ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء، كما لو قال: جاء زيد المسلم و عمرو المسلم و خالد المسلم إلّا زيداً؛ لاشتماله علي التناقض الصريح، بخلاف ما لو قال: جاء المسلمون إلّا زيداً، كذا هنا إذا قال: له درهم و درهم إلّا درهماً، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ علي ثبوته، و هو تناقضٌ صريح.

مسألة 961: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستثناء من الاستثناء، فإذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين، لزمه تسعة.

و الأصل في جواز الاستثناء من الاستثناء قوله تعالي:«قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلي قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ

ص: 399


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 10:3.
2- التنبيه: 276.
3- في الطبعة الحجريّة: «فيكون» بدل «و يكون».

اِمْرَأَتَهُ» (1) .

و مَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك و أنكره، قال: لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء، و العامل الواحد لا يعمل في معمولين. و نقول في الآية: إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ و جلّ:

«أَجْمَعِينَ» (2) .

و نمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل، و بعضهم قال: العامل «إلّا» خاصّةً(3) ، فلا يرد عليه ذلك.

مسألة 962: يصحّ الاستثناء من الأعيان، كما يصحّ من الكلّيّات،
اشارة

فإذا قال: لزيدٍ هذه الدار إلّا هذا البيت، أو: له هذا القميص إلّا كُمّه، أو: هذه الدراهم إلّا هذا الواحد منها، أو: هذا القطيع إلّا هذه الشاة، أو: هذا الخاتم إلّا هذا الفصّ، و ما أشبه ذلك، صحّ الاستثناء، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يصحّ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود، و لأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً علي ثبوت الملك فيها، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً(5).

و قد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال: أربعكنّ طوالق إلّا فلانة، لم يصح هذا الاستثناء، كما لو قال: هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلّا هذا

ص: 400


1- الحجر: 58-60.
2- كما في بحر المذهب 240:8، و راجع: الاستغناء في أحكام الاستثناء: 572-573.
3- راجع: الاستغناء في أحكام الاستثناء: 572.
4- التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 251:2، بحر المذهب 242:8، الوسيط 355:3، الوجيز 201:1، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.
5- الوسيط 355:3، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.

الواحد، لم يصح؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان(1).

و الحقّ: الجواز، و صحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة، فلو قال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً، فالمستثني منه معيّن، و المستثني غير معيّنٍ، و هو صحيح عندنا و عند أكثر الشافعيّة(2) ، و يُرجع إليه في التعيين.

فإن ماتوا إلّا واحداً، فقال: هو الذي أردتُه بالاستثناء، قُبِل منه مع اليمين - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لاحتماله.

و الثاني: لا يُقبل؛ للتهمة، و ندرة هذا الاتّفاق(4).

و لو قال: غصبتهم إلّا واحداً، فماتوا إلّا واحداً، فقال: هو المستثني، قُبِل إجماعاً؛ لأنّ أثر الإقرار يبقي في الضمان. و كذا لو قُتلوا في الصورة الأُولي إلّا واحداً؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.

و لو قال: هذه الدار لفلان و هذا البيت منها لي، أو: له هذا الخاتم و فصّه لي، قُبِل؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فكان كالاستثناء.

تنبيه: لو قال: له ثلاثة و درهمان إلّا درهمين، صحّ،

و حُمل علي الاستثناء من الجملة الأُولي؛ لامتناع رجوعه إلي الثانية؛ لأنّها مستوعبة، أو علي رجوعه إلي مجموعهما(3).

و لو قال: له درهمان و درهمان إلّا درهمين، فالأقرب: الصحّة،

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 347:5.
2- بحر المذهب 256:8، الوسيط 355:3، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4. (3 و 4) التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 256:8، الوجيز 201:1، حلية العلماء 354:8، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4، منهاج الطالبين: 142، الشرح الكبير 305:5.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مجموعها». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

و يكون عائداً إلي مجموع الجملتين؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلي الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلي الجميع.

آخَر: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا درهم، بالرفع، لزمه العشرة،

و تكون «إلّا» هنا قائمةً مقام «غير» و تكون وصفاً.

و لو قال: ما له عندي عشرة إلّا درهم، فهو إقرار بدرهم.

و لو نصب، لم يكن مُقرّاً بشيء.

نكتة: أدوات الاستثناء حكمها حكم «إلّا»

فإذا قال: له عندي عشرة سوي درهم، أو: ليس درهماً، أو: خلا، أو: عدا، أو: ما خلا، أو: ما عدا، أو: لا يكون، أو: غير درهم، بالنصب، فهو إقرار بتسعة.

و لو(1) رفع في الأخير، فهو وصف إن كان عارفاً، و إلّا لزمه تسعة.

البحث الثاني: فيما عدا الاستثناء.
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: فيما يقتضي رفع المُقرّ به.
مسألة 963: إذا قال: لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر، أو خنزير، أو كلب، فإن فصل بين الإقرار

- و هو قوله: علَيَّ ألف - و بين الرافع - و هو قوله: من ثمن خمر، أو خنزير - بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر، لم يُسمع منه، و لزمه الألف إجماعاً؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.

و إن كان موصولاً بحيث لم(2) يقع بين الإقرار و رافعه سكوتٌ و لا كلامٌ، لم يُقبل أيضاً، و لزمه الألف؛ لما فيه من الرجوع و التناقض، و هو

ص: 402


1- في «ج، ر»: «فلو».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لا».

أحد قولَي الشافعيّة؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه، فلم يُقبل، كما لو قال:

علَيَّ ألف لا تلزمني، أو فصل قوله: «من ثمن خمرٍ» عن الإقرار، و به قال أبو حنيفة(1).

و الثاني للشافعيّة: إنّه يُقبل - و به قال المزني - و لا يلزمه شيء؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد، و الكلام يُعتبر بآخره و لا يُبعّض، و لأنّ الإقرار إخبار عمّا جري، و هذه المعاملات علي فسادها جارية بين الناس، فعلي هذا للمُقرّ له تحليف المُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.

سلّمنا، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه، لا له.

و علي ما اخترناه لو قال المُقرّ: كان ذلك من ثمن خمر و ظننته لازماً لي، فله تحليف المُقرّ له علي نفيه.

مسألة 964: إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعاً،

كما إذا أضاف المُقرّ به إلي بيعٍ فاسد، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول، أو قال: تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار، و قلنا: ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها، أو قال: ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار، و أبطلناه به، و ما أشبه ذلك، فالوجه: بطلان الإضافة، و صحّة الإقرار و الحكم به،

ص: 403


1- الاختيار لتعليل المختار 216:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 17:2، بدائع الصنائع 216:7، الفقه النافع 981/1224:3، المبسوط - للسرخسي - 22:18 و 62، الهداية - للمرغيناني - 186:3.
2- الحاوي الكبير 80:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، الوجيز 200:1، الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، التهذيب - للبغوي - 246:4، العزيز شرح الوجيز 332:5-333، روضة الطالبين 46:4.

فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول، أو بأجلٍ مجهول، أو بخيارٍ مجهول، لم يُقبل منه، و لزمه الألف في الحال.

و للشافعي قولان(1).

و لأصحابه مأخذان في هذا الخلاف:

أحدهما: بناؤه علي القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه و لأجنبيٍّ.

و قيل: إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ و الشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر، و إنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً، و الخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة، و أمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلي المذكور آخِراً، و أنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل، و لهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال: لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف، لم يلزمه شيء بحال، و في الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.

ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار علي الخلاف في الشهادة بأولي من العكس.

و الثاني: إنّه يجوز بناء هذا الخلاف علي الخلاف في حدّ المدّعي و المدّعي عليه، إن قلنا: المدّعي مَنْ لو سكت تُرك، فهاهنا لو سكت عن قوله: «من ثمن خمرٍ» لتُرك، فهو بإضافته إلي الخمر مُدّعٍ، فلا يُقبل قوله، و يحلف المُقرّ له. و إن قلنا: المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً، قُبِل قول المُقرّ؛ لأنّ الظاهر معه، و هو براءة الذمّة، و المُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً،4.

ص: 404


1- الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، العزيز شرح الوجيز 333:5، روضة الطالبين 46:4.

و هو زوال أصل البراءة(1).

و قيل: لو صحّ هذا البناء، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلي الخمر موصولاً أو مفصولاً، و لوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء علي هذا الخلاف(2).

قال الجويني بعد ذكر القولين: كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون المُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم، و بين أن يكون عالماً، فيعذر الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(1).

إذا ثبت هذا، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار و أنكر المكفول له شرط الخيار، قُدّم قول المُقرّ له عندنا، و به قال أبو حنيفة(2).

و للشافعي قولان(3) تقدّما(4).

و كذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه، لا من الوجه الذي أثبته، مثل أن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه، أو يقول: قبّضتها؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه، فلم يُقبل منه، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً.

مسألة 965: إذا قال: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه

ص: 405


1- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 46:4.
2- بحر المذهب 300:8، حلية العلماء 359:8-360، المغني 287:5، الشرح الكبير 298:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 300:8، الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، التهذيب - للبغوي - 247:4، العزيز شرح الوجيز 333:5، روضة الطالبين 46:4، المغني 287:5، الشرح الكبير 298:5.
4- آنفاً.

سلّمتُ الألف، قال الشيخ(1) رحمه الله: إن وصل الكلام، كان القولُ قولَه مع اليمين و إن أنكر المُقرّ له و قال: بل هي دَيْن، أو قال: قبضتَه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: قبول قوله: «من ثمن عبدٍ لم أقبضه» علي القولين السابقين، ففي قولٍ يُقبل و لا يُطالب بالألف إلّا بعد تسليم العبد. و في قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار، و لا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.

و الأصحّ عندهم: القطع بالقبول و ثبوته ثمناً، و يفارق صُور القولين؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع المُقرّ به، و هنا بخلافه(2).

و اعلم أنّ الشيخ رحمه الله قسّم هذه المسألة علي ثلاثة أنحاء(3):

أ: أن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ، و هذا يُقبل قوله، و هو أحد قولَي الشافعي، و قد تقدّم(4) ، و يكون القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه.

و لا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد و لم أقبضه، أو لم يعيّنه، و به قال أبو يوسف و محمّد(5).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن المبيع قُبل منه، سواء وصل بإقراره أو فصل، و إن أطلق لم يُقبل منه؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله؛3.

ص: 406


1- راجع المبسوط - للطوسي - 34:3.
2- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 47:4، البيان 438:13، حلية العلماء 359:8، المغني 321:5.
3- راجع المبسوط - للطوسي - 33:3-34.
4- آنفاً.
5- حلية العلماء 359:8، البيان 438:13.

لأنّه مبيع مجهول، و المجهول لا يلزم فيه الثمن، كما لو قال: من ثمن خمرٍ أو خنزير(1).

و احتجّ الآخَرون: بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه، كما لو عيّن المبيع(2).

و قول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.

و أمّا إذا قال: من ثمن خنزيرٍ، ففيه قولان.

و إن سلّمنا، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال، و هذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.

و الوجه عندي: عدم القبول مطلقاً.

ب: أن يقول: له عندي ألف، ثمّ يسكت، ثمّ قال بعد ذلك: من ثمن مبيعٍ لم أقبضه، فإنّه لا يُقبل قوله، و يُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه، فإذا حلف علي أنّه ليس علي ما ذكر، استحقّ الألف؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه، فلم يُقبل، كما لو قال: قبّضتُها، و به قال الشافعي(3).

ج: إذا قال: لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ، ثمّ سكت، ثمّ قال بعد3.

ص: 407


1- بحر المذهب 297:8، حلية العلماء 359:8، البيان 438:13، العزيز شرح الوجيز 334:5.
2- بحر المذهب 297:8، البيان 438:13.
3- بحر المذهب 297:8، البيان 437:13.

ذلك: لم أقبضه، قُبل قوله عنده(1) رحمه الله - و به قال الشافعي(2) - فإن خالفه المُقرّ له، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع، و الأصل عدم القبض، فقُبل قوله فيه.

و الأقوي عندي: عدم القبول.

مسألة 966: لو قال: له علَيَّ ألف لا تلزمني، أو: علَيَّ ألف، أو لا، لزمه؛
اشارة

لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ، فلا يبطل به الإقرار.

و يحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.

و لو قال: له علَيَّ ألف قضيتُه، لزمته الألف، و لم تُقبل دعواه في الإقباض.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: القطع بلزوم الألف؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه - و هو الذي اخترناه نحن - بخلاف قوله: من ثمن خمرٍ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.

و الطريق الثاني: إنّه علي القولين؛ لأنّ مثله يطلق في العرف، و التقدير: كان له علَيَّ ألف فقضيتُه(3).

و كذا يجري الطريقان فيما إذا قال: لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه(4).

ص: 408


1- المبسوط - للطوسي - 34:3.
2- بحر المذهب 297:8، البيان 437:13.
3- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 47:4.
4- العزيز شرح الوجيز 335:5.

و لو ادّعي عليه ألفاً فقال: قد قضيتُه، فالمشهور: أنّه إقرار.

و جَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال: علَيَّ ألف قضيتُه(1).

تذنيب

تذنيب(2): لو قال: كان له علَيَّ ألف، فالأقرب: اللزوم،

و يحتاج في البراءة إلي البيّنة.

و قيل: لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به(3).

و الإقرار بالإقرار إقرار.

مسألة 967: لو قال: لفلان علَيَّ ألف إن شاء اللّه، احتُمل بطلان الإقرار؛

لأنّه تعلّق علي المشيئة، و تعليق الإقرار باطل؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق و لم يجزم به، و علّق إقراره علي مشيئة اللّه تعالي، و هي خفيّة عنّا، و لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، فيكون المخبر عنه واقعاً، و الواقع لا يعلّق علي متجدّدٍ و لا علي غيره.

و قيل: إنّه(4) بمنزلة قوله: له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ؛ لأنّه لو اقتصر علي أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً(5).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم، فلا يُقبل تعليقه، و يلزمه ما أقرّ به، و به قال أحمد، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة(6).

ص: 409


1- العزيز شرح الوجيز 335:5.
2- في «ج، خ»: «تنبيه» بدل «تذنيب».
3- راجع: بحر المذهب 293:8.
4- في «ج، ر»: «هو» بدل «إنّه».
5- العزيز شرح الوجيز 335:5.
6- المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5، بحر المذهب 264:8-265، البيان 401:13، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.

و لو قال: علَيَّ ألف إن شئتَ، أو: إن شاء فلان، احتُمل بطلان الإقرار؛ لتعلّقه علي الشرط.

و قال الجويني: إنّه مُخرَّج علي القولين؛ لأنّه نفي بآخر كلامه مقتضي أوّله، بخلاف قوله: إن شاء اللّه، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً و للتبرّك أُخري، بخلاف التعليق بمشيئة غيره(1).

و وجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله: «إن شاء اللّه، أو: إن شاء زيد»:

بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل، و لهذا يقال: لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق، أو: جملي الشارد، و يكون ذلك التزاماً في المستقبل(2).

و كذا لو قال: لك علَيَّ ألف إن جاء زيد، أو: قدم الحاج. و كذا لو قال: لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.

و كذا لو قال: إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ، لم يكن إقراراً.

و لو قال: إن شهد شاهدان فهُما صادقان، كان إقراراً، و قد سلف(1).

و لو قال: لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري، لم يكن إقراراً؛ لتعلّقه علي الشرط، بخلاف ما لو قال: هذا لك بألف إن قبلتَ، فإنّه يكون إيجاباً.

و الفرق: إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتي إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب، فيصحّ تعليقه، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول؛ لأنّه إقرار(2) عن حقٍّ سابق.

لا يقال: أ ليس المُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل ؟».

ص: 410


1- في ص 248-249، المسألة 842.
2- كذا قوله: «إقرار» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «إخبار» بدل «إقرار».

لأنّا نقول: إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلي القبول، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.

هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط، كما هو مذهب بعض الشافعيّة(1).

مسألة 968: لو قال: له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر، أو: إذا قدم فلان، قال بعض الناس: إنّه لا يكون إقراراً؛

لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال، و الواقع لا يعلَّق بشرطٍ(2).

و قال الجويني: إنّه علي القولين؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ، و التعليق يرفع حكمها(3).

و الوجه عندي: إنّه يرجع إلي استفساره، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره، و إن قصد التأجيل صحّ إقراره؛ لاحتمال الصيغة لهذين، و يُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المُقرّ له.

هذا إذا قدّم الإقرار و أخّر التعليق، و لو عكس فقال: إذا جاء رأس الشهر، أو: إن جاء [فلان](4) فعلَيَّ ألف، لم يلزمه شيء؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.

نعم، لو قال: أردتُ به التأجيل برأس الشهر، قُبل.

ص: 411


1- العزيز شرح الوجيز 14:4، روضة الطالبين 8:3، المجموع 170:9.
2- التهذيب - للبغوي - 259:4، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
3- العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رأس الشهر». و الظاهر ما أثبتناه.

و قال بعض الشافعيّة: مطلقه يُحمل علي التأجيل برأس الشهر(1).

و اعلم: أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال: له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر، إنّه يكون إقراراً، و لو قدّم الشرط فقال: إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف، لم يكن إقراراً.

و الفرق: إنّه إذا قال: له علَيَّ ألف، فقد أقرّ بالألف، فإذا قال: إذا جاء رأس الشهر، احتُمل أن يكون أراد محلّها و وجوب تسليمها، و إذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار، فأمّا إذا قال: إذا جاء رأس الشهر، فبدأ بالشرط، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ، و إنّما علّقه بالشرط، فلم يكن إقراراً(2).

و الحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط و تأخّره؛ لأنّ الشرط و إن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنيً و له صدر الكلام.

و اعترض بعض الشافعيّة علي قول الفارق بين قوله: «له علَيَّ ألف من ثمن خمر» و بين قوله: «له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر» بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً و الثاني صحيحاً؟.

و أُجيب: بأنّه يمكن أن يقال: دخول الشرط علي الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة، و الجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخري تغيّر معناها، و قوله: «من ثمن خمر» لا يغيّر معني صدر الكلام، و إنّما هو بيان جهته، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق - بل يلغي؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها - أن لا يبعّض في3.

ص: 412


1- العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
2- بحر المذهب 265:8، البيان 403:13.

الصورة الأُخري(1).

مسألة 969: لو قال: له علَيَّ ألف مؤجَّل إلي سنةٍ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت، لم يُقبل التأجيل، و يثبت الدَّيْن في الحال.
اشارة

و إن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ و لا كلامٍ البتّة، فالأقرب عندي: قبول قوله، كما لو قال: له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة، فإنّه يُقبل تفسيره و إن اشتمل علي عيبٍ في المُقرّ به، كذا هنا، و لأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً و لا شاهد له بالتأجيل، فلو مُنع من الإخبار به و لم يُصدَّق به، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ و عدم تخليص ذمّته بالإشهاد، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلي تحصيل هذه المصلحة.

و للشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه، أو: علَيَّ ألف قضيتُها.

و الظاهر عندهم: القبول - و به قال أحمد بن حنبل - لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار، و إنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.

و لهم قولٌ آخَر: إنّه لا يُقبل؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به، فأشبه ما إذا قال: قضيتُها(2).

و قد تقدّم الفرق.

و قال أبو حنيفة: إنّه يكون مدّعياً للأجل، فالقول فيه قول المُقرّ له مع

ص: 413


1- العزيز شرح الوجيز 335:5-336.
2- الوسيط 349:3-350، حلية العلماء 360:8، العزيز شرح الوجيز 336:5، روضة الطالبين 48:4، الشرح الكبير 315:5.

يمينه؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ و ادّعي فيه حقّاً لنفسه، فلم يُقبل، كما لو قال:

هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة(1). و عليه أكثر علمائنا(2).

و فيه نظر؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ، بخلاف ما قالوه؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك و ادّعي عليه عقداً مستأنفاً، و في صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ علي صفةٍ، فقُبل منه، كما لو قال: من نقدٍ رديء.

و هذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن المُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلي سببٍ، و هو بحيث يتعجّل و يتأجّل، أمّا إذا أسنده إلي جهةٍ لا تقبل التأجيل، كما إذا قال: له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً، لغا ذكر الأجل إجماعاً.

و إن أسنده إلي جهةٍ يلازمها التأجيل، كالدية علي العاقلة، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال: قَتَل عمّي فلاناً خطأً و لزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلي سنةٍ انتهاؤها كذا، فهو مقبول لا محالة.

و لو قال: علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلي وقت كذا، فللشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بالقبول؛ لأنّه كذلك يثبت.

و الثاني: إنّه علي القولين.

و الثاني عندهم أظهر؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه، و هو في الإسناد إلي تلك الجهة مُدّعٍ، كما في التأجيل(3).5.

ص: 414


1- بدائع الصنائع 217:7، الاختيار لتعليل المختار 208:2، حلية العلماء 360:8، العزيز شرح الوجيز 336:5، الشرح الكبير 315:5.
2- منهم: الطوسي في الخلاف 377:3، المسألة 28، و الحلّي في السرائر 513:2.
3- العزيز شرح الوجيز 336:5.
تذنيبان:
أ: لو قال: بعتك أمس كذا فلم تقبل، فقال: بل قبلتُ، قُدّم قول مدّعي القبول، علي إشكالٍ.

و للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله: قبلتُ(1).

و كذا الحكم فيما إذا قال لعبده: أعتقتك علي ألف فلم تقبل، أو قال لامرأته: خلعتك علي ألف فلم تقبلي، و قال العبد: قبلتُ. و قالت المرأة:

قبلتُ.

ب: لو قال: إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف،

أو قال:

ما طلّقت امرأتي و لكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول: طلّقتُها، فالأقرب: عدم نفوذ إقراره، و الحكم ببطلانه.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: كما قلناه.

و الثاني: إنّه كما لو قال: علَيَّ ألف لا تلزمني(2).

المطلب الثاني: في تعقيب الإقرار بالإيداع.
مسألة 970: إذا قال: لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة، و لم يفصل بين كلامه، فالأولي القبول،

و به قال الشافعي(3).

ص: 415


1- العزيز شرح الوجيز 336:5، روضة الطالبين 48:4-49.
2- العزيز شرح الوجيز 336:5-337، روضة الطالبين 49:4.
3- بحر المذهب 260:8 و 282، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4، المغني 309:5، الشرح الكبير 318:5.

فإن أنكر المُقرّ له، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّه أقرّ بما يمكن، و لا تناقض في قولَيْه، فكان مسموعاً منه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: القول قول المُقرّ له، و يكون للمُقرّ له أن يطالبه(1) بالألف التي أقرّ؛ لأنّ «علَيَّ» للإيجاب، و ذلك يقتضي كونها في ذمّته، و لهذا لو قال: ما علي فلان علَيَّ، كان ضامناً، و الوديعة ليست واجبةً عليه، فلم يُقبل تفسيره بها(2).

و نحن نمنع من عدم وجوب الوديعة، فإنّه يجب عليه ردّها و حفظها، و ذلك واجب عليه، فإذا قال: «علَيَّ» و فسّر بها، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة «علَيَّ» الإخبار عن هذا الواجب، و يحتمل أنّه تعدّي فيها حتي صارت مضمونةً عليه، فلذلك قال: «علَيَّ» و قد تُستعمل «علَيَّ» بمعني «عندي» كقوله تعالي:«وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» (3) و حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ، فيجوز أن تُستعمل «علَيَّ» بمعني «عندي».

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ المسألة علي قولين عند الشافعي، كما لو قال: له علَيَّ ألف قضيتُه(4).

مسألة 971: لو فصل بين كلاميه، فقال: له علَيَّ ألف، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره

و قال: أردتُ هذا و هو وديعة عندي، و قال المُقرّ له:

هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن و هو الذي أردتَه بإقرارك، فالأقوي

ص: 416


1- في النسخ الخطّيّة: «المطالبة» بدل «أن يطالبه».
2- بحر المذهب 260:8، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، المغني 309:5، الشرح الكبير 318:5 و 319.
3- الشعراء: 14.
4- العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.

عندي: إنّ القول قول المُقرّ مع يمينه - و هو أصحّ قولَي الشافعي(1) - لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها و التخلية بينها و بين المالك، فلعلّه أراد بكلمة «علَيَّ» الإخبار عن هذا الواجب، أو أنّه تعدّي فيها فصارت مضمونةً عليه، فلذلك قال: «علَيَّ» أو أراد: عندي، علي ما تقدّم.

و الثاني له: إنّ القول قول المُقرّ له - و به قال أبو حنيفة و أحمد - فما أتي به وديعة، و عليه ألف آخَر؛ لأنّ كلمة «علَيَّ» تقتضي الثبوت في الذمّة(2).

و حكي الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل(3).

لكنّ المشهور إثبات القولين، و ترجيح الأوّل(4).

و لو كان قد قال: له علَيَّ ألف في ذمّتي، أو: له ألف علَيَّ دَيْناً، و فسّر كما تقدّم، فإن لم نقبل تفسيره في السابق، فهنا عدم القبول أولي.

و إن قبلنا هناك، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: يُقبل؛ لجواز أن يريد: له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يُقبل، و القول قول المُقرّ له مع يمينه؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة، و كذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. و يفارق ما إذا قال: له علَيَّ ألف، ثمّ فسّرها بالوديعة؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ، و احتُمل أن

ص: 417


1- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 251:4، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4، المغني 310:5، الشرح الكبير 320:5.
2- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 251:4، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4، المغني 310:5، الشرح الكبير 320:5.
3- العزيز شرح الوجيز 337:5.
4- العزيز شرح الوجيز 337:5.

يكون المراد وجوب الحفظ و الردّ، و هنا صرّح بالذمّة(1).

إذا عرفت هذا، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال: له علَيَّ ألف، ثمّ جاء بألف و قال: هو وديعة عندي، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعي التلف؛ لأنّ الألف مضمون عليه و ليس بأمانةٍ؛ لأنّ قوله:

«علَيَّ» يتضمّن الإلزام.

فلو ادّعي تلف الألف التي زعم [أنّها](2) وديعة، لم يسقط الضمان عنه، و لو ادّعي ردّه لم يُصدَّق؛ لأنّه ضامن، و إنّما يُصدَّق المؤتمن.

فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوي تلفه بعد الإقرار أو ردّه.

و أُشكل عليه: بأنّ كلمة «علَيَّ» كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه؛ لتعدّيه، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ و التخلية، و يجوز أن يريد بها: عندي، كما سبق. و هذان المعنيان لا ينافيان الأمانة، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعي أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار، لم يُصدَّق؛ لأنّ التالف و المردود لا يكون عليه بمعني من المعاني، و إن ادّعي أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق(3).

مسألة 972: لو قال: له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً، أو: ألف درهم مضاربة دَيْناً،

فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّي

ص: 418


1- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8-261، حلية العلماء 357:8، البيان 433:13-434، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 337:5-338، روضة الطالبين 49:4.

فيها، و كذا مال المضاربة، فإن فسّر بذلك قُبِل منه، و إن قال: أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.

فإن قال: عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها، كانت وديعةً، و لم تكن مضمونةً بالشرط؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً، و كذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً، أ لا تري أنّه لو دفع مالاً علي وجه المساومة و شرط أن يكون أمانةً، لم يصر بذلك أمانةً.

و لو قال: لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي، فجاءه بألف فقال: الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً و تلفت و هذه بدلها، قُبِل ذلك؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ، فيكون بدلها في ذمّته.

و لو جاء بألف فقال: الألف التي أقررتُ بها هذه و هي وديعة لك، فللشافعيّة وجهان علي ما تقدّم(1).

و لو قال: لك علَيَّ ألف، ثمّ قال: كانت وديعةً و كانت تلفت قبل إقراري و كنت أظنّ أنّها باقية، لم يُقبل منه؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره، فلم يُقبل منه.

فإن قال: ما أقررتُ به كان وديعةً و تلفت بعد إقراري، قُبِل منه.

و لو قال: له علَيَّ ألف درهم وديعة، و فسّر إقراره بوديعةٍ موجودة، قُبِل.

و كذا إذا قال: أقررتُ بوديعةٍ و قد هلكت بعد إقراري، فالقول قوله مع اليمين.

و إن قال: كانت هالكةً حين أقررتُ، لم يُقبل منه؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه، فيكون قد أكذب إقراره، إلّا أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ، فيكون إقراره صحيحاً.7.

ص: 419


1- في ص 417.

و أمّا إذا وصل إقراره فقال: علَيَّ، أو: عندي ألف وديعة هلكت، فللشافعيّة قولان(1) ، كما في قوله: علَيَّ ألف قضيتُها.

و لو فصل فقال: له علَيَّ ألف، و سكت، ثمّ قال مفصولاً: وديعة هلكت، لم يُقبل قولاً واحداً؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة 973: لو قال: لفلان علَيَّ ألف وديعة، قُبِل علي ما تقدّم من الخلاف.

فعلي القبول لو جاء بألف و قال: هذا هو، قنع به.

و إن لم يأت بشيء و ادّعي التلف أو الردّ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان علي تأويل كلمة «علَيَّ» إن حملناها علي وجوب الحفظ قُبِل، و هو الأصحّ عندهم. و إن حملناها علي صيرورته مضموناً عليه فلا(2).

و لو قال: معي، أو: عندي ألف، فهو محتمل للأمانة، فيُصدَّق في قوله: إنّه كان وديعةً، و في دعوي التلف و الردّ.

و لو قال: له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً، أو وديعة دَيْناً، فهو مضمون عليه، و لا يُقبل قوله في دعوي الردّ و التلف علي ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً، و إن فسّره متّصلاً، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(3).

مسألة 974: يجوز عندنا إعارة الدراهم و الدنانير؛

لأنّه قد يمكن الانتفاع بها و ردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

ص: 420


1- الحاوي الكبير 62:7.
2- العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
3- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.

و للشافعي قولان:

أحدهما: هذا.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(1).

و قد وافقنا علي أنّها مضمونة(2).

أمّا عندنا: فلأنّ العارية و إن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم و الدنانير، و كان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(3).

فعلي كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها و فسادها - تكون مضمونةً؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح و الفاسد من العقود، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان، كان فاسده كذلك، و إن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا، فإذا أقرّ بألف عارية، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة 975: لو قال: دفع إلَيَّ ألفاً، ثمّ فسّره بوديعةٍ، و زعم تلفها في يده، صُدّق بيمينه؛

لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة، فقُبل تفسيره بالوديعة و بالتلف.

ص: 421


1- بحر المذهب 266:8، الوسيط 367:3-368، الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 434:13، و 451:6، العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.
2- بحر المذهب 266:8، الوسيط 351:3 و 368، الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 252:4 و 280، البيان 434:13، و 454:6، العزيز شرح الوجيز 338:5 و 371، روضة الطالبين 50:4 و 72.
3- نفس المصادر.

و لو قال: أخذتُ منه ألفاً وديعة، فكذلك - و به قال الشافعي(1) - إذ لا فرق بين الدفع و الأخذ.

و قال أبو حنيفة: إذا قال: أخذتُ منه ألفاً، ثمّ فسّره بوديعةٍ، و قال المأخوذ منه: بل غصبتَه، فالقول قول المُقرّ له؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه، و الدفع قد يكون برضاه(2). و به قال بعض الشافعيّة(3).

و لو ذكره علي الاتّصال فقال: أخذتُ من فلان ألفاً وديعة، لم يُقبل عند أبي حنيفة(4).

و علي قول بعض الشافعيّة يجيء(5) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(6).

و لو قال: أودعني ألفاً فلم أقبضها، أو: أقرضني، أو: أعطاني فلم أقبض، قُبِل قوله مع الاتّصال، و لم يُقبَل مع الانفصال، علي إشكالٍ.

و كذا إذا قال: نقدني ألفاً فلم أقبضها، و بهذا قال الشافعي(7).

و قال أبو يوسف: لا يُصدَّق؛ لأنّ «نقدني» يُفهم منه القبض، و لهذا يقولون: بِعْ بالنقد، و يريدون: بالقبض(8).

و هو غلط؛ لأنّه أضاف ذلك إلي المُقرّ له، فصار بمنزلة قوله: أعطاني3.

ص: 422


1- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
2- بدائع الصنائع 217:7، التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5.
3- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
4- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5.
5- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «يجري» بدل «يجيء».
6- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
7- البيان 440:13، المغني 311:5، الشرح الكبير 321:5.
8- المبسوط - للسرخسي - 24:18، بدائع الصنائع 217:7، البيان 440:13.

و أقرضني.

المطلب الثالث: في تعقيب الإقرار بالعارية و الهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم.
مسألة 976: إذا قال: لك هذه الدار عارية، فهو إقرار بالإعارة،

و له(1) الرجوع فيها متي شاء، و به قال جماعة من الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: قوله: «هي لك» إقرار بالملك لو اقتصر [عليه](3) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه، فيكون علي القولين في تبعيض الإقرار(4).

و ردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره، فإذا تُجرَّد و أمكن الحمل علي الملك، يُحمل عليه؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. و إن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص، أو لم يمكن الحمل علي الملك، كقولنا: «الجلّ للفرس» حُمل عليه(5).

و لو قال: «هذه الدار لك هبة عاريةٍ» بإضافة الهبة إلي العارية، أو:

«هبة سكني» فهو كما لو قال: «لك عارية» بغير فرقٍ.

و إذا ثبت أنّها عارية، كان له الرجوع في العارية فيرجع(6) في المستقبل، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

ص: 423


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فله» بدل «و له».
2- الوسيط 351:3، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- الوسيط 351:3-352، العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
5- العزيز شرح الوجيز 339:5.
6- في الطبعة الحجريّة: «فيقبل» بدل «فيرجع».

فإن قيل: قوله: «هذه الدار لك» إقرار بها، فإذا قال: «هبة سكني» كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا: إنّ قوله: «هذه الدار لك» يكون إقراراً بها إذا سكت، فإذا قال له: «لك سكناها» كان إقراراً بالسكني. و لأنّ سكني الدار منافعها، و المنافع منها، فكأنّه استثني أكثر الجملة، و هو جائز.

مسألة 977: الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض؛

لتغايرهما، و عدم التلازم بينهما، و كون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(1) في تحقّق حقيقتها، و كيف لا! و الهبة متقدّمة علي القبض، و لا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم، و إلّا دارَ؛ لتقدّم الشرط علي المشروط.

و هذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال: ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع، و قال الموهوب له: كنتُ قبضتُها، فالقول قول الواهب؛ لأصالة عدم القبض، و الإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(3).

و من الشافعيّة مَنْ قال: إنّ الشافعي قال: إذا كانت العين في يد الموهوب له، كان القولُ قولَ الموهوب له.

و هذا قاله علي القول الذي يقول: إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلي الإذن في القبض، و إذا مضي زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(4).

ص: 424


1- في الطبعة الحجريّة: «اشتراطه» بدل «كونه شرطاً».
2- العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
3- بحر المذهب 294:8، التهذيب - للبغوي - 257:4.
4- بحر المذهب 294:8-295.

و لو قال: وهبتُه و خرجتُ منه إليه، فقد تقدّم(1) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

و كذا لو قال: وهبتُ منه و مَلَكها، أو ملّكتُه، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(2) ، و إلّا كان إقراراً به.

مسألة 978: لو أقرّ بالهبة و القبض معاً، فقال: وهبتُه و أقبضتُ، أو:

سلّمتُه منه، أو: حازه(3) منّي، لزمه الإقرار،

و حُكم عليه بمقتضاه، فإن عاد و أنكر القبض، لم يُلتفت إلي إنكاره؛ لاشتماله علي تكذيب نفسه، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول: كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به و لم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

و لو قال: إنّي أقررتُ بالقبض؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشيء قبل تحقّقه فأحلفوه علي أنّه قبضه(4) ، كان له إحلافه، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو إسحاق: إن لم يكذّب نفسه، أُحلف له، بأن يقول: كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(6).

و الشافعي لم يفرّق بين الحالين؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

و كذا قبض الثمن و الرهن و الوقف.

و كذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً و قبضها، ثمّ قال: ما كنتُ قبضتُ

ص: 425


1- في ص 382، ضمن المسألة 944.
2- و هو لزوم الهبة بالإيجاب و القبول، راجع: الهامش (3) من ص 382.
3- في الطبعة الحجريّة: «أخذه» بدل «حازه».
4- في «ج»: «علي أنّي قبّضتُه». و كذا في «ث، ر» بدون «علي».
5- مختصر المزني: 114، بحر المذهب 294:8، البيان 101:8.
6- بحر المذهب 294:8.

و إنّما أقررتُ علي رسم الشهادة لأقبض، كان علي المُقرّ له اليمين؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

و لو شهدت البيّنة بالقبض، ثمّ قال: احلفوه أنّي أقبضتُه، لم تُسمع دعواه؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض، و لو شهدت بالإقرار به، فهو كما تقدّم.

مسألة 979: لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ و قبْضٍ، ثمّ قال: كان ذلك فاسداً و أقررتُ لظنّي الصحّة، لم يُصدَّق،

لكن له تحليف المُقرّ له، فإن نكل حلف المُقرّ، و حُكم ببطلان البيع و الهبة.

و لو أقرّ بإتلاف مالٍ علي إنسانٍ و أشهد عليه، ثمّ قال: كنتُ عازماً علي الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد علي الإتلاف، لم يُقبل منه بحال، بخلاف ما لو أشهد علي نفسه بدَيْنٍ، ثمّ قال: كنتُ عازماً علي أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ علي الاستقراض؛ لأنّ هذا معتاد، و ذلك غير معتاد.

و الوجه عندي: تساوي الصورتين؛ لأنّه في الأُولي ادّعي دعويً لو صدّقه المُقرّ له برئ، فكان له إحلافه؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة 980: يصحّ الإقرار بالعربيّة و غيرها من اللغات؛

لأنّه إخبار، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخري؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات علي المعني المراد، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم و غير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس، ثمّ قال: لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك و ممّن يخفي عليه.

ص: 426

و كذا البحث في جميع العقود و الإيقاعات.

و لو أقرّ ثمّ قال: كنتُ يوم الإقرار صغيراً، و هو محتمل، صُدّق بيمينه؛ إذ الأصل عدم الكبر.

و كذا لو قال: كنتُ مجنوناً يوم الإقرار، و قد عهد له جنون؛ لأصالة البراءة، و الاستصحاب.

و لو قال: كنتُ مُكرَهاً، و هناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(1) ، فكذلك. و إن لم تكن هناك أمارة، لم يُقبل قوله.

و الأمارة إنّما تثبت بإقرار المُقرّ له أو بالبيّنة. و إنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس و التوكيل، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

و لو شهد الشهود علي إقراره و تعرّضوا لبلوغه و صحّة عقله و اختياره، فادّعي المُقرّ خلافَه، لم يُقبل؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعي الإكراه و أقام به البيّنة و شهدت بيّنة المُقرّ له بالاختيار، قُدّمت بيّنة المُقرّ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة المُقرّ له.

مسألة 981: إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ، سُمعت شهادتهم،

و لم تفتقر صحّة الشهادة إلي أن يقولوا: «في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه و حُرّيّته و رشده» بل يُعوّل علي الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة علي الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك، كان تأكيداً؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل، و عدم الإكراه؛ لأنّه هو الأصل، و الظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة، فإنّهم

ص: 427


1- الظاهر: «توكيل» بدل «وكيل».

لا يشهدون علي زائل العقل و لا مُكره.

فإن ادّعي المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة، و إن كذّبه حلف المشهود له؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة علي الظاهر، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

و لو كان المُقرّ مجهولَ الحُرّيّة، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلي ذكر الحُرّيّة، و بني علي أصالة الحُرّيّة، و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(1).

و لهم قولٌ آخَر: يشترط التعرّض للحُرّيّة، و خرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(2).

لكنّ المشهور عندهم: الأوّل(3).

و كلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله و جواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

و قد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم علي بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

و لا تُقبل الشهادة علي الإكراه مطلقاً، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع: في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.
مسألة 982: لو قال: غصبتُ هذه الدار من زيدٍ و هي ملك عمرو، سُلّمت إلي زيدٍ؛

لاعترافه له باليد، و الظاهر كونه مُحقّاً فيها؛ لأنّ قوله:

«غصبتُها من زيدٍ» يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. و قوله: «و ملكها لعمرو»

ص: 428


1- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.
2- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.
3- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.

لا ينافي ذلك؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ، فإذا سلّمها إلي زيدٍ و ادّعاها عمرو، كانت الخصومة بين زيدٍ و عمرو، و لم تُقبل شهادة المُقرّ؛ لأنّه غاصب، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا، فهل يغرم المُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه علي القولين [فيما](1) إذا قال: غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

و أصحّهما عندهم: القطع بأنّه لا يغرم؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان، و الإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني، و هنا لا منافاة؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو و قد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع، فيكون الأخذ منه غصباً منه(2).

و نقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً، و هو عدم الغرم، بخلاف ما إذا قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو، حيث يغرم؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل، و يعارض إقراره، و في صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(3) ، و ليس الثاني رجوعاً عن الأوّل، فلم يلزمه ضمان به، و يكون القولُ قولَ زيدٍ؛ لأنّ له يداً فيها(4).

و لو أخّر ذكر الغصب فقال: هذه الدار ملكها لعمرو و غصبتُها من زيدٍ، فللشافعيّة طريقان:

منهم مَنْ قال: لا فرق بين أن يقدّم الغصب و بين أن يؤخّره؛ لأنّهما5.

ص: 429


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كما». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 342:5، روضة الطالبين 52:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إقراره». و المثبت هو الصحيح.
4- راجع: الوسيط 352:3-353، و البيان 441:13، و المغني 289:5.

لا يتنافيان، فتُسلّم إلي زيدٍ، و لا يغرم لعمرو.

و منهم مَنْ قال: إذا أقرّ بالملك لعمرو، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ، و وجب تسليمه إلي عمرو.

و في الغرم لزيدٍ القولان(1).

قيل: إذا غرّمنا المُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة؛ لأنّه أقرّ له بالملك، و هنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك، فلا وجه لتغريمه القيمة، بل القياس أن يسأل عن يده أ كانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلي الإجارة، غرم قيمة المنفعة. و إن أسندها إلي الرهن، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد، و كأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّي الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فتردّ القيمة عليه(2).

مسألة 983: لو قال: هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو، أو قال: غصبتُ هذه الدار من زيدٍ و غصبها زيد من عمرو،

أو قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو، فإنّه تُسلّم الدار إلي زيدٍ المُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

و هل يغرم المُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب: الغرم - و هو أصحّ قولَي الشافعيّة، و به قال أحمد بن حنبل(1) - لأنّه حالَ بين عمرو و بين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ، و الحيلولة سبب الضمان كالإتلاف، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

ص: 430


1- الحاوي الكبير 39:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 257:8، الوسيط 352:3-353، الوجيز 201:1، حلية العلماء 360:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 340:5-341، روضة الطالبين 51:4، المغني 288:5، الشرح الكبير 330:5 و 332.

و كذا لو شهد اثنان علي شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه؛ لأنّهما حالا بينه و بين عبده بشهادتهما، كذا هنا.

و الثاني: إنّه لا يغرم؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه، و إنّما منع الحكم من قبوله، و ذلك لا يوجب الضمان عليه، و لأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير، فلا يلزمه شيء، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(1).

و قطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - و هي ما إذا قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير، بخلاف الصورتين الأُوليين، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب، فضمن لذلك(2).

و قال أبو حنيفة: إذا قال: غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان، غرم للثاني. و لو قال: هذه لفلان لا بل لفلان، لا يغرم للثاني، و تُدفع إلي الأوّل. و فرّق بأنّ الغصب سبب الضمان، فإذا أقرّ به لزمه، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(3).

و قد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(4) ، فقال بعضهم:

إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المُقرّ و سلّمها إلي زيدٍ، فأمّا».

ص: 431


1- الحاوي الكبير 39:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 257:8، الوسيط 353:3، حلية العلماء 360:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 340:5-341، روضة الطالبين 51:4، المغني 288:5، الشرح الكبير 332:5.
2- البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
3- بحر المذهب 258:8، حلية العلماء 361:8، العزيز شرح الوجيز 341:5، المغني 288:5.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بينا». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».

إذا سلّمها المُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو، بلا خلافٍ بينهم(1).

و قال آخَرون منهم بجريان الخلاف؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(2).

مسألة 984: إذا باع عيناً و أقبضها المشتري و استوفي الثمن، ثمّ قال:

قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه، لم يُقبل قوله علي المشتري.

و هل يغرم القيمة للمُقرّ له ؟ للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه علي القولين.

و أصحّهما عندهم: القطع بالغرم؛ لتفويته عليه بتصرّفه و تسليمه، و لأنّه استوفي عوضه، و للعوض مدخل في الضمان، أ لا تري أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة، فنكحها و أحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(3) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين، و لو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(4).

و يبني علي هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوي القيمة علي البائع مع بقاء العين في يد المشتري ؟ إن قلنا: لو أقرّ يغرم القيمة، فله دعواها، و إلّا فلا.

و لو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [بعد نكول](5)

ص: 432


1- الحاوي الكبير 39:7، حلية العلماء 361:8، البيان 440:13-441، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
2- الحاوي الكبير 39:7، حلية العلماء 361:8، البيان 441:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
3- في النسخ الخطّيّة: «الأمة» بدل «الجارية».
4- بحر المذهب 258:8، حلية العلماء 361:8، البيان 441:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فقد يكون». و ذلك تصحيف.

صاحب اليد ثمّ جاء آخَر يدّعيها، هل له طلب القيمة من الأوّل ؟ إن قلنا:

النكول و ردّ اليمين كالبيّنة، فلا، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. و إن جعلناها كالإقرار، ففي سماع دعوي الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة 985: لو قال: غصبتُ هذه العين من أحدكما، صحّ الإقرار علي ما تقدّم

(1) ، فيُطالَب بالتعيين، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

و هل للثاني تحليفه ؟ يبني علي أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة ؟ إن قلنا: لا، فلا، و إن قلنا: نعم، فنعم؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه، فيغرم. فعلي هذا إن(2) نكل رُدّت اليمين علي الثاني، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

و منهم مَنْ قال: إن قلنا: إنّ النكولَ و ردَّ اليمين كالإقرار من المدّعي عليه، فالجواب كذلك، أمّا إذا قلنا: إنّه كالبيّنة، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلي الثاني، و لا غرم عليه للأوّل، و علي هذا فله التحليف(3).

و إن قلنا: لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل، فيحلف المدّعي و يأخذ العين.

و إن قال المُقرّ: لا أدري من أيّكما غصبتُ، و أصرّ عليه، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتي يتبيّن المالك أو يصطلحا.

و كذا لو كذّباه و حلف لهما علي نفي العلم.

ص: 433


1- في ص 379، المسألة 942.
2- في النسخ الخطّيّة: «لو» بدل «إن».
3- العزيز شرح الوجيز 342:5-343، روضة الطالبين 52:4-53.

ص: 434

الفصل الخامس: في الإقرار بالنسب
اشارة

و فيه قسمان:

القسم الأوّل: الإقرار بالولد
اشارة

القسم الأوّل(1): الإقرار بالولد.

مسألة 986: يشترط في المُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين،
اشارة

كما سبق(2) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه و هو الولد، اشترط فيه أُمور:

الأوّل: أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكناً،

فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله، فلا اعتبار بإقراره.

و لو قدمت امرأة من بلد كفرٍ و معها صبي فادّعاه رجل من المسلمين، فإن احتُمل أنّه خرج إليها و أنّها قدمت قبل ذلك، لحقه، و إن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني: أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره؛

لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلي غيره.

و لا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

و لو نفي نسب ولده باللعان، فاستلحقه آخَر، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ: من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به، و من أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

ص: 435


1- يأتي القسم الثاني في ص 453.
2- في ص 251 و ما بعدها.
الثالث: أن يصدّقه المُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلاً،

فلو ادّعي بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر، فإن حلف سقطت دعواه، و إن نكل حلف المدّعي و يثبت نسبه.

و كذا لو قال رجل لآخَر: أنت أبي، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً، ثبت نسبه حتي يرث منه الصغير لو مات، و يرث المُقرّ لو مات الصغير. و لا اعتبار بتصديقه و تكذيبه حالة الصغر.

و لو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه، فالأقرب: إنّه لا اعتبار بالتكذيب، و لا يندفع النسب؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار، كما لو ثبت بالبيّنة، و هو أظهر قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يندفع النسب، و يبطل إقراره؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(1).

و المعتمد: الأوّل.

و علي ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل، فلا معني لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق و أنكر، فالأقرب: أنّه كالصغير.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(2).

الرابع: أن لا ينازعه في الدعوي غيره.
مسألة 987: لو استلحق صبيّاً بعد موته و ادّعي بنوّته

و كان الصبي

ص: 436


1- الوجيز 202:1، الوسيط 357:3، التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.
2- التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.

مجهولَ النسب، لحق به، و ثبت نسبه، سواء كان ذا مال أو لا، و لا يُنظر إلي التهمة بطلب المال، بل يُورَّث؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ علي التغليب، و لهذا يثبت بمجرّد الإمكان، حتي أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه، و يُحكم بسقوط القصاص، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يلحقه، و لا يثبت نسبه به؛ لثبوت التهمة في حقّه(2).

و هو غلط؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً و المُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(3) فإنّه يثبت نسبه بإقراره و إن كان متّهماً؛ لأنّه يتصرّف في ماله و ينفق منه علي نفسه، كذا هنا.

و لو كان الميّت كبيراً فادّعي شخص أنّه ولده و كان الميّت مجهولَ النسب، فإشكال ينشأ: من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه و لا تصديق هنا، و لأنّ تأخير الاستلحاق إلي الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره، و من أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه، و هو ممتنع في طرف الميّت، كالصغير و المجنون، و لهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما؛ لتعذّره، كذا هنا.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و الثاني عندهم أظهر؛ لأنّا نمنع كون».

ص: 437


1- الحاوي الكبير 97:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.
2- الحاوي الكبير 97:7، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، حلية العلماء 367:8، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5.
3- الدقعاء: عامّة التراب. و قيل: التراب الدقيق علي وجه الأرض. و المُدقَع: الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب 89:8 «دقع».

التصديق شرطاً علي الإطلاق، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق، و التهمة غير معتبرة هنا؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلي التهمة علي ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(1).

و يجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(2).

مسألة 988: يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع المُقرّ بالبنوّة آخَر،

فلو ازدحم اثنان فصاعداً علي الاستلحاق، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(3) نسبه ممّن صدّقه، و إن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

و هل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل ؟ نظر. و كذا النظر لو أقرّ العبد.

و لو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه و بين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها، لم يقبل.

و لو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة و معها صغير فأقرّ به رجل، أُلحق به مع الإمكان و عدم المنازع علي ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلي دار الإسلام، و إلّا فلا.

قالت الشافعيّة: و إن أمكن أن ينفذ إليها الماء و تستدخله في فرجها، لحق النسب، و لا اعتبار بقول الأطبّاء: إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد؛

ص: 438


1- المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، الوجيز 202:1، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 62:4.
2- العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 62:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».

لأنّ ذلك مظنون، و البيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به و إن كان خلاف الظنّ و الظاهر(1).

قالوا: و لا يجري هذا مجري ما يقوله أبو حنيفة في [تزوّج](2) المشرقيّ بالمغربيّة(3) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة، و ذلك خلاف القطع و اليقين دون الظاهر.

و لو استلحق صغيراً مجهولَ النسب، فكذّبته أُمّه و قالت: إنّه ليس لك بل لغيرك، فالأقرب: عدم الالتفات إلي تكذيب الأُمّ، و ثبوت النسب من جهته.

مسألة 989: لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه، لم يلحق به إن كان صغيراً؛

محافظةً علي حقّ الولاء للسيّد، بل يفتقر إلي البيّنة.

و إن كان بالغاً فصدّقه، فالأقرب: إنّه كذلك.

و لو استلحق عبداً في يده، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً، لم يلتفت إلي قوله، و إقراره باطل.

و إن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب، لحقه إن كان صغيراً، و حُكم بعتقه.

و كذا إن كان بالغاً و صدّقه، و إن كذّبه لم يثبت النسب.

و الأقرب: عتقه؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

و يحتمل عدمه؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق، و إذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

ص: 439


1- الحاوي الكبير 105:7، بحر المذهب 320:8.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الحاوي الكبير 104:7، المغني 55:9، الشرح الكبير 65:9.

و لو كان العبد مشهورَ النسب بالغير، لم يثبت نسبه. و في العتق احتمال.

مسألة 990: إذا أقرّ بالولد و حصلت الشرائط، ثبت النسب بينه و بين الولد،

و كذا بين الولد و بين كلّ مَنْ يثبت بينه و بين الولد المشهور(1) ، و به قال الشافعي(2).

و حكي عن مالك: إنّه إن شاع بين الناس أنّه استلحق مَنْ ليس ولداً له، لم يلحقه و إن اجتمعت الشرائط التي تقدّمت(3).

و اعلم: أنّ انتفاء التكذيب في البالغ غير كافٍ في الالتحاق، بل المعتبر تصديقه، فلو أقرّ ببنوّة البالغ فسكت البالغ لم يثبت النسب، و لم يكن كافياً في الالتحاق، بل يعتبر أن يصدّقه.

و لو استلحق بالغاً عاقلاً فصدّقه الولد، ثبت النسب علي ما قلناه.

فإن رجعا، فالأقرب: إنّه لا يسقط النسب؛ لأنّه يثبت بتصادقهما، و النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالمواطأة و الاتّفاق علي رفعه، كما لو ثبت بالفراش.

و يحتمل رفع النسب؛ لأنّه ثبت لا بالفراش، بل بمجرّد الإقرار، فإذا رجعا عنه وجب أن يبقي الأمر علي ما كان عليه قبل الإقرار، كما لو أقرّ بمالٍ و رجع و صدّقه المُقرّ له.

و للشافعيّة وجهان(4) كالاحتمالين.

ص: 440


1- أي: المشهور النسب.
2- بحر المذهب 308:8، الوجيز 201:1، البيان 446:13، العزيز شرح الوجيز 352:5-353، روضة الطالبين 61:4.
3- العزيز شرح الوجيز 354:5.
4- المهذّب - للشيرازي - 352:2، حلية العلماء 367:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 354:5، روضة الطالبين 62:4.
مسألة 991: إذا كان له جارية ذات ولد فقال: هذا ولدي من هذه الجارية، ثبت نسبه مع الإمكان.

و هل تكون الجارية أُمَّ ولدٍ؟ فيه إشكال ينشأ: من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك، فلا تكون أُمَّ ولدٍ، أو أنّه استولدها بشبهةٍ أو بإباحة المولي، فلا تكون أيضاً أُمَّ ولدٍ، و من أنّ الظاهر أنّه استولدها في الملك؛ لأنّه حاصل محقّق، و النكاح غير معلومٍ، و الأصل فيه العدم، و كذا الأصل عدم الشبهة و عدم الإباحة.

و للشافعي قولان(1) كهذين.

و للمسألة خروج ظاهر عند الشافعيّة علي قولَي تقابل الأصل و الظاهر.

و ما الأظهر من الخلاف في المسألة ؟

قال جماعة منهم: إنّ الثاني أظهر، و هو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر.

لكنّ الأوّل أقرب إلي القياس، و أشبه بقاعدة الإقرار، و هي البناء علي المتيقّن(2)(3).

و لو قال: إنّه ولدي منها ولدَتْه في ملكي، فهي أُمّ ولدٍ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

و للشافعيّة فيه طريقان:

ص: 441


1- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.
2- في «العزيز شرح الوجيز» و نسخة بدل في هامش «ج»: «اليقين».
3- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

أحدهما: القطع بثبوت أُمّيّة الولد؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

و أصحّهما عندهم: إنّه علي القولين؛ لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثمّ يشتريها فتلد في الملك(1). و لا بأس به عندي.

و لو قال: إنّه ولدي استولدتها به في ملكي، أو عَلِقَتْ في ملكي، فهي أُمّ ولدٍ قطعاً، و انقطع الاحتمال.

و كذا لو قال: هذا ولدي منها و هي في ملكي منذ عشر سنين، و كان الولد ابنَ سنةٍ.

هذا كلّه مفروض فيما إذا لم تكن الأمة مزوّجةً و لا فراشاً عند الشافعي(2) ، أمّا إذا كانت مزوّجةً لم ينسب الولد إلي السيّد، و لم يعتد باستلحاقه؛ للحوقه بالزوج.

و إن كانت فراشاً له، فإن أقرّ بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالإقرار عند الشافعي(3)، فلا يعتبر فيه إلّا الإمكان.

و لا فرق في الإقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحّة أو في المرض؛ لأنّ إنشاءه نافذ في الحالين.

مسألة 992: لو كان له جاريتان لكلّ واحدةٍ منهما ولد، فقال: ولد إحداهما ولدي، فللأمتين أحوال:

أ - أن لا تكون واحدة منهما مزوّجةً و لا فراشاً للسيّد، فيؤمر بالتفسير و التعيين، كما لو أقرّ بطلاق إحدي امرأتيه، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه، و كان حُرّاً و ورثه.

ثمّ إن صرّح بأنّه استولد أمةً في النكاح، لم تصر أُمَّ ولدٍ.

ص: 442


1- العزيز شرح الوجيز 355:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

و إن أضافه إلي وطئ شبهةٍ، فكذلك علي الأقوي.

و للشيخ رحمه الله فيه قول(1).

و للشافعيّة قولان(2).

و لو قال: استولدتها بالزنا، مفصولاً عن الاستلحاق، لم يُقبل، و لحق به النسب؛ عملاً بأوّل كلامه.

و في حُرّيّته إشكال، الأقرب: ذلك.

و في أُمّيّة الولد للشافعيّة قولان، كما إذا أطلق الاستلحاق(3).

و إن وصله باللفظ، قال بعض الشافعيّة: لا يثبت النسب و لا أُمّيّة الولد(4).

و ينبغي أن يخرّج ذلك عندهم علي [قولَي](5) تبعيض الإقرار(6).

و قد سبق(7) البحث في مثله.

إذا ثبت هذا، فإنّ الولد الآخَر يكون رقّاً.

و كذا لو كانا من أمةٍ واحدة.

و لو ادّعت الأمة الأُخري أنّ ولدها هو الذي استلحقه، و أنّها التي استولدها، فالقول قول السيّد مع يمينه؛ لتمسّكه بالأصل، و كذا لو بلغ الولد3.

ص: 443


1- المبسوط - للطوسي - 46:3.
2- الحاوي الكبير 33:7، بحر المذهب 253:8 و 321، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
3- العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
4- التهذيب - للبغوي - 275:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قول». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
7- في ص 402، المسألة 963.

و ادّعي، فإن نكل السيّد حلف المدّعي، و قُضي بمقتضي يمينه.

و لو مات السيّد قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين عند الشافعيّة(1).

و الأقرب عندي: القرعة.

فإن عيّن الورثة، كان حكمُ تعيينهم حكمَ تعيين المولي في النسب و الحُرّيّة و الإرث عندهم(2).

و تكون أُمّ المعيّن مستولدةً إن ذكر السيّد ما يقتضي الاستيلاد، و إلّا سُئلوا، و حكم بيانهم حكم بيان المورّث، فإن قالوا: لا نعلم أنّه استولدها، فعلي الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه.

و لو لم يكن وارثٌ أو قال الورثة: لا نعلم، حُكم بالقرعة قطعاً عندنا؛ لأنّه أمر مشتبه.

و قالت الشافعيّة: يُعرض الولدان علي القافة، فأيّهما ألحقوه به لحق، و الحكم في النسب و الحُرّيّة و الإرث كتعيين المُورّث أو الوارث عندهم، و في الاستيلاد كما لو أطلق الاستلحاق(3).

قالت الشافعيّة: و يجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه، أو بأن يراه قبل الدفن، أو بأن يري عصبته فيجد الشبه، فإن5.

ص: 444


1- بحر المذهب 321:8، الوسيط 357:3، حلية العلماء 376:8، التهذيب - للبغوي - 275:4-276، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
2- بحر المذهب 321:8، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
3- بحر المذهب 321:8، حلية العلماء 376:8، التهذيب - للبغوي - 276:4، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5.

عجزنا عن الاستفادة من القائف؛ لعدمه، أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما [عنه] أو أشكل الأمر عليه، أقرعنا بينهما لنعرف الحُرّ منهما(1).

فأمّا عندنا فإنّه يُحكم بالقرعة من رأس، و لا يُنتظر بلوغ الولدين - عندنا و عندهم(2) - حتي ينتسبا، بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولدٍ و لا قائف هناك؛ لأنّ الاشتباه هاهنا في أنّ الولد أيّهما، فلو اعتبر الانتساب ربما ينسب كلّ واحدٍ منهما إليه، فلا يرتفع الإشكال.

و لا يُحكم عندهم لمن خرجت قرعته بالنسب و الميراث؛ لأنّ القرعة عندهم علي خلاف القياس، و إنّما ورد الخبر(3) - عندهم - بها في العتق، فلا تُعمل في النسب و الميراث(4).

و عندنا أنّها تجري في كلّ أمرٍ مشكل بالنصّ عن الأئمّة عليهم السلام(5).

و مع القرعة عندهم هل يوقف نصيب ابنٍ بين مَنْ خرجت له القرعة و بين الآخَر؟ للشافعيّة وجهان، و الأظهر عندهم: إنّه يوقف(6).

و أمّا الاستيلاد فهو علي التفصيل السابق.

و عندنا القرعة تنفذ في النسب و توابعه من الميراث و غيره.4.

ص: 445


1- بحر المذهب 321:8-322، التهذيب - للبغوي - 276:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
2- التهذيب - للبغوي - 276:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
3- أي خبر القرعة، راجع صحيح مسلم 1668/1288:3، و سنن ابن ماجة 2345/786:2، و سنن أبي داوُد 3958/28:4 و 3961، و سنن الترمذي 1364/645:3، و سنن البيهقي 285:10-286.
4- بحر المذهب 322:8، التهذيب - للبغوي - 276:4، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
5- الفقيه 174/52:3، التهذيب 593/240:6، النهاية - للطوسي -: 346.
6- بحر المذهب 322:8، العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.

و أمّا الاستيلاد فإن لم يوجد من السيّد ما يقتضيه، لم يثبت.

و إن وُجد، فهل تحصل أُمّيّة الولد في أُمّ ذلك الولد بخروج القرعة ؟ ذكر الجويني للشافعيّة وجهين.

ثمّ قال: المذهب أنّها لا تحصل؛ لأنّها تبع النسب، فإذا لم نجعله ولداً لم نجعلها أُمَّ ولدٍ.

و الذي أورده الأكثر أنّها تحصل؛ لأنّ المقصود العتق، و القرعة عاملة فيه، فكما تفيد حُرّيّته تفيد حُرّيّتها(1).

و هو الذي نذهب نحن إليه.

و هل يفتقر في إخراج الأُمّيّة لإحداهما إلي قرعةٍ أُخري، أم تثبت بحكم القرعة الأُولي ؟ الأقوي عندي: الثاني - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - إذ لا يؤمن خروج القرعة علي غير التي خرجت لولدها.

مسألة 993: كلّ موضعٍ يثبت الاستيلاد فيه فالولد حُرّ الأصل لا ولاء عليه، و كلّ موضعٍ لا يثبت فعليه الولاء،

إلّا إذا نسبه إلي وطئ شبهة و قلنا:

إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له إذا مَلَكها بعد ذلك.

و إذا لم يثبت الاستيلاد و مات السيّد، ورث الولد أُمّه و عُتقت عليه، و هذا إذا تعيّن لا بالقرعة.

و إن كان معه وارثٌ آخَر، عُتق نصيبه عليه و لم يَسْرِ.

هذا كلّه حكم الحالة الأُولي في الأمتين، و [هي](3) أن لا تكونا مزوّجتين.

ص: 446


1- العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.
2- العزيز شرح الوجيز 357:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو». و الصحيح ما أثبتناه.

ب: أن تكون الأمتان مزوّجتين، فإنّه لا يُقبل قول السيّد، و ولد كلّ أمةٍ ملحق بزوجها و إن كانتا فراشاً للسيّد، فإن كان قد أقرّ بوطئهما، لحقه الولدان بحكم الفراش.

ج: لو كانت إحداهما مزوّجةً، لم يتعيّن إقراره في الأُخري، بل يُطالَب بالتعيين، فإن عيّن في ولد المزوّجة لم يُقبل، و إن عيّن في ولد الأُخري قُبِل، و ثبت(1) نسبه.

و إن كانت إحداهما فراشاً له، لم يتعيّن إقراره في ولدها، بل يؤمر بالتعيين، فإن عيّن في ولد الأُخري لحقه بالإقرار، و الولد الآخَر ملحق به بالفراش.

مسألة 994: لو كان له جارية لها ثلاثة أولاد، فقال: أحد هؤلاء الثلاثة ولدي،

و لم تكن الأمة مزوّجةً و لا فراشاً للسيّد قبل ولادتهم، عندهم(2) - فإنّها لو كانت مزوّجةً كان الولد للزوج و لم يلتفت إلي إقراره، و إن كانت موطوءةً للمولي ثبت الولد بالفراش، لا بالإقرار، عندهم(3) - فحينئذٍ يطالَب بالتعيين، فمَنْ عيّنه منهم فهو نسيب حُرّ وارث. و القول في الاستيلاد علي التفصيل الذي مرَّ.

ثمّ إن عيّن الأصغر منهم، ثبت نسبه، و كان الأكبران رقيقين، و لكلّ واحدٍ منهما أن يدّعي أنّه الولد، و القول قول المنكر مع يمينه.

و إن عيّن الوسط، فالأكبر رقيق.

و أمّا الأصغر فمبنيّ علي استيلاد الأمة، فإذا لم نجعلها مستولدةً فهو

ص: 447


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
2- بحر المذهب 323:8، العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.
3- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

رقيق كالأُمّ.

و إن جعلناها مستولدةً فيُنظر إن لم يدّع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشاً له بالأوسط، فيلحقه الأصغر و يرثه.

و إن ادّعي الاستبراء، فيبني علي أنّ نسب ملك اليمين هل ينتفي بدعوي الاستبراء؟ و سيأتي الخلاف فيه في اللعان.

فإن قلنا: لا ينتفي، فهو كما لو لم يدّع الاستبراء. و إن قلنا: ينتفي، فلا يلحقه الأصغر.

و في حكمه للشافعيّة وجهان:

أظهرهما: إنّه كالأُمّ يُعتق بوفاة السيّد؛ لأنّه ولد أُمّ الولد، و أُمّ الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عُتق ولدها بعتقها.

و الثاني: إنّه يكون قِنّاً؛ لأنّ ولد أُمّ الولد قد يكون كذلك، كما لو أحبل الراهن الجاريةَ المرهونة و قلنا: إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له فبِيعت في الحقّ فولدت أولاداً ثمّ مَلَكها و أولادها، فإنّا نحكم بأنّها أُمّ ولدٍ له علي الصحيح عندهم، و الأولاد أرقّاء لا يأخذون حكمها.

و أيضاً فإنّه إذا أحبل جاريةً بالشبهة ثمّ أتت بأولادٍ من زوج أو زنا ثمّ مَلَكها و أولادها، تكون أُمَّ ولدٍ علي قولٍ، و الأولاد لا يأخذون حكمها، فإذا أمكن ذلك لم يلزم من ثبوت الاستيلاد أن يأخذ الولد حكمها بالشكّ و الاحتمال(1).

و لصاحب الوجه الأوّل أن يقول: الأولاد في الصورتين المذكورتين وُلدوا قبل الحكم بالاستيلاد، و الأصغر وُلد بعد الحكم بالاستيلاد.4.

ص: 448


1- العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.

علي أنّ بعض الشافعيّة حكي في صورة الرهن وجهاً: أنّ الأولاد يأخذون حكمها، و لا يبعد - عندهم - أن يجيء مثله في صورة الإحبال بالشبهة(1).

و قد ذكر بعضهم وجهاً آخَر فيما إذا لم يدّع الاستبراء: إنّه لا يثبت نسبه، و يكون حكمه حكمَ الأُمّ يُعتق بموت السيّد؛ لأنّ الاستبراء حصل بالأوسط(2).

و إن عيّن الأكبر، فالقول في حكم الأوسط و الأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا عيّن الأوسط.

و لو مات السيّد قبل التعيين، عيّن وارثه.

و يحتمل القرعة عندنا.

فإن لم يعيّن الوارث أو لم يكن، عُرضوا علي القائف، عند الشافعي - و هو غلط عندنا - فإن تعذّر معرفة القائف، فالقرعة(3).

و نحن نقول بالقرعة ابتداءً لمعرفة الحُرّيّة و ثبوت الاستيلاد علي ما سلف(4).

و اعترض المزني: بأنّ الأصغر حُرٌّ بكلّ حال عند موت السيّد؛ لأنّه إمّا أن يكون هو المُقرّ به، أو يكون ولدَ أُمّ الولد، و ولد أُمّ الولد يُعتق بموت السيّد - عندهم - و إذا كان حُرّاً بكلّ حال، وجب أن لا يدخل في القرعة(5).4.

ص: 449


1- العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.
2- العزيز شرح الوجيز 358:5.
3- بحر المذهب 324:8-325، العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.
4- في ص 444.
5- مختصر المزني: 115، الوسيط 359:3، العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.

لكن عندنا لا يتحرّر ولد أُمّ الولد بموت السيّد.

قالوا: و إنّما لم يدخل في القرعة؛ لأنّه ربما تخرج القرعة علي غيره، فيلزم إرقاقه(1).

و اختلف أصحاب الشافعي في الجواب عنه.

فقال بعضهم: إنّه حُرٌّ، و لا يدخل في القرعة ليرقّ إن خرجت لغيره، بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه، و يقتصر العتق عليه(2).

و مَنَع آخَرون حُرّيّته [بناءً](1) علي أنّها(2) و إن كانت أُمَّ ولدٍ فولد أُمّ الولد يجوز أن يكون رقيقاً(5). و هذا مذهبنا.

لكنّ الأظهر عندهم الأوّل(6).

و هو عين الوجه الأوّل المذكور فيما إذا عيّن الأوسط و ادّعي الاستبراء بعده و قلنا: إنّه ينتفي به النسب.

ثمّ إذا أقرعنا بينهم و خرجت القرعة لواحدٍ منهم فهو حُرٌّ.

و المشهور: إنّ النسب و الميراث لا يثبتان عندهم(7)، كما في المسألة الأُولي.

و حكي عن المزني أنّ الأصغر نسيب بكلّ حال؛ لأنّه بين أن يكون

هو المراد بالاستلحاق، و بين أن يكون ولد أمته التي صارت فراشاً له بولادة مَنْ قبله(8).

ثمّ جري أصحاب الشافعي علي دأبهم في الطعن علي اعتراضاته4.

ص: 450


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- في «ر» بدل «علي أنّها»: «لأنّها». (5-8) العزيز شرح الوجيز 359:5، روضة الطالبين 65:4.

متبادرين.

و قال بعض الشافعيّة: لكنّ الحقّ المطابق لما تقدّم أن يُفرَّق بين ما إذا كان السيّد قد ادّعي الاستبراء قبل ولادة الأصغر، و بين ما إذا لم يدّعه، و يساعد(1) في هذه الحالة، و إذا ثبت النسب ثبتت الحُرّيّة لا محالة(2).

و حيث لا نحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّا نتيقّن أنّ أحدهما ابنه و إن لم تُفد القرعة تعيينَه عندهم، فأشبه ما إذا طلّق إحدي امرأتيه و مات قبل البيان، حيث يوقف نصيب امرأةٍ.

و الثاني: لا؛ لأنّه إشكال وقع اليأس عن زواله، فأشبه ما إذا غرق المتوارثان و لم يعلم هل ماتا معاً أو علي التعاقب، لا توريث و لا وقف.

و هذا أصحّ عند أكثر الشافعيّة(3).

و اختار المزني الوقفَ.

ثمّ اختلفت الرواية عنه في كيفيّته، ففي بعضها: إنّه إذا كان له ابن معروف النسب يُدفع إليه ربع الميراث، و يُدفع ربعه إلي الأصغر، و يوقف النصف. و في أُخري: إنّه يُدفع نصف الميراث إلي معروف النسب، و يوقف النصف للمجهول(2).

و الرواية الأُولي مبنيّة علي ما ذهب إليه المزني من أنّ الأصغر نسيب5.

ص: 451


1- أي يساعد المزني. (2 و 3) بحر المذهب 325:8-326، العزيز شرح الوجيز 359:5، روضة الطالبين 65:4.
2- بحر المذهب 326:8 و 327، حلية العلماء 379:8، العزيز شرح الوجيز 359:5.

بكلّ حال(1) ، فهو و المعروف ابنان يقيناً، فيُدفع النصف إليهما، و يوقف النصف بينهما و بين الأكبرين، فيجوز أن يكونا ابنين أيضاً، و يجوز أن يكون واحد منهما ابناً، و يجوز أن يكون الأوسطَ، دون الأكبر.

و الرواية الثانية اختيار منه للشافعي جواباً علي أنّه لا يثبت نسب واحدٍ منهم علي التعيين، لكن نعلم أنّ فيهم ابناً، فيوقف النصف له، و يُدفع النصف إلي الابن المعروف(2).

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أبا حنيفة قال: إذا مات المُقرّ قبل البيان لم يُقرع، و يكون الأصغر حُرّاً كلّه، و يُعتق من الأوسط ثلثاه؛ لأنّه حُرٌّ في حالتين - و هُما: إذا عيّنه أو عيّن الأكبر - رقيق في حالةٍ واحدة - و هي: إذا عيّن الأصغر - و من الأكبر ثلثه؛ لأنّه حُرٌّ في حالةٍ واحدة - و هي: إذا عيّن فيه - رقيق في حالتين، و هُما: إذا عيّن الأوسط أو الأصغر.

قال: و يُعتق من الأُمّ ثلثاها؛ لأنّه قد عُتق ثلثا ولدها(3).

مسألة 995: إذا أقرّ ببنوّة صغيرٍ، لم يكن ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُمّ،

سواء كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة أو بالزنا، أو غير مشهورةٍ بأحدهما؛ لأنّ الزوجيّة و النسب أمران متغايران غير متلازمين، فلا يدلّ أحدهما علي الآخَر بالمطابقة و لا بالتضمّن و لا بالالتزام.

و خالف فيه أبو حنيفة، فقال: إن كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً بزوجيّة أُمّه، و إن لم تكن مشهورةً فلا(4).

ص: 452


1- راجع الهامش (8) من ص 450.
2- العزيز شرح الوجيز 359:5.
3- التهذيب - للبغوي - 277:4، العزيز شرح الوجيز 360:5.
4- مختصر اختلاف العلماء 1902/208:4، بحر المذهب 318:8، المغني 335:5-336، الشرح الكبير 286:5.

و لو عيّن أحد الولدين في الاستلحاق ثمّ اشتبه و مات، أو لم يعيّن و كانا من جاريةٍ له، استُخرج بالقرعة، و كان الآخَر رقّاً له، و يثبت الاستيلاد لأُمّ مَنْ أخرجته القرعة علي ما تقدّم.

و لو كان للجاريتين زوجان، بطل إقراره.

و لو كان لإحداهما زوجٌ، انصرف الإقرار إلي ولد الأُخري.

القسم الثاني: الإقرار بغير الولد من الأنساب.
اشارة

القسم الثاني(1): الإقرار بغير الولد من الأنساب.

مسألة 996: إذا أقرّ مَنْ يلحق النسب بغيره، مثل أن يقول: أخي، كان معناه أنّه ابن أبي أو ابن أُمّي.

و لو أقرّ بعمومة غيره، كان النسب ملحقاً بالجدّ، فكأنّه قال: ابن جدّي.

و يثبت النسب بهذا الإلحاق بالشرائط السابقة و بشروط أُخَر زائدة عليها:

أ: أن يصدّقه المُقرّ به أو تقوم البيّنة علي دعواه و إن كان ولدَ ولدٍ.

ب: أن يكون الملحق به ميّتاً، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به و إن كان مجنوناً.

ج: أن لا يكون الملحق به قد نفي المُقرّ به، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته، فإشكال ينشأ: من أنّه لو استلحقه المورّث بعد ما نفاه باللعان و غيره، لحق به و إن لم يرثه عندنا، و من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه، و شرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث، لا ما يتضرّر به.

و للشافعيّة فيه وجهان كهذين، لكنّ الأوّل عندهم أشبه(2) ، و هو

ص: 453


1- مرّ القسم الأوّل في ص 435.
2- العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.

الأقوي عندي.

د: صدور الإقرار من الورثة الحائزين للتركة، فلو أقرّ الأجنبيّ لم يثبت به النسب.

و لو مات مسلم عن ابنٍ كافر أو قاتل أو رقيق، لم يُقبل إقراره عليه بالنسب، كما لا يُقبل إقراره عليه بالمال.

و لو كان له ابنان: مسلم و كافر، لم تعتبر موافقة الكافر.

و لو كان الميّت كافراً، كفي استلحاق الكافر عند العامّة(1).

و لا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المُقرّ به كافراً أو مسلماً.

مسألة 997: لو مات و خلّف ولداً فأقرّ ذلك الولد بابنٍ آخَر للميّت، ثبت نسبه.

و لو خلّف ابنين أو جماعة أولاد ذكور أو إناث أو ذكور و إناث، لم يكن بُدٌّ من اتّفاقهم جميعاً.

و كذا تعتبر موافقة الزوج و الزوجة؛ لأنّهما من الورثة، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و فيه وجهٌ آخَر لهم: إنّه لا تعتبر موافقتهما له؛ لأنّ الزوجيّة تنقطع بالموت، و لأنّ المُقرّ به النسب، و لا شركة لهما فيه(3).

و يجري مثل هذا الخلاف في العتق(2).

ص: 454


1- العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4. (2 و 3) بحر المذهب 311:8، الوجيز 202:1، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.
2- الوجيز 202:1، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.

و لو مات و خلّف بنتاً لا غير، ورثت الجميع عندنا.

فلو أقرّت بولدٍ آخَر ذكر أو أُنثي، ثبت النسب عندنا.

و فصّل الشافعيّة فقالوا: إن كانت حائزةً بأن كانت معتقةً ثبت النسب بإقرارها، و إن لم تكن حائزةً و وافقها الإمام فوجهان جاريان فيما إذا مات مَنْ لا وارث له، فألحق الإمام به مجهولاً(1).

و الخلاف مبنيّ عندهم علي أنّ الإمام له حكم الوارث أو لا؟

قال بعض الشافعيّة: إنّه يثبت النسب بموافقة الإمام.

ثمّ هذا الكلام فيما إذا ذكر الإمام ذلك لا علي وجه الحكم، أمّا إذا ذكره علي وجه الحكم فإن قلنا: إنّه يقضي بعلم نفسه، ثبت النسب، و إلّا فلا(2).

و لا فرق عندهم بين أن تكون حيازة المُلحِق تركة المُلحَق به بواسطةٍ أو بغيرها بأن كان قد مات أبوه قبل جدّه و الوارث ابن الابن فلا واسطة(3).

مسألة 998: لو خلّف ابنين بالغين فأقرّ أحدهما بأخٍ ثالث، لم يستقل بالإقرار،

و لم يثبت النسب إن لم يوافقه الآخَر، و كان للثالث مشاركة المُقرّ في الميراث دون الآخَر.

و إنّما لم يثبت نسبه؛ لأنّ المنكر يُقدَّم قوله مع عدم البيّنة، فلا يثبت النسب بالنسبة إليه و لا بالنسبة إلي المُقرّ أيضاً؛ لأنّ النسب لا يتبعّض، بل يشارك بالنسبة إلي حصّة المُقرّ، فيأخذ ثلث ما في يده، و هو فضل ما في يد المُقرّ عن ميراثه.

و لا فرق بين أن يُقرّ أحدهما بأب أو أخ.

ص: 455


1- الوجيز 202:1-203، البيان 452:13، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4-67. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 67:4.

و نقل الجويني وجهاً آخَر: إنّه ينفرد، و يُحكم بثبوت النسب في الحال؛ لأنّ أمر النسب خطير، فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أنّه يعتني به و لا يجازف فيه(1).

و لو كان أحد الولدين صغيراً و أقرّ البالغ، فعلي ما اخترناه من عدم ثبوت النسب بقول الواحد - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - ينتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ و وافق البالغ ثبت النسب حينئذٍ.

و إن مات قبل البلوغ، فإن لم يكن الميّت قد خلّف سوي المُقرّ ثبت النسب، و لا يحتاج إلي تجديد الإقرار، و إن خلّف ورثةً سواه اعتبر موافقتهم.

فإن كان أحد الوارثين مجنوناً، فهو كما لو كان أحدهما صبيّاً.

مسألة 999: لو خلّف وارثين بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارثٍ ثالث و أنكر الآخَر،

قال الشافعي: الذي أحفظه من قول المدنيّين في مَنْ خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بأخٍ: إنّ نسبه لا يلحق، و لا يأخذ شيئاً؛ لأنّه أقرّ له بمعني إذا ثبت وَرِث و وَرَّث، فإذا لم يثبت بذلك عليه حقٌّ، لم يثبت له.

قال: و هذا أصحّ ما قيل عندنا(3).

و قد عرفت أنّ الذي نصير نحن إليه ثبوت الميراث بالنسبة إلي المُقرّ، فيأخذ ما فضل عن نصيبه ممّا في يده خاصّةً.

و أمّا عدم النسب فإجماعٌ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض، فلا يمكن إثباته

ص: 456


1- العزيز شرح الوجيز 361:5-362.
2- الحاوي الكبير 98:7-99، بحر المذهب 313:8، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 67:4.
3- مختصر المزني: 114.

في حقّ المُقرّ دون المنكر، و لا يمكن إثباته في حقّهما؛ لأنّ شهادة الواحد لا يثبت بها نسب.

إذا عرفت هذا، فإنّ المُقرّ له يشارك المُقرّ في الميراث بالنسبة، فلو كان الميّت قد خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بثالثٍ و أنكر الآخَر، فالتركة في قول المنكر نصفان بينه و بين المُقرّ، و في قول المُقرّ أثلاث و في يده النصف، فيدفع منه السدس الذي فضل في يده إلي الثالث، و يكون للمُقرّ الثلث، و للمنكر النصف، و للثالث السدس، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و ابن أبي ليلي(1) - لأنّه أقرّ بمالٍ تعلّق(2) بسببٍ لم يحكم ببطلانه، فوجب أن يلزمه المال، كما لو أقرّ ببيع شقصٍ له و أنكر المشتري و حلف، فإنّ الشفعة تثبت فيه. و كذا لو أقرّ بدَيْنٍ علي أبيه و أنكره الآخَر.

و قال أبو حنيفة و أحمد(3): يأخذ الثالث نصف ما في يد المُقرّ(4).7.

ص: 457


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 620:2-1058/621، عيون المجالس 1698:4-1196/1700، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، حلية العلماء 368:8، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، بدائع الصنائع 230:7، المغني 326:5، و 145:7، الشرح الكبير 204:7.
2- في «ج»: «يتعلّق». و في الطبعة الحجريّة: «متعلّق».
3- في المغني و الشرح الكبير و كذا العزيز شرح الوجيز نُسب إلي أحمد القول المنقول عن مالك... آنفاً، لاحظ الهامش التالي.
4- المبسوط - للسرخسي - 72:30، تحفة الفقهاء 203:3، بدائع الصنائع 230:7، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، حلية العلماء 368:8، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1058/621:2، عيون المجالس 1196/1700:4، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2-1257، المغني 326:5، و 145:7، الشرح الكبير 205:7.

و قال الشافعي: ليس للمُقرّ له شيء من الميراث لا من حصّة المُقرّ و لا من أصل التركة - و به قال ابن سيرين - لأنّه أقرّ بنسبٍ لم يثبت، فوجب أن لا يثبت له ميراث، كما لو أقرّ بنسب معروف النسب(1).

و الملازمة ممنوعة، و الفرق ظاهر بين مشهور النسب و غيره.

مسألة 1000: لو أقرّ أحد الولدين الرشيدين بثالثٍ و أنكر الآخَر ثمّ مات المنكر و لم يخلّف إلّا أخاه المُقرّ، فالأقرب: إنّه يثبت النسب و الميراث

- و به قال الشافعيّة في أظهر الوجهين(2) - لأنّ جميع الميراث قد صار له.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّ إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل(3).

و يجري هذا الخلاف فيما إذا خلّف المنكر غير المُقرّ وارثاً فأقرّ ذلك الوارث(4).

و الوجهان عند بعض الشافعيّة مبنيّان علي الوجهين في استلحاق مَنْ

ص: 458


1- الأُمّ 225:6، مختصر المزني: 114، الحاوي الكبير 87:7، المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، الوجيز 203:1، حلية العلماء 367:8، التهذيب - للبغوي - 274:4، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، بداية المجتهد 356:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1058/621:2، عيون المجالس 1196/1700:4، المغني 325:5، و 145:7، الشرح الكبير 205:7.
2- الحاوي الكبير 99:7، بحر المذهب 314:8، الوسيط 362:3، حلية العلماء 370:8-371، البيان 454:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
3- الحاوي الكبير 99:7، بحر المذهب 314:8، الوسيط 362:3، حلية العلماء 371:8، البيان 454:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
4- الوسيط 362:3، التهذيب - للبغوي - 271:4-272، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.

نفاه المورّث(1).

و لو أقرّ أحد الابنين و سكت الآخَر ثمّ مات الساكت و خلّف ابناً و أقرّ الابن، ثبت النسب قطعاً عندنا، و هو ظاهر.

و كذا عند الشافعي؛ لأنّ إقراره غير مسبوقٍ بتكذيب الأصل(2).

مسألة 1001: إذا مات و خلّف ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه، فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب

و أنكر المجهول نسب المعروف المُقرّ له، لم يلتفت إلي إنكاره، و لم يتأثّر بقوله نسب المشهور، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و فيه وجهٌ آخَر لهم: إنّ المُقرّ يحتاج إلي البيّنة علي نسبه؛ لأنّه قد اعترف بنسب المجهول و قد أنكر المجهول نسب المُقرّ، فالمجهول ثبت نسبه بإقرار المنفرد بالميراث.

لكنّ الأوّل أصحّ عندهم(4).

و في ثبوت نسب المجهول عند الشافعيّة وجهان:

المنع؛ لأنّ المُقرّ ليس بوارثٍ بزعمه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم و عندنا - أنّه يثبت؛ لأنّا قد حكمنا بأنّه وارث حائز للتركة(5).

و لو أقرّ بأُخوّة مجهولٍ ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالثٍ و أنكر الثالث نسب الثاني، ففي سقوط نسب الثاني للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم:

ص: 459


1- العزيز شرح الوجيز 362:5.
2- الوجيز 203:1، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
3- التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
4- العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
5- التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.

السقوط؛ لأنّه ثبت نسب الثالث، فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني(1).

و لو أقرّ بأُخوّة مجهولَيْن و صدّق كلّ واحدٍ منهما الآخَر، ثبت نسبهما.

فإن كذّب كلّ واحدٍ منهما الآخَر، فللشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: ثبوت النسبين؛ لوجود الإقرار ممّن يحوز التركة(2).

و إن صدّق أحدهما الآخَر و كذّبه الآخَر، ثبت نسب المصدِّق، دون المكذِّب.

هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين، فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخَر، فإذا أقرّ الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما.

مسألة 1002: لو أقرّ بنسب مَنْ يحجب المُقر - كما إذا مات عن أخٍ أو عمٍّ فأقرّ بابنٍ للميّت - فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه لا يثبت نسبه، و إلّا لزم الدور؛ لأنّه لو ثبت لورث، و لو ورث لحجب المُقرّ، و لو حجب لخرج عن أهليّة الإقرار، فإذا بطل الإقرار بطل النسب.

و أصحّهما عندهم - و هو مذهبنا -: إنّه يثبت النسب؛ لأنّ ثبوت النسب بمجرّده لا يرفع الإقرار، و إنّما يلزم ذلك من التوريث(3) ، و سيأتي

ص: 460


1- المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 315:8، حلية العلماء 371:8، التهذيب - للبغوي - 272:4، البيان 455:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
2- بحر المذهب 315:8، التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4-68.
3- هذا الوجه الأصحّ قد سقط من الطبع في «العزيز شرح الوجيز» و هو موجود في «فتح العزيز» المطبوع بهامش «المجموع» 201:11.

البحث فيه. ثمّ التوريث قد ينتفي لأسباب و توابع، فلا يبعد أن يكون هذا منها(1).

و عندنا أنّ المُقرّ به يرث، و سيأتي.

مسألة 1003: المُقرّ به لا يخلو إمّا أن يحجب المُقرّ عن الميراث، أو لا يحجب، أو يحجب بعض الورثة المُقرّين دون بعضٍ.

فإن لم يحجب المُقرّ، اشتركا في التركة علي فريضة اللّه تعالي.

و لو أقرّ أحد الابنين المستغرقين بأخٍ و أنكر الآخَر، فالذي ذهبنا إليه أنّ المُقرّ به يرث السدس يأخذه من نصيب المُقرّ.

و ظاهر مذهب الشافعي - و هو منصوصة - أنّه لا يرث؛ لأنّ الإرث فرع النسب، و أنّه غير ثابتٍ كما سبق، و إذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع(2).

و عن بعض الشافعيّة: إنّ المُقرّ به يرث، فيشارك المُقرّ فيما في يده.

و هو منسوب إلي ابن سريج، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(3). و قد تقدّم(4) بيانه.

ص: 461


1- الوسيط 363:3-364، الوجيز 203:1، حلية العلماء 372:8، العزيز شرح الوجيز 362:5-363، روضة الطالبين 68:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 353:2، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، البيان 449:13، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1058/621:2.
3- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، حلية العلماء 368:8، البيان 449:13، بدائع الصنائع 230:7، المبسوط - للسرخسي - 72:30، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 620:2-1058/621، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2-1257، المغني 325:5، و 145:7، الشرح الكبير 204:7-205.
4- في ص 457، ضمن المسألة 999.
مسألة 1004: لو خلّف الميّت ابنين فقال أحدهما: فلانة بنت أبينا، و أنكر الآخَر، حرم علي المُقرّ نكاحها و إن كان ذلك فرع النسب الذي لم يثبت.

و لو قال أحدهما: إنّ العبد الذي في التركة ابن أبينا، لم يثبت النسب؛ لعدم الاتّفاق.

لكنّ الأقرب: إنّه يُعتق؛ لإقراره بأنّه حُرٌّ، فيثبت عتق نصيبه، و لا يسري؛ لأنّه لم يباشر العتق، فلا يُقوَّم عليه.

و للشافعيّة في الحكم بعتقه وجهان(1).

و لو قال أحد شريكي العقار لثالثٍ: بعتُ منك نصيبي، فأنكر، لا يثبت الشراء.

و في ثبوت الشفعة للشريك خلاف.

و لو قال: لزيدٍ علي عمرو كذا و أنا به ضامن، فأنكر عمرو، ففي مطالبة المُقرّ بالضمان خلاف.

و الأصحّ عند الشافعيّة: المطالبة(2).

و لو اعترف الزوج بالخلع و أنكرت المرأة، ثبتت البينونة و إن لم يثبت المال الذي هو الأصل.

فعلي ظاهر مذهب الشافعيّة هذه الأحكام في ظاهر الحكم، فأمّا في الباطن فهل علي المُقرّ إذا كان صادقاً أن يشركه فيما في يده ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، كما في الظاهر.

ص: 462


1- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.
2- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.

و الثاني: نعم - و هو الصحيح عندهم - لأنّه عالم باستحقاقه، فيحرم عليه منع حقّه منه(1).

و علي هذا فبما يشركه ؟ فيه وجهان:

أحدهما: بنصف ما في يده؛ لأنّ قضيّة ميراث البنين التسويةُ، فلا يسلم لأحدهم شيء إلّا و يسلم للآخَر مثله، و الثالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما، و به قال أبو حنيفة.

و أصحّهما عندهم: ما ذهبنا نحن إليه، و هو قول مالك و أحمد: بثلث ما في يده؛ لأنّ حقّ الثالث بزعم المُقرّ شائع فيما في يده و ما في يد صاحبه، فله الثلث من هذا و الثلث من ذاك(2).

و يقال: الوجهان مبنيّان علي القولين فيما إذا أقرّ أحد الابنين بدَيْنٍ علي أبيه و أنكر الآخَر، هل علي المُقرّ توفية جميع الدَّيْن ممّا في يده، أم لا يلزمه إلّا القسط؟ فإن قلنا بالثاني - و هو مذهبنا - لم يلزمه إلّا الثلث؛ لجَعْلنا الحقَّ الثابت بالإقرار شائعاً في التركة.

و لكلّ واحدٍ من الوجهين عبارة تجري مجري الضابط لأخوات هذه الصورة.

فالعبارة علي وجه النصف أنّا ننظر في أصل المسألة علي قول المنكر و نصرف إليه نصيبه منها، ثمّ نقسّم الباقي بين المُقرّ و المُقرّ به، فإن انكسر صحّحناه بالضرب.

و أصل المسألة في الصورة التي نحن فيها اثنان علي قول المنكر،7.

ص: 463


1- الحاوي الكبير 91:7، البيان 449:13-450، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.
2- الحاوي الكبير 92:7، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، روضة الطالبين 68:4، و راجع بقيّة المصادر في الهامش (1 و 4) من ص 457.

ندفع إليه واحداً منهما، يبقي واحد لا ينقسم علي اثنين، فنضرب اثنين في أصل المسألة، يكون أربعةً: سهمان منها للمنكر، و لكلّ واحدٍ من الآخَرين سهم.

و علي الوجه الذي حكمنا فيه بالثلث نأخذ أصل المسألة علي قول المنكر، و أصلها علي قول المُقرّ، و نضرب أحدهما في الآخَر، و نقسّم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار، فندفع نصيب المنكر منه إليه، ثمّ باعتبار مسألة الإقرار، فندفع نصيب المُقرّ منه إليه، و ندفع الباقي إلي المُقرّ به.

و مسألة الإنكار فيما نحن فيه من اثنين، و مسألة الإقرار من ثلاثة، فنضرب أحدهما في الآخَر يكون ستّةً: ثلاثة منها للمنكر، و سهمان للمُقرّ، و سهم للمُقرّ له.

و لو كانت المسألة بحالها و أقرّ أحد الابنين بآخَرين(1) ، فعلي الوجه الأوّل المسألة علي قول المنكر من اثنين، ندفع نصيبه إليه، يبقي واحد لا ينقسم علي ثلاثة، نضرب ثلاثة في اثنين، يكون ستّةً: ثلاثة منها للمنكر، و لكلّ واحدٍ من الباقين سهم.

و علي الوجه الثاني أصلها علي قول المنكر من اثنين، و علي قول المُقرّ من أربعة، نضرب أحدهما في الآخَر يكون ثمانيةً: أربعة منها للمنكر، و اثنان للمُقرّ، و لكلّ واحدٍ من المُقرّ بهما سهم(2).

و قال بعضهم: نصرف بالتوسّط بين الوجهين، و هو أن ننظر فيما حصل في يد المُقرّ أحصل بقسمةٍ أجبره المنكر عليها، أم بقسمةٍ هو مختار فيها؟5.

ص: 464


1- في «ج»: «بأخوين» بدل «بآخَرين».
2- العزيز شرح الوجيز 364:5.

أمّا علي تقدير الإجبار: فالجواب ما ذكرنا في الوجه الثاني.

و أمّا علي تقدير الاختيار: فننظر إن كان عالماً عند القسمة بأنّ معهما ثالثاً مستحقّاً، فالجواب ما ذكرناه في الوجه الأوّل؛ لأنّه متعدٍّ بتسليم نصف حصّة الثالث إليه، فيغرم ما حصل في يد صاحبه، كما يغرم الحاصل في يده.

و إن لم يكن عالماً حينئذٍ ثمّ علم، فوجهان، وُجّه أحدهما: بأنّه لا تقصير(1) منه، و الثاني: بأنّه لا فرق بين العلم و الجهل فيما يرجع إلي الغرم(2).

مسألة 1005: لو كان المُقرّ به ممّن يحجب المُقرّين عن الميراث أو بعضهم،

كما لو كان الوارث في الظاهر أخاً أو ابنَ عمّ أو معتقاً فأقرّ بابنٍ للميّت، حاز المالَ الابنُ بأجمعه، و لا شيء للمُقرّ.

و أمّا الشافعي فقال: إن لم يثبت نسبه فذاك، و إن ثبت ففي الميراث وجهان:

أحدهما: المنع، و هو الأظهر عندهم.

و الثاني: إنّه يرث - و به قال ابن سريج - و(3) يحجب المُقر(4) ، كما اخترناه نحن.

ص: 465


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يقتص» بدل «لا تقصير». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 364:5-365.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو» بدل «و». و المثبت هو الصحيح.
4- المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 316:8، حلية العلماء 372:8، البيان 456:13، العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4، المغني 330:5.

و منعوا لزوم بطلان الإقرار من حرمانه، و قالوا: المعتبر كونه وارثاً لو لا إقراره، و ذلك لا ينافي خروجه عن الوارثيّة بالإقرار، كما أنّ المعتبر كونه حائزاً للتركة لو لا إقراره، و ذلك لا ينافي خروجه عن كونه حائزاً بالإقرار، فلا جرم لو أقرّ الابن الحائز للتركة في الظاهر بأُخوّة غيره قُبِل و تشاركا في الإرث، كذا هنا(1).

و لو خلّف بنتاً هي معتقة فأقرّت بأخٍ، ورثا عندنا جميعَ المال.

و للشافعيّة في ميراثه وجهان - تفريعاً علي الوجه الأوّل في المسألة السابقة -:

أحدهما: يثبت و يكون المال بينهما أثلاثاً؛ لأنّ توريثه لا يحجبها.

و الثاني: لا؛ لأنّه يحجبها عن عصوبة الولاء، فصار كما لو خلّف بنتاً و معتقاً فأقرّا بابنٍ للميّت، لا يثبت الميراث؛ لحجبه المعتق(2).

و قد عرفت مذهبنا في ذلك.

و لو ادّعي مجهولٌ علي أخ الميّت أنّه ابن الميّت فأنكر الأخ و نكل عن اليمين فحلف المدّعي اليمينَ المردودة، ثبت نسبه.

ثمّ إن جعلنا النكولَ و ردَّ اليمين كالبيّنة ورث و حجب الأخ، و إن جعلناهما كالإقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقرّ الأخ به.

و لو مات عن بنتٍ و أُختٍ فأقرّتا بابنٍ للميّت، فعندنا لا اعتبار بإقرار الأُخت؛ إذ لا يثبت في حقّها؛ حيث إنّها لا ترث عندنا، و لا في حقّ البنت، لكنّ المعتبر إقرار البنت، فتُقسّم التركة أثلاثاً: للبنت الثلث، و للابن الثلثان.

ص: 466


1- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4.
2- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4.

أمّا العامّة فإنّهم حيث ورّثوا الأُخت هنا اعتبروا إقرارها.

ثمّ اختلف قول الشافعيّة.

فقال بعضهم: نصيب الأُخت يُسلّم إليها علي الوجه الأظهر عندهم؛ لأنّه لو ورث الابن لحجبها.

و علي الثاني يأخذ ما في يدها كلّه(1).

و كذا الحكم فيما لو خلّف زوجةً و أخاً فأقرّا بابنٍ، فعندنا للزوجة الثُّمن، و الباقي للابن.

و عند الشافعيّة للزوجة الربع علي الوجه الأظهر عندهم، و هذا الابن لا ينقص حقّها، كما لا يسقط الأخ(2).

مسألة 1006: لو خلّف ابناً واحداً فأقرّ بآخَر، لم يثبت نسب الآخَر،

إلّا إذا صدّقه أو أقام البيّنة، و مع البيّنة يُحكم بالنسب مطلقاً، و مع التصديق يتوارثان بينهما، و لا يتعدّي التوارث إلي غيرهما.

و لو كان للمُقرّ به ورثة مشهورون، لم يُقبل إقراره في النسب و إن تصادقا، و كان له الميراث.

و لو أقرّ أحد الابنين ببنتٍ و أنكر الآخَر، دفع المُقرّ خُمْس ما في يده.

و لو أقرّا معاً، ثبت لها خُمْس الجميع.

و لو تناكر الابنان اللّذان أقرّ بهما الوارث دفعةً، لم يلتفت إلي تناكرهما، لكن لا يثبت النسب، و يأخذان الميراث.

مسألة 1007: لا يشترط في المُقرّ أن يكون جميعَ الورثة، عندنا،

بل لو أقرّ بعضهم دون بعضٍ لزم المُقرّ حكم إقراره في نصيبه، دون نصيب

ص: 467


1- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 69:4.
2- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 69:4.

الباقي، فلا يشترط إقرار جميع الورثة.

و لا يشترط عندنا عدد الشهادة، بل لو أقرّ واحد لزمه الحكم في نصيبه.

و قال الشافعي: يشترط إقرار جميع الورثة(1).

و قال أبو حنيفة: لا يشترط الجميع، بل عدد الشهادة شرط، فإذا لم يكن إلّا ابنٌ واحد لم يثبت النسب بإقراره(2).

فإذا خلّف بنين عدّة فأقرّ اثنان منهم، فإن كانا عَدْلين أُجيزت شهادتهما علي باقي الورثة، و ثبت النسب و الميراث، و إن لم يكونا عَدْلين أخذ المُقرّ به من نصيبهما بالنسبة خاصّةً، و به قال مالك(3).

مسألة 1008: إقرار الورثة بزوجٍ أو زوجةٍ للميّت مقبولٌ، و يشارك المُقرّ به.

و لو أقرّ بعضهم، ثبت نصيبه عندنا خاصّةً بالنسبة إليه، دون باقي الورثة.

و للشافعي قولان في أنّه هل يُقبل إقرار جميع الورثة بالزوج أو

ص: 468


1- مختصر المزني: 114، الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8-309، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4، المغني 326:5-327، و 146:7، الشرح الكبير 201:7.
2- بدائع الصنائع 230:7، الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 365:5-366، المغني 327:5، الشرح الكبير 289:5، و 201:7.
3- الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8، حلية العلماء 372:8، العزيز شرح الوجيز 366:5، المغني 327:5، و 146:7، الشرح الكبير 289:5، و 201:7.

الزوجة ؟ ففي الجديد - كما قلناه -: إنّه يُقبل. و في القديم قولٌ: إنّه لا يُقبل. فإن قبلنا فلو أقرّ أحد الابنين المستغرقين و أنكر الآخَر، فالتوريث علي ما ذكرناه فيما إذا أقرّ أحدهما بأخٍ و أنكر الآخَر(1).

و لو قال ابن الميّت: فلان أخي، ثمّ فسّره بالأُخوّة من الرضاع أو في الدين، فالأقوي عندي: القبول؛ لاحتماله، و هو أعلم بمراده من لفظه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يُقبل هذا التفسير؛ لأنّه خلاف الظاهر، و لهذا لو فسّر بأُخوّة الإسلام لم يُقبل(2).

و هو ممنوع.

و لو أقرّ علي أبيه بالولاء، فقال: إنّه معتق فلان، ثبت الولاء عليه.

و شرط الشافعيّة أن يكون المُقرّ مستغرقاً، كالنسب(3).

و نحن لا نشترط ذلك.

مسألة 1009: قد بيّنّا أنّ المُقرّ به إذا كان بالغاً رشيداً افتقر المُقرّ إلي تصديقه، سواء كان المُقرّ به ولداً أو غيره.

و للشيخ رحمه الله قول: إنّ الولد الكبير لا يعتبر تصديقه، بل لو كذّب المُقرّ في إقراره ثبت نسبه، كالصغير(4).

و ليس بمعتمدٍ.

و لو أقرّ الأخوان بابنٍ للميّت و كانا عَدْلين، ثبت نسبه، و حاز الميراث، و لا دَوْر عندنا.

ص: 469


1- العزيز شرح الوجيز 366:5-367، روضة الطالبين 69:4.
2- بحر المذهب 318:8-319، العزيز شرح الوجيز 367:5، روضة الطالبين 69:4.
3- العزيز شرح الوجيز 367:5، روضة الطالبين 69:4.
4- المبسوط - للطوسي - 41:3.

و لو كانا فاسقين، أخذ الميراث، و لم يثبت النسب، و إنّما يثبت النسب بشهادة رجلين عَدْلين، و لا يُقبل فيه شاهد و امرأتان، و لا شهادة فاسقين و إن كانا وارثين.

و إذا أقرّ الولد بآخَر فأقرّا بثالثٍ، ثبت نسب الثالث إن كانا عَدْلين.

و لو أنكر الثالث الثاني، لم يثبت نسب الثاني، و أخذ السدسَ، و الثالثُ النصفَ، و الأوّل الثلثَ. فإن مات الثالث عن ابنٍ مُقرّ، دفع السدس إلي الثاني أيضاً.

و لو كان الأوّلان معلومَي النسب، لم يُلتفت إلي إنكاره لأحدهما، و كانت التركة أثلاثاً.

و لو أنكر الأوّل و كان معلومَ النسب، لم يُلتفت إلي إنكاره، و إلّا فله النصف، و للأوّل السدس إن صدّقه الثاني.

و لو أقرّ الوارث بمَنْ هو أولي منه، كان المال للمُقرّ له، فلو أقرّ العمّ بأخٍ سلَّم إليه التركة، فإن أقرّ الأخ بولدٍ سُلّمت التركة إلي الولد.

و لو كان المُقرّ العمَّ بعد إقراره بالأخ، فإن صدّقه الأخ فالمال للولد، و إن كذّبه فالتركة للأخ، و يغرم العمّ التركة للولد إن نفي وارثاً غيره، و إلّا ففيه إشكال.

مسألة 1010: لو أقرّ الأخ بولدٍ للميّت، فالمال للولد.

فإن أقرّ بآخَر فإن صدّقه الأوّل فالتركة بينهما، و إن كذّبه فالتركة للأوّل، و يغرم النصف للثاني.

و إن أنكر الثاني الأوّلَ فإن أقرّ بثالثٍ و كان الأوّل قد كذّب الثاني، فإن صدّقه الأوّل فللثالث نصف التركة، و إن كذّبه الأوّل في الثالث أيضاً غرم المُقرّ للثالث الثلثَ.

ص: 470

و لو أقرّ الأخ بولدٍ ثمّ أقرّ بآخَر أيضاً، فصدّقه الأوّل و أنكر الثاني الأوّلَ، فالتركة للثاني و لا غرم.

و لو أقرّت الزوجة أو الزوج لولد الميّت و هناك إخوة مشهورون، فإن صدّقهما الإخوة فللزوج أو الزوجة نصيبهما الأدني، و الباقي للولد، و لا شيء للإخوة.

و كذا كلّ وارثٍ في الظاهر إذا أقرّ بمن هو أولي منه، دفع ما في يده إلي المُقرّ له، و إن أقرّ بمساوٍ فبالنسبة.

و إن كذّبهما الإخوة، فلهم النصف مع الزوج، و ثلاثة الأرباع مع الزوجة، و للزوج النصف يدفع نصفه إلي الولد، و للمرأة الربع تدفع نصفه إلي الولد.

مسألة 1011: لو أقرّ الأخ بولدين دفعةً فصدّقه كلّ واحدٍ عن نفسه خاصّةً، لم يثبت النسب،

و يثبت الميراث، فيأخذ كلّ واحدٍ النصفَ، و لو تناكرا بينهما لم يلتفت إلي تناكرهما.

و لو خلّف الميّت أخوين فأقرّ أحدهما بولدٍ و كذّبه الآخَر، أخذ الولد نصيبَ المُقرّ خاصّةً، فإن أقرّ المنكر بآخَر دفع إليه ما في يده.

و لو أقرّ بزوجٍ لذات الولد أعطاه ربع ما في يده، و لو لم يكن ولد أعطاه النصفَ.

فإن أقرّ بزوجٍ آخَر لم يُقبل، فإن كذّب إقراره الأوّل غرم للثاني ما دفع إلي الأوّل.

و هل يثبت الغرم بمجرّد الإقرار أو بالتكذيب ؟ الظاهر من كلام الأصحاب: الثاني.

و لو أقرّ بزوجةٍ لذي الولد أعطاها ثُمن ما في يده، و لو لم يكن ولد

ص: 471

أعطاها الربعَ.

فإن أقرّ بأُخري فإن صدّقته الأُولي اقتسمتا، و إلّا غرم لها نصف ما أخذت الأُولي من حصّته.

و لو أقرّ بثالثةٍ أعطاها الثلث، فإن أقرّ برابعةٍ أعطاها الربع، فإن أقرّ بخامسةٍ لم يلتفت إليه علي إشكالٍ.

فإن أنكر إحدي الأربع غرم لها ربع الثُّمْن أو ربع الربع.

و لو كان إقراره بالأربع دفعةً واحدة، ثبت نصيب الزوجيّة لهنّ، و لا غرم، سواء تصادقن أو لا.

مسألة 1012: لو أقرّ الأخ من الأب بأخٍ من الأُمّ، أعطاه السدس.

فإن أقرّ الأخ من الأُمّ بأخوين منها و صدّقه الأوّل، سلّم الأخ من الأُمّ إليهما ثلث السدس بينهما بالسويّة، و يبقي معه الثلثان، و سلّم إليهما الأخ من الأب سدساً آخَر.

و يحتمل أن يسلّم الأخ من الأُمّ الثلثين، و يرجع كلٌّ منهم علي الأخ من الأب بثلث السدس.

و لو كذّبه فعلي الأوّل يكون للأوّل ثلثا السدس، و لهما الثلث، و علي الثاني السدس بينهم أثلاثاً.

و لو أقرّ الولد بالزوجة أعطاها الثُّمْن، فإن أقرّ بأُخري أعطاها نصف الثُّمْن إذا كذّبته الأُولي، فإن أقرّ بثالثةٍ فاعترفت الأُوليان بها و اعترفت الثانية بالأُولي، استعاد من الأُولي نصف الثُّمْن، و من الثانية سُدسَه، فيصير معه ثلثا الثُّمن يسلّم إلي الثالثة منه ثلثاً و يبقي له ثلثٌ آخَر.

ص: 472

و لو كان أحد المذكورين عبداً أو كافراً فأقرّ الحُرّ المسلم بآخَر فأُعتق العبد أو أسلم الكافر قبل القسمة، شارك، و إلّا فلا.

و لو كذّب بعد زوال المانع أو قبله الثاني، فلا شيء له، إلّا أن يرجع إلي التصديق.

و لو كان أحدهما غيرَ مكلّفٍ فأقرّ المكلّف بآخَر، عزل لغير المكلّف النصف، فإن اعترف بعد زوال المانع، دفع الفاضل عن نصيبه، و إن كذّب ملك المعزول.

و لو مات قبل الكمال و قد تخلّف السدس خاصّةً، فإن كان قد أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمُقرّ له، و إلّا فثلثاه.

مسألة 1013: لو أقرّ أحد الولدين بابنٍ فأنكر الثاني ثمّ مات المنكر عن ابنٍ مصدَّق، فالأقرب: ثبوت نسب العمّ.

و يحتمل العدم، لكن يأخذ من تركة الميّت ما فضل عن نصيبه.

و لو أقرّ الولد بزوجةٍ و للميّت أُخري، فإن صدّقته الأُخري فالثُّمن بينهما، و إلّا فللأُخري، و لا غرم علي إشكالٍ.

و لو أقرّ الأخ من الأُمّ بأخٍ إمّا من الأب أو من الأُمّ أو منهما، فكذّبه الأخ من الأب، فللمُقرّ حصّته كملاً.

و كذا لو أقرّ بأخوين من الأب أو منهما.

و لو كانا من الأُمّ فإنّه يدفع إليهما ثلث السدس؛ لاعترافه بأنّهما شريكان في الثلث، لكلٍّ منهما تُسْعٌ و في يده تُسْع و نصف تُسْعٍ، فيفضل في يده نصف تُسْعٍ.

و لو أقرّ الأخوان من الأُمّ بأخٍ منها، دفعنا إليه ثلث ما في يدهما،

ص: 473

سواء صدّقهما الأخ من الأب أو كذّبهما.

و لو أقرّ به أحدهما خاصّةً، دفع إليه ثلث ما في يده.

و لا اعتبار بتصديق الأخ من الأب أو تكذيبه، لكن لو صدّق و كان عَدْلاً كان شاهداً، فإن كان المُقرّ عَدْلاً ثبت النسب، و إلّا فلا.

** *

ص: 474

الفصل السادس: في اللواحق
مسألة 1014: لو كانت جارية في يد إنسانٍ فجاء غيره و قال له: بعتك هذه الجارية بكذا و سلّمتُها إليك فأدِّ الثمن،

و قال المتشبّث: بل زوّجتنيها علي صداق كذا و هو علَيَّ، فإن جري هذا التنازع و صاحب اليد لم يولدها، حلف كلّ واحدٍ منهما علي نفي ما يدّعيه الآخَر؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما مُدّعٍ و قد اتّفقا معاً علي إباحة الوطء، فإن حلفا سقط دعوي الثمن و النكاح، و لا مهر، سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل؛ لأنّه و إن أقرّ بالمهر لمن كان مالكاً(1) فهو منكر له، و تعود الجارية إلي المالك.

و في جهة رجوعها احتمال بين أنّها تعود إليه، كما يعود المبيع إلي البائع لإفلاس المشتري بالثمن، و بين أنّها تعود بجهة أنّها لصاحب اليد بزعمه، و هو يستحقّ الثمن عليه، و قد ظفر بغير جنس حقّه من ماله.

و للشافعيّة وجهان(2) كهذين.

فعلي هذا الثاني يبيعها و يستوفي ثمنها، فإن فضل شيء فهو لصاحب اليد، و لا يحلّ له وطؤها.

و علي الأوّل يحلّ له وطؤها و التصرّف فيها، و لا بدّ من التلفّظ بالفسخ.

ص: 475


1- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مالكها».
2- العزيز شرح الوجيز 347:5-348، روضة الطالبين 57:4.

و إن حلف أحدهما دون الآخَر، فإن حلف مدّعي الثمن علي نفي التزويج و نكل صاحب اليد عن اليمين علي نفي الشراء، حلف المدّعي اليمينَ المردودة علي الشراء، و وجب الثمن.

و إن حلف صاحب اليد علي نفي الشراء و نكل الآخَر عن اليمين علي نفي التزويج، حلف صاحب اليد اليمينَ المردودة علي النكاح، و حُكم له بالنكاح و بأنّ رقبتها للآخَر.

ثمّ لو ارتفع النكاح بطلاقٍ أو غيره، حلّت للسيّد في الظاهر، و كذا في الباطن إن كان كاذباً.

و عن بعض الشافعيّة: إنّه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه، اكتفي من الثاني بيمينٍ واحدة يجمع فيها بين النفي و الإثبات(1).

و المشهور عند الشافعيّة: الأوّل(2).

مسألة 1015: لو جري هذا التنازع و صاحب اليد قد أولدها، فالولد حُرٌّ،

و الجارية أُمّ ولدٍ له باعتراف المالك القديم و هو يدّعي الثمن، فيحلف صاحب اليد علي نفيه، فإن حلف علي نفي الشراء سقط عنه الثمن المدّعي.

و هل يرجع المالك عليه بشيء؟ فيه احتمال أن يرجع بأقلّ الأمرين من الثمن أو المهر؛ لأنّه يدّعي الثمن و صاحب اليد يُقرّ له بالمهر، فالأقلّ منهما [متّفق](1) عليه، و أن لا يرجع عليه بشيء؛ لأنّ صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه، و المهر الذي يُقرّ به لا يدّعيه الآخَر، فلا يتمكّن من المطالبة به.

ص: 476


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «متيقّن». و المثبت هو الصحيح.

و للشافعيّة(1) كهذين الاحتمالين.

و هل لصاحب اليد تحليف المالك علي نفي الزوجيّة بعد ما حلف علي نفي الشراء؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا؛ لأنّه لو ادّعي ملكها و تزويجها بعد اعترافه أنّها أُمّ ولدٍ للآخَر لا يُقبل منه فكيف يحلف علي ما لو أقرّ به لم يُقبل!؟

و الثاني: نعم، طمعاً في أن ينكل فيحلف فيثبت له النكاح(2).

و لو نكل صاحب اليد عن اليمين علي نفي الشراء، حلف المالك القديم اليمينَ المردودة، و استحقّ الثمن.

و علي كلّ حال فالجارية مقرّرة في يد صاحب اليد و أنّها أُمّ ولده أو زوجته، و له وطؤها في الباطن، و في الحلّ ظاهراً وجهان للشافعيّة:

أظهرهما عندهم: الحلّ.

و وجه المنع: إنّه لا يدري أنّه أ يطأ زوجته أو أمته ؟ و إذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبُضْع، كما قال الشافعي [فيما](3) إذا اشتري زوجته بشرط الخيار: إنّه لا يطأها في زمن الخيار؛ لأنّه لا يدري أ يطأ زوجته أو أمته ؟(4).

و اعتذر الجويني عن قول الشافعي هذا، و قال: ليس المنع من الوطء في هذه الصورة لاختلاف الجهة، بل لأنّ الملك في زمن الخيار للمشتري علي قولٍ، و إذا ثبت الملك انفسخ النكاح، و الملك الثابت ضعيف لا يفيد4.

ص: 477


1- العزيز شرح الوجيز 348:5، روضة الطالبين 57:4.
2- العزيز شرح الوجيز 348:5، روضة الطالبين 58:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه» و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 348:5-349، روضة الطالبين 58:4.

حلّ الوطء(1).

و نفقتها علي صاحب اليد إن جوّزنا له الوطء، و إلّا فللشافعي قولان:

أحدهما: إنّها علي المالك القديم؛ لأنّها كانت عليه، فلا يُقبل قوله في سقوطها و إن قُبِل فيما عليه، و هو زوال الملك و ثبوت الاستيلاد.

و أصحّهما عندهم: إنّها في كسب الجارية، و لا يُكلّف بها المالك القديم، كما لا يُكلّف نفقة الولد و إن كانت حُرّيّته مستفادةً من قوله أيضاً، فعلي هذا لو لم يكن لها كسبٌ كانت من محاويج المسلمين(2).

و لو ماتت الجارية قبل موت المستولد، ماتت قِنّةً، و للمالك القديم أخذ الثمن ممّا تركته من كسبها؛ لأنّ المستولد يقول: إنّها بأسرها له، و هو يقول: إنّها للمستولد و له عليه الثمن، فيأخذ حقّه منها، و الفاضل موقوف لا يدّعيه أحد.

و إن ماتت بعد موت المستولد، ماتت حُرّةً، و مالُها لوارثها النسيب، فإن لم يكن فهو موقوف؛ لأنّ الولاء لا يدّعيه واحد منهما، و ليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها؛ لأنّ الثمن بزعمه علي المستولد، و هي قد عُتقت بموته، فلا يؤدّي دَيْنه ممّا جمعَتْه بعد الحُرّيّة.

هذا كلّه فيما إذا أصرّا علي كلاميهما، أمّا إذا رجع المالك القديم و صدّق صاحبَ اليد، لم يُقبل في حُرّيّة الولد و ثبوت الاستيلاد، فيكون اكتسابها له ما دام المستولد حيّاً، فإذا مات عُتقت، و كان اكتسابها لها.

و لو رجع المستولد و صدّق المالكَ القديم، لزم الثمن، و كان ولاؤها4.

ص: 478


1- العزيز شرح الوجيز 349:5.
2- العزيز شرح الوجيز 349:5، روضة الطالبين 58:4.

له.

مسألة 1016: إذا أقرّ الورثة بأسرهم بدَيْنٍ علي الميّت أو بشيء من ماله للغير، كان مقبولاً؛

لأنّه كإقرار الميّت، و ذلك لأنّ الإقرار هنا في الحقيقة علي أنفسهم؛ لانتقال التركة إليهم.

و لو أقرّ بعض الورثة عليه بدَيْنٍ و أنكر البعض، فإن أقرّ اثنان و كانا عَدْلين ثبت الدَّيْن علي الميّت بشهادتهما.

و إن لم يكونا عَدْلين، نفذ إقرار المُقرّ في حقّ نفسه خاصّةً، و يؤخذ منه من الدَّيْن الذي أقرّ به بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائةً و نصيب المُقرّ خمسين فأقرّ الوارث بخمسين للأجنبيّ و كذّبه الآخَر الذي نصيبه أيضاً خمسون، أُخذ من نصيب المُقرّ خمسة و عشرون، و هو القدر الذي يصيبه من الدَّيْن؛ لأنّا نبسط جميع الدَّيْن علي جميع التركة، و قد أصاب المُقرّ من التركة نصفها، فعليه نصف الدَّيْن - و به قال الشافعي في الجديد(1) - لأنّ الوارث لا يُقرّ بالدَّيْن علي نفسه، و إنّما يُقرّ علي الميّت بحكم الخلافة عنه، فلا ينفذ إقراره إلّا بقدر الخلافة، و لأنّ أحد الشريكين في العبد إذا أقرّ بجنايةٍ لم يلزمه إلّا بقدر حصّته، فكذا هنا.

و في قديم الشافعي: إنّ علي المُقرّ توفيةَ جميع الدَّيْن من نصيبه من التركة، فإن كان وافياً، و إلّا صُرف جميع نصيبه في الدَّيْن - و به قال أبو حنيفة - لأنّ الدَّيْن مقدَّم علي الميراث، فإذا أقرّ بدَيْنٍ علي الميّت، لم يحل أخذ شيء من التركة ما بقي شيء من الدَّيْن - و به قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ المُقرّ في نصيبه لا يقصر عن الأجنبيّ في جملة التركة،

ص: 479


1- الحاوي الكبير 103:7، المهذّب - للشيرازي - 355:2، بحر المذهب 329:8، حلية العلماء 380:8، البيان 445:13، العزيز شرح الوجيز 349:5، روضة الطالبين 58:4، مختصر اختلاف العلماء 1903/208:4.

و لو أقرّ أجنبيٌّ بدَيْنٍ في التركة يستغرقها، لزمه إقراره حتي لو وقعت التركة في يده يوماً من الدهر أُمر بصَرفها إلي ذلك الدَّيْن(1).

و هو غلط؛ لأنّ المُقرّ إنّما يمضي إقراره في حقّ نفسه، و الذي يصيبه من التركة نصفها، فكأنّه يقول: إنّه يستحقّ كذا من نصيبي و نصيب أخي، فينفذ في قدر نصيبه، و يكون ما عيّنه في نصيب أخيه لاغياً، بخلاف إقرار الأجنبيّ؛ لأنّ الأجنبيّ أقرّ باستحقاق الغير لهذه التركة، فإذا أخذ منها شيئاً وجب دفعه إلي المُقرّ له، بخلاف المتنازع؛ فإنّه أقرّ فيه بجزءٍ شائعٍ، فلزمه الدفع بالنسبة.

و اعلم: أنّ الخلاف هنا محمول علي أنّ إقراره يُثبت جميع الدَّيْن علي الميّت تبعاً لثبوته علي المُقرّ، أم لا يُثبت إلّا حصّته ؟

و فائدته: التقدّم علي الوصيّة، فعلي قولٍ: يتقدّم جميع الدَّيْن المُقرّ به علي الوصايا. و علي قولٍ: حصّته.

و المشهور: الأوّل عند الشافعيّة(2).

و علي الجديد لو مات المنكر و وارثه المُقرّ، فهل يلزمه جميع المُقرّ به الآن ؟ فيه للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: نعم؛ لحصول جميع التركة في يده(3).

مسألة 1017: لو شهد بعض الورثة علي المورّث بدَيْنٍ فإن كان عَدْلاً و كانا اثنين ثبت الدَّيْن، و لزم جميع الورثة أداؤه.

و إن لم يكونا عَدْلين مضي الإقرار في قدر نصيبهما بالنسبة من الدَّيْن

ص: 480


1- الحاوي الكبير 103:7؛ المهذّب - للشيرازي - 355:2، بحر المذهب 329:8، حلية العلماء 380:8، البيان 445:13، العزيز شرح الوجيز 349:5-350، روضة الطالبين 58:4، مختصر اختلاف العلماء 1903/208:4.
2- العزيز شرح الوجيز 350:5.
3- العزيز شرح الوجيز 350:5، روضة الطالبين 58:4.

عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا: لا يلزمه بالإقرار إلّا حصّته، يُقبل. و إن قلنا:

يلزمه الجميع، لم يُقبل و إن كانا عَدْلين؛ لأنّه متّهم بإسقاط بعض الدَّيْن عن نفسه(1).

لكن لمّا لم نقل بهذا المذهب لم يلزمنا ذلك، كما اختاروه في الوجه الأوّل.

قالوا: و لا فرق بين أن تكون الشهادة بعد الإقرار أو قبله؛ لأنّه متّهم بالعدول عن طريق الإقرار إلي طريق الشهادة، و عليه إظهار ما علي مورّثه بأحد الطريقين(2).

و عند أبي حنيفة إن شهد قبل الإقرار قُبِل، و إن شهد بعده لم يُقبل(1).

و لو كان في يد رجلين كيس فيه ألف دينار، فقال أحدهما لثالثٍ:

لك نصف ما في الكيس، فالأقرب: حمل إقراره علي الإشاعة، و أنّ النصف المُقرّ به من جميع ما في الكيس، فإن وافقه شريكه دفعا النصف كملاً إلي المُقرّ له، و إن كذّبه في إقراره وجب علي المُقرّ دفع نصف نصيبه، و هو الربع، و بطل في الربع الآخَر، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: حمل إقراره علي النصف الذي في يده بأجمعه، بناءً علي القولين السابقين لهم، و بناءً علي الخلاف فيما إذا أقرّ أحد الشريكين في العبد المشترك بالسويّة لآخَر بنصفه أنّه يُحمل علي نصيبه أم يوزّع النصف المُقرّ به علي النصفين ؟(4).

مسألة 1018: لو خلّف الميّت ابنين لا غير، فأقرّ أحدهما بأنّ أباه أوصي لزيدٍ بعشرة، فهو بمنزلة ما لو أقرّ عليه بدَيْنٍ،

يلزمه من الوصيّة

ص: 481


1- العزيز شرح الوجيز 350:5.

نصفها بالنسبة إلي ما في يده.

و علي القديم للشافعي: تتعلّق كلّ العشرة بثلث نصيبه. و علي الجديد: يتعلّق نصف العشرة بثلث نصيبه - و هو الذي اخترناه - و به قال أبو حنيفة(1) ، بخلاف ما قال في الإقرار بالدَّيْن(2).

و لو أقرّ أحدهما بأنّه أوصي بربع ماله، و أنكر الآخَر، فعلي المُقرّ أن يدفع ربع ما في يده إلي الموصي له.

و لو أقرّ بأنّه أوصي بعينٍ من أعيان أمواله، فإن لم يقتسما التركة فنصيب المُقرّ من تلك العين يصرف إلي الموصي له، و الباقي للمنكر.

و إن اقتسماها نُظر، فإن كانت تلك العين في يد المُقرّ فعليه دفعها إلي الموصي له، و الباقي للمنكر، و إن كانت في يد المنكر فللموصي له أخذ نصف القيمة من المُقرّ؛ لأنّه فوّته عليه بالقسمة.

و لو شهد المُقرّ للموصي له، قُبلت شهادته، و يغرم المشهود عليه نصف قيمة العين، كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقّاً.

مسألة 1019: لو قال لعبده: أعتقتك علي ألف، و طالَب بالألف، فأنكر العبد و حلف، سقطت دعوي المال،

و يُحكم بعتق العبد؛ لإقراره، و كذا لو قال له: بعت منك نفسك بألف، و جوّزناه، و هو الصحيح من مذهب الشافعي(3).

و لو قال لوالد عبده: بعت منك ولدك بكذا، فأنكر و حلف، لم يجب الألف، و عُتق العبد باعتراف المولي و إقراره بصيرورته حُرّاً؛ لأنّه أقرّ بدخول العبد في ملك أبيه.

ص: 482


1- العزيز شرح الوجيز 350:5.
2- العزيز شرح الوجيز 350:5، روضة الطالبين 59:4.
3- العزيز شرح الوجيز 351:5، روضة الطالبين 59:4.

و لو قال: لفلانٍ عندي خاتم، ثمّ جاء بخاتم و قال: هذا هو الذي أقررتُ به، فالأقرب: وجوب التسليم عليه إلي المُقرّ له، و لو كذّبه المُقرّ له لم يجب، إلّا إذا طلبه بعد التكذيب و صدّقه.

و قد اختلف قول الشافعي هنا.

فقال في موضعٍ: يُقبل منه، و يجب عليه تسليمه للمُقرّ له.

و قال في موضعٍ آخَر: لا يلزمه التسليم.

قال أصحابه: الأوّل محمول علي ما إذا صدّقه المُقرّ له، و الثاني علي ما إذا قال: الذي أقررت به غيره و ليس هذا لي، فلا يسلّم ما جاء به إليه، و القول قول المُقرّ في نفي غيره(1).

مسألة 1020: قد بيّنّا أنّه إذا كان له جارية لها ولد، فقال: إنّ هذا ولدي من هذه الجارية، فإنّه يُطالَب بالبيان،

فإذا قال: استولدتها في ملكي، كان حُرَّ الأصل لا ولاء عليه، و كانت أُمُّه أُمَّ ولدٍ له تعتق بموته من نصيب ولدها عندنا، و من رأس مال الميّت عند العامّة.

قالوا: و يُقدّم ذلك علي حقوق الغرماء؛ لأنّ الاستيلاد آكد من حقوقهم، فإذا أقرّ به قُدّم، أ لا تري أنّه بعد الإقرار لا سبيل إلي إبطاله، بخلاف الديون(2).

و عندنا ليس كذلك، و سيأتي.

و إن قال: استولدتها في ملك الغير بشبهةٍ، فالولد حُرّ الأصل.

و هل تصير أُمُّه أُمَّ ولدٍ له ؟ قولان للشافعيّة سبقا(3).

ص: 483


1- العزيز شرح الوجيز 351:5، روضة الطالبين 59:4.
2- الحاوي الكبير 32:7، بحر المذهب 251:8.
3- في ص 443، ضمن المسألة 992.

و إن قال: استولدتها في ملك غيري بنكاحٍ، فإنّ الولد يكون حُرّاً بملكه إيّاه، و يثبت له عليه الولاء عند العامّة(1) ، و عندنا لا ولاء له عليه و لا لغيره، و لا تصير أُمَّ ولدٍ.

و إن لم يبيّن حتي مات، فالولد حُرٌّ، و لا يثبت عليه الولاء بالشكّ.

و اختلفت الشافعيّة في الجارية:

فمنهم مَنْ قال: لا يثبت لها حكم الاستيلاد بالشكّ، و تُباع في ديون الغرماء.

و منهم مَنْ قال: يثبت لها حكم الاستيلاد؛ لأنّ الولادة موجودة و ملكه عليها موجود، فالظاهر حصولها في الملك(2).

و الأقوي عندي: الأوّل.

مسألة 1021: قد بيّنّا أنّه إذا أقرّ للحمل، صحّ الإقرار علي ما تقدّم من التفصيل فيه.

فإن ولدت واحداً، فالمال له.

و إن ولدت اثنين فإن كانا ذكرين أو أُنثيين، فالمال بينهما بالسويّة.

و إن كانا ذكراً و أُنثي فإن كان المال عن وصيّةٍ، كان بينهما بالسويّة.

و إن كان عن ميراثٍ، فللذكر ضِعْف الأُنثي، إلّا أن يكونا إخوةً من الأُمّ، فإنّه يستوي فيه الذكر و الأُنثي.

و إن أطلق المُقرّ، سئل عن ذلك، و رجع إلي بيانه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا كان مطلقاً، كانا فيه سواءً(3).

ص: 484


1- الحاوي الكبير 32:7، بحر المذهب 252:8.
2- الحاوي الكبير 33:7، بحر المذهب 253:8.
3- الحاوي الكبير 35:7، بحر المذهب 254:8.

إذا ثبت هذا، فإنّ وليّ الصبي يُطالب المُقرّ بالمال و يقبضه له، و به قال الشافعي(1).

و اعترض المزني عليه: بأنّه خلاف قوله في الوكالة: «إذا أقرّ رجل بأنّ فلاناً الغائب وكّله في قبض دَيْنه و صدّقه مَنْ عليه الدَّيْن [أنّه](2) لا يلزمه دفعه إليه» و هذه المسألة تنافيها(3).

و أُجيب: بالفرق بين أن يُقرّ بأنّ هذا المال لزيدٍ و هذا وارثه، و بين الوكالة؛ لأنّ في الوكالة لا يتضمّن إقراره براءته، و هنا يتضمّن براءته؛ لأنّه يقول: ليس لهذا المال مستحقّ إلّا هذا الوارث الذي هو الصبي، فلزمه بإقراره دفع المال إليه أو إلي مَنْ ينوب عنه(4).8.

ص: 485


1- بحر المذهب 254:8.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و المثبت هو الصحيح.
3- مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 36:7، بحر المذهب 254:8-255.
4- راجع الحاوي الكبير 36:7، و بحر المذهب 255:8.

المجلد 16

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء السادس عشر

تتمة كتاب الديون و توابعها

المقصد الثامن: في الصلح

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ماهيّته و أركانه
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في ماهيّته.
اشارة

الصلح عقد شُرّع لقطع التنازع بين المتخاصمين.

و هو عقد سائغ بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي:«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» (1) و قال تعالي:

«وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما» (2) .

و من طريق العامّة: عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»(3).

و عن عبد اللّه بن كعب بن مالك أنّ كعب بن مالك أخبره أنّه تقاضي ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْناً كان له - علي عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله - في المسجد،

ص: 5


1- النساء: 128.
2- الحجرات: 9.
3- سنن أبي داوُد 3594/304:3، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 5069/275:7، موارد الظمآن: 1199/291.

فارتفعت أصواتهما حتي سمعها رسول اللّه صلي الله عليه و آله و هو في بيته، فخرج رسول اللّه صلي الله عليه و آله إليهما حتي كشف سجف(1) حجرته و نادي: «يا كعب» قال:

لبّيك يا رسول اللّه، فأشار بيده أنْ ضَعِ الشطرَ من دَيْنك، قال كعب: قد فعلتُ يا رسول اللّه، قال: «قُمْ فاقبضه»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «الصلح جائز بين الناس»(3).

و في الصحيح عن الباقر و الصادق عليهما السلام أنّهما قالا في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ واحدٍ منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال:

«لا بأس بذلك»(4).

و قد أجمعت الأُمّة علي جواز الصلح في الجملة، و لم يقع بين العلماء فيه خلاف.

مسألة 1022: الصلح عند علمائنا أجمع عقدٌ قائم بنفسه ليس فرعاً علي غيره،

بل هو أصل في نفسه منفرد بحكمه، و لا يتبع غيره في الأحكام؛ لعدم الدليل علي تبعيّته علي الغير، و الأصل في العقود الأصالة.

و قال الشافعي: إنّه ليس بأصلٍ ينفرد بحكمه، و إنّما هو فرع علي غيره. و قسّمه علي خمسة أضرُب:

ضرب هو فرع البيع، و هو أن يكون في يده عينٌ أو في ذمّته دَيْنٌ

ص: 6


1- السجْف: الستر. النهاية - لابن الأثير - 343:2 «سجف».
2- صحيح البخاري 246:3، صحيح مسلم 1558/1192:3، سنن البيهقي 63:6-64، المعجم الكبير - للطبراني - 67:19-128/68.
3- الكافي 5/259:5، التهذيب 479/208:6.
4- التهذيب 470/206:6.

فيدّعيها إنسان فيُقرّ له بها ثمّ يصالحه علي ما يتّفقان عليه، و هو جائز فرع علي البيع، بل هو بيع عنده تتعلّق به أحكامه.

و ضرب هو فرع الإبراء و الحطيطة، و هو أن يكون له في ذمّته دَيْنٌ فيُقرّ له به ثمّ يصالحه علي أن يسقط بعضه و يدفع إليه بعضه، و هو جائز، و هو فرع الإبراء.

و ضرب هو فرع الإجارة، و هو أن يكون له عنده دَيْنٌ أو عينٌ فيصالحه من ذلك علي خدمة عبدٍ أو سكني دارٍ مدّةً، فيجوز ذلك، و يكون فرعَ الإجارة.

و ضرب هو فرع الهبة، و هو أن يدّعي عليه دارين أو عبدين و شبههما في يده، فيُقرّ له بهما، و يصالحه من ذلك علي إحداهما، فيكون هبةً للأُخري.

و ضرب هو فرع العارية، و هو أن تكون في يده دار فيُقرّ له بها، فيصالحه علي سكناها شهراً، و هو جائز، و يكون ذلك عاريةً(1).

و قال بعض الشافعيّة: الصلح فرعٌ للبيع و الإبراء و الهبة خاصّةً. ثمّ فسّر الإبراء و الهبة بما ليس بصلحٍ، فقال: إذا كان له في ذمّته ألف درهم فقال: قد أبرأتك من خمسمائة، و يدفع إليه خمسمائة، فإن كان بلفظ الصلح، لم يصح. و كذا إذا قال: أبرأتك من خمسمائة علي أن تعطيني خمسمائة، فإنّه لا يجوز(2).

و قال بعضهم: يجوز بلفظ الصلح(3).

ثمّ قال القائل الأوّل: لو ادّعي عليه عينين فأقرّ له بهما فوهب لهه.

ص: 7


1- البيان 221:6-224. (2 و 3) لم نعثر عليه في مظانّه.

إحداهما و أخذ الأُخري جاز، و لا يجوز بلفظ الصلح أو بالشرط؛ لأنّ لفظ الصلح يقتضي المعاوضة، فأمّا إذا صالحه علي بعض الدَّيْن، كان كأنّه قد باع ألفاً بخمسمائة، و هو حرام(1).

و أمّا في الهبة فإذا كان بلفظ الصلح، فكأنّه قد باع ماله بماله، فلهذا لم يجز.

و المشهور عندهم: الجواز(2) ؛ لأنّ لفظ الصلح إذا ذكر فيما كان معاوضةً اقتضي ذلك أن يكون معاوضةً، فأمّا أن يكون لفظه يقتضيه فليس بصحيحٍ؛ لأنّ الصلح إنّما معناه الاتّفاق و الرضا، و الاتّفاق قد يحصل علي المعاوضة و علي غيرها، كما أنّ لفظ التمليك إذا كان فيما طريقه المعاوضة - مثل: أن يقول: ملّكتك هذا بهذا - فإنّه يكون بيعاً، فإذا قال: ملّكتك هذا، كان هبةً حيث تجرّد عن العوض، كذا هنا أيضاً.

و علي القول الثاني يخرج قائله من أن يكون صلحاً، و لا يبقي له ثَمَّ تعلّقٌ؛ لأنّه إذا ادّعي عليه شيئاً، فأقرّ به و أبرأه من بعضه و أخذ بعضه بغير لفظ الصلح، فذلك براءة و قبض دَيْنه، و لو أبرأه من جميعه لم يُسمّ صلحاً، و لو قبض جميعه فكذلك، فأمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي بذلك؛ لوجود لفظه و إن لم يوجد معناه، كما تُسمّي الهبة المشروطة بالثواب هبةً؛ لوجود لفظها و إن لم يوجد في ذلك معناها، و هذا خلاف ما تقدّم؛ لأنّه معاوضة إجماعاً.

فأمّا إذا قال: أبرأتك من خمسمائة علي أن تعطيني خمسمائة فإنّ الشافعيّة منعوا منه؛ لأنّ هذا الاشتراط يجعله بحكم العوض عن المتنازع6.

ص: 8


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- راجع الحاوي الكبير 368:6، و التهذيب - للبغوي - 143:4، و البيان 224:6.

و ذلك لا يجوز(1).

و إذا ورث رجلان من أبيهما أو أخيهما فصالح أحدهما الآخَر علي نصيبه، كان ذلك صحيحاً عندنا مستقلّاً بنفسه.

و عندهم أنّه فرع البيع، فإذا شاهدا التركة و عرفا المعوّض، صحّ الصلح(2).

مسألة 1023: الصلح إمّا أن يجري بين المتداعيين، أو بين المدّعي و بين أجنبيٍّ.
القسم الأول من الصلح ما يجري بين المتداعيين
اشارة

و الأوّل قسمان: أحدهما:

ما يجري علي الإقرار عند الشافعيّة
اشارة

ما يجري علي الإقرار عند الشافعيّة(3) ، و هو نوعان:

أحدهما: الصلح عن العين.

و الثاني: الصلح عن الدَّيْن.

النوع الأوّل: الصلح عن العين.

و هو قسمان: صلح معاوضةٍ، و صلح حطيطةٍ.

أمّا صلح المعاوضة فهو الذي يجري علي العين المدّعاة، كما لو ادّعي داراً فأقرّ له المتشبّث بها، و صالحه منها علي عبدٍ أو ثوبٍ. و حكمه حكم البيع عند الشافعي(4) و إن عقد بلفظ الصلح، و تتعلّق به جميع أحكام البيع، كالردّ بالعيب، و الشفعة، و المنع من التصرّف قبل القبض، و اشتراط

ص: 9


1- الحاوي الكبير 367:6، المهذّب - للشيرازي - 340:1، البيان 222:6.
2- البيان 224:6.
3- العزيز شرح الوجيز 85:5، روضة الطالبين 427:3.
4- مختصر المزني: 105، الحاوي الكبير 367:6، المهذّب - للشيرازي - 340:1، التهذيب - للبغوي - 141:4، البيان 221:6، العزيز شرح الوجيز 85:5، روضة الطالبين 428:3، منهاج الطالبين: 125.

القبض إن كان المصالَح عنه و المصالَح عليه متوافقين في علّة الربا، و اشتراط التساوي في الكيل و الوزن إن اتّحد جنسهما من أموال الربا، و جريان التحالف عند الاختلاف، و فساد العقد بالغرر و الجهل.

هذا إذا صالح منها علي عينٍ أُخري، و إن صالح منها علي منفعة دارٍ أُخري أو خدمة عبدٍ سنةً جاز، و كان إجارةً، فتثبت فيه أحكامها.

و أمّا صلح الحطيطة، و هو الجاري علي بعض العين المدّعاة، كما لو صالح من الدار المدّعاة علي نصفها أو ثلثها، فإنّه هبة بعض المدّعي ممّن هو في يده، فيشترط القبول و مضيّ إمكان القبض، و يصحّ بلفظ الهبة - إجماعاً - و ما في معناها.

و في صحّتها بلفظ الصلح وجهان عندهم:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الصلح يتضمّن المعاوضة، و لا يقابل الإنسان ملك نفسه ببعضه.

و أظهرهما عندهم: الصحّة؛ لأنّ الخاصّيّة التي يفتقر إليها لفظ الصلح - و هو سبق الخصومة - قد حصلت(1).

مسألة 1024: لو صالحه من أرش الموضحة - مثلاً - علي شيءٍ معلوم، جاز إذا علما قدر أرشها،

و به قال الشافعي(2).

و لو باعه، لم يجز عند بعض الشافعيّة(3).

و خالفه معظم الشافعيّة في افتراق اللفظين.

و قالوا: إن كان الأرش مجهولاً - كالحكومة التي لم تُقدَّر و لم تُضبط - لم يجز الصلح عنه و لا بيعه.

ص: 10


1- العزيز شرح الوجيز 86:5، روضة الطالبين 428:3.
2- العزيز شرح الوجيز 86:5، روضة الطالبين 428:3.
3- العزيز شرح الوجيز 86:5، روضة الطالبين 428:3.

و إن كان معلومَ القدر و الصفة - كالدراهم و الدنانير إذا ضُبطت في الحكومة - جاز الصلح عنها، و جاز بيعها ممّن عليه.

و إن كان معلومَ القدر دون الصفة علي الحدّ المعتبر في السَّلَم كالإبل الواجبة في الدية، ففي جواز الاعتياض عنها بلفظ الصلح و بلفظ البيع جميعاً للشافعيّة قولان:

أحدهما: الصحّة، كما لو اشتري عيناً و لا يعرف صفاتها.

و أظهرهما عندهم: المنع، كما لو أسلم في شيءٍ غير موصوفٍ(1).

هذا حكم الجراح الذي لا يوجب القود، و إن أوجبه إمّا في النفس أو فيما دونها، فالصلح عنها مبنيّ عندهم علي الخلاف في أنّ مُوجَبَ العمد القصاصُ أو أحدُ الأمرين ؟ و سيأتي إن شاء اللّه تعالي(2).

مسألة 1025: لا يشترط عندنا سبق الخصومة في الصلح؛

لأصالة الصحّة، فلو كان لواحدٍ ملكٌ فقال له غيره: بِعْني ملكك بكذا، فباعه، صحّ البيع إجماعاً.

و لو قال له: صالحني عنه بألف، ففَعَل، صحّ عندنا؛ لأنّ الصلح عقد مستقلّ بنفسه.

و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لأنّ مثل هذا الصلح معاوضة، و لا فرق بين أن يعقده بلفظ الصلح أو بلفظ البيع.

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ لفظ الصلح إنّما يُستعمل و يُطلق إذا سبقت الخصومة(3).3.

ص: 11


1- العزيز شرح الوجيز 86:5، روضة الطالبين 429:3-430.
2- العزيز شرح الوجيز 86:5، روضة الطالبين 430:3.
3- العزيز شرح الوجيز 87:5، روضة الطالبين 429:3.

و هو ممنوع، و لا عبرة باللفظ.

هذا إذا أطلقا لفظ الصلح و لم ينويا شيئاً، أمّا إذا استعملا و نويا البيع، فإنّه يكون كنايةً قطعاً، و يكون عند الشافعيّة مبنيّاً علي الخلاف المشهور في انعقاد البيع بالكنايات(1).

و عندنا الأصل عصمة مال الغير، و عدم الانتقال عنه بالكناية.

مسألة 1026: لو صالح الإمام أهلَ الحرب من أموالهم علي شيءٍ يأخذه منهم، جاز،

و لا يقوم البيع مقامه، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و اعترض بعضهم: بأنّ هذا الصلح ليس عن أموالهم، و إنّما يصالحهم و يأخذه منهم للكفّ عن دمائهم و أموالهم(1).

و هذا الكلام ساقط عندنا؛ لأنّ الصلح عقد مستقلٌّ بنفسه علي ما تقدّم(2).

النوع الثاني: الصلح عن الدَّيْن.

و هو قسمان:

[القسم الأول] صلح معاوضةٍ،

و هو الجاري علي ما يغاير الدَّيْن المدّعي، كما لو صالحه علي الدَّيْن الذي له عليه بعبدٍ أو ثوبٍ أو شبهه.

و هو صحيح عندنا مطلقاً، سواء وقع الصلح علي بعض أموال الربا الموافق في العلّة أو المخالف، أو علي غيره.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 87:5-88، روضة الطالبين 429:3.
2- في ص 6، المسألة 1022.

و لا يشترط التقابض في المجلس. و لا يشترط تعيينه في عقد الصلح علي أصحّ الوجهين عندهم(1).

و إن لم يكن العوضان كذلك، فإن كان العوض عيناً صحّ الصلح.

و لا يشترط قبضه في المجلس في أصحّ الوجهين عندهم(2)، لكن يشترط التعيين في المجلس، و لا يشترط القبض بعد التعيين في أصحّ الوجهين(3).

و كلّ ذلك آتٍ في بيع الدَّيْن ممّن عليه الدَّيْن.

القسم الثاني: صلح الحطيطة،

و هو الجاري علي بعض الدَّيْن المدّعي، و هو إبراء عن بعض الدَّيْن.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يأتي بلفظ الإبراء أو ما يشبهه، مثل أن يقول:

أبرأتك عن خمسمائة من الألف الذي لي عليك و صالحتك علي الباقي، فإنّه يصحّ قطعاً، و يكون إبراءً، و تبرأ ذمّة المديون عمّا أبرأه منه.

و هل يشترط القبول ؟ الأقرب عندي: عدم الاشتراط، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4).

و لهم وجهٌ آخَر بعيد مطّرد في كلّ إبراءٍ(5).

و لا يشترط قبض الباقي في المجلس.

و إمّا أن لا يأتي بلفظ الإبراء، و يقتصر علي لفظ الصلح، فيقول:

صالحتك عن الألف التي لي في ذمّتك علي خمسمائة، صحّ عندنا أيضاً.

و للشافعيّة وجهان كما تقدّم في صلح الحطيطة في العين.

و الأصحّ عندهم: الصحّة(6).

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 88:5، روضة الطالبين 430:3.
2- العزيز شرح الوجيز 88:5، روضة الطالبين 430:3.
3- العزيز شرح الوجيز 88:5، روضة الطالبين 430:3.
4- العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 430:3.
5- العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 430:3.
6- العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 430:3.

و هل يشترط القبول ؟ إشكال ينشأ: من كونه عقداً مستقلّاً، و من كونه في معني الإبراء.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن له عليه الدَّيْن: وهبته منك.

و الأظهر عندهم: الاشتراط؛ لاقتضاء وضع اللفظ ذلك(1).

و لو صالح منه علي خمسمائة معيّنة، فللشافعيّة الوجهان(2).

و اختار الجويني هنا الفسادَ؛ لأنّ تعيّن الخمسمائة يقتضي كونها عوضاً و كون العقد معاوضةً، فيصير كأنّه قد باع الألف بنصفها، و هو ربا(3).

و هو ممنوع؛ لأنّ الصلح علي البعض المعيّن إبراءٌ للبعض و استيفاءٌ للباقي، و لا يصحّ هذا الضرب بلفظ البيع، كما في نظيره من الصلح علي العين؛ لأنّه ربا محقّق.

مسألة 1027: يصحّ الصلح علي الأعيان المتماثلة جنساً و وصفاً،
اشارة

سواء كانت ربويّةً أو لا، و سواء تفاوتت في المقدار أو الحلول أو التأجيل، أو لا، عندنا؛ لما تقدّم(2) من كون الصلح عقداً مستقلّاً بنفسه ليس يجب أن تتبعه لواحق البيع.

فلو كان له ألف مؤجَّلة علي غيره، فصالحه منها علي ألفٍ حالّ، أو بالعكس، صحّ؛ لما مهّدناه من القاعدة.

و قالت الشافعيّة: لو صالح عن ألفٍ حالّ علي ألفٍ مؤجَّل، أو من ألفٍ مؤجَّل علي ألفٍ حالّ، كان لغواً؛ لأنّ الأوّل وَعْدٌ من صاحب الدَّيْن

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 430:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 431:3.
2- في ص 6، المسألة 1022.

بإلحاق الأجل، و الثاني وَعْدٌ من المديون بإسقاط الأجل، و الأجل لا يلحق و لا يسقط(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه مبنيّ علي عدم استقلال عقد الصلح بنفسه.

أمّا لو عجّل المديون الدَّيْنَ المؤجَّل و دفعه إلي صاحبه، لم يجب علي المالك القبولُ، فإن قَبِل و رضي بالدفع سقط الأجل إجماعاً؛ لحصول الإيفاء و الاستيفاء.

و كذا البحث في الصحيحة و المكسّرة.

و لو صالح عن ألفٍ مؤجَّل علي خمسمائة حالّة، صحّ عندنا؛ عملاً بالأصل.

و بما رواه أبان بن عثمان عمّن حدّثه عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يكون له علي الرجل الدَّيْن، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل:

عجِّل لي النصفَ من حقّي علي أن أضع عنك النصفَ، أ يحلّ ذلك لواحدٍ منهما؟ قال: «نعم»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، و عن الحلبي عن الصادق عليه السلام أنّهما قالا في الرجل يكون عليه الدَّيْن إلي أجل مسمّي، فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي عليك كذا و أضع عنك بقيّته، أو يقول:

أنقدني بعضاً و أمدُّ لك في الأجل فيما بقي، قال: «لا أري به بأساً ما لم يزد علي رأس ماله شيئاً، يقول اللّه [عزّ و جلّ]:«فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ» (3)»(4).6.

ص: 15


1- الوسيط 50:4، العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 431:3.
2- الكافي 258:5-3/259، التهذيب 474/206:6.
3- البقرة: 279.
4- التهذيب 475/207:6.

و قال الشافعي: لا يصحّ الصلح عن ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة؛ لأنّه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي، و الصفة بانفرادها لا تُقابَل بالعوض، ثمّ صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجَّل، فإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول(1).

و نحن نمنع ذلك؛ لعدم اتّحاد المالين بالشخص. و نمنع عدم التحاق صفة الحلول بالمال المؤجَّل في صورة النزاع؛ لأنّ الصلح عقد أثره ذلك.

فروع:

أ - لو صالحه عن ألفٍ حالّ بألفين مؤجَّلة، أو عن ألفٍ مؤجَّلة إلي سنةٍ بألفين مؤجَّلة إلي سنتين، لم يجز؛

عملاً بحديث الباقر و الصادق عليهما السلام، و قد سبق(2).

ب - لو صالح عن ألفٍ حالّ علي خمسمائة مؤجَّلة، جاز؛

لأنّه يتضمّن الإبراء، و لزم الصلح و الأجل؛ عملاً بالشرط.

و قالت الشافعيّة: إنّ هذا الصلح ليس فيه [شائبة](3) المعاوضة، و إنّما هو مسامحة من وجهين: حطِّ بعض القدر، و هو سائغ، فيبرأ عن خمسمائة، و وعدٍ بالأجل، و هو غير لازمٍ، فله أن يطالبه بالباقي الحالّ(4).

و قد بيّنّا فساده.

ج - لو صالحه عن الدراهم بالدنانير أو بالدراهم، لم يكن ذلك صَرفاً

ص: 16


1- الوجيز 178:1، الوسيط 51:4، التهذيب - للبغوي - 144:4، العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 431:3.
2- في ص 15.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سابقة». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 431:3.

عندنا، فلا يشترط فيه ما يشترط في الصَّرف، خلافاً للشافعي(1).

البحث الثاني: في الأركان.
مسألة 1028: أركان الصلح أربعة: المتصالحان، و المصالَح عليه، و المصالَح عنه.

أمّا المتصالحان فيشترط فيهما الكماليّة بأن يكون كلّ واحدٍ منهما بالغاً عاقلاً رشيداً جائزَ التصرّف فيما وقع الصلح عليه إجماعاً.

و أمّا المصالَح عليه و المصالَح عنه فيشترط فيهما التملّك، فلو تصالحا علي خمر أو خنزير أو استرقاق حُرٍّ أو استباحة بُضْعٍ لم يقع، و لم يفد العقد شيئاً، بل يقع باطلاً بلا خلافٍ.

و كذا يبطل لو صالحه علي مال غيره؛ لعدم الملكيّة بالنسبة إليهما.

مسألة 1029: لا يشترط العلم بما يقع الصلح عنه لا قدراً و لا جنساً،

بل يصحّ الصلح، سواء علما قدر ما تنازعا عليه و جنسه أو جهلاه، دَيْناً كان أو عيناً، و سواء كان أرشاً أو غيره، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - لعموم قوله تعالي:«وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» (3).

و عمومِ قوله عليه السلام: «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً

ص: 17


1- الأُم 227:3، الحاوي الكبير 367:6، التهذيب - للبغوي - 143:4، البيان 224:6.
2- التهذيب - للبغوي - 143:4، البيان 225:6، العزيز شرح الوجيز 88:5، المغني 25:5، الشرح الكبير 9:5.
3- النساء: 128.

أو حرّم حلالاً»(1)تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (3).(2).

و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال في رجلين اختصما في مواريث درست بينهما:

«و توخّيا، و ليحلّل أحدكما صاحبه» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «الصلح جائز بين الناس»(3).

و قول الباقر و الصادق عليهما السلام في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ [واحدٍ] منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي: «لا بأس بذلك إذا تراضيا» و قد تقدّم(4).

و لأنّ مَنْ عليه حقٌّ يجهل قدره هو و مالكه و يريد إبراء ذمّته و الخلاص من ذلك الحقّ الذي هو أمر مطلوب للعقلاء، وجب أن يكون له طريق إلي ذلك، و لا طريق إلّا الصلح، فوجب أن يكون سائغاً، و إلّا لزم الحرج و الضيق في الأحكام، و هو منفيّ شرعاً.

و لأنّ الصلح إسقاطٌ، فيصحّ في المجهول، كالطلاق.

و لأنّه إذا صحّ الصلح مع العلم و إمكان أداء الحقّ بعينه فلأن يصحّ مع الجهل أولي.

و لأنّه إذا كان معلوماً، فلهما طريق إلي التخلّص و براءة ذمّة أحدهما دون صاحبه بدون الصلح، و مع الجهل لا يمكن ذلك، فلو لم يجز الصلح).

ص: 18


1- تقدّم تخريجه في الهامش
2- من ص 5.
3- سنن البيهقي 66:6، المغني 26:5، الشرح الكبير 9:5.
4- في ص 6 مع تخريجه في الهامش (4).

أفضي إلي ضياع المال علي تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كلّ واحدٍ منهما قدر حقّه.

و قال الشافعي: لا يصحّ الصلح عن المجهول، فلو ادّعي مالاً مجهولاً فأقرّ المدّعي عليه به و صالحه عليه، لم يصح الصلح؛ لأنّ ذلك نوع معاوضةٍ، و لهذا تثبت في الشقص الشفعة فيه، فلم يصح في المجهول، كالبيع، و لأنّ المُصالَح عليه يجب أن يكون معلوماً، فكذا المُصالَح عنه قياساً(1).

و هو ممنوع.

مسألة 1030: يشترط في صحّة الصلح الرضا من المتصالحين،

فلا يقع مع الإكراه، عند علمائنا كافّة، كغيره من العقود؛ لقوله تعالي:«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» (2).

و من صُور الإكراه ما لو كان علي غيره حقٌّ ماليّ، فأنكره المديون ظاهراً، فصالحه علي بعضه أو علي غيره توصّلاً إلي أخذ بعض حقّه، لم يصح الصلح، و لم يتمّ إبراء ذمّة المديون من الحقّ الذي عليه، سواء عرف المالك قدر حقّه أو لا، و سواء ابتدأ المالك بطلب الصلح عن حقّه المعلوم أو المجهول أو لا.

و لا يفيد مثل هذا الصلح ملكاً للآخَر، إلّا أن يحصل الرضا الباطن.

و كذا لو كان عليه حقٌّ غير معلوم القدر للمالك، فصالح المديون مالكه علي شيءٍ، لم يكن إبراءً للمديون، إلّا أن يُعلمه بقدره و يرضي

ص: 19


1- الحاوي الكبير 368:6-369، التنبيه: 103-104، البيان 225:6، المغني 26:5، الشرح الكبير 9:5.
2- النساء: 29.

باطناً، أو يرضي باطناً بالصلح عن أيّ مقدارٍ كان أُوقع عليه عقد الصلح؛ لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام، قلت له: رجل يهوديّ أو نصرانيّ كانت له عندي وديعة أربعة آلاف درهم فمات أ يجوز لي أن أُصالح ورثته و لا أُعلمهم كم كان ؟ قال: «لا يجوز حتي تُخبرهم»(1).

و لأنّ ذلك أكل مال الغير بالباطل، فيدخل تحت النهي، و مع الرضا بأيّ مقدارٍ كان يكون سائغاً.

القسم الثاني من الصلح، و هو الواقع بين المدّعي و الأجنبيّ.
مسألة 1031: الصلح الواقع بين المدّعي و الأجنبيّ إمّا أن يقع مع إقرار المدّعي عليه ظاهراً أو مع إنكاره.

أمّا الأوّل فإمّا أن يكون المدّعي به عيناً أو دَيْناً.

فإن كان عيناً بأن ادّعي داراً أو عبداً أو ثوباً أو غير ذلك من الأعيان في يد غيره، فصدّقه المتشبّث، فجاء الأجنبيّ و قال: إنّ المدّعي عليه قد وكّلني في مصالحتك له علي نصف المدّعي أو علي هذه العين الأُخري من مال المدّعي عليه، فصالحه علي ذلك، جاز؛ لعموم قوله تعالي:«وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» (2).

و قوله عليه السلام: «الصلح جائز بين المسلمين»(3).

و كذا لو قال الأجنبيّ: إنّه وكّلني علي مصالحتك عنه علي عشرة دنانير في ذمّته.

ص: 20


1- الكافي 6/259:5، الفقيه 54/21:3، التهذيب 472/206:6 بتفاوت.
2- النساء: 128.
3- سنن ابن ماجة 2353/788:2، سنن أبي داوُد 3594/304:3، سنن الترمذي 634:3-1352/635، سنن الدارقطني 97/27:3، سنن البيهقي 65:6، مسند أحمد 8566/54:3، المستدرك - للحاكم - 101:4.

ثمّ إن كان صادقاً في الوكالة، انتقل المدّعي به إلي المدّعي عليه، و إلّا كان حكمه حكمَ شراء الفضولي.

و إن قال: أمرني بالمصالحة له علي هذا العبد من ملكي، فصالحه عليه، فهو بمنزلة ما لو اشتري لغيره بمال نفسه بإذن ذلك الغير، و قد سبق(1) الخلاف فيه، فإن قلنا بالصحّة فالذي يدفعه قرض أو هبة.

أمّا لو صالح الأجنبيّ لنفسه بمالٍ له إمّا عن دَيْنٍ في ذمّته أو عينٍ لنفسه، صحّ، كما لو [اشتراه](2) و هو الأظهر عند الشافعيّة(3).

و عند بعضهم وجهان، كما لو قال ابتداءً لغيره من غير سَبْق دعوي و جواب: صالحني من دارك هذه علي ألف؛ لأنّه لم يَجْر مع الأجنبيّ خصومة فيه، و هذه الصورة أولي بالصحّة حيث ترتّب اللفظ علي دعوي و جواب، فيكتفي به في استعمال لفظ الصلح(4).

و إن كان المدّعي به دَيْناً و قال: وكّلني المدّعي عليه بمصالحتك علي نصفه أو علي هذا الثوب و هو ملكه أو ملكي، صحّ عندنا، و يسقط الدَّيْن، كما لو ضمن دَيْناً و أدّي عنه عوضاً، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني:

لا يصحّ؛ لأنّه يبيع شيئاً بدَيْن الغير(5).

و لو صالح لنفسه علي عينٍ أو دَيْنٍ في ذمّته، فهو بمنزلة ابتياع دَيْنٍ في ذمّة الغير، و قد سبق.

و أمّا الثاني - و هو أن يقع الصلح مع إنكار المدّعي عليه ظاهراً - فإذا3.

ص: 21


1- في ج 10، ص 218، الفرع «ج» من المسألة 110.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبرأه». و الظاهر ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين». (3-5) العزيز شرح الوجيز 93:5، روضة الطالبين 435:3.

جاء الأجنبيّ و قال: أقرّ المدّعي عليه عندي و وكّلني في مصالحتك له إلّا أنّه لا يُظهر إقراره خيفة أن تنتزعه منه، فصالحه، صحّ؛ لأنّ قول الإنسان في دعوي الوكالة مقبول في البيع و الشراء و سائر المعاملات.

و إن قال الأجنبيّ: هو منكر، لكنّه مبطل في الإنكار، فصالحني له علي عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما، صحّ عندنا؛ لأنّ الأصل الصحّة، و الصلح علي الإنكار عندنا جائز.

و للشافعيّة وجهان:

أظهرهما علي ما قاله الجويني: البطلان؛ لأنّه صلح واقع لمنكر، و الصلح علي الإنكار عندهم باطل.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّ العقد منوط بالمتعاقدين، و هُما متوافقان، و الاعتبار في شرائط العقد بمَنْ يباشره(1).

هذا إذا كان المدّعي عيناً، فإن كان دَيْناً صحّ عندنا أيضاً.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه علي الوجهين.

و أصحّهما عندهم: القطع بالصحّة، و الفرق: إنّه لا يمكن تمليك الغير عين مالٍ بغير إذنه، و يمكن قضاء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه(2).

و إن قال الأجنبيّ: إنّه منكر و أنا لا أعلم أيضاً صدقك، و صالحه مع ذلك، صحّ عندنا، خلافاً للشافعيّة؛ فإنّهم قالوا: لا يصحّ الصلح، سواء كان المصالَح عليه له أو للمدّعي عليه، كما لو جري الصلح مع المدّعي عليه و هو منكر(3).

ص: 22


1- العزيز شرح الوجيز 93:5، روضة الطالبين 436:3.
2- العزيز شرح الوجيز 93:5، روضة الطالبين 436:3.
3- العزيز شرح الوجيز 93:5، روضة الطالبين 436:3.

و إن قال: هو منكر و لكنّه مبطل في إنكاره فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بعشرة في ذمّتي لآخذ منه، فإن كان المدّعي دَيْناً صحّ عندنا، و كذا إن كان عيناً.

و قالت الشافعيّة: إن كان المدّعي دَيْناً فهو ابتياع دَيْنٍ في ذمّة الغير، و إن كان عيناً فهو شراء غير الغاصب المغصوبَ، فيُنظر في قدرته علي الانتزاع و عجزه، و قد سبق حكمهما في أوّل البيع(1).

فلو صالح و قال: أنا قادر علي الانتزاع، فلهم وجهان:

أظهرهما: إنّه يصحّ العقد؛ اكتفاءً بقوله.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّ الملك في الظاهر للمدّعي عليه، و هو عاجز عن انتزاعه(2).

و قيل بالتفصيل فيقال: إن كان الأجنبيّ كاذباً، فالعقد باطل باطناً، و في مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان. و إن كان صادقاً، حُكم بصحّة العقد باطناً، و قُطع بمؤاخذته، لكن لا تُزال يد المدّعي عليه إلّا بحجّةٍ(3).

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 436:3.
2- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 436:3.
3- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 436:3.

ص: 24

الفصل الثاني: في الأحكام
مسألة 1032: يصحّ الصلح علي الإقرار و الإنكار معاً،

سواء كان المدّعي به دَيْناً أو عيناً، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(1) - لعموم قوله تعالي:«وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» (2) و عمومِ ما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «الصلح جائز بين المسلمين»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حفص بن البختري - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «الصلح جائز بين الناس»(4).

و لأنّه سبب لإسقاط الخصومة، فجاز مع الإنكار، كالإبراء و الصلح مع الأجنبيّ.

و لأنّ الصلح وُضع لقطع التنازع، و هو إنّما يتحقّق مع المخالفة بين المتداعيين بأن يُنكر أحدهما ما ادّعاه الآخَر، فلو لم يسمع صلح الإنكار

ص: 25


1- المبسوط - للسرخسي - 139:20، تحفة الفقهاء 249:3، بدائع الصنائع 40:6، الهداية - للمرغيناني - 192:3، الاختيار لتعليل المختار 6:3، النتف 504:1، مختصر اختلاف العلماء 1887/195:4، الفقه النافع 1014/1265:3، المدوّنة الكبري 374:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1001/596:2، عيون المجالس 1651:4-1165/1652، بداية المجتهد 293:2-294، التلقين: 430، المعونة 1191:2، الذخيرة 351:5، المغني و الشرح الكبير 10:5، الحاوي الكبير 369:6، حلية العلماء 10:5، التهذيب - للبغوي - 145:4، البيان 226:6، العزيز شرح الوجيز 90:5.
2- النساء: 128.
3- تقدّم تخريجه في ص 20، الهامش (3).
4- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (3).

انتفت أعظم فوائد الصلح.

و قال الشافعي: لا يصحّ الصلح علي الإنكار، و إنّما يصحّ الصلح علي الإقرار خاصّةً - و صورة الإنكار أن يدّعي رجل علي رجلٍ آخَر دَيْناً أو عيناً، فينكر المدّعي عليه فيصالحه علي ثوبٍ أو دَيْنٍ أو بعض المدّعي أو غير ذلك - لأنّه عاوض علي ما لم يثبت له، فلم تصحّ المعاوضة، كما لو باع مال غيره، و بالقياس علي ما إذا أنكر الخلع أو الكتابة ثمّ تصالحا علي شيءٍ(1).

و نمنع بطلان المعاوضة علي ما لم يثبت بالصلح؛ فإنّه المتنازع، بخلاف ما لو باع مال غيره؛ لأنّ ذلك تصرّفٌ في مال الغير بغير إذنه، حتي إنّه لو أجاز الغير صحّ البيع، و الرضا بالصلح رضا بالتصرّف. و القياس عندنا باطل، فلا يكون حجّةً علينا، علي أنّا نمنع الحكم في الأصل.

مسألة 1033: إذا ادّعي عليه حقّاً دَيْناً أو عيناً، فقال المدّعي عليه:

صالحني علي كذا إمّا بعضه أو غيره، لم يكن ذلك إقراراً منه،

و هو ظاهر عندنا؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الصلح يصحّ مع الإنكار، كما يصحّ مع الإقرار.

و أمّا الشافعي فإنّه قال: إذا قال المدّعي عليه: صالحني مطلقاً، أو

ص: 26


1- الأُم 221:3، مختصر المزني: 105-106، الحاوي الكبير 369:6-370، المهذّب - للشيرازي - 340:1، الوجيز 178:1، الوسيط 51:4، حلية العلماء 9:5، التهذيب - للبغوي - 145:4، البيان 225:6 و 226، العزيز شرح الوجيز 90:5-91، روضة الطالبين 432:3-433، المبسوط - للسرخسي - 139:20، تحفة الفقهاء 249:3، بدائع الصنائع 40:6، الهداية - للمرغيناني - 192:3، النتف 504:1، مختصر اختلاف العلماء 1887/195:4، الفقه النافع 1014/1265:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1001/596:2، عيون المجالس 1165/1652:4، بداية المجتهد 294:2، المعونة 1191:2، الذخيرة 351:5، المغني و الشرح الكبير 10:5.

صالحني عن دعواك الكاذبة، أو صالحني عن دعواك، فإنّه لا يكون إقراراً؛ لأنّه ربما يريد قطع الخصومة، بل الصلح عن الدعوي لا يصحّ مع الإقرار أيضاً؛ لأنّ مجرّد الدعوي لا يعتاض عنه(1).

و لو قال بعد الإنكار: صالحني عن الدار التي ادّعيتها، فوجهان للشافعيّة:

أحدهما: إنّه إقرار؛ لأنّه طلب منه التمليك، و ذلك يتضمّن الاعتراف بالملك، فصار كما لو قال: ملّكني.

و أصحّهما عندهم: إنّه ليس بإقرارٍ؛ لأنّ الصلح في الوضع هو الرجوع إلي الموافقة و قطع الخصومة، فيجوز أن يكون المراد قطع الخصومة في المدّعي لا غير، فعلي هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحاً علي الإنكار(2).

و إن قال: بعنيها، أو هَبْها منّي، فالمشهور: إنّه إقرار؛ لأنّه صريح في التماس التمليك.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه كقوله: صالحني(3).

و الوجه: الفرق.

و في معناه إذا كان التنازع في جاريةٍ و قال: زوّجنيها.

و لو قال: أجرني أو أعِرْني، فأولي أن لا يكون إقراراً.

و لو كان التنازع في دَيْنٍ و قال: أبرئني، فهو إقرار.

و لو أبرأ المدّعي المدّعي عليه و هو منكر و قلنا: لا يفتقر الإبراء إلي3.

ص: 27


1- الحاوي الكبير 372:6، المهذّب - للشيرازي - 341:1، التهذيب - للبغوي - 145:4، البيان 230:6، العزيز شرح الوجيز 91:5، روضة الطالبين 433:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 91:5، روضة الطالبين 433:3.

القبول، صحّ الإبراء، بخلاف الصلح؛ لأنّه مستقلٌّ بالإبراء(1) ، فلا حاجة فيه إلي تصديق الغير، و لهذا لو أبرأه بعد التحليف صحّ، و لو تصالحا بعد التحليف لم يصح عندهم(2).

مسألة 1034: لو ادّعي العين في يد الغير فأنكر الغير دعواه،

فصالحه علي بعض تلك العين المدّعاة - و هو صلح الحطيطة في العين - صحّ عندنا؛ لما بيّنّا من صحّة الصلح علي الإنكار.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه صحيح - و به قال القفّال - لاتّفاق المتصالحين علي أنّ النصف مستحقٌّ للمدّعي، أمّا المدّعي فإنّه يزعم استحقاق الجميع، و أمّا المدّعي عليه فإنّه يسلّم النصف له بحكم هبته منه و تسليمه إليه، فإذَنْ الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق.

و الثاني - و به قال أكثر الشافعيّة -: إنّه باطل، كما كان علي غير المدّعي، قالوا: و مهما اختلف القابض و الدافع في الجهة، فالقول قول الدافع، كما لو دفع المديون دراهم إلي صاحب الدَّيْن و قال: دفعتُها عن دَيْن الرهن، و قال القابض: بل دفعتَها عن دَيْن غيره، قُدّم قول الدافع مع اليمين(3).

و لو دفع إلي زوجته دراهم ثمّ اختلفا، فادّعي الزوج أنّه دفعها عن الصداق، و قالت: بل دفعتَها عن دَيْنٍ أو هبةٍ، قُدّم قول الدافع، و إذا كان كذلك فالدافع يقول: إنّما بذلتُ النصف لدفع الأذي حتي لا ترفعني إلي القاضي و لا تقيم علَيَّ بيّنةَ زورٍ.

ص: 28


1- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «في نفسه» بدل «بالإبراء». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 91:5، روضة الطالبين 434:3.
مسألة 1035: لو ادّعي عليه دَيْناً و تصالحا علي بعضه بعد الإنكار، صحّ عندنا،

و لزمه ما وقع الصلح عليه خاصّةً، و سقط عنه الباقي؛ للأصل.

و لما رواه عمر بن يزيد أنّه سأل الصادقَ عليه السلام عن رجلٍ ضمن ضماناً ثمّ صالح علي بعض ما صالح عليه، قال: «ليس له إلّا الذي صالح عليه»(1).

و قال الشافعي: يُنظر إن صالحه من ألف علي خمسمائة - مثلاً - في الذمّة، لم يصح؛ لأنّ التصحيح بتقدير الهبة، و إيراد الهبة علي ما في الذمّة ممتنع، و إن أحضر خمسمائة و تصالحا من المدّعي عليها، فهو مرتّب علي صلح الحطيطة في العين، إن لم يصح ذلك فهذا أولي، و إن صحّ ففيه وجهان. و الفرق أنّ ما في الذمّة ليس ذلك المعيّن المُحضَر، ففي الصلح عليه [معني](2) المعاوضة، و لا يمكن تصحيحه معاوضةً مع الإنكار عندهم(3).

و اتّفق القائلون علي أنّ وجه البطلان هنا أرجح(4).

و كلّ هذا عندنا باطل؛ لما بيّنّا من جواز الصلح علي الإنكار، و جوازه علي الإقرار.

مسألة 1036: لو تصالحا ثمّ اختلفا في أنّهما تصالحا علي الإنكار أو علي الإقرار، لم يكن لذلك الاختلاف عندنا فائدة؛

لصحّة الصلح في الموضعين.

أمّا الشافعيّة القائلون بصحّته علي الإقرار و بطلانه علي الإنكار، فقال

ص: 29


1- التهذيب 473/206:6.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 92:5، روضة الطالبين 434:3.
4- العزيز شرح الوجيز 92:5.

القاضي ابن كج منهم: إنّ القول قول مَنْ يدّعي الإنكار؛ لأنّ الأصل عدم العقد(1).

و المعتمد بناء ذلك علي الخلاف السابق في نزاع المتعاقدين في أنّ العقد الواقع بينهما هل كان صحيحاً أو فاسداً؟

مسألة 1037: لو قال أحد الوارثين لصاحبه: تركتُ نصيبي من التركة إليك، فقال: قبلتُ، لم يصح ذلك؛

لأنّ ذلك ليس من ألفاظ العقود الناقلة، و يبقي حقّه كما كان؛ لأنّها إن كانت أعياناً فلا بدّ فيها من إيجابٍ و قبولٍ مقتضيان للتمليك، و إن كان فيها دَيْنٌ فلا بدّ من إبراءٍ.

و لو قال: صالحتك من نصيبي علي هذا الثوب، فقال: قبلتُ، صحّ العقد و لزم.

و قالت الشافعيّة: إن كانت التركة أعياناً فهو صلح عن العين، و إن كانت ديوناً عليه فهو صلح عن الدَّيْن، و إن كانت علي سائر الناس فهو بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن، و قد سبق حكم ذلك. و هو بناء منهم علي أنّ الصلح فرع علي غيره.

و لو كان في التركة عينٌ و دَيْنٌ، فإن كانت ديوناً عليه فصلحٌ عن الدَّيْن، و إن كانت علي سائر الناس فهو بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن.

و إن كان فيها عينٌ و دَيْنٌ علي الغير و لم يجوّزوا بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن، فالصلح عندهم باطل في الدَّيْن، و أمّا في العين فقولان عندهم مبنيّان علي قولَي تفريق الصفقة(2).

و عندنا أنّ ذلك غير جائزٍ، و أنّ الصلح ليس فرع غيره.

ص: 30


1- العزيز شرح الوجيز 92:5، روضة الطالبين 434:3.
2- العزيز شرح الوجيز 89:5-90، روضة الطالبين 431:3.
مسألة 1038: لا يشترط في الصلح عن الأثمان ما يشترط في بيع الأثمان عندنا؛

لأنّ الصلح قد بيّنّا أنّه عقد مستقلٌّ بنفسه، فلو كان في يد غيره ألف درهم و خمسون ديناراً فصالحه منه علي ألف درهم، صحّ عندنا.

و قال الشافعي: لا يجوز(1).

و كذا لو مات عن ابنين و التركة ألفا درهم و مائة دينار و هي في يد أحدهما، فصالحه الآخَر من نصيبه علي ألفي درهم.

و لو كان المبلغ دَيْناً في ذمّة غيره فصالحه علي ألفي درهم، يجوز عنده أيضاً.

و الفرق: إنّه إذا كان الحقّ في الذمّة فلا ضرورة إلي تقدير المعاوضة فيه، فيجعل مستوفياً لأحد الألفين معتاضاً بالآخَر عن الدنانير، و إذا كان معيّناً كان الصلح عنه اعتياضاً، فكأنّه باع ألف درهم و خمسين ديناراً بألفي درهم، و هو من صُور مُدّ عَجْوة(2).

و هذه التفريعات عندنا باطلة؛ لأنّ صورة مُدّ عجوة عندنا جائزة، و الصلح علي الإنكار جائز، و ليس الصلح عندنا فرعَ البيع.

مسألة 1039: قد بيّنّا أنّه إذا قال المدّعي عليه المنكر: صالحني علي كذا، لم يكن إقراراً منه؛

لأنّ الصلح قد يراد به تارةً المعاوضة، و تارةً قطع الدعوي و الخصومة، و إذا احتملهما لم يُحمل علي الإقرار.

و لو قال: ملّكني هذا بكذا، كان إقراراً؛ لأنّ في ذلك اعترافاً بأنّه ملكه.

و لو قال: بِعْني، قال بعض الشافعيّة: لا يكون إقراراً، و يكون بمنزلة

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 90:5، روضة الطالبين 431:3.
2- روضة الطالبين 431:3-432، و انظر العزيز شرح الوجيز 90:5.

قوله: صالحني؛ لأنّ الصلح و البيع عند الشافعيّة واحد(1).

و قال الباقون: إنّه يكون إقراراً بمنزلة قوله: ملّكني(2). و هو المعتمد عندنا، و به قال أبو حنيفة(1) ؛ لأنّ البيع لا يصحّ إلّا فيما يصحّ تمليكه، فهو بمنزلة قوله: ملّكني.

مسألة 1040: لو ادّعي داراً في يده، فأنكر المتشبّث دعواه، فتصالحا علي أن يسكنها المدّعي سنةً، صحّ،

و كان صلحاً قائماً بنفسه، و ليس فرعاً علي غيره.

و قال الشافعي: إنّه فرع العارية، بل هو عين العارية للدار منه يرجع فيها متي شاء، و ليس بمعاوضةٍ؛ لأنّ الرقبة و المنافع ملكه، و محالٌ أن يعتاض بملكه عن ملكه(4).

و هذا علي تقدير أن يقع الصلح مع الاعتراف.

إذا ثبت هذا، فإن رجع عن العارية لم يستحق أُجرة المدّة التي مضت، كما هو قضيّة العارية عند أكثر الشافعيّة(5).

و نقل بعضهم وجهاً: إنّه يستحقّ؛ لأنّه جعل سكني الدار في مقابلة رفع اليد عنها، و أنّه عوضٌ فاسدٌ، فيرجع إلي أُجرة المثل(6).

و لو صالحه علي أن يسكنها سنةً بمنفعة عبدٍ سنةً، فهو كما لو آجر داره سنةً بمنفعة عبدٍ سنةً.

مسألة 1041: قد بيّنّا أنّ الصلح عقد قائم بنفسه،

فلو صالحه عن الزرع

ص: 32


1- حلية العلماء 10:5، البيان 231:6. (4-6) العزيز شرح الوجيز 90:5، روضة الطالبين 432:3.

الأخضر بشيءٍ صحّ، سواء شرط القطع أم لا.

و قال الشافعي: يصحّ بشرط القطع، و لو لم يشترطه لم يجز(1).

و لو كان الصلح عن الزرع مع الأرض جاز، و لم يحتج إلي شرط القطع عنده في أصحّ الوجهين(2).

و لو وجد المتنازع ثمّ أقرّ المدّعي عليه و تصالحا عنه علي شيءٍ، جاز عندنا، سواء شرطا القطع أو لا.

و قال الشافعي: لا يجوز، سواء شرطا القطع أو لا، كما لو باع نصف الزرع مشاعاً، لا يجوز، شرط القطع أو لم يشرطه(3).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 1042: لو ادّعي علي ورثة الميّت داراً من تركته و زعم أنّ الميّت غصبها منه، فصالحهم عنها، جاز الصلح،

سواء أقرّوا له أو لا؛ لما تقدّم من جواز الصلح عندنا مع الإقرار و الإنكار.

و شرط الشافعيّة في جواز الصلح اعترافهم له بدعواه، فإذا اعترفوا و دفعوا إلي واحدٍ منهم ثوباً مشتركاً بينهم ليصالح عليه جاز، و كان عاقداً لنفسه، و وكيلاً عن باقي الورثة(4).

و لو قالوا لواحدٍ: صالِحْه عنّا علي ثوبك، فصالَح عنهم، فإن لم يُسمّهم في الصلح وقع الصلح عنه، و إن سمّاهم وقع عنهم.

ص: 33


1- بحر المذهب 47:8، البيان 251:6، العزيز شرح الوجيز 90:5، روضة الطالبين 432:3.
2- بحر المذهب 47:8، البيان 251:6-252، العزيز شرح الوجيز 90:5، روضة الطالبين 432:3.
3- العزيز شرح الوجيز 90:5، روضة الطالبين 432:3.
4- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 436:3.

و للشافعيّة وجهان في أنّ التسمية هل تُلغي أم لا؟ فإن لم تَلغ، فالصلح يقع عنهم(1).

و هل يكون الثوب هبةً لهم أو قرضاً عليهم ؟ للشافعيّة وجهان(2).

و الأقرب عندي: التفصيل.

فإن أُلغيت التسمية، فالصلح كلّه للعاقد أو يبطل في نصيب الشركاء و يخرج حصّته علي قولَي تفريق الصفقة ؟ للشافعيّة وجهان(1).

و إن صالحه أحدهم علي مالٍ له بدون إذن الباقين ليتملّك جميع الدار، جاز. و إن صالح ليكون جميع الدار له و لهم جميعاً، أُلغي ذكرهم، و عاد الوجهان في أنّ الكلّ يقع له أو يبطل في نصيبهم و يخرج في نصيبه علي الخلاف في تفريق الصفقة(2).

و المعتمد: إنّهم إن أجازوا ما صالح عنهم شاركوا، و إلّا فلا، و كان الباقي للغريم.

مسألة 1043: إذا أسلم الكافر عن أكثر من أربع نسوة، خيّر أربعاً منهنّ،

فإن مات قبل الاختيار و التعيين، وقف الميراث بينهنّ، فإن اصطلحن علي الاقتسام علي تفاوتٍ أو تساوٍ، مُكّن منه و أُجبن إليه.

و وافق الشافعيّة(3) علي ذلك.

و قال بعضهم: هذه المسألة تدلّ علي جواز الصلح علي الإنكار؛ لأنّ كلّ واحدةٍ منهنّ تُنكر نكاح مَنْ عداها سوي ثلاثٍ معها، فالصلح الجاري

ص: 34


1- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 436:3-437.
2- العزيز شرح الوجيز 94:5، روضة الطالبين 437:3.
3- العزيز شرح الوجيز 95:5، روضة الطالبين 437:3.

بينهنّ صلح علي الإنكار(1).

قال بعض الشافعيّة: إنّهنّ بين أمرين: إن اعترفن بشمول الإشكال، فليست واحدة منهنّ بمنكرةٍ لغيرها و لا مدّعية لنفسها في الحقيقة، و إنّما تصحّ القسمة و الحالة هذه مع الجهل بالاستحقاق للضرورة و تعذّر التوقيف لا إلي نهايةٍ. و إن زعمت كلّ واحدةٍ منهنّ الوقوف علي اختيار الزوج إيّاها، فكلّ مَنْ أخذت شيئاً تقول: الذي أخذتُه [بعض](2) حقّي، و سامحت الباقيات بالباقي متبرّعةً، و المالك غير ممنوعٍ ممّا يتبرّع به(3).

و قد سبق الخلاف بينهم في صلح الحطيطة في العين، فمَنْ صحّحه احتجّ بهذه المسألة، و قال: الاقتسام الجاري بينهنّ صلح حطيطةٍ، و مَنْ أبطله فرّق بأنّ المال هناك في يد المدّعي عليه، و فصل الأمر ممكن بتحليفه، و هنا استوت الأقدام، و لا طريق إلي فصل الأمر سوي اصطلاحهنّ(4).

و لو اصطلحن علي أن تأخذ ثلاث منهنّ أو أربع المالَ الموقوف و يبذلن للباقيات عوضاً من خالص أموالهنّ، جاز عندنا؛ للعموم.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الصلح هكذا بذل عوضٍ مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه، و مَنْ أخذ عوضاً في معاوضةٍ لا بدّ و أن يكون مستحقّاً للمعوّض، فإذا لم يكن الاستحقاق معلوماً لم يجز أخذ العوض(3).

و كذا مَنْ طلّق إحدي زوجتيه و مات قبل البيان وقفنا لهما الرُّبْع أو3.

ص: 35


1- العزيز شرح الوجيز 95:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 95:5.
3- العزيز شرح الوجيز 95:5، روضة الطالبين 437:3.

الثُّمْن، و اصطلحتا.

و كذا لو ادّعي اثنان وديعةً في يد الغير و قال الودعي: لا أعلم لأيّكما هي.

و كذا لو تداعيا داراً في يدهما و أقام كلٌّ منهما بيّنةً ثمّ اصطلحا، أو كانت في يد ثالثٍ و قلنا: لا تتساقط البيّنتان بالتعارض، فاصطلحا.

مسألة 1044: لو كان بين رجلين زرع فادّعاه آخَر فصالحه أحدهما علي نصف الزرع بعد أن أقرّ له بنصفه، صحّ،

و كذا لو أنكر، عندنا، خلافاً للشافعي(1).

ثمّ إن كان مطلقاً و كانت الأرض لغير المُقرّ المشتري، فالصلح فاسد عنده(2) ، و إن كانت الأرض له فوجهان(3).

و إن شرط القطع، لم يصح عنده؛ لأنّ قسمته لا تصحّ، و قطع جميعه لا يجوز؛ لتعليق حقّ الشريك به(2).

و لو ادّعي رجل علي رجلٍ زرعاً في أرضه فأقرّ له بنصفه ثمّ صالحه عن نصفه علي نصف الأرض، جاز عندنا.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ من شرط بيع الزرع قطعه، و لا يمكن ذلك في المشاع(3).

و الاشتراط عندنا ممنوع، و كذا القياس علي البيع.

و إن صالحه منه علي جميع الأرض بشرط القطع علي أن يسلّم إليه

ص: 36


1- مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 416:6، البيان 252:6. (2 و 3) الحاوي الكبير 416:6، بحر المذهب 48:8، البيان 252:6.
2- البيان 252:6.
3- بحر المذهب 48:8، البيان 252:6.

الأرض فارغةً، صحّ عنده أيضاً؛ لأنّ قطع جميع الزرع واجب، نصفه بحكم الصلح، و الباقي لتفريغ الأرض و أمكن القطع، و جري ذلك مجري مَن اشتري أرضاً فيها زرعٌ و شَرَط تفريغَ الأرض، فإنّه يجوز، كذا هنا(1).

و لو كان قد أقرّ له بجميع الزرع فصالحه من نصفه علي نصف الأرض لتكون الأرض و الزرع بينهما نصفين و شرط القطع، نُظر فإن كان الزرع في الأرض بغير حقٍّ جاز الشرط؛ لأنّ الزرع يجب قطع جميعه، و إن كان في الأرض بحقٍّ لم يجز عند الشافعي؛ لأنّه لا يمكن قطع الجميع(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجوز إذا شرط علي بائع الزرع قطع الباقي(3).

و ضعّفه آخَرون؛ لأنّ باقي الزرع ليس بمبيعٍ، فلا يصحّ شرط قطعه في العقد عنده، بخلاف ما إذا أقرّ بنصف الزرع و صالحه علي جميع الأرض؛ لأنّه شرط تفريغ المبيع(2).

مسألة 1045: لو أتلف رجل علي آخَر عيناً - حيواناً أو ثوباً أو شبههما

- قيمتها دينار فادّعاه عليه فأقرّ له به ثمّ صالحه منه علي أكثر من ذلك، صحّ عندنا، و كذا لو أنكره ثمّ صالحه - و به قال أبو حنيفة(3) - للأصل، و لأنّ الثوب و الحيوان يثبت في الذمّة مثلهما في الإتلاف، فكان الصلح علي مثلهما.

ص: 37


1- بحر المذهب 48:8، البيان 252:6. (2 و 3) بحر المذهب 48:8، البيان 253:6.
2- البيان 253:6.
3- الهداية - للمرغيناني - 195:3، بحر المذهب 49:8، حلية العلماء 29:5، البيان 225:6، المغني 28:5، الشرح الكبير 5:5.

و قال الشافعي و أحمد: لا يصحّ الصلح؛ لأنّ الواجب في الذمّة قيمة المتلف، دون مثله، و لهذا لا يطالبه بمثله، و إذا كان الواجب القيمةَ فإذا صالحه عليها بأكثر من قيمتها أو أقلّ فقد عاوض عليه متفاضلاً، و ذلك ربا في النقود(1).

و الكلّ ممنوع.

و لو كانت قيمة العبد ألفاً فصالحه علي ألف مؤجَّلة، صحّ، و لزم الأجل عندنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - للأصل، و للعموم، و لأنّهما نقلا الحقّ إلي القيمة، فكان ما سمّياه تقديراً للقيمة، فكان جائزاً، كما لو قدّر الصداق للمفوّضة مؤجَّلاً.

و قال الشافعي: لا يتأجّل و لا يصحّ الصلح؛ لأنّ الواجب هو دَيْنٌ في ذمّته، فإن كان العوض مؤجَّلاً، كان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن، و هو باطل، و نقل الحقّ من العبد إلي قيمته إنّما يكون علي سبيل المعاوضة و البدل، و يكون بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن، و قد عرفت أنّ الواجب القيمة و هي حالّة، فلا تتأجّل، و الصداق غير واجبٍ، و إنّما يجب بالفرض عند إيجابه، فاختلفا(3).

و نحن نمنع كون الصلح بيعاً.

مسألة 1046: لو اتّجر الشريكان و حصل ربح و كان بعض المال دَيْناً و بعضه عيناً

فاصطلحا و قال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال، و الربح

ص: 38


1- بحر المذهب 49:8، حلية العلماء 29:5، البيان 224:6-225، روضة الطالبين 438:3، المغني 27:5-28، الشرح الكبير 5:5-6.
2- بحر المذهب 49:8، حلية العلماء 29:5، البيان 225:6، المغني 28:5، الشرح الكبير 6:5.
3- بحر المذهب 49:8، حلية العلماء 29:5، البيان 225:6، روضة الطالبين 438:3، المغني 28:5، الشرح الكبير 6:5.

و الخسران لك، جاز ذلك؛ للعموم.

و لما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في رجلين اشتركا في مالٍ فربحا فيه ربحاً و كان من المال دَيْنٌ و عينٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و الربح لك و ما تَوي(1) فعليك، فقال: «لا بأس به إذا شرط، و إن كان شرطاً يخالف كتاب اللّه ردّ إلي كتاب اللّه عزّ و جلّ»(2).

مسألة 1047: لا تصحّ قسمة الديون،

فلو اقتسم الشريكان الدَّيْن الذي لهما علي الناس و قبض أحدهما و تلف نصيب الآخَر، وجب علي القابض دفع نصيب الشريك ممّا قبضه إليه؛ لبطلان القسمة؛ لأنّها تمييز أحد الحقّين من الآخَر، و لا تمييز في الديون؛ لأنّها مطلقة لا تتعيّن إلّا بالقبض.

و لما رواه سليمان بن خالد - في الحسن - أنّه سأل الصادقَ عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرّق عنهما فاقتسما بالسويّة ما كان في أيديهما و ما كان غائباً عنهما فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً و استوفي الآخَر فعليه أن يردّ علي صاحبه ؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله»(3).

مسألة 1048: لو ماطل المديون صاحبَ الدَّيْن عن دَيْنه حتي مات فصالح ورثته علي بعضه، فَعَل حراماً،

و لم يكن للورثة المطالبة في الظاهر، و لا تبرأ ذمّة المصالِح فيما بينه و بين اللّه تعالي؛ لما تقدّم أنّ ذلك من صُور الإكراه.

و لما رواه عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان للرجل علي الرجل دَيْنٌ فمطله حتي مات ثمّ صالح ورثته علي شيءٍ

ص: 39


1- التوي: الهلاك. لسان العرب 106:14 «توا».
2- التهذيب 476/207:6.
3- التهذيب 477/207:6.

فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فهو للميّت يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم علي شيءٍ حتي مات و لم يقض عنه، فهو للميّت يأخذه به»(1).

و كذا لو ادّعي كاذباً علي غيره فصالحه الغير، لم يستبح الكاذب بذلك الصلح مال الصلح إلّا مع الرضا الباطن.

مسألة 1049: يصحّ الصلح علي الأعيان بمثلها و بالمنافع و بأبعاض الأعيان،

و علي المنافع بمثلها و أبعاضها، و لا يشترط ما يشترط في البيع، فلو صالحه عن الدنانير بدراهم أو بالعكس صحّ، و لم يكن صَرفاً.

و لو صالَح علي عينٍ بأُخري من الربويّات، ففي إلحاقه بالبيع نظر.

و كذا في الدَّيْن بمثله، فإن ألحقناه فسد لو صالَح من ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة.

و لو صالَح من ألفٍ حالّ بخمسمائة مؤجَّلة، ففي كونه إبراءً إشكال، و يلزم الأجل.

و لو ظهر استحقاق أحد العوضين، بطل الصلح؛ لوقوع التراضي علي تلك العين.

و لو صالَح علي ثوبٍ أتلفه بدرهمٍ علي درهمين، صحّ الصلح، و قد سبق(2).

ص: 40


1- التهذيب 480/208:6.
2- في ص 37، المسألة 1045.
الفصل الثالث: في تزاحم الحقوق
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الطرق.
مسألة 1050: الطرق نوعان: نافذة و غير نافذة.
الأوّل: النافذة،
اشارة

و الناس كلّهم في السلوك فيها شرعٌ سواء مستحقّون للممرّ فيها(1) ، و ليس لأحدٍ أن يتصرّف فيها(2) بما يبطل المرور فيها(3) أو ينقصه أو يضرّ بالمارّة من بناء حائطٍ فيها(4) أو دكّة أو وضع جناح أو ساباط(5) علي جداره إذا أضرّ بالمارّة إجماعاً.

و لو لم يضرّ بالمارّة بأن كان عالياً لا يظلم به الدرب، جاز وضع الجناح و الساباط من غير منعٍ عند بعض علمائنا(6) - و به قال مالك و الشافعي و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و محمّد(7) - لأنّه ارتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه، فكان جائزاً، و ليس لأحدٍ منعه، كالاستظلال بحائط الغير و الاستطراق في الدرب.

ص: 41


1- بدل كلمة «فيها» في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت يقتضيه السياق.
2- بدل كلمة «فيها» في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت يقتضيه السياق.
3- بدل كلمة «فيها» في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت يقتضيه السياق.
4- بدل كلمة «فيها» في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت يقتضيه السياق.
5- الساباط: سقيفة بين دارين من تحتها طريق نافذ. العين 218:7 «سبط».
6- كالمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 123:2.
7- المغني 34:5، الشرح الكبير 28:5، الأُم 221:3-222، الحاوي الكبير 375:6، المهذّب - للشيرازي - 341:1، حلية العلماء 11:5-12، التهذيب - للبغوي - 148:4، البيان 231:6، العزيز شرح الوجيز 96:5، روضة الطالبين 439:3، المبسوط - للسرخسي - 144:20.

و لأنّ الناس اتّفقوا علي إشراع الأجنحة و الساباطات في الطرق النافذة و الشوارع المسلوكة في جميع الأعصار و في سائر البقاع من غير إنكارٍ، فكان سائغاً.

و لأنّ النبي صلي الله عليه و آله نصب بيده ميزاباً في دار العبّاس(1) ، و الجناح مثله؛ لاشتراكهما في المنفعة الخالية عن الضرر.

و قال الشيخ رحمه الله و أبو حنيفة: لا عبرة بالضرر و عدمه، بل إن عارضه فيه رجل من المسلمين، نزع، و وجب قلعه و إن لم يكن مضرّاً به و لا بغيره، و إلّا تُرك؛ لأنّه بني في حقّ غيره بغير إذنه، فكان له مطالبته بقلعه، كما لو بني دكّةً في المسلوك، أو وضع الجناح في سلك غيره(2).

و القياس ممنوع؛ فإنّ الضرر يحصل مع بناء الدكّة، بخلاف الجناح و الساباط و الروشن(3) ؛ لأنّ الأعمي يتعثّر بها، و كذا في الليل المظلم يحصل تعثّر البصير بها، و يضيق الطريق بها، بخلاف الشارع. و ملك الغير لا يجوز الممرّ فيه إلّا بإذنه، بخلاف الطرق، فافترقا.

فروع:
أ - شرط أحمد في جواز إشراع الجناح إذنَ الإمام فيه،

فإن أذن فيه جاز، و إلّا فلا(4).

و هو ممنوع؛ لاتّفاق الناس علي عمله.

ص: 42


1- الطبقات الكبري - لابن سعد - 20:4، تاريخ مدينة دمشق 366:26-367، سنن البيهقي 66:6، المستدرك - للحاكم - 331:3-332.
2- المبسوط - للطوسي - 291:2، الخلاف 294:3، المسألة 2 من كتاب الصلح، المبسوط - للسرخسي - 144:2، المغني 34:5، الشرح الكبير 28:5، الحاوي الكبير 376:6، حلية العلماء 12:5، البيان 231:6، العزيز شرح الوجيز 96:5.
3- الروشن: الرفّ و الكوّة. لسان العرب 181:13 «رشن».
4- العزيز شرح الوجيز 96:5.
ب - الضابط في التضرّر و عدمه العرفُ، و يختلف بحال الطرق.

فإن كان ضيّقاً لا يمرّ فيه الفُرْسان و القوافل، وجب رفعه بحيث يمرّ المارّ تحته منتصباً، و المحمل مع الكنيسة المنصوبة علي رأسه علي البعير؛ لأنّه يتّفق ذلك و إن كان نادراً، و لا تشترط الزيادة عليه.

و قال بعض الشافعيّة: يجب أن يكون بحيث يمرّ الراكب تحته منصوبَ الرمح(1).

و إن كان متّسعاً تمرّ فيه الجيوش و الأحمال، وجب أن لا يضرّ بالعماريّات و الكنائس، و أن يتمكّن الفارس من الممرّ تحته و رمحه منتصب لا يبلغه؛ لأنّه قد يزدحم الفُرْسان فيحتاج إلي أن ينصب الرماح.

و قال بعض الشافعيّة: لا يقدّر بذلك؛ لأنّه يمكنه وضع الرمح علي عنقه بحيث لا ينال رمحه أحداً(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ ذلك قد يعسر.

ج - إذا وضع الجناح أو الروشن أو الساباط في الدرب المسلوك علي وجهٍ يضرّ بالمارّة، تجب عليه إزالته،

و علي السلطان إلزامه بذلك.

و لو صالحه الإمام علي وضعه - أو بعض الرعيّة - علي شيءٍ، لم يجز؛ لأنّ ذلك بيع الهواء منفرداً، و هو باطل، و الهواء لا يفرد بالعقد، بل يتبع الدار، كالحمل مع الأُم.

و لأنّه إن كان مضرّاً لم يجز أخذ العوض عنه، كبناء الدكّة في

ص: 43


1- الحاوي الكبير 376:6، المهذّب - للشيرازي - 341:1، الوسيط 54:4، حلية العلماء 13:5، التهذيب - للبغوي - 148:4، البيان 233:6، العزيز شرح الوجيز 97:5، روضة الطالبين 439:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 341:1، التهذيب - للبغوي - 148:4، البيان 233:6، العزيز شرح الوجيز 97:5، روضة الطالبين 439:3.

الطريق، و إن لم يكن مضرّاً كان جائزاً، و ما يجوز للإنسان فعله في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض عنه كالسلوك، و أحدٌ من الرعيّة ليس هو المستحقّ و لا نائبَ المستحقّين.

د - لو أظلم الطريق بوضع الجناح أو الروشن أو الساباط، فإن أذهب الضياء بالكلّيّة مُنع إجماعاً؛

لأنّه يمنع السلوك فيه.

و إن لم يُذهب الضياء(1) جملةً بل بعضه، فالوجه: المنع إن تضرّر به المارّة، و إلّا فلا.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع مطلقاً.

و الثاني: الجواز مطلقاً(2).

مسألة 1051: لو أخرج روشناً في شارعٍ أو دربٍ نافذ، لم يكن لمقابله الاعتراضُ عليه،

و لا منعه منه، سواء استوعب عرض الدرب أو لا إذا لم يحصل ضرر لأحدٍ به.

و ليس له وضع أطراف خشبه علي حائط جاره و إن لم يتضرّر به الجار.

و لو أخرج روشنه إلي بعض الدرب، كان لمحاذيه إخراج روشنٍ فيما بقي من الهواء، و ليس لصاحب الروشن الأوّل منعه ما لم يضع علي خشبه شيئاً.

و إن أراد محاذيه بأن يُخرج روشناً تحت روشن محاذيه، جاز ذلك.

و إن أراد أن يُخرج روشناً فوق روشن محاذيه، جاز إذا لم يتضرّر به

ص: 44


1- في الطبعة الحجريّة: «الضوء».
2- البيان 233:6، و انظر العزيز شرح الوجيز 99:5، و روضة الطالبين 440:3.

بأن يكون عالياً لا يضرّ بالمارّ في الروشن السفلاني.

و لو أظلم الدرب بوضع الروشن الثاني، أُزيل خاصّةً دون الأوّل؛ لأنّ الضرر إنّما حصل بالثاني و إن كان لو لا الأوّل لم يحصل.

مسألة 1052: إذا أخرج جناحاً أو روشناً في الشارع النافذ، فقد بيّنّا أنّه ليس لأحدٍ منعه مع عدم التضرّر به،

فلو تضرّر جاره بالإشراف عليه، فالأقرب: إنّ له المنعَ؛ لأنّه قد حصل به الضرر، بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه أو ما له محلّ علي جاره، فإنّه لا يُمنع و إن حصل معه الإشراف؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه كيف شاء، بخلاف الروشن الموضوع علي شرط عدم تضرّر الغير به، فإذا فرض تضرّر شخصٍ ما به، لم يجز وضعه، و يُمنع في الملك من الإشراف علي الجار، لا من التعلية المقتضية لإمكانه.

و لسْتُ أعرف في هذه المسألة بالخصوصيّة نصّاً من الخاصّة و لا من العامّة، و إنّما صِرتُ إلي ما قلتُ عن اجتهادٍ، و لعلّ غيري يقف عليه أو يجتهد فيؤدّيه اجتهاده إلي خلاف ذلك.

مسألة 1053: لو وضع جناحاً لا ضرر فيه أو روشناً كذلك فانهدم

أو هدمه المالك أو جاره قهراً و تعدّياً ثمّ وضع الجار روشناً أو جناحاً في محاذاته و مدّه إلي مكان روشن الأوّل، جاز، و صار أحقَّ به؛ لأنّ الأوّل كان يستحقّ ذلك بسبقه إليه، فإذا زال و سبقه الثاني إلي مكانه، كان أولي، كرجلٍ جلس في مكانٍ مباح - كمسجدٍ أو دربٍ نافذ - ثمّ قام عنه أو أُقيم، فإنّه يزول حقّه من الجلوس، و يكون لغيره الجلوسُ في مكانه، و ليس للأوّل إزعاجه و إن أُزعج الأوّل، فكذا هنا.

و مَنَع منه بعض الشافعيّة؛ لأنّ الجالس في الطريق المسلوك الواسع إذا ارتفق بالقعود لمعاملة الناس لا يبطل حقّه بمجرّد الزوال عن ذلك

ص: 45

الموضع، و إنّما يبطل بالسفر و الإعراض عن الحرفة علي ما يأتي، فقياسه أن لا يبطل بمجرّد الانهدام و الهدم، بل يعتبر إعراضه عن ذلك الجناح و رغبته عن إعادته(1).

و نحن نمنع الحكم في الأصل، و نمنع أولويّته علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 1054: لا يجوز لأحدٍ بناء دكّةٍ و لا غرس شجرةٍ في الطريق المسلوك إن ضيّق الطريق و ضرّ بالمارّة إجماعاً؛

لقوله عليه السلام: «لا ضرر و لا ضرار(2)»(3).

و إن كان متّسعاً لا يضرّ بالمارّة وَضْعُه، فالأولي المنع أيضاً، إلّا فيما زاد علي حدّ الطريق النافذ؛ لأنّ ذلك يوجب اختصاصاً له فيما هو مشترك و شرعٌ بين الناس، و لأنّ المكان المشغول بالبناء و الشجر لا يتأتّي فيه السلوك و الاستطراق، و قد يزدحم المارّة و يعسر عليهم السلوك فيه، فيتعثّرون بها، و لأنّه ربما طالت المدّة، فأشبه مكان البناء و الغراس بالأملاك، فانقطع أثر استحقاق السلوك فيه، بخلاف الأجنحة و الرواشن، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يجوز ذلك، كوضع الجناح أو الروشن اللَّذَيْن لا يضرّان

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 97:5-98، روضة الطالبين 440:3.
2- في «ج، ر»: «إضرار».
3- الكافي 4/280:5، و 292-2/294 و 8، الفقيه 154/45:3، و 648/147، التهذيب 146:7-651/147، و 727/164، سنن ابن ماجة 2340/784:2 و 2341، سنن الدارقطني 288/77:3، سنن البيهقي 69:6 و 70، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، مسند أحمد 22272/447:6.

بالمارّة(1).

و قد عرفت الفرق.

مسألة 1055: حدّ الطريق المتّخذ في الأرض المباحة إذا تشاحّ أهله في وضعه وسعته و ضيقه سبعُ أذرع؛

لأنّ ذلك قدر ما تدعو الحاجة إليه، و لا يزيد عليه؛ لما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام قال:

«و الطريق إذا تشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع»(2) و مثله روي السكوني عن الصادق عليه السلام(3) ، و الخبران موثّقان.

إذا تقرّر هذا، فهذا الحدّ حدٌّ مع تشاحّ أهل ذلك الدرب، المتقابلة دُورهم فيه، و لا عبرة بغيرهم.

و لو اتّفقوا علي وضع أضيق منه في الابتداء جاز، و لم يكن لأحدٍ الاعتراضُ و طلبُ التوسعة فيه.

و إذا وضعوه علي حدّ السبع، لم يكن لهم بعد ذلك تضييقه.

و لو وضعوه أوسع من السبع، فالأقرب: إنّ لهم و لغيرهم الاختصاصَ ببعضه إلي حيث يبلغ هذا الحدّ، فلا يجوز بعد ذلك النقصُ عنه.

مسألة 1056: الشوارع لا يجري عليها ملك أحدٍ، و لا يختصّ بها شخص من الأشخاص،

بل هي بين الناس كافّةً شرعٌ سواء بلا خلافٍ.

و لا فرق في ذلك بين الجوادّ الممتدّة في الصحاري و البلاد.

و إنّما يصير الموضع شارعاً بأُمور: أن يجعل الإنسان ملكه شارعاً و سبيلاً مسبَّلاً، و يسلك فيه شخصٌ ما، أو يُحيي جماعةٌ أرضَ قريةٍ أو بلدةٍ

ص: 47


1- الوسيط 55:4، العزيز شرح الوجيز 97:5، روضة الطالبين 439:3.
2- الكافي 2/295:5، التهذيب 642/145:7.
3- الكافي 8/296:5، التهذيب 643/145:7.

و يتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور و المساكن، و يفتحوا إليه الأبواب، أو يصير موضع من الموات جادّةً يسلكه الناس، فلا يجوز تغييره، و كلّ مواتٍ يجوز استطراقه، لكن لا يُمنع أحد من إحيائه و صرف الممرّ عليه، فليس له حكم الشوارع.

الثاني: الطرق التي لا تنفذ،
اشارة

كالسكّة المسدودة المنتهية إلي ملك الغير، و لا منفذ لها إلي المباح، و تلك مِلْكٌ لأرباب الأبواب فيها.

و هذه الطرق لا يجوز لأحدٍ إشراع جناحٍ فيها و لا روشن و لا ساباط، إلّا بإذن أرباب الدرب بأسرهم، سواء كانوا من أهل الدرب أو من غيرهم، و سواء أضرّ بالباقين أو لا؛ لأنّ أربابه محصورون و مُلّاكه معدودون، فإذا تخصّص به أحد منع الباقين منه، فلم يجز، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يجوز لغير أهل السكّة مطلقاً، و أمّا أهل السكّة فيجوز لكلّ واحدٍ منهم إشراع الجناح و الروشن و غيرهما إذا لم يضرّ بالمارّة؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهم الارتفاقَ بقرارها، فليكن الارتفاق بهوائها كذلك، كالشوارع(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ السكّة مخصوصة بهم، فلا يتصرّف فيها أحد دون رضاهم، كما أنّه لا يجوز إشراع الجناح إلي دار الغير بغير رضاه، سواء تضرّر أو لا؛ إذ لا اعتبار بالتضرّر مع إذن المتضرّر.

و بمثل ما قلناه قال أبو حنيفة(2).

ص: 48


1- المهذّب - للشيرازي - 341:1، حلية العلماء 13:5، البيان 234:6، العزيز شرح الوجيز 99:5، روضة الطالبين 441:3-442، المغني 35:5، الشرح الكبير 31:5.
2- العزيز شرح الوجيز 99:5.
مسألة 1057: لو صالَح واضع الروشن أو الجناح أو الساباط أربابَ الدرب و أصحابَ السكّة علي وضعه،

جاز علي الأظهر عندنا، لكنّ الأولي اشتراط زمانٍ معيّن؛ لأنّه حقٌّ ماليٌّ متعيّن المالك، فجاز الصلح عليه و أخذ العوض عنه، كما في القرار.

و مَنَع منه الشافعيّة؛ بناءً منهم علي أنّ الهواء تابع، فلا يُفرد بالمال صلحاً، كما لا يُفرد به بيعاً(1).

و يُمنع مانعيّة التبعيّة من الانفراد بالصلح، بخلاف البيع؛ لأنّه يتناول الأعيان، و الصلح هنا وقع عن الوضع مدّةً.

و كذا الحكم في صلح مالك الدار عن الجناح المشرع إليها من الجواز عندنا، و المنع عندهم(2).

مسألة 1058: نعني بأرباب الدرب المقطوع و أصحاب السكّة كلّ مَنْ له بابٌ نافذ إلي تلك السكّة،

دون مَنْ يلاصق حدّ داره السكّة و يكون حائطه إليها من غير نفوذ بابٍ له فيها.

و هل يشترك جميعهم في جميع السكّة فيكون الاستحقاق في جميعها لجميعهم، أم شركة كلّ واحدٍ تختصّ بما بين رأس السكّة و باب داره، و لا تتخطّي عنه ؟ المشهور عندنا: اختصاص كلّ واحدٍ بما بين رأس السكّة و باب داره؛ لأنّ محلّ تردّده هو ذلك المكان خاصّةً و مروره فيه، دون باقي السكّة، فحكم ما عدا ذلك حكم غير أهل السكّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

ص: 49


1- المهذّب - للشيرازي - 341:1، البيان 234:6، العزيز شرح الوجيز 99:5، روضة الطالبين 442:3.
2- العزيز شرح الوجيز 99:5، روضة الطالبين 442:3.

و الثاني لهم: الأوّل، و هو أنّ الاستحقاق في جميعها لجميعهم؛ لأنّهم ربما احتاجوا إلي التردّد و الارتفاق بجميع الصحن لطرح الأثقال و وضع الأحمال عند الإخراج و الإدخال(1).

و تظهر الفائدة - علي أصحّ قولَي الشافعي - في منع إشراع الجناح إلّا برضاهم، فعلي القول باشتراك الكلّ في الكلّ يجوز لكلّ واحدٍ من أهل السكّة المنع، و علي الثاني إنّما يجوز المنع لمَنْ موضعُ الجناح بين بابه و رأس السكّة، دون مَنْ بابه بين موضع الجناح و رأس السكّة(2).

إذا تقرّر هذا، فعلي المشهور عندنا: إنّ الأدخل ينفرد بما بين البابين، و يتشاركان في الطرفين، و لكلٍّ منهما الخروج ببابه مع سدّ الأوّل و عدمه، فإن سدّه فله العود إليه مع الثاني، و ليس لأحدهما الدخول ببابه.

و يحتمله؛ لأنّه قد كان له ذلك في ابتداء الوضع فيستصحب، و له رفع جميع الحائط فالباب أولي.

مسألة 1059: قد بيّنّا أنّ الدرب المقطوع لأربابه المحصورين، دون الشوارع المسلوكة،

فلهُم التصرّف فيه كيف شاءوا؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه بسائر أنواع التصرّفات، و لهُم سدّ باب السكّة، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و مَنَع بعضهم من ذلك؛ لأنّ أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرض لهم سبب من زحمةٍ و شبهها(4).

و لو امتنع بعضهم من سدّها، لم يكن للباقين سدّها إجماعاً. و لو اتّفقوا علي السدّ، لم ينفرد بعضهم بالفتح. و لو اتّفقوا علي قسمة صحن

ص: 50


1- العزيز شرح الوجيز 100:5، روضة الطالبين 442:3.
2- العزيز شرح الوجيز 100:5، روضة الطالبين 442:3.
3- العزيز شرح الوجيز 100:5، روضة الطالبين 442:3.
4- العزيز شرح الوجيز 100:5، روضة الطالبين 442:3.

السكّة بينهم، جاز.

و لو أراد أهل رأس السكّة قسمة رأس السكّة بينهم، مُنعوا؛ لحقّ مَنْ يليهم.

أمّا لو أراد أهل الأسفل قسمة الأسفل، فإن قلنا باختصاصهم به، كان لهم ذلك. و إن قلنا باشتراك الجميع في الأسفل، لم يكن لهم ذلك، إلّا بإذن الباقين.

هذا كلّه - أعني سدّ الباب و قسمة الصحن - إنّما هو إذا لم يكن في السكّة مسجد، فإن كان فيها مسجد قديم أو حديث، فالمسلمون كلّهم يستحقّون الطروق إليه، و لا يُمنعون منه.

و كذا لو جعل بعضهم داره رباطاً أو مسجداً أو مدرسةً أو مستراحاً، لم يكن لأحدٍ منعه، و لا منع مَنْ له الممرّ فيه، و حينئذٍ لا يجوز لأحدٍ أن يشرع جناحاً و لا ساباطاً و لا روشناً عند التضرّر به و إن رضي أهل السكّة؛ لحقّ سائر الناس.

مسألة 1060: قد بيّنّا أنّ الدرب إمّا نافذ و إمّا مقطوع.
اشارة

أمّا النافذ: فلكلّ أحدٍ فتح بابٍ فيه، سواء كان له ذلك بحقٍّ قديم أو لا.

و أمّا المقطوع: فليس لمن لا باب له فيه إحداث بابٍ إلّا برضا أهل السكّة بأسرهم؛ لتضرّرهم إمّا بمرور الفاتح عليهم، أو بمرورهم علي الفاتح.

و لو فتح باباً للاستضاءة دون الاستطراق، أو قال: أفتحه و أسمره بمسمارٍ لا ينفتح بابه معه، فالأقرب: منعه من ذلك؛ لأنّ الباب يشعر بثبوت حقّ الاستطراق، فربما استدلّ به علي الاستحقاق، و هو أحد قولَي

ص: 51

الشافعيّة(1).

و يمكن أن يُمكَّن منه؛ لأنّه لو رفع جميع الجدار لم يكن لأحدٍ منعه، فلأن يُمكَّن من رفع بعضه [كان] أولي.

و أمّا مَنْ له بابٌ في تلك السكّة لو أراد أن يفتح غيره، نُظر إن كان [ما] يريد به الفتح أقربَ من بابه إلي رأس السكّة، كان له ذلك؛ لأنّ له الاستطراقَ فيه و هو شريك، فإذا فتح باباً كان ذلك بعضَ حقّه.

و إن كان [ما] يريد [به] الفتح أقربَ من بابه إلي صدر السكّة، لم يكن له ذلك، و هو أظهر قولَي الشافعيّة. و الثاني: له ذلك؛ لأنّ له يداً في الدرب، فكأنّ الجميع في أيديهما(2).

إذا عرفت هذا، فإن أراد أن يتقدّم ببابه إلي رأس السكّة، فإن سدّ بابه الأوّل، كان له ذلك قطعاً؛ لأنّه ينقص حقّه.

و إن لم يسدّ بابه، فكذلك عندنا.

و للشافعيّة فيه قولٌ بالمنع؛ لأنّ الباب الثاني إذا انضمّ إلي الأوّل أورث زيادة زحمة الناس و وقوف الدوابّ في السكّة فيتضرّرون به(3).

و إن أراد أن يتأخّر ببابه عن رأس السكّة و يقرب من صدرها، فلصاحب الباب المفتوح بين رأس السكّة و داره المنعُ.

و هل لمَنْ دارُه بين الباب و رأس السكّة المنعُ؟ وجهان بناءً علي كيفيّة الشركة.

و لهم طريقة أُخري جازمة بأنّه لا منع للّذين يقع الباب المفتوح بين3.

ص: 52


1- بحر المذهب 51:8، البيان 243:6، العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 443:3.
2- العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 443:3.
3- العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 443:3.

دارهم و رأس السكّة؛ لأنّ الفاتح لا يمرّ عليهم(1).

و تحويل الميزاب من موضعٍ إلي موضعٍ كفتح بابٍ و سدّ بابٍ.

فروع:

أ - لو كان لرجلين بابان في سدّةٍ أحدهما قريب من باب الزقاق، و باب الآخَر في وسطه،

فأراد كلّ واحدٍ منهما أن يقدّم بابه إلي أوّل الزقاق، كان له ذلك، علي ما تقدّم؛ لأنّ له استطراقَ ذلك، فقد نقص من استطراقه.

و إن أراد أن يؤخّر بابه إلي صدر الزقاق، لم يكن له ذلك، علي ما سبق - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه يقدّم بابه إلي موضعٍ لا استطراق له فيه.

ب - لو كان لأحدهما بابٌ يلي باب الزقاق و للآخَر بابٌ في الصدر،

فأراد الثاني أن يقدّم بابه إلي حدّ باب الأوّل، فالأقرب: أنّ له ذلك، علي ما سبق.

و عند الشافعيّة يُبني علي الوجهين، فإن قلنا: لصاحب الباب الذي يلي باب الزقاق أن يؤخّر بابه، لم يكن له ذلك. و إن قلنا: ليس له ذلك، كان لصاحب باب الصدر أن يقدّمه إلي باب الثاني. و ينبغي أن يكون له أن يقدّمه في فنائه إلي فناء الثاني؛ لأنّه إنّما يفتح الباب في فناء نفسه، و لا حقّ له فيما جاوز ذلك(3).

ج - لو كان له دار في دربٍ مقطوع فجَعَلها حجرتين و جَعَل لها بابين، جاز ذلك إذا وضع البابين في موضع استطراقه.

و إن أخّرهما أو

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 443:3. (2 و 3) بحر المذهب 52:8، البيان 244:6.

أحدهما لم يجز.

و للشافعيّة فيه الوجهان(1).

مسألة 1061: لو كان له داران ينفذ باب إحداهما إلي الشارع و بابُ الأُخري إلي سكّة منسدّة فأراد مالكهما فتْحَ بابٍ

في إحداهما إلي الأُخري، لم يكن لأهل السكّة منعه؛ لأنّه يستحقّ المرور في السكّة، و رفع الجدار الحائل بين الدارين تصرّفٌ منه مصادف للملك، فلا يُمنع منه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ لهم المنعَ؛ لأنّه يُثبت للدار الملاصقة للشارع ممرّاً في السكّة و يزيد فيما استحقّه من الانتفاع(2).

و ليس بشيءٍ.

و لو كان له دار لها باب في زقاقٍ غير نافذٍ و لها حدٌّ في شارعٍ أو زقاقٍ نافذ و أراد أن يفتح في حدّه باباً إلي الشارع، جاز له؛ لأنّه يرتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه.

لا يقال: إنّ في ذلك إضراراً بأهل الدرب؛ لأنّه كان منقطعاً و بفتح الباب يصير الدرب نافذاً مستطرقاً إليه من الشارع.

لأنّا نقول: إنّه بفتح الباب صيّر داره نافذةً، و أمّا الدرب فإنّه علي حاله غير نافذٍ؛ إذ ليس لأحدٍ غيره استطراقُ داره.

و لو انعكس الحال فكانت بابه إلي الشارع و له حائط في المنقطع، فأراد فتح بابٍ للاستطراق، فقد بيّنّا أنّه ليس له ذلك؛ إذ لا حقّ له في دربٍ قد تعيّن عليه ملك أربابه، فلم يكن له الانتفاع به بغير إذنهم.

ص: 54


1- لم نعثر عليه في المصادر التي بأيدينا، و انظر بحر المذهب 52:8.
2- العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 444:3.

و لو كان له داران متلاصقتان باب كلّ واحدةٍ منهما في زقاقٍ غير نافذٍ، فأراد صاحبهما رفع الحاجز بينهما بالكلّيّة و جَعْلهما داراً واحدة، جاز قولاً واحداً.

و إن أراد فتح بابٍ من إحداهما إلي الأُخري، جاز عندنا أيضاً.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ ذلك يُثبت له حقَّ الاستطراق من الدرب الذي لا ينفذ إلي دارٍ لم يكن لها طريقٌ منه، و لأنّ ذلك ربما أدّي إلي إثبات الشفعة في قول مَنْ يُثبتها بالطريق لكلّ واحدةٍ من الدارين في زقاق الأُخري. و هذا قول أكثرهم(1).

و هو غلط؛ لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة، فرفع بعضه أولي، و المحذور لازمٌ فيما لو رفع الحائط، مع أنّه لا يبطل به حقّ الشفعة.

و الثاني: إنّ له ذلك - كما اخترناه - لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة، ففتح الباب أولي(2).

و قال بعضهم: موضع القولين ما إذا سدّ باب إحدي الدارين و فتح الباب بينهما لغرض الاستطراق، أمّا إذا قصد اتّساع ملكه أو نحوه، فلا منع(1).

مسألة 1062: لو صالح الممنوع من فتح الباب في الدرب المقطوع أربابه علي مالٍ ليفتح الباب، جاز عندنا،

و به قال الشافعي(2) ، بخلاف

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 101:5، روضة الطالبين 444:3.
2- العزيز شرح الوجيز 102:5، روضة الطالبين 444:3.

الصلح عن إشراع الأجنحة و الساباطات و الرواشن، فإنّهم خالفوا فيه، و علّلوا بأنّه بَذْل مالٍ في مقابلة الهواء المجرّد(1).

قال بعضهم: إن قدّروا مدّةً معيّنة، كان الصلح إجارةً. و إن أطلقوا أو شرطوا التأبيد، فهو بيع جزءٍ مشاع من السكّة، و تنزيلٌ له منزلة أحدهم، و كان ذلك بمنزلة ما لو صالح غيره عن إجراء نهرٍ في أرضه علي مالٍ، فإنّه يكون ذلك تمليكاً للنهر(2).

و لو أراد فتح بابٍ من داره في دار غيره، فصالحه عنه مالك الدار علي مالٍ صحّ، و يكون ذلك كالصلح عن إجراء الماء علي السطح، و لا يملك شيئاً من الدار و السطح؛ لأنّ السكّة لا تراد إلّا للاستطراق، فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلاً للملك، و الدار و السطح ليس القصد منهما الاستطراق و إجراء الماء.

مسألة 1063: يجوز فتح الأبواب و نصب الميازيب في الشوارع النافذة؛

لأنّ الناس بأسرهم اتّفقوا علي وضع الميازيب و نصبها علي سطوحهم قديماً و حديثاً من غير إنكار أحدٍ منهم، فكان إجماعاً.

هذا إذا لم يتضرّر بوضعها أحدٌ، فإن تضرّر أحد بوضع ميزابٍ في الدرب المسلوك وجب قلعه.

و أمّا الطرق الخاصّة الغير النافذة فليس لأحدٍ من أربابها(1) وضع ميزابٍ يقذف فيها إلّا بإذن كلّ مَنْ له حقٌّ فيها.

و ليس للمتقدّم بابه في رأس الدرب المسدود منعُ المتأخّر بابه إلي صدر الدرب من وضع ميزابٍ إذا لم نقل بشركته أو لم يصل ضرره إليه.

ص: 56


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أربابه». و المثبت يقتضيه السياق.

و كذا لا يجوز حفر بالوعةٍ فيها إلّا بإذن أربابها و إن كانت أنفع لهم.

أمّا الطرق المسلوكة فكذلك لا يجوز إحداث بالوعةٍ فيها، بل كلّ بالوعةٍ وُضعت في أصل وضع الدرب فإنّها تستمرّ ليس لأحدٍ إزالتها، و كلّ بالوعةٍ استُحدثت فإنّ لكلّ أحدٍ من المسلمين إزالتها.

مسألة 1064: إذا كان له باب في شارعٍ و ظَهْر داره إلي دربٍ غير نافذٍ، فأراد أن يُخرج روشناً فيه، لم يكن له ذلك؛

لأنّ الدرب مملوكٌ لقومٍ بأعيانهم، و ليس له حقٌّ معهم فيه.

و لو كان له فيه باب، فكذلك عندنا لا يجوز له الإحداث إلّا بإذن باقي أربابه.

و للشافعيّة قولان تقدّما(1).

و إذا أذن أرباب الدرب المختصّ بهم في وضع بابٍ أو نصب ميزابٍ أو إشراع جناحٍ أو روشنٍ أو ساباطٍ، كان هذا الإذن عاريةً يجوز له الرجوع فيه متي شاء، لكن مع الأرش؛ لأنّه سبب في إتلاف مال الغير، علي إشكالٍ.

مسألة 1065: يجوز فتح الروازن و الشبابيك في الحيطان التي في الدروب المسدودة،

و ليس لأحدٍ منعُ ذلك، سواء كان لصاحب الحائط في ذلك الدرب بابٌ أو لم يكن؛ لأنّ له رفعَ جميع الحائط و أن يضع مكانه شُبّاكاً فبعضه أولي، و إنّما مُنع في الباب لمعنيً غير موجودٍ هنا.

و كذا له فتح روزنةٍ و شُبّاكٍ في حائطه الفاصل بينه و بين جاره و إن حرم عليه الاطّلاع إلي دار الغير، بل ليستفيد الإضاءة في بيته. و للجار أن

ص: 57


1- في ص 48، «الثاني: الطرق غير النافذة».

يبني حائطاً في وجه شُبّاكه و روزنته و أن يمنع الضوء بذلك، لا سدّ الروزنة و الشُّبّاك.

مسألة 1066: يجوز لكلّ أحدٍ الاستطراقُ في الطرق النافذة علي أيّ حالٍ شاء

من سرعةٍ و بطءٍ و ركوبٍ و ترجّلٍ، و لا فرق في ذلك بين المسلم و الكافر؛ لأنّها موضوعة لذلك.

و أمّا الطرق المقطوعة: فكذلك مع إذن أربابها.

و لو منع واحد أو منعوا بأسرهم، فالأقرب: عدم المنع؛ لأنّ لكلّ أحدٍ دخولَ هذا الزقاق، كدخول الدرب النافذ.

و فيه إشكال أقربه: إنّ جواز دخولها من قبيل الإباحات المستندة إلي قرائن الأحوال، فإذا عارضه نصّ المنع عُمل به.

و أمّا الجلوس بها و إدخال الدوابّ إليها فالأقوي: المنع، إلّا مع إذن الجميع فيه.

و لو كان بين داريه طريقٌ نافذ فحفر تحته سرداباً من إحداهما إلي الأُخري و أحكم الأزج، قال بعض الشافعيّة: لم يُمنع(1).

و هو جيّد إن لم يتضرّر به أحد من المارّة.

و ليس له أن يحفر علي وجه الأرض ثمّ يعمل الأزج.

و كذا لا يجوز عمل السرداب في الطريق المسدود - إلّا بإذن أربابه - و إن أحكم الأزج و حفر تحت الأرض؛ لأنّ أربابه محصورون، و سواء حصل لهم ضرر بذلك أو لا، خلافاً لبعض الشافعيّة(2).

و لا يجوز وضع ساقيةٍ مبتكرة في دربٍ مسلوك، سواء تضرّر بها

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 103:5، روضة الطالبين 445:3.
2- العزيز شرح الوجيز 103:5، روضة الطالبين 445:3.

السائرون فيها، أو لا، و لو حفرها كان لكلّ أحدٍ إزالتها.

و لو وضع عليها أزجاً محكماً، فالأقرب: جواز إزالته لكلّ أحدٍ.

و لو سدّ الطريق النافذ، كان لكلّ أحدٍ إنفاذه كما كان، و إزالة السدّ و إعادته كما كان.

و لو جعل الطريق المقطوع مسلوكاً بأن جعل الاستطراق في ملكه و رفع الحاجز، فإن كان سبّله مؤبّداً و سلك فيه أحد لم يكن له بعد ذلك قطعه، و لو لم يرد تسبيله كان كالعارية يجوز له الرجوع فيه.

و لو غصب ملك غيره فجعله طريقاً، كان للمالك الرجوعُ إلي عين ملكه و قطع السلوك منه.

البحث الثاني: الجدران.
اشارة

و النظر في أُمور ثلاثة:

الأمر الأوّل: التصرّف.
اشارة

الجدار بين الملكين إمّا أن يكون مختصّاً بمالكٍ واحد، أو يكون مشتركاً بين صاحبي الملكين.

فإن كان مختصّاً بمالكٍ واحد، كان له التصرّف فيه كيف شاء بهدمٍ و بناءٍ و غير ذلك، و ليس للآخَر وضع خشبةٍ و لا جذعٍ عليه إلّا بإذن مالكه، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام:

ص: 59


1- الحاوي الكبير 391:6، المهذّب - للشيرازي - 342:1، الوسيط 56:4، الوجيز 179:1، حلية العلماء 16:5، التهذيب - للبغوي - 151:4، البيان 239:6، العزيز شرح الوجيز 104:5، روضة الطالبين 446:3، المغني 38:5، الشرح الكبير 37:5، عيون المجالس 1653:4-1167/1654.

«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسٍ منه»(1) و لأنّ العقل قاضٍ بقبح تصرّف الغير في مال الغير بغير إذنه.

و قال مالك و أحمد: إنّ للجار أن يضع الجذوع علي جدار جاره، فإن امتنع المالك أُجبر علي ذلك، و هو قول الشافعي في القديم(2) ؛ لما رواه أبو هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «لا يمنع أحدكم جارَه أن يضع خُشبه علي جداره» قال: فنكّس القوم رءوسهم، فقال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين و اللّه لأرمينّها - أي لأضعنّ هذه السنّة - بين أظهركم(3).

و لو سُلّم الحديث لحُمل علي الاستحباب؛ لما تقدّم من الحديث الأوّل.

إذا عرفت هذا، فقد شرط الشافعي في قوله القديم أُموراً ثلاثة:

أ: أن لا يحتاج مالك الجدار إلي وضع الجذوع عليه.

ب: أن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار، و لا يبني عليه أزجاً، و لا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار، و يضرّ به.

ج: أن لا يملك شيئاً من جدران البقعة التي يريد تسقيفها، أو3.

ص: 60


1- سنن الدارقطني 91/26:3، مسند أحمد 20172/69:6 بتفاوت يسير.
2- المنتقي - للباجي - 43:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 597:2-1005/598، عيون المجالس 1167/1654:4، الحاوي الكبير 391:6، المهذّب - للشيرازي - 342:1، الوسيط 56:4، حلية العلماء 15:5، التهذيب - للبغوي - 151:4، البيان 238:6-239، العزيز شرح الوجيز 104:5، روضة الطالبين 446:3، المغني 38:5، الشرح الكبير 37:5.
3- صحيح البخاري 173:3، صحيح مسلم 1609/1230:3، سنن ابن ماجة 2335/783:2، سنن أبي داوُد 314:3-3634/315، سنن الترمذي 1353/635:3، سنن البيهقي 68:6، الموطّأ 32/745:2، مسند أحمد 8900/107:3.

لا يملك إلّا جداراً واحداً، فإن مَلَك جدارين فليسقف عليهما، و لا يُجبر - و الحال هذه - صاحب الجدار(1).

و جَعَل بعض الشافعيّة عوض الشرط الثالث أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت و هو يحتاج إلي جانبٍ رابع، فأمّا إذا كان الكلّ للغير، فإنّه لا يضع الجذوع عليها قولاً واحداً(2).

مسألة 1067: قد بيّنّا أنّه ليس للجار وضع جذعٍ و لا غيره علي حائط الغير

و إن كان محتاجاً إلي الوضع و كان الجار مستغنياً عن الحائط، إلّا بإذنه، فإن أذن في الوضع بغير عوضٍ فهو إعارةٌ له الرجوع فيها متي شاء قبل الوضع مجّاناً قطعاً.

و أمّا بعد الوضع للجذوع و البناء عليها: فالأقرب: إنّ له الرجوعَ أيضاً، كما في سائر العواري، لكن ليس له القلع مجّاناً، بل مع الأرش و إن كان القلع يؤدّي إلي خراب ملك الجار، و إن شاء أبقاه بالأُجرة، فيثبت له الخيار بين القلع بالأرش و بين التبقية بالأُجرة، كما لو أعار أرضاً للبناء، و هو أظهر قولَي الشافعيّة(3).

قالوا: إلّا أنّ في إعارة الأرض أمراً ثالثاً يتخيّر فيه، و هو تملّك البناء بالقيمة، و ليس لمالك الجدار ذلك؛ لأنّ الأرض أصلٌ، فجاز أن تستتبع البناء، و الجدار تابع فلا يستتبع(4).

و عندي أن لا ثالث هنا و لا في الأرض.

ص: 61


1- العزيز شرح الوجيز 104:5، روضة الطالبين 446:3.
2- العزيز شرح الوجيز 104:5، روضة الطالبين 446:3.
3- التهذيب - للبغوي - 153:4، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 447:3.
4- التهذيب - للبغوي - 153:4، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 447:3.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه ليس له القلع؛ لأنّ ضرر القلع يتداعي إلي ما هو خالص ملك المستعير؛ لأنّ الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك علي الجدار الثاني، بل تثبت له الأُجرة خاصّةً(1).

و قال بعضهم: إنّه ليس له الرجوعُ أصلاً، و لا يستفيد به القلع و لا طلب الأُجرة للمستقبل(2) ؛ لأنّ مثل هذه الإعارة يراد بها التأبيد، فكان بمنزلة ما لو أعار أرضاً للدفن فدفن، لم يتمكّن المعير من قلعه و لا من طلب الأُجرة(3).

و لعلّ بينهما فرقاً.

مسألة 1068: لو أذن للجار في وضع الجذوع علي جداره فوَضَعها، لم يستعقب ذلك المطالبة بالأُجرة

عمّا قبل الرجوع، فإن رفع صاحب الجذوع جذوعه لم يكن له إعادتها إلّا بإذنٍ جديد؛ لأنّ الإذن الأوّل زال بزواله.

و كذا لو أذن في وضع روشنٍ علي حائطه أو جناحٍ أو ساباطٍ.

و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّ له الوضعَ؛ عملاً باستصحاب الإذن الأوّل(4).

و كذا لو سقطت الجذوع أو الروشن أو الساباط أو الجناح بنفسه.

و لو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة فكذلك؛ لأنّ الإذن لا يتناول إلّا مرّةً.

ص: 62


1- العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 447:3.
2- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «في المستقبل» بدل «للمستقبل».
3- الحاوي الكبير 392:6، التهذيب - للبغوي - 153:4، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 447:3.
4- البيان 240:6، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 447:3.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو بناه بغير تلك الآلة، لم يُعِد الوضعَ إلّا بإذنٍ جديد عندنا و عند الشافعيّة قولاً واحداً(2).

و لو صالحه علي وضع الجذوع أو الجناح أو الروشن أو الساباط علي حائطه، جاز، و به قال الشافعي(1) ، بخلاف ما لو صالحه عن إشراع الجناح؛ لأنّه صلح عن الهواء المجرّد، فلا يجوز عنده(2).

و قد سبق(3) كلامنا فيه.

و لو رضي مالك الجدار بوضع الجذوع بعوضٍ، فذلك إمّا بيع أو إجارة، و سيأتي.

و علي قول الشافعي - بأنّ له الإجبارَ علي وضع الخشب(4) - لا تصحّ المعاوضة و لا الصلح عليه بمالٍ؛ لأنّ مَنْ ثبت له حقٌّ لا يؤخذ منه عوضٌ عليه(5).

لكنّا قد بيّنّا بطلان هذا القول من رأسٍ.

مسألة 1069: إذا كان الجدار مشتركاً بين اثنين و أكثر، لم يكن لأحدٍ من الشركاء التصرّفُ فيه بشيءٍ

من وجوه الانتفاعات حتي ضَرْب الوتد فيه و فتح الكُوّة بل و أخذ أقلّ ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب بدون إذن

ص: 63


1- التهذيب - للبغوي - 153:4، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 448:3.
2- العزيز شرح الوجيز 105:5-106، روضة الطالبين 448:3.
3- في ص 55-56، المسألة 1062.
4- راجع الهامش (2) من ص 60.
5- التهذيب - للبغوي - 152:4، العزيز شرح الوجيز 105:5، روضة الطالبين 448:3.

جميع الشركاء فيه كغيره من الأموال المشتركة مطلقاً، سواء كان وضع جذوعٍ عليه أو لا.

و للشافعي في الإجبار علي وضع الجذوع قولان؛ لأنّ له أن يُجبر جاره علي وضع جذوعه علي جداره، فشريكه أولي(1).

و الأصل قد بيّنّا بطلانه.

نعم، يجوز الانتفاع منه بل و من جدار الغير بما لا تقع المضايقة فيه، كالاستناد إليه و إسناد المتاع إليه إذا لم يتضرّر الجدار به؛ لأنّه بمنزلة الاستظلال بجدار الغير و الاستضاءة بسراجه.

و لو منع مالك الجدار من الاستناد، فالوجه: التحريم؛ لأنّه نوع تصرّفٍ بإيجاد الاعتماد عليه.

و لو بني في ملكه جداراً متّصلاً بالجدار المشترك أو المختصّ بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه، جاز، و لم يكن للآخَر الاعتراضُ.

الأمر
اشارة

الأمر(2) الثاني: القسمة.

مسألة 1070: لكلّ جسمٍ أبعاد ثلاثة: طولٌ و عرضٌ و عُمْقٌ.

و نعني بطول الحائط امتداده من زاويةٍ من البيت إلي الزاوية الأُخري أو من حدٍّ من أرض البيت إلي حدٍّ آخَر من أرضه، و لا نريد به ارتفاعه عن الأرض؛ فإنّ ذلك هو العمق و السَّمْك باعتبار أخذ المساحة، أو الاعتبار من تحتٍ و من فوقٍ.

ص: 64


1- العزيز شرح الوجيز 106:5، روضة الطالبين 448:3.
2- بدل ما بين المعقوفين هنا و فيما يأتي في ص 67 في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النظر». و الظاهر ما أثبتناه.

و أمّا العرض: فهو البُعْد الثالث منه.

فإذا كان طوله عشرةً و عرضه ذراعاً، جاز قسمته في الطول و العرض إن أراداها، فإذا طلب أحدهما قسمته في كلّ الطول و نصف العرض ليصير لكلّ واحدٍ نصف ذراعٍ في طول عشرةٍ، و أجابه الآخَر، جاز.

و كذا يجوز أن يقتسماه في كلّ العرض و نصف الطول، فيصير لكلّ واحدٍ خمسة أذرع في عرض ذراعٍ.

فإن طلبا قسمته علي الوجه الثاني، كان للحاكم أن يُعلِّم بينهما بعلامةٍ و يخطّ رسماً للتنصيف، أو يشقّ الجدار و ينشره بالمنشار.

و إن طلبا قسمته علي الوجه الأوّل، قسّمه بالعلامة، دون الشقّ و النشر؛ لأنّ شقّ الجدار في الطول إتلافٌ له و تضييعٌ.

و لو باشر الشريكان قسمته بالمنشار، لم يمنعهما أحد، كما لو نقضاه و اقتسما الانقاض.

و لو طلب أحد الشريكين قسمة الجدار و امتنع الآخَر، نُظر إن طلب القسمة علي الوجه الأوّل، لم تجب الإجابة؛ لأنّا لو أوجبنا القسمة علي هذا النحو لأُقرع في التخصيص، و القرعة ربما تُعيّن الشقّ الذي يلي أحدهما للآخَر، و الذي يلي الآخَر للأوّل، فلا يتمكّن أحدهما من الانتفاع بما وقع له بالقسمة، و لأنّه لا يتمكّن من إفصال أحدهما من الآخَر بفَصْلٍ محقّق؛ لأنّ غايته رسم خطٍّ بين الشقّين، فإذا بني أحدهما علي ما صار إليه، تعدّي الثقل و التحامل إلي الشقّ الآخَر.

نعم، لو تراضيا علي هذه القسمة، جاز، و كان رسم الخطّ كافياً في القسمة.

و عن بعض الشافعيّة أنّه يُجبر الممتنع عن القسمة، و لا قرعة، بل

ص: 65

يُخصَّص كلّ واحدٍ منهما بما يليه ليقع النفع لهما معاً(1).

و أمّا إن طلب أحدهما القسمة علي الوجه الثاني - و هو قسمة نصف الطول في كلّ العرض - فإن رضي الآخَر و أجابه إليها، جاز.

و إن امتنع فإن انتفي الضرر عنهما أو عن الممتنع، أُجبر عليها، و إن تضرّر الممتنع لم يُجبر عليها.

و للشافعيّة وجهان في الإجبار، فمَن اعتبر في القسمة الشقَّ و القطعَ مَنَع من القسمة؛ لأنّ القطع يوجب إتلاف بعض الجدار، و لا إجبار مع الإضرار(2).

و قال بعض هؤلاء: إنّ التضرّر و النقصان هنا هيّن في هذا النوع، فكان بمنزلة قسمة الثوب الصفيق(1).

و مَن اكتفي في القسمة برسم العلامة و الخطّ اختلفوا أيضاً:

فبعضهم جوّز الإجبار؛ لأنّه يمكن تأتّي الانتفاع بما يصير إليه(4).

و بعضهم مَنَع؛ لتعذّر الفاصلة المحقّقة(5).

مسألة 1071: لو انهدم الجدار أو هدماه أو لم يرسماه في الأوّل

فأرادا قسمة عرصته في كلّ الطول و نصف العرض و لا ضرر مطلقاً أو لا ضرر علي الممتنع، فإن قلنا بتخصيص كلّ واحدٍ بالشقّ الذي يليه من غير قرعةٍ، أُجيب طالبها إليها.

و إن منعنا من قسمة الحائط في المسألة الأُولي، فللشافعيّة هنا وجهان مبنيّان علي أنّ المنع في الحائط حذراً من القرعة أو من عدم تأتّي الفصل

ص: 66


1- العزيز شرح الوجيز 107:5. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 107:5، روضة الطالبين 449:3.

المحقّق ؟ فإن قالوا بالأوّل استمرّ المنع من القسمة هنا؛ لأنّ المانع هناك موجود هنا، و إن قالوا بالثاني أُجبر الممتنع عليها؛ لزوال المانع، لإمكان الفصل هنا(1).

و لو طلب قسمتها في نصف الطول و كلّ العرض، أُجيب؛ لفقد الموانع المذكورة في الجدار هنا.

و إذا بني الجدار و أراد أن يكون عريضاً، زاد في عرضه من عرصة بيته.

الأمر الثالث: العمارة.
مسألة 1072: إذا استهدم الحائط، أُجبر صاحبه علي نقضه

لئلّا يتأذّي به أحد، سواء كان المالك واحداً أو أكثر.

و لو كان لاثنين فنقضاه لاستهدامه أو لغير استهدامه أو انهدم الجدار بنفسه، لم يُجبرا علي بنائه، و لا يُجبر أحدهما لو امتنع، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين - و هو الجديد له - و مالك و أحمد في إحدي الروايتين عنهما(2) - لأنّه ملكه، فإذا لم يكن له حرمة في نفسه

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 108:5، روضة الطالبين 449:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 92:17-93، الحاوي الكبير 401:6، المهذّب - للشيرازي - 343:1، الوسيط 58:4، حلية العلماء 18:5، التهذيب - للبغوي - 156:4، البيان 245:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1-319، العزيز شرح الوجيز 109:5، روضة الطالبين 450:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1007/598:2، التفريع 293:2، عيون المجالس 1168/1655:4، المعونة 1201:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 493، المغني 46:5، الشرح الكبير 43:5.

لم يُجبر علي الإنفاق عليه، كما لو انفرد به، بخلاف الحيوان ذي الحرمة، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه؛ لحرمته، و تعلّق غرض الشارع بالانتفاع به، و لأنّه ملكه، فلا يُجبر علي عمارته، كما لا يُجبر علي زراعة الأرض المشتركة، و لأنّه بناء حائطٍ، فلا يُجبر عليه، كالابتداء، و لأنّه لو أُجبر علي البناء فإمّا لحقّ نفسه، و هو باطل بما لو انفرد به، أو لحقّ غيره، و لا يجوز أن يُجبر الإنسان علي عمارة ملك الغير، كما لو انفرد به الغير.

و القول القديم للشافعي: إنّهما يُجبران علي عمارته، و يُجبر الممتنع عليها - و هو الرواية الأُخري عن مالك و عن أحمد - دفعاً للضرر عن الشركاء، و صيانةً للأملاك المشتركة عن التعطيل، و قد قال النبيّ صلي الله عليه و آله:

«لا ضرر و لا إضرار»(1) و في ترك بنائه إضرار، فأُجبر الممتنع عليه، كما يُجبر علي القسمة بينهما لو طلب أحدهما، و الملك و إن لم يكن له حرمة يلزمه بسببها الإنفاق عليه فإنّ شريكه له حرمة(2).

و لا نسلّم أنّ في ترك بنائه ضرراً؛ فإنّ الضرر إنّما حصل بانهدامه، و إنّما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به، و في ترك بنائه إضرار به، و لا يُزال الضرر بالضرر.5.

ص: 68


1- الفقيه 154/45:3، سنن الدارقطني 84/228:4 و 85، مسند أحمد 2862/515:1.
2- الحاوي الكبير 400:6، المهذّب - للشيرازي - 343:1، الوسيط 58:4، حلية العلماء 18:5، التهذيب - للبغوي - 156:4، البيان 245:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 319:1، العزيز شرح الوجيز 109:5، روضة الطالبين 450:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1007/598:2، التفريع 293:2، عيون المجالس 1168/1655:4، المعونة 1201:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 493، المغني 46:5، الشرح الكبير 43:5.

و الخبر مشترك الدلالة؛ لأنّ في تكليف الشريك العمارةَ إضراراً عظيماً به، فلم يُجبر عليها.

و الفرق بينه و بين القسمة ظاهر؛ فإنّ للإنسان الاختصاصَ بالتصرّف في ملكه، و إنّما يتمّ بالقسمة، و الإجبار علي العمارة يقتضي إجبار الغير علي عمارة ملكه لينتفع الآخَر به، و القسمة دفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه، و البناء مضرّ؛ لما فيه من الغُرْم، و لا يلزم من إجباره علي إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره علي إزالته بما فيه ضرر.

مسألة 1073: لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه،

فإن كان لاستهدامه و في موضع وجوب الهدم، لم يكن عليه شيء.

و إن كان ممّا لا يجب هدمه أو هدمه و هو معمور لا يخشي عليه السقوط، فقد اختلف قول علمائنا:

قال بعضهم: يُجبَر الهادم علي عمارته و إعادته إلي ما كان عليه أوّلاً(1).

و الأقوي: لزوم الأرش علي الهادم؛ لأنّ الجدار ليس بمِثْليٍّ.

مسألة 1074: قد بيّنّا أنّه لا يجب علي الشريك في الجدار بناؤه لو انهدم

و لا مساعدة شريكه فيه لإزالة الضرر عن شريكه؛ لأنّ الممتنع قد لا يكون له نفعٌ في الحائط، بل و قد يكون عليه ضرر فيه أكثر من نفعه به، و قد يكون معسراً لا مال له ينفق علي البناء، فحينئذٍ لا يُجبر لو امتنع عن الإنفاق و إن كان موسراً و كان يتضرّر بترك البناء.

و علي القديم للشافعي يُجبر(2).

ص: 69


1- شرائع الإسلام 125:2.
2- راجع الهامش (2) من ص 68.

فإن أصرّ علي الامتناع، أنفق الحاكم عليه ليرجع علي الممتنع إذا وُجد له مالٌ، فإن استقلّ و بذل أن يبنيه و يرجع عليه، ففي الرجوع عليه قولان للشافعي، و لأصحابه طُرق:

أصحّها عند أكثرهم: القطع بعدم الرجوع، و حمل قول الرجوع علي ما إذا أنفق بالإذن.

و الثاني: إنّ القول بعدم الرجوع تفريع علي الجديد، و القول بالرجوع تفريع علي القديم.

و الثالث: إن قلنا بالقديم رجع قطعاً، و إن قلنا بالجديد فقولان.

و الرابع: إن أمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع [و إن لم يمكنه](1) فيرجع، أمّا إن أذن له الحاكم في البناء ليرجع أو بذل عن الشريك إقراضه، فإنّ له الرجوعَ إن قلنا به(2).

مسألة 1075: لو كان بين الشريكين نهر مشترك أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو بئر فاحتاج شيء من ذلك في الانتفاع به إلي العمارة،

لم يُجبر أحد الشريكين الآخَر علي العمارة كما قلنا في الجدار، و هو الجديد للشافعي، كما تقدّم.

و في القديم: إنّه يُجبر، و به قال أبو حنيفة(3) ، و فرّق بين هذه و بين الجدار، فأوجب علي الشريك في هذه العمارةَ و الإصلاحَ و تنقيةَ البئر،

ص: 70


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو لا يمكنه». و الأنسب بالعبارة ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3.
3- حلية العلماء 19:5، التهذيب - للبغوي - 157:4، البيان 245:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1-319، العزيز شرح الوجيز 109:5، المغني 50:5، الشرح الكبير 49:5.

و لم يوجب بناء الجدار؛ لأنّ الشريك لا يتمكّن من مقاسمته، فيضرّ به، بخلاف الحائط، فإنّه يمكنه قسمته مع شريكه و قسمة عرصته(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ في قسمة العرصة إضراراً بهما، و في قسمة الحائط أكثر إضراراً و الإنفاق أرفق، فكانا سواءً.

مسألة 1076: لو كان علوّ الجدار لواحدٍ و سُفْلها لغيره فانهدمت،

لم يكن لصاحب السُّفْل إجبار صاحب العلوّ علي مساعدته في إعادة السُّفْل؛ لأصالة البراءة.

و كذا ليس لصاحب العلوّ إجبار صاحب السُّفْل علي إعادة السُّفْل ليبني عليه علوّه، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد، و أحمد في إحدي الروايتين، و أبو الدرداء(2) - لما تقدّم من أنّ الإنسان لا يُجبر علي عمارة ملكه و لا عمارة ملك غيره، و الحقّ لا يعدوهما.

و قال الشافعي - في القديم - و مالك و أحمد - في الرواية الأُخري - و أبو ثور: إنّه يُجبر صاحب السُّفْل علي الإعادة، و إذا قلنا بالإجبار وجب عليه وحده الإنفاق عليه؛ لأنّه خاصّ ملكه(3).

ص: 71


1- الحاوي الكبير 404:6، حلية العلماء 19:5، التهذيب - للبغوي - 157:4، البيان 245:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 319:1، العزيز شرح الوجيز 109:5، روضة الطالبين 450:3.
2- تحفة الفقهاء 191:3، بدائع الصنائع 264:6، المبسوط - للسرخسي - 92:17، روضة القضاة 5209/773:2، الحاوي الكبير 401:6، التنبيه: 104، المهذّب - للشيرازي - 344:1، الوسيط 58:4، حلية العلماء 19:5، التهذيب - للبغوي - 157:4، البيان 248:6، العزيز شرح الوجيز 109:5، روضة الطالبين 450:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1-319، المغني 48:5-49، الشرح الكبير 47:5، عيون المجالس 1170/1657:4.
3- الحاوي الكبير 400:6، التنبيه: 104، المهذّب - للشيرازي - 344:1، الوسيط 58:4، حلية العلماء 19:5، التهذيب - للبغوي - 156:4-157، البيان 248:6، العزيز شرح الوجيز 109:5، روضة الطالبين 450:3، التفريع 294:2، التلقين: 433، عيون المجالس 1170/1656:4، المغني 48:5، الشرح الكبير 47:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 319:1، روضة القُضاة 5210/773:2.

و كذا لو كان له ساباط استحقّ وضعه علي حائط غيره فانهدم، لم يُجبر أحدهما علي العمارة.

و للشافعيّة قولان(1).

و هذا الخلاف فيما إذا انهدم الحائط أو هدمه صاحب السُّفْل و العلوّ معاً من غير شرطٍ، أمّا إذا استهدم فهدمه صاحب السُّفْل بشرط أن يعيده، أُجبر عليه قولاً واحداً.

و يجري الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتّخاذ سترةٍ بين سطحيهما، هل يُجبر الآخَر علي مساعدته ؟ و مذهبنا أنّه لا يُجبر؛ لأصالة البراءة.

مسألة 1077: إذا انهدم الحائط المشترك فطلب أحدهما بناءه، لم يُجبر الآخَر علي ذلك،

كما تقدّم(2) ، و هو الجديد للشافعي.

و في القديم - و به قال مالك و أحمد في روايةٍ عنهما -: إنّه يُجبر(3).

فإن كان له مالٌ و امتنع، أنفق الحاكم منه، و إن لم يكن له مالٌ فبذل شريكه أن يبنيه و يرجع عليه، أذن له الحاكم.

و كذا إن بذل غيره إقراضه.

فإذا بناه بإذن الحاكم، استحقّ ما أنفقه علي شريكه عنده(4) ، و كان

ص: 72


1- لم نعثر عليهما في مظانّه.
2- في ص 67، المسألة 1072.
3- راجع الهامش (2) من ص 68.
4- البيان 246:6، العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3.

الحائط بينهما يعيد كلّ واحدٍ منهما رسومه عليه.

و لو بناه بغير إذن شريكه في الإنفاق و لا إذن الحاكم عند امتناع شريكه، كان متطوّعاً، و لا يرجع به علي شريكه.

ثمّ يُنظر فإن بناه و أعاد الحائط بالآلة المشتركة القديمة، فالجدار بينهما كما كان؛ لأنّ المُنفق إنّما أنفق علي التأليف، و ذلك أثر لا عين يملكها و يختصّ بها.

و لو أراد الباني نقضه، لم يكن له ذلك؛ لأنّه ملكهما، فليس له التصرّف بما فيه ضرر عليهما. و كون التأليف منه لا يقتضي جواز نقضه.

و كذا لو بني صاحب السُّفْل جدران السُّفْل بإنقاضه القديمة، فهو لصاحب السُّفْل كما كان، و ليس لصاحب العلوّ نقضه و لا منعه من الانتفاع بملكه.

و إن بناه بآلةٍ من عنده مستجدّة، فالحائط له ينفرد بملكه، و له أن يمنع شريكه من وضع خشبه عليه، و يُمكَّن من نقضه؛ لأنّه ملكه خاصّةً، فله التبقية و الإزالة، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و يشكل فيما إذا كانت العرصة مشتركةً.

و لو قال الشريك: أنا أدفع إليك نصف النفقة و لا تنقض، فعلي القديم للشافعي: لا يجوز له النقض، و يجب عليه القبول؛ لأنّ لأحد الشريكين إجبارَ الآخَر علي البناء، فلأن يُجبره علي الاستدامة أولي، فإن لم يبذل دَفْعَ قيمة نصف البناء كان للباني نقضُه(2).3.

ص: 73


1- المهذّب - للشيرازي - 343:1، التهذيب - للبغوي - 157:4، البيان 246:6، العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3، المغني 47:5، الشرح الكبير 45:5.
2- العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3.

و علي الجديد لو أراد الشريك الطالب للعمارة الانفرادَ بها، فإن أراد عمارة الجدران بالنقض المشترك أو أراد صاحب العلوّ إعادة السُّفْل بنقض صاحب السُّفْل أو بآلةٍ مشتركة بينهما، فللآخَر منعه منها.

و إن أراد بناءه بآلةٍ من عنده، فله ذلك، و جاز أن يبني علي عرصةٍ مشتركة بينه و بين غيره بغير إذنه ليصل إلي حقّه من الحمل عليه و الرسم، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة علي الجدار المشترك، ينفرد بإعادتها(1).

ثمّ إن أعاده بآلته، كان لشريكه وضعُ خشبه عليه؛ لأنّه ملكٌ لهما، فكان له ردّ رسومه عليه.

و إن بناه بآلةٍ من عنده مختصّة به، انفرد بملكه، و كان له أن يمنع الذي كان لشريكه من وضع رسومه، و كان المعاد ملكاً للباني يضع عليه ما شاء، و ينقضه إذا شاء.

و لو قال الشريك: لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة، أو قال صاحب السُّفْل: لا تنقض لأغرم لك القيمة، لم تلزمه إجابته علي هذا القول - و هو عدم الإجبار علي البناء - فلا يُجبره علي التبقية، كابتداء العمارة.

و لو طالَبه شريكه بنقضه، لم يكن له ذلك، إلّا أن يكون له رسم خشبٍ عليه، فيقول: إمّا أن تأخذ منّي نصف قيمته و تمكّنني من وضع خُشُبي عليه، أو تقلع حائطك لنبنيه جميعاً، كان له ذلك؛ لأنّه لا يجوز للباني إبطال رسومه ببنائه.

و لو قال صاحب السُّفْل: انقض ما أعدتَه لأبنيه بآلة نفسي، فإن كان قد طالَبه بالبناء [فلم يُجب](2) لم يُجب الآن إلي ما يقوله، و إن لم يطالبه3.

ص: 74


1- العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 110:5، و كما هو المستفاد من روضة الطالبين 451:3.

و قد بني علوّه عليه فكذلك لا يُجاب.

و هل له أن يتملّك السُّفْل بالقيمة ؟ قال بعض الشافعيّة: نعم(1).

و ليس بجيّدٍ.

و إن لم يَبْن عليه صاحب العلوّ بَعْدُ، أُجيب صاحب السُّفْل.

و مهما بني الباني بآلة نفسه، فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوّةٍ و غرز وَتَدٍ و وضع خشبةٍ و غير ذلك، و ليس له منع صاحب السُّفْل من السكون؛ فإنّ العرصة ملكه.

و قال بعض الشافعيّة: له المنع من السكون أيضاً(2). و هو غلط.

و لو أنفق أحد الشريكين علي البئر و النهر، لم يكن له منع الشريك من [سقي](3) الزرع و الانتفاع بالماء، و له منعه من الانتفاع بالدولاب و البكرة المحدثين.

و لو كان للممتنع علي الجدار الذي انهدم جذوع فأراد إعادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه، كان علي الباني تمكينه، أو نقض ما أعاده ليبني معه الممتنع و يعيد جذوعه.

مسألة 1078: لو كان بينهما دولاب أو ناعورة، كان حكمهما حكمَ الحائط علي ما ذكرناه.

و لو كان بينهما بئر أو نهر، فإن قلنا: ليس لأحدهما إجبار الآخَر علي الإنفاق، كان لكلّ واحدٍ منهما أن يُنفق علي ذلك، فإن أنفق أحدهما عليه،

ص: 75


1- العزيز شرح الوجيز 110:5، روضة الطالبين 451:3.
2- العزيز شرح الوجيز 111:5، روضة الطالبين 452:3.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين». راجع الهامش السابق.

لم يكن له أن يمنع الآخَر من نصيبه من الماء؛ لأنّ الماء ينبع من ملكهما المشترك بينهما، و إنّما أثر أحدهما نقل الطين عنه، و ليس له فيه عين ملكٍ، بخلاف الحائط إذا بناه بغير آلته.

و إن قلنا: يُجبر الممتنع منهما - كما هو قول الشافعي في القديم(1) - أجبره الحاكم. فإن امتنع و له مالٌ ظاهر، أنفق منه، و إن لم يكن له، أذن لشريكه، و يُنفق عليه، و يرجع بقدر نصيب شريكه عليه. فإن أنفق شريكه بغير إذنه و لا إذن الحاكم، كان متبرّعاً لا يرجع عليه قولاً واحداً، و ليس له منعه من حقّه من الماء علي ما تقدّم.

و قد عرفت مذهبنا فيه، و أنّ الشريك ليس له الإجبار علي الإنفاق.

مسألة 1079: قد ظهر بما مرّ: إنّ الجدار المشترك بين اثنين لو انفرد أحدهما بإعادته بالنقض المشترك فإنّه يعود مشتركاً كما كان،

فلو عمراه معاً و أعاداه بالنقض المشترك بينهما، كان الاشتراك بينهما أولي.

إذا عرفت هذا، فلو شرطا مع التعاون علي الإعادة و الشركة في بنائه زيادةً لأحدهما، قالت الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّه شرط عوضٍ من غير معوّضٍ، فإنّهما متساويان في العمل و في الجدار و العرصة و الأنقاض(2).

و الأقوي عندي: الجواز؛ عملاً بالشرط، و قد قال عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) و به قال بعض الشافعيّة(4).

و كذا لو باع أحد الشريكين في دارٍ أو متاعٍ نصفَه من المشترك بثلث

ص: 76


1- راجع الهامش (1) من ص 71.
2- البيان 248:6، العزيز شرح الوجيز 111:5، روضة الطالبين 452:3.
3- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- العزيز شرح الوجيز 111:5، روضة الطالبين 452:3.

المشترك من نصف صاحبه، صحّ، و يصير المشترك بينهما أثلاثاً بعد أن كان نصفين، فلو باع أحدهما نصفَه المشاع بنصف صاحبه، فالأقوي:

الجواز.

و لم يقدّر الشافعيّة ذلك بيعاً، و لا تترتّب عليه أحكام البيع عندهم(1).

و الأقرب: ما قدّمناه من صحّة بيع أحدهما نصفَه بالثلث من نصف الآخَر و بنصفه.

و بعض الشافعيّة جوَّز البيعَ هنا، و مَنَع من صحّة الشرط في البناء؛ لأنّ الموجود في البناء هو البناء بشرط الزيادة لأحدهما، و مجرّد الشرط و الرضا بالتفاوت لا يغيّر كيفيّة الشركة القديمة، إلّا أنّ البناء بالإذن و الشرط قائم مقام البيع(2).

أمّا لو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك بإذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان، جاز، و يكون السدس الزائد له في مقابلة عمله في نصيب الآخَر.

و قال بعض الشافعيّة: هذا إنّما يتصوّر لو شرط سدس النقض له في الحال لتكون الأُجرة عتيدةً(1) ، فأمّا إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء، لم يصح؛ فإنّ الأعيان لا تؤجَّل(2).

قيل عليه: التصوير و إن وقع فيما ذكره لكن وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمُرضع جزءاً من الرقيق المرتضع في الحال و لقاطف الثمار جزءاً من الثمار المقطوفة في الحال؛ لأنّ عمله يقع علي ما3.

ص: 77


1- أي: حاضرة: لسان العرب 279:3 «عتد».
2- العزيز شرح الوجيز 111:5، روضة الطالبين 452:3.

هو مشترك بينه و بين غيره. و سيأتي(1).

و لو بناه أحدهما بآلة نفسه بإذن الآخَر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له، فقد قابل ثلث الآلة المملوكة و عمله بسدس العرصة المبنيّ عليها.

و في صحّة هذه المعاملة للشافعيّة قولان؛ لأنّه قد جمع فيها بين أمرين مختلفي الحكم، و هُما البيع و الإجارة(2).

و هذا عندنا صحيح، و الجمع بين الأُمور المختلفة الأحكام جائز عندنا.

و يشترط في صحّة ذلك العلمُ بالآلات و بصفات الجدار.

مسألة 1080: لو كان لشخصين مِلْكان متجاوران و لا حائط - يحجز بينهما - قديم،

فطلب أحدهما من الآخَر المساعدة علي بناء حائطٍ يحجز بينهما، فامتنع الآخَر، لم يُجبر علي مساعدته، و به قال أحمد روايةً واحدة(3).

و لو أراد البناء وحده، لم يكن له البناء إلّا في ملكه خاصّة؛ لأنّه لا يملك التصرّف في ملك جاره المختصّ و لا في الملك المشترك، فإن بناه في ملك جاره أو بعضه في ملكه و بعضه في ملك جاره، كان للجار هدمه؛ لأنّه وضع بغير حقٍّ، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 1081: لو كان له حقّ إجراء الماء في ملك الغير أو علي سطحه فانهدم ذلك الملك، لم يجب علي مستحقّ الإجراء مشاركته في العمارة؛

لأنّ العمارة تتعلّق بتلك الأعيان و هي لمالكها، و ليس لمستحقّ الإجراء فيها

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 111:5.
2- العزيز شرح الوجيز 112:5، روضة الطالبين 452:3.
3- المغني 48:5، الشرح الكبير 46:5-47.

شركة، و لا يجب أيضاً علي صاحب الملك العمارةُ لو طلبها صاحب الإجراء.

و لو كان الانهدام بسبب الماء، فكذلك علي الأقوي.

و ليس علي صاحب الإجراء عمارةٌ أيضاً؛ لأنّه ليس بملكٍ و الانهدامُ حصل بسببٍ مستحقٍّ، و هو أقوي وجهي الشافعيّة(1).

و لو حصل تفريط من أحد الشريكين أو من أحد المستحقّين في ذلك كلّه، كان عليه الضمان.

البحث الثالث: في السقف.
مسألة 1082: السقف الحائل بين العلوّ و السُّفْل المختلفي المالكين قد يكون مشتركاً بين المالكين،

و تارةً يكون خالصاً لأحدهما، كما تقدّم في الجدار بين الدارين لمالكين، لكن حكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار؛ فإنّه يجوز لصاحب العلوّ الجلوسُ و وضع الأثقال عليه علي الاعتياد، و لصاحب السُّفْل الاستظلالُ و الاستكنان به؛ لأنّا لو لم نُجوّز له ذلك لعَظُم الضرر و تعطّلت المنافع.

و الأقرب: إنّه ليس لصاحب السُّفْل تعليقُ الأمتعة فيه، سواء كان لها ثِقْلٌ يتأثّر به السقف أو لا، كالثوب و نحوه.

و للشافعيّة قولان فيما ليس له ثقل:

أحدهما: إنّه غير جائزٍ؛ إذ لا ضرورة فيه، بخلاف الاستظلال.

و الثاني: الجواز؛ بناءً علي الاعتياد تسويةً بين صاحب العلوّ و صاحب

ص: 79


1- العزيز شرح الوجيز 112:5، روضة الطالبين 452:3.

السُّفْل في تجويز تثقيل السقف.

فعلي هذا فلهم وجهان:

أحدهما: إنّ التعليق الجائز هو الذي لا يحتاج إلي إثبات وتدٍ في السقف.

و أظهرهما: إنّه لا فرق.

فإن قلنا: ليس له إثبات الوتد و التعليق فيه، فليس لصاحب العلوّ غرز الوتد في الوجه الذي يليه؛ إذ لا ضرورة إليه.

و إن جوّزنا ذلك لصاحب السُّفْل، ففي جوازه لصاحب العلوّ وجهان؛ لندور الحاجة إليه، بخلاف التعليق(1).

و أمّا ما لا ثقل له يتأثّر به السقف فعند الشافعيّة قولاً واحداً أنّه لا منع منه(2).

مسألة 1083: تصوير اشتراك السقف سهل،

و أمّا خلوصه لأحدهما:

فأمّا لصاحب العلوّ فبأن يبيعه صاحب السُّفْل السقفَ و الغرفةَ عندنا، أو يكون لصاحب السُّفْل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجذوع عليهما و البناء علي تلك الجذوع بعوضٍ أو بغير عوضٍ عندنا و عند الشافعي(3).

و أمّا لصاحب السُّفْل فبأن يبيعه جدران الغرفة دون سقفها، عندنا، أو يأذن لغيره في البناء علي سقف ملكه فيبني عليه، عندنا و عند الشافعي(4).

فإذا أذن المالك لغيره في البناء علي ملكه بغير عوضٍ، كان عاريةً.

و إن كان بعوضٍ، فهو إمّا إجارة بأن يُكري أرضه أو رأس جداره أو

ص: 80


1- العزيز شرح الوجيز 113:5، روضة الطالبين 453:3.
2- العزيز شرح الوجيز 113:5، روضة الطالبين 453:3.
3- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.
4- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.

سقفه مدّةً معلومة بأُجرةٍ معيّنة، و هو جائز، و به قال الشافعي(1) ، و سبيل ذلك سبيل سائر الإجارات، و إمّا بيعٌ بأن يأذن له فيه بصيغة البيع و يبيّن الثمن، و هو صحيح عندنا و عند الشافعي(2)؛ للأصل، و لعموم قوله تعالي:

«وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ» (3) .

و قال أبو حنيفة: لا يجوز. و به قال المزني(4).

و طريق ذلك أن يبيعه سطحَ البيت للبناء عليه أو علوَّه بثمنٍ معيّن.

و ليس له أن يبيع حقَّ البناء علي ملكه - خلافاً لبعض الشافعيّة(5) - لأنّ البيع إنّما يتناول الأعيان، و حقّ البناء ليس منها.

قال بعض الشافعيّة: بيع سطح البيت أو علوّه للبناء بثمنٍ معلوم هو بعينه بيع حقّ البناء علي ملكه، فإنّ المراد منهما شيء واحد و إن كان ظاهر اللفظ مشعراً بالمغايرة؛ لأنّ بيع العلوّ للبناء إمّا أن يراد به جملة السقف، أو الطبقة العليا منها، و علي التقديرين فهو بيع جزءٍ معيّن من البناء أو السقف.

و أيضاً فإنّهم صوّروا فيما إذا اشتراه ليبني عليه، و مَن اشتري شيئاً انتفع به بحسب الإمكان، و لم يحتج إلي التعرّض للانتفاع به.

و أيضاً ما حقيقة هذا العقد؟ إن كان بيعاً فليفد ملك عينٍ، كسائر البيوع، و إن كان إجارةً فليشترط التأقيت، كسائر الإجارات.

و اختلفت الشافعيّة فيه.

فقال بعضهم: يملك المشتري به مواضع رءوس الجذوع. و هو مشكل عند الباقين.

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.
2- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.
3- البقرة: 275.
4- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.
5- العزيز شرح الوجيز 114:5، روضة الطالبين 453:3.

و الأصحّ عندهم: إنّه لا تُملك به عينٌ، و حينئذٍ فوجهان:

أحدهما: إنّه إجارة، و إنّما لم يشترط تقدير المدّة؛ لأنّ العقد الوارد علي المنفعة يتبع فيها الحاجة، فإذا اقتضت الحاجة التأبيد، أُبّد علي خلاف سائر الإجارات، و أُلحق بالنكاح.

و أظهرهما: إنّه ليس بإجارةٍ محضة، بل فيه شائبة الإجارة، و هي أنّ المستحقّ به منفعة، و شائبةُ البيع، و هي أنّ الاستحقاق فيه علي التأبيد، و كأنّ الشرع نظر إلي أنّ الحاجة تمسّ إلي ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في مرافق الأملاك و حقوقها، كما تمسّ إلي ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في الأعيان، فجوّز هذا العقدَ، و أثبت فيه شبهاً من البيع و شبهاً من الإجارة.

و إذا قلنا: إنّه لا تُملك به عينٌ، فلو عقد بلفظ الإجارة و لم يتعرّض للمدّة، فوجهان عندهم، أشبههما: إنّه ينعقد أيضاً؛ لأنّه يخالف البيع في قضيّةٍ كما يخالف الإجارة في قضيّةٍ أُخري(1).

و هذا كلّه عندنا ليس بشيءٍ، بل الواجب إن أراد نقل السقف أن يبيعه إيّاه، أو يؤجره و يعيّن المدّة.

مسألة 1084: إذا جرت هذه المعاملة علي ما اخترناه نحن، أو علي ما اختاره الشافعيّة و بني المشتري،

لم يكن للبائع أن يكلّفه النقض ليغرم له أرش النقصان.

و لو انهدم الجدار أو السقف بعد بناء المشتري عليه فأعاده مالكه، فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها.

و لو انهدم قبل البناء، فللمشتري البناء إذا أعاده.

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 114:5-115، روضة الطالبين 453:3.

و هل يُجبر علي إعادته ؟ فيه خلافٌ تقدّم(1).

و لو هدم صاحب السُّفْل أو غيره السُّفْلَ قبل بناء المشتري، فعلي الهادم قيمة حقّ البناء؛ لأنّه حالَ بينه و بين حقّه بالهدم، فإذا أعاد مالك السُّفْلِ السُّفْلَ، استرجع الهادم القيمةَ؛ لارتفاع الحيلولة، و لا يغرم أُجرة البناء لمدّة الحيلولة.

و لو كان الهدم بعد البناء، فعلي قول مَنْ يوجب إعادة المهدوم يكون عليه إعادة السُّفْل و العلوّ، و علي قول مَنْ يوجب الأرش يكون عليه أرش نقص الآلات، و قيمة حقّ البناء؛ للحيلولة.

و لا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من هَدْمٍ و انهدامٍ؛ لأنّها ملتحقة بالبيوع.

مسألة 1085: إذا جري الإذن في البناء بعوضٍ، وجب معرفة قدر الموضع المبنيّ عليه طولاً و عرضاً.

و كذا إن كان بغير عوضٍ عند الشافعيّة(2).

و عندي فيه إشكال؛ لأنّ ذلك عارية، فلا يجب فيها ما شُرط في البيوع.

و لو كان البناء علي الجدار أو السطح، وجب مع ذلك بيان سمْك البناء و طوله و عرضه، و كون الجدران منضّدةً أو خالية الأجواف، و كيفيّة السقف المحمول عليها؛ لاختلاف الأغراض في ذلك كلّه، و اختلاف حمل الجدران، فإنّ الجدار لا يحمل كلّ شيءٍ، و كذا السقف، فوجب البيان.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أطلق ذكر البناء كفي، و حُمل الإطلاق علي

ص: 83


1- في ص 67، المسألة 1072.
2- العزيز شرح الوجيز 115:5، روضة الطالبين 454:3.

العادة، فما يحتمله المبنيّ عليه في العادة انصرف الإطلاق إليه، و ما لا فلا(1).

و هل يشترط التعرّض لوزن ما يبنيه عليه ؟ إشكال ينشأ من أنّ الإعلام في كلّ شيءٍ علي ما يليق به و يعتاد فيه من اختلاف المبنيّ بالثقل و الخفّة اختلافاً يختلف بسببه الأغراض و حمل الجدران و السقوف.

و الأقرب في الخشب ذلك، دون الآجر و اللبن؛ للعادة.

و لو كانت الآلات حاضرةً، استغني بمشاهدتها عن كلّ وصفٍ و تعريفٍ.

و لو كان الإذن في البناء علي أرضه، لم يجب ذكر سمْك البناء و كيفيّته؛ لأنّ الأرض تحتمل كلّ شيءٍ.

و بعضُ الشافعيّة شَرَطه؛ لأنّ الإذن إن كان علي وجه الإعارة أو الإجارة فإنّ عند الرجوع عن الإعارة أو انقضاء مدّة الإجارة تطول مدّة التفريغ و تقصر بحسب كثرة النقض و قلّته، و يختلف الغرض بذلك(2).

و ليس بشيءٍ.

مسألة 1086: لو ادّعي بيتاً في يد غيره فصالحه عليه

- إمّا مع إقراره، عند الشافعي(3) ، أو مطلقاً عندنا - علي أن يبني المُقرّ أو المنكر علي سطحه، جاز، و لم يكن ذلك فرعَ العارية، خلافاً للشافعيّة، و عندهم أنّه يكون قد أعاره المُقرّ له سطح بيته للبناء(4).

ص: 84


1- العزيز شرح الوجيز 115:5، روضة الطالبين 454:3.
2- العزيز شرح الوجيز 115:5-116، روضة الطالبين 454:3.
3- العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 454:3، و راجع: الهامش (1) من ص 26.
4- بحر المذهب 44:8، البيان 249:6، العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 454:3.

فلو كان التنازع في سفله و العلوّ للمدّعي عليه فأقرّ للمدّعي بما ادّعاه فتصالحا علي أن يبني المدّعي علي السطح و يكون السُّفْل للمدّعي عليه جاز، و كان عند الشافعي بيعَ السُّفْل بحقّ البناء علي العلوّ(1).

مسألة 1087: لا يجب علي الجار إجراء ماء المطر من سطح جاره علي سطحه

و لا إجراء الماء في أرضه عند علمائنا؛ لأصالة البراءة، و لتخصيص المالك التامّ ملكه بالانتفاع بملكه، و هو قول أكثر الشافعيّة، و الجديد للشافعي.

و في القديم له قول: إنّه يُجبر صاحب السطح و الأرض علي إجراء الماء من سطح الجار علي سطحه و أرضه(2).

و الحقّ خلافه.

و لو أذن له فيه جاز.

و لو باعه الإجراء لم يصح.

و لو آجره السطح للإجراء أو باعه إيّاه صحّ، لكن إذا باعه السطح مَلَكه ملكاً مطلقاً يتصرّف فيه كيف شاء بما لا يتضرّر به.

و إن أعاره أو آجره، جاز.

و يشترط بيان معرفة الموضع الذي يجري عليه الماء في الإعارة و الإجارة و البيع، و السطوح التي ينحدر منها الماء إليه في الإعارة و الإجارة خاصّةً، و لا يضرّ الجهل بقدر ماء المطر في ذلك كلّه؛ إذ لا يمكن معرفته و ضبطه، و هذا عقدٌ جُوّز للحاجة.

ص: 85


1- بحر المذهب 44:8، البيان 249:6، العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 454:3.
2- البيان 236:6، العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 454:3.

و لو صالحه علي إجراء مائه علي سطحه جاز، و لم يكن هذا الصلح فرعَ غيره عندنا، خلافاً للشافعي(1).

و يشترط العلم بالسطح الذي يجري ماؤه؛ لاختلاف الماء قلّةً و كثرةً باختلاف السطوح كبراً و صغراً.

و عند الشافعي أنّ هذا يكون فرعَ الإجارة، و مع ذلك لا يحتاج إلي ذكر المدّة(2).

و إذا أذن له في إجراء الماء علي سطحه ثمّ بني علي سطحه بما يمنع الماء من الجريان عليه، فإن كان عاريةً كان ما فَعَله رجوعاً فيها، و إن كان بيعاً أو إجارةً كان للمشتري أو المستأجر نقب البناء و إجراء الماء فيه.

مسألة 1088: لو ادّعي عليه مالاً فصالحه منه علي مسيل ماءٍ في أرضه، جاز إذا بيّنا موضعه و عيّناه و عرفا عرضه و طوله.
اشارة

و لا يحتاجان إلي أن يُبيّنا عمقه إن كان قد عقد بلفظ البيع لذلك الموضع؛ لأنّ مَنْ مَلَك الموضع كان له النزول فيه إلي تخومه، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يجب بيانه؛ بناءً علي أنّ المشتري يملك موضع الجريان، أو لا يملك إلّا حقّ الإجراء(1).

و الحقّ: التفصيل، فإن باعه مسيل الماء أو مكان إجراء الماء مَلَك موضع الجريان، و إن باع حقّ مسيل الماء بطل عندنا إن كان بلفظ البيع، و صحّ إن كان بلفظ الصلح.

و يصحّ عند الشافعيّة علي الوجهين؛ لأنّه كبيع حقّ البناء(2).

ص: 86


1- التهذيب - للبغوي - 154:4، العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 455:3.
2- التهذيب - للبغوي - 154:4-155، العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 455:3.

و كذا إن عقد بلفظ الصلح علي تلك الأرض، أمّا لو كان علي إجراء الماء فإنّ الأرض باقية لمالكها، و افتقر حينئذٍ إلي تعيين العمق و تقدير المدّة.

و إذا صالحه علي أن يجري الماء في ساقيةٍ في أرض المُصالَح، صحّ و لم يكن إجارةً.

و عند الشافعي أنّه يكون إجارةً(1) ، قال في الأُمّ: و يجب تقدير المدّة(2). و هو جيّد علي مذهبنا.

و إنّما يصحّ إذا كانت الساقية محفورةً، و إن لم تكن محفورةً لم يجز؛ لأنّ المستأجر لا يتمكّن من إجراء الماء إلّا بالحفر، و المستأجر لا يملك الحفر في ملك غيره، و لأنّه إجارة لساقيةٍ غير موجودةٍ، قاله بعض الشافعيّة(3).

و فيه نظر؛ إذ التصرّف في مال الغير بإذنه جائز، و لمّا صالحه علي الإجراء فقد أذن له فيه، فيستلزم الإذن فيما هو من ضروراته، و الإجارة وقعت علي إجراء الماء، مع أنّا نمنع كونه إجارةً.

و لو حفر الساقية و صالحه، جاز قطعاً.

و لو كانت الأرض في يد المدّعي عليه بإجارةٍ، جاز أن يصالحه علي إجراء الماء في ساقيةٍ فيها محفورةٍ مدّةً معلومةً لا تجاوز مدّة إجارته.

و إن لم تكن الساقية محفورةً، لم يجز أن يصالحه علي ذلك؛ لأنّه6.

ص: 87


1- بحر المذهب 49:8، البيان 237:6، المغني 29:5، الشرح الكبير 20:5.
2- الأُمّ 227:3، و عنه أيضاً في بحر المذهب 49:8-50، و البيان 237:6.
3- بحر المذهب 50:8، البيان 237:6.

لا يجوز له إحداث ساقيةٍ في أرضٍ في يده بإجارةٍ.

و لو كانت الأرض وقفاً عليه، جاز أن يصالح علي إجراء الماء في ساقيةٍ محفورةٍ مدّةً معلومةً.

و إن أراد أن يحفر ساقيةً، فالأقرب: الجواز.

و مَنَعه بعض الشافعيّة؛ لأنّه لا يملكها، و إنّما له أن يستوفي منفعتها، كالأرض المستأجرة(1).

و الأولي أنّه يجوز له حفر الساقية؛ لأنّ الأرض له، و له التصرّف فيها كيف شاء ما لم ينتقل الملك فيها إلي غيره، بخلاف المستأجر، فإنّه إنّما يتصرّف فيها بالإذن له فيه.

فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدّة، فهل لمن انتقل إليه الفسخُ فيما بقي من المدّة ؟ مبنيّ علي ما إذا آجره مدّةً فمات في الأثناء.

و لو صالحه علي أن يسقي أرضه من نهره أو عينه، جاز مع التعيين.

و مَنَعه الشافعي؛ لأنّ المعقود عليه هو الماء، و هو مجهول(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لانضباطه بالوقت.

و لو صالحه علي سهمٍ من العين أو النهر - كالثلث أو الربع أو غير ذلك - و بيّنه، جاز، و لا يكون بيعاً و إن أفاد فائدته، خلافاً للشافعي(3).

فروع:
أ - ليس لمستحقّ إجراء الماء بإجارةٍ أو صلحٍ أو بيعٍ الدخولُ إلي أرض الغير الذي تجري فيه الساقية

و إن مَلَك الساقية، إلّا أن يأذن له المالك؛ لأنّه يستلزم التصرّف في مال الغير، و هو قبيح عقلاً، إلّا أن يريد

ص: 88


1- البيان 237:6.
2- الأُمّ 227:3، البيان 238:6.
3- الأُمّ 221:3 و 227، التنبيه: 103، الوسيط 49:4، البيان 238:6.

تنقية النهر أو الساقية، فإنّه يجوز؛ لموضع الضرورة.

ب - إذا نقّي النهرَ أو الساقيةَ،

وجب عليه أن يُخرج ما يخرج من النهر أو الساقية عن أرض المالك.

ج - المأذون له في إجراء ماء المطر علي سطح الآذن أو أرضه أو ساقيته ليس له إلقاء الثلج،

و لا أن يترك الثلج حتي يذوب فيسيل إليه، و لا أن يجري فيه ما يغسل به ثيابه و أوانيه، بل لو صالح علي ترك الثلوج علي السطح أو إجراء الغسالات علي مالٍ، فالأقرب عندي: الجواز.

و مَنَع منه بعضُ الشافعيّة؛ لأنّ الحاجة لا تدعو إلي مثله(1).

و هو ممنوع.

د - المأذون له في إلقاء الثلج ليس له إجراء الماء؛

لتغاير المنفعتين، و لا يلزم من المصالحة علي إحدي المنفعتين المصالحة علي الأُخري، و لأنّه لا يجوز العكس فكذا هنا.

ه - تجوز المصالحة علي قضاء الحاجة

ه - تجوز المصالحة علي قضاء الحاجة(2) في حُشّ الغير علي مالٍ،

و كذا علي جمع الزبل و القمامة في ملكه، و لا يكون ذلك إجارةً - خلافاً للشافعيّة - بل هو عقد مستقلّ برأسه.

و عندهم أنّه إجارة، فيراعي فيه شرائطها(3).

و - تجوز المصالحة علي البيتوتة علي سطح الجار.

ثمّ لو باع مستحقّ البيتوتة منزله، فليس للمشتري أن يبيت عليه، بخلاف ما لو باع مستحقّ إجراء الماء علي سطح الغير مدّةً دارَه، فإنّ المشتري يستحقّ الإجراء بقيّة المدّة؛ لأنّ إجراء الماء من مرافق الدار، دون

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 116:5، روضة الطالبين 455:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 116:5، و روضة الطالبين 455:3.
3- العزيز شرح الوجيز 116:5-117، روضة الطالبين 455:3.

البيتوتة.

ز - لا يجب علي مستحقّ إجراء الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة سقف المجري

و إن خرب من الماء، و لا علي المالك إصلاح القناة لو خرب بغير سببه.

ح - لو استحقّ وضع خُشُبه علي حائط الغير فسقطت أو وقع الحائط، استحقّ بعد عوده الوضع، بخلاف الإعارة.

و لو خِيف علي الحائط السقوطُ، فالأقوي: تحريم الإبقاء؛ لما فيه من الضرر العظيم.

ط - لو وجد بناءه أو خُشُبه أو مجري مائه في ملك غيره أو سطحه و لم يعلم السبب، احتُمل تقديم قول مالك الأرض و الحائط في عدم الاستحقاق.

و قال بعض العامّة: يُقدَّم قول صاحب البناء و الخشبة و المسيل؛ لأنّ الظاهر أنّه حقٌّ له، فجري مجري اليد الثابتة. و لو اختلفا في ذلك هل هو بحقٍّ أو عدوان ؟ فالقول قول صاحب البناء و الخشبة و المسيل؛ لأنّ الظاهر معه، و لو زال الحائط أو السطح ثمّ عاد فله إعادته؛ لأنّ الظاهر أنّ هذا الوضع بحقٍّ من صلحٍ أو غيره(1).

و فيه نظر.

ي - لا يجوز بيع حقّ الهواء و لا مسيل الماء و لا الاستطراق،

خلافاً للشافعيّة في الأخيرين(2).

و فرّق بعضهم بين بيع حقّ الهواء و حقّ البناء بأنّ بيع حقّ الهواء اعتياض عن مجرّد الهواء، و حقّ البناء يتعلّق بعين الموضع المبنيّ عليه،

ص: 90


1- المغني 41:5، الشرح الكبير 41:5-42.
2- الوجيز 180:1.

حتي لو صالحه عن وضع الجذوع المشرعة علي جداره يصحّ، و لهذا تجوز إجارة الملك للبناء إجماعاً، و لا تجوز إجارة الهواء، و كلّ حقٍّ يتعلّق بعينٍ - كمجري الماء و الممرّ - فهو كحقّ البناء.

و بالجملة، الحقوق المتعلّقة بالأعيان لمّا كانت عندهم مقصورةً علي التأبيد، أُلحقت بالأعيان حتي استغني العقد الوارد عليها عن التأقيت(1).

و هو عندنا باطل.

مسألة 1089: لو خرجت أغصان شجرة الجار إلي هواء داره المختصّة به أو المشتركة بينهما،
اشارة

أو علي هواء جدارٍ له أو بينهما، أو علي بناءٍ أو علي نفس الجدار، كان له المطالبة بإزالة الأغصان عن هواء الدار.

فإن لم يفعل مالك الشجرة من الإزالة لم يُجبر؛ لأنّه من غير فعله، فلم يُجبر علي إزالته، كما إذا لم يكن ملكاً له، و إن تلف بها شيء لم يضمنه؛ لذلك.

و يحتمل إلزامه، كما إذا مالَ حائطه.

و علي التقديرين إذا امتنع فله تحويلها عن ملكه، فإن لم يمكن عطفها عنه كان له قطعها.

و لا يحتاج فيه إلي إذن القاضي؛ لأنّه عدوان عليه، فكان له إزالته عنه و إن لم يأذن القاضي، و هو أقوي وجهي الشافعيّة(2).

فإن صالحه مالك الشجرة علي الإبقاء علي الجدار بعوضٍ، صحّ مع تقدير الزيادة أو انتهائها و تعيين المدّة.

و كذا له أن يصالحه علي الإبقاء في الهواء، عندنا.

خلافاً للشافعيّة؛ فإنّهم قالوا: إن صالحه علي الإبقاء من غير أن يستند

ص: 91


1- العزيز شرح الوجيز 117:5.
2- العزيز شرح الوجيز 117:5، روضة الطالبين 456:3.

الغصن إلي شيءٍ لم يجز؛ لأنّه اعتياض عن مجرّد الهواء، و إن استند إلي جدارٍ فإن كان بعد الجفاف جاز، و إن كان رطباً لم يجز؛ لأنّه يزيد و لا يعرف قدر ثقله و ضرره(1).

و جوّزه بعضهم؛ لأنّ ما ينمو يكون تابعاً(2).

تذنيبان:
أ: لو سرت عروق الشجرة إلي أرض الجار، كان حكمها حكم سريان الأغصان من جواز عطفها،

فإن تعذّر قَطَعها؛ لأنّه ليس له التصرّف في ملك غيره إلّا بإذنه، و لأنّه عِرْق ظالمٍ فله الإزالة؛ لقوله عليه السلام: «ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ»(1).

ب: لو مالَ جداره إلي هواء الجار، كان له الإزالة،

كالأغصان و العروق؛ لأنّه شَغَل ملك الغير و مَنَعه من التصرّف فيه بغير حقٍّ.

مسألة 1090: يجوز للرجل التصرّف في ملكه بأيّ أنواع التصرّفات شاء،

سواء حصل به تضرّرٌ للجار أو لا، فله أن يبني ملكه حمّاماً بين الدور، و أن يفتح خبّازاً بين العطّارين، أو يجعله دكّان قصارة بين المساكن و إن أضرّت الحيطان بالدقّ و أخربها، و أن يحفر بئراً إلي جانب بئر جاره يجتذب ماءها، أو يحفر بالوعة أو مرتفقاً يجري ماؤه إلي بئر جاره - و به قال الشافعي و بعض أصحاب أبي حنيفة، و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لقوله عليه السلام: «الناس مسلّطون علي أموالهم»(3).

ص: 92


1- سنن أبي داوُد 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، سنن الدارقطني 50/217:4، سنن البيهقي 99:6، المعجم الكبير - للطبراني - 13:17-4/14 و 5، الموطّأ 26/743:2.
2- بحر المذهب 50:8، البيان 242:6، المغني 52:5، الشرح الكبير 51:5.
3- أورده الطوسي في الخلاف 176:3-177، المسألة 290 من كتاب البيوع.

و لأنّه تصرّف في ملكه المختصّ و لم يتعلّق به حقّ غيره، فلم يُمنع منه، كما لو طبخ في داره أو خبز فيها، فإنّه لا يُمنع منهما تحرّزاً من وصول دخانه إلي جاره و إن تأذّي به، كذا هنا.

و قال أحمد في الرواية الأُخري: إنّه يُمنع من ذلك كلّه - و هو قول بعض الحنفيّة - لقوله عليه السلام: «لا ضرر و لا إضرار»(1) و هذا الفعل يضرّ بجيرانه، و لأنّ هذا إضرار بالجيران فمُنع منه، كما يُمنع من إرسال الماء في ملكه بحيث يضرّ بجاره و يتعدّي إلي هدم حيطانه، و من إشعال نارٍ تتعدّي إلي احتراق الجيران(2).

و الجواب: الحديث مشترك؛ لأنّ منع المالك عن عمل مصلحةٍ له في ملكه يعود نفعها إليه إضرار غير مستحقّ، فالضرر مشترك، و ليس مراعاة أحدهما أولي من مراعاة الآخَر، بل مراعاة المالك أولي، و النار التي أضرمها و الماء الذي أرسله تعدّيا فكان مرسلاً لذلك في ملك غيره، فأشبه ما لو أرسلها إليه قصداً، و لأنّ ذلك غير عامٍّ؛ إذ الممنوع منه الإضرام عند هبوب الرياح بحيث يعلم التعدّي، و ليس ذلك دائماً، فلهذا مُنع. و كذا إرسال الماء علي وجه الكثرة.6.

ص: 93


1- تقدّم تخريجه في ص 68، الهامش (1).
2- المغني 52:5، الشرح الكبير 51:5، بحر المذهب 50:8، البيان 242:6.

ص: 94

الفصل الرابع: في التنازع
مسألة 1091: إذا تنازعا عيناً في يد أحدهما، حُكم بها لصاحب اليد مع اليمين و عدم البيّنة؛

لأنّه منكر.

فإن صالحه عنها علي شيءٍ منها أو من غيرها جاز، سواء كان عقيب إقرارٍ أو إنكارٍ، عند علمائنا، خلافاً للشافعي(1) ، و قد سبق(2).

و لو كانت العين في يد اثنين [فادّعاها ثالث](3) فصدّقه أحدهما و كذّبه الآخَر، ثبت له النصف بإقرار المصدّق، و كان علي المكذّب اليمين مع عدم البيّنة؛ لأنّه منكر.

فلو صالح المدّعي [المُقرّ](4) علي مالٍ فأراد المكذّب أخذه بالشفعة، لم يكن له ذلك عندنا؛ لأنّ الشفعة تتبع البيع خاصّةً، و الصلح عندنا ليس بيعاً و إن كان علي مالٍ، بل هو عقد مستقلّ برأسه.

أمّا مَنْ يعتقده بيعاً كالشافعي(3) فقد اختلف طُرق الناقلين عنه في الجواب.

قال بعضهم: إن مَلَكاها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك؛ لأنّه لا تعلّق لأحد المِلْكين بالآخَر، و إن مَلَكاها بسببٍ واحد من إرثٍ أو شراءٍ فوجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الدار بزعم المكذّب ليست للمدّعي، فإنّ في

ص: 95


1- راجع الهامش (1) من ص 26.
2- في ص 26، ضمن المسألة 1032. (3 و 4) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- راجع الهامش (3) من ص 88.

ضمن إنكاره تكذيبَ المدّعي في نصيب المُقرّ أيضاً، و حينئذٍ يبطل الصلح.

و أظهرهما عندهم: إنّ له الأخذَ؛ لحُكمنا في الظاهر بصحّة الصلح، و انتقال الملك إلي المُقرّ، و لا استبعاد في انتقال نصيب أحدهما إلي المدّعي دون الآخَر و إن مَلَكاها بسببٍ واحد(1).

و أشكل علي بعضهم هذه الطريقة: بأنّا لا نحكم بالملك إلّا بظاهر اليد، و لا دلالة لليد علي اختلاف السبب و اتّحاده، فأيّ طريقٍ يعرف به الحاكم الاختلاف و الاتّحاد؟ و إلي قول مَنْ يرجع ؟ و مَن الذي يُقيم البيّنة عليه ؟(2).

و قال بعضهم: إن ادّعي عليهما عن جهتين فللمكذّب الأخذ بالشفعة، و إن ادّعي عن جهةٍ واحدة ففيه الوجهان، و لا يخلو من إشكالٍ؛ لأنّه ليس من شرط المدّعي التعرّض لسبب الملك، و بتقدير تعرّضه له فليس من شرط الإنكار نفي السبب، بل يكفي نفي الملك، و بتقدير تعرّضه له فلا يلزم من تكذيبه المدّعي في قوله: «ورثت هذه الدار» زعم أنّه لم يرث نصفها(3).

و قال بعضهم: إن اقتصر المكذّب علي أنّه لا شيء لك في يدي، أو:

لا يلزمني تسليم شيءٍ إليك، أخذ بالشفعة، و إن قال مع ذلك: و هذه الدار ورثناها، ففيه الوجهان(4).

و قد عرفتَ أنّ هذا كلّه لا يتأتّي علي مذهبنا من الاقتصار في طلب الشفعة علي الانتقال بالبيع خاصّةً.

مسألة 1092: لو ادّعي اثنان داراً في يد رجلٍ، فأقرّ لأحدهما بنصفها و كذّب الآخَر،

نُظر فإن كانا قد ادّعياها بسببٍ يوجب الشركة - كالإرث،

ص: 96


1- العزيز شرح الوجيز 118:5، روضة الطالبين 456:3.
2- العزيز شرح الوجيز 118:5.
3- العزيز شرح الوجيز 118:5.
4- العزيز شرح الوجيز 118:5، روضة الطالبين 456:3.

و شراء وكيلهما في عقدٍ واحد - تشاركا في النصف الذي دفعه المدّعي عليه إلي المُقرّ له؛ لأنّ الإرث يقتضي إشاعة التركة بين الورثة، فكلّ ما يخلص يكون بينهما، و ذلك كما لو تلف بعض التركة و حصل البعض، فإنّ التالف يكون منهما، و الحاصل لهما، و كذا لو تلف بعض المال المشترك.

هذا إذا لم يتعرّضا لقبض الدار، أمّا لو قالا: ورثناها و قبضناها ثمّ غصبتَها منّا، فالأقرب: إنّه كذلك أيضاً يشتركان فيما يقبضه المُقرّ له منه؛ لأنّ إيجاب الإرثِ الشيوعَ(1) لا يختلف، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و محكيٌّ عن أبي حنيفة و مالك.

و القول الآخَر لهم: إنّه لا يشاركه؛ لأنّ التركة إذا حصلت في يد الورثة صار كلّ واحدٍ منهما قابضاً لحقّه، و انقطع حقّه عمّا في يد الآخَرين، و لهذا يجوز أن يطرأ الغصب علي نصيب أحدهما خاصّةً بأن تزال يده، فإنّ المغصوب لا يكون مشتركاً بينهما(2).

و إن ادّعياها بجهةٍ غير الإرث من شراءٍ و غيره، فإن لم يقولا: اشترينا معاً، أو: اتّهبنا و قبضنا معاً، فالأقرب عندي: عدم الشركة في المقبوض حيث لم تثبت الشركة في السبب و لم يدّعياه.

و إن قالا: اشتريناها معاً، أو اتّهبناها و قبضنا معاً، فالأقرب: إنّه كالإرث؛ لاشتراك السبب، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّهما لا يشتركان فيما أقرّ به؛ لأنّ البيع بين اثنين بمنزلة الصفقتين، فإنّ تعدّد المشتري يقتضي تعدّد العقد، فكان بمنزلة ما لو مَلَكا بعقدين(3).

و لو لم يتعرّضا لسبب الاستحقاق، فلا شركة بحالٍ.3.

ص: 97


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «و هو». و الظاهر أنّ المناسب للعبارة عدمها.
2- العزيز شرح الوجيز 118:5-119، روضة الطالبين 457:3.
3- العزيز شرح الوجيز 119:5، روضة الطالبين 457:3.
مسألة 1093: كلّ موضعٍ قلنا بالشركة في هذه الصُّور لو صدّق المدّعي عليه أحدهما

و كذّب الآخَر و صالح المصدَّق [المدّعي](1) عليه عن المُقرّ به علي مالٍ، فإن كان بإذن الشريك صحّ، و تشارك المدّعيان في مال الصلح، سواء كان بعين النصف أو غيره، و إن كان بغير إذنه بطل الصلح في نصيب الشريك، و صحّ في نصيبه.

و للشافعيّة في صحّته في نصيبه قولا تفريق الصفقة(2).

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الصلح في جميع المُقرّ به؛ لتوافق المتعاقدين و تقاربهما(3).

و ليس بجيّدٍ.

مسألة 1094: لو ادّعيا داراً في يد الغير فأقرّ لأحدهما بجميعها،

فإن كان قد وُجد من المُقرّ له في الدعوي ما يتضمّن إقراراً لصاحبه بأن قال:

هذه الدار بيننا، و ما أشبه ذلك، شاركه صاحبه فيها.

و كذا إن كان المُقرّ له قد تقدّم إقراره بالنصف لصاحبه.

و إن لم يتلفّظ بما يتضمّن الإقرار، بل اقتصر علي دعوي النصف، نُظر فإن قال بعد إقرار المدّعي عليه بالكلّ: إنّ الكلّ لي، سلّم الجميع إليه، و كان هو و الآخَر خصمين في النصف الذي ادّعاه الآخَر، و يكون القولُ قولَ مدّعي الكلّ مع اليمين، و علي الآخَر البيّنة.

و لا يلزم من ادّعائه النصفَ أن ينتفي ملكه عن الباقي؛ لجواز أن تكون معه بيّنة بالنصف و لا تساعده البيّنة علي الجميع في الحال، بل علي النصف، و(2) يخاف الجحود الكلّي لو ادّعي الجميع.

ص: 98


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 119:5، روضة الطالبين 457:3.
2- الظاهر: «أو» بدل «و».

و لو قال: النصف الآخَر لصاحبي، سلّم إليه.

و إن لم يقل شيئاً و لا أثبت النصفَ الآخَر لنفسه و لا لصاحبه و لا نفاه، فالأقرب: إنّه يُترك في يد المدّعي عليه؛ لأنّ الآخَر ادّعي خلافَ الظاهر و لا بيّنة له، و هو أصحّ وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه ينتزع من يد المدّعي عليه، و يحفظه الحاكم لمن يثبت له.

و الثالث: إنّه يُسلّم إلي المدّعي؛ لأنّه يدّعي ما لا يدّعيه أحد(1).

و يُضعّف الثاني: بأنّه يؤدّي إلي إسقاط دعوي هذا المدّعي عن المُقرّ بغير حجّةٍ، و الثالث: بأنّه يُثبت حقّاً للمدّعي بغير بيّنةٍ و لا إقرار.

و إذا قلنا: ينتزعه الحاكم، فإنّه يؤجره و يحفظ الأُجرة، كالأصل.

و قال بعض الشافعيّة: يصرفه في مصالح المسلمين(2).

و ليس بصحيحٍ؛ لأنّ الأصل إذا كان موقوفاً فالنماء كذلك.

مسألة 1095: لو تداعي اثنان حائطاً بين ملكيهما،
اشارة

فإن كان متّصلاً ببناء أحدهما خاصّةً دون الآخَر اتّصالاً لا يمكن إحداثه بعد بنائه - بأن يكون لأحدهما عليه أزج أو قبّة لا يتصوّر إحداثهما بعد تمام الجدار، و ذلك بأن أُميل البناء من مبدأ ارتفاعه عن الأرض قليلاً قليلاً، أو كان متّصلاً ببناء أحدهما في تربيعه و علوّه و سَمْكه دون الآخَر، أو دخل رَصْف من لَبِنات فيه في جداره الخاصّ، و رَصْف من جداره الخاصّ في المتنازع فيه، و يظهر ذلك في الزوايا - كان القولُ قولَه مع يمينه؛ لأنّ ذلك ظاهر يشهد له.

و يحتمل أن يكون بناء القبّة و الأزج و رَصْف اللَّبِن برضا الآخَر أو إجازته، فلهذا أوجبنا اليمين، و حُكم له بها، إلّا أن تقوم البيّنة علي خلافه.

و لو كان رَصْف اللَّبِن في مواضع معدودة من طرف الجدار،

ص: 99


1- العزيز شرح الوجيز 119:5، روضة الطالبين 457:3.
2- حلية العلماء 27:5.

لم يُحكم له به؛ لإمكان إحداثه بعد بناء الجدار بنزع لَبِنةٍ و إدراج أُخري.

و لو كان الحائط مبنيّاً علي خشبةٍ طويلة طرفها تحت الحائط المتنازع فيه و طرفها الآخَر تحت حائطٍ آخَر ينفرد به أحدهما، كان ذلك ظاهراً أنّه لمَن بعض الخشب في ملكه و الجدار المبنيّ عليها تحت يده، فيحلف، و يُحكم له به.

و إن كان الحائط غيرَ متّصلٍ ببناء أحدهما، بل كان منفصلاً عنهما معاً حائلاً بين ملكيهما لا غير، أو متّصلاً ببنائهما معاً، فهو في أيديهما، فإن أقام أحدهما بيّنةً أنّه له قُضي له به، و إن لم يكن لأحدهما بيّنةٌ حلف كلّ واحدٍ منهما للآخَر علي النصف الذي في يده، و حُكم به لهما، و كذا إن نكلا معاً؛ عملاً بظاهر اليد.

و إن حلف أحدهما و نكل الآخَر، أعدنا اليمين علي الحالف في النصف الذي في يد صاحبه، فإن حلف قُضي له بالجميع، و إن نكل و نكل الآخَر فهو لهما.

هذا إن حلّفنا كلّ واحدٍ منهما علي النصف الذي في يده.

و للشافعي في الحلف وجهان:

أحدهما: إنّ كلّ واحدٍ منهما يحلف علي النصف الذي يسلم له، و هو أظهر وجهيه.

و الثاني: إنّه يحلف كلّ واحدٍ منهما علي الجميع؛ لأنّه ادّعي الجميع(1).

فإن قلنا بالثاني فإذا حلّف الحاكمُ أحدَهما علي الجميع، لم يمنع ذلك حلف الآخَر عليه، بل يحلّفه الحاكم علي الجميع أيضاً، فإن حلف الآخَر أيضاً علي الجميع قسّم الجدار بينهما؛ لأنّه لا أولويّة في الحكم به لأحدهما دون الآخَر، و إن نكل الآخَر بعد أن حلف الأوّل علي الجميع3.

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 120:5، روضة الطالبين 458:3.

حُكم للحالف به من غير يمينٍ أُخري.

و لو حلف الثاني علي النصف بعد أن حلف الأوّل علي الجميع و التماس الحاكم من الثاني الحلف علي الجميع أيضاً، احتُمل عدمُ الاعتداد بهذه اليمين؛ حيث إنّه حلف علي ما لم يحلّفه الحاكم عليه. و الاعتدادُ؛ حيث إنّ طلب الحلف علي الجميع يستلزم طلب الحلف علي أبعاضه، فإن قلنا: يُعتدّ بها، كان النصف بينهما، مع احتمال أنّه للثاني خاصّةً.

و إن التمس الحاكم من الثاني الحلفَ علي الجميع، فقال: أنا لا أحلف إلّا علي النصف، كان في الحقيقة مدّعياً للنصف.

تذنيب:

كلّ مَنْ قُضي له بالحائط إمّا بالبيّنة أو باليمين أو بشاهد الحال فإنّه يُحكم له بالأساس الذي تحته.

مسألة 1096: إذا لم يكن الحائط متّصلاً ببناء أحدهما أو كان متّصلاً بهما معاً و كان لأحدهما عليه بناء

كحائطٍ مبنيّ عليه و يعتمد عليه و تداعياه، حُكم به لصاحب البناء - و به قال الشافعي(1) - لأنّ وضع البناء عليه بمنزلة اليد الثابتة عليه، و هو نوعٌ من التصرّف فيه، فأشبه الحمل علي الدابّة و الزرع في الأرض، و لأنّ الظاهر أنّ الإنسان لا يُمكِّن غيرَه من البناء علي حائطه، و كذا لو كانت له سترة علي الحائط؛ قضاءً للتصرّف الدالّ بالظاهر علي الملك.

مسألة 1097: لو كان لأحدهما علي هذا الجدار المحلول عنهما أو المتّصل بهما جذوعٌ دون صاحبه،
اشارة

قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: لا يُحكم بالحائط لصاحب الجذوع؛ لأنّه لا دلالة عليه(2) ، و به قال الشافعي(3) ، و لأنّ

ص: 101


1- المغني 43:5، الشرح الكبير 168:12.
2- الخلاف 295:3-296، المسألة 4 من كتاب الصلح.
3- الأُمّ 225:3، مختصر المزني: 106، الحاوي الكبير 389:6، المهذّب - للشيرازي - 317:2، الوسيط 64:4، حلية العلماء 26:5، و 210:8، البيان 193:13، العزيز شرح الوجيز 121:5، روضة الطالبين 458:3، مختصر الخلافيّات 215:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1004/597:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، عيون المجالس 1166/1653:4، المغني 43:5، الشرح الكبير 168:12.

العادة السماح بذلك للجار، و قد ورد النهي عن المنع منه(1).

و عند مالك(2) و أحمد أنّه حقٌّ علي مالك الجدار، و يجب التمكين منه، فلم تترجّح به الدعوي كإسناد متاعه إليه و تجصيصه و تزويقه(3).

و الوجه عندي: الحكم به لصاحب الجذوع - و به قال أبو حنيفة(4) - لما تقدّم من دلالة الاختصاص بالتصرّف علي الاختصاص بالملكيّة، و لأنّهما لو تنازعا في العرصة و الجدار لأحدهما، حُكم بها لصاحبه.

و النهي لو ثبت صحّته عن النبيّ صلي الله عليه و آله لكان محمولاً علي الكراهة؛8.

ص: 102


1- صحيح البخاري 173:3، صحيح مسلم 136/1230:3، الموطّأ 32/745:2، سنن أبي داوُد 314:3-3634/315، سنن الترمذي 1353/635:3، سنن البيهقي 68:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 18157/222:14، مسند أحمد 8900/107:3.
2- في المصادر التي تأتي الإشارة إليها ذيلاً: إنّ رأي مالك هو أنّه تترجّح الدعوي بوضع الجذوع و يُحكم بالجدار لصاحب الجذوع، راجع: الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1004/597:2، و عيون المجالس 1652:4-1166/1653، و العزيز شرح الوجيز 121:5، و الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، و المغني 43:5، و الشرح الكبير 168:12.
3- المغني 43:5، الشرح الكبير 168:12، العزيز شرح الوجيز 121:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1.
4- الهداية - للمرغيناني - 174:3، تحفة الفقهاء 190:3، الحاوي الكبير 389:6، الوسيط 64:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، عيون المجالس 1652:4-1166/1653، مختصر الخلافيّات 215:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1004/597:2، حلية العلماء 210:8.

لأصالة البراءة، علي أنّ النهي عن المنع منه لا يمنع كونه دليلاً علي الاستحقاق؛ لأنّا نستدلّ بوضعه علي كون الوضع مستحقّاً علي الدوام حتي لو زالت جازت إعادتها.

و لأنّ كونه مستحقّاً مشروطٌ له الحاجة إلي وضعه، ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه، و أكثر الناس لا يتسامحون به، و لهذا لمّا روي أبو هريرة الحديثَ عن النبيّ صلي الله عليه و آله طأطئوا رءوسهم كراهةً لذلك، فقال: مالي أراكم عنها معرضين، و اللّه لأرمينّ بها بين أكتافكم(1) ، و أكثر العلماء منعوا من التمكّن من هذا(2).

و لأنّ الأزج يرجّح به فكذا هذا؛ لجامع الاشتراك في التصرّف.

و لأنّهما لو تنازعا في الحائط و ثبت بالبيّنة لأحدهما، حُكم بالأساس [له](3) ؛ لأنّه صار صاحب يدٍ فيه، فإذا [اقتضي](4) الجدار علي الأساس الترجيحَ في الأساس، وجب أن [تقتضي](5) الجذوع علي الجدار الترجيحَ في الجدار.

تذنيب: لا فرق بين الجذع الواحد في ذلك و ما زاد عليه

عند عامّة أهل العلم في الدلالة علي الاختصاص و المنع منها.

و رجّح مالك بالجذع الواحد(4) ، كقولنا.

و فرّق أبو حنيفة بين الجذع الواحد و الجذعين فما زاد، فرجّح بما زاد علي الواحد؛ لأنّ الحائط يبني لوضع الجذوع عليه، فرجّح به الدعوي،

ص: 103


1- راجع الهامش (1) من ص 102.
2- راجع المغني 44:5، و الشرح الكبير 169:12.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق. (4 و 5) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قضي... يقضي».
4- حلية العلماء 26:5، البيان 193:13، و راجع أيضاً الهامش (2) من ص 102.

كبناء الأزج، بخلاف الجذع الواحد؛ لأنّ الحائط لا يبني له في العادة(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ الوضع يتبع الحاجة، و قد تدعو إلي وضع الواحد، و إنّما استدللنا باختصاص التصرّف، و هو ثابت في الواحد كثبوته في الأزيد.

مسألة 1098: و لا يُحكم بالحائط المحلول عنهما أو المتّصل بهما بالخوارج

(2) و هي الصُّور و الكتابات المتّخذة في ظاهر الجدار بلَبِناتٍ تخرج أو بجصٍّ أو آجرٍ أو خشبٍ، و لا بالدواخل، و هي الطاقات و المحاريب في باطن الجدار، و لا بأنصاف اللَّبِن، و ذلك لأنّ الجدار من لَبِنات مقطعة، فتُجعل الأطراف الصحاح إلي جانبٍ، و مواضع الكسر إلي جانبٍ، أو أنصاف اللَّبِن من أحد الجانبين و من الآخَر الشكيك(3) و المدر - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لأنّه لا بدّ و أن يكون وجه الحائط إلي أحدهما و إن كانا [شريكين](5) فيه، و لا يمكن أن يكون إليهما، فبطلت دلالته، و جري مجري تزويق الحائط.

و قال مالك و أبو يوسف: يُحكم به لمن إليه وجه الحائط؛ لأنّ العرف

ص: 104


1- حلية العلماء 26:5، البيان 193:13، العزيز شرح الوجيز 122:5، المغني 44:5، الشرح الكبير 169:12، و راجع أيضاً الهامش (4) من ص 102.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالدواخل». و المثبت هو الصحيح.
3- لم نجده في اللغة.
4- الأُم 225:3، مختصر المزني: 106، الحاوي الكبير 388:6، حلية العلماء 26:5، التهذيب - للبغوي - 156:4، البيان 192:13، العزيز شرح الوجيز 120:5-121، روضة الطالبين 458:3، روضة القضاة 5206/773:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1003/597:2، المعونة 1200:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، المغني 44:5، الشرح الكبير 169:12.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شركاء».

و العادة قاضيان بأنّ مَنْ بني حائطاً فإنّه يجعل وجه الحائط إليه(1).

و هو ممنوع؛ فإنّ العادة جارية بأنّ وجه الحائط يُجعل إلي خارج الدار ليشاهده الناس، فلا يكون في كون وجهه إلي أحدهما دليلٌ.

مسألة 1099: لو كان الحاجز بين الدارين أو السطحين خُصّاً فتنازعا فيه،
اشارة

فعند علمائنا أنّه يُحكم به لمن إليه معاقد القِمْط التي تكون في الجدران المتّخذة من القصب و شبهه، و أغلب ما يكون ذلك في السور بين السطوح، فتُشدّ بحبال أو بخيوط، و ربما جعل عليها خشبة معترضة، و يكون العقد من جانبٍ و الوجه المستوي من جانبٍ - قال ابن بابويه رحمه الله:

الخُصّ الطُّنّ(2) الذي يكون في السواد بين الدور، و القِمْط هو شدّ الحبل(3) - و به قال مالك و أبو يوسف(4).

و اختلف النقل عن الشافعي.

فقال بعض أصحابه عنه: إنّ معاقد القِمْط مرجّحة، يُحكم بالخُصّ لمن المعاقد إليه - كما قلناه - لأنّه إذا كانت المعاقد إليه فالظاهر أنّه وقف في ملكه و عقد(5).

و لما رواه العامّة عن جارية التميمي أنّ قوماً اختصموا إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله في خُصٍّ، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم، فحكم به لمن تليه معاقد

ص: 105


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1003/597:2، التلقين: 433، المعونة 1200:2، الحاوي الكبير 388:6، حلية العلماء 26:5-27، التهذيب - للبغوي - 156:4، البيان 193:13، العزيز شرح الوجيز 121:5، روضة القضاة 5206/773:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، المغني 44:5، الشرح الكبير 169:12.
2- الطُّنّ - بالضمّ -: الحزمة من الحطب و القصب. لسان العرب 269:13 «طنن».
3- الفقيه 57:3، ذيل ح 197.
4- البيان 193:13، الحاوي الكبير 388:6، المغني 44:5، الشرح الكبير 169:12.
5- العزيز شرح الوجيز 121:5.

القِمْط، ثمّ رجع إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فأخبره، فقال: «أصبتَ و أحسنتَ»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه جابر عن الباقر عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنّه قضي في رجلين اختصما [إليه] في خُصٍّ، فقال: «إنّ الخُصّ للّذي إليه القِمْط»(2).

و سأل منصور بن حازم الصادقَ عليه السلام عن حظيرة بين دارين، فذكر أنّ عليّاً عليه السلام قضي [بها] لصاحب الدار الذي من قِبَله القماط(3).

و القول الثاني للشافعي: إنّه يرجّح من الوجه المستوي مَن المعاقد تليه، لا مَنْ إليه المعاقد(4).

و ليس بمشهورٍ، و القول المشهور عنه - و به قال أبو حنيفة - أنّه لا ترجيح لأحدهما علي الآخَر؛ لأنّ كونه حائلاً بين الملكين علامةٌ قويّة في الاشتراك(5).

و هو ممنوع.

تذنيبان:
الأوّل: لو كان الأزج مبنيّاً علي رأس الجدار، رُجّح به؛

لأنّه تصرّفٌ من صاحبه في الجدار، فيقضي له بملكيّته.

و قال الشافعي: لا يقضي له بذلك؛ لاحتمال بناء الأزج بعد تمام الجدار(6).

ص: 106


1- سنن ابن ماجة 2343/785:2.
2- الفقيه 197/57:3، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الفقيه 196/56:3، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 121:5.
5- الأُمّ 225:3، مختصر المزني: 106، حلية العلماء 25:5، البيان 192:13، العزيز شرح الوجيز 120:5-121، روضة الطالبين 458:3.
6- الحاوي الكبير 386:6، العزيز شرح الوجيز 122:5.
الثاني: قد بيّنّا أنّه يُرجّح بالجذوع الموضوعة عليه.

و قال الشافعي: لا يُرجّح بذلك، و الجدار في أيديهما معاً، فيحلفان و يكون الجدار بينهما، و لا تُرفع الجذوع عنه، بل تُترك بحالها؛ لاحتمال أنّها وُضعت بحقٍّ(1).

مسألة 1100: لو تنازع صاحب العلوّ و السُّفْل في السقف المتوسّط بين علوّ أحدهما و سُفْل الآخَر،

فإن لم يمكن إحداثه بعد بناء العلوّ - كالأزج الذي لا يمكن عقده علي وسط الجدار بعد امتداده في العلوّ - جُعل لصاحب السُّفْل؛ لاتّصاله ببنائه علي سبيل الترصيف.

و إن أمكن إحداثه بعد بناء العلوّ بأن يكون السقف عالياً فيثقب وسط الجدار و توضع رءوس الجذوع في الثقب فيصير السقف بينهما، قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: يُقرع بين صاحب العلوّ و صاحب السُّفْل فيه إذا لم تكن هناك بيّنة، فمَنْ خرج اسمه حلف لصاحبه، و حُكم له به؛ لإجماع الفرقة علي أنّ كلّ مجهولٍ تُستعمل فيه القرعة. ثمّ قال: و إن قلنا: يُقسم بين صاحب البيت و صاحب الغرفة، كان جائزاً(2).

و قال الشافعي: يُحكم به بينهما؛ لأنّه في يدهما معاً، فالقول قول صاحب البيت في نصفه مع يمينه، و قول صاحب الغرفة مع يمينه في نصفه؛ لأنّه حاجز بين ملكيهما غير متّصلٍ ببناء أحدهما اتّصالَ البنيان، فكان بينهما، كالحائط بين الملكين، و كلّ واحدٍ منهما ينتفع به، فإنّه سماء لصاحب السُّفْل يظلّه، و أرض لصاحب الغرفة تُقلّه، فاستويا فيه. و به قال

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 122:5، روضة الطالبين 459:3، و راجع أيضاً الهامش (3) من ص 101.
2- الخلاف 298:3، المسألة 8 من كتاب الصلح.

أحمد(1).

و قال أبو حنيفة: يُحكم به لصاحب السُّفْل؛ لأنّ السقف علي ملك صاحب السُّفْل، فكان القولُ قولَه فيه، كما لو تنازعا سرجاً علي دابّة أحدهما، فإنّ القولَ قولُ صاحب الدابّة(2).

و يبطل بحيطان الغرفة، و لا يشبه السرج؛ لأنّه لا ينتفع به غير صاحب الدابّة، فكان في يده، و هنا السقف ينتفع به كلاهما علي ما تقدّم.

و هذا القول حكاه أصحاب مالك مذهباً له عنه(3).

و حكي الشافعيّة عن مالك أنّه لصاحب العلوّ(4).

و لا بأس به عندي؛ لأنّه ينتفع به، دون صاحب السُّفْل، و ينفرد بالتصرّف فيه، فإنّه أرض غرفته و يجلس عليه و يضع عليه متاعه، و يمكن2.

ص: 108


1- الأُمّ 226:3، مختصر المزني: 106، الحاوي الكبير 398:6-399، المهذّب - للشيرازي - 317:2، الوسيط 64:4، حلية العلماء 22:5، التهذيب - للبغوي - 158:4، البيان 194:13، العزيز شرح الوجيز 122:5-123، روضة الطالبين 459:3، المغني 45:5، الشرح الكبير 171:12، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1006/598:2، عيون المجالس 1169/1655:4، المعونة 1199:2، روضة القُضاة 5208/773:2.
2- روضة القُضاة 5207/773:2، الحاوي الكبير 398:6، حلية العلماء 22:5، التهذيب - للبغوي - 159:4، البيان 194:13، العزيز شرح الوجيز 123:5، المغني 45:5، الشرح الكبير 171:12، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1006/598:2، التلقين: 433، عيون المجالس 1169/1655:4، المعونة 1199:2، حلية العلماء 22:5، البيان 194:13، الإفصاح عن معاني الصحاح 318:1، العزيز شرح الوجيز 123:5، المغني 45:5، الشرح الكبير 171:12.
4- الحاوي الكبير 398:6، حلية العلماء 22:5، التهذيب - للبغوي - 159:4، البيان 194:13، العزيز شرح الوجيز 123:5، و أيضاً في المغني 45:5، و الشرح الكبير 171:12.

وجود بيتٍ لا سقف له، و لا يمكن وجود ملكٍ لا أرض له.

مسألة 1101: لو تنازع صاحب البيت و الغرفة في جدران البيت، حُكم بها لصاحب البيت مع يمينه؛

لأنّ الحيطان في يده، و هو المنتفع بها.

و إن تنازعا في جدران الغرفة، فهي لمن الغرفة في يده.

و الأوّل لا يخلو من إشكالٍ؛ لمشاركة صاحب الغرفة له في الانتفاع و التصرّف معاً، بل تصرّفه و انتفاعه أكثر.

مسألة 1102: لو تنازع صاحب علوّ الخان و صاحب سُفْله، أو صاحب علوّ الدار و صاحب سُفْلها في العرصة أو الدهليز،

فإن كانت الدرجة و شبهها في صدر الخان أو الدار أو في الدهليز، جُعلت العرصة و الدهليز بينهما؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهما فيهما يداً و تصرّفاً من الممرّ و وضع الأمتعة و غيرهما.

قال الجويني: و لا يبعد أن يقال: ليس لصاحب العلوّ إلّا حقّ الممرّ، و تُجعل الرقبة لصاحب السُّفْل(1).

و لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(2).

و إن كانت الدرجة في دهليز الخان أو في الوسط، فمن أوّل الباب إلي المرقي بينهما؛ لأنّه في تصرّفهما.

و فيما وراء ذلك للشافعيّة وجهان:

أصحّهما: إنّه لصاحب السُّفْل؛ لانقطاع الآخَر عنه، و اختصاص صاحب السُّفْل باليد و التصرّف.

و الثاني: إنّه يُجعل بينهما؛ لأنّه قد ينتفع به صاحب العلوّ بإلقاء الأمتعة فيه و طرح القمامات(3).

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 123:5، روضة الطالبين 459:3.
2- كما في المصدرين في الهامش السابق.
3- الحاوي الكبير 414:6، بحر المذهب 46:8، حلية العلماء 211:8، التهذيب - للبغوي - 159:4، البيان 195:13، العزيز شرح الوجيز 123:5، روضة الطالبين 459:3-460.

و المعتمد عندي: الأوّل.

و إن كانت الدرجة خارجةً عن خطّة الخان و الدار، فالعرصة بأجمعها لصاحب السُّفْل، و لا تعلّق [لصاحب العلوّ](1) بها بحالٍ.

قالت الشافعيّة: و مثال ما إذا كانت الدرجة في وسط الخان لا في صدره و لا خارجة عنه الزقاقُ المنقطع إذا كان فيه بابان لرجلين، أحدهما في وسطه و الآخَر في صدره، فمن أوّله إلي الباب الأوّل بينهما، و ما جاوزه إذا تداعياه فعلي الوجهين(2).

و قد عرفت مذهبنا فيه فيما تقدّم(3).

مسألة 1103: إذا تنازع صاحب العلوّ و صاحب السُّفْل في الدَرَج

(4) فادّعاها كلٌّ منهما، فإن كانت دكّة غير معقودةٍ أو كانت سُلّماً، حُكم بها لصاحب العلوّ؛ لأنّها في انتفاعه خاصّةً.

و إن كانت معقودةً تحتها موضع ينتفع به صاحب السُّفْل، فالأقرب:

إنّها لصاحب العلوّ أيضاً؛ لأنّ الدرجة إنّما تُبني للارتقاء بها إلي العلوّ، و لا تُبني لما تحتها بالعادة، بل القصد بها السلوك إلي فوق، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّها بينهما؛ لأنّ صاحب السُّفْل ينتفع بها [بظلّها](5) و صاحب العلوّ ينتفع بها و يرتقي عليها، فهي كالسقف يتنازعه صاحب العلوّ

ص: 110


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «للعلوّ». و الظاهر ما أثبتناه.
2- بحر المذهب 46:8، البيان 194:13.
3- راجع ص 51 و ما بعدها.
4- الدَرَج: مصطلح يطلق علي الآلة التي يستعان بها للصعود.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بظلّه». و الصحيح ما أثبتناه.

و السُّفْل(1).

و قد سبق(2) كلامنا في السقف، و أنّ الأولي الحكم به لصاحب العلوّ، مع قيام الفرق بينهما؛ لأنّ السقف يُبني للبيت و إن لم يكن له غرفة، بخلاف الدرجة.

و بعضهم فصّل فقال: إن كان تحتها بيت يقصد بنيانها عليه كانت بينهما، و إن كان تحتها عقد صغير يوضع فيه الحُبّ أو شبهه فوجهان(3).

و لو تنازعا في السُّلَّم و هو غير خارجٍ عن الخان، فإن كان منقولاً - كالسلاليم التي تُوضع و تُرفع - فإن كان في بيتٍ لصاحب السُّفْل فهو في يده، و إن كان في غرفةٍ لصاحب العلوّ فهو في يده، فيُحكم به في الحالين لكلّ مَنْ هو في يده.

و إن كان منصوباً في المرقي، فهو لصاحب العلوّ؛ لعود منفعته إليه و ظهور تصرّفه فيه، دون الآخَر، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: إنّه لصاحب السُّفْل، كسائر المنقولات(5).

و هو المعتمد عندي، و لهذا لا يندرج السُّلَّم الذي لم يُسمر تحت بيع الدار.

و لو كان السُّلَّم مسمراً في موضع المرقي، فهو لصاحب العلوّ؛ لعود3.

ص: 111


1- الحاوي الكبير 415:6، بحر المذهب 47:8، البيان 195:13.
2- في ص 107 و ما بعدها، المسألة 1100.
3- الحاوي الكبير 415:6، المهذّب - للشيرازي - 317:2-318، بحر المذهب 47:8، حلية العلماء 211:8، التهذيب - للبغوي - 159:4، البيان 194:13، العزيز شرح الوجيز 124:5، روضة الطالبين 460:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 318:2، البيان 194:13، العزيز شرح الوجيز 123:5-124، روضة الطالبين 460:3.
5- العزيز شرح الوجيز 124:5، روضة الطالبين 460:3.

فائدته إليه، و كذا الأخشاب المعقودة في المرقي، و كذا إن كان مبنيّاً من لَبِن أو آجر أو شبههما إذا لم يكن تحته بيت.

و لو تنازعا في البيت الذي تحت الدرجة، احتُمل اختصاص صاحبِ السُّفْل به كسائر البيوت، و صاحبِ العلوّ؛ لأنّ ملك الهواء يستتبع ملك القرار و الشركة فيه.

و لو تنازعا في السقف الأعلي للغرفة، فهو لصاحب الغرفة؛ لاختصاصه بالانتفاع به، دون صاحب السُّفْل.

** *

ص: 112

الفصل الخامس: في اللواحق
مسألة 1104: قد بيّنّا أنّ الصلح يصحّ عن الإنكار كما يصحّ عن الإقرار.

و خالف فيه الشافعي و مَنَع من صحّة الصلح عن الإنكار(1). و قد سلف(2) دليله و ضعفه.

و ربما احتجّ بعضهم: بقوله عليه السلام: «الصلح بين المسلمين جائز إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»(3) و هذا الصلح قد أحلّ الحرام؛ لأنّه لم يكن له أن يأخذ من مال المدّعي عليه و قد حلّ بالصلح(4).

و هو ضعيف؛ لأنّ المعني الذي ذكروه آتٍ في الصلح بمعني البيع؛ لأنّه يحلّ لكلّ واحدٍ منهما ما كان محرَّماً عليه، و كذا الصلح بمعني الهبة، فإنّه يحلّ للموهوب له ما كان محرَّماً عليه، و الإسقاط يحلّ له ترك أداء ما كان واجباً عليه.

و لأنّ الصلح الصحيح هو الذي يحلّل ما كان حراماً لولاه، كغيره من العقود، و الصلح الفاسد لا يحلّ به الحرام، و المراد المنع من صلحٍ يتوصّل به إلي تناول المحرَّم مع بقائه بعد الصلح علي تحريمه، كما لو صالحه علي استرقاق حُرٍّ أو شرب خمرٍ، أو إذا كان المدّعي كاذباً في دعواه أو المنكر في إنكاره، و يتوصّل الكاذب إلي أخذ المال بالصلح من غير رضا الآخَر باطناً، فإنّه صلحٌ باطل.

ص: 113


1- راجع الهامش (1) من ص 26.
2- في ص 26.
3- تقدّم تخريجه في الهامش (3) من ص 5.
4- راجع المغني و الشرح الكبير 10:5، و البيان 226:6.

و لأنّه يباح لمن له حقٌّ يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقدره أو دونه، و إذا حلّ له ذلك من غير اختياره و لا علمه، فلأن يحلّ برضاه و بذله أولي.

و لأنّه يحلّ مع اعتراف الغريم، فلأن يحلّ به مع جحده و عجزه عن الوصول إلي حقّه إلّا بذلك أولي.

و لأنّ المدّعي هنا يأخذ عوض حقّه الثابت له، و المدّعي عليه يدفعه لدفع الشرّ عنه و قطع الخصومة، و ليس في الشرع ما يدلّ علي تحريم ذلك في موضعٍ.

و لأنّ الصلح مع الإنكار يصحّ مع الأجنبيّ، فصحّ مع الغريم، كالصلح مع الإقرار، بل هو أولي؛ لأنّه إذا صحّ مع الأجنبيّ مع غناه، فلأن يصحّ مع الخصم مع حاجته إليه أولي.

و احتجاجهم بأنّه معاوضة(1) ، قلنا: إن أردتم أنّه معاوضة في حقّهما فهو ممنوع، و إن أردتم أنّه معاوضة في حقّ أحدهما فمسلَّم؛ لأنّ المدّعي يأخذ عوض حقّه من المنكر؛ لعلمه بثبوت حقّه عنده، فهو معاوضة في حقّه، و المنكر يعتقد أنّه يدفع المال المدفوع لدفع الخصومة و المنازعة و تخليصه من شرّ المدّعي، فهو إبراء في حقّه، و غير ممتنعٍ ثبوت المعاوضة في حقّ أحد المتعاقدين دون الآخَر، كما لو اشتري عبداً شهد بحُرّيّته، فإنّه يصحّ، و يكون معاوضةً في حقّ البائع، و استنقاذاً في حقّ المشتري.

إذا ثبت هذا، فإنّما يصحّ الصلح لو اعتقد المدّعي حقّيّة دعواه، و المدّعي عليه يعتقد براءة ذمّته، و أنّه لا شيء عليه للمدّعي، فيدفع إلي المدّعي شيئاً ليدفع عنه اليمين و يقطع الخصومة و يصون نفسه عن التبذّل و حضور مجلس الحكم، فإنّ أرباب النفوس الشريفة و المروءات6.

ص: 114


1- راجع المغني و الشرح الكبير 10:5، و البيان 226:6.

و المناصب الجليلة يترفّعون عن ذلك، و يصعب عليهم الحضور للمنازعة، و يرون دفع ذلك عنهم من أعظم مصالحهم، و الشرع لا يمنع من وقاية النفس و صيانتها و دفع الشرّ عنها ببذل الأموال، و المدّعي يأخذ ذلك عوضاً عن حقّه الثابت له في زعمه، و لا يمنعه الشرع من ذلك أيضاً.

و لا فرق بين أن يكون المأخوذ من جنس حقّه أو من غير جنسه، و لا بين أن يكون بقدر حقّه أو أقلّ، فإن أخذ من جنس حقّه بقدره فهو مستوفٍ لحقّه، و إن أخذ دونه فقد استوفي بعض حقّه و ترك البعض.

و إن أخذ من غير جنس حقّه، فقد أخذ عوضه، فيجوز أن يأخذ أزيد حينئذٍ.

و إن أخذ من جنس حقّه أزيد، فالأقرب: الجواز.

و مَنَع منه بعضُ الجمهور؛ بناءً علي أنّ الزائد لا عوض له، فيكون ظالماً(1).

و هو غلط إذا رضي الدافع باطناً و ظاهراً، و قد سبق(2).

مسألة 1105: إذا ادّعي علي غيره مالَ الأمانة، فأنكر أو اعترف،

ثمّ صالح عنه إمّا بجنسه أو بغير جنسه، جاز، كالمضمون؛ عملاً بعموم قوله تعالي:«وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» (3).

و قوله عليه السلام: «الصلح جائز بين المسلمين»(4).

فلو ادّعي علي رجلٍ وديعةً أو قراضاً أو لقطةً أو غيرها من الأمانات، أو ادّعي تفريطاً في وديعةٍ أو في قراضٍ أو غير ذلك فصالح، جاز؛ لما

ص: 115


1- المغني 11:5-12، الشرح الكبير 12:5.
2- في ص 37-38، المسألة 1045.
3- النساء: 128.
4- تقدّم تخريجه في الهامش (3) من ص 20.

تقدّم.

مسألة 1106: قد ذكرنا أنّه يصحّ الصلح من الأجنبيّ عن المنكر أو المعترف،

سواء اعترف الأجنبيّ للمدّعي بصحّة دعواه أو لم يعترف، و سواء كان بإذنه أو بغير إذنه.

و قال أصحاب الشافعي: إنّما يصحّ إذا اعترف للمدّعي بصحّة دعواه(1).

و هو بناءً علي أنّ الصلح عن الإنكار باطل، و قد بيّنّا بطلانه.

ثمّ إن كان الصلح عن دَيْنٍ، صحّ، سواء كان بإذن المنكر أو بغير إذنه؛ لأنّ قضاء الدَّيْن عن غيره جائز بإذنه و بغير إذنه؛ فإنّ عليّاً عليه السلام و أبا قتادة قضيا عن الميّت، فأجازه النبيّ صلي الله عليه و آله(2).

و إن كان الصلح عن عينٍ بإذن المنكر فهو كالصلح منه؛ لأنّ الوكيل يقوم مقام الموكّل، و إن كان بغير إذنه فهو افتداء للمنكر من الخصومة و اعتياض للمدّعي(3) ، و هو جائز في الموضعين.

و إذا صالح عنه بغير إذنه، لم يرجع عليه بشيءٍ؛ لأنّه أدّي عنه ما لا يلزمه أداؤه، و لأنّه لم يثبت وجوبه علي المنكر و لا يلزمه أداؤه إلي المدّعي، فكيف يلزمه أداؤه إلي غيره!؟ و لأنّه متبرّع بأدائه غير ما يجب عليه.

و قال بعض الحنابلة: يرجع. و يجعله كالمدّعي(4).

ص: 116


1- الحاوي الكبير 373:6، المهذّب - للشيرازي - 340:1، الوجيز 178:1، الوسيط 52:4، التهذيب - للبغوي - 145:4، البيان 228:6، العزيز شرح الوجيز 93:5، روضة الطالبين 435:3-436، المغني و الشرح الكبير 13:5.
2- مرّ تخريجه في ج 14، ص 281، الهامش (5 و 6) و ص 282، الهامش (1).
3- في النسخ الخطّيّة: «من المدّعي» بدل «للمدّعي».
4- المغني و الشرح الكبير 14:5.

و هو غلط؛ لأنّه يجعله كالمدّعي في الدعوي علي المنكر، أمّا أنّه يجب له الرجوع بما أدّاه فلا وجه له أصلاً، و أكثر ما يجب لمن قضي دَيْن غيره أن يقوم مقام صاحب الدَّيْن، و صاحب الدَّيْن هنا لم يجب له حقٌّ، و لا يلزم الأداء إليه، و لا يثبت له أكثر من جواز الدعوي، فكذلك هنا.

و يشترط في جواز الدعوي أن يعلم صدق المدّعي، فإن لم يعلم لم يجز له دعوي شيءٍ لا يعلم ثبوته.

و إذا صالح عنه بإذنه، فهو وكيله، و التوكيل في ذلك جائز.

ثمّ إن أدّي عنه بإذنه رجع عليه، و هذا قول الشافعي(1) ، و إن أدّي عنه بغير إذنه متبرّعاً لم يرجع بشيءٍ.

و إن قضاه محتسباً بالرجوع، احتُمل الرجوع؛ لأنّه قد وجب عليه أداؤه بعقد الصلح، بخلاف ما إذا صالح و قضي بغير إذنه، فإنّه قضي ما لا يجب علي المنكر قضاؤه.

مسألة 1107: إذا صالحه علي سكني دارٍ أو خدمة عبدٍ و نحوه من المنافع المتعلّقة بالأعيان، صحّ

بشرط ضبط المدّة، و لا يكون ذلك إجارةً، بل عقداً مستقلّاً بنفسه، خلافاً للشافعي(2).

فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شيءٍ من المنفعة، انفسخ الصلح، و رجع بما صالح عنه.

و إن تلف بعد استيفاء بعض المنفعة، انفسخ فيما بقي من المدّة، و رجع بقسط ما بقي.

و لو صالحه علي أن يزوّجه جاريته، لم يصح؛ لأنّ البُضْع لا يقع في

ص: 117


1- الحاوي الكبير 373:6، البيان 228:6، المغني 14:5.
2- التهذيب - للبغوي - 143:4، البيان 222:6، العزيز شرح الوجيز 85:5، روضة الطالبين 428:3.

مقابله شيء.

و قال بعض الجمهور: يصحّ، و يكون المصالَح عنه صداقها(1).

و ليس بشيءٍ.

فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمرٍ يُسقط الصداقَ، رجع الزوج بما صالَح عنه. فإن [طلّقها](2) قبل الدخول، رجع بنصفه.

و إن كان المعترف امرأةً فصالحت المدّعي علي أن تزوّجه نفسها علي أن يكون بُضْعها عوضاً، لم يصح، خلافاً لبعض الحنابلة(3).

و كذا لو كان الصلح عن عيبٍ في مبيعها فصالحته علي نكاحها، قال:

فإن زال العيب رجعت بأرشه؛ لأنّ ذلك صداقها، فرجعت به، لا بمهر مثلها، و إن لم يزل العيب لكن انفسخ نكاحها بما يُسقط صداقَها، رجع عليها بأرشه(4).

و هو مبنيّ علي جواز جَعْل البُضْع عوضاً في الصلح.

مسألة 1108: قد بيّنّا أنّه يصحّ الصلح عن الدَّيْن ببعضه مع الرضا الباطن؛

لأنّ كعباً تقاضي ابن أبي حدْرد دَيْناً - كان له عليه - في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتي سمعها رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فخرج إليهما ثمّ نادي:

«يا كعب» قال: لبّيك، فأشار إليه أن ضَع الشطر من دَيْنك، قال: قد فعلتُ يا رسول اللّه(5).

ص: 118


1- المغني 18:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «طالب». و المثبت هو الصحيح.
3- المغني 18:5، الشرح الكبير 7:5.
4- المغني 18:5، الشرح الكبير 7:5-8.
5- صحيح البخاري 246:3، صحيح مسلم 1558/1192:3، سنن البيهقي 64:6، المعجم الكبير - للطبراني - 67:19-128/68.

و في الذي أُصيب في حديقته فمرّ به النبيّ صلي الله عليه و آله و هو ملزوم، فأشار إلي غرمائه بالنصف، فأخذوا منه(1).

و هذا يدلّ علي تسويغه مع الرضا الباطن.

و لو قال: علي أن توفيني ما بقي، صحّ أيضاً عندنا.

و مَنَعه الحنابلة؛ لأنّه ما أبرأه عن بعض الحقّ إلّا ليوفيه بقيّته، فكأنّه عاوض بعض حقّه ببعضٍ(2). و هو ممنوع.

و لو كان له في يد غيره عيناً، فقال: قد وهبتك نصفها فأعطني نصفها، صحّ، و اعتُبر في ذلك شروط الهبة.

و لو أخرجه مخرج الشرط، صحّ عندنا.

خلافاً للشافعي و أحمد؛ لأنّه إذا شرط الهبة في الوفاء، جَعَل الهبة عوضاً عن الوفاء، فكأنّه عاوض بعض حقّه ببعضٍ(3).

و هذا ليس بشيءٍ.

و لو قال: صالحني بنصف دَيْنك علَيَّ أو بنصف دارك هذه، فيقول:

صالحتك بذلك، صحّ عندنا، و هو قول أكثر الشافعيّة(4) - و مَنَع منه بعض الشافعيّة و الحنابلة(5) - لأنّه إذا لم يجز بلفظ الصلح خرج عن أن يكون صلحاً، و لا يبقي له تعلّقٌ به، فلا يُسمّي صلحاً، و أمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي صلحاً؛ لوجود اللفظ و [إن تخلّف](1) المعني، كالهبة بشرط الثواب، و إنّما يقتضي لفظ الصلح المعاوضةَ إذا كان هناك عوضٌ، أمّا مع عدمه فلا، و إنّما معني الصلح الرضا و الاتّفاق، و قد يحصل من غير عوضٍ، كالتمليكح.

ص: 119


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يختلف». و المثبت هو الصحيح.

إذا كان بعوضٍ سُمّي بيعاً، و إن خلا عن العوض سُمّي هبةً.

و لو ادّعي علي رجلٍ بيتاً، فصالحه علي بعضه أو علي بناء غرفةٍ فوقَه أو علي أن يُسكنه سنةً، صحّ عندنا - خلافاً للحنابلة(1) - للأصل.

احتجّوا بأنّه يصالحه عن ملكه ببعضه أو منفعته(2).

و نمنع عدم جوازه.

و لو صالحه بخدمة عبده سنةً، صحّ عندنا و عندهم(3).

فإن باع العبد في السنة، صحّ البيع، و يكون للمشتري مسلوبَ المنفعة بقيّة السنة، و للمُصالح منفعته إلي انقضاء السنة.

و لو لم يعلم المشتري بذلك، كان له الفسخ؛ لأنّه عيبٌ.

و إن أعتق العبدَ في أثناء المدّة، صحّ العتق؛ لأنّه مملوكه يصحّ بيعه فيصحّ عتقه، و للمُصالح استيفاء منفعته في المدّة؛ لأنّه أعتقه بعد أن مَلَك منفعته، فأشبه ما لو أعتق الأمة المزوّجة بحُرٍّ.

و لا يرجع العبد علي سيّده بشيءٍ؛ لأنّه ما زال ملكه بالعتق إلّا عن الرقبة، فالمنافع حينئذٍ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلا يرجع بشيءٍ.

و لو أعتق مسلوبَ المنفعة - كمقطوع اليدين، أو الأمة المزوّجة - لم يرجع عليه بشيءٍ.

و قال الشافعي: يرجع علي سيّده بأُجرة مثله؛ لأنّ العتق اقتضي إزالة ملكه عن الرقبة و المنفعة جميعاً، فلمّا لم تحصل المنفعة للعبد هنا فكأنّه حالَ بينه و بين منفعته(4).

و نمنع اقتضاء العتق زوالَ الملك عن المنفعة؛ لأنّ اقتضاءه إنّما يكون5.

ص: 120


1- المغني 19:5-20، الشرح الكبير 6:5.
2- المغني 20:5، الشرح الكبير 6:5. (3 و 4) المغني 20:5، الشرح الكبير 8:5.

لو كانت المنفعة مملوكةً له، أمّا إذا كانت مملوكةً لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجودٍ.

و لو ظهر أنّ العبد مستحَقٌّ، تبيّن بطلان الصلح؛ لفساد العوض، و يرجع المدّعي فيما أقرّ له به.

و لو ظهر عيب في العبد تنقص به المنفعة، فله ردّه و فسخ الصلح.

مسألة 1109: إذا ادّعي زرعاً في يد رجلٍ، فأقرّ له به، ثمّ صالحه منه

علي الوجه الذي يجوز بيع الزرع فيه، صحّ، و كذا لو صالحه علي غير الوجه الذي يصحّ بيعه؛ لأنّ الصلح عقدٌ مستقلّ بنفسه غير فرعٍ علي البيع.

و لو كان الزرع في يد رجلين فأقرّ له أحدهما ثمّ صالحه عليه قبل اشتداد الحَبّ، صحّ عندنا.

خلافاً للشافعي؛ لأنّه إن صالحه عليه بشرط التبقية أو من غير شرط القطع لم يجز، لأنّه لا يجوز بيعه كذلك - و قد قلنا: إنّ الصلح عقد قائم برأسه، فلا يشترط فيه ما يشترط في البيع و غيره - و لو شرط القطع لم يجز؛ لأنّه لا يمكنه قطع زرع الآخَر، و قسمته لا تصحّ(1).

و لو كان الزرع لواحدٍ فأقرّ به للمدّعي و صالحه عليه، فإن شرط القطع صحّ الصلح عندنا و عند الشافعي(2).

و إن شرط التبقية، صحّ الصلح عندنا، خلافاً له(3).

و لو كانت الأرض للمُصالح، كان له تبقية الزرع في أرضه.

و لو أطلق صحّ عندنا.

و قال الشافعي: إن كان المشتري(2) لا يملك الأرض لم يصح، و إن

ص: 121


1- الأُم 227:3، مختصر المزني: 107، الحاوي الكبير 416:6. (2 و 3) الحاوي الكبير 415:6-416، البيان 251:6.
2- كذا قوله: «المشتري». و الظاهر: «المُصالح».

كان يملك الأرض فوجهان، كما إذا باع الثمرة من صاحب النخل بغير شرط القطع(1).

مسألة 1110: لو ادّعي رجل علي غيره زرعاً في أرضه فأقرّ له بنصفه أو أنكر

- عندنا - ثمّ صالحه عن نصفه علي نصف الأرض، جاز عندنا؛ عملاً بالأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ من شرط بيع الزرع قطعه، و لا يمكن ذلك في المشاع(2).

و نحن نمنع من الاشتراط الذي ذكره، و قد سبق(3).

و لو صالحه منه علي جميع الأرض بشرط القطع علي أن يسلّم إليه الأرض فارغةً، صحّ؛ لأنّ قطع جميع الزرع ثابت نصفه بحكم الصلح و الباقي لتفريغ الأرض، فأمكن القطع، و أشبه مَن اشتري أرضاً و فيها زرع و شَرَط تفريغَ الأرض فإنّه يجوز، كذا هنا.

و إن كان أقرّ له بجميع الزرع و صالحه من نصفه علي نصف الأرض ليكون الأرض و الزرع بينهما نصفين، و شَرَط القطع، فإن كان الزرع في الأرض بغير حقٍّ جاز الشرط؛ لأنّ الزرع يجب قطعه بأجمعه، و إن كان في الأرض بحقٍّ جاز أيضاً؛ عملاً بالشرط، و قد قال عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و لأنّهما قد شرطا قطع كلّ الزرع و تسليم الأرض فارغةً، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا يجوز الشرط؛ لأنّه لا يمكن قطع الجميع، بخلاف ما إذا

ص: 122


1- الحاوي الكبير 416:6، البيان 251:6-252، و 237:5.
2- بحر المذهب 48:8، البيان 252:6.
3- في ص 36، ضمن المسألة 1044.
4- تقدّم تخريجه في ص 76، الهامش (3).

شرط علي بائع الزرع قطع الباقي؛ لأنّ باقي الزرع ليس بمبيعٍ، فلا يصحّ شرط قطعه في العقد، و يخالف ما إذا أقرّ بنصف الزرع و صالحه علي جميع الأرض؛ لأنّه شرط تفريغ المبيع(1).

و الحقّ: الجواز؛ لما تقدّم، و لا يختصّ شرط القطع بالبيع.

مسألة 1111: قد بيّنّا أنّه إذا خرجت أغصان الشجرة إلي ملك الجار، كان للجار عطفها و إزالتها عن ملكه.

فإن أمكن ذلك بغير إتلافٍ و لا قطعٍ من غير مشقّةٍ تلزمه و لا غرامة، لم يجز إتلافها، كما إذا أمكنه إخراج دابّة الغير من ملكه بغير إتلافٍ، فإن أتلفها و الحال هذه ضمنها.

و إن لم يمكن إزالتها إلّا بالإتلاف، كان له ذلك، و لا شيء عليه؛ لأنّه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه.

فإن صالحه علي إقرارها بعوضٍ معلوم، صحّ.

و للشافعيّة و الحنابلة قولان(2).

و لا فرق بين أن يكون الغصن رطباً أو يابساً؛ لأنّ الجهالة في المصالَح عنه لا تمنع الصحّة؛ لكونها لا تمنع التسليم، بخلاف العوض، فإنّه يفتقر إلي العلم لوجوب تسليمه، و لأنّ الحاجة تدعو إلي الصلح عنه لكون ذلك [يكثر](3) في الأملاك المتجاورة، و في القطع إتلاف و ضرر، و الزيادة المتجدّدة يعفي عنها، كالسمن الحادث في المستأجر للركوب، و المستأجر للغرفة يتجدّد له الأولاد.

ص: 123


1- بحر المذهب 48:8، البيان 252:6-253.
2- الحاوي الكبير 406:6، حلية العلماء 15:5، العزيز شرح الوجيز 117:5، روضة الطالبين 456:3، المغني 22:5-23، الشرح الكبير 24:5-25.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من المغني 22:5، و الشرح الكبير 25:5.

و عند أحمد يصحّ الصلح في الرطب و إن زاد أو نقص؛ لأنّ الجهالة في المُصالَح عنه لا تمنع الصحّة إذا لم يكن إلي العلم به سبيل؛ لدعاء الحاجة إليه، و كونه لا يحتاج إلي تسليمه(1).

و لو صالحه علي إقرارها بجزءٍ معلوم من ثمرها أو كلّه، لم يجز، و به قال الشافعي و أكثر العامّة(1) - و عن أحمد روايتان(3) - لأنّ العوض مجهول، و الثمرة مجهولة، و جزؤها مجهول، و من شرط الصلح العلمُ بالعوض، و المصالَح عليه أيضاً مجهول؛ لتغيّره بالزيادة و النقصان، كما تقدّم.

و احتجّ أحمد: بأنّه قد تدعو الحاجة إليه(2).

و قد عرفت بطلان التعليل بالحاجة.

نعم، لو أباح كلٌّ منهما لصاحبه حقَّه، جاز من غير لزومٍ، بل لكلٍّ منهما الرجوعُ، فيستبيح صاحب الشجرة إباحة الوضع علي الجدار أو الهواء، و يستبيح صاحب الدار ثمرة الشجرة، كما لو قال كلٌّ منهما لصاحبه:

أُسكن داري و أسكن دارك، من غير تقدير مدّةٍ و لا ذكر شروط الإجارة.

و كذا حكم العروق إذا سرت إلي أرض الجار، سواء أثّرت ضرراً، كما في المصانع و طيّ الآبار و أساسات الحيطان، أو [منعت](3) من نبات شجرٍ لصاحب الأرض أو الزرع، أو لم تؤثّر ضرراً، فإنّ الحكم في قطعه و الصلح عليه كالحكم في الزرع، إلّا أنّ العروق لا ثمر لها.

و كذا لو زلق من أخشابه إلي ملك غيره، فالحكم كما سبق.

مسألة 1112: قد بيّنّا أنّه يصحّ أن يصالحه عن المؤجَّل ببعضه حالاًّ

ص: 124


1- المغني 23:5، الشرح الكبير 25:5-26.
2- المغني 23:5، الشرح الكبير 26:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منع». و الظاهر ما أثبتناه.

- و به قال ابن عباس و النخعي و ابن سيرين و الحسن البصري(1) - لأنّ التعجيل جائز، و الإسقاط وحده جائز، فجاز الجمع بينهما، كما لو فعل ذلك من غير مواطأة عليه.

و كرهه زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيّب و القاسم و سالم و الشعبي، و مَنَعه أيضاً مالك و أحمد و الشافعي و الثوري و ابن عيينة و هيثم و أبو حنيفة و إسحاق(2) ، و قد تقدّم(3).

مسألة 1113: قد بيّنّا أنّه يصحّ الصلح عن المجهول دَيْناً كان أو عيناً.

خلافاً للشافعي؛ حيث قال: لا يصحّ؛ لأنّه بيع، فلا يصحّ علي المجهول(4).

و نمنع كونه بيعاً و كونه فرعَ بيعٍ، و إنّما هو إبراء.

و لو سلّمنا كونه بيعاً، فإنّه يصحّ في المجهول عند الحاجة، كأساسات الحيطان و طيّ الآبار.

و لو أتلف رجل صبرةَ طعامٍ لا يعلم قدرها، فقال صاحب الطعام لمُتلفها: بعتك الطعام الذي في ذمّتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب، لم يصح

ص: 125


1- المغني 24:5-25، الشرح الكبير 5:5.
2- المغني 24:5، الشرح الكبير 5:5، المعونة 1193:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 452، الوجيز 178:1، الوسيط 51:4، التهذيب - للبغوي - 144:4، البيان 223:6، العزيز شرح الوجيز 89:5، روضة الطالبين 431:3، منهاج الطالبين: 125، تحفة الفقهاء 252:3، بدائع الصنائع 45:6، المبسوط - للسرخسي - 31:21، الفقه النافع 1019/1268:3، الاختيار لتعليل المختار 12:3، الهداية - للمرغيناني - 197:3.
3- في ص 15-16، ذيل المسألة 1027.
4- الحاوي الكبير 368:6-369، التنبيه: 103-104، البيان 225:6، المغني 26:5، الشرح الكبير 9:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 317:1، و قد تقدّم في ص 19، ذيل المسألة 1029.

عندنا؛ لأنّ شرط البيع معلوميّة العوضين.

و قال أحمد: يصحّ(1).

و علي قولنا و قوله لو صالحه به عليه صحّ؛ لأنّ الجهل لا ينافي الصلح.

و إذا كان العوض في الصلح ممّا لا يحتاج إلي تسليمه و لا سبيل إلي معرفته، كالمواريث الدارسة، و الحقوق التالفة، و الأراضي و الأموال التي لا يعلمها أحد من المتخاصمين و لا يعرف قدر حقّه منها، فإنّ الصلح فيها جائز عندنا و عند أحمد(2) مع الجهالة من الجانبين، و قد سبق(3).

و أمّا ما يمكنه معرفته - كتركةٍ موجودةٍ يعلمها الذي هي في يده و يجهلها الآخَر - فإنّه لا يصحّ الصلح عليه مع الجهل.

و كذا كلّ مَنْ له نصيب في ميراثٍ أو غيره يظنّ قلّته إذا صُولح عليه، لا يصحّ مع علم الخصم الآخَر؛ لأنّ الصلح إنّما جاز مع جهالتهما؛ للحاجة إليه، فإنّ إبراء الذمّة أمر مطلوب، و لا طريق إليه إلّا الصلح.

مسألة 1114: يجوز الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه،

سواء كان ممّا يجوز بيعه أو لا يجوز، فيصحّ عن دم العمد و سكني الدار و عيب المبيع.

و مَنْ صالَح عمّا يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقلّ، جاز؛ لأنّ الحسن و الحسين عليهما السلام و سعيد بن العاص بذلوا للّذي وجب له القصاص علي هدبة بن خشرم سبع ديات فأبي أن يقبلها(4).

ص: 126


1- المغني 26:5-27، الشرح الكبير 9:5.
2- المغني 27:5، الشرح الكبير 9:5.
3- في ص 17، المسألة 1029.
4- المغني 27:5، و 478:9، الشرح الكبير 17:5.

و إن صالح عن قتل الخطأ بأكثر من ديته من جنسها، جاز عندنا، خلافاً لأحمد(1).

و كذا لو أتلف عبداً أو غيره فصالَح علي أكثر من قيمته أو أقلّ، سواء كان من جنس القيمة أو من غير جنسها، جاز عندنا، و به قال أبو حنيفة(2) ، خلافاً للشافعي و أحمد(3).

مسألة 1115: قد بيّنّا أنّه إذا ظهر استحقاق أحد العوضين، بطل الصلح،

فلو صالحه علي دارٍ أو عبدٍ بعوضٍ فوجد العوض مستحقّاً أو كان العبد حُرّاً، فإنّه يرجع في الدار و ما صالَح عن العبد إن كان موجوداً، و إن كان تالفاً رجع بمثله إن كان مثليّاً، و إلّا رجع بالقيمة.

و لو اشتري شيئاً فوجده معيباً فصالحه عن عيبه بعبدٍ فبانَ مستحقّاً أو حُرّاً، رجع بأرش العيب.

و لو ظهر استحقاق المعيب، رجع بالثمن و العبد معاً.

و لو كان البائع امرأةً فزوّجتْه نفسَها عوضاً عن أرش العيب فزال العيب، لم يصحّ الصلح عندنا.

و يجوز عند أحمد، فيرجع بأرشه، لا بمهر المثل؛ لأنّها رضيت بذلك مهراً لها(4).

و لو صالحه عن القصاص بحُرٍّ يعلمان حُرّيّته أو عبدٍ يعلمان أنّه مستحقّ، أو تصالحا بذلك عن [غير](5) القصاص، رجع بالدية و الأقربِ بالقصاص أو بما تصالح عنه؛ لأنّ الصلح هنا باطل يعلمان بطلانه، فكان

ص: 127


1- المغني 27:5، الشرح الكبير 5:5.
2- روضة القُضاة 5195/771:2، المغني 28:5، الشرح الكبير 5:5.
3- المغني 27:5-28، الشرح الكبير 5:5، روضة القُضاة 5196/771:2 و 5197.
4- المغني 29:5.
5- ما بين المعقوفين أضفناه من المغني 29:5.

وجوده كالعدم.

و لو صالَح عن القصاص بعبدٍ فخرج مستحقّاً، رجع بقيمة العبد، و كذا إن خرج حُرّاً - و يحتمل قويّاً الرجوع إلي القصاص فيهما - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(1).

و قال أبو حنيفة: إن خرج مستحقّاً رجع بقيمته، و إن خرج حُرّاً رجع بما صالَح عنه، و هو الدية(2).

مسألة 1116: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يصالحه علي إجراء ماء المطر علي سطحه مع العلم بالمشاهدة للسطح أو بالمساحة؛

لاختلاف الماء بكبر السطح و صغره.

و هل يفتقر إلي ذكر المدّة ؟ مَنَع منه الحنابلة؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه(1).

و يجوز العقد علي المنفعة في موضع الحاجة من غير تقديرٍ كما في النكاح.

و لا يملك صاحب الماء مجراه؛ لأنّ هذا لا يستوفي به منافع المجري دائماً و لا في أكثر المدّة، بخلاف الساقية. و فيه نظر.

و لا يحتاج في إجراء الماء في الساقية إلي ما يُقدّر به؛ لأنّ تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية، فإنّه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مائها، و الماء الذي يجري علي السطح يحتاج إلي معرفة مقدار السطح؛ لأنّه يجري فيه القليل و الكثير.

و لو كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجَراً أو عاريةً مع إنسانٍ، لم يجز له أن يصالح علي إجراء الماء عليه؛ لأنّه يتضرّر بذلك و لم يؤذن له

ص: 128


1- المغني 30:5، الشرح الكبير 21:5.

فيه، فلم يكن له أن يتصرّف(1) فيه.

و أمّا الساقية المحصورة فإن مَنَع المالك أو لم يعلم بالعرف إباحته، فكذلك، و إلّا جاز؛ لأنّ الأرض لا تتضرّر به.

و لو كان ماء السطح يجري علي الأرض، جاز الصلح أيضاً علي ذلك، سواء احتاج إلي حفرٍ أو لا؛ لأنّه بمنزلة إجراء الماء إلي ساقيةٍ.

و يشترط المدّة المعيّنة.

و مَنَع أحمد - في إحدي الروايتين - منه(2).

مسألة 1117: لا يجوز للإنسان أن يجري الماء في أرض غيره،

سواء اضطرّ إلي ذلك أو لا، إلّا بإذنه - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3) - لأنّه تصرّف في أرض غيره بغير إذنه فلم يجز، كما لو لم تَدْعُ إليه ضرورة، و لأنّ مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره، كما أنّه لا يباح له الزرع في أرض الغير و لا البناء و لا الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات و إن احتاج إليها.

و في الرواية الأُخري عن أحمد: إنّه يجوز له إجراء الماء في أرض الغير عند الحاجة بأن تكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له إلّا أرض جاره، فإنّه يجوز له إجراء الماء فيها و إن كره المالك؛ لما روي أنّ الضحّاك ابن خليفة ساق خليجاً من العريض، فأراد أن يجريه في أرض محمّد بن مسلمة فأبي، فقال له الضحّاك: لِمَ تمنعني و هو منفعة لك تشربه أوّلاً و آخراً و لا يضرّك ؟ فأبي محمّد، فكلّم فيه الضحّاك عمر، فدعا عمر محمّد بن مسلمة فأمره أن يخلّي سبيله، فقال محمّد: لا و اللّه، فقال له عمر: لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه و هو لك نافع تشربه أوّلاً و آخراً؟ فقال محمّد: لا و اللّه، فقال

ص: 129


1- في «ث، خ، ر» و الطبعة الحجريّة: «له التصرّف» بدل «أن يتصرّف».
2- المغني 30:5، الشرح الكبير 22:5.
3- المغني 30:5-31، الشرح الكبير 22:5.

عمر: ليمرّن به و لو علي بطنك، فأمره عمر أن يمرّ به، ففعل. رواه مالك في موطّئه، و سعيد في سننه(1).

و هو خطأ؛ لتطابق العقل و النقل علي قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه. و قول عمر و فعله ليس حجّةً فيما لا يخالف العقل و النقل، فكيف فيما يخالفهما.

مسألة 1118: يصحّ الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه، عيناً كان كالدار و العبد،

أو دَيْناً، أو حقّاً كالشفعة و القصاص، و لا يجوز علي ما ليس بمالٍ ممّا لا يصحّ أخذ العوض عنه.

فلو صالحته المرأة علي أن تقرّ له بالزوجيّة، لم يصح؛ لأنّها لو أرادت بذل نفسها بعوضٍ لم يجز.

و لو دفعت إليه عوضاً عن دعوي الزوجيّة ليكفّ عنها، فالأقرب:

الجواز - و للحنابلة وجهان(2) - لأنّ المدّعي يأخذ عوضاً عن حقّه من النكاح فجاز، كعوض الخلع، و المرأة تبذله لقطع خصومته و إزالة شرّه فجاز.

فإن صالحته ثمّ ثبتت الزوجيّة بإقرارها أو بالبيّنة، فإن قلنا: الصلح باطل، فالنكاح باقٍ بحاله؛ لأنّه لم يوجد من الزوج سبب الفرقة من طلاقٍ و لا خلع.

و إن قلنا: يصحّ الصلح، فكذلك أيضاً.

و عند الحنابلة أنّها تبين منه بأخذ العوض؛ لأنّه أخذه عمّا يستحقّه من نكاحها، فكان خلعاً، كما لو أقرّت له بالزوجيّة فخالعها(3).

و ليس بشيءٍ.

ص: 130


1- المغني 31:5، الشرح الكبير 22:5، و انظر: الموطّأ 33/746:2.
2- المغني 32:5، الشرح الكبير 6:5-7.
3- المغني 32:5، الشرح الكبير 7:5.

و لو ادّعت أنّ زوجها طلّقها ثلاثاً فصالحها علي مالٍ لترك دعواها، لم يجز؛ لأنّه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلّقها بعوضٍ و لا بغيره.

و لو دفعت إليه مالاً ليُقرّ بطلاقها، لم يجز.

و للحنابلة وجهان، أحدهما: الجواز، كما لو بذلت له مالاً ليطلّقها(1).

مسألة 1119: لو ادّعي علي غيره أنّه عبده فأنكره، فصالحه علي مالٍ ليُقرّ له بالعبوديّة، لم يجز؛

لأنّه يحلّ حراماً، فإنّ إرقاق الحُرّ نفسه لا يحلّ بعوضٍ و لا بغيره.

و لو دفع المدّعي عليه مالاً صلحاً عن دعواه جاز؛ لأنّه يجوز أن يعتق عبده بمالٍ، و لأنّه يقصد بالدفع إليه دفع اليمين الواجبة عليه و الخصومة المتوجّهة إليه.

و لو ادّعي علي غيره ألفاً فأنكره فدفع إليه شيئاً ليُقرّ له بالألف، لم يصح، فإن أقرّ لزمه ما أقرّ به، و يردّ ما أخذه؛ لأنّا نتبيّن بإقراره كذبه في إنكاره، و أنّ الألف عليه، فيلزمه أداؤه بغير عوضٍ، و لا يحلّ له [أخذ] العوض عن أداء الواجب عليه، فإن دفع إليه المنكر مالاً صلحاً عن دعواه جاز.

مسألة 1120: لو صالَح شاهداً علي أن لا يشهد عليه، لم يصح؛

لأنّ المشهود به إن كان حقّاً لآدميٍّ - كالدَّيْن - أو للّه تعالي - كالزكاة - فإن كان الشاهد يعرف ذلك، لم يجز له أخذ العوض علي تركه، كما لا يجوز له أخذ العوض علي ترك الصلاة، و إن كان كذباً لم يجز له أخذ العوض علي تركه، كما لا يجوز أخذ العوض علي ترك شرب الخمر.

و إن صالحه علي أن لا يشهد عليه بالزور، لم يصح؛ لأنّ ترك ذلك واجب عليه، و يحرم عليه فعله، فلا يجوز أخذ العوض عنه، كما لا يجوز

ص: 131


1- المغني 32:5، الشرح الكبير 7:5.

أن يصالحه علي أن لا يقتله و لا يغصب ماله.

و إن صالحه علي أن لا يشهد عليه بما يوجب الحدّ كالزنا و السرقة، لم يجز أخذ العوض عنه؛ لأنّ ذلك ليس بحقٍّ له، فلا يجوز له أخذ عوضه، كسائر ما ليس بحقٍّ له.

و لو صالَح السارق و الزاني و الشارب بمالٍ علي أن لا يرفعه إلي السلطان، لم يصح كذلك، و لم يجز له أخذ العوض.

و لو صالحه عن حدّ القذف، لم يصح؛ لأنّه إن كان للّه تعالي لم يجز(1) له أن يأخذ عوضه؛ لكونه ليس بحقٍّ له، فأشبه حدّ الزنا، و إن كان حقّاً له لم يصحّ الصلح؛ لأنّه لا يجوز الاعتياض عنه؛ لأنّه ليس من الحقوق الماليّة، و لهذا لا يسقط إلي بدلٍ، بخلاف القصاص، و لأنّه شُرّع لتنزيه العِرْض، فلا يجوز أن يعاوض عن عِرْضه بمالٍ.

و الأقرب: عدم سقوط الحدّ بالصلح.

و للحنابلة وجهان مبنيّان علي كونه حقّاً للّه تعالي فلا يصحّ الصلح عنه، كحدّ الزنا، و كونه حقّاً للآدميّ فيسقط، كالقصاص(2).

و لو صالَح عن حقّ الشفعة، جاز عندنا؛ لأنّه حقٌّ تعلّق بالمال، فجاز الاعتياض عنه به، كغيره من الحقوق الماليّة.

و مَنَع منه الحنابلة؛ لأنّ الشفعة حقٌّ شُرّع علي خلاف الأصل لدفع ضرر الشركة، فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحقّ من غير بدلٍ(3).

و هو ممنوع.

مسألة 1121: لا يجوز أن يحفر في الطرق النافذة بئراً لنفسه،

سواء

ص: 132


1- في الطبعة الحجريّة: «لم يكن» بدل «لم يجز».
2- المغني 33:5، الشرح الكبير 19:5.
3- المغني 34:5، الشرح الكبير 19:5.

جعلها لماء المطر أو يستخرج منها ماء ينتفع به، و لا غير ذلك.

و لو أراد حفرها للمسلمين و نفعهم أو لينتفع بها الطريق بأن يحفرها ليستقي الناس من مائها و يشرب منه المارّة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق، فإن تضرّر بها المسلمون أو كان الدرب ضيّقاً أو يحفرها في ممرّ الناس بحيث يخاف سقوط إنسانٍ فيها أو دابّة أو يضيق عليهم ممرّهم، لم يجز ذلك؛ لأنّ ضررها أكثر من نفعها.

و إن حفرها في زاويةٍ من طريقٍ واسع و جعل عليها ما يمنع الوقوع فيها، فالأقرب: الجواز؛ لأنّه نفع لا ضرر فيه، لكن مع الضمان.

و إن كان الدرب غير نافذٍ، لم يجز شيء من ذلك مطلقاً إلّا بإذن أربابه؛ لأنّه ملكٌ لقومٍ معيّنين، فلا يجوز فعله إلّا بإذنهم، كما لو فعله في بستان غيره.

و لو صالَح أهل الدرب علي ذلك جاز، سواء حفرها لنفسه أو لينزل فيها ماء المطر عن داره أو ليستقي منها ماءً لنفسه، أو حفرها للسبيل و نفع الطريق.

و كذا إن فَعَل ذلك في ملك إنسانٍ معيّن.

مسألة 1122: قد بيّنّا أنّه يجوز إخراج الميازيب في الطرق النافذة

إذا لم يمنع منه أحد يتضرّر به - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(1) - لأنّ عمر بن الخطّاب اجتاز علي دار العبّاس و قد نصب ميزاباً إلي الطريق، فقلعه، فقال العبّاس: تقلعه و قد نصبه رسول اللّه صلي الله عليه و آله بيده(2) ، و ما فَعَله النبيّ صلي الله عليه و آله جاز لغيره فعله؛ عملاً بالتأسّي ما لم يقم دليل علي اختصاصه، و لأنّ الحاجة تدعو إلي ذلك، و لا يمكنه ردّ مائه إلي داره.

ص: 133


1- المغني 36:5، الشرح الكبير 29:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 42، الهامش (1).

و قال أحمد: لا يجوز؛ لأنّه تصرّف في هواءٍ مشتركٍ بينه و بين غيره بغير إذنه فلم يجز، كغير النافذ(1).

و عدم الإذن ممنوع بوضع عامّة الناس في الأمصار بأسرها علي استمرار الدهور.

مسألة 1123: قد بيّنّا أنّه لا يجوز وضع الجذوع علي حائط الجار إلّا بإذنه، و بيّنّا الخلافَ.
اشارة

و كذا في جدار المسجد.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: الجواز؛ لأنّه إذا جاز في ملك الجار مع أنّ [حقّه](2) مبنيّ علي الشحّ و التضييق، ففي حقّ اللّه تعالي المبنيّ علي المسامحة و المساهلة أولي(3).

و كلتا المقدّمتين ممنوعة.

فرعٌ: علي قول أحمد إذا كان له وضع خشبٍ علي جدار غيره، لم يملك إعارته و لا إجارته؛

لأنّه إنّما كان له ذلك لحاجته الماسّة إلي وضع خشبه، و لا حاجة له إلي وضع خشبة غيره، فلم يملكه.

و كذلك لا يملك بيع حقّه من وضع خشبه و لا المصالحة عنه للمالك و لا لغيره؛ لأنّه أُبيح له لحاجته إليه، فلا يجوز [التخطّي](4) كطعام غيره إذا أُبيح له للضرورة لم يملك إباحة غيره(5).

و لو تنازعا مسنّاةً بين نهر أحدهما و أرض الآخَر أو بين أرضيهما أو

ص: 134


1- المغني 36:5-37، الشرح الكبير 30:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حائطه». و المثبت كما في المصدر.
3- المغني و الشرح الكبير 38:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التخطئة». و الظاهر ما أثبتناه.
5- المغني 39:5، الشرح الكبير 39:5-40.

نهريهما، تحالفا، و كانت بينهما؛ لأنّها حاجز بين ملكيهما، كالحائط بين الملكين.

مسألة 1124: لو كان السُّفْل لرجلٍ و العلوّ لآخَر، فانهدم السقف الذي بينهما، لم يُجبر أحدهما علي عمارته لو امتنع

- و للشافعي قولان، و عن أحمد روايتان(1) - للأصل.

و لو انهدمت حيطان السُّفْل و أراد صاحب العلوّ بناءه، لم يُمنع من ذلك؛ توصّلاً إلي تحصيل ملكه.

فإن بناه بآلته، فهو علي ما كان.

و إن بناه بآلةٍ من عنده، لم يكن له منع صاحب السُّفْل من السكني - و به قال الشافعي(2) - لأنّ ملكه لم يخرج عن السُّفْل، و السكني إنّما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرّفٍ فيها، فأشبه الاستظلال بها من خارجٍ.

و مَنَع أبو حنيفة من السكني؛ لأنّ البيت إنّما يُبني للسكني فلم يملكه، كغيره(3).

و ليس بشيءٍ؛ إذ لا يمنع من التصرّف في ملكه المختصّ به.

و عن أحمد روايتان(4).

مسألة 1125: لو كان الحائط بينهما نصفين فاتّفقا علي بنائه أثلاثاً أو بالعكس، جاز،

كما لو تبرّع أحدهما ببنائه.

و مَنَع الحنابلة من تساويهما في البناء لو اختلفا في الاستحقاق؛ لأنّه يصالح علي بعض ملكه ببعضٍ فلم يصحّ، كما لو أقرّ له بدارٍ فصالحه علي

ص: 135


1- المغني 48:5، الشرح الكبير 47:5. (2-4) المغني 49:5، الشرح الكبير 47:5.

سكناها(1).

و الملازمة ممنوعة، و كذا الحكم في الأصل ممنوع.

و لو اتّفقا علي أن يحمله كلّ واحدٍ منهما ما شاء، لم يجز؛ لجهالة الحمل، و إنّه يحمله من الأثقال ما لا طاقة له بحمله.

مسألة 1126: لو كان سطح أحدهما أعلي من سطح الآخَر، لم يُمنع صاحب الأعلي من الصعود علي سطحه،

و لا يحلّ له الإشراف علي سطح جاره.

و قال أحمد: ليس لصاحب العلوّ الصعودُ علي سطحه علي وجهٍ يشرف علي سطح جاره إلّا أن يبني سترةً تستره(2).

و مذهبنا أنّه لا يجب بناء السترة - و به قال الشافعي(3) - لأنّه حاجز بين ملكيهما فلا يُجبر عليه، كالأسفل.

احتجّ أحمد بأنّه يحرم عليه الاطّلاع و الإشراف علي جاره؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «لو أنّ رجلاً اطّلع عليك فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح»(4)(5).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ الاطّلاع حرام عندنا، أمّا العلوّ بالسطح فلا.

مسألة 1127: لو تنازع اثنان جملاً، فإن كان لأحدهما عليه حمْلٌ كان صاحب الحمل أولي،

و به قال الشافعي و إن لم يحكم بالجدار لصاحب الجذوع التي عليه، و فرَّق بأنّ الحائط ينتفع به كلّ واحدٍ منهما و إن كان

ص: 136


1- المغني 50:5، الشرح الكبير 49:5.
2- بحر المذهب 41:8، المغني 52:5، الشرح الكبير 52:5-53.
3- بحر المذهب 41:8، المغني 52:5، الشرح الكبير 53:5.
4- صحيح البخاري 8:9-9، صحيح مسلم 44/1699:3.
5- المغني 52:5-53، الشرح الكبير 53:5.

صاحب الجذوع أكثر منفعةً، و أمّا الجمل فالانتفاع لصاحب الحمل، دون الآخَر(1).

و هذا الفرق ليس بشيءٍ، بل انتفاع صاحب الجذوع بالجدار أدوم.

و لو تنازعا عبداً و لأحدهما عليه ثوبٌ لابسه، تساويا فيه، بخلاف الحمل؛ لأنّ صاحب الثوب لا ينتفع بلُبْس العبد له، بخلاف الحمل، و لأنّ الحمل لا يجوز أن يحمله علي الجمل إلّا بحقٍّ، و يجوز أن يجبر العبد علي لُبْس قميص غير مالكه إذا كان عرياناً و بذله، فافترقا.

مسألة 1128: لو كان في يد شخصين درهمان فادّعاهما أحدهما و ادّعي الآخَر واحداً منهما، أُعطي مدّعيهما معاً درهماً،

و كان الدرهم الآخَر بينهما نصفين؛ لأنّ مدّعي أحدهما غير منازعٍ في الدرهم الآخَر، فنحكم به لمدّعيهما، و قد تساويا في دعوي أحدهما يداً و دعوي، فيُحكم به لهما.

هذا إذا لم توجد بيّنة.

و الأقرب: إنّه لا بدّ من اليمين، فيحلف كلّ واحدٍ منهما علي استحقاق نصف الآخَر الذي تصادمت دعواهما فيه، فمَنْ نكل منهما قُضي به للآخَر.

و لو نكلا معاً أو حلفا معاً، قُسّم بينهما نصفين؛ لما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن غير واحدٍ من أصحابنا عن الصادق عليه السلام: في رجلين كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخَر: هُما بيني و بينك، قال: فقال الصادق عليه السلام: «أمّا أحد الدرهمين ليس له فيه شيء، و إنّه لصاحبه، و يُقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين»(2).

مسألة 1129: لو أودع رجل عند آخَر دينارين و أودعه آخَر ديناراً و امتزجا ثمّ ضاع دينار منهما،

فإن كان بغير تفريطٍ منه في الحفظ و لا في

ص: 137


1- البيان 196:13، المغني 228:12، و راجع الهامش (3) من ص 583.
2- التهذيب 481/208:6.

المزج بأن أذنا له في المزج أو حصل المزج بغير فعله و لا اختياره، فلا ضمان عليه؛ لأصالة البراءة، و لو فرّط ضمن التالف.

هذا بالنظر إلي المستودع، و أمّا المال الباقي فإنّه يعطي صاحب الدينارين ديناراً؛ لأنّ خصمه يسلّم له أنّه لا يستحقّ منه شيئاً، و يبقي الدينار الآخَر تتصادم دعواهما فيه، فيُقسم بينهما نصفين؛ لما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السلام: في رجلٍ استودع رجلاً دينارين و استودعه آخَر ديناراً فضاع دينار منهما، فقال: «يعطي صاحب الدينارين ديناراً، و يقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين»(1).

و لو كان ذلك في متساوي الأجزاء الممتزج مزجاً يرفع الامتياز، كما لو استودعه أحدهما قفيزين من حنطةٍ أو شعير أو دخن و شبهه، و استودعه الآخَر قفيزاً مثلهما ثمّ امتزج المالان و تلف قفيز من الممتزج، فإنّ الأقوي هنا أن يقسم المال التالف بينهما علي نسبة المالين، فيكون لصاحب القفيزين قفيز و ثلث قفيزٍ، و لصاحب القفيز ثلثا قفيزٍ.

و الفرق ظاهر؛ لأنّ عين أحد الدينارين غير مستحقٍّ لصاحب الدينار.

مسألة 1130: لو اشتري العامل في البضاعة ثوباً بثلاثين درهماً،

و اشتري من مال المباضع الآخَر ثوباً بعشرين درهماً، ثمّ امتزج الثوبان، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه، و إن تعاسرا بِيعا معاً، و بسط الثمن علي القيمتين، فيأخذ صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و يأخذ صاحب العشرين خُمْسي الثمن؛ إذ الظاهر عدم التغابن، و أنّ كلّ واحدٍ منهما اشتري بقيمته و باع بالنسبة.

ص: 138


1- التهذيب 483/208:6.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ و آخَر عشرين درهماً في ثوبٍ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه، قال: «يُباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخَر خُمْسي الثمن» قال: قلت: فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيّهما شئت، قال: «قد أنصفه»(1).

و لو بِيعا منفردين، فإن تساويا في الثمن فلكلٍّ مثل صاحبه؛ ليميّز حقّ كلّ واحدٍ منهما عن حقّ الآخَر، و إن تفاوتا كان أقلّ الثمنين لصاحب العشرين و أكثرهما لصاحب الثلاثين؛ قضاءً بالظاهر من عدم الغبن.

مسألة 1131: لو تنازعا في دابّةٍ فادّعاها كلّ واحدٍ منهما و كان أحدهما راكبَها و الآخَر قابض لجامها و لا بيّنة،
اشارة

قال الشيخ رحمه الله: يُحكم بها لهما، و تُجعل بينهما نصفين(2) ، و به قال أبو إسحاق المروزي(3) ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهما يداً عليها.

و قال باقي العامّة: يُحكم بها للراكب؛ لبُعْد تمكين صاحب الدابّة غيرَه من ركوبها، و إمكان أخذ اللجام من صاحب الدابّة(4). و هو الأقوي عندي.

و لو تنازعا ثوباً في يدهما، قضي لهما معاً به بالسويّة و إن كان في يد أحدهما أكثر؛ لتساويهما في اليد و الدعوي، و كلّ ذلك مع عدم البيّنة

ص: 139


1- الكافي 421:7-2/422، الفقيه 62/23:3، التهذيب 482/208:4.
2- الخلاف 296:3، المسألة 5 من كتاب الصلح.
3- المهذّب - للشيرازي - 318:2، حلية العلماء 212:8، العزيز شرح الوجيز 122:5.
4- المهذّب - للشيرازي - 318:2، الوجيز 180:1-181، الوسيط 64:4، حلية العلماء 211:8، البيان 196:13، العزيز شرح الوجيز 122:5.

و اليمين.

و لو كان باب غرفة البيت مفتوحاً إلي الجار فادّعاها كلٌّ من صاحب الأسفل و الجار، حُكم بالغرفة لصاحب الأسفل؛ لأنّ مَنْ مَلَك القرار مَلَك الهواء، و فتح الباب يحتمل الإعارة.

أمّا لو كانت الغرفة تحت تصرّف الجار، فالأقرب: الحكم له بها؛ قضاءً باليد الدالّة علي الملكيّة.

تذنيب: لو بني مسجداً في أرضٍ اشتراها من غيره، فادّعاها ثالثٌ،

فإن صدّقه المشتري أو البائع كان علي المصدّق القيمة، و لو كذّباه فصالحه بعض جيران المسجد صحّ الصلح؛ لأنّه بذْلُ مالٍ علي طريق البرّ.

تذنيبٌ آخَر: لو تداعي ذو البابين في المنقطع الدربيّة، حُكم بينهما لهما من رأس الدربيّة إلي الأوّل،

و ما بين البابين للثاني، و الفاصل إلي صدر الدرب يحتمل قويّاً الشركة، و اختصاصُ الأخير.

تمّ الجزء العاشر(1) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه تعالي و منّه، و يتلوه في الجزء الحادي عشر(2) - بتوفيق اللّه تعالي - كتاب الأمانات و توابعها، و فيه مقاصد.

فرغتُ من تسويده ثامن عشري صفر - خُتم بالخير و الظفر - من سنة خمس عشرة و سبعمائة بالسلطانيّة.

و كتب العبد الفقير إلي اللّه تعالي حسن بن يوسف بن المطهّر، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا و مولانا محمّد النبي و آله الطاهرين.

ص: 140


1- حسب تجزئة المصنّف رحمه الله.
2- حسب تجزئة المصنّف رحمه الله.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الأمانات و توابعها

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: الوديعة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة
اشارة

الوديعة مشتقّة من «ودع، يدع» إذا استقرّ و سكن، من قولهم: «يدع كذا» أي يتركه، و الوديعة متروكة مستقرّة عند المستودع.

و قيل: إنّها مشتقّة من الدعة، و هي الخفض و الراحة، يقال: ودع الرجل فهو وديع و وادع، لأنّها في دعة عند المُودَع لا تتبدّل و لا تستعمل(1).

و الوديعة تُطلق في العرف علي المال الموضوع عند الغير ليحفظه، و الجمع: الودائع. و استودعه الوديعة، أي: استحفظه إيّاها.

و عن الكسائي: يقال: أودعته كذا: إذا دفعت إليه الوديعة. و أودعته كذا: إذا دفع إليك الوديعة فقبلتها، و هو من الأضداد(2).

و المشهور في الاستعمال المعني الأوّل.

و هي جائزة بالكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالي:«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها»(3)

ص: 141


1- البيان 421:6، العزيز شرح الوجيز 286:7-287.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 286:7.
3- النساء: 58.

و قال تعالي:«فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ» (1).

و ما رواه العامّة عن أُبي بن كعب أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «أدِّ الأمانة إلي مَن ائتمنك، و لا تَخُنْ مَنْ خانَك»(2).

و روي أنّه عليه السلام كان عنده ودائع، فلمّا أراد الهجرة أودعها عند أُمّ أيمن، و أمر عليّاً عليه السلام بردّها علي أهلها(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن أخي الفضيل بن يسار قال: كنتُ عند الصادق عليه السلام و دخلَتْ امرأة و كنتُ أقربَ القوم إليها، فقالت لي: اسأله، فقلت: عمّا ذا؟ فقالت: إنّ أبي مات و ترك مالاً كان في يد أخي فأتلفه ثمّ أفاد مالاً فأودعنيه، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟ فأخبرتُه بذلك، فقال: «لا، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أدِّ الأمانةَ إلي مَن ائتمنك، و لا تخُنْ مَنْ خانَك»(4).

و عن حسين بن مصعب قال: سمعتُ الصادقَ عليه السلام يقول: «ثلاثة لا عذر فيها لأحدٍ: أداء الأمانة إلي البرّ و الفاجر، و برّ الوالدين برَّيْن كانا أو فاجرَيْن، و الوفاء بالعهد للبرّ و الفاجر»(5).

و عن محمّد بن علي الحلبي قال: استودعني رجل من مواليت.

ص: 142


1- البقرة: 283.
2- سنن أبي داوُد 3534/290:3، سنن الدارقطني 141/35:3، سنن البيهقي 270:10، مسند أحمد 14998/423:4.
3- الحاوي الكبير 355:8-356، البيان 422:6، المغني 280:7، سنن البيهقي 289:6.
4- التهذيب 981/348:6، الاستبصار 52:3-172/53.
5- التهذيب 988/350:6، و في الكافي 1/132:5 بتقديمٍ و تأخير في بعض الجملات.

بني مروان ألف دينار فغاب فلم أدْر ما أصنع بالدنانير، فأتيت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام فذكرت ذلك له و قلت: أنت أحقّ بها، فقال: «لا، لأنّ أبي كان يقول: إنّما نحن فيهم بمنزلة هدنة نؤدّي أمانتهم و نردّ ضالّتهم و نقيم الشهادة لهم و عليهم، فإذا تفرّقت الأهواء لم يسع أحدٌ المقام»(1).

و قال الصادق عليه السلام: «كان أبي يقول: أربع مَنْ كُنّ فيه كمل إيمانه، و لو كان ما بين قرنه إلي قدمه ذنوب لم ينتقصه ذلك» قال: «و هي الصدق و أداء الأمانة و الحياء و حسن الخلق»(2).

و قال الكاظم عليه السلام: «أهل الأرض مرحومون ما يخافون و أدّوا الأمانة و عملوا بالحقّ»(3).

و قال الحسين الشيباني للصادق عليه السلام: إنّ رجلاً من مواليك يستحلّ مال بني أُميّة و دماءهم، و إنّه وقع لهم عنده وديعة، فقال عليه السلام: «أدّوا الأمانات إلي أهلها و إن كانوا مجوساً(4) ، فإنّ ذلك لا يكون حتي يقوم قائمنا فيحلّ و يحرّم»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «اتّقوا اللّه و عليكم بأداء الأمانة إلي مَن ائتمنكم، فلو أنّ قاتل عليٍّ ائتمنني علي أداء الأمانة لأدّيتُها إليه»(6).

و قد أجمع المسلمون كافّةً علي جوازها، و تواترت الأخبار بذلك.

و لأنّ الحكمة تقتضي تسويغها، فإنّ الحاجة قد تدعو إليها لاحتياج6.

ص: 143


1- التهذيب 989/350:6.
2- التهذيب 990/350:6.
3- التهذيب 991/350:6.
4- في «خ» و الكافي: «مجوسيّاً».
5- الكافي 132:5-2/133، التهذيب 993/351:6.
6- الكافي 4/133:5، التهذيب 995/351:6.

الناس إلي حفظ أموالهم، و ربما تعذّر ذلك عليهم بأنفسهم إمّا لخوفٍ أو سفرٍ أو عدم حرزٍ، فلو لم يشرع الاستيداع لزم الحرج المنفيّ بقوله تعالي:

«ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (1) و لأنّه نفعٌ لا ضرر فيه، فكان مشروعاً.

مسألة 1: إذا عرفتَ الوديعة في عرف اللغة، فهي في عرف الفقهاء عبارة عن عقدٍ يفيد الاستنابة في الحفظ،

لكن قد عرفت أنّ العرف اللغوي يقتضي أن تكون هي المال، و كذا العرف العامّي، و الإيداع هو العقد.

و هي جائزة من الطرفين بالإجماع، لكلٍّ منهما فسخه.

و لا بدّ فيها من إيجابٍ و قبولٍ.

فالإيجاب هو كلّ لفظٍ دالٍّ علي الاستنابة بأيّ عبارةٍ كان، و لا ينحصر في لغةٍ دون أُخري، و لا في عبارةٍ دون عبارةٍ، و لا يفتقر إلي التصريح، بل يكفي التلويح و الإشارة و الاستعطاء.

و القبول قد يكون بالقول، و هو كلّ لفظٍ يدلّ علي الرضا بالنيابة في الحفظ بأيّ عبارةٍ كان، و قد يكون بالفعل.

و هل الوديعة عقد برأسه، أو إذن مجرّد؟ الأقرب: الأوّل.

مسألة 2: إذا دفع الإنسان إلي غيره وديعةً و كان المدفوع إليه عاجزاً عن حفظها،

لم يجز له قبولها؛ لما فيه من إضاعة مال الغير، و قد نهي النبيّ صلي الله عليه و آله عنه(2).

و إن كان قادراً لكنّه غير واثقٍ من نفسه بالأمانة، لم يجز له القبول؛

ص: 144


1- الحجّ: 78.
2- صحيح البخاري 139:2، و 118:9، سنن البيهقي 63:6، سنن الدارمي 311:2، مسند أحمد 305:5 و 17727/312 و 17768.

لما فيه من التعريض للتفريط في مال الغير، و هو محرَّم، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني لهم: إنّه يكره(1).

و لو كان قادراً علي الحفظ واثقاً بأمانة نفسه، استحبّ له القبول؛ لما فيه من المعاونة علي البرّ و قضاء حوائج الإخوان.

و لو لم يكن هناك غيره، فالأقوي: إنّه يجب عليه القبول؛ لأنّه من المصالح العامّة. و بالجملة، فالقبول واجب علي الكفاية.

و لو تضمّن القبول ضرراً في نفسه أو ماله أو خاف علي بعض المؤمنين أو تضمّن إتلاف منفعة نفسه أو حرزه في الحفظ من غير عوضٍ، لم يجب القبول.

مسألة 3: الألفاظ المتداولة بين الناس من الإيجاب الذي يتضمّنه عقد الوديعة: استودعتك هذا المال،

أو: أودعتك، أو: استحفظتك، أو:

أنبتك في حفظه، أو: استنبتك فيه، أو: احفظه، أو: هو وديعة عندك، و ما في معناه من الصيغ الصادرة من جهة المودِع، الدالّة علي الاستحفاظ.

و لا يعتبر القبول لفظاً كما تقدّم(2) ، بل يكفي القبض [بكيفيّته](3) في العقار و المنقول، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: لا يكفي القبض، بل لا بدّ من لفظٍ دالٍّ علي القبول(5).

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 287:7، روضة الطالبين 286:5.
2- في ص 144، ذيل المسألة 1.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكفيه». و المثبت هو الصحيح.
4- العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 286:5.
5- التهذيب - للبغوي - 116:5، العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 286:5.

و قال بعضهم: إن كان المودِع قد قال: أودعتُك، و شبهه ممّا هو علي صيغ العقود، وجب القبول لفظاً، و إن قال: احفظه، أو: هو وديعة عندك، لم يفتقر إلي لفظٍ يدلّ علي القبول، كما تقدّم في الوكالة(1).

مسألة 4: لا بدّ من التنجيز،

فلو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك مالي معه(2) ، لم يصح الإيداع - و هو قول بعض الشافعيّة(3) - لأصالة العدم.

و قال بعضهم: يصحّ(4).

و قال آخَرون منهم: القياس تخريجه علي الخلاف في تعليق الوكالة(5).

و قيل: الإيداع عبارة عن الاستنابة في الحفظ، و هو توكيلٌ خاصٌّ، و [الوكيل و الموكّل] يُسمَّيان في هذا التوكيل المُودِع و المُودَع(4).

و لو جاء بماله و وضعه بين يدي غيره و لم يتلفّظ بشيءٍ لم يحصل الإيداع، فإن قبضه الموضوع عنده ضمنه.

و كذا لو كان قد قال من قبلُ: إنّي أُريد أن أُودعك، ثمّ جاء بالمال.

و لو قال: هذه وديعتي عندك فاحفظه، و وضعه بين يديه، فإن أخذه الموضوع عنده تمّت الوديعة؛ لأنّا لا نعتبر القبول اللفظي، و إن لم يأخذه فإن لم يتلفّظ بشيءٍ لم يكن وديعةً، حتي لو ذهب و تركه فلا ضمان عليه، لكن يأثم إن كان ذهابه بعد ما غاب المالك.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 286:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «بعدُ» بدل «معه».
3- العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 286:5. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 286:5.
4- العزيز شرح الوجيز 288:7، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

و إن قال: قبلت، أو: ضَعْ، فوضعه، كان إيداعاً، كما لو أخذه بيده، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يكون إيداعاً ما لم يقبض(2).

و قال آخَرون بالتفصيل، فإن كان الموضع في يده، فقال: ضَعْه، دخل المال في يده؛ لحصوله في الموضع الذي هو في يده. و إن لم يكن كما لو قال: انظر إلي متاعي في دكّاني، فقال: نعم، لم يكن وديعةً(3).

و علي ما اخترناه من أنّه وديعة مطلقاً لو ذهب الموضوع عنده و تركه، فإن كان المالك حاضراً بَعْدُ فهو ردٌّ للوديعة، و إن غاب المالك ضمنه.

مسألة 5: قد ذكرنا أنّ الوديعة من العقود الجائزة من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها إجماعاً،

و قد تقدّم(2) أنّه توكيلٌ خاصّ، و الوكالة جائزة من الطرفين، فإذا أراد المالك الاستردادَ لم يكن للمُستودِع المنعُ، و وجب عليه الدفع، و لو أراد المستودع الردَّ لم يكن للمودِع أن يمتنع من القبول؛ لأنّه متبرّع بالحفظ.

و لو عزل المستودع نفسه، ارتفعت الوديعة، و بقي المال أمانةً مطلقة شرعيّة في يده، كالثوب الطائر بالهواء إلي داره، و كاللقطة في يد الملتقط بعد ما عرف المالك، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّ العزل لغو.

و الأصل في هذا الخلاف مبنيّ علي أنّ الوديعة مجرّد إذنٍ، أم عقد؟ إن قلنا: إنّها مجرّد إذنٍ، فالعزل لغو، كما لو أذن في تناول طعامه للضيفان،

ص: 147


1- التهذيب - للبغوي - 116:5، العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 287:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 288:7، روضة الطالبين 287:5.
2- في ص 146، ضمن المسألة 4.

فقال بعضهم: عزلت نفسي، يلغو قوله، و يكون له الأكل بالإذن السابق، فعلي هذا تبقي الوديعة بحالها. و إن قلنا: إنّها عقد، ارتفعت الوديعة، و بقي المال أمانةً مجرّدة، و عليه الردّ عند التمكّن و إن لم يطالب المالك - و هو أظهر وجهي الشافعيّة - و لو لم يفعل ضمن(1).5.

ص: 148


1- العزيز شرح الوجيز 291:7، روضة الطالبين 289:5.
الفصل الثاني: في المتعاقدين
مسألة 6: يشترط في المستودع و المُودِع التكليف،

فلا يصحّ الإيداع إلّا من مكلّفٍ، فلو أودع الصبي أو المجنون غيرَه شيئاً، لم يجز له قبوله منهما، فإن قَبِله و أخذه من أحدهما ضمن.

و لا يزول الضمان إلّا بالردّ إلي الناظر في أمرهما، و لو ردّه إليهما لم يبرأ من الضمان؛ لأنّهما محجور عليهما.

و لو خاف هلاكه فأخذه منهما إرفاقاً لهما و نظراً في مصلحتهما علي وجه الحسبة صوناً له، فالأقرب: عدم الضمان؛ لأنّه محسن إليهما، و قد قال تعالي:«ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (1) و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه [ضامن](2) كالوجهين - عندهم - فيما إذا أخذ المُحْرم صيداً من جارحةٍ [ليتعهّده](3). و الظاهر عندهم: عدم الضمان(4).

مسألة 7: كما أنّ التكليف شرط في المودِع كذا هو شرط في المستودع،

فلا يصحّ الإيداع إلّا عند مكلّفٍ؛ لأنّه استحفاظ، و الصبي

ص: 149


1- التوبة: 91.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا ضمان عليه». و المثبت يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ليتعهّدها». و المثبت هو الصحيح.
4- الحاوي الكبير 384:8، المهذّب - للشيرازي - 366:1، الوجيز 284:1، حلية العلماء 167:5، التهذيب - للبغوي - 116:5، البيان 423:6، العزيز شرح الوجيز 289:7، روضة الطالبين 287:5.

و المجنون ليسا من أهل الحفظ، فلو أودع مالاً عند صبيٍّ أو مجنونٍ فتلف فلا ضمان عليهما؛ إذ ليس علي أحدهما حفظه، فأشبه ما لو تركه عند بالغٍ من غير استحفاظٍ فتلف.

و لو أتلفه الصبي أو المجنون، فالأقرب عندي: إنّ عليهما الضمان؛ لأنّهما أتلفا مال الغير بالأكل أو غيره فضمناه، كغير الوديعة، و به قال أحمد و الشافعي في أظهر القولين.

و الثاني: إنّهما لا يضمنان؛ لأنّ المالك سلّطهما عليه، فصار كما لو أقرضه أو باعه منه و أقبضه فأتلفه، لم يكن عليه ضمان، أ لا تري أنّه لو دفع إلي صغيرٍ سكّيناً فوقع عليها فتلف، كان ضمانه علي عاقلة الدافع، و به قال أبو حنيفة(1).

و هو ممنوع؛ للفرق بين الإيداع، و البيع و الإقراض؛ لأنّ ذلك تمليك و تسليط علي التصرّف، و الإيداع تسليط علي الحفظ دون الإتلاف و التصرّف، و يخالف دفع السكّين؛ لأنّه سبب في الإتلاف، و دفع الوديعة ليس سبباً في إتلافها.

و لو أودع ماله عند عبدٍ، فإن تلف عنده من غير تفريطٍ فلا ضمان عليه، و إن تلف بتفريطه أو أتلفه ضمن، و كان المال متعلّقاً بذمّته لا برقبته، كما لو أتلف ابتداءً.

و لا فرق بين أن يأذن له سيّده في الاستيداع أو يمنعه، و يتبع ذلك3.

ص: 150


1- المغني 296:7، الشرح الكبير 312:7، المهذّب - للشيرازي - 366:1، الوجيز 284:1، حلية العلماء 167:5-168، التهذيب - للبغوي - 116:5، البيان 424:6، العزيز شرح الوجيز 289:7-290، روضة الطالبين 287:5، المبسوط - للسرخسي - 118:11، طريقة الخلاف بين الأسلاف: 303.

بعد العتق، فإن مات عبداً سقط المال، و لم يتعلّق بالسيّد شيء منه و إن أذن له؛ لأنّه إنّما أذن له في الاحتفاظ لا في الإتلاف.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: إنّ الضمان يتعلّق برقبته، كما لو أتلف ابتداءً(1).

و الأصل عندنا ممنوع.

و الثاني: إنّه يتعلّق بذمّته دون رقبته - كما قلناه - كما لو باع منه، فيه الخلاف المذكور في الصبي(2).

و إيداع السفيه و الإيداع عنده كإيداع الصبي و الإيداع عنده.

مسألة 8: و لا بُدّ في المتعاقدين من جواز التصرّف،

فلا يصحّ من المحجور عليه للسفه و للفلس الإيداع و الاستيداع، علي إشكالٍ في استيداع المفلس، و الأقرب عندي: جوازه.

و لو جنّ المودِع أو المستودِع أو مات أحدهما أو أُغمي عليه، ارتفعت الوديعة؛ لأنّها إن كانت مجرّدَ إذنٍ في الحفظ فالمودِع بعرضة التغيّر، و هذه الأحوال تُبطل إذنه، و المستودع يخرج عن أهليّة الحفظ، و إن كانت عقداً فقد سبق(1) أنّها توكيلٌ خاصّ، و الوكالة جائزة فلا تبقي بعد هذه العوارض.

و لو حُجر علي المُودِع لسفهٍ، كان علي المُودَع ردّ الوديعة إلي وليّه و هو الحاكم؛ لأنّ إذنه في الإيداع بطل بذلك، و الناظر عليه الحاكم، فوجب دفعها إليه.

مسألة 9: إن قلنا: إنّ الوديعة عقدٌ برأسه، لم يضمنه الصبي،

ص: 151


1- في ص 146، ضمن المسألة 4.

و لم يتعلّق برقبة العبد، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و إن قلنا: إنّها إذن مجرّد، ضمنه الصبي، و تعلّق برقبة العبد، و هو قول باقي الشافعيّة(2).

لكنّا بيّنّا أنّ الحقَّ الأوّلُ، و أنّ الصبي لا يضمن إلّا بالإتلاف علي إشكالٍ، و أمّا العبد فإنّ الوديعة مع التفريط تتعلّق بذمّته.

إذا عرفت هذا، فولد الجارية المُودَعة و نتاج الدابّة المُودَعة وديعة كالأُمّ.

و قال الشافعيّة: إن جعلنا الوديعة عقداً فالولد كالأُمّ يكون وديعةً، و إلّا لم يكن وديعةً، بل أمانة شرعيّة مردودة في الحال، حتي لو لم يردّ مع التمكّن ضمن علي أظهر الوجهين عندهم(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن جعلنا الوديعة عقداً، لم يكن الولد وديعةً، بل أمانة؛ اعتباراً بعقد الرهن و الإجارة، و إلّا فيتعدّي حكم الأُمّ إلي الولد كما في الوصيّة(1) ، أو لا يتعدّي كما في العارية ؟ للشافعيّة وجهان(2).

و علي الأصل المذكور خرّج بعضُ الشافعيّة اعتبارَ القبول لفظاً، إن جعلناها عقداً اعتبرناها، و إلّا اكتفينا بالفعل(3).

و الموافق لإطلاق العامّة كون الوديعة عقداً، و ذكروها من العقود الجائزة(4).5.

ص: 152


1- في المصدر: «الضحيّة» بدل «الوصيّة».
2- العزيز شرح الوجيز 290:7، روضة الطالبين 288:5.
3- العزيز شرح الوجيز 290:7.
4- العزيز شرح الوجيز 290:7، روضة الطالبين 288:5.
الفصل الثالث: في موجبات الضمان
اشارة

اعلم أنّ الوديعة تستتبع أمرين: الضمان عند التلف، و الردّ عند البقاء، لكنّ الضمان لا يجب علي الإطلاق، بل إنّما يجب عند وجود أحد أسبابه، و ينظمها شيء واحد هو: التقصير، و لو انتفي التقصير فلا ضمان؛ لأنّ الأصل في الوديعة أنّها أمانة محضة لا تُضمن بدون التعدّي أو التفريط؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «ليس علي المستودع ضمان»(1).

و قال عليه السلام: «مَنْ أُودع وديعة فلا ضمان عليه»(2)

و من طريق الخاصّة: ما رواه إسحاق بن عمّار أنّه سأل الكاظمَ عليه السلام عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، و قال الآخَر: إنّما كانت عليك قرضاً، قال: «المال لازم له إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة»(3) و الاستثناء يقتضي التناقض بين المستثني و المستثني منه، و لمّا حكم في الأوّل بالضمان ثبت في الاستثناء عدمه.

و عن زرارة - في الحسن - أنّه سأل الصادقَ عليه السلام عن وديعة الذهب و الفضّة، قال: فقال: «كلّما كان من وديعةٍ و لم تكن مضمونةً فلا تلزم»(4).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»(5).

ص: 153


1- سنن البيهقي 91:6، سنن الدارقطني 168/41:3، المغني 281:7.
2- سنن ابن ماجة 2401/802:2.
3- الكافي 8/239:5، التهذيب 788/179:7.
4- الكافي 7/239:5، التهذيب 789/179:7.
5- الكافي 1/238:5، التهذيب 790/179:7.

و لأنّ اللّه تعالي سمّاها أمانةً(1) ، و الضمان ينافي الأمانة.

و هذا الحكم منقول عن عليٍّ عليه السلام و عن أبي بكر و عمر و ابن مسعود و جابر(2) ، و لم يظهر لهم مخالف، فكان إجماعاً.

لا يقال: قد روي أنّه كان عند أنس وديعة فذهبت فرفع إلي عمر، فقال: هل ذهب معها شيء من مالك ؟ قال: لا، قال: اغرمها(3).

لأنّا نقول: قول عمر ليس حجّةً، و ربما قال ذلك عند تفريط المستودع في حفظها.

و لأنّ المستودع إنّما يحفظها لصاحبها متبرّعاً بذلك، فلو ألزمناه الضمان أدّي إلي الامتناع عن قبولها، و في ذلك ضرر عظيم؛ لما بيّنّاه من الحاجة إليها، و لأنّ يد المستودع يد المالك.

و إذا عرفت أنّ السبب الجامع لموجبات الضمان هو التقصير، فلا بُدّ من الإشارة إلي ما به يصير المستودع مقصّراً، و هي سبعة تنظمها مباحث نذكر لكلّ سببٍ بحثاً.

البحث الأوّل: في الانتفاع.
مسألة 10: من الأسباب الموجبة للضمان الانتفاعُ بالوديعة،

فلو استودع ثوباً فلبسه، أو دابّةً فركبها، أو جاريةً فاستخدمها، أو كتاباً فنظر فيه

ص: 154


1- النساء: 85.
2- المهذّب - للشيرازي - 366:1، البيان 425:6-426، العزيز شرح الوجيز 292:7، المغني 280:7، الشرح الكبير 282:7، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 251:1-405/252.
3- الحاوي الكبير 356:8، و في المصنّف - لعبد الرزّاق - 14799/182:8، و سنن البيهقي 289:6 و 290 باختصارٍ.

أو نسخ منه، أو خاتماً فوضعه في إصبعه للتزيّن به لا للحفظ، فكلّ ذلك و ما أشبهه خيانة توجب التضمين عند فقهاء الإسلام لا نعلم فيه خلافاً.

هذا إذا انتفي السبب المبيح للاستعمال، أمّا إذا وُجد السبب المبيح للاستعمال لم يجب الضمان، و ذلك بأن يلبس الثوب الصوف - الذي يفسده الدود - للحفظ، فإنّ مثل هذه الثياب يجب علي المستودع نشرها و تعريضها للريح، بل يجب لُبْسها إن لم يندفع إلّا بأن يلبسها و تعبق(1) بها رائحة الآدمي.

و لو لم يفعل ففسدت، كان عليه الضمان، سواء أذن المالك أو سكت؛ لأنّ الحفظ واجب عليه، و لا يتمّ الحفظ إلّا بالاستعمال، فيكون الاستعمال واجباً؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به و كان مقدوراً للمكلّف فإنّه يكون واجباً.

أمّا لو نهاه المالك عن الاستعمال للحفظ فامتنع حتي فسدت، لم يكن ضامناً، و هو أظهر قولَي الشافعيّة(2).

و لهم قولٌ آخَر: إنّه يكون ضامناً(3).

و المعتمد: الأوّل.

و هل يكون قد فَعَل حراماً؟ إشكال، أقربه ذلك؛ لأنّ إضاعة المال منهيّ عنها(2).

و عند الشافعيّة يكره(5).

و لو كان الثوب في صندوقٍ مقفلٍ ففتح القفل ليخرجه و ينشره،).

ص: 155


1- أي: تبقي. لسان العرب 234:10 «عبق». (2 و 3 و 5) العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 144، الهامش (2).

فالوجه: إنّه لا يضمن؛ لأنّه لم يقصد إلّا الحفظ المأمور به، و ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه يضمن(2).

هذا إذا علم المستودع، أمّا لو لم يعلم بأن كان في صندوقٍ أو كيسٍ مشدود و لم يُعْلمه المالك به، فلا ضمان علي المستودع إجماعاً.

مسألة 11: قد بيّنّا أنّ ركوب الدابّة خيانة لا مطلقاً،

و لكن مع عدم احتياج الحفظ إليه، فلو احتاج حفظ الدابّة المودَعة إلي أن يركبها المستودع إمّا أن يخرج بها إلي السقي أو الرعي و كانت لا تنقاد إلّا بالركوب، فلا ضمان؛ لعدم التعدّي و التفريط حينئذٍ.

و لو كانت الدابّة تنقاد بغير ركوبٍ فركب ضمن، إلّا مع عجزه عن سقيها أو رعيها بدون ركوبها فإنّه يجوز، و لا ضمان.

مسألة 12: لو أخذ المستودع الدراهم المودَعة عنده ليصرفها إلي حاجته،
اشارة

أو أخذ الثوب ليلبسه، أو أخرج الدابّة من مكانها ليركبها ثمّ لم يستعمل، ضمن - و به قال الشافعي(3) - لأنّ الإخراج علي هذا القصد خيانة.

و قال أبو حنيفة: لا يضمن حتي يستعمل(4).

و لو نوي الأخذ و لم يأخذ أو نوي الاستعمال و لم يستعمل، ففي

ص: 156


1- التهذيب - للبغوي - 125:5، العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 297:5.
2- التهذيب - للبغوي - 125:5، العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 297:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 368:1، البيان 442:6، العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5، المغني 291:7، الشرح الكبير 320:7، بدائع الصنائع 213:6.
4- بدائع الصنائع 213:6، البيان 442:6، العزيز شرح الوجيز 304:7، المغني 291:7، الشرح الكبير 320:7.

الضمان إشكال ينشأ: من أنّه لم يُحدث في الوديعة قولاً و لا فعلاً، فلم يضمن، كما لو لم يَنْو، و هو قول أكثر الشافعيّة(1) ، و من أنّه ممسك لها بحكم نيّته، كما أنّ الملتقط إذا نوي إمساك اللقطة لصاحبها، كانت أمانةً، و إن نوي الإمساك لنفسه، كانت مضمونةً، و هو قول ابن سريج من الشافعيّة(2).

و فرّق المذكورون بين الوديعة و اللقطة بأنّه في الوديعة لم يُحدث فعلاً مع قصد الخيانة، و في اللقطة أحدث الأخذ مع قصد الخيانة، و لأنّ سبب أمانته في اللقطة مجرّد نيّته، فضمن بمجرّد النيّة، بخلاف الوديعة(1).

فروع:
أ - لو أخذ الوديعة علي قصد الخيانة، فالأقوي: الضمان؛

لأنّه(2) لم يقبضها علي سبيل الأمانة، بل علي سبيل الخيانة.

و للشافعيّة وجهان(3).

ب - قياس ابن سريج في الضمان إذا نوي المستودع الأخذَ و التصرّفَ و لم يفعل علي ما إذا أخذ الوديعة من مالكها علي قصد الخيانة

ب - قياس ابن سريج في الضمان إذا نوي المستودع الأخذَ و التصرّفَ و لم يفعل علي ما إذا أخذ الوديعة من مالكها علي قصد الخيانة(4)(5) غير تامٍّ.

ص: 157


1- الوجيز 285:1، العزيز شرح الوجيز 304:7.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّها».
3- العزيز شرح الوجيز 304:7.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «في الضمان». و هي متكرّرة.
5- العزيز شرح الوجيز 304:7.

أمّا أوّلاً: فلأنّ جماعةً من الشافعيّة(1) لم يوافقوه علي هذا الأصل.

و أمّا ثانياً: فللفرق، و هو أنّ الأخذ فعلٌ أحدثه مع قصد الخيانة.

ج - لو نوي أن لا يردّ الوديعة بعد طلب المالك، ففي الضمان للشافعيّة الوجهان

(2) .

و عندي فيه التردّد السابق مع أولويّة عدم الضمان هنا إذا لم يطلب المالك، و ثبوته إذا طلب.

و بعض الشافعيّة قال: إذا نوي الأخذ و لم يأخذ لم يضمن، و إذا نوي عدم الردّ ضمن قطعاً؛ لأنّه إذا نوي أن لا يردّ صار ممسكاً لنفسه، و بنيّة الأخذ لا يصير ممسكاً لنفسه(3).

مسألة 13: لو كان الثوب المودَع في صندوق مالك الوديعة فرفع المستودع رأسه ليأخذ الثوب
اشارة

و يتصرّف فيه ثمّ بدا له، فلا يخلو الصندوق إمّا أن يكون مفتوحاً لا قفل عليه و لا ختم له، أو يكون عليه شيء من ذلك، فإن كان لا ختم عليه و لا قفل، فالأقرب: عدم الضمان؛ لأنّه لم يُحدث في الثوب فعلاً، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: إنّه يضمن(4).

و إن كان الصندوق مقفلاً أو الكيس مختوماً ففتح القفلَ و فضّ الختمَ و لم يأخذ ما فيه، فالأقوي: الضمان لما فيه من الثياب و الدراهم - و هو

ص: 158


1- العزيز شرح الوجيز 304:7.
2- العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5.
3- العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5.
4- التهذيب - للبغوي - 117:5، العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5.

أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه هتك الحرز.

و الثاني للشافعيّة: إنّه لا يضمن ما في الصندوق و الكيس، بل يضمن الختم الذي تصرّف فيه، و به قال أبو حنيفة(2).

و علي الوجه الأوّل فهل يضمن الصندوق و الكيس ؟ الأقرب: العدم؛ لأنّه لم يقصد الخيانة في الظرف.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو خرق الكيس فإن كان الخرق تحت موضع الختم فهو كفضّ الختم، و إن كان فوقه لم يضمن إلّا نقصان الخرق.

فروع:
أ - لو أودعه شيئاً مدفوناً فنبشه، فهو بمنزلة فضّ الختم،

إن قلنا:

يضمن هناك، ضمن هنا، و إلّا فلا.

ب - لو حلّ الخيط الذي شدّ به رأس الكيس أو رِزْمة الثياب

ب - لو حلّ الخيط الذي شدّ به رأس الكيس أو رِزْمة الثياب(4) لم يضمن ما في الكيس و الرِّزْمة

و إن فَعَل ذلك للأخذ، بخلاف فضّ الختم و فتح القفل؛ لأنّ القصد منه المنع من الانتشار، و لم يقصد به الكتمان عنه.

ج - لو كان عنده دراهم وديعة أو ثياب فوزن الدراهم أو عدّها أو عدّ الثياب أو ذرعها ليعرف طولها و عرضها، ففي الضمان إشكال

ينشأ: من أنّه تصرّف في الوديعة، و من أنّه لم يقصد الخيانة.

و للشافعيّة وجهان(5) ، و كذا الوجهان فيما لو حلّ الشدّ(6).

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 304:7-305، روضة الطالبين 297:5.
2- العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5.
3- العزيز شرح الوجيز 305:7، روضة الطالبين 297:5.
4- الرِّزمة من الثياب: ما شدّ في ثوبٍ واحد. لسان العرب 239:12 «رزم».
5- الحاوي الكبير 362:8، العزيز شرح الوجيز 305:7، روضة الطالبين 297:5.
6- العزيز شرح الوجيز 305:7، روضة الطالبين 297:5.
مسألة 14: إذا صارت الوديعة مضمونةً علي المستودع
اشارة

إمّا بنقل الوديعة أو إخراجها من الحرز أو باستعمالها كركوب الدابّة و لُبْس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ثمّ إنّه ترك الخيانة و ردّ الوديعة إلي مكانها و خلع الثوب، لم يبرأ بذلك عند علمائنا أجمع، و لم يزل عنه الضمان، و لم تَعُدْ أمانته - و به قال الشافعي(1) - لأنّه ضمن الوديعة بعدوان، فوجب أن يبطل الاستئمان، كما لو جحد الوديعة ثمّ أقرّ بها.

و قال أبو حنيفة: يزول عنه الضمان؛ لأنّه إذا ردّها فهو ماسك لها بأمر صاحبها، فلم يكن عليه ضمانها، كما لو لم يخرجها(2).

و الفرق ظاهر؛ فإنّه إذا لم يخرجها لم يضمنها بعدوان، بخلاف صورة النزاع.

ثمّ يُنقض علي أبي حنيفة بما سلّمه من أنّه إذا جحد الوديعة و ضمنها بالجحود ثمّ أقرّ بها، فإنّه لا يبرأ، و بالقياس علي السارق، فإنّه لو ردّ المسروق إلي موضعه، لم يبرأ(3) ، فكذا هنا.

فروع:
أ - لو ردّ الوديعة - بعد أن تعلّق ضمانها به إمّا بالإخراج من الحرز أو بالتصرّف أو بغيرهما من الأسباب

- إلي المالك و أعادها عليه ثمّ إنّ المالك

ص: 160


1- الحاوي الكبير 363:8، التهذيب - للبغوي - 125:5، العزيز شرح الوجيز 305:7، روضة الطالبين 298:5، المغني 296:7، الشرح الكبير 305:7، الهداية - للمرغيناني - 216:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 216:3، الحاوي الكبير 363:8، التهذيب - للبغوي - 125:5، العزيز شرح الوجيز 305:7، المغني 296:7، الشرح الكبير 305:7.
3- العزيز شرح الوجيز 305:7.

أودعه إيّاها ثانياً، فإنّه يعود أميناً إجماعاً، و يبرأ من الضمان.

ب - لو لم يسلّمها إلي المالك و لكن أحدث المالك له استئماناً،

فقال: أذنتُ لك في حفظها، أو أودعتُكها، أو استأمنتُك، أو أبرأتُك عن الضمان، فالأقرب: سقوط الضمان عنه، و عوده أميناً؛ لأنّ التضمين لحقّ المالك، و قد رضي بسقوطه، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يزول الضمان و لا يعود أميناً - و هو قول ابن سريج - لظاهر قوله عليه السلام: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي»(1)(2).

و كذا الخلاف فيما لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ثمّ أبرأه المالك عن ضمان الحفر(3).

ج - لو قال المالك: أودعتُك كذا - ابتداءً - فإن خُنتَ ثمّ تركتَ الخيانة عُدْتَ أميناً لي،

فخان و ضمن ثمّ ترك الخيانة، لم تزل الخيانة، و لم يَعُدْ أميناً - و به قال الشافعي(4) - لأنّه لا ضمان حينئذٍ حتي يسقط، و هناك الضمان ثابت فيصحّ إسقاطه، و لأنّ الاستئمان الثاني معلّق.

د: لو قال: خُذْ هذا وديعةً يوماً و غير وديعةٍ يوماً، فهو وديعة أبداً.

و لو قال: خُذْه وديعةً يوماً و عاريةً يوماً، فهو وديعة في اليوم الأوّل، و عارية في اليوم الثاني.

و هل يعود وديعةً؟ مَنَع الشافعيّة منه، و قالوا: لا يعود وديعةً أبداً(5).

ص: 161


1- سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، مسند أحمد 19620/638:5، المعجم الكبير - للطبراني - 6862/252:7.
2- العزيز شرح الوجيز 305:7، روضة الطالبين 298:5.
3- العزيز شرح الوجيز 305:7.
4- العزيز شرح الوجيز 305:7-306، روضة الطالبين 298:5.
5- العزيز شرح الوجيز 306:7، روضة الطالبين 298:5.
مسألة 15: إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز أحدهما عن صاحبه،

كدراهم مزجها بمثلها، أو دنانير مزجها بمثلها بحيث لا مائز بين الوديعة و بين مال المستودع، أو مزج الحنطة بمثلها، كان ضامناً، سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها - و به قال الشافعي(1) - لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفاً غير مشروعٍ، و عيّبها بالمزج، فإنّ الشركة عيب، فكان عليه الضمان، و لأنّه خلطها بماله خلطاً لا يتميّزا، فوجب أن يضمنها، كما لو خلطها بدونه.

و قال مالك: إن خلطها بمثلها أو الأجود منها لم يضمن، و إن خلطها بدونها ضمن؛ لأنّه لا يمكنه ردّها إلّا ناقصةً(2).

و هو آتٍ في المساوي و الأزيد؛ فإنّ الشركة عيب، و الوقوف علي عين الوديعة غير ممكنٍ، فاشتمل ذلك علي المعاوضة، و إنّما تصحّ برضا المالك.

و لو مزجها بمال مالكها بأن كان له عنده كيسان وديعةً، فمزج أحدهما بالآخَر بحيث لا يتميّز، ضمن أيضاً؛ لأنّه تصرّف تصرّفاً غير مشروعٍ في الوديعة، و ربما ميّز بينهما لغرضٍ دعا إليه، فالخلط خيانة.

و كذا لو أودعه كيساً و كان في يده له كيسٌ آخَر أمانة مجرّدة بأن وقع عليه اتّفاقاً فمزج أحدهما بالآخَر، كان ضامناً أيضاً.

و كذا لو كان الكيس الآخَر في يده علي سبيل الغصب من مالك

ص: 162


1- البيان 437:6، العزيز شرح الوجيز 306:7، روضة الطالبين 298:5، المغني 281:7، الشرح الكبير 306:7-307.
2- البيان 437:6، العزيز شرح الوجيز 306:7، المغني 281:7، الشرح الكبير 307:7.

الوديعة، و بالجملة علي أيّ وجهٍ كان.

مسألة 16: لو أودعه عشرة دراهم - مثلاً - في كيسٍ،

فإن كان مشدوداً مختوماً فكسر الختم و حلّ الشدّ أو فَعَل واحداً منهما، ضمن؛ لأنّه هتك الحرز علي ما تقدّم.

و إن لم يكن الكيس مشدوداً و لا مختوماً فأخرج منه درهماً لنفقته، ضمنه خاصّةً؛ لأنّه لم يتعدّ في غيره، فإن ردّه لم يزل عنه الضمان، فإن لم يختلط بالباقي لم يضمن الباقي؛ لأنّه لم يتصرّف فيه.

و كذا إن اختلط و كان متميّزاً لم يلتبس بغيره.

و إن امتزج بالباقي مزجاً ارتفع معه الامتياز، فالوجه: إنّه كذلك لا يضمن الباقي، بل الدرهم خاصّةً؛ لأنّ هذا الاختلاط كان حاصلاً قبل الأخذ، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة، و الثاني: إنّ عليه ضمان الباقي؛ لخلطه المضمون بغير المضمون(1).

فعلي ما اخترناه لو تلفت العشرة لم يلزمه إلّا درهم واحد، و لو تلفت منها خمسة لم يلزمه إلّا نصف درهمٍ.

و لو أنفق الدرهم الذي أخذه ثمّ ردّ مثله إلي موضعه، لم يبرأ من الضمان، و لا يملكه صاحب الوديعة إلّا بالقبض و الدفع إليه.

ثمّ إن كان المردود لا يتميّز عن الباقي، صار الكلّ مضموناً عليه؛ لخلطه الوديعةَ بمال نفسه، و إن كان يتميّز فالباقي غير مضمونٍ عليه.

مسألة 17: لو أتلف بعضَ الوديعة، فإن كان ذلك البعض منفصلاً عن الباقي

- كالثوبين إذا أتلف أحدهما - لم يضمن إلّا المُتْلَف؛ لأنّ العدوان

ص: 163


1- البيان 438:6، العزيز شرح الوجيز 306:7، روضة الطالبين 298:5.

إنّما وقع فيه، فلا يتعدّي الضمان إلي غيره و إن كان الإيداع واحداً.

و إن كان متّصلاً، كالثوب الواحد يخرقه، أو يقطع طرف العبد أو البهيمة، فإن كان عامداً في الإتلاف فهو جانٍ علي الجميع، فيضمن الكلّ.

و إن كان مخطئاً، ضمن ما أتلفه خاصّةً، و لم يضمن الباقي - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه لم يتعدّ في الوديعة، و لا خان فيها، و إنّما ضمن المُتْلَف؛ لفواته و صدور الهلاك منه فيه مخطئاً.

و في الثاني لهم: إنّه يضمنه أيضاً، و يستوي العمد و الخطأ فيه، كما استويا في القدر التالف(2).

البحث الثاني: في الإيداع.
مسألة 18: إذا أودع المستودعُ الوديعةَ غيرَه، فإن كان بإذن المالك فلا ضمان عليه إجماعاً؛ لانتفاء العدوان.

و إن لم يكن بإذن المالك، فلا يخلو إمّا أن يودع من غير عذرٍ أو لعذرٍ، فإن أودع من غير عذرٍ ضمن إجماعاً؛ لأنّ المالك لم يرض بيد غيره و أمانته.

و لا فرق بين أن يكون ذلك الغير عبدَه أو جاريتَه(3) أو زوجتَه أو ولدَه أو أجنبيّاً عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(4) - و ذلك لعموم الدليل

ص: 164


1- العزيز شرح الوجيز 306:7-307، روضة الطالبين 299:5.
2- العزيز شرح الوجيز 307:7، روضة الطالبين 299:5.
3- «أو جاريته» لم ترد في النسخ الخطّيّة المعتمدة لدينا.
4- المهذّب - للشيرازي - 368:1، الوجيز 284:1، الوسيط 500:4، حلية العلماء 173:5 و 176، التهذيب - للبغوي - 117:5، البيان 435:6، العزيز شرح الوجيز 292:7، روضة الطالبين 289:5، المغني 282:7 و 283، الشرح الكبير 299:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 19:2، روضة القُضاة 35604/618:2.

في الجميع.

و قال مالك: إنّ له أن يودع زوجته(1).

و قال أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة: إذا استعان بزوجته أو خادمه في خباء الوديعة و لم تغب عن نظره جاز، و لا ضمان عليه(2).

و قال أبو حنيفة و أحمد: له أن يودع مَنْ عليه نفقته من ولدٍ و والدٍ و زوجةٍ و عبدٍ، و لا ضمان عليه بكلّ حال؛ لأنّه حفظ الوديعة بمن يحفظ به ماله، فلم يلزمه الضمان، كما لو حفظها بنفسه(3).

و هو غلط؛ لأنّه سلّم الوديعةَ إلي مَنْ لم يرض به صاحبها مع قدرته علي صاحبها، فضمنها، كما لو سلّمها إلي الأجنبيّ.

و القياس عليه باطل؛ لأنّه إذا حفظ ماله بخادمه أو زوجته فقد رضي المالك بذلك، بخلاف صورة النزاع.

مسألة 19: إذا أودع من غير إذن المالك و لا عذر، ضمن،

و كان لصاحبها أن يرجع علي مَنْ شاء منهما إذا تلفت، فإن رجع علي المستودع

ص: 165


1- بداية المجتهد 312:2، الذخيرة 162:9، البيان 436:6، العزيز شرح الوجيز 292:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 19:2.
2- البيان 435:6-436، حلية العلماء 176:5.
3- تحفة الفقهاء 171:3، بدائع الصنائع 207:6-208، روضة القُضاة 35603/618:2، المبسوط - للسرخسي - 109:11، الهداية - للمرغيناني - 218:3، الفقه النافع 661/939:3، المحيط البرهاني 528:5، المغني 283:7، الشرح الكبير 299:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1068/625:2، بداية المجتهد 312:2، الذخيرة 162:9، حلية العلماء 176:5، التهذيب - للبغوي - 117:5، البيان 436:6، العزيز شرح الوجيز 292:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 19:2.

الأوّل فلا رجوع له علي الثاني، و إن رجع علي المستودع الثاني كان للمستودع الثاني أن يرجع علي المستودع الأوّل؛ لأنّه دخل معه علي أن لا يضمن، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: ليس للمالك أن يضمن الثاني؛ لأنّ قبض الثاني تعلّق به الضمان علي الأوّل، فلا يتعلّق به ضمان علي الآخَر(2).

و هو ممنوع؛ لأنّه قبض مال غيره، و لم يكن له قبضه، فإذا كان من أهل الضمان في حقّه ضمنه، كما استودعه إيّاه الغاصب.

و دليله ضعيف؛ لأنّ المستودع الأوّل ضمن بالتسليم، و الثاني بالتسلّم.

مسألة 20: و لا فرق عندنا بين أن يودع المستودع الوديعةَ عند القاضي أو عند غيره.
اشارة

و للشافعيّة وجهان - حكاهما [أبو](3) حامد فيما إذا وجد المالك و قدر علي الردّ عليه، و فيما إذا لم يجد - أحدهما: إنّه لا يضمن.

أمّا إذا كان المالك حاضراً: فلأنّ أمانة القاضي أظهر من أمانة المستودع، فكأنّه جعل الوديعة في مكانٍ أحرز.

و أمّا إذا كان غائباً: فلأنّه لو كان حاضراً لألزمه المودع الردّ، فإذا كان غائباً ناب عنه القاضي.

و الأظهر عند أكثر الشافعيّة: إنّه يضمن.

ص: 166


1- المهذّب - للشيرازي - 368:1، حلية العلماء 173:5، البيان 436:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 21:2، المغني 282:7، الشرح الكبير 301:7.
2- تحفة الفقهاء 171:3-172، بدائع الصنائع 208:6، الهداية - للمرغيناني - 218:3، المغني 282:7، الشرح الكبير 301:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 21:2.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابن». و الصحيح ما أثبتناه.

أمّا إذا كان المالك حاضراً: فلأنّه لا ولاية للقاضي علي الحاضر الرشيد، فأشبه سائر الناس.

و أمّا إذا كان غائباً: فلأنّه لا ضرورة بالمودع إلي إخراجها من يده، و لم يرض المالك بيد غيره، فليحفظه إلي أن يجد المالك أو يتجدّد له عذر(1).

و علي تقدير تجويز الدفع إلي القاضي هل يجب علي القاضي القبول إذا عرضها المستودع عليه ؟

أمّا إذا كان المالك حاضراً و التسليم إليه متيسّراً، فلا وجه لوجوبه عليه.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، ففي إيجاب القبول للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّه التزم حفظه، فيؤمر بالوفاء به.

و أظهرهما: الإيجاب؛ لأنّه نائب عن الغائب، و لو كان المالك حاضراً لألزم القبول(2).

و لو دفع الغاصبُ الغصبَ إلي القاضي، ففي وجوب القبول عليه الوجهان(3).

لكن هذه الصورة أولي بعدم الوجوب، ليبقي مضموناً للمالك.

و المديون إذا حمل الدَّيْن إلي القاضي، فكلّ موضعٍ لا يجب علي ربّ الدَّيْن القبول لو كان حاضراً ففي القاضي أولي، و كلّ موضعٍ يجب علي المالك قبوله ففي القاضي الوجهان(4).

و هذه الصورة أولي بعدم الوجوب - و هو الأظهر عندهم(5) - لأنّ الدَّيْن5.

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 292:7-293، روضة الطالبين 289:5-290.
2- العزيز شرح الوجيز 293:7، روضة الطالبين 290:5.
3- العزيز شرح الوجيز 293:7، روضة الطالبين 290:5.
4- العزيز شرح الوجيز 293:7، روضة الطالبين 290:5.
5- العزيز شرح الوجيز 293:7، روضة الطالبين 290:5.

ثابت في الذمّة لا يتعرّض للتلف، و إذا تعيّن تعرّض له، و لأنّ مَنْ في يده العين يثقل عليه حفظها.

و جميع ما ذكرناه فيما إذا استحفظ الغير و أزال يده و نظره علي الوديعة، أمّا إذا استعان به في حملها إلي الحرز فلا بأس، كما لو استعان في سقي البهيمة و علفها.

فروع:
أ - لو كانت له خزانة مشتركة بينه و بين أبيه

فدفع الوديعة إلي أبيه ليضعها في الخزانة المشتركة، فالأقرب: الضمان، إلّا إذا علم المالك بالحال.

ب - لا يجوز أن يضع الوديعة في مكانٍ مشترك بينه و بين غيره،

كدكّانٍ مشترك و دارٍ مشتركة، فلو وضعها فيه ثمّ أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ مَنْ يثق به من متّصليه و كان يلاحظ المحرز في عوداته، فلا بأس؛ لأنّه في الحقيقة إيداع مع الحاجة.

و لو فوّض الحفظ إلي بعضهم و لم يلاحظ الوديعة أصلاً، فالأقرب:

الضمان.

ج - لو كان المحرز خارجاً عن داره التي يأوي إليها و كان لا يلاحظه،

فإن كان يشاركه غيره ضمن، و إلّا فلا.

مسألة 21: لو جعل الوديعة في دار جاره، فإن كان الموضع محرزاً لا يدخله المالك و كان عاريةً أو مأذوناً فيه فلا ضمان،

و إن لم يكن كذلك ضمن؛ لأنّه فرّط حيث وضع الوديعة في غير حرزٍ أو في حرزٍ ممنوع منه شرعاً.

و لما رواه محمّد بن الحسن الصفّار قال: كتبت إلي أبي محمّد

ص: 168

العسكري عليه السلام: رجل دفع إلي رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت هل تجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها من ملكه ؟ فوقّع عليه السلام: «هو ضامن لها إن شاء اللّه»(1).

مسألة 22: إذا أراد المستودع ردَّ الوديعة علي صاحبها، كان له ردّها عليه أو علي وكيله في قبضها؛

لأنّ المستودع لا يلزمه إمساكها.

فإن دفعها إلي الحاكم أو إلي ثقةٍ مع وجود صاحبها أو وكيله، ضمنها علي ما قدّمناه؛ لأنّ الحاكم و الأمين لا ولاية له علي الحاضر الرشيد.

و إن لم يقدر علي صاحبها و لا وكيله فدفعها إلي الحاكم أو أمينٍ، فإن كان لغير عذرٍ ضمن؛ لأنّه لا حاجة به إلي ذلك، و لا ينوب الحاكم في غير حال الحاجة.

و إن كان به حاجة إلي الإيداع - كأن يخاف حريقاً أو نهباً أو غير ذلك - فدفعها إلي الحاكم أو إلي ثقةٍ ليخلصها من ذلك جاز، و إن تلفت لا ضمان عليه؛ لأنّه موضع حاجةٍ، و قد تقدّم.

مسألة 23: لو عزم المستودع علي السفر، كان له ذلك،

و لم يلزمه المقام لحفظ الوديعة؛ لأنّه متبرّع بإمساكها، و يلزمه ردّها إلي صاحبها أو وكيله في استردادها أو في عامّة أشغاله، فإن لم يظفر بالمالك؛ لغيبته، أو تواريه، أو حبسه و تعذّر الوصول إليه، و لا ظفر بوكيله، فإنّه يدفعها إلي الحاكم، و يجب عليه قبولها؛ لأنّه موضوع للمصالح، فإن لم يجد دَفَعها إلي أمينٍ، و لا يُكلّف تأخير السفر؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كانت عنده ودائع، فلمّا أراد الهجرة سلّمها إلي أُمّ أيمن، و أمر عليّاً عليه السلام بردّها(2).

ص: 169


1- التهذيب 791/180:7.
2- تقدّم تخريجه في ص 142، الهامش (3).

فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلي الحاكم أو إلي الأمين مع إمكان الدفع إلي المالك أو وكيله، ضمن.

و للشافعيّة خلاف في الحاكم(1) سبق(2).

و إن دفع إلي أمينٍ و هو يجد الحاكم، فللشافعي قولان:

أحدهما - و به قال علماؤنا، و أحمد بن حنبل و ابن خيران من الشافعيّة و الاصطخري منهم -: إنّه يضمنه؛ لأنّ أمانة الحاكم ظاهرة متّفق عليها، فلا يُعدل عنها، كما لا يُعدل عن النصّ إلي الاجتهاد، و لأنّ الحاكم نائب الغائبين، فكان كالوكيل، و لأنّ له ولايةً، فهو يمسكها بالولاية و العدالة، بخلاف غيره، فإنّه ليس له الولاية.

و الثاني: إنّه لا يضمن - و به قال مالك - لأنّه أودع بالعذر أميناً، فأشبه الحاكم، و لأنّ مَنْ جاز له دفعها إليه مع عدم الحاكم جاز دفعها إليه مع وجوده، كوكيل صاحبها(3).

و قد نقل أصحاب الشافعي عنه اضطراباً في القول، فقالوا: هذان القولان للشافعي.

قال في باب الرهن فيما إذا أراد العَدْل ردّ الرهن أو الوديعة - يعني إلي عَدْلٍ - بغير أمر الحاكم: ضمن.0.

ص: 170


1- العزيز شرح الوجيز 294:7، روضة الطالبين 290:5.
2- في ص 166، المسألة 20.
3- الحاوي الكبير 359:8، المهذّب - للشيرازي - 367:1، حلية العلماء 173:5، التهذيب - للبغوي - 118:5، البيان 431:6، العزيز شرح الوجيز 294:7، روضة الطالبين 290:5، المغني 283:7، الشرح الكبير 304:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1069/625:2، بداية المجتهد 312:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 19:2-20.

و قال هنا في ردّ الوديعة: و لو لم يكن حاضراً - يعني ربّ الوديعة - فأودعها أميناً يودعه ماله، لم يضمن. فلم يفرّق بين أن يجد الحاكم أو لا يجد(1).

و نقل عنه طريقة قاطعة بأنّه يضمن(2).

و نقل عنه أيضاً طريقة قاطعة أنّه لا يضمن(3).

و حكي بعض الشافعيّة وجهاً: إنّه يشترط أن يكون الأمين الذي يودعه بحيث يأتمنه و يودع ماله عنده(1).

لكنّ الظاهر عندهم خلافه، و قول الشافعي: «يودعه ماله» علي سبيل التأكيد و الإيضاح(2).

مسألة 24: و لا يجوز للمستودع إذا عزم علي السفر أن يسافر بالوديعة،

بل يجب عليه دفعها إلي صاحبها أو وكيله الخاصّ في الاسترداد أو العامّ في الجميع، فإن لم يوجد أحدهما دفعها إلي الحاكم، فإن تعذّر الحاكم دفعها إلي أمينٍ، و لا يسافر بها، فإن سافر بها مع القدرة علي صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين، ضمن عند علمائنا أجمع، سواء كان السفر مخوفاً أو غير مخوفٍ - و به قال الشافعي(3) - لأنّه سافر بالوديعة من غير ضرورةٍ بغير إذن مالكها فضمن، كما لو كان الطريق مخوفاً، و لأنّ حرز

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 294:7-295.
2- العزيز شرح الوجيز 295:7.
3- الحاوي الكبير 357:8، المهذّب - للشيرازي - 368:1، الوسيط 501:4، حلية العلماء 171:5، التهذيب - للبغوي - 118:5، البيان 432:6، العزيز شرح الوجيز 295:7، روضة الطالبين 291:5، المغني 284:7، الشرح الكبير 302:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 20:2.

السفر دون حرز الحضر، و في الحديث: «إنّ المسافر و متاعه لعلي قَلَتٍ(1) إلّا ما وقي اللّه»(2).

و قال أبو حنيفة: إذا كان السفر آمناً، لم يضمن؛ لأنّه نقل الوديعة إلي موضعٍ مأمون فلم يضمن، كما لو نقلها في البلد من موضعٍ إلي موضعٍ(3).

و هو وجهٌ للشافعيّة، و كذا إذا كان السفر في البحر إذا كان الغالب فيه السلامة(4).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ البلد يؤمن أن يطرأ عليه الخوف، و السفر لا يؤمن فيه مثل ذلك، و لأنّ البلد في حكم المنزل الواحد و قد رضي مالك الوديعة به، بخلاف السفر.

مسألة 25: لو اضطرّ المستودع إلي السفر بالوديعة بأن يضطرّ إلي السفر و ليس في البلد حاكم

و لا ثقة و لم يجد المالك و لا وكيله، أو اتّفق جلاءٌ لأهل البلد، أو وقع حريق أو غارة و نهب و لم يجد المالك و لا وكيله و لا الحاكم و لا العَدْل، سافر بها، و لا ضمان عليه إجماعاً؛ لأنّ حفظها حينئذٍ في السفر بها، و الحفظ واجب، و إذا لم يتمّ إلّا بالسفر بها كان السفر بها واجباً، و لا نعلم فيه خلافاً.

ص: 172


1- القلت: الهلاك. راجع الهامش التالي.
2- غريب الحديث - لابن قتيبة - 564:2.
3- المبسوط - للسرخسي - 122:11، الهداية - للمرغيناني - 217:3، المحيط البرهاني 531:5، الحاوي الكبير 357:8، الوسيط 502:4، حلية العلماء 171:5، البيان 432:6، العزيز شرح الوجيز 295:7-296، المغني 284:7، الشرح الكبير 302:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 20:2.
4- حلية العلماء 171:5، البيان 432:6، العزيز شرح الوجيز 295:7، روضة الطالبين 291:5.

أمّا لو عزم علي السفر من غير ضرورةٍ في وقت السلامة و أمن البلد و عجز عن المالك و وكيله و عن الحاكم و الأمين فسافر بها، فالأقرب:

الضمان؛ لأنّه التزم الحفظ في الحضر، فليؤخّر السفر، أو ليلتزم خطر الضمان، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا ضمان عليه، و إلّا لزم أن ينقطع عن السفر، و تتعطّل مصالحه، و فيه تنفير عن قبول الودائع(1).

و شرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق، و إلّا فيضمن(2).

أمّا عند وقوع الحريق و نحوه فإنّا نقول: إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر، فله أن يسافر بها، و لو كان الطريق آمناً فحدث خوفٌ أقام.

و لو هجم القطّاع فألقي المال في مضيعة إخفاءً له فضاع، فعليه الضمان.

مسألة 26: لو عزم المستودع علي السفر فدفن الوديعة ثمّ سافر، ضمنها إن كان قد دفن في غير حرزٍ.
اشارة

و إن دفنها في منزله في حرزٍ و لم يُعلمْ بها أحداً، ضمنها أيضاً؛ لأنّه غرّر بها، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها، و لأنّه ربما يخرب المكان أو يغرق فلا يعلم أحد بمكانها لينقلها فتتلف.

و إن أعلم بها غيره، فإن كان غير أمينٍ ضمن؛ لأنّه قد زادها تضييعاً، لأنّه قد يخون فيها و يطمع.

و إن كان أميناً فإن لم يكن ساكناً في الموضع، ضمنها؛ لأنّه لم يودعها

ص: 173


1- العزيز شرح الوجيز 296:7، روضة الطالبين 292:5.
2- العزيز شرح الوجيز 296:7، روضة الطالبين 292:5.

عنده.

و إن كان ساكناً في الموضع، فإن كان ذلك مع عدم صاحبها و الحاكم جاز؛ لأنّ الموضع و ما فيه في يد الأمين، فالإعلام كالإيداع، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يضمن؛ لأنّه إعلام لا إيداع(1).

و إن كان مع القدرة علي صاحبها أو وكيله ضمن.

و إن كان مع القدرة علي الحاكم، فعلي الوجهين السابقين.

و لو جعلها في بيت المال، ضمن، قاله الشافعي في الأُمّ(2).

و اختلف أصحابه في معناه.

فمنهم مَنْ قال: أراد بذلك إذا تركها في بيت المال مع القدرة علي صاحبها.

و منهم مَنْ قال: أراد إذا جعلها في بيت المال بنفسه و لم يسلّمها إلي الحاكم(3).

و لو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان.

فروع:
أ - لو راقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس،

فهو كالسكني في الموضع الذي دُفنت فيه.

ب - قال بعض الشافعيّة: الإعلام كالإيداع

من غير فرقٍ بين أن يسكن الموضع أو لا يسكنه(4).

ص: 174


1- البيان 433:6، العزيز شرح الوجيز 295:7، روضة الطالبين 291:5.
2- الأُمّ 135:4، و عنه في البيان 434:6.
3- البيان 434:6.
4- العزيز شرح الوجيز 295:7، روضة الطالبين 291:5.

و إذا دفن الوديعة في غير حرزٍ عند إرادة السفر، ضمن علي ما تقدّم، إلّا أن يخاف عليها المعاجلة.

و كذا يضمن لو دفنها في حرزٍ و لم يُعلِمْ بها أميناً، أو أعلم أميناً حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين.

ج - هل سبيل هذا الإعلام الإشهاد أو الائتمان ؟ إشكال.

و للشافعيّة وجهان(1).

فعلي الأوّل لا بدّ من إعلام رجلين أو رجل و امرأتين. و الظاهر الثاني.

د - كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر كذا يجوز لسائر الأعذار،

كما لو وقع في البقعة حريق أو غارة أو خاف الغرق.

و في معناها ما إذا أشرف الحرز علي الخراب و لم يجد حرزاً ينقلها إليه.

ه - لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً

ه - لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً(2) فانتجع بها، فلا ضمان،

لأنّ المالك رضي به حيث أودعه، فكان له إدامة السفر و السير بالوديعة.

مسألة 27: إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً أو حُبس ليُقتل، وجب عليه الإيصاء بالوديعة،
اشارة

و إن تمكّن من صاحبها أو وكيله، وجب عليه ردّها إليه، و إن لم يقدر علي صاحبها و لا علي وكيله، ردّها إلي الحاكم.

ص: 175


1- الحاوي الكبير 361:8، العزيز شرح الوجيز 295:7، روضة الطالبين 291:5.
2- النجعة: طلب الكلأ في موضعه. الصحاح 1288:3 «نجع».

و لو أودعها عند ثقةٍ مع عدم الحاكم جاز، و إن كان مع القدرة عليه ضمن.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو لم يوص بها لكن سكت عنها و تركها بحالها حتي مات، ضمن؛ لأنّه غرّر بها و عرّضها للفوات، فإنّ الورثة يقتسمونها و يعتمدون علي ظاهر اليد و لا يحسبونها وديعةً، و يدّعونها لأنفسهم، فكان ذلك تقصيراً منه يوجب التضمين.

فروع:
أ - التقصير هنا إنّما يتحقّق بترك الوصاية إلي الموت،

فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات، لكن نتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّراً من أوّل ما مرض، فضمّناه، أو يلحق التلف إذا حصل بعد الموت بالتردّي بعد الموت في بئرٍ حفرها متعدٍّ.

ب - قد توهّم بعض الناس أنّ المراد من الوصيّة بها تسليمها إلي الوصي

ليدفعها إلي المالك، و هو الإيداع بعينه(2).

و ليس كذلك، بل المراد الأمر بالردّ من غير أن يخرجها من يده، فإنّه و الحالة هذه مخيّر بين أن يودع للحاجة، و بين أن يقتصر علي الإعلام و الأمر بالردّ؛ لأنّ وقت الموت غير معلومٍ، و يده مستمرّة علي الوديعة ما دام حيّاً.

ج - الأقرب: الاكتفاء بالوصيّة و إن أمكنه الردّ إلي المالك؛

لأنّه

ص: 176


1- البيان 434:6.
2- العزيز شرح الوجيز 296:7.

مستودع لا يدري متي يموت، فيستصحب الحكم.

و يحتمل أنّه يجب عليه الردّ إلي المالك أو وكيله عند المرض، فإن تعذّر أودع عند الحاكم أو أوصي إليه، كما إذا عزم علي السفر، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

د - يجب الإيصاء إلي الأمين،

فإن أوصي إلي غير ثقةٍ، فهو كما لو لم يوص، و يجب عليه الضمان؛ لأنّه غرّر بالوديعة.

و لا يجب أن يكون أجنبيّاً، بل يجوز أن يوصي بها إلي وارثه، و يُشهد عليه؛ صوناً لها عن الإنكار.

و كذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أميناً.

مسألة 28: إذا أوصي بالوديعة، وجب عليه أن يبيّنها و يميّزها عن غيرها

بالإشارة إلي عينها أو بيان جنسها و وصفها، فلو لم يبيّن الجنس و لا أشار إليها بل قال: عندي وديعة، فهو كما لو لم يوص.

و لو ذكر الجنس فقال: عندي ثوب لفلان، و لم يصفه، فإن لم يوجد في تركته جنس الثوب، فأكثر علمائنا علي أنّ المالك يضارب، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة؛ لتقصيره بترك البيان، و هو قول بعض الشافعيّة، و هو ظاهر مذهبهم(2) أيضاً.

و قال بعضهم: لا يضمن؛ لأنّها ربما تلفت قبل الموت، و الوديعة أمانة، فلا تُضمن بالشكّ(3).

و إن وُجد في تركته جنس الثوب، فإمّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد، فإن وُجد أثواب ضمن؛ لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 297:7، روضة الطالبين 292:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 297:7، روضة الطالبين 293:5.

بغيرها، و ذلك سبب موجب للضمان، فكذا ما ساواه، و هو عدم تنصيصه علي التخصيص.

و إن وُجد ثوبٌ واحد، ففي تنزيل كلامه عليه إشكال.

قال بعض الشافعيّة: إنّه ينزّل عليه، و يدفع إليه(1).

و منهم مَنْ أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن، و لا يدفع إليه عين الموجود.

أمّا الضمان: فللتقصير بترك البيان.

و أمّا أنّه لا يدفع إليه عين الموجود: فلاحتمال أن تكون الوديعة قد تلفت، و الموجود غيرها(2). و هو جيّد.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه إنّما يضمن إذا قال: عندي ثوب لفلان، و ذكر معه ما يقتضي الضمان، أمّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان(3).

مسألة 29: لو مات و لم يذكر عنده وديعة و لكن وُجد في تركته كيس
اشارة

مختوم أو غير مختومٍ مكتوب عليه: إنّه وديعة فلان، أو وُجد في جريدته:

إنّ لفلان عندي كذا و كذا وديعة، لم يجب علي الوارث التسليم بهذا القدر؛ لأنّه ربما كتبه عبثاً و لهواً أو تلقّناً(4) أو ربما اشتري الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة و لم يمحه.

و بالجملة، إنّما يثبت كونها وديعةً بأن يُقرّ أنّ هذه وديعة، ثمّ يموت، و لا يكون متّهماً في إقراره عندنا و مطلقاً عند جماعةٍ من علمائنا، أو يُقرّ الورثة بأنّها وديعة، أو تقوم البيّنة بذلك، فإذا ثبتت الوديعة بأحد

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 297:7، روضة الطالبين 293:5.
2- العزيز شرح الوجيز 297:7، روضة الطالبين 293:5.
3- العزيز شرح الوجيز 297:7، روضة الطالبين 293:5.
4- كذا قوله: «تلقّناً»، و بدله في العزيز شرح الوجيز 298:7، و روضة الطالبين 294:5: «تلبيساً».

هذه الوجوه وجب علي الورثة دفعها إلي مالكها، فإن أخّروا الدفع مع الإمكان ضمنوا.

و لو لم يعلم صاحبها بموت المستودع، وجب علي الورثة إعلامه ذلك، و لم يكن لهم إمساك الوديعة إلي أن يطلبها المالك منهم؛ لأنّ المالك لم يأمنهم عليها، و ذلك كما لو أطارت الريح ثوباً إلي دار إنسانٍ و علم صاحبها فإنّ عليه إعلامه، فإن أخّر ذلك مع إمكانه ضمن.

تذنيب: لو لم يوص المستودع بالوديعة فادّعي ربّ الوديعة أنّه قصّر،

و قال الورثة: لعلّها تلفت قبل أن ينسب إلي التقصير، فالظاهر براءة الذمّة.

و يحتمل الضمان.

تذنيبٌ آخَر: جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصةً للإيداع أو الوصيّة،

أمّا إذا لم يجد بأن مات فجأةً أو قُتل غيلةً، فلا ضمان؛ لأنّه لم يقصّر.

مسألة 30: قد بيّنّا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ثمّ مات و لم توجد في تركته، و أنّ الذي يقتضيه النظر عدم الضمان.
اشارة

و الذي عليه فتوي أكثر العلماء منّا و من الشافعيّة(1)الأُم 138:4، الحاوي الكبير 380:8، حلية العلماء 176:5-177.(2) وجوب الضمان.

و قد قال الشافعي: إذا لم توجد بعينها حاصّ المالك الغرماء(2).

و اختلف أصحابه في هذه المسألة علي ثلاث طُرق:

منهم مَنْ قال: إنّما يحاصّ الغرماء بها إذا كان الميّت قد أقرّ قبل موته، فقال: عندي أو علَيَّ وديعة لفلان، فإذا لم تُوجد، كان الظاهر أنّه أقرّ

ص: 179


1- راجع الهامش
2- من ص 177.

ببدلها، و أنّها تلفت علي وجهٍ مضمون، و أمّا إذا قامت بالوديعة بيّنة أو أقرّ بها الورثة و لم توجد، لم يجب ضمانها؛ لأنّ الوديعة أمانة، و الأصل أنّها تلفت علي الأمانة، فلم يجب ضمانها.

و منهم مَنْ قال: صورة المسألة أن يثبت أنّ عنده وديعة فتُطلب فلا توجد بعينها و لكن يكون في تركته من جنسها، فيحتمل أن تكون تلفت، و يحتمل أن تكون قد اختلطت بماله، فلمّا احتمل الأمران أُجري مجري الغرماء، و حاصّهم، فأمّا إذا لم يكن في تركته من جنسها فلا ضمان؛ لأنّه لا يحتمل إلّا تلفها.

و منهم مَنْ قال بظاهر قوله، و أنّه يحاصّ الغرماء بكلّ حال؛ لأنّ الوديعة يجب عليه ردّها، إلّا أن يثبت سقوط الردّ بالتلف من غير تفريطٍ، و لم يثبت ذلك، و لأنّ الجهل بعينها كالجهل [بها](1) و ذلك لا يُسقط عنه وجوب الردّ، كذا هنا(2).

فروع:
أ - إذا تبرّم

أ - إذا تبرّم(3) المستودع بالوديعة فسلّمها إلي القاضي ضمن،

إلّا مع الحاجة.

ب - لا يلحق بالمرض علوّ السنّ و الشيخوخة؛

لأصالة براءة الذمّة.

ج - لو أقرّ المريض بالوديعة و لا تهمة ثمّ مات في الحال، فالأقرب هنا علي قول مَنْ مَنَع من المحاصّة: المحاصّةُ هنا؛

إذ إقراره بأنّ عنده أو عليه وديعة يقتضي حصوله في الحال، فإذا مات عقيبه لم يمكن فرض التلف قبل الإيصاء.

ص: 180


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- الحاوي الكبير 380:8، حلية العلماء 177:5.
3- تبرّم: تضجّر. لسان العرب 43:12 «برم».
البحث الثالث: في نقل الوديعة.
مسألة 31: إذا أودعه في قريةٍ فنقلها المستودع إلي قريةٍ أُخري،

فإن اتّصلت القريتان و كانت المنقول إليها أحرز أو ساوت الأُولي في الأمن و لا خوف بينهما، فالأقرب: عدم الضمان، مع احتماله؛ لأنّ الظاهر من الإيداع في قريةٍ عدم رضا المالك بنقلها عنها.

و إن لم تتّصل القريتان، فالأقرب: الضمان، سواء كان الطريق آمناً أو مخوفاً - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ حدوث الخوف في الصحراء غير بعيدٍ.

و أظهرهما عندهم: عدم الضمان مع الأمن، و ثبوته لا معه، كما لو لم تكن بينهما مسافة، بل اتّصلت العمارتان(2).

و قال أكثر الشافعيّة: إن كان بين القريتين مسافة سُمّي المشي فيها سفراً، ضمن بالسفر بها(3).

و بعضهم لا يقيّد، بل يقول: إن كان بينهما مسافة ضمن. و لم يجعل مطلق المسافة مصحّحاً اسم السفر(4).

و قال آخَرون منهم: إن كانت المسافة بينهما دون مسافة التقصير و كانت آمنةً و القرية المنقول إليها أحرز، لم يضمن(1):

و هو يقتضي أنّ السفر بالوديعة إنّما يوجب الضمان بشرط طول السفر. و هو بعيد عندهم؛ فإنّ خطر السفر لا يتعلّق بالطول و القصر(2).

ص: 181


1- العزيز شرح الوجيز 300:7.
2- العزيز شرح الوجيز 300:7، روضة الطالبين 294:5.

و إن كانت المسافة بحيث لا تصحّح اسم السفر، فإن كان فيها خوفٌ ضمن، و إلّا فوجهان:

أحدهما: إنّ الحكم كذلك؛ لأنّ الخوف في الصحراء متوقّع.

و أظهرهما عندهم: إنّه كما لو لم تكن مسافة(1).

و إن كانت القرية المنقول عنها أحرز من المنقول إليها، ضمن المستودع بالنقل، فإنّ المالك حيث أودعه فيها اعتمد حفظه فيها، و لو كانت المنقول إليها أحرز أو تساويا، فلا ضمان، و به قال الشافعي(2).

و قد بيّنّا احتمال الضمان.

مسألة 32: إذا قلنا بالتفصيل - و هو عدم الضمان مع كون القرية المنقول إليها أحرز - وجب معرفة سبب كونها أحرز، و هو متعدّد:

منها: حصانتها في نفسها أو انضباط أهلها أو امتناع الأيدي الفاسدة عنها.

و منها: كونها عامرةً لكثرة القطّان بها.

و منها: أن يكون مسكنه و مسكن أقاربه و أصدقائه بها، فلا يقدم عليها اللصوص، و لا يقوي طمعهم فيها؛ لأنّ قرية أهله و أقاربه أحرز في حقّه.

و اعلم أنّا حيث منعنا النقل فذلك إذا لم تَدْعُ ضرورة إليه، فإن اضطرّ إلي نقلها جاز، كما جوّزنا له السفر بها مع الحاجة إليه.

مسألة 33: إذا أراد الانتقال و لا ضرورة إليه، فالحكم فيه كما سبق فيما إذا أراد السفر.
اشارة

و النقل من محلّة إلي محلّة أو من دارٍ إلي دارٍ كالنقل من قريةٍ إلي قريةٍ متّصلتي العمارة.

و أمّا إذا نقل من بيتٍ إلي بيتٍ في دارٍ واحدة أو خانٍ واحد،

ص: 182


1- العزيز شرح الوجيز 300:7، روضة الطالبين 294:5.
2- العزيز شرح الوجيز 300:7، روضة الطالبين 294:5.

لم يضمن و إن كان الأوّل أحرز إذا كان الثاني حرزاً أيضاً.

هذا إذا أطلق الإيداع.

و التحقيق أن نقول: إذا أودعه شيئاً، ففيه ثلاثة أقسام.

الأوّل: أن يودعه و لا يعيّن له موضعاً لحفظها،

فإنّ المودَع يحفظ الوديعة في حرز مثلها أيّ موضعٍ شاء، فإن وضعها في حرزٍ ثمّ نقلها إلي حرز مثلها، جاز، سواء كان مثل الأوّل أو دونه - و به قال الشافعي(1) - لأنّ المودَع ردّ ذلك إلي حفظه و اجتهاده، فكلّ موضعٍ هو حرز مثلها و هي محفوظة فيه فكان وضعها فيه داخلاً تحت مطلق الإذن بالوضع فيه حيث جعل ذلك منوطاً باختياره.

الثاني: إذا عيّن له موضعاً، فقال: احفظها في هذا البيت،

أو في هذه الدار، و اقتصر علي ذلك و لم ينهه عن غيره، فإن كان الموضع ملكاً لصاحب الوديعة، لم يجز للمستودع نقلها عنه، فإن نقلها ضمن؛ لأنّه ليس بمستودعٍ في الحقيقة، و إنّما هو وكيل في حفظها، و ليس له إخراجها من ملك صاحبها.

و كذا إن كانت في موضعٍ استأجره لها.

و إن كان الموضع ملكاً للمستودع، فإن نقلها إلي ما دونه في الحرز أو وضعها فيه ابتداءً، ضمن؛ لأنّه خالف أمره في شيءٍ مطلوب فيه مرغوب إليه، فكان ضامناً، كما لو وضعها في غير حرزٍ.

و إن كان الثاني مثل الأوّل أو أحرز منه، فلا ضمان عليه؛ لأنّ تعيينه البيت إنّما أفاد تقدير الحرزيّة، و ليس الغرض عينه، كما لو استأجر أرضاً لزراعة الحنطة، فإنّه يجوز أن يزرعها ما يساويها في الضرر أو يقصر ضرره عنها؛ لأنّ الغرض بتعيينها تقدير المنفعة لا عينها، كذا هنا، و حمل التعيين

ص: 183


1- البيان 426:6.

علي تقدير الحرزيّة دون التخصيص الذي لا غرض فيه، و به قال الشافعي(1).

نعم، لو كان التلف بسبب النقل، كما إذا انهدم عليه البيت المنقول إليه، فإنّه يضمن؛ لأنّ التلف هنا جاء من المخالفة.

و كذا مكتري الدابّة للركوب إذا ربطها في الاصطبل فماتت، لم يضمن، و إن انهدم عليها ضمن.

و كذا لو سُرقت من البيت المنقول إليه أو غُصبت فيه، علي إشكالٍ.

الثالث: إذا عيّن له موضعاً، فقال: احرزها في هذا البيت،

أو هذه الدار و لا تخرجها منه و لا تنقلها عنه، فأخرجها، فإن كان لحاجةٍ بأن يخاف عليها في الموضع الذي عيّنه الحريق أو النهب أو اللّصّ فنقلها عنه إلي أحرزها، لم يضمن؛ لأنّ الضرورة سوّغت له النقل.

و إن نقلها لغير عذرٍ، ضمن مطلقاً عندنا - و هو اختيار أبي إسحاق الشيرازي(2) - سواء نقلها إلي حرزٍ هو دون الأوّل أو كان مساوياً أو أحرز منه؛ لأنّه خالف صريح الإذن لغير حاجةٍ فضمن، كما لو نقلها إلي حرزٍ هو دون الأوّل و هو حرز مثلها.

و قال أبو سعيد الاصطخري: إن كان الحرز الثاني مثل الأوّل أو أحرز منه، لم يضمن بالنقل إليه؛ لأنه نقلها عنه إلي مثله، فأشبه ما إذا عيّن له موضعاً فنقلها عنه إلي مثله من غير نهي(3).

ص: 184


1- المهذّب - للشيرازي - 366:1، التهذيب - للبغوي - 119:5، البيان 427:6، العزيز شرح الوجيز 310:7، روضة الطالبين 301:5.
2- راجع المهذّب - للشيرازي - 366:1-367، و حلية العلماء 169:5، و البيان 427:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 367:1، حلية العلماء 169:5، البيان 427:6، العزيز شرح الوجيز 310:7، روضة الطالبين 301:5.

ثمّ تأوّل كلام الشافعي بأنّه أراد بذلك إذا كان الموضع الذي هي فيه ملكاً لصاحب الوديعة(1).

و قال أبو حنيفة: إذا نهاه عن نقلها عن دارٍ فنقلها إلي دارٍ أُخري ضمن، و إن نهاه عن نقلها عن بيتٍ فنقلها إلي بيتٍ آخَر في الدار لم يضمن؛ لأنّ البيتين في دارٍ واحدة حرزٌ واحد، و الطريق إلي أحدهما طريق إلي الآخَر، فأشبه ما لو نقلها من زاويةٍ إلي زاويةٍ(2).

و هو غلط؛ لأنّه قد يكون بيت في الدار يلي الطريق و الآخَر لا يليه، فالذي لا يليه أحرز.

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه خالف لفظ المودع فيما لا مصلحة له فيه، فوجب أن يضمن، كما لو نقلها إلي موضعٍ هو دونه في الحرز.

مسألة 34: قد بيّنّا أنّه إذا نهاه عن النقل عن الموضع الذي عيّنه، لم يجز له نقلها عنه إلّا لضرورةٍ،

كحريقٍ أو غرقٍ أو نهبٍ أو خوف اللّصّ و شبهه، فإن حصلت إحدي هذه الأعذار نَقَلها، و لا ضمان، سواء نقلها إلي حرزٍ مثل الأوّل أو أدون منه إذا كان حرز مثلها إذا لم يجد أحرز منه.

فإن وجد أحرز منه و اقتصر علي الأدون، احتُمل الضمان؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ التعيين لا يفيد الاختصاص، بل تقدير الحرز، فإذا تعذّر الشخص وجب الانتقال إلي المساوي أو الأحرز، و عدمُه ضعيفاً؛ لأنّ التعيين قد زال، فساغ النقل للخوف، فيتخيّر المستودع حينئذٍ، و لو لم يعيّن له الحرز ابتداءً جاز له الوضع في الأدون، فكذا إذا عيّنه.

ص: 185


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- تحفة الفقهاء 173:3، بدائع الصنائع 210:6، الحاوي الكبير 369:8، حلية العلماء 169:5، العزيز شرح الوجيز 311:7، المغني 285:7، الشرح الكبير 287:7.

و الأوّل أقوي.

و لو أمكن النقل عن المعيّن مع عروض إحدي هذه الحالات، ضمن؛ لأنّه مفرّط حينئذٍ في الحفظ، إذ الظاهر أنّه قصد بالنهي عن النقل نوعاً من الاحتياط، فإذا عرضت هذه الأحوال فالاحتياط النقل، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لو قال: لا تنقلها و إن حدثت ضرورة، فحدثت ضرورة، فإن لم ينقل لم يضمن، كما لو قال: أتلف مالي، فأتلفه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و لهم وجهٌ آخَر(3).

و إن نقل، لم يضمن؛ لأنّه قصد الحفظ و الصيانة و الإصلاح، فكان محسناً، فيندرج تحت عموم قوله تعالي:«ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (2) و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

مسألة 35: لو نقلها المستودع عن الموضع المعيّن المنهيّ عن نقلها عنه،

فادّعي المستودع الخوفَ من الحريق أو الغرق أو اللّصّ أو شبهه من الضرورات، و أنكر المالك، فإن عرف هناك ما يدّعيه المستودع، كان القولُ قولَه مع اليمين؛ لأنّه ادّعي الظاهر، فصُدّق بيمينه، و إلّا طُولب بالبيّنة، فإن لم تكن هناك بيّنة، صُدّق المالك بيمينه؛ لأنّه منكر، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 310:7، روضة الطالبين 301:5. (2 و 3) المهذّب - للشيرازي - 367:1، العزيز شرح الوجيز 310:7، روضة الطالبين 301:5.
2- التوبة: 91.
3- العزيز شرح الوجيز 310:7، روضة الطالبين 301:5.
4- العزيز شرح الوجيز 310:7-311، روضة الطالبين 301:5-302.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّ ظاهر الحال يغنيه عن اليمين(1).

و لهم وجهٌ آخَر غريب فيما إذا لم ينهه عن النقل، فنقل إلي ما دونه:

إنّه لا يضمن(2).

و هذا كلّه فيما إذا كان البيت المعيّن أو الدار المعيّنة ملكاً للمستودع، أمّا إذا كان ملكاً للمالك، فليس للمستودع إخراجها عن ملكه بحالٍ، إلّا أن تعرض ضرورة إلي ذلك.

البحث الرابع: في التقصير في دفع المهلكات.
مسألة 36: يجب علي المستودع دفع مهلكات الوديعة و ما يوجب نقص ماليّتها؛ إذ الحفظ واجب، و لا يتمّ إلّا بذلك.

فلو استودع ثياب صوفٍ، وجب علي المستودع نشرها و تعريضها للريح بمجري العادة؛ لئلّا يفسدها الدود.

و لو لم يندفع الفساد إلّا بأن يلبس و تعبق(3) بها رائحة الآدمي، وجب علي المستودع لُبْسها.

فإن لم يفعل ففسدت بترك اللُّبْس و تعريض الثوب للريح، كان ضامناً، سواء أمره المالك أو سكت عنه.

أمّا لو نهاه عن النشر و فِعْلِ ما يحتاج إليه الحفظ فامتنع من ذلك حتي فسدت، فَعَل مكروهاً، و لا ضمان عليه، و به قال أكثر الشافعيّة(4).

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 311:7، روضة الطالبين 302:5.
2- العزيز شرح الوجيز 311:7.
3- راجع الهامش (1) من ص 155.
4- التهذيب - للبغوي - 125:5، العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّ عليه الضمان(1).

هذا إذا علم المستودع ذلك، أمّا لو لم يعلم المستودع ذلك بأن أودعه صندوقاً مقفلاً لا يعلم ما فيه، أو كيساً مشدوداً و لم يُعلمه المالك، لم يضمن؛ لعدم التفريط، و انتفاء التقصير منه.

مسألة 37: إذا كانت الوديعة دابّةً أو آدميّاً، وجب علي المستودع القيامُ بحراستها و مراعاتها و علفها و سقيها.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يأمره المالك بالعلف و السقي، أو ينهاه عنهما، أو يُطلق الإيداع.

فإن أمره بالعلف و السقي، وجب عليه فعلهما و رعاية المأمور به.

فإن امتنع المستودع من ذلك حتي مضت مدّة تموت مثل الدابّة في مثل تلك المدّة، نُظر إن ماتت ضمنها، و إن لم تمت دخلت في ضمانه، و إن نقصت ضمن النقصان.

و تختلف المدّة باختلاف الحيوان قوّةً و ضعفاً.

فإن ماتت قبل مضيّ تلك المدّة، لم يضمنها إن لم يكن بها جوع و عطش سابق، و إن كان و هو عالمٌ ضمن، و كذا لو كان جاهلاً.

و للشافعيّة في الجاهل وجهان كالوجهين فيما إذا حبس مَنْ به بعض الجوع و هو لا يعلم حتي مات(2).

و أظهرهما عندهم: عدم الضمان(3).

و علي تقدير الضمان لهم وجهان: هل يضمن الجميع أو بالقسط؟

ص: 188


1- العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.
2- التهذيب - للبغوي - 123:5-124، العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5.
3- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5.

كما لو استأجر دابّةً لحمل قدرٍ فزاد عليه(1).

و إن نهاه المالك عن العلف و السقي فتركهما، كان عاصياً؛ لما فيه من تضييع المال المنهيّ عنه شرعاً و هتكِ حرمة الروح؛ لأنّ للحيوان حرمةً في نفسه يجب إحياؤه لحقّ اللّه تعالي.

و في الضمان إشكال أقربه: العدم - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - كما لو قال: اقتل دابّتي، فقتلها، أو أمره برمي قماشه في البحر، فرماه، أو أمره بقتل عبده، فقتله، فإنّه يأثم، و لا ضمان عليه، كذا هنا.

و قال بعضهم: يجب عليه الضمان؛ لحصول التعدّي في الوديعة، و هو مقتضٍ للضمان، فأشبه ما لو لم ينهه(3).

و لو علفها و سقاها مع نهيه عنهما، كان الحكم كما تقدّم في القسم الأوّل.

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف هنا مخرَّجٌ ممّا إذا قال: اقتلني، فقتله هل تجب الدية ؟(4).

و لم يرتضه باقي الشافعيّة؛ لأنّا إذا أوجبنا الدية أوجبناها للوارث، و لم يوجد منه إذن في الإتلاف، و هنا بخلافه(5).

و إن أطلق الإيداع، فلا يأمره بالعلف و السقي و لا ينهاه عنهما، فيجب7.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5.
2- الحاوي الكبير 365:8، المهذّب - للشيرازي - 368:1، حلية العلماء 182:5، التهذيب - للبغوي - 124:5، البيان 441:6، العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5، المغني 294:7، الشرح الكبير 293:7.
3- الحاوي الكبير 366:8، المهذّب - للشيرازي - 368:1، حلية العلماء 182:5، البيان 441:6، العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5، المغني 294:7، الشرح الكبير 293:7. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 302:7.

علي المستودع العلف و السقي؛ لأنّه التزم بحفظها، و لأنّه ممنوع من إتلافها جوعاً، فإذا التزم حفظها تضمّن ذلك علفها و سقيها، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه العلف و السقي؛ لأنّه استحفظه إيّاها و لم يأمره بعلفها(2).

و قد بيّنّا الأمر الضمني.

مسألة 38: لا خلاف في أنّه لا يجب علي المستودع الإنفاق علي الدابّة و الآدمي من ماله؛

لأصالة البراءة، و التضرّر المنفي شرعاً، لكن إن دفع إليه المالك النفقةَ فذاك، و إن لم يدفع إليه، فإن كان المالك قد أمره بعلفها و سقيها رجع به عليه؛ لأنّه أمره بإتلاف ماله فيما عاد نفعه إليه، فكان كما لو ضمن عنه مالاً بأمره و أدّاه عنه.

و إن أطلق الإيداع و لم يأمره بالعلف و السقي و لا نهاه عنهما، فإن كان المالك حاضراً أو وكيله طالَبه بالإنفاق عليها أو ردّها عليه، أو أذن له المالك في الإنفاق فينفق، و يرجع به إن لم يتطوّع بذلك.

و إن لم يكن المالك حاضراً و لا وكيله، رفع الأمر إلي الحاكم، فإن وجد الحاكم لصاحبها مالاً أنفق عليها منه، و إن لم يجد مالاً رأي الحاكم المصلحة للمالك إمّا في بيعها، أو بيع بعضها و إنفاقه عليها، أو إجارتها، أو الاستدانة علي صاحبها من بيت المال أو من المستودع أو من غيره، فيفعل ما هو الأصلح.

فإن استدان عليه من بيت المال أو من غير المستودع، دَفَعه إلي

ص: 190


1- الحاوي الكبير 366:8، المهذّب - للشيرازي - 368:1، حلية العلماء 181:5، البيان 439:6، العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5، المغني 292:7، الشرح الكبير 290:7.
2- الحاوي الكبير 366:8، حلية العلماء 181:5، البيان 439:6، العزيز شرح الوجيز 302:7، المغني 292:7، الشرح الكبير 290:7.

المستودع لينفقه عليها إن رأي ذلك مصلحةً.

و إن استدان من المستودع، فالأقرب: إنّ الحاكم يتخيّر بين أن يأذن للمستودع في الإنفاق عليها، و بين أن يأذن لغيره من الأُمناء يقبض من المستودع و ينفق؛ لأنّ المستودع أمين عليها، فجاز للحاكم الإخلاد [إليه](1) في إنفاق ما يستدينه منه عليها، كما أنّ للمالك أمره بالإنفاق، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه ليس للحاكم أن يأذن للمستودع في الإنفاق ممّا يستدينه منه علي المالك، بل يقيم الحاكم أميناً يقبض منه و ينفق؛ لأنّه لا يجوز أن يكون أميناً في حقّ نفسه(2).

و الوجه: ما تقدّم.

و علي ما اخترناه من جواز إخلاد الحاكم إلي المستودع فالأقرب: إنّه لا يقدّرها، بل يكل الأمر إلي اجتهاد المستودع، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و الثاني لهم: إنّ الحاكم يقدّرها و لا يكلها إلي المستودع(3).

[فإن اختلفا في قدر النفقة](4) فالقول قوله فيما أنفق إذا ادّعي الإنفاق بالمعروف، و لو ادّعي أكثر لم يُقبل قوله إلّا بالبيّنة.

و كذا لو قدّر له الحاكم النفقة، فادّعي أنّه أنفق أكثر.

و لو اختلف المستودع و المالك في قدر المدّة التي أنفق فيها، قُدّم قول صاحبها؛ لأنّ الأصل عدم ذلك، و براءة ذمّته.

و لو اختلفا في قدر النفقة، قُدّم قول المستودع؛ لأنّه أمين فيها.7.

ص: 191


1- إضافة يقتضيها السياق.
2- حلية العلماء 182:5.
3- حلية العلماء 182:5، البيان 440:6.
4- ما بين المعقوفين أضفناه من المغني 293:7، و الشرح الكبير 292:7.

و لو أنفق عليها من غير إذن الحاكم، فإن قدر علي إذن الحاكم و لم يُحصّله، لم يكن له الرجوع؛ لأنّه متطوّع.

و إن لم يقدر علي الحاكم فأنفق، فليُشهد علي الإنفاق و الرجوع، فإن ترك الإشهاد مع قدرته عليه، فالأقرب: إنّه متبرّع، و إن تعذّر عليه الإشهاد، فالأقرب: إنّه يرجع مع قصده الرجوع، و يقدّم قوله في ذلك؛ لأنّه أعرف بقصده.

و إذا قلنا: ينفق و يرجع، صار كالحاكم في بيعها أو بيع بعضها أو إجارتها أو الاقتراض علي مالكها.

و لو ترك المستودع الإنفاقَ مع إطلاق الإيداع و لم يرفعه إلي الحاكم و لا أنفق عليها حتي تلفت، ضمن إن كانت تلفت من ترك ذلك؛ لأنّه تعدّي بتركه.

و إن تلفت في زمانٍ لا تتلف في مثله؛ لعدم العلف، لم يضمن؛ لأنّها لم تتلف بذلك.

و لو نهاه عن السقي و العلف، لم يضمن بترك ذلك علي ما تقدّم(1) من الخلاف.

و هل يرجع علي المالك ؟ إشكال ينشأ: من تبرّعه بالإنفاق، و عدمه.

مسألة 39: إذا احتاج المستودع إلي إخراج الدابّة لعلفها أو سقيها، جاز له ذلك؛ لأنّ الحفظ يتوقّف عليه، و لا ضمان.

و لا فرق بين أن يكون الطريق آمناً أو مخوفاً إذا خاف التلف بترك السقي و اضطرّ إلي إخراجها.

و لو أخرجها من غير ضرورةٍ للعلف و السقي، فإن كان الطريق آمناً لا خوف فيه و أمكنه سقيها في موضعها، فالأقرب: عدم الضمان؛ لاطّراد

ص: 192


1- في ص 189.

العادة بذلك، و هو أظهر قولَي الشافعيّة(1).

و لو علفها و سقاها في داره أو اصطبله حيث يعلف دوابّه و يسقيها، فقد بالغ في الحفظ.

و إن أخرجها من موضعها و كان يفعل ذلك في دوابّ نفسه لضيق الموضع أو لغيره، فلا ضمان عليه.

و إن كان يسقي دوابّه فيه، قال الشافعي: ضمن(2).

و اختلف أصحابه، فأطلق بعضُهم وجوبَ الضمان؛ لأنّه أخرج الوديعة عن الحرز لغير ضرورةٍ(3).

و قيّده بعضهم بما إذا كان ذلك الموضع أحرز، فأمّا إذا كان الموضع المُخْرج إليه أحرز أو مساوياً، فلا ضمان(4).

و قال آخَرون: إنّه محمول علي ما إذا كان في الإخراج خوف، فإن لم يكن فلا ضمان(5).

مسألة 40: إذا تولّي المستودع السقي و العلف بنفسه أو أمر به صاحبه أو غلامه و كان حاضراً لم تزل يده، فذاك.
اشارة

و إن بعثها علي يده للسقي أو أمره بعلفها أو أخرج الدابّة من يده، فإن لم يكن صاحبه أو غلامه أميناً ضمن، و إن كان أميناً فالأقرب: عدم الضمان؛ لقضاء العادة بالاستنابة في ذلك، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(6).

و الوجهان عند بعضهم مخصوصان بمَنْ يتولّي ذلك بنفسه، فأمّا في

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 302:7-303، روضة الطالبين 296:5.
2- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5.
3- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 295:5-296.
4- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 296:5.
5- العزيز شرح الوجيز 302:7، روضة الطالبين 296:5.
6- العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.

حقّ غيره فلا ضمان قطعاً(1).

فروع:
أ - لو نهاه عن العلف لعلّةٍ تقتضي النهي

- كالقولنج و شبهه - فعلفها قبل زوال العلّة فماتت، ضمن؛ لأنّه مفرّط.

ب - العبد المودع و الأمة كالدابّة

في جميع ما تقدّم.

ج - لو أودعه نخلاً، فالأقرب: إنّ سقيه واجب

كما قلنا في الدابّة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: إنّه لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره بالسقي(2).

البحث الخامس: في المخالفة في كيفيّة الحفظ.
مسألة 41: يجب علي المستودع اعتماد ما أمره المالك في كيفيّة الحفظ،

فإذا أمره بالحفظ علي وجهٍ مخصوص فعدل عنه إلي وجهٍ آخَر و تلفت الوديعة، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ضمن و كانت المخالفة تقصيراً؛ لأنّه لو راعي الوجه المأمور به لم يتحقّق التلف، و لو حصل التلف بسببٍ آخَر فلا ضمان.

هذا إذا لم يتحقّق المستودع التلف لو امتثل الأمر، أمّا إذا تحقّق التلف بالامتثال فخالف للاحتياط في الحفظ فاتّفق التلف فلا ضمان، لأنّه محسن فلا سبيل عليه؛ للآية(3).

مسألة 42: إذا أودعه مالاً في صندوقٍ و قال له: لا ترقد عليه،
اشارة

ص: 194


1- الوسيط 506:4، العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.
2- العزيز شرح الوجيز 303:7، روضة الطالبين 296:5.
3- التوبة: 91.

فخالف و رقد عليه، فإن تلفت الوديعة بالرقود بأن انكسر رأس الصندوق بثقله و تلف ما فيه، ضمن؛ لأنّه خالف، و تلفت الوديعة بالمخالفة، فكان ضامناً.

و إن تلفت بغير الرقود، فإن كان في بيتٍ محرز فأخذه اللّصّ، أو كان في برّيّةٍ فأخذه اللّصّ من رأس الصندوق، فالأقرب: عدم الضمان - و به قال الشافعي(1) - لأنّه زاده احتياطاً و حفظاً، و التلف ما جاء منه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه يضمن - و به قال مالك - لأنّ رقوده علي الصندوق تنبيه عليه و تعظيم لما فيه، و موهم للسارق نفاسة ما فيه فيقصده(2).

و هو غلط؛ لأنّه زاده احتياطاً و خيراً(3) ، كما لو قال له: ضَع المال في صحن الدار، فوضعه في البيت، لم يضمن، و لا يقال: إنّ هذا يتضمّن التنبيه عليه، كذا هنا.

و كذا الخلاف فيما لو قال: لا تقفل عليها، فقفل، أو قال: لا تقفل عليها إلّا قفلاً واحداً، فقفل قفلين، أو قال: لا تغلق باب البيت، فأغلق(4).

و إن كان في البرّيّة فأخذه اللّصّ من جنب الصندوق، احتُمل عدمُ الضمان؛ لأنّه إذا كان فوق الصندوق اطّلع علي الجوانب كلّها، فيكون أبلغ في الحفظ، و ثبوتُه؛ لأنّه إذا رقد عليه أخلي جنب الصندوق، و ربما لا يتمكّن السارق من الأخذ لو كان [بجنبه](5).ه.

ص: 195


1- الحاوي الكبير 377:8، التهذيب - للبغوي - 121:5، العزيز شرح الوجيز 307:7، روضة الطالبين 299:5.
2- الحاوي الكبير 377:8، التهذيب - للبغوي - 121:5، العزيز شرح الوجيز 307:7، روضة الطالبين 299:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «حرزاً» بدل «خيراً».
4- الحاوي الكبير 377:8، العزيز شرح الوجيز 307:7، روضة الطالبين 299:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تحته». و الظاهر ما أثبتناه.

و هذا إنّما يظهر إذا فرض الأخذ من الجانب الذي لو لم يرقد عليه لكان يرقد هناك، و ذلك بأن كان يرقد أمام الصندوق فتركه فانتهز السارق الفرصة، أو قال المالك: ارقد قُدّامه، فرقد فوقه، فأخذ السارق المالَ من قُدّامه.

و للشافعيّة وجهان(1) كالاحتمالين.

و الأوّل أقوي؛ لأنّه زاده خيراً(2).

و كذا لو قال: ضَعْها في هذا البيت و لا تنقلها، فخاف عليها فنَقَلها، فلا ضمان؛ لأنّه زاده خيراً(3).

و لو أمره بدفن الوديعة في بيته و قال: لا تبن عليه، فبني، فهو كما لو قال: لا ترقد عليه، فرقد.

تذنيب: لو نقل المستودع الوديعةَ عند الخوف إلي مكانٍ

غير ما عيّنه المالك بأُجرةٍ، لم يرجع بها علي المالك؛ لأنّه متطوّع متبرّع.

مسألة 43: إذا استودع دراهم أو دنانير أو شبهها و أمره المالك بأن يربطها في كُمّه فأمسكها في يده، ضمن؛
اشارة

لأنّه خالف المالكَ في تعيين الحرز، و لأنّ الكُمّ أحرز؛ لأنّ الإنسان في معرض السهو و الغفلة و النسيان فيرسل يده فتسقط الوديعة ببسط اليد و الإرسال، فإذا خالف المستودع في الإحراز عن الأعلي إلي الأدني لا لضرورةٍ كان ضامناً.

و اختلفت الرواية عن الشافعي، فروي المزني أنّه لا يضمن(4) ، و نقل

ص: 196


1- العزيز شرح الوجيز 307:7-308، روضة الطالبين 299:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «حرزاً» بدل «خيراً».
3- في الطبعة الحجريّة: «حرزاً» بدل «خيراً».
4- مختصر المزني: 147، الحاوي الكبير 378:8، المهذّب - للشيرازي - 367:1، حلية العلماء 170:5، البيان 429:6، العزيز شرح الوجيز 308:7، روضة الطالبين 299:5.

الربيع عنه الضمان(1).

و اختلف أصحابه علي طريقين:

منهم مَنْ قال: ليست علي قولين، و إنّما هي علي اختلاف حالين، و فيها طريقان:

أحدهما: إنّه إن لم يربطها في الكُمّ و اقتصر علي الإمساك باليد، ضمن، كما نقله الربيع، و رواية المزني محمولة علي ما إذا أمسك باليد بعد الربط في الكُمّ.

و أصحّهما عندهم: إنّ رواية المزني محمولة علي ما إذا تلفت بأخذ غاصبٍ، فلا يضمن؛ لأنّ اليد أحرز بالإضافة، و إن سقطت بنومٍ أو نسيانٍ ضمن؛ لأنّها لو كانت مربوطةً في الكُمّ ما ضاعت بهذا السبب، فالتلف حصل بسبب المخالفة(2).

و منهم مَنْ قال: إنّ المسألة علي قولين:

أحدهما: الضمان؛ لأنّ ما في اليد يضيع بالنسيان و بسط اليد، و ما في الكُمّ لا يضيع بهما.

و هذا القول يقتضي الضمان بالوضع في اليد مطلقاً؛ لأنّها ليست حرزاً علي هذا القول.

و الثاني: عدمه؛ لأنّ اليد أحرز من الكُمّ؛ لأنّ الطرّار يأخذ من الكُمّ، و لا يتمكّن من الأخذ من اليد(3).

فروع:
أ - لو أمره بالربط في كُمّه فامتثل، لم يحتج في ذلك إلي الإمساك

ص: 197


1- الأُمّ 137:4، مضافاً إلي المصادر المزبورة في الهامش السابق ما عدا مختصر المزني.
2- البيان 430:6، العزيز شرح الوجيز 308:7، روضة الطالبين 299:5-300.
3- المهذّب - للشيرازي - 367:1، البيان 429:6-430، العزيز شرح الوجيز 308:7.

باليد؛ لأنّه جعلها في حرزٍ أمره المالك به، فلا يفتقر إلي الزيادة.

ب - لو أمره بربطها في كُمّه فجعلها في جيبه، لم يضمن؛

لأنّ الجيب أحرز، فإنّه ربما نسي فسقط الشيء من كُمّه، إلّا إذا كان واسعاً غير مزرور، و هو أحد قولَي الشافعيّة(1).

و لهم وجهٌ ضعيف: إنّه يضمن(2).

و لو انعكس فقال: ضَعْها في جيبك، فربطها في كُمّه، ضمن لا محالة.

ج - إذا ربطها في كُمّه بأمر المالك، فإن جعل الخيط الرابط خارجَ الكُمّ فأخذها الطرّار ضمن؛

لأنّ فيه إظهارَ الوديعة، و هو يتضمّن تنبيه الطرّار و إغراءه، و لأنّ قطعه و حلّه علي الطرّار أسهل، و إن ضاع بالاسترسال و انحلال العقدة لم يضمن إذا احتاط في الربط و قوّة الشدّ؛ لأنّها إذا انحلّت بقيت الدراهم في الكُمّ.

و إن جعل الخيط الرابط داخلَ الكُمّ، انعكس الحكم، فإن أخذه الطرّار لم يضمن، و إن سقط بالاسترسال ضمن؛ لأنّ العقد إذا انحلّ تناثرت الدراهم.

و استشكل بعضُ الشافعيّة هذا التفصيلَ؛ لأنّ المأمور به مطلق الربط، فإذا أتي به وجب أن لا ينظر إلي جهات التلف، بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلي غيره فأفضي إلي التلف، و قضيّة هذا أن يقال: إذا قال: احفظ الوديعة في هذا البيت، فوضعها في زاويةٍ منه فانهدمت عليها، يضمن؛ لأنّها لو كانت في زاويةٍ أُخري لسلمت، و معلومٌ أنّه بعيد(3).

مسألة 44: إذا أودعه دراهم في طريقٍ أو سوقٍ و لم يقل له: اربطها

ص: 198


1- المهذّب - للشيرازي - 367:1، البيان 430:6، العزيز شرح الوجيز 309:7، روضة الطالبين 300:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 309:7، روضة الطالبين 300:5.

في كُمّك، أو: أمسكها في يدك، فربطها في كُمّه و أمسكها بيده، فقد بالغ في الحفظ.

و كذا لو جعلها في جيبه و هو ضيّق أو واسع مزرور، و لو كان واسعاً غير مزرورٍ ضمن؛ لسهولة أخذها باليد.

و لو أمسكها بيده و لم يربطها في كُمّه، لم يضمن إن قلنا: اليد حرز، و إلّا ضمن.

و قال الشافعي: إن تلفت بأخذ غاصبٍ لم يضمن، و إن تلفت بغفلةٍ أو نومٍ أو بسط يدٍ ضمن(1).

و لو ربطها و لم يمسكها بيده، فالحكم النظر إلي كيفيّة الربط وجهة التلف عندهم(2).

و لو وضعها في الكُمّ و لم يربط فسقطت، ضمن.

و فصّل بعضُ الشافعيّة فقال: إن كانت خفيفةً لا يشعر بها ضمن؛ لتفريطه في الإحراز، و إن كانت ثقيلةً يشعر بها لم يضمن(3).

و قياس هذا يلزم طرده فيما سبق من صُور الاسترسال كلّها.

و لو وضعها في كور عمامته من غير شدٍّ، ضمن.

مسألة 45: إذا أودعه شيئاً و هو في السوق أو الطريق أو غيره، و قال:

احفظ هذه الوديعة في بيتك،

وجب علي المستودع المبادرة إلي بيته و الإحراز فيه، فإن أخّر من غير عذرٍ ضمن، و لو كان لعذرٍ فلا ضمان.

و كذا لو بادر إلي المضيّ إلي بيته فتلفت، لم يضمن.

ص: 199


1- التهذيب - للبغوي - 121:5، العزيز شرح الوجيز 309:7، روضة الطالبين 300:5.
2- العزيز شرح الوجيز 309:7، روضة الطالبين 300:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 367:1، التهذيب - للبغوي - 121:5، البيان 429:6، العزيز شرح الوجيز 309:7، روضة الطالبين 300:5.

و لو تركها في دكّانه و لم يحملها إلي بيته مع إمكانه، ضمنها؛ لأنّ بيته أحرز لها.

و لو أودعه في بيته و قال له: احفظ هذه الوديعة في بيتك، فجَعَلها في ثيابه و خرج بها، ضمن، سواء ربطها و أحكم شدّها أو لا.

و لو ربطها في كُمّه و لم يخرج بها مع إمكان وضعها في الصندوق و نحوه، ضمن.

و لو كان ذلك لتعذّر فتح قفل الصندوق و شبهه، فلا ضمان؛ لأنّه أحرز من البيت.

و لو أودعه في البيت و لم يقل له شيئاً، فخرج بها مربوطةً في ثيابه، احتُمل عدم الضمان؛ لأنّه أحرز عليها بالشدّ و الربط، و ذلك حرز مثلها، و لم ينصّ المُودِع علي حرزٍ بعينه.

مسألة 46: إذا نقل المستودع الوديعةَ من صندوقٍ إلي صندوقٍ غيره

أو من خريطةٍ(1) إلي أُخري أو من ظرفٍ إلي آخَر، فإن كانت الظروف و الصناديق للمالك ضمن؛ لأنّ المالك بوضعه قد عيّن الحرز، فإذا خالف المستودع ضمن، إلّا مع الخوف و الحاجة إلي النقل، و إن كانت للمستودع لم يضمن؛ لأنّ له تفريغَ ملكه، و لا يتعيّن الحفظ فيما وضعه فيه، فجاز له النقل.

و اضطرب قول الشافعيّة هنا.

فقال بعضهم: إن كانت الخريطة للمالك، ضمن المستودع بذلك؛ لأنّه نقلها عن ملك صاحبها إلي غيره، فأشبه ما لو أخرجها من صندوقه، و إن كانت الخريطة للمستودع و قد عيّنها المالك، فإن نقلها إلي مثلها أو

ص: 200


1- الخريطة: وعاءٌ من أَدَمٍ و غيره. الصحاح 1123:3 «خرط».

أحرز منها فلا ضمان، و إن كان دونها في الحرز ضمن(1).

و أطلق بعضهم: إنّه إذا كانت الظروف للمالك لا يضمن(2).

و أطلق آخَرون منهم و الحالة هذه: إنّه يضمن، كما لو نقلها من بيته(3).

و فصَّل آخَرون: إنّه إن لم يَجْر فتح قفلٍ و لا فضّ ختمٍ و لا خَلْط و لم يعيّن المالك ظرفاً، فلا يضمن بمجرّد النقل، سواء كانت الصناديق للمستودع أو للمالك، و إذا كانت للمالك فحصولها في يد المُودَع قد يكون بجهة كونها وديعةً أيضاً إمّا فارغة أو مشغولة بالوديعة، و قد يكون بجهة العارية، و إن جري شيء من ذلك فأمّا الفضّ و الفتح و الخَلْط فإنّها مضمنة.

و أمّا إذا عيّن ظرفاً، فإن كانت الظروف للمالك فوجهان:

أحدهما: إنّه يضمن؛ لأنّ التفتيش عن المتاع الموضوع في الصندوق و التصرّف فيه بالنقل لا يليق بحال المستودع.

و أصحّهما: عدم المنع؛ لأنّ الظرف و المظروف كلاهما وديعتان، و ليس فيه إلّا حفظ أحدهما في حرزٍ و الآخَر في غيره، فعلي هذا إن نقل إلي المثل أو الأحرز فلا بأس، و إن نقل إلي الأدون ضمن.

و إن كانت الظروف للمستودع، فهي كالبيوت إجماعاً(4).

مسألة 47: لو أمره بالحفظ في بيتٍ معيّن و نهاه عن أن يُدخل إليها أحداً و عن الاستعانة بالحارسين،

فخالف، فإن حصل التلف بسبب المخالفة بأن سرق الذين أدخلهم أو الحارسون، ضمن قطعاً.

ص: 201


1- راجع: البيان 437:6.
2- الوجيز 286:1، العزيز شرح الوجيز 311:7.
3- العزيز شرح الوجيز 311:7.
4- العزيز شرح الوجيز 311:7، روضة الطالبين 302:5.

و إن حصل بغير ذلك السبب إمّا بحريقٍ أو بسرقة غير الداخلين أو نهب غير الحارسين و أشباه ذلك، ففي الضمان إشكال ينشأ: من حصول التفريط بالمخالفة، و لولاه لم يضمن لو تلف بذلك السبب، و من حصول التلف بغير سبب المخالفة. و الأوّل أقوي.

و عند الشافعيّة أنّه لا يضمن علي التقدير الثاني(1).

و لو قال: لا تُخبر بوديعتي أحداً، فخالف و أخبر غيره فسرقها المُخْبَر أو مَنْ أخبره، ضمن؛ لإفضاء الإخبار إلي السرقة.

و إن تلفت بسببٍ آخَر، قال بعض الشافعيّة: لا يضمن(2).

و فيه إشكال أقربه: الضمان؛ لحصول التفريط بالإخبار، و إلّا لم يضمن لو سرقه المُخْبَر.

قال بعض الشافعيّة: لو أنّ رجلاً من عرض الناس سأل المستودعَ:

هل لفلان عندك وديعة ؟ فأخبره بها، ضمن؛ لأنّ كتمانها من حفظها، فإذا أخبره فقد ترك الحفظ(3).

مسألة 48: لو أودعه خاتماً و أمره بجَعْله في خِنْصِره، فجَعَله في البِنْصِر، لم يضمن؛

لأنّه زاده حفظاً و حراسةً، فإنّ البِنْصر أغلظ من الخِنْصِر، و الحفظ فيه أكثر.

و لو انكسر لغلظها، ضمن.

و كذا يضمن لو ضاق عنها فوضعه في أنملته العليا من البِنْصِر؛ لأنّه في أصل الخِنْصِر أحرز.

و لو قال: اجعله في البِنْصِر، فجَعَله في الخِنْصِر، فإن كان ضيّقاً لا ينتهي إلي أصل البِنْصِر لم يضمن؛ لأنّ الذي فَعَله أحرز، و إن كان ينتهي

ص: 202


1- البيان 428:6، العزيز شرح الوجيز 311:7-312، روضة الطالبين 302:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 312:7، روضة الطالبين 303:5.

إليه ضمن؛ لأنّ ما يثبت في البِنْصِر إذا جُعل في الخِنْصِر كان في معرض السقوط.

و لو لم يعيّن المالك شيئاً، فإن جَعَله في الخِنْصِر لم يضمن إن قصد الحفظ؛ لأنّ الخِنْصِر حرز في مثل الخاتم، و إن قصد الاستعمال و التزيّن به ضمن، و هو أحد الاحتمالين عند الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يضمن - و به قال أبو حنيفة - لأنّه استعمال(1).

و قال بعض الشافعيّة: إن جعل فَصَّه إلي ظهر الكفّ ضمن، و إلّا فلا؛ لأنّه بجَعْله إلي ظهر الكفّ يكون قد قصد الاستعمال(2).

لكن من آداب التختّم جَعْل الفَصّ إلي بطن الكفّ، و هو يقدح في هذا التعليل.

و لو جعله في البِنْصِر أو غيره غير الخِنْصِر، لم يضمن إذا انتهي إلي آخر الإصبع، إلّا أنّ المرأة قد تتختّم في غير الخِنْصِر، فيكون غير الخِنْصِر في حقّها كالخِنْصِر.

مسألة 49: إذا عيّن المالك له موضعاً للحفظ، لم يجز للمستودع التجاوز عنه،

و يضمن لو نقل علي ما تقدّم(3).

و لو كان الحرز الذي عيّنه بعيداً عنه، وجبت المبادرة إليه بما جرت العادة، فإن أخّر متمكّناً ضمن.

و لو لم يعيّن موضعاً للحفظ، وجب علي المستودع حفظها في حرز مثلها، و لا يضمن بالنقل عنه و إن كان إلي حرزٍ أدون.

ص: 203


1- الوسيط 510:4، التهذيب - للبغوي - 122:5، العزيز شرح الوجيز 312:7، روضة الطالبين 303:5، المبسوط - للسرخسي - 14:11.
2- العزيز شرح الوجيز 312:7، روضة الطالبين 303:5.
3- في ص 183، القسم الثاني من أقسام نقل الوديعة، ضمن المسألة 33.
البحث السادس: في التضييع.
مسألة 50: من الأسباب المقتضية للتقصير التضييعُ،

فإنّ المستودع مأمور بحفظ الوديعة في حرز مثلها بالتحرّز عن أسباب التلف، فلو أخّر إحرازها مع الإمكان ضمن.

و لو جعلها في مضيعةٍ أو في غير حرز مثلها، فكذلك.

و لو جعلها في حرزٍ أكبر من حرز مثلها ثمّ نقلها إلي حرز مثلها، لم يضمن؛ لأنّ الواجب هو الثاني، و الأوّل تبرّعٌ منه.

و لا فرق بين أن يكون التضييع بالنسيان أو غيره، فلو استودع فضيّع الوديعة بالنسيان ضمن؛ لأنّه فرّط في حفظها، و لأنّ التضييع سبب التقصير، فيستوي فيه الناسي و غيره، كالإتلاف، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يضمن؛ لأنّ الناسي غير متعدٍّ، و المستودع إنّما يضمن بالتعدّي(1).

و الصغري ممنوعة، و حكم الخطأ حكم النسيان، فلو استودع آنيةً فكسرها مخطئاً ضمن، و لأنّ الناسي مفرّط، و لهذا لو نسي الماء في رَحْله فتيمّم فصلّي ثمّ ذكر، وجب عليه القضاء، و لأنّه لو انتفع بالوديعة ثمّ ادّعي الغلط و قال: ظننته ملكي، لم يُصدَّق، مع أنّ هذا الاحتمال قريب، فعُلم أنّ الغلط غير دافعٍ للضمان.

مسألة 51: لو سعي المستودع بالوديعة إلي مَنْ يصادر المالك و يأخذ أمواله، كان ضامناً؛

لأنّه فرّط في الحفظ، بخلاف ما لو كانت السعاية من غير المستودع، فإنّه لا يضمن؛ لأنّه لم يلتزم بالحفظ.

ص: 204


1- الوسيط 511:4، الوجيز 286:1، العزيز شرح الوجيز 313:7، روضة الطالبين 303:5.

و لو أخبر المستودعُ اللّصَّ بالوديعة فسرقها، فإن عيّن له الموضعَ ضمن؛ لأنّه فرّط في حفظها، و لو لم يُعيّن المكانَ لم يضمن.

أمّا لو علم الظالم بالوديعة من غير إعلام المستودع فأخذها منه قهراً، فإنّه لا يضمن، كما لو سُرقت منه.

و إن أكرهه الظالم حتي دفعها بنفسه، فكذلك لا ضمان عليه؛ لانتفاء التفريط منه، بل يُطالِب المالكُ الظالم بالضمان، و لا رجوع له إذا غرم.

و هل للمالك مطالبة المستودع بالعين أو البدل ؟ الأقرب ذلك؛ لأنّه مباشر لتسليم مال الغير إلي غير مالكه، فإذا رجع المالك عليه رجع هو علي الظالم، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و في الثاني: ليس له ذلك(1).

و هذان الوجهان كالوجهين في أنّ المُكرَه علي إتلاف مال الغير هل يطالَب أم لا؟(2).

و علي كلّ تقديرٍ فقرار الضمان علي الظالم.

و معني القرار أن لا يرجع الشخص إذا غرم، و يرجع عليه غيره إذا غرم.

مسألة 52: إذا خاف المستودع من الظالم إذا منعه من الوديعة و أمكنه مدافعته بالإنكار و الاختفاء عنه و الامتناع منه، وجب عليه ذلك

علي حسب ما يقدر عليه، فإن ترك الدفع مع القدرة ضمن.

و إن أنكر المستودع الوديعةَ فطلب الظالم إحلافه، جاز له أن يحلف لمصلحة حفظ الوديعة، و يورّي إذا كان يُحسنها وجوباً.

و لا كفّارة عليه عندنا، خلافاً للجمهور، فإنّهم أوجبوا الكفّارة؛ لأنّه

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 313:7-314، روضة الطالبين 304:5.
2- العزيز شرح الوجيز 314:7، روضة الطالبين 304:5.

كاذب(1).

قال بعض الشافعيّة: وجوب الكفّارة مبنيٌّ علي أنّ مَنْ أُكره ليطلّق إحدي امرأتيه فطلّقها، هل يقع أم لا؟ إن قلنا: لا يقع، لم تنعقد يمينه(2).

و لو أُكره علي أن يحلف بالطلاق أو العتاق، حلف، و لا يقع أحدهما و إن كان كاذباً؛ لبطلان اليمين بأحدهما عندنا، و لا يسلّم الوديعة إلي الظالم.

و قالت العامّة: حاصل هذا الإكراه التخيير بين الحلف و بين الاعتراف و التسليم، فإن اعترف و سلّم ضمن؛ لأنّه قد فدي زوجته بالوديعة، و إن حلف بالطلاق طُلّقت زوجته؛ لأنّه قدر علي الخلاص بتسليم الوديعة ففدي الوديعة بالطلاق(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا: إنّ مَنْ أُكره علي طلاق إحدي امرأتيه فطلّق لا يقع، فهنا إن حلف بالطلاق لم يقع، و إن اعترف بالوديعة و سلّمها كان كما لو سلّمها مكرهاً(4).

البحث السابع: في الجحود.
مسألة 53: إذا طلب المالك الوديعةَ من المستودع فجحدها، كان ضامناً؛ لخيانته بالإنكار.

و لو كان الجحود لمصلحة الوديعة، لم يضمن؛ لأنّه محسن.

و لو لم يطلبها المالك لكن قال: لي عندك وديعة، فإن سكت لم يضمن؛ إذ لم يوجد منه تفريط و لا خيانة.

ص: 206


1- الوسيط 512:4، العزيز شرح الوجيز 314:7، روضة الطالبين 304:5.
2- العزيز شرح الوجيز 314:7.
3- العزيز شرح الوجيز 314:7، روضة الطالبين 304:5.
4- العزيز شرح الوجيز 314:7.

و ان أنكر فالأقرب: عدم الضمان؛ لأنّه لم يمسكها لنفسه، بخلاف ما لو أنكر بعد الطلب، و قد يعرض له في الإخفاء و الإنكار غرض صحيح.

و يحتمل الضمان، كما لو أنكر بعد الطلب.

و كلاهما للشافعيّة(1).

و لو قال بعد الجحود: كنتُ غلطتُ أو نسيتُ الوديعة، فإن صدّقه المالك لم يضمن، و إلّا فالأقرب: الضمان.

مسألة 54: لو قال المستودع ابتداءً من غير سؤال المالك: لا وديعة عندي،

أو قال ذلك في جواب سؤال غير المالك، لم يضمن بمجرّد الجحود و الإنكار؛ لأنّه لغير المالك، و الوديعة يُسعي في إخفائها، فإنّه أقرب للحفظ، سواء كان المالك حاضراً أو غائباً، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 55: لو ادّعي عليه وديعةٌ فأنكر قُدّم قوله مع اليمين،

فإن أقرّ بعد ذلك بها أو قامت عليه بيّنة بها طُولب بها.

فإن ادّعي ردَّها أو تلفها قبل الجحود، فإن كانت صورة جحوده إنكار أصل الإيداع لم يُصدَّق في دعوي الردّ؛ لاشتمال كلاميه علي التناقض، و ثبوت خيانته، و أمّا في دعوي التلف فيُصدَّق أيضاً باليمين، لكنّه يكون ضامناً، كالغاصب.

و الأقوي: إنّ له تحليف المالك علي عدم دعواه؛ لإمكان أن يكون قد نسي الوديعة فجحدها ثمّ ذكر فادّعي التلف لوقوعه، أو كذب في جحوده، و لأنّه لو صدّقه المالك في التالف بغير تفريطٍ أو في دعوي الردّ سقط حقّه، و كان متمكّناً من إحلافه و من إقامة البيّنة علي دعوي الردّ أو التلف، و هذا كما لو ادّعي حقّاً و قال: لا بيّنة لي، ثمّ جاء بالبيّنة فإنّها تُسمع منه، كذا هنا.

ص: 207


1- العزيز شرح الوجيز 315:7، روضة الطالبين 304:5.

و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لأنّه لمّا أنكر أصل الإيداع كان مكذّباً لدعوي التلف و لبيّنة الردّ؛ لتوقّفهما علي الإيداع(1).

إذا تقرّر هذا، فإن قامت البيّنة علي الردّ أو علي الهلاك قبل الجحود برئ المستودع من الضمان، و إن قامت البيّنة علي التلف بعد الجحود ضمن؛ لخيانته بالجحود، و مَنْعِ المالك عنها، إلّا إذا كان له عذر من خوفٍ عليه أو عليها لو اعترف.

هذا كلّه إذا كانت صورة الجحود إنكار أصل الإيداع، و إن كانت صورة جحوده: إنّه لا يلزمني تسليم شيءٍ إليك، أو: ما لك عندي وديعة، أو: ليس لك عندي شيء، فقامت البيّنة بالوديعة، فادّعي الردَّ أو التلف قبل الجحود، سُمعت دعواه؛ لانتفاء التناقض بين كلاميه.

و لو اعترف أنّه كان باقياً يوم الجحود، لم يُصدَّق في دعوي الردّ، إلّا ببيّنةٍ.

و إن ادّعي الهلاك، فهو كالغاصب إذا ادّعاه، و هو مصدَّق بيمينه في دعواه، و ضامن؛ لخيانته، و هو ظاهر مذهب الشافعي(2).

ص: 208


1- العزيز شرح الوجيز 315:7، روضة الطالبين 305:5.
2- العزيز شرح الوجيز 315:7، روضة الطالبين 305:5.
الفصل الرابع: في وجوب الردّ عند البقاء
مسألة 56: إذا كانت الوديعة باقيةً و طلبها مالكها، وجب علي المستودع ردّها عليه في أوّل أوقات الإمكان،

و لا تجب عليه مباشرة الردّ و لا تحمّل مئونته، بل ذلك علي المالك، و إنّما يجب علي المستودع رفع يده عنها و التخلية بين المالك و الوديعة، فإن أخّر المستودع ذلك مع إمكانه و طلب الردّ، كان ضامناً، و كان ذلك من أسباب التقصير، السالفة.

و لو تعذّر الردّ، لم يضمن، و تجب عليه المبادرة في أوّل أوقات زوال العذر، فلو طالبه بالردّ ليلاً و الوديعة في صندوقٍ أو خزانةٍ لا يمكن فتحها في تلك الحال، لم يكن مفرّطاً.

و كذا لو طالبه و هو مشغول بالصلاة أو بقضاء حاجةٍ أو طهارة أو في حمّامٍ أو علي طعامٍ فأخّر حتي يفرغ، أو كان ملازماً لغريمٍ يخاف فوته، أو كان يجيء المطر و الوديعة في البيت و أخّر حتي ينقطع و يرجع إلي البيت و ما أشبه ذلك، فهو جائز.

و لا يُعدّ ذلك تقصيراً و لا يؤثّر ضماناً لو تلفت الوديعة في تلك الحال، علي إشكالٍ أقربه: التفصيل، و هو: إنّ التأخير إن كان لتعذّر الوصول إلي الوديعة فلا ضمان، و كذا لو كان في صلاة فَرْضٍ.

و إن كان لعُسْرٍ يلحقه و غرض يفوته أو كان في صلاة نَفْلٍ، فالأقرب:

إنّه يضمن؛ لأنّ دفع الوديعة إلي المالك مع المطالبة واجب مضيَّق، و هذه الأشياء ليست أعذاراً فيه.

و بعض الشافعيّة جوّز له التأخيرَ في هذه الأشياء بشرط التزام خطر

ص: 209

الضمان(1).

مسألة 57: لو طلب المالك الوديعةَ، فقال: لا أردّ إليك حتي تُشهد عليك بالقبض،

فالأقرب: إنّ المالك إن كان وقت الدفع أشهد عليه بالإيداع فللمستودع ذلك؛ ليدفع عن نفسه التهمة، و إن لم يكن المالك أشهد عليه عند الإيداع لم يكن له ذلك، و يكون ضامناً، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه ليس للمستودع ذلك مطلقاً؛ لأنّ قوله في الردّ مقبول، فلا حاجة به إلي البيّنة.

و الثالث: إنّ له الامتناعَ مطلقاً؛ لئلّا يحتاج إلي اليمين، فإنّ الأُمناء يحترزون عنها ما أمكنهم.

و الرابع: إنّه إن كان التوقّف إلي الإشهاد يورث تأخيراً و تعويقاً في التسليم، لم يكن له الامتناع، و إلّا فله ذلك(2).

مسألة 58: و إنّما يجب عليه الردّ عند الطلب لو كان المردود عليه أهلاً للقبض،

فلو أودع ثمّ حجر الحاكم عليه للسفه لم يجب الدفع إليه، بل يرفع أمره إلي الحاكم.

و كذا لو كان الحجر للفلس؛ لتعلّق حقّ الغرماء بعين الوديعة.

و لو كان المالك نائماً فوضع المستودع الوديعةَ في يده، كان ضامناً؛ لعدم التكليف علي النائم.

و لو كان المُودِع جماعةً و ذكروا أنّ المال مشترك بينهم، ثمّ جاء بعضهم يطلبه، لم يكن للمستودع دفعه إليه و لا قسمته معه، بل يرفع

ص: 210


1- الغزالي في الوسيط 514:4، و الوجيز 287:1.
2- العزيز شرح الوجيز 268:5-269، و 316:7، روضة الطالبين 570:3، و 306:5.

الأمر(1) إلي الحاكم، فيقسمه و يدفع إليه نصيبه، و يجعل الباقي في يد المستودع.

مسألة 59: لو أمره المالك بدفع الوديعة إلي وكيله و ردِّها عليه، فطلبها الوكيلُ، لم يكن للمستودع الامتناع و لا التأخير مع المكنة،

فإن فَعَل أحدهما كان ضامناً، و حكمه حكم ما لو طلب المالك فلم يردّ، إلّا أنّهما يفترقان في أنّ المستودع له التأخير هنا إلي أن يُشهد المدفوع إليه علي القبض؛ لأنّ المدفوع إليه - و هو الوكيل - لو أنكر الدفع صُدّق بيمينه، و ذلك يستلزم ضرر المستودع بالغرم.

مسألة 60: لو قال له المالك: ردّ الوديعةَ علي فلان وكيلي، فلم يطلب الوكيلُ الردَّ،

فإن لم يتمكّن المستودع من الردّ فلا ضمان عليه قطعاً؛ لعدم تقصيره.

و إن تمكّن من الردّ، احتُمل الضمان؛ لأنّه لمّا أمره بالدفع إلي وكيله فكأنّه عزله، فيصير ما في يده كالأمانات الشرعيّة.

و للشافعيّة فيه وجهان جاريان في كلّ الأمانات الشرعيّة، كالثوب تطيّره الريح إلي داره، و فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّها تمتدّ إلي المطالبة، كالودائع.

و أظهرهما: إنّها تنتهي بالتمكّن من الردّ(2).

و يجري الوجهان في مَنْ وجد ضالّةً و هو يعرف مالكها(3).

و لو قال المالك للمستودع: ردّ الوديعةَ علي مَنْ قدرتَ عليه من

ص: 211


1- في «ث، ج»: «أمره» بدل «الأمر».
2- الوجيز 287:1، العزيز شرح الوجيز 317:7، روضة الطالبين 306:5.
3- العزيز شرح الوجيز 317:7، روضة الطالبين 306:5.

وكلائي و لا تؤخّر، فقدر علي الردّ علي بعضهم و أخّر ليردّه علي غيره، فهو ضامن عاصٍ بالتأخير.

و لو لم يقل: و لا تؤخّر، فأخّر ضمن بالتأخير.

و في العصيان للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 61: لو أمره المالك بالدفع إلي وكيله، أو أمره بالإيداع لمّا دفعه إليه ابتداءً،

فالأقرب: إنّه لا يجب علي المدفوع إليه الإشهاد علي الإيداع، بخلاف قضاء الدَّيْن؛ لأنّ الوديعة أمانة، و قول المستودع مقبول في الردّ و التلف، فلا معني للإشهاد، و لأنّ الودائع حقّها الإخفاء، بخلاف قضاء الدَّيْن، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه يلزمه الإشهاد، كقضاء الدَّيْن(2).

و قد بيّنّا الفرق.

و علي القول الثاني الحكم فيه كما في الوكالة من أنّه إن دفع في غيبة المالك من غير إشهادٍ ضمن، و إن دفع و هو حاضر لم يضمن.

مسألة 62: إذا طلب المالك من المستودع الردَّ فادّعي التلفَ، فالقول قوله مع اليمين

عند علمائنا، سواء ادّعي التلف بسببٍ ظاهرٍ أو خفيٍّ؛ لأنّه أمين في كلّ حال، فكان القولُ قولَه في كلّ حالٍ، هو أمين فيها.

و قال الشافعي: إمّا أن يذكر المستودع سبب التلف، أو لا، فإن ذكر السبب فإن كان خفيّاً كالسرقة، قُبِل قوله مع اليمين؛ لأنّه قد ائتمنه، فليصدّقه.

و إن كان سبباً ظاهراً - كالحريق و الغارة و السيل - فإن لم يعرف ما يدّعيه بتلك البقعة لم يُقبل قوله، بل يُطالَب بالبيّنة علي ما يدّعيه، ثمّ يُقبل قوله مع يمينه في حصول الهلاك به.

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 317:7، روضة الطالبين 306:5.
2- العزيز شرح الوجيز 317:7، روضة الطالبين 307:5.

و إن عرف ما يدّعيه بالمشاهدة أو الاستفاضة، فإن عرف عمومه صُدّق بغير يمينٍ، و إن لم يعرف عمومه و احتمل أنّه لم يصب الوديعة صُدّق باليمين.

و إن لم يذكر سبب التلف صُدّق بيمينه، و لا يكلَّف بيان سبب التلف، و إن نكل المستودع عن اليمين حلف المالك علي نفي العلم بالتلف و استحقّ(1).

و لا بأس بهذا القول عندي.

و هل يلحق موت الحيوان و الغصب بالأسباب الظاهرة أو الخفيّة ؟ إشكال.

مسألة 63: إذا ادّعي المستودع ردَّ الوديعة، فإمّا أن يدّعي ردَّها علي مَن ائتمنه أو علي غيره.

فإن ادّعي ردَّها علي مَن ائتمنه - و هو المالك - قُدّم قوله باليمين علي إشكالٍ ينشأ: من أنّه أمين يُقبل قوله مع اليمين كالتلف، و من كونه مدّعياً فافتقر إلي البيّنة، فإن قدّمنا قوله باليمين فإن مات قبل أن يحلف، ناب عنه وارثه، و انقطع الطلب عنه بحلفه.

و قال الشافعي: إنّه يُقدَّم قول المستودع مع اليمين كالتلف، و لأنّه أمين له لا منفعة له في قبضه، و بهذا خالف المرتهن، فإنّه أمين مع أنّه لا يُقبل قوله؛ لأنّه قبضه لمنفعته(2).

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 318:7، روضة الطالبين 307:5.
2- الأُمّ 136:4، مختصر المزني: 147، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 411/254:1، الحاوي الكبير 371:8، المهذّب - للشيرازي - 369:1، الوجيز 287:1، الوسيط 515:4، حلية العلماء 175:5، التهذيب - للبغوي - 127:5، البيان 445:6، العزيز شرح الوجيز 318:7، روضة الطالبين 307:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1065/624:2، بداية المجتهد 310:2، عيون المجالس 1214/1727:4، المعونة 1204:2.

و قال مالك: إنّه إن لم يُشهد عليه بالإيداع صُدّق في دعوي الردّ، و إن أشهد عليه لم يُصدَّق(1).

و إن ادّعي [الردَّ](2) علي غير مَن ائتمنه، طُولب بالبيّنة؛ لأنّ الأصل عدم الردّ، و هو لم يأتمنه، فلا يُكلّف تصديقه.

مسألة 64: لو طلب المالك الوديعةَ، فقال المستودع: أودعتُها عند وكيلك فلان بإذنك،

فإن أنكر المالك الإذنَ و الوكالةَ صُدّق باليمين إذا لم تكن بيّنة؛ لأنّه منكر.

فإذا حلف نُظر إن كان فلان مُقرّاً بالقبض و الوديعة باقية، رُدّت علي المالك، فإن غاب المدفوع إليه كان للمالك أن يغرم المستودع، فإذا قدم الغائب أخذها المستودع و ردّها علي المالك و استردّ البدل الذي دفعه.

و إن كانت تالفةً، فللمالك أن يغرم مَنْ شاء منهما، و ليس للغارم منهما أن يرجع علي صاحبه؛ لزعمه أنّ المالك ظالم بما أخذ.

و إن أنكر فلان القبضَ الذي ادّعاه المستودع، قُدّم قوله مع اليمين و عدم البيّنة، فحينئذٍ يختصّ الغرم بالمستودع.

و إن اعترف المالك بالإذن و أنكر الدفع إلي فلان، احتُمل تصديقُ المستودع، و كان دعوي الردّ علي وكيل المالك كدعوي الردّ علي المالك

ص: 214


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1065/624:2، بداية المجتهد 310:2، التفريع 270:2، التلقين: 434-435، الذخيرة 145:9، عيون المجالس 1214/1727:4، المعونة 1204:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 411/254:1، الحاوي الكبير 371:8، حلية العلماء 175:5، العزيز شرح الوجيز 318:7-319.
2- إضافة يقتضيها السياق.

- و هو وجهٌ للشافعيّة و قول أبي حنيفة(1) - و تصديقُ المالك في عدم الدفع؛ لأنّ المستودع يدّعي [الردَّ](2) علي مَنْ لم يأتمنه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و لو وافق فلان المدفوع إليه المستودعَ في الدفع و قال: إنّها تلفت في يدي، لم يُقبل قوله علي المالك، بل يحلف و يضمن المستودع.

و لو اعترف المالك بالإذن و الدفع معاً، لكنّه قال: إنّك لم تُشهد عليه، و المدفوع إليه ينكر، كان مبنيّاً علي الخلاف السابق في وجوب الإشهاد علي الإيداع، إن أوجبناه ضمن، و إلّا فلا.

و لو اتّفقوا جميعاً علي الدفع إلي الأمين الثاني و ادّعي الأمين الثاني الردَّ علي المالك أو التلف في يده، كان حكمه حكم المستودع الأوّل من أنّه يُصدَّق باليمين في دعوي التلف، و أمّا في الردّ فإشكال.

هذا فيما إذا عيّن المالك الثاني، فأمّا إذا أمره بأن يودع أميناً و لم يعيّن، فادّعي الثاني التلفَ، صُدّق باليمين.

و إن ادّعي الردَّ علي المالك و أنكر المالك، قُدّم قول المالك باليمين؛ لأنّه يدّعي الردَّ هنا علي غير مَن ائتمنه.

و يحتمل مساواته للمعيَّن؛ لأنّ أمينَ أمينِه أمينُه، كما يقال عند بعض الشافعيّة: وكيلُ وكيلِه وكيلُه(4).5.

ص: 215


1- الحاوي الكبير 372:8، التهذيب - للبغوي - 128:5، البيان 446:6، العزيز شرح الوجيز 320:7، روضة الطالبين 309:7.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 412/254:1، الحاوي الكبير 372:8، التهذيب - للبغوي - 128:5، البيان 446:6، العزيز شرح الوجيز 320:7، روضة الطالبين 309:7.
4- العزيز شرح الوجيز 320:7، روضة الطالبين 310:5.
مسألة 65: إذا أراد المستودع سفراً فأودعها أميناً، فادّعي ذلك الأمين التلفَ، قُبِل قوله مع اليمين.

و لو ادّعي الردَّ علي المالك، لم يُصدَّق إلّا بالبيّنة؛ لأنّه لم يأتمنه.

و إن ادّعي الردَّ علي المستودع، قُبِل قوله مع اليمين؛ لأنّه ادّعي الردَّ علي مَن ائتمنه إن قلنا بتقديم قول المستودع في الردّ.

و لو عاد المستودع الأوّل من سفره، فهل له استعادتها من الثاني ؟ فيه إشكال ينشأ: من أنّه المستودع بالأصالة، و من أنّه بريء من الحفظ المأمور به.

و لا ريب في أنّ للمستودع الاستردادَ من الغاصب.

و لو كان المالك قد عيّن أميناً، فقال للمستودع: إذا سافرتَ فاجعل الوديعةَ عند فلان، ففَعَل ثمّ ادّعي فلان الردَّ علي المالك، صُدّق باليمين إن قدّمنا قول المستودع فيه؛ لأنّه ادّعي [الردَّ] علي مَن ائتمنه.

و إن ادّعي الردَّ علي المستودع الأوّل، لم يُقبل إلّا بالبيّنة.

مسألة 66: إذا مات المالك، وجب علي المستودع ردّ الوديعة إلي ورثته؛ لانتقال ملكها إليهم، فإن أخَّر مع التمكّن من الردّ إليهم كان ضامناً،

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لو لم يجد الوارث، دَفَعها إلي الحاكم؛ لأنّه وليّ الغائب.

و لا فرق بين أن يعلم الورثة بالوديعة أو لا.

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يجب عليه الدفع إلي الورثة أو إلي الحاكم لو لم يعلموا بالوديعة، أمّا إذا علموا بها فلا يجب الدفع إلّا بعد الطلب(2).

ص: 216


1- التهذيب - للبغوي - 126:5، العزيز شرح الوجيز 319:7، روضة الطالبين 307:5-308.
2- العزيز شرح الوجيز 319:7، روضة الطالبين 308:5.

و لا بأس به.

و لو طالبه الوارث، فقال: رددت الوديعةَ إلي المالك، أو تلفت في يدي حال حياته، قُدّم قوله مع اليمين.

أمّا لو قال: رددتُها عليك، فأنكر الوارث، قُدّم قول الوارث مع اليمين قطعاً؛ لأنّه ادّعي الردَّ علي مَنْ لم يأتمنه.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، و الثاني: إنّ القول قول المستودع؛ لأصالة براءة ذمّته(1).

مسألة 67: لو مات المستودع، وجب علي وارثه ردّ الوديعة إلي مالكها،

فلو أخّر الدفع بعد التمكّن من الردّ فتلفت في يده ضمن، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يضمن؛ لأنّه لم يطلب منه(2).

و لو كان المالك غائباً، سلّمها الوارث إلي الحاكم.

فإن اختلفا فادّعي وارث المستودع ردَّ مورّثه علي المالك، أو قال:

تلفت في يده، فالأقرب: تقديم قوله مع اليمين؛ لأصالة براءة ذمّته، و عدم حصولها في يده.

و للشافعيّة وجهان، هذا أصحّهما، و الثاني: إنّه يُطالَب بالبيّنة؛ لأنّ المالك لم يأتمنه حتي يصدّقه(3).

و هو غلط؛ لأنّ الضمان يترتّب علي الاستيلاء و لم يثبت.

أمّا لو قال: أنا رددت عليك، و أنكر المالك؛ فإنّ القول قول المالك.

ص: 217


1- التهذيب - للبغوي - 127:5، العزيز شرح الوجيز 319:7، روضة الطالبين 308:5، و فيها أنّ الوجهين فيما لو ادّعي المستودع تلف الوديعة في يده قبل تمكّنه من الردّ، لا فيما إذا ادّعي الردّ علي الوارث.
2- التهذيب - للبغوي - 126:5، العزيز شرح الوجيز 319:7، روضة الطالبين 308:5.
3- العزيز شرح الوجيز 319:7، روضة الطالبين 308:5.

و لو قال: تلفت في يدي قبل التمكّن، احتُمل تقديمُ قوله؛ لأنّه أمين، و جري مجري الثوب تطيّره الريح إلي داره، و تقديمُ قول المالك؛ لقوله عليه السلام: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي»(1).

و لو قال مَنْ طيَّر الريحُ الثوبَ إلي داره: رددت علي المالك، أو قال الملتقط: رددت علي المالك، لم يُصدَّقا إلّا بالبيّنة.

مسألة 68: لو كان في يد رجلٍ مالٌ، فادّعي رجلان الإيداع،

فقال كلّ واحدٍ منهما: إنّ هذا المال لي وديعة عندك، فإن كذّبهما معاً فالقول قوله مع اليمين، فيحلف لكلّ واحدٍ منهما، و تسقط دعواهما، و يحلف لكلّ واحدٍ منهما أنّها له و ملكه، أو أنّه لا يلزمه تسليمه إليه.

و لو أقرّ به لأحدهما بعينه، حُكم بها للمُقرّ له، و دفع إليه، و يحلف للآخَر، فإذا حلف سقطت دعوي الآخَر، و إن نكل حلف الآخَر، و كان له إلزامه بالمثل إن كان مثليّاً، و إلّا فالقيمة وقت الحلف أو الإقرار؟ إشكال.

و للشافعيّة في إحلاف الآخَر قولان مبنيّان علي أنّ مَنْ أقرّ بعينٍ في يده لزيدٍ ثمّ أقرّ بها لعمرو هل يغرم لعمرو أو لا؟ فإن قلنا: يغرم، حلف، و إن قلنا: لا يغرم، فلا وجه لإحلافه؛ لعدم الفائدة(2).

و علي القول بالإحلاف للآخَر للشافعيّة قولان في يمين المدّعي مع نكول المدّعي عليه.

أحدهما: إنّ ذلك يجري مجري البيّنة.

و الثاني: إنّه يجري مجري الإقرار.

فخرّج أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة في هذا الموضع ثلاثةَ أوجُه:

ص: 218


1- تقدّم تخريجه في الهامش (1) من ص 161.
2- البيان 447:6-448، العزيز شرح الوجيز 321:7، روضة الطالبين 310:5.

أحدها: إنّه يوقف المدّعي بينهما إلي أن يصطلحا؛ لأنّ الإقرار للأوّل قد تقدّم، و قد حصل هنا ما هو أقوي من الإقرار، فاستويا.

و الثاني: إنّه يُقسم بينهما، كما لو أقرّ لهما.

و الثالث - و هو المذهب المشهور عندهم -: إنّه يغرم للثاني، كما لو اعترف له بعد الإقرار الأوّل(1)(2).

و قال بعض الشافعيّة بعبارةٍ أُخري: إذا أقرّ لأحدهما، فهل للآخَر دعوي القيمة ؟ يبني علي الخلاف في الغُرْم لو أقرّ للثاني، إن قلنا: يغرم، فنعم، و إن قلنا: لا، فيبني علي أنّ اليمين بعد النكول كالإقرار أو كالبيّنة ؟ إن قلنا: كالإقرار، لم يدّع القيمة، و إن قلنا: كالبيّنة، فله دعواها، فإن حلف برئ، و إن نكل حلف المدّعي و أخذها، و لا تنزع العين من الأوّل؛ لأنّها و إن كانت كالبيّنة فليست كالبيّنة في حقّ غير المتداعيين(3).

و إن قال: هو لكما، دُفع إليهما معاً، و يكون بمنزلة مالٍ في يد شخصين يتداعيانه، فإن حلف أحدهما قضي له بها، و لا خصومة للآخَر مع المستودع؛ لنكوله، و إن نكلا جُعل بينهما، و كذا لو حلفا، و يكون حكم كلّ واحدٍ منهما في النصف كالحكم في الكلّ في حقّ غير المُقرّ له، و قد تقدّم.

مسألة 69: لو قال: المال لأحدكما و قد نسيتُ عينه، فإن قلنا: إنّ المستودع يضمن بالنسيان، فهو ضامن.

و إن لم نضمّنه بالنسيان نُظر، فإن صدّقاه في النسيان فلا خصومة لهما معه، بل الخصومة بينهما، فإن اصطلحا علي شيءٍ فذاك، و إلّا جُعل المال كأنّه في أيديهما يتداعيانه؛ لأنّ صاحب اليد يقول: إنّ اليد لأحدهما، و ليس

ص: 219


1- الظاهر: «للأوّل».
2- البيان 448:6، العزيز شرح الوجيز 321:7، روضة الطالبين 310:5.
3- العزيز شرح الوجيز 321:7.

أحدهما أولي من الآخَر.

و لبعض الشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه كمالٍ في يد ثالثٍ يتداعاه اثنان؛ لأنّه لم يثبت لأحدهما يدٌ عليه(1).

فإن قلنا بالأوّل فإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً أو حلفا أو نكلا فهو بينهما، و إن أقام أحدهما البيّنةَ أو حلف و نكل صاحبه قُضي له.

و إن قلنا بالثاني لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً، فعلي الخلاف في تعارض البيّنتين، و إن نكلا أو حلفا وُقف المال بينهما.

و سواء قلنا بالوجه الأوّل أو الثاني فإنّ المال يُترك في يد المدّعي عليه إلي أن تنفصل الحكومة بينهما علي أحد قولَي الشافعيّة؛ لأنّه لا بدّ من وضعه عند أمينٍ، و هذا أمين لم تظهر منه خيانة، و الثاني: إنّه يُنزع منه؛ لأنّ مطالبتهما بالردّ تتضمّن عزله(2).

و هذان القولان للشافعيّة فيما إذا طلب أحدهما الانتزاعَ و الآخَر التركَ، فأمّا إن اتّفقا علي أحد الأمرين فإنّ الحاكم يتبع رأيهما(3).

و يمكن أن يكون هذا مبنيّاً علي أنّه يجعل المال كأنّه في يدهما، و إلّا فيتبع الحاكم رأيه.

هذا إذا صدّقاه في النسيان، و إن كذّباه فيه و ادّعي كلّ واحدٍ منهما علمَه بأنّه المالك، و قالا: إنّك تعلم لمَن الوديعة منّا، فالقول قول المستودع مع يمينه، و يحلف؛ لأنّه لو أقرّ بها لأحدهما كانت له، فإذا ادّعي عليه العلم سُمعت دعواه، و يحلف.5.

ص: 220


1- الوسيط 517:4، العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.
2- حلية العلماء 188:5، البيان 448:6-449، العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.
3- العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.

فإن حلف، كفاه يمين واحدة علي نفي العلم - و به قال الشافعي(1) - لأنّ المدّعي شيء واحد، و هو علمه بعين المال، فكفاه يمين واحدة.

و قال أبو حنيفة: يحلف يمينين لكلّ واحدٍ منهما يميناً، كما لو أنكر أنّها لهما(2).

و الفرق: إنّه إذا أنكرهما فقد أنكر دعويين؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي عليه أنّها له، فهنا دعويان، فإذا حلف كان كأنّهما صدّقاه.

و هل للحاكم تحليفه علي نفي العلم إذا لم يدّعه الخصمان ؟ للشافعيّة وجهان(3).

ثمّ إذا حلف المدّعي عليه، فالحكم كما لو صدّقاه في النسيان من أنّه يُقرّ في يده؛ لأنّه لا فائدة في نقله، فإنّه مستودع، و لم تظهر منه خيانة، أو يُنقل عنه؛ لأنّه قد اعترف بأنّه لا حقّ له فيها(4) فيُنقل عنه.

و قال بعضهم: إنّه يُنزع المال منه هنا و إن لم يُنزع هناك؛ لأنّه خائن عندهما بدعوي النسيان(5).

و إن نكل عن اليمين، رُدّت اليمين عليهما، فإن نكلا فإمّا أن نقول:

يُقسم المال بينهما، أو يُوقف حتي يصطلحا علي الخلاف، و إن حلف أحدهما و نكل الآخَر قُضي بها للحالف.5.

ص: 221


1- الوسيط 517:4، حلية العلماء 188:5، التهذيب - للبغوي - 129:5، البيان 449:6، العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.
2- مختصر اختلاف العلماء 1884/192:4، الوسيط 517:4، حلية العلماء 188:5، البيان 449:6، العزيز شرح الوجيز 322:7، المغني 294:7، الشرح الكبير 327:7.
3- العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.
4- أي: في الوديعة. و الظاهر بحسب السياق: «فيه».
5- العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.

و إن حلفا، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: إنّه يُقسم بينهما؛ لأنّه في أيديهما - و هو الأصحّ عند الشافعيّة - كما لو أقرّ بها لهما.

و الثاني: يُوقف حتي يصطلحا - و به قال ابن أبي ليلي - لأنّه لا يعلم المالك منهما(1).

و علي القول بالقسمة فإنّ المستودع يغرم القيمة، و تُقسَم بينهما أيضاً؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أثبت بيمين الردّ جميعَ العين و لم يحصل له سوي نصفها(2).

هذا أشهر ما قاله الشافعيّة فيما إذا نكل المستودع(3).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا(4).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّ المستودع إذا نكل لا تُردّ اليمين عليهما، بل يوقف؛ بناءً علي أنّهما لو حلفا يوقف المال بينهما، فلا معني لعرض اليمين(5).

و إن قلنا بردّ اليمين، فالأقرب: إنّ الحاكم يُقدّم مَنْ رأي تقديمه منهما في الحلف.

و يحتمل القرعة بينهما.

و إذا حلفا و قُسّمت العين بينهما و القيمة، فإن لم ينازع أحدهما الآخَر فلا بحث، و إن نازع و أقام البيّنة علي أنّ جميع العين له سُلّمت إليه، و رُدّت5.

ص: 222


1- الحاوي الكبير 383:8، حلية العلماء 188:5، البيان 449:6، العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5، المغني 295:7، الشرح الكبير 328:7.
2- العزيز شرح الوجيز 322:7، روضة الطالبين 311:5.
3- العزيز شرح الوجيز 322:7-323، روضة الطالبين 311:5. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 323:7، روضة الطالبين 311:5.

القيمة علي المستودع.

و إن لم تكن بيّنة و نكل صاحبه عن اليمين فحلف و استحقّ العين، فيردّ نصفَ القيمة الذي أخذه؛ لأنّه عاد إليه المُبدل، و الناكل لا يردّ ما أخذ؛ لأنّه استحقّه بيمينه علي المستودع، و لم يعد إليه المُبدل، و نكوله كان مع صاحبه، لا مع المستودع.

مسألة 70: لو قال المستودع في الجواب: هذا المال وديعة عندي و لا أدري أ هو لكما أو لأحدكما أو لغيركما،

و ادّعيا عليه العلمَ، كان القولُ قولَه مع اليمين، فإذا حلف علي نفي العلم تُرك في يده إلي أن تقوم بيّنة، و ليس لأحدهما تحليف الآخَر؛ لأنّه لم يثبت لواحدٍ منهما فيه يدٌ و لا استحقاق، بخلاف الصورة الأُولي.

و لو ادّعي عليه اثنان غصبَ مالٍ في يده، كلّ واحدٍ منهما يقول:

غصبتَه منّي، فقال: غصبتُه من أحدكما و لا أعرف عينه، فالقول قوله مع اليمين أيضاً، فعليه أن يحلف لكلّ واحدٍ منهما علي البتّ علي أنّه لم يغصب(1) ، فإذا حلف لأحدهما تعيّن المغصوب للثاني، فلا يحلف له.

مسألة 71: تشتمل علي فروع متبدّدة:

لو تعدّي في الوديعة ثمّ بقيت في يده مدّة، لزمه أُجرة مثلها عن تلك المدّة؛ لأنّه خرج عن الأمانة، و دخل في الخيانة من حين التعدّي، فكان كالغاصب عليه عوض المنافع و إن لم ينتفع.

و لو دخل خاناً فجعل حماره في صحن الخان، و قال للخاني: احفظه كي لا يخرج، و كان الخاني ينظر إليه، فخرج في بعض غفلاته، فالأقرب:

الضمان؛ لأنّه قصّر في الحفظ بالغفلة.

و قال القفّال من الشافعيّة: لا يضمن؛ لأنّه لم يقصّر في الحفظ

ص: 223


1- الظاهر: «لم يغصب منه» أو «لم يغصبه».

المعتاد(1).

و هو ممنوع.

و لو وقع في خزانة المستودع حريق، فبادر إلي نقل الأمتعة و قدّم أمتعته علي الوديعة، فاحترقت الوديعة، لم يضمن، كما لو لم يكن فيها إلّا ودائع فأخذ في نقلها كلّها فاحترق ما تأخّر نقله.

و لو ادّعي ابن مالك الوديعة أنّ أباه قد مات و أنّ المستودع علم بذلك، و طلب الوديعة، فأنكر المستودع، فللولد تحليفه علي نفي العلم، فإن نكل حلف المدّعي.

و لو مات المالك و طلب الوارث الوديعةَ، فامتنع المستودع من الدفع إليه ليتفحّص و يبحث هل في التركة وصيّة ؟ ففي كونه متعدّياً ضامناً إشكال أقربه ذلك.

و لو وجد لقطةً و عرف مالكها و لم يُخبره حتي تلفت، ضمن.

و كذا قيّم الصبي و المسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه و لم يُخبر الحاكم حتي تلف المال، كان ضامناً.

و مَنْ كان قيّماً لصبيٍّ أو مجنونٍ أو سفيهٍ و لم يبع أوراق شجره التي تُقصد بالبيع حتي يمضي وقتها، كان ضامناً، أمّا لو أخّر البيع لتوقّع زيادةٍ لم يضمن.

و كذا قيّم المسجد في أشجاره.

و لو دفع إلي رسوله خاتماً علامةً ليمضي إلي وكيله(2) و يقبض منه شيئاً، و قال: إذا قبضتَه تردّ الخاتمَ علَيَّ، فقبض المأمور بقبضه و لم يردّ الخاتم بل وضعه في حرزه، فالأقرب: الضمان؛ لأنّه قبضه علي أنّه يردّه،ه.

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 323:7، روضة الطالبين 312:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «خاتماً ليمضي إلي وكيله علامةً». و الظاهر ما أثبتناه.

فإذا لم يردّه كان ضامناً.

و يحتمل عدمه؛ لأنّه ليس عليه الردّ و لا مئونته، بل عليه التخلية.

و لو دفع قبالةً إلي غيره وديعةً ففرّط فيها، ضمن قيمة الكاغذ مكتوباً، و لا شيء عليه ممّا في القبالة.

و كذا لو أودع إنساناً وثيقةً و قال: لا تردّها إلي زيدٍ حتي يدفع ديناراً، فردّها قبله، فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغذ و أُجرة الورّاق.

مسألة 72: لو دخل الحمّام فنزع ثيابه و سلّمها إلي الحمّامي، وجب عليه حفظها، فإن فرّط ضمن، و إن لم يفرّط لم يضمن.

و إن لم يسلّم إليه الثياب، لم يضمن، سواء احتفظها أو غفل عنها و لم يراعها و كان مستيقظاً، عند علمائنا؛ لأنّه إنّما أخذ الجُعْل علي الحمّام، و لم يأخذه علي حفظ الثياب، و لم يستودع شيئاً، و صاحبها لم يودعه ثيابه، و خَلْعُه في المسلخ و الحمّامي جالس في مكانه مستيقظاً ليس استيداعاً.

و قد روي من طريق الخاصّة غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام أُتي بصاحب حمّامٍ وُضعت عنده الثياب فضاعت، فلم يُضمّنه، و قال: إنّما هو أمين»(1).

و قال بعض الشافعيّة: إذا سُرقت الثياب و الحمّامي جالس في مكانه مستيقظ، فلا ضمان عليه، فإن نام أو قام من مكانه و لا نائب هناك ضمن و إن لم يستحفظه المالك عليها؛ قضاءً للعادة(2).

و هو خطأ؛ لما تقدّم.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: لا ضمان علي صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب،

ص: 225


1- التهذيب 218:7-954/219.
2- العزيز شرح الوجيز 324:7، روضة الطالبين 313:5.

لأنّه إنّما أخذ الجُعْل علي الحمّام و لم يأخذه علي الثياب»(1).

مسألة 73: لو ادّعي صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده، و ادّعي المالك الإقراض

مسألة 73: لو ادّعي صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده، و ادّعي المالك الإقراض(2) ، قُدّم قول المالك مع اليمين؛

لأنّ المتشبّث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء علي مال الغير، فكان القولُ قولَ المالك.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، و قال الآخَر: إنّما كانت عليك قرضاً، قال: «المال لازم له، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة»(3).

إذا عرفت هذا، فهذا التنازع إنّما تظهر فائدته لو تلف المال، أو كان غائباً لا يعرفان خبره، أو لا يتمكّن من دفعه إلي مالكه، و لو كان باقياً يتمكّن مَنْ هو في يده من تسليمه فلا فائدة فيه.

و لو انعكس الفرض، فادّعي المالكُ الإيداعَ و القابضُ الإقراضَ، قُدّم قول المالك؛ لأنّ المال إن كان باقياً فالأصل استصحاب ملكيّة المالك، و إن كان تالفاً فالأصل براءة ذمّة القابض، و قد وافق المالك الأصل.

مسألة 74: و لا فرق بين الذهب و الفضّة و بين غيرهما من الأموال في هذا الحكم،

و هو عدم الضمان مع عدم التفريط، و ثبوته معه، بخلاف العارية علي ما سيأتي؛ لأنّ الاستئمان لا يستعقب الضمان.

و لما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن وديعة الذهب و الفضّة، قال: فقال: «كلّ ما كان من وديعةٍ و لم تكن

ص: 226


1- التهذيب 869/314:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «الاقتراض».
3- الكافي 8/239:5، التهذيب 788/179:7.

مضمونةً فلا تلزم»(1).

إذا عرفت هذا، فالبضاعة أمانة في يد العامل؛ لأصالة البراءة، و حكمها في عدم الضمان مع عدم التفريط حكم الوديعة؛ للأصل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»(2).

مسألة 75: إذا استودع مالاً و اتّجر به بغير إذن صاحبه،

فإن كانت التجارة بعين المال فالربح للمالك إن أجاز المعاوضات، و إلّا بطلت بأسرها، و إن كانت في الذمّة و نقد مال الوديعة عن دَيْنٍ عليه فالربح للعامل، و عليه ردّ المال.

و قد روي أبو سيار مسمع عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه و حلف لي عليه، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه، فقال لي: إنّ هذا مالك فخُذْه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتُها في مالك، فهي لك مع مالك و اجعلني في حلٍّ، فأخذتُ منه المال و أبيتُ أن آخذ الربح منه و أوقفته المال الذي كنت استودعته و أتيت أستطلع رأيك فما تري ؟ قال: فقال: «خُذْ نصف الربح، و أعطه النصف، و حلِّه، إنّ هذا رجل تائب، و اللّه يُحِبُّ التَّوّابِينَ »(3).

و هذه الرواية محمولة علي الإرشاد علي فعل الأولي بقرينة قوله: «فما تري ؟» و الإمام عليه السلام أرشده إلي المعتاد بين الناس من قسمة ربح التجارة نصفين.

ص: 227


1- الكافي 7/239:5، التهذيب 789/179:7.
2- الكافي 1/238:5، الفقيه 878/193:3، التهذيب 790/179:7.
3- التهذيب 793/180:7.
مسألة 76: مَن استودع من اللّصّ مال السرقة، لم يجز له ردّها عليه،

بل يردّها علي مالكها إن عرفه بعينه، فإن كان قد مات ردّها علي ورثته، و لو لم يعرف مالكها أبقاها في يده أمانةً إلي أن يظهر المالك، فإن لم يمكن معرفته كان بمنزلة اللقطة يُعرّفها سنةً، فإن تعذّر المالك تصدّق بها عنه، و كان عليه ضمانها، و إن شاء حفظها لمالكها؛ لما رواه حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجلٍ من المسلمين أودعه رجلٌ من اللّصوص دراهم أو متاعاً و اللّصّ مسلمٌ هل يردّ عليه ؟ قال: «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه علي صاحبه فَعَل، و إلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيُعرّفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، و إلّا تصدّق بها، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له، و كان الأجر له»(1).

إذا عرفت هذا، فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز، لم يجز للمستودع حبسها، و وجب عليه ردّ الجميع إليه.

و يحتمل عندي ردّ قدر ما يملكه اللّصّ، و احتفاظ الباقي لمالكه.

و القسمة هنا ضروريّة.

و لو خاف من الظالم لو منعها عنه، جاز له ردّها عليه.

مسألة 77: يجب ردّ الوديعة إلي مالكها و إن كان كافراً؛

لقوله تعالي:

«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها» (2) .

و قد روي الفضيل عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن رجلٍ استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة، و الرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر علي أن لا يعطيه شيئاً، و المستودع رجل خبيث خارجيّ شيطان، فلم أدع شيئاً، فقال: «قل له: يردّ عليه، فإنّه ائتمنه عليه بأمانة اللّه» قلت: فرجل

ص: 228


1- التهذيب 180:7-794/181، الاستبصار 440/124:3.
2- النساء: 58.

اشتري من امرأةٍ من بعض العبّاسيّين بعض قطائعهم و كتب عليها كتاباً: قد قبضت المال، و لم تقبضه، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: «يمنعها أشدّ المنع، فإنّما باعته ما لم تملكه»(1).7.

ص: 229


1- التهذيب 795/181:7.

ص: 230

المقصد الثاني: في العارية

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: الماهيّة و الأركان
اشارة

فهنا بحثان:

البحث الأوّل: الماهيّة.
اشارة

العاريّة - بتشديد الياء - عقد شُرّع لإباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال علي جهة التبرّع. و شُدّدت الياء كأنّها منسوبة إلي العار؛ لأنّ طلبها عار، قاله صاحب الصحاح(1).

و قال غيره: منسوبة إلي العارة، و هي مصدر، يقال: أعار يعير إعارةً و عارةً، كما يقال: أجاب إجابةً و جابةً، و أطاق إطاقةً و طاقةً(2).

و قيل: إنّها مأخوذة من «عار يعير» إذا جاء و ذهب، و منه قيل للبطّال:

العيّار؛ لتردّده في بطالته، فسُمّيت عاريةً؛ لتحوّلها من يدٍ إلي يدٍ(3).

و قيل: إنّها مأخوذة من التعاور و الاعتوار، و هو أن يتداول القوم الشيء بينهم(4).

و قال الخطّابي في غريبه: إنّ اللغة العالية: العاريّة، و قد تُخفّف(5).

ص: 231


1- الصحاح 761:2 «عور».
2- كما في «الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي» المطبوع في مقدّمة «الحاوي الكبير»: 300.
3- قاله الأزهري في الزاهر: 300، و راجع العزيز شرح الوجيز 368:5، و المغني و الشرح الكبير 354:5.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 368:5.
5- إصلاح الغلط - للخطّابي -: 46-34/47، و حكاه عن غريبه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 368:5، و النووي في روضة الطالبين 70:4.
مسألة 78: العارية سائغة بالنصّ و الإجماع.

أمّا النصّ: فالكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب: فقوله تعالي:«وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي» (1) و العارية من جملة البرّ.

و قال تعالي:«وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ» (2) قال أبو عبيدة(3): الماعون اسم لكلّ منفعةٍ و عطيّةٍ، و أنشد فيه:

بأجود منه بماعونهإذا ما سماؤهم لا تغم(4)

و روي عن ابن عباس و ابن مسعود أنّهما قالا: الماعون العواريّ(5).

و فسَّر ذلك ابن مسعود فقال: ذلك القِدْر و الدلو و الميزان(6).

و روي عن عليٍّ عليه السلام و [ابن](7) عمر أنّهما قالا: الماعون: الزكاة(8).

و أمّا السنّة: فما رواه العامّة عن أبي أُمامة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال في

ص: 232


1- المائدة: 2.
2- الماعون: 7.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبو عبيد». و ما أثبتناه من المصدر.
4- مجاز القرآن 313:2، و البيت للأعشي، راجع ديوانه: 39/89.
5- جامع البيان 204:30-206، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 437/269:1، المغني و الشرح الكبير 354:5.
6- المحلّي 168:9، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 437/269:1، البيان 450:6، المغني و الشرح الكبير 354:5.
7- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
8- النكت و العيون 352:6، المحرّر الوجيز 371:16، معالم التنزيل 633:5، زاد المسير 246:9، جامع البيان 203:30، التفسير الكبير 115:32، تفسير السمرقندي (بحر العلوم) 518:3، الجامع لأحكام القرآن 213:20، أحكام القرآن - للجصّاص - 475:3، الحاوي الكبير 116:7، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 437/269:1، البيان 450:6.

خطبته عام حجّة الوداع: «العارية مؤدّاة، و المِنْحة مردودة، و الدَّيْن مقضيّ، و الزعيم غارم»(1).

و عن أُميّة بن صفوان(2) أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله استعار منه يوم خيبر(3) أدراعاً(4) ، فقال: أ غصباً يا محمّد؟ قال: «بل عارية مضمونة مؤدّاة»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام، قال:

سمعته يقول: «بعث رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي صفوان بن أُميّة، فاستعار منه سبعين درعاً بأطراقها(6) ، قال: فقال: غصباً يا محمّد؟ فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله:

بل عارية مضمونة»(7).

و عن سلمة عن الصادق عن الباقر عليهما السلام قال: «جاء رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي صفوان بن أُميّة فسأله سلاحاً ثمانين درعاً، فقال له صفوان: عارية مضمونة أو غصباً؟ فقال له رسول اللّه صلي الله عليه و آله: بل عارية مضمونة، فقال:

نعم»(8).7.

ص: 233


1- سنن أبي داوُد 296:3-3565/297، سنن الترمذي 2120/433:4، سنن الدارقطني 166/41:3، سنن سعيد بن منصور 125:1-427/126، مسند أحمد 21791/358:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 14796/181:8، و 48:9-16308/49، المعجم الكبير - للطبراني - 159:8-7615/160.
2- في المصادر زيادة: «عن أبيه».
3- فيما عدا مسند أحمد من المصادر: «حنين» بدل «خيبر».
4- في «ث، خ، ر»: «أدرعاً» و كذا في بعض المصادر.
5- البيان 451:6، و في مسند أحمد 14878/400:4، و سنن أبي داوُد 3562/296:3، و سنن البيهقي 89:6، و المستدرك - للحاكم - 47:2 بدون كلمة «مؤدّاة».
6- واحدتها: الطراق، و هي البيضة التي توضع علي الرأس. القاموس المحيط 257:3 «طرق».
7- الكافي 10/240:5، التهذيب 803/183:7.
8- التهذيب 802/182:7.

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها و الترغيب فيها، و لأنّه لمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع، و لذلك صحّت الوصيّة بالأعيان و المنافع جميعاً.

مسألة 79: العارية مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها؛

لأنّ اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته(1) يدلّ علي شدّة الحثّ عليها و التزهيد في منعها و الترغيب في فعلها، و لأنّها من البرّ و قد أمر اللّه تعالي بالمعاونة فيه(2).

و ليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم(3) ؛ للأصل.

و لقول النبيّ صلي الله عليه و آله: «إذا أدّيتَ زكاة مالك فقد قضيتَ ما عليك»(4).

و قال عليه السلام: «ليس في المال حقٌّ سوي الزكاة»(5).

و سأله الأعرابي فقال له: ما ذا افترض اللّه علَيَّ من الصدقة ؟ قال:

«الزكاة» قال: هل علَيَّ غيرها؟ قال: «لا، إلّا أن تتطوّع»(6).

و قيل: إنّها واجبة؛ للآية(7) ، و لما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «ما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي حقّها» الحديث، قيل: يا رسول اللّه و ما حقّها؟ قال: «إعارة دلوها، و إطراق فحلها، و منحة لبنها يوم وردها»(8)

ص: 234


1- الماعون: 6 و 7.
2- المائدة: 2.
3- المغني و الشرح الكبير 354:5.
4- سنن ابن ماجة 1788/570:1، سنن الترمذي 618/14:3.
5- سنن ابن ماجة 1789/570:1.
6- صحيح البخاري 18:1، و 235:3، صحيح مسلم 11/41:1، سنن أبي داوُد 391/106:1، سنن النسائي 227:1-228، سنن البيهقي 361:1، المغني و الشرح الكبير 355:5.
7- الماعون: 7.
8- المغني و الشرح الكبير 354:5.

فذمّ اللّه تعالي مانعَ العارية، و توعّده رسول اللّه صلي الله عليه و آله بما ذكره في خبره(1).

و الجواب: المراد زيادة الترغيب، علي أنّ قول عليٍّ عليه السلام حجّة في تفسيره الماعونَ بالزكاة(2) ، و لا ريب في وجوبها.

و لو حملناها علي العارية، فالتوعّد إنّما وقع علي الثلاث، قال عكرمة: إذا جمع ثلاثتها فله الويل: إذا سها عن الصلاة، و راءي، و منع الماعون(3).

البحث الثاني: في الأركان.
اشارة

و هي أربعة:

الركن الأوّل: المُعير.
اشارة

و له شرطان: ملكيّة المنفعة، و أهليّة التصرّف التبرّعيّة، فلا تصحّ إعارة الغاصب للعين؛ لأنّه منهيّ عن التصرّف في الغصب، و الإعارة تصرّف.

و لا فرق بين أن يكون غاصباً للعين أو للمنفعة في أنّه يحرم عليه إعارتها، و لا يباح للمُستعير التصرّف، فإن علم و تصرّف كان مأثوماً ضامناً للعين و المنفعة بلا خلاف.

و لا يشترط ملكيّة العين في المُعير، بل ملكيّة المنفعة، فلو استأجر عيناً جاز له أن يعيرها لغيره، إلّا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه، فيحرم عليه حينئذٍ الإعارة، و لو لم يشرطه جاز؛ لأنّه مالك للمنفعة، و لهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة.

ص: 235


1- كما في المغني و الشرح الكبير 354:5.
2- راجع الهامش (8) من ص 232.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 437/269:1، الوسيط - للواحدي - 559:4، المغني و الشرح الكبير 355:5.

و كذا الموصي له بخدمة العبد و سكني الدار يجوز لهما أن يعيراهما.

مسألة 80: و ليس للمُستعير أن يعير

- و به قال أحمد بن حنبل و الشافعيّة في أصحّ الوجهين(1) - لأنّ الأصل عصمة مال الغير و صيانته عن التصرّف، فلا يباح للمُستعير الثاني إلّا بدليلٍ و لم يثبت، و لأنّه غير مالكٍ للمنفعة، و لهذا لا يجوز له أن يؤجّر، و إنّما أُبيح له الانتفاع، و المستبيح لا يملك نقل الإباحة إلي غيره، كالضيف الذي أُبيح له الطعام ليس له أن يُبيحه لغيره.

و قال أبو حنيفة: يجوز للمُستعير أن يعير - و هو الوجه الآخَر للشافعيّة - لأنّه تجوز إجارة المستأجر للعين، فكذا يجوز للمُستعير أن يعير؛ لأنّه تمليك علي حسب ما مَلَك(2).

و الفرق: إنّ المستأجر مَلَك بعقد الإجارة الانتفاعَ علي كلّ وجهٍ، فلهذا مَلَك أن يملكها، و أمّا في العارية فإنّه مَلَك المنفعة علي وجه ما أُذن له، فلا يستوفيه بغيره، فافترقا.

ص: 236


1- الكافي في فقه الإمام أحمد 214:2، المغني 361:5-362، الشرح الكبير 368:5، الحاوي الكبير 127:7، التنبيه: 113، المهذّب - للشيرازي - 371:1، بحر المذهب 12:9، الوجيز 203:1، الوسيط 367:3، حلية العلماء 195:5، التهذيب - للبغوي - 281:4، البيان 461:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 18:2، العزيز شرح الوجيز 370:5، روضة الطالبين 71:4، الهداية - للمرغيناني - 221:3.
2- بدائع الصنائع 215:6، الهداية - للمرغيناني - 221:3، الاختيار لتعليل المختار 80:3، الحاوي الكبير 127:7، التنبيه: 113، المهذّب - للشيرازي - 371:1، بحر المذهب 12:9، الوجيز 203:1، الوسيط 367:3، حلية العلماء 195:5، التهذيب - للبغوي - 281:4، البيان 461:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 18:2، العزيز شرح الوجيز 370:5، روضة الطالبين 71:4، المغني 362:5، الشرح الكبير 368:5-369.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز للمُستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه و بوكيله، و لا يكون ذلك إعارةً للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه.

مسألة 81: و شرطنا في المُعير جواز التصرّف، فلا بدّ و أن يكون بالغاً عاقلاً جائز التصرّف،

فلا تصحّ عارية الصبي؛ لأنّه ممنوع من التصرّفات التي من جملتها الإعارة، و لا عارية المجنون، و لا المحجور عليه للسفه أو الفلس؛ لأنّ هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرّعات، و الإعارة تبرّع.

و كذا ليس للمُحْرم إعارة الصيد؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه، بل و ليس مالكاً له عند الأكثر.

و لو أسلم عبد الكافر تحت يده، وجب بيعه من المسلمين، فيجوز للكافر إعارته للمسلم مدّة المساومة.

و كذا لو ورث أو مَلَك - إن قلنا بصحّة البيع - مصحفاً.

الركن الثاني: المُستعير.
اشارة

و شرطه أن يكون معيّناً أهلاً للتبرّع عليه بعقدٍ يشتمل علي إيجابٍ و قبولٍ، فلو أعار أحد هذين، أو أحد هؤلاء، لم يصح؛ لعدم التعيين، و كلّ واحدٍ لا يتعيّن للإعارة؛ لصلاحيّة الآخَر لها، و استباحة منافع الغير لا تكون إلّا بوجهٍ شرعيّ؛ لأنّ الأصل تحريم منافع الغير علي غيره إلّا بإذنه، و لم يثبت.

و لو عمّم المُستعير، جاز، سواء كان التعميم في عددٍ محصور، كقوله: أعرتُ هذا الكتاب لهؤلاء العشرة، أو في عددٍ غير محصورٍ، كقوله:

لكلّ الناس، و لأيّ أحدٍ من أشخاص الناس، أو: لمن دخل الدار.

و بالجملة، الكلّيّ معيّن و إن لم يكن عامّاً ك «أيّ رجل» و «أيّ داخل».

و «أحد الشخصين» مجهول.

ص: 237

مسألة 82: شرطنا أن يكون أهلاً للتبرّع عليه؛

لأنّ من الأعيان ما لا يجوز لبعض الأشخاص الانتفاع بها، فلا تجوز إعارتها لهم، و ذلك مثل الكافر يستعير عبداً مسلماً، أو أمةً مسلمةً علي إشكالٍ ينشأ: من جواز إعارتهم، و من السلطنة عليهم و التسلّط و إثبات السبيل، و قد نفاه اللّه تعالي بقوله:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (1) بخلاف استئجاره الذي هو في مقابلة عوضٍ.

و الأقرب: الكراهة.

و كذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم و غيره؛ تكرمةً للكتاب العزيز، و صيانةً عمّن لا يري له حرمةً.

و أمّا استعارة أحاديث النبيّ صلي الله عليه و آله و أحاديث أهل بيته الأئمّة المعصومين عليهم السلام فإنّها مبنيّة علي جواز شرائهم لها، فإن منعناه منعنا من الإعارة، و إلّا فلا.

مسألة 83: لا يحلّ للمُحْرم استعارة الصيد من المُحْرم،

و لا من المُحلّ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه، فلو استعاره وجب عليه إرساله، و ضمن للمالك قيمته. و لو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه المُحلّ، و بالجزاء للّه تعالي، بل يضمنه بمجرّد الإمساك و إن لم يشترط صاحبه الضمان عليه، فلو دفعه إلي صاحبه برئ منه، و ضمن للّه تعالي.

و لو استعار المُحْرم صيداً من مُحْرمٍ، وجب علي كلّ واحدٍ منهما الفداء لو تلف.

و لو كان الصيد في يد مُحْرمٍ فاستعاره المُحلّ، فإن قلنا: المُحْرم يزول ملكه عن الصيد، فلا قيمة له علي المُحلّ؛ لأنّه أعاره ما ليس ملكاً

ص: 238


1- النساء: 141.

له، و علي المُحْرم الجزاء لو تلف في يد المُحلّ؛ لتعدّيه بالإعارة، فإنّه كان يجب عليه الإرسال.

و إن قلنا: لا يزول، صحّت الإعارة، و علي المُحلّ القيمة لو تلف الصيد عنده.

و لو تلف الصيد عند المُحلّ المُستعير من المُحْرم، لم يضمنه المُحلّ؛ لزوال ملك المُحْرم عنه بالإحرام، و علي المُحْرم الضمان؛ لأنّه تعدّي بالإعارة لما يجب إرساله.

مسألة 84: المُستعير هو المنتفع قوّةً أو فعلاً بالعين المستحقّة للغير بإذنٍ منه بغير عوضٍ.

و قال بعض الشافعيّة: المُستعير كلّ طالبٍ أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاقٍ(1).

و زاد بعضهم، فقال: من غير استحقاقٍ و تملّكٍ(2).

و قصد بهذه الزيادة الاحترازَ عن المستقرض، و قصد بنفي الاستحقاق الاحترازَ عن المستأجر.

و اعتُرض عليه بوجهين:

الأوّل: ينتقض بالمستام و الغاصب.

الثاني: التعرّض لكونه طالباً غير جيّدٍ؛ للاستغناء عنه، إذ لا فرق بين أن يلتمس المُستعير العارية، و بين أن يبتدئ المُعير بها، و لا تجوز الزيادة في الحدود(3).

ص: 239


1- الغزالي في الوجيز 204:1، و الوسيط 371:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 379:5.
3- العزيز شرح الوجيز 379:5.
الركن الثالث: المستعار.
اشارة

و له شرطان: كونه منتفعاً به مع بقاء عينه، و إباحة المنفعة، فكلّ ما ينتفع به انتفاعاً محلّلاً مع بقاء عينه تصحّ إعارته، كالعقارات و الدوابّ و العبيد و الثياب و الأقمشة و الأمتعة و الصُّفْر و الحُليّ و الفحل للضراب و الكلب للصيد و الحفظ و أشباه ذلك بلا خلاف؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله استعار أدراعاً(1).

أمّا ما لا ينتفع به إلّا بإتلافه كالأطعمة و الأشربة فلا تجوز إعارتها؛ لأنّ المنفعة المطلوبة منها إنّما تحصل في إتلافها، و الإباحة لم تقع علي الإتلاف.

و تجوز إعارة جميع أصناف الحيوان المنتفع بها، كالآدمي و البهائم علي ما تقدّم؛ لأنّ منفعة الحيوان تجوز إجارتها فجاز إعارتها، و الإعارة أوسع من الإجارة؛ لأنّه تجوز إعارة الفحل للضراب، و مَنَع كثيرٌ من إجارته لذلك(2).

و الكلب تجوز إعارته، و لا تجوز إجارته علي أحد وجهي الشافعيّة(3).

ص: 240


1- راجع الهوامش (5 و 7 و 8) من ص 233.
2- الحاوي الكبير 117:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 12:9، الوجيز 231:1، الوسيط 158:4، حلية العلماء 385:5، البيان 250:7، العزيز شرح الوجيز 101:4، و 92:6، روضة الطالبين 62:3، و 254:4، مختصر اختلاف العلماء 1782/102:4، بدائع الصنائع 175:4، المغني 148:6، الشرح الكبير 44:6.
3- الحاوي الكبير 117:7 و 411، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 12:9، الوجيز 230:1، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5، التهذيب - للبغوي - 425:4، البيان 249:7، العزيز شرح الوجيز 90:6، روضة الطالبين 253:4، المغني 325:4.
مسألة 85: تجوز إعارة الغنم للانتفاع بلبنها و صوفها، و هي المِنْحة،

و ذلك لاقتضاء الحكمة إباحته؛ لأنّ الحاجة قد تدعو إلي ذلك، و الضرورة تبيح مثل هذه الأعيان، كما في استئجار الظئر.

و قد روي العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «المِنْحة مردودة»(1) و المِنْحة هي: الشاة.

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمناً شيئاً معلوماً أو دراهم معلومة من كلّ شاة كذا و كذا، قال: «لا بأس بالدراهم، و لستُ أُحبّ أن يكون بالسمن»(2).

و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان أنّه سأل الصادقَ عليه السلام عن رجلٍ دفع إلي رجلٍ غنمه للسمن و دراهم معلومة لكلّ شاة كذا و كذا في كلّ شهرٍ، قال: «لا بأس بالدراهم، فأمّا السمن فلا أُحبّ ذلك، إلّا أن تكون حوالب فلا بأس»(3) و إذا جاز ذلك مع العوض فبدونه أولي.

و اختلفت الشافعيّة علي قولين:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني: المنع، كما لا تجوز إجارتها(4).

و الفرق: إنّ الإجارة لا تستباح بها الأعيان.

ص: 241


1- تقدّم تخريجه في ص 233، الهامش (1).
2- الكافي 1/223:5، التهذيب 554/127:7، الاستبصار 359/103:3.
3- الكافي 4/224:5، التهذيب 556/127:7، الاستبصار 362/103:3.
4- حلية العلماء 207:5، البيان 452:6.

و كذا في الشجر.

قال بعض الشافعيّة: إذا دفع شاةً إلي رجلٍ و قال: ملّكتُك دَرَّها و نسلها، فهي هبة فاسدة، و ما حصل في يده من الدّرّ و النسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة، و الشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة.

و لو قال: أبحتُ لك دَرَّها و نسلها، فهو كما لو قال: ملّكتُك، علي أحد الوجهين. و الثاني: إنّه(1) إباحة صحيحة، و الشاة عارية صحيحة. و علي هذا فقد تكون العارية لاستفادة عينٍ، و ليس من شرطها أن يكون المقصود مجرّد المنفعة، بخلاف الإجارة.

و لو قال: ملّكتُك درَّها، أو: أبحتُك علي أن تعلفها، فقد جعل العلف أُجرة الشاة و ثمن الدّرّ و النسل، فالشاة غير مضمونةٍ؛ لأنّها مقبوضة بإجارةٍ فاسدة، و الدَّرّ و النسل مضمون عليه بالشراء الفاسد.

و كذا لو دفع فلساً إلي سقّاء و أخذ الكوز ليشرب فسقط من يده و انكسر، ضمن الماء؛ لأنّه مأخوذ بالشراء الفاسد، و لا يضمن الكوز؛ لأنّه في يده بإجارةٍ فاسدة، و إن أخذه مجّاناً فالكوز عارية، و الماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة(2).

مسألة 86: تجوز إعارة الدراهم و الدنانير

- و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لأنّ لها منفعةً حكميّةً تُفرض مطلوبةً للعقلاء، فجاز التوصّل إليها بالإعارة و الاستعارة، من التزيّن بها، و جذب قلوب الراغبين إلي معاملته و إقراضه، و ذلك فائدة عظيمة.

ص: 242


1- الظاهر: «إنّها».
2- التهذيب - للبغوي - 286:4-287، العزيز شرح الوجيز 373:5، روضة الطالبين 74:4-75.
3- الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 451:6، العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.

و أيضاً فقد يرغب إلي أن يطبع مثلها، و يجوز رهنها، و الإجارة للارتهان سائغة، فوجب أن تشرع إعارتها.

و أصحّ الوجهين عند الشافعيّة: المنع؛ لأنّ هذه منفعة ضعيفة قلّما تُقصد، و معظم منفعتها في الإنفاق و الإخراج(1).

قال الجويني: و ما ذكر من المنفعة في الدراهم و الدنانير يجري في استعارة الحنطة و الشعير و ما في معناهما(2).

و يبطل ما ذكروه بما إذا صرّح في الإعارة بالمنفعة الضعيفة بأن استعارها للتزيّن بها، فقد جعل هذه المنفعة مقصداً و إن ضعفت.

مسألة 87: إذا استعار الدراهم و الدنانير، كانت مضمونةً عليه،

سواء شرط المالك ضمانها عليه أو لا، و إن كانت العارية في غيرهما غير مضمونةٍ علي ما سيأتي.

و العامّة أوجبوا الضمان في جميع العواريّ(3).

و للشافعيّة وجهٌ في أنّ عارية الدراهم و الدنانير خاصّةً غير مضمونةٍ و إن قالوا بالضمان في البواقي(4).

لما رواه ابن مسكان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال:

ص: 243


1- الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 451:6، العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.
2- العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.
3- الأُم 244:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 441/271:1، الحاوي الكبير 118:7، المهذّب - للشيرازي - 370:1، بحر المذهب 6:9، الوجيز 204:1، الوسيط 369:3-370، حلية العلماء 189:5، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 454:6، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 76:4، بداية المجتهد 313:2، مختصر اختلاف العلماء 1876/185:4، المغني 355:5.
4- العزيز شرح الوجيز 372:5، روضة الطالبين 72:4.

«لا تُضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمان»(1).

و في الحسن عن زرارة عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: العارية مضمونة ؟ قال: فقال: «جميع ما استعرته فتَوي(2) فلا يلزمك تَواه إلّا الذهب و الفضّة فإنّهما يلزمان، إلّا أن يشترط أنّه متي تَوي لم يلزمك تَواه، و كذلك جميع ما استعرت و اشترط عليك لزمك، و الذهب و الفضّة لازمان لك و إن لم يشترط عليك»(3).

و لأنّ المنفعة فيهما ضعيفة لا يعتد بها في نظر الشرع، و النفع المقصود بالذات فيهما الإنفاق، فكانت مضمونةً؛ عملاً بالغاية الذاتيّة.

احتجّ القائل بعدم ضمانها: بأنّ العارية - سواء صحّت أو فسدت - تعتمد منفعة معتبرة، فإذا لم توجد فما جري بينهما ليس بعاريةٍ، لا أنّه عارية فاسدة، و مَنْ قبض مال الغير بإذنه لا لمنفعةٍ كان أمانةً(4).

احتجّ الآخَرون: بأنّ العارية الصحيحة مضمونة، فكذا الفاسدة؛ لأنّ كلّ عقدٍ يُضمن صحيحه يُضمن فاسده، و عارية الدراهم و الدنانير فاسدة(5).

مسألة 88: و لا بدّ و أن تكون المنفعة مباحةً؛

لتحريم الإعانة علي المحرَّم، فلو استعار آنية الذهب و الفضّة للأكل و الشرب، لم يجز.

و لو استعار كلباً للصيد لهواً و بطراً لم يجز، و إن كان للقوت أو التجارة جاز.

و كذا تجوز إعارة كلب الماشية و الحائط و الزرع؛ لإباحة هذه المنافع

ص: 244


1- التهذيب 804/183:7.
2- راجع الهامش (1) من ص 39.
3- الكافي 238:5 (باب ضمان العارية و الوديعة) ح 3، التهذيب 806/183:7.
4- العزيز شرح الوجيز 372:5، روضة الطالبين 72:4.
5- العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.

منها.

و كلّ عينٍ يُفرض لها منفعة مباحة و محرَّمة فإنّه تجوز إعارتها لاستيفاء المنفعة المباحة دون المحرَّمة، فإن استعارها لاستيفاء المحرَّمة، لم تصح الإعارة، و لا يستباح بها المنفعة المحلَّلة، و الإطلاق ينصرف إلي المباح منها.

و لو لم يُفرض لها منفعة مباحة محلَّلة البتّة، حرم استعارتها.

مسألة 89: لا تجوز استعارة الجواري للاستمتاع علي الأشهر؛

لعموم قوله تعالي:«وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (1) و البُضْع لا يستباح إلّا بأحد الأسباب الآتية: الزوجيّة، و الملك، و الإباحة بلفظها أو بلفظ التحليل، دون العارية و التمليك و شبهه.

و تجوز استعارتها للخدمة، سواء كان المُستعير رجلاً أو امرأةً، و سواء كانت الجارية شابّةً أو عجوزاً، و سواء كانت قبيحةَ المنظر أو حسنته، لكن تشتدّ كراهيّة إعارة الشابّة لمَن لا يوثق به.

و مَنَعه الشافعيّة؛ خوفَ الفتنة(2).

و لو أعارها من المَحْرم أو كانت صغيرةً لا تُشتهي أو قبيحةَ المنظر كذلك أو كبيرةً كذلك، فلا كراهيّة.

و للشافعية وجهان: أحدهما: التحريم، و الثاني: الكراهيّة(3).

و تكره استعارة أحد الأبوين للخدمة؛ لأنّ استخدامهما مكروه؛ لمنافاة التعظيم لهما و التوقير.

و تستحبّ استعارتهما للترفّه.

ص: 245


1- المعارج: 29 و 30.
2- المهذّب - للشيرازي - 370:1، الوسيط 368:3، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 452:6، العزيز شرح الوجيز 372:5، روضة الطالبين 73:4.
3- التهذيب - للبغوي - 280:4، العزيز شرح الوجيز 372:5، روضة الطالبين 73:4.
مسألة 90: لا يشترط تعيين العين المُستعارة عند الإعارة،

فلو قال:

أعرني دابّتك أو دابّةً، فقال: ادخل الاصطبل فخُذْ ما شئت، صحّت العارية، بخلاف الإجارة؛ لأنّ فيها عوضاً، فلا يدخلها الغرر الذي لا يحتمل في المعاوضة.

الركن الرابع: الصيغة.
مسألة 91: لمّا كان الأصل في الأموال العصمة، لم يُبَحْ شيء منها علي غير مالكها،

إلّا بالرضا منه، و لمّا كان الرضا من الأُمور الباطنة الخفيّة تعذّر التوصّل إليه قطعاً، فاكتفي فيه بالظنّ المستفاد من العبارات و الألفاظ و ما يقوم مقامها.

و لا يختصّ لفظٌ بعينه، بل المعتد به في هذا الباب كلّ لفظٍ يدلّ علي الإذن في الانتفاع بالعين مع بقائها مطلقاً أو مدّة معيّنة، كقوله: أعرتُك، أو أذنتُ لك في الانتفاع به، أو انتفع به، أو خُذْه لتنتفع به، و ما أشبه ذلك.

و لا يشترط القبول نطقاً، فلو قال: أعرتُك، جاز له الانتفاع به و إن لم يتلفّظ بالقبول؛ لأنّه عقد ضعيف، لأنّه يثمر إباحة الانتفاع، و هي قد تحصل بغير عقدٍ، كما لو حسن ظنّه بصديقه، كفي في الانتفاع عن العقد، و كما في الضيف، بخلاف العقود اللازمة، فإنّها موقوفة علي ألفاظٍ خاصّة اعتبرها الشرع.

مسألة 92: و الأقرب عندي: إنّه لا تفتقر العارية إلي لفظٍ،

بل تكفي قرينة الإذن بالانتفاع من غير لفظٍ دالٍّ علي الإعارة أو الاستعارة، لا من طرف المُعير و لا من طرف المُستعير، كما لو رآه عارياً فدفع إليه قميصاً فلبسه، تمّت العارية.

ص: 246

و كذا لو فرش لضيفه فراشاً أو بساطاً أو مصلّيً أو حصيراً أو ألقي إليه وسادة فجلس عليها أو مخدّةً فاتّكأ عليها، كان ذلك إعارةً، بخلاف ما لو دخل فجلس علي الفرش المبسوطة؛ لأنّه لم يقصد بها انتفاع شخصٍ بعينه - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - قضاءً بالظاهر، و قد قال عليه السلام: «نحن نقضي بالظاهر»(2).

و قال بعضهم: يعتبر اللفظ من جهة المُعير، و لا يعتبر من جهة المُستعير، و إنّما يعتبر منه القبول إمّا باللفظ أو بالفعل(3).

و قال بعضهم: لا بدّ من اللفظ من أحد الطرفين، و لا يشترط أحدهما عيناً، بل إمّا لفظ المُعير أو المُستعير، و فعل الآخَر، فلو قال المالك:

أعرتُك، أو: انتفع به، إلي غير ذلك من الألفاظ، فأخذه المُستعير، تمّت العارية. و لو قال المُستعير: أعرني، فسلّمه المالك إليه، صحّت العارية، و كان كما لو قال: خُذْه لتنتفع به، و أخذه؛ تشبيهاً للإعارة بإباحة الطعام(4).

و الأقرب: ما تقدّم.

و قد جرت العادة بالانتفاع بظرف الهديّة المبعوثة إليه و استعماله، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها، فإنّه يكون عاريةً؛ لأنّه منتفع بملك الغير بإذنه و إن لم يوجد لفظٌ يدلّ عليها، بل شاهد الحال.

مسألة 93: لو قال: أعرتُك حماري لتعيرني فرسك، فهي إجارة فاسدة،

و علي كلّ واحدٍ منهما أُجرة مثل دابّة الآخَر، و كذا لو أعاره شيئاً

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 374:5، روضة الطالبين 75:4.
2- المحصول 447:2، الإحكام في أُصول الأحكام 306:2.
3- الوسيط 369:3، العزيز شرح الوجيز 374:5، روضة الطالبين 75:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 370:1، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 454:6، العزيز شرح الوجيز 374:5، روضة الطالبين 75:4.

بعوضٍ مجهول، كما لو أعاره دابّته ليعلفها، أو داره ليطيّن سطحها، و كذا لو كان العوض معلوماً و لكن مدّة [الإعارة](1) مجهولة، كما لو قال: أعرتُك داري بعشرة دراهم، أو لتعيرني ثوبك شهراً، هكذا قاله بعض الشافعيّة(2).

و ليس بجيّدٍ، بل هي عارية مشروط فيها استعارة أو نفع مجهول، فتكون الأُولي صحيحةً له الانتفاع إذا فعل الشرط، و الثانية له الانتفاع بالإذن، و لا تضرّ الجهالة في العوض و لا في المدّة؛ لكونها من العقود الجائزة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها عارية فاسدة، فتكون مضمونةً عليه؛ بناءً منهم علي أنّ العارية الصحيحة مضمونة؛ نظراً إلي اللفظ، و علي القول بأنّها إجارة فاسدة لا تكون مضمونةً(3).

و لو بيّن مدّة الإعارة و ذكر عوضاً معلوماً، فقال: أعرتُك هذه الدار شهراً من اليوم بعشرة دراهم، أو لتعيرني ثوبك شهراً من اليوم، ففي كونه إجارةً صحيحةً أو إعارةً فاسدةً للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ النظر إلي اللفظ أو المعني ؟(4).

و لو دفع دراهم إلي رجلٍ و قال: اجلس علي هذا الحانوت و اتّجر عليها لنفسك، أو دفع إليه بذراً و قال: ازرع به هذه الأرض، فهو مُعير للحانوت و الأرض.

و أمّا الدراهم و البذر فإن كان قد قَبِلهما علي سبيل الهبة حُكم بها، و إلّا فهو قرض.4.

ص: 248


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الإجارة». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 374:5-375، روضة الطالبين 76:4. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 375:5، روضة الطالبين 76:4.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: إنّه قرض، و الثاني: إنّه هبة(1).

مسألة 94: إذا قال: أعرتُك فرسي لتعيرني حمارك، فقد بيّنّا أنّها عارية للفرس

بشرط أن يعيره المُستعير، لكن لا يجب علي المُستعير للفرس إعارة حماره؛ لأصالة عدم الوجوب، فإن أعاره إيّاه استباح منفعة الفرس، و إن لم يُعِرْه لم يُبَحْ له الانتفاع، فإن انتفع به كان عليه الأُجرة؛ إذ الإذن في الانتفاع لم يقع مطلقاً، بل مع سلامة نفع الحمار، فإذا لم يسلم كان له المطالبة بالعوض.

ص: 249


1- العزيز شرح الوجيز 375:5، روضة الطالبين 76:4.

ص: 250

الفصل الثاني: في الأحكام
اشارة

و مباحثه ثلاثة:

المبحث الأوّل: في التسلّط و الرجوع.
مسألة 95: العارية عقد جائز من الطرفين بالإجماع

لكلٍّ منهما فسخه، فللمالك الرجوعُ فيه متي شاء، و كذا للمُستعير الردُّ متي أراد؛ لأنّ العارية تبرّع و تفضّل بالمنفعة، فلا يناسب الإلزام فيما يتعلّق بالمستقبل.

و ليس للمالك المطالبةُ بعوضٍ عن المنفعة التي استوفاها المُستعير قبل علم الرجوع.

و لو رجع قبل أن يعلم المُستعير، فالأقرب: إنّه كذلك لا عوض له.

و لو رجع و علم المُستعير برجوعه ثمّ استعمل، فهو غاصب عليه الأُجرة، إلّا إذا أعار لدفن ميّتٍ مسلمٍ ثمّ رجع بعد الدفن، لم يصح رجوعه، و لا قلع الميّت و لا نبش القبر، إلّا أن يندرس أثر الميّت؛ لما فيه من هتك حرمة الميّت، و لا نعلم فيه خلافاً.

أمّا لو رجع قبل الحفر أو بعده قبل وضع الميّت، فإنّه يصحّ رجوعه، و يحرم دفنه فيه.

و لو رجع بعد وضع الميّت في القبر و قبل أن يواريه في التراب، فالأقرب: إنّ له الرجوعَ أيضاً، و مئونة الحفر إذا رجع بعد الحفر و قبل الدفن لازمة لوليّ الميّت، و لا يلزم وليّ الميّت الطمّ؛ لأنّ الحفر مأذون فيه.

مسألة 96: لو نبتت في القبر شجرة، كان لمالك الأرض سقيها،

إلّا أن يفضي السقي إلي ظهور شيءٍ من الميّت فيحرم؛ لأنّه نبشٌ في الحقيقة.

و اعلم أنّ الدفن من جملة منافع الأرض، كالبناء و الغراس، فإذا أطلق

ص: 251

إعارة الأرض لم يكن له الدفن فيها؛ لأنّ مثل هذه المنفعة لا يكفي فيها إطلاق الإعارة، بل يجب ذكرها بالنصوصيّة، بخلاف سائر المنافع؛ لأنّ هذه المنفعة تقتضي تسلّط المُستعير علي المُعير بما فيه ضرر لازم، و لو قدّر تسليطه عليه كان ذلك ذريعةً إلي إلزام إعارة الأرضين.

مسألة 97: لا تخلو العين التي تعلّقت بها العارية إمّا أن تكون جهة الانتفاع فيها واحدةً أو أكثر.

فإن كانت واحدةً لا ينتفع بالمُستعار به إلّا بجهةٍ واحدة، كالدراهم و الدنانير التي لا ينتفع بها إلّا بالتزيّن، و البساط الذي لا ينتفع به إلّا في فرشه، و الخيمة التي لا منفعة لها إلّا الاكتنان، و الدار التي لا منفعة فيها إلّا السكني، و مثل هذا لا يجب التعرّض للمنفعة، و لا ذكر وجه الانتفاع بها؛ لعدم الاحتياج إليه؛ إذ المقتضي للتعيين في اللفظ حصر أسباب الانتفاع، و هو في نفسه محصور، فلا حاجة له إلي مائزٍ لفظيّ.

و إن تعدّدت الجهات التي يحصل بها الانتفاع - كالأرض التي تصلح للزراعة و الغرس و البناء، و الدابّة التي تصلح للحمل و الركوب - فلا يخلو إمّا أن يعمّم الإذن، أو يخصّصه بوجهٍ واحد أو أزيد، أو يطلق.

فإن عمّم، جاز له الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات المباحة المتعلّقة بتلك العين - كما لو أعاره الأرض لينتفع بها في الزرع و الغرس و البناء و غير ذلك - بلا خلاف.

و إن خصّص الوجه كأن يعيره الأرض للزرع أو البناء أو الغرس، اختصّ التحليل بما خصّصه المُعير، و بما ساواه أو قصر عنه في الضرر ما لم ينصّ علي التخصيص، و يُمنع من التخطّي إلي غيره، فلا يجوز له التجاوز قطعاً.

ص: 252

و إن أطلق، فالأقوي: إنّ حكمه حكم التعميم؛ لأنّ إطلاق الإذن في الانتفاع يُشعر بعمومه و الرضا بجميع وجوهه؛ إذ لا وجه من الوجوه أولي بجواز التصرّف من الآخَر، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه تبطل العارية؛ لأنّهم اختلفوا في أنّه هل يشترط في العارية التعرّض لجهة الانتفاع ؟ فشرطه بعضهم؛ لأنّ الإعارة معونة شرعيّة جُوّزت للحاجة، فلتكن علي حسب الحاجة، و لا حاجة إلي الإعارة المرسلة.

و بعضهم لم يشترط، بخلاف الإجارة؛ لأنّ الجهالة في الإعارة غير مُضرّةٍ، بخلاف الإجارة؛ لأنّه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الإجارة، و لأنّ الجهالة إنّما تؤثّر في العقود اللازمة، و الإعارة إباحة، فجاز فيها الإطلاق، كإباحة الطعام(1).

فإذا أعاره أرضاً مطلقاً، كان له أن ينتفع بها بسائر وجوه الانتفاعات، و جميع ما العين معدّة له في الانتفاع مع بقاء العين، كالزرع و الغرس و البناء، و يفعل فيها كلّ ما هي مستعدّة له من الانتفاع.

و ليس للمُستعير أن يُعير و لا أن يؤجّر؛ لأنّها رخصة وُضعت للحاجة، و هي منفيّة هنا.

و كذا ليس له أن يبيع؛ لأنّه غير داخلٍ في مفهوم الإعارة.

و الأقرب: إنّ له أن يرهن مع التعميم، دون الإطلاق.

مسألة 98: و حكم جزئيّات المأذون فيه بالخصوصيّة حكم جزئيّات مطلق الانتفاع،

فلو أذن له في الزرع و أطلق، استباح المُستعير زرع ما شاء

ص: 253


1- المهذّب - للشيرازي - 371:1، الوجيز 204:1، الوسيط 372:3، التهذيب - للبغوي - 282:4، العزيز شرح الوجيز 381:5-382، روضة الطالبين 81:4.

من أصناف الزرع، كالحنطة و الشعير و الدخن و الذرّة و القطن و الفوّه(1) و ما يبقي زمناً طويلاً و قصيراً و سائر أصناف الخضر و جميع ما يطلق عليه اسم الزرع.

و ليس له البناء و لا الغراس؛ لأنّ ضررهما أكثر من ضرر الزرع، و القصد منهما الدوام، و الإذن في القليل لا يستلزم الإذن في الكثير، بخلاف العكس، إلّا مع التنصيص، فلو استعارها للبناء أو الغراس كان له أن يزرع؛ لقصور ضرره عنهما، فكأنّه استوفي بعض المنفعة التي أذن فيها، و لو مَنَعه لم يَسُغْ له الزرع.

و لو أعارها للغراس، لم يكن له البناء، و بالعكس؛ لأنّ ضررهما مختلف؛ فإنّ ضرر الغراس في باطن الأرض؛ لانتشار العروق فيها، و ضرر البناء في ظاهرها، و لأنّ البناء يكون علي موضعٍ واحد، و الغرس تنتشر عروقه في الأرض، فلم يكن الإذن في أحدهما إذناً في الآخَر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه إذا أذن له في أحدهما، استباح به الآخَر؛ لتقارب ضررهما، فإنّ كلّاً منهما للدوام، و الأرض تُتّخذ للبناء و للغراس(2).

و ليس بجيّدٍ؛ للاختلاف، كما قلناه.

مسألة 99: إذا أذن له في الزرع، فإمّا أن يطلق أو يعمّم أو يخصّص،
اشارة

و لا بحث في الأخيرين، و أمّا الأوّل فإنّه يصحّ عندنا، و يستبيح المُستعير جميعَ أصناف الزرع، اختلف ضررها أو اتّفق - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة -

ص: 254


1- الفوّه: عروق يُصبغ بها. لسان العرب 530:13 «فوه».
2- المهذّب - للشيرازي - 371:1، الوسيط 373:3، حلية العلماء 196:5، البيان 462:6، العزيز شرح الوجيز 381:5، روضة الطالبين 81:4.

عملاً بإطلاق اللفظ.

و الثاني: إنّه لا يستبيح شيئاً بهذه العارية، و تكون عاريةً باطلة(1).

و قال بعضهم: تصحّ الإعارة، و لا يزرع إلّا أقلّ الأنواع ضرراً؛ لأصالة عصمة مال الغير(2). و لا بأس به.

و لو قال: أعرتُك كذا لتفعل به ما بدا لك، أو لتنتفع به كيف شئت، صحّ عندنا، و كان له أن ينتفع به كيف شاء؛ لإطلاق الإذن، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: البطلان(3).

و قال بعضهم: ينتفع به بما هو العادة(4).

و هو حسن، فلو أعاره الأرض، كان له البناء و الغرس و الزرع، دون الرهن و الوقف و الإجارة و البيع.

و لو قال: أعرتُكها لزرع الحنطة، و لم ينه عن غيرها، كان له زرع ما هو أقلّ ضرراً من الحنطة؛ عملاً بشاهد الحال، كالشعير و الباقلّاء. و كذا له زرع ما ساوي ضرره ضرر الحنطة، و ليس له زرع ما ضرره أكثر من ضرر الحنطة، كالذرّة و القطن.

و لو نهاه عن زرع غير الحنطة، لم يكن له زراعة غيرها؛ اقتصاراً علي المأذون فيه.

تذنيب: إذا عيّن المزروع فزرع غيره، كان لصاحب الأرض قلعه

ص: 255


1- الوسيط 372:3، التهذيب - للبغوي - 282:4، العزيز شرح الوجيز 381:5، روضة الطالبين 81:4.
2- العزيز شرح الوجيز 381:5، روضة الطالبين 81:4.
3- العزيز شرح الوجيز 382:5، روضة الطالبين 82:4.
4- الحاوي الكبير 127:7، العزيز شرح الوجيز 382:5، روضة الطالبين 82:4.

مجّاناً؛ لأنّه ظالم، و قال عليه السلام: «ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ»(1).

مسألة 100: تنقسم العارية باعتبار الزمان إلي ثلاثة،

كما انقسمت باعتبار المنافع إليها؛ لأنّ المُعير قد يُطلق العارية من غير تقييدٍ بزمانٍ، و قد يوقّت بمدّةٍ، و قد يُعمّم الزمانَ، كقوله: أعرتُك هذه الأرض، و لا يقرن لفظه بوقتٍ و زمانٍ، أو: أعرتُك هذه الأرض سنةً أو شهراً، أو: أعرتُك هذه الأرض دائماً.

و إنّما جاز الإطلاق فيها بخلاف الإجارة؛ لأنّ العارية جائزة، و له الرجوع فيها متي شاء، فتقديرها لا يفيد شيئاً، و إنّما جاز تقييدها؛ لأنّ إطلاقها جائز، فتقييدها أولي.

مسألة 101: إذا أطلق العارية، كان له الرجوع فيها متي شاء،

و لا يجوز للمُستعير التصرّف بعد الرجوع، فإن تصرّف ضمن العين و الأُجرة، إلّا في إعارة الدفن، فلا يجوز الرجوع بعده، و لا مع دفع شيءٍ، و لا في إعارة الحائط للتسقيف و شبهه، فلا يجوز الرجوع قبل الخراب إلّا مع دفع(2) الأرش، و ما عداهما يجوز الرجوع قبل التصرّف و بعده، سواء كانت العارية موقّتةً أو لا - و فائدة الرجوع بعد التصرّف المطالبةُ بالأُجرة فيما يستقبل، لا فيما مضي - عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(3) - لأنّ

ص: 256


1- تقدّم تخريجه في ص 92، الهامش (3).
2- في الطبعة الحجريّة: «بدفع» بدل «مع الدفع».
3- تحفة الفقهاء 179:3، بدائع الصنائع 216:6، مختصر اختلاف العلماء 187:4-1877/188، روضة القُضاة 3169/535:2، الفقه النافع 671/947:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 446/274:1، الحاوي الكبير 128:7، المهذّب - للشيرازي - 370:1، بحر المهذب 6:9، الوجيز 204:1، الوسيط 373:3، حلية العلماء 194:5، البيان 459:6، العزيز شرح الوجيز 382:5، روضة الطالبين 83:4، المغني 364:5، الشرح الكبير 357:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1062/623:2.

المُستعير استباح المنافع بالإذن، فإذا رجع عن الإذن لم يجز له فعله؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فكان غصباً، و لأنّ المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المُستعير فلا يملكها بالإعارة، كما لو لم تحصل العين في يده.

و قال مالك: إذا كانت العارية موقّتةً لم يكن للمُعير الرجوع فيها، و إن لم يكن موقّتةً لزمه تركه مدّة ينتفع [بها](1) في مثلها؛ لأنّ المُعير قد ملّكه المنفعة مدّةً معلومة، و صارت العين في يده بعقدٍ مباح، فلم يكن له الرجوع فيها بغير اختيار المالك، كالعبد الموصي بخدمته(2).

و الفرق: إنّ العبد الموصي بخدمته ليس للورثة الرجوع فيه؛ لأنّ المتبرّع غيرهم، و أمّا الموصي المتبرّع فله أن يرجع متي شاء.

مسألة 102: إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغراس

مسألة 102: إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغراس(3) أو الزرع، أو أطلق له الانتفاع، كان للمُستعير الانتفاع فيما أذن له فيه ما لم يمنعه.

فإن قدّر له المدّة، كان له أن يبني و يغرس و ينتفع بهما حسبما أذن ما لم يرجع عن إذنه أو تنقضي المدّة، فإن رجع عن إذنه قبل انقضاء المدّة أو لم يرجع و لكن انقضت المدّة المأذون فيها، لم يكن له استحداث شيءٍ

ص: 257


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1062/623:2، بداية المجتهد 313:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 446/274:1. بحر المذهب 6:9، حلية العلماء 195:5، البيان 459:6، العزيز شرح الوجيز 382:5، مختصر اختلاف العلماء 1877/188:4، المغني 364:5، الشرح الكبير 357:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «الغرس».

من ذلك، فإن استحدث شيئاً من ذلك بعد علمه بالرجوع، وجب عليه قلعه مجّاناً؛ لقوله عليه السلام: «ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ»(1)في «ث، ر»: «المؤمنون».(2) و تجب عليه أُجرة ما استوفاه من منفعة الأرض علي وجه التعدّي و طمّ الحُفَر التي حدثت لقلع ما غرسه، كالغاصب.

و إن كان جاهلاً بالرجوع، فالأقوي: إنّ له القلعَ مع الأرش، كما لو لم يرجع؛ لأنّه غير مفرّطٍ و لا غاصبٍ.

و للشافعيّة وجهان، كالوجهين فيما لو حمل السيل نواةً إلي أرضه فنبتت، و قد يشبه بالخلاف في تصرّف الوكيل جاهلاً بالعزل(3).

و أمّا ما بناه و غرسه قبل الرجوع: إن أمكن رفعه من غير نقصٍ يدخله، رفع.

و إن لم يمكن إلّا مع نقصٍ و عيبٍ يدخل علي المُستعير، نُظر إن كان قد شرط عليه القلع مجّاناً عند رجوعه و تسوية الحُفَر، أُلزم ذلك؛ عملاً بمقتضي الشرط و قد قال عليه السلام: «المسلمون(3) عند شروطهم»(4) فإن امتنع، قَلَعه المُعير مجّاناً.

و إن كان قد شرط القلع دون التسوية، لم يكن علي المُستعير».

ص: 258


1- تقدّم تخريجه في الهامش
2- من ص 92.
3- العزيز شرح الوجيز 385:5، روضة الطالبين 83:4.
4- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 98/27:3 و 99، سنن البيهقي 249:7، المستدرك - للحاكم - 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4404/275:4، و في التهذيب 1503/371:7، و الاستبصار 835/232:3، و الجامع لأحكام القرآن 33:6: «المؤمنون...».

التسوية؛ لأنّ شرط القلع رضا بالحفر.

و إن لم يشرط القلع أصلاً، نُظر إن أراد المُستعير القلع مُكّن منه؛ لأنّه ملكه، فله نقله عنه.

و إذا قلع فهل عليه التسوية ؟ الأقوي: ذلك؛ لأنّه قلع باختياره لتخليص ماله، فكان عليه أرش ما نقصه الحفر، كما لو أراد إخراج دابّته من دار الغير و لا يمكن إلّا بحفر الباب(1) ، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني:

إنّه ليس عليه التسوية؛ لأنّ الإعارة مع العلم بأنّ للمُستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع(2).

و إن لم يختر المُستعير القلع، لم يكن للمُعير قلعه مجّاناً؛ لأنّه بناء محترم صدر بالإذن، و لكنّه يتخيّر بين أن يقلعه و يضمن الأرش - و هو قدر التفاوت بين قيمته مثبتاً و مقلوعاً - و بين إبقائه بأُجرة المثل يأخذها، و بين أن يتملّكه بقيمته.

فإن اختار القلع و بذل أرش النقص، فله ذلك، و يُجبر المُستعير عليه، و ليس له الامتناع عنه.

و إن اختار أحد الأمرين الآخَرين، افتقر إلي رضا المُستعير فيه؛ لأنّ أحدهما بيع، و الآخَر إجارة، و كلاهما يتوقّفان(3) علي رضا المتعاقدين معاً،».

ص: 259


1- كذا قوله: «بحفر الباب» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «بهدم الباب» أو «بنقض الباب».
2- الحاوي الكبير 128:7، المهذّب - للشيرازي - 371:1، الوسيط 375:3، الوجيز 205:1، حلية العلماء 197:5، التهذيب - للبغوي - 282:4-283، البيان 463:6، العزيز شرح الوجيز 385:5، روضة الطالبين 84:4، المغني 366:5-367.
3- في «ث، ج، ر»: «موقوفان».

و هو أحد قولَي الشافعي، و الثاني: إنّه لا يعتبر رضا المُستعير فيه، بل يُجبر علي ما يختاره المُعير منهما(1).

و له قولان آخَران:

أحدهما: إنّ المُعير إن طلب التملّك بالقيمة أُجبر المُستعير عليه، كتملّك الشفيع الشقصَ قهراً، و إن طلب الإبقاء بالأُجرة اعتبر رضا المُستعير فيه.

و الثاني: إنّ المُعير يتخيّر بين أمرين خاصّة، أحدهما: القلع مع ضمان الأرش، و الثاني: التملّك بالقيمة(2).

و الأصل فيه: إنّ العارية مكرمة و مبرّة، فلا يليق بها منع المُعير من الرجوع و لا تضييع مال المُستعير، فأثبتنا الرجوع علي وجهٍ لا يتضرّر به المُستعير، و جعلنا الأمر منوطاً باختيار المُعير؛ لأنّه الذي صدرت منه هذه المكرمة، و لأنّ ملكه الأرض و هي أصل، و أمّا البناء و الغراس فإنّهما تابعان لها، و لذلك(3) يتبعانها في البيع(4).

و لو طلب المُستعير تملّك الأرض و قال: أنا أدفع قيمة الأرض إلي المُعير ليبقي البناء و الغراس، لم يُجبر المُعير علي ذلك، و الفرق بينه و بين المُستعير ما تقدّم من كون البناء و الغرس تابعين(5) ، و كون الأرض متبوعةً، فلهذا أُجيب المالك إلي ما طلبه من تملّك البناء و الغرس بالقيمة و ما طلبهح.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 385:5-386، روضة الطالبين 84:4.
2- العزيز شرح الوجيز 386:5.
3- في الطبعة الحجريّة و «العزيز شرح الوجيز»: «كذلك».
4- راجع: العزيز شرح الوجيز 386:5.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تابعان». و المثبت هو الصحيح.

المُستعير من تملّك الأرض بالقيمة.

مسألة 103: لو لم يختر المُستعير قلع غرسه و لا قلع بنائه مع الإذن المطلق فيهما، لم يُجبر علي القلع،

إلّا أن يضمن المُعير أرش النقص، فحينئذٍ يلزمه تفريغ الأرض من بنائه و غرسه و ردّها إلي ما كانت عليه.

و اعلم أنّ مَنْ جعل الأمر موكولاً إلي اختيار المُعير في القلع بالأرش و الإبقاء بالأُجرة و التملّك بالقيمة قال: منه الاختيار و من المُستعير الرضا و اتّباع مراده، فإن لم يفعل و امتنع من إبلاغه مراده ألزمناه بتفريغ أرضه.

و مَن اعتبر رضا المُستعير في التملّك بالقيمة و الإبقاء بالأُجرة فلا يكلّف التفريغ، بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المُعير شيئاً ممّا خيّرناه فيه.

و مَنْ قصر خيرة المُعير علي أمرين: القلع بشرط الضمان؛ لنقص الأرض، و التملّك بالقيمة قال: لو امتنع من بَذْل الأرش و القيمة و بَذَل المُستعير الأُجرة لم يكن للمُعير القلع مجّاناً، و إن لم يبذلها فوجهان، أظهرهما عندهم: إنّه ليس له ذلك أيضاً(1).

و به أجاب مَنْ خيَّره بين الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعاً(1).

و ما الذي يفعل ؟ اختلفت الشافعيّة علي قولين:

أحدهما: إنّ الحاكم يبيع الأرض مع البناء و الغراس لتفاصل الأمر.

و الثاني - و هو قول الأكثر -: إنّه يعرض الحاكم عنهما إلي أن يختارا شيئاً(3).

و التحقيق عندي هنا أن نقول: إذا أعاره للبناء أو الغرس أو لهما ففَعَل ثمّ رجع عن الإذن بعد وقوع الفعل، فإمّا أن يطلب المُعير القلع أو

ص: 261


1- كما في العزيز شرح الوجيز 387:5.

المُستعير، فإن طلبه المُستعير لم يكن للمُعير ردّه عن ذلك، و إن طلبه المُعير لم يكن للمُستعير ردّه عن ذلك، و يضمن كلٌّ منهما نقص ما دخل علي الآخَر.

مسألة 104: يجوز للمُعير دخول الأرض و الانتفاع بها و الاستظلال بالبناء و الشجر؛

لأنّه جالس علي ملكه، و ليس له الانتفاع بشيءٍ من الشجر بثمر و لا غصن و لا ورق و لا غير ذلك، و لا بضرب وتدٍ في الحائط، و لا التسقيف عليه.

و ليس للمُستعير دخول الأرض للتفرّج، إلّا بإذن المُعير؛ لأنّه تصرّف غير مأذونٍ فيه.

نعم، يجوز له الدخول لسقي الشجر و مرمّة الجدار؛ حراسةً لملكه عن التلف و الضياع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: المنع؛ لأنّه يشغل ملك الغير إلي أن ينتهي إلي ملكه(1).

و علي ما اخترناه من الجواز لو تعطّلت المنفعة علي صاحب الأرض بدخوله، لم يُمكَّن منه إلّا بالأُجرة؛ جمعاً بين حفظ المالين.

مسألة 105: إذا بني أو غرس في أرض المُعير بإذنه أو بغير إذنه، جاز لكلٍّ منهما أن يبيع ملكه من الآخَر،

و يجوز للمُعير أن يبيع الأرض من ثالثٍ، ثمّ يتخيّر المشتري كالمُعير.

و كذا للمُستعير أن يبيع من ثالثٍ أيضاً - و هو أصحّ وجهي

ص: 262


1- الحاوي الكبير 129:7، المهذّب - للشيرازي - 372:1، حلية العلماء 199:5، التهذيب - للبغوي - 284:4، البيان 464:6-465، العزيز شرح الوجيز 387:5، روضة الطالبين 85:4.

الشافعيّة(1) - لأنّه مملوك له في حال بيعه غير ممنوعٍ من التصرّف فيه.

و الثاني: المنع؛ لأنّه في معرض النقض و الهدم، و لأنّ ملكه عليه غير مستقرٍّ؛ لأنّ المُعير بسبيلٍ من تملّكه(1)(3).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ كونه متزلزلاً لا يمنع من جواز بيعه؛ فإنّ الحيوان المشرف علي التلف في معرض الهلاك، و يجوز بيعه، و مستحقّ القتل قصاصاً يجوز بيعه علي الأقوي، و تمكّن المُعير من تملّكه لا يوجب منع بيعه، كالشفيع المتمكّن من تملّك الشقص.

إذا ثبت هذا، فإنّ المشتري إن كان جاهلاً بالحال كان له خيار الفسخ؛ لأنّ ذلك عيب، و إن كان عالماً فلا خيار له، ثمّ يُنزّل المشتري منزلة المُستعير، و للمُعير الخيار علي ما تقدّم.

و لو اتّفق المُعير و المُستعير علي بيع الأرض مع البناء أو الغراس بثمنٍ واحد، صحّ - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - للحاجة.

و الثاني: المنع، كما لو كان لكلّ واحدٍ منهما عبد فباعاهما معاً صفقةً واحدة(5).

و نحن نقول بالجواز هنا أيضاً.

إذا تقرّر هذا، فإنّ الثمن يوزّع عليهما، فيوزّع علي أرضٍ مشغولة بالغراس أو البناء علي وجه الإعارة مستحقّ القلع مع الأرش، أو الإبقاء مع4.

ص: 263


1- في «ث، ر، خ»: «لأنّ للمُعير تسبيل ملكه». و في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لأنّ المُعير بسبيلٍ من ملكه». و المثبت كما في «العزيز شرح الوجيز». (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 387:5، روضة الطالبين 85:4.

الأُجرة، أو التملّك بالقيمة إن كان بالإذن، و علي ما فيها من بناءٍ أو غرسٍ مستحقٍّ للقلع علي أحد الأنحاء، فحصّة الأرض للمُعير، و حصّة ما فيها للمُستعير.

مسألة 106: إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغرس عاريةً موقّتة،

أو أطلق الإعارة مقيّدةً بالمدّة، كان للمُستعير البناء و الغرس في المدّة، إلّا أن يرجع المُعير، و له أن يجدّد كلّ يومٍ غرساً، فإذا انقضت المدّة لم يجز له إحداث البناء و لا الغرس إلّا بإذنٍ مستأنف.

ثمّ للمالك الرجوع في العارية قبل انقضاء المدّة بالأرش، و بعدها مجّاناً إن شرط المُعير القلع أو نقض البناء بعد المدّة، أو شرط عليه القلع متي طالبه بالقلع؛ عملاً بالشرط، فإنّ فائدته سقوط الغُرْم، فلا يجب علي صاحب الأرض ضمان ما نقص الغرس بالقلع، و لا يجب علي المُستعير طمّ الحُفَر؛ لأنّه أذن له في القلع بالشرط.

فإن لم يكن قد شرط عليه القلع فإن اختار المُستعير قلعه(1) ، كان له ذلك؛ لأنّه ملكه(2).

و هل عليه تسوية الأرض ؟ الأقوي ذلك؛ لأنّه يقلعه باختياره من غير إذن المُعير، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: ليس عليه؛ لأنّ إذنه في الإعارة رضا بقلع ذلك؛ لأنّه ملك لغيره، فقلعه إلي اختياره(3).

و إن لم يختر صاحب الغرس القلعَ و طالَبه المُعير بقلعه، لم يكن له ذلك، إلّا بأن يضمن ما ينقص بالقلع.

ص: 264


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قلعها». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطيّة و الحجريّة: «ملكها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- راجع الهامش (2) من ص 259.

و ليس للمُستعير دفع قيمة الأرض إلّا باختيار المالك، و للمالك دفع قيمة الغرس علي إشكالٍ أقربه ذلك مع رضا المُستعير لا مع سخطه، و بهذا قال الشافعي، إلّا أنّه قال: للمالك دفع قيمة الغرس و إن لم يرض المُستعير.

و روي مثل ذلك عن أحمد(1).

و قال أبو حنيفة و مالك: له مطالبته بقلعه من غير ضمانٍ عند انقضاء المدّة، و به قال المزني - قال أبو حنيفة: إلّا أن يكون أعاره مدّةً معلومة و رجع [قبل](2) انقضائها - لأنّ المُعير لم يغرّه، فإذا طالبه بالقلع كان له، كما لو شرط عليه القلع(3).

و قالت الشافعيّة: ليس له ذلك إلّا بأرش نقص الغرس؛ لأنّه بني و غرس في ملك غيره، فلم يكن له المطالبة من غير ضمانٍ، كما لو طالبه قبل انقضاء المدّة.

ثمّ منعوا من قول أبي حنيفة: «إنّ المالك لم يغرّه» لأنّ الغراس و البناء يراد للتبقية، و تقدير المدّة ينصرف إلي ابتدائه، كأنّه قال: لا تغرس فيما جاوز هذه المدّة، أو لطلب الأُجرة(4).

و الأوّل عندي أقرب.5.

ص: 265


1- التهذيب - للبغوي - 283:4، العزيز شرح الوجيز 385:5 و 388، روضة الطالبين 84:4 و 86، المغني 366:5-367، الشرح الكبير 360:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مع». و المثبت من المصدر.
3- الهداية - للمرغيناني - 222:3، بدائع الصنائع 217:6، حلية العلماء 198:5، التهذيب - للبغوي - 283:4، البيان 464:6، العزيز شرح الوجيز 388:5، المغني 367:5، الشرح الكبير 360:5.
4- العزيز شرح الوجيز 385:5 و 388، روضة الطالبين 84:4 و 86، المغني 367:5، الشرح الكبير 360:5.
مسألة 107: لو كانت الأرض مشتركةً فبني أحدهما بإذن الآخَر أو غرس كذلك، ثمّ رجع صاحبه،

فالأقرب عندي: أن يكون حكمه حكم الأجنبي من جواز القلع بالأرش.

و قالت الشافعيّة: ليس له ذلك و لا أن يتملّك بالقيمة.

أمّا الأوّل: فلأنّ قلعه يتضمّن قلع غرس المالك في(1) ملكه و نقض بنائه عن ملكه؛ إذ له في الملك نصيب كما للمُعير.

و أمّا الثاني: فلأنّ المُستعير يستحقّ في الأرض مثل حقّ المُعير، فلا يمكننا أن نقول: الأصل للمُعير، و البناء تابع، بل له التقرير بالأُجرة خاصّةً، فإن امتنع من بذلها فإمّا أن يباع أو يعرض عنهما الحاكم(2).

و ليس بشيءٍ؛ لأنّ للمُعير تخليصَ ملكه و تفريغه، و إنّما يحصل بنقض مال الغير، فوجب أن يكون جائزاً له، كما في الفصيل(3) لو لم يمكن إخراجه إلّا بهدم الباب.

مسألة 108: يجوز أن يعير الأرض للزراعة؛

لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء، فصحّ في مقابلتها العوض بالإجارة فجازت الإعارة.

فإذا استعار للزرع فزرع ثمّ رجع المُعير في العارية قبل أن يدرك الزرع، فإن كان ممّا يعتاد قطعه كالقصيل قطع، فإن امتنع المُستعير من قطعه أُجبر عليه إن لم ينقص بالقصل، و لا شيء؛ إذ لا نقص، و إن نقص فله القطع أيضاً لكن مع دفع الأرش.

و إن كان ممّا لا يعتاد قطعه، فالأقرب: إنّ حكمه حكم الرجوع في

ص: 266


1- في «ث، خ، ر»: «من» بدل «في».
2- العزيز شرح الوجيز 388:5-389، روضة الطالبين 86:4.
3- الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أُمّه. القاموس المحيط 30:4 «فصل».

الغرس في القلع و التبقية.

و اختلفت الشافعيّة:

فقال بعضهم: إنّ له أن يقطع، و يغرم أرش القطع؛ تخريجاً ممّا إذا رجع في العارية الموقّتة للبناء قبل مضيّ المدّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يملكه بالقيمة(2).

و قال الباقون - و هو الظاهر من مذهبهم -: إنّه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين؛ لأنّ للزرع أمداً يُنتظر، و البناء و الغرس للتأبيد، فعلي المُعير إبقاؤه للمُستعير إلي أوان الحصاد(3).

ثمّ فيه وجهان:

أحدهما: إنّه يُبقيه بلا أُجرة؛ لأنّ منفعة الأرض إلي الحصاد كالمستوفاة بالزرع.

و أصحّهما عندهم: التبقية بالأُجرة؛ لأنّه إنّما أباح المنفعة إلي وقت الرجوع، و صار كما إذا أعاره دابّةً إلي بلدٍ ثمّ رجع في الطريق، عليه نقل متاعه إلي مأمنٍ بأُجرة المثل(1).

و لو قيّد المُعير للزرع مدّةً فانقضت و لمّا يدرك، فإن كان ذلك لتقصير المُستعير، كالتأخير في الزرع، قلع مجّاناً، و إن كان لهبوب الرياح و قصور الماء و غير ذلك ممّا لا يُعدّ تقصيراً للمُستعير، كان بمنزلة ما لو أعاره مطلقاً.

و لو أعار لزرع الفسيل(2) ، فإن كان ممّا يُنقل عادةً فهو كالزرع، و إلّا».

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 389:5، روضة الطالبين 86:4-87.
2- الفسيل جمع فسيلة، و هي النخلة الصغيرة. القاموس المحيط 29:4، لسان العرب 519:11 «فسل».

فكالبناء.

مسألة 109: إذا أعار للزراعة مطلقاً، انصرف الإطلاق إلي الواحدة،

فإذا زرع ثمّ أخذ زرعه لم يكن له أن يزرع ثانياً إلّا بإذنٍ مستأنف؛ لأصالة عصمة مال الغير. و كذا لو أعار للغرس فغرس ثمّ ماتت الشجرة أو انقلعت، لم يكن له غرس أُخري غيرها إلّا بإذنٍ جديد. و كذا في البناء لو أذن له فيه فبني ثمّ انهدم، أو أذن له في وضع جذعٍ علي حائطه فانكسر - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الإذن اختصّ بالأوّلة.

و الثاني: إنّ له ذلك؛ لأنّ الإذن قائم ما لم يرجع فيه(2).

أمّا لو انقلع الفسيل المأذون له في زرعه في غير وقته المعتاد، أو سقط الجذع كذلك و قصر الزمان جدّاً، فالأولي أنّ له أن يعيده بغير تجديد الإذن.

مسألة 110: لو حمل السيل حَبّ الغير أو نواه أو جوزه أو لوزه إلي أرض آخَر، كان علي صاحب الأرض ردّه إلي مالكه إن عرفه، و إلّا كان لقطةً.
اشارة

فإن نبت في أرضه و صار زرعاً أو شجراً، فإنّه يكون لصاحب الحَبّ و النوي و الجوز و اللوز؛ لأنّه نماء أصله، كما أنّ الفرخ لصاحب البيض، و لا نعلم فيه خلافاً.

ثمّ إن طلب صاحب الحَبّ و النوي و الجوز و اللوز قلعه عن أرض غيره، كان له ذلك؛ لأنّه ملكه، و عليه تسوية الحُفَر؛ لأنّها حدثت بفعله

ص: 268


1- التهذيب - للبغوي - 284:4، العزيز شرح الوجيز 389:5، روضة الطالبين 87:4.
2- العزيز شرح الوجيز 389:5، روضة الطالبين 87:4.

لتخليص ملكه منها، فأشبه فصيلاً دخل دار إنسانٍ ثمّ كبر فاحتاج صاحبه إلي نقض باب الدار لإخراجه، فإنّ عليه ردّه، و إصلاحه؛ لأنّه فعله لتخليص ملكه.

و إن طلب صاحب الأرض القلعَ، كان له ذلك؛ لأنّ العِرْق نبت في أرضه بغير إذنه، فأشبه الغاصب.

فإن امتنع صاحب الزرع، أُجبر عليه، كما لو سرت أغصان شجرته في دار جاره، فإنّها تُقطع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يُجبر إن كان زرعاً؛ لأنّ قلعه إتلاف المال علي مالكه، و لم يوجد منه تفريط و لا عدوان، و لا يدوم ضرره، فلم يُجبر علي ذلك، كما لو حصلت دابّته في دار غيره علي وجهٍ لا يمكن خروجها إلّا بقلع الباب أو قتلها، فإنّنا لا نجبره علي قتلها، بخلاف أغصان الشجر، فإنّه يدوم ضرره، و لا يعرف قدر ما يشغل من الهواء حتي يؤدّي أجره، فحينئذٍ يُقرّ في الأرض إلي حين حصاده بأُجرة المثل(1).

و قال بعض العامّة: ليس عليه أجر؛ لأنّه حصل في أرض غيره بغير تفريطه، فأشبه ما لو ماتت(2) دابّته في أرض إنسانٍ بغير تفريطه(3).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ منع المالك من أرضه و إبقاء ما لم يأذن فيه لمصلحة الغير إضرار به، و ليس اعتبار مصلحة صاحب الزرع أولي من5.

ص: 269


1- الحاوي الكبير 129:7، المهذّب - للشيرازي - 372:1، بحر المذهب 9:9، الوسيط 376:3، حلية العلماء 199:5-200، التهذيب - للبغوي - 284:4، البيان 465:6-466، العزيز شرح الوجيز 390:5، روضة الطالبين 87:4، المغني 369:5-370، الشرح الكبير 363:5.
2- في المصدر: «باتت».
3- المغني 370:5، الشرح الكبير 363:5.

اعتبار مصلحة صاحب الملك.

ثمّ لو سلّمنا وجوب التبقية، لكن حرمان صاحب الأرض من الأُجرة إضرار به و شغل لملكه بغير اختياره من غير عوضٍ، فلم يجز، كما لو أراد بقاء(1) بهيمته في دار غيره عاماً.

و أمّا إن كان النابت شجراً، كالنخل و الزيتون و الجوز و اللوز و غير ذلك، فإنّه لمالك النوي؛ لأنه نماء ملكه، فهو كالزرع، و يُجبر علي قلعه هنا؛ لأنّ ضرره يدوم، فأُجبر علي إزالته، كأغصان الشجرة السارية في هواء أرض غيره.

و لو حمل السيل أرضاً بشجرها فنبتت في أرض غيره كما كانت، فهي لمالكها، و يُجبر علي إزالتها كما تقدّم.

و في كلّ ذلك إذا ترك صاحب البذر و النوي ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها، لم يلزمه نقله و لا أُجرة و لا غير ذلك؛ لأنّه حصل بغير تفريطه و لا عدوانه، و كان الخيار لصاحب الأرض المشغولة به، إن شاء أخذه لنفسه، و إن شاء قلعه.

تذنيب: لو كان المحمول بالسيل ما لا قيمة له كنواةٍ واحدة و حَبّةٍ واحدة فنبتت،

احتُمل أن يكون لمالك الأرض إن قلنا: لا يجب عليه ردّها إلي مالكها لو لم تنبت؛ لانتفاء حقيقة الماليّة فيها، و التقويم إنّما حصل في أرضه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) ، و أن يكون لمالكها إن قلنا بتحريم

ص: 270


1- الظاهر: «إبقاء».
2- التهذيب - للبغوي - 285:4، العزيز شرح الوجيز 390:5، روضة الطالبين 87:4.

أخذها و وجوب ردّها قبل نباتها، فعلي هذا في قلع النابت وجهان(1).

و لو قلع صاحب الشجرة الشجرةَ، فعليه تسوية الحُفَر؛ لأنّه قصد تخليص ملكه.

المبحث الثاني: في الضمان.
اشارة

و أقسامه ثلاثة: ضمانُ الردّ، و هو واجب علي المُستعير، فمئونته عليه؛ لقوله عليه السلام: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه»(2) ، و لأنّ الإعارة نوع من معروف، فلو كُلّف المالك مئونة الردّ امتنع الناس من الإعارة، و في ذلك ضرر عظيم. و ضمانُ العين، و ضمانُ الأجزاء.

مسألة 111: العارية أمانة مأذون في الانتفاع بها بغير عوضٍ،

لا تستعقب الضمان - إلّا في مواضع تأتي إن شاء اللّه تعالي - عند علمائنا أجمع، فإذا تلفت في يد المُستعير بغير تفريطٍ منه و لا عدوان، لم يكن عليه ضمان، سواء تلفت بآفةٍ سماويّة أو أرضيّة - و به قال النخعي و الشعبي و الحسن البصري و عمر بن عبد العزيز و الثوري و أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي و ابن شبرمة، و هو قول الشافعي في الأمالي(3) - لما رواه العامّة

ص: 271


1- نفس المصادر.
2- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن البيهقي 90:6، سنن الدارمي 264:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 604/146:6، المستدرك - للحاكم - 47:2، مسند أحمد 19582/632:5، و 19643/641.
3- المغني 355:5، الشرح الكبير 365:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 270:1-441/271، الحاوي الكبير 118:7، بحر المذهب 6:9-7، الوسيط 369:3-370، حلية العلماء 192:5، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 454:6-455، تحفة الفقهاء 177:3، بدائع الصنائع 217:6، الاختيار لتعليل المختار 79:3، المبسوط - للسرخسي - 134:11، النتف 583:2، الهداية - للمرغيناني - 220:3، مختصر اختلاف العلماء 1876/185:4، عيون المجالس 1720:4 و 1211/1721، المعونة 1209:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 17:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1061/622:2، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 77:4.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «ليس علي المُستعير غير المُغلّ(1) ضمان»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «ليس علي مُستعير عاريةٍ ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن»(3).

و عن محمّد بن مسلم - في الصحيح - أنّه سأل الباقرَ عليه السلام: عن العارية يستعيرها [الإنسان] فتهلك أو تُسرق، فقال: «إذا كان أميناً فلا غُرْم عليه»(4).

و لأنّه قبضها بإذن مالكها، فكانت أمانةً، كالوديعة.

و لأنّ قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «العارية مؤدّاة»(5) يدلّ علي أنّها أمانة؛ لقوله تعالي:«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها» (6).8.

ص: 272


1- أي: غير خائنٍ في العارية، و الإغلال: الخيانة. النهاية - لابن الأثير - 381:3 «غلل».
2- سنن الدارقطني 168/41:3، سنن البيهقي 91:6، المغني 355:5، الشرح الكبير 365:5.
3- التهذيب 798/182:7، الاستبصار 441/124:3.
4- الفقيه 192:3-875/193، التهذيب 799/182:7، الاستبصار 442/124:3، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
5- تقدّم تخريجه في الهامش (1) من ص 233.
6- النساء: 58.

و قال الشافعي: العارية مضمونة بكلّ حال - و إليه ذهب عطاء و أحمد و إسحاق، و رواه العامّة عن ابن عباس و أبي هريرة - لما روي في حديث صفوان بن أُميّة: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله استعار منه يوم خيبر(1)تقدّم تخريجه في ص 271، الهامش (2).(2) أدرعاً، فقال: أ غصباً يا محمّد؟ قال: «بل عارية مضمونة مؤدّاة»(3).

و عن سمرة عن النبي صلي الله عليه و آله أنّه قال: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه»(3).

و لأنّه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفرداً بنفعه من غير استحقاقٍ و لا إذنٍ في الإتلاف، فكان مضموناً، كالغاصب، و المأخوذ علي وجه السوم(4).

و الجواب: إنّا نقول بموجب الحديث، فإنّ المُعير إذا شرط علي المُستعير الضمانَ لزمه.

و كذا نقول بموجب الثاني، فإنّه يجب علي المُستعير أداء العين إلي2.

ص: 273


1- راجع التعليقة
2- من ص 233.
3- تقدّم تخريجه في ص 233، الهامش (5).
4- الأُم 244:3، مختصر المزني: 116، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 441/271:1، الحاوي الكبير 118:7، المهذّب - للشيرازي - 370:1، بحر المذهب 6:9، الوسيط 369:3-370، حلية العلماء 189:5، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 454:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 18:2، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 76:4-77، المغني 355:5-356، الشرح الكبير 365:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 213:2-214، المصنّف - لعبد الرزّاق - 14792/180:8، مختصر اختلاف العلماء 185:4 و 1876/186، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1061/622:2، عيون المجالس 1211/1722:4، المعونة 1209:2، تحفة الفقهاء 177:3، بدائع الصنائع 217:6، الهداية - للمرغيناني - 220:3، النتف 583:2.

مالكها، و الضمير عائد إلي المأخوذ، لا إلي القيمة مع التلف.

و القياس علي الغاصب غلط؛ لأنّه ظالم، فلا يناسب الاستئمان.

و المأخوذ بالسوم إنّما دفعه المالك طالباً للعوض، بخلاف العارية.

مسألة 112: لو شرط المُعير الضمانَ علي المُستعير، لزمه الضمان مع التلف بغير تفريطٍ.

و إن لم يشترط ضمانها، كانت أمانةً، عند علمائنا، و به قال قتادة و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(1) - و هذا أحد المواضع المستثناة - لما رواه العامّة عن النبي صلي الله عليه و آله أنّه شرط لصفوان بن أُميّة الضمانَ(2)التهذيب 805/183:7.(3).

و من طريق الخاصّة: رواية صفوان، و قد سلفت(4).

و في الصحيح عن ابن مسكان عن الصادق عليه السلام، قال: قال:

«لا تُضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمان»(5).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «إذا هلكت العارية عند المُستعير لم يضمنه إلّا أن يكون قد اشترط عليه»(5).

و لأنّ الحاجة تدعو إلي العارية و إلي الاحتياط في الأموال، فلو

ص: 274


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 441/271:1، الحاوي الكبير 118:7، بحر المذهب 7:9، حلية العلماء 192:5، المحلّي 170:9، المصنّف - لعبد الرزّاق - 14790/180:8، عيون المجالس 1211/1722:4، المغني 356:5، الشرح الكبير 366:5.
2- راجع الهامش
3- من ص 233.
4- في ص 233.
5- تقدّم تخريجه في ص 244، الهامش (1).

لم يشرع الشرط لزم امتناع ذوي الأموال من إعارتها، و ذلك فساد و ضرر و حرج و ضيق.

و لقوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»(1) و مَنْ أوجب الضمانَ من غير شرطٍ كان إيجابه معه أولي.

و قال أبو حنيفة: لا يضمن بالشرط كالوديعة(2).

و الفرق: إنّ الوديعة أمانة لا تستعقب انتفاع الأمين بها، فلا يليق فيها الضمان و إن شرطه، بخلاف العارية.

و قال ربيعة: كلّ العواريّ مضمونة إلّا موت الحيوان، و هو منقول، عن مالك(3).

مسألة 113: لو شرطا في العارية سقوط الضمان سقط؛ لأنّ العارية لا تستعقب الضمان عندنا، فوجود الشرط كالعدم.
اشارة

و روي عن أحمد - مع قوله بأنّ العارية مضمونة(4) - سقوطه هنا، و به قال قتادة و العنبري؛ لأنّه لو أذن له في إتلافها لم يجب ضمانها، فكذا إذا أسقط عنه ضمانها(5).

و قال الشافعي و أحمد: لا يصحّ هذا الشرط، و لا يسقط الضمان؛ لأنّ

ص: 275


1- تقدّم تخريجه في ص 258، الهامش (4).
2- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 384:3-385.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 441/271:1، الحاوي الكبير 118:7، بحر المذهب 7:9، البيان 454:6، العزيز شرح الوجيز 377:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1061/622:2، عيون المجالس 1211/1720:4.
4- راجع الهامش (4) من ص 273.
5- المغني 356:5، الشرح الكبير 366:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 441/271:1، الحاوي الكبير 118:7، بحر المذهب 7:9، البيان 454:6، عيون المجالس 1211/1722:4.

كلّ عقدٍ اقتضي الضمانَ لم يغيّره الشرط، كالمقبوض بالبيع الفاسد أو الصحيح، و ما اقتضي الأمانةَ فكذلك، كالوديعة و الشركة و المضاربة، و فارق إذن الإتلاف؛ فإنّ الإتلاف فعل يصحّ الإذن فيه، و يسقط حكمه؛ إذ لا ينعقد موجباً للضمان مع الإذن فيه، و إسقاط الضمان هنا نفي الحكم مع وجود سببه، و ليس ذلك للمالك، و لا يملك الإذن فيه(1).

و الجواب: المنع من قولهم: «كلّ عقدٍ اقتضي الضمانَ لم يغيّره الشرط» لأنّها قضيّة كلّيّة يكذّبها قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «المسلمون عند شروطهم»(2) و إسقاط الحكم بعد وجود سببه ممكن؛ لأنّه لو أسقطه بعد وجوده أمكن، كإسقاط الدَّيْن الثابت في الذمّة، فإسقاطه بعد سببه أولي.

تذنيب: لو شرط سقوط الضمان في العارية المضمونة، كالذهب و الفضّة و غيرهما

ممّا يجب فيه الضمان علي مذهبنا، فالأولي السقوط؛ عملاً بالشرط، و قد سبق.

و كذا لو شرط الضمان في العارية صحّ، فإذا أسقطه بعد ذلك سقط.

مسألة 114: إذا استعار العين من غير مالكها، ضمن بالقبض،

سواء فرّط فيها و تعدّي أو لا، و سواء شرط المُعير الضمانَ أو لا، و سواء كانت يد المُعير يدَ أمانةٍ أو يد ضمانٍ؛ لأنّه استولي باليد علي مال الغير بغير إذنه، فكان عليه الضمان.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق و الكاظم عليهما السلام أنّهما قالا: «إذا

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 377:5، روضة الطالبين 77:4، المغني 356:5، الشرح الكبير 366:5.
2- راجع الهامش (4) من ص 258.

استُعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمُستعير ضامن»(1).

مسألة 115: العارية تُضمن في مواضع:
أ: إذا كانت العارية الدراهم و الدنانير و إن لم يشترط الضمان، و قد سلف

أ: إذا كانت العارية الدراهم و الدنانير و إن لم يشترط الضمان، و قد سلف(2).

و هل يدخل المصوغ منهما؟ فيه إشكال ينشأ: من التنصيص علي الدراهم و الدنانير في بعض الروايات(3) ، و من ورود الذهب و الفضّة في بعض الروايات، ففي رواية زرارة عن الصادق عليه السلام قال: «جميع ما استعرته فتَوي فلا يلزمك تَواه إلّا الذهب و الفضّة فإنّهما يلزمان»(4).

ب: العارية من غير المالك.
ج: عارية المُحْرم الصيدَ مضمونةٌ عليه؛

لأنّ إمساكه عليه حرام، فيكون متعدّياً فيكون ضامناً.

و لا فرق بين أن يكون المُستعير المُحْرم في الحلّ أو في الحرم.

و كذا لو استعار المُحلّ صيداً في الحرم ضمنه؛ لأنّه ممنوع منه، فكان متعدّياً باستيلاء يده عليه.

د: إذا تعدّي المُستعير أو فرّط في العارية ضمن،
اشارة

و هو ظاهرٌ، و من جملته ما لو منعها عن المالك بعد طلبه لها متمكّناً من ردّها إليه.

و أمّا ولد العارية - التي اشترط فيها الضمان عندنا، و مطلقاً عند

ص: 277


1- التهذيب 183:7-707/184، الاستبصار 446/125:3.
2- في ص 243، المسألة 87.
3- الكافي 2/238:5، التهذيب 183:7 و 804/184 و 808، الاستبصار 448/126:3.
4- تقدّم تخريجها في ص 244، الهامش (3).

القائلين بالتضمين - إذا تجدّد بعد الإعارة، فإنّه أمانة لا يجب ضمانه علي المُستعير؛ لأنّه لم يدخل في الإعارة، فلم يدخل في الضمان، و لا فائدة للمُستعير فيه، فأشبه الوديعة، و أمّا إن كان عند المالك فكذلك عندنا، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الرواية الأُخري: إنّها تكون مضمونةً؛ لأنّه ولد عينٍ مضمونة، فيضمن، كولد المغصوبة(1).

و الحكم في الأصل ممنوع؛ فإنّ ولد المغصوبة لا يُضمن إذا لم يكن مغصوباً، فكذا ولد العارية إذا لم يوجد مع أُمّه، و إنّما يُضمن ولد المغصوبة إذا كان مغصوباً، و لا أثر لكونه ولداً لها.

تذنيب: لو استعار من غير المالك عالماً كان أو جاهلاً بالملكيّة، ضمن،

و استقرّ الضمان عليه؛ لأنّ التلف حصل في يده، و لا يرجع علي المُعير، و لو رجع المالك علي المُعير كان للمُعير الرجوعُ علي المُستعير.

مسألة 116: إذا تلفت العين و وجب الضمان، فإن كانت مثليّةً كانت مضمونةً بالمثل، و إن لم تكن مثليّةً وجبت القيمة.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون قد استعملها المُستعير، أو لا، فإن كان قد استعملها و تلف بالاستعمال بعض أجزائها، وجب عليه قيمة العين الناقصة؛ لأنّ تلك الأجزاء مأذون في إتلافها، فلا تكون مضمونةً، إلّا أن يتعدّي فيتلف بعض الأجزاء بالتعدّي فيضمن، بخلاف ما إذا لم يتعدّ؛ لأنّ الإذن في الاستعمال تضمّنه، و لو تلفت قبل الاستعمال و هي مضمونة أو أتلفها وجب عليه قيمة العين تامّةً.

لا يقال: إنّه مأذون له في إتلاف الأجزاء، و إلّا سقط عنه ضمانها.

ص: 278


1- المغني 357:5 و 358، الشرح الكبير 368:5.

لأنّا نقول: الأجزاء إنّما يسقط ضمانها إذا أتلفها مفردةً عن العين علي وجه الاستعمال، فأمّا إذا أتلفها بتلف العين فإنّه يضمنها؛ لأنّه لا يمكن تميّزها من العين في الضمان.

مسألة 117: إذا استعمل العارية المضمونة فنقص بعض أجزائها

ثمّ تلفت و هي من ذوات القِيَم، وجبت القيمة يوم التلف؛ لأنّها لو كانت باقيةً في تلك الحال و ردّها لم يجب عليه شيء، فإذا تلفت وجب مساويها في تلك الحال، و لأنّ الأجزاء التي تلفت بالاستعمال تلفت غير مضمونةٍ؛ لأنّه أذن في إتلافها بالاستعمال، فلا يجوز تقويمها عليه، و هو أحد أقوال الشافعي.

و الثاني: إنّ عليه أقصي القِيَم من يوم القبض إلي حين التلف؛ لأنّه لو تلف في حال زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة، فأشبه المغصوب.

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه يقتضي إيجاب ضمان الأجزاء التالفة بالاستعمال، و هي غير مضمونةٍ.

و الثالث: إنّه يجب عليه قيمتها يوم القبض؛ تشبيهاً بالقرض(1).

و القائل بالثاني يمنع من كون الأجزاء غير مضمونةٍ علي الإطلاق، و يقول: إنّما لا يضمن إذا ردّ العين(2).

و اعلم أنّه فرقٌ بين المغصوب و المستعار؛ لأنّ المغصوب يجب ردّه في كلّ حالٍ، منهيّ عن الإمساك في كلّ وقتٍ، فلهذا ضمن بأعلي القِيَم، و أمّا المُستعير فإنّ الردّ لا يجب عليه حالة الزيادة، فافترقا.

و يُبني علي هذا الخلاف أنّ الجارية المستعارة مع الضمان إذا ولدت

ص: 279


1- الوسيط 370:3، العزيز شرح الوجيز 377:5، روضة الطالبين 77:4.
2- العزيز شرح الوجيز 377:5.

في يد المُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده ؟ إن قلنا: إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب(1) ، كان مضموناً عليه، و إلّا فلا. و ليس له استعماله إجماعاً.

و هذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ علي وجه السوم.

لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة: إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ(2).

و قال غيره: الأصحّ كهو في العارية(3).

و هذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.

مسألة 118: لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال،

مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس، فالوجه: ضمان العين وقت التلف؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ، و الإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلي استعمالٍ غير مُتلفٍ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء؛ لأنّه إتلاف استند إلي فعلٍ مأذونٍ فيه(2).

و علي الأوّل لهم وجهان:

أحدهما: كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف، و هو آخر حالات التقويم.

ص: 280


1- الظاهر: «ضمانَ الغصب». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 377:5، روضة الطالبين 77:4.
2- التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 456:6، العزيز شرح الوجيز 377:5، روضة الطالبين 77:4.

و الثاني: إنّه تُضمن العين بجميع أجزائها(1).

مسألة 119: قد مضي البحث في ضمان العين،

و أمّا ضمان الأجزاء فإن تلف منها شيء بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللُّبْس المأذون فيه، لم يلزم المُستعير ضمانه؛ لحدوثه عن سببٍ مأذونٍ فيه، و هو قول الشافعيّة(2).

و لهم وجهٌ آخَر ضعيف: إنّه يلزمه الضمان؛ لأنّ العارية مؤدّاة، فإذا تلف بعضها فقد فات ردّه، فيضمن بدله(3).

و المعتمد: الأوّل.

و أمّا إن تلف من الأجزاء شيء بغير الاستعمال، فإن كانت العين مضمونةً كان المُستعير ضامناً للأجزاء، و إلّا كانت أمانةً كالعين، كما لو تلفت العين بأسرها، و هو أصحّ قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّه لا يجب ضمانها علي المُستعير، كما لو تلفت بالاستعمال، و يكتفي بردّ الباقي(2).

و اعلم أنّ تلف الدابّة بسبب الركوب و الحمل المعتاد كانمحاق الثوب، و تعيّبها بالركوب أو الحمل و شبهه كالانسحاق.

و لو قرّح ظهرها بالحمل و تلفت منه، قال بعض الشافعيّة: يضمن، سواء كان متعدّياً بما حمل أو لا؛ لأنّه إنّما أذن له في الحمل، لا في الجراحة، و ردُّها إلي المالك لا يُخرجه عن الضمان؛ لأنّ السراية تولّدت من مضمونٍ، فصار كما لو قرّح دابّة الغير في يده(3).

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 377:5، روضة الطالبين 78:4. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 378:5، روضة الطالبين 78:4.
2- التهذيب - للبغوي - 280:4-281، العزيز شرح الوجيز 378:5، روضة الطالبين 78:4.
3- العزيز شرح الوجيز 378:5، روضة الطالبين 78:4.

و فيه نظر.

مسألة 120: المستأجر يملك المنفعة ملكاً تامّاً،

و لهذا جاز له أن يؤجر العين مدّة إجارته، و المنفعة قابلة للنقل، فجاز أن يعيرها، فإذا استعار من المستأجر أو الموصي له بالمنفعة، كان حكمها حكم العارية من المالك في الضمان و عدمه.

و الشافعي القائل بالضمان في مطلق العارية له هنا قولان:

أحدهما: إنّه يضمن المُستعير هنا، كما لو استعار من المالك.

و الثاني - و هو الأصح عنده -: إنّه لا يضمن؛ لأنّ المستأجر لا يضمن، و هو نائب المستأجر، أ لا تري أنّه إذا انقضت مدّة الإجارة ارتفعت العارية و استقرّت الإجارة علي المستأجر بانتفاع المُستعير.

و مئونة الردّ في هذه الاستعارة علي المُستعير إن ردّ علي المستأجر، و علي المالك إن ردّ عليه، كما لو ردّ عليه المستأجر(1).

مسألة 121: إذا استعار من الغاصب العينَ المغصوبة و كان عالماً أو جاهلاً ثمّ قامت البيّنة بالغصب، لم يجز له ردّها علي المُعير؛

لأنّه ظالم، و وجب عليه ردّها إلي مالكها، فإن كان قد استعملها المُستعير مدّةً لمثلها أُجرة كان للمغصوب منه الرجوعُ بأُجرة مثلها علي أيّهما شاء.

و كذا إن نقص شيء من أجزائها، فله الرجوع بقيمة ذلك؛ لأنّ الغاصب ضمنها باليد المتعدّية، و المُستعير أتلف منافع الغير بغير إذنه، و أتلف أجزاء عينه.

فإن رجع علي المُستعير، فالأقرب: إنّه لا يرجع علي المُعير؛ لأنّ

ص: 282


1- التهذيب - للبغوي - 281:4-282، العزيز شرح الوجيز 378:5، روضة الطالبين 78:4.

التلف وقع في يده، و لأنّه ضمن ما أتلفه، و لا يرجع به علي غيره، و هو القول الجديد للشافعي.

و قال في القديم: يرجع عليه - و به قال أحمد - لأنّه غرّه بأنّه دخل في العارية علي أنّه لا يضمن المنفعة و الأجزاء(1).

و إن رجع علي المُعير، فهل يرجع المُعير علي المُستعير؟ يبني علي القولين، إن قلنا: لو رجع علي المُستعير رجع به علي المُعير، فإنّ المُعير لا يرجع به، و إن قلنا: لو رجع علي المُستعير لم يرجع به، فإنّ المُعير يرجع به.

فأمّا إن تلفت العين في يد المُستعير، فإنّ لصاحبها أن يرجع علي مَنْ شاء منهما بقيمتها، و [قرار](2) الضمان علي المُستعير؛ لأنّ المال حصل في يده بجهةٍ مضمونة.

ثمّ إن تساوت القيمة في يده و يد الغاصب فلا بحث، و إن تفاوتت فإن كانت قيمتها في يد المُستعير يوم التلف أكثر، فإن رجع المالك بها علي المُستعير لم يرجع المُستعير بها علي المُعير قولاً واحداً؛ لأنّ العارية مضمونة علي المُستعير.

و إن كانت قيمتها في يد المُعير أكثر، لم يطالب المالكُ المُستعيرَ بالزيادة؛ لأنّها تلفت في يد المُعير و لم يحصل في يده، و إنّما يطالب بالزيادة المُعير؛ لأنّها تلفت في يده.4.

ص: 283


1- حلية العلماء 194:5، البيان 457:6-458، و انظر: المغني 414:5-415، و الشرح الكبير 423:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ث»: «من». و في «ج» و الطبعة الحجريّة: «من أنّ». و كلاهما ساقط في «خ، ر». و المثبت من العزيز شرح الوجيز 378:5، و روضة الطالبين 78:4.

و إذا طالَب المالك بغرامة المنافع، فإن طالَب المُستعير غُرْمها، فالمنفعة التي تلفت تحت يده قرار ضمانها علي المُعير؛ لأنّ يد المُستعير الجاهل في المنافع ليست يدَ ضمانٍ، و التي استوفاها بنفسه الأقوي: إنّ الضمان يستقرّ عليه؛ لأنّه مباشر للإتلاف، و هو أظهر قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّ الضمان علي المُعير؛ لأنّه غرّه(1).

و المُستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم المُستعير من الغاصب إن قلنا بأنّ المُستعير من المستأجر ضامن، و إلّا فيرجع بالقيمة التي غرمها علي المستأجر، و يرجع المستأجر علي الغاصب.

مسألة 122: لو أنفذ وكيله إلي موضعٍ و سلّم إليه دابّةً ليركبها إليه في شغله

فتلفت الدابّة في يد الوكيل من غير تعدٍّ، لم يكن عليه ضمان، و هو ظاهرٌ عندنا؛ فإنّا لا نوجب الضمان علي المُستعير.

و أمّا الشافعي القائل بالضمان فإنّه نفاه هنا أيضاً؛ لأنّ الوكيل لم يأخذ الدابّة لغرض نفسه، بل لنفع الموكّل، فالمُستعير في الحقيقة المالك(2).

و كذا لو سلّم الدابّة إلي الرائض ليروضها(3) فتلفت، لم يضمن؛ لأنّه في مصلحة المالك.

و كذا لو كان له عليها متاع فأركب إنساناً غيره فوق ذلك المتاع ليحفظه و يحترز عليه، فتلفت الدابّة، لم يكن علي الراكب ضمان؛ لأنّه في شغل المالك.

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 379:5، روضة الطالبين 79:4.
2- الوسيط 371:3، الوجيز 204:1، التهذيب - للبغوي - 287:4، العزيز شرح الوجيز 379:5، روضة الطالبين 79:4.
3- راض الدابّة يروضها: وطّأها و ذلّلها أو علّمها السير. لسان العرب 164:7 «روض».

و لو وجد ماشياً في الطريق قد تعب من المشي فأركبه دابّته، فعندنا لا ضمان إذا لم يتعدّ؛ بناءً علي أصلنا من عدم تضمين العارية.

و أمّا عند الشافعي فالمشهور أنّ الراكب يضمن، سواء التمس الراكب الركوبَ للاستراحة، أو ابتدأ المالك بإركابه؛ لأنّها عارية محضة، و العارية علي أصله مضمونة(1).

و قال الجويني من الشافعيّة: إنّه لا يضمن الراكب؛ لأنّ القصد من هذه العارية التصدّق و القربة، و الصدقات في الأعيان تفارق الهبات، أ لا تري أنّه يرجع في الهبة و لا يرجع في الصدقة، فلذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواريّ في الضمان(2).

و لو أركبه مع نفسه، فلا ضمان عندنا علي الرديف. و علي قول الشافعي إنّه يضمن النصف(3).

و قال الجويني: لا يلزمه شيء؛ تشبيهاً له بالضيف(4).

و علي الأوّل لو وضع متاعه علي دابّة غيره و أمره أن يسيّر بالدابّة ففعل، كان صاحب المتاع مستعيراً من الدابّة بقسط متاعه ممّا عليها، حتي لو كان عليها مثل متاعه و تلفت ضمن نصف الدابّة(5).

و لو لم يقل صاحب المتاع: سيِّرها، و لكن سيَّرها المالك، لم يكن صاحب المتاع مستعيراً، و ضمن صاحب الدابّة المتاعَ؛ لأنّه كان من حقّه أن4.

ص: 285


1- الوسيط 371:3، الوجيز 204:1، التهذيب - للبغوي - 287:4، العزيز شرح الوجيز 379:5-380، روضة الطالبين 79:4.
2- العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 79:4.
3- الوسيط 372:3، التهذيب - للبغوي - 287:4، العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 79:4. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 79:4.

يطرح المتاع.

و لو كان لأحد الرفيقين في السفر متاع و للآخَر دابّة، فقال صاحب المتاع للآخَر: احمل متاعي علي دابّتك، ففَعَل، فصاحب المتاع مستعير لها.

و لو قال صاحب الدابّة: أعطني متاعك لأضعه علي الدابّة، فهو مستودع للمتاع.

و لا تدخل الدابّة في ضمان صاحب المتاع في الصورتين عندنا، و في الثانية عند الشافعي(1).

مسألة 123: تجوز استعارة الدابّة للركوب و الحمل،

سواء أطلق أو قيّد بالزمان أو المنفعة، و أن يستعيرها ليركبها؛ لأنّه تجوز إجارتها لذلك، و الإعارة أوسع؛ لجوازها فيما لا تجوز إجارته، فإن استعارها إلي موضعٍ فتجاوزه فقد تعدّي في العارية من وقت المجاوزة، و كان ضامناً من حين العدوان، و مطلقاً عند الشافعي(2) ، فإذا استعارها من بغداد إلي الحلّة فتجاوزها إلي الكوفة، فعليه أُجرة ما بين الحلّة و الكوفة ذهاباً و عوداً.

و هل تلزمه الأُجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان - و هو الحلّة - إلي أن يرجع إلي البلد الذي استعار منه، و هو بغداد؟ الأقرب:

العدم؛ لأنّه مأذون فيه من جهة المالك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: اللزوم؛ لأنّ ذلك الإذن قد انقطع بالمجاوزة(3). و هو ممنوع.

ص: 286


1- التهذيب - للبغوي - 287:4، العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 80:4.
2- راجع الهامش (4) من ص 273.
3- العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 80:4.

إذا عرفت هذا، فلو شرط الضمان في العارية أو أطلق و قلنا بضمان العواري، فإنّ الدابّة تكون مضمونةً عليه إلي الحلّة ضمانَ العارية، و لا أُجرة عليه؛ لأنّه مأذون له في ركوبها، فإذا جاوز ضمنها ضمانَ الغصب، و وجب عليه أُجرة منافعها، فإذا ردّها إلي الحلّة لم يزل عنه الضمان، و به قال الشافعي(1).

و أبو حنيفة يقول: إنّها أمانة إلي الحلّة، فإذا جاوزها كانت مغصوبةً، فإذا ردّها إلي الحلّة لم يزل ضمان الغصب، بخلاف قوله في الوديعة إذا أخرجها من حرزها ثمّ ردّها إليه(2).

إذا ثبت هذا، فعلي قول الشافعي بانقطاع الإذن من حين التعدّي ليس له الركوب من الحلّة إلي بغداد، بل يسلّم الدابّة إلي حاكم الحلّة الذي استعار إليه(3).

مسألة 124: إذا دفع إليه ثوباً و قال: إن شئت أن تلبسه فالبسه،

فهو قبل اللُّبْس وديعة، و بعده عارية، و هو المشهور عند الشافعيّة(4).

و لهم وجهٌ آخَر مخرَّج من السوم؛ لأنّه مقبوض علي توقّع الانتفاع، فكما أنّ المأخوذ علي سبيل السوم مقبوض علي توقّع عقد ضمانٍ، كذا هنا.

ص: 287


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 444/273:1، البيان 460:6.
2- بدائع الصنائع 216:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 384:3، المبسوط - للسرخسي - 145:11، الهداية - للمرغيناني - 237:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 444/273:1، بحر المذهب 14:9، و راجع أيضاً الهامش (2) من ص 160.
3- التهذيب - للبغوي - 288:4، العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 80:4.
4- العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 80:4.

قال هذا القائل: لو قيل: لا ضمان في السوم أيضاً تخريجاً ممّا نحن فيه، لم يبعد(1).

و لو استعار صندوقاً فوجد فيه شيئاً، فهو أمانة عنده، كما لو طيّر الريح الثوبَ في داره، فلا ضمان فيه و إن كانت العارية مضمونةً، إلّا مع التفريط أو التعدّي.

مسألة 125: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يستعير الصيد،

فإن استعاره من المُحلّ لم يجز، فإن قبضه ضمنه للّه تعالي بالجزاء، و لصاحبه ضمان العارية.

فإن استعار مُحلٌّ من مُحْرمٍ صيداً كان يملكه قبل أن يُحرم، كان ذلك مبنيّاً علي القولين في زوال ملكه عنه بالإحرام.

فإن قلنا: لمّا أحرم زال ملكه عنه بالإحرام، فقد وجب عليه إرساله، فإذا دفعه إلي المُحلّ لم يجز له، إلّا أنّ المُحلّ لا يضمنه له؛ لأنّه ليس يملكه، و لا يضمنه للّه تعالي؛ لأنّه مأذون له في إتلاف الصيد، إلّا أنّه إذا تلف ضمنه المُحْرم؛ لأنّه تلف بسببٍ من جهته، و هو تسليمه إلي المُحلّ.

و إن قلنا ببقاء ملك المُحْرم فيه، جاز له إعارته، و يكون مضموناً علي المُحلّ ضمانَ العارية لصاحبه.

و لو كان المُحْرم في الحرم و الصيد فيه، لم يجز له إعارته، و لا للمُحلّ استعارته.

مسألة 126: إذا ردّ المُستعير العاريةَ إلي مالكها أو إلي وكيله، برئ من ضمانها.

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 380:5، روضة الطالبين 80:4.

و إن ردّها إلي ملك مالكها بأن حمل الدابّةَ إلي اصطبل المالك و أرسلها فيه، أو ردّ آلةَ الدار إليها، لم يزل عنه الضمان، و به قال الشافعي(1) ، بل عندنا إن لم تكن العارية مضمونةً فإنّها تصير بهذا الردّ مضمونةً؛ لأنّه لم يدفعها إلي مالكها، بل فرّط بوضعها في موضعٍ لم يأذن له المالك بالردّ إليه، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها فتلفت قبل أن يتسلّمها المالك؛ لأنّه لم يردّها إلي صاحبها و لا إلي مَنْ ينوب عنه، فلم يحصل به الردّ، كما لو ردّها إلي أجنبيٍّ.

و قال أبو حنيفة: إذا ردّها إلي ملك المالك، صارت كأنّها مقبوضة؛ لأنّ ردّ العواري في العادة يكون إلي أملاك أصحابها، فيكون ذلك مأذوناً فيه من طريق العادة(2).

و هو غلط؛ لأنّه يبطل بالسارق إذا ردّ المسروق إلي الحرز، و لا نعرف العادة التي ذكرها، فبطل ما قاله.

المبحث الثالث: في التنازع.
مسألة 127: إذا اختلف المالك و المُستعير، فقال المالك: آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا،

و قال المُستعير: بل أعرتنيها، و العين باقية بعد انقضاء المدّة بأسرها أو بعضها ممّا له أُجرة في العادة، قال الشيخ رحمه الله في الخلاف:

ص: 289


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 272:1-443/273، الحاوي الكبير 131:7، المهذّب - للشيرازي - 371:1، حلية العلماء 193:5، البيان 460:6، روضة الطالبين 91:4، روضة القُضاة 3173/535:2.
2- الاختيار لتعليل المختار 83:3، روضة القُضاة 3172/535:2، الفقه النافع 675/949:3، المبسوط - للسرخسي - 144:11، الهداية - للمرغيناني - 223:3، الحاوي الكبير 131:7، البيان 460:6.

القول قول المُستعير - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّهما اتّفقا علي أنّ تلف المنافع كان علي ملك المُستعير؛ لأنّ المالك يزعم أنّه ملَّكها بالإجارة، و المُستعير يزعم أنّه مَلَكها بالاستيفاء؛ لأنّ المُستعير يملك بذلك، و قد ادّعي عليه عوض ما تلف علي ملكه، و الأصل عدم وجوبه، فكان القولُ قولَه، و لأنّ الأصل براءة الذمّة، و المالك يدّعي شغلها، فيحتاج إلي البيّنة(2).

و قال مالك: القول قول المالك مع اليمين؛ لأنّ المنافع جارية مجري الأعيان، و قد ثبت أنّه لو كان أتلف عليه عيناً كما لو أكل طعامه و قال: كنتَ أبحتَه لي، و أنكر المالك، فإنّ القول قول المالك، أو كانت في يده و ادّعي أنّه وهبها منه و أنكر صاحبها ذلك و ادّعي أنّه باعها منه: إنّ القول قول صاحبها، كذا هنا، و لأنّ المنافع تابعة للأعيان في الملك، فهي بالأصالة لمالك العين، فادّعاء المُستعير التفرّدَ بالملكيّة لها علي خلاف الأصل، فيحتاج إلي البيّنة(3).

و أمّا الشافعي فقد قال في كتاب العارية: إنّه إذا اختلف مالك الدابّة و راكبها، فقال صاحبها: آجرتكها بكذا، و قال الراكب: أعرتنيها و لا أُجرة لك علَيَّ، فالقول قول الراكب(4).2.

ص: 290


1- روضة القُضاة 3198/539:2، المبسوط - للسرخسي - 149:11، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 385:3، بحر المذهب 16:9، البيان 474:6، العزيز شرح الوجيز 391:5، المغني و الشرح الكبير 371:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 454/276:1.
2- الخلاف 388:3، المسألة 3 من كتاب العارية.
3- النوادر و الزيادات 462:10، بحر المذهب 15:9، حلية العلماء 204:5، البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 391:5، المغني و الشرح الكبير 371:5.
4- الأُم 245:3، مختصر المزني: 116 و 130، الحاوي الكبير 121:7 و 472، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 454/276:1، المهذّب - للشيرازي - 373:1، بحر المذهب 15:9، الوسيط 377:3، الوجيز 205:1، حلية العلماء 204:5، التهذيب - للبغوي - 288:4، البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 390:5، روضة الطالبين 88:4، المغني و الشرح الكبير 371:5، روضة القُضاة 3199/539:2.

و قال في كتاب المزارعة: و لو اختلف الزارع و صاحب الأرض، و ادّعي صاحب الأرض أنّه آجره إيّاها، و ادّعي الزارع أنّه أعاره إيّاها: إنّ القولَ قولُ صاحب الأرض(1).

و اختلف أصحابه في ذلك:

فقال أبو إسحاق و جماعة: إنّه لا فرق بين المسألتين، و إنّ فيها قولين، و نقلوا جوابه من كلّ واحدةٍ منهما إلي أُخري(2).

و منهم مَنْ قال: إنّ المسألتين مختلفتان، و فرّق بينهما بأنّ العادة جارية بأنّ الدوابّ تُعار، فكان الظاهر مع الراكب، و لم تَجْر العادة بإعارة الأرضين، فكان الظاهر مع صاحبها(3).

قال الأوّلون: هذا ليس بصحيحٍ؛ لأنّ مثل هذه العادة لا اعتبار بها في التداعي، و لهذا لو اختلف العطّار و الدبّاغ في آلة العطر لا يُرجّح قول العطّار5.

ص: 291


1- مختصر المزني: 130، الحاوي الكبير 121:7 و 472، المهذّب - للشيرازي - 373:1، بحر المذهب 15:9، الوجيز 205:1، الوسيط 377:3، حلية العلماء 204:5، التهذيب - للبغوي - 288:4، البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 390:5، روضة الطالبين 88:4، روضة القُضاة 3200/539:2.
2- الحاوي الكبير 121:7 و 472-473، المهذّب - للشيرازي - 373:1، بحر المذهب 15:9، حلية العلماء 204:5، البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 391:5.
3- الحاوي الكبير 122:7 و 473، المهذّب - للشيرازي - 373:1، بحر المذهب 15:9، حلية العلماء 204:5، البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 390:5.

و إن كانت العادة جاريةً بأنّ آلة العطّار لا تكون للدبّاغ.

و فرّقوا بين هذه المسألة و بين ما إذا غسل ثوبه غسّال أو خاطه خيّاط ثمّ قال: فعلتُه بالأُجرة، و قال المالك: بل فعلتَ ذلك مجّاناً، فإنّ القول قول المالك مع يمينه قولاً واحداً؛ لأنّ الغسّال فوّت منفعة نفسه ثمّ ادّعي لها عوضاً علي الغير، و هناك المتصرّف فوّت منفعة مال الغير و أراد إسقاط الضمان عن نفسه، فلم يُقبل(1).

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: القول قول المُستعير، فحلف علي نفي الإجارة، كفاه، و سقط عنه المطالبة، و ردّ العين، و إن نكل حلف المالك، و استحقّ بيمينه المسمّي؛ لأنّ اليمين مع النكول إمّا أن تكون بمنزلة البيّنة أو الإقرار، و أيّهما كان يثبت به المسمّي، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجهٌ آخَر ضعيف: إنّه يستحقّ أُجرة المثل؛ لأنّ الناكل ينفي أصل الإجارة، فتقع يمين المدّعي علي إثباته(3).

و ليس هذا الوجه عندي بعيداً من الصواب.

و إن قلنا: القول قول المالك مع يمينه، فإنّه يحلف علي نفي الإعارة التي تدّعي عليه، و لا يتعرّض لإثبات الإجارة؛ لأنّه مدّعٍ فيها، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

فحينئذٍ إذا حلف علي نفي الإعارة، فالأقوي عندي: إنّ المُستعير يحلف علي نفي الإجارة، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من أُجرة4.

ص: 292


1- التهذيب - للبغوي - 289:4، العزيز شرح الوجيز 391:5.
2- الحاوي الكبير 122:7، بحر المذهب 16:9، التهذيب - للبغوي - 289:4، البيان 475:6، العزيز شرح الوجيز 392:5.
3- البيان 475:6، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 88:4.
4- الوسيط 377:3، العزيز شرح الوجيز 391:5، روضة الطالبين 88:4.

المثل و المسمّي؛ لأنّه إن كانت أُجرة المثل أقلَّ فهو لم يُقم حجّةً علي الزيادة، و إن كان المسمّي أقلَّ فقد أقرّ بأنّه لا يستحقّ الزيادة.

و قال بعض الشافعيّة: إذا حلف المالك علي نفي الإعارة، استحقّ أقلَّ الأمرين من أُجرة المثل و المسمّي إن لم يحلف المُستعير.

قال: و إن قلنا: إنّ المالك يحلف علي إثبات الإجارة و نفي الإعارة و يجمع بينهما في يمينه، ففيما يستحقّه وجهان:

أحدهما: المسمّي إتماماً لتصديقه.

و أظهرهما - و هو مقتضي منصوص الشافعي في الأُم(1) - أُجرة المثل؛ لأنّهما لو اتّفقا علي الإجارة و اختلفا في الأُجرة كان الواجب أُجرة المثل، فإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولي(2).

و الجويني حكي الوجه الثاني علي غير ما ذكر، بل حكي بدله: إنّه يستحقّ أقلَّ الأمرين؛ لما(3) تقدّم.

قال: و التعرّض للإجارة علي هذا ليس لإثبات المال الذي يدّعيه، لكن لينتظم كلامه من حيث إنّه اعترف بأصل الإذن، فحصل فيما يستحقّه ثلاثة أوجُه(4).

و لو نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه، لم تُردّ اليمين علي الراكب و الزارع؛ لأنّهما لا يدّعيان حقّاً علي المالك حتي يُثبتاه باليمين، و إنّما يدّعيان الإعارة، و ليست حقّاً لازماً علي المُعير.5.

ص: 293


1- الأُم 245:3.
2- العزيز شرح الوجيز 391:5، روضة الطالبين 88:4.
3- الظاهر: «كما» بدل «لما».
4- العزيز شرح الوجيز 391:5.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها تُردّ؛ ليتخلّص من الغرم(1).

مسألة 128: لو وقع هذا الاختلاف عقيب العقد قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أجر،

فالقول هنا قول المُستعير مع اليمين، فإذا حلف علي نفي الإجارة سقط عنه دعوي الأُجرة، و استردّ المالك العين، و إن نكل حلف المالك اليمينَ المردودة، و استحقّ الأُجرة.

و هذا قول الشافعي أيضاً، و لا قول له سواه؛ لأنّ الراكب هنا لا يدّعي لنفسه حقّاً و لا أتلف المنافع علي المالك، و المدّعي في الحقيقة هنا هو المالك، و إذا تمحّضت الدعوي له لم يتعدّد قوله كما يتعدّد في الصورة الأُولي؛ لأنّ المنافع هناك تلفت تحت يد الراكب، و كان القول بسقوطها مجّاناً بعيداً، فلهذا كان له في الصورة الأُولي قولان(2).

مسألة 129: لو حصل هذا الاختلاف بعد تلف العين،

فإن تلفت عقيب الأخذ قبل أن يثبت لمثلها أُجرة و شرط في العارية الضمان أو قلنا به علي مذهب القائلين بضمان العارية، فلا معني للاختلاف؛ لأنّ صاحبها يدّعي الإجارة و قد انفسخت بتلفها، و المُستعير يُقرّ بالقيمة و يعترف باستحقاقها في ذمّته، و المالك ينكرها، فليس للمالك حينئذٍ المطالبة بها.

و لو لم نقل بالضمان في العارية و لا شرطه المالك، فلا بحث هنا؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعترف ببراءة ذمّة المُستعير.

و إن تلفت بعد مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة مع شرط الضمان أو القول به، فالمُستعير يُقرّ بالقيمة، و المالك ينكرها و يدّعي الأُجرة، فيبني علي الخلاف بين العامّة في أنّ اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ؟

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 391:5، روضة الطالبين 88:4.
2- البيان 473:6، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 88:4.

إن قلنا: نعم، سقطت القيمة بردّه، و القول في الأُجرة قول المالك أو المُستعير علي الخلاف الذي تقدّم في الحالة الأُولي.

و إن قلنا: إنّ اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ، فإن كانت الأُجرة مثلَ القيمة أو أقلَّ أخذها بغير يمينٍ، و إن كانت أكثر أخذ قدر القيمة، و في المصدّق في الزيادة الخلافُ المتقدّم(1).

مسألة 130: لو انعكس هذا الاختلاف، فادّعي المالكُ الإعارةَ، و المتصرّفُ الإجارةَ،

فإن كانت العين باقيةً و كان الاختلاف عقيب التسليم قبل مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة، كان القولُ قولَ المالك؛ لأنّ المتصرّف يدّعي عليه عقداً و استحقاق منفعةٍ، و المالك ينكره، و إذا لم تكن بيّنة كان القولُ قولَ المنكر مع اليمين، ثمّ تُستردّ العين.

و إن نكل حلف المتصرّف، و استحقّ المنفعة المدّة و الإمساك طولها.

و إن كان بعد مضيّ مدّة الإجارة، فلا معني للاختلاف؛ لأنّهما اتّفقا علي وجوب ردّها، و المتصرّف يُقرّ للمالك بالأُجرة، و المالك ينكرها.

و إن كان بعد مضيّ بعض المدّة، فالقول قول المالك؛ لأنّ الأصل عدم استحقاق الغير منفعة مال الغير، فإذا حلف علي نفي الإجارة أخذ العين، و ليس له مطالبته بالأُجرة عمّا مضي من المدّة؛ لأنّه ينكرها و المتصرّف معترف له بها.

هذا إذا كان الاختلاف و العين باقية، و أمّا إن اختلفا و العين تالفة، فإن كان الاختلاف عقيب القبض قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة، فالمالك هنا يدّعي قيمتها علي المتصرّف مع شرط الضمان عندنا، و مطلقاً عند

ص: 295


1- التهذيب - للبغوي - 289:4، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 89:4.

الشافعي(1) ، و المتصرّف ينكرها، فيُقدَّم هنا قول المالك مع اليمين؛ لأنّهما اختلفا في صفة القبض، و الأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمانُ؛ لقوله عليه السلام: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه»(2).

و إن كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة، فالمتصرّف يُقرّ بالأُجرة، و المالك يدّعي عليه القيمة في المضمونة، فإن كانت القيمة بقدر الأُجرة دفع إليه من غير(3) يمينٍ؛ لاتّفاقهما علي استحقاق ذلك المقدار، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: لا تثبت الأُجرة؛ لأنّه لا يدّعيها، و يكون القولُ قولَه في وجوب القيمة(5).

و إن كانت أقلَّ، كان في قدرها الوجهان.

و إن كانت أكثر، كان قدر الأُجرة منهما علي الوجهين، و الباقي يستحقّه بيمينه.

و إن كان التلف في أثناء المدّة، فقد أقرّ له ببعض الأُجرة، و هو يدّعي القيمة، و الحكم في ذلك علي ما ذكر.

مسألة 131: لو ادّعي المالكُ الغصبَ، و المتصرّفُ الإعارةَ و العين باقية قائمة، و لم تمض مدّة لمثلها أُجرة، فلا معني لهذا الاختلاف؛

إذ لم تفت العين و لا المنفعة، و يردّ المتصرّفُ العينَ إلي المالك.

و إن مضت مدّة لمثلها أُجرة، فالأقوي: إنّ القولَ قولُ المالك مع

ص: 296


1- راجع الهامش (4) من ص 273.
2- تقدّم تخريجه في ص 271، الهامش (2).
3- في «ج»: «بغير» بدل «من غير». (4 و 5) البيان 476:6.

يمينه؛ لما تقدّم(1) من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان في التملّك، فالقول قول مَنْ يدّعيها مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأنّ المتصرّف يدّعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة و براءة ذمّته من التصرّف في مال الغير، فعليه البيّنة.

و قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: القول قول المتصرّف - و هو أحد أقوال الشافعي نقله المزني عنه(2) - لأنّ المالك يدّعي عليه عوضاً، و الأصل براءة ذمّته منه، و لأنّ الظاهر من اليد أنّها بحقٍّ، فكان القولُ قولَ صاحبها(3).

و ليس بجيّدٍ؛ لما بيّنّا من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان، و لأصالة عدم الإذن، و كما أنّ الظاهر أنّ اليد بحقٍّ، كذا الظاهر التبعيّة.

و لأصحاب الشافعي هنا ثلاثة طُرق:

أظهرها: إنّ الحكم هنا علي ما تقدّم في المسألة السالفة، فيُفرّق بين الدابّة و الأرض علي طريقٍ، و يُجعلان علي قولين في طريقٍ؛ لأنّ المالك ادّعي أُجرة المثل هنا، كما ادّعي المسمّي في الإجارة هناك، و الأصل براءة الذمّة.

و الثاني: القطع بأنّ القول قول المالك، بخلاف تلك المسألة؛ لأنّهما متّفقان علي الإذن هناك، و هنا المالك منكر له، و الأصل عدمه. و مَنْ قال بهذا خطّأ المزني في النقل.

قال أبو حامد: لكنّه ضعيف؛ لأنّ الشافعي نصّ في الأُمّ علي ما رواهة.

ص: 297


1- في ص 290.
2- مختصر المزني: 116، الحاوي الكبير 123:7، المهذّب - للشيرازي - 373:1، التهذيب - للبغوي - 290:4، البيان 477:6، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 89:4، المغني 373:5، الشرح الكبير 374:5.
3- الخلاف 389:3، المسألة 5 من كتاب العارية.

المزني(1).

و الثالث: القطع بأنّ القول قول المتصرّف؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يتصرّف إلّا علي وجهٍ جائز(2).

هذا إذا تنازعا و العين باقية.

مسألة 132: لو وقع هذا الاختلاف و قد تلفت العين،

فإن هلكت بعد انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة، فالمالك يدّعي أُجرة المثل و القيمة بجهة الغصب، و المتصرّف يُنكر الأُجرة و يُقرّ بالقيمة بجهة العارية إن كانت مضمونةً، فالحكم في الأُجرة علي ما تقدّم عند بقاء العين.

و أمّا القيمة فإنّه يُحكم فيها بقول المتصرّف؛ لأصالة براءة ذمّته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا علي الغاصب أعلي القِيَم.

و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا: إنّ اختلاف الجهة يمنع الأخذ، فلا يأخذ المالك إلّا باليمين. و إن قلنا: لا يمنع فإن قلنا: العارية تُضمن ضمانَ الغصب، أو لم نقل به لكن كانت قيمته يوم التلف أكثر، أخذها باليمين، و إن كانت قيمته يوم التلف أقلَّ، أخذها بغير يمينٍ، و في الزيادة يحتاج إلي اليمين(3).

و إن هلكت عقيب القبض قبل مضيّ وقتٍ يثبت لمثله أُجرة، لزمه القيمة.

ص: 298


1- البيان 477:6، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 89:4، و راجع الأُم 245:3، و مختصر المزني: 116.
2- البيان 477:6، العزيز شرح الوجيز 392:5، روضة الطالبين 89:4.
3- العزيز شرح الوجيز 393:5، روضة الطالبين 89:4.

ثمّ قياس القول الأوّل أن يقال: إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من الأخذ، حلف، و إلّا أخذ بغير يمينٍ.

و قضيّة ما قاله الجويني في مسألة التنازع بين الإجارة و العارية: إنّه لا يُخرّج علي ذلك الخلاف لا هذه الصورة و لا ما إذا كان الاختلاف بعد مضيّ مدّةٍ يثبت لمثلها أُجرة.

قال: لأنّ العين متّحدة، و لا وَقْع للاختلاف في الجهة مع اتّحاد العين(1).

و الظاهر: الأوّل عندهم(2).

و إن كانت العارية غيرَ مضمونةٍ، فإنّ القولَ قولُ المالك في عدم الإعارة، و قولُ المتصرّف في عدم الغصب لئلّا يضمن ضمانَ الغصب، ثمّ يثبت علي المتصرّف بعد حلف المالك علي نفي الإعارة قيمتُها وقت التلف.

مسألة 133: لو انعكس الفرض، فقال المالك: أعرتُكها، و قال المتصرّف: بل غصبتُها، فلا فائدة في هذا الخلاف؛

لأنّ المتصرّف يُقرّ بالضمان، و المالك يُنكره إن كانت العارية غير مضمونةٍ، و إن كانت مضمونةً فإنّه يُنكر ضمان الغصب.

و إن مضت مدّة لمثلها أُجرة، فالمالك ينفي استحقاق العوض عنها، و المتصرّف يعترف له بها.

و لو قال المالك: غصبتَها، و قال المتصرّف: بل آجرتني، فإن كانت العين باقيةً و لم تمض مدّة لمثلها أُجرة، فالأقوي: التحالف.

أمّا حلف المتصرّف علي نفي الغصب: فلنفي زيادة الضمان إن

ص: 299


1- العزيز شرح الوجيز 393:5، روضة الطالبين 89:4.
2- العزيز شرح الوجيز 393:5، روضة الطالبين 89:4.

أوجبنا أعلي القِيَم.

و أمّا حلف المالك: فلنفي استحقاق المتصرّف المنافع المدّة التي ادّعاها المتصرّف.

و قالت الشافعيّة - تفريعاً علي أصحّ الأقوال عندهم -: إنّه إن كانت العين باقيةً و لم تمض مدّة لمثلها أُجرة، قُدّم قول المالك، فإذا حلف استردّ المال، فإن مضت مدّة لمثلها أُجرة فالمالك يدّعي أُجرة المثل، و المتصرّف يُقرّ له بالمسمّي، فإن استويا أو كانت أُجرة المثل أقلَّ أخذه بغير يمينٍ، و إن كانت أُجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمّي بغير يمينٍ، و الزيادة باليمين(1).

قال بعض الشافعيّة: و لا يجيء هنا خلاف اختلاف الجهة، كما لو ادّعي المالك فسادَ الإجارة و المتصرّف صحّتَها، يحلف المالك، و يأخذ أُجرة المثل(2).

و إن كان الاختلاف بعد بقاء العين مدّةً في يد المتصرّف و تلفها، فالمالك يدّعي أُجرة المثل و القيمة، و المتصرّف يُقرّ بالمسمّي و يُنكر القيمة، فللمالك أخذُ ما يُقرّ به بغير يمينٍ و أخذُ ما ينكره باليمين.

و لو قال المالك: غصبتني، و قال المتصرّف: بل أودعتني، فالقول قول المالك مع اليمين إن لم نوجب أعلي القِيَم، و إن أوجبناه حلف كلٌّ منهما علي نفي ما ادّعاه الآخَر، و يثبت الضمان علي المتصرّف، فإن تلفت4.

ص: 300


1- الحاوي الكبير 124:7، المهذّب - للشيرازي - 374:1، التهذيب - للبغوي - 290:4، العزيز شرح الوجيز 393:5، روضة الطالبين 89:4-90.
2- التهذيب - للبغوي - 290:4، العزيز شرح الوجيز 393:5، روضة الطالبين 90:4.

العين أخذ المالك المثلَ إن كان مثليّاً، و القيمةَ إن كانت من ذوات القِيَم، و أُجرة المثل إن مضت مدّة لمثلها أُجرة.

مسألة 134: لو ادّعي المُستعير تلفَ العين و أنكر المالك، قُدّم قول المُستعير مع اليمين؛
اشارة

لأنّه مؤتمن، و ربما تعذّرت البيّنة عليه.

و لو ادّعي المُستعير الردَّ و أنكر المالك، قُدّم قول المالك مع اليمين؛ لأصالة عدم الردّ، و عدم براءة الذمّة بعد شغلها، فإنّ المُستعير يدّعي إسقاط ما ثبت في ذمّته.

و لو تنازعا في القيمة بعد وجوب الضمان بالتفريط أو التضمين، قُدّم قول المُستعير مع اليمين؛ لأنّه منكر لما يدّعيه المالك من الزيادة.

و لو تنازعا في التفريط و عدمه، قُدّم قول المُستعير؛ لأصالة براءة ذمّته و عدم الضمان.

فروع:
أ - قد بيّنّا أنّه ليس للمُستعير أن يعير، فإن فَعَل فللمالك الرجوعُ بأُجرة المثل علي مَنْ شاء منهما،

فإن رجع علي المُستعير لم يرجع المُستعير علي المُعير و إن كان جاهلاً علي إشكالٍ، و إن رجع علي المُعير كان له الرجوعُ علي المُستعير العالم، و في الجاهل إشكال، و كذا العين.

ب - لو انتفع المُستعير باستعمال العين بعد رجوع المالك في العارية، فإن كان عالماً برجوعه كان ضامناً للعين و المنفعة معاً.

و لو كان جاهلاً، احتُمل ذلك أيضاً؛ لأنّ الاستعمال منوط بالإذن و قد زال، و عدمُ الضمان.

ج - لو مات المُستعير، وجب علي ورثته ردّ العين و إن لم يطالب المُعير؛

لأنّه مالٌ حصل في يدهم لغيرهم، فيجب عليهم دفعه إليه.

ص: 301

مسألة 135: تجوز الإعارة للإرهان؛

لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء، فوجب تسويغها توسعةً علي المحاويج بالمباح.

قال ابن المنذر: أجمعوا علي أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه عند الرجل علي شيءٍ معلومٍ إلي وقتٍ معلومٍ فرهن ذلك علي ما أذن له فيه أنّ ذلك جائز؛ لأنّه استعاره ليقضي به حاجته، فصحّ كغيره من العواري(1).

و لا يعتبر العلم بقدر الدَّيْن و جنسه؛ لأنّ العارية لا يعتبر فيها العلم، و به قال أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي؛ لأنّها عامّة لجنسٍ من النفع، فلم يعتبر معرفة قدره، كعارية الأرض للزرع(2).

و قال الشافعي: يعتبر ذلك؛ لاختلاف الضرر به(3).

و هو ممنوع؛ فإنّ الزرع كذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّ المُعير لا يصير ضامناً للدَّيْن - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه [أعاره] ليقضي [منها](2) حاجته، فلم يكن ضامناً كسائر العواري.

و قال في الآخَر: إنّه يصير ضامناً له في رقبة عبده؛ لأنّ العارية ما يستحقّ به منفعة العين، و المنفعة هنا للمالك، فدلّ علي أنّه ضامن به(6).

إذا عرفت هذا، فإنّ المُعير إذا عيّن قدر الدَّيْن الذي يرهنه به و جنسه، أو عيّن محلّاً، تعيّن؛ لأنّ العارية تتعيّن بالتعيين، فإن خالفه في

ص: 302


1- المغني 362:5-363. (2 و 3) المغني 363:5. (4 و 6) المغني 363:5، حلية العلماء 201:5-202، العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 393:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه استعاره ليقضي منه». و الظاهر ما أثبتناه.

الجنس لم يصح؛ لأنّه عقد لم يأذن المالك له فيه، فلم يصح، كما لو لم يأذن له في رهنه.

و أمّا إن أذن له في أجلٍ فرهنه إلي أقلّ من ذلك الأجل، فقد خالفه أيضاً؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في ذلك الأمد القليل، فيتضرّر المالك بالبيع.

و كذا لو أذن له في المؤجَّل فرهنه حالاًّ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في الحال، فيتسلّط المرتهن علي العين بالبيع.

و لو أذن له في رهنه حالاًّ فرهنه مؤجَّلاً، لم يصح؛ لأنّه قد خالف أيضاً، لأنّه لم يرض أن يحال بينه و بين عينه إلي أجلٍ، فلم يصح.

و لو خالفه في القدر بأن أذن له في رهنه علي مائة، فرهنه علي مائتين، لم يصح؛ لأنّ مَنْ رضي بقدرٍ من الدَّيْن لم يلزم أن يرضي بأكثر منه.

و هل يبطل من الرأس، أو يصحّ في القدر المأذون فيه و يبطل في الزائد بحيث لو رضي المرتهن علي رهنه بالمعيّن لزمه ؟ إشكال، أقربه ذلك.

أمّا لو رهنه علي خمسين، فإنّه يجوز قطعاً؛ لأنّ مَنْ رضي بمائة رضي بخمسين التي هي أقلّ عرفاً، فأشبه ما إذا أمره بالشراء بعشرة فاشتري بخمسة.

مسألة 136: إذا أعاره للرهن فرهنه، كان للمالك مطالبة المُستعير بفكّ الرهن في الحال،

سواء كان بدَيْنٍ حالٍّ أو مؤجَّلٍ؛ لأنّ العارية عقد جائز من الطرفين، للمالك الرجوعُ فيها متي شاء.

و إذا حلّ الدَّيْن أو كان حالاًّ فلم يفكّه الراهن، جاز بيعه في الدَّيْن؛

ص: 303

لأنّ ذلك مقتضي الرهن، فإنّه وثيقة علي الدَّيْن.

و إنّما يتحقّق هذا المعني بإمكان حصول الدَّيْن من العين عند الامتناع من الأداء، و إنّما يثبت ذلك ببيعه، فكان البيع سائغاً.

فإذا بِيع في الدَّيْن، رجع المالك بأكثر الأمرين من القيمة و من الثمن الذي بِيعت به؛ لأنّ القيمة إن كانت أكثر فهو المستحقّ للمالك؛ لأنّها عوض عينه، و إن كان الثمن أكثر فهو عوض العين أيضاً.

و لو تلفت العين في يد المرتهن بغير تفريطٍ، فلا ضمان عليه؛ لأنّ الرهن لا يُضمن من غير تعدٍّ.

و الأقرب عندي: إنّ المُستعير يضمن؛ لأنّه استعار عاريةً هي في معرض الإتلاف.

و لو استعار عبداً من اثنين للرهن فرهنه بمائة ثمّ قضي خمسين علي أن تخرج حصّة أحدهما من الرهن، لم تخرج؛ لأنّه رهنه بجميع الدَّيْن في صفقةٍ، فلا ينفكّ بعضه بقضاء بعض الدَّيْن، كما لو كان العبد لواحدٍ.

هذا إذا كان الرهن علي جميع الدَّيْن و علي كلّ جزءٍ منه.

مسألة 137: لو استعار الدراهم للإنفاق بلفظ العارية، فالأقرب: إنّها عارية فاسدة؛

لأنّ مقتضي العارية الانتفاع بالعين مع بقائها لمالكها، فحينئذٍ ليس له أن يشتري بها شيئاً؛ لأنّ العارية قد فسدت، و لم يحصل هناك قرض.

و يحتمل استباحة التصرّف؛ عملاً بالإذن.

و قال أصحاب الرأي: إنّه يكون قرضاً(1).

ص: 304


1- تحفة الفقهاء 177:3-178، بدائع الصنائع 215:6، الاختيار لتعليل المختار 79:3، المبسوط - للسرخسي - 144:11-145، روضة القُضاة 3154/533:2، الفقه النافع 673/948:3، الهداية - للمرغيناني - 222:3.

فعلي ما قلناه يكون أمانةً محضة، كالعارية الصحيحة.

و عند القائلين بضمان العارية الصحيحة تكون الفاسدة مضمونةً أيضاً.

و لو استعار شيئاً و أذن المالك له في إجارته مدّةً معلومة، أو في عاريته، جاز مطلقاً و مدّةً معيّنة؛ لأنّ الحقّ لمالكه، فاستباح ما أذن له فيه.

و ليس للمُعير الرجوعُ في العارية بعد عقد الإجارة حتي تنقضي المدّة؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها، و عقد الإجارة لازم.

و تكون العين غير مضمونةٍ علي المُستأجر و لا علي المُستعير عندنا، و عند العامّة تكون مضمونةً؛ بناءً علي ضمان العواري(1).

و لو آجر المُستعير بغير إذنٍ، بطلت الإجارة، و كان للمالك الرجوعُ بالأُجرة علي مَنْ شاء منهما، فإن أجاز الإجارة كان له المسمّي، و إن لم يُجِز كان له أُجرة المثل.

مسألة 138: لا يجوز للمُعير الرجوعُ في العارية إذا حصل بالرجوع ضرر بالمُستعير لا يُستدرك،

كما لو أعاره لوحاً يرقع به السفينة، فرقعها به ثمّ لجّج في البحر، لم يجز للمُعير هنا الرجوع ما دامت السفينة في البحر؛ لما فيه من خوف الغرق الموجب لذهاب المال أو تلف النفس.

و يحتمل أنّ له الرجوعَ، و يثبت له المثل أو القيمة مع تعذّر المثل؛ لما فيه من الجمع بين المصالح.

و له الرجوع لو لم تدخل السفينة في البحر أو خرجت منه؛ لعدم التضرّر فيه.

ص: 305


1- راجع الهامش (4) من ص 273.

و لو أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه، جاز له الرجوع قبل الوضع - إجماعاً - مجّاناً، و بعده مع الأرش ما لم تكن الأطراف الأُخَر مثبتةً في ملك المُستعير و يؤدّي إلي خراب ما بناه المُستعير عليه، ففيه خلاف.

و لو قال المُعير: أنا أدفع إليه أرش ما نقص بالقلع، لم يجب علي المُستعير إجابته إن منعنا الرجوع هنا؛ لأنّه إذا قلعه انقلع ما في ملك المُستعير منه، و لا يجب علي المُستعير قلع شيءٍ من ملكه بضمان القيمة، و قد سبق.

مسألة 139: لو أنفذ رسولاً إلي شخصٍ ليستعير منه دابّةً يمضي عليها إلي قريةٍ معيّنةٍ،

فمضي الرسول و كذب في تعيين القرية و أخبر المالك بأنّ المُستعير يطلب الدابّة إلي قريةٍ أُخري، فدفع المالك دابّته إليه، فإن خرج بها المُستعير إلي ما عيّنه الرسول و كذب فيه فتلفت، لم يكن علي أحدٍ ضمانٌ؛ لأنّ صاحبها أعار الدابّة إلي ذلك الموضع.

و لو خرج بها المُستعير إلي ما طلبه المُستعير و قاله لرسوله فتلفت، ضمن المُستعير؛ لأنّ المالك إنّما أذن فيما أخبره الرسول، لا فيما طلبه المُستعير، فيكون المُستعير قد تجاوز الإذن، فكان ضامناً، سواء عرف المُستعير بالحال أو لا.

و أمّا الرسول فلا ضمان عليه؛ لأنّ التلف حصل في يد المُستعير، فاستقرّ الضمان عليه.

ص: 306

المقصد الثالث: في الشركة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة
اشارة

الشركة هي اجتماع حقوق المُلّاك في الشيء الواحد علي سبيل الشياع، أو استحقاق شخصين فصاعداً علي سبيل الشياع أمراً من الأُمور.

و سبب الشركة قد يكون إرثاً أو عقداً أو مزجاً أو حيازةً بأن يقتلعا شجرةً أو يغترفا ماءً دفعةً بآنيةٍ، فكلّ ما هو ثابت بين اثنين فصاعداً مشاع بينهما يقال: إنّه مشترك بينهما(1).

و هو ينقسم إلي عينٍ و منفعةٍ و حقٍّ.

و بالجملة، فهو ينقسم إلي ما لا يتعلّق بالمال، كالقصاص و حدّ القذف و منفعة كلب الصيد الباقي من مورّثهم، و إلي ما يتعلّق بالمال، و هو إمّا أن يكون عيناً و منفعةً، كما لو ورث اثنان أو جماعة مالاً أو غنموه أو اشتروه في عقدٍ واحد أو متعدّد، أو اتّهبوه أو قَبِلوا الوصيّة به أو الصدقة، و إمّا أن يكون مجرّد منفعةٍ، كما لو استأجروا عبداً أو أُوصي لهم بسكني دارٍ، و إمّا أن يكون مجرّد عينٍ خاليةٍ عن المنفعة، كما لو ورثوا عبداً موصي بخدمته و جميع منافعه علي التأبيد، و إمّا حقٌّ يتوصّل به إلي مالٍ، كالشفعة التي تثبت لجماعةٍ، و خيار الشرط، و خيار الردّ بالعيب، و الرهن، و مرافق الطرق.

و علي كلّ تقديرٍ فالشركة قد تحدث بغير اختيار الشريك، كما لو

ص: 307


1- في النسخ الخطّيّة: «بينهم».

ورثوا مالاً أو امتزج مالاهما بغير اختيارهما، أو باختيارهما، كما لو مزجا المالين أو اشتركا في الشراء.

و المقصود في هذا المقصد البحثُ عن الشركة الاختياريّة المتعلّقة بالتجارة و تحصيل الربح و الفائدة.

مسألة 140: الشركة جائزة بالنصّ و الإجماع.

أمّا النصّ: فمن الكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب: فقوله تعالي:«وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» (1) أضاف الغنيمة إليهم، و جعل الخُمس مشتركاً بين الأصناف المذكورين.

و قوله تعالي:«فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» (2).

و قال تعالي:«وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ» (3) و الخلطاء هُم الشركاء في أمثال ذلك.

و أمّا السنّة: فما رواه العامّة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «مَنْ كان له شريك في رَبْعٍ أو حائطٍ فلا يبعه حتي يؤذِن شريكه»(4).

ص: 308


1- الأنفال: 41.
2- النساء: 12.
3- «ص»: 24.
4- ورد نصّه في البيان 224:6، و نحوه في صحيح مسلم 1608/1229:3، و سنن النسائي 301:7، و سنن الدارمي 274:2، و سنن البيهقي 104:6، و مسند أحمد 13929/250:4.

و عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «[يقول اللّه عزّ و جلّ:](1) أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبَه، فإذا خانه خرجتُ من بينهما»(2) يعني أنّ البركة تُنزع من مالهما.

و كان ابن [أبي](3) السائب شريكاً للنبيّ صلي الله عليه و آله قبل المبعث، و افتخر بشركته بعد المبعث، فلم ينكر عليه(4).

و كان البراء بن عازب و زيد بن أرقم شريكين، فاشتريا فضّةً بنقدٍ و نسيئةٍ، فبلغ رسول اللّه صلي الله عليه و آله ذلك، فأمرهما أنّ ما كان بنقدٍ فأجيزوه، و ما كان نسيئةً فردّوه(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجلٍ يشاركه الرجل في السلعة، قال: «إن ربح فله، و إن وضع فعليه»(6).

و عن الحسين بن المختار أنّه سأل الصادقَ عليه السلام: عن الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه قد اختان منه شيئاً، أله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من7.

ص: 309


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- سنن أبي داوُد 3383/256:3، سنن الدارقطني 139/35:3، سنن البيهقي 78:6، المستدرك - للحاكم - 52:2، المغني و الشرح الكبير 109:5.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من بعض المصادر.
4- المصنّف - لابن أبي شيبة - 18794/505:14، المعجم الكبير - للطبراني - 6618/165:7 و 6619، سنن ابن ماجة 2287/786:2، سنن البيهقي 78:6، المستدرك - للحاكم - 61:2، مسند أحمد 15079/441:4، العزيز شرح الوجيز 185:5.
5- صحيح البخاري 184:3، المغني و الشرح الكبير 109:5.
6- التهذيب 817/185:7.

غير أن يبيّن ذلك ؟ فقال: «شَوَه(1) لهما اشتركا بأمانة اللّه، و إنّي لأُحبّ له إن رأي [منه](2) شيئاً من ذلك أن يستر عليه، و ما أُحبّ له أن يأخذ منه شيئاً بغير علمه»(3).

و الأخبار في ذلك كثيرة من طُرق العامّة و طُرق الخاصّة.

و أمّا الإجماع: فإنّه لا خلاف بين المسلمين في جوازها علي الجملة و إن اختلفوا في أنواع منها.

مسألة 141: الشركة علي أربعة أنواع: شركة العنان، و شركة الأبدان، و شركة المفاوضة، و شركة الوجوه.
فأمّا شركة العنان:

فإن يُخرج كلٌّ مالاً و يمزجاه و يشترطا العمل فيه بأبدانهما.

و اختلفوا في أخذها من أيّ شيءٍ؟

فقيل: أُخذت من عنان الدابّة إمّا لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ و التصرّف و استحقاق الربح علي قدر رأس المال، كاستواء طرفي العنان، أو تساوي الفارسين إذا سوّيا بين فرسيهما و تساويا في السير(4) يكونان سواءً، و إمّا لأنّ كلّ واحدٍ منهما يمنع الآخَر من التصرّف كما يشتهي و يريد، كما يمنع العنان الدابّة، و إمّا لأنّ الآخذ بعنان الدابّة حبس إحدي يديه علي

ص: 310


1- الشَّوَه: قبح الوجه و الخلقة. لسان العرب 508:13 «شوه».
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- التهذيب 849/192:7.
4- في المغني 124:5، و الشرح الكبير 111:5 إضافة: «فإنّ عنانيهما».

العنان، و يده الأُخري مطلقة يستعملها كيف شاء، كذلك الشريك بالشركة مَنَع نفسَه عن التصرّف في المشترك كما يشتهي و هو مطلق اليد و التصرّف في سائر أمواله(1).

و قيل: هي مأخوذة من الظهور، يقال: عنَّ الشيء إذا ظهر، إمّا لأنّه ظهر لكلّ واحدٍ منهما مال صاحبه، و إمّا لأنّه أظهر وجوه الشركة، و لذلك وقع الإجماع من العلماء علي صحّتها و اختلفوا في غيرها(2).

و قيل: إنّها مأخوذة من المعانّة، و هي المعارضة؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يُخرج ماله في معارضة إخراج الآخَر، فكلّ واحدٍ من الشريكين معارض لصاحبه بماله و فعاله(1).

و قال الفرّاء: إنّها مأخوذة من عَنَّ الشيء إذا عرض، يقال: عنّت لي حاجة إذا عرضت، فسُمّيت بذلك؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما عَنَّ له أن يشارك صاحبه(2).

و أمّا شركة الأبدان:

فإن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم كالصُّنّاع يشتركون علي أن يعملوا في صناعتهم، فما رزق اللّه تعالي فهو بينهم علي التساوي أو التفاوت.

و أمّا شركة المفاوضة:

فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان و يربحان و يلتزمان من غُرْمٍ و يحصل لهما من غُنْمٍ، فيلزم كلّ واحدٍ منهما ما يلزم الآخَر من أرش جنايةٍ و ضمان غصبٍ و قيمة متلفٍ و غرامةٍ لضمانٍ أو كفالةٍ، و يقاسمه فيما يحصل له من ميراثٍ أو يجده من ركازٍ أو لقطةٍ أو يكتسبه في تجارته بماله المختصّ به.

ص: 311


1- العزيز شرح الوجيز 186:5، المغني 124:5، الشرح الكبير 111:5.
2- حكاه عنه ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح 3:2، و ابنا قدامة في المغني 124:5، و الشرح الكبير 111:5.

قال صاحب إصلاح المنطق: شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كلّ شيءٍ يملكانه بينهما(1).

و أمّا شركة الوجوه:

فقد فُسِّرت بمعانٍ أشهرها: إنّ صورتها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمّة إلي أجلٍ علي أنّ ما يبتاعه كلّ واحدٍ منهما يكون بينهما، فيبيعاه و يؤدّيا الأثمان، فما فضل فهو بينهما(2).

و قيل: أن يبتاع وجيه في الذمّة و يفوّض بيعه إلي خاملٍ، و يشترطا أن يكون الربح بينهما(3).

و قيل: أن يشترك وجيهٌ لا مال له و خاملٌ ذو مالٍ ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل، و يكون المال في يده لا يسلّمه إلي الوجيه، و الربح بينهما(2).

و قيل: أن يبيع الوجيهُ مالَ الخامل بزيادة ربحٍ ليكون بعض الربح له(3).

مسألة 142: لا يصحّ شيءٌ من أنواع الشركة،

سوي شركة العنان، و قد بيّنّا أنّ شركة العنان جائزة، و عليه إجماع العلماء في جميع الأعصار.

و أمّا شركة الأبدان: فعندنا أنّها باطلة، سواء اتّفق عملهما أو اختلف

ص: 312


1- تهذيب إصلاح المنطق 352:2، و حكاه عنه الطوسي في الخلاف 329:3، المسألة 5 من كتاب الشركة. (2 و 3) كما في العزيز شرح الوجيز 192:5، و روضة الطالبين 513:3.
2- هذا التفسير من القاضي ابن كج و الجويني كما في العزيز شرح الوجيز 192:5، و روضة الطالبين 513:3.
3- قاله الغزالي في الوجيز 187:1، و الوسيط 262:3، و عنه في العزيز شرح الوجيز 192:5، و روضة الطالبين 513:3.

بأن يكون كلّ واحدٍ منهما خيّاطاً و يشتركان في فعل الخياطة، أو يكون أحدهما خيّاطاً و الآخَر نجّاراً، و يعمل كلّ واحدٍ منهما في صنعته، و يكون الحاصل بينهما، و سواء كانت الصنعة البدنيّة في مالٍ مملوكٍ أو في تحصيل مالٍ مباحٍ، كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش - و به قال الشافعي(1) - لأنّ كلّ واحدٍ منهما متميّز ببدنه و منافعه، فيختصّ بفوائده، و هذا كما لو اشتركا في ماشيتهما و هي متميّزة ليكون الدرّ و النسل بينهما، فإنّه لا يصحّ.

و لأنّها شركة علي غير مالٍ، فلا يصحّ، كما لو اشتركا في الاحتطاب و الاحتشاش، فإنّه لا يصحّ عند أبي حنيفة(2) ، و كما لو اختلفت الصنعتان،5.

ص: 313


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 45/64:1، الإقناع: 128، الحاوي الكبير 479:6، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 127:8، الوجيز 187:1، الوسيط 262:3، حلية العلماء 97:5، التهذيب - للبغوي - 195:4-196 و 199، البيان 229:6 و 335، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، العزيز شرح الوجيز 191:5، روضة الطالبين 509:3 و 512، منهاج الطالبين: 132، بداية المجتهد 255:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1022/604:2، عيون المجالس 1184/1681:4، تحفة الفقهاء 11:3، بدائع الصنائع 57:6، الهداية - للمرغيناني - 10:3، روضة القُضاة 3374/571:2، النتف 537:1، المغني 111:5، الشرح الكبير 186:5.
2- الاختيار لتعليل المختار 23:3، تحفة الفقهاء 15:3، بدائع الصنائع 63:6، روضة القُضاة 3384/573:2، الفقه النافع 720/995:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 624:3، مختصر اختلاف العلماء 1672/10:4، المبسوط - للسرخسي - 216:11، النتف 536:1، الهداية - للمرغيناني - 11:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 5:2-6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 604:2-1023/605، الحاوي الكبير 479:6، بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 98:5، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5، المغني 111:5، الشرح الكبير 185:5.

فإنّه لا يصحّ عند مالك(1).

و لأنّ الأصل استحقاق كلّ واحدٍ منهما أُجرة عمله و اختصاصه بها، و نقله عنه يحتاج إلي دليلٍ و لم يقم.

و قال أبو حنيفة: شركة الأبدان صحيحة، إلّا في الاحتطاب و الاحتشاش و الاغتنام و الاصطياد. و بالجملة، فإنّه سوّغ الشركة في الصناعة، و مَنَعَها في اكتساب المباح؛ لأنّ مقتضي الشركة: الوكالة، و لا تصحّ الوكالة في هذه الأشياء؛ لأنّ مَنْ أخذها مَلَكها، و لأنّ أكثر ما في هذه الشركة أنّ كلّ واحدٍ منهما يتقبّل العمل لصاحبه ثمّ يشارك كلّ واحدٍ منهما صاحبَه في المال الذي اكتسبه و إن لم يكن شاركه في نفس العمل، و مثل ذلك جائز، أ لا تري أنّ الرجل إذا استأجر قصّاراً ليقصر له فسلّم الثوب إليه، كان له أن يقصره بنفسه و بغيره، و يستحقّ هو الأُجرة(2).6.

ص: 314


1- المدوّنة الكبري 42:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1024/605:2، بداية المجتهد 255:2، التفريع 206:2، التلقين: 414، عيون المجالس 1184/1680:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 393، المعونة 1144:2، الحاوي الكبير 479:6، بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 99:5، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5، مختصر اختلاف العلماء 1672/10:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 5، المغني 113:5، الشرح الكبير 187:5.
2- تحفة الفقهاء 11:3 و 15، بدائع الصنائع 57:6 و 63، الاختيار لتعليل المختار 17:3 و 23 و 25، روضة القُضاة 571:2 و 3371/573 و 3372 و 3384، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 623:3-624، الفقه النافع 994:3 و 718/995 و 720، المبسوط - للسرخسي - 154:11-155 و 216، المحيط البرهاني 9:6-11، مختصر اختلاف العلماء 1672/10:4، الهداية - للمرغيناني - 10:3 و 11، النتف 535:1 و 536، الحاوي الكبير 479:6، بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 98:5، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 5-6، المغني 111:5، الشرح الكبير 185:5-186.

و الأوّل ممنوع، إلّا أنّا لا نمنع(1) الشركة في هذه الأشياء و في غيرها، و نمنع مساواتها للوكالة.

و قال مالك: تصحّ شركة الأبدان بشرط اتّفاق الصنعتين؛ لأنّه قال: إذا اتّفقت الصنعتان تقارب الكسبان، و تدعو الحاجة إلي ذلك في الصنعة الواحدة دون الصنعتين؛ لأنّ التعاون في الصنعة أمر واقع غالباً(2).

و هو ممنوع؛ فإنّ الصانعَيْن قد تختلف صنعتهما و تتفاوت و تتقارب في الجنسين، و أمّا الحاجة فالإجارة تكفي للاستعانة، فلا حاجة إلي الشركة.

و قال أحمد بن حنبل: تجوز شركة الأبدان في جميع الأشياء، سواء اختلفت الصنعتان أو اتّفقت، و سواء كان في مالٍ أو في تحصيل مباحٍ، كالاحتطاب و شبهه؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص و عبد اللّه بن مسعود و عمّار بن ياسر اشتركوا فيما يغتنمونه، فأتي سعد بأسيرين و لم يأتيا بشيءٍ، فأقرّهم النبيّ صلي الله عليه و آله(3). قال أحمد: أشرك النبيّ صلي الله عليه و آله بينهم(4).4.

ص: 315


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و الأوّل مسلّم إلّا أنّا نمنع». و الظاهر ما أثبتناه من «ث، خ، ر».
2- المدوّنة الكبري 42:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 604:2 و 1022/605 و 1024، بداية المجتهد 255:2، التفريع 206:2، التلقين: 414، المعونة 1144:2، عيون المجالس 1184/168:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 392، الحاوي الكبير 479:6، بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 99:5، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5، مختصر اختلاف العلماء 1672/10:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 5.
3- سنن ابن ماجة 2288/768:2، سنن أبي داوُد 3388/257:3، سنن النسائي 57:7 و 319، سنن الدارقطني 138/34:3.
4- المغني 111:5-112، الشرح الكبير 185:5-187، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 64:1-45/65، الحاوي الكبير 479:6، بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 99:5، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2-6، عيون المجالس 1184/1680:4.

و هو غلط؛ لأنّ غنائم بدر كانت لرسول اللّه صلي الله عليه و آله، فكان له أن يدفعها إلي مَنْ شاء، فيحتمل أن يكون فَعَل ذلك لهذا.

و أيضاً فالغنائم مشتركة بين الغانمين بحكم اللّه تعالي، فكيف يصحّ اختصاص هؤلاء بالشركة فيها!؟

و أيضاً فلا نسلّم أنّ سعداً أعطاهم علي سبيل الوجوب، بل أراد التبرّع و الوفاء بالوعد الذي لا يجب إنجازه، أمّا علي سبيل اللزوم فلا.

و اعلم أنّ المذهب المشهور للشافعي ما نقلناه عنه أوّلاً من موافقة مذهبنا في بطلان شركة الأبدان(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ للشافعي في هذه المسألة قولاً آخَر: إنّها جائزة؛ لأنّ الشافعي قال في كتاب الإقرار: و لو أقرّ أحد الشريكين علي صاحبه بمالٍ قُبِل إقراره، سواء كانا شريكين في المال أو العمل(2).

و قال غيره: هذا ليس بقولٍ آخَر؛ لأنّه لا يتضمّن صحّة الشركة(3).

و عن أحمد رواية أُخري كمذهب مالك من صحّة شركة الأبدان مع اتّفاق الصنعة، و بطلانها مع الاختلاف؛ لأنّ مقتضي الشركة هنا أنّ ما تقبّل كلّ واحدٍ منهما من العمل لزمه و لزم صاحبه، و يطالَب به كلُّ واحدٍ منهما، فإذا تقبّل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما، لم [يمكن](4) للآخَر أن يقومر.

ص: 316


1- راجع ص 313، و كذا الهامش (1) منها.
2- بحر المذهب 127:8، حلية العلماء 98:5، البيان 335:6.
3- بحر المذهب 128:8، البيان 335:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكن». و المثبت من المصدر.

به، و كيف يلزمه عمله أم كيف يطالَب بما لا قدرة له عليه!؟(1).

مسألة 143: و شركة المفاوضة عندنا باطلة،

و ليس لها أصل في الشرع - و به قال الشافعي و مالك(2) و إسحاق و أبو ثور(3) - لأنّه عقد قد اشتمل علي غررٍ عظيم؛ لأنّ ما يلزم أحدهما من غرامةٍ يلزم الآخَر، و العقد يفسد بأقلّ من هذا غرراً، كبيع الثمرة قبل خروجها أو قبل بدوّ صلاحها عند جماعةٍ(4) ، و استئجار الأرض ببعض ما يخرج منها، و لهذا لا يصحّ بين المسلم و الكافر عندهم(5) ، و لا بين الحُرّ و المكاتَب.

و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي: إنّها صحيحة(6). و رواه أصحاب

ص: 317


1- المغني 113:5، الشرح الكبير 187:5.
2- لم نقف علي قول مالك فيما بين أيدينا من المصادر للعامّة. نعم، حكاه عنه الطوسي في الخلاف 329:3، المسألة 5 من كتاب الشركة.
3- الأُم 231:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 44/64:1، الحاوي الكبير 475:6، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 126:8، الوجيز 187:1، الوسيط 262:3، حلية العلماء 99:5، التهذيب - للبغوي - 195:4-196، البيان 335:6، العزيز شرح الوجيز 191:5-192، روضة الطالبين 512:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، المغني 139:5، الشرح الكبير 198:5، بداية المجتهد 254:2، المبسوط - للسرخسي - 153:11، مختصر اختلاف العلماء 1678/16:4، الهداية - للمرغيناني - 4:3.
4- بحر المذهب 191:6، البيان 237:5، و راجع أيضاً ج 10، ص 350، الهامش (1 و 2).
5- المغني 139:5، الشرح الكبير 199:5، بحر المذهب 127:8.
6- تحفة الفقهاء 9:3، بدائع الصنائع 57:6، الاختيار لتعليل المختار 18:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 618:3، الفقه النافع 180/989:3، المبسوط - للسرخسي - 153:11، المحيط البرهاني 5:6، مختصر اختلاف العلماء 1678/15:4، الهداية - للمرغيناني - 4:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 44/64:1، الحاوي الكبير 475:6، بحر المذهب 126:8، الوجيز 187:1، الوسيط 262:3، حلية العلماء 100:5، التهذيب - للبغوي - 199:4، البيان 336:6، العزيز شرح الوجيز 192:5، بداية المجتهد 254:2، عيون المجالس 1181/1673:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، المغني 139:5، الشرح الكبير 198:5.

مالك عن مالك(1) أيضاً.

و شرط أبو حنيفة أُموراً:

الأوّل: أن يكون الشريكان مسلمين حُرّين، فلا تصحّ شركة المفاوضة بين المسلم و الكافر، و لا بين الكافرين، و لا بين الحُرّ و العبد.

الثاني: أن يكون مالهما في الشركة سواءً.

الثالث: أن يستعملا لفظ المفاوضة، فيقولا: تفاوضنا، أو: اشتركنا شركة المفاوضة.

الرابع: أن يستويا في قدر رأس المال.

الخامس: أن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال إلّا ثلاثة أشياء: قوت يومه، و ثياب بدنه، و جارية يتسرّي بها.

السادس: أن يُخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة، و هو الدراهم و الدنانير؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة»(2) و لأنّ هذه نوع شركةٍ يختصّ باسمٍ، فكان فيها صحيح، كشركة العنان(3).2.

ص: 318


1- كما في بحر المذهب 126:8، و حلية العلماء 101:5، و راجع: المدوّنة الكبري 68:5، و الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1025/605:2، و بداية المجتهد 254:2، و التلقين: 414، و عيون المجالس 1181/1673:4، و المعونة 1143:2، و الحاوي الكبير 475:6، و الوجيز 187:1، و الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 5، و المغني 139:5، و الشرح الكبير 198:5.
2- بحر المذهب 127:8، المغني 139:5، الشرح الكبير 199:5.
3- تحفة الفقهاء 9:3، بدائع الصنائع 60:6-62، الاختيار لتعليل المختار 18:3-19، روضة القُضاة 562:2-3323/563، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 618:3-619، الفقه النافع 989:3-710/990-712، المبسوط - للسرخسي - 153:11 و ما بعدها، المحيط البرهاني 7:6-8، النتف 531:1، الهداية - للمرغيناني - 3:3-5، بحر المذهب 126:8، حلية العلماء 100:5، التهذيب - للبغوي - 200:4، البيان 336:6، العزيز شرح الوجيز 192:5، المغني 139:5، الشرح الكبير 198:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 5:2.

و الحديث ممنوع؛ لأنّه لم يروه [أصحاب](1) السنن، ثمّ ليس فيه ما يدلّ علي أنّه أراد هذا العقد، فيحتمل أنّه أراد المفاوضة في الحديث، و لهذا روي فيه: «و لا تجادلوا فإنّ المجادلة من الشيطان»(2).

و القياس منقوض ببيع الحصاة، فإنّه لا يصحّ، و كذا بيع المنابذة، و غيرهما من البيوع الباطلة، فإنّها تختصّ باسمٍ، و هي فاسدة، و لا يقتضي اختصاصها بالاسم الصحّة، مع قيام الفرق بين الأصل و الفرع، فإنّ شركة العنان تصحّ بين الكافرين، و الكافر و المسلم، بخلاف هذه الشركة.

و اعلم أنّ عند أبي حنيفة لشركة المفاوضة موجَباتٍ، فمنها: أن يشارك أحدهما صاحبَه في جميع ما يكتسبه، و يشاركه فيما يلزمه من الغرامة، كالغصب و الكفالة، و إذا ثبت لأحدهما شفعةٌ شاركه صاحبه، و ما مَلَكه أحدهما بإرثٍ أو هبةٍ لا يشاركه الآخَر فيه، فإن كان فيه من جنس رأس المال شيءٌ فسدت شركة المفاوضة، و انقلبت إلي شركة العنان، و ما لزم أحدهما بغصبٍ أو بيعٍ فاسدٍ أو إتلافٍ كان مشتركاً، إلّا الجناية علي الحُرّ، و بدل الخلع، و الصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخَر(3).2.

ص: 319


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صاحب». و المثبت هو الصحيح.
2- بحر المذهب 127:8، المغني 139:5، الشرح الكبير 200:5.
3- تحفة الفقهاء 9:3، الاختيار لتعليل المختار 19:3-20، روضة القُضاة 3327/564:2 و 3328 و 3331، الفقه النافع 712/990:3، النتف 532:1-533، الهداية - للمرغيناني - 5:3، بحر المذهب 126:8، حلية العلماء 100:5، التهذيب - للبغوي - 200:4، البيان 336:6، العزيز شرح الوجيز 192:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 5:2.

قال الشافعي في اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلي: لا أعلم شيئاً في الدنيا يكون باطلاً إن لم تكن شركة المفاوضة باطلةً(1) ، يعني لما فيها من أنواع الغرر و الجهالات الكثيرة.

مسألة 144: شركة الوجوه عندنا باطلة

- و به قال الشافعي و مالك(2) - لما تقدّم في شركة الأبدان.

و قال أبو حنيفة: إنّها صحيحة؛ لما تقدّم من أنّها نوع شركةٍ اختصّت باسمٍ(3) ، و قد سبق(4).

ص: 320


1- الأُم 134:7، الحاوي الكبير 475:6، التهذيب - للبغوي - 200:4، البيان 336:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 46/66:1، الحاوي الكبير 477:6، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 128:8، الوسيط 262:3، حلية العلماء 102:5، التهذيب - للبغوي - 199:4، البيان 337:6، العزيز شرح الوجيز 192:5، روضة الطالبين 513:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1027/605:2، بداية المجتهد 255:2، الذخيرة 48:8، عيون المجالس 1185/1681:4، المعونة 1144:2، تحفة الفقهاء 10:3، بدائع الصنائع 57:6، روضة القُضاة 3379/572:2، الهداية - للمرغيناني - 11:3، المبسوط - للسرخسي - 154:11.
3- تحفة الفقهاء 10:3، بدائع الصنائع 57:6، الاختيار لتعليل المختار 25:3، روضة القُضاة 571:2-3378/572، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 623:3، الفقه النافع 719/994:3، مختصر اختلاف العلماء 1671/9:4، المبسوط - للسرخسي - 154:11، المحيط البرهاني 9:6، الهداية - للمرغيناني - 11:3، الحاوي الكبير 477:6، بحر المذهب 128:8، حلية العلماء 102:5، التهذيب - للبغوي - 199:4، البيان 337:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1027/606:2، بداية المجتهد 255:2، الذخيرة 48:8، عيون المجالس 1185/1681:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2 و 6.
4- في ص 318.

إذا عرفت هذا، فإن أذن أحدهما للآخَر في الشراء، فاشتري لهما، وقع الشراء عنهما، و كانا شريكين؛ لأنّه وكيل له اشتري له بإذنه، و يشترط فيه اعتبار شرائط الوكالة؛ لما رواه داوُد الأبزاري عن الصادق عليه السلام، قال:

سألته عن رجلٍ اشتري بيعاً و لم يكن عنده نقد فأتي صاحباً له، فقال: انقد عنّي و الربح بيني و بينك، فقال: «إن كان ربح فهو بينهما، و إن كان نقصان فعليهما»(1).

و عن إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح الكاظم عليه السلام، أنّه قال:

الرجل يدلّ(2) الرجل علي السلعة فيقول: اشترها ولي نصفها، فيشتريها الرجل و ينقد من ماله، قال: «له نصف الربح» قلت: فإن وضع يلحقه من الوضيعة شيء؟ قال: «عليه من الوضيعة كما أخذ من الربح»(3).7.

ص: 321


1- التهذيب 822/186:7.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يدخل» بدل «يدلّ». و المثبت كما في المصدر.
3- الفقيه 139:3-612/140، التهذيب 824/187:7.

ص: 322

الفصل الثاني: في أركان الشركة
اشارة

و هي ثلاثة:

الركن الأوّل: المتعاقدان.
اشارة

و يشترط في كلٍّ منهما البلوغ و العقل و الاختيار و القصد و جواز التصرّف. و الضابط: أهليّة التوكّل و التوكيل؛ لأنّ كلّ واحدٍ من الشريكين متصرّف في جميع المال، أمّا فيما يخصّه: فبحقّ الملك، و أمّا في مال غيره: فبحقّ الإذن من ذلك الغير، فهو وكيل عن صاحبه و موكّل لصاحبه بالتصرّف في ماله، فلا تصحّ وكالة الصبي؛ لعدم اعتبار عبارته في نظر الشرع، و لا المجنون؛ لذلك، و لا السفيه و لا المكره و لا الساهي و الغافل و النائم، و لا المفلس المحجور عليه؛ لأنّه ممنوع من جهة الشرع من التصرّف في أمواله.

و لا فرق بين أن يأذن مَنْ له الولاية عليهم في ذلك أو لا، إلّا المفلس، فإنّه إذا أذن له الحاكم في التوكيل أو التوكّل جاز، و كذا السفيه.

مسألة 145: يكره مشاركة المسلم لأهل الذمّة من اليهود و النصاري و المجوس و غير أهل الذمّة من سائر أصناف الكفّار

عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي(2) ، و لم يُعرف له مخالف في الصحابة.

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن رئاب - في الصحيح - عن

ص: 323


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 49/67:1، بحر المذهب 120:8، المهذّب - للشيرازي - 352:1،، الوسيط 265:3، حلية العلماء 92:5، البيان 327:6، العزيز شرح الوجيز 186:5، روضة الطالبين 510:3، المغني و الشرح الكبير 110:5.
2- بحر المذهب 120:8، البيان 327:6، المغني و الشرح الكبير 110:5.

الصادق عليه السلام قال: «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي و لا يبضعه بضاعة و لا يودعه وديعة و لا يصافيه المودّة»(1).

و لأنّ أموال اليهود و النصاري ليست بطيبةٍ؛ فإنّهم يبيعون الخمور و يتعاملون بالربا، فكرهت معاملتهم.

و قال الحسن البصري و الثوري و أحمد بن حنبل: لا بأس بمشاركة اليهودي و النصراني، و لكن لا يخلو اليهودي و النصراني بالمال دونه [و] يكون هو الذي يليه؛ لما رواه العامّة عن عطاء قال: نهي رسول اللّه صلي الله عليه و آله عن مشاركة اليهودي و النصراني، إلّا أن يكون الشراء و البيع بيد المسلم(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كره مشاركة اليهودي و النصراني و المجوسي إلّا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها(3).

و لأنّ العلّة في كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا و بيع الخمر و الخنزير، و هذا منتفٍ فيما حضره المسلمون أو تولّوه بأنفسهم(4).

و الخبران ممنوعان بضعف السند، مع أنّا نقول بموجبهما، و هو أن يكون المال أصله من المسلم بأن يبيعه في ذمّته و يعامل به بالوكالة من غير أن يباشر الكافر التصرّفَ، أمّا إذا كان للكافر مال، فإنّ المعني الذي استخرجوه في المنع ثابت فيه؛ لأنّ أصل أموالهم من التصرّفات المحرَّمة.

و الذي احتجّوا به - من كون النبيّ صلي الله عليه و آله قد عاملهم، و رهن درعه عند5.

ص: 324


1- الكافي 286:5 (باب مشاركة الذمّي) ح 1، الفقيه 638/145:3، التهذيب 7: 815/185.
2- المغني و الشرح الكبير 110:5.
3- الكافي 286:5 (باب مشاركة الذمّي) ح 2، التهذيب 816/185:7.
4- بحر المذهب 120:8، حلية العلماء 93:5، البيان 327:6، المغني 109:5-110، الشرح الكبير 110:5.

يهوديٍّ علي شعيرٍ أخذه لأهله(1) ، و أرسل إلي آخَر يطلب منه قرضاً إلي الميسرة(2) ، و أضافه يهوديٌّ(3) ، و النبيّ صلي الله عليه و آله لا يأكل ما ليس بطيبٍ(4) - لا حجّة فيه؛ لجواز أن يكون عليه السلام علم الطيب في ذلك خاصّةً، و هذا المعني غير ثابتٍ في حقّ غيره.

مسألة 146: لو شاركه المسلم فَعَل مكروهاً، فإذا اشتري شيئاً بمال الشركة كان علي أصل الإباحة مع جهالة المسلم بالحال أو علمه بالحلال،

أمّا لو علم أنّه اشتري به أو عامل في الحرام كالربا و بيع المحرَّمات، فإنّه يقع فاسداً، و علي الذمّي الضمان؛ لأنّ عقد الوكيل يقع عندنا للموكّل، و المسلم لا يثبت ملكه علي الخمر و الخنزير، فأشبه ما لو اشتراه المسلم نفسه، و أمّا ما خفي أمره و لم يعلم حاله فالأصل إباحته و حلّه.

و أمّا المجوس فحكمهم حكم أهل الذمّة في كراهة مشاركتهم.

و قال أحمد: يكره معاملة المجوس و مشاركتهم - و إن نفي كراهة مشاركة أهل الذمّة - لأن المجوس يستحلّون ما لا يستحلّه الذمّي(5).

و لا خلاف في أنّه لو عامل المسلم أحد هؤلاء أو شاركهم فإنّه يكون تصرّفاً صحيحاً؛ للأصل.

إذا عرفت هذا، فليس بعيداً من الصواب كراهة مشاركة مَنْ لا يتوقّي المحرَّمات - كالربا و شراء الخمور - من المسلمين أيضاً؛ لوجود المقتضي

ص: 325


1- صحيح البخاري 186:3، سنن ابن ماجة 2437/815:2، سنن البيهقي 36:6، مسند أحمد 3399/596:1، و 11952/591:3.
2- سنن الترمذي 1213/518:3، سنن النسائي 294:7، سنن البيهقي 25:6، مسند أحمد 13147/130:4.
3- مسند أحمد 12789/75:4.
4- المغني و الشرح الكبير 110:5.
5- المغني 109:5 و 110-111، الشرح الكبير 110:5 و 111.

في أهل الذمّة فيهم.

الركن الثاني: الصيغة.
اشارة

قد بيّنّا أنّ الأصل عصمة الأموال علي أربابها و حفظها لهم، فلا يصحّ التصرّف فيها إلّا بإذنهم، و إنّما يُعلم الرضا و الإذن باللفظ الدالّ عليه، فاشتُرط اللفظ الدالّ علي الإذن في التصرّف و التجارة، فإن أذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه صريحاً فلا خلاف في صحّته.

و لو قال كلٌّ منهما: اشتركنا، و اقتصرا عليه مع قصدهما الشركة بذلك، فالأقرب: الاكتفاء به في تسلّطهما علي التصرّف به من الجانبين؛ لفهم المقصود عرفاً، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة.

و الثاني: إنّه لا يكفي؛ لقصور اللفظ عن الإذن، و احتمال قصد الإخبار عن حصول الشركة في المال عن غير الاختيار بأن يمتزج المالان بغير رضاهما، و لا يلزم من حصول الشركة جواز التصرّف، فإنّهما لو ورثا مالاً أو اشترياه صفقةً واحدة فإنّهما يملكانه بالشركة، و ليس لأحدهما أن يتصرّف فيه إلّا بإذن صاحبه، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و لو أذن أحدهما لصاحبه في التصرّف في جميع المال و لم يأذن الآخَر، تصرّف المأذون في الجميع، و ليس للآخَر أن يتصرّف إلّا في نصيبه مشاعاً.

و كذا لو أذن لصاحبه في التصرّف في الجميع و قال: أنا لا أتصرّف إلّا في نصيبي.

مسألة 147: الشركة قد تقع بالاختيار، و قد تقع بالإجبار،
اشارة

كما تقدّم، و كلامنا في الشركة المستندة إلي الاختيار، و هي قد تحصل بمزج المالين

ص: 326


1- الوسيط 265:3، العزيز شرح الوجيز 187:5، روضة الطالبين 510:3.

بالاختيار من غير لفظٍ، فلو امتزج المالان برضاهما حصلت الشركة الاختياريّة و إن لم يكن هناك لفظ، و أمّا التصرّف و الإذن فيه و المنع منه فذاك حكم زائد علي مفهوم الشركة.

و لو شرط أحدهما علي الآخَر أن لا يتصرّف إلّا في نصيبه، لم يصح العقد؛ لما فيه من الحجر علي المالك في ملكه.

ثمّ الإذن قد يكون عامّاً بينهما بأن يأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف في جميع المال و التجارة به في جميع الأجناس أو فيما شاء منهما.

و قد يكون خاصّاً، كما لو أذن كلٌّ منهما لصاحبه في التجارة في جنسٍ واحد أو في بلدٍ واحد بعينه، فلا يجوز لأحدهما التخطّي إلي غيره، إلّا إذا استلزمه عرفاً.

و قد يكون عامّاً لأحدهما و خاصّاً للآخَر، فلمن عمّم الإذن له التصرّفُ فيما شاء، و أمّا الآخَر فلا يجوز له أن يتعدّي المأذون.

و لا خلاف في ذلك كلّه، إلّا في صورة التعميم منهما أو من أحدهما، فإنّ للشافعيّة وجهاً ضعيفاً فيه: إنّه لا يجوز الإطلاق، بل لا بدّ من التعيين(1).

تذنيب: لو استعملا لفظ المفاوضة و قصدا شركة العنان، جاز

- و به قال الشافعي(2) - لأنّ الكناية هنا معتبرة كالصريح.

الركن الثالث: المال.
مسألة 148: يشترط في المال المعقود عليه الشركة أن يكون متساويي الجنس

بحيث لو مزجا ارتفع الامتياز بينهما و حصل الاشتباه بينهما، سواء

ص: 327


1- العزيز شرح الوجيز 187:5، روضة الطالبين 510:3.
2- العزيز شرح الوجيز 192:5، روضة الطالبين 512:3-513.

كان المال من الأثمان أو العروض، كما لو مزجا ذهباً بذهبٍ مثله أو فضّةً بمثلها أو حنطةً بمثلها أو دخناً بمثله، إلي غير ذلك ممّا يرتفع فيه المائز بينهما.

و لا خلاف في أنّه يجوز جَعْل رأس المال الدراهم و الدنانير؛ لأنّهما أثمان الأموال و البياعات، و لم يزل الناس يشتركون فيهما من زمن النبيّ صلي الله عليه و آله إلي وقتنا هذا من غير أن يُنكره أحد في صُقْعٍ من الأصقاع أو عصرٍ من الأعصار، فكان إجماعاً.

و أمّا العروض فعندنا تجوز الشركة فيها مع الشرط المذكور، سواء كانت من ذوات الأمثال أو من ذوات القِيَم - و به قال مالك(1) - لأنّ الغرض من الشركة أن يملك أحدهما نصفَ مال الآخَر، و تكون أيديهما عليه، و هذا موجود في العروض، فصحّت الشركة فيها.

و كره ابن سيرين و يحيي بن أبي كثير و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي الشركةَ في العروض، و مَنَع الشافعي و أبو حنيفة من الشركة في العروض التي ليست من ذوات الأمثال؛ لأنّ الشركة لا تخلو إمّا أن تكون واقعةً علي الأعيان أو أثمانها أو قيمتها.

و الأوّل باطل؛ لأنّ الشركة توجب أن لا يتميّز مال أحدهما عن الآخَر، و أن يرجع عند المفاصلة(2) إلي رأس المال و لا [مثل](3) لهما فيرجعر.

ص: 328


1- المدوّنة الكبري 54:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1019/603:2، بداية المجتهد 252:2، التفريع 205:2، الذخيرة 43:8، عيون المجالس 1181/1675:4، المعونة 1144:2، بحر المذهب 122:8، حلية العلماء 93:5، البيان 328:6، المغني 125:5، الشرح الكبير 112:5، تحفة الفقهاء 6:3، بدائع الصنائع 59:6، مختصر اختلاف العلماء 1664/5:4، المبسوط - للسرخسي - 160:11، الهداية - للمرغيناني - 6:3.
2- أي: عند فصل الشركة.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مال». و ما أثبتناه من بعض المصادر.

إليه، و قد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخَر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو تنقص قيمته فيؤدّي ذلك إلي أن [يشاركه](1) الآخَر في ثمن ملكه الذي ليس بربحٍ [و أنّ ما يتلف](2) من مال الشركة يختصّ به أحدهما، و هو مالك العين، فيبطل الرجوع إلي أعيانهما.

و الثاني - و هو أن تكون الشركة واقعةً علي أثمانها - فهو باطل أيضاً؛ لأنّ الأثمان معدومة حال العقد و لا يملكانها، و لأنّه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه، و إن أراد ثمنها الذي يبيعها به فهو باطل أيضاً؛ لأنّ ذلك يكون مضاربةً معلّقةً بشرطٍ، و هو بيع الأعيان، و يكون أيضاً عقد الشركة علي ما لا يملكانه حال العقد، و يكون أيضاً عقد الشركة قد وقع علي مالٍ مجهول.

و الثالث - و هو أن تكون الشركة واقعةً علي القيمة - فإنّه باطل أيضاً؛ لأنّ القيمة ليست ملكهما، و هي مجهولة أيضاً، و لأنّ القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه، فيشاركه الآخَر في ثمن العين التي هي ملكه(3).

و هو غلط؛ فإنّا نقول: الشركة تقع في الأعيان، و الرجوع في1.

ص: 329


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يشارك». و الظاهر ما أثبتناه كما في بعض المصادر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة و الحجريّة: «و إن تلف». و الظاهر ما أثبتناه من بحر المذهب.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 43/63:1، الحاوي الكبير 473:6-474، المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 122:8، حلية العلماء 93:5، التهذيب - للبغوي - 197:4، البيان 327:6-328، العزيز شرح الوجيز 88:5 و 190، روضة الطالبين 511:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1019/603:2، المغني 124:5-125، الشرح الكبير 112:5 و 113، روضة القُضاة 3350/567:2، المبسوط - للسرخسي - 160:11.

المفاصلة كالرجوع عند الامتزاج بغير الاختيار.

مسألة 149: و تجوز الشركة في العروض التي هي من ذوات الأمثال،
اشارة

عند علمائنا، و به قال مالك(1).

و للشافعي قولان - و عن أحمد روايتان(2) -:

أحدهما مثل ما قلناه؛ لما تقدّم(3).

و الثاني: المنع؛ فإنّه لا تصحّ الشركة إلّا علي أحد النقدين، كالمضاربة(4).

و هو غلط؛ لأنّ هذا مالٌ له مثلٌ، فصحّ عقد الشركة عليه إذا لم يتميّز، كالنقود، و لأنّ هذا يؤمن فيه المعاني السابقة المانعة من الشركة فيما لا مثل له؛ لأنّه متي تغيّرت قيمة أحدهما تغيّرت قيمة الآخَر، بخلاف المضاربة؛ لأنّه ربما زادت قيمة جنس رأس المال، فانفرد ربّ المال بجميع الربح، و لأنّ حقّ العامل محصور في الربح، فلا بدّ من تحصيل رأس المال ليوزّع الربح، و في الشركة لا حاجة إليه، بل كلّ المال يُوزّع عليهما علي قدر ماليهما.

تذنيب: إذا اشتركا فيما لا مثل له كالثياب، و حصل المزج الرافع للامتياز، تحقّقت الشركة،

و كان المال بينهما، فإن عُلمت قيمة كلّ واحدٍ منهما، كان الرجوع إلي نسبة تلك القيمة، و إلّا تساويا؛ عملاً بأصالة التساوي.

ص: 330


1- راجع الهامش (1) من ص 328.
2- المغني 124:5 و 125، الشرح الكبير 112:5.
3- في المسألة السابقة.
4- المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 124:8-125، حلية العلماء 93:5-94، التهذيب - للبغوي - 197:4-198، البيان 328:6، العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3، روضة القُضاة 3349/566:2.

و قال مالك: يكون رأس المال ثمنهما(1).

و ليس بمعتمدٍ.

مسألة 150: لا تصحّ الشركة إلّا بمزج المالين و عدم الامتياز بينهما،

عند علمائنا، و به قال زفر(2) ، فالخلطة شرط في صحّة الشركة، و متي لم يخلطاه لم تصحّ، و به قال الشافعي(3) ، حتي لو تلف مال أحدهما لم يكن له نصيب في ربح مال الآخَر؛ لأنّ مال كلّ واحدٍ منهما يتلف منه دون صاحبه، فلم تنعقد الشركة عليه، كما لو كان من المكيل.

و قال أبو حنيفة: ليس من شرط الشركة خلطُ المالين، بل متي أخرجا المالين و إن لم يمزجاه و قالا: قد اشتركنا، انعقدت الشركة؛ لأنّ الشركة إنّما هي عقد علي التصرّف، فلا يكون من شرطها الخلطة، كالوكالة(4).

ص: 331


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1019/603:2، بحر المذهب 122:8، حلية العلماء 93:5، البيان 328:6.
2- تحفة الفقهاء 6:3، بدائع الصنائع 60:6، الاختيار لتعليل المختار 21:3، المبسوط - للسرخسي - 152:11، المحيط البرهاني 7:6، مختصر اختلاف العلماء 1665/6:4، الهداية - للمرغيناني - 9:3.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 37/61:1، الحاوي الكبير 473:6 و 481-482، المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 130:8، الوسيط 261:3، حلية العلماء 94:5، التهذيب - للبغوي - 196:4، البيان 331:6، العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1020/604:2، بداية المجتهد 253:2، عيون المجالس 1182/1678:4، بدائع الصنائع 60:6، روضة القُضاة 3352/567:2، المبسوط - للسرخسي - 152:11، مختصر اختلاف العلماء 1665/7:4، الهداية - للمرغيناني - 9:3، المغني 128:5، الشرح الكبير 117:5.
4- تحفة الفقهاء 6:3، بدائع الصنائع 60:6، الاختيار لتعليل المختار 20:3-21، روضة القُضاة 3351/567:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 613:3، الفقه النافع 716/993:3، المبسوط - للسرخسي - 152:11، المحيط البرهاني 7:6، مختصر اختلاف العلماء 1665/6:4، الهداية - للمرغيناني - 9:3، الحاوي الكبير 482:6، بحر المذهب 130:8، حلية العلماء 94:5، التهذيب - للبغوي - 197:4، البيان 331:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1020/603:2، بداية المجتهد 253:2، عيون المجالس 1182/1678:4، المغني 128:5، الشرح الكبير 117:5.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الوكالة ليس من شرطها أن يكون من جهة الوكيل مالٌ، بخلاف الشركة.

و قال مالك: ليس من شرط الشركة الخلطةُ و المزجُ، بل من شرطها أن تكون يدهما علي المالين أو يد وكيلهما بأن يجعل في حانوتٍ لهما أو في يد وكيلهما دون الخلط؛ لأنّ أيديهما علي المال، فصحّت الشركة، كما لو خلطاه(1).

و الفرق: إنّ المال بالخلط يصير مشتركاً، فيوجد فيه الاشتراك، بخلاف ما إذا لم يمتزجا.

مسألة 151: قد بيّنّا أنّه لا تصحّ الشركة إلّا مع المزج الرافع للامتياز،

فلو أخرج أحد الشريكين دنانير و الآخَر دراهم لم تنعقد الشركة و إن خلطاهما؛ للامتياز بينهما حالة المزج، و لو تلف أحدهما قبل التصرّف تلف من صاحبه، و تعذّر إثبات الشركة في الباقي، و به قال الشافعي(2) ، و قد سبق

ص: 332


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1020/603:2، بداية المجتهد 253:2، عيون المجالس 1182/1678:4، مختصر اختلاف العلماء 1665/6:4، بحر المذهب 130:8، حلية العلماء 95:5، البيان 331:6، المغني 128:5، الشرح الكبير 117:5.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 42/63:1، الحاوي الكبير 481:6، المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 123:8 و 130، التهذيب - للبغوي - 196:4-197، البيان 330:6، العزيز شرح الوجيز 188:5-189، روضة الطالبين 511:3، روضة القُضاة 3353/567:2، المبسوط - للسرخسي - 152:11-153، المحيط البرهاني 7:6، المغني 127:5، الشرح الكبير 118:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 3:2-4.

دليله.

و قال أبو حنيفة: تنعقد الشركة؛ لأنّهما يجريان مجري الجنس الواحد؛ لأنّهما قِيَم المتلفات و أُروش الجنايات، و لأنّه لا يوجب المزج، بل نقول: تنعقد الشركة بالقول و إن لم يخلطا المالين بأن يُعيّنا المال و يُحضراه و يقولا: قد تشاركنا في ذلك(1).

و هو غلط؛ لأنّهما مالان لا يختلطان، و هُما متميّزان، فلا يصحّ عقد الشركة عليهما كالعروض.

و ما ذكروه فليس بصحيحٍ؛ لأنّهما يجريان في حكم الربا مجري الجنسين عند جماعةٍ، و لأنّ الاعتبار بما ذكرناه، دون الجنس الواحد.

و أحمد وافق أبا حنيفة في عدم اشتراط اتّفاق الجنسين، بل يجوز أن يُخرج أحدهما دنانير و الآخَر دراهم، و هو منقول عن الحسن و ابن سيرين(2).

مسألة 152: و لا بدّ مع اتّفاق الجنس من اتّفاق الأوصاف

بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخَر، فلو تميّز مال أحدهما من مال الآخَر و أمكن تخليصه منه بعينه بعد المزج، لم تصح الشركة، بأن تختلف السكّة أو يُخرج أحدهما صحاحاً و الآخَر مكسَّرةً، أو أحدهما مستويةً و الآخَر معوجةً، أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو سُوداً و الآخَر حديثةً أو بيضاء؛

ص: 333


1- الفقه النافع 715/993:3، الحاوي الكبير 481:6، بحر المذهب 123:8، البيان 330:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 3:2، و راجع الهامش (4) من ص 331.
2- المغني 127:5، الشرح الكبير 118:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 62:1-42/63.

لعدم حصول شرط الصحّة، و هو الاشتباه بعد المزج.

و قد وافقنا الشافعي في الصحاح و المكسَّرة(1).

و لأصحابه في السوداء و البيضاء قول بالجواز مع اختلافهما بالأمرين(2).

و قد بيّنّا جواز الشركة في العروض.

و للشافعي في ذوات الأمثال قولان(3)الوسيط 261:3، العزيز شرح الوجيز 189:5، روضة الطالبين 508:3.(4).

فعلي الجواز يشترط اتّفاق المالين في الجنس و الوصف، فلو مزج الحنطة الحمراء بالبيضاء، لم تصح الشركة؛ لإمكان التمييز و إن شقّ و عسر التخليص.

و قال بعض الشافعيّة: تصحّ الشركة هنا؛ لأنّ الناس يعدّون ذلك خلطاً(4).

و هو ممنوع إن أراد المزج الرافع للتمييز و عدم اعتبار غيره.

مسألة 153: لا يشترط تقدّم

مسألة 153: لا يشترط تقدّم(5) العقد علي الخلط،

بل لو مزجا المالين ثمّ أذن كلٌّ منهما في التصرّف و عقدا الشركةَ صحّت المشاركة بينهما، سواء وقع الإذن في مجلس المزج أو في غيره - و هو أحد وجوه الشافعي - لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل و توكّل، و لو حصل ذلك بعد المزج صحّ فكذا هنا.

ص: 334


1- الحاوي الكبير 481:6، المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 130:8، التهذيب - للبغوي - 196:4-197، البيان 330:6، العزيز شرح الوجيز 189:5، روضة الطالبين 511:3، منهاج الطالبين: 132، روضة القُضاة 3353/567:2.
2- العزيز شرح الوجيز 189:5.
3- راجع الهامش
4- من ص 330.
5- في «ث، ر، خ»: «تقديم».

و لو وجد التوكيل و المِلْكان متميَّزان ثمّ فُرض الاختلاط، لم تنقطع الوكالة.

نعم، لو قيّد الإذن بالتصرّف في المال الفرد(1) ، فلا بدّ من تجديد الإذن.

و الوجه الثاني له: المنع - و هو الأظهر عندهم - إذ لا اشتراك عند العقد.

و الثالث: إنّه يجوز إن وقع المزج في مجلس العقد؛ لأنّ المجلس كنفس العقد، فإن تأخّر لم يجز(2).

و لو ورثا عروضاً أو اشترياها، فقد مَلَكاها شائعةً، و ذلك أبلغ من الخلط، بل الخلط إنّما اكتفي به لإفادته الشيوع، فإذا انضمّ إليه الإذن في التصرّف صحّ و تمّ العقد.

مسألة 154: إذا أراد الشريكان الشركةَ في الأعيان المختلفة الجنس، باع كلٌّ منهما نصفَ العين التي له بنصف العين التي لصاحبه،

أو نقلها إليه بوجهٍ آخَر شرعيّ، ثمّ يأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف، فيصيرا شريكين.

و إنّما احتاج إلي الإذن؛ لأنّ عقد البيع الذي حصل بينهما لا يفيد الإذنَ في التصرّف.

و كذا تتحقّق الشركة بينهما لو اشتريا معاً سلعةً من ثالثٍ بثمنٍ عليهما، فيدفع كلّ واحدٍ منهما العينَ التي في يده عوضاً عمّا يخصّه من الثمن، فيكون كلّ واحدٍ منهما شريكاً في العين، ثمّ يأذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه في التصرّف.

ص: 335


1- الظاهر: «المفرد».
2- العزيز شرح الوجيز 189:5، روضة الطالبين 508:3.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يصير العرضان مشتركين و يملكان التصرّف بحكم الإذن، إلّا أنّه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتي يستأنفا عقداً و هو ناضٌّ(1).

و جمهور الشافعيّة قائلون بثبوت الشركة و أحكامها علي الإطلاق(2).

و لو لم يتبايعا العرضين و لكن باعاهما بعرضٍ أو نقدٍ، ففي صحّة البيع للشافعيّة قولان(3).

و نحن اخترنا الصحّة علي ما تقدّم، فيكون الثمن مشتركاً بينهما إمّا علي التساوي أو التفاوت بحسب قيمة العرضين، فيأذن كلّ واحدٍ منهما للآخَر في التصرّف.

مسألة 155: لا يشترط في الشركة تساوي المالين في القدر،

بل يجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من مال الآخَر - و به قال الحسن و الشعبي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي، و هو أحد قولَي الشافعيّة(1) - لأنّهما مالان إذا خلطا اختلطا، فجاز عقد الشركة عليهما، كما لو كانا سواءً.

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز الشركة حتي يستوي المالان في القدر؛ لأنّ الشافعي شرط أن يُخرج أحدهما مثل ما يُخرج الآخَر، و لأنّ الربح يحصل بالمال و العمل، و لا يجوز أن يختلف الربح بينهما مع استوائهما في المال، فكذا أيضاً لا يجوز أن يختلفا في الربح مع استوائهما

ص: 336


1- المغني 127:5، الشرح الكبير 118:5، الاختيار لتعليل المختار 22:3، بدائع الصنائع 62:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 613:3، الفقه النافع 714/992:3، المبسوط - للسرخسي - 151:11-152، المحيط البرهاني 32:6، الهداية - للمرغيناني - 7:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 3:2 و 4، الحاوي الكبير 477:6، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 130:8، الوسيط 264:3، حلية العلماء 95:5، التهذيب - للبغوي - 197:4، البيان 331:6، العزيز شرح الوجيز 189:5-190، روضة الطالبين 508:3-509.

في العمل، فإذا اختلف المالان اختلف الربحان مع التساوي في العمل(1).

و نمنع وجوب تساوي الربح مع تساويهما في المال إذا شرطا الاختلافَ علي ما يأتي، و لأنّ العمل لا يشبه المال، و الأصل في هذه الشركة المال، و العمل يتبع فيه، فلهذا جاز أن يختلف معه الربح، يدلّ علي صحّة هذا أنّه يجوز أن يعمل أحدهما أكثر من الآخَر و يقتسما الربح، و كذلك إذا شرط أحدهما عمل الآخَر و الربح بينهما، فاختلفا.

مسألة 156: لا يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين

بأن يعرف هل مال كلّ واحدٍ منهما مساوٍ لمال الآخَر أو أقلّ أو أكثر؟ و هل هو ثُلثه أو ربعه أو غير ذلك من النِّسَب ؟ و لا مقدار ماله كم هو؟ - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - إذا أمكن معرفته من بَعْدُ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما، فيأذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه في التصرّف و إن جهل مقدار ما أذن له فيه.

و في الوجه الثاني: لا يجوز حتي يعلم كلٌّ منهما نسبة ماله من مال الآخَر، فلا يصحّ في المجهول و لا الجزاف؛ لأنّه لا يدري في أيّ شيءٍ أذن، و المأذون لا يدري ما ذا يستفيد بالإذن(3).

و الوجه: ما قلناه، فحينئذٍ تكون الأثمان بينهما مشتركةً مجهولةً علي الإبهام، كالمثمنات.

مسألة 157: لو أخرج أحد الشريكين دراهم و أخرج الآخَر دنانير، لم تصح الشركة

علي ما قدّمناه من وجوب التساوي في المالين في الجنس.

فإن اشتريا بعين الدراهم و الدنانير عبداً أو ثوباً و ربحا فيه، كان الثوب

ص: 337


1- الحاوي الكبير 477:6، المهذّب - للشيرازي - 352:1، بحر المذهب 130:8، الوسيط 264:3، حلية العلماء 95:5، البيان 331:6، العزيز شرح الوجيز 190:5، روضة الطالبين 509:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، المغني 127:5، الشرح الكبير 118:5. (2 و 3) الوسيط 264:3، العزيز شرح الوجيز 190:5، روضة الطالبين 509:3.

بينهما و الربح بينهما، فإذا أرادا القسمة، نظرا إلي نقد البلد، فقوّما الثوبَ به ثمّ قوّما مالَ الآخَر به، و يكون التقويم حين صرف الثمن فيه، فإن كان مالهما متساوياً تساويا في الثمن و الربح، و إن تفاضلا كان بينهما علي النسبة.

و للشافعيّة في صحّة هذا الشراء قولان، كما لو باعا عبديهما صفقةً واحدة؛ لأنّ الثمن إذا كان معيّناً كان بمنزلة المبيع(1).

مسألة 158: يجوز أن يكون المال سبائك و تِبْراً و حُليّاً و غير ذلك من المصوغات من النقدين،
اشارة

و هو ظاهرٌ علي مذهبنا حيث جوّزنا الشركةَ في جميع الأموال.

و أمّا المانعون من الشركة في غير النقدين اختلفوا، فأكثر الشافعيّة علي المنع من الشركة فيها؛ لأنّ قيمتها تزيد و تنقص، فهي كالعروض(2).

و الأصل فيه: إنّ التِّبْر هل هو متقوّمٌ أو مثليٌّ؟ فإن جُعل متقوّماً لم تجز الشركة عليه كغيره من الأعيان، و إلّا ففيه قولان، كالقولين في المثليّات من الأعواض(3).

و أمّا الدراهم المغشوشة: فعندنا تجوز الشركة فيها، قلّ الغشّ أو كثر.

و للشافعيّة قولان مبنيّان علي جواز التعامل بها، إن جوّزنا التعامل فقد ألحقنا المغشوشَ بالخالص(4).

و قال بعضهم: إذا استمرّ رواجها في البلد، جازت الشركة فيها(5).

و قال أبو حنيفة: إن كان الغشّ أقلَّ من النصف جازت الشركة فيها،

ص: 338


1- حلية العلماء 109:5.
2- التهذيب - للبغوي - 196:4، العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3.
3- العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3.
4- العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3.
5- العزيز شرح الوجيز 188:5، روضة الطالبين 511:3.

و إن كان أكثر لم تجز؛ لأنّ الاعتبار بالغالب في كثيرٍ من الأُصول(1).

و أمّا الفلوس: فإنّها إذا حصل فيها الاشتباه و ارتفاع الامتياز مع المزج صحّت الشركة بها - و به قال مالك و محمّد بن الحسن و أبو ثور و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لأنّها قد تقع أثماناً في العادة، فجازت الشركة فيها، كالدراهم.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في الرواية الأُخري: لا تجوز؛ لأنّها تنقص مرّةً و تكثر أُخري، فأشبهت العروض(3).

إذا ثبت هذا، فإذا صحّت الشركة فيها، فإن كانت باقيةً كان رأس المال مثلها، و إن سقطت كانت قيمتها كالعروض.

و إن(2) كان لهما ثوبان و اشتبها عليهما، لم يكن ذلك كافياً في عقد الشركة؛ لأنّ المالين متميَّزان، و إنّما التبس الأمر بينهما.

تذنيب: المثليّات قد تتفاوت قيمتها، فيقسّط الثمن و الربح علي القيمتين،

كما لو كان لأحدهما كُرّ حنطةٍ قيمته عشرون، و للآخَر كُرّ حنطةٍ قيمته عشرة، فهُما شريكان بالثلث و الثلثين.

مسألة 159: قد بيّنّا أنّ شركة الوجوه عندنا باطلة

حيث لا مال هناك تتحقّق فيه الشركة، و يرجعان إليه عند المفاصلة. ثمّ ما يشتريه أحدهما يختصّ بربحه و خسرانه لا يشاركه الآخَر فيه، إلّا أن يكون قد أذن له في الشراء عنه و يقصد المشتري موكّله، و به قال الشافعي(3).

ص: 339


1- المغني 126:5، الشرح الكبير 113:5. (2 و 3) المغني 126:5، الشرح الكبير 114:5، المبسوط - للسرخسي - 160:11، المحيط البرهاني 6:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 612:3.
2- في النسخ الخطّيّة: «و لو» بدل «و إن».
3- الحاوي الكبير 478:6، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 128:8-129، التهذيب - للبغوي - 199:4، البيان 337:6، العزيز شرح الوجيز 192:5، روضة الطالبين 513:3.

و قال أبو حنيفة: يقع المشتري مشتركاً بمجرّد الشركة و إن لم يوجد قصدٌ من المشتري و لا إذنٌ من صاحبه(1). و قد سلف(2) بطلانه.

مسألة 160: قد بيّنّا توقّف تحقّق الشركة علي مزج المالين،

فلو لم يحصل لم تتحقّق الشركة، فلا تصحّ في المال الغائب؛ لانتفاء المزج فيه، لتوقّفه علي الحضور عند المالكين أو وكيلهما.

و لا تصحّ الشركة في الدَّيْن أيضاً؛ لعدم تحقّق هذا المعني فيه.

و لا يكفي في المزج الاختلاطُ مع إمكان التخليص، كحبّاتٍ من الحنطة مع حبّات الشعير، و الدخن مع السمسم و إن شقّ التمييز بينهما، و كما لو مزج الصحيح من الدراهم بالقراضة أو السمسم ببذر الكتّان، أو اختلفت السكّة في بعض النقدين. و بالجملة، متي حصل المائز بين المالين انتفت الشركة.

و لو اشتركا بالأبدان، لم تصح علي ما تقدّم(3) ، فإن تميّز عمل كلٍّ منهما من عمل صاحبه اختصّ كلّ واحدٍ منهما بأُجرة عمله.

و إن اشتبه، احتُمل تساويهما؛ لأصالته، و الصلحُ؛ إذ لكلّ واحدٍ منهما في المال حقٌّ لا يعلم قدره، و لا مخلص إلّا عقد الصلح.

مسألة 161: قد بيّنّا أنّ الشركة لا تصحّ إلّا بالمال الممتزج من الشريكين، و لا تصحّ بالأعمال.

إذا تقرّر هذا، فلو دفع واحد إلي رجلٍ دابّةً ليعمل عليها فما رزق اللّه تعالي كان بينهما بالسويّة أو أثلاثاً أو علي ما يتّفقان عليه، لم يصح عند

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 193:5.
2- في ص 332، ضمن المسألة 150.
3- في ص 312، المسألة 142.

علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الحمل الذي يستحقّ به العوض حصل من الدابّة، فالأُجرة لصاحبها، و عليه للعامل أُجرة المثل؛ لأنّ هذا ليس من أقسام الشركة، و المضاربة بالأعواض غير صحيحةٍ.

فعلي هذا إن كان الأجر المدفوع للدابّة بعينها، فالأُجرة لمالكها.

و أمّا إن كان قد تقبّل حمل شيءٍ، فحمله عليها، أو حمل عليها شيئاً مباحاً فباعه، فالأُجرة له و الثمن له، و عليه أُجرة المثل للدابّة في الموضعين.

و نُقل عن الأوزاعي صحّة ذلك، و به قال أحمد - و كرهه الحسن و الشعبي(2)(3) - لأنّها عين تنمي بالعمل عليها، فصحّ العقد عليها، كالشجرة في المساقاة و الأرض في المزارعة و الدراهم و الدنانير، و هذه المعاملة و إن لم تكن شركةً و لا مضاربةً إلّا أنّها تشبه المساقاة و المزارعة؛ لأنّه دفع العين إلي مَنْ يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها(4).

و هو غلط؛ لأنّ المساقاة و المزارعة خرجا عن الأصل بالنصّ، فلا يقاس عليهما غيرهما إلّا بدليلٍ.

مسألة 162: و لو استأجر دابّةً ليحمل عليها بنصف ما يرزقه اللّه تعالي، لم يصح

عند علمائنا و عند أكثر العامّة(5).

ص: 341


1- المغني 116:5، الشرح الكبير 191:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 125/103:1، المبسوط - للسرخسي - 219:11، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 625:3.
2- في المصادر: «النخعي» بدل «الشعبي».
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 125/103:1، المغني 116:5، الشرح الكبير 191:5.
4- المغني 116:5 و 117، الشرح الكبير 191:5 و 192.
5- المغني 117:5، الشرح الكبير 192:5.

و قال أحمد في روايةٍ: إنّه يصحّ(1).

و هو غلط؛ لأنّ من شرط الإجارة و صحّتها العلمَ بالعوض و تقدير المدّة أو العمل، و لو يوجد، و لأنّه عقد غير منصوصٍ عليه و لا هو في معني المنصوص، فيكون كغيره من العقود الفاسدة.

و لو أعطي شخص فرسَه علي النصف من الغنيمة، قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس. و به قال الأوزاعي(2).

و الحقّ: إنّ السهم من الغنيمة له أو الأُجرة.

و كذا لو دفع عبده إلي غيره ليكتسب عليه و يكون له ثلث ذلك أو ربعه، فإنّه لا يصحّ عندنا، خلافاً له(3).

و كذا لا يصحّ لو دفع إلي رجلٍ ثوباً ليفصله و يخيطه قميصاً و يبيعه و له نصف الربح، و كذا لو دفع غزلاً إلي حائكٍ لينسجه بثلث ثمنه أو ربعه، فإنّ ذلك كلّه عندنا باطل، و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي(4).

و قال أحمد: يصحّ ذلك كلّه(5).

و هو خطأ؛ لأنّه عوضٌ مجهول عن عملٍ مجهول.

و لو دفع إليه الثوب لينسجه و جعل له [مع](2) ذلك(3) دراهم معلومة،ه.

ص: 342


1- المغني 117:5، الشرح الكبير 192:5. (2-5) المغني 118:5، الشرح الكبير 193:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ربع». و الصحيح ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
3- أي: ثلث الثمن أو ربعه.

قال أحمد: لا يجوز. [و عنه الجواز](1)(2).

و لو أعطاه الثوب بالثلث و درهم أو درهمين، فروايتان(3).

و جوّز ذلك ابن سيرين و النخعي و الزهري و أيّوب(4).

و قال ابن المنذر: كره هذا كلَّه الحسنُ(5).

و قال أبو ثور و أصحاب الرأي: هذا كلّه فاسد(6) - كما قلناه - و اختاره ابن المنذر(7).

و لو دفع شبكةً إلي الصيّاد ليصطاد بها علي النصف أو غيره من الأجزاء المعلومة، لم يصح، و عليه أُجرة الشبكة، و الحاصل للصيّاد.

قال أصحاب أحمد: و قياس مذهب أحمد صحّة الشركة، فيكون الحاصل بينهما علي ما شرطاه؛ لأنّها عين تنمي بالعمل فيها، فجاز دفعها ببعض نمائها، كالأرض(8).

مسألة 163: لو كان لواحدٍ دابّة و لآخَر راوية فتشاركا مع ثالثٍ ليستقي الماء و يكون الحاصل بينهم، فلا شركة هنا عندنا؛

لأنّها منافع أبدانٍ متميّزة، و شركة الأبدان باطلة، و لا يصحّ أن يكون مضاربةً؛ لأنّ رأس مالها العروض و العمل، و لأنّ من شرطها عود رأس المال سليماً علي معني أنّه لا يستحقّ شيئاً من الربح حتي يستوفي رأس المال بكماله، و الراوية هنا تخلق

ص: 343


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 150:2، المغني 118:5، الشرح الكبير 193:5.
3- راجع المغني 118:5، و الشرح الكبير 193:5-194.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 366/233:1، المغني 118:5-119، الشرح الكبير 194:5.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 366/232:1، المغني 119:5، الشرح الكبير 194:5.
6- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 232:1-366/233، المغني 119:5، الشرح الكبير 194:5.
7- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 366/233:1، المغني 119:5.
8- المغني 119:5، الشرح الكبير 194:5.

و تنقص، و ليس ذلك أيضاً إجارةً؛ لافتقار الإجارة إلي مدّةٍ معيّنة و أُجرةٍ معلومة، فتكون فاسدةً.

إذا تقرّر هذا، فلو آجروا عليه و استقي الثالث، فنقول: إن كان الماء مملوكاً للسقّاء، فالثمن له، و عليه أُجرة المثل للدابّة و الراوية.

و إن كان مباحاً، فإن أخذه بنيّة أنّه له فكالأوّل.

و إن أخذه بنيّة الشركة، فإن قلنا: إنّه لا تجوز النيابة في تملّك المباحات، فكالأوّل أيضاً؛ لأنّ السقّاء يكون قد مَلَكه بمجرّد الحيازة و الأخذ، و إن قلنا: إنّه تجوز النيابة في مثل ذلك، فالماء بينهم.

و كيف يُقسّم ؟ يحتمل أن يُقسّم علي نسبة أُجور أمثالهم؛ لأنّه حصل بالمنافع المختلفة، و أن يُقسّم بينهم بالسويّة اتّباعاً لقصده، فحينئذٍ يكون للسقّاء أن يطالب كلّ واحدٍ من صاحبيه بثلث أُجرة منفعته؛ لأنّ منفعته لم ينصرف إليه منها سوي الثلث.

و كذا يرجع كلّ واحدٍ من صاحب الدابّة و الراوية علي كلّ واحدٍ من الآخَر و السقّاء بثلث أُجرة منفعة ملكه.

و علي الوجه الأوّل لا تراجع بينهم في الأُجرة؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم قد أخذ حقّه - و هو أُجرة مثل عمله - لا أزيد.

مسألة 164: لو استأجر رجلٌ الدابّةَ من صاحبها و الراويةَ من صاحبها و السقّاءَ لحمل الماء و هو مباح، فإن أفرد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ صحّ،

و الماء للمستأجر، و عليه لكلّ واحدٍ من الثلاثة ما عيّنه من الأُجرة.

و إن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد، صحّ عندنا، و حينئذٍ تُوزَّع الأُجرة المسمّاة علي أُجور الأمثال، و هو أحد قولَي الشافعي.

و الثاني: بطلان الإجارة، فلكلّ واحدٍ من الثلاثة أُجرة المثل عليه،

ص: 344

و الماء للمستأجر، سواء قلنا: إنّ الإجارة صحيحة، أو لا.

أمّا علي تقدير الصحّة: فظاهر.

و أمّا علي تقدير الفساد: فلأنّ منافعهم مضمونة عليه بأُجرة المثل(1).

فإن نوي السقّاء نفسه و قلنا بفساد الإجارة، قال بعض الشافعيّة:

يكون للمستأجر أيضاً(2).

و توقّف الجويني فيه؛ لأنّ منفعته غير مستحقّةٍ للمستأجر، فليكن الحاصل له(3).

و موضع القولين للشافعي: ما إذا وردت الإجارة علي عين السقّاء و الدابّة و الراوية، فأمّا إذا ألزم ذمّتهم نقلَ الماء صحّت الإجارة لا محالة؛ إذ ليست هنا أعيان مختلفة تُفرض جهالة في أُجورها، و إنّما علي كلّ واحدٍ منهم ثلث العمل(4).

مسألة 165: لو اشترك أربعة لأحدهم بيت الرحي،

و لآخَر حجر الرحي، و لآخَر دابّة تديره، و الرابع يعمل الصِّماد للدوابّ في الحجر(2) علي أنّ الحاصل من أُجرة الطحن بينهم، فهي شركة فاسدة علي ما عُرف.

ثمّ إن استأجر مالك الحنطة العاملَ و الآلات من أربابها و أفراد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ، لزمه ما سمّي لكلّ واحدٍ منهم، و لا شركة.

و إن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد، فإن ألزم ذمّتهم الطحن صحّ العقد، و كانت الأُجرة المسمّاة بينهم أرباعاً، و يتراجعون أُجرة المثل؛ لأنّ

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 193:5-194، روضة الطالبين 514:3. (2-4) العزيز شرح الوجيز 194:5، روضة الطالبين 514:3.
2- كذا قوله: «يعمل الصّماد للدوابّ في الحجر» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في العزيز شرح الوجيز 194:5، و روضة الطالبين 514:3: «يعمل في الرحي».

المنفعة المملوكة لكلّ واحدٍ منهم قد استوفي ربعها حيث أخذ ربع المسمّي، و انصرف ثلاثة أرباعها إلي أصحابه، فيأخذ منهم ثلاثة أرباع أُجرة المثل.

و إن استأجر عين العامل و عين الآلات، صحّ عندنا.

و للشافعي قولان:

أحدهما: فساد الإجارة، فلكلّ واحدٍ أُجرة مثله.

و الثاني: الصحّة: فيُوزّع المسمّي عليهم، و يكون التراجع بينهم علي ما سبق(1).

و لو ألزم صاحب الحنطة ذمّةَ العامل الطحن، لزمه، و عليه إذا استعمل ما لأصحابه أُجرة المثل لهم، إلّا أن يستأجرها بعقدٍ صحيح، فيكون عليه المسمّي.

و قد روي العامّة: أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله نهي عن قفيز الطحّان(2) ، و هو أن يعطي الطحّان أقفزة معلومة ليطحنها بقفيز دقيق منها.

و علّة المنع: أنّه جعل له بعض معموله أجراً لعمله، فيصير الطحن مستحقّاً عليه.

و قد أنكر جماعةٌ منهم(3) هذا الحديثَ.

و قياس قول أحمد جوازه(4).5.

ص: 346


1- بحر المذهب 133:8-134، البيان 338:6-339، العزيز شرح الوجيز 194:5، روضة الطالبين 514:3.
2- سنن الدارقطني 195/47:3، سنن البيهقي 339:5، المغني 119:5، الشرح الكبير 194:5.
3- منهم: ابنا قدامة في المغني 119:5، و الشرح الكبير 194:5.
4- كما في المغني 119:5، و الشرح الكبير 194:5.
مسألة 166: لو دفع إلي شخصٍ عيناً علي أن يؤجرها المدفوع إليه و تكون الأُجرة بينهما، لم يصح،

و تكون الإجارة لصاحب العين إن استؤجرت العين، أو تكون للمدفوع إليه، فالأجر له، و لصاحب العين أُجرة المثل.

و لو كان لرجلٍ دابّة، و لآخَر أُكاف و جوالقات، فاشتركا علي أن يؤاجراهما، و الأُجرة بينهما نصفان، فهو فاسد؛ لأنّ هذه أعيان لا يصحّ الاشتراك فيها و كذلك في منافعها؛ إذ تقديره: آجِر دابّتك ليكون أجرها بيننا، و أؤجر جوالقاتي لتكون أُجرتها بيننا، و ذلك باطل، فتكون الأُجرة بأسرها لصاحب الدابّة؛ لأنّه مالك الأصل، و للآخَر أُجرة المثل علي صاحب البهيمة؛ لأنّه استوفي منافع ملكه بعقدٍ فاسد.

هذا إذا آجرا الدابّة بما عليها من الأُكاف و الجوالقات في عقدٍ واحد، فأمّا إن آجر كلّ واحدٍ منهما ملكه منفرداً، فلكلّ واحدٍ منهما أُجرة ملكه.

و التحقيق أن نقول: لا اعتبار بهذه الشركة، فوجودها كالعدم.

ثمّ المستعمل للدابّة و الجوالقات إن كان قد عقد معهما أو مع أحدهما بإذن الآخَر عَقْد إجارةٍ شرعيّة، كان عليه المسمّي يقسّط علي أُجرة مثل الدابّة و أُجرة المثل للجوالقات و الأُكاف، و إن لم يعقد معهما عَقْد إجارةٍ، كان عليه أُجرة مثل الدابّة لصاحبها، و أُجرة مثل الأُكاف و الجوالقات لصاحبها.

مسألة 167: لو كان لواحدٍ البذرُ و لآخَر دوابُّ الحرث و لثالثٍ الأرضُ، فاشتركوا مع رابعٍ ليعمل و يكون الحاصل بينهم، فالشركة باطلة،

و النماء لصاحب البذر، و عليه أُجرة المثل لصاحب الأرض عن أرضه، و لصاحب الدوابّ عن عملها، و لصاحب العمل عن عمله.

ص: 347

فإن أصاب الزرع آفة و لم يحصل شيء من الغلّة، لم يسقط حقّهم من أُجرة المثل.

و قال بعض الشافعيّة: لا شيء لهم؛ لأنّهم لم يحصّلوا له شيئاً(1).

و هو غلط ظاهر؛ لأنّه قد تصرّف في مال الغير بعملٍ له أُجرة؛ فكان عليه الأُجرة.3.

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 194:5، روضة الطالبين 515:3.
الفصل الثالث: في الأحكام
مسألة 168: الشركة عقد جائز من الطرفين،

و ليست من العقود اللازمة بالإجماع، فإذا اشتركا بمزج المالين و أذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف فلكلٍّ من الشريكين فسخها؛ لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل و توكّل.

فلو قال أحدهما للآخَر: عزلتك عن التصرّف، أو: لا تتصرّف في نصيبي، انعزل المخاطب عن التصرّف في نصيب العازل، و يبقي له التصرّف في نصيبه، و لا ينعزل العازل عن التصرّف في نصيب المعزول إلّا بعزلٍ متجدّد منه.

و لو فسخاها معاً، فإنّ الاشتراك باقٍ و إن لم يكن لأحدهما التصرّف في نصيب الآخَر.

و لو قال أحدهما: فسختُ الشركة، ارتفع العقد، و انفسخ من تلك الحال، و انعزلا جميعاً عن التصرّف؛ لارتفاع العقد.

و قال بعض الشافعيّة: انعزالهما مبنيٌّ علي أنّه يجوز التصرّف بمجرّد عقد الشركة، أم لا بدّ من التصريح بالإذن ؟ إن قلنا بالأوّل، فإذا ارتفع العقد انعزلا، و إن قلنا بالثاني و كانا قد صرّحا بالإذن، فلكلٍّ منهما التصرّف إلي أن يعزل(1).

و كيفما كان فالشافعيّة علي ترجيح القول بانعزالهما(2).

مسألة 169: إذا عقدا الشركةَ و مزجا المالين،

فإن وُجد من كلٍّ منهما

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 195:5، روضة الطالبين 515:3-516.
2- العزيز شرح الوجيز 195:5، روضة الطالبين 515:3.

الإذنُ لصاحبه في التصرّف في جميع المال، تسلّط كلٌّ منهما علي ذلك، و كان حكمُ تصرّفه حكمَ تصرّف الوكيل مع الإطلاق، فلا يبيع بالنسيئة و لا بغير نقد البلد، و لا يبيع و لا يشتري بالغبن الفاحش إلّا مع إذن الشريك.

فإن خالف و باع بالغبن الفاحش، لم يصح في نصيب الشريك، و يصحّ في نصيبه عندنا، و يتخيّر المشتري مع فسخ الشريك للبيع.

و عند الشافعي قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة، فإن قالوا ببطلان البيع، بقي المبيع علي ملكهما و الشركة بحالها، و إن قالوا بالصحّة علي ما هو مذهبنا، انفسخت الشركة في المبيع، و صار مشتركاً بين المشتري و الشريك الذي بطل في نصيبه(1).

و لو اشتري بالغبن، فإن كان الشراء بعين مال الشركة، كان حكمُه حكمَ ما لو باع بالغبن، و قد سلف(2) ، و إن اشتري في الذمّة لم يقع للشريك، و كان عليه دفع الثمن من خالص ماله.

مسألة 170: ليس لواحدٍ من الشريكين التصرّفُ في المال الممتزج إلّا بإذن صاحبه،

فإن اختصّ أحدهما بالإذن اختصّ بالتصرّف؛ لأصالة عصمة مال الشخص علي غيره، و لو اشترك الإذن اشترك جواز التصرّف.

و إذا حصل الإذن عامّاً من كلّ واحدٍ منهما، تصرّف بحسبه في مال شريكه، كما يتصرّف الوكيل في مال موكّله.

و إن كان عامّاً من أحدهما و خاصّاً من الآخَر، استفاد مَنْ عمّم له الإذن

ص: 350


1- الحاوي الكبير 488:6، بحر المذهب 138:8، التهذيب - للبغوي - 202:4، البيان 344:6، العزيز شرح الوجيز 195:5، روضة الطالبين 515:3.
2- آنفاً.

جواز التصرّف عامّاً، و الآخَر ما عُيّن له.

و كذا لو كان الإذن من كلٍّ منهما خاصّاً، لم يجز له التخطّي إلي غير المأذون.

و إذا عيّن له جهة السفر أو البيع علي وجهٍ أو شراء جنسٍ بعينه، لم يجز التجاوز.

و لو شرطا الاجتماع، لم يجز لأحدهما الانفراد.

و لو أطلق الإذن، تصرّف كيف شاء.

فإن عيّن جهةً فتجاوزها، كان ضامناً.

و يجوز الرجوع في الإذن، فيحرم التصرّف؛ لأنّه إنّما تصرّف بالإذن و قد زال.

و ليس لأحدهما السفر بمال الشركة، و لا أن يبيعه إلّا بإذن صاحبه، فإن فَعَل بغير الإذن ضمن.

مسألة 171: قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها، فتنفسخ حينئذٍ.

و كذا تنفسخ بموت أحدهما و جنونه و إغمائه و الحجر عليه للسفه، كالوكالة.

ثمّ في صورة الموت إن لم يكن علي الميّت دَيْنٌ و لا هناك وصيّة، تخيّر الوارث بين القسمة مع الشريك و فسخها، و بين تقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً، و إن كان صغيراً أو مجنوناً فعلي الوليّ ما فيه الحظّ من فسخ الشركة أو إبقائها.

و لا بدّ في تقرير الشركة من عقدٍ مستأنف.

و إن كان علي الميّت دَيْنٌ، لم يكن للوارث التقرير علي الشركة، إلّا

ص: 351

أن يقضي الدَّيْن من غير مال الشركة.

و لو كان هناك وصيّة، فإن كانت لمعيّنٍ فهو كأحد الورثة يتخيّر بين التقرير و الفسخ إن تعلّقت الوصيّة بذلك المال.

و إن كانت لغير معيّنٍ كالفقراء، لم يجز تقرير الشركة إلّا بعد خروج الوصيّة، فإذا خرجت الوصيّة بقي المال كما لو لم تكن وصيّةٌ يتخيّر فيه الوارث بين التقرير و الفسخ.

مسألة 172: إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح و الخسران علي قدر رءوس الأموال؛

لأنّه نماء مالهما، فكان بينهما علي نسبة المالين، و كذا إذا خسرا، كالتلف.

و لو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين، أو تساويهما فيه مع تفاوت المالين، قال الشيخ رحمه الله: تبطل الشركة، و جَعَل من شرط الشركة كونَ الربح و الخسران علي قدر رأس المالين، فلا يجوز أن يتفاضلا مع التساوي في المال، و لا أن يتساويا مع التفاضل فيه(1) ، و به قال مالك و الشافعي؛ لأنّ هذا الربح في هذه الشركة تبع للمال؛ بدليل أنّه يصحّ عقد الشركة و إطلاق الربح، فلا يجوز تغييره بالشرط، كالخسران، فإنّهما لو شرطا التفاوت في الخسران مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما، لغا الشرط، و يتوزّع الخسران علي المال(2).

ص: 352


1- الخلاف 332:3، المسألة 9 من كتاب الشركة.
2- المدوّنة الكبري 62:5، بداية المجتهد 253:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1028/606:2، الذخيرة 52:8، عيون المجالس 1183/1679:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 61:1-40/62، المهذّب - للشيرازي - 353:1، بحر المذهب 131:8، الوجيز 187:1، الوسيط 266:3، حلية العلماء 96:5، البيان 333:6، العزيز شرح الوجيز 195:5-196، روضة الطالبين 516:3، المغني 140:5، الشرح الكبير 115:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، روضة القُضاة 3358/568:2، المبسوط - للسرخسي - 157:11، مختصر اختلاف العلماء 1666/7:4.

و المعتمد: جواز الشرط و لزومه؛ لعموم قوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

و لأنّه شرط لا ينافي الكتاب و السنّة، فكان لازماً كغيره من الشروط السائغة - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّه قد يكون أبصر بالتجارة من الآخَر، أو أجلد منه و أقوي في العمل، فيشترط له زيادة الربح في مقابلة عمله ذلك، و هو أمر سائغ، كما لو شرط الربح في مقابلة عمل المضارب، يحقّقه أنّ هذه الشركة معقودة علي المال و العمل معاً، و لكلّ واحدٍ منهما حصّة من الربح إذا كان مفرداً، فكذا إذا اجتمعا، و أمّا حالة الإطلاق فإنّه لمّا لم يكن بينهما شرط يقسّم الربح عليه و بقدره، قدّرناه بالمال؛ لعدم الشرط، فإذا وجد الشرط فهو الأصل، فيصار إليه، كالمضاربة يصار فيه إلي الشرط، فإذا عدم و قالا: الربح بيننا، كان بينهما نصفين.

و الحكم في الأصل ممنوع، مع الفرق؛ فإنّ الوضيعة لا تتعلّق إلّا بالمال؛ بدليل المضاربة.5.

ص: 353


1- تقدّم تخريجه في ص 258، الهامش (4).
2- الاختيار لتعليل المختار 22:3، روضة القُضاة 3357/568:2، المبسوط - للسرخسي - 156:11، المحيط البرهاني 32:6-33، مختصر اختلاف العلماء 1666/7:4، النتف 533:1، المغني 140:5، الشرح الكبير 114:5-115، الإفصاح عن معاني الصحاح 4:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1028/606:2، عيون المجالس 1183/1679:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 61:1-42/62، بحر المذهب 131:8، الوسيط 266:3، حلية العلماء 96:5، البيان 333:6، العزيز شرح الوجيز 197:5.
مسألة 173: لو اختصّ أحدهما بمزيد عملٍ، و شرط مزيد ربحٍ له، صحّ عندنا،

و هو ظاهرٌ علي أصلنا و أصل أبي حنيفة.

و للشافعي قولان:

أحدهما: صحّة الشرط، و يكون القدر الذي يناسب ملكه له بحقّ الملك، و الزائد يقع في مقابلة العمل، و يتركّب العقد من الشركة و القراض.

و أصحّهما عندهم: البطلان، كما لو شرطا التفاوت في الخسران، فإنّه يلغو، و يتوزّع الخسران علي المال، و لا يمكن جَعْله شركةً و قراضاً؛ فإنّ العمل في القراض مختصٌّ بمال المالك، و هنا يتعلّق بملكه و ملك صاحبه(1). و قد تقدّم.

إذا عرفت هذا، فلو شرطا زيادة الربح لقاصر العمل، جاز عندنا؛ عملاً بالشرط - و يجيء علي قول الشافعي البطلان؛ لأنّه لا يجوز مع التساوي في العمل فمع القصور أولي - و لأنّه يجوز التساوي في الربح مع التفاوت في العمل.

مسألة 174: قد بيّنّا أنّه يجوز التساوي في الربح مع تفاوت المالين،

و التفاوتُ في الربح مع تساوي المالين بالشرط.

و الشيخ رحمه الله قال: إذا شرطا ذلك بطلت الشركة(2). و هو قول الشافعي(3).

و إذا فسد الشرط عند الشافعي، لم يؤثّر ذلك في فساد التصرّفات؛ لوجود الإذن، و يكون الربح علي نسبة المالين، ثمّ يرجع كلٌّ منهما علي

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 196:5، روضة الطالبين 516:3.
2- راجع الهامش (1) من ص 352.
3- راجع الهامش (2) من ص 352.

صاحبه بأُجرة مثل عمله في ماله.

فإن تساوي المالان و العملان، كان نصف عمل كلّ واحدٍ منهما يقع في ماله، فلا يستحقّ به أُجرةً، و النصف الواقع في مال صاحبه يستحقّ صاحبه مثل بدله عليه، فيتقاصّان.

و إن تفاوتا في العمل خاصّةً، فكان عمل أحدهما يساوي مائةً، و عمل الآخَر يساوي مائتين، فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر، فنصف عمله مائة، و نصف عمل الآخَر خمسون، فيبقي له خمسون بعد المقاصّة.

و إن كان عمل صاحبه أكثر، ففي رجوعه بالخمسين علي المشروط له الزيادة وجهان للشافعيّة:

أحدهما: الرجوع، كما لو فسد القراض يستحقّ العامل أُجرة المثل.

و أصحّهما عندهم: المنع - و هو محكيٌّ عن أبي حنيفة(1) - لأنّه عمل وُجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض، و العمل في الشركة لا يقابله عوض؛ بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحةً و زاد عمل أحدهما، فإنّه لا يستحقّ علي الآخَر شيئاً.

و يجري الوجهان فيما إذا فسدت الشركة و اختصّ أحدهما بأصل التصرّف و العمل، هل يرجع بنصف أُجرة عمله علي الآخَر؟

و إن تفاوتا في المال خاصّةً، فكان لأحدهما - مثلاً - ألف و للآخَر ألفان، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائة علي صاحب الأكثر، و لصاحب الأكثر ثلث المائة عليه، فيكون الثلث بالثلث قصاصاً، يبقي لصاحب الأقلّ ثلث المائة:5.

ص: 355


1- العزيز شرح الوجيز 196:5.

ثلاثة و ثلاثون و ثلث.

و إن تفاوتا فيهما بأن كان لأحدهما ألف و للآخَر ألفان، فإن كان عمل صاحب الأكثر أكثر بأن كان عمله يساوي مائتين و عمل الآخَر مائة، فثلثا عمله في ماله، و ثلثه في مال صاحبه، و عمل صاحبه علي العكس، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين علي صاحب الأقلّ، و لصاحب الأقلّ ثلثا المائة علي صاحب الأكثر، و قدرهما واحد، فيقع في التقاصّ.

و إن كان عمل صاحب الأقلّ أكثر و التفاوت كما صوّرناه، فثلث عمل صاحب الأقلّ في ماله، و ثلثاه في مال شريكه، و ثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله، و ثلثه في مال شريكه، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائتين علي صاحب الأكثر، و هُما: مائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، و لصاحب الأكثر ثلث المائة علي صاحب الأقلّ، و هو: ثلاثة و ثلاثون و ثلث، فيبقي بعد التقاصّ لصاحب الأقلّ مائة علي الآخَر(1).

و للشافعيّة قولٌ آخَر: إنّ الشركة تفسد بهذا الشرط، فتبطل التصرّفات(2).

و الأكثر جزموا بنفوذ التصرّفات، و يوزّع الربح علي المالين، و تجب الأُجرة في الجملة.

و معني الفساد أنّ كلّ واحدٍ منهما يرجع علي صاحبه بأُجرة عمله في ماله، و لو صحّ عقد الشركة لم يرجع؛ لأنّه لا يثبت استحقاق الأُجرة(3).

و هذا لا يتأتّي علي مذهبنا حيث اخترنا صحّة هذا الشرط. و معني هذا الفساد المذكور عند تغيّر نسبة الربح جارٍ في سائر أسباب فساد الشركة.5.

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 196:5-197، روضة الطالبين 516:3-517. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 197:5.

و لو لم يكن بين المالين شيوع و لا خلط، فلا شركة علي التحقيق، و ثمن كلّ واحدٍ من المالين يختصّ بمالكه، و لا يقع مشتركاً.

مسألة 175: لو تفاوتا في المال و لم يشترطا التساوي و لا التفاوت و التوزيع علي قدر المالين،

بل أطلقا، فإنّ الربح يكون علي نسبة المالين، و تكون زيادة العمل تبرّعاً من صاحبه.

و يحتمل أن تثبت للزيادة أُجرة المثل، كما لو استعمل صانعاً و لم يذكر له أُجرةً.

و لو شُرط(1) زيادة الربح لمن ازداد عمله، ففي اشتراط استبداده باليد للشافعيّة وجهان(2).

و كذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجهٍ لهم، كشرطه في القراض(3).

و في وجهٍ: لا [جرياً](4) علي قضيّة الشركة(2).

و الخلاف في جواز اشتراط زيادة الربح لمن زاد عمله [جارٍ](6) فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرّف و جعلا له زيادة ربحٍ(3).

و في وجهٍ لهم: يجوز هنا، و لا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل؛ لأنّه لا يدري أنّ الربح بأيّ عملٍ حصل فيحال به علي المال ؟(4).

ص: 357


1- الظاهر: «شرطا». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 197:5، روضة الطالبين 518:3. (4 و 6) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 197:5.
3- العزيز شرح الوجيز 197:5-198، روضة الطالبين 518:3.
4- الوسيط 267:3، العزيز شرح الوجيز 198:5، روضة الطالبين 518:3.
مسألة 176: كلّ واحدٍ من الشريكين أمين يده يد أمانةٍ علي ما تحت يده

- كالمستودع و الوكيل - يُقبل قوله في الخسران و التلف مع اليمين، كالمستودع إذا ادّعي التلف، سواء أسند التلف إلي سببٍ ظاهرٍ أو خفيّ.

و قال الشافعي: إذا أسند التلف هو أو المستودع إلي سببٍ ظاهر، طُولب بالبيّنة عليه، فإذا أقامها صُدّق في الهلاك(1).

و إذا ادّعي أحد الشريكين خيانةً علي الآخَر، لم تُسمع الدعوي حتي يحرّرها بأن يعيّن القدر الذي ادّعاه من الخيانة علي إشكالٍ، فإذا بيّن القدر سُمعت، و كان عليه البيّنة، فإن فُقدت كان له إحلاف الشريك.

و لو ادّعي ردَّ المال إلي الشريك، قُبِل قوله مع اليمين، كالمستودع و الوكيل بغير جُعْلٍ، و به قال الشافعي(2).

و عندي فيه نظر.

مسألة 177: لو كان في يد أحد الشريكين مالٌ و اختلفا فيه،

فقال المكتسب: إنّه لي خاصّةً، و قال الآخَر: بل هو من مال الشركة، فالقول قول المتشبّث مع اليمين؛ قضاءً لليد.

و كذا لو انعكس الفرض، فقال المتشبّث: إنّه من مال الشركة، و قال الآخَر: بل هو لي خاصّةً، قُدّم قول المتشبّث مع اليمين.

و لو قال الآخَر: بل هو لك، كان في النصف حكمه حكم مَنْ أقرّ لغيره بعينٍ في يده و أنكر المُقرّ له.

ص: 358


1- المهذّب - للشيرازي - 354:1، الوسيط 269:3، البيان 343:6، العزيز شرح الوجيز 198:5، روضة الطالبين 518:3.
2- التهذيب - للبغوي - 202:4، العزيز شرح الوجيز 198:5، روضة الطالبين 518:3.

و لو اشتري أحد الشريكين شيئاً ثمّ اختلفا، فقال المشتري: إنّما اشتريتُه لنفسي، و قال الآخَر: بل للشركة، قُدّم قول المباشر للعقد؛ لأنّه أبصر بنيّته، و هذا الاختلاف يقع عند ظهور الربح.

و لو قال المباشر: إنّما اشتريتُه للشركة، و قال الآخَر: بل اشتريتَه لنفسك، فالقول قول مباشر العقد؛ لأنّه أبصر بنيّته، و هذا الاختلاف يقع عند ظهور الخسران.

و لو قال صاحب اليد: اقتسمنا مالَ الشركة و هذا قد خلص لي، و قال الآخَر: لم نقتسم بَعْدُ و هو مشترك، فالقول قول الثاني؛ لأصالة بقاء الشركة و عدم القسمة، فعلي مدّعيها البيّنة.

و لو كان في أيديهما أو في يد أحدهما مالٌ و قال كلّ واحدٍ منهما:

هذا نصيبي من مال الشركة و أنت أخذتَ نصيبك، حلف كلٌّ منهما لصاحبه، و جُعل المال بينهما، فإن حلف أحدهما و نكل الآخَر، قضي للحالف.

مسألة 178: لو كان بينهما عبد مشترك فباعه أحدهما بإذن الثاني و أذن له في قبض الثمن،

ثمّ اختلف الشريكان في قبض الثمن، فادّعي الآذن علي البائع قبض الثمن بأسره و طالَبه بدفع نصيبه إليه، و صدّقه المشتري علي أنّ البائع قبض، و أنكر البائع القبضَ، برئ المشتري من نصيب الآذن في البيع؛ لاعترافه بأنّ البائع - الذي هو وكيله بالقبض - قد قبض.

ثمّ هنا خصومتان، إحداهما: بين البائع و المشتري، و الثانية: بين الشريكين.

فإن تقدّمت الأُولي علي الثانية، فطالَب البائع المشتري بنصيبه من الثمن، و ادّعي المشتري أنّه أدّاه، نُظر فإن قامت للمشتري بيّنة علي الأداء،

ص: 359

اندفعت المطالبة عنه، و برئ المشتري من الحقّين؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض، و الآذن قد ثبت أنّ وكيله - و هو البائع - قد قبض.

و لو شهد له الشريك الآذن، لم تُقبل شهادته في نصيبه؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه، و ذلك جرّ نفعٍ ظاهر، فلا تُقبل؛ للتهمة.

و هل تُقبل شهادته في نصيب البائع ؟ قال بعض علمائنا: نعم(1).

و للشافعيّة قولان مبنيّان علي أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به؛ للتهمة، فهل تردّ في الباقي ؟(2).

و لو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه؛ لأنّه منكر، و الأصل عدم القبض، فيحلف البائع أنّه لم يقبض، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري، و لا يشاركه الآذن؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ، و يزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم، فلا يستحقّ مشاركته فيه، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين علي المشتري، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه، و لو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

و قال بعض الشافعيّة: لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(3).

و هو غلط؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول، و إنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.3.

ص: 360


1- لم نهتد إلي القائل به، و راجع المبسوط - للطوسي - 353:2.
2- الحاوي الكبير 490:6، المهذّب - للشيرازي - 354:1، بحر المذهب 141:8، الوسيط 270:3، حلية العلماء 106:5، التهذيب - للبغوي - 204:4، البيان 346:6، العزيز شرح الوجيز 199:5، روضة الطالبين 519:3.
3- العزيز شرح الوجيز 199:5، روضة الطالبين 519:3.

فإذا انفصلت(1) [خصومة](2) البائع و(3) المشتري فلو جاء الشريك الآذن و طالَب البائعَ بحقّه؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن، فعليه البيّنة، و يُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما، فإن نكل البائع حلف الآذن و أخذ منه نصيبه، و لا يرجع البائع به علي المشتري؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل، و لا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري؛ لأنّها خصومة أُخري مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع و المشتري و تبعتها خصومة الشريكين، و أمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعي الذي لم يبع قبضَ الثمن علي البائع و طالَبه بحقّه و أنكر البائع، قُدّم قوله مع اليمين، و كان علي الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن، و لا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة؛ لأنّه يدفع عن نفسه، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع علي أنّه ما قبض، فإن نكل حلف الآذن علي أنّه قبض، و أخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه، و ادّعي المشتري الأداءَ، فعليه البيّنة، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع، و قبض حقّه، فإن نكل حلف المشتري و برئ، و لا يمنع البائعَ من أن يحلف و يطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولي مع شريكه.

و للشافعيّة وجهٌ: إنّه يمنع؛ بناءً علي أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعي عليه ؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة علي قبضه جميعَ الثمن،».

ص: 361


1- في «خ»: «انقضت» بدل «انفصلت».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حكومة». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في «ث، خ، ر»: «مع» بدل «و».

و إن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن، و علي التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(1).

و ضعّفه باقي الشافعيّة؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين و فيما فيه تخاصمهما لا غير، و معلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف علي أنّه قبض نصيبه، فإنّه الذي يطالب به، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(2).

و علي ضعفه فقد قال الجويني: [القياس](1) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع و المشتري و نكل البائع و حلف المشتري اليمينَ المردودة حتي يقال: تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(2).

مسألة 179: لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ، ثمّ اختلف الشريكان،

فادّعي البائع علي الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري، فأنكر الآذن القبضَ، و صدّق المشتري المدّعي، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع، برئ المشتري من حصّة البائع؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع و المشتري، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض، فيحلف و يأخذ نصيبه و يسلّم إليه المأخوذ.

و إن تخاصم البائع و الذي لم يبع، حلف الذي لم يبع، فإن نكل

ص: 362


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 200:5، روضة الطالبين 519:3.

حلف البائع، و أخذ منه نصيبه، و لا رجوع له علي المشتري.

و لو شهد البائع للمشتري علي القبض، لم تُقبل؛ لأنّه يشهد لنفسه علي الذي لم يبع.

و إن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شيءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع: فلأنّه منكر للقبض، و القول قوله في إنكاره مع اليمين.

و أمّا عن حقّ المباشر للبيع: فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن، و لا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع؛ لأنّه لمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع و المشتري، فعلي المشتري البيّنة علي القبض، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان:

قال المزني منهم: إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري، و إن شاء شارك البائع في المأخوذ، و أخذ الباقي من المشتري؛ لأنّ الصفقة واحدة، و كلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(1).3.

ص: 363


1- بحر المذهب 143:8، الوسيط 270:3، حلية العلماء 106:5، التهذيب - للبغوي - 205:4، البيان 348:6، العزيز شرح الوجيز 200:5-201، روضة الطالبين 520:3.

و [يفارق](1) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه، فلا يشاركه فيما ظلم به(2).

و قال آخَرون منهم ابن سريج: ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري، و لا يشارك البائع فيما أخذه؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره: إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(3).

و قال آخَرون: إنّه و إن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً علي أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، بل إذا انفرد بأخذ شيءٍ شاركه الآخَر فيه، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه، و لو فَعَل شاركه الآخَرون فيه، و كذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

و الثاني: نعم، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد، بخلاف الميراث و الكتابة، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي؛ إذ لا ينفرد3.

ص: 364


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يقارب». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 201:5.
3- بحر المذهب 144:8، الوسيط 271:3، حلية العلماء 106:5، التهذيب - للبغوي - 205:4-206، البيان 348:6، العزيز شرح الوجيز 201:5، روضة الطالبين 520:3.

بعض الورثة ببعض أعيان التركة، و لا تجوز كتابة البعض من العبد، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(1).

و لو شهد البائع للمشتري علي أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن، فعلي قول المزني لا تُقبل شهادته؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(2) ، و علي قول ابن سريج تُقبل(3).

و إن لم يكن البائع مأذوناً في القبض، قال بعض الشافعيّة: للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا، و ما يأخذه يسلم له، و تُقبل هنا شهادة البائع للمشتري علي الذي لم يبع(4).

و قال آخَرون: ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه، و يُخرَّج قبول الشهادة علي الخلاف(5).

مسألة 180: لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته،

فأزال يده و لم يُزل يدَ صاحبه الآخَر، بل استولي علي العبد و مَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه، و لا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه، إلّا من الغاصب، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

و لو باع الغاصب و الذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد، صحّ في نصيب المالك، و وقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ، و إلّا فلا.

ص: 365


1- العزيز شرح الوجيز 201:5.
2- الوسيط 271:3، حلية العلماء 107:5، التهذيب - للبغوي - 206:4، البيان 349:6، العزيز شرح الوجيز 201:5، روضة الطالبين 520:3.
3- الوسيط 271:3، حلية العلماء 107:5، التهذيب - للبغوي - 206:4، البيان 349:6، العزيز شرح الوجيز 201:5، روضة الطالبين 520:3.
4- العزيز شرح الوجيز 201:5، روضة الطالبين 520:3.
5- العزيز شرح الوجيز 201:5، روضة الطالبين 520:3.

و قالت الشافعيّة: يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه، و يبطل في الآخَر، و لا يُخرَّج علي الخلاف في تفريق الصفقة عندهم؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(1).

و منهم مَنْ قال: يبني القول في نصيب المالك علي أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلي نصيبه أو يشيع ؟ وجهان، فإن قلنا:

ينصرف إلي نصيبه، صحّ بيع المالك في نصيبه، و إن قلنا بالشيوع، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد، و في ربعه قولان.

و لا يُنظر إلي هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً و أطلقا، و لا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(2).

مسألة 181: قد بيّنّا

مسألة 181: قد بيّنّا(3) أنّ شركة الأبدان باطلة، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما و تقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر: أنا أتقبّل العمل و أنت تعمل و الأُجرة بيننا بالسويّة أو علي نسبة أُخري، لم يصح عند علمائنا - و به قال زفر(4) - و لا يستحقّ العامل المسمّي، بل له أُجرة المثل.

و قال أحمد: تصحّ الشركة؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان، و تقبّل العمل يوجب الضمان علي المتقبّل، و يستحقّ به الربح،

ص: 366


1- بحر المذهب 145:8، حلية العلماء 108:5، التهذيب - للبغوي - 207:4، البيان 345:6، العزيز شرح الوجيز 202:5-203، روضة الطالبين 521:3.
2- التهذيب - للبغوي - 207:4، العزيز شرح الوجيز 203:5، روضة الطالبين 521:3.
3- في ص 312، المسألة 142.
4- المغني 113:5، الشرح الكبير 187:5.

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة، و العمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة، فينزَّل منزلة المضاربة(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 182: الربح في شركة الأبدان علي نسبة العملين، لا علي الشرط الذي شرطاه،

عند علمائنا؛ لأنّ الشركة باطلة علي ما تقدّم(2) بيانه.

و قال أحمد: إنّها صحيحة، و الشركة علي ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ، و لكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة، و للمستأجر دفعها إلي كلّ واحدٍ منهما، و إلي أيّهما دفع برئ منها، و إن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة، و ما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما، و يلزمه عمله؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا علي الضمان، و لا شيء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

و لو أقرّ أحدهما بما في يده، قُبِل عليه و علي شريكه؛ لأنّ اليد له، فيُقبل إقراره بما فيها، و لا يُقبل إقراره بما في يد شريكه و لا بدَيْنٍ عليه(3).

و هذا كلّه عندنا باطل.

و لو عمل أحدهما دون صاحبه، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا، و إن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

و قال أحمد: إذا عمل أحدهما خاصّةً، كان الكسب بينهما علي

ص: 367


1- المغني 113:5 و 114، الشرح الكبير 187:5 و 188.
2- في ص 312-313، المسألة 142.
3- المغني 114:5، الشرح الكبير 188:5.

ما شرطاه، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره، و لو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل، فله ذلك، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(1).

و هو باطل عندنا علي ما سلف(2).

و لو كان لقصّارٍ أداةٌ و لآخَر بيتٌ، فاشتركا علي أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا و الكسب بينهما، جاز، و الأجر بينهما علي ما شرطاه، عند أحمد؛ لأنّ الشركة وقعت علي عملهما، و العمل يستحقّ به الربح في الشركة، و الآلة و البيت لا يستحقّ بهما شيء(3).

و عندنا أنّ هذه الشركة باطلة، و قد سلف(4).

مسألة 183: إذا كانت الشركة باطلةً، قسّما الربح علي قدر رءوس أموالهما،

و يرجع كلٌّ منهما علي الآخَر بأجر عمله - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(5) - لأنّ المسمّي يسقط في العقد الفاسد، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري، و النماء فائدة مالهما، فيكون تابعاً للأصل، كالثمرة.

و الرواية الأُخري لأحمد: إنّهما يقتسمان الربح علي ما شرطاه، و لا يستحقّ أحدهما علي الآخَر أجر عمله، و أجراها مجري الصحيحة؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة، فيثبت المسمّي في فاسده، كالنكاح(6).

ص: 368


1- المغني 114:5 و 115، الشرح الكبير 189:5.
2- في ص 340-341، المسألة 161.
3- المغني 116:5، الشرح الكبير 191:5.
4- في ص 345، المسألة 165.
5- الاختيار لتعليل المختار 26:3، الفقه النافع 721/996:3، البيان 333:6، المغني و الشرح الكبير 128:5.
6- المغني 129:5، الشرح الكبير 128:5.

إذا عرفتَ هذا، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً، و كان ربحه معلوماً، كان لكلٍّ ربحُ ماله، و لا يشاركه الآخَر فيه.

و لو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً و باقيه مختلطاً، كان له تمام ما تميّز(1) من ربح ماله، و له بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة 184: ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق، و لا يعتق علي مالٍ و لا غيره، و لا يزوّج الرقيق؛

لأنّ الشركة منعقدة علي التجارة، و ليست هذه الأنواع تجارةً، لا سيّما تزويج العبد؛ فإنّه محض ضررٍ.

و ليس له أن يُقرض و لا يحابي؛ لأنّه تبرّع.

و ليس له أن يشارك بمال الشركة و لا يدفعه مضاربةً؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً، و يستحقّ غير المالك ربحه، و ليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

و ليس له أن يمزج مال الشركة بماله، و لا مال غيره؛ لأنّه تعيّب في المال.

و ليس له أن يستدين علي مال الشركة، فإن فَعَل فربحه له، و عليه خسرانه.

و قال بعض العامّة: إذا استدان شيئاً، لزم الشريكين معاً، و ربحه لهما و خسرانه عليهما؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ، فأشبه الصرف(2).

و هو غلط؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه، فلم يجز، كما لو ضمّ إلي مال الشركة شيئاً من ماله، و يفارق الصرف؛ لأنّه بيع و إبدال عينٍ بعينٍ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

ص: 369


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يتميّز».
2- المغني 130:5، الشرح الكبير 123:5.

و ليس له أن يُقرّ علي مال الشركة، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة، و الإقرار ليس منها.

و لو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل علي موكّله بالعيب، لم يُقبَل، خلافاً لأحمد(1).

و لو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري و الحمّال و أشباه ذلك، فالأقرب: القبول؛ لأنّه من توابع التجارة، فكان له ذلك كتسليم المبيع و أداء ثمنه.

و لو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ، قَبِلها، أو أعطي أرشها.

و لو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [غريمهما](2) لزم في حقّه، و بطل في حقّ شريكه؛ لأنّ ذلك تبرّع، و التبرّع يمضي في حصّته دون شريكه.

و لو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن، جاز - و به قال أبو يوسف و محمّد(3) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل، فصحّ أن ينفرد به أحدهما، كالإبراء.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(4).

مسألة 185: قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ، و لا يتعدّي الشريك حدّ الوكالة، فليس له أن يبيع نَسْأً.

ص: 370


1- المغني 131:5، الشرح الكبير 120:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «غيرهما». و المثبت كما في المغني 131:5.
3- المغني 131:5، الشرح الكبير 124:5.
4- المغني 131:5، الشرح الكبير 124:5.

و إذا اشتري بجنس ما عنده دَفَعه، و إن اشتري بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس و يصرفه في الثمن؛ لأنّا منعناه من الاستدانة، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه و يدفع.

و ليس له أن يودع إلّا مع الحاجة؛ لأنّه ليس من الشركة، و فيه غرور، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة، فأشبه دفع المتاع إلي الحمّال، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الثانية: يجوز؛ لأنّه عادة التجّار، و قد تدعو الحاجة إلي الإيداع(1).

و العادة لا تقضي علي الشرع، و الحاجة مسوّغة كما قلنا.

و ليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه، كالوكيل.

و في إحدي الروايتين عن أحمد: الجواز(2).

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز، و كان لكلٍّ منهما عزله.

و ليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

و عن أحمد روايتان(3).

و ليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. و الأقرب: إنّ له الإقالة؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(4) ، و هو يملك البيع، أو فسخٌ عندنا، و هو يملك الفسخ، و يردّ بالعيب، كلّ ذلك مع المصلحة.

و لو قال له: اعمل برأيك، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع و المضاربة بالمال و المشاركة و خلطه بماله و السفر و الإيداع و البيع نسيئةً و الرهن و الارتهان و الإقالة و نحو ذلك؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في).

ص: 371


1- المغني 132:5، الشرح الكبير 122:5.
2- المغني 132:5، الشرح الكبير 122:5.
3- المغني 132:5، الشرح الكبير 122:5.
4- راجع ج 12 - من هذا الكتاب - ص 117، الهامش (3).

التصرّف الذي تقتضيه الشركة، فجاز له كلّ ما هو من التجارة، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة و الحطيطة لغير فائدةٍ و القرض و العتق و مكاتبة الرقيق و تزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة، و ليس ذلك منها.

و لو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً، فربحه له دون صاحبه؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله، و ليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة 186: قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها و الرجوع في الإذن و المطالبة بالقسمة؛

لأنّ الإنسان مسلّط علي ماله، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره و تمييزه عنه، و ليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا علي البيع، و لا يصحّ التأجيل في الشركة.

و لو كان بعض المال في أيديهما و الآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما و الغائب عنهما، صحّت في المقبوض، دون الغائب [عن](1) الناس؛ لأنّ الباقر عليه السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما و أحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب، فاقتضي أحدهما و لم يقتض الآخَر، قال: «ما اقتضي أحدهما فهو بينهما، و ما يذهب بماله!؟»(2).

و سأل [عبد اللّه بن سنان](3) الصادقَ عليه السلام: عن رجلين بينهما مال منه

ص: 372


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «علي». و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب 185:7-818/186.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الطبعة الحجريّة: «معاوية بن عمّار» و هو في سند الحديث 820 من التهذيب 186:7، و المثبت من المصدر.

دَيْنٌ و منه عينٌ، فاقتسما العين و الدَّيْن فتوي(1) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه و خرج الذي للآخَر [أ يردّ](2) علي صاحبه ؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله!؟»(3).

مسألة 187: لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره، فقبض أحدهما منه شيئاً، فللآخَر مشاركته فيه

- و هو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(4) - لما تقدّم(5) في المسألة السابقة في رواية [عبد اللّه بن سنان](6) عن الصادق عليه السلام.

و لأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك، و هو باطل، فوجب أن يكون المأخوذ لهما و الباقي بينهما.

و لغير القابض الرجوعُ علي القابض بنصفه، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها، و له أن يرجع علي الغريم؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما علي وجهٍ سواء، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلي الآخَر، فإن أخذ من الغريم لم يرجع علي الشريك بشيءٍ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

و ليس للقابض منعه من [الرجوع علي](7) الغريم بأن يقول: أنا

ص: 373


1- راجع الهامش (1) من ص 39.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يراد». و المثبت من المصدر.
3- التهذيب 821/186:7.
4- المغني 197:5، الشرح الكبير 181:5.
5- آنفاً.
6- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معاوية بن عمّار». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
7- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

أُعطيك نصف ما قبضت، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك علي الغريم بمثله.

و إن هلك المقبوض في يد القابض، تعيّن حقّه فيه، و لم يضمنه للشريك؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّي بالقبض، و إنّما كان لشريكه مشاركته؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

و لو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه، برئ منه؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه، و ليس لشريكه الرجوعُ عليه بشيءٍ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

و لو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع، سقط من حقّه، و بسط ما يقبضانه من الغريم علي النسبة، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً، قسّماه علي قدر حقّهما في الباقي، للمُبرئ أربعة أتساعه، و لشريكه خمسة أتساعه.

و إن قبض(1) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه، نفذت البراءة في خُمس الباقي، و ما بقي بينهما علي ثمانية، للمُبرئ ثلاثة أثمانه، و للآخَر خمسة أثمانه، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه علي هذا.

و لو اشتري أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً، قال بعض العامّة: كان للآخَر إبطال الشراء، فإن بذل له المشتري نصف الثوب و لا يبطل البيع، لم يلزمه(2) ذلك(3).5.

ص: 374


1- الظاهر: «قبضا».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يلزم». و المثبت من المصدر.
3- المغني 198:5، الشرح الكبير 182:5.

و إن أجاز البيع ليملك [نصف] الثوب جاز، و يبني علي بيع الفضولي هل يقف علي الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم، و بين العامّة خلاف(1).

و لو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولي، فإن قبض الشريك بعد ذلك [شيئاً] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشيءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم، و إن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل، فوجوده كعدمه.

و عن أحمد رواية أُخري: إنّ ما يقبضه أحدهما له، دون صاحبه؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلي العين إلّا بتسليمه إلي غريمه أو وكيله، و ما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض و لا لوكيله، فلا يثبت له فيه حقٌّ، و كان لقابضه(2) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين، و لأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة، و إنّما يتعيّن حقّه بقبضه، فأشبه تعيينه بالإبراء، و لأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق، و لأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه، كما لو كان الدَّيْن بسببين، و إن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته؛ لأنّ(3) حقّه في الذمّة لا في العين، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً، فعلي هذا ما قبضه القابض يختصّ به، دون شريكه، و ليس لشريكه الرجوعُ عليه، فإن اشتري بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ، و لم يكن لشريكه إبطال الشراء، و إن قبض أكثرر.

ص: 375


1- المغني 198:5، الشرح الكبير 182:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له قبضه» بدل «لقابضه». و الصواب ما أثبتناه من المصدر.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و لأنّ». و الصحيح ما أثبتناه بدون الواو، كما في المصدر.

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد علي حقّه(1).

و المشهور ما قلناه أوّلاً.

و لا تصحّ قسمة ما في الذمم؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ و لا تتعادل، و القسمة تقتضي التعديل، و القسمة من غير تعديلٍ بيعٌ، و لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن، فلو تقاسما ثمّ تَوي(2) بعض المال، رجع مَنْ تَوي ماله علي مَنْ لم يَتْو، و به قال ابن سيرين و النخعي و أحمد في إحدي الروايتين، و في الأُخري: يجوز ذلك؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة، كما لو اختلفت الأعيان، و به قال الحسن و إسحاق(3).

و هذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة؛ لأنّ معني القسمة إفراز الحقّ، و لا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة 188: قد بيّنّا أنّه إذا تساوي المالان تساوي الشريكان في الربح،

و إن تفاوت المالان تفاوتا في الربح علي النسبة، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا، و صحّت الشركة، و به قال أبو حنيفة(4) ، خلافاً للشافعي(5).

فلو كان لأحدهما ألف و للآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما علي أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط علي نفسه العمل فيهما أيضاً، صحّ عندنا.

ص: 376


1- المغني 198:5-199، الشرح الكبير 182:5-183.
2- راجع الهامش (1) من ص 39.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 50/68:1، المغني 199:5، الشرح الكبير 124:5.
4- راجع الهامش (2) من ص 353.
5- راجع الهامش (2) من ص 352.

و قال الشافعي: تفسد الشركة، و يكون الربح علي قدر المالين، و يجب لكلّ واحدٍ منهما علي الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(1).

و قال أبو حنيفة: إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(2).

و المعتمد عندنا: إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت، يجب أن يثبت عوض المثل، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

و ما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً، و في مسألتنا بخلافه.

و لو شرط صاحب الألفين العمل علي صاحب الألف خاصّةً، صحّت الشركة، و كانت شركةً و قراضاً عند الشافعي، و يكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله، و الباقي - و هو ثلثا الربح - بينهما، لصاحب المال ثلاثة أرباعه، و للعامل ربعه، و ذلك لأنّه جعل النصف له، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان، و سهم هو ما يستحقّه بعمله علي مال شريكه [و](3) حصّة مال شريكه أربعة أسهم، للعامل سهم، و هو الربع(4).

و عندنا أنّه يكون شركةً صحيحة؛ عملاً بالشرط.

و لو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك7.

ص: 377


1- حلية العلماء 96:5، البيان 333:6.
2- حلية العلماء 96:5 و 97، البيان 333:6.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بحر المذهب 132:8-133، البيان 334:6، المغني 136:5-137.

و يكون الربح بينهما نصفين، فإنّ هذا ليس بشركةٍ و لا قراض؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال و العمل، و القراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله، و هنا لم يشرط له، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين علي قدر المالين، و كان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه و تبرّعاً؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة 189: لو اشتريا عبداً و قبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ و الآخَر الردَّ، لم يجز،

و به قال أبو حنيفة(1)في ج 11، ص 172، المسألة 340.(2).

و قال الشافعي: يجوز(3)في النسخ الخطّيّة: «البيع».(4).

و قد سلف(3) ذلك في كتاب البيوع(4).

إذا تقرّر هذا، فإذا اشتري أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

و إن أراد أحدهما الردَّ و الآخَر الإمساك، فإن كان قد أطلق الشراء و لم يذكر أنّه يشتريه له و لشريكه لم يكن له الردّ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

و إن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له و لشريكه، لم يكن لأحدهما الردّ و للآخَر الأرش علي ما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: ليس له الردّ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً، فلا يبعّض

ص: 378


1- البيان 342:6، و راجع ج 11 - من هذا الكتاب - ص 172، الهامش
2- .
3- البيان 342:6، و راجع ج 11 - من هذا الكتاب - ص 172، الهامش
4- .

عليه.

و الثاني: له الردّ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين، كان بمنزلة أن يوجب لهما، و لو أوجب لهما كان في حكم العقدين، كذا هنا(1).

و إذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة و أطلق البيع ثمّ ادّعي بعد ذلك أنّه باع ماله و مال شريكه بغير إذنه، لم تُسمع دعواه؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله، فإن ادّعي ذلك شريكه، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه، فإذا قامت البيّنة به و ادّعي المشتري أنّه أذن للبائع في البيع، كان القولُ قولَه: إنّه لم يأذن، مع يمينه، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع، و لا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

و للشافعي قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة(2).

مسألة 190: إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة و متعدّدة،

اتّفقت قيمتهما أو اختلفت، عندنا.

و للشافعي قولان:

أحدهما: يصحّ مطلقاً؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: إنّ البيع فاسد؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ؛ لوحدة العقد(3).

و هو غلط؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء، و هُما

ص: 379


1- الحاوي الكبير 486:6، بحر المذهب 137:8، البيان 342:6.
2- راجع بحر المذهب 138:8.
3- التهذيب - للبغوي - 499:3، العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3.

معلومان، و لا يجب العلم بالمقابلة بين الأجزاء و الأجزاء لا حالة العقد و لا قبله.

إذا عرفتَ هذا، فلو كان العبدان لرجلين لكلّ واحدٍ منهما أحدهما، فوكّل واحدٌ منهما الآخَر في بيع عبده مع عبده، فباعه معه، صحّ عندنا - و هو أحد قولَي الشافعي(1) - فيقوّم كلّ واحدٍ منهما، و يقسّم الثمن علي قدر القيمتين.

و علي القول الآخَر للشافعي - و هو فساد البيع(2) - إن صدّق المشتري البائعَ أنّه باع عبده و عبد غيره كان البيع فاسداً، و إن كذّبه فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنّ الظاهر أنّه باع ملكه، و يحلف المشتري أنّه لا يعلم أنّ أحد العبدين لم يكن له، فإذا حلف سقطت عنه الدعوي.

و أمّا الثمن الذي في يد البائع فإنّه مُقرٌّ أنّه لا يستحقّه إلّا أنّ المشتري قد حال بينه و بين العبدين و قد استحقّ بذلك القيمةَ، فيُنظر فإن كان الثمن قدر القيمة أو دونه كان لهما أخذه، و إن كان أكثر منهما لا يستحقّان إلّا قدر القيمة، و الباقي لا يدّعيانه، فيردّانه إلي يد الحاكم ليحفظه لصاحبه، فإذا ادّعاه ردّ إليه.6.

ص: 380


1- الحاوي الكبير 487:6.
2- الحاوي الكبير 487:6.

المجلد 17

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء السابع عشر

تتمة كتاب الأمانات و توابعها

المقصد الرابع: في القراض

اشارة

و فصوله خمسة:

الفصل الأوّل: الماهيّة
مسألة 191: القراض عقد شُرّع لتجارة الإنسان بمال غيره بحصّةٍ من الربح،

فإذا دفع الإنسان إلي غيره مالاً ليتّجر فيه، فلا يخلو إمّا أن يشرطا قدر الربح بينهما أو لا، فإن لم يشرطا شيئاً فالربح بأجمعه لصاحب المال، و عليه أُجرة المثل للعامل.

و إن شرطا، فإن جعلا جميعَ الربح للعامل كان المال قرضاً و دَيْناً عليه، و الربح له و الخسارة عليه، و إن جعلا الربحَ بأجمعه للمالك كان بضاعةً، و إن جعلا الربحَ بينهما فهو القراض الذي عُقد الباب لأجله، و سُمّي(1) المضاربة أيضاً.

و القراض لغة أهل الحجاز(2) ، و المضاربة لغة أهل العراق(3).

ص: 5


1- في «ج»: «و يُسمّي».
2- كما في طلبة الطلبة: 267، و الزاهر: 305، و الحاوي الكبير 305:7، و المهذّب - للشيرازي - 292:1، و بحر المذهب 186:9، و التهذيب - للبغوي - 377:4، و البيان 157:7، و الاستذكار 30707/119:21، و المغني 135:5، و الشرح الكبير 130:5.
3- كما في الزاهر: 305، و الحاوي الكبير 305:7، و المهذّب - للشيرازي - 292:1، و بحر المذهب 186:9، و التهذيب - للبغوي - 378:4، و الاستذكار 30707/119:21.

أمّا القراض فإنّه لفظ مأخوذ من القرض، و هو القطع، كما يقال:

قرض الفأر الثوبَ، أي قطعه، و منه المقراض؛ لأنّه يُقطع به، فكأنّ صاحب المال اقتطع من ماله قطعةً و سلّمها إلي العامل، أو اقتطع له قطعةً من الربح.

و قيل: اشتقاقه من المقارضة، و هي المساواة و الموازنة، يقال:

تقارض الشاعران إذا وازن كلٌّ منهما الآخَر بشعره(1).

و حكي عن أبي الدرداء أنّه قال: قارض الناس ما قارضوك، فإن تركتهم لم يتركوك(2) ، يريد ساوِهم فيما يقولون.

و هذا المعني متحقّق هنا؛ لأنّ المال من جهة ربّ المال، و من جهة العامل العمل، فقد تساويا في قوام العقد بهما، فمن هذا المالُ، و من هذا(3) العملُ.

و يحتمل أن يكون ذلك لاشتراكهما في الربح.

و أمّا المضاربة فهي مأخوذة من الضرب، قال اللّه تعالي:«وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ» (4) و العامل يضرب في الأرض للتجارة يبتغي الربح.

و قيل: إنّه مأخوذ من ضرب كلٍّ منهما في الربح بسهمه، أو لما فيه0.

ص: 6


1- كما في بحر المذهب 186:9، و البيان 157:7، و العزيز شرح الوجيز 3:6، و المغني 135:5، و الشرح الكبير 130:5.
2- كما في البيان 157:7، و حكاه عنه الأزهري في الزاهر: 304، و الروياني في بحر المذهب 186:9، و ابن منظور في لسان العرب 217:7 «قرض».
3- في الطبعة الحجريّة: «و من الآخَر» بدل «و من هذا».
4- سورة المزّمّل: 20.

من الضرب بالمال و التقليب(1).

و يقال للمالك من اللفظة الأُولي: مقارِض، بكسر الراء، و للعامل:

مقارَض، بفتحها، و من اللفظة الثانية يقال للعامل: مضارِب، بكسر الراء؛ لأنّه الذي يضرب في الأرض بالمال و يقلبه، و لم يشتق أهل اللغة لربّ المال من المضاربة اسماً، بخلاف القراض.

مسألة 192: و هذه المعاملة جائزة بالنصّ و الإجماع؛

لما روي العامّة:

إنّ الصحابة أجمعوا عليها(2).

قال الشافعي: روي أبو حنيفة عن حميد بن عبد اللّه بن عبيد اللّه(3) عن جدّه أنّ عمر بن الخطّاب أعطاه مالَ يتيمٍ مضاربةً، فكان يعمل عليه في العراق(4).

و روي الشافعي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عبد اللّه و عبيد اللّه ابني عمر بن الخطّاب خرجا في جيشٍ إلي البصرة، و في منصرفهما من غزوة نهاوند لقيا أبا موسي الأشعري و تسلّفا من أبي موسي الأشعري مالاً و ابتاعا به متاعاً و قدما به إلي المدينة فباعاه و ربحا، فأراد عمر أخذ رأس المال و الربح كلّه، فقالا: لو تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا عمر لو جعلتَه قراضاً؟ فقال: قد جعلتُه،

ص: 7


1- العزيز شرح الوجيز 4:6.
2- بحر المذهب 188:9، البيان 158:7، العزيز شرح الوجيز 4:6، روضة الطالبين 197:4، المغني 135:5، الشرح الكبير 131:5.
3- كذا قوله: «عبيد اللّه» في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة، و في الأُم و العزيز شرح الوجيز: «عبيد الأنصاري». و في بحر المذهب: «عبيد».
4- الأُم 108:7، العزيز شرح الوجيز 4:6، بحر المذهب 187:9-188.

و أخذ منهما نصف الربح(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ ما جري كان قرضاً صحيحاً، و كان الربح و رأس المال لهما، لكن عمر استنزلهما عن نصف(2) الربح خيفة أن يكون قد قصد أبو موسي إرفاقهما، لا رعاية مصلحة بيت المال، و لذلك قال في بعض الروايات: أو أسلف كلّ الجيش كما أسلفكما(3)(4).

و عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه(5) أنّ عثمان أعطاه مالاً مقارضةً(6).

و روي قتادة عن الحسن عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: «إذا خالف المضارب فلا ضمان، و هُما علي ما شرطا»(7).

و عن ابن مسعود و حكيم بن حزام أنّهما قارضا(8)، و لا مخالف لهما، فصار ذلك إجماعاً.

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً و ينهاه أن يخرج به إلي أرض أُخري، فعصاه، فقال: «هو له ضامن، و الربح بينهما إذا خالف شرطه و عصاه»(7).7.

ص: 8


1- الأُم 33:4-34، سنن البيهقي 110:6، بحر المذهب 187:9، الموطّأ 687:2-1/688، البيان 158:7، العزيز شرح الوجيز 4:6-5.
2- في المصدر و «خ»: «بعض» بدل «نصف».
3- راجع: الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 5:6.
5- فيما عدا الأُم و موضع من سنن البيهقي زيادة: «عن جدّه».
6- الأُم 108:7، الموطّأ 2/688:2، سنن البيهقي 111:6، الحاوي الكبير 307:7، بحر المذهب 188:9، المغني 135:5، الشرح الكبير 130:5-131. (7 و 8) بحر المذهب 188:9، المغني 135:5، الشرح الكبير 131:5.
7- التهذيب 827/187:7.

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «المال [الذي] يعمل به مضاربة له من الربح، و ليس عليه من الوضيعة شيء إلّا أن يخالف أمر صاحب المال»(1).

و عن إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن مال المضاربة، قال: «الربح بينهما، و الوضيعة علي ربّ(2) المال»(3).

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و لأنّ الحاجة ماسّة و داعية إلي المضاربة، فإنّ الدراهم و الدنانير لا تنمي إلّا بالتقليب، و لا تُؤجر، و ليس كلّ مَنْ يملكها يمكنه التجارة، و لا كلّ مَنْ يتمكّن من التجارة و يعرفها يتمكّن من المال، فاقتضت الحكمة مراعاة طرفي العامل و المالك بتسويغ المضاربة.

و لأنّ السنّة الظاهرة وردت في المساقاة، و إنّما جُوّزت المساقاة؛ للحاجة من حيث إنّ مالك النخيل قد لا يُحسن تعهّدها أو لا يتفرّغ له، و مَنْ يُحسن العمل قد لا يملك ما يعمل فيه، و هذا المعني موجود في القراض، فوجب مشروعيّته.3.

ص: 9


1- التهذيب 187:7-828/188، الاستبصار 451/126:3، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- كلمة «ربّ» لم ترد في المصدر.
3- التهذيب 829/188:7، الاستبصار 452/126:3.

ص: 10

الفصل الثاني: في أركانه
اشارة

و هي خمسة تنظمها خمسة مباحث:

البحث الأوّل: العقد.
مسألة 193: لا بدّ في هذه المعاملة من لفظٍ دالٍّ علي الرضا من المتعاقدين؛

إذ الرضا من الأُمور الباطنة التي لا يطّلع عليها إلّا اللّه تعالي، و هذه المعاملة و غيرها من المعاملات يعتبر فيها الرضا؛ للآية(1).

فاللفظ الدالّ علي الإيجاب أن يقول ربّ المال: قارضتك، أو:

ضاربتك، أو: عاملتك علي أن يكون الربح بيننا نصفين أو أثلاثاً، أو غير ذلك من الأجزاء، بشرط تعيين الأكثر لمن هو منهما و الأقلّ كذلك.

و القبول أن يقول العامل: قبلت، أو: رضيت، أو غيرهما من الألفاظ الدالّة علي الرضا بالإيجاب.

و كذا الإيجاب لا يختصّ لفظاً، فلو قال: خُذْه و اتّجر به علي أنّ ما سهّل اللّه تعالي في ذلك من ربحٍ و فائدةٍ يكون بيننا علي السويّة أو متفاوتاً، جاز.

مسألة 194: و لا بدّ من القبول علي التواصل المعتبر في سائر العقود.
اشارة

و هل يعتبر اللّفظ؟ الأقرب: العدم، فلو قال: خُذْ هذه الدراهم فاتّجر

ص: 11


1- سورة النساء: 29.

بها علي أنّ الربح بيننا علي كذا، فأخذها و اتّجر، فالأقرب: الاكتفاء به في صحّة العقد، كالوكالة، و يكون قراضاً، و هذا قول بعض الشافعيّة(1).

قال الجويني: و قطع شيخي و الطبقة العظمي من نَقَلة المذهب علي أنّه لا بدّ من القبول؛ بخلاف الجعالة و الوكالة، فإنّ القراض عقد معاوضةٍ يختصّ بمعيّنٍ، فلا يشبه الوكالة التي هي إذن مجرّد، و الجعالة التي يبهم فيها العامل(2).

و الوجه: الأوّل.

تذنيب: يجب التنجيز في العقد،

فلا يجوز تعليقه علي شرطٍ أو صفةٍ، مثل: إذا دخلت الدار، أو: إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك بكذا [كما] لا يجوز تعليق البيع و نحوه؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير.

مسألة 195: و إنّما يصحّ العقد لو تعيّنت الحصّة في الربح لكلّ واحدٍ منهما،

فلو أبهما الحصّة لهما بأن يقول: علي أنّ لي بعض الربح و لك البعض، أو لأحدهما، لم يصح قطعاً.

و لو عيّن حصّة العامل و سكت عن حصّته، فقال: قارضتك بهذا المال علي أنّ النصف لك، صحّ؛ لأنّ النماء و الربح يتبع الأصل، فهو بالأصالة للمالك، و إنّما ينتقل إلي العامل بالشرط، فإذا عيّن حصّة العامل بقي الباقي للمالك؛ لأنّه تابع لماله.

و للشافعيّة وجهٌ ضعيف: إنّه لا يصحّ، إلّا أن تجري الإضافة إلي المتعاملين في الجزءين من الجانبين، فيقول: علي أنّ الربح نصفه لك

ص: 12


1- الوسيط 114:4، التهذيب 379:4، العزيز شرح الوجيز 17:6، روضة الطالبين 204:4.
2- العزيز شرح الوجيز 17:6، روضة الطالبين 204:4.

و نصفه لي(1).

و المعتمد ما تقدّم.

و لو عيّن حصّة المالك خاصّةً، فقال: قارضتك بهذا علي أنّ نصف الربح لي، و سكت عن حصّة العامل، بطل؛ لأنّه لم يعيّن للعامل شيئاً؛ إذ النماء المسكوت عنه يتبع المال، فيكون للمالك، إلّا إذا نُسب شيء منه إلي العامل، و التقدير أنّه لم يُنسب إليه شيء.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ أيضاً، و يكون النصف الآخَر للعامل؛ لأنّه الذي يسبق إلي الفهم منه(2).

و لو قال: علي أنّ لك النصف ولي السدس، و سكت عن الباقي، صحّ علي ما اخترناه، و كان الربح بينهما بالسويّة، كما لو سكت عن جميع النصف الذي للمالك؛ لأنّ الباقي مسكوت عنه، فيتبع رأس المال.

البحث الثاني: المتعاقدان.
اشارة

و شرط كلّ واحدٍ منهما البلوغُ و العقلُ و جوازُ التصرّف، فلا يصحّ القراض بين الصبي و غيره، و كذا المجنون و السفيه و المحجور عليه للفلس.

و الأصل فيه: إنّ القراض توكيل و توكّل في شيءٍ خاصّ، و هو التجارة، فيعتبر في العامل و المالك ما يعتبر في الوكيل و الموكّل.

ص: 13


1- التنبيه: 119، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 218:9، الوسيط 112:4، الوجيز 222:1، البيان 165:7، العزيز شرح الوجيز 18:6، روضة الطالبين 204:4.
2- الحاوي الكبير 346:7، التنبيه: 119، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 218:9، الوسيط 111:4، الوجيز 222:1، التهذيب - للبغوي - 380:4، البيان 164:7، العزيز شرح الوجيز 17:6، روضة الطالبين 204:4.

و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 196: لو قارض المريض في مرض موته، صحّ،

و كان للعامل ما شُرط له، سواء زاد عن أُجرة مثل عمله أو ساواه أو قصر عنه، و لا يحسب من الثلث؛ لأنّ المحسوب من الثلث إنّما هو ما يفوّته المريض من ماله، و الربح ليس بحاصلٍ حتي يفوّته، و إنّما هو شيء يتوقّع حصوله، و إذا حصل حصل بتصرّفات العامل و كسبه.

و لو ساقي المريض في مرض الموت و زاد الحاصل عن أُجرة المثل، فالأولي أنّ الزيادة عن أُجرة المثل تُحسب من الثلث؛ لأنّ للنماء وقتاً معلوماً يُنتظر، و هي حاصلة من عين النخل من غير عملٍ، فكانت كالشيء الحاصل، بخلاف أرباح التجارات التي تحصل من عمل العامل، و هذا أظهر وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه لا تُحتسب من الثلث أيضاً؛ لأنّه وقت العقد لم تكن ثمرة، و حصولها منسوب إلي عمل العامل و تعهّده(1).

مسألة 197: يجوز تعدّد كلٍّ من المالك و العامل،
اشارة

فيضارب الواحد اثنين و بالعكس، فإذا تعدّد العامل بأن قارض الواحد اثنين، اشترط تعيين الحصّة لهما، و لا يجب تفصيلهما، بل يجوز أن يجعل النصف لهما، فيحكم بالنصف لهما معاً بالسويّة؛ لاقتضاء الإطلاق ذلك، و أصالة عدم التفضيل.

و لو شرط التفاوت بينهما بأن جعل لأحدهما ثلث الربح و للآخَر ربعه و أبهم فلم يعيّن المستحقّ للثلث، بطل.

و إن عيّن الثلث لواحدٍ بعينه و الربع للآخَر، جاز؛ لأنّ عقد الواحد مع

ص: 14


1- الوسيط 115:4، العزيز شرح الوجيز 19:6، روضة الطالبين 205:4.

اثنين كعقدين، و يكون كأنّه قد قارض أحدهما في نصف المال بنصف الربح و الآخَر في نصفه بثلث الربح، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّهما شريكان في العمل بأبدانهما، فلا يجوز تفاضلهما في الربح، كالمفردين(2).

و المعتمد: الأوّل؛ لأنّ ذلك بمنزلة العقدين، و لا شكّ أنّه لو ضارب اثنين في عقدين جاز أن يفاضل بينهما، فكذا إذا جمعهما عقدٌ واحد؛ لأنّه بمنزلتهما.

و لأنّه مع تعدّد العامل و وحدة العقد إمّا أن يُنظر إلي تعدّد العامل فيجوز التفاضل قطعاً، و إمّا أن يُنظر إلي وحدة العقد فكذلك؛ لأنّه في الحقيقة قد شرط للعاملَيْن - اللّذين هُما بمنزلة عاملٍ واحد - نصفاً و ثلثاً، و لا شكّ في أنّه يجوز ذلك في العامل الواحد، فكذا ما هو بمنزلته.

و قياس مالك باطل عندنا؛ فإنّه لا تصحّ شركة الأبدان.

تذنيب: يجوز أن يقارض الاثنين و إن لم يثبت لكلٍّ منهما الاستقلال،

بل شرط علي كلّ واحدٍ منهما مراجعة الآخَر؛ عملاً بمقتضي الشرط، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و قال الجويني: إنّما يجوز أن يقارض اثنين إذا ثبت لكلّ واحدٍ منهما

ص: 15


1- الحاوي الكبير 355:7، حلية العلماء 350:5، العزيز شرح الوجيز 19:6، روضة الطالبين 205:4، المغني 145:5، الشرح الكبير 134:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1118/643:2، الذخيرة 40:6.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 643:2-1118/644، الذخيرة 40:6، النوادر و الزيادات 272:7-273، حلية العلماء 351:5، العزيز شرح الوجيز 19:6، المغني 145:5، الشرح الكبير 134:5.
3- العزيز شرح الوجيز 19:6، روضة الطالبين 205:4.

الاستقلال، فإن شرط علي كلّ واحدٍ منهما مراجعة الآخَر، لم يجز(1).

و لا وجه له.

مسألة 198: يجوز أن يقارض الاثنان واحداً،

و يجب أن يُبيّنا نصيب العامل من الربح، و يكون الباقي بينهما علي ما يشترطانه، سواء كان علي نسبة المالين أو لا، فلو شرطا له النصف من نصيب أحدهما و الثلث من نصيب الآخَر من الربح، فإن أبهما لم يجز قطعاً؛ للغرر بالجهالة، و إن عيّنا فإن كان عالماً بقدر كلّ واحدٍ منهما جاز، و إلّا بطل.

و لو شرط أحدهما للعامل النصفَ من حصّته من الربح و شرط الآخَر الثلثَ علي أن يكون الباقي بينهما نصفين، جاز عندنا - و به قال أبو حنيفة و أبو ثور(2) - عملاً بالشرط، و قد بيّنّا أنّه يجوز اشتراط أحد الشريكين لنفسه أكثر ممّا يحصل له بالنسبة من ماله.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ أحدهما يستحقّ ممّا بقي بعد شرطه النصفَ، و الآخَر الثلثين، فلا يجوز أن يشترطا التساوي فيكون قد شرط أحدهما علي الآخَر من ربح ماله بغير عملٍ عمله و لا مالٍ يملكه، فلم يجز(3).

و هو غلط؛ لأنّ الفاضل من حصّة العامل، لا من حصّة شريكه.

مسألة 199: يجوز لوليّ الطفل و المجنون أن يقارض علي مالهما مع المصلحة؛

لأنّه يجوز له أن يوكّل عنهما في أُمورهما، فكذا يجوز أن يعامل علي أموالهما قراضاً.

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 19:6، روضة الطالبين 205:4.
2- بحر المذهب 226:9، حلية العلماء 351:5، العزيز شرح الوجيز 19:6، المغني 146:5، الشرح الكبير 134:5-135.
3- الحاوي الكبير 355:7، بحر المذهب 226:9، حلية العلماء 351:5، العزيز شرح الوجيز 19:6، روضة الطالبين 205:4، المغني 146:5، الشرح الكبير 135:5.

و لا فرق بين الأب و الجدّ له و وصيّهما و الحاكم و أمينه.

و لو لم يكن الدافع وليّاً، كان ضامناً، و الربح لليتيم؛ لأنّه متعدٍّ بدفعه مالَ الغير.

و قد سأل بكرُ بن حبيب الباقرَ عليه السلام عن رجلٍ دفع مال يتيمٍ مضاربةً، فقال: «إن كان ربح فلليتيم، و إن كانت وضيعة فالذي أعطاه(1) ضامن»(2).

إذا عرفت هذا، فإن كان العامل جاهلاً كان الربح لليتيم، و علي الدافع إليه أُجرة المثل، و إن كان عالماً فلا أُجرة له، و علي التقديرين فالعامل ضامن، لكن في الصورة الأُولي يرجع علي الدافع إليه، و في الصورة الثانية لا يرجع.

مسألة 200: يشترط أن يكون الدافع مالك المال أو مَنْ أذن له المالك فيه؛

لأنّ غيرهما ممنوع منه؛ لما فيه من التصرّف في مال الغير بغير إذنه، و هذا العقد قابل للاستنابة، فجاز أن يوقعه المالك بنفسه أو وكيله؛ لأنّه نائبه في الحقيقة.

و يشترط في الوكيل الكماليّة المشترطة في باقي الوكلاء.

مسألة 201: ليس للعامل في القراض أن يضارب غيره إلّا بإذن المالك،

فإن فَعَل كان فاسداً؛ لأنّ المالك لم يأذن فيه و لا ائتمن علي المال غيره، و لا يجوز للعامل أن يتصرّف في مال ربّ المال بما لا يتناوله إذنه، و لا يجوز له أن يسلّمه إلي مَنْ لم يأتمنه.

فإن قارض العامل غيرَه بغير إذن المالك، كان ضامناً؛ لأنّه متعدٍّ فيه.

ص: 17


1- في المصدر: «أعطي».
2- التهذيب 842/190:7.

و إن قارض بإذن المالك، صحّ، و كان المالك قد أذن له أن يقارض إن اختار أو عجز عن العمل، فإذا قارض بإذنه كان العامل الأوّل وكيلاً لربّ المال في ذلك.

البحث الثالث: في رأس المال.
و له شروط ثلاثة:
الشرط الأوّل: أن يكون من النقدين:
اشارة

دراهم و دنانير مضروبة منقوشة، عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ القراض معاملة تشتمل علي غررٍ عظيم؛ إذ العمل مجهول غير منضبطٍ، و الربح غير متيقّن الحصول.

و إنّما سوّغنا هذه المعاملة مع الغرر الكثير؛ للحاجة و الضرورة، فتختصّ بما تسهل التجارة عليه و تروج في كلّ حالٍ و كلّ وقتٍ؛ لأنّ النقدين أثمان البياعات، و الناس يتداولون بالمعاملة عليها من عهد النبيّ صلي الله عليه و آله

ص: 18


1- مختصر المزني: 122، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 38:2، الحاوي الكبير 307:7، التنبيه: 119، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 188:9، الوجيز 221:1، الوسيط 106:4، حلية العلماء 329:5، التهذيب - للبغوي - 378:4، البيان 159:7، العزيز شرح الوجيز 6:6، روضة الطالبين 197:4، منهاج الطالبين: 154، الموطّأ 689:2، ذيل الرقم 4، الاستذكار 30791/136:21 و 30793، المدوّنة الكبري 86:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1111/640:2، التلقين: 407، التفريع 194:2، الذخيرة 30:6، المعونة 1120:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 384، تحفة الفقهاء 20:3، بدائع الصنائع 82:6، الفقه النافع 1040/1287:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 161:3، المبسوط - للسرخسي - 21:22، مختصر اختلاف العلماء 1702/37:4، النتف 538:1، الهداية - للمرغيناني - 202:3، المغني 124:5، الشرح الكبير 112:5.

و قبله و بعده إلي زماننا هذا، و يرجعون إليهما في قِيَم المُتلفات.

و لأنّ النقدين ثمنان لا يختلفان بالأزمنة و الأصقاع إلّا قليلاً نادراً، و لا يقوَّمان بغيرهما، و أمّا غيرهما من العروض فإنّ قيمتها تختلف دائماً، فلو جُعل شيء منها رأس المال لزم إمّا أخذ المالك جميعَ الربح، أو أخذ العامل بعضَ رأس المال، و التالي بقسميه باطل، فالمقدَّم مثله.

بيان الشرطيّة: إنّهما إذا جعلا رأس المال ثوباً مثلاً، فإمّا أن يشترط(1) ردّ ثوبٍ بتلك الصفات، أو ردّ قيمته.

فإن شرطا الأوّل، فربما كان قيمة الثوب في حال المعاملة يساوي ديناراً و يبيعه به و يتصرّف فيه حتي يبلغ المال عشرة دنانير ثمّ ترتفع قيمة الثياب حتي لا يوجد مثل ذلك الثوب إلّا بعشرة، فيحتاج العامل إلي أن يصرف جميع ما معه إلي تحصيل رأس المال، فيذهب الربح في رأس المال، فيتضرّر العامل.

و بالعكس قد تكون قيمة الثوب عشرةً وقت المعاملة، فيبيعه و لا يربح شيئاً ثمّ تتنازل قيمة الثياب حتي يوجد مثله بنصف دينارٍ فيدفعه إليه و يبقي نصف دينارٍ(2) و يأخذ العامل منه حصّته، فيحصل بعض رأس المال.

و إن شرطا ردّ القيمة، فإمّا أن يشترطا قيمته حال المفاصلة أو قيمته حال الدفع، و القسمان باطلان.

أمّا الأوّل: فلأنّها مجهولة، و لأنّ القيمة قد تزيد بحيث تستوعب الأصل و النماء، فيلزم المحذور السابق.

و الثاني باطل؛ لأنّه قد تكون قيمته في الحال عشرةً و تعود عند».

ص: 19


1- الظاهر: «يشترطا».
2- الظاهر: «تسعة و نصف دينار».

المفاصلة إلي واحدٍ، فيلزم المحذور الثاني.

و أمّا بطلان التالي(1): فلأنّه منافٍ للمضاربة؛ لأنّ مقتضاها أن يرجع إلي ربّ المال رأس ماله ثمّ يشتركان في الربح.

و اعتُرض(2) بأنّ لزوم أحد الأمرين مبنيٌّ علي أنّ رأس المال قيمة(3) يوم العقد، و بتقدير جواز القراض علي العرض يجوز أن يكون رأس المال ذلك العرض بصفاته من غير نظرٍ إلي القيمة، كما أنّه المستحقّ في السَّلَم، و حينئذٍ فإن ارتفعت القيمة فهو كخسرانٍ حصل في أموال القراض، و إن انخفضت فهو كزيادة قيمةٍ فيها.

و ادّعي بعض الشافعيّة الإجماعَ علي اختصاص القراض بالنقدين(4).

و الشيخ رحمه الله استدلّ علي الاختصاص: بأنّ ذلك مُجمع علي جوازه، بخلاف المتنازع(5).

و قال الأوزاعي و ابن أبي ليلي: يجوز القراض بكلّ مالٍ، فإن كان له مِثْلٌ أُعيد مثله عند المفاصلة، و إن لم يكن له مِثْلٌ أُعيد قيمته - و به قال طاوُس و حمّاد بن أبي [سليمان](6) مسلم، و عن أحمد روايتان - لأنّ ذلك يجوز أن يكون ثمناً، فجاز أن يكون رأس مال المضاربة كالنقود(7).4.

ص: 20


1- في «ث، خ، ر»: «الثاني» بدل «التالي».
2- المعترض هو الرافعي في العزيز شرح الوجيز 7:6.
3- في «ث، ج، ر»: «قيمته».
4- البيان 159:7، العزيز شرح الوجيز 7:6، روضة الطالبين 197:4.
5- الخلاف 459:3، المسألة 1 من كتاب القراض.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من الإشراف علي مذاهب أهل العلم 39:2، و المغني 125:5، و الشرح الكبير 113:5، و تهذيب التهذيب 15/14:3.
7- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 39:2، الحاوي الكبير 307:7، بحر المذهب 188:9، حلية العلماء 330:5، البيان 159:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1111/640:2، الاستذكار 30794/136:21، بداية المجتهد 236:2، روضة القُضاة 3422/581:2، المبسوط - للسرخسي - 33:22، مختصر اختلاف العلماء 1702/37:4.

و الفرق ظاهر بما قدّمناه.

إذا ثبت هذا، فلو دفع إليه كُرّاً من طعامٍ مضاربةً، فباعه و اتّجر بثمنه، فإنّ القراض فاسد، و كان البيع و التجارة صحيحين بالإذن، و الربح بأجمعه لصاحب المال، و عليه أُجرة المثل للعامل؛ لأنّه عمل علي أن يكون شريكاً في الربح، و لم يثبت له ذلك؛ لفساد العقد، فيكون له أُجرة المثل.

مسألة 202: لا تجوز المضاربة بالنقرة و لا بالتبر؛
اشارة

لأنّهما متقوّمان، كسائر الأعيان، و لهذا يضمن بالقيمة في الإتلاف.

و كذا لا يجوز القراض بالحُليّ و سائر المصوغات من النقدين و كلّ ما ليس بمضروبٍ بسكّة المعاملة حال العقد أو قبله.

و أمّا الفلوس فلا يجوز القراض بها عند علمائنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أبو يوسف(1) - لأنّها ليست أثماناً غالباً، فلا تصحّ المضاربة عليها، كسائر الأعيان.

و قال محمّد بن الحسن: تجوز المعاملة علي الفلوس؛ استحساناً؛ لأنّها ثمن في بعض البلاد(2).

ص: 21


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 38:2، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 190:9، الوسيط 106:4، حلية العلماء 331:5، التهذيب - للبغوي - 378:4، البيان 161:7، العزيز شرح الوجيز 7:6، روضة الطالبين 197:4-198، بدائع الصنائع 82:6، المبسوط - للسرخسي - 21:22، مختصر اختلاف العلماء 1702/37:4، عيون المسائل: 185، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 161:3، عيون المجالس 1256/789:4.
2- بدائع الصنائع 82:6، عيون المسائل: 185، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 161:3، المبسوط - للسرخسي - 21:22، مختصر اختلاف العلماء 1702/37:4، النتف 538:1، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 38:2، بحر المذهب 190:9، حلية العلماء 331:5، البيان 161:7، الاستذكار 30797/137:21.

و هو ممنوع.

و أمّا الدراهم المغشوشة فلا تصحّ المعاملة عليها إذا لم تكن معلومةَ الصرف بين الناس، سواء كان الغشّ أقلّ أو أكثر - و به قال الشافعي(1) - لأنّها تتقوّم، كالأعواض.

و قال أبو حنيفة: إن كان الغشّ أكثر من النصف لم يجز، و إن كان أقلَّ جاز؛ لأنّ الاعتبار بالغالب، كما اعتُبر ذلك في كثيرٍ من الأُصول(2).

و هو ممنوع؛ لأنّه يقول في الزكاة: إذا كانت الفضّة أقلَّ، لم يسقط حكمها، و اعتبر بلوغها النصاب(3).

و حكي الجويني وجهاً عن الشافعيّة: إنّه يجوز القراض علي المغشوش اعتباراً برواجه(4).

و حكي بعضهم أنّ بين الشافعيّة خلافاً في القراض بالفلوس(5).

تذنيب: ظهر من هذا أنّه لا يجوز أن يجعل المنافع - كسكني الدار

ص: 22


1- الحاوي الكبير 308:7، التنبيه: 119، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 189:9، الوسيط 106:4، حلية العلماء 331:5، التهذيب - للبغوي - 378:4، البيان 161:7، العزيز شرح الوجيز 7:6، روضة الطالبين 197:4، منهاج الطالبين: 154، الذخيرة 33:6.
2- الحاوي الكبير 308:7، بحر المذهب 189:9، حلية العلماء 331:5، البيان 161:7، العزيز شرح الوجيز 7:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1112/640:2، الذخيرة 33:6.
3- راجع: ج 5 - من هذا الكتاب - ص 126، الهامش (3). (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 7:6.

و خدمة العبد - رأس مال القراض فإنّ العروض إذا لم يجز جَعْلها رأس المال له فالمنافع أولي بالمنع.

الشرط الثاني: أن يكون معلوماً،

فلا يصحّ القراض علي الجزاف و إن كان مشاهداً، مثل قبضةٍ من ذهبٍ أو فضّةٍ مجهولة المقدار، أو كيس من الدراهم مجهول المقدار، أو صُبرة مجهولة المقدار، سواء شاهدها العامل و المالك، أو لا - و به قال الشافعي(1) - لعدم إمكان الرجوع إليه عند المفاصلة، و لا بدّ من الرجوع إلي رأس المال عندها، و لأنّ جهالة رأس المال تستلزم جهالة الربح.

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يكون رأس المال مجهولاً، و يكون القولُ قولَ العامل مع يمينه، إلّا أن تكون لربّ المال بيّنةٌ، فإن كانت لهما بيّنةٌ فبيّنة ربّ المال أولي؛ لأنّ العامل أمينٌ لربّ المال، و قوله مقبولٌ في ما في يده، فقام ذلك مقام المعرفة(2).

و قد قال أبو حنيفة: يجب أن يكون رأس مال السَّلَم معلوماً(3) ، و هو مذهبنا أيضاً، و هو أحد قولَي الشافعي(4) ؛ لأنّه قد يرجع إليه عند فساد السَّلَم، فما لا بدّ من الرجوع أولي بأن يكون معلوماً.

ص: 23


1- الحاوي الكبير 308:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، التنبيه: 119، بحر المذهب 192:9، الوسيط 106:4، حلية العلماء 323:5، التهذيب - للبغوي - 378:4، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 7:6، روضة الطالبين 198:4، منهاج الطالبين: 154، المغني 191:5، الشرح الكبير 141:5.
2- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 161:3، المبسوط - للسرخسي - 27:22، المغني 191:5، الشرح الكبير 141:5، بحر المذهب 192:9، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 8:6.
3- راجع: ج 11 - من هذا الكتاب - ص 333، الهامش (3).
4- راجع: ج 11 - من هذا الكتاب - ص 333، الهامش (1).

و أجاب الشافعيّة: بأنّ المسلَم إليه القولُ قوله أيضاً في قدر رأس المال، و لا يقوم ذلك مقام معرفته، و فرّقوا بين السَّلَم علي القول بجواز الجهالة فيه: بأنّ السَّلَم لا يعقد ليفسخ(1) ، و القراض يعقد ليفسخ(2)، و يميّز بين رأس المال و الربح(3).

الشرط الثالث: أن يكون معيّناً،
اشارة

فلو أحضر المالك ألفين و قال للعامل: قارضتك علي إحدي هاتين الألفين، أو علي أيّهما شئت، لم يصح؛ لعدم التعيين، و صار كما لو قال: قارضتك علي هذه الدراهم، أو علي هذه الدنانير، أو قال: بعتك أحد هذين العبدين، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يصحّ؛ لتساويهما(4).

و ينتقض بما تقدّم.

نعم، يصحّ القراض بالمال المشاع، فلو كان له نصف ألفٍ مشاعاً، فقارض غيره علي ذلك، صحّ؛ لأنّه معيّن.

و كذا لو كانت غائبةً عنهما وقت العقد، و أشار ربّ المال إليها بما يميّزها عن غيرها حالة العقد، صحّ.

أمّا لو قارضه علي ألفٍ و أطلق، ثمّ أحضر إليه ألفاً في المجلس و عيّنها، فإنّه لا يصحّ - و هو أحد قولَي الشافعيّة(5) - لعدم التعيين.

ص: 24


1- فيما عدا «ج» من النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «لينفسخ».
2- فيما عدا «ج» من النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «لينفسخ».
3- التهذيب - للبغوي - 378:4، العزيز شرح الوجيز 8:6.
4- الحاوي الكبير 308:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 193:9، الوسيط 106:4، حلية العلماء 328:5، التهذيب - للبغوي - 378:4-379، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 199:4.
5- العزيز شرح الوجيز 8:6، روضة الطالبين 198:4.

و الآخَر: إنّه يصحّ، كما في الصرف و رأس مال السَّلَم(1).

مسألة 203: و لا يجوز القراض علي الديون، و لا نعلم فيه خلافاً.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم أنّه لا يجوز أن يجعل الرجل دَيْناً له مضاربةً، و [ممّن](2) حفظنا عنه ذلك: عطاء و الحكم و حمّاد و مالك و الثوري و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي، و به قال الشافعي(3).

فلو كان له في ذمّة غيره ألف فقارضه عليها أو قارض غيره و قال: قد قارضتك علي الألف التي في ذمّة فلان فاقبضه و اتّجر فيه، لم يجز؛ لأنّا منعنا من القراض علي العروض لعسر التجارة و التصرّف فيها، و معلومٌ أنّ التصرّف في الدَّيْن أعسر، فكان المنع منه فيه أولي؛ لأنّ ما في الذمّة لا بدّ من تحصيله أوّلاً، و سيأتي أنّه لا يجوز في القراض ضمّ عملٍ إلي التجارة، لكن مثل هذا العمل يجوز أن يُعدّ من توابع التجارة، فلا يمتنع ضمّه إلي عمل القراض، كما أنّه لو كان له عند غيره وديعة دراهم أو دنانير فقال لثالثٍ: قارضتك عليها فخُذْها و تصرّف فيها، فإنّه يجوز قطعاً، فإذَنْ التعويل علي ما تقدّم و علي ما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ له علي رجلٍ مال فتقاضاه فلا يكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لا يصلح حتي يقبضه»(4).

مسألة 204: لو دفع إليه ثوباً فقال له: بِعْه فإذا نضّ ثمنه فقد قارضتك

ص: 25


1- العزيز شرح الوجيز 8:6، روضة الطالبين 198:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و الظاهر ما أثبتناه كما في المصادر.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 40:2، المغني 190:5، الشرح الكبير 140:5.
4- الكافي 4/240:5، التهذيب 848/192:7.

عليه، لم يصح عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّه عقد لا يصحّ علي المجهول، فلم يجز تعليقه بالشرط، كالبيع، و لأنّ شرط مال القراض التعيينُ و التشخيصُ، و لا يتحقّق ذلك في الثمن الذي يحصل بعد عقد القراض.

و قال أبو حنيفة: يصحّ، فإذا باعه و قبض الثمن كان قراضاً؛ لأنّ ذلك أمرٌ له بالتصرّف، فجاز تعليقه علي شرطٍ، كالإمارة(2).

و الفرق: إنّ الإمارة يجوز أن تكون شوري بين جماعةٍ، و لا يجوز مثل ذلك في القراض.

مسألة 205: لو دفع إليه غزلاً و قال: انسجه ثوباً علي أن يكون الفضل بيننا، لم يصح،

و إذا نسجه كان الثوب لصاحب الغزل، و عليه أُجرة الحائك، و كذا إذا دفع إليه حنطةً ليطحنها و يبيعه علي أنّ الفاضل بينهما، لم يصح؛ لأنّ القراض إنّما يجوز علي النقدين علي ما تقدّم(3) ، فيكون الدقيق لصاحب الحنطة، و عليه أُجرته.

و لو دفع إليه شبكةً ليصطاد بها و يكون ما يحصل من الصيد بينهما، أو دفع إليه راويةً ليستقي عليها و يكون الماء أو ثمنه بينهما، لم يصح،

ص: 26


1- الحاوي الكبير 309:7، بحر المذهب 190:9، حلية العلماء 331:5، التهذيب - للبغوي - 379:4، البيان 162:7، العزيز شرح الوجيز 8:6، روضة الطالبين 198:4، عيون المجالس 1247/1783:4، روضة القُضاة 3434/583:2.
2- بدائع الصنائع 82:6، روضة القُضاة 3433/583:2، المبسوط - للسرخسي - 36:22، الهداية - للمرغيناني - 202:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 42:2، بحر المذهب 190:9، حلية العلماء 331:5، التهذيب - للبغوي - 379:4، البيان 162:7، العزيز شرح الوجيز 8:6.
3- في ص 18.

و يكون الصيد للصائد، و عليه أُجرة الشبكة لصاحبها، و كذا الماء الذي استقاه، و ثمنه له أيضاً، و عليه أُجرة الراوية، و قد تقدّم(1).

مسألة 206: لو كان له عند رجلٍ وديعة، فقارضه عليها، صحّ القراض؛

لأنّه متعيّن، و هو في يد العامل أمانة، فهو بمنزلة كونه في يد ربّ المال، و كذا لو كان عنده عارية.

و يجوز أن يعامل غيرَ المستودع و المستعير بالوديعة و العارية.

و لو كان له مال عنده غصب، فقارضه عليه و هو موجود معيّن، صحّ عندنا أيضاً؛ لاستجماع شرائط الصحّة، مع أصالتها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّ مال القراض أمانة، و هذا المال في يده مضمون عليه، فلا يوجد فيه معني القراض(2).

و المذهب عندهم: الوجه الأوّل(3)، و هو الحقّ عندنا.

و اجتماع ما أصله الضمان و ما أصله الأمانة غير منافٍ؛ فإنّ العامل إذا تعدّي في مال المضاربة ضمن، و القراض بحاله، و كذا إذا ارتهن ما هو مغصوب عنده، مع أنّ مقتضي الرهن الأمانة.

إذا ثبت هذا، فإذا اشتري شيئاً للقراض و سلّم المال المغصوب إلي البائع، صحّ، و برئ من الضمان حيث سلّمه بإذن صاحبه، فإنّ المضاربة

ص: 27


1- في ج 16، ص 343، المسألة 162. (2 و 3) الحاوي الكبير 309:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 191:9، حلية العلماء 328:5، التهذيب - للبغوي - 379:4، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 199:4.

تضمّنت تسليم المال إلي البائع في التجارة.

و هل يزول عن الغاصب ضمان الغصب بعقد المضاربة عليه، أو بدفعه إلي بائع السلعة للقراض ؟ أبو حنيفة و مالك علي الأوّل؛ لأنّه ماسك له بإذن صاحبه(1) ، و الشافعي علي الثاني؛ لعدم التنافي بين القراض و ضمان الغصب، كما لو تعدّي فيه(2).

و الوجه عندي: الأوّل؛ لأنّ ضمان الغصب يتبع الغصب، و الغصب قد زال بعقد القراض، فيزول تابعه.

مسألة 207: لو كان له في ذمّة غيره مال فقال: اعزل المال الذي لي في ذمّتك و قد قارضتك عليه بالنصف،

مثلاً، فعزل المال، بطل القراض؛ لأنّه قبل العزل دَيْنٌ عليه، و قد قارضه علي الدَّيْن و قلنا: إنّه لا يجوز.

و قال الشافعي: لا يصحّ تعيينه بالدَّيْن؛ لأنّه لا يجوز أن يكون قابضاً لغيره من نفسه، و لا تبرأ ذمّته منه، و يكون الدَّيْن باقياً في ذمّته(3).

فإن اشتري شيئاً للقراض، فإن كان بعين المال كان ملكاً له، و لم يكن قراضاً؛ لأنّ المال ملكه، و نيّة القراض لا تؤثّر في الشراء به.

ص: 28


1- بحر المذهب 191:9، العزيز شرح الوجيز 9:6، المغني 192:5، الشرح الكبير 139:5-140.
2- الحاوي الكبير 309:7، بحر المذهب 191:9، حلية العلماء 329:5، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 199:4، المغني 192:5، الشرح الكبير 140:5.
3- بحر المذهب 191:9، حلية العلماء 349:5، التهذيب - للبغوي - 379:4، البيان 203:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 198:4.

و إن اشتري شيئاً للقراض [بثمنٍ مطلقٍ](1) و دفع المال(2) ، اختلفت الشافعيّة فيه:

فمنهم مَنْ قال: يكون المشتري للقراض، و يكون قراضاً فاسداً؛ لأنّه جعل له شرطاً، و هو عزل المال الذي في ذمّته، كما لو قال له: بِعْ هذا العبد و يكون ثمنه قراضاً، و قد برئ من الدَّيْن بدفع ثمن الذي اشتراه؛ لأنّه دَفَعه بإذن صاحبه، و يكون له أُجرة المثل، و الربح لربّ المال.

و منهم مَنْ قال: لا يكون قراضاً لا صحيحاً و لا فاسداً، و يكون ما اشتراه له، و لا يصحّ أن يشتري بنيّة القراض إلّا إذا كان في يده مال القراض، و هذا المال الذي في يده ملكه، فإذا اشتري وقع الشراء له، و يكون الدَّيْن باقياً في ذمّته(3).

و لو كان لرجلٍ في ذمّة غيره ألف، فقال لثالثٍ: اقبضها منه و قد قارضتك عليها، فقبضها منه، لم يصح القراض، و صحّ القبض؛ لأنّه قبض بإذن صاحب الدَّيْن، و إذا اشتري بها للقراض صحّ الشراء له، إلّا أنّه يكون قراضاً فاسداً؛ لأنّه علّقه بشرطٍ، فيكون الربح و الخسران لربّ المال، و للعامل أُجرة المثل، كما إذا قال: بِع الثوب و قد قارضتك بثمنه.

فأمّا إذا قال: قارضتك علي ألف، ثمّ قال له: خُذْها من فلان، أو قال للّذي عليه الدَّيْن: احملها إليه، ففَعَل، صحّ إن وقع ذلك في الحال؛ لأنّه لا فرق بين أن يدفعها بنفسه أو بغيره.

هذا إذا كانت معيّنةً - عندنا - شخصيّة، و لو كانت دَيْناً عليه لم يجز.9.

ص: 29


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «بطل». و المثبت من «بحر المذهب» يقتضيه السياق.
2- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة إضافة «و». و هي زائدة.
3- بحر المذهب 191:9-192، حلية العلماء 350:5، التهذيب - للبغوي - 379:4، البيان 203:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 198:4-199.
مسألة 208: لو دفع إليه مائة دينار و ألف درهم و قال: قارضتك علي أحدهما بالنصف، لم يصح؛

لعدم التعيين، و الجهالة تمنع العقد، كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين.

و لو دفع إليه ألف درهم و قال له: اعمل علي هذه و ربحها لي، و دفع إليه ألفاً أُخري و قال: اعمل علي هذه و يكون ربحها لك، كان القراض فاسداً؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك و جميع الربح فيالأُخري للعامل، و ذلك فاسد؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح؛ لأنّ الربح يحصل بالمال و العمل، فلا يصحّ عقد المضاربة.

أمّا لو دفع الألفين و قال: قارضتك علي هذه علي أن تكون الألف منهما ربحها لي و الألف الأُخري ربحها لك، حكي ابن سريج عن أبي حنيفة و أبي ثور أنّهما قالا: يصحّ، و يكون كأنّه قال: نصف الربح لي و نصفه لك؛ لأنّ هذا معناه(1).

قال ابن سريج: و هذا غلط؛ لأنّ موضوع القراض علي أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه، فكان فاسداً، و يفارق ما إذا شرط نصف الربح؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(2).

قال الشيخ رحمه الله: إذا أعطاه ألفين و قال: ما رزق اللّه تعالي من الربح كان لي ربح ألفٍ و لك ربح ألفٍ، كان جائزاً؛ لأنّه لا مانع منه، و الأصل جوازه.

و به قال أبو حنيفة و أبو ثور(3).

ص: 30


1- بحر المذهب 198:9، و راجع: البيان 167:7، و حلية العلماء 340:5.
2- الوسيط 112:4، العزيز شرح الوجيز 17:6.
3- الخلاف 462:3، المسألة 7 من كتاب القراض.

و هذا موافقة منه رحمه الله لهما.

و المعتمد أن نقول: إن قصد الإشاعة جاز، و إن قصد المعيّن بطل.

و لو أنّ صاحب الدَّيْن قال: قارضتك عليه لتقبض و تتصرّف، أو اقبضه فإذا قبضته فقد قارضتك عليه، لم يصح أيضاً، و إذا قبض و تصرّف فيه لم يستحق الربح المشروط، بل الجميع لصاحب المال، و عليه أُجرة المثل للعامل عن التصرّف و إن كان قد قال: إذا قبضتَ فقد قارضتُك، و إن قال: قد قارضتك عليه لتقبض و تتصرّف، استحقّ أُجرة مثل التقاضي و القبض أيضاً.

و لو قال: قارضتك علي الدَّيْن الذي عليك، لم يصح القراض أيضاً؛ لأنّه إذا لم يصح و الدَّيْن علي الغير فلأن لا يصحّ و الدَّيْن عليه كان أولي؛ لأنّ المأمور لو استوفي ما علي غيره، مَلَكه الآمر، و صحّ القبض، و ما علي المأمور لا يصير للمالك بعزله من ماله و قبضه للآمر، بل لو قال: اعزل قدر حقّي من مالك، فعزله، ثمّ قال: قارضتك عليه، لم يصح؛ لأنّه لم يملكه.

و إذا تصرّف المأمور في ما عزله، فإن اشتري بعينه للقراض، فهو كالفضولي يشتري لغيره بعين ماله.

و إن اشتري في الذمّة و نقد ما عزله، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه للمالك؛ لأنّه اشتري له بإذنه.

و الثاني: إنّه للعامل؛ لأنّه إنّما أذن في الشراء بمال القراض إمّا بعينه أو في الذمّة لينقده فيه، فإذا لم يملكه فلا قراض(1).

و الأقوي: الأوّل، فحيث كان المال المعزول للمالك فالربح و رأس9.

ص: 31


1- راجع: الهامش (3) من ص 29.

المال له؛ لفساد القراض، و عليه الأُجرة للعامل.

و لو قال: خُذ المال الذي علي فلان و اعمل به مضاربةً، فأخذه ثمّ جدّد عقد المضاربة بعد أخذه، صحّ.

و كذا لو قال: بِعْ هذا الثوب فإذا نضّ ثمنه فهو قراض، ثمّ جدّد عقد القراض بعد الإنضاض.

و لو قال: خُذْ هذا المال قرضاً شهراً ثمّ هو قراض بعد ذلك، لم يصر قراضاً بذلك، بل لا بدّ من تجديد عقدٍ بعد الشهر و قبضه من يد المقترض، أمّا لو قال: خُذْه قراضاً شهراً ثمّ هو قرض بعد ذلك، صحّ.

مسألة 209: الأقرب عندي: إنّه لا يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلَّماً إلي العامل

بحيث تستقلّ يده عليه و ينفرد بالتصرّف فيه عن المالك و غيره، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشتري العامل شيئاً، أو شرط أن يراجعه العامل في التصرّف، أو يراجع مُشْرفاً نصبه، جاز ذلك، و لم يجز للعامل التجاوز، و كان القراض صحيحاً؛ لأنّه شرط سائغ لا يخالف الكتاب و السنّة؛ إذ للإنسان التوثّق علي ماله بحفظه في يده أو يد مَنْ يثق به، و قد يستعان بالخائن في المعاملات لحذقه فيها، فلو لم يشرع هذا الشرط لزم تضرّر المالك إمّا بتسليم ماله إلي مَنْ لا يوثق به و إمّا بترك التجارة، و كلاهما باطل.

و قالت الشافعيّة: يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلَّماً إلي العامل، و يستقلّ باليد عليه و التصرّف فيه، فلو شرط أن يكون الكيس في يده و يوفي الثمن منه إذا اشتري العامل شيئاً، أو شرط أن يراجعه العامل في

ص: 32

التصرّف، أو يراجع مُشْرفاً نصبه، فسد القراض؛ لأنّه [قد](1) لا يجده عند الحاجة، أو لا يساعده علي رأيه، فيفوت عليه التصرّف الرابح، و القراض موضوع تمهيداً و توسيعاً لطريق التجارة، و لهذا الغرض احتُمل فيه ضروب من الجهالة، فيُصان عمّا يخلّ به.

و لو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه، فسد أيضاً؛ لأنّ انقسام التصرّف يفضي إلي انقسام اليد، و يُبطل الاستقلال(2).

و هذا ضعيف؛ لأنّه يجوز أن يشترط المالك عليه نوعاً من التجارة، أو السفر إلي بلدٍ بعينه، أو عدم السفر. و بالجملة، له أن يخصّص تجارته بنوعٍ دون غيره، و ببلدٍ دون غيره، و بزمانٍ دون غيره، و لم يعتبر الشارع هذه التضييقات، فما نحن فيه أولي بعدم الالتفات؛ لما فيه من حفظ رأس المال علي صاحبه و الزيادة في الربح، و قد وافقنا بعض الشافعيّة(3) علي ما قلناه.

مسألة 210: يجوز أن يشترط المالك علي العامل أو العامل علي المالك أن يعمل معه عبد المالك

- و هو ظاهر كلام الشافعي، و به قال أكثر الشافعيّة(4) - لأنّ العبد مال يدخل تحت اليد، و لمالكه إعارته و إجارته، فإذا

ص: 33


1- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- الوجيز 221:1، الوسيط 107:4، التهذيب - للبغوي - 383:4، العزيز شرح الوجيز 10:6، روضة الطالبين 199:4، المغني 138:5، الشرح الكبير 141:5-142.
3- العزيز شرح الوجيز 10:6، روضة الطالبين 199:4.
4- الحاوي الكبير 311:7، المهذّب - للشيرازي - 399:1، الوسيط 108:4، التهذيب - للبغوي - 383:4، العزيز شرح الوجيز 10:6، روضة الطالبين 199:4، المغني 138:5، الشرح الكبير 142:5.

دفعه إلي العامل فقد جعله معيناً و خادماً للعامل، فوقع تصرّفه للعامل تبعاً لتصرّفه، و لأنّ ذلك عقد علي أصلٍ يشترك ربّ المال و العامل علي فائدته، فجاز أن يشترط فيه علي ربّ المال عمل غلامه، كالمساقاة.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا يجوز، كما لو شرط أن يعمل بنفسه؛ لأنّ يد عبده يده في الحقيقة(1).

و الفرق: إنّ تصرّف العبد للعامل يقع تابعاً لتصرّف العامل، بخلاف ما إذا شرط المالك أن يعمل بنفسه، فإنّه لا وجه لجَعْله تابعاً؛ لأنّ عمل ربّ المال لا يجوز أن يكون تابعاً لعمل العامل، و لا يصحّ ضمّه إليه، و عمل غلامه يصحّ أن يقع تابعاً لعمل العامل، و لأنّ عمل غلامه مالٌ له، فصحّ ضمّه إليه، كما يصحّ أن يضمّ إليه بهيمة يعمل عليها، فافترقا.

و موضع الخلاف بين الشافعيّة: ما إذا لم يحجر علي العامل، فأمّا إن صرّح بالحجر عليه بأن قال: علي أن يعمل معك غلامي و لا تتصرّف دونه، أو يكون بعض المال في يده، فإنّه يفسد عندهم لا محالة(2).

و نحن نقول بالصحّة؛ عملاً بالشرط.

و لو كان الغلام حُرّاً، فإن شرط عليه العمل مع العامل جاز، و كانا جميعاً عاملين.

و إن لم يشترط عليه عملاً، لم يصح القراض؛ لأنّ الربح لا يستحقّ إلّا بالمال أو العمل، فكان الشرط فاسداً.

و لو شرط أن يكون الربح أثلاثاً: ثلث للمالك، و ثلث لعبده، و ثلث للعامل، و لم يشرط عمل الغلام مع العامل، صحّ شرطه له؛ لأنّ ما شرطه للعبد فإنّما يكون مشروطاً لسيّده، فكأنّهما شرطا لربّ المال الثلثين،4.

ص: 34


1- نفس المصادر في الهامش (4) من ص 33، ما عدا المغني و الشرح الكبير.
2- العزيز شرح الوجيز 10:6، روضة الطالبين 200:4.

و للعامل الثلث، و به قال الشافعي(1) أيضاً.

و كذا يجوز عندنا أن يشترط عمل الغلام و أن يكون له نصيب من الربح؛ لأنّه في الحقيقة للسيّد، خلافاً للشافعي في أحد القولين(2).

مسألة 211: لو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمةً يحمل عليها، جاز؛

لأنّه شرط سائغ لا ينافي الكتاب و السنّة، فوجب الوفاء به؛ عملاً بقوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»(3) و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ حملاً علي المنع لو شرط أن يعمل معه غلام المالك(4) ، و قد سبق(5).

مسألة 212: قد بيّنّا أنّه يجوز القراض بالمال المشاع،

فلو كان بينه و بين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه: قارضتك علي نصيبي منها، صحّ؛ إذ ليس فيه إلّا الإشاعة، و أنّها لا تمنع صحّة التصرّفات.

فلو مزج ألفين له بألفٍ لغيره ثمّ قال صاحب الألفين للآخَر:

قارضتك علي أحدهما و شاركتك في الآخَر، فإن قصد بالتجزية الإشاعةَ صحّ، و إلّا فلا.

و عند الشافعيّة: يصحّ، و انفرد العامل بالتصرّف في ألف القراض،

ص: 35


1- مختصر المزني: 122، الحاوي الكبير 310:7، بحر المذهب 193:9، البيان 171:7، العزيز شرح الوجيز 10:6، روضة الطالبين 200:4.
2- الحاوي الكبير 310:7، البيان 171:7.
3- صحيح البخاري 120:3، سنن الدار قطني 98/27:3 و 99، سنن البيهقي 249:7، المستدرك - للحاكم - 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4404/275:4.
4- العزيز شرح الوجيز 10:6.
5- في المسألة السابقة.

و يشتركان في التصرّف في [باقي](1) المال، و لا يُخرّج علي الخلاف في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين؛ لأنّهما جميعاً يرجعان إلي التوكيل بالتصرّف(2) ، مع أنّ أصحّ القولين عندهم: إنّه لو دفع إليه كيسين في كلّ واحدٍ منهما ألف و قال: قارضتك علي أحدهما: البطلان؛ لعدم التعيين(3).

البحث الرابع: العمل.
اشارة

العمل من العامل عوض ربح رأس المال المختصّ بالعامل، و شرطه أن يكون تجارةً، فلا يصحّ علي الأعمال، كالطبخ و الخبز و غيرهما من الصنائع؛ لأنّ هذه أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فاستغني به عن القراض فيها، و إنّما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستئجار عليه، و هو التجارة التي لا يمكن ضبطها و لا معرفة قدر العمل فيها و لا قدر العوض، و الحاجة داعية إليها، و لا يمكن الاستئجار عليها، فللضرورة مع جهالة العوضين شُرّع عقد المضاربة.

و أمّا ما يتبع التجارة - كالنقل و الكيل و الوزن و النقد و نشر القماش و طيّه و غير ذلك - فإنّها لواحق التجارة و تابعة لها، و التجارة إنّما هي الاسترباح بالبيع و الشراء، لا بالحِرَف و الصنائع.

مسألة 213: لو دفع إليه مالاً علي أن يقارضه عليه

و شرط أن يشتري - مثلاً - حنطةً يطحنها، أو دقيقاً يخبزه، أو طعاماً يطبخه، أو غزلاً ينسجه،

ص: 36


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 11:6، روضة الطالبين 200:4.
3- بحر المذهب 193:9، الوسيط 106:4-107، البيان 163:7، العزيز شرح الوجيز 9:6، روضة الطالبين 199:4.

أو ثوباً يقصره أو يصبغه ثمّ يبيع ذلك و يقسّم الربح بينهما، لم يصح؛ لما تقدّم من أنّ الاسترباح بالقراض إنّما هو بالتجارة لا بالصنعة و الحرفة.

أمّا لو اشتري العامل هذه الأعيان و فَعَل فيها هذه الصنائع من غير شرطٍ، فإنّه يصحّ، و لا يخرج الدقيق و لا الخبز و لا المطبوخ و لا الثوب المنسوج أو المقصور أو المصبوغ عن كونه رأس مال القراض - و هو أحد قولَي الشافعيّة(1) - و يكون القراض بحاله، كما لو زاد عبد القراض بِكبَرٍ أو بسمنٍ أو تعلّم صنعةٍ، فإنّه لا يخرج بذلك عن كونه مالَ القراض، كذا هنا.

و القول الثاني للشافعيّة: إنّه تخرج هذه الأعيان عن كونها مالَ القراض، فلو لم يكن في يده غير ذلك انفسخ القراض؛ لأنّ الربح حينئذٍ لا يحال علي البيع و الشراء فقط، بل علي التغيير الحاصل في مال القراض بفعله، و غير التجارة لا يُقابَل بالربح المجهول(2).

و ما ذكرناه أصحّ، و هذه الصفات لا تُخرج الأعيان عن كونها مالَ قراضٍ، كسمن العبد و كِبَره.

و علي قولهم هذا لو أمر المالك العاملَ بأن يطحن حنطة مال القراض، كان فاسخاً للعقد(3).

و الحقّ ما قلناه من عدم الفسخ، لكنّ العامل إذا اشتغل بالطحن صار ضامناً، و عليه غرم ما ينقص من قيمةٍ و عينٍ إن وُجد نقصٌ في الدقيق، فإن باعه لم يكن الثمن مضموناً عليه؛ لأنّه لم يتعدّ فيه، و لا يستحقّ العامل بهذه الصناعات أُجرةً علي المالك، و لو استأجر عليه أجيراً فالأُجرة عليه، و الربح بينه و بين المالك كما شرطا.

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 11:6، روضة الطالبين 200:4.
2- العزيز شرح الوجيز 11:6، روضة الطالبين 200:4.
3- العزيز شرح الوجيز 11:6، روضة الطالبين 200:4.
مسألة 214: لو دفع إليه دراهم قراضاً علي أن يشتري بها نخيلاً أو دوابّ أو مزارع و يمسك رقابها لثمارها أو نتاجها أو غلّاتها، و تكون الفوائد بينهما، بطل القراض

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه ليس استرباحاً بالتجارة؛ لأنّ التجارة قد بيّنّا أنّها التصرّف بالبيع و الشراء، و هذه الفوائد تحصل من عين المال، لا من تصرّف العامل، و لأنّ عقد المضاربة يقتضي التصرّف في رقبة المال؛ لأنّه مضاربة بالمال، بخلاف المساقاة؛ لأنّ عقدها [لا] يقتضي ذلك، فحينئذٍ يصحّ الشراء بالإذن، و يكون الحاصل بأجمعه للمالك؛ لأنّه نماء عينه، و عليه أُجرة المثل للعامل.

هذا في النخل و الشجر و الدوابّ، أمّا المزارع فإن كان البذر من مال القراض أو من المالك فكذلك، و إن كان من غيره فالنماء لذلك الغير، و علي ذلك الغير أُجرة الأرض.

و لو دفع إليه بهيمةً و قال: تكريها و تنقل عليها و الحاصل بيننا، لم يصح، و لم يكن ذلك قراضاً؛ لأنّ القراض يقتضي تصرّف العامل في رقبة المال، فيكون ما حصل من المنفعة لصاحب البهيمة، و عليه أُجرة المثل للعامل.

و لو دفع إلي صيّادٍ شبكةً و أمره بالاصطياد بها، و ما يحصل يكون بينهما، لم تصح هذه المعاملة أيضاً - و به قال الشافعي(2) - لأنّها ليست بشركةٍ و لا قراضٍ و لا إجارةٍ، فإن اصطاد بها شيئاً مَلَكه الصائد، دون صاحب الشبكة، و عليه أُجرة الشبكة لصاحبها.

ص: 38


1- بحر المذهب 198:9، التهذيب - للبغوي - 385:4، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 12:6، روضة الطالبين 201:4.
2- الحاوي الكبير 310:7، بحر المذهب 190:9، البيان 162:7، العزيز شرح الوجيز 12:6، روضة الطالبين 201:4.

و الفرق بين الشبكة و الدابّة ظاهر؛ لأنّ العمل في الدابّة حاصل من الدابّة؛ لأنّ العمل و الحمل منها، فكانت الأُجرة لصاحبها، و أمّا الاصطياد فالعمل فيه للصائد، و الشبكة تبع لعمله؛ لأنّها آلة له، فكان الحاصل له، دون صاحب الشبكة.

مسألة 215: لو دفع إلي رجلٍ أرضاً و قال له: اغرسها كذا و كذا علي أن يكون الغرس بيننا نصفين و الأرض بيننا نصفين، لم تصح هذه المغارسة؛

لأنّها ليست بشركةٍ و لا قراضٍ، و ليست بيعاً لنصف الأرض بنصف الغراس؛ لأنّه إنّما شرط ذلك إذا ثبت غراساً و قراضاً، و ذلك مجهول، و لأنّه يشتمل علي تعليق البيع بشرطٍ، و هو باطل.

أمّا لو باعه نصف الغرس قبل أن يغرسه أو بعد ما غرسه بنصف الأرض، جاز، و كانت الأرض و الغراس بينهما.

إذا ثبت هذا، فالغرس في الصورة الأُولي لصاحبه، و يكون عليه أُجرة الأرض للمالك؛ لأنّه بذل له نصف الأرض بعوضٍ، فإذا لم يثبت له العوض وجب له أُجرة المثل.

ثمّ يُنظر فإن لم يكن في قلع الغراس ضرر بأن لا ينقص بالقلع، كان لصاحب الأرض مطالبته بقلعه.

و إن كان ينقص بالقلع، لم يكن له مطالبته بقلعه، إلّا أن يضمن له أرش ما ينقص بالقلع؛ لأنّه غرسه فيه بإذنه، فلم يكن له مطالبته بإزالته مع الإضرار به، بخلاف الزرع إذا كان في أرضه بإذنه حيث قال بعض الشافعيّة:

ليس له مطالبته بقلعه؛ لأنّ الزرع له أمد ينتهي إليه لا يطول بقاؤه فيها، بخلاف الغرس، و لأنّ الزرع إذا قُطع لم يمكن زرعه في موضعٍ آخَر،

ص: 39

بخلاف الغرس(1).

فإن قال صاحب الغرس: لا تقلعه و علَيَّ أُجرة الأرض، لم يُجبر صاحب الأرض عليه؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

و لو انعكس الفرض، فقال صاحب الأرض: أقرّه في الأرض و ادفع إلَيَّ الأُجرة، و قال الغارس: اقلعه و عليك ما نقص، لم تجب إجابته؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر علي اكتراء الأرض له.

و لو قال صاحب الأرض: خُذْ قيمته، و قال الغارس: بل أقلعه و علَيَّ ما نقص، فالقول قول الغارس؛ لأنّا لا نجبره علي بيع ماله.

و لو قال ربّ الأرض: اقلعه و علَيَّ ما نقص، و قال الغارس: ادفع إلَيَّ قيمته، قدّم قول صاحب الأرض؛ لأنّا لا نجبره علي ابتياع مال غيره.

و لو قال ربّ الأرض: خُذ القيمة، و قال الغارس: خُذ الأُجرة و أقرّه في الأرض، أو قال الغارس: ادفع إلَيَّ قيمته، و قال ربّ المال: ادفع إلَيَّ الأُجرة و أقرّه، لم يُجبَر واحد منهما علي ذلك.

مسألة 216: إذا أذن المالك للعامل في التصرّف و أطلق، اقتضي الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك

من عرض القماش علي المشترين و الراغبين و نشره و طيّه و إحرازه و بيعه و قبض ثمنه و إيداعه الصندوق و استئجار ما يعتاد للاستئجار له، كالدلّال و الوزّان و الحمّال.

و لو استأجر لما يجب عليه مباشرته، كانت الأُجرة عليه خاصّةً، و لو

ص: 40


1- راجع: التهذيب - للبغوي - 379:3، و العزيز شرح الوجيز 333:4، و روضة الطالبين 199:3.

عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً، لم يستحق أُجرةً؛ لأنّه متبرّع في ذلك، و في الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة 217: لو خصّص المالك الإذنَ، تخصّص، فلا يجوز للعامل التعدّي،
اشارة

فإن خالف ضمن، و لا يبطل القراض بالتخصيص، فلو قال له:

لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه، أو سلعة بعينها، أو لا تبع إلّا علي زيد، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن، أو نخلة بعينها، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه، جاز، و لزم هذا الشرط، و صحّ القراض، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع و الأزمان، أو في أحدهما، أو خاصّاً فيهما، و سواء قلّ وجوده و عزّ تحصيله و كان نادراً، أو كثر، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لأنّه لمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها، كالوكالة.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام: في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه، قال: «هو ضامن، و الربح بينهما»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً و ينهي أن يخرج به، فيخرج به، قال:

«يضمن المال، و الربح بينهما»(3).

و في الصحيح عن رجلٍ(4) عن الصادق عليه السلام: في رجلٍ دفع إلي رجلٍ

ص: 41


1- تحفة الفقهاء 22:3، بدائع الصنائع 98:6، الاختيار لتعليل المختار 31:3، روضة القُضاة 3454/587:2، الهداية - للمرغيناني - 204:3، بداية المجتهد 238:2، الاستذكار 30815/141:21، عيون المجالس 1249/1785:4، بحر المذهب 196:9، العزيز شرح الوجيز 13:6، المغني 184:5، الشرح الكبير 125:5.
2- التهذيب 838/190:7.
3- التهذيب 836/189:7.
4- كذا قوله: «رجل» في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدله في المصدر: «جميل».

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً، فذهب فاشتري غير الذي أمره، قال: «هو ضامن، و الربح بينهما علي ما شرط»(1).

و قال الشافعي و مالك: يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك علي العامل بالتعيين، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر و الخَزّ الأدكن و الخيل البُلق و الصيد حيث يوجد نادراً، فسد القراض؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده، و هو التقليب و طلب الربح.

و إن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً و صيفاً - كالحبوب و الحيوان و الخَزّ و البَزّ - صحّ القراض، و إن لم يدم كالثمار الرطبة، فوجهان، أحدهما: إنّه لا يجوز، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة، و مَنَعه من التصرّف بعدها.

و لو قال: لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه، أو سلعة بعينها، لم يصح القراض - و به قال مالك - لأنّ ذلك [يمنع](2) مقصود القراض، و هو التقليب و طلب الربح، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه، و قد يطلب منه أكثر من ثمنه، و كذا السلعة، و إذا كان كذلك لم يصح، كما لو قال: لا تبع و لا تشتر إلّا من فلان(3).

و الجواب: نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق، و ذلك جائز بالإجماع، فكذا هنا.6.

ص: 42


1- التهذيب 853/193:7.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- الحاوي الكبير 314:7-316، بحر المذهب 196:9-197، الوسيط 109:4، التهذيب - للبغوي - 384:4، البيان 173:7، العزيز شرح الوجيز 13:6، روضة الطالبين 201:4، روضة القُضاة 3455/587:2، الاستذكار 30813/141:21، و 30818/142، بداية المجتهد 238:2، عيون المجالس 1249/1784:4، المغني 184:5، الشرح الكبير 125:5-126.
فروع:
أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه، و ذلك النوع يوجد في بعض السنة و ينقطع، جاز عندنا

و عند أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز(2)؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة: و إن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً و شرط أنّها إذا انقضت لا يبيع و لا يشتري، فإنّه لا يصحّ القراض(1).

و الصحيح عندهم: الأوّل(4)؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة و بيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة، و ما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك، فافترقا، علي أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة، أقصي ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها،

ب - لو قال: اشتر هذا الشيء - و كان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا، جاز.

أمّا عندنا: فظاهر.

و أمّا عند الشافعي: فلدوام القراض(2).

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول: لا تشتر إلّا هذه السلعة و إلّا هذا العبد، و بين أن يقول: لا تشتر هذا العبد و لا هذه السلعة في الجواز.

ص: 43


1- لم نهتد إلي مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- راجع: بحر المذهب 197:9، و التهذيب - للبغوي - 384:4-385، و البيان 173:7، و العزيز شرح الوجيز 13:6، و روضة الطالبين 201:4.

و مَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(1) - دون الثاني؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما، و هو كثير لا ينحصر(2).

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك: لا تبع إلّا من فلان و لا تشتر إلّا من فلان،

و بين أن يقول: لا تبع من فلان، أو لا تشتر منه في جواز القراض و وجوب الامتثال.

و فرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(3) علي ما مرّ(3).

و قال بعضهم: إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(5).

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة و سلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر علي نوعه غالباً،

و بين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر علي نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

و أكثر الشافعيّة علي عدم الفرق في عدم الجواز معهما(6).

و قال بعض الشافعيّة: يجوز في الأوّل دون الثاني، فقال: إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك علي تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر علي نوعه غالباً، جاز تعيينه(7).

مسألة 218: يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلي العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء و بيع أيّ نوعٍ أراد،

و لا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة و الاسترباح، فربما رأي العامل المصلحة في نوعٍ يخفي عن المالك، فكان له أن يفوّض الأمر إليه

ص: 44


1- في ص 42.
2- التهذيب - للبغوي - 384:4، العزيز شرح الوجيز 13:6، روضة الطالبين 201:4. (3 و 5) العزيز شرح الوجيز 13:6، روضة الطالبين 201:4.
3- في ص 42. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 13:6، روضة الطالبين 201:4.

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

و للشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل، كالخلاف في الوكالة.

و الظاهر عندهم: إنّه لا يشترط؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة، و الحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة، و القراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضي إلي مقصودها(1).

و نحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة 219: لا خلاف في أنّه إذا جري تعيين صحيح، لم يكن للعامل مجاوزته،

و لا له العدول عنه، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن، فإن تجاوز ضمن، و إن ربح كان الربح بينهما علي ما شرطاه؛ لما تقدّم(2) من الروايات.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً و ينهاه عن أن يخرج به إلي أرض أُخري، فعصاه، فقال: «هو له ضامن، و الربح بينهما إذا خالف شرطه و عصاه»(3).

إذا عرفت هذا، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف، و لا يتناول البُسُط و الفُرُش.

و في الأكسية احتمال؛ لأنّها ملبوسة، لكن بائعها لا يُسمّي بزّازاً.

و الأقرب: اتّباع الاسم.

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 13:6-14، روضة الطالبين 202:4.
2- في ص 41-42.
3- تقدّم تخريجه في ص 8، الهامش (9).

و للشافعيّة فيه وجهان(1).

مسألة 220: قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متي شاء،

و هي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه، فكان جائزاً كالوكالة، فلا معني للتأقيت فيها، و لا يعتبر فيها بيان المدّة، بخلاف المساقاة؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال، و إنّما يعمل في إصلاح المال، و لهذا افتقرت المساقاة إلي مدّةٍ معلومة، و المقصود من المساقاة الثمرة، و هي تنضبط بالمدّة، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً و وقتاً مضبوطاً، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا، فلو وقّت القراض فقال: قارضتك علي هذا المال سنةً، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق و اقتصر، لم يلزم التأقيت، و لكلٍّ من المالك و العامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير، و منع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه، و الإذن لم يقع عامّاً، فيتبع ما عيّنه المالك.

و إن قيّد فقال: قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع و لا تشتر، فالأقوي(2) عندي: الجواز؛ عملاً بالشرط، و لأنّه مقتضي الإطلاق.

ص: 46


1- الحاوي الكبير 316:7، المهذّب - للشيرازي - 393:1، بحر المذهب 197:9، حلية العلماء 337:5، التهذيب - للبغوي - 385:4، البيان 176:7، العزيز شرح الوجيز 14:6، روضة الطالبين 202:4.
2- في «ث، ج، ر»: «فالأقرب» بدل «فالأقوي».

و قال الشافعي: يبطل القراض؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً، فإذا شرط قطعه لم يصح، كالنكاح، و لأنّ هذا الشرط ليس من مقتضي العقد، و لا له فيه مصلحة، فلم يصح، كما لو قال:

علي أن لا تبع، و إنّما لم يكن من مقتضاه؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك، و لأنّ هذا الشرط يؤدّي إلي الإضرار بالعامل و إبطال غرضه؛ لأنّ الربح و الحظّ قد يكون في تبقية المتاع و بيعه بعد سنةٍ، فيمنع ذلك مقتضاه(1).

و نحن نمنع فساد العقد؛ فإنّه المتنازع. نعم، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً، و لا ينافي قطعه بالشرط، كسائر الشروط في العقود، و المقيس عليه ممنوع علي ما يأتي، و إنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك، و بالشرط قد منعه، و إضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه، و مراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك، فقد يكون المالك محتاجاً إلي رأس ماله.

مسألة 221: لو قال: قارضتك سنةً علي أنّي لا أملك منعك فيها، فسد القراض؛
اشارة

لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه، كالشركة و الوكالة؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضي العقد، و كذا لو قال: قارضتك سنةً علي أنّي(2) لا أملك الفسخ قبل

ص: 47


1- الحاوي الكبير 311:7، المهذّب - للشيرازي - 393:1، بحر المذهب 195:9، الوجيز 222:1، حلية العلماء 334:5، التهذيب - للبغوي - 383:4، البيان 170:7، العزيز شرح الوجيز 14:6، روضة الطالبين 202:4، المغني 185:5-186، الشرح الكبير 138:5.
2- في «خ» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «أنّي».

انقضائها، و به قال الشافعي(1) أيضاً.

و لو قال: قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها و بِعْ، صحّ القراض، و به قال الشافعي(2) أيضاً، و كذا لو قال: قارضتك سنةً علي أن لا تشتر بعد السنة و لك البيع؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء، و يتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء، فإذا شرط منعه من الشراء، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

و لو قال: قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها، فالأقرب: الصحّة.

و قال الشافعي: إنّه يبطل، و صار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد، و يخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود: فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة، فلا تحصل التجارة و الربح.

و أمّا مخالفة مقتضاه: فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة، و قضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(3).

و قد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة، و هو يدفع المحاذير.

و لو قال: قارضتك سنةً، و أطلق، فقد بيّنّا الجواز عندنا، و عدم4.

ص: 48


1- الحاوي الكبير 311:7، بحر المذهب 195:9، التهذيب - للبغوي - 384:4، البيان 170:7، العزيز شرح الوجيز 15:6، روضة الطالبين 202:4.
2- الحاوي الكبير 312:7، المهذّب - للشيرازي - 393:1، بحر المذهب 195:9، حلية العلماء 334:5، التهذيب - للبغوي - 384:4، البيان 171:7، العزيز شرح الوجيز 14:6، روضة الطالبين 202:4.
3- الوسيط 109:4، التهذيب - للبغوي - 383:4، العزيز شرح الوجيز 14:6، روضة الطالبين 202:4.

اللزوم.

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة، و لأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت، كالبيع و النكاح.

و الثاني: يجوز، و يُحمل علي المنع من الشراء دون البيع، استدامةً للعقد(1).

علي أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً و شرط أن لا يشتري بعدها، قاضياً بالبطلان؛ لأنّ ما وضعه علي الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(2).

لكن المعتمد عندهم: الجواز(3).

تذنيب: لو قال: قارضتك الآن و لكن لا تتصرّف حتي يجيء رأس الشهر، جاز؛

عملاً بمقتضي الشرط - و هو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: المنع، كما لو قال: بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(2).

ص: 49


1- الوسيط 110:4، التهذيب - للبغوي - 384:4، البيان 171:7، العزيز شرح الوجيز 15:6، روضة الطالبين 202:4. (2 و 3) الوسيط 110:4، البيان 171:7، العزيز شرح الوجيز 14:6، روضة الطالبين 202:4.
2- التهذيب - للبغوي - 384:4، العزيز شرح الوجيز 15:6، روضة الطالبين 202:4.

و الفرق ظاهر.

البحث الخامس: في الربح.
اشارة

و شروطه أربعة:

الشرط الأوّل: اختصاصه بالمتعاقدين،

فلو شرط بعض الربح لغيرهما، لم يصح، سواء كان قريباً أو بعيداً، كما لو قال: علي أن يكون لك ثلث الربح، ولي الثلث، و لزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر، و يبطل القراض؛ لأنّه ليس بعاملٍ و لا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ، و يكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

و لو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل، فقد بيّنّا أنّه يجوز؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك، فقد ضمّ المالك أو العامل إلي حصّته حصّةً أُخري.

و لو قال: نصف الربح لك و نصفه لي و من نصيبي نصفه لزوجتي، صحّ القراض، و كان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها و إن شاء منعها.

و لو قال للعامل: لك الثلثان علي أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك، لم يلزم الشرط، فإن أوجبه فالأقوي: البطلان.

و قال بعض الشافعيّة: إن أوجب ذلك عليه فسد القراض، و إلّا

ص: 50

لم يفسد(1).

الشرط الثاني: أن يكون الربح مشتركاً بينهما،
اشارة

فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال: قارضتك علي أن يكون جميع الربح لي، فسد القراض - و به قال الشافعي(2) - لمنافاة الشرط مقتضاه؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَ عليه السلام: عن مال المضاربة، قال: «الربح بينهما، و الوضيعة علي المال»(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه يبطل القراض، و يكون بضاعةً(4).

و قال مالك: يصحّ القراض، و يكون الربح للمالك؛ عملاً بشرطه، لأنّهما دخلا في القراض، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(5).

و هو غلط؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

ص: 51


1- بحر المذهب 195:9، البيان 172:7، العزيز شرح الوجيز 15:6، روضة الطالبين 203:4.
2- الحاوي الكبير 332:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، بحر المذهب 219:9، الوسيط 111:4، حلية العلماء 332:5، التهذيب - للبغوي - 381:4، البيان 168:7، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1116/642:2، روضة القُضاة 3419/581:2، المغني 144:5، الشرح الكبير 132:5.
3- التهذيب 829/188:7، الاستبصار 452/126:3.
4- الاختيار لتعليل المختار 28:3، المبسوط - للسرخسي - 24:22، الهداية - للمرغيناني - 202:3، روضة القُضاة 3418/581:2، بحر المذهب 220:9، حلية العلماء 332:5-333، البيان 168:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 642:2-1116/643، المغني 144:5-145، الشرح الكبير 132:5.
5- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1116/642:2، المعونة 1123:2، بحر المذهب 220:9، حلية العلماء 333:5، العزيز شرح الوجيز 16:6، المغني 145:5، الشرح الكبير 132:5.

و لو قال: قارضتك علي أن يكون جميع الربح لك، فسد القراض أيضاً عندنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - لما تقدّم(2).

و قال مالك: يصحّ، و يكون الربح بأسره للعامل؛ لأنّهما دخلا في القراض، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك، كان لمن جعل له، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(3).

و قد تقدّم(4) بطلانه، و أنّ هذا الشرط منافٍ للقراض؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال و من الآخَر العمل، و ذلك يقتضي الاشتراك، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا، فإذا قال: قارضتك علي أن يكون الربح كلّه لك، فالقراض فاسد.

و ما حكمه ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه قراض فاسد؛ رعايةً للّفظ.

و الثاني: إنّه قرض صحيح؛ رعايةً للمعني(5).4.

ص: 52


1- الحاوي الكبير 333:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، حلية العلماء 332:5-333، التهذيب - للبغوي - 381:4، البيان 168:7، العزيز شرح الوجيز 15:6، روضة الطالبين 203:4، الاختيار لتعليل المختار 28:3، بداية المجتهد 238:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1116/642:2، المعونة 1123:2، المغني 144:5، الشرح الكبير 132:5.
2- في ص 51.
3- بداية المجتهد 238:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1116/642:2، المعونة 1123:2، بحر المذهب 220:9، حلية العلماء 333:5، العزيز شرح الوجيز 16:6، المغني 145:5، الشرح الكبير 132:5.
4- في ص 51.
5- التهذيب - للبغوي - 381:4، البيان 169:7، العزيز شرح الوجيز 15:6-16، روضة الطالبين 203:4.

و لو قال: قارضتك علي أنّ الربح كلّه لي، فهو قراض فاسد أو إبضاع ؟ فيه الوجهان للشافعيّة(1).

أمّا لو قال: خُذْ هذه الدراهم و تصرَّفْ فيها و الربح كلّه لك، فهو قرض صحيح، و به قال ابن سريج(2) ، بخلاف ما لو قال: قارضتك علي أنّ الربح كلّه لك؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين الصورتين(3).

و ليس جيّداً.

و عن بعضهم: إنّ الربح و الخسران للمالك، و للعامل أُجرة المثل، و لا يكون قرضاً؛ لأنّه لم يملكه(4).

و لو قال: تصرَّفْ في هذه الدراهم و الربح كلّه لي، فهو إبضاع.

مسألة 222: لو ضمّن المالكُ العاملَ، انقلب القراض قرضاً، و كان الربح بأسره للعامل؛

لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

و لما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: «مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال، و ليس له من الربح شيء»(3).

و عن محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: «مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله، و ليس له من الربح شيء»(4).

إذا عرفت هذا، فإن أراد المالك الاستيثاق، أقرضه بعضَ المال،

ص: 53


1- بحر المذهب 220:9، البيان 170:7، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4.
2- البيان 169:7، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4.
3- التهذيب 830/188:7، الاستبصار 126:3-453/127.
4- الكافي 3/240:5، التهذيب 192:7-852/193.

و ضاربه علي الباقي، و يكون ذلك قرضاً صحيحاً و قراضاً جائزاً؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ، و لم يحدث عند الاجتماع شيء زائد.

و لما رواه عبد الملك بن عتبة قال: سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف و أبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلي الرجل فيقول: قد ضاع، أو قد ذهب، قال: فادفع إليه أكثره قرضاً و الباقي مضاربةً، فسألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن ذلك، فقال: «يجوز»(1).

و سأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَ عليه السلام: هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله ؟ قال:

«لا بأس به»(2).

الشرط الثالث: أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومةً،
اشارة

فلو قارضه علي أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شيء أو سهم أو حظّ أو جزء، و لم يبيّن، بطل القراض، و لا(3) يحمل الشيء و لا السهم و لا الجزء علي الوصيّة؛ اقتصاراً بالنقل علي مورده، و لا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

و لو قال: خُذْه مضاربةً و لك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ؛ لأنّهما أشارا إلي معلومٍ عندهما، و لو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض؛ لأنّه مجهول.

و لو قال: و الربح بيننا، و لم يقل: نصفين، صحّ، و حُكم بالنصف للعامل و النصف للمالك، كما لو أقرّ بالمال، و لو قال: إنّه بيني و بين فلان،

ص: 54


1- التهذيب 188:7-832/189، الاستبصار 455/127:3.
2- التهذيب 833/189:7، الاستبصار 456/127:3.
3- فيما عدا «ج» من النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «و لم» بدل «و لا».

فإنّه يكون إقراراً بالنصف، فكذا هنا، و الأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت، و قد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة، لم يرجّح فيها أحدهما علي الآخَر، فاقتضي التسوية، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الفساد؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً، و لم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو، و لا صاحب الثلث مَنْ هو، و لأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي، و العامّ لا دلالة له علي الخاصّ(1).

و نحن نمنع صدقها بالتواطؤ، بل دلالتها علي التنصيف أقوي، و عليه يُحمل إطلاقها، و يفتقر التفاوت إلي قرينةٍ.

مسألة 223: لو قال: خُذْ هذا المال مضاربةً، و لم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح، فسد القراض،

و كان الربح بأسره لربّ المال، و عليه أُجرة المثل للعامل، و الوضيعة علي المالك - و به قال الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط و لم يوجد.

و قال الحسن و ابن سيرين و الأوزاعي: الربح بينهما نصفين؛ لأنّه لو قال: و الربح بيننا، كان بينهما نصفين، و كذا إذا لم يزد شيئاً(3).

ص: 55


1- الحاوي الكبير 347:7، المهذّب - للشيرازي - 392:1، الوسيط 113:4، حلية العلماء 331:5، التهذيب - للبغوي - 380:4، البيان 164:7، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 39:2، الحاوي الكبير 344:7، بحر المذهب 217:9-218، حلية العلماء 333:5، المغني 142:5، الشرح الكبير 131:5.
3- نفس المصادر ما عدا «الحاوي الكبير» و «بحر المذهب» و «حلية العلماء».

و هو ممنوع؛ لأنّ قوله: «مضاربةً» يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً، فلا يصحّ.

و لو قال: علي أنّ ثلث الربح لك و ما بقي فثلثه لي و ثلثاه لك، صحّ.

و حاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث، و أقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو، فإن جهلاه أو أحدهما، فوجهان للشافعيّة، أحدهما: الصحّة(1).

و هو حسن؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

و كذا لو قال: علي أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن، و هُما لا يعرفان قدره عند العقد، أو أحدهما.

و لو قال: لك الرُّبْع و رُبْع الباقي، فله ثلاثة أثمان و نصف ثُمنٍ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه؛ لأنّها أجزاء معلومة.

و لو قال: لك ثلث الربح و رُبْع ما بقي، فله النصف.

الشرط الرابع: أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة،
اشارة

كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة، لا بالتقدير، فلو قال: قارضتك علي أنّ لك من الربح مائة و الباقي بيننا بالسويّة، فسد القراض؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

و كذا إذا قال: علي أنّ لي من الربح مائة و الباقي بيننا، لم يصح القراض.

و كذا لو قال: لك نصف الربح سوي درهم، أو: لك نصف الربح

ص: 56


1- التهذيب - للبغوي - 380:4، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4.

و درهم.

مسألة 224: لو دفع إليه ألفين و قال: قارضتك علي هاتين الألفين علي أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخري، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين و شرط تميّزهما، لم يصح القراض؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخري، و ربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه، و ربح الأُخري بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ، فلا يوجد فيه مقتضي القراض فيبطل، و لأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخري، فيحصل كلّ الربح لأحدهما و يمنع الآخَر منه، و ذلك منافٍ لمقتضي القراض.

و إن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين، فالأقرب: الصحّة، و يُحمل علي الإشاعة و التسوية في الربح؛ إذ لا فرق بين ذلك و بين قوله: الربح بيننا نصفين، و لا بينه و بين أن يقول: نصف ربح الألفين لك و نصفه لي، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال ابن سريج: لا يصحّ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين، و ما إذا دفع إليه ألفاً علي أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخري(2).

و الفرق ظاهر.

و لو قال: علي أنّ لي ربح أحد الثوبين و لك ربح الآخَر، أو: علي أنّ

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 17:6، روضة الطالبين 204:4.
2- العزيز شرح الوجيز 17:6.

لي ربح إحدي السفرتين و لك ربح الأُخري، أو: علي أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا، لم يصح.

إذا عرفت هذا، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً و شرط أن يكون له نصف ربحه، جاز، و كذا لو شرط له ربح نصفه.

و لو قال: علي أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة، احتُمل البطلانُ؛ لعدم العلم بحصولهما، و الصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة 225: لو دفع إليه مالاً قراضاً و شرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال، احتُمل الصحّةُ؛
اشارة

عملاً بقوله عليه السلام: «المسلمون(1) عند شروطهم»(2)الحاوي الكبير 313:7، بحر المذهب 196:9، التهذيب - للبغوي - 382:4، البيان 168:7، العزيز شرح الوجيز 17:6، روضة الطالبين 204:4.(3) ، و البطلانُ - و به قال الشافعي(3) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

و لو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه و يركب الدابّة التي يشتريها، قال الشافعي: يبطل القراض أيضاً؛ لأنّ القراض جُوّز علي العمل المجهول بالعوض المجهول [للحاجة](4) - و لا حاجة إلي ضمّ ما ليس من الربح إليه، و لأنّه ربما ينتقص بالاستعمال و يتعذّر عليه التصرّف(5).

و الأقوي عندي: الجواز.

تذنيب: لو دفع إليه ألفاً قراضاً علي أنّ الربح بينهما،

و شرط المالك

ص: 58


1- في النُّسَخ الخطّيّة: «المؤمنون».
2- تقدّم تخريجه في ص 35، الهامش
3- ، و في التهذيب 1503/371:7، و الاستبصار 835/232:3، و الجامع لأحكام القرآن 33:6: «المؤمنون...».
4- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «للراحة». و المثبت من المصدر.
5- نفس المصادر في الهامش (3) ما عدا «التهذيب».

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها، فالوجه: صحّة القراض و الشرط معاً.

و قيل: يصحّ القراض، و يبطل الشرط(1).

و قيل: يبطلان معاً(2).

مسألة 226: لو دفع إلي عاملٍ ألفَ درهمٍ، فقال له: اعمل علي هذه و ربحها لي،

و دفع إليه ألفاً أُخري و قال: اعمل علي هذه و يكون ربحها لك، فإن قصد القراض، بطل؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك و في الأُخري للعامل، و هو باطل؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح؛ لأنّ الربح يحصل بالمال و العمل معاً، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

و إن لم يقصد القراض، صحّ، و كان ما شرطه المالك له بضاعةً، و ما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

و لو دفع الألفين و قال: قارضتك علي هذه علي أن يكون ربح ألفٍ منها لي و ألف لك، فالأقوي: الصحّة - و به قال أبو حنيفة و أبو ثور(3) - لأنّه بمنزلة أن يقول: نصف الربح لي و نصفه لك؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج: و هذا غلط؛ لأنّ وضع القراض علي أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه، فكان فاسداً، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(4).

ص: 59


1- كما في شرائع الإسلام 145:2.
2- قال به الطوسي في المبسوط 197:3، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 466:1.
3- بحر المذهب 198:9، حلية العلماء 340:5.
4- راجع: العزيز شرح الوجيز 17:6.

ص: 60

الفصل الثالث: في أحكام القراض
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في اعتبار الغبطة في التصرّف.
مسألة 227: القراض إمّا صحيح و إمّا فاسد، فالصحيح له أحكام تُذكر في مسائل، و كذا الفاسد.

فمن أحكام الصحيح: إنّه يلزم الحصّة المشترطة للعامل، و لا نعرف فيه مخالفاً، إلّا مَنْ شذّ.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أنّ للعامل أن يشترط علي ربّ المال ثلثي(1) الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء(2).

و الأخبار من أهل البيت عليهم السلام متظافرة بذلك(3).

و قال شاذٌّ(4) من الفقهاء: إنّ العامل لا يستحقّ الحصّة، بل أُجرة المثل عن عمله؛ لأنّ هذه المعاملة مجهولة، و فيها غرر عظيم، و قد نهي

ص: 61


1- في المصدر: «ثلث» بدل «ثلثي».
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 39:2، الإجماع - لابن المنذر -: 528/58، المغني 140:5.
3- راجع: الكافي 2/240:5، و التهذيب 187:7-827/189-829 و 836، و الاستبصار 451/126:3 و 452.
4- لم نتحقّقه.

النبيّ صلي الله عليه و آله عن الغرر(1).

و الجهالة لا تمنع الجواز؛ لأنّ العلم ببعض الاعتبارات كافٍ، فإذا شرط جزءاً معلوماً، انتفت الجهالة الكلّيّة، و العامّ مخصوص بالنقل المتواتر عن أهل البيت عليهم السلام، و قد خُصّ من عموم النهي عن الغرر كثير من الأحكام، كالمساقاة و المزارعة و غيرهما، فليكن المتنازع منها.

مسألة 228: لمّا كان الغرض الأقصي من القراض تحصيل الربح و الفائدة، وجب أن يكون تصرّف العامل مقصوراً علي ما يُحصّل هذه الغاية الذاتيّة،

و أن يمنع من التصرّف في المؤدّي(2) إلي ما يضادّها، فيتقيّد تصرّفه بما فيه الغبطة و الفائدة، كتصرّف الوكيل للموكّل؛ لأنّها في الحقيقة نوع وكالةٍ و إن كان له أن يتصرّف في نوعٍ ما ممّا ليس للوكيل التصرّف به، تحصيلاً للفائدة، فإنّ له أن يبيع بالعرض، كما أنّ له أن يبيع بالنقد، بخلاف الوكيل؛ فإنّ تصرّفه في البيع إنّما هو بالنقد خاصّةً؛ لأنّ المقصود من القراض الاسترباحُ، و البيع بالعرض قد يكون وصلةً إليه و طريقاً فيه.

و أيضاً له أن يشتري المعيب إذا رأي فيه ربحاً، بخلاف الوكيل.

و لا ينفذ تصرّفه مع الغبن الفاحش، فليس له أن يبيع بدون ثمن المثل، و لا أن يشتري بأكثر من ثمن المثل؛ لأنّه منافٍ للاسترباح، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه يملك العامل البيعَ بالغبن الفاحش، و كذا الشراء،

ص: 62


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 319:3 و 330، المسألتان 13 و 5.
2- الظاهر: «التصرّف المؤدّي».
3- الوجيز 223:1، التهذيب - للبغوي - 387:4، العزيز شرح الوجيز 21:6، روضة الطالبين 207:4، المغني 153:5، الشرح الكبير 146:5.

كالوكيل(1).

و الأصل ممنوع.

أمّا ما يتغابن الناس بمثله فإنّه غير ممنوعٍ منه؛ لعدم التمكّن من الاحتراز عنه.

و لو اشتري بأكثر من ثمن المثل ممّا لا يتغابن الناس بمثله، فإن كان بالعين بطل، و إلّا وقع الشراء له إن لم يذكر النسبة إلي القراض.

مسألة 229: إذا دفع إلي العامل مال القراض،

فإن نصّ علي التصرّف بأن قال: نقداً، أو: نسيئةً، أو قال: بنقد البلد، أو غيره من النقود، جاز، و لم يكن للعامل مخالفته إجماعاً؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة، و قد يطلب بكلّ ذلك الفائدة في العادة.

فإن أطلق و قال: اتّجر به، اقتضي ذلك أن يبيعه نقداً بنقد البلد بثمن مثله، فإن خالف ضمن، كالوكيل.

إذا عرفت هذا، فلو اشتري بأكثر من ثمن المثل أو باع بدونه، بطل إن لم يُجز المالك؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه، فأشبه بيع الأجنبيّ، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2).

فإن تعذّر ردّ المبيع، كان العامل ضامناً للمثل إن كان مثليّاً، و إن لم يكن أو تعذّر المثل وجبت القيمة، و للمالك الخيار في الرجوع علي مَنْ شاء منهما، فإن أخذ من المشتري القيمة رجع المشتري علي العامل بالثمن الذي دفعه إليه، و إن رجع علي العامل رجع العامل علي المشتري بالقيمة، و ردّ ما أخذه منه ثمناً؛ لأنّ التلف حصل في يد المشتري، فاستقرّ الضمان

ص: 63


1- بدائع الصنائع 87:6، العزيز شرح الوجيز 23:6.
2- المغني 153:5، الشرح الكبير 146:5.

عليه.

و عن أحمد رواية أُخري: إنّ البيع صحيح، و يضمن العامل النقص؛ لأنّ ضرر المالك ينجبر بضمان النقص(1) ، و هو قول بعض علمائنا(2).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 230: لو باع بغير نقد البلد مع إطلاق التصرّف، لم يصح؛

لأنّه منافٍ لما يقتضيه الإطلاق، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين، و في الثانية: يجوز إذا رأي العامل أنّ المصلحة فيه، و الربح حاصل به، كما يجوز أن يبيع عرضاً بعرضٍ و يشتريه به(3).

و إن فَعَل و خالف و باع بغير نقد البلد، كان حكمه حكم ما لو اشتري أو باع بغير ثمن المثل.

و ليس بعيداً من الصواب اعتبار المصلحة.

و لو قال له: اعمل برأيك أو بما رأيت أو كيف شئت، كان له ذلك، و ليس له المزارعة؛ لأنّ المضاربة لا يُفهم من إطلاقها المزارعة.

و قال أحمد في روايةٍ أُخري: إنّ له ذلك، و تصحّ المضاربة، و الربح بينهما(4).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ المزارعة لا تدخل تحت قوله: اتّجر بما شئت.

فعلي ما قلناه لو تلف المال في المزارعة ضمن.

ص: 64


1- المغني 153:5، الشرح الكبير 146:5.
2- لم نتحقّقه.
3- الحاوي الكبير 322:7، بحر المذهب 202:9، البيان 181:7، المغني 154:5، الشرح الكبير 147:5.
4- المغني 154:5، الشرح الكبير 147:5.

و علي الرواية الأُخري عن أحمد: لا يضمن(1).

مسألة 231: و ليس له أن يبيع نسيئةً بدون إذن المالك؛

لما فيه من التغرير بالمال، فإن خالف ضمن عندنا - و به قال مالك و ابن أبي ليلي و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(2) - لأنّه نائب في البيع، فلم يجز له البيع نسيئةً بغير إذنٍ صريح فيه، كالوكيل، و القرينة الحاليّة تفيد ما تفيده العبارات اللفظيّة، فيصير كأنّه قال: بِعْه حالاًّ.

و قال في الرواية الأُخري: يجوز له البيع نسيئةً - و به قال أبو حنيفة - لأنّ إذنه في التجارة و المضاربة ينصرف إلي التجارة المعتادة، و هذا النوع من التصرّف عادة التجّار، و لأنّه يقصد به الربح، بل هو في النسيئة أكثر منه في النقد، بخلاف الوكالة المطلقة، فإنّها لا تختصّ بقصد الربح، و إنّما المقصود تحصيل الثمن، فإذا أمكن تحصيله من غير خطرٍ كان أولي، و لأنّ الوكالة المطلقة في البيع تدلّ علي [أنّ](3) حاجة الموكّل إلي الثمن ناجزة، فلا يجوز تأخيره، بخلاف المضاربة(4).

ص: 65


1- المغني 154:5، الشرح الكبير 147:5.
2- المدوّنة الكبري 116:5، الاستذكار 30937/174:21، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1121/644:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 45:2، الحاوي الكبير 322:7، المهذّب - للشيرازي - 397:1، بحر المذهب 202:9، الوسيط 116:4، التهذيب - للبغوي - 387:4، البيان 181:7، العزيز شرح الوجيز 21:6، روضة الطالبين 207:4، المبسوط - للسرخسي - 38:22، مختصر اختلاف العلماء 1707/41:4، المغني 150:5، الشرح الكبير 144:5.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من المغني و الشرح الكبير.
4- تحفة الفقهاء 22:3، بدائع الصنائع 87:6، المبسوط - للسرخسي - 38:22، الاختيار لتعليل المختار 29:3، الفقه النافع 1053/1293:3، مختصر اختلاف العلماء 1707/41:4، الهداية - للمرغيناني - 210:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 45:2، الحاوي الكبير 322:7، بحر المذهب 202:9، التهذيب - للبغوي - 387:4، الاستذكار 30938/174:21، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1121/644:2، الذخيرة 73:6، المغني 150:5، الشرح الكبير 144:5-145.

و لو قال له: اعمل برأيك، فله البيع نسيئةً.

و كذا لو قال له: تصرَّفْ كيف شئت.

و قال الشافعي: ليس له البيع نسيئةً؛ لأنّ فيه غرراً، فلم يجز، كما لو لم يقل له ذلك(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه داخل في عموم لفظه، و قرينة حاله تدلّ علي رضاه برأيه في صفات البيع و في أنواع التجارة، و هذا منها.

إذا عرفت هذا، فإذا باع نسيئةً في موضعٍ لا يجوز له فقد خالف مطلق الأمر، فيقف علي إجازة المالك؛ لأنّه كالفضولي في هذا التصرّف.

و قال جماعة من العامّة منهم: الشافعي: إنّ البيع يبطل، فيجب عليه ردّه، فإن تعذّر فالمثل، فإن تعذّر فالقيمة(2).

و كلّ موضعٍ يصحّ له البيع في النسيئة لا يكون علي العامل ضمان إذا لم يفرّط، فمهما فات من الثمن لا يكون عليه ضمانه ما لم يفرّط ببيع مَنْ لا يوثق به أو مَنْ لا يعرفه، فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر علي المشتري.

مسألة 232: كلّ موضعٍ قلنا: يلزم العامل الضمان - إمّا لمخالفة الأمر في البيع بالنسيئة من غير إذنٍ، أو بالتفريط

بأن يبيع علي غير الموثوق به أو

ص: 66


1- الحاوي الكبير 322:7، بحر المذهب 203:9، المغني 150:5، الشرح الكبير 145:5.
2- المغني 150:5-151، الشرح الكبير 145:5، الحاوي الكبير 322:7، بحر المذهب 203:9.

علي مَنْ لا يعرفه - فإنّ الضمان عليه من حيث إنّ ذهاب الثمن حصل بتفريطه.

فإن قلنا بفساد البيع، وجب عليه قيمته إن لم يكن مثليّاً، أو كان و تعذّر إذا لم يتمكّن من استرجاعه إمّا لتلف المبيع، أو لامتناع المشتري من ردّه إليه.

و إن قلنا بصحّة البيع، احتُمل(1) أن يضمنه بقيمته أيضاً؛ لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها، و لا ينحفظ بتركه سواها، و زيادة الثمن حصلت بتفريطه، فلا يضمنها.

و الأقرب: إنّه يضمن الثمن؛ لأنّه ثبت بالبيع الصحيح، و مَلَكه صاحب السلعة و قد فات بتفريط البائع.

و لو نقص الثمن عن القيمة، لم يلزمه أكثر منه؛ لأنّ الوجوب انتقل إليه؛ بدليل أنّه لو حصل الثمن لم يضمن شيئاً.

مسألة 233: و كما ليس للعامل البيع نسيئةً إلّا بإذن المالك، كذا ليس له أن يشتري نسيئةً إلّا بإذنه؛

لأنّه ربما يتلف رأس المال، فتبقي عهدة الثمن متعلّقةً بالمالك، و ذلك يستلزم إثبات مالٍ علي المالك، و هكذا قد يتلف ما يدفعه المالك إليه، فيحتاج إلي دفع عوضه، و ذلك من أعظم المحاذير.

و إذا أذن له في البيع نسيئةً فَفَعَل، وجب عليه الإشهاد، كالوكيل إذا دفع الدَّيْن عن موكّله، فإن ترك الإشهاد ضمن.

و إذا أذن له في البيع نسيئةً، فإن منعه من البيع حالاًّ، أو قال له: بِعْه

ص: 67


1- في «ث، خ، ر»: «يحتمل» بدل «احتُمل».

نسيئةً، لم يكن له أن يبيعه حالاًّ؛ لأنّه مخالف لمقتضي أمره، و قد تحصل للبائع فائدة، و هي(1) أنّه لو باعه حالاًّ لم يكن له تسليمه إلي المشتري إلّا بعد قبض الثمن، و قد تتعلّق رغبة البائع بالتسليم قبل استيفاء الثمن خوفاً من الظالم.

و لو لم يمنعه من البيع حالاًّ، كان له ذلك؛ لأنّه أنفع.

و إذا باعه حالاًّ في موضع جوازه، لم يجز له تسليمه إلي المشتري إلّا بعد استيفاء الثمن، فإن سلّمه قبل استيفاء الثمن ضمن، كالوكيل.

و لو كان مأذوناً له في التسليم قبل قبض الثمن، سلّمه.

و الأقرب: وجوب الإشهاد.

و قال الشافعي: لا يلزمه الإشهاد؛ لأنّ العادة ما جرت بالإشهاد في البيع الحالّ(2).

مسألة 234: يجوز للعامل أن يبيع بالعرض إذا ظنّ حصول الفائدة فيه، بخلاف الوكيل؛

لأنّ الغرض من القراض الاسترباح بالبيع و قد يحصل بالبيع بالعرض، فكان مشروعاً، تحصيلاً لفائدة القراض.

و كذا يجوز له أن يشتري المعيب إذا رأي فيه ربحاً و إن لم يكن ذلك للوكيل؛ لأنّ الشراء ليس للوكيل، بل للموكّل، و قد يطلب به القنية، بخلاف العامل الذي يقع الشراء له و للمالك في الحقيقة، و يطلب به إخراجه.

إذا ثبت هذا، فإن اشتراه بقدر قيمته أو بدونها صحّ.

و للشافعيّة فيما إذا اشتراه بالقيمة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّ

ص: 68


1- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو». و الظاهر ما أثبتناه.
2- التهذيب - للبغوي - 388:4، العزيز شرح الوجيز 22:6، روضة الطالبين 207:4.

الرغبات تقلّ في المعيب(1).

و ليس بشيءٍ.

و لو اشتراه بظنّ السلامة فبانَ العيب، فله أن يفعل ما يري من المصلحة و ما فيه الربح، فإن كان الحظّ في الردّ بالعيب ردّه، و إن كان الحظّ له في الإمساك بالأرش أمسكه بالأرش.

فإن اختلف المالك و العامل فاختار أحدهما الردَّ و الآخَر الأرشَ، فَعَل ما فيه النظر و الحظّ؛ لأنّ المقصود تحصيل الحظّ و الفائدة.

و لا يمنعه من الردّ رضا المالك بإمساكه، بخلاف الوكيل؛ لأنّ العامل صاحب حقٍّ في المال.

و لو كانت الغبطة في إمساكه، أمسكه.

و للشافعيّة وجهان في تمكّنه من الردّ إذا كانت الغبطة في إمساكه، أظهرهما: المنع؛ لإخلاله بمقصود العقد(2).

و حيث يثبت الردّ للعامل يثبت للمالك بطريق الأولي.

مسألة 235: إذا ثبت الردّ علي البائع، فإن ردّ العامل ردّ علي البائع، و نقض البيع.

و إن ردّ المالك فإن كان الشراء بعين مال القراض، كان له الردّ علي البائع أيضاً.

و إن كان العامل قد اشتري في ذمّته للقراض، فالأقوي: إنّه كذلك؛ لأنّ العامل في الحقيقة وكيل المالك.

ص: 69


1- التهذيب - للبغوي - 388:4، العزيز شرح الوجيز 22:6، روضة الطالبين 207:4.
2- العزيز شرح الوجيز 22:6، روضة الطالبين 207:4.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: إنّ للمالك أن يصرفه عن مال القراض، فينصرف إلي العامل علي أحد القولين، و لا ينصرف علي القول الثاني، كالخلاف في انصراف العقد إلي الوكيل إذا لم يقع للموكّل(1).

مسألة 236: لا يجوز للمالك معاملة العامل في مال القراض بأن يشتري من مال القراض شيئاً؛

لأنّه ملكه، فلا تصحّ المعاملة عليه؛ إذ لا يفيد انتقالاً آخَر إليه، كما أنّ السيّد لا يصحّ أن يشتري من عبده المأذون له في التجارة شيئاً، بخلاف السيّد مع مكاتَبه، فإنّه يجوز أن يشتري منه؛ لأنّ ما في يد المكاتَب قد انقطع تصرّف المولي عنه، و صار ملكاً للمكاتَب، و لهذا لو انعتق لم يملك السيّد منه شيئاً.

و قد خالف بعض الشافعيّة في العبد المأذون، فقال: إذا ركبته الديون جاز للسيّد أن يشتري شيئاً ممّا في يده؛ لأنّه لا حقّ له فيه، و إنّما هو حقّ الغرماء(2). و هو غلط.

نعم، يأخذه السيّد بقيمته، كما يدفع قيمة العبد الجاني، و لا يكون بيعاً.

و كذا ليس للمالك أن يأخذ من العامل من مال القراض بالشفعة؛ لأنّه في الحقيقة يكون آخذاً من نفسه، بل يملكه بعقد البيع.

و كذا ليس له أن يشتري من عبده القِنّ.

و له أن يشتري من المكاتَب المطلق و إن لم ينعتق منه شيء، و من المكاتَب المشروط؛ لانقطاع تصرّفات المولي عن ماله.

مسألة 237: لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض أكثر من مال القراض؛

ص: 70


1- العزيز شرح الوجيز 22:6، روضة الطالبين 207:4.
2- راجع: المغني 172:5، و الشرح الكبير 161:5.

لأنّ المالك إنّما رضي من العامل أن يشغل ذمّته بما دفعه إليه لا بغيره، فإن فَعَل و اشتري بأكثر من مال القراض، لم يقع ما زاد عن جهة القراض.

فإذا دفع إليه مائة قراضاً فاشتري بها عبداً للقراض ثمّ اشتري عبداً آخَر بمائةٍ للقراض أيضاً، لم يقع الثاني للقراض؛ لأنّه غير مأذونٍ فيه.

ثمّ إن اشتري الأوّل بعين المائة تعيّنت للبائع الأوّل، فإن اشتري الثاني بعينها أيضاً بطل الثاني؛ لأنّه اشتري بعين مال غيره لغيره.

و إن اشتري في الذمّة، فقد اشتري بعد أن صارت المائة مستحقّةَ الدفع إلي البائع الأوّل.

و كذا إن اشتري الأوّل في الذمّة ثمّ اشتري الثاني بعينها، لم يصح؛ لوجوب صَرفها إلي البائع الأوّل.

و إن اشتري الثاني في الذمّة، لم يبطل، لكن ينصرف الشراء إلي العامل، كما ينصرف شراء الوكيل المخالف لموكّله إليه، دون الموكّل.

هذا إذا لم يُسمّ في العقد مع البائع شراءه للقراض، فأمّا إن سمّاه فسد الثاني.

و إذا انصرف العبد الثاني إلي العامل، فلو دفع المائة في ثمنه فقد تعدّي في مال القراض، و دخلت المائة في ضمانه، و أمّا العبد فيبقي أمانةً في يده؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

فإن تلفت المائة، فإن كان الشراء الأوّل بعينها انفسخ العقد بتلف الثمن المعيّن قبل الإقباض، و إن كان في الذمّة لم ينفسخ، و يثبت للمالك علي العامل مائة، و العبد الأوّل للمالك، و عليه لبائعه مائة، فإن أدّاها العامل بإذن المالك و شرط الرجوع ثبت له مائة علي المالك، و تقاصّا، و إن أدّي

ص: 71

من غير إذنه برئت ذمّة المالك من حقّ بائع العبد، و يبقي حقّه علي العامل.

مسألة 238: لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض مَنْ يعتق علي ربّ المال؛
اشارة

لأنّ ذلك منافٍ للاكتساب؛ لأنّه تخسير محض، فكان ممنوعاً منه.

فإن اشتري العامل فإمّا أن يشتريه بإذن صاحب المال، أو بدون إذنه.

فإن اشتراه بإذنه، صحّ الشراء؛ لأنّه يجوز أن يشتريه بنفسه مباشرةً، فإذا أذن لغيره فيه جاز، و انعتق.

ثمّ إن لم يكن في المال ربحٌ عُتق علي المالك، و ارتفع القراض بالكلّيّة إن اشتراه بجميع مال القراض؛ لأنّه قد تلف، و إن اشتراه ببعضه صار الباقي رأس المال.

و إن كان في المال ربحٌ، فإن قلنا: إنّ العامل إنّما يملك نصيبه من الربح بالقسمة، عُتق أيضاً، و غرم المالك نصيبه من الربح، فكأنّه استردّ طائفةً من المال بعد ظهور الربح و أتلفه، و الأقوي: أُجرة المثل.

و إن قلنا: إنّه يملك بالظهور، عُتق منه حصّة رأس المال و نصيب المالك من الربح، و يسري إلي الباقي إن كان موسراً و يغرمه، و إن كان معسراً بقي رقيقاً، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إن كان في المال ربحٌ و قد اشتراه ببعض مال القراض، يُنظر إن اشتراه بقدر رأس المال عُتِق، و كأنّ المالك استردّ رأس المال، و الباقي ربح يقتسمانه بحسب الشرط، و إن اشتراه بأقلّ من رأس المال فهو محسوب من رأس المال، و إن اشتراه بأكثر حُسب قدر رأس المال من

ص: 72


1- التهذيب - للبغوي - 389:4، العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 208:4-209.

رأس المال، و الزيادة من حصّة المالك ما أمكن(1).

و الظاهر عندهم: الأوّل(2)، و هو وقوعه سائغاً علي ما سنذكر فيما إذا استردّ شيئاً من المال بعد الربح.

و الحكم فيما إذا أعتق المالك عبداً من مال القراض كالحكم في شراء العامل مَنْ ينعتق عليه بإذنه.

و إن اشتراه العامل بغير إذن المالك، فإن اشتراه بعين المال بطل الشراء؛ لأنّ العامل اشتري ما ليس له أن يشتريه، فكان بمثابة ما لو اشتري شيئاً بأكثر من ثمنه، و لأنّ الإذن في المضاربة إنّما ينصرف إلي ما يمكن بيعه و تقليبه في التجارة و الاسترباح منه، و لا يتناول غير ذلك، فإنّ في شراء مَنْ ينعتق علي المالك تفويتَ رأس المال مع الربح، فكان أولي بالبطلان.

و إن اشتراه في الذمّة، فإن لم يذكر في العقد الشراءَ للقراض و لا لمالك المال وقع الشراء له، و لزمه الثمن من ماله، و ليس له دفع الثمن من مال المضاربة، فإن فَعَل ضمن، و لو اشتري للقراض أو للمالك بطل، و به قال الشافعي(3).

و ظاهر مذهب أحمد: إنّه يصحّ الشراء بعين المال؛ لأنّه مالٌ متقوّم قابل للعقود، فصحّ شراؤه، كما لو اشتراه بإذن ربّ المال، ثمّ يعتق(4) علي ربّ المال؛ لأنّه دخل في ملكه فعُتِق عليه، و تنفسخ المضاربة؛ لتلف المال، و يلزم العامل الضمان، سواء علم أو لم يعلم؛ لأنّ تلف مال».

ص: 73


1- العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 209:4.
2- العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 209:4.
3- العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 209:4، المغني 155:5، الشرح الكبير 148:5.
4- في الطبعة الحجريّة: «ينعتق».

المضاربة حصل بسببه، و لا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم و الجهل(1).

و هو غلط؛ لأنّه فعل غير مأذونٍ فيه، و يلحق المالك به ضرر من إتلاف مالٍ، فكان باطلاً.

فعلي قول أحمد له وجهان فيما يضمنه العامل:

أحدهما: قيمة العبد؛ لأنّ الملك ثبت فيه ثمّ تلف بسببه، فأشبه ما لو أتلفه بفعله.

و الثاني: إنّه يضمن الثمن الذي اشتراه به؛ لأنّ التفريط منه حصل، فاشتري و بذل الثمن فيما يتلف بالشراء، فكان ضمانه عليه ضمان ما فرّط فيه، و متي ظهر للمال ربح فللعامل حصّته منه(2).

و قال بعض أصحابه: إن لم يكن العامل عالماً بأنّه يعتق علي ربّ المال لم يضمن؛ لأنّ التلف حصل لمعنيً في المبيع لم يعلم به المشتري، فلم يضمن، كما لو اشتري معيباً لم يعلم بعيبه فتلف به. ثمّ قال: و يتوجّه أن لا يضمن و إن علم به(3).

تذنيب: لو اشتري مَنْ نذر المالكُ عتقَه، صحّ الشراء إن لم يعلم العامل بالنذر،

و عُتِق علي المالك، و لا ضمان علي العامل مع جهله.

مسألة 239: ليس للعامل أن يشتري زوج صاحبة المال لو كان صاحب المال امرأةً؛

لما فيه من تضرّرها؛ إذ لو صحّ البيع لبطل النكاح؛ لأنّها تكون قد مَلَكت زوجها، و ينفسخ النكاح، و يسقط حقّها من النفقة

ص: 74


1- المغني 156:5، الشرح الكبير 148:5-149. (2 و 3) المغني 156:5، الشرح الكبير 149:5.

و الكسوة، فلا يصحّ، كما لو اشتري مَنْ ينعتق عليها، و الإذن إنّما يتناول شراء ما لها فيه حظّ، و لا حظّ لها في شراء زوجها.

إذا عرفت هذا، فإن اشتراه بإذنها صحّ قطعاً؛ لأنّ لها أن تشتريه بنفسها، فجاز أن تشتريه بوكيلها، و العامل في الحقيقة وكيل صاحب المال، و حينئذٍ يصحّ الشراء، و يكون القراض بحاله؛ لأنّه لا ينعتق عليها، و ينفسخ نكاحها.

و إن اشتراه بغير إذنها، فسد الشراء بمعني أنّه يكون موقوفاً علي إجازتها، فإن أجازته كان حكمه حكم المأذون له، و إن فسخته بطل.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّه يفسد الشراء؛ لما تقدّم من منافاته لغرض القراض الذي يقصد منه الاسترباح.

و الثاني: يصحّ الشراء - و به قال أبو حنيفة - لأنّه اشتري ما يمكنه طلب الربح فيه و لا يتلف رأس المال، فجاز، كما لو اشتري مَنْ ليس بزوجٍ لها(1).

و الفرق ظاهر؛ للتضرّر بالأوّل، دون الثاني.

مسألة 240: و ليس للعامل أن يشتري زوجة المالك؛

لاشتماله علي فسخ عقدٍ عَقَده باختياره و قصده، فلا يليق أن يفعل ما ينافيه، و به قال الشافعي(2).

ص: 75


1- الحاوي الكبير 324:7، المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 207:9، حلية العلماء 338:5-339، التهذيب - للبغوي - 391:4، البيان 183:7، العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 209:4، روضة القُضاة 2468/590:2، المغني 156:5، الشرح الكبير 149:5.
2- الوسيط 117:4، التهذيب - للبغوي - 391:4، العزيز شرح الوجيز 24:6، روضة الطالبين 209:4.

و له قولٌ آخَر: إنّه يصحّ الشراء، و ينفسخ النكاح، و به قال بعض الحنابلة(1).

ثمّ إن كان الشراء قبل الدخول، ففي لزوم نصف الصداق للزوج وجهان، فإن قلنا: يلزم، رجع به علي العامل؛ لأنّه سبب تقريره عليه، فيرجع به عليه، كما لو أفسدت امرأة نكاحها بالرضاع.

و لو اشتري زوجَ صاحبة المال، فللشافعيّة وجهان(2).

فعلي الصحّة لا يضمن العامل ما يفوت من المهر و يسقط من النفقة؛ لأنّ ذلك لا يعود إلي المضاربة، و إنّما هو بسببٍ آخَر، و لا فرق بين شرائه في الذمّة أو بعين المال.

مسألة 241: لو وكّل وكيلاً يشتري له عبداً، فاشتري مَنْ ينعتق علي الموكّل، فالأقرب: إنّه لا يقع عن الموكّل؛

لأنّ الظاهر أنّه يطلب عبد تجارةٍ أو عبد قُنيةٍ، و شراء مَنْ ينعتق عليه لا يُحصّل واحداً من الغرضين، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: إنّه يقع للموكّل؛ لأنّ اللفظ شامل، فربما يرضي بشراء عبدٍ إن بقي له انتفع به، و إن عُتِق عليه حصل له ثواب العتق، و هذا بخلاف عامل القراض؛ لأنّ عقد القراض مبنيٌّ علي تحصيل الفائدة و الاسترباح بتقليب المتاجر و بيعها و شرائها(3).

و لكنّ الأوّل أقوي.

فإن اشتري بالعين، بطل الشراء؛ لما فيه من تضرّر الموكّل بإخراج

ص: 76


1- نفس المصادر مضافاً إلي: المغني 156:5، و الشرح الكبير 149:5.
2- راجع: الهامش (1) من ص 75.
3- الوسيط 117:4، العزيز شرح الوجيز 24:6-25، روضة الطالبين 209:4.

ماله عن ملكه.

و إن اشتري في الذمّة، فإن سمّي الموكّل وقف علي الإجازة، و إن لم يُسمّه وقع للوكيل في الظاهر.

مسألة 242: لو اشتري العامل أو الوكيل عبداً لصاحب المال عليه مالٌ بغير إذنه، احتُمل البطلان؛

لما فيه من تضرّر المالك بإسقاط ماله عن غيره بواسطة الشراء؛ إذ ما يشتريه العامل للقراض أو الوكيل في الحقيقة لصاحب المال، و لا يثبت للمولي علي عبده شيء، فيؤدّي هذا الشراء الي إسقاط حقّه عنه.

و يحتمل الصحّة؛ لأنّه مملوك يقبل النقل، و صاحب المال يصحّ الشراء له فصحّ العقد، كغيره.

لكنّ الأوّل أقرب.

فإن قلنا بالصحّة، ففي تضمين العامل إشكال ينشأ من إسقاط الدَّيْن بواسطة فعله، فكان ضامناً؛ لأنّه سبب الإتلاف.

مسألة 243: إذا دفع السيّد إلي عبده المأذون له في التجارة مالاً و قال له: اشتر عبداً، فهو كالوكيل،

و إن قال: اتّجر به، فهو كالعامل.

و تقرير ذلك: إنّ العبد المأذون له في التجارة إذا اشتري مَنْ يعتق علي سيّده، فإن كان بإذن السيّد صحّ الشراء، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق، و إن كان علي العبد دَيْنٌ فكذلك عندنا.

فإذا كان علي المأذون دَيْنٌ يستغرق قيمته و ما في يده و قلنا: يتعلّق الدَّيْن برقبته، فعليه دفع قيمته الي الغرماء؛ لأنّه الذي أتلف [عليهم](1)

ص: 77


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «عليه». و الصحيح ما أثبتناه.

بالعتق.

و للشافعي قولان في نفوذ العتق فيه؛ لأنّ ما في يد العبد كالمرهون بالديون(1).

و إن اشتري بغير إذن سيّده و كان المولي قد نهاه عن شرائه، بطل الشراء، سواء كان عليه دَيْنٌ أو لم يكن؛ لأنّ العبد لا يملك البيع و الشراء إلّا بإذن مولاه، فإذا نهاه لم يملكهما.

و إن كان المالك قد أطلق الإذن و لم يأذن في شراء قريبه و لا نهاه عنه، فالأقرب: البطلان أيضاً؛ لأنّ إذنه يتضمّن ما فيه حظٌّ و يمكنه التجارة فيه، فلا يتناول مَنْ ينعتق(2) عليه، كالعامل إذا اشتري مَنْ ينعتق(3) علي ربّ المال، و هو أحد قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّه يصحّ الشراء؛ لأنّ الشراء يقع للسيّد لا حقّ للعبد فيه؛ إذ لا يتمكّن العبد من الشراء لنفسه، و إنّما يشتريه لمولاه، فإذا أطلق الإذن انصرف ما يشتريه إليه، مقيّداً كان أو غير مقيّدٍ، بخلاف العامل، فإنّه يمكنه الشراء لنفسه، كما يمكنه الشراء للمالك، فما لا يقع مقصوداً بالإذن ظاهراً ينصرف إلي العامل(2).

و الأوّل عندهم أصحّ - و به قال المزني - كما قلنا في العامل؛ لأنّ السيّد إنّما أذن في التجارة، و هذا ليس منها(3).6.

ص: 78


1- بحر المذهب 206:9، البيان 212:7-213، العزيز شرح الوجيز 25:6، روضة الطالبين 209:4. (2 و 3) في «ج»: «يعتق».
2- الحاوي الكبير 325:7، بحر المذهب 205:9، العزيز شرح الوجيز 25:6، روضة الطالبين 209:4.
3- بحر المذهب 206:9، العزيز شرح الوجيز 25:6.

و قطع الجويني بهذا القول فيما إذا كان الإذن في التجارة، و ردّ الخلاف إلي ما إذا قال: تصرَّفْ في هذا المال و اشتر عبداً(1) ، فلهذا قيل:

إن قال السيّد: اشتر عبداً، فهو كالوكيل، و إن قال: اتّجر، فهو كالعامل(2).

إذا عرفت هذا، فإذا اشتري العبد أبَ مولاه، فإن قلنا: لا يصحّ، فلا بحث.

و إن قلنا: يصحّ، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق.

و إن كان علي العبد دَيْنٌ، فللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ:

أحدها: إنّه يبطل الشراء؛ لأنّ الدَّيْن يمنع من عتقه، فبطلان العقد أحسن.

و الثاني: إنّه يصحّ و لا يعتق.

و الثالث: يعتق عليه، و تكون ديون الغرماء في ذمة السيّد(3).

و قال أبو حنيفة: إن لم يكن دفع إليه المال و إنّما أذن له في التجارة صحّ الشراء، و عتق علي مولاه، و إن كان دفع إليه مالاً لم يصح الشراء، كالمضارب؛ لأنّ العبد إذا لم يدفع إليه المال فإنّما يشتري لنفسه، و لهذا لا يصحّ نهيه عن نوعٍ أو سلعةٍ، و إذا لم يكن يشتري له صحّ شراؤه له، و لم يعتق عليه، كالأجنبيّ(4).5.

ص: 79


1- العزيز شرح الوجيز 25:6، روضة الطالبين 209:4.
2- الوجيز 223:1، العزيز شرح الوجيز 25:6.
3- بحر المذهب 206:9.
4- بحر المذهب 206:9، العزيز شرح الوجيز 25:6، المغني 157:5، الشرح الكبير 150:5.

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه إذن مطلق في الشراء، فلا يتناول مَنْ يعتق علي الآذن، كما لو دفع إليه مالاً، و المضارب و المأذون يشتري للمولي، و لهذا يعتق عليه.

مسألة 244: لو اشتري العامل مَنْ يعتق عليه، صحّ الشراء.

ثمّ لا يخلو إمّا أن لا يكون في المال ربح أو يكون، فإن لم يكن لم يعتق علي العامل؛ لأنّه لم يملكه و لا شيئاً منه، كالوكيل لشراء قريب نفسه لموكّله.

ثمّ إذا ارتفعت الأسواق و ظهر ربح، فإن قلنا: العامل إنّما يملك بالقسمة، لم يعتق منه شيء أيضاً.

و إن قلنا: يملك بالظهور، عتق عليه قدر حصّته من الربح؛ لأنّه مَلَك بعض أبيه، فيعتق(1) عليه، كما لو اشتراه من ماله، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه لا يعتق عليه؛ لأنّه مَلَكه ملكاً غير تامٍّ؛ لأنّه وقاية لرأس المال، فليكن هذا مُعدّاً لهذا الغرض إلي انفصال الأمر بينهما بالقسمة؛ لأنّ بها يتمّ الملك، فجري مجري ملك المكاتَب لأبيه يكون مُعدّاً إن عتق عتق، و إلّا ملك(2).

فإذا قلنا: لا يعتق، فلا كلام.

و إن قلنا: إنّه يعتق، فإن كان الربح بقدره عتق جميعه.

و إن كان بقدر بعضه، فإن كان له مالٌ آخَر قُوِّم عليه الباقي، كما لو

ص: 80


1- في «ج»: «فعتق».
2- المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 206:9، حلية العلماء 341:5، التهذيب - للبغوي - 390:4، البيان 190:7، العزيز شرح الوجيز 25:6، روضة الطالبين 210:4.

اشتراه و فيه ربح، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يُقوَّم عليه؛ لأنّ العتق - و الحال هذه - يحصل في الدوام بسببٍ قهريّ هو غير مختارٍ فيه، و مثل ذلك لا يتعلّق به السراية، كما لو ورث بعضَ قريبه، عتق عليه، و لم يَسْر(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه في صورة الإرث غير مختارٍ البتّة، و أمّا هنا فإنّ الشراء أوّلاً و الإمساك له إلي حين ارتفاع الأسواق اختياريّان.

و إن لم يكن موسراً، استقرّ الرقّ في الباقي.

و هل يستسعي العبد حينئذٍ؟ مذهبنا ذلك - و به قال أبو حنيفة(2) - لما رواه محمّد بن قيس - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: رجل دفع إلي رجلٍ ألف درهم مضاربةً، فاشتري أباه و هو لا يعلم، قال: «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق و استُسعي في مال الرجل»(3).

و قال أحمد: لا يستسعي، بل يبقي الباقي رقيقاً(4).

و إن كان في المال ربح قبل الشراء أو حصل بنفس الشراء بأن كان رأس المال مائةً فاشتري بها أباه و هو يساوي مائتين، فإن قلنا: إنّ العامل يملك بالقسمة دون الظهور، لم يعتق من العبد شيء، و صحّ الشراء.

و إن قلنا: يملك بالظهور، صحّ الشراء أيضاً - و هو أظهر وجهي5.

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 26:6، روضة الطالبين 210:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 32:3، الهداية - للمرغيناني - 205:3، المغني 158:5، الشرح الكبير 150:5.
3- التهذيب 841/190:7.
4- المغني 158:5، الشرح الكبير 150:5.

الشافعيّة(1) - لأنّه مطلق التصرّف في ملكه، و لأنّهما شريكان في المال، و أحد الشريكين إذا اشتري مَنْ يعتق عليه صحّ شراؤه.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّه لو صحّ فإمّا أن يُحكم بعتقه، و هو مخالف لغرض الاسترباح الذي هو مقصود التجارة، و لأنّ صحّة الشراء تؤدّي إلي تنجيز حقّ العامل قبل ربّ المال، فكان تصرّفه يُضرّ بربّ المال، فلم يصح، أو لا يُحكم فيتخلّف العتق عن ملك القريب(2).

فإن قلنا بالمنع، ففي الصحّة في نصيب المالك قولا تفريق الصفقة.

و إن قلنا بالصحّة - كما هو مذهبنا و أظهر وجهي الشافعيّة - ففي عتقه عليه الوجهان السابقان، إن قلنا: يعتق، فإن كان موسراً سري العتق إلي الباقي، و لزمه الغُرْم؛ لأنّه مَلَكه باختياره، و إلّا بقي رقيقاً، أو استُسعي علي ما تقدّم.

هذا كلّه إذا اشتري العامل قريبَ نفسه بعين مال القراض، و أمّا إذا اشتراه في الذمّة للقراض، فكلّ موضعٍ صحّحنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه هنا عن القراض، و كلّ موضعٍ أبطلناه هناك أوقعناه هنا عن العامل إن لم يذكر النسبة إلي القراض، و إن ذكر فكالعين.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لو أطلق الشراء و لم ينسبه إلي القراض لفظاً ثمّ قال: كنتُ نويتُه، و قلنا: إنّه إذا وقع عن القراض لم يعتق منه شيء، لا يُقبل قوله؛ لأنّ الذي جري عقد عتاقة، فلا يمكن رفعها(1).

و لا بأس به.4.

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 26:6، روضة الطالبين 210:4.
مسألة 245: ليس لعامل القراض أن يكاتب عبد القراض بغير إذن المالك؛

لما فيه من تضرّر المالك بإخراج ملكه عنه بثمنٍ هو ملكه؛ لأنّ الكتابة في الحقيقة بيع ماله بماله، فإن أذن المولي جاز.

فإن كاتباه معاً صحّ، و عتق بالأداء.

ثمّ إن لم يكن في المال ربح و قلنا بثبوت الولاء في الكتابة، كان الولاء بأسره للمالك، و لا ينفسخ القراض بالكتابة في أظهر وجهي الشافعيّة(1) ، بل ينسحب علي النجوم.

و إن كان هناك ربح، فالولاء بينهما علي النسبة في الحصص فيه، و الزائد من النجوم علي القيمة ربح.

البحث الثاني: في قراض العامل.
مسألة 246: قد بيّنّا فيما تقدّم

مسألة 246: قد بيّنّا فيما تقدّم(2) أنّه ليس للعامل في القراض أن يقارض غيره

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لأنّ المالك لم يأذن فيه، و إنّما ائتمن علي المال العاملَ دون غيره، فليس له التغرير بمال صاحبه، فإن أذن له المالك فيه صحّ، و إلّا فلا.

و خرّج بعض الحنابلة وجهاً في الجواز؛ بناءً علي توكيل الوكيل من غير إذن الموكّل(4).

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 26:6، روضة الطالبين 210:4.
2- في ص 17، المسألة 201.
3- الحاوي الكبير 336:7، المهذّب - للشيرازي - 393:1، بحر المذهب 212:9، الوجيز 223:1، حلية العلماء 336:5، التهذيب - للبغوي - 392:4، البيان 177:7، العزيز شرح الوجيز 28:6، روضة الطالبين 210:4.
4- المغني 159:5، الشرح الكبير 152:5.

و هو غلط.

أمّا أوّلاً: فللمنع من حكم الأصل.

و أمّا ثانياً: فللفرق؛ لأنّ المالك إنّما دفع المال إلي العامل ليضارب به، و إذا دفعه إلي غيره خرج عن كونه مضارباً به، بخلاف الوكيل، و لأنّ هذا يوجب في المال حقّاً لغيره، و لا يجوز إيجاب حقٍّ في مال إنسانٍ بغير إذنه.

إذا عرفت هذا، فلا يخلو إمّا أن يكون المالك قد أذن للعامل في أن يقارض غيره، أو لا، فإن أذن صحّ؛ لأنّ العامل الأوّل وكيل، و هذا العقد يقبل الوكالة.

و اعلم أنّ العامل يتصوّر أن يقارض غيره بإذن المالك في موضعين:

أحدهما: أن يخرج نفسه من القراض، و يجعل نفسه وكيلاً في القراض مع الثاني كأنّ المالك سلّم المال إليه و أذن له في أن يقارض غيره إن بدا له.

و هو قراض صحيح، كما لو قارضه المالك بنفسه؛ لأنّ العامل الأوّل في الحقيقة وكيل في عقد القراض مع الثاني، سواء كان العامل الأوّل قد عمل أو لا.

و الثاني: أن يأذن له في أن يعامل غيره ليكون ذلك الغير شريكاً له في العمل و الربح المشروط له علي ما يراه.

و هو جائز، كما لو قارض المالك في الابتداء شخصين فكذا الانتهاء، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: إنّه لا يصحّ؛ لأنّه لو جاز ذلك لكان الثاني فرعاً للأوّل منصوباً من جهته، و القراض معاملة يضيق مجال القياس

ص: 84

فيها، فلا يعدل بها عن موضعها، و هو أن يكون أحد المتعاملين مالكاً لا عمل له، و الثاني عاملاً لا ملك له(1).

و هو ضعيف؛ لأنّ العاملين كالواحد.

مسألة 247: إذا أذن المالك للعامل في أن يقارض غيره، جاز.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يجعل الربح الذي جعله المالك بأسره للعامل الثاني، أو يجعل له قسطاً منه و للثاني الباقي، فإن جعل الربح بين العامل الثاني و المالك نصفين أو ما قدّره و لم يشرط لنفسه شيئاً من الربح، صحّ، و كان الربح بين المالك و العامل الثاني علي ما شرط.

و إن جعل العامل الأوّل لنفسه شيئاً كأنّه قال: النصف لربّ المال و الباقي بيني و بينك نصفين، لم يصح القراض؛ لأنّه شرط لنفسه نصيباً من الربح، و ليس من جهته مال و لا عمل، فلم يصح، و يكون الربح لربّ المال، و للعامل الثاني أُجرة مثل عمله علي المالك.

مسألة 248: لو دفع العامل الأوّل قراضاً إلي الثاني بغير إذن المالك، فسد؛

لأنّ المالك لم يأذن فيه، و لا ائتمن علي المال غيره، و لأنّه لا يجوز أن يتصرّف العامل في مال ربّ المال بما لا يتناوله إذنه، فإذا عمل العامل الثاني، فإن حصل ربح فالأقرب: إنّه للمالك.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون العامل الثاني عالماً بالحال، أو لا.

فإن كان عالماً، لم يكن له شيء؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه مع علمه بأنّه ممنوع منه، و لا يستعقب ذلك استحقاق شيءٍ.

و إن لم يكن عالماً، رجع علي العامل الأوّل بأُجرة المثل.

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 27:6، روضة الطالبين 210:4-211.

و نقل المزني من الشافعيّة: [إنّه] إذا عمل العامل الثاني بغير إذن المالك و حصل في المال ربحٌ، كان لربّ المال النصف الذي شرطه لنفسه، و ما بقي بين العامل الأوّل و الثاني.

ثمّ قال المزني: هذا قولٌ للشافعي قديم، و أصله الجديد المعروف:

إنّ كلّ فاسدٍ لا يصحّ حتي يبتدأ بما يصحّ، فإن اشتري بعين المال فالشراء فاسد، و إن اشتري في الذمّة فالشراء صحيح، و الربح للعامل الأوّل، و للعامل الثاني أُجرة مثله(1).

و بنوا هذه المسألة علي أصلٍ هي مسألة البضاعة، و هي: إنّه إذا غصب رجل مالاً ثمّ اتّجر به و ربح فيه، ففيه قولان مبنيّان علي أنّ تصرّفات الفضولي تنعقد موقوفةً علي الإجازة، أم لا؟ فإن قلنا: إنّ تصرّفه باطل، فلو أنّ الثاني تصرّف في المال و ربح، لمَنْ يكون الربح ؟ و هذا يبتني علي أنّ الغاصب إذا اتّجر في المال المغصوب ما حكم تصرّفه ؟ و لمن الربح الحاصل ؟

أمّا إذا تصرّف في عين المغصوب فهو تصرّف الفضولي.

و أمّا إذا باع سَلَماً أو اشتري في الذمّة و سلّم المغصوب فيما التزمه و ربح، فعلي الجديد للشافعي: الربح للغاصب؛ لأنّ التصرّف صحيح، و التسليم فاسد، فيضمن المال الذي سلّمه، و يسلم له الربح، و هذا قياس ظاهر.

و علي القول القديم: هو للمالك؛ لحديث عروة البارقي؛ فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أخذ رأس المال و الربح(2) ، و لأنّا لو جعلناه للغاصب لاتّخذه8.

ص: 86


1- مختصر المزني: 122.
2- سنن الترمذي 1258/559:3، سنن الدارقطني 29/10:3 و 30، سنن البيهقي 112:6، مسند أحمد 18873/507:5، و 18877/508.

الناس ذريعةً إلي غصب الأموال، و الخيانة في الودائع و البضاعات، و لأنّ تصرّفات الغاصب قد تكثر فيعسر تتبّع الأمتعة التي تداولتها الأيدي المختلفة، أو يتعذّر(1).

و في هذا القول مباحث:

الأوّل: هل يجزم علي هذا القول بأنّ الربح للمالك، أو نوقفه علي إجازته و اختياره ؟ قيل بالوقف علي الإجازة(2).

و بناء هذا القول علي قول الوقف في بيع الفضولي.

و لم يتعرّض الشافعي للفسخ و الإجازة؛ لأنّ الغالب أنّه يجيز إذا رأي الربح، فعلي هذا إذا ردّه يرتدّ، سواء اشتري في الذمّة أو بعين المغصوب.

و قال الأكثرون: إنّه مجزوم به و مبنيٌّ(2) علي المصلحة، و كيف يستقيم توقيف شراء الغاصب لنفسه علي إجازة غيره! و إنّما يجري قول الوقف إذا تصرّف في عين مال الغير أو له(4).

الثاني: إذا كان في المال ربح و كثرت التصرّفات و عسر تتبّعها، فهو موضع القول القديم(3) ، أمّا إذا قلّت و سهل التتبّع و لا ربح، فلا مجال له.

و حكي الجويني وجهين فيما إذا سهل التتبّع و هناك ربح أو عسر و لا ربح(4).

الثالث: لو اشتري في ذمّته و لم يخطر له أن يؤدّي الثمن من الدراهم المغصوبة ثمّ عنّ له ذلك، قال الجويني: ينبغي أن لا يجيء فيه القول6.

ص: 87


1- العزيز شرح الوجيز 28:6، روضة الطالبين 211:4. (2 و 4) كما في العزيز شرح الوجيز 28:6، و روضة الطالبين 211:4.
2- في «ث، ر» و الطبعة الحجريّة: «يبني».
3- كما في العزيز شرح الوجيز 28:6.
4- العزيز شرح الوجيز 29:6.

القديم إن صدّقه صاحب الدراهم(1).

و هذه المسألة تُلقّب بمسألة البضاعة.

إذا عرفت هذا، فعلي الجديد - و هو وقوع عقد الفضولي لاغياً - إن اشتري بعين مال القراض، فهو باطل.

و إن اشتري في الذمّة، فأحد الوجهين: إنّ كلّ الربح للعامل الثاني؛ لأنّه المتصرّف، كالغاصب في صورة الغصب.

و أصحّهما عندهم: إنّ كلّه للأوّل؛ لأنّ الثاني تصرّف للأوّل بإذنه، فكان كالوكيل من [جهته](2) ، و عليه للثاني أُجرة عمله، و به قال أبو حنيفة و المزني(3).

و إن قلنا بالقديم - و هو توقّف عقد الفضولي علي الإجازة - ففيما يستحقّه المالك من الربح وجهان:

أحدهما: إنّ جميعه للمالك، كما في الغصب، طرداً لقياس(4) هذا القول، و علي هذا فللعامل الثاني أُجرة مثله.

و علي مَنْ تجب ؟ وجهان:

أحدهما: إنّها علي العامل الأوّل؛ لأنّه استعمله و غرَّه.

و الثاني: علي المالك؛ لأنّ نفع عمله عاد إليه.ز.

ص: 88


1- العزيز شرح الوجيز 29:6، روضة الطالبين 212:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و بدله في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «حصته». و هي تصحيف.
3- العزيز شرح الوجيز 29:6.
4- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «للقياس». و المثبت هو الصحيح كما في العزيز شرح الوجيز.

و أصحّهما - و به قال المزني(1) -: إنّ له نصفَ الربح؛ لأنّه رضي به، بخلاف الغصب، فإنّه لم يوجد منه رضا، فصرفنا الجميع إلي المالك؛ قطعاً لطمع مَنْ يغصب و يخون، و علي هذا ففي النصف الثاني وجوه:

أ: إنّ الجميع للعامل الأوّل؛ لأنّ المالك إنّما شرط له، و عقده مع الثاني فاسد، فلا يتبع شرطه؛ لأنّ المضاربة فاسدة، و الشرط لا يثبت في الفاسدة، و علي هذا فللثاني أُجرة مثل عمله علي الأوّل؛ لأنّه غرَّه.

ب: إنّ كلّه للثاني؛ لأنّه العامل، أمّا الأوّل فليس له عمل و لا ملك، فلا يُصرف إليه شيء من الربح.

و أصحّها(2) عندهم: إنّه يكون بين العاملين بالسويّة؛ لأنّ تتبّع التصرّفات عسير، و المصلحة اتّباع الشرط إلّا أنّه قد تعذّر الوفاء به في النصف الذي أخذه المالك، فكأنّه تلف و انحصر الربح في الباقي، و علي هذا ففي رجوع العامل الثاني بنصف أُجرة المثل وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه كان طمعه في نصف الربح بتمامه، و لم يسلم له إلّا نصف النصف.

و أشبههما: لا؛ لأنّ الشرط محمول علي ما يحصل لهما من الربح، و الذي حصل هو النصف.

و الوجهان فيما إذا كان العامل الأوّل قد قال للعامل الثاني: علي أنّ ربح هذا المال بيننا، أو علي أنّ لك نصفه، أمّا إذا كانت الصيغة: علي أنّ ما رزقنا اللّه تعالي من الربح بيننا، قطع أكثر الشافعيّة بأنّه لا رجوع؛ لأنّ النصف هو الذي حصل.ح.

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 29:6.
2- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «أصحّهما». و المثبت هو الصحيح.

و عن بعضهم إجراء الوجهين؛ لأنّ المفهوم تشطّر جميع الربح.

هذا كلّه إذا جري القراضان علي المناصفة، و إن كانا أو أحدهما علي نسبةٍ أُخري فعلي ما تشارطا(1).

مسألة 249: لو تلف المال في يد الثاني، فإن كان عالماً بالحال فهو غاصب أيضاً؛

حيث تصرّف في مال الغير بغير إذنه مع علمه.

و إن كان جاهلاً و ظنّ أنّ المالك هو العامل الأوّل فترتّب يده علي يد الأوّل كترتّب يد المودع علي يد الغاصب؛ لأنّه يد أمانةٍ.

و في طريقٍ للشافعيّة: إنّه كالمتّهب من الغاصب؛ لعود النفع إليه(2).

و التحقيق أنّ العامل الثاني بمنزلة الغاصب في الإثم و الضمان و التصرّف إن كان عالماً بأنّ هذا العامل الأوّل قارضه بغير إذن صاحب المال.

و إن كان غيرَ عالمٍ، سقط عنه الإثم، و بقي حكم التصرّف و الضمان.

أمّا التصرّف: فقد تقدّم.

و أمّا الضمان: فإنّ المال مضمون علي كلّ واحدٍ منهما.

أمّا علي الأوّل: فبتعدّيه بتسليمه إلي الثاني.

و أمّا علي الثاني: فلأنّه تسلّم مال غيره بغير إذنه.

فإن كان باقياً، طالَب أيّهما شاء بردّه و أخذه.

و إن كان تالفاً، كان له مطالبة أيّهما شاء ببدله، فإن طالَب العامل الأوّل، لم يرجع علي الثاني؛ لأنّه دفعه إليه علي وجه الأمانة.

و إن طالَب الثاني، فهل يرجع علي الأوّل ؟ للشافعيّة قولان:

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 29:6-30، روضة الطالبين 212:4.
2- العزيز شرح الوجيز 30:6، روضة الطالبين 212:4.

أحدهما: يرجع؛ لأنّ الأوّل غرَّه، فأشبه ما لو غرّه بحُرّيّة أمته.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّ التلف حصل في يده، فاستقرّ الضمان عليه(1).

إذا تقرّر هذا، فلو شرط العامل الأوّل علي العامل الثاني أنّ نصف الربح للمالك و أنّ النصف الآخَر بينهما نصفين، قال بعض الحنابلة: يكون علي ما اتّفقا عليه؛ لأنّ ربّ المال رضي بالنصف، فلا يدفع إليه أكثر منه، و العاملان علي ما اتّفقا عليه(2).

و ليس بشيءٍ، مع أنّ أحمد قال: لا يطيب الربح للمضارب الأوّل؛ لأنّه ليس له عمل و لا مال، و لا للمضارب الثاني؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير إذنه و لا شرطه، فلا يستحقّ ما شرط له غير المالك، كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربةً، و لأنّه إذا لم يستحق ما شرطه له ربّ المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولي(3).

مسألة 250: لو أذن ربُّ المال للعامل في دفع المال مضاربةً، جاز ذلك،

و لا نعلم فيه خلافاً، و يكون العامل الأوّل وكيلاً لربّ المال في ذلك.

فإن كان بعد العمل، جاز أيضاً؛ لما بيّنّا من أنّ المضاربة من العقود الجائزة.

فإن كان قد ظهر ربح في عمل العامل و قلنا: يملك بالظهور، استحقّ نصيبه من الربح.

و إن قلنا بالقسمة أو لم يظهر ربح، فله أُجرة المثل.

ص: 91


1- بحر المذهب 214:9، البيان 179:7.
2- المغني 161:5، الشرح الكبير 153:5.
3- المغني 161:5، الشرح الكبير 153:5-154.

و إذا دفعه العامل الأوّل، لم يجز له أن يشترط لنفسه جزءاً من الربح، فإن شرط شيئاً من الربح لم يجز؛ إذ ليس من جهته مال و لا عمل، و الربح إنّما يستحقّ بأحدهما.

و لو قال له المالك: اعمل في هذا المال برأيك، أو بما أراك اللّه تعالي، فالأقرب: إنّه يجوز له دفعه مضاربةً؛ لأنّه قد يري أنّه يدفعه إلي مَنْ هو أبصر منه في التجارة و أقوي منه جلداً، و به قال أحمد(1).

و يحتمل أن لا يجوز ذلك؛ لأنّ قوله: «اعمل برأيك» يعني في كيفيّة المضاربة و البيع و الشراء و أنواع التجارة، و هذا يخرج [به] عن المضاربة، فلا يتناوله إذنه.

مسألة 251: لا يجوز لعامل القراض أن يمزج مال المضاربة بماله بحيث لا يتميّز، فإن فَعَل أثم و ضمن؛

لأنّه أمانة، فهو كالوديعة.

و لو قال له: اعمل برأيك، جاز ذلك - و به قال الثوري و مالك و أصحاب الرأي(2) - لأنّه قد جعل النظر في المصلحة و فعلها موكولاً إلي نظره، و ربما رأي الحظّ للمضاربة في المزج، فإنّه أصلح له، فيدخل تحت قوله: اعمل برأيك.

و قال الشافعي: ليس له ذلك؛ لأنّ ذلك ليس من التجارة(3).

ص: 92


1- المغني 162:5، الشرح الكبير 154:5.
2- المغني 162:5، الشرح الكبير 154:5، المدوّنة الكبري 102:5-103، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 44:2، الاختيار لتعليل المختار 30:3، بدائع الصنائع 95:6، مختصر اختلاف العلماء 1711/42:4، المبسوط - للسرخسي - 39:22-40، الهداية - للمرغيناني - 210:3.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 44:2، البيان 192:7، العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4، مختصر اختلاف العلماء 1711/43:4، المغني 162:5، الشرح الكبير 154:5.

و هو غير مسلَّمٍ؛ لأنّه قد يكون من مصلحتها.

و كذا ليس له المشاركة مع مال القراض، إلّا أن يقول: اعمل برأيك، و تكون المشاركة مصلحةً.

مسألة 252: إذا أخذ العامل من غيره مضاربةً، جاز له أن يأخذ من غيره مضاربةً أُخري،

سواء أذن له الأوّل أو لا إذا لم يتضرّر الأوّل بمعاملة الثاني.

فإن تضرّر الأوّل بمعاملة الثاني بأن يكون المال الثاني كثيراً يحتاج أن يقطع زمانه في التجارة به و يشغله عن السعي في الأوّل، أو يكون المال الأوّل كثيراً متي اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرّفاته فيه، و فات باشتغاله في الثاني بعض مصالحه، فأكثر الفقهاء علي جوازه أيضاً؛ لأنّه عقد لا يملك به منافعه بأسرها، فلم يمنع من المضاربة، كما لو لم يكن فيه ضرر، و كالأجير المشترك(1).

و قالت الحنابلة: لا يجوز له ذلك؛ لأنّ المضاربة مبنيّة علي الحظّ و النماء، فإذا فَعَل ما يمنعه لم يكن له، كما لو أراد التصرّف بالغبن.

قالوا: فعلي هذا إذا فَعَل و ربح ردّ الربح في شركة الأوّل و يقتسمانه، فينظر ما ربح في المضاربة الثانية، فيدفع إلي ربّ المال نصيبه، و يأخذ المضارب نصيبه من الربح، فيضمّه إلي ربح المضاربة الأُولي، و يقاسمه ربّ(2) المضاربة الأُولي؛ لأنّه استحقّ حصّته من الربح بالمنفعة التي

ص: 93


1- المغني 163:5، الشرح الكبير 156:5.
2- في المصدر: «لربّ» بدل «ربّ».

استُحقّت بالعقد، فكان بينهما، كربح المنفعة المستحقّة بالعقد الأوّل.

فأمّا حصّة ربّ المال الثاني من الربح فيدفع إليه؛ لأنّ العدوان من المضارب لا يُسقط حقَّ ربّ المال الثاني، و لأنّا لو رددنا ربح الثاني كلّه في الشركة الأُولي، لاختصّ الضرر بربّ المال الثاني، و لم يلحق المضارب شيء من الضرر و العدوان منه، بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأوّل النصفَ و الثاني الثلثَ(1).

و هذا ليس بشيءٍ.

و الحقّ أنّه لا شيء لربّ المضاربة الأُولي من ربح الثانية؛ لأنّه إنّما يستحقّ بمالٍ أو عملٍ، و ليس له في المضاربة الثانية مالٌ و لا عمل، و تعدّي المضارب إنّما كان بترك العمل و اشتغاله عن المال الأوّل، و هذا لا يوجب عوضاً، كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه، أو آجر نفسه، أو ترك التجارة للتعب أو لاشتغالٍ بعلمٍ، أو غير ذلك، و لأنّه لو أوجب عوضاً لأوجب شيئاً مقدّراً لا يختلف و لا ينحصر بقدر ربحه في الثانية.

البحث الثالث: في السفر.
مسألة 253: لمّا كان مبني القراض علي التكسّب المستلزم لحفظ رأس المال و حراسته، و كان في السفر تغريرٌ به و تعريض لإتلافه، وجب في الحكمة مشروعيّة منع العامل من السفر.

و لا خلاف في أنّه لو نهاه المالك عن السفر بالمال فسافر به، ضمن، و كذا لو أمره بالسفر إلي جهةٍ معيّنة أو بلدٍ معيّن فسافر إلي غير ذلك البلد

ص: 94


1- المغني 163:5، الشرح الكبير 155:5-156.

و غير تلك الجهة؛ لأنّ المال لصاحبه له التصرّف فيه كيف شاء، و الاختيار في ذلك إليه، فلا يجوز العدول عنه.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في الرجل يعطي [الرجل] مالاً مضاربةً و ينهاه أن يخرج به إلي أرضٍ أُخري فعصاه، فقال: «هو له ضامن، و الربح بينهما إذا خالف شرطه و عصاه»(1).

و عن الحلبي عن الصادق عليه السلام: عن الرجل يعطي الرجل المال فيقول له: ائت أرض كذا و كذا و لا تجاوزها، اشتر منها، قال: «إن جاوزها فهلك المال فهو له ضامن، و إن اشتري شيئاً فوضع فهو عليه، و إن ربح فهو بينهما»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً و ينهي أن يخرج به، فيخرج، قال: «يضمن المال، و الربح بينهما»(3).

مسألة 254: و لو لم ينهه عن السفر و لا أذن له فيه، لم يجز له السفر، عند علمائنا إلّا بإذن صاحب المال،

سواء كان الطريق مخوفاً أو آمناً؛ لما تقدّم من التغرير المنافي للاكتساب، و به قال الشافعي؛ لما فيه من الخطر و التغرير بالمال(4) ، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «إنّ المسافر و ماله لعلي قَلَتٍ إلّا ما

ص: 95


1- التهذيب 827/187:7، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- الكافي 1/240:5، التهذيب 835/189:7.
3- الكافي 2/240:5، التهذيب 836/189:7.
4- الحاوي الكبير 317:7، المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 199:9، الوجيز 224:1، الوسيط 120:4، حلية العلماء 339:5، التهذيب - للبغوي - 386:4، البيان 184:7، العزيز شرح الوجيز 31:6، روضة الطالبين 212:4، المغني 151:5، الشرح الكبير 146:5.

وقي اللّه»(1) أي لعلي هلاكٍ، و لا يجوز له التغرير بالمال إلّا بإذن مالكه.

و قال مالك: يجوز له السفر مع الإطلاق أو التنصيص علي السفر - و هو محكيٌّ عن أبي حنيفة، و قياس مذهب أحمد يقتضيه - لأنّ الإذن المطلق ينصرف إلي ما جرت العادة به، و العادة جارية بالتجارة سفراً و حضراً، و لأنّها مشتقّة من الضرب في الأرض، فمَلَك ذلك مطلقاً(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ العادة إنّما قضت بالسفر مع الإذن صريحاً أو قرينة حاليّة أو مقاليّة تدلّ عليه، لا بدون ذلك.

و أبو حنيفة بناه علي أصله من أنّه يجوز للمستودع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمناً؛ لأنّه بمنزلة المصر(3).

و هو ممنوع؛ إذ لا تغرير في المصر كما في السفر.2.

ص: 96


1- غريب الحديث - لابن قتيبة - 564:2.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1122/644:2، التلقين: 408، الكافي في فقه أهل المدينة: 386، المعونة 1124:2، الاختيار لتعليل المختار 29:3، تحفة الفقهاء 22:3، بدائع الصنائع 88:6، روضة القُضاة 3471/591:2، الفقه النافع 1041/1287:3، المبسوط - للسرخسي - 39:22، مختصر اختلاف العلماء 1709/41:4، الهداية - للمرغيناني - 203:3، المغني 151:5، الشرح الكبير 146:5، الحاوي الكبير 317:7، بحر المذهب 199:9، حلية العلماء 339:5، التهذيب - للبغوي - 386:4، البيان 184:7، العزيز شرح الوجيز 31:6.
3- الاختيار لتعليل المختار 39:3، تحفة الفقهاء 172:3، بدائع الصنائع 209:6، روضة القُضاة 3600/617:2، الفقه النافع 666/941:3، المبسوط - للسرخسي - 122:11، و 39:22، المحيط البرهاني 531:5، الهداية - للمرغيناني - 203:3 و 217، الحاوي الكبير 357:8، الوسيط 502:4، حلية العلماء 171:5، البيان 432:6، العزيز شرح الوجيز 295:7-296، المغني 284:7، الشرح الكبير 302:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 20:2.

و للشافعي قولٌ في البويطي(1) كقول أبي حنيفة أيضاً.

لكنّ المشهور الأوّل.

و هذا البحث مع الإطلاق، فأمّا إن أذن في السفر أو نهي عنه أو وُجدت قرينة دالّة علي أحد الأمرين، تعيّن ذلك، و ثبت ما أمر به و حرم ما نهي عنه.

و لا خلاف في أنّه لا يجوز له السفر في موضعٍ مخوف علي القولين معاً، و كذا لو أذن له في السفر مطلقاً، لم يكن له السفر في طريقٍ مخوف، فإن فَعَل فهو ضامن لما يتلف؛ لأنّه متعدٍّ بفعل ما ليس له فعله.

مسألة 255: لو سافر مع انتفاء الإذن أو مع النهي عن السفر أو أمره بالسفر في جهةٍ بعينها فسافر في غيرها،

أو إلي بلدٍ فسافر إلي غيره، فقد ضمن المال؛ لمخالفته.

ثمّ يُنظر فإن كان المتاع بالبلدة التي سافر إليها أكثر قيمةً من الحضر أو من البلدة التي أمره بالسفر إليها أو تساوت القيمتان، صحّ البيع، و استحقّ الربح بالشرط.

و لما(2) رواه الكناني: قال: سألتُ الصادقَ عليه السلام: عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج به إلي الأرض و نهي أن يخرج به إلي أرض غيرها فعصي فخرج به إلي أرض أُخري فعطب المال، فقال: «هو ضامن، فإن سلم فربح فالربح بينهما»(3).

و إن كان المتاع أقلّ قيمةً، لم يصح البيع بتلك القيمة، إلّا أن يكون

ص: 97


1- العزيز شرح الوجيز 31:6، روضة الطالبين 212:4.
2- الظاهر: «لما» بدون الواو.
3- الفقيه 143:3-631/144، التهذيب 189:7-837/190.

النقصان بقدر ما يتغابن به.

و إذا قلنا بصحّة البيع فإنّ الثمن الذي يقبضه يكون مضموناً عليه أيضاً.

و لو اشتري به متاعاً، ضمن المتاع، بخلاف ما إذا تعدّي الوكيل بالبيع في المال ثمّ باعه و قبض الثمن، لا يكون الثمن مضموناً عليه و إن كان ضامناً للأصل؛ لأنّ العدوان هنا لم يوجد في الثمن، و سبب العدوان في المضاربة موجود في الثمن و المتاع الذي يشتريه به؛ لأنّ سبب العدوان هو السفر، و هو شامل للمال و الثمن، و لا تعود الأمانة بالعود من السفر، و به قال الشافعي(1).

مسألة 256: لو سافر بالإذن، فلا عدوان و لا ضمان،

و له بيع المتاع في البلد المنقول إليه مثل ما كان يبيعه في المنقول عنه و بأكثر منه.

و أمّا بدونه فالأقرب: إنّ له ذلك؛ لأنه غير متعدٍّ بالسفر، و لا حكم له علي زيادة الأسواق و نقصانها، بل الواجب عليه الاستظهار في طلب الربح إن حصل.

و قال بعض الشافعيّة: إذا باع بدونه فإن ظهر فيه غرض بأن كانت مئونة الردّ أكثر من قدر النقصان أو أمكن صرف الثمن إلي متاعٍ يتوقّع فيه ربحاً، فله البيع أيضاً، و إلّا لم يجز؛ لأنّه محض تخسيرٍ(2).

مسألة 257: العامل إن اتّجر في الحضر كان عليه أن يلي من التصرّف فيه ما يليه ربّ المال في العادة،

كنشر الثوب و تقليبه علي مَنْ يشتريه و طيّه عند البيع و قبض الثمن و حفظه، و ذرع الثوب و إدراجه في السَّفَط

ص: 98


1- العزيز شرح الوجيز 31:6، روضة الطالبين 213:4.
2- العزيز شرح الوجيز 31:6، روضة الطالبين 213:4.

و إخراجه، و وزن ما يخفّ، كالذهب و الفضّة و المسك و العود، و حفظ المتاع علي باب الحانوت، و في السفر بالنوم عليه و نحوه في العادة، كالإشراف عليه و جمعه و الاحتياط عليه.

و ليس عليه رفع الأحمال و لا حطّها، و ليس عليه ما لا يليه ربّ المال، فلا يجب عليه وزن الأمتعة الثقيلة و حملها و نقل المتاع من الخان إلي الحانوت و النداء عليه، بل يستأجر العامل له مَنْ يعمله من مال المضاربة، فإن تولّي العامل ذلك بنفسه، لم يستحق له أُجرة؛ لأنّه تبرّع به.

و أمّا ما يجب عليه فعله لو استأجر العامل من مال المضاربة مَنْ يعمل ما عليه أن يعمله بنفسه، ضمن ما دفع إليه؛ لأنّ ذلك العمل يجب عليه، دون ربّ المال.

مسألة 258: ليس للعامل أن يُنفق من مال القراض في الحضر علي نفسه، عند علمائنا،

و لا أن يواسي منه بشيءٍ - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الأصل حراسة مال الغير و حفظه، و عدم تعلّق وجوب الإنفاق منه.

و قال مالك: له أن يُنفق منه علي العادة، كالغذاء و دفع الكسرة إلي السقّاء و أُجرة الكيّال و الوزّان و الحمّال في مال القراض(2).

و ليس بمعتمدٍ.

و أمّا في السفر فالمشهور أنّه يُنفق فيه كمال النفقة من أصل مال القراض إذا شخص عن البلد من المأكول و المشروب و الملبوس - و به قال علماؤنا و الحسن و النخعي و الأوزاعي و مالك و إسحاق و أصحاب الرأي

ص: 99


1- الحاوي الكبير 318:7، بحر المذهب 199:9، التهذيب - للبغوي - 386:4، البيان 184:7، العزيز شرح الوجيز 32:6، روضة الطالبين 214:4.
2- التهذيب - للبغوي - 386:4، العزيز شرح الوجيز 32:6.

و الشافعي في أحد أقواله(1) - لأنّ سفره لأجل المال، فكانت نفقته منه، كأجر الحمّال، و لأنّه في السفر قد سلّم نفسه و جرّدها لهذا الشغل، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها، و لا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

و لما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسي الكاظم عليه السلام قال في المضاربة: «ما أنفق في سفره فهو من جميع المال، و إذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه»(2).

و ظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - و به قال ابن سيرين و حمّاد بن أبي سليمان و أحمد - كما في الحضر؛ لأنّ نفقته تخصّه، فكانت عليه، كما في الحضر و أجر الطبيب و ثمن الطيب، و لأنّه دخل علي أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّي، فلا يكون له غيره، و لأنّه لو استحقّ النفقة أفضي إلي أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوي ما أنفقه، فيخلّ بمقصود العقد(3).4.

ص: 100


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 47:2، المغني 152:5، الشرح الكبير 164:5، المدوّنة الكبري 97:5، الاستذكار 30924/170:21، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1126/646:2، بداية المجتهد 240:2، التفريع 194:2، التلقين: 408، الذخيرة 59:6، عيون المجالس 1251/1786:4، المعونة 1123:2، تحفة الفقهاء 23:3، الاختيار لتعليل المختار 34:3، المبسوط - للسرخسي - 62:22-63، مختصر اختلاف العلماء 1712/43:4، الهداية - للمرغيناني - 211:3، الحاوي الكبير 318:7، المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 199:9 و 200، الوجيز 224:1، الوسيط 120:4، حلية العلماء 339:5، التهذيب - للبغوي - 386:4، البيان 184:7 و 185، العزيز شرح الوجيز 32:6، روضة الطالبين 214:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 6:2.
2- الكافي 5/241:5، التهذيب 847/191:7.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 47:2، المغني 152:5، الشرح الكبير 164:5، الحاوي الكبير 318:7، المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 199:9 و 200، الوسيط 121:4، حلية العلماء 339:5، التهذيب - للبغوي - 386:4، البيان 184:7-185، الإفصاح عن معاني الصحاح 6:2، العزيز شرح الوجيز 32:6، روضة الطالبين 214:4، مختصر اختلاف العلماء 1712/44:4، الاستذكار 30927/170:21 و 30930، بداية المجتهد 240:2، عيون المجالس 1251/1786:4.

و القول الثالث للشافعي: إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر، و الزائد من مال القراض؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته، و هو الأصحّ عندهم، و هو منقول عن مالك أيضاً(1).

مسألة 259: و لو شرط له النفقة في الحضر، لزم الشرط، و وجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول و المشروب و المركوب و الملبوس.

و كذا لو شرطها في السفر علي قول مَنْ لا يوجبها علي المال إجماعاً؛ عملاً بالشرط.

و ينبغي أن يعيّن قدر النفقة و جنسها، فلا يجوز له التخطّي.

و لو أطلق، رجع إلي العادة، و كان صحيحاً.

و بعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(2).

و ليس شيئاً؛ لأنّ الأسعار قد تختلف و تقلّ و تكثر.

و قال أحمد: لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها علي جهة الملك

ص: 101


1- المهذّب - للشيرازي - 394:1، بحر المذهب 200:9، الوسيط 121:4، حلية العلماء 340:5، البيان 185:7، العزيز شرح الوجيز 32:6، روضة الطالبين 214:4.
2- الحاوي الكبير 319:7، بحر المذهب 200:9، البيان 185:7، العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 215:4.
3- المغني 152:5، الشرح الكبير 164:5.

الصريح، فلو رجع إلي البلد من سفره و عليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلي القراض.

و إذا قلنا: له النفقة في السفر و لم يعيّن المالك و اختلفا في قدرها، رجع إلي الإطعام في الكفّارة، و في الكسوة إلي أقلّ ملبوسٍ مثله.

و هذا كلّه في السفر المباح، أمّا لو خالف المالك فسافر إلي غير البلد الذي أمره بالسفر إليه، فإنّه لا يستحقّ النفقة، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

و لو احتاج في السفر إلي خُفٍّ و إداوة و قِرْبة و شبهها، أخرج من أصل المال؛ لأنّه من جملة المئونة، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلي مال القراض.

مسألة 260: لو استردّ المالك ماله و قد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه،

فأراد العامل أن يرجع إلي بلده، لم يستحق نفقة الرجوع، كما لو مات العامل لم يكن علي المالك تكفينه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، كما لو خالع زوجته في السفر، و الثاني: إنّ له ذلك، قاله الشافعي، ثمّ تردّد فقال: قولان(1).

و لا فرق بين الذهاب و العود.

و عن أحمد رواية كالثاني؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه و عوده، و غرّه بتنفيذه إلي الموضع الذي أذن له فيه، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً و راجعاً، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(2).

و الصحيح ما قلناه.

ص: 102


1- بحر المذهب 202:9، التهذيب - للبغوي - 387:4، البيان 186:7، العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4.
2- المغني 153:5، الشرح الكبير 165:5.

و إذا رجع العامل و بقي معه فضل زاد و آلات أعدّها للسفر كالمطهرة و القِرْبة و غير ذلك، ردّها إلي مال القراض؛ لأنّها من عينه، و إنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة؛ قضاءً للعادة، و قد زالت الحاجة، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّها تكون للعامل(1).

و ليس شيئاً.

مسألة 261: لو كان مع العامل مال

مسألة 261: لو كان مع العامل مال(2) لنفسه للتجارة و استصحبه معه في السفر ليعمل فيه و في مال القراض، قُسّطت النفقة علي قدر المالين؛

لأنّ السفر إنّما كان لماله و مال القراض، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً علي قدر المال(3) ، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و يحتمل النظر إلي مقدار العمل علي المالين و توزيع النفقة علي أُجرة مثلهما، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له، فإن كان لا يقصد، فهو كما لو لم يكن معه مال سوي مال القراض(6).

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما علي قدر رأس المالين، أو قدر العمل فيهما، و الأخير أقرب.

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4.
2- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «مالاً». و هو خطأ.
3- الظاهر: «المالين».
4- الحاوي الكبير 320:7، الوسيط 121:4، التهذيب - للبغوي - 387:4، البيان 185:7، العزيز شرح الوجيز 32:6، روضة الطالبين 214:4.
5- العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4.
6- البيان 185:7، العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4.
مسألة 262: كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً، لم يجز له التجاوز

و لو احتاج إلي أزيد منه، و لو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر، لم يجز له الإنفاق، سواء احتاج أو لا، بل يُنفق من خاصّ ماله.

و إذا أطلق القراض، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ و لا تقتير، و القدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

و لو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة، كجباية المال أو انتظار الرفقة، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض، كانت النفقة علي مال القراض أيضاً؛ لأنّه في مصلحة القراض(1) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة 263: قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر و إن لم يشترط،

فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد و زيادة توثّقٍ، و به قال الشافعي علي تقدير الوجوب(2).

أمّا علي تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان:

أحدهما: إنّ القراض يفسد، كما لو شرط نفقة الحضر.

و الثاني: لا يفسد؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلي السفر، و هو مظنّة الربح غالباً(3).

ص: 104


1- في «ج»: «مال القراض».
2- العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4.
3- التهذيب - للبغوي - 387:4، العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 214:4-215.

و علي هذا فهل يشترط تقديره ؟ فيه للشافعيّة وجهان(1).

و هذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه، فجاز اشتراطه و لزم؛ لقوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

مسألة 264: لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل، فقد قلنا: إنّ النفقة تُقسّط إمّا علي المالين أو علي العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني، جاز، و كانت نفقته علي الأوّل.

و لو لم يعلم بالقراض الثاني، بُسطت النفقة و إن كان قد شرطها الأوّل؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً علي اختصاص عمله به؛ لأنّه الظاهر.

و لو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره، فالحكم كما تقدّم.

و لو شرط الأوّل له النفقةَ، و شرطها الثاني أيضاً، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة و لا تعدّدها، بل له نفقة واحدة عليهما علي قدر المالين أو العملين.

مسألة 265: لو احتاج في السفر إلي زيادة نفقةٍ، فهي من مال القراض أيضاً.

و لو مرض فافتقر إلي الدواء، فإنّه محسوب عليه.

و كذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض، و قد بطل بموته، فلا يُكفَّن من مال القراض.

و كذا لو أبطل القراض و فسخه هو أو المالك، فلا نفقة، كما لو أخذ

ص: 105


1- العزيز شرح الوجيز 33:6، روضة الطالبين 215:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 35، الهامش (3).

المالك ماله؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض، و قد زال فزالت النفقة.

و لو قتّر علي نفسه في الإنفاق، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد علي المعروف؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

و كذا لو أسرف في النفقة، حُسب عليه الزائد علي قدر المعروف.

البحث الرابع: في وقت ملك الربح.
مسألة 266: العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ الشرط صحيح، فيثبت مقتضاه، و هو أن يكون له جزء من الربح، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها، و قياساً علي كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

و لأنّ هذا الربح مملوك، فلا بدّ له من مالكٍ، و ربّ المال لا يملكه اتّفاقاً، و لا تثبت أحكام الملك في حقّه، فيلزم أن يكون للعامل؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

و لأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة، فكان مالكاً، كأحد شريكي العنان، و لو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

ص: 106


1- الوسيط 121:4-122، الوجيز 224:1، حلية العلماء 341:5، التهذيب - للبغوي - 389:4، البيان 186:7، العزيز شرح الوجيز 34:6، روضة الطالبين 315:4، المغني 169:5، الشرح الكبير 166:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1125/645:2.

و لأنّه لو لم يملك بالظهور، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه، و التالي باطل؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

رجل دفع إلي رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشتري أباه و هو لا يعلم، قال:

«يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق و استسعي في مال الرجل»(1) و الشرطيّة ظاهرة؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

و قال مالك: إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - و هو القول الثاني للشافعي، و الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال، و لو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال، فلمّا انحصر في الربح دلّ علي عدم الملك.

و لأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

و لأنّه لم يسلّم إلي ربّ المال رأس ماله، فلا يملك العامل شيئاً من الربح، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشتري به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً، فإنّ أبا حنيفة قال: لا يملك العامل شيئاً منهما(2) ، و إذا أعتقهما ربّ المال، عُتقا، و لا يضمن للعامل شيئاً، قال المزني: لو مَلَك العامل حصّته بالظهور، لكانا شريكين في المال، و إذا تلف منه شيء، كان بينهما كالشريكين شركة العنان، و لأنّ القراض معاملة جائزة، و العمل فيها غير مضبوطٍ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل، كما في الجعالة(3).4.

ص: 107


1- الفقيه 633/144:3، التهذيب 841/190:7.
2- بدائع الصنائع 93:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1125/645:2، المغني 169:5، الشرح الكبير 166:5، الوسيط 122:4، الوجيز 224:1، حلية العلماء 341:5، التهذيب - للبغوي - 389:4، البيان 186:7، العزيز شرح الوجيز 34:6، روضة الطالبين 215:4.

و الجواب: لا امتناع في أن يملك العامل، و يكون ما يملكه وقايةً لرأس المال، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح، و مع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً، و من هنا امتنع اختصاصه بربحه، و لأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له، و لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، و مع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

و كذا لو أوصي لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله، و لآخَر بما يبقي من الثلث و مات و له أربعة آلاف، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته، و إذا تلف من ذلك شيء كان من نصيب الموصي له بالباقي.

مسألة 267: ليس لأحدٍ من العامل و لا المالك استحقاق شيءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتي يستوفي المالك جميع رأس ماله.

و إن كان في المال خسران و ربح، جُبرت الوضيعة من الربح، سواء كان الخسران و الربح في مرّةٍ واحدة، أو الخسران في صفقةٍ و الربح في أُخري، أو الخسران في سفرةٍ و الربح في سفرةٍ أُخري؛ لأنّ معني الربح هو الفاضل عن رأس المال، و إذا لم يفضل شيء فلا ربح، و لا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة 268: ملكُ كلّ واحدٍ من العامل و المالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه، و لا يتصرّف فيه؛

لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية، حتي لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن، و لهذا نقول: ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ، بل يتوقّف علي رضاهما معاً، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل: فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة؛ لأنّه لا يأمن أن

ص: 108

يخسر المال بعد ذلك، و يكون قد أخرجه، فيحتاج إلي غُرْم ما حصل له بالقسمة، و في ذلك ضرر عليه، فلا تلزمه الإجابة إلي ما فيه ضرر عليه.

و أمّا المالك: فلا يُجبر علي القسمة لو طلبها العامل؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله، فله أن يقول: لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتي تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض و المال ناضّ و اقتسماه، حصل الاستقرار، و مَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

و كذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك و اقتسما الباقي.

و هل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد و إنضاض المال من غير قسمةٍ؟ الأقرب عندي ذلك؛ لأنّ العقد قد ارتفع، و الوثوق بحصول رأس المال قد حصل، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: لا يستقرّ إلّا بالقسمة؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(1).

و ليس شيئاً.

و لو كان بالمال عروض، فإن قلنا: إنّ العامل يُجبر علي البيع و الإنضاض، فلا استقرار؛ لأنّ العمل لم يتم، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و إن قلنا بعدم الإجبار، فلهم وجهان، كما لو كان المال ناضّاً(2).

مسألة 269: لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد، لم يحصل الاستقرار،

بل لو حصل خسران بعده، كان علي العامل جَبْره بما أخذ.

و لو قلنا: إنّه لا يملك إلّا بالقسمة، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً، حتي لو

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 34:6، روضة الطالبين 215:4.
2- العزيز شرح الوجيز 34:6-35، روضة الطالبين 215:4.

مات و هناك ربح ظاهر، انتقل إلي ورثته؛ لأنّه و إن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك، و يتقدّم علي الغرماء؛ لتعلّق حقّه بالعين.

و له أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح، و يسعي في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

و لو أتلف المالك المالَ، غرم حصّة العامل، و كان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال، فإنّه يغرم حصّة العامل، فكذا إذا أتلفه.

و لو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض، ضمن بدله، و بقي القراض في بدله كما كان.

مسألة 270: إذا اشتري العامل جاريةً للقراض، لم يجز له وطؤها؛
اشارة

لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح، و إن كان هناك ربح فهي مشتركة علي أحد القولين؛ إذ له حقٌّ فيه.

و ليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل و لا ربح فيها و كان عالماً، حُدّ، و يؤخذ منه المهر بأسره، و يجعل في مال القراض؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلي الجبر.

و لو كان هناك ربح (يُحطّ منه بقدر حقّه، و يؤخذ)(1) بقدر نصيب المالك مع يساره، و قُوّمت عليه إن حملت منه، و ثبت لها حكم الاستيلاد، و دفع إلي المالك نصيبه منها و من الولد.

و لو كان جاهلاً، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا: يملك بالظهور، و إن قلنا: لا يملك إلّا بالقسمة، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

ص: 110


1- بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة: «حُدّ».

و لا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً، سواء كان هناك ربح أو لا؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها، و الوطء يُنقّصها إن كانت بكراً، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة و التلف؛ لأنّه ربما يؤدّي إلي إحبالها.

و لو ظهر فيها ربح، كانت مشتركةً علي أحد القولين، فليس لأحدهما الوطء.

و لو لم يكن فيها ربح، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ، و إنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال، أمّا لو تيقّن عدم الربح، فالأقرب: إنّه يجوز له الوطء.

قال بعض الشافعيّة: إذا تيقّن عدم الربح، أمكن تخريجه علي أنّ العامل لو طلب بيعها و أباه المالك، فهل له ذلك ؟ و فيه خلاف بينهم يأتي، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها، فيحرم الوطء بها(1).

و إذا قلنا بالتحريم و وطئ، فالأقرب: إنّه لا يكون فسخاً للقراض، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و علي كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح: فلأنّها ملك له خاصّةً.

و أمّا مع ظهوره: فلأنّ الشبهة حاصلة؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شيء إلّا بعد البيع و ظهور الربح و القسمة.

و لو وطئها و حملت، صارت أُمَّ ولدٍ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده، و الولد حُرٌّ، و تخرج من المضاربة، و تُحتسب قيمتها، و يضاف إليه بقيّة المال، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.4.

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 35:6.
2- العزيز شرح الوجيز 36:6، روضة الطالبين 215:4.
تذنيب: ليس للمالك و لا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه؛

لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج، و هو ينقّص قيمتها، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما، فإن اتّفقا عليه جاز؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما، و ذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز و إن وافقه العبد؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده، و المضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

و لو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس: في الزيادة و النقصان.
مسألة 271: إذا دفع إلي غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة، كما لو سمنت دابّة القراض، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

و أمّا إن كانت منفصلةً، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض، و نتاج البهيمة، و كسب العبد و الجارية، و ولد الأمة و مهرها إذا وُطئت للشبهة، فإنّها مال القراض أيضاً؛ لأنّها من فوائده.

و كذا بدل منافع الدوابّ و الأراضي، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأي فيها المصلحة، و هو المشهور عند الشافعيّة(1).

و قال بعضهم بالتفصيل، فإن كان في المال ربح و ملّكنا العامل حصّتَه بالظهور، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض، و إن لم يكن فيها

ص: 112


1- الوسيط 123:4، العزيز شرح الوجيز 36:6، روضة الطالبين 216:4.

ربح أو لم نملّكه، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم: إنّها تُعدّ من مال القراض، كالزيادات المتّصلة.

و أكثرهم قال: إنّها للمالك خاصّةً؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(1).

و لا بأس به.

ثمّ اختلفوا، فقال بعضهم: إنّها محسوبة من الربح(2).

و قال بعضهم: إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً و لا من رأس المال، بل هي شائعة(3).

و لو وطئ المالكُ السيّدُ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتي يستقرّ نصيب العامل فيه.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه إن كان في المال ربح و قلنا: إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور، وجب نصيب العامل من الربح، و إلّا لم يجب(4).

و استيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

و إذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال، فالظاهر الجمع بينه و بين القيمة.

مسألة 272: لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق، فهو خسران مجبور بالربح.

و كذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

و أمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه، فإن حصل بعد

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 36:6-37، روضة الطالبين 216:4.
2- الوسيط 123:4، العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4.
3- العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4.
4- التهذيب - للبغوي - 390:4، العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4.

التصرّف في المال بالبيع و الشراء، فالأقرب: إنّه كذلك.

و أكثر الشافعيّة [ذكروا](1) أنّ الاحتراق و غيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(2) ، و أمّا التلف بالسرقة و الغصب ففيه لهم وجهان(3).

و فرّقوا بينهما بأنّ في الغصب و السرقة يحصل الضمان علي الغاصب و السارق، و هو يجبر النقص، فلا حاجة إلي جبره بمال القراض(4).

و أكثرهم لم يفرّقوا بينهما، و سوّوا بين التلف بالآفة السماويّة و غيرها، فجعلوا الوجهين في النوعين، أحدهما: المنع؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل و تجارته، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق، و ليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل، بخلاف المرض و العيب، فلا يجب علي العامل جَبْره(3).

و كيفما كان فالأصحّ عندهم: إنّه مجبور بالربح(4).

و إن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع و الشراء، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون، فالأقرب: إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع و قبض العامل له، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان، و هو أحد قولَي الشافعي، و به قال المزني(5).4.

ص: 114


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4. (3 و 4) التهذيب - للبغوي - 394:4، العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4.
3- العزيز شرح الوجيز 37:6.
4- العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 216:4.
5- العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 217:4.

و الأظهر عندهم: إنّه يتلف من رأس المال، و يكون رأس المال الخمسين الباقية؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(1).

و ليس بجيّدٍ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة 273: لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له، انفسخت المضاربة؛

لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشتري بعد ذلك للمضاربة، كان لازماً له، و الثمن عليه، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً، كما لو لم يتلف المال، و عدمه، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة و قبل تصرّف العامل فيه، فإنّ العامل يأخذ بدله، و يكون القراض باقياً فيه؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك، كذا يتناول بدله، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل، و المأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

و كذا لو أتلف بعضه.

و لو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ، فالأقرب: إنّه يُجبر بالربح، و هو أحد قولَي الشافعيّة(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ و المخاصمة له و المطالبة بالبدل و المحاكمة عليه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لأنّ حفظ

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 217:4. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 38:6، روضة الطالبين 217:4.

المال يقتضي ذلك، و لا يتمّ إلّا بالخصومة و المطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال، فإنّه لو لم يطالبه العامل، ضاع المال، و تلف علي المالك.

و في الوجه الثاني: ليس له ذلك؛ لأنّ المضاربة عقد علي التجارة، فلا يندرج تحته الحكومة(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه من توابعها.

فعلي هذا لو ترك الخصومة و الطلب مع غيبة المالك ضمن؛ لأنّه فرّط في تحصيله، و إن كان حاضراً و علم الحال لم يلزم العامل طلبه و لا يضمنه إذا تركه؛ لأنّ ربّ المال أولي بذلك من وكيله.

و فصّل بعضهم، فقال: الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح، و هُما جميعاً إن كان فيه ربح(2).

مسألة 274: لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة، احتُمل ارتفاعُ القراض؛

لأنّه و إن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه، فحينئذٍ يحتاج إلي استئناف القراض، و به قال الجويني(3)، و بقاءُ القراض في البدل، كبقائه في أثمان المبيعات، و في بدله لو أتلفه الأجنبيّ، و علي هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ المُتلف.

و لو كان مال القراض مائتين فاشتري بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما، فإنّه يُجبر التالف بالربح، فيحسب المغروم من الربح؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال، و ليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتي يردّ ما تصرّف فيه إلي المالك، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 38:6، روضة الطالبين 217:4.
2- العزيز شرح الوجيز 38:6، روضة الطالبين 217:4.

و الثاني: البناء علي تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول: لو تلفت إحدي المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح، فهنا أولي، و إن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك؛ لأنّ العبدين بدل المائتين، و لا عبرة بمجرّد الشراء، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف، و الركن الأعظم في التجارة البيع؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(1).

و المعتمد ما قلناه.

مسألة 275: لو اشتري عبداً للقراض فقتله قاتلٌ، فإن كان هناك ربح فالمالك و العامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية،

و ليس لأحدهما التفرّد بالجميع، بل الحقّ لهما، فإن تراضيا علي العفو علي مالٍ أو علي القصاص جاز، و إن عفا أحدهما علي غير شيءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص و الدية، و كان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً، فإن أخذ الدية فذاك، و إن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه و اقتصّ.

و عند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(2).

و ليس بشيءٍ، و سيأتي.

و هذا بناءً علي ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور، و إن لم يكن هناك ربح، فللمالك القصاص و العفو علي غير مالٍ.

و كذا لو أوجبت الجناية المالَ و لا ربح، كان له العفو عنه مجّاناً، و يرتفع القراض.

و لو أخذ المال أو صالح عن القصاص علي مالٍ، بقي القراض فيه؛

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 37:6-38، روضة الطالبين 217:4.
2- الحاوي الكبير 351:7، بحر المذهب 233:9، البيان 194:7، العزيز شرح الوجيز 38:6، روضة الطالبين 217:4.

لأنّه بدل مال القراض، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال، و إن كان أكثر كان الفضل بينهما.

و لو كان هناك ربح و قلنا: إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل؛ لأنّه و إن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به، فإن اتّفقا علي القصاص كان لهما.

مسألة 276: إذا اشتري العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلي البائع،

فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع، كان ضامناً، و يكون القراض باقياً، و يجب عليه الدفع إلي البائع، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلي صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول: إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة، فإن كان قد اشتري بالعين بطل البيع، و وجب دفع المبيع إلي بائعه، و ارتفع القراض.

و إن كان الشراء في الذمّة للقراض، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلي المالك أو إلي القراض؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه، و لا يلزم الثمن أحدهما، بل يردّ المبيع إلي بائعه، و إن لم يُضف الشراء إلي المالك و لا إلي القراض، بل أطلق ظاهراً، حُكم بالشراء للعامل، و كان الثمن لازماً له.

و إن كان بإذن المالك، وقع الشراء للقراض، و وجب علي المالك دفع عوض الثمن التالف، و يكون العقد باقياً.

و هل يكون رأس المال مجموع التالف و المدفوع ثانياً، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوي: إنّ المجموع رأس المال، و به قال أبو حنيفة و محمّد، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و الثاني: إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً؛ لأنّ

ص: 118

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه، فلم يكن من رأس المال، كما لو تلف قبل الشراء(1).

و قال مالك: إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخري، و يكون هو رأس المال، دون الأوّل، و بين أن لا يدفع، فيكون الشراء للعامل(2).

و يتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة علي ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلي عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشتري في الذمّة شيئاً ليصرفه إلي الثمن فتلف: إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخري فيمضي العقد، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلي المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخري، و هناك لا يمكن فيصار إلي الفسخ(3).

و اعلم أنّ الشافعي قال: لو قارض رجلاً، فاشتري ثوباً و قبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق، فليس علي صاحب المال شيء، و السلعة للعامل، و عليه ثمنها.

و اختلف أصحابه هنا علي طريقين:

منهم مَنْ قال: إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء، كانت السلعة لربّ المال، و وجب عليه ثمنها.

و الفرق بينهما: إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض، فإذا6.

ص: 119


1- بحر المذهب 230:9، الوسيط 124:4-125، حلية العلماء 342:5-343، التهذيب - للبغوي - 394:4، البيان 193:7، العزيز شرح الوجيز 39:6، روضة الطالبين 218:4، تحفة الفقهاء 24:3، الهداية - للمرغيناني - 214:3، مختصر اختلاف العلماء 1736/63:4، المغني 183:5، الشرح الكبير 169:5.
2- بحر المذهب 230:9، حلية العلماء 343:5، العزيز شرح الوجيز 39:6.
3- العزيز شرح الوجيز 39:6.

اشتري للقراض وقع الشراء له، و وجب الثمن عليه، و إذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض، و مَلَكه ربّ المال، و إذا تلف الثمن كان الثمن علي مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخري ليدفعها، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخري، و علي هذا.

و اختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال: إنّ الألفين الأوّلة و الثانية تكونان رأس المال.

و منهم مَنْ قال: الثانية خاصّةً، و الاُولي انفسخ القراض فيها(1).

و قال ابن سريج: إنّ الشراء يقع للعامل، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده، و حمل كلام الشافعي علي عمومه(2).

و إنّما كان كذلك؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض، فإن اشتري قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن، فإذا تعذّر ذلك، فقد حصل الشراء علي غير الوجه الذي أذن، فيصير الشراء للعامل.

قال: و هذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره، فيصحّ الإحرام عنه، فإذا أفسده الأجير، صار عنه؛ لأنّه خالف في الإذن، كذا هنا.

لا يقال: لو وكّل وكيلاً و دفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها و قبل أن يدفع الثمن هلك في يده، أ ليس يكون الشراء للموكّل و الألف عليه ؟

لأنّا نقول: قال ابن سريج: في ذلك وجهان:4.

ص: 120


1- راجع: بحر المذهب 230:9، و حلية العلماء 342:5، و العزيز شرح الوجيز 39:6.
2- بحر المذهب 230:9، حلية العلماء 342:5، العزيز شرح الوجيز 39:6، روضة الطالبين 218:4.

أحدهما: إنّه يلزم الوكيل، كمسألتنا.

و الثاني: إنّه يلزم الموكّل(1).

و الفرق بينهما: إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة علي أنّه لا يزيد عليها؛ لأنّ إذنه تناول المال، و لا يلزمه أن يزيد علي ذلك، و في الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد و قد اشتراه له، فكان ثمنه عليه.1.

ص: 121


1- بحر المذهب 230:9-231.

ص: 122

الفصل الرابع: في التنازع
مسألة 277: لو ادّعي العامل التلفَ، صُدّق باليمين و عدم البيّنة،

سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(1) ؛ لأنّه أمين في المال، كالمستودع.

و الأصل فيه: إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه، فكان أميناً، كالوكيل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَ عليه السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلي صاحبه ضمان ؟ قال: «ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً»(3).

و به قال الشافعي(4) ، و فرّق بين العامل و بين المستعير حيث ذهب إلي أنّ المستعير ضامن(5): بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ، و هنا معظم المنفعة لربّ المال.

و فرّق أيضاً بين العامل و بين الأجير المشترك، فإنّه عنده - علي أحد القولين - ضامن؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت

ص: 123


1- الظاهر: «بعده».
2- الكافي 1/238:5، الفقيه 878/193:3، التهذيب 790/179:7.
3- الكافي 238:5-4/239، التهذيب 812/184:7.
4- مختصر المزني: 122، الحاوي الكبير 323:7، المهذّب - للشيرازي - 396:1، بحر المذهب 204:9، الوسيط 130:4، التهذيب - للبغوي - 401:4، البيان 203:7، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4.
5- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 273، الهامش (4).

له، و هنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة، فافترقا(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ قوله مقبول في التلف، سواء ادّعي التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً، و سواء أمكنه إقامة البيّنة علي السبب أو لا.

و للشافعي تفصيل(2) تقدّم مثله في الوديعة(3).

مسألة 278: لو اختلف المالك و العامل في ردّ المال، فادّعاه العامل و أنكره المالك، فالأقوي: تقديم قول المالك

- و هو قول أحمد، و أحد وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه، فلم يقبل قوله في ردّه إلي المالك، كالمستعير، و لأنّ صاحب المال منكر و العامل مدّعٍ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

و الوجه الثاني لأصحاب الشافعي: إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين؛ لأنّه أمين، و لأنّ معظم النفع لربّ المال، و العامل كالمستودع(5).

و نمنع أنّه أمين في المتنازع، و لا ينفع في غيره.

و الفرق بينه و بين المستودع ظاهر؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

و نمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه، و لم يأخذه لنفع ربّ المال.

ص: 124


1- راجع: البيان 204:7.
2- التهذيب - للبغوي - 401:4، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4.
3- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 212، المسألة 62. (4 و 5) الحاوي الكبير 323:7، المهذّب - للشيرازي - 396:1، بحر المذهب 204:9، الوسيط 130:4، حلية العلماء 354:5، البيان 203:7-204، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4.
مسألة 279: لو اختلفا في الربح، فالقول قول العامل مع يمينه و عدم البيّنة

- سواء اختلفا في أصله و حصوله بأن ادّعي المالك الربحَ و أنكر العامل و قال: ما ربحتُ شيئاً، أو في مقداره بأن ادّعي المالك أنّه ربح ألفاً و ادّعي العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

و كذا لو قال: كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ و ذهب الربح، و ادّعي المالك بقاءه في يده، قُدّم قول العامل مع اليمين؛ لأنّه أمين، كما لو ادّعي المستودع التلفَ، و كما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه، و لأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة، كالوكيل، و به قال الشافعي و غيره(1).

و أمّا لو قال العامل: ربحتُ ألفاً، ثمّ قال: غلطتُ في الحساب، و إنّما الربح مائة، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا، أو قال: كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك، لم يُقبل رجوعه؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه، فلم يُقبل، كسائر الأقارير، و به قال الشافعي(2).

و قال مالك: إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح، قُبِل قوله: كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم، بخلاف ما إذا قال: خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه، فإنّه لا يُقبل، كما لو ادّعي عليه وديعة، فقال له:

ما أودعتَ عندي شيئاً، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع، فادّعي التلف، لم يُقبل قوله، أمّا لو قال: ما تستحقّ علَيَّ شيئاً، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع، فادّعي

ص: 125


1- الوسيط 131:4، التهذيب - للبغوي - 401:4، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4، المغني 194:5، الشرح الكبير 176:5.
2- مختصر المزني: 123، الحاوي الكبير 353:7، بحر المذهب 224:9، الوسيط 131:4، التهذيب - للبغوي - 400:4، البيان 207:7، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4.

التلف، كان القولُ قولَه مع يمينه؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل، كذا هنا(1).

هذا إذا كانت دعوي الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد، و لو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة 280: إذا اشتري العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا،

فقال صاحب المال: اشتريتَه للقراض، و قال العامل: اشتريتُه لنفسي، قُدّم قول العامل مع اليمين، و كذا لو ظهر خسران فاختلفا، فادّعي صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه، و ادّعي العامل أنّه اشتراه للقراض، قُدّم قول العامل مع اليمين؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل، و هو أبصر بما نواه، و لا يطّلع علي ذلك من البشر أحد سواه، و إنّما يكون مال القراض بقصده و نيّته - و هو أحد قولَي الشافعي(2) - و لأنّ في المسألة الأُولي المال في يد العامل، فإذا ادّعي ملكه فالقول قوله.

و قد ذكر الشافعي في الوكيل و الموكّل إذا اختلفا في بيع شيءٍ أو شراء شيءٍ، فقال الموكّل: ما بعتَه، أو قال: ما اشتريتَه، و قال الوكيل: بعتُ أو اشتريتُ، قولين(3).

ص: 126


1- بحر المذهب 225:9، التهذيب - للبغوي - 400:4، العزيز شرح الوجيز 46:6.
2- مختصر المزني: 123، الحاوي الكبير 349:7، المهذّب - للشيرازي - 396:1، بحر المذهب 223:9، الوسيط 131:4، حلية العلماء 355:5، التهذيب - للبغوي - 400:4، البيان 205:7، العزيز شرح الوجيز 46:6، روضة الطالبين 222:4.
3- الحاوي الكبير 521:6، المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 223:9، الوسيط 310:3، حلية العلماء 157:5، البيان 415:6، و 206:7، العزيز شرح الوجيز 264:5-265، روضة الطالبين 568:3.

و اختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً: قولان، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران:

أحدهما: القول قول ربّ المال؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض، و الأصل عدم وقوعه للقراض، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل:

بعتُ ما أمرتني ببيعه، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه، فقال الموكّل:

لم تفعل.

و الثاني: القول قول الوكيل؛ لأنّه أعلم بما نواه.

و منهم مَنْ قال هنا: القول قول العامل قولاً واحداً، بخلاف مسألة الوكالة.

و الفرق بينهما: إنّ الموكّل و الوكيل اختلفا في أصل البيع و الشراء، و هنا اتّفقا علي أنّه اشتراه، و إنّما اختلفا في صفة الشراء، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(1).

و لو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً، فيبطل البيع، و لا يكون للقراض(2).

مسألة 281: لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح، فقال المالك:

شرطتُ(3) لك الثلث، و قال العامل: بل النصف، فالقول قول المالك

مع

ص: 127


1- بحر المذهب 223:9، البيان 206:7.
2- الحاوي الكبير 349:7، المهذّب - للشيرازي - 396:1، بحر المذهب 223:9، حلية العلماء 356:5، البيان 206:7، العزيز شرح الوجيز 47:6، روضة الطالبين 222:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «اشترطتُ».

يمينه و عدم البيّنة، عند علمائنا - و به قال الثوري و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس، و القول قول المنكر مع اليمين.

و قال الشافعي: يتحالفان؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن، و كالإجارة، فإذا حلفا فسخ العقد، و اختصّ الربح و الخسران بالمالك، و للعامل أُجرة المثل عن عمله، كما لو كان القراض فاسداً - و فيه وجه: إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(2) - و لو حلف أحدهما و نكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(3).

و عن أحمد رواية ثانية: إنّ العامل إذا ادّعي أُجرة المثل و زيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله، و إن ادّعي أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(4).5.

ص: 128


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 43:2، الحاوي الكبير 350:7، بحر المذهب 228:9، حلية العلماء 354:5، المغني 193:5، الشرح الكبير 175:5، مختصر اختلاف العلماء 1738/64:4، المبسوط - للسرخسي - 89:22، بدائع الصنائع 109:6، روضة القُضاة 3483/594:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 165:3، الهداية - للمرغيناني - 214:3.
2- العزيز شرح الوجيز 47:6، روضة الطالبين 222:4-223.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 44:2، الحاوي الكبير 350:7، المهذّب - للشيرازي - 396:1، بحر المذهب 227:9-228، الوجيز 226:1، الوسيط 130:4، حلية العلماء 354:5، التهذيب - للبغوي - 400:4، البيان 204:7، العزيز شرح الوجيز 47:6، روضة الطالبين 222:4، المغني 193:5، الشرح الكبير 175:5، مختصر اختلاف العلماء 1738/64:4، روضة القُضاة 3485/594:2.
4- المغني 193:5، الشرح الكبير 175:5.

و المعتمد ما قلناه؛ لأنّ المالك منكر، و لأنّه اختلاف في فعله، و هو أبصر به و أعرف، و لأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال، فالقول قول مَنْ يدّعيه، و علي مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة 282: لو اختلفا في قدر رأس المال، فقال المالك: دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال، و قال العامل: بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال، كذلك قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي(1).

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً و هو ينكره، و القول قول المنكر، و الأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به، و لأنّ المال في يد العامل و هو يدّعيه لنفسه ربحاً، و ربّ المال يدّعيه لنفسه، فالقول قول صاحب اليد.

و لا فرق عندنا بين أن يختلفا و هناك ربح أو لم يكن، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح، و إن كان تحالفا؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من

ص: 129


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 43:2، المغني 192:5، الشرح الكبير 174:5-175، روضة القُضاة 594:2-3486/595، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 165:3، بدائع الصنائع 109:6، المبسوط - للسرخسي - 91:22، الهداية - للمرغيناني - 214:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 396:1، الوسيط 130:4، حلية العلماء 354:5 و 355، البيان 204:7، العزيز شرح الوجيز 47:6، روضة الطالبين 223:4.

الربح(1).

و الحكم في الأصل ممنوع علي ما تقدّم، مع أنّ الفرق ظاهر؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد، و الاختلاف هنا اختلاف في القبض، فيُصدَّق فيه النافي، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة 283: لو كان العامل اثنين و شرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة و له النصف،

و تصرّفا و اتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال: إنّ رأس المال ألفان، فصدّقه أحد العاملين و كذّبه الآخَر و قال: بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة، لزم المُقرّ ما أقرّ به، ثمّ يحلف المنكر؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال، و يُقضي للمنكر بموجب قوله، فالربح بزعم المنكر ألفان و قد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة، فتُسلّم إليه، و يأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال؛ لاتّفاق المالك و المُقرّ عليه، تبقي خمسمائة تُقسَّم بين المالك و المصدِّق أثلاثاً؛ لاتّفاقهم علي أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين، و ما أخذه المنكر كالتالف منهما، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة و المصدِّق ثلثها؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه، و نصيب المصدِّق الربع، فيقسّم بينهما علي ثلاثة أسهم، و ما أخذه الحالف كالتالف، و التالف في المضاربة يُحسب من الربح.

و لو كان الحاصل ألفين لا غير، فادّعاها المالك رأسَ المال، فصدّقه أحدهما و كذّبه الآخَر و ادّعي أنّ رأس المال ألف و الألف الأُخري ربح،

ص: 130


1- المهذّب - للشيرازي - 396:1، الوسيط 130:4-131، حلية العلماء 355:5، البيان 204:7، العزيز شرح الوجيز 47:6، روضة الطالبين 223:4.

صُدّق المكذِّب بيمينه، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين و خمسين الزائدة علي ما أقرّ به، و الباقي يأخذه المالك.

مسألة 284: لو اختلفا في جنس مال القراض، فادّعي المالك أنّ رأس المال كان دنانير،

و قال العامل: بل دراهم، فالقول قول العامل مع يمينه؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

و لو اختلفا في أصل القراض، مثل: أن يدفع إلي رجلٍ مالاً يتّجر به، فربح، فقال المالك: إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً و الربح بيننا، و قال التاجر: بل كان قرضاً علَيَّ، ربحه كلّه لي، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّه ملكه، و الأصل تبعيّة الربح له، فمدّعي خلافه يفتقر الي البيّنة، و لأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

و قال بعض العامّة: يتحالفان، و يكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح، فربّ المال يعترف له به، و هو يدّعي كلّه، و إن كان أُجرة مثله أكثر، فالقول قوله مع يمينه في عمله، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط، و إنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له، فتكون له أُجرة المثل(1).

و لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه، فالأقوي: إنّه يُحكم ببيّنة العامل؛ لأنّ القول قول المالك، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

و قال أحمد: إنّهما يتعارضان، و يُقسّم الربح بينهما نصفين(2).

و لو قال ربّ المال: كان بضاعةً فالربح كلّه لي، و قال العامل: كان قراضاً، فالأقرب: إنّهما يتحالفان، و يكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه

ص: 131


1- المغني 195:5، الشرح الكبير 177:5.
2- المغني 195:5، الشرح الكبير 177:5-178.

من الربح أو أُجرة مثله؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح، فلا يستحقّ زيادةً عليه و إن كان الأقلّ أُجرة مثله، فلم يثبت كونه قراضاً، فيكون له أُجرة عمله.

و يحتمل أن يكون القول قولَ العامل؛ لأنّ عمله له، فيكون القولُ قولَه فيه.

و لو قال المالك: كان بضاعةً، و قال العامل: كان قرضاً علَيَّ، حلف كلٌّ منهما علي إنكار ما ادّعاه خصمه، و كان للعامل أُجرة عمله لا غير.

و لو خسر المال أو تلف، فقال المالك: كان قرضاً، و قال العامل: كان قراضاً أو بضاعةً، فالقول قول المالك.

و كذا لو كان هناك ربح فادّعي العامل القراضَ و المالك الغصبَ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

** *

ص: 132

الفصل الخامس: في التفاسخ و اللواحق
مسألة 285: قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين، كالوكالة و الشركة، بل هو عينهما؛

فإنّه وكالة في الابتداء، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء، فلكلّ واحدٍ من المالك و العامل فسخه و الخروج منه متي شاء، و لا يحتاج فيه إلي حضور الآخَر و رضاه؛ لأنّ العامل يشتري و يبيع لربّ المال بإذنه، فكان له فسخه، كالوكالة، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(2).

و الحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإن فسخا العقد أو أحدهما، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال، و لم يكن للعامل أن يشتري بعده.

و إن كان قد عمل، فإن كان المال ناضّاً و لا ربح فيه أخذه المالك أيضاً، و كان للعامل أُجرة عمله إلي ذلك الوقت، و إن كان فيه ربح أخذ رأس ماله و حصّته من الربح، و أخذ العامل حصّته منه.

و إن لم يكن المال ناضّاً، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك، فإن كان في المال ربح كان علي العامل جبايته، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3).

ص: 133


1- البيان 170:7، العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 218:4.
2- بدائع الصنائع 77:6 و 109، العزيز شرح الوجيز 40:6.
3- العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 218:4، الاختيار لتعليل المختار 35:3، الهداية - للمرغيناني - 209:3، المغني 180:5، الشرح الكبير 172:5.

و إن لم يكن هناك ربح، قال الشيخ رحمه الله: يجب علي العامل جبايته أيضاً(1) ، و به قال الشافعي؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال علي صفته، و الديون لا تجري مجري المال الناضّ، فيجب(2) عليه أن ينضّه إذا أمكنه، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(3).

و الأصل فيه: إنّ الدَّيْن ملك ناقص، و الذي أخذه كان ملكاً تامّاً، فليردّ كما أخذ.

و قال أبو حنيفة: إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه، و إن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل، فصار(4) كالوكيل(5).

و الفرق: إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض، و العامل يلزمه.

مسألة 286: لو فسخ المالك القراض و الحاصل دراهم مكسّرة و كان رأس المال صحاحاً،

فإن قدر علي إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها، و إلّا باعها بغير جنسها من النقد، و اشتري بها الصحاح.

و يجوز أن يبيعها بعرضٍ و يشتري به الصحاح؛ لأنّه سعي في إنضاض المال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه قد

ص: 134


1- الخلاف 463:3-464، المسألة 10 من كتاب القراض.
2- في الطبعة الحجريّة: «فوجب».
3- بحر المذهب 208:9، التهذيب - للبغوي - 399:4، البيان 198:7 و 199، العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 218:4، المغني 180:5-181، الشرح الكبير 172:5.
4- في النُّسَخ الخطّيّة: «فكان» بدل «فصار».
5- الاختيار لتعليل المختار 35:3، الهداية - للمرغيناني - 209:3، بحر المذهب 208:9، البيان 198:7، العزيز شرح الوجيز 40:6، المغني 180:5، الشرح الكبير 172:5.

يتعوّق عليه بيع العرض(1).

و لو كان رأس المال دنانير و الحاصل دراهم، أو بالعكس، أو كان رأس المال أحد النقدين و الحاصل متاع، فإن لم يكن هناك ربح فعلي العامل بيعه إن طلبه المالك.

و للعامل أيضاً بيعه و إن كره المالك - و به قال الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق(2) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

و لا يجب علي المالك الصبر و تأخير البيع إلي موسم رواج المتاع - و به قال الشافعي(3) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

و قال مالك: للعامل أن يؤخّر البيع إلي الموسم(4).

و لو طلب المالك أن يأخذه بقيمته، جاز، و ما يبقي بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

و إن لم يطلب ذلك، و طلب أن يباع بجنس رأس المال، لزم ذلك، و يباع منه بقدر رأس المال، و لا يُجبر العامل علي بيع الباقي.

و لو قال العامل: قد تركتُ حقّي منه فخُذْه علي صفته و لا تكلّفني البيع، فالأقرب: إنّه لا يُجبر المالك علي القبول؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه، و في الإنضاض مشقّة و مئونة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني:6.

ص: 135


1- العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 218:4.
2- المغني 179:5-180، الشرح الكبير 171:5، التهذيب - للبغوي - 398:4، العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 218:4-219.
3- بحر المذهب 208:9، التهذيب - للبغوي - 398:4، العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 219:4.
4- بحر المذهب 208:9-209، التهذيب - للبغوي - 398:4، العزيز شرح الوجيز 40:6.

إنّه يجب علي المالك القبول(1).

و قد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا و في كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم: إنّ هذا مبنيّ علي الخلاف في أنّه متي يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور، لم يلزم المالك قبول ملكه، و لم يسقط به طلب البيع، و إن قلنا بالقسمة، أُجيب؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ، فلا معني لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(2).

و قال بعضهم: بل هُما مفرَّعان أوّلاً علي أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك و الإسقاط؟ و هو مبنيّ علي أنّ الربح متي يملك ؟ إن قلنا بالظهور، لم يسقط كسائر المملوكات، و إن قلنا بالقسمة، سقط علي أصحّ الوجهين؛ لأنّه مَلَك أن يملك، فكان له العفو و الإسقاط كالشفعة، فإن قلنا: لا يسقط حقّه بالترك، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع، و إذا قلنا: يسقط، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح ؟(3).

و لو قال المالك: لا تبع و نقتسم العروض بتقويم عَدْلين، أو قال:

أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً، فالأقوي: إنّ للعامل الامتناع؛ لأنّه قد يجد زبوناً(4)العزيز شرح الوجيز 41:6، روضة الطالبين 219:4.(5) يشتريه بأكثر من قيمته.

و للشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم علي أنّ الربح متي يملك ؟ إن قلنا بالظهور، فله البيع، و إن قلنا بالقسمة، فلا؛ لوصوله إلي حقّه بما يقوله المالك(5).4.

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 40:6، روضة الطالبين 219:4.
2- العزيز شرح الوجيز 40:6-41.
3- العزيز شرح الوجيز 41:6.
4- راجع: ج 14 - من هذا الكتاب - ص 161، الهامش
5- .

و قطع بعضهم علي الثاني، و قال: إذا غرس المستعير في أرض العارية، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة، فهنا أولي(1).

و الأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه و إنضاضه قدر رأس المال خاصّةً، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان، لا يكلّف واحد منهما بيعه؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك و العامل، و لا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه، و لأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله علي صفته، و لا يوجد هذا المعني في الربح.

و إذا باع بطلب المالك أو بدونه، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال، و لو لم يكن من جنسه باعه بما يري من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به، و حصل به رأس المال(2).

مسألة 287: لو لم يكن في المال ربح، ففي وجوب البيع علي العامل و إنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال

ينشأ: من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلي حقّه منه، فإذا لم يكن ربح و ارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة، و من أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلي ما كان مئونة و كلفة.

و للشافعيّة وجهان(3) كهذين.

ص: 137


1- العزيز شرح الوجيز 41:6، روضة الطالبين 219:4.
2- العزيز شرح الوجيز 41:6، روضة الطالبين 219:4.
3- العزيز شرح الوجيز 41:6، روضة الطالبين 219:4.

و هل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع ؟ إشكال ينشأ: من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ، فيحصل له ربحٌ ما، و من أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع، و هو شغل لا فائدة فيه.

و للشافعيّة وجهان(1).

و الثاني عندي أقوي؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلي حين الفسخ، و حصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد، فلا يستحقّها العامل.

و قال بعضهم: إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً، و له أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(2).

و تردّد بعضهم في ذلك؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة، و إنّما هو رزق يساق إلي مالك العروض(3).

و علي القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا علي أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق، فهل للعامل نصيبٌ فيه؛ لحصوله بكسبه، أو لا؛ لظهوره بعد الفسخ ؟ الأقوي: الثاني، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4).

مسألة 288: يرتفع القراض بقول المالك: «فسختُ القراض» و «رفعتُه» و «أبطلتُه»

و ما أدّي هذا المعني، و بقوله للعامل: «لا تتصرّف بعد هذا» أو «قد أزلتُ يدك عنه» أو «أبطلتُ حكمك فيه» و باسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

ص: 138


1- العزيز شرح الوجيز 42:6، روضة الطالبين 219:4.
2- العزيز شرح الوجيز 42:6، روضة الطالبين 219:4.
3- العزيز شرح الوجيز 42:6، روضة الطالبين 219:4.
4- العزيز شرح الوجيز 42:6، روضة الطالبين 219:4.

و لو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع، و إن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه، فإنّ الوكيل ينعزل، كذا العامل هنا؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ، و لو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله علي الأوّل و علي الثاني.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو حبس العامل و منعه من التصرّف، أو قال: لا قراض بيننا، فالأقرب: الانعزال.

مسألة 289: القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه؛

لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه، فهو كالوكيل.

و لا فرق بين ما قبل التصرّف و بعده.

فإذا مات المالك، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث، و إن كان فيه ربح اقتسماه.

و تُقدَّم حصّة العامل علي جميع الغرماء، و لم يأخذوا شيئاً من نصيبه؛ لأنّه يملك الربح بالظهور، فكان شريكاً للمالك، و ليس لربّ المال شيء من نصيبه، فهو كالشريك، و لأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة، فكان مقدَّماً، كحقّ الجناية، و لأنّه متعلّق بالمال قبل الموت، فكان أسبق، كحقّ الرهن.

و إن كان المال عرضاً، فالمطالبة بالبيع و التنضيض كما في حالة

ص: 139


1- العزيز شرح الوجيز 42:6، روضة الطالبين 219:4.

ظهور(1) الفسخ في حياتهما، و للعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك، و لا يحتاج إلي إذن الوارث؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّي الوارث الملك منه، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(2).

و المشهور عندهم: الأوّل(3). و لا بأس بالثاني.

و يجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(4).

أمّا لو أراد العامل الشراء، فإنّه ممنوع منه؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة 290: إذا مات المالك و أراد هو و الوارث الاستمرار علي العقد،

فإن كان المال ناضّاً، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ و استئناف شرطٍ بينهما، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها، و سواء كان هناك ربح أو لا؛ لجواز القراض علي المشاع، و يكون رأس المال و حصّته من الربح رأس المال، و حصّة العامل من الربح شركة له مشاع، كما لو كان رأس المال مائةً و الربح مائتين و جدّد الوارث العقد علي النصف، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة، و المائة الباقية للعامل، فعند القسمة يأخذها و قسطها من الربح، و يأخذ الوارث مائتين، و يقتسمان ما بقي.

و هذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا و عند العامّة(2).

ص: 140


1- الظاهر: «حصول» بدل «ظهور». (2-4) العزيز شرح الوجيز 43:6، روضة الطالبين 220:4.
2- المغني 181:5، الشرح الكبير 172:5.

أمّا عندنا: فلجواز القراض بالمشاع.

و أمّا عندهم: فلأنّ الشريك هو العامل، و ذلك لا يمنع التصرّف(1).

و كذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(2) ، و يكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً، و يتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة؛ لأنّه عقد مبتدأ، و ليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء، و التقرير يشعر بالاستدامة، فلا ينعقد بلفظ الترك و التقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه: «تركتُك، أو: أقررتُك علي ما كنتَ عليه» - و هو أحد قولَي الشافعيّة(3) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

و الثاني - و هو الأظهر عند الجويني -: إنّه ينعقد بالترك و التقرير؛ لفهم المعني، و قد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ علي موجب العقد السابق(4).

و إن كان المال عروضاً، لم يصح تقرير الوارث عليه، و بطل القراض عندنا و ارتفع - و هو أظهر وجهي الشافعيّة و إحدي الروايتين عن أحمد(3) -5.

ص: 141


1- المغني 181:5، الشرح الكبير 172:5.
2- الوسيط 130:4، العزيز شرح الوجيز 43:6، روضة الطالبين 220:4. (3 و 4) الوسيط 129:4، العزيز شرح الوجيز 43:6، روضة الطالبين 220:4.
3- الحاوي الكبير 330:7، المهذّب - للشيرازي - 395:1، بحر المذهب 210:9، الوسيط 129:4، حلية العلماء 348:5، التهذيب - للبغوي - 397:4، البيان 200:7، العزيز شرح الوجيز 43:6، روضة الطالبين 220:4، المغني 181:5 و 182، الشرح الكبير 172:5.

لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً مستأنفاً فيرد علي العروض، و هو باطل.

و الثاني: إنّه يجوز تقرير الوارث عليه؛ لأنّه استصحاب قراضٍ، فيظهر فيه جنس المال و قدره، فيجريان علي موجبه، و هذا الوجه هو منصوص الشافعي(1).

و الرواية الثانية عن أحمد: إنّ القراض إنّما منع منه في العروض؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلي ردّ مثلها أو قيمتها، و يختلف ذلك باختلاف الأوقات، و هذا غير موجودٍ هنا؛ لأنّ رأس المال غير العروض، و حكمه باقٍ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال و يقسّم الباقي(2).

و هو غلط؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها، بل بالوصف الضابط لها، و لا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ، و لهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً، و كانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها، و يضارب في الباقي، و ليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها، و لو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض، فلو جاز ابتداء القراض هنا و بناؤها علي القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [به] و حصّتها من الربح مشتركة بينهما، و حُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً، و هذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ، و يلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً، و ذهاب بعض الربح في رأس المال.5.

ص: 142


1- الحاوي الكبير 330:7، المهذّب - للشيرازي - 395:1، بحر المذهب 210:9، الوسيط 129:4، حلية العلماء 348:5، التهذيب - للبغوي - 397:4، البيان 200:7، العزيز شرح الوجيز 43:6، روضة الطالبين 220:4، المغني 181:5 و 182، الشرح الكبير 172:5.
2- المغني 181:5-182، الشرح الكبير 172:5.
مسألة 291: لو مات العامل، فإن كان المال ناضّاً و لا ربح أخذه المالك،

و إن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ و حصّته من الربح، و دفع إلي الوارث حصّته.

و لو كان متاعاً و احتيج إلي البيع و التنضيض، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز، و إلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

و لا يجوز تقرير الوارث علي القراض؛ لأنّه لا يصحّ القراض علي العروض، و القراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه، و به قال الشافعيّة(1).

و لا يُخرّج علي الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك: إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل علي القراض؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك و موت العامل؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله و قد فات بوفاته، و من جانب المالك المال، و هو باقٍ بعينه انتقل إلي الوارث، و لأنّ العامل هو الذي اشتري العروض، و الظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه و ترويجه، و هذا المعني لا يؤثّر فيه موت المالك، و إذا مات العامل فربما كانت العروض كلّاً علي وارثه؛ لأنّه لم يشترها و لم يخترها(2).

و عند أحمد: إنّه يجوز القراض بالعروض، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض و يجعل رأس المال

ص: 143


1- بحر المذهب 210:9، الوسيط 130:4، التهذيب - للبغوي - 397:4، البيان 201:7، العزيز شرح الوجيز 44:6، روضة الطالبين 220:4.
2- العزيز شرح الوجيز 44:6، و راجع: الحاوي الكبير 331:7، و البيان 201:7.

قيمتها يوم العقد(1).

و لو كان المال ناضّاً وقت موت العامل، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد، و لا يصحّ بلفظ التقرير.

و للشافعيّة الوجهان السابقان(2).

فإن لم يرض، لم يجز للوارث شراء و لا بيع.

إذا عرفت هذا، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد علي الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة ؟ و يجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته، فقال البائع: قرّرتُك علي موجب العقد الأوّل، و قَبِل صاحبه(3).

و في مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(4).

و للجويني احتمال فيه؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(5).

مسألة 292: إذا مات العامل و عنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به،

و إن جُهل كانوا فيه سواءً، و إن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

و لو سمّي الميّت واحداً بعينه قضي له به، و إن لم يذكر كان أُسوة الغرماء؛ لما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّ عليهم السلام أنّه كان يقول: «مَنْ يموت و عنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال: هذا لفلانٍ، فهو له، و إن مات و لم يذكر فهو أُسوة الغرماء»(3).

ص: 144


1- المغني 182:5، الشرح الكبير 173:5.
2- الوسيط 129:4، العزيز شرح الوجيز 44:6، روضة الطالبين 220:4. (3-5) العزيز شرح الوجيز 44:6.
3- التهذيب 851/192:7.
مسألة 293: إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة

و لم يكن هناك ربح و لا خسران، رجع رأس المال إلي القدر الباقي، و ارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

و إن كان بعد ظهور ربحٍ في المال، فالمستردّ شائع ربحاً علي النسبة الحاصلة من جملتي الربح و رأس المال، و يستقرّ ملك العامل علي ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

و إن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران، كان الخسران موزَّعاً علي المستردّ و الباقي، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شيء، و يصير رأس المال الباقي بعد المستردّ و حصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح: لو كان رأس المال مائةً و ربح عشرين، ثمّ استردّ المالك عشرين، فالربح سدس المال، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً:

ثلاثة و ثلث، و يستقرّ ملك العامل علي نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ، و هو واحد و ثلثا واحدٍ، و يبقي رأس المال ثلاثة و ثمانين و ثُلثاً؛ لأنّ المأخوذ سدس المال، فينقص سدس رأس المال، و هو ستّة عشر و ثلثان، و حظّهما من الربح ثلاثة و ثلث، فيستقرّ ملك العامل علي درهمٍ و ثلثين، حتي لو انخفضت السوق و عاد ما في يده إلي ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ و يقول: كان رأس المال مائةً و قد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً و ثلثي واحدٍ، و يردّ الباقي، و هو ثمانية و سبعون و ثلث واحدٍ.

و مثال الاسترداد بعد الخسران: كان رأس المال مائةً، و خسر عشرين، ثمّ استردّ المالك عشرين، فالخسران موزَّع علي المستردّ و الباقي،

ص: 145

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها، حتي لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين، لم يكن للمالك أخذ الكلّ، بل يكون رأس المال خمسةً و سبعين، و الخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة و سبعون و نصف.

و لو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح، فرأس المال ثمانية و ثمانون و ثمانية أتساع؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال، فهو كالموجود، و المال في تقدير تسعين، فإذا بسط الخسران - و هو عشرة - علي تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار و تُسْع دينار، فيوضع ذلك من رأس المال، و إن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين؛ لأنّه أخذ نصف المال، فسقط نصف الخسران، و إن أخذ خمسين بقي أربعة و أربعون و أربعة أتساع.

و لو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين، بقي رأس المال خمسين؛ لأنّه أخذ نصف المال، فبقي نصفه، و إن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية و خمسين و ثلثاً؛ لأنّه أخذ ربع المال و سدسه، فبقي ثلثه و ربعه، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له علي المالك خمسة؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة، فلا يجبر ربحه خسران الباقي؛ لمفارقته إيّاه، و قد أخذ من الربح عشرة؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح، و لو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة و عشرين.

مسألة 294: حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح؛

لأنّ المال له، و نماؤه تابع، و العامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

ص: 146

و يجب للعامل أُجرة المثل، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

و لا يستحقّ العامل قراضَ المثل، بل أُجرة المثل عندنا و عند الشافعي(1) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّي، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه، و ذلك يوجب له أُجرة المثل، كما إذا اشتري شيئاً شراءً فاسداً و قبضه و تلف، فإنّه يجب عليه قيمته.

و قال مالك: يجب للعامل قراض المثل، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ و فاسده مردود إلي صحيحه، و في صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران، و كذلك في الفاسد، و الصحيح يستحقّ فيه المسمّي، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(2).

و التسمية إنّما هي من الربح، و في مسألتنا بطلت التسمية، و إنّما تجب له الأُجرة، و ذلك لا يختصّ بالربح، فافترقا، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر، و هو صحّة تصرّف العامل و نفوذه؛ لأنّه أذن له فيه، فوقع بمجرّد إذنه، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - و تصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال: أ ليس إذا باع بيعاً فاسداً و تصرّف المشتري لم ينفذ؟9.

ص: 147


1- بحر المذهب 198:9، حلية العلماء 348:5-349، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 20:6، روضة الطالبين 205:4، المغني 188:5، مختصر اختلاف العلماء 1740/65:4، الاستذكار 30851/151:21 و 30852، عيون المجالس 1250/1786:4.
2- الاستذكار 30850/151:21، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1114/641:2، التفريع 196:2-197، عيون المجالس 1250/1785:4، المعونة 1128:2، مختصر اختلاف العلماء 1740/65:4، بحر المذهب 199:9، حلية العلماء 349:5، العزيز شرح الوجيز 20:6، المغني 188:5-189.

لأنّا نقول: الفرق ظاهر؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك و لم يحصل له، و كذلك إذا أذن له البائع أيضاً؛ لأنّ إذنه كان علي أنّه ملك المأذون فيه، فإذا لم يملك لم يصح، و هنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه، و ما شرطه من الشروط الفاسدة، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة 295: لو دفع إليه مالاً قراضاً و قال: اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف، قال الشافعي: يفسد القراض

(1) .

و اختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال: إنّما فسد؛ لأنّه قال بالنصف، و لم يبيّن لمن النصف ؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال، و إذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال و لم يذكر نصيب العامل، كان القراض فاسداً(2).

و ليس بشيءٍ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلي نصيب العامل؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال، و لا يحتاج إلي شرطٍ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلي شرط الربح، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

و قال بعضهم: إنّما فسد؛ لأنّه أذن له في الشراء، دون البيع(3).

ص: 148


1- مختصر المزني: 123، الحاوي الكبير 343:7، بحر المذهب 216:9، التهذيب - للبغوي - 382:4، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 20:6، روضة الطالبين 206:4.
2- الحاوي الكبير 344:7، بحر المذهب 216:9، التهذيب - للبغوي - 383:4، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 21:6، روضة الطالبين 206:4.
3- الحاوي الكبير 344:7، بحر المذهب 216:9، التهذيب - للبغوي - 382:4، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 20:6، روضة الطالبين 206:4.

و فيه نظر؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً و شراءً، و التنصيص علي الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع، فيبقي علي الإطلاق.

و قال بعضهم: إنّه يفسد؛ للتعيين(1).

و ليس بشيءٍ.

و قال آخَرون: إنّما يفسد؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(2).

و ليس بشيءٍ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

و المعتمد: صحّة القراض.

مسألة 296: لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر و لا يشتريه، و كذا الخنزير و أُمّ الولد،

سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً، و لو كانا ذمّيّين جاز - و به قال الشافعي(3) - لأنّه وكيل المالك، و لا يدخل ذلك في ملك المالك، فيكون منهيّاً عنه؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

و قال أبو حنيفة: إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها، صحّ ذلك(4).

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 21:6، روضة الطالبين 206:4.
2- الحاوي الكبير 343:7-344، بحر المذهب 216:9، التهذيب - للبغوي - 383:4، البيان 174:7، العزيز شرح الوجيز 21:6، روضة الطالبين 206:4.
3- الحاوي الكبير 354:7، بحر المذهب 225:9، حلية العلماء 352:5، البيان 175:7، العزيز شرح الوجيز 48:6، روضة الطالبين 223:4، المغني 162:5، الشرح الكبير 155:5.
4- الحاوي الكبير 354:7، بحر المذهب 225:9، حلية العلماء 352:5، البيان 175:7، العزيز شرح الوجيز 48:6، المغني 162:5، الشرح الكبير 155:5.

و قال أبو يوسف و محمّد: يصحّ منه الشراء، و لا يصحّ منه البيع، و فرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه، و كان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً، فيكون ذلك لربّ المال، و لا يكون بيعه إلّا من جهته، و لا يصحّ من المسلم بيع الخمر(1).

إذا عرفت هذا، فلو خالف العامل و اشتري خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ و دفع المال في ثمنه، فإن كان عالماً كان ضامناً؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ، فكان ضامناً.

و إن كان جاهلاً، فكذلك - و هو الأشهر للشافعيّة(2) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم و الجهل.

و قال القفّال من الشافعيّة: يضمن في الخمر، دون أُمّ الولد؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(3).

و قال بعضهم: لا يضمن فيهما(4).

و قال آخَرون: لا يضمن في العلم أيضاً؛ لأنّه اشتري ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(5).

و هو خطأ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.6.

ص: 150


1- بحر المذهب 225:9، حلية العلماء 352:5، المغني 162:5، الشرح الكبير 155:5.
2- البيان 175:7، العزيز شرح الوجيز 48:6، روضة الطالبين 224:4.
3- التهذيب - للبغوي - 389:4، العزيز شرح الوجيز 48:6.
4- التهذيب - للبغوي - 388:4، العزيز شرح الوجيز 48:6.
5- العزيز شرح الوجيز 48:6.
مسألة 297: قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل: قارضتك علي أن يكون لك شركة في الربح، أو شركة، فإنّه لا يصحّ؛

لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل، و به قال الشافعي(1).

و قال محمّد بن الحسن: إنّه إذا قال: شركة، صحّ، و إذا قال: شرك، لم يصح(2).

و قال أصحاب مالك: يصحّ، و يكون له مضاربة المثل(3).

و قد بيّنّا غلطهم.

و لو قال: خُذْه قراضاً علي النصف أو الثلث أو غير ذلك، صحّ، و كان ذلك تقديراً لنصيب العامل؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله، و العامل يستحقّه بالعمل، و العمل يكثر و يقلّ، و إنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل: شرطتَه لي، و قال المالك: شرطتُ ذلك لنفسي، قُدّم قول العامل؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة 298: لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف، فقد قلنا: إنّ الأقرب: احتساب التالف من الربح.

ص: 151


1- بحر المذهب 221:9، حلية العلماء 333:5، البيان 165:7، العزيز شرح الوجيز 16:6، روضة الطالبين 203:4.
2- بدائع الصنائع 85:6، بحر المذهب 221:9، حلية العلماء 333:5، البيان 165:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1115/642:2، المنتقي - للباجي - 152:5.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1115/642:2، المنتقي - للباجي - 152:5، بحر المذهب 221:9، حلية العلماء 334:5، البيان 165:7.

و قال الشافعي: يكون من رأس المال(1).

فإن كان التلف بعد أن باع و اشتري، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

و لو اشتري بالألفين عبدين فتلف أحدهما، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه يكون من الربح؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

و الثاني: يكون من رأس المال؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين، فكان تلفه كتلفها(2).

قال أبو حامد: هذا خلاف مذهب الشافعي؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح و أراد(3) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك، فلا يُقبل قوله، و يوفي رأس المال من ربحه حتي إذا وفاه اقتسما الربح علي شرطهما؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده، فيجب أن يحتسب من الربح(4).

و هذا كما اخترناه نحن.

مسألة 299: لو دفع المالك إلي العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضاً،

فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع و الشراء كانا قراضين، و إلّا كانا واحداً، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً

ص: 152


1- الحاوي الكبير 333:7، بحر المذهب 231:9، الوسيط 124:4، البيان 192:7، العزيز شرح الوجيز 37:6، روضة الطالبين 217:4.
2- بحر المذهب 231:9، المهذّب - للشيرازي - 395:1، حلية العلماء 343:5، البيان 192:7، العزيز شرح الوجيز 37:6-38، روضة الطالبين 217:4.
3- في «ث، خ، ر»: «فأراد».
4- راجع: بحر المذهب 231:9.

و شراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخري قراضاً، تعدّد القراضان علي معني أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخري، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها و خسرانها، و جبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك: ضمّ الثانية إلي الأُولي، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة، لم يصح القراض الثاني؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ، فكان ربحه و خسرانه مختصّاً به، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه، اقتضي أن يجبر به خسران الأُولي إن كان فيه خسران، و يجبر خسران الثانية بربح الأوّلة، و هو غير جائزٍ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ، فسد.

و إن كان قبل أن يتصرّف في الأُولي(1) و قال له: ضمّ الثانية إلي الأُولي، جاز، و كان قراضاً واحداً.

و لو كان المال الأوّل قد نضّ و قال له المالك: ضمّ الثانية إليه، جاز - و به قال الشافعي(2) - لأنّه قد أمن فيه المعني الذي ذكرناه، و صار كأنّه لم يتصرّف.

و لما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال: أعطي الصادق عليه السلام أبي ألفاً و سبعمائة دينار فقال له: «اتّجر لي بها» ثمّ قال: «أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها و إن كان الربح مرغوباً فيه، و لكن أحببتُ أن يراني اللّه تعالي متعرّضاً لفوائده» قال: فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له: قد ربحتُ لك فيها مائة دينار، قال: ففرح الصادق عليه السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي: «أثبتها9.

ص: 153


1- في «ث»، خ، ر»: «الأوّلة» بدل «الأُولي».
2- بحر المذهب 227:9.

لي في رأس مالي»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخري قراضاً و لم يأمره بضمّ إحداهما إلي الأُخري، بل جعل الألف الأُولي قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر، لم يجز له ضمّ الثانية إلي الأُولي و مزجها به؛ لأنّهما قراضان بعقدين علي مالين، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين، فإن ضمّ إحداهما إلي الأُخري و مزجهما ضمن، و به قال الشافعي(2) ، خلافاً لأبي حنيفة(3).

و قال إسحاق: يجوز ضمّ الثانية إلي الأُولي إذا لم يتصرّف في الأُولي(4).

و كذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلي مال الآخَر و مزجه به ضمن، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما، و لا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة 300: إذا دفع إليه ألفاً قراضاً و قال له: أضف إليها ألفاً أُخري من عندك و يكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث،

أو قال: لك الثلث ولي الثلثان، فالأقرب عندنا: الصحّة؛ للأصل.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد؛ لتساويهما في المال، و ذلك يقتضي تساويهما في الربح، فإذا شرط عليه

ص: 154


1- الكافي 12/76:5، التهذيب 326:6-898/327.
2- بحر المذهب 232:9، التهذيب - للبغوي - 395:4، العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4.
3- بحر المذهب 232:9، التهذيب - للبغوي - 395:4، العزيز شرح الوجيز 49:6.
4- المغني 175:5، الشرح الكبير 168:5.

العمل و نصيبه من الربح كان باطلاً، و إن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً؛ لأنّ الشركة إذا وقعت علي مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل، فتكون الشركة فاسدةً، و يكون هذا قراضاً فاسداً؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(1).

و لو كان قد دفع إليه ألفين و قال له: أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً و الألف الأُخري قارضتك عليها بالنصف، جاز عنده(2) أيضاً؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع، و الإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

و قال أصحاب مالك: لا يجوز أن يضمّ إلي القراض الشركة(3) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(4).

و الأصل ممنوع، و لأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما، كما لو كان المال متميّزاً، و الإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض؛ لأنّه يمنعه من التصرّف، و إن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

و لو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز، فقد تعدّي بذلك، فصار ضامناً، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

و لأنّه صيّره بمنزلة التالف.5.

ص: 155


1- بحر المذهب 227:9، البيان 166:7-167، العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4، المغني 137:5، الشرح الكبير 143:5.
2- بحر المذهب 227:9، العزيز شرح الوجيز 11:6، روضة الطالبين 200:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1123/645:2، المغني 136:5-137، الشرح الكبير 142:5-143.
3- في «ث، خ، ر»: «شركة».
4- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1123/645:2، التفريع 195:2، المعونة 1124:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 386، بحر المذهب 227:9، المغني 137:5، الشرح الكبير 143:5.
مسألة 301: إذا دفع إليه مالاً قراضاً و شرط عليه أن ينقل المال إلي موضع كذا

و يشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلي موضع القراض، جاز ذلك؛ للأصل، بل لو خالف ضمن؛ لما رواه الكناني عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج به إلي الأرض و نهي(1) أن يخرج به إلي أرض غيرها فعصي فخرج به إلي أرض أُخري فعطب المال، فقال: «هو ضامن، فإن سلم فربح فالربح بينهما»(2).

و قال أكثر الشافعيّة: يفسد القراض؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلي قُطْرٍ عمل زائد علي التجارة، فأشبه شرط الطحن و الخبز، و يخالف ما إذا أذن له في السفر؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(3).

و قال جماعة من محقّقيهم: إنّ شرط المسافرة لا يضرّ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال و البضائع الخطيرة(4).

و الأصل عندنا ممنوع.

و لو قال: خُذْ هذه الدراهم قراضاً و صارِف بها مع الصيارفة، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يصحّ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(5).

مسألة 302: لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً و دفع إليه عمرو كذلك،

فاشتري بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه، بِيع العبدان، و بسط الثمن بينهما علي النسبة - و لو ربح فعلي ما شرطاه له، فإن اتّفق خسران،

ص: 156


1- في الفقيه و «ر»: «و ينهي».
2- الفقيه 143:3-631/144، التهذيب 189:7-837/190. (3-5) العزيز شرح الوجيز 48:6، روضة الطالبين 224:4.

فإن كان لتقصيره ضمن، و إن كان لانخفاض السوق لم يضمن؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب، و الغاصب لا يضمن نقصان السوق - و هو أحد قولَي الشافعيّة(1) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ و آخَر عشرين درهماً في ثوبٍ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه، قال: «يباع الثوبان، فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخَر خُمسي الثمن» قال: قلت: فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيّهما شئت، قال: «قد أنصفه»(2).

و للشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلي العامل، و يغرم لهما؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتي تولّد الاشتباه(3).

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(4).

و قال بعضهم: يغرم قيمة العبدين و قد تزيد علي الألفين(5).

و لهم قولٌ غريب ثالث: إنّه يبقي العبدان علي الإشكال إلي أن5.

ص: 157


1- بحر المذهب 232:9، الوسيط 131:4، حلية العلماء 344:5، التهذيب - للبغوي - 395:4، البيان 196:7، العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 225:4.
2- الكافي 421:7-2/422، الفقيه 62/23:3، التهذيب 482/208:6 و 303-847/304.
3- بحر المذهب 232:9، الوسيط 131:4، حلية العلماء 344:5، التهذيب - للبغوي - 395:4، البيان 195:7، العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4.
4- العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4.
5- العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 224:4-225.

يصطلحا(1).

مسألة 303: إذا تعدّي المضارب و فَعَل ما ليس له فعله أو اشتري شيئاً نهاه المالك عن شرائه، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم

(2) ، و روي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام(3) ، و به قال أبو هريرة و حكيم بن حزام و أبو قلابة و نافع و أياس و الشعبي و النخعي و الحكم و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(4).

و روي العامّة عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: «لا ضمان علي مَنْ شُورك في الربح»(5) و نحوه عن الحسن و الزهري(6).

و المعتمد: الأوّل، و الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام نحن نقول بموجبها؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

و الأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه، فلزمه الضمان، كالغاصب. و قد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا، فلو اشتري شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح، فالربح علي الشرط، و به قال مالك(4) ؛ لما تقدّم(5) من الرواية عن أهل البيت عليهم السلام، و لأنّه تعدٍّ، فلا يمنع كون الربح لهما علي ما شرطاه، كما لو لبس الثوب و ركب دابّةً ليس له ركوبها.

و قال أحمد: الربح بأسره لربّ المال - و عن أحمد رواية أُخري:

ص: 158


1- العزيز شرح الوجيز 49:6، روضة الطالبين 225:4.
2- كما في المغني 165:5، و الشرح الكبير 158:5.
3- التهذيب 853/193:7. (4-6) المغني 165:5، الشرح الكبير 158:5.
4- المنتقي - للباجي - 170:5، المغني 165:5، الشرح الكبير 158:5.
5- آنفاً.

إنّهما يتصدّقان بالربح علي سبيل الورع، و هو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [الجعد](1) البارقي قال: عرض للنبي صلي الله عليه و آله جلب فأعطاني ديناراً فقال: «يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً» فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعتُ منه شاةً بدينار، فجئتُ بالدينار و الشاة فقلت:

يا رسول اللّه هذا ديناركم و هذه شاتكم، فقال: «و كيف صنعتَ؟» فحدّثته الحديث، فقال: «اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه»(2).

و لأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه، فكان لمالكه، كما لو غصب حنطةً فزرعها(3).

و الخبر لا يدلّ علي المتنازع، و الفرق ظاهر بين الغاصب و المضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا، فهل يستحقّ العامل الأُجرة، أم لا؟ عن أحمد روايتان:

إحداهما: إنّه لا يستحقّ، كالغاصب.

و الثانية: إنّه يستحقّ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع و أخذ الربح، فاستحقّ العامل عوضاً، كما لو عقده بإذنٍ(4).

و في قدر الأُجرة عنه روايتان:

إحداهما: أُجرة مثله ما لم يحط بالربح؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به5.

ص: 159


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «لبيد». و الصحيح ما أثبتناه.
2- تقدّم تخريجه في ص 86، الهامش (2).
3- المغني 165:5-166، الشرح الكبير 158:5-159.
4- المغني 166:5، الشرح الكبير 159:5.

العوض و لم يسلم له، فكان له أُجرة مثله، كالمضاربة الفاسدة.

و الثانية: له الأقلّ من المسمّي أو أُجرة المثل؛ لأنّه إن كان الأقلّ المسمّي فقد رضي به، فلم يستحق أكثر منه، و إن كان الأقلّ أُجرة المثل لم يستحق أكثر منه؛ لأنّه لم يعمل ما رضي به(1).

و لو قصد الشراء لنفسه، فإن كان الشراء بعين المال لم يصح، و لا أُجرة له.

و عن أحمد روايتان(2).

و إن كان اشتري في الذمّة ثمّ نقد المال، فله الربح، و لا أُجرة له.

مسألة 304: إذا اشتري العامل سلعةً للتجارة،

فقال ربّ المال: كنتُ نهيتُك عن ابتياعها و ابتعتَها بعد النهي فليست للقراض، فقال العامل: ما نهيتني قطّ، قُدّم قول العامل؛ لأنّه أمين، و ربّ المال يدّعي عليه الخيانة.

أمّا لو قال العامل: أذنتَ لي في شراء كذا، فقال المالك: لم آذن فيه، أو قال العامل: أذنتَ لي في البيع نسيئةً أو في الشراء بعشرةٍ، فقال المالك:

بل أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسةٍ، قُدّم قول المالك - و به قال الشافعي(1) - لأصالة عدم الإذن، و لأنّ القول قول المالك في أصل الإذن فكذا في صفته.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يُقدّم قول العامل؛ لأنّهما اتّفقا علي الإذن و اختلفا في صفته، فكان القولُ قولَ العامل، كما لو قال: كنتُ قد نهيتُك

ص: 160


1- المغني 193:5، الشرح الكبير 176:5.

عن شراء عبدٍ، فأنكر النهي(1).

و الفرق ظاهر.

مسألة 305: إذا دفع المالك إلي العامل ألفاً قراضاً فاتّجر فيها و نضّ المال فخسر مائة،

فقال العامل لصديقٍ له: أقرضني مائةً أضمّها إلي المال ليري ذلك ربّ المال فلا ينتزع المال من يدي، فإذا استبقاه في يدي رددت المائة إليك، ففَعَل، فلمّا حمل المال إلي صاحبه أخذه و فسخ المضاربة، لم يكن للمُقرض الرجوع علي ربّ المال؛ لأنّ العامل قد مَلَك المائة بالقرض، و إذا دفعها إلي المالك و قال: هذا مالك، فلا يمكنه أن يرجع بعد ذلك و يُنكره، و المُقرض لا يرجع علي ربّ المال؛ لأنّه ليس هو [المقترض](2) منه [و به](3) قال الشافعي(3).

[و](5) قال أبو القاسم: للمُقرض أن يرجع بالمائة علي ربّ المال(4).

و غلط فيه؛ لما تقدّم.

و لو دفع إليه ألفاً مضاربةً، فاشتري متاعاً يساوي ألفين فباعه بهما ثمّ اشتري به جاريةً وضاع الثمن قبل دفعه، رجع علي المالك بألف و خمسمائة، و دفع من ماله خمسمائة علي إشكالٍ، فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها، و أخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين و خمسمائة، و كان الباقي ربحاً بينهما علي ما شرطاه.

ص: 161


1- المغني 193:5، الشرح الكبير 176:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «المُقرض». و المثبت هو الصحيح. (3 و 5) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- بحر المذهب 234:9، البيان 207:7.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
مسألة 306: عقد المضاربة قابل للشروط كغيره من العقود، و الشروط تنقسم إلي صحيحةٍ و فاسدةٍ.

فالصحيح مثل أن يشترط علي العامل أن لا يسافر بالمال، أو أن يسافر به، أو لا يتّجر إلّا في بلدٍ بعينه أو نوعٍ بعينه، أو لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه، فهذا بأجمعه صحيح، سواء كان النوع ممّا يعمّ وجوده أو لا يعمّ، أو الرجل ممّا يكثر عنده المتاع أو يقلّ، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1).

و قال مالك و الشافعي: إذا شرط أن لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه، أو سلعة بعينها، أو ما لا يعمّ وجوده كالياقوت الأحمر و الخيل البُلْق، لم يصح(2)في ص 42.(3). و قد تقدّم(3).

و الفاسد ينقسم عند العامّة إلي ما ينافي مقتضي العقد، أو يعود إلي جهالة الربح، أو يشترط ما ليس فيه مصلحة العقد و لا مقتضاه.

فالأوّل: مثل أن يشترط لزوم المضاربة، أو لا يعزله مدّة بعينها، أو لا يبيع إلّا برأس المال أو أقلّ، أو لا يبيع إلّا ممّن اشتري [منه](4) أو شرط أن لا يشتري و لا يبيع، فهذه الشروط تنافي مقتضي العقد، و هو الاسترباح.

و الثاني: مثل أن يشترط للمضارب جزءاً ما من الربح من غير تعيينٍ، أو شرط له ربح أحد الكيسين أو أحد العبدين.

و الثالث: مثل أن يشترط علي العامل المضاربة له في مالٍ آخَر، أو يأخذ له بضاعةً أو قرضاً، أو يخدمه في شيءٍ بعينه، أو يرتفق بالسِّلَع، مثل

ص: 162


1- راجع: الهامش (1) من ص 41.
2- راجع: الهامش
3- من ص 42.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

أن يلبس الثوب و يستخدم العبد(1).

و عندي لا بأس بذلك.

أمّا لو شرط علي المضارب ضمان المال أو سهماً من الوضيعة، أو أنّه متي باع السلعة فهو أحقّ بها بالثمن، فهذه شروط باطلة.

و هل يبطل العقد ببطلان الشرط؟ الأقرب عندي: ذلك.7.

ص: 163


1- المغني 186:5-187.

ص: 164

المقصد الخامس: في اللّقطة

اشارة

و فيه مقصدان:

المقصد الأوّل(1): في لقطة الأموال

اللُّقطة هي المال الضائع عن صاحبه يلتقطه غيره.

قال الخليل بن أحمد: اللُّقَطة بفتح القاف: اسم للملتقط؛ لأنّ ما جاء علي «فُعَلة» فهو اسم للفاعل، كقوله: «هُمَزة لُمَزة» و يقال: فلان هزأة.

و بسكون القاف هي المال الملقوط، مثل الضَّحْكة - بسكون الحاء - هو الذي يضحك منه، و الهزأة - بفتح الزاء - هو الذي يهزأ به(2).

و قال الأصمعي و ابن الأعرابي و الفرّاء: اللّقَطة - بفتح القاف -: اسم للمال الملقوط أيضاً(3).

و الأصل في اللّقطة: ما رواه العامّة عن زيد بن خالد الجهني قال:

سئل رسول اللّه صلي الله عليه و آله عن لقطة الذهب و الورق، فقال: «اعرف وكاءها و عفاصها ثمّ عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها و إلّا فشأنك بها» - و في روايةٍ أُخري: «ثمّ عرِّفها سنةً، فإن لم تعرف فاستنفع بها، و لتكن وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه» - قال: فضالّة الغنم ؟ قال:

ص: 165


1- كذا قوله: «و فيه مقصدان، المقصد الأوّل» في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة، و لم يُعنون المصنّف قدس سره «المقصد الثاني» فيما يأتي.
2- الزاهر (مقدّمة الحاوي الكبير): 312، البيان 438:7، المغني و الشرح الكبير 346:6.
3- الزاهر (مقدّمة الحاوي الكبير): 312-313، البيان 438:7، المغني و الشرح الكبير 346:6.

«خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب» قال: يا رسول اللّه فضالّة الإبل ؟ فغضب حتي احمرّت وَجْنتاه و قال: «ما لَك و لها؟ معها حذاؤها و سقاؤها ترد المال و ترعي الشجر حتي يجدها ربّها»(1).

و الوكاء: الخيط الذي يشدّ به المال في الخرقة. و العفاص: الوعاء الذي هي فيه من خرقةٍ أو قرطاسٍ أو غيره، و الأصل في العفاص أنّه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة. و حذاؤها يعني به خُفّها؛ لأنّه لقوّته و صلابته يجري مجري الحذاء. و سقاؤها: بطنها؛ لأنّها تأخذ فيه ماءً كثيراً فيبقي معها يمنعها العطش. و كونها ترد الماء و ترعي الشجر، أي: محفوظة بنفسها.

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّي وجدتُ شاةً، فقال:

هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: إنّي وجدتُ بعيراً، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: خُفُّه حذاؤه، و كرشه سقاؤه فلا تهجه»(2).

و عن داوُد بن سرحان عن الصادق عليه السلام أنّه قال في اللّقطة: «يُعرفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله»(3).

و لا نعلم في ذلك خلافاً.

و اعلم أنّ الملقوط إمّا إنسان أو غيره من الأموال، و الغير إمّا حيوان أو غيره، فالفصول ثلاثة.6.

ص: 166


1- صحيح البخاري 34:1، و 163:3 و 165، صحيح مسلم 1346:3-1722/1348، شرح معاني الآثار 134:4، سنن البيهقي 185:6 و 186 و 189 و 190، العزيز شرح الوجيز 336:6-337، المغني و الشرح الكبير 346:6 بتفاوتٍ في بعض الألفاظ.
2- التهذيب 1184/394:6.
3- الكافي 137:5 (باب اللّقطة و الضالّة) ح 2، التهذيب 1161/389:6.
الفصل الأوّل: في لقطة الأموال غير الحيوان
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في الأركان.
اشارة

و هي ثلاثة:

الركن الأوّل: الالتقاط.
اشارة

و هو معلوم في اللّغة، و أمّا في الشرع: فهو أخصّ، و هو عبارة عن أخذ مالٍ ضائعٍ ليعرّفه الآخذ سنةً ثمّ يتملّكه إن لم يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر و لم يكن في الحرم، أو يحتفظه واجباً فيه، و مستحبّاً في غيره.

و اعلم أنّ الالتقاط إن كان في غير الحرم، كان مكروهاً عند علمائنا، سواء وثق الملتقط من نفسه أو لا، و سواء خاف ضياعها أو لا - و به قال ابن عباس و ابن عمر و جابر بن زيد و الربيع بن خثيم، و هو مذهب عطاء و مالك و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «لا يُؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في اللّقطة، إلي أن قال: «و كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول لأهله:

ص: 167


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:2، بداية المجتهد 304:2، المغني 346:6، الشرح الكبير 360:6، المحلّي 261:8، الحاوي الكبير 11:8، حلية العلماء 525:5، البيان 444:7، العزيز شرح الوجيز 339:6.
2- سنن ابن ماجة 2503/836:2، سنن أبي داوُد 1720/139:2، سنن البيهقي 190:6، مسند أحمد 18702/481:5، المعجم الكبير - للطبراني - 330:2-2376/331 و 2377، شرح معاني الآثار 133:4.

لا تمسّوها»(1).

و في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرنا للصادق عليه السلام اللّقطة، فقال: «لا تعرّض لها، فإنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها فأخذها»(2).

و اختلف قول الشافعي.

فقال في موضعٍ: إذا عرف الآخذ من نفسه الأمانة، أخذها(3).

و في موضعٍ آخَر: و لا يحلّ ترك اللّقطة لمَن وجدها إذا كان أميناً عليها(4).

و اختلف أصحابه في ذلك.

فمنهم مَنْ قال: ليست علي قولين، و إنّما هي علي اختلاف حالين، فالموضع الذي استحبّ أخذها و لم يوجبه إنّما أراد إذا وجدها في قريةٍ أو محلّةٍ يُعرف أهلها بالثقة و الأمانة فالظاهر سلامتها فلا يجب أخذها، و الموضع الذي قال: يجب عليه أخذها إذا وجدها في موضعٍ لا يُعرف أهله بالثقة و الأمانة، أو كانت في مسلك أخلاط الناس و ممرّ الفُسّاق و الخَوَنة فإنّ6.

ص: 168


1- التهذيب 1163/389:6، الاستبصار 227/68:3.
2- التهذيب 1166/390:6.
3- مختصر المزني: 135، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:2، الحاوي الكبير 10:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، الوسيط 281:4، حلية العلماء 524:5، التهذيب - للبغوي - 547:4، البيان 443:7، العزيز شرح الوجيز 338:6، مختصر اختلاف العلماء 336:4، ذيل الرقم 2042، المغني 347:6، الشرح الكبير 360:6.
4- الأُم 66:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:2، الحاوي الكبير 11:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، الوسيط 281:4، حلية العلماء 524:5، التهذيب - للبغوي - 547:4، البيان 443:7، العزيز شرح الوجيز 338:6، المغني 347:6، الشرح الكبير 360:6.

الظاهر هلاكها فيجب عليه أخذها(1).

و منهم مَنْ قال: في المسألة قولان:

أحدهما: يستحبّ؛ لأنّ ذلك أخذ أمانةٍ، فلم يلزمه، كقبول الوديعة.

و الثاني: يجب؛ لقوله تعالي:«وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» (2) و إذا كان وليّه وجب عليه حفظ ماله إذا خاف هلاكه، كوليّ الصغير، بخلاف الوديعة، فإنّه لا يخاف هلاكها، و لأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه، فيجب صونه عن الضياع(3).

و هو معارَض بقول ابن عباس و ابن عمر، و لم يُعرف لهما مخالف في الصحابة، و لأنّه تعريض لنفسه لأكل الحرام و تضييع الواجب من تعريفها و أداء الأمانة فيها، فكان تركه أولي و أسلم، كولاية مال اليتيم.

و قد احتجّ الشافعي علي الاستحباب: بحديث زيد بن خالد الجهني، قال: جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فسأله عن اللّقطة، فقال: «اعرف عفاصها و وكاءها»(4) الحديث.

و بما رواه أُبيّ بن كعب قال: وجدتُ مائة دينار - و روي: ثمانين ديناراً(5) - فأتيتُ بها النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال: «عرِّفها حولاً» فعرّفتُها حولاً فلم تُعرف، فرجعتُ إليه، فقال: «اعرف عدّتها و وعاءها و وكاءها و اخلطها4.

ص: 169


1- الحاوي الكبير 11:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، الوسيط 281:4، حلية العلماء 524:5-525، التهذيب - للبغوي - 547:4، البيان 443:7، العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 452:4.
2- سورة التوبة: 71.
3- الحاوي الكبير 11:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، حلية العلماء 524:5، التهذيب - للبغوي - 547:4، البيان 443:7، العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 452:4، المغني 347:6، الشرح الكبير 360:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
5- الأُم 67:4.

بمالك، فإن جاء ربّها فأدِّها إليه»(1).

و لأنّه أخذ أمانة، فلم يكره، كالوديعة(2).

و لا دلالة في الحديثين؛ لأنّهما سألا عن اللّقطة إذا أخذها الملتقط ما حكمها؟

و للشافعيّة طريقة أُخري: إنّ الواجد إن كان لا يثق بنفسه لم يجب الالتقاط قولاً واحداً، و القولان في مَنْ يغلب علي ظنّه أنّه لا يخون(3).

و طريقة رابعة قاطعة بنفي الوجوب مطلقاً، و حمل قوله بالوجوب علي تأكيد الأمر به(4).

و علي القول بنفي الوجوب فإن كان الواجد غير أمينٍ لم يأخذها؛ لأنّه يعرّضها للتلف.

و إن كان أميناً، فإن لم يثق بنفسه و ليس هو في الحال من الفسقة لم يستحب له الالتقاط قولاً واحداً.

و عن بعض الشافعيّة وجهان في الجواز، أصحّهما عندهم:

الثبوت(5).

مسألة 307: الأمين إذا وجد اللّقطة و لم يأخذها لم يضمنها،

و هو علي مذهبنا ظاهرٌ؛ لأنّا نقول بكراهة الالتقاط.

أمّا الشافعي فكذلك عنده أيضاً، سواء قال بوجوب الالتقاط أو

ص: 170


1- صحيح البخاري 162:3 و 166، صحيح مسلم 1723/1350:3، سنن البيهقي 186:6 و 192-194، و فيها التعريف لمدّة ثلاثة أحوال.
2- المهذّب - للشيرازي - 436:1، التهذيب - للبغوي - 547:4، البيان 443:7.
3- العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 452:4.
4- الوسيط 281:4، العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 453:4.
5- الوسيط 282:4، العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 453:4.

استحبابه؛ لأنّها لم تحصل في يده، و ما لا يحصل في يده لا يضمنه، كما لو حبس رجلاً عن ماله حتي هلك فإنّه لا يضمنه(1).

و إن وجدها الخائن فأخذها، لم يضمنها إلّا بالتعدّي أو نيّة التصرّف و عدم الردّ علي المالك.

و أمّا إذا أخذها علي وجه الالتقاط فلا يضمنها، كما أنّ المستودع إذا كان خائناً و قَبِل الوديعة لم يضمنها إلّا بالتعدّي، كذا هنا.

فإن ردّها الملتقط إلي الموضع الذي وجدها فيه، لزمه ضمانها - و به قال الشافعي(2) - لأنّه لمّا أخذها التزم بحفظها، فإذا ردّها إلي الموضع فقد ضيّعها، فلزمه الضمان، كما لو رماها إلي موضعٍ آخَر.

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه ضمانها، و يبرأ بردّها إلي موضعها من الأمانة؛ لأنّه مأذون له في أخذها منه، و إذا ردّها إليه زال عنه الضمان، كالمستودع إذا ردّ الوديعة إلي يد صاحبها(3).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ الوديعة عادت إلي يد صاحبها، و لهذا لو كان غصبها ثمّ ردّها إلي صاحبها زال الضمان، كذا هنا، و وزان المتنازع أن يردّ المستودع الوديعة إلي الموضع الذي أخذها منه بنيّة التعدّي، و هناك لا يبرأ بالردّ إلي موضعها علي ما تقدّم في باب الوديعة(4).

مسألة 308: الملتقط إذا علم الخيانة من نفسه، فالأقرب: إنّه يحرم عليه أخذها

- و به قال بعض الشافعيّة(5) - لأنّ نفسه تدعوه إلي كتمانها

ص: 171


1- البيان 443:7، العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 453:4.
2- حلية العلماء 549:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 55:2.
3- المبسوط - للسرخي - 13:11، حلية العلماء 549:5، البيان 444:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 55:2.
4- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 160، المسألة 14.
5- الوجيز 250:1-251، العزيز شرح الوجيز 339:6.

و ضياعها عن مالكها.

و قال الأكثر منهم: إنّه مكروه(1).

و أمّا الأمين في الحال إذا علم أنّه لو أخذها لخان فيها و فسق، فالأقرب: الكراهة الشديدة فيه، دون التحريم، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا فرق بين الغني و الفقير في اللّقطة و أحكامها؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أ هو فيها بمنزلة الغني ؟ قال: «نعم»(3).

مسألة 309: اللّقطة إمّا أن توجد في الحرم أو في غير الحرم.

أمّا لقطة غير الحرم فإنّها مكروهة عند علمائنا علي ما تقدّم(4).

و أمّا لقطة الحرم فلعلمائنا قولان:

أحدهما: تحريم أخذها؛ لقوله تعالي:«وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» (5) و ذلك يقتضي وجوب أمنه علي نفسه و ماله، و إنّما يحصل الأمن في المال بعدم أخذه.

و لما رواه إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الكاظم عليه السلام قال: «لقطة الحرم لا تمسّ بيدٍ و لا رِجْل، و لو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها»(6).

و الثاني: الكراهة - و هو الأقوي عندي - للأصل، و لما فيه من حفظها علي مالكها، فإنّه لا يجوز له تملّكها بوجهٍ من الوجوه، فإذا أخذها بنيّة

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 338:6، روضة الطالبين 453:4.
2- العزيز شرح الوجيز 339:6.
3- التهذيب 1163/389:6، الاستبصار 227/68:3.
4- في ص 167.
5- سورة آل عمران: 97.
6- التهذيب 1167/390:6.

الحفظ يكون مُحسناً إلي مالكها بحفظ ماله عليه.

و منه يظهر الجواب عن الآية؛ إذ نيّة الحفظ و فعله يقتضي أمن صاحبها عليها.

و الرواية لا تقتضي التحريم؛ فإنّ النهي لفظ يدلّ علي معني مشترك بين التحريم و الكراهة، و لا دلالة للعامّ علي الخاصّ، مع أنّ الرواية مرسلة.

إذا ثبت هذا، فإنّه إذا التقط في الحرم لم يجز له أن يملكها لا قبل التعريف و لا بعده، بل إمّا أن يحفظها أو يتصدّق بها بعد التعريف حولاً.

و في الضمان قولان لعلمائنا.

مسألة 310: يستحبّ لواجد اللّقطة الإشهاد عليها حين يجدها، فإن لم يُشهد عليها لم يكن ضامناً.

و ليس الإشهاد واجباً عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أظهر قوليه(1) - لأصالة عدم الوجوب، و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لم يذكر الإشهاد في خبر زيد بن خالد، و لا خبر أُبيّ بن كعب(2) ، بل أمرهما بالتعريف، و لو كان الإشهاد واجباً لبيّنه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لأنّه أخذ أمانة، فلم يفتقر إلي الإشهاد، كالوديعة.

و قال أبو حنيفة: يجب الإشهاد، فإن أخلّ به ضمن - و بالوجوب قال الشافعي في القول الثاني - لما روي عن عياض بن حمار أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «مَن التقط لقطةً فليُشهد عليها ذا عَدْلٍ أو ذَوَي عَدْلٍ، و لا يكتم

ص: 173


1- بداية المجتهد 308:2، التمهيد 121:3، المغني 362:6، الشرح الكبير 387:6، الحاوي الكبير 12:8، المهذّب - للشيرازي - 437:1، الوسيط 282:4، الوجيز 251:1، حلية العلماء 525:5، التهذيب - للبغوي - 548:4، البيان 447:7، العزيز شرح الوجيز 339:6، روضة الطالبين 453:4.
2- تقدّم خبراهما في ص 165-166 و 169-170.

و لا يغيِّب»(1) و هذا أمر يقتضي الوجوب، و لأنّه إذا لم يُشهد كان الظاهر أنّه أخذها لنفسه(2).

و الحمل علي الوجوب ممنوع، بل الأصل عدمه، فيُحمل علي الاستحباب؛ لوروده فيهما، فيكون للقدر المشترك، و إلّا لزم الاشتراك أو المجاز، و كلاهما خلاف الأصل، مع أنّ الظاهر أنّه للاستحباب، و إلّا لما جاز له عليه السلام أن يؤخّر بيانه في الخبرين السابقين.

و الظاهر ممنوع؛ لأنّه إذا أخذها و عرّفها لم يكن قد أخذها لنفسه.

و فائدة الإشهاد صيانة نفسه عن الطمع فيها، و حفظها من ورثته لو مات، و من غرمائه لو أفلس.

إذا ثبت هذا، فإنّه ينبغي له أن يُشهد علي جنسها و بعض صفاتها من غير استقصاءٍ لئلّا يذيع خبرها فيدّعيها مَنْ لا يستحقّها فيأخذها إذا ذكر صفاتها إن اكتفينا بالصفة، أو يواطئ الشهود الذين عرفوا صفاتها علي التفصيل فيأخذها بشهادتهم، أمّا إذا ذكر بعض صفاتها و أهمل الباقي انتفت هذه المخالفة.

و لا ينبغي الاقتصار في الإشهاد علي الإطلاق بأن يقول: عندي لقطة، و لا علي ذكر الجنس من غير ذكر وصفٍ ما لئلّا يموت فيتملّكها الوارث، بل ينبغي أن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من ذكر الجنس و النوع.3.

ص: 174


1- سنن أبي داوُد 1709/136:2، سنن البيهقي 187:6 و 193، مسند أحمد 17872/330:5، و 17879/331، مسند أبي داوُد الطيالسي: 1081/146.
2- بدائع الصنائع 201:6، مضافاً إلي المصادر المزبورة في الهامش (1) من ص 173.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّه يُشهد علي أصلها دون صفاتها، و يجوز أن يذكر جنسها خوف الإذاعة فيدّعيها الكاذب.

و الثاني: يُشهد علي صفاتها أيضاً لئلّا يأخذها الورثة(1).

و الأوسط ما قلناه.

الركن الثاني: الملتقط.
مقدّمة: اللّقطة تشتمل علي نوع أمانةٍ و ولايةٍ و اكتسابٍ.

أمّا الأمانة و الولاية ففي ابتداء أمرها؛ لأنّ الملتقط يجب عليه التعريف حولاً، فهو في مدّة الحول أمين سبيله سبيل سائر الأُمناء، لا يضمن تلفها إلّا مع التعدّي أو التفريط، و قد فوّض الشرع إليه حفظها، كما فوّض إلي الوليّ حفظ مال الصبي.

و أمّا الاكتساب ففي انتهاء أمرها؛ لأنّ له أن يتملّك اللّقطة بعد الحول.

و للشافعي(2) قولان:

أحدهما: إنّ المغلَّب فيه معني الأمانة و الولاية؛ لأنّها معجّلة في ابتداء الالتقاط، و التملّك منتظَرٌ إلي أن ينتهي حول التعريف، فيناط الحكم بالناجز الحاضر، و يبني الأخير علي الأوّل.

ص: 175


1- العزيز شرح الوجيز 339:6، روضة الطالبين 453:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «للشافعيّة».

و الثاني: إنّ المغلَّب الاكتساب؛ لأنّه مآل الأمر و القصد باللّقطة و الغرض منها، فالنظر إليه أولي، فكونه مناط الحكم أولي، و لأنّ الملتقط مستقلّ بالالتقاط، و آحاد الناس لا يستقلّون بالأمانات إلّا بائتمان المالك، و يستقلّون بالاكتساب(1).

فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات: الإسلام و الحُرّيّة و العدالة و التكليف، كان له أن يلتقط إجماعاً، و يُعرّف و يتملّك؛ لأنّه أهل للولاية و الأمانة و الاكتساب جميعاً.

و إن خلا عن البعض أو عن الجميع، فله مسائل نذكرها الآن إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 311: ليس للذمّيّ أن يلتقط في الحرم؛

لأنّه ليس أهلاً للأمانة، و الاكتساب فيها منتفٍ؛ إذ ليس للملتقط في الحرم التملّكُ مطلقاً، و إنّما هو استئمان مجرّد، و الكافر ليس أهلاً له، فلا يصحّ التقاطه فيه، فإن التقط منه نزعه الحاكم من يده، و استأمن عليه ثقةً يُعرّفه حولاً، ثمّ إمّا أن يتصدّق به، أو يستديم الحفظ علي ما يأتي.

و أمّا لقطة غير الحرم فإنّه يجوز للكافر أخذها، سواء كانت في دار الإسلام أو في دار الحرب.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّه ليس للذمّيّ أن يلتقط في دار الإسلام، كما أنّه ليس له أن يحيي شيئاً من أرضها؛ لأنّ الالتقاط أمانة، و هو ليس من أهلها.

ص: 176


1- العزيز شرح الوجيز 340:6-341، روضة الطالبين 454:4.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: إنّ له أن يلتقط - كما ذهبنا إليه - لأنّه من أهل الاكتساب، و له ذمّة صحيحة، و يملك القرض، و يصحّ أن يصطاد و يحتطب و يحتش، و يملك ذلك كلّه، فكذا له أن يلتقط؛ ترجيحاً لمعني الاكتساب(1).

و قطع بعض أصحابه بالجواز(2).

و شرط قوم في الجواز كونه عَدْلاً في دينه(3).

و شبه الالتقاط بالاصطياد و الاحتطاب أقوي من شبهه بالإحياء.

و علي قول الشافعي بالمنع من التقاط الذمّيّ في دار الإسلام لو التقط أخذه الإمام، و حفظه إلي ظهور مالكه(4).

مسألة 312: المرتدّ إن كان عن فطرةٍ زالت أمواله عنه،

فليس له أن يلتقط، فإن التقط نُزع من يده، كما لو احتطب يُنزع من يده.

و هل يكون ميراثاً لورثته ؟ الأقرب: إنّه ليس كذلك؛ لأنّه لا يصحّ أن يملك؛ لأنّ وجوب قتله في كلّ آن ينافي جواز تملّكه لشيءٍ من الأشياء في آن من الآنات، فحينئذٍ لا حكم لالتقاطه، بل تكون اللّقطة في يده كهي علي الأرض لكلّ أحدٍ أخذها من يده، فيكون هذا الأخذ منه التقاطاً من الآخذ، و إنّما يورّث عنه ما يدخل في ملكه.

و يحتمل ضعيفاً دخوله في ملكه، و لا ينافي خروجه عنه في ثاني

ص: 177


1- الحاوي الكبير 15:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، الوسيط 283:4، الوجيز 251:1، حلية العلماء 548:5، التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 477:7، العزيز شرح الوجيز 341:6، روضة الطالبين 454:4. (2-4) العزيز شرح الوجيز 341:6، روضة الطالبين 454:4.

الحال، كما لو مَلَك الإنسان مَنْ ينعتق عليه، فحينئذٍ يكون لورثته، و يجري مجري السيّد لو التقط عبده.

و علي الوجه الأوّل لو أخذه إنسان من يده، لم يكن للإمام نزعه منه.

و هل يكون لقطةً بالنسبة إلي الآخذ منه علي معني أنّ له أن يملكه بعد التعريف حولاً؟ إشكال من حيث إنّه يصدق عليه أنّه لقطة، أم لا؟ فإن قلنا: يصدق اسم اللّقطة عليه، كان له تملّكه بعد التعريف حولاً، و إلّا دفعه إلي الحاكم.

أمّا الشافعيّة فاختلفوا في المرتدّ هل يزول ملكه أم لا؟ فإن قلنا:

يزول، نُزع من يده، كما لو احتطب يُنزع من يده، و إن قلنا: إنّ ملكه لا يزول، يكون كالفاسق يلتقط(1).

و قال بعضهم: إن قلنا: إنّ ملكه زائل، فإنّ ما يحتطبه يُنزع من يده، و يُحكم بكونه لأهل الفيء، فإن كانت اللّقطة كذلك، فقياسه أن يجوز للإمام ابتداء الالتقاط لأهل الفيء و لبيت المال، و أن يجوز للوليّ الالتقاط للصبي، و إن قلنا: إنّ ملكه غير زائلٍ، فهو بالذمّيّ أشبه منه بالفاسق، فليكن التقاطه كالتقاط الذمّيّ(2).

مسألة 313: يكره للفاسق الالتقاط؛
اشارة

لأنّه لا يؤمن عليها، و يُعرّض نفسه للأمانة و ليس هو من أهلها.

فإن التقط، صحّ التقاطه؛ لأنّ الالتقاط جهة من جهات الكسب، و هو من أهله، و لأنّه إذا صحّ التقاط الكافر فالفاسق أولي، و به قال أحمد

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 341:6، روضة الطالبين 454:4-455.
2- العزيز شرح الوجيز 341:6، روضة الطالبين 455:4.

و الشافعي في أحد القولين علي تقدير ترجيح أصل الاكتساب علي أصل الأمانة و الولاية.

و الثاني: ليس للفاسق أخذ اللّقطة؛ ترجيحاً لطرف الأمانة و الولاية؛ لأنّه ليس من أهل ذلك، فإن أخذه كان حكمه حكم الغاصب(1).

و الأوّل أغلب عند أكثر أصحابه(2).

إذا عرفت هذا، فإذا التقط الفاسق، أُقرّت اللّقطة في يده، و ضمّ الحاكم إليه مشرفاً يُشرف عليه؛ لئلّا يتصرّف فيها، و يتولّي تعريفها؛ لئلّا يُخلّ به؛ لأنّه لا أمانة له، و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: إنّه لا يُقرّ يده عليها، بل ينتزعها الحاكم من يده، و يضعها عند عَدْلٍ؛ لأنّ مال أولاده لا يُقرّ في يده فكيف مال الأجانب(3).

و المعتمد: الأوّل؛ لأنّه يخلّي بينه و بين الوديعة، فكذا يخلّي بينه و بين اللّقطة، كالعَدْل.6.

ص: 179


1- المهذّب - للشيرازي - 441:1، الوسيط 283:4، الوجيز 251:1، حلية العلماء 547:5، التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 476:7-477، العزيز شرح الوجيز 342:6، روضة الطالبين 455:4.
2- العزيز شرح الوجيز 342:6، روضة الطالبين 455:4.
3- الحاوي الكبير 21:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، حلية العلماء 547:5، التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 477:7، العزيز شرح الوجيز 342:6، روضة الطالبين 455:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2، المغني 390:6، الشرح الكبير 398:6.

إذا عرفت هذا، فإنّ ضمّ المشرف إليه علي جهة الاستظهار و الاستحباب، دون الإيجاب، و به قال أبو حنيفة(1).

و لو علم الحاكم خيانته فيها، فالأقرب: وجوب ضمّ مشرفٍ إليه، فإذا انتهي التعريف حولاً مَلَكها ملتقطها؛ لأنّ سبب الملك منه وُجد.

أمّا الشافعيّة فسواء قالوا: إنّه تُنتزع اللّقطة من يده أو يُضمّ إليه مشرف ففي التعريف لهم قولان:

أشبههما عندهم: إنّه لا يعتمد في التعريف عليه؛ لأنّه ربما يخون فيه حتي لا يظهر المالك، بل يضمّ إليه نظر العَدْل و مراقبته.

و الثاني: إنّه يكتفي بتعريفه؛ فإنّه الملتقط، فإذا تمّ التعريف فللملتقط التملّك(2).

تذنيب: الأقرب: إنّ الفاسق يُمنع من لقطة الحرم؛

لأنّها مجرّد أمانةٍ، و الفاسق ظالم، فلا يُركن إليه في تركها معه؛ لقوله تعالي:«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا» (3) فحينئذٍ لو التقط منه انتزعه الحاكم، كما قلنا في الكافر.

و أكثر العامّة لم يفرّقوا بين اللّقطتين، و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 314: التقاط العبد لا يخلو من أقسام ثلاثة:

إمّا أن يكون السيّد

ص: 180


1- العزيز شرح الوجيز 342:6.
2- الحاوي الكبير 21:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، حلية العلماء 547:5-548، التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 477:7، العزيز شرح الوجيز 342:6، روضة الطالبين 455:4.
3- سورة هود: 113.

قد أذن له فيه، أو نهاه عنه، أو لم يأذن فيه و لا نهي عنه.

فإن كان المولي قد أذن له في الالتقاط - مثل أن يقول: مهما وجدتَ ضالّةً فخُذْها و ائتني بها - جاز ذلك عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - كما لو أذن له المولي في قبول الوديعة، فإنّه يصحّ منه قبولها، و لعموم الخبر(2) ، و لأنّ الالتقاط سبب يملك به الصبي و يصحّ منه، فصحّ من العبد، كالاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد، و لأنّ مَنْ جاز له قبول الوديعة صحّ منه الالتقاط، كالحُرّ.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: القطع بالصحّة؛ لما تقدّم.

و الثاني: إنّ فيه قولين، أحدهما: المنع؛ لما في اللّقطة من معني الولاية، و الإذن لا يفيده أهليّة الولاية.

و في رواية الخاصّة عن أبي خديجة عن الصادق عليه السلام: إنّه سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللّقطة، فقال: «ما للمملوك و اللّقطة ؟ و المملوك لا يملك من نفسه شيئاً، فلا يُعرّض لها المملوك، فإنّه ينبغي للحُرّ أن يعرّفها سنةً في مجمعٍ، فإن جاء طالبها دفعها إليه، و إلّا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثاً لولده و لمن ورثه، فإن جاء طالبها بعد ذلك دفعوها إليه»(3).

و لأنّ الالتقاط أمانةٌ و ولايةٌ في السنة الأُولي، و تملّكٌ بعوضٍ في السنةٍ.

ص: 181


1- المغني 387:6، الشرح الكبير 400:6، البيان 470:7.
2- تقدّم تخريجه في ص 174، الهامش (1).
3- الكافي 23/309:5، الفقيه 845/188:3، التهذيب 1197/397:6 بتفاوتٍ.

الأُخري، و العبد ليس من أهل الولايات، و لا يملك المال، و لا له ذمّة يستوفي منها(1).

و الرواية لا تعطي التحريم، فيحتمل الكراهة، و الولاية قد ثبتت له مع إذن مولاه، و التملّك لمولاه.

و إن كان المولي قد نهاه عن الالتقاط، حرم عليه؛ لأنّه محجور عليه في التصرّف، إلّا بإذن المولي، فإن التقط و الحال هذه كان للمولي انتزاعها من يده.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بمنع العبد مع نهي مولاه من الالتقاط.

و الثاني: طرد القولين(2).

و إن كان المولي لم يأمره بالالتقاط و لا نهاه عنه، فإنّه يصحّ التقاطه عندنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّ يد العبد يد سيّده، فكأنّ السيّد هو الملتقط، و كما أنّه يعتبر اصطياده و احتطابه، كذا يعتبر التقاطه، و يكون الحاصل للسيّد، و لا عبرة بقصده.

و هذا القول نقله المزني عمّا وضعه بخطّه، قال: و لا أعلمه سُمع منه(4).6.

ص: 182


1- البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 347:6، روضة الطالبين 459:4.
2- العزيز شرح الوجيز 347:6، روضة الطالبين 459:4.
3- المغني 387:6، الشرح الكبير 400:6، حلية العلماء 542:5، البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 343:6، روضة الطالبين 455:4.
4- مختصر المزني: 135، العزيز شرح الوجيز 343:6.

و الثاني - نصّ عليه في الأُم، و اختاره المزني -: إنّه لا يصحّ؛ لأنّ اللّقطة أمانة و ولاية في الابتداء، و تملّكٌ في الانتهاء، و العبد لا يملك، و لا هو من أهل الأمانة و الولاية(1).

قال ابن سريج: القولان مبنيّان علي أنّ العبد يملك، فأمّا إذا فرّعنا علي الجديد - و هو أنّه لا يملك - فليس له الالتقاط بحالٍ(2).

و قال بعضهم: في هذا التباس من جهة أنّه ليس القولان في أنّ العبد هل يملك مطلقاً؟ و إنّما هُما في أنّه هل يملك بتمليك السيّد؟ و لا تمليك هنا من جهة السيّد(3).

مسألة 315: قد بيّنّا أنّ العبد يصحّ التقاطه، فإذا التقط شيئاً صحّ منه أن يُعرّفه، كما صحّ التقاطه

- و هو أحد قولَي الشافعي(2) - كالحُرّ، فإذا كمل حول التعريف لم يكن للعبد أن يتملّكها لنفسه؛ لأنّه ليس أهلاً للتملّك مطلقاً عندنا - و هو الجديد للشافعي(3) - و بدون تمليك السيّد علي قول بعض علمائنا(4) و الشافعي في القديم(5) ، و هنا لم يُملّكه السيّد.

ص: 183


1- الأُم 68:4، مختصر المزني: 135، حلية العلماء 542:5، البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 343:6، روضة الطالبين 455:4. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 343:6.
2- البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.
3- الحاوي الكبير 265:5-266، الوجيز 152:1، الوسيط 204:3، حلية العلماء 360:5، التهذيب - للبغوي - 467:3، البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3.
4- لم نتحقّقه.
5- الحاوي الكبير 265:5-266، الوجيز 152:1، الوسيط 204:3، حلية العلماء 360:5، التهذيب - للبغوي - 467:3، البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3.

فإن اختار العبد التملّكَ علي الوجه الذي لو فَعَله الحُرّ مَلَك به، لم يملك به؛ لأنّ التملّك علي وجه الاقتراض، و اقتراضه بغير إذن سيّده لا يصحّ، إلّا أنّها تكون في يده مضمونةً؛ لأنّها في يده بقرضٍ فاسد، فإذا تلفت ضمنها في ذمّته يتبع بها بعد العتق.

و له التملّك للسيّد بإذنه.

و لو لم يأذن السيّد، فالأقوي: إنّه لا يدخل في ملك السيّد بنيّة العبد التملّك له.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه علي الوجهين في أنّه هل يصحّ اتّهاب العبد بدون إذن السيّد؟ أو علي القولين في شرائه بغير إذنٍ.

و الثاني: القطع بالمنع، بخلاف الهبة؛ لأنّ الهبة لا تقتضي عوضاً، و بخلاف الشراء؛ فإنّا إن صحّحناه علّقنا الثمن بذمّة العبد، و هنا يبعد أن لا يطالب مالك اللّقطة السيّدَ المتملّك؛ لأنّه لم يرض بذمّة العبد(1).

و الأصحّ عندهم: المنع، سواء ثبت الخلاف أم لا(2).

و علي هذا فقد قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يصحّ تعريفه دون إذن السيّد أيضاً(3).

لكنّ الأصحّ عندهم: إلحاق التعريف بالالتقاط(4).

قال الجويني: نعم، إن قلنا: انقضاء مدّة التعريف يوجب الملك، فيجوز أن يقال: لا يصحّ تعريفه، و يجوز أن يقال: يصحّ، و لا يثبت الملك

ص: 184


1- العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.
2- العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.
3- العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.
4- العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.

في هذه الصورة، كما لا يثبت إذا عرف من قصده الحفظ أبداً(1).

و علي القول الثاني للشافعي بأنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يعتدّ بتعريفه(2).

ثمّ إن لم يعلم السيّد بالتقاطه، فالمال مضمون في يد العبد، و الضمان يتعلّق برقبته، سواء أتلفه أو تلف بتفريطه أو بغير تفريطٍ، كما في المغصوب.

و إن علم السيّد، فأقسامه ثلاثة:

أحدها: أن يأخذه من يده.

و ينبغي أن يُقدَّم عليه مقدّمة هي: إنّ الحاكم لو أخذ المغصوب من الغاصب ليحفظه للمالك هل يبرأ الغاصب من الضمان ؟ فيه للشافعيّة وجهان، ظاهر القياس منهما البراءة؛ لأنّ يد الحاكم نائبة عن يد المالك.

فإن قلنا: لا يبرأ، فللقاضي أخذها منه.

و إن قلنا: يبرأ، فإن كان المال عرضةً للضياع و الغاصب بحيث لا يبعد أن يفلس أو يغيب وجهه، فكذلك، و إلّا فوجهان:

أحدهما: إنّه لا يأخذ، فإنّه أنفع للمالك.

و الثاني: يأخذ؛ نظراً لهما جميعاً(3).

و ليس لآحاد الناس أخذ المغصوب إذا لم يكن في معرض الضياع،6.

ص: 185


1- العزيز شرح الوجيز 345:6-346، روضة الطالبين 457:4.
2- التهذيب - للبغوي - 560:4، البيان 472:7، العزيز شرح الوجيز 343:6، روضة الطالبين 455:4.
3- العزيز شرح الوجيز 343:6-344، روضة الطالبين 455:4-456.

و لا الغاصب بحيث تفوت مطالبته ظاهراً.

و إن كان كذلك، فوجهان:

أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ القاضي هو النائب عن الناس، و لأنّ فيه ما يؤدّي إلي الفتنة و شهر السلاح.

و الثاني: الجواز احتساباً و نهياً عن المنكر.

فعلي الأوّل لو أخذ ضمن، و كان كالغاصب من الغاصب.

و علي الثاني لا يضمن، و براءة الغاصب علي الخلاف السابق، و أولي بأن لا يبرأ(1).

و فصّل قومٌ بين أن يكون هناك قاضٍ يمكن رفع الأمر إليه فلا يجوز، و بين أن لا يكون فيجوز(2).

إذا عرفتَ ذلك، فقد قال أكثر الشافعيّة: إذا أخذ السيّد اللّقطة من العبد صار هو الملتقط؛ لأنّ يد العبد إذا لم تكن يدَ التقاطٍ كان الحاصل في يده ضائعاً بَعْدُ، و يسقط الضمان عن العبد؛ لوصوله إلي نائب المالك، فإن كان أهلاً للالتقاط كان نائباً عنه(3).

و بمثله أجابوا فيما لو أخذه أجنبيٌّ، إلّا أنّ بعضهم جعل أخذ الأجنبيّ علي الخلاف فيما لو تعلّق صيدٌ بشبكة إنسانٍ فجاء غيره و أخذه(4).

و استبعد الجويني قولَهم: «إنّ أخذ السيّد التقاطٌ» لأنّ العبد ضامن بالأخذ، و لو كان أخذ السيّد التقاطاً لسقط الضمان عنه، فيتضرّر به المالك(5).

و قال بعضهم: إنّ السيّد ينتزعه من يده، و يسلّمه إلي الحاكم ليحفظه

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 344:6، روضة الطالبين 456:4.
2- العزيز شرح الوجيز 344:6، روضة الطالبين 456:4.
3- العزيز شرح الوجيز 344:6، روضة الطالبين 456:4.
4- العزيز شرح الوجيز 344:6، روضة الطالبين 456:4.
5- العزيز شرح الوجيز 344:6، روضة الطالبين 456:4.

للمالك أبداً(1).

و أمّا الجويني فإنّه قال: إذا قلنا: إنّه ليس بالتقاطٍ فأراد أخْذَه بنفسه و حِفْظه لمالكه، ففيه وجهان مرتَّبان علي أخذ الآحاد المغصوبَ للحفظ، و أولي بعدم الجواز؛ لأنّ السيّد ساعٍ لنفسه غير محتسبٍ، ثمّ يترتّب علي جواز الأخذ حصول البراءة، كما قدّمناه.

و إن استدعي من الحاكم انتزاعه، فهذه الصورة أولي بأن يزيل الحاكم فيها اليد العادية، و إذا أزال فأولي بأن تحصل البراءة؛ لتعلّق غرض السيّد بالبراءة و كونه غير منسوبٍ إلي العدوان حتي يغلظ عليه(2).

الثاني: أن يُقرّه في يده و يستحفظه عليه ليعرّفه.

فإن كان العبد أميناً جاز، كما لو استعان به في تعريف ما التقطه بنفسه.

و الأقرب عندهم: عدم سقوط الضمان، و قياس كلام جمهورهم سقوطه(1).

و إن لم يكن أميناً فالمولي متعدٍّ بإقراره عليه، و كأنّه أخذه منه و ردّه إليه.

الثالث: أن يُهمله، فلا يأخذه و لا يُقرّه، بل يعرض عنه، فللشافعي قولان:

ففي رواية المزني: إنّ الضمان يتعلّق برقبة العبد كما كان، و لا يُطالَب به السيّد في سائر أمواله؛ لأنّه لا تعدّي منه، و لا أثر لعلمه، كما لو رأي عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه منه.7.

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 344:6-345، روضة الطالبين 456:4-457.

و في رواية الربيع: تعلّقه بالعبد و بجميع أموال السيّد؛ لأنّه متعدٍّ بتركه في يد العبد(1).

ثمّ اختلفوا فيهما علي أربعة طُرقٍ:

قال الأكثر: المسألة علي قولين، أظهرهما: تعلّقه بالعبد و بسائر أموال السيّد، حتي لو هلك العبد لا يسقط الضمان، و لو أفلس السيّد قُدّم صاحب اللّقطة في العبد علي سائر الغرماء. و مَنْ قال به لم يُسلّم عدمَ وجوب الضمان فيما إذا رأي عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه.

و بعضهم حَمَل منقولَ المزني علي ما إذا كان العبد مميّزاً، و حَمَل منقول الربيع علي ما إذا كان غير مميّزٍ.

و قطع بعضهم بما رواه المزني، و بعضهم بما رواه الربيع، و غلّطوا المزني في النقل، و استشهدوا بأنّه روي في الجامع الكبير كما رواه الربيع، فأشعر بغفلته هنا عن آخر الكلام(2).

و هذا كلّه ساقط عندنا حيث قلنا: إنّ للعبد الالتقاط.

مسألة 316: إذا التقط العبد و لم يأمره السيّد به و لا نهاه عنه، صحّ التقاطه.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يعلم السيّد بالالتقاط أو لا يعلم.

فإن لم يعلم، فالمال أمانة في يد العبد.

فإن أعرض عن التعريف، ضمن، و هو أحد وجهي الشافعيّة،

ص: 188


1- المهذّب - للشيرازي - 440:1، حلية العلماء 543:5، التهذيب - للبغوي - 560:4، البيان 472:7، العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 440:1، حلية العلماء 544:5، البيان 472:7، العزيز شرح الوجيز 345:6، روضة الطالبين 457:4.

كالحُرّ؛ فإنّ فيه وجهين لهم لو أعرض عن التعريف(1).

و لو أتلفه العبد بعد مدّة التعريف أو تملّكه لنفسه فهلك عنده، تعلّق المال بذمّة العبد، كما لو استقرض قرضاً فاسداً و استهلكه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يتعلّق برقبته، كما لو غصب شيئاً فتلف عنده، و ليس كالقرض، فإنّ صاحب المال سلّمه إليه(2).

و الحكم في الأصل عندنا ممنوع.

و لو أتلفه في المدّة، تعلّق بذمّته عندنا يُتبع به بعد العتق.

و أكثر الشافعيّة قالوا: يتعلّق برقبته(3).

و كذا لو تلف بتقصيرٍ منه عندنا، و يتعلّق بذمّته.

و عندهم يتعلّق برقبته، و فرّقوا بينه و بين الإتلاف بعد المدّة - حيث كان علي الخلاف السابق - بأنّ الإتلاف في السنة خيانة محضة؛ لأنّه لم يدخل وقت التملّك، و أمّا بعدها فالوقت وقت الارتفاق و الإنفاق، فاستهلاك العبد يشابه استقراضاً فاسداً(4).

و حكي بعض الشافعيّة أنّ المسألة علي قولين:

أحدهما: التعلّق بالرقبة.

و الثاني: التعلّق بالذمّة؛ لأنّا إذا جوّزنا له الالتقاط فكان المال قد حصل في يده برضا صاحبه، و حينئذٍ فالإتلاف لا يقتضي إلّا التعلّق بالذمّة، كما لو أُودع العبد مالاً فأتلفه، يكون الضمان في ذمّته(5).

و لمانعٍ أن يمنع ذلك؛ لأنّ الضمان في الوديعة أيضاً يتعلّق برقبته عند4.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 346:6، روضة الطالبين 457:4. (2-5) العزيز شرح الوجيز 346:6، روضة الطالبين 458:4.

بعض الشافعيّة(1).

و أمّا عندنا فيتعلّق بذمّته أيضاً.

و إن علم به السيّد، فله انتزاعها من يده، كالأموال التي يكتسبها العبد؛ فإنّ اللّقطة نوعٌ منها، ثمّ يصير السيّد كالملتقط بنفسه إن شاء حفظها علي مالكها، و إن شاء عرّفها و تملّكها، و لو كان العبد قد عرّف بعضَ الحول احتسب به و أكمل الحول.

و إن أقرّه في يد العبد، فإن كان خائناً ضمن بإبقائه في يده عند الشافعيّة(2).

و الأقوي ذلك إن كان قد قبضه المولي ثمّ دفعه إليه، و إلّا فلا.

و لو كان أميناً، لم يضمن، سواء قبضها ثمّ دفعها إليه، أو أقرّها في يده من غير قبضٍ.

و لو تلف المال في يد العبد في مدّة التعريف، فلا ضمان.

و إن تلف بعدها، فإن أذن السيّد في التملّك و جري التملّكُ ضمن.

و إن لم يَجْر التملّك بَعْدُ، فالأقوي: تعلّق الضمان بالسيّد؛ لأنّه أذن في سبب الضمان، فأشبه ما لو أذن له في أن يسوم شيئاً فأخذه و تلف في يده، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يضمن، كما لو أذن له في الغصب فغصب(3).

فإن قلنا بالثاني، تعلّق الضمان برقبة العبد عندهم(4).

و إن قلنا بالأوّل، تعلّق بذمّة العبد يتبع به بعد العتق، كما أنّ السيّد مطالب به.4.

ص: 190


1- العزيز شرح الوجيز 346:6. (2-4) العزيز شرح الوجيز 346:6، روضة الطالبين 458:4.

و إن كان السيّد لم يأذن له في التملّك، تعلّق الضمان بذمّة العبد - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه دَيْنٌ لزم لا برضا مستحقّه، و لا يتعلّق الضمان بالسيّد بحالٍ؛ لعدم الإذن.

و الثاني للشافعيّة: إنّه يتعلّق برقبته(2).

و لو أتلفه العبد بعد المدّة، تعلّق بذمّته.

و للشافعيّة قولان(3).

و هل يثبت الفرق بين أن يقصد العبد الالتقاط لنفسه أو لسيّده ؟ الأقرب: انتفاء الفرق؛ فإنّ كلّ واحدٍ منهما يقع الالتقاط فيه(1) للسيّد.

و اختلفت الشافعيّة.

فقال بعضهم: إنّ القولين في المسألة مفروضان فيما إذا نوي بالالتقاط نفسَه، فأمّا إذا نوي سيّدَه فيحتمل أن يطّرد القولان، و يحتمل القطع بالصحّة(2).

و عكس بعضهم، فقال: القولان فيما إذا التقط ليدفعها إلي سيّده، فأمّا إذا قصد نفسَه فليس له الالتقاط قولاً واحداً، بل هو متعدٍّ بالأخذ(3).

مسألة 317: قد بيّنّا أنّه يجوز التقاط العبد.

و للشافعي قولٌ آخَر: إنّه لا يجوز، فإذا التقطها ضمنها في رقبته عنده، سواء أتلفها، أو تلفت في يده بتفريطٍ أو بغير تفريطٍ؛ لأنّه أخذ مال غيره علي وجه التعدّي، و سواء كان قبل الحول أو بعده؛ لأنّ تعريفه

ص: 191


1- في «ج»: «منه» بدل «فيه».
2- العزيز شرح الوجيز 347:6، روضة الطالبين 458:4-459.
3- العزيز شرح الوجيز 347:6، روضة الطالبين 459:4.

لا يصحّ، لأنّه ليس من أهل الالتقاط عنده(1).

فإن علم به سيّده، فإن انتزعها من يده كان له ذلك، و سقط عن العبد الضمان، و كانت أمانةً في يد السيّد؛ لأنّه يأخذها علي سبيل الالتقاط.

و هذا بخلاف ما لو غصب العبد شيئاً فأخذه سيّده منه، فإنّه لا يزول عن العبد الضمان؛ للفرق بينهما، فإنّ السيّد لا ينوب عن المغصوب منه، فلا يزول الضمان بأخذه، و هنا ينوب عن صاحبها، و له حفظها عليه.

و ينبغي أن يكون لو أخذها من العبد غيرُ سيّده من الأحرار جاز، و زال الضمان عنه؛ لأنّ كلّ مَنْ هو مِنْ أهل الالتقاط نائب عن صاحبها.

إذا ثبت هذا، فإن أخذها سيّده كان كما لو ابتدأ التقاطها إن شاء حفظها لصاحبها، و إن شاء تملّكها بعد التعريف، و لا يعتدّ بتعريف العبد عنده(2).

و إن أقرّها في يد العبد، ضمن إن لم يكن أميناً، و إلّا فلا.

فإذا قلنا: لا ضمان علي المولي، تعلّق الضمان برقبة العبد خاصّةً، فإن تلف سقط الضمان.

و إن قلنا: يضمن السيّد، تعلّق الضمان بمحلّين: رقبة العبد، و ذمّة السيّد.

فإن أفلس السيّد، كان صاحب اللّقطة أحقَّ باستيفاء عوضها من العبد؛ لأنّ حقّه تعلّق برقبته عنده(3).8.

ص: 192


1- التهذيب - للبغوي - 560:4، البيان 470:7، العزيز شرح الوجيز 343:6، روضة الطالبين 455:4.
2- راجع: الهامش (2) من ص 185.
3- راجع: الهامش (1) من ص 188.

و إن مات العبد، تعلّق بذمّة سيّده يدفعه من سائر أمواله.

مسألة 318: إذا التقط العبد لقطةً ثمّ أعتقه السيّد قبل علمه باللّقطة، أو بعد علمه و قبل أن يأخذها منه، كان السيّد أحقَّ بأخذها من يده؛
اشارة

لأنّ التقاط العبد قد صحّ، و كان كسباً له، و ما كسبه العبد قبل عتقه يكون للسيّد، فيُعرّفها السيّد و يتملّكها، فإن كان العبد قد عرّف، اعتدّ به، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(1).

و عن بعض الشافعيّة وجهان في أنّ السيّد أحقّ بها؛ اعتباراً بوقت الالتقاط، أو العبد؛ اعتباراً بوقت الملك ؟ و شبّهه بما إذا أُعتقت الأمة تحت عبدٍ و لم تفسخ حتي تحرّر العبد(2).

و علي القول الثاني للشافعي من منع التقاط العبد للشافعيّة قولان، أحدهما: إنّه ليس للسيّد أخذها من يد العبد؛ لأنّه قبل أن يعتق لم يتعلّق بها حقُّ السيّد؛ لكون العبد متعدّياً، و قد زالت ولايته بالعتق، فإذا أُعتق صار كأنّه اكتسبها بعد عتقه، و صار كأنّه التقطها بعد حُرّيّته، فلم يكن للسيّد فيها حقٌّ(3).

و هل للعبد تملّكها؟ الوجه ذلك، و يجعل كأنّه التقطه بعد الحُرّيّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لأنّه لم يكن أهلاً للأخذ، فعليه تسليمها إلي الإمام(4).

ص: 193


1- المهذّب - للشيرازي - 440:1، حلية العلماء 544:5، التهذيب - للبغوي - 561:4، البيان 473:7، العزيز شرح الوجيز 348:6، روضة الطالبين 459:4.
2- العزيز شرح الوجيز 348:6، روضة الطالبين 459:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 440:1، التهذيب - للبغوي - 561:4، العزيز شرح الوجيز 348:6، روضة الطالبين 459:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 440:1، التهذيب - للبغوي - 561:4-562، البيان 473:7، العزيز شرح الوجيز 348:6، روضة الطالبين 459:4.
تذنيب: للعبد أخذ لقطة الحرم،

كما له أخذ لقطة الحِلّ، و لا يجوز له التملّك لا له و لا لسيّده علي ما يأتي(1) ، و المدبَّر و أُمّ الولد كالقِنّ، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 319: المكاتَب إن كان مشروطاً فكالقِنّ، يجوز له الالتقاط، لكن ليس للمولي انتزاعها من يده؛

لأنّها كسب له إذا لم يكن لقطة الحرم.

نعم، لو عجز فاستُرقّ كان للمولي انتزاعها من يده، كالقِنّ.

و للشافعيّة في المكاتَب طريقان مبنيّان علي اختلاف قولَي الشافعي، فإنّه قال في الأُم: المكاتَب كالحُرّ(2) ، و قال في موضعٍ آخَر: إنّه كالعبد(3).

و اختلف أصحابه:

فقال بعضهم: إنّ المكاتَب كالحُرّ قولاً واحداً، و قطع بصحّة التقاطه؛ لأنّه مستقلّ بالتملّك و التصرّف كالحُرّ، و له ذمّة يمكن استيفاء الحقوق منها، ثمّ تأوّلوا قوله: «كالعبد» بأنّه أراد به إذا كانت الكتابة فاسدةً(4).

و قال بعضهم: فيه قولان:

أحدهما: إنّه كالحُرّ؛ لأنّه ماله، كذا قال الشافعي في الأُم(5) ، و نقل المزني أنّ ماله يسلم له(6)، و الأوّل أولي؛ لأنّ المال في الحال له، و قد يسلم له بتمام الكتابة، و قد لا يسلم بفسخها.

و الثاني: إنّه كالعبد، و في التقاطه قولان؛ لتعارض معني الولاية و الاكتساب، فإنّ الملك موجود في العبد، و هو ينافي الولاية، و لهذا

ص: 194


1- في ص 245، المسألة 354، و ص 251، المسألة 356.
2- الأُم 68:4، مختصر المزني: 136.
3- قاله في الإملاء علي ما في الحاوي الكبير 21:8.
4- الحاوي الكبير 21:8، المهذّب - للشيرازي - 440:1، حلية العلماء 544:5 و 545، التهذيب - للبغوي - 562:4، العزيز شرح الوجيز 348:6. (5 و 6) راجع: الهامش (2).

لا تصحّ الوصيّة إليه، فجري مجري العبد(1).

و للشافعيّة هنا أُمور غريبة.

أ: عن ابن القطّان رواية قاطعة بالمنع من التقاط المكاتَب، بخلاف القِنّ؛ لأنّ سيّده ينتزعه من يده، و أمّا المكاتَب فقد انقطعت ولاية السيّد عنه علي نقصانه(2).

ب: حكي القاضي ابن كج خلافاً في أنّ الخلاف المذكور في المكاتَب سواء صحّت الكتابة أو فسدت، أو في المكاتَب كتابةً صحيحةً؟ و أمّا المكاتَب كتابةً فاسدةً فهو كالقِنّ لا محالة، و الصحيح عندهم: الثاني(3).

ج: نقل الجويني عن تفريع العراقيّين علي القطع بالصحّة أنّ في إبقاء اللّقطة في يده قولين علي قياس ما مرّ في الفاسق، و كتبهم ساكتة عن ذلك، إلّا ما شاء اللّه(2).

و نحن قد قلنا: إن التقاط المكاتَب صحيح، فحينئذٍ يُعرّف اللّقطة و يتملّكها إن شاء، و بدلها في كسبه، و ليس للمالك(3) انتزاعها من يده، و هو قول الشافعي(6) علي تقدير قوله بصحّة التقاطه.

و هل يُقدَّم صاحب اللّقطة بها علي الغرماء؟ الأقرب عندي ذلك.

و للشافعيّة وجهان(7).

و علي القول للشافعي بأنّ المكاتَب كالحُرّ لا بحث، و بأنّه كالعبد إن قلنا: إنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يصحّ التقاط المكاتَب، و يكون متعدّياً4.

ص: 195


1- الحاوي الكبير 21:8، الوسيط 287:4، البيان 473:7، العزيز شرح الوجيز 348:6. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 348:6.
2- العزيز شرح الوجيز 348:6-349، روضة الطالبين 460:4.
3- أي: المولي. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 349:6، روضة الطالبين 460:4.

بأخذها، و عليه ضمانها، و ليس للسيّد انتزاعها من يده؛ لانتفاء ولاية السيّد عن المكاتَب، و إنّما يسلّمها إلي الحاكم ليُعرّفها، فإذا مضي الحول تملّكها المكاتَب؛ لأنّه من أهل التملّك، هكذا قال بعض الشافعيّة(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه إذا فسد الالتقاط لم يجز له الالتقاط، فلا يملكها بالحول و التعريف، و إنّه إذا أخذها من يده مَنْ هو من أهل الالتقاط و إن كان أجنبيّاً يكون ملتقطاً، و لم يعتبروا الولاية، و ليس السيّد في حقّ المكاتَب بأدني حالاً من الأجنبيّ في القِنّ أن يجوز ذلك، و برئ من ضمانها كما قلنا في العبد إذا أخذها سيّده منه.

لا يقال: للسيّد يدٌ علي العبد و علي ما في يده، دون المكاتَب.

لأنّا نقول: إنّما له ذلك فيما هو كسب للعبد و يُقرّ يده عليه، و أمّا هذه اللّقطة فلا يُقرّ يد العبد عليها، و لا له فيها كسب.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يسلّمها إلي الحاكم ليحفظها، و لا يعرّفها(2).

و الكلّ عندنا غلط.

مسألة 320: لو التقط المكاتَب، صحّ عندنا، فإذا اشتغل بالتعريف فأُعتق، أتمّ التعريف و تملّك.

و إن عاد إلي الرقّ قبل تمام التعريف، كان حكمه حكمَ القِنّ، للمولي انتزاعها من يده و تقرير يده عليها.

و قال بعض الشافعيّة: يأخذها القاضي و يحفظها للمالك، و إنّه ليس للسيّد أخذها و تملّكها؛ لأنّ التقاط المكاتَب لا يقع للسيّد ابتداءً فلا ينصرف

ص: 196


1- المهذّب - للشيرازي - 440:1، التهذيب - للبغوي - 562:4، البيان 474:7، العزيز شرح الوجيز 349:6، روضة الطالبين 460:4.
2- حلية العلماء 545:5.

إليه انتهاءً(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ الالتقاط اكتسابٌ، و اكتساب المكاتَب عند عجزه للسيّد.

و لو مات المكاتَب أو العبد قبل التعريف، وجب أن يجوز للسيّد التعريف و التملّك، كما أنّ الحُرّ إذا التقط و مات قبل التعريف، يُعرّف الوارث و يتملّك.

مسألة 321: مَنْ نصفه حُرٌّ و نصفه رقيقٌ يصحّ التقاطه؛

لأنّ القِنّ عندنا يجوز التقاطه، فالمعتق بعضه أولي.

و قال الشافعي: إنّه كالمكاتَب(2).

و للشافعيّة طريقان:

منهم مَنْ قال: يصحّ التقاطه قولاً واحداً؛ لاستقلاله بالملك و التصرّف و قوّة ذمّته(3).

و منهم مَنْ قال: فيه قولان، كالعبد(4).

و قال بعضهم بالتفصيل، و هو: إنّه يصحّ التقاطه بقدر الحُرّيّة قولاً واحداً، و الطريقان إنّما هُما في نصيب الرقّيّة(5).

فعلي القول بمنع الالتقاط يكون متعدّياً بالأخذ، ضامناً بقدر الحُرّيّة في ذمّته يؤخذ منه إن كان له مال، و بقدر الرقّ في رقبته، بناءً علي أنّ إتلافه متعلّق برقبته(6).

و عندنا أنّه متعلّق بذمّته أيضاً يُتبع به بعد العتق لو تعدّي في اللّقطة،

ص: 197


1- التهذيب - للبغوي - 562:4، العزيز شرح الوجيز 349:6، روضة الطالبين 460:4.
2- العزيز شرح الوجيز 349:6. (3 و 4) المهذّب - للشيرازي - 440:1، حلية العلماء 546:5، البيان 474:7، العزيز شرح الوجيز 349:6، روضة الطالبين 461:4. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 349:6، روضة الطالبين 461:4.

و لا يؤخذ نصيب الرقّيّة من نصيب الحُرّيّة.

و ذكر بعض الشافعيّة وجهين في أنّه ينتزع منه، أو يبقي في يده و يُضمّ إليه مُشرف ؟ و الظاهر عندهم: الانتزاع(1).

ثمّ بعد الانتزاع وجهان في أنّه يُسلّم إلي السيّد، أو يحفظه الحاكم إلي ظهور مالكه ؟ و الأظهر عندهم: الثاني(2).

فإن سلّم إلي السيّد، قال بعضهم: إنّ السيّد يُعرّفه و يتملّكه(3).

و قال بعضهم: يكون بينهما بحسب الرقّ و الحُرّيّة، و يصيران كشخصين التقطا مالاً(4).

و قال بعضهم: بل يختصّ السيّد بها؛ إلحاقاً للقطته بلقطة القِنّ(5).

مسألة 322: مَنْ نصفه حُرٌّ و نصفه عبدٌ يصحّ التقاطه علي ما تقدّم،

و هو أحد قولَي الشافعي(2).

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون بينه و بين سيّده مهايأة، أو لا.

فإن لم يكن هناك مهايأة، كان ما يكتسبه بينهما علي النسبة، و من جملته الالتقاط.

و إن كان بينهما مهايأة، فاللّقطة من الاكتسابات النادرة، فعندنا أنّها تدخل في المهايأة - و هو أحد قولَي الشافعي - لأنّ هذا كسب، فكان حكمه حكمَ سائر الاكتسابات.

و الثاني: لا تدخل؛ لأنّ الالتقاط نادر غير معلوم الوجود و لا مظنونه،

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 349:6-350، روضة الطالبين 461:4. (2-5) العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 461:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 440:1، الوسيط 287:4، حلية العلماء 546:5، البيان 474:7.

فلا تدخل تحت المهايأة(1).

و المعتمد ما قلناه.

فعلي ما اخترناه إن وقعت اللّقطة في نوبة المولي كانت للمولي، و إن وقعت في نوبة العبد كانت له، و أيّهما وقعت له فإنّه يُعرّفها و يتملّكها.

و الاعتبار بيوم الالتقاط؛ لأنّه وقت حصول الكسب، لا بوقت الملك، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجهٌ آخَر، و هو: اعتبار وقت التملّك(3).

و لو وقع الالتقاط في نوبة أحدهما و انقضاء مدّة التعريف في نوبة الآخَر، فعندنا الحكم بنوبة الالتقاط.

و عند مَن اعتبر التملّك ألحقه به، و علي القول بعدم دخول النادر في المهايأة يكون الحكم فيه كما لو لم يكن بينهما مهايأة(2).

مسألة 323: قد بيّنّا أنّ المدبَّر و المعتق بصفةٍ

مسألة 323: قد بيّنّا أنّ المدبَّر و المعتق بصفةٍ(3) عند مَنْ جوّزه و أُمّ الولد حكمهم حكم القِنّ يصحّ التقاطهم عندنا

- و للشافعي قولان(4) - كالقِنّ أيضاً، إلّا أنّ أُمّ الولد إذا التقطت فأتلفت اللّقطة أو تلفت في يدها يكون حكمها عندنا حكمَ القِنّ من أنّها تُتبع بعد العتق.

ص: 199


1- الحاوي الكبير 22:8، المهذّب - للشيرازي - 440:1، الوسيط 288:4، حلية العلماء 546:5، التهذيب - للبغوي - 562:4-563، البيان 474:7، العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 461:4-462. (2 و 3) الوسيط 288:4، العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 462:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 440:1، التهذيب - للبغوي - 563:4، العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 462:4.
3- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «بصفة»: «نصفه». و هو تصحيف.
4- البيان 475:7، التهذيب - للبغوي - 562:4، العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 462:4.

و أمّا عند الشافعي علي تقدير صحّة التقاطها يتعلّق الضمان بذمّة سيّدها دون رقبتها؛ لأنّه لا يجوز بيعها، و إنّما منع السيّد بالإحبال من بيعها، فضمن عنها.

و هذا مبنيٌّ علي أصله من أنّ الضمان في القِنّ يتعلّق برقبته دون ذمّته، أمّا هنا فلا يمكن بيعها، فلزم الضمان مولاها، سواء علم بالتقاطها أو لم يعلم؛ لأنّ جناية أُمّ الولد علي سيّدها(1).

هذا هو المشهور عند الشافعيّة.

و قال الشافعي في الأُم: ليس للعبد أن يلتقط؛ لأنّ أخذه اللّقطة غرر، و كذلك المدبَّر و أُمّ الولد، و إن علم بها سيّدها فالضمان في ذمّته، و إن لم يعلم بها فالضمان في ذمّتها(2).

و هذا مخالف لما ذكره الأصحاب(3) ، فمنهم مَنْ نسب ذلك إلي سهو الكاتب(4) ، و قال بعضهم: يكون هذا علي القول الذي يقول: لها أن تلتقط(5).

و هذا لا وجه له؛ لأنّه لا نصّ في هذا الكلام علي أنّه ليس للعبد الالتقاط.

و تأوّله بعضهم بأنّه يكون قد التقطت لسيّدها لا لنفسها، قال: و يجوز7.

ص: 200


1- البيان 475:7، التهذيب - للبغوي - 562:4، العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 462:4.
2- الأُم 68:4، و راجع: البيان 475:7، و العزيز شرح الوجيز 350:6، و روضة الطالبين 462:4.
3- أي: الأصحاب من الشافعيّة.
4- العزيز شرح الوجيز 350:6، روضة الطالبين 462:4.
5- البيان 475:7.

ذلك، فإذا لم تدفعه إلي سيّدها ضمنته في ذمّتها، كالقرض الفاسد، قال هذا القائل: و كذا العبد القِنّ إذا التقط لسيّده(1).

مسألة 324: لو التقط الصبي أو المجنون أو السفيه، فإن كان من الحرم أخذها الوليُّ منهم؛

لأنّ هذه اللّقطة مجرّد أمانةٍ، و لا يجوز تملّكها، و مَنْ ليس يملك(2) لا يصحّ استئمانه، فيجب علي الوليّ انتزاعها من يده و احتفاظها لصاحبها.

و إن كانت لقطة غير الحرم، صحّ التقاطهم؛ لأنّهم من أهل التكسّب، و يصحّ منهم الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد - و هو أصحّ قولَي الشافعيّة(3) - فإذا أخذ أحدهم اللّقطة، تثبت يده عليها.

فإن لم يعرف الوليُّ بالتقاطه و أتلفه الصبي، ضمن، و إن تلف في يده بغير تفريطٍ منه، لم يضمن؛ لأنّه أخذ ما لَه أخذه، فلا يكون عليه ضمان، كما لو أُودع مالاً فتلف عنده.

و إن علم الوليُّ، لزمه أخذها منه؛ لأنّه ليس من أهل الحفظ و الأمانة، فإن تركها في يد الصبي ضمنها الوليُّ؛ لأنّه يجب عليه حفظ ما يتعلّق بالصبي من أمواله و تعلّقاته و حقوقه، و هذا قد تعلّق به حقّه، فإذا تركها في يده صار مضيّعاً لها فضمنها، و إذا أخذها الوليُّ عرّفها؛ لأنّ الصبي و المجنون ليسا من أهل التعريف، و به قال الشافعي(4).

و عنه قولٌ آخَر: إنّ الوليّ إذا لم يعلم باللّقطة و تلفت في يد الصبي من غير تفريطٍ من الصبي، كان الصبي ضامناً لها أيضاً؛ لأنّه و إن كان أهلاً

ص: 201


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في النُّسَخ الخطّيّة: «و مَنْ ليس له تملّك». (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 351:6، روضة الطالبين 462:4.

للالتقاط فلا يُقرّ المال في يده، و لا يُجعل أهلاً للأمانة، بخلاف الوديعة؛ لأنّ مالك الوديعة سلّطه عليه(1).

و نحن نقول: تسليط الشرع يُغني عن تسليط المالك.

مسألة 325: إذا انتزع وليّ الطفل أو المجنون اللّقطة منهما و عرّفها حولاً، اعتمد المصلحة.

فإن رأي المصلحة في تمليك الصبي إيّاها و تضمينه لها، فَعَل ذلك، كما يجوز له أن يقترض عليه؛ لأنّ تملّك اللّقطة استقراض.

و حينئذٍ اختلفت الشافعيّة:

فقال بعضهم: إذا اقتضت المصلحة تمليك الصبي ملّكه حيث يجوز له الاستقراض، و لا يجوز حيث لا يجوز له الاستقراض(2).

و قال بعضهم: يجوز أن يتملّك و إن كان ممّن لا يجوز عليه الاستقراض؛ لاستغنائه عنه؛ لأنّ الظاهر عدم صاحبه؛ لأنّا نلحقه علي هذا القول بالاكتساب(3).

و هو المعتمد عندي؛ لأنّه لو جري مجري الاقتراض في ذلك لم يصح الالتقاط من الصبي و المجنون، فلهذا جعلناه بمنزلة الاكتساب.

و إن رأي أنّ المصلحة للطفل و المجنون في عدم التمليك، احتفظها الوليُّ أمانةً، أو سلّمها إلي القاضي.

و لو احتاج التعريف إلي مئونةٍ، لم يصرف مال الصبي إليه، بل يرفع الأمر إلي الحاكم ليبيع جزءاً من اللّقطة لمئونة التعريف.

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 351:6، روضة الطالبين 462:4. (2 و 3) البيان 476:7، العزيز شرح الوجيز 351:6، روضة الطالبين 462:4، المغني 386:6، الشرح الكبير 399:6.

و لو تلفت اللّقطة في يد الصبي قبل الانتزاع من غير تقصيرٍ، فلا ضمان علي الصبي.

و إن كان الوليُّ قصّر بتركها في يده حتي تلفت أو أتلفها، فعليه الضمان، كما لو احتطب الصبي و تركه الوليُّ في يده حتي تلف أو أتلفه، يجب الضمان علي الوليّ؛ لأنّ عليه حفظَ الصبي عن مثله، ثمّ يعرّف التالف، و بعد التعريف يتملّك الصبي إن كان النظر له فيه.

و للشافعي قولٌ آخَر: إنّه لا يصحّ من الصبي و المجنون الالتقاط، فلو التقط و تلفت اللّقطة في يده أو أتلفها، وجب الضمان في ماله، و ليس للوليّ أن يُقرّها في يده، بل يسعي في انتزاعها، فإن أمكنه رَفْعُ الأمر إلي القاضي فَعَل، فإذا انتزع القاضي ففي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة وجهان، كالخلاف في انتزاع القاضي للمغصوب من الغاصب، و أولي بحصول البراءة؛ نظراً للطفل، و إن لم يمكنه رَفْعُ الأمر إلي القاضي، أخذه بنفسه، و في براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة قولان، كالخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد، فإن لم تحصل البراءة، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع و الإتلاف(1).

و إذا أخذه الوليّ، فإن أمكنه التسليم إلي القاضي فلم يفعل حتي تلف، قال الشافعي: يكون عليه الضمان، و إن لم يمكنه فقرار الضمان علي الصبي، و في كون الوليّ طريقاً وجهان(2).

هذا إذا أخذ الوليُّ لا علي قصد الالتقاط، أمّا إذا قصد ابتداء الالتقاط، ففيه له وجهان(1).4.

ص: 203


1- العزيز شرح الوجيز 352:6، روضة الطالبين 464:4.

و كذا الخلاف في الأخذ من العبد علي هذا القصد إذا لم يصح التقاطه(1).

و عندي في ذلك نظر، أقربه - بناءً علي بطلان التقاط الصبي -: عدم الضمان علي الوليّ، و يكون أخذه التقاطاً مبتدأً، و لا حاجة إلي نيّة الالتقاط، كما لو أخذه من الأرض لا بنيّة الالتقاط.

و لو قصّر الوليُّ و ترك المالَ في يده، قال بعض الشافعيّة: لا ضمان عليه؛ بناءً علي أنّه لا يصحّ التقاط الصبي؛ لأنّه لم يحصل في يده، و لا حقّ للصبي فيه حتي يلزمه الحفظ له، بخلاف ما إذا قلنا: إنّه يصحّ التقاطه(2).

و خصّص بعض الشافعيّة هذا بما إذا قلنا: إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي، أمّا إذا قلنا: إنّه يُبرئه، فعليه الضمان؛ لإلقائه الطفل في ورطة الضمان، و يجوز أن يضمن و إن قلنا: إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي؛ لأنّ المال في يد الصبي في معرض الضياع، فمن حقّه أن يصونه(3).

و المجنون و السفيه المحجور عليه كالصبي في الالتقاط، إلّا أنّه يصحّ تعريف السفيه، دون الصبي و المجنون.

الركن الثالث: في المال الملقوط.
اشارة

اللّقطة كلّ مالٍ ضائعٍ أُخذ و لا يد لأحدٍ عليه.

ص: 204


1- العزيز شرح الوجيز 352:6، روضة الطالبين 464:4.
2- العزيز شرح الوجيز 352:6، روضة الطالبين 464:4.
3- العزيز شرح الوجيز 352:6، روضة الطالبين 464:4.

فإن كان في الحرم، لم يجز تملّكه، عند علمائنا أجمع، بل في جواز التقاطها قولان.

و لا خلاف في الكراهة الشاملة للتحريم و التنزيه.

و علي القول بالتحريم أو الكراهة لا يجوز التقاطها للتملّك قطعاً عندنا، بل ليحتفظها لصاحبها دائماً، و يعرّفها حولاً، و يتصدّق بها بعد الحول عن صاحبها.

و في الضمان لعلمائنا قولان مع التصدّق، المشهور: ثبوته؛ لأنّه دفع مال غيره المعصوم إلي غير مالكه، فكان ضامناً له.

و لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسي الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن رجلٍ وجد ديناراً في الحرم فأخذه، قال: «بئس ما صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه» قال: قلت: ابتلي بذلك، قال: «يُعرّفه» قلت:

فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً، فقال: «يرجع إلي بلده فيتصدّق به علي أهل بيتٍ من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(1).

و قال بعض علمائنا: لا يضمن إذا تصدّق بها بعد الحول؛ لأنّه امتثل الأمر بالصدقة بها، فلا ضمان عليه(2).

و المشهور: الأوّل.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أحمد بن حنبل - في إحدي الروايتين - ذهب إلي ما اخترناه من الفرق بين لقطة الحِلّ و الحرم، فحرّم التقاط لقطة الحرم للتملّك، و إنّما يجوز التقاطها لحفظها لصاحبها، فإن التقطها عرّفها أبداً حتي يأتي صاحبها - و هو أحد قولَي الشافعي - لقول النبيّ صلي الله عليه و آله:

«لا تحلّ ساقطتها إلّا لمُنشدٍ»(3) معناه: لا تحلّ لقطة مكة إلّا لمن يُعرّفها؛2.

ص: 205


1- التهذيب 395:6-1190/396.
2- المفيد في المقنعة: 646، و الطوسي في النهاية: 320، و سلّار في المراسم: 206، و ابن البرّاج في المهذّب 567:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 278، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 292:3.
3- صحيح البخاري 164:3-165، صحيح مسلم 1355/988:2.

لأنّها خُصّت بهذا من بين سائر البلدان.

و في حديثٍ آخَر: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله نهي عن لقطة الحاج(1).

قال ابن وهب: يعني يتركها حتي يجدها صاحبها(2).

و في روايةٍ أُخري أنّه قال في مكة: «لا يُنفَّر صيدها، و لا يُعضد شجرها، و لا يُختلي خلاها، و لا تحلّ لقطتها إلّا لمُنشدٍ»(3) يعني لمعرّفٍ(4).

و هذا القول يوافق قول علمائنا من وجهٍ، و يخالفه من وجهٍ آخَر.

أمّا وجه الموافقة: ففي تحريم تملّكها للّاقط.

و أمّا وجه المخالفة: فإنّ أصحابنا جوّزوا الصدقة بها بعد تعريفها حولاً، و في الضمان حينئذٍ خلاف.

و لم يذكر هؤلاء العامّة الصدقةَ.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا فرق بين لقطة الحرم و الحِلّ، بل هُما سواء في الحكم من التعريف حولاً و تملّكها بعده - و رواه العامّة عن ابن عباس و ابن عمر و عائشة و ابن المسيّب، و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين - لعموم الأحاديث، و لأنّه أحد الحرمين،2.

ص: 206


1- صحيح مسلم 1724/1351:3، سنن أبي داوُد 1719/139:2، سنن البيهقي 199:6، مسند أحمد 15640/558:4، المستدرك - للحاكم - 64:2-65.
2- سنن أبي داوُد 139:2، ذيل ح 1719.
3- صحيح البخاري 164:3، سنن النسائي 211:5.
4- المغني 360:6، الشرح الكبير 385:6، الحاوي الكبير 4:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، حلية العلماء 522:5-523، التهذيب - للبغوي - 552:4، البيان 440:7، العزيز شرح الوجيز 371:6، روضة الطالبين 477:4، الهداية - للمرغيناني - 177:2، بدائع الصنائع 202:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2.

فأشبه المدينة، و لأنّها أمانة، فلم يختلف حكمها بالحِلّ و الحرم، كالوديعة(1).

و العمومات قد تُخصّص بالأدلّة، و قد بيّنّاه، و الحرمة في حرم مكة أعظم منه في حرم المدينة، و لهذا حرم فيه أشياء هي مباحة في المدينة، و جاز أن تختلف الأمانة باختلاف المحلّ، فلا يتمّ القياس.

مسألة 326: لقطة غير الحرم إن كانت قليلةً جاز تملّكها في الحال،

و لا يجب تعريفها، و لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل و الانتفاع به من غير تعريفٍ، و رواه العامّة عن عليٍّ عليه السلام و عن عمر و ابن عمر و عائشة، و به قال عطاء و جابر بن زيد و طاوُوس و النخعي و يحيي بن أبي كثير و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد بن حنبل(2) و إن اختلفوا في حدّ القليل.

و الأصل فيه: ما روي العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه لم يُنكر علي واجد التمرة حيث أكلها، بل قال له: «لو لم تأتها لأتتك»(3).

و رووا عنه صلي الله عليه و آله أنّه رأي تمرةً فقال: «لو لا إنّي أخشي أن تكوني من

ص: 207


1- الحاوي الكبير 5:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، حلية العلماء 523:5، التهذيب - للبغوي - 553:4، البيان 440:7، العزيز شرح الوجيز 371:6، روضة الطالبين 476:4، المغني 360:6-361، الشرح الكبير 385:6، الهداية - للمرغيناني - 177:2، بدائع الصنائع 202:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:2، المغني 351:6، الشرح الكبير 347:6، بداية المجتهد 308:2، البيان 438:7، الاختيار لتعليل المختار 48:3.
3- المغني 351:6، الشرح الكبير 347:6، و في صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 3240/33:8، و كتاب السنّة - لابن أبي عاصم -: 265/117 بتفاوتٍ.

تمر الصدقة لأكلتكِ»(1).

و عن جابر قال: رخّص [لنا] رسول اللّه صلي الله عليه و آله في العصا و السوط و الحبل و أشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به(2).

و عن عائشة أنّها قالت: لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(3).

و عن سويد بن غفلة قال: خرجتُ مع [سلمان بن ربيعة](4) و زيد بن صوحان حتي إذا كُنّا بالعُذَيب التقطتُ سوطاً [فقالا](5) لي: ألقه [فأبيتُ](6) فلمّا قدمنا المدينة أتيتُ أُبيّ بن كعب فذكرتُ ذلك له، فقال: أصبت(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن اللّقطة، قال: «تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً» قال: «و ما كان دون الدرهم فلا يُعرّف»(8).

مسألة 327: و قد اختلف في حدّ القليل الذي لا يجب تعريفه، فالذي عليه علماؤنا أنّه ما نقص عن الدرهم،
اشارة

فهذا لا يجب تعريفه، و يجوز تملّكه

ص: 208


1- أورده الطوسي في المبسوط 302:3، و في صحيح البخاري 164:3، و صحيح مسلم 1071/752:2، و سنن البيهقي 195:6 بتفاوتٍ يسير.
2- سنن أبي داوُد 1717/138:2، سنن البيهقي 195:6، المغني 351:6، الشرح الكبير 347:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
3- العزيز شرح الوجيز 366:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «سعد». و المثبت كما في المصدر.
5- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «فقال». و المثبت كما في المصدر.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- سنن ابن ماجة 837:2-2506/838، المغني 351:6-352، الشرح الكبير 348:6.
8- الكافي 4/137:5، التهذيب 1162/389:6، الاستبصار 226/68:3.

في الحال عند علمائنا أجمع، و ما زاد علي ذلك يجب تعريفه حولاً؛ لحديث محمّد بن أبي حمزة(1).

و في الحسن عن حريز عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه» قال: «و قال الباقر عليه السلام: ليس لهذا طالب»(2).

و في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسي الكاظم عليه السلام، قال:

سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع ؟ قال: «يُعرّفها سنةً، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتي يجيء طالبها فيعطيها إيّاه، و إن مات أوصي بها و هو لها ضامن»(3).

و قال الشافعي: حدّ القليل ما لا تتبعه النفس و لا تطلبه، فهذا يجوز الانتفاع به من غير تعريفٍ(4).

و هذا غلط؛ لأنّه غير مضبوطٍ و لا مقدَّر بقدرٍ، و لا يجوز التحديد به، و هو مضطرب مختلف باختلاف النفوس شرفاً و ضعةً و غناءً و فقراً، و مثل ذلك لا يجوز من الشارع أن [يجعله](5) مناطاً للأحكام.

و قال مالك و أبو حنيفة: لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق، و إن اختلفا في القدر الذي يقطع به السارق، فعند مالك ربع دينار، فما نقصه.

ص: 209


1- الكافي 4/137:5، التهذيب 1162/389:6، الاستبصار 226/68:3.
2- الكافي 140:5-15/141، التهذيب 1179/393:6.
3- الفقيه 840/186:3، التهذيب 397:6-1198/398.
4- الحاوي الكبير 16:8، حلية العلماء 528:5، البيان 438:7، العزيز شرح الوجيز 366:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2.
5- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «يجعلها». و الظاهر ما أثبتناه.

عنه لا يجب تعريفه، و عند أبي حنيفة عشرة دراهم، فما نقص عنه لا يجب تعريفه؛ لأنّ ما دون ذلك تافه، فلا يجب تعريفه، كالتمرة و اللّقمة، و قد قالت عائشة: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه(1).

و روي العامّة عن عليٍّ عليه السلام: إنّه وجد ديناراً فتصرّف فيه(2).

و هو عندنا ضعيف، و يُحمل علي غير اللّقطة.

و رووا عن سلمي بنت كعب قالت: وجدتُ خاتماً من ذهبٍ في طريق مكة، فسألتُ عائشة عنه، قالت: تمتّعي به(3)(4).

و ليس قول عائشة بحجّةٍ البتّة، و التحديد بما يجب فيه القطع منافٍ للأصل، و هو عصمة مال الغير، و قد ثبت تحريم مال المسلم، و أنّ حرمته كحرمة دمه(5) ، صِرْنا إلي ما نقص عن الدرهم؛ للإجماع، فيبقي الباقي علي الأصل.

فروع:
أ - لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه،

فالأقرب: وجوب

ص: 210


1- المحلّي 338:11، أحكام القرآن - للجصّاص - 426:2، الكامل - لابن عدي - 1509:4، العزيز شرح الوجيز 365:6، المغني 351:6، الشرح الكبير 348:6.
2- المغني 351:6، الشرح الكبير 348:6، و راجع: سنن أبي داوُد 137:2-1714/138 و 1715.
3- كتاب الثقات 351:4، المغني 351:6، الشرح الكبير 348:6.
4- بداية المجتهد 447:2، التلقين: 508، المعونة 1413:3، الجامع لأحكام القرآن 160:6، المبسوط - للسرخسي - 137:9، و 3:11، المغني 351:6، الشرح الكبير 348:6، حلية العلماء 528:5، و 49:8-50، العزيز شرح الوجيز 365:6، و 175:11، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2-58.
5- سنن البيهقي 100:6، سنن الدارقطني 91/26:3 و 92، مسند أحمد 20172/69:6، مسند الشهاب 137:1-177/138 و 178، حلية الأولياء 334:7.

دفعه إليه؛ لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه، و تجويز التصرّف للملتقط لا ينافي وجوب ردّه.

ب - الأقرب: وجوب دفع العين مع وجود صاحبه.

و يحتمل القيمة مطلقاً كالكثير إذا تملّكه بعد التعريف، و القيمة إن نوي التملّك، و إلّا فالعين، و هو أقرب.

ج - لو تلف بتفريطه ثمّ وجد صاحبه،

فالأقرب: وجوب الضمان، مع احتمال عدمه.

د - الأقرب: إنّه فرقٌ بين لقطة الحرم و الحِلّ فيما دون الدرهم،

كما في الزائد عليه؛ لحرمة الحرم، الشاملة للقليل و الكثير.

مسألة 328: إذا بلغت اللّقطة درهماً فما زاد، وجب فيها التعريف،

فلا يجوز تملّكها في الحال، فإن نواه لم يملك و ضمن؛ لأنّ بعض أصحابنا سأل الصادقَ عليه السلام عن اللّقطة، قال: «تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً» قال: «و ما كان دون الدرهم فلا يُعرّف»(1) فلزم من هذا وجوب تعريف الدرهم.

و عن محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: «قضي عليٌّ عليه السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها، فإن وجد مَنْ يعرفها و إلّا تمتّع بها»(2).

و عن داوُد بن سرحان عن الصادق عليه السلام أنّه قال في اللّقطة: «يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ وجوب التعريف حولاً إنّما هو في الأموال التي

ص: 211


1- تقدّم تخريجه في ص 208، الهامش (8).
2- التهذيب 1199/398:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (3).

يمكن بقاؤها و لا يسرع الفساد إليها إمّا بمعالجةٍ كالرطب المفتقر إلي العلاج بالتشميس و الكبس حتي يصير تمراً، أو بغير معالجةٍ كالذهب و الفضّة و الثياب و غيرها.

و أمّا ما لا بقاء له - كالهريسة و الطبيخ و شبههما - فإنّه يجوز تناوله بعد التقويم علي نفسه، و يضمنه للمالك.

مسألة 329: يكره التقاط ما تكثر فائدته و تقلّ قيمته،

كالنعلين و الإداوة(1) و السوط و أشباه ذلك؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه سأل الصادقَ عليه السلام عن النعلين، و الإداوة، و السوط يجده الرجل في الطريق أ ينتفع به ؟ قال: «لا يمسّه»(2).

و لأنّ الاكتساب في ذلك منتفٍ، و ربما تضرّر مالكه بضياعه عنه.

و قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه»(3) لا ينافي ما قلناه؛ لحقارة هذه الأشياء، فلا يطلبها المالك، و لهذا روي في تتمّة الخبر عن أبيه الباقر عليه السلام قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: ليس لهذا طالب»(4) فدلّ ذلك علي البناء علي العادة في الإعراض عن هذه الأشياء، فيكون في الحقيقة إباحة من المالك لها، مع أنّ نفي البأس لا يضادّ الكراهة.

إذا عرفت هذا، فلو التقط أحدٌ هذه الأشياء ثمّ ظهر مالكها، كان له أخذها.

و بالجملة، فأخذ اللّقطة مطلقاً عندنا مكروه، و يتأكّد في مثل هذه

ص: 212


1- الإداوة: إناء صغير من جلدٍ يُتّخذ للماء. لسان العرب 25:14 «أدا».
2- التهذيب 1183/394:6. (3 و 4) تقدّم تخريجه في ص 209، الهامش (2).

الأشياء، و تتأكّد الكراهة في مطلق اللّقطة للفاسق، و آكد منه المعسر.

مسألة 330: ما ليس بمالٍ ممّا يجوز اقتناؤه، مثل كلب الصيد إذا منعنا من بيعه،

و كذا غيره من الكلاب المنتفع بأعيانها - مثل كلب الماشية و الزرع و الحائط - فإنّه يجوز التقاطه، و يُعرَّف سنةً، و به قال الشافعي، إلّا أنّ الشافعي شرط في الالتقاط قصد الحفظ أبداً؛ لأنّه لا يجوز له تملّكه بعد السنة بالعوض؛ لأنّه لا قيمة له عنده، و بغير عوضٍ مخالفٌ لوضع اللّقطة(1).

و أمّا المنفعة فعلي وجهين، إن جوّزوا إجارة الكلب كانت مضمونةً، و إلّا فلا(2).

و قال أكثر الشافعيّة يُعرّفه سنةً - كما قلناه - ثمّ يختصّ به و ينتفع به، فإن ظهر صاحبه بعد ذلك و قد تلف لم يضمنه.

و هل عليه أُجرة المثل لمنفعة تلك المدّة ؟ وجهان مبنيّان علي جواز إجارة الكلب(3).

و أمّا عندنا فإن كان الكلب له قيمة مقدّرة في الشرع فإذا عرّفه حولاً و لم يجد صاحبه، جاز له أن يتملّكه، فيكون عليه القيمة الشرعيّة.

المطلب الثاني: في الأحكام.
اشارة

و مباحثه أربعة:

البحث الأوّل: الضمان و عدمه.
مسألة 331: اللّقطة أمانة في يد الملتقط ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط فيها أو يتعدّي،

فإذا أخذها بقصد الحفظ لصاحبها دائماً فهي أمانة في يده

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 357:6، روضة الطالبين 468:4.
2- العزيز شرح الوجيز 357:6، روضة الطالبين 468:4.
3- العزيز شرح الوجيز 357:6، روضة الطالبين 468:4.

ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط أو يتعدّي و إن بقيت في يده أحوالاً إن قلنا بافتقار التملّك إلي نيّةٍ؛ لأنّه بذلك مُحسنٌ في حقّ المالك بحفظ ماله و حراسته، فلا يتعلّق به ضمان؛ لقوله تعالي:«ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (1) و لأنّ حاله لم يختلف قبل الحول و لا بعده، فكذا الحكم بعدم الضمان ينبغي أن لا يختلف.

و أمّا إن قلنا بدخولها في ملكه بعد الحول و إن لم يقصد التملّك، فإنّه يضمنها بدخولها في ملكه.

لكن المعتمد عند علمائنا: الأوّل، و سيأتي.

مسألة 332: إذا نوي الاحتفاظ لها دائماً، فهي أمانة في يده علي ما تقدّم.

فإن دفعها إلي الحاكم، وجب عليه القبول؛ لأنّه مُعدٌّ لمصالح المسلمين، و أعظمها حفظ أموالهم، بخلاف الوديعة، فإنّه لا يلزمه قبولها - علي أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه قادر علي الردّ إلي المالك، بل لا يجوز له دفعها إلي الحاكم مع القدرة علي صاحبها؛ لقوله تعالي:«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها» (3).

و لو تعذّر عليه الردّ إلي المالك و افتقر إلي إيداعها، أودعها الحاكم؛ للضرورة.

و لو أخذ للتملّك ثمّ بدا له و دفعها إلي الحاكم، لزمه القبول.

و لو قصد الحفظ أبداً، لزمه التعريف حولاً، و لا يسقط وجوب

ص: 214


1- سورة التوبة: 91.
2- التهذيب - للبغوي - 547:4، العزيز شرح الوجيز 359:6.
3- سورة النساء: 58.

التعريف حولاً بقصد الحفظ دائماً، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) علي ما يأتي، فإن لم يجب لم يضمن بتركه عندهم(2).

و إذا بدا له قصد التملّك، عرّفها سنةً من حينئذٍ، و لا يعتدّ بما عُرّف من قبلُ.

و إن أوجبناه، فهو ضامن بالترك، حتي لو ابتدأ بالتعريف بعد ذلك فهلك في سنة التعريف ضمن.

مسألة 333: لو نوي الخيانة و التملّك بغير تعريفٍ حين الالتقاط و أخفاها عن المالك، كان ضامناً غاصباً،

و لا يحلّ له أخذها بهذه النيّة، فإن أخذها لزمه ضمانها، سواء تلفت بتفريطه أو بغير تفريطه.

فإن دفعها إلي الحاكم، فالأقرب: زوال الضمان؛ لأنّه نائب عن المالك، فكأنّه قد دفع إلي المالك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، كما في الغاصب(1).

و لو لم يدفعها إلي الحاكم بل عرّفها حولاً، فالأقرب: إنّه يجوز له التملّك؛ لأنّه قد وُجد سبب التملّك(2) ، و هو التعريف و الالتقاط، فيملكها به، كالاصطياد و الاحتشاش، فإنّه لو دخل حائط غيره بغير إذنه فاصطاد منه صيداً مَلَكه و إن كان دخوله محرَّماً، كذا هنا.

و لأنّ عموم النصّ يتناول هذا الملتقط، فيثبت حكمه فيه.

و لأنّا لو اعتبرنا نيّة التعريف وقت الالتقاط، لافترق الحال بين العَدْل

ص: 215


1- العزيز شرح الوجيز 359:6، روضة الطالبين 469:4-470.
2- في النُّسَخ الخطّيّة: «الملك» بدل «التملّك».

و الفاسق و الصبي و السفيه؛ لأنّ الغالب علي هؤلاء الالتقاط للتملّك من غير تعريفٍ.

و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الأظهر عندهم و الأشهر بينهم: إنّه لا يُمكَّن من التملّك؛ لأنّه أخذ مال غيره(1).

و علي وجهٍ: لا يجوز له أخذه، فأشبه الغاصب(2). و لا بأس به.

مسألة 334: لو أخذ اللّقطة بنيّة التعريف حولاً و التملّك بعده، فإنّها في الحول أمانة غير مضمونةٍ

لو تلفت بغير تفريطٍ منه أو نقصت، فلا ضمان عليه كالوديعة، إلّا بالتعدّي أو التفريط أو نيّة التملّك.

و أمّا بعد السنة فالأقرب: إنّها تصير مضمونةً عليه إذا كان عزم التملّك مطّرداً و إن لم يَجْر حقيقةً؛ لأنّه صار ممسكاً لنفسه، فأشبه المستام.

هذا إن قلنا: إنّ اللّقطة لا تُملك بمضيّ السنة، فإن قلنا: تُملك، فإذا تلفت تلفت منه لا محالة، و هذا قول بعض الشافعيّة(3).

و أكثرهم علي أنّها أمانة إذا لم يختر التملّك قصداً أو لفظاً إذا اعتبرنا اللفظ كما كانت قبل الحول. نعم، إذا اختار و قلنا: لا بدّ من التصرّف، فحينئذٍ يكون مضموناً عليه، كالقرض(4).

و قد اعتُرض علي ذلك: بأنّه قد يغيّر القصد إلي الحفظ ما لم يتملّك، فلا يكون ممسكاً لنفسه، فلو كان قصد التملّك يجعله ممسكاً لنفسه، لزم أن يكون الذي لا يقصد بالتعريف إلّا تحقيق شرط التملّك ممسكاً لنفسه في

ص: 216


1- التهذيب - للبغوي - 456:4، العزيز شرح الوجيز 359:6، روضة الطالبين 470:4. (2-4) العزيز شرح الوجيز 359:6، روضة الطالبين 470:4.

مدّة السنة أيضاً(1).

مسألة 335: لو أخذ اللّقطة بنيّة الأمانة و التعريف ثمّ قصد الخيانة، ضمن بقصده؛

لأنّ سبب أمانته مجرّد نيّته، و إلّا فأخذ مال الغير بغير رضاه ممّا يقتضي الضمان، و لأنّه استئمان ضعيف؛ لأنّه ثبت من غير جهة المالك، فيكفي في زواله أدني سبب، و لأنّ نيّة الخيانة لو حصلت حالة الالتقاط لاقتضت الضمان، فكذا بعده؛ لبراءة ذمّته قبل الالتقاط و حالة الأمانة، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الأصحّ عندهم: إنّه لا يصير المال مضموناً عليه بمجرّد القصد، كالمستودع لو جدّد نيّة الخيانة في الوديعة بعد نيّة الحفظ لم يصر ضامناً بذلك، كذا الملتقط(3).

و الفرق ظاهر بين الملتقط و المستودع؛ لأنّ المستودع مسلّط مؤتمن من جهة المالك، علي أنّ في المستودع وجهاً للشافعيّة: إنّه يضمن بمجرّد القصد(2).

و علي الظاهر من مذهب الشافعيّة - من أنّ الودعيّ لا يضمن بقصد الخيانة بعد نيّة الحفظ - لو أخذ الوديعة علي قصد الخيانة في الابتداء وجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون ضامناً أم لا؟(3).

ص: 217


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 359:6. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 359:6-360، روضة الطالبين 470:4.
2- العزيز شرح الوجيز 360:6.
3- الوسيط 292:4، العزيز شرح الوجيز 304:7، روضة الطالبين 297:5.

و إذا قلنا: صار الملتقط ضامناً في الدوام إمّا بنفس الخيانة أو بقصدها ثمّ رجع عن نيّة الخيانة و قَصَد الأمانة و أراد أن يُعرّف و يتملّك للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّه قد تعدّي في أمانته، و صار مضموناً عليه بنيّة الخيانة أوّلاً، فلا يبرأ من الضمان؛ لأنّ الأمانة لا تعود بترك التعدّي.

و الثاني: إنّ التقاطه في الابتداء وقع مفيداً للتملّك، فلا يبطل حكمه بتفريطٍ يطرأ، و لأنّ سبب التملّك هو الالتقاط، و التعريف غير محرَّمٍ، و إنّما المحرَّم ما قصده، و لم يتّصل به تحقيق(1).

مسألة 336: قال الشيخ رحمه الله: اللّقطة تُضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملّك

(2) .

و فيه نظر؛ لأنّ المطالبة تترتّب علي الاستحقاق، فلو لم يثبت الاستحقاق أوّلاً لم يكن لصاحبها المطالبة، فلو ترتّب الاستحقاق علي المطالبة لزم الدور.

و لو أخذ الملتقط اللّقطة و لم يقصد خيانةً و لا أمانةً، لم تكن مضمونةً عليه، و له أن يتملّك بشرطه، و كذا لو أضمر أحدهما و نسي ما أضمره؛ لأصالة البراءة.

البحث الثاني: في التعريف.
مسألة 337: ينبغي للملتقط أن يقف علي اللّقطة ليميّزها عن أمواله،

فلا يختلط أمرها عليه و يشتبه بما يختصّ به، و أيضاً يستدلّ بها علي معرفة صدق مدّعيها إذا جاء و طلبها، فحينئذٍ يستحبّ أن يعرف عفاصها - و هو الوعاء من جلدٍ أو خرقٍ أو غيرهما - و وكاءها - و هو الخيط الذي يشدّ به -

ص: 218


1- العزيز شرح الوجيز 360:6، روضة الطالبين 470:4.
2- المبسوط - للطوسي - 330:3-331.

لورود ذلك في الخبر: إنّه عليه السلام قال: «اعرف عفاصها و وكاءها»(1).

و ينبغي أن يعرف أيضاً جنسها هل هي ذهب أو فضّة، أو ثوب هرويّ أو مرويّ، و يعرف قدرها بالوزن أو العدد إن كان ممّا يُعدّ في العادة؛ لما ورد في حديث أُبيّ بن كعب: «اعرف عدّتها»(2) و مهما ازداد عرفاناً ازداد احتياطاً في حفظها و تبيّنها علي أنّه لا يفرّط في طرفها.

و ينبغي أن يقيّد ذلك بالكتابة لئلّا ينسي ما عرفه منها.

مسألة 338: و يجب علي الملتقط تعريف اللّقطة إذا بلغت درهماً فما زاد،

و الإنشاد بها ليظهر خبرها لصاحبها فيأخذها، سواء قصد الملتقط حفظها دائماً لصاحبها، أو نوي التملّك بعد السنة، عند علمائنا - و به قال أحمد(3) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله في حديث زيد بن خالد الجهني، قال: جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله يسأله عن اللّقطة، فقال: «اعرف عفاصها و وكاءها ثمّ عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها و إلّا فشأنك بها»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه داوُد بن سرحان عن الصادق عليه السلام أنّه قال في اللّقطة: «يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله»(5).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام في اللّقطة في حديثٍ قال: «يُعرّفها سنةً، فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل ماله»(6).

و لأنّه مال للغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلي مالكه، و لا طريق

ص: 219


1- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
2- تقدّم تخريجه في ص 170، الهامش (1).
3- المغني 347:6، الشرح الكبير 373:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
5- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (3).
6- تقدّم تخريجه في ص 168، الهامش (1).

إلي العلم به إلّا بالتعريف و الإنشاد، و ما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً، فوجب التعريف، و لأنّ ترك التعريف كتمانٌ مفوّتٌ للحقّ علي المستحقّ.

و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه إن قصد الملتقط التملّكَ وجب التعريف حولاً، و إن قصد الحفظَ أبداً لم يجب؛ لأنّ التعريف إنّما يجب لتحقيق شرط التملّك(1).

و هو ممنوع، بل التعريف وجب لإيصال الحقّ إلي مستحقّه.

و لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام لم يفرّقوا، بل أطلقوا وجوب التعريف.

و لأنّ حفظها في يد الملتقط من غير إيصالها إلي مستحقّها مساوٍ لعدمها عنه و لهلاكها.

و لأنّ إمساكها من غير تعريفٍ تضييعٌ لها عن صاحبها، فلم يجز، كردّها إلي موضعها أو إلقائها في غيره.

و لأنّه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط؛ لأنّ بقاءها في مكانها إذَنْ أقرب إلي وصولها إلي صاحبها إمّا بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت منه فيجدها، و إمّا أن يجدها مَنْ يعرفها، و أخذ هذا لها يُفوّت الأمرين معاً، فكان محرَّماً، لكن الالتقاط جائز، فلزم التعريف كي لا يحصل هذا الضرر.

و لأنّ التعريف واجب علي مَنْ أراد تملّكها، فكذا يجب علي مَنْ أراد حفظها، فإنّ التملّك غير واجبٍ، فلا تجب الوسيلة إليه، فيلزم أن يكون الوجوب في المحلّ المتّفق عليه، لصيانتها عن الضياع عن صاحبها، و هذا موجود في محلّ النزاع.4.

ص: 220


1- العزيز شرح الوجيز 362:6-363، روضة الطالبين 472:4.
مسألة 339: لا يراد بالتعريف سنةً استيعاب السنة و صَرفها بأسرها في التعريف، بل يسقط التعريف في الليل؛

لأنّ النهار مجمع الناس و ملتقاهم، دون الليل، و لا يستوعب الأيّام أيضاً، بل علي المعتاد، فيُعرّف في ابتداء أخذ اللّقطة في كلّ يومٍ مرّتين في طرفي النهار، ثمّ في كلّ يومٍ مرّةً، ثمّ في كلّ أُسبوعٍ مرّةً أو مرّتين، ثمّ في كلّ شهرٍ مرّةً بحيث لا ينسي كونه تكراراً لما مضي.

و بالجملة، فلم يقدّر الشرع في ذلك سوي المدّة التي قلنا: إنّه لا يجب شغلها به، فالمرجع حينئذٍ في ذلك إلي العادة.

و ينبغي المبادرة إلي التعريف من حيث الالتقاط؛ لأنّ العثور علي المالك في ابتداء الضياع أقرب، و يكرّر ذلك طول الأُسبوع؛ لأنّ الطلب فيه أكثر.

و للشافعيّة في وجوب المبادرة إلي التعريف من حين الالتقاط قولان:

أحدهما: الوجوب؛ لما تقدّم.

و الثاني: عدمه، بل الواجب تعريفها سنةً مطلقاً، و به ورد الأمر(1).

مسألة 340: قدر مدّة التعريف سنة فيما بلغ درهماً فصاعداً، عند علمائنا أجمع

- و به قال عليٌّ عليه السلام و ابن عباس و عمر و ابن المسيّب و الشعبي و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أصحاب الرأي(2) - لحديث زيد بن

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 361:6، روضة الطالبين 471:4.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 152:2 و 153، الحاوي الكبير 12:8، حلية العلماء 526:5 و 528، التهذيب - للبغوي - 548:4، البيان 448:7، العزيز شرح الوجيز 361:6، روضة الطالبين 471:4، التمهيد 117:3-118، المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 54:2.

خالد، الذي رواه العامّة، و قد تقدّم(1).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(2).

و ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال:

سألته عن اللّقطة، قال: «لا ترفعوها، فإن ابتليتَ فعرِّفها سنةً، فإن جاء طالبها، و إلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك إلي أن يجيء لها طالب»(3).

و لأنّ السنة لا تتأخّر عنها القوافل و تمضي فيها الأزمان التي تقصد فيها البلاد من الحَرّ و البرد و الاعتدال.

و روي عن عمر روايتان أُخريان:

إحداهما: يُعرّفها ثلاثة أشهر.

و الأُخري: ثلاثة أعوام(4) ؛ لأنّ أُبيّ بن كعب روي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أمره بتعريف مائة دينارٍ ثلاثة أعوام؛ لأنّه قد روي في حديث أُبيّ بن كعب أنّه قال له: «عرِّفها حولاً» فعرَّفها، ثمّ عاد إليه، فقال له: «عرِّفها [حولاً]» فعرَّفها، ثمّ عاد إليه، فقال له: «عرِّفها حولاً»(5) فأمره أن يعرِّفها ثلاثة أحوال.ر.

ص: 222


1- في ص 165 و 219.
2- في ص 166 و 219.
3- التهذيب 1165/390:6، الاستبصار 68:3-229/69.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 153:2، المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6.
5- صحيح البخاري 166:3، صحيح مسلم 1723/1350:3، سنن أبي داوُد 1701/134:2، سنن الترمذي 1374/658:3، سنن البيهقي 186:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

قال أبو داوُد: شكّ الراوي في ذلك فقال: قال له: حولاً، أو ثلاثاً(1).

قال ابن المنذر: قد ثبت الإجماع بخلاف هذا الحديث، و علي أنّ [في] حديث زيد بن خالد أمره بسنةٍ واحدة، فدلّ علي إجزاء ذلك(2).

و قال أبو أيّوب الهاشمي: ما دون الخمسين درهماً يعرّفها ثلاثة أيّام إلي سبعة أيّام(3).

و قد روي عن أبان بن تغلب قال: أصبتُ يوماً ثلاثين ديناراً، فسألتُ الصادقَ عليه السلام عن ذلك، فقال لي: «أين أصبتَه ؟» قال: فقلت: كنتُ منصرفاً إلي منزلي فأصبتُها، قال: فقال: «صِرْ إلي المكان الذي أصبتَ فيه فتعرّفه، فإن جاء طالبه بعد ثلاثة أيّام فأعطه، و إلّا تصدّق به»(4).

و الرواية في سندها قولٌ، فلا تعويل عليها، علي أنّه يحتمل تعريفها سنةً ثمّ يتصدّق بها بعد ثلاثة أيّام من تمام الحول استظهاراً في الحفظ لصاحبها.

و قال الثوري: في الدرهم يُعرّفه أربعة أيّام(5).

و قال الحسن بن صالح بن حي: ما دون عشرة دراهم يُعرّفها ثلاثة أيّام(6).3.

ص: 223


1- سنن أبي داوُد 134:2، ذيل ح 1701، و عنه في المغني 349:6، و الشرح الكبير 375:6.
2- البيان 448:7.
3- المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6.
4- التهذيب 1195/397:6.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 152:2، الحاوي الكبير 16:8، حلية العلماء 529:5، المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6، مختصر اختلاف العلماء 2042/336:4، التمهيد 117:3.
6- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 151:2، الحاوي الكبير 16:8، المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6، مختصر اختلاف العلماء 2042/336:4، التمهيد 117:3.

و قال إسحاق: ما دون الدينار يُعرّفه جمعةً أو نحوها(1).

و روي أبو إسحاق الجوزجاني بإسناده عن يعلي بن أُميّة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: «مَن التقط درهماً أو حبلاً أو شبه ذلك فليعرّفه ثلاثة أيّام، و إن كان فوق ذلك فليعرّفه سبعة أيّام»(2).

و هذا الحديث لم يُعلم به قائل علي وجهه، فإذَنْ الأحاديث التي أوردناها أولي بالعمل من هذا، فإنّ إطراح الفقهاء من العامّة و الخاصّة له يدلّ علي الضعف في الرواية.

مسألة 341: لا يجب التوالي في التعريف،

فلو فرّقه جاز بأن يُعرّف شهرين و يترك شهرين، و هكذا - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - كما لو نذر صوم سنةٍ، يجوز أن يوالي و أن يُفرّق، كذا هنا.

و في الآخَر: لا يجوز التفريق؛ لأنّه إذا فرّق لم تظهر فائدة التعريف، فعلي هذا لو قطع التعريف مدّةً وجب الاستئناف عندهم(4).

و الأقرب: وجوب المبادرة في التعريف؛ تحصيلاً لغرض وقوف المالك عليها، و هو في الغالب يعجّل الطلب، فإذا أخفاها عن مالكها فات الغرض المطلوب شرعاً، فإن فرّط في المبادرة فَعَل محرَّماً، فإذا عرّف متفرّقاً لم يجب الاستئناف، و كفاه التلفيق.

ص: 224


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 152:2، الحاوي الكبير 16:8، حلية العلماء 529:5، المغني 348:6، الشرح الكبير 374:6.
2- نقله عنه ابنا قدامة في المغني 348:6، و الشرح الكبير 374:6-375. (3 و 4) حلية العلماء 526:5، التهذيب - للبغوي - 549:4، البيان 449:7، العزيز شرح الوجيز 361:6-362، روضة الطالبين 471:4.
مسألة 342: الأحوط في التعريف الإيغال في الإبهام،

فلا يذكر الجنس فضلاً عن النوع و وصفه، بل يقول: مَنْ ضاع له شيء أو مال؛ لأنّه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين و أحفظ لها من ادّعاء كاذبٍ.

و لو ذكر الجنس جاز، كأن يقول: مَنْ ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب، و لا يزيد عليه، فإنّه ربما ادّعاها الكاذب.

و لو ذكر بعض صفاتها، لم يستقص علي الجميع؛ لئلّا يعلم بصفتها مَنْ يسمع تلك الأوصاف المفصّلة، فلا تبقي صفتها دليلاً علي ملكها؛ لمشاركة غير المالكِ [المالكَ](1) في ذلك، و لا يؤمن أن يدّعيها بعض مَنْ سمع صفتها و يذكر صفتها التي تُدفع اللّقطة بها فيأخذها و هو غير مالكٍ لها فتضيع علي مالكها.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ و أن يصف الملتقط بعض أوصاف اللّقطة؛ فإنّه أفضي إلي الظفر بالمالك(2).

و هل ذلك شرطٌ أو مستحبٌّ؟ فيه وجهان، الأظهر منهما عندهم:

الثاني(3).

و علي القول بكونه شرطاً فهل يكفي ذكر الجنس بأن يقول: مَنْ ضاع منه دراهم ؟ قال الجويني: ما عندي أنّه يكفي، و لكن يتعرّض للعفاص و الوكاء و مكان الالتقاط و تأريخه، و لا يستوعب الصفات و لا يبالغ لئلّا يدّعيها الكاذب(4).

فإن استوعب جميع الصفات، ففي الضمان عندهم وجهان:

ص: 225


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 350:6.
2- الوجيز 252:1، العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 471:4. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 471:4.

أحدهما: المنع؛ لأنّه لا يلزمه الدفع إلّا بالبيّنة.

و الثاني: الثبوت؛ لأنّ المدّعي قد يرفع الملتقط إلي حاكمٍ يعتقد وجوب الدفع إلي الواصف(1).

مسألة 343: لا يجب علي الملتقط مباشرة التعريف؛

إذ الغرض به الإشهار و الإعلان، و لا غرض للشارع متعلّق بمباشرٍ دون آخَر، فيجوز أن يباشر النداء بنفسه، و أن يولّيه غلامه و ولده و مَنْ يستعين به و يستأجره عليه، و لا نعلم فيه خلافاً.

فإن تبرّع الملتقط بالتعريف أو بذل مئونته فذاك، و إلّا فإن أخذها للحفظ أبداً وجب التعريف أيضاً عندنا، و علي أحد قولَي الشافعي لا يجب حينئذٍ، فهو متبرّع إذا عرّف(2).

فإن قلنا: يجب - و هو الحقّ عندنا - إذا احتاج التعريف إلي مئونةٍ، فإن أخذها للتملّك و اتّصل الأمر بالتملّك، فمئونة التعريف علي الملتقط؛ لأنّه إنّما يفعل التعريف ليتشبّث به إلي إباحة تملّكه لها، فكانت مئونة التعريف عليه؛ لأنّها لمصلحته و نفعه، و إن ظهر المالك فهي علي الملتقط أيضاً؛ لقصده التملّك، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّها علي المالك؛ لعود الفائدة إليه(3).

و لو قصد الحفظ حين الالتقاط أبداً، فالأقرب: إنّه لا يجب علي

ص: 226


1- التهذيب - للبغوي - 549:4، العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 471:4.
2- العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 472:4، المغني 347:6، الشرح الكبير 373:6.
3- التهذيب - للبغوي - 549:4، العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 472:4.

الملتقط أُجرة التعريف، بل يرفع الأمر إلي الحاكم ليبذل أُجرته من بيت المال، أو يستقرض علي المالك، أو يأمر الملتقط بالاقتراض ليرجع، أو يبيع بعضها إن رآه أصلح أو لم يمكن إلّا به.

و لو قصد الأمانة أوّلاً دائماً ثمّ قصد التملّك، ففيه للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ النظر هل هو إلي منتهي الأمر و مستقرّه، أو إلي حالة ابتدائه ؟(1).

و يحتمل عندي أنّه إذا قصد التملّك دائماً أن تكون مئونة التعريف عليه أيضاً؛ لأنّه واجب عليه، فإذا لم يتمّ إلّا بالأجر وجب؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون - لا شكّ - واجباً.

و كذا البحث في أُجرة لقطة الحرم.

أمّا أُجرة مخزنها و نشرها و طيّها و تجفيفها فإنّه علي المالك.

و لو وليه الملتقط بنفسه، لم يكن له أُجرة.

و قال مالك: إذا دفع الملتقط من اللّقطة شيئاً لمن عرّفها، لم يكن عليه غُرم، كما لو دفع منها شيئاً لمن يحفظها(2).

و الأصل ممنوع.

مسألة 344: مكان التعريف في مجتمع الناس، كالأسواق و أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات،

و في الجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيها، و في مجامع الناس؛ لأنّ المقصود إشاعة ذكرها و إظهارها ليظهر عليها مالكها، فيجب تحرّي مجامع الناس.

و لا ينشدها في وسط المسجد؛ لأنّ المسجد لم يُبْنَ لهذا، و قد روي

ص: 227


1- العزيز شرح الوجيز 362:6، روضة الطالبين 472:4.
2- المغني 350:6، الشرح الكبير 377:6.

عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله أنّه قال: «مَنْ سمع رجلاً ينشد ضالّةً في المسجد فليقل: لا أدّاها اللّه إليك، فإنّ المساجد لم تُبْن لهذا»(1) و كراهة تعريف الضالّة ككراهة طلبها في المساجد.

و قال بعض الشافعيّة: الأصحّ من الوجهين: جواز التعريف في المسجد الحرام، بخلاف سائر المساجد(2).

ثمّ إذا التقط في بلدٍ أو قريةٍ فلا بدّ من التعريف فيها، و ليكن أكثر تعريفه في البقعة بالمحلّة التي وُجد فيها، فإنّ طلب الشيء في موضع فقدانه أكثر، فإن اتّفق له سفر فوّض التعريف إلي غيره، و لا يسافر بها.

و لو التقط في الصحراء، فإن اجتازت به قافلة يتبعهم و عرّفها فيهم، و إلّا فلا فائدة في التعريف في المواضع الخالية، و لكن يعرّف عند الوصول إليها.

و لا يلزمه أن يغيّر قصده و يعدل إلي أقرب البلاد إلي ذلك الموضع، أو يرجع إلي مكانه الذي أنشأ السفر منه.

و قال بعض الشافعيّة: يُعرّفها في أقرب البلدان إليه(3).

نعم، لو التقطها في منزل قومٍ رجع إليه و عرّفهم، فإن عرفوها فهي لهم، و إلّا فلا؛ لما رواه إسحاق بن عمّار أنّه سأل الكاظمَ عليه السلام: عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكة فوجد [فيها] نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع ؟ قال: «يسأل عنها4.

ص: 228


1- سنن أبي داوُد 473/128:1، سنن البيهقي 196:6، مسند أحمد 9161/150:3.
2- حلية العلماء 523:5-524، العزيز شرح الوجيز 363:6، روضة الطالبين 473:4.
3- العزيز شرح الوجيز 363:6، روضة الطالبين 473:4.

أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يصحب اللّقطة في السفر، كما لا يصحب الوديعة، و لكن يُعرّف في أيّ بلدٍ دَخَله.

مسألة 345: ينبغي أن يتولّي التعريفَ شخصٌ أمين ثقة عاقل غير مشهورٍ بالخلاعة و اللعب؛

ليحصل الوثوق بإخباره، و لا يتولّاه الفاسق؛ لئلّا يفقد فائدة التعريف، و هذا علي الكراهة دون التحريم.

و ليس للملتقط تسليم اللّقطة إلي غيره إلّا بإذن الحاكم، فإن فَعَل ضمن، إلّا مع الحاجة بأن يريد السفر و لا يجد حاكماً يستأذنه، فيجوز أن يسلّمها إلي الثقة.

و كذا لو التقط في الصحراء و لم يتمكّن من حفظها و مراعاتها، فإنّه يجوز له الاستعانة بغيره و تسليمها إليه مع عدم القدرة علي الاستقلال بحفظها و المشاركة فيه.

مسألة 346: قد بيّنّا أنّ التعريف سنةً يجب في قليل المال و كثيره ما لم يقصر عن درهمٍ فلا يجب
اشارة

- و هو أحد وجوه الشافعيّة(2) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّه لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و ما [كان] دون الدرهم فلا يعرّف»(4).

الثاني للشافعيّة: إنّ القليل إن انتهت قلّته إلي أن يسقط تموّله كالحبّة

ص: 229


1- التهذيب 1171/391:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- حلية العلماء 527:5، التهذيب - للبغوي - 550:4، البيان 442:7، العزيز شرح الوجيز 366:6، روضة الطالبين 474:4، الشرح الكبير 347:6-348.
3- تقدّم تخريجه في ص 208، الهامش (3).
4- تقدّم تخريجه في ص 208، الهامش (8)، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

من الحنطة و الزبيبة الواحدة، فلا تعريف علي واجده، و له الاستبداد به - و بينهم خلاف في أنّ مَنْ أتلف ممّا لا يتموّل ما هو من قبيل المثليّات هل يغرمه ؟ و الظاهر بينهم أنّه لا يغرمه، كما لا يجوز بيعه وهبته - و إن كان متموّلاً مع القلّة فيجب تعريفه؛ لأنّ فاقده يطلبه(1) ، خلافاً لأبي حنيفة و مالك(2).

و اختلفوا في قدر مدّة تعريفه علي وجهين:

أحدهما: سنة؛ لإطلاق الأخبار.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الشيء الحقير لا يدوم فاقده علي طلبه سنةً، بخلاف الخطير.

و علي هذا فأوجُه:

أحدها: قال الاصطخري: إنّه يكفي التعريف مرّةً؛ لأنّه يخرج بها عن حدّ الكاتم، و ليس بعدها ضبط يعتمد.

و الثاني: يُعرّف ثلاثة أيّام؛ لأنّه قد روي في بعض الأخبار: «مَن التقط لقطةً يسيرة فليعرّفها ثلاثة أيّام»(3).

و الثالث - و هو الأظهر بينهم -: إنّه يُعرّف مدّةً يُظنّ في مثلها طلب الفاقد له، فإذا غلب علي الظنّ إعراضه سقط التعريف(4).

و يختلف ذلك باختلاف قدر المال.

قال بعض الشافعيّة: دانق الفضّة يُعرَّف في الحال، و دانق الذهب4.

ص: 230


1- العزيز شرح الوجيز 364:6، روضة الطالبين 474:4.
2- العزيز شرح الوجيز 364:6.
3- سنن البيهقي 195:6، مسند أحمد 17116/183:5.
4- العزيز شرح الوجيز 364:6-365، روضة الطالبين 474:4.

يُعرَّف يوماً أو يومين أو ثلاثة(1).

و اختلفوا في الفرق بين القليل المتموّل و بين الكثير علي أوجُه:

أحدها: إنّه لا يتقدّر بمقدارٍ، و لكن ما يغلب علي الظنّ أنّ فاقده لا يكثر أسفه عليه و لا يطول طلبه له في الغالب فهو قليل.

و الثاني: إنّ القليل ما دون نصاب السرقة، فإنّه تافه في الشرع، و قد قالت عائشة: ما كانت الأيدي تُقطع علي عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله في الشيء التافه(2) ، و به قال أبو حنيفة و مالك(3).

و الثالث: إنّ القليل دينار فما دون؛ لما رواه العامّة أنّ عليّاً عليه السلام وجد ديناراً فسأل النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال: «هذا رزق اللّه» فاشتري به دقيقاً و لحماً، فأكل منه رسول اللّه صلي الله عليه و آله و عليٌّ و فاطمة عليهما السلام، ثمّ جاء صاحب الدينار ينشد الدينار، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «يا علي أدِّ الدينار»(4)(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الفضيل بن غزوان عن الصادق عليه السلام، قال: كنتُ عنده فقال له الطيّار: إنّ حمزة ابني وجد ديناراً في الطواف قد انسحق كتابته، قال: «هو له»(6).

و يحتمل أن يكون الدينار التي طمست كتابته قصرت عن الدرهم،5.

ص: 231


1- العزيز شرح الوجيز 365:6، روضة الطالبين 474:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 210، الهامش (1).
3- العزيز شرح الوجيز 365:6، المغني 351:6.
4- سنن أبي داوُد 1714/137:2، سنن البيهقي 194:6.
5- الوسيط 292:4، التهذيب - للبغوي - 550:4، البيان 442:7، العزيز شرح الوجيز 365:6-366، روضة الطالبين 474:4، المغني 351:6-352، الشرح الكبير 347:6-348.
6- التهذيب 394:6-1187/395.

و عليه تُحمل رواية العامّة.

تذنيب: قال بعض الشافعيّة: يحلّ التقاط السنابل وقت الحصاد

إن أذن فيه المالك أو كان قدر ما لا يشقّ عليه أن يلتقط و إن كان يلتقط بنفسه لو اطّلع عليه، و إلّا لم يحل(1).

مسألة 347: لو التقط ما لا بقاء له ممّا يفسد بسرعةٍ، كالطبائخ و الرطب الذي لا يتتمّر و البقول،
اشارة

فإن كان في برّيّةٍ تخيّر بين أن يبيعه و يأخذ ثمنه فيعرّفه، و بين أن يتملّكه في الحال فيأكله و يغرم قيمته لصاحبه إن وجده؛ لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: «فمَنْ وجد طعاماً أكله و لم يُعرّفه»(2).

و إن وجده في قريةٍ أو بلدةٍ، فكذلك عندنا يتخيّر بين البيع و تعريف الثمن، و بين التقويم و التملّك و التعريف حولاً.

و قال المزني: إن وجده في الصحراء فكذلك، و إن وجده في القرية أو البلد فقولان:

أحدهما: ليس له الأكل، بل يبيعه و يأخذ ثمنه لمالكه؛ لأنّ البيع يتيسّر في العمران.

و الثاني: إنّه كما لو وجده في الصحراء؛ لإطلاق الخبر.

و هو أشهر عند الشافعيّة، و منهم مَنْ قطع به(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه إذا أراد بيعه إمّا في الصحراء أو في العمران فإنّه يدفعه إلي الحاكم ليتولّي ذلك أو يأذن له فيه؛ لأنّه منصوب للمصالح، و هذا منها، فإن تعذّر الحاكم تولّاه الملتقط، و إذا دفعه إلي الحاكم فلا ضمان.

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 366:6، روضة الطالبين 474:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367:6.
3- العزيز شرح الوجيز 367:6، روضة الطالبين 475:4.

و علي أحد قولَي الشافعيّة من عدم جواز الأكل في العمران لو أكل كان غاصباً عندهم(1).

و علي القول الثاني بجواز الأكل فلهم في وجوب التعريف بعده وجهان، أصحّهما عندهم: الوجوب إذا كان في البلد، كما أنّه لو باع يُعرّف(2).

و إذا كان في الصحراء، قال الجويني: لا يجب؛ لأنّه لا فائدة فيه في الصحراء(3).

و عندنا أنّ تعريف ما بلغ قدر الدرهم واجب، سواء كان المأكول في الصحراء أو العمران، و إذا أكله وجب عليه القيمة؛ لأنّه أتلف مال غيره بغير إذنه.

ثمّ بعد الوقوف علي المستحقّ هل يجب إفراز القيمة المغرومة ؟ للشافعيّة قولان:

أظهرهما: إنّه لا يجب؛ لأنّ ما في الذمّة لا يخاف هلاكه، و إذا أفرز كان المفروز أمانةً في يده، فربما تلف، فما في الذمّة أحفظ، و لأنّ كلّ موضعٍ جاز له التصرّف في اللّقطة لا يجب عليه عزل قيمتها، كما بعد الحول.

و الثاني: إنّه يجب؛ احتياطاً لصاحب المال؛ لتقدّم صاحب المال بتلك القيمة لو أفلس الملتقط، و لأنّه لو باعها كان الثمن عنده معزولاً، فكذا إذا أكلها، فحينئذٍ يجب أن يرفع الأمر إلي الحاكم ليقبض عن صاحب4.

ص: 233


1- العزيز شرح الوجيز 367:6، روضة الطالبين 475:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367:6-368، روضة الطالبين 475:4.
3- العزيز شرح الوجيز 368:6، روضة الطالبين 475:4.

المال(1).

فإن لم يجد حاكماً، فهل للملتقط بسلطنة الالتقاط أن ينيب عنه ؟ فيه عند الجويني احتمال، و ذكر أنّه إذا أفرزها لم تصر ملكاً لصاحب المال، لكنّه أولي بتملّكها، لكنّه لو كان كذلك لما سقط حقّه بهلاك القيمة المفروزة، و قد نصّ الشافعي علي السقوط، و أيضاً نصّ علي أنّه إذا مضت مدّة التعريف فله أن يتملّك تلك القيمة، كما يتملّك نفس اللّقطة، و كما يتملّك الثمن إذا باع الطعام، و هو يقتضي صيرورتها ملكاً لصاحب اللّقطة(2).

و لو اختلفت القيمة يوم الأخذ و يوم الأكل، قال بعض الشافعيّة: إنّه إن أخذ للأكل اعتُبرت قيمته يوم الأخذ، و إن أخذ للتعريف اعتُبرت قيمته يوم الأكل(1).

و لا بأس به عندي.

و لو افتقر ما يمكن إبقاؤه إلي المعالجة، كتجفيف الرطب بحيث يصير تمراً، فإن كان الحظّ لصاحبه في بيعه رطباً، بِيع إمّا بأمر الحاكم إن وُجد، أو يتولّاه الملتقط إن لم يمكن الوصول إليه.

و إن لم يكن الحظّ في بيعه، فإن تبرّع أحد بتجفيفه فذاك، و إلّا باع الحاكم أو الملتقط مع تعذّره بعضَه، و أنفق علي تجفيف الباقي، بخلاف الحيوان حيث يُباع بأجمعه؛ لأنّ النفقة قد تُكرّر فيؤدّي إلي أن يأكل نفسه.

تذنيب: إذا باع الطعام عرّف المبيعَ دون الثمن،

كما أنّه إذا أكل يعرّف المأكولَ دون القيمة.

مسألة 348: ما لا يبقي عاماً كالطبيخ و البطّيخ و الفاكهة التي لا تُجفّف

ص: 234


1- العزيز شرح الوجيز 368:6، روضة الطالبين 476:4.

و الخضروات يتخيّر ملتقطها بين أكلها و حفظ ثمنها، و بين دفعها إلي الحاكم ليبيعها إن تمكّن منه علي ما قدّمناه.

و لا يجوز له إبقاؤه؛ لأنّه يتلف، فإن تركه حتي تلف ضمن؛ لأنّه فرّط في حفظه، فلزمه ضمانه، كالوديعة.

و ليس له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم.

خلافاً لأحمد في الشيء القليل(1).

و هو يبطل بالكثير، و لأنّه مال الغير، و لا ولاية له عليه و لا علي مالكه، فلم يجز بيعه إلّا بالحاكم، كغير اللّقطة.

احتجّ: بأنّه أُبيح له أكله فأُبيح له بيعه، كماله، و لأنّه أُبيح له بيعه عند العجز عن الحاكم، فجاز عند القدرة عليه(2).

و هو غلط؛ لأنّ في البيع ولايةً علي مال الغير، بخلاف الأكل؛ لأنّ القصد به مع الانتفاع أداء القيمة إلي المالك، و حالة العجز لا قدرة علي الحاكم، فأُبيح له البيع؛ تخلّصاً من ضررها، بخلاف حال القدرة.

إذا تقرّر هذا، فإن أراد الأكل أو البيع، عرف صفاته و حفظها، ثمّ عرّفه عاماً، فإن جاء صاحبه فإن كان قد باعه دفع ثمنه إليه، و إن كان قد أكله غرمه له بقيمته.

و لو تلف الثمن منه بغير تفريطه قبل تملّكه أو نقص أو تلفت العين أو نقصت بغير تفريطٍ، فلا ضمان علي الملتقط، و إن تلفت أو نقصت أو نقص الثمن أو تلف بتفريطه، لزمه ضمانه.

و كذا لو تلف الثمن بعد أن تملّكه أو نقص أو تلفت العين أو نقصت

ص: 235


1- المغني 395:6.
2- المغني 395:6.

بعد أن تملّكها.

مسألة 349: ما يفتقر إلي العلاج يُنظر الحظّ لصاحبه فيفعل كما قلناه أوّلاً،
اشارة

فإن كان في التجفيف جفّفه أو رفعه إلي الحاكم ليس له إلّا ذلك؛ لأنّه مال غيره، فلزمه الحظّ فيه لصاحبه، كالوليّ عن اليتيم.

و لو افتقر إلي غرامةٍ، باع بعضه في ذلك.

و لو كان الحظّ في بيعه، باعه و حفظ ثمنه، و لو تعذّر بيعه و لم يمكن تجفيفه، تعيّن أكله، كالبطّيخ.

و عن أحمد رواية أُخري: إنّه لا يؤكل، بل إمّا أن يبيعه أو يتصدّق به، و كذا كلّ طعامٍ يتغيّر لو بقي لا يجوز أكله، بل يتخيّر بين الصدقة به و البيع، و به قال مالك و أصحاب الرأي(1).

و قال الثوري: يبيعه و يتصدّق بثمنه(2).

و الكلّ باطل بما روي من طُرق العامّة و الخاصّة من قول النبيّ صلي الله عليه و آله في ضالّة الغنم: «خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب»(1) و هذا تجويز للأكل، فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه ففيما يفسد ببقائه أولي.

تذنيب: إذا باع الطعام الذي يخشي فساده أو الذي يحتاج إلي العلاج، تولّاه الحاكم،

فإن تعذّر تولّاه بنفسه؛ لأنّه موضع ضرورةٍ، و إذا باع و عرف صاحبه، لم يكن له الاعتراض في البيع؛ لأنّه وقع جائزاً.

أمّا لو باعه بدون إذن الحاكم و في البلد حاكم، كان البيع باطلاً، فإذا جاء صاحبه، كان له مطالبة المشتري به، فإن كان تالفاً رجع بالقيمة علي مَنْ شاء؛ لأنّ الملتقط ضمنه بالبيع و التسليم، و المشتري بالتسلّم، فإن رجع

ص: 236


1- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 166.

علي الملتقط رجع الملتقط علي المشتري؛ لأنّ التلف حصل في يده، و يده ضامنة، و إن رجع علي المشتري لم يرجع علي الملتقط.

مسألة 350: قد بيّنّا أنّه تجب المبادرة إلي التعريف، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع الإمكان أثم؛

لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أمر به(1) ، و قال: «لا يكتم و لا يغيّب»(2).

و لأنّ ذلك وسيلة إلي أن لا يعرفها صاحبها، فإنّ الظاهر أنّ صاحبها بعد الحول ييأس منها و يسلو(3) عنها و يترك طلبها.

و لا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأوّل؛ لأنّه واجب، فلا يسقط بتأخّره عن وقته، كالعبادات و سائر الواجبات، و لأنّ المقصود يحصل بالتعريف في الحول الثاني علي نعت من القصور، فيجب الإتيان به؛ لقوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم»(4).

و قال أحمد: يسقط التعريف بتأخّره عن ذلك الحول الأوّل؛ لأنّ حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأوّل(5).

و هو ممنوع.

فعلي هذا لو ترك التعريف في بعض الحول الأوّل، عرّف بقيّته و أكمله من الحول الثاني.

و عن أحمد: يكتفي بالتعريف باقي الحول خاصّةً(6).

ص: 237


1- راجع: الهامش (1) من ص 166.
2- تقدّم تخريجه في ص 174، الهامش (1).
3- أي: ينسي. لسان العرب 394:14 «سلا».
4- صحيح البخاري 117:9، مسند أحمد 9239/162:3، و 10229/307.
5- المغني 352:6-353، الشرح الكبير 377:6.
6- المغني 353:6، الشرح الكبير 377:6.

و إذا عرّفها حولاً بعد الحول الأوّل، جاز له أن يتملّكها بعده.

و كذا لو أخّر بعض الحول عرّف باقيه و أتمّه من الثاني، و تملّكها بعد الإتمام عندنا.

و قال أحمد: ليس له أن يتملّكها بعد إهماله، سواء قلنا بسقوط التعريف في الحول الثاني، أو قلنا بوجوبه، و سواء عرّفها الحول الثاني أو بعض الأوّل و أكمل من الثاني؛ لأنّ شرط الملك التعريفُ في الحول الأوّل و قد فات، فيسقط؛ لفوات شرطه(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ العبادات لا تسقط بفوات أوقاتها، فكيف إذا تعلّق بها حقّ الغير!

إذا عرفت هذا، فقال أحمد: إنّه يجب عليه إمّا حفظها أبداً أو الصدقة بها علي روايتين(2).

و قال بعض أصحابه: يجوز أن يدفعها إلي الحاكم، كما إذا التقط ما لا يجوز التقاطه(3).

و لو ترك التعريف في بعض الحول الأوّل، لم يملكها أيضاً بالتعريف فيما بعده عنده؛ لأنّ الشرط لم يكمل، و عدم بعض الشرط كعدم جميعه، كما لو أخلّ ببعض الطهارة(2).

و لو ترك التعريف في الحول الأوّل؛ لعجزه عنه بأن يتركه لمرضٍ أو حبسٍ أو نسيانٍ و نحوه، لم يسقط التعريف عندنا، و جاز و مَلَك بعد6.

ص: 238


1- المغني 353:6، الشرح الكبير 378:6. (2 و 3) المغني 353:6.
2- المغني 353:6، الشرح الكبير 378:6.

التعريف في الحول الثاني.

و للحنابلة وجهان:

أحدهما: إنّ حكمه حكم ما لو تركه مع إمكانه، ليس له التملّك بعد التعريف في الحول الثاني؛ لأنّ تعريفه في الحول الأوّل سبب الملك، و الحكم ينتفي لانتفاء سببه، سواء كان انتفاؤه لعذرٍ أو لغير عذرٍ.

و الثاني: إنّه يُعرّفه في الحول الثاني و يملكه؛ لأنّه لم يؤخّر التعريف عن وقت إمكانه، فأشبه ما لو عرّفه في الحول الأوّل(1).

البحث الثالث: في التملّك.
مسألة 351: إذا عرّف الملتقط حولاً و لم يكن من لقطة الحرم، تخيّر بين أُمور ثلاثة:

إمّا أن يستديم حفظها لمالكها أبداً إلي أن يظهر فيسلّمها إليه، و لا ضمان عليه إلّا مع التفريط أو التعدّي، أو نيّة التملّك بعده(2) ، أو يتصدّق بها، و يضمن إذا جاء صاحبها خيّره بين الأجر و القيمة، أو يتملّكها و يتصرّف فيها كيف شاء، و يضمنها، و تكون في ذمّته، سواء كان الملتقط غنيّاً أو فقيراً أو مَنْ تحلّ له الصدقة أو تحرم عند علمائنا - و به قال عليٌّ عليه السلام و ابن عباس و الشعبي و النخعي و عمر و ابن مسعود و عائشة و طاوُوس و عكرمة و الشافعي(3) - لما رواه العامّة في حديث زيد بن خالد: «فإن لم تعرف فاستنفقها»(4).

ص: 239


1- المغني 353:6، الشرح الكبير 378:6.
2- أي: بعد الحول.
3- المغني 354:6، الشرح الكبير 380:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 55:2، المهذّب - للشيرازي - 437:1، التهذيب - للبغوي - 550:4، البيان 453:7، العزيز شرح الوجيز 369:6، روضة الطالبين 476:4.
4- صحيح مسلم 5/1349:3، سنن البيهقي 190:6، المغني 354:6، الشرح الكبير 380:6.

و في لفظٍ: «و إلّا فهي كسبيل مالك»(1).

و في لفظٍ: «ثمّ كُلْها»(2).

و في لفظٍ: «فانتفع بها»(3).

و في لفظٍ: «فشأنك بها»(4).

و في حديث أُبيّ بن كعب: «فاستنفقها»(5).

و في لفظٍ: «فاستمتع بها»(6).

قال الشافعي: و كان أُبيّ من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أ هو فيها بمنزلة الغني ؟ قال: «نعم» [و] اللّقطة يجدها الرجل و يأخذها، قال: «يُعرّفها سنةً، فإن جاء لها طالب، و إلّا فهي كسبيل ماله»(8).

و لأنّه مَنْ مَلَك بالعوض القرضَ مَلَك بالعوض اللّقطةَ، كالفقير، و لأنّ اللّقطة سببٌ في التملّك، فاستوي فيه الغني و الفقير، كالاحتطاب، و لأنّر.

ص: 240


1- كما في المغني 354:6، و الشرح الكبير 380:6-381.
2- صحيح مسلم 7/1349:3، المغني 354:6، الشرح الكبير 381:6.
3- المغني 354:6، الشرح الكبير 381:6.
4- صحيح البخاري 163:3، صحيح مسلم 1722/1347:3، سنن البيهقي 185:6، المغني 354:6، الشرح الكبير 381:6.
5- كما في المغني 354:6-355.
6- صحيح البخاري 162:3 و 166، صحيح مسلم 1723/1350:3، سنن أبي داوُد 1701/134:2، سنن البيهقي 193:6 و 197.
7- الأُم 67:4، مختصر المزني: 135، الحاوي الكبير 9:8، العزيز شرح الوجيز 370:6.
8- تقدّم تخريجه في ص 168، الهامش (1)، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

تملّك الغني لها أولي من تملّك الفقير و أنفع لمالكها حيث يجد لها عوضاً، بخلاف الفقير؛ فإنّه إذا تملّكها لم يجد عوضاً لها غالباً فيتلف منه.

و قال أبو حنيفة: إن كان الملتقط فقيراً تخيّر بين الثلاثة المذكورة:

الحفظ لصاحبها دائماً، و الصدقة بها و تكون موقوفةً علي إجازة صاحبها، و التملّك لها، إلّا أن يكون من ذوي القربي، و إن كان غنيّاً لم يكن له التملّك، بل يتخيّر بين الإمساك و الصدقة، فإذا جاء صاحبها فإن رضي بالأجر، و إلّا كان له الرجوعُ علي الملتقط بها - و به قال الحسن بن صالح و الثوري - لما رواه عياض بن حمار المجاشعي: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «مَنْ وجد لقطةً فليُشهد عليها ذا عدلٍ أو ذوي عدلٍ، و لا يكتم و لا يغيِّب، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه، و إلّا فهو مال اللّه يؤتيه مَنْ يشاء»(1).

قالوا: و ما يضاف إلي اللّه تعالي فإنّما يملكه مَنْ يستحقّ الصدقة.

و لما روي العامّة عن أبي هريرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه سئل عن اللّقطة، فقال: «عرّفها حولاً، فإن جاء ربّها و إلّا تصدّق بها، فإذا جاء ربّها فرضي بالأجر و إلّا غرمها»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحسين بن كثير عن أبيه قال: سأل رجلٌ أميرَ المؤمنين عليه السلام: عن اللّقطة، فقال: «يُعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه، و إلّا حبسها حولاً، فإن لم يجئ صاحبها أو مَنْ يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء أغرمها الذي كانت عنده و كان الأجر2.

ص: 241


1- تقدّم تخريجه في ص 174، الهامش (1).
2- تحفة الفقهاء 355:3، المغني 354:6، الشرح الكبير 380:6، الحاوي الكبير 15:8، حلية العلماء 530:5، التهذيب - للبغوي - 550:4، البيان 453:7، العزيز شرح الوجيز 369:6-370، الإفصاح عن معاني الصحاح 56:2.

له، و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له»(1).

و رواياتنا أظهر من حديث عياض؛ لأنّ الأشياء كلّها تضاف إلي اللّه تعالي؛ فإنّه خالقها و مالكها، كما قال اللّه تعالي:«وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ» (2) فدعوي أنّ ما يضاف إلي اللّه تعالي لا يتملّكه إلّا مَنْ يستحقّ الصدقة دعوي باطلة بغير دليلٍ.

و حديث أبي هريرة لم يثبت عند نَقَلة الأخبار، و لا نُقل في كتابٍ يوثق به عندهم(3) ، فلا حجّة فيه، و مع ذلك فإنّ الأمر بالصدقة إمّا لأنّه أحد الأشياء المخيّر فيها فيتناوله الأمر، أو علي وجه الاستحباب؛ جمعاً بين الأدلّة.

و كذا الحديث من طريق الخاصّة؛ جمعاً بين الأدلّة.

و قد روي محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال:

سألته عن اللّقطة، قال: «لا ترفعوها، فإن ابتليتَ فعرِّفها سنةً، فإن جاء طالبها، و إلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك إلي أن يجيء [لها] طالب»(4).

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و حكي الشافعيّة عن مالك عكسَ قول أبي حنيفة، و هو: إنّه قال:

يتملّكها الغني، و لا يتملّكها الفقير(5) ، و لم يحكه أصحابه عنه.6.

ص: 242


1- التهذيب 1164/389:6، الاستبصار 228/68:3.
2- سورة النور: 33.
3- المغني 355:6، الشرح الكبير 381:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 222، الهامش (3)، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- الحاوي الكبير 15:8، حلية العلماء 530:5، العزيز شرح الوجيز 370:6.
مسألة 352: لا يملك الملتقط اللّقطةَ بمضيّ الحول من غير أن يختار الملتقط تملّكها،

و لا تدخل في ملكه بعد الحول قهراً علي أشهر القولين لعلمائنا - و هو أحد قولَي الشافعي و إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لأنّه تملّكٌ بعوضٍ، فلم يحصل إلّا باختيار التملّك، كالبيع.

و لما رواه العامّة من قوله صلي الله عليه و آله: «فشأنك بها»(2)تقدّم تخريجه في ص 209، الهامش (3).(3) فوّض الأمر إلي خيرته، و لم يحكم بقهره علي تملّكها.

و من طريق الخاصّة: ما روي عن الباقر عليه السلام، قال في حديث أبي بصير: «مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتي يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه»(4) أمره بردّه، و إنّما يثبت له ردّ العين، و لو مَلَك لم يجب ردّ العين.

و في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع ؟ قال: «يُعرّفها سنةً، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتي يجيء طالبها فيعطيها إيّاه، و إن مات أوصي بها و هو لها ضامن»(4) و لو كان مالكاً لها بغير اختياره كان له التصرّف فيها كيف شاء، و لم يأمره بحفظها.

ص: 243


1- الحاوي الكبير 15:8، المهذّب - للشيرازي - 437:1، حلية العلماء 529:5، التهذيب - للبغوي - 551:4، البيان 453:7، العزيز شرح الوجيز 370:6، المغني 355:6، الشرح الكبير 378:6.
2- راجع: الهامش
3- من ص 240.
4- الكافي 10/139:5، التهذيب 1175/392:6.

و القول الثاني للشافعي: إنّه يملكها بمضيّ حول التعريف، و تدخل في ملكه بغير اختياره، كالإرث؛ لأن مضيّ حول التعريف هو السبب في التملّك، فإذا حصل، حصل الملك كالإحياء و الاحتطاب - و هو الرواية الشهيرة(1) عن أحمد(2) ، و قولٌ لبعض علمائنا(3) - لما رواه العامّة عن قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «فإذا جاء صاحبها [و إلّا] فهي كسائر مالك»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في اللّقطة: «يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله»(5).

و نمنع كون التعريف حولاً سبباً للملك القهري.

نعم، هو سبب للملك الاختياري.

و الحاصل: إنّه بعد الحول يملك إن تملّك، و كونها كسائر ماله يصدق علي الملك الاختياري.

مسألة 353: يثبت الملك بعد التعريف حولاً

و اختيار المُلتقط التملّكَ بأن يقول: اخترتُ تملّكها - و هو أحد أقوال الشافعي(6) - لأنّ الملك هنا حصل بالعوض - و هو المثل أو القيمة - فافتقر إلي الاختيار و اللفظ الدالّ عليه، كالبيع، و كالشفيع و الغانمين في تملّك الغنيمة.

و الثاني للشافعي: إنّه لا بدّ مع الاختيار و اللفظ من التصرّف، فلو

ص: 244


1- في «ث، ر»: «المشهورة».
2- الحاوي الكبير 15:8، المهذّب - للشيرازي - 437:1، الوسيط 297:4، حلية العلماء 529:5، التهذيب - للبغوي - 551:4، البيان 452:7، العزيز شرح الوجيز 370:6، المغني 355:6، الشرح الكبير 378:6.
3- ابن إدريس في السرائر 102:2 و 103.
4- الشرح الكبير 379:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (3).
6- الحاوي الكبير 15:8، الوسيط 297:4، حلية العلماء 529:5، التهذيب - للبغوي - 551:4، البيان 452:7، العزيز شرح الوجيز 370:6، روضة الطالبين 476:4.

لم يتصرّف المُلتقط لم يملك اللّقطة و إن قال: اخترتُ التملّك؛ لأنّ صاحبها لو حضر قبل التصرّف كان أحقَّ بها، فلم تكن مملوكةً لغيره، و لأنّ التملّك باللّقطة كالاستقراض لا يملكه المستقرض إلّا بالتصرّف و العقد و القبض، و علي هذا فيشبه أن يجيء الخلاف المذكور في القرض في أنّ الملك بأيّ نوعٍ من التصرّف يحصل ؟(1).

و الثالث: إنّه يملك بمجرّد النيّة و القصد من غير تلفّظٍ و لا تصرّفٍ؛ لأنّ التصرّف يتوقّف علي الملك؛ لأنّ الأصل تحريم التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، فلو توقّف الملك عليه لزم الدور، و لمّا خلا هذا التملّك عن الإيجاب لم يفتقر إلي القبول، و إنّما يراعي فيه الاختيار، و ذلك يحصل بالقصد و النيّة(2).

فحصل له أقوال أربعة فيما به يملك: الثلاثة المذكورة، و الرابع: إنّه يدخل في ملكه بغير اختياره(3).

مسألة 354: قد بيّنّا أنّه لا يلتقط من حرم مكة،

و ذكرنا الخلاف في التحريم و الكراهة، و علي القولين معاً لا يجوز تملّكها بحالٍ، بل إن التقطها نوي الحفظ لمالكها و عرّفها دائماً - و هو أحد قولَي الشافعي(4) - لما رواه

ص: 245


1- الحاوي الكبير 15:8، الوسيط 297:4، حلية العلماء 529:5، التهذيب - للبغوي - 551:4، البيان 452:7، العزيز شرح الوجيز 371:6، روضة الطالبين 476:4.
2- الوسيط 297:4، حلية العلماء 529:5، التهذيب - للبغوي - 551:4، البيان 452:7، العزيز شرح الوجيز 370:6، روضة الطالبين 476:4.
3- راجع: الهامش (2) من ص 244.
4- الحاوي الكبير 4:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، و الوسيط 298:4، حلية العلماء 522:5-523، التهذيب - للبغوي - 552:4، البيان 440:7، العزيز شرح الوجيز 371:6، روضة الطالبين 476:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2، المغني 360:6، الشرح الكبير 385:6.

العامّة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السماوات و الأرض، لا يُعضد شوكه، و لا يُنفَّر صيده، و لا يلتقط لقطته إلّا مَنْ عرّفها»(1) و روي: «لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشدٍ»(2)في التهذيب: «الخثعمي» بدل «الجعفي».(3) أي: لمعرّفٍ، و المعني علي الدوام، و إلّا فالحكم في سائر البلاد كذلك، و لا تظهر فائدة التخصيص.

و من طريق الخاصّة: ما رواه سعيد بن عمرو الجعفي(3) قال: خرجتُ إلي مكة و أنا من أسوأ الناس حالاً فشكوتُ إلي أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، فلمّا خرجتُ وجدتُ علي بابه كيساً فيه سبعمائة دينار، فرجعتُ إليه من فوري ذلك فأخبرتُه، فقال: «يا سعيد اتّق اللّه عزّ و جلّ، و عرِّفه في المشاهد» و كنتُ رجوتُ أن يرخّص لي فيه، فخرجتُ و أنا مغتمّ فأتيتُ مني فتنحّيتُ عن الناس حتي أتيتُ الماقوفة(4) فنزلتُ في بيتٍ متنحّياً عن الناس ثمّ قلت: مَنْ يعرف الكيس ؟ فأوّل صوتٍ صوّت إذا رجل علي رأسي يقول: أنا صاحب الكيس، فقلت في نفسي: أنت فلا كنت، قلت: ما علامة الكيس ؟ فأخبرني بعلامته، فدفعته إليه، فتنحّي ناحيةً فعدّها فإذا الدنانير علي حالها ثمّ عدَّ منها سبعين ديناراً فقال: خُذْها حلالاً خير لك من سبعمائة حراماً، فأخذتُها ثمّ دخلتُ علي الصادق عليه السلام فأخبرتُه كيف تنحّيتُ0.

ص: 246


1- صحيح مسلم 986:2-1353/987، سنن البيهقي 195:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 206، الهامش
3- .
4- في الكافي: «الموقوفة». و الماقوفة لعلّها اسم موضعٍ، أو محلّ الوقوف بمني، كما في ملاذ الأخيار 426:10.

و صنعتُ، فقال: «أما إنّك حين شكوتَ إلَيَّ أمرنا لك بثلاثين ديناراً، يا جارية هاتيها» فأخذتُها و أنا أحسن قومي حالاً(1).

و لأنّ مكة مثابة للناس يعودون إليها مرّةً بعد أُخري، فربما يعود مَنْ أضلّها، أو يبعث في طلبها.

و القول الثاني للشافعي: إنّ مكة كغيرها من البقاع في حكم اللّقطة يُعرّفها الملتقط سنةً ثمّ إن شاء حفظها لمالكها و إن شاء تملّكها، و به قال أبو حنيفة و مالك، و هو أظهر الروايتين عن أحمد(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 355: كلّ ما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه حولاً،

سواء كانت اللّقطة أثماناً أو عروضاً عند علمائنا أجمع - و هو قول جمهور العلماء؛ فإنّهم لم يختلفوا فيه، و لم يفرّقوا بين العروض و الأثمان في التعريف حولاً و جواز التصرّف فيها بعد الحول(3) - لأنّ الأخبار الواردة في ذلك عامّة تشمل القسمين.

روي العامّة: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله سئل عن اللّقطة، فقال: «عرِّفها سنةً» ثمّ قال في آخره: «فانتفع بها»(4) أو: «فشأنك بها»(5).

ص: 247


1- الكافي 6/138:5، التهذيب 390:6-1170/391.
2- الحاوي الكبير 5:8، المهذّب - للشيرازي - 436:1، الوسيط 298:4، حلية العلماء 523:5، التهذيب - للبغوي - 553:4، البيان 440:7، العزيز شرح الوجيز 371:6، روضة الطالبين 476:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1214/680:2، بدائع الصنائع 202:6، المغني 360:6، الشرح الكبير 385:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2.
3- المغني 357:6، الشرح الكبير 381:6-382.
4- راجع: الهامش (1) من ص 166، و الهامش (3) من ص 240.
5- راجع: الهامش (1) من ص 166.

و جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه كيف تري في متاعٍ يوجد في الطريق المنتاب أو في قريةٍ مسكونة ؟ قال: «عرِّفه سنةً، فإن جاء صاحبه و إلّا فشأنك به(1)»(2).

و روي الحرّ(3) بن الصباح قال: كنتُ عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال: إنّي وجدتُ هذا البرد و قد نشدته و عرّفته فلم يعرفه أحد و هذا يوم التروية و يوم يتفرّق الناس، فقال: إن شئت فقوِّمه قيمة عدلٍ و لبسته و كنتَ ضامناً له متي جاءك صاحبه دفعته إليه(4) ، و إن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه، إنّي وجدتُ شاةً، فقال رسول صلي الله عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب»(6).

و في الحسن عن حريز عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه» قال: «و قال الباقر عليه السلام: ليس لهذا طالب»(7).).

ص: 248


1- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «صاحبها... بها»، و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 358:6، و الشرح الكبير 383:6.
3- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحارث» بدل «الحر». و المثبت كما في المصدر.
4- في المصدر: «دفعت ثمنه إليه».
5- أورده ابنا قدامة في المغني 358:6-359، و الشرح الكبير 383:6.
6- الكافي 12/140:5، التهذيب 1176/392:6.
7- تقدّم تخريجه في ص 209، الهامش (2).

و في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام: عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين، و هو يعرف صاحبه أ يحلّ إمساكه ؟ فقال: «إذا عرف صاحبه ردّه عليه، و إن لم يكن يعرفه و مَلَك جناحه(1) فهو له، و إن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه»(2).

و عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: «مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتي يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه»(3) و هو عامّ في النقد و غيره.

و لأنّ ما جاز التقاطه جاز ملكه بالتعريف، كالأثمان.

و عن أحمد روايتان، هذا أظهرهما عنده.

و الثانية - و عليها أكثر أصحابه -: إنّ العروض لا تُملك بالتعريف - و فرّقوا بينها و بين الأثمان، و اختلفوا فيما يُصنع بها، فقال بعضهم: يُعرّفها أبداً. و قال بعضهم: هو بالخيار بين أن يقيم علي تعريفها حتي يجيء صاحبها، و بين دفعها إلي الحاكم حتي يري فيها رأيه. و هل له بيعها و الصدقة بثمنها؟ روايتان - لأنّ ابن عمر و ابن عباس و ابن مسعود قالوا بذلك، و لأنّها لقطة لا تُملك في الحرم فلا تُملك في غيره، كالإبل، و لأنّ الخبر [ورد](4) في الأثمان، و غيرها لا يساويها؛ لعدم الغرض المتعلّق بعينها، فمثلها يقوم مقامها من كلّ وجهٍ، بخلاف غيرها(5).

و نقلُهم عن ابن عمر و غيره ممنوع؛ لما تقدّم من نقل ضدّه، علي أنّ2.

ص: 249


1- في المصدر: «جناحيه».
2- التهذيب 1186/394:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 243، الهامش (3).
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- المغني 357:6-358، الشرح الكبير 381:6-382.

قول هؤلاء ليس حجّةً.

و نمنع أنّها لا تُملك في الحرم، و هو منقوض بالأثمان.

و لا يصحّ قياسها علي الإبل؛ لأنّ معها حذاءها و سقاءها، ترد الماء و تأكل الشجر حتي يأتيها مالكها، و لا يوجد ذلك في غيرها، و لأنّ الإبل لا يجوز التقاطها فلا تُملك به، و هنا يجوز التقاطها فتُملك، كالأثمان.

و لا يصحّ قياسها علي لقطة الحرم؛ لأنّ الحرم متميّز بأنّ لقطته لا يضمنها إلّا منشد، و لهذا لم تُضمن الأثمان بالتقاطها فيه، فلا يلزم أن لا تُملك في موضعٍ آخَر لم يوجد المانع فيه.

و نمنع خصوصيّة النصّ في الأثمان، بل هو عامّ في كلّ لقطةٍ.

و أيضاً لو تخصّص اللّقطة بالأثمان، لجاز القياس عليها عندكم إذا وُجدت المشاركة بينهما في المعني، كسائر النصوص التي عقل معناها و وجد في غيرها، و هنا قد وُجد المعني، بل هو آكد؛ لأنّ الأثمان لا تتلف بمضيّ الأزمنة عليها و انتظار صاحبها أبداً، و العروض تتلف بذلك، ففي النداء عليها دائماً هلاكُها و ضياع ماليّتها علي مالكها و ملتقطها و سائر الناس، و في إباحة الانتفاع بها و ملكها بعد التعريف حفظٌ لماليّتها علي صاحبها بدفع قيمتها إليه و نفع غيره، فيجب المصير إليه؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله نهي عن إضاعة المال(1) ، و لاشتماله علي المصلحة و الحفظ للمال علي صاحبه وجب مشروعيّة التقاطه و تملّكه، و لأنّ في [إثبات](2) الملك فيها حثّاً علي التقاطهاق.

ص: 250


1- معاني الأخبار: 279 (باب معني المحاقلة و المزابنة...)، صحيح البخاري 139:2، صحيح مسلم 14/1341:3، سنن البيهقي 63:6، سنن الدارمي 311:2، مسند أحمد 17768/312:5.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و حفظها و تعريفها؛ لكونه وسيلةً إلي الملك المقصود للآدمي، و في نفي ملكها تضييع لها.

البحث الرابع: في وجوب الردّ.
مسألة 356: يجب ردّ لقطة الحرم علي مالكها بعينها مع ظهوره، و لا يجوز تملّكها بحالٍ،

بل إمّا أن يحتفظها دائماً و لا ضمان، و إمّا أن يتصدّق بها بعد الحول.

و في الضمان قولان.

و أمّا لقطة غير الحرم: فإن كانت أقلَّ من درهمٍ لم يجب تعريفها، و للملتقط التصرّف فيها كيف شاء، فإن جاء صاحبها فإن كانت العين باقيةً، فالأقرب: وجوب ردّها إليه؛ لأصالة عصمة مال الغير، سواء نوي الملتقط التملّك أو لا، و إن كانت تالفةً فالأقرب: ردّ القيمة علي إشكالٍ.

و أمّا ما زاد علي ذلك فإن كانت العين باقيةً و لم يخرج حول التعريف، وجب ردّها بجميع زوائدها المتّصلة و المنفصلة؛ لأنّ النماء تابع للأصل، و الأصل هنا باقٍ علي ملك المالك لم يخرج عنه، فيكون النماء له.

و كذا الحكم لو عرّفها حولاً و لم يَنْو التملّك؛ لبقاء ملك صاحبها عليها حيث اعتبرنا في تملّك الملتقط النيّة و اللفظ و لو بقيت في يده أحوالاً كذلك إذا لم يَنْو التملّك.

و لو عرّفها حولاً ثمّ نوي التملّك و تملّك باللفظ، و بالجملة أتي بشرائط التملّك، أو كمل حول التعريف و قلنا: يملك به، ثمّ ظهر المالك، فإن ردّها الملتقط عليه وجب عليه قبولها، و ليس له المطالبة ببدلها و إن كان

ص: 251

الملتقط قد نوي تملّكها؛ لأنّها لا تنحطّ عن مرتبة المثل، و لا شكّ في أنّه لو دفع إليه المثل لم يكن له المطالبة بغيره فكذا العين.

و لو لم يدفعها الملتقط، فالأقرب: إنّه ليس للمالك انتزاعها؛ لأنّها قد صارت ملكاً للملتقط، فلا تُنتقل عنه إلّا بوجهٍ شرعيّ، كالقرض ليس للمُقرض بعد تملّك المقترض الرجوعُ في العين، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: إنّه ليس للملتقط إلزام المالك بأخذ البدل، بل للمالك انتزاع العين؛ لأنّ الملتقط إنّما يملكها ملكاً مراعيً(1) ، و لهذا قال عليه السلام: «عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها و إلّا فشأنك بها»(2) و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام - في الصحيح - قال: «يُعرّفها سنةً، فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل ماله»(3).

و لا حجّة فيهما؛ لاحتمال «فإن جاء في السنة» و نمنع كون الملتقط يملكها ملكاً مراعيً؛ فإنّه نفس المتنازع.

مسألة 357: إذا زادت اللّقطة بعد تملّك الملتقط لها ثمّ جاء المالك، فإن كانت الزيادة متّصلةً تبعت العين، و أخذها المالك و زيادتها؛

لأنّ الزيادة المتّصلة تتبع العين في الردّ بالعيب و في الإقالة، فكذا هنا؛ لأنّها إنّما تبعت هناك؛ لكونها بمنزلة الجزء من العين، و هذا المقتضي موجود هنا.

و إن كانت الزيادة منفصلةً، فهي للملتقط خاصّةً، و يأخذ المالك العينَ مسلوبةَ الزيادة، كالولد و الثمرة؛ لأنّ الزيادة نمت علي ملك الملتقط، و هي متميّزة غير تابعةٍ للعين في المفسوخ، فكان له، كنماء المبيع إذا رُدّ بعيبٍ.

ص: 252


1- العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 478:4.
2- راجع: الهامش (1) من ص 166.
3- تقدّم تخريجه في ص 168، الهامش (1).

و للحنابلة وجه آخَر ضعيف: إنّ الزيادة تتبع الأصل أيضاً و إن كانت منفصلةً؛ بناءً علي المفلس إذا استُرجعت منه العين بعد أن زادت زيادةً متميّزة، و الولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته(1).

و الحكم في المثالين ممنوع، بل الزيادة هنا لمن وقعت في ملكه، و هو المفلس و الولد، علي أنّا نمنع الرجوع في هبة الولد بعد التصرّف، لكن يُفرض ذلك في الأجنبيّ عندنا، علي أنّ الفرق قائم بين المتنازع و بين الصورتين المذكورتين؛ لأنّ الملتقط ضمن الأصل و مَلَكه مضموناً بالمثل أو القيمة، فكان النماء له ليكون الخراج بالضمان، و في الصورتين لا ضمان علي المفلس و لا علي الولد، فلم تكن لهما الزيادة، علي أنّ الحقّ ما قلناه من كون الزيادة لهما أيضاً.

مسألة 358: لو التقط و عرّف حولاً ثمّ مَلَك ثمّ باع أو وهب أو فَعَل ما يوجب خروجها عن ملكه ثمّ جاء المالك، لم يكن له أخذ العين؛

لأنّ الملتقط قد تصرّف تصرّفاً صحيحاً، و كان له أخذ بدلها.

فإن رجعت إلي الملتقط بفسخٍ أو عقدٍ ناقل - كبيعٍ أو هبةٍ أو غير ذلك - قبل أخذ البدل، فإن قلنا: للمالك إذا وجد العين بعد التملّك المطالبةُ بها، كان له هنا ذلك؛ لأنّه وجد عين ماله في يد ملتقطه، فكان له أخذه، كالزوج إذا طلّق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلي المرأة. و إن قلنا:

ليس له الرجوعُ هناك إلي العين بل الواجب له المثل أو القيمة، فعدم الرجوع في العين هنا أولي.

و لو كان الملتقط قد باعها بخيارٍ ثمّ جاء مالكها في مدّة الخيار،

ص: 253


1- المغني 368:6، الشرح الكبير 390:6.

لم يكن له فسخ العقد - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ فسخ العقد حقّ العاقد، فلا يتمكّن غيره منه بغير إذنه.

و الثاني: إنّ له الفسخَ(2).

و ردّ بعض الشافعيّة الوجهين إلي أنّه هل يُجبر الملتقط علي الفسخ ؟(3).

و يجوز عندهم فرض الوجهين في الانفساخ كالوجهين فيما إذا باع العَدْل الرهنَ بثمن المثل فظهر طالب في مجلس العقد بزيادةٍ(4).

مسألة 359: لو باع الملتقط اللّقطةَ أو اشتري بها شيئاً بعد أن تملّكها، لم يكن للمالك الرجوعُ في الثمن الذي باع به الملتقط

و لا في العين التي اشتراها بها، بل يرجع إلي مثل اللّقطة أو قيمتها؛ لأنّه الواجب له، إلّا أن يشتري لصاحبها لا له.

فإن اشتري بالعين بعد التملّك، لم يصح؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان لغيره بمالٍ ليس للغير.

و إن اشتري في الذمّة و نسب، فإن جاء صاحبها و أجاز الشراء كان له، و إن لم يُجز الشراء كان له المطالبة بالمثل أو القيمة.

و إن كان الملتقط قد أضاف الشراء إليه في العقد و سمّاه، كان له الفسخ و أخذ عين ماله؛ لأنّ الملتقط لم يشتر لنفسه، بل علي حدّ الوكالة التي لم يأذن الموكّل في الشراء فيها.

و لو كان الملتقط قد اشتري بالعين جاريةً لنفسه ثمّ ظهر أنّها بنت

ص: 254


1- المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5، البيان 457:7، العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 478:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5، البيان 457:7، العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 478:4.
3- العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 479:4.
4- العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 479:4.

صاحب اللّقطة، لم تُعتق عليه، و لم يجز له أخذها من الملتقط؛ لأنّ الشراء وقع له.

و لما رواه أبو العلاء عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: رجل وجد مالاً فعرّفه حتي إذا مضت السنة اشتري منه خادماً فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتُريت بالدراهم هي ابنته، قال: «ليس له أن يأخذ إلّا دراهمه، و ليس له البنت، إنّما له رأس ماله، و إنّما كانت ابنته مملوكة قومٍ»(1).

مسألة 360: اللّقطة في مدّة حول التعريف أمانة في يد الملتقط إذا لم يتملّكها قبل التعريف و لا فرّط و لا تعدّي فيها،

فلو تلفت لم يكن عليه شيء، و كذا لو نقصت.

و إن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه، ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، و بقيمتها إن لم يكن لها مثلٌ بغير خلافٍ.

و إن تلفت بعد الحول قبل نيّة التملّك، فكذلك إن لم نقض بالتملّك بمجرّد حئول الحول.

و إن قلنا: إنّه يملك بمضيّ الحول بغير اختياره، أو حال الحول و تملّك باختياره ثمّ تلفت أو أتلفها، ثبت في الذمّة مثلها إن كانت من ذوات الأمثال، و إن كانت من ذوات القِيَم ضمن القيمة؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بالتملّك أو الإتلاف بغير إذنه و رضاه، فكان ضامناً.

و لما رواه حنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّه الصادقَ عليه السلام: عن اللّقطة

ص: 255


1- الكافي 8/139:5، التهذيب 391:6-1173/392.

و أنا أسمع، قال: «تعرّفها سنةً، فإن وجدتَ صاحبها و إلّا فأنت أحقّ بها» و قال: «هي كسبيل مالك» و قال: «خيِّره إذا جاءك بعد سنةٍ بين أجرها و بين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه إن كانت العين من ذوات الأمثال، وجب ردّ المثل مع تلفها إن أمكن، و إن تعذّر ردّ المثل كان عليه قيمته يوم الغرم، و إن كانت من ذوات القِيَم وجب عليه ردّ قيمتها يوم التملّك.

مسألة 361: إذا تملّكها الغني أو الفقير بعد التعريف حولاً ثمّ أتلفها أو تلفت، كان عليه بدلها لصاحبها

في قول عامّة أهل العلم(2) ، و إن كانت باقيةً ردّها بعينها أو بقيمتها أو مثلها علي الخلاف الذي تقدّم؛ لما رواه العامّة في حديث أُبيّ بن كعب أنّه قال: «فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه»(3) و أمر النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بغرم الدينار الذي وجده لمّا جاء صاحبه(4) ، فوجب أن يكون ضامناً في ذمّته من يوم التلف، و لو لا تقوّمه(5) لما تمكّن المالك من طلبه إذا جاء.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتي يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه»(6).

ص: 256


1- التهذيب 396:6-1194/397.
2- المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 531:5، البيان 455:7، العزيز شرح الوجيز 374:6، روضة الطالبين 479:4، المغني 366:6-367، الشرح الكبير 391:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 170، الهامش (1).
4- تقدّم تخريجه في ص 231، الهامش (4).
5- كذا قوله: «ضامناً... تقوّمه». و الظاهر: «ثابتاً... ثبوته».
6- تقدّم تخريجه في ص 243، الهامش (3).

و لأنّ هذا مال مَنْ له حرمة، فإذا أتلفه بغير إذنه و كان من أهل الضمان في حقّه، لزمه بدله، كما لو اضطرّ إلي طعام غيره فأكله.

و قال بعض الشافعيّة: إذا تملّكها الملتقط بعد الحول، لم يطالب بقيمةٍ و لا بعينٍ، سواء كانت باقيةً أو تالفةً - و به قال داوُد الظاهري - لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال للسائل: «عرِّفها حولاً، فإن جاء صاحبها و إلّا فشأنك بها»(1) و روي «فهي لك»(2) و لم يأمره بردّ بدلها(3).

و هو غلط؛ لأنّ الأمر بردّ البدل قد ثبت بغير هذا الحديث، و لا معارضة له في هذا الحديث.

مسألة 362: قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إذا تملّك اللّقطة بعد الحول فإن جاء صاحبها و إلّا فهي مال اللّه يؤتيه مَنْ يشاء،

فجَعَلها من المباحات، و لأنّه لو مات لم يعزل بدلها من تركته(4).

و هو غلط؛ لأنّه يستحقّ صاحبه المطالبة ببدله، فدلّ علي أنّه يملكه بعوضٍ، كالقرض، و الحديث(5) لو ثبت حُمل علي جواز التملّك و استباحته.

و لا نسلّم أنّه لا يعزل بدله؛ فإنّ جماعةً من الشافعيّة قالوا: لا نعرف

ص: 257


1- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
2- المصنّف - لابن أبي شيبة - 1672/450:6، مسند أحمد 420:2-6897/421.
3- المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 531:5، البيان 455:7، العزيز شرح الوجيز 374:6، روضة الطالبين 479:4، المغني 367:6، الشرح الكبير 391:6.
4- البيان 455:7، العزيز شرح الوجيز 374:6، روضة الطالبين 479:4، المغني 356:6.
5- أي: حديث عياض بن حمار، المتقدّم في ص 241.

هذه المسألة(1) ، و لئن(2) سلّمناها فإنّما كان كذلك؛ لأنّه لا يعرف المستحقّ، فالظاهر أنّه لا يعرف فلم توقف التركة.

إذا عرفت هذا، فإنّ اللّقطة عندنا تُملك بالتعريف و الاختيار علي ما تقدّم(3).

و قال الحسن و النخعي و أبو مجلز و الحارث العكلي و مالك و أبو يوسف: لا يجوز للملتقط تملّك اللّقطة بحالٍ، فإذا تلفت بعد الحول أو قبله من غير تعدٍّ و لا تفريطٍ، لم يضمنها الملتقط(4).

و قد بيّنّا جواز تملّكها، فيضمن حينئذٍ.

و قد بيّنّا أنّ داوُد و بعض الشافعيّة ذهب إلي أنّ الملتقط يملك العين بعد الحول، فإذا أتلفها لم يضمنها(5).

و عن أحمد رواية بمثل ذلك(6).

و قد تقدّم بطلانه، و لأنّها عين يجب ردّها لو كانت باقيةً، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها، كما قبل الحول.

مسألة 363: لو وجد المالك العينَ ناقصةً، فإن كان قبل التملّك من غير تفريطٍ من الملتقط أخذها المالك بحالها، و لا ضمان علي الملتقط؛

لأنّها لو تلفت بأسرها لم يكن عليه ضمان، فالأجزاء أولي؛ لأنّها تابعة للأصل.

ص: 258


1- لم نهتد إلي مظانّه.
2- في «ج، خ»: «و إن» بدل «و لئن».
3- في ص 244، المسألة 353.
4- المغني 367:6، الشرح الكبير 391:6.
5- راجع: ص 257، الهامش (3).
6- المغني 367:6، الشرح الكبير 391:6.

و إن نقصت قبل تملّكه من غير تفريطٍ ثمّ تملّكها ثمّ جاء المالك، لم يكن له المطالبة بالأرش أيضاً؛ لأنّ النقص وقع و هي في ملكه بَعْدُ لم تنتقل إلي الملتقط(1) ، و إنّما مَلَكها ناقصةً، فلم يكن عليه ضمان النقص، كما لو تلفت قبله.

و كذا لو تلفت بعد أن تملّكها ناقصةً، لم يكن عليه ضمان النقص، بل يضمن العين ناقصةً بالمثل أو القيمة ناقصةً.

و لو نقصت بعد التملّك أو بتفريطٍ منه ثمّ جاء مالكها، فإن قلنا: إنّ المالك لا يرجع في العين، بل ينتقل حقّه إلي المثل أو القيمة، لم يكن له أخذها، و يرجع إلي بدلها سليمةً.

و لو دفعها الملتقط مع الأرش، فإن قلنا بوجوب قبولها لو كانت سليمةً، وجب هنا أيضاً، و إن قلنا: للمالك أن يأخذ عين ماله، كان له الأخذ هنا مع الأرش؛ لأنّ الكلّ مضمون علي الملتقط لو تلف فكذا البعض.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يقنع بها، و ليس له أرش(2).

و ليس بجيّدٍ.

و لو أراد الرجوع إلي بدلها و قال الملتقط: أنا أدفع العين مع الأرش، فالأقوي: إنّه يجب علي المالك القبول - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لأنّ العين الناقصة مع الأرش كغير الناقصة، و صار كالغاصب.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّ للمالك الرجوعَ إلي البدل و إن أوجبنا عليه أخذ4.

ص: 259


1- في «ج»: «ملتقطها».
2- العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 479:4.
3- العزيز شرح الوجيز 373:6-374، روضة الطالبين 479:4.

العين السليمة إذا دفعها الملتقط؛ لأنّ ما خرج عن ملكه تغيّر عمّا كان(1).

و حينئذٍ هو بالخيار بين البدل و العين الناقصة إمّا مع الأرش - كما ذهبنا إليه و إمّا بدونه، كما قاله بعض الشافعيّة(2).

مسألة 364: إذا كانت اللّقطة موجودةً و كتمها الملتقط و لم يُعرّفها ثمّ ظهر المالك، كان له أخذها لا غير؛

لأصالة براءة الذمّة، و الملتقط لم تشتغل ذمّته إلّا بعين اللّقطة، فلا يجب عليه ردّ ما عداها.

و قد روي صفوان الجمّال عن الصادق عليه السلام أنّه سمعه يقول: «مَنْ وجد ضالّةً فلم يُعرّفها ثمّ وجدت عنده فإنّها لربّها و مثلها من مال الذي كتمها»(1).

و هو مناسب لقول أحمد في الغنيمة: إنّ مَنْ غلّ منها شيئاً وجب عليه ردّها و مثله(2).

و الرواية محمولة علي الاستحباب، أو علي أنّه قد مضي من الزمان الذي بقيت في يده ما تكون أُجرته مساويةً لها، فيجب عليه أداء ذلك إذا كان مالكها قد طلبها و كَتَمها عنه.

مسألة 365: لو وجد اللّقطةَ اثنان فالتقطاها معاً دفعةً، وجب عليهما معاً تعريفها حولاً.

و الأقرب: الاكتفاء بتعريف أحدهما إذا فَعَل ما يجب في التعريف؛ لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يجب علي الملتقط مباشرة التعريف، بل له أن يُعرّفها بنفسه و بغيره.

ص: 260


1- الكافي 17/141:5، الفقيه 843/187:3، التهذيب 1180/393:6.
2- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.

إذا عرفت هذا، فإن عرّفاها حولاً و قلنا: إنّ الملتقط يملك ملكاً قهريّاً، مَلَكاها معاً بحئول الحول، و ليس لأحدهما نقل حقّه إلي صاحبه، إلّا بسببٍ ناقلٍ من هبةٍ أو غيرها، كما لو ورثا معاً مالاً، و كما أنّه ليس للملتقط نقل حقّه إلي غيره.

و إن قلنا: لا يملك الملتقط إلّا باختياره لو اختارا معاً تملّكها، مَلَكاها. و لو اختارا حفظها و عدم تملّكها، لم يملكها أحدهما، و كانت أمانةً في أيديهما. و لو اختلفا فاختار أحدهما التملّك دون الآخَر، مَلَك المختار نصفها دون الآخَر.

و لو رأياها معاً فبادر أحدهما فأخذها أو رآها أحدهما فأعلم بها الآخَر فأخذها، فهي للآخذ خاصّةً؛ لأنّ استحقاق اللّقطة بالأخذ؛ لا بالرؤية، كالاصطياد و الاحتطاب.

و لو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه و قال له: هاتها، أو أعطني إيّاها، أو ارفعها إلَيَّ، فإن أخذها المأمور لنفسه، فهي له دون الآمر؛ لوجود سبب الملك في حقّه، دون صاحبه، و إن أخذها للآمر أو لنفسه و للآمر، بُني علي جواز التوكيل في الاصطياد و نحوه، إن سوّغنا التوكيل عُمل بمقتضي نيّة الآخذ، و إلّا كانت للآخذ خاصّةً.

و لو تنازعا في لقطةٍ(1) ، فادّعي كلٌّ منهما أنّه الذي التقطها دون صاحبه و أقام كلٌّ منهما بيّنةً، فإن شهدت إحداهما بالسبق حُكم له، و إلّا حُكم بها للخارج عندنا، و للداخل عند الشافعي(2).

مسألة 366: لو ضاعت اللّقطة عن ملتقطها بغير تفريطٍ منه، فلا ضمان
اشارة

ص: 261


1- في النُّسَخ الخطّيّة: «اللّقطة».
2- راجع: العزيز شرح الوجيز 374:6، و روضة الطالبين 479:4.

عليه؛ لأنّها أمانة في يده، و كما لو تلفت في يده، فأشبهت الوديعة.

فإن التقطها آخَر فعرف أنّها ضاعت من الأوّل، فعليه ردّها إليه؛ لأنّه قد ثبت له حقّ التموّل و ولاية التعريف و الحفظ، فلا يزول ذلك بالضياع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ الثاني أحقّ بها(1).

و ليس بجيّدٍ.

و لو لم يعلم الثاني بالحال حتي عرّفها حولاً، مَلَكها الثاني؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه من غير عدوانٍ، فيثبت الملك فيه، كالأوّل، و لا يملك الأوّل انتزاعها؛ لأنّ الملك مقدَّم علي حقّ التملّك، و إذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني، و ليس له مطالبة الأوّل؛ لأنّه لم يفرّط.

و لو علم الثاني بالأوّل فردّها إليه فامتنع من أخذها و قال: عرِّفها أنت، فعرَّفها، مَلَكها أيضاً؛ لأنّ الأوّل ترك حقّ اليد و ولاية التعريف، فسقط.

و إن قال: عرِّفها و يكون ملكها لي، ففَعَل، فهو مستنيب له في التعريف، و يملكها الأوّل؛ لأنّه وكّله في التعريف، فصحّ، كما لو كانت في يد الأوّل.

و إن قال: عرِّفها و تكون بيننا، صحّ أيضاً، و كانت بينهما؛ لأنّه أسقط حقّه من نصفها، و وكّله في الباقي.

و لو قصد الثاني بالتعريف تملّكها لنفسه دون الأوّل، احتُمل أن يملكها الثاني؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه، فمَلَكها، كما لو أذن له الأوّل و عرَّفها لنفسه، و أن لا يملكها الثاني؛ لأنّ ولاية التعريف للأوّل، فأشبه ما4.

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 374:6-375، روضة الطالبين 480:4.

لو غصبها من الملتقط غاصب فعرّفها.

و كذا الحكم إذا علم الثاني بالأوّل فعرّفها و لم يُعلِمْه بها، و هذا يشبه المحجّر في الموات إذا سبقه غيره إلي ما حجره فأحياه بغير إذنه.

فأمّا إن غصبها غاصب من الملتقط فعرّفها لم يملكها؛ لأنّه متعدٍّ بأخذها، و لم يوجد منه سبب تملّكها، فإنّ الالتقاط من جملة السبب و لم يوجد منه، بخلاف ما لو التقطها اثنان، فإنّه وُجد منه الالتقاط و التعريف.

و لو دفعها الثاني إلي الأوّل فامتنع الأوّل من أخذها فمَلَكها الثاني و أتلفها أو تلفت بعد تملّكه مطلقاً أو قبله بالتفريط فجاء المالك فطلبها، تخيّر في الرجوع علي مَنْ شاء منهما.

أمّا الأوّل: فلتمكّنه من أخذ مال الغير الذي استولي عليه، فكان كالدافع لها إلي الغير، لكن يستقرّ الضمان علي الثاني.

و أمّا الثاني: فلأنّ التلف في يده.

و لو تملّكها الأوّل بعد التعريف حولاً ثمّ ضاعت منه فالتقطها الثاني فعرّفها حولاً و مَلَكها ثمّ جاء المالك، فإن قلنا: له الرجوع في العين، كان له مطالبة مَنْ شاء منهما، و يستقرّ الضمان علي الثاني، و إن قلنا: لا حقّ له في العين، فالأقوي: إنّه ليس له مطالبة الثاني، بل الأوّل خاصّةً، و للأوّل الرجوع علي الثاني.

فروع:
أ - لو رأي شيئاً مطروحاً علي الأرض فدفعه برِجْله ليعرف جنسه أو قدره ثمّ لم يأخذه حتي ضاع،

قال بعض الشافعيّة: لا يضمنه؛ لأنّه

ص: 263

لم يحصل في يده(1).

و فيه نظر.

ب - لو دفع اللّقطة إلي الحاكم و ترك التعريف و التملّك ثمّ ندم و أراد أن يُعرّف و يتملّك، كان له ذلك،

و يُمكّنه الحاكم منه.

و للشافعيّة وجهان(2).

ج - لو وجد خمراً أراقها صاحبها، لم يلزمه تعريفها؛

لأنّ إراقتها مستحقّة.

فإن صارت عنده خَلّاً، مَلَكها؛ لأنّ الأوّل أسقط حقّه منها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لمَنْ أراقها، كما لو غصبها فصارت خَلّاً عنده(1).

و الفرق: إنّها في الغصب مأخوذة بغير رضا صاحبها، و في المتنازع قد أسقط صاحبها حقّه منها.

و هذا البحث يستمرّ في الخمر المحترمة خاصّةً، فالقول حينئذٍ بأنّ إراقتها مستحقّة ممنوع.

أمّا في الابتداء فظاهر.

و أمّا عند الوجدان فكذلك ينبغي أن يجوز إمساكها إذا خلا عن قصدٍ فاسد.

ص: 264


1- المهذّب - للشيرازي - 439:1، العزيز شرح الوجيز 375:6، روضة الطالبين 480:4.

ثمّ هذا الحكم مخصوص بما إذا أراقها؛ لأنّه بالإراقة مُعرض عنها، فيكون كما لو أعرض عن جلد ميتةٍ فدبغه غيره.

و فيه للشافعيّة وجهان(1).

و أمّا إذا ضاعت الخمر المحترمة من صاحبها، فلتُعَّرف، كالكلب.

مسألة 367: و إنّما يجب الدفع إلي المالك، فإذا جاء مَنْ يدّعيها، فإن لم يُقِمْ بيّنةً بها و لا وَصَفها، لم تُدفع إليه،

إلّا أن يعلم الملتقط أنّها له، فيجب عليه دفعها إليه.

و إن أقام البيّنة، رُدّت عليه.

و إن لم تكن هناك بيّنة و لكن وَصَفها بصفاتها الخاصّة التي تخفي عن غير المالك، فإن لم يغلب علي ظنّ الملتقط صدقه و أنّها له، لم تُدفع إليه - و هو المشهور للشافعيّة(2) - لأصالة عصمة مال الغير.

و لقوله عليه السلام: «البيّنة علي المدّعي»(3).

و حكي الجويني وجهاً آخَر في جواز الدفع(4).

و قال مالك و أبو عبيد و داوُد و أحمد و ابن المنذر: إذا عرف عفاصها و وكاءها و عددها، وجب دفعها إليه، سواء غلب علي ظنّه صدقه أو لم يغلب(5).

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 375:6.
2- العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 477:4.
3- جامع المسانيد - للخوارزمي - 270:2، سنن الترمذي 1341/626:3، سنن الدارقطني 8/157:4، سنن البيهقي 279:8، و 252:10.
4- العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 477:4.
5- الاستذكار 33107/339:22، التمهيد 120:3، بداية المجتهد 306:2، الذخيرة 117:9، المعونة 1263:2، المغني 363:6، الشرح الكبير 388:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 58:2، الحاوي الكبير 23:8، حلية العلماء 540:5، البيان 458:7، العزيز شرح الوجيز 372:6.

و أمّا الشافعي و أبو حنيفة فإنّهما قالا: لا يُجبر علي دفعها إلّا ببيّنةٍ(1) ، كما ذهبنا إليه.

و يجوز له دفعها إليه إذا غلب علي ظنّه صدقه، و به قالا(2).

و قال أصحاب الرأي: إن شاء دفعها إليه، و أخذ كفيلاً(3).

و احتجّ مالك و أحمد: بما روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «فإن جاء أحد يُخبرك بعددها و وعائها و وكائها فادفعها إليه»(4).

قال ابن المنذر: هذا الثابت عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله، و به أقول(5).

و لأنّ إقامة البيّنة بذلك تتعذّر(6) في اللّقطة، فاكتفي فيها بالوصف،ه.

ص: 266


1- الأُم 66:4، مختصر المزني: 136، الحاوي الكبير 23:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، الوجيز 253:1، حلية العلماء 540:5، التهذيب - للبغوي - 554:4، البيان 458:7، العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 477:4، مختصر القدوري: 135-136، تحفة الفقهاء 355:3، بدائع الصنائع 202:6، الاختيار لتعليل المختار 50:3، المغني 363:6، الشرح الكبير 388:6، الاستذكار 339:22-33114/340 و 33115، التمهيد 120:3، بداية المجتهد 306:2، الذخيرة 117:9، المعونة 1263:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 58:2.
2- الأُم 66:4، مختصر المزني: 136، الحاوي الكبير 23:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، الوجيز 253:1، حلية العلماء 540:5، التهذيب - للبغوي - 554:4، البيان 458:7، العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 477:4، مختصر القدوري: 136، بدائع الصنائع 202:6، الاختيار لتعليل المختار 50:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 58:2، المغني 363:6، الشرح الكبير 388:6، الاستذكار 339:22-33114/340 و 33115.
3- الهداية - للمرغيناني - 177:2، بدائع الصنائع 202:6، الاستذكار 33118/340:22، المغني 363:6، الشرح الكبير 388:6.
4- سنن البيهقي 192:6 و 197.
5- المغني 363:6.
6- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «متعذّر». و الصحيح ما أثبتناه.

و لهذا أمر النبيّ صلي الله عليه و آله الملتقط بمعرفة العفاص و الوكاء(1)(2).

و المعتمد ما قلناه؛ لأنّ وصف الوعاء لا يستحقّ به(3) ، كالمغصوب، و تعذّر إقامة البيّنة قائم في المغصوب و المسروق، و ذِكْرُ النبيّ صلي الله عليه و آله الصفاتِ؛ لما قدّمناه من الفوائد، لا للتسليم إلي مدّعيه بمجرّد ذكرها.

و إن غلب علي ظنّ الملتقط صدق المدّعي الواصف لها، جاز دفعها إليه و لا يجب - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ القولين(4) - لما تقدّم من أنّه مُدّعٍ، فيفتقر إلي البيّنة.

و الوجه الثاني للشافعي: إنّه يجب دفعها، و به قال مالك و أحمد؛ لأنّهم أوجبوا الدفع مع وصف العفاص و الوعاء و العدد و إن لم يغلب علي الظنّ الصدقُ، فمعه أولي(5).

مسألة 368: و لا يكفي في وجوب الدفع الشاهدُ الواحد و إن كان عَدْلاً؛

لأنّ البيّنة لا تثبت به، و الأمر بالإشهاد وقع باثنين، فلا يكفي الواحد، و الأصل عصمة مال الغير.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: الاكتفاء بالعَدْل الواحد؛ لحصول الثقة بقوله(6).

و يحتمل عندي جواز الدفع إن حصل الظنّ، كما لو حصل الظنّ بالوصف.

ص: 267


1- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
2- المغني 363:6-364، الشرح الكبير 388:6-389.
3- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «بها». و المثبت هو الصحيح.
4- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 266.
5- راجع: الهامش (5) من ص 265.
6- الوسيط 299:4، الوجيز 253:1، العزيز شرح الوجيز 372:6.

و لو قال الواصف: يلزمك تسليمها إلَيَّ، فله أن يحلف أنّه لا يلزمه.

و لو قال: تعلم أنّها ملكي، حلف علي نفي العلم، فإن نكل حلف المدّعي، و حُكم له به.

مسألة 369: إذا حضر طالب اللّقطة و وَصَفَها و لم يُقِم بيّنةً فدفعها الملتقط إليه ثمّ جاء آخَر و أقام البيّنة علي أنّها له،

فإن كانت باقيةً انتُزعت منه و دُفعت إلي الثاني.

و إن تلفت عنده، تخيّر المالك بين أن يُضمّن الملتقطَ؛ لأنّه حالَ بين المالك و ملكه بدفعه إلي غيره، أو الواصفَ؛ لفساد القبض، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

فإن ضمّن الواصفَ، لم يرجع علي الملتقط؛ لأنّ التلف وقع في يده، و لأنّ الثاني ظالم بزعمه، فلا يرجع علي غير ظالمه، و إن ضمّن الملتقطَ رجع إن لم يُقرّ للواصف بالملك، و إن أقرّ لم يرجع؛ مؤاخذةً له بقوله.

و قال بعض أصحاب مالك، و أبو عبيد: إنّه لا يضمن الملتقط؛ لأنّه فَعَل ما أُمر به، و هو أمين غير مفرّطٍ و لا مقصّرٍ، فلم يضمن، كما لو دفعها بأمر الحاكم [و](2) لأنّ الدفع واجب عليه، فصار الدفع بغير اختياره، فلم يضمنه، كما لو أُكره(3).

هذا إذا دفع بنفسه، و أمّا إذا ألزمه الحاكم الدفع إلي الواصف، لم يكن لمقيم البيّنة تضمينه؛ لأنّها مأخوذة منه علي سبيل القهر، فلم يضمنها، كما

ص: 268


1- المهذّب - للشيرازي - 438:1، البيان 458:7، العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 477:4، الاختيار لتعليل المختار 50:3، المغني 365:6، الشرح الكبير 393:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني.
3- الذخيرة 119:9: المغني 365:6.

لو غصبها غاصب.

و إذا ضمّن الواصفَ، لم يرجع علي أحدٍ؛ لأنّ العدوان منه، و التلف عنده.

ثمّ إن كان رأي الحاكم الدفعَ بالوصف، كان لمقيم البيّنة تضمين المدفوع إليه خاصّةً.

و إن لم يكن رأيه ذلك، كان مخيّراً بين أن يرجع علي الحاكم؛ لبطلان الدفع عنده، و بين أن يرجع علي القابض، و يستقرّ الضمان علي القابض.

و لو جاء الواصف بعد ما تملّك الملتقط اللّقطةَ و أتلفها فغرمها الملتقط له لظنّه صدقه ثمّ جاء آخَر و أقام البيّنة بملكيّتها، كان له مطالبة الملتقط دون الواصف؛ لأنّ الذي قبضه الواصف ليس عين ماله، و إنّما هو مال الملتقط.

ثمّ إنّ الملتقط يرجع علي الواصف إن لم يكن قد أقرّ له بالملك عند الغرامة، و إن كان قد أقرّ لم يكن له الرجوعُ؛ لاعترافه بأنّه المستحقّ، و أنّ الثاني ظالم.

و لو تعذّر الرجوع علي الملتقط، فالأقوي: إنّ له الرجوعَ علي القابض اقتصاصاً للملتقط إن لم يُقم القابض البيّنةَ علي الملتقط باعترافه له بالملكيّة.

مسألة 370: لو أقام واحد بيّنةً بها فدُفعت إليه ثمّ أقام آخَر بيّنةً أُخري بأنّها له أيضاً،
اشارة

فإن لم يكن هناك ترجيح لإحدي البيّنتين علي الأُخري، أُقرع بينهما؛ لأنّه مشكل؛ لانتفاء الأولويّة و الحكم بهما و دفعهما معاً.

فإن خرجت للأوّل فلا بحث، و إن خرجت القرعة للثاني انتُزعت من

ص: 269

الأوّل و سُلّمت إليه.

و لو تلفت، فإن كان الملتقط قد دفع بإذن الحاكم، لم يضمن، و كان الضمان علي الأوّل، و إن كان قد دفعها باجتهاده ضمن؛ لأنّه ليس له الحكم لنفسه.

أمّا لو قامت البيّنة بعد الحول و تملّك الملتقط و دفع العوض إلي الأوّل، ضمن الملتقط للثاني علي كلّ حالٍ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته لم يتعيّن بالدفع إلي الأوّل، و رجع الملتقط علي الأوّل؛ لتحقّق بطلان الحكم.

و عند الشافعي إذا أقام كلّ واحدٍ بيّنةً علي أنّها له، ففيه أقوال التعارض(1).

تذنيب: لو أقام مدّعي اللّقطة شاهدَيْن عَدْلين عنده و عند الملتقط و فاسقين عند القاضي،

لم يجز للقابض الدفع بشهادة هذين الشاهدين و إن اعترف الغريم بعدالتهما؛ لأنّه يعرف منهما ما يخفي عن الغريم.

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: هذا.

و الثاني: إنّ له الدفعَ؛ لاعترافه بعدالتهما(2).

و ليس بشيءٍ.

آخَر: لو وصفها اثنان و تداعياها، فإن قلنا بالدفع بالوصف وجوباً، أُقرع بينهما،

كما لو أقاما بيّنةً، و إن قلنا به جوازاً، جازت القرعة، و الحكم كما تقدّم.

و قال بعض الحنابلة: تقسم بينهما؛ لتساويهما فيما يستحقّ به الدفع،

ص: 270


1- حلية العلماء 557:5، العزيز شرح الوجيز 373:6، روضة الطالبين 478:4.
2- العزيز شرح الوجيز 372:6، روضة الطالبين 478:4.

فتساويا فيها، كما لو كانت في أيديهما(1).

و ليس بشيءٍ؛ لأنّهما لو تداعيا عيناً في يد غيرهما و تساويا في البيّنة أو عدمها، تكون لمن وقعت له القرعة، كما لو تداعيا وديعةً في يد إنسانٍ و اعترف لأحدهما من غير تعيينٍ، بخلاف ما لو كانت في يديهما؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما علي نصفها، فيُرجّح قوله فيه.

آخَر: لا تُدفع إلي مَنْ خرجت له القرعة إلّا باليمين،

فإن امتنع منها أُحلف الآخَر، فإن امتنعا احتُمل إيقافها إمّا عليهما حتي يصطلحا، أو علي غيرهما.

و لا فرق في ذلك بين وجوب القرعة بالوصف أو بالبيّنة.

آخَر: لو وصفها واحد فدُفعت إليه ثمّ جاء آخَر فوصفها و ادّعاها، لم يستحق شيئاً؛

لأنّ الأوّل استحقّها لوصفه إيّاها، و عدم المنازع فيها، و تثبت يده عليها، و لم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه، فيجب بقاؤها له، كسائر أمواله.

مسألة 371: لو جاء مدّعي اللّقطة فادّعاها و لم يُقم بيّنةً و لا وَصَفَها، لم يجز دفع اللّقطة إليه،

سواء غلب علي ظنّه صدقه أو كذبه - و به قال جمهور العامّة(2) - لأنّها أمانة، فلم يجز(3) دفعها إلي مَنْ لم يثبت أنّه صاحبها، كالوديعة.

ص: 271


1- المغني 364:6-365، الشرح الكبير 392:6.
2- المغني 366:6، الشرح الكبير 394:6.
3- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يجب» بدل «لم يجز». و المثبت يقتضيه السياق.

فإن دفعها إليه فجاء آخَر فوَصَفَها أو أقام بيّنةً، لزم الدافع غرامتها؛ لأنّه فوّتها علي مالكها، و حالَ بينه و بينها بدفعه، و له الرجوع علي مدّعيها؛ لأنّه أخذ مال غيره، و لصاحبها تضمين آخذها، فإذا ضمّنه لم يرجع علي أحدٍ.

و إن لم يأت أحد، فللملتقط مطالبة آخذها بها؛ لأنّه لا يأمن مجيء صاحبها، فيغرمه إيّاها، و لأنّها أمانة في يده، فمَلَك أخذها من غاصبها، كالوديعة.

** *

ص: 272

المطلب الثالث: في اللواحق.
مسألة 372: قد بيّنّا الخلاف في أنّ الملتقط هل يملك اللّقطة ملكاً مراعيً يزول بمجيء صاحبها

و يضمن له بدلها إن تعذّر ردّها، أو يملكها ملكاً مستقرّاً و يجب عليه دفع العوض إلي صاحبها و إن كانت موجودةً؟

إذا تقرّر هذا، فهل يملكها الملتقط مجّاناً بغير عوضٍ يثبت في ذمّته، و إنّما يتجدّد وجوب العوض بمجيء صاحبها، كما يتجدّد زوال الملك عنها بمجيئه، و كما يتجدّد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله إن تعذّر ثبوت الملك فيه بالطلاق، أو لا يملكها إلّا بعوضٍ يثبت في ذمّته لصاحبها؟ إشكال ينشأ: من قوله عليه السلام: «فإن جاء صاحبها و إلّا فهي مال اللّه تعالي يؤتيه مَنْ يشاء»(1) فجَعَلها من المباحات، رواه العامّة، و من أنّه يملك المطالبة، فأشبه القرض.

و الثاني أولي، و الفائدة: وجوب عزلها، أو عزل بدلها من تركته، و استحقاق الزكاة بسبب الغرم، و وجوب الوصيّة بها، و منع وجوب الخمس بسبب الدَّيْن علي التقدير الثاني.

مسألة 373: ما يوجد في المفاوز أو في خربةٍ قد باد أهلها، فهو لواجده من غير تعريفٍ إن لم يكن عليه أثر الإسلام،

و إلّا فهو لقطة.

و كذا المدفون في أرضٍ لا مالك لها، و لو كان لها مالك فهو له؛ قضاءً لليد.

ص: 273


1- تقدّم تخريجه في ص 174، الهامش (1).

و لو انتقلت عنه بالبيع إليه عرّفه، فإن عرّفه فهو أحقّ به، و إلّا عرّفه البائع السابق علي بائعه، و هكذا، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو لواجده؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال: و سألته عن الورق يوجد في دارٍ، فقال: «إن كانت الدار معمورةً فهي لأهلها، و إن كانت خربةً فأنت أحقّ بما وجدتَ»(1).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورةً فيها أهلها فهو لهم، و إن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به»(2).

و لا ينافي هذا ما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: «قضي عليٌّ عليه السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها، فإن وجد مَنْ يعرفها، و إلّا تمتّع بها»(3) لأنّه محمول علي ما إذا كان لها مالك معروف، أو كان علي الورق أثر الإسلام.

و لو وجد في داره شيئاً و لم يعرفه، فإن كان يدخل منزله غيره فهو لقطة يُعرّفه سنةً، كما يُعرّف اللّقطة، و يكون حكمه حكم اللّقطة، و إن كان لا يدخله غيره كان له؛ بناءً علي الظاهر، و قد يعرض له النسيان عمّا مَلَكه.

و لما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

قلت له: رجل وجد في بيته ديناراً، قال: «يدخل منزله غيره ؟» قال: نعم كثير، قال: «هذه لقطة»(4).

و لو وجد في صندوقه شيئاً و لم يعرف أنّه له، فالحكم كالدار إن كان6.

ص: 274


1- التهذيب 1165/390:6.
2- الكافي 5/138:5، التهذيب 1169/390:6.
3- التهذيب 1199/398:6.
4- الكافي 3/137:5، الفقيه 841/187:3، التهذيب 1168/390:6.

غيره يشاركه في فتحه، كان لقطةً، و إلّا كان لصاحبه؛ لما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام: قلت: فرجل قد وجد في صندوقه ديناراً، قال: «يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟» قلت:

لا، قال: «فهو له»(1).

مسألة 374: لو وجد شيئاً في جوف دابّةٍ، فإن كانت الدابّة قد انتقلت إليه من غيره، عرّفه المالك،

فإن عرفه فهو أحقّ به، و إلّا كان(2) ملكاً له.

و يحتمل أن يكون لقطةً يُعرّف البائع و غيره، و يبدأ بالبائع، لكن علماؤنا علي الأوّل.

و كذا لو لم تنتقل إليه من غيره، بل تولّدت عنده.

لما رواه عبد اللّه بن جعفر - في الصحيح - قال: كتبتُ إلي الرجل أسأله عن رجلٍ اشتري جزوراً أو بقرةً للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّةً فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن تكون ؟ قال: فوقّع عليه السلام:

«عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إيّاه»(3).

و لو وجد شيئاً في جوف سمكةٍ كالدرّة يجدها في جوف السمكة، فإن كان قد مَلَكها بالصيد فهو له، قال اللّه تعالي:«وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» (4) فيكون لواجدها.

و إن كانت قد انتقلت إليه بالبيع من الصيّاد فوجدها المشتري و لم يعلم الصيّاد بها، قال أحمد: تكون للصيّاد؛ لأنّه إذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه و لم يرض بزوال ملكه عنه، فلم يدخل في المبيع، كمن باع

ص: 275


1- نفس المصادر.
2- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «كانت» بدل «كان». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الكافي 9/139:5، التهذيب 1174/392:6.
4- سورة النحل: 14.

داراً له مال مدفون فيها(1).

و لو وجد شيئاً غير الدرّة ممّا يكون في البحر، فهو للصيّاد، و كان حكمه حكم الجوهرة.

و إن وجد دراهم أو دنانير، فهي لقطة؛ لأن ذلك لا يخلق في البحر، و لا يكون إلّا لآدميٍّ، فيكون لقطةً، كما لو وجده في البحر.

و كذا الدرّة إذا كان فيها أثر آدميّ، كما لو كانت مثقوبةً أو متّصلةً بذهبٍ أو فضّةٍ أو غيرها، فإنّها تكون لقطةً لا يملكها الصيّاد؛ لأنّها لم تقع في البحر حتي تثبت اليد عليها، فهي كالدينار.

و أمّا علماؤنا فقد أطلقوا القول بأنّ ما يجده في جوف السمكة يكون له، و لم يفصّلوا إلي ما ذكرناه، و هو يدلّ علي أنّ تملّك اللّقطة يشترط فيه النيّة.

و بالجملة، قول أحمد لا بأس به عندي.

و لم يفرّق علماؤنا بين أن يصطاد السمكة من البحر و غيره.

و أحمد فرَّق بينهما، فجعل ما يصطاد من السمك في النهر و العين كالشاة في أنّ ما يوجد في بطنها من ذلك يكون لقطةً، درّةً كانت أو غيرها(2).

مسألة 375: لو وجد عنبرةً علي ساحل البحر، فهي له؛

لإمكان أن يكون البحر قد ألقاها، و الأصل عدم الملك فيها، فكانت مباحةً لآخذها، كالصيد.

و قد روي أنّ بحر عدن ألقي عنبرةً مثل البعير فأخذها ناس بعدن، فكُتب إلي عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر: خُذوا منها الخُمْس و ادفعوا إليهم سائرها، و إن باعوكموها فاشتروها، فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزاناً

ص: 276


1- المغني 370:6.
2- المغني 370:6-371.

يخرجها، فقطعناها باثنتين(1) و وزناها فوجدناها ستّمائة رطل، فأخذنا خُمْسها و دفعنا سائرها إليهم ثمّ اشتريناها بخمسة آلاف دينار و بعثنا بها إلي عمر بن عبد العزيز فلم يلبث إلّا قليلاً حتي باعها بثلاثة و ثلاثين ألف دينار(2).

و علماؤنا قالوا: إنّ العنبر إن أُخرج من البحر بالغوص، أُخرج منه الخُمْس إن بلغ قيمته ديناراً فصاعداً، و كان الباقي للمُخْرج، و إن قلّت قيمته عن دينارٍ، فهو له بأجمعه، و إن جُبي من وجه الماء أو من الساحل، كان للواجد يخرج منه خُمْسه إن بلغت قيمته عشرين ديناراً، و الباقي له.

و قيل: لا يشترط النصاب(3).

و قد روي الشعيري عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن سفينةٍ انكسرت في البحر فأُخرج بعضه بالغوص و أخرج البحر بعضَ ما غرق فيها، فقال: «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللّه أخرجه، و أمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم و هُمْ أحقّ به»(4).

مسألة 376: لو اصطاد غزالاً فوجده مخضوباً أو وجد في عنقه خرزاً أو في أُذنه خيطاً أو نحو ذلك ممّا يدلّ علي ثبوت اليد عليه، فهو لقطة؛

لأنّ ذلك دليل علي أنّه كان مملوكاً لغيره.

و لو ألقي شبكةً في البحر فوقع فيها سمكة فجذبت السمكةُ الشبكةَ فمرّت بها في البحر فصادها رجل، فالسمكة للّذي صادها، و أمّا الشبكة

ص: 277


1- في النُّسَخ الخطّيّة و المغني: «باثنين».
2- المغني 371:6، الشرح الكبير 363:6.
3- لم نتحقّق القائل بذلك.
4- التهذيب 822/295:6.

فيُعرفها، فإن وجد صاحبها دفعها إليه، و لا يملك صاحب الشبكة السمكةَ و إن حصلت في شبكته؛ لأنّ شبكته لم تثبتها، فبقيت علي الإباحة.

و كذا لو نصب فخّاً(1) أو شَرَكاً(2) فوقع فيه صيد من صيود البَرّ فأخذه و ذهب به و صاده آخَر، فهو للصائد، و يردّ الآلة إلي صاحبها، فإن لم يعرف صاحبها فهي لقطة.

أمّا لو وجد غزالاً أو حمارَ وحشٍ أو غيرهما من الصيود في شَرَكٍ و قد شارف الموت فخلّصه و ذبحه، فهو لصاحب الحبالة، و ما كان من الصيد في الحبالة فهو لناصبها و إن كان صقراً أو عقاباً.

مسألة 377: لو أُخذت ثيابه في الحمّام و وجد بدلها، أو أُخذ مداسه

مسألة 377: لو أُخذت ثيابه في الحمّام و وجد بدلها، أو أُخذ مداسه(3) و تُرك له بدله، لم يملكه بذلك،

و لا بأس باستعماله إن علم أنّ صاحبه تركه له عوضاً، و يعرّفه سنةً، ثمّ إمّا أن يتملّكه مع الضمان، أو يحتفظه دائماً، أو يتصدّق به و يضمن؛ لأنّ سارق الثياب لم تَجْر بينه و بين مالكها معاوضة توجب زوال ملكه عن ثيابه، فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره، فلا يعرف مالكه، فيعرّفه كاللّقطة، إلّا أن يعلم أنّ السارق قصد المعاوضة بأن يكون الذي له أردأ من الذي سرقه، و كانت ممّا لا يشتبه علي الآخذ بالذي له، فلا يحتاج حينئذٍ إلي التعريف؛ لأنّ مالكها تركها قصداً، و التعريف إنّما جُعل للضائع عن صاحبه ليعلم به و يأخذه، و تارك هذا عالم به و راضٍ ببدله عوضاً عمّا أخذه، فلا تحصل من تعريفه فائدة، و حينئذٍ يباح للواجد

ص: 278


1- الفخّ: المصيدة التي يصاد بها. لسان العرب 41:3 «فخخ».
2- الشَّرَك: حبائل الصائد و ما يُنصب للطير. لسان العرب 450:10 «شرك».
3- المداس: الذي ينتعله الإنسان أو ما يُلبَس في الرِّجْل. المصباح المنير: 203، القاموس المحيط 217:2 «دوس».

استعمالها؛ لأنّ الظاهر أنّ صاحبها تركها له باذلاً له إيّاها عوضاً عمّا أخذه، فصار كالمبيح له أخذها بلسانه، و هو أحد وجوه الحنابلة.

و لهم آخَران:

أحدهما: الصدقة بها.

و الثاني: الرفع إلي الحاكم ليبيعها و يدفع ثمنها إليه عوضاً عن ماله(1).

و ما قلناه أولي؛ لأنّه أرفق بالناس؛ لأنّ فيه نفعاً لمن سُرقت ثيابه؛ لحصول عوضها له، و للسارق بالتخفيف عنه من الإثم و حفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع، و قد أُبيح لمن له علي إنسانٍ حقٌّ من دَيْنٍ أو غصبٍ أو غير ذلك أن يأخذ من مال مَنْ عليه الحقّ بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك، فهنا مع رضا مَنْ عليه الحقّ بأخذه أولي.

فإن وجد هناك قرينة تدلّ علي اشتباه الحال علي الآخذ، و أنّه إنّما أخذها ظنّاً أنّها ثيابه بأن تكون المتروكة خيراً من المأخوذة أو مساويةً لها و هي ممّا تشتبه، فينبغي أن يُعرّفها؛ لأنّ صاحبها لم يتركها عمداً، فهي بمنزلة الضائعة منه، و الظاهر: إنّه إذا علم بها أخذها، و ردّ ما كان أخذه.

إذا عرفت هذا، فالظاهر أنّه يتملّكها باختياره بعد التعريف حولاً، فإن ظهر المالك قاصّه بماله و ترادّ الفضل.

و لو دفعها إلي الحاكم بعد التعريف حولاً ليبيعها و يأخذ ثمنها، جاز.

مسألة 378: لو كان عنده وديعة قد أتي عليها زمان لا يعرف صاحبها، يبيعها و يتصدّق بثمنها،

فإذا جاء مالكها بعد ذلك خيّره المستودع بين الغرم و يكون الأجر له، و بين إجازة ما فَعَله و يكون الأجر للمالك.

ص: 279


1- المغني 373:6، الشرح الكبير 365:6.

و لو كان عنده رهون لا يعرف أربابها لطول مكثها، باعها الحاكم و دفع إليه دَيْنه الذي له، و تصدّق بالباقي، و لا يكون ذلك لقطةً.

و لو كان المُلّاك قد أذنوا له في البيع، جاز أن يتولّاه بنفسه.

و لو تعذّر الحاكم و لم يكن أربابها أذنوا له في البيع، جاز له التقويم و البيع للضرورة.

و لو وجد كنزاً في فلاةٍ أو خربةٍ و ليس عليه أثر الإسلام، أخرج منه الخُمْس، و الباقي له، و لو كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة.

و لو وجد لقطةً في دار الحرب، فإن لم يكن فيها مسلم مَلَكها، و إن كان فيها مسلم عرَّفها حولاً ثمّ يملكها إن شاء، و لا يجب عليه المقام في دار الحرب للتعريف، بل يتمّ التعريف في دار الإسلام.

و كذا لو وجد لقطةً في بلدٍ، عرّفه فيه ثمّ جاز له أن يسافر، و يكمل التعريف في غيره.

و لو دخل دار الحرب بأمانٍ فالتقط منها لقطةً، عرّفها حولاً؛ لأنّ أموالهم محرّمة عليه، فإن لم يعرفها أحد مَلَكها بعد التعريف.

و لو دخل إليهم متلصّصاً فوجد لقطةً، مَلَكها إن لم يكن فيها مسلم، و إلّا عرّفها حولاً.

مسألة 379: لو مات الملتقط قبل التعريف، قام وارثه مقامه في التعريف حولاً ثمّ يتملّكها بعده، و يضمن كالمورّث.

و لو كان الملتقط قد عرّف بعض الحول، أكمله الوارث، و لا يحتاج إلي استئناف التعريف، بخلاف الملتقط من الملتقط؛ لأنّه يطلب المالك أو الملتقط، فافتقر إلي استئناف التعريف حولاً، و أمّا الوارث فإنّه يطلب المالك لا غير.

ص: 280

و لو كان المورّث قد عرّفها حولاً و لم يتملّك، كان للوارث أن يتملّك بغير تعريفٍ.

و لو مات بعد أن عرّفها حولاً و تملّكها، صارت موروثةً عنه، كغيرها من أمواله، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث، كما يأخذها من المورّث، و إن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميّت يطالبه بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، و إلّا فبالقيمة، فيأخذ [ذلك](1) من تركته إن اتّسعت لذلك، فإن ضاقت زاحم الغرماء ببدلها، سواء تلفت بعد التملّك بفعله أو بغير فعله، و كذا لو تلفت بَعْدُ بتعدّيه بفعله أو بغير فعله؛ لأنّها في الأوّل دخلت في ملكه بنيّة التملّك، و في الثاني في ضمانه بتعدّيه.

و لو علم أنّها تلفت قبل الحول بغير تفريطه، فلا ضمان عليه، و لا شيء لصاحبها؛ لأنّها أمانة في يده تلفت بغير تفريطه، فلم يضمنها، كالوديعة.

و كذا لو تلفت بعد الحول قبل التملّك بغير تفريطٍ علي رأي مَنْ يعتقد أنّها لا تدخل في ملكه إلّا بنيّة التملّك.

و لو لم يعلم تلفها و لم توجد في تركته، احتُمل أن يكون لصاحبها المطالبة من تركته، سواء كان قبل الحول أو بعده؛ لأنّ الأصل بقاؤها.

و يحتمل أن لا يلزم الملتقط شيء، و يسقط حقّ صاحبها؛ لأصالة براءة ذمّة الملتقط منها.

و يحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريطٍ، فلا تشتغل ذمّته بالشكّ.ق.

ص: 281


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

ص: 282

الفصل الثاني: في لقطة الحيوان
اشارة

و مطالبه ثلاثة:

المطلب الأوّل: المأخوذ.
مسألة 380: كلّ حيوانٍ مملوكٍ ضائعٍ و لا يد عليه يجوز التقاطه، إلّا ما يستثني، و يُسمّي ضالّةً.

و أخذه في صُور الجواز مكروه؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ»(1)التهذيب 1182/394:6.(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه جرّاح المدائني عن الصادق عليه السلام قال:

«الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون إذا لم يُعرّفوها»(2).

و عن وهب عن الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام قال: «لا يأكل الضالّة إلّا الضالّون»(3).

أمّا إذا تحقّق التلف، فإنّه تزول الكراهة، و يبقي طلقاً.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ الإشهاد - كما قلنا في لقطة الأموال - لما لا يؤمن تجدّده علي الملتقط، و لتنتفي التهمة عنه.

مسألة 381: الحيوان إن كان ممّا يمتنع من صغار السباع إمّا لفضل قوّته

- كالإبل و الخيل و البغال و الحمير - أو لشدّة عَدْوه - كالظباء المملوكة و الأرانب - أو بطيرانه - كالحمام - و بالجملة، كلّ ما يمتنع من صغار السباع

ص: 283


1- تقدّم تخريجه في ص 167، الهامش
2- .
3- التهذيب 1193/396:6.

و صغار الثعالب و ابن آوي و ولد الذئب و السبع لا يجوز التقاطه و لا التعرّض له، سواء كان لكِبَر جثّته - كالإبل و الخيل و البغال و الحمير - أو لطيرانه، أو لسرعة عَدْوه، أو لنابه، كالكلاب و الفهود - و به قال الشافعي و الأوزاعي و أبو عبيد و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه سئل عن ضالّة الإبل، فغضب حتي احمرّت وَجْنتاه و قال: «ما لك و لها؟ معها حذاؤها و سقاؤها، ترد الماء و ترعي الشجر»(2).

و سئل عليه السلام، فقيل: يا رسول اللّه، إنّا نُصيب [هوامي](3) الإبل، فقال:

«ضالّة المسلم حرَق النار(4)»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادق عليه السلام قال: «جاء رجل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه، إنّي وجدتُ شاةً، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: يا رسول اللّه، إنّي وجدتُ بعيراً، فقال: معه حذاؤه و سقاؤه، حذاؤه خُفّه، و كرشه سقاؤه، فلا تهجه»(6).).

ص: 284


1- الحاوي الكبير 5:8-6، المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5، العزيز شرح الوجيز 353:6-354، المغني 396:6، الشرح الكبير 349:6-350.
2- تقدّم تخريجه في ص 166، الهامش (1).
3- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «هؤلاء». و ذلك تصحيف، و المثبت كما في المصدر، و الهوامي: المهملة التي لا راعي لها و لا حافظ. غريب الحديث - لابن سلّام - 23:1 «همي».
4- «حرَق النار» بالتحريك: لهبُها. النهاية - لابن الأثير - 371:1 «حرق».
5- غريب الحديث - لابن سلّام - 22:1، سنن البيهقي 191:6، مسند أحمد 15879/604:4، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 4888/249:11.
6- تقدم تخريجه في ص 248، الهامش (6).

و لأنّ مثل هذا الحيوان مصون عن أكثر السباع بامتناعه، مستغنٍ بالرعي، فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتي يجده، و الغالب أنّ مَنْ أضلّ شيئاً طلبه حيث ضيّعه، فلو أخذه غيره ضاع عنه.

و قال مالك و الليث في ضالّة الإبل: مَنْ وجدها في القري عرّفها، و مَنْ وجدها في الصحراء لا يقربها(1). و رواه المزني عن الشافعي(2).

و كان الزهري يقول: مَنْ وجد بدنةً فليُعرّفها، فإن لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيّام الثلاثة(3).

و قال أبو حنيفة: هي لقطة يباح التقاطها؛ لأنّها لقطة أشبهت الغنم و ما لا يمتنع بنفسه(4).

و هو غلط؛ لأنّه قياس في معرض النصّ، مع قيام الفرق، و قد نبّه صلي الله عليه و آله عليه؛ لأنّ الغنم ضعيفة لا تصبر علي الماء، و هي في معرض التلف غالباً.

مسألة 382: و هذا الحكم في البعير إنّما هو إذا كان صحيحاً ضلّ عن صاحبه أو تركه من غير جهدٍ و لا تعبٍ،

أمّا إذا كان مريضاً أو ضعيفاً أو لا يتبع صاحبه، فإن كان صاحبه قد تركه من جهدٍ في كلأ و ماء فكذلك لا يجوز أخذه، و إن كان قد تركه في غير كلأ و لا ماء فهو لواجده؛ لأنّه كالتالف، و يملكه الآخذ، و لا ضمان عليه لصاحبه؛ لأنّه يكون كالمبيح له.

ص: 285


1- المغني 396:6، الشرح الكبير 350:6.
2- مختصر المزني: 136، البيان 464:7، المغني 396:6، الشرح الكبير 350:6.
3- المغني 396:6، الشرح الكبير 350:6.
4- الهداية - للمرغيناني - 176:2، المغني 396:6، الشرح الكبير 350:6.

و كذا حكم الدابّة و البقرة و الحمار إذا ترك من جهدٍ في غير كلأ و لا ماء.

لما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضي في رجلٍ ترك دابّته من جهدٍ، قال: إن تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها حيث أصابها، و إن كان تركها في خوفٍ و علي غير ماءٍ و لا كلأ فهي لمن أصابها»(1).

و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت(2) و قامت و سيّبها(3) صاحبها لمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقةً حتي أحياها من الكلال و من الموت فهي له، و لا سبيل له عليها، و إنّما هي مثل الشيء المباح»(4).

و عن مسمع عن الصادق عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول في الدابّة: إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للّذي أحياها» قال: «و قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ ترك دابّته، فقال: إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها متي شاء، و إن تركها في غير كلأ و ماء فهي للّذي أحياها»(5).

مسألة 383: لو أخذ البعير و شبهه في موضع المنع من أخذه بأن كان في كلأ و ماء أو كان صحيحاً، كان ضامناً؛

لأنّه متعدٍّ بالأخذ، لأنّه أخذ ملك

ص: 286


1- الكافي 14/140:5، التهذيب 1178/393:6.
2- كللت من المشي: أعييت، و كذا البعير إذا أعيا. لسان العرب 591:11 «كلل».
3- سيّب الدابّة أو الشيء: تركه. لسان العرب 478:1 «سيب».
4- الكافي 13/140:5، التهذيب 392:6-1177/393.
5- الكافي 16/141:5، التهذيب 1181/393:6.

غيره بغير إذنه و لا إذن الشارع، فهو كالغاصب، و لا يبرأ لو تركه في مكانه أو ردّه إليه، بل إنّما يبرأ بالردّ إلي صاحبه مع القدرة، فإن فقده سلّمه إلي الحاكم؛ لأنّه منصوب للمصالح - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلّا برّده إلي صاحبه أو نائبه، كالمسروق و المغصوب.

و قال أبو حنيفة و مالك: يبرأ؛ لأنّ عمر قال: أرسِلْه في الموضع الذي أصبتَه فيه، و جرير طرد البقرة التي لحقت ببقره(2).

و قول عمر لا حجّة فيه، و لا جرير أيضاً، مع أنّه لم يأخذ البقرة و لا أخذها راعيه، إنّما لحقت بالبقر فطردها عنها، فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها، و علي هذا متي لم تثبت يده عليها و يأخذها لم يلزمه ضمانها و إن طردها علي إشكالٍ.

مسألة 384: لو وجد شاةً في الفلاة أو في مهلكةٍ، كان له أخذها عند علمائنا،

و هو قول أكثر أهل العلم(3).

قال ابن عبد البرّ: أجمعوا علي أنّ [آخذ](4) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها(5).

و الأصل فيه ما رواه العامّة و الخاصّة حين سئل عليه السلام عن ضالّة الغنم،

ص: 287


1- الحاوي الكبير 6:8، الوسيط 290:4، العزيز شرح الوجيز 354:6، روضة الطالبين 465:4، المغني 398:6، الشرح الكبير 352:6.
2- الاختيار لتعليل المختار 46:3، المغني 398:6، الشرح الكبير 352:6، الحاوي الكبير 6:8، العزيز شرح الوجيز 354:6.
3- المغني 390:6، الشرح الكبير 368:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من «الاستذكار» و «التمهيد».
5- الاستذكار 33040/330:22، التمهيد 108:3، المغني 390:6، الشرح الكبير 368:6.

فقال: «خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب»(1).

و كذا الحيوان الذي لا يمتنع عن صغار السباع، مثل الثعلب و ابن آوي و الذئب و ولد الأسد و نحوها، فإنّ صغار النَّعَم كفُصْلان الإبل و عجول البقر و صغار الخيل و الدجاج و الإوَزّ و نحوها فإنّ ذلك كلّه يجوز التقاطه في الفلوات و المواضع المهلكة.

و عن أحمد رواية أُخري: إنّه لا يجوز لغير الإمام التقاط الشاة و صغار النَّعَم(2).

و قال الليث بن سعد: لا أُحبّ أن يقربها إلّا أن يحرزها لصاحبها؛ لقول النبيّ صلي الله عليه و آله: «لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ»(3).

و لأنّه حيوان، فأشبه الإبل في المنع(4).

و حديثهم عامّ، فيُحمل علي ما يمتنع من الحيوان لكِبَره أو لسرعة عَدْوه أو طيرانه؛ جمعاً بين العامّ و الخاصّ.

و القياس علي الإبل لا يصحّ؛ لأنّه عليه السلام مَنَع و ذَكَر علّة المنع من التقاطها بأنّ معها حذاءها و سقاءها(5) ، و هذا المعني مفقود في الغنم، فلا يتمّ القياس.

و أيضاً إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله فرّق بينهما في خبرٍ واحد(6) ، فلا يجوز الجمع بين ما فرّق الشارع، و لا قياس ما أمر بالتقاطه علي ما منع ذلك فيه.6.

ص: 288


1- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 166.
2- المغني 390:6-391، الشرح الكبير 358:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 167.
4- المغني 391:6، الشرح الكبير 358:6.
5- راجع: الهامش (1) من ص 166.
6- راجع: خبر زيد بن خالد الجهني في ص 165-166.
مسألة 385: و هذا الحكم في الشاة و غيرها من صغار الأنعام التي لا تمتنع من صغار السباع إنّما يثبت لو وجدها في الصحراء

أو في موضع مهلكة، أمّا لو وجدها في العمران فإنّه لا يجوز له التقاطها بحالٍ.

و لا فرق بين ما يمتنع بكِبَره أو سرعة عَدْوه أو طيرانه، و بين ما لا يمتنع كالشاة و شبهها في تحريم الأخذ من العمران - و به قال مالك و أبو عبيد و ابن المنذر(1) - لأنّه المفهوم من قوله عليه السلام: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(2) و الذئب لا يكون في المصر.

و لعموم قوله عليه السلام: «الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «سأل رجلٌ رسولَ اللّه صلي الله عليه و آله عن الشاة الضالّة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك أو لأخيك أو للذئب» قال: «و ما أُحبّ أن أمسّها»(4) و إذا كان في موضع المخافة و الهلاك و تعرّضها للذئب كره أخذها، ناسب التحريم وجدانها في العمران.

و قال أحمد بن حنبل: لا فرق بين أن يجدها في الفلاة أو في العمران؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «خُذْها»(5) و لم يفرّق و لم يستفصل بين وجدانها في العمران و الصحاري، و لو افترق الحال لسأل و استفصل، و لأنّها لقطة، فيستوي فيها المصر و الصحراء، كغيرها من اللّقطات(6).

ص: 289


1- المغني 391:6، الشرح الكبير 358:6.
2- راجع: الهامش (1) من ص 166.
3- تقدّم تخريجه في ص 283، الهامش (2) من طريق الخاصّة.
4- التهذيب 1185/394:6.
5- راجع: الهامش (1) من ص 166.
6- المغني 391:6، الشرح الكبير 358:6.

و نمنع عدم الاستفصال؛ لأنّه مفهوم من قوله عليه السلام: «أو للذئب»(1) و القياس باطل خصوصاً مع قيام الفارق.

مسألة 386: إذا أخذ الشاة و شبهها من صغار النَّعَم من الفلاة، تخيّر إن شاء تملّكها و ضمن علي إشكالٍ،

و إن شاء دفعها إلي الحاكم ليحفظها، أو يبيعها و يوصل ثمنها إلي المالك، و إن شاء حبسها أمانةً في يده لصاحبها و يُنفق عليها من ماله، و إن شاء تصدّق بها و ضمن إن لم يرض المالك بالصدقة.

و قال الشافعي: هو بالخيار بين أن يأكلها في الحال و يغرم قيمتها إذا جاء صاحبها، و بين أن يُعرّفها سنةً و يُنفق عليها من ماله، و بين أن يُمسكها علي صاحبها و يُنفق عليها من ماله و لا يعرّفها و لا يتملّكها، و بين أن يبيعها بإذن الإمام في الحال و يحفظ ثمنها علي صاحبها(2).

قال ابن عبد البرّ: أجمعوا علي أنّ [آخذ](3) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها؛ لقوله عليه السلام: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(4) أضافها إليه بلفظة «له»(5) المقتضية للتمليك في الحال، و سوّي فيها بينه و بين الذئب الذي لا يستأني بأكلها، و لأنّ في أكلها في الحال دفعاً لنقلها بالمئونة عليها و الإنفاق، و حفظاً لماليّتها علي صاحبها إذا جاء أخذ قيمتها

ص: 290


1- راجع: الهامش (1) من ص 166.
2- الحاوي الكبير 7:8-8، المهذّب - للشيرازي - 439:1، البيان 462:7، العزيز شرح الوجيز 355:6، روضة الطالبين 465:4.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من «الاستذكار» و «التمهيد».
4- راجع: الهامش (1) من ص 166.
5- الظاهر: «لك».

بكمالها من غير نقصٍ [فيها](1) و في إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها و الغرامة في نقلها، فكان أكلها أولي(2).

إذا ثبت هذا، فإذا أراد أكلها، حفظ صفتها حتي إذا جاء صاحبها غرمها له؛ فإنّ الغرامة تجب عليه في قول عامّة أهل العلم(3) ، إلّا مالكاً؛ فإنّه قال: يأكلها و لا يغرم قيمتها لصاحبها و لا يعرّفها؛ لقول النبيّ صلي الله عليه و آله: «هي لك»(4) و لم يوجب تعريفاً و لا غرماً، و سوّي بينه و بين الذئب، و الذئب لا يعرّف و لا يغرم(5).

قال ابن عبد البرّ: لم يوافق مالكاً أحدٌ من العلماء علي قوله، و قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «ردّ علي أخيك ضالّته» دليل علي أنّ الشاة علي ملك صاحبها، و لأنّها لقطة لها قيمة و تتبعها النفس، فتجب غرامة قيمتها لصاحبها إذا جاء، كغيرها، و لأنّها ملك لصاحبها، فلم يجز تملّكها عليه بغير عوضٍ من غير رضاه، كما لو كانت في البنيان، و لأنّها عين يجب ردّها مع بقائها، فوجب غرمها إذا أتلفها، كلقطة الذهب، و قوله عليه السلام: «هي لك» لا يمنع وجوب غرامتها، فإنّه قد أذن في لقطة الذهب و الورق بعد تعريفها في أكلها و إنفاقها، و قال: «هي كسائر مالك» ثمّ قد أجمعوا علي وجوب غرامتها و لم يذكره في الحديث، فكذا الشاة، و لا فرق بينهما في الماليّة، فلا فرق بينهما في الغرم(6).9.

ص: 291


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الاستذكار 33040/330:22، التمهيد 108:3، المغني 392:6، الشرح الكبير 368:6.
3- المغني 392:6، الشرح الكبير 368:6.
4- راجع: الهامش (1) من ص 166.
5- الاستذكار 33141/343:22، التمهيد 123:3 و 126، الحاوي الكبير 6:8، حلية العلماء 536:5، البيان 462:7، العزيز شرح الوجيز 355:6، المغني 392:6، الشرح الكبير 368:6.
6- الاستذكار 344:22-33148/345-33155، التمهيد 125:3-126، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 392:6-393، و الشرح الكبير 368:6-369.
مسألة 387: إذا اختار الملتقط للشاة في الفلاة حِفْظَها علي صاحبها، كان عليه الإنفاق عليها؛

لأنّ بقاءها لا يتمّ بدونه، و لأنّه قد التزم حفظها فقد ألزم نفسه بما يتوقّف حفظها عليه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يتخيّر بين أن يتبرّع بالإنفاق عليها و لا يرجع به علي مالكها، و بين أن يرفع أمرها إلي الحاكم لينفق عليها الحاكم أو يأمره بالإنفاق عليها ليرجع به علي مالكها، و لو لم يرفع أمرها إلي الحاكم و أنفق فهو متبرّع، كما لو أنفق علي حيوان غيره مع تمكّنه من استئذانه، فإنّ الحاكم وليّ المالك و نائب عنه مع غيبته.

و لو لم يجد حاكماً، أشهد شاهدين بالرجوع بما يُنفقه و يرجع به؛ لأنّه أنفق علي اللّقطة لحفظها، فكان من مال صاحبها، كمئونة تجفيف الرطب و العنب، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و الرواية الثانية عنه: إنّه لا يرجع بشيءٍ، و به قال الشعبي و الشافعي(1).

و لم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز - في مَنْ وجد ضالّةً فلينفق عليها فإذا جاء ربّها طالبه بما أنفق - لأنّه أنفق علي مال غيره بغير إذنه، فلم يرجع به(2).

و هو غلط؛ لأنّه محسن بالإنفاق، فلا سبيل عليه، و في عدم تمكّنه من الرجوع سبيل عليه بإسقاط ماله بغير عوضٍ.

و لو لم يتمكّن من شاهدين، فإن نوي الرجوع بما يُنفق رجع، و إلّا فلا، لكن لا يقضي له بقوله و ادّعائه النيّة، علي إشكالٍ ينشأ: من أنّ الرجوع في النيّة إليه، و من أصالة براءة الذمّة.

ص: 292


1- المغني 393:6، الشرح الكبير 369:6.
2- المغني 393:6، الشرح الكبير 369:6.
مسألة 388: قد ذكرنا أنّ للملتقط الخيار بين تملّكها و حفظها و بيعها، فإذا اختار البيع جاز له، و حفظ ثمنها.

و هل له أن يتولّي ذلك بنفسه، أو يجب رفعها إلي الحاكم ؟ الأقرب:

الأوّل، و الأحوط: الثاني، و ليس شرطاً - خلافاً لبعض الشافعيّة(1) - لأنّه يجوز له أكلها بغير إذنٍ، فبيعها أولي.

و هل يجب تعريفها؟ الأقرب: العدم، لكن لو اختار ذلك عرّفها حولاً، كما يعرّف اللّقطة، و يغرم عليها النفقة إمّا من ماله أو من مال صاحبها علي ما تقدّم.

و قال بعض العامّة: يجب تعريفها حولاً؛ لأنّها لقطة لها خطر، فوجب تعريفها، كالمطعوم الكثير، و لا يلزم من جواز التصرّف فيها في الحول سقوط التعريف، كالمطعوم(2).

و قال آخَرون: لا يجب التعريف؛ لقوله عليه السلام: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(3) و لم يأمر بتعريفها كما أمر عليه السلام في لقطة الذهب و الورق(4)(3).

و الأقوي: الأوّل.

و إن أكلها، ثبت في ذمّته قيمتها، و لا يلزم عزلها؛ لعدم الفائدة في ذلك؛ لأنّها لا تنتقل عن الذمّة إلي المال المعزول.

و لو عزل شيئاً ثمّ أفلس، كان صاحب اللّقطة أُسوة الغرماء في المال

ص: 293


1- المهذّب - للشيرازي - 439:1، حلية العلماء 535:5، التهذيب - للبغوي - 557:4، البيان 462:7، العزيز شرح الوجيز 356:6، روضة الطالبين 466:4، المغني 394:6، الشرح الكبير 370:6.
2- المغني 394:6، الشرح الكبير 370:6. (3 و 4) راجع: الهامش (1) من ص 166.
3- المغني 394:6، الشرح الكبير 370:6.

المعزول، و لا يختصّ بصاحب اللّقطة.

و لو باعها و حفظ ثمنها ثمّ جاء صاحبها، أخذه، و لم يشاركه فيه أحد من الغرماء؛ لأنّه ماله لا شيء للمفلس فيه، بخلاف ما لو تملّكها أو تملّك الثمن.

و يحتمل التخصيص؛ لأنّ مَنْ وجد عين ماله كان أحقَّ به مع وجود سبب الانتقال منه، فهنا أولي.

مسألة 389: قد بيّنّا أنّه لا يجوز أخذ الشاة و شبهها في العمران،

خلافاً لأحمد(1) ، فإن أخذها لم يجز له تملّكها بحالٍ، بل يتخيّر آخذها بين إمساكها لصاحبها أمانةً، و عليه نفقتها من غير رجوعٍ بها؛ لتبرّعه حيث أخذ في موضع المنع، و بين دفعها إلي الحاكم؛ لأنّه من المصالح.

و لو تعذّر الحاكم، أنفق و رجع بالقيمة.

و لا فرق في ذلك بين الحيوان الممتنع و غيره.

و لو وجد شاةً في العمران، حبسها ثلاثة أيّام ثمّ تصدّق بها عن صاحبها إن لم يأت، أو باعها و تصدّق بثمنها.

و الأقرب: إنّه يضمن.

و قد روي ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «جاءني رجل من أهل المدينة فسألني عن رجلٍ أصاب شاةً» قال: «فأمرتُه أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام، و يسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، و إلّا باعها و تصدّق بثمنها»(2).

و نقل المزني عن الشافعي فيما وضعه بخطّه و لا أعلم أنّه سُمع منه:

ص: 294


1- المغني 390:6، الشرح الكبير 358:6.
2- التهذيب 1196/397:6.

إذا وجد الشاة أو البقرة أو الدابّة ما [كانت](1) بمصر أو في قريةٍ فهي لقطة، فسوّي في البلد و القرية بين الصغير و الكبير(2).

و اختلف أصحابه.

فقال أبو إسحاق: الذي نقله المزني هو الصحيح، و يستوي الصغير و الكبير في كونها لقطةً بالمصر؛ لأنّ الكبير لا يهتدي فيه للرعي و ورود الماء، فيكون ضائعاً، كالصغير(3).

و قال الباقون: لا فرق بين المصر و الصحاري، و الكبير لا يكون لقطةً؛ لأنّ الكبير لا يضيع في البلد و لا يخفي أمره، بخلاف الصغير(4).

فعلي هذا الوجه لا فرق بين الصحاري و الأمصار إلّا في حكمٍ واحد، و هو أنّ في الصحاري له أكل الصغار؛ لأنّه يتعذّر عليه بيعها، و لا يتعذّر ذلك في الأمصار، فليس له أكلها.

و علي ما نقله المزني الصغار و الكبار لقطة، و هي كالصغار في الصحاري في جواز الأكل.

و قد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة 390: لا يجوز أخذ الغِزْلان و اليحامير و حُمُر الوحش في الصحاري إذا مُلكت هذه الأشياء ثمّ خرجت إلي الصحراء،

و كذا باقي

ص: 295


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «ما قامت». و بدلها في «ث، ر، خ»: «ما لم يثبت». و المثبت كما في مختصر المزني.
2- مختصر المزني: 136، و راجع: الحاوي الكبير 26:8، و المهذّب - للشيرازي - 439:1، و حلية العلماء 536:5، و البيان 464:7. (3 و 4) البيان 464:7، و راجع: الحاوي الكبير 26:8، و المهذّب - للشيرازي - 439:1، و حلية العلماء 536:5، و العزيز شرح الوجيز 354:6، و روضة الطالبين 465:4.

الصيود المستوحشة التي إذا تُركت رجعت إلي الصحراء؛ لأنّها تمتنع بسرعة عَدْوها عن صغار السباع، و هي مملوكة للغير، فلا تخرج عن ملكه بالامتناع، كما لو توحّش الأهلي.

أمّا لو خاف الواجد لها ضياعَها عن مالكها أو عجز مالكها عن استرجاعها، فالأقوي: جواز التقاطها؛ لأنّ تركها أضيع لها من سائر الأموال، و المقصود حفظها لصاحبها، لا حفظها في نفسها، و لو كان الغرض حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان، فإنّ الدينار محفوظ حيثما كان.

مسألة 391: حكم البقر حكم الإبل - و به قال الشافعي و أبو عبيد و أحمد

(1) - لأنّها تمتنع عن صغار السباع، و تجزئ في الأُضحية و الهدي عن سبعةٍ، فأشبهت الإبل.

و قال مالك: إنّ البقر كالشاة(2). و ليس بشيءٍ.

أمّا الخيل و البغال فإنّها كالإبل؛ لأنّها تمتنع عن صغار السباع، و به قال الشافعي و أحمد(3).

ص: 296


1- مختصر المزني: 135، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 159:2، الحاوي الكبير 6:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5، التهذيب - للبغوي - 555:4، البيان 459:7، الاستذكار 33175/350:22، المغني 397:6، الشرح الكبير 351:6.
2- الاستذكار 33142/343:22، الذخيرة 96:9، الكافي في فقه أهل المدينة: 426-427، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 159:2-160، مختصر اختلاف العلماء 345:4-2045/346، المغني 397:6، الشرح الكبير 351:6.
3- مختصر المزني: 135، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 159:2، الحاوي الكبير 6:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5، التهذيب - للبغوي - 555:4، البيان 459:7، العزيز شرح الوجيز 353:6، روضة الطالبين 465:4، مختصر اختلاف العلماء 2045/346:4، الاستذكار 33176/350:22، المغني 397:6، الشرح الكبير 351:6.

و أمّا الحُمُر فإنّها كذلك أيضاً؛ لامتناعها(1) عن صغار السباع، و لها أجسام عظيمة، فأشبهت البغال و الخيل، و لأنّها من الدوابّ فأشبهت البغال، و هو أحد قولَي الحنابلة.

و الثاني: إنّها كالشاة؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله علّل الإبلَ: بأنّ معها حذاءها و سقاءها(2) ، يريد شدّة صبرها عن الماء؛ لكثرة ما توعي في بطونها منه و قوّتها علي وروده، و إباحةَ ضالّة الغنم: بأنّها معرّضة لأخذ الذئب إيّاها؛ لقوله: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(3) و الحُمُر مساوية للشاة في علّتها، فإنّها لا تمتنع من الذئب، و مفارقة للإبل في علّتها، فإنّها لا صبر لها عن الماء، و إلحاق الشيء بما ساواه في علّة الحكم و فارقه في الصورة أولي من إلحاقه بما فارقه في الصورة و العلّة(2).

مسألة 392: الأحجار الكبار كأحجار الطواحين،

و الحباب الكبيرة و قدور النحاس العظيمة و شبهها ممّا يتحفّظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه، بل هو أولي منه؛ لأنّ الإبل في معرض التلف إمّا بالأسد أو بالجوع أو بالعطش أو غير ذلك، و هذه بخلاف تلك، و لأنّ هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها و لا تخرج من مكانها، بخلاف الحيوان، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولي.

ص: 297


1- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أمّا الحمار فإنّه كذلك أيضاً؛ لامتناعه» و ما أثبتناه يقتضيه السياق. (2 و 3) راجع: الهامش (1) من ص 166.
2- المغني 397:6-398، الشرح الكبير 351:6.

و كذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها، و الأخشاب الموضوعة علي الأرض.

أمّا السفن المحلولة الرباط السارية في الفرات و شبهها بغير ملّاحٍ فإنّها لقطة إذا لم يعرف مالكها.

مسألة 393: ما يوجد من الحيوان قريباً من العمران حكمه حكم الموجود في العمران؛

للعادة القاضية بأنّ الناس يشمّرون(1) دوابّهم قريباً من عمارة البلد.

و قد تقدّم أنّ للشافعي في جواز التقاط الممتنع في المفازة قولين(2).

و كذا له قولان في جواز التقاطها في العمران، أصحّهما: جواز التقاطها للتملّك؛ لأنّها في العمران تضيع بامتداد اليد الخائنة، بخلاف المفازة، فإنّ طروق الناس بها لا يعمّ، و لأنّها لا تجد ما يكفيها، و لأنّ البهائم في العمران لا تُهمل، و في الصحراء قد تسرح و تُهمل، فيحتمل أنّ صاحبها يظفر بها و لا يضلّ عنها(3).

و حكي بعض الشافعيّة طريقين، أحدهما: القطع بالمنع، و الثاني:

القطع بالجواز(4).

هذا إذا كان الزمان زمانَ أمنٍ، أمّا في زمان النهب و الفساد فيجوز

ص: 298


1- أي: يرسلون. العين 262:6 «شمر».
2- العزيز شرح الوجيز 354:6، روضة الطالبين 465:4، و لم نعثر فيما تقدّم علي القولين للشافعي.
3- الحاوي الكبير 26:8، المهذّب - للشيرازي - 439:1، حلية العلماء 536:5، التهذيب - للبغوي - 556:4، البيان 464:7، العزيز شرح الوجيز 354:6، روضة الطالبين 465:4.
4- العزيز شرح الوجيز 354:6، روضة الطالبين 465:4.

التقاطها، سواء وُجدت في الصحاري أو العمران.

و المشهور عند الشافعيّة: إنّ ما لا يمتنع من الغنم و العجاجيل و الفُصْلان يجوز أخذها للتملّك، سواء كانت في العمران أو المفاوز(1).

و قال بعضهم: إنّها لا تؤخذ(2) ، كما ذهبنا نحن إليه.

فإذا وجدها في المفازة تخيّر بين أن يُمسكها و يُعرّفها و يتملّكها، و بين أن يبيعها و يحفظ ثمنها و يُعرّفها ثمّ يتملّك الثمن، و بين أن يأكلها إن كانت مأكولةً و يغرم قيمتها، و الأوّل أرجح من الثاني، و الثاني من الثالث.

قالوا: و لو وجدها في العمران، فله الإمساك و التعريف و تملّك الثمن، و في الأكل قولان:

أحدهما: الجواز، كما في الصحراء.

و أرجحهما عند أكثر الشافعيّة: المنع؛ لسهولة البيع في العمران(3).

و هل يجوز تملّك الصغار ممّا لا يؤكل في الحال ؟ لهم وجهان:

أحدهما: نعم، كما يجوز أكل المأكول.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يجوز تملّكها حتي تُعرَّف سنةً، كغيرها من اللّقطة(2).

فإذا أمسكها و أراد الرجوع بالإنفاق، استأذن الحاكم، فإن تعذّر أشهد، و قد سبق(3).7.

ص: 299


1- التهذيب - للبغوي - 557:4، العزيز شرح الوجيز 355:6، روضة الطالبين 465:4. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 355:6، روضة الطالبين 465:4.
2- العزيز شرح الوجيز 355:6، روضة الطالبين 465:4-466.
3- في ص 292، المسألة 387.

و إن أراد البيع و لا حاكم هناك، استقلّ به، فإن كان فوجهان لهم، أحدهما: جواز الاستقلال؛ لأنّه نائب عن المالك في الحفظ، فكذا في البيع(1).

مسألة 394: لو وجد بعيراً في أيّام مني في الصحراء مقلَّداً كما يُقلَّد الهدي، لم يجز أخذه؛

لأنّه لا يجوز مع عدم التقليد فمعه أولي.

و قال الشافعي: يأخذه و يُعرّفه أيّام مني، فإن خاف أن يفوته وقت النحر نحره، و الأولي عنده أن يرفع إلي الحاكم حتي يأمره بنحره(2).

و نقل بعضهم قولاً آخَر: إنّه لا يجوز أخذه(3) ، كما ذهبنا إليه.

ثمّ بنوا القولين علي القولين فيما إذا وجد بدنة منحورة غمس ما قُلّدت به في دمها و ضرب صفحة سنامها، هل يجوز الأكل منها؟ فإن منعنا الأكل، منعنا الأخذ هنا، و إن جوّزنا الأكل اعتماداً علي العلامة، فكذا التقليد علامة كون البعير هدياً، و الظاهر أنّ تخلّفه كان لضعفه عن المسير، و الأُضحية المعيّنة إذا ذُبحت في وقت النحر وقع في موقعه و إن لم يأذن صاحبها(4).

قال الجويني: لكن ذبح الضحيّة و إن وقع في موقعه لا يجوز الإقدام عليه من غير إذنٍ(5).

و جوّز بعض الشافعيّة الأخذ و النحر(3).

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 356:6، روضة الطالبين 466:4.
2- البيان 465:7، العزيز شرح الوجيز 376:6، روضة الطالبين 481:4. (3-5) العزيز شرح الوجيز 376:6، روضة الطالبين 481:4.
3- العزيز شرح الوجيز 376:6.

و لهذا الإشكال ذهب القفّال تفريعاً علي هذا القول أنّه يجب رفع الأمر إلي الحاكم لينحره(1).

و هذا ليس بشيءٍ؛ لأنّ الأخذ الممنوع منه إنّما هو الأخذ للتملّك، و لا شكّ أنّ هذا البعير لا يؤخذ للتملّك.

المطلب الثاني: في الملتقط.
مسألة 395: يصحّ أخذ الضالّة في موضع الجواز لكلّ بالغٍ عاقلٍ.

و لو أخذه في موضع المنع، لم يجز، و ضمنه، إماماً كان أو غيره؛ لأنّه أخذ ملك غيره بغير إذنه، و لا أذن الشارع له، فهو كالغاصب.

و هذا الفرض في الإمام عندنا باطل؛ لأنّه معصوم.

أمّا عند العامّة الذين لم يوجبوا عصمة إمامهم فإنّه قد يُفرض.

و كذا يُفرض عندنا في نائب الإمام.

و كذا يجوز للصبي و المجنون أخذ الضوالّ؛ لأنّه اكتساب، و ينتزع الوليّ ذلك من يدهما، و يتولّي التعريف عنهما سنةً، فإن لم يأت له مالك تملّكاه و ضمناه بتمليك الوليّ لهما و تضمينهما إيّاه إن رأي الغبطة في ذلك، و إن لم يكن في تمليكهما غبطة، أبقاها أمانةً.

مسألة 396: الأقرب: عدم اشتراط الحُرّيّة،

فيجوز للعبد القِنّ و المدبَّر و المكاتَب و أُمّ الولد و المعتق بعضه التقاطُ الضوالّ في موضع الجواز؛ لأنّه اكتساب و هؤلاء من أهله و هُمْ أهلٌ للحفظ.

و الأقرب: إنّه لا يشترط الإسلام و لا العدالة، فيجوز للكافر أخذ الضالّة، و كذا للفاسق؛ لأنّه اكتساب و هُما من أهله.

ص: 301


1- العزيز شرح الوجيز 376:6، روضة الطالبين 481:4.

و قال الشافعي: لا يجوز لغير الإمام و غير نائبه أخذ الضوالّ للحفظ لصاحبها، فإن أخذها غير الامام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لزمه الضمان؛ لأنّه لا ولاية له علي صاحبها(1).

و لأصحابه وجهٌ آخَر: إنّه يجوز أخذها لحفظها قياساً علي الإمام(2).

و احتجّ بأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله مَنَع من أخذها من غير أن يفرّق بين قاصد الحفظ و قاصد الالتقاط، و القياس علي الإمام باطل؛ لأنّ له ولايةً، و هذا لا ولاية له(3).

و نحن نقول بموجبه في موضع المنع من أخذها.

أمّا لو وجدها في موضعٍ يخاف عليها فيه، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب علي الظنّ افتراس الأسد لها إن تركها فيه، أو وجدها قريبةً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها، أو في موضعٍ يستحلّ أهله أخذ أموال المسلمين، أو في برّيّة لا ماء بها و لا مرعي، فالأولي جواز الأخذ للحفظ، و لا ضمان علي آخذها؛ لما فيه من إنقاذها من الهلاك، فأشبه تخليصها من غرقٍ أو حرقٍ، و إذا حصلت في يده سلّمها إلي بيت المال، و برئ من ضمانها، و له التملّك مع الضمان؛ لأنّ الشارع نبّه علي علّة عدم التملّك لها بأنّها محفوظة، فإذا كانت في المهلكة انتفت6.

ص: 302


1- الحاوي الكبير 6:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، التهذيب - للبغوي - 555:4-556، البيان 460:7-461، العزيز شرح الوجيز 353:6 و 354، روضة الطالبين 465:4، المغني 399:6، الشرح الكبير 353:6.
2- الحاوي الكبير 6:8، المهذّب - للشيرازي - 438:1، حلية العلماء 532:5-533، التهذيب - للبغوي - 556:4، البيان 461:7، العزيز شرح الوجيز 354:6، روضة الطالبين 465:4، المغني 399:6، الشرح الكبير 353:6.
3- راجع: المغني 399:6، و الشرح الكبير 353:6.

العلّة.

مسألة 397: لو ترك دابّة بمهلكةٍ فأخذها إنسان فأطعمها و سقاها و خلّصها، تملّكها

- و به قال الليث و الحسن بن صالح و أحمد و إسحاق(1) - إلّا أن يكون تركها بنيّة العود إليها فأخذها، أو كانت قد ضلّت منه؛ لما رواه العامّة عن الشعبي أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: «مَنْ وجد دابّةً قد عجز عنها أهلها فسيّبوها فأخذها فأحياها فهي له»(2).

و في لفظٍ آخَر عن الشعبي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «مَنْ ترك دابّةً بمهلكةٍ فأحياها رجل فهي لمَنْ أحياها»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها لمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقةً حتي أحياها من الكلال و من الموت فهي له، و لا سبيل له عليها، و إنّما هي مثل الشيء المباح»(4).

و لأنّ القول بملكها يتضمّن إحياءها و إنقاذها من الهلاك، و حفظاً للمال عن الضياع، و محافظةً علي حرمة الحيوان، و في القول بعدم الملك

ص: 303


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 160:2-161، الحاوي الكبير 27:8، حلية العلماء 539:5، المغني 400:6، الشرح الكبير 354:6.
2- سنن أبي داوُد 3524/287:3، سنن الدارقطني 259/68:3، سنن البيهقي 198:6، المغني 400:6، الشرح الكبير 354:6-355.
3- سنن أبي داوُد 3525/288:3، سنن البيهقي 198:6، المغني 400:6، الشرح الكبير 355:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 286، الهامش (4).

تضييع ذلك كلّه من غير مصلحةٍ تحصل، و لأنّ مالكه نبذه رغبةً عنه و عجزاً عن أخذه، فمَلَكه آخذه، كالمتساقط من السنبل و سائر ما ينبذه الناس رغبةً عنه و زهداً فيه.

المطلب الثالث: في الأحكام.
مسألة 398: يجوز للإمام و نائبه أخذ الضالّة علي وجه الحفظ لصاحبه،

ثمّ يرسله في الحمي الذي حماه الإمام لخيل المجاهدين و الضوالّ؛ لأنّ للإمام نظراً في حفظ مال الغائب، و في أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك، ثمّ يُعرّفها حولاً، فإن جاء صاحبها، و إلّا بقيت في الحمي.

و قال أحمد: لا يلزمه تعريفها؛ لأنّ عمر لم يكن يُعرّف الضوالّ(1).

و فعل عمر ليس حجّةً.

و إذا عرف إنسان دابّته، أقام البيّنة عليها و أخذها، و لا يكفي وصفها؛ لأنّها ظاهرة بين الناس يعرف صفاتها غير أهلها، فلا تكون الصفة(2) لها دليلاً علي ملكه لها، و لأنّ الضالّة قد كانت ظاهرةً للناس حين كانت في يد مالكها، فلا يختصّ هو بمعرفة صفاتها دون غيره، و يمكنه إقامة البيّنة عليها؛ لظهورها للناس و معرفة خلطائه و جيرانه بملكه إيّاها.

مسألة 399: الأقرب عندي: إنّه يجوز لكلّ أحدٍ أخذ الضالّة،

صغيرةً كانت أو كبيرةً، ممتنعةً عن السباع أو غير ممتنعةٍ، بقصد الحفظ لمالكها، و الأحاديث(3) الواردة في النهي عن ذلك محمولة علي ما إذا نوي بالالتقاط

ص: 304


1- المغني 398:6، الشرح الكبير 353:6.
2- في «ث، خ، ر»: «الصفات».
3- منها: ما تقدّم تخريجه في الهامش (1) من ص 166.

التملّك إمّا قبل التعريف أو بعده، أمّا مع نيّة الاحتفاظ فالأولي الجواز، كما أنّه لا يجوز للإمام و لا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه علي وجه التملّك.

مسألة 400: ما يحصل عند الإمام من الضوالّ فإنّه يُشهد عليها و يَسِمها بوَسْم أنّها ضالّة.

ثمّ إن كان له حمي، تركها فيه إن رأي المصلحة في ذلك، و إن رأي المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمي، باعها بعد أن يصفها و يحفظ صفاتها، و يحفظ ثمنها لصاحبها، فإنّ ذلك أحفظ لها؛ لأنّ في تركها ضرراً علي مالكها؛ لإفضائه إلي أن تأكل جميع ثمنها.

و أمّا غير الإمام و نائبه إذا التقط الضالّة و لم يجد سلطاناً يُنفق عليها، أنفق من نفسه، و يرجع مع نيّة الرجوع.

و قيل: لا يرجع؛ لأنّ عليه الحفظَ، و لا يتمّ إلّا بالإنفاق(1).

و الأوّل أقرب؛ دفعاً لتوجّه الضرر بالالتقاط.

و لا يبعد من الصواب التفصيلُ، فإن كان قد نوي التملّك قبل التعريف أو بعده، أنفق من ماله، و لا رجوع؛ لأنّه فَعَل ذلك لنفعه، و إن نوي الحفظ دائماً، رجع مع الإشهاد إن تمكّن، و إلّا فمع نيّته.

و لو كان للّقطة نفعٌ كالظهر للركوب، أو الحمل أو اللبن أو الخدمة، قال الشيخ رحمه الله: يكون ذلك بإزاء ما أنفق(2).

و الأقرب: أن ينظر في قدر النفقة و قيمة المنفعة، و يتقاصّان.

مسألة 401: لا يضمن الضالّة بعد الحول إلّا مع قصد التملّك.

و لو قصد حفظها دائماً، لم يضمن، كما في لقطة الأموال، إلّا مع

ص: 305


1- كما في شرائع الإسلام 290:3.
2- النهاية: 324.

التفريط أو التعدّي.

و لو قصد التملّك، ضمن، فإن نوي الحفظ بعد ذلك، لم يبرأ من الضمان؛ لأنّه قد تعلّق الضمان بذمّته، كما لو تعدّي في الوديعة ثمّ نوي الحفظ.

و لو قصد الحفظ ثمّ نوي التملّك، لزمه الضمان من حين نيّة التملّك.

مسألة 402: لو وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً، لم يجز له أخذه؛

لأنّه كالضالّة الممتنعة يتمكّن من دفع المؤذيات عنه.

و لو كان صغيراً، كان له أخذه؛ لأنّه في معرض التلف، و المال إذا كان بهذه الحال جاز أخذه، و هو نوع منه.

و إذا أخذ عبداً صغيراً للحفظ، لم يدفع إلي مدّعيه إلّا بالبيّنة، و لا تكفي الشهادة علي شهود الأصل بالوصف؛ لاحتمال الشركة في الأوصاف، بل يجب إحضار شهود الأصل ليشهدوا بالعين، فإن تعذّر إحضارهم لم يجب نقل العبد إلي بلدهم و لا بيعه علي مَنْ يحمله، و لو رأي الحاكم ذلك صلاحاً جاز، و لو تلف قبل الوصول أو بعده و لم يثبت دعواه، ضمن المدّعي قيمة العبد و أجره.

مسألة 403: لو ترك متاعاً في مهلكةٍ فخلّصه إنسان، لم يملكه؛

لأنّه لا حرمة له في نفسه و لا يخشي عليه التلف كالخشية علي الحيوان، فإنّ الحيوان يموت إذا لم يطعم و يسقي و تأكله السباع، و المتاع يبقي إلي أن يعود مالكه إليه.

و لو كان المتروك عبداً، لم يملكه آخذه؛ لأنّ العبد في العادة يمكنه التخلّص إلي الأماكن التي يعيش فيها، بخلاف البهيمة.

و له أخذ العبد و المتاع ليخلّصه لصاحبه.

ص: 306

و هل يستحقّ الأُجرة عن تخليص العبد أو المتاع ؟ الوجه: إنّه لا يستحقّ إلّا مع الجُعْل؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير جُعْلٍ، فلم يستحق شيئاً، كالملتقط.

و قال أحمد: يستحقّ الجُعْل(1). و ليس بجيّدٍ.

مسألة 404: ما يلقيه رُكْبان البحر فيه من السفينة خوفاً من الغرق إذا أخرجه غير مالكه، فالأقرب: إنّه للمُخرج،

و به قال الليث بن سعد و الحسن البصري [قال:](2) و ما نضب عنه الماء فهو لأهله(3).

و قال ابن المنذر: يردّه علي أربابه، و لا جُعْل له(4)، و هو مقتضي قول الشافعي(3).

و يتخرّج علي قول أحمد: إنّ لمن أنقذه أُجرة مثله(4).

و الأقرب: ما قدّمناه؛ لأنّه مال ألقاه أربابه فيما يتلف بتركه فيه اختياراً منهم، فمَلَكه مَنْ أخرجه، كالمنبوذ بنيّة الإعراض عن تملّكه.

و لو انكسرت السفينة في البحر فأُخرج بعض المتاع الذي فيها بالغوص و أخرج البحر بعض ما غرق فيها، روي الشعيري فيه أنّ الصادق عليه السلام سئل عن ذلك، فقال: «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللّه أخرجه، و أمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم و هُمْ أحقّ به»(5).

ص: 307


1- المغني 400:6، الشرح الكبير 355:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير، و هو مقتضي ما في الإشراف علي مذاهب أهل العلم. (3 و 4) الإشراف علي مذاهب أهل العلم 161:2، المغني 401:6، الشرح الكبير 356:6.
3- كما في المغني 401:6، و الشرح الكبير 356:6.
4- المغني 401:6، الشرح الكبير 356:6.
5- تقدّم تخريجه في ص 277، الهامش (3).

و قال الشافعي و ابن المنذر: إذا انكسرت السفينة فأخرجه قوم، يأخذ أصحاب المتاع متاعهم، و لا شيء للّذين أصابوه(1).

و علي قياس قول أحمد يكون لمستخرجه أُجرة المثل؛ لأنّ ذلك وسيلة إلي تحصيله(2) و حفظه لصاحبه و صيانته عن الغرق، فإنّ الغوّاص إذا علم أنّه يُدفع إليه الأجر بادر إلي التخليص، و إن علم أنّه يؤخذ منه بغير شيءٍ لم يخاطر بنفسه في استخراجه(3).

مسألة 405: قد بيّنّا أنّه يجوز للإنسان أن يلتقط العبد الصغير و كذا الجارية الصغيرة، و يُملك كلٌّ منهما بعد التعريف.

و قياس مذهب أحمد: إنّه لا يُملكان بالتعريف(4).

و قال الشافعي: يملك العبد دون الجارية؛ لأنّ التملّك بالتعريف - عنده - كالقرض، و الجارية - عنده - لا تُملك بالقرض(5).

و استشكل بعض العامّة ذلك؛ فإنّ الملقوط محكوم بحُرّيّته، و إن كان ممّن يعبّر عن نفسه فأقرّ بأنّه مملوك لم يُقبل إقراره؛ لأنّ الطفل لا قول له، و لو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريف سيّده(6).

ص: 308


1- المغني 401:6، الشرح الكبير 356:6-357.
2- الظاهر: «تخليصه».
3- كما في المغني 401:6، و الشرح الكبير 357:6.
4- كما في المغني 402:6، و الشرح الكبير 357:6.
5- المهذّب - للشيرازي - 439:1، حلية العلماء 539:5، البيان 466:7، العزيز شرح الوجيز 356:6، روضة الطالبين 467:4، المغني 402:6، الشرح الكبير 357:6.
6- المغني 402:6، الشرح الكبير 357:6.
الفصل الثالث: في اللقيط
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: الأركان.
اشارة

اللقيط كلّ صبي ضائع لا كافل له، و يُسمّي منبوذاً باعتبار أنّه يُنبذ، أي يرمي، و يُسمّي لقيطاً، أي ملقوطاً، و اللقيط فعيل بمعني مفعول، كما يقال: دهين و خضيب و جريح و طريح، و إنّما هو مدهون و مخضوب و مجروح و مطروح، و يُسمّي ملقوطاً باعتبار أنّه يُلقط.

إذا عرفت هذا، فالأركان ثلاثة:

الركن الأوّل: الالتقاط.
اشارة

و هو واجب علي الكفاية؛ لاشتماله علي صيانة النفس عن الهلاك، و في تركه إتلاف النفس المحترمة، و قد قال اللّه تعالي:«وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ» (1).

و لأنّ فيه إحياء النفس فكان واجباً، كإطعام المضطرّ و إنجائه من الغرق، و قد قال اللّه تعالي:«وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً» (2) و قال تعالي:«وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ» (3).

و وجد سُنَين أبو جميلة منبوذاً فجاء به إلي عمر بن الخطّاب، فقال:

ص: 309


1- سورة المائدة: 2.
2- سورة المائدة: 32.
3- سورة الحجّ: 77.

ما حملك علي أخذ هذه النسمة ؟ فقال: وجدتُها ضائعةً فأخذتُها، فقال عريفه: إنّه رجل صالح، فقال: كذلك ؟ قال: نعم، قال: اذهب فهو حُرٌّ، و لك ولاؤه، و علينا نفقته(1).

و هذا الخبر عندنا لا يُعوّل عليه، و الولاء عندنا لمن يتولّاه الملتقط، فإن لم يتوال أحداً، كان ميراثه للإمام.

و ليس أخذ اللقيط واجباً علي الأعيان بالإجماع و أصالة البراءة، و لئلّا تتضادّ الأحكام، و لأنّ الغرض الحفظ و التربية، و ذلك يحصل بأيّ واحدٍ اتّفق، بل هو من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين، و لو تركه الجماعة بأسرهم أثموا بأجمعهم إذا علموا به و تركوه مع إمكان أخذه.

مسألة 406: و يستحبّ الإشهاد علي أخذه؛

لأنّه أصون و أحفظ، لأنّه يحتاج إلي حفظ الحُرّيّة و النسب، و لأنّ اللّقطة يشيع أمرها بالتعريف، و لا تعريف في اللقيط.

و للشافعيّة طريقان، أحدهما: إنّه علي وجهين أو قولين كما قدّمنا في اللّقطة، و الأصح: القطع بالوجوب، بخلاف اللّقطة، فإنّ الأصحّ فيها الاستحباب؛ لأنّ اللقيط يحتاج إلي حفظ الحُرّيّة و النسب، فجاز أن يجب الإشهاد عليه كما في النكاح(2).

و الأصل عندنا ممنوع.

و حكي الجويني وجهاً ثالثاً هو: الفرق، فإن كان الملتقط علي ظاهر العدالة لم يكلّف الإشهاد، و إن كان مستور العدالة كُلّف ليصير الإشهاد قرينةً

ص: 310


1- الموطّأ 19/738:2، العزيز شرح الوجيز 377:6.
2- الحاوي الكبير 37:8، الوجيز 254:1، البيان 9:8، العزيز شرح الوجيز 378:6، روضة الطالبين 483:4.

تغلب علي الظنّ الثقة(1).

و إذا أوجبنا الإشهاد فلو تركه لم تسقط ولاية الحضانة.

و قال الشافعي: تسقط ولاية الحضانة، و يجوز الانتزاع(2).

و إذا أشهد فليشهد علي الملتقط و ما معه من ثيابٍ و غيرها إن كان معه شيء.

الركن الثاني: اللقيط.

و قد ذكرنا أنّه كلّ صبي ضائع لا كافل له، و التقاطه من فروض الكفايات، فيخرج بقيد الصبي البالغ، فإنّه مستغنٍ عن الحضانة و التعهّد، فلا معني لالتقاطه.

نعم، لو وقع في معرض هلاكٍ، أُعين ليتخلّص.

أمّا الصبي الذي بلغ سنّ التمييز فالأقرب: جواز التقاطه؛ لحاجته إلي التعهّد و التربية، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و الثاني: إنّه لا يلتقط؛ لأنّه مستقلٌّ ممتنع، كضالّة الإبل، فلا يتولّي أمره إلّا الحاكم(3).

و قولنا: «ضائع» نريد به المنبوذ؛ لأنّ غير المنبوذ يحفظه أبوه أو جدّه لأبيه أو الوصي لأحدهما، فإن لم يكن أحد هؤلاء، نصب القاضي له مَنْ يراعيه و يحفظه و يتسلّمه؛ لأنّه كان له كافل معلوم، و هو أبوه أو جدّه أو وصيّهما، فإذا فقد قام القاضي مقامه، كما أنّه يقوم لحفظ مال الغائبين و المفقودين، أمّا المنبوذ فإنّه يشبه اللّقطة و لهذا يُسمّي لقيطاً فلم يختصّ

ص: 311


1- العزيز شرح الوجيز 379:6.
2- الوسيط 303:4، العزيز شرح الوجيز 379:6، روضة الطالبين 483:4.
3- العزيز شرح الوجيز 379:6، روضة الطالبين 484:4.

حفظه بالقاضي.

و قولنا: «لا كافل له» نريد به مَنْ لا أب له و لا جدّ للأب و مَنْ يقوم مقامهما، و الملتَقَط ممّن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معني لالتقاطه.

نعم، لو وُجد في مضيعةٍ أُخذ ليُردّ إلي حاضنه.

الركن الثالث: الملتقِط.
مسألة 407: يعتبر في الملتقِط التكليف و الحُرّيّة و الإسلام و العدالة،

فلا يصحّ التقاط الصبي و لا المجنون.

و لو كان الجنون يعتوره أدواراً، أخذه الحاكم من عنده، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي.

و أمّا العبد فليس له الالتقاط؛ لأنّ منافعه ملك سيّده، فليس له صَرفها إلي غيره إلّا بإذنه، و لأنّ الالتقاط تبرّعٌ و العبد ليس من أهله؛ إذ أوقاته مشغولة بخدمة مولاه.

و لو أذن له السيّد أو علم به فأقرّه في يده، جاز، و كان السيّد في الحقيقة هو الملتقِط، و العبد نائبه قد استعان به عليه في الأخذ و التربية و الحضانة، فصار كما لو التقطه سيّده و سلّمه إليه.

و إذا أذن له السيّد، لم يكن له الرجوع في ذلك.

أمّا لو كان الطفل في موضعٍ لا ملتِقط له سوي العبد، فإنّه يجوز له التقاطه؛ لأنّه تخليصٌ له من الهلاك، فجاز، كما لو أراد التخليص من الغرق.

و لو التقط العبد مع وجود ملتقطٍ غيره، لم يُقر في يده، و ينتزعه الحاكم؛ لأنّه المنصوب للمصالح، إلّا أن يرضي مولاه و يأذن بتقريره في

ص: 312

يده، فيقدَّم علي الحاكم.

و لا فرق بين القِنّ و المدبَّر و أُمّ الولد و المكاتَب و المحرَّر بعضه في ذلك كلّه؛ لأنّه ليس لأحد هؤلاء التبرّعُ بماله و لا بمنافعه إلّا بإذن السيّد.

و قال الشافعي: المكاتَب إذا التقط بغير إذن السيّد انتُزع من يده، كالقِنّ، و إن التقط بإذن السيّد جاء فيه الخلاف في تبرّعاته بالإذن، لكنّ الظاهر عندهم المنع؛ لأنّ حقّ الحضانة ولاية، و ليس المكاتَب أهلاً لها(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما.

و للشافعيّة وجهان في المُعتَق نصفه إذا التقط في يوم نفسه هل يستحقّ الكفالة ؟(2).

مسألة 408: لا يجوز للكافر أن يلتقط الصبي المسلم،

سواء كان الكافر ذمّيّاً أو معاهداً أو حربيّاً؛ لأنّه لا ولاية للكافر علي المسلم، قال اللّه تعالي:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (3) و لأنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه و يُعلّمه الكفر، بل الظاهر أنّه يُربّيه علي دينه و ينشأ علي ذلك كولده، فإن التقطه لم يُقرّ في يده.

أمّا لو كان الطفل محكوماً بكفره، فإنّه يجوز للكافر التقاطه؛ لقوله تعالي:«وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» (4).

و للمسلم التقاط الطفل الكافر.

مسألة 409: الأقرب: اعتبار العدالة في الملتقِط،

فلو التقطه الفاسق

ص: 313


1- العزيز شرح الوجيز 381:6، روضة الطالبين 485:4.
2- حلية العلماء 555:5، العزيز شرح الوجيز 381:6، روضة الطالبين 485:4.
3- سورة النساء: 141.
4- سورة الأنفال: 73.

لم يُقر في يده، و ينتزعه الحاكم؛ لأنّ الفاسق غير مؤتمنٍ شرعاً، و هو ظالم، فلا يجوز الركون إليه؛ لقوله تعالي:«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» (1) و لا يؤمن أن يبيع الطفل أو يسترقّه و يدّعيه مملوكاً له بعد مدّةٍ، و لا يؤمن سوء تربيته له و لا يوثق عليه و يخشي الفساد به، و هو قول الشافعي(2) أيضاً.

و يفارق اللّقطة - حيث أُقرّت في يد الفاسق عندنا و في أحد قولَي الشافعي(3) - من ثلاثة أوجُه:

الأوّل: إنّ في اللّقطة معني التكسّب، و الفاسق من أهل التكسّب، و هاهنا لا كسب، بل هو مجرّد الولاية.

الثاني: إنّ في اللّقطة وجوب ردّها إليه لو انتزعناها منه بعد التعريف حولاً و نيّة التملّك ليتملّكها، فلم ننتزعها منه و استظهرنا عليه في حفظها و إن كان الانتزاع أحوط، و هنا لا يردّ اللقيط إليه، فكان الانتزاع أحوط و أسهل.

الثالث: المقصود في اللّقطة حفظ المال، و يمكن الاحتياط عليه بالاستظهار في التعريف، أو بنصب الحاكم مَنْ يُعرّفها، فيزول خوف الخيانة، و لا يحتاج إلي أن ينتزعها الحاكم، و هنا المقصود حفظ الحُرّيّة و النسب، و لا سبيل إلي الاستظهار عليه؛ لأنّه قد يدّعي رقّه في بعض البلدان و بعض الأحوال.4.

ص: 314


1- سورة هود: 113.
2- الحاوي الكبير 36:8، المهذّب - للشيرازي - 442:1، الوجيز 254:1، الوسيط 304:4، التهذيب - للبغوي - 570:4، البيان 14:8، العزيز شرح الوجيز 381:6، روضة الطالبين 485:4، المغني 413:6، الشرح الكبير 409:6.
3- التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 477:7، العزيز شرح الوجيز 342:6 و 381، روضة الطالبين 455:4.

و قيل: لا يشترط العدالة، و لا ينتزع اللقيط من يد الفاسق؛ لإمكان حفظه في يده بالإشهاد عليه، و يأمر الحاكم أميناً يشارفه عليه كلّ وقتٍ و يتعهّده في كلّ زمانٍ، و يشيع أمره فيعرف أنّه [لقيط](1) فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته؛ جمعاً بين الحقّين، كما في اللّقطة(2).

مسألة 410: مَنْ ظاهر حاله الأمانة إلّا أنّه لم يختبر حاله، لا ينتزع من يده؛

لأنّ ظاهر المسلم العدالة، و لم يوجد ما يعارض هذا الظاهر، و لأنّ حكمه حكم العَدْل في لقطة المال و الولاية في النكاح و أكثر الأحكام، لكن يوكل الإمام مَنْ يراقبه من حيث لا يدري لئلّا يتأذّي، فإذا حصلت للحاكم الثقة به صار كمعلوم العدالة.

و قبل ذلك لو أراد السفر به، مُنع و انتُزع منه؛ لأنّه لا يؤمن أن يسترقّه و أن يكون إظهاره العدالة لمثل هذا الغرض الفاسد، و هو أحد قولَي الشافعي، و الثاني له: إنّه يُقرّ في يده و يسافر به؛ لأنّه يُقرّ في يده في الحضر من غير مشرفٍ يُضمّ إليه، فكذا في السفر، كالعَدْل، و لأنّ الظاهر الستر و الصيانة(3).

فأمّا مَنْ عُرفت عدالته و ظهرت أمانته فيُقرّ اللقيط في يده في سفرٍ و حضرٍ؛ لأنّه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة، و لها وجهان.

مسألة 411: يعتبر في الملتقِط الرشد،

فلا يصحّ التقاط المبذِّر

ص: 315


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «لقطة». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 413:6-414، الشرح الكبير 409:6-410.
3- الوسيط 304:4، التهذيب - للبغوي - 570:4، العزيز شرح الوجيز 381:6، روضة الطالبين 486:4، المغني 414:6، الشرح الكبير 411:6، و فيها القول الأوّل فقط.

المحجور عليه، فلو التقط لم يُقر في يده و انتُزع منه؛ لأنّه ليس مؤتمناً عليه شرعاً و إن كان عَدْلاً.

و لا يشترط في الملتقِط الذكورة، فإنّ الحضانة أليق بالإناث.

و لا يشترط كونه غنيّاً؛ إذ ليست النفقة علي الملتقط.

و الفقير يساوي الغني في الحضانة.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر، و هو: إنّه لا يُقرّ في يد الفقير؛ لأنّه لا يتفرّغ للحضانة؛ لاشتغاله بطلب القوت(1).

مسألة 412: لو ازدحم علي لقيطٍ اثنان، فإن كان ازدحامهما عليه قبل أخذه

و قال كلّ واحدٍ منهما: أنا آخذه و أحضنه، جعله الحاكم في يد مَنْ رآه منهما أو من غيرهما؛ لأنّه لا حقّ لهما قبل الأخذ.

و إن ازدحما بعد الأخذ بأن تناولاه تناولاً واحداً دفعةً واحدة، فإن لم يكن أحدهما أهلاً للالتقاط مُنع منه، و سلّم اللقيط إلي الآخَر، كما لو كان أحدهما مسلماً حُرّاً عَدْلاً و الآخَر يكون كافراً أو فاسقاً أو عبداً لم يأذن له مولاه، أو مكاتَباً كذلك، فإنّ المسلم العَدْل الحُرّ يُقرّ في يده، و لا يشاركه الآخَر، و لا اعتبار بمشاركته إيّاه في الالتقاط؛ لأنّه لو التقطه وحده لم يُقرّ في يده، فإذا شاركه مَنْ هو من أهل الالتقاط كان أولي.

و أمّا إن كان كلّ واحدٍ منهما أهلاً للالتقاط، فإن سبق أحدهما إلي الالتقاط، مُنع الآخَر من مزاحمته.

و لا يثبت السبق بالوقوف علي رأسه من غير أخذٍ، و هو أظهر وجهي

ص: 316


1- المهذّب - للشيرازي - 443:1، الوسيط 304:4، البيان 14:8، العزيز شرح الوجيز 382:6، روضة الطالبين 486:4.

الشافعيّة، و الثاني: إنّه يثبت(1).

و إن لم يسبق أحدهما، فإن اختصّ أحدهما بوصفٍ يوجب تقدّمه قُدّم، و كان أولي من الآخَر.

و إن تساويا من كلّ وجهٍ، فإن سلّم أحدهما لصاحبه و رضي بإسقاط حقّه جاز؛ لأنّ الحقّ له، فلا يُمنع من الإيثار به، و إن تشاحّا أُقرع بينهما - و به قال الشافعي(2) - لقوله تعالي:«وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» (3).

و لأنّه أمر مشكل؛ لعدم إمكان الجمع بينهما، و عدم أولويّة أحدهما، و كلّ مشكلٍ ففيه القرعة بالنصّ عن أهل البيت عليهم السلام(4).

و لأنّه لا يمكن أن يُخرج عن أيديهما؛ لاشتماله علي إبطال حقّهما الثابت لهما بالالتقاط، أو يُترك في أيديهما إمّا جمعاً، و الاجتماع علي الحضانة مشقٌّ أو متعذّر، و لا يمكن أن يكون عندهما في حالةٍ واحدة، و إمّا بالمهايأة، و هو يشتمل علي الإضرار باللقيط؛ لما في تبدّل الأيدي من قطع الأُلفة و اختلاف الأغذية و الأخلاق، أو يختصّ به أحدهما لا بالقرعة، و لا سبيل إليه؛ لتساويهما، فلم يبق مخلص إلّا القرعة، كالزوج يسافر بإحدي زوجاته بالقرعة.6.

ص: 317


1- الوسيط 305:4، العزيز شرح الوجيز 382:6-383، روضة الطالبين 486:4.
2- الحاوي الكبير 39:8، المهذّب - للشيرازي - 443:1، الوجيز 254:1، الوسيط 305:4، حلية العلماء 555:5، البيان 16:8، العزيز شرح الوجيز 384:6، روضة الطالبين 487:4.
3- سورة آل عمران: 44.
4- الفقيه 174/52:3، التهذيب 593/240:6.

و قال بعض الشافعيّة: يرجّح أحدهما باجتهاد القاضي، فمَن رآه خيراً للّقيط أقرّه في يده(1).

و هو غلط؛ لأنّه قد يستوي الشخصان في اجتهاد القاضي و لا سبيل إلي التوقّف، فلا بدّ من مرجوعٍ إليه، و ليس سوي القرعة.

و قال بعض الشافعيّة: يخيّر الصبي في الانضمام إلي مَنْ شاء منهما(2).

و هو غلط؛ لأنّه قد لا يكون مميّزاً بحيث يفوّض إليه التخيير، و لو كان مميّزاً فإنّه لا يخيّر، كما يخيّر الصبي بين الأبوين عند بلوغه سنّ التمييز - عندهم(3) - لأنّه هناك يعوّل علي الميل الناشئ من الولادة، و هذا المعني معدوم في اللقيط.

مسألة 413: هذا إذا تساويا في الصفات،

فإن ترجّح أحد الملتقطين بوصفٍ يوجب تخصيصه به دون الآخَر و كانا معاً ممّن يثبت لهما جواز الالتقاط، أُقرّ في يده، و انتُزع من يد الآخَر.

و الصفات المرجّحة أربعة:

أ: الغني، فلو كان أحدهما غنيّاً و الآخَر فقيراً، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّهما يتساويان - و هو قول بعض علمائنا(4) - لأنّ الفقير أهل للالتقاط، كالغني.

و أظهرهما عند الشافعيّة: أولويّة الغني؛ لأنّه ربما يواسيه بمالٍ و ينفعه في كثيرٍ من الأوقات و يؤاكله أحياناً، و لأنّ الفقير قد يشتغل بطلب القوت

ص: 318


1- الحاوي الكبير 40:8، المهذّب - للشيرازي - 443:1، حلية العلماء 556:5، البيان 16:8، العزيز شرح الوجيز 384:6، روضة الطالبين 487:4.
2- العزيز شرح الوجيز 384:6، روضة الطالبين 487:4.
3- التهذيب - للبغوي - 572:4، العزيز شرح الوجيز 384:6.
4- لم نتحقّقه.

عن الحضانة(1).

فإن رجّحنا الغني علي الفقير و كانا معاً غنيّين إلّا أنّ أحدهما أكثر غنيً من الآخَر، فللشافعيّة وجهان في تقديم أكثرهما مالاً(2).

ب: أن يكون أحدهما بلديّاً و الآخَر قرويّاً، أو كان أحدهما بلديّاً أو قرويّاً و الآخَر بدويّاً، تساويا عند بعض علمائنا(3) ، و رجّح البلديّ علي القرويّ، و القرويّ علي البدويّ؛ لما فيه من حفظ نسبه و إمكان وصول قريبه إليه.

و للشافعيّة وجهان(4).

ج: مَنْ ظهرت عدالته بالاختبار يُقدّم علي المستور علي خلافٍ بين علمائنا.

و للشافعيّة وجهان:

أحسنهما: إنّه يقدّم احتياطاً للصبي.

و الثاني: يستويان؛ لأنّ المستور لا يسلّم ثبوت المزيّة للآخَر و يقول:

لا أترك حقّي بجهلكم بحالي(5).

د: الحُرّ أولي من العبد و المكاتَب و إن كان التقاطه بإذن السيّد؛ لأنّه في نفسه ناقص، و ليست يدُ المكاتَب يدَ السيّد.4.

ص: 319


1- التهذيب - للبغوي - 572:4، العزيز شرح الوجيز 383:6، روضة الطالبين 486:4.
2- العزيز شرح الوجيز 383:6، روضة الطالبين 486:4.
3- لم نتحقّقه.
4- التهذيب - للبغوي - 572:4، العزيز شرح الوجيز 387:6-388، روضة الطالبين 487:4-488.
5- الوسيط 305:4، العزيز شرح الوجيز 383:6، روضة الطالبين 486:4.
مسألة 414: لا تُقدّم المرأة علي الرجل؛

لأنّ المرأة و إن كانت بالحضانة أولي لشفقتها و ملامستها إلّا أنّ الرجل أقوي، و لا فرق بين أن يكون المنبوذ ذكراً أو أُنثي، بخلاف الأُم، فإنّها تُقدّم علي الأب في الحضانة؛ لأنّ المراعي هناك شفقة الأُمومة في الحضانة.

و كذا لا يتقدّم المسلم علي الكافر في اللقيط المحكوم بكفره.

و قال بعض الشافعيّة: يُقدّم المسلم ليُعلّمه دينه(1) ، فتحصل له سعادة الدنيا و الآخرة، ينجو من الجزية أو الصغار، و يتخلّص من النار، و هذا أولي من الترجيح باليسار الذي إنّما يتعلّق بتوسعته عليه في الإنفاق، و لا بأس به عندي.

و قال بعض الشافعيّة: يُقدّم الكافر؛ لأنّه علي دينه(2).

و هو ينافي المعقول؛ إذ الغرض اجتذاب الكافر إلي الإسلام.

مسألة 415: إذا تساويا و أُقرع بينهما فخرجت القرعة لأحدهما فترك حقّه للآخَر، لم يجز؛

لأنّه ليس للمنفرد نقل حقّه و تسليم اللقيط إلي الآخَر، و بتخصيصه بالقرعة صار منفرداً.

و لو قال قبل القرعة: تركتُ حقّي، فالأصحّ عند الشافعيّة - و هو المعتمد - انفراد الآخَر به؛ لأنّ الحقّ لهما، فإذا أسقط أحدهما حقّه استقلّ الآخَر، كالشفيعين.

و الثاني: المنع، كما لو ترك حقّه بعد خروج القرعة، بل يرفع الأمر إلي الحاكم حتي يقرّه في يد الآخَر إن رأي ذلك، و له أن يختار أميناً آخَر فيقرع بينه و بين الذي لم يترك حقّه(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ التارك لا يتركه الحاكم، و يقرع بينه و بين

ص: 320


1- الحاوي الكبير 40:8، المهذّب - للشيرازي - 443:1، حلية العلماء 556:5، البيان 17:8، العزيز شرح الوجيز 385:6، روضة الطالبين 487:4.

صاحبه، فإن خرجت القرعة عليه أُلزم القيام بحضانته، بناءً علي أنّ المنفرد إذا شرع في الالتقاط لا يجوز له الترك(1).

المطلب الثاني: في أحكام الالتقاط.
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في نقله.
اشارة

يجب علي الملتقِط حفظ اللقيط و رعايته، و لا يجب عليه نفقته، سواء كان موسراً أو معسراً، فإن عجز عن حفظه سلّمه إلي القاضي.

و لو تبرّم به مع القدرة علي حضانته و تربيته، فالأقرب: إنّه يسلّمه إلي القاضي أيضاً.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي أنّ الشروع في فروض الكفاية هل يوجب إتمامها؟ و هل يصير الشارع فيها متعيّناً لها، أم لا؟(2).

و الكلام فيه مضي في كتاب السير(2).

و قطع بعض الشافعيّة(4) بما ذهبنا إليه.

و لا شكّ في أنّ الملتقط يحرم عليه نبذه و ردّه إلي المكان الذي التقطه فيه؛ لما فيه من تعريضه للإتلاف.

إذا عرفت هذا، فإنّ الواجب علي الملتقط حفظه و تربيته، دون نفقته و حضانته.

مسألة 416: الملتقط للصبي إن كان بلديّاً و قد التقطه في بلدته،

أُقرّ

ص: 321


1- العزيز شرح الوجيز 385:6، روضة الطالبين 487:4. (2 و 4) العزيز شرح الوجيز 385:6، روضة الطالبين 488:4.
2- راجع: ج 9 - من هذا الكتاب - ص 35.

في يده، و ليس له أن ينقله إلي البادية لو أراد الانتقال إلي البادية، بل ينتزع منه؛ لما في عيش أهل البوادي من الخشونة و قصورهم عن معرفة علوم الأديان و الصناعات التي تُكتسب بها، فلو انتقل باللقيط لزم تضرّره، و لأنّ ظهور نسبه إنّما يكون في موضع التقاطه غالباً، فلو سافر به لضاع نسبه؛ لأنّ مَنْ ضيّعه يطلبه حيث ضيّعه.

و لو كان الموضع المنقول إليه من البادية قريباً من البلدة و يسهل تحصيل ما يراد منها، فإن راعينا خشونة المعيشة لم يُمنع، و إن راعينا حفظ النسب، فإن كان أهل البلد يختلطون بأهل تلك البادية لم يُمنع أيضاً، و إلّا مُنع.

و كما أنّه ليس له نقله إلي البادية، فكذا ليس له نقله إلي القري؛ لأنّ مقامه في الحضر أصلح له في دينه و دنياه و أرفق له، و لأنّ بقاءه في البلد أقرب إلي كشف نسبه و ظهور أهله و اعترافهم به.

و لو أراد النقلة به إلي بلدٍ آخَر، فإن نظرنا إلي اعتبار المعيشة فالبلاد متقاربة، و إن راعينا أمر النسب منعناه؛ لأنّ طلبه في موضع ضياعه أظهر، فيكون كشف نسبه فيه أرجي، فلا يُقرّ في يد المنتقل عنه، كما لا يُقرّ في يد المنتقل به إلي البادية.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لا فرق في ذلك بين سفر النقلة و التجارة و الزيارة.

و لو غلب علي ظنّ الملتقط قصد رمي أهله له و تضييعه، فالأقوي عندي: جواز نقله إلي أين شاء.

و لو وجده القرويّ في قريته أو في قريةٍ أُخري أو في بلدةٍ، فالحكم كما قلنا في البلديّ و البدويّ إذا التقطه في بلدٍ أو قريةٍ لم يُقرّ يده عليه9.

ص: 322


1- الوجيز 255:1، العزيز شرح الوجيز 386:6، روضة الطالبين 488:4-489.

لو أراد الخروج به إلي البادية؛ لما فيه من خشونة العيش و ضياع النسب، و لو أراد المقام بها أُقرّ في يده.

مسألة 417: لو التقطه الحضري في البادية، فإن كان في مهلكةٍ فلا بدّ من نقله؛ حراسةً له عن التلف.

و للملتقط أن يتوجّه به إلي مقصده و يذهب إليه به.

و مَنْ أوجب من العامّة تعريف اللّقطة في أقرب الأماكن يقول:

لا يذهب به إلي مقصده؛ رعايةً لأمر النسب(1).

و لو التقطه في حِلّةٍ أو قبيلةٍ، فله نقله إلي البلدة و القرية.

و للشافعيّة وجهان(2).

و لو أقام هناك، أُقرّ في يده قطعاً.

و لو التقطه البدويّ في حِلّةٍ أو قبيلةٍ في البادية، فإن كان من أهل حِلّةٍ مقيمين في موضعٍ راتب أُقرّ في يده؛ لأنّه كبلدةٍ أو قريةٍ.

و إن كانوا ممّن ينتقلون من موضعٍ إلي موضعٍ، فوجهان للشافعيّة:

أحدهما: المنع؛ لما فيه من التعب.

و الثاني: يُقرّ؛ لأنّ أطراف البادية كمحالّ البلدة(3).

مسألة 418: لو ازدحم علي لقيطٍ في البلدة أو القرية اثنان، أحدهما مقيم في ذلك الموضع، و الآخَر ظاعن عنه، فالأولي أنّه يُقرّ في يد المقيم؛

لأنّه أرفق له و أرجي لظهور نسبه، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و الثاني: إن كان الظاعن يظعن إلي البادية فالمقيم أولي، و إن كان إلي بلدٍ آخَر، فإن منعنا المنفرد من الخروج باللقيط إلي بلدٍ آخَر، فكذلك يكون المقيم أولي، و إن جوّزنا له ذلك تساويا(4).

و لو اجتمع علي لقيطٍ في القرية قرويٌّ مقيم بها و بلديٌّ، فالأولي

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 387:6، روضة الطالبين 489:4.
2- العزيز شرح الوجيز 387:6، روضة الطالبين 489:4.
3- العزيز شرح الوجيز 387:6، روضة الطالبين 489:4.
4- العزيز شرح الوجيز 387:6، روضة الطالبين 489:4.

تقديم القرويّ؛ لأنّه يُطلب في موضع ضياعه، و هو أحد قولَي الشافعيّة، و الثاني: إنّا إذا جوّزنا النقل من بلدٍ إلي بلدٍ تساويا، و إن منعناه فالقرويّ أولي(1).

و لو اجتمع حضريٌّ و بدويٌّ علي لقيطٍ في البادية، فإن وُجد في حِلّةٍ أو قبيلةٍ و البدويّ في موضعٍ راتب تساويا.

و قال بعض الشافعيّة: البدويّ أولي إن كان مقيماً فيهم؛ رعايةً لنسبه(2).

و إن كان البدويّ من المنتجعين، فإن قلنا: يُقرّ في يده لو كان منفرداً، فهُما سواء، و إلّا فالحضريّ أولي.

و إن وُجد في مهلكةٍ، للشافعيّة قولان، أحدهما: تقديم الحضري، و الثاني: تقديم البدويّ(3).

و الأقرب: تقديم مَنْ مكانه أقرب إلي موضع الالتقاط.

البحث الثاني: في النفقة علي اللقيط.
اشارة

لا يجب علي الملتقط النفقة علي اللقيط إجماعاً؛ لأصالة براءة الذمّة.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم علي أنّ نفقة اللقيط غير واجبةٍ علي الملتقط كوجوب نفقة الولد(4).

و ذلك لأنّ أسباب وجوب النفقة من القرابة و الزوجيّة و الملك منتفية عن الالتقاط، لأنّه عبارة عن تخليص نفس اللقيط من الهلاك، و تبرّع بحفظه، فلا يوجب ذلك النفقةَ، كما لو فَعَله بغير اللقيط.

ص: 324


1- العزيز شرح الوجيز 387:6، روضة الطالبين 489:4.
2- العزيز شرح الوجيز 388:6، روضة الطالبين 490:4.
3- العزيز شرح الوجيز 388:6، روضة الطالبين 490:4.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 163:2، المغني 408:6، الشرح الكبير 404:6.

و لأنّ محمّد بن علي الحلبي سأل الصادقَ عليه السلام، قال: قلت له: مَن الذي أُجبر علي نفقته ؟ قال: «الوالدان و الولد و الزوجة و الوارث الصغير» يعني الأخ و ابن الأخ و غيره، رواه الصدوق ابن بابويه(1) رحمه الله، و لم يذكر اللقيط.

و لأنّ إيجاب الإنفاق عليه يؤدّي إلي ترك التقاطه و إهماله، فيلزم الإفضاء إلي تلفه.

مسألة 419: اللقيط إن كان له مال، أُنفق عليه منه.

و ماله ينقسم إلي ما يستحقّه بعموم كونه لقيطاً و إلي ما يستحقّه بخصوصه.

فالأوّل: مثل الحاصل من الوقوف علي اللقطاء أو أُوصي لهم.

قال بعض الشافعيّة: أو وُهب لهم(2).

و اعترض عليه بأنّ الهبة لا تصحّ لغير معيّنٍ(3).

قال آخَرون: و يجوز أن تُنزّل الجهة العامّة منزلة المسجد حتي يجوز تمليكها بالهبة كما يجوز الوقف عليها، و حينئذٍ يقبله القاضي(4).

و ليس بشيءٍ.

نعم، تصحّ الوصيّة لهم.

و الثاني: ما يوجد تحت يده و اختصاصه؛ لأنّ للطفل يداً و اختصاصاً كالبالغ، و الأصل الحُريّة ما لم يعرف غيرها، و ذلك كثيابه التي عليه ملبوسة له و الملفوفة عليه و المفروشة تحته و الذي غطّي به من لحافٍ و شبهه و ما شدّ عليه و علي ثوبه، أو جعل في جيبه من حُليٍّ أو دراهم و غيرها،

ص: 325


1- الفقيه 209/59:3.
2- الغزالي في الوجيز 255:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 389:6. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 389:6.

و كذا ما يكون الطفل مجعولاً فيه، كالسرير و المهد و السفط، و ما فيه من فرش أو دراهم أو ثياب - و بهذا قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الطفل يملك و له يد صحيحة، و لهذا يرث و يورّث، و يصحّ أن يشتري له وليُّه و يبيع.

مسألة 420: الدابّة المشدودة في وسطه أو ثيابه أو التي عنانها بيده يُحكم له بملكيّتها.

و كذا الدنانير المنثورة فوقه و المصبوبة تحته و تحت فراشه.

و للشافعيّة فيما يوجد تحته قولان(2).

و لو كان في خيمةٍ أو دارٍ ليس فيهما غيره، فهُما له.

و في البستان لو وُجد فيه للشافعيّة وجهان(3).

و لو كان بالقرب منه ثياب أو أمتعة موضوعة أو دابّة، فالأقرب: [إنّها ليست](4) له، كما لو كانت بعيدةً عنه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

تجعل له؛ لأنّ مثل هذا يُثبت اليد و الاختصاص في حقّ البالغ، فإنّ الأمتعة في السوق بقرب الشخص تجعل له(5).

ص: 326


1- الحاوي الكبير 35:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، الوجيز 255:1، الوسيط 307:4، حلية العلماء 551:5، التهذيب - للبغوي - 568:4، البيان 5:8، العزيز شرح الوجيز 389:6، روضة الطالبين 490:4، المغني 409:6، الشرح الكبير 406:6، الاختيار لتعليل المختار 45:3.
2- الحاوي الكبير 35:8، حلية العلماء 551:5، العزيز شرح الوجيز 389:6، روضة الطالبين 490:4.
3- الحاوي الكبير 36:8، حلية العلماء 551:5-552، العزيز شرح الوجيز 389:6، روضة الطالبين 490:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه ليس». و المثبت يقتضيه السياق.
5- الحاوي الكبير 35:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، الوجيز 255:1، الوسيط 307:4، حلية العلماء 551:5، التهذيب - للبغوي - 568:4، البيان 5:8، العزيز شرح الوجيز 389:6-390، روضة الطالبين 490:4.

و الأصحّ من الوجهين عند الحنابلة: الثاني؛ لأنّ الظاهر أنّه ترك له، فهو(1) بمنزلة ما هو تحته، و كالحمّال إذا جلس للاستراحة و ترك حمله قريباً منه(2).

مسألة 421: لو وُجد تحت الطفل مال مدفون، لم يُحكم له به إذا كان في أرضٍ لا تختصّ به،

أمّا الذي يختصّ به - كالخيمة و الدار - فإنّه يُحكم له به؛ لأنّه لا يقصد بالدفن الضمّ إلي الطفل، و لأنّ الظاهر أنّه لو كان للطفل، لشدّه واضعه في ثيابه ليعلم به، و لم يتركه في مكانٍ لا يطّلع عليه.

و للحنابلة وجهان:

أحدهما: إنّه إن كان الحفر طريّاً فهو له، و إلّا فلا؛ لأنّ الظاهر أنّه إذا كان طريّاً فواضع اللقيط حفره، و إذا لم يكن طريّاً كان مدفوناً قبل وضعه.

و الثاني: كما قلناه - و هو قول الشافعيّة(3) - لأنّه بموضعٍ لا يستحقّه إذا لم يكن الحفر طريّاً، فلم يكن له إذا كان طريّاً كالبعيد منه(4).

و لو وُجد معه أو في ثيابه رقعة مكتوب فيها: إنّ تحته دفيناً و إنّه له، فللشافعيّة وجهان حكاهما الجويني.

أظهرهما: إنّه له بقرينة الرقعة، و قد [يتّفق](5) في العرف مثله.

ص: 327


1- الظاهر بحسب السياق: «أنّها تركت له فهي».
2- المغني 409:6، الشرح الكبير 407:6.
3- الحاوي الكبير 35:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، الوجيز 255:1، الوسيط 307:4، التهذيب - للبغوي - 568:4، البيان 5:8، العزيز شرح الوجيز 390:6، روضة الطالبين 490:4-491.
4- المغني 409:6-410، الشرح الكبير 407:6.
5- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «سبق». و الصحيح ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز.

و الثاني: الجري علي القياس من غير مبالاةٍ بالرقعة(1).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّه في الأمارة و الدلالة علي تخصيص اللقيط به أقوي من الموضوع تحته.

و لو أرشدت الرقعة إلي دفينٍ بالبُعْد منه أو دابّة مربوطة بالبُعْد، فالأقوي: عدم الالتفات إلي الاستدلال بها.

و لو كانت الدابّة مشدودةً باللقيط و عليها راكب، قال بعض الشافعيّة:

تكون بينهما(2).

و علي ما اخترناه من أنّ راكب الدابّة أولي من قابض لجامها يكون الراكب هنا أولي.

و كلّ ما لا يُحكم للّقيط به من هذه الأموال سوي الدفن يكون لقطةً، و الدفن قد يكون ركازاً و قد يكون لقطةً علي ما تقدّم.

مسألة 422: كلّ ما حُكم للّقيط به فإن كان فيه كفايته، لم تجب علي أحدٍ نفقته؛

لأنّه ذو مال مستغنٍ عن غيره، فأشبه سائر الناس.

و لو لم يُعرف له مال البتّة، وجب أن يُنفق عليه الإمام من بيت المال من سهم المصالح؛ لأنّ عمر استشار الصحابة في نفقة اللقيط، فقالوا: من بيت المال(3) ، و قال لأبي جميلة لمّا التقط الصبي: اذهب فهو حُرٌّ، لك ولاؤه، و علينا نفقته(4) ، و لأنّ بيت المال وارث له و ماله مصروف إليه،

ص: 328


1- الوجيز 255:1، الوسيط 307:4، العزيز شرح الوجيز 390:6، روضة الطالبين 491:4.
2- العزيز شرح الوجيز 390:6، روضة الطالبين 491:4.
3- الحاوي الكبير 34:8، المهذّب - للشيرازي - 442:1، العزيز شرح الوجيز 390:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 310، الهامش (1).

فتكون نفقته عليه، كقرابته و مولاه، و هو أصحّ قولَي الشافعي؛ لأنّ البالغ المعسر يُنفق عليه من بيت المال، فاللقيط العاجز أولي، و لأنّه للمصالح و هذا منها.

و الثاني: إنّه لا تكون من بيت المال؛ لأنّ بيت المال مُعدٌّ للصرف إلي ما لا وجه له سواه، و اللقيط يجوز أن يكون رقيقاً فنفقته علي سيّده، أو حُرّاً له مال أو قريب فنفقته في ماله أو علي قريبه، فعلي هذا يستقرض عليه الإمام لنفقته من بيت المال أو من آحاد الناس، فإن لم يكن في بيت المال شيء و لم يُقرضه أحد من الناس استعان الإمام بالمؤمنين في الإنفاق عليه إمّا علي سبيل الصدقة أو القرض.

ثمّ إن ظهر أنّه مملوك رجع علي سيّده بما اقترضه الإمام له، و إن ظهر أنّه حُرٌّ و له مَنْ تجب عليه نفقته رجع عليه، و إن بانَ حُرّاً لا مال له و لا قريب و لا كسب قضي الإمام من سهم الفقراء و المساكين أو الغارمين(1).

و الأوّل أثبت.

مسألة 423: قد بيّنّا أنّ نفقة اللقيط إذا لم يكن له مالٌ علي بيت المال،

فإن لم يكن في بيت المال شيء أو كان لكن هناك ما هو أهمّ، كسدّ ثغرٍ يعظم أمره، و حاجة إلي رعاية عمارةٍ عامّة، كسدّ بثقٍ يخشي الغرق منه، أو غير ذلك من المصالح العظيمة، وجب علي المسلمين القيام بكفايته، و لم يجز لهم تضييعه.

ثمّ طريقه طريق النفقة؛ لأنّه محتاج عاجز، فأشبه الفقير المزمن و المجنون و الميّت إذا لم يكن له كفن، فعلي هذا إذا قام به البعض سقط

ص: 329


1- الحاوي الكبير 38:8، المهذّب - للشيرازي - 442:1، حلية العلماء 553:5، العزيز شرح الوجيز 390:6-391، روضة الطالبين 491:4.

عن الباقين؛ لحصول الغرض به، و إن امتنعوا بأسرهم استحقّوا العقاب، و طالَبهم الإمام، فإن امتنعوا قاتلهم، فإن تعذّر استقرض الإمام علي بيت المال و أنفق عليه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ طريقه طريق القرض حتي يثبت الرجوع؛ لأنّ هذا يجب دفعه لإحيائه، فأشبه المضطرّ يدفع إليه بالعوض، كما يبذل الطعام للمضطرّ بالعوض؛ لما تقدّم من أنّه يجوز أن يكون رقيقاً أو يكون له مال أو قريب كما تقدّم، فعلي هذا إن تيسّر الاقتراض استقرض، و إلّا قسّط الإمام نفقته علي الموسرين من أهل البلد، ثمّ إن ظهر عبداً فالرجوع علي سيّده، و إن ظهر له مالٌ أو اكتسبه فالرجوع عليه، و إن لم يكن شيء قضي من سهم الفقراء أو الغارمين، و إن حصل في بيت المال مالٌ فنفقته منه(1).

و لو حصل في بيت المال مالٌ و حصل للّقيط مالٌ دفعةً، قضي من مال اللقيط، كما أنّه إذا كان له مال و في بيت المال مال تكون نفقته في ماله، و لا يؤخذ من بيت المال شيء؛ لاستغنائه عنه.

و لو احتاج الإمام إلي التقسيط علي الأغنياء، قسّط مع إمكان الاستيعاب، و لو كثروا و تعذّر التوزيع يضربها السلطان علي مَنْ يراه بحسب اجتهاده، فإن استووا في نظره تخيّر.

و المراد أغنياء تلك البلدة أو القرية.

و لو احتاج إلي الاستعانة بغيرهم، استعان، و لو رأي المصلحة في التناوب عليه في الإنفاق منهم فَعَله.4.

ص: 330


1- الحاوي الكبير 38:8-39، المهذّب - للشيرازي - 442:1، الوسيط 308:4، حلية العلماء 553:5-554، التهذيب - للبغوي - 569:4-570، البيان 12:8، العزيز شرح الوجيز 391:6، روضة الطالبين 492:4.
مسألة 424: إذا كان للّقيط مال، فالأقرب عندي: إنّ الملتقط لا يستقلّ بحفظه،

بل يحتاج إلي إذن الحاكم؛ لأنّ إثبات اليد علي المال إنّما يكون بولايةٍ إمّا عامّة أو خاصّة، و لا ولاية للملتقط، و لهذا أوجبنا الرجوع إلي الحاكم في الإنفاق عليه من ماله، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أرجحهما عندهم: إنّ الملتقط يستقلّ بحفظ ماله، و لا يحتاج إلي إذن الحاكم؛ لأنّه مستقلّ بحفظ المالك، بل هو أولي به من القاضي، فكان أولي بحفظ ماله(1).

ثمّ اختلفوا - بناءً علي هذا القول - في أنّه هل له أن يخاصم عن اللقيط مَنْ يدّعي ما يختصّ اللقيط به من الأموال ؟ و الأصحّ عندهم: إنّه لا يخاصم(2).

مسألة 425: إذا كان للّقيط مال، أُنفق عليه منه إجماعاً،

و لا يجب علي غيره الإنفاق عليه، كما أنّ الصغير الموسر تجب نفقته من ماله دون مال أبيه.

و لا يتولّي الملتقط الإنفاق عليه من ماله بالاستقلال ما لم يأذن الحاكم إذا أمكن مراجعته - و به قال الشافعي(3) - لأنّه لا ولاية له علي ماله، و إنّما له حقّ الحضانة؛ لأنّ الولاية للأب و الجدّ له و الحاكم علي مال الصغير دون بقيّة الأقارب و إن كان لأقارب الصغار ولاية الحضانة، كذلك الملتقط يلي

ص: 331


1- الوسيط 308:4، التهذيب - للبغوي - 568:4، العزيز شرح الوجيز 392:6، روضة الطالبين 493:4.
2- حلية العلماء 554:5، العزيز شرح الوجيز 393:6، روضة الطالبين 493:4.
3- الحاوي الكبير 37:8، المهذّب - للشيرازي - 442:1، الوسيط 308:4، التهذيب - للبغوي - 568:4، البيان 10:8، العزيز شرح الوجيز 393:6، روضة الطالبين 493:4.

الحضانة، و لا يلي المال.

و قال أحمد: إنّ الولاية للملتقط ينفق عليه بغير إذن الحاكم؛ لأنّه وليٌّ له، فلم يعتبر في الإنفاق عليه في حقّه إذن الحاكم، كوصيّ اليتيم، و لأنّ هذا من الأمر بالمعروف، فاستوي فيه الإمام و غيره، كإراقة الخمر(1).

و قد روي عنه في رجلٍ أودع رجلاً مالاً و غاب و طالت غيبته و له ولد و لا نفقة لهم هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب ؟ فقال: تقوم امرأته إلي الحاكم حتي يأمره بالإنفاق عليهم، فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم، فقال بعض أصحابه: هذا مثله، و مَنَع الباقون، و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: إنّ الملتقط له ولاية علي اللقيط و علي ماله، فإنّ له ولاية أخذه و حفظه.

و الثاني: إنّه إنّما ينفق علي الصبي من مال أبيه بشرط أن يكون الصبي محتاجاً إلي ذلك لعدم ماله و عدم نفقةٍ تركها أبوه برسمه، و ذلك لا يقبل [فيه] قول المستودع فاحتيج إلي إثبات ذلك عند الحاكم، و لا كذلك في مسألتنا(2).

و نمنع ثبوت الولاية علي الملتقط في غير الحضانة.

مسألة 426: إذا ثبت ما قلناه من أنّه لا يتولّي الملتقط الإنفاق عليه إلّا بإذن الحاكم، فإنّه يرفع أمره إلي الحاكم،

فإن أذن له في الإنفاق عليه جاز له، كما يجعل أميناً للصغير إذا مات أبوه بغير وصيّةٍ، فإن أنفق عليه بغير

ص: 332


1- المغني 410:6، الشرح الكبير 408:6.
2- المغني 410:6، الشرح الكبير 408:6-409، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

إذن الحاكم مع إمكانه ضمن ما أنفقه، و لم يكن له الرجوع علي اللقيط، كمَنْ في يده وديعة ليتيمٍ فأنفقها عليه.

و لبعض الشافعيّة وجه غريب: إنّه لا يصير ضامناً(1).

إذا تقرّر هذا، فإذا رفع الأمر إلي الحاكم كان للحاكم أن يأخذ المال منه و يسلّمه إلي أمينٍ لينفق منه علي اللقيط بالمعروف، أو يصرفه إلي الملتقط يوماً بيومٍ، أو يتركه بحاله في يد الملتقط إذا رأي الإمام الصلاح في ذلك.

ثمّ الأمين إن قتر عليه مُنع منه، و إن أسرف ضمن الأمين و الملتقط الزيادةَ، و يستقرّ الضمان علي الملتقط إذا كان الأمين قد سلّمه إليه؛ لحصول الهلاك في يده، و قد قلنا: إنّ للحاكم أن يأذن للملتقط في الإنفاق و يترك المال في يده إذا كان أميناً عنده.

و أمّا الشافعيّة فقدّموا علي الحكم مقدّمةً، و هي: إنّه إذا لم يكن للّقيط مال و احتيج إلي الاستقراض له، هل يجوز للقاضي أن يأذن للملتقط في الإنفاق عليه من مال نفسه ليرجع ؟ نصّ الشافعي علي الجواز، و نصّ في الضالّة أنّه لا يأذن لواجدها في الإنفاق عليها من مال نفسه ليرجع علي صاحبها، بل يأخذ المال منه و يدفعه إلي أمينٍ، ثمّ الأمين يدفع إليه كلّ يومٍ بقدر الحاجة.

فاختلف أصحابه، فقال أكثرهم: المسألة علي قولين:

أحدهما: المنع في الصورتين، و به قال المزني، و إلّا كان قابضاً للغير من نفسه و مقبضاً.4.

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 393:6، روضة الطالبين 493:4.

و أشبههما عندهم: الجواز؛ لما في الأخذ و الردّ شيئاً فشيئاً من العسر و المشقّة، و لا يبعد أن يجوز للحاجة تولّي الطرفين، و يلحق الأمين بالأب في ذلك.

و مثل هذا الخلاف آتٍ فيما إذا أنفق المالك عند هرب العامل في المساقاة، و المكتري عند هرب الجمّال(1).

و قال آخَرون بظاهر النصّين، و فرّقوا بأنّ اللقيط لا وليّ له ظاهراً، فجاز أن يجعل القاضي الملتقط وليّاً، و صاحب اللّقطة قد يكون رشيداً لا يولّي عليه(2).

إذا تقرّر هذا، فأكثر الشافعيّة طردوا الطريقين في جواز ترك المال في يد الملتقط و الإذن في الإنفاق منه.

و الأحسن عندهم ما ذهبنا نحن إليه، و هو القطع بالجواز؛ لأنّ ما ذكرنا من اتّحاد القابض و المقبض لا يتحقّق هنا، بل هو كقيّم اليتيم يأذن له القاضي في الإنفاق عليه من ماله(3).

و علي ما قلناه من جواز الإذن له في الإنفاق فإذا أذن ثمّ بلغ اللقيط و اختلفا فيما أنفق، قُدّم قول الملتقط في قدره إذا لم يتجاوز المعروف و ما يليق بحال الملتقط.

و يجيء للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّ القول قول اللقيط(4).

و لو ادّعي الملتقط الزائدَ علي قدر المعروف، فهو مُقرٌّ علي نفسه بالتفريط، فيضمن، و لا معني للتحليف إلّا أن يدّعي الملتقط الحاجة

ص: 334


1- العزيز شرح الوجيز 393:6، روضة الطالبين 494:4.
2- العزيز شرح الوجيز 393:6، روضة الطالبين 494:4.
3- العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.
4- العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.

و ينكرها اللقيط.

نعم، لو وقع النزاع في عين مالٍ فزعم الملتقط أنّه أنفقها، صُدّق مع اليمين، لتنقطع المطالبة بالعين، ثمّ يضمن، كالغاصب إذا ادّعي التلف.

مسألة 427: و لو لم يتمكّن من مراجعة الحاكم أو لم يكن هناك حاكم، فإنّه يُنفق الملتقط من مال الطفل عليه بنفسه

- و هو أحد قولَي الشافعيّة(1)- لأنّه موضع ضرورةٍ، فأُبيح له ذلك، و إلّا لزم تضرّر الصبي.

و الثاني: إنّ الملتقط يدفع المال إلي أمينٍ لينفق عليه.

و الأصحّ عندهم: الأوّل؛ إذ لا فرق بين دفعه إلي الأمين و إلي اللقيط(2).

إذا ثبت هذا، فهل يجب الإشهاد؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّ الإشهاد مع عدم الحاكم قائم مقام إذن الحاكم مع وجوده، كما في الضالّة.

و إذا أشهد علي الإنفاق، لم يضمن - و هو أحد قولَي الشافعيّة - لأنّه موضع ضرورة.

و الثاني: إنّه يضمن(3).

و لو لم يُشهد مع القدرة علي الإشهاد، ضمن، و لا معها فلا ضمان.

و للشافعيّة فيهما وجهان:

أحدهما: إنّه يضمن مع القدرة علي الإشهاد و عدمها.

و الثاني: إنّه يضمن مع القدرة، لا مع عدمها(4).

ص: 335


1- التهذيب - للبغوي - 569:4، العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.
2- التهذيب - للبغوي - 569:4، العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.
3- العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.
4- العزيز شرح الوجيز 394:6، روضة الطالبين 494:4.
المطلب الثالث: في أحكام اللقيط.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في إسلامه و كفره.
مسألة 428: إسلام الشخص قد يكون بالاستقلال من نفسه، و قد يكون بالتبعيّة لغيره.

أمّا الأوّل فإنّما يتحقّق في طرف البالغ العاقل بأن يباشر الإسلام إمّا بالعبارة إن كان ذا نطقٍ، أو بالإشارة المفهمة إن كان أخرس.

و أمّا الصبي فلا يصحّ إسلامه؛ لأنّه غير مكلّفٍ، و لا اعتبار بعبارته في العقود و غيرها، سواء كان مميّزاً أو لا.

و للشافعيّة في المميّز قولان:

أظهرهما: ما قلناه.

و الثاني: إنّه يعتبر إسلامه في الظاهر دون الباطن. فإذا بلغ و وصف الإسلام، كان مسلماً من حين وصفه قبل بلوغه(1).

و علي القول الأوّل إذا بلغ و وصف الإسلام، كان مسلماً من [حين] وصفه بعد البلوغ.

قال الشيخ رحمه الله: المراهق إذا أسلم حُكم بإسلامه، فإن ارتدّ بعد ذلك يُحكم بارتداده، و إن لم يتب قُتل، و لا يعتبر إسلامه بإسلام أبويه، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمّد، غير أنّه قال: لا يُقتل إن ارتدّ؛ لأنّ هذا الوقت ليس وقت التعذيب حتي يبلغ.

ص: 336


1- العزيز شرح الوجيز 395:6، روضة الطالبين 495:4.

و قال الشافعي: لا يُحكم بإسلامه و لا بارتداده، و يكون تبعاً لوالديه، غير أنّه يُفرّق بينه و بينهما؛ لئلّا يفتناه، و به قال زفر.

ثمّ استدلّ رحمه الله بروايات أصحابنا: إنّ الصبي إذا بلغ عشر سنين أُقيمت عليه الحدود التامّة و اقتُصّ منه، و نفذت وصيّته و عتقه، و ذلك عامٌّ في جميع الحدود، و بقوله عليه السلام: «كلّ مولودٍ يولد علي الفطرة، و أبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه حتي يعرب عنه لسانه ف إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً » و هذا عامٌّ إلّا مَنْ أخرجه الدليل.

و قال أبو حنيفة: يصحّ إسلامه، و هو مكلّف بالإسلام، و إليه ذهب بعض أصحابنا؛ لأنّه يمكنه معرفة التوحيد بالنظر و الاستدلال، فصحّ منه، كالبالغ.

و نقل الشيخ عن أصحابه(1) بإسلام عليٍّ عليه السلام و هو غير بالغٍ، و حكم بإسلامه بالإجماع.

و أجاب الشافعيّة عن الأوّل: بأنّه غير مكلّفٍ بالشرع، فلم يصح إسلامه، كالصغير، و يفارق البالغ بأنّه يُقبل تزويجه، و يصحّ طلاقه و إقراره، بخلاف الصغير، و عن الثاني: بأنّهم حكموا بإسلام عليٍّ عليه السلام؛ لأنّه كان بالغاً، لأنّ أقلّ البلوغ عند الشافعي تسع سنين، و عند أبي حنيفة إحدي عشرة سنة، و اختلف الناس في وقت إسلام عليٍّ عليه السلام، فمنهم مَنْ قال:

أسلم و له عشر سنين، و منهم مَنْ قال: تسع سنين، و منهم مَنْ قال: إحدي عشرة سنة.

قال الواقدي: و أصحّ ما قيل: إنّه ابن إحدي عشرة سنة.

و روي عن محمّد بن الحنفيّة أنّه قُتل عليٌّ عليه السلام السابع و العشرين منة.

ص: 337


1- أي أصحاب أبي حنيفة.

شهر رمضان و له ثلاث و ستّون سنة.

و لا خلاف في أنّه قُتل سنة أربعين من الهجرة، فيكون لعليٍّ عليه السلام ثلاث و عشرون سنة حين هاجر النبيّ صلي الله عليه و آله إلي المدينة، و أقام النبيّ صلي الله عليه و آله بمكة دون ثلاث عشرة سنة ثمّ هاجر إلي المدينة، فظهر بهذا أنّه كان لعليٍّ عليه السلام إحدي عشرة سنة.

قال أبو الطيّب الطبري: وجدتُ في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: إنّ قتادة روي عن الحسن أنّ عليّاً عليه السلام أسلم و له خمس عشرة سنة، قال: و أمّا البيت الذي ينسب إليه:

...................... غلاماً ما بلغت أوان حلمي

فيحتمل أن يكون قال:

«غلاماً قد بلغت أوان حلمي»

(1).

و قال ابن أبي هريرة من الشافعيّة: إذا أسلم المميّز يُتوقّف، فإن بلغ و استمرّ علي كلمة الإسلام تبيّنّا كونه مسلماً من يومئذٍ، و إن وصف الكفر تبيّنّا أنّه كان لغواً(2).

و هو الذي تقدّم، فإنّه يُعبَّر عنه بصحّة إسلامه ظاهراً لا باطناً، و معناه إنّا نخرجه من أيدي الكفّار و نلحقه بزمرة المسلمين في الظاهر، و لا ندري استمرار هذا الإلحاق و تحقّقه.

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه يصحّ إسلامه حتي يُفرّق بينه و بين زوجته الكافرة، و يورث من قريبه المسلم(3) ؛ لأنّ عليّاً عليه السلام دعاه رسول اللّه صلي الله عليه و آله4.

ص: 338


1- الخلاف 591:3-594، المسألة 21.
2- البيان 132:12، العزيز شرح الوجيز 395:6، روضة الطالبين 495:4.
3- الحاوي الكبير 46:8، البيان 131:12، العزيز شرح الوجيز 395:6، روضة الطالبين 495:4.

إلي الإسلام قبل بلوغه، فأجابه(1) ، و به قال أبو حنيفة و أحمد(2).

و اختلفت الرواية عن مالك(3).

و علي قول الشافعي بصحّة إسلامه و قول أبي حنيفة و أحمد لو ارتدّ صحّت ردّته أيضاً، لكن لا يُقتل حتي يبلغ، فإن تاب و إلّا قُتل(4).

و علي ما اخترناه نحن يجب أن يُفرّق بينه و بين أبويه و أهله الكفّار لئلّا يستدرجوه، فإن وصف الكفر بعد البلوغ هُدّد و طُولب بالإسلام، فإن أصرّ رُدّ إليهم.

إذا عرفت هذا، فالأقرب: وجوب الحيلولة بينه و بين أبويه احتياطاً لأمر الإسلام، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّها مستحبّة، فيستعطف بأبويه ليؤخذ منهما، فإن أبيا فلا حيلولة(5).

هذا ما يتعلّق بأُمور الدنيا، و أمّا ما يتعلّق بأمر الآخرة فالوجه: إنّه ناجٍ، و إن أُدخل الجنّة فعلي جهة التفضّل.

قال بعض الشافعيّة: إذا أضمر الإسلام كما أظهره، كان من الفائزين بالجنّة و إن لم يتعلّق بإسلامه أحكام الدنيا، و يعبّر عن هذا بأنّ إسلامه4.

ص: 339


1- الطبقات الكبري 21:3، العزيز شرح الوجيز 395:6.
2- الاختيار لتعليل المختار 234:4، بدائع الصنائع 134:7، المبسوط - للسرخسي - 120:10، الهداية - للمرغيناني - 169:2، الحاوي الكبير 46:8، و 171:13، العزيز شرح الوجيز 395:6، المغني 85:10، الشرح الكبير 81:10.
3- العزيز شرح الوجيز 396:6.
4- العزيز شرح الوجيز 396:6، روضة الطالبين 495:4، بدائع الصنائع 135:7، المغني 89:10، الشرح الكبير 81:10 و 85.
5- العزيز شرح الوجيز 396:6، روضة الطالبين 495:4.

صحيح باطناً لا ظاهراً(1).

و استشكله الجويني؛ لأنّ مَنْ يُحكم له بالفوز [لإسلامه كيف لا يُحكم بإسلامه!؟(2).

و قد يجاب عنه: بأنّه قد يُحكم بالفوز] في الآخرة و إن لم يُحكم بأحكام الإسلام في الدنيا، كمن لم تبلغه الدعوة(1).

و غير المميّز، و المجنون لا يصحّ إسلامهما مباشرةً إجماعاً، و لا يُحكم بإسلامهما إلّا بالتبعيّة لغيرهما.

مسألة 429: جهة التبعيّة في الإسلام عندنا أُمور ثلاثة،
اشارة

فالنظر هنا في أُمور ثلاثة:

النظر الأوّل: إسلام الأبوين أو أحدهما
و ذلك يقع علي وجهين:

أحدهما: أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلماً حال علوق الولد،

فيُحكم بإسلام الولد؛ لأنّه جزء من مسلمٍ، فإن بلغ و وصف الإسلام فلا بحث، و إن أعرب عن نفسه بالكفر و اعتقده، حُكم بارتداده عن فطرةٍ يُقتل من غير توبةٍ، و لو تاب لم تُقبل توبته.

و الثاني: أن يكون أبواه كافرين حالة العلوق ثمّ يُسلما أو أحدهما قبل الولادة أو بعدها إلي قبل البلوغ بلحظةٍ،

فيُحكم بإسلام الولد من حين إسلام أحد الأبوين، و يجري عليه أحكام المسلمين، فيقتصّ له من المسلم لو قتله، و يُحكم له بدية المسلم بقتله، و يرث قريبه المسلم، و يجزئ عتقه عن الظهار لو كان مملوكاً.

هذا إذا قلنا: إنّ إسلام الصبي غير صحيحٍ، أمّا إذا قلنا بصحّة إسلام

ص: 340


1- كما في المصدر السابق، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

المراهق، فقد تردّد أصحاب أبي حنيفة في تبعيّته لمن أسلم من أبويه؛ لأنّ الجمع بين إمكان الاستقلال و بين إثبات التبعيّة بعيد(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا فرق عندنا بين أن يُسلم الأب أو الأُمّ في أنّ الولد يتبعه في إسلامه، فأيّهما أسلم تبعه الولد، و كان مسلماً بإسلامه في الحال إذا لم يكن بالغاً - و به قال الشافعي(2) - لأنّه إذا كان أحد الأبوين مسلماً، وجب تغليب الإسلام علي طرف الكفر؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «الإسلام يعلو و لا يعلي»(3).

و قال مالك: لا يكون الصغير مسلماً بإسلام الأُمّ، بل بإسلام الأب؛ لقوله تعالي:«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» (4) و لأنّه لا يدخل في أمان الأُمّ، فلا يتبعها في الإسلام، كالأجنبيّ(5).

و لا دلالة في الآية؛ لدخول الأُمّ تحت لفظة:«اَلَّذِينَ» و لأنّ الحكم باتّباع الذرّيّة للأب إذا آمن لا ينافي اتّباعهم للأُمّ إذا آمنت، و نعارضه بأنّ الولد يتبع الأُمّ في الملك عنده، و ولادتها متحقّقة، فكان أولي بالتبعيّة، و قد سلّم أنّ الولد إذا كان حملاً في بطنها فأسلمت يتبعها الولد في إسلامها،6.

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 397:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 158:3، الحاوي الكبير 44:8، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الوجيز 256:1، حلية العلماء 663:7، البيان 7:8، العزيز شرح الوجيز 397:6، روضة الطالبين 496:4، المغني 91:10، الشرح الكبير 105:10.
3- الفقيه 778/243:4، سنن البيهقي 205:6، سنن الدارقطني 3/252:3.
4- سورة الطور: 21.
5- الذخيرة 134:9، المعونة 1292:2، المغني 91:10، الشرح الكبير 105:10، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 158:3، الحاوي الكبير 44:8، حلية العلماء 663:7، البيان 7:8، العزيز شرح الوجيز 397:6.

فيقيس المتنازع عليه و علي ما إذا كانت مسلمةً يوم العلوق.

و اعلم أنّه متي تأخّر إسلام أحدهما عن العلوق فلا فرق بين أن يتّفق في حالة اجتنان الولد أو بعد انفصاله.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز أن يجعل إسلام أحدهما في حالة الاجتنان كما لو كان مسلماً يوم العلوق جواباً علي أنّ الحمل لا يُعرف حتي يلتحق ذلك بالوجه الأوّل(1).

مسألة 430: في معني الأبوين الأجداد و الجدّات،

سواء كانوا وارثين أو لا، فلو أسلم الجدّ أو الجدّة لأبٍ كان أو لأُمٍّ تبعه الطفل، فيُحكم عليه بالإسلام من حين إسلام الجدّ إن لم يكن الأب حيّاً؛ لصدق الأب عليه، و لأنّ الأب يتبعه و يكون أصلاً له، فيكون أصالته للطفل أولي، و به قال الشافعي(2).

و لو كان الأب حيّاً، فإشكال ينشأ: من أنّ سبب التبعيّة القرابة و أنّها لا تختلف بحياة الأب و موته، كسقوط القصاص و حدّ القذف، و من انتفاء ولاية الحضانة للجدّين مع الأبوين.

و للشافعيّة قولان(3) كهذين.

و لا فرق بين أن يكون المسلم من الجدّين طرف أحد الأبوين أو مقابله، فلو أسلم جدّ الأُمّ و الأب حيٌّ أو أسلم جدّ الأب و الأُمّ حيّة، جاء الإشكال.

و كذا البحث لو كان الأبوان و الجدّان القريبان موتي و أسلم الجدّ البعيد أو الجدّة البعيدة إمّا من قِبَل الأب أو من الأُمّ أو من قِبَلهما معاً، فإنّ الولد

ص: 342


1- العزيز شرح الوجيز 398:6. (2 و 3) الوجيز 256:1، العزيز شرح الوجيز 398:6، روضة الطالبين 496:4.

يتبعه.

و الإشكال الثالث في طرف الأب و الأُمّ مع الجدّ القريب و الجدّة القريبة آتٍ في طرف الأبوين و الجدّين البعيدين.

و كذا الإشكال لو كان الأبوان معدومين و وُجد أحد الأجداد الأربعة الأدنين و أحد الأجداد الثمانية الأباعد و أسلم أحد الثمانية.

مسألة 431: لا شكّ في أنّ الولد يُحكم له بالإسلام إذا كان أبواه أو أحدهما مسلماً بالأصالة أو تجدّد إسلامه حال علوق الولد،

فإذا بلغ الولد و وصف الإسلام تأكّد ما حُكم به، و انقطع الكلام، و إن أعرب الكفر فهو مرتدّ عن فطرةٍ يُقتل في الحال.

و إن كان الأبوان كافرين و علقت الأُم به قبل إسلام أحدهما ثمّ أسلم أحدهما بعد العلوق و قبل بلوغ الصبي، فإنّه يُحكم علي الصبي بالإسلام من حين إسلام أحد أبويه، فإذا بلغ فإن أعرب عن نفسه بالإسلام فقد تأكّد ما حكمنا به أيضاً من إسلامه، و إن أعرب بالكفر فهو مرتدّ.

و هل تُقبل توبته، و يكون ارتداده كارتداد مَنْ أسلم عقيب كفره وقت بلوغه، أو يكون مرتدّاً عن فطرةٍ لا تُقبل توبته، و يكون ارتداده كارتداد مَنْ هو مسلم بالأصالة لا عقيب كفره حالة بلوغه ؟ الأقوي: الأوّل؛ لأنّه كافرٌ أصليٌّ حكمنا بكفره أوّلاً ثمّ أُزيل كفره بالتبعيّة، فإذا استقلّ انقطعت التبعيّة، فوجب أن يعتبر بنفسه.

و للشافعيّة فيما إذا بلغ هذا الصبي الذي تجدّد تكوّنه قبل إسلام أحد أبويه ثمّ أسلم أحد أبويه قبل بلوغه إذا أعرب بالكفر وجهان:

أصحّهما: إنّه مرتدّ؛ لأنّه سبق الحكم بإسلامه جزماً، فأشبه ما إذا باشر الإسلام ثمّ ارتدّ، و ما إذا حصل العلوق حالة الإسلام.

ص: 343

و الثاني: إنّه كافرٌ أصليٌّ؛ لأنّه كافر محكوم بكفره أوّلاً و أُزيل بالتبعيّة(1).

مسألة 432: إذا حكمنا بارتداد هذا الصبي إذا أسلم أحد أبويه ثمّ بلغ و أعرب الكفر بعد بلوغه، لم ينقض شيئاً

ممّا أمضيناه من أحكام الإسلام، و إن قلنا: إنّه كافرٌ أصليٌّ، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّها ممضاة بحالها؛ لجريانها في حالة التبعيّة.

و أظهرهما عندهم: إنّا نتبيّن الانتقاض، و نستدرك ما يمكن استدراكه حتي يردّ ما أخذه من تركة قريبه المسلم، و يأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرم بمنعه، و يُحكم بأنّ إعتاقه عن الكفّارة لم يقع مجزئاً.

هذا فيما يجري في الصغر، فأمّا إذا بلغ و مات له قريب مسلم قبل أن يعرب عن نفسه بشيءٍ أو أُعتق عن الكفّارة في هذه الحالة، فإن قلنا: لو أعرب عن نفسه بالكفر لكان مرتدّاً، أمضينا أحكام الإسلام، و لا نقض، و إن جعلناه كافراً أصليّاً، فإن أعرب بالكفر تبيّنّا أنّه ما أجزأ عن الكفّارة.

فإن فات الإعراب بموتٍ أو قتلٍ، فوجهان:

أحدهما: إمضاء أحكام الإسلام، كما لو مات في الصغر.

و أظهرهما: إنّا نتبيّن الانتقاض؛ لأنّ سبب التبعيّة الصغر و قد زال، و لم يظهر في الحال حكمه في نفسه، و يُردّ الأمر إلي الكفر الأصلي(2).

و للشافعيّة قولٌ: إنّه لو مات قبل الإعراب و بعد البلوغ يرثه قريبه

ص: 344


1- المهذّب - للشيرازي - 445:1، الوجيز 256:1، الوسيط 310:4، حلية العلماء 568:5، البيان 36:8، العزيز شرح الوجيز 398:6، روضة الطالبين 496:4.
2- العزيز شرح الوجيز 399:6، روضة الطالبين 497:4.

المسلم. و لو مات له قريب مسلم فإرثه عنه موقوف، بناءً منهم علي أنّ المسلم لا يرث الكافر(1).

قال الجويني: أمّا التوريث منه فيخرج علي أنّه إذا مات قبل الإعراب هل ينقض الحكم ؟ و أمّا توريثه فإن عني بالتوقّف أنّه يقال: أعرب عن نفسك بالإسلام، فهو قريب، و يستفاد به الخروج من الخلاف، و أمّا إذا مات القريب ثمّ مات هو و فات الإعراب بموته، فلا سبيل إلي الفرق بين توريثه و التوريث عنه(2).

و لو قُتل بعد البلوغ و قبل الإعراب، ففي تعلّق القصاص بقتله قولان:

أحدهما: التعلّق، كما لو قُتل قبل البلوغ.

و الثاني: المنع؛ لأنّ سكوته يحتمل الكفر و الجحود، و القصاص يدرأ بالشبهة، و يخالف ما قبل البلوغ، فإنّه حينئذٍ محكوم بإسلامه تبعاً، و قد انقطعت التبعيّة بالبلوغ.

و القولان مبنيّان علي أنّه لو أعرب بالكفر كان مرتدّاً أو كافراً أصليّاً؟ إن قلنا بالأوّل، وجب القصاص، و إن قلنا بالثاني، فلا، لكنّ الأظهر: منع القصاص و إن كان الأظهر كونه مرتدّاً، تعليلاً بالشبهة.

و أمّا الدية فالذي أطلقه الشافعيّة و حكوه عن قول الشافعي: تعلّق الدية الكاملة بقتله.

و علي القول بأنّه لو أعرب بالكفر كان كافراً أصليّاً لا يوجب الدية4.

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 399:6 و 504، روضة الطالبين 497:4، و 30:5.
2- العزيز شرح الوجيز 399:6، روضة الطالبين 497:4.

الكاملة علي رأي(1).

و روي الجويني عن القاضي الحسين من الشافعيّة: إجراء القول بمنع القصاص مع الحكم بأنّه لو أعرب بالكفر لكان مرتدّاً. و عدّه من هفواته(2).

تذنيب: الصبي المحكوم بكفره إذا بلغ مجنوناً كان حكمه حكم الصغير

حتي أنّه لو أسلم أحد أبويه تبعه، أمّا لو بلغ عاقلاً ثمّ جُنّ ففي التبعيّة إشكال.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه لا يتبعهما؛ لأنّه قد ثبت له حكم الإسلام بنفسه، فلا يكون تبعاً، كالعاقل.

و الثاني: إنّه يكون تبعاً؛ لأنّه غير مكلّفٍ، فأشبه الذي بلغ مجنوناً، و إسلامه بنفسه قد بطل بجنونه، فعاد تبعاً، كما يعود مولّياً عليه(3).

ثمّ أصحّهما عندهم: إنّهم قالوا: إنّه إذا طرأ جنونه عادت ولاية المال إلي الأب، فإذا أسلم استتبعه، و إلّا فلا(4).

النظر الثاني: في الجهة الثانية في تبعيّة الإسلام.
مسألة 433: قال بعض علمائنا: إنّ الصبي يتبع السابي في الإسلام

(5) ، فإذا سبي المسلم طفلاً منفرداً عن أبويه حُكم بإسلامه؛ لأنّه صار تحت ولايته، و ليس معه مَنْ هو أقرب إليه، فيتبعه، كما يتبع الأبوين؛ لأنّ السبي

ص: 346


1- العزيز شرح الوجيز 399:6، روضة الطالبين 497:4.
2- العزيز شرح الوجيز 400:6.
3- الوسيط 312:4، العزيز شرح الوجيز 400:6، روضة الطالبين 497:4.
4- العزيز شرح الوجيز 400:6.
5- المبسوط - للطوسي - 23:2، و 342:3.

لمّا أبطل حُرّيّته قلبه قلباً كلّيّاً فعدم عمّا كان و تجدّد له وجود تحت يد السابي و ولايته، فأشبه تولّده من الأبوين، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و الثاني: إنّه لا يُحكم بإسلامه(2).

و هو جيّد؛ لأنّ يد السابي يد ملكٍ، فأشبهت يد المشتري.

لكن المشهور عندهم: الأوّل.

مسألة 434: لو كان السابي ذمّيّاً، لم يُحكم بإسلامه

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - إذ لا سبب له من إسلام أحد أبويه أو إسلام سابيه، فيبقي علي حالة الكفر.

و الثاني: إنّه يُحكم بإسلامه؛ لأنّه إذا سباه صار من أهل دار الإسلام؛ لأنّ الذمّي من أهلها، فيجعل مسلماً تبعاً للدار(4).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ كون الذمّي من أهل دار الإسلام لا يؤثّر فيه و لا في حقّ أولاده فكيف يؤثّر في حقّ مسبيّه!؟ و تبعيّة الدار له إنّما تؤثّر في حقّ المجهول حاله و نسبه.

و لو باعه الذمّي السابي من مسلمٍ، لم يُحكم بإسلامه أيضاً؛ لأنّ ملك المسلم طرأ عليه و هو رقيق، و إنّما تحصل التبعيّة في ابتداء الملك، فإنّ عنده يتحقّق تحوّل الحال، و كذا سبي الزوجين يقطع النكاح، و تجدّد

ص: 347


1- الحاوي الكبير 45:8، و 246:14، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الوجيز 256:1، حلية العلماء 663:7، البيان 7:8، العزيز شرح الوجيز 400:6، روضة الطالبين 497:4-498.
2- الحاوي الكبير 45:8، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الوجيز 256:1، حلية العلماء 663:7، البيان 7:8، روضة الطالبين 498:4. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 401:6، روضة الطالبين 498:4.

الملك علي الرقيقين لا يقطعه عند الشافعي(1).

مسألة 435: لو سبي الطفل و معه أبواه الكافران أو أحدهما، لم يُحكم بإسلامه،

و لا يتبع السابي هنا في الإسلام - و به قال الشافعي(2) - لأنّ والديه أقرب إليه من سابيه، فكانا أولي بالاستتباع.

و قال أحمد: إنّه يتبع السابي أيضاً في إحدي الروايتين(3).

و لو كانا معه ثمّ ماتا، لم يُحكم بإسلامه أيضاً؛ لما تقدّم من أنّ التبعيّة إنّما تثبت في ابتداء السبي.

و حكم الصبي المحكوم بإسلامه تبعاً [للسابي إذا بلغ حكم الذي حُكم بإسلامه تبعاً](4) لأبويه إذا بلغ.

و اعلم أنّ الصبي المسبي و الذي أسلم أحد أبويه إذا أعربا الكفر و جعلناهما كافرين أصليّين ألحقناهما بدار الحرب، فإن كان كفرهما ممّا يجوز التقرير عليه بالجزية قرّرناهما.

و لو أعربا بنوعٍ من الكفر غير ما كانا موصوفين به، فهُما منتقلان من ملّةٍ إلي ملّةٍ.

و هل يُقبل ؟ قولان سبقا.

و لو ماتا، فالقول في تجهيزهما و الصلاة عليهما و دفنهما في مقابر

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 401:6.
2- الحاوي الكبير 45:8، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الوسيط 312:4، البيان 7:8، العزيز شرح الوجيز 401:6، روضة الطالبين 499:4، المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10-405.
3- المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10، العزيز شرح الوجيز 401:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 402:6، و روضة الطالبين 499:4.

المسلمين إذا ماتا بعد البلوغ و قبل الإعراب يتفرّع علي القولين في أنّهما إذا أعربا بالكفر كانا مرتدّين أو كافرين أصليّين ؟

النظر الثالث: في الجهة الثالثة في التبعيّة في الإسلام.
اشارة

و هي تبعيّة الدار، و هي المقصودة هنا؛ لأنّ الغرض من عقد الباب بيان أحكام اللقيط في الإسلام و غيره، و الجهتان السابقتان لا تُفرضان في حقّ اللقيط حتي يُعرف بهما إسلامه، و إنّما يُحكم بإسلامه بهذه الجهة خاصّةً.

مسألة 436: الدار قسمان: دار إسلامٍ و دار كفرٍ.

أمّا دار الإسلام فقسّمها الشافعيّة أقساماً ثلاثة(1).

أ: دار خطّها المسلمون، كالبصرة و الكوفة و بغداد، فإذا وُجد فيها لقيط حُكم بإسلامه تبعاً للدار و إن كان فيها أهل ذمّةٍ؛ لظاهر الدار، و لأنّ الإسلام يعلو و لا يعلي، و لأنّه إن كان المسلمون أكثر فالظاهر أنّه من أولادهم، و إن كان أهل الذمّة أكثر فيُحتمل أن يكون من أولاد المسلمين، فيُغلّب حكم الإسلام، حتي لو لم يكن فيها سوي مسلمٍ واحد حُكم بإسلام اللقيط، تغليباً للإسلام.

ب: دار فتحها المسلمون فملكوها و أقرّوهم فيها ببذل الجزية، أو لم يملكوها و صالحوهم علي بذل الجزية، فإنّها تكون دار الإسلام أيضاً؛ لأنّ حكم الإسلام جارٍ فيها، فإذا كان في هذه و لو مسلم واحد حُكم بإسلام اللقيط، و إن لم يكن فيها مسلم البتّة حُكم بكفره؛ لأنّا نغلّب حكم الإسلام

ص: 349


1- الحاوي الكبير 43:8، العزيز شرح الوجيز 403:6، روضة الطالبين 500:4.

مع الاحتمال.

ج: دار غلب عليها المشركون كطرسوس، فإنّها كانت للإسلام فغلب عليها المشركون، فإن كان فيها و لو مسلم واحد حكمنا بإسلام اللقيط. و أمّا إذا لم يكن فيها مسلم البتّة لم يُحكم بإسلامه، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال أبو إسحاق منهم: يُحكم بإسلامه؛ لأنّه لا يخلو أن يكون فيها مسلم و إن لم يظهر إسلامه، و لأنّ الدار دار الإسلام و ربما بقي فيها مَنْ يكتم إيمانه، و لو كان فيها مسلم واحد حُكم باسلامه(2).

و الأقوي: إنّ دار الإسلام قسمان:

أ: دار خطّها المسلمون، كبغداد و البصرة و الكوفة، فلقيط هذه محكوم بإسلامه و إن كان فيها أهل الذمّة.

ب: دار فتحها المسلمون، كمدائن و الشام، فهذه إن كان فيها مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطها، و إلّا فهو كافر.

و قال الجويني: القسم الثالث السابق مجراه مجري دار الكفر؛ لغلبة الكفّار عليها(3).

و عدُّ القسم الثاني من بلاد الإسلام يدلّ علي أنّه لا يشترط في بلاد الإسلام أن يكون فيها مسلمون، بل يكفي كونها في يد الإمام و استيلائه.

و أمّا القسم الثالث: فقال بعض الشافعيّة: إنّ الاستيلاء القديم يكفي4.

ص: 350


1- الحاوي الكبير 43:8، الوسيط 312:4-313، البيان 8:8-9، العزيز شرح الوجيز 403:6، روضة الطالبين 500:4.
2- الوسيط 313:4، البيان 9:8، العزيز شرح الوجيز 404:6، روضة الطالبين 500:4.
3- العزيز شرح الوجيز 404:6، روضة الطالبين 500:4.

لاستمرار الحكم(1).

و نزّل بعضهم ما ذكروه علي ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين عنها، فإن منعوهم فهي دار الكفر(2).

و أمّا دار الكفر فعلي ما اخترناه قسمان:

أ: بلد كان للمسلمين فغلب الكفّار عليه، كالساحل، فهذا إن كان فيه و لو مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطه، و إن لم يكن فيها مسلم فهو كافر.

و يحتمل أن يكون مسلماً؛ لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه، و قد سبق.

ب: أن لم يكن للمسلمين أصلاً، كبلاد الهند و الروم، فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر؛ لأنّ الدار لهم و أهلها منهم.

و إن كان فيها مسلمون - كالتجّار و غيرهم - ساكنون، فهو مسلم؛ لقيام الاحتمال، تغليباً للإسلام، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يُحكم بكفره، تبعاً للدار(3).

و يجري الوجهان فيما إذا كان فيها أُساري مسلمون.

و قال الجويني: الخلاف في الأُساري مرتَّب علي الخلاف في التجّار؛ لأنّهم تحت الضبط.

قال: و يشبه أن يكون الخلاف في قومٍ منتشرين إلّا أنّهم ممنوعون من الخروج من البلدة، فأمّا المحبوسون في المطامير فيتّجه أن لا يكون لهم أثر، كما لا أثر لطروق العابرين من المسلمين(4).

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم علي أنّ الطفل إذا وُجد في4.

ص: 351


1- العزيز شرح الوجيز 404:6، روضة الطالبين 500:4.
2- العزيز شرح الوجيز 404:6، روضة الطالبين 500:4-501. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 404:6، روضة الطالبين 501:4.

بلاد المسلمين ميّتاً في أيّ مكانٍ وُجد أنّ غسله و دفنه في مقابر المسلمين يجب، و قد منعوا أن يُدفن الطفل من أولاد المشركين في مقابر المسلمين.

قال: و إذا وُجد لقيط في قريةٍ ليس فيها إلّا مشرك، فهو علي ظاهر ما حكموا به أنّه كافر، و هكذا قول الشافعي و أصحاب الرأي(1).

تذنيب: كلّ موضعٍ حكمنا بكفر اللقيط فيه لو كان أهل البقعة أصحاب مللٍ مختلفة،

فالأقرب: أن يجعل من خيرهم ديناً.

آخَر: إنّما نحكم بإسلام مَنْ يوجد في بلاد الكفر إذا كان فيها مسلم ساكن،

فلا اعتبار بالطروق و الاجتياز في ذلك.

مسألة 437: كلّ صبيٍّ حكمنا بإسلامه بأحد الأسباب الثلاثة فحكمه قبل بلوغه أحكام المسلمين،

فيرث من المسلم، و لا يرثه الكافر، و يُقتل قاتله، و يصلّي عليه.

فإذا بلغ و وصف الإسلام، فقد استقرّ إسلامه، و حكمه حكم ما كان قبل بلوغه.

و إن وصف الكفر فإن كان ممّن حكمنا بإسلامه تبعاً لأحد أبويه، فإنّه مرتدّ.

و قال الشافعي: إنّه يطالَب بالإسلام، و لا يُقرّ علي الكفر. فأجراه مجري المرتدّ عن غير فطرةٍ(2).

و قال بعض أصحابه: إنّه يُقرّ علي الكفر؛ لأنّا حكمنا بإسلامه تبعاً لغيره، فإذا بلغ صار حكمه حكم نفسه، فرُوعي قوله، و زال حكم التبع

ص: 352


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 163:2 و 166، و عنه في المغني 404:6-405، و الشرح الكبير 406:6.
2- البيان 36:8.

عنه(1).

و حكي بعض الشافعيّة هذا قولاً آخَر للشافعي(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّا حكمنا بإسلامه باطناً و ظاهراً، فلم يُقرّ علي الكفر، كما لو أسلم بعد بلوغه ثمّ ارتدّ.

و إن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للسابي، قال الشافعي: إنّه كالأوّل الذي حكمنا عليه بإسلامه تبعاً لأحد أبويه(3).

و ليس بجيّدٍ؛ لضعف العلاقة هناك و قوّتها في النسب.

و إن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للدار، فالأقرب: إنّه لا يُحكم بارتداده، بل بكفره؛ لأنّ الحكم بإسلامه وقع ظاهراً، لا باطناً؛ بدليل أنّه لو ادّعي ذمّيٌّ بنوّته و أقام بيّنةً علي دعواه، سُلّم إليه، و حُكم بكفره، و نُقض الحكم بإسلامه، فإذا بلغ و وصف الكفر كان قوله أقوي من ظاهر اليد فأقررناه، و لهذا لو حكمنا بحُرّيّته بظاهر الدار ثمّ بلغ و أقرّ بالرقّ فإنّه يُحكم عليه بالرقّ، و هذا بخلاف مَنْ تبع أباه؛ لأنّ الحكم هناك كان علي علمٍ منّا بحقيقة الحال، و هنا مبنيٌّ علي ظاهر الدار، فإذا أعرب عن نفسه بالكفر ظهر كذب ما ظننّاه.

و قال الشافعي: لا يتبيّن لي أن أقتله و لا أُجبره علي الإسلام(1).

و لأصحابه فيه طريقان، أحدهما: إنّ هذا ترديد قولٍ منه، و في كونه مرتدّاً أو كافراً أصليّاً قولان، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه(2).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يُقرّ عليه - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّه4.

ص: 353


1- العزيز شرح الوجيز 405:6.
2- العزيز شرح الوجيز 405:6، روضة الطالبين 501:4.

حُكم بإسلامه قبل بلوغه، فأشبه مَنْ تبع أبويه(1).

مسألة 438: إذا بلغ المحكوم بإسلامه تبعاً للدار فأعرب بالكفر، فإن جعلناه كافراً أصليّاً، ففي التوقّف في الأحكام الموقوفة علي الإسلام إشكال،

أقربه: إنّا لا نتوقّف، بل نمضيها، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه.

و يحتمل التوقّف إلي أن يبلغ فيعرب عن نفسه.

فإن مات في صباه، لم يُحكم بشيءٍ من أحكام الإسلام.

و للشافعي قولان(1) كالاحتمالين.

و قال أبو حنيفة و أحمد: إنّه مرتدّ(3).

و بالجملة، فالحكم بإسلام الصبي تبعاً للدار إنّما يثبت ظاهراً، لا يقيناً؛ لاحتمال أن يكون أبوه كافراً.

فإن ادّعي كافر بنوّته و أقام عليه بيّنةً، لحقه و تبعه في الكفر، و ارتفع ما ظننّاه أوّلاً؛ لضعف تبعيّة الدار.

و لو تجرّدت دعواه عن البيّنة، فالأقرب: عدم الالتفات إليه، و يُحكم بإسلامه؛ لأنّا حكمنا له بالإسلام أوّلاً، فلا نغيّره بمجرّد دعوي الكافر، و جاز أن يكون ولده لكن من مسلمةٍ، فلا يتبع الدين النسب، و هذا أظهر قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّه يُحكم بكفره؛ لأنّه يلحقه بالاستلحاق، و إذا ثبت نسبه تبعه في الدين، كما لو قامت البيّنة علي النسب(2).

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 405:6، روضة الطالبين 501:4.
2- العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4.

و نمنع لحوقه و تبعيّة الدين النسب علي ما تقدّم.

و علي كلا القولين سواء قلنا بإسلامه - كما اخترناه نحن - أو قلنا بكفره - كما قال الشافعي - يحال بينه و بين مدّعيه الكافر لئلّا يرغبه عن الإسلام و يزهده فيه، و يُقرّب إليه الكفر و يزيّنه عليه.

إذا ثبت هذا، فإن بلغ و وصف الكفر، فإن قلنا بتبعيّته في الكفر، قُرّر عليه، لكن يُهدَّد و يُخوَّف أوّلاً لعلّه يُسلم.

و إن قلنا: لا يتبعه، ففي تقريره إشكال.

و للشافعيّة قولان(1).

فإن قلنا: يُقرّ علي كفره، فإن وصف كفراً يُقرّ أهله عليه، خيّرناه بين التزام الجزية و الرجوع إلي دار الحرب، و إن وصف كفراً لا يُقرّ أهله عليه، قلنا له: إمّا أن تسلم أو تخرج إلي دار الحرب أو تصف كفراً يُقرّ أهله عليه علي الخلاف، قاله بعض الشافعيّة(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ هذا إمّا ابن حربيٍّ و قد حصل في يد المسلمين بغير عهدٍ فيكون لواجده، و يصير مسلماً بإسلام سابيه، أو يكون أحد أبويه ذمّيّاً، فلا يُقرّ علي الانتقال إلي غير دين أهل الكتاب، أو يكون ابن مسلمٍ، فيكون مسلماً، فلا وجه لردّه إلي دار الحرب.

تذنيب: اللقيط المحكوم بإسلامه يُنفَق عليه من بيت المال

إذا لم يكن له مال و لم يوجد متبرّع عليه علي ما تقدّم، أمّا المحكوم بكفره فإشكال ينشأ: من أنّه كافر فلا يعان من بيت مال المسلمين، و من احتمال الإنفاق عليه؛ إذ لا وجه لتضييعه و فيه مصلحة للمسلمين، فإنّه إذا بلغ إمّا أن8.

ص: 355


1- البيان 36:8، العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4.
2- البيان 37:8.

يُسلم و يصير من المسلمين، أو يعطي الجزية إن بقي علي كفره، و كلاهما مصلحة للمسلمين.

البحث الثاني: في حكم جناية اللقيط و الجناية عليه.
مسألة 439: إذا جني هذا اللقيط، فإن كان بالغاً و كانت الجناية عمداً، وجب عليه القصاص عيناً عندنا،

و لا يجب المال إلّا صلحاً.

و عند الشافعي يتخيّر وليّ الجناية بين أن يقتصّ أو يعفو علي مالٍ(1).

فإن عفي علي مالٍ، كان الأرش في ذمّته - إمّا مع رضا الغريم عندنا، أو مطلقاً عند الشافعي(2) - مغلّظاً يتبع إذا أيسر.

و إن كانت الجناية خطأً، تعلّقت بعاقلته، و هو الإمام عندنا؛ لأنّ ميراثه له، فإنّه وارث مَنْ لا وارث له.

و عند العامّة في بيت مال المسلمين؛ لأنّه ليس له عاقلة خاصّة، و مالُه إذا مات مصروف إلي بيت المال إرثاً، فلمّا كان بيت المال وارثاً له عقل عنه(1).

و إن كانت الجناية صدرت منه قبل البلوغ، فعندنا أنّها خطأٌ محض تكون علي عاقلته مخفّفةً.

و العاقلة عندنا هو الإمام.

و للشافعي قولان في أنّ عمده عمد أو خطأ؟ فإن قلنا بأنّها عمد،

ص: 356


1- الوجيز 256:1-257، التهذيب - للبغوي - 573:4، البيان 38:8، العزيز شرح الوجيز 407:6، روضة الطالبين 502:4، المغني 406:6، الشرح الكبير 419:6.

وجبت الدية مغلّظةً في ماله، و إن لم يكن له مال فهي في ذمّته إلي أن يجد، و إن قلنا: إنّ عمد الصبي خطأ، وجبت الدية مخفّفةً في بيت المال(1).

و لو أتلف مالاً، كان الضمان عليه لا غير، سواء أتلفه عمداً أو خطأً.

و لو كان اللقيط محكوماً بكفره، لم يضرب موجَب جنايته علي بيت المال علي ما تقدّم، و تركته له.

مسألة 440: لو جُني علي اللقيط، فإن كانت خطأً و كانت علي النفس أُخذت الدية

و وُضعت في بيت المال عند العامّة(2) و عندنا للإمام، بناءً علي القولين في أنّ وارثه الإمام أو بيت المال.

و إن كانت علي الطرف، فالدية علي عاقلة الجاني إن تحمّلها العاقلة، أو علي الجاني إن قصرت عن الموضحة يستوفيه الحاكم له؛ لأنّه وليّه.

و إن كانت الجناية عمداً، فإن كانت نفساً كان للإمام أن يقتصّ إن رأي ذلك حظّاً للملاقيط، و كان له العفو علي مالٍ إذا رأي ذلك صلاحاً و رضي به الجاني عندنا، و مطلقاً عند الشافعي، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و ابن المنذر، إلّا أنّ أبا حنيفة يخيّره بين القصاص و المصالحة(3) ، كما ذهبنا

ص: 357


1- الحاوي الكبير 48:8، التهذيب - للبغوي - 573:4، البيان 38:8، العزيز شرح الوجيز 407:6، روضة الطالبين 502:4.
2- المغني 406:6، الشرح الكبير 417:6-418، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 166:2، التهذيب - للبغوي - 573:4، البيان 38:8، العزيز شرح الوجيز 408:6، روضة الطالبين 503:4.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 166:2، البيان 39:8، العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 399:3، المبسوط - للسرخسي - 218:10، المغني 406:6، الشرح الكبير 6 418.

نحن إليه.

و اختلفت الشافعيّة علي قولين:

قال بعضهم بالقطع علي ما قلناه و لم يُثبتوا فيه خلافاً.

و أثبت الأكثر منهم قولاً آخَر: إنّه لا يجب القصاص(1).

و هو خطأ؛ لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: «السلطان وليّ مَنْ لا وليّ له»(2).

ثمّ اختلف هؤلاء في شيئين:

أحدهما: في مأخذ القولين.

قال قوم: وجه الوجوب: إنّه مسلم معصوم الدم، فوجب القصاص كغير اللقيط، و وجه المنع: إنّه لو وجب القصاص لوجب لعامّة المسلمين، كما يصرف ماله إليهم، و في المسلمين أطفال و مجانين، و مهما كان في الورثة أطفال و مجانين لا يمكن استيفاء القصاص قبل البلوغ و الإفاقة، و أيضاً لا بدّ من اجتماع الورثة علي الاستيفاء، و اجتماع جميع المسلمين متعذّر(3).

و قال بعضهم: بناؤهما علي أنّ المحكوم بإسلامه تجري عليه أحكام الإسلام، أو يتوقّف فيه إلي أن يعرب بالإسلام ؟ فإن قلنا بالأوّل، أوجبنا القصاص، و إن قلنا بالثاني، فقد فات الإعراب بقتله، فلا يجري عليه حكم المسلمين.

قال: و المأخذ الأوّل فاسد؛ لأنّ الاستحقاق ينسب إلي جهة الإسلام،6.

ص: 358


1- العزيز شرح الوجيز 408:6، روضة الطالبين 503:4.
2- سنن ابن ماجة 1879/605:1، سنن أبي داوُد 2083/229:2، سنن الترمذي 1102/408:3، سنن الدارمي 137:2، مسند أحمد 2260/415:1.
3- العزيز شرح الوجيز 408:6.

لا إلي آحاد المسلمين، و لهذا لو أوصي مَنْ ليس له وارثٌ خاصّ لجماعةٍ من المسلمين لا يُجعل ذلك وصيّةً للورثة(1).

فهذان مأخذان للمسألة عند الشافعيّة.

و فرّع بعضهم عليهما ما إذا ثبت لرجلٍ حقُّ قصاصٍ و لم يستوفه حتي مات و ورثه المسلمون، فعلي المأخذ الأوّل في بقاء القصاص القولان، و علي الثاني يبقي لا محالة(2).

و هذا لا يتأتّي علي مذهبنا؛ لأنّ المستحقّ لقصاصه وديته هو الإمام خاصّةً.

و لو قُتل اللقيط بعد البلوغ و الإعراب بالإسلام، اقتصّ له مع العمد، و أُخذت الدية للإمام مع الخطأ.

و يجري هنا الخلاف للشافعيّة علي المأخذ الأوّل، دون الثاني(3).

و لو قُتل بعد البلوغ و قبل الإعراب، جري الخلاف علي المأخذين، و لكن الترتيب علي ما قبل البلوغ، إن منعنا القصاص ثَمَّ فهنا أولي، و إن أوجبناه فهنا وجهان؛ لقدرته علي إظهار ما هو عليه(4).

و الاختلاف الثاني في كيفيّة قول المنع.

فعن جماعةٍ منهم: البويطي و الربيع: إنّه غير منصوصٍ عليه في المسألة بخصوصها، لكن قال قائلون: إنّ اللقيط لا وارث له(5).

و روي البويطي: أن لا قصاص بقتل مَنْ لا وارث له، فيتناول اللقيطَ تناولَ العموم للخصوص(6).6.

ص: 359


1- العزيز شرح الوجيز 408:6.
2- العزيز شرح الوجيز 408:6-409. (3-6) العزيز شرح الوجيز 409:6.

و عن القفّال تخريجه من أحد القولين في أنّ مَنْ قذف اللقيط بعد بلوغه لا يُحدّ، و يُخرَّج من هذا مأخذٌ ثالث، و هو دَرْء القصاص بشبهة الرقّ و الكفر(1).

ثمّ الأصحّ من القولين عندهم: وجوب القصاص بالاتّفاق(2).

فإن كانت الجناية علي طرف اللقيط، فعلي المأخذ الأوّل يُقطع وجوب القصاص؛ لأنّ الاستحقاق فيه للّقيط و هو متعيّن، لا للعامّة.

و علي المأخذ الثاني إذا فرّعنا علي قول المنع هناك يُتوقّف في قصاص الطرف، فإن بلغ و أعرب بالإسلام تبيّنّا وجوبه، و إلّا تبيّنّا عدمه.

و علي المأخذ الثالث يجري القولان بلا فرق.

و إذا كان الجاني علي النفس أو الطرف كافراً رقيقاً، جري القولان علي المأخذ الأوّل، دون الثاني و الثالث.

هذا ما يتعلّق بوجوب القصاص.

مسألة 441: أمّا استيفاء القصاص إذا قلنا بالوجوب فقصاص النفس يستوفيه الإمام لنفسه عندنا

و للمسلمين عند العامّة(1) إن رأي المصلحة فيه، و إن رأي في أخذ المال عدل عنه إلي الدية مع رضا الجاني عندنا، و مطلقاً عند الشافعي(4) ، و لو لم نجوّز ذلك لالتحق هذا القصاص بالحدود المتحتّمة، و ليس له العفو مجّاناً عندهم(5)؛ لأنّه خلاف مصلحة المسلمين، و الحقّ لهم عند العامّة.

ص: 360


1- المغني 406:6، الشرح الكبير 418:6، العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4.

و أمّا قصاص الطرف فإن كان اللقيط بالغاً عاقلاً فالاستيفاء إليه، و إن لم يكن بالغاً عاقلاً بل انتفي عنه الوصفان أو أحدهما، لم يكن للإمام استيفاؤه؛ لأنّه قد يريد التشفّي، و قد يريد العفو، فلا يُفوّت عليه، قاله بعض الشافعيّة(1).

و الأقوي عندي: إنّ له الاستيفاء؛ لأنّه حقٌّ للمولّي عليه فكان للولي استيفاؤه، كحقّ المال، و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين؛ لأنّه أحد نوعي القصاص، فكان للإمام استيفاؤه عن اللقيط، كالقصاص في النفس(2).

و قال القفّال: له الاستيفاء في المجنون؛ لأنّه لا وقت معيّن ينتظر لإفاقته، و التأخير لا إلي غايةٍ قريبٌ من التفويت(3).

و هو بعيد عند الشافعيّة(4).

و أبعد منه عند الشافعيّة قول بعضهم بجواز الاقتصاص حيث يجوز له [أخذ](5) الأرش؛ لأنّه أحد البدلين، فله استيفاؤه كالثاني(6).

و المشهور عندهم: الأوّل(7).

و علي قول الشافعيّة بالمنع من استيفاء القصاص هل له أخذ أرش الجناية ؟ يُنظر إن كان المجنيّ عليه مجنوناً فقيراً فله الأخذ؛ لأنّه محتاج، و ليس لزوال علّته غاية تُنتظر.

و إن كان صبيّاً غنيّاً، لم يأخذه؛ لأنّه لا حاجة في الحال، و لأنّ زوال4.

ص: 361


1- العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4.
2- المغني 406:6، الشرح الكبير 418:6-419.
3- العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4.
4- العزيز شرح الوجيز 409:6، روضة الطالبين 503:4.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 409:6-410، روضة الطالبين 503:4-504.
7- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.

الصبوة له غاية منتظرة.

و إن كان مجنوناً غنيّاً أو صبيّاً فقيراً، فوجهان:

أحدهما: جواز الأخذ؛ لبُعْد الإفاقة في الصورة الأُولي، و قيام الحاجة في الثانية.

و الثاني: المنع؛ لعدم الحاجة في الأُولي، و قرب الانتظار في الثانية(1).

و الظاهر في الصورتين: المنع، و اعتبار الجنون و الفقر معاً لجواز الأخذ.

و حيث قلنا: لا يجوز أخذ الأرش أو لم نر المصلحة فيه فيُحبس الجاني إلي أوان البلوغ و الإفاقة.

و إذا جوّزناه فأخذه ثمّ بلغ الصبي أو أفاق المجنون و أراد أن يردّه أو يقتصّ، فالوجه: إنّه لا يُمكَّن من ذلك - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ فعل الولي حال الصغر و الجنون كفعل البالغ العاقل.

و الثاني: إنّه يُمكَّن من ذلك(3).

و الوجهان شبيهان بالخلاف فيما لو عفا الوليّ عن حقّ شفعة الصبي للمصلحة ثمّ بلغ و أراد أخذه.

و الوجهان مبنيّان علي أنّ أخذ المال عفو كلّيّ و إسقاط للقصاص، أم شبيه الحيلولة لتعذّر استيفاء القصاص الواجب ؟

و قد يرجّح التقدير الأوّل بأنّ التضمين للحيلولة إنّما ينقدح إذا جاءت الحيلولة من قِبَل الجاني، كما لو غيّب الغاصب المغصوبَ، أو أبق العبد من

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.
2- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.
3- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.

يده، و هنا لم يأت التعذّر من قِبَله، و أيضاً لو كان الأخذ للحيلولة لجاز الأخذ فيما إذا كان المجنيّ عليه صبيّاً غنيّاً.

و هذا الذي ذكرناه في أخذ الأرش للّقيط آتٍ في كلّ طفلٍ يليه أبوه أو جدّه.

و قال بعض الشافعيّة: ليس للوصي أخذه(1).

و استحسنه بعضهم علي تقدير كونه إسقاطاً، فلا يجوز الإسقاط إلّا لوالٍ أو وليٍّ(2).

أمّا إذا جوّزناه للحيلولة، جاز للوصي أيضاً.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضعٍ قلنا: ينتظر البلوغ، فإنّ الجاني يُحبس حتي يبلغ اللقيط فيستوفي لنفسه.

البحث الثالث: في نسب اللقيط.
اشارة

و النظر في أمرين:

النظر الأوّل: أن يكون المدّعي واحداً.
مسألة 442: كلّ صبيٍّ مجهول النسب - سواء كان لقيطاً أو لا - إذا ادّعي بنوّته حُرٌّ مسلم، أُلحق به؛

لأنّه أقرّ بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه، و ليس في إقراره إضرار بغيره، فيثبت إقراره.

و إنّما شرطنا الإمكان؛ لأنّه إذا أقرّ بنسب مجهول مَنْ هو أكبر منه أو مثله أو أصغر منه بما لم تَجْر العادة بتولّده عنه، عُلم كذبه، و أبطلنا إقراره.

و إنّما شرطنا أن لا يعود بالضرر علي غيره؛ لأنّه إذا أقرّ بنسب عبد

ص: 363


1- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.
2- العزيز شرح الوجيز 410:6، روضة الطالبين 504:4.

غيره لم يُقبل إقراره؛ لأنّه يضرّ به، لأنّه يقدّم في الإرث علي المولي.

و قد عرفت فيما سبق شرائط الإلحاق، فإذا حصلت هنا ألحقناه بالمدّعي، و إلّا فلا.

قال الشافعي: و يستحبّ للحاكم أن يسأله عن سبب نسبه؛ لئلّا يكون ممّن يعتقد أنّ الالتقاط و التربية يفيد النسب، فإن لم يسأله فلا بأس(1).

و قال مالك: إنّه إن استلحقه الملتقط لم يلحق به؛ لأنّ الإنسان لا ينبذ ولده ثمّ يلتقطه إلّا أن يكون ممّن لا يعيش له ولد فيُلحق به؛ لأنّه قد يفعل مثل ذلك تفاؤلاً ليعيش الولد(2).

و لا خلاف بين أهل العلم أنّ المدّعي الحُرّ المسلم يلحق نسب الولد به إذا أمكن منه، فكذا في اللقيط؛ لأنّه أقرّ له بحقٍّ، فأشبه ما لو أقرّ له بالمال، و لأنّ الإقرار محض نفعٍ للطفل؛ لاتّصال نسبه، و التزامه بتربيته و حضانته، و لأنّ إقامة البيّنة علي النسب ممّا يعسر، و لو لم نثبته بالاستلحاق لضاع كثير من الأنساب.

مسألة 443: لو ادّعي أجنبيٌّ بنوّته و وُجدت شرائط الإلحاق، أُلحق به؛

لما تقدّم، و ينتزع اللقيط من يد الملتقط، و يُسلَّم إلي الأب؛ لأنّه لو ثبت أنّه أبوه فيكون أحقَّ بولده في التربية و الكفالة من الأجنبيّ، كما لو قامت به بيّنةٌ.

و لا فرق بين أن يكون المدّعي لبنوّته مسلماً أو كافراً؛ لأنّ الكافر أقرّ بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه، و ليس في إقراره إضرار بغيره،

ص: 364


1- الحاوي الكبير 53:8، المهذّب - للشيرازي - 443:1، البيان 19:8، العزيز شرح الوجيز 412:6، روضة الطالبين 504:4.
2- الوسيط 317:4، العزيز شرح الوجيز 412:6.

فيثبت إقراره، كالمسلم؛ لاستوائهما في الجهات المثبتة للنسب، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و قال أبو ثور: لا يلحق بالكافر؛ لأنّه محكوم بإسلامه(2).

و لا نزاع فيه، فإنّا نقول بموجبه، و نلحقه به في النسب، لا في الدين، و لا حقّ له في حضانته، و لأنّ الذمّي أقوي من العبد في ثبوت الفراش، فإنّه يثبت له بالنكاح و الوطء في الملك، و سيأتي الإلحاق بالعبد.

إذا عرفت هذا، فإنّ اللقيط يلتحق بالكافر في النسب، لا في الدين عندنا و عند أحمد(3).

و للشافعي قولان:

أحدهما: قال في باب اللقيط: يلحق به فيه(4).

و الثاني: قال في الدعوي و البيّنات: لا يلحق به فيه(5).

و اختلف أصحابه في ذلك علي طريقين.

قال أبو إسحاق: ليست المسألة علي قولين، و إنّما هي علي اختلاف6.

ص: 365


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 165:2، المهذّب - للشيرازي - 443:1، الوجيز 257:1، حلية العلماء 557:5، التهذيب - للبغوي - 576:4، البيان 20:8، العزيز شرح الوجيز 412:6، روضة الطالبين 504:4-505، المغني 421:6، الشرح الكبير 428:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 165:2، المغني 421:6، الشرح الكبير 428:6.
3- المغني 421:6، الشرح الكبير 428:6.
4- مختصر المزني: 137، المهذّب - للشيرازي - 443:1، حلية العلماء 557:5، التهذيب - للبغوي - 576:4، البيان 21:8، العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4، المغني 421:6، الشرح الكبير 428:6.
5- نفس المصادر، مضافاً إلي: الأُم 249:6.

حالين، فالموضع الذي قال: «يلحق به في الدين» أراد به إذا ثبت نسبه بالبيّنة، و الموضع الذي قال: «لا يلحق به في الدين» أراد به إذا ثبت بدعواه(1).

و قال أبو علي من أصحابه: إنّه يلحقه في الدين إذا أقام البيّنة بنسبه قولاً واحداً، و إذا ثبت نسبه بدعواه فقولان، أحدهما: لا يلحق به في الدين؛ لأنّه يجوز أن يكون ولده و هو مسلم بإسلام أُمّه، و إذا احتمل ذلك لم يبطل ظاهر الإسلام بالاحتمال، و إنّما قبلنا إقراره فيما يضرّه في النسب، دون ما يضرّ غيره(2).

فعلي قولنا: «إنّه لا يلحقه في الدين» يفرّق بينه و بينه إذا بلغ، فإن وصف الكفر لم يقر عليه.

و للشافعي قولان(3).

فإن قلنا: يلحق به في الدين - كما هو مذهب الشافعي(4) - فإنّه يحال أيضاً بينه و بينه لئلّا يعوده الكفر و التردّد إلي البِيَع و الكنائس، إلّا أنّه إذا بلغ و وصف الكفر أُقرّ عليه عنده علي هذا القول وجهاً واحداً(5).4.

ص: 366


1- المهذّب - للشيرازي - 444:1، التهذيب - للبغوي - 576:4، البيان 21:8، العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 444:1، حلية العلماء 557:5-558، التهذيب - للبغوي - 576:4، البيان 21:8.
3- حلية العلماء 568:5، البيان 22:8 و 36، العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4.
4- راجع: الهامش (4) من ص 365.
5- الحاوي الكبير 56:8، المهذّب - للشيرازي - 444:1، العزيز شرح الوجيز 406:6، روضة الطالبين 502:4.
مسألة 444: لو ادّعي بنوّةَ اللقيط

مسألة 444: لو ادّعي بنوّةَ اللقيط(1) عبدٌ، صحّ دِعوته، بكسر الدال،

و هي ادّعاء النسب، و بضمّها: الطعام الذي يدعي إليه الناس، و بفتحها:

مصدر «دعا».

و إنّما حكمنا بصحّتها؛ لأنّ لمائه حرمةً، فلحقه(2) نسب ولده، كالحُرّ، فصحّت دعوته إذا ادّعي نسب لقيطٍ، فيلحقه(3) نسبه، سواء صدّقه السيّد أو كذّبه، غير أنّه لا تثبت له حضانته(4) ؛ لأنّه مشغول بخدمة سيّده.

و لا تجب عليه نفقته؛ لأنّ العبد فقير لا مال له، و لا تجب علي سيّده؛ لأنّ اللقيط محكوم بحُرّيّته بظاهر الدار، فتكون نفقته في بيت المال، و يكون حكمه حكم مَنْ لم يثبت نسبه إلّا في ثبوت النسب خاصّةً.

و به قال الشافعي إن صدّقه السيّد، و أمّا إن كذّبه، فله قولان:

أحدهما: قال في باب اللقيط: إنّه يلحق به، كما قلناه.

و الثاني: قال في الدعاوي: إنّ العبد ليس أهلاً للاستلحاق، فحصل قولان:

أحدهما: المنع؛ لما فيه من الإضرار بالسيّد بسبب انقطاع الميراث عنه لو أعتقه.

و أصحّهما: اللحوق؛ لأنّ العبد كالحُرّ في أمر النسب؛ لإمكان العلوق منه بالنكاح و بوطئ الشبهة، و لا اعتبار بما ذكر من الإضرار، فإنّ مَن استلحق ابناً و له أخ يُقبل استلحاقه و إن أضرّ بالأخ(5).

ص: 367


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- في «ث، ر»: «فيلحقه».
3- في «ث، ر»: «لحقه».
4- في «ث، ر»: «حضانة».
5- الحاوي الكبير 56:8-57، العزيز شرح الوجيز 412:6، روضة الطالبين 505:4.

و عن الشريف ناصر العمري طريقتان للشافعيّة أُخريان:

إحداهما: القطع بالقول الأوّل.

و الثانية: القطع باللحوق إذا كان مأذوناً في النكاح و مضي من الزمان ما يحتمل حصول الولد، و تخصيص القولين بما إذا لم يكن مأذوناً(1).

و يجري الخلاف فيما إذا أقرّ العبد بأخٍ أو عمٍّ(2).

و لهم طريقة أُخري قاطعة بالمنع هاهنا؛ لأنّ لظهور نسبه طريقاً آخَر، و هو إقرار الأب و الجدّ(3).

و يجري الخلاف فيما إذا استلحق حُرٌّ عبدَ غيره؛ لما فيه من قطع الإرث المتوهّم بالولاء(4).

و قال بعضهم بالقطع بثبوت النسب هنا، و قال: الحُرّ من أهل الاستلحاق علي الإطلاق(5).

و يجري الخلاف فيما إذا استلحق المعتق غيره(6).

و القول بالمنع هنا أبعد؛ لاستقلاله بالنكاح و التسرّي.

و إذا جعلنا العبد من أهل الاستلحاق، فلا يُسلّم اللقيط إليه كما تقدّم؛ لأنّه لا يتفرّغ لحضانته و تربيته.

مسألة 445: لو ادّعت المرأة مولوداً، فإن أقامت بيّنةً لحقها و لحق زوجها إن كانت ذات زوجٍ و كان العلوق منه ممكناً،

و لا ينتفي عنه إلّا باللعان.

هذا إن قيّدت البيّنة بأنّها ولدته علي فراشه، و لو لم تتعرّض للفراش

ص: 368


1- العزيز شرح الوجيز 413:6. (2-6) العزيز شرح الوجيز 413:6، روضة الطالبين 505:4.

ففي ثبوت نسبه من الزوج وجهان للشافعيّة(1).

و عندنا لا يثبت نسبه من الزوج، إلّا إذا شهدت بأنّها ولدته علي فراشه.

و لو لم تُقم المرأة بيّنةً و اقتصرت علي مجرّد الدعوي، قال بعض علمائنا: يثبت نسبه، و يلتحق بها، كالأب(2) ، و هو أحد أقوال الشافعي، و هو رواية عن أحمد؛ لأنّها أحد الأبوين، فصارت كالرجل بل أولي؛ لأنّ جهة اللحوق بالرجل النكاح و الوطء بالشبهة، و المرأة تشارك الرجل [فيهما](3) و تختصّ بجهةٍ أُخري، و هي الزنا(4).

و الأظهر عندهم: المنع - و به قال أبو حنيفة - لأنّها يمكنها إقامة البيّنة علي الولادة، فلا يُقبل قولها فيه، و لهذا لو علّق الزوج طلاقها بولادتها، فقالت: قد ولدتُ، لم يقع الطلاق حتي تُقيم البيّنة، و تفارق الرجل من حيث إنّه يمكنها إقامة البيّنة علي الولادة من طريق المشاهدة، و الرجل لا يمكنه، فمست الحاجة إلي إثبات النسب من جهته بمجرّد الدعوي، و لأنّها إذا أقرّت بالنسب فكأنّها تقرّ بحقٍّ عليها و علي غيرها؛ لأنّها فراش6.

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 413:6، روضة الطالبين 505:4.
2- الشيخ الطوسي في الخلاف 597:3، المسألة 26، و المبسوط 350:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
4- الحاوي الكبير 57:8، المهذّب - للشيرازي - 444:1، الوسيط 317:4-318، حلية العلماء 559:5، التهذيب - للبغوي - 576:4-577، البيان 22:8، العزيز شرح الوجيز 413:6 و 414، روضة الطالبين 505:4، المغني 421:6 و 422، الشرح الكبير 429:6.

الزوج، و قد بطل إقرارها في حقّ الزوج، فيبطل الجميع؛ لأنّ الإقرار الواحد إذا بطل بعضه بطل كلّه(1).

و فيه نظر؛ لأنّ مَنْ أقرّ علي نفسه و غيره بمالٍ يلزمه في حقّ نفسه و إن لم يُقبل في حقّ الغير.

و القول الثالث: إنّها إن كانت ذات زوجٍ لم يُقبل إقرارها؛ لتعذّر الإلحاق بها دون الزوج، و تعذّر قبول قولها علي الزوج(2).

و عن أحمد روايتان كالوجه الأوّل و الثالث(3).

و إذا قبلنا استلحاقها و لها زوج، ففي اللحوق به عند الشافعيّة وجهان:

أحدهما: اللحوق، كما إذا قامت البيّنة.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لاحتمال أنّها ولدته من وطئ شبهةٍ أو زوجٍ آخَر، فصار كما لو استلحق الرجل ولداً و له زوجة، فإنّه لا يلحقها(4).

و استلحاق الأمة كاستلحاق الحُرّة عند مَنْ يجوّز استلحاق العبد، فإن4.

ص: 370


1- الحاوي الكبير 57:8، المهذّب - للشيرازي - 444:1، الوسيط 318:4، حلية العلماء 559:5، التهذيب - للبغوي - 577:4، البيان 22:8، العزيز شرح الوجيز 413:6، روضة الطالبين 505:4، تحفة الفقهاء 353:3، بدائع الصنائع 200:6، الاختيار لتعليل المختار 220:2-221، النتف 900:2، الهداية - للمرغيناني - 178:3.
2- الحاوي الكبير 57:8، المهذّب - للشيرازي - 444:1، الوسيط 318:4، حلية العلماء 559:5، التهذيب - للبغوي - 577:4، البيان 23:8، العزيز شرح الوجيز 414:6، روضة الطالبين 505:4، المغني 422:6-423، الشرح الكبير 429:6-430.
3- المغني 421:6-422، الشرح الكبير 429:6-430، العزيز شرح الوجيز 414:6.
4- التهذيب - للبغوي - 577:4، العزيز شرح الوجيز 414:6، روضة الطالبين 505:4.

قبلناه فهل يُحكم برقّ الولد لمولاها؟ للشافعيّة وجهان(1).

النظر الثاني: فيما إذا تعدّد المدّعي.
مسألة 446: لو ادّعي بنوّته اثنان، فإن كان أحدهما الملتقطَ

فإن لم يكن قد حُكم بنسب اللقيط للملتقط، فقد استويا في الدعوي، فالحكم فيه كما لو كانا أجنبيّين، و سيأتي.

و إن كان قد حُكم بنسب اللقيط للملتقط بدعواه ثمّ ادّعاه أجنبيٌّ، فإن أقام البيّنة كان أولي؛ لأنّ البيّنة أقوي من الدعوي، و لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً تعارضت البيّنتان.

و الشافعي و إن حكم في الملك لذي اليد عند تعارض البيّنتين(2) ، و نحن و أبو حنيفة(3) و إن حكمنا للخارج، فهنا لا ترجيح باليد و لا تُقدّم بيّنة الملتقط باليد و لا بيّنة الأجنبيّ بخروجه؛ لأنّ اليد لا تثبت علي الإنسان، و إنّما تثبت علي الأملاك، و لهذا يحصل الملك باليد، كما في الاصطياد و الاغتنام، و النسب لا يحصل باليد، بل يُحكم بالقرعة.

و إن لم يكن هناك بيّنة لأحدهما و استلحقاه معاً، فعندنا يُحكم

ص: 371


1- العزيز شرح الوجيز 414:6، روضة الطالبين 505:4.
2- الحاوي الكبير 302:17، المهذّب - للشيرازي - 312:2، الوسيط 433:7، حلية العلماء 187:8، التهذيب - للبغوي - 320:8، البيان 145:13، العزيز شرح الوجيز 233:13، روضة الطالبين 335:8، المغني 168:12، الشرح الكبير 183:12، الهداية - للمرغيناني - 157:3، بدائع الصنائع 232:6.
3- الهداية - للمرغيناني - 157:3، بدائع الصنائع 232:6، المبسوط - للسرخسي - 32:17، الحاوي الكبير 303:17، الوسيط 433:4، حلية العلماء 188:8، التهذيب - للبغوي - 320:8، البيان 145:13، العزيز شرح الوجيز 233:13، المغني 168:12، الشرح الكبير 182:12-183.

بالقرعة؛ إذ لا مرجّح هنا، لأنّ اليد قد قلنا: إنّها لا تدلّ علي النسب، فعندنا أيضاً يقرع بينهما.

و عند الشافعي و أحمد أنّه يُعرض علي القافة - و هو قول أنس و عطاء و زيد بن عبد الملك و الأوزاعي و الليث بن سعد - لأنّ عائشة روت أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: «أ لم تري أنّ مجزّزاً نظر آنفاً إلي زيد و أُسامة و قد غطّيا رءوسهما و بدت أقدامهما فقال:

إنّ هذه الأقدام بعضها من بعضٍ»(1) فلولا جواز الاعتماد علي القافة لما سرّ به النبيّ صلي الله عليه و آله و لا اعتمد عليه، و لأنّ عمر بن الخطّاب قضي به(2).

و الطريق عندنا ضعيف لا يُعتمد عليه، مع أنّهم قد رووا عن النبيّ صلي الله عليه و آله قوله في ولد الملاعنة: «انظروها فإن جاءت به حَمْش الساقين(3) كأنّه وَحَرة(4) فلا أراه إلّا قد كذب عليها، و إن جاءت به أكحل جَعْداً جُماليّاً(5) سابغ الأليتين(6) خدلج الساقين(7) فهو للّذي رميت به» فأتت به».

ص: 372


1- صحيح البخاري 195:8، صحيح مسلم 39/1082:2، سنن أبي داوُد 2267/280:2، سنن ابن ماجة 2349/787:2، سنن الترمذي 2129/440:4 بتفاوتٍ.
2- المهذّب - للشيرازي - 444:1، حلية العلماء 559:5، التهذيب - للبغوي - 575:4، البيان 23:8، العزيز شرح الوجيز 415:6، روضة الطالبين 505:4-506، المغني 425:6، الشرح الكبير 432:6.
3- أي: دقيقهما. النهاية - لابن الأثير - 440:1 «حمش».
4- أي: الأسود الدميم القصير. العين 290:3 «وحر».
5- الجماليّ - بالتشديد -: الضخم الأعضاء التامّ الأوصال. النهاية - لابن الأثير - 298:1 «جمل».
6- أي: تامّهما و عظيمهما. النهاية - لابن الأثير - 338:2 «سبغ».
7- أي: عظيمهما. النهاية - لابن الأثير - 15:2. «خدلج».

علي النعت المكروه، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «لو لا الإيمان لكان لي و لها شأن»(1) و هو يدلّ علي أنّه لم يمنعه من العمل بالشبه إلّا الإيمان، فكان العمل بالشبه منافياً للإيمان، فكان مردوداً.

و السرور الذي وجده النبي صلي الله عليه و آله إن ثبت فلأنّه طابق قوله و حكمه عليه السلام في أنّ زيداً ولد أُسامة، لا ما يستدلّون به من العرض علي القافة.

إذا عرفت هذا، فالقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه، و لا يختصّ ذلك بقبيلةٍ معيّنةٍ، بل مَنْ عرف منه المعرفة بذلك و تكرّرت منه الإصابة فهو قائف.

و قيل: أكثر ما يكون هذا في بني مدلج رهط مجزّز المدلجي الذي رأي أُسامة و أباه زيداً قد غطّيا رءوسهما و بدت أقدامهما، فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعضٍ(2).

و كان إياس بن معاوية قائفاً(3)، و كذلك قيل في شريح(2).

[و] لا يُقبل قول القائف إلّا أن يكون ذكراً عَدْلاً مجرّباً في الإصابة حُرّاً؛ لأنّ قوله حكم، و الحكم تُعتبر فيه هذه الشروط.

قال بعض العامّة: و تُعتبر معرفة القائف بالتجربة، و هو أن يترك الصبي مع عشرة من الرجال غير مَنْ يدّعيه و يري إيّاهم، فإن ألحقه بواحدٍ منهم سقط قوله؛ لأنّا نتبيّن خطأه، و إن لم يلحقه بواحدٍ منهم أريناه إيّاه مع

عشرين فيهم مدّعيه، فإن ألحقه لحق عند العامّة(3).6.

ص: 373


1- المغني 426:6، الشرح الكبير 433:6، و في سنن أبي داوُد 276:2-2256/278 بتفاوتٍ. (2 و 3) كما في المغني 428:6، و الشرح الكبير 435:6 و 442.
2- كما في المغني 428:6، و الشرح الكبير 435:6.
3- المغني 428:6، الشرح الكبير 442:6.

و لو اعتبر بأن يري صبيّاً معروف النسب مع قومٍ فيهم أبوه أو أخوه، فإذا ألحقه بقريبه عُلمت إصابته، و إن ألحقه بغيره سقط قوله، جاز.

و هذه التجربة عند عرضه علي القائف للاحتياط في معرفة إصابته، و إن لم نجرّبه في الحال بعد أن يكون مشهور الإصابة في مرّاتٍ كثيرة جاز.

و قد روت العامّة: إنّ رجلاً شريفاً شكّ في ولدٍ له من جاريته و أبي أن يستلحقه، فمرّ به إياس بن معاوية في المكتب و هو لا يعرفه، فقال له:

ادع لي أباك، فقال المعلّم: و مَنْ أبو هذا؟ قال: فلان، قال: من أين قلت:

إنّه أبوه ؟ فقال: إنّه أشبه به من الغراب بالغراب، فقام المعلّم مسرعاً إلي أبيه فأعلمه بقول إياس، فخرج الرجل و سأل إياساً من أين علمتَ أنّ هذا ولدي ؟ فقال: سبحان اللّه و هل يخفي هذا علي أحدٍ؟ إنّه لأشبه بك من الغراب بالغراب، فسر الرجل و استلحق ولده(1).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ لأنّ تعلّم القيافة حرام، و لا يجوز إلحاق الإنسان بها، و سيأتي.

و ظاهر كلام أحمد أنّه لا بدّ من قول اثنين؛ لأنّهما شاهدان، فإن شهد اثنان من القافة أنّه لهذا، فهو لهذا؛ لأنّه قول يثبت به النسب، فأشبه الشهادة(2).

و عنه رواية أُخري: إنّه يُقبل قول الواحد؛ لأنّه حكم، و يكفي في الحكم قول الواحد، و هو قول أكثر أصحابه(3).

و حملوا الأوّل علي ما إذا تعارض أقوال القائفين، فإذا تعارض اثنان6.

ص: 374


1- المغني 428-429:6، الشرح الكبير 442-443:6.
2- المغني 429:6، الشرح الكبير 443:6.
3- المغني 429:6، الشرح الكبير 443:6.

تساووا، و إن عارض واحد اثنين حُكم بقولهما، و سقط قول الواحد؛ لأنّهما شاهدان، فقولهما أقوي من قول الواحد، و لو عارض قول الاثنين قول اثنين تساقطا، و لو عارض قول الاثنين قول الثلاثة و أكثر سقط الجميع عنده، كالبيّنات لا يعتبر فيها زيادة العدد عنده(1).

و لو ألحقته القافة بواحدٍ ثمّ جاءت قافة أُخري فألحقته بآخَر، كان لاحقاً بالأوّل عندهم؛ لأنّ القائف جري مجري الحاكم، و متي حكم الحاكم بحكمٍ لم ينتقض بمخالفة غيره له(2).

و كذا لو ألحقته بواحدٍ ثمّ عادت فألحقته بغيره لذلك.

و لو أقام الآخَر بيّنةً أنّه ولده، حُكم له به، و سقط قول القائف؛ لأنّه بدل، فسقط مع وجود الأصل، كالتيمّم مع الماء.

و لو ألحقته القافة بكافرٍ أو رقيقٍ، لم يُحكم بكفره و لا برقّه؛ لأنّ الحُرّيّة و الإسلام ثبتا له بحكم الدار، فلا يزول ذلك بمجرّد الشبه أو الظنّ، كما لم يزل ذلك بمجرّد الدعوي من المنفرد بها، و قبول قول القافة في النسب للحاجة إلي إثباته، و لأنّه غير مخالفٍ للظاهر، و لهذا اكتفي فيه بمجرّد الدعوي في المنفرد، و لا حاجة إلي إثبات رقّه و كفره، و إثباتهما يخالف الظاهر(3).

و هذا كلّه عندنا و عند أبي حنيفة باطل؛ لأنّا لا نثبت النسب بقول القافة، و لا حكم لها عندنا و لا عنده، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول: إذا تعارضت البيّنتان أُلحق بالمدّعيين جميعاً(4) ، و نحن نقول بالقرعة؛ لأنّه موضع6.

ص: 375


1- المغني 429:6، الشرح الكبير 443:6.
2- المغني 429:6، الشرح الكبير 443:6.
3- المغني 429:6-430، الشرح الكبير 443:6.
4- الاختيار لتعليل المختار 44:3، تحفة الفقهاء 353:3، بدائع الصنائع 200:6، المحيط البرهاني 428:5، الهداية - للمرغيناني - 173:2، حلية العلماء 560:5، العزيز شرح الوجيز 417:6، المغني 425:6، الشرح الكبير 432:6.

الإشكال و الاشتباه، و قد روي علماؤنا عن أهل البيت عليهم السلام: «كلّ أمرٍ مشكلٍ ففيه القرعة»(1).

و قول أبي حنيفة باطل؛ لأنّه لا يمكن تولّده منهما، و اتّفقنا نحن و إيّاه علي عدم اعتبار القافة؛ لأنّ الحكم بها حكمٌ بمجرّد الشبه و الظنّ و التخمين، و قد نهي اللّه تعالي عن اتّباع الظنّ(2) ، و الشبه يوجد بين الأجانب كما يوجد بين الأقارب، فلا يبقي دليلاً علي النسب، بل قد يثبت الشبه بين الأجانب و ينتفي عن الأقارب، و لهذا روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله: إنّ رجلاً أتاه فقال: يا رسول اللّه إنّ امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال عليه السلام:

«هل لك من إبل ؟» قال: نعم، قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق ؟» قال: نعم، قال: «أنّي أتاها ذلك ؟» قال: لعلّ عرقاً ينزع، قال: «و هذا لعلّ عرقاً ينزع»(3).

و أيضاً لو كان الشبه كافياً، لاكتفي به في ولد الملاعنة و فيما إذا أقرّ أحد الورثة بأخٍ و أنكره الباقون.

مسألة 447: لو ادّعاه اثنان و لا بيّنة أو وُجدت بيّنتان متعارضتان، فالحكم القرعة عندنا،

و عند الشافعي و أحمد يُعرض علي القائف علي ما تقدّم(4).

فإن ألحقته القافة بهما، سقط اعتبار القائف عند الشافعي، و لم يعتبر

ص: 376


1- الفقيه 174/52:3، التهذيب 593/240:6، الاستبصار 83:3، ذيل ح 279.
2- سورة الإسراء: 36.
3- المغني 425:6، الشرح الكبير 432:6، و نحوه في صحيح البخاري 215:8، و سنن ابن ماجة 645:1-2002/646 و 2003، و سنن أبي داوُد 2260/279:2، و سنن النسائي 178:6.
4- في ص 372.

بقولها و لم يُحكم به، و يُترك اللقيط حتي يبلغ، فإذا بلغ أُمر بالانتساب إلي أحدهما، و لا ينتسب بمجرّد التشهّي، بل يعوّل فيه علي ميل الطبع الذي يجده الولد إلي الوالد، و القريب إلي القريب بحكم الجبلّة(1).

و عنه وجهٌ آخَر: إنّه لا يشترط البلوغ، بل يرجع إلي اختياره إذا بلغ سنّ التميز، كما يخيّر حينئذٍ بين الأبوين في الحضانة(2).

لكن المشهور عندهم: الأوّل.

و فرّقوا بأنّ اختياره في الحضانة لا يلزم، بل له الرجوع عن الاختيار الأوّل، و هنا إذا انتسب إلي أحدهما لزمه، و لم يقبل رجوعه، و الصبي ليس يتحقّق في طرفه قول ملزم(3).

و قال أحمد: إذا ألحقته القافة بهما لحق بهما، و كان ابنهما يرثهما ميراث ابن و زيادة، و يرثانه ميراث أبٍ واحد(4) ، و نقله عن عليٍّ عليه السلام(5) ، و هو افتراء عليه، و نقله أيضاً عن عمرَ، و هو قول أبي ثور(6).

و قال أصحاب الرأي: يلحق بهما بمجرّد الدعوي(7).

و الكلّ باطل؛ لعدم إمكان تولّد الطفل من اثنين، و الحوالة علي الأمر المستحيل باطلة؛ لأنّه لا يتصوّر كونه متولّداً من رجلين، فإذا ألحقته القافة6.

ص: 377


1- المهذّب - للشيرازي - 444:1، التهذيب - للبغوي - 575:4، البيان 25:8، العزيز شرح الوجيز 415:6، روضة الطالبين 506:4، المغني 430:6، الشرح الكبير 435:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 444:1، البيان 25:8، العزيز شرح الوجيز 415:6 و 418، روضة الطالبين 506:4.
3- العزيز شرح الوجيز 415:6، روضة الطالبين 506:4.
4- المغني 430:6، الشرح الكبير 435:6، البيان 25:8. (5-7) المغني 430:6، الشرح الكبير 435:6.

بهما تبيّنّا كذبهما، فيسقط قولهما، كما لو ألحقته [بأُمّين لو اتّفقتا](1) علي ذلك لم يثبت.

و لو ادّعاه [كلّ](2) واحدٍ منهما و أقام بيّنةً، سقطتا، و لو جاز أن يلحق بهما لثبت لهما باتّفاقهما، و أُلحق بهما عند تعارض بيّنتهما، بل جاز أن يلحق بهما بمجرّد دعواهما؛ لعدم التنافي بين الدعويين حينئذٍ، و لما قدّم في الحكم البيّنة علي الدعوي و لا علي القافة، و لا قُدّمت القافة علي الدعوي.

و احتجّ أحمد: بما روي عن عمر في امرأةٍ وطئها رجلان في طهرٍ، فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعاً، فجعله بينهما.

و بما رواه الشعبي عن عليٍّ عليه السلام أنّه كان يقول: «هو ابنهما و هُما أبواه يرثهما و يرثانه».

و عن سعيد بن المسيّب في رجلين اشتركا في وطئ امرأةٍ فولدت غلاماً يشبههما، فرفع ذلك إلي عمر بن الخطّاب، فدعا القافة فنظروا فقالوا: نراه يشبههما، فألحقه بهما، و جعله يرثهما و يرثانه(3).

و قول عمر لا حجّة فيه، و النقل عن عليٍّ عليه السلام لم يثبت؛ لأنّ أهل البيت أعرف بمذهبه و مقالته عليه السلام من غيرهم، مع أنّهم اتّفقوا علي إبطال هذا القول، و العقل أيضاً دلّ عليه.

مسألة 448: لو ادّعاه أكثر من اثنين أو من ثلاث، حُكم بالقرعة

مع

ص: 378


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «باثنين لو اتّفقا». و المثبت هو الصحيح.
2- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «رجل». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 431:6، الشرح الكبير 435:6.

عدم البيّنة و مع تعارضهما عندنا.

و القائلون بالقافة اختلفوا، فعن أحمد روايتان:

إحداهما: إنّه يلحق بالثلاثة فما زاد؛ لوجود المقتضي للإلحاق عندهم.

و الثانية: إنّه لا يلحق بأكثر من اثنين، و هو قول أبي يوسف؛ اقتصاراً علي ما ورد به [الأثر](1) عن عمر(2).

و قال بعض أصحابه: لا يلحق بأكثر من ثلاثة، و هو قول محمّد بن الحسن، و روي ذلك عن أبي يوسف أيضاً(3).

و الكلّ باطل عندنا.

ثمّ لو جوّزنا الأكثر، فأيّ دليلٍ دلّ علي الحصر في الثلاثة ؟ و هل هو إلّا تحكّمٌ محض ؟ فإنّ القائل به لم يقتصر علي المنصوص عن عمر و لا قال بتعدية الحكم إلي كلّ ما وُجد فيه المعني، و ليس في الثلاثة معنيً [خاصٌّ](4) يقتضي إلحاق النسب بهم، فلا يجوز الاقتصار عليه بالتحكّم.

مسألة 449: إذا تداعياه اثنان أو ما زاد، وجب عليهما النفقة في مدّة الانتظار

إمّا إلي أن يثبت بالبيّنة أو بالقرعة التحاقه بأحدهما، أو بالقافة عند القائلين بها، أو بإقراره عند بلوغه، كما هو قول الشافعي في الجديد، أو

ص: 379


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأمر». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
2- المغني 432:6، الشرح الكبير 438:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 399:3، بدائع الصنائع 200:6.
3- المغني 432:6، الشرح الكبير 438:6، بدائع الصنائع 200:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة: «خاصّاً». و الصحيح ما أثبتناه.

بلوغه حدّ التمييز عند الشافعي في القديم(1) ، فإذا بلغ و انتسب إلي أحدهما رجع الآخَر عليه بما أنفق، قاله الشافعي(2).

و يحتمل عدم الرجوع؛ لأنّه مُقرٌّ باستحقاق الإنفاق عليه.

و لو انتفت البيّنة عنهما، فقد قلنا بالقرعة، و عند الشافعي و أحمد الرجوع إلي القافة، فإن لم توجد قافة أو أشكل الأمر عليها أو تعارضت أقوالها أو وُجد مَنْ لا يوثق بقوله، لم يرجّح أحدهما بذكر علامةٍ في جسده؛ لأنّ ذلك لا يرجّح به في سائر الدعاوي سوي الالتقاط في المال، و يضيع نسبه(3).

و لهم قولٌ آخَر: إنّه يُترك حتي يبلغ و ينتسب إلي مَنْ شاء(4).

و قال أصحاب الرأي: يلحق بالمدّعيين بمجرّد الدعوي؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما لو انفرد سُمعت دعواه، فإذا اجتمعا و أمكن العمل بهما وجب، كما لو أقرّا له بمالٍ(5).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ دعواهما تعارضت، و لا حجّة لواحدٍ منهما، فلم يثبت، كما لو ادّعيا رقّه.

و قول الشافعي: «إنّه يُحكم به لمن يميل قلبه إليه»(6) ليس بشيءٍ؛7.

ص: 380


1- المغني 433:6، الشرح الكبير 440:6.
2- التهذيب - للبغوي - 575:4، العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 506:4.
3- العزيز شرح الوجيز 415:6 و 418، روضة الطالبين 505:4-506 و 508، المغني 432:6-433، الشرح الكبير 439:6.
4- المغني 433:6، الشرح الكبير 439:6، و راجع: الهامش (1) من ص 377.
5- المغني 433:6، الشرح الكبير 440:6، و راجع: الهامش (4) من ص 375.
6- راجع: الهامش (1) من ص 377.

لأنّ الميل القلبي لا ينحصر في القرابة، فإنّ المحسن يميل الطبع إليه، فإنّ القلوب جُبلت علي حُبّ مَنْ أحسن إليها و بُغض مَنْ أساء إليها، و قد يميل إليه لإساءة الآخَر إليه، و قد يميل إلي أحسنهما خلقاً و أعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً، فلا يبقي للميل أثر في الدلالة علي النسب.

و قول عمر: والِ أيّهما شئت(1) ، ليس بحجّةٍ؛ لأنّه إنّما أمره بالموالاة، لا بالانتساب.

و علي قول الشافعي: «إنّه يلحق بمن ينتسب إليه» لو انتسب إلي أحدهما ثمّ عاد و انتسب إلي الآخَر، أو نفي نسبه من الأوّل و لم ينتسب إلي أحدٍ، لم يُقبل منه؛ لأنّه قد ثبت نسبه، فلا يُقبل رجوعه(2).

و التصديق عندنا معتبر في حقّ البالغ العاقل، فيجيء هذا الحكم عليه.

مسألة 450: و لو لم ينتسب اللقيط إلي أحد المدّعيين، بقي الأمر موقوفاً علي القرعة عندنا

و إلي أن يظهر نسبه بالقافة عند الشافعيّة(3) أو بالبيّنة.

و لو انتسب إلي غير المدّعيين و ادّعاه ذلك الغير، ثبت نسبه منه، و به قال الشافعيّة(4).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه إن كان الرجوع إلي انتسابه بسبب إلحاق القائف بهما جميعاً لم يُقبل انتسابه إلي غيرهما(5).

و لو انتسب إلي أحدهما لفقد القائف ثمّ وجد القائف، قال الشافعي:

ص: 381


1- الموطّأ 740:2-22/741، سنن البيهقي 263:10، شرح معاني الآثار 162:4، المغني 433:6، الشرح الكبير 440:6.
2- الحاوي الكبير 54:8، البيان 25:8.
3- راجع: الهامش (2) من ص 372. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 506:4.

يُعرض عليه، فإن ألحقه بالثاني، قدّمنا قوله علي الانتساب؛ لأنّه حجّة أو حكم(1).

و قال بعضهم: يُقدّم الانتساب علي قول القائف، و علي هذا فمهما ألحقه القائف بأحدهما فللآخَر أن ينازعه و يقول: ننتظر حتي يبلغ فينتسب(2).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ إذ لا عبرة بقول القائف في مذهبنا لو خلا عن المعارض فكيف إذا عارضه التصديق.

و علي قول الشافعي لو ألحقه القائف بأحدهما ثمّ أقام الآخَر بيّنةً، قُدّمت البيّنة علي قول القائف؛ لأنّ البيّنة حجّة يعتمد عليها في كلّ خصومةٍ، و قول القائف مستنده حدس و تخمين(1).

و قال بعض الشافعيّة: لا ننقض ما حكمنا به و لا نعمل بالبيّنة(2).

مسألة 451: لو ادّعت المرأة بنوّته، ففي إلحاقها بالرجل في ثبوت النسب بمجرّد الدعوي من غير تصديقٍ و لا بيّنةٍ إذا لم يكن معارض قولان

لعلمائنا سبقا(3).

فإن قلنا بمساواتها للرجل لو ادّعت امرأتان بنوّته و أقامتا بيّنتين أو لم تكن هناك بيّنة، فالقرعة عندنا، كالرجلين.

و للشافعيّة في عرضه علي القافة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ معرفة الأُمومة يقيناً بمشاهدة الولادة ممكنة.

ص: 382


1- العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 506:4-507.
2- العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 507:4.
3- في ص 369.

و أصحّهما: إنّه يُعرض؛ لأنّ قول القائف حجّة أو حكم، فكان كالبيّنة، و علي هذا تبتني تجربة القائف و امتحانه(1).

و إذا ألحقه القائف بإحداهما و هي ذات زوجٍ، لحق زوجها أيضاً عند الشافعيّة، كما لو قامت البيّنة(2).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يلحقه(3).

و هو المعتمد؛ لأنّ قول القائف لا يصلح للإلحاق بالمنكر، فإنّ القائف لا يلحق المنبوذ بمن لا يدّعيه.

و لا فرق بين أن تكون إحدي الامرأتين مسلمةً و الأُخري كافرةً أو كانتا كافرتين.

و روي عن أحمد في يهوديّةٍ و مسلمةٍ ولدتا فادّعت اليهوديّة ولد المسلمة، فتوقّف، فقيل: يري القافة، فقال: ما أحسنه، و لأنّ الشبه يوجد بينها و بين ابنها كما يوجد بين الرجل و ابنه بل أكثر؛ لاختصاصها بحمله و تغذيته، و الكافرة و المسلمة و الحُرّة و الأمة في التشابه سواء(4).

و قد عرفت بطلان القول بالقافة عندنا.

و لو ألحقته القافة بأُمّين، لم يلحق بهما إجماعاً عندنا و عند القائلين بالقافة(5) ؛ لأنّه يُعلم خطؤه يقيناً.6.

ص: 383


1- الحاوي الكبير 58:8، المهذّب - للشيرازي - 445:1، حلية العلماء 564:5، التهذيب - للبغوي - 577:4، البيان 28:8، العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 507:4.
2- التهذيب - للبغوي - 577:4، البيان 28:8، العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 507:4.
3- العزيز شرح الوجيز 416:6، روضة الطالبين 507:4.
4- المغني 434:6-435، الشرح الكبير 436:6-437.
5- المغني 435:6، الشرح الكبير 437:6.

و قال أصحاب الرأي: يلحق بهما بمجرّد الدعوي؛ لأنّ الأُم أحد الأبوين، فجاز أن يلحق بأُمّين كالآباء(1).

و هذا غلط؛ لأنّا نعلم يقيناً استحالة كونه منهما، فلم يجز إلحاقه بهما، كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما.

و فرّق الشافعيّة بين الأُمّين و الأبوين؛ لأنّه يجوز اجتماع نطفتي رجلين في رحم امرأةٍ و يمكن أن يخلق منهما ولد، كما يخلق من نطفة الرجل و امرأةٍ، و لذلك قال القائف لعمر: قد اشتركا فيه(2) ، و لا يلزم من إلحاقه بمَنْ يتصوّر كونه منه إلحاقه بمَنْ يستحيل تكوّنه منه، كما لم يلزم من إلحاقه بمَنْ يولد مثله لمثله إلحاقه بأصغر منه(3).

مسألة 452: و لو ادّعي نسبه رجل و امرأة، أُلحق بهما؛

لأنّه لا تنافي بينهما؛ لإمكان أن يكون بينهما نكاح أو وطؤ شبهة، فيلحق بهما جميعاً، فيكون ابنهما بمجرّد دعواهما، كما لو انفرد كلّ واحدٍ منهما بالدعوي.

و لو قال الرجل: هذا ابني من زوجتي و ادّعت زوجته ذلك و ادّعت امرأة أُخري أنّه ابنها، فهو ابن الرجل.

و هل ترجّح زوجته علي الأُخري ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّ زوجها أبوه فالظاهر أنّها أُمّه، و لأنّها ادّعت و حصل لدعواها قرينة تصديق الرجل إيّاها، بخلاف الأُخري، فإنّه حصل لدعواها معارضة تكذيب الأب لها.

و يحتمل تساويهما؛ لأنّ كلّ واحدةٍ منهما لو انفردت لالتحق بها، فإذا اجتمعتا تساوتا.

ص: 384


1- المغني 435:6، الشرح الكبير 437:6.
2- سنن البيهقي 263:10 و 264.
3- الحاوي الكبير 59:8، و راجع: المغني 435:6، و الشرح الكبير 437:6.

و لو ادّعت المرأة الأُخري أنّه ابنها من زوجها و ادّعي الرجل غير الزوج أنّه ابنه من زوجته غير المدّعية أوّلاً و صدّق الزوجُ المرأةَ المدّعية و الزوجةُ الرجل المدّعي، تعارضت الدعاوي و تساوي المتنازعان.

مسألة 453: إذا ادّعي بنوّته اثنان و أحدهما عبد، تساويا في الدعوي،

و يكون الحكم القرعة كالحُرّين - و به قال أحمد و الشافعي علي تقدير قبول استلحاق العبد، إلّا أنّهما يعرضانه علي القافة(1) - لأنّ كلّ واحدٍ منهما لو انفرد صحّت دعواه، فإذا تنازعوا تساووا في الدعوي، كالأحرار المسلمين.

و إن قلنا: لا يقبل استلحاق العبد - كما ذهب إليه الشافعي في القول الآخَر(2) - فإنّ الحُرّ يكون أولي من العبد.

و قال أبو حنيفة: الحُرّ أولي من العبد؛ لأنّ علي اللقيط ضرراً في إلحاقه بالعبد، فكان إلحاقه بالحُرّ أولي، كما لو تنازعا في الحضانة(3).

و نمنع الضرر؛ لأنّا لم نحكم برقّه، و النسب لا يشبه الحضانة؛ لأنّا نقدّم في الحضانة الموسر و الحضريّ، و لا نقدّمهما في دعوي النسب.

مسألة 454: و لو كان أحد المدّعيين مسلماً و الآخَر كافراً، تساويا أيضاً، و حُكم بالقرعة عندنا،

و بالعرض علي القافة عند الشافعي و أحمد(4) ؛

ص: 385


1- المغني 423:6، الشرح الكبير 431:6، الحاوي الكبير 55:8، الوجيز 257:1، حلية العلماء 558:5، التهذيب - للبغوي - 576:4، البيان 27:8، العزيز شرح الوجيز 414:6، روضة الطالبين 505:4.
2- التهذيب - للبغوي - 576:4، العزيز شرح الوجيز 414:6، روضة الطالبين 505:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 44:3، بدائع الصنائع 199:6، الهداية - للمرغيناني - 174:2، المغني 423:6-424، الشرح الكبير 431:6، الحاوي الكبير 55:8، حلية العلماء 558:5، البيان 27:8، العزيز شرح الوجيز 414:6.
4- العزيز شرح الوجيز 414:6 و 415، روضة الطالبين 505:4 و 506، المغني 423:6 و 425، الشرح الكبير 431:6 و 432.

لاستوائهما في الاستلحاق و جهات النسب.

و قال أبو حنيفة: المسلم أولي من الذمّي؛ لما تقدّم من لحوق الضرر باللقيط لو ألحقناه بالذمّي(1).

و هو ممنوع؛ لما تقدّم من أنّا لا نحكم بكفر اللقيط و إن ألحقناه به في النسب.

و كذا لو كان أحدهما حُرّاً مسلماً و الآخَر عبداً كافراً، فإنّهما يتساويان عندنا و عند الشافعي و أحمد(2) ، و يُقدّم المسلم الحُرّ عند أبي حنيفة(3).

و لو كان أحدهما مسلماً عبداً و الآخَر حُرّاً كافراً، تساويا عندنا.

و يتأتّي علي قول أبي حنيفة ذلك أيضاً؛ لما في كلّ واحدٍ منهما من صفات الأرجحيّة و المرجوحيّة.

مسألة 455: لو اختصّ أحد المتداعيين باليد، فإن كان صاحب اليد هو الملتقطَ لم يُقدَّم؛

لأنّ اليد لا تدلّ علي النسب.

نعم، لو استلحقه الملتقط أوّلاً و حكمنا بالنسب ثمّ ادّعاه آخَر فالأقوي: تقديم الملتقط؛ لأنّا أثبتنا نسبه قبل معارضة المدّعي.

و قال الشافعي: يُعرض مع الثاني علي القائف، [فإن نفاه بقي لاحقاً بالملتقط باستلحاقه، و إن ألحقه بالثاني عُرض مع الملتقط عليه](2) فإن نفاه عنه فهو للثاني، و إن ألحقه به أيضاً فقد تعذّر العمل بقول القائف

ص: 386


1- تحفة الفقهاء 353:3، بدائع الصنائع 199:6، الاختيار لتعليل المختار 44:3، الهداية - للمرغيناني - 174:2، المحيط البرهاني 429:5، الحاوي الكبير 55:8، حلية العلماء 558:5، العزيز شرح الوجيز 415:6، المغني 423:6-424، الشرح الكبير 431:6. (2 و 3) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين» و ورد مؤدّاه في «الحاوي الكبير» و «التهذيب».

فيُوقَف(1).

و إن كان صاحب اليد غيرَ الملتقط، فقد حكي الجويني عنه أنّه إن كان قد استلحقه حُكم بالنسب له، ثمّ إن جاء آخَر و ادّعي نسبه لم يُلتفت إليه؛ لثبوت النسب من الأوّل معتضداً باليد و تصرّفِ الآباء في الأولاد، و إن لم يُسمع استلحاقه إلّا بعد ما جاء الثاني و استلحقه، ففيه وجهان:

أحدهما: تقديم صاحب اليد كما يُقدّم استلحاقه.

و أشبههما عندهم: التساوي؛ لأنّ الغالب من حال الأب أن يذكر نسب ولده و يشهره، فإذا لم يفعل صارت يده كيد الملتقط في أنّها لا تدلّ علي النسب(2).

مسألة 456: لو تداعياه اثنان فأقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً و تعارضتا، أُقرِع بينهما عندنا،
اشارة

و قد تقدّم(3) دليله.

و للشافعي في تعارض البيّنتين في الأملاك قولان:

أحدهما: التساقط، فعلي تقديره تتساقطان هنا أيضاً، و يرجع إلي قول القائف، أو لا تتساقطان و تُرجَّح إحداهما بقول القائف.

و الثاني: إنّهما تُستعملان إمّا بالتوقّف أو بالقسمة أو بالقرعة علي ثلاثة أقوال معروفة بينهم(4).

و التوقّف لا يمكن هنا؛ لما فيه من الإضرار بالطفل، و لا القسمة؛ إذ لا مجال لها في النسب. و أمّا القرعة ففيه وجهان:

أحدهما: إنّها تجري هنا، فيُقرع و يُقدَّم مَنْ خرجت قرعته.

ص: 387


1- الحاوي الكبير 53:8، التهذيب - للبغوي - 575:4، العزيز شرح الوجيز 415:6، روضة الطالبين 506:4.
2- العزيز شرح الوجيز 415:6، روضة الطالبين 506:4.
3- في ص 371.
4- العزيز شرح الوجيز 417:6، روضة الطالبين 507:4.

و الثاني: المنع؛ لأنّ القرعة لا تثبت في النسب و لا تعمل به(1).

و لو اختصّ أحدهما باليد لم ترجّح بيّنته باليد، بخلاف الأملاك، حيث تُقدّم فيها بيّنة ذي اليد؛ لأنّ اليد تدلّ علي الملك.

و قال بعض الشافعيّة: لو أقام أحدهما البيّنة علي أنّه في يده منذ سنةٍ و الثاني علي أنّه في يده منذ شهرٍ و تنازعا في نسبه، فالتي هي أسبق تاريخاً أولي، و صاحبها مقدَّم(2).

و هو باطل؛ لأنّ ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب.

و لو فرض تعرّض البيّنتين لنفس النسب، فلا مجال فيه للتقدّم و التأخّر.

و إن شهدتا علي الاستلحاق، فيبني علي أنّ الاستلحاق من شخصٍ هل يمنع غيره من الاستلحاق بعده ؟

فروع:

أ - و ألحقه القائف بأحدهما ثمّ ألحقه بالثاني، لم ينتقل إليه،

فإنّ الاجتهاد لا ينتقض بمثله.

ب - لو وصف أحد المتداعيين خالاً

(1) أو أثر جراحةٍ في ظَهْرٍ أو بعض أعضائه الباطنة و أصاب، لا يُقدّم جانبه - و به قال الشافعي(2) - كما لو وصف أحدهما في الملك المتنازع بينهما وصفاً خفيّاً، لم يقدّم باعتبار ذلك، كذا هنا.

ص: 388


1- الخال: نكتة في الجسد. لسان العرب 232:11 «خيل».
2- حلية العلماء 566:5، البيان 27:8، العزيز شرح الوجيز 418:6، روضة الطالبين 508:4، المغني 419:6، الشرح الكبير 416:6.

و قال أبو حنيفة: يقدّم و يثبت النسب للواصف(1). و ليس بشيءٍ.

ج - لو تداعياه ثمّ رجع أحدهما، أُلحق بالآخَر؛

عملاً بالمقتضي، و هي الدعوي السالمة عن معارضة الدعوي الأُخري؛ لبطلانها بالرجوع.

و لو رجع مَنْ وقعت عليه القرعة، فكذلك، و لو رجع الآخَر قبل القرعة أو بعدها، فإشكال، أمّا لو قامت لأحدهما بيّنة بدعواه ثمّ رجع، فإنّه لا يُقبل رجوعه و إن بقي الآخَر علي دعواه.

مسألة 457: لو تنازع اثنان في التقاط الصبي و ولاية الحضانة و التعهّد، فإن كان قبل أخذهما له أو حال أخذه،

فقد سبق(2).

و إن قال كلّ واحدٍ منهما: أنا الذي التقطتُه(3) و إلَيَّ حفظه، فإن اختصّ أحدهما باليد و قال الآخَر: إنّه أخذه منّي، فالقول قول صاحب اليد مع يمينه، فإنّها تشهد بقوله.

و إن أقام كلٌّ منهما بيّنةً، فبيّنة الخارج مقدَّمة عندنا، كما في دعوي الملك، فتُقدّم بيّنة الخارج.

و عند الشافعي تُقدَّم بيّنة ذي اليد، فتُقدّم هنا أيضاً(4).

و إن لم يختص أحدهما باليد، فإن لم يكن في يد واحدٍ منهما، فهو كما لو أخذاه معاً و تشاحّا في حفظه، فيجعله الحاكم عند مَنْ يراه منهما أو

ص: 389


1- مختصر القدوري: 134، تحفة الفقهاء 353:3، بدائع الصنائع 199:6، المحيط البرهاني 429:5، الاختيار لتعليل المختار 44:3، الهداية - للمرغيناني - 173:2، حلية العلماء 566:5، البيان 27:7، العزيز شرح الوجيز 418:6، المغني 419:6، الشرح الكبير 416:6.
2- في ص 316، المسألة 412.
3- في الطبعة الحجريّة: «التقطه».
4- العزيز شرح الوجيز 419:6، روضة الطالبين 508:4.

من غيرهما.

و إن كان في أيديهما معاً، فإن حلفا معاً أو نكلا معاً، فالحكم كما لو ازدحما علي الأخذ و هُما متساويان و متساويا الحال.

فإن حلف أحدهما دون الآخَر، خُصّ به، سواء كان في يدهما أو لم يكن في يد واحدٍ منهما.

فلو أقام كلّ واحدٍ منهما البيّنةَ علي ما يدّعيه، نُظر فإن كانت البيّنتان مطلقتين أو مقيّدتين بتأريخٍ واحد، أو إحداهما مطلقة و الأُخري مقيّدة، تعارضتا، فإن قلنا بالتساقط - كما هو أحد قولَي الشافعي(1) - فكأنّه لا بيّنة، و إن قلنا بالاستعمال، لم يجئ قول الوقف للشافعيّة و لا قول القسمة، بل قول القرعة(2)، كما نذهب نحن إليه، فيقرع و يُسلّم إلي مَنْ خرجت قرعته بعد اليمين.

و للشافعي في اليمين قولان(1).

و إن قيّدتا بتأريخين مختلفين، حُكم لمن سبق تأريخه؛ لأنّ الثاني إنّما أخذ مَنْ قد ثبت الحقّ فيه لغيره، بخلاف المال - عند الشافعي في أصحّ قولَيه(2) - حيث لا يُحكم بسبق التأريخ فيه؛ لأنه قد ينتقل ذلك عن الأسبق إلي الأحدث، و ليس كذلك الالتقاط؛ فإنّه لا يُنقل اللقيط عن الملتقط ما دامت الأهليّة باقية، فإذا ثبت السبق لزم استمراره.

قال بعض الشافعيّة: هذا إذا قلنا: إنّ مَن التقط لقيطاً ثمّ نبذه لم يسقط حقّه، فإن أسقطناه فهو علي القولين في الأموال؛ لأنّه ربما نبذه الأوّل4.

ص: 390


1- البيان 18:8.
2- البيان 19:8، العزيز شرح الوجيز 419:6، روضة الطالبين 508:4.

فالتقطه غيره(1).

و يتفرّع علي تقديم البيّنة المتعرّضة للسبق فيما إذا كان اللقيط في يد أحدهما و أقام مَنْ في يده البيّنة و أقام الآخَر البيّنة علي أنّه كان في يده انتزعه منه صاحب اليد: تقديم بيّنة مدّعي الانتزاع؛ لإثباتها السبق.

و لو كان أحد المتداعيين مَنْ لا يُقرّ يده علي اللقيط، أُقرّ في يد الآخَر، و لم يُلتفت إلي دعوي مَنْ لا يُقرّ اللقيط في يده بحالٍ، و لا إلي بيّنته مطلقاً.

مسألة 458: لو ولدت امرأتان ابناً و بنتاً فادّعت كلّ واحدةٍ منهما أنّ الابن ولدها دون البنت، فحكمه حكم التنازع في الولد

لو لم تكن هناك بيّنة، و ذلك بأن يُقرع بينهما إن ألحقنا الولد بالأُم بمجرّد الدعوي، و إن اعتبرنا التصديق انتظر بلوغه، فإن صدّق إحداهما لحق بها، و إلّا لم يلحق بواحدةٍ منهما.

و للحنابلة وجهان:

أحدهما: أن تُري المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كلّ واحدٍ منهما بمن ألحقته به، كما لو لم يكن لهما ولد.

و الثاني: أن يعرض لبنهما علي أهل الطبّ و المعرفة، فإنّ لبن الذكر يخالف لبن الأُنثي في الطبع و الوزن، فقد قيل: إنّ لبن الذكر ثقيل و لبن الأُنثي خفيف، فيعتبران بطباعهما و وزنهما و ما يختلفان به عند أهل المعرفة، فمَن كان لبنها لبن الابن فهو لها و البنت للأُخري(2).

و لو كان الولدان ذكرين أو أُنثيين، أُقرع عندنا، و عُرضا علي القافة

ص: 391


1- العزيز شرح الوجيز 419:6، روضة الطالبين 508:4.
2- المغني 436:6، الشرح الكبير 438:6.

عند العامّة(1).

و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في قضاياه أنّ امرأتين تداعيا ولداً و أنّ كلّ واحدةٍ منهما ادّعت أنّها أُمّه، فوعظهما عليه السلام فلم ترجعا فأمر قنبراً بإحضار منشارٍ، فقالتا له عليه السلام: ما تصنع بالمنشار يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام:

«أنشره بنصفين فأُعطي كلّ واحدةٍ منكما نصفَه» فرضيت إحداهما و بكت الأُخري و قالت: يا أمير المؤمنين إذا كان الحال كذلك سلّمه إليها، فحكم لها به(2).

مسألة 459: لو ادّعي اللقيطَ رجلان، فقال أحدهما: هذا ابني، و قال الآخَر: إنّه بنتي، نُظر فإن كان ابناً فهو لمدّعيه، و إن كانت بنتاً فهي لمدّعيها؛

لأنّ كلّ واحدٍ لا يستحقّ غير ما ادّعاه.

و لو ظهر خنثي مشكلاً، أُقرع بينهما إن لم تكن بيّنة.

و لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بما ادّعاه، فالحكم فيه كالحكم فيما لو انفرد كلّ واحدٍ منهما بالدعوي.

و عند أحمد يُري القافة مع عدم البيّنة - و هو قول الشافعي - لعدم أولويّة تقديم قول أحدهما علي الآخَر؛ لتساويهما في الدعوي(3).

مسألة 460: لو وطئ رجلان امرأةً واحدة في طهرٍ واحد، فإن كانا زانيين، فلا حرمة لمائهما، و لا يلتحق الولد بأحدهما.

و إن كان أحدهما زانياً، فالولد للآخَر؛ لقوله عليه السلام: «الولد للفراش،

ص: 392


1- المغني 436:6، الشرح الكبير 438:6.
2- راجع: الإرشاد - للمفيد - 204:1-205، و مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب - 367:2.
3- المغني 436:6، الشرح الكبير 438:6، و راجع: الهامش (2) من ص 372.

و للعاهر الحجر»(1).

و لو لم يكونا زانيين بأن يطئا جاريةً مشتركة بينهما في طهرٍ واحد أو يطأ رجل امرأةً أُخري لشبهةٍ في طهرٍ وطئها زوجها فيه، أو وطئ جارية الآخَر بشبهة أنّها زوجته أو أمته في طهرٍ وطئها سيّدها فيه بأن يجدها علي فراشه فيظنّها زوجته أو أمته، أو يدعو زوجته أو أمته في ظلمةٍ فتجيبه زوجة الآخَر أو جاريته، أو يتزوّجها كلٌّ منهما تزويجاً فاسداً و لا يعرفان فساده، أو يكون نكاح أحدهما صحيحاً و نكاح الآخَر فاسداً بأن يقع في العدّة و لم يعلم، فإنّ الحكم فيه عندنا بالقرعة؛ لأنّه أمر مشكل.

و عند الشافعيّة و أحمد يُعرض علي القافة(2).

البحث الرابع: في رقّ اللّقيط و حُرّيّته.
اشارة

اللّقيط إمّا أن يُقرّ علي نفسه بالرقّ في وقت اعتبار الإقرار، أو لا يُقرّ، و علي التقدير الثاني فإمّا أن يدّعي رقّه مُدّعٍ، أو لا يدّعيه أحد، فإن ادّعاه فإمّا أن يقيم عليه بيّنةً، أو لا يقيم، فالأقسام أربعة.

ص: 393


1- صحيح البخاري 205:8، صحيح مسلم 1080:2 و 1457/1081 و 1458، سنن ابن ماجة 2006/647:1 و 2007، سنن أبي داوُد 282:2 و 2273/283 و 2274، سنن الترمذي 1157/463:3، سنن النسائي 180:6 و 181، سنن الدارمي 389:2، سنن الدارقطني 40:3-166/41، سنن البيهقي 157:7 و 402 و 412.
2- الحاوي الكبير 380:17، المهذّب - للشيرازي - 121:2، الوسيط 456:7-457، الوجيز 273:2، حلية العلماء 216:7، التهذيب - للبغوي - 347:8، البيان 382:10، العزيز شرح الوجيز 298:13، روضة الطالبين 376:8، المغني 436:6-437، الشرح الكبير 441:6.
القسم الأوّل: أن لا يُقرّ و لا يدّعي رقّه أحد، فهو علي أصالة الحُرّيّة؛
اشارة

لأنّ الآدمي خُلق لتسخير غيره، لا ليُسخّره غيره، و لأنّ الأغلب علي الناس الحُرّيّة، فإلحاقه بالأغلب أولي، و أيضاً الأحرار هُمْ أهل الدار، و الأرقّاء مجلوبون إليها ليسوا من أهلها، فكما نحكم بالإسلام بظاهر الدار نحكم بالحُرّيّة.

و بعض الشافعيّة لا يجزم بالإسلام، و يذهب إلي التوقّف، و ذلك التردّد يجري في الحُرّيّة عنده، بل هي أولي بالتردّد من الإسلام؛ لقوّة الإسلام و اقتضائه الاستتباع، و لذلك يتبع الولد أيَّ الأبوين كان في الإسلام، دون الحُرّيّة، و يتبع السابي في الإسلام - عند جماعةٍ - دون الحُرّيّة.

ثمّ فصّل فقال: نجزم بالحُرّيّة ما لم ينته الأمر إلي إلزام الغير شيئاً، فإذا انتهي إليه تردّدنا ما لم يعترف الملتزم بحُرّيّته، فيخرج من ذلك أنّا نحكم له بالملك فيما يصادفه معه جزماً، و إذا أتلفه عليه متلف، أخذنا العوض منه و صرفناه إليه؛ لأنّ المال المعصوم مضمون علي المتلف، فليس أخذ الضمان و العوض بسبب الحُرّيّة حتي يقع التردّد فيه، فإن أخذناه فلا غرض للمتلف في أن يصرفه إلي اللقيط أو لا يصرفه، و يكون ميراثه لبيت المال، و أرش جنايته فيه(1) ، و عندنا للإمام.

و إذا قُتل اللّقيط، ففي القصاص للشافعيّة وجهان تقدّما(2) ، فمَنْ لا يجزم بحُرّيّته و إسلامه لا يوجب القصاص علي الحُرّ المسلم بقتله، و يوجبه علي الرقيق الكافر؛ و مَنْ يجزم بالحُرّيّة و الإسلام من الشافعيّة يُخرِّج وجوبَ القصاص بكلّ حالٍ علي قولين، بناءً علي أنّه ليس له وارث

ص: 394


1- العزيز شرح الوجيز 420:6-421، روضة الطالبين 509:4.
2- في ص 358، المسألة 440.

معيّن(1).

و إذا قُتل خطأً، فالواجب الدية في أظهر الوجهين؛ أخذاً بظاهر الحُرّيّة، و أقلّ الأمرين من الدية أو القيمة في الثاني؛ بناءً علي أنّ الحُرّيّة غير متيقّنةٍ، فلا يؤخذ الجاني بما لا يتيقّن شغل ذمّته به(2).

و قال الجويني: قياس هذا أن نوجب له الأقلّ من قيمة عبدٍ أو دية مجوسيٍّ؛ لإمكان الحمل علي التمجّس(3).

مسألة 461: قد بيّنّا أنّ اللقيط إن التُقط في دار الإسلام كان حُرّاً،

بناءً علي الدار، فإنّها دار الإسلام، و الأصل فيه الحُرّيّة، و هو قول عامّة أهل العلم، إلّا النخعي(1).

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم علي أنّ اللقيط حُرٌّ، روينا ذلك عن عليٍّ عليه السلام و عمر بن الخطّاب، و به قال عمر بن عبد العزيز و الشعبي و الحكم و حمّاد و مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي و مَنْ تبعهم(2).

للأصل، فإنّ اللّه تعالي خلق آدم عليه السلام و ذرّيّته أحراراً، و إنّما الرقّ لعارضٍ، فإذا لم يُعلم ذلك العارض فله حكم الأصل.

و قال النخعي: إن التقطه الملتقط للحسبة، فهو حُرٌّ، و إن كان يعزم أنّه يسترقّه، فذلك له(3).

و هو قولٌ شاذّ لم يصر إليه أحد من العلماء، و لا يصحّ في النظر؛

ص: 395


1- المغني و الشرح الكبير 403:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 163:2، و عنه في المغني و الشرح الكبير 403:6.
3- المغني 403:6، الشرح الكبير 403:6-404.

لأصالة الحُرّيّة.

فإن التقط في دار الحرب و لا مسلم فيها، قال علماؤنا: إنّه يكون رقّاً.

و الأقرب عندي: الحكم بحُرّيّته؛ عملاً بالأصل، لكن تتجدّد الرقّيّة عليه بالاستيلاء عليه؛ لأنّه كافر تبعاً للدار الخالية من مسلمٍ واحد.

مسألة 462: لو قذف أحدٌ اللقيطَ، فإن كان اللقيط صغيراً عُزّر.

و إن كان بالغاً، فإن اعترف القاذف بحُرّيّته حُدّ قطعاً.

و إن ادّعي رقّه، فإن صدّقه اللقيط سقط الحدّ، و وجب التعزير؛ لأنّه الواجب في قذف العبيد، لأنّ المستحقّ أقرّ بسقوط الحدّ.

و إن كذّبه اللقيط و قال: إنّي حُرٌّ، فالقول قوله؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته، فقوله موافق للظاهر، و أوجبنا له القصاص علي الحُرّ، بناءً علي الظاهر، و الأُمور الشرعيّة منوطة بالظاهر، فيثبت الحدّ، كثبوت القصاص، و هو أحد قولَي الشيخ رحمه الله.

و قال في الآخَر: لا يُحدّ، بل يُعزَّر؛ لأنّ الحكم بالحُرّيّة غير معلومٍ، بل هو بالبناء علي الظاهر، و هو محتمل للنقيض، فيحصل الاشتباه الموجب لسقوط الحدّ، فإنّ الحدّ يُدرأ بالشبهات، بخلاف القصاص لو ادّعي الجاني أنّه عبد؛ لأنّ القصاص ليس بحدٍّ، و إنّما وجب حقناً للآدميّ(1).

و أصحّ قولَي الشافعيّة عندهم: الأوّل؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة، فيُحدّ القاذف، إلّا أن يقيم بيّنةً علي الرقّ، و هو قول المزني.

و الثاني: أصالة البراءة، و تصديق قول القاذف؛ لاحتمال أن يكون

ص: 396


1- راجع: المبسوط - للطوسي - 347:3.

رقيقاً، فلا يقطع بثبوت حقٍّ في الذمّة بأمرٍ محتمل(1).

و قطع بعض الشافعيّة بالقول الأوّل؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته بظاهر الدار، و حمل القول الثاني علي مجهولٍ لم تُعلم حُرّيّته بالدار(2).

مسألة 463: لو قطع حُرٌّ طرفه و ادّعي رقّه، و ادّعي اللقيط الحُرّيّة، اقتصّ من الجاني، و صُدِّق اللقيط؛ للأصل.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إجراء القولين تخريجاً لقول المنع من القصاص ممّا ذكر في اللعان، فإنّ الشافعي قال فيه: إنّه يُحكم بقول القاذف: إنّه رقٌّ، لا بدعواه الحُرّيّة، و الآخَر منصوص.

و الثاني: القطع بالوجوب(3).

و قد فرّق القائلون بأمرين:

أ: بتصديق القاذف بأنّ المقصود من الحدّ الزجر، و في التعزير الذي يُعدل إليه من الحدّ ما يحصّل بعض هذا الغرض، و المقصود من القصاص التشفّي و المقابلة، و ليس في المال المعدول إليه من الحدّ ما يحصّل هذا الغرض.

و هو ممنوع؛ لأنّ بعض غرض التشفّي يحصل بالإضرار له في أخذ ماله.

ص: 397


1- مختصر المزني: 137، الحاوي الكبير 51:8، المهذّب - للشيرازي - 445:1، الوجيز 259:1، حلية العلماء 569:5-570، التهذيب - للبغوي - 573:4-574، البيان 40:8، العزيز شرح الوجيز 436:6، روضة الطالبين 518:4.
2- العزيز شرح الوجيز 436:6، روضة الطالبين 518:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 445:1، حلية العلماء 570:5، البيان 40:8، العزيز شرح الوجيز 436:6، روضة الطالبين 518:4.

ب: إنّ التعزير الذي يُعدل إليه متيقّن؛ لأنّه بعض الحدّ، فالعدول إليه عدولٌ من ظاهرٍ أو مشكوكٍ إلي متيقّنٍ، و إذا أسقطنا القصاص عدلنا إلي نصف الدية أو القيمة، و ذلك مشكوك فيه؛ لأنّ الحُرّيّة شرط وجوب الدية، و الرقّ شرط [وجوب] القيمة، فكان ذلك عدولاً من ظاهرٍ أو مشكوكٍ فيه إلي غير مشكوكٍ فيه، و لأنّ حدّ القذف أقرب سقوطاً بالشبهة من القصاص، فلذلك افترقا(1).

مسألة 464: لو قذف اللقيط محصناً و اعترف بأنّه حُرٌّ، حُدَّ حَدّ الأحرار؛

عملاً بمقتضي إقراره، و إن ادّعي أنّه رقيق و صدّقه المقذوف، حُدّ حَدّ العبيد، و إن كذّبه فالأقرب: وجوب الثمانين عليه؛ عملاً بأصالة الحُرّيّة.

و للشافعي قولان في أنّه يُحدّ حدّ العبيد أو حدّ الأحرار؟

و بني أصحابه الأوّلَ علي قبول إقراره مطلقاً، و الثاني علي أنّه إنّما يُقبل فيما يضرّه، لا فيما ينفعه، و هُما علي القولين فيما إذا ادّعي قاذف علي اللقيط رقّه، إن صدّقناه صدّقنا اللقيط هنا، و إلّا فلا(2).

و لبعضهم وجهٌ آخَر: إنّه إن أقرّ لمعيّنٍ قُبِل إقراره، وحُدّ حدّ العبيد، و إن لم يعيّن حُدّ حدّ الأحرار(3).

إذا عرفت هذا، فقد حصل للشافعيّة ثلاثة أوجُه، فيقال: إن لم نوجب الدية في قتله فالقصاص أولي. و إن أوجبناها ففي القصاص وجهان؛ لسقوطه بالشبهة، فثالث الوجوه: وجوب الدية دون القصاص(2).

ص: 398


1- المهذّب - للشيرازي - 445:1، البيان 40:8-41، العزيز شرح الوجيز 436:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 437:6، روضة الطالبين 518:4.
2- العزيز شرح الوجيز 421:6.
القسم الثاني: أن يدّعي رقَّ اللقيط و لا بيّنة.
اشارة

و لنقدّم عليه مقدّمةً، و هي: إنّ كلّ مَن ادّعي رقّيّة صغيرٍ في يده و لا تُعلم حُرّيّته، فإنّه تُسمع دعواه؛ لإمكانها إذا كانت غير اليد التي عرفنا استنادها إلي التقاط المنبوذ.

فإن كانت اليد هي يد اللقطة، لم يُحكم برقّه، و كان الحكم الأصل فيه الحُرّيّة - و هو أصحّ قولَي الشافعي(1) - و يحتاج الملتقط في دعوي الرقّيّة إلي البيّنة؛ لأصالة الحُرّيّة، فلا يخالف بمجرّد الدعوي.

و الثاني للشافعي: إنّه يُقبل قول الملتقط، و يُحكم له بالرقّ، كما في يد غير الالتقاط، و كما لو التقط مالاً و ادّعي أنّه لا منازع له فيه، فإنّه يُقبل قوله، و يصحّ شراؤه منه(2).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ اليد إذا كانت عن الالتقاط، يُعرف حدوثها لا بسبب الملك؛ لما بيّنّا من أصالة الحُرّيّة، و لم تظهر يد تدلّ علي خلافها، و أمّا يد غير اللقطة فإنّها تقضي بالملكيّة؛ لأنّ الظاهر أنّ مَنْ في يده شيء و هو متصرّف فيه تصرّفَ السادات في العبيد فإنّه ملكه، و لم يُعرف حدوثها بسببٍ لا يقتضي الملك، و أمّا المال الملقوط فإنّه يُحكم للملتقط به إذا ادّعي ملكيّته؛ لأنّ المال في نفسه مملوك، و ليس في دعوي ملكيّته إخراج له عن صفة المال، و أمّا اللقيط فإنّه حُرٌّ ظاهراً، و في دعواه تغيير هذه الصفة، فافترقا، فلا يجوز القياس.

و إن كانت اليد غير يد اللقطة، حُكم لصاحبها بالرقّ إذا ادّعاه، بناءً علي الظاهر الذي سبق.

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 422:6، روضة الطالبين 510:4.
2- العزيز شرح الوجيز 422:6، روضة الطالبين 510:4.

و لا فرق بين أن يكون الصبي مميّزاً أو غير مميّزٍ، و لا بين أن يكون مُقرّاً أو منكراً؛ إذ لا عبرة بكلام الصبي و لا بإقراره و لا بإنكاره، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه إن كان مميّزاً منكراً، افتقر مدّعي رقّيّته إلي بيّنةٍ؛ لأنّ لكلامه حكماً و اعتباراً في الجملة(1).

قال بعض الشافعيّة: الوجهان مبنيّان علي الوجهين في المولود إذا ادّعاه اثنان و لا قائف هل يؤمر بالانتساب لسنّ التمييز، أم ينتظر إلي أن يبلغ ؟ و في أنّ الخنثي المشكل هل يراجع لسنّ التمييز، أم ينتظر إلي أن يبلغ ؟(1).

ثمّ يحلف المدّعي و الحالة هذه؛ لخطر شأن الحُرّيّة.

و هل التحليف واجب أو مستحبّ؟ للشافعيّة قولان، و يُحكي الوجوب عن نصّ الشافعي(3).

مسألة 465: لو بلغ الصغير

مسألة 465: لو بلغ الصغير(2) و قال: أنا حُرٌّ، فإن كان المدّعي الملتقطَ، فالقول قوله مع اليمين؛

لأصالة الحُرّيّة فيه، و إن كان مدّعي رقّه غيرَ الملتقط و هو صاحب يدٍ و حكمنا له بالرقّيّة أوّلاً، كان القول قولَ المدّعي، و لا يُقبل قول الصغير، إلّا أن يقيم بيّنةً علي الحُرّيّة؛ لأنّا قد حكمنا برقّه في حال الصغر، فلا يرفع ذلك الحكم إلّا بحجّةٍ، لكن له تحليف المدّعي، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يُقبل قوله، إلّا أن يقيم مدّعي الرقّ بيّنةً علي رقّه؛ لأنّ

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 422:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «الصبي» بدل «الصغير».

الحكم بالرقّ إنّما جري حين لا قول له و لا منازعة، فإذا صار معتبر القول فلا بدّ من إقراره أو البيّنة عليه، كما لو ادّعي مُدّعٍ رقَّ بالغٍ.

و هُما كالوجهين فيما إذا التحق صغيراً فبلغ و أنكر.

و الوجهان في المسألتين مبنيّان علي القولين في مَنْ حُكم بإسلامه بأحد أبويه أو بالسابي ثمّ بلغ و أعرب بالكفر يُجعل مرتدّاً أو كافراً أصليّاً و يقال: إنّه الآن صار من أهل القول فيُرجع إلي قوله و لا يُنظر إلي ما حكمنا به من قبلُ؟(1).

مسألة 466: لو ادّعي رقَّ اللقيط أو غيره من الصغار المجهولي النسب مدّعٍ و لا يد له عليه، لم تُقبل دعواه، إلّا بالبيّنة؛

لأنّ الظاهر الحُرّيّة، فلا يُترك إلّا بحجّةٍ.

أمّا لو ادّعي نسبه، فإنّه يُقبل و إن لم يكن له عليه يد إذا لم يدّعه أحد.

و الفرق: إنّ في دعوي النسب و قبولها مصلحةً للطفل و إثباتَ حقٍّ له، و هنا في القبول إضرار به و إثبات رقّه عليه؛ لأنّه لا نسب له في الظاهر، فليس في قبول قول المدّعي ترك أمرٍ ظاهر، و الحُرّيّة محكوم بها ظاهراً.

و لو كان له عليه يد فادّعي رقّيّته، فقد بيّنّا أنّه يُحكم له بها إذا لم يكن ملتقطاً علي الخلاف، فإن بلغ الصغير و أقرّ بالرقّ لغير صاحب اليد، لم يُقبل.

و إن رأي صغيراً في يد إنسانٍ يأمره و ينهاه و يستخدمه هل له أن يشهد بالملك ؟ للشافعيّة وجهان(2).

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 422:6-423.
2- العزيز شرح الوجيز 423:6، روضة الطالبين 510:4.

و قال بعضهم: إن سمعه يقول: هو عبدي، أو سمع الناس يقولون:

إنّه عبد، شهد بالملك، و إلّا فلا(1).

و لو كانت صغيرة في يد إنسانٍ فادّعي نكاحها، فبلغت و أنكرت، قُبل قولها، و احتاج المدّعي إلي البيّنة.

و لا يُحكم في الصغر بالنكاح، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و الفرق بينه و بين الملك أنّ اليد في الجملة دالّة علي الملك، و يجوز أن يولد المولود و هو مملوك، و لا يجوز أن تُولد و هي منكوحة، فالنكاح طارئ بكلّ حالٍ، فافتقر إلي البيّنة.

و الثاني لهم: إنّه يُحكم بالزوجيّة قبل البلوغ(3).

القسم الثالث: أن يقيم مدّعي رقّه بيّنةً.
اشارة

إذا ادّعي مدّعٍ رقَّ الصغير الملقوط أو المجهول نسبه و أقام بيّنةً، فلا يخلو إمّا أن تشهد البيّنة باليد أو بالملك أو بالولادة، فإن شهدت بالملك أو اليد، لم يُقبل فيه إلّا شهادة رجلين أو رجل و امرأتين، و إن شهدت بالولادة، قُبلت شهادة المرأة الواحدة أو الرجل الواحد؛ لأنّه ممّا لا يطّلع عليه الرجال.

و حيث يحتاج مدّعي الرقّ إلي البيّنة فالأقرب: سماع الشهادة بالملك مطلقاً أو الرقّ مطلقاً و الاكتفاء بهذه الشهادة في ثبوت الملك المطلق و الرقّيّة المطلقة، كما لو شهدت البيّنة علي الملك في دارٍ أو دابّةٍ و شبههما، فإنّه يكفي الإطلاق، كذا هنا.

و هو أحد قولَي الشافعي، و اختاره المزني، و ذكره الشافعي في

ص: 402


1- العزيز شرح الوجيز 423:6، روضة الطالبين 510:4.
2- العزيز شرح الوجيز 423:6، روضة الطالبين 511:4.
3- العزيز شرح الوجيز 423:6، روضة الطالبين 511:4.

الدعاوي و البيّنات و في القديم.

و الثاني - و هو الذي ذكره في كتاب اللقيط -: إنّه لا يكتفي بها؛ لأنّا لا نأمن أن يكون قد اعتمد الشاهد علي ظاهر اليد و تكون اليد يدَ التقاطٍ، و إذا احتُمل ذلك و اللقيط محكوم بحُرّيّته بظاهر الدار، فلا يزال ذلك الظاهر إلّا عن تحقيقٍ، و يخالف سائر الأموال؛ لأنّ أمر الرقّ خطير(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ قيام البيّنة علي مطلق الملك ليس بأقلّ من دعوي غير الملتقط رقّيّة الصغير في يده، فإذا اكتفينا به جاز أن يكتفي بالبيّنة علي الملك المطلق.

و للشافعيّة قولٌ ثالث: إنّه لا تُقبل من الملتقط البيّنة علي الملك المطلق أو الرقّيّة المطلقة، و تُقبل من غيره؛ لسقوط الخيال الذي قيل في الملتقط من جواز استناد البيّنة إلي يد اللقطة(2).

مسألة 467: و لو شهدت البيّنة باليد عقيب ادّعائه الرقّيّة، فإن كانت يدَ الملتقط، لم يثبت بها ملكه؛

لأنّا عرفنا سبب يده، و لأنّا لو شاهدناه تحت يده و هو ملتقط و ادّعي رقّيّته لم يثبت فكيف إذا شهد له بيد الالتقاط.

أمّا لو كانت يدَ أجنبيٍّ، فإنّه يُحكم له باليد، و القول قوله مع يمينه في الملك.

و إن شهدت له البيّنة بالولادة، فإن شهدت له أنّ مملوكته ولدته، أو أنّه ابن مملوكته، فإن ضمّت إلي ذلك أنّها ولدته مملوكاً له أو أنّها ولدته في ملكه، حُكم له بالملك قطعاً.

و إن اقتصرت البيّنة علي أنّ مملوكته ولدته، أو أنّه ابن مملوكته و لم تضمّ إليه شيئاً، فالأقرب: الاكتفاء بذلك؛ إذ الغرض بذلك العلمُ بأنّ

ص: 403


1- الوجيز 258:1، العزيز شرح الوجيز 424:6، روضة الطالبين 511:4.
2- الوجيز 258:1، العزيز شرح الوجيز 426:6، روضة الطالبين 511:4.

شهادتهم لم تستند إلي ظاهر اليد، و قد حصل هذا الغرض، و لأنّ الغالب أنّ ولد أمته ملكه، و هو أظهر قولَي الشافعي.

و الثاني: عدم الاكتفاء؛ لأنّه قد يكون ابن مملوكته و لا يكون مملوكاً له، كما لو اشتري جاريةً كانت قد ولدت في ملك غيره أولاداً له أو ولدت في ملكه ولداً يكون ملكاً لغيره إمّا بأن يشترطه مولي الأب، أو لم يكن مولاه قد أذن له في النكاح، و قد تلد حُرّاً بالشبهة و الغرور، و قد يكون الولد مملوكاً لغيره بالوصيّة بأن يوصي لزيدٍ بما تلد أمته ثمّ مات، فالمملوكة للورثة، و الولد للموصي له، و هو كثير النظائر(1).

مسألة 468: إذا لم يُكتف بالبيّنة المطلقة، فلا بدّ للشهود من تعرّضهم لسبب الملك من الإرث أو الشراء أو الاتّهاب و نحوه،

فلو شهدت البيّنة بأنّ أمته ولدته في ملكه، فالأقرب علي هذا القول: عدم الاكتفاء؛ لأنّه قد تلد أمته في ملكه حُرّاً أو مملوكاً للغير علي ما تقدّم، و هو أظهر قولَي الشافعي، و الثاني: الاكتفاء بهذا(2).

هذا علي تقدير عود قوله: «في ملكه» إلي المولود، لا إلي الولادة، و لا إلي الوالدة، و حينئذٍ فلا فرق بينه و بين قوله: «ولدته مملوكاً له» و يكون قوله: «في ملكه» بمثابة قول القائل: «ولدته في مشيمته».

و علي القولين تُقبل هذه الشهادة من رجلٍ و امرأتين؛ لأنّ الغرض إثبات الملك.

و لو اكتفينا بالشهادة علي أنّه ولدته أمته، فيُقبل فيه أربع نساء أيضاً؛ لأنّها شهادة علي الولادة، ثمّ يثبت الملك في ضمنها، كما يثبت النسب في

ص: 404


1- العزيز شرح الوجيز 425:6، روضة الطالبين 511:4.
2- العزيز شرح الوجيز 425:6، روضة الطالبين 511:4.

ضمن الشهادة علي الولادة، و ذكر الملك لا يمنع من ثبوت الولادة، ثمّ يثبت الملك ضمناً، لا بتصريحهنّ.

مسألة 469: قد بيّنّا أنّه لو شهدت البيّنة لمدّعي الرقّ باليد، فإن كان المدّعي الملتقطَ لم يُحكم له، و إن كان غيره حُكم.

و للشافعي في الحكم للغير قولان(1).

و لو أقام الغير المدّعي البيّنةَ علي أنّه كان في يده قبل أن التقطه الملتقط، قُبلت بيّنته، و ثبتت يده، ثمّ يُصدّق في دعوي الرقّ؛ لأنّ صاحب اليد علي الصغير إذا لم يُعرف أنّ يده عن التقاطٍ يُصدَّق في دعوي الرقّ.

و لو أقام الملتقط بيّنةً علي أنّه كان في يده قبل التقاطه، فالأقوي:

الحكم له بدعوي الرقّيّة له؛ لما تقدّم، و انضمام الالتقاط لا ينافي دعواه و لا ينافي يده أوّلاً.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الثاني: إنّه لا تُسمع دعوي الملتقط في رقّه و لا بيّنته حتي يقيم البيّنة علي سبب الملك؛ لأنّه إذا اعترف بأنّه التقطه فكأنّه أقرّ بالحُرّيّة ظاهراً، فلا تُزال إلّا عن تحقيقٍ(2).

و ليس بشيءٍ.

القسم الرابع: أن يُقرّ اللقيط علي نفسه بالرقّ، و إنّما نحكم عليه بإقراره لو كان بالغاً عاقلاً،
اشارة

فإذا أقرّ اللقيط أو غيره من البالغين العقلاء الذين لا تُعرف حُرّيّتهم و لا ادّعاها أحدهم أوّلاً أنّه مملوك، حُكم عليه بمقتضي إقراره؛ لقوله عليه السلام: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز».

ص: 405


1- العزيز شرح الوجيز 425:6، روضة الطالبين 512:4.
2- العزيز شرح الوجيز 425:6-426، روضة الطالبين 513:4.

فإن كذّبه المُقرّ له، لم يثبت الرقّ عند الشيخ(1) ، و به قال الشافعي(2).

و يحتمل ثبوت الرقّيّة المجهولة المالك.

فإن عاد المُقرّ له فصدّقه، لم يلتفت إليه عند الشيخ(3) و الشافعي(4)؛ لأنّه لمّا كذّبه ثبتت حُرّيّته بالأصل، فلا يعود رقيقاً.

و الملازمة الأُولي ممنوعة؛ لما بيّنّاه من ثبوت الرقّيّة المطلقة، فمَن ادّعاها حُكم له بها؛ إذ لا فرق بين العبد و المال في ذلك.

هذا إذا لم يسبق من اللقيط ما ينافي إقراره.

و للشافعي قولٌ آخَر: إنّه لا يُقبل إقراره و إن صدّقه المُقرّ له؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته بالدار فلا يُنقض، كما أنّ المحكوم بإسلامه بظاهر الدار إذا أعرب بالكفر لا ينقض ما حُكم به في قولٍ، بل يجعل مرتدّاً(5).

و ليس بشيءٍ؛ لأنّ الحكم بحُرّيّته إنّما هو ظاهر، و ظاهر إقراره أقوي من ظاهريّة الدار؛ لأنّه كالبيّنة بل أقوي، و إنّما لم نحكم بالكفر إذا أعرب به احتفاظاً بالدين.

مسألة 470: لو أقرّ اللقيط بعد بلوغه و رشده بأنّه حُرٌّ ثمّ أقرّ بالعبوديّة، لم يُقبل؛

لأنّه بالإقرار الأوّل التزم أحكام الأحرار في العبادات و غيرها، فلم يملك إسقاطها، و لأنّ الحكم بالحُرّيّة بظاهر الدار قد تأكّد بإعرابه عن نفسه، فلا يُقبل منه ما يناقضه، كما لو بلغ و أعرب عن نفسه بالإسلام ثمّ وصف الكفر لا يُقبل، و يُجعل مرتدّاً، و لأنّه اعترف بالحُرّيّة، و هي حقٌّ للّه تعالي، فلا يُقبل رجوعه في إبطالها، و به قال الشافعي

ص: 406


1- راجع: المبسوط - للطوسي - 352:3.
2- العزيز شرح الوجيز 427:6، روضة الطالبين 513:4.
3- راجع: المبسوط - للطوسي - 352:3.
4- العزيز شرح الوجيز 427:6، روضة الطالبين 513:4.
5- العزيز شرح الوجيز 427:6، روضة الطالبين 513:4.

و أحمد(1).

و قطع بعض الشافعيّة بالقبول؛ تشبيهاً بما إذا أنكرت المرأة الرجعةَ ثمّ أقرّت، و لأنّه لو قال: هذا ملكي، ثمّ أقرّ به لغيره يُقبل(2).

مسألة 471: إذا ادّعي رجل رقّيّة اللقيط بعد بلوغه، كُلّف إجابته،

فإن أنكر و لا بيّنة للمدّعي، لم تُقبل دعواه، و كان القولُ قولَ اللقيط مع يمينه، و إن كان له بيّنة حُكم بها، فإن لم يكذّبه بل صدّق اللقيط المدّعي لرقّه، حُكم عليه بمقتضي إقراره علي ما تقدّم - و به قال أصحاب الرأي(3) - لأنّه مجهول الحال أقرّ بالرقّ، فيُقبل، كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقرّ أحدهما للآخَر بالرقّ، و كما لو أقرّ بقصاصٍ أو حدٍّ، فإنّه يُقبل و إن تضمّن ذلك فوات نفسه.

و قال ابن المنذر و أبو القاسم و الشافعي في أحد الوجهين، و أحمد:

لا يُقبل إقراره؛ لأنّه مبطلٌ به حقَّ اللّه تعالي في الحُرّيّة المحكوم بها، فلم يصح، كما لو كان قد أقرّ قبل ذلك بالحُرّيّة، و لا نّه حال الطفوليّة لا يُعلم رقّه و لم يتجدّد له رقٌّ بعد التقاطه، فكان إقراره بالرقّيّة باطلاً(4).

و قد سبق(5) الجواب.

مسألة 472: لو أقرّ بعد بلوغه و رشده بالرقّ لزيدٍ فكذّبه زيد

فأقرّ

ص: 407


1- العزيز شرح الوجيز 427:6-428، روضة الطالبين 513:4، المغني 438:6، الشرح الكبير 421:6.
2- العزيز شرح الوجيز 428:6، روضة الطالبين 513:4.
3- المغني 438:6، الشرح الكبير 421:6.
4- المغني 438:6-439، الشرح الكبير 422:6.
5- في ص 406، ذيل القسم الرابع.

لعمرو، حُكم عليه بالرقّيّة لعمرو، كما لو أقرّ بمالٍ لزيدٍ فكذّبه زيد فأقرّ لعمرو به، و لأنّ احتمال الصدق في الثاني قائم، فوجب قبوله، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و المنصوص لهم عن الشافعي: المنع؛ لأنّ إقراره الأوّل تضمّن نفي الملك لغيره، فإذا ردّ المُقرّ له خرج عن كونه مملوكاً أيضاً، فصار حُرّاً بالأصل، و الحُرّيّة مظنّة حقوق اللّه تعالي و العباد، فلا سبيل إلي إبطالها بالإقرار الثاني(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ إقراره الأوّل تضمّن الشيئين: الرقّيّة المطلقة، و إسنادها إلي زيدٍ، و لا يلزم من إبطال الثاني إبطال الأوّل، و إذا حُكم عليه بالرقّيّة المطلقة قبل إضافتها إلي عمرو، كما نقول في المال، فإنّ ما ذكره بعينه آتٍ فيه، و لا مخلص إلّا ما قلناه.

مسألة 473: إذا بلغ اللقيط رشيداً و وُجد منه بعد ذلك تصرّفات يستدعي نفوذها الحُرّيّة،

كالبيع و النكاح و غيرهما، ثمّ أقرّ علي نفسه بأنّه رقٌّ، فإن قامت البيّنة برقّه نقضت تصرّفاته؛ لأنّه قد ظهر فسادها حيث تصرّف بغير إذن سيّده، و إن لم تكن بيّنة لكن أقرّ، فإن كان قد اعترف قبل الإقرار بالرقّيّة بأنّه حُرٌّ لم يُقبل إقراره بالرقّيّة.

ص: 408


1- الحاوي الكبير 66:8، المهذّب - للشيرازي - 446:1، الوسيط 324:4، التهذيب - للبغوي - 583:4، البيان 46:8، العزيز شرح الوجيز 428:6، روضة الطالبين 513:4.
2- الحاوي الكبير 66:8، المهذّب - للشيرازي - 446:1-447، الوسيط 323:4، التهذيب - للبغوي - 583:4، البيان 46:8، العزيز شرح الوجيز 428:6، روضة الطالبين 513:4.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا: إنّه لا يُقبل إقراره بالرقّيّة لو لم يدّع الحُرّيّة أوّلاً، فإقراره بالرقّ هنا لاغٍ مطَّرَح، بل هو أولي بالإبطال. نعم، لو نكح ثمّ أقرّ بالرقّ، فإقراره اعتراف بأنّها محرَّمة عليه، فلا يمكن القول بحلّها، و إن قلنا بالقبول هناك و لا إقرار قبله و لا تصرّف، فقولان، إلّا أنّه لو ثبت الرقّ بالبيّنة و الحالة هذه، نقضت التصرّفات المبنيّة علي الحُرّيّة، و تُجعل صادرةً من عبدٍ لم يأذن له السيّد، و يستردّ ما دُفع إليه من الزكاة و الميراث و ما أُنفق عليه من بيت المال، و تُباع رقبته فيها، و إن لم تكن بيّنة، بل إقرار لا غير، أُلزم بما لزمه قبل إقراره.

و في إلزامه بالرقّ للشافعي قولان.

و لأصحابه فيما ذكره طريقان:

أحدهما: إنّ في قبول أصل الإقرار قولين: عدم القبول؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته بظاهر الدار، و ثبوته؛ لأنّ ذلك الحكم كان بناءً علي الظاهر، فيجوز أن يُغيَّر بالإقرار، كما أنّ مَنْ حُكم بإسلامه بظاهر الدار فبلغ و اعترف بالكفر يُجعل كافراً أصليّاً علي الأصحّ.

و أصحّهما عندهم: قبول أصل الإقرار و ثبوت أحكام [الأرقّاء](1) مطلقاً، و تخصيص القولين بأحكام التصرّفات السابقة.

و أحد القولين: القبول في أحكامها أيضاً، سواء كان ممّا يتضرّر به أو ينتفع و يضرّ غيره؛ لأنّه لا تهمة فيه؛ إذ الإنسان لا يرقّ نفسه لإلحاق ضررٍ جري بالغير، و لأنّ تلك الأحكام فروع الرقّ، فإذا قبلنا إقراره في الرقّ الذيح.

ص: 409


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «الارقاق». و المثبت هو الصحيح.

هو الأصل، وجب القبول في أحكامه التي هي فروع له.

و أصحّهما: المنع في الأحكام التي تضرّ بغيره، و تخصيص القبول بالأحكام التي تضرّ به، كما لو أقرّ بمالٍ علي نفسه و علي غيره، فإنّه يُقبل عليه، و لا يُقبل علي غيره، و بهذا قال أبو حنيفة(1).

و عن أحمد روايتان(2) كالقولين.

قال بعض الشافعيّة: و هذان القولان مع القبول في أصل الرقّ، كما نقول فيما إذا أقرّ العبد بسرقةٍ توجب القطع و المال في يده، يُقبل إقراره في القطع، و في المال خلاف(3).

و أصحاب هذه الطريقة قالوا: قول الشافعي: «في إلزامه الرقّ قولان» معناه في إلزامه أحكام الرقّ، ففي قولٍ يلزمه الكلّ، و في قولٍ تفصيلٌ علي ما يأتي.

قالوا: و أمّا قوله: «ما لزمه قبل الإقرار» ففي بعض الشروح تفسيره بالأحكام التي تلزم الأحرار و العبيد جميعاً(4).

و قال بعض الشافعيّة: لا أُسقط بهذا الإقرار ما لزمه قبله من حقوق الآدميّين(5).

و طرد بعض الشافعيّة قولَ التفصيل بين ما يضرّه و بين ما يضرّ بغيره6.

ص: 410


1- حلية العلماء 572:5-573، التهذيب - للبغوي - 579:4-580، البيان 41:8-42، العزيز شرح الوجيز 428:6-429، روضة الطالبين 513:4، المغني 439:6، الشرح الكبير 422:6.
2- المغني 439:6، الشرح الكبير 422:6، العزيز شرح الوجيز 429:6. (3-5) العزيز شرح الوجيز 429:6.

في المستقبل أيضاً(1).

فخرج من ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: القبول في أحكام الرقّ كلّها ماضياً و مستقبلاً.

و الثاني: تخصيص القبول بما يضرّ به، و المنع فيما عداه ماضياً و مستقبلاً.

و الثالث: تخصيص المنع بما يضرّ بغيره فيما مضي، و القبول فيما عداه.

و الأقوال الثلاثة متّفقة علي القبول فيما عليه(2).

و يتفرّع علي الخلاف مسائل نذكرها الآن بعون اللّه تعالي.

مسألة 474: إذا بلغ اللقيط و كان أُنثي ثمّ عقدت علي نفسها عقد النكاح ثمّ أقرّت بالرقّ،

فعلي ما اخترناه من القبول مطلقاً فهذه جارية نكحت بغير إذن سيّدها، فالنكاح صحيح في حقّ الزوج؛ لأنّه لا يبطل حقّه بمجرّد إقرارها، و يكون فاسداً بالنسبة إليها.

فإن كان قبل الدخول، فلا شيء علي الزوج؛ لإقرارها بفساد نكاحها و أنّها أمة تزوّجت بغير إذن سيّدها، و النكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلّا بالدخول.

و إن كان إقرارها بعد الدخول بها، لم يسقط مهرها، و كان عليه الأقلّ من المسمّي أو مهر المثل - و به قال بعض الشافعيّة(1) - لأنّ المسمّي إن كان

ص: 411


1- المهذّب - للشيرازي - 446:1، البيان 43:8.

أقلّ فالزوج ينكر وجوب الزيادة، و قولها غير مقبولٍ في حقّه، و إن كان الأقلّ مهر المثل فهي و سيّدها يُقرّان بفساد النكاح، و أنّ الواجب مهر المثل، فلا يجب أكثر منه.

و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا: يُقبل إقرارها فيما يضرّ بالغير، يجب مهر المثل للمُقرّ له، فإن كان قد سلّم إليها المهر استردّه إن كان باقياً، و إلّا رجع عليها بعد العتق(1).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: كما قلنا أوّلاً.

و الثانية: وجوب المسمّي؛ لأنّ النكاح الفاسد يجب فيه المسمّي قلّ أو كثر؛ لاعتراف الزوج بوجوبه(2).

و أمّا الأولاد فإنّهم أحرار؛ لأنّ الزوج ظنّ الحُرّيّة، و لا يثبت الرقّ في حقّ أولادها بإقرارها.

و هل تجب قيمتهم علي الزوج ؟ الأقرب: العدم - و به قال أحمد و بعض الشافعيّة(3) - لأنّه لو وجب لوجب بقولها، و لا يجب بقولها حقٌّ علي غيرها.

و قال بعض الشافعيّة: بناءً علي قبول قولها فيما يضرّ بالغير يجب علي الزوج قيمتهم للمُقرّ له، و يرجع عليها بالقيمة إن كانت هي التي غرّته(4).4.

ص: 412


1- المهذّب - للشيرازي - 446:1، التهذيب - للبغوي - 581:4، البيان 43:8، العزيز شرح الوجيز 430:6، روضة الطالبين 513:4-514.
2- المغني 440:6-441، الشرح الكبير 423:6-424.
3- المغني 441:6، الشرح الكبير 424:6، المهذّب - للشيرازي - 446:1، البيان 43:8.
4- المهذّب - للشيرازي - 446:1، التهذيب - للبغوي - 581:4، البيان 43:8، العزيز شرح الوجيز 430:6، روضة الطالبين 514:4.

و في الرجوع بالمهر للشافعيّة قولان(1).

و هل تعتدّ عدّة الإماء بناءً علي هذا القول ؟ الأظهر عندهم: ذلك؛ لأنّ عدّة الأمة بعقد النكاح الصحيح قُرءان، و نكاح الشبهة في المحرّمات كالنكاح الصحيح.

و الثاني: إنّه لا عدّة عليها؛ إذ لا نكاح، و لكن تستبرئ بقرءٍ واحد؛ لمكان الوطء(2).

قال الجويني: و يجب طرد هذا التردّد في كلّ نكاحِ شبهةٍ علي أمةٍ(3).

مسألة 475: إذا قلنا: لا يُقبل إقرارها فيما يضرّ بالغير، لم يُحكم بانفساخ النكاح، بل يطّرد كما كان.

قال الجويني: و لا فرق بين الماضي و المستقبل هنا، سواء فرّقنا بين الماضي و المستقبل، أو لم نفرّق، فكأنّا نجعل النكاح في حكم المستوفي المقبوض فيما تقدّم، و علي هذه القاعدة تبيّنّا أنّ الحُرّ إذا وجد الطول بعد نكاح الأمة لم نقض بارتفاع النكاح بينهما(4).

و استدرك بعض الشافعيّة، فقال: إن كان الزوج ممّن لا يجوز له نكاح الإماء، فيُحكم بانفساخ النكاح؛ لأنّ الأولاد الذين تلدهم في المستقبل أرقّاء، فليس له الثبات عليه(5).

و منع بعضهم من انفساخ النكاح؛ لأنّ شروط نكاح الأمة لا تُعتبر في استدامة العقد، و إنّما تُعتبر في ابتدائه(6).

ص: 413


1- التهذيب - للبغوي - 581:4، العزيز شرح الوجيز 430:6، روضة الطالبين 514:4. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 430:6، روضة الطالبين 514:4. (4-6) العزيز شرح الوجيز 431:6، روضة الطالبين 514:4.

و أطلق أصحاب الشافعي أنّ للزوج خيارَ فسخ النكاح؛ لأنّ حقّه ناقص؛ لحكمنا بالرقّ في الحال و المستقبل(1).

و قال بعضهم: هذا مفروض فيما إذا نكحها في الابتداء علي أنّها حُرّة، فإن توهّم الحُرّيّة و لم يَجْر شرطها، فخلاف بينهم يُذكر في موضعه(2).

مسألة 476: إذا قلنا: لا يُقبل الإقرار فيما يضرّ بالغير، فحكم المهر لو أقرّت بالرقّ و أثبتنا للزوج الخيارَ ففسخ النكاح قبل الدخول أنّه لا شيء عليه؛

لظهور فساد العقد، و إن كان بعده فعليه أقلّ الأمرين من المسمّي و مهر المثل؛ لأنّ المسمّي إن كان أقلّ لم يُقبل إقرارها في الزيادة عليه، و إن كان مهر المثل أقلَّ فالمُقرّ له لا يدّعي أكثر منه.

و إن أجاز، قال بعض الشافعيّة: عليه المسمّي، فإن طلّقها بعد الإجازة و قبل الدخول فعليه نصف المسمّي(1).

و يشكل بأنّ المُقرّ له يزعم فساد العقد، فإذا لم يكن دخولٌ وجب أن لا يطالبه بشيءٍ، فإن كان الزوج قد دفع الصداق إليها لم يطالب به مرّةً ثانية.

و أمّا الأولاد منها فالذين حصلوا قبل الإقرار أحرار، و لا يجب علي الزوج قيمتهم؛ لأنّ قولها غير مقبولٍ في إلزامه، و أمّا الحادثون بعده فهُمْ أرقّاء؛ لأنّه وطئها علي علمٍ بأنّها أمة.

قال الجويني: هذا ظاهرٌ فيما إذا قبلنا الإقرار فيما يضرّ بالغير في المستقبل، أمّا إذا لم نقبل فيه ماضياً و مستقبلاً، فيحتمل أن يقال بحُرّيّتهم؛

ص: 414


1- التهذيب - للبغوي - 582:4، العزيز شرح الوجيز 431:6، روضة الطالبين 514:4-515.

صيانةً لحقّ الزوج، فإنّ الأولاد من مقاصد النكاح، كما أنّا أدمنا النكاح صيانةً لحقّه في الوطء و سائر المقاصد(1).

و يحتمل عند الشافعيّة القول برقّهم؛ لأنّ العلوق أمر موهوم، فلا يجعل مستحقّاً بالنكاح، بخلاف الوطء.

و تردّدوا أيضاً في أنّا إذا أدمنا النكاح نسلّمها إلي الزوج تسليمَ الإماء أو تسليمَ الحرائر؟ و لا نبالي بتعطيل المنافع علي المُقرّ له، و الظاهر: الثاني، و إلّا لعَظُم الضرر علي الزوج، و اختلّت مقاصد النكاح، و يخالف أمر الولد؛ لما ذكرنا أنّه موهوم(2).

و أمّا العدّة فإن كانت عدّة الطلاق الرجعي نُظر إن طلّقها ثمّ أقرّت، فعليها ثلاثة أقراء، و له الرجعة فيها جميعاً؛ لأنّه قد ثبت ذلك بالطلاق، فليس له إسقاطه بالإقرار.

و إن أقرّت ثمّ طلّقها، فوجهان للشافعيّة:

أصحّهما - و هو الذي عوّل عليه أكثرهم -: إنّ الجواب كذلك؛ لأنّ النكاح أثبت له حقَّ المراجعة في ثلاثة أقراء.

و الثاني: إنّها تعتدّ بقُرءين عدّة الإماء؛ لأنّه أمر متعلّق بالمستقبل، فأشبه إرقاق الأولاد(3).

و إن كان الطلاق بائناً، فأصحّ الوجهين عندهم: [إنّ الحكم](1) فيه كالحكم في الطلاق الرجعي؛ لأنّ العدّة فيهما لا تختلف.

و الثاني: إنّها تعتدّ عدّة الإماء علي الإطلاق؛ لأنّها محكوم برقّها،».

ص: 415


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».

و ليس للزوج غرض المراجعة(1).

و أمّا عدّة الوفاة فإنّها تعتدّ بشهرين و خمسة أيّام عدّة الإماء، نصّ عليه الشافعي(2).

و لا فرق بين أن تقرّ قبل موت الزوج أو بعده في العدّة.

و الفرق بين عدّة الوفاة و عدّة الطلاق: إنّ عدّة الطلاق حقّ الزوج، و إنّما وجبت صيانةً لمائه، أ لا تري أنّها لا تجب قبل الدخول، و عدّة الوفاة حقّ اللّه تعالي، أ لا تري أنّها تجب قبل الدخول، فقبول قولها في انتقاض عدّة الوفاة لا يُلحق ضرراً بالغير.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه لا تجب عليها عدّة الوفاة أيضاً؛ لأنّها تزعم بطلان النكاح من أصله و قد مات الزوج، فلا معني لمراعاة جانبه، بخلاف عدّة الطلاق(3).

و علي هذا إن جري دخولٌ فعليها الاستبراء.

و هل هو بقُرءٍ واحد، أو بقُرءين ؟ علي ما سبق في التفريع علي القول الأوّل.

و إن لم يَجْر دخولٌ، احتُمل أنّها تستبرئ بقُرءٍ واحد، كما إذا اشتُريت من امرأةٍ أو مجبوبٍ.

و الثاني(4): إنّه لا استبراء أصلاً؛ لأنّا كُنّا نحكم بالنكاح لحقّ الزوجي.

ص: 416


1- الحاوي الكبير 65:8، العزيز شرح الوجيز 432:6، روضة الطالبين 515:4-516.
2- الحاوي الكبير 65:8، المهذّب - للشيرازي - 446:1، الوسيط 325:4، التهذيب - للبغوي - 582:4، البيان 44:8، العزيز شرح الوجيز 432:6، روضة الطالبين 516:4.
3- العزيز شرح الوجيز 433:6، روضة الطالبين 516:4.
4- أي: الاحتمال الثاني.

و قد انقطع كلّ حقوقه، و هي و المُقرّ له يقولان: لا نكاح و لا دخول، فمِمَّ الاستبراء؟

مسألة 477: لو كان اللقيط ذكراً فبلغ و نكح ثمّ أقرّ بالرقّ، فإن قبلنا إقراره مطلقاً، قلنا: هذا نكاح فاسد؛

لأنّه عبد نكح بغير إذن سيّده، فيفرَّق بينهما، و لا مهر عليه إن لم يكن قد دخل، و إن كان قد دخل بها فعليه مهر المثل.

و الأقرب: الأقلّ من مهر المثل أو المسمّي؛ لأنّه إن كان المسمّي أقلّ، فهي لا تدّعي الزيادة.

و هل يتعلّق الواجب بذمّته أو برقبته ؟ الوجه: الأوّل، و هو أصحّ قولَي الشافعي في الجديد.

و الثاني: إنّه يتعلّق برقبته، و هو قول الشافعي في القديم(1).

و الولد حُرٌّ يتبع أشرف طرفيه، و هو الأُمّ مع جهلها.

و إن لم نقبل إقراره فيما يتضرّر به الغير، بل قبلناه فيما يضرّه خاصّةً، فالنكاح صحيح في حقّها، و نحكم بانفساخ النكاح بإقراره؛ لأنّه لا نكاح بينهما، و لم يُقبل قوله في المهر، فإن لم يكن دخل وجب عليه نصف المسمّي، و إن دخل وجب جميع المسمّي، و يؤدّي ذلك ممّا في يده أو من كسبه في الحال أو المستقبل، فإن لم يوجد فهو في ذمّته إلي أن يعتق.

مسألة 478: لو كانت عليه ديون وقت الإقرار بالرقّ و في يده أموال، فإن قبلنا إقراره مطلقاً، فالأموال تُسلّم للمُقرّ له، و الديون في ذمّته؛

لأنّا حكمنا عليه بالرقّ، و جميع ما في يد العبد لمولاه، و لا يُقبل إقراره علي ما

ص: 417


1- التهذيب - للبغوي - 581:4، البيان 45:8، العزيز شرح الوجيز 433:6، روضة الطالبين 516:4.

في يده.

و إن قبلناه فيما يضرّ به دون ما يضرّ بغيره، قضينا الديون ممّا في يده؛ لأنّ الإقرار يضرّ بصاحب الدَّيْن، فلا ينفذ فيه، فيثبت له حقّ المطالبة بدَيْنه ممّا في يده.

ثمّ إن فضل من المال شيء حُكم به للمُقرّ له؛ لأنّه يضرّ به دون غيره، فينفذ إقراره فيه، و إن بقي من الديون شيء كان ثابتاً في ذمّته إلي أن يعتق، كما لو أقرّ العبد بدَيْنٍ لغيره كان ثابتاً في ذمّته يُتبع به بعد العتق.

مسألة 479: إذا باع اللقيط أو اشتري بعد البلوغ ثمّ أقرّ بالرقّ، فإن قبلنا الإقرار منه في كلّ شيءٍ بطل البيع و الشراء؛

لأنّه قد صادف العبوديّة، فلا يصحّ إلّا بإذن مولاه، فإن كان ما باعه [باقياً] في يد المشتري أخذه المُقرّ له، و إلّا طالبه بقيمته.

ثمّ الثمن إن كان قد أخذه المُقرّ و استهلكه، فهو في ذمّته يُتبع به بعد العتق، و إن كان باقياً ردّه، و ما اشتراه إن كان باقياً في يده ردّه إلي بائعه، و إلّا استردّ الثمن من البائع، و يتعلّق حقّ البائع بذمّته.

و إن قبلنا إقراره فيما يضرّه خاصّةً دون ما يضرّ بغيره، لم يُحكم ببطلان البيع و لا الشراء؛ لتعلّق حقّ العاقد بائعاً و مشترياً بالثمن و المثمن.

ثمّ ما باعه إن لم يستوف ثمنه استوفاه المُقرّ له، و إن كان قد استوفاه لم يطالب المشتري ثانياً.

و أمّا ما اشتراه، فإن كان قد سلّم ثمنه تمّ العقد، و المبيع مسلَّم للمُقرّ له.

و إن لم يكن قد سلّمه، فإن كان في يده مال حين أقرّ بالرقّ قضي الثمن منه؛ لأنّا لا نقبل إقراره فيما يضرّ بالبائع، و إن لم يكن في يده مال

ص: 418

فهو كإفلاس المشتري، فيرجع البائع إلي عين ماله إن كان باقياً، و إن لم يكن فهو في ذمّة المُقرّ حتي يعتق، كما أنّه إذا أفلس المشتري و المبيع هالك يكون الثمن في ذمّته يطالَب به بعد يساره.

مسألة 480: لو جني اللقيط بعد بلوغه ثمّ أقرّ بالرقّ، فإن كانت الجناية عمداً فعليه القصاص،

سواء كان المجنيّ عليه حُرّاً أو عبداً علي القولين عند الشافعي.

أمّا إذا قبلنا إقراره مطلقاً، فظاهرٌ.

و أمّا إذا قبلناه فيما يضرّ به دون ما يضرّ بغيره، فإن كان المجنيّ عليه حُرّاً فلا فضيلة للجاني، و إن كان عبداً ألزمناه القصاص؛ لأنّه يضرّه(1).

و عندنا أنّ إقرار العبد بما يوجب القصاص لا ينفذ في حقّ المولي، بل يتعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق.

و إن كانت الجناية خطأً، فإن كان في يده مالٌ أُخذ الأرش منه، قاله بعض الشافعيّة - خلاف قياس القولين؛ لأنّ أرش الخطأ لا يتعلّق بما في يد الجاني، حُرّاً كان أو عبداً - و إن لم يكن في يده مالٌ، تعلّق الأرش برقبته علي القولين(2).

و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا بالقول الثاني، يكون الأرش في بيت المال(3).

و أُجيب عنه: بأنّا علي القول الثاني إنّما لا نقبل إقراره فيما يضرّ

ص: 419


1- المهذّب - للشيرازي - 446:1، التهذيب - للبغوي - 582:4، البيان 45:8، العزيز شرح الوجيز 434:6، روضة الطالبين 517:4.
2- التهذيب - للبغوي - 582:4، العزيز شرح الوجيز 434:6، روضة الطالبين 517:4.
3- البيان 46:8، العزيز شرح الوجيز 434:6، روضة الطالبين 517:4.

بالغير، و ما يتعلّق برقبته لا يضرّ المجنيّ عليه، بل ينفعه، فامّا أن يتبع ذلك تعلّقه ببيت المال فلا ضرر به، فإنّ(1) قطع التعلّق عن بيت المال إضرار(2).

و لو زاد الأرش علي قيمة الرقبة، فالزيادة في بيت المال علي القول الثاني(3).

مسألة 481: لو جُني علي اللقيط بأن قُطع طرفه، ثمّ أقرّ بالرقّ، فإن كانت الجناية عمداً، فإن كان الجاني عبداً اقتُصّ منه،

و إن كان حُرّاً لم يُقتَصّ منه؛ لأنّ قوله مقبول فيما يضرّ به، و يكون الحكم كما لو كانت الجناية خطأً [و إن كانت خطأً](4) فإن قبلنا إقراره في كلّ شيءٍ فعلي الجاني كمال قيمته إن صادفت قتلاً، و إلّا فما تقتضيه جراحة العبد.

و إن قبلنا إقراره فيما يضرّه خاصّةً دون ما يضرّ بغيره و كانت الجناية قَطْعَ يدٍ، فإن كان نصف القيمة مثلَ نصف الدية، أو كان نصف القيمة أقلَّ، فهو الواجب.

و إن كان نصف الدية أقلَّ، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّا نوجب نصف القيمة، و نغلّظ علي الجاني؛ لأنّ أرش الجناية يتبيّن مقداره بالأخرة، و قد بانَ رقّه، فلو نقصنا عن نصف القيمة لتضرّر السيّد.

و أصحّهما عنده(5): إنّه لا يجب إلّا نصف الدية؛ لأنّ قبول قوله في الزيادة إضرار بالحال، و نحن نفرع علي أنّ قوله لا يُقبل فيما يضرّ بالغير،

ص: 420


1- كذا قوله: «فامّا أن يتبع ذلك... فلا ضرر به، فإنّ». و بدله في المصدر: «و له أن يمنع ذلك بأنّ».
2- العزيز شرح الوجيز 434:6.
3- البيان 46:8، العزيز شرح الوجيز 434:6، روضة الطالبين 517:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- الظاهر: «عندهم».

و علي هذا فالواجب أقلّ الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة(1).

و هذا كلّه تفريع علي تعلّق الدية بقتل اللقيط.

و فيه وجهٌ آخَر للشافعيّة، و هو: إنّ الواجب الأقلّ من الدية أو القيمة(2).

و هذا الوجه مطّرد في الطرف من غير أن يُقرّ بالرقّيّة.

مسألة 482: لو ادّعي مدّعٍ رقَّه فأنكره و لا بيّنة للمدّعي، كان عليه اليمين لإنكاره.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا بقبول أصل الإقرار منه، فله أن يحلّفه لرجاء أن يُقرّ، و إن منعنا أصل الإقرار لم يكن له تحليفه؛ لأنّ التحليف لطلب الإقرار، و إقراره غير مقبولٍ(3).

هذا إن جعلنا اليمين مع النكول كإقرار المدّعي عليه، فإن جعلناها كالبيّنة فله التحليف فلعلّه ينكل فيحلف المدّعي و يستحقّ، كما لو أقام البيّنة.

و اعلم أنّه لا فرق فيما تقدّم بأسره بين أن يُقرّ اللقيط بالرقّ ابتداءً و بين أن يدّعي رقَّه فيُصدَّق المدّعي.

و لو ادّعي إنسان رقَّه فأنكره ثمّ أقرّ، ففي قبول قوله وجهان؛ لأنّه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار.

مسألة 483: ولاء اللقيط لمن يتولّي إليه، فإن لم يتوال أحداً كان ميراثه للإمام عندنا؛

لأنّه وارث مَنْ لا وارث له.

و عند أكثر العامّة ولاؤه لسائر المسلمين؛ لأنّ ميراثه لهم(4).

ص: 421


1- العزيز شرح الوجيز 434:6-435، روضة الطالبين 517:4.
2- العزيز شرح الوجيز 435:6، روضة الطالبين 517:4.
3- العزيز شرح الوجيز 435:6.
4- المغني 411:6، الشرح الكبير 417:6.

و لا ولاء للملتقط عليه عند علمائنا أجمع - و به قال عليٌّ عليه السلام و أهل بيته عليهم السلام، و أكثر الصحابة، و هو قول مالك و الشافعي و أحمد و أكثر أهل العلم(1) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «إنّما الولاء لمن أعتق»(2) و «إنّما» للحصر.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «المنبوذ إن شاء جعل ولاءه للّذين ربّوه و إن شاء لغيرهم»(3).

و لأنّه حُرٌّ في الأصل لم يثبت عليه رقٌّ و لا علي آبائه، فلم يثبت عليه الولاء، كالمعروف نسبه.

و قال شريح و إسحاق: عليه الولاء لملتقطه(4).

لما رواه واثلة بن الأسقع عن النبيّ صلي الله عليه و آله: «المرأة تحوز ثلاث مواريث: عتيقها و لقيطها و ولدها الذي لاعنت عليه»(5).

و لقول عمر لأبي جميلة في لقيطه: هو حُرٌّ، لك ولاؤه و علينا نفقته(6).

و هُما ممنوعان، قال ابن المنذر: حديث واثلة لم يثبت، و أبو جميلة مجهول(7).6.

ص: 422


1- المغني 411:6، الشرح الكبير 417:6، حلية العلماء 573:5.
2- صحيح البخاري 94:3 و 200، صحيح مسلم 1144:2-14/1145، سنن أبي داوُد 21:4-3930/22، سنن الترمذي 2124/436:4، سنن الدارقطني 77/22:3، سنن البيهقي 338:5.
3- الفقيه 318/86:3، التهذيب 820/227:8.
4- المغني 411:6، الشرح الكبير 417:6.
5- سنن أبي داوُد 2906/125:3، سنن الترمذي 2115/429:4، سنن البيهقي 259:6، مسند أحمد 15574/544:4.
6- تقدّم تخريجه في ص 310، الهامش (1).
7- المغني 412:6، الشرح الكبير 417:6.

المقصد السادس: في الجعالة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة

لمّا كانت الحاجة غالباً إنّما تقع في ردّ الضوالّ و الأموال المنبوذة، وجب ذكر الجعالة بعقب اللّقطة و الضوالّ.

و الجعالة في اللّغة ما يجعل للإنسان علي شيءٍ يفعله، و كذلك الجُعْل و الجعيلة.

و أمّا في الشرع فصورة عقد الجعالة أن يقول: مَنْ ردّ عبدي الآبق، أو: دابّتي الضالّة، أو: مَنْ خاط لي ثوباً، أو: مَنْ قضي لي الحاجة المعيّنة، و بالجملة، كلّ عملٍ محلَّلٍ مقصودٍ، فله كذا.

و هي جائزة، و لا نعلم فيه خلافاً؛ لقوله تعالي:«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» (1).

و روي العامّة عن أبي عمرو الشيباني قال: قلت لعبد اللّه بن مسعود:

إنّي أصبتُ عبيداً أُبّاقاً(2) ، فقال: لك أجر و غنيمة، فقلت: هذا الأجر فما الغنيمة ؟ فقال: من كلّ رأسٍ أربعين درهماً(3) ، و هذا لا يقوله إلّا توقيفاً.

و من طريق الخاصّة: ما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن

ص: 423


1- سورة يوسف: 72.
2- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبداً آبقاً». و المثبت كما في المصدر و يقتضيه السياق.
3- المغني 382:6.

الباقر عليهما السلام، قال: سألته عن جُعْل الآبق و الضالّة، فقال: «لا بأس»(1).

و عن مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام قال: «إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله جعل في جُعْل الآبق ديناراً إذا أُخذ في مصره، و إن أُخذ في غير مصره فأربعة دنانير»(2).

و لأنّ الحاجة تدعو إلي ذلك، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً، كردّ الآبق و الضالّة و نحو ذلك، فلا يمكن عقد الإجارة فيه، و الحاجة داعية إلي ردّهم، و قلّ أن يوجد متبرّع به، فدعت الضرورة إلي إباحة بذل الجُعْل فيه مع جهالة العمل؛ لأنّها غير لازمةٍ، بخلاف الإجارة، فإنّ الإجارة لمّا كانت لازمةً افتقرت إلي تقدير مدّةٍ معيّنةٍ مضبوطةٍ لا يتطرّق إليها الزيادة و النقصان، و أمّا العقود الجائزة - كالشركة و الوكالة - فلا يجب لها ضرب المدّة، و لأنّ كلّ عقدٍ جائزٍ يتمكّن كلٌّ من المتعاقدين فيه من فسخه و تركه.9.

ص: 424


1- الفقيه 851/189:3، التهذيب 1193/396:6.
2- التهذيب 398:6-1203/399.
الفصل الثاني: في الأركان
اشارة

و هي أربعة:

الركن الأوّل: الصيغة.
اشارة

و هي كلّ لفظٍ دالٍّ علي الإذن في العمل و استدعائه بعوضٍ يلتزمه، كقوله: مَنْ ردّ عبدي أو ضالّتي، أو: خاط لي ثوباً، أو: بني لي حائطاً، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المحلّلة المقصودة في نظر العقلاء، سواء كان العمل مجهولاً أو معلوماً؛ لأنّه عقد جائز كالمضاربة.

و لا بدّ من الإيجاب الصادر من الجاعل، فلو عمل لغيره عملاً أو ضاع لغيره مالٌ غير الآبق و الضالّة فردّه غيره تبرّعاً، لم يكن له شيء، سواء كان معروفاً بردّ اللّقطة، أو لم يكن، و لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّه عمل يستحقّ العوض مع المعاوضة، فلا يستحقّ مع عدمها، كالعمل في الإجارة.

مسألة 484: و أمّا الآبق و الضالّة من الحيوانات فإن تبرّع الرادّ بالردّ أو حصل في يده قبل الجُعْل، فلا شيء له عند أكثر علمائنا

(1) ، كما في غيرهما من الأموال - و به قال الشافعي و النخعي و أحمد في إحدي الروايتين، و ابن المنذر(2) - لأنّه عمل لغيره عملاً من غير أن يشترط له عوضاً،

ص: 425


1- منهم: ابن البرّاج في المهذّب 570:2، و ابن إدريس في السرائر 109:2، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 326.
2- الأُم 71:4، مختصر المزني: 136، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 169:2، الحاوي الكبير 29:8، المهذّب - للشيرازي - 418:1، الوسيط 210:4، حلية العلماء 458:5-459، التهذيب - للبغوي - 564:4، البيان 359:7، العزيز شرح الوجيز 196:6، روضة الطالبين 335:4، المغني 381:6، تحفة الفقهاء 356:3، بدائع الصنائع 203:6، الهداية - للمرغيناني - 178:2، مختصر اختلاف العلماء 2049/352:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 59:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1216/681:2، الذخيرة 6:6 و 7.

فلم يستحق شيئاً، كما لو ردّ لقطته من الأموال.

و قال الشيخ رحمه الله: لم ينص أصحابنا علي شيءٍ من جُعْل اللّقط و الضوالّ إلّا علي إباق العبد، فإنّهم رووا أنّه إن ردّه من خارج البلد استحقّ الأُجرة أربعين درهماً قيمتها أربعة دنانير، و إن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار، و فيما عدا ذلك يستحقّ الأُجرة بحسب العادة.

ثمّ نقل عن الشافعي أنّه لا يستحقّ الأُجرة علي شيءٍ من ذلك إلّا أن يجعل له الجاعل(1) ، و عن مالك: إن كان معروفاً بردّ الضوالّ و ممّن يستأجر لذلك فإنّه يستحقّ الجُعْل، و إن لم يكن معروفاً به لم يستحق(2) ، و عن أبي حنيفة: إن كان ضالّةً أو لقطةً فإنّه لا يستحقّ شيئاً، و إن كان آبقاً فردّه من مسيرة ثلاثة أيّام فأكثر - و هو ثمانية و أربعون ميلاً و زيادة - استحقّ أربعين درهماً، و إن نقص أحد الشرطين بأن جاء به من مسيرة أقلّ من ثلاثة أيّام فبحسابه، و إن كان من مسيرة يومٍ فثلث الأربعين، و إن كان من مسيرة يومين فثلثا الأربعين(3).6.

ص: 426


1- راجع: الهامش السابق.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1216/681:2، الذخيرة 6:6 و 7، عيون المجالس 1304/1844:4، المحلّي 206:8، الإفصاح عن معاني الصحاح 59:2، المغني 383:6، مختصر اختلاف العلماء 2049/352:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 170:2، الحاوي الكبير 29:8، حلية العلماء 460:5، التهذيب - للبغوي - 564:4، البيان 359:7، العزيز شرح الوجيز 196:6.
3- الاختيار لتعليل المختار 51:3، تحفة الفقهاء 356:3، بدائع الصنائع 203:6-205، المبسوط - للسرخسي - 21:11-22، المحيط البرهاني 446:5، مختصر اختلاف العلماء 2049/351:4، الهداية - للمرغيناني - 178:2، المغني 382:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 59:2، المحلّي 206:8، عيون المجالس 1304/1844:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1217/682:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 170:2، الحاوي الكبير 29:8، حلية العلماء 459:5، التهذيب - للبغوي - 564:4، البيان 359:7، العزيز شرح الوجيز 196:6.

و إن كان قيمته أقلّ من أربعين، قال أبو حنيفة و محمّد: ينقص عن قيمته درهم، و يستحقّ الباقي إن كان قيمته أربعين، فيستحقّ تسعة و ثلاثين، و إن كان قيمته ثلاثين يستحقّ تسعة و عشرين(1).

و قال أبو يوسف: يستحقّ أربعين و إن كان يسوي عشرة دراهم، و القياس أنّه لا يستحقّ شيئاً، لكن أعطيناه استحساناً(2) ، هكذا حكاه الشيخ رحمه الله عن الساجي(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ قول الشيخ يحتمل استحقاق الرادّ للآبق و إن لم يشترط المالك له جُعْلاً، و رواه العامّة عن عليٍّ عليه السلام و ابن مسعود و عمر و شريح و عمر بن عبد العزيز و مالك و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي7.

ص: 427


1- تحفة الفقهاء 356:3، بدائع الصنائع 205:6، المبسوط - للسرخسي - 32:11، المحيط البرهاني 446:5، الاختيار لتعليل المختار 51:3، الهداية - للمرغيناني - 179:2، مختصر اختلاف العلماء 2049/351:4، المحلّي 206:8، المغني 383:6، حلية العلماء 460:5، التهذيب - للبغوي - 564:4، البيان 359:7، العزيز شرح الوجيز 196:6.
2- تحفة الفقهاء 356:3، بدائع الصنائع 205:6، المبسوط - للسرخسي - 32:11، المحيط البرهاني 446:5، الاختيار لتعليل المختار 51:3، الهداية - للمرغيناني - 179:2، مختصر اختلاف العلماء 2049/352:4، المحلّي 206:8، المغني 383:6، حلية العلماء 460:5، البيان 359:7.
3- الخلاف 589:3-590، المسألة 17.

الروايتين(1) ؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه جعل في جُعْل الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً(2).

و لأنّه قول مَنْ سمّيناه من الصحابة، و لم نعرف لهم في زمنهم مخالفاً، فكان إجماعاً، و لأنّ في شرط الجُعْل في ردّهم حثّاً علي ردّ الأُبّاق و صيانةً لهم عن الرجوع إلي دار الحرب و ردّتهم عن دينهم(3) و تقوية أهل الحرب بهم، فيكون مشروعاً لهذه المصلحة، بخلاف ردّ اللقط من الأموال فإنّه لا يفضي إلي ذلك.

و القول الأوّل أقوي؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب.

مسألة 485: لو استدعي الردّ فقال لغيره: رُدّ آبقي، استحقّ الجُعْل؛
اشارة

لأنّه عمل يستحقّ في مثله الأُجرة، فكان عليه الجُعْل، كما لو استدعي ردّ اللّقطة، كان عليه أُجرة المثل و إن لم ينص له علي الأُجرة.

و كذا إذا أذن لرجلٍ في ردّ عبده الآبق و لم يشترط له عوضاً بردّه، فالأقوي: استحقاق الجُعْل.

و للشافعيّة قولان:

منهم مَنْ قال: إن كان معروفاً بردّ الأُبّاق بالأُجرة، استحقّ.

و منهم مَنْ قال: لا يستحقّ، و هو ظاهر كلام الشافعي؛ لأنّه قال: إلّا أن يجعل له جُعْلاً(4).

ص: 428


1- المغني 381:6.
2- المغني 381:6-382.
3- في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «و ردّهم دينهم» بدل «و ردّتهم عن دينهم». و الظاهر ما أثبتناه.
4- الحاوي الكبير 30:8، المهذّب - للشيرازي - 418:1، حلية العلماء 459:5، التهذيب - للبغوي - 565:4، البيان 359:7، العزيز شرح الوجيز 196:6-197، روضة الطالبين 336:4، و راجع: الأُم 71:4، و مختصر المزني: 136.

و فيه الخلاف المذكور لهم فيما لو دفع ثوباً إلي غسّالٍ فغسله، و لم يَجْر للأُجرة ذكر(1).

و لو حصلت الضالّة في يد إنسانٍ قبل الجعل، وجب دفعها إلي مالكها، و لا شيء عليه، و كذا المتبرّع، سواء عُرف بردّ الأُبّاق أو لا، و سواء جعل المالك و قصد العامل التبرّع، أو لم يجعل و إن لم يقصد التبرّع.

تذنيب: لا فرق في صيغة المالك بين أن يقول: مَنْ ردّ عبدي، و بين أن يقول: إن ردّه إنسان،

أو: إن رددتَه، أو: رُدّه و لك كذا.

و يصحّ التقييد بالزمان و المكان و أحدهما، و الإطلاق، فيقول: مَنْ ردّ عبدي من بغداد في شهر كذا، أو: خاط ثوبي في بغداد، أو في يومٍ فله كذا.

الركن الثاني: العاقد.
اشارة

و يشترط فيه أن يكون من أهل الاستئجار مطلق التصرّف، فلا ينفذ جعل الصبي و المجنون و السفيه و المحجور عليه لفلسٍ و المكره و غير القاصد، و لا نعلم فيه خلافاً.

و لا يشترط أن يكون الملتزم هو المالك، و لا أن يقع العمل في ملكه، فلو قال شخص: مَنْ ردّ عبد فلانٍ فله كذا، استحقّه الرادّ عليه؛ لأنّه التزمه، فلزمه، بخلاف ما إذا التزم الثمن في بيع غيره و الثواب علي هبة غيره؛ لأنّه عوض تمليكٍ، فلا يتصوّر وجوبه علي غير مَنْ حصل له

ص: 429


1- العزيز شرح الوجيز 197:6، روضة الطالبين 336:4.

الملك، و الجُعْل ليس عوض تمليكٍ.

مسألة 486: لو قال فضوليٌّ: قال فلانٌ: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، لم يستحقّ الرادّ علي الفضوليّ شيئاً؛

لأنّه لم يلتزم، أقصي ما في الباب أنّه كذب، و هو لا يوجب الضمان.

و أمّا المالك فإن كان الفضوليّ قد كذب عليه، لم يكن [عليه] شيء أيضاً، و كان من حقّ الرادّ أن يتثبّت و يتفحّص و يسأل، فالتفريط وقع منه.

و إن كان قد صدق، فالأقوي: وجوب المال عليه، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قال بذلك إن كان المُخبر ممّن يُعتمد علي قوله، و إلّا فهو كما لو ردّ غير عالمٍ بإذنه و التزامه(1).

مسألة 487: لا يشترط تعيين العامل، فيجوز أن يكون شخصاً معيّناً أو جماعةً معيّنين،

مثل أن يقول: إن ردّ زيدٌ عبدي فله كذا، و إن ردّ زيد و عمرو و خالد فلهم كذا، و يجوز أن يكون مجهولاً، كقوله: مَنْ ردّ عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا، أو: مَنْ ردّ عبدي مطلقاً فله كذا؛ لأنّ الغرض ردّ الآبق، و لا تعلّق للمالك بخصوصيّة الرادّ، فلم يكن شرطاً، و لأنّ ردّ الآبق و ما في معناه قد لا يتمكّن منه معيّن، و مَنْ يتمكّن منه [ربما] لا يكون حاضراً، و ربما لا يعرفه المالك، فإذا أطلق الاشتراط و شاع ذلك سارع مَنْ تمكّن منه إلي تحصيله فيحصل الغرض، فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه.

مسألة 488: لو عيّن واحداً فردّ غيره، لم يستحق شيئاً،

كما لو قال لزيدٍ: رُدّ عبدي و لك كذا، أو قال: إن ردّه زيد فله كذا، فردّه عمرو؛ لأنّه

ص: 430


1- التهذيب - للبغوي - 565:4، العزيز شرح الوجيز 197:6، روضة الطالبين 336:4.

لم يشترط لغير ذلك المعيّن، فكان متبرّعاً.

و لو ردّه عبد ذلك المعيّن، استحقّ المولي الجُعْل؛ لأنّ ردّ عبده كردّه، و يده كيده.

و لو قال: مَنْ ردّه فله كذا، استحقّ الرادّ، سواء سمع نداءه أو لا؛ لأنّه قد حصل المقصود، و شمله اللفظ بعمومه، و لم يقصد بقوله شخصاً معيّناً و لا جماعةً معيّنين، بل أطلق، فيُعمل بمقتضي إطلاقه، كما لو قال:

مَنْ صلّي فأعطه ديناراً، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: إنّه لا يستحقّ شيئاً؛ لأنّه قصد التبرّع، فإن قصد العوض؛ لاعتقاده أنّ مثل هذا العمل لا يحبط و يستحقّ به الأُجرة، فكذلك(1).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّا نمنع قصد التبرّع، و لو قصد التبرّع لم يستحق شيئاً، كما لو عيّنه و قال: إن رددتَ عبدي فلك كذا، أو: إن ردّ زيد عبدي فله كذا، فردّه زيد متبرّعاً بعد سماعه بالجعالة، لم يستحق شيئاً؛ لتبرّعه.

و كذا لو عيّنه و كان غائباً فقال: إن ردّه فلان فله كذا، فردّه غير عالمٍ بإذنه و التزامه، فإن نوي التبرّع لم يستحق شيئاً، و إن لم يَنْوه استحقّ علي ما تقدّم.

مسألة 489: لا يشترط القبول لفظاً،

فلو قال: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، فاشتغل واحد بالردّ من غير أن يقول: قبلت، أو: أنا أردّ، صحّ العقد و تمّ، سواء كان العامل معيّناً أو غير معيّنٍ.

و قالت الشافعيّة: إذا لم يكن العامل معيّناً فلا يتصوّر للعقد قبول، و إن كان معيّناً فلا يشترط قبوله أيضاً علي المشهور، و يكفي الإتيان

ص: 431


1- العزيز شرح الوجيز 196:6، روضة الطالبين 336:4.

بالعمل(1) ، كما ذهبنا إليه.

و قال الجويني: لا يمتنع أن يكون كالوكيل في اشتراط القبول(2).

و نحن نمنع اشتراط القبول لفظاً في الوكيل.

نعم، يشترط في العامل المعيّن أن يكون له أهليّة العمل، فلو قال المسلم: مَنْ طالَب بدَيْني الذي علي فلان المسلم فله كذا، لم يدخل الذمّي تحته؛ لما بيّنّا من أنّ الذمّي ليس أهلاً للتوكيل علي المسلم.

مسألة 490: لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، و كان العبد مسلماً، فهل للكافر ردّه ؟ الأقرب ذلك؛

لأنّه ليس بتوكيل عليه، فلا يندرج تحت النهي، مع احتمال اندراجه؛ لاستلزامه إثبات السبيل للكافر علي المسلم، و هو منفيٌّ بالآية(1).

و يدخل تحته الرجل و المرأة و الحُرّ و العبد و الصبي و المسلم و الكافر قطعاً في غير ردّ العبد المسلم، و علي إشكالٍ فيه(2).

و يدخل تحته الصبي و المجنون علي إشكالٍ ينشأ: من عدم اشتراط التبرّع المشروط بالقصد المشروط بالعقل، و من اشتراط عدم التبرّع.

و يدخل تحته أيضاً الواحد و المتعدّد.

مسألة 491: لو كان العوض شيئاً لا يصلح للكافر تملّكه،

كما لو قال:

مَنْ ردّ عبدي، أو: ضالّتي، أو: فَعَل كذا فله عبدي فلان، و كان عبده مسلماً، أو: فله المصحف الفلاني، ففي دخول الكافر إشكال ينشأ: من العموم الشامل للكافر، و من عدم صحّة تملّكه للجُعْل، فيكون قرينة تصرف

ص: 432


1- سورة النساء: 141.
2- أي: في ردّ العبد المسلم.

اللفظ عن عمومه.

فإن قلنا بالدخول، ففي ملكه إشكال أقربه: العدم، فحينئذٍ هل يثبت له القيمة أو لا؟ إشكال.

الركن الثالث: العمل.
اشارة

و يشترط فيه أن يكون محلّلاً، فلا تصحّ الجعالة علي المُحرَّم، فلو قال: مَنْ زني، أو: قتل، أو: سرق، أو: ظلم، أو: شرب خمراً، أو: أكل محرَّماً، أو: غصب، أو غير ذلك من الأفعال المُحرَّمة فله كذا، لم يصح، و لو فَعَل المجعول له ذلك لم يستحق العوض، سواء كان المجعول له معيّناً أو مجهولاً، و لا نعلم فيه خلافاً.

و يشترط أيضاً أن يكون مقصوداً للعقلاء، فلو قال: مَن استقي من دجلةٍ و رماه في الفرات، أو: حفر نهراً و طمّه، أو: بئراً و طمّها، أو غير ذلك ممّا لا يعدّه العقلاء مقصوداً، لم يصح.

و يشترط أن لا يكون واجباً، فلو قال: مَنْ صلّي الفريضة، أو: صام شهر رمضان فله كذا، لم يصح؛ لأنّ الواجب لا يصحّ أخذ العوض عليه.

مسألة 492: لا يشترط في العمل العلمُ إجماعاً؛

لأنّ الغرض الكلّي في الجعالة بذل العوض علي ما لا يمكن التوصّل بعقد الإجارة إليه؛ لجهالته، فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولاً يجوز عقد الجعالة عليه؛ لأنّ مسافة ردّ الآبق قد لا تُعرف، فتدعو الحاجة إلي احتمال الجهالة فيه، كما تدعو إلي احتمالها في العامل، فإذا احتُملت الجهالة في القراض لتحصيل زيادةٍ فلأن تُحتمل في الجعالة أولي.

و هل يشترط الجهل في العمل ؟ الأصحّ: العدم، فلو قال: مَنْ خاط

ص: 433

ثوبي فله درهم، أو قال: مَنْ حجَّ عنّي، أو: مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله مائة، صحّ، و استحقّ العامل الجُعْل؛ لأنّه إذا جاز مع الجهل فمع العلم أولي؛ لانتفاء الغرر فيه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا تجوز الجعالة علي العمل المعلوم، و إنّما تصحّ علي المجهول؛ لإمكان التوصّل في المعلوم بالإجارة(2).

و هو غير جيّدٍ؛ لعدم المنافاة، و لا استبعاد في التوصّل بأمرين أو أُمور.

و لو قيّد المعلوم بالمدّة المعلومة، فقال: مَنْ ردّ عبدي الآبق من البصرة في الشهر فله كذا، فالأقرب: الجواز.

و مَنَع منه بعض الشافعيّة؛ لأنّه يكثر بذلك الغررُ(1).

مسألة 493: لو قال: مَنْ ردّ علَيَّ مالي فله كذا، فردّه مَنْ كان المال في يده، نُظر فإن كان في ردّه من يده كلفة و مئونة كالعبد الآبق،

استحقّ الجُعْل، و إن لم يكن كالدراهم و الدنانير، فلا؛ لأنّ ما لا كلفة فيه لا يُقابَل بالعوض.

و لو قال: مَنْ دلّني علي مالي فله كذا، فدلّه مَن المالُ في يده، لم يستحق الجُعْل؛ لأنّ ذلك واجب عليه بالشرع، فلا يجوز أخذ العوض عليه، أمّا لو كان في يد غيره فدلّه عليه، استحقّ؛ لأنّ الغالب أنّه يلحقه مشقّة في البحث عنه.

و اعلم أنّ كلّ ما يجوز الاستئجار عليه تجوز الجعالة فيه، و يعتبر فيما

ص: 434


1- العزيز شرح الوجيز 203:6-204، روضة الطالبين 342:4.

تجوز الجعالة فيه ما يعتبر في جواز الإجارة، سوي كونه معلوماً، فلو قال:

مَنْ ردّ عبدي، أو: جاريتي فله دينار، صحّ جعالةً؛ لأنّ الجهالة غير ضائرةٍ في الجعالة، و لا يجوز عقد الإجارة علي ذلك؛ لجهالة العمل، المبطلة للإجارة.

الركن الرابع: في الجُعْل.
مسألة 494: يشترط في الجُعْل أن يكون مملوكاً مباحاً للعامل معلوماً،

فلو شرط جُعْلاً لا يصحّ تملّكه - كالكلب و الخنزير و الخمر و العذرة و سائر ما لا يتملّك - لم يصح العقد، و لم يستحقّ العامل شيئاً لا المسمّي و لا غيره.

نعم، لو توهّم التملّك بذلك أو الاستحقاق، فالأقرب: أُجرة المثل؛ لأنّه غير متبرّعٍ بالعمل، و المسمّي لا يصحّ أن يكون عوضاً و هو مغرور، فاستحقّ أُجرة مثل عمله.

و لو كان المجعول محرَّماً و لم يُعلم، مثل أن يقول: مَنْ ردّ عبدي فله ما في هذا الدَّن، أو الزِّق، أو ما في يدي، و كان ذلك خمراً أو ما لا يتملّك، وجب أُجرة المثل قطعاً.

و لو كان ممّا لا تقع المعاوضة عليه كحبّةٍ من حنطةٍ أو زبيبةٍ واحدة، احتُمل استحقاق ذلك خاصّةً، و عدم استحقاق شيءٍ البتّة.

و شرطنا كونه مباحاً بالنسبة إلي العامل؛ لأنّ الملك يقع له، فإذا لم يصح له تملّكه لم يصح العقد، و قد سبق ذكره.

مسألة 495: لا يجوز أن يكون العوض مجهولاً،

بل يجب أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كانت العادة جاريةً بعدّه، كالأُجرة، فلو

ص: 435

كان مجهولاً فسد العقد، و وجب بالعمل أُجرة المثل؛ لانتفاء الحاجة إلي احتمال الجهالة فيه.

و الفرق بينه و بين العمل حيث جاز أن يكون هنا مجهولاً دعوي الحاجة إلي كون العمل هنا مجهولاً، فإنّ الغالب أنّه لا يُعلم موضع الآبق و الضالّ، فلو شرطنا العلم لزم الحرج و عدم دعوي الحاجة إلي كون العوض مجهولاً.

و أيضاً العمل في الجعالة لا يصير لازماً، فلهذا لم يجب كونه معلوماً، و ليس كذلك العوض، فإنّه يصير بوجود العمل لازماً، فوجب كونه معلوماً.

و أيضاً فإنّه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم الجُعْل، فلا يحصل مقصود العقد، فإن شرط جُعْلاً مجهولاً بأن قال: مَنْ ردّ عبدي الآبق فله ثوب، أو: دابّة، أو قال لغيره: إن رددتَ عبدي فعلَيَّ أن أُرضيك أو أُعطيك شيئاً، فسد العقد، و وجب بالعمل أُجرة المثل.

و كذا لو جعل العوض خمراً أو خنزيراً و كانا أو أحدهما مسلمين.

و لو جعل العوض شيئاً مغصوباً، فسد العقد، و وجب أُجرة المثل أيضاً.

و للشافعيّة هنا احتمالان:

أحدهما: تخريجه علي القولين فيما إذا جعل المغصوب صداقاً حتي يرجع في قولٍ إلي قيمة ما يقابل الجُعْل و هو أُجرة المثل، و في قولٍ إلي قيمة المسمّي.

و الثاني: القطع بأُجرة المثل؛ لأنّ العوض ركن في هذه المعاملة، بخلاف الصداق(1).4.

ص: 436


1- العزيز شرح الوجيز 199:6، روضة الطالبين 338:4.

و لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله ثيابه أو سَلَبه، فإن كانت معلومةً، أو وصفها بما يفيد العلم، فللرادّ المشروط، و إلّا فله أُجرة المثل.

و لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله نصفه أو ربعه، فالأقوي: الجواز؛ للأصل، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: المنع(1).

و هو قريب من استئجار المرضعة بجزءٍ من المرتضع الرقيق بعد الفطام.

مسألة 496: لو قال: مَنْ ردّ عبدي من بغداد - مثلاً - فله دينار، صحّ عندنا

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

فإن ردّه من نصف الطريق، استحقّ نصف الجُعْل، و إن ردّه من ثلثه فله الثلث؛ لأنّه عمل نصف العمل أو ثلثه، فكان له من الجُعْل مقابل عمله.

و إن ردّه من مكانٍ أبعد، لم يستحق زيادةً؛ لأنّ المالك لم يلتزم ذلك، فيكون العامل فيه متبرّعاً بالزيادة، فلا عوض له عنها.

و لو ردّه من غير ذلك البلد، لم يستحق شيئاً؛ لأنّه لم يجعل في ردّه منه شيئاً، فأشبه ما لو جعل في ردّ عبدٍ شيئاً، فردّ جاريةً.

و لو قال: مَنْ ردّ عبدَيَّ فله كذا، فردّ أحدهما، استحقّ نصف الجُعْل، قاله بعض الشافعيّة(1).

و عندي فيه نظر.

أمّا لو كان الجُعْل علي شيءٍ تتساوي أجزاؤه و يقسّط عليها بالسويّة؛ لتساوي العمل فيها، كان الحكم ذلك.

ص: 437


1- المهذّب - للشيرازي - 419:1، روضة الطالبين 338:4.

و لو قال لاثنين: إن رددتما عبدي الآبق فلكما كذا، فردّه أحدهما، استحقّ النصف؛ لأنّه لم يلتزم له أكثر من ذلك، لأنّه جعل الجُعْل لاثنين، فقد جعل لكلّ واحدٍ منهما النصف علي نصف العمل، فيكون كلّ واحدٍ منهما في النصف الآخَر لو باشره متبرّعاً.

و لو قال لهما: إن رددتما عبدَيَّ الآبقين فلكما كذا، فردّ أحدُهما أحدَهما، لم يستحق إلّا الربع.

و يشكل بأنّ الالتزام متعلّق بالردّ من ذلك البلد و بردّ العبدين، و لو توزّع الجُعْل في الجعالة علي العمل لاستحقّ النصف إذا ردّ من ذلك البلد إلي نصف الطريق، و لما وقع النظر إلي كون المأتيّ به نافعاً أو غير نافعٍ، كما في الإجارة.

مسألة 497: لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، فإن ردّه واحد كان الجُعْل بأسره له،

و إن ردّه اثنان كان بينهما بالسويّة، و إن ردّه جماعة اشترك الجُعْل بينهم كذلك؛ لصدق لفظة «مَنْ» علي كلّ واحدةٍ من هذه المراتب.

و لو قال لجماعةٍ: إن رددتم عبدي فلكم كذا، فردّوه، فالجُعْل بينهم بالسويّة علي عدد الرءوس و إن تعاونوا في العمل؛ لأنّ العمل في أصله مجهول، فلا يُنظر إلي مقداره في التوزيع، قاله بعض الشافعيّة(1).

و المعتمد خلافه، بل يُوزّع الجُعْل علي قدر العمل كالإجارة؛ لأنّا إنّما ندفع الجُعْل إليهم عند تمام العمل، و حينئذٍ فقد انضبط العمل، فيُوزّع علي أُجور أمثالهم.

مسألة 498: يجوز أن يخصّص الجُعْل لواحدٍ بعينه،

كما يجوز تعميمه، فلو قال لزيدٍ: إن رددتَ عبدي فلك دينار، فردّه غيره، لم يستحق الرادّ شيئاً؛ لأنّه متبرّع به، و لا زيد؛ لأنّه لم يعمل.

ص: 438


1- العزيز شرح الوجيز 200:6، روضة الطالبين 338:4.

نعم، يجوز الاستعانة، فإن استعان زيد المجعول له بغيره إمّا من عبدٍ أو غيره، استحقّ زيد.

و لو قال لزيدٍ: إن رددته فلك دينار، فردّه زيد و عمرو، لم يكن لعمرو شيء؛ لتبرّعه، و لم يلتزم المالك بشيءٍ.

و إن قصد عمرو معاونة زيدٍ إمّا بعوضٍ أو مجّاناً، فلزيدٍ تمام الجُعْل؛ لأنّه قد يحتاج إلي الاستعانة بالغير، و مقصود المالك ردّ العبد بأيّ وجهٍ أمكن، فلا يُحمل لفظه علي قصر العمل علي المخاطب بالمباشرة.

ثمّ ذلك الغير إن تبرّع علي زيدٍ بالإعانة، لم يكن له شيء.

و إن قصد العمل بالأُجرة فاستعمله زيد عليها، فإن عيّن قدر الأُجرة استحقّ ما عيّنه له، سواء زاد علي مال الجعالة أو نقص، و إن لم يعيّن له شيئاً كان له أُجرة المثل علي زيدٍ و إن زادت علي ما حصل له بالجعالة.

و لو قال عمرو: عملتُ للمالك، لم يكن لزيدٍ تمام الجُعْل، بل ما قابَل عمله.

ثمّ هل يُوزَّع مال الجعالة علي الرءوس أو علي قدر العمل ؟ الأقرب:

الثاني، و هو قول بعض الشافعيّة. و المشهور عندهم: الأوّل(1).

و كذا البحث لو عمل المالك مع زيدٍ فإنّه لا يستحقّ زيد كمالَ الجعالة، إلّا أن يقصد المالك إعانته، علي إشكالٍ.

و لو قصد عمرو العمل للمالك، لم يكن له شيء، سواء قصد التبرّع أو الشركة في الجُعْل؛ لأنّ المالك لم يلتزم له شيئاً.

مسألة 499: لو قال لزيدٍ: إن رددتَ عبدي فلك كذا، اختصّ بمال الجعالة مع كمال العمل،

فإن شاركه في العمل اثنان، فإن قصدا معاً إعانةَ

ص: 439


1- العزيز شرح الوجيز 200:6، روضة الطالبين 339:4.

زيدٍ فله تمام الجُعْل، و لو قصدا معاً العمل للمالك فلزيدٍ ثلث الجُعْل؛ لأنّه عمل ثلث العمل، و إن قصد أحدهما إعانةَ زيدٍ و قصد الآخَر العمل للمالك فلزيدٍ الثلثان.

و هل لزيدٍ أن يوكّل الغير لينفرد بالردّ كما يستعين به ؟ إشكال ينشأ:

من أنّ الغرض تحصيل الردّ من غير التعرّض إلي مباشرٍ معيّن، و من أنّه كالوكيل ليس له أن يوكّل إلّا بالإذن.

و لو عمّم الجعالة فقال: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، فقد بيّنّا أنّ كلّ مَنْ باشر الردّ و انفرد به استحقّ كمالَ الجُعْل، سواء كان واحداً أو أكثر.

و هل يصحّ لواحدٍ أن يوكّل غيره ليردّ له ؟ الأقرب: إنّه كالتوكيل في الاحتطاب و الاحتشاش.

مسألة 500: لو قال لواحدٍ: إن رددتَ عبدي فلك دينار، و قال لآخَر:

إن رددته فلك ديناران،

و قال لثالثٍ: إن رددته فلك ثلاثة دنانير، فكلّ مَنْ ردّه منهم كان له ما جعله له خاصّةً، و لو ردّه اثنان كان لكلّ واحدٍ منهما نصف ما جعله له، و لو ردّه الثلاثة كان لكلّ واحدٍ منهم ثلث ما جعله له.

هذا إذا عمل كلّ واحدٍ من الثلاثة لنفسه، أمّا لو قال أحدهم: أعنتُ صاحبَيّ و عملتُ لهما، فلا شيء له، و لكلّ واحدٍ منهما نصف ما شُرط له، و لو قال اثنان منهم: عملنا لإعانة صاحبنا، فلا شيء لهما، و له جميع ما شُرط له.

و لو أعانهم رابع في الردّ، فلا شيء له.

ثمّ إن قال: قصدتُ العمل للمالك، فلكلّ واحدٍ من الثلاثة رُبْع ما جُعل له، و إن قال: أعنتُهم جميعاً، فلكلّ واحدٍ منهم ثلث المشروط له، كما لو لم يكن معهم غيرهم، و لو قال: أعنتُ فلاناً، فله نصف المشروط

ص: 440

له، و لكلّ واحدٍ من الآخَرين رُبْع المشروط له، و علي هذا القياس.

و لو قال: أعنتُ فلاناً و فلاناً، فلكلّ واحدٍ رُبْع المشروط و ثُمْنه، و لثالثٍ رُبْع المشروط له.

و لو عيّن لأحد الاثنين و جهَّل للآخَر، فقال لزيدٍ: إن رددته فلك دينار، و قال لعمرو: إن رددته أرضيتك، أو: فلك شيء، أو: ثوب، فردّاه معاً، فلزيدٍ نصف دينارٍ، و لعمرو نصف أُجرة المثل.

لا يقال: إنّه لو قال: مَنْ دخل داري فله دينار، فدخلها جماعة، استحقّ كلّ واحدٍ منهم ديناراً كاملاً، فليكن هنا كذلك.

لأنّا نقول: الفرق: إنّ كلّ واحدٍ من الداخلين قد صدر عنه دخولٌ كامل كدخول المنفرد، فاستحقّ كلّ واحدٍ منهم العوض كاملاً، و هنا لم يحصل من كلّ واحدٍ منهم ردٌّ كامل، بل اشتركوا جميعاً في الردّ الكامل، و صدر عنهم بأسرهم ردٌّ واحد، فاشتركوا في عوضه.

و نظير الدخول ما لو قال: مَنْ ردّ عبداً من عبيدي فله دينار، فردّ كلّ واحدٍ منهم عبداً، فإنّ كلّ واحدٍ منهم يستحقّ الدينار الكامل.

و نظير الردّ ما لو قال: مَنْ نقب السور فله دينار، فنقب ثلاثة نقباً واحداً، كان الدينار للثلاثة بالسويّة.

مسألة 501: لو قال: مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله دينار، فردّه إنسان إلي نصف الطريق فهرب منه، لم يستحق شيئاً؛

لأنّه شرط الجُعْل بردّه و لم يردّه.

و كذا لو مات العبد بعد وصوله و لم يسلّمه إلي المالك؛ لأنّه لم يرد إليه، كما لو استأجره لخياطة ثوبٍ فخاطه و لم يسلّمه حتي تلف، لم يستحق أُجرةً.

ص: 441

و لو قال: مَنْ وجد عبدي فله دينار، فوجده واجد ثمّ هرب، فالأقرب: إنّه لا يستحقّ؛ لأنّ قرينة الحال تدلّ علي اشتراط الردّ، إذ المقصود الردّ، لا الوجدان؛ لأنّ الوجدان بمجرّده غير مقصودٍ للمالك، و إنّما اكتفي بالوجدان؛ لأنّه سبب الردّ، فصار كأنّه قال: مَنْ وجد لقطتي فردّها علَيَّ.

** *

ص: 442

الفصل الثالث: في الأحكام
مسألة 502: الجعالة عقد جائز من الطرفين إجماعاً
اشارة

لكلٍّ منهما فسخها قبل التلبّس بالعمل و بعده قبل تمامه؛ لأنّ الجعالة تشبه الوصيّة من حيث إنّها تعليق استحقاقٍ بشرطٍ، و الرجوع عن الوصيّة جائز، و كذا ما يشبهها.

و أمّا بعد تمام العمل فلا معني للفسخ و لا [أثر له](1) لأنّ الجُعْل قد لزم بالعمل.

إذا عرفت هذا، فإن رجع المالك قبل شروع العامل في العمل أو فسخ العامل فلم يعمل، فلا شيء للعامل.

و إن كان بعد التلبّس بالعمل فعمل البعض أو قطع بعض المسافة، فإن فسخ العامل لم يستحق لما عَمِل شيئاً؛ لأنّه امتنع باختياره، و لم يحصل غرض المالك بما عَمِل، و قد أسقط العامل حقّ نفسه حيث لم يأت بما شُرط عليه العوض، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح.

و إن فسخ المالك، فعليه للعامل أُجرة مثله؛ لأنّه إنّما عَمِل بعوضٍ فلم يسلم له، و لا يليق أن يحبط عمله بفسخ غيره، و هو أصح وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ العامل لا يستحقّ أيضاً شيئاً، كما لو كان الفسخ من العامل(2).

ص: 443


1- بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة: «أجر». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 201:6.
2- العزيز شرح الوجيز 202:6، روضة الطالبين 340:4.

و ليس بشيءٍ؛ فإنّ الفرق ظاهر.

و لو عَمِل العامل بعد الفسخ من المالك مع علمه بالفسخ، فإنّه لا يستحقّ في العمل بعد الفسخ شيئاً؛ لأنّه متبرّع فيه، و يستحقّ فيما عَمِل قبل الفسخ.

و لو لم يعلم العامل بالفسخ، فالأقرب: إنّه يستحقّ كمالَ الجعالة.

و للشافعيّة خلافٌ بنوه علي فسخ الموكّل الوكالة في غيبة الوكيل، و هل تُنفذ تصرّفاته قبل علمه بالعزل أم لا؟(1).

تذنيب: و كما تنفسخ الجعالة بالفسخ تنفسخ بالموت،

فلو مات المالك قبل العمل بطلت، و كذا لو مات بعد التلبّس قبل إكمال العمل، و لا شيء للعامل فيما يعمل بعد الموت؛ لأنّه متبرّع بالنسبة إلي الوارث.

و لو قطع بعض المسافة فمات المالك فردّه إلي وارثه، استحقّ من المسمّي بقدر ما عَمِل في حياته.

مسألة 503: كما يجوز الفسخ في أصل الجعالة يجوز في صفات الجُعْل

بالزيادة و النقصان و تغيير الجنس قبل التلبّس بالعمل و بعده قبل إكماله، فيعمل بالجعالة الأخيرة إن وقعت قبل التلبّس بالعمل، فلو قال: مَنْ ردّ عبدي فله عشرة، ثمّ قال: مَنْ ردّه فله خمسة، فالعمل علي الأخيرة، و كذا بالعكس يعمل بالأخير فيه، و المذكور فيه هو الذي يستحقّه الرادّ.

و لو قال: مَنْ ردّ عبدي فله دينار، ثمّ قال بعده قبل التلبّس: مَنْ ردّ عبدي فله ثوب، عمل علي الأخيرة من الجعالتين.

و لو لم يسمع العامل الجعالة الأخيرة، قال بعض الشافعيّة: يحتمل

ص: 444


1- العزيز شرح الوجيز 202:6، روضة الطالبين 340:4.

الرجوع إلي أُجرة المثل(1). و لا بأس به.

أمّا لو كان التغيير بالزيادة و النقصان أو بالجنس بعد التلبّس بالعمل، فالأقرب: الرجوع إلي أُجرة المثل؛ لأنّ الجعالة الثانية فسخ للأُولي، و الفسخ في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلي أُجرة المثل.

مسألة 504: استحقاق العامل للجُعْل موقوف علي تمام العمل،

فلو سعي في طلب الآبق فردّه فمات في الطريق أو علي باب دار المالك أو هرب أو غصبه غاصبٌ أو تركه العامل و رجع بنفسه، فلا شيء للعامل؛ لتعلّق الاستحقاق بالردّ، و هو المقصود و لم يحصل، و هذا بخلاف الإجارة؛ فإنّه لو استأجره ليحجّ عنه فتلبّس بالعمل ثمّ مات، فإنّه يستحقّ من الأُجرة بقدر ما عَمِل؛ لأنّ المقصود من الحجّ الثواب و قد حصل ببعض العمل بعضُ الثواب، و هنا لم يحصل شيء من المقصود.

و الثاني(2) أنّ الإجارة لازمة تجب الأُجرة فيها بالعقد، و تستقرّ شيئاً فشيئاً، و الجعالة جائزة لا يثبت فيها شيء إلّا بالشرط و لم يوجد، و ظاهرٌ أنّ الجعالة علي العمل ليس كالإجارة أيضاً، فلو قال: مَنْ خاط ثوبي فله درهم، فخاط واحد بعضَه ثمّ أهمل، لم يستحق شيئاً، مع احتمال استحقاقه، و لو مات فاحتمال الاستحقاق أقوي.

و إذا ردّ الآبق، لم يكن له حبسه إلي استيفاء الجُعْل؛ لأنّ الاستحقاق بالتسليم، و لا حبس قبل الاستحقاق.

و لو قال: إن علّمتَ ولدي القرآن، أو: علّمتني فلك كذا، فعلَّمه

ص: 445


1- الوسيط 213:4، العزيز شرح الوجيز 202:6، روضة الطالبين 341:4.
2- كذا قوله: «و الثاني» إلي آخره، في النُّسَخ الخطّيّة و الحجريّة، و هو الفرق الثاني للشافعيّة بين الجعالة و الإجارة، راجع: العزيز شرح الوجيز 302:6.

البعض و امتنع من تعليم الباقي، فلا شيء له، علي إشكالٍ.

و كذا لو كان الصبي بليداً لا يتعلّم، علي إشكالٍ، كما لو طلب العبد فلم يجده.

أمّا لو مات الصبي في أثناء التعليم فإنّه يستحقّ أجر ما علّمه؛ لوقوعه مسلَّماً بالتعليم، بخلاف ردّ الآبق، فإنّ تسليم العمل بتسليم الآبق، و هنا ليس عليه تسليم الصبي، و لا هو في يده.

و لو منعه أبوه من التعليم، فللمعلّم أُجرة المثل لما علَّم.

و لو قال: إن خطتَ لي هذا القميص فلك درهم، فخاط بعضه، فإن تلف في يد الخيّاط لم يستحق شيئاً، و إن تلف في يد ربّ الثوب بعد ما سلّمه إليه استحقّ من الأُجرة بنسبة ما عَمِل.

مسألة 505: لو جاء بعبده أو ضالّته أو لقطته أو ثوبه مخيطاً و طالَبه بالعوض، فأنكر المالك شرط الجعالة و قال: لم أجعل لك شيئاً، فالقول قول المالك؛

لأصالة عدم الشرط.

و لو اتّفقا علي الجُعْل و اختلفا في قدر العوض، فالقول قول المالك أيضاً؛ لأنّه منكر للزيادة.

و قال الشافعي: يتحالفان، و تثبت أُجرة المثل، كما لو اختلفا في الإجارة و ثمن المبيع(1).

و الأصل عندنا ممنوع.

و لو اختلفا في عين العبد الذي شرط في ردّه العوض، فقال العامل:

ص: 446


1- المهذّب - للشيرازي - 419:1، الوسيط 213:4، الوجيز 241:1، التهذيب - للبغوي - 566:4-567، البيان 362:7، العزيز شرح الوجيز 203:6، روضة الطالبين 342:4.

شرطتَ لي العوض في العبد الذي رددتُه، و قال [المالك]: بل شرطتُ لك في العبد الذي لم تردّه، فالقول قول المالك مع اليمين؛ لأنّه ادّعي عليه شرط العوض في هذا العبد فأنكره، و الأصل عدم الشرط.

و كذا لو قال المالك: شرطتُ لك العوض علي ردّ العبدين، فقال العامل: بل علي ردّ أحدهما.

و لو اختلفا في جنس العوض، فقال المالك: جعلتُ لك عشرة دراهم، و قال العامل: بل عشرة دنانير، فالقول قول المالك أيضاً، كما قلنا في القدر: إنّ القول قول المالك مع يمينه.

فإذا حلف المالك في الصورتين، كان له أقلّ الأمرين من أُجرة المثل و القدر المدّعي.

و قال الشيخ رحمه الله: يحلف المالك، و يثبت عليه أُجرة المثل(1).

و لو اختلفا في السعي بأن قال: حصل في يدك قبل الجُعْل فلا جُعْل لك، و قال العامل: بل حصل بعد الجُعْل، فالقول قول المالك أيضاً؛ لأصالة براءة الذمّة.

مسألة 506: لو قال: مَنْ ردّ عبدي إلي شهرٍ فله كذا، صحّ،

فإن جاء به إلي شهرٍ استحقّ الجُعْل، و إن خرج الشهر و لم يأت به لم يكن له شيء؛ لأنّه لم يأت بما شرطه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ تقدير هذه المدّة مخلٌّ بمقصود العقد، فإنّه ربما لا يظفر به في تلك المدّة، فيضيع سعيه، و لا يحصل غرض المالك، و هذا كما أنّه لا يجوز تقدير مدّة القراض(2).

ص: 447


1- المبسوط - للطوسي - 333:3، الخلاف 590:3، المسألة 18.
2- البيان 357:7، العزيز شرح الوجيز 203:6-204، روضة الطالبين 342:4.

و لو قال: بِعْ عبدي هذا، أو اعمل كذا و لك عشرة دراهم، فإن كان العمل مضبوطاً مقدَّراً، قال بعض الشافعيّة: إنّه يكون إجارةً(1) ، و إن احتاج إلي تردّداتٍ غير مضبوطةٍ فهو جعالة.

مسألة 507: الأقوي: إنّ يد العامل علي ما يحصل في يده إلي أن يردّه يد أمانةٍ.

و لم أقف فيه علي شيءٍ، لكنّ النظر يقتضي ذلك؛ لأصالة البراءة.

ثمّ إذا رفع اليد عن الدابّة و خلّاها في مضيعةٍ، فهو تقصير مضمّن.

و نفقة العبد و علف الدابّة في مدّة الردّ علي المالك؛ لأنّه ملكه، و يد العامل كيَد الوكيل.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه محمول علي مكتري الجمال إذا هرب مالكها و خلّاها عنده(2).

و قال بعضهم: يجوز أن يقال: ذلك أمر أفضت إليه الضرورة، و هنا أثبت العامل اليد عليه باختياره فليتكلّف مئونته، و يؤيّده العادة(3).

و ليس بشيءٍ.

و لو قال لغيره: إن أخبرتني بخروج فلان من البلد فلك كذا، فأخبره، فإن كان له في الإخبار غرض صحيح، استحقّ، و إلّا فلا.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان له غرض صحيح في خروجه استحقّ، و إلّا فلا، و هذا يقتضي أن يكون صادقاً، فإنّ الغرض يحصل به، بخلاف ما

ص: 448


1- العزيز شرح الوجيز 204:6، روضة الطالبين 342:4.
2- العزيز شرح الوجيز 204:6، روضة الطالبين 342:4.
3- العزيز شرح الوجيز 204:6، روضة الطالبين 342:4.

إذا قال: إن أخبرتني بكذا فأنتِ طالق، فأخبرته كاذبةً.

قال: و ينبغي أن يُنظر في أنّه هل يناله تعب أو لا؟(1).

مسألة 508: العامل إن ردّ الآبق أو الضالّة أو غيرهما متبرّعاً بذلك، فلا أُجرة له.

و إن بذل المالك له جُعْلاً فإن عيّنه فعليه تسليمه مع الردّ، و إن لم يعيّنه وجب عليه أُجرة المثل، إلّا في ردّ الآبق، فإنّ فيه أربعة دنانير قيمتها أربعون درهماً إن ردّه من خارج البلد، و إن ردّه من البلد ففيه دينار قيمته عشرة دراهم؛ لما تقدّم(2) في رواية كردين عن الصادق عليه السلام.

قال الشيخ رحمه الله: هذا علي الأفضل، لا الوجوب، و العمل علي الرواية أولي(3).

و لو نقصت قيمة العبد عن ذلك، ففي وجوب ذلك إشكال.

و قال بعض علمائنا: الحكم في البعير الشارد كذلك، إن ردّه من المصر كان عليه دينار قيمته عشرة دراهم، و إن ردّه من غير مصره كان عليه أربعة دنانير(4).

و فيه نظر؛ لعدم الظفر بدليلٍ عليه.

و لو استدعي الردّ و لم يبذل أُجرة، لم يكن للرادّ شيء؛ لأنّه متبرّع بالعمل.

مسألة 509: يجوز أخذ الآبق لمن وجده

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أصحاب الرأي(5) - و لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّ العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب و ارتداده و اشتغاله بالفساد في سائر البلاد.

ص: 449


1- العزيز شرح الوجيز 204:6، روضة الطالبين 342:4-343.
2- في ص 424.
3- المبسوط 333:3.
4- الشيخ المفيد في المقنعة: 648-649، و الشيخ الطوسي في النهاية: 323-324، و ابن البرّاج في المهذّب 570:2، و ابن إدريس في السرائر 109:2.
5- المغني 383:6.

و يكون أمانةً في يده، و إن تلف بغير تفريطٍ، فلا ضمان عليه؛ لأنّه محسن، فينتفي السبيل عليه، فإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا أقام به البيّنة أو اعترف العبد أنّه سيّده، و ان لم يجد مولاه دفعه إلي الإمام أو نائبه، فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رآه مصلحةً، و نحوه قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(1) ، و لا نعرف لهم مخالفاً.

و ليس لملتقطه بيعه و لا تملّكه بعد تعريفه؛ لأنّه ينحفظ بنفسه، فهو كضوالّ الإبل، فإن باعه فسد في قول عامّة أهل العلم(2).

و إن باعه الإمام لمصلحةٍ رآها في بيعه، فجاء سيّده و اعترف بأنّه قد كان أعتقه، فالأقرب: عدم القبول إلّا بالبيّنة؛ لأنّه الآن ملكٌ لغيره، فلا يُقبل إقراره في ملك غيره، كما لو باعه السيّد ثمّ أقرّ بعتقه.

و قال بعض العامّة: يُقبل قوله؛ لأنّه لا يجرّ إلي نفسه نفعاً، و لا يدفع عنه ضرراً(3).

و علي ما اخترناه من عدم قبول قوله ليس له المطالبة بثمنه؛ لإقراره بحُرّيّته، لكن يؤخذ لبيت المال؛ لأنّه لا مستحقّ له ظاهراً.

فإن عاد السيّد فأنكر العتق و طلب المال، كان له أخذه؛ لأنّه مالٌ لا منازع له فيه، فيُحكم له به.

تمّ الجزء الحادي عشر من كتاب تذكرة الفقهاء بعون اللّه تعالي، و يتلوه في الجزء الثاني عشر - بتوفيق اللّه تعالي - المقصد السابع في الإجارة، و ذلك علي يد مصنّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي حسن بن يوسف ابن المطهّر.6.

ص: 450


1- المغني 383:6.
2- المغني 384:6.
3- المغني 384:6.

و قد فرغت من تصنيفه و تسويده في ثالث جمادي الأُولي من سنة خمس عشرة و سبعمائة بالسلطانيّة، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا و مولانا محمّد النبيّ و آله الطاهرين.

ص: 451

المجلد 18

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثامن العشر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقصد السابع: في الإجارة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة

ماهية الاجاره

الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة خاصّة بعوض معلوم لازم في حقيقتها.

استعمال لفظي الاجارة و الاكتراء في عقد ها

و يستعمل في هذا العقد لفظان:

أحدهما: الإجارة، و هي و إن اشتهرت في العقد فهي في اللغة اسم للأجرة، و هي كراء الأجير.

و نقل بعضهم أنّه يقال لها: أجارة أيضا بالضمّ(1).

و يقال: استأجرت دار فلان، و آجرني داره و مملوكه، يؤجرها إيجارا، فهو مؤجر، و ذاك مؤجر، و لا يقال: مؤاجر، و لا: آجر.

أمّا المؤاجر فهو من قولك: أجر الأجير مؤاجرة، كما يقال: نازعه و عامله.

و أمّا الآجر فهو فاعل قولك: أجره يأجره أجرا: إذا أعطاه أجره، أو قولك: أجره يأجره: إذا صار أجيرا له.

و قوله تعالي: عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (2) فسّره بعضهم

ص: 5


1- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
2- سورة القصص: 27.

بالمعني الأوّل، فقال: تعطيني من تزويجي إيّاك رعي الغنم هذه المدّة(1) ، و بعضهم بالثاني، فقال: تصير أجيري(2).

و إذا استأجرت عاملا لعمل، فأنت أجير بالمعني الأوّل؛ لأنّك تعطي الأجرة، و هو أجير بالمعني الثاني؛ لأنّه يصير أجيرا لك.

و «أجره اللّه» لغة في «آجره» أي أعطاه أجره.

و الأجير فعيل بمعني مفاعل، كالجليس و النديم.

اللفظة الثانية: الاكتراء، يقال: أكريت الدار، فهي مكراة، و يقال:

اكتريت و استكريت و تكاريت بمعني، و رجل مكاري، و الكري علي فعيل:

المكاري و المكتري أيضا.

و الكراء و إن اشتهر اسما للأجرة فهو في الأصل مصدر «كاريته».

إذا عرفت هذا، فالإجارة عقد يشتمل علي إيجاب و قبول في عرف الشرع.

جواز عقد الاجاره
مسألة 510: هذا العقد جائز بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) فأوجب لهنّ الإجارة، فدلّ ذلك علي جواز أخذ عوض المنافع.

و اختلف في أنّ الإجارة علي الحضانة و اللبن تابع، أو علي اللبن ؟

و قال تعالي:... يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (4).

ص: 6


1- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
3- سورة الطلاق: 6.
4- سورة القصص: 26 و 27.

و قال تعالي في قصّة الخضر و موسي عليهما السّلام: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (1).

و روي العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: (اعطوا الاجير اجرته قبل ان يجف عرقه)(2) و روي العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «قال ربّكم: ثلاثة أنا خصمهم، و من كنت خصمه خصمته: رجل أعطاني عهدا ثمّ غدر، و رجل باع حرّا فأكل ثمنه، و رجل استأجر أجيرا فاستوفي عمله و لم يوفه أجره»(3).

و عن ابن عباس في قوله تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (4): أن يحجّ الرجل و يؤاجر نفسه(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه السّلام: عن الرجل يتكاري من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ، قال: «الكراء لازم إلي الوقت الذي تكاري إليه، و الخيار في أخذ الكراء إلي ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك»(6).

و في الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام في الحمّال0.

ص: 7


1- سورة الكهف: 77.
2- السنن الكبري - للبيهقي - 120:6، الفردوس 354/106:1، مشكل الآثار 4: 142، حلية الأولياء 142:7، الحاوي الكبير 389:7، نهاية المطلب 66:8، البيان 247:7، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
3- صحيح البخاري 118:3، سنن ابن ماجة 2442/816:2، السنن الكبري - للبيهقي - 14:6 و 121، مسند أحمد 8477/40:3 بتفاوت يسير.
4- سورة البقرة: 198.
5- كما في الخلاف 487:3، المسألة 1 من كتاب الإجارة.
6- الفقيه 697/159:3، التهذيب 209:7-920/210.

و الأجير، قال: «لا يجفّ عرقه حتي تعطيه أجرته»(1).

و عن شعيب قال: تكارينا للصادق عليه السّلام قوما يعملون له في بستان له و كان أجلهم إلي العصر، قال: فلمّا فرغوا قال: «يا شعيب(2) أعطهم أجورهم قبل أن يجفّ عرقهم»(3).

و عن ابن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الإجارة، فقال:

«صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، فقد آجر موسي عليه السّلام نفسه [و اشترط](4) فقال: إن شئت ثمانا، و إن شئت عشرا، فأنزل اللّه تعالي فيه أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (5)»(6).

و لا ينافي ذلك رواية عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه أعطي ما يصيبه في تجارته، فقال: «لا يؤاجر نفسه، و لكن يسترزق اللّه عزّ و جلّ و يتّجر، فإنّه إذا آجر نفسه حظر علي نفسه الرزق»(7) لأنّه للكراهة؛ حيث يمتنع به من التجارة و هي أبرك.

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و أمّا الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جواز عقد الإجارة، إلاّ ما يحكي عن عبد الرحمن الأصمّ أنّه قال: لا يجوز؛3.

ص: 8


1- الكافي 289:5 (باب كراهة استعمال الأجير...) ح 2، التهذيب 929/211:7.
2- في المصدر: «يا معتب» بدل «يا شعيب».
3- الكافي 289:5 (باب كراهة استعمال الأجير...) ح 3، التهذيب 930/211:7.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- سورة القصص: 27.
6- الكافي 2/90:5، الفقيه 442/106:3، التهذيب 1003/353:6، الاستبصار 178/55:3 بتفاوت يسير.
7- الكافي 3/90:5، التهذيب 1002/353:6، الاستبصار 177/55:3.

لأنّ ذلك غرر، و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الغرر، يعني أنّه يعقد علي منافع مستقبلة لم تخلق(1).

و هذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع.

لما تقدّم من النصوص، و أيضا الحاجة داعية إليه، و الضرورة ماسّة له، فإنّه ليس لكلّ أحد دار يسكنها، و لا خادم يخدمه، و لا يلزم غيره أن يسكنه داره و لا يخدمه تبرّعا، و كذلك أصحاب الصنائع يعملون ذلك بأجرة، و لا يمكن أن يعمل ذلك و لا يجدون متطوّعا من الإجارة لذلك، بل ذلك ممّا جعله له طريقا للرزق، حتي أنّ أكثر المكاسب بالصنائع، فلو لا تسويغ هذا العقد لزم الحرج و تعطيل أمور الناس بأسرها، و هو مناف للحكمة.

و العلم به ضروريّ، و الغرر لا معني له مع هذه الحاجة الشديدة، و العقد علي المنافع لا يمكن بعد وجودها؛ لأنّها تتلف بمضيّ الساعات، فدعت الضرورة و الحاجة الشديدة إلي العقد عليها قبل وجودها.

و اشتقاق الإجارة من الأجر، و هي الثواب، تقول: آجرك اللّه، أي:

أثابك.6.

ص: 9


1- الحاوي الكبير 388:7، نهاية المطلب 65:8، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 382:5، البيان 246:7، العزيز شرح الوجيز 80:6، المغني و الشرح الكبير 6:6.

ص: 10

الفصل الثاني: في الأركان و هي أربع:

الركن الأوّل: المتعاقدان.
اشارة

يشترط في المؤجر و المستأجر شروط:

الأوّل: البلوغ،

فلا تنعقد إجارة الصبي إيجابا و لا قبولا، سواء كان مميّزا أو لا، و سواء أذن له الولي أو لا؛ إذ لا عبرة بعبارة الصبي.

الثاني: العقل،

فلا يصحّ عقد المجنون، سواء كان الجنون مطبقا أو أدوارا.

و لو كان يعتوره فآجر في حال إفاقته، صحّ؛ لوجود الشرط حينئذ.

الثالث: أن يكون مختارا،

فلا عبرة بعقد المكره عليه؛ لقوله تعالي:

إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) و لا رضا للمكره علي الفعل.

الرابع: أن يكون قاصدا،

فلو تلفّظ الساهي و النائم و الغافل و السكران و المغمي عليه و شارب المرقد، لم يعتبر بعقده.

الخامس: ارتفاع الحجر عن العاقد،

فلا تنعقد إجارة المحجور عليه للسفه و لا للفلس؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّفات الماليّة.

السادس: أن يكون المؤجر مالكا للمنفعة التي وقعت الإجارة عليها،
اشارة

أو وكيلا له، أو وليّا عليه، فلو عقد الفضولي كان العقد موقوفا، إن أجازه

ص: 11


1- سورة النساء: 29.

مالك المنفعة أو من يلي أمره جاز، و إلاّ فلا.

مسألة 511: حكم اجارة العين المستاجر من غير الموجر
اشارة

و لا يشترط أن يكون المؤجر مالكا للعين التي تعلّقت المنفعة بها، بل أن يكون مالكا للمنفعة و إن كانت العين مملوكة للغير، فلو استأجر دارا أو دابّة أو غيرهما من الأعيان التي يصحّ استئجارها، جاز له أن يؤجرها من غيره، عند علمائنا أجمع - و به قال سعيد بن المسيّب و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و أبو سليمان بن عبد الرحمن و النخعي و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّه قد ملك المنفعة علي حدّ ملك مالك العين لها، فجاز نقلها منه إلي غيره، كما جاز نقل مالك العين لها، و للأصل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «لو أنّ رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم و سكن بيتا منها و آجر بيتا منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها، إلاّ أن يحدث فيها شيئا»(2).

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر أو منه قبل القبض

و الرواية الثانية عن أحمد: إنّه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة و إن كانت مقبوضة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن ربح ما لم يضمنه(3) ، و المنافع لم تدخل في ضمانه، و لأنّه عقد علي ما لم يدخل في ضمانه، فلم يجز، كبيع المكيل و الموزون قبل قبضه(4).

ص: 12


1- المغني 61:6، الشرح الكبير 49:6، الحاوي الكبير 408:7، نهاية المطلب 83:8، البيان 306:7، العزيز شرح الوجيز 143:6 و 187، روضة الطالبين 4: 295 و 325، مختصر اختلاف العلماء 126:4-1823/127، المبسوط - للسرخسي - 130:15، المحيط البرهاني 429:7.
2- التهذيب 919/209:7.
3- شرح معاني الآثار 40:4.
4- المغني 61:6، الشرح الكبير 49:6.

و هو غلط؛ لأنّ قبض العين قام مقام قبض المنافع؛ بدليل أنّه يجوز التصرّف فيها، فجاز العقد عليها، كبيع الثمرة علي الشجرة، فيبطل القياس بهذا الأصل.

مسألة 512: و كما تجوز إجارة العين المستأجرة بعد القبض
اشارة

مسألة 512: و كما تجوز إجارة العين المستأجرة بعد القبض، كذا تجوز إجارتها قبل القبض من غير المؤجر - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - لأنّ قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه، فإذا كان القبض لا يتعلّق به انتقال الضمان فلم يقف جواز التصرّف عليه، و لأصالة الجواز.

و المشهور من قول الشافعي: المنع - و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين - لأنّ المنافع مملوكة بعقد معاوضة، فاعتبر في جواز العقد عليها القبض، كالأعيان(2).

و الحكم في الأصل ممنوع، و بالفرق بما تقدّم.

و أمّا لو آجرها من المؤجر قبل القبض، فإنّه يجوز أيضا.

و من منع من إجارتها قبل القبض لغير المؤجر فله هنا و جهان:

أحدهما: المنع أيضا؛ لأنّه عقد عليها قبل قبضها، فلم يجز كالأجنبيّ.

و الثاني: الجواز؛ لأن القبض هنا غير متعذّر عليه، بخلاف الأجنبيّ(3).

و الأصل في بيع الطعام قبل قبضه لا يصحّ من غير بائعه رواية واحدة

ص: 13


1- نهاية المطلب 83:8، بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 6: 61، الشرح الكبير 49:6.
2- نهاية المطلب 83:8، بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 6: 61، الشرح الكبير 49:6-50.
3- بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 61:6، الشرح الكبير 50:6.

عن أحمد، و هل يصحّ من بائعه ؟ علي روايتين(1).

حكم إجارة العين المستأجرة بعد قبضها من المؤجر

و أمّا إجارتها بعد قبضها من المؤجر فإنّها جائزة - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّ الأصل الجواز، و لأنّ المنفعة قابلة للنقل، و المؤجر أهل لتملّكها كغيره، فجاز العقد معه كغيره، و لأنّ كلّ عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد، كالبيع.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و إلاّ لزم تناقض الأحكام؛ لأنّ التسليم مستحقّ علي المؤجر، فإذا آجرها منه صار التسليم حقّا له، فيصير مستحقّا لما يستحقّ عليه، و هو تناقض(3).

و هو غلط؛ لأنّ التسليم قد حصل، و الذي يستحقّه بعد ذلك تسليم آخر، ثمّ يبطل بالبيع؛ فإنّه يستحقّ عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحقّ تسليمها.

فإن قيل: التسليم هاهنا مستحقّ في جميع المدّة، بخلاف البيع.

قلنا: المستحقّ تسليم العين و قد حصل، و ليس عليه تسليم آخر، غير أنّ العين في ضمان المؤجر، فإذا تعذّرت المنافع بتلف الدار أو غصبها، رجع عليه؛ لأنّها تعذّرت بسبب كان في ضمانه.

مسألة 513: يجوز للمؤجر أن يؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي،
اشارة

مسألة 513: يجوز للمؤجر أن يؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي، سواء أحدث فيها حدثا من عمارة و شبهها أو لا، عند أكثر علمائنا - و به قال عطاء و الحسن البصري و الزهري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدي الروايتين(4) - لأنّه عقد يجوز برأس المال

ص: 14


1- المغني 61:6-62، الشرح الكبير 50:6.
2- بحر المذهب 280:9، البيان 306:7، المغني 62:6، الشرح الكبير 50:6.
3- بحر المذهب 280:9، البيان 306:7، المغني 62:6، الشرح الكبير 50:6.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 115:2، المغني 62:6، الشرح الكبير 6: 51، الحاوي الكبير 408:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، نهاية المطلب 8: 121، بحر المذهب 281:9، حلية العلماء 401:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 307:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4، مختصر اختلاف العلماء 1823/127:4.

فجاز بزيادة، كالبيع، و لأنّه كلّ ما جاز إجارته بمثل ما استأجره به جاز بأكثر، كما لو أحدث عمارة.

لا يقال: الزيادة في مقابلة العمارة و ليست ربحا.

لأنّا نقول: العمارة لا يقابلها جزء من الأجرة.

و للأصل، و للآية(1).

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كان المستأجر قد أحدث فيها حدثا، جاز أن يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها به، و إلاّ فلا(2) ، و به قال الشعبي و الثوري و أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخري؛ لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه نهي عن ربح ما لم يضمن(3) ، و هذا لم يضمن المنفعة، فلا يجوز أن يربح فيها، و لأنّه يربح فيما لم يضمن فلم يجز، كما لو ربح في الطعام قبل قبضه، و يخالف ما إذا عمل فيها؛ لأنّ الربح في مقابلة العمل(4).

و لا حجّة في الخبر؛ فإنّ المنافع قد دخلت [في ضمانه](5) من وجه،ر.

ص: 15


1- سورة المائدة: 1.
2- الخلاف 494:3، المسألة 11.
3- راجع: الهامش (3) من ص 12.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 115:2-116، المغني 62:6-63، الشرح الكبير 51:6، بدائع الصنائع 206:4، المبسوط - للسرخسي - 130:15، المحيط البرهاني 429:7-430، مختصر اختلاف العلماء 126:4 - 1823/127، الحاوي الكبير 408:7، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 9: 281، حلية العلماء 401:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 307:7، العزيز شرح الوجيز 187:6.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.

ألا تري أنّها لو تلفت من غير استيفائه كانت من ضمانه، علي أنّا نخصّه، و القياس علي بيع الطعام باطل؛ فإنّ البيع ممنوع منه بالكلّيّة، سواء ربح أو لا، و هنا يجوز في الجملة، علي أنّا نمنع الحكم في الأصل، و تعليلهم بأنّ الربح في مقابلة عمله ملغي بما إذا كنس الدار و غسلها و نظّفها، فإنّ هذا ممّا يوفّر الأجرة في العادة، و لا يجوز عندكم الزيادة بسببه.

و عن أحمد رواية ثالثة: إنّه إن أذن له المالك في الزيادة جاز، و إلاّ لم يجز(1).

و كره ابن المسيّب و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة الزيادة مطلقا؛ لدخولها في ربح ما لم يضمن(2).

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية التي منع فيها الإيجار بأكثر ممّا استأجرها به: إنّه إن آجر بزيادة تصدّق بالزيادة(3).

و ليس بشيء؛ للقياس علي ما إذا باع بأكثر ممّا اشتراه يطيب له الربح.

تذنيب: عدم جواز إجارة المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره إلاّ

تذنيب: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز أن يؤجر المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره، إلاّ أن يؤجر بغير جنس الأجرة، أو يحدث ما يقابل التفاوت، و كذا لو سكن بعض الملك، لم يجز أن يؤجر الباقي بزيادة عن الأجرة و الجنس واحد، و يجوز بأكثر(4) ؛ لرواية الحلبي عن

ص: 16


1- المغني 63:6، الشرح الكبير 51:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 115:2، المغني 63:6، الشرح الكبير 6: 51.
3- بدائع الصنائع 206:4، مختصر اختلاف العلماء 126:4-1823/127، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 116:2، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 281:9، العزيز شرح الوجيز 187:6، المغني 62:6، الشرح الكبير 51:6.
4- النهاية: 445.

الصادق عليه السّلام، و قد تقدّم(1).

آخر: لو استعار شيئا لم يجز أن يؤجره، و لو استعاره ليؤجره جاز، كما لو استعاره ليرهنه، و للشافعيّة و جهان(2).

مسألة 514: لو تقبّل عملا يعمله كخياطة ثوب أو بناء حائط و شبهه، جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك،

مسألة 514: لو تقبّل عملا يعمله كخياطة ثوب أو بناء حائط و شبهه، جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك، و يكون الفضل له حلالا، سواء عمل المتقبّل فيه شيئا أو لا، و سواء كان مال القبالتين من جنس واحد أو من جنسين؛ للأصل، و هو قياس مذهب أحمد؛ لأنّه إذا جاز أن يقبّله بمثل الأجر الأوّل أو دونه جاز بزيادة عليه، كالبيع و كإجارة العين(3).

و ما رواه أبو حمزة - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلي آخر يربح فيه، قال:

«لا بأس»(4).

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز ذلك مع اتّحاد جنس المال فيهما، إلاّ أن يعمل فيه شيئا(5) - و هو رواية عن أحمد(6) أيضا - لما رواه علي الصائغ عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أتقبّل العمل ثمّ أقبّله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال: «لا يصلح ذلك إلاّ أن تعالج معهم فيه» قلت: إنّي أذيبه لهم، قال: فقال: «ذلك عمل فلا بأس»(7).

ص: 17


1- في ص 12.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 325:4.
3- المغني 63:6-64، الشرح الكبير 52:6.
4- التهذيب 923/210:7، و فيه: «لا» بدل «لا بأس».
5- النهاية: 446.
6- المغني 63:6، الشرح الكبير 51:6-52.
7- التهذيب 927/211:7.

و عن مجمع عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أتقبّل الثياب أخيطها ثمّ أعطيها الغلمان بالثلثين، فقال: «أ ليس تعمل فيها؟» قلت: أقطعها و أشتري لها الخيوط [قال: «لا بأس»(1)].

و هو محمول علي الكراهة؛ جمعا بين الأدلّة.

الركن الثاني: الصيغة.
العبارة الصريحة عن الإيجاب و القبول في عقد الإجارة
اشارة

لا بدّ في كلّ عقد من إيجاب و قبول دالّين علي الرضا الباطن.

و العبارة الصريحة عن الإيجاب: آجرتك هذه الدار - مثلا - أو أكريتك مدّة كذا بكذا، فيقول(2) المستأجر علي الاتّصال: قبلت، أو استأجرت، أو استكريت.

و لا يكفي «ملّكتك» من غير إضافة إلي المنفعة، أمّا لو قال: ملّكتك سكني هذه الدار بكذا سنة، صحّ.

و لو قال: أعرتك هذه الدار سنة بكذا، فالوجه: المنع.

و يحتمل الجواز؛ لتحقّق القصد إلي المنفعة.

مسألة 515: هل الإجارة نوع بيع ؟

مسألة 515: الإجارة عقد يتعلّق بنقل المنافع، و ليست بيعا عندنا.

و قال الشافعي و أحمد: الإجارة نوع من البيع؛ لأنّها تمليك من كلّ واحد منهما لصاحبه، فهي بيع للمنافع، و المنافع بمنزلة الأعيان؛ لأنّه يصحّ تمليكها في حال الحياة و بعد الموت، و تضمن باليد و الإتلاف، و يكون عوضها عينا و دينا، و إنّما اختصّت باسم، كما اختصّ بعض البيوع باسم،

ص: 18


1- الفقيه 699/159:3، التهذيب 926/211:7، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في الطبعة الحجريّة: «ثمّ يقول» بدل «فيقول».

كالصرف و السّلم(1).

و هو غلط؛ لأنّ البيع مختصّ بنقل الأعيان.

إذا ثبت هذا، فلو قال في الإيجاب: بعتك منفعة هذه الدار شهرا بكذا، لم يصح عندنا؛ لما بيّنّا من اختصاص لفظة البيع بالأعيان.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: الجواز؛ لأنّ الإجارة صنف من البيع.

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ البيع موضوع لملك الأعيان، فلا يستعمل في المنافع، كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة(2).

مسألة 516: هل المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين أو هي العين ليستوفي منها المنفعة ؟

مسألة 516: الأقوي: إنّ المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين.

نعم، العين متعلّقة للمنافع - و هو قول أبي حنيفة و مالك و أكثر الشافعيّة(3) - لأنّ المعقود عليه ما يستحقّ بالعقد و يجوز التصرّف فيه، و العين ليست كذلك، فإذن المعقود عليه المنفعة، و عليه ينطبق حدّ الإجارة الذي أطبق عليه الجمهور، و هو أنّ الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة بعوض معلوم، و لأنّ الأجرة في مقابلة المنفعة، و لهذا تضمن المنفعة دون العين، و ما كان

ص: 19


1- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 392:7، نهاية المطلب 81:8، بحر المذهب 265:9، التهذيب - للبغوي - 420:4، المغني و الشرح الكبير 7:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 68:8-69، بحر المذهب 9: 265، الوسيط 154:4، حلية العلماء 387:5، التهذيب - للبغوي - 426:4 - 428، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
3- تحفة الفقهاء 347:2، بدائع الصنائع 174:4-175، الهداية - للمرغيناني - 231:3، المبسوط - للسرخسي - 74:15، روضة القضاة 2747/473:1، التلقين: 398، المعونة 1088:2، نهاية المطلب 67:8، بحر المذهب 9: 266، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 81:6، المغني و الشرح الكبير 7:6.

العوض في مقابلته فهو المعقود عليه.

و تحقيقه: إنّ عين الثوب - مثلا - تتعلّق به أمور ثلاثة:

الأوّل: صلاحيّته لأن يلبس.

الثاني: الفائدة الحاصلة باللّبس لدفع الحرّ و البرد.

الثالث: نفس اللّبس المتوسّط بينهما، و اسم المنفعة يقع عليهما جميعا، و مورد العقد و المستحقّ إنّما هو الثالث.

و قال بعض الشافعيّة: المعقود عليه العين ليستوفي منها المنفعة؛ لأنّ المنافع معدومة، و مورد العقد يجب أن يكون موجودا، و لأنّ اللفظ يضاف إلي العين، فيقال: آجرتك هذه الدار(1).

و نمنع أن يكون المعقود عليه موجودا تحقيقا، فيكفي الوجود التقديري، و قولهم: «آجرتك هذه الدار» معناه منفعتها، و لهذا لو قال:

آجرتك منفعتها، جاز.

و التحقيق يقتضي أنّ الخلاف هنا لفظيّ؛ فإنّ الإجماع واقع علي أنّ العين لا تملك بالإجارة، كما تملك في البيع، و القائل بأنّ متعلّق الإجارة العين يسلّم أنّ المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة، و علي أنّ الحقّ لا ينقطع عن العين، و القائل بأنّ المعقود عليه المنفعة يسلّم ذلك، بل يقول: الحقّ متعلّق بالعين، له تسلّمها و إمساكها مدّة العقد لينتفع بها.

مسألة 517: لو أضاف الإجارة إلي المنافع

مسألة 517: لو أضاف الإجارة إلي المنافع فقال: آجرتك منافع هذه الدار، أو آجرتكها، فالأقوي: المنع؛ لأنّ لفظ الإجارة وضع مضافا إلي

ص: 20


1- نهاية المطلب 67:8، بحر المذهب 266:9، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 81:6، المغني 7:6-8، الشرح الكبير 7:6.

العين، فلا يضاف إلي منافعها، و به قال الجويني من الشافعيّة(1).

و الأظهر عند الشافعيّة: الجواز، و يكون ذكر المنفعة ضربا من التأكيد، كما لو قال: بعتك عين هذه الدار و رقبتها، يصحّ البيع(2).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ البيع يتناول عين الدار و رقبتها، بخلاف الإجارة التي لا تضاف إلي المنافع.

و لو كان العقد في الذمّة، فقال: ألزمت ذمّتك كذا، فقبل، جاز، و أغني عن الإجارة و الإكراء، علي إشكال أقربه: المنع.

و الشافعيّة ذهبوا إلي الأوّل(3).

الركن الثالث: الأجرة.
مسألة 518: تشترط في الأجرة الماليّة،

مسألة 518: تشترط في الأجرة الماليّة، فلا تنعقد الإجارة بعوض ليس بماليّ، كالخمر و الخنزير و شبههما، و الضابط: إنّ كلّ ما صلح أن يكون ثمنا في البيع صحّ أن يكون عوضا في عقد الإجارة؛ لأنّه عقد معاوضة، فأشبه البيع.

و أن يكون معلوما؛ لأنّه عوض في عقد معاوضة، فوجب أن يكون معلوما، كثمن المبيع، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره»(4).

و العلم يحصل بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، كما في عقد البيع.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
2- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
3- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
4- و السنن الكبري - للبيهقي - 120:6.
مسألة 519: إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون، وجب علم مقدارها بهما حالة العقد للمتعاقدين؛
اشارة

مسألة 519: إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون، وجب علم مقدارها بهما حالة العقد للمتعاقدين؛ لأنّه بدونه غرر، و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن الغرر(1).

و ما رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام قال: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيرا حتي يعلمه ما أجره»(2).

هل تكفي المشاهدة كصبرة من الطعام مشاهدة ؟

و هل تكفي المشاهدة، كصبرة من الطعام مشاهدة، أو قبضة من فضّة مشاهدة ؟ الأقوي عندنا: المنع؛ لما تقدّم من أنّه عقد معاوضة، فاشترط العلم بمقدار الثمن المتقدّر بأحد التقديرين، كالبيع، و لانتفاء الغرر معه، و ثبوته بدونه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّ في ذلك قولين؛ كما إذا كان رأس مال السّلم جزافا؛ لأنّ الإجارة تنفسخ بتعذّر استيفاء المنفعة، كما ينفسخ السّلم بتعذّر المسلم فيه، و يحتاجان إلي الرجوع إلي العوض، فلو لم يكن معلوما وقع التشاجر، و لم يعلم أحدهما القدر المستحقّ، و ذلك غرر عظيم.

و الثاني: إنّه يجوز ذلك قولا واحدا، بخلاف السّلم؛ لأنّ المنفعة أجريت مجري الأعيان؛ لأنّها متعلّقة بعين حاضرة، و السّلم يتعلّق بمعدوم و موجود، فافترقا(3).

ص: 22


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 319:3 و 330، المسألتان 13 و 5، و في صحيح مسلم 1513/1153:3، و سنن ابن ماجة 2194/739:2، و سنن أبي داود 3376/254:3، و سنن الترمذي 1230/532:3، و سنن الدارمي 251:2، و السنن الكبري - للبيهقي - 338:5: «نهي عن بيع الغرر».
2- الكافي 4/289:5، التهذيب 211:7-931/212.
3- نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9-268، البيان 286:7، العزيز شرح الوجيز 85:6.
مسألة 520: انقسام الإجارة إلي واردة علي العين و إلي واردة علي الذمّة

مسألة 520: الإجارة تنقسم إلي واردة علي العين، كما لو استأجر دابّة بعينها ليركبها أو ليحمل عليها، أو شخصا بعينه ليخيط له ثوبا أو يبني له جدارا، و إلي واردة علي الذمّة، كما لو استأجر دابّة موصوفة للركوب أو للحمل، أو قال: ألزمت ذمّتك خياطة ثوب أو بناء جدار، فقبل.

و لو قال: استأجرتك لكذا، أو لتفعل كذا، احتمل قويّا أن يكون إجارة واردة علي العين؛ للإضافة إلي المخاطب، كما لو قال: استأجرت هذه الدابّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أن يكون إجارة في الذمّة؛ لأنّ المقصود حصول العمل من جهة المخاطب، فكأنّه قال: استحققت عليك كذا، و إنّما يكون إجارة عين علي هذا إذا زاد فقال: استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا، و إجارة العقارات لا تكون إلاّ من القسم الأوّل؛ لأنّها لا تثبت في الذمّة، ألا تري أنّه لا يجوز السّلم في دار و لا أرض(1).

مسألة 521: فيما إذا عقد الإجارة علي منفعة دار معيّنة إلي مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلي المدّة بالعقد؟

مسألة 521: فيما إذا عقد الإجارة علي منفعة دار معيّنة إلي مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلي المدّة بالعقد؟ إذا عقد عقد الإجارة علي منفعة دار معيّنة إلي مدّة، ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلي المدّة، و يكون حدوثها علي ملكه، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: تحدث علي ملك المؤجر، و لا يملكها المستأجر بالعقد؛ لأنّها معدومة، فلا تكون مملوكة، كالثمرة و الولد(3).

ص: 23


1- نهاية المطلب 74:8، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 248:4.
2- الأم 25:4-26، مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 395:7، نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 249:4، المغني 17:6، الشرح الكبير 60:6.
3- مختصر القدوري: 103، المحيط البرهاني 399:7، بحر المذهب 267:9،

و ليس بشيء؛ لأنّ الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرّف مخصوص، و قد ثبت أنّ هذه المنفعة المستقبلة كان مالك العين يتصرّف فيها كتصرّفه في العين، فلمّا آجرها صار المستأجر مالكا للتصرّف فيها كما كان يملكه المؤجر، فثبت أنّها مملوكة لمالك العين ثمّ انتقلت إلي المستأجر، بخلاف الولد و الثمرة؛ فإنّ المستأجر لا يملك التصرّف فيها.

و قولهم: «إنّ المنافع معدومة» باطل؛ لأنّها مقدّرة الوجود، و لهذا جعلت مورد العقد، و العقد لا يرد إلاّ علي موجود.

مسألة 522: الأجرة إن شرط تعجيلها في العقد كانت معجّلة،

مسألة 522: الأجرة إن شرط تعجيلها في العقد كانت معجّلة، و إن شرط تأجيلها إلي آخر المدّة أو نجوما معيّنة كانت علي الشرط؛ لقوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(1) و لا نعلم في ذلك خلافا.

و إن أطلق كانت معجّلة، و ملكها المؤجر بنفس العقد، و استحقّ استيفاءها إذا سلّم العين إلي المستأجر، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّ الأجرة عوض في عقد يتعجّل بالشرط، فوجب أن يتعجّل

ص: 24


1- صحيح البخاري 120:3، سنن الدار قطني 98/27:3 و 99، السنن الكبري - للبيهقي - 249:7، المستدرك - للحاكم - 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4404/275:4.
2- الحاوي الكبير 395:7، المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 8: 81، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 391:5، التهذيب - للبغوي - 4: 430، البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 249:4، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 32:2، تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 201:4، المبسوط - للسرخسي - 108:15، الهداية - للمرغيناني - 232:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2:

بمطلق العقد، كالثمن و الصداق، و لأنّ المستأجر يملك المنفعة في الحال، و ينفذ تصرّفه فيها، إلاّ أنّه لمّا استحال استيفاؤها دفعة استوفيت علي التدريج؛ لضرورة الحال.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يملك المؤجر الأجرة عند الإطلاق بنفس العقد، كما لا يملك المستأجر المنفعة، فإنّها معدومة، و لكن يملكها شيئا فشيئا، كذلك الأجرة، إلاّ أنّ المطالبة كلّ لحظة ممّا يعسر، فلا يمكن الضبط باللحظات و الساعات، فضبط أبو حنيفة باليوم، و قال: كلّما مضي يوم طالبه بأجرته، و هو رواية عن مالك(1).

و قال في رواية: إنّه لا يستحقّ الأجرة حتي تنقضي المدّة بتمامها، و هو قول الثوري(2).

و لو شرط التعجيل، ملكها في الحال عندهما(3).

ص: 25


1- تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 201:4 و 202، مختصر القدوري: 103، الاختيار لتعليل المختار 84:2، المبسوط - للسرخسي - 108:15، المحيط البرهاني 399:7، الهداية - للمرغيناني - 232:3، الفقه النافع 3: 893/1126، بداية المجتهد 228:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1143/653، عيون المجالس 1264/1799:4، التفريع 184:2، التلقين: 400، المعونة 1092:2، الحاوي الكبير 396:7، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 391:5، التهذيب - للبغوي - 430:4، البيان 287:7، العزيز شرح الوجيز 84:6، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
2- - 1143/653، بداية المجتهد 228:2، عيون المجالس 1264/1800:4، المعونة 2: 1092.
3- تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 202:4، مختصر القدوري: 103،

و قال أبو حنيفة أيضا: إن كانت معيّنة كالدار و الثوب و العبد، ملكها بالعقد، و في غيرها لا يستحقّ المؤجر الأجرة بالعقد، و لا بتسليم العين، و إنّما تجب يوما فيوما، فإذا انقضي اليوم طالبه بأجرته؛ لأنّه يشقّ ساعة ساعة(1).

و احتجّا بأنّ المستأجر ما ملك المنافع بالعقد؛ لأنّها معدومة، بل يملكها شيئا فشيئا، فلا يملك عليه الأجرة دفعة، و لو كان يملكها فلم يتسلّمها؛ لأنّه يتسلّمها شيئا فشيئا، فلا يجب عليه العوض مع تعذّر التسليم في العقد.

و لأنّ اللّه تعالي قال: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (2) أمر بإيتائهنّ بعد الإرضاع.

و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:... رجل استأجر أجيرا فاستوفي منه و لم يوفه أجره»(3).

[و روي عنه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «أعطوا الأجير أجره] قبل أن يجفّ عرقه»(4).

و لأنّه عوض لم يملك معوّضه، فلا يجب تسليمه، كالعوض في العقد الفاسد(5).

ص: 26


1- راجع: الهامش (1) من ص 25.
2- سورة الطلاق: 6.
3- الاختيار لتعليل المختار 84:2، الفقه النافع 893/1126:3، المبسوط - للسرخسي - 15: 108، الهداية - للمرغيناني - 232:3، بداية المجتهد 228:2، التفريع 184:2، التلقين: 400، المعونة 1092:2، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
4- سنن ابن ماجة 2443/817:2، و راجع: الهامش (2) من ص 7.
5- راجع: الهامش (1) من ص 25.

و نمنع عدم الملك، بل قد ملك المستأجر المنافع.

و ينتقض قولهم بأنّها معدومة فلا تكون مملوكة: بما لو شرط التعجيل، فإنّ الشرط لا يجعل المعدوم موجودا، و المنافع إمّا موجودة أو ملحقة بالموجودات، و لهذا صحّ إيراد العقد عليها، و جاز أن تكون الأجرة دينا في الذمّة، و لو لا أنّها ملحقة بالموجودات لكان في معني بيع الدّين بالدّين.

و أمّا عدم التسليم فقد تسلّم العين و جعل تسليم العين كتسليم المنافع في جواز تصرّفه فيها، فجري مجري قبضها في استحقاق العوض.

و المراد من الآية الأمر بالإيتاء عند الشروع في الإرضاع أو تسليم نفسها، كما قال تعالي: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (1) أي: إذا أردت القراءة، و لأنّ هذا تمسّك بدليل الخطاب، و هو غير حجّة عند أبي حنيفة(2) ، و كذا الحديث؛ فإنّ الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله.

و يعارض بقوله تعالي: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) و الصداق يجب قبل الاستمتاع.

و هو الجواب عن الحديث، و يدلّ عليه أنّه إنّما توعّد علي ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل، و قد قلتم: يجب الأجر شيئا فشيئا.

و يحتمل أن يكون توعّده علي ترك الإيفاء في الوقت الذي تتوجّه المطالبة به عادة.4.

ص: 27


1- سورة النحل: 98.
2- أصول السرخسي 260:1، اللّمع: 105، شرح اللّمع 428:1، المنخول: 209، البحر المحيط 15:4، التقريب و الإرشاد 232:3.
3- سورة النساء: 24.

علي أنّ الآية و الخبر إنّما وردا في من استؤجر علي عمل، فأمّا ما وقعت الإجارة فيه علي مدّة فلا تعرّض لهما به.

إذا ثبت هذا، فالإجارة إذا وقعت علي عمل، فإنّ الأجر يملك بالعقد أيضا، لكن لا يستحقّ تسليمه إلاّ عند تسليم العمل.

و قال بعض العامّة: من استؤجر لعمل معلوم استحقّ الأجر عند إيفاء العمل، و إن استؤجر في كلّ يوم بأجر معلوم فله أجر كلّ يوم عند تمامه(1).

و قال بعضهم: الأجر يملك بالعقد، و يستحقّ بالتسليم، و يستقرّ بمضيّ المدّة، و إنّما توقّف استحقاق تسليمه علي العمل؛ لأنّه عوض، فلا يستحقّ تسليمه إلاّ مع تسليم المعوّض، كالصداق و الثمن في المبيع، و فارقت الإجارة علي الأعيان؛ لأنّ تسليمها جري مجري تسليم منفعتها، و إذا كانت علي منفعة في الذمّة لم يحصل تسليم المنفعة و لا ما يقوم مقامها، فتوقّف استحقاق تسليم الأجر علي تسليم العمل(2).

و اعترض الشافعي علي نفسه، فقال: إنّ إيجاب الأجرة بالعقد يفضي إلي أنّ المؤجر ينتفع بالأجرة، فإذا تلف المستأجر قبل انقضاء المدّة ردّها و قد انتفع بها.

و أجاب بالمعارضة بأنّه إذا انقطع المسلم فيه فإنّه يردّ الثمن و قد انتفع به، و أيضا إذا اشتري عينا غائبة و قبّض الثمن ثمّ تلفت قبل القبض، فإنّه يردّ الثمن و قد انتفع به(3).

و كذا يلزم لو شرط تعجيل الأجرة.4.

ص: 28


1- المغني 19:6، الشرح الكبير 156:6.
2- المغني 19:6-20، الشرح الكبير 156:6.
3- الأمّ 28:4.
مسألة 523: الأجرة في عقد الإجارة الوارد علي العين

مسألة 523: الأجرة في عقد الإجارة الوارد علي العين و إن كانت معجّلة بالشرط أو مع الإطلاق علي ما اخترناه لا يجب تسليمها في مجلس عقد الإجارة، كما لايجب تسليم الثمن في البيع.

و إن كانت في الذمّة، فهي كالثمن في الذمّة في جواز الاستبدال، و في أنّه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجّلة أو منجّمة.

و إن شرط التعجيل، كانت معجّلة.

و إن أطلق ذكرها، تعجّلت أيضا، و ملكها المؤجر بنفس العقد، خلافا لأبي حنيفة و مالك، كما تقدّم(1).

مسألة 524: قد بيّنّا أنّه يجب أن تكون الأجرة معلومة بالمشاهدة أو الوصف،

مسألة 524: قد بيّنّا أنّه يجب أن تكون الأجرة معلومة بالمشاهدة أو فإن كانت متقدّرة بالكيل أو الوزن، وجب العلم بمقدارها بهما، فلو قال: اعمل كذا لأرضيك أو لأعطيك شيئا، و ما أشبهه، فسد العقد، و إذا عمل استحقّ أجرة المثل.

و لو استأجر رجلا لسلخ بهيمة مذكّاة بجلدها، لم يجز؛ لأنّه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا، و هل هو ثخين أو رقيق؛ و لأنّه لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع، فلا يجوز أن يكون عوضا في الإجارة، كسائر المجهولات، فإن استأجره بذلك فسلخها كانت الإجارة فاسدة، و للعامل أجرة المثل، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز عندنا؛ لأنّه لا مانع من جوازه(3).

ص: 29


1- في ص 25.
2- نهاية المطلب 196:8، التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 6: 87، روضة الطالبين 251:4، المغني 16:6، الشرح الكبير 25:6.
3- الخلاف 511:3، المسألة 44.

و المعتمد: الأوّل.

و لو استأجره لطرح ميتة بجلدها، فهو أبلغ في الفساد؛ لأنّ جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه و لا المعاوضة به، و قد خرج بموته عن كونه ملكا، فإن فعل فسد العقد، و كان للناقل أجرة مثله.

مسألة 525: لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفها و شعرها، أو بنصفه، أو بجميعه، لم يجز

مسألة 525: لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفهاو شعرها، أو بنصفه، أو بجميعه، لم يجز؛ لأنّ الأجر غير معلوم، و لا يصحّ عوضا في البيع فلا يصحّ عوضا في الإجارة.

و كذا لو دفع إليه بقرة أو فرسا أو بهيمة علي أن يعلفها و يحفظها و ما ولدت من ولد بينهما، لم يجز، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ العوض مجهول معدوم، و لا يعلم هل يوجد أو لا، و الأصل عدمه، و لأنّه لا يصلح ثمنا في البيع فلا يصلح عوضا في الإجارة، و به قال أحمد أيضا، لكنّه قال: إذا دفع الدابّة إلي من يعمل عليها بنصف ربحها جاز(1).

و هو غلط؛ للجهالة.

و فرّق بأنّه إنّما جاز أن يدفع الدابّة إلي عامل بنصف ربحها تشبيها بالمضاربة؛ لأنّها عين تنمي بالعمل، فجاز اشتراط جزء من النماء، كالمضاربة و المساقاة، و في المتنازع لا يمكن ذلك؛ لأنّ النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله علي عمله فيها، فلم يمكن إلحاقه بذلك(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ النماء إنّما يحصل بواسطة رعيه و حراسته.

و لو استأجره علي رعيها مدّة معلومة ببعضها أو بجزء منها معلوم، صحّ عند أحمد؛ لأنّ العمل و المدّة و الأجرة معلومة فصحّ، كما لو جعل

ص: 30


1- المغني 17:6، الشرح الكبير 25:6-26.
2- المغني 17:6، الشرح الكبير 26:6.

الأجر دراهم معلومة، و يكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك (لأنّه ملك الجزء المجعول له منها في الحال)(1) فكان له نماؤه، كما لو اشتراه(2).

و سيأتي البحث فيه.

مسألة 526: كلّ ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة؛

مسألة 526: كلّ ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة؛ لما بينهما من التناسب حتي ظنّا واحدا، فعلي هذا يجوز أن يكون العوض عينا و منفعة، سواء ماثلت منفعة العين التي وقعت الإجارة عليها أو خالفتها، كما لو استأجر دارا و جعل العوض سكني دار أخري، أو استأجر دارا بخدمة عبد سنة؛ لأنّ المنفعتين المختلفتين و المتماثلتين منفعتان تجوز إجارتهما، فجاز أن يستأجر إحداهما بالأخري، كمنفعة الدار و العبد، و قد قال اللّه تعالي في المختلفتين [إخبارا عن شعيب](3): إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (4) فجعل النكاح عوض الإجارة، و به قال الشافعي و أحمد(5).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، إلاّ أن يختلف جنس المنفعة، فتؤجر

ص: 31


1- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أشبه ملك الجزء المجعول له منها يملكه في الحال». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 17:6، الشرح الكبير 26:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 16:6، و الشرح الكبير 23:6.
4- سورة القصص: 27.
5- الحاوي الكبير 392:7، المهذّب - للشيرازي - 406:1، بحر المذهب 9: 282، حلية العلماء 400:5، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 283:7، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4، المغني 15:6-16، الشرح الكبير 23:6، روضة القضاة 2777/477:1، بدائع الصنائع 194:4، المبسوط - للسرخسي - 139:15.

منفعة دار بمنفعة بهيمة أو غيرها، و لا يجوز أن يؤجرها بمنفعة دار أخري؛ لأنّ الجنس الواحد يحرم فيه النّسء عنده، و هذه نسيئة في جنس، فيلزم الربا(1).

و منع الشافعيّة الحكم في الأصل(2).

و نحن نخصّص ذلك بالبيع، علي أنّا نمنع النسيئة فيهما، بل كلّ منهما يملك في الحال جميع المنفعة في المدّة، لكن استيفاؤها متعذّر دفعة.

و يبطل ما قاله بما إذا اختلف جنس المنفعة، مع أنّ المنافع كلّها جنس واحد، علي أنّ تقدير المدّة في الإجارة ليس بتأجيل، و إنّما هو تقدير المنفعة، و لو كانت تأجيلا لم يجز في جنسين مختلفين أيضا؛ لأنّه يكون بيع الدّين بالدّين.

و عندنا و عند الشافعيّة(3) لا ربا في المنافع أصلا، حتي لو آجره دارا بمنفعة دارين جاز(4) ، و كذا لو آجر حليّا ذهبا بذهب، و لا يشترط القبض في المجلس.

مسألة 527: لو استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير، و ضبطه كما يضبط في السّلم،

مسألة 527: لو استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير، و ضبطه كما يضبط في السّلم، جاز.

ص: 32


1- الاختيار لتعليل المختار 78:2، بدائع الصنائع 194:4، روضة القضاة 1: 2775/477 و 2776، المبسوط - للسرخسي - 139:15، مختصر اختلاف العلماء 1819/123:4، المغني 16:6، الشرح الكبير 23:6-24، الحاوي الكبير 7: 392، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 400:5، التهذيب - للبغوي - 4: 429، البيان 283:7، العزيز شرح الوجيز 86:6.
2- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4.
3- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4.
4- في «ص»: «يجوز».

و لا يجوز بأرطال من الخبز عندنا؛ لأنّه لا يجوز السّلم في الخبز؛ لعدم انضباطه.

و للشافعيّة قولان في جواز السّلم فيه، و هما جاريان هنا(1).

و لو آجر الدار بعمارتها، و الدابّة بعلفها، و الأرض بخراجها و مؤونتها، لم يجز؛ لعدم الضبط في ذلك كلّه.

أمّا لو آجره الدار بدراهم معلومة علي أن يعمرها و لا يحسب ما أنفق من الدراهم، أو آجره بدراهم معلومة علي أن يصرفها إلي العمارة، فالأقوي: الجواز.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ [الأجرة الدراهم](2) و الصرف إلي العمارة، و العمل في الصرف مجهول و إن كانت الدراهم معلومة [ثمّ](3) إذا صرفها إلي العمارة رجع بها(4).

و لو أطلق العقد ثمّ أذن له في الصرف إلي العمارة، أو تبرّع به المستأجر، جاز.

فإن اختلفا في قدر ما أنفقه، فالقول قول المالك أو المستأجر؟ إشكال، و للشافعيّة قولان(5).

مسألة 528: لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته، فإن قدّرا ذلك و علماه

مسألة 528: لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته، فإن قدّرا ذلك و علماه

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 409:4، و 84:6، روضة الطالبين 257:3-258، و 4: 249.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العمارة». و المثبت كما في المصدر.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 84:6-85، روضة الطالبين 250:4.
5- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.

صحّ العقد، و إن لم يقدّراه بطل العقد، و لا فرق بين أن يكون ذلك في الظئر و غيرها - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد و أبو ثور و ابن المنذر(1) - لأنّ ذلك مجهول غير منضبط عند العقد، فلم يصح؛ لفوات الشرط، و هو العلم بالقدر، و لاشتماله علي الغرر؛ لقبوله التفاوت و الزيادة و النقصان، و ذلك يفضي إلي التنازع، و يختلف كثيرا، و بالقياس علي عوض المبيع و النكاح.

و قال مالك: يجوز - و به قال إسحاق - لما رواه العامّة عن أبي بكر و عمر و أبي موسي أنّهم استأجروا الأجراء بطعامهم و كسوتهم، و إذا جاز كان للعامل وسط النفقة و الكسوة(2).

و لا حجّة في فعل من ذكر.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك إلاّ في الظئر خاصّة(3).لي

ص: 34


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 268:9 و 302، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، تحفة الفقهاء 361:2، بدائع الصنائع 4: 193، روضة القضاة 2815/480:1، الاختيار لتعليل المختار 90:2، الفقه النافع 1134:3، المبسوط - للسرخسي - 119:15، المحيط البرهاني 445:7، الهداية - للمرغيناني - 241:3، المغني 78:6، الشرح الكبير 15:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1104:2.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1103:2 - 1104، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 268:9 و 302، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 77:6، الشرح الكبير 14:6.
3- تحفة الفقهاء 361:2، بدائع الصنائع 184:4 و 193، مختصر القدوري: 104، الهداية - للمرغيناني - 241:3، الاختيار لتعليل المختار 90:2، الفقه النافع 3: 1134، روضة القضاة 2814/480:1، المبسوط - للسرخسي - 119:15، المحيط البرهاني 445:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، الإشراف علي

و عن أحمد ثلاث روايات كالأقوال الثلاثة؛ لأنّ ذلك مجهول، و إنّما جاز في الظئر؛ لقوله تعالي: وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) أوجب لهنّ النفقة و الكسوة علي الرضاع، و لم يفرّق بين المطلّقة و غيرها، بل في الآية قرينة تدلّ علي طلاقها؛ لأنّ الزوجة تجب نفقتها و كسوتها بالزوجيّة و إن لم ترضع، و لأنّ اللّه تعالي قال: وَ عَلَي الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ (2) و الوارث ليس بزوج، و لأنّ المنفعة في الحضانة و الرضاع غير معلومة، فجاز أن يكون عوضها كذلك(3).

و لا دلالة في الآية؛ لأنّ الواجب في الآية النفقة باعتبار الولادة علي الأب، لا علي وجه الإجارة، و ثبوت حقّ علي الأب يتوجّه علي وارثه.

سلّمنا أن يكون علي سبيل الإجارة، لكن ليس في الآية دليل علي عدم التقدير، و لا ينافيه، فجاز أن يكون مقدّرا؛ جمعا بين الأدلّة.

و احتجّ المجوّزون مطلقا بما روي العامّة عن عتبة قال: كنّا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقرأ طسم (4) حتي إذا بلغ قصّة موسي عليه السّلام قال:

«[إنّ](5) موسي أجّر نفسه ثماني سنين أو عشرا علي عفّة فرجه و طعام بطنه»(6) و شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.

و عن أبي هريرة قال: كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني

ص: 35


1- سورة البقرة: 233.
2- سورة البقرة: 233.
3- مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1104:2، المغني 77:6، الشرح الكبير 14:6.
4- أي: سورة القصص.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- سنن ابن ماجة 2444/817:2.

(و عفّة فرجي)(1) [و عقبة رجلي](2) أحطب لهم إذا نزلوا و أحدو لهم إذا ركبوا(3).

و لأنّه عوض منفعة، فقام العرف فيه مقام التسمية، كنفقة الزوجة، و لأنّ للكسوة عرفا، و هي كسوة الزوجات، و للإطعام عرفا، و هو الإطعام في الكفّارات، فجاز إطلاقه كنقد البلد.

و نخصّ أبا حنيفة بأنّ ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة، كالأثمان(4).

و لا دلالة في قصّة موسي عليه السّلام؛ لأنّه شرط في النكاح الاستئجار، و لأنّ شرع موسي منسوخ، فلا عبرة به.

و حديث أبي هريرة لا اعتبار به؛ لأنّ فعله ليس بحجّة(5) ، و لا نسلّم أنّ ذلك وقع علي الوجه المشروع، بل كان علي سبيل بيع المعاطاة من غير عقد شرعيّ، و نمنع ثبوت العرف فيما ذكره(6).

مسألة 529: لا فرق بين أن يستأجره بالنفقة و الكسوة و يطلقها،

مسألة 529: لا فرق بين أن يستأجره بالنفقة و الكسوة و يطلقها، و بين أن يجعلهما جزءا من الأجرة، فلو استأجره بدراهم معيّنة و بنفقته و كسوته و أطلقهما، لم يصح عند المانعين، و جاز عند المجوّزين؛ لأنّ الجهالة لا ترتفع بانضمام المعلوم إلي المجهول.

ص: 36


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «غنيمة رحلي». و المثبت كما في المصدر، و العقبة - بالضمّ -: النوبة، أي: نوبة ركوبه. القاموس المحيط 106:1، النهاية - لابن الأثير - 268:3 «عقب».
3- سنن ابن ماجة 2445/817:2.
4- المغني 78:6-79، الشرح الكبير 15:6-16.
5- في «ر، ص»: «حجّة».
6- الظاهر: «ذكروه».

أمّا لو جعل مال الإجارة شيئا معيّنا و شرط له النفقة، فالأقوي:

الجواز، سواء أطلق أو عيّن.

أمّا مع التعيين: فظاهر؛ لانتفاء الجهالة فيه.

و أمّا مع الإطلاق: فلأنّه لم يجعله جزءا من مال الإجارة، بل شرطه علي سبيل التبعيّة، فلا تضرّ الجهالة فيه، كشرط أساسات الحيطان و عروق الشجر في البيع.

مسألة 530: إذا استأجره بطعامه و كسوته و نفقته و غير ذلك، صحّ إجماعا،

مسألة 530: إذا استأجره بطعامه و كسوته و نفقته و غير ذلك، صح إجماعا، و وصفها كما يصف في السّلم.

و إن لم يشرط طعاما و لا كسوة، فنفقته و كسوته علي نفسه، و كذلك الظئر.

قال ابن المنذر: و لا أعلم خلافا في ذلك(1).

و قد روي علماؤنا: إنّ من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كانت نفقته علي المستأجر، إلاّ أن يشترط علي الأجير(2).

و الأقرب عندي ذلك مع الشرط لا بدونه، فإذا استأجره و شرط له طعاما معيّنا و كسوة معيّنة، صحّ؛ لأنّه معلوم، و يكون ذلك للأجير إن شاء أكله و إن شاء تركه لنفسه.

و لو استأجر دابّة بعلفها و لم يعيّن، لم يصح.

و كذا لو استأجرها بدراهم معيّنة و شرط علفها و لم يعيّن.

و لو عيّن، صحّ في البابين.

ص: 37


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 113:2، و عنه في المغني 79:6، و الشرح الكبير 16:6.
2- راجع: النهاية: 447.
مسألة 531: لو استأجره بطعامه و نفقته و عيّن قدرهما عندنا، أو أطلق عند من أجازه، أو شرطهما، أو وجبا له علي الرواية

مسألة 531: لو استأجره بطعامه و نفقته و عيّن قدرهما عندنا، أو أطلق عند من أجازه، أو شرطهما، أو وجبا له علي الرواية، فاستغني الأجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو بطعام غيره، أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره، لم تسقط نفقته، و كان له المطالبة بها؛ لأنّها عوض، فلا تسقط بالغني عنه، كالدراهم.

و قد روي سليمان بن سالم عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل استأجر رجلا بنفقة و دراهم مسمّاة علي أن يبعثه إلي أرض، فلمّا أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلي منزله الشهر و الشهرين، فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلي ما كان ينفق عليه في الشهر إذ هو لم يدعه، فكافأه به الذي يدعوه، فمن مال من تلك المكافأة ؟ من مال الأجير أو مال المستأجر؟ قال: «إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، و إلاّ فهو علي الأجير» و عن رجل استأجر رجلا بنفقة مسمّاة و لم يفسّر شيئا علي أن يبعثه إلي أرض، فما كان من مؤونة الأجير من غسل الثياب أو الحمّام فعلي من ؟ قال: «علي المستأجر»(1).

مسألة 532: لو احتاج الأجير إلي دواء لمرضه، لم يلزم المستأجر ذلك

مسألة 532: لو احتاج الأجير إلي دواء لمرضه، لم يلزم المستأجرذلك؛ لأنّه لم يشرط له إلاّ طعام الأصحّاء، لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح يشتري به الأجير ما يصلح له؛ لأنّ ما زاد علي طعام الصحيح لم يقع العقد عليه، فلا يلزم به، كالزائد في القدر.

و إذا دفع إليه طعامه فأحبّ الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه، نظر فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته و يفضل الباقي أو

ص: 38


1- الكافي 287:5-2/288، التهذيب 212:7-933/213.

كان في تركه لأكله ضرر بأن يضعف عن العمل، و يقلّ لبن الظئر، منع منه؛ لأنّه في الصورة الأولي لم يملّكه إيّاه، بل أباحه أكل قدر حاجته، و في الثانية علي المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته، فمنع منه، كالجمّال إذا امتنع من علف الجمال.

و أمّا إن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة، أو دفع إليه أكثر و ملّكه إيّاه و لم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر، جاز؛ لأنّه حقّ له، لا ضرر فيه علي المؤجر، فأشبه الدراهم.

و لو قدّم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله، فإن كان علي مائدة لا يخصّه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر؛ لأنّه لم يسلّم إليه، فكان تلفه من ماله، و ان خصّه بذلك و سلّم إليه فهو من ضمان الأجير؛ لأنّه سلّمه عوضا علي وجه التمليك، فخرج عن العهدة، كالبيع.

مسألة 533: قد بيّنّا أنّه يشترط العلم في العوض،

مسألة 533: قد بيّنّا أنّه يشترط العلم في العوض، فلو سلّم إليه ثوبا و قال: إن خطته اليوم فلك درهم، و إن خطته غدا فنصف درهم، فإن كان علي سبيل الجعالة صحّ.

و إن كان علي سبيل الإجارة، قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ العقد فيهما، فإن كان خاطه في اليوم الأوّل كان له درهم، و إن خاطه في الغد كان له نصف درهم(1) ، و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد في إحدي الروايتين؛ لأنّه سمّي لكلّ عمل عوضا معلوما، كما لو قال: كلّ دلو بتمرة(2).

ص: 39


1- الخلاف 509:3، المسألة 39.
2- مختصر القدوري: 103، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 333:2، بدائع الصنائع 186:4، الجامع الصغير: 443، المبسوط - للسرخسي - 15:

و استدلّ الشيخ بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) و في أخبارنا ما يجري مجري هذه المسألة بعينها منصوصة، و هي أنّ من استأجر دابّة علي أن يوافي بها يوما معيّنا علي أجرة معيّنة، فإن لم يواف ذلك اليوم كان أجرتها أقلّ من ذلك، و أنّ هذا جائز، و ما نحن فيه مثله بعينه(2).

و قال الشافعي: يبطل العقد فيهما، و تجب له أجرة المثل، سواء عمله في اليوم أو في غده - و به قال مالك و الثوري و إسحاق و أبو ثور و زفر و أحمد في الرواية الثانية - لأنّه عقد واحد، فإذا اختلف فيه العوض بالتقديم و التأخير كان فاسدا، كما لو قال: آجرتك هذا بدرهم نصفه نسيئة و نصفه نقدا، أو قال: بعتك هذا بدرهم نقدا و بدرهمين نسيئة(3).

و قال أبو حنيفة: الشرط الأوّل جائز، و الثاني فاسد، فإن خاطه في اليوم الأوّل فله درهم، و إن خاطه في الثاني فله أجرة مثله، لكن لا ينقص فيها عن نصف درهم و لا يزاد علي درهم؛ لأنّهما جاريان مجري العقدين؛

ص: 40


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، و الهامش (3) منها، الجامع لأحكام القرآن 33:6، التهذيب 1503/371:3، الاستبصار 835/232:3.
2- 100، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، الهداية - للمرغيناني - 246:3، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 438:5، البيان 358:7، المغني 98:6، الشرح الكبير 27:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 131:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1157/657:2.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 437:5، التهذيب - للبغوي - 429:4، البيان 358:7، العزيز شرح الوجيز 6: 85، روضة الطالبين 250:4، المدوّنة الكبري 408:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1157/657:2، الذخيرة 377:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 95-1777/96، المبسوط - للسرخسي - 100:15، بدائع الصنائع 186:4، المغني 98:6، الشرح الكبير 26:6-27.

لأنّ خياطة الثاني غير الأوّل، و لو اقتصر علي الأوّل كان جائزا، و فساد الثاني لا يفسده، كما لو قال: بعتك هذا العبد بمائة درهم، و هذا العبد بزقّ خمر، ففساد الثاني لا يفسد الأوّل، و إنّما فسد الثاني عنده؛ لأنّه موجب العقد الأوّل، لأنّ موجبه أن يجب في اليوم الثاني أجرة المثل(1).

و نمنع تعدّد العقد، بل هو عقد واحد، و المنفعة واحدة، و إنّما اختلف عوضها، كذا قاله الشافعيّة(2).

و نحن نمنع وحدة المنفعة؛ فإنّ خياطة اليوم مغايرة لخياطة غد.

مسألة 534: إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا - و هو الذي يكون بدرزين - فلك درهمان،

مسألة 534: إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا - و هو الذي يكون بدرزين - فلك درهمان، و إن خطته فارسيّا - و هو الذي يكون بدرز واحد - فلك درهم، قال الشيخ رحمه اللّه: تصحّ الإجارة(3).

و وافق أبو حنيفة أصحابه هنا في جواز الإجارة علي كلا التقديرين.

و احتجّوا بأنّه عقد عقدين و خيّره فيهما، فصار كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين لا بعينه بخيار ثلاثة أيّام، و إنّما لم يحتج إلي الخيار في الإجارة؛ لأنّ المعقود عليه لا يملك بالعقد، و إنّما يملك بإيفاء العمل، و إذا عمله تعيّن، فلا يؤدّي إلي أن يملكه غير معيّن، كما لو قال: بعتك أحد

ص: 41


1- الجامع الصغير: 442-443، مختصر القدروي: 103، بدائع الصنائع 186:4، المبسوط - للسرخسي - 99:15-100، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 333:2، الفقه النافع 896/1128:3، الهداية - للمرغيناني - 246:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 437:5-438، التهذيب - للبغوي - 429:4، البيان 358:7، العزيز شرح الوجيز 85:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1157/657:2، المغني 98:6، الشرح الكبير 27:6.
2- بحر المذهب 308:9، المغني 98:6، الشرح الكبير 26:6.
3- الخلاف 510:3، المسألة 40.

هذين العبدين بدرهم، أو: بعتك هذا الثوب بدرهم(1).

و الشيخ رحمه اللّه كأنّه عوّل في هذه المسألة علي المسألة الأولي؛ فإنّ دليلهما واحد، و هو النظر إلي الرواية(2).

و قال الشافعي: العقد باطل، و تجب له أجرة المثل في أيّ الخياطتين كان(3).

مسألة 535: لو استأجره ليحمل له متاعا إلي موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا،

مسألة 535: لو استأجره ليحمل له متاعا إلي موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا، جاز.

و لو شرط سقوط جميع الأجرة إن لم يوصله فيه، لم يجز، و كان له أجرة المثل.

و يجيء علي قول الشافعي البطلان فيهما، و وجوب أجرة المثل.

لنا: الأصل الجواز.

و ما روي من قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و هذا شرط سائغ مرغوب فيه عند العقلاء لا يقتضي تجهيلا، فكان لازما.

ص: 42


1- الاختيار لتعليل المختار 87:2، بدائع الصنائع 185:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 333:2، الفقه النافع 896/1128:3، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، مختصر القدوري: 103، الهداية - للمرغيناني - 246:3، المغني 99:6، الشرح الكبير 27:6.
2- راجع: الهامش (1) من ص 40.
3- حلية العلماء 439:5، العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4، مختصر اختلاف العلماء 95:4-1777/96، المغني 98:6 و 99، الشرح الكبير 26:6 و 27.
4- راجع: الهامش (1) من ص 40.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا و كذا و إنّه لم يفعل، قال: فقال: ليس له كراء، قال: فدعوته فقلت له: يا عبد اللّه ليس لك أن تذهب بحقّه، و قلت للأجير: ليس لك أن تأخذ [كلّ] الذي عليه، اصطلحا فترادّا بينكما»(1).

و في الصحيح عن محمّد الحلبي قال: كنت قاعدا إلي قاض و عنده الباقر عليه السّلام جالس، فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت إبل هذا الرجل لتحمل لي متاعا إلي بعض المعادن، و اشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا، لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكلّ يوم احتبسه كذا و كذا، و إنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا و كذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد، وفّه كراه، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر عليه السّلام، فقال: «شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه»(2).

إذا ثبت هذا، فالأقرب: تعميم الحكم فيه حتي لو شارطه علي خياطة ثوب في هذا اليوم فإن أخّره حطّ من أجرته شيئا، جاز ما لم يحط الساقط بجميع الأجرة، و كذا غير هذه الصورة ممّا يناسبها.

مسألة 536: إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة، صحّ الشرط إجماعا،

مسألة 536: إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة، صحّ الشرط إجماعا، فإن حلّ الأجل و قد تغيّر النقد، فالاعتبار بنقد يوم العقد.

ص: 43


1- الكافي 4/290:5، التهذيب 214:7-941/215، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 5/290:5، الفقيه 58/22:3، التهذيب 940/214:7.

و أمّا في الجعالة فالأقوي: الاعتبار بنقد يوم اللفظ.

و يحتمل وقت تمام العمل.

و للشافعيّة في الجعالة و جهان، أصحّهما عندهم: الأوّل(1).

و قال بعضهم بالثاني؛ لأنّ الاستحقاق يثبت بتمام العمل(2).

هذا إذا كانت الأجرة في الذمّة، و إن كانت معيّنة، ملك في الحال، كالمبيع، و اعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع، حتي لو جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز؛ للجهالة بحالها في الرقّة و الثخانة و سائر الصفات قبل السلخ.

مسألة 537: جواز كون الاجرة في الاجارة الواردة علي الذمة حالة و موجاة باجل معين

مسألة 537: الإجارة الواردة علي الذمّة - بأن قال: استأجرت منك دابّة صفتها كذا لتحملني إلي موضع كذا - جاز أن تكون الأجرة فيه(3) حالّة و مؤجّلة بأجل معيّن، عند علمائنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - للأصل، و لأنّها إجارة، فصحّ فيها تأجيل العوض، كما لو كانت واردة علي الأعيان.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ الإجارة هنا سلم في المعني، و يجب التقابض كما يجب في السّلم(5).

و هو ممنوع.

و لو استأجر بلفظ السّلم بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابّة تحملني إلي موضع كذا، فالأقوي: المنع؛ لأنّ الشارع وضع للعقود صيغا خاصّة، و الأصل عصمة الأموال.

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
2- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
3- الظاهر: «فيها».
4- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 431:4، العزيز شرح الوجيز 6: 86، روضة الطالبين 251:4.
5- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 431:4، العزيز شرح الوجيز 6: 86، روضة الطالبين 251:4.

و قال الشافعي: يصحّ، و حينئذ لا يجوز تأجيل الأجرة و لا الاستبدال عنها و لا الحوالة بها و لا عليها و لا الإبراء، بل يجب التسليم في المجلس، كرأس مال السّلم؛ لأنّه سلم في المنافع(1).

و نحن نقول: إن قصد السّلم بلفظه، لم يصح؛ لاختصاصه ببيع الأعيان، و إن قصد الإجارة بلفظ السّلم، لم ينعقد سلما و لا إجارة عندنا.

مسألة 538: قد بيّنّا أنّه لا يجوز استئجار السلاّخ بالجلد؛ للجهالة،

مسألة 538: قد بيّنّا أنّه لا يجوز استئجار السلاّخ بالجلد؛ للجهالة، فإنّه لا يعلم رقّة الجلد من ثخنه، و لا صحّته من عيبه.

و كذا لا يجوز أن يستأجر الطحّان لطحن الحنطة بالنخالة؛ للجهالة أيضا.

و لو استأجر الطحّان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منها، أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام، أو قاطف الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف، أو النسّاج لينسج الثوب بنصفه، فسد عند الشافعيّة، و كان للأجير في هذه الصّور بأسرها أجرة مثل عمله.

و احتجّوا بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن قفيز الطحّان(2) ، و فسّروه باستئجار الطحّان علي طحن الحنطة بقفيز من دقيقها.

و لأنّ المجعول أجرة - و هو الجلد - متّصل بغيره، فهو كبيع نصف من سهم أو نصل، و في مسألة الرضيع و قطاف الثمار الأجرة معيّنة، و قد أجّلها بأجل مجهول، و الأعيان لا تؤجّل بالآجال المعلومة فكيف بالمجهولة! و لأنّ عمله لا يقع للمستأجر و في محلّ ملكه خاصّة، بل لنفسه

ص: 45


1- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 430:4، العزيز شرح الوجيز 6: 85-86، روضة الطالبين 250:4.
2- سنن الدارقطني 195/47:3.

و للمستأجر في ملكيهما، و الشرط في الإجارة وقوع العمل في خاصّ ملك المستأجر، و لأنّ الأجرة غير حاصلة في الحال علي الهيئة المشروطة، و إنّما تحصل بعمل الأجير من بعد، فهي إذن غير مقدور عليها في الحال(1).

و لو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق في الحال أو استأجر قاطف الثمرة بجزء منها علي رؤوس الأشجار، قال بعض الشافعيّة بالمنع أيضا؛ لأنّ عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاصّ ملك المستأجر.

و خرّجوا علي هذا أنّه لو كان الرضيع ملكا لرجل و امرأة، فاستأجرها الرجل - و هي مرضع - لترضعه إمّا بجزء من الرقيق أو غيره، لم يجز؛ لأنّ عملها لا يقع في خاصّ ملك المستأجر.

و اعترض عليه: بأنّ القياس و الحالة هذه الجواز، و لا يضرّ وقوع العمل في المحلّ المشترك، كما أنّ أحد الشريكين لو ساقي صاحبه و شرط له زيادة من الثمار، يجوز و إن كان عمله يقع في المشترك(2).

قال بعض الشافعيّة: لو استأجر أحد الشريكين في الحنطة صاحبه ليطحنها، أو الدابّة ليتعهّدها بدراهم، جاز(3).

و لو قال: استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي، جاز عند بعض الشافعيّة، ثمّ يتقاسمان قبل الطحن، فيأخذ الأجرة، و يطحن الباقي، و إن شاء طحن الكلّ، و الدقيق مشترك بينهما(4).2.

ص: 46


1- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 87:6-88، روضة الطالبين 251:4.
2- العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 251:4.
3- العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 252:4.
4- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 4: 252.
الركن الرابع: المنفعة.
اشارة

و شروطها خمسة:

الشرط الأوّل: أن تكون متقوّمة ليصحّ بذل المال في مقابلتها،
اشارة

الأوّل: أن تكون متقوّمة ليصحّ بذل المال في مقابلتها، فإنّ ما لا قيمة له لا يجوز بذل المال في مقابلته؛ لأنّه يكون سفها، كما لا يجوز بيع ما لا قيمة له، فكما لا يجوز بيع حبّة واحدة من حنطة لعدم تقوّمها، كذا لا يجوز استئجار ورقة واحدة من الريحان للشمّ؛ لأنّها لا تقصد للشمّ، و لا يصحّ تقويمها، فأشبه الحبّة الواحدة من الحنطة لا يجوز بيعها.

و لو كثرت الأوراق في أغصان متعدّدة حتي قصدت بالشمّ، جاز استئجارها.

مسألة 539: كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة يجوز استئجاره

مسألة 539: كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة يجوز استئجاره، فيجوز استئجار الدراهم و الدنانير؛ لأنّه يجوز الانتفاع بها مع بقاء عينها بأن يتزيّن بها و يتجمّل بها و ينثرها في العرس ثمّ يجمعها و يزن بها و يتحلّي بها و يضرب علي طبعها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة و أحمد.

و الوجه الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ المنفعة بها إنّما تكون بالتقليب و التصرّف فيها، و لا منفعة فيها مع بقاء عينها، كالشمع، و لهذا لا يضمن الغاصب منفعتها(1).

ص: 47


1- الحاوي الكبير 391:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 70، بحر المذهب 309:9، الوسيط 157:4، حلية العلماء 385:5-386، التهذيب - للبغوي - 420:4-425، البيان 251:7، العزيز شرح الوجيز 6: 89، روضة الطالبين 252:4، المبسوط - للسرخسي - 31:16، المحيط البرهاني 489:7، المغني 144:6، الشرح الكبير 40:6.

و نمنع انحصار المنفعة فيما ذكره من التقليب و التصرّف، و فارقت الشمع؛ لأنّه لا يمكن الانتفاع به إلاّ بتلفه، و إن فرض له منفعة مع بقاء عينه صحّت إجارته.

إذا ثبت هذا، فإذا استأجر الدراهم و الدنانير، جاز أن يبيّن جهة الانتفاع بها؛ لأنّ لها جهتي انتفاع، إحداهما: الوزن بها و هو ينقصها، و الثانية: التجمّل بها و لا ينقصها، فذكر الجهة أولي.

فإن أهمل ذكر الجهة، فالأقوي: صحّة الإجارة، كاستئجار الدار مطلقا، فإنّه يتناول السكني و وضع المتاع فيها، و لا يجب تعيين جهة المنفعة، بل للمستأجر الانتفاع بها فيهما معا، فكذا هنا.

و قالت الشافعيّة بناء علي القول بجواز إجارتها: إنّه لا بدّ من تعيين الجهة؛ لما ذكرنا من تفاوت المنفعتين، فإن أطلق فسدت الإجارة(1).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن جهة الانتفاع جازت الإجارة، و إن لم يبيّن جهة الانتفاع لم تصح، و فسدت الإجارة، و كانت قرضا، أمّا فساد الإجارة:

فلأنّ المنفعة متفاوتة، و أمّا كونها قرضا: فلأنّ الانتفاع بها إنّما يكون بإتلاف عينها، فإذا أطلق حمل علي العرف فيها(2).

و هو غلط؛ لأنّ الإجارة تتضمّن إتلاف المنفعة دون العين، فلا يعبّر بها عن القرض، كإجارة غير الدراهم.

و بالجملة، فقد بيّنّا جواز إعارة الدراهم و الدنانير، و كلّ ما جاز إعارته جاز إجارته؛ لاشتراكهما في تملّك المنفعة، لكن أحدهما بعوض، و الآخر6.

ص: 48


1- حلية العلماء 386:5، العزيز شرح الوجيز 89:6.
2- حلية العلماء 386:5، العزيز شرح الوجيز 89:6، المغني 144:6، الشرح الكبير 40:6.

بغير عوض.

و الشافعيّة قالوا: الإعارة أولي بالجواز؛ لأنّها مكرمة لا معاوضة فيها(1).

و ما ذكروه من نقص العين بالوزن بها ضعيف؛ لأنّه يسير لا اعتبار به، و لا يلتفت الشرع إلي مثله.

تذنيب: لا يجوز استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ ذلك ليس منفعة مقصودة.

و الثاني لهم: الجواز، كالذهب و الفضّة(3).

مسألة 540: لا يجوز عقد الإجارة علي النخل و الشجر لاستيفاء ثمرتها؛

مسألة 540: لا يجوز عقد الإجارة علي النخل و الشجر لاستيفاءثمرتها لأنّ الأعيان لا تستباح بعقد الإجارة.

و لو استأجرها ليشدّ فيها حبلا يعلّق عليه الثياب أو يجفّفها عليه أو يبسطها أو ليربط الدوابّ بها أو ليستظلّ بظلّها، جاز؛ لأنّها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك، فكذلك إذا كانت ثابتة، و ذلك لأنّها في حالتي الثبات و الانقطاع متساوية، فما جاز في إحداهما يجوز في الأخري، و لأنّها شجرة فجاز استئجارها لذلك، كالمقطوعة، و لأنّها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، فجاز العقد عليها، كما لو كانت مقطوعة، و لأنّها عين يمكن استيفاء هذه المنفعة منها، فجاز استئجارها، كالحبال و الخشب و الشجر المقطوع.

و للشافعي قولان، أحدهما: هذا، و الثاني: المنع؛ لأنّها منفعة غير

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 89:6.
2- نهاية المطلب 70:8، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.
3- نهاية المطلب 70:8، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.

مقصودة(1).

و لو استأجر حبلا ليعلّق عليه الثياب، جاز إجماعا؛ لأنّ منفعته مقصودة منه.

و هل يجوز استئجار الببغاء(2) للاستئناس ؟ للشافعيّة و جهان: من حيث إنّ فيها غرضا مقصودا، و من انتفائه(3).

و كذا الوجهان في كلّ ما يستأنس بلونه، كالطاوس، أو بصوته، كالعندليب(4)(5).

مسألة 541: يجوز الاستئجار للدلالة و السمسرة علي الأقمشة و غيرها؛

مسألة 541: يجوز الاستئجار للدلالة و السمسرة علي الأقمشة و غيرها؛ لأنّها منفعة مقصودة مباحة تدعو الضرورة إليها، فجاز المعاوضة عليها.

و هل يجوز استئجار البيّاع علي كلمة البيع أو علي كلمة تروّج بها السلعة و لا تعب فيها؟ الأقوي: المنع؛ لأنّه لا قيمة لذلك، و لا عوض لها في مجري العادة، و هو قول الشافعيّة(6).

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1-402، بحر المذهب 311:9، الوسيط 4: 157، حلية العلماء 385:5-386، التهذيب - للبغوي - 425:4، البيان 7: 251، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4، المغني 145:6، الشرح الكبير 41:6.
2- الببغاء: طائر أخضر يسمّي بالدرّة، له قوّة علي حكاية الأصوات و قبول التلقين. حياة الحيوان 159:1-160.
3- التهذيب - للبغوي - 425:4، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 4: 252.
4- العندليب: طائر يصوّت ألوانا. لسان العرب 631:1، و 479:11 «عندلب» و «عندل».
5- العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.
6- الوسيط 157:4، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.

لكن قال بعضهم: إنّ ذلك في المبيع المستقرّ قيمته في البلد، كالخبز و اللحم، أمّا الثياب و العبيد و ما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيخصّ بيعها من البيّاع بمزيد منفعة و فائدة، فيجوز الاستئجار عليه(1).

و إذا لم يجز الاستئجار و لم يلحق البيّاع تعب، فلا شيء له.

و إن تعب بكثرة التردّد أو كثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة، فله أجرة المثل، لا ما تواطأ عليه البيّاعون.

مسألة 542: لا يجوز استئجار الديك ليوقظه وقت الصلاة؛

مسألة 542: لا يجوز استئجار الديك ليوقظه وقت الصلاة؛ لأنّ ذلك يقف علي فعل الديك، و لا يمكن استخراج ذلك منه بضرب و لا غيره، و قد يصيح و قد لا يصيح، و ربما صاح قبل الوقت أو بعده، و به قال أحمد(2).

و لا تجوز إجارة سباع البهائم و الطير التي لا تصلح للاصطياد بها.

و يجوز استئجار كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف، كالآدميّ الحرّ و العبد و كلّ بهيمة لها ظهر، مثل الإبل و البقر و الخيل و الحمير و ما أشبه ذلك.

فأمّا الغنم فإنّما ينتفع منها بالدرّ و النسل و الصوف و الشعر، و هذه أعيان لا يجوز تملّكها بعقد الإجارة.

و إن أمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه، كانت المنفعة غير مقصودة، فلا تجوز إجارتها.

و للشافعيّة و جهان(3) ، كما في إجارة الدراهم و الدنانير.

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 89:6-90، روضة الطالبين 252:4-253.
2- المغني 155:6، الشرح الكبير 48:6.
3- بحر المذهب 311:9، و فيه وجه الجواز، المغني 146:6، الشرح الكبير 6: 64.
مسألة 543: لا يجوز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظر الشرع،

مسألة 543: لا يجوز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظرالشرع، فلا تصحّ إجارة كلب الهراش و لا الخنزير.

و أمّا ما يجوز اقتناؤه من الكلاب و يصحّ بيعه و له قيمة في نظر الشرع و له منفعة محلّلة مثل كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط فإنّه يجوز استئجاره لهذه المنافع؛ لأنّه تجوز إعارته لهذه المنافع فجاز استئجاره، و لأنّه يصحّ بيعه عندنا، و كلّ ما يصحّ بيعه ممّا يبقي من الأعيان تصحّ إجارته.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الجواز؛ لهذا.

و الثاني: المنع؛ لأنّ اقتناءه ممنوع لا لحاجة، و ما جوّز للحاجة لا يجوز أخذ العوض عليه، و لأنّه لا قيمة لعينه، فكذا المنفعة(1).

و هو ممنوع، و كما جاز استئجار الفهد و البازي و الشبكة للصيد و الهرّة لدفع الفأرة، جاز هنا.

مسألة 544: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد وضع لنقل المنافع، دون الأعيان،

مسألة 544: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد وضع لنقل المنافع، دون الأعيان، لكن في بعض الأعيان قد يتناولها عقد الإجارة للضرورة و الحاجة، كاستئجار الحمّام المشتمل علي استعمال الماء و إتلافه للضرورة، أمّا ما لا ضرورة إليه فلا يستفاد بعقد الإجارة، كما تقدّم من منع استئجار الكرم و النخل و الشجر لثمارها و الشاة لنتاجها و لبنها و صوفها؛ لأنّ الأعيان لا تملك

ص: 52


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1، الوجيز 230:1، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5-385، التهذيب - للبغوي - 425:4، البيان 249:7، العزيز شرح الوجيز 90:6، روضة الطالبين 253:4، المغني 152:6، الشرح الكبير 38:6.

بعقد الإجارة، و هذا في الحقيقة بيع أعيان معدومة مجهولة.

و يجوز أن يستأجر بركة أو أرضا ليحبس الماء فيها حتي يجتمع السمك فيأخذه، و لا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ منها السمك؛ لأنّه بمنزلة استئجار الأشجار لأخذ الثمار.

مسألة 545: أجمع أهل العلم علي جواز استئجار الظئر - و هي المرضعة -

مسألة 545: أجمع أهل العلم علي جواز استئجار الظئر - المرضعة - و هي لقوله تعالي: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (1) و استرضع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لولده إبراهيم(2).

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلي ذلك، و تدعو الضرورة(3) إليه فوق دعائها إلي غيره، فإنّ الطفل إنّما يعيش عادة بالرضاع، و قد يتعذّر رضاعه من أمّه، فجاز العقد فيه كغيره من المنافع.

و يستحقّ بهذا الاستئجار منفعة و عين، فالمنفعة: وضع الصبي في حجرها، و تلقيمه الثدي، و عصره عند الحاجة، و العين: اللبن الذي يمتصّه الصبي.

و إنّما جوّزناه و أثبتنا به استحقاق اللبن؛ لما قلنا من الضرورة، و لو منعناه لاحتاج إلي شراء اللبن كلّ دفعة، و ذلك مشقّة عظيمة، ثمّ الشراء إنّما يصحّ بعد الحلب، و التربية لا تتمّ باللبن المحلوب، فمسّت الحاجة إلي تسويغ هذا العقد.

ثمّ الذي تناوله عقد الإجارة بالأصالة ما هو؟ الأقرب: إنّه فعل المرأة، و اللبن مستحقّ بالتبعيّة؛ لقوله تعالي: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ

ص: 53


1- سورة الطلاق: 6.
2- صحيح مسلم 2315/1807:4، المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «الحاجة» بدل «الضرورة».

أُجُورَهُنَّ (1) علّق الأجرة بفعل الإرضاع لا باللبن، و لأنّ الأجرة موضوعة لاستحقاق المنافع، فلو استحقّ بها العين بالأصالة خرجت عن موضوعها، فإذن اللبن مستحقّ بالتبعيّة؛ لضرورة تدعو إليه، كالبئر تستأجر ليستقي منها الماء، و الدار تستأجر و فيها بئر ماء يجوز الاستقاء منها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الذي تناوله العقد بالأصالة اللبن و فعلها تابع؛ لأنّ اللبن مقصود لعينه، و فعلها مقصود لإيصال اللبن المقصود إلي الصبي(2).

مسألة 546: تعريف الحضانة
اشارة

مسألة 546: الحضانة حفظ الولد و تربيته و دهنه و كحله و غسل خرقه و تنظيفه و جعله في سريره و ربطه و ما يحتاج إليه.

إذا عرفت هذا، فيجوز للأب أن يستأجر المرأة للرضاع و الحضانة معا، و أن يستأجرها للحضانة دون الرضاع إجماعا؛ لأنّ ذلك منفعة محلّلة مقصودة، فجاز الاستئجار عليها.

و هل يجوز أن يستأجرها للرضاع خاصّة دون الحضانة ؟

و هل يجوز أن يستأجرها للرضاع خاصّة دون الحضانة ؟ الأقرب:

الجواز، كما يجوز الاستئجار للحضانة خاصّة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز كما لا يجوز استئجار الشاة لإرضاع السخلة(3).

و هذا الخلاف بينهم فيما إذا قصر الإجارة علي صرف اللبن إلي الصبي، و قطع عنه وضعه في الحجر و نحوه(4).

ص: 54


1- سورة الطلاق: 6.
2- نهاية المطلب 78:8، بحر المذهب 305:9، التهذيب - للبغوي - 445:4، البيان 274:7-275، العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 253:4.
3- نهاية المطلب 77:8، الوجيز 231:1، الوسيط 158:4، العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 253:4-254.
4- العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 254:4.

و إذا أطلق العقد علي الرضاع، فالأقرب: عدم دخول الحضانة تحته؛ لأنّهما منفعتان متغايرتان غير متلازمتين، فلا يلزم من الاستئجار علي إحداهما الاستئجار علي الأخري، كما لو استأجر للحضانة و أطلق، لم يدخل الرضاع، كذا العكس، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو ثور و ابن المنذر.

و الثاني: تدخل الحضانة فيما إذا استأجر للرضاع و لم ينف الحضانة - و به قال أصحاب الرأي أيضا - للعرف بأنّ المرضعة تحضن الصبي و تحوطه و تغسل خرقه، و الإطلاق ينصرف إلي العادة و العرف(1).

مسألة 547: يشترط في هذا العقد أمور أربعة:

مسألة 547: يشترط في هذا العقد أمور أربعة: الأوّل: أن تكون مدّة الرضاع معلومة؛ لأنّه لا يمكن تقدير هذا العمل إلاّ بضبط المدّة، فإنّ السقي و العمل فيها مختلف.

الثاني: معرفة الصبي بالمشاهدة؛ لأنّ الرضاع يختلف باختلاف الصبيان في الكبر و الصغر و النهمة و القناعة.

و قال بعض العامّة: تكفي معرفة الصبي بالصفة، كالراكب(2).

الثالث: معرفة موضع الرضاع؛ لاختلاف الأغراض باختلاف المواضع؛ فإنّ إرضاعه في بيته يشقّ علي المرأة و يصعب، و إرضاعه في بيتها يسهل عليها و يخفّ، فلا يجوز الإطلاق.

الرابع: معرفة العوض و العلم بحقيقته و قدره؛ لأنّه عوض العقد، فلو

ص: 55


1- نهاية المطلب 77:8، بحر المذهب 305:9، الوسيط 173:4، التهذيب - للبغوي - 444:4-445، البيان 275:7، العزيز شرح الوجيز 123:6 - 124، روضة الطالبين 281:4، المغني 83:6، الشرح الكبير 18:6.
2- المغني 83:6، الشرح الكبير 19:6.

استأجرها بنفقتها و كسوتها و أطلق، فإشكال، و قد سبق(1) الخلاف فيه، و بيّنّا أنّ مقتضي الدليل: المنع، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز ذلك في الظئر خاصّة(3).

و قال مالك و أحمد: يجوز في كلّ أجير(4).

مسألة 548: تكره إجارة الفحل للضراب،

مسألة 548: تكره إجارة الفحل للضراب، و ليس محرّما عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و ابن سيرين و الشافعي في أحد القولين(5) - لأنّه انتفاع مباح و الحاجة تدعو إليه، فجاز، كإجارة الظئر للرضاع، و البئر ليستقي منها الماء، و لأنّها منفعة تستباح بالإعارة، فتستباح بالإجارة، كسائر المنافع.

و ظاهر مذهب الشافعي: المنع - و به قال أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن عسيب(6) الفحل(7).

و لأنّ المقصود الماء الذي يخلق منه الولد، فيكون عقد الإجارة

ص: 56


1- في ص 33-35، المسألة 528.
2- راجع: الهامش (1) من ص 34.
3- راجع: الهامش (3) من ص 34.
4- راجع: الهامش (2) من ص 34، و الهامش (3) من ص 35.
5- المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 337:9، الوسيط 158:4، حلية العلماء 385:5، العزيز شرح الوجيز 101:4، روضة الطالبين 62:3، المغني 148:6، الشرح الكبير 44:6.
6- في المصادر: «عسب». و عسب فحله: أكراه، و عسب الفحل: ضرابه، و يقال: ماؤه. و العسيب: الكراء الذي يؤخذ علي ضراب الفحل. الصحاح 181:1 «عسب».
7- صحيح البخاري 123:3، سنن ابن ماجة 2160/731:2، سنن أبي داود 3: 3429/267، سنن الترمذي 1273/572:3، سنن النسائي 310:7 و 311، مسند أحمد 1257/237:1، سنن الدارمي 273:2، السنن الكبري - للبيهقي - 5: 339، المستدرك - للحاكم - 42:2.

لاستيفاء عين، فلم يجز، كإجارة الغنم لأخذ لبنها، بل هذا أولي بالتحريم؛ لأنّ هذا الماء محرّم لا قيمة له، فلم يجز أخذ العوض عليه، كالميتة و الدم، و هو مجهول، فأشبه اللبن في الضرع(1).

و النهي للكراهة، و القصد و إن كان هو الماء لكن سوّغنا ذلك للضرورة إليه و دعاء الحاجة، فإنّها ماسّة إلي استيلاد إناث الحيوانات، و لا يجب علي مالك الفحل بذل فحله مجّانا، فلولا تسويغ بذل العوض لانتفت هذه المصلحة.

مسألة 549: ينبغي أن يوقع العقد علي العمل و يقدّره بالمرّة أو المرّتين أو المرّات المعيّنة.

مسألة 549: ينبغي أن يوقع العقد علي العمل و يقدّره بالمرّة اوالمرّتين أو المرّات المعيّنة. و قال بعض العامّة: يوقع العقد علي المدّة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ من أراد إطراق فرسه مرّة إذا قدّر بمدّة تزيد علي الفعل لم يمكن استيعابها [به](3) و إن اقتصر علي مقداره فربما لا يحصل الفعل فيه، و يتعذّر أيضا ضبط مقدار العمل، فيتعيّن التقدير بالفعل، إلاّ أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة، كفحل يتركه في إبله، أو تيس في غنمه، فإنّ منفعة هذا تتقدّر بالزمان المعيّن، لا بعدد المرّات.

و أحمد و إن منع من هذه الإجارة، فإنّه قال: لو احتاج إنسان إلي ذلك

ص: 57


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 132:2، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 337:9، الوسيط 158:4، حلية العلماء 385:5، البيان 250:7، العزيز شرح الوجيز 101:4، و 92:6، روضة الطالبين 62:3، و 254:4، المغني 148:6، الشرح الكبير 44:6، المبسوط - للسرخسي - 83:15، مختصر اختلاف العلماء 1782/102:4، بدائع الصنائع 175:4.
2- المغني 148:6-149، الشرح الكبير 44:6.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و لم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، و ليس للمطرق أخذه، قال عطاء(1): لا يأخذ عليه شيئا و لا بأس أن يعطيه إذا لم يجد من يطرق له؛ لأنّ ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها، فجاز(2) ، و هذا كلام متناقض.

و لا بأس بأن يأخذ صاحب الفحل هديّة أو كرامة علي ذلك، و ليس مكروها إجماعا.

و قد احتجّ من منع من هذه الإجارة: بأنّ هذا الفعل أثر [لا](3) يتعلّق باختيار الحيوان، فقد لا ينزو، و بتقدير أن ينزو فربما لا ينزل، و إن أنزل فربما لا يحصل منه الولد، و هو المقصود(4).

و هو غلط؛ لأنّ من استأجر للخياطة فهي فعل اختياريّ، و الوجوب الشرعي لا يسلب القدرة و الاختيار، فجاز أن لا تقع الخياطة منه، و إذا خاط فربما لا يلبسها المالك، مع أنّ المقصود اللّبس، و لمّا كان ذلك باطلا فكذا ما قالوه، لكن المعتبر هو القدرة علي تسليم المنفعة المعقود عليها، و أمّا وقوعه نافعا أو غير نافع و وسيلة إلي الغاية المقصودة فغير معتبر اتّفاقا.

مسألة 550: و هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟

مسألة 550: و هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟ الأولي:

المنع.

نعم، لو استأجر الدار و فيها بئر ماء، جاز له الاستقاء منها؛ للعادة،

ص: 58


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أخذ ما أعطاه» بدل «أخذه، قال عطاء». و الصحيح ما أثبتناه من المغني.
2- المغني 149:6، الشرح الكبير 45:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 92:6.

و دخول الماء بالتبعيّة.

و لو استأجر قناة، فإن قصد موضع جريان الماء جاز، و كان الماء تابعا يجوز الانتفاع به، كما نقول في الرضاع: اللبن تابع.

و جوّز بعض الشافعيّة استئجار القناة للزراعة بمائها؛ للحاجة(1).

و القياس لا يدلّ عليه عندهم، إلاّ علي قول من لا يري الماء مملوكا، فتكون القناة كالشبكة، و الماء كالصيد(2).

و جوّزوا استئجار بئر الماء للاستقاء(3).

و قال بعضهم: إذا استأجر قرار القناة ليكون أحقّ بمائها، جاز(4).

و المشهور بينهم منعه(5).

الشرط الثاني للمنفعة: القدرة علي تسليمها،
اشارة

الشرط الثاني للمنفعة: القدرة علي تسليمها، فلا يجوز استئجار الآبق و لا المغصوب من غير الغاصب، كما لا يجوز بيعهما.

و كذا لا يجوز استئجار الأخرس للتعليم، و الأعمي لإبصار المتاع و حفظه بالنظر و استئجار عين.

و كذا لا يجوز استئجار من لا يحفظ القرآن لتعليمه، و من لا يعرف الصنعة لتعليمها.

فإن وسّع عليه وقتا يقدر فيه علي التعلّم و التعليم، جاز؛ لحصول الشرط حينئذ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: المنع؛ لأنّ المنفعة مستحقّة من

ص: 59


1- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
2- العزيز شرح الوجيز 92:6.
3- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
4- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
5- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.

عينه، و العين لا تقبل شرط التأجيل و التأخير(1).

و هو ممنوع.

مسألة 551: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ استئجار الآبق

مسألة 551: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ استئجار الآبق؛ لأنّ تسليم المنفعة بتسليمه، و تسليمه متعذّر.

و لو كان المستأجر يتمكّن من تحصيله، احتمل قويّا: الجواز، و كذا لو ضمّ إليه غيره في الإجارة و استأجرهما، احتمل الجواز، كالبيع، و المنع؛ لتعذّر التسليم، و الحمل علي البيع قياس لا نقول به.

و المغصوب لو آجره مالكه للغاصب، فالأولي: الجواز؛ لأنّه مسلّم في يده.

و كذا الأقوي: الجواز لو آجره من القادر علي تخليصه.

و لو آجره أرضا للزراعة و كان لها ماء يشرب زرعها به إمّا من نهر أو قناة أو مطر أو ثلج يعتورها بالعادة، صحّ، و إلاّ فلا.

مسألة 552: الأراضي بالنسبة إلي القدرة علي الماء علي أقسام:

مسألة 552: الأراضي بالنسبة إلي القدرة علي الماء علي أقسام: منها: أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر و نحوها.

و منها: أرض لا ماء لها، و لكن يكفيها المطر المعتاد و النداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة، كبعض أراضي الجبال، أو لا يكفيها ذلك، و لكنّها تسقي بماء الثلج و المطر في الجبل، و الغالب فيها الحصول.

و منها: أرض لا ماء لها، و لا تكفيها الأمطار المعتادة، و لا تسقي بماء غالب الحصول من الجبل، و لكن إن أصابها مطر عظيم أو سيل نادر أمكن

ص: 60


1- الوسيط 159:4، العزيز شرح الوجيز 92:6-93، روضة الطالبين 254:4 - 255.

أن تزرع، و إلاّ فلا.

و القسم الأوّل تجوز إجارته للزرع إجماعا؛ للقدرة علي تسليم المنفعة فيه.

و أمّا الثاني، و هي التي لا ماء دائم لها، و تشرب من زيادة معتادة تأتي في وقت الحاجة، كأرض مصر التي تشرب من زيادة النيل، و الأرض التي تشرب من زيادة الفرات، كالكوفة، و أرض البصرة التي تشرب من المدّ و الجزر، و أرض دمشق التي تشرب من بردي(1) ، و ما تشرب من الأودية الجارية من ماء المطر.

و هذا القسم تصحّ إجارته قبل وجود الماء الذي تسقي به، و بعده؛ لأنّ الظاهر وجوده وقت الحاجة إليه بناء علي جريان العادة، و التمكّن الظاهر كاف، فإنّ انقطاع ماء المطر و العين ممكن أيضا، لكن لمّا كان الظاهر فيه الحصول كفي لصحّة العقد، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ السقي معجوز عنه في الحال، و الماء المتوقّع لا يعلم حصوله، و بتقدير حصوله لا يعلم هل يحصل في الوقت الذي يمكن الزراعة فيه أم لا(2) ، و هو اختيار القفّال من الشافعيّة(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ظنّ القدرة علي التسليم في وقته يكفي في صحّة العقد، كالسّلم في الفاكهة إلي أوانها.

و أمّا الثالث - و هو الذي(4) يكون مجيء الماء إليها نادرا، أو يحتاج إلي مطر شديد كثير يندر وجوده، أو يكون شربها من واد لا يجيء الماء».

ص: 61


1- بردي: نهر دمشق. معجم البلدان 378:1.
2- الوسيط 160:4، العزيز شرح الوجيز 93:6، روضة الطالبين 255:4.
3- الوسيط 160:4، العزيز شرح الوجيز 93:6، روضة الطالبين 255:4.
4- الظاهر: «و هي التي».

فيه، إلاّ نادرا، أو من زيادة نادرة من(1) نهر أو غيره - فهذه الأرض إن آجرها للزراعة بعد وجود ماء يسقيها، صحّ؛ لإمكان الانتفاع بها، فجاز إجارتها، كذات الماء الدائم.

و إن آجرها قبله للزرع، لم يجز؛ لتعذّر استيفاء المنفعة فيه، فتعذّر المعقود عليه في الظاهر، فلم تصح إجارتها، كالآبق و المغصوب.

و لو آجرها لا للزرع و لا للغرس، بل أطلق، و كان ممّا ينتفع بها في غيرهما، فإنّه يصحّ العقد.

مسألة 553: لو استأجر أرضا للزراعة من الأراضي التي علي شطّ الفرات أو النيل أو غيرهما ممّا يعلو الماء عليها ثمّ ينحسر،

مسألة 553: لو استأجر أرضا للزراعة من الأراضي التي علي شط الفرات أو النيل أو غيرهما ممّا يعلو الماء عليها ثمّ ينحسر، و يكفي ذلك لزراعتها للسنة، فإن كانت الإجارة للزراعة بعد ما علاها الماء و انحسر عنها صحّ.

و إن كان قبل أن يعلو الماء عليها، فإن لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أمره لم تصح، و إن كان الغالب حصوله جاز.

و للشافعيّة(2) قولان(3).

و إن كانت الإجارة بعد ما علاها الماء و لم ينحسر، فإن كان لا يرجي انحساره لم تصح الإجارة، و كذا لو كان يتردّد فيه؛ لأنّ العجز يقين، و زواله مشكوك فيه.

و إن كان يرجي انحساره وقت الزراعة، صحّ العقد، و قد نصّ

ص: 62


1- في «د، ص»: «في» بدل «من».
2- في النّسخ الخطّيّة: «و للشافعي».
3- العزيز شرح الوجيز 94:6، روضة الطالبين 255:4.

الشافعي عليه(1).

و أشكل عليه من وجهين:

الأوّل: قال أصحابه: شرط الإجارة عنده التمكّن من الانتفاع عقيب العقد - و لهذا لا تصحّ إجارة الدار الشهر الآتي علي مذهبه(2) - و الماء مانع من الانتفاع به عقيب العقد.

الثاني: رؤية الأرض ليست حاصلة وقت العقد؛ لأنّ الماء مانع منها، فيكون إجارة الغائب(3).

و أجيب عن الأوّل بوجهين:

الأوّل: قالوا: موضع نصّ الشافعي ما إذا كان الاستئجار لزراعة ما يمكن زراعته في الماء، كالأرز، فإن كان غير ذلك، لم يصح الاستئجار.

الثاني - و هو أصحّهما عندهم -: إنّه لا فرق بين مزروع و مزروع، و لكن الماء فيها من مصالح العمارة و الزراعة، فكان إبقاؤه فيها ضربا من العمارة.

و أيضا فإنّ صرف الماء بفتح موضع ينصبّ إليه أو حفر بئر ممكن في الحال، و حينئذ يكون متمكّنا من الاشتغال بالعمارة بهذه الواسطة، فأشبه ما إذا استأجر دارا مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال، فإنّه يجوز(4).

و حكي بعضهم وجها في منع إجارة الدار المشحونة بالأمتعة، بخلاف6.

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 94:6، روضة الطالبين 256:4.
2- البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
3- العزيز شرح الوجيز 94:6.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 94:6.

بيعها(1).

و الأظهر عندهم: الأوّل.

و أمّا الثاني: فمنهم من قال: التصوير فيما إذا كان قد رأي الأرض قبل حصول الماء فيها [أو](2) كان الماء صافيا لا يمنع رؤية وجه الأرض، فإن لم يكن كذلك، فعلي قولي شراء الغائب عندهم.

و منهم من قطع بالصحّة.

أمّا عند حصول الرؤية: فظاهر.

و أمّا إذا لم تحصل: فلأنّه من مصلحة الزراعة من حيث إنّه يقوّي الأرض، و يقطع العروق المنتشرة فيها، فأشبه استتار الجوز و اللّوز بقشرهما(3).

و لا بأس به عندي.

مسألة 554: لو كانت الأرض علي شطّ نهر،

مسألة 554: لو كانت الأرض علي شطّ نهر، و الظاهر منها أنّها تغرق و تنهار في الماء، و لم ينحسر الماء عنها، لم يجز استئجارها؛ لانتفاء المنفعة فيها، و هو أبلغ من تعذّر التسليم.

و لو احتمل الغرق و لم يكن ظاهرا، جاز استئجارها؛ لأنّ الأصل و الغالب دوام السلامة، عملا بالاستصحاب، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه مخرّج حالة الظهور علي تقابل الأصل و الظاهر(4).

ص: 64


1- العزيز شرح الوجيز 94:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و المثبت كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 94:6-95.
4- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.
مسألة 555: إذا عرفت أقسام الأراضي و أحكامها، فكلّ أرض لها ماء معلوم و استأجرها للزراعة مع شربها منه جاز.

مسألة 555: إذا عرفت أقسام الأراضي و أحكامها، فكلّ أرض لها ماءمعلوم و استأجرها للزراعة مع شربها منه جاز و إن استأجرها للزراعة دون شربها، فإن تيسّر سقيها من غير ذلك الشرب من ماء آخر، جاز أيضا.

و إن أطلق العقد، جاز، و دخل فيه الشرب، بخلاف ما إذا باعها، لا يدخل الشرب في إطلاقها؛ لأنّ المنفعة هنا لا تحصل دونه.

هذا إذا اطّردت العادة بالإجارة مع الشرب، فإن اضطربت فيها لزم التعيين.

و كلّ أرض منعنا استئجارها للزراعة فإن استأجرها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع فيها الحطب أو يربط فيها دوابّه، جاز.

و إن استأجرها مطلقا، نظر فإن قال: آجرتك هذه الأرض البيضاء و لا ماء لها، جاز؛ لأنّه يعرف بعدم الماء عنها أنّ الاستئجار لغير منفعة الزرع.

ثمّ إن حمل لها ماء من موضع آخر و زرعها، أو زرع علي توقّع حصول ماء، لم يمنع منه، و ليس له البناء و لا الغراس؛ لأنّ تقدير المدّة يقتضي ظاهره التفريغ عند انقضائها، و الغراس و البناء للتأبيد، بخلاف ما لو استأجر للبناء و الغراس، فإنّ التصريح بهما صرف اللفظ عن ظاهره.

و إن لم يقل عند الإجارة: و لا ماء لها، فإن كانت الأرض بحيث يطمع في سوق الماء إليها [لم يصح العقد؛ لأنّ الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة، فكأنّه ذكرها.

و إن كانت علي قلّة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها](1) فالأقرب:

ص: 65


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

الجواز.

و للشافعيّة و جهان(1).

و إذا اعتبرنا نفي الماء، قام علم المتعاقدين مقام التصريح بنفيه.

و للشافعيّة و جهان، أشبههما عندهم: المنع؛ لأنّ العادة في مثلها الاستئجار للزراعة، فلا بدّ من الصرف باللفظ، ألا تري أنّه لمّا كانت العادة في الثمار الإبقاء و أردنا خلافه اعتبرنا التصريح بشرط القطع(2).

مسألة 556: ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة، الأقوي:

مسألة 556: ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة، الأقوي: المنع من إجارته، كالجحش الذي لا يحمل و ما أشبهه من صغار الإبل و البقر إذا استأجرها مدّة يحصل النفع فيها و ليست حاصلة وقت العقد؛ لأنّ ابتداء مدّة الانتفاع مجهول، فيصير العقد واقعا علي منفعة مجهولة، و قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الإجارة العلم بالمنفعة.

مسألة 557: لا يشترط في مدّة الإجارة أن تلي العقد،

مسألة 557: لا يشترط في مدّة الإجارة أن تلي العقد، بل لو آجره الدار أو الدابّة أو غيرهما سنة خمس و هما في سنة ثلاث، أو آجره شهر رجب و هما في المحرّم، صحّ عند علمائنا أجمع، سواء كانت الإجارة واردة علي الأعيان - كإجارة الدار للسنة القابلة أو الشهر الآتي أو غدا، و كذا إذا قال: آجرتك سنة أوّلها من الغد أو من الشهر الآتي، أو آجرتك هذه الدابّة للركوب إلي موضع كذا علي أن تخرج غدا - أو كانت الإجارة واردة علي الذمّة، كما إذا قال: ألزمت ذمّتك حملي إلي موضع كذا علي دابّة صفتها كذا غدا أو غرّة شهر كذا، و سواء كانت العين التي وردت الإجارة عليها غير مشغولة بعقد إجارة سابقة، أو مشغولة بعقد إجارة إمّا للمستأجر

ص: 66


1- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.
2- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.

الآن أو لغيره - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لأنّها مدّة يجوز العقد عليها مع غيرها، فجاز عليها مفردة، و لأنّ الشهرين يجوز العقد عليهما، فجاز العقد علي كلّ واحد منهما، كالعينين، و لأنّه تصحّ إجارتها في الزمان المستقبل للمستأجر علي أحد قولي الشافعي(2) ، فجاز علي غيره؛ لعدم اعتبار خصوصيّات المستأجرين، و لأنّه تجوز الإجارة في المدّة المستقبلة فيما يرد علي الذمّة، فكذا في الإجارة التي ترد علي العين.

و قال الشافعي قولا عجيبا غريبا: إنّ الإجارة إن كانت واردة علي العين و هي غير مشغولة بإجارة أخري، وجب اتّصال مدّة الإجارة بالعقد، فلو قال: آجرتك هذه الدار شهرا أوّله غدا، لم تصح.

و إن كانت مشغولة بعقد إجارة ينتهي بعد العقد و لو بيوم واحد فعقد عليها عقدا ثانيا مبدأ مدّته انقضاء مدّة العقد الأوّل، فإن كان العقد الثاني للمستأجر الأوّل، فقولان عنده، أحدهما: الصحّة، و الثاني: البطلان، و إن كان لغير المستأجر الأوّل، بطل.

و إن كانت الإجارة واردة علي الذمّة، صحّ فيها التأخير و التأجيل؛ لأنّ منافع الزمان المستقبل غير مقدور عليها في الحال، فأشبه إجارة العين المغصوبة، أمّا إذا نجز، كان التسليم في الزمان الحاضر مقدورا عليه، فينسحب حكمه علي جميع المدّة المتواصلة؛ للحاجة و بالقياس علي البيع،4.

ص: 67


1- بدائع الصنائع 232:4، المغني 9:6-10، الشرح الكبير 58:6-59، بحر المذهب 281:9، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 96:6.
2- الحاوي الكبير 409:7، المهذّب - للشيرازي - 407:1، بحر المذهب 9: 281، حلية العلماء 400:5-401، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 7: 263، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.

فإنّه لو باع علي أن يسلّم بعد شهر، كان باطلا، و القدرة علي التسليم شرط عند وجوب التسليم، كالمسلم فيه لا يشترط وجوده و لا القدرة عليه حال العقد، بل حالة الحلول(1).

و الحكم في أصل القياس ممنوع.

و لو قال: آجرتك سنة فإذا انقضت فقد آجرتك سنة أخري، فالعقد الثاني باطل؛ لأنّه علّق العقد علي انقضاء السنة، و من شرط العقد التنجيز و إن كانت مدّة الانتفاع و التصرّف متأخّرة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد آجرتك مدّة كذا.

و أمّا الإجارة الواردة علي الذمّة فيحتمل فيها التأجيل و التأخير عند الشافعيّة، كما لو أسلم في شيء مؤجّلا، و إن أطلق كان حالاّ(3).

مسألة 558: إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولي،

مسألة 558: إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولي، جاز.

و قال الشافعي: لا يجوز(4).

و لو آجرها من زيد نفسه، جاز عندنا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لاتّصال المدّتين، كما لو آجر منه السنتين في عقد واحد.

و الثاني: المنع؛ لأنّه إجارة سنة قابلة، فلم تصح، كما لو آجر من غيره أو منه مدّة لا تتّصل بآخر المدّة الأولي، و لأنّ العقد الأوّل قد ينفسخ، فلا يتحقّق شرط العقد الثاني، و هو الاتّصال بالأوّل(6).

و هو غلط؛ لأنّا قد بيّنّا الجواز في الغير، ففي المستأجر أولي،

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
2- العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
3- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
4- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
5- راجع: الهامش (2) من ص 67.
6- راجع: الهامش (2) من ص 67.

و الشرط رعاية الاتّصال ظاهرا، و ذلك لا يقدح فيه الانفساخ العارض.

و لو آجرها من زيد سنة و آجرها زيد من عمرو، ثمّ آجرها المالك من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء الأولي، صحّ عندنا، خلافا للشافعي(1).

و لا يجوز أن يؤجرها من زيد عند بعض الشافعيّة(2).

و جوّزه القفّال، فقال: إنّه يجوز أن يؤجرها من زيد، و لا يؤجرها من عمرو؛ لأنّ زيدا هو الذي عاقده، فيضمّ إلي ما استحقّ بالعقد الأوّل السنة الثانية.

قال: و لو آجر داره سنة و باعها في المدّة و جوّزناه، لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة الثانية من المكتري؛ لأنّه لم تكن بينهما معاقدة. و تردّد في أنّ الوارث هل يتمكّن منه إذا مات [المكري](3) في المدّة؛ لأنّ الوارث نائبه ؟(4).

و الحقّ عندنا: الجواز.

مسألة 559: يجوز أن يؤجر داره و حانوته و غيرهما من الأعيان شهرا علي أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي؛

مسألة 559: يجوز أن يؤجر داره و حانوته و غيرهما من الأعيان شهرا علي أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5).

ص: 69


1- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6-97، روضة الطالبين 257:4.
2- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 4: 257.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المكتري». و المثبت كما في المصدر.
4- روضة الطالبين 257:4، و راجع: العزيز شرح الوجيز 97:6.
5- راجع: الهامش (1) من ص 40.

و لأنّ هذه منفعة محلّلة مقصودة، فجازت المعاوضة عليها، كالدائم ليلا و نهارا، و كما لو استأجر الدابّة و العبد، فإنّه يتناول الخدمة و العمل بمجري العادة، و يبطل العمل وقت الراحة بالعادة، فكذا في المسكن.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ زمان الانتفاع لا يتّصل بعضه ببعض، فيكون إجارة للزمان المستقبل، و قد سلّم في الدابّة و العبد جواز ذلك؛ لأنّهما لا يطيقان العمل الدائم و يترفّهان(1) بالليل علي العادة و إن أطلق الإجارة(2).

و هو ينقض ما ذكروه؛ لأنّ الاتّصال إذا كان شرطا وجب في الجميع، و إن لم يكن شرطا هنا لم يكن هناك.

مسألة 560: يجوز أن يؤجر دابّته إلي موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا،

عندنا.

مسألة 560: يجوز أن يؤجر دابّته إلي موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا، و قال الشافعي: لا يجوز؛ لتأخّر حقّ المكتري، و تعلّق الإجارة بالزمان المستقبل(3).

و هو فاسد؛ لما تقدّم.

و لو آجرها منه ليركب المكتري بعض الطريق و ينزل و يمشي في البعض، أو آجرها من اثنين ليركب هذا زمانا، و هذا مثله، جاز عندنا أيضا؛ للأصل.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه:

ص: 70


1- في «ر» و المصدر: «يرفّهان».
2- العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 257:4-258.
3- التهذيب - للبغوي - 463:4، العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 4: 258.

أحدها: إنّ الإجارة فاسدة في الصورة الأولي، صحيحة في الثانية؛ لأنّه إذا أكري من اثنين، اتّصل زمان الإجارة بعضه من بعض، و إذا أكري من واحد، تفرّق، فيكون إجارة للزمان المستقبل.

و ثانيها: المنع في الصورتين؛ لأنّه إجارة إلي آجال متفرّقة و أزمنة متقطّعة.

و ثالثها - و به قال المزني -: إنّه تجوز الإجارة في الصورتين مضمونة في الذمّة، و لا تجوز علي دابّة معيّنة.

و الفرق: إنّها إذا كانت في الذمّة، فإن آجر من واحد، فقد ملّكه نصف المنافع علي الإشاعة، فيقاسم المالك، فإن آجرها من اثنين، ملّكهما الكلّ، فيتقاسمان، و أمّا إجارة العين فإنّها تتعلّق بأزمنة متقطّعة، فتكون إجارة للزمان المستقبل، فإنّ الذي يركب بعد الأوّل لا يتّصل انتفاعه بالعقد، و هذا يفسد عقد الإجارة.

و أصحّها - و هو نصّه في الأم(1) -: جواز الإجارة في الصورتين، سواء وردت علي العين أو الذمّة، و يثبت الاستحقاق في الحال، ثمّ يقتسم المكتري و المكري أو المكتريان.

و التأخّر الواقع من ضرورة القسمة و التسليم لا يضرّ؛ لأنّهما اكتريا جميعا، فملكا منافع الركوب بينهما، ألا تري أنّهما لو اكتريا البعير من واحد جميعا، صحّ، و يثبت أنّهما ملكا المنافع علي وجه الإشاعة، إلاّ أنّهما لا يمكنهما أن يستوفيا جميعا، فيقدّم أحدهما علي الآخر، و هذا لا يقدّم في العقد، ألا تري أنّهما لو اشتريا طعاما من صبرة، فإنّ أحدهما يقبض قبل4.

ص: 71


1- راجع: الأم 35:4.

الآخر، و لا يكون ذلك تأخيرا في التسليم(1).

و هذه المسألة تعرف بكري العقب، و هو جمع عقبة، و العقبة:

النوبة، و هما يتعاقبان علي الراحلة: إذا ركب هذا تارة و هذا أخري.

مسألة 561: إذا استأجرا عقبة، صحّ علي ما قلناه.

ثمّ إن كان في الطريق عادة مضبوطة إمّا بالزمان بأن يركب يوما و ينزل يوما، أو بالمسافة بأن يركب فرسخا و يمشي فرسخا، حمل الإطلاق عليها.

و لو اتّفق المؤجر و المستأجر علي العقبة بخلاف العادة و كان مضبوطا، صحّ العقد أيضا، و حمل علي ما اتّفقا عليه دون العادة.

و لو عيّنا أن يركب ليلا و يمشي نهارا، جاز، و ليس لأحدهما أن يطلب الركوب ثلاثة أيّام و النزول ثلاثة أيّام، إلاّ برضا الآخر.

أمّا إذا طلبه الراكب: فلأنّ ذلك يضرّ بالبعير؛ لاتّصال الركوب عليه، و لأنّه إذا ركب بعد شدّة تعبه كان أثقل علي البعير.

و أمّا إذا طلبه المؤجر: فلأنّ الراكب يتضرّر باتّصال المشي عليه و دوامه.

و لو اتّفقا عليه، جاز.

و إن لم تكن هناك عادة مضبوطة، فلا بدّ من البيان و التعيين في ابتداء العقد؛ لترتفع الجهالة و التشاجر.

و قال بعض العامّة: لو أطلق العقبة و هناك عرف و عادة، لا يصحّ العقد؛ لأنّ ذلك يختلف، و لا ضابط فيه، فيكون مجهولا(2).

و هو ممنوع؛ إذ التقدير الضبط عادة، و الحمل علي العادة كالحمل

ص: 72


1- العزيز شرح الوجيز 97:6-98، روضة الطالبين 258:4.
2- المغني و الشرح الكبير 111:6.

علي المشروط لفظا.

مسألة 562: إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة بأن ينزل أحدهما و يركب الآخر،

مسألة 562: إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة بأن ينزل أحدهما و يركب الآخر، صحّ، و يكون كراؤهما طول الطريق و الاستيفاء بينهما علي ما يتّفقان عليه.

و إن تشاحّا قسّم بينهما، لكلّ واحد منهما فراسخ معلومة أو أزمنة معيّنة.

و إن كان لذلك عرف، رجع إليه.

و إن اختلفا في من يبدأ بالركوب، فالحاكم القرعة.

و يحتمل أن لا يصحّ كراؤهما إلاّ أن يتّفقا علي ركوب معلوم لكلّ واحد منهما؛ لأنّه عقد علي مجهول بالنسبة إلي كلّ واحد منهما، فلم يصح.

[و لو آجرهما الدابّة](1) و لم يتعرّض للتعاقب، قال بعض الشافعيّة: إن احتملت الدابّة ركوب شخصين اجتمعا علي الركوب، و إلاّ تناوبا(2).

و لو قال: آجرتك نصف الدابّة إلي موضع كذا، أو آجرتك الدابّة لتركبها نصف الطريق، صحّ، و يقتسمان إمّا بالزمان أو بالمسافة، و هذه إجارة المشاع تصحّ، كما يصحّ بيع المشاع، و به قال الشافعي و مالك(3).

ص: 73


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلو استأجراها - استأجرها - للدابّة». و هو كما تري، و ما أثبتناه هو الموافق لما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 258:4-259.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:2، المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 98:8، و 121، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5،

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تصحّ إجارة المشاع إلاّ من الشريك(1).

و في إجارة نصف الدابّة للشافعيّة وجه: إنّه لا يجوز؛ لأنّها غير قابلة للتقطّع، بخلاف إجارة نصف الدار، و بخلاف ما إذا آجر منهما ليركبا في محمل(2).

مسألة 563: يشترط معرفة الراكبين إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة،

مسألة 563: يشترط معرفة الراكبين إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة، و يصفهما بما يختلفان به من الطول و القصر، و الهزال و السمن، و الصحّة و المرض، و الصغر و الكبر، و الذكورة و الأنوثة.

و قال بعض العامّة: لا بدّ من معرفة الراكبين بالرؤية؛ لأنّه يختلف [بثقله و خفّته و سكونه و حركته](3) و لا ينضبط بالوصف، فيجب تعيينه(4).

ص: 74


1- تحفة الفقهاء 357:2، بدائع الصنائع 187:4، الفقه النافع 1133:3 - 1134، مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، المبسوط - للسرخسي - 15: 144، وسائل الأسلاف إلي مسائل الخلاف: 529، الهداية - للمرغيناني - 3: 240، المغني 152:6، الشرح الكبير 46:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:2، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 5: 387، التهذيب - للبغوي - 426:4، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 6: 98، بداية المجتهد 227:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المحلّي 8: 200-201.
2- العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4.
3- التهذيب - للبغوي - 426:4، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4، بداية المجتهد 227:2، تحفة الفقهاء 357:2، بدائع الصنائع 187:4، المبسوط - للسرخسي - 145:15، مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، وسائل الأسلاف إلي مسائل الخلاف: 529، المغني 152:6، الشرح الكبير 46:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المحلّي 200:8.
4- المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.

و لا بأس به، و هو مذهب الشافعي(1).

و المحامل تجب رؤيتها أو وصفها، و يذكر وزنها؛ للاختلاف بالثقل و الخفّة.

و منع بعضهم من الاكتفاء بالوصف(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه عقد معاوضة مضاف إلي حيوان، فاكتفي فيه بالصفة، كالبيع، و كالركوب في الإجارة، و لأنّه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه؛ لأنّه إنّما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات، فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم التساوي فيه، و لأنّ الوصف يكفي في البيع، فاكتفي به في الإجارة، كالرؤية.

مسألة 564: ما لا قدرة عليه شرعا جار مجري ما لا قدرة عليه حسّا،

مسألة 564: ما لا قدرة عليه شرعا جار مجري ما لا قدرة عليه حسّا، فكما لا يجوز العقد علي ما لا يقدر عليه حسّا، كذا لا يجوز العقد علي ما لا يقدر عليه شرعا، فلو استأجره لقلع سنّ صحيحة أو لقطع يد صحيحة، لم يصح العقد؛ لأنّه ممنوع من القلع و القطع هنا شرعا.

و كذا لا يجوز استئجار الحائض لكنس المسجد و فرشه و خدمته؛ لأنّ ذلك محرّم، فتعذّر تسليم المنافع شرعا.

و جوّزه بعض الشافعيّة و إن كان حراما، كما تصحّ الصلاة في الدار

ص: 75


1- الحاوي الكبير 411:7، المهذّب - للشيرازي - 404:1، بحر المذهب 9: 284، التهذيب - للبغوي - 457:4، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 6: 116، روضة الطالبين 273:4-274، المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.
2- الحاوي الكبير 412:7، المهذّب - للشيرازي - 404:1، نهاية المطلب 8: 126، بحر المذهب 284:9، حلية العلماء 395:5، التهذيب - للبغوي - 4: 458، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4، المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.

المغصوبة و إن كان شغل ملك الغير معصية(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 565: لا يجوز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل؛ لأنّهما منسوخان

مسألة 565: لا يجوز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل؛ لأنّهمامنسوخان، و تعلّمهما حرام، فلا يقدر علي تسليم المنفعة شرعا.

و كذا لا يجوز الاستئجار علي تعليم كتب الضلال و السحر و الشعبذة و الكهانة و القيافة و كلّ صنعة محرّمة، كالغناء و تعليم الشطرنج و النرد و أصناف الملاهي و القمار، كما لا يصحّ العقد عليها في البيع.

و كذا لا يجوز علي تعليم الفحش و السبّ لمن لا يجوز.

و بالجملة، كلّ فعل محرّم و منفعة محرّمة لا يجوز الاستئجار عليها، و إن عقد بطل العقد.

و كذا لا يجوز الاستئجار علي ختان الصغير الذي لا يحتمل ألمه و يخشي تلفه، و كذا علي قطع السّلع(2) التي لا يؤمن معها الموت.

مسألة 566: لو كانت السنّ وجعة، جاز قلعها بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة:

مسألة 566: لو كانت السنّ وجعة، جاز قلعها بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة إنّ قلعها مزيل له، و إلاّ فلا.

و لو كانت اليد متآكلة و كان قطعها نافعا و لا يخاف التلف معه، جاز قطعها؛ لما فيه من المنفعة.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّ القطع إنّما ينفع إذا وضعت الحديدة علي محلّ صحيح، و أنّه مهلك، كما أنّ الأكلة مهلكة(3).

ص: 76


1- الوسيط 164:4، العزيز شرح الوجيز 99:6.
2- السّلع جمع، واحدها: السلعة، و هي زيادة تحدث في الجسد كالغدّة، تتحرّك إذا حرّكت، و قد تكون من حمّصة إلي بطّيخة. الصحاح 1231:3 «سلع».
3- الوسيط 164:4، العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 259:4.

و لا نزاع في الحقيقة؛ لأنّا إنّما نجوّزه في صورة الأمن من التلف.

و كلّ موضع لا يجوز فيه قلع السنّ و لا قطع اليد لا يجوز الاستئجار عليه، فإن استأجر عليه بطل العقد؛ لأنّه منهيّ عنه بعينه، فأشبه الاستئجار لقتل النفس المحترمة.

و كلّ موضع يجوز فيه القلع و القطع يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّها منفعة محلّلة مقصودة، فجاز عقد الإجارة فيها، كغيرها من المنافع.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الإجارة إنّما تجوز(1) في عمل موثوق به، و زوال العلّة محتمل، فيمتنع الوفاء بقضيّة الإجارة، و سبيل مثل هذا الغرض أن يحصل بالجعالة بأن يقول: اقلع سنّي هذه و لك كذا.

و أصحّهما عندهم: الصحّة - كما قلناه - إذ لا يشترط لصحّة الإجارة القطع بسلامتها عمّا يقطعها(2).

و رأي الجويني تخصيص الوجهين بالقلع؛ لأنّ احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القلع غير بعيد، أمّا زوال الأكلة في زمان القطع فإنّه غير محتمل.

و أجري الخلاف في الاستئجار للفصد و الحجامة و بزغ الدابّة(3) ؛ لأنّ هذه إيلامات إنّما تباح بالحاجة، و قد تزول الحاجة(4).

و ما ذكروه في وجه المنع غلط؛ لأنّ المستأجر إنّما استأجر لقلع».

ص: 77


1- في الطبعة الحجريّة: «لا تجوز إلاّ» بدل «إنّما تجوز».
2- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.
3- بزّغ البيطار الحافر: إذا عمد إلي أشاعره بمبضع فوخزه به و خزا خفيّا لا يبلغ العصب فيكون دواء له. لسان العرب 418:8 «بزغ».
4- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.

الضرس و قطع اليد، و لم يستأجر لإزالة الألم، بل لو استأجر له بطل، و لا يلزم من الاستئجار علي فعل يؤدّي إلي مصلحة حصول تلك المصلحة قطعا من الفعل الذي وقعت الإجارة عليه.

مسألة 567: لو تجدّد تعذّر تسليم المنفعة، بطل العقد من ذلك الوقت،

مسألة 567: لو تجدّد تعذّر تسليم المنفعة، الوقت، بطل العقد من ذلك فلو استأجر امرأة لكنس المسجد فحاضت و كانت الإجارة واقعة علي العين و عيّنت المدّة، انفسخ العقد؛ لتعذّر الفعل منها حينئذ.

و إن وردت علي الذمّة، لم تنفسخ؛ لإمكان أن تفوّضه المرأة إلي الغير، و أن تكنس بعد أن تطهر.

و لو استأجر لقلع السنّ الوجعة فارتفع الوجع و برئ، انفسخت الإجارة؛ لتعذّر القلع.

و لو لم يسكن الوجع و لكن امتنع المستأجر من قلعه، لم يجبر المستأجر عليه، لكن إذا سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن فيها قلع الضرس علي التمكين، وجب علي المستأجر دفع الأجرة إلي الأجير؛ لأنّه قد ملك الأجرة بالعقد، و استقرّت بالتمكين طول المدّة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجب علي المستأجر دفع الأجرة، و لا تستقرّ الأجرة حتي لو انقلعت تلك السنّ انفسخت الإجارة، و وجب ردّ الأجرة إن كان الأجير قد قبضها، كما لو مكّنت الزوجة في النكاح و لم يطأها الزوج، بخلاف ما لو حبس الدابّة مدّة إمكان السير حتي تستقرّ عليه الأجرة؛ لتلف المنافع تحت يده(1).

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع علي ما تقدّم

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع علي ما تقدّم(2) من أنّه منفعة

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع علي ما تقدّم(2) من أنّه منفعة

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.
2- في ص 53 و 54، المسألتان 545 و 546.

محلّلة مقصودة.

و تقدّم(1) الخلاف في أنّ المعقود عليه هل هو اللبن و الخدمة تابعة له، أو أنّ المقصود بالعقد هو الخدمة بأن تحمل الصبي للرضاع، و تضع الثدي في فمه، و تحرّكه عند الحاجة إليه، كالصبغ في إجارة الصبّاغ و ماء البئر في الدار؟ و الأقرب: الثاني.

إذا عرفت هذا، فإذا كان للمرأة ولد من زوجها، لم يكن عليها أن ترضعه؛ لأنّ مؤونته علي أبيه، فإن أرادت إرضاعه فإن كان ذلك ممّا يمنع شيئا من حقوق الزوج، لم يكن لها ذلك، إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّ توفية المنافع المستحقّة عليها للزوج لازمة لها، فإذا كان الإرضاع يخلّ ببعضها كانت ممنوعة منه.

مسألة 569: يجوز للرجل أن يستأجر زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة،

مسألة 569: يجوز للرجل أن يستأجر زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الصحيح من مذهب أحمد(2) - للأصل، و لقوله تعالي: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3).

و لأنّ كلّ عقد يصحّ أن تعقد مع غير الزوج يصحّ أن تعقد معه، كالبيع، و لأنّ منافعها في الرضاع و الحضانة غير مستحقّة للزوج؛ لأنّه لا يملك إجبارها علي حضانة ولدها و لا رضاعه، و لها أن تأخذ العوض عليه من غيره فجاز لها أن تأخذ منه، كثمر نخلها.

و قال الشافعي: لا يجوز للرجل أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده منها

ص: 79


1- في ص 53-54.
2- نهاية المطلب 79:8-80، بحر المذهب 304:9، الوجيز 232:1، الوسيط 164:4، حلية العلماء 431:5، العزيز شرح الوجيز 101:6-102، روضة الطالبين 261:4، المغني 86:6، الشرح الكبير 42:6.
3- سورة الطلاق: 6.

- و هو رواية عن أحمد، و قول أصحاب الرأي - لأنّه استحقّ حبسها؛ لأنّها أخذت منه عوضا في مقابلة الاستمتاع، و عوضا في مقابلة التمكين و الحبس، فلا يلزمه عوض آخر، و لا يمتنع أن يصحّ مع غيره و لا يصحّ معه، كما يجوز أن يزوّج أمته من غيره فلا يتزوّجها مع ملكها(1).

و ليس بجيّد؛ لضعفه، و مع هذا ينتقض باستئجارها لسائر الأعمال، و يعارض لو استأجرها بعد البينونة، و كما لو استأجرها للطبخ و الكنس و نحوهما.

و قال أبو حنيفة: إنّه لا يجوز استئجارها للطبخ و ما أشبهه؛ لأنّه مستحقّ عليها في العادة(2).

و هو باطل عندنا.

قولهم: إنّها استحقّت عوض الحبس و الاستمتاع.

قلنا: هذا غير الحضانة، و استحقاق منفعة من جهة لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، كما لو استأجرها أوّلا ثمّ تزوّجها.

و علي هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة.

و في عكسه للشافعيّة و جهان إذا كانت الإجارة علي عينه، كالوجهين فيما إذا آجر المسلم نفسه من كافر(3).4.

ص: 80


1- نهاية المطلب 79:8-80، بحر المذهب 304:9، الوسيط 164:4، حلية العلماء 431:5، العزيز شرح الوجيز 101:6-102، روضة الطالبين 261:4، المغني 86:6، الشرح الكبير 42:6، بدائع الصنائع 192:4، المبسوط - للسرخسي - 127:15.
2- بدائع الصنائع 192:4، المبسوط - للسرخسي - 128:15، العزيز شرح الوجيز 102:6.
3- العزيز شرح الوجيز 102:6، روضة الطالبين 261:4.
مسألة 570: يجوز للرجل استئجار ابنته و أخته و أمّه لإرضاع ولده، و كذلك سائر أقاربه بلا خلاف.

و كذا يجوز للرجل أن يؤجر أمته و مدبّرته و أمّ ولده و المنذور عتقها و المأذون لها في التجارة، و إجبارهنّ علي الإرضاع؛ لأنّه عقد علي منفعة أمته المباحة، فكان جائزا، كما لو استأجرها للخدمة.

و ليس للأمة و لا للمدبّرة و لا لمن نذر عتقها إجارة نفسها؛ لأنّها مملوكة للغير، فلا يجوز لها التصرّف في منافعها المملوكة لغيرها إلاّ بإذنه.

و كذا المأذون لها في التجارة ليس لها أن تؤجر نفسها للإرضاع إلاّ بإذن مولاها، و له إجبارها علي الرضاع؛ لأنّ ذلك ليس من جملة التجارة، فلا يدخل تحت الإذن فيها.

و إذا كانت ذات ولد، لم يجز إجارتها للإرضاع إلاّ أن يكون فيها فضل عن ريّه؛ لأنّ الحقّ لولدها، و ليس لمولاها إلاّ ما فضل عنه.

و لو كانت الأمّة مزوّجة، لم يكن لمولاها إجارتها للإرضاع إن كان يمنع شيئا من حقوق الزوج أو ينقص في الاستمتاع إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّه يفوّت حقّ الزوج، لاشتغالها عنه بإرضاع الصبي و حضانته.

مسألة 571: يجوز للأجنبيّ استئجار زوجة الغير لإرضاع ولده،

مسألة 571: يجوز للأجنبيّ استئجار زوجة الغير لإرضاع ولده، و به قال الشافعي(1).

و كذا يجوز أن يستأجرها لغير الإرضاع إذا لم يحصل فيه تفويت حقّ الزوج و لا قصور استمتاع بها، بإذن الزوج و بغير إذنه؛ لأنّها حرّة مالكة لمنافعها التي لا تعلّق للزوج بها، فجاز لها صرفها إلي من شاءت بعوض

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4.

و غيره، و لأنّ محلّ الإرضاع غير محلّ النكاح؛ إذ لا حقّ له في لبنها و خدمتها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه لا يكون له أن يستأجرها للرضاع إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّ أوقاتها مستغرقة بحقّ الزوج، فلا تقدر علي توفية ما التزمته، فإن لم نصحّح العقد فلا بحث، و إن صحّحناه كان للزوج فسخه إن منع شيئا من حقوقه لئلاّ يختلّ حقّه(1).

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع(2) و لا زوج لها ثمّ تزوّجت في المدّة، فالإجارة بحالها،

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع(2) و لا زوج لها ثم تزوّجت في المدّة، فالإجارة بحالها، و ليس للزوج منعها من توفية ما التزمته؛ لسبق حقّ المستأجر، كما لو أجرت نفسها بإذنه، لكن يستمتع بها في أوقات فراغها.

و كذا لو أجر أمته للإرضاع ثمّ زوّجها بعد ذلك، صحّ النكاح، و لا ينفسخ عقد الإجارة، و للزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع.

و ليس لوليّ الطفل الذي استأجرها لإرضاعه منع الزوج من وطئها - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لأصالة عدم المنع.

و في الثاني: إنّ له منع الزوج من الوطئ - و به قال أبو حنيفة و مالك - لأنّ المرأة ربما تحبل من وطئ الزوج فينقطع اللبن أو يقلّ فيتضرّر الولد(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوطء مستحقّ، فلا يسقط لأمر مشكوك فيه، و الحبل أمر موهوم، فلا يمنع به الوطء المستحقّ بالعقد.

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4.
2- في «د، ص»: «للإرضاع».
3- بحر المذهب 303:9، البيان 276:7، العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4، النوادر و الزيادات 56:7، الذخيرة 408:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1163/659:2، مختصر اختلاف العلماء 1798/110:4.
4- بحر المذهب 303:9، البيان 276:7، العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4، النوادر و الزيادات 56:7، الذخيرة 408:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1163/659:2، مختصر اختلاف العلماء 1798/110:4.

أمّا لو فرضنا أنّ الإصابة تضرّ بالولد، فإنّه يمنع الزوج من الإصابة، سواء كان بتوسّط الحبل أو لا إذا علم حصول الحبل.

مسألة 573: ليس للسيّد أن يؤجر مكاتبته للرضاع، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة؛ لانقطاع تصرّف المولي في منافعها،

مسألة 573: ليس للسيّد أن يؤجر مكاتبته للرضاع، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة؛ لانقطاع تصرّف المولي في منافعها، و لهذا لم يملك سيّدها تزويجها و لا وطأها و لا إجارتها في غير الرضاع، و لها أن تؤجر نفسها للرضاع و غيره و إن لم يأذن المولي؛ لأنّه اكتساب و هي مفوّضة فيه.

و كذا المعتق بعضها ليس للمولي(1) إجارتها للرضاع و لا لغيره.

و لا يجوز للمرضع أن تؤجر نفسها لإرضاع طفل غير الأوّل إلاّ بعد انقضاء مدّة الأوّل، فإن كان اللبن كثيرا يفي بالطفلين جاز لها ذلك.

و كذا حكم الجارية لو أجرها مولاها لإرضاع طفل، لم يكن له أن يؤجرها لإرضاع آخر إلاّ مع كثرة اللبن بحيث يفي للطفلين.

مسألة 574: كلّ موضع يمنع الزوج فيه من الوطئ لحقّ الرضاع تسقط فيه النفقة عنه في تلك المدّة،

مسألة 574: كلّ موضع يمنع الزوج فيه من الوطئ لحقّ الرضاع تسقط فيه النفقة عنه في تلك المدّة، و علي المرضعة أن تأكل و تشرب ما يدرّ به لبنها و يصلح به، و للمستأجر مطالبتها بذلك؛ لأنّه من تمام التمكين من الرضاع، و في تركه إضرار بالصبي.

و لو لم ترضعه المؤجرة نفسها للرضاع، بل أسقته لبن الغنم أو أطعمته، لم يكن لها أجر؛ لأنّها لم توف المعقود عليه، فأشبه ما لو اكتراها لخياطة ثوب فلم تخطه.

و لو دفعته إلي خادمها فأرضعته، فكذلك، و به قال أحمد و أبو ثور(2).

ص: 83


1- في «ر»: «لمولاها» بدل «للمولي».
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 114:2، المغني 84:6-85، الشرح الكبير 20:6.

و قال أصحاب الرأي: لها أجرها؛ لأنّ رضاعه حصل بفعلها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّها لم ترضعه، فأشبه ما لو سقته لبن الغنم.

و لو اختلفا فقالت: أرضعته، و أنكر المستأجر، فالقول قولها؛ لأنّها مؤتمنة، علي إشكال.

مسألة 575: إذا ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة؛

مسألة 575: إذا ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة؛ لأنّ المنفعة قد فاتت بهلاك محلّها، فأشبهت البهيمة المستأجرة إذا ماتت تنفسخ الإجارة، كذا هنا.

و قال بعض العامّة: لا تنفسخ، و يجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت؛ لأنّه كالدّين(2).

و ليس بجيّد؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من العين التي تعلّقت الإجارة بها.

و إن مات الطفل، انفسخت الإجارة؛ لأنّه يتعذّر استيفاء المعقود عليه؛ لأنّه لا يمكن إقامة غيره مقامه؛ لاختلاف الصبيان في الرضاع، و لأنّ العقد وقع علي إيقاع الفعل و قد تعذّر ذلك، فأشبه ما إذا استأجر لخياطة ثوب فتلف الثوب، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و الثاني: لا تبطل الإجارة؛ لأنّ الصبي يستوفي به، فلا تبطل الإجارة

ص: 84


1- بدائع الصنائع 209:4، المبسوط - للسرخسي - 127:15، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 114:2، بحر المذهب 304:9، المغني 85:6، الشرح الكبير 20:6.
2- المغني 87:6، الشرح الكبير 120:6-121.
3- الحاوي الكبير 424:7، المهذّب - للشيرازي - 413:1، نهاية المطلب 8: 203، بحر المذهب 305:9-306، الوسيط 199:4-200، حلية العلماء 5: 420، التهذيب - للبغوي - 445:4، البيان 317:7، العزيز شرح الوجيز 6: 173، روضة الطالبين 314:4، المغني 87:6، الشرح الكبير 120:6.

بموته، كموت الراكب(1).

و الفرق: إنّ اللبن قد يدرّ علي أحد الولدين دون الآخر، فتتعذّر إقامة غيره مقامه.

و إن مات المستأجر، لم تبطل الإجارة عندنا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الإجارة لا تبطل بموت أحد المتواجرين علي ما يأتي؛ لأنّ استيفاء المنفعة لم يتعذّر.

و كلّ موضع قلنا ببطلان الإجارة فيه هنا فإن كان عقيب العقد بلا فصل بطلت الإجارة من أصلها، و رجع المستأجر بالأجر كلّه، و إن كان في أثناء المدّة رجع بحصّة ما بقي.

تذنيب: قال أحمد بن حنبل: يستحبّ أن تعطي المرضعة عند الفطام عبدا؛ لأنّ حجّاج الأسلمي قال: قلت: يا رسول اللّه ما يذهب عنّي مذمّة الرضاع ؟ قال: «الغرّة: العبد أو الأمة»(3).

و المذمّة بكسر الذال من الذمام، و بفتحها يكون من الذمّ.

و خصّ الرقبة بالمجازاة لها؛ لأنّ فعلها في إرضاعه و حضانته يكون سبب حياته و حفظ رقبته، فاستحبّ جعل الجزاء رقبة، لتناسب الشكر و النعمة، و لذا جعل اللّه تعالي المرضعة أمّا في قوله: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ (4) و قال عليه السّلام: «لا يجزي ولد والده إلاّ أن يجده مملوكا3.

ص: 85


1- نفس المصادر ما عدا المغني و الشرح الكبير.
2- بحر المذهب 305:9.
3- سنن أبي داود 2064/224:2، سنن الترمذي 1153/459:3، سنن النسائي 108:6.
4- سورة النساء: 23.

فيعتقه»(1) هذا مع يسار المسترضع(2).

و لم نقف لغيره علي شيء في ذلك.

الشرط الثالث للمنفعة: يشترط في المنفعة أن تكون حاصلة للمستأجر، و إلاّ اجتمع العوضان في ملك واحد، و هو باطل؛
اشارة

الشرط الثالث للمنفعة: يشترط في المنفعة أن تكون حاصلة للمستأجر، و إلاّ اجتمع العوضان في ملك واحد، و هو باطل؛ فإنّ المعاوضة تقتضي التبادل في العوضين، فينتقل كلّ من العوضين إلي الآخر، فإذا قال:

استأجرت منك دابّتك لتركبها بعشرة دراهم، لم يصح، و إلاّ لزم أن تكون المنفعة و العشرة حاصلة للمؤجر.

و أكثر العناية في هذا الشرط أن [نذكر] حكم العبادات و القرب في الاستئجار، و هي نوعان:

أحدهما: القربة التي لا تدخلها النيابة، فلا يصحّ الاستئجار عليها؛ لأنّ الاستئجار إنابة بعوض، و غرض الشرع تعلّق بإيقاعها من مباشر خاصّ.

و أمّا ما تدخله النيابة(3) فيجوز الاستئجار عليه، كالحجّ و تفريق الزكاة.

و أمّا غسل الميّت فإنّه عند علمائنا يحرم أخذ الأجرة عليه.

و سوّغ الشافعيّة عقد الإجارة فيه(4).

و كذا تجهيز الميّت بالتكفين و الغسل و حفر القبر و حمل الجنازة و الدفن، فعندنا لا يجوز أخذ الأجرة علي ذلك؛ لأنّه من فروض الكفاية.

ص: 86


1- صحيح مسلم 1510/1148:2، سنن ابن ماجة 3659/1207:2، سنن أبي داود 5137/235:4، سنن الترمذي 1906/315:4 بتفاوت يسير.
2- المغني 87:6-88، الشرح الكبير 20:6-21.
3- و هو النوع الثاني.
4- الوسيط 164:4، الوجيز 232:1، العزيز شرح الوجيز 102:6، روضة الطالبين 262:4.

و عندهم أنّ هذه المؤونات تختصّ بتركة الميّت، فإن لم تكن فحينئذ يجب علي الناس القيام بها، فمثل هذا عندهم يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّ الأجير غير مقصود بفعله حتي يقع عنه(1).

مسألة 576: و يكره أخذ الأجر علي تعليم القرآن،

مسألة 576: و يكره أخذ الأجر علي تعليم القرآن، و يجوز أخذ الهديّة فيه و الهبة عليه، لكن المحرّم إذا اشترط الأجر؛ لما رواه جرّاح المدائني عن الصادق عليه السّلام قال: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهديّة إذا أهدي إليه»(2).

و قد روي قتيبة الأعشي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّي أقرئ القرآن فتهدي إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال: «لا» قلت: إنّي(3) لم أشارطه، قال:

«أ رأيت لو لم تقرئه أكان يهدي لك ؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا الخبر محمول علي الكراهة، دون التحريم؛ لأنّ التنزّه عن مثل ذلك أولي و أفضل و إن لم يكن محظورا(5).

و جوّز الشافعي الأجر علي ذلك، فإنّ كلّ أحد [لا](6) يختصّ بوجوب التعليم و إن كان نشر القرآن و إشاعته من فروض الكفايات(7).

و هذا إذا لم يتعيّن واحد لمباشرة هذه الأعمال، فإن تعيّن واحد لتجهيز الميّت أو لتعليم الفاتحة، فللشافعيّة و جهان:

ص: 87


1- العزيز شرح الوجيز 102:6-103، روضة الطالبين 262:4.
2- التهذيب 1047/365:6، الاستبصار 218/66:3.
3- في «ر» و التهذيبين: «إن» بدل «إنّي».
4- الفقيه 462/110:3، التهذيب 1048/365:6، الاستبصار 219/66:3.
5- التهذيب 365:6، ذيل ح 1048، الاستبصار 66:3، ذيل ح 219.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4.

أحدهما: المنع - و هو الذي نذهب إليه - كفروض الأعيان ابتداء.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كما أنّ المضطرّ يجب إطعامه، و يجوز تغريمه(1).

مسألة 577: الجهاد إن وجب علي الأعيان بأن يدهم المسلمين - و العياذ باللّه - عدوّ لا يندفع إلاّ بعموم القيام في وجه العدوّ،

مسألة 577: الجهاد إن وجب علي الأعيان بأن يدهم المسلمين - و العياذ باللّه - عدوّ لا يندفع إلاّ بعموم القيام في وجه العدوّ، فلا يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّه الآن فرض عين، و المستأجر مكلّف بالجهاد و الذبّ عن الملّة، فيقع عنه.

نعم، يجوز له أن يستأجر الذمّي عليه.

و إن لم يجب علي الأعيان، فإن كان الإمام قد عيّنه لم يجز الاستئجار عليه أيضا، و إن لم يعيّنه الإمام و كان فرضا علي الكفاية جاز الاستئجار عليه؛ لأنّه لا يتعيّن علي المباشر و لا علي المستأجر.

مسألة 578: لا يجوز الاستئجار علي الأذان و شبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة؛

مسألة 578: لا يجوز الاستئجار علي الأذان و شبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه إنّي لأحبّك [للّه] فقال له: «و لكنّي أبغضك للّه» قال:

و لم ؟ قال: «لأنّك تبغي في الأذان، و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: من أخذ علي تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ النهي في تعليم القرآن إنّما هو مع الشرط؛ لما رواه جرّاح المدائني قال: نهي الصادق عليه السّلام عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلاّ

ص: 88


1- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4.
2- التهذيب 1099/376:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

بأجر مشروط(1).

و للشافعيّة في الأجر علي الشعائر غير المفروضة كالأذان تفريعا علي الأصحّ عندهم ثلاثة أوجه، فإن جوّزوه فثلاثة أوجه في أنّ المؤذّن علام يأخذ الأجرة ؟

أحدها: إنّه يأخذ علي رعاية المواقيت.

و الثاني: علي رفع الصوت.

و الثالث: علي الحيّعلتين؛ فإنّهما ليستا من الأذكار.

و الأصحّ عندهم وجه رابع: إنّه يأخذ علي جميع الأذان بجميع صفاته، و لا يبعد استحقاق الأجرة علي ذكر اللّه تعالي، كما لا يبعد استحقاقها علي تعليم القرآن و إن اشتمل علي قراءة القرآن(2).

مسألة 579: لا يجوز أخذ الأجرة علي إمامة الصلاة المفروضة،

مسألة 579: لا يجوز أخذ الأجرة علي إمامة الصلاة المفروضة، و به قال الشافعي(3).

و الإمامة في النوافل عندنا باطلة، و عند الجمهور تصحّ.

و للشافعيّة في أخذ الأجرة علي الإمامة في التراويح و سائر النوافل و جهان، الأصحّ عندهم: المنع؛ لأنّ الإمام مصلّ لنفسه، و مهما صلّي اقتدي به من يريد و إن لم ينو الإمامة، و إن توقّف علي نيّته [شيء] فهو إحراز فضيلة الجماعة، و هذه فائدة تحصل له، دون المستأجر، و من جوّزه منهم ألحقه بالاستئجار للأذان ليتأدّي الشعار(4).

ص: 89


1- التهذيب 1097/376:6.
2- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4-263.
3- الوسيط 165:4، العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4.
4- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
مسألة 580: لا يجوز أخذ الأجرة علي القضاء بين الناس -

مسألة 580: لا يجوز أخذ الأجرة علي القضاء بين الناس - و به قال الشافعي(1) - لأنّه من فروض الكفايات، و لأنّ أعمال القاضي غير مضبوطة، لكن يجوز له أخذ الرزق من بيت المال.

و أمّا تعليم العلوم الدينيّة فإن تعيّن لتعليمها، لم يجز له أخذ الأجرة عليه.

و أطلق الشافعيّة القول بمنع الاستئجار للتدريس(2).

و في إعادة الدرس لهم قولان.

قال الجويني: لو عيّن شخصا أو جماعة ليعلّمهم مسألة أو مسائل مضبوطة، فهو جائز، و الذي أطلقوه محمول علي استئجار من تصدّي للتدريس من غير تعيين من يعلّمه و ما يعلّمه؛ لأنّه كالجهاد في أنّه إقامة مفروض علي الكفاية ثابت علي الشيوع، و كذلك نمنع استئجار مقرئ يقرئ علي هذه الصورة.

قال: و يحتمل أن يجوز الاستئجار له، و يشبه بالأذان(3).

الشرط الرابع للمنفعة: أن تكون محلّلة.
اشارة

كلّ منفعة محرّمة لا يجوز عقد الإجارة فيها؛ لأنّها مطلوبة العدم في نظر الشرع، فلا يجوز عقد الإجارة علي تحصيلها، و ذلك كالزنا و الزمر و أنواع الملاهي و تعلّمها و تعليمها و الغناء و النّوح بالباطل، فلا يجوز الاستئجار لفعل الغناء - و به قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة و صاحباه و أبو ثور، و كره ذلك الشعبي و النخعي4 - لأنّه محرّم، فلا يجوز الاستئجار

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4.
2- العزيز شرح الوجيز 104:6، روضة الطالبين 263:4.
3- العزيز شرح الوجيز 104:6، روضة الطالبين 263:4.

عليه، كإجارة أمة للزنا.

و لا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء و نوحا بالباطل؛ لأنّه انتفاع بمحرّم.

و قال أبو حنيفة: يجوز(1).

و لا يجوز الاستئجار علي كتابة شعر محرّم و لا بدعة و لا شيء محرّم كذلك.

مسألة 581: لا يجوز الاستئجار علي حمل الخمر لمن يشربها و لا من يبيعها،

مسألة 581: لا يجوز الاستئجار علي حمل الخمر لمن يشربها و لا من يبيعها، و لا علي حمل خنزير و لا ميتة لمن يأكلها - و يجوز الاستئجار علي نقل الميتة من الدار إلي المزبلة و الخمر للإراقة - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(2) ؛ لأنّ هذه منافع محرّمة، فلم يجز عقد الإجارة فيها.

و قال أبو حنيفة: يجوز؛ لأنّ العمل لا يتعيّن عليه، بدليل أنّه لو حمله مثله جاز، و لأنّه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز(3).

ص: 91


1- بدائع الصنائع 189:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 324:2، المغني 149:6، الشرح الكبير 35:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 248:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 4: 269، المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6، بدائع الصنائع 190:4، المبسوط - للسرخسي - 38:16، روضة القضاة 2837/484:2.
3- بدائع الصنائع 190:4، المبسوط - للسرخسي - 38:16، روضة القضاة 2: 2836/484، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 248:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، المغني 6: 150، الشرح الكبير 36:6.

و قال أحمد: من حمل خنزيرا لنصرانيّ أو خمرا أو ميتة أكره أكل كرائه، و لكن يقضي للحمّال بالكراء، و لو كان لمسلم فهو أشدّ(1).

قال بعض أصحابه: هذا محمول علي أنّه استأجره ليريقها، فأمّا للشرب فمحظور لا يحلّ أخذ الأجرة عليه(2).

و استبعده باقي أصحابه؛ لقوله: «أكره أكل كرائه، و إذا كان لمسلم فهو أشدّ» و الصحيح تحريم ذلك؛ لأنّه استئجار لفعل محرّم، فلم يصح، كالزنا، و لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لعن حاملها و المحمولة إليه(3)(4).

و نمنع جواز حمل مثله، و القياس علي تسويغه مع قصد الإراقة باطل؛ لأنّ ذلك فعل محلّل.

و لا بأس باستئجار ناطور لحفظ كرم النصراني؛ لأنّه فعل مباح، و لا يتعيّن لاتّخاذه خمرا.

مسألة 582: لا تجوز إجارة المسكن ليحرز فيه خمرا لغير التخليل،

مسألة 582: لا تجوز إجارة المسكن ليحرز فيه خمرا لغير التخليل، و لا يؤجر دكّانا ليبيع فيه آلة محرّمة، و لا إجارة أجير ليحمل له مسكرا يشربه، فإن فعل لم تنعقد الإجارة.

و في جواز استئجار الحائط المزوّق للتنزّه قول بالجواز(5).

و لا تجوز إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة، أو يتّخذها لبيع الخمر، أو القمار، أو يجعلها بيت نار - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف

ص: 92


1- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
2- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
3- سنن ابن ماجة 3381/1122:2.
4- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
5- و هو للشافعي، كما في الخلاف - للطوسي - 501:3، المسألة 24.

و محمّد(1) - لأنّ هذه أفعال محرّمة، فلا يجوز الاستئجار عليها له، كما لو استأجر امرأة ليزني بها.

و قال أبو حنيفة: لا بأس بأن تواجر بيتك في السواد ممّن يتّخذه بيت نار أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر.

و اختلف أصحابه في تأويله:

فمنهم من قال: يجوز إذا شرط ذلك.

و منهم من قال: لا يجوز إذا شرط، و إنّما أراد أبو حنيفة إذا علم المؤجر أنّه يفعل ذلك و لكن لم يشترط(2).

و تعلّق من جوّز شرطه بأنّ هذا الفعل لا يلزمه بعقد الإجارة و إن شرطه، و إذا تسلّم العين و لم يفعل فيها شيئا من هذه الأشياء، وجبت عليه الأجرة، فذكرها و عدمها سواء.

و يبطل به علي أصله ما إذا استأجر بيتا للصلاة، و يخالف إذا لم يشترطه؛ لأنّه لم يستأجر ذلك لفعل محظور، فكان كما لو استأجر امرأة للخدمة.

و لو استأجره ليحمل له خمرا من موضع إلي آخر، فإن كان للتخليل جاز؛ لأنّه سائغ، و إن كان للشرب أو للحفظ لأجله لم يصح عقد الإجارة - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(3) - لأنّه استئجار لفعل محرّم،1.

ص: 93


1- بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 382:5، البيان 249:7، مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
2- مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، روضة القضاة 2840/485:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 249:7، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 91.

فلم يصح، كالزنا.

و قال أبو حنيفة: يجوز؛ لأنّ الفعل لم يتعيّن عليه، و لو حمل مثله خلاّ جاز(1).

مسألة 583: لو استأجر الذمّي دارا لمسلم، صحّ عقد الإجارة و إن علم المسلم أنّه يبيع فيها الخمر إذا لم يشترط ذلك،

مسألة 583: لو استأجر الذمّي دارا لمسلم، صحّ عقد الإجارة و إن علم المسلم أنّه يبيع فيها الخمر إذا لم يشترط ذلك، و ليس للمسلم منعه من بيع الخمر فيها مستترا؛ لأنّه سائغ عنده، و قد أمرنا بإجرائهم علي أحكامهم، و به قال أصحاب الرأي(2).

و قال أحمد: لصاحب الدار منعه - و به قال الثوري - لأنّه محرّم، فجاز المنع منه(3).

و الملازمة ممنوعة؛ لأنّا قد أمرنا بإجرائهم علي أحكامهم.

و كذا لو آجر المسلم بيته لمسلم (علم أنّه)(4) يعمل فيه خمرا أو نبيذا أو فقّاعا أو شيئا من الملاهي أو قمارا أو غير ذلك من المحرّمات إذا لم يشترط الإجارة لذلك، لكن يكون مكروها.

و يحتمل قويّا التحريم؛ لما فيه من المساعدة علي المعصية، و قد قال اللّه تعالي: وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (5).

و لا يكره لو لم يعلم، و إن عمل ذلك منعه إن تمكّن من منعه، و ليس له فسخ العقد لو لم يتمكّن؛ لأنّ المستأجر ملك المنافع.

مسألة 584: يكره أن يؤجر نفسه لعمل الصنائع الدنيئة - كالحجامة -

مسألة 584: يكره أن يؤجر نفسه لعمل الصنائع الدنيئة - كالحجامة -

ص: 94


1- راجع: الهامش (3) من ص 91.
2- المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
3- المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
4- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.
5- سورة المائدة: 2.

مع الشرط، و ليس محرّما؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله استأجر أبا طيبة فحجمه(1).

و يكره أن يؤاجر نفسه لكسح الكنيف و أكل أجره.

روي العامّة عن ابن عباس أنّ رجلا حجّ ثمّ أتاه فقال: إنّي رجل أكنس فما تري في مكسبي ؟ فقال: أيّ شيء تكنس ؟ قال: العذرة، قال:

و منه حججت و منه تزوّجت ؟ قال: نعم، قال: أنت خبيث و حجّك خبيث و ما تزوّجت خبيث(2).

و لأنّ فيه دناءة فكره، كالحجامة.

و أمّا الإجارة في الجملة فجائزة؛ لأنّ الحاجة داعية إليها، و لا تندفع بدون إباحة الإجارة، فوجب إباحتها، كالحجامة.

و كذا كلّ صنعة مكروهة.

و كلّ ذلك قد يجب علي الكفاية عند حاجة الناس إليه.

الشرط الخامس للمنفعة: العلم.
مسألة 585: يشترط في الإجارة ما شرط في البيع،

مسألة 585: يشترط في الإجارة ما شرط في البيع، و هو العلم بأمور ثلاثة من العين و القدر و الصفة.

أمّا العين: فيشترط تعيينها، فكما لا يجوز أن يقول: بعتك أحد هذين العبدين. كذا لا يجوز أن يقول: آجرتك أحدهما، بل إمّا أن يلتزم العين في الذمّة، كما يلتزم بالسّلم، و إمّا أن يؤجر عينا معيّنة.

ص: 95


1- صحيح البخاري 103:3 و 266، و 161:7-162، صحيح مسلم 3: 1577/1204، سنن أبي داود 3424/266:3، سنن الترمذي 1278/576:3، المغني 150:6، الشرح الكبير 37:6.
2- المغني 150:6-151، الشرح الكبير 37:6.

ثمّ إن لم يكن لها إلاّ منفعة واحدة، فالإجارة محمولة عليها، و إن كان لها منافع، فلا بدّ من البيان.

و إن أطلق، احتمل التعميم، و هو الأقوي.

و أمّا الصفة: فقد بيّنّا أنّه تجوز إجارة العين الغائبة مع ذكر صفاتها المقصودة التي تتفاوت بسببها الأجرة.

و أمّا القدر - و هو المقصود بالذكر - فاعلم أنّ قدر المنفعة لا بدّ من علمه، و علمه شرط في صحّة العقد، سواء كانت الإجارة في الذمّة، أو كانت إجارة عين.

و الشافعيّة و إن جوّزوا في البيع الاكتفاء في علم القدر بالمشاهدة فإنّهم يوجبون هنا العلم بالقدر، و لم يكتفوا بالمشاهدة في الإجارة، و الفرق: إنّ المنافع لا حضور لها محقّق عند العقد، و إنّما هي متعلّقة بالاستقبال، و المشاهدة لا يطّلع فيها علي الغرض، بل لا بدّ من التقدير(1).

مسألة 586: و لتقدير المنافع طريقان:

أحدهما: التقدير بالزمان، كما لو استأجر الدار للسكني سنة، و العبد ليخدمه شهرا، و الثوب ليلبسه يوما.

و الثاني: التقدير بالعمل، كما لو استأجر الخيّاط ليخيط له ثيابا بعينها، أو الدابّة ليركبها إلي موضع بعينه، أو ليحملها شيئا معلوما إلي موضع بعينه.

و الضابط: إنّ كلّ منفعة يمكن تقديرها و علمها بنفسها من غير التقييد بالزمان - كالخياطة، و الركوب إلي موضع معيّن - يجوز ضبطها بنفسها،

ص: 96


1- العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 263:4.

فيستأجر الخيّاط ليخيط له ثوبا معيّنا من غير تقييد بالزمان، أو الدابّة ليركبها إلي موضع معيّن من غير تقييد بالزمان.

و يجوز تقديرها بالزمان، كما لو استأجر الخيّاط لخياطة شهر، أو استأجر الدابّة ليركبها شهرا.

و كلّ منفعة لا يمكن تقديرها إلاّ بالزمان وجب في تقديرها و العلم به ذكر زمانها، كما في استئجار العقارات، فإنّ منافعها لا يمكن ضبطها إلاّ بالمدّة، و كالإرضاع، فإنّ تقدير اللبن لا يمكن، و لا سبيل (فيه إلاّ الضبط)(1) بالزمان.

مسألة 587: كلّ منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان كما قلنا في استئجار عين شخص أو دابّة،
اشارة

مسألة 587: كلّ منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان كما قلنا استئجار عين شخص أو دابّة، في بأن يقول: ليعمل له شهرا خياطة، أو يقول:

لتخيط هذا الثوب، أو لأركب الدابّة إلي موضع كذا، أو لأتردّد عليها في حوائجي اليوم، فإنّه يكفي لتعريف المقدار أيّهما كان.

و لو جمع بينهما، فقال: استأجرتك لتخيط هذا القميص اليوم، أو لأركب الدابّة إلي موضع كذا في يومين، لم يصح - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لما فيه من الغرر الحاصل بإضافة الزمان إلي العمل ممّا لا حاجة إليه، فإنّه يجوز انتهاء العمل قبل انقضاء الزمان

ص: 97


1- بدل ما بين القوسين في «ر»: «في ضبطه إلاّ».
2- بدائع الصنائع 185:4، روضة القضاة 475:1، ذيل الرقم 2753، المبسوط - للسرخسي - 44:16، مختصر اختلاف العلماء 1772/89:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 332:2، الحاوي الكبير 392:7، المهذّب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 75:8، بحر المذهب 307:9، الوسيط 166:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 428:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 264:4، المغني 12:6، الشرح الكبير 6: 73.

المشروط، أو ينتهي الزمان قبل انتهاء العمل، فإن استعمله في بقيّة المدّة فقد زاد علي ما وقع عليه العقد، و إن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدّة، و قد لا يفرغ من العمل في المدّة، فإن أتمّ عمل في غير المدّة، و إن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد، و هذا غرر أمكن التحرّز منه، و لم يوجد مثله في محلّ الوفاق، فلم يجز العقد معه.

و الوجه الثاني للشافعيّة(1): الجواز - و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد في رواية - لأنّ المدّة مذكورة للتعجيل، فلا تورث فساد العقد، و الإجارة معقودة علي العمل، فعلي هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدّة لم يلزمه العمل في باقي المدّة؛ لأنّه و في بما عليه قبل مدّته، فلا يلزمه شيء آخر، كما لو قضي الدّين قبل أجله، و إن مضت المدّة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة؛ لأنّ الأجير لم يف له بشرطه، و إن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ؛ لأنّ الإخلال بالشرط منه، فلا يكون ذلك وسيلة إلي الفسخ، كما لو تعذّر أداء المسلم فيه في وقته، لم يملك المسلم [إليه] فسخ العقد [و يملكه المسلم] فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير، كالمسلم إذا صبر عند تعذّر المسلم فيه إلي حين وجوده، لم يكن له أكثر من المسلم فيه، و إن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر، و إن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله؛ لأنّ العقد قد انفسخ، فسقط المسمّي، و يرجع إلي أجرة المثل(2).ن.

ص: 98


1- في «د، ص»: «للشافعي».
2- نهاية المطلب 75:8، الوسيط 166:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 428:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 264:4، بدائع الصنائع 185:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 332:2، المبسوط - للسرخسي - 44:16، مختصر اختلاف العلماء 4: 1772/89، الهداية - للمرغيناني - 242:3، المغني 12:6-13، الشرح الكبير 73:6-74، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدرين الأخيرين.

و قد نقل عن أحمد في من اكتري دابّة إلي موضع علي أن يدخله في ثلاث فدخله في ستّ، فقال: قد أضرّ به، فقيل: يرجع عليه بالقيمة ؟ قال: لا، يصالحه(1).

و هذا مأخوذ من رواية محمّد بن مسلم - الصحيحة - عن الباقر عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا و كذا، و إنّه لم يفعل، قال: فقال: ليس له كراء، قال: فدعوته فقلت له: يا عبد اللّه ليس لك أن تذهب بحقّه، و قلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كلّ الذي عليه، اصطلحا فترادّا بينكما»(2).

و هذه الرواية تدلّ علي تسويغ الجمع بين المدّة و العمل.

و علي الوجه الثاني للشافعيّة - و هو الجواز - لهم وجهان:

أصحّهما: إنّه يستحقّ الأجرة بأسرعهما تماما، فإن تمّ العمل قبل تمام اليوم وجبت الأجرة، و إن انقضي النهار قبل تمام العمل فكذلك.

و الثاني: إنّ الاعتبار بالعمل المقصود، فإن تمّ قبل انقضاء اليوم وجبت الأجرة، و إن انقضي اليوم قبله وجب إتمامه(3).4.

ص: 99


1- المغني 12:6، الشرح الكبير 73:6.
2- تقدّم تخريجها في ص 43، الهامش (1).
3- نهاية المطلب 75:8، العزيز شرح الوجيز 105:6-106، روضة الطالبين 4: 264.

و قال بعض الشافعيّة: إن انقضي النهار أوّلا لم يلزمه خياطة الباقي، و إن تمّ العمل أوّلا فللمستأجر أن يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقيّة النهار، فإن قال في الإجارة: علي أنّك إن فرغت قبل إتمام اليوم لم تخط غيره، بطلت الإجارة؛ لأنّ زمان العمل يصير مجهولا(1).

انواع الاعيان المستاجره
اشارة

إذا عرفت هذا، فالمنافع متعلّقة بالأعيان و تابعة لها، و عدّ آحاد الأعيان التي تستأجر كالمتعذّر، لكن نذكر هنا ما تكثر البلوي به، و يكون أكثر دورانا في الإجارة، ليعرف الضابط في كلّ واحد منها، ثمّ يقاس عليها غيرها، و هي أنواع ثلاثة:

النوع الأوّل: الآدمي.
مسألة 588: الآدمي يصحّ أن يستأجر لعمل أو صناعة، كالخياطة

مسألة 588: الآدمي يصحّ أن يستأجر لعمل أو صناعة، كالخياطة و البناء و شبههما، حرّا كان أو عبدا، رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا.

و لا خلاف بين العلماء في جواز استئجار الآدمي، و قد آجر موسي عليه السّلام نفسه لرعاية الغنم(2) ، و استأجر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رجلا ليدلّه علي الطريق(3).

و قال عليه السّلام: «أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجفّ عرقه»(4).

و [ذكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله رجلا](5) استأجر أجراء كلّ أجير بعرق(6) من ذرّة(7).

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- سورة القصص: 27 و 28.
3- صحيح البخاري 116:3، المغني 38:6، الشرح الكبير 66:6 و 72.
4- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (2).
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- العرق: الزبيل. الصحاح 1522:4 «عرق».
7- المغني 38:6.

و قال [صلّي اللّه عليه و آله]: «إنّما مثلكم و مثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر [أجراء](1) فقال: من يعمل لي من غدوة إلي نصف النهار علي قيراط قيراط؟ فعملت اليهود، ثمّ قال: من يعمل لي من نصف النهار إلي العصر علي قيراط قيراط؟ فعملت النصاري، ثمّ قال: من يعمل لي من العصر إلي غروب الشمس علي قيراطين قيراطين ؟ فعملتم أنتم» فغضبت اليهود و النصاري، و قالوا: نحن أكثر عملا و أقلّ أجرا، فقال: هل ظلمت من أحدكم(2) شيئا؟» قالوا: لا، قال: «فإنّما هو فضلي أوتيه من أشاء» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال: كنت مع الرضا عليه السّلام في بعض الحاجة، فأردت أن أنصرف إلي منزلي، قال: فقال لي: «انطلق معي فبتّ عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلي داره مع المغيب، فنظر إلي غلمانه يعملون بالطين أواريّ(4) الدوابّ و غير ذلك و إذا معهم أسود ليس منهم، فقال: «ما هذا الرجل معكم ؟» فقالوا: يعاوننا و نعطيه شيئا، قال: «قاطعتموه علي أجرته ؟» فقالوا: لا، هو يرضي منّا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط و غضب غضبا شديدا، قلت: جعلت فداك، لم تدخل علي نفسك ؟ فقال: «إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة1.

ص: 101


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أجيرا». و المثبت كما في المصدر.
2- في المغني: «هل ظلمتكم من أجركم» و في صحيح البخاري: «هل نقصتكم من حقّكم».
3- المغني 118:6، و في صحيح البخاري 117:3 بتفاوت يسير.
4- آريّ الدابّة: محبسها، و الجمع: أواريّ. تهذيب إصلاح المنطق 430:1، و 2: 161.

أن يعمل معهم أجير حتي يقاطعوه أجرته، و اعلم أنّه ما من أحد يعمل [لك](1) شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعافه علي أجرته إلاّ ظنّ أنّه قد نقصته أجرته، فإذا قاطعته ثمّ أعطيته أجرته حمدك علي الوفاء، فإن زدته حبّة عرف ذلك و رأي أنّك قد زدته»(2).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي.

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلي منافع الإنسان، كالبناء و الخياطة و الحياكة و النجارة و الحدادة، و غير ذلك من الصنائع، و مثل هذه لا يسمح الإنسان ببذلها (من غير)(3) عوض؛ لأنّها تستغرق زمانه، و تمنعه عن مصالحه، فلا بدّ من المعاوضة عليها، و كما اقتضت الحكمة إبدال الأعيان بالأعراض في البيع، كذا اقتضت إبدال المنافع بها؛ لاشتراكهما في الحاجة الشديدة.

مسألة 589: و إجارة الآدمي علي ضربين:

أحدهما: استئجاره مدّة بعينها لعمل بعينه، كإجارة موسي عليه السّلام نفسه ثماني حجج.

و الثاني: استئجاره علي عمل معيّن في الذمّة، كاستئجار رجل لبناء حائط أو خياطة قميص، و هو قسمان:

أحدهما: أن تقع الإجارة علي عين، كالإجارة علي رعاية غنمه.

و الثاني: أن تقع علي عمل في الذمّة، كخياطة قميص.

فإن كانت الإجارة في الذمّة، قال: استأجرتك و ألزمت ذمّتك خياطة

ص: 102


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة - ما عدا «ر» - و الحجريّة: «معك» بدل «لك». و كلاهما ساقط في «ر». و المثبت كما في المصدر.
2- الكافي 288:5-1/289، التهذيب 932/212:7.
3- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «بغير».

هذا الثوب.

و لو أطلق و قال: ألزمت ذمّتك عمل الخياطة كذا يوما، فالأولي:

الجواز؛ للأصل.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّه لم يعيّن عاملا يخيط و لا محلاّ للخياطة، فلا ترتفع الجهالة(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الخياطة مدّة معلومة أمر معلوم، فصحّ العقد عليه، و لأنّه يصحّ أن يستأجر عينه للخياطة مدّة شهر، و أن يستأجر في الذمّة لخياطة ثوب، فجاز جمعهما؛ إذ الجهالة إن حصلت في المجموع حصلت في كلّ واحد.

و إذا استأجر عينه، قال: استأجرتك لتخيط هذا الثوب.

و لو قال: لتخيط لي يوما أو شهرا، جاز - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - للأصل.

مسألة 590: إذا استأجره لخياطة ثوب،

مسألة 590: إذا استأجره لخياطة ثوب، وجب أن يبيّن له الثوب إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و يبيّن العمل فيه من خياطته قباء أو قميصا أو سراويل، و الطول و العرض، و يبيّن نوع الخياطة أهي روميّة أو فارسيّة ؟ إلاّ أن تطّرد العادة بنوع، فيحمل المطلق عليه.

و لو دفع إلي خيّاط ثوبا و قال له: إن كان يكفيني قميصا فاقطعه، فقال الخيّاط: هو كاف، و قطعه فلم يكفه، فعليه أرش القطع.

و لو قال: انظر هذا الثوب هل يكفيني قميصا؟ فقال الخيّاط: نعم، فقال: اقطعه، فقطعه فلم يكفه، لم يلزمه شيء - و به قال الشافعي

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.

و أصحاب الرأي(1) - لأنّه إنّما أذن له في الأولي بشرط كفايته، فإذا قطعه بدون شرطه كان ضامنا، و في المسألة الثانية أذن له في القطع و لم يشرطه بشيء، فلا يجب عليه ضمان، أقصي ما في الباب أنّه غشّه و كذب عليه، و ذلك لا يوجب الضمان، و لم يجب عليه الضمان في الأولي باعتبار غروره، بل باعتبار عدم الإذن في قطعه؛ لأنّ إذنه مقيّد بشرط كفايته، فلا يكون إذنا في غير ما وجد الشرط فيه، بخلاف الثانية.

و قال أبو ثور: لا ضمان عليه في المسألتين؛ لأنّه قد غرّه في الثانية، كما قد غرّه في الأولي، فتساويا في الضمان(2).

و الجواب: ما بيّنّا من أنّ العلّة في الأولي ليست الغرور، بل عدم الإذن.

مسألة 591: إذا استأجره لتعليم القرآن في موضع الجواز -

مسألة 591: إذا استأجره لتعليم القرآن في موضع الجواز - و هو عدم الشرط - فلا بدّ من تعيين السّور و الآيات التي يعلّمها، أو يقدّر بالمدّة، فيقول: لتعلّمني شهرا، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و منع بعضهم من الاكتفاء بذكره(4) ، و اشترط تعيين السّور و الآيات؛ لتفاوتها في الحفظ و التعليم سهولة و صعوبة(5). و هو جيّد.

ص: 104


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 123:2، الحاوي الكبير 439:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 335:9، التهذيب - للبغوي - 471:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 309:4، المغني 124:6، الشرح الكبير 150:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 123:2، المغني 124:6، الشرح الكبير 6: 1150.
3- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4-265.
4- الظاهر: «بذكرها» أي المدّة.
5- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 265:4.

و في وجه للشافعيّة: إنّه لا يجب تعيين السورة، و إذا ذكر عشر آيات كفي(1).

و ليس بجيّد؛ لما بيّنّاه من تفاوت الآيات بالطول و القصر و الصعوبة و السهولة.

و قال بعضهم: لا بدّ من تعيين السورة، لكن يكفي إطلاق عشر آيات منها(2).

فحصل لهم في اشتراط تعيين الآيات ثلاثة أوجه، يفرّق في الثالث بين أن يعيّن السورة فيتسامح بإطلاق الآيات منها، أو لا يعيّن.

و احتجّ(3) بما روي أنّه صلّي اللّه عليه و آله قال في قصّة التي عرضت نفسها عليه لبعض القوم: «إنّي أريد أن أزوّجك هذه إن رضيت» فقال: ما رضيت لي يا رسول اللّه فقد رضيت، فقال للرجل: «هل عندك شيء؟» قال: لا، قال:

«ما تحفظ من القرآن ؟» قال: سورة البقرة و التي تليها، قال: «قم فعلّمها عشرين آية و هي امرأتك»(4).

و لا حجّة فيه علي مطلوبه؛ لأنّه عليه السّلام لم يذكره في معرض العقد؛ إذ لم يوجد هناك إيجاب و لا قبول، بل أرشده إلي أن يعقد عليها بإيجاب و قبول، و أن يسمّي في المهر عشرين آية يتخيّرها المتعاقدان.

مسألة 592: قد بيّنّا أنّه يكره الاستئجار علي تعليم القرآن مع الشرط،

مسألة 592: قد بيّنّا أنّه يكره الاستئجار علي تعليم القرآن مع الشرط، و به قال الزهري و إسحاق(5).

ص: 105


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 405:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 106:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 405:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 106:6.
4- سنن أبي داود 236:2-2111/237 و 2112، السنن الكبري - للبيهقي -: 7: 242.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.

و قال عبد اللّه بن شقيق: هذه الرّغف(1) التي يأخذها المعلّمون من السحت(2).

و ممّن كره أجر المعلّم مع الشرط الحسن و ابن سيرين و طاوس و الشعبي و النخعي و أحمد(3).

و في رواية أخري عنه: المنع، و به قال عطاء و الضحّاك بن قيس و أبو حنيفة و الزهري(4).

و عن أحمد رواية ثالثة: إنّه يجوز ذلك، قال: التعليم أحبّ إليّ من أن يتوكّل لهؤلاء السلاطين، و من أن يتوكّل لرجل من عامّة الناس في ضيعة، و من أن يستدين و يتّجر و لعلّه لا يقدر علي الوفاء فيلقي اللّه تعالي بأمانات الناس، التعليم أحبّ إليّ(5).

و ممّن أجاز ذلك مالك و الشافعي(6).

و رخّص في أجور المعلّمين أبو قلابة و أبو ثور و ابن المنذر؛ لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله زوّج رجلا بما معه من القرآن(7) ، و إذا جاز أن يكون تعليم1،

ص: 106


1- الرّغف جمع الرغيف: الخبزة. لسان العرب 124:9 «رغف».
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.
4- المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 2: 111، حلية العلماء 390:5، مختصر القدوري: 104، الاختيار لتعليل المختار 91:2، بدائع الصنائع 191:4، المبسوط - للسرخسي - 37:16، مختصر اختلاف العلماء 1780/99:4، الهداية - للمرغيناني - 240:3.
5- المغني 155:6-156، الشرح الكبير 74:6.
6- المدوّنة الكبري 419:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2، مختصر اختلاف العلماء 1780/99:4، المغني 156:6، الشرح الكبير 74:6.
7- سنن ابن ماجة 1889/608:1، السنن الكبري - للنسائي - 5524/319:3-1،

القرآن عوضا في باب النكاح و قام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.

و قد روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه»(1) و هو حديث صحيح عندهم(2).

و لأنّه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجر عليه، كبناء المساجد و القناطر، و لأنّ الحاجة قد تدعو إلي ذلك، فإنّه يحتاج إلي الاستنابة في الحجّ من وجب عليه الحجّ و عجز عن فعله و لا يكاد يوجد متبرّع بذلك، فيحتاج إلي بذل الأجر فيه(3).

و احتجّ المانعون: بما رواه العامّة عن عبادة بن الصامت قال: علّمت ناسا من أهل الصفّة القرآن و الكتابة، فأهدي إليّ رجل منهم قوسا، فذكرت ذلك للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: «إن سرّك أن يقلّدك اللّه قوسا من نار فاقبلها».

و عن أبي بن كعب أنّه علّم رجلا سورة من القرآن فأهدي له خميصة(4) أو ثوبا، فذكر ذلك للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: «لو أنّك لبستها أو أخذتها ألبسك اللّه مكانها ثوبا من نار».

و لأنّ من شرط صحّة هذه الأفعال كونها قربة إلي اللّه، فلم يجز أخذ».

ص: 107


1- صحيح البخاري 121:3، و 171:7، السنن الكبري - للبيهقي - 430:1، و 124:6، المغني 156:6، الشرح الكبير 75:6.
2- المغني 156:6، الشرح الكبير 75:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2-112، المغني 156:6، الشرح الكبير 74:6-75.
4- الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان. الصحاح 1038:3 «خمص».

الأجر عليها، كما لو استأجر قوما يصلّون خلفه الجمعة(1).

فروع:

[الأوّل: لا بأس بأخذ الأجر علي الرقية]

الأوّل: لا بأس بأخذ الأجر علي الرقية - و به قال أحمد(2) - لأنّ أبا سعيد رقي رجلا بفاتحة الكتاب علي جعل فبرأ، و أخذ أصحابه الجعل و أتوا به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فأخبروه و سألوه، فقال: «لعمري [لمن](3) أكل برقية باطل أكلت برقية حقّ، كلوا و اضربوا لي معكم بسهم»(4).

و لأنّ الرقية نوع من المداواة، و المأخوذ عليها جعل، و المداواة يباح أخذ الأجر عليها.

[الثاني: منع أحمد - في بعض الروايات - من جعل [تعليم] القرآن عوضا في البضع،]

الثاني: منع أحمد - في بعض الروايات - من جعل [تعليم](5) القرآن عوضا في البضع، و تأوّل الحديث الذي رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله من قوله:

«زوّجتكها علي ما معك من القرآن»(6)المغني 157:6-158، الشرح الكبير 76:6.(7) باحتمال أنّه زوّجه إيّاها بغير صداق إكراما له، كما زوّج أبا طلحة أمّ سليم علي إسلامه(7).6.

ص: 108


1- المغني 156:6-157، الشرح الكبير 75:6-76، و فيهما الحديثان المذكوران نقلا عن الأثرم في سننه.
2- المغني 157:6، الشرح الكبير 76:6.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لئن». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 156:6، و الشرح الكبير 75:6، و نحوه في سنن ابن ماجة 2156/729:2، و سنن الترمذي 2063/398:4، و السنن الكبري - للنسائي - 10866/254:6-1، و سنن الدارقطني 63:3-243/64، و المستدرك - للحاكم - 559:1، و مسند أحمد 10686/381:3.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- تقدّم تخريجه في ص 106، الهامش
7- .

و نقل عنه أيضا جوازه، و فرّق بين المهر و الأجر: إنّ المهر ليس بعوض محض، و إنّما وجب نحلة و وصلة، و لهذا جاز خلوّ العقد عن تسميته، و صحّ مع فساده، بخلاف الأجر في غيره(1).

[الثالث: قد بيّنّا أنّه لو أعطي المعلّم شيئا بغير شرط،]

الثالث: قد بيّنّا أنّه لو أعطي المعلّم شيئا بغير شرط، لم يكن به بأس، و هو أيضا ظاهر كلام أحمد(2).

و كرهه جماعة من العلماء(3).

مسألة 593: كلّ موضع يجوز فيه الاستئجار لتعليم القرآن الأولي وجوب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة،

مسألة 593: كلّ موضع يجوز فيه الاستئجار لتعليم القرآن الأولي وجوب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة، مثل أن يقول: علي قراءة ابن كثير أو نافع أو غيرهما؛ لأنّه مختلف، فلا بدّ من تعيينه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: عدم الوجوب؛ لأنّ الأمر فيها قريب(4).

قال الجويني: كنت أودّ أن لا يصحّ الاستئجار للتعليم حتي يختبر حفظ المتعلّم، كما لا تصحّ إجارة الدابّة حتي يعرف حال الراكب(5).

لكن ظاهر كلام الشافعيّة، عدم الاشتراط، و الخبر(6) يدلّ عليه(7).

و إنّما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا كان من [يتعلّمه](8) مسلما أو كافرا يرجي إسلامه، فإن كان لا يرجي إسلامه لا يعلّم الكافر، كما لا يباع المصحف من الكافر، فلا يجوز الاستئجار له.

ص: 109


1- المغني 158:6، الشرح الكبير 76:6-77.
2- المغني 158:6، الشرح الكبير 77:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 158:6، الشرح الكبير 6: 77.
4- البيان 280:7، العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
5- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
6- راجع: الهامش (7) من ص 106.
7- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
8- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يعلمه». و الظاهر ما أثبتناه.

تذنيب: في إجارة المصحف لبعض العامّة و جهان:

أحدهما: المنع، كما لا يصحّ بيعه، و العلّة واحدة، و هي إجلال كلام اللّه تعالي عن المعاوضة.

و الثاني: الجواز - و هو مذهب الشافعي - لأنّه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله، فجازت الإجارة فيه، كسائر الكتب(1).

مسألة 594: كلّ ما يجوز بيعه من الكتب تجوز إجارته

مسألة 594: كلّ ما يجوز بيعه من الكتب تجوز إجارته؛ لأنّه انتفاع مباح يحتاج إليه، و تجوز الإعارة له(2) فجاز فيه الإجارة، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز إجارة الكتب و لا إجارة المصحف؛ لأنّه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه، و لا تجوز الإجارة لمثل ذلك، بدليل أنّه لا يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلي عمله و تصاويره، و لا شمعا ليتجمّل به(4).

و نمنع حكم الأصل، سلّمنا، لكن لا حاجة إلي النظر إلي السقف، فإنّه لا حاجة إليه، و لا جرت العادة بالإعارة من أجله، و في مسألتنا يحتاج

ص: 110


1- المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6، حلية العلماء 384:5، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «و تجوز إعارته» بدل «و تجوز الإعارة له».
3- حلية العلماء 384:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6.
4- الاختيار لتعليل المختار 91:2-92، بدائع الصنائع 175:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 321:2، المبسوط - للسرخسي - 36:16، حلية العلماء 384:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6.

إلي القراءة في الكتب و التحفّظ منها و النسخ منها و السماع و المداومة و غير ذلك من الانتفاعات المقصودة المباحة المحتاج إليها.

مسألة 595: لو استأجره لتعليم سورة، صحّ علي ما تقدّم

(1) مسألة 595: لو استأجره لتعليم سورة، صحّ علي ما تقدّم.

و حدّه أن يستقلّ المستأجر بالتلاوة، و لا يكفي تتبّع نطقه.

و لو كان المستأجر علي تعليمه يتعلّم الشيء بعد الشيء ثمّ ينساه، فالأقرب: الاعتبار بالعادة، فإن كان يسمّي في العادة تعليما لم يجب علي المؤجر إعادة التعليم، و إن كان لا يسمّي وجب إعادة التعليم، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إن تعلّم آية ثمّ نسيها لم يجب تعليمها ثانيا، و إن تعلّم دون آية و نسي وجب، و هو قول بعض علمائنا(2) ، و لا بأس به.

و الثالث: إنّ الاعتبار بالسورة.

و الرابع: إن نسي في مجلس التعليم وجب إعادته، و إلاّ فلا(3).

إذا ثبت هذا، فيجوز أن يستأجر(4) الإنسان غيره لقراءة القرآن علي رأس القبر مدّة، كما يجوز الاستئجار للآداب و تعليم القرآن، و قد سبق(5) أنّه يجب عود المنفعة إلي المستأجر، فإنّ ذلك شرط في صحّة الإجارة، و هنا يجب عود المنفعة إلي المستأجر أو ميّته، فعندنا أنّ ثواب ذلك يصل إلي الميّت إذا نوي الأجير ذلك، خلافا للشافعيّة، فإنّهم قالوا: المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ للغير، و مشهور عندهم أنّ الميّت لا يلحقه ثواب القراءة

ص: 111


1- في ص 104، المسألة 591.
2- لم نتحقّقه.
3- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 266:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «استئجار» بدل «أن يستأجر».
5- في ص 86، الشرط الثالث.

المجرّدة، فقالوا لمّا قرّروا جواز الاستئجار: لا بدّ من انتفاع الميّت بالقراءة، و فيه طريقان:

أحدهما: أن يعقّب القراءة بالدعاء للميّت، فإنّ الدعاء يلحقه، و الدعاء بعد القراءة أقرب إلي الإجابة و أكثر بركة.

و الثاني: إنّه إن نوي القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميّت لم يلحقه، لكن لو قرأ ثمّ جعل ما حصل من الأجر له فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للمّيت، فينتفع الميّت(1).

مسألة 596: قد بيّنّا جواز الاستئجار للإرضاع،

مسألة 596: قد بيّنّا جواز الاستئجار للإرضاع، و يجب فيه التقدير بالمدّة، كما تقدّم(2) ، و لا سبيل إلي ضبط مرّات الإرضاع، و لو ضبط(3) بالعدد لم يعلم قدر ما يصل إليه من اللبن و لا القدر الذي يستوفيه في كلّ مرّة، و قد تعرض له الأمراض و الأسباب الملهية، لكن الإشكال أيضا يرد في التقدير بالزمان.

مسألة 597: يجوز الاستئجار للحجّ و العمرة و الطواف و الرمي،

و بالجملة لكلّ عمل من أعمال الحجّ تدخله النيابة، و لصلاة الطواف، و قد تقدّم(4).

و لو استأجر للحجّ، لم تدخل العمرة المفردة، و بالعكس، أمّا لو استأجر لحجّ التمتّع، فإنّه تدخل فيه العمرة إن لم يكن قد اعتمر.

و لو استأجر لعمرة التمتّع، دخل الحجّ؛ لقوله عليه السّلام: «دخلت العمرة

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 107:6-108، روضة الطالبين 266:4.
2- في ص 55، المسألة 547.
3- في «د»: «ضبطه».
4- في ج 7 - من هذا الكتاب - ص 75 و 135، المسألتان 55 و 102.

في الحجّ هكذا» و شبّك بين أصابعه(1).

و لو استأجر للطواف، لم تدخل صلاته، و بالعكس.

و إذا استأجر للحجّ، دخلت تحلّلاته فيه، و لا تدخل زيارة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في الحجّ.

و يجوز الاستئجار لزيارة الأئمّة عليهم السّلام و زيارة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في قبورهم، و إليه ينصرف إطلاق الزيارة، أمّا لو استأجره للزيارة من بعد، لم يجب الإشراف علي الضريح المقدّس، و لا تدخل صلاة الزيارة فيها، بخلاف صلاة الطواف.

مسألة 598: الأقوي أنّه يجوز أن يؤجر المسلم نفسه للذمّي للخدمة؛

مسألة 598: الأقوي أنّه يجوز أن يؤجر المسلم نفسه للذمّي للخدمة؛ لأنّه يجوز استئجاره لعمل صنعة و غيرها ممّا ليس بالخدمة، فجاز في الخدمة، كالمسلم، و هو أحد قولي الشافعي.

و قال في الآخر: لا يجوز - و عن أحمد روايتان - لأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم عند الكافر و إذلاله له و استخدامه، فلم يجز، كالبيع، و ذلك إنّ عقد الإجارة للخدمة يتعيّن فيه حبسه مدّة الإجارة و استخدامه، و البيع لا يتعيّن فيه ذلك، و إذا منع منه فلأن يمنع من الإجارة أولي(2).

و أمّا إن آجر نفسه منه في عمل معيّن في الذمّة - كخياطة ثوب و قصارته - جاز بلا خلاف، و لأنّه عقد معاوضة لا يتضمّن إذلال المسلم

ص: 113


1- صحيح مسلم 1218/888:2، سنن ابن ماجة 3074/1024:2، سنن أبي داود 1905/184:2، سنن الدارمي 46:2-47، السنن الكبري - للبيهقي - 7:5، الكافي - للكليني - 245:4-4/246، التهذيب - للطوسي - 454:5 - 1588/455.
2- المهذّب - للشيرازي - 402:1، البيان 253:7، المغني 154:6، الشرح الكبير 47:6.

و لا استخدامه، فأشبه مبايعته.

و إن آجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدّة معلومة، جاز أيضا، و هو ظاهر كلام أحمد(1).

و عنه رواية أخري: المنع؛ لأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم، فأشبه البيع(2).

و الفرق بينه و بين البيع ظاهر؛ فإنّ في البيع إثبات الملك علي المسلم، و ليست الإجارة كذلك.

مسألة 599: يجوز استئجار المسلم و غيره للخدمة،

مسألة 599: يجوز استئجار المسلم و غيره للخدمة، سواء كان الأجير حرّا أو عبدا، رجلا أو امرأة، بشرط ضبط ما وقعت الإجارة عليه إمّا بالعمل إن كان ممّا ينضبط به، أو بالزمان، كاليوم و الشهر و السنة، و إذا ضبط بالزمان بني علي العادة في الخدمة من أمثال الأجير لأمثال المستأجر - و بهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3) - لأنّه تجوز النيابة فيه، و لا يختصّ عامله بكونه من أهل القربة.

فإذا استأجره ليخدمه شهرا، انصرف الإطلاق إلي ما جرت العادة به من التردّد في الحوائج، و الشراء من السوق، و حمل ما يشتريه من المأكول و شبهه إليه، و المضيّ إلي القرايا و غير ذلك.

و إذا استأجره للعمل مدّة، كان زمان الطهارة و الصلاة المفروضة مستثني، و لا ينقص من الأجرة شيء.

ص: 114


1- المغني 154:6، الشرح الكبير 48:6.
2- المغني 154:6، الشرح الكبير 48:6.
3- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4، المغني 47:6-48، الشرح الكبير 10:6.

أمّا النوافل الراتبة: فالأقوي أنّها ليست مستثناة، خلافا للشافعيّة(1).

و ليس له أن يتطوّع بالركعتين إلاّ بإذن المستأجر.

و قال أحمد: يجوز ما لم يضرّ بصاحبه(2).

و قال أبو ثور و ابن المنذر: ليس له منعه منهما(3).

و لا فرق بين صلاة الجمعة و غيرها في الاستثناء - و به قال بعض الشافعيّة(4) - لأنّ الجمعة مفروضة، فأشبهت الفرائض اليوميّة في الاستثناء.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتي يعلمه ما أجره، و من استأجر أجيرا ثمّ حبسه عن الجمعة تبوّأ بإثمه(5) ، و إن هو لم يحبسه اشتركا في الأجر»(6).

و جوّز ابن سريج من الشافعيّة أنّه يجوز له ترك الجمعة بهذا السبب(7).

و هو غلط؛ لعموم الأمر بصلاة الجمعة(8) ، كغيرها من الفرائض.

و إذا استأجر الذمّي، كانت أيّام السبوت(9) مستثناة.

مسألة 600: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار المرأة للخدمة،

مسألة 600: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار المرأة للخدمة، سواء كانت

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
2- المغني 48:6، الشرح الكبير 10:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 129:2-130، المغني 48:6، الشرح الكبير 10:6.
4- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
5- تبوّأ بإثمه: أي احتمله. لسان العرب 37:1 «بوأ».
6- الكافي 4/289:5، التهذيب 211:7-931/212.
7- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
8- سورة الجمعة: 9.
9- السبوت جمع السبت.

حسناء أو قبيحة المنظر، و سواء كانت عجوزا أو شابّة، و سواء كانت أجنبيّة أو قريبة، و سواء كانت حرّة أو أمة، لكن لا يجوز النظر إليها إن كانت أجنبيّة، بل يصرف وجهه عن النظر، و لا يخل معها في بيت لئلاّ تغريه الشهوة، و لا ينظر إليها مجرّدة و لا إلي شعرها؛ لأنّ حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها.

و كلّ موضع يفرّق فيه بين الحرّة و الأمة قبل الإجارة يفرّق فيه بعدها، و ما لا فلا.

مسألة 601: يجوز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ

(1) مسألة 601: يجوز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ و الأنهار و السواقي، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّها منفعة معلومة مقصودة محلّلة يجوز أن يتطوّع بها الرجل علي غيره، فجازت المعاوضة عليه و أخذ الأجرة فيه، كالخياطة و الخدمة.

و لا بدّ من تقدير الفعل إمّا بالمدّة أو بالعمل المعيّن.

فإن قدّر بالزمان، قال: استأجرتك شهرا لتحفر لي بئرا أو ساقية أو شبهها، و لا يحتاج إلي معرفة القدر، و عليه أن يحفر ذلك [الشهر](2).

و الأقرب: إنّه لا بدّ من مشاهدة الأرض التي يحفر فيها؛ لأنّ الأغراض تختلف بذلك باعتبار اختلاف الأراضي في الصلابة و الرخاوة، فيحصل الاختلاف بالصعوبة و السهولة.

و قال بعض العامّة: لا يشترط؛ لعدم الاختلاف(3).

ص: 116


1- القنيّ: جمع قناة، و هي الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة ليستخرج ماؤها و يسيح علي وجه الأرض. النهاية في غريب الحديث و الأثر 117:4 «قنا».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النهر». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 40:6، الشرح الكبير 67:6.

و إن قدّره بالعمل، افتقر إلي مشاهدة الموضع؛ لاختلاف المواضع بالسهولة و الصلابة، و لا يمكن ضبط ذلك بالصفة.

و يجب أن يعرف قدر البئر دورها و عمقها، و طول النهر و عمقه و عرضه؛ لأنّ العمل يختلف بذلك.

و إذا حفر البئر أو النهر، وجب إخراج التراب منهما؛ لأنّه لا يمكنه الحفر إلاّ بذلك، فقد تضمّنه العقد.

و إن انهار شيء من جوانب البئر أو سقط فيه حجر أو دابّة أو ما أشبه ذلك، لم يكن علي الحافر إزالته، و كان علي صاحب البئر رفعه؛ لأنّه سقط فيها من ملكه، و لم يتضمّن عقد الإجارة إخراجه.

و إن انتهي إلي موضع صلب أو حجارة أو شجرة تمنع الحفر، لم يلزمه حفره؛ لأنّ ذلك مخالف لما شاهده من الأرض.

و إنّما اعتبرنا مشاهدة الأرض لأنّها تختلف، فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ، فإذا فسخ كان له من الأجر بحصّة ما عمل، فيقسّط الأجر علي ما بقي و ما عمل، فيقال: كم أجر ما عمل و كم أجر ما بقي ؟ فيقسّط المسمّي عليهما، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: ينظر إن كان المعول يعمل فيه وجب حفره، و هو أظهر الوجهين عندهم، و لو لم يعمل فيه المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهي إلي القدر المشروط و تعذّر الحفر، انفسخ العقد في الباقي، و لا ينفسخ فيما4.

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.

مضي، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لا يجوز تقسيطه علي عدد الأذرع؛ لأنّ أعلي البئر يسهل نقل التراب منه، و أسفله يشقّ ذلك فيه.

و قد روي علماؤنا عن الصادق عليه السّلام رواية في سندها ضعف: إنّ الرفاعي سأله عن رجل قبّل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم، فحفر له قامة ثمّ عجز، قال: «يقسّم عشرة علي خمسة و خمسين جزءا، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولي، و الاثنين للثانية، و الثلاثة للثالثة، و علي هذا الحساب إلي عشرة»(2).

و لمّا كانت الرواية ضعيفة السند وجب العدول إلي التقسيط الذي تقدّم.

مسألة 602: قد بيّنّا أنّ الدفن واجب علي الكفاية للميّت المسلم و من هو بحكمه،

مسألة 602: قد بيّنّا أنّ الدفن واجب علي الكفاية للميّت المسلم و من هو بحكمه، فلا تجوز الإجارة عليه إلاّ علي المستحبّ فيه من النزول إلي قدر القامة أو الترقوة من اللّحد أو الشقّ.

و قال الشافعي: إذا استأجر لحفر القبر، وجب مشاهدة الموضع، و أن يعيّن الطول و العرض و العمق، و لا يكفي الإطلاق(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و إذا حفره و دفن الميّت لم يجب ردّ التراب بعد وضع الميّت فيه(5) ، خلافا

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.
2- الكافي 22/433:7، التهذيب 794/287:6، النهاية: 348-1/349.
3- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.
4- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 325:2، العزيز شرح الوجيز 6: 108.
5- البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.

لأبي حنيفة أيضا(1).

و هذا يتأتّي علي مذهبنا في من استأجر(2) لدفن الميّت غير المسلم.

مسألة 603: يجوز الاستئجار لضرب اللّبن

مسألة 603: يجوز الاستئجار لضرب اللّبن؛ لما قلناه من أنّه فائدة مقصودة معيّنة مباحة.

و يجوز التقدير فيها بالزمان و بالعمل.

فإن قدّره بالعمل، احتاج إلي ذكر عدده و ذكر قالبه، فإن كان القالب معروفا فذاك، و إلاّ بيّن طوله و عرضه و سمكه، كالمكيال إن كان معروفا لم يحتج إلي ذكر مقداره، و إلاّ احتيج.

و لا تكفي مشاهدة القالب في غير المعهود؛ لما فيه من الغرر، فإنّه يجوز تلف القالب، و لا يمكن رجوعهما إلي شيء آخر، فلم يصح، كما لو أسلم في طعام و شرط مكيالا بعينه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه تكفي مشاهدة القالب(3).

و ليس بشيء؛ لما بيّنّاه.

و يجب بيان الموضع الذي يضرب فيه؛ لتفاوت المواضع في التعب و الراحة، فقد يكون الماء بعيدا أو قريبا(4) ، و قد يحتاج إلي نقل التراب من خارج.

و إن قدّره بالزمان، لم يحتج إلي بيان ذلك.

و لا يجب عليه إقامتها حتي تجفّ، إلاّ أن يشترط ذلك، و به قال

ص: 119


1- البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 108:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «يستأجر» بدل «استأجر».
3- البيان 279:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «قريبا أو بعيدا».

الشافعي(1) ، خلافا لأبي حنيفة(2).

و يجوز الاستئجار لطبخ اللّبن، و يجري فيه علي العادة، فإذا طبخه لم يجب عليه إخراجه من الأتّون(3) ، إلاّ مع الشرط، و به قال الشافعي(4) ، خلافا لأبي حنيفة(5).

مسألة 604: يجوز الاستئجار للبناء؛

مسألة 604: يجوز الاستئجار للبناء؛ لأنّه عمل محلّل مقصود، و يقدّر إمّا بالزمان أو بالعمل، فإن قدّر بالعمل وجب معرفة موضعه؛ لأنّه يختلف بقرب الماء و بعده، و سهولة التراب و صعوبته.

و يجب ذكر الأبعاد الثلاثة: الطول و العرض و السّمك، و آلة البناء من لبن و طين، أو حجر و طين، أو جصّ و آجر، أو غير ذلك.

و لو استأجره لبناء ألف(6) في حائطه، أو استأجره يبني فيه يوما، فعمل ما استأجره عليه ثمّ سقط الحائط، لم يسقط من أجره شيء إذا لم يفرّط في بنائه، و إن فرّط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط، فعليه إعادته و غرامة ما تلف به.

و لو قال: ارفع لي في هذا الحائط عشرة أذرع، فرفع بعضه ثمّ سقط، فعليه إعادة ما وقع، و إتمام ما وقعت الإجارة عليه من الذرع.

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
2- روضة القضاة 2915/495:2، مختصر القدوري: 103، تحفة الفقهاء 354:2، بدائع الصنائع 205:4، الاختيار لتعليل المختار 86:2، المبسوط - للسرخسي - 57:16، الهداية - للمرغيناني - 233:3، العزيز شرح الوجيز 109:6.
3- الأتّون: الموقد. لسان العرب 7:13 «أتن».
4- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
5- العزيز شرح الوجيز 109:6.
6- في المغني 42:6، و الشرح الكبير 9:6: «ألف لبنة».

و كذا يجوز الاستئجار لتطيين السطوح و الحيطان و تجصيصها.

و يقدّر بالزمان، و لا يجوز علي عمل معيّن؛ لأنّ الطين يختلف بالرقّة و الثخن، و أرض السطح تختلف، فبعضها عال و بعضها نازل، و كذا الحيطان، فلم يجز إلاّ علي مدّة معيّنة.

مسألة 605: يجوز الاستئجار لكحل العين؛

لأنّه عمل سائغ و يمكن تسليمه، و فيه منفعة مقصودة.

و يقدّر بالزمان خاصّة؛ لأنّ العمل غير مضبوط، فإنّ قدر الدواء لا ينضبط، و يختلف بحسب الحاجة.

و لا يجوز التقدير بالبرء؛ لأنّ ذلك من اللّه تعالي، و هو غير معلوم الحصول، و لو علم فهو مجهول؛ لأنّ وقته غير منضبط و لا عمله، فإن برئت عينه قبل تمام المدّة انفسخ العقد في الباقي.

و إذا قدّر بالزمان، افتقر إلي بيان قدر ما يكحله في كلّ يوم إمّا مرّة أو مرّتين.

و قال بعض العامّة: يجوز التقدير بالبرء؛ لأنّ أبا سعيد حين رقي الرجل شارطه علي البرء(1).

و التحقيق منعه.

نعم، يجوز ذلك علي وجه الجعالة دون الإجارة؛ لأنّ الإجارة لا بدّ فيها من تعيين العمل إمّا بالمدّة المضبوطة، أو بضبط العمل نفسه إن كان ممّا يمكن ضبطه، و أمّا الجعالة فتجوز علي المجهول، كردّ الآبق و الضالّ، و حديث أبي سعيد في الرواية إنّما كان علي سبيل الجعالة دون الإجارة.

ص: 121


1- المغني 137:6، الشرح الكبير 81:6، و راجع: الهامش (4) من ص 108.

إذا عرفت هذا، فإنّ الاستئجار علي الكحل لا يقتضي وجوب الكحل علي الكحّال؛ لأنّ الأعيان لا تستحقّ بعقد الإجارة، و لأنّ الإجارة وقعت علي الفعل، و ليس الكحل جزءا منه، و لا يندرج(1) تحت العقد.

فإن شرط الكحل علي الكحّال، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ العادة جارية به، و يشقّ علي العليل تحصيله، و قد يعجز عنه بالكلّيّة، فجاز ذلك، كالصبغ في الصبّاغ، و اللبن في الرضاع، و الحبر و الأقلام من الورّاق، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني لهم(2): إنّه لا يجوز هذا الشرط، فإن شرطه بطل العقد؛ لأنّ ذلك بيع للكحل و إجارة للعمل، فلا يجوز شرط أحدهما في الآخر، و لأنّ الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، فلا يصحّ علي العامل، كاللّبن و الآجر في الحائط(3).

و الفرق: إنّ العادة جارية بأنّ اللّبن و الآجر علي المالك، لا علي العامل، و لا يشقّ ذلك علي المالك، بخلاف مسألتنا، مع أنّه ينتقض بالصبغ من الصبّاغ و اللبن في الرضاع.

و قال أصحاب مالك: يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا و الآجر من عنده؛ لأنّه اشترط ما تتمّ به الصنعة التي عقد عليها، فإذا كان مباحا معروفا [جاز](4) كما لو استأجر ليصبغ ثوبا و الصبغ من عنده(5).2،

ص: 122


1- في «د، ص»: «فلا يندرج».
2- كذا قوله: «أحد قولي الشافعي، و الثاني لهم». و الظاهر: «أحد قولي الشافعي، و الثاني له» أو: «أحد قولي الشافعيّة، و الثاني لهم».
3- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 435:5-436، البيان 274:7، العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4-283.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير و حلية العلماء، و بمعناه في غيرها.
5- المدوّنة الكبري 413:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1164/660:2،

و قالت الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ الإجارة عقد علي المنفعة، و شرط فيه عقدا علي البيع، و ذلك في معني بيعتين في بيعة، و لا يشبه الصبغ؛ لأنّه بيع العين، و العمل فيه تسليم للصبغ، لأنّه مقدّر بذلك، فافترقا(1).

و قال بعض الشافعيّة: في الصبغ و الحبر إذا شرطا علي الصبّاغ و الورّاق وجه بالمنع(2).

و الحقّ: الجواز، و ليس ذلك بيعا للآجر و اللّبن، بل وقعا شرطا في عقد الإجارة، و لا فرق بينهما و بين الصبغ و الحبر.

و لو اشتري منه الكحل و استأجره للعمل في عقد واحد من غير شرط، جاز عندنا.

و عند الشافعيّة قولان؛ لأنّه بيع و إجارة(3).

مسألة 606: إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة،

مسألة 606: إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة، استحقّ الأجرة، سواء برئت عينه، أو لا، و به قالت عامّة الفقهاء(4).

و حكي عن مالك أنّه لا يستحقّ أجرا حتي تبرأ عينه، و لم يحك أصحابه ذلك عنه(5).

و هو غلط؛ لأنّ الأجير قد قام بما وظّف عليه، و أتي بفعل ما استؤجر له، فاستحقّ العوض و إن لم يحصل الغرض من ذلك الفعل، كما لو

ص: 123


1- بحر المذهب 302:9.
2- حلية العلماء 436:5، البيان 274:7.
3- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 436:5، البيان 274:7.
4- كما في المغني 138:6، و الشرح الكبير 82:6.
5- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 436:5، المغني 138:6، الشرح الكبير 82:6.

استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب يوما فلم يتمّه فيه.

و لو برئت عينه في أثناء المدّة، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدّة؛ لتعذّر العمل.

فإن امتنع من الاكتحال مع بقاء المرض، استحقّ الكحّال الأجر بمضيّ المدّة، كما لو استأجره يوما للبناء و لم يستعمله فيه.

و لو شرط عليه البرء علي سبيل الجعالة، لم يستحقّ شيئا حتي يحصل البرء، سواء وجد قريبا أو بعيدا.

و لو برأ بغير كحل أو تعذّر الكحل لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر، فله أجر مثله، كما لو عمل العامل في الجعالة ثمّ فسخ العقد.

و إن امتنع من جهة الكحّال أو غير الجاعل، فلا شيء له.

و قال بعض الشافعيّة: إذا استأجره للكحل و امتنع المريض من الاكتحال و مكّن الكحّال من نفسه و بذل العمل حتي انقضت المدّة المشترطة، لم يستقر للكحّال شيء، بخلاف ما إذا حبس الدابّة المدّة المستأجرة، فإنّه يستقرّ عليه الأجر؛ لأنّ المنافع تلفت تحت يده، بخلاف مسألتنا(1).

و ليس بجيّد.

تذنيب: إذا استأجره ليلقح نخله، كان الكشّ(2) علي صاحب النخل، كما قلنا في الكحل، فإن شرطه علي الأجير جاز عندنا، و منعت الشافعيّة منه(3).ه.

ص: 124


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الكشّ: ما يلقح به النخل. لسان العرب 342:6 «كشش».
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
مسألة 607: يجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه.

مسألة 607: يجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه. و يتقدّر بالزمان لا بالعمل؛ لعدم انضباطه، و لاختلافه بالأحوال التي تعتور المريض.

و الكلام فيه كما تقدّم في الكحّال(1).

و الدواء علي المريض هنا قولا واحدا.

فإن شرطه علي الطبيب و كان معيّنا، جاز عندنا، خلافا لبعض العامّة، و فرّقوا بينه و بين الكحّال حيث جوّزوا اشتراط الكحل عليه؛ لأنّه إنّما جاز في الكحّال [علي](2) خلاف الأصل؛ للحاجة إليه، و جرت العادة به، و لم يوجد ذلك المعني في الطبيب، فيثبت الحكم فيه علي وفق الأصل(3).

و هو باطل؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4).

مسألة 608: يجوز الاستئجار علي الرعي، و هو قول أهل العلم لا نعلم فيه خلافا بينهم،

مسألة 608: يجوز الاستئجار علي الرعي، و هو قول أهل العلم لا نعلم فيه خلافا بينهم، و قد دلّ عليه قوله تعالي مخبرا عن شعيب حيث قال:

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (5) و قد علم أنّ موسي عليه السّلام إنّما آجر نفسه لرعي الغنم، و لأنّه عمل مقصود للعقلاء، مباح تدعو الحاجة إليه، فجاز أخذ العوض عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّ الرعي لا ينضبط بنفسه، و لا يمكن تقديره بالعمل، بل إنّما يتقدّر بالزمان؛ لأنّ العمل لا ينحصر، فإذا عيّن المدّة

ص: 125


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «الكحل» بدل «الكحّال».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- المغني 139:6، الشرح الكبير 83:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
5- سورة القصص: 27.

و استأجره لرعي سنة وجب تعيين الجنس الذي يرعاه من ماشية غنم أو بقر أو إبل أو غير ذلك؛ لأنّ الأغراض تختلف باختلاف العمل في السهولة و الصعوبة.

و يجب ذكر العدد أيضا، فيقول: مائة من الغنم(1) ، و يعيّنها إن وقعت الإجارة علي ماشية معيّنة، و حينئذ تتعيّن، و تتعلّق الإجارة بأعيانها، كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه، و لا يجوز إبداله، و لو تلفت بطل العقد، و لم يكن للمالك أن يأتي بعوضها، فإن كان قد مضي بعض المدّة وجب عليه من الأجرة بنسبة الماضي.

و إن تلف بعضها، بطل عقد الإجارة فيه خاصّة، و له أجر ما بقي منها بالحصّة، و ليس للمالك الإبدال عن التالف و لا عن الباقي؛ لتعلّق العقد بعين خاصّة.

و لو ولدت سخالا، لم يكن عليه رعيها؛ لأنّها زيادة لم يتناولها العقد.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا عيّن الغنم جاز له إبدالها، سواء كانت باقية أو تالفة؛ لأنّ الشياه المعيّنة ليست نفس المعقود عليها، و إنّما تستوفي المنفعة بها، فأشبه ما لو استأجر ظهرا ليركبه جاز أن يركب غيره مكانه، و لو استأجر دارا ليسكنها جاز أن يسكنها مثله، و لو استأجر أرضا ليزرعها حنطة جاز أن يزرعها ما هو مثلها في الضرر أو أدون منها، و إنّما المعقود عليه منفعة الراعي، و لهذا تجب له الإجارة إذا سلّم نفسه و مضت المدّة و لم يستعمله المستأجر في الرعي، و يفارق الثوب في الخياطة؛ لأنّ الثياب».

ص: 126


1- في الطبعة الحجريّة: «غنم» بدل «الغنم».

في مظنّة الاختلاف في سهولة خياطتها و مشقّتها، بخلاف الرعي، فعلي هذا له إبدالها بمثلها، و إن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه، و كان له إبداله(1).

و ليس بشيء؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان، كما قدّمناه.

و أمّا إذا استأجره لرعي ماشية موصوفة في الذمّة، فلا بدّ من ذكر الجنس و النوع من الإبل و البقر و الغنم من ضأن أو معز و غير ذلك، و إن أطلق ذكر البقر لم يتناول الجواميس.

و لو أطلق ذكر الإبل، قال بعض العامّة: لا يتناول البخاتي؛ لأنّ إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا(2).

و هو غلط.

و لو كان العقد في مكان يتناولها إطلاق الاسم، احتاج إلي ذكر نوع ما يرعاه منها، كالغنم؛ لأنّ كلّ نوع له أثر في إتعاب الراعي.

و يذكر الكبير و الصغير، فيقول: كبارا أو سخالا أو عجاجيل أو فصلانا، إلاّ أن يكون هناك قرينة أو عرف صارف إلي بعضها فيستغني عن الذكر.

و لا بدّ من تعيين العدد، فإن أطلق و لم يعيّن عددا لم يصح العقد؛ للاختلاف في الغرض بالزيادة و النقيصة، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(3).

و قال بعض أصحابه: إذا أطلق صحّ، و حمل علي ما جرت العادة4.

ص: 127


1- راجع: البيان 273:7، و العبارة بتمامها وردت في المغني و الشرح الكبير 6: 142 من دون نسبتها إلي بعض الشافعيّة، و لعلّ الصحيح في المتن: «بعض العامّة».
2- المغني و الشرح الكبير 142:6.
3- المغني 142:6، الشرح الكبير 143:6، و راجع: المهذّب - للشيرازي - 1: 405، و حلية العلماء 396:5، و التهذيب - للبغوي - 434:4، و العزيز شرح الوجيز 109:6، و روضة الطالبين 268:4.

برعي الواحد، كالمائة من الغنم و نحوها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العادة تختلف و تتباين كثيرا، و العمل يختلف باختلافه.

و إذا عيّن العدد، لم يلزمه رعي ما زاد عليها لا من سخالها و لا من غيرها؛ لأنّه زيادة علي المشترط، فلم يصح.

و قال بعض الشافعيّة: إن توالدت و كانت معيّنة، لم يلزمه رعي أولادها، و إن لم تكن معيّنة بل شرط عددا معيّنا فتوالدت، لزمه رعي الأولاد؛ لأنّ العادة جارية بأنّ الأولاد تتبع الأمّهات في الرعي(2).

و ليس بمعتمد.

مسألة 609: يجوز استئجار ناسخ ليكتب له شيئا معيّنا

مسألة 609: يجوز استئجار ناسخ ليكتب له شيئا معيّنا تباح كتابته من فقه أو حديث أو شعر مباح أو سجلّ أو عهدة أو غير ذلك؛ لأنّه عمل مقصود، و فيه غرض للعقلاء، و تشتدّ الحاجة إليه، فجاز عقد الإجارة عليه، و لا نعلم فيه خلافا.

و يتقدّر بالمدّة و العمل، فإن قدّره بالعمل، ذكر عدد الأوراق و قدرها و عدد السطور في كلّ صفحة و قدر الحاشية و دقّة القلم و غلظه.

ثمّ إن عرف المستأجر الخطّ بالمشاهدة، جاز، و إن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه، و إلاّ فلا بدّ من المشاهدة؛ لأنّ الأجر يختلف باختلافه.

و يجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع، فيقول: لكلّ جزء درهم، و يجوز

ص: 128


1- بحر المذهب 301:9، المهذّب - للشيرازي - 405:1، حلية العلماء 396:5، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4، المغني 142:6، الشرح الكبير 143:6.
2- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.

بأجزاء الأصل المنسوخ منه.

و لو قاطعه علي نسخ الأصل بأجرة واحدة، جاز.

و لو أخطأ بالشيء اليسير الذي جرت العادة به، عفي عنه، و لا ينقص من الأجر شيء؛ لأنّ العادة جارية به، و لا يمكن التحرّز منه.

و لو أسرف في الغلط بحيث يخرج عن العادة، فهو عيب يردّ به.

و لا ينبغي أن يحادث غيره حال النسخ و لا التشاغل بما يشغل سرّه و يوجب غلطه، و لا لغيره محادثته و شغل سرّه، و كذلك الأعمال التي تفتقر إلي حضور القلب فيها.

و يجوز أن يستأجر من يكتب مصحفا في قول أكثر العلماء(1) ، و هو مرويّ عن [جابر بن زيد و مالك بن دينار](2) و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3).

و قال ابن سيرين: لا بأس أن يستأجر الرجل شهرا ثمّ يستكتبه مصحفا(4).

و كره علقمة كتابة المصحف بالأجر؛ لأنّ ذلك من أفعال القربة، فكره الأجر عليه، كالصلاة(5).

و ليس بجيّد؛ لأنّه فعل مباح يجوز فيه نيابة الغير عن الغير، فجاز9.

ص: 129


1- كما في المغني 43:6، و الشرح الكبير 68:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «جابر بن يزيد بن دينار». و ذلك سهو، و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 43:6، الشرح الكبير 68:6-69، مختصر اختلاف العلماء 4: 1831/133، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 126:2، التهذيب - للبغوي - 434:4.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 126:2، المغني 43:6، الشرح الكبير 6: 69.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 126:2، المغني 43:6، الشرح الكبير 6: 69.

أخذ الأجر عليه، كالحديث.

و قد روي العامّة: في الحديث «أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه تعالي»(1).

و لا يجوز أن يؤخذ الأجر علي كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال، إلاّ للنقض أو الحجّة عليهم.

و لا بأس بالأجرة علي كتب السير و الأخبار الصادقة و الشعر الحقّ، دون الكاذبة.

و لا بأس بالأمثال و الحكايات و ما وضع علي ألسن العجماوات.

و يستحبّ الاستئجار في كتب العلوم من الأحاديث و الفقه و تفسير الكتاب العزيز و غير ذلك من العلوم الدينيّة.

مسألة 610: يجوز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف،

مسألة 610: يجوز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف، و لا نعلم فيه خلافا.

و أمّا استيفاء القصاص في النفس فيجوز عند علمائنا الاستئجار فيه - و به قال مالك و الشافعي و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه حقّ يجوز التوكيل في استيفائه، لا يختصّ فاعله بكونه من أهل القربة، فجاز الاستئجار عليه، كالقصاص في الطرف.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الاستئجار علي القصاص في النفس؛ لأنّ

ص: 130


1- تقدّم تخريجه في ص 107، الهامش (1).
2- الذخيرة 422:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1155/656:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 130:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 269:4، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 6: 45، الشرح الكبير 70:6.

عدد الضربات مجهول، و موضع الضرب متعذّر؛ لعدم تعيّنه، إذ يمكن أن يضرب ممّا يلي الرأس و ممّا يلي الكتف، و لا يجوز أن يضرب ممّا يلي الكتف، فلمّا تعذّر ذلك و كان مجهولا، لم يجز عقد الإجارة عليه(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ مثل هذا الاختلاف لم يلتفت الشارع إليه، فإنّه يجوز الاستئجار للخياطة إجماعا، مع أنّ موضع الغرزات و عددها مجهول، و محلّه و إن لم يكن متعيّنا لكنّه متقارب، و لا يمنع ذلك صحّته، كموضع الخياطة من حاشية الثوب.

إذا ثبت هذا، فالأجرة تجب علي المقتصّ منه - و به قال الشافعي و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه أجر يجب لإيفاء حقّ، فكان علي الموفّي، كأجرة الكيّال و الوزّان.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجب علي المقتصّ له؛ لأنّ حقّ المقتصّ له معيّن، فليس علي المقتصّ منه إلاّ التخلية و التمكين، كما لو اشتري ثمرة علي نخلة أو أغصانها(3).6.

ص: 131


1- بدائع الصنائع 189:4، المبسوط - للسرخسي - 40:16، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 45:6، الشرح الكبير 70:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 130:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1155/657:2، الذخيرة 422:5.
2- بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 442:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 268:10، روضة الطالبين 91:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 45:6، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1155/657:2.
3- مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1155/657، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 442:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 268:10، المغني 45:6.

و ليس بجيّد؛ لأنّ القطع مستحقّ عليه، بخلاف الثمرة، بدليل أنّه لو مكّنه من القطع فلم يقطع و قطعه آخر، لم يسقط حقّ صاحب القصاص، و لو كان التمكين تسليما لسقط حقّه كالثمرة، و يمكن الفرق.

مسألة 611: يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه و لقط ثمرته،

مسألة 611: يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه و لقط ثمرته، و لا نعلم فيه خلافا بين العلماء، و قد كان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع(1).

و يجوز أن يقدّر بالعمل و بالمدّة.

أمّا بالعمل: فبأن يستأجره علي حصاد زرع معيّن مشاهد أو موصوف وصفا يرفع الجهالة.

و أمّا بالمدّة: بأن يستأجره للحصاد شهرا أو يوما.

و لا بدّ من تعيين جنس الزرع و نوعه و مكانه، فإنّه يتفاوت بالطول و القصر و الثخانة و عدمها، و يحصل بذلك تفاوت الغرض للتعب و الراحة.

و إذا استأجره لجذّ الثمار، وجب تعيين الأشجار من نخل و غيره، و لا بدّ فيه من المشاهدة؛ لاختلاف الثمرة، و يجوز أن يقدّر ذلك بالمدّة و العمل.

و إنّما يجب الحصاد و الجذاذ وقت العادة.

و يجوز الاستئجار لسقي زرعه و تنقيته و دياسه و نقله إلي بيدره المعيّن.

و كذا يجوز أن يستأجر رجلا ليحتطب له أو يحتشّ أو يصطاد؛ لأنّه عمل مباح تدخله النيابة، فأشبه حصاد الزرع.

و لو استأجر أجيرا علي أن يحتطب له علي حمارين كلّ يوم، فكان

ص: 132


1- المغني 44:6، الشرح الكبير 69:6.

الرجل ينقل عليهما و علي حمار آخر لغيره و يأخذ منه الأجرة، جاز ذلك إذا لم يتضرّر الأوّل في عمله إمّا بالبطؤ عنه أو بالقلّة؛ لأنّه اكتراه لعمل، فوفّاه إيّاه علي التمام، فلم يلزمه شيء، كما لو استأجره لعمل و كان يقرأ القرآن في عمله.

و إن تضرّر المستأجر، رجع عليه بقيمة ما فوّت عليه، و هو أحد وجهي بعض العامّة، و في الثاني: إنّه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره؛ لأنّه صرف منافعه المعقود عليها إلي عمل غير المستأجر، فكان عليه قيمتها، كما لو عمل لنفسه(1).

و قال بعضهم: إنّه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر؛ لأنّ منافعه في هذه المدّة مملوكة لغيره، فما حصل في مقابلتها يكون للّذي استأجره(2).

مسألة 612: يجوز استئجار رجل يدلّه علي الطريق،

مسألة 612: يجوز استئجار رجل يدلّه علي الطريق، فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله استأجر عبد اللّه بن أريقط ليدلّه علي طريق المدينة(3).

و كذا يجوز الاستئجار علي البذرقة في القوافل؛ لأنّه عمل مقصود مباح يجوز التبرّع به، فجاز أخذ الأجرة عليه، و يقدّر بالمدّة و العمل معا.

و يجوز استئجار كيّال و وزّان و ناقد، و يقدّر إمّا بالعمل أو الزمان، و به قال مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4) ، و لا نعلم فيه خلافا.

و قد روي العامّة في حديث سويد بن قيس قال: أتانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فاشتري من رجل سراويل و ثمّ رجل يزن بأجر، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «زن

ص: 133


1- المغني 44:6، الشرح الكبير 69:6-70.
2- المغني 44:6، الشرح الكبير 70:6.
3- المغني 45:6، الشرح الكبير 66:6.
4- المدوّنة الكبري 118:4، المغني 46:6، الشرح الكبير 66:6.

و أرجح»(1).

و يجوز استئجار رجل ليلازم غريما يستحقّ ملازمته.

و كذا يجوز الاستئجار علي المحاكمة و إقامة البيّنات و إثبات الحجج و المنازعة و الحبس، و أخذ الجعل علي الوكالة.

مسألة 613: يجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا و غيرها معيّنة،

مسألة 613: يجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا و غيرها معيّنة، و به قال ابن سيرين و عطاء و النخعي(2).

و كرهه الثوري و حمّاد(3).

و ليس بشيء؛ لأنّها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها، فجاز الاستئجار عليها، كالبناء.

و يجوز علي مدّة معلومة، مثل: أن يستأجره عشرة أيّام يشتري له فيها شيئا؛ لأنّ المدّة معلومة، و العمل معلوم، فأشبه الخيّاط و القصّار.

فإن عيّن العمل دون الزمان فجعل له من كلّ ألف درهم شيئا معلوما، صحّ أيضا.

و إن قال: كلّما اشتريت ثوبا فلك درهم، و كانت الثياب معلومة بصفة أو مقدّرة بثمن، جاز.

و إن لم يكن كذلك، فظاهر كلام أحمد: إنّه لا يجوز؛ لأنّ الثياب تختلف باختلاف أثمانها، و الأجر يختلف باختلافها، فإن اشتري فله أجر مثله - و هذا قول أبي ثور و ابن المنذر - لأنّه عمل عملا بعوض لم يسلم له،

ص: 134


1- سنن أبي داود 3336/245:3، سنن ابن ماجة 2220/748:2، السنن الكبري - للنسائي - 6184/35:4-1، المستدرك - للحاكم - 192:4.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 127:2، المغني 46:6، الشرح الكبير 6: 70.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 127:2، المغني 46:6، الشرح الكبير 6: 70.

فكان له أجرة المثل، كسائر الإجارات الفاسدة(1).

و كذا يجوز أن يستأجر من يبيع ثيابا و غيرها معيّنة - و به قال الشافعي(2) - لأنّه عمل مباح تجوز النيابة فيه، و هو معلوم، فجاز الاستئجار عليه، كشراء الثياب، و لأنّه يجوز عقد الإجارة عليه مقدّرا بزمن، فجاز مقدّرا بالعمل، كالخياطة، و لأنّ الظاهر أنّه يظفر براغب.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ أن يوكّله في بيع شيء بعينه؛ لأنّ ذلك يتعذّر عليه، فأشبه ضراب الفحل و حمل الحجر الكبير(3).

و هو ممنوع؛ فإنّ الثياب لا تنفكّ عن راغب فيها، و لهذا صحّت المضاربة، و لا تكون إلاّ بالبيع و الشراء، بخلاف ما قاسوا عليه، فإنّه متعذّر.

و لو استأجره علي شراء ثياب معيّنة، صحّ أيضا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ من واحد، و قد لا يبيع، فيتعذّر تحصيل العمل بحكم الظاهر، و لأنّ رغبة مالكه في البيع غير معلومة و لا ظاهرة، بخلاف البيع(4).

و ليس بشيء؛ لعدم الفرق بينهما، مع أنّ التعذّر يوجب فسخ العقد، لا إبطاله من أصله، كما لو استأجر دابّة يحتمل أن تعطب قبل العمل.4.

ص: 135


1- المغني 46:6-47، الشرح الكبير 71:6.
2- بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4، المغني 47:6، الشرح الكبير 6: 71.
3- المغني 47:6، الشرح الكبير 71:6، بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5.
4- بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.

و لو استأجره في البيع لرجل بعينه، فهو كما لو استأجره لشراء ثياب بعينها.

و الأصحّ: الصحّة؛ لأنّه ممكن، فإن حصل من ذلك شيء، استحقّ الأجر، و إلاّ بطلت الإجارة، كما لو لم يعيّن البائع و لا المشتري.

و بعض الشافعيّة منع من الاستئجار علي الشراء للمعيّن، و جوّز الاستئجار علي البيع للمعيّن؛ لما تقدّم من إمكان البيع في العادة؛ لأنّه [لا ينتفي](1) من يرغب فيه، و أمّا الشراء فلا يكون إلاّ من واحد، و قد يبيع و قد لا يبيع، فلا يمكن تحصيل العمل بحكم الظاهر(2).

و لو استأجره ليشتري له شيئا وصفه له و لم يعيّنه، جاز قولا واحدا؛ لأنّ الظاهر أنّه يمكنه شراؤه.

مسألة 614: إذا دفع رجل إلي دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره

مسألة 614: إذا دفع رجل إلي دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره و قال: بعه بكذا فما ازددت فهو لك، فإن كان جعالة صحّ، و إن كان إجارة لم يصح.

فإذا باعه، كان الثمن بأجمعه لصاحبه، و عليه أجرة مثل الدلاّل عن دلالته - و به قال النخعي و حمّاد و أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و ابن المنذر(3) - لأنّه أجر مجهول غير معلوم القدر و لا الحصول، بل يجوز أن يوجد و أن لا يوجد.

و قال أحمد: يصحّ، و رواه عن ابن عباس، و به قال ابن سيرين و إسحاق؛ لما رواه عن ابن عباس أنّه لا يري بأسا أن يعطي الرجل الرجل

ص: 136


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يبقي». و هو تصحيف.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 128:2، المغني 81:6، الشرح الكبير 5: 258.

الثوب أو غير ذلك فيقول: بعه بكذا و كذا فما ازددت فهو لك، و لم يعرف له في عصره مخالف، و لأنّها عين تنمي بالعمل فيها، أشبه دفع المال مضاربة(1).

و قول ابن عباس نحن نقول بموجبه؛ لأنّا نجوّزه جعالة، و ليس فيه ذكر إجارة.

و علي قول أحمد إن باعه بالقدر المسمّي من غير زيادة، لم يكن له شيء؛ لأنّه جعل له الزيادة، و لا زيادة هنا، فهي كالمضاربة إذا لم يربح، و إن باعه بنقص ممّا عيّنه، لم يصح؛ لأنّه وكيل مخالف، فإن تعذّر ردّه ضمن النقص(2).

و يحتمل عندي علي هذا التقدير ضمان القيمة إن كانت العين من ذوات القيم، و إلاّ وجب المثل.

و عن أحمد أنّه يضمن النقصان مطلقا(3).

و إن باعه بنسيئة، لم يصح البيع؛ لأنّ إطلاق البيع يقتضي النقد؛ لما في النسيئة من ضرر التأخير و الخطر بالمال.

و كذا المضارب لا يبيع بالنسيئة.

و عن أحمد رواية: يجوز له البيع نسيئة؛ لأنّه يحصل لربّ المال نفع بما يحصل من الربح في مقابلة ضرره بالنسيئة، و هنا لا فائدة لربّ المال في الربح بحال، و لأنّ مقصود المضاربة تحصيل الربح، و هو في النسيئة أكثر، و هنا ليس بمقصود إلاّ المال، و لا حظّ للمالك في الربح بحال، فلا فائدة له5.

ص: 137


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 128:2، المغني 81:6، الشرح الكبير 5: 258.
2- المغني 81:6، الشرح الكبير 258:5.
3- المغني 81:6، الشرح الكبير 258:5.

فيه(1).

مسألة 615: لا يجوز أن يستأجره لحصاد الزرع بسدس ما يخرج منه،

مسألة 615: لا يجوز أن يستأجره لحصاد الزرع بسدس ما يخرج منه، و لا لجذّ الثمرة بمثل ذلك؛ لأنّ الأجرة هنا مجهولة، و مع ذلك فإنّ العمل لم يقع مباشرة للمالك، بل بعضه للعامل، فلا يستحقّ عليه أجرا علي المالك.

و قال أحمد: يجوز ذلك، قال: و هو أحبّ إليّ من المقاطعة، و إنّما يجوز إذا شاهده؛ لأنّه مع المشاهدة يحصل علمه بالرؤية، و هي أعلي طرق العلم، و من علم شيئا علم جزءه المشاع، فيكون الأجر معلوما(2).

و ليس بجيّد.

و إنّما رجّحه علي المقاطعة التي هي جائزة عنده؛ لأنّه ربما لم يخرج من الزرع مثل الذي قاطعه عليه، و هنا يكون أقلّ منه بالضرورة(3).

النوع الثاني: الأرض.
مسألة 616: يصحّ استئجار الأراضي بلا خلاف،

مسألة 616: يصحّ استئجار الأراضي بلا خلاف، و فيها أغراض، منها:

السكني، فإذا استأجر دارا، وجب أن يعرف موضعها و كيفيّة أبنيتها و مرافقها؛ لاختلاف الأغراض في ذلك باختلافها.

و لا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار.

و قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم علي أنّ استئجار المنازل و الديار(4) جائز(5).

ص: 138


1- المغني 81:6-82.
2- المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
3- المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
4- في المصدر: «الدوابّ» بدل «الديار».
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 117:2، المغني 26:6.

و إنّما تصحّ إجارتها مدّة معيّنة؛ لأنّ منفعتها لا يمكن ضبطها إلاّ بالمدّة.

و إنّما تصحّ إجارتها مع مشاهدتها، فإنّها لا تصير معلومة إلاّ بذلك.

و لا يجوز الإطلاق فيها و لا الوصف، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو ثور: إذا ضبط بالصفة، أجزأ(2).

و قال أصحاب الرأي: له خيار الرؤية، كقولهم في البيع(3).

و عندي لا بأس بذلك إن أمكن الضبط بالوصف، و إلاّ فلا.

و لا بدّ من مشاهدة البيوت التي تشتمل عليها الدار؛ لأنّ الغرض يختلف بصغرها و كبرها و علوّها و انخفاضها.

مسألة 617: يجوز استئجار الحمّام،

مسألة 617: يجوز استئجار الحمّام، و لا تكره أجرته، عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم(4).

خلافا لأحمد، فإنّه كرهه؛ لأنّ عورات الناس تبدو فيه، فتحصل الإجارة علي فعل محظور(5).

و ليس بشيء؛ لأنّ ذلك يمكن التحرّز منه بالاستتار.

و روي حنان بن سدير [عن أبيه](6) قال: دخلت أنا و أبي و جدّي و عمّي حمّاما في المدينة، و إذا رجل في بيت المسلخ، فقال لنا: «ممّن القوم ؟» فقلنا: من أهل العراق، فقال: «و أيّ العراق ؟» قلنا: كوفيّون، فقال:

«مرحبا بكم يا أهل الكوفة و أهلا، أنتم الشعار دون الدثار» ثمّ قال: «ما

ص: 139


1- البيان 255:7، المغني 26:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:2، المغني 26:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:2، المغني 26:6، الشرح الكبير 45:6.
4- كما في المغني 27:6، و الشرح الكبير 46:6.
5- المغني 26:6، الشرح الكبير 46:6.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

يمنعكم من الإزار؟ فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن علي المؤمن حرام» قال: فبعث عمّي إلي كرباسة فشقّها بأربعة ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحدا ثمّ دخلنا فيها، فلمّا كنّا في البيت الحارّ صمد(1) لجدّي ثمّ قال:

«يا كهل ما يمنعك من الخضاب ؟» فقال له جدّي: أدركت من هو خير منّي و منك لا يختضب، فقال: «و من ذلك الذي هو خير منّي ؟» قال: أدركت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و لا يختضب، فنكس رأسه و تصابّ عرقا، و قال:

«صدقت و بررت» ثمّ قال: «يا كهل إن تخضب فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد خضب و هو خير من عليّ، و إن تترك فلك بعليّ أسوة» قال: فلمّا خرجنا من الحمّام سألنا عن الرجل في المسلخ، فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السّلام و معه [ابنه](2) محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام(3).

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه [من أهل العلم] أنّ كراء الحمّام جائز إذا حدّده و ذكر جميع آلته شهورا مسمّاة - و هذا قول مالك و الشافعي و أبي ثور و أصحاب الرأي - لأنّ المؤجر إنّما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمّام و الاغتسال بمائه، و أحوال الناس محمولة علي السلامة، و إن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه، كما لو اكتري دارا ليسكنها فشرب فيها خمرا(4).

مسألة 618: لا بدّ في استئجار الحمّام من معرفة البيوت التي في داخل

مسألة 618: لا بدّ في استئجار الحمّام من معرفة البيوت التي في داخل

ص: 140


1- صمده: قصده. الصحاح 499:2 «صمد».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- الفقيه 252/66:1.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 130:2، المغني 27:6، الشرح الكبير 6: 46.

الحمّام، و عددها حتي يعرف قدرها سعة وضيقا و قلّة و كثرة، و معرفة ماء الحمّام إمّا من قناة أو بئر، فإن كان من بئر احتاج إلي مشاهدتها ليعلم ضيقها وسعتها و غزارة مائها و قلّته و قدر عمقها و مؤونة استقاء الماء منها، و مشاهدة القدر التي يسخن فيها الماء ليعلم كبرها من صغرها، و مشاهدة الأتّون و هو موضع الوقود، و مشاهدة مبسط القماش(1) [و](2) الذي يجمع فيه للأتّون من السرجين و نحوه، و الموضع الذي يجمع فيه الزّبل و الوقود، و مطرح الرماد، و المستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمّام، فمتي أخلّ بهذا أو ببعضه لم يصح عقد الإجارة؛ للجهالة بما يختلف الغرض به.

و علي هذا قياس سائر المساكن.

و لا تفتقر مشاهدة الحمّام إلي مشاهدة الزّبل و الوقود و الأزر و الأسطال و الكأسات و الحبل و الدلو؛ لأنّ ذلك كلّه لا يدخل في اسم الحمّام، و لا يندرج في إجارته.

و تكفي مشاهدة قدر الحمّام إمّا من ظاهرها من الأتّون، و إمّا من باطنها من الحمّام.

و يحتمل قويّا وجوب مشاهدة الوجهين معا مع الإمكان، كما يشاهد وجهي الثوب.

مسألة 619: إذا استأجر دارا للسكني، ملك المستأجر منافعها في الإسكان.

مسألة 619: إذا استأجر دارا للسكني، ملك المستأجر الإسكان. منافعها في و لا يجب [ذكر](3) عدد السّكّان من الرجال و النساء و الصبيان، خلافا لبعض الشافعيّة، حيث أوجب ذكر عدد السّكّان من الرجال و النساء

ص: 141


1- قماش البيت: متاعه. الصحاح 1016:3 «قمش».
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الصبيان؛ لأنّه قد ملك السكني، فله إسكان من شاء(1).

و لا يمنع من دخول زائر وضيف علي القولين معا و إن بات فيها ليالي.

و لا تتقدّر هذه المنفعة و منفعة الحمّام إلاّ بالمدّة؛ لأنّها غير منضبطة.

و له أن يسكن هو و من شاء، أو يسكنها من شاء ممّن يساويه في الضرر أو ينحطّ عنه فيه.

و له أن يضع في الدار ما جرت عادة الساكن به من الرحل و الطعام، و يحرز فيها الثياب و غيرها ممّا لا يضرّ بها.

و لا يسكنها من يضرّ بها، كالقصّار و الحدّاد؛ لأنّ ذلك يضرّ بها.

و لا يجعل فيها الدوابّ؛ لأنّها تروث فيها و تفسدها، و لا يجعل فيها السرجين، و لا شيئا يضرّ بها.

و لا يضع فوق سقفها [شيئا](2) ثقيلا؛ لأنّه يكسر خشبه أو يضعفه، و لا يجعلها محرزا للطعام إلاّ لقوته و ما جرت عادته.

و بالجملة، لا يضع فيها شيئا يضرّ بها، إلاّ مع الشرط - و بهذا كلّه قال الشافعي و أصحاب الرأي(3) - و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ له استيفاء المعقود عليه بنفسه و نائبه، [و](4) الذي يسكنه نائب عنه في استيفاء المعقود عليه، فجاز، كما لو وكّل وكيلا في قبض المبيع أو دين له، و لم يملك فعل ما يضرّ بها؛ لأنّه فوق المعقود عليه، فلم يكن له فعله، كما لو اشتري شيئا،ي.

ص: 142


1- العزيز شرح الوجيز 110:6، روضة الطالبين 269:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 58:6، الشرح الكبير 84:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني.

لم يملك أخذ أكثر منه.

و قال بعض العامّة: يجوز أن يجعل الدار مخزنا للطعام؛ لأنّه يجوز له أن يجعلها مخزنا لغيره(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك يفضي إلي أن يفسد الفأر أرضها و حيطانها، و ذلك ضرر عظيم.

و كذا لا يجوز أن يجعلها محرزا للتمر، إلاّ برضا صاحب الدار.

مسألة 620: إذا استأجر دارا جاز إطلاق العقد، و لم يحتج إلي ذكر السكني و لا صفتها -

مسألة 620: إذا استأجر دارا جاز إطلاق العقد، و لم يحتج إلي ذكرالسكني و لا صفتها - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّ الدار لا تؤجر إلاّ للسكني، فاستغني عن ذكره، كإطلاق الثمن في بلد معروف(3) نقده، و التفاوت في السكني يسير، فلم يحتج إلي ضبط، كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف.

و قال أبو ثور: لا يجوز حتي يقول: أبيت تحتها أنا و عيالي؛ لأنّ السكني تختلف، و لو اكتراها ليسكنها فتزوّج امرأة، لم يكن له أن يسكنها معه(4).

و هو غلط؛ فإنّ الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكنها و قلّته، و لا يمكن ضبط ذلك، فاكتفي فيه بالمعروف، كما في دخول الحمّام و شبهه.

و لو كان ما ذكره شرطا، لوجب أن يذكر عدد السّكّان، و أن لا يبيت عنده ضيف و لا زائر و لا غير من ذكره، و لكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن،

ص: 143


1- المغني 59:6، الشرح الكبير 84:6.
2- نهاية المطلب 251:8-252، العزيز شرح الوجيز 114:6، روضة الطالبين 272:4، المغني 59:6، الشرح الكبير 9:6.
3- فيما عدا «ص» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يعرف» بدل «معروف».
4- المغني 59:6، الشرح الكبير 9:6-10.

كما يعلم ذلك فيما إذا اكتري دابّة للركوب، و ليس كذلك إجماعا.

مسألة 621: إذا استأجر أرضا، صحّ بلا خلاف

مسألة 621: إذا استأجر أرضا، صحّ بلا خلاف، إلاّ ممّن شذّ، لكن لا بدّ من معرفتها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة إن أمكن، و إلاّ تعيّنت الرؤية؛ لأنّ المنفعة تختلف باختلافها.

و لا يصحّ حتي يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء؛ لأنّ الأرض تصلح لهذا كلّه، و تأثيره في الأرض يختلف، و إذا كانت منافع هذه الجهات مختلفة و كذا ضررها اللاّحق بالأرض، وجب التعيين، كما لو آجر بهيمة لم يجز الإطلاق، و هو أظهر قولي الشافعي.

و الثاني: إنّه يصحّ الإطلاق، كما لو استأجر دارا أو بيتا لم يحتج إلي ذكر السكني؛ لأنّ الدار و البيت لا يستأجران إلاّ للسكني و وضع المتاع فيهما، و ليس ضررها مختلفا، فيجوز الإطلاق فيه(1).

و ربّما منع ذلك مانع؛ لأنّه كما تستأجر الدار للسكني، كذا تستأجر لتتّخذ مسجدا و لعمل الحدّادين و القصّارين و لطرح الزبل فيها، و هو أكثر ضررا، ألا تري أنّه إذا استأجر للسكني لم يكن له شيء من هذه الانتفاعات، فإذن ما جعلوه مبطلا في إجارة الأرض مطلقا موجود في الدار.

لا يقال: الإجارة لا تكون إلاّ لاستيفاء منفعة، فإذا آجر الدار و أطلق نزّل علي أدني الجهات ضررا، و هي السكني و وضع المتاع.

لأنّا نقول: فليكن في إجارة الأرض مثله حتّي ينزّل علي أدني الجهات ضررا، و هي الزراعة، و يصحّح العقد بها.

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

ص: 144


1- العزيز شرح الوجيز 114:6، روضة الطالبين 271:4.

فالأقرب: الجواز - و به قال بعض الشافعيّة(1) - و ينتفع بها ما شاء؛ لرضاه به.

و لهم وجه آخر: إنّه لا يصحّ، كما لو قال: بعتك من هؤلاء العبيد من شئت(2).

و بينهما فرق.

و لو قال: آجرتكها لتزرعها أو تغرسها أو تبني فيها، فإن قصد التخيير فكالأوّل، و إن قصد التفصيل لم يصح؛ لأنّه لم يعيّن أحدها، فأشبه ما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين.

و لو قال: آجرتك للزراعة، و لم يذكر ما يزرع، أو للغراس، و لم يعيّن المغروس، أو للبناء، و لم يذكر جنسه، فوجهان، كما تقدّما، لكن الأظهر عند الشافعيّة: الجواز، و الثاني لهم: المنع، و به قال أبو حنيفة(3).

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بالجواز - و هو الأقوي - كان له أن يزرع ما شاء؛ لإطلاق اللفظ.

و يحتمل التنزيل علي أقلّ الدرجات.

و لو قال: آجرتكها لتزرع فيها ما شئت، أو قال: آجرتكها لتغرس فيها ما شئت، أو قال: آجرتكها لتبني بها ما شئت، صحّت الإجارة، و زرع ما شاء و غرس ما شاء و بني ما شاء، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) ، عكس الأولي.4.

ص: 145


1- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 486:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
2- التهذيب - للبغوي 486:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
3- نهاية المطلب 251:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 4: 273، الهداية - للمرغيناني - 243:3، بدائع الصنائع 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.

و فيه وجه لهم: إنّها تبطل، كما لو قال: بعتك من هذه الأثواب ما شئت(1).

أمّا لو قال: آجرتكها لتزرع أو لتغرس، لم يصح علي قصد التفصيل كما قلنا.

و لو قال: إن شئت فازرعها، و إن شئت فاغرسها، صحّ علي ما قلناه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - و يتخيّر المستأجر، كما لو قال: لتنتفع كيف شئت.

و الثاني لهم: المنع، كما لو قال: بعتك بألف مكسّرة إن شئت، و صحيحة إن شئت(3).

مسألة 623: إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها، أو لتزرعها و تغرسها، أو لتزرعها ما شئت

مسألة 623: إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها، أولتزرعها و تغرسها، أو لتزرعها ما شئت و تغرسها ما شئت، و لم يبيّن القدر، فالأقوي: الصحّة - و هو منصوص الشافعي(4) - لأنّ العقد اقتضي إباحة هذين الشيئين، فصحّ، كما لو قال: لتزرعها ما شئت؛ لأنّ اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين، و قوله: «لتزرعها ما شئت» إذن في نوعين و أنواع و قد صحّ، فكذا في الجنسين.

و له أن يغرسها كلّها إن شاء، و أن يزرعها بأسرها إن أراد، كما لو أذن له في أنواع الزرع كلّه كان له زرع جميعها نوعا واحدا و له زرعها من نوعين، كذلك هاهنا.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
2- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
3- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
4- مختصر المزني: 129، البيان 265:7، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ، و يزرع نصفها و يغرس نصفها؛ لاقتضاء العطف ذلك(1).

و قال أكثرهم: لا يجوز؛ لأنّه لا يدري كم يزرع(2).

و علي قول القائلين بالتنصيف له أن يزرع الجميع؛ لجواز العدول من الغرس إلي الزرع، و لا يجوز أن يغرس الكلّ.

لكن الأقوي عندهم: البطلان؛ لأنّه لم يبيّن كم يزرع و كم يغرس(3) ، بل لو قال: ازرع النصف و اغرس النصف، قال القفّال: لا يصحّ؛ لأنّه لم يبيّن المغروس و المزروع، فصار كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين بألف و الآخر بخمسمائة(4).

مسألة 624: إذا استأجر

مسألة 624: إذا استأجر(5) الأرض للزرع وحده، ففيه صور أربع:

مسألة 624: إذا استأجر(5) الأرض للزرع وحده، ففيه صور أربع

[الصورة الأولي: استأجرها(6) للزرع مطلقا،]

الصورة الأولي: استأجرها(6) للزرع مطلقا، أو قال: لتزرعها ما شئت، فإنّه يصحّ، و له زرع ما شاء، و به قال الشافعي(7).

و قال ابن سريج: لا يصحّ حتّي يبيّن الزرع؛ لأنّ ضرره مختلف، فلا يصحّ بدون البيان، كما لو لم يذكر ما يستأجر له من زرع أو غرس أو

ص: 147


1- نهاية المطلب 253:8، البيان 266:7، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.
2- نهاية المطلب 253:8، البيان 265:7-266، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.
3- نهاية المطلب 254:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
4- نهاية المطلب 253:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
5- الظاهر: «آجر».
6- الظاهر: «آجرها».
7- مختصر المزني: 129، الحاوي الكبير 466:7، نهاية المطلب 250:8، البيان 265:7، المغني 67:6، الشرح الكبير 87:6.

بناء(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضررا، و يباح له جميع الأنواع؛ لأنّها [دونه، فإذا](2) عمّم أو أطلق يتناول الأكثر، فكان له ما دونه، و يخالف الأجناس المختلفة، فإنّه لا يدخل بعضها في بعض.

لا يقال: لو اكتري دابّة للركوب لوجب تعيين الراكب، فكان يجب هنا تعيين المزروع.

لأنّا نقول: إنّ إجارة المركوب لأكثر الرّكّاب ضررا لا تجوز، بخلاف المزروع، و لأنّ للحيوان حرمة في نفسه، فلم يجز إطلاق ذلك فيه، بخلاف الأرض.

لا يقال: لو استأجر دارا للسكني مطلقا، لم يجز له أن يسكنها من يضرّ بها، كالقصّار و الحدّاد، فلم جوّزتم أن يزرعها ما يضرّ بها؟

لأنّا نقول: السكني لا تقتضي ضررا، فلذلك منع من إسكان من يضرّ بها؛ لأنّ العقد لم يقتضه، و الزرع يقتضي الضرر، و إذا أطلق كان راضيا بأكثره، فلهذا جاز، و ليس له أن يغرس في هذه الأرض و لا يبني؛ لأنّ ضرره أكثر من المعقود عليه.

[الصورة الثانية: إذا آجرها لزرع حنطة أو نوع بعينه غيرها،]

الصورة الثانية: إذا آجرها لزرع حنطة أو نوع بعينه غيرها، فله أن يزرع ما عيّنه و ما ضرره كضرره أو أدون، و لا يتعيّن ما عيّنه في قول عامّة أهل العلم، إلاّ داود و باقي الظاهريّة، فإنّهم قالوا: لا يجوز له زرع غير ما عيّنه، حتي لو وصف الحنطة بأنّها حمراء لم يجز أن يزرع البيضاء؛ لقوله6.

ص: 148


1- البيان 265:7، المغني 67:6، الشرح الكبير 87:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «دونها». و ما أثبتناه من المغني 67:6، و الشرح الكبير 87:6.

تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و لأنّه عيّنها بالعقد فلم يجز العدول عنه، كما لو عيّن المركوب أو عيّن الدراهم في الثمن(2).

قال ابن داود: دخل الشافعي فيما عابه علي أبي حنيفة، فإنّ الدراهم لا تتعيّن بالعقد(3).

و هو قول الشيخ(4)(5) رحمه اللّه أيضا، و لا بأس به.

و ليس بجيّد؛ لأنّ المعقود عليه منفعة الأرض، دون القمح، و لهذا يستقرّ عليه العوض بمضيّ المدّة إذا تسلّم الأرض و إن لم يزرعها، و إنّما استوفاها بتلفها تحت يده، فكيف ما أتلفها يكون مستوفيا لما عقد عليه، فلا يتعيّن عليه ما سمّاه، و إنّما ذكر القمح ليتقدّر به المنفعة، فلم يتعيّن، كما لو استأجر دارا ليسكنها، كان له أن يسكنها غيره، و فارق المركوب و الدراهم في الثمن، فإنّهما معقود عليهما فتعيّنا، و المعقود عليه هنا منفعة مقدّرة و قد تعيّنت أيضا، و لم يتعيّن ما قدّرت به، كما لا يتعيّن المكيال و الميزان في المكيل و الموزون، و كما إذا ثبت له حقّ في ذمّة إنسان كان له أن يستوفيه بنفسه أو بمن ينوب عنه، كذلك هنا.

و أمّا الآية: فإذا استوفي المنفعة فقد و في بالعقد.

و أمّا الدراهم فلا تشبه مسألتنا؛ لأنّ الدراهم معقود عليها، فتعيّنت4.

ص: 149


1- سورة المائدة: 1.
2- الخلاف - للشيخ الطوسي - 517:3-518، المسألة 4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1140/651:2، عيون المجالس 1811:4-1276/1812، الحاوي الكبير 463:7، المغني 68:6، الشرح الكبير 88:6.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- في «د، ص»: «للشيخ».
5- المبسوط 262:3، الخلاف 517:3-518، المسألة 4.

بالعقد، و في مسألتنا المعقود عليه المنفعة دون المزروع، و لهذا لو لم يسمّه في العقد كان جائزا.

[الصورة الثالثة: لو آجره ليزرعها حنطة و ما ضرره كضررها أو دونه،]

الصورة الثالثة: لو آجره ليزرعها حنطة و ما ضرره كضررها أو دونه، فهي كالسابقة، إلاّ أنّه لا خلاف للظاهريّة فيها؛ لأنّه شرط ما اقتضاه الإطلاق، و بيّن ذلك بصريح نصّه، فزال الإشكال.

[الصورة الرابعة: إذا آجره ليزرعها حنطة علي أن لا يزرع غيرها،]

الصورة الرابعة: إذا آجره ليزرعها حنطة علي أن لا يزرع غيرها، صحّ الشرط عندنا، و لم يكن له أن يزرع غيرها؛ عملا بمقتضي الشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و لأنّ المستأجر يملك المنفعة من جهة المؤجر، فيملك بحسب التمليك، و سواء زرع المساوي في الضرر أو الأدون ضررا.

و قالت الشافعيّة [في أحد الوجهين](2): لا يصحّ هذا الشرط؛ لأنّه مخالف لمقتضي العقد، لأنّ العقد يقتضي استيفاء المنفعة كيفما اختاره، و ليس هذا الشرط من قضايا العقد و لا من مصالحه، و كلّ شرط يكون كذلك يكون فاسدا، و الإجارة تفسد بالشروط الفاسدة(3).

و نمنع مخالفة الشرط لمقتضي العقد؛ فإنّ جميع الشروط مخصّصة لإطلاق العقد الذي يدخله الشرط.

و الثاني: إنّه يصحّ العقد و الشرط معا؛ لأنّ المستأجر يملك المنفعة8.

ص: 150


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.

من جهة المؤجر، فيملك بحسب التمليك(1).

و علي القول الذي اختاروه هل يفسد العقد؟ فيه لهم وجهان:

أحدهما: إنّه يفسد العقد؛ لأنّه شرط فيه شرطا فاسدا، فأشبه سائر الشروط.

و الثاني: إنّه لا يفسد العقد؛ لأنّ هذا شرط لا غرض فيه لأحد المتعاقدين، فلا يضرّ إسقاطه؛ لأنّ [ما ضرره مثله لا يختلف](2) في غرض المؤجر، فلم يؤثّر في العقد(3).

و هذا كما قاله الشافعي: إذا قال: أصدقتك ألفين علي أن تعطي أباك ألفا، فالشرط فاسد لا يؤثّر في عقد الصداق؛ لأنّه لا غرض له في أن تعطي أباها ألفا، و لو قال: أصدقتك ألفين علي أن تعطي أبي ألفا، فسد الشرط و الصداق؛ لأنّ له غرضا في ذلك(4).

مسألة 625: إذا استأجر الأرض علي أن يزرعها حنطة مثلا، لم يجز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة،

مسألة 625: إذا استأجر الأرض علي أن يزرعها حنطة مثلا، لم يجز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة، و يجوز أن يزرع المساوي ضررا و الأقلّ ضررا - خلافا للشيخ(5) رحمه اللّه - فيجوز أن يزرع الشعير؛ لأنّه أقلّ ضررا من الحنطة، و لا يجوز أن يزرع الأرز و الذّرّة؛ لأنّ كلّ واحد منهما أشدّ ضررا من الحنطة، فإنّ للذّرّة عروقا غليظة تنتشر في الأرض، و تستوفي قوّة

ص: 151


1- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ما ضرره ضرر مثله». و المثبت كما في المغني 68:6-69، و الشرح الكبير 89:6.
3- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.
5- راجع: الهامش (5) من ص 149.

الأرض، و الأرز يحتاج إلي السقي الدائم، و أنّه يذهب بقوّة الأرض.

و قال البويطي من الشافعيّة: لا يجوز العدول إلي غير الزرع المعيّن(1) ، فمن أصحاب الشافعي من قال: إنّه قول للشافعي رواه(2) ، و منهم من قال: رأي رآه(3) و قد تقدّم(4) إبطاله.

هذا في تعيين الجنس أو النوع، و أمّا إذا عيّن الشخص فقال:

آجرتكها لتزرع هذه الحنطة المعيّنة، فإن لم يقل: و لا تزرع غيرها، فالأقوي: إنّه كما لو عيّن الجنس أو النوع يجوز التخطّي إلي المساوي و الأقلّ ضررا.

و إن قال: و لا تزرع غيرها، فالأقرب: جواز العقد، و لزوم الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: جواز العقد، دون الشرط، و لكن هذا فيما إذا لم يقل:

و لا تزرع غيرها.

و الثاني: بطلان العقد؛ لأنّ تلك الحنطة قد تتلف، فتتعذّر الزراعة(6).

و علي هذا قياس سائر المنافع.

و إذا استأجر دابّة للركوب في طريق، لم يركبها في طريق أخشن، و يركبها في مثل تلك الطريق عند الشافعيّة(7).4.

ص: 152


1- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
2- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
3- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
4- آنفا.
5- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
6- العزيز شرح الوجيز 134:6-135، روضة الطالبين 288:4.
7- المهذّب - للشيرازي - 409:1، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 288:4.

و كذا يركبها فيما هو أسهل عندهم(1).

و إذا استأجر لحمل الحديد، لم يحمل القطن، و بالعكس.

و إذا استأجر دكّانا لصنعة، فله أن يباشرها و ما دونها في الضرر أو يساويها، دون ما هو فوقها.

مسألة 626: إذا استأجرها

مسألة 626: إذا استأجرها(2) لزرع الحنطة، فإن أراد زرع ما هو أكثر ضررا، لم يجز له ذلك،

مسألة 626: إذا استأجرها(2) لزرع الحنطة، فإن أراد زرع ما هو أكثرضررا، لم يجز له ذلك، و للمؤجر منعه.

فإن تعدّي فزرع الذرّة أو الأرز اللّذين هما أضرّ من الحنطة و لم يتخاصما حتي انقضت المدّة و حصد الذرّة، تخيّر المالك بين أن يأخذ المسمّي و أرش النقصان الزائد علي زراعة الحنطة بزراعة الذرّة، و بين أن يأخذ أجرة المثل لزراعة الذرّة، و به قال الشافعي(3).

قال المزني: و الأوّل أولي(4).

و اختلف أصحاب الشافعي علي طريقين:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين، و في كيفيّتها طريقان:

أظهرهما عندهم: إنّ أحد القولين وجوب أجرة المثل؛ لأنّه عدل عن المستحقّ إلي غيره، فأشبه ما إذا زرع أرضا أخري، لأنّه استوفي غير ما عقد عليه، فوجبت عليه أجرته، فكان كما لو استأجر أرضا فزرع غيرها.

ص: 153


1- المهذّب - للشيرازي - 409:1، العزيز شرح الوجيز 135:6.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «استأجر».
3- الأم 17:4، مختصر المزني: 129، الحاوي الكبير 465:7، الوسيط 4: 180، حلية العلماء 412:5، التهذيب - للبغوي - 483:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 289:4.
4- مختصر المزني: 129، و عنه في الحاوي الكبير 465:7، و نهاية المطلب 8: 246، و الوسيط 181:4، و التهذيب - للبغوي - 483:4، و العزيز شرح الوجيز 135:6.

و الثاني: إنّه يستحقّ الأجرة المسمّاة و أجرة ما زاد علي ما سمّاه؛ لأنّه استحقّ منفعة الأرض مقدّرة، فاستوفاها مع غيرها، فوجب عليه الأجرة المسمّاة و عوض الزيادة، كمن اشتري خمسة أقفزة من صبرة و استوفي أكثر من ثمنها، أو اكتري مركبا إلي موضع فجاوزه، و تفارق الأرض الأخري؛ لأنّه استوفي غير المنفعة المعقود عليها، و في مسألتنا استوفي المنفعة المعقود عليها و زيادة.

الطريق الثاني: إنّ أحد القولين وجوب المسمّي و بدل نقصان الذرّة.

و الثاني: التخيير؛ لأنّ للمسألة شبها بزراعة الغاصب من حيث إنّه زرع ما لم يستحقّه، و موجبها أجرة المثل، و شبها بما إذا استأجر دابّة إلي موضع و جاوزه من حيث إنّه استوفي المستحقّ و زاد في الضرر، و موجبها المسمّي و بذل المثل لما زاد، فخيّرناه بينهما.

و أيضا فإنّ المكري استحقّ أجرة الذرّة، و المكتري استحقّ منفعة زراعة الحنطة و قد فاتت بمضيّ المدّة، فإمّا أن يأخذ المؤجر ما يستحقّ و يردّ ما أخذ، و إمّا أن يتقاصّا و يأخذ الزيادة(1).

و مثل هذا ما قاله الشافعي في قتل العمد: إنّ الوليّ مخيّر بين القصاص و الدية؛ لأنّ القتل أخذ شبها من أصلين، و هو أنّه قصد الإتلاف فاستحقّ العقوبة، و أنّه حصل الإتلاف، و ذلك موجب للدية(2).7.

ص: 154


1- نهاية المطلب 246:8-247، الحاوي الكبير 465:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، الوسيط 181:4، حلية العلماء 412:5، التهذيب - للبغوي - 4: 483-484، البيان 334:7، العزيز شرح الوجيز 135:6-136، روضة الطالبين 289:4.
2- الأمّ 10:6، المهذّب - للشيرازي - 198:2، التهذيب - للبغوي - 74:7، البيان 371:11، العزيز شرح الوجيز 290:10، روضة الطالبين 104:7.

و كذلك قال في نذر اللجاج: إنّه مخيّر بين الوفاء به و الكفّارة؛ لأنّه أخذ شبها من نذر البرّ و اليمين(1).

و ذكر الذاهبون إلي هذه الطريقة للقولين هكذا مأخذين:

أحدهما: قرّبوهما من القولين فيما إذا تصرّف الغاصب في الدراهم المغصوبة و ربح، فعلي أحدهما يأخذ المالك مثل دراهمه، و علي الثاني يتخيّر بينه و بين أن يأخذ الحاصل بربحه.

و الثاني: قال بعضهم: قول الرجوع إلي أجرة المثل مبنيّ علي أنّ البائع إذا أتلف المبيع قبل القبض ينفسخ العقد، و يقدّر كأنّ العقد لم يكن، و التخيير مبنيّ علي أنّ البيع لا ينفسخ، بل يتخيّر المشتري بين أن يفسخ و يستردّ الثمن، و بين أن يجيز و يرجع علي البائع بالقيمة(2).

و هذا البناء ليس بواضح عندهم؛ لأنّ المؤجر هو الذي يقع في رتبة البائع، و لم يوجد منه إتلاف، و إنّما المستأجر فوّت المنفعة المستحقّة علي نفسه، فكان ذلك بإتلاف المشتري أشبه(3).

و الطريق الثاني في أصل المسألة: القطع بالتخيير، و هو أوفق لظاهر النصّ من الشافعي(4).

هذا إذا تخاصما بعد انقضاء المدّة و حصاد الذرّة، و أمّا إذا تخاصما في ابتداء قصد زراعة الذرّة، منعناه منها.

و إن تخاصما بعد الزراعة و قبل الحصاد، فللمالك قلعها، و إذا قلع فإن4.

ص: 155


1- الوسيط 211:7، التهذيب - للبغوي - 147:8-148، العزيز شرح الوجيز 249:12، روضة الطالبين 561:2.
2- العزيز شرح الوجيز 136:6.
3- العزيز شرح الوجيز 136:6.
4- راجع: الهامش (1) من ص 154.

تمكّن من زراعة الحنطة، زرعها، و إلاّ لم يزرع، و عليه الأجرة لجميع المدّة؛ لأنّه الذي فوّت نفسه مقصود العقد.

ثمّ إن لم تمض مدّة تتأثّر بها الأرض فذاك، و إن مضت فالمستحقّ أجرة المثل، أم قسطها من المسمّي و زيادة للنقصان، أم يتخيّر بينهما؟ فيه ما تقدّم من الطرق.

و هي جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها، فأسكنها الحدّادين أو القصّارين، أو استأجر دابّة ليحمل عليها قطنا فحمل بقدره حديدا، أو استأجر غرفة ليطرح فيها مائة منّ من الحنطة فأبدلها بالحديد.

و كذا في كلّ صورة لا يتميّز فيها المستحقّ عمّا زاد.

و أمّا إن تميّز - كما إذا استأجر دابّة لحمل خمسين رطلا فحملها مائة رطل، أو استأجرها إلي موضع فتجاوزه إلي آخر - وجب المسمّي و أجرة المثل لما زاد.

و لو عدل من الجنس المشروط إلي غيره - كما إذا استأجر للزرع فغرس أو بني - فالواجب أجرة المثل، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و منهم من طرد الخلاف فيه(2).

تنبيه: قولنا فيما إذا عيّن زرع الحنطة فزرع الذرّة: إنّ المالك يتخيّر بين أجرة مثل الذرّة، و بين المسمّي مع أرش نقص الأرض، يسبق إلي الفهم منه ما ينقص من قيمة الأرض، و قلنا تارة بدل ما ينقص من الأرض:

إنّه يأخذ المسمّي و أجرة المثل لما زاد، و المراد هنا هو الثاني، و قولنا:

«نقص الأرض» يحمل علي الأجرة الزائدة، فيأخذ مع المسمّي بدل المنفعة4.

ص: 156


1- العزيز شرح الوجيز 137:6، روضة الطالبين 289:4.
2- العزيز شرح الوجيز 137:6، روضة الطالبين 289:4.

التي استوفاها فوق المستحقّ و بدل المنفعة الأجرة، فليحمل نقص الأرض علي الضرر الذي لحقها بما استوفاه من المنفعة، و أرشه جزء من أجرة ما استوفاه، و هو تفاوت ما بينهما و بين أجرة المنفعة المستحقّة.

مثلا: أجرة مثلها للحنطة خمسون، و للذرّة سبعون، و المسمّي أربعون، يأخذ الأربعين و تفاوت ما بين الأجرتين، و هو عشرون.

و إنّما حملنا نقص الأرض علي ما قلناه؛ لأنّ رقبة الأرض لا تكاد تنقص قيمتها بالزرع و إن استقرّ ضررها.

النوع الثالث: الدوابّ.
اشارة

منافع الدوابّ متعدّدة، كالركوب و الحمل و الاستعمال، فالأبحاث هنا ثلاثة:

البحث الأوّل: الركوب،

الأوّل: الركوب، فإذا استأجر دابّة للركوب، صحّ.

و قد أجمع أهل العلم كافّة علي جواز استئجار الدوابّ للركوب إلي مكّة و إلي غيرها.

قال اللّه تعالي: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها (1) و لم يفرّق بين المملوكة و المستأجرة.

و قد روي عن ابن عبّاس في قوله تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (2): أن يحجّ و يكتري(3).

و لأنّ الحاجة شديدة إلي السفر، و الضرورة داعية للناس إليه، و قد

ص: 157


1- سورة النحل: 8.
2- سورة البقرة: 198.
3- كما في المغني 102:6، و الشرح الكبير 106:6.

فرض اللّه تعالي عليهم الحجّ، و أخبر بأنّهم يأتون رِجالاً وَ عَلي كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (1) و ليس لكلّ أحد بهيمة يركبها، و لا يتمكّن من معاناتها و القيام بما يحتاج إليه من الرعي و العلف و السقي و الشدّ عليها و الحلّ عنها، فدعت الضرورة إلي استئجارها، و لا نعلم فيه خلافا.

[مسألة 627: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب معرفة الراكب؛]

مسألة 627: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب معرفة الراكب؛ لأنّه أحد نوعي ما وقعت المعاوضة عليه، فتجب(2) معرفته، كالبيع، فيجب أن يعرف مؤجر الدابّة راكبها بالمشاهدة؛ لاختلاف الأغراض في الراكب؛ لأنّ بعضهم ثقيل، و بعضهم خفيف، و يختلفون أيضا بالضخامة و النحافة و كثرة الحركات و شدّتها و قلّتها و كثرة السكنات، و الوصف لا يضبط ذلك كلّه، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و منهم من اكتفي بالأوصاف الرافعة للجهالة، فيصف الغائب بالطول و القصر و الضخامة و النحافة، و سرعة الحركة و بطئها، و خفّة الحركة و ثقلها، إلي غير ذلك، و يذكر وزنه تحقيقا(4).

و قال بعضهم: يذكر صفته في الضخامة و النحافة ليعرف وزنه تخمينا(5).

و الأصل في ذلك أن نقول: إن أمكن الوصف التامّ القائم مقام المشاهدة، كفي ذكره عنها، و إلاّ فلا.

و قال مالك: يجوز إطلاق الراكب؛ لأنّ أجسام الناس متقاربة في4.

ص: 158


1- سورة الحجّ: 27.
2- في «ص»: «فوجب». و في «ل»: «فوجبت».
3- البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 273:4-274.
4- العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 274:4.
5- العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 274:4.

الغالب(1).

[مسألة 628: إن كان الراكب مجرّدا ليس معه ما يركب عليه، لم يحتج إلي ذكر ما يركب عليه،]

مسألة 628: إن كان الراكب مجرّدا ليس معه ما يركب عليه، لم يحتج إلي ذكر ما يركب عليه، لكن المؤجر يركبه علي ما شاء.

و يجب في توطئتها ما جرت العادة به في مثلها، فإن كان المركوب فرسا وطّأه بالسرج و اللجام، و إن كان بغلا أو حمارا فبالأكاف و البرذعة، و إن كان بعيرا فبالحداجة و القتب و الزمام الذي يقاد به البعير و البرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها، و نحو ذلك؛ لأنّ ذلك مقتضي العرف مع الإطلاق.

و إن عيّن غير ذلك، لزم، مثل: أن يشترط البرذعة علي الفرس، و السرج علي البغل أو الحمار.

و إن كان يركب علي رحل له أو فوق زاملة(2) أو في محمل أو عمارية في الإبل أو في غير الإبل و أراد الركوب علي سرج أو أكاف، وجب ذكره.

و يجب أن يعرف المؤجر هذه الآلات، فإن شاهدها كفي و إلاّ حمل علي المعهود(3) المطّرد بينهم، فإن كانت سروجهم و محاملهم و ما في معناها علي قدر و تقطيع لا يختلف كثيرا و لا يتفاحش التفاوت فيه كفي الإطلاق، و حمل علي المعهود، و إن لم يكن لهم معهود مطّرد فلا بدّ من ذكر وزن السرج و الأكاف و الزاملة و وصفها، و هو قول بعض الشافعيّة(4).4.

ص: 159


1- بداية المجتهد 228:2، الذخيرة 430:5، المعونة 1099:2، الوجيز 1: 233، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 116:6، المغني 103:6، الشرح الكبير 108:6.
2- الزاملة: العدل الذي فيه الزاد. المغرب 234:1 «زمل».
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «المعروف» بدل «المعهود».
4- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.

و لم يشترط أكثرهم وزن السرج و الأكاف؛ لقلّة التفاوت بينهما(1).

و لهم في العمارية و المحمل ثلاثة أوجه:

أحدها: إنّه لا يصحّ العقد مع الإطلاق، و لا بدّ من مشاهدتهما؛ لأنّ الغرض يختلف بسعتهما وضيقهما، و ذلك ممّا لا يضبط بالوصف.

و الثاني: إنّه إن كانت المحامل بغداديّة خفافا كفي فيها الوصف؛ لمقاربة بعضها بعضا(2) ، و إن كانت خراسانيّة ثقالا فلا بدّ من مشاهدتها.

و الثالث: إنّه يكفي فيها الوصف و ذكر الوزن؛ لإفادتهما التخمين، كالمشاهدة(3).

و علي هذا الثالث لو ذكر الوزن دون الصفة، أو الصفة دون الوزن، فوجهان، أظهرهما عندهم: إنّه لا يكفي؛ لبقاء الجهل مع سهولة إزالته(4).

و قال بعضهم: الزاملة تمتحن باليد ليعرف خفّتها و ثقلها، بخلاف الراكب، فإنّه لا يمتحن بعد المشاهدة(5).

و ينبغي أن يكون المحمل و العمارية في ذلك كالزاملة.

و لا بدّ في المحمل و نحوه من الوطاء، و هو الذي يفرش فيه ليجلس عليه، فينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف.

و لا بدّ أيضا من معرفة الدثار فيه، و ذلك إمّا بالمشاهدة أو الوصف4.

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «ببعض» بدل «بعضا».
3- المهذّب - للشيرازي - 404:1، حلية العلماء 395:5، العزيز شرح الوجيز 6: 117، روضة الطالبين 274:4.
4- العزيز شرح الوجيز 117:6.
5- البغوي في التهذيب 458:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 117:6، و روضة الطالبين 274:4.

الرافع للجهالة مع الوزن إن لم يكن معلوما.

و قال أبو حنيفة: إذا قال: في المحمل رجلان و ما يصلحهما من الوطاء و الدثر، جاز استحسانا؛ لأنّ ذلك يتقارب في العادة، فحمل علي العادة(1).

[مسألة 629: إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما، فلا بدّ و أن يذكر هل يكون مغطّي أو مكشوفا؟]

مسألة 629: إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما، فلا بدّ و أن يذكر هل يكون مغطّي أو مكشوفا؟ فإن كان مغطّي، وجب ذكر الغطاء الذي يستظلّ به و يتوقّي به من المطر و الحرّ؛ لأنّه قد يكون و قد لا يكون، و مع كونه فقد يختلف ثقلا و خفّة، فلا بدّ من أن يشترط الغطاء، و إذا شرط فلا بدّ من تعيينه(2) ، و لا يكفي الإطلاق؛ للاختلاف، بل لا بدّ من معرفته بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و هو منصوص الشافعي(3).

و قال بعض أصحابه: يكفي الإطلاق؛ لأنّ التفاوت فيه قريب، فلا يختلف(4) اختلافا متباينا(5) ، و إذا أطلق غطّاه بجلد أو كساء أو لبد(6).

و الحقّ ما تقدّم من وجوب تعيينه.

نعم، لو كان هناك عرف مطّرد كفي الإطلاق، كما في المحمل و غيره، و إن لم يكن عرف وجب تعيينه؛ لأنّ من الناس من يختار في غطاء4.

ص: 161


1- الاختيار لتعليل المختار 89:2-90، بدائع الصنائع 183:4، المبسوط - للسرخسي - 18:16-19، الهداية - للمرغيناني - 252:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 110:2، المغني 103:6، الشرح الكبير 108:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا بدّ من أن يعيّنه».
3- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4-275.
4- في «د، ص»: «و لا يختلف».
5- في «ر»: «بيّنا» بدل «متباينا».
6- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.

المحمل الواسع الثقيل الذي يشدّ علي المحمل في الهواء، و منهم من يقنع بالضيّق الخفيف، فتجب معرفته.

و قد يكون للمحمل ظرف من لبود أو أدم، فهو كالغطاء.

[مسألة 630: إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق - كالقربة و السطيحة و السفرة و الإداوة و القدر و القمقمة و نحوها - ]

مسألة 630: إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق - كالقربة و السطيحة و السفرة و الإداوة و القدر و القمقمة و نحوها - لم يستحقّ حملها؛ لأنّ الناس فيه مختلفون، و قد لا يكون للراكب معاليق أصلا، و إذا لم يكن لها ضابط و عادة في حملها و عدمه لم ينصرف إطلاق الركوب إليه؛ لعدم الدلالة عليه بإحدي الدلالات الثلاث، و هو قول الشافعيّة(1).

و فيه وجه لهم: إنّه يقتضي استحقاق الحمل(2).

و ليس بجيّد(3).

إذا عرفت هذا، فإن شرط المعاليق أو كانت العادة تقتضيها، وجب معرفتها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، المتضمّن لذكر الوزن؛ لاختلافها في الثقل و الخفّة، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

فإن أطلق مع اشتراط حملها و لم يعيّن قدرها لا بالوزن(5) و لا بالوصف، بطل العقد.

قال الشافعي: القياس يقتضي أنّه فاسد، و من الناس من يقول: له بقدر ما يراه الناس وسطا(6).6.

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.
2- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.
3- في النّسخ الخطّيّة: «جيّدا».
4- البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 117:6-118.
5- في «د، ص»: «بالرؤية» بدل «بالوزن».
6- نهاية المطلب 141:8، البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 118:6.

و فيه للشافعيّة طريقان:

أشهرهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما - و به قال أبو حنيفة و مالك -: إنّه يصحّ العقد، و يحمل المشروط علي الوسط.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لاختلاف الناس فيها.

و ثانيهما: القطع بالقول الثاني(1).

و الحقّ ما قلناه من البطلان؛ لاختلاف الناس في المعاليق، فمنهم من يكثر الزاد و الحوائج، و منهم من يقنع باليسير، و لا عرف له يرجع إليه، فوجب التعيين.

هذا، مع خلوّ السفرة و الإداوة من الزاد و الماء.

[مسألة 631: إن كانت الإجارة في الركوب علي عين الدابّة، وجب تعيينها إمّا بالمشاهدة أو الوصف]

مسألة 631: إن كانت الإجارة في الركوب علي عين الدابّة، وجب تعيينها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة؛ لأنّها أحد ما وقع عليه عقد الإجارة، فاشترط معرفته، كالبيع.

و للشافعيّة في اشتراط رؤيتها الخلاف الذي لهم في شراء الغائب(2).

و الحقّ اشتراطه؛ لأنّ الغرض يختلف بذلك.

و إنّما يحصل العلم بالرؤية، و هي كافية؛ لأنّها أعلا طرق العلم، إلاّ أن يكون ممّا يحتاج إلي معرفة صفة المشي فيه، كالهروال و غيره، فإمّا أن يجرّبه فيعلم ذلك برؤيته، و إمّا أن يصفه بالوصف، فإنّه إذا وجد بحيث ترتفع الجهالة اكتفي به.4.

ص: 163


1- نهاية المطلب 141:8، البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 118:6.
2- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.

و إذا وصف، فلا بدّ من ذكر الجنس إمّا الإبل أو الخيل أو البغال أو الحمير، و من ذكر النوع، فيقول في الإبل: بختيّ، أو عربيّ، و في الخيل:

عربيّ أو برذون، و في الحمير: مصريّ أو شاميّ.

و إن كان في النوع ما يختلف، وجب وصفه أيضا؛ فإنّ في الخيل القطوف(1) و غيره.

و لا بدّ من ذكر الذكورة و الأنوثة؛ لاختلاف الغرض بذلك - و به قال الشافعي(2) - فإنّ الأنثي أسهل، و الذكر أقوي.

و يحتمل عدم وجوب ذلك؛ لأنّ التفاوت بينهما يسير لا يمكن ضبطه، فلم يكن معتبرا في نظر الشرع.

و قال بعض العامّة: إذا كان الكراء إلي مكّة، لم يجب ذكر الجنس و لا النوع؛ لأنّ العادة جارية بأنّ الذي يحمل عليه إليها إنّما هو الجمال العراب دون البخاتي(3).

و إذا كانت الإجارة في الركوب في الذمّة غير مقيّدة بعين شخصيّة، فلا بدّ من ذكر الجنس و النوع و الوصف الذي تختلف العادة في السير و الركوب به.

[مسألة 632: إذا استأجر دابّة للركوب، فإن كان إلي مكّة أو إلي موضع لا يكون السير فيه إلي اختيار المتواجرين،]

مسألة 632: إذا استأجر دابّة للركوب، فإن كان إلي مكّة أو إلي موضع(4) لا يكون السير فيه إلي اختيار المتواجرين، فلا وجه لذكر تقدير».

ص: 164


1- القطوف من الدوابّ: البطيء. لسان العرب 286:9 «قطف».
2- نهاية المطلب 128:8، البيان 266:7، العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4، المغني 104:6.
3- المغني 104:6، الشرح الكبير 109:6.
4- في «ر»: «مكان» بدل «موضع».

السير فيه؛ لأنّ ذلك ليس إليهما و لا مقصورا عليهما(1).

و إن كان السير إلي اختيار المتواجرين، و طريقه منوط بهما، فليبيّنا قدر السير كلّ يوم، فإذا بيّناه حمل علي المشروط، فإن زادا في يوم أو نقصا فلا جبران، بل يسيران بعده علي الشرط.

و إذا أراد أحدهما المجاوزة عن المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب، لم يكن له ذلك إلاّ برضا صاحبه.

و يحتمل أن يجعل الخوف عذرا لمن يحتاط، و يؤمر الآخر بموافقته.

و إن لم يبيّنا قدر السير و أطلقا العقد، نظر إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة، صحّ العقد، و حمل عليها؛ لأنّه معروف بالعرف.

و إن لم يكن فيه منازل أو كانت العادة مختلفة فيها، لم يصح العقد حتّي يبيّنا أو يقدّرا بالزمان.

و إذا اختلفا في قدر السير و المنازل مضبوطة، ردّا معا إلي العرف في ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: إذا اكتري إلي مكّة لم يكن بدّ من ذكر المنازل؛ لأنّ السير فيه سير لا تطيقه الحمولة، فلا يمكن حمل الإطلاق عليه، و كذا لو كان الطريق مخوفا، لم يمكن تقدير السير فيه؛ لأنّه لا يتعلّق بالاختيار(2).

و قضيّة ذلك امتناع التقدير بالزمان أيضا، و حينئذ يتعذّر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفا.

[مسألة 633: إذا كان وقت السير مختلفا، فكان يقع تارة ليلا، و أخري]

مسألة 633: إذا كان وقت السير مختلفا، فكان يقع تارة ليلا، و أخري4.

ص: 165


1- كذا قوله: «و لا مقصورا عليهما» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدله في المغني 104:6، و الشرح الكبير 109:6: «و لا مقدور عليه لهما».
2- العزيز شرح الوجيز 119:6، روضة الطالبين 276:4.

نهارا، وجب التقييد؛ لاختلاف الأغراض في ذلك.

و إن كان هناك عادة مضبوطة إمّا في النهار دائما أو(1) في الليل دائما، أو كان وقت الصيف يقع ليلا، و في الشتاء يقع نهارا، احتمل الإطلاق المعتاد(2) ، و لم يجب التقييد.

و إذا كان موضع النزول في المرحلة معهودا إمّا في داخل القرية أو الصحراء، حمل الإطلاق علي المعهود، كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف.

و إن لم يكن للطريق عرف في ذلك و أطلقا العقد، قال بعض العامّة:

لا يصحّ العقد، كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه لنقد(3).

و قال بعضهم: إنّ هذا ليس بشرط، و إلاّ لما صحّ العقد في الطريق المخوف دونه، و لأنّه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق(4).

و إذا كان للمقصد طريقان، فإن قضت العادة بسلوك أحدهما، حمل الإطلاق عليه، و إلاّ وجب التعيين.

و قد يختلف المعهود في فصلي الشتاء و الصيف و حالتي الأمن و الخوف، فكلّ عادة تراعي في وقتها.

و كلّ موضع فيه معهود إذا شرط خلافه، فالعمل علي الشرط، لا علي المعهود.

[مسألة 634: إذا اكتري ظهرا في طريق العادة فيه النزول]

مسألة 634: إذا اكتري ظهرا في طريق العادة فيه النزول و المشي عند6.

ص: 166


1- في الطبعة الحجريّة: «و إمّا» بدل «أو».
2- فيما عدا «ر» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «احتمل الإطلاق علي المعتاد». و يحتمل أن تكون العبارة هكذا: «حمل الإطلاق علي المعتاد».
3- المغني 105:6، الشرح الكبير 109:6.
4- المغني 105:6، الشرح الكبير 109:6.

اقتراب المنزل أو في أثنائه، فإن شرط الركوب في الطريق أجمع، لم يلزمه النزول؛ لأنّ العمل بالشرط مقدّم علي العمل بالعادة، و إن شرط النزول وجب.

و كذا لو لم تكن العادة النزول لكن شرط في أثناء المسافة و كان معيّنا، لزم الشرط؛ لأنّه مقدّم.

و إن لم يشرط النزول و لا الركوب دائما، فإن كان الراكب امرأة أو ضعيفا، لم يلزمه النزول؛ لأنّ العادة لا تقضي به فيهما، و لأنّه استأجر جميع الطريق، فلا يلزمه تركه في بعضها، و لم تجر لهما عادة بالمشي، فلزمه حملها في جميع الطريق، كالقماش.

و إن كان جلدا قويّا، احتمل ذلك أيضا؛ لأنّه عقد علي جميع الطريق، فلا يلزمه تركه في بعضها، كالضعيف، و أن يلزمه النزول؛ قضاء للعادة و العرف و المتعارف، كالمشروط.

البحث الثاني: في الحمل.

[مسألة 635: يجوز استئجار الدوابّ]

مسألة 635: يجوز استئجار الدوابّ: الإبل و غيرها للحمولة.

قال اللّه تعالي: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلي بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ (1) و قال تعالي: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً (2).

و الحمولة - بالفتح -: الدابّة التي تحمل الأحمال، و هي الكبار، و الفرش: الصغار.

ص: 167


1- سورة النحل: 7.
2- سورة الأنعام: 142.

و قيل: الحمولة: الإبل، و الفرش: الغنم؛ لأنّها لا تحمل(1).

و الحمولة - بضمّ الحاء -: الشيء الذي يحمل.

فمن الأغراض المتعلّقة بالدوابّ الحمل عليها، فيجب أن يكون المحمول معلوما إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و ذلك لاختلاف الأغراض و الأجر باختلاف الأجناس و الأقدار.

و أمّا الدابّة التي يحمل عليها فلا تجب معرفتها، بخلاف الركوب؛ لأنّ الغرض حمل المتاع، دون الدابّة التي تحمله.

و أمّا دابّة الركوب فإنّ للراكب غرضا في المركوب من جماله و سهولته و صعوبته.

و أمّا الدابّة التي يحمل عليها فلا يطلب جمالها و لا سهولتها و صعوبتها؛ لما قلنا من أنّ الغرض تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه، فلا يختلف الغرض بحال الحامل.

نعم، لو كان المحمول زجاجا أو خزفا أو فاكهة تضرّه كثرة الحركة و ما أشبهها، فلا بدّ من معرفة حال الدابّة؛ لتفاوت الأغراض، فربّما كانت الدابّة صعبة المسير فيؤدّي إلي كسر بعض المتاع، فلا بدّ من معرفة حال الدابّة.

و كذا لو كان الطريق ممّا يعسر علي بعضها دون بعض، فينبغي أن يذكر في الإجارة.

و غير مستبعد اشتراط معرفة حال الدابّة في الحمل، كالركوب؛ لأنّ2.

ص: 168


1- تفسير مقاتل 593:1، تفسير عبد الرّزاق الصنعاني 68:2، الرقم 863، جامع البيان - للطبري - 47:8، أحكام القرآن - للجصّاص - 16:3، تفسير الماوردي 179:2.

الأغراض تختلف في تعلّقها بكيفيّة سير الدابّة و سرعته و بطئه و قوّته و ضعفه و [تخلّفها](1) عن القافلة مع ضعفها.

هذا إذا كانت الإجارة علي الذمّة، و أمّا إذا كانت الدابّة المستأجرة للحمل معيّنة، فلا بدّ من رؤيتها أو وصفها وصفا يرفع الجهالة.

[مسألة 636: قد بيّنّا أنّه يجب أن يكون جنس المحمول معيّنا معلوما،]

مسألة 636: قد بيّنّا أنّه يجب أن يكون جنس المحمول معيّنا معلوما، فإن كان حاضرا و رآه المؤجر كفي؛ لأنّ المشاهدة من أعلا طرق العلم، و لو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه.

و إن لم يكن حاضرا، فلا بدّ من تقديره بالوزن أو الكيل إن كان مكيلا، و التقدير بالوزن في كلّ شيء أولي و أحصر، فإن لم يقدّره بهما، لم يجز؛ لأنّ ذلك يتفاوت تفاوتا كثيرا، و يختلّ الغرض.

و لا بدّ من وصفه، فيشترط في الوصف معرفة شيئين: القدر و الجنس؛ لأنّ الجنس يختلف تعب البهيمة باختلافه مع التساوي في القدر، فإنّ مائة القطن تضرّ بها من وجه، و هو أنّه ينتفخ علي البهيمة فيدخل فيه الريح فيثقل، و مائة الحديد و إن انتفي عنها هذا الضرر لأنّها مكسّرة مجتمعة إلاّ أنّها تضرّ من وجه آخر، و هو أنّه يجتمع علي موضع من البهيمة، و ربما عقرها، فإنّه يهدّ [مؤخّر](2) الدابّة، و القطن يعمّها، و يتثاقل إذا دخله الريح، فلا بدّ من بيانه.

[مسألة 637: لو أخلّ بالشيئين معا، فقال: آجرتكها لتحمل عليها]

مسألة 637: لو أخلّ بالشيئين معا، فقال: آجرتكها لتحمل عليهاما6.

ص: 169


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تخلّفه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مأخذه من». و هو كما تري، و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 120:6.

شئت، فالأقوي: البطلان؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوفاء به، و يدخل فيه ما يقتل البهيمة.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ أن يستأجر دابّة للحمل مطلقا و يكون رضا منه بأضرّ الأجناس(1).

و لو قال: آجرتكها لتحمل عليها طاقتها، لم يجز أيضا؛ لأنّ ذلك لا ضابط له.

و لو أخلّ بالجنس و ذكر الوزن، فقال: آجرتكها لتحمل عليها مائة منّ ممّا شئت، فالوجه: البطلان، لما بيّنّا من اختلاف الضرر باختلاف الجنس.

و للشافعيّة و جهان، أصحّهما عندهم: الجواز، و يكون رضا منه بأضرّ الأجناس، و لا حاجة مع ذلك إلي بيان الجنس(2).

هذا إن قدّر بالوزن، و لو قدّر بالكيل، قال بعض الشافعيّة: لا يغني عن ذكر الجنس و إن قال: عشرة أقفزة ممّا شئت؛ لاختلاف الأجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل، لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الأجناس كما جعل رضا بأضرّ الأجناس(3).

و لو أخلّ بالوزن و الكيل، لم يكف ذكر الجنس و إن قال: ممّا شئت من المقدار أو طاقتها؛ لما تقدّم من كثرة التعب و قلّته، بخلاف ما إذا آجر الأرض ليزرع ما شاء؛ لأنّ الدابّة لا تطيق كلّ ما تحمل.

[مسألة 638: الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن لم يحتج إلي ذكرها،]

مسألة 638: الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن لم يحتج إلي ذكرها، و كذا حبال المتاع بأن يقول: استأجرتك لحمل مائة منّ من الحنطة بظرفها، و يصحّ العقد؛ لزوال الغرر بذكر الوزن.4.

ص: 170


1- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.
2- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.
3- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.

و من اعتبر من الشافعيّة ذكر الجنس مع ذكر الوزن وجب أن يعرف قدر الحنطة وحدها، و قدر الظرف وحده(1).

و إن لم تدخل في الوزن بأن قال: آجرتكها لتحمل عليها مائة منّ من الحنطة، أو قدّر بالكيل، فلا بدّ من معرفتها بالرؤية أو بالوصف، إلاّ أن تكون هناك غرائر(2) متماثلة معروفة اطّرد العرف باستعمالها و جرت العادة عليها، كغرائر الصوف و الشعر و نحوهما(3) [فيحمل](4) مطلق العقد عليها، و لم يجب ذكر جنسها في العقد؛ لقلّة التفاوت بينها جدّا، فتسميتها كاف عن ذكر الجنس و الوزن.

و لو قال: آجرتكها لتحمل مائة منّ، و اقتصر، أو قال: ممّا شئت، فالأقوي: إنّ الظرف من المائة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ الظرف مغاير لها؛ لأنّ السابق إلي الفهم ذلك، فعلي هذا يكون الحكم كما لو قال: مائة منّ من الحنطة(5).

و هذا متفرّع علي الاكتفاء بالتقدير و إهمال ذكر الجنس إمّا مطلقا أو إذا قال: مائة منّ ممّا شئت.

إذا عرفت هذا، فإنّه إذا أطلق أو قال: ممّا شئت، ملك حمل ما شاء من الأجناس، لكن لا يحمل حملا يضرّ بالحيوان، بل إذا أراد حمل الحديد أو الزئبق ينبغي أن يفرّقه علي ظهر الحيوان، و لا يجتمع في موضع4.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 120:6.
2- الغرائر: الجوالق. لسان العرب 18:5 «غرر».
3- في الطبعة الحجريّة: «و غيرهما» بدل «و نحوهما».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حمل». و الظاهر ما أثبتناه.
5- نهاية المطلب 134:8-135، العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.

واحد من ظهره، و لا يجعله في وعاء واحد، و لا في وعاء يتموّج فيه، فيكدّ(1) البهيمة و يتعبها.

تذنيب: الكلام في المعاليق و تقدير السير و زمانه من الليل أو النهار في الحمل علي حدّ ما قلنا في الركوب.

[مسألة 639: في الصّبرة عشر صور.]

مسألة 639: في الصّبرة عشر صور. الأولي: إذا قال: استأجرتك لتحمل [لي](2) هذه الصبرة إلي موضع كذا بكذا، فإن علما قدرها صحّ إجماعا.

و إن جهلاه و شاهداها، صحّ أيضا؛ لأنّ الإجارة يتسامح فيها بمثل هذه الجهالة، بخلاف البيع.

و من جوّز من العامّة بيع الصبرة المجهولة المقدار جوّز الإجارة أيضا(3).

و لا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز هذه الإجارة مع المشاهدة و إن جهلا المقدار.

الثانية: أن يقول: استأجرتك لتحملها لي كلّ قفيز بدرهم، فالأقوي:

البطلان؛ لتطرّق الجهالة إلي العوض حيث لم يعلم بكم درهم استأجر؟ كما لو قال: آجرتك كلّ شهر بدرهم.

و قال الشافعي و أحمد: تصحّ هذه الإجارة، بخلاف «كلّ شهر بدرهم» لأنّ جملة الصبرة معلومة محصورة، بخلاف الأشهر(4).6.

ص: 172


1- كدّ البهيمة: أتعبها. لسان العرب 378:3 «كدد».
2- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «علي». و كلاهما لم ترد في النّسخ الخطّيّة، و الظاهر ما أثبتناه.
3- المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
4- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.

و قال أبو حنيفة: تصحّ في قفيز واحد، و تبطل فيما زاد(1).

و بني الخلاف هنا علي الخلاف في البيع، و قد سبق(2).

الثالثة: أن يقول: استأجرتك لتحمل هذه الصبرة قفيز منها بدرهم، و ما زاد فبحسابه، لم يصح؛ لما تقدّم.

و قال الشافعي: يصحّ العقد، كما لو باع كذلك؛ لأنّ الصبرة معلومة بالمشاهدة، و الأجرة بالتقسيط(3).

و كذا كلّ لفظ يدلّ علي إرادة حمل جميعها، كقوله: لتحمل قفيزا منها بدرهم و سائرها أو باقيها بحساب ذلك، فيجوز عنده(4).

الرابعة: لو قال: لتحمل قفيزا منها بدرهم و ما زاد فبحساب ذلك، يريد: مهما حملت من باقيها، فلا يصحّ عندنا و عند الشافعيّة(5) أيضا؛ لأنّ المعقود عليه بعضها، و هو مجهول(6).

و قال بعض العامّة: يصحّ؛ لأنّه في معني: كلّ دلو بتمرة(7).

الخامسة: لو قال: لتحمل لي من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم.

و هي كالرابعة سواء.

السادسة: لو قال: لتحمل منها قفيزا بدرهم علي أن تحمل الباقي بحساب ذلك كلّ قفيز بدرهم، أو علي أنّ ما زاد فبحسابه.4.

ص: 173


1- المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
2- في ج 10، ص 77.
3- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
4- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
5- في «د»: «الشافعي».
6- البيان 284:7، المغني 101:6، الشرح الكبير 33:6.
7- المغني 101:6، الشرح الكبير 33:6-34.

و هو باطل عندنا؛ لما تقدّم.

و للشافعيّة و جهان، أشبههما: المنع، لأنّه شرط عقد في عقد، و الثاني: الجواز، و المعني أنّ كلّ قفيز بدرهم(1).

السابعة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و تنقل لي صبرة أخري في البيت بحساب ذلك، لم يصحّ عندنا، سواء علما الصبرة التي في البيت، أم لا.

و قال بعض العامّة: إن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صحّ فيهما؛ لأنّهما كالصبرة الواحدة، و إن جهلها أحدهما صحّ في الأولي و بطل في الثانية؛ لأنّهما عقدان أحدهما علي معلوم و الثاني علي مجهول، فصحّ في المعلوم، و بطل في المجهول، كما لو قال: بعتك عبدي هذا بعشرة و عبدي الذي في البيت بعشرة(2).

الثامنة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و الصبرة التي في البيت بعشرة، فإن كانا يعلمان التي في البيت صحّ فيهما؛ لأنّ المشاهدة حاصلة فيهما معا.

و إن جهلاها أو أحدهما بطل العقد فيهما؛ لأنّه عقد واحد بعوض واحد علي معلوم و مجهول، فلم يصحّ - و به قال القائلون بالصحّة في الصورة السابقة(3) - بخلاف السابقة.

و إن كانا يعلمان التي في البيت لكنّها مغصوبة، أو امتنع تصحيح العقد فيها؛ لمانع اختصّ بها، بطل العقد فيها خاصّة، و صحّ في الأولي.

و للشافعيّة في صحّة الأولي و جهان؛ بناء علي تفريق الصفقة.6.

ص: 174


1- العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4.
2- المغني 101:6، الشرح الكبير 34:6.
3- المغني 101:6، الشرح الكبير 34:6.

نعم، إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما من الأخري معلوما، صحّ في الأولي خاصّة، و للمؤجر الخيار؛ لتفريق الصفقة عليه؛ لأنّ قسطها من الأجر معلوم، و إن لم يكن كذلك بطل فيها أيضا؛ لجهالة عوضها(1).

التاسعة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم، فإن زادت علي ذلك فالزائد بحساب ذلك، لم يصحّ أيضا؛ للجهالة في قدر الأجرة.

و قال الشافعي: يصحّ في العشرة المعلومة، و لم يصح في الزيادة؛ لأنّها مشكوك فيها، و لا يجوز العقد علي ما يشكّ فيه(2).

العاشرة: قال: لتحمل هذه المكائيل كلّ واحدة بدرهم، فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك.

و هو باطل عندنا علي ما تقدّم.

و قال الشافعي: يصحّ في المكائيل الموجودة، و ما يحمله بعد ذلك فقد وعده بأن تكون أجرته مثل ذلك، فلا يلزمه الوعد، و لا يؤثّر في العقد(3).

قالوا: و كلّ موضع قلنا: يصحّ في المسمّي و يبطل في الزيادة، فإذا حمل الزيادة، كان له فيها أجرة المثل.

و قال بعض الشافعيّة: لو قال: استأجرتك لتحمل عشرة أقفزة من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و ما زاد فبحسابه، و الزيادة منتفية، فإنّه لا يصحّ فيما زاد؛ لأنّه غير معلوم القدر و لا معلوم بالمشاهدة؛ لأنّ المشاهدة إذا استثني منها مقدارا بطل حكمها، ألا تري أنّه إذا قال: بعتك هذه الصبرة إلاّ7.

ص: 175


1- راجع: المغني 101:6-102، و الشرح الكبير 34:6.
2- البيان 285:7.
3- البيان 285:7.

مدّا منها، لم يجز إذا كان ذلك غير معلوم و قد أفرده بالعقد، فلم يجز(1).

البحث الثالث: في العمل.

[مسألة 640: يجوز استئجار الدوابّ للعمل إجماعا؛]

مسألة 640: يجوز استئجار الدوابّ للعمل إجماعا؛ لأنّها منفعة مباحة خلقت الدابّة لها، فجاز الاستئجار لها، كالركوب.

و تصحّ إجارة كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف، كالآدميّ الحرّ و العبد و كلّ بهيمة لها ظهر، كالإبل و البقر و الخيل و الحمير و ما أشبه ذلك.

و أمّا الغنم فإنّما ينتفع منها بالدرّ و النسل و الصوف و الشعر، و هذه أعيان لا يجوز تملّكها بعقد الإجارة.

و إن أمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه، كانت المنفعة غير مقصودة، ففي إجارتها حينئذ إشكال، أقربه: الجواز إن قصدت المنفعة اليسيرة، كإجارة الدراهم و الدنانير للمنفعة اليسيرة.

و لا فرق في الجواز بين أن يستأجر الدابّة لعمل تخلق له أو لما لا تخلق له إذا أمكن صدوره منه(2) ، فإذا استأجر البقر للحرث، جاز إجماعا؛ لأنّ البقر خلقت له، و لهذا روي عنه عليه السّلام من طريق العامّة: «بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها، فقالت: إنّي لم أخلق لهذا، إنّما خلقت للحرث»(3).

ص: 176


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الظاهر: «منها».
3- صحيح البخاري 212:4، صحيح مسلم 3388/1857:4، المغني 114:6، الشرح الكبير 63:6.

[مسألة 641: و لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه،]

مسألة 641: و لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه، لم يصحّ، كما لو استأجر الغنم للركوب أو للحرث؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من تلك العين.

و لو كان العمل يصحّ صدوره منه، فإنّه يجوز و إن لم يكن مخلوقا له، كما لو استأجر بقرة للركوب أو الحمل عليها، أو استأجر الإبل و الحمير للحرث؛ لأنّها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان، و لم يرد الشرع بتحريمها، فجاز، كالذي خلقت له، و لأنّ مقتضي الملك جواز التصرّف و الانتفاع به في كلّ ما تصلح له العين المملوكة و يمكن تحصيله منها، و لا يمنع ذلك إلاّ بعارض راجح إمّا ورود نصّ بتحريمه، أو قيام دليل عقليّ و شبهه عليه، كرجحان مضرّته علي منفعته، و ليس هنا واحد منها، و كثير من الناس من الأكراد و غيرهم يحملون علي البقر و يركبونها، و في بعض البلدان يحرثون علي الإبل و البغال و الحمير، فيكون معني خلقها للحرث أنّ معظم الانتفاع بها فيه، و لا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر، كما أنّ الخيل خلقت للركوب و الزينة، و يباح أكلها، و اللؤلؤ خلق حلية، و يجوز استعماله في الأدوية و غيرها.

[مسألة 642: إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث، وجب أن يعرف صاحب الدابّة الأرض،]

مسألة 642: إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث، وجب أن يعرف صاحب الدابّة الأرض، و تقدير العمل.

فأمّا الأرض فإنّما تعرف بالمشاهدة؛ لأنّها تختلف، فبعضها صلب متصعّب حرثه علي البقر و مستعملها، و بعضها رخوة يسهل حرثها، و بعضها فيه حجارة يتعلّق فيها السكّة.

و مثل هذا الاختلاف إنّما يوقف عليه بالمشاهدة، دون الوصف؛ لأنّ

ص: 177

الصلابة تختلف بالشدّة و الضعف، و الحجارة تختلف بكثرة العدد و قلّته بحيث لا يمكن ضبطه بالوصف، فاحتيج إلي المشاهدة.

و أمّا تقدير العمل فإنّه يحصل بأمرين:

أحدهما: المدّة، كيوم أو يومين أو شهر أو شهرين، فيقول:

استأجرتك لتكرب(1) لي(2) هذه الأرض بالبقر الفلاني يوما أو شهرا.

و منع بعض الشافعيّة من تقدير العمل هنا بالمدّة(3) ، و ليس بشيء.

و الثاني: بالأرض، كهذه القطعة أو هذه البستان أو من هذا المكان إلي ذلك المكان، أو بالمساحة، كجريب أو جريبين، و كلّ ذلك جائز؛ لأنّ العلم يحصل به.

[مسألة 643: إذا قدّر الحرث بالمدّة، وجب معرفة الدابّة التي تستعمل في الحرث،]

مسألة 643: إذا قدّر الحرث بالمدّة، وجب معرفة الدابّة التي تستعمل في الحرث، سواء كانت من البقر أو من غيرها؛ لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف البقر في القوّة و الضعف.

و لا فرق بين أن تكون الإجارة في ذلك علي عين أو في الذمّة.

و لو قدّر العمل بالأرض، لم يحتج إلي مشاهدة البقر التي تحرث، إلاّ أن تكون الإجارة وقعت علي عين البقر.

و هل يفتقر إلي مشاهدة السكّة التي تحرث عليها؟ الأقرب: الاكتفاء بالعادة في ذلك؛ لقلّة التفاوت فيه.

و كذا في قدر نزول السكّة في الأرض يرجع فيه إلي العادة.4.

ص: 178


1- في الطبعة الحجريّة: «لتحرث» بدل «لتكرب». و كرب الأرض: قلبها للحرث و أثارها للزرع. لسان العرب 714:1-715 «كرب».
2- في «د، ص» زيادة: «في».
3- المهذّب - للشيرازي - 403:1، حلية العلماء 392:5، البيان 272:7، العزيز شرح الوجيز 122:6، روضة الطالبين 279:4.

[مسألة 644: يجوز أن يستأجر البقر منفردة ليتولّي ربّ الأرض الحرث بها.]

مسألة 644: يجوز أن يستأجر البقر منفردة ليتولّي ربّ الأرض الحرث بها. و يجوز أن يستأجرها مع صاحبها ليتولّي مالكها الحرث بها.

و يجوز استئجارها(1) بآلتها من الفدان(2) و النّير(3) و الحديدة، و استئجارها(4) بدون آلتها، و تكون الآلة(5) من عند مالك الأرض.

و لا بدّ من تعيين عدد مرّات الحرث، فيقول: سكّة واحدة أو سكّتين أو ما زاد بشرط الضبط.

و لو استأجر للحرث، لم يستعمل في غيره و إن كان أدون علي إشكال، و بالعكس إذا استأجر لغير الحرث، لم يجز استعمالها فيه و إن كان أدون.

[مسألة 645: يجوز استئجار الدوابّ لدياس الزرع؛ لأنّ ذلك منفعة مباحة مقصودة،]

مسألة 645: يجوز استئجار الدوابّ لدياس الزرع؛ لأنّ ذلك منفعة مباحة مقصودة، فأشبهت الحرث.

و تجب معرفة قدر العمل إمّا بالمدّة بأن يستأجر لدياس شهر أو شهرين، أو بتعيين الزرع إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة.

فإذا(6) قدّره بالمدّة، احتيج إلي معرفة الحيوان الذي يعمل عليه، ليعرف قوّته و ضعفه.».

ص: 179


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أن يستأجرها» بدل «استئجارها».
2- الفدان: الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب 321:13 «فدن».
3- النّير: الخشبة التي تكون علي عنق الثور بأداتها. لسان العرب 247:5 «نير».
4- في الطبعة الحجريّة: «و أن يستأجرها» بدل «و استئجارها».
5- في الطبعة الحجريّة: «آلتها» بدل «الآلة».
6- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إذا».

و إن كان علي عمل غير مقدّر بالمدّة، احتيج إلي معرفة جنس الحيوان؛ لأنّ الغرض يختلف به، فمنه ما روثه طاهر، و منه ما روثه نجس، و لا يحتاج إلي معرفة عين الحيوان.

و يجوز أن يستأجر الحيوان بآلته و بغير آلته، و مع صاحبه و منفردا عنه، كما قلناه في الحرث.

و تجب معرفة الزرع الذي يريد دياسه؛ لاختلاف أجناسه في الصعوبة و السهولة و السرعة و البطؤ، و كثرة العمل و قلّته.

[مسألة 646: يجوز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو.]

مسألة 646: يجوز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو. فإن كانت الإجارة علي عين الدابّة وجب تعيينها؛ لاختلاف الأغراض بتفاوتها، كما في الركوب و الحمل، و إن كانت في الذمّة لم يجب بيان الدابّة و معرفة جنسها.

و علي التقديرين فيجب علي صاحب الدوابّ معرفة الدولاب و الدلو و موضع البئر و عمقها بالمشاهدة أو الوصف إن أمكن الضبط بالوصف.

و يجب تقدير المنفعة إمّا بالزمان، مثل أن يقول: لتستقي بهذا الدلو من هذه البئر اليوم، أو بالعمل بأن يقول: لتستقي خمسين دلوا من هذه البئر بهذا الدلو، أو لتدور البقر في الدولاب المعيّن خمسين دورة.

و هل يجوز التقدير بالأرض بأن يقول: لتسقي هذا البستان أو جريبا معيّنا؟ فيه إشكال ينشأ: من أنّ سقيه يختلف بحرارة الهواء و برودته و كيفيّة حال الأرض، فلا ينضبط ريّه، فلا يصحّ، و من قلّة التفاوت فيه.

[مسألة 647: يجوز استئجار البهيمة لإدارة الرحي؛ لأنّه عمل مقصود]

ص: 180

مسألة 647: يجوز استئجار البهيمة لإدارة الرحي؛ لأنّه عمل مقصود محلّل، فجازت المعاوضة عليه بعقد الإجارة، كغيره من المنافع.

و يفتقر إلي معرفة شيئين:

[الأوّل]: الحجر إمّا بالمشاهدة أو بالصفة إن أمكن الضبط بها؛ لأنّ الطحن يختلف فيه، و يكون ثقيلا و خفيفا، فيحتاج صاحب الدابّة إلي معرفته.

الثاني: تقدير العمل إمّا بالزمان، فيقول: علي أن تطحن يوما أو يومين، أو بالطعام، فيقول: تطحن قفيزا أو قفيزين.

و يجب أن يذكر جنس المطحون من حنطة أو شعير أو ذرّة(1) أو عفص أو قشر رمّان أو غير ذلك؛ لأنّ هذه الأشياء تختلف في الطحن بالسرعة و البطؤ و السهولة و الصعوبة، فإنّ بعضها يسهل طحنه، و بعضها يصعب.

و لا بدّ من معرفة الدابّة إن قدّر العمل بالزمان.

[مسألة 648: يجوز أن يستأجر الدابّة للاستقاء عليها بالرواية أو القربة أو الجرار و ما أشبهها.]

مسألة 648: يجوز أن يستأجر الدابّة للاستقاء عليها بالرواية أو القربة أو الجرار و ما أشبهها. و لا بدّ من مشاهدة الدابّة؛ لتفاوتها في القوّة و الضعف، و الآلة التي يستقي بها من راوية أو قربة أو غيرها؛ لتفاوتها بالصّغر و الكبر و الثقل و الخفّة.

و يكفي الوصف الرافع للجهالة، و حينئذ تجب معرفة الوزن، و لا تجب مع المشاهدة.

و يجب تقدير العمل إمّا بالزمان كأن يستأجره لاستقاء النهار أو».

ص: 181


1- في النّسخ الخطّيّة: «دخن» بدل «ذرّة».

بعضه، و إمّا بعدد المرّات، و يجوز أن يقدّر بالآنية التي تملأ.

فإن قدّره بعدد المرّات، احتاج إلي معرفة الموضع الذي يستقي منه و الذي يذهب إليه و الطريق المسلوك بينهما؛ لاختلاف ذلك بالقرب و البعد و السهولة و الحزونة.

و إن قدّر بملء شيء معيّن، احتاج إلي معرفته و ما يستقي منه.

و يجوز استئجار الدابّة و آلتها و صاحبها، و استئجارها مع أحدهما و منفردة.

و إن استأجرها لبلّ تراب معروف(1) ، جاز؛ لأنّه معلوم بالعرف.

و كلّ موضع وقع العقد فيه علي مدّة فلا بدّ من معرفة الظّهر الذي يعمل عليه؛ لأنّ الغرض يختلف باختلاف الدابّة في القوّة و الضعف، و إن وقع علي عمل معيّن لم يحتج إلي معرفتها؛ لأنّه لا يختلف، مع احتمال الحاجة.».

ص: 182


1- في الطبعة الحجريّة: «معلوم» بدل «معروف».

الفصل الثالث: في موجبات الألفاظ و فيه مباحث:

الأوّل: ما يتعلّق بالآدمي.
مسألة 649: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للحضانة وحدها،

مسألة 649: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للحضانة وحدها، و للإرضاع وحده، و لهما معا، و أنّ الحضانة عبارة عن حفظ الطفل و تعهّده بغسله و غسل رأسه و ثيابه و خرقه و تطهيره من النجاسات و تدهينه و تكحيله و إضجاعه في المهد و ربطه و تحريكه في المهد لينام.

و إذا أطلق الاستئجار لأحدهما، فإن نفي الآخر لم يدخل في الاستئجار قطعا، و إن لم ينفه لم يدخل الآخر في الاستئجار عندنا؛ لأنّهما منفعتان متغايرتان غير متلازمتين، فلا تدخل إحداهما في العقد علي الأخري(1) ، و يجوز إفراد كلّ واحدة منهما بعقد إجارة، فأشبهتا سائر المنافع، و هو أصحّ وجوه الشافعيّة عندهم.

و الثاني: إنّ كلّ واحد منهما يستتبع الآخر؛ لأنّه لا تتولاّهما في العادة إلاّ المرأة الواحدة.

و الثالث: إنّ الاستئجار للإرضاع يستتبع الحضانة، و الحضانة لا تستتبع الإرضاع؛ لأنّ الإجارة تعقد للمنافع دون الأعيان، فلو لم يستتبع الإرضاع الحضانة لتجرّد اللبن مقصودا(2).

ص: 183


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في عقد الأخري» بدل «في العقد علي الأخري».
2- نهاية المطلب 77:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 281:4.

و هو ممنوع؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ المستحقّ بالاستئجار للإرضاع عين و منفعة.

مسألة 650: إذا استأجر لهما معا صريحا، أو استأجر للإرضاع

مسألة 650: إذا استأجر لهما معا صريحا، أو استأجر للإرضاع و قلنا:

إنّه يستتبع الحضانة و بالعكس فانقطع اللبن، فإن قلنا: إنّ المقصود بالذات و المعقود عليه اللبن؛ لأنّه أشدّ مقصودا و الحضانة تابعة، انفسخ العقد عند انقطاع اللبن.

و إن قلنا: المعقود عليه بالذات الحضانة و اللبن تابع؛ لأنّ الإجارة وضعت للمنافع، و الأعيان تابعة، لم يبطل العقد، لكن للمستأجر الخيار؛ لأنّ انقطاع اللبن عيب، كما لو استأجر طاحونة فانقطع الماء، أو أرضا للزراعة فانقطع ماؤها.

و إن قلنا: إنّ المعقود عليه كلاهما؛ لأنّهما مقصودان معا، انفسخ العقد في الإرضاع، و سقط قسطه من الأجرة.

و في الحضانة للشافعيّة قولا تفريق الصفقة(1).

و عندنا أنّه لا ينفسخ في الحضانة. نعم، يتخيّر؛ لتبعّض الصفقة.

و للشافعيّة هذه الأوجه الثلاثة، و لم يفرّقوا في حكاية الأوجه بين أن يصرّح بالجمع بينهما، و بين أن يذكر أحدهما، و يحكم باستتباعه للآخر(2).

و صار بعضهم إلي الفرق بين أن يصرّح بالجمع بينهما، و بين أن يذكر أحدهما، و يحكم باستتباعه للآخر، فيقال: إذا صرّح بالجمع بينهما [قطعنا بأنّهما](3) مقصودان في العقد، و إذا ذكر أحدهما، فهو المقصود، و الآخر

ص: 184


1- نهاية المطلب 79:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
2- العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قطعا فإنّهما». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.

تابع(1).

و علي المرضعة أن تأكل و تشرب ما يدرّ به اللبن، و للمكتري أن يكلّفها ذلك.

مسألة 651: إذا استأجر ورّاقا، احتمل الرجوع إلي العادة في أنّ الحبر علي من هو؟

مسألة 651: إذا استأجر ورّاقا، احتمل الرجوع إلي العادة في أنّ الحبر علي من هو؟ فإن قضت به علي الورّاق وجب عليه، و إن قضت به علي المستأجر وجب عليه، و إن اضطربت العادة وجب البيان، و إلاّ بطل العقد، و أنّه يجب علي المستأجر؛ لأنّ الأعيان لا تستحقّ بالإجارة، و أفرد اللبن للضرورة علي خلاف القياس، فإنّه لا يفرد بالبيع قبل الحلب؛ لبطلانه، و لا بعده؛ لعدم انتفاع الطفل به.

و هذان للشافعيّة(2).

و لهم وجه ثالث مبنيّ علي الخلاف في أنّ اللبن هل يتبع الاستئجار للحضانة ؟(3).

فإن قلنا بوجوبه علي الورّاق، فهو كاللبن لا يجب تقديره و إن صرّح باشتراطه عليه، كما لو صرّح بالإرضاع و الحضانة.

و إذا لم نوجب عليه، فلو أنّه شرط(4) عليه، فالأقرب: صحّة العقد.

و قالت الشافعيّة: يبطل العقد إن لم يكن معلوما(5).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لا كثير تفاوت فيه.

ص: 185


1- العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
2- نهاية المطلب 81:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
3- نهاية المطلب 80:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
4- في «د، ص» و الطبعة الحجريّة: «اشترطه» بدل «شرط».
5- العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4.

و إن كان معلوما، فلهم فيه طريقان:

أحدهما: إنّه يصحّ العقد؛ لأنّ المقصود فعل الكتابة، و الحبر تابع، كاللبن.

و الثاني: إنّه شراء و استئجار، و ليس الحبر كاللبن؛ لإمكان إفراده بالشراء.

و علي هذا فينظر إن قال: اشتريت منك هذا الحبر لتكتب به كذا، فهو كما لو اشتري الزرع بشرط أن يحصده البائع.

و لو قال: اشتريت منك هذا الحبر و استأجرتك لتكتب به كذا بعشرة، فهو كما لو قال: اشتريت الزرع و استأجرتك لتحصده بعشرة.

و لو قال: اشتريت الحبر بدرهم و استأجرتك لتكتب به بعشرة، فهو كما لو قال: اشتريت الزرع بعشرة و استأجرتك لتحصده بدرهم(1).

و الكلّ عندنا جائز.

مسألة 652: إذا استأجر الخيّاط و الصبّاغ و ملقّح النخل و الكحّال،

فالقول في الخيط و الصبغ و طلع النخل و الذّرور كما قلنا في الحبر.

و الأقرب: البناء علي العادة، فإن اختلفت أو لم تكن عادة، فعلي المستأجر دون الصانع.

و فرّق الجويني بين الخيط و بين الحبر و الصبغ، فقطع بأنّ الخيط لا يجب علي الخيّاط(2).

و قد سبق(3) البحث في ذلك كلّه.

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4.
2- نهاية المطلب 81:8، العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 283:4.
3- في ص 122-123، ضمن المسألة 605.
البحث الثاني: فيما تحتاج إليه الدار و الحمّام و شبهه و الأراضي.
مسألة 653: كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو علي صاحب الدار،

مسألة 653: كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو علي صاحب الدار، دون المستأجر، سواء احتاجت إلي مرمّة لا تحوج إلي عين جديدة، كإقامة جدار مائل و إصلاح منكسر و غلق يعسر فتحه، أو احتاج إلي عين جديدة، كبناء و جذع جديد و تطيين سطح، و الحاجة في هذين الضربين بخلل عرض في دوام الإجارة، أو احتاج إلي عمارة بخلل قارن العقد، كما إذا آجر دارا ليس لها باب أو ميزاب.

و كلّ هذه الأنواع علي صاحب الدار، دون المستأجر، فإن بادر إلي الإصلاح فلا خيار للمستأجر، و إلاّ فله الخيار إذا انتقصت المنفعة، حتي لو وكف البيت(1) لترك الطين(2) تخيّر المستأجر، فإذا انقطع بطل الخيار، إلاّ إذا حدث بسببه نقص.

و إنّما يثبت الخيار في القسم الثالث إذا كان المستأجر جاهلا بالحال في ابتداء العقد، أمّا لو كان عالما به فلا خيار له.

مسألة 654: إذا حصل الخلل في الدار علي أحد الأنحاء الثلاثة

مسألة 654: إذا حصل الخلل في الدار علي أحد الأنحاء الثلاثة - و هي ما لا يحتاج إلي عين جديدة، و ما يحتاج إليها، و ما يحتاج إلي عمارة لخلل قارن العقد - ففي إجبار المالك علي هذه العمارات الثلاثة إشكال، أقربه:

العدم؛ لأنّها ملك له، فلا يجبر علي عمارته.

و يحتمل وجوبه؛ لأنّه قد قبض العوض عن المنفعة الكاملة، فيجب عليه إيصال المعوّض إليه، و إنّما يصل المعوّض إلي المستأجر بالعمارة،

ص: 187


1- و كف البيت: هطل و قطر. لسان العرب 363:9 «وكف».
2- الظاهر: «التطيين».

فتكون واجبة، و حينئذ يجبر المالك علي العمارة في الجميع، فإن أخلّ و لم يمكن إلزامه بالعمارة تخيّر المستأجر في الفسخ.

و قال الجويني من الشافعيّة: يجبر علي الأوّل، و لا يجبر علي الثالث؛ لأنّه لم يلزمه من الابتداء، و في الثاني و جهان(1).

و قال بعضهم: يجبر علي الثاني أيضا، توفيرا للمنفعة(2).

و أجري الوجهان فيما إذا غصبت الدار المستأجرة و قدر المالك علي الانتزاع، هل يجبر عليه، و لا شكّ أنّه إذا كان العقد علي شيء موصوف في الذمّة و لم ينتزع ما سلّمه يطالب بإقامة غيره مقامه(3).

و قال بعضهم: لا يجبر المالك في الأضرب كلّها(4).

و حكي الجويني تفريعا علي ما ذكر من الطريقة وجهين في الدعامة الدافعة للانهدام إذا احتيج إليها أنّه يعدّ من الضرب الأوّل أو الثاني(5).

مسألة 655: يجب علي المؤجر تسليم المفاتيح التي للدار و البيوت التي في ضمنها إلي المستأجر ليتمكّن من الانتفاع

مسألة 655: يجب علي المؤجر تسليم المفاتيح التي للدار و البيوت التي في ضمنها إلي المستأجر ليتمكّن من الانتفاع، و إنّما يتمكّن من الانتفاع بتسليم المفاتيح، فوجب علي المالك، بخلاف ما إذا كانت العادة فيه الإقفال، حيث لا يجب تسليم القفل؛ لأنّ الأصل عدم دخول المنقولات في العقد الوارد علي العقار، و المفتاح جعل تابعا للغلق(6).

فإذا سلّمه، فهو أمانة في يد المستأجر حتي لو ضاع بغير تقصيره(7) ،

ص: 188


1- نهاية المطلب 188:8، العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
2- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
3- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
4- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
5- نهاية المطلب 190:8، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 283:4 - 284.
6- الغلق: ما يغلق به الباب. لسان العرب 291:10 «غلق».
7- في «ر»: «تقصير».

لم يلزمه شيء، و علي المالك إبداله.

و للشافعيّة في إبداله الخلاف المذكور في العمارات(1).

فإن لم يبدله، فللمستأجر الخيار، أشبه حيطان الدار و أبوابها.

مسألة 656: كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو علي المالك،

مسألة 656: كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو علي المالك، كعمارة الحيطان و السقوف و عمل الأبواب في الدار و الحمّام و النّزل(2) و مجري الماء؛ لأنّ بذلك يتمكّن من الانتفاع، و ما كان لاستيفاء المنافع - كالحبل و الدلو و البكرة - فعلي المستأجر.

و أمّا التحسين و التزويق فلا يلزم واحدا منهما؛ لأنّ الانتفاع ممكن بدونه.

و يجب علي المؤجر أن يسلّم الدار و بالوعتها فارغة، و كذا الحشّ، ليثبت التمكّن من الانتفاع، فإن كان مملوءا وجب علي المالك تفريغه، فإن أهمل تخيّر المستأجر.

و كذا مستنقع الحمّام - و هو الموضع الذي تنصبّ إليه الغسالة، و يسمّي حيّة الحمّام - يجب تسليمه فارغا.

و أمّا تطهير الدار عن الكناسة و الأتّون عن الرماد في دوام الإجارة فعلي المستأجر؛ لأنّهما حصلا بفعله، فإن أراد أن يكمل له الانتفاع فليرفعهما.

و أمّا كنس الثلج عن السطح فإنّه من وظيفة المالك؛ لأنّه كعمارة الدار، فإن تركه علي السطح و حدث به عيب فللمستأجر الخيار.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
2- النّزل - بضمّ الزاي و سكونها -: ما هيّئ للضيف إذا نزل عليه. لسان العرب 658:11 «نزل».

و هل يجبر عليه و يطالب به ؟ فيه ما تقدّم من الخلاف للشافعيّة(1).

و فيه لهم وجه: إنّه لا يجب عليه الكسح(2) ، و إن أوجبنا العمارة فإنّ إيجابها لتعود الدار إلي ما كانت، و ليس الكسح بهذه المثابة(3).

و أمّا الثلج في عرصة الدار: فإن خفّ و لم يمنع الانتفاع فهو ملحق بكنس الدار، و إن كثف فكذلك علي الظاهر عند الشافعيّة(4).

و منهم من ألحقه بتنقية البالوعة - و فيها خلاف لهم - لأنّه يمنع التردّد في الدار(5).

و إذا امتلأت البالوعة و الحشّ و مستنقع الحمّام في دوام الإجارة، فإنّه علي المستأجر؛ لأنّ الامتلاء حصل بفعله، فصار كنقل الكناسات.

فإن تعذّر الانتفاع، فلينقّ، و لا خيار له، و هو أحد قولي الشافعيّة، و لهم آخر: إنّ له الخيار(6).

و قال أبو حنيفة: إنّ التفريغ يجب علي المالك حتّي يحصل التمكين من الانتفاع في بقيّة المدّة، فإن لم يفعل، فللمستأجر الخيار، و هو القول الثاني للشافعيّة، لكن الأظهر: الأوّل(7).5.

ص: 190


1- كما في نهاية المطلب 191:8، و العزيز شرح الوجيز 127:6، و روضة الطالبين 284:4.
2- الكسح: الكنس. لسان العرب 571:1 «كسح».
3- نهاية المطلب 191:8، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
4- نهاية المطلب 190:8-191، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
5- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 284:4.
6- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.
7- الفتاوي الولوالجيّة 373:3، العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 4: 284-285.
مسألة 657: إذا انقضت مدّة الإجارة، لم يجب علي المستأجر تنقية البالوعة و لا الحشّ،

مسألة 657: إذا انقضت مدّة الإجارة، لم يجب علي المستأجر تنقية البالوعة و لا الحشّ، و يجب عليه التطهير من الكناسات، و مستنقع الحمّام لا يجب تفريغه كالحشّ.

و ذكر الجويني أنّ رماد الأتّون كالكناسة حتّي يجب نقله عند انقضاء المدّة - و قال بعض الشافعيّة: لا يجب، و يخالف القمامات(1) - فإنّ طرح الرماد من ضرورات استيفاء المنفعة(2).

و فسّروا الكناسة - التي يجب علي المستأجر تطهير الدار عنها - بالقشور و ما يسقط من الطعام و نحوه، دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح؛ لأنّه حصل لا بفعله(3).

لكن قد مرّ(4) في ثلج العرصة أنّه لا يجب علي المالك نقله، بل هو كالكناسات، مع أنّه حصل لا بفعله.

تذنيب: الدار المستأجرة للسكني لا يجوز طرح التراب و الرماد في أصل حيطانها، و لا ربط الدوابّ، بخلاف وضع الأمتعة.

و في جواز طرح ما يسرع إليه الفساد من الأطعمة للشافعيّة و جهان، أصحّهما: الجواز عندهم؛ لأنّه معتاد(5).

مسألة 658: إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم، فإن شرط دخوله في الإجارة أو خروجه عنها اتّبع الشرط؛

مسألة 658: إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم، فإن شرط دخوله في الإجارة أو خروجه عنها اتّبع الشرط؛ لعموم قوله عليه السّلام:

ص: 191


1- التهذيب - للبغوي - 456:4، العزيز شرح الوجيز 128:6.
2- نهاية المطلب 192:8، العزيز شرح الوجيز 128:6.
3- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.
4- في ص 190.
5- البيان 302:7، العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.

«المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إن لم يشترط أحدهما، فإن جرت العادة باتّباعه للأرض أو انفراده عنها حمل الإطلاق علي العادة و اتّبعت.

و إن اضطربت فكانت الأرض تؤجر تارة بمفردها من دون الشرب، و تارة مع الشرب، فالأقرب: دخوله و اتّباعه للأرض في الإجارة - و به قال أبو حنيفة، و هو أحد أقوال الشافعي(2) - لأنّ الإجارة للزراعة كشرط الشرب.

و الثاني للشافعي: إنّه لا يجعل الشرب تابعا؛ اقتصارا علي موجب اللّفظ، و إنّما يزاد عليه بعرف مطّرد.

و الثالث: إنّ العقد يبطل من أصله؛ لأنّ تعارض المعنيين يوجب جهالة المقصود(3).

مسألة 659: إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع،

مسألة 659: إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع، فإن كان عدم الإدراك لتقصير في الزراعة بأن يكون المستأجر قد أخّر الزرع حتّي ضاق الوقت، أو أبدل الزرع المعيّن بما هو أبطأ إدراكا، أو أكله الجراد فزرع ثانيا، فللمالك إجباره علي قلعه؛ لأنّه متعدّ بالتأخير، و علي الزارع تسوية الأرض، كالغاصب؛ لعدوانه، إلاّ في شيء

ص: 192


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- بدائع الصنائع 189:6، المبسوط - للسرخسي - 171:23، الفتاوي الولوالجيّة 189:5، الوجيز 235:1، الوسيط 177:4، العزيز شرح الوجيز 129:6، روضة الطالبين 285:4.
3- الوجيز 235:1، الوسيط 177:4، العزيز شرح الوجيز 129:6، روضة الطالبين 285:4.

واحد، و هو: إنّ الغاصب يؤمر بقلع زرعه قبل انقضاء المدّة، و أمّا هنا فلا يلزم القلع قبل انقضاء المدّة؛ لأنّ منفعة الأرض في الحال له.

و قال بعض العامّة: يتخيّر المالك بعد المدّة بين أخذ الزرع بالقيمة أو تركه بالأجرة لما زاد علي المدّة؛ لأنّه أبقي زرعه في أرض غيره بعدوانه، و إن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال و تفريغ الأرض، فله ذلك؛ لأنّه يزيل الضرر، و يسلّم الأرض علي الوجه الذي اقتضاه العقد(1).

و للمالك منعه من زراعة ما هو أبطأ إدراكا في الابتداء علي إشكال.

و هل له المنع من زراعة المعيّن إذا ضاق الوقت ؟ الأقرب: العدم؛ لأنّه استحقّ منفعة الأرض في تلك الجهة، و قد يقصد القصيل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ له ذلك؛ لأنّه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حقّ، فملك منعه منه(2).

فإن زرع، لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدّة؛ لأنّه في أرض يملك نفعها.

و إن كان تأخير الإدراك لا بتفريط من المستأجر، بل لتغيّر الأهوية أو لحرّ حصل أو برد تجدّد، فالوجه: إنّ علي المالك الصبر إلي الإدراك بأجرة المثل؛ لأنّ الشرط قد خرج، فكان للمالك عوض إبقائه تحقيقا للشرط، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يجب علي المالك الصبر إلي الإدراك مجّانا؛ لأنّه أذن في هذا النوع.4.

ص: 193


1- المغني 73:6، الشرح الكبير 161:6.
2- العزيز شرح الوجيز 130:6، روضة الطالبين 286:4.

و الثالث: إنّ له أن يقلع الزرع مجّانا؛ لأنّه لم يرض بشغل ملكه(1) فيما وراء المدّة، و التفريط هنا من المستأجر؛ لأنّه كان ينبغي له أن يستظهر بزيادة المدّة(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ هذه المدّة جرت العادة بكمال الزرع فيها، و في زيادة المدّة تفويت زيادة الأجرة بغير فائدة، و تضييع زيادة متيقّنة لتحصيل شيء متوهّم علي خلاف العادة هو التفريط، فلم يكن تركه تفريطا.

و من هذا الباب ما إذا أكل الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا و تأخّر الإدراك لذلك.

و كذا التأخير بكثرة الأمطار أو بقلّة المياه التي تسقي الزرع، لا من جهة العامل.

مسألة 660: لو استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها - كما إذا استأجر لزرع الحنطة شهرين،

مسألة 660: لو استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها - كما إذا استأجر لزرع الحنطة شهرين، مثلا - فإن شرط القلع بعد مضيّ المدّة جاز، كأنّه لا يبغي إلاّ القصيل؛ لأنّه لا يفضي إلي الزيادة علي مدّته.

ثمّ إن تراضيا علي الإبقاء مجّانا أو بأجرة المثل فلا بأس.

و إن شرطا الإبقاء بعد المدّة، فسد العقد؛ لاشتماله علي التناقض؛ فإنّ تقدير المدّة يقتضي النقل بعدها، و شرط التبقية يخالفه، و لأنّه لا تبقي لتقدير المدّة فائدة، و لأنّ مدّة التبقية مجهولة، و غاية الإدراك مجهولة.

و إذا فسد العقد، فللمالك منعه من الزراعة، لكن لو زرع لم يقلع زرعه مجّانا؛ للإذن، بل يؤخذ منه أجرة المثل لجميع المدّة.

ص: 194


1- في الطبعة الحجرية: «الأرض» بدل «ملكه».
2- العزيز شرح الوجيز 130:6، روضة الطالبين 286:4.

و إن أطلقا العقد و لم يتعرّضا لقلع و لا إبقاء، فالأقوي: صحّة العقد؛ لأنّ التأقيت [لحصر](1) المعقود عليه في منفعة تلك المدّة، و هو أصحّ قولي الشافعيّة.

و الثاني: البطلان؛ لأنّ العادة في الزرع الإبقاء، فهو كما لو شرطا الإبقاء(2).

و هو ممنوع، بل الانتفاع بالزرع في هذه المدّة ممكن، فصحّ العقد.

و يحتمل الصحّة إن أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه إن جوّزنا التخطّي مع شرط التعيين، مثل أن يزرع شعيرا يأخذه(3) قصيلا؛ لأنّ الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن.

و إن لم يكن كذلك، لم يصح؛ لأنّه اكتري للزرع ما لا ينتفع بالزرع [فيه] أشبه إجارة السبخة له.

فإن قلنا بالصحّة - كما ذهبنا إليه أوّلا - إن توافقا بعد المدّة علي إبقائه مجّانا أو بأجرة، فذاك.

و إن أراد المالك إجباره علي القلع، احتمل تمكّنه منه؛ لانقضاء المدّة التي تناولها العقد، و أن لا يتمكّن منه؛ لأنّ العادة في الزرع الإبقاء.

و علي هذا فأظهر الوجهين: إنّ له أجرة المثل للزيادة؛ لأنّ المستأجر هنا مفرّط، حيث شرط مدّة قصيرة.

و الثاني: إنّه لا أجرة له؛ لأنّه إذا آجر مدّة لا يدرك فيها الزرع كان».

ص: 195


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لحصول». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 130:6-131.
3- في الطبعة الحجريّة: «يقطعه» بدل «يأخذه».

معيرا للزيادة علي تلك المدّة، و التقصير منه، حيث آجر أرضه مدّة للزرع الذي لا يكمل فيها(1).

قال بعض الشافعيّة: إذا قلنا: إنّه ليس للمالك القلع بعد المدّة، لزم تصحيح العقد فيها إذا شرط الإبقاء بعد المدّة، و كأنّه صرّح بمقتضي الإطلاق(2).

و ليس بجيّد.

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم(3) الخلاف في صحّته

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم الخلاف في صحّته و بطلانه، فإن قلنا بالصحّة - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - إذا عيّن المدّة فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدّة، فإن زرعه و تأخّر الإدراك إمّا لتقصيره أو لغير تقصيره، فعلي ما تقدّم فيما إذا عيّن المزروع.

و لو أراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدّة، فللمالك منعه علي إشكال سبق(5) ، لكن لو زرع لم يقلع إلي انقضاء المدّة.

و يحتمل أن لا يمنع من زرعه، كما لا يقلع إذا زرع.

مسألة 662: يصحّ الاستئجار للغراس أو للبناء سنة و ما زاد أو نقص بلا خلاف نعلمه بين العلماء؛

مسألة 662: يصحّ الاستئجار للغراس أو للبناء سنة و ما زاد أو نقص بلا خلاف نعلمه بين العلماء؛ لأنّه استأجر لمنفعة مقصودة محلّلة معيّنة،

ص: 196


1- هذان الوجهان للشافعيّة، راجع: العزيز شرح الوجيز 131:6، و روضة الطالبين 286:4.
2- العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 286:4.
3- في ص 145، ضمن المسألة 622.
4- نهاية المطلب 251:8، العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 286:4 - 287.
5- في ص 193، ضمن المسألة 659.

فجاز كغيرها من المنافع.

فإذا استأجرها سنة، فلا يخلو إمّا أن يشترطا القلع بعد السنة، أو يشترطا التبقية، أو يسكتا عن شرط القلع و التبقية و يطلقا العقد.

فإن شرطا القلع، صحّ العقد؛ لأصالة الصحّة، و صحّ الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) فحينئذ يؤمر المستأجر بالقلع بعد المدّة، و ليس علي المالك أرش النقصان؛ لأنّه شيء لزمه بموجب شرطه، و لا يجب علي المستأجر أيضا تسوية الأرض و لا أرش نقصانها إن نقصت؛ لتراضيهما بالقلع و دخولهما علي هذه الحال.

و إن اتّفقا علي إبقائه بأجر أو غيره، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما، و هو قابل للنقل بعوض و غيره، فجازا معا.

و إن شرطا التبقية بعد المدّة، احتمل قويّا البطلان؛ لجهالة المدّة، و الصحّة؛ لأنّ الإطلاق يقتضي الإبقاء علي ما يأتي، فلا يضرّ شرطه.

و للشافعيّة قولان(2).

فإن قلنا بالبطلان، فعلي المستأجر أجرة المثل للمدّة، و فيما بعد المدّة الحكم علي ما سنذكر فيما إذا أطلق العقد.

و إن أطلقا العقد و لم يشرطا القلع و لا الإبقاء، صحّ العقد.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّ المسألة علي قولين، كما إذا أطلق الاستئجار لزراعة ما4.

ص: 197


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 287:4.

لا يدرك في المدّة.

و إيراد الجمهور الطريقة الثانية، و هي القطع بالصحّة(1) ، كما ذهبنا إليه؛ عملا بالأصل.

ثمّ ينظر بعد المدّة فإن أمكن القلع و الرفع من غير نقصان فعل، و إلاّ فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك؛ لأنّه ملكه، و إذا قلع يكون قد أخذ ملكه، كما له أن يأخذ طعامه من الدار المستأجرة أو التي باعها.

و إذا قلع، فعليه تسوية الحفر و أرش نقص الأرض؛ لأنّه نقص دخل علي ملك غيره بغير إذنه، و تصرّف في أرض الغير بالقلع بعد خروجها من يده و تصرّفه بغير إذن المالك، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه ليس له ذلك، كما إذا رغب المستعير في القلع عند رجوع المعير(2).

و علي ما اخترناه لو قلع قبل انقضاء المدّة، فيلزمه التسوية؛ لأنّ المالك لم يأذن فيه قبل انقضاء المدّة، و لأنّه تصرّف في الأرض تصرّفا منقصا لها لم يقتضه عقد الإجارة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

لا يلزمه شيء؛ لبقاء الأرض في يده و تصرّفه(3).

و إن امتنع المستأجر من القلع، فهل للمؤجر أن يقلعه مجّانا؟ يحتمل ذلك - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني(4) - لأنّ تقدير المدّة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها، كما لو استأجرها للزرع، و لأنّ مدّة استحقاق المنفعة قد انقضت.6.

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 132:6.
2- العزيز شرح الوجيز 132:6، روضة الطالبين 287:4.
3- العزيز شرح الوجيز 132:6، روضة الطالبين 287:4.
4- العزيز شرح الوجيز 132:6، المغني 75:6، الشرح الكبير 159:6.

و يحتمل أن لا يقلعه مجّانا، و لا يجبر المستأجر علي قلعه، إلاّ أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ - و هو قول الشافعي(1) - لأنّه بناء محترم لم يشترط قلعه، فأشبه العارية الموقّتة، فإنّ ظاهر مذهب الشافعي فيها أنّ بناء المستعير لا يقلع بعد المدّة(2).

و ربما فرّق بأنّ فائدة التأقيت في الإعارة طلب الأجرة بعد المدّة، و هنا الأجرة لازمة في المدّة، فلا فائدة إلاّ القلع.

و لقائل أن يقول: نمنع أنّ الفائدة في الإعارة طلب الأجرة بعد المدّة، و أنّ الفائدة هنا القلع؛ لجواز أن يكون الغرض في الصورتين المنع من إحداث الغرس و البناء بعد المدّة، و أن يكون الغرض هنا العدول إلي أجرة المثل بعد المدّة.

و أيضا قال عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(3) مفهومه: إنّ ما ليس بظالم له حقّ، و هذا ليس بظالم.

و هو ممنوع:

أمّا أوّلا: فللمنع من دلالة المفهوم.

و أمّا ثانيا: فلأنّا لا نسلّم انتفاء الظلم، بل هو بعد المدّة ظالم بالإبقاء، و الإذن في وقت لا يستلزم الدوام، و إلاّ لكان في العارية كذلك، و لأنّه لو لم يكن ظالما لم يلزمه الأجرة؛ لأنّه يكون حينئذ مستحقّا للإبقاء.7.

ص: 199


1- العزيز شرح الوجيز 132:6، المغني 75:6، الشرح الكبير 159:6.
2- العزيز شرح الوجيز 132:6.
3- سنن أبي داود 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، سنن الدار قطني 35:3-144/36، السنن الكبري - للبيهقي - 99:6، المعجم الكبير - للطبراني - 13:17-4/14، مسند أحمد 446:6-32272/447.

إذا عرفت هذا، فإنّ المالك إذا اختار دفع قيمة البناء و الغرس إلي المستأجر و تملّكهما جاز إن وافقه المستأجر عليه، و إن امتنع لم يكن له ذلك.

و إن اختار المالك أن يقلع البناء و الغراس و يغرم نقصهما، كان له ذلك، سواء رضي الغارس و الباني، أو لا؛ لأنّ للمالك تفريغ ملكه من مال غيره إذا لم يكن مستحقّا للشغل، و لا شكّ أنّه بعد المدّة لا يستحقّ المستأجر شغل ملك المؤجر.

و إن اختار أن يقرّ البناء و الغراس و يأخذ من المستأجر أجرة المثل إن رضي المستأجر، فذاك، و إن امتنع لم يجبر عليه.

و قال الشافعي: يتخيّر المالك بين دفع قيمة البناء و الغرس فيملكهما، و بين مطالبته بالقلع من غير ضمان، و بين تركه فيكونان شريكين(1).

و هو خطأ؛ لأنّ الغرس ملك الغارس، و لم يدفع إليه عوضه، و لا رضي بزوال ملكه عنه، فلا يزول ملكه عنه، كغيره من المغروس.

و إن اتّفقا علي بيع الغرس و البناء للمالك، جاز.

و إن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض، جاز، و يكون المشتري مع المالك كالغارس معه.

و قال بعض الشافعيّة: ليس له بيعهما لغير مالك الأرض؛ لأنّ ملكه متزلزل، لأنّ لصاحب الأرض تملّكه عليه بالقيمة من غير إذنه(2).

و هو ممنوع. سلّمنا، لكن ينتقض ما ذكره بالشفيع؛ فإنّ له تملّك6.

ص: 200


1- نسبه ابنا قدامة في المغني 76:6، و الشرح الكبير 160:6 إلي مالك.
2- المغني 76:6-77، الشرح الكبير 160:6.

الشقص، و يجوز بيعه لغيره.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: المالك ليس له القلع مجّانا، فالكلام في أنّ المالك يتخيّر بين أن يقلع و يغرم أرش النقصان مع نقصان الثمار إن كانت علي الأشجار ثمار، أو يتملّك عليه بالقيمة، أو يبقي بأجرة يأخذها، أو لا يتخيّر إلاّ بين الأوّلتين من الخصال الثلاث ؟ بناه الشافعيّة علي ما إذا رجع المعير عن العارية(1).

و إذا انتهي الأمر إلي القلع فمباشرة القلع و بذل مؤونته علي المؤجر أو المستأجر؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه علي المؤجر؛ لأنّه الذي اختاره.

و أصحّهما: إنّه علي المستأجر؛ لأنّه الذي شغل الأرض فليفرغها(2).

و إذا عيّن المؤجر خصلة و امتنع المستأجر، ففي إجباره ما ذكروه في إجبار المستعير، فإن أجبر كلّف تفريغ الأرض مجّانا، و إلاّ لم يكلّف، بل هو كما لو امتنع المؤجر من الاختيار(3).

و حينئذ يبيع الحاكم الأرض و ما فيها، أو يعرض عنهما؟ فيه خلاف بينهم(4).

و يخرّج من ذلك في التفريغ مجّانا وجهان:

أحدهما: يكلّف ليردّ الأرض كما أخذ.

و أقيسهما: المنع، و لا يبطل حقّه من العوض بامتناعه، كما أنّ من4.

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4.
2- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4.
3- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4-288.
4- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 288:4.

منع المضطرّ طعامه يؤخذ منه قهرا، و يسلّم إليه العوض، و الإجارة الفاسدة للغراس و البناء كالصحيحة في تخيّر المالك و منع القلع مجّانا(1).

و قد عرفت الحقّ عندنا في ذلك.

البحث الثالث: فيما يتعلّق بالدوابّ.
مسألة 663: إذا استأجر دابّة للركوب،

مسألة 663: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب علي مالك الدابّة القيام بكلّ ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب من الحداجة(2) للجمل، و القتب(3) و الحزام و الزمام(4) الذي يقاد به البعير و البرة(5) التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها، و إن كان المركوب فرسا، كان عليه السرج و اللجام و الحزام، و إن كان بغلا أو حمارا، فالبرذعة(6) و الإكاف(7) و الحزام و الثفر(8) ، و ذلك لتعذّر الركوب من دونها، و لأنّ العرف قاض بذلك، فيحمل الإطلاق عليه.

و للشافعيّة في السرج ثلاثة أوجه:

أحدها: لزومه، كالإكاف.

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 133:6.
2- الحدج: مركب من مراكب النساء. معجم مقاييس اللغة 36:2 «حدج».
3- القتب: رحل صغير علي قدر السنام. الصحاح 198:1 «قتب».
4- الزمام: الخيط الذي يشدّ في البرة. الصحاح 1944:5 «زمم».
5- البرّة: حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير. الصحاح 2280:6 «برا».
6- البرذعة: الحلس الذي يلقي تحت الرحل، و الحلس للبعير: كساء رقيق يكون تحت البرذعة. الصحاح 919:3 و 1184 «حلس، برذع».
7- الإكاف من المراكب: شبه الرحال و الأقتاب. لسان العرب 8:9 «أكف».
8- الثفر: السّير الذي في مؤخّر السرج. لسان العرب 105:4 «ثفر».

و ثانيها: المنع؛ لاضطراب العادة فيه.

و الثالث: اتّباع العادة فيه، فإن قضت بلزومه علي المؤجر وجب قيامه به، و إلاّ فلا(1).

و قال بعض الشافعيّة: مؤجر الدابّة لا يلزمه إلاّ تسليمها عارية، و الآلات كلّها علي المستأجر(2).

و قال قوم منهم: يجب علي المؤجر ما عدا السرج و الإكاف و البرذعة، و فصّل في الثلاثة بين أن تكون الإجارة علي عين الدابّة فهي علي المستأجر، و يضمن لو ركب بغير سرج و إكاف، و إن كانت في الذمّة فهي علي المؤجر؛ لأنّها للتمكين من الانتفاع(3).

و أمّا ما هو للتسهيل علي الراكب - كالمحمل و المحارة(4) و المظلّة و الوطاء الذي يشدّ فوق الحداجة تحت المحمل، و الحبل الذي يشدّ به المحمل علي الجمل، و الذي يشدّ به أحد المحملين إلي الآخر - فهو علي المستأجر، و العرف مطّرد به.

و لبعض الشافعيّة في الذي يشدّ به أحدهما إلي الآخر و جهان(5).

و هو بعيد، مع القطع في نفس المحمل و سائر توابعه المذكورة بأنّها علي المستأجر.4.

ص: 203


1- العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 290:4.
2- العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 290:4.
3- التهذيب - للبغوي - 460:4، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 4: 290.
4- المحارة: شبه الهودج، كما في القاموس المحيط 15:2 «حور».
5- المهذّب - للشيرازي - 407:1، التهذيب - للبغوي - 461:4، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 291:4.

و في شدّ أحد المحملين إلي الآخر للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه علي المكتري كالشدّ علي الجمل.

و الثاني: علي المكري؛ لأنّه إصلاح ملكه(1).

و كلّ ذلك فيما إذا أطلقا، أمّا لو قال: آجرتك هذه الدابّة العارية بلا إكاف و لا حزام و لا غير ذلك، فإنّه لا يلزمه شيء من الآلات.

و لو شرط عليه ما لا يجب عليه - كالمحمل و المحارة و الكنيسة و غير ذلك - وجب عليه؛ عملا بالشرط.

مسألة 664: إذا استأجر الدابّة للحمل،

مسألة 664: إذا استأجر الدابّة للحمل، فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول علي المكتري إن وردت الإجارة علي عين الدابّة، و علي المكري إن كانت في الذمّة؛ لأنّها إذا وردت علي العين فليس عليه إلاّ تسليم الدابّة بالإكاف و ما في معناه، و إذا كانت في الذمّة فقد التزم النقل، فعليه تهيئة أسبابه، و العادة تؤيّده.

و اذا استأجر للاستقاء، فالدلو و الحبل كالوعاء في الحمل، فيلزم المكري إن كانت الإجارة في الذمّة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إن كان الرجل معروفا بالاستقاء بآلات نفسه، لزمه الإتيان بها(2).

و هذا يجب طرده في الوعاء.

و قال الجويني بالفرق في إجارة الذمّة بين أن يلتزم الغرض مطلقا و لا يتعرّض للدابّة، فتكون الآلات عليه، و بين أن يتعرّض لها بالوصف، فحينئذ يتبع العادة، فإن اضطربت العادة، احتمل الأمران؛ لأنّ التعرّض

ص: 204


1- نهاية المطلب 148:8، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 291:4.
2- نهاية المطلب 139:8، العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.

للدابّة يشعر بالاعتماد علي الإتيان بها(1).

و متي راعينا اتّباع العادة فاضطربت، فالأقوي: اشتراط التقييد في صحّة العقد.

و أمّا مؤونة الدليل و السائق و البذرقة و حفظ المتاع في المنزل فقال بعض الشافعيّة: إنّه كالوعاء(2).

و الأقرب: إنّه علي المستأجر.

مسألة 665: لا بدّ من رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق،

مسألة 665: لا بدّ من رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق، كغيره من المحمولات، أو تقديره بالوزن؛ لاختلافه قلّة و كثرة، و ثقلا و خفّة، فتختلف الأغراض باعتبار اختلافه.

و قال بعض الشافعيّة: لا حاجة إلي تقديره، بل يردّ الأمر فيه إلي العادة(3).

و لا حاجة إلي تقدير ما يؤكل منه كلّ يوم؛ لصحّة العقد، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الوجه الثاني: إنّه لا بدّ من تقديره(4).

و إذا قدّره و حمله، فإن شرط أنّه يبدله كلّما انتقص، أو شرط عدم الإبدال، اتّبع الشرط، و إلاّ فإن تلف بعضه أو كلّه بسرقة أو سقوط أو أكل غير معتاد، و بالجملة بسبب غير الأكل المعتاد، فله الإبدال، كسائر المحمولات بلا خلاف.

و إن فني بالأكل المعتاد، احتمل ذلك أيضا؛ لأنّه استحقّ حمل مقدار معيّن، فملك إبدال ما نقص منه، كما لو انتقص بسرقة أو سقوط، و كغيره من المحمولات إذا باعها أو تلفت، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.
2- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.
3- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 292:4.
4- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 292:4.

القولين، و اختاره المزني(1).

و يحتمل عدم الإبدال؛ لقضاء العرف بأنّ الزاد ينقص، فلا يبدل، و لم تجر العادة بأنّ الطعام يبدل لكلّ قدر يؤخذ، فحمل العقد عند الإطلاق علي العرف، و صار كالمصرّح به.

و قال الشافعي: القياس أنّ له إبداله، و لو قيل: ليس له إبداله، كان مذهبا؛ لأنّ العادة أنّ الزاد لا يبقي جميع المسافة، و لذلك يقلّ أجره عن أجر المتاع(2).

و قال بعض الشافعيّة: إذا أطلق حمل الزاد و لم يشترط الإبدال و لا عدمه، فإن فني بعضه أو كلّه بسرقة أو تلف أو سقوط، فله الإبدال، و إن فني بالأكل، فإن فني الكلّ فكذلك.

و حكي الجويني وجها: إنّه لا يبدل، فإنّ المكتري إنّما يحمله ليؤكل؛ لأنّ المكتري يشتري في كلّ مرحلة قدر الحاجة(3).

و المشهور عندهم: الأوّل.

و إن فني بعضه، فقولان: الإبدال، و هو قول أبي حنيفة، كما تقدّم(4) ، و العدم.

و موضع القولين ما إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر5.

ص: 206


1- الاختيار لتعليل المختار 89:2، الهداية - للمرغيناني - 252:3، مختصر المزني: 127، الحاوي الكبير 420:7، المهذّب - للشيرازي - 409:1، بحر المذهب 295:9، حلية العلماء 410:5، التهذيب - للبغوي - 460:4، البيان 304:7، العزيز شرح الوجيز 140:6، روضة الطالبين 292:4.
2- مختصر المزني: 127، المغني 105:6-106، الشرح الكبير 110:6.
3- نهاية المطلب 142:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 139:6-140.
4- في ص 205.

المنزل الذي هو فيه، أمّا إذا لم يجده أو وجده بسعر أرفع، فله الإبدال لا محالة(1).

و علي القول بأنّه لا حاجة إلي تقدير الزاد و حمل ما يعتاد لمثله لم يبدله حتّي يفني الكلّ.

مسألة 666: إذا استأجر دابّة للركوب في الذمّة، وجب علي المؤجر الخروج مع الدابّة ليسوقها و يتعهّدها و إعانة الراكب

مسألة 666: إذا استأجر دابّة للركوب في الذمّة، وجب علي المؤجر الخروج مع الدابّة ليسوقها و يتعهّدها و إعانة الراكب في الركوب و النزول، فيراعي العادة بأن يبرك البعير للمرأة؛ لأنّه يصعب عليها الركوب مع قيام البعير، و يصعب عليها النزول أيضا حال قيامه، و يخاف عليها التكشّف، و كذا لو كان الرجل ضعيفا إمّا بمرض أو شيخوخة، أو كان مفرط السمن أو نضو الخلقة(2) ، فكلّ هؤلاء يبرك لهم البعير حالة الركوب و النزول، و يقرب البغل و الحمار من نشز ليسهل الركوب، و إن احتاج إلي أن يركبه فعل.

و إن كان المستأجر قويّا يتمكّن من الركوب و البعير قائم، لم يجب إبراك البعير(3) له؛ لأنّه متمكّن من استيفاء المعقود عليه بدون هذه الكلفة.

و لو كان قويّا حال العقد فضعف في أثنائه، أو كان ضعيفا حال العقد فقوي، فالاعتبار بحال الركوب؛ لأنّ العقد اقتضي ركوبه بحسب العادة.

و يقف الدابّة لينزل الراكب لقضاء حاجته(4) و طهارته و أداء الفريضة، و يجعل البعير واقفا حتّي يفعل ذلك؛ لأنّه لا يمكنه فعل شيء من هذا علي

ص: 207


1- نهاية المطلب 143:8، العزيز شرح الوجيز 139:6-140، روضة الطالبين 292:4.
2- أي المهزول. لسان العرب 330:15 «نضا». و في «ر»: «قصير الخلقة».
3- في الطبعة الحجريّة: «إبراكه» بدل «إبراك البعير».
4- في الطبعة الحجريّة: «الحاجة» بدل «حاجته».

ظهر البعير.

و كلّ ما يمكنه فعله علي ظهر البعير من الأكل و الشرب و صلاة النافلة و غيرها لم يلزمه أن يبركه له، و لا يقف عليه من أجله.

و إذا وقف في الفريضة، لم يجب علي المستأجر المبالغة في التخفيف، و ليس له الإبطاء و التطويل، و له النزول في أوّل الوقت لينال فضله.

و إن ورد العقد علي دابّة بعينها، وجب علي المؤجر التخلية بينها و بين المستأجر، و لا يجب عليه أن يعينه في الركوب و لا في الحمل، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعض الشافعيّة: يجب علي المؤجر الإعانة علي الركوب في إجارة العين، كما تجب في إجارة الذمّة(2).

و فرّق بعض الشافعيّة في إجارة الذمّة بين أن يقع العقد علي التبليغ، فيقول: ألزمت ذمّتك تبليغي إلي موضع كذا، و يقع ذكر الدابّة تبعا، فتلزمه الإعانة، و بين أن يقع علي الدابّة، فيقول: ألزمت ذمّتك منفعة دابّة صفتها كذا، فلا تجب عليه الإعانة(3).

و قال بعضهم: الإعانة تجب في الحمل، سواء كانت الإجارة في الذمّة أو علي العين؛ لاطّراد العادة بالإعانة علي الحطّ و الحمل و إن اضطربت في الركوب(4).

و اعلم أنّ رفع المحمل و حطّه كالحمل في رفعه و حطّه.3.

ص: 208


1- نهاية المطلب 146:8، التهذيب - للبغوي - 459:4، العزيز شرح الوجيز 6: 141، روضة الطالبين 293:4.
2- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
3- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
4- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
مسألة 667: إذا اختلفا في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق، حمل علي الوسط،

مسألة 667: إذا اختلفا في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق، حمل علي الوسط، لا مكبوبا، و هو أن يجعل مقدّم المحمل أو الزاملة أوسع من المؤخّر - و قيل: هو أن يضيّق المقدّم و المؤخّر جميعا(1) - و لا مستلقيا، و هو عكس المكبوب إمّا بأن يكون مقدّم المحمل أو الزاملة أضيق من المؤخّر، أو بأن يكونا معا واسعين.

و علي التفسيرين فالمكبوب أسهل علي الدابّة، و المستلقي أسهل علي الراكب، فإذا اختلفا فيهما حمل علي الوسط المعتدل.

و إن عيّنا أحدهما في العقد، تعيّن.

و كذا إن اختلفا في كيفيّة الجلوس علي الدابّة.

و ليس للمؤجر منع المستأجر من النوم علي الدابّة في وقته المعتاد، و له منعه في غير ذلك الوقت؛ لأنّ النائم يثقل.

مسألة 668: قد يعتاد النزول و المشي عند الرواح، فإن شرطا أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل،

مسألة 668: قد يعتاد النزول و المشي عند الرواح، فإن شرطا أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل، اتّبع الشرط.

و إن أطلقا، لم يجب النزول علي المرأة و المريض.

و الأقرب: إنّ الرجل القويّ كذلك، اعتبارا باللفظ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه ينزل؛ قضاء للعادة(2).

لكن ما قلناه أولي.

ص: 209


1- كما في البيان 296:7، و العزيز شرح الوجيز 141:6، و روضة الطالبين 4: 293.
2- بحر المذهب 290:9، البيان 303:7-304، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 294:4.

و كذا حكم النزول علي العقبات الصعبة.

و إذا استأجر دابّة إلي بلد و العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل، لم يجب علي المرأة و الضعيف النزول [لأنّهما اكتريا](1) جميع الطريق، و لم تجر عادتهما بالمشي، فيلزمه [حملهما](2) في جميع الطريق، كالمتاع.

و كذا لو كان قويّا علي الخلاف.

و إذا استأجر إلي بلد، فإذا بلغ عمرانها، فللمكري استرداد الدابّة، و لا يجب عليه تبليغ الراكب إلي داره، إلاّ أن يكون هناك عادة بأن يكون تحت الراكب ما يحتاج إلي حمله إلي منزله.

مسألة 669: لو استأجر دابّة ليركبها إلي مكة، لم يكن له الحجّ عليها، بل إذا وصل إلي عمران مكة نزل.

مسألة 669: لو استأجر دابّة ليركبها إلي مكة، لم يكن له الحجّ عليها، بل إذا وصل إلي عمران مكة نزل. و قال بعض الشافعيّة: إنّ له الحجّ عليها؛ لأنّ الاستئجار إلي مكّة عبارة عن الاستئجار للحجّ؛ لأنّه لا يستأجر إليها إلاّ للحجّ غالبا، فكان بمنزلة المستأجر للحجّ(3).

و لو استأجرها للحجّ عليها، ركبها من مكّة إلي مني ثمّ إلي عرفات ثمّ إلي المزدلفة ثمّ إلي مني ثمّ إلي مكّة للطواف؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ.

و هل يركبها من مكة عائدا إلي مني للرمي و الطواف ؟ فيه احتمال.

و للشافعيّة و جهان(4).

ص: 210


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه اكتري... حمله». و المثبت يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه اكتري... حمله». و المثبت يقتضيه السياق.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- المهذّب - للشيرازي - 409:1، بحر المذهب 320:9، حلية العلماء 410:5، التهذيب - للبغوي - 462:4، البيان 304:7، العزيز شرح الوجيز 142:6، روضة الطالبين 294:4.

و قال بعض العامّة: ليس له الركوب إلي مني؛ لأنّه بعد التحلّل من الحجّ(1).

و الوجه: إنّ له ذلك؛ لأنّه من تمام الحجّ و توابعه، و لذلك وجب علي من وجب عليه، دون غيره، و دخل في قوله تعالي: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2).

مسألة 670: إذا استأجر دابّة بعينها فتلفت، انفسخت الإجارة.

مسألة 670: إذا استأجر دابّة بعينها فتلفت، انفسخت الإجارة. و إن وجد بها عيبا بأن تعثر في المشي أو كانت لا تبصر ليلا أو يكون بها عرج أو بطؤ سير تتخلّف به عن القافلة، فللمستأجر الخيار بين الفسخ و الصبر، و ليس له المطالبة بالبدل؛ لتعلّق العقد بالعين، و مجرّد خشونة المشي ليس بعيب.

و إن كانت الإجارة في الذمّة فسلّم المؤجر إليه دابّة فتلفت، لم ينفسخ العقد.

و إن وجد بها عيبا، لم يكن له الخيار في الفسخ، و يجب علي المؤجر الإبدال، كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا.

و اعلم أنّ الدابّة المسلّمة عن الإجارة في الذمّة و إن لم تكن متعيّنة بالعقد و لكنّها متعيّنة في الاستعمال بتسليم المؤجر إليه، فليس للمستأجر المطالبة بعوضها إذا كانت سليمة من العيب، و لا ينفسخ العقد بتلفها، كما تقدّم، إلاّ أنّه يثبت للمستأجر فيها حقّ و اختصاص حتّي أنّه يجوز له أن يؤجرها من غيره مساو له.

و لو أراد المؤجر إبدالها بدون إذن المستأجر، فالأقوي: إنّ له ذلك؛

ص: 211


1- كما في المغني 106:6، و الشرح الكبير 110:6.
2- سورة آل عمران: 97.

لأنّ عليه حقّ الركوب، فله التخيير في جهة الأداء، كالدّين.

و [للشافعيّة](1) وجهان:

أصحّهما عند أكثرهم: إنّه ليس للمؤجر ذلك؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها.

و الثاني: الفرق بين أن يعتمد لفظ الدابّة بأن يقول: آجرتك دابّة من صفتها كذا و كذا، فلا يجوز له إبدال التي سلّمها، أو لا يعتمد بأن يقول:

التزمت أن أركبك علي دابّة صفتها كذا، فيجوز الإبدال(2).

و يترتّب علي الوجهين ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين دابّة عن إجارة الذمّة هل يتقدّم المستأجر بمنفعتها؟ الأصحّ عندهم(3) و عندنا: التقدّم.

و لو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقّه في إجارة الذمّة، إن كان قبل أن يتسلّم الدابّة، لم يجز؛ لأنّه اعتياض عن المسلم فيه عندهم(4).

و فيه إشكال.

و إن كان بعد التسليم، جاز؛ لأنّ الاعتياض و الحال هذه واقع عن حقّ في عين.

و في هذا الكلام دلالة علي أنّ القبض يفيد تعلّق حقّ المستأجر بالعين، فيمتنع الإبدال دون رضاه، لكن نحن لا نقول به.

مسألة 671: المنافع التي وقع تعلّق عقد الإجارة بها لا بدّ لها من مستوف،

مسألة 671: المنافع التي وقع تعلّق عقد الإجارة بها لا بدّ لها من مستوف، و هو المستأجر، و مستوفي منه، و هو الدابّة المعيّنة في العقد

ص: 212


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «للشافعي». و المثبت يقتضيه السياق.
2- نهاية المطلب 131:8، العزيز شرح الوجيز 142:6-143، روضة الطالبين 295:4.
3- نهاية المطلب 127:8، العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 295:4.
4- نهاية المطلب 130:8، العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 295:4.

و الدار المعيّنة أو الثوب المعيّن أو الأجير المعيّن و G شبهها، و مستوفي به، و هو الثوب المعيّن للخياطة، و الصبي المعيّن للرضاع و التعليم، و الأغنام المعيّنة للرعي و شبهها.

أمّا المستوفي فله تبديل نفسه بغيره إذا ساواه في الثقل و الضرر أو قصر عنه، كما يجوز له أن يؤجر ما استأجره من غيره.

فإذا استأجر دابّة للركوب، فله أن يركبها غيره مع المساواة في الطول و القصر و السمن و الهزال و من هو أخفّ منه.

و كذلك إذا استأجر الثوب للّبس، جاز له أن يلبسه من هو في مثل حاله.

و يسكن الدار مثله، دون القصّار و الحدّاد؛ لزيادة الضرر.

و إذا استأجر دابّة لحمل القطن، كان له حمل الصوف و الوبر مع المساواة في الوزن، و إذا استأجر لحمل الحديد، كان له حمل الرصاص و النحاس.

و إذا استأجر للحمل فأراد أن يركب من يساوي الحمل في الوزن أو ينقص عنه، فإن قال أهل المعرفة: إنّ الضرر لا يتفاوت، جاز، و إن قالوا:

إنّ الركوب أضرّ، لم يجز.

و كذا لو استأجر للركوب فأراد الحمل.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: المنع في الطرفين(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إبدال الراكب و اللابس، و جوّز في استئجار الدار للسكني أن يسكنها غيره(2).6.

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 296:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 79:2، المبسوط - للسرخسي - 130:15 و 165، العزيز شرح الوجيز 143:6.

و حكي عن المزني أنّه لا يجوز إبدال الراكب(1).

و أمّا المستوفي منه - فهو الدار و الدابّة المعيّنة و الأجير المعيّن - فلا يجوز إبداله، كما لا يجوز إبدال المبيع.

و لو استأجر ظهرا للحمولة معيّن الجنس فأراد حمله علي غير ذلك الجنس، فإن كان الطالب لذلك المستأجر، لم يقبل منه؛ لأنّه لا يملك المطالبة بما لم يعقد عليه.

و إن طلبه المؤجر، فإن كان يفوّت غرض المستأجر - مثل أن يكون غرضه الإسراع في السير، أو أن لا ينقطع عن القافلة فيعيّن الخيل و البغال، أو أن يكون غرضه سكون الحمولة و ثقل السير و عدم السرعة فيعيّن الإبل - لم يجز العدول عنه؛ لأنّه يفوّت غرض المستأجر، فلم يجز له ذلك، كما في الركوب.

و إن لم يفوّت غرضا، جاز، كما يجوز لمن اكتري علي حمل شيء حمل مثله و ما هو أقلّ ضررا منه.

و أمّا المستوفي به فهو كالثوب المعيّن للخياطة، و الصبي المعيّن للإرضاع و التعليم، و الأغنام المعيّنة للرعي.

و الأقوي فيه: جواز الإبدال؛ لأنّه ليس بمعقود عليه، و إنّما هو طريق الاستيفاء، فأشبه الراكب و المتاع المعيّن للحمل، و هو أصحّ قولي الشافعي، و الثاني: إنّه لا يجوز إبداله، كالمستوفي منه(2).

و هل ينفسخ العقد بتلف هذه الأشياء في المدّة ؟ الأقرب ذلك.

و يحتمل العدم.4.

ص: 214


1- العزيز شرح الوجيز 143:6.
2- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.

و للشافعيّة قولان(1).

و كذا القولان فيما إذا لم يلتقم الصبي المعيّن ثديها، فإن قلنا بالفسخ هناك فكذا هنا، و إلاّ أبدل(2).

مسألة 672: يجوز استئجار الثياب للّبس، و البسط و الزلالي للفرش،

مسألة 672: يجوز استئجار الثياب للّبس، و البسط و الزلالي للفرش، و اللّحف للالتحاف بها؛ لأنّها منافع مباحة مقصودة للعقلاء معلومة، فجاز استئجارها، كغيرها.

و تقدّر بالزمان، فإذا استأجر ثوبا مدّة ليلبسه، لم يجز له أن ينام فيه بالليل؛ للعادة.

و في وقت القيلولة احتمال، أقربه: إنّه لا يجب نزعه؛ لقضاء العادة بالقيلولة في الثياب، بخلاف البيتوتة.

نعم، لو كان المستأجر القميص الفوقاني، نزعه في القيلولة و في سائر أوقات الخلوة.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يلزمه نزع القميص التحتاني وقت القيلولة، كالمبيت؛ لأنّ الثوب ينتقص بالنوم(3).

و أمّا ثياب التجمّل فإنّما تلبس في الأوقات التي جرت العادة بالتجمّل فيها، كحالة الخروج إلي السوق و شبهه، و دخول الناس عليه.

هذا كلّه مع الإطلاق، و أمّا إذا اشترط شيئا، وجب اتّباعه، سواء شرط

ص: 215


1- الحاوي الكبير 424:7، حلية العلماء 420:5، التهذيب - للبغوي - 445:4 و 446، البيان 317:7، العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.
2- التهذيب - للبغوي - 445:4، العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 4: 296.
3- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.

ما يقتضيه الإطلاق، أو ما لا يقتضيه.

و إذا استأجر القميص للّبس، لم يجز له الاتّزار به؛ لأنّه أضرّ بالقميص من اللّبس.

و أمّا الارتداء به فإن كان أضرّ من اللّبس، لم يجز، و إلاّ جاز.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الجواز؛ لأنّ ضرر الارتداء دون ضرر اللّبس.

و الثاني: المنع؛ لأنّه جنس آخر(1).

و إذا استأجر للارتداء، لم يجز الاتّزار؛ لأنّ ضرر الاتّزار أكثر، و بالعكس يجوز.

و لو استأجر للاتّزار، جاز التعميم؛ لأنّه أقلّ ضررا.

و لو استأجر للارتداء، جاز التعميم أيضا؛ لأنّه أدون ضررا.4.

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 297:4.

الفصل الرابع: في المدّة و الضمان و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في المدّة.
مسألة 673: الإجارة إذا وقعت علي مدّة، وجب أن تكون معيّنة مضبوطة محروسة من تطرّق الزيادة و النقصان

مسألة 673: الإجارة إذا وقعت علي مدّة، وجب أن تكون معيّنة، مضبوطة محروسة من تطرّق الزيادة و النقصان فإن قدّرها بأجل مجهول - كإدراك الغلاّت و حصاد الزرع و دخول القوافل و طلوع الثريّا و أشباه ذلك - لم يجز، بل يجب ضبطها بالسنة و الشهر و اليوم بلا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنّ المدّة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرّفة له، فوجب أن تكون معلومة، كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل.

و إذا أطلق السنة و الشهر، حمل علي السنة العربيّة الهلاليّة و الشهر العربي؛ لأنّ ذلك هو المعهود في نظر الشرع، قال اللّه تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فوجب أن يحمل مطلق العقد عليه، فإن شرط هلاليّة أو عربيّة، كان تأكيدا.

و إن قال: عدديّة أو سنة بالأيّام، كان له ثلاثمائة و ستّون يوما؛ لأنّ الشهر العددي ثلاثون يوما.

و إن استأجر سنة هلاليّة أوّل الهلال، عدّ اثني عشر شهرا بالأهلّة، سواء كان الشهر تامّا أو ناقصا؛ لأنّ الشهر الهلالي ما بين الهلالين ينقص

ص: 217


1- سورة البقرة: 189.

تارة و يزيد أخري.

و إن كان في أثناء شهر، عدّ ما بقي من الشهر و عدّ بعده أحد عشر شهرا بالهلال(1) ، ثمّ كمّل الشهر الأوّل بالعدد ثلاثين يوما من آخر الشهور؛ لأنّه تعذّر إتمامه بالهلال، فتمّمناه بالعدد، و أمكن استيفاء ما عداه بالهلال، فوجب ذلك؛ لأنّه الأصل.

و يحتمل استيفاء الجميع بالعدد؛ لأنّها مدّة يستوفي بعضها بالعدد، فوجب استيفاء جميعها به، كما لو كانت المدّة شهرا واحدا، و لأنّ الشهر الأوّل ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه، فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه، و كذا كلّ شهر يأتي بعده.

و لأبي حنيفة و الشافعي قولان(2) ، و عن أحمد روايتان(3) كالاحتمالين.

و كذا لو كان العقد علي ستّة أشهر أو سبعة أشهر، و بالجملة علي ما دون السنة.

هذا ما يقتضيه الإطلاق، و إن شرطا السنة الروميّة أو الشمسيّة أو الفارسيّة أو القبطيّة و كانا يعلمان ذلك، جاز، و كان له ثلاثمائة و خمسة و ستّون يوما، فإنّ الشهور بالروميّة منها سبعة: أحد و ثلاثون، و أربعة:

ثلاثون، و شهر واحد: ثمانية و عشرون يوما. و شهور القبط كلّها ثلاثون، و زادوها خمسة أيّام لتساوي سنتهم السنة الروميّة.

و لو كان أحدهما يجهل ذلك، لم يجز؛ لأنّ المدّة مجهولة في حقّه.

مسألة 674: و لا تتقدّر مدّة الإجارة قلّة و لا كثرة

مسألة 674: و لا تتقدّر مدّة الإجارة قلّة و لا كثرة، فجاز أن يستأجر

ص: 218


1- في الطبعة الحجريّه: «بالأهلّة» بدل «بالهلال».
2- المغني 8:6-9، الشرح الكبير 60:6-61.
3- المغني 8:6-9، الشرح الكبير 60:6-61.

لحظة واحدة بشرط الضبط، و مائة ألف سنة.

و بالجملة، تجوز إجارة العين مدّة تبقي فيها و إن كثرت بشرط الضبط، و هو قول علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(1) - للأصل.

و لما رواه عليّ بن يقطين - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكاري من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فقال: «الكراء لازم له إلي الوقت الذي تكاري إليه [و](2) الخيار في أخذ الكراء إلي ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك»(3).

و اضطرب قول الشافعي في المدّة التي يجوز عقد الإجارة عليها:

فقال في موضع من كتاب الإجارات: يجوز إلي ثلاثين سنة.

و قال في موضع آخر منها: يجوز إلي سنة.

و قال في الدعاوي و البيّنات: يجوز ما شاء.

و قال في المساقاة: تجوز المساقاة سنتين، و عنده المساقاة و الإجارة سواء(4).1.

ص: 219


1- بدائع الصنائع 181:4، المبسوط - للسرخسي - 132:15، الهداية - للمرغيناني - 231:3، بداية المجتهد 226:2-227، المغني 11:6، الشرح الكبير 57:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2، العزيز شرح الوجيز 111:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- التهذيب 209:7-920/210.
4- الأم 23:4 و 241:6، البيان 221:7، و راجع: الحاوي الكبير 364:7 و 405، و المهذّب - للشيرازي - 398:1، و نهاية المطلب 110:8، و 111، و بحر المذهب 240:9 و 278-279، و حلية العلماء 369:5، و التهذيب - للبغوي - 433:4، و العزيز شرح الوجيز 66:6 و 110-111.

و اختلف أصحابه في مذهبه علي طريقين:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: إنّه لا يجوز أكثر من سنة واحدة؛ لأنّ الإجارة عقد علي ما لم يخلق، فكأنّ القياس يقتضي أنّه لا يجوز، كما لا يجوز العقد علي ثمرة لم تخلق، و إنّما جوّز للحاجة إليه، و الحاجة لا تدعو إلي أكثر من سنة؛ لأنّ السنة يكمل فيها الزرع، و لا يحتاج إلي الزيادة عليها، و لأنّ السنة مدّة تنظم فيها الفصول الأربعة، و يتكرّر فيها الزروع و الثمار، و المنافع تتكرّر بتكرّرها.

و الثاني: إنّه يجوز أن يؤاجر أكثر من سنة واحدة، كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة.

و يثبت حينئذ طريقان:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: إنّه لا تجوز الزيادة علي ثلاثين سنة؛ لأنّها نصف العمر، و الغالب ظهور التغيّر علي الشيء بمضيّ هذه المدّة، فلا حاجة إلي تجويز الزيادة عليها.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا تقدير، كما لا تقدير في جمع الأعيان المختلفة في البيع.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الثاني، و حمل القول بالثلاثين علي التمثيل؛ للكثرة، لا للتحديد، و إنّما أراد به إجارة سنين كثيرة، فإنّه قال:

«و لو كانت ثلاثين سنة».

و علي هذا فهل من ضابط؟ اختلف أصحابه:

ص: 220

فمعظمهم [قالوا:] إنّه يجب أن تكون المدّة بحيث يبقي إليها ذلك الشيء غالبا، فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، و الدابّة تؤجر إلي عشر سنين، و الثوب إلي سنتين أو سنة علي ما يليق به، و الأرض إلي مائة و أكثر.

و قال بعضهم: يؤجر العبد إلي مائة و عشرين سنة من عمره.

و قال بعضهم: يستأجر الأرض ألف سنة.

و قال بعضهم: يصحّ و إن كانت المدّة بحيث لا تبقي إليها العين في الغالب؛ اعتمادا علي أنّ الأصل الدوام و الاستمرار، فإن هلك لعارض، فهو كانهدام الدار و نحوه في المدّة.

فحصل من هذا الترتيب أربعة أقوال:

الأوّل: التقدير بسنة.

الثاني: التقدير بثلاثين سنة.

الثالث: التقدير بمدّة بقاء ذلك الشيء غالبا.

الرابع: منع الضبط و التقدير من كلّ وجه(1).

و كلّ هذه تخمينات لا وجه لها، مع أنّ القول بالسنة يبطل بقوله تعالي: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (2) و شرع من قبلنا إذا ذكره اللّه تعالي و لم يتّصل به إنكار كان شرعا لنا، و لأنّه يجوز أن يزوّجه أمته و يملّكه منفعة بضعها إلي الموت، كذلك في الإجارة.

لا يقال: في النكاح لا يجوز تقدير المدّة، ففي الإجارة لا يجوز7.

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 111:6.
2- سورة القصص: 27.

الإطلاق.

لأنّا نقول: إنّما اعتبرنا الإجارة بالنكاح في جواز العقد علي المنفعة في الزمان الذي تبقي فيه العين و ان كانا يختلفان في التقدير لمعني آخر، و هو أنّ الإجارة تتقسّط الأجرة فيها علي المنفعة، فلا بدّ من تقدير المدّة، بخلاف النكاح، و لأنّا أجرينا المنفعة في جواز العقد مجري الأعيان، ثمّ في الأعيان يجوز أن يجمع بين الأعيان الكثيرة، كذلك في المنفعة.

و ما ذكروه من الحاجة فليس بصحيح؛ لأنّ الثوب لا يحتاج إلي استئجاره للّبس سنة، و كذا الزرع لا يبقي في الأرض سنة، فبطل ما اعتبروه.

و بالجملة، فالتقدير بسنة أو سنتين أو ثلاثين أو غير ذلك تحكّم كلّه لا دليل عليه، و ليس ذلك بأولي(1) من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه.

مسألة 675: لا فرق في انتفاء التقدير بين الوقف و غيره،

مسألة 675: لا فرق في انتفاء التقدير بين الوقف و غيره، فحكم الوقف في أنّه يجوز أن يؤجر مهما شاء المؤجر حكم الطّلق ما لم يخالف تقدير الواقف، فإن كان الواقف قد قرّر أن يؤجر مدّة معيّنة، لم يجز التخطّي. و إن لم يكن قد قرّر مدّة معيّنة، كان حكمه حكم الطّلق، و هو قول الشافعي(2).

و قال بعض أصحابه: إلاّ أنّ الحكّام اصطلحوا علي منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف، و هو غير مطّرد(3).

و حكي عن أبي حنيفة منع إجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين في عقد

ص: 222


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أولي».
2- العزيز شرح الوجيز 111:6، روضة الطالبين 270:4.
3- العزيز شرح الوجيز 111:6، روضة الطالبين 270:4.

واحد(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمسّ الحاجة إليها لعمارة و غيرها(2).

مسألة 676: إذا آجر سنة، لم يحتج إلي أن يبيّن في العقد تقسيط الأجرة علي شهورها،

مسألة 676: إذا آجر سنة، لم يحتج إلي أن يبيّن في العقد تقسيط الأجرة علي شهورها، و إن كانت المدّة أكثر من سنة، فكذلك لا يجب تقسيطها، عند علمائنا أجمع - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3) - كما لو باع أعيانا تختلف قيمتها صفقة واحدة لا يجب تقدير حصّة كلّ عين منها، و كما لو آجر سنة لا يجب تقدير حصّة كلّ شهر.

و كذا الشهر لا يجب تقسيط أجرته علي أيّامه.

و الثاني: إنّه يحتاج إلي أن يبيّن حصّة كلّ سنة من الأجرة؛ لأنّ عقد الإجارة معرّض للفسخ بتلف المعقود عليه، فإذا أطلق الأجرة لجميع المدّة ثمّ لحقها الفسخ بتلف العين أو غيره، تنازعا في قدر الواجب من الأجرة، و احتيج إلي تقسيط الأجرة علي المدّة علي حسب قيمة المنافع، و ذلك ممّا يشقّ و يتعذّر جدّا، فشرط في عقدها تقسيط الأجرة لكلّ سنة ليستغني عن ذلك(4).

و يبطل بعدم وجوب التقسيط في السنة الواحدة، مع ورود ما ذكروه

ص: 223


1- فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 311:2، الهداية - للمرغيناني - 3: 232، العزيز شرح الوجيز 112:6.
2- العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.
3- الحاوي الكبير 406:7-407، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 111:8، بحر المذهب 279:9، الوجيز 233:1، الوسيط 168:4، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 433:4، البيان 222:7-223، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.
4- الحاوي الكبير 406:7-407، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 111:8، بحر المذهب 279:9، الوجيز 233:1، الوسيط 168:4، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 433:4، البيان 222:7-223، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.

فيه، و النزاع ينقطع بتوزيع الأجرة المسمّاة علي قيمة منافع السنين، كالسنة.

و بني بعض الشافعيّة القولين هنا علي القولين فيما إذا أسلم في شيئين أو في شيء إلي أجلين، ففي قول يجوز؛ أخذا بظاهر السلامة، و في قول لا يجوز؛ لما عساه يقع من الجهالة بالأجرة(1).

و حكي بعض الشافعيّة طريقة قاطعة بأنّه لا يجب التقدير(2).

تذنيب: لو قسّط الأجرة علي أجزاء المدّة تقسّطت، سواء كانت شهورا أو سنين أو أيّاما، و سواء تفاوتت الأجزاء في التقسيط أو اتّفقت، و سواء تساوت الأجزاء في الأجرة أو اختلفت، فإذا قالا: حصّة الشهر الأوّل من السنة كذا و حصّة الشهر الثاني منها كذا و حصّة الثالث كذا، فإذا تلفت العين المستأجرة في أثناء المدّة كانت أجرة ما مضي بحسب ما ذكر.

مسألة 677: لا بدّ من تقييد المدّة و تعيين ابتدائها و انتهائها،

مسألة 677: لا بدّ من تقييد المدّة و تعيين ابتدائها و انتهائها، فإذا قال:

آجرتك سنة أو شهرا، و قصد الإطلاق علي معني سنة من السنين أو شهر من الشهور، لم يكف تعيين القدر، بل لا بدّ من تعيين المبدأ، و يكفي حينئذ عن تعيين المنتهي، و بالعكس، بلا خلاف.

و إن لم يقصد ذلك، حمل علي ما يتّصل بالعقد - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أظهر القولين، و أحمد في إحدي الروايتين(3) -

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 112:6.
2- العزيز شرح الوجيز 112:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 662:2-1174/663، بداية المجتهد 2: 226، التلقين: 399، المعونة 1089:2، بدائع الصنائع 181:4، المبسوط - للسرخسي - 131:15، نهاية المطلب 112:8، الوسيط 168:4، التهذيب - للبغوي - 431:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 10:6، الشرح الكبير 59:6.

لقوله تعالي في قصّة شعيب عليه السّلام: عَلي أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (1) و لم يذكر ابتداءها، و لأنّه المفهوم المتعارف، و لأنّه تقدير للمدّة ليس فيها قربة، فوجب أن يكون عقيب السبب الموجب، كمدّة السّلم [و الإيلاء](2).

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا بدّ من تعيين المبدأ، و لا يكفي الإطلاق، بل يجب أن يقول: من الآن، أو من هذا الوقت، و لا يجوز الإطلاق و لا شرط التأخير عنده؛ لأنّ العقد هنا وقع علي المدّة دون الذمّة، فصار حكم الشهور فيها حكم الأعيان، و إذا أطلق العين في الأعيان لم يجز كذا هنا، و كالنذر، فإنّه لو نذر صوم شهر لم يتعيّن عقيب العقد(3).

و نمنع مساواة الأعيان؛ لتساويها بالنسبة إلي العرف، و هنا العرف فيه ثابت، و هو انصراف الإطلاق إلي الاتّصال بالعقد، و فارق النذر؛ لأنّه قربة.

تذنيب: لو قال: آجرتك شهرا من السنة، لم يصح قولا واحدا؛ للإبهام، و اختلاف الأغراض، و لا يفهم من هذا الاتّصال بالعقد.

و كذا يبطل لو قال: آجرتك يوما من الشهر.

مسألة 678: لو قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم، و أطلق،

مسألة 678: لو قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم، و أطلق، أو قال: من الآن، بطل، لأنّه لم يبيّن لها مدّة - و هو أحد قولي الشافعي(4) - فإنّ

ص: 225


1- سورة القصص: 27.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و إلاّ فلا». و هو تصحيف.
3- نهاية المطلب 112:8، الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 431:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 10:6، الشرح الكبير 59:6.
4- الحاوي الكبير 407:7، المهذّب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 8: 113، بحر المذهب 268:9، الوسيط 169:4، حلية العلماء 392:5،

لفظة «كلّ» اسم للعدد، فإذا لم يقدّره كان مبهما، و إذا كانت مدّة الإجارة مجهولة بطل العقد، كما لو قال: آجرتك إلي قدوم الحاجّ.

و قال الشافعي في الإملاء: تصحّ في الشهر الأوّل خاصّة، و تبطل فيما بعده، و به قال أبو حنيفة و أصحابه، إلاّ أنّ أبا حنيفة و أصحابه قالوا: لكلّ واحد منهما عند انقضاء الشهر أن يفسخ، فإن لم يفعلا حتّي مضي يوم من الشهر الثاني، فليس لواحد منهما أن يفسخ؛ لأنّ الشهر الأوّل معلوم، و أجرته معلومة، فوجب أن تصحّ الإجارة فيه، كما لو أفرده، و إنّما قال أبو حنيفة: إذا لم يفسخا حتّي مضي من الشهر يوم لزمه؛ لأنّه قد اتّصل بالعقد الفاسد القبض(1).

و قد بيّنّا أنّ لفظة «كلّ» مبهمة، و ليس شيء ممّا تناوله معلوما(2) ، و ما قالوه في الشهر الأوّل مثله في الثاني، مع أنّهم منعوا من تناوله للثاني، فلم يصح ما قالوه.

و أمّا لزوم العقد في الشهر الثاني بالشروع فيه فلا وجه له؛ لأنّ عند أبي حنيفة لا يلزم العقد الفاسد في الأعيان بالقبض، و لا يضمن أيضاه.

ص: 226


1- الحاوي الكبير 407:7، المهذب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 8: 113، بحر المذهب 268:9، الوسيط 169:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 263:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 22:6-23، الشرح الكبير 31:6-32، مختصر القدوري: 103، بدائع الصنائع 182:4، الاختيار لتعليل المختار 88:2 - 89، الهداية - للمرغيناني - 239:3.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معلوم». و الظاهر ما أثبتناه.

بالمسمّي(1) ، و لم يحصل أيضا القبض.

و قال مالك: الإجارة جائزة صحيحة، و كلّما مضي شهر استحقّ، إلاّ أنّها لا تكون لازمة؛ لأنّ المنافع مقدّرة بتقدير الأجرة، فلا يحتاج إلي ذكر المدّة إلاّ في اللزوم(2).

و هو غلط؛ لأنّ الأجرة مقدّرة في كلّ شهر، و جملة الأشهر مجهولة، و الإجارة عقد لازم، و لا يجوز أن يقع غير لازم.

مسألة 679: لو قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم، لم يصح؛

مسألة 679: لو قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم، لم يصح؛ للجهالة في التقدير؛ إذ لم يعيّن مقدار الشهور، و هو قول أكثر الشافعيّة؛ لأنّه لم يضف الإجارة إلي جميع السنة(3).

و قال ابن سريج: إنّه يصحّ في شهر واحد، دون ما زاد(4).

قالوا: فلو قال: «بعتك كلّ صاع من هذه الصبرة بدرهم» إنّه لم يضف البيع إلي جميع الصبرة، بخلاف ما إذا قال: «بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» و كان ينبغي أن يفرّق بين أن يقول: «بعتك من هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» [و يصحّ العقد في الجميع، و بين أن يقول: «بعتك من هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم»] فيحكم بالبطلان هنا، أو يصحّح في صاع واحد، كما

ص: 227


1- كما في بحر المذهب 268:9، و راجع الاختيار لتعليل المختار 33:2-34، و الهداية - للمرغيناني - 51:3.
2- بحر المذهب 268:9، حلية العلماء 393:5، البيان 263:7، المغني 6: 22، الشرح الكبير 31:6.
3- الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 6: 112، روضة الطالبين 271:4.
4- الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 6: 112، روضة الطالبين 271:4.

نقلناه عن ابن سريج، و كذلك ينبغي أن يفرّق في الإجارة(1).

و قد حكم بالتساوي بعض الشافعيّة بين قوله: «بعتك كلّ صاع من هذه الصبرة بدرهم» و بين أن يقول: «بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» و صحّح البيع في جميع الصبرة باللفظين(2).

و لو قال: آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه، لم يصح أيضا؛ لعدم التعيين إن حمل علي شهر غير معيّن، و إن حمل علي الاتّصال باللفظ صحّ العقد في الشهر الواحد، و بطل في الزائد.

و لو قال: آجرتك شهرا من (شهور)(3) هذه السنة، و لم يكن قد بقي من السنة إلاّ شهر واحد، صحّ، و إن بقي أكثر من شهر واحد، لم يصح؛ للجهالة.

مسألة 680: لو جعل المنتهي ما يقع علي اثنين، فالأقرب: حمل الإطلاق علي الأقرب منهما،

مسألة 680: لو جعل المنتهي ما يقع علي اثنين، فالأقرب: حمل الإطلاق علي الأقرب منهما، فإذا قال: آجرتك إلي ربيع، حمل علي ربيع الأوّل، و كذا إلي جمادي، حمل علي جمادي الأولي.

و لو قال: إلي العيد، حمل علي الأقرب منهما إلي العقد.

و يحتمل وجوب التعيين؛ لأنّه مشترك بين الجميع و صالح لهما، فلا بدّ من التعيين، فإذا قال: إلي العيد، افتقر إلي أن يعيّن الفطر أو الأضحي من هذه السنة أو سنة كذا.

و كذا لو علّق الحكم بشهر يقع اسمه علي شهرين - كجمادي و ربيع -

ص: 228


1- العزيز شرح الوجيز 112:6-113، روضة الطالبين 271:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- نهاية المطلب 114:8، العزيز شرح الوجيز 113:6، روضة الطالبين 271:4.
3- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.

يجب أن يذكر الأوّل أو الثاني من سنة كذا، و به قال بعض العامّة(1).

و لو قال: إلي الجمعة أو السبت أو غيرهما من الأيّام، فإن حملنا علي الأقرب في الشهر، فكذا هنا يحمل علي الجمعة الأدني، و إلاّ وجب التعيين، فإن أهمل بطل.

و لو قال: إلي رجب و شعبان أو غيرهما من الأشهر المفردة، فإن حمل علي الأقرب، فكذا هنا، و إلاّ وجب أن يعيّن من سنة كذا.

و لو علّقه بعيد من أعياد الكفّار - كفصح النصاري و عيد السعانين(2) - فإن علماه صحّ، و إلاّ فلا.

و إذا استأجر إلي ربيع الأوّل، حلّ الأجل بأوّل جزء منه، و لو استأجر ربيع الأوّل، حلّ بآخره، و كذا غيره من الشهور.

مسألة 681: لو استأجره إلي العشاء، فآخر المدّة غروب الشمس -

مسألة 681: لو استأجره إلي العشاء، فآخر المدّة غروب الشمس - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لقوله تعالي: وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ (4) يعني العتمة.

و قال عليه السّلام: «لولا أن أشقّ علي أمّتي لأخّرت العشاء إلي ثلث الليل»(5).

و إنّما تعلّق الحكم بغروب الشمس؛ لأنّ هذه الصلاة تسمّي العشاء

ص: 229


1- المغني 9:6، الشرح الكبير 57:6.
2- هو عيد للنصاري أيضا. المحكم و المحيط الأعظم 494:1 «سعن».
3- المغني 13:6، الشرح الكبير 61:6.
4- سورة النور: 58.
5- سنن ابن ماجة 691/226:1، مسند أحمد 16584/90:5، مسند أبي يعلي 447:11-6576/448، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 405:4 - 1538/406، المصنّف - لابن أبي شيبة - 331:1.

الآخرة، فدلّ علي أنّ الأولي المغرب، و هو في العرف كذلك، فوجب أن يتعلّق الحكم به؛ لأنّ المدّة إذا جعلت لوقت إلي وقت تعلّقت بأوّله، كما لو جعلها إلي الليل.

و قال أبو حنيفة و أبو ثور: آخرها زوال الشمس؛ لأنّ العشاء آخر النهار، و آخره النصف الأخير من الزوال، و في خبر ذي اليدين عن أبي هريرة قال: صلّي بنا النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إحدي صلاتي العشي، يعني الظهر و العصر(1)(2).

و نمنع أنّ آخر النهار النصف الأخير من الزوال، و خبر ذي اليدين كذب؛ لامتناع السهو علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و لأنّ لفظ «العشي» غير لفظ العشاء، فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما علي الآخر حتّي يقوم دليل علي اتّفاقهما في المعني، و لو اتّفقا فيه لكن أهل العرف لا يعرفونه، فلا يتعلّق به حكم.

و كذا لو استأجر إلي العشي؛ لأنّ أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرناه.

و إن استأجرها إلي الليل، فهو إلي أوّله.

و كذا إن اكتراها إلي النهار، فهو إلي أوّله.

و قال بعض العامّة: يدخل الليل في الصورة الأولي، و النهار في الثانية، كما في مدّة الخيار(3).6.

ص: 230


1- صحيح مسلم 573/403:1، سنن ابن ماجة 1214/383:1، سنن أبي داود 1: 264-1008/265، سنن الدارمي 351:1، السنن الكبري - للبيهقي - 353:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 182:15، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 346:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 110:2، المغني 13:6، الشرح الكبير 61:6.
3- المغني 14:6، الشرح الكبير 61:6.

و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن استأجر نهارا، فهو إلي غروب الشمس.

و إن استأجر ليلة، فهي إلي طلوع الفجر إجماعا؛ لأنّ اللّه تعالي قال في ليلة القدر: سَلامٌ هِيَ حَتّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ (1).

و لو استأجر يوما، دخل الليل و النهار.

مسألة 682: قد بيّنّا أنّه يجب ضبط المدّة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان،

مسألة 682: قد بيّنّا أنّه يجب ضبط المدّة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، فلو استأجر دابّة لمدّة غزاته، لم يصح - و هو قول الأوزاعي و الشافعي و أحمد(2) - لجهالة المدّة و العمل، فلم يصح، كما لو استأجر لمدّة سفره، و لأنّ مدّة الغزاة قد تطول و قد تقصر، و الفعل يقلّ و يكثر، و نهاية السفر تبعد و تقرب، فلم يجز، فإن فعل فله أجرة المثل.

و رخّص فيها مالك(3) ، و ليس بجيّد.

البحث الثاني: في الضمان.
اشارة

و النظر في أمرين:

الأوّل: فيما إذا كانت العين التي تعلّقت الإجارة بها في يد المستأجر.

مسألة 683: إذا استأجر عقارا أو متاعا أو حيوانا أو إنسانا أو غيره للانتفاع به ثمّ قبض العين التي تعلّقت الإجارة بها،

مسألة 683: إذا استأجر عقارا أو متاعا أو حيوانا أو إنسانا أو غيره للانتفاع به ثمّ قبض العين التي تعلّقت الإجارة بها، كانت أمانة في يده غير مضمونة عليه، إلاّ مع التعدّي أو التفريط، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقّها منها، فكانت أمانة، كما لو قبض الموصي له

ص: 231


1- سورة القدر: 5.
2- المغني 96:6، الشرح الكبير 30:6.
3- المغني 96:6، الشرح الكبير 30:6.

بخدمته سنة، أو قبض الزوج امرأته الأمة، و لأنّه مستحقّ للمنفعة، و لا يمكن استيفاؤها إلاّ بإثبات اليد علي العين، فكانت أمانة عنده، كالنخلة التي اشتري ثمرتها، بخلاف ما لو اشتري سمنا و قبضه في آنية، حيث تكون الآنية مضمونة في يده عند الشافعي في أصحّ الوجهين؛ لأنّه أخذها لمنفعة نفسه، و لا ضرورة في قبض السمن فيها(1).

و الأصحّ: إنّها ليس مضمونة أيضا.

و العارية عند جماعة من العامّة مضمونة مطلقا؛ لأنّه لا يستحقّ منفعتها(2).

و أمّا إذا تلفت العين المستأجرة في يد المستأجر بعد مضيّ المدّة، فكذلك أيضا؛ لأنّها أمانة بعد المدّة؛ إذ لا يجب علي المستأجر ردّ العين إلي مالكها، بل الواجب عليه التخلية بينه و بينها، و التمكين له منها إذا طلب؛ لأنّها أمانة، فلا يجب ردّها قبل الطلب، كالوديعة، و هذا أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة(3).

و الأصل فيه أنّ الإجارة عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي ردّه و مؤونته، كالوديعة.

و الظاهر من كلام الشافعي - و به قال مالك - أنّه يجب علي المستأجر الردّ و مؤونته و إن لم يطلب المالك؛ لأنّه غير مأذون في الإمساك بعد المدّة،2.

ص: 232


1- نهاية المطلب 156:8، العزيز شرح الوجيز 145:6.
2- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 273، الهامش (4).
3- الوسيط 187:4، البيان 302:7، العزيز شرح الوجيز 145:6، روضة الطالبين 297:4، الهداية - للمرغيناني - 223:3، المبسوط - للسرخسي - 11: 137، المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1181/664:2.

و لأنّه أخذ لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير(1).

و نحن نخالف في حكم الأصل.

و قال بعض الشافعيّة: لو شرط المؤجر عليه الردّ، لزمه ذلك قطعا(2).

و منعه بعضهم و قال: من لا يوجب الردّ عليه ينبغي أن لا يجوّز شرطه(3).

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا يلزم الردّ، فلا ضمان عليه، و إن قلنا:

يلزم، ضمن ما تلف في يده، إلاّ أن يكون الإمساك لعذر فلا ضمان.

و علي كلّ حال متي طلبها صاحبها وجب عليه تسليمها إليه، فإن امتنع من ردّها مع القدرة لغير عذر، صارت مضمونة - كالمغصوب - بلا خلاف.

مسألة 684: لو شرط المؤجر علي المستأجر ضمان العين، لم يصح الشرط؛

مسألة 684: لو شرط المؤجر علي المستأجر ضمان العين، لم يصح الشرط؛ لأنّه مناف لمقتضي العقد.

و إن وقع ذلك شرطا في الإجارة، فالأقوي عندي: بطلان الإجارة أيضا.

و بين العامّة خلاف في فساد العقود بفساد الشروط التي تضمّنتها(4).

و إنّما قلنا: إنّه لا يصحّ الشرط؛ لأنّ ما لا يجب ضمانه لا يصير بالشرط مضمونا، كما أنّ ما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط.

ص: 233


1- الوسيط 187:4، البيان 301:7، العزيز شرح الوجيز 145:6-146، روضة الطالبين 297:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 664:2-1181/665، المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6.
2- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
3- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
4- المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6.

أمّا لو شرط عليه أن لا يسير بها ليلا أو وقت القائلة أو لا يتأخّر بها عن القافلة أو لا يجعل مسيره في آخر القافلة أو لا يسلك بها واديا أو طريقا معيّنا أو لا يركبه غيره أو لا يسكن الدار سواه أو لا يلبس الثوب غيره أو لا يؤجر العين أو لا يحملها أزيد من المشروط(1) أو لا يحملها إلاّ ما وقع العقد عليه ممّا يساويه أو يقصر ضرره أو يزيد أو لا يتعدّي المكان المعيّن، إلي غير ذلك من الشروط فخالف، ضمن إجماعا؛ لأنّه متعدّ، فيضمن ما تلف في يده، كما لو شرط أن لا يحمل عليها شيئا فحملها؛ لأنّ الحسن الصيقل سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل اكتري دابّة إلي مكان معلوم فجاوزه، قال: «يحتسب له الأجر بقدر ما جاوز، و إن عطب الحمار فهو ضامن»(2).

و في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السّلام في رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت، فما عليه ؟ قال: «إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسمّ فليس عليه شيء»(3).

مسألة 685: إذا كانت الإجارة فاسدة، لم يضمن المستأجر العين أيضا

مسألة 685: إذا كانت الإجارة فاسدة، لم يضمن المستأجر العين أيضاإذا تلفت بغير تفريط و لا عدوان؛ لأنّه عقد لا يقتضي صحيحه الضمان فلا يقتضيه فاسده، كالوكالة و المضاربة، و حكم كلّ عقد فاسد حكم صحيحه في وجوب الضمان و عدمه، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، و ما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده، و لأنّ الأصل براءة الذمّة من الضمان؛ لأنّه قبض العين بإذن مالكها، فلم يجب عليه

ص: 234


1- في النّسخ الخطّيّة: «المشترط».
2- الكافي 1/289:5، التهذيب 937/213:7.
3- الكافي 7/291:5، التهذيب 942/215:7.

ضمانها.

مسألة 686: المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة إذا استوفاها المستأجر ضمنها و ضمن العين أيضا،

مسألة 686: المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة إذا استوفاها المستأجر ضمنها و ضمن العين أيضا، و إن لم يستوفها بل تلفت في يده، فإن قلنا: يلزمه الردّ، ضمنها، و إلاّ فلا.

و للشافعي و جهان(1).

و لو غصبت الدابّة المستأجرة مع دوابّ سائر الناس المرافقين له، فذهب بعضهم في الطلب، و لم يذهب المستأجر مع قدرته، إن قلنا:

لا يلزمه الردّ، فلا ضمان عليه، و إن قلنا: يلزم، فإن استردّ من ذهب من غير مشقّة و لا غرامة، فالوجه: إنّه لا ضمان عليه أيضا.

و قالت الشافعيّة: يضمن المستأجر المتخلّف، و إن لحقهم مشقّة أو غرامة، فلا يضمن(2)(3). و ليس بشيء(4).

و لو استأجر قدرا مدّة ليطبخ فيها ثمّ حملها بعد المدّة ليردّها فسقطت الدابّة فانكسرت القدر، فإن لم يفرّط فلا ضمان، و إن فرّط ضمن.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان لا يستقلّ بحمله فلا ضمان، و إن كان يستقلّ فعليه الضمان، أمّا إذا ألزمناه مؤونة الردّ: فظاهر، و أمّا إذا لم نلزمه:

فلأنّ العادة أنّ القدر لا تردّ بالدابّة مع استقلال المستأجر أو استقلال حمّال بها(5).

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا ضمان عليه» بدل «فلا يضمن».
3- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
4- الظاهر أنّ نهاية قول الشافعيّة قوله: «المتخلّف» و موضع قوله: «و ليس بشيء» بعده.
5- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
مسألة 687: لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو الاستعمال في الحرث و غيره فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة،

مسألة 687: لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو الاستعمال في الحرث و غيره فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة، استقرّت الأجرة عليه.

و لا ضمان عليه لو ماتت الدابّة في الاصطبل.

و لو انهدم عليها فهلكت فإن فرّط ضمن، و إلاّ فلا.

و قالت الشافعيّة: إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن تكون الدابّة تحت السقف - كجنح(1) الليل في الشتاء - فلا ضمان، و إن كان المعهود في ذلك الوقت لو خرج بها أن تكون في الطريق، وجب الضمان؛ لأنّ التلف - و الحالة هذه - جاء من ربطها(2).

مسألة 688: للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحهاباللجام للاستصلاح و حثّها علي السير

مسألة 688: للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحها(3) باللجام للاستصلاح و حثّها علي السيرلتلحق القافلة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نخس بعير جابر و ضربه(4).

و كذا يجوز للرائض ضرب الدابّة للتأديب و ترتيب المشي و العدوّ و السير، و للمعلّم ضرب الصبيان للتأديب.

و كلّ هؤلاء إذا ضربوا ضمنوا ما وقع بجناية ضربهم، سواء فعلوا المأذون أو تجاوزوا فيه؛ لأنّ الإذن منوط بالسلامة - و به قال أبو حنيفة

ص: 236


1- جنوح الليل: إقباله. لسان العرب 428:2 «جنح».
2- العزيز شرح الوجيز 147:6، روضة الطالبين 299:4.
3- تكبيح الدابّة: جذبها إليه باللجام و ضرب فاها به كي تقف و لا تجري. لسان العرب 568:2 «كبح».
4- صحيح البخاري 6:7، صحيح مسلم 109/1221:2، و 112/1223، السنن الكبري - للبيهقي - 337:5، و 254:7، مسند أبي يعلي 1850/377:3، مسند أحمد 14568/352:4، و 14608/357.

و الثوري(1) - كغير المستأجر، و به قال الشافعي أيضا في المعلّم يضرب الصبي خاصّة؛ لأنّه يمكنه تأديبه بغير الضرب(2).

و قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و أبو ثور و محمّد: لا ضمان إذا لم يتجاوز أحدهم المأذون؛ لأنّه تلف من فعل مستحقّ، فلم يضمن، كما لو تلف تحت الحمل، و لأنّ الضرب معني تضمّنه عقد الإجارة، فإذا تلف منه لم يضمنه، كالركوب(3).

و الفرق ظاهر.

و لا خلاف في أنّه لو أسرف في التأديب و شبهه أو زاد علي ما يحصل به الغرض أو ضرب من لا عقل له من الصبيان، فعليه الضمان.

تذنيب: يجب علي المستأجر سقي الدابّة و علفها وقت الحاجة بمجري العادة، فإن فرّط في ذلك ضمن، و يرجع علي المالك، إلاّ أن2.

ص: 237


1- مختصر القدوري: 102، الهداية - للمرغيناني - 237:3، المبسوط - للسرخسي - 174:15، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 109:2، الحاوي الكبير 428:7، بحر المذهب 327:9، حلية العلماء 447:5، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1177/663:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.
2- الحاوي الكبير 434:7، بحر المذهب 331:9، البيان 337:7، العزيز شرح الوجيز 149:6-150، روضة الطالبين 300:4، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1177/663:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 209:2، الحاوي الكبير 428:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 326:9، الوسيط 187:4، حلية العلماء 447:5، التهذيب - للبغوي - 467:4، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6، روضة الطالبين 4: 303، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6، المبسوط - للسرخسي - 15: 174، الهداية - للمرغيناني - 237:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.

يشترط علي المستأجر فلا يرجع.

النظر الثاني: فيما إذا كانت العين في يد الأجير.

مسألة 689: الأجير إمّا مشترك أو منفرد مختصّ.

مسألة 689: الأجير إمّا مشترك أو منفرد مختصّ. فالمشترك هو الذي يتقبّل العمل في ذمّته، كالخيّاط يتقبّل خياطة الثوب، و الحائك يتقبّل نساجة الغزل، و الصائغ يتقبّل صياغة الحليّ، و أشباه ذلك، فإذا التزم لواحد أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل أو غيره، فكأنّه مشترك بين الناس.

و المنفرد المختصّ هو الذي آجر نفسه مدّة مقدّرة لعمل، فلا يمكنه أن يتقبّل مثل ذلك العمل و لا غيره لغيره في تلك المدّة.

و قيل: المشترك هو الذي شاركه في الرأي، فقال: اعمل في أيّ موضع شئت، و المنفرد هو الذي عيّن عليه العمل و موضعه(1).

إذا عرفت هذا، فالمال في يد الأجير - كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته، و العبد إذا استؤجر لتعليمه أو إرضاعه، و الدابّة إذا استؤجر لرياضتها - إذا تلف في يد الأجير، فلا يخلو إمّا أن يكون الأجير منفردا باليد بأن يسلّم المالك الثوب إلي الخيّاط ليخيطه في ملك الخيّاط و صاحبه ليس معه، أو لا، فإن كان منفردا باليد فإمّا أن يكون مشتركا أو مختصّا.

فإن كان مشتركا، فإن تلفت العين في يده لا بسببه من غير تفريط و لا تعدّ، لم يضمن - و به قال عطاء و طاوس و زفر و أحمد و إسحاق(2) -

ص: 238


1- كما في العزيز شرح الوجيز 147:6، و روضة الطالبين 299:4.
2- المغني 118:6، الشرح الكبير 136:6، الاختيار لتعليل المختار 83:2، -

لأنّها عين مقبوضة بالإجارة، فلم تكن مضمونة، كالعين المستأجرة.

و لأنّ خالد بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام: عن الملاّح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص، فقال: «إن كان مأمونا فلا تضمّنه»(1).

و عن أبي بصير قال: سألته عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم أنّه سرق من بين متاعه، قال: «فعليه أن يقيم البيّنة أنّه سرق من بين متاعه، و ليس عليه شيء، و إن سرق (عليه متاعه)(2) فليس عليه شيء»(3).

و عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «في الصائغ و القصّار ما يسرق منهم من شيء فلم يخرج منه علي أمر بيّن أنّه قد سرق و كلّ قليل أو كثير فهو ضامن، و إن فعل فليس عليه شيء و إن لم يفعل و لم يقم البيّنة و زعم أنّه قد ذهب الذي ادّعي عليه فقد ضمنه، إلاّ أن يكون له علي قوله البيّنة» و عن رجل استأجر أجيرا فأقعده علي متاعه فسرق، قال: «هو مؤتمن»(4).

و للشافعيّة في الأجير المشترك طريقان:

أصحّهما عندهم: إنّ فيه قولين:

أحدهما: يضمن - و به قال مالك و ابن أبي ليلي و أحمد في رواية -

ص: 239


1- التهذيب 947/217:7.
2- - تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 210:4، وسائل الأسلاف إلي مسائل الخلاف: 531، مختصر اختلاف العلماء 1767/85:4، و 1811/119، الهداية - للمرغيناني - 244:3، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 335:7 - 336، العزيز شرح الوجيز 148:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.
3- الكافي 4/242:5، التهذيب 953/218:7.
4- التهذيب 952/218:7.

لقوله عليه السّلام: «علي اليد ما أخذت حتّي تردّ»(1).

و لأنّ الشافعي رواه بإسناده عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء و يقول: «لا يصلح الناس إلاّ هذا»(2) فضمّنه عليّ عليه السّلام صيانة لأموال الناس عن خيانة المحترفة.

و قد روي من طريق الخاصّة عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الأجير المشارك هو ضامن إلاّ من سبع أو غرق أو حرق أو لصّ مكابر»(3).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن الصبّاغ و القصّار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس، و كان لا يضمّن من الغرق و الحرق و الشيء الغالب»(4).

و لأنّه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق، فضمنها، كالعارية.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يضمن، كما لا يضمن المستأجر، و ليس أخذه إيّاه لمحض غرضه، بل هو لغرضه و غرض المالك، فأشبه عامل القراض.

الطريق الثاني: القطع بعدم الضمان(5).9:

ص: 240


1- ورد نصّه في المبسوط - للسرخسي - 156:9، و تحفة الفقهاء 91:3.
2- الأم 96:7، و كما في السنن الكبري - للبيهقي - 122:6، و المغني 119:6، و الشرح الكبير 134:6 و 136.
3- الكافي 7/244:5، التهذيب 216:7-945/217.
4- الكافي 5/242:5، التهذيب 956/219:7، الاستبصار 471/131:3.
5- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 9:

قال الربيع: إنّ مذهب الشافعي عدم الضمان، و أنّ الأجراء لا يضمنون، إلاّ أنّه كان لا يبوح به خوفا من أجراء السوء(1).

و قد روي الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الصبّاغ و القصّار، فقال: «ليس يضمنان»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذا الخبر أنّهما لا يضمنان إذا كانا مأمونين، فأمّا إذا اتّهمهما ضمنا(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: إن تلف بأمر ظاهر - كالحريق و النهب - فلا ضمان، و إن تلف بغير ذلك ضمن(4).

و عليه دلّت رواية(5) أمير المؤمنين عليه السّلام.0.

ص: 241


1- الأم 97:7، بحر المذهب 321:9-322، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- التهذيب 964/220:7، الاستبصار 477/132:3.
3- التهذيب 220:7، ذيل ح 964.
4- الاختيار لتعليل المختار 82:2، تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 4: 210، مختصر اختلاف العلماء 1767/85:4، الهداية - للمرغيناني - 244:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 124:2، بحر المذهب 322:9، حلية العلماء 447:5، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6، عيون المجالس 4: 1268/1803.
5- 321، الوسيط 188:4، حلية العلماء 446:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 335:7-336، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 4: 299، بداية المجتهد 232:2، عيون المجالس 1802:4-1268/1803، المبسوط - للسرخسي - 81:15، مختصر اختلاف العلماء 85:4 و 1767/86، و 1811/119، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2، المغني 118:6، الشرح الكبير 135:6.

و قال أبو حنيفة: إن تلف بفعله ضمن و إن كان الفعل المأذون فيه، و إن تلف بغير ذلك لم يضمن؛ لأنّ العمل مضمون علي الأجير، و لهذا لو تلفت العين قبل أن يسلّمها سقطت أجرته، و ما تولّد من المضمون يكون مضمونا، كالجراحة(1).

و اعترضه الشافعيّة: بأنّ التلف حصل من الفعل المأذون فيه، فلم يضمنه، كالأجير المنفرد(2).

و نقضوا ما ذكره بما إذا سلّم الدابّة إليه ليرعيها فماتت من ذلك، فإنّه سلّم ذلك(3).

و كذلك الأجير المنفرد فعله مضمون عليه، بخلاف ما ذكرناه؛ لأنّه متعدّ بالجراحة، بخلاف العمل.

قال المزني: لا ضمان علي المشترك؛ لثلاثة أوجه:

الأوّل: إنّه(4) قطع بأن لا ضمان علي الحجّام يأمره الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو [يبيطر](5) دابّته.

الثاني: قال: ما علمت أنّ أحدا ضمّن الراعي المنفرد بالأجرة،ر.

ص: 242


1- الاختيار لتعليل المختار 82:2، تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 210:4 و 211، الهداية - للمرغيناني - 24:3، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 9: 322، حلية العلماء 447:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- بحر المذهب 322:9.
3- راجع: المبسوط - للسرخسي - 161:15.
4- أي: الشافعي.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يمتطي»، و المثبت كما في المصدر.

و لا فرق عندي بينه في القياس و بين المشترك.

الثالث: قال: قد قال الشافعي: لو اكتري رجلا ليحفظ متاعه في دكّانه فلا ضمان(1).

و أجاب باقي الشافعيّة: بأنّ الحجامة إذا كانت لحرّ، لم يضمن؛ لأنّ الحرّ لا تثبت عليه يد، و لا يضمن ما تولّد من الجناية؛ لأنّه أذن له فيها، و إن كان ذلك بعبد حجمه أو ختنه، فإن كان في ملك صاحبه أو بحضرته فلا ضمان، و إن انفرد فعلي القولين.

و أمّا الراعي فإن أذن له أن يرعي في ملكه أو موضع عيّنه له من موات أو مستعار، فلا ضمان؛ لأنّ ذلك بمنزلة كونها في يده، و إن قال:

ارعها حيث شئت، فتلف منها شيء، فعلي القولين.

و أمّا حافظ متاعه في دكّانه فلا ضمان عليه؛ لأنّه في ملك صاحب المتاع(2).

و سيأتي ما عندنا في ذلك.

مسألة 690: الأجير المنفرد كالمشترك في أنّه لا يضمن ما تلف في يده بغير سببه من غير تفريط و لا تعدّ،

مسألة 690: الأجير المنفرد كالمشترك في أنّه لا يضمن ما تلف في يده بغير سببه من غير تفريط و لا تعدّ، بل هو أولي بنفي الضمان - و به قال الشافعي في أظهر قوليه، و هو أيضا مذهب مالك و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّه عمل غير مضمون، فلم يضمن ما تلف به، كالقصاص و قطع

ص: 243


1- مختصر المزني: 127، بحر المذهب 322:9-323، العزيز شرح الوجيز 6: 149.
2- الحاوي الكبير 427:7، بحر المذهب 323:9، العزيز شرح الوجيز 149:6.
3- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 322:9، الوسيط

يد السارق، و لأنّ الأجير الخاصّ منافعه مختصّة بالمستأجر في المدّة، فكانت يده كالوكيل مع الموكّل، و لأنّ الخاصّ نائب عن المالك في صرف منافعه إلي ما أمره به، فلم يضمن من غير تعدّ، كالمضارب.

و كلّ من قال بنفي الضمان في المشترك ففي المنفرد أولي.

و أمّا من أوجب الضمان هناك فأكثرهم طرّد الخلاف هنا؛ عملا بإسناده(1) عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء(2) ، و هو يندرج فيهم(3).

و قطع بعضهم بنفي الضمان(4).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الطريقين إذا فسّرنا المنفرد بالمعني الأوّل، و هو الذي يقع العقد عليه في مدّة معلومة يستحقّ المستأجر نفعه في جميعها، كرجل استؤجر للخدمة أو العمل في البناء أو الخياطة أو الرعاية يوما أو شهرا، و إنّما سمّي خاصّا؛ لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدّة، دون سائر الناس، و أمّا إن فسّرنا بالمعني الثاني - و هو الذي عيّن عليه العمل و موضعه و لم يشاركه في رأيه - فليس إلاّ القطع بنفي الضمان(5).

فقد حصل للشافعيّة في ضمان الأجير ثلاثة طرق:

أحدها: إثبات قولين فيه.

و الثاني: القطع بأنّه لا يضمن.

ص: 244


1- أي: الشافعي.
2- راجع: الهامش (2) من ص 240.
3- - 189:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 467:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6، روضة الطالبين 299:4، بداية المجتهد 232:2، المغني 121:6، الشرح الكبير 134:6، الاختيار لتعليل المختار 83:2، تحفة الفقهاء 352:2، المبسوط - للسرخسي - 80:15، مختصر القدوري: 102، الهداية - للمرغيناني - 246:3.
4- العزيز شرح الوجيز 148:6.
5- العزيز شرح الوجيز 148:6.

و الثالث: القطع بأنّ المنفرد لا يضمن، و تخصيص القولين بالمشترك(1).

مسألة 691: إذا لم يكن الأجير منفردا باليد - كما إذا قعد المستأجر عنده حتّي يعمل،

مسألة 691: إذا لم يكن الأجير منفردا باليد - كما إذا قعد المستأجر عنده حتّي يعمل، أو حمله إلي بيته ليعمل - فلا ضمان عليه؛ لأنّ المال غير مسلّم إليه في الحقيقة، و إنّما استعان المالك به في شغله، كما يستعين بالوكيل و التلميذ، و قطع بذلك جمهور الشافعيّة(2).

و طرّد بعضهم القولين فيه أيضا، و أثبتوا الخلاف فيه(3) ، كما تقدّم(4).

مسألة 692: إذا أفسد الصانع ضمن و إن كان حاذقا،

مسألة 692: إذا أفسد الصانع ضمن و إن كان حاذقا، كالقصّار يتخرّق الثوب من دقّه أو مدّه أو عصره أو بسطه، أو يحرق الثوب، و الحائك إذا أفسد حياكته، و الطبّاخ إذا أفسد في طبيخه، و الخبّاز إذا أفسد في خبزه، و الحجّام يجني في حجامته، أو الختّان يختن فيسبق موساه إلي الحشفة أو يتجاوز حدّ الختان، و كذا البيطار إذا حاف علي الحافر، و الطبيب الماهر إذا قتل المريض بطبّه أو بوصف دواء عالجه به فتلف، و الفصّاد إذا تعدّي العرق المطلوب أو خرقه أو أجري دما كثيرا أو لم يكن المفصود محتاجا إلي الفصد، و الحمّال إذا سقط حمله عن رأسه أو صدمه غيره فجني عليه أو تلف الحمل من عثرته، و الجمّال إذا تلف شيء بقوده و سوقه أو انقطاع حبله الذي شدّ به حمله، و الملاّح إذا تلف شيء بجذفه(5) أو بما يعالج به

ص: 245


1- كما في العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- التهذيب - للبغوي - 466:4، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 4: 299.
3- العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.
4- في المسألة السابقة.
5- جذف لغة في جدف، و مجذاف السفينة لغة في مجدافها، و هي خشبة في رأسها -

السفينة و إن احتاط كلّ من هؤلاء فإنّه يضمن - و به قال عليّ عليه السّلام و عمر و عبد اللّه بن [عتبة](1) و شريح و الحسن و الحكم و مالك و أحمد و أصحاب الرأي [و أحد قولي الشافعي](2)(3) - لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه الباقر عن عليّ عليهم السّلام أنّه كان يضمّن الصبّاغ و الصوّاغ، و قال:

«لا يصلح الناس إلاّ بذلك»(4).

و روي الشافعي في مسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء، و يقول: «لا يصلح الناس إلاّ هذا»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه يونس عن الرضا عليه السّلام أنّه سأله عن القصّار و الصائغ يضمّنون ؟ قال: «لا يصلح الناس إلاّ بعد أن يضمّنوا» و كان يونس يعمل به و يأخذه(6).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام «أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام رفع إليه رجل

ص: 246


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عمر». و المثبت كما في الإشراف علي مذاهب أهل العلم و المغني و الشرح الكبير.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق و كما في المصادر.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 124:2، المغني 118:6، الشرح الكبير 6: 135، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 335:7، العزيز شرح الوجيز 147:6، روضة الطالبين 299:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1182/665:2، عيون المجالس 1802:4 - 1268/1803، التفريع 189:2، التلقين: 404، المعونة 1110:2، بداية المجتهد 232:2.
4- السنن الكبري - للبيهقي - 122:6، المهذّب - للشيرازي - 415:1، المغني 6: 119، الشرح الكبير 136:6.
5- - لوح عريض يدفع بها السفينة. العين 86:6 «جدف»، لسان العرب 24:9 «جذف».
6- الكافي 10/243:5، التهذيب 958/219:7، الاستبصار 473/132:3.

استأجر رجلا ليصلح بابا فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين عليه السّلام»(1).

و سأل أبو الصباح الصادق عليه السّلام: عن الثوب أدفعه إلي القصّار فيخرقه، قال: «أغرمه فإنّك إنّما دفعته إليه ليصلحه، و لم تدفع إليه ليفسده»(2).

و سأل أيضا أبو الصباح الصادق عليه السّلام: عن القصّار هل عليه ضمان ؟ فقال: «نعم، كلّ من يعطي الأجر ليصلح فيفسد فهو ضامن»(3).

و عن داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام: «في رجل حمل متاعا علي رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شيء فهو ضامن»(4).

و عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه السّلام أنّه أتي بحمّال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه، و كان يقول: «كلّ عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن» فسألته ما المشترك ؟ فقال: «الذي يعمل لي و لك و [لذا](5)»(6).

[و] روي أنّ عليّا عليه السّلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام(7).

و كان عليه السّلام يقول: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه، و إلاّ0.

ص: 247


1- الكافي 9/243:5، التهذيب 219:7-959/220، الاستبصار 474/132:3.
2- التهذيب 960/220:7، الاستبصار 475/132:3، و في الكافي 7/242:5 عن إسماعيل بن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
3- التهذيب 963/220:7، الاستبصار 476/132:3.
4- الفقيه 719/163:3، التهذيب 973/222:7.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذا». و المثبت كما في المصدر.
6- التهذيب 976/222:7.
7- التهذيب 928/234:10.

فهو ضامن»(1).

و عن السكوني عن الصادق عن الباقر عن عليّ عليهم السّلام، قال: «إذا استبرك البعير بحمله فقد ضمن صاحبه»(2).

و عن الحسن(3) بن صالح عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا استقلّ البعير و الدابّة بحملهما فصاحبهما ضامن»(4).

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يضمن إلاّ مع التعدّي(5).

و الاعتماد علي النقل.

مسألة 693: كلّ موضع أوجبنا الضمان فيه علي الأجير فالواجب أقصي القيم من حين التعدّي إلي حين التلف.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: إنّه أعلي القيم من القبض إلي حين التلف.

و الثاني: القيمة يوم التلف(6).

و اعلم أنّ المزني احتجّ علي نفي الضمان: بأنّه لا ضمان علي الحجّام

ص: 248


1- الكافي 364:7 (باب ضمان الطبيب و البيطار) ح 1، التهذيب 925/234:10.
2- التهذيب 971/222:7.
3- في المصدر: «الحسين».
4- التهذيب 972/222:7.
5- الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 299:4، المغني 118:6، الشرح الكبير 136:6.
6- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 9: 323، التهذيب - للبغوي - 467:4، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.

إذا حجم أو ختن، و لا علي البيطار إذا نزع فأفضي إلي التلف، و بأنّ الراعي المنفرد لا ضمان عليه، و بأنّ من اكتراه ليحفظ متاعه في دكّانه لا ضمان عليه(1).

قال بعض الشافعيّة: المحجوم إمّا حرّ فلا تثبت اليد عليه، أو عبد فينظر في انفراده باليد و عدم الانفراد في كونه منفردا أو مشتركا، و الحكم في الأحوال كما سبق في غيره، فلا احتجاج، و كذا القول في الراعي، و أمّا الحافظ فالمال فيه في يد المالك؛ لكون الأجير في دكّانه(2).

و اعلم أنّ عدم الضمان إنّما هو في صورة لا يوجد من الأجير تعدّ فيها، فإن وجد وجب الضمان قطعا، مثل أن يسرف الأجير علي الخبز في الإيقاد، أو يلصق الخبز قبل وقته، أو يتركه في التنّور طويلا فوق العادة حتّي يحترق، أو يضرب الأجير علي التأديب و التعليم الصبيّ فيموت؛ لإمكان تأديب الصبي بغير الضرب.

و لو دفع إلي القصّار ثوبا و شرط عليه أن يعطيه إيّاه في وقت فأخّر، ضمن الثوب إذا ضاع، و كذا الخيّاط و النسّاج و غيرهم؛ لأنّهم فرّطوا بتأخيرهم عن الوقت المشترط.

و لما رواه الكاهلي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام أنّه سأله عن القصّار يسلّم إليه الثوب و اشترط عليه أن يعطي في وقت، قال: «إذا خالف وضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن»(3).2.

ص: 249


1- راجع: الهامش (1) من ص 243.
2- العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.
3- الكافي 6/242:5، التهذيب 957/219:7، الاستبصار 131:3-472/132.
مسألة 694: لا فرق بين أن يكون عمل المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر في الضمان و عدمه،

مسألة 694: لا فرق بين أن يكون عمل المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر في الضمان و عدمه، فلو دفع إلي خبّاز دقيقا فخبزه في تنّوره و ملكه فاحترق، ضمن.

و كذا إذا دفع إلي القصّار الثوب أو إلي الخيّاط فقصره أو خاطه في ملكه وجني عليه، فإنّه يضمن.

و كذا لو كان في ملك المستأجر، فلو دعا خبّازا فخبز له في داره، أو قصّارا أو خيّاطا ليخيط و يقصر عنده، كانوا ضامنين فيما يحصل بفعلهم.

و فرّق الشافعي و جماعة من العامّة بينهما، فقال: يضمن الصانع إن عمل في ملكه، و لا يضمن إن عمل في ملك المستأجر(1).

و لو كان صاحب المتاع مع الملاّح في السفينة، صار كالأجير الخاصّ لا يضمن الملاّح.

و كذا لو كان صاحب المتاع المحمول علي الدابّة راكبا علي الدابّة فوق حمله فعطب المتاع، فلا ضمان علي المكاري؛ لأنّ يد صاحب المتاع لم تزل.

و كذا لو كان صاحب المتاع الجمّال معا راكبين علي الحمل فتلف الحمل، لم يضمنه الجمّال؛ لأنّ صاحب المتاع لم يسلّمه إليه، و نحوه مذهب مالك(2).

قال أصحاب الشافعي: و كذا لو كان العمل في دكّان الأجير، و المستأجر حاضر، أو اكتراه ليعمل له شيئا و هو معه، لم يضمن؛ لأنّ يده

ص: 250


1- المغني 119:6-120، الشرح الكبير 136:6-137.
2- المغني 119:6-120، الشرح الكبير 137:6.

عليه، فلم يضمن من غير جناية(1).

و قال بعض العامّة: لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره، أو كان صاحب العمل حاضرا عنده أو غائبا عنه، أو كونه مع الملاّح أو الجمّال، أو لا، و كلّ ما تلف بجناية الملاّح بجذفه أو بجناية المكاري بشدّة المتاع و نحوه، فهو مضمون عليه، سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن؛ لأنّ وجوب الضمان عليه لجناية يده، فلا فرق بين حضور المالك و غيبته، كالعدوان، و جناية الملاّح و الجمّال إذا كان صاحب المتاع راكبا معه تعمّ المتاع و صاحبه، و تفريطه يعمّهما، فلم يسقط ذلك الضمان، كما لو رمي إنسانا متترّسا فكسر ترسه و قتله(2).

و هو المعتمد عندي.

و لو كان الحمّال يحمل المتاع علي رأسه و صاحب المتاع معه فعثر فسقط فتلف، ضمن، و إن سرق لم يضمن؛ لأنّه في العثار تلف بجنايته، و السرقة ليست منه، و ربّ المال لم يحل بينه و بينه.

مسألة 695: إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ من الملاّح و لا من جذفه و لا من فعله ألبتّة، لم يكن علي الملاّح ضمان؛

مسألة 695: إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ من الملاّح و لا من جذفه و لا من فعله ألبتّة، لم يكن علي الملاّح ضمان؛ لعدم تفريطه، و استناد التلف إلي غير فعله.

و في رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن الصبّاغ و القصّار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس، و كان لا يضمّن

ص: 251


1- المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 321:9، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 335:7، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 4: 299، المغني 120:6، الشرح الكبير 137:6.
2- المغني 120:6، الشرح الكبير 137:6.

من الغرق و الحرق و الشيء الغالب، و إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس ممّا قذف به البحر علي ساحله فهو لأهله، و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم»(1).

و هذا القيد بقوله عليه السّلام: «و تركه صاحبه» لا بدّ منه؛ لأنّه بالترك له صار كالمبيح له، فأشبه الجمل إذا تركه صاحبه من جهد في غير كلاء و لا ماء.

و عن الشعيري عن الصادق عليه السّلام نحوه(2).

مسألة 696: لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا صغارا أو كبارا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده،

مسألة 696: لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا صغارا أو كبارا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده، ضمن؛ لأنّ التلف هنا حصل بجنايته.

و قال بعض العامّة: لا يضمن المكاري فيما تلف من سوقه و قوده؛ إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة؛ لأنّه عقد علي منفعة(3).

و هو خطأ؛ لأنّ الضمان هنا حصل من جهة الجناية، فوجب أن يعمّ بني آدم و غيرهم، كسائر الجنايات.

و ما ذكره ينتقض بجناية الطبيب و الختّان.

مسألة 697: إذا قلنا بالفرق بين الأجير الخاصّ و المشترك في الضمان

مسألة 697: إذا قلنا بالفرق بين الأجير الخاصّ و المشترك في الضمان و عدمه و أوجبنا الضمان علي المشترك دون الخاصّ لو استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصّا، كالخيّاط في دكّانه يستأجر أجيرا مدّة يستعمله فيها فتقبّل صاحب الدكّان خياطة ثوب و دفعه إلي أجيره المختصّ فخرقه أو أفسده، لم يضمنه الأجير الخاصّ، بناء علي القول بالفرق، و ضمنه الخيّاط المشترك صاحب الدكّان؛ لأنّه أجير مشترك.

ص: 252


1- الكافي 5/242:5، التهذيب 956/219:7.
2- التهذيب 822/295:6.
3- المغني 121:6، الشرح الكبير 138:6.

مسأله 698: إذا اختلف الأجير و المستأجر في أمر الأجير هل تعدّي و جاوز المعتاد بعمله أم لا؟ فإن كان ممّا يعرفه أهل الخبرة، رجع إلي عدلين منهم و عمل بقولهما، فإن لم يجد من يراجعه أو لم يمكن معرفته بين أهل الخبرة، فالقول قول الأجير؛ لأصالة براءة ذمّته من الضمان.

و إذا تلف المال في يد الأجير بعد تعدّيه، فالواجب أقصي القيم من وقت(1) التعدّي إلي التلف إن لم نوجب الضمان علي الأجير؛ لأنّه إنّما ضمن من حين العدوان، فما زاد من القيم قبله لم يكن مضمونا.

و إن قلنا بوجوب الضمان عليه و إن لم يتعدّ، وجب عليه أقصي القيم من يوم القبض إلي يوم(2) التلف.

هذا إن قلنا: إنّ الأجير يضمّن بأقصي القيمة(3) من يوم القبض إلي التلف مع عدم التعدّي، و أمّا إذا قلنا: إنّه لا يضمن الأجير إلاّ قيمة يوم التلف مع عدم التعدّي، فالواجب هنا أقصي القيم من يوم التعدّي إلي التلف.

مسألة 699: إذا أتلف الصانع الثوب، فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و لا أجر عليه،

مسألة 699: إذا أتلف الصانع الثوب، فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و لا أجر عليه، و بين تضمينه إيّاه معمولا و يدفع إليه أجره.

و لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول، فصاحبه مخيّر بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلّمه إليه و لا أجر له، و بين تضمينه إيّاه في الموضع الذي أفسده و يعطيه الأجر إلي ذلك المكان.

ص: 253


1- في «ر»: «يوم» بدل «وقت».
2- كلمة «يوم» لم ترد في «ص».
3- الظاهر: «القيم».

و ذلك لأنّه إذا [أحبّ](1) تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه [فله ذلك](2) لأنّه ملكه في ذلك الموضع علي تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ، و إن أحبّ تضمينه قبل ذلك، فلأنّ أجر العمل لا يكون قبل تسليمه إليه، و ما سلّمه فلا يلزمه.

مسألة 700: لو دفع ثوبا إلي قصّار ليقصره، أو إلي خيّاط ليخيطه، أو جلس بين يدي حلاّق ليحلق رأسه،

مسألة 700: لو دفع ثوبا إلي قصّار ليقصره، أو إلي خيّاط ليخيطه، أوجلس بين يدي حلاّق ليحلق رأسه، أو دلاّك ليدلكه ففعل، و بالجملة، كلّ من دفع إلي غيره سلعة ليعمل فيها عملا و لم يجر بينهما ذكر أجرة و لا نفيها، فإن كان ممّن عادته أن يستأجر لذلك العمل - كالغسّال و القصّار - فله أجرة مثل عمله، و إن لم يكن له عادة و كان العمل ممّا له أجرة، فله المطالبة؛ لأنّه أبصر بنيّته، و إن لم يكن ممّا له أجرة بالعادة، لم يلتفت إلي مدّعيها.

و للشافعيّة أوجه:

أصحّها - و يحكي عن نصّ الشافعي -: إنّه لا أجرة له؛ لأنّ المعمول له لم يلتزم عوضا، و عمله كما يجوز أن يكون مقابلا بعوض يجوز أن يكون مجّانا، و صار كما لو قال: أطعمني خبزك، فأطعمه، لا ضمان عليه.

و الثاني: إنّه يستحقّ الأجرة؛ لأنّه استهلك عمله، فلزمه ضمانه.

و الثالث: إنّه إن بدأ المعمول له فقال: افعل كذا، لزمه الأجرة، و إن بدأ العامل فقال: أعطني ثوبك لأقصره، فلا أجرة له؛ لأنّه اختار تفويت

ص: 254


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وجب». و المثبت يقتضيه السياق.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

منافعه.

و الرابع: إن كان العامل معروفا بذلك العمل و أخذ الأجرة عليه، استحقّ الأجرة؛ للعادة، و إلاّ فلا(1).

و لو دخل سفينة بغير إذن صاحبها و سار إلي الساحل، فعليه الأجرة، و إن كان بإذن صاحبها و لم يجر ذكر الأجرة، فعلي الأوجه(2).

و إذا لم نوجب الأجرة، فالثوب أمانة في يد القصّار، و إن أوجبناها فوجوب الضمان علي الخلاف في الأجير المشترك.

مسألة 701: قد بيّنّا أنّه يصحّ الاستئجار لدخول الحمّام.

مسألة 701: قد بيّنّا أنّه يصحّ الاستئجار لدخول الحمّام. و هل المدفوع إلي الحمّامي ثمن الماء و يتطوّع بحفظ الثياب و إعارة السطل ؟ فيه احتمال، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) ، فعلي هذا تكون الثياب غير مضمونة علي الحمّامي، و السطل مضمون علي الداخل عند من يقول بأنّ العارية مضمونة من العامّة(4) ، و أمّا عندنا فلا، أو أنّ المدفوع أجرة الحمّام و السطل و الإزار و حفظ الثياب، و أمّا الماء فإنّه غير مضبوط حتّي

ص: 255


1- الحاوي الكبير 442:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1-418، نهاية المطلب 205:8، بحر المذهب 313:9، الوسيط 189:4-190، حلية العلماء 5: 455، التهذيب - للبغوي - 469:4-470، البيان 356:7، العزيز شرح الوجيز 150:6-151، روضة الطالبين 301:4.
2- الحاوي الكبير 442:7-443، التهذيب - للبغوي - 470:4، العزيز شرح الوجيز 151:6، روضة الطالبين 301:4.
3- الحاوي الكبير 427:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 9: 325، الوسيط 190:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 468:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 151:6، روضة الطالبين 301:4-302.
4- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 273، الهامش (4).

يقابل بالعوض ؟ فيه احتمال أيضا، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ من دخل الحمّام تلزمه الأجرة و إن لم يجر لها ذكر بينهما؛ لأنّ الداخل مستوف منفعة الحمّام بسكونه، و حينئذ يكون السطل غير مضمون علي الداخل؛ لأنّه مستأجر، و الحمّامي أجير مشترك في الثياب، فلا يضمن علي الأصحّ، كسائر الأجراء.

و قد روي غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين»(2).

مسألة 702: إذا دفع الثوب إلي الخيّاط فخاطه، أو إلي القصّار فقصره، ثمّ تلف الثوب،

مسألة 702: إذا دفع الثوب إلي الخيّاط فخاطه، أو إلي القصّار فقصره، ثمّ تلف الثوب، فإن لم يكن الأجير منفردا باليد بل عمل في ملك المستأجر أو بمحضر منه، لم تسقط أجرته.

و إن كان منفردا باليد - كما لو قصر القصّار الثوب في منزله منفردا عن المالك - فإن قلنا: القصارة عين، سقطت أجرته، و عليه قيمة ثوب غير مقصور إن ضمّنّا الأجير أو وجد منه تعدّ، و إلاّ فلا شيء عليه، و إن قلنا:

القصارة أثر، لم تسقط الأجرة.

ثمّ إن ضمّنّا الأجير، فعليه قيمة ثوب مقصور، و إلاّ فلا شيء عليه.

و لو أتلف أجنبيّ الثوب بعد قصارته، فإن قلنا: القصارة أثر، فللأجير

ص: 256


1- الحاوي الكبير 427:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 9: 325، الوسيط 190:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 468:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 152:6، روضة الطالبين 302:4.
2- الكافي 242:5-8/243، التهذيب 218:7-954/219.

الأجرة، و علي [الأجنبيّ](1) القيمة، و المستأجر علي القول بتضمين الأجير يتخيّر بين مطالبة الأجير، و بين مطالبة الأجنبيّ، و يستقرّ الضمان علي الأجنبيّ.

و إن قلنا: إنّها عين، جاء الخلاف - الذي للشافعيّة(2) - هنا فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض، فإن قلنا: ينفسخ العقد، فهو كما لو تلف، و إلاّ فللمستأجر الخيار في فسخ الإجارة و إجازتها.

فإن أجاز و لم نضمّن الأجير، فتستقرّ له الأجرة، و المستأجر يغرّم الأجنبيّ قيمة ثوب مقصور، و إن ضمّنّاه، فالمستأجر بالخيار إن شاء غرّم الأجنبيّ قيمة ثوب مقصور، و إن شاء غرّم الأجنبيّ قيمة القصارة، و الأجير قيمة ثوب غير مقصور [ثمّ الأجير يرجع علي الأجنبيّ.

و إن فسخ الإجارة، فلا أجرة عليه، و يغرّم الأجنبيّ قيمة ثوب غير مقصور](3) و إن ضمّنّا الأجير، غرّم القيمة من شاء منهما، و القرار علي الأجنبيّ، و يغرّم الأجنبيّ للأجير قيمة القصارة.

و لو أتلف الأجير الثوب بنفسه، فإن قلنا: القصارة أثر، فله الأجرة، و عليه قيمة ثوب مقصور.

و إن قلنا: عين، جاء الخلاف في أنّ إتلاف البائع كالآفة السماويّة، أو كإتلاف الأجنبيّ؟ فإن قلنا: كالآفة السماويّة، فالحكم ما سبق، و إن قلنا:ة.

ص: 257


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجير». و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 152:6، روضة الطالبين 302:4.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 153:6، و روضة الطالبين 4: 302 حيث يقتضيه سياق العبارة.

كإتلاف الأجنبيّ و أثبتنا للمستأجر الخيار، فإن فسخ الإجارة، سقطت الأجرة، و علي الأجير قيمة ثوب غير مقصور، و إن أجازها، استقرّت، و عليه قيمة ثوب مقصور.

و صبغ الثوب بصبغ صاحب الثوب كالقصارة.

و إن استأجر ليصبغ بصبغ من عنده، قال بعض الشافعيّة: هو جمع بين البيع و الإجارة، ففيه الخلاف المشهور، و سواء صحّ أو لم يصح إذا هلك الثوب من عنده، سقطت قيمة الصبغ، و سقوط الأجرة علي ما ذكرنا في القصارة(1).

مسألة 703: لو سلّم إلي خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به إلي المالك مخيطا،

مسألة 703: لو سلّم إلي خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به إلي المالك مخيطا، استحقّ الأجرة إن خاطه قبل الجحود.

و إن جحده أوّلا ثمّ خاطه، فللشافعيّة و جهان، أحدهما: إنّه لا يستحقّ شيئا - و به قال أبو حنيفة - لأنّه عمل لنفسه(2).

و خرّج بعض الشافعيّة الوجهين علي القولين في الأجير في الحجّ إذا صرف الإحرام إلي نفسه هل يستحقّ الأجرة ؟(3).

و يقال: إنّ أبا حنيفة لمّا جلس أبو يوسف للإفتاء بين الناس و انفرد عنه و تصدّي للدرس و انعزل عن أبي حنيفة امتحنه بهذا الفرع و أمر السائل بتخطئته إن أطلق الجواب ب «لا» أو ب «نعم» فأطلق الجواب ب «نعم» فقال له السائل: أخطأت، فأطلق الجواب ب «لا» فقال له السائل: أخطأت(4).

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 153:6، روضة الطالبين 303:4.
2- العزيز شرح الوجيز 153:6، روضة الطالبين 303:4.
3- العزيز شرح الوجيز 153:6.
4- تاريخ بغداد 349:13، العزيز شرح الوجيز 153:6.
مسألة 704: مستأجر العين أمين عليها - علي ما تقدّم - لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط،

مسألة 704: مستأجر العين أمين عليها - علي ما تقدّم(1) - لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط، فإن فرّط أو تعدّي، ضمن إجماعا.

فلو استأجر دابّة فضربها فوق العادة أو كبحها باللّجام بخلاف العادة فتلفت أو عابت، ضمن؛ لتعدّيه.

و عادة الضرب تختلف في حقّ الراكب و الرائض و الراعي، فكلّ واحد من هؤلاء يراعي عادة أمثاله، فإن تجاوزها ضمن، و يحتمل من الأجير للرياضة و الرعي ما لا يحتمل من المستأجر للركوب.

و أمّا الضرب المعتاد إذا أفضي إلي التلف فإنّه لا يوجب ضمانا - خلافا لأبي حنيفة(2) - و ذلك يخالف ضرب الزوج زوجته، فإنّه يكون مضمونا و إن كان سائغا؛ لأنّه يمكن تأديب الآدمي بغير الضرب، و كذا ضرب المعلّم الصبيّ.

و إذا نام في الثوب الذي استأجره بالليل أو نقل فيه التراب أو ألبسه عصّارا أو دبّاغا دون من هو في [مثل] حاله، أو أسكن الدار قصّارا أو حدّادا دون من هو في مثل حاله، ضمن؛ لأنّه متعدّ بذلك.

مسألة 705: لو استأجر دابّة للركوب فأركبها مساويه أو من هو دونه، فلا ضمان.

مسألة 705: لو استأجر دابّة للركوب فأركبها مساويه أو من هو دونه، فلا ضمان. و إن أركب من هو أثقل منه، فإن كان الثاني عالما ضمن، و للمالك

ص: 259


1- في ص 231، المسألة 683.
2- مختصر القدوري: 102، المبسوط - للسرخسي - 174:15، بدائع الصنائع 4: 213، الفقه النافع 886/1122:3، الاختيار لتعليل المختار 81:2، الهداية - للمرغيناني - 237:3، نهاية المطلب 163:8، بحر المذهب 327:9، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6.

الخيار في تضمين من شاء منهما، و يستقرّ الضمان علي الثاني، و إن كان الثاني جاهلا ضمن الأوّل خاصّة.

و لو كان الثاني مساويا للأوّل أو أقلّ ثقلا منه فجاوز العادة في الضرب أو السير، ضمن الثاني خاصّة، دون الأوّل؛ لأنّ الأوّل لم يتعدّ، بل الثاني.

و لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس، ضمن، و كذا لو استأجر لحمل مائة منّ من الحنطة فحمل مائة منّ من الشعير أو بالعكس؛ لأنّ الشعير أخفّ وزنا من الحنطة، فمأخذه من ظهر الدابّة أكثر، و الحنطة أثقل، فيجتمع ثقلها علي الموضع الواحد.

و لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من الحنطة فحمل عشرة أقفزة من الشعير، لم يضمن؛ لأنّ المقدارين في الحجم سواء، و الشعير أخفّ، و بالعكس يضمن؛ لزيادة ثقل الحنطة.

و لو استأجر ليركب بسرج فركب بغير شيء، ضمن؛ لأنّه أضرّ بالدابّة، و كذا بالعكس؛ لأنّه حملها فوق المشروط.

و لو استأجر ليحمل عليها بالأكاف فحمل بالسرج، ضمن؛ لأنّه أشقّ علي الدابّة، و بالعكس لا يضمن، إلاّ أن يكون أثقل.

و لو استأجر ليركب بالسرج فركب بالأكاف، ضمن، و بالعكس لا يضمن، إلاّ أن يكون أثقل، و علي هذا القياس.

مسألة 706: إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر،

مسألة 706: إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر، فإن كانت الزيادة بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين في ذلك المقدار، فلا عبرة بها، و لا توجب ضمانا.

ص: 260

و إن كانت أكثر، مثل أن يستأجر ليحمل له قفيزا فحمل قفيزا و مكّوكا(1) ، فإن كان المستأجر هو الذي كال الطعام و حمله بنفسه و تركه علي ظهر الدابّة، ضمن الدابّة؛ لتعدّيه، و كان عليه أجرة المثل لما زاد، و هو المشهور بين الفقهاء(2).

و للشافعي قول آخر: إنّ المؤجر يأخذ أجرة المثل للكلّ(3).

و قول ثالث: إنّه يتخيّر بين المسمّي و ما دخل الدابّة من نقص، و بين أن يأخذ أجرة المثل(4).

و قول رابع: إنّه بالخيار بين المسمّي و أجرة المثل للزيادة، و بين أجرة المثل للكلّ(5).

و إن تلفت الدابّة بالحمل، فإن انفرد المستأجر باليد و لم يكن معها صاحبها، فعليه ضمانها باليد العادية؛ لأنّه صار بحمل الزيادة غاصبا، و إن كان معها صاحبها ضمن بالجناية.

و في القدر المضمون للشافعي قولان:

أحدهما: النصف؛ لأنّ التلف تولّد من جائز و غير جائز، فانقسم الضمان عليهما، كما لو جرح نفسه جراحات و جرحه غيره جراحة واحدة، فإنّه يجب نصف الدية علي صاحب الجراحة الواحدة.

و الثاني: إنّ قيمة البهيمة توزّع علي الأصل و الزيادة، فيضمن بقسط4.

ص: 261


1- المكّوك: مكيال معروف لأهل العراق. لسان العرب 491:10 «مكك».
2- كما في العزيز شرح الوجيز 155:6، و روضة الطالبين 304:4.
3- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 304:4.
4- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 304:4-305.
5- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.

الزيادة؛ لأنّ التوزيع علي المحمول متيسّر، بخلاف الجراحات، فإنّ نكاياتها لا تنضبط، و لا معني لرعاية مجرّد العدد(1).

قالوا: و هذا الخلاف مبنيّ علي القولين فيما إذا كان الجلاّد قد زاد في الجلد واحدا علي المائة هل يضمن نصف الدية أو جزءا من مائة و واحد من الدية ؟ و التوزيع عندهم أقرب(2).

و لهم قول ثالث: إنّه يضمن جميع القيمة - و هو المعتمد عندي - كما لو انفرد باليد(3).

و لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام: إنّه سأله عن رجل تكاري دابّة إلي مكان معلوم فنفقت الدابّة، فقال: «إن كان جاز الشرط فهو ضامن»(4) و لا فرق بين الزيادة في المسافة و الزيادة في الحمل.

و لأنّه يحمل الزيادة متعدّ في جميع الدابّة.

و لو هلكت البهيمة بسبب غير الحمل، ضمن عند انفراده باليد؛ لأنّه ضامن باليد، و لم يضمن عند عدم الانفراد؛ لأنّه ضامن بالجناية.

و إن كان المستأجر لم يحمل الطعام بنفسه و لكن بعد ما كال سلّمه إلي المؤجر حتّي حمله علي البهيمة، فإن كان المؤجر جاهلا بالحال بأن لبس عليه المستأجر و قال له: إنّه قفيز واحد، و كذب، فإنّه كالأوّل من حيث إنّه7.

ص: 262


1- الحاوي الكبير 431:7، بحر المذهب 329:9، الوسيط 191:4، التهذيب - للبغوي - 453:4، البيان 332:7، العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.
2- نفس المصادر ما عدا بحر المذهب و روضة الطالبين.
3- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.
4- الكافي 289:5-3/290، التهذيب 939/214:7.

قد دلّس علي المؤجر حيث أخبره بكيلها علي خلاف ما هو به، فلزمه(1) الضمان، كما لو أمر أجنبيّا بحملها.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه علي القولين في تعارض المباشرة و الغرور، إن اعتبرنا المباشرة فالحكم علي ما سيأتي بعد، و إن اعتبرنا التغرير فكما لو حمله المستأجر بنفسه.

و ثانيهما: القطع بأنّه كما لو حمله بنفسه؛ لأنّ إعداد المحمول و شدّ الأعدال و تسليمها إليه بعد عقد الإجارة كالإلجاء إلي الحمل شرعا، فكان كشهادة شهود القصاص، و سواء ثبت الخلاف أو لا، فالظاهر وجوب الضمان(2).

و يحتمل سقوط الضمان عن المستأجر؛ لأنّ التفريط من المؤجر؛ حيث أخلد إلي المستأجر و صدّقه، فكان التفريط منه.

و لو كان المؤجر عالما بالزيادة، فإن لم يقل المستأجر شيئا لكن حمله المؤجر، فلا ضمان علي المستأجر؛ لأنّ المؤجر حمله بغير إذنه.

و لا فرق بين أن يضعه المستأجر علي الأرض فيحمله المؤجر علي البهيمة، و بين أن يضعه علي ظهر الدابّة و هي واقفة فيسيّرها المؤجر، علي إشكال.

و إن قال المستأجر: احمل هذه الزيادة، فأجابه، فالأقرب: إنّ عليه الأجرة.4.

ص: 263


1- في «د، ص»: «فيلزمه».
2- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المستأجر مستعير للدابّة في الزيادة، فلا أجرة لها، و إذا تلفت الدابّة بالحمل، فعليه الضمان؛ لأنّ ضمان العارية لا يجب باليد، و إنّما يجب بالارتفاق و الانتفاع، فزيادة الارتفاق بالملك لا توجب سقوط الضمان(1).

و هو مبنيّ علي أنّ العارية مضمونة، و نازعه جماعة منهم في الأجرة و الضمان معا(2).

مسألة 707: و لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل علي البهيمة و سار،

مسألة 707: و لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل علي البهيمة و سار، فلا أجرة له عن الزيادة، سواء تعمّد ذلك أو غلط، و سواء كان المستأجر عالما بالزيادة أو جاهلا و سكت مع علمه؛ لأنّه لم يأذن له في نقل الزيادة.

و لو تلفت البهيمة، فهي من ضمان صاحبها؛ لأنّها تلفت بعدوان صاحبها.

و للمستأجر مطالبة المؤجر بردّ الزيادة إلي الموضع المنقول منه، و ليس للمؤجر أن يردّها بدون إذن المستأجر.

و لو لم يعلم المستأجر حتّي عاد إلي البلد المنقول منه، فله أن يطالب المؤجر بردّها.

و أصحّ قولي الشافعي: إنّ له المطالبة ببدلها في الحال، كما لو أبق العبد المغصوب من يد الغاصب.

و الثاني: لا يطالب ببدل الزيادة؛ لأنّ عين ماله باقية، و ردّها مقدور عليه.

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.
2- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.

فعلي الأوّل لو غرم البدل ثمّ ردّها إلي ذلك البلد، استردّ البدل، و ردّ ماله إليه(1).

و لو اكتال المؤجر و تولّي المستأجر النقل و الحمل علي البهيمة، فإن كان عالما بالزيادة، فهو كما لو كال بنفسه و حمل؛ لأنّه لمّا علم الزيادة كان من حقّه أن لا يحملها.

و إن كان جاهلا، فالأقوي: إنّه لا ضمان عليه و لا أجرة، كما لو قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلي المالك ليأكله فأكله جاهلا، لم يبرأ عن الضمان، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه لا يبرأ من الأجرة؛ لأنّه المباشر(2).

مسألة 708: و لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل علي الدابّة بغير إذن و لم يعلم المؤجر و المستأجر،

مسألة 708: و لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل علي الدابّة بغير إذن و لم يعلم المؤجر و المستأجر، فهو متعدّ عليهما، فعليه أجرة الزيادة للمؤجر، و عليه الردّ إلي الموضع المنقول منه إن طلبه مالكه، و تعلّق به ضمان الدابّة و الزيادة معا.

و لو تولّي الحمل بعد كيل الأجنبيّ أحد المتعاقدين، نظر إمّا أن يكون عالما أو جاهلا، فإن كان عالما فهو كما لو كان بنفسه، و إن كان جاهلا لم يتعلّق به حكم.

هذا كلّه فيما إذا اتّفقا علي الزيادة و علي أنّها للمستأجر، أمّا إذا اختلفا في أصل الزيادة أو في قدرها، فالقول قول المنكر.

و لو ادّعي المؤجر أنّ الزيادة له و الدابّة في يده، فالقول قوله.

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.
2- العزيز شرح الوجيز 157:6، روضة الطالبين 306:4.

و إن لم يدّعها واحد منهما، تركت في يد من هي في يده حتّي يظهر المستحقّ، و لا يلزم المستأجر أجرتها.

و اعلم أنّه لا فرق في الأقسام الثلاثة السابقة بين أن يكون أحدهما قد كاله و وضعه الآخر علي ظهر الدابّة، أو كان الذي كاله و عبأه(1) وضعه علي ظهرها.

و قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: إذا كاله المستأجر و وضعه المؤجر علي ظهر البهيمة، لا ضمان علي المستأجر؛ لأنّ المؤجر فرّط في حمله(2).

و يعارضه ما تقدّم من [أنّ] التدليس من المستأجر حيث أخبره بكيلها كذبا.

و أمّا إذا كالها المستأجر و رفعها المؤجر علي الدابّة عالما بكيلها، لم يضمن المستأجر الدابّة؛ لأنّه فعل ذلك من غير تدليس و لا تغرير.

و هل له أجر الزيادة ؟ يحتمل ذلك؛ لأنّهما اتّفقا علي الحمل علي سبيل الإجارة، فجري مجري المعاطاة في البيع و دخول الحمّام من غير تقدير أجرة، و العدم؛ لأنّ المستأجر لم يجعل له علي ذلك أجرا.

مسألة 709: لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقلّ،

مسألة 709: لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقل فإن كان النقصان بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين، فلا عبرة به، و إن كان أكثر من ذلك، فإن كان المتولّي للكيل المؤجر، حطّ من الأجرة بقسطه إن لم يعلم المستأجر، و إن علم فإن كانت الإجارة في الذمّة،

ص: 266


1- عبأ الأمر: هيّأه. لسان العرب 118:1 «عبأ».
2- المغني 95:6، الشرح الكبير 99:6.

فكذلك؛ لأنّه لم يف بالمشروط، و إن كانت إجارة عين، فهو كما لو كال المستأجر بنفسه و نقص، فلا يحطّ من الأجرة شيء عنه؛ لأنّ التمكين من استيفاء المنفعة قد حصل، و هو كاف في استقرار الأجرة.

مسألة 710: لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة،

مسألة 710: لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة، احتمل وجوب النصف علي المرتدف؛ لأنّ تلف الدابّة حصل من شيئين أحدهما مباح و الآخر محظور، و وجوب القيمة علي نسبة أوزانهم، فيجب علي المرتدف بقدر وزنه، و وجوب الثلث؛ توزيعا علي رؤوسهم، فإنّ الرجال لا يوزنون في العادة.

و هذه الاحتمالات الثلاثة للشافعي أقوال مثلها(1).

و يحتمل عندي وجوب الجميع علي المرتدف؛ لأنّه المتعدّي المفرّط، فكانت الحوالة بالضمان عليه.

و كذا الحكم لو استأجر واحد دابّة فركبها [فارتدفه](2) واحد بغير إذنه فتلفت الدابّة، أو [ارتدفه](3) اثنان بغير إذنه.

و لو أذن الراكبان للرديف، فالجميع ضمناء.

و لو كان الرديف جاهلا بأنّ الدابّة للغير و توهّمها لهما، لم يكن عليه ضمان.

ص: 267


1- المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 320:9، الوسيط 191:4، حلية العلماء 445:5، التهذيب - للبغوي - 453:4-454، البيان 331:7، العزيز شرح الوجيز 157:6، روضة الطالبين 306:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فارتدفها... ارتدفها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فارتدفها... ارتدفها». و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 268

الفصل الخامس: في الطوارئ الموجبة للفسخ

اشارة

و أقسامها ثلاثة تنظمها أربعة مباحث:

البحث الأوّل: فيما تنقص
اشارة

البحث الأوّل: فيما تنقص(1) به المنفعة نقصا تتفاوت به الأجرة.

مسألة 711: إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص تتفاوت به الأجرة،

مسألة 711: إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص تتفاوت به الأجرة، سابق، فهو عيب يوجب للمستأجر خيار الفسخ، كما لو استأجر عبدا للخدمة فمرض، أو دابّة للركوب فعرجت، أو بئرا فغار ماؤها أو تغيّر بحيث يمنع الشرب منه، أو دارا فانهدم بعض بنائها أو انكسر بعض جذوعها أو أعوج بعض قوائمها، أو أرضا فغرقت(2) أو انقطع ماؤها، و لا نعلم في ذلك خلافا.

قال ابن المنذر: إذا استأجر دابّة فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك ممّا يفسد ركوبها، فللمستأجر الخيار إن شاء ردّها و فسخ الإجارة، و إن شاء أخذها - و به قال أبو ثور و أصحاب الرأي - لأنّه عيب في المعقود عليه، فأثبت الخيار، كالعيب في بيوع الأعيان(3).

و كذا لو تغيّر الظهر في المشي، أو ظهر العرج الذي يتأخّر به عن القافلة، أو كان الغلام ضعيف البصر أو مجنونا أو مجذوما أو أبرص، أو

ص: 269


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «تنتقص».
2- في «د، ص»: «غرقت».
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 108:2-109، المغني 35:6، الشرح الكبير 112:6، البيان 315:7.

خيف سقوط الدار، و أشباه ذلك من النقائص التي تفوت بها المنفعة أو بعضها بلا خلاف.

مسألة 712: لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد،

مسألة 712: لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد، ثبت للمستأجر خيار الفسخ أيضا؛ لأنّ المنافع [لا يحصل قبضها](1) إلاّ شيئا فشيئا؛ لأنّ المنافع في الزمان المستقبل غير مقبوضة و إن كانت الدار مقبوضة، فيكون العيب قديما بالإضافة إليها، و قياس هذا أن لا يتسلّط علي التصرّف في المنافع المستقبلة إلاّ أنّه سلّط عليه للحاجة، فإذا حدث العيب فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه، فأثبت الفسخ فيما يبقي منها، فإن فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين، و إن رضي بالعين معيبة و لم يفسخ لزمه جميع العوض؛ لأنّه رضي به ناقصا، فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا.

و لو بادر المؤجر إلي الإصلاح في الحال و كان قابلا للإصلاح في الحال، سقط خيار المستأجر.

ثمّ العيب إن ظهر قبل أن يمضي من المدّة ما له أجرة، فإن فسخ فلا شيء عليه؛ لأنّه لم يستوف شيئا من المنافع، و إن شاء أجاز بجميع الأجرة.

و إن ظهر في أثناء المدّة، كان للمستأجر الخيار بين الفسخ في باقي المدّة دون ما مضي، و بين الرضا بجميع الأجرة.

فإن فسخ في باقي المدّة، فإن كانت المدّة متساوية في الأجرة فعليه

ص: 270


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يحتمل قبضا». و هو تصحيف.

بقدر ما مضي، إن كان قد مضي النصف فعليه نصف الأجرة، و إن كان قد مضي الثلث فعليه الثلث، كما يقسّم الثمن علي المبيع المتساوي الأجزاء.

و إن كان مختلفا - كدار أجرتها في الشتاء أكثر من أجرتها في الصيف، أو أرض أجرتها في الصيف أكثر من الشتاء، أو دار لها موسم كدور مكة - رجع في التقويم إلي أهل الخبرة، و يقسّط الأجر المسمّي علي حسب قيمة المنفعة، كقسمة الثمن علي الأعيان المختلفة في البيع.

و كذا لو كان الأجر علي قطع مسافة، كبعير استأجره ليحمل له شيئا إلي مكان معيّن و كانت المسافة متساوية الأجزاء و الأجرة أو مختلفها.

و هو ظاهر مذهب الشافعي(1).

و قال بعض الشافعيّة: إذا استأجر دارا مدّة و سكنها بعضها ثمّ انهدمت الدار، انفسخ العقد في المستقبل، و هل ينفسخ في الماضي ؟ قولان، فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ ؟ وجهان، فإن قلنا: ليس له ذلك، فعليه من المسمّي ما يقابل الماضي، و إن قلنا: له الفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي(2).

إذا عرفت هذا، فلو امتنع الفسخ، قال بعض الشافعيّة: له أخذ الأرش، فينظر إلي أجرة مثله سليما و إلي أجرة مثله معيبا، و يعرف قدر التفاوت بينهما(3).

هذا كلّه في إجارة العين، و لو كانت الإجارة في الذمّة، لم ينفسخ العقد، و كان علي المؤجر إبدال العين؛ لأنّ العقد لم يتعلّق بعينها، فأشبه3.

ص: 271


1- العزيز شرح الوجيز 162:6، روضة الطالبين 309:4.
2- العزيز شرح الوجيز 142:5، روضة الطالبين 90:3.
3- العزيز شرح الوجيز 162:6، روضة الطالبين 309:4.

المسلم فيه إذا سلّمه علي غير صفته.

و إن عجز المؤجر عن إبدالها أو امتنع منه و لم يمكن إجباره عليه، فللمستأجر الفسخ أيضا؛ لتعذّر استيفاء [منفعتها](1) كما هي.

البحث الثاني: فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا.
مسألة 713: إذا فاتت المنفعة بالكلّيّة حسّا، انفسخ العقد،

مسألة 713: إذا فاتت المنفعة بالكلّيّة حسّا، انفسخ العقد، و لا خيار للمستأجر، كما إذا(2) استأجر دابّة معيّنة للركوب فماتت، أو استأجر للخدمة أجيرا معيّنا فمات، فإن كان قبل القبض، انفسخ العقد بلا خلاف نعلمه؛ لأنّ المعقود عليه تلف قبل قبضه، فأشبه ما لو تلف المبيع قبل قبضه.

و كذا إن كان عقيب القبض بلا فصل قبل مضيّ مدّة لمثلها أجرة، فإنّ الإجارة تنفسخ أيضا، و تسقط الأجرة أيضا في قول عامّة الفقهاء إلاّ أبا ثور، فإنّه حكي عنه أنّه قال: يستقرّ الأجر؛ لأنّ المعقود عليه تلف بعد قبضه، فأشبه المبيع(3).

و هو غلط؛ لأنّ المعقود عليه المنافع، و قبضها باستيفائها أو التمكّن من استيفائها، و لم يحصل ذلك، فأشبه تلفها قبل القبض.

و إن كان التلف في خلال المدّة، انفسخ العقد في الباقي من المدّة،

ص: 272


1- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «منفعة». و في النّسخ الخطّيّة: «منفعته». و المثبت هو الصحيح.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- الحاوي الكبير 398:7، المهذّب - للشيرازي - 412:1، بحر المذهب 9: 269، حلية العلماء 418:5، البيان 315:7، المغني 30:6، الشرح الكبير 6: 119.

دون ما مضي، و يكون للمؤجر من الأجرة بقدر ما استوفي المستأجر من المنفعة.

و للشافعيّة في الفسخ في الماضي طريقان:

أحدهما: إنّ فيه قولين.

و الثاني: القطع بعدم الفسخ؛ لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد، فلا يتأثّر به الآخر.

فإن قيل بالفسخ في الماضي، سقط المسمّي، و وجب أجرة المثل لما مضي.

و إن قيل بعدم الفسخ، فهل له خيار الفسخ ؟ وجهان:

أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ منافعه قد صارت مستوفاة مستهلكة.

و الثاني: نعم؛ لأنّ جميع المعقود عليه لم يسلم له.

فإن قلنا: له الفسخ و فسخ، فالرجوع إلي أجرة المثل.

و إن قلنا: لا فسخ له أو أجاز، وجب قسط ما مضي من المسمّي، و قد بيّنّا أنّ التوزيع إنّما هو علي قيمة المنفعة، و هي أجرة المثل، لا علي نفس الزمان، و أجرة المثل تختلف، فربما تزيد أجرة شهر علي أجرة شهرين؛ لكثرة الرغبات في ذلك الشهر، فلو كانت مدّة الإجارة سنة و مضي نصفها لكن أجرة المثل فيها ضعف أجرة المثل في باقي السنة، وجب من المسمّي ثلثاه، و لو كان بالعكس، انعكس الحال، فوجب في النصف الأوّل ثلث المسمّي(1).

مسألة 714: لو أتلف المستأجر العين، فقتل العبد المستأجر للخدمة

مسألة 714: لو أتلف المستأجر العين، فقتل العبد المستأجر للخدمة

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 164:6-165، روضة الطالبين 311:4.

أو الدابّة المستأجرة للركوب، احتمل أن يكون الحكم كما لو تلفت بآفة سماويّة، و لا يبقي فرق بين التلف من قبل اللّه تعالي و الأجنبيّ، و بين التلف من قبل المستأجر، فيبطل العقد في المتخلّف من المدّة، و يلزمه من الأجرة بنسبة الماضي، و يلزمه قيمة ما أتلف، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و يحتمل استقرار الأجرة المسمّاة بأجمعها عليه بالإتلاف، كما يستقرّ الثمن علي المشتري بالإتلاف.

و يشكل بأنّ البيع ورد علي العين، فإذا أتلفها، جعل قابضا، و الإجارة إنّما وردت علي المنافع، و منافع الزمان المستقبل معدومة لا يتصوّر ورود الإتلاف عليها.

و نمنع عدم التصوّر؛ فإنّ إتلاف العين يستلزم إتلافها.

و علي هذا لو عيّب المستأجر الدار أو جرح العبد، احتمل أن يكون بمنزلة ما لو تعيّب بآفة سماويّة في ثبوت الخيار، و العدم فلا خيار، بل هو أولي؛ لأنّ التعيّب تضمّن الرضا بالعيب، فسقط الخيار.

مسألة 715: لو انهدمت الدار المستأجرة للسكني، أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة،

مسألة 715: لو انهدمت الدار المستأجرة للسكني، أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة، فإن لم يبق لها نفع ألبتّة بوجه من الوجوه لا في السكني و الزراعة و لا في غيرهما من جميع الأشياء، فهي كالتالفة؛ لانتفاء وجوه الانتفاعات عنها، و لا معني للهالك سوي ذلك.

و إن بقي فيها(2) نفع في غير ما استأجرها له بأن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الأرض بأن يحرز فيها حطبا أو ينصب خيمة أو يصطاد سمكا في

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 165:6، روضة الطالبين 311:4.
2- في «ر»: «لها» بدل «فيها».

الأرض التي غرقت، فإنّ الإجارة لا تنفسخ، بل يتخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

و قال الشافعي في الدار بالانفساخ، و في الأرض التي انقطع ماؤها: إنّ له الفسخ(1).

و اختلف أصحابه في القولين.

فمنهم من نقل و خرّج و جعل المسألتين علي قولين:

أحدهما: انفساخ الإجارة؛ لفوات المقصود، و هو السكني في الدار، و الزراعة في الأرض، فكان كموت العبد.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الأرض باقية، و الانتفاع ممكن من وجه آخر، و لكن يثبت الخيار به(2).

و منهم من قرّر القولين، و فرّق بأنّ الدار لم تبق دارا، و الأرض بقيت أرضا، و لإمكان الزراعة بالأمطار(3).

و أشار بعضهم إلي القطع بعدم الانفساخ، و حمل ما ذكره في الانهدام4.

ص: 275


1- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 315:7، العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 311:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 480:4-481، البيان 316:7، العزيز شرح الوجيز 6: 170، روضة الطالبين 312:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 481:4، البيان 316:7، العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 312:4.

علي ما إذا صارت الدار مزبلة غير منتفع بها بوجه ألبتّة(1).

[لكن](2) الأظهر بينهم في الانهدام الانفساخ، و في انقطاع الماء ثبوت الخيار(3).

و إنّما يثبت الخيار إذا امتنعت الزراعة، فأمّا إذا قال المؤجر: أنا أسوق الماء إليها من موضع آخر، سقط الخيار، كما لو بادر إلي إصلاح الدار، فإن قلنا بالانفساخ، فالحكم كما لو تلفت العين، كموت العبد، و إن قلنا بعدم الانفساخ، فله الفسخ في المدّة الباقية، و في الماضية الوجهان، فإن منعناه فعليه قسط ما مضي من المسمّي، و إن أجاز لزمه المسمّي بأسره(4).

و قيل: يحطّ للانهدام و انقطاع الماء ما يخصّه(5).

مسألة 716: لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها - مثل أن يأبق العبد

مسألة 716: لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها - مثل أن يأبق العبدأو تشرد الدابّة - لم تنفسخ الإجارة(6) ، لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ انفسخت بمضيّ المدّة يوما فيوما، فإن(7) عادت العين في أثناء المدّة، استوفي ما بقي منها

ص: 276


1- التهذيب - للبغوي - 481:4، العزيز شرح الوجيز 170:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 312:4.
4- التهذيب - للبغوي - 481:4، العزيز شرح الوجيز 170:6-171، روضة الطالبين 312:4.
5- كما في التهذيب - للبغوي - 481:4، و العزيز شرح الوجيز 171:6، و روضة الطالبين 312:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «لم ينفسخ عقد الإجارة».
7- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إن».

إن شاء، و له الفسخ؛ لتعذّر استيفاء الجميع الذي وقع عليه العقد، و إن انقضت المدّة انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه.

و لو كانت الإجارة علي موصوف في الذمّة - كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل [شيء] إلي موضع معيّن - وجب علي المؤجر الإبدال؛ لأنّ ذمّته مشغولة بهذه الأعمال(1) ، فإذا دفع عينا ليصدر عنها العمل الذي في ذمّته، لم ينحصر حقّ المستأجر في تلك العين، فكان(2) عليه القيام بالبدل، فإن هرب المؤجر لم يسقط الحقّ عنه؛ لأنّ ما في الذمّة لا يفوت بهربه، و يبيع الحاكم من ماله بقدر ما يستأجر عنه ذلك العمل، فإن لم يكن هناك مال ثبت للمستأجر الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ و صبر إلي أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل.

و إذا كانت الإجارة متعلّقة بالعين ففسخ المستأجر، تعلّق الفسخ بالباقي خاصّة، دون الماضي.

و للشافعيّة في الماضي قولان(3).

و إن لم يفسخ و كان قد استأجر مدّة معلومة فانقضت، بني عند الشافعيّة علي الخلاف فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض هل ينفسخ البيع أم لا؟ فإن قلنا: ينفسخ، فكذلك الإجارة، و يستردّ الأجرة، و إن قلنا:

لا ينفسخ، فكذلك الإجارة(4).

مسألة 717: لو استأجر عينا فغصبت تلك العين،

مسألة 717: لو استأجر عينا فغصبت تلك العين، فإن كان الغصب قبل

ص: 277


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «المنافع» بدل «الأعمال».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و كان».
3- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.
4- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.

القبض، تخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

فإن فسخ، بطلت الإجارة، و رجع بمال الإجارة؛ لأنّها معاوضة لم يحصل فيها تسليم المعوّض، فلا يجب تسليم العوض، كالثمن في البيع إذا غصب من يد البائع قبل إقباض المشتري إيّاه.

و إن لم يفسخ، كان له مطالبة الغاصب بما أتلفه عليه.

فإن انقضت مدّة الإجارة، تخيّر بين الفسخ و الرجوع بالمسمّي، و بين البقاء علي العقد و مطالبة الغاصب بأجرة المثل؛ لأنّ المعقود عليه لم يفت مطلقا، بل إلي بدل، و هو القيمة.

و يتخرّج للحنابلة انفساخ العقد مطلقا علي الرواية التي لهم في أنّ منافع الغصب لا تضمن، و هو قول أصحاب الرأي(1).

و إن كان بعد القبض و تمكين المؤجر المستأجر من العين، لم يكن للمستأجر الفسخ، و كان الغصب من المستأجر، دون المؤجر، و كذا لو منعه ظالم من الانتفاع بالعين.

و قال الشافعي و أحمد: يكون للمستأجر الخيار بين الفسخ و الإمضاء؛ لما فيه من تأخير حقّه.

فإن فسخ، فالحكم كما لو انفسخ العقد.

و هل ينفسخ في الماضي ؟ للشافعي قولان سبقا.

و إن لم يفسخ و كان قد استأجر مدّة معلومة فانقضت، يبني علي الخلاف فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض هل ينفسخ البيع، أم لا؟ إن6.

ص: 278


1- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.

قلنا: ينفسخ، فكذلك الإجارة، و تستردّ الأجرة، و إن قلنا: لا ينفسخ، فكذلك الإجارة، و يتخيّر بين أن يفسخ و يستردّ الأجرة، و بين أن يجيز و يطالب الغاصب بأجرة المثل(1).

و الذي نصّ عليه الشافعي انفساخ الإجارة(2).

و علي هذا فلو عادت العين إلي يده و قد بقي بعض المدّة، فللمستأجر الانتفاع به في الباقي، و تسقط حصّة المدّة الماضية، إلاّ إذا قلنا:

إنّ الانفساخ في بعض المدّة يوجب الانفساخ في الباقي، فليس له الانتفاع في بقيّة المدّة.

و لو كانت الإجارة في الذمّة، فعلي المؤجر الإبدال إن غصب المدفوع قبل القبض و تمكّن المستأجر منه، و إن كان بعد الدفع إلي المستأجر و إقباضه إيّاه، كان الغصب من مال المستأجر.

و عند العامّة يجب علي المؤجر الابدال، سواء كان قبل القبض أو بعده، فإن امتنع استؤجر عليه(3).

و لو استأجر العين لعمل معلوم، فله أن يستعمله فيه، فإن غصب قبل القبض، بطل العقد عندنا، و إن كان بعده كان من مال المستأجر.

و إذا حصلت القدرة عليه قبل انقضاء المدّة، كان له أن يستعمله باقيها.4.

ص: 279


1- المهذّب - للشيرازي - 413:1، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4، المغني 33:6، الشرح الكبير 126:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 413:1، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.

و لو بادر المؤجر إلي الانتزاع من الغاصب و لم تبطل منفعة المستأجر، سقط خياره.

و لو زادت العين في يد الغاصب و لم يكن فسخ مطلقا عند العامّة(1) و قبل القبض عندنا، استوفي ما بقي منها، و يكون فيما مضي من المدّة مخيّرا بين الرجوع علي الغاصب، و بين الفسخ.

و لو كانت الإجارة علي عمل - كخياطة ثوب أو حمل [شيء] إلي موضع معيّن - فغصب العبد الذي يخيط أو الجمل الذي يحمل عليه، فإن كان قبل القبض، تخيّر بين الفسخ و الرجوع علي الغاصب، و إن كان بعد القبض، فالغصب من المستأجر خاصّة، و عليه كمال الأجرة للمالك، خلافا للعامّة؛ فإنّهم قالوا: لا ينفسخ العقد، و للمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب و إقامة من يعمل العمل؛ لأنّ العقد علي ما في الذمّة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فردّه، فإن تعذّر البدل، ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ و الصبر إلي أن يقدر علي العين المغصوبة فيستوفيها منها(2).

مسألة 718: لو آجر عينا معيّنة - كعبد للخدمة أو فرس للركوب أو دار للسكني - و سلّمها إلي المستأجر فغصبت،

مسألة 718: لو آجر عينا معيّنة - كعبد للخدمة أو فرس للركوب أو دار للسكني - و سلّمها إلي المستأجر فغصبت، فالغصب من المستأجر عندنا، خلافا للعامّة(3).

فإن أقرّ المؤجر بتلك العين للغاصب أو لإنسان آخر، فالأقرب: نفوذ إقراره في الرقبة خاصّة، دون المنفعة.

و للشافعيّة قولان:

ص: 280


1- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.
2- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.
3- المغني 33:6، الشرح الكبير 126:6.

أحدهما: إنّه لا يقبل إقراره؛ لأنّه قول يناقض العقد السابق، فلا يلتفت إليه، كما لو أقرّ بما باعه لغير المشتري.

و الثاني: إنّه يقبل؛ لأنّه مالك في الظاهر غير متّهم في الإقرار، بخلاف إقرار البائع؛ لأنّه مصادف ملك الغير(1).

و التناقض ممنوع.

و قد يبني الشافعيّة الخلاف هنا علي أنّ المؤجر هل له بيع العين المستأجرة، أم لا؟ فإن قلنا: نعم، صحّ إقراره، و إلاّ فهو علي الخلاف في إقرار الراهن(2).

و إذا(3) قلنا: يقبل إقراره، لم يبطل حقّ المستأجر من المنفعة؛ لأنّه بالإجارة أثبت له الحقّ في المنفعة، فلا يمكّن من رفعه، كما أنّ البائع لا يتمكّن من رفع ما أثبته بالبيع، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّ حقّ المستأجر من المنفعة يبطل تبعا للرقبة، كالعبد إذا أقرّ علي نفسه بالقصاص يقبل، و يبطل حقّ السيّد تبعا(4).

و هو غلط؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير فلا يقبل، و الأصل ممنوع علي مذهبنا.

و الثالث: إن كان المال في يد المستأجر فلا تزال يده إلي انقضاء مدّة الإجارة، و إن كان في يد المقرّ له فلا ينزع من يده(5).6.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
2- الوسيط 201:4، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
3- في «د، ص»: «فإذا». و في الطبعة الحجريّة: «فإن».
4- الوسيط 201:4، العزيز شرح الوجيز 171:6-172، روضة الطالبين 4: 313.
5- الوسيط 201:4-202، العزيز شرح الوجيز 172:6.

و المعتمد ما قلناه.

و علي قولهم ببطلان حقّ المستأجر في المنفعة هل له تحليف [المكري](1) ؟ خلاف، كالخلاف بينهم في أنّ المرتهن هل يحلّف الراهن إذا أقرّ بالمرهون و قبلناه ؟(2).

و الأظهر بينهم في المسألة: إنّه يقبل إقراره في الرقبة، و لا يقبل في المنفعة(3) ، و هو الذي ذهبنا نحن إليه.

لكنّ الذي حكوه قولا للشافعي: إنّ الإقرار جائز، و الكراء باطل(4).

مسألة 719: إذا غصبت العين المستأجرة إمّا من المؤجر أو من المستأجر، كان للمؤجر مخاصمة الغاصب أو السارق لها

مسألة 719: إذا غصبت العين المستأجرة إمّا من المؤجر أو من المستأجر، كان للمؤجر مخاصمة الغاصب أو السارق لهابحقّ الملك إجماعا.

و للمستأجر أيضا مخاصمته؛ لأنّه يستحقّ المنفعة، فله مطالبته ليستوفي المنفعة، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الأظهر بينهم - و هو المحكيّ قولا للشافعي -: إنّه ليس للمستأجر المخاصمة؛ لأنّه ليس بمالك و لا نائب عن المالك، فأشبه المستودع و المستعير(5).

و هو غلط؛ لأنّ المستأجر يستحقّ علي وجه الملكيّة حقّا في تلك العين وقعت عليه المعاوضة، فكان له المنازعة.

ص: 282


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المكتري». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 172:6.
4- العزيز شرح الوجيز 172:6.
5- الوسيط 201:4، التهذيب - للبغوي - 454:4، العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.

و الوجهان للشافعيّة جاريان في أنّ المرتهن هل يخاصم؛ لأنّ له حقّا في المرهون ؟(1).

و عندنا أنّ له ذلك، و الأصل فيه أنّ من ادّعي ملكا و قال: اشتريته من فلان و كان ملكا له إلي أن اشتريته، سمعت بيّنته علي ذلك، فكما سمعت البيّنة علي تملّك البائع لتوسّله بها إلي إثبات الملك لنفسه وجب أن يكون الحكم في المنفعة كذلك.

مسألة 720: إذا استأجره لعمل في عين معيّنة - كخياطة ثوب معيّن و نساجة غزل معيّن - فتلفت العين،

مسألة 720: إذا استأجره لعمل في عين معيّنة - كخياطة ثوب معيّن و نساجة غزل معيّن - فتلفت العين، انفسخ العقد عندنا؛ لأنّ متعلّق الإجارة قد تلف، فبطلت الإجارة، كما لو استأجر عبدا معيّنا للخدمة فيموت، أو ثوبا معيّنا للّبس فيسرق قبل القبض، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا ينفسخ العقد؛ لأنّ المعقود عليه العمل، فلا فرق بين أن يوقعه في ذلك المعيّن أو في مثله(2).

و هو ممنوع.

و قد قال بعضهم: لو استأجر دوابّ في الذمّة لحمل خمسة أعبد معيّنين فمات اثنان و حمل ثلاثة، أنّ له ثلاثة أخماس الكراء، و يسقط خمساه إذا تساوت أوزانهم(3).

و يوافق ذلك قول الشافعي: إذا نكحها علي خياطة ثوب بعينه فهلك

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
2- نهاية المطلب 200:8، الوسيط 199:4-200، التهذيب - للبغوي - 4: 446، العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.

قبل أن يخيطه، كان لها مهر المثل(1).

قال بعض الشافعيّة: موضع الخلاف فيما إذا لزم(2) ذمّته خياطة ثوب بعينه أو حمل عبد أو متاع بعينه، فإنّ العقد و إن كان في الذمّة فهو متعلّق بعين ذلك الثوب أو المتاع، أمّا إذا استأجر دابّة بعينها مدّة لركوب أو حمل متاع، فلا خلاف في جواز إبدال الراكب و المتاع، و في أنّ العقد لا ينفسخ بهلاكهما، و فرّق بأنّ العقد و الحالة هذه يتناول المدّة، ألا تري أنّه لو سلّم الدابّة فلم يركب، تستقرّ الأجرة، و فيما إذا استأجره لخياطة الثوب المعيّن العقد يتناول العمل، و لهذا لو سلّم نفسه مدّة يمكن فيها الخياطة و لكن لم يخط، لم تستقر، هكذا ذكره بعضهم(3).

و فيه منع.

فإن حكمنا بعدم فسخ الإجارة، فإن جاء المستأجر بثوب مثله، فذاك، و إن لم يأت إمّا لعجز، أو امتنع عن قدرة حتّي مضت مدّة إمكان العمل فتستقرّ الأجرة أو لا تستقرّ؟ وجهان للشافعيّة، فإن قلنا: تستقرّ، فللمستأجر فسخ العقد؛ لأنّه ربما لا يجد ثوبا آخر، أو لا يريد قطعه(4).

و فيه وجه آخر: إنّه ليس له فسخ العقد، فيخرّج من هذا وجه أنّ المستأجر مخيّر إن شاء أبدل الثوب التالف، و إن شاء فسخ(5).4.

ص: 284


1- الأم 60:5، مختصر المزني: 179، الحاوي الكبير 417:9-418، الوسيط 200:4، التهذيب - للبغوي - 484:5، البيان 387:9، العزيز شرح الوجيز 6: 172، و 312:8، روضة الطالبين 313:4، و 626:5.
2- في «د»: «ألزم».
3- العزيز شرح الوجيز 172:6-173، روضة الطالبين 313:4-314.
4- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
5- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
مسألة 721: لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن، أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبي المعيّن،

مسألة 721: لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن، أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبي المعيّن، فالوجه: فسخ العقد؛ لما قلناه في الثوب المعيّن إذا تلف قبل خياطته.

و للشافعيّة الخلاف الذي سبق في الثوب و الصبي المعيّن للإرضاع إذا لم يكن ولد المرضعة، أمّا إذا كان ولدها فالخلاف بين الشافعيّة فيه مرتّب علي الخلاف في الصبي الأجنبيّ، بل في ولدها الانفساخ أولي؛ لأنّ درور اللبن علي الولد فوق دروره علي الأجنبيّ؛ لزيادة الشفقة علي الولد، فلا يمكن إقامة غيره مقامه(1).

إذا عرفت هذا، فلو استأجره لخياطة ثوب معيّن، أو لإرضاع صبيّ معيّن أو تعليمه ثمّ بدا للمستأجر في قطع الثوب المعين أو في إرضاع الطفل المعيّن أو تعليمه و هما باقيان، لم يجب علي المستأجر الإتيان به؛ لأنّه قد يعرض له غرض في الامتناع و مصلحة فيه بأن يجد صانعا أجود أو معلّما أو مرضعة أجود، فلا يلزمه الدفع إلي الخيّاط و المعلّم و المرضعة، لكن إن سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن العمل، استقرّت الأجرة علي المستأجر، و به قال الشافعي بناء علي قوله باستقرار الأجرة بتسليم الأجير نفسه و مضيّ مدّة العمل(2).

و ليس للأجير و لا للمستأجر الفسخ بحال.

البحث الثالث: فيما تفوت المنفعة فيه شرعا.
مسألة 722: إذا انتفت المنفعة شرعا، كان بمنزلة فواتها حسّا

مسألة 722: إذا انتفت المنفعة شرعا، كان بمنزلة فواتها حسّا في

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
2- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.

اقتضاء الانفساخ؛ لأنّ المقتضي لانفساخها مع الفوات حسّا إنّما هو تعذّر الاستيفاء، و هذا المعني ثابت فيما إذا فاتت شرعا.

فإذا استأجر لقلع سنّ وجعة أو قطع يد متآكلة أو لاستيفاء قصاص في نفس أو طرف، صحّت الإجارة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1)في ص 76 و 130، المسألتان 566 و 610.(2) ، و قد سبق(2).

فلو زال الوجع عقيب العقد أو عفا المجنيّ عليه عن القصاص أو وليّه، انفسخت الإجارة؛ لأنّ قلع السنّ حينئذ ممنوع منه شرعا، و كذا استيفاء القصاص بعد الإسقاط لا يجوز شرعا، فبطلت الإجارة؛ لتعذّر استيفاء المنفعة شرعا.

و قد نازع بعض الشافعيّة فيه؛ لأنّ الإجارة هنا مضبوطة بالعمل، دون المدّة، و هو غير مأيوس منه؛ لاحتمال عود الوجع، فلم يكن زوال الوجع موجبا للفسخ(3).

و ليس بجيّد.

و قال بعضهم: لا تنفسخ الإجارة، بل يستعمل الأجير في قلع و تد أو مسمار، و يراعي تداني العملين(4).

و هو أشدّ غلطا من الأوّل.

و الحكم بانفساخ العقد إنّما هو علي القول بأنّ المستوفي به لا يبدّل، فإن جوّزناه أمر بقلع سنّ وجعة لغيره.4.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4، و راجع: الهامش
2- من ص 77.
3- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.
4- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.
البحث الرابع: في الأعذار المتجدّدة.
مسألة 723: الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها إلاّ بالتقايل -

مسألة 723: الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها إلاّ بالتقايل - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و لأنّ الإجارة عقد معاوضة، فكان لازما، كالبيع، و لأنّها عند أكثر العامّة نوع من البيع(3) ، و إنّما اختصّت باسم كما اختصّ الصّرف و السّلم باسم.

و سواء كان لعذر - كما لو استأجر دابّة ليسافر عليها فيمرض، أو دكّانا للبيع فيتلف قماشه، أو لعمل صنعة فتهلك آلتها، أو حمّاما فيتعذّر عليه الوقود، و أشباه ذلك - أو لم يكن - و به قال مالك و الشافعي و [أبو ثور](4) و أحمد(5) - لأنّه عقد لا يجوز فسخه مع استيفاء المنفعة المعقود عليها من

ص: 287


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1142/652:2، بداية المجتهد 229:2، الحاوي الكبير 392:2، المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 8: 120، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 405:5، التهذيب - للبغوي - 4: 447، البيان 292:7، المغني 24:6، الشرح الكبير 111:6.
2- سورة المائدة: 1.
3- المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 81:8، بحر المذهب 265:9، البيان 292:7، المغني 24:6، الشرح الكبير 111:6-112.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبو يوسف». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير و بحر المذهب و حلية العلماء و بداية المجتهد و عيون المجالس، و لم نعثر علي قول أبي يوسف في جميع المصادر المذكورة في الهامش التالي.
5- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1142/652:2، عيون المجالس 1797:4 - 1263/1798، بداية المجتهد 229:2، الحاوي الكبير 393:7، المهذّب - للشيرازي - 412:1، بحر المذهب 265:9، الوسيط 196:4، حلية العلماء -

غير عذر، فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه، كالبيع، و لأنّه لو جاز فسخه لعذر المستأجر، جاز لعذر المؤجر؛ تسوية بين المتعاقدين، و دفعا للضرر عن كلّ واحد من المتعاقدين، و لا خلاف في أنّه لا يجوز ثمّ فلا يجوز هنا.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: يجوز للمستأجر فسخها لعذر في نفسه، مثل أن يستأجر جملا ليحجّ عليه فيمرض و لا يتمكّن من الخروج، أو تضيع نفقته، أو يستأجر دكّانا للبزّ فيحترق متاعه، و ما أشبه ذلك؛ لأنّ هذا العقد يتعذّر معه استيفاء المنفعة [المعقود] عليها فملك به الفسخ، كما لو استأجر عبدا فأبق(1).

و الفرق: إنّ الإباق عذر في المعقود عليه.

إذا عرفت هذا، فالإجارة لا تفسخ بالأعذار، سواء كانت إجارة عين أو في الذمّة، خلافا لأبي حنيفة علي ما تقدّم.ا.

ص: 288


1- مختصر القدوري: 105، تحفة الفقهاء 360:2-361، بدائع الصنائع 4: 197، المبسوط - للسرخسي - 2:16، الاختيار لتعليل المختار 94:2-95، الهداية - للمرغيناني - 250:3، الفقه النافع 907/1139:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 352:2 و 353، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1142/652، عيون المجالس 1798:4-1263/1799، بداية المجتهد 2: 229، الحاوي الكبير 393:7، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 405:5 - 406، الوسيط 196:4، البيان 292:7-293، العزيز شرح الوجيز 163:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 24:6-25، الشرح الكبير 6: 125، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

و سلّم أبو حنيفة أنّه لو ظهر للمؤجر عذر - كما لو مرض و عجز عن الخروج مع الدوابّ التي آجرها، أو آجر داره و أهله مسافرون فعادوا، أو لم يكن متأهّلا فتأهّل - أنّه لا يثبت الفسخ(1).

مسألة 724: لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة من سيل أو جراد أو شدّة حرّ أو برد أو كثرة مطر،

مسألة 724: لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة من سيل أو جراد أو شدّة حرّ أو برد أو كثرة مطر، لم يكن له الفسخ، و لا حطّ شيء من الأجرة؛ لأنّ الجائحة لحقت مال المستأجر، لا منفعة الأرض، فأشبه ما إذا استأجر دكّانا لبيع البزّ فاحترق المتاع لا تنفسخ الإجارة في الدكّان.

و لو فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المنفعة بالكلّيّة، كما لو غرقت الأرض و بطلت منفعتها.

و يحتمل أن يقال: إمّا أن يستأجر الأرض للزراعة، أو يستأجرها مطلقا.

فإن استأجرها للزراعة فبطلت منفعة الزراعة خاصّة دون باقي المنافع، فإنّه يثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ و الإمضاء بجميع الأجرة أو بعد حطّ الأرش - كما تقدّم(2) - إن سوّغنا له الانتفاع بغير الزرع.

ص: 289


1- مختصر القدوري: 105، تحفة الفقهاء 360:2-361، بدائع الصنائع 4: 199، المبسوط - للسرخسي - 4:16، الاختيار لتعليل المختار 95:2، الهداية - للمرغيناني - 251:3، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 353:2، الفقه النافع 907/1139:3، الحاوي الكبير 393:7، العزيز شرح الوجيز 6: 163.
2- في ص 274-275، المسألة 715.

و إن استأجرها مطلقا، كان له الخيار إن بقيت لها منفعة مقصودة؛ لتعيّبها و نقص منفعتها، و إن لم تبق لها منفعة ألبتّة بطلت الإجارة؛ إذ ما لا منفعة له لا تصحّ إجارته.

قال بعض الشافعيّة: إذا فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة، فإن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع، فيه احتمالان:

الظاهر منهما: إنّه لا يستردّ شيئا؛ لأنّه لو بقيت صلاحيّة الأرض و قوّتها لم يكن للمستأجر فيها فائدة بعد فوات الزرع.

و الثاني: يستردّ؛ لأنّ بقاء الأرض علي صفتها مطلوب، و إذا خرجت عن أن يكون منتفعا بها وجب أن يثبت الانفساخ.

و إن كان فساد الأرض قبل فساد الزرع، فأظهر الاحتمالين باتّفاق الشافعيّة: الاسترداد؛ لأنّ أوّل الزراعة غير مقصود، و لم يسلم الأخير(1).

و إذا أثبتنا له الخيار، فإن أجاز أجاز بجميع الأجرة، كما في البيع، و إن فسخ رجع إلي أجرة الباقي، و استقرّ ما استوفاه علي الأصحّ عندهم، و يوزّع المسمّي علي المدّتين باعتبار القيمة، لا باعتبار المدّة(2).

مسألة 725: الموت لا يبطل الإجارة،

مسألة 725: الموت لا يبطل الإجارة، سواء كان من المؤجر أو المستأجر أو منهما معا، عند بعض علمائنا(3) - و به قال الشافعي و مالك

ص: 290


1- الوسيط 197:4، العزيز شرح الوجيز 163:6-164، روضة الطالبين 4: 310.
2- الوسيط 197:4-198، العزيز شرح الوجيز 164:6 و 165، روضة الطالبين 311:4.
3- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 348، و ابن إدريس في السرائر 2: 449.

و أحمد و إسحاق و أبو ثور و البتّي و ابن المنذر(1) - لأنّ الإجارة عقد لازم يوجب ملك كلّ واحد من المتعاقدين ما انتقل إليه به، فلا يزول عنه بالموت منه أو من صاحبه أو منهما، كالبيع، و لأنّه عقد لازم، فلا ينفسخ بموت العاقد ما لم يختصّ الاستيفاء به، كالبيع، و [كما] إذا زوّج أمته ثمّ مات.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تبطل الإجارة بموت أيّهما كان(2) ، و به قال الثوري و أصحاب الرأي و الليث؛ لأنّ استيفاء المنفعة يتعذّر بالموت، لأنّه استحقّ بالعقد أن يستوفيها علي ملك المؤجر، فإذا مات زال ملكه عن العين، و انتقلت إلي ورثته، فالمنافع تحدث علي ملك الوارث، و لا يستحقّ المستأجر استيفاءها علي ملك الوارث؛ لأنّه ما عقد معه، و كذا إذا مات المستأجر، فإنّ الأجرة لا يمكن أن تجب في تركته؛ لأنّها تجب عليه في حال الحياة، فلا تؤخذ من تركته، و لا يجوز أن تجب علي الورثة؛ لأنّهم لم يوجبوها علي أنفسهم، فتعذّر إيجابها(3).ئع

ص: 291


1- الأم 30:4، مختصر المزني: 126، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 116:2، الحاوي الكبير 400:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 120، بحر المذهب 271:9، الوجيز 238:1-239، الوسيط 148:4، حلية العلماء 433:5، التهذيب - للبغوي - 449:4، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 173:6-174، روضة الطالبين 314:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1144/653:2، بداية المجتهد 230:2، المعونة 1096:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 35:2، المغني 48:6، الشرح الكبير 124:6، تحفة الفقهاء 361:2، مختصر اختلاف العلماء 1826/129:4.
2- النهاية: 441 و 444، الخلاف 491:3، المسألة 7.
3- المغني 48:6-49، الشرح الكبير 124:6، تحفة الفقهاء 361:2، بدائع

و هو ضعيف؛ لأنّ عندنا أنّ المستأجر قد ملك المنافع بالعقد، و تخلق في ملكه، و يلزمهم ما لو زوّج أمته ثمّ مات.

و ما ذكروه في المستأجر باطل أيضا؛ لأنّ الأجرة عندنا وجبت عليه بالعقد، و يبطل به ما إذا حفر بئرا ثمّ مات فوقع فيها إنسان أو غيره، فإنّه يجب ضمانه في ماله؛ لأنّ سبب ذلك كان [منه] في حال الحياة، كذلك الأجرة سبب وجوبها العقد، و كان منه في حال الحياة.

و الشيخ رحمه اللّه استدلّ علي دعواه بالبطلان بموت أيّهما كان: بإجماع الفرقة و أخبارهم(1).

و لا شكّ في عدالته و قبول روايته مسندة فتقبل مرسلة.

و قال بعض علمائنا(2): تبطل بموت المؤجر خاصّة، دون المستأجر، و عكس آخرون(3).

إذا عرفت هذا، فإذا مات المستأجر، قام وارثه مقامه في استيفاء المنفعة، فإن كان المستأجر لم يؤدّ مال الإجارة كان دينا عليه يؤخذ من صلب تركته، و لو كان مؤجّلا حلّ بموته.).

ص: 292


1- الخلاف 492:3، المسألة 7.
2- لم نتحقّقه.
3- الصنائع 222:4، الهداية - للمرغيناني - 250:3، المبسوط - للسرخسي - 5:16، مختصر اختلاف العلماء 1826/129:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 116:2، الحاوي الكبير 401:7، بحر المذهب 272:9، حلية العلماء 433:5، التهذيب - للبغوي - 4: 449، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 174:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 35:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1144/653:2، بداية المجتهد 230:2، المعونة 2: 1096.

و إن مات المؤجر، تركت العين عند المستأجر إلي انتهاء مدّة الإجارة.

فإن كانت الإجارة واردة علي الذمّة، فما التزمه دين عليه، فإن كان في التركة وفاء استؤجر منها لتوفيته، و إن لم يكن وفاء فالوارث بالخيار إن شاء وفّي و استحقّ الأجرة، و إن شاء أعرض، فللمستأجر فسخ الإجارة.

و القياس علي موت الأجير باطل؛ لأنّ انفساخ الإجارة بموت الأجير كان من جهة أنّه مورد العقد، لا من جهة أنّه عاقد.

مسألة 726: تبطل الإجارة بموت المؤجر علي الأقوي في موضعين:

مسألة 726: تبطل الإجارة بموت المؤجر علي الأقوي في موضعين: الأوّل: لو أوصي مالك الدار أو العبد أو الدابّة بمنفعة الدار أو العبد أو الدابّة أو الثوب أو شبهه لزيد مدّة عمر الموصي له، فقبل الوصيّة ثمّ مات الموصي، فآجرها زيد الموصي له مدّة ثمّ مات زيد في أثناء تلك المدّة، فإنّ الإجارة تبطل؛ لانتهاء حقّه الذي هو مورد الإجارة؛ لأنّه منوط بحياته، فتبطل بموته.

الثاني: إذا وقف علي شخص ثمّ علي عقبه و نسله و هكذا، فآجر الشخص الموقوف عليه الوقف مدّة، فالأقوي: بطلان الإجارة؛ لأنّ المنافع بعد موته لغيره، و لا ولاية له عليه و لا نيابة عنه، فلا يمكنه التصرّف في حقّه، و قد بيّنّا أنّ هذه المدّة ليست للمؤجر، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجارة في الباقي، و بين الفسخ فيه، و يرجع المستأجر علي تركة الأوّل بما قابل المتخلّف.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ الإجارة تبقي بحالها؛ لأنّها

ص: 293

لازمة، فلا تتأثّر بموت العاقد، كما لو آجر ملكه(1).

و بنوا الوجهين علي أنّ البطن الثاني يتلقّي الاستحقاق من الأوّل أو من الواقف ؟ فإن قلنا بالأوّل، فالإجارة بحالها، كما لو آجر ملكه و مات في أثناء المدّة، و إن قلنا بالثاني، فلا(2).

و عبارة أكثر الشافعيّة: «الانفساخ و عدمه» فقالوا في أحد الوجهين:

تنفسخ الإجارة، و في الثاني: لا تنفسخ(3).

و لم يستحسنها الجويني و جماعة من الشافعيّة؛ لأنّ الانفساخ يشعر بسبق الانعقاد، و ردّوا الخلاف إلي أنّا هل نتبيّن البطلان؛ لأنّا تبيّنّا أنّه تصرّف فيما لم يملكه ؟(4).

و إذا حكمنا ببقاء الإجارة فحصّة المدّة الباقية من الأجرة تكون للبطن الثاني، فإن أتلفها الأوّل، فهي دين عليه في تركته.

و ليس هذا كما لو آجر ملكه و مات في المدّة حيث يكون جميع الأجرة تركة له يقضي [منها](5) ديونه و تنفذ وصاياه.

و الفرق: إنّ التصرّف هناك ورد علي خالص حقّه، و الباقي له بعد الإجارة رقبة مسلوبة المنفعة في تلك المدّة فتنتقل إلي الوارث كذلك.

و إن قلنا: إنّها لا تبقي، فإنّها لا تبطل فيما مضي.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: البطلان، و الخلاف هنا مبنيّ عليه.

ص: 294


1- نهاية المطلب 115:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 4: 318.
2- نهاية المطلب 115:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 4: 318.
3- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4.
4- نهاية المطلب 116:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه.

الخلاف في تفريق الصفقة، فإن منعوا من التفريق كان للبطن الأوّل أجرة المثل علي ما مضي(1).

مسألة 727: إجارة الوقف تفرض تارة من الموقوف عليه،

مسألة 727: إجارة الوقف تفرض تارة من الموقوف عليه، و أخري من المتولّي للنظر إمّا من مشروط له الولاية لا غير، أو من حاكم، و بالجملة لا تكون الإجارة مستندة إلي الموقوف عليه من حيث هو موقوف عليه، و بيان الحالتين موكول إلي ما شرطه الواقف.

فإن آجر البطن الأوّل، كان حكمه ما تقدّم(2).

و أمّا إذا آجر المتولّي الناظر في الوقف، فإنّه يصحّ، و لا تبطل الإجارة بموته، و لا يؤثّر موته في الإجارة؛ لأنّه ناظر للجميع، و لا يختصّ تصرّفه ببعض الموقوف عليهم، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3).

و لهم وجه آخر: إنّ الإجارة تبطل أيضا، و هو كالخلاف فيما إذا آجر الولي الصبي فبلغ الصبي في المدّة بالاحتلام(4).

و لو شرط الواقف الولاية للموقوف عليه و جعله الناظر في الوقف فآجره مدّة ثمّ مات، لم تبطل إجارته علي الأصحّ، لا من حيث هو موقوف عليه، بل من حيث إنّه قد آجر الناظر في الوقف و المتولّي عليه.

مسألة 728: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها إلاّ برضا صاحبه،

مسألة 728: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها إلاّ برضا صاحبه، و هو عقد يقتضي تمليك المؤجر الأجرة و المستأجر المنافع، فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدّتها و ترك

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4-319.
2- في ص 293-294.
3- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 319:4.
4- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 319:4.

الانتفاع اختيارا منه، لم تنفسخ الإجارة، و كان عليه مال الإجارة كملا، و لم يزل ملكه عن المنافع، كما لو اشتري شيئا و قبضه ثمّ تركه.

إذا ثبت هذا، فإن استأجر دابّة أو دارا أو غيرهما من الأعيان و قبضها و أمسكها حتّي مضت مدّة الإجارة غير متصرّف فيها، انتهت الإجارة، و استقرّت الأجرة عليه و إن لم ينتفع بالعين طول المدّة؛ لأنّ المؤجر مكّنه و أقبضه، و تلف المعقود عليه تحت يده، و هي حقّه، فاستقرّ عليه بدلها، كثمن المبيع إذا تلف المبيع في يد المشتري.

و ليس له الانتفاع بعد المدّة؛ لأنّ المنافع بعد المدّة حقّ لمالك العين، فإن انتفع بها بعد المدّة، لزمه أجرة المثل مع المسمّي.

و لو ضبطت المنفعة بالعمل دون المدّة، كما إذا استأجر دابّة ليركبها إلي بلد أو ليحمل عليها شيئا إلي موضع معلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّي مضت مدّة يمكن فيها المسير إلي ذلك البلد، فكذلك، و يستقرّ عليه مال الإجارة؛ لأنّ المؤجر مكّنه من الانتفاع بأقصي المقدور عليه، فتستقرّ له الأجرة، كما لو كان الضبط بالمدّة، و لأنّ المنافع تلفت تحت يده باختياره، فاستقرّ الضمان عليه، كما لو تلفت العين في يد المشتري، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا تستقرّ عليه الأجرة حتّي يستوفي المنفعة؛ لأنّه عقد علي منفعة غير موقّتة بزمن، فلم يستقرّ بدلها قبل استيفائها، كالأجير المشترك(2).6.

ص: 296


1- البيان 290:7، العزيز شرح الوجيز 175:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 20:6، الشرح الكبير 157:6.
2- المحيط البرهاني 564:7، الفتاوي الولوالجيّة 365:3، العزيز شرح الوجيز 6: 175، المغني 21:6، الشرح الكبير 157:6.

و لو بذل المؤجر تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتّي انقضت المدّة، استقرّ الأجر عليه؛ لأنّ المنافع تلفت باختياره في مدّة الإجارة، فاستقرّ عليه الأجر، كما [كانت](1) في يده.

و إن كانت الإجارة علي عمل، فإذا مضت مدّة يمكن الاستيفاء فيها استقرّ عليه الأجر - و به قال الشافعي(2) - لأنّ المنافع تلفت باختياره.

و قال أبو حنيفة: لا أجرة عليه؛ لأنّه عقد علي ما في الذمّة، فلم يستقرّ عوضه ببذل العين، كالمسلم فيه، و لأنّه عقد علي منفعة غير موقّتة بزمن، فلم يستقرّ عوضها بالبذل، كالصداق إذا بذلت له تسليم نفسها و امتنع الزوج من أخذها(3).

و لو كان هذا في إجارة فاسدة إذا عرضها علي المستأجر فلم يأخذها، لم يكن عليه أجرة؛ لأنّها لم تتلف تحت يده و لا في ملكه.

و إن قبضها و مضت المدّة أو مدّة يمكن استيفاء المنفعة فيها، احتمل أن لا يكون عليه شيء - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه عقد فاسد علي منافع لم يستوفها، فلم يلزمه عوضها، كالنكاح الفاسد، و أن يكون عليه أجرة المثل - و به قال الشافعي(5) - لأنّ المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم -

ص: 297


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كان». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 439:7، نهاية المطلب 185:8، بحر المذهب 335:9، المغني 21:6، الشرح الكبير 158:6.
3- الحاوي الكبير 439:7، بحر المذهب 335:9، المغني 21:6، الشرح الكبير 158:6.
4- نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي - 455:4، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، المغني 21:6، الشرح الكبير 163:6.
5- المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي -

له، فرجع إلي قيمتها، كما لو استوفاها.

و لو استوفي المنفعة في العقد الفاسد، فعليه أجرة المثل - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّ ما يضمن بالمسمّي في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد، كالأعيان.

و قال أبو حنيفة: يجب أقلّ الأمرين من المسمّي أو أجر المثل؛ بناء منه علي أنّ المنافع لا قيمة لها، و لا تتقوّم إلاّ بالعقد، و ما زاد علي المسمّي لم يجب بدله في العقد، فلم يضمنه(2).

و هو ممنوع، علي أنّ العقد وقع علي جميعها بالمسمّي، فوجب أن تكون مضمونة؛ لأنّ العقد اقتضي ضمانها.

مسألة 729: إذا استأجر دابّة ليركبها إلي بلد أو ليعمل عليها في شيء معلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّي مضت مدّة يمكن فيها المسير إليه،

مسألة 729: إذا استأجر دابّة ليركبها إلي بلد أو ليعمل عليها في شيءمعلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّي مضت مدّة يمكن فيها المسير إليه استقرّت عليه الأجرة، سواء ضبطت بالمدّة أو بالعمل(3) علي ما(4) قلناه.

ص: 298


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1153/656:2، الذخيرة 462:5، المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي - 4: 455، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 22:6، الشرح الكبير 163:6.
2- الاختيار لتعليل المختار 88:2، الهداية - للمرغيناني - 238:3، مختصر القدوري: 104، نهاية المطلب 258:8-259، التهذيب - للبغوي - 455:4، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، المغني 22:6، الشرح الكبير 6: 163.
3- في «د، ص» و الطبعة الحجريّة: «العمل».
4- في الطبعة الحجريّة: «كما» بدل «علي ما».

و لا فرق بين أن يكون تخلّف المستأجر لعذر أو لغير عذر حتّي لو تخلّف لخوف في الطريق أو لعدم وجدان الرفقة، استقرّت الأجرة عليه و إن كان معذورا من جهة أنّه لو خرج و الحال هذه كان متعدّيا ضامنا للدابّة.

و إنّما استقرّت الأجرة عليه؛ لتلف منافع المدّة عنده، علي أنّه متمكّن من السفر عليها إلي بلد آخر و من استعمالها في البلد تلك المدّة، و ليس للمستأجر فسخ العقد بهذا السبب، و لا أن يلزم [المؤجر](1) استرداد الدابّة إلي أن يتيسّر الخروج.

هذا في إجارة العين، و لو كانت الإجارة في الذمّة و سلّم دابّة بالوصف المشروط فمضت المدّة عند المستأجر، استقرّت الأجرة أيضا - كما تقدّم - لتعيّن حقّه بالتسليم و حصول التمكين.

مسألة 730: لو آجر الحرّ نفسه إمّا مدّة معيّنة أو لعمل معلوم ثمّ سلّم نفسه إلي المستأجر المدّة بأسرها أو مدّة ذلك العمل فلم يستعمله المستأجر حتّي مضت المدّة أو مضت مدّة يمكن فيها ذلك العمل

مسألة 730: لو آجر الحرّ نفسه إمّا مدّة معيّنة أو لعمل معلوم ثمّ سلّم نفسه إلي المستأجر المدّة بأسرها أو مدّة ذلك العمل فلم يستعمله المستأجر حتّي مضت المدّة أو مضت مدّة يمكن فيها ذلك العمل، فالأقرب: استقرار الأجرة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و يجري الخلاف فيما إذا ألزم ذمّة الحرّ عملا فسلّم نفسه مدّة إمكان ذلك العمل و لم يستعمله، و سبب الخلاف أنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد علي ما قدّمناه(3).

ص: 299


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المستأجر». و المثبت هو الصحيح.
2- نهاية المطلب 200:8، التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 6: 176، روضة الطالبين 317:4.
3- التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 4: 317.

و أجري بعض الشافعيّة الخلاف فيما إذا [التزم](1) الحرّ عملا في الذمّة و سلّم عبده ليستعمله فلم يستعمله(2).

و إذا قلنا بعدم الاستقرار، فللأجير أن يرفع الأمر إلي الحاكم ليجبره علي الاستعمال.

مسألة 731: إذا استأجر عقارا أو حيوانا أو غير ذلك، ملك المنافع بالعقد،

مسألة 731: إذا استأجر عقارا أو حيوانا أو غير ذلك، ملك المنافع بالعقد، كما يملك المشتري المبيع بالبيع، و يزول ملك المؤجر عنها، كما يزول ملك البائع عن المبيع، فلا يجوز للمؤجر التصرّف فيها؛ لأنّها صارت مملوكة لغيره، كما لا يملك البائع التصرّف في المبيع، و يجب عليه بذل العين للمستأجر ليستوفي المنافع منها، فإن لم يسلّمها المالك و منع المستأجر عنها حتّي انقضت المدّة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه، و العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه، فانفسخ العقد، كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و لو استوفي المؤجر المنافع بأسرها طول المدّة، فالأقرب: إنّ للمستأجر الخيار بين الفسخ؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من قبل المؤجر، و بين إلزام المؤجر بأجرة المثل، كالأجنبيّ.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه كما لو أتلف البائع المبيع قبل القبض.

و الثاني: القطع بالانفساخ؛ فرقا بأنّ الواجب هناك بالإتلاف القيمة،

ص: 300


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ألزم» و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
3- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4، المغني 28:6، الشرح الكبير 114:6.

و أنّها قابلة للبيع، فجاز أن يتعدّي حكم البيع إليها، و هنا ما تقدّر وجوبه أجرة المثل، و أنّها لا تقبل الإجارة، فلا يتعدّي حكم الإجارة إليها(1).

و لو أمسكها المؤجر بعض المدّة ثمّ سلّم، انفسخت الإجارة في المدّة التي تلفت منافعها، و يتخيّر في الفسخ في الباقي؛ لتعدّد الصفقة.

و للشافعي خلاف في الباقي، كالخلاف فيما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض، فإن قلنا: لا تنفسخ، فللمستأجر الخيار، و لا يبدل زمان بزمان(2).

و لو لم تكن المدّة مقدّرة و استأجر دابّة للركوب إلي بلد ثمّ لم يسلّمها حتّي مضت مدّة يمكن فيها المضيّ إليه، ففيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّ الإجارة تنفسخ؛ لأنّ المدّة و إن ذكرت فليست معيّنة، و إنّما المطلوب المنفعة فيها، فليكن الاعتبار بمضيّ زمان إمكان الانتفاع، و بأنّ [المكتري](3) لو حبسها هذه المدّة استقرّت عليه الأجرة، كما لو حبسها إلي آخر المدّة إذا كانت مذكورة في الإجارة، فإذا سوّينا بين نوعي الإجارة في حقّ المكتري، وجب أن نسوّي بينهما في حقّ المؤجر.

و أظهرهما عندهم: إنّها لا تنفسخ؛ لأنّ هذه الإجارة متعلّقة بالمنفعة، دون الزمان، و لم يتعذّر استيفاؤها، و يخالف حبس [المكتري](4) فإنّا لو لم نقرّر به الأجرة لضاعت المنفعة علي المكتري(5).8.

ص: 301


1- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
2- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المشتري». و هو تصحيف.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المشتري». و هو تصحيف.
5- الوسيط 202:4-203، العزيز شرح الوجيز 176:6-177، روضة الطالبين 317:4-318.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ للمكتري الخيار؛ لتأخّر حقّه(1).

و منعه باقيهم، و قالوا: لا خيار للمكتري، كما لا خيار للمشتري لو امتنع البائع من تسليم المبيع مدّة ثمّ سلّمه(2).

و لو كانت الإجارة في الذمّة و لم يسلّم ما يستوفي المنفعة منه حتي مضت مدّة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة، فلا فسخ و لا انفساخ بحال؛ فإنّه دين تأخّر إيفاؤه.

مسألة 732: لو استأجر دارا ليسكنها سنة - مثلا - فسكنها شهرا ثمّ تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره،

مسألة 732: لو استأجر دارا ليسكنها سنة - مثلا - فسكنها شهرا ثم تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره، تخيّر المستأجر بين الفسخ في باقي المدّة، و إلزام المالك بأجرة المثل لو سكن.

و لو آجر، فله أيضا إلزامه بالأجرة الثانية.

و لو استأجر دارا سنة فسكنها شهرا و تركها شهرا و سكن المالك عشرة أشهر، لزم المستأجر أجرة شهرين، و تخيّر في عشرة الأشهر التي سكنها المالك بين فسخ العقد فيها فيرجع بالحصّة من المسمّي بعد التقسيط، و بين أن يرجع بأجرة المثل.

فلو اختار أجرة المثل و كان بقدر المسمّي في العقد، لم يجب علي المستأجر شيء.

و إن فضل منه فضلة، وجب علي المالك أداؤها إلي المستأجر.

مسألة 733: لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و معه من تمام السكني

مسألة 733: لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و معه من تمام السكني

ص: 302


1- الغزالي في الوسيط 203:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 177:6، و روضة الطالبين 318:4.
2- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.

المالك و منعه من تمام السكني، وجب علي المستأجر أجرة ما سكن بالحصّة؛ لأنّه استوفي ملك غيره علي سبيل المعاوضة، فلزمه عوضه، كالمبيع إذا استوفي بعضه و منعه المالك عن باقيه، و كما لو تعذّر استيفاء الباقي لأمر غالب، و هو قول أكثر العلماء و المحصّلين(1).

و قال أحمد: إذا أخرجه المالك و منعه تمام السكني، فلا شيء له من الأجر؛ لأنّه لم يسلّم إليه ما عقد الإجارة عليه، فلم يستحقّ شيئا، كما لو استأجره ليحمل له كتابا إلي موضع فحمل بعض الطريق، أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة و امتنع من حفر الباقي(2).

و نمنع الملازمة الأولي؛ لأنّه سلّم البعض، فاستحقّ بقدره.

و نمنع الأصل في الموضعين.

و لو استأجر دابّة فامتنع مالكها من تسليمها بعض المدّة، وجب عليه دفع أجرة ما استعملها، خلافا لأحمد(3).

و كذا لو آجر نفسه أو عبده للخدمة مدّة و امتنع من إتمامها، أو آجر نفسه لبناء حائط في العقار و امتنع من تسليمه، استحقّ في ذلك كلّه بالنسبة.

و قال أحمد: لا يستحقّ شيئا ألبتّة(4).

و هو خطأ؛ لأنّه قد استوفي منافع العين علي جهة المعاوضة، فلا بدّ من لزوم العوض.

و يلزم علي قوله أنّه لو بقي من الأجل ساعة واحدة ثمّ أخرجه أن6.

ص: 303


1- المغني 28:6 و 29، الشرح الكبير 115:6.
2- المغني 28:6 و 29، الشرح الكبير 115:6.
3- المغني 29:6، الشرح الكبير 115:6.
4- المغني 29:6، الشرح الكبير 115:6.

لا يستحقّ المالك شيئا، و هو في غاية الظلم.

مسألة 734: لو استأجر دابّة فشردت أو أجيرا فهرب أو أخذ المؤجر العين و هرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة منها،

لم تنفسخ الإجارة بمجرّد ذلك، لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ فلا بحث، و إن لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضيّ المدّة يوما فيوما.

و إن عادت العين في أثناء المدّة، استوفي ما بقي منها.

و إن انقضت المدّة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه.

و إن كان التفويت من المالك، تخيّر المستأجر بين الفسخ، و إلزامه بأجرة المثل.

و لو كانت الإجارة علي عمل موصوف في الذمّة - كخياطة ثوب أو بناء حائط - استأجر الحاكم من ماله من يعمله، فإن تعذّر كان للمستأجر الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ صبر إلي أن يقدر عليه، و يطالبه بالعمل.

و لو عمل الأجير بعض العمل ثمّ انهزم أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع في أثناء المدّة، كان له من الأجرة بنسبة ما مضي، خلافا لأحمد(1).

و لو شردت الدابّة أو تعذّر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر، فله من الأجر بقدر ما استوفي بكلّ حال.

و لو مرض الأجير و تعذّر استيفاء العمل منه، بطلت الإجارة إن تعلّقت بالعين؛ لأنّ الإجارة وقعت علي نفسه، لا علي شيء في ذمّته، بل علي عمل نفسه، و عمل غيره ليس بمعقود عليه، فأشبه ما لو اشتري شيئا معيّنا

ص: 304


1- المغني 30:6، الشرح الكبير 116:6.

و لم يدفعه و دفع غيره، و لا يلزم المستأجر قبول ذلك؛ لأنّ العوض في مقابلة تلك العين.

و إن كان علي عمل في الذمّة، استؤجر من يقوم مقامه، فإن تعذّر، كان للمستأجر الفسخ.

مسأله 735: لو آجر جماله ليسافر المستأجر بها فهرب الجمّال، فإمّا أن يهرب بها، أو يتركها عند المستأجر.

فإن ذهب بها، فإن كانت الإجارة في الذمّة رفع أمره إلي الحاكم، فإذا ثبت عنده (حاله)(1) استأجر الحاكم عليه من ماله [جمالا و](2) من يقوم مقام الجمّال في الإنفاق علي الجمال و الشدّ عليها و حفظها و فعل ما يلزم الجمّال فعله، فإن لم يجد له مالا، اقترض عليه إمّا من أحد أو من بيت المال أو من المستأجر، و استأجر عليه؛ لأنّه أمر ثبت في ذمّة الجمّال، و تعذّر استيفاؤه منه؛ لتعيينه، فكان علي الحاكم المنصوب للمصالح الاستيفاء من أمواله إن كانت، و أن يقترض إن لم تكن؛ لأنّه من مصلحة المستأجر.

و لو اقترض الحاكم إمّا من المستأجر أو من غيره، كان ذلك دينا في ذمّة الجمّال يستوفي منه مع حضوره.

و هل للحاكم تفويض الأمر إلي المستأجر في الاكتراء ليكتري لنفسه عن الجمّال ؟ الأقرب: الجواز، كغيره من الناس.

و منع بعض الشافعيّة منه؛ لأنّه يكون وكيلا في حقّ نفسه، كماة.

ص: 305


1- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «حالة المستأجر».
2- ما بين المعقوفين يقتضيه سياق العبارة.

لا يجوز أن يقبض من نفسه لنفسه(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن تعذّر الاقتراض؛ لعدم المقرض و عدم المال في بيت المال، أو كان و احتيج إليه لأهمّ من ذلك، أو لم يجد المستأجر حاكما، أو وجد حاكما و تعذّر عليه إثبات ذلك عنده، كان للمستأجر فسخ العقد؛ لأنّه تعذّر عليه قبض المعقود عليه، فأشبه ما لو انقطع المسلم فيه عند محلّه، و إن شاء أقام علي الإجارة، فإن اختار الفسخ فسخ عليه، و كانت الأجرة دينا له علي الجمّال، و إن اختار المقام علي العقد كان له، فإذا عاد الجمّال كان له مطالبته بظهر يركبه.

و إن كان العقد علي مدّة انقضت في هربه، انفسخ العقد بذلك.

و إن كان العقد علي بهيمة بعينها، لم يكن للحاكم أن يكتري له غيرها؛ لأنّ الحقّ تعلّق بعينها، إلاّ أنّه قد تعذّر عليه استيفاء المنفعة، فهو بالخيار إن شاء فسخ الإجارة، و تكون له الأجرة، فإن كانت في ماله، أخذها الحاكم و دفعها، و إن لم تكن موجودة، دفع إليه بدلها في ماله.

فإن لم يظهر له مال، فالأقرب: إنّ للحاكم الاقتراض عليه، و دفع مال القرض إلي المستأجر.

و منعه بعض الشافعيّة و قال: إن لم يظهر له مال، لم يقترض الحاكم عليه؛ لأنّ الحقّ في ذمّته، و إذا استدان عليه، كان الحقّ للمقترض في ذمّته،4.

ص: 306


1- الحاوي الكبير 422:7، البيان 298:7، العزيز شرح الوجيز 174:6، روضة الطالبين 315:4.

فلا فائدة في نقل الحقّ من واحد إلي واحد، و يفارق المنفعة؛ لأنّها من غير جنس المقترض، و قد تفوت بتأخيرها أيضا(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المستأجر قد يحتاج إلي ماله و المقرض قد يستغني عنه، فاقتضت الحكمة الاقتراض عليه، دفعا لحاجة المستأجر.

و إن لم يفسخ المستأجر العقد، فإن كانت الإجارة متعلّقة بمدّة، انفسخ العقد بمضيّها، و إن كانت مقدّرة بالعمل، فإذا عاد الجمّال بجماله استوفاها.

و لو عاد بعد مضيّ بعض المدّة، انفسخ العقد فيما مضي، و يتخيّر المستأجر في الباقي.

و للشافعيّة في الباقي طريقان تقدّما(2).

و لو هرب الجمّال خاصّة و ترك الجمال عند المستأجر، فإنّ الجمال تحتاج إلي مؤونة و من يقوم بما تحتاج إليه من خدمتها، فيرفع المستأجر أمره إلي الحاكم، فإن وجد له مالا أنفق منه، و إن لم يجد له مالا غيرها استقرض من بيت المال أو من بعض الناس أو من المستأجر إن لم يكن فيها فضل عن الكراء، و إن كان فيها فضل، باعه و أنفقه عليها و علي من يتعهّدها.

و إذا لم يجد من يقرضه سوي المستأجر، فإن قبضه منه و أنفقه عليها جاز، و إن أمره أن ينفقه بنفسه فكذلك يجوز عندنا.ي.

ص: 307


1- البيان 299:7.
2- فيما تقدّم في ص 277، ضمن المسألة 716 قولان في الماضي، لا الباقي.

و للشافعي قولان:

أحدهما كما قلناه؛ لأنّ إقامة أمين في ذلك تشقّ و تتعذّر؛ لأنّه يحتاج إلي الإنفاق في طريقه، فجوّز له ذلك، كما يجوز لمن كان له دين علي من لا يصل إليه، فإنّه يجوز له أن يأخذ من ماله شيئا، و يتولّي بيعه لموضع الحاجة، كذا هنا.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه إذا كان أمينا في ذلك، وجب قبول قوله في حقّ يجب له، و الأمين لا يقبل قوله فيما يستحقّه، و إنّما يقبل قوله في إسقاط غرم عنه(1).

و كذا إذا اقترض من غيره هل يجعله أمينا؟ عندنا يجوز، و عند الشافعي قولان(2).

و إذا قلنا: لا يردّ ذلك إليه فردّه إليه، قال أصحاب الشافعي: يكون متطوّعا، و لا يرجع به؛ لأنّه بمنزلة من ينفق بغير إذن الحاكم(3).

و إن قلنا: يجوز ذلك - و هو أظهر القولين - فأنفق و ادّعي نفقة، نظر فإن كان الحاكم قدّر له النفقة، قبل قوله فيما قدّر له(4) الحاكم، و لم يقبل قوله فيما زاد علي ذلك.

و إن لم يقدّر الحاكم، فإن ادّعي نفقة المعروف فالقول قوله مع يمينه».

ص: 308


1- المهذّب - للشيرازي - 408:1، نهاية المطلب 152:8-153، بحر المذهب 296:9، حلية العلماء 408:5، التهذيب - للبغوي - 464:4-465، البيان 7: 300، العزيز شرح الوجيز 174:6-175، روضة الطالبين 315:4.
2- لم نتحقّقهما في مظانّهما.
3- بحر المذهب 296:9.
4- في «د، ص»: «قدّره» بدل «قدّر له».

إن أنكر ذلك الجمّال، و إن ادّعي زيادة النفقة علي المعروف لم يرجع بها؛ لأنّه متطوّع بذلك.

و أمّا إن أنفق بغير إذن الحاكم، نظر فإن كان قد قدر علي الحاكم، لم يرجع بما أنفق؛ لأنّه متبرّع.

و إن كان لم يقدر علي الحاكم، فإن أنفق من غير شرط الرجوع و الإشهاد لم يرجع أيضا؛ لأنّا لا نعلم أنّه لم يتبرّع، و لا يقبل قوله في إيجاب الرجوع له علي غيره.

و إن أشهد علي الإنفاق بشرط الرجوع، رجع؛ لأنّه موضع ضرورة، فقام ذلك مقام الإذن له، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يرجع؛ لأنّه لم ينفق بإذن من له الإذن، فلا يرجع به(1).

و ليس بجيّد؛ لأدائه إلي إتلاف ماله و مال الغير.

و لو(2) نوي الرجوع و لم يشهد، فإن كان لتعذّر الشهود، فالوجه:

الرجوع؛ لأنّها حالة ضرورة.

و إن تمكّن من الإشهاد، احتمل الرجوع أيضا؛ لأنّ ترك الجمال مع العلم بأنّها لا بدّ لها من النفقة إذن في الإنفاق، و عدمه؛ لأنّه يثبت لنفسه حقّا علي غيره.

و لو قدر علي استئذان الحاكم و أنفق من غير استئذانه و أشهد في ذلك، ففي رجوعه وجهان.».

ص: 309


1- البيان 301:7.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إن» بدل «و لو».

إذا عرفت هذا، فإذا انقضت مدّة الإجارة و رجع الجمّال، طولب بما عليه، و سلّمت الجمال إليه، و إن لم يعد، كان للحاكم أن يبيع منها بقدر ما حصل علي صاحبها من الدّين المقترض، و يدفع الدّين، فإن بقي منها شيء، كان ذلك إلي رأي الحاكم إن رأي أن يبيعه ليحفظ ثمنه علي صاحبه - لأنّه متي أبقاها أكلت بعضها بعضا، لأنّه يحتاج إلي أن يبيع منها و ينفق علي الباقي - فعل ذلك، و إن رأي تبقيتها ليعود صاحبها، فعل.

و إذا مات الجمّال، فحكمه حكم هربه، و لا تنفسخ الإجارة عندنا بالموت، و له أن يركبها، و لا يسرف في علفها و لا يقصّر، و يرجع بذلك في مال المتوفّي.

و إن لم يكن في يد المستأجر ما ينفق، لم يجز له أن يبيع منها شيئا؛ لأنّ البيع إنّما يجوز من المالك أو نائبه أو ممّن له ولاية عليه.

تذنيب: و علي القول بالرجوع فيما أنفق بغير مراجعة الحاكم لتعذّره أو لتعذّر الإثبات عنده أو لغير ذلك فلو اختلفا، فالقول قول الجمّال؛ لأنّ إنفاق المستأجر لم يستند إلي ائتمان من جهة الحاكم.

و فيه احتمال؛ لأنّ الشارع سلّطه عليه.

و إذا انقضت مدّة الاجارة و لم يرجع الجمّال، باع الحاكم منها ما يقضي بثمنه ما اقترض، و يحفظ سائرها، و إن رأي بيعها لئلاّ تأكل نفسها، فعل.

مسألة 736: يجوز لوليّ الطفل إجارته و إجارة ما يري من أمواله، سواء كان أبا أو جدّا للأب أو وصيّا أو قيّما من جهة الحاكم مع المصلحة له في ذلك

مسألة 736: يجوز لوليّ الطفل إجارته و إجارة ما يري من أمواله، سواء كان أبا أو جدّا للأب أو وصيّا أو قيّما من جهة الحاكم مع المصلحة له في ذلك، لكن لا تجاوز مدّة بلوغه بالسنّ، فلو آجره مدّة يبلغ في أثنائها،

ص: 310

مثل أن كان له تسع سنين فيؤجره عشر سنين، بطل الزائد علي مدّة البلوغ، و فيما لا يزيد يتخيّر المستأجر بين الفسخ لتبعّض الصفقة عليه، و بين الإمضاء بقدر نصيبه من مال الإجارة.

و للشافعيّة طريقان:

قال أكثرهم: تبطل فيما يزيد علي مدّة البلوغ، و فيما لا يزيد قولا تفريق الصفقة.

و قطع بعضهم بالبطلان، كما إذا آجر الراهن الرهن مدّة يحلّ الدّين قبل انقضائها(1).

و يجوز أن يؤجره مدّة لا يبلغ فيها بالسنّ و إن احتمل أن يبلغ فيها بالاحتلام؛ لأنّ الأصل دوام الصغر.

فلو اتّفق الاحتلام في أثنائها، فللشافعيّة وجهان:

أظهرهما: إنّ الإجارة تبقي - و هو قول الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(2) - لأنّه كان وليّا حين تصرّف، و قد بني تصرّفه علي المصلحة، فتلزم، كما لو زوّجه ثمّ بلغ، و لأنّ الإجارة عقد لازم عقده من له عقده بحقّ الولاية، فلم تبطل بالبلوغ، كما لو باع داره.

و الثاني: إنّ الاجارة تنفسخ في الزائد - و هو المعتمد عندنا، إلاّ أن يجيز الصبي بعد البلوغ فتلزم - لأنّا تبيّنّا أنّه قد زاد علي مدّة ولايته، و قد تصرّف في منافع لا يملك التصرّف فيها، و لا ولاية له عليه فيها، فأشبه ما1.

ص: 311


1- بحر المذهب 273:9، حلية العلماء 425:5، البيان 328:7، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.
2- الخلاف 500:3، المسألة 21.

إذا عقد عليه بعد البلوغ(1).

و قال بعض الشافعيّة: ينظر فيما عقد عليه الأب من المدّة، فإن تحقّق أنّه يبلغ قبل انقضائها، مثل أن يكون له أربع عشرة سنة فيؤجره سنتين، فإنّه يبلغ بتمام خمس عشرة سنة، فلا يصحّ العقد في إحداهما، و هل يصحّ في الأخري ؟ مبنيّ علي تفريق الصفقة.

و إن كانت مدّة لا يتحقّق بلوغه فيها، فلا يلزم الصبي بعقد الولي؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلي أن يعقد علي منافعه طول عمره، و لا يشبه هذا النكاح، فإنّ النكاح لا يمكن تقدير مدّة فيه، و إنّما يعقد للأبد(2).

و قال أبو حنيفة: إذا بلغ الصبي، ثبت له الخيار؛ لأنّه عقد علي منافعه في حال لا يملك التصرّف علي نفسه، فإذا ملكه ثبت له الخيار، كالأمة إذا عتقت تحت عبد(3).

و قد اختلفت عبارة الشافعيّة، فتارة قالوا بالانفساخ، و تارة: «تبيّن البطلان»(4).

و علي القول ببقاء الإجارة هل يثبت - عندهم - للصبي خيار الفسخ إذا بلغ ؟4.

ص: 312


1- الوسيط 204:4، التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.
2- حلية العلماء 425:5-426، البيان 328:7.
3- مختصر اختلاف العلماء 1795/109:4، بدائع الصنائع 178:4، المغني 6: 52، الشرح الكبير 54:6، بحر المذهب 273:9، حلية العلماء 426:5، العزيز شرح الوجيز 179:6.
4- نهاية المطلب 117:8، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.

أظهرهما: لا، كما لو زوّج ابنته ثمّ بلغت، لا خيار لها.

و الثاني: يثبت - و به قال أبو حنيفة - لأنّ التصرّف كان لمصلحته، و هو أعرف بمصلحته بعد البلوغ(1).

تذنيب: لو آجر الولي مال المجنون فأفاق في أثناء المدّة، فهو في معني البلوغ بالاحتلام.

تذنيب آخر: لو مات الولي المؤجر للصبي و ماله أو عزل و انتقلت الولاية إلي غيره، لم يبطل عقده؛ لأنّه تصرّف، و هو من أهل التصرّف في محلّ ولايته، فلم يبطل تصرّفه بموته أو عزله، كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرّفه فيما له النظر فيه.

و يفارق ما لو آجر الموقوف عليه الوقف مدّة ثمّ مات في أثنائها، فإنّه آجر ملك غيره بغير إذنه في مدّة لا ولاية له فيها، و هنا إنّما يثبت للوليّ الثاني الولاية في التصرّف فيما لم يتصرّف فيه الأوّل، و هذا العقد قد تصرّف فيه الأوّل فلم تثبت للثاني ولاية علي ما تناوله.

مسألة 737: العقود الناقلة المتجدّدة لا تبطل عقد الإجارة السابق عليها،

مسألة 737: العقود الناقلة المتجدّدة لا تبطل عقد الإجارة السابق عليها، فلو آجر عبده مدّة ثمّ أعتقه في أثنائها، صحّ العتق و نفذ قولا واحدا لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ المغصوب و الآبق لو أعتقهما نفذ، فهذا أولي، و لأنّ الحيلولة لا تمنع العتق، كالعبد المغصوب.

و لا تبطل الإجارة عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ

ص: 313


1- التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 4: 320، و راجع: أيضا الهامش (3) من ص 312.
2- الحاوي الكبير 404:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8:

السيّد أزال ملكه عن المنافع مدّة الإجارة قبل العتق، فالإعتاق يتناول ما بقي ملكا له، و لأنّه آجر ملكه ثمّ طرأ ما يزيل الملك، فأشبه ما إذا آجر ثمّ مات.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الإجارة تنفسخ، كما إذا مات البطن الأوّل(1).

و الصحيح عندهم: عدم الفسخ(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ العقد يلزم العبد، و لا خيار له بعد العتق في فسخه؛ لأنّ المؤجر تصرّف في ملكه الخالص لنفسه، فلا وجه للاعتراض عليه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ له الفسخ، كما إذا أعتقت الأمة تحت الزوج الرقيق(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العقد وقع لازما، فلا يملك إبطاله بالعتق، بخلاف النكاح؛ لتضمّنه الاستمتاع التابع للشهوة.

إذا تقرّر هذا، فإنّ العبد لا يرجع علي السيّد بأجرة باقي المدّة بعد العتق؛ لأنّ السيّد تصرّف في منافعه تصرّفا كان يملكه، فإذا طرأت الحرّيّة لم يملك الرجوع عليه، كما لو كانت أمة فتزوّجها و استقرّ مهرها بالدخول ثمّ أعتقها، فإنّ ما يستوفيه الزوج بعد العقد لا يرجع به علي السيّد، و هذا قول الشافعي في الجديد، و هو أصحّ القولين عندهم.

و قال في القديم: إنّ العبد يرجع بأجرة المثل علي سيّده عن مدّة

ص: 314


1- نهاية المطلب 118:8، بحر المذهب 274:9، الوجيز 239:1، الوسيط 4: 205، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.
2- 117 و 118، بحر المذهب 273:9، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، حلية العلماء 5: 424، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 320:4.
3- نهاية المطلب 118:8، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.

الحرّيّة؛ لأنّ المنافع تستوفي منه قهرا بسبب كان من جهة السيّد، فيرجع بها عليه، كما إذا أكرهه علي عمل(1).

و الفرق: إنّ المكره متعدّ بالإكراه.

و علي القول بالقديم فإنّ نفقة العبد في مدّة الحرّيّة علي نفسه إذا لم تشترط علي المستأجر؛ لأنّه مالك لمنفعته.

و علي الثاني(2) فوجهان:

أحدهما: إنّها علي السيّد؛ لإدامته الحبس عليه، و لأنّه كالباقي علي ملكه من حيث إنّ منافعه له، و لأنّ نفقته ليست عليه؛ لعدم قدرته علي منافعه؛ لأنّه مشغول بالإجارة، و لا علي المستأجر؛ لأنّه لم يشرط عليه النفقة، و قد استحقّ منفعته بعوض [غير](3) نفقته فلم يبق إلاّ المعتق.

و أشبههما عندهم: إنّها في بيت المال - و هو الذي يقتضيه مذهبنا - لأنّ ملك السيّد قد زال عنه، و هو عاجز عن تعهّد نفسه(4).

مسألة 738: قد بيّنّا أنّ الإجارة تقع لازمة جميع المدّة و إن أعتق في اثناها لانه عقد لازم من جهة من ملك العقد

مسألة 738: قد بيّنّا أنّ الإجارة تقع لازمة جميع المدّة و إن أعتق في اثناها لانه عقد لازم من جهة من ملك العقد

ص: 315


1- المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 118:8-119، بحر المذهب 274:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 424:5، التهذيب - للبغوي - 4: 437، البيان 321:7-322، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 4: 320، المغني 53:6، الشرح الكبير 55:6.
2- أي: القول الجديد للشافعي.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عن». و المثبت هو الصحيح.
4- المهذّب - للشيرازي - 414:1، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، حلية العلماء 425:5، التهذيب - للبغوي - 437:4، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.

أثنائها - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1)بحر المذهب 274:9، المغني 53:6، الشرح الكبير 55:6.(2)العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.(3) - لأنّه عقد لازم من جهة من ملك العقد، فوجب أن لا يثبت الخيار للمعقود عليه، كما لو زوّج ابنه أو ابنته ثمّ بلغا.

و قال أبو حنيفة: يثبت للعبد الخيار، كالأمة إذا أعتقت تحت زوج(2).

و الفرق: إنّ الأمة إنّما يثبت لها الخيار لأجل نقصه و كمالها.

و لو ظهر للعبد عيب بعد العتق و فسخ المستأجر الإجارة، فإن قلنا:

إنّ العبد إذا عتق يرجع علي السيّد بأجرة المثل، فالمنافع هنا للعبد، و إن قلنا: إنّه لا يرجع، فهل المنافع هنا للعبد أو للسيّد؟ فيه احتمال، و للشافعيّة وجهان(3).

و لو آجر عبده و مات و أعتقه الوارث في المدّة، ففي انفساخ الإجارة ما سبق من الخلاف، لكن إذا قلنا بعدم الانفساخ، فلا خلاف هنا في أنّه لا يرجع علي المعتق بشيء.

و لو آجر أمّ ولده و مات في المدّة، عتقت، و في بطلان الإجارة الخلاف المذكور فيما إذا آجر البطن الأوّل و مات.

و كذا الحكم في إجارة المعلّق عتقه بصفة، و إنّما تجوز إجارته مدّة لا يتحقّق وجود الصفة فيها، فإن تحقّق فهو كإجارة الصبي مدّة يتحقّق بلوغه فيها.

و كتابة العبد المؤجر جائزة.4.

ص: 316


1- راجع: الهامش
2- من ص 313، و الهامش
3- من ص 314.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّه لا يمكنه التصرّف لنفسه(1).

و ليس بجيّد؛ لإمكان أن يأخذ من الصدقات أو يقترض ما يدفعه في مال الكتابة، أو يسقط المولي عنه مالها، أو يسقط المستأجر منافعه.

فعلي ما اخترناه من الجواز يجيء الخلاف في الخيار للعبد و في الرجوع علي السيّد.

مسألة 739: إذا آجر عينا ثمّ باعها علي المستأجر، صحّ البيع إجماعا؛

مسألة 739: إذا آجر عينا ثمّ باعها علي المستأجر، صحّ البيع إجماعا؛ لأنّه عقد بيع صادف ملكا، فصحّ، كغيره، و لأنّ الملك في الرقبة خالص له، و عقد الإجارة إنّما ورد علي المنفعة، فلا يمنع من بيع الرقبة، كما أنّ تزويج الأمة لا يمنع من بيعها، و لأنّ التسليم غير متعذّر.

لا يقال: أ لستم قلتم: إنّ المبيع قبل القبض لا يجوز بيعه من البائع و لا من غيره، فألاّ سوّيتم هاهنا بين المستأجر و غيره ؟

لأنّا نقول: هذا لا يلزمنا؛ لأنّا نقول بالتسوية بينهما علي ما يأتي، و إنّما يرد علي الشافعي؛ حيث فرّق في أحد القولين، و الفرق عنده: إنّ المانع من البيع أنّ العين لا تدخل في ضمان المشتري، و ذلك موجود في بيعها من البائع، و المانع من الإجارة الحيلولة، و ذلك غير موجود إذا كان المشتري هو المستأجر(2).

إذا ثبت هذا، فهل تبطل الإجارة، أم لا؟ الحقّ عندنا أنّها لا تبطل

ص: 317


1- العزيز شرح الوجيز 181:6، روضة الطالبين 321:4.
2- راجع: الحاوي الكبير 403:7، و المهذّب - للشيرازي - 414:1، و بحر المذهب 274:9 و 275، و حلية العلماء 427:5-428، و التهذيب - للبغوي - 438:4، و البيان 322:7-323، و العزيز شرح الوجيز 181:6 و 185، و روضة الطالبين 321:4 و 323، و المغني 53:6-54، و الشرح الكبير 129:6.

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه ملك المنافع أوّلا بعقد الإجارة ملكا مستقرّا، فلا تبطل بما يطرأ من ملك الرقبة و إن كانت المنافع تتبعها لو لا الملك الأوّل، كما أنّه إذا ملك ثمرة غير موبّرة ثمّ اشتري الشجرة، لا يبطل ملك الثمرة و إن كانت تدخل في الشراء لو لم يملكها أوّلا، و لأنّه ملك المنفعة بعقد و ملك الرقبة مسلوبة المنفعة، فلم يتنافيا، كما يملك الثمرة بعقد ثمّ يملك الأصول، و كذا إذا آجر الموصي له بالمنفعة لمالك الرقبة، صحّ العقد، فدلّ علي أنّ ملك المنفعة لا ينافي ملك الرقبة، و كذا لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها، جاز.

و الثاني للشافعيّة: إنّ الإجارة تبطل فيما بقي من المدّة؛ لأنّ ملك الرقبة لمّا منع ابتداء الإجارة منع استدامتها، ألا تري أنّ الملك لمّا منع ابتداء النكاح منع استدامته، فإنّه كما [لا يجوز أن يتزوّج](2) أمته، كذلك لو اشتري زوجته انفسخ النكاح.

و الأصل فيه: إنّه إذا ملك الرقبة حدثت المنافع علي ملكه تابعة للرقبة، و إذا كانت المنافع مملوكة له لم يبق عقد الإجارة عليها، كما أنّه لو كان مالكا في الابتداء لم يصح منه الاستئجار(3).5:

ص: 318


1- الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، بحر المذهب 9: 274، الوسيط 206:4، الوجيز 239:1، حلية العلماء 428:5، التهذيب - للبغوي - 438:4، البيان 323:7، العزيز شرح الوجيز 182:6، روضة الطالبين 321:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يجوز أن يزوّج» و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
3- بحر المذهب 275:9، الوسيط 206:4، الوجيز 239:1، حلية العلماء 5:

و الفرق بين النكاح و المتنازع: إنّ ملك الرقبة في النكاح يغلب ملك المنفعة، ألا تري أنّ سيّد الأمة إذا زوّجها لا يجب عليه تسليمها و إن قبض الصداق، و في الإجارة ملك المنفعة يغلب ملك الرقبة، فإنّ المؤجر إذا قبض الأجرة يجب عليه تسليم العين، و أيضا فإنّ المؤجر لم يكن مالكا للمنفعة حين باع، فلا تصير المنافع ملكا للمشتري بالشراء، و السيّد مالك لمنفعة بضع الأمة المزوّجة، ألا تري أنّها لو وطئت بالشبهة يكون المهر له، لا للزوج، فإذا باع تبع منافع البضع المملوكة له رقبتها، و ملكها الزوج بالشراء، فانفسخ النكاح.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا بانفساخ الإجارة، فهل يرجع المستأجر علي المؤجر بأجرة باقي المدّة ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: لا يرجع - قاله ابن الحدّاد - لأنّ الإجارة انفسخت بمعني كان من جهته، فأشبه المرأة إذا ارتدّت، و لأنّ المنافع قائمة في يده، و لأنّه لو اشتري زوجته لا يسقط المهر.

و أصحّهما عندهم: إنّه يرجع؛ لأنّ الأجرة إنّما تستقرّ بسلامة المنفعة للمستأجر علي موجب الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة سقطت الأجرة، كسائر أسباب الانفساخ، و يخالف المهر؛ فإنّ استقراره لا يتوقّف علي سلامة المنفعة للزوج، بدليل ما إذا ماتت، و المرتدّة أتلفت عليه المعقود عليه، مع أنّ ما قالوه يبطل بما إذا تقايلا، فإنّه يرجع بالأجرة(1).4.

ص: 319


1- بحر المذهب 275:9، حلية العلماء 429:5، البيان 324:7، العزيز شرح الوجيز 182:6، روضة الطالبين 321:4.

و لو فسخ المستأجر البيع بعيب، لم يكن له الإمساك بحكم الإجارة؛ لأنّها قد انفسخت بالشراء، و لم يرجع بالأجرة؛ لأنّ الإجارة انفسخت، و سقطت الأجرة، و الردّ بالعيب قطع للملك من حين الردّ.

و لو تلفت العين، لم يرجع علي البائع بشيء؛ لأنّ الإجارة غير باقية عند التلف حتي تتأثّر به.

و علي الوجه الآخر - و هو أنّ الإجارة لا تنفسخ بالشراء - ففي صورة فسخ البيع بالعيب له الإمساك بحكم الإجارة.

و من قال: تنفسخ و يرجع بالأجرة فيرجع بها.

و لو فسخ عقد الإجارة، رجع علي البائع بأجرة بقيّة المدّة، و في صورة التلف تنفسخ الإجارة بالتلف، و حكمه ما تقدّم.

و لو آجرها من رجل و باعها من آخر و قلنا: يصحّ البيع ثمّ حدث بها عيب ففسخ المستأجر الإجارة، رجعت المنفعة إلي صاحب الرقبة - عند بعض الشافعيّة - لأنّ المنفعة تابعة للرقبة، و إنّما استحقّت بعقد الإجارة، فإذا زالت عادت إليه، كما نقول في الأمة المؤجرة إذا طلّقها الزوج(1).

و قال بعضهم: ترجع المنفعة إلي البائع؛ لأنّ المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة تلك المدّة، فلا يرجع إليه ما لم يملكه، و لأنّ البائع يستحقّ عوضها علي المستأجر، فإذا سقط العوض عاد المعوّض إليه(2).اء

ص: 320


1- نهاية المطلب 93:8، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4-206، حلية العلماء 429:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 325:7-326، العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 324:4، المغني 56:6، الشرح الكبير 132:6.
2- نهاية المطلب 93:8، بحر المذهب 276:9، الوسيط 205:4-206، حلية العلماء
مسألة 740: لو باع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر، صح ّ

مسألة 740: لو باع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر، صح عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أصحّ القولين(1) - و يملكها المشتري مسلوبة المنفعة تلك المدّة؛ لأنّ الإجارة إنّما ترد علي المنفعة، فلا تمنع بيع الرقبة، كالتزويج، و لأنّ البيع إنّما وقع علي غير المعقود عليه في الإجارة، فلم يغيّر حكم الإجارة، كبيع الأمة المزوّجة.

و لما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام:

سألته عن رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر و لم ينكر المستأجر البيع و كان حاضرا له شاهدا عليه، فمات المشتري و [له](2) ورثة هل يخرج ذلك إلي الميراث(3) ، أم يبقي في يد المستأجر إلي أن تنقضي إجارته ؟ فكتب: «إلي أن تنقضي إجارته»(4).

و الثاني للشافعي: إنّ البيع باطل؛ لأنّ يد المستأجر حائلة تمنع التسليم إلي المشتري، فمنعت الصحّة، كبيع المرهون من غير المرتهن و بيع

ص: 321


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1178/663:2، الذخيرة 540:5، الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 92:8، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 427:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 322:7-323، العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 323:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2 و 34، المغني 53:6، الشرح الكبير 129:6.
2- 429:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 325:7-326، العزيز شرح الوجيز 6: 185، روضة الطالبين 324:4، المغني 56:6، الشرح الكبير 132:6.
3- في المصدر: «هل يرجع ذلك الشيء في الميراث».
4- التهذيب 910/207:7.

المغصوب(1).

قال بعض الشافعيّة: و لا فرق بين أن يأذن المستأجر أو لم يأذن(2).

و الفرق بين المغصوب و المستأجر: إنّ الغصب يمنع التسليم، و يد المستأجر لا تمنع، فافترقا، و لئن منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه، و هو عند انقضاء مدّة الإجارة، و تكفي القدرة علي التسليم حينئذ، كالمسلم فيه.

و قال أبو حنيفة: إنّ البيع موقوف علي إجازة المستأجر، فإن أجازه جاز، و بطلت الإجارة، و إن ردّ البيع بطل(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ البيع يصحّ، و يملك المشتري المبيع مسلوب المنفعة إلي حين انقضاء الإجارة، و لا يستحقّ تسليم العين إلاّ حينئذ؛ لأنّ تسليم العين إنّما يراد لاستيفاء نفعها، و نفعها إنّما يستحقّه إذا انقضت الإجارة، فيصير هذا بمنزلة من اشتري عينا في مكان بعيد، فإنّه لا يستحقّ تسليمها إلاّ بعد مضيّ مدّة يمكن إحضارها فيها، و كالسّلم إلي وقت لا يستحقّ تسليم المسلم فيه إلاّ في وقته.2.

ص: 322


1- الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 92، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 428:5، التهذيب - للبغوي - 438:4-439، البيان 322:7-323، العزيز شرح الوجيز 6: 185، روضة الطالبين 323:4، المغني 53:6-54، الشرح الكبير 129:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2.
2- العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 323:4.
3- بدائع الصنائع 207:4، المبسوط - للسرخسي - 3:16، بحر المذهب 9: 275، البيان 323:7، العزيز شرح الوجيز 185:6، المغني 54:6، الشرح الكبير 130:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2.

و لا تنفسخ الإجارة علي ما قلناه، كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوّجة، و تترك في يد المستأجر إلي انقضاء المدّة.

و لو كانت الإجارة في مدّة لا تتّصل أوقاتها، كما لو استأجر سنة الأيّام دون الليالي، استحقّ المشتري تسليم العين في المدّة التي ليس للمستأجر حقّ الإمساك فيها.

إذا عرفت هذا، فإنّ المشتري إن كان عالما بالحال لم يكن له خيار، فلا فسخ له، و لا أجرة لتلك المدّة.

و إن كان جاهلا بالإجارة، يثبت(1) له الخيار في فسخ البيع و إمضائه مجّانا؛ لأنّ الإجارة تمنعه من استيفاء منافعه، و المنافع هي المقصودة بالبيع، فأشبه العيب.

و لو كان جاهلا فأجاز، كان بحكم العالم.

مسألة 741: لو باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ

مسألة 741: لو باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ الإجارة بذلك العيب، أو عرض ما تنفسخ به الإجارة، فمنفعة بقيّة المدّة للمشتري عند بعض الشافعيّة؛ لأنّ عقد البيع يقتضي استحقاق المشتري للرقبة و المنفعة جميعا، إلاّ أنّ الإجارة السابقة كانت تمنع منه، فإذا انفسخت خلص المال له بحقّ الشراء، كما إذا اشتري جارية مزوّجة فطلّقها زوجها، تكون منفعة البضع للمشتري، و ليس للبائع الاستمتاع بها و لا تزويجها من الزوج المطلّق(2).

ص: 323


1- في «د، ص»: «ثبت».
2- راجع: الهامش (1) من ص 320.

و قال بعضهم: إنّها للبائع؛ لأنّه لم يملك المشتري منافع تلك المدّة(1)العزيز شرح الوجيز 185:6-186، روضة الطالبين 324:4.(2).

و بني بعضهم الوجهين علي أنّ الردّ بالعيب يرفع العقد من أصله، أو من حينه ؟ إن قلنا بالأوّل، فهي للمشتري، و كأنّ الإجارة لم تكن، و إن كان من حينه، فللبائع؛ لأنّه لم يوجد عند الردّ ما يوجب الحقّ للمشتري(2).

و لو تقايلا الإجارة، فإن جعلنا الإقالة عقدا، فهي للبائع، و إن جعلناها فسخا، فكذلك علي أصحّ القولين؛ لأنّها ترفع الحقّ من حينها لا محالة.

و إذا حصل الانفساخ، رجع المستأجر بأجرة بقيّة المدّة علي البائع.

و يحتمل(3) أن يقال: يرجع علي المشتري.

و ليكن هذا مفرّعا علي أنّ المنفعة تكون للمشتري؛ لأنّه رضي بالمبيع ناقص المنفعة، فإذا حصلت له المنفعة، جاز أن يؤخذ منه بدلها.

و الخلاف في بيع المستأجر يجري في هبته. و تجوز الوصيّة به.

مسألة 742: لو باع عينا و استثني لنفسه منفعتها شهرا أو سنة، صحّ البيع

مسألة 742: لو باع عينا و استثني لنفسه منفعتها شهرا أو سنة، صحّ البيع و الاستثناء عندنا.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: إنّه علي القولين في بيع الدار المستأجرة؛ لأنّه إذا جاز أن لا تكون المنافع للمشتري مدّة، بل تكون للمستأجر، كذلك جاز أن تكون للبائع؛ لأنّ جابرا باع في بعض الأسفار بعيرا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي أن

ص: 324


1- راجع: الهامش
2- من ص 320.
3- في الطبعة الحجريّة: «و يمكن» بدل «و يحتمل».

يكون له ظهره إلي المدينة(1).

و الثاني: القطع بالمنع؛ لأنّ إطلاق البيع يقتضي دخول المنافع التي يملكها البائع في العقد، و الاستثناء يغيّر مقتضاه، فيمنع منه، و في بيع المستأجر المنافع ليست مملوكة للبائع، و أيضا فإنّ استثناء المنفعة اشتراط الامتناع من التسليم الذي هو مقتضي العقد، فلا يمكن أن يقدّر كون البائع نائبا عن المشتري في اليد و القبض، لكن يجوز أن تقام يد المستأجر مقام يد المشتري، و يقال: إنّه يمسك المال لنفسه بالإجارة، فللمالك تملّك الرقبة(2).

و الأظهر: المنع عندهم، سواء ظهر الخلاف أو لا(3).

و نمنع كون الاستثناء يغيّر مقتضي العقد؛ فإنّ مقتضي العقد: دخول المنافع مع الإطلاق، أمّا مع التقييد بشرط عدم الدخول فلا، و ذلك كاستثناء جزء من العين، فلو قال: بعتك هذه الدار إلاّ هذا البيت، صحّ البيع و الاستثناء إجماعا، فكذا لو استثني المنفعة، بل هنا أولي؛ لأنّ إخراج العارض أقلّ مناقضة من إخراج الذاتيّ المقوّم، و كذا في اشتراط الامتناع من التسليم.

مسألة 743: لو باع العين المستأجرة من المستأجر، فقد قلنا: إنّه يصحّ البيع،

مسألة 743: لو باع العين المستأجرة من المستأجر، فقد قلنا: إنّه يصحّ البيع، و لا تبطل الإجارة علي الأقوي، و لا يثبت للمشتري هنا خيار.

هذا إذا كان عالما بالحال، أمّا لو استأجر وكيله من غير علم منه ثمّ

ص: 325


1- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 113/1223:3، السنن الكبري - للبيهقي - 337:5، مسند أحمد 271:4-14071/272، و 14487/336، و 14852/394.
2- العزيز شرح الوجيز 186:6، روضة الطالبين 324:4.
3- العزيز شرح الوجيز 186:6، روضة الطالبين 324:4.

اشتري هو أو بالعكس، أو عقد وكيلان له العقدين و لا شعور للمشتري منهما بالحال، فإنّ المشتري يثبت له الخيار بين الفسخ و الإمضاء، كالأجنبيّ لو اشتري.

و لو كان وكيل الشراء عالما بالحال، فهذا كما لو كان المشتري عالما لا خيار له.

و لو أوصي لزيد برقبة دار، و لعمرو بمنفعتها، فآجرها عمرو من زيد، صحّت الإجارة عندنا.

و للشافعيّة وجهان(1) ، كالخلاف فيما لو باع.

مسألة 744: لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر، فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها

مسألة 744: لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر، فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها - و للشافعيّة وجهان(2) - إلاّ أنّه لا فرق في الحكم بين فسخ الإجارة و بقائها.

و إذا قلنا بالفسخ، رجع بالأجرة من تركته قولا واحدا.

و فرّق ابن الحدّاد من الشافعيّة بين الوارث و المستأجر: بأنّ الوارث دخل في ملكه بغير اختياره، فلو استأجر إنسان من أبيه دارا ثمّ مات الأب و خلّف ابنين أحدهما: المستأجر، فإنّ الدار تكون بينهما نصفين، و المستأجر أحقّ بها؛ لأنّ النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه، و النصف الذي ورثه يستحقّه إمّا بحكم الإجارة أو الميراث، و ما عليه من الأجرة بينهما نصفين، و إن كان أبوه قد قبض الأجرة، لم يرجع بشيء منه علي

ص: 326


1- التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 182:6-183، روضة الطالبين 322:4.
2- حلية العلماء 429:5، البيان 324:7، العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4.

أخيه، و لا بتركة أبيه، و يكون ما خلّفه أبوه بينهما نصفين؛ لأنّه لو رجع بشيء أفضي إلي أن يكون قد ورث النصف بمنفعته، و ورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة، و اللّه تعالي قد سوّي بينهما في الميراث، و لأنّه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي انتقضت الإجارة فيها؛ إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة و أخذ عوضها من غيره(1).

مسألة 745: لو آجر المستأجر العين التي استأجرها من المالك للمالك، صحّت الإجارة

مسألة 745: لو آجر المستأجر العين التي استأجرها من المالك للمالك، صحّت الإجارة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و هو منصوص الشافعي عندهم(2) - كما يجوز أن يشتري شيئا ثمّ يبيعه من بائعه، و به قال ابن الحدّاد من الشافعيّة(3) ، و عدّ ذلك من مناقضاته؛ لأنّه حكم بانفساخ الإجارة إذا اشتري من المستأجر ما استأجره؛ لامتناع اجتماع الملك و الإجارة، و أنّه لازم هنا، و لا فرق بين أن يكتري ثمّ يملك، و بين أن يملك ثمّ يكتري.

لا يقال: الاستئجار السابق لم يمنع صحّة الشراء اللاحق، كذلك الملك السابق وجب أن لا يمنع صحّة الاستئجار اللاحق، لكن تنفسخ الإجارة إذا حصل الاجتماع، كما انفسخت هناك.

لأنّا نقول: إنّ ما ينفسخ إذا كان سابقا وجب أن لا يصحّ إذا طرأ علي ما لا ينقطع، ألا تري أنّ النكاح لمّا انفسخ إذا كان سابقا لم يصح إذا طرأ

ص: 327


1- بحر المذهب 276:9، حلية العلماء 430:5، العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4-323.
2- بحر المذهب 280:9، العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
3- العزيز شرح الوجيز 183:6.

علي الملك(1).

و الوجه الثاني: المنع من صحّة الإجارة - و به قال ابن سريج من الشافعيّة - لاجتماع الإجارة و الملك، و أيضا فإنّ المؤجر مطالب بالتسليم مدّة الإجارة، فإذا اكتري ما أكري كان مطالبا و مطالبا في عقد واحد، و ذلك لا يحتمل إلاّ في حقّ الأب و الجدّ في مال الصغير(2).

و قد بيّنّا إمكان اجتماع الإجارة و الملك، و نمنع وحدة العقد.

مسألة 746: لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوي الابن المستأجر،

مسألة 746: لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوي الابن المستأجر، و عليه ديون مستغرقة، فإن قلنا: إنّ الوارث لا يملك التركة إذا كان الدّين مستغرقا، بقيت الإجارة بحالها، و إن قلنا: يملك - و هو الأقوي عندي، و الظاهر من مذهب الشافعي(3) - لا تنفسخ الإجارة؛ لإمكان اجتماع الملك و الإجارة، و هو الظاهر من وجهي الشافعيّة(4).

و علي قول ابن الحدّاد بالمنع من اجتماعهما تنفسخ الإجارة؛ لأنّ الملك طرأ علي الإجارة، كما لو طرأ بطريق الشراء(5).

و إذا انفسخت الإجارة، قال ابن الحدّاد: الابن غريم يضارب بأجرة باقي المدّة مع الغرماء(6).

و هذا خلاف قوله في الشراء: إنّه لا يرجع(7).

فبعض الشافعيّة تكلّف له فرقين:

أحدهما: إنّ الانفساخ في صورة الشراء حصل باختيار المستأجر، و في الميراث لا صنع للمستأجر، فلا يسقط حقّه.

ص: 328


1- العزيز شرح الوجيز 183:6.
2- العزيز شرح الوجيز 183:6.
3- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
4- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
5- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
6- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
7- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.

و الثاني: إنّ الإجارة هناك و إن انفسخت فلا تخرج المنافع من يده، و هنا تخرج؛ لأنّ الدار تباع في الديون(1).

و هما ضعيفان.

أمّا الأوّل: فلأنّه لا فرق في سقوط الأجرة بين أن تفوت المنافع و يحصل الانفساخ بفعله أو لا بفعله، ألا تري أنّ هدم المستأجر الدار كانهدامها.

و أمّا الثاني: فلأنّ بقاء المنافع هناك ليس من مقتضي الإجارة، بل لأنّها مملوكة بالبيع، و التملّك بغير جهة الإجارة لا يقتضي استقرار عوض الإجارة، و هذا كما لو تقايلا البيع ثمّ وهب البائع المبيع من المشتري، لا يستقرّ عليه الثمن.

و لو مات الأب المؤجر عن ابنين أحدهما المستأجر، فعلي أظهر وجهي الشافعيّة لا تنفسخ الإجارة في شيء من الدار، و يسكنها المستأجر إلي انقضاء المدّة، و رقبتها بينهما بالإرث(2).

و قال ابن الحدّاد: تنفسخ الإجارة في النصف الذي ملكه المستأجر، و له الرجوع بنصف أجرة ما انفسخ العقد فيه؛ لأنّ قضيّة الانفساخ في النصف الرجوع بنصف الأجرة، لكنّه خلّف ابنين و التركة في يدهما، و الدّين الذي يلحقهما يتوزّع، فيخصّ الراجع الربع، و يرجع بالربع علي أخيه، فإن لم يترك الميّت شيئا سوي الدار، بيع من نصيب الأخ المرجوع عليه بقدر ما ثبت به الرجوع(3).3.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 183:6-184.
2- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4.
3- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4-323.

و هذا مستبعد عند الشافعيّة؛ لأنّ الابن المستأجر ورث نصيبه [بمنافعه، و أخوه ورث نصيبه](1) مسلوب المنفعة، ثمّ قد تكون أجرة مثل الدار في تلك المدّة مثلي ثمنها، فإذا رجع علي الأخ بربع الأجرة، احتاج إلي بيع جميع نصيبه، فيكون أحدهما قد فاز بجميع نصيبه، و بيع نصيب الآخر وحده في دين الميّت(2).

و لو لم يخلّف سوي الابن المستأجر و لا دين عليه، فلا فائدة في الانفساخ و لا أثر له؛ لأنّ الكلّ له، سواء أخذ بالإرث، أو مدّة الإجارة بالإجارة، و بعدها بالإرث، و سواء أخذ بالدّين أو بالإرث.

مسألة 747: لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة،

مسألة 747: لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة، فإن قلنا: لو آجر من أجنبيّ ارتفعت الإجارة، فهنا أولي، و إلاّ فللشافعيّة وجهان من جهة أنّه طرأ الاستحقاق في دوام الإجارة، فأشبه ما إذا طرأ الملك(3).

قال الجويني: و هذه الصورة أولي بارتفاع الإجارة؛ لأنّ المالك يستحقّ المنفعة تبعا للرقبة، و الموقوف عليه يستحقّها مقصودا لا بالتبعيّة(4).

و هذا الترتيب مبنيّ علي أنّ الموقوف عليه لا يملك الرقبة، أمّا إذا قلنا:

إنّه يملكها، أمكن أن يقال: هو كالمالك في استحقاق المنفعة تبعا للرقبة.

تذنيب: لو استأجر من المستأجر ثمّ آجره، صحّ، و كذا لو آجر المستأجر الثاني من المالك، و لا فسخ هنا؛ لدخول الثالث بينهما.

و لو باع المالك من المستأجر الثاني، صحّ البيع، و لم تبطل الإجارة.

و هذا الفرع لم نقف عليه لأحد.

ص: 330


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.
3- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.
4- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.

الفصل السادس: في التنازع

مسألة 748: لو اختلفا في الإجارة و عدمها،

مسألة 748: لو اختلفا في الإجارة و عدمها، فالقول قول منكرها، سواء كان هو المؤجر أو المستأجر؛ قضيّة للأصل، و الأخبار الدالّة علي تقديم قول المنكر.

فلو ادّعي المتشبّث الإيداع و ادّعي المالك الإجارة، قدّم قول المتشبّث في عدم الاستئجار، و قول المالك في عدم الإيداع، و يثبت الأقلّ من المدّعي و أجرة المثل، و لو كان ذلك قبل مضيّ شيء من المدّة، فلا شيء علي المتشبّث.

و لو حصل التداعي في أثناء المدّة، بطلت دعوي الإجارة في الباقي، و يثبت في الماضي ما قلناه، هذا كلّه مع اليمين، و كذا لو ادّعي المالك الإجارة و ادّعي المتشبّث العارية.

و لو ادّعي المالك الإجارة و المتشبّث الغصب، حلف المتشبّث علي عدم الإجارة، و لا يحلف المالك علي عدم الغصب؛ لأنّ أجرة المثل للمنافع تجب له باعتراف المتشبّث علي الغصب.

و لو انعكس الفرض، حلف المالك علي عدم الإجارة، و المتشبّث علي عدم الغصب، و يثبت الأكثر من مال الإجارة و أجرة المثل.

مسألة 749: لو اختلفا في قدر الأجرة،

مسألة 749: لو اختلفا في قدر الأجرة، فادّعي المالك أنّه آجره بدينار سنة، و قال المستأجر: بل بنصف دينار، قال علماؤنا: يقدّم قول

ص: 331

المستأجر؛ لأنّه منكر للزيادة، فكان القول قوله مع اليمين، و به قال أبو ثور(1).

و قال الشافعي: يتحالفان، و يبدأ بيمين المؤجر؛ لأنّه كالبائع، و الإجارة نوع من البيع، فإذا تحالفا قبل مضيّ شيء من المدّة، فسخ العقد، و رجع كلّ واحد منهما في ماله، و لو رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر، أقرّ العقد(2).

و إن فسخا العقد بعد المدّة أو شيء منها، سقط المسمّي، و وجب أجرة المثل، كما لو اختلفا في المبيع بعد تلفه، و به قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل، و إن كان عمله، فالقول قول المستأجر فيما بينه و بين أجرة المثل(3).

و قال بعض العامّة: القول قول المالك؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع»(4)(5).

و هذا يحتمل أن يريد به إذا اختلفا في المدّة، و أمّا إذا اختلفا في العوض، فالصحيح ما قلناه، علي أنّ البيع ليس كالإجارة.

مسألة 750: لو اختلفا في المدّة،

مسألة 750: لو اختلفا في المدّة، فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال:

بل سنتين بدينارين، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّه منكر للزيادة، فكان القول قوله فيما أنكره.

ص: 332


1- المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
2- بحر المذهب 338:9، البيان 351:7، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 309:4، المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
3- المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
4- سنن الدار قطني 67/20:3، المعجم الكبير - للطبراني - 10365/215:10.
5- المغني 160:6، الشرح الكبير 153:6.

و إن قال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينار، فهنا قد اختلفا في قدر العوض و المدّة جميعا، فيحتمل تقديم قول المالك، و التحالف؛ لأنّه لم يوجد الاتّفاق منهما علي عوض.

و لو قال المالك: آجرتكها سنة بدينار، فقال الساكن: بل استأجرتني علي حفظها بدينار، قدّم قول المالك؛ لأنّ الساكن قد استوفي منافع الدار، فيحلف المالك أنّه لم يستأجره، و يحلف الساكن أنّه لم يستأجر الدار، و تلزمه أجرة المثل.

مسألة 751: لو اختلفا في المعقود عليه،

مسألة 751: لو اختلفا في المعقود عليه، فقال: آجرتك الدار بكذا، فقال: بل آجرتني الحمّام بكذا، تحالفا، و سقط مال الإجارة، و إن كان المستأجر قد تصرّف فيما ادّعاه هو أو ادّعاه المالك، كان عليه أجرة المثل.

و كذا لو قال: آجرتك العبد، فقال: بل الجارية.

و لو قال: آجرتك هذا البيت بدينار، فقال: بل آجرتني البيت و باقي الدار بالدينار، احتمل تقديم قول المالك، و التحالف، أمّا لو لم يذكر العوض و لا تنازعا فيه بأن كان قد قبضه المالك و اتّفقا علي براءة ذمّة المستأجر منه ثمّ ادّعي أنّه استأجر الدار بأسرها، فقال المالك: بل آجرتك هذا البيت منها خاصّة، فإنّه يقدّم قول المالك قطعا مع اليمين.

مسألة 752: لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلي المؤجر

مسألة 752: لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلي المؤجر فادّعاه المستأجر و أنكر المالك، قدّم قول المالك مع يمينه؛ لأصالة عدم الردّ.

و لو اختلفا في ردّ العين التي استؤجر الصانع لعمل صنعة فيها، فالقول قول المالك أيضا؛ لأصالة عدم الردّ.

و لو اختلفا في التعدّي في العين المستأجرة و عدمه، فالقول قول المستأجر مع يمينه؛ لأنّه مؤتمن عليها.

ص: 333

و لما رواه جعفر بن عثمان قال: حمل أبي متاعا إلي الشام مع جمّال فذكر أنّ حملا منه ضاع، فذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: «أتتّهمه ؟» قلت: لا، قال: «لا تضمّنه»(1).

و عن خالد بن الحجّاج(2) أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الملاّح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص، فقال: «إن كان مأمونا فلا تضمّنه»(3).

و لأنّ الأصل عدم العدوان، و البراءة من الضمان.

و إن ادّعي أنّ العبد أبق من يده و أنّ الدابّة سرقت أو نفقت، و أنكر المؤجر، فالوجه: تقديم قول المستأجر؛ لأنّه أمين، و لا أجر عليه إذا حلف علي التلف عقيب العقد؛ لأصالة عدم الانتفاع، و هو إحدي الروايتين عن أحمد.

و الثانية: إنّ القول قول المالك؛ لأصالة السلامة(4).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 753: لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعي أنّ العبد مرض في يده،

مسألة 753: لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعي أنّ العبد مرض في يده، نظر فإن جاء به صحيحا، فالقول قول المالك، سواء وافقه العبد أو خالفه، و إن جاء به مريضا، فالقول قول المستأجر - و به قال أبو حنيفة و أحمد(5) - لأنّه إذا جاء به صحيحا فقد ادّعي ما يخالف الأصل، و ليس معه دليل عليه، و إذا جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا، فكان القول قوله في مدّة المرض؛ لأنّه أعلم بذلك؛ لكونه في يده.

ص: 334


1- الكافي 5/244:5، الفقيه 711/162:3، التهذيب 946/217:7.
2- في التهذيب: «الحجال» بدل «الحجّاج» و الظاهر أنّ ذلك تصحيف.
3- الكافي 2/243:5، التهذيب 947/217:7.
4- المغني 161:6، الشرح الكبير 154:6.
5- المغني 161:6، الشرح الكبير 154:6.

و كذا لو ادّعي إباقه و جاء به غير آبق.

و عن أحمد رواية أخري: إنّه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه، و به قال الثوري و إسحاق(1).

و الوجه: التسوية بينهما؛ لأنّهما متساويان في تفويت المنفعة، فكانا سواء في دعوي ذلك.

و لو هلكت العين و اختلفا في هلاكها و وقته و مدّته، أو أبق العبد أو مرض و اختلفا في وقت ذلك و مدّته، قدّم قول المستأجر؛ لأنّ الأصل عدم العمل، و لأنّ ذلك حصل في يده و هو أعلم به.

مسألة 754: لو ادّعي الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك،

مسألة 754: لو ادّعي الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك، كلّفوا البيّنة؛ لأنّهم ادّعوا خلاف الأصل، فإن فقدت فعليهم الضمان.

و قال بعض علمائنا: يكون القول قولهم مع اليمين؛ لأنّهم أمناء(2) ، و هو أشهر الروايتين.

و قد روي الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «في الصائغ و القصّار ما سرق منهم من شيء فلم يخرج منه علي أمر بيّن أنّه قد سرق فكلّ قليل له أو كثير فهو ضامن، و إن فعل فليس عليه شيء، و إن لم يفعل و لم يقم البيّنة و زعم أنّه قد ذهب الذي ادّعي عليه فقد ضمنه إلاّ أن يكون له علي قوله البيّنة»(3).

ص: 335


1- المغني 162:6، الشرح الكبير 154:6.
2- كما في شرائع الإسلام 189:2، و راجع: النهاية: 447، و المراسم: 196، و السرائر 468:2.
3- التهذيب 952/218:7.

و في حديث معاوية بن عمّار - الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الصبّاغ و القصّار، قال: «ليس يضمنان»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذا الخبر أنّهما لا يضمنان إذا كانا مأمونين، فأمّا إذا اتّهمهما ضمّنهما؛ جمعا بين الأحاديث(2).

إذا عرفت هذا، فلو ادّعي المالك التفريط و أنكروا، فالقول قولهم مع اليمين؛ لأصالة البراءة.

مسألة 755: إذا دفع إنسان إلي خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه،

مسألة 755: إذا دفع إنسان إلي خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه، فخاطه قباء، ثمّ اختلفا فقال الخيّاط: هكذا أمرتني، و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصا، أو قال الخيّاط: أمرتني أن أقطعه قميص امرأة، و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميص رجل، [قال الشيخ](3) القول قول المالك مع يمينه؛ لأصالة عدم إذنه في قطع ما ادّعاه الخيّاط، فإذا لم يكن هناك بيّنة، فعليه اليمين.

ثمّ قال رحمه اللّه: و لو قلنا: إنّ القول قول الخيّاط؛ لأنّه غارم و ربّ الثوب مدّع عليه قطعا لم يأمره به ليلزمه(4) ضمان الثوب فيكون عليه البيّنة، فإذا فقدت فعلي الخيّاط اليمين، كان قويّا(5).

و هذا يدلّ علي تردّده في هذه المسألة.

و المعتمد ما قاله أوّلا؛ لأنّ الخيّاط قد تصرّف في ثوب غيره و ادّعي

ص: 336


1- التهذيب 964/220:7، الاستبصار 477/132:3.
2- التهذيب 220:7، ذيل ح 964.
3- ما بين المعقوفين تقتضيه العبارة حيث إنّها منقولة عن الخلاف للطوسي، مضافا إلي قوله فيما يأتي: «ثمّ قال رحمه اللّه».
4- في «ر» و الخلاف: «فيلزمه».
5- الخلاف 506:3-507، المسألة 34.

الإذن، فالقول قول صاحبه؛ لأنّه المنكر هنا.

و اضطرب قول الشافعي هنا، فإنّه قال في اختلاف العراقيّين: كان ابن أبي ليلي يقول: القول قول الخيّاط، و كان أبو حنيفة يقول: القول قول ربّ الثوب، و هذا أصحّ القولين.

و نقل المزني هذين القولين إلي جامعيه: الكبير و الصغير، ثمّ قال المزني: قال الشافعي: كلا القولين مدخول؛ لأنّ الخيّاط يدّعي الأجرة و ينفي الغرم، و ربّ الثوب يدّعي الغرم و ينفي الأجرة، فلا أقبل قولهما، و أردّهما إلي أصل القياس علي السّنّة، فيحلف كلّ واحد منهما لصاحبه، و أردّ الثوب علي صاحبه، و لا أجرة للخيّاط و لا غرم عليه.

و قال الشافعي في الإملاء: إذا دفع إلي صبّاغ ثوبا فصبغه أسود، فقال ربّ الثوب: أمرتك بصبغه بالأحمر، و قال الصبّاغ: بل بالأسود، يتحالفان، و علي الصبّاغ ما نقص.

و اختلف أصحابه في هذه المسألة علي ثلاثة طرق:

أحدها: ما ذهب إليه ابن سريج و أبو إسحاق و غيرهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: القول قول الخيّاط - و به قال ابن أبي ليلي و مالك و أحمد - لأنّهما اتّفقا علي القطع المطلق و الإذن فيه، و ملكه الخيّاط، فكان الظاهر أنّه فعل ما ملكه، و أنّه لا غرم عليه، و الظاهر أنّه لم يتعدّ المأذون، و لأنّ المالك يدّعي عليه الغرم و الأصل عدمه، و لا نزاع في المطلق، بل في إيجاده في خصوصيّة لم يثبت إذن المالك فيها، فيكون ضامنا.

و الثاني: إنّ القول قول ربّ الثوب - و به قال أبو حنيفة - لأنّهما اختلفا في صفة إذنه، و القول قول الآذن في أصل الإذن، فكذا في صفته، كما لو

ص: 337

دفع إليه عينا فقال صاحبها: أودعتكها، و قال المدفوع إليه: و هبتها لي، فالقول قول المالك.

الطريق الثاني: إنّ فيها ثلاثة أقوال: هذان، و الثالث: إنّهما يتحالفان؛ لأنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعي عليه؛ لأنّ ربّ الثوب يدّعي عليه الغرم و ينفي الأجرة، و الخيّاط يدّعي عليه الأجرة و ينفي الغرم، فيتحالفان(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاختلاف وقع في الإذن، لا في الأجرة و الغرم، فكان القول قول منكر الإذن، و لأنّ الخيّاط يعترف بأنّه أحدث نقصا في الثوب و يدّعي أنّه مأذون فيه، و الأصل عدمه، و لأنّه يدّعي أنّه أتي بالعمل الذي استأجره عليه و المالك ينكره، فأشبه ما إذا استأجره لحمل متاع و قال الأجير: حملت، فأنكر المالك، فإنّ القول قول المالك.

و من قدّم قول الخيّاط فلا بدّ و أن يقول بالتحالف؛ لأنّه إذا حلف الخيّاط خرج من ضمان الثوب، فيحلف المالك لنفي الأجرة، و هذا هو التحالف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشافعي ليس له في المسألة إلاّ قول واحد،6.

ص: 338


1- الأم 39:4-40، مختصر المزني: 128، الحاوي الكبير 436:7-437، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 178:8-179، بحر المذهب 9: 332-333، الوجيز 338:1، الوسيط 192:4-193، حلية العلماء 451:5 - 452، التهذيب - للبغوي - 471:4، البيان 351:7-352، العزيز شرح الوجيز 158:6-159، روضة الطالبين 307:4. و راجع أيضا: الاختيار لتعليل المختار 92:2-93، و بدائع الصنائع 219:4، و فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 360:2، و المبسوط - للسرخسي - 96:15، و مختصر اختلاف العلماء 1779/98:4، و الهداية - للمرغيناني - 3: 249، و الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1185/666:2، و عيون المجالس 4: 1805-1270/1806، و المغني 125:6، و الشرح الكبير 148:6.

و هو التحالف، و ما عداه فهو حكاية مذهب الغير(1).

و قال ابن سريج: إن جري بينهما عقد فليس إلاّ التحالف، كسائر الاختلافات في كيفيّة المعاوضات، و إن لم يجر فالخيّاط لا يدّعي الأجرة، و إنّما النزاع في الأرش، ففيه قولان: مذهب أبي حنيفة و ابن أبي ليلي(2).

مسألة 756: إذا قلنا: يحلف الخيّاط ليخرج من ضمان الثوب، و يحلف المالك لنفي الأجرة -

مسألة 756: إذا قلنا: يحلف الخيّاط ليخرج من ضمان الثوب، و يحلف المالك لنفي الأجرة - كما هو مذهب الشيخ في بعض أقواله و مذهب ابن أبي ليلي - فإنّه يحلف باللّه: ما أذنت لي في قطعه قميصا و لقد أذنت لي في قطعه قباء، و إن صدّقنا المالك، فإنّه يكفي أن يحلف:

ما أذنت لك في قطعه قباء، و لا حاجة إلي التعرّض للقميص؛ لأنّ وجوب الغرم و سقوط الأجرة كلاهما يلزم من نفي الإذن في القباء، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و علي القول بالتحالف يجمع كلّ واحد منهما في يمينه بين النفي و الإثبات، كما في البيع.

و الكلام في البداءة بمن ؟ هو علي ما سبق(4) في البيع، و المالك هنا في رتبة البائع.

مسألة 757: إذا صدّقنا الخيّاط و قدّمنا قوله

مسألة 757: إذا صدّقنا الخيّاط و قدّمنا قوله - كما هو مذهب الشيخ رحمه اللّه و ابن أبي ليلي - حلف الخيّاط علي ما تقدّم، و لا أرش عليه.

ص: 339


1- الوسيط 193:4، التهذيب - للبغوي - 471:4، العزيز شرح الوجيز 159:6.
2- العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
3- البيان 352:7 و 353، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 308:4.
4- في ج 12، ص 96-98، المسألة 612.

و هل له الأجرة ؟ كلام الشيخ رحمه اللّه - الذي نقلناه عنه(1) - في الخلاف يشعر بعدم الاستحقاق؛ لأنّه في الأجرة مدّع، فيكون القول قول المنكر، و فائدة يمينه دفع الغرم عن نفسه، و لأنّه لو استحقّها استحقّها بيمينه، و لا يجب له ما يدّعيه بيمينه ابتداء؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لو يعطي الناس بدعواهم لادّعي قوم دماء قوم و أموالهم، و لكن اليمين علي المدّعي عليه»(2).

و هذا أحد قولي الشافعي، و الثاني: إنّه تثبت الأجرة؛ لأنّه أثبت الإذن بيمينه، و أثبت بيمينه أنّه فعل ما أذن له فيه، فوجبت الأجرة بفعله(3).

فإن قلنا: تثبت له الأجرة، فالأقرب: إنّه لا يثبت له المسمّي؛ لأنّ المسمّي لا يجب بيمينه، و إنّما يثبت له أجرة المثل؛ لوجود فعله المأذون فيه بحكم المعاوضة، و هو قول بعض الشافعيّة، و هو الأظهر عندهم(4).

و قال بعضهم: تثبت الأجرة المسمّاة إتماما لتصديقه(5). -

ص: 340


1- في ص 336.
2- ورد نصّه في المغني 126:6، و الشرح الكبير 148:6 نقلا عن مسلم في صحيحه 1711/1336:3.
3- الحاوي الكبير 437:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 193:4، حلية العلماء 452:5، التهذيب - للبغوي - 471:4-472، البيان 352:7-353، العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
4- الحاوي الكبير 437:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 452:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7، العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
5- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 193:4، حلية العلماء 452:5، -

و إن قلنا: لا تثبت له الأجرة بيمينه، فله أن يدّعي الأجرة علي المالك و يحلّفه، فإن نكل المالك، ففي تجديد اليمين عليه احتمالان:

أحدهما: التجديد؛ لأنّ إثبات المال بيمين المدّعي من غير نكول بعيد.

و الثاني: لا تجدّد، و كأنّ يمينه السابقة كانت موقوفة علي النكول [لصيرورتها](1) حجّة ملزمة للأجرة.

مسألة 758: إذا صدّقنا المالك

مسألة 758: إذا صدّقنا المالك - كما هو مذهبنا و مذهب أبي حنيفة - و حلّفناه علي أنّه ما أذن له في قطعه قباء، فلا أجرة عليه، و يجب علي الخيّاط أرش النقصان، و هو المشهور بين الشافعيّة(2).

و الفرق بين الغرم و بين الأجرة الواجبة بيمين الخيّاط حيث وقع هناك الخلاف: إنّ الأجرة إنّما تجب له بثبوت الإذن في قطعه قباء، و ذلك يثبت بيمينه، و في مسألتنا يجب الغرم بالقطع، و إنّما يثبت باليمين عليه الإذن.

و حكي بعضهم فيه وجهين، كما في وجوب الأجرة، تفريعا علي الثاني(3)(4).

ص: 341


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يصيّرون بها». و هو تصحيف.
2- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7، العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 307:4.
3- في العزيز شرح الوجيز بدل «الثاني»: «الأوّل»، و هو تصديق قول الخيّاط، الذي صار ثانيا في كلام الشيخ الطوسي، المتقدّم في ص 336.
4- العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 307:4.

إذا ثبت هذا، فالأقرب: إنّ الخيّاط يغرم ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقميص و مقطوعا قباء؛ لأنّ قطع القميص مأذون فيه - و هو أحد قولي الشافعي(1) - فعلي هذا لو لم يكن بينهما تفاوت، أو كان كونه مقطوعا قباء أكثر قيمة، فلا شيء علي الخيّاط.

و القول الثاني: يجب عليه ما بين قيمته صحيحا و مقطوعا قباء؛ لأنّ الخيّاط تعدّي بابتداء القطع للقباء و إن كان يصلح للقميص، و لهذا تجب له أجرة ما يصلح منه للقميص، و لأنّ المالك أثبت بيمينه أنّه لم يأذن له في القطع(2).

و قال بعض الشافعيّة: القولان مبنيّان علي أصلين:

أحدهما: القولان فيما إذا اكتري أرضا ليزرعها حنطة فزرعها ذرّة، ففي قول: عليه أجرة المثل، و يعرض عن عقد الإجارة، فعلي هذا يغرم هنا جميع النقص، و يعرض عن أصل الإذن.

و الثاني: يغرم تفاوت ما بين الزرعين، و هنا يغرم تفاوت ما بين القطعين، و الخلاف في أنّ الوكيل إذا باع بالغبن الفاحش يغرم جميع قدر8.

ص: 342


1- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7-354، العزيز شرح الوجيز 6: 160، روضة الطالبين 308:4.
2- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7-354، العزيز شرح الوجيز 6: 160، روضة الطالبين 307:4-308.

الغبن، أو يحطّ عنه ما يتغابن الناس به؛ لأنّه كالمأذون فيه(1).

و إذا قلنا: إنّه يغرم تفاوت ما بين القطعين، فهل يستحقّ الأجرة للقدر الذي يصلح للقميص من القطع ؟ فيه وجهان للشافعيّة، قال بعضهم: نعم، وضعّفه قوم؛ لأنّه لم يقطعه للقميص(2).

مسألة 759: إن قلنا: يتحالفان، فإن حلفا معا فلا أجرة للخيّاط.

مسألة 759: إن قلنا: يتحالفان، فإن حلفا معا فلا أجرة للخيّاط. و هل يضمن ما نقص بالقطع ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: لا غرم عليه - حكاه المزني في الجامع الكبير - لأنّ كلّ واحد منهما أثبت بيمينه ما ادّعاه، فلم يثبت لأحدهما علي الآخر شيء، و هو أصحّ القولين؛ لأنّه حلف علي نفي العدوان، و لو لم يحلف لكان لا يلزمه إلاّ أرش النقص، فلا بدّ و أن يكون ليمينه فائدة.

و الثاني: يجب عليه الغرم - نصّ عليه في الإملاء - لأنّهما إذا تحالفا فكأنّهما لم يتعاقدا، و لو لم يتعاقدا و قطع لزمه الأرش، فكذلك هنا، و لأنّهما إذا تحالفا سقط الإذن و بقي القطع، فلزمه ضمانه، كما إذا اختلف المتبايعان و حلفا، فإنّه يرجع في العين إن كانت باقية، و قيمتها إن كانت تالفة(3).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّا إذا أوجبنا الغرم لم نجعل ليمينه تأثيرا؛ لأنّ ربّ الثوب لو حلف و نكل الخيّاط سقطت الأجرة، و وجب الغرم، فلا يجب

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 160:6.
2- البيان 354:7، العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 308:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 183:8، الوسيط 195:4، حلية العلماء 453:5-454، البيان 354:7، العزيز شرح الوجيز 160:6 - 161، روضة الطالبين 308:4.

مثل ذلك مع يمينه.

و يفارق المبيع؛ لأنّ يمينه لم تقع علي إسقاط القيمة، و هنا يقتضي إسقاط الغرم فافترقا.

و إذا قلنا: يجب الغرم، فكم يغرم ؟ علي القولين السابقين:

أحدهما: ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقميص و مقطوعا قباء.

و الثاني: ما بين قيمته صحيحا و مقطوعا قباء.

و عن أحمد رواية أخري: إنّ صاحب الثوب إذا لم يكن ممّن يلبس الأقبية فالقول قوله، و علي الصانع الغرم بما نقص بالقطع و ضمان ما أفسد، و لا أجرة له؛ لأنّ قرينة حال المالك تدلّ علي صدقه فترجّح دعواه بها، كما لو اختلفا في حائط لأحدهما عليه عقد أو أزج رجّحنا دعواه، و برجّح أحد الزوجين في متاع البيت بما يصلح له، و لو اختلف صانعان في الآلات التي في دكّانهما، رجّحنا كلّ واحد منهما فيما يصلح له(1) ، و لا بأس به.

مسألة 760: كلّ موضع أوجبنا للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا كما هو،

مسألة 760: كلّ موضع أوجبنا للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا كما هو، سواء كانت الخيوط من الثوب أو من عند الخيّاط؛ لأنّها تابعة للثوب.

و إذا لم نوجب له الأجرة، فإن كان الثوب مخيطا بخيوط منه، لم يكن للخيّاط فتقه، و كان له أخذه مخيطا؛ لأنّه عمل في ملك غيره عملا مجرّدا عن عين مملوكة، فلم يكن له إزالته، كما لو نقل ملك غيره من موضع إلي موضع لم يكن له ردّه إلاّ بمطالبة صاحبه.

و إن كان قد خاطه بخيوط للخيّاط، كان له نزعها؛ لأنّه عين ماله،

ص: 344


1- المغني 126:6، الشرح الكبير 149:6.

كالصبغ.

و لو قال ربّ الثوب: أنا أشدّ في كلّ خيط خيطا حتي إذا سلّه دخل خيوط المالك في الدروز، و صار خيط ربّ الثوب مكان خيط الخيّاط، لم يجب علي الخيّاط إجابته إلي ذلك؛ لأنّه انتفاع بملكه و تصرّف فيه، فلا يجوز إلاّ برضاه.

و لو أراد المالك دفع قيمة الخيوط إلي الخيّاط، لم يلزم الخيّاط إجابته إلي ذلك؛ لأنّها ملكه، و لا يتلف بأخذها ما له حرمة، فإن اتّفقا علي تعويضه عنها جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

و كذا البحث لو اختلفا في الصبغ، فقال المالك: ما أمرتك بصبغه أسود، بل أحمر، و ادّعي الصبّاغ أنّه أمره بصبغه أسود.

و اعلم أنّ عند القائلين بالتحالف مع اختلاف المتبايعين في الثمن لو اختلف المتعاقدان في الأجرة أو في المدّة أو في قدر المنفعة - بأن قال المؤجر: آجرتك الدابّة إلي خمسة فراسخ، فقال: بل إلي عشرة - أو في قدر المستأجر - بأن قال: آجرتك هذا البيت من هذه الدار، فقال: بل جميع الدار - يوجب التحالف هنا كما في البيع، و إذا تحالفا فسخ العقد، و علي المستأجر أجرة المثل لما استوفاه.

ص: 345

ص: 346

الفصل السابع: في اللواحق

مسألة 761: إجارة المشاع جائزة كإجارة المقسوم،

مسألة 761: إجارة المشاع جائزة كإجارة المقسوم، سواء آجره من شريكه أو من الأجنبي، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمّد(1) - للأصل، و لأنّ المشاع مملوك يجوز التصرّف فيه بالبيع و الهبة، و في منافعه بالوصيّة و العارية، فجاز بالإجارة، و لأنّه عقد في ملكه يجوز مع شريكه، فجاز مع غيره، كالبيع، و لأنّ كلّ منفعة جاز العقد عليها مع غيرها جاز العقد عليها منفردة، كمنفعة داره.

و عن أبي حنيفة و أحمد روايتان:

إحداهما - و هي المشهورة عنه -: إنّه لا يجوز للشريك أن يؤجر حصّته إلاّ من شريكه؛ لأنّ العقد وقع علي ما لا يمكن استيفاؤه منه؛ لأنّ نصف المنفعة مشاعة لا يمكن استيفاؤها فلا تصحّ الإجارة، كما لو

ص: 347


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1151/655:2، بداية المجتهد 227:2، عيون المجالس 1271/1806:4، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 121:2، الحاوي الكبير 445:7، المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4، مختصر اختلاف العلماء 4: 1821/124، مختصر القدوري: 104، المبسوط - للسرخسي - 145:15، روضة القضاة 2769/476:1، تحفة الفقهاء 357:2، الفقه النافع 1133:3 - 901/1134، بدائع الصنائع 187:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 331:2، الهداية - للمرغيناني - 240:3، المغني 152:6، الشرح الكبير 6: 46، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2.

استعار(1).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و نمنع أنّه لا يمكن استيفاؤها؛ فإنّه يمكن الانتفاع بذلك بأن تراضيا بالمهايأة، أو يؤجرها الحاكم عليهما، كالمالك.

و الثانية: روي الطحاوي عنه ما يدلّ علي أنّه لا يجوز عنده مع الشريك أيضا؛ لما تقدّم(2).

و قد مضي إفساده.

مسألة 762: يجوز أن يستأجره ليعمل له العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد،

مسألة 762: يجوز أن يستأجره ليعمل له العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد، كما لو استأجره لخياطة ثوب بنفسه لا بغيره، أو لنسج غزل، صحّ، فلو قال: ألزمت نفسك نسج ثوب صفته كذا علي أن تنسجه بنفسك، صحّ؛ للأصل.

و قالت الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ في هذا التعيين غررا؛ لأنّه ربما يموت، و لهذا لا يجوز تعيين ما يؤدّي منه المسلم فيه(3).

ص: 348


1- مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، مختصر القدوري: 104، المبسوط - للسرخسي - 145:15 و 146، روضة القضاة 2769/476:1، تحفة الفقهاء 2: 357، الفقه النافع 1133:3-901/1134، بدائع الصنائع 187:4، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 331:2، الهداية - للمرغيناني - 240:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1151/655:2، عيون المجالس 4: 1271/1806، بداية المجتهد 227:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 2: 121، الحاوي الكبير 445:7، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، المغني 6: 152، الشرح الكبير 46:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4.
3- العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 324:4-325.

و ليس بجيّد؛ لأنّه تجوز الإجارة الواردة(1) علي العين بالإجماع، و هذا هو تلك بعينها.

مسألة 763: تجوز إجارة الأرض عند عامّة أهل العلم.

مسألة 763: تجوز إجارة الأرض عند عامّة أهل العلم. و حكي عن الحسن و طاوس أنّهما قالا: لا تجوز(2) - و حكي ابن المنذر عنهما أنّ المزارعة جائزة(3) - لما روي رافع بن خديج أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله نهي عن كراء المزارع(4) ، و لأنّ الأرض أصل فلم تجز إجارتها، كالنخيل و الشجر و النقد.

و الصحيح: الجواز؛ للأصل، و لأنّها عين ينتفع بها منفعة مباحة معلومة مقصودة، فجازت الإجارة عليها، كغيرها من المنافع.

و لما رواه العامّة: إنّ حنظلة بن قيس سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن كراء الأرض، قال: فقلت: بالذهب و الفضّة ؟ فقال: إنّما نهي عنها ببعض ما يخرج منها، أمّا بالذهب و الفضّة فلا بأس(5).

و قال سعد بن أبي وقّاص: كنّا نكري الأرض بما علي السواقي و ما سعد(6) بالماء منها، فنهانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن ذلك، و أمرنا أن نكريها

ص: 349


1- في النّسخ الخطّيّة: «الواقعة» بدل «الواردة».
2- الحاوي الكبير 454:7، حلية العلماء 379:5، الاستذكار 31240/251:21، البيان 256:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، عيون المجالس 1275/1811:4.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 74:2، المغني 596:5، الشرح الكبير: 595.
4- صحيح مسلم 110/1180:3، الموطأ 1/711:2.
5- السنن الكبري - للنسائي - 4629/99:3-41، المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5-596.
6- أي: ما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلي دالية. النهاية - لابن الأثير - 367:2 «سعد».

بذهب أو فضّة(1) ، و هذا أخصّ من الخبر الذي رووه، فيكون العمل عليه.

و من طريق الخاصّة: ما رواه إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا بأس أن تستأجر الأرض بدراهم»(2).

و قياسهم باطل؛ لأنّ النخل و الشجر منافعهما أعيان، و هي الثمار، بخلاف الأرض، و الذهب و الفضّة لا ينتفع بهما مع بقاء عينهما، بخلاف الأرض، علي أنّا نجوّز إجارتهما.

مسألة 764: كلّ ما جاز أن يكون عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها من الأعيان يجوز استئجار الأرض به؛

مسألة 764: كلّ ما جاز أن يكون عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها من الأعيان يجوز استئجار الأرض به؛ للأصل، فيجوز استئجارها بالذهب و الفضّة إجماعا.

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم علي أنّ اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب و الفضّة، روينا هذا القول عن سعد و رافع بن خديج و ابن عمر و ابن عباس، و به قال سعيد بن المسيّب و عروة و القاسم و سالم و عبد اللّه بن الحارث و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(3).

لما تضمّنه حديث رافع بن خديج قال: «أمّا بالذهب و الورق

ص: 350


1- سنن أبي داود 3391/258:3، المغني 596:5-597، الشرح الكبير 5: 596.
2- التهذيب 859/194:7.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 73:2-74، المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، عيون المجالس 4: 1275/1811، التلقين: 412، المعونة 1139:2، الحاوي الكبير 454:7، نهاية المطلب 219:8، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 256:7.

فلم ينهنا»(1) يعني النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

و في حديث أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تؤاجر الأرض بالحنطة و لا بالشعير و لا بالتمر و لا بالأربعاء و لا بالنطاف، و لكن بالذهب و الفضّة، لأنّ الذهب و الفضّة مضمون، و هذا ليس بمضمون»(2).

إذا عرفت هذا، فقد قال مالك: إنّه لا تجوز إجارة الأرض بالطعام، سواء كانت ممّا ينبت منها أو لا ينبت، كالحنطة و القصيل، و لا بما ينبت في الأرض، كالقطن و غيره(3).

و قسّم أحمد الطعام أقساما ثلاثة:

أحدها: أن يؤجرها بمطعوم غير الخارج منها معلوم، فيجوز، و هو قول أكثر العلماء، منهم: سعيد بن جبير و عكرمة و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي.

و منع منه مالك حتي منع إجارتها باللبن و العسل و اللحم - و هو رواية عن أحمد - لما رواه رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كانت له الأرض فلا يكريها بطعام مسمّي»(4).4.

ص: 351


1- المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5.
2- الكافي 1/264:5، التهذيب 861/195:7، الاستبصار 457/128:3.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، بداية المجتهد 221:2، التلقين: 412، الذخيرة 392:5، عيون المجالس 1810:4-1275/1811، المدوّنة الكبري 543:4-544، المعونة 1139:2، مختصر اختلاف العلماء 4: 1815/120، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 74:2، الحاوي الكبير 454:7، نهاية المطلب 219:8، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 256:7، المغني 597:5 و 598، الشرح الكبير 596:5 و 597.
4- سنن أبي داود 3395/260:3، سنن ابن ماجة 823:2-2465/824.

و يعارضه قول رافع: «فأمّا بشيء معلوم مضمون فلا بأس به»(1).

و لأنّه عوض معلوم مضمون لا يتّخذ وسيلة إلي الربا، فجازت إجارتها به، كالأثمان، و النهي للكراهة.

الثاني: إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها، كإجارتها بقفزان حنطة أزرعها، و فيه روايتان عنه:

إحداهما: المنع - و هو قول مالك - لما تقدّم، و لأنّه ذريعة إلي المزارعة عليها بشيء معلوم من الخارج منها، لأنّه يجعل مكان قوله:

«زارعتك»: «آجرتك» فتصير مزارعة بلفظ الإجارة، و الذرائع معتبرة.

و الثانية: جواز ذلك - و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و هو مذهبنا أيضا - لما تقدّم [و لأنّ](2) ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت إجارته به، كالدّور.

الثالث: إجارتها بجزء مشاع ممّا يخرج منها، كنصف و ثلث و ربع، و هو جائز عند أحمد و أكثر أصحابه(3).

و الصحيح: البطلان - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لأنّها إجارة بعوض مجهول، فلم تصح، كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخري، و لأنّها إجارة للعين ببعض نمائها، فلم تجز، كسائر الأعيان، و لأنّه لا نصّ4.

ص: 352


1- صحيح مسلم 116/1183:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بأنّ». و المثبت كما في المصدر.
3- المغني 597:5-598، الشرح الكبير 596:5-598.
4- المغني و الشرح الكبير 598:5، الحاوي الكبير 451:7، حلية العلماء 5: 378، البيان 241:7، الاختيار لتعليل المختار 106:3، الهداية - للمرغيناني - 53:4.

في جوازها، و لا يمكن قياسها علي المنصوص.

إذا ثبت هذا، فالأرض تجوز إجارتها للزرع مطلقا بكلّ ما يصحّ تموّله من ذهب و فضّة و غلّة و غير ذلك من الأجناس، إلاّ بما يخرج منها، فإنّه باطل.

و تكره إجارتها بالحنطة و الشعير؛ لحديث أبي بصير عن الصادق عليه السّلام، و قد تقدّم(1).

و ربما صار بعض علمائنا(2) إلي تسويغ الإجارة بحصّة ممّا يخرج منها - كما ذهب إليه أحمد(3) - لرواية زرعة(4) ، قال: سألته عن الأرض يستأجرها الرجل بخمس ما خرج منها و بدون ذلك أو بأكثر ممّا خرج منها من الطعام و الخراج علي العلج ؟ قال: «لا بأس»(5).

و الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ زرعة لا يعوّل علي روايته، و مع ذلك فهي مرسلة؛ لأنّه لم يسندها إلي إمام، و مع ذلك فهي محمولة علي المزارعة؛ لما رواه الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن إجارة الأرض بالطعام ؟ قال: «إن كان من طعامها فلا خير فيه»(6).

و اعلم أنّ مال الإجارة لا بدّ و أن يكون معلوما هنا كغيرها، فلو آجره الأرض بحنطة موجودة مشاهدة جزافا، لم يصح.

و للشافعيّة طريقان:7.

ص: 353


1- في ص 351.
2- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 9:2.
3- راجع: الهامش (3) من ص 352.
4- في المصدر إضافة: «عن سماعة».
5- التهذيب 858/194:7.
6- الكافي 6/265:5، التهذيب 864/195:7.

أحدهما: القطع بالجواز.

و الثاني: إنّ فيها قولين، كالمسلم فيه إذا كان رأس ماله جزافا(1).

تنبيه: روي الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمّ تزرعها حنطة»(2).

و الظاهر أنّ المراد بالنهي هنا النهي عن مال الإجارة ممّا يخرج منها، و لو حمل علي إطلاقه أمكن؛ لأدائه إلي ذلك، فإنّه إذا زرعها من جنس ما يستأجرها به ربما أدّي منه، لكن ذلك لا بأس به، و النهي للكراهة.

مسألة 765: إذا استأجر دابّة في الكوفة - مثلا - ليركبها إلي البصرة بمائة درهم - مثلا - أو بعشرة دنانير،

مسألة 765: إذا استأجر دابّة في الكوفة - مثلا - ليركبها إلي البصرة بمائة درهم - مثلا - أو بعشرة دنانير، و أطلق، فالواجب نقد البلد الذي وقع العقد فيه - و به قال الشافعي(3) - قضاء للعرف فيه، و حملا له علي نظائره في جميع العقود، فإنّه لو اشتري شيئا أو استأجر جمّالا فسافر به، حمل علي نقد البلد، فكذا هنا.

و قال أبو حنيفة: إنّ الواجب نقد البلد المقصود(4).

و ليس بجيّد.

يبقي إشكال، و هو أنّه لو شرط التسليم في البلد المقصود، احتمل قول أبي حنيفة، مع أنّ الحقّ خلافه.

ص: 354


1- المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9 - 268، الوجيز 230:1، الوسيط 155:4، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 428:4-429، البيان 286:7، العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
2- الكافي 3/265:5، الفقيه 695/159:3، التهذيب 863/195:7.
3- العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4.
4- العزيز شرح الوجيز 187:6.

و لو كانت الإجارة فاسدة، فالاعتبار في أجرة المثل بموضع إتلاف المنفعة نقدا و وزنا.

مسألة 766: إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما و ما أشبه ذلك فتجدّد عيب في أثناء المدّة،

مسألة 766: إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما و ما أشبه ذلك فتجدّد عيب في أثناء المدّة، كانت العمارة لازمة للمالك، فإن قام بها و إلاّ تخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء، و كذا لو مضت مدّة أو افتقر في العمارة إلي مضيّ مدّة؛ لتبعّض الصفقة عليه.

و هل يجوز أن يشترط علي المستأجر العمارة ؟ منع منه الشافعيّة، قالوا: و لا يجوز أن يؤجر حمّاما بشرط أن تكون مدّة تعطّلها بسبب العمارة و نحوها محسوبة من أجرته، و كذا لا يجوز لمتولّي المسجد أن يؤجر حانوته الخراب بشرط أن يعمره المستأجر بماله، و يكون ما أنفقه محسوبا من أجرته؛ لأنّ في الصورة الأولي يحصل منه تمكين من الانتفاع في بعض المدّة دون بعض، و لا يشترط أن تكون محسوبة علي المكري، لا(1) بمعني انحصار الإجارة في الباقي؛ لأنّ المدّة تصير مجهولة، و لا بمعني استيفاء مثلها بعد المدّة؛ لأنّ نهاية المدّة تصير مجهولة، و في الصورة الثانية لا تجوز؛ لأنّه عند الإجارة غير منتفع به(2).

مسألة 767: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يستأجره للمحاكمة و الخصومة و إثبات الحجج و إقامة البيّنات.

مسألة 767: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يستأجره للمحاكمة و الخصومة و إثبات الحجج و إقامة البيّنات. و كذا يجوز أن يستأجره للخروج إلي بلد السلطان و التظلّم للمستأجر و عرض حاله في المظالم بشرط تعيين المدّة و الموضع الذي يخرج إليه،

ص: 355


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «علي المكتري و لا». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 325:4-326.

و يذكر حاله في المظالم، و يسعي في أمره عند من يحتاج إليه؛ لأنّ المدّة معلومة و إن كان في العمل جهالة.

فإن بدا للمستأجر، قال القفّال من الشافعيّة: فللمستأجر أن يستعمله فيما ضرره مثل ذلك(1). و فيه نظر.

مسألة 768: الأقرب: إنّه تجوز إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

مسألة 768: الأقرب: إنّه تجوز إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة. و قال الشافعي: لا تجوز إجارة الأرض حتي تري لا حائل دونها من زرع و غيره، و هذا تصريح بأنّ إجارة الأرض المزروعة لا تصحّ؛ لأنّ ما فيها من الزرع يمنع رؤيتها، و لتأخّر التسليم و الانتفاع عن العقد، و مشابهته لإجارة الزمان المستقبل(2).

و الكلّ عندنا غير مانع مع إمكان المشاهدة.

و يقرب منه ما لو آجر دارا مملوءة بطعام و غيره، و كان التفريغ يستدعي مدّة، لكن هنا يتخيّر المستأجر مع الجهل بالحال إن كان التفريغ يحتاج إلي مضيّ مدّة لمثلها أجرة.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان التفريغ لا يمكن إلاّ في مدّة لمثلها أجرة، لم تصح؛ لأنّه إجارة مدّة مستقبلة(3).

و قال بعضهم: إن كانت مدّة الإجارة تذهب في التفريغ، لم يصح العقد، و إن كان يبقي منها شيء، صحّ، و لزم قسطه من الأجرة إذا وجد فيه التسليم(4).

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
3- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
4- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 326:4.

و خرّجوا علي ذلك ما إذا استأجر دارا ببلدة أخري، فإنّه لا يتأتّي التسليم إلاّ بقطع المسافة بين البلدين، و ما إذا باع قطعا من الجمد و كان ينماع بعضه إلي أن يوزن(1).

مسألة 769: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للخدمة،

مسألة 769: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للخدمة، فإن ذكر وقتها من الليل أو النهار و فصّل أنواعها فذاك، و إن أطلق حمل علي المعتاد.

و نصّ الشافعي علي المنع(2).

و الظاهر عند أصحابه الجواز، و يلزم ما جرت به العادة(3).

و فصّل بعضهم أنواعها فقال: يدخل في هذه الإجارة غسل الثوب و خياطته و الخبز و العجن و إيقاد النار في التنّور و علف الدابّة و حلب الحلوبة و خدمة الزوجة و الفرش في الدار و حمل الماء إلي الدار للشرب و إلي المتوضّئ للطهارة(4).

و قال بعضهم: إنّ علف الدابّة و حلب الحلوبة و خدمة الزوجة لا يلزم إلاّ بالتنصيص عليها(5).

و قال بعضهم: ينبغي أن يكون الحكم كذلك في خياطة الثوب و حمل الماء إلي الدار، و يجوز أن يختلف الحكم فيه بالعادة(6).

و قال بعضهم: ليس له إخراجه من البلدة إلاّ أن يشترط عليه مسافة معلومة من كلّ جانب، و أنّ عليه اللبث عنده إلي أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة(7).

و لو استأجره للقيام علي ضيعة، قام عليها ليلا و نهارا علي المعتاد.

ص: 357


1- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 326:4-327.
2- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
3- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
4- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
5- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
6- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
7- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.

و لو استأجره للخبز و أطلق، فالأقوي: الجواز، و يتخيّر المستأجر بين الغليظ و الرقيق.

و قال بعض الشافعيّة: يجب أن يبيّن أنّه يخبز الأقراص أو غلاظ الأرغفة أو رقاقها، و أنّه يخبز في تنّور أو فرن(1).

و آلات الخبز علي الأجير إن كانت الإجارة في الذمّة، و إلاّ فعلي المستأجر، و ليس علي الأجير إلاّ تسليم نفسه.

و الأقوي: إنّ الحطب علي المستأجر.

و قال بعض الشافعيّة: القول فيه كما في الحبر في حقّ الناسخ(2).

و لو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة شيئا آخر يقبضه، فالأقرب: الجواز؛ لأصالة صحّة الصلح.

و منع منه الشافعيّة إن كانت الإجارة في الذمّة، و إن كانت إجارة عين، قال بعضهم: هو كما لو [آجر](3) العين المستأجرة من المؤجر، و فيه وجهان، الأصحّ عندهم: الجواز إذا جري ذلك بعد القبض(4).

مسألة 770: يصحّ ضمان العهدة للمستأجر،

مسألة 770: يصحّ ضمان العهدة للمستأجر، كما يصحّ ضمان العهدة في البيع، و يرجع علي الضامن عند ظهور الاستحقاق، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ ضمان العهدة في الإجارة(5).

ص: 358


1- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 328:4.
2- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 328:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «استأجر». و المثبت - كما في المصدر - هو الصحيح.
4- التهذيب - للبغوي - 460:4، العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 4: 332.
5- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 332:4-333.

و الوجه: خلافه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يصحّ أن يضمن للمؤجر العين علي التسليم؛ لأنّه واجب بالعقد، و علي عهدة الدرك لو ظهرت العين مستحقّة لغير المؤجر، فيرجع المالك علي الضامن، و إن رجع علي المستأجر كان للمستأجر أن يرجع علي الضامن.

و يصحّ أن يضمن المستأجر علي مال الإجارة ليسلّمه، و علي عهدته لو خرج مستحقّا، فإن رجع المستحقّ علي المؤجر رجع المؤجر علي الضامن.

مسألة 771: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل،

مسألة 771: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل، و لا بدّ من التقدير في الثلاثة إمّا بالزمان أو بالعمل علي ما سبق(1).

و إن استأجر دابّة ليركبها فرسخين، صحّ العقد؛ لأنّ العمل هنا مقدّر.

و الأقرب: إنّه لا بدّ من تعيين الجهة المقصودة هل إلي الشرق أو الغرب؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فإذا شرط في العقد جهة و أراد العدول إلي غيرها، فللمؤجر منعه؛ لأنّ المعيّن قد يختصّ بسهولة أو أمن، و بتقدير تساويهما أو ترجيح المعدول إليه قد يكون للمؤجر غرض فيه.

و لو فرض انتفاء الغرض، احتمل الجواز؛ لأنّه مساو للمنفعة، فجاز العدول إليه، كما لو استأجرها لزرع حنطة، جاز العدول إلي المساوي، و العدم؛ عملا بالشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون علي شروطهم»(2).

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا(3) إلي داره،

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا(3) إلي داره، ففي

ص: 359


1- في ص 96-97، المسألة 586.
2- الفردوس 6592/191:4.
3- الوقر - بالكسر -: الثّقل يحمل علي ظهر أو علي رأس، أو: الحمل الثقيل. لسان العرب 289:5 «وقر».

وجوب إدخاله علي الأجير إشكال، سواء كانت ضيّقة الباب أو متّسعة؛ لأنّ الغاية لا يجب دخولها في المغيّي، و من حيث اقتضاء العرف لذلك.

و للشافعي قولان(1).

و لا يكلّف أن يصعد به الغرفة أو السطح.

و لو استأجر ظئرا لتعهّد الصبي، فالدهن علي الأب ما لم يشترطه عليها.

و لو كان للبلد عرف أنّه عليها، حمل علي العرف.

و للشافعيّة وجهان فيما إذا كان عرف(2).

و لو استأجر قصّارا لغسل ثياب معلومة و حملها إليه حمّال، فأجرته علي من شرطت الأجرة عليه من القصّار و المالك.

فإن لم يجر شرط، فعلي من أمر الحمّال بالحمل.

و قالت الشافعيّة: علي القصّار؛ لأنّه من تمام الغسل(3).

و لو استأجر من يقطع أشجارا بقرية، لم تجب عليه أجرة الذهاب و المجيء؛ لأنّهما ليسا من العمل.

مسألة 773: لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة فركبها و حمل عليها

مسألة 773: لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة فركبها و حمل عليها و أخذ في السير فأراد المؤجر أن يعلّق عليها مخلاة(4) أو سطيحة(5) أو سفرة إمّا من قدّام القتب أو من خلفه، أو أراد أن يردفه رديفا، كان للمستأجر منعه؛ لأنّه قد ملك منافعها، و ربما ضعفت في السير.

ص: 360


1- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
2- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
3- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
4- المخلاة: ما يوضع فيه من الرطب من النبات أو الحشيش. لسان العرب 14: 242 «خلا».
5- السطيحة: المزادة التي من أديمين قوبل أحدهما بالآخر، و هي من أواني المياه. لسان العرب 484:2 «سطح».

و لو استأجر في الذمّة، كان له ذلك، و ليس للمستأجر ذلك علي التقديرين.

و لو استأجر الدابّة ليحمل عليها طعاما من موضع معيّن إلي داره يوما إلي الليل فركبها في عوده فعطبت الدابّة، ضمن؛ لأنّه استأجرها للحمل، لا للركوب، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يضمن؛ للعرف(2). و ليس بشيء.

مسألة 774: لو استأجر دابّة ليركبها إلي موضع معلوم فركبها إليه، لم يكن له ردّها إلي الموضع الذي سار منه،

مسألة 774: لو استأجر دابّة ليركبها إلي موضع معلوم فركبها إليه، لم يكن له ردّها إلي الموضع الذي سار منه، و لكن يسلّمها إلي وكيل المالك إن كان له وكيل هناك، و إن لم يكن سلّمها إلي الحاكم، فإن لم يكن هناك حاكم سلّمها إلي أمين، فإن لم يجد أمينا ردّها أو استصحبها إلي حيث يذهب، كالمستودع يسافر بالوديعة، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ له الردّ إلي الموضع الذي سار منه، إلاّ أن ينهاه صاحبها(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و كلّ موضع يجوز له الردّ لم يكن له الركوب و لا الحمل عليها، بل يسوقها أو يقودها، إلاّ أن يحتاج إلي ركوبها في ردّها بأن تكون جموحا لا تنقاد إلاّ بالركوب.

و مثله لو استعار ليركب إليه.

ص: 361


1- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
3- التهذيب - للبغوي - 462:4، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 4: 329.
4- التهذيب - للبغوي - 462:4، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 4: 329.

و قال بعض الشافعيّة: له الركوب في الردّ؛ لأنّ الردّ لازم عليه، فالإذن يتناوله عرفا، و المستأجر لا ردّ عليه(1).

مسألة 775: لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلي موضع فجاوزه، فقد تعدّي فيها من حين التجاوز،
اشارة

مسألة 775: لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلي موضع فجاوزه، فقد تعدّي فيها من حين التجاوز، لا من حين نيّته علي إشكال، فيجب عليه المسمّي في الأصل، و أجرة المثل في الزائد - و هو قول فقهاء المدينة السبعة، و به قال الحكم و ابن سيرين(2) و الشافعي(3) - لما تقدّم(4) من الروايات.

و قال الثوري و أبو حنيفة: لا أجرة عليه علي الزائد؛ لأنّ المنافع عندهما لا تضمن في الغصب(5).

و قال مالك: إنّه إذا تجاوز بها إلي مسافة بعيدة يخيّر صاحبها بين

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4.
2- كذا قوله: «و ابن سيرين» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و لم يرد ذلك في المصادر المذكورة في الهامش التالي، و بدله في الإشراف علي مذاهب أهل العلم و مختصر اختلاف العلماء و المغني و الشرح الكبير: «ابن شبرمة».
3- الأم 32:4، مختصر المزني: 126، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، نهاية المطلب 8: 102، بحر المذهب 276:9، حلية العلماء 434:5، التهذيب - للبغوي - 4: 452، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4، مختصر اختلاف العلماء 1817/122:4، بداية المجتهد 231:2، المغني 88:6 - 89، الشرح الكبير 95:6-96.
4- في ص 262.
5- مختصر اختلاف العلماء 1809/117:4، و 1817/122، المغني 89:6، الشرح الكبير 96:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1150/655:2، بداية المجتهد 231:2، المعونة 1098:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 434:5، البيان 329:7.

أجرة المثل و بين المطالبة بقيمتها يوم التعدّي؛ لأنّه بإمساكها حابس لها عن أسواقها، فكان لصاحبها تضمينها إيّاه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العين باقية بحالها يمكن أخذها، فلم تجب قيمتها، كما لو كانت المسافة قريبة.

و ما ذكره تحكّم لا دليل عليه و لا نظير له، فلا يجوز المصير إليه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يصير ضامنا من وقت المجاوزة، سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردّها إلي المسافة، و سواء كان صاحبها مع المستأجر أو لا - و هذا ظاهر مذهب الفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدّي(2) - حتي لو ماتت لزمه أقصي القيم من حين التعدّي، و لا يبرأ عن الضمان بردّها إلي ذلك المكان.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان صاحبها معها و تلفت بعد ما نزل و سلّمها إلي المالك ليمسكها أو يسقيها فتلفت، فلا ضمان عليه، و إن تلفت و هو راكب، فإن تلفت بالوقوع في بئر و نحوه، ضمن جميع القيمة، و إن لم يحدث سبب ظاهر، لزمه عند بعضهم جميع القيمة أيضا.

و الأصحّ عندهم: إنّه لا يلزمه الكلّ؛ لأنّ الظاهر حصول التلف بكثرة التعب و تعاقب السير، حتي لو أقام في المقصد قدر ما يزول فيه التعب ثمّ خرج من غير إذن المالك، ضمن الكلّ، و علي هذا فالتلف حصل من حقّ و عدوان، فلزمه نصف الضمان، أو ما يقتضيه التوزيع علي المسافتين ؟ فيه6.

ص: 363


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1150/655:2، بداية المجتهد 231:2، التلقين: 402، المعونة 1097:2-1098، المغني 89:6، الشرح الكبير 6: 96، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 435:5، البيان 329:7.
2- المغني 89:6-90، الشرح الكبير 100:6.

قولان، كما تقدّم فيما إذا حمل فوق المشروط(1).

و يحتمل أن لا يضمن الراكب شيئا إذا كانت في يد صاحبها و لم يكن حالة التلف راكبا عليها؛ لأنّها تلفت في يد صاحبها، فأشبه ما لو تلفت بعد مدّة التعدّي.

و موضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فأمّا إذا تلفت حال التعدّي و لم يكن صاحبها مع راكبها، فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها؛ لأنّها تلفت في يد عادية، فوجب ضمانها، كالمغصوبة.

و كذا لو تلفت تحت الراكب أو تحت حمله و صاحبها معها؛ لأنّ اليد للراكب و صاحب الحمل، و لأنّ الراكب متعدّ بالزيادة، و سكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن خرق ثياب غيره و هو ساكت.

و إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها، فينظر إن كان تلفها بسبب تعبها بالحمل و السير، فهو كما لو تلفت تحت الحمل و الراكب.

و إن تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في وهدة و نحو ذلك، فلا ضمان فيها؛ لأنّها لم تتلف في يد عادية و لا بسبب عدوان.

و لا يسقط الضمان بردّها إلي المسافة، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي(2).7،

ص: 364


1- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4-330.
2- مختصر اختلاف العلماء 117:4-1809/118، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، نهاية المطلب 102:8، بحر المذهب 9: 277، حلية العلماء 435:5، التهذيب - للبغوي - 452:4، البيان 330:7،

و قال محمّد: يسقط، كما لو تعدّي في الوديعة ثمّ ردّها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّها يد صارت ضامنة، فلا يزول الضمان عنها إلاّ بإذن جديد.

و الأصل ممنوع؛ فإنّ الوديعة لا يزول الضمان عنها إلاّ بالردّ إلي المالك أو (بإذن جديد)(2).

و لو استأجرها ليركب و يعود، لزمه لما زاد أجرة المثل.

خلافا للشافعيّة؛ لأنّه يستحقّ أن يقطع قدر تلك المسافة ذهابا و عودا، بناء علي أنّه يجوز العدول إلي مثل الطريق المعيّن(3).

و هو ممنوع.

ثمّ إن قدّر في هذه الإجارة مدّة مقامه في المقصد فذاك، و إلاّ فإن لم يزد علي مدّة المسافرين انتفع بها في العود، و إن زاد حسبت الزيادة عليه.

فروع:

أ - لو استأجر الدابّة إلي عشرة فراسخ فقطع نصف المسافة ثمّ رجع لأخذ شيء نسيه راكبا، انتهت الإجارة، و استقرّت الأجرة إن قلنا: إنّ


1- مختصر اختلاف العلماء 116:4-1809/117، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 435:5، البيان 330:7، المغني 91:6، الشرح الكبير 102:6.
2- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4، المغني 91:6، الشرح الكبير 6: 102.
3- التهذيب - للبغوي - 452:4-453، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 330:4. ص: 365

الطريق لا يتعيّن.

ب - لو أخذ الدابّة و أمسكها(1) في البيت يوما ثمّ خرج، فإذا بقي بينه و بين المقصد يوم استقرّت الأجرة، و لم يكن له الركوب.

ج - لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شيء يمنة و يسرة، كان محسوبا عليه من المدّة، و يترك الانتفاع إذا قرب من المقصد بقدره.

مسألة 776: لو دفع إلي قصّار ثوبا ليقصره بأجرة ثمّ جاء و استرجعه،
اشارة

مسألة 776: لو دفع إلي قصّار ثوبا ليقصره بأجرة ثمّ جاء و استرجعه، فقال: لم أقصره بعد فلا أردّه، فقال صاحبه: لا أريد أن تقصره فاردده عليّ، فلم يردّه فتلف الثوب عنده، قال بعض الشافعيّة: عليه الضمان(2) ، و أطلق.

و الوجه: أن نقول: إن استأجره للقصارة و لم تمض المدّة، لم يكن عليه ضمان؛ لأنّ المستأجر قد لزمه عقد الإجارة، فللأجير لزوم الثوب حتي يفعل فيه ما وقعت الإجارة عليه، و إن لم يكن هناك عقد إجارة أو قد مضت المدّة قبل قصارته، فالوجه: ما قاله.

و إن قصره و ردّه، فإن كانت القصارة بعد نهيه و قد مضت المدّة، أو لم يجر عقد شرعيّ، فلا أجرة له، و إلاّ كان له الأجرة.

و أطلق بعض الشافعيّة عدم استحقاق الأجرة(3). و ليس بجيّد.

و علي هذا قياس الغزل عند النسّاج، و الثوب عند الخيّاط، و الخشب عند النجّار، و أشباه ذلك.

ص: 366


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فأمسكها».
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 330:4.
3- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 330:4.
فروع متبدّدة:

أ - لو استأجره ليكتب له صكّا علي كاغذ فكتبه و أخطأ، فعليه أرش الكاغذ.

و كذا لو أمره أن يكتب بالعربيّة، فكتب بالفارسيّة، أو بالعكس.

ب - لو استأجر دابّة ليحمل شيئا من موضع إلي منزله فركبها في عوده فعطبت الدابّة، ضمن؛ لأنّه استأجرها للحمل، لا للركوب.

و قيل: لا يضمن؛ للعرف(1).

ج - لو تعمّد الأكّار ترك سقي الزرع و المعاملة صحيحة حتي فسد الزرع، ضمن؛ لأنّه في يده و عليه حفظه.

د - لو تعدّي المستأجر بالحمل علي الدابّة فقرح ظهرها فهلكت منه، لزمه الضمان و إن كان الهلاك بعد الردّ إلي المالك.

ه - لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه و احترق الثوب، استحقّ الأجرة لما عمل بقسطه من المسمّي إن كان العمل في دار صاحب الثوب؛ لأنّه يكون قد سلّمه إليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ العقد ينفسخ بتلف الثوب، فيستحقّ أجرة المثل لما عمل(2).

و لو استأجر لحمل حبّ إلي موضع معلوم فزلقت رجله في الطريق فانكسر الحبّ، لا يستحقّ شيئا من الأجرة.

و الفرق: إنّ الخياطة تظهر علي الثوب، فوقع العمل مسلّما بظهور

ص: 367


1- كما في العزيز شرح الوجيز 192:6، و روضة الطالبين 331:4.
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.

أثره، و الحمل لا يظهر علي الحبّ.

و - لو آجر أرضا إجارة صحيحة ثمّ غرقت الأرض بسيل أو بماء نبع منها، فإن لم يتوقّع انحساره مدّة الإجارة فهو كما لو انهدمت الدار، و إن توقّع فللمستأجر الخيار بين الفسخ و الإجارة، كما لو غصبت العين المستأجرة، فإن أجاز سقط عنه من الأجرة بقدر ما كان الماء مستويا عليها.

و إن غرق بعضها و قد مضي نصف المدّة، انفسخ العقد فيه، و لا ينفسخ في الباقي - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لكن له الخيار فيه في بقيّة المدّة، فإن فسخ و كانت أجرة المدّة لا تتفاوت فعليه نصف المسمّي للمدّة الماضية، و إن أجاز فعليه ثلاثة أرباع المسمّي: النصف للمدّة الماضية، و الربع لما بقي.

ز - تعطيل الرحي؛ لانقطاع الماء، و الحمّام؛ لخلل في الأبنية، أو لانتقاص الماء في بئره كانهدام الدار.

و كذا إذا استأجر قناة فانقطع ماؤها، و لو انتقص ثبت الخيار، و لم ينفسخ العقد.

ح - مهما ثبت الخيار بسبب نقص تجدّد و أجاز ثمّ بدا له أن يفسخ، فإن كان ذلك السبب بحيث لا يرجي زواله كما إذا انقطع الماء و لم يتوقّع عوده، فليس له الفسخ؛ لأنّه عيب واحد و قد رضي به، و إن كان بحيث يرجي زواله، فله الفسخ ما لم يزل؛ لأنّه يقدّر كلّ ساعة زواله، فيتجدّد الضرر، و هذا كما إذا تركت(2) المطالبة بعد مضيّ مدّة الإيلاء أو الفسخ بعد ثبوت الإعسار إن قلنا به، لها العود إليه، و كذا لو اشتري عبدا فأبق قبلة.

ص: 368


1- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
2- أي: الزوجة.

القبض و أجاز ثمّ أراد الفسخ، له ذلك ما لم يعد العبد.

ط - لو استأجر طاحونتين متقابلتين أو دولابين متقابلين فانتقص الماء و بقي ما يدور به واحد منهما، كان له الخيار في الفسخ، فإن لم يفسخ، قيل: يلزمه أجرة أكثرهما(1).

ي - بيع الحديقة التي ساقي عليها في المدّة يشبه بيع المستأجر.

و قال بعض الشافعيّة: إن باعها المالك قبل خروج جميع الثمرة، لم يصح؛ لأنّ للعامل حقّا في ثمارها، فكأنّه استثني بعض الثمرة، و إن كان بعد خروج الثمرة، يصحّ البيع في الأشجار و نصيب المالك من الثمار، و لا حاجة إلي شرط القطع؛ لأنّها مبيعة مع الأصول، و يكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع(2).

و إن باع نصيبه من الثمرة وحدها، لم يصح عند بعض الشافعيّة؛ للحاجة إلي شرط القطع، و تعذّره في الشائع(3).

مسألة 777: لو دفع إلي نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع،

مسألة 777: لو دفع إلي نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع، فحاكه أطول بذراع، لم يستحق شيئا من الأجرة علي الزائد(4) ، و له المسمّي، و عليه أرش الثوب إن نقص بالزيادة، و أرش الغزل، و لا ينقص من المسمّي، كما لو استأجره لضرب مائة لبنة، فضرب له مائتين.

و قال بعض الشافعيّة: لا يستحقّ شيئا ألبتّة لا عن الأصل و لا عن

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.
2- العزيز شرح الوجيز 194:6، روضة الطالبين 242:4.
3- العزيز شرح الوجيز 194:6، روضة الطالبين 242:4.
4- في «د، ر، ص»: «من الأجر عن الزيادة».

الزيادة؛ لأنّه في آخر الطاقة الأولي من الغزل صار مخالفا لأمره، فإنّه إذا بلغ طولها عشرة، كان من حقّه أن يعطفها لتعود إلي الموضع الذي بدأ منه، فإذا لم يفعل وقع ذلك و ما بعده في غير الموضع المأمور(1). و هو حسن.

و إن جاء به تسعة أذرع، احتمل أن لا شيء له، و عليه ضمان نقص الغزل؛ لأنّه مخالف لما أمر، فأشبه ما لو استأجره علي بناء حائط عرض ذراع، فبناه عرض نصف ذراع، و لمخالفته في الطاقة الأولي، و أن يكون له ما يخصّه من المسمّي، كمن استؤجر علي ضرب مائة لبنة فضرب خمسين.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان طول السدي عشرة، استحقّ الأجرة بقدره؛ لأنّه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكّن منه، و لم تحصل منه مخالفة فيه، و إن كان طوله تسعة، لم يستحق شيئا؛ لمخالفته في الطاقة الأولي(2).

و لو جاء به زائدا في الطول و العرض معا، فلا أجرة له في الزيادة؛ لأنّه غير مأمور بها، و عليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيهما.

و أمّا ما عدا الزائد فوجهان:

أحدهما: لا أجرة له؛ لأنّه مخالف لأمر المستأجر، فلم يستحق شيئا، كما لو استأجره علي بناء حائط عرض ذراع، فبناه عرض ذراعين.

و الثاني: له المسمّي؛ لأنّه زاد علي ما أمره به، فأشبه زيادة الطول.

و لو كان الغزل المدفوع إليه مسدّي و استأجره لحياكة عشرة أذرع في عرض ذراع و دفع إليه من اللحمة ما يحتاج إليه، فجاء به أطول من العرض المشروط، لم يستحق للزيادة شيئا، و إن جاء به أقصر في العرض المشروط، استحقّ بقدره من الأجرة.4.

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.
2- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.

و إن وافق في الطول و خالف في العرض، فإن كان أنقص نظر إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصفاقة، لم يستحق من الأجرة شيئا؛ لأنّه مفرّط، لمخالفته أمره، و إن راعي المشروط في صفة الثوب رقّة و صفاقة، فله الأجرة؛ لأنّ الخلل و الحال هذه من السدي.

و إن كان أزيد، فإن أخلّ بالصفاقة، لم يستحق شيئا، و إلاّ استحقّ الأجرة بتمامها؛ لأنّه زاده خيرا.

و إن جاء به زائدا في العرض خاصّة، فوجهان:

أحدهما: لا أجرة له؛ لأنّه مخالف لأمره.

و الثاني: له المسمّي؛ لأنّه زاد علي ما أمر به، فأشبه ما لو زاد في الطول.

و يمكن الفرق بين الطول و العرض؛ فإنّه يمكن قطع الزائد في الطول، و يبقي الثوب علي ما أراد، و لا يمكن ذلك في العرض.

و إن جاء به ناقصا في العرض خاصّة أو فيهما معا، فوجهان:

أحدهما: لا أجر له؛ للمخالفة، و عليه ضمان نقص الغزل.

و الثاني: له بحصّة المسمّي.

و يحتمل أنّه إن جاء به ناقصا في العرض فلا شيء له، بخلاف ما لو جاء به ناقصا في الطول.

و لو جاء به زائدا في أحدهما و ناقصا في الآخر، فلا أجر له في الزائد، و في الناقص علي ما تقدّم من التفصيل فيه.

و قال محمّد بن الحسن في الموضعين: يتخيّر صاحب الثوب بين دفع الثوب إلي النسّاج و مطالبته بثمن غزله، و بين أن يأخذه و يدفع إليه

ص: 371

المسمّي في الزائد أو بحصّة المنسوج في الناقص؛ لأنّ غرضه لم يسلم له، لأنّه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير، و ينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل، فكأنّه أتلف عليه غزله(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه وجد عين ماله، فلم يكن له المطالبة بعوضه، كما لو جاء به زائدا في الطول وحده.

و لو أثّرت الزيادة أو النقيصة نقصا في الأصل، مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب صفيقا فنسجه خمسة عشر فيصير خفيفا، أو يأمره بنسج خمسة عشر ليكون خفيفا فنسجه عشرة فصار صفيقا، فلا أجرة له بحال، و عليه ضمان نقص الغزل؛ لأنّه لم يأت بشيء ممّا أمر به.

مسألة 778: لو استأجر فسطاطا إلي مكة و لم يقل متي أخرج،

مسألة 778: لو استأجر فسطاطا إلي مكة و لم يقل متي أخرج، بطلت الإجارة - و به قال أبو ثور و أحمد، و هو قياس قول الشافعي(2) - لأنّها مدّة غير معلومة الابتداء، فلم يجز، كما لو قال: آجرتك داري من حين يخرج الحاجّ إلي آخر السنة.

و قال أصحاب الرأي: يجوز؛ استحسانا، بخلاف القياس(3).

و هو اعتراف بمخالفة الدليل، و الاستحسان ليس بدليل و كذا القياس عندنا.

مسألة 779: إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة أو ليحمل عليها فأراد العدول بها إلي ناحية أخري مثلها في القدر و أضرّمنها

مسألة 779: إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة أو ليحمل عليها فأراد العدول بها إلي ناحية أخري مثلها في القدر و أضرّمنها، أو تخالف

ص: 372


1- بحر المذهب 313:9، حلية العلماء 442:5-443، البيان 339:7، المغني 123:6-124، الشرح الكبير 152:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 129:2، المغني 14:6، الشرح الكبير 6: 62.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 129:2، المغني 14:6، الشرح الكبير 6: 62.

الضرر بأن تكون إحداهما أخشن و الأخري أخوف، لم يجز.

و إن كان مثلها في السهولة و الأمن أو التي يعدل إليها أقلّ ضررا، فالأقوي: المنع؛ لجواز أن يكون للمؤجر غرض في تعيين الجهة، كما لو آجر جماله إلي مكة ليحجّ معها.

و قال أصحاب الشافعي: يجوز العدول؛ لأنّ المسافة عيّنت لتستوفي بها المنفعة، و يعلم قدرها بها، فلم تختص، كما لا يختصّ الراكب بالركوب(1).

و نمنع انحصار الغرض فيما ذكر، فقد يكون للمؤجر غرض في التخصيص كما قلنا، و كما لو آجر إلي بغداد و أهله بها، لم يجز العدول إلي غيرها؛ لفوات غرضه، و لمخالفة الشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و لو آجر دوابّه جملة إلي بلد، لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلي جهة و بعضها إلي أخري؛ لأنّ تعيين المسافة لغرض في فواته ضرر، فلم يجز تفويته.

و لو استأجر جمّالا إلي مصر بأربعين فإن نزل دمشق فأجره ثلاثون فإن نزل الرقّة فأجره عشرون، فالأقرب: البطلان؛ لانتفاء التعيين.

و يحتمل الصحّة.

و الأصل فيه أن يقول: إن خطته اليوم فلك درهمان، و إن خطته غدا فدرهم.).

ص: 373


1- المهذّب - للشيرازي - 409:1، البيان 305:7، المغني 65:6، الشرح الكبير 94:6.
2- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و كذا لو استأجر دابّة و قال المالك: إن رددتها اليوم فأجرتها درهم، و إن رددتها غدا فدرهمان.

و الظاهر من مذهب أحمد: الجواز(1).

مسألة 780: كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا مقصودا متقوّما يجوز استئجارها،

مسألة 780: كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا مقصودا متقوّما يجوز استئجارها، و ما لا بقاء له لا يجوز استئجاره، كالهرايس و الطبائخ.

و يجوز استئجار ما يبقي من الأطياب و الصندل و أقطاع الكافور و النّدّ(2) ليشمّه المريض و غيره مدّة ثمّ يردّه؛ لأنّها منفعة مباحة.

و كذا تجوز إجارة الحائط ليضع عليه خشبا معلوما مدّة معلومة، أو ليبني عليه شيئا معيّنا مدّة معيّنة، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز؛ لأنّ الحائط لا يمكن الانتفاع به إلاّ من هذا الوجه فلا تجوز، كما لا يجوز أن يستأجر أغصان الشجرة ليبسط عليها ثيابه(4).

و ليس بشيء؛ للأصل، و لأنّها منفعة مقصودة مقدور علي تسليمها و استيفائها، فجاز عقد الإجارة عليها، كاستئجار السطح للنوم عليه.

و يبطل عليه بأنّه يجوز استئجار القميص للّبس، و لا يمكن الانتفاع به

ص: 374


1- المغني 99:6، الشرح الكبير 28:6.
2- النّدّ: ضرب من الطيب يدخّن به، و يقال للعنبر: النّدّ. لسان العرب 421:3 «ندد».
3- حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، المبسوط - للسرخسي - 43:16، روضة القضاة 2835/484:2، المغني 146:6، الشرح الكبير 38:6.
4- المبسوط - للسرخسي - 43:16، روضة القضاة 2834/484:2، بدائع الصنائع 181:4، مختصر اختلاف العلماء 1830/132:4، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7.

إلاّ في ذلك.

و الحكم في الأصل ممنوع، و لو سلّم فالمنفعة غير مقصودة، بخلاف مسألتنا.

و كذا يجوز استئجار دار يتّخذها مسجدا يصلّي فيه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(1) - لأنّها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها، فجاز استئجارها لها، كالسكني.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأنّ فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال، فلا تجوز الإجارة لذلك، كما إذا استأجر امرأة ليزني بها(2).

و الفرق: إنّ الصلاة لا تدخلها النيابة، فلا ينتفع بها المستأجر، بخلاف المسجد، و فعل الزنا محرّم، فافترقا.

و الأقرب: إنّه لا تثبت لها حرمة المسجد و إن كانت المدّة باقية.

و لا تجوز إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يتّخذها لبيع الخمر و القمار - و به قال عامّة العلماء(3) - لأنّه فعل محرّم، فلم تجز الإجارة عليه، كما لا يجوز أن يؤجر عبده للفجور.6.

ص: 375


1- بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1172/662، المدوّنة الكبري 423:4، الذخيرة 404:5، المغني 146:6، الشرح الكبير 42:6، مختصر اختلاف العلماء 1828/131:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 39:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 39:16، مختصر اختلاف العلماء 1828/131:4، بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1172/662، الإفصاح عن معاني الصحاح 39:2، المغني 146:6-147، الشرح الكبير 42:6.
3- بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، حلية العلماء 382:5، مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.

و قال أبو حنيفة: لا بأس أن تواجر بيتك في السواد ممّن يتّخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه الخمر، فمن أصحابه من قال: يجوز إذا شرط ذلك، و منهم من قال: لا يجوز إذا شرط، و إنّما أراد أبو حنيفة إذا علم أنّ المؤجر يفعل ذلك إن كان في السواد(1).

و لو استأجر ذمّيّ من مسلم داره و أراد بيع الخمر فيها، فلصاحب الدار منعه إن تظاهر بذلك؛ لأنّه محرّم.

و قال أبو حنيفة: يجوز في السواد(2).

و هو غلط؛ لأنّه محرّم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد، كقتل النفس المحرّمة.

و كذا لا تجوز إجارة ما لا يقدر علي تسليم منفعته، سواء جاز بيعه أو لا، مثل أن يغصب منفعته بأن يدّعي إنسان أنّ هذه الدار في إجارته عاما و يقهر صاحبها عليها، فإنّه لا تجوز إجارتها في هذا العام إلاّ من غاصبها أو ممّن يقدر علي أخذها منه.

مسألة 781: قد بيّنّاأنّه تجوز إجارة المشاع،

مسألة 781: قد بيّنّا(3) أنّه تجوز إجارة المشاع، و ذكرنا الخلاف فيه.

و لو آجر الشريكان معا، جاز إجماعا؛ لأنّ المانع من إجارة الحصّة إنّما منع باعتبار تعذّر التسليم، و هذا المعني منتف هنا، فيبقي علي أصل الجواز.

ص: 376


1- بدائع الصنائع 176:4، المبسوط - للسرخسي - 134:15، و 38:16-39، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 1827/130، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 134:15، و 39:16، مختصر اختلاف العلماء 4: 1827/131، بحر المذهب 310:9، المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
3- في ص 347، المسألة 761.

و لو كانت الدار لواحد فآجر بعضها، جاز إجماعا؛ لأنّه يمكنه تسليمه.

فإن آجر نصفها الآخر للمستأجر الأوّل، صحّ؛ لأنّه يمكنه تسليمه إليه.

و إن آجره لغيره، صحّ عندنا.

و للمانعين وجهان بناء علي المسألة التي قبلها؛ لأنّه لا يمكنه تسليم ما آجره إليه(1).

و ليس بجيّد، و قد سلف(2).

و لو آجر الدار لاثنين لكلّ واحد نصفها، صحّ عندنا و عند أكثر العامّة(3).

و منع الباقون؛ لأنّه لا يمكنه تسليم نصيب كلّ واحد منهما إليه إلاّ بتسليم نصيب الآخر، و لا ولاية له علي مال الآخر(4).

و لو استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلي موضع إلي صاحب له، فحمله فوجد صاحبه غائبا فردّه، استحقّ الأجرة لحمله في الذهاب و الردّ؛ لأنّه في الذهاب حمله بإذن صاحبه صريحا، و في الردّ تضمّنا؛ لأنّ تقدير كلامه:

و إن لم تجد صاحبه فردّه؛ إذ ليس سوي ردّه إلاّ تضييعه، و من المعلوم أنّه لا يرضي بتضييعه، فتعيّن ردّه.

و لو دفع إلي رجل ثوبا ليبيعه فباعه، استحقّ الأجرة، سواء كان منتصبا لذلك أو لا؛ لأنّ الفعل ممّا يستحقّ عليه العمل.

و قال أحمد: إن كان منتصبا لذلك، استحقّ الأجر، و إلاّ فلا(5).

و ليس بمعتمد.6.

ص: 377


1- المغني 153:6، الشرح الكبير 47:6.
2- في ص 348، ذيل المسألة 761.
3- المغني 152:6 و 153، الشرح الكبير 46:6 و 47.
4- المغني 153:6، الشرح الكبير 47:6.
5- المغني 162:6، الشرح الكبير 22:6.
مسألة 782: يجوز شرط الخيار في الإجارة، سواء كانت واردة علي العين أو في الذمّة

مسألة 782: يجوز شرط الخيار في الإجارة، سواء كانت واردة علي العين أو في الذمّة - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لعموم قوله تعالي:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) و لأنّه عقد يلحقه الفسخ بالإقالة، فدخله شرط الخيار، كالبيع.

و قال الشافعي: إن كانت الإجارة معيّنة - مثل أن يستأجر منه دارا شهرا - لم يجز شرط الخيار فيها.

و هل يثبت خيار المجلس ؟ وجهان:

أحدهما: لا يثبت؛ لأنّ خيار الشرط لا يثبت إلاّ لأجل القبض، فلم يثبت خيار المجلس، كالنكاح.

و الثاني: يثبت؛ لأنّه عقد يقصد به المعاوضة المحضة، فيثبت فيه خيار المجلس، كالبيع، و يفارق خيار الشرط؛ لأنّ زمانه يطول، فتتلف فيه المنافع، و يفارق النكاح؛ لأنّه لا يحتاج فيه إلي ذلك؛ لأنّه لا يتكرّر، و يقصد به المعاوضة.

و إن كانت الإجارة في الذمّة، مثل أن يستأجر منه خياطة قميص أو حمل شيء، فاختلف أصحابه، فمنهم من قال: حكم ذلك مثل حكم الإجارة المعيّنة، و منهم من قال: يثبت الخياران معا في ذلك؛ لأنّه لا يؤدّي إثبات الخيار إلي إتلاف المنفعة في زمن الخيار(4).

ص: 378


1- حلية العلماء 405:5.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
4- المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 32:5 و 34، حلية العلماء 5: 404-405، البيان 21:5-22.

و احتجّ المانعون: بأنّه عقد علي منفعة، فلا يدخله شرط الخيار، كالنكاح، و يفارق البيع؛ لأنّ إثبات الخيار فيه لا يؤدّي إلي إتلاف بعض المبيع، و في الإجارة لو أثبتنا شرط الخيار له لم يجز له الانتفاع بالعين في مدّة الخيار، فإن حسبنا المدّة عليه، أضررنا به؛ لأنّه استأجر شهرا فمكّنّاه من أن ينتفع بسبعة و عشرين يوما، و إن لم نحسبها فقد فوّتنا علي المؤجر منفعة شهر و ثلاثة أيّام، فلم يجز.

و نحن نمنع الأداء إلي التضرّر، و يجوز للمستأجر الانتفاع مدّة الخيار.

مسألة 783: لو استأجر دابّة معيّنة ليركبها إلي بلد بعينه فسلّمها إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلي ذلك

مسألة 783: لو استأجر دابّة معيّنة ليركبها إلي بلد بعينه فسلّمها إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلي ذلك البلد، وجبت عليه الأجرة - و به قال الشافعي و مالك(1) - لأنّ المستأجر قبض العين المستأجرة، و تمكّن من استيفاء المنفعة المعقودة عليها، فوجب أن تستقرّ عليه الأجرة، كما لو استأجرها شهرا للركوب فسلّمها إليه.

و قال أبو حنيفة: لا تستقرّ عليه الأجرة؛ لأنّه لم يسلّمها في مكان الركوب، و هو المسافة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لا يلزمه التسليم في الطريق و الخروج معه، و إنّما فعل ما عليه من التسليم.

مسألة 784: إذا كانت الإجارة في الذمّة،

مسألة 784: إذا كانت الإجارة في الذمّة، مثل أن يستأجر للركوب دابّة

ص: 379


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 110:2، الحاوي الكبير 439:7، نهاية المطلب 185:8، بحر المذهب 335:9، الوسيط 202:4، البيان 290:7، العزيز شرح الوجيز 175:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 20:6.
2- الحاوي الكبير 439:7، بحر المذهب 335:9، العزيز شرح الوجيز 175:6، المغني 21:6.

و يصفها بالنوع و الجنس علي ما مضي، فيجوز حالاّ و مؤجّلا؛ لأنّ محلّ ذلك الذمّة، و إن أطلق كان حالاّ.

و كذا إذا قال: تحصّل خياطة هذا الثوب.

و يجوز بلفظ الإجارة.

و هل يجوز بلفظ السّلم ؟ قالت الشافعيّة: نعم، مثل أن يقول:

أسلمت إليك في منفعة ظهر، و يصفه، أو يقول: استأجرت منك ظهرا، و يصفه و يذكر المسافة.

و إن ذكر بلفظ السّلم، لم يكن بدّ من قبض الأجرة في المجلس، كما يقبض رأس مال السّلم.

و إن كان بلفظ الإجارة، فوجهان:

أحدهما: لا يجب القبض؛ اعتبارا باللفظ.

و الثاني: يجب القبض؛ اعتبار بالمعني.

و مثل هذين الوجهين في السّلم بلفظ البيع(1).

و هذا الفرع ساقط عندنا؛ لأنّا لا نجوّز الإجارة بلفظ السّلم.

و لو قال: استأجرتك لتحصّل لي خياطة خمسة أيّام، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ العمل مجهول؛ لأنّ الخيّاطين تختلف أعمالهم، و إنّما يصير معلوما بتعيين الخياطة أو بتقدير العمل، فأمّا المدّة فلا تزول بها الجهالة(2).

و هو ضعيف؛ لأنّ التفاوت في ذلك معفوّ عنه؛ لقلّته، و إلاّ لزم أن لا يصحّ الاستئجار بالمدّة، و هو خلاف الإجماع.9.

ص: 380


1- البيان 289:7-290.
2- بحر المذهب 294:9.

المقصد الثامن: في المزارعة و المساقاة و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في المزارعة و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الماهيّة.
اشارة

المزارعة معاملة علي الأرض بالزرع بحصّة من حاصلها.

و اختلفوا في أنّها هي المخابرة أو غيرها.

فقال بعضهم: إنّ المزارعة و المخابرة لفظان لمعني واحد(1).

و المخابرة من الخبير، و هو الأكّار، قاله أبو عبيدة(2).

و يقال: إنّها مشتقّة من الخبارة، و هي الأرض الرخوة.

و علي الأوّل يقال: خابرته مخابرة، و آكرته مؤاكرة، بمعني واحد.

و قال آخرون: إنّهما معنيان مختلفان(3).

قال الشافعي بالفرق بينهما، فإنّه قال و ذكر سنّة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في نهيه عن المخابرة(4) علي أن لا تجوز المزارعة علي الثلث و لا علي الربع(5).

ص: 381


1- حلية العلماء 378:5، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- راجع: غريب الحديث - للهروي - 232:1.
3- حلية العلماء 378:5، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
4- صحيح البخاري 151:3، صحيح مسلم 1536/1174:3، سنن الترمذي 3: 1290/585، سنن أبي داود 3407/262:3، سنن النسائي 37:7، السنن الكبري - للبيهقي - 128:6، مسند أحمد 14462/332:4، و 21122/240:6.
5- الأم 12:4، مختصر المزني: 128.

قال أصحابه: المخابرة أن يكون من ربّ الأرض الأرض وحدها، و من الأكّار البذر و العمل، و المزارعة أن تكون الأرض و البذر من واحد، و العمل من الآخر(1).

و منهم من قال: هما عبارة عن عقد واحد(2).

و قيل: المخابرة معاملة أهل خيبر(3).

و روي العامّة في تفسيرها عن زيد بن ثابت قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن المخابرة، قلت: و ما المخابرة ؟ قال: «أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع(4).

و المشهور: إنّهما واحد، يؤيّده قول صاحب الصحاح: و الخبير:

الأكّار، و منه المخابرة، و هي المزارعة(5).

و ظاهر قول الشافعي: إنّهما مختلفان، فالمخابرة هي المعاملة علي الأرض ببعض ما يخرج منها [و البذر من العامل، و المزارعة هي هذه المعاملة و البذر من مالك الأرض، و قد يقال: المخابرة: اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها](6) و المزارعة اكتراء العامل ليزرع الأرض ببعض ما يخرج منها(7).3.

ص: 382


1- حلية العلماء 378:5، التهذيب - للبغوي - 476:4، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4-243.
3- كما في المغني 583:5، و الشرح الكبير 582:5، و نسبه ابن قتيبة في غريب الحديث 196:1 إلي ابن الأعرابي.
4- سنن أبي داود 3407/262:3.
5- الصحاح 641:2 «خبر».
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4-243.

و لا كثير فائدة في هذا النزاع.

مسألة 785: المزارعة بالمعني الذي قلناه - و هي المعاملة علي الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة -

مسألة 785: المزارعة بالمعني الذي قلناه - و هي المعاملة علي الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة جائزة عند علمائنا أجمع - و به قال عليّ عليه السّلام و سعد و ابن مسعود و عمر بن عبد العزيز و القاسم و عروة و عمّار بن ياسر و آل عليّ عليه السّلام و آل أبي بكر و ابن سيرين و سعيد بن المسيّب و طاوس و عبد الرحمن بن الأسود و موسي بن طلحة و الزهري و عبد الرحمن بن أبي ليلي و ابنه و أبو يوسف و محمّد، و هو مرويّ عن معاذ و الحسن و عبد الرحمن بن زيد(1) ، قال البخاري: قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:

«ما بالمدينة من أهل بيت إلاّ و يزرعون علي الثلث أو الربع، و زارع عليّ عليه السّلام»(2) ، و قال البخاري: و عامل عمر الناس علي إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، و إن جاءوا بالبذر فلهم كذا(3) - لما رواه العامّة عن ابن عمر: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر علي الشطر ممّا يخرج من زرع أو ثمر(4) ، و روي ذلك ابن عباس و جابر بن عبد اللّه(5).

ص: 383


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 72:2، شرح السّنّة - للبغوي - 189:5، الحاوي الكبير 451:7، حلية العلماء 378:5، الاستذكار 31056/209:21، صحيح البخاري 137:3، البيان 242:7، تحفة الفقهاء 264:3، المغني 5: 581-582، الشرح الكبير 582:5.
2- صحيح البخاري 137:3.
3- صحيح البخاري 137:3.
4- صحيح البخاري 137:3 و 138، صحيح مسلم 1551/1186:3، سنن ابن ماجة 2467/824:2، سنن أبي داود 3408/26:3، سنن الترمذي 3: 666-1383/667، السنن الكبري - للبيهقي - 113:6 و 115، مسند أحمد 2: 4649/87، و 4718/96، و 4927/124، المغني 554:5 و 583، الشرح الكبير 554:5 و 582.
5- كما في المغني 554:5 و 583، و الشرح الكبير 554:5 و 582.

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «عامل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أهل خيبر بالشطر ثمّ أبو بكر ثمّ عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام و أهلوهم إلي اليوم يعطون الثلث و الربع»(1).

و هذا أمر مشهور صحيح، و عمل به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حتي مات، و خلفاؤه حتي ماتوا، و أهلوهم، و لم يبق بالمدينة أهل بيت إلاّ عمل به و عمل به أزواج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من بعده(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد الحلبي و عبيد اللّه الحلبي جميعا عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّ أباه حدّثه: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أعطي خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة، فقال: إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمرة، و إمّا أن أعطيكم نصف الثمرة و آخذه، فقال: بهذا قامت السماوات و الأرض»(3).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألت الصادق عليه السّلام عن المزارعة، فقال: «النفقة منك و الأرض لصاحبها، فما أخرج اللّه من شيء قسم علي الشرط، و كذلك قبّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر، أتوه فأعطاهم إيّاها علي أن يعمروها علي أنّ لهم نصف ما أخرجت، فلمّا بلغ التمر أمر عبد اللّه ابن رواحة فخرص عليهم النخل، فلمّا فرغ منه خيّرهم فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا صاعا فإن شئتم فخذوه و ردّوا علينا نصف ذلك، و إن شئتم أخذناه و أعطيناكم نصف ذلك، فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات7.

ص: 384


1- كما في المغني 554:5 و 583، و الشرح الكبير 554:5 و 582.
2- كما في المغني 583:5، و الشرح الكبير 582:5، و راجع: صحيح البخاري 3: 137.
3- التهذيب 855/193:7.

و الأرض»(1).

و في الصحيح عن محمّد الحلبي و عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس»(2).

و عن إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس أن تستأجر الأرض بدراهم و تزارع الناس علي الثلث و الربع و أقلّ و أكثر إذا كنت لا تأخذ الرجل إلاّ بما أخرجت أرضك»(3).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي.

و لأنّ هذا أصل يثمر بالعمل، فجاز العقد عليه ببعض ما يخرج منه، كالمضاربة و المساقاة.

و إذا كانت الأرض بين النخيل، قال الشافعي: العقد فاسد(4).

و كرهه عكرمة و مجاهد و النخعي و أبو حنيفة(5).

و روي عن ابن عباس الأمران(6).

و جوّزها الشافعي في الأرض بين النخيل إذا كان بياض الأرض أقلّ، و إن كان أكثر فعلي وجهين(7).4.

ص: 385


1- التهذيب 193:7-856/194.
2- التهذيب 194:7-860/195.
3- التهذيب 859/194:7.
4- الحاوي الكبير 451:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، شرح السّنّة - للبغوي - 5: 189، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6-55، روضة الطالبين 243:4-244.
5- المغني و الشرح الكبير 582:5.
6- المغني و الشرح الكبير 582:5.
7- المهذّب - للشيرازي - 401:1، حلية العلماء 379:5 و 380، البيان 244:7 و 245، العزيز شرح الوجيز 56:6 و 57، روضة الطالبين 245:4.

و منع المزارعة في الأرض البيضاء(1) ؛ لما روي رافع بن خديج قال:

كنّا نخابر علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فذكر أنّ بعض عمومته أتاه فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن أمر كان لنا نافعا، و طواعية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنفع، قلنا:

ما ذاك ؟ قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كانت له أرض فليزرعها، و لا يكريها بثلث و لا بربع و لا بطعام مسمّي»(2).

و عن ابن عمر قال: كنّا لا نري بالمزارعة بأسا حتي سمعت رافع بن خديج يقول: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنها(3).

و قال جابر: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن المخابرة(4).

و عن جابر قال: كنّا نزرع بالثلث و الربع و النصف، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله:

«من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه»(5)

و عن زيد بن ثابت قال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن المخابرة، قلت:

و ما المخابرة ؟ قال: «أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع»(6).

و لا دلالة في حديث رافع؛ لما رواه عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت6.

ص: 386


1- المهذّب - للشيرازي - 400:1، حلية العلماء 378:5، المغني و الشرح الكبير 582:5.
2- سنن أبي داود 259:3-3395/260، سنن النسائي 42:7، السنن الكبري - للبيهقي - 131:6، المغني 582:5-583، الشرح الكبير 582:5.
3- صحيح مسلم 1179:3، ح 1547 و ذيله، سنن النسائي 48:7.
4- صحيح مسلم 93/1177:3، سنن أبي داود 3404/262:3، سنن النسائي 7: 37 و 38 و 48، السنن الكبري - للبيهقي - 128:6.
5- صحيح البخاري 141:3، السنن الكبري - للبيهقي - 130:6، مسند أحمد 4: 14399/321، المغني 583:5، الشرح الكبير 582:5.
6- سنن أبي داود 3407/262:3، السنن الكبري - للبيهقي - 133:6.

أنّه قال: يغفر اللّه لرافع، أنا و اللّه أعلم بالحديث منه، إنّما أتاه رجلان من الأنصار و قد اقتتلا، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع»(1) فهذا خرج علي وجه المشورة و الإرشاد، دون الإيجاب.

و لأنّ حديث رافع تضمّن النهي عن كراء الأرض بثلث أو ربع، و نحن نسلّم ذلك، فإنّه لا تجوز إجارة الأرض بثلث ما يخرج منها أو ربعه، و النزاع إنّما هو في المزارعة، و هي غير مندرجة في الحديث.

و الحديث الذي ذكر فيه لفظ المزارعة محمول علي الإجارة؛ لأنّ القصّة واحدة رويت بألفاظ مختلفة، فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الآخر؛ لئلاّ تتنافي الأخبار.

و لأنّ أحاديث رافع مضطربة جدّا مختلفة اختلافا شديدا يوجب ترك العمل بها لو انفردت، فكيف تقدّم علي مثل أحاديثنا!؟

قال أحمد بن حنبل: حديث رافع ألوان(2) ، و قال أيضا: حديث رافع ضروب(3).

قال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدلّ علي أنّ النهي كان لذلك(4).

قال زيد بن ثابت: أنا أعلم بذلك منه، و إنّما سمع النبي صلّي اللّه عليه و آله رجلين قد اقتتلا، فقال: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع»(5).8.

ص: 387


1- سنن أبي داود 257:3-3390/258.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 72:2، المغني 585:5، الشرح الكبير 584:5.
3- المغني 585:5.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 71:2، و عنه في المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
5- سنن أبي داود 257:3-3390/258.

و روي البخاري عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة، فإنّهم زعموا أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عنها، فقال: إنّ أعلمهم - يعني ابن عباس - أخبرني أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لم ينه عنه، و لكن قال: «لئن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما»(1).

و لأنّ أحاديث رافع منها ما يخالف الإجماع، و هو النهي عن كراء المزارعة علي الإطلاق، و منها اضطرابه في المسند عنه، فتارة يحدّث عن بعض عمومته(2) ، و تارة عن سماعه(3) ، و تارة عن ظهير بن رافع(4) ، و مع هذا الاضطراب يجب اطّراحها، و استعمال الأخبار الواردة في شأن خيبر(5) ، فإنّها تجري مجري المتواترة التي لا اختلاف فيها، و قد عمل بها الصحابة و غيرهم، فلا معني لتركها اعتمادا علي الأخبار الواهية.

و لو سلّم سلامته عن المطاعن و عدم قبوله للتأويل و قد تعذّر الجمع، فلا بدّ و أن يكون أحد الخبرين ناسخا للآخر، و يستحيل القول بنسخ حديث خيبر؛ لكونه معمولا به من جهة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثمّ من بعده إلي عصر التابعين، فأيّ وقت ثبت نسخه ؟

و حديث جابر(6) في النهي عن المخابرة محمول علي ما حمل عليه خبر رافع، فإن تأوّله الشافعيّة بعود النهي إلي الأرض البيضاء و التجويز في6.

ص: 388


1- صحيح البخاري 138:3، و عنه في المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
2- راجع: الهامش (2) من ص 386.
3- كما في سنن أبي داود 259:3، ذيل ح 3394، و المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
4- كما في سنن أبي داود 259:3، ذيل ح 3394، و المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
5- راجع: الهامش (4 و 5) من ص 383، و الهامش (1) من ص 384.
6- تقدّم حديثه في ص 386.

قضيّة خيبر إلي الأرض المتخلّلة بين النخل، كان بعيدا؛ لعدم الدلالة عليه، بخلاف ما تأوّلناه، فإنّه لدليل.

و لأنّ ما ذكرناه أولي؛ لعمل الصحابة و التابعين و أهل البيت عليهم السّلام به، دون ما تأوّلوه.

و لأنّ ما ذكرناه مجمع عليه؛ لأنّ الباقر عليه السّلام روي ذلك عن أهل كلّ بيت بالمدينة و عن الصحابة و أهاليهم و فقهاء الصحابة(1)راجع: الهامش (2) من ص 386.(2) ، و استمرّ ذلك إلي الآن، و هذا ممّا لا يجوز خفاؤه، و لم ينكره أحد من الصحابة، فكان إجماعا، و الذي خالفه فقد بيّنّا فساده، و القياس يقتضيه، فإنّ العين تنمي بالعمل، فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها، كالأثمان في المضاربة، و النخل في المساقاة، أو نقول: أرض فجازت المزارعة عليها، كالأرض بين النخل.

و لأنّ الحاجة داعية إلي المزارعة؛ لأنّ أصحاب الأراضي لا يقدرون علي زرعها و العمل عليها، و الأكرة يحتاجون إلي الزرع و لا أرض لهم، فاقتضت حكمة الشرع جواز المزارعة، كما قلنا في المضاربة و المساقاة، بل الحاجة هنا آكد؛ فإنّ الحاجة إلي الزرع أكثر منها إلي غيره؛ لكون الأرض لا ينتفع منها إلاّ بالعمل عليها، بخلاف المال، مع أنّ حديثهم تضمّن الخطأ؛ لأنّ فيه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نهانا عن أمر كان لنا نافعا(2) ، و النبي صلّي اللّه عليه و آله لا ينهي عن المنافع، و إنّما ينهي عن المضارّ و المفاسد، فدلّ ذلك علي غلط الراوي.6.

ص: 389


1- راجع: الهامش
2- من ص 383، و الهامش (1) من ص 384.
البحث الثاني: في الأركان.
اشارة

و هي أربعة:

الركن الأوّل: الصيغة،
اشارة

و هو كلّ لفظ يدلّ علي تسليم الأرض للزراعة بحصّة مشاعة، مثل: زارعتك علي هذه الأرض، أو: ازرع هذه الأرض، أو سلّمتها إليك، أو: قبّلتك بزراعتها، أو بالعمل فيها مدّة معلومة بحصّة من حاصلها معيّنة، أو: خذ هذه الأرض علي هذه المعاملة، و ما أشبه ذلك، و لا تنحصر في لفظ معيّن، بل كلّ ما يؤدّي إلي هذا المعني، فيقول: قبلت.

و يشترط القبول لفظا علي الأقوي؛ لأنّه عقد لازم، فكان كالإجارة.

و يحتمل العدم، فلو أوجب و أخذ العامل الأرض و زرعها، احتمل اللزوم.

و لا تنعقد بلفظ الإجارة، فلو قال: آجرتك هذه الأرض مدّة معيّنة بثلث ما يخرج منها، لم يصح؛ للجهالة، و قد سبق(1) ، و يكون الزرع بأسره لصاحب البذر، فإن كان العامل، فله الحاصل، و عليه أجرة المثل للأرض؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بعوض لم يسلم له، فكان ضمانه عليه، و إنّما يضمن بأجرة المثل، و إن كان البذر لصاحب الأرض، فعليه أجرة المثل للعامل و لدوابّه؛ حيث لم يسلّم إليه ما شرط له.

و لو قال: آجرتك نصف أرضي هذه بنصف بذرك و نصف منفعتك و نصف منفعة بقرك و آلتك، و أخرج العامل البذر كلّه، لم يصح؛ للجهالة؛ فإنّ المنفعة غير معلومة.

ص: 390


1- في ص 352، ضمن المسألة 764.

و قال بعض العامّة: لو أمكن علم المنفعة و ضبطها بما لا تختلف معه و معرفة البذر، جاز، و كان الزرع بينهما(1).

و ليس بجيّد.

و كذا لا يصحّ لو قال: آجرتك نصف أرضي بنصف منفعتك و منفعة بقرك و آلتك، و أخرجا البذر، و يكون الحاصل بينهما؛ لأنّ البذر منهما.

نعم، هنا لو أمكن الضبط، صحّ العقد.

مسألة 786: المزارعة إذا وقعت بشروطها كانت لازمة؛

مسألة 786: المزارعة إذا وقعت بشروطها كانت لازمة؛ لأصالة اللزوم بقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) و ذلك يقتضي اللزوم، و لا تبطل إلاّ بالتقايل، و لا تبطل بموت أحد المتعاقدين؛ لأصالة الدوام، و الاستصحاب.

ثمّ إن كان الميّت العامل قام وارثه مقامه في العمل، و إلاّ استأجر الحاكم عليه من ماله أو علي الحصّة، و لو كان المالك، بقيت المعاملة بحالها، و علي العامل القيام بتمام العمل.

الركن الثاني: المتعاقدان،

و لا بدّ أن يكونا من أهل التصرّف، فلا يصحّ عقد الصبي و لا المجنون و لا السفيه و لا المحجور عليه بالفلس، و هو ظاهر.

الركن الثالث: ما تقع عليه المعاملة،
اشارة

و هي كلّ أرض يمكن الانتفاع بها في الزرع، و ذلك بأن يكون لها ماء إمّا من نهر أو بئر أو عين أو مصنع و ما أشبه ذلك.

ص: 391


1- المغني 592:5، الشرح الكبير 590:5.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و تصحّ لو لم يكن لها شيء من ذلك لكن العادة سقي تلك الأرض بالأمطار التي يغلب وجودها في تلك الأرض و لو كان نادرا لكنّه يكفيها لكثرته و شدّته، فإنّه يجوز أيضا.

و لو كان المطر المعتاد لا يكفيها، أو يكون شربها من السيل إذا فاض به الوادي و هو نادر، أو يكون شربها من النهر إذا زاد زيادة نادرة، ففي جواز المزارعة عليها إشكال ينشأ: من عدم التمكّن من إيقاع ما وقع عليه العقد في الأمر الظاهر، و من إمكان الوقوع و لو نادرا، فإن انقطع الماء بحيث لا يمكن الزراعة وفات وقت الزرع، انفسخت المزارعة.

و لو زارع عليها أو آجرها للزراعة، و لا ماء لها مع علم الزارع، لم يتخيّر، و مع الجهالة فله الفسخ، أمّا لو استأجرها مطلقا و لم يشترط المزارعة، صحّ العقد، و لم يكن له الفسخ؛ لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع بأن ينزل فيها و يضع رحله و يجمع فيها حطبا.

و لو قدر علي ماء أو أراد أن يزرع و جاء الماء، كان له ذلك؛ لأنّ ذلك من جملة منافعها، إلاّ أنّه لا يبني و لا يغرس؛ لأنّ تقدير المدّة يقتضي تفريغ الأرض عند انقضائها، و البناء و الغراس يرادان للتأبيد، فلهذا لم يكن له، قاله الشافعي(1).

و ليس بشيء؛ لأنّه قد استأجرها و أطلق، فكان له وجوه الانتفاعات، و لا خلاف في أنّه لو استأجرها للغراس و البناء و قدّر المدّة، جاز مع أنّهما للتأبيد، فليجز مع الإطلاق.

مسألة 787: لو زارع علي الأرض و لها ماء معتاد يعتورها وقت الحاجة

مسألة 787: لو زارع علي الأرض و لها ماء معتاد يعتورها وقت الحاجة

ص: 392


1- البيان 258:7، العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.

إليه، صحّ العقد، فإن تجدّد له انقطاع في أثناء المدّة، فللزارع الخيار؛ لعدم الانتفاع.

و كذا لو استأجرها للزراعة.

و إذا فسخ العامل لانقطاع الماء، فعليه أجرة ما سلف، و يرجع بما قابل المدّة المتخلّفة.

أمّا لو استأجرها مطلقا، فإنّه لا ينفسخ العقد؛ لإمكان الانتفاع في غير الزرع علي ما تقدّم.

و لو فرض عدم النفع بالكلّيّة، فإنّ العقد ينفسخ؛ لفوات المعقود عليه، و هي المنفعة.

و لو كانت الأرض لا ماء لها يعتادها لا من نهر و لا من مطر و لا من غيرهما، لم تصح المزارعة عليها؛ لتعذّر الانتفاع بها، و لا استئجارها للزراعة.

و هل يجوز استئجارها مطلقا؟ الأقوي: الجواز؛ لأنّ الانتفاع لا ينحصر في الزرع.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه لا تصحّ الإجارة؛ لأنّ إطلاق العقد يقتضي الزراعة، و لو شرط الزراعة كان فاسدا، فكذا إذا أطلق.

و الثاني: ينظر إن كانت الأرض لا ماء لها بحال و لا يمكن أن يجلب إليها، صحّ العقد؛ لأنّ علمه بذلك بمنزلة شرط أنّها بيضاء، و إن كان لها ماء بحال أو يمكن أن يجلب إليها، كان العقد فاسدا؛ لأنّ المكري يجوز أن يعتقد أنّ علي المكتري تحصيل الماء، و أنّه يكريها للزراعة فتقتضي

ص: 393

الإجارة الزراعة، و ذلك متعذّر في الظاهر، فلم تصحّ(1).

مسألة 788: تجوز المزارعة علي الأرض التي لها ماء من شطّ يزيد زيادة أو يحتاج إلي الدالية و شبهها.

و كذا تجوز إجارتها للزراعة قبل مجيء الماء و بعده.

و قال الشافعي: إن آجرها بعد مجيء الماء النادر، جاز؛ لأنّه قد أمكنت الزراعة، فأمّا إذا كانت الأرض تشرب بالزيادة المعتادة، جاز إجارتها و إن كانت الزيادة لم توجد، و كذا ما تشرب بالمدّ بالبصرة تجوز إجارتها وقت الجزر، و ما يشرب بالمطر المعتاد تجوز إجارته قبل مجيء المطر.

اعترض عليهم: بأنّ من مذهبهم أنّه متي لم يمكن استيفاء المنفعة عقيب العقد لم تصح الإجارة.

و أجابوا: بأنّه يمكن هنا أن يبتدئ عقيب العقد بعمارة الأرض للزراعة، فلو كان لا يمكنه عمارتها و زراعتها إلاّ أن يكون الماء حال العقد، لم تجز إجارتها حتي يكون الماء حال العقد.

و ليس بجيّد.

و جوّزوا استئجارها و الماء قائم عليها إذا كان ينحسر عنها لا محالة في وقت يمكن الزرع فيه، و هو معروف بالعادة المستمرّة فيها.

ثمّ اعترض: بأنّه كيف تجوز إجارتها و لا يمكن الانتفاع بها عقيب العقد و الماء أيضا مانع من رؤيتها!؟

و أجابوا: بأنّ كون الماء فيها لا يمنع من التسليم و التشاغل بعمارتها؛

ص: 394


1- البيان 258:7.

لأنّه يمكنه أن يشتغل بحسر الماء عنها ببئر يحفرها أو موضع يفتحه، و يجري ذلك مجري من اشتري دارا أو استأجرها و فيها قماش يحتاج إلي تحويله، و يمكن ذلك في الحال، فإنّه يجوز - قال أبو إسحاق: و لأنّ الماء فيها من عمارتها(1) - و أمّا رؤيتها فإنّه إن كان قد رآها أوّلا أو كان الماء صافيا لا يمنع رؤيتها جاز(2).

و قال بعضهم: وجود الماء فيها لا يمنع الانتفاع وقت الزراعة، فلا يمنع ذلك صحّة الإجارة، و صحّحه الباقون؛ لأنّه ليس من شرط الإجارة حصول الانتفاع بالزراعة في جميع مدّتها؛ لأنّه يجوز أن يستأجر سنتين و الزرع يحصل في بعضهما(3).

و إنّما يعتبر إمكان التسليم عقيب العقد، فلو كان الماء كثيرا يمنع التسليم(4) لم يجز العقد.

تذنيب: لو كانت الأرض علي صفة يمكن زراعتها إلاّ أنّه يخاف عليها الغرق، قد تغرق و قد لا تغرق، جازت إجارتها؛ لأنّ الظاهر عدم الغرق، و الأصل السلامة، كما تجوز إجارة الحيوان؛ لأنّ الأصل السلامة و إن جاز عليه التلف.

آخر: لو رضي المستأجر للزراعة باستئجار ما لا ينحسر الماء عنه، جاز؛ لأنّه رضي بالعيب.

هذا إذا كانت الأرض يمكنه مشاهدتها.».

ص: 395


1- البيان 260:7.
2- العزيز شرح الوجيز 94:6.
3- البيان 260:7.
4- في «ر، ل»: «يمنع من التسليم».

و لو كان الماء قليلا يمكن معه بعض الزراعة(1) جاز.

و لو كان الماء ينحسر عنها علي التدريج، لم يصح؛ لجهالة وقت الانتفاع، و لو كان وقته معلوما بالعادة جاز.

الركن الرابع: الحصّة.
مسألة 789: يجب أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو شرطه أحدهما لنفسه خاصّة،

مسألة 789: يجب أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو شرطه أحدهما لنفسه خاصّة، لم يصح؛ لأنّ المنقول عن الرسول و أهل بيته عليهم السّلام إنّما ورد علي الاشتراك في الحصّة(2) ، و الأمور الشرعيّة متلقّاة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، فلا يجوز التجاوز عنها.

و لا يشترط تساويهما فيه، بل يجوز أن يكون لأحدهما أكثر ممّا للآخر علي حسب ما يتّفقان عليه؛ لأنّ الروايات دلّت علي أنّ المعاملة بالثلث و الربع و غيرهما، و لا نعلم(3) في ذلك خلافا بين مجوّزي المزارعة.

مسألة 790: و لا بدّ و أن يكون النماء بأجمعه بينهما،

مسألة 790: و لا بدّ و أن يكون النماء بأجمعه بينهما، فلو شرط أحدهما زرعا بعينه و الآخر زرعا آخر بعينه، مثل أن يشترط المالك لنفسه زرع ناحية و يشترط العامل لنفسه زرع ناحية أخري، أو يشترط أحدهما ما علي الجداول و السواقي و الآخر ما عداه، لم يصح، أو شرط أحدهما الهرف و الآخر الأفل(4) ، أو شرط أحدهما زرع الحنطة و الآخر زرع الشعير، أو ما

ص: 396


1- في النّسخ الخطّيّة: «الزرع» بدل «الزراعة».
2- راجع: ص 383-385 ما ورد من الروايات الدالّة علي ذلك.
3- في «ص، ل»: «و لا نعرف».
4- قال الشيخ الطوسي في المبسوط 253:3: الهرف: ما يدرك أوّلا، و الأوّل (الأفل): ما يتأخّر إدراكه.

أشبه ذلك، و لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّ الخبر ورد بالنهي عنه(1) من غير معارض، و لأنّه ربما تلف ما شرطه أحدهما لنفسه أو لصاحبه، فينفرد الآخر بالغلّة وحده.

أمّا لو شرط أحدهما لنفسه النصف و ما يزرع علي الجداول، أو شرط مع نصيبه نوعا من الزرع أو الأفل، ففيه عندي نظر، لكن المجوّزون للمزارعة من العامّة اتّفقوا علي بطلانه(2).

مسألة 791: و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة، فلو شرط لأحدهما جزءا أو نصيبا أو شيئا أو بعضا و لم يبيّن القدر،

مسألة 791: و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة، فلو شرط لأحدهما جزءا أو نصيبا أو شيئا أو بعضا و لم يبيّن القدر، بطل بالإجماع؛ لما فيه من الغرر، و لا تحمل الألفاظ المجملة هنا علي ما ورد في الوصيّة؛ لأنّ ذلك ورد في صورة معيّنة، فلا يجوز التجاوز عنها.

و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة بالجزئيّة، فلو شرط أحدهما من الحاصل قفيزا معيّنا و الباقي للآخر، لم يصح.

و كذا لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل و ما زاد عليه بينهما، لم يصح؛ لجواز أن لا تحصل الزيادة، فينفرد أحدهما بالفائدة، و هو مناف لموضوع المزارعة.

أمّا لو شرط أحدهما علي الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلي الحصّة، فالأقرب عندي: الجواز؛ عملا بالشرط.

و قال بعض علمائنا: يبطل(3).

ص: 397


1- صحيح البخاري 242:3، صحيح مسلم 116/1183:3.
2- المغني 593:5، الشرح الكبير 590:5.
3- كما في شرائع الإسلام 150:2.

و الوجه: الأوّل.

و كذا لا يصحّ لو شرطا إخراج البذر وسطا و يكون الباقي بينهما علي إشكال؛ لأنّ ذلك يتضمّن اشتراط أحدهما شيئا معيّنا زائدا علي حصّته، و قد بيّنّا بطلانه؛ لجواز أن لا يحصل سواه، فيؤدّي إلي أن ينفرد أحدهما بالفائدة. و فيه نظر؛ لأنّه بمنزلة الخراج.

و كذا لو شرط ربّ الأرض إخراج البذر من حصّة العامل، يبطل؛ لأنّه بمنزلة ما لو شرط علي عامل المضاربة إخراج رأس المال من عنده.

و قد روي إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أشارك العلج فيكون من عندي الأرضون و البذر و البقر و يكون علي العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتي يصير حنطة و شعيرا و تكون القسمة فيأخذ السلطان حظّه و يبقي ما بقي علي أنّ للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال:

«لا بأس بذلك» قلت: فلي عليه أن يردّ عليّ ما أخرجت الأرض من البذر و يقسم الباقي، قال: «إنّما شاركته علي أنّ البذر من عندك و عليه السقي و القيام»(1).

و كذا يجب تعيين الحصّة من كلّ نوع، فلو قال: ازرعها حنطة أو شعيرا ولي ثلث أحدهما و نصف الآخر و لم يعيّن، بطل، و إن عيّن صحّ.

و لو قال: إن زرعتها حنطة فلي الثلث، و إن زرعتها شعيرا فلي النصف، بطل؛ للجهالة.

و فيه لبعض العامّة وجه بالجواز، كالخياطة(2).5.

ص: 398


1- التهذيب 875/198:7.
2- المغني 561:5، الشرح الكبير 578:5.

و لو قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه، صحّ؛ لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله ساقي أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر(1).

مسألة 792: و لو شرط إخراج الخراج المضروب علي الأرض

مسألة 792: و لو شرط إخراج الخراج المضروب علي الأرض أوّلا و الباقي يكون بينهما، لم يكن به بأس؛ لأنّ الخراج كأنّه في مقابلة حصّة السلطان من الأرض، و للأصل.

و لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلي الرجل علي أن يعمرها و يصلحها و يؤدّي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما، قال: «لا بأس»(2).

البحث الثالث: الشرط.
مسألة 793: يشترط في المزارعة تقدير المدّة و تعيينها بالأيّام و الشهور المضبوطة،

مسألة 793: يشترط في المزارعة تقدير المدّة و تعيينها بالأيّام و الشهور المضبوطة، فلا تجوز مع جهالة المدّة إجماعا؛ لما فيه من الغرر و أدائه إلي التنازع.

و لو اقتصرا علي تعيين المزروع و لم يذكرا المدّة، فالأقوي: البطلان؛ لأنّ المزارعة عقد لازم، فهو كالإجارة، فلا بدّ فيه من تعيين المدّة، و أمد الزرع غير مضبوط، فقد يتقدّم و يتأخّر باختلاف الأهوية في البرودة و الحرارة.

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ لكلّ زرع أمدا لا يتجاوزه، فيبني علي العادة،

ص: 399


1- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
2- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.

كالقراض.

و الأوّل أقوي.

مسألة 794: إذا عيّنا المدّة بالأشهر و الأيّام فمضت المدّة و الزرع قائم لم يبلغ،

مسألة 794: إذا عيّنا المدّة بالأشهر و الأيّام فمضت المدّة و الزرع قائم لم يبلغ، كان للمالك إزالته، علي إشكال أقربه: المنع؛ لأنّ للزرع أمدا معيّنا غير دائم الثبات و قد حصل في الأرض بحقّ، فلم يكن للمالك قلعه، كما لو استأجر الأرض للزرع مدّة و انقضت قبل إدراكه، مع أنّ الاحتمال أيضا هناك قائم.

و إذا قلنا بأنّ للمالك قلعه، فلا فرق بين أن يكون التأخّر بسبب الزارع، كالتفريط في تأخير الزرع و ترك التعهّد له، أو من قبل اللّه تعالي، كتأخير المياه و تغيّر الأهوية.

و لو اتّفقا علي التبقية، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

و لا فرق بين أن يتّفقا عليها بعوض و غير عوض، لكن إن شرط عوضا افتقر في لزومه إلي تعيين المدّة الزائدة.

مسألة 795: لو شرط للزرع مدّة معيّنة و شرطا في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها،

مسألة 795: لو شرط(1) للزرع مدّة معيّنة و شرطا(2) في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها، بطل الشرط و العقد علي القول باشتراط تقدير المدّة بالأشهر المضبوطة.

و لو ترك العامل الزراعة حتي انقضت المدّة، لزمه أجرة المثل للمالك عن أرضه، كما أنّه لو كان قد استأجرها لزمه الأجرة.

هذا إذا كان المالك قد مكّنه فيها(3) و سلّمها إليه، أمّا لو منعه منها حتي

ص: 400


1- في «د، ر»: «شرطا».
2- في «ص»: «شرط».
3- في «ص»: «منها» بدل «فيها».

خرجت المدّة فإنّه لا يستحقّ عليه شيئا؛ لأنّ المنع من قبله.

و لو شرط الغرس، افتقر إلي تعيين المدّة أيضا.

و لو شرط الزرع و الغرس معا في الإجارة، افتقر إلي تعيين كلّ واحد منهما؛ لتفاوت ضرريهما.

و كذا لو شرطهما في المزارعة، و كذا لو استأجر لزرعين أو غرسين متفاوتي الضرر.

و لو استأجر أرضا مدّة معيّنة ليغرس فيها ما يبقي بعد المدّة غالبا، لم يجب علي المالك إبقاؤه، و لا الأرش مع إزالته.

و قيل: يجب(1).

و فيه إشكال؛ لأنّ له إزالته لو غرس بعد المدّة، فكذا له الإزالة بعد انقضائها.

البحث الرابع: في الأحكام.
اشارة

قد بيّنّا صحّة المزارعة إذا وقعت علي الوجوه المعتبرة شرعا،

فإن اختلّ بعض شرائطها فسدت، فكان النماء لصاحب البذر، فإن كان هو المالك للأرض، كان عليه أجرة المثل للعامل عن عمله و عوامله و آلاته طول المدّة؛ لأنّه دخل علي عوض لم يسلم له، و إن كان هو العامل، فالزرع بأجمعه له، و عليه أجرة الأرض لمالكها، و إن كان لهما، فالزرع بينهما، و يرجع كلّ منهما علي صاحبه بنصف ما يستحقّه من الأجرة، و إن كان لثالث، فالزرع بأجمعه له، و عليه أجرة المالك و العامل.

ص: 401


1- كما في شرائع الإسلام 152:2.

و قال الشافعي: المزارعة في نفسها باطلة، فإذا دخلا فيها و كمل الزرع، كان لصاحب البذر؛ لأنّه نماء ملكه، و عليه للآخر أجرة المثل.

فإن كان البذر لصاحب الأرض، فالزرع له، و عليه أجرة الأكّار و عوامله؛ لأنّه عمل ليكون ما شرطه له، فإذا لم يسلم له فله عوضه، كمن باع بيعا فاسدا و أتلفه المشتري، كان له قيمته؛ لأنّه بذله في مقابلة الثمن، فإذا لم يسلم له الثمن كان له قيمة المبيع، كذا هنا.

و إن كان للعامل، فالغلّة له، و عليه أجرة الأرض.

و إن كان لهما، فالزرع لهما علي قدر البذرين، و لكلّ منهما أجرة المثل في نصف صاحبه، فيكون لصاحب الأرض أجرة نصف الأرض، و للعامل أجرة نصف عمله و عوامله.

ثمّ قال الشافعي: إذا أراد أن يشتركا في الزرع و الغلّة علي الوجه الذي يشترطانه في المزارعة بطريق جائز، أعار صاحب الأرض للأكّار نصف أرضه، و يكون البذر بينهما، و يعمل الأكّار علي الزرع متبرّعا، فتكون الغلّة بينهما، و لا يستحقّ ربّ الأرض علي الأكّار أجرة نصف الأرض، و لا يستحقّ العامل أجرة نصف عمله؛ لأنّ كلّ واحد منهما تطوّع بما بذله.

و ذكر المزني وجها آخر فقال: يكون البذر بينهما، و يكري صاحب الأرض الأكّار نصف أرضه بألف، و يكتري منه عمله علي نصيبه و عمل عوامله بألف، و [يتقاصّان](1) بذلك، و تكون الغلّة بينهما.

و قال أصحابه: يمكن أن يكون أسهل من هذا، و هو أن يكريه نصفر.

ص: 402


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يتفقان». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.

أرضه بعمله و عمل عوامله علي نصيبه.

و إن أراد أن يكون البذر بينهما علي الثلث و الثلثين، آجره ثلثي الأرض بثلثي عمله.

و إن أراد أن يكون البذر من أحدهما، فإن كان من ربّ المال استأجر منه نصف عمله و عمل عوامله و آلته بنصف منفعة الأرض و نصف البذر، و إن كان البذر من الأكّار، استأجر منه بنصف عمله و عمل آلته و نصف البذر و نصف الأرض.

و تفتقر هذه الإجارة إلي تقدير المدّة و رؤية الأرض و عوامله و آلته(1).

و الكلّ عندنا جائز بشرط الضبط في ذلك كلّه.

مسألة 796: تجوز المزارعة إذا كان من صاحب الأرض البذر، و من العامل العمل عند كلّ من سوّغ المزارعة

مسألة 796: تجوز المزارعة إذا كان من صاحب الأرض البذر، و من العامل العمل عند كلّ من سوّغ المزارعة - و هو مذهب ابن سيرين، و منقول عن الشافعي و إسحاق و أحمد(2) - لأنّه عقد يشترك فيه العامل و ربّ المال في نمائه، فكان سائغا.

و لو كان البذر من العامل و العمل و العوامل أيضا، و من المالك الأرض خاصّة، جاز عندنا بلفظ المزارعة - و هو رواية عن أحمد(3) - لما رواه العامّة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دفع خيبر علي هذا(4) ، و هو مرويّ عن عمر بن الخطّاب، و به قال أبو يوسف و طائفة من أهل الحديث(5).

ص: 403


1- العزيز شرح الوجيز 55:6-56، روضة الطالبين 244:4-245.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- المغني 590:5، الشرح الكبير 587:5-588.
4- صحيح البخاري 138:3، صحيح مسلم 5/1187:3، سنن أبي داود 3: 3409/263.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 590:5، الشرح الكبير 588:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ أباه الباقر عليه السّلام حدّثه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أعطي خيبر بالنصف»(1)في الكافي: «عن سماعة» و في التهذيب: «عن زرعة عن سماعة».(2).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المزارعة، فقال: «النفقة منك و الأرض لصاحبها، فما أخرج اللّه من شيء قسّم علي الشرط، و كذلك قبّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر» الحديث(3).

و عن زرعة(3) قال: سألته عن مزارعة المسلم للمشرك فيكون [من] عند المسلم البذر و البقر، و تكون الأرض و الماء و الخراج و العمل علي العلج، قال: «لا بأس به»(4).

و روي عن سعد(5) و ابن مسعود و ابن عمر أنّ البذر من العامل(6).

و بالجملة، فالأصل(7) في المزارعة قصّة خيبر، و أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله دفع إلي يهود خيبر نخل خيبر و أرضها علي أن يعملوها من أموالهم، و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله شرط شطر ثمرها(8) ، و في لفظ: «علي أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها»(9) ، فجعل عملها من أموالهم و زرعها عليهم، و لم يذكر شيئا آخر، و ظاهر هذا أنّ البذر من أهل خيبر، و لم يذكر3.

ص: 404


1- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش
2- .
3- تقدّم تخريجه في ص 385، الهامش (1).
4- الكافي 4/268:5، التهذيب 858/194:7، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سعيد». و المثبت كما في المصدر، و هو: سعد ابن مالك.
6- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 590:5، الشرح الكبير 588:5.
7- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «الأصل».
8- صحيح مسلم 5/1187:3.
9- صحيح البخاري 138:3.

النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّ البذر علي المسلمين، و لو كان شرطا لما أخلّ بذكره، و لو فعله النبي صلّي اللّه عليه و آله لنقل.

و عن عمر أنّه عامل الناس علي إن جاء بالبذر من عنده [فله](1) الشطر، و إن جاؤا بالبذر [فلهم](2) كذا(3) ، و ظاهر هذا أنّه قد كان مشهورا غير منكر عند أحد، فكان إجماعا.

اعترض: بأنّ ذلك كبيعتين في بيعة.

و أجيب: باحتمال أنّ عمر خيّرهم بين الأمرين، فأيّهما اختاروا عقد معهم العقد، كما تقول في البيع: إن شئت بعتك بعشرة صحاح، و إن شئت بإحدي عشرة مكسّرة، فاختار أحدهما فعقد البيع معه عليه، و باحتمال الجواز، كما يجوز عند بعضهم: إن خطته روميّا فلك درهم، و إن خطته فارسيّا فدرهمان(4).

و منع بعض الحنابلة من ذلك، و أوجبوا أن يكون البذر من صاحب الأرض؛ لأنّه عقد يشترك فيه العامل و ربّ المال في نمائه، فوجب أن يكون رأس المال كلّه من أحدهما، كالمساقاة و المضاربة، و هذا القياس مخالف للنصّ الذي قلناه، و للإجماع الذي ذكرناه، ثمّ ينتقض بما إذا اشترك مالان [و بدن](5) صاحب أحدهما(6).9.

ص: 405


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له... فله». و المثبت كما في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له... فله». و المثبت كما في المصدر.
3- صحيح البخاري 137:3.
4- ورد الاعتراض و الجواب عنه في المغني 591:5، و الشرح الكبير 589:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و بذر». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
6- المغني 589:5 و 591، الشرح الكبير 587:5 و 589.

إذا عرفت هذا، فيجوز أن يكون من أحدهما الأرض و العمل، و من الآخر البذر بلفظ المزارعة؛ نظرا إلي الإطلاق، و لو كان بلفظ الإجارة لم تصح؛ لجهالة العوض.

و يجوز أن يكون من أحدهما العمل خاصّة، و من الآخر الأرض و البذر و العوامل.

مسألة 797: و لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين،

مسألة 797: و لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين، تساويا فيه، و كان صحيحا عندنا، و لا خلاف في ذلك عند من قال بصحّة المزارعة أو فسادها؛ لأنّها إن كانت صحيحة فالزرع بينهما علي ما شرطاه، و إن كانت فاسدة فلكلّ واحد منهما بقدر بذره، لكن مع القول بصحّتها لا يرجع أحدهما علي صاحبه بشيء.

و من شرط إخراج البذر من صاحب الأرض فهي فاسدة، فعلي العامل نصف أجرة الأرض، و له علي صاحب الأرض نصف أجر عمله، فيتقاصّان بقدر الأقلّ منهما، و يرجع أحدهما علي صاحبه بالفضل.

و إن شرطا التفاضل في الزرع و قلنا بصحّته، فالزرع بينهما علي ما شرطاه، و لا تراجع بينهما، و إن قلنا بفسادها، فالزرع بينهما علي قدر بذرهما، و تراجعا كما ذكرناه.

و لو تفاضلا في البذر و شرطا التساوي في الزرع أو تساويا في البذر و شرطا التفاضل في الحصّة، جاز عندنا، كما تقدّم(1) في الشركة.

مسألة 798: إذا أطلق المالك المزارعة، زرع العامل ما شاء إن كان البذر منه،

مسألة 798: إذا أطلق المالك المزارعة، زرع العامل ما شاء إن كان البذر منه، أو زرع المالك ما شاء إن كان البذر منه.

ص: 406


1- في ج 16، ص 352-353، المسألة 172.

و يحتمل قويّا وجوب التعيين؛ لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات.

و لو عيّن جنسين كحنطة و شعير، فلا بدّ من تقدير كلّ واحد منهما إمّا بالكيل أو الوزن، و إمّا بتعيين الأرض، مثل: ازرع هذه القطعة حنطة، و هذه الأخري شعيرا.

و لو عيّن الزرع، لم يجز التعدّي؛ لأنّه خلاف المشروط.

و لو زرع ما هو أضرّ من المشروط، كان لمالكها أجرة المثل إن شاء أو المسمّي مع الأرش، و لو كان أقلّ ضررا جاز، و لا شيء عليه، و للمالك الحصّة لا أزيد.

و للمزارع أن يشارك غيره في الزراعة، و أن يزارع عليها غيره، و لا يتوقّف علي إذن المالك، لكن لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم، و لم تجز المشاركة إلاّ بإذنه.

و خراج الأرض و مؤونتها علي صاحبها، إلاّ أن يشترطه علي المزارع.

و كلّ موضع حكم فيه ببطلان المزارعة يجب لصاحب الأرض أجرة المثل.

تذنيب: إذا أطلق المزارعة، وجب أن يعيّن البذر ممّن هو، فإنّه يجوز أن يكون من المالك أو من العامل أو منهما عندنا.

و من قال: إنّه علي ربّ الأرض، انصرف الإطلاق إليه علي مقتضي قوله.

مسألة 799: يجوز أن يشترط المالك علي العامل مع الحصّة شيئا معيّنا من ذهب أو فضّة،

مسألة 799: يجوز أن يشترط المالك علي العامل مع الحصّة شيئا معيّنا من ذهب أو فضّة، و بالعكس؛ عملا بالشرط.

و لو زارعه علي أرض فيها شجر يسير، جاز أن يشترط العامل ثمرتها

ص: 407

عندنا، و به قال مالك، لكن شرط مالك أن يكون الشجر قدر الثلث أو أقلّ؛ لأنّه يسير فيدخل تبعا(1) ، و ليس بشيء.

و قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر: لا يجوز ذلك؛ لأنّه اشترط الثمرة كلّها فلم يجز(2).

و نمنع عدم الجواز؛ لأنّه ليس مساقاة؛ لأنّ التقدير أنّ العقد عقد المزارعة.

مسألة 800: لو دفع رجل بذره إلي صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما

مسألة 800: لو دفع رجل بذره إلي صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما جاز عندنا؛ للأصل.

و لو دفعه إلي ثالث ليزرعه في أرض صاحب الأرض علي أن يكون الحاصل بينهم، منعه العامّة؛ لأنّ البذر ليس من ربّ الأرض و لا من العامل(3) ، فعلي قولهم يكون الزرع لصاحب البذر، و عليه الأجرة لصاحب الأرض و العمل، و لا بأس به.

أمّا لو قال صاحب الأرض: أنا أزرع بذرك في أرضي و الحاصل بيننا، فإنّه يجوز كما تقدّم(4).

و لو كان الأرض و البذر و العمل من واحد، و من الآخر الماء، و شرطا أن يكون الحاصل بينهما، فعن أحمد روايتان.

إحداهما: المنع؛ لأنّ موضوع المزارعة أن تكون من أحدهما الأرض

ص: 408


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 76:2-77، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- المغني 594:5، الشرح الكبير 592:5.
4- في ص 406.

و من الآخر العمل، و ليس من صاحب الماء أرض و لا عمل و لا بذر، و لأنّ الماء لا يباع و لا يستأجر، فكيف تصحّ المزارعة به!؟

و الثانية: الجواز؛ لأنّ الماء أحد ما يحتاج إليه في الزرع، فجاز أن يكون من أحدهما، كالأرض و العمل(1).

مسألة 801: و لو اشترك ثلاثة علي أن يكون من أحدهم الأرض، و من الآخر البذر، و من الآخر

مسألة 801: و لو اشترك ثلاثة علي أن يكون من أحدهم الأرض، و من الآخر البذر، و من الآخر البقر و العمل علي أنّ ما رزق اللّه تعالي بينهم فعملوا، احتمل الجواز؛ للأصل.

و منع مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد من ذلك، لما رواه مجاهد في أربعة نفر اشتركوا في زرع علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال أحدهم: عليّ الفدان، و قال الآخر: قبلي الأرض، و قال الآخر: قبلي البذر، و قال الآخر: قبلي العمل، فجعل النبي صلّي اللّه عليه و آله الزرع لصاحب البذر و الأجرة لصاحب الأرض، و جعل لصاحب العمل كلّ يوم درهما، و لصاحب الفدان شيئا معلوما.

و لما سبق من أنّ موضوع المزارعة علي أنّ البذر من ربّ الأرض أو من العامل، و ليس هو هنا من أحدهما، و ليست شركة؛ لأنّ الشركة تكون بالأثمان، و إن كانت بالعروض اعتبر كونها معلومة، و لم يوجد شيء من ذلك هنا، و ليست إجارة؛ لافتقار الإجارة إلي مدّة معلومة و عوض معلوم(2).

فعلي هذا يكون الزرع لصاحب البذر؛ لأنّه نماء ماله، و لصاحبيه عليه أجرة مثلهما؛ لأنّهما دخلا علي أن يسلم لهما المسمّي، فإذا لم يسلم عاد

ص: 409


1- المغني 594:5، الشرح الكبير 592:5.
2- المغني 594:5-595، الشرح الكبير 593:5.

إلي بدله، و به قال الشافعي و أبو ثور(1).

و قال أصحاب الرأي: يتصدّق بالفضل(2).

و ليس بشيء؛ لأنّه نماء ماله، فلا تلزمه الصدقة به، كسائر ماله.

و لو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا علي أن يزرعوها ببذرهم و دوابّهم علي أنّ ما أخرج اللّه تعالي بينهم علي قدر مالهم، فهو جائز، و بهذا قال مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر(1) ، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ أحدهم لا يفضل صاحبه(2) بشيء.

مسألة 802: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص علي الزارع،

مسألة 802: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص علي الزارع، و يتخيّر الزارع في القبول و عدمه، فإن قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماويّة أو أرضيّة لم يكن عليه شيء؛ لما رواه محمّد بن عيسي عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ لنا أكرة فنزارعهم فيقولون: قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمّن لكم أن نعطيكم حصّته علي هذا الحزر، قال: «و قد بلغ ؟» قلت: نعم، قال:

«لا بأس بهذا» قلت: فإنّه يجيء بعد ذلك و يقول لنا: إنّ الحزر لم يجئ كما حزرت و قد نقص، قال: «فإذا زاد يردّ عليكم ؟» قلت: لا، قال: «فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنّه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص»(3).

مسألة 803: إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيءفنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر

مسألة 803: إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيء

ص: 410


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 75:2، المغني 595:5، الشرح الكبير 5: 594.
2- الظاهر: «صاحبيه».
3- الكافي 287:5 (باب حزر الزرع) ح 1، التهذيب 208:7-916/209.

فنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر، فهو لصاحب البذر عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّه عين ماله، فهو كما لو بذره قصدا.

و قال أحمد: يكون لصاحب الأرض؛ لأنّ صاحب الحبّ أسقط حقّه منه بحكم العرف، و زال ملكه عنه؛ لأنّ العادة ترك ذلك لمن يأخذه، و لهذا أبيح التقاطه و زرعه، و لا خلاف في إباحة التقاط ما رماه الحصاد من سنبل و حبّ و غيرهما، فجري ذلك مجري نبذه علي سبيل الترك له، و صار كالشيء التافه يسقط منه، كالثمرة و اللقمة و النوي و نحوها، و لا شكّ في أنّه لو التقط إنسان النوي فغرسه، كان له دون من سقط منه، كذا هنا(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الحقّ و الملك لا يزولان بالإعراض، بل به و باستيلاء الغير عليه، فإذا لم يحصل الثاني و نبت الحبّ حتي صار زرعا ينتفع به، لم يكن من جملة ما تمثّل به من الشيء التافه و النوي، و لهذا لو نبتت نواة سقطت من إنسان في أرض مباحة أو مملوكة له ثمّ صارت نخلة و لم يستول عليها غيره، فإنّ النخلة تكون ملك صاحب النواة قطعا.

مسألة 804: لو تنازعا في قدر المدّة،

مسألة 804: لو تنازعا في قدر المدّة، فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه؛ عملا بالأصل، و تبعيّة النماء لمالك الأرض.

و لو اختلفا في قدر الحصّة، فالقول قول صاحب البذر.

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قدّمت بيّنة من يدّعي خلاف الظاهر، فحينئذ يكون القول قول من يدّعي الزيادة في المدّة و الحصّة.

و قال بعض علمائنا بالقرعة(3). و ليس بجيّد.

ص: 411


1- المغني 596:5، الشرح الكبير 594:5.
2- المغني 595:5-596، الشرح الكبير 594:5.
3- كما في شرائع الإسلام 152:2.

و لو اختلفا فقال العامل: أعرتني الأرض للزرع، و أنكر المالك و ادّعي الحصّة أو الأجرة و لا بيّنة، فالقول قول المالك مع يمينه في عدم الإعارة، و تثبت له أجرة المثل.

و قيل بالقرعة(1). و ليس بجيّد.

و للزارع تبقية الزرع إلي أوان أخذه؛ لأنّه مأذون فيه.

أمّا لو قال: غصبتنيها، حلف العامل علي نفي الغصب، و كان للمالك الأجرة و المطالبة بإزالة الزرع و أرش الأرض إن عابت و طمّ الحفر.

مسألة 805: لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر،

مسألة 805: لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر، و حصّة للبقر، بل يشترطا الفائدة بينهما علي قدر ما يتّفقان عليه من نصف أو ثلث أو غيرهما؛ لما رواه أبو الربيع الشامي أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن رجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر، فقال: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط، و لا يسمّي بذرا و لا بقرا، فإنّما يحرّم الكلام»(2).

و نحوه عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام(3) ، و نحوه - في الصحيح - عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام(4).

و هل هذا النهي علي سبيل التحريم أو الكراهة ؟ إشكال أقربه:

الثاني.

ص: 412


1- كما في شرائع الإسلام 153:2.
2- التهذيب 857/194:7.
3- الكافي 5/267:5، التهذيب 873/197:7.
4- الكافي 4/267:5، التهذيب 872/197:7.
مسألة 806: قد بيّنّا أنّه يكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير.

مسألة 806: قد بيّنّا أنّه يكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير. و لو كان منهما، حرم علي الأقوي.

و قال أحمد: يجوز أن يؤجرها بجزء مشاع ممّا يخرج منها، كنصف و ثلث و ربع(1).

و عليه رواية من طرق علمائنا رواها زرعة [عن سماعة](2) قال:

سألته عن الأرض يستأجرها الرجل بخمس ما خرج منها أو بدون ذلك أو بأكثر ممّا خرج منها من الطعام و الخراج علي العلج، قال: «لا بأس»(3).

و الراوي لها ضعيف، و هي مرسلة، و لو سلّمت حملت علي المزارعة؛ لأنّ الباقر عليه السّلام سئل عن إجارة الأرض بالطعام، قال: «إن كان من طعامها فلا خير فيه»(4).

مسألة 807: يجوز أن يدفع الرجل أرضه إلي غيره علي أن يؤدّي خراجها عنه،

مسألة 807: يجوز أن يدفع الرجل أرضه إلي غيره علي أن يؤدّي خراجها عنه، و يكون له عليه شيء معيّن؛ للأصل، و لأنّه إجارة صحيحة.

و لما رواه داود بن سرحان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يكون له الأرض عليها خراج معلوم ربما زاد و ربما نقص فيدفعها إلي رجل علي أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال:

«لا بأس»(5).

مسألة 808: يجوز للزارع أن يشارك غيره في الزرع الذي زرعه بأن يبيع بعض حصّته له بشيء معلوم من ذهب أو فضّة

مسألة 808: يجوز للزارع أن يشارك غيره في الزرع الذي زرعه بأن

ص: 413


1- المغني و الشرح الكبير 598:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- التهذيب 858/194:7.
4- الكافي 6/265:5، التهذيب 864/195:7، الاستبصار 460/128:3.
5- الكافي 5/265:5، التهذيب 868/196:7.

يبيع بعض حصّته له بشيء معلوم من ذهب أو فضّة؛ للأصل.

و لما رواه سماعة قال: سألته عن المزارعة، قلت: الرجل يبذر في الأرض مائة جريب أو أقلّ أو أكثر من الطعام أو غيره، فيأتيه رجل فيقول:

خذ منّي نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض و نصف نفقتك عليّ و أشركني فيه، قال: «لا بأس» قلت: فإن كان الذي يبذره فيه لم يشتره بثمن و إنّما هو شيء كان عنده ؟ قال: «فليقوّمه قيمة كما يباع يومئذ ثمّ ليأخذ نصف الثمن و نصف النفقة و يشاركه»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يشترط فيه شرائط البيع من وجود الزرع و ظهوره بحيث يمكن تقويمه و شراؤه، و لا يجوز بيعه ما دام في بطن(2) الأرض لم يخرج منه شيء.

مسألة 809: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يتقبّل الأرض ليعمرها،

مسألة 809: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يتقبّل الأرض ليعمرها، و يؤدّي ما خرج عليها مدّة معيّنة؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها عشر سنين و أقلّ من ذلك و أكثر فيعمرها و يؤدّي ما خرج عليها، و لا يدخل العلوج في شيء من القبالة لأنّه لا يحلّ»(3).

و روي أبو الربيع الشامي أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن أرض يريد رجل أن يتقبّلها فأيّ وجوه القبالة أحلّ؟ قال: «يتقبّل الأرض من أربابها بشيء معلوم إلي سنين مسمّاة، فيعمر و يؤدّي الخراج، فإن كان فيها علوج

ص: 414


1- الكافي 4/268:5، التهذيب 198:7-877/199.
2- في «د، ص»: «باطن».
3- التهذيب 879/199:7، و في الكافي 3/269:5: «عشرين سنين».

فلا يدخل العلوج في قبالته فإنّ ذلك لا يحلّ»(1).

و قد روي أبو المغرا - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يستأجر الأرض ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها، فقال: «لا بأس، إنّ هذا ليس كالحانوت و لا الأجير، إنّ فضل الأجير و الحانوت حرام»(2).

و قد روي الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له:

أتقبّل الأرض بالثلث أو بالربع فأقبّلها بالنصف، قال: «لا بأس به» قلت:

فأتقبّلها بألف درهم و أقبّلها بألفين، قال: «لا يجوز» قلت: كيف جاز الأوّل و لم يجز الثاني ؟ قال: «لأنّ هذا مضمون و ذلك غير مضمون»(3).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادق عليهما السّلام، قال:

سألته عن الرجل يستكري الأرض بمائة دينار فيكري نصفها بخمسة و تسعين دينارا و يعمر نصفها، قال: «لا بأس»(4).

مسألة 810: لو زرع أرض غيره بغير إذنه، كان الزرع لصاحبه، و عليه أجرة الأرض،

مسألة 810: لو زرع أرض غيره بغير إذنه، كان الزرع لصاحبه، و عليه أجرة الأرض و للمالك قلعه مطلقا، و إلزامه بالأرش؛ لما رواه عقبة بن خالد قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أتي أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتي إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال: زرعت بغير إذني فزرعك لي و عليّ ما أنفقت، أله ذلك أم لا؟ فقال: «للزارع زرعه، و لصاحب الأرض كري أرضه»(5).

ص: 415


1- التهذيب 887/201:7.
2- الكافي 3/272:5، التهذيب 895/203:7، الاستبصار 464/129:3.
3- الكافي 6/272:5، التهذيب 897/204:7، الاستبصار 466/130:3.
4- التهذيب 902/205:7، الاستبصار 469/131:3.
5- الكافي 296:5-1/297، التهذيب 906/206:7.

و عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام: في رجل اكتري دارا و فيها بستان فزرع البستان و غرس نخلا أو شجرا أو فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: «عليه الكري، و يقوّم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل فيعطيه للغارس إن كان استأمره في ذلك، و إن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكري، و له الغرس و الزرع، و يقلعه و يذهب به حيث شاء»(1).

و روي عبد العزيز بن محمّد قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من أخذ أرضا بغير حقّها أو بني فيها - قال -: يرفع بناؤه، و يسلّم التربة إلي صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ» ثمّ قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حقّها كلّف أن يحمل ترابها إلي المحشر»(2).

و سأل هارون بن حمزة الصادق عليه السّلام: عن الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل و يدع النخل كهيئته لم يقطع فيقدم الرجل و قد حمل النخل، فقال: «له الحمل يصنع به ما شاء إلاّ أن يكون صاحب النخل كان يسقيه و يقوم عليه»(3).

مسألة 811: تجوز إجارة رحي الماء إذا كان لها ماء دائم،

مسألة 811: تجوز إجارة رحي الماء إذا كان لها ماء دائم، كما تجوز إجارة الأرض للزراعة إذا كان لها ماء دائم، و لو كان ينقطع أحيانا جاز هنا، دون الزراعة إذا كان ينقطع وقت الزرع؛ لعدم الانتفاع هناك، بخلاف الرحي.

ص: 416


1- الفقيه 648/156:3، التهذيب 907/206:7.
2- التهذيب 206:7-909/207.
3- الكافي 3/297:5، التهذيب 908/206:7.

و قد روي إدريس بن عبد اللّه القمّي قال: قلت له: جعلت فداك، إجارة الرحي تعلمني كيف تصحّ إجارتها؟ فإنّ [الماء](1) عندنا ربما دام و ربما انقطع، قال: فقال لي: «اجعل جعل(2) الإجارة في الأشهر التي لا ينقطع الماء فيها و لو درهم»(3).

مسألة 812: لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة،

مسألة 812: لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة جاز للمالك بيع الأرض، و يلزم المشتري الصبر إلي انقضاء مدّة التقبّل، و له الفسخ إن لم يعلم بالحال؛ لما تقدّم(4) في الإجارة.

و لما رواه يونس قال: كتبت إلي الرضا عليه السّلام: أسأله عن رجل تقبّل من رجل أرضا أو غير ذلك سنين مسمّاة ثمّ إنّ المقبّل أراد بيع أرضه التي قبّلها قبل انقضاء السنين المسمّاة هل للمتقبّل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الذي تقبّلها منه إليه ؟ و ما يلزم المتقبّل له ؟ قال: فكتب: «له أن يبيع إذا اشترط علي المشتري أنّ للمتقبل من السنين ما له»(5).

مسألة 813: قد ذكرنا أنّ الخراج علي صاحب الأرض دون المستأجر،

مسألة 813: قد ذكرنا أنّ الخراج علي صاحب الأرض دون المستأجر، فلو زاد السلطان عليه شيئا، كان ذلك لازما لصاحب الأرض دون المستأجر، كالأصل؛ لما رواه سعيد الكندي قال: قلت للصادق عليه السّلام:

إنّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، قال: «أعطهم فضل ما بينهما» قلت: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: «إنّهم إنّما زادوا علي أرضك»(6).

ص: 417


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في المصدر: «جلّ» بدل «جعل».
3- التهذيب 911/207:7.
4- في ص 321، المسألة 740.
5- الكافي 1/270:5، التهذيب 914/208:7.
6- التهذيب 915/208:7.

ص: 418

الفصل الثاني: في المساقاة

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الماهيّة.
اشارة

المساقاة مفاعلة من السقي، و صورتها أن يعامل الإنسان غيره علي نخلة أو شجرة ليتعهّدها بالسقي و التربية علي أنّ مهما رزق اللّه تعالي من ثمرة تكون بينهما علي ما يشترطانه.

و إنّما اشتقّ من لفظ السقي دون غيره من الأعمال؛ لأنّ السقي أنفعها و أكثرها مؤونة و تعبا خاصّة بالحجاز؛ لأنّ أهلها يستقون من الآبار، فسمّيت بذلك.

و هي في الشرع عبارة عن معاملة علي أصول ثابتة بحصّة من ثمرها.

مسألة 814: هذه المعاملة جائزة عند علمائنا أجمع -

مسألة 814: هذه المعاملة جائزة عند علمائنا أجمع و به قال أكثر الصحابة و سعيد بن المسيّب و مالك و سالم و الثوري و الأوزاعي و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد و إسحاق و أحمد بن حنبل و داود(1) - للإجماع و السّنّة.

أمّا الإجماع: فما رواه العامّة عن الباقر عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عامل

ص: 419


1- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5، تحفة الفقهاء 264:3، بدائع الصنائع 185:6، مختصر القدوري: 144، الفقه النافع 1061/1303:3، روضة القضاة 2994/509:2 و 2995، الهداية - للمرغيناني - 59:4، مختصر اختلاف العلماء 1685/21:4، بداية المجتهد 244:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1132/468، الاستذكار 209:21 و 31051/210 و 31056 و 31057، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 80:2، بحر المذهب 237:9، حلية العلماء 364:5، التهذيب - للبغوي - 403:4، البيان 217:7، العزيز شرح الوجيز 50:6.

أهل خيبر بالشطر ثمّ أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام ثمّ أهلوهم إلي اليوم يعطون الثلث و الربع(1) ، و هذا عمل به الخلفاء في مدّة خلافتهم، و لم ينكره منكر، فكان إجماعا.

و أمّا السّنّة: فما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عمر قال: عامل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع(2)في الطبعة الحجريّة و التهذيب: «ما خرج».(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام:

«إنّ أباه الباقر عليه السّلام حدّثه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أعطي خيبر بالنصف أرضها و نخلها»(4) الحديث.

و عن يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمّان و النخل و الفاكهة، فيقول:

اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج(4) ، قال: «لا بأس»(5).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه، و تشتدّ الضرورة إلي فعله، فكان جائزا.

و قال أبو حنيفة و زفر: لا تجوز هذه المعاملة بحال؛ لأنّها إجارة بثمرة لم تخلق، أو إجارة بثمرة مجهولة، أشبه إجارة نفسه بثمرة غير الشجر الذي يسقيه(6).قه

ص: 420


1- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش (1).
2- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش
3- .
4- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش (3).
5- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.
6- تحفة الفقهاء 263:3، بدائع الصنائع 185:6، مختصر القدوري: 144، مختصر اختلاف العلماء 1685/21:4، روضة القضاة 2993/509:2، الفقه

و نمنع كونها إجارة، بل هي عقد معاملة علي العمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة.

ثمّ يبطل قياسهم بالمضاربة، فإنّه عمل في المال ببعض نمائه، و هو معدوم مجهول، و قد جازت بالإجماع، و هذا في معناه.

ثمّ قد جوّز الشارع العقد في الإجارة علي المنافع المعدومة للحاجة [فلم لا يجوّز علي الثمرة المعدومة للحاجة ؟](1) مع أنّ القياس إنّما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه، أو المختلف فيه بالمجمع عليه عندهم(2) ، و أمّا في إبطال نصّ [و خرق](3) إجماع بقياس نصّ آخر فلا سبيل إليه.

مسألة 815: و المساقاة جائزة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته،

مسألة 815: و المساقاة جائزة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته، و عليه عمل السلف، و به قال أكثر الفقهاء و التابعين(4).

و قال داود: لا تجوز المساقاة إلاّ في النخل خاصّة؛ لأنّ الخبر إنّما

ص: 421


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير 556:5.
2- المغني 556:5-557، الشرح الكبير 556:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و جرح». و المثبت كما في المغني 557:5، و الشرح الكبير 556:5.
4- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5.

ورد بها فيه(1).

و قال الشافعي: لا تجوز إلاّ في النخل و الكرم؛ لأنّ الزكاة تجب في [ثمرتهما](2) و أمّا باقي الشجر فقولان، أحدهما: لا تجوز فيه؛ لأنّ الزكاة لا تجب في نمائه، فأشبه ما لا ثمرة له(3).

و الحقّ خلافهما؛ لعموم الخبر الوارد في أنّه عليه السّلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو [ثمر](4)(5) و هذا عامّ في كلّ ثمرة، و قلّ أن يخلو بلد ذو نخل و شجر عن شجر غير النخل و الكرم، و قد جاء في لفظ بعض الأخبار: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل و الشجر(6) ، و لأنّه شجر يثمر كلّ حول، فأشبه النخل و الكرم، و لأنّ الحاجة تدعو إلي المساقاة عليه، كالنخل، و وجوب الزكاة ليس هو العلّة المجوّزة للمساقاة، و لا أثر له فيها حتي ينتفي الجواز بانتفائه، و إنّما العلّة ما قلناه.8.

ص: 422


1- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5، الحاوي الكبير 363:7، بحر المذهب 238:9، حلية العلماء 365:5، البيان 218:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثمرتها». و ما أثبتناه كما في المغني و الشرح الكبير.
3- الحاوي الكبير 363:7 و 364، المهذّب - للشيرازي - 397:1 و 398، نهاية المطلب 7:8، بحر المذهب 238:9-239، الوسيط 135:4، حلية العلماء 364:5-365، التهذيب - للبغوي - 402:4 و 403، البيان 217:7-219، العزيز شرح الوجيز 52:6، روضة الطالبين 227:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 40:2، المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شجر». و المثبت كما في المصدر و يقتضيه السياق.
5- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
6- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 52:6، و ابنا قدامة في المغني 557:5، و الشرح الكبير 556:5، و انظر سنن الدارقطني 37:3-153/38.
البحث الثاني: في الصيغة.
اشارة

و لا بدّ في المساقاة من الصيغة الدالّة علي الرضا؛ لأنّ ذلك من الأمور الخفيّة الباطنة، فلا بدّ من دلالة تكشف عنه و تظهره، و ليس ذلك إلاّ الألفاظ التي يعبّر بها عن المعاني الباطنة.

و لا يكفي التراضي و المعاطاة، كما قلنا: إنّه لا يكفي في البيع.

و بعض الشافعيّة الذين جوّزوا ذلك في البيع جوّزوه هنا(1).

و الحقّ أنّه لا بدّ من عقد يشتمل علي إيجاب و قبول.

و أظهر صيغ الإيجاب: ساقيتك علي هذه النخيل، أو: عقدت معك عقد المساقاة، أو: عاملتك، أو: سلّمت إليك، و ما شابهه، و بالجملة، كلّ لفظ يؤدّي هذا المعني، كقوله: تعهّد نخلي بكذا، أو: اعمل فيه بكذا.

و هل اللفظ الصريح المساقاة و الباقي كنايات، أو الجميع صريح ؟ احتمال، فإن قلنا بالأوّل، جوّزنا مثل هذه العقود بالكنايات، و نظير ذلك أنّ صرائح الرجعة غير محصورة.

مسألة 816: و لا بدّ من القبول لفظا؛ لأنّ عقد المساقاة عقد لازم من الطرفين،

مسألة 816: و لا بدّ من القبول لفظا؛ لأنّ عقد المساقاة عقد لازم من الطرفين، فأشبهت الإجارة، و لا يجري فيها القول المذكور في القراض و الوكالة.

و لو تعاقدا بلفظ الإجارة - بأن قال العامل: آجرتك نفسي مدّة كذا للتعهّد بنخلك بالثلث من الثمرة أو النصف و شبهه، أو قال المالك:

استأجرتك لتعهّد نخلي بكذا من ثمارها - لم يصح؛ لأنّ المساقاة و الإجارة

ص: 423


1- العزيز شرح الوجيز 67:6، روضة الطالبين 233:4.

معنيان مختلفان لا يعبّر بأحدهما عن الآخر، كما أنّ البيع و الإجارة مختلفان، و لو قصد الإجارة بطل؛ لجهالة العوض.

و للشافعيّة قولان جاريان في الإجارة بلفظ المساقاة.

أحدهما: الصحّة؛ لما بين العقدين من المشابهة، و احتمال كلّ واحد من اللفظين معني الآخر.

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ لفظ الإجارة صريح في غير المساقاة، فإن أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه، و إلاّ فهو إجارة فاسدة(1).

و الخلاف بينهم راجع إلي أنّ الاعتبار باللفظ أو المعني ؟(2).

و لو قال المالك: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط حتي تكمل ثمرته بنصف ثمرته، لم يصح؛ لما تقدّم(3).

و للشافعيّة و الحنابلة وجهان سبقا(4).

مسألة 817: لو قال: ساقيتك علي هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل،

مسألة 817: لو قال: ساقيتك علي هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل، لم يصح العقد.

أمّا بطلان كونه مساقاة: فلأنّ موضوعها أن تكون الثمرة بينهما مشاعة.

و أمّا بطلان كونها إجارة: فلجهالة العوض و إن كان ما عقد عليه هو الواجب عند الإطلاق.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز؛ لسبق لفظ المساقاة، هذا إذا قصد بلفظ

ص: 424


1- العزيز شرح الوجيز 67:6، روضة الطالبين 233:4-234.
2- العزيز شرح الوجيز 67:6-68، روضة الطالبين 234:4.
3- آنفا.
4- آنفا، و راجع: المغني 564:5.

الإجارة المساقاة، و أمّا إذا قصد الإجارة نفسها، فينظر إن لم تخرج الثمرة لم تجز؛ لأنّ الشرط أن تكون الأجرة في الذمّة أو موجودة معلومة، و إن خرجت و بدا الصلاح فيها، جاز، سواء شرط ثمرة نخلة معيّنة أو جزءا شائعا، و إن لم يبد فيها الصلاح، فإن شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع، و كذا لو شرط كلّ الثمار له، و إن شرط جزءا شائعا لم يجز و إن شرط القطع؛ لما سبق في البيع(1).

و الحقّ عندنا ما قدّمناه.

و لو ساقاه علي أنّ لك النصف أجرة عملك أو عوض عملك، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ الذي شرط له هو عوض عمله.

مسألة 818: إذا عقد بلفظ المساقاة لم يحتج إلي تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة،

مسألة 818: إذا عقد بلفظ المساقاة لم يحتج إلي تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة، بل يحمل في كلّ ناحية علي عرفها الغالب، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يجب تفصيلها؛ لأنّ العرف يكاد يضطرب و لا ينضبط(2).

هذا إذا عرف المتعاقدان العرف المحمول عليه المتعاهد بين الناس عند الإطلاق، فإن جهلاه أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة؛ لتنتفي الجهالة.

البحث الثالث: في شرائط الاستئجار.
اشارة

و هي ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المساقي عليه شجرا ثابتا.

ص: 425


1- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
2- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.

و نعني بالشجر ما له ساق، و هو مخصوص بذلك بالعرف اللساني، قال اللّه تعالي: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ (1) قيل في التفسير:

اَلنَّجْمُ: ما لا ساق له من النبات وَ الشَّجَرُ ما له ساق(2).

فكلّ ما لا أصل له و لا يسمّي شجرا لا تصحّ المساقاة عليه، كالبطّيخ و القثّاء و قصب السكّر و الباذنجان و البقول التي لا تثبت في الأرض و لا تجزّ إلاّ مرّة، فلا تصحّ المساقاة عليه إجماعا.

و أمّا ما يثبت في الأرض و يجزّ مرّة بعد أخري فكذلك إذا لم يسمّ شجرا؛ لأنّ المساقاة جوّزت رخصة علي خلاف القياس، فلا يتعدّي إلي غير موردها، و هو أصحّ قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه تصحّ المساقاة عليه(3).

مسألة 819: و لا بدّ من أن تكون الأشجار ثابتة،

مسألة 819: و لا بدّ من أن تكون الأشجار ثابتة، فلا تصحّ المساقاة علي وديّ - بكسر الدال و تشديد الياء، و هو الفسيل - قبل أن يغرس - و به قال الشافعي(4) - لأنّه قد لا يعلق و هذا غرر، فلا يجوز، و لأنّ المساقاة إنّما تكون علي أصل ثابت، و لهذا فإنّ ما ليس له أصل ثابت لا تصحّ المساقاة عليه، كالزرع و البقول، فإذا دفع إليه الأرض و الفسيل قبل أن يزرع و ساقاه علي أن يغرسه و يعمل عليه حتي يحمل و يكون للعامل جزء من الثمرة معلوم، لم يصح.

ص: 426


1- سورة الرحمن: 6.
2- جامع البيان 68:27، تفسير السمرقندي 304:3-305، النكت و العيون 5: 524، المحرّر الوجيز 321:15، التبيان 464:9، العزيز شرح الوجيز 53:6، الجامع لأحكام القرآن 153:17.
3- العزيز شرح الوجيز 53:6، روضة الطالبين 228:4.
4- الحاوي الكبير 386:7، نهاية المطلب 58:8، بحر المذهب 259:9، الوجيز 227:1، البيان 218:7، العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.

و كذا لو دفع إليه الأرض و ساقاه علي شجر يغرسه و يعمل فيه حتي يحمل و يكون له جزء معلوم من الثمرة، لم تصح أيضا؛ لأنّ الغراس ليس من أعمال المساقاة، فضمّه إليها كضمّ غير التجارة إلي عمل القراض.

و قال أحمد: تصحّ هذه المساقاة؛ لحديث خيبر في الزرع و النخل(1) ، لكن بشرط أن يكون الغرس من صاحب الأرض، كما يشترط هو في المزارعة أن يكون البذر من صاحب الأرض، فإن كان من العامل، فروايتان، إحداهما: البطلان(2).

مسألة 820: و لو ساقاه علي وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما،

مسألة 820: و لو ساقاه علي وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما فالعقد باطل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المساقاة موضوعة علي أن تكون الشركة بين العامل و المالك في الثمرة و النماء لا غير، فإذا شرط العامل مشاركته في الأصول فقد شرط ما يخالف مقتضاها ففسدت.

و قال أحمد: تصحّ كالمزارعة إذا دفع المالك الأرض ليبذرها العامل إمّا من بذره أو من بذر المالك، و يكون النماء بينهما، و هذا نظيره(4).

و هو ممنوع؛ للفرق بين المزارعة و المساقاة.

و مع هذا فإنّ أحمد سلّم أنّه لو دفعها علي أنّ الأرض و الشجر بينهما، فإنّ المعاملة تكون فاسدة - و هو قول باقي الفقهاء - لأنّه شرط اشتراكهما في الأصل ففسد، كما لو شرط في المزارعة كون الأرض و الزرع

ص: 427


1- راجع: الهامش (4) من ص 383.
2- المغني 580:5، الشرح الكبير 559:5.
3- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
4- المغني 580:5، الشرح الكبير 560:5.

بينهما(1).

فظهر من هذا أنّه لو ساقاه علي شجر يغرسه و يعمل فيه حتي يحمل و يكون للعامل جزء من الثمرة، صحّ عند أحمد قولا واحدا.

و إن شرط أن يكون له مع الحصّة من الثمرة حصّة من الشجرة، صحّ علي أحد الوجهين.

و إن شرط أن يكون له مع الحصّة من الشجرة حصّة من الأرض لم يصح قولا واحدا(2).

و الكلّ عندنا باطل.

مسألة 821: قد عرفت من هذا أنّ المغارسة باطلة، و هي أن يدفع أرضا إلي رجل ليغرسها علي أنّ الغرس بينهما،

مسألة 821: قد عرفت من هذا أنّ المغارسة باطلة، و هي أن يدفع أرضا إلي رجل ليغرسها علي أنّ الغرس بينهما، أو أنّ الأرض و الغرس بينهما، فإن غرس العامل فإن كان الغرس من المالك، كان للعامل أجرة المثل مدّة عمله علي المالك؛ لأنّه دخل في هذه المعاملة علي أن تسلم له الحصّة، فلم يكن متبرّعا بعمله و لم يسلم له ما شرط، فيكون له أجرة المثل، و الغرس لصاحب الأرض.

و لو كان الغرس من العامل، كان لصاحب الأرض إزالته، و له الأجرة علي العامل؛ لفوات ما حصل الإذن بسببه، و عليه أرش النقصان بالقلع.

و لو دفع القيمة ليكون الغرس له لم يجبر الغارس.

و كذا لو دفع الغارس الأجرة، لم يجبر صاحب الأرض علي التبقية.

ص: 428


1- المغني 580:5-581، الشرح الكبير 560:5.
2- المغني 579:5 و 580-581، الشرح الكبير 559:5 و 560.

و قال بعض العامّة: يتخيّر المالك للأرض بين أن يكلّف الغارس قلعها و يضمن له أرش نقصها، و بين إقرارها في أرضه و يدفع إليه قيمتها، كالمشتري إذا غرس في الأرض التي اشتراها ثمّ جاء الشفيع فأخذها، و إن اختار العامل قلع ذلك فله، سواء بذل له مالك الأرض القيمة أو لا؛ لأنّه ملكه فلم يمنع من تحويله، و لو اتّفقا علي إبقاء الغرس و دفع أجرة الأرض، جاز ذلك(1).

و قالت الشافعيّة: إذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد، استحقّ أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقّعة في تلك المدّة، و إلاّ فقولان(2).

و لهم وجه آخر، و هو صحّة المساقاة إذا كان الوديّ مقلوعا و ساقاه علي أن يغرسه و يتعهّده إلي مدّة يحمل فيها، و تكون الثمرة بينهما، كما لو كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه في المساقاة(3).

و لهم أيضا وجه لكنّه بعيد، و هو صحّة المساقاة إذا شرط بعض الشجرة للعامل(4).

مسألة 822: إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه، فإن قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة،

مسألة 822: إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه، فإن قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة، لم تصح المساقاة؛ لخلوّها عن العوض، كالمساقاة علي الأشجار التي لا تثمر فيها.

و إذا عمل العامل، فهل يستحقّ الأجرة ؟ للشافعيّة قولان يأتيان(5).

هذا إذا كان عالما بأنّها لا تثمر فيها، فإن كان جاهلا استحقّ الأجرة

ص: 429


1- المغني 580:5، الشرح الكبير 559:5-560.
2- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
3- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
4- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
5- في المسألة التالية.

قطعا.

و لو حمل في المدّة اتّفاقا، لم يستحق ما جعل له، و كان له أجرة المثل أيضا؛ لأنّ العقد وقع فاسدا، فلم يستحق به ما شرط له.

و إن شرط مدّة يعلم أنّ الوديّ يحمل فيها بحكم العادة في ذلك، صحّ؛ لأنّ أكثر ما فيه أن يكون العمل كثيرا و النصيب قليلا، و ذلك جائز، كما لو شرط لنفسه جزءا من ألف جزء.

ثمّ ينظر فإن حمل أخذ نصيبه، و إن لم يحمل فلا شيء له؛ لأنّ العقد صحيح، فلا يستحقّ به شيئا إلاّ بحصول الثمرة.

و كذا لو ساقاه علي نخل مثمر و لم يتّفق الحمل تلك السنة، لم يكن له شيء علي صاحب النخل.

مسألة 823: و لو ساقاه علي الوديّ المغروس إلي مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة،

مسألة 823: و لو ساقاه علي الوديّ المغروس إلي مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة، كما لو غرس ثمّ ساقاه علي أن يراعيه و يتعهّده سنة فمهما حصل من الثمرة كان بينهما، أو سنتين، لم تصح المساقاة إجماعا، فإذا عمل فيها فللشافعيّة في استحقاقه أجرة المثل قولان(1).

و الوجه عندي: الاستحقاق مع الجهل، لا مع العلم.

و لو ساقاه عليه و شرط مدّة يحتمل أن تكون له ثمرة و أن لا تكون، لم تصح المعاملة أيضا؛ لما فيها من الغرر، و أصالة العدم، فيخلو فعل العامل عن عوض.

و للشافعيّة وجهان:

ص: 430


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 54:8، بحر المذهب 259:9، البيان 220:7-221، العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 229:4.

أحدهما: إنّه تجوز المساقاة؛ لأنّ النخل يجوز أن يحمل و يجوز أن لا يحمل مع أنّ المساقاة جائزة فيه، فكذا الفسيل الذي يجوز أن يحمل في مدّة المساقاة و أن لا يحمل.

و الثاني: لا تجوز؛ لأنّه غرر، و لا يجوز العقد مع الغرر، كما لو شرط العامل لنفسه نخلة بعينها، فإنّه لا يجوز؛ لجواز أن لا تحمل تلك بعينها، بخلاف النخل؛ لأنّ الظاهر و الغالب فيه الحمل فانتفي الغرر.

فإذا قلنا: تصحّ المساقاة، فإن لم تحمل لم يجب للعامل شيء، و إن قلنا: المساقاة فاسدة، فإنّ للعامل أجرة المثل، سواء حملت أو لم تحمل؛ لأنّه لم يرض بغير عوض، فكان له العوض وجها واحدا(1).

و لو ساقاه مدّة يحمل فيها غالبا، صحّ العقد، كالعلم، و قد سبق(2).

و لا بأس بخلوّ أكثر سني المدّة عن الثمرة، مثل أن يساقيه عشر سنين و الثمرة لا تتوقّع إلاّ في العاشرة، و تكون السنين بمثابة الأشهر من السنة الواحدة.

ثمّ إن اتّفق أنّها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا، كما لو قارضه فلم يربح.

مسألة 824: لو ساقاه علي النخيل المثرة فلم تثمر، فإن قدّر بمدّة لا تحمل فيها غالبا،

مسألة 824: لو ساقاه علي النخيل المثرة فلم تثمر، فإن قدّر بمدّة لا تحمل فيها غالبا، كشهر و شهرين في أوّل السنة، لم تصح، و كان الحكم فيه كما لو ساقاه علي وديّ مغروس مدّة لا يحمل فيها غالبا.

ص: 431


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 260:9، العزيز شرح الوجيز 6: 61، روضة الطالبين 229:4.
2- في ص 430، ضمن المسألة 822.

و إن كانت المدّة يحتمل أن تثمر فيها و يحتمل أن لا تثمر، فالوجه:

البطلان؛ لما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان.

أصحّهما: ما قلناه؛ لأنّه عقد علي عوض غير موجود و لا غالب الوجود، فأشبه السّلم في معدوم إلي وقت يحتمل أن يوجد فيه و يحتمل أن لا يوجد.

و الثاني: تصحّ، و يكفي الاحتمال و رجاء الوجود، فعلي هذا إن أثمرت استحقّ، و إلاّ فلا شيء له، و علي الأوّل يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّه عمل طامعا(1).

تذنيب: لو دفع إليه وديّا ليغرسه في أرض الغارس علي أن يكون الغراس للدافع و الثمار بينهما، بطل، و للعامل عليه أجرة عمله و أرضه.

و لو دفع إليه أرضه ليغرسها بوديّ نفسه علي أن تكون الثمرة بينهما، فهو فاسد أيضا، و لصاحب الأرض أجرتها علي العامل.

الشرط الثاني: أن تكون الأشجار ممّا يصحّ أن تكون مثمرة في العادة في تلك المدّة، و لا تكون الثمار موجودة بالفعل وقت العقد، و قد سلف كونها ممّا يصحّ أن تكون مثمرة في تلك المدّة، و أمّا عدم الثمار وقت العقد فإنّه لا تصحّ المساقاة علي ثمرة قد وجدت و بدا صلاحها و استغنت عن السقي و لم يبق لعمل العامل فيها مستزاد، إجماعا؛ لأنّها و الحال هذه تكون قد ملكها ربّ البستان، و لم تحصل بالمساقاة زيادة الثمار، و الغرض بها تحصيل الثمار أو جودة إيناعها، فإذا لم يحصل7.

ص: 432


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 260:9، البيان 221:7.

الغرض خلا العقد عن الفائدة فيكون باطلا.

و أمّا إذا كانت الثمار قد ظهرت و لم يبد صلاحها، فإن بقي للعامل ما فيه مستزاد الثمرة كالتأبير و السقي و إصلاح الثمرة، جازت المساقاة تحصيلا لتلك الفائدة، و لأنّ العقد و الحال هذه أبعد عن الغرر، بل انتفي الغرر عنها؛ للوثوق بالثمار، و لأن المساقاة إذا جازت قبل ظهور الثمرة فبعد ظهورها أولي؛ لأنّها صارت موجودة معلومة، و هو قول الشافعي في الأم و إحدي الروايتين عن أحمد، و به قال مالك و أبو يوسف و محمّد و أبو ثور.

و قال الشافعي في البويطي: لا تجوز - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر علي الشطر ممّا يخرج من ثمر أو زرع(1) ، و لأنّ الثمرة إذا خرجت فقد حصل المقصود، فصار بمنزلة أن يقارضه علي المال بعد ظهور الربح، و كان بمنزلة ما لو شرط المالك له شيئا من النخيل؛ لأنّ المالك قد ملكها و قد ظهرت، فأشبهت النخل، و لأنّ مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله(2).

و المعاملة التي وقعت من النبي صلّي اللّه عليه و آله لأهل خيبر لا تدلّ علي المنع من غيرها؛ لأنّها واقعة لا عموم لها.

و نمنع حصول كمال المقصود؛ لأنّ التقدير حصول زيادة بعمل العامل، و به يخرج الجواب عن الباقي.

و أمّا إذا بدا صلاحها، فالأولي التفصيل أيضا، و هو أن يقال: إن بقي5.

ص: 433


1- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الوجيز 227:1، الوسيط 138:4-139، حلية العلماء 366:5، العزيز شرح الوجيز 58:6، المغني و الشرح الكبير 558:5.

لعمل العامل نفع في استزادة الثمرة و جودة إيناعها، صحّت المساقاة عليها، و إلاّ فلا، كما لو لم يبق سوي الجذاذ.

و أطلق بعض العامّة المنع(1).

و ليس بجيّد.

و اعلم أنّ الشافعي قد اختلف قوله علي الوجه الذي قدّمناه، و اختلف أصحابه علي ثلاثة طرق في موضع القولين:

أظهرها: إنّ القولين فيما إذا لم يبد فيها الصلاح، فأمّا بعده فلا تجوز بلا خلاف؛ لأنّ تجويز المساقاة لتربية الثمار و تنميتها، و هي بعد الصلاح لا تتأثّر بالأعمال.

و الثاني: إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح و فيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها، فإن تناهي و لم يبق إلاّ الجذاذ، لم يجز بلا خلاف.

[و] الثالث: إجراء القولين في جميع الأحوال(2).

و قد بيّنّا(3) أنّ الشافعي منع من المزارعة إذا كانت الأرض بيضاء.

و لو كان فيها نخيل و تخلّلت الأرض بينها، جاز عقد المزارعة عليها تبعا، فلو كان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة وجهان له؛ بناء علي هذين القولين(4).

الشرط الثالث: أن تكون الأشجار مرئيّة مشاهدة وقت العقد أو قبله4.

ص: 434


1- المغني و الشرح الكبير 558:5.
2- العزيز شرح الوجيز 58:6-59، روضة الطالبين 229:4.
3- في ص 386، ضمن المسألة 785.
4- العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 229:4.

أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة، فلو لم تكن الحديقة و الأشجار مشاهدة و لا موصوفة لم يصح العقد؛ لأنّ المساقاة عقد غرر من حيث إنّ العوض معدوم في الحال، و هما جاهلان بما يحصل و بقدره و صفاته، فلا يحتمل فيها غرر آخر، و هو عدم الرؤية، و لأنّها معاملة، فلا بدّ فيها من المشاهدة، كالبيع، و هو أحد طريقي الشافعيّة، و الثاني: إنّ فيها قولين كقولي بيع الغائب(1).

البحث الرابع: في الحصّة.
مسألة 825: يشترط في المساقاة اشتراك المالك و العامل في الثمرة،

مسألة 825: يشترط في المساقاة اشتراك المالك و العامل في الثمرة، فلو لم تكن للأشجار ثمار لم تصح المعاملة عليها، فلا تصحّ المساقاة علي شجر لا يثمر، كالصفصاف و الغرب و شجر الدّلب، أو ما كان له ثمر غير مقصود، كالصنوبر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه ليس بمنصوص و لا في معني المنصوص، و لأنّ المساقاة لا بدّ فيها من نفع يحصل للعامل في مقابلة عمله، و ليس إلاّ الثمرة الحاصلة من الشجرة، أو جزء الشجرة كأغصانها، أو أجرة من خارجها، كالنقدين و شبههما، و الكلّ باطل.

أمّا الثمرة: فلانتفائها؛ إذ الفرض ذلك.

ص: 435


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الوسيط 139:4، الوجيز 227:1، حلية العلماء 367:5، البيان 220:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 4: 228.
2- المغني 557:5، الشرح الكبير 556:5، العزيز شرح الوجيز 53:6، روضة الطالبين 227:4، روضة القضاة 3009/511:2.

و أمّا الجزء: فلا تصحّ المعاملة عليه.

و أمّا غيرهما من النقدين و الأعواض: فلا تصحّ المساقاة عليه؛ لأنّها تكون إجارة لا مساقاة.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة علي كلّ شجر له ثمرة،

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة علي كلّ شجر له ثمرة، سواء كان نخلا أو كرما أو غيرهما، خلافا للشافعي في الجديد من القولين؛ حيث خصّص الجواز بالنخل و الكرم؛ لأنّه زكويّ، و غيرهما ليس بزكويّ، و لأنّ ثمار النخل و الكرم إنّما يحصل غالبا بالعمل، و سائر الأشجار تثمر من غير تعهّد و عمل عليها، و لأنّ الزكاة تجب في ثمرتهما، فجازت المساقاة فيهما سعيا في تثميرهما ليرتفق بهما المالك و العامل و المساكين جميعا، و لأنّ الخرص يتأتّي في ثمرتهما؛ لظهورهما و تدلّي عناقيدهما، و سائر الأشجار تنتشر ثمارها و تستتر بالأوراق، و إذا تعذّر الخرص تعذّر تضمين الثمار للعامل، و ربما لا يثق المالك بأمانته، فإذن تجويز المساقاة عليهما أهمّ(1).

و الكلّ ضعيف؛ فإنّ حاجة غير الكرم و النخل من الأشجار إلي التعهّد أقوي من حاجتهما، و الزكاة و إن لم تجب في غيرهما لكنّها مستحبّة، فكان السعي في تثميرها سعيا في نفع الفقراء، و لأنّه لا يلزم من عدم نفع الفقير(2) عدم الجواز؛ لأنّ المقتضي للجواز نفع البعض، لا الجميع، و الثمار في الأشجار لا تخفي كلّ الخفاء و لا بعضه بحيث لا يدرك قدرها بالتخمين و الحزر، و لو سلّم فلا يوجب ذلك المنع من المعاملة عليها.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة علي كلّ شجر له ثمرة،

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة علي كلّ شجر له ثمرة،

ص: 436


1- تقدّم تخريجه في ص 422، الهامش (3).
2- في النّسخ الخطّيّة: «الغير» بدل «الفقير».

أمّا عندنا: فظاهر؛ لأنّه شجر له ثمر.

و أمّا عند الشافعي فإن سوّغ المساقاة علي غير النخل [و الكرم](1) جاز قطعا، و ان منع، فوجهان فيه:

أحدهما: إنّه تجوز المساقاة عليه؛ تخريجا لظهور ثمرته.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا زكاة فيها(2).

و أمّا التوت الأنثي فتجوز المساقاة عليه عندنا؛ لأنّه مثمر.

و كذا عند الشافعي علي القول الذي سوّغ فيه المساقاة علي غير النخل و الكرم(3).

و أمّا التوت الذكر و ما أشبهه ممّا يقصد ورقه كالحنّاء و شبهه ففي جواز المساقاة عليه خلاف.

و الأقرب: جوازها؛ لأنّ الورق في معني الثمرة؛ لكونه ممّا يتكرّر في كلّ عام، و يمكن أخذه و المساقاة عليه بجزء منه، فيثبت له مثل حكم غيره.

و كذا شجر الخلاف لأغصانها التي تقصد في كلّ سنة أو سنتين.

و الأقرب: الجواز في التوت بنوعيه و كلّ ما يقصد ورقه أو ورده، كالورد و النيلوفر و الياسمين و الآس و أشباه ذلك.

و كذا تجوز في فحول النخل؛ لأنّ لها طلعا يصلح كشّا للتلقيح،2.

ص: 437


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشجر». و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 52:6-53، روضة الطالبين 227:4.
3- راجع: الهامش (3) من ص 422.

فأشبه الثمرة.

و هل تجوز علي الخوص و السعف ؟ الأقرب: المنع؛ لأنّها أجزاء من النخلة تتلف بذهابها(1).

مسألة 828: يشترط أن تكون الثمرة بين المالك و العامل،

مسألة 828: يشترط أن تكون الثمرة بين المالك و العامل، فلا يصحّ اشتراطها و لا اشتراط بعضها لثالث؛ لعدم المقتضي لاستحقاق الثالث.

و كذا لو شرطا أنّ جميع الثمرة للمالك أو العامل، فسدت المساقاة؛ لأنّ النصّ(2) ورد علي التشريك بينهما في الفائدة، فالاختصاص يكون غير المعهود من المساقاة في نظر الشرع، فوجب أن لا يكون سائغا.

و يجب أن تكون حصّة كلّ واحد منهما معلومة؛ لما في الجهالة من الغرر المنهيّ عنه(3) ، فلو قال: ساقيتك علي هذا النخل علي أن يكون لك نصيب من الثمرة أو حظّ أو جزء أو شيء أو قليل أو كثير أو ما شئت أو ما شاء فلان أو كحصّة فلان و هما أو أحدهما لا يعلمانها، و الباقي لي، أو علي أن يكون لي جزء أو نصيب أو حظّ أو غير ذلك، و الباقي لك، لم تصح إجماعا، و لا تحمل الأجزاء المجهولة علي الوصيّة.

و يجب أن تكون معلومة بالجزئيّة، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء المعلومة، دون التقدير، فلو قال: ساقيتك علي أن يكون لك من الثمرة ألف رطل، ولي الباقي، أو بالعكس، لم تصح؛ لما قلنا في القراض من إمكان أن لا يحصل إلاّ ذلك القدر بعينه أو دونه، فيؤدّي إلي

ص: 438


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بذهابه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- راجع: الهامش (4) من ص 383.
3- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 319:3، المسألة 13.

اختصاص أحدهما بالثمرة، و هو مناف لمقتضي المساقاة.

مسألة 829: لو شرط المالك الجميع لنفسه،

مسألة 829: لو شرط المالك الجميع لنفسه، فقد قلنا: إنّ العقد يبطل.

و هل يجب للعامل أجرة المثل ؟ الأقرب: عدم ذلك - و هو أصحّ قوليّ الشافعيّة(1) - لأنّه عمل مجّانا، و دخل في العقد علي أنّه لا شيء له، و لا شكّ أنّ المتبرّع لا يستحقّ أجرا و لا حصّة، كما قلنا في القراض.

و الثاني لهم: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّ المساقاة تقتضي العوض، فلا يسقط بالرضا، كالوطئ في النكاح(2).

و لو شرط العامل الجميع لنفسه، لم يصح؛ لأنّه مناف لمقتضي المساقاة، كما تقدّم(3) ، و تكون الثمرة بأجمعها للمالك، و عليه أجرة المثل للعامل.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ؛ لغرض القيام بتعهّد الأشجار و تربيتها(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك يكون إجارة باطلة؛ لجهالة العوض، و ليس مساقاة؛ لأنّ موضوعها الشركة في الثمار(5).

و يجوز أن يشترط أحدهما الكلّ إلاّ شيئا يسيرا، حتي لو كان للعامل جزء من مائة ألف جزء من الثمرة و الباقي للمالك أو بالعكس، جاز إذا كان

ص: 439


1- التهذيب - للبغوي - 408:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 228:4.
2- التهذيب - للبغوي - 408:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 228:4.
3- في ص 438، المسألة 828.
4- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
5- في النّسخ الخطّيّة: «النماء» بدل «الثمار».

لذلك الجزء قيمة، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه إنّما يثبت بالشرط، فكان بحسب ما شرطاه(1).

و لو تعدّدت الأجزاء لأحدهما، صحّ مع العلم، كما لو شرط أحدهما النصف و الثلث و العشر.

مسألة 830: لو ساقاه علي مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة،

مسألة 830: لو ساقاه علي مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة، جاز أيضا، كما لو شرط المالك مائة صاع و العامل مائة و قصد التنصيف في الثمرة، جاز؛ لأنّ الغرض (من ذلك)(2) جزئيّة النصف.

و كذا لو شرط المالك مائتي صاع لنفسه و مائة صاع للعامل أو بالعكس علي القصد المقدّم، صحّ.

و لو قصد تعيين المقادير لا الإشاعة، بطل.

و كذا يبطل لو شرط أحدهما أصواعا معلومة و الباقي للآخر، أو شرطا أن يكون لأحدهما أصواع معيّنة و الباقي بينهما، لم يصح أيضا؛ لما تقدّم، و سواء قلّ الجزء المشترط أو كثر، حتي لو شرط أحدهما اختصاصه بأوقية و الباقي بينهما، لم تصح المساقاة.

مسألة 831: و الذي يجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة؛

مسألة 831: و الذي يجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة؛ إذ بحصول العلم بها يحصل العلم بحصّة المالك؛ لأنّ الثمرة تابعة للأصل بالأصالة، فلو قال: ساقيتك علي أنّ لك النصف من الثمرة، و سكت مالك النخل عن حصّته، صحّ؛ لأنّ الباقي يكون له بالأصل.

ص: 440


1- في «ر»: «يشترطانه». و في الطبعة الحجريّة: «يشترطاه».
2- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «بذلك».

و لو قال المالك: ساقيتك علي أنّ لي النصف من الثمرة، و سكت عن حصّة العامل، فالأقوي: البطلان؛ حيث لم تتعيّن حصّة العامل.

و يحتمل الصحّة؛ بناء علي المفهوم، و قد سبق(1) في القراض.

و لو قال: ساقيتك علي أنّ الثمرة بيننا، اقتضي التنصيف؛ لأنّه الأصل.

و لو ساقاه علي أن يكون للعامل ثمرة نخلة بعينها(2) و الباقي بينهما نصفين، أو بالعكس، لم يصح؛ لأنّه قد يؤدّي إلي أن يكون الجميع لأحدهما بأن لا يسلم منها إلاّ تلك النخلة.

و كذا لو شرط قدرا معيّنا لأحدهما - كمائة رطل - و الباقي للآخر أو بينهما؛ لجواز أن لا يحصل إلاّ ذلك القدر.

و كذا ما روي العامّة: إنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن المزارعة التي يجعل فيها لربّ الأرض مكانا معيّنا و للعامل مكانا معيّنا(3).

قال رافع: كنّا نكري الأرض علي أنّ لنا هذه و [لهم](4) هذه فربما أخرجت هذه و لم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأمّا الذهب و الورق(5) فلم ينهنا(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز أن يشترط أحدهما علي الآخر مع الحصّة5.

ص: 441


1- في ج 17، ص 12، المسألة 195.
2- في الطبعة الحجريّة: «معيّنة» بدل «بعينها».
3- المغني 559:5، الشرح الكبير 561:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له». و المثبت كما في المصدر.
5- في صحيح مسلم: «و أمّا الورق» بدل «فأمّا الذهب و الورق».
6- صحيح مسلم 117/1183:3، المغني 559:5، الشرح الكبير 561:5.

التي له شيئا من عنده من ذهب أو فضّة أو غيرهما؛ للأصل.

تذنيب: لو اتّفقا علي تعيين الجزء ثمّ اختلفا في أنّ الجزء المشروط لمن هو منهما، فهو للعامل؛ لأنّ الشرط مراد لأجله؛ لأنّ المالك يملك حصّته بالتبعيّة للأصل، لا بالشرط.

مسألة 832: إذا اشتمل البستان علي أشجار مختلفة، كالزيتون

مسألة 832: إذا اشتمل البستان علي أشجار مختلفة، كالزيتون و الرمّان و التين و الكرم، فساقاه المالك علي أنّ للعامل سهما واحدا في الجميع، كنصف الثمرة أو ثلثها أو غير ذلك، صحّ إجماعا، سواء علما قدر كلّ واحد من الأجناس أو جهلاه أو علم أحدهما دون الآخر، و سواء تساوت الأجناس أو تفاوتت.

و لو فاوت المالك بينها بأن جعل له في الزيتون النصف و في الرمّان الثلث و في التين الربع و في الكرم السدس، فإن علما قدر كلّ جنس منها جاز، كما لو ساقاه علي حديقتين أو حدائق علي أنّ له النصف من هذه الحديقة و الثلث من هذه، و إن جهلا أو أحدهما قدر كلّ جنس منها، لم يصح؛ لما فيه من الغرر، فإنّ المشروط فيه أقلّ الجزءين قد يكون أكثر الجنسين، و معرفة كلّ جنس من الأشجار إنّما يكون بالنظر و التخمين.

و الفرق بين الثاني و الأوّل: إنّ قدر حقّه من ثمرة الحديقة في الأوّل معلوم بالجزئيّة، و إنّما المجهول الجنس و الصفة، و في الثاني القدر مجهول أيضا؛ لاحتمال اختلاف ثمرة الجنسين في القدر، و حينئذ يكون قدر ما له من ثمرة الكلّ مجهولا؛ لأنّ المستحقّ علي أحد التقديرين نصف الأكثر و ثلث الأقلّ، و علي الثاني ثلث الأكثر و نصف الأقلّ، و الأوّل أكثر من الثاني، و معلوم أنّ الجهل بقدر الحصّة مبطل.

ص: 442

و كذا لو لم يعيّن مع الاختلاف بأن قال له: لك من أحد الأجناس النصف و من الآخر الثلث، و لم يعيّن كلّ واحد منهما.

و كذا لو كان الجنس واحدا و النوع مختلفا، كالنخل إذا كان بعضه برنيّا، و بعضه بادرايا(1) ، و بعضه معقليّا، و فاوت بينها في الحصص؛ لما تقدّم، و به قال الشافعي(2).

و حكي الشيخ رحمه اللّه عن مالك أنّه قال: لا تصحّ حتي تكون الحصص سواء في الكلّ(3) ، و لا وجه له.

مسألة 833: و لو كان له بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة، صح ّ،

مسألة 833: و لو كان له بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة، صح سواء ساوي بينهما أو فاوت مع التعيين بأن يقول: ساقيتك علي هذين البستانين علي النصف من هذا و الثلث من ذاك؛ لأنّها صفقة واحدة جمعت عوضين، فصار كما لو قال: بعتك داري هاتين هذه بألف و هذه بمائة.

و لو قال: بالنصف من أحدهما و الثلث من الآخر، و لم يعيّن، لم يصح؛ لأنّه مجهول لا يدري الذي يستحقّ نصفه و لا الذي يستحقّ ثلثه.

و لو ساقاه علي بستان واحد نصفه بالنصف و نصفه بالثلث، صحّ، سواء أطلق أو عيّن إن قصد الإشاعة.

و لو قصد التعيين، وجب تفسيره، فيقول: علي هذا النصف

ص: 443


1- بادرايا: بليدة بقرب باكسيا بين البندنيجين و نواحي واسط، منها يكون التمر القسب اليابس الغاية في الجودة و اليبس. معجم البلدان 316:1-317.
2- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 377:7، نهاية المطلب 36:8، بحر المذهب 253:9، الوجيز 227:1، الوسيط 141:4، التهذيب - للبغوي - 4: 409، البيان 225:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 229:4.
3- الخلاف 477:3، المسألة 5.

بالنصف، و علي هذا النصف الآخر بالثلث، و لو أبهم بطل، كالبستانين سواء.

مسألة 834: لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا،

مسألة 834: لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا، فقالا: ساقيناك علي أنّ لك النصف من حصّة فلان و النصف من حصّة فلان، صحّ، و كذا لو قالا: علي أنّ لك النصف من ثمرة الجميع، سواء تساوي الشريكان في الحصص أو تفاوتا.

و لو قالا: علي أنّ لك من حصّة فلان النصف و من حصّة فلان الثلث، جاز؛ لأنّ العقد مع الاثنين كالعقدين، و لا شكّ أنّه لو أفرد كلّ منهما العقد كان له أن يشرط ما اتّفقا عليه، كذا هنا، و كذا باقي العقود.

إذا عرفت هذا، فإنّما يجوز التفاضل بشرطين، أحدهما: أن يعيّن حصّة من كلّ واحد من الشريكين، و الثاني: أن يعلم قدر نصيب كلّ واحد منهما، و أمّا إذا جهله فلا يجوز؛ لأنّه لا يعلم كم نصيبه، فإنّه قد يكون نصيب من شرط القليل أكثر من نصيب الآخر فينتقص حظّه، و قد يكون أقلّ فيتوفّر حظّه.

و لو شرطا له نصيبا واحدا من مالهما، جاز و إن لم يعلم قدر ما لكلّ واحد منهما؛ لأنّه لا جهالة فيه، كما لو قالا: بعناك هذه الدار بألف و لم يعلم نصيب كلّ واحد منهما كم هو؛ لأنّه أيّ نصيب كان فقد علم عوضه و قد علم جملة المبيع فصحّ، كذا هنا، بخلاف الأوّل؛ فإنّه بمنزلة ما إذا باعه الشريكان دارا فقالا: بعناك الدار نصيب هذا بكذا و نصيب هذا بكذا، و لم يعلم قدر نصيب كلّ واحد من الثمنين كم هو، و لا جعل جملة الثمن في مقابلة جملة الدار.

ص: 444

تذنيب: لو كان المالك واحدا و العامل اثنين، صحّ، و يجوز أن يشترط لهما التساوي في النصيب و الاختلاف مع التعيين؛ لأنّه بمنزلة العقدين، و لا فرق بين أن يكون العقد واحدا أو اثنين.

مسألة 835: تجوز المعاملة في المساقاة علي أكثر من سنة واحدة؛

مسألة 835: تجوز المعاملة في المساقاة علي أكثر من سنة واحدة؛ للأصل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قال: «القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبّلها من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر تعمرها و تؤدّي ما خرج عليها» قال: «لا بأس»(1) و هو يعمّ المساقاة و المزارعة.

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمّان و النخل و الفاكهة، فيقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج ؟ قال: «لا بأس» قال: و سألته عن الرجل يعطي الرجل الأرض فيقول: اعمرها و هي لك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء اللّه ؟ قال: «لا بأس»(2).

و بالجملة، فالمدّة منوطة باختيارهما من غير حصر، بل لا بدّ من التعيين.

إذا عرفت هذا، فيجوز أن يساوي [بينها](3) في الحصص بأن يقول:

ساقيتك علي هذا البستان ثلاث سنين - مثلا - أو أكثر علي أنّ لك في ثمرة

ص: 445


1- الكافي 3/268:5، التهذيب 197:7-874/198.
2- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بينهما». و المثبت هو الصحيح.

كلّ سنة النصف أو الثلث، و يجوز أن يفاوت بينها بشرط تعيين نصيب كلّ سنة، فيقول: علي أنّ لك في السنة الأولي النصف، و في الثانية الثلث، و في الثالثة الربع، و في الرابعة الخمس، و هكذا، و أن يساوي بين سنتين، أو ثلاث، و يفاوت في الباقي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّه عقد علي سنين مختلفة، فجري مجري من أسلم في قفيز حنطة و قفيز شعير في عقد واحد(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 836: لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقي أحدهما الآخر و شرط له زيادة علي ما كان يستحقّه بالملك،

مسألة 836: لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقي أحدهما الآخر و شرط له زيادة علي ما كان يستحقّه بالملك، مثل أن يشرط له الثلثين من ثمرة البستان، صحّ العقد، و كان قد شرط له من حصّته ثلثها و بقي له الثلثان، و هو سدس الأصل، فيكون العامل قد استفاد سدس الثمرة بأسرها في مقابلة العمل في نصيب شريكه.

و لو لم يشرط له زيادة، بل ساقاه علي أن تكون الثمرة بينهما نصفين، أو علي أن يكون للعامل أقلّ كالثلث مثلا، فسدت المساقاة؛ لأنّه لم يثبت له عوضا بالمساقاة؛ إذ النصف مستحقّ له بالملك، بل شرط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض ثمرته أيضا، فلم يشرط له في مقابلة عمله نصيبا، بل شرط في صورة الأقلّ أن يأخذ غير العامل من نصيب العامل ثلثه و يستعمله بغير عوض، فلا يصحّ.

و إذا عمل في الصورتين، فالأقرب: إنّه لا عوض له؛ لأنّه تبرّع

ص: 446


1- بحر المذهب 241:9، البيان 225:7-226.

بالعمل، و لم يشرط له في مقابلة عمله أجرة، فهو متطوّع، فلا يستحقّ عوضه، كما لو لم يعقد المساقاة و عمل، و به قال المزني من الشافعيّة(1).

و قال أبو العباس ابن سريج منهم: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّ لفظ المساقاة يقتضي إثبات العوض في مقابلة العمل فوجب له و إن لم يشرط، كما لو(2) قال: تزوّجتك(3) بلا مهر، أو بعتك بخمر أو خنزير، و كذا إذا قال: بعتك هذه السلعة بلا ثمن، فأخذها و تلفت في يده، وجب عليه قيمتها(4).

و الفرق: إنّ النكاح لا يستباح بالبذل، و العمل هنا يستباح بذلك، و لأنّ المهر في النكاح إن وجب بالعقد، لم يصح قياس هذا عليه؛ لأنّ النكاح صحيح و هذا فاسد، و لأنّ العقد هنا لا يوجب، و لو أوجب لا يوجب قبل العمل، و لا خلاف أنّ هذا لا يوجب قبل العمل شيئا، و إن أوجب بالإصابة لم يصح القياس عليها؛ لأنّ الإصابة لا تستباح بالإباحة و البذل، بخلاف العمل، و لأنّ الإصابة لو خلت عن العقد لأوجبت، و هذا بخلافه، و إن وجب بهما امتنع القياس؛ لهذه الوجوه، و أمّا البيع فقد شرط عوضا، و لأنّه قبض العين بحكم البيع، فكانت مضمونة عليه باليد، بخلاف مسألتنا، فأمّا إذا قال: بعتك بغير عوض، فيجب أن لا يسلّم، و لو سلّم فإنّه لا يملك بذلك، فإذا قبضه ضمنه باليد، و هنا لم يحصل العمل في يده،ي.

ص: 447


1- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 380:7، نهاية المطلب 37:8، بحر المذهب 253:9، الوسيط 141:4، العزيز شرح الوجيز 62:6.
2- في «د، ص»: «إذا» بدل «لو».
3- في الطبعة الحجريّة: «زوّجتك».
4- نفس المصادر في الهامش (1) ما عدا مختصر المزني.

و إنّما تلف في يد صاحبه.

مسألة 837: لو ساقي أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة،

مسألة 837: لو ساقي أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة، فسد العقد علي ما تقدّم(1) مثله.

و الأقرب: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّه شرط عوضا لم يسلم له.

و قال بعض الشافعيّة: لا يستحقّ شيئا؛ لأنّه لم يعمل له، إلاّ أنّه انصرف إليه(2).

و لو شرطا في عقد المساقاة أن يتعاونا في العمل، فسد العقد؛ لأنّه لا يجوز شرط العمل علي ربّ النخل.

فإذا عملا جميعا في المشترك بينهما، فإن كان عملهما سواء، فالثمرة بينهما بالسويّة علي قدر الملكين و قد تساويا في العمل فتقاصّا به.

و إن كان عمل أحدهما أكثر، فإن كان قد [شرط](3) له زيادة في مقابله استحقّ ما فضل له من أجرة المثل. و إن كان لم يشترط له شيئا في مقابلته ففي استحقاقه أجرة المثل قولان للشافعيّة(4).

و لو كان عمل من لم يشترط له الزيادة أكثر، ففي استحقاقه الأجرة خلاف لهم(5).

و لو تعاونا من غير شرط، لم يضرّ العقد.

مسألة 838: لا بدّ و أن يكون البستان الذي يقع عليه عقد المساقاة معيّنا في العقد،

مسألة 838: لا بدّ و أن يكون البستان الذي يقع عليه عقد المساقاة معيّنا في العقد، فلو كان له بستانان فساقاه علي أحدهما من غير تعيين، لم تصح

ص: 448


1- في ص 438، المسألة 828.
2- الوسيط 141:4-142، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرطا». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 63:6، روضة الطالبين 230:4.
5- العزيز شرح الوجيز 63:6، روضة الطالبين 230:4.

المساقاة، فإن عمل فللعامل أجرة المثل.

و كذا يجب أن تكون الحصّة معيّنة علي ما قدّمناه، فلو قال: ساقيتك علي أنّك إن سقيت بالسماء أو بالسائح فلك الثلث، و إن سقيت بالناضح أو شبهه ممّا تلزمه مؤونة فلك النصف، لم يصح العقد؛ لأنّ العمل مجهول و النصيب مجهول، و لأنّه مثل قوله: بعتك كذا بدينار مؤجّل إلي كذا و بنصف دينار حالّ، فيكون بمنزلة بيعتين في بيعة واحدة، و كما لو قارضه علي أنّه إن تصرّف و ربح في كذا فله النصف أو في كذا فله الثلث، و به قال الشافعي(1).

و يحتمل علي مسألة الخيّاط - و هو: إن خطته روميّا فلك كذا، و إن خطته فارسيّا فلك كذا - أن تجوز هذه المساقاة، و به قال بعض العامّة(2).

و كذا لو قال: لك النصف إن كان عليك خسارة، و إن لم تكن فالثلث.

و منعه بعضهم مع تجويزه المسألة الأولي؛ لأنّ هذا شرطان في شرط(3) ، و لا فرق في التحقيق بينهما.

مسألة 839: عقد المساقاة قابل للشروط الصحيحة دون الفاسدة

مسألة 839: عقد المساقاة قابل للشروط الصحيحة دون الفاسدة، فإذا ساقاه علي بستان علي النصف و شرط عليه أن يساقيه في بستان آخر بالثلث أو علي أن يساقيه سنة أخري بالنصف أو علي أن يساقيه العامل علي

ص: 449


1- مختصر المزني: 125-126، الحاوي الكبير 384:7، المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 53:8، بحر المذهب 259:9، الوجيز 227:1، الوسيط 141:4، التهذيب - للبغوي - 409:4، البيان 227:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.
2- المغني 562:5، الشرح الكبير 578:5.
3- المغني 562:5، الشرح الكبير 579:5.

حديقة، صحّ عندنا؛ للأصل، و لأنّه شرط سائغ مقصود لا يفضي إلي جهالة في المعقود عليه، فكان لازما، كغيره من الشروط، و لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) و لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و إنّما عقدا علي هذا الشرط.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه قد شرط عقدا في عقد، فصار بمنزلة بيعتين في بيعة، كقوله: بعتك ثوبي علي أن تبيعني ثوبك، و النبي صلّي اللّه عليه و آله نهي عن بيعتين في بيعة(3)(4).

و إنّما فسد لأمرين:

أحدهما: إنّه شرط في العقد أن يعقد معه آخر، و الانتفاع بذلك مجهول، فكأنّه شرط العوض في مقابلة معلوم و مجهول.

و الثاني: إنّ العقد الآخر لا يلزمه عقده بالشرط، فسقط الشرط، و إذا سقط وجب ردّ الجزء الذي تركه من العوض لأجله، و ذلك مجهول، فصار الكلّ مجهولا.

و نمنع المساواة للمنهيّ عنه، و نمنع تفسير البيعتين في البيعة بما ذكر، بل المراد البيع بثمنين متفاوتين بالنظر إلي الحلول و الأجل، أو قلّة4.

ص: 450


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- سورة المائدة: 1.
3- الموطّأ 72/663:2، سنن الترمذي 1231/533:3، سنن النسائي 296:7، مسند أحمد 6591/366:2، و 9301/170:3، و 9795/246، و 10157/297.
4- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 376:7، نهاية المطلب 33:8-34، بحر المذهب 251:9، التهذيب - للبغوي - 409:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.

الأجل و كثرته، و عندنا يجوز شرط البيع في البيع.

و علي قول الشافعي بالفساد هل تفسد المساقاة الثانية ؟ قال بعض أصحابه: إن عقدها علي شرط العقد الأوّل لم تصح، و إلاّ فتصحّ(1).

و قد قلنا: إنّهما معا صحيحان.

مسألة 840: قد بيّنّا أنّه يجوز وحدة المالك و تعدّد العامل،

مسألة 840: قد بيّنّا أنّه يجوز وحدة المالك و تعدّد العامل، و بالعكس، و اتّحادهما معا، و تعدّدهما معا إمّا بأن يعامل كلّ واحد من المالكين كلّ واحد من العاملين، أو يعامل أحد المالكين كلّ واحد من العاملين و يعامل المالك الآخر أحدهما، أو يعامل أحد المالكين أحد العاملين و الآخر يعامل الآخر، فلو كان لبستان واحد ستّة ملاّك بالسويّة، فساقوا عليه واحدا علي أنّ له من نصيب واحد النصف و من نصيب الثاني الربع و من الثالث الثّمن و من الرابع الثلثين و من الخامس الثلث و من السادس السدس، فطريقه أنّ مخرج النصف و الربع يدخلان في مخرج الثّمن، و مخرج الثلث و الثلثين يدخلان في مخرج السدس، فتبقي ستّة و ثمانية و بينهما موافقة بالنصف تضرب نصف أحدهما في جميع الآخر يكون أربعة و عشرين تضربه في عدد الشركاء - و هو ستّة - يبلغ مائة و أربعة و أربعين لكلّ منهم أربعة و عشرون، يأخذ العامل ممّن شرط له النصف اثني عشر، و من الثاني ستّة، و من الثالث ثلاثة، و من الرابع ستّة عشر، و من الخامس ثمانية، و من السادس أربعة فيجتمع له تسعة و أربعون، يبقي للملاّك علي تفاوتهم فيه

ص: 451


1- الحاوي الكبير 376:7، نهاية المطلب 34:8، بحر المذهب 251:9، التهذيب - للبغوي - 409:4، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 4: 230.

خمسة و سبعون سهما.

البحث الخامس: في العمل.
مسألة 841: كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة إمّا لزيادتها أو إصلاحها و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب علي العامل،

مسألة 841: كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة إمّا لزيادتها أو إصلاحها و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب علي العامل، كسقي الشجر و النخل و ما يتبعه من إصلاح طريق الماء و الأجاجين التي يقف فيها الماء في أصول النخل و الشجر، و تنقية الآبار و الأنهار من الحمأة و نحوها، و استقاء الماء، و إدارة الدولاب، و فتح رأس الساقية و سدّها عند الفراغ من السقي علي ما يقتضيه الحال.

و يحتمل في تنقية النهر شيئان:

أحدهما: أن تكون علي المالك، كما أنّ عليه أصل الحفر و شقّ النهر.

و الثاني: إنّها علي من شرطت عليه من المالك أو العامل، فإن لم يذكرها فسد العقد.

و للشافعيّة كهذين الوجهين(1).

و يجب علي العامل أيضا حرث الأرض بالمساحي و شبهها تحت الشجر، و تقويتها بالزبل بحسب العادة، و عليه البقر التي تحرث و آلة الحرث؛ لأنّ الحرث لا يتمّ إلاّ بهما، و قطع الحشيش المضرّ بالنخل و الشجر، و الشوك و زبار الكرم و تقليمه، و قطع ما يحتاج إلي قطعه من القضبان اليابسة المضرّة بالشجر، و تصريف الجريد، و هو قطع ما يضرّ تركه، سواء كان يابسا أو غير يابس، و ردّها عن وجوه العناقيد، و تسوية

ص: 452


1- العزيز شرح الوجيز 68:6-69، روضة الطالبين 235:4.

العناقيد بينها لتصيبها الشمس و ليتيسّر قطعها عند الإدراك، و تعريش الكرم حيث تجري عادته، و وضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة، و تلقيح النخل و تعديله و لقط الثمرة بمجري العادة إذا بدا صلاحها.

و إن كان ممّا يؤخذ بسرا قطعه إذا انتهي إلي حالة أخذه، و إن كان ممّا يؤخذ يابسا أخذه وقت يباسه، و ما يؤخذ تمرا أخذه إذا انتهت حالته إلي ذلك، و إذا جفّ جذّه.

و إن كان ممّا يشمّس بعد قطعه، فعليه إصلاح موضع التشميس.

و عليه الجذاذ و النقل إليه.

و عليه حفظه في نخله و بيدره - و هو أحد وجهي الشافعّة(1) - كما أنّ علي العامل في المضاربة حفظ المال، فإن لم يحفظ بنفسه فعليه مؤونة من يحفظها.

و أقيسهما: إنّه علي المالك و العامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة؛ لأنّ الذي يجب علي العامل ما يتعلّق باستزادة الثمار و تنميتها(2).

و يجري الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور و الزنابير بأن يجعل كلّ عنقود في غلاف و كلّ عذق في قوصرة، فيلزمه ذلك عند جريان العادة، و القوصرة و الغلاف علي المالك(3).

و في جذاذ الثمرة للشافعيّة وجهان.

أصحّهما: الوجوب علي العامل؛ لأنّ الإصلاح به يحصل.4.

ص: 453


1- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.
2- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.
3- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.

و الثاني: إنّه لا يجب علي العامل؛ لوقوعه بعد كمال الثمار(1).

و كذا الوجهان في تجفيف الثمار(2).

و الظاهر وجوبه علي العامل تبعا للعادة، فيجب عليه تنقية موضع التجفيف - و يسمّي البيدر و الجرين - و نقل الثمرة إليه و تقليبها في الشمس من وجه إلي وجه.

مسألة 842: و يجب علي المالك القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة؛

مسألة 842: و يجب علي المالك القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة؛ لأنّ إيجابه علي العامل إجحاف به و إضرار له حيث يبقي أثره و فائدته بعد ارتفاع المساقاة، فيجب علي المالك القيام بكلّ ما يقصد به حفظ الأصول، كحفر الآبار و الأنهار الجديدة و التي انهارت و بناء الحيطان و نصب الأبواب و إقامة الدولاب و عمارته و حفر بئره، أو الدالية و [ردم](3) الثلمة اليسيرة.

و للشافعيّة في [ردم](4) الثّلم اليسيرة التي تتّفق في الجدران و تنقية الأنهار و وضع العوسج و الشوك علي رأس الجدار و الآلات التي يوفي بها العمل، كالفأس و المعول و المنجل و المسحاة و الثيران و الفدان في الزراعة و الثور الذي يدير الدولاب وجهان:

ص: 454


1- الحاوي الكبير 370:7-371، المهذّب - للشيرازي - 399:1، بحر المذهب 247:9، الوسيط 146:4، حلية العلماء 372:5، التهذيب - للبغوي - 4: 411، البيان 229:7، العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4 - 236.
2- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 236:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رم». و الظاهر ما أثبتناه و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لا حظ الهامش (1) من ص 455.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رم». و الظاهر ما أثبتناه و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لا حظ الهامش (1) من ص 455.

أحدهما: إنّها علي المالك.

و الثاني: إنّها علي من اشترطت عليه، فلا يجوز السكوت عنها(1).

و في الكش إشكال أقربه: إنّه علي المالك؛ لأنّه ليس من العمل.

و في البقر التي تدير الدولاب للعامّة قولان:

أحدهما: إنّها علي المالك؛ لأنّها ليست من العمل، فأشبهت ما يلقح به.

و الأولي: إنّها علي العامل؛ لأنّها تراد للعمل، فأشبهت بقر الحرث، و لأنّ استقاء الماء إذا لم يحتج إلي بهيمة كان عليه، و إن احتاج إلي بهيمة فكغيره من الأعمال(2).

و قال بعض الشافعيّة: ما يتعلّق به صلاح الثمرة و الأصول معا ككسح النهر و الثور فهو علي من شرط [عليه](3) منهما، و إن أهمل شرط ذلك علي أحدهما بطلت المساقاة(4).

و أمّا تسميد الأرض بالزبل فإن احتاجت إليه، فشراء ذلك و أجرة نقله من المزابل علي ربّ المال؛ لأنّه ليس من العمل، فجري مجري ما يلقح به، و تفريق ذلك في الأرض علي العامل، كالتلقيح.

مسألة 843: إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبّينا ما علي كلّ واحد منهما،

مسألة 843: إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبّينا ما علي كلّ واحد منهما، فعلي كلّ واحد منهما ما ذكرنا أنّه عليه، و إن شرطا ذلك كان تأكيدا.

ص: 455


1- العزيز شرح الوجيز 70:6، روضة الطالبين 236:4.
2- المغني 565:5، الشرح الكبير 571:5-572.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- المغني 565:5-566، الشرح الكبير 572:5.

و إن شرطا علي أحدهما شيئا ممّا يلزم الآخر، صحّ عندنا - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1) - لأنّه شرط لا يخلّ بمصلحة العقد، و لا مفسدة فيه، فصحّ، كتأجيل الثمرة في المبيع، و شرط الرهن و الضمين و الخيار فيه، لكن بشرط أن يكون ما يلزم كلّ واحد منهما من العمل معلوما لئلاّ يفضي إلي التنازع.

و شرط أحمد أن لا يكون علي ربّ المال أكثر العمل؛ لأنّ العامل يستحقّ بعمله، فإذا لم يعمل أكثر العمل، كان وجوده كعدمه، فلا يستحقّ شيئا(2).

و الأقرب: سقوط اعتبار هذا الشرط، بل لو شرط الأكثر علي المالك جاز.

نعم، لو لم يبق للعامل سوي الحفظ، فالأقرب: جواز العقد بلفظ الإجارة مع تعيين الوقت.

و قال الشافعي: إن شرط علي ربّ المال شيئا ممّا يلزم العامل أو شرط علي العامل شيئا ممّا يلزم المالك، بطلت المساقاة؛ لأنّه شرط ما يخالف مقتضي العقد فأفسده، كالمضاربة إذا شرط العمل فيها علي ربّ المال(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه شرط ما لا يقتضيه إطلاق العقد، لا ما يقتضي العقد عدمه.5.

ص: 456


1- المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.
2- المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.
3- البيان 230:7، العزيز شرح الوجيز 70:6، روضة الطالبين 236:4، المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.

نعم، لو شرط العامل علي المالك جميع العمل فسدت المساقاة، و لو شرط المالك علي العامل ما يجب علي المالك جاز، و لو فعله العامل بغير إذن المالك لم يستحق عليه شيئا، و لو أذن فيه ففعله استحقّ الأجرة.

مسألة 844: قد ذكرنا أنّ حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها علي العامل،

مسألة 844: قد ذكرنا أنّ حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها علي العامل، و هو المشهور، و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين.

و في الأخري: إنّ الجذاذ عليهما إذا لم يشرط علي أحدهما؛ لأنّه يكون بعد تكامل الثمار و انقضاء المعاملة، فأشبه نقله إلي منزله، فإن شرط في العقد أنّه علي المالك فهو عليه، و إن شرط أنّه علي العامل فهو عليه، و إن أهمل فعلي كلّ واحد منهما بحصّته ما يصير إليه، و أجاز اشتراطه علي العامل(1) ، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال محمّد بن الحسن: تفسد المساقاة بشرطه علي العامل؛ لأنّه شرط ينافي مقتضي العقد(3).

و ما ذكروه ليس بجيّد، و ينتقض بالتشميس، و يفارق النقل إلي المنزل، فإنّه يكون بعد القسمة و زوال العقد، و النبي صلّي اللّه عليه و آله دفع خيبر إلي يهود علي أن يعملوها من أموالهم(4).

و لو شرط المالك علي العامل عملا ليس من جنس عمل المساقاة، صحّ إذا لم يناف العقد و لم يستلزم الجهالة.

و قال الشافعي: لا يجوز(5).

ص: 457


1- المغني 567:5، الشرح الكبير 572:5.
2- المغني 567:5.
3- المغني 567:5.
4- كما في المغني 567:5، و راجع: الهامش (4) من ص 383.
5- الحاوي الكبير 371:7، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.

و ليس بجيّد.

مسألة 845: لا يشترط تفرّد العامل باليد في البستان،

مسألة 845: لا يشترط تفرّد العامل باليد في البستان، فلو شرط كون البستان في يد المالك أو مشاركته للعامل في اليد، صحّ عندنا؛ للأصل.

و قال الشافعي: يشترط تفرّد العامل باليد في البستان ليتمكّن من العمل متي شاء، فلو شرط كون البستان في يد المالك أو مشاركته في اليد، لم يجز(1).

و لو سلّم المفتاح إليه و شرط المالك الدخول عليه، فلهم وجهان:

أصحّهما عندهم: إنّه لا يضرّ؛ لحصول الاستقلال، و التمكين من العمل.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه إذا دخل كان البستان في يده و قد يتعوّق بحضوره عن العمل(2).

و ليس بشيء.

مسألة 846: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يشترط العامل علي المالك أكثر عمله له بشرطين،

مسألة 846: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يشترط العامل علي المالك أكثر عمله له بشرطين، أحدهما: أن يبقي شيء من العمل ليتولّي عمله في مقابلة الحصّة من الفائدة، و الثاني: أن يكون الشرط معلوما.

و كذا يجوز أن يشترط المالك علي العامل شيئا ممّا يلزمه بالشرطين المذكورين، و بيّنّا الخلاف فيه، فلا يشترط تفرّد العامل بالعمل، خلافا للشافعيّة، فلو شرط أن يشاركه المالك في العمل بطل عندهم(3). و قد بيّنّا

ص: 458


1- نهاية المطلب 14:8، الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
2- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
3- الحاوي الكبير 375:7، المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 8:

بطلانه.

قال المزني: ربما بطل؛ لأنّه إعانة مجهولة الغاية بأجرة مجهولة، فيصير عمل العامل مجهولا بذلك(1).

اعترض بأنّ عمل العامل مجهول و إن انفرد به.

أجيب: بأنّ عمله و إن كان مجهولا فإنّه نسبه إلي أصل معلوم، و هو النخل، فإذا شرط العمل معه و كان عمله علي بعضها فصار مجهولا من كلّ وجه(2).

و هو ممنوع.

مسألة 847: لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك،

مسألة 847: لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك، جاز عندنا - و به قال مالك و الشافعي و محمّد بن الحسن و أحمد في إحدي الروايتين(3) - للأصل، و لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و هو شرط لا يخالف الكتاب و السّنّة، فكان جائزا، كغيره من الشروط السائغة، و لأنّ العبد مال لربّ النخل، فكأنّه ضمّ ماله إلي ماله، كما يجوز في القراض أن يدفع إلي العامل بهيمة يحمل عليها.

ص: 459


1- مختصر المزني: 125.
2- راجع: الحاوي الكبير 375:7، و بحر المذهب 251:9.
3- - 32، بحر المذهب 251:9، الوسيط 143:4، الوجيز 228:1، البيان 230:7، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و الرواية الثانية عن أحمد: المنع - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّه بمنزلة ما لو شرط أن يعمل معه المالك، فإنّه لا يجوز، كذا عبده؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده، و عمله كعمله، و لهذا لو وكّل المرتهن عبد الراهن في قبض الرهن من سيّده، لم يجز؛ لأنّ يده كيد سيّده(1).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ عمل العبد يجوز أن يكون تابعا لعمل العامل، و لا يجوز أن يكون عمل ربّ المال تابعا لعمله، علي أنّا نمنع الحكم في الأصل؛ فإنّا قد بيّنّا جواز أن يشترط علي المالك أكثر العمل.

و اعلم أنّ الشافعي قد نصّ علي الجواز(2)العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.(3) ، و اختلف أصحابه علي طريقين، أحدهما: إنّه علي وجهين، أحدهما: الجواز، و الثاني: المنع، و قوله هذا محمول علي ما إذا شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك ما يجب علي المالك من الأعمال، كشقّ الأنهار و تنقية الآبار و بناء الحيطان(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ما علي ربّ المال لا يحتاج إلي شرطه، و لا معني لاشتراطه علي غلمانه.

لا يقال: أ ليس لو سلّم عبده ليعمل معه و يكونا شريكين، لم يجز عند الشافعي ؟(4).

لأنّا نقول: الاشتراك بالعمل لا يجوز عنده، و هنا عمل الغلام يقع تبعا لعمل العامل، لا أنّه شريك في العمل، و يجوز في التابع ما لا يجوز في4.

ص: 460


1- المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 27:8، حلية العلماء 372:5، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4، المغني 567:5، الشرح الكبير 572:5.
2- راجع: الهامش
3- من ص 459.
4- راجع: العزيز شرح الوجيز 64:6، و روضة الطالبين 231:4.

انفراده(1) ، كالمزارعة علي الأرض بين النخيل تجوز عنده و إن لم تجز المزارعة عليها لو انفردت، كما تقدّم(2).

لا يقال: لا يجوز في القراض عنده أن يشترط العامل أن يعمل معه غلام المالك(3).

لأنّا نقول: الفرق: إنّ في المساقاة بعض الأعمال علي المالك، و له باعتبار ذلك يد و مداخلة، فجاز أن يشترط فيه عمل غلامه، و في القراض لا عمل علي المالك أصلا، فلا يجوز شرط عمل غلامه.

إذا عرفت هذا، فلا فرق عندنا في الجواز بين أن يكون العبد عاملا بالتبعيّة أو بالشركة في العمل.

و الشافعيّة قالوا: إنّما يجوز فيما إذا كان الشرط أن يعاونه و يكون تحت تدبيره، و أمّا إذا شرط أن يكون التدبير إلي الغلام و يعمل العامل برأيه أو أن يعملا ما اتّفق رأيهما عليه، لم يجز بلا خلاف بينهم(4).

إذا ثبت هذا، فلا بدّ من معرفة الغلام بالمشاهدة أو الوصف؛ لاختلاف الأعمال باختلاف الأشخاص.

و يجوز أن يشترط عمل الغلام معه فيما ساقي عليه سيّده و في غيره؛ للأصل.4.

ص: 461


1- في «د، ر»: «في الانفراد» و في «ص»: «مع الانفراد» بدل «في انفراده».
2- في ص 385-386.
3- راجع: الحاوي الكبير 311:7، و المهذّب - للشيرازي - 399:1، و الوسيط 4: 108، و التهذيب - للبغوي - 383:4، و البيان 171:7، و العزيز شرح الوجيز 6: 10، و روضة الطالبين 199:4.
4- العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.

و قال الشافعي: لا يجوز(1).

مسألة 848: نفقة الغلام إن شرطت علي العامل جاز

مسألة 848: نفقة الغلام إن شرطت علي العامل جاز - و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و به قال أحمد و محمّد بن الحسن(2) - لأنّ العمل في المساقاة علي العامل، فلا يبعد أن يلتزم مؤونة من يعمل معه و يعاونه، و هو كاستئجار من يعمل معه.

و الثاني: إنّه لا يجوز؛ لما فيه من قطع نفقة الملك عن المالك(3) ، و لا استبعاد فيه مع الشرط.

إذا ثبت هذا، فإن شرطت النفقة علي المالك، جاز إجماعا.

و إن أطلق العقد و لم يعيّن النفقة علي من هي، فإنّها علي المالك أيضا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه مملوك للمالك، فكانت نفقته عليه عند الإطلاق، كما لو آجره، و لأنّ النفقة عليه بحقّ الملك.

و قال مالك: إنّها علي العامل، و لا ينبغي أن يشترطها علي ربّ

ص: 462


1- بحر المذهب 248:9، البيان 231:7.
2- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 8: 30، بحر المذهب 249:9، الوجيز 228:1، الوسيط 144:4، حلية العلماء 373:5، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 6: 64، روضة الطالبين 231:4.
3- الوجيز 228:1، الوسيط 144:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
4- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 8: 30، بحر المذهب 250:9، الوسيط 144:4، حلية العلماء 373:5، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 231:7-232، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4، المغني 567:5، الشرح الكبير 573:5.

المال؛ لأنّ العمل علي العامل، فمؤونته عليه كمؤونة غلمانه(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ النفقة إذا شرطت علي العامل، فهل يجب تقديرها؟ قال الشافعي و أحمد: لا يشترط، بل يحمل علي الوسط المعتاد؛ لأنّه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات(2).

و للشافعيّة وجه: إنّه يشترط تقديرها - و به قال محمّد بن الحسن - لأنّه اشترط عليه ما لا يلزمه، فوجب أن يكون معلوما، كسائر الشروط(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لو وجب تقديرها لوجب ذكر صفاتها، و التالي باطل، فكذا المقدّم.

و أوجب بعض الشافعيّة ذلك، و أنّه يبيّن ما يدفع إليه كلّ يوم من الخبز و الإدام(4).

و لو شرطا نفقة الغلام من الثمار، فالوجه: الجواز؛ عملا بالشرط.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّ ما يبقي يكون مجهولا(5).2.

ص: 463


1- المدوّنة الكبري 6:5، التفريع 201:2، الذخيرة 99:6، النوادر و الزيادات 303:7، نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، الوسيط 144:4، التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 65:6، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
2- نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، التهذيب - للبغوي - 4: 412، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 4: 231، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
3- نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، التهذيب - للبغوي - 4: 412، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 4: 231، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
4- التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 231:4.
5- هذا القول و التعليل للبغوي في التهذيب 412:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 65:6، و روضة الطالبين 231:4-232.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز؛ لأنّه قد يكون ذلك من صلاح المال(1).

و قد توسّط بعضهم فقال: إن شرطاها من جزء معلوم بأن تعاقدا بشرط أن يعمل الغلام علي أن يكون ثلث الثمار للمالك و ثلثها للعامل و يصرف الثلث الثالث إلي نفقة الغلام، فهو جائز، و كان كالمشروط للمالك ثلثاها، و إن شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء، لم يجز(2).

و المعتمد: الجواز؛ للأصل.

و لو أطلقا و لم يذكرا النفقة علي أيّهما هي، فقد بيّنّا أنّها علي المالك تبعا للملك.

و لبعض الشافعيّة احتمالان:

أحدهما: إنّها تكون من الثمرة.

و الثاني: إنّه يفسد العقد(3).

و لبعضهم وجه ثالث: إنّها تكون علي العامل؛ لأنّ العمل عليه(4).

و ليس للعامل استعمال الغلام في عمل نفسه إذا فرغ من عمل البستان.

و لو شرط للعامل أن يعمل الغلام لخاصّ العامل، فالأقرب: الجواز؛ عملا بالشرط، و لأنّه إذا جاز أن يعمل في المشترك بين العامل و مولاه، جاز أن يختصّ بأحدهما.4.

ص: 464


1- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
3- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
4- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، بحر المذهب 9: 250، حلية العلماء 373:5، البيان 231:7-232، العزيز شرح الوجيز 6: 65، روضة الطالبين 232:4.

و قال الشافعي: لا يجوز، و يبطل العقد(1).

و ليس بجيّد(2).

و لو كان للمالك غلمان برسم ذلك البستان يعملون فيه، لم يدخلوا في مطلق المساقاة؛ لأنّه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إنّهم يدخلون فيه(4).

و ليس بمعتمد.

و لو شرط العامل علي المالك أن يعمل معه غلام المالك، جاز؛ لما تقدّم(5).

و لا فرق بين أن يكون ذلك الغلام مرسوما لعمل هذا الحائط أو لعمل غيره من حوائط صاحبه؛ للأصل، و به قال الشافعي في قوله الذي يجوّز ذلك فيه(6).

و قال مالك: لا يجوز إلاّ الغلام الذي هو مرسوم لهذا الحائط فحسب(7).

مسألة 849: يجوز أن يشترط العامل علي المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة؛

مسألة 849: يجوز أن يشترط العامل علي المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة؛ عملا بأصالة الصحّة.

و قال الشافعي: يبطل العقد؛ لأنّ قضيّة المساقاة أن تكون الأعمال

ص: 465


1- البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- في النّسخ الخطّيّة: «بشيء» بدل «بجيّد».
3- التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 4: 232.
4- التهذيب - للبغوي - 413:4، العزيز شرح الوجيز 65:6.
5- في ص 459، المسألة 847.
6- عنه في الخلاف 479:3، المسألة 9.
7- عنه أيضا في الخلاف 479:3، المسألة 9.

و مؤونتها علي العامل، و لأنّه لا يدري أنّ الحاصل للعامل كم هو؟ حتي لو شرط له ثلثي الثمرة ليصرف الثلث إلي الأجراء و يخلص الثلث له، فعن القفّال من الشافعيّة أنّه يصحّ، فإذا امتنع شرط الأجرة من الثمرة فأولي أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ عملا بالأصل، و لأنّه يجوز لعامل المضاربة اشتراط أجرة ما يحتاج إليه من الحمّالين و نحوهم، فكذا عامل المساقاة؛ لعدم الفرق بينهما.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز حتي أنّه لو شرط علي المالك أن يستأجر بأجرة علي العمل جاز و إن لم يبق للعامل إلاّ الدهقنة و التحذّق في الاستعمال، فإنّ المالك قد لا يهتدي إلي الدهقنة و استعمال الأجراء و لا يجد من يباشر الأعمال أو من لا يأتمنه فتدعوه الحاجة إلي أن يساقي من يعرف ذلك لينوب عنه في الاستعمال(2).

و هو الذي نصّ الشيخ رحمه اللّه عليه(3).

مسألة 850: المساقاة عقد لازم من الطرفين،

مسألة 850: المساقاة عقد لازم من الطرفين، ليس لأحد المتعاقدين فسخها إلاّ بالتقايل و التراضي منهما معا - و هو قول أكثر فقهاء العامّة(4) - لأنّه عقد معاوضة فكان لازما، كالإجارة.

ص: 466


1- بحر المذهب 259:9، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 232:7، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- العزيز شرح الوجيز 65:6-66.
3- راجع: المبسوط - للطوسي - 217:3.
4- الحاوي الكبير 360:7، بحر المذهب 239:9، نهاية المطلب 10:8، التهذيب - للبغوي - 413:4، البيان 228:7، روضة الطالبين 236:4، المغني 568:5، الشرح الكبير 564:5.

و لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) أوجب الإيفاء بكلّّ عقد، و مقتضاه اللزوم؛ إذ لا معني له سوي ذلك.

و لأنّه لو كان جائزا جاز لربّ المال فسخه إذا أدركت الثمرة، فيسقط حقّ العامل فيتضرّر.

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إنّه عقد جائز غير لازم، لكلّ واحد من المالك و العامل فسخه؛ لأنّ ابن عمر قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يقرّهم بخيبر علي أن يعملوها و يكون لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «نقرّكم علي ذلك ما شئنا»(2) و لو كان لازما لم يجز بغير تقدير المدّة، و لا أن يجعل الخيرة إليه في مدّة إقرارهم، و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لم ينقل عنه أنّه قدّر لهم ذلك بمدّة، و لو قدّر لنقل؛ لأنّ هذا ممّا يحتاج إليه، فلا يجوز الإخلال بنقله، و عمر أجلاهم من الأرض و أخرجهم من خيبر، و لو كانت لهم مدّة مقدّرة لم يجز إخراجهم منها، و لأنّه عقد علي جزء من نماء المال، فكان جائزا، كالمضاربة، أو علي المال بجزء من نمائه، فأشبه المضاربة(3).

و الرواية لا حجّة فيها؛ لأنّها حكاية حال المعاملة و المساومة، و لم يذكر ذلك في متن العقد؛ لأنّه لم ينقل فيه كيفيّة ما وقع العقد عليه، بل لم يذكر سوي السؤال.

و أمّا تقييد المدّة: فقد نقله أهل البيت عليهم السّلام.4.

ص: 467


1- سورة المائدة: 1.
2- صحيح مسلم 4/1187:3.
3- المغني 568:5 و 569، الشرح الكبير 563:5 و 564.

روي الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام: «القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبّلها من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر تعمرها و تؤدّي ما خرج عليها» قال: «لا بأس»(1).

و الفرق بين المساقاة و القراض: إنّ العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقي بحالها، و في القراض لا تبقي الأعيان بعد العمل و التصرّف، فكان القراض شبيها بالوكالة، و المساقاة بالإجارة.

و أيضا لو كانت من العقود الجائزة لكان للمالك أن يفسخ بعد العمل و قبل ظهور الثمرة، و حينئذ فإمّا أن يقطع حقّ العامل عنها أو لا، و علي التقدير الأوّل يضيع سعي العامل مع بقاء تأثيره في الثمار، و هو ضرر، و علي التقدير الثاني لم ينتفع المالك بالفسخ، بل يتضرّر؛ لحاجته إلي القيام ببقيّة الأعمال، بخلاف القراض، فإنّ الربح ليس له وقت معلوم، و لا له تأثير بالأعمال السابقة، و لا يلزم من فسخه ما ذكرناه.

مسألة 851: و لا بدّ في عقد المساقاة من تقدير المدّة إمّا سنة أو أقلّ أو أكثر

مسألة 851: و لا بدّ في عقد المساقاة من تقدير المدّة إمّا سنة أو أقلّ أو أكثر، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّها عقد لازم، فلا بدّ من ضبطه بالمدّة، كالإجارة و سائر العقود اللازمة، و لأنّها تقتضي العمل علي العين مع بقائها، فوجب فيها تقدير المدّة، كالإجارة، و لأنّها إذا وقعت مطلقة لم يمكن حملها علي إطلاقها مع لزومها؛ لأنّه يفضي إلي أنّ العامل

ص: 468


1- تقدّم تخريجه في ص 445، الهامش (1).
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الحاوي الكبير 362:7، نهاية المطلب 10:8 و 11، بحر المذهب 240:9، الوجيز 226:1، حلية العلماء 368:5، التهذيب - للبغوي - 404:4، البيان 220:7، العزيز شرح الوجيز 51:6 و 66، روضة الطالبين 232:4، المغني 570:5، الشرح الكبير 565:5-566.

يستبدّ بالشجر كلّ مدّته، فيصير كالمالك، فيلزم تصوير من ليس بمالك في صور المالكين، و فيه إضرار بالمالكين، و لأنّ المساقاة مفتقرة إلي مدّة يقع فيها التعهّد و خروج الثمار، و لحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها، بخلاف القراض؛ لأنّ التأقيت يخلّ به؛ لأنّ الربح ليس له وقت معلوم، فربما لا يحصل في المدّة المقدّرة، و لأنّ عمل المساقاة مجهول، و إنّما ينضبط بالمدّة لا غير، فاشترط ذكر المدّة فيه ليتعيّن العمل و ينضبط.

و كلّ من قال بأنّ المساقاة عقد لازم أوجب تقدير المدّة، إلاّ أبا ثور؛ فإنّه قال: يصحّ من غير ذكر(1) مدّة، و يقع علي سنة واحدة(2) ، و أجازه بعض الكوفيّين استحسانا(3).

مسألة 852: و يجب أن تكون المدّة مضبوطة لينتفي الغرر بجهالتها.

مسألة 852: و يجب أن تكون المدّة مضبوطة لينتفي الغرر بجهالتها. ثمّ إن قيّدت بالأشهر أو السنين العربيّة أو غير العربيّة إذا علماها جاز، و لو أطلقا حمل علي العربيّة.

فإن قدّرت بإدراك الثمار، لم يجز علي إشكال؛ لأنّ هذا التأقيت غير مضبوط؛ فإنّ الثمار قد تتقدّم و قد تتأخّر، فيجب أن تقيّد بما يضبطها، كالإجارة، و الآجال في العقود، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يجوز؛ لأنّه المقصود في هذا العقد، ألا تري أنّه لو أقّت بالزمان، كان الشرط أن يعلم أو يظنّ فيه الإدراك، فإذا تعرّض للمقصود

ص: 469


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «تقدير» بدل «ذكر».
2- الحاوي الكبير 362:7، حلية العلماء 368:5، المغني 570:5، الشرح الكبير 566:5.
3- المغني 570:5، الشرح الكبير 566:5.

كان أولي، و الأوّل هو الأشهر عندهم(1).

و علي القول الثاني لو قال: ساقيتك سنة، و أطلق، فهل يحمل علي سنة عربيّة، أو علي سنة الإدراك ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: الثاني(2).

و علي الأوّل - و هو الذي ذهبنا إليه - لو أقّت بالزمان فأدركت الثمرة و بعض المدّة باقية، وجب علي العامل أن يعمل في تلك المدّة، و لا أجرة له، و إن انقضت المدّة و علي الأشجار طلع أو بلح، فللعامل نصيبه منهما، و علي المالك التعهّد إلي الإدراك، قاله الشافعيّة(3).

و الأولي أنّ عليه تعهّد نصيبه خاصّة.

و لو حدث الطلع بعد المدّة، فلا حقّ له.

مسألة 853: قد بيّنّا أنّ المساقاة من العقود اللازمة.

مسألة 853: قد بيّنّا أنّ المساقاة من العقود اللازمة. و قال بعض العامّة: إنّها من العقود الجائزة، و إذا فسخ أحدهما بعد ظهور الثمرة، فهي بينهما علي ما شرطاه، و علي العامل تمام العمل، كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد ظهور الربح، و إن فسخ العامل [قبل ذلك](4) فلا شيء له؛ لأنّه رضي بإسقاط حقّه، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، و عامل الجعالة إذا فسخ قبل إتمام عمله، و إن فسخ ربّ المال قبل ظهور الثمرة، فعليه أجرة المثل للعامل؛ لأنّه منعه من إتمام عمله الذي يستحقّ به العوض، فأشبه ما لو فسخ الجاعل قبل إتمام عمل الجعالة، و فارق ربّ المال في المضاربة إذا فسخها

ص: 470


1- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 232:4.
2- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 232:4.
3- العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

قبل ظهور الربح؛ لأنّ هذا يفضي إلي ظهور الثمرة غالبا، فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فيملك نصيبه منها و قد قطع ذلك بفسخه، فأشبه فسخ الجعالة، بخلاف المضاربة؛ فإنّه لا يعلم إفضاؤها إلي الربح، و لأنّ الثمرة إذا ظهرت في الشجر كان العمل عليها في الابتداء من أسباب ظهورها، و الربح إذا ظهر في المضاربة قد لا يكون للعمل الأوّل فيه أثر أصلا(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لأنّ عقد المساقاة لازم من الطرفين.

نعم، لو اتّفقا علي الفسخ، جاء هذا البحث عندنا.

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو(2) أكثر،

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو(2) أكثر، و لا حصر للكثرة عندنا - و هو أحد أقوال الشافعي، كما تقدّم(3) في الإجارة - لما رويناه من الأحاديث، و للأصل، و لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و قوله عليه السّلام:

«المؤمنون عند شروطهم»(5).

و الثاني للشافعي: إنّه لا يجوز التأقيت بأكثر من سنة واحدة، كقوله في الإجارة.

و الثالث له: لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة، كالإجارة(6).

و كلّ ذلك عندنا تحكّم و توقيت من غير دليل من نصّ أو إجماع أو

ص: 471


1- المغني 568:5-570، الشرح الكبير 563:5 و 565.
2- في «د، ص»: «و» بدل «أو».
3- في ص 218 و ما بعدها، المسألة 674.
4- سورة المائدة: 1.
5- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
6- العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4، و راجع: الهامش (4) من ص 219.

قياس.

و قد تلخّص من قول الشافعي قولان، أحدهما: سنة لا أزيد، و الآخر: أكثر من ذلك، و في الأكثر وجهان، أحدهما: لا يزاد علي ثلاثين سنة، و الثاني: قدر ما تبقي العين المستأجرة و لو كان مائة سنة، و المساقاة كالإجارة في ذلك اتّفاقا منهم(1)المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.(2).

و أمّا أقلّ المدّة فيتقدّر بمدّة تظهر الثمرة فيها؛ لأنّ المقصود أن يشتركا في الثمرة.

و هل يشترط تقدير مدّة تكمل فيها الثمرة ؟ قال بعض العامّة: نعم، فلو شرط أقلّ لم يجز(3).

فإن ساقاه علي أقلّ ما شرطناه، فسدت المساقاة.

فإن عمل فيها و لم تظهر عندنا أو لم تكمل عند بعض العامّة(4) ، فله أجرة مثله.

و لهم وجه آخر: إنّه لا شيء له؛ لأنّه رضي بالعمل بغير عوض، فهو كالمتبرّع(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لم يرض بالعمل مجّانا، بل بعوض، و هو جزء من الثمرة، و ذلك موجود، غير أنّه لا يمكن تسليمه إليه، فلمّا تعذّر دفع العوض الذي اتّفقا عليه كان له أجرة مثله، كما في الإجارة الفاسدة، بخلاف المتبرّع، فإنّه رضي بغير شيء.

و علي قوله لو لم تظهر الثمرة فلا شيء له علي أصحّ الوجهين5.

ص: 472


1- راجع: الهامش
2- من ص 219.
3- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.
4- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.

عندهم؛ لأنّه رضي بالعمل بغير عوض(1).

و الوجه: ما قلناه.

و لو ساقاه إلي مدّة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للعامل؛ لأنّه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء الذي اشترط جزؤه له، فأشبه المضاربة إذا لم يربح فيها، و إن ظهرت الثمرة و لم تكمل، فله نصيبه منها، و عليه إتمام العمل فيها، كما لو انفسخت قبل كمالها.

و لو ساقاه إلي مدّة يحتمل أن يكون للشجرة ثمرة و يحتمل أن لا يكون، لم تصح المساقاة.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: تصحّ؛ لأنّ الشجرة يحتمل أن تحمل.

و الثاني: لا تصحّ، كالسّلم في مثل ذلك، و لأنّه غرر يمكن التحرّز عنه، فلم يجز العقد معه، كما لو شرط ثمرة نخلة بعينها، بخلاف ما إذا شرط مدّة يغلب علي الظنّ الحمل فيها؛ لأنّ الغالب ظهور الحمل، و احتمال أن لا تحمل نادر لا يمكن التحرّز عنه(2).

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: العقد صحيح، فله حصّته من الثمرة، و إن لم تحمل فلا شيء له، و كلّ موضع قلنا فيه: إنّ العقد فاسد، كان العامل يستحقّ أجرة المثل، سواء حمل أو لم يحمل؛ لأنّه لم يرض5.

ص: 473


1- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.
2- الحاوي الكبير 385:7-386، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 57:8، بحر المذهب 260:9، الوسيط 140:4، حلية العلماء 369:5، التهذيب - للبغوي - 404:4، البيان 221:7، العزيز شرح الوجيز 61:6، روضة الطالبين 229:4، المغني 571:5-572، الشرح الكبير 567:5.

بغير عوض، و لم يسلم له العوض، فكان له العوض وجها واحدا.

مسألة 855: لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة واحدة،

مسألة 855: لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة واحدة، جاز - علي ما قلناه - بشرط ضبط السنين، و هو قول كلّ من جوّز اشتراط أكثر من سنة، و لا يجب تفصيل حصّة كلّ سنة و بيانها، بل يكفي أن يقول:

ساقيتك مدّة عشر سنين علي النصف؛ لاستحقاق النصف في كلّ سنة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: إنّه يجب كالإجارة؛ لأنّ الاختلاف في الثمار يكثر و في المنافع يقلّ(1).

و قطع بعض الشافعيّة بالثاني(2).

و لو فاوت بين الجزء المشروط في السنين، لم يضر، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و لهم وجه آخر: المنع، كما لو أسلم في جنس إلي آجال(3).

و لو ساقاه سنين و شرط له ثمرة سنة بعينها و الأشجار بحيث تثمر كلّ سنة، لم تصح؛ لأنّها ربما لا تثمر تلك السنة، فلا يكون للعامل شيء، أو يحتمل أن لا تثمر إلاّ تلك السنة، فلا يكون للمالك شيء، بخلاف ما لو ساقاه علي وديّ عشر سنين و الثمرة لا تتوقّع إلاّ في العاشرة لتكون هي بينهما؛ لأنّه شرط له سهما من جميع الثمرة و لو أنّه أثمر قبل سنة التوقّع

ص: 474


1- الحاوي الكبير 364:7، المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 9: 241، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 405:4، البيان 223:7، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 341:9، حلية العلماء 370:5، البيان 223:7، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
3- بحر المذهب 241:9، البيان 225:7-226، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.

لم يستحق العامل منها شيئا.

مسألة 856: عقد المساقاة لازم علي ما قلناه،

مسألة 856: عقد المساقاة لازم علي ما قلناه، و لا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأنّ خيار المجلس عندنا مختصّ بالمتبايعين.

و لبعض العامّة وجهان: هذا أحدهما، و الآخر: إنّه يثبت؛ لأنّه عقد لازم يقصد به المال، أشبه البيع(1).

و لا يثبت فيه خيار الشرط عند بعض العامّة؛ لأنّها إن كانت جائزة استغنت عن الخيار، و إن كانت لازمة فوجهان، أحدهما: لا يثبت؛ لأنّها عقد لا يشترط فيه قبض العوض، فلا يثبت فيه خيار الشرط(2).

و الوجه: الجواز؛ لعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

فإذا فسخ صاحب الخيار، كان بمنزلة ما لو اتّفقا علي الفسخ، و قد مضي حكمه(4) ، أو كما يقول من يذهب إلي أنّها من العقود الجائزة.

مسألة 857: لا يصحّ بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة علي ما قلناه في كتاب البيع

(5) مسألة 857: لا يصحّ بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة علي ما قلناه في كتاب البيع، فإن أريد ذلك توصّل إليه بعقد المساقاة و الإجارة، فيؤجر الأرض المتخلّلة بين النخل مدّة تلك الثمرة تقريبا بالثمن الذي يريد أن يدفعه ثمنا عن الثمرة ثمّ يساقيه علي النخل و الشجر مدّة الثمرة إمّا سنة واحدة أو أكثر - علي ما يتّفقان عليه - علي أنّ مهما سهّله اللّه تعالي في ذلك

ص: 475


1- المهذّب - للشيرازي - 399:1، حلية العلماء 371:5، البيان 228:7، العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9، المغني 5: 572.
2- المغني 572:5.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
4- راجع: ص 470-471، ضمن المسألة 853.
5- راجع: ج 10، ص 345.

من النماء و الفائدة يكون لصاحب النخل جزء من ألف جزء أو من أزيد أو من أقلّ علي ما يتراضيان عليه، و الباقي للعامل، و يشترط عليه سقية واحدة في وقت معيّن أو أزيد علي ما يتّفقان عليه، فإن أخلّ العامل بالعمل أو بشيء منه، تخيّر المالك بين فسخ المساقاة و البقاء عليها، فإن فسخ كانت الثمرة له و الثمن؛ لأنّه أجرة الأرض.

هذا إذا لم يجعل المساقاة و الإجارة في عقد واحد و لا كانت الإجارة مشروطة بالمساقاة، فإن(1) كانت الحال كذلك و فسخ المالك المساقاة، كان للمستأجر فسخ الإجارة، و عليه من الأجرة بنسبة ما مضي من المدّة إلي حين الفسخ، و إلاّ فلا.

البحث السادس: في الأحكام.
مسألة 858: العامل يملك نصيبه في المساقاة بظهور الثمرة عند علمائنا،

مسألة 858: العامل يملك نصيبه في المساقاة بظهور الثمرة عند علمائنا، فلو تلفت كلّها إلاّ واحدة كانت بينهما.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: القطع بأنّه يملك بالظهور، كما قلناه - و به قال أحمد - لأنّ الشرط صحيح، فيثبت مقتضاه، كسائر الشروط الصحيحة، و مقتضاه كون الثمرة بينهما علي كلّ حال، و لأنّه لو لم يملكها قبل القسمة لما وجبت القسمة و لا ملكها بها، كالأصول.

و الثاني: إنّ فيها قولين، أحدهما: هذا، و الثاني: إنّه لا يملك العامل شيئا من الثمرة إلاّ بعد القسمة، كالعامل في القراض لا يملك حصّته من

ص: 476


1- في الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «فإن».

الربح بالظهور، بل بالقسمة(1).

و الأصل ممنوع، و الفرق قائم؛ فإنّ الربح في القراض وقاية لرأس المال، فلا يملك العامل شيئا حتي يسلم رأس المال لصاحبه، و الثمرة ليست وقاية للشجرة، و لهذا لو تلفت الأصول كلّها كانت الثمرة بينهما.

إذا تقرّر هذا، فإنّه إذا بلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا وجبت الزكاة عليهما، و إن بلغ نصيب أحدهما خاصّة دون الآخر فكلّ من بلغ نصيبه النصاب وجبت عليه الزكاة، و من لم يبلغ نصيبه الزكاة لم تجب عليه، و لو لم يبلغ نصيب أحدهما الزكاة لم يجب علي واحد منهما شيء، سواء بلغ المجموع النصاب أو لا.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّ الزكاة تجب علي المالك خاصّة دون العامل.

و الثاني: إنّه علي كلّ واحد منهما.

فإذا قلنا: علي ربّ المال و بلغ خمسة أوسق، كان عليه الزكاة، و من أين يخرج ؟ له وجهان، أحدهما: من ماله وحده، و الثاني: من مالهما معا.

و إذا قلنا: تجب عليهما، نظر فإن كان نصيب كلّ واحد منهما نصابا، وجبت الزكاة، و ان لم يبلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا بل بلغ الحقّان نصابا، فهل تجب الزكاة ؟ علي القولين له، إن قال: لا خلطة في غير الماشية فلا زكاة، و إن قال: تصحّ الخلطة في غير الماشية، وجبت الزكاة(2).ة.

ص: 477


1- المهذّب - للشيرازي - 400:1، حلية العلماء 373:5، البيان 232:7-233، العزيز شرح الوجيز 51:6، روضة الطالبين 237:4، المغني 576:5، الشرح الكبير 574:5.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 481:3، المسألة 13 من كتاب المساقاة.
مسألة 859: قد بيّنّا أنّ المزارعة عقد صحيح

مسألة 859: قد بيّنّا أنّ المزارعة عقد صحيح، خلافا للشافعي؛ فإنّه منع إذا كانت الأرض بيضاء لا نخل فيها(1).

فإن كان فيها نخل أو شجر له ثمر، فلا تخلو الأرض من ثلاثة أقسام:

إمّا أن تكون قليلة بين تضاعيف النخل، أو قليلة منفردة عن النخل، أو كثيرة بين تضاعيف النخل.

فإن كانت قليلة بين تضاعيف النخل، جاز أن يساقيه علي النخل و يزارعه علي الأرض؛ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر علي النصف ممّا يخرج من ثمر وزرع(2)بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «آتي». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.(3).

و عن ابن عباس قال: افتتح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر فاشترط أنّ له الأرض و كلّ صفراء و بيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها و لكم نصف الثمرة و لنا نصف، فزعم أنّه أعطاهم علي ذلك، فلمّا كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد اللّه بن رواحة فحزر عليهم النخل فقال: [في ذه](4) كذا و كذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا [ألي](4) جذاذ النخل و أعطيكم نصف الذي قلت، [قالوا:](5) هذا هو الحقّ،

ص: 478


1- راجع: الهامش (1) من ص 386.
2- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش
3- .
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لي». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر.

و به تقوم السماء و الأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت(1).

و قال [أبو](2) الزبير: سمعت جابرا يقول: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق، و زعم أنّ اليهود لمّا خيّرهم ابن رواحة أخذوا الثمرة و عليهم [عشرون](3) ألف وسق(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد بن عثمان و(5) عبيد اللّه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّ أباه حدّثه «أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أعطي خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة، فقال: إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمرة، و إمّا أن أعطيكم نصف الثمرة و آخذه، فقالوا(6): بهذا قامت السماوات و الأرض»(7).

و لأنّ هذا إذا كان في تضاعيف النخل شرب مشرب النخل، و لأنّ الحاجة تمسّ إليه؛ لعسر الإفراد، فيكون علي صاحب المساقاة ضرر؛ إذ تثبت يد أخري علي ما بين ذلك من الأرض، فجازت المزارعة عليه لموضع الحاجة.

ثمّ اعترض عليهم: بأنّه قد كان يمكنه أن يؤاجره الأرض فتزول هذه7.

ص: 479


1- سنن أبي داود 3410/263:3-3412.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابن». و المثبت كما في المصدر.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عشرين». و المثبت كما في المصدر.
4- سنن أبي داود 3415/264:3.
5- في المصدر: «عن» بدل «و».
6- في المصدر و كذا في النّسخ الخطّيّة - ما عدا «ر» - و الحجريّة: «فقال».
7- التهذيب 855/193:7.

الحاجة.

و أجاب أصحابه بجوابين:

أحدهما: إنّ الإجارة فيه غرر؛ لأنّه قد لا تحصل منه فائدة، و تجب عليه الأجرة.

و هذا ليس بشيء؛ لأنّه يلزم عليه الأرض المنفردة؛ لأنّ هذا المعني موجود فيها و مع هذا لا تجوز المزارعة عليها.

و الثاني: إنّ ذلك إنّما جاز تبعا للنخل، و قد يجوز تبعا ما لا يجوز غير تبع، كما يجوز بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح(1) مع الأصل مطلقا، و لا يجوز إذا أفردها.

ثمّ اعترض علي هذا: بأنّه لو كانت تبعا لدخلت في لفظ المساقاة علي النخل، كالغراس و البناء يدخل في بيع الأرض.

قلنا: لا يلزم فيما جوّز فيه الغرر لأجل البيع أن يدخل في لفظه، كالثمرة مع الأصول، و لأنّ لفظ المزارعة غير لفظ المساقاة، و لهذا لم يدخل في الإطلاق.

و أيضا إذا دعت الحاجة إلي أن يعقد علي البياض مع النخل فلا يحصل ذلك بعقد الإجارة؛ لأنّه إن عقد الإجارة مع المساقاة لم يجز؛ لأنّهما عقدان، و لا يجوز أن يشرط عقد في عقد، و إن أفرد(2) أحدهما لم يحصل الغرض؛ لأنّه قد يمتنع أحدهما عن الآخر، فجوّز عليهما عقد».

ص: 480


1- في «ر»: «صلاحها» بدل «الصلاح».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «شرط» بدل «أفرد».

واحد(1).

و هذا كلّه عندنا لا ضرورة إليه؛ لأنّا نجوّز عقد المزارعة و عقد المساقاة، سواء اتّحد العقد أو تعدّد.

و علي قولنا و قول الشافعيّة إذا قال: ساقيتك علي النخل و زارعتك علي الأرض بالنصف، جاز، و إن قال: عاملتك علي النخل و الأرض علي النصف، جاز؛ لأنّ لفظ المعاملة يشملهما(2).

و يجوز أن يقول: ساقيتك علي النصف و زارعتك علي الثلث، كما يجوز أن يقول: ساقيتك علي النخل علي أن يكون لك النصف من النوع الفلاني و الثلث من النوع الفلاني.

فأمّا إذا قال: ساقيتك علي النخل و الأرض بالنصف، لم يصح في الأرض؛ لأنّ المساقاة لا تتناولها، و صحّ في النخل.

فإن أفرد بعد ذلك الأرض بالمزارعة، صحّ عندنا.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ المزارعة عنده إنّما تصحّ تبعا للنخل، فإذا أفردها لم تجز، كالثمرة إذا باعها قبل بدوّ الصلاح.

و الثاني: إنّه يجوز؛ لأنّه إنّما جوّزت المزارعة لحاجته إليها، لكونها في تضاعيف النخل، و هذه الحاجة قائمة(3).4.

ص: 481


1- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر.
2- البيان 244:7.
3- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 9: 243، حلية العلماء 379:5-380، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 7: 245، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 245:4.

إذا ثبت هذا، فكلّ موضع جوّزت المزارعة عليه فإنّه يجب أن يكون البذر من ربّ المال، و يكون من العامل العمل عند الشافعي(1) حتي يكون منه العمل في النخل و الأرض، فيكون العقد علي العمل خاصّة.

و نحن عندنا أنّه يجوز أن يكون البذر من العامل.

و أمّا إذا كانت الأرض منفردة عن النخل و يمكن إفراد النخل بالسقي فإنّه لا تجوز المزارعة عليها عند الشافعي، سواء كانت الأرض قليلة أو كثيرة؛ لأنّه لا حاجة إليه(2).

و عندنا تجوز المزارعة أيضا.

و أمّا إذا كان البياض الذي بين النخل كثيرا و كان النخل قليلا، جازت المزارعة عندنا مع المساقاة و بدونها.

و للشافعي في المزارعة علي البياض مع المساقاة علي النخل وجهان:

أحدهما: لا تجوز؛ لأنّ النخيل إذا كان قليلا و الأرض كثيرة لا يمكن أن يجعل الكثير تبعا للقليل، و إنّما يتبع القليل الكثير.

و الثاني: تجوز؛ لأنّه إنّما جازت المزارعة علي القليل من الأرض لموضع الحاجة و كونه يشرب بسقي النخل، و ذلك موجود في الكثير فوجب أن تجوز، و إن قلنا: لا تجوز، فإنّه يؤجر الأرض و يساقي علي5.

ص: 482


1- التهذيب - للبغوي - 476:4، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- الحاوي الكبير 365:7-366، نهاية المطلب 19:8، بحر المذهب 243:9، التهذيب - للبغوي - 405:4، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 4: 245.

النخل(1).

مسألة 860: شرط الشافعي في جواز المزارعة و المساقاة هنا اتّحاد العامل،

مسألة 860: شرط الشافعي في جواز المزارعة و المساقاة هنا اتّحاد العامل، فلا يجوز أن يساقي واحدا و يزارع آخر؛ لأنّ غرض الاستقلال لا يحصل، و تعذّر إفراد النخيل بالسقي و إفراد البياض بالعمارة؛ لانتفاع النخيل بسقيه و تقليبه، فإن أمكن الإفراد لم تجز المزارعة علي البياض(2).

و كلاهما غير شرط عندنا.

ثمّ اختلفت الشافعيّة في اعتبار أمور أخر.

الأوّل: اتّحاد الصفقة، فلفظ المعاملة يشمل المساقاة و المزارعة كما قلنا، فإذا قال: عاملتك علي هذه النخيل و البياض بينها بالنصف، صحّ، و لا يغني لفظ المساقاة عن المزارعة، و لا لفظ المزارعة عن المساقاة، بل يساقي علي النخيل و يزارع علي الأرض.

فإن قدّم المساقاة و أتي بهما علي الاتّصال، فالصفقة واحدة، و تحقّق الشرط.

و إن فصل، ففي وجه: تصحّ المزارعة؛ لحصولهما لشخص واحد.

و الأصحّ عندهم: المنع؛ لأنّها تبع، و لا يجوز إفرادها، كما لو زارع مع غير عامل المساقاة.

ص: 483


1- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 19:8 - 20، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 405:4، البيان 245:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
2- الوسيط 137:4، الوجيز 227:1، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 245:4.

و إن قدّم المزارعة، فسدت عندهم؛ لأنّ التابع لا يتقدّم علي المتبوع، كما لو باع بشرط الرهن لا يجوز تقديم لفظ الرهن علي البيع.

و فيه وجه آخر لهم: إنّها تنعقد موقوفة إن ساقاه بعدها علي النخل ظهر صحّتها، و إلاّ فلا(1).

و كلّ هذا عندنا لا عبرة به؛ لجواز المزارعة مطلقا.

الثاني: لو شرط للعامل من الثمر الثلث و من الزرع الربع، صحّ عندنا.

و أمّا الشافعيّة فأحد الوجهين عندهم: إنّه لا يجوز، و يشترط تساوي الجزء المشروط؛ لأنّ التفضيل يبطل التبعيّة، ألا تري أنّه لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد صلاحها و قال: بعتك الشجرة [بعشرة](2) و الثمرة بدينار، لم يجز إلاّ بشرط القطع(3).

و أصحّهما عندهم: الجواز، و هذا مذهبنا؛ لأنّ المزارعة تجوز أصلا، و عندهم و إن جازت تبعا للمساقاة فكلّ منهما عقد برأسه(4).

الثالث: لو كثر البياض المتخلّل، فوجهان و إن عسر الإفراد:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الأكثر لا يتبع الأقلّ.

و أصحّهما: الجواز؛ لأنّ الحاجة لا تختلف(5).3.

ص: 484


1- العزيز شرح الوجيز 56:6-57، روضة الطالبين 245:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 18، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 244:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
4- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 18، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 244:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
5- راجع: الهامش (1) من ص 483.

ثمّ النظر في الكثرة إلي زيادة الثمار و الانتفاع، أو إلي ساحة البياض و ساحة مغارس الأشجار؟ تردّد الشافعيّة فيه(1).

الرابع: لو شرطا(2) كون البذر من العامل، جاز عندنا، و عندهم وجهان:

أحدهما: الجواز، و كانت المخابرة تبعا للمساقاة، كالمزارعة.

و لم يجز في أصحّهما عندهم؛ لأنّ الخبر ورد في المزارعة، و هي أشبه بالمساقاة؛ لأنّه لا يتوظّف فيها علي العامل إلاّ العمل(3).

و إن شرطا أن يكون البذر من المالك و الثور من العامل، أو بالعكس، فيه وجهان، و الأصحّ عندهم: الجواز إذا كان البذر مشروطا علي المالك؛ لأنّه الأصل، و كأنّه اكتري الأرض و ثوره.

قالوا: فإن حكمنا بالجواز فيما إذا شرط الثور علي المالك و البذر علي العامل، فينظر إن شرطا الحبّ و التبن بينهما جاز، و كذا لو شرطا الحبّ بينهما و التبن لأحدهما؛ لاشتراكهما في المقصود(4).

و إن شرطا التبن لصاحب الثور - و هو المالك - و الحبّ للآخر، لم يجز عندهم(5) ، و لا بأس به عندنا.

قالوا: المالك هو الأصل، فلا يحرم المقصود(6).

قلنا: يجوز للعامل اشتراط الأكثر، و هو ينقض قولكم.4.

ص: 485


1- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «شرط».
3- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
4- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
5- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
6- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.

و إن شرطا التبن لصاحب البذر و هو العامل، فوجهان(1).

و عندنا يجوز.

و قيل: لا يجوز شرط الحبّ لأحدهما و التبن للآخر أصلا؛ لأنّه شركة مع الانقسام، فأشبه ما إذا ساقاه علي الكرم و الأشجار و شرطا ثمار الكرم لأحدهما و ثمار الأشجار للآخر(2).

و الحقّ عندنا: الجواز، و الفرق ظاهر؛ لتعدّد الشجر و الكرم، فجاز أن لا يحمل أحدهما، أمّا التبن و الحبّ فهما من أصل واحد.

مسألة 861: قد بيّنّا بطلان المغارسة،

مسألة 861: قد بيّنّا بطلان المغارسة، و أطلق الشافعيّة القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للأرض(3).

و قال بعضهم: لو دفع أرضا إلي رجل ليغرس أو يبني أو يزرع [فيها](4) من عنده علي أن يكون بينهما علي النصف، فالحاصل للعامل.

و فيما يلزمه من أجرة الأرض وجهان:

أحدهما: إنّ الواجب نصف الأجرة؛ لأنّ نصف الغراس كان يغرسه لربّ الأرض بإذنه، فكأنّه رضي ببطلان نصف منفعته من الأرض.

و أصحّهما: وجوب الجميع؛ لأنّه لم يرض ببطلان المنفعة إلاّ إذا حصل له نصف الغراس، فإذا لم يحصل و انصرف كلّ المنفعة إلي العامل استحقّ كلّ الأجرة(5).

ص: 486


1- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
2- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
3- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت هو الصحيح.
5- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.

و هذا الأخير هو الأصحّ عندنا.

ثمّ العامل يكلّف نقل البناء و الغراس إن لم تنقص قيمتها، و إن نقصت لم تقلع مجّانا؛ للإذن، و الزرع يبقي إلي الحصاد.

و لو زرع عامل المساقاة البياض بين النخل من غير عقد و لا إذن، قلع زرعه مجّانا - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(2)العزيز شرح الوجيز 58:6.(3).

و قال مالك: إن كان دون ثلث البستان، كان باقيا(3).

و قد بيّنّا أنّه تجوز المساقاة علي كلّ شجر له ثمر.

و للشافعيّة قولان تقدّما(4) ، أحدهما: إنّه لا تجوز إلاّ علي النخل و الكرم خاصّة(5).

و هل تجوز المساقاة علي غيرهما تبعا لهما كالمزارعة ؟ وجهان عندهم(6).

مسألة 862: لو استأجره المالك ليعمل علي النخل بجزء من الثمرة،

مسألة 862: لو استأجره المالك ليعمل علي النخل بجزء من الثمرة، فإن كانت لم تخلق بعد لم يجز؛ لأنّ عوض الإجارة يشترط فيه ما يشترط في عوض البيع، فلا يجوز علي المعدوم و لا المجهول، بخلاف المساقاة، فإنّها جوّزت للحاجة، و العوض مختصّ بالعمل عليها، و لو جاز أن يكون عوضا في الإجارة لجاز أن يكون عوضا في العمل علي غيرها.

و إن كانت الثمرة موجودة، فإن كان قبل بدوّ الصلاح جاز أن يكون

ص: 487


1- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 199، الهامش
3- .
4- في ص 422، المسألة 815.
5- راجع: الهامش (3) من ص 422.
6- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.

جميعها عوضا بشرط القطع، و لا يجوز مطلقا، و لا بشرط التبقية عند بعض علمائنا(1) ، و هم المانعون من بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط التبقية منفردة، و هو قول الشافعي(2) أيضا.

و نحن لمّا سوّغنا البيع سوّغنا الإجارة.

و إن كان العوض بعضها، جاز.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ الشركة تمنع من شرط القلع فيه(3).

و هو ممنوع، مع منع الأصل أيضا.

و إن كان بعد بدوّ الصلاح، جاز أن يكون عوضا من غير شرط القلع، كما يجوز بيعها.

و كذا يجوز أن يكون بعضها عوضا إذا أطلق، فإن شرط القطع جاز عندنا.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ الإشاعة تمنعه(4) ، و هو ممنوع.

مسألة 863: إذا هرب العامل قبل تمام العمل، لم تنفسخ المساقاة؛

مسألة 863: إذا هرب العامل قبل تمام العمل، لم تنفسخ المساقاة؛ لأنّه لا يملك فسخها بقوله، فلا تنفسخ بهربه.

ثمّ إن تبرّع المالك بالعمل أو بمؤونته، بقي استحقاق العامل بحاله، و إلاّ رفع الأمر إلي الحاكم و يثبت عنده المساقاة لينفذ الحاكم في طلبه، فإن وجده أجبره علي العمل، و إن لم يجده و وجد له مالا اكتري منه من يعمل في النخل؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه، و ان لم يجد له مالا أنفق علي النخل من بيت المال قرضا عليه، فإن لم يكن في بيت المال، أو كان هناك ما هو

ص: 488


1- المبسوط - للطوسي - 209:3.
2- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
3- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
4- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.

أهمّ منه، استقرض عليه الحاكم، فإن لم يجد من يقرض طلب ذلك من ربّ النخل، فإن أقرضه استقرض منه عليه، و أنفق(1) عليها، و إن لم يقرضه و وجد من يستأجره للعمل بأجرة مؤجّلة إلي وقت تدرك فيه الثمرة، فعل، و إن لم يجد، نظر فإن لم يكن ظهرت الثمرة فللمالك فسخ المساقاة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يفسخ، لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل فيه فربما فضل للعامل فيه فضلة(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ المساقاة إنّما تكون بين صاحب الأصول و العامل، فأمّا بين عامل و عامل آخر فلا، و لأنّه قد تعذّر استيفاء المعقود عليه، فأشبه ما إذا أبق العبد قبل القبض.

و إن كانت الثمرة ظاهرة، فإن كان قد بدا صلاحها عند من اشترطه أو لم يبد عندنا، باع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجرة ما بقي من العمل، و استأجر من يعمل ذلك، و إن احتاج إلي بيع نصيب العامل بأسره، باعه.

و إن لم يبد صلاحها، فعند من اشترط بدوّ الصلاح لا يمكن بيع نصيب العامل من غير الشريك؛ لأنّ البيع فيها لا يجوز إلاّ بشرط القطع، و لا يمكن ذلك مع الإشاعة، فإن رضي ربّ المال ببيع الكلّ باعه، و حفظ نصيب المساقي الحاكم عليه.

و إن اشتري ربّ النخل نصيب العامل أو بعضه، فإن احتيج إلي بيع البعض، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّه صاحب الأصول، فإن امتنع عن الشراء،4.

ص: 489


1- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «ينفق» بدل «أنفق».
2- الحاوي الكبير 381:7-382، البيان 235:7، العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.

قلنا: لا حكم لك عندنا فانصرف(1).

هذا إذا رفعه إلي الحاكم، و أمّا إذا لم يرفعه إلي الحاكم لكن أنفق عليه من ماله، فإن كان قادرا علي الحاكم فقد تطوّع بما فعل، و لا يرجع به.

و إن لم يكن حاكم، فإن لم يشهد علي الإنفاق أو أشهد و لم يشترط الرجوع، لم يرجع به.

و إن أشهد علي الإنفاق و شرط الرجوع به، فأصحّ وجهي الشافعيّة: إنّه يرجع؛ لأنّه مضطرّ إلي ذلك، فصار كما لو رفعه إلي الحاكم و فعله الحاكم(2).

و لو تعذّر الإشهاد، نوي الرجوع و رجع.

و الأقرب: قبول قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل أنّ الإنسان لا يتبرّع بعمل يحصل فيه غرامة عن الغير.

و كذا التفصيل لو عمل المالك بنفسه في نصيب العامل.

و للشافعيّة في الرجوع مع تعذّر الإشهاد وجهان(3).

و لهم وجه آخر: إنّه يرجع مطلقا، سواء تعذّر الإشهاد أو الحاكم أو أمكنا(4).

و لو أشهد، فأصحّ الوجهين عندهم: إنّه يرجع للضرورة، كما قلنا، و الثاني: إنّه لا يرجع، و إلاّ صار حاكما لنفسه علي غيره(5).

قال بعض الشافعيّة: الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الإشهاد قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر و الضرورة(6).

لكن الذي رجّحه جمهورهم أنّه إذا لم يشهد لم يرجع من غير فرق4.

ص: 490


1- البيان 235:7-236، العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.
2- البيان 236:7، العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
4- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
5- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
6- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.

بين الإمكان و عدم الإمكان؛ لأنّ عدم إمكان الشهود نادر لا يعتدّ به(1).

و إذا أشهد فينبغي أن يشهد علي العمل و الاستئجار و بذل الأجرة بشرط الرجوع، فأمّا الإشهاد علي العمل و الاستئجار من غير التعرّض للرجوع فإنّه كترك الإشهاد عند بعض الشافعيّة(2).

مسألة 864: يجوز أن يولّي الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه من السقي و الرفق و جميع ما وجب علي العامل،

مسألة 864: يجوز أن يولّي الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه من السقي و الرفق و جميع ما وجب علي العامل، و أن يأمره بالإنفاق ليرجع، كما يجوز أن يولّي غيره، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّه متّهم في حقّ نفسه، بل يسلّم المالك المال الذي ينفقه عن العامل إلي الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق(3).

و ليس بشيء؛ لأنّ التهمة قد توجد في الغير، كما توجد في المالك، و مناط الجواز في الإذن للأجنبيّ و المالك الثقة بالمأذون له فيه.

و لو استأجره الحاكم لباقي العمل، صحّ عندنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - كما يجوز استئجار الغير، و الثاني: لا يجوز؛ بناء علي ما لو آجره داره ثمّ اكتراها من المكتري(5).

مسألة 865: إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل،

مسألة 865: إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل، كان للعامل أجرة مثل ما عمل، و لا توزّع الثمار علي أجرة مثل جميع العمل، فإنّ الثمار ليست معلومة عند العقد حتي يقتضي العقد التوزيع فيها.

ص: 491


1- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
2- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4.
4- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4-238.
5- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4-238.

و لو جاء أجنبيّ و قال للمالك: لا تفسخ لأعمل بالنيابة عن العامل، قال بعض الشافعيّة: لم يلزم المالك الإجابة؛ لأنّه قد لا يأتمنه و لا يرضي بدخوله ملكه. نعم، لو عمل نيابة عن العامل من غير شعور المالك حتي حصلت الثمار سلّم للعامل نصيبه منها و كان الأجنبيّ متبرّعا عليه(1).

و الوجه: إنّه ليس للمالك الفسخ مع وجود المتبرّع؛ لأنّه بمنزلة ما لو وجد للعامل مال يستأجر منه في العمل، أو وجد من يقرض، حتي لا يجوز للمالك الفسخ هنا كما لا يجوز له هناك.

تذنيب: لو عجز العامل عن العمل لمرض و شبهه من حبس و غيره، فهو كما لو هرب، و الحكم فيهما واحد.

مسألة 866: الموت لا يبطل المساقاة

مسألة 866: الموت لا يبطل المساقاة، سواء كان الميّت المالك أو العامل أو هما معا؛ لأنّها عقد لازم كالإجارة و البيع.

فإن مات المالك، قام العامل بالعمل المشروط عليه و استمرّ علي شغله، و يقاسم الورثة فيأخذ نصيبه من الثمرة.

فإن مات العامل، فلا يخلو إمّا أن تكون المساقاة واردة علي عين العامل أو في الذمّة.

فإن كانت واردة علي العين، انفسخت بموته، كما تنفسخ الإجارة بموت الأجير المعيّن.

و إن كانت في الذمّة، لم تنفسخ، كما لا تنفسخ الإجارة؛ لأصالة البقاء، و للاستصحاب، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و لهم وجه آخر: إنّها تنفسخ؛ لأنّ المالك ربما لا يرضي بيد غيره

ص: 492


1- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.

و تصرّفه(1).

و الحقّ ما قلناه.

فإذا ثبت ما قلناه من أنّها لا تنفسخ، فإنّ لوارثه أن يقوم مقام العامل في العمل مكانه، و ليس للمالك منعه منه و لا إجباره عليه لو امتنع الوارث من العمل - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لأصالة البراءة.

و قال بعضهم - و هو محكيّ عن مالك -: إنّه يجبر؛ لأنّ الوارث يقوم مقام مورّثه(3).

و هو خطأ؛ لأنّ الوارث لا يلزمه حقّ لزم المورّث إلاّ ما كان يمكنه دفعه من ماله، و هذا العمل ليس بمال المورّث، فلا يجب علي الوارث، كما لا يؤدّي الحقوق عنه من مال نفسه، و لأنّ منافع الوارث خالص حقّه، و إنّما يجبر علي توفية ما علي المورّث من تركته.

فإن خلّف العامل تركة، تمّم الوارث العمل بأن يستأجر منها من يعمل، و إلاّ فلا.

فإن أتمّ العمل بنفسه أو استأجر من مال نفسه من يتمّ العمل، وجب علي المالك تمكينه إذا كان أمينا عارفا بأعمال المساقاة، و يسلّم له المشروط.

و لو امتنع الوارث من الاستئجار من التركة و من العمل بنفسه، استأجر الحاكم.4.

ص: 493


1- العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.
2- بحر المذهب 257:9، البيان 237:7، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.
3- بحر المذهب 257:9، البيان 237:7، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.

فإن لم يخلّف تركة، لم يستقرض الحاكم علي الميّت، بخلاف الحيّ إذا هرب؛ لأنّه لا ذمّة للميّت.

و مهما لم يتمّ العمل فالقول في ثبوت الفسخ و في الشركة و فصل الأمر إذا خرجت الثمار كما في الهرب، و النظر في ذلك إلي الحاكم كما كان هناك.

تذنيب: منع بعض الشافعيّة من المساقاة الواردة علي العين؛ لأنّ فيه تضييقا(1).

و ليس بشيء؛ لأنّه يجيء في الإجارة مثله مع جوازها.

مسألة 867: لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها بجائحة أو غصب،

مسألة 867: لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها بجائحة أو غصب، وجب علي العامل إتمام العمل و إن تضرّر به، كما أنّ عامل القراض يكلّف إنضاض المال و إن ظهر الخسران و لم يصل إليه شيء سوي التعب.

و فيه إشكال؛ للفرق، فإنّ المباشر للبيع و الشراء في القراض العامل، فكان عليه إنضاض المال، بخلاف العامل في المساقاة.

و يحتمل انفساخ العقد لو تلفت الثمار بأسرها.

و لو فرض ارتدادها بعد تمام العمل و تكامل الثمار، وجب الإتمام قطعا.

و لو هلك بعض الثمرة، وجب علي العامل إتمام العمل و أخذ النصيب من الموجود علي قدره.

ص: 494


1- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4، و فيها تردّد في ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: يتخيّر العامل بين أن يفسخ العقد و لا شيء له، و بين أن يجيز و يتمّ العمل و يأخذ نصيبه ممّا بقي(1).

و الوجه: الأوّل.

مسألة 868: العامل أمين، و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعي عليه من خيانة؛

مسألة 868: العامل أمين، و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعي عليه من خيانة؛ لأنّ ربّ المال ائتمنه بدفع ماله إليه، فهو كالمضارب، فإن اتّهمه حلف العامل؛ لأصالة البراءة.

فإن ادّعي المالك عليه خيانة أو سرقة في الثمار أو السعف و الأغصان، أو أتلف أو فرّط بتلف، لم تسمع دعواه حتي يحرّرها، فإذا حرّرها و بيّن قدر ما خان فيه و أنكر العامل، وجب علي مالك النخيل البيّنة، فإن لم تكن له بيّنة، فالقول قول العامل مع يمينه، فإن حلف سقطت الدعوي.

و إن ثبتت عليه السرقة بالبيّنة أو باعترافه أو بيمين المالك مع نكوله أو ردّ اليمين عليه، لم تزل يده عنه، بل يضمّ المالك إليه من يحفظ عليه حصّة المالك، و لا ترفع يد العامل عن حصّته من الربح، و للمالك رفع يده(2) عن حصّة المالك - و به قال أصحاب مالك(3) - لأنّ فسقه لا يمنع استيفاء المنافع المقصودة منه، و إذا لم يتعذّر ذلك لم يجب فسخ المساقاة، كما لو فسق بغير السرقة.

و قال المزني: يستأجر عليه من يعمل معه(4).

ص: 495


1- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4.
2- أي: يد العامل.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1135/649:2، المغني و الشرح الكبير 5: 574، بحر المذهب 256:9.
4- الحاوي الكبير 382:7، بحر المذهب 256:9، البيان 233:7، العزيز شرح الوجيز 74:6.

و قال في موضع آخر: يضمّ إليه أمين يشرف عليه، و به قال مالك(1).

و اختلفت الشافعيّة، فبعضهم جعلهما قولين، و الأكثرون نزّلوهما علي حالين: إن أمكن حفظه بضمّ مشرف إليه قنع به، و إن لم يمكن أزيلت يده بالكلّيّة، و استؤجر عليه من يعمل عنه، و لا يكون ذلك علي سبيل الفسخ للمساقاة، بل يقال: إذا لم يمكن حفظها من خيانتك أقم غيرك يعمل بذلك، و ارفع يدك عنها؛ لأنّ الأمانة قد تعذّرت في حقّه، فلا يلزم ربّ المال أن يأتمنه عليها(2).

و ليس بمعتمد.

إذا عرفت هذا، فعلي قولنا: «إنّ المالك يرفع يد العامل عن حصّة المالك، و يقيم غيره في حصّته» فإنّ أجرة المقام عوضا علي المالك، و كذا لو ضمّ المالك إليه أمينا يحفظ نصيبه كان أجرته علي المالك خاصّة، و علي قول الشافعيّة: «يرفع يده و الاستئجار عليه من يعمل عنه» تكون الأجرة من مال العامل؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه.

و أمّا أجرة المشرف عليه المضموم إليه إن قلنا: إنّه لا ترفع يده، بل يضمّ الحاكم إليه أمينا، فالمشهور عندهم: إنّها علي العامل أيضا، كأجرة الأجير عندهم(3).

و قال بعضهم: إنّ ذلك مبنيّ علي أنّ مؤونة الحفظ علي العامل، فإنّ0.

ص: 496


1- الحاوي الكبير 382:7، نهاية المطلب 45:8، بحر المذهب 256:9، البيان 233:7، العزيز شرح الوجيز 74:6.
2- نهاية المطلب 45:8، بحر المذهب 256:9، التهذيب - للبغوي - 414:4، البيان 233:7-234، العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4.
3- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4-240.

المقصود من ضمّ المشرف إليه الحفظ، أمّا إذا قلنا: إنّ الحفظ عليهما، فكذلك أجرة المشرف(1).

و ليس بجيّد.

و قال بعضهم: إنّ أجرة المشرف علي العامل إن ثبتت خيانته بإقرار أو بيّنة، و إلاّ فعلي المالك(2) ، فسوّي بين البيّنة و الإقرار.

و يشكل علي قولهم بأنّ العامل يجب أن يستقلّ باليد؛ لأنّه إذا لم تثبت خيانته كيف يكون علي المالك أجرة ضمّ المشرف إليه!؟ فإنّه ينبغي علي أصولهم أن لا يتمكّن المالك من ضمّ المشرف إليه؛ لأنّه يبطل استقلال يد العامل.

مسألة 869: إذا سلّم إلي العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له،

مسألة 869: إذا سلّم إلي العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له، فإن كانت الثمرة باقية بحالها أخذها المالك مع النخل؛ لأنّها نماء ملكه، و لا حقّ فيها للعامل؛ لبطلان المساقاة، و لا يستحقّ في الثمرة شيئا، و لا أجرة له علي صاحب النخل؛ لأنّه عمل فيه بغير إذنه، و له الأجرة علي الغاصب الذي عامله؛ لأنّه استعمله فيها، كما إذا غصب نقرة و استأجر رجلا فضربها [دراهم](3) كانت المضروبة للمغصوب منه، و الأجرة علي الغاصب.

لا يقال: لم لا تسقط أجرته كما قلتم لو سرقت الثمرة أو هلكت ؟

لأنّا نقول: إذا كان العقد صحيحا فالذي استحقّه جزء من الثمرة، فإذا هلك فلا شيء له، و أمّا في المتنازع فالذي استحقّ الأجرة فإنّه لا يملك من

ص: 497


1- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 240:4.
2- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 75:6.

الثمرة شيئا، و لا تسقط الأجرة بذهاب الثمرة، مع أنّ الثمرة لم تهلك هنا، و إنّما عادت إلي صاحبها.

إذا عرفت هذا، فإن كانت الثمرة بحالها أخذها المالك، و إن جفّفاها و نقصت القيمة بالتجفيف استحقّ الأرش أيضا، و يرجع العامل علي الغاصب بالأجرة كما قلناه، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: ليس للعامل أن يرجع علي الغاصب بشيء ألبتّة، و لا أجرة له؛ تخريجا علي قولي الغرور؛ لأنّه هو الذي أتلف منفعة نفسه، و تشبيها لفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

و إن كانا قد اقتسما الثمار و استهلكاها و لزمهما الضمان، تخيّر المالك بين الرجوع علي من شاء منهما، فإن رجع علي الغاصب كان له أن يرجع بالكلّ؛ لأنّه ضامن لجميع الثمرة حيث كان ضامنا للأصول بالتعدّي، فإذا رجع عليه بالجميع رجع الغاصب علي العامل بنصف الثمرة التي استهلكت؛ لأنّه أخذه عوضا في معاوضة، فأشبه الشراء من الغاصب و قد تلف في يده فاستقرّ الضمان عليه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يرجع علي العامل، و بني المسألة علي ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب منه، فجعل القرار علي الغاصب في نصيب العامل أيضا(3).

لكن المشهور الأوّل، و للعامل أجرة المثل علي الغاصب.4.

ص: 498


1- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
2- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.

و علي هذا الوجه للشافعيّة ينبغي أن تسقط أجرته؛ لحصول العوض له.

و إن رجع المالك علي الغاصب بالنصف الذي هو قدر نصيبه و رجع علي العامل بالنصف قدر نصيبه، جاز، و رجع العامل علي الغاصب بأجرة مثله لا غير.

و إن رجع علي العامل، رجع عليه بنصيبه الذي استهلكه إجماعا، و يرجع العامل علي الغاصب بالأجرة.

و هل للمالك الرجوع علي العامل بالجميع ؟ الأقرب ذلك؛ لأنّ يده قد ثبتت علي الكلّ قاصدة بغير حقّ، فكان عليه الضمان - و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) - كما يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقّا، و كما يطالب المودع من الغاصب.

و الثاني: إنّه لا يطالب بنصيب الغاصب؛ لأنّ العامل لا تثبت يده علي الثمرة بالعمل، و إنّما هو مراع لها و حافظ و نائب عن الغاصب، فلا يضمن إلاّ ما حصل في يده(2).

فعلي هذا لو تلفت الثمرة بأسرها بغير فعله قبل القسمة أو غصبت، لم يضمن؛ لأنّ يده لم تثبت عليه مقصودة، بخلاف المودع، بل يد [العامل](3) مستدامة حكما، و هو نائب في الحفظ و العمل، كأجير يعمل في حديقة.

و علي الأوّل لو تلفت جميع الثمرة بغير فعله، كان ضامنا.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا: يضمن النصف - و هو قول بعض علمائنا(4) -3.

ص: 499


1- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
2- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العاقد». و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط - للطوسي - 217:3.

رجع المستحقّ علي الغاصب بالنصف، و رجع العامل عليه بأجرة مثله، دون ما غرمه؛ لأنّه غرم ما أتلف، و إن قلنا: يرجع عليه بالكلّ، فرجع، كان للعامل أن يرجع علي الغاصب بنصف الثمرة التي أتلفها و بأجرة مثله.

هذا إذا كان العامل جاهلا، و إن كان عالما لم يكن له الرجوع إلاّ بما أخذه الغاصب منه، و ضمنه للمالك.

و لو تلف شيء من أصول الأشجار، ففيه الوجهان.

و إذا قلنا بأنّ العامل مطالب بنصيب الغاصب، فإذا غرمه ففي رجوعه علي الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع، و الظاهر أنّه يرجع.

مسألة 870: إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل،

مسألة 870: إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل، فقال المالك: شرطت لك الثلث، و قال العامل: بل شرطت لي النصف، فالقول قول المالك مع يمينه و عدم البيّنة، عند علمائنا - و به قال أحمد(1) - لأنّ الثمرة للمالك، لأنّها نماء أصله، و إنّما تثبت للعامل بالشرط، فإذا ادّعي شرطا فعليه البيّنة، فإذا عدمها فعلي المالك اليمين.

و قال الشافعي: يتحالفان؛ لأنّهما اختلفا في القدر الذي شرطاه، فوجب أن يتحالفا، كالمتبايعين قبل القبض، و المساقاة قبل العمل(2).

و الأصل ممنوع عندنا، بل القول قول المالك مطلقا، و أمّا البيع فقد

ص: 500


1- المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5، العزيز شرح الوجيز 76:6.
2- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 386:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 59:8، بحر المذهب 260:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 240:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1137/649:2، عيون المجالس 1795:4-1261/1796، بداية المجتهد 250:2، المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5.

بيّنّا الحكم فيه في بابه(1).

و قال مالك: إذا اختلفا بعد العمل، فالقول قول العامل إذا أتي بما يثبته؛ لأنّ العامل أقوي سببا بتسليم الحائط و العمل فيه كما قاله في المتبايعين إذا اختلفا بعد القبض كان القول قول المشتري(2).

و الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا، فالقول قول المالك عندنا، سواء كان قبل ظهور الثمرة أو بعدها.

و كذلك إذا اختلفا فيما تناولته المساقاة من النخيل، فالقول قول المالك مع يمينه عندنا.

و قالت الشافعيّة: يتحالفان(3).

و ليس بجيّد.

فإن نكل أحدهما، حلف الآخر، و ثبت ما قاله.

و لو أقام أحدهما بيّنة، حكم بها إجماعا.

و لو أقاما بيّنتين، حكم عندنا ببيّنة العامل؛ لأنّه المدّعي.

و قالت الشافعيّة: تتعارضان، و فيها قولان:

أحدهما: تسقطان، فتكون كأنّه لم تكن لواحد منهما بيّنة.5.

ص: 501


1- راجع: ج 12 - من هذا الكتاب - ص 83، المسألة 600.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1137/649:2، و 952/573، عيون المجالس 1795:4-1261/1796، بداية المجتهد 250:2 و 192، البيان 239:7، و 5: 330، العزيز شرح الوجيز 76:6، و 376:4، المغني 575:5، و 288:4، الشرح الكبير 561:5، و 118:4.
3- المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5.

و الثاني: تستعملان، و في الاستعمال ثلاثة أقوال:

أحدها: يقسّم بينهما.

و الثاني: يوقف الأمر حتي يصطلحا.

و الثالث: يقرع، و لا يوقف هنا و لا يقسّم؛ لأنّ العقد لا تدخله القسمة، لأنّه لا يتبعّض، فلم يبق إلاّ القرعة، فمن خرجت قرعته قدّمنا بيّنته(1).

مسألة 871: قد بيّنّا أنّ القول قول المالك مع اليمين و عدم البيّنة،

مسألة 871: قد بيّنّا أنّ القول قول المالك مع اليمين و عدم البيّنة، و عند الشافعيّة يتحالفان و يتفاسخان(2) ، فإن كان قبل العمل فلا شيء للعامل؛ لأنّ العقد قد بطل و لم يعمل العامل شيئا، و إن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله.

و قد بيّنّا أنّهما إذا أقاما بيّنتين حكم ببيّنة العامل، و عند الشافعيّة تتعارضان و يقرع، و لا تتأتّي القسمة عندهم؛ لأنّ العقد لا يقبل القسمة و الخلاف فيه(3).

و قال بعضهم: يقسّم في القدر المختلف فيه(4).

و لو ساقاه الشريكان في البستان ثمّ قال العامل: شرطتما لي نصف الثمار، فصدّقه أحدهما، و قال الآخر: بل شرطنا الثلث، فنصيب المصدّق

ص: 502


1- الحاوي الكبير 386:7، نهاية المطلب 59:8، بحر المذهب 261:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4.
2- راجع: الهامش (2) من ص 500.
3- راجع: الهامش (1).
4- بحر المذهب 261:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4.

مقسوم بينه و بين العامل، و في نصيب المكذّب الحكم بالتحالف عند الشافعيّة(1) ، و عندنا القول قول المالك، و عند مالك: القول قول العامل(2).

و لو شهد المصدّق للمكذّب أو للعامل، لم تقبل شهادته؛ لأنّه شريك لهما، و لا تقبل شهادة الشريك لشريكه.

و قالت الشافعيّة: تقبل شهادته؛ لأنّه لا يجرّ به نفعا، و لا يدفع ضررا(3).

و لو اختلفا في ردّ شيء من المال أو هلاكه، فالأقرب: تقديم قول المالك في الأوّل و العامل في الثاني.

مسألة 872: تجوز قسمة الثمار علي الأشجار عندنا بالخرص و التراضي،

فإذا بدا صلاح الثمرة، فإن رضي المالك بأمانة العامل أبقاها في يده إلي وقت الإدراك فيقتسمان حينئذ - و به قال الشافعيّة إن جوّزوا قسمة الثمرة علي الشجرة(4) - أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني، أو يبيعان من ثالث.

و إن لم يثق به و أراد تضمينه التمر أو الزبيب، جاز؛ لأنّ الخرص عندنا جائز؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادق عليهما السّلام، قال:

سألته عن الرجل يمضي ما خرص عليه في النخل ؟ قال: «نعم» قلت:

ص: 503


1- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 387:7، نهاية المطلب 60:8، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 240:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4-241.
2- راجع: الهامش (2) من ص 501.
3- نهاية المطلب 60:8، التهذيب - للبغوي - 416:4، العزيز شرح الوجيز 6: 76، روضة الطالبين 241:4.
4- العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 241:4.

أ رأيت إن كان أفضل ممّا خرص عليه الخارص أيجزئه ذلك ؟ قال: «نعم»(1).

و الشافعيّة بنوه علي أنّ الخرص هل هو عبرة أو تضمين ؟ إن جعلناه تضمينا، فالأصحّ جوازه، كما في الزكاة، و قد روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه خرص علي أهل خيبر(2)(3).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه بيع الرطب بالتمر مع تأخير أحد العوضين، و يخالف الزكاة؛ لأنّها مبنيّة علي المسامحة، و كذا قضيّة خيبر؛ لأنّه يتسامح في معاملة الكفّار بما لا يتسامح في غيرها(4).

و يجري الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يشترط في الخرص السلامة من الآفات السماويّة و الأرضيّة.

مسألة 873: إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه، وجب علي المالك ردّه

مسألة 873: إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه، وجب علي المالك ردّه و السعي فيه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(6) - لأنّ العامل لا يتمكّن من العمل إلاّ به، فكان بمنزلة من استأجر أجيرا لقصارة ثوب بعينه يكلّف تسليمه إليه.

و الثاني لهم: لا يكلّف كما لا يجبر أحد الشريكين علي العمارة، و كما لا يجبر المؤجر علي عمارة الدار المستأجرة(7).

و ليس بجيّد.

ص: 504


1- التهذيب 905/205:7.
2- سنن أبي داود 3410/263:3، السنن الكبري - للبيهقي - 115:6، الطبقات الكبري - لابن سعد - 526:3.
3- العزيز شرح الوجيز 76:6-77، روضة الطالبين 241:4.
4- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
5- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
6- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
7- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.

و علي ما اخترناه لو لم يسع المالك في ردّه، لزمه للعامل أجرة عمله.

و لو لم يمكن ردّ الماء، فهو (بمنزلة ما)(1) لو تلفت الثمار بالجائحة.

تذنيب: كلّ ما يسقط من أجزاء النخل من السعف و الليف يختصّ بها المالك، و ما يتبع الثمرة فهو بينهما، كالشماريخ علي إشكال.

مسألة 874: إذا دفع بهيمة إلي غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه تعالي فهو بينهما،

مسألة 874: إذا دفع بهيمة إلي غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه تعالي فهو بينهما، فالعقد فاسد؛ لأنّ البهيمة يمكن إجارتها، فلا حاجة إلي عقد آخر عليها يتضمّن الغرر.

و لو قال: تعهّد هذه الأغنام علي أن يكون درّها و نسلها بيننا، فكذلك؛ لأنّ النماء لا يحصل بعمله.

و لو قال: اعلف هذه من عندك و لك النصف من درّها، ففعل، وجب بدل العلف علي مالك الشياه، و جميع الدرّ لصاحب الشياه، و القدر المشروط من الدرّ لصاحب العلف مضمون في يده؛ لحصوله بحكم بيع فاسد، و الشاة غير مضمونة؛ لأنّها غير مقابلة بالعوض.

و لو قال: خذ هذه الشاة و اعلفها لتسمن و لك نصفها، ففعل، فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه، دون الباقي.

مسألة 875: لا يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل

مسألة 875: لا يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل عليه - و به قال أبو يوسف و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه عامل في المال بجزء

ص: 505


1- بدل ما بين القوسين في «ر»: «كما».
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 84:2-85، المغني 578:5، الشرح الكبير 577:5.

من نمائه، فلم يجز أن يعامل غيره فيه، كالمضارب، و لأنّه إنّما أذن له خاصّة و استأمنه دون غيره، فلم يجز أن يعامل غيره، كالوكيل.

و قال مالك: يجوز إن جاء برجل أمين(1).

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت المساقاة في الذمّة، فللعامل أن يعامل غيره لينوب عنه، ثمّ إن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك، و إن شرط له أكثر من ذلك فعلي الخلاف في تفريق الصفقة، إن جوّزناه وجب للزيادة أجرة المثل، و إن لم نجوّزه فللجميع.

و إن كانت المساقاة علي عينه، لم يكن له أن يستنيب و يعامل غيره، فلو فعل انفسخت المساقاة بتركه العمل، و كانت الثمار كلّها للمالك، و لا شيء للعامل الأوّل، و أمّا العامل الثاني فإن كان عالما بفساد العقد فلا شيء له، و إلاّ استحقّ أجرة المثل(2).

و المعتمد ما قلناه.

مسألة 876: تصحّ المساقاة علي ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا،

مسألة 876: تصحّ المساقاة علي ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا، كما تجوز فيما يحتاج إلي سقي - و به قال مالك(3) ، و لا نعرف فيه مخالفا عند من يجوّز المساقاة - لأنّ الحاجة تدعو إلي المعاملة في ذلك كدعائها إلي المعاملة فيما يحتاج إلي السقي، فكان جائزا كغيره؛ لوجود العلّة فيهما معا.

و لو عجز العامل عن العمل لضعفه، ضمّ إليه غيره، و لا ينتزع من

ص: 506


1- المدوّنة الكبري 8:5، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 84:2، المغني 5: 578، الشرح الكبير 577:5.
2- العزيز شرح الوجيز 77:6-78، روضة الطالبين 242:4.
3- الذخيرة 118:6، المغني 564:5، الشرح الكبير 563:5.

يده؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه، و لا ضرر في بقاء يده عليه.

و لو عجز بالكلّيّة أقيم مقامه من يعمل.

و الأجرة في الموضعين علي العامل؛ لأنّ عليه توفية العمل، و هذا من توفيته.

مسألة 877: يكره أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة

مسألة 877: يكره أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة، فإن شرط ذلك وجب الوفاء به مع سلامة الثمرة، فلو تلفت بآفة من اللّه تعالي لم يلزم الشرط.

و منع العامّة جواز ذلك، و أبطلوا المساقاة؛ لأنّه ربما لم يحدث من النماء ما يساوي تلك الدراهم فيتضرّر ربّ المال، و لهذا منعوا من اشتراط أقفزة معلومة في المزارعة(1).

و لو شرط له دراهم مفردة عن الجزء، لم يجز عندهم(2).

و لو جعل له ثمرة سنة غير السنة [التي ساقاه فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه، أو شرط عليه عملا في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في غير السنة](3) فسد العقد، سواء جعل ذلك كلّ حقّه أو بعضه، أو جميع العمل أو بعضه؛ لأنّه يخالف موضوع المساقاة؛ إذ موضوعها أن يعمل في شجر بجزء مشاع من ثمرته في ذلك الوقت الذي يستحقّ عليه فيه العمل.

و لو ساقاه سنتين و شرط له الحصّة في كلّ واحدة منهما، جاز، سواء

ص: 507


1- المغني 577:5-578، الشرح الكبير 576:5.
2- المغني 578:5.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 578:5، و الشرح الكبير 576:5.

اتّفقت السنتان أو اختلفت.

و لو شرط له نماء إحدي السنتين و للآخر الأخري، لم يجز؛ لإمكان انفراد كلّ واحد منهما بجميع الحاصل بأن تحمل سنة و تحيل أخري، أمّا لو كانت مدّة كلّ واحد منهما تبعد الحيلولة فيها، فالأقوي: الجواز(1) ، كما لو ساقاه عشر سنين، للمالك كلّ ثمرة الستّ الأولي، و للعامل كلّ ثمرة الأربع الأخيرة، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ حيلولة النخل في كلّ واحدة من المدّتين بأسرها لا تقع بالعادة.

و لو كان النخل يسيرا في أرض كثيرة فزارعه علي تلك الأرض و شرط العامل ثمرة النخلات اليسيرة له، جاز عندنا، و به قال مالك(2).

و قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر: لا يجوز؛ لأنّه اشترط الثمرة بأجمعها فلم يجز(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّا فرضنا العقد مزارعة لا مساقاة.

و شرط مالك أن يكون النخل بقدر الثلث أو أقلّ(4).

و ليس بمعتمد، بل يجوز عندنا و إن كثر النخل.

و كذا لو ساقاه علي النخل و شرط له الانتفاع بالأرض بأجمعها، جاز عندنا.

و لو آجره بياض الأرض و ساقاه علي النخل الذي فيها في عقد7.

ص: 508


1- في النّسخ الخطّيّة: «فالأقرب: الجواز». و الظاهر زيادتها، حيث يكرّرها المؤلّف فيما سيأتي.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.

واحد، جاز عندنا؛ لأنّهما عقدان يجوز إفراد كلّ واحد منهما عن صاحبه، فجاز الجمع بينهما، كالبيع و الإجارة.

و منع منه بعض العامّة؛ بناء علي الوجه الذي منعوا فيه من الجمع بين البيع و الإجارة في عقد واحد(1).

و اعلم أنّه لا فرق عندنا في الجواز بين أن يفعل حيلة و توصّلا إلي شراء الثمرة قبل وجودها أو قبل بدوّ صلاحها أو لا.

و منع أحمد إذا كان حيلة، سواء جمع بين العقدين أو عقد أحدهما بعد الآخر؛ لأنّ الحيل كلّها باطلة(2).

تذنيب: الخراج علي النخل الذي في الأرض الخراجيّة علي المالك دون العامل؛ لأنّه يجب علي الأصول، سواء أثمرت أو لم تثمر، و لو شرطه المالك علي العامل(3) أو عليهما معا، جاز.».

ص: 509


1- المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
2- المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- في «د، ص»: «عليه» بدل «علي العامل».

ص: 510

فهرس الموضوعات

المقصد السابع: في الإجارة الفصل الأوّل: الماهيّة

ماهية الإجارة 5

استعمال لفظي الإجارة و الاكتراء في عقدهما 5

جواز عقد الإجارة 6

الفصل الثاني: في الأركان الركن الأوّل: المتعاقدان

شرائط المؤجر و المستأجر 11

1 و 2: البلوغ و العقل 11

3 و 4: كون المؤجر أو المستأجر مختارا و قاصدا 11

5: ارتفاع الحجر عن العاقد 11

6: كون المؤجر مالكا للمنفعة التي وقعت الإجارة عليها أو وكيلا له أو وليّا عليه 11

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر 12

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر أو منه قبل القبض 13

حكم إجارة العين المستأجرة بعد قبضها من المؤجر 14

ص: 511

حكم إجارة المؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي 14

تذنيب: عدم جواز إجارة المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره إلاّ في موارد خاصّة 16

تذنيب آخر: حكم إجارة ما لو استعار شيئا ليؤجره 17

فيما لو تقبّل عملا يعمله جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك 17

الركن الثاني: الصيغة

العبارة الصريحة عن الإيجاب و القبول في عقد الإجارة 18

هل الإجارة نوع بيع ؟ 18

هل المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين أو هي العين ليستوفي منها المنفعة ؟ 19

حكم ما لو أضاف الإجارة إلي المنافع بأن قال: آجرتك منافع هذه الدار 20

الركن الثالث: الأجرة

اشتراط ماليّة الأجرة و معلوميّتها 21

فيما إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون وجب علم مقدارها بهما 22

هل تكفي المشاهدة كصبرة من الطعام مشاهدة ؟ 22

انقسام الإجارة إلي واردة علي العين و إلي واردة علي الذمّة 23

فيما إذا عقد الإجارة علي منفعة دار معيّنة إلي مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلي المدّة بالعقد؟ 23

فيما إذا أطلقت الأجرة في عقد الإجارة فهل تكون معجّلة و يملكها المؤجر بنفس العقد؟ 24

عدم وجوب تسليم الأجرة في مجلس عقد الإجارة إذا كان واردا علي العين 29

جواز الاستبدال للأجرة و شرط التأجيل و التنجيم فيما إذا كان عقد الإجارة واردا علي الذمّة 29

ص: 512

حكم ما لو استأجر رجلا لسلخ بهيمة مذكّاة بجلدها 29

فساد الإجارة فيما لو استأجر رجلا لطرح ميتة بجلدها 30

فيما لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفها... لم يجز 30

فيما لو دفع إليه بقرة أو فرسا أو بهيمة علي أن يعلفها و يحفظها و ما ولدت من ولد بينهما لم يجز 30

كلّ ما جاز كونه ثمنا في البيع جاز كونه عوضا في الإجارة 31

جواز الاستئجار بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير مضبوط 32

عدم جواز الاستئجار بأرطال من الخبز 33

فيما لو آجر الدار بعمارتها و الدابّة بعلفها و الأرض بخراجها و مؤونتها لم يجز 33

حكم ما لو آجره الدار بدراهم معلومة علي أن يعمرها أو يصرفها إلي العمارة 33

حكم ما لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته 33

عدم الفرق في استئجار الأجير بالنفقة و الكسوة و يطلقها أو يجعلهما جزءا من الأجرة 36

فيما إذا استأجر أجيرا و لم يشرط طعاما و لا كسوة فنفقته و كسوته علي نفسه 37

عدم صحّة الإجارة فيما لو استأجر دابّة بعلفها أو بدراهم معيّنة و شرط علفها و لم يعيّن 37

فيما لو استأجر أجيرا بطعامه و نفقته فاستغني الأجير عن طعام المستأجر أو عجز عن الأكل لم تسقط نفقته 38

فيما لو احتاج الأجير إلي دواء لمرضه لم يلزم المستأجر ذلك 38

حكم ما إذا أحبّ الأجير أن يستفضل بعض طعامه لنفسه 38

حكم ما لو قدّم المستأجر إلي الأجير طعاما فنهب أو تلف قبل أكله 39

حكم ما لو سلّم إليه ثوبا و قال: إن خطته اليوم فلك درهم و إن خطته غدا فنصف درهم 39

حكم الإجارة فيما إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا فلك درهمان و إن خطته فارسيّا فلك درهم 41

ص: 513

فيما لو استأجره ليحمل له متاعا إلي موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا جاز 42

فيما إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة و قد تغيّر النقد وقت حلول الأجل فالاعتبار بنقد يوم العقد 43

جواز كون الأجرة في الإجارة الواردة علي الذمّة حالّة و مؤجّلة بأجل معيّن 44

حكم ما لو استأجر بلفظ السّلم 44

عدم جواز استئجار السلاّخ بالجلد و الطحّان لطحن الحنطة بالنخالة 45

حكم ما لو استأجر الطحّان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منها أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام و 45

الركن الرابع: المنفعة

شروط المنفعة 47

1: كون المنفعة متقوّمة 47

جواز استئجار كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة 47

عدم جواز استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها 49

عدم جواز عقد الإجارة علي النخل و الشجر لاستيفاء ثمرتها 49

حكم استئجار الأشجار لشدّ الحبل فيها لتعليق الثياب عليه أو تجفيفها عليه أو لربط الدوابّ فيها أو الوقوف في ظلّها 49

جواز استئجار الحبل ليعلّق عليه الثياب 50

حكم استئجار الببغاء للاستئناس أو كلّ ما يستأنس بلونه 50

جواز الاسئجار للدلالة و السمسرة علي الأقمشة و غيرها 50

هل يجوز استئجار البيّاع علي كلمة البيع أو علي كلمة تروّج بها السلعة و لا تعب فيها؟ 50

عدم جواز استئجار الديك للإيقاظ وقت الصلاة 51

عدم جواز إجارة سباع البهائم و الطير التي لا تصلح للاصطياد بها 51

ص: 514

جواز استئجار كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف 51

عدم جواز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظر الشرع 52

حكم استئجار كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط 52

شمول عقد الإجارة لبعض الأعيان كالحمّام 52

جواز استئجار بركة أو أرض لحبس الماء فيها حتّي يجتمع السمك فيأخذه 53

جواز استئجار الظئر: المرضعة 53

ما يستحقّ باستئجار الظئر منفعة و عين 53

فيما يتناوله عقد الإجارة في استئجار الظئر 53

تعريف الحضانة 54

جواز استئجار المرأة للرضاع و الحضانة معا و للحضانة دون الرضاع 54

حكم استئجار المرأة للرضاع خاصّة دون الحضانة 54

فيما إذا أطلق العقد علي الرضاع فهل تدخل الحضانة تحته ؟ 55

فيما يشترط في عقد إجارة الظئر 55

حكم إجارة الفحل للضراب 56

فيما ينبغي أن يوقع عليه عقد إجارة الفحل للضراب 57

هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟ 58

2: القدرة علي تسليمها 59

عدم جواز استئجار الآبق و لا المغصوب من غير الغاصب 59

عدم جواز استئجار الأخرس للتعليم و الأعمي لإبصار المتاع 59

عدم جواز استئجار من لا يحفظ القرآن لتعليمه و من لا يعرف الصنعة لتعليمها 59

حكم ما لو وسّع عليه وقتا يقدر فيه علي التعلّم و التعليم 59

حكم استئجار الآبق فيما لو تمكّن المستأجر من تحصيله 60

جواز إجارة المغصوب للغاصب أو القادر علي تخليصه 60

أقسام الأراضي بالنسبة إلي القدرة علي الماء و أحكام إجارتها 60

ص: 515

حكم استئجار أرض للزراعة بعد ما علاها الماء و انحسر عنها أو قبل أن يعلو الماء عليها أو بعد ما علاها الماء و لم ينحسر 62

حكم ما إذا كان يرجي انحسار الماء وقت الزراعة 62

حكم استئجار الأرض التي كانت علي شطّ نهر و الظاهر منها أنّها تغرق و تنهار في الماء 64

جواز استئجار الأرض التي لها ماء معلوم للزراعة مع شربها منه أو دونه أو إطلاق العقد 65

حكم ما إذا استأجر أرضا يمنع استئجارها للزراعة 65

حكم إجارة ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة 66

هل يجب اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؟ 66

حكم ما إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها منه أو من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولي 68

حكم ما إذا آجر داره من زيد سنة و آجرها زيد من عمرو ثمّ آجرها المالك من زيد أو من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء الأولي 69

حكم إجارة الدار أو الحانوت أو غيرهما شهرا علي أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي 69

حكم إجارة الدابّة إلي موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا 70

حكم ما لو آجر دابّته من المكتري ليركب بعض الطريق و يمشي في البعض أو آجرها من اثنين ليركب هذا زمانا و هذا مثله 70

حكم ما إذا استأجرا عقبة و كان في الطريق عادة مضبوطة أو لم تكن 72

حكم ما إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة و تشاحّا 73

حكم ما إذا اختلفا في من يبدأ بالركوب 73

حكم ما لو آجرهما الدابّة و لم يتعرّض للتعاقب 73

حكم إجارة المشاع 73

ص: 516

فيما يشترط في معرفة الراكبين 74

هل يكتفي بالوصف في معرفة المحامل ؟ 75

عدم صحّة عقد الاستئجار لقلع سنّ صحيحة أو قطع يد صحيحة 75

حكم استئجار الحائض لكنس المسجد و فرشه و خدمته 75

عدم جواز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل و كتب الضلال و السحر و الشعبذة 76

عدم جواز الاستئجار علي تعليم الفحش و السبّ لمن لا يجوز 76

عدم جواز الاستئجار علي ختان الصغير و قطع السّلع التي لا يؤمن معها الموت 76

جواز قلع السنّ الوجعة بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة: إنّ قلعها مزيل له 76

حكم قطع اليد المتآكلة إذا كان قطعها نافعا و لا يخاف التلف معه 76

جواز الاستئجار علي قلع السنّ و قطع اليد في موضع الجواز، و عدمه في موضع المنع 77

بطلان عقد الإجارة من حين تجدّد تعذّر تسليم المنفعة 78

عدم انفساخ الإجارة فيما لو استأجر امرأة لكنس المسجد و كانت الإجارة واردة علي الذمّة 78

انفساخ الإجارة فيما لو استأجر لقلع السنّ الوجعة فارتفع الوجع و برئ 78

فيما إذا سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن فيها قلع الضرس و امتنع المستأجر من قلعه يجب دفع الأجرة إلي الأجير 78

في الإشارة إلي جواز الاستئجار للرضاع و أنّ المعقود عليه هل هو اللبن أو الخدمة ؟ 78

هل يجوز للرجل استئجار زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها؟ 79

جواز استئجار الرجل ابنته و أخته و أمّه و سائر أقاربه لإرضاع ولده 81

جواز استئجار الأجنبيّ زوجة الغير لإرضاع ولده و غير الإرضاع 81

حكم ما لو أجرت الحرّة نفسها للإرضاع و لا زوج لها ثمّ تزوّجت في المدّة 82

حكم ما لو أجر أمته للإرضاع ثمّ زوّجها بعد ذلك 82

ص: 517

هل لوليّ الطفل الذي استأجر تلك الأمة لإرضاعه منع الزوج من وطئها؟ 82

ليس للسيّد إجارة مكاتبته و المعتق بعضها للرضاع و غيره 83

عدم جواز إجارة المرضع نفسها لإرضاع طفل غير الأوّل 83

عدم جواز إجارة السيّد جاريته لإرضاع طفل آخر غير الأوّل إلاّ مع كثرة اللبن 83

فيما لو لم ترضع الطفل المؤجرة نفسها للرضاع لم يكن لها أجر 83

فيما لو دفعت المؤجرة نفسها للرضاع الطفل إلي خادمها لترضعه فهل لها أجر؟ 83

فيما إذا ماتت المرضعة أو مات الطفل فهل تنفسخ الإجارة ؟ 84

عدم بطلان الإجارة فيما لو ما المستأجر للرضاع 85

تذنيب: فيما قاله أحمد بن حنبل من استحباب إعطاء المرضعة عند الفطام عبدا 85

3: اشتراط كون المنفعة حاصلة للمستأجر 86

عدم صحّة الاستئجار علي القربة التي لا تدخلها النيابة 86

جواز الاستئجار علي ما تدخله النيابة 86

كراهة أخذ الأجر علي تعليم القرآن و جواز أخذ الهديّة فيه و الهبة عليه 87

عدم جواز الاستئجار علي الجهاد إن وجب علي الأعيان 88

عدم جواز الاستئجار علي الأذان و شبهه من شعائر الإسلام 88

عدم جواز أخذ الأجرة علي إمامة الصلاة المفروضة 89

عدم جواز أخذ الأجرة علي القضاء بين الناس 90

4: كون المنفعة محلّلة 90

عدم جواز عقد الإجارة علي منفعة محرّمة 90

عدم جواز استئجار كاتب ليكتب له غناء و نوحا بالباطل 91

عدم جواز الاستئجار علي كتابة شعر محرّم أو بدعة و 91

عدم جواز الاستئجار علي حمل الخمر لمن يشربها أو يبيعها أو حمل خنزير و لا ميتة لمن يأكلها 91

جواز الاستئجار علي نقل الميتة من الدار إلي المزبلة و الخمر للإراقة 91

ص: 518

جواز استئجار ناطور لحفظ كرم النصراني 92

عدم جواز إجارة المسكن لحرز الخمر فيه لغير التخليل أو الدكّان لبيع آلة محرّمة فيه 92

حكم استئجار الحائط المزوّق للتنزّه 92

حكم إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يبيع فيها الخمر 92

حكم ما لو استأجره ليحمل له خمرا من موضع إلي آخر 93

حكم ما لو استأجر الذمّي دارا لمسلم يعلم أنّه يبيع فيها الخمر 94

حكم ما لو آجر المسلم بيته لمسلم يعلم أنّه يعمل فيه خمرا أو نبيذا أو فقّاعا 94

كراهة إجارة الإنسان نفسه لعمل الصنائع الدنيئة 94

5: العلم بالمنفعة 95

اشتراط العلم بالعين و القدر و الصفة في الإجارة 95

تقدير المنافع بالزمان و بالعمل 96

إمكان ضبط المنفعة بالعمل أو بالزمان 97

حكم ضبط المنفعة بالعمل و الزمان كليهما 97

أنواع الأعيان المستأجرة

1 - الآدمي

جواز استئجار الآدمي لعمل أو صناعة 100

أقسام إجارة الآدمي و أحكامها 102

فيما يجب تبيينه للأجير إذا استأجره لخياطة ثوب 103

فيما إذا قال: انظر هذا الثوب هل يكفيني قميصا فقال الخيّاط: نعم فقال:

اقطعه فقطعه فلم يكفه فهل يلزمه الضمان ؟ 103

اعتبار تعيين السّور و الآيات التي يراد تعلّمها أو تقديرها بالمدّة في الاستئجار لتعليم القرآن 104

ص: 519

حكم أجور المعلّمين 105

فروع:

1 - إباحة أخذ الأجر علي الرقية 108

2 - حكم جعل تعليم القرآن عوضا في البضع 108

3 - حكم إعطاء المعلّم شيئا بغير شرط 109

هل يجب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة في الاستئجار لتعليم القرآن ؟ 109

جواز الاستئجار لتعليم القرآن فيما إذا كان المتعلّم مسلما أو كافرا يرجي إسلامه 109

تذنيب: في حكم إجارة المصحف 110

حكم إجارة الكتب التي يجوز بيعها 110

اعتبار استقلال المستأجر بالتلاوة في الاستئجار لتعليم سورة 111

حكم ما لو كان المستأجر علي تعليم القرآن يتعلّم الشيء بعد الشيء ثمّ ينساه 111

جواز استئجار الإنسان غيره لقراءة القرآن علي رأس القبر مدّة 111

وجوب تقدير المدّة في الاستئجار للرضاع و لا سبيل إلي ضبط مرّات الإرضاع 112

جواز الاستئجار لكلّ عمل من أعمال الحجّ تدخله النيابة 112

فيما لو استأجر للحجّ لم تدخل العمرة المفردة و بالعكس 112

فيما لو استأجر لعمرة التمتّع دخل الحجّ 112

فيما لو استأجر للطواف لم تدخل صلاته و بالعكس 113

فيما إذا استأجر للحجّ دخلت تحلّلاته فيه و لا تدخل زيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله في الحجّ 113

جواز الاستئجار لزيارة الأئمّة عليهم السّلام و زيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله في قبورهم 113

حكم إجارة المسلم نفسه للذمّي للخدمة 113

جواز إجارة المسلم نفسه من الذمّي في عمل معيّن في الذمّة 113

حكم ما لو آجر المسلم نفسه من الذمّي لعمل غير الخدمة مدّة معلومة 114

جواز استئجار المسلم و غيره للخدمة 114

ص: 520

جواز استئجار المرأة للخدمة 115

جواز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ و الأنهار و السواقي 116

فيما يتعلّق بالاستئجار لحفر القبر للميّت 118

جواز الاستئجار لضرب اللّبن و التقدير فيه بالزمان و بالعمل 119

جواز الاستئجار لطبخ اللّبن 120

جواز الاستئجار للبناء و التقدير فيه بالزمان و بالعمل 120

جواز الاستئجار لتطيين السطوح و الحيطان و تجصيصها 121

جواز الاستئجار لكحل العين 121

حكم شرط الكحل علي الكحّال 122

فيما إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة و لم تبرأ عينه فهل يستحقّ الأجرة ؟ 123

حكم ما لو برئت عينه في أثناء المدّة 124

فيما إذا امتنع المستأجر من الاكتحال مع بقاء المرض 124

حكم ما لو شرط عليه البرء علي سبيل الجعالة 124

حكم ما لو برأ بغير كحل أو تعذّر الكحل أو امتنع من جهة الكحّال أو غير الجاعل 124

تذنيب: فيما إذا استأجره ليلقح نخله 124

جواز استئجار الطبيب للتداوي 125

حكم ما لو شرط الدواء علي الطبيب و كان معيّنا 125

جواز الاستئجار علي الرعي 125

جواز استئجار ناسخ لكتابة شيء معيّن تباح كتابته 128

حكم كتابة المصحف بالأجر 129

عدم جواز أخذ الأجر علي كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال إلاّ للنقض أو الحجّة عليهم 130

جواز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف 130

ص: 521

حكم الاستئجار علي القصاص في النفس 130

جواز الاستئجار لحصاد الزرع و لقط الثمرة 132

جواز الاستئجار لسقي الزرع و تنقيته و دياسه و نقله إلي بيدره المعيّن 132

جواز استئجار شخص للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد 132

حكم ما لو استأجر أجيرا علي أن يحتطب له علي حمارين كلّ يوم فكان ينقل عليهما و علي حمار آخر لغيره و يأخذ منه الأجرة 132

جواز استئجار رجل ليدلّه علي الطريق 133

جواز الاستئجار علي البذرقة في القوافل 133

جواز استئجار كيّال و وزّان و ناقد 133

جواز استئجار رجل ليلازم غريما 134

جواز الاستئجار علي المحاكمة و إقامة البيّنات و إثبات الحجج و المنازعة و 134

حكم استئجار سمسار يشتري ثيابا و غيرها معيّنة 134

حكم استئجار من يبيع أو يشتري ثيابا و غيرها معيّنة 135

حكم الاستئجار علي الشراء للمعيّن 136

جواز استئجار من يشتري له شيئا وصفه له و لم يعيّنه 136

حكم ما إذا دفع رجل إلي دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره و قال: بعه بكذا فما ازددت فهو لك 136

2 - الأرض

صحّة استئجار الأراضي 138

صحّة إجارة الأرض مدّة معيّنة مع مشاهدتها 139

هل يجوز الإطلاق أو الوصف في إجارة الأرض ؟ 139

حكم استئجار الحمّام 139

فيما يعتبر في استئجار الحمّام 140

ص: 522

فيما إذا استأجر دارا للسكني ملك المستأجر منافعها في الإسكان 141

هل يجب ذكر عدد السّكّان من الرجال و النساء و الصبيان ؟ 141

تقدير منفعة الإسكان و منفعة الحمّام بالمدّة 142

للمستأجر أن يسكن هو و من شاء أو يسكنها من شاء 142

للمستأجر وضع ما جرت عادة الساكن به في الدار 142

ليس للمستأجر إسكان الدار من يضرّ بها أو جعل الدوابّ فيها 142

هل يجوز للمستأجر وضع شيء في الدار يضرّبها؟ 142

هل يجوز إطلاق العقد فيما إذا استأجر دارا من دون ذكر السكني و صفتها؟ 143

هل يصحّ استئجار الأرض مطلقا من غير مشاهدتها أو وصفها بما يرفع الجهالة ؟ 144

هل تصحّ الإجارة فيما إذا قال: آجرتك هذه الدار لتنتفع بها فيما شئت ؟ 144

حكم ما لو قال: آجرتك للزراعة أو للغراس أو للبناء و لم يذكر ما يزرع أو ما يغرس أو جنس البناء 145

حكم ما لو قال: آجرتكها لتزرع فيها ما شئت، أو آجرتكها لتغرس فيها ما شئت، أو لتبني بها ما شئت 145

حكم ما لو قال: إن شئت فازرعها و إن شئت فاغرسها 146

حكم ما إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها و لم يبيّن القدر 146

صور ما إذا استأجر الأرض للزرع وحده و أحكامها 147

فيما إذا استأجر الأرض علي أن يزرعها حنطة مثلا فهل يجوز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة ؟ 151

حكم ما إذا قال: آجرتكها لتزرع هذه الحنطة المعيّنة، و لم يقل: و لا تزرع غيرها أو قال ذلك 152

حكم ما إذا استأجر الأرض لزرع الحنطة و تعدّي بزرع ما هو أضرّ من الحنطة 153

3 - الدوابّ

البحث الأوّل: الركوب

صحّة استئجار الدابّة للركوب 157

ص: 523

وجوب معرفة الراكب 158

وجوب ما جرت العادة به في توطئة الدابّة المستأجرة 159

وجوب معرفة المؤجر للآلات التي يحتاجها الراكب في ركوبه 159

فيما إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما فهل يجب ذكر كونه مغطّي أو مكشوفا؟ 161

فيما إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق فهل يستحقّ حملها؟ 162

وجوب تعيين الدابّة فيما إذا كانت الإجارة في الركوب علي عينها 163

وجوب ذكر الذكورة و الأنوثة للدابّة المستأجرة 164

وجوب ذكر الجنس و النوع و الوصف فيما إذا كانت الإجارة في الركوب في الذمّة 164

فيما إذا كان السير إلي مكة أو إلي موضع لا يكون السير فيه إلي اختيار المتواجرين لا وجه لذكر تقدير السير فيه 164

وجوب تبيين قدر السير كلّ يوم فيما إذا كان السير إلي اختيار المتواجرين 165

حكم ما إذا لم يبيّنا قدر السير و أطلقا أو اختلفا في قدر السير و المنازل مضبوطة 165

وجوب تقييد وقت السير إذا كان يقع تارة ليلا و أخري نهارا 165

حكم شرط الركوب في طريق العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل أو في أثنائه أو لم تكن العادة ذلك 167

البحث الثاني: في الحمل

جواز استئجار الدوابّ للحمولة 167

وجوب كون المحمول معلوما 168

حكم معرفة الدابّة التي يحمل عليها 168

فيما إذا لم يكن جنس المحمول حاضرا فلا بدّ من تقديره بالكيل أو الوزن و وصفه 169

بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتكها لتحمل عليها ما شئت 169

ص: 524

بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتكها لتحمل عليها طاقتها 170

حكم ما لو أخلّ بالجنس و ذكر الوزن 170

عدم كفاية ذكر الجنس فيما لو أخلّ بالوزن و الكيل 170

عدم الحاجة إلي ذكر الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن و كذا حبال المتاع 170

فيما لو قال: آجرتكها لتحمل مائة منّ، و اقتصر فهل الظرف من المائة ؟ 171

تذنيب: الكلام في المعاليق و تقدير السير و زمانه في الحمل علي حدّ ما في الركوب 172

صور الصبرة و أحكامها

1 - حكم الإجارة فيما لو قال: استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة إلي موضع كذا بكذا و جهلاه و شاهداها 172

2 - حكم الإجارة فيما إذا قال: استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم 172

3 - حكم الإجارة فيما إذا قال: استأجرتك لتحمل هذه الصبرة قفيز منها بدرهم و ما زاد فبحسابه 173

4 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل قفيزا منها بدرهم و ما زاد فبحساب ذلك 173

5 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم 173

6 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل منها قفيزا بدرهم علي أن تحمل الباقي بحساب ذلك كلّ قفيز بدرهم أو علي أنّ ما زاد فبحسابه 173

7 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و تنقل لي صبرة أخري في البيت بحساب ذلك 174

8 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و الصبرة التي في البيت بعشرة 174

ص: 525

9 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم 175

10 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل هذه المكائيل كلّ واحدة بدرهم 175

البحث الثالث: في العمل

جواز استئجار الدوابّ للعمل 176

صحّة إجارة كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف 176

حكم إجارة الغنم 176

بطلان الإجارة فيما لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه 177

فيما إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث وجب معرفة صاحب الدابّة الأرض و تقدير العمل 177

وجوب معرفة الدابّة المستعملة في الحرث إذا قدّر بالمدّة 178

عدم الحاجة إلي مشاهدة البقر التي تحرث فيما لو قدّر العمل بالأرض 178

جواز استئجار البقر منفردة و مع صاحبها 179

جواز استئجار البقرة بآلتها و بدونها 179

وجوب تعيين عدد مرّات الحرث 179

جواز استئجار الدوابّ لدياس الزرع 179

وجوب معرفة قدر العمل إمّا بالمدّة أو بتعيين الزرع 179

جواز استئجار الحيوان بآلته و بغير آلته و مع صاحبه و منفردا عنه 180

جواز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو 180

جواز استئجار البهيمة لإدارة الرحي 180

وجوب معرفة حجر الرحي و تقدير العمل بالزمان أو بالطعام 181

وجوب ذكر جنس المطحون و معرفة الدابّة إن قدّر العمل بالزمان 181

جواز استئجار الدابّة للاستقاء عليها 181

ص: 526

وجوب مشاهدة الدابّة أو وصفها و تقدير العمل 181

الفصل الثالث: في موجبات الألفاظ البحث الأوّل: ما يتعلّق بالآدمي

حكم ما إذا أطلق الاستئجار للحضانة و الإرضاع 183

حكم ما إذا استأجر المرأة للحضانة و الإرضاع معا أو للإرضاع فانقطع اللبن 184

فيما إذا استأجر ورّاقا فالحبر علي من هو؟ 185

فيما إذا استأجر الخيّاط و الصبّاغ و ملقّح النخل و الكحّال فعلي من الخيط و الصبغ و طلع النخل و الذرور؟ 186

البحث الثاني: فيما تحتاج إليه الدار و الحمّام و شبهه و الأراضي

كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو علي صاحب الدار 187

بيان الأنواع لعمارة الدار و هل يجبر المالك علي العمارة لتلك الأنواع إذا حصلت مقارنة لعقد الإيجار؟ 187

وجوب تسليم مفاتيح الدار و البيوت التي فيها إلي المستأجر 188

كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو علي المالك 189

وجوب تسليم الدار و بالوعتها و كذا الحشّ فارغة 189

وجوب تسليم مستنقع الحمّام فارغا 189

تطهير الدار عن الكناسة و الأتّون عن الرماد علي المستأجر 189

كنس الثلج عن السطح من وظيفة المالك 189

هل الثلج في عرصة الدار ملحق بكنس الدار أو بتنقية البالوعة ؟ 190

فيما إذا امتلأت البالوعة و الحشّ و مستنقع الحمّام فهل يجب التفريغ علي المالك أو علي المستأجر؟ 190

عدم وجوب تنقية البالوعة و الحشّ و تفريغ مستنقع الحمّام علي المستأجر عند انقضاء مدّة الإجارة 191

ص: 527

وجوب التطهير من الكناسات علي المستأجر عند انقضاء مدّة الإجارة 191

تذنيب: عدم جواز طرح التراب و الرماد في أصل حيطان الدار المستأجرة للسكني و كذا ربط الدوابّ فيها 191

حكم ما إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم 191

حكم ما إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع 192

حكم ما إذا استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها و شرط القلع بعد مضيّ المدّة أو الإبقاء بعدها 194

حكم ما لو استأجر الأرض للزراعة و لم يعيّن المزروع 196

البحث الثالث: فيما يتعلّق بالدوابّ

وجوب القيام علي المالك للدابّة المستأجرة للركوب بكلّ ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب 202

فيما إذا استأجر الدابّة للحمل فالوعاء للمحمول علي المكتري إن وردت الإجارة علي عين الدابّة و علي المكري إن كانت في الذمّة 204

فيما إذا استأجر الدابّة للاستقاء فالدلو و الحبل كالوعاء في الحمل 204

وجوب رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق أو تقديره بالوزن 205

وجوب الخروج مع الدابّة المستأجرة للركوب في الذمّة علي المؤجر 207

حكم ما إذا اختلف المؤجر و المستأجر في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق 209

حكم ما إذا شرط المؤجر و المستأجر أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل أو أطلقا 209

فيما إذا استأجر دابّة إلي بلد و العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل لم يجب علي المرأة و الضعيف النزول 210

فيما إذا استأجر إلي بلد فإذا بلغ عمرانها فللمكري استرداد الدابّة 210

فيما إذا استأجر دابّة ليركبها إلي مكة لم يكن له الحجّ عليها 210

فيما لو استأجر الدابّة للحجّ عليها فهل له أن يركبها من مكة عائدا إلي مني للرمي و الطواف ؟ 210

ص: 528

انفساخ الإجارة بتلف الدابّة المستأجرة بعينها 211

حكم ما إذا وجد بالدابّة المستأجرة بعينها عيبا 211

عدم انفساخ عقد الإجارة بتلف الدابّة المستأجرة في الذمّة 211

حكم ما إذا وجد بالدابّة المستأجرة في الذمّة عيبا 211

في أنّ المنافع المتعلّقة لعقد الإجارة لا بدّ لها من مستوف و مستوفي منه و مستوفي به 212

في أنّ للمستوفي للمنفعة تبديل نفسه بغيره إذا ساواه في الثقل و الضرر أو قصر عنه 213

حكم ما إذا استأجر دابّة للحمل فأراد أن يركب من يساوي الحمل في الوزن أو استأجر للركوب فأراد الحمل 213

عدم جواز إبدال المستوفي منه 214

حكم ما لو استأجر ظهرا للحمولة معيّن الجنس فأراد حمله علي غير ذلك الجنس 214

هل يجوز إبدال المستوفي به ؟ 214

هل ينفسخ عقد الإجارة بتلف المستوفي به ؟ 214

جواز استئجار الثياب للّبس و البسط و الزلالي للفرش و اللّحف للالتحاف بها 215

عدم جواز النوم بالليل في الثوب المستأجر مدّة للّبس 215

عدم جواز الاتّزار بالقميص المستأجر للّبس و حكم الارتداء به 216

عدم جواز الاتزّار بالمستأجر للارتداء 216

الفصل الرابع: في المدّة و الضمان البحث الأوّل: في المدّة

عدم جواز تقدير الإجارة بأجل مجهول 217

حمل إطلاق السنة و الشهر في الإجارة علي السنة العربيّة الهلاليّة و الشهر العربي 217

ص: 529

حكم ما إذا قال: عدديّة أو سنة بالأيّام 217

فيما يتعلّق بما إذا استأجر سنة هلاليّة أوّل الهلال أو في أثناء شهر 217

حكم ما إذا شرطا السنة الروميّة أو الشمسيّة أو الفارسيّة أو القبطيّة 218

جواز إجارة العين مدّة تبقي فيها 218

عدم تقدير المدّة في إجارة الوقف 222

فيما إذا آجر سنة أو أكثر منها فهل يجب تقسيط الأجرة علي شهورها؟ 223

تذنيب: فيما لو قسّط الأجرة علي أجزاء المدّة تقسّطت 224

وجوب تقييد المدّة و ابتدائها و انتهائها 224

تذنيب: في بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتك شهرا من السنة أو يوما من الشهر 225

حكم ما إذا قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم و أطلق 225

حكم ما إذا قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم 227

بطلان الإجارة فيما إذا قال: آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه 228

صحّة الإجارة فيما لو قال: آجرتك شهرا من شهور هذه السنة و لم يكن قد بقي منها إلاّ شهر واحد 228

حكم ما لو جعل المنتهي ما يقع علي اثنين كربيع و جمادي 228

حكم ما لو قال: إلي العيد 228

حكم ما لو علّق الحكم بشهر يقع اسمه علي شهرين كجمادي و ربيع 228

حكم ما لو قال: إلي الجمعة أو السبت أو غيرهما من الأيّام 229

حكم ما لو قال: إلي رجب و شعبان أو غيرهما من الأشهر المفردة 229

حكم ما لو علّقه بعيد من أعياد الكفّار 229

فيما إذا استأجر إلي ربيع الأوّل حلّ الأجل بأوّل جزء منه 229

فيما إذا استأجر ربيع الأوّل حلّ الأجل بآخره 229

فيما إذا استأجره إلي العشاء فهل آخر المدّة غروب الشمس أو زوالها؟ 229

ص: 530

فيما إذا استأجر إلي العشي كان آخر المدّة غروب الشمس 230

فيما إذا استأجر إلي الليل أو إلي النهار فهل هو إلي أوّل الليل أو النهار؟ 230

فيما إذا استأجرها نهارا فهو إلي غروب الشمس و إن استأجرها ليلا فهو إلي طلوع الفجر 231

فيما لو استأجر يوما دخل الليل و النهار 231

حكم ما لو استأجر دابّة لمدّة غزاته حيث لم تضبط المدّة 231

البحث الثاني: في الضمان النظر الأوّل: فيما إذا كانت العين المتعلّقة للإجارة في يد المستأجر

العين المستأجرة أمانة غير مضمونة إلاّ مع التعدّي 231

عدم صحّة شرط المؤجر علي المستأجر ضمان العين 233

هل تبطل الإجارة فيما لو شرط المؤجر علي المستأجر ضمان العين ؟ 233

ضمان العين فيما لو شرط المؤجر علي المستأجر أن لا يسير بالدابّة ليلا أو وقت القائلة أو غير ذلك 234

عدم ضمان المستأجر العين إذا تلفت بغير تفريط و لا عدوان فيما إذا كانت الإجارة فاسدة 234

حكم استيفاء المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة أو تلفها في يد المستأجر من غير استيفاء 235

حكم ما لو غصبت الدابّة المستأجرة مع دوابّ سائر الناس و لم يذهب المستأجر في طلبها مع قدرته علي ذلك 235

حكم ما لو استأجر قدرا مدّة ثمّ حملها بعد المدّة ليردّها فسقطت الدابّة فانكسرت القدر 235

فيما لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو غير ذلك فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة استقرّت الأجرة عليه 236

ص: 531

حكم ما لو انهدم الاصطبل علي الدابّة المستأجرة فهلكت 236

للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحها باللجام للاستصلاح و حثّها علي السير 236

جواز ضرب الرائض الدابّة و المعلّم الصبيان للتأديب 236

حكم ما يقع بجناية الضرب من حيث الضمان و عدمه 236

تذنيب: وجوب سقي الدابّة و علفها وقت الحاجة و الضمان بالتفريط فيهما 237

النظر الثاني: فيما إذا كانت العين في يد الأجير

تعريف الأجير المشترك و المنفرد المختصّ 238

حكم ما إذا تلفت العين المستأجرة في يد الأجير المشترك لا بسببه من غير تفريط و لا تعدّ 238

حكم ما إذا تلفت العين في يد الأجير المنفرد من غير تفريط و لا تعدّ 243

حكم ما إذا لم يكن الأجير منفردا باليد و تلفت العين 245

ضمان الأجير: الصانع و غيره لما أفسده 245

ضمان الأجير لأقصي القيم من حين التعدّي إلي حين التلف 248

ضمان القصّار للثوب إذا شرط عليه المستأجر أن يعطيه إيّاه في وقت فأخّر 249

عدم الفرق في الضمان و عدمه بين كون عمل الأجير المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر 250

عدم ضمان الملاّح فيما إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ منه و لا من جذفه و لا من فعله 251

فيما لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده فهل يضمن ؟ 252

حكم ما إذا اختلف الأجير و المستأجر في أمر الأجير هل تعدّي و جاوز المعتاد بعمله أم لا؟ 253

ص: 532

فيما إذا أتلف الصانع الثوب فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و معمولا 253

فيما لو وجب علي الصانع ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخيّر بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلّمه إليه و بين تضمينه إيّاه في الموضع الذي أفسده 253

حكم ما لو دفع إلي غيره سلعة ليعمل فيها عملا و لم يجر بينهما ذكر أجرة و لا نفيها 254

صحّة الاستئجار لدخول الحمّام 255

هل المدفوع إلي الحمّامي ثمن الماء؟ 255

حكم ما إذا دفع الثوب إلي الخيّاط فخاطه أو إلي القصّار فقصره ثمّ تلف الثوب 256

حكم ما لو سلّم إلي خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به مخيطا أو جحده أوّلا ثمّ خاطه 258

مستأجر العين أمين عليها لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط 259

حكم ما لو نام في الثوب الذي استأجره بالليل أو نقل فيه التراب أو ألبسه عصّارا أو دبّاغا دون من هو في مثل حاله و 259

حكم ما لو استأجر دابّة و أركب من هو أثقل منه 259

حكم ما لو كان الثاني في الفرض المزبور مساويا للأوّل أو أقلّ ثقلا منه فجاوز العادة في الضرب أو السير 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحنطة فحمل مائة منّ من الشعير أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من الحنطة فحمل عشرة أقفزة من الشعير 260

حكم ما لو استأجر ليركب بالسرج فركب بغير شيء أو بالأكاف أو ليحمل عليها بالأكاف فحمل بالسرج 260

حكم ما إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر 260

ص: 533

بيان القدر المضمون في الفرض المزبور 261

حكم ما لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل علي البهيمة و سار 264

حكم ما لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل علي الدابّة و لم يعلم المؤجر و المستأجر 265

حكم ما لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقلّ 266

حكم ما لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة 267

الفصل الرابع: في الطوارئ الموجبة للفسخ البحث الأوّل: فيما تنقص به المنفعة نقصا تتفاوت به الأجرة

حكم ما إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص سابق تتفاوت به الأجرة 269

حكم ما لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد 270

البحث الثاني: فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا

حكم فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا أو في خلال المدّة 272

حكم ما لو أتلف المستأجر العين 273

حكم ما لو انهدمت الدار المستأجرة للسكني أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة 274

حكم ما لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها 276

حكم ما لو استأجر عينا فغصبت تلك العين 277

حكم ما لو آجر عينا معيّنة و سلّمها إلي المستأجر فغصبت 280

فيما إذا غصبت العين المستأجرة كان للمؤجر و كذا للمستأجر مخاصمة الغاصب 282

حكم ما إذا استأجره لعمل في عين معيّنة فتلفت العين 283

حكم ما لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبيّ المعيّن 285

ص: 534

حكم ما لو استأجره لخياطة ثوب معيّن أو لإرضاع صبيّ معيّن ثمّ بدا للمستأجر في قطع الثوب المعيّن أو في إرضاع الطفل المعيّن و هما باقيان 285

البحث الثالث: فيما تفوت المنفعة فيه شرعا

فوات المنفعة شرعا بمنزلة فواتها حسّا 285

البحث الرابع: في الأعذار المتجدّدة

هل الإجارة عقد لازم من الطرفين ؟ 287

عدم فسخ الإجارة بالأعذار 288

حكم ما لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة 289

حكم ما لو فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة 289

حكم ما لو استأجر أرضا للزراعة فبطلت منفعة الزراعة خاصّة دون باقي المنافع 289

هل الموت يبطل الإجارة ؟ 290

بطلان الإجارة بموت المؤجر في موضعين 293

صحّة إجارة الوقف من ناحية المتولّي و عدم بطلانها بموته 295

حكم ما إذا استأجر دابّة أو دارا و قبضها و أمسكها حتّي مضت مدّة الإجارة غير متصرّف فيها 296

حكم ما إذا استأجر دابّة ليركبها إلي بلد و قبضها و أمسكها عنده حتي مضت مدّة يمكن المسير فيها إلي ذلك البلد 296

حكم ما لو بذل المؤجر تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتّي انقضت المدّة 297

حكم ما إذا كانت الإجارة علي عمل و مضت مدّة يمكن الاستيفاء فيها 297

حكم ما إذا كانت الصورة المزبورة في إجارة فاسدة 297

حكم ما إذا قبض المستأجر العين و مضت المدّة أو مدّة يمكن استيفاء المنفعة فيها 297

فيما إذا استوفي المنفعة في العقد الفاسد فهل عليه أجرة المثل أو أقلّ الأمرين منها و من المسمّي ؟ 298

ص: 535

عدم الفرق في تخلّف المستأجر من تسلّم العين بين كونه لعذر أو لغير عذر 299

فيما إذا آجر الحرّ نفسه مدّة ثمّ سلّم نفسه إلي المستأجر المدّة فلم يستعمله المستأجر حتّي مضت المدّة استقرّت الأجرة عليه 299

فيما إذا استأجر عقارا أو حيوانا ملك المنافع بالعقد و لا يجوز للمؤجر التصرّف فيها 300

حكم ما لو استوفي المؤجر المنافع بأسرها طول مدّة الإجارة 300

حكم ما لو أمسكها المؤجر بعض المدّة ثمّ سلّم 301

حكم ما لو لم تكن المدّة في الإجارة مقدّرة و استأجر دابّة للركوب إلي بلد ثمّ لم يسلّمها حتّي مضت مدّة يمكن فيها المضيّ إليه 301

حكم ما لو كانت الإجارة في الذمّة و لم يسلّم ما يستوفي المنفعة منه حتّي مضت مدّة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة 302

حكم ما لو استأجر دارا ليسكنها سنة فسكنها شهرا ثمّ تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره 302

حكم ما لو استأجر دارا سنة فسكنها شهرا و تركها شهرا و سكن المالك عشرة أشهر 302

حكم ما لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و منعه من تمام السكني 302

حكم ما لو استأجر دابّة فامتنع مالكها من تسليمها بعض المدّة 303

حكم ما لو آجر نفسه أو عبده للخدمة مدّة و امتنع من إتمامها 303

حكم ما لو استأجر دابّة فشردت أو أجيرا فهرب أو أخذ المؤجر العين و هرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة منها 304

حكم ما لو عمل الأجير بعض العمل ثمّ انهزم أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع في أثناء المدّة 304

حكم ما لو شردت الدابّة أو تعذّر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر 304

حكم ما لو مرض الأجير و تعذّر استيفاء العمل منه 304

ص: 536

حكم ما لو آجر جماله ليسافر المستأجر بها فهرب الجمّال 305

حكم إجارة الوليّ للطفل إيّاه و إجارة ما يري من أمواله 310

تذنيب: حكم إجارة الوليّ مال المجنون و إفاقته في أثناء مدّة الإجارة 313

تذنيب آخر: حكم ما لو مات الولي المؤجر للصبي و ماله أو عزل و انتقلت الولاية إلي غيره 313

عدم بطلان عقد الإجارة بالعقود الناقلة المتجدّدة 313

فيما إذا أعتق المؤجر عبده المؤجر فهل تقع الإجارة لازمة ؟ 315

فيما لو ظهر للعبد عيب بعد العتق و فسخ المستأجر الإجارة 316

فيما لو آجر عبده و مات و أعتقه الوارث في المدّة 316

حكم ما لو آجر أمّ ولده و مات في المدّة 316

حكم كتابة العبد المؤجر 316

صحّة بيع العين المؤجرة علي مستأجرها و حكم الإجارة 317

حكم بيع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر 321

فيما إذا باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ الإجارة بذلك العيب 323

حكم ما لو باع عينا و استثني لنفسه منفعتها شهرا أو سنة 324

حكم ما لو استأجر وكيل المؤجر من غير علم منه ببيع المؤجر العين ثمّ اشتري هو أو بالعكس 325

حكم ما لو أوصي لزيد برقبة دار و لعمرو بمنفعتها فآجرها عمرو من زيد 326

حكم ما لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر 326

حكم ما لو آجر المستأجر للمالك العين التي استأجرها منه 327

حكم ما لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوي الابن المستأجر و عليه ديون مستغرقة 328

حكم ما لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة 330

تذنيب: حكم ما لو استأجر من المستأجر ثمّ آجره 330

ص: 537

حكم ما لو آجر المستأجر الثاني من المالك 330

حكم ما لو باع المالك من المستأجر الثاني 330

الفصل السادس: في التنازع

حكم ما لو اختلفا في الإجارة أو في قدر الأجرة 331

حكم ما لو اختلفا في مدّة الإجارة 332

حكم ما لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلي المؤجر 333

حكم ما لو اختلفا في المعقود عليه 333

حكم ما لو اختلفا في ردّ العين التي استؤجر الصانع لعمل صنعة فيها 333

حكم ما لو اختلفا في التعدّي في العين المستأجرة و عدمه 333

حكم ما لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعي أنّ العبد مرض في يده 334

حكم ما لو ادّعي المستأجر إباق العبد و جاء به غير آبق 335

حكم ما لو هلكت العين و اختلفا في هلاكها و وقته و مدّته أو أبق العبد أو مرض و اختلفا في وقت ذلك و مدّته 335

حكم ما لو ادّعي الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك 335

حكم ما لو دفع إنسان إلي خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه فخاطه قباء ثمّ قال الخيّاط:

هكذا أمرتني و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصا 336

كيفيّة حلف الخيّاط لخروجه من ضمان الثوب 339

فيما إذا حلف الخيّاط فهل له الأجرة ؟ 339

فيما إذا صدّق المالك و حلف علي أنّه ما أذن له في قطعه قباء فلا أجرة عليه و وجب علي الخيّاط أرش النقصان 341

فيما إذا تحالف المالك و الخيّاط معا فلا أجرة علي الخيّاط و هل يضمن ما نقص بالقطع ؟ 343

فيما إذا وجب للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا 344

ص: 538

فيما إذا لم تجب الأجرة للخيّاط و كان الثوب مخيطا بخيوط من المالك لم يكن للخيّاط فتقه 344

الفصل السابع: في اللواحق

حكم إجارة المشاع 347

حكم استئجار الأجير ليعمل للمستأجر العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد 348

حكم إجارة الأرض 349

جواز استئجار الأرض بكلّ ما جاز كونه عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها 350

حكم إجارة الأرض بالطعام 351

جواز إجارة الأرض للزرع مطلقا بكلّ ما يصحّ تموّله 353

كراهة إجارة الأرض بالحنطة و الشعير 353

حكم إجارة الأرض بحصّة ممّا يخرج منها 353

حكم إجارة الأرض بحنطة موجودة مشاهدة جزافا 353

تنبيه: في بيان المراد من النهي الوارد في قول الصادق عليه السّلام: «لا تستأجر الأرض...» 354

فيما إذا استأجر دابّة في الكوفة ليركبها إلي البصرة بمائة درهم و أطلق فهل الواجب نقد البلد الذي وقع العقد فيه أو البلد المقصود؟ 354

فيما إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما فتجدّد عيب في أثناء المدّة تلزم عمارتها للمالك 355

حكم اشتراط العمارة علي المستأجر 355

جواز استئجار أجير للخروج إلي بلد السلطان و التظلّم للمستأجر و عرض حاله في المظالم 355

حكم إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة 356

حكم الاستئجار للخدمة من دون ذكر وقتها 357

ص: 539

حكم ما لو استأجره للخبز و أطلق 358

حكم ضمان العهدة للمستأجر 358

جواز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل مع التقدير بالزمان أو بالعمل 359

صحّة استئجار الدابّة لركوبها فرسخين 359

وجوب تعيين الجهة المقصودة في سيره علي الدابّة المستأجرة للركوب 359

فيما إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا إلي داره فهل يجب إدخاله علي الأجير؟ 359

فيما لو استأجر ظئرا لتعهّد الصبي فهل الدهن عليها أو علي الأب ؟ 360

فيما لو استأجر قصّارا لغسل ثياب معلومة و حملها إليه حمّال فعلي من تكون أجرة الحمّال ؟ 360

فيما لو استأجر من يقطع أشجارا بقرية لم تجب عليه أجرة الذهاب و المجيء 360

حكم ما لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة و أراد المؤجر أن يعلّق عليها مخلاة أو سطيحة أو أراد أن يردفه رديفا 360

فيما لو استأجر الدابّة ليحمل عليها طعاما من موضع معيّن إلي داره فركبها في عوده فعطبت الدابّة فهل يضمن أم لا؟ 361

فيما لو استأجر دابّة ليركبها إلي موضع معلوم فركبها إليه فهل له ردّها إلي الموضع الذي سار منه ؟ 361

حكم ما لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلي موضع معيّن فجاوزه 362

فروع:

1 - انتهاء الإجارة و استقرار الأجرة فيما لو استأجر الدابّة إلي عشرة فراسخ فقطع نصف المسافة ثمّ رجع لأخذ شيء نسيه راكبا 365

2 - حكم ما لو أخذ الدابّة و أمسكها في البيت يوما ثمّ خرج 366

3 - فيما لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شيء يمنة و يسرة كان محسوبا عليه من المدّة 366

ص: 540

حكم ما لو دفع إلي قصّار ثوبا ليقصره ثمّ جاء و استرجعه فقال: لم أقصره بعد فلا أردّه ثمّ تلف الثوب عنده 366

فروع متبدّدة:

1 - حكم ما لو استأجره ليكتب له صكّا علي كاغذ فكتبه و أخطأ أو أمره بأن يكتب بالعربيّة فكتب بالفارسيّة أو بالعكس 367

2 - حكم ما لو استأجر دابّة ليحمل شيئا من موضع إلي منزله فركبها في عوده فعطبت الدابّة 367

3 - حكم ما لو تعمّد الأكّار ترك سقي الزرع و المعاملة صحيحة حتّي فسد الزرع 367

4 - حكم ما لو تعدّي المستأجر بالحمل علي الدابّة فقرح ظهرها فهلكت منه 367

5 - حكم ما لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه و احترق الثوب 367

فيما إذا استأجر لحمل حبّ إلي موضع معلوم فزلقت رجله في الطريق فانكسر الحبّ 367

6 - حكم ما لو آجر أرضا إجارة صحيحة ثمّ غرقت الأرض بسيل أو بماء نبع منها 368

7 - تعطيل الرحي و الحمّام و انقطاع ماء القناة المستأجرة كانهدام الدار 368

8 - حكم ما إذا ثبت الخيار بسبب نقص تجدّد و أجاز ثمّ بدا له أن يفسخ 368

9 - حكم ما لو استأجر طاحونتين متقابلتين أو دولابين كذلك فانتقص الماء و بقي ما يدور به واحد منهما 369

10 - حكم بيع الحديقة التي ساقي عليها في المدّة 369

حكم ما لو دفع إلي نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع فحاكه أطول بذراع 369

حكم ما لو حاكه في الفرض المزبور تسعة أذرع أو زائدا في الطول و العرض 370

ص: 541

حكم ما لو كان الغزل المدفوع إلي النسّاج مسدّي و استأجره لحياكة عشرة أذرع في عرض ذراع فجاء به أطول من العرض المشروط 370

حكم ما لو وافق في الطول و خالف في العرض 371

حكم ما لو جاء به زائدا في العرض خاصّة أو ناقصا فيه كذلك أو فيهما معا 371

حكم ما لو جاء به زائدا في أحدهما و ناقصا في الآخر 371

حكم ما لو أثّرت الزيادة أو النقيصة نقصا في الأصل 372

حكم ما لو استأجر فسطاطا إلي مكة و لم يقل متي أخرج 372

حكم ما إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة فأراد العدول بها إلي ناحية أخري مثلها في القدر و أضرّ منها أو تخالف الضرر 372

حكم ما لو كانت الناحية الأخري مثلها في السهولة أو المعدول إليها أقلّ ضررا 373

فيما لو آجر دوابّه جملة إلي بلد لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلي جهة و بعضها إلي أخري 373

حكم ما لو استأجر جمّالا إلي مصر بأربعين فإن نزل دمشق فأجره ثلاثون فإن نزل الرقّة فأجره عشرون 373

حكم ما لو استأجر دابّة و قال المالك: إن رددتها اليوم فأجرتها درهم و إن رددتها غدا فدرهمان 374

جواز استئجار كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا 374

جواز استئجار ما يبقي من الأطياب و الصندل و أقطاع الكافور و الندّ ليشمّه المريض و غيره ثمّ يردّه 374

حكم إجارة الحائط لوضع خشب معلوم عليه أو بناء شيء معيّن عليه مدّة معلومة 374

حكم استئجار دار يتّخذها مسجدا يصلّي فيه 375

حكم إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يتّخذها لبيع الخمر و القمار 375

حكم ما لو استأجر ذمّيّ من مسلم داره و أراد بيع الخمر فيها 376

عدم جواز إجارة ما لا يقدر علي تسليم منفعته 376

ص: 542

جواز إجارة الشريكين في المشاع 376

جواز إجارة بعض الدار إن كانت لواحد 377

حكم ما إذا آجر نصف الدار الآخر لغير المستأجر الأوّل 377

حكم ما لو آجر الدار لاثنين لكلّ واحد نصفها 377

حكم ما لو استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلي موضع إلي صاحب له فحمله فوجد صاحبه غائبا فردّه 377

فيما لو دفع إلي رجل ثوبا ليبيعه فباعه فهل يستحقّ الأجر؟ 377

حكم شرط الخيار في الإجارة 378

حكم ما لو استأجر دابّة ليركبها إلي بلد فسلّمها المؤجر إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلي ذلك البلد 379

جواز الإجارة في الذمّة حالاّ و مؤجّلا و بلفظ الإجارة 380

هل يجوز الإجارة بلفظ السّلم ؟ 380

المقصد الثامن: في المزارعة و المساقاة الفصل الأوّل: في المزارعة البحث الأوّل: الماهيّة

تعريف المزارعة 381

هل المزارعة هي المخابرة أو غيرها؟ 381

جواز المزارعة بمعني المعاملة علي الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة 383

حكم المزارعة في الأرض بين النخيل 385

البحث الثاني: في الأركان الركن الأوّل: الصيغة

بيان صيغة المزارعة 390

ص: 543

هل يشترط القبول لفظا؟ 390

عدم انعقاد المزارعة بلفظ الإجارة 390

حكم ما لو قال: آجرتك نصف أرضي هذه بنصف بذرك و نصف منفعتك و نصف منفعة بقرك و آلتك و أخرج العامل البذر كلّه 390

لزوم المزارعة إذا وقعت بشروطها 391

الركن الثاني: المتعاقدان

اشتراط أهليّة التصرّف في المتعاقدين 391

عدم صحّة عقد الصبي و المجنون و السفيه و المحجور عليه بالفلس 391

الركن الثالث: ما تقع عليه المعاملة

مورد المعاملة كلّ أرض يمكن الانتفاع بها في الزرع 391

حكم ما لو زارع علي الأرض و لها ماء معتاد و تجدّد له انقطاع في أثناء المدّة 392

فيما لو كانت الأرض لا ماء لها يعتادها لم تصح المزارعة عليها 393

هل يجوز استئجار الأرض التي لا ماء لها يعتادها مطلقا؟ 393

جواز المزارعة علي الأرض التي لها ماء من شطّ يزيد زيادة أو يحتاج إلي الدالية و شبهها 394

حكم إجارة الأرض المزبورة للزراعة قبل مجيء الماء و بعده 394

تذنيب: جواز إجارة الأرض التي تكون علي صفة يمكن زراعتها إلاّ أنّه يخاف عليها الغرق 395

تذنيب آخر: فيما لو رضي المستأجر للزراعة باستئجار ما لا ينحسر الماء عنه جاز 395

الركن الرابع: الحصّة

وجوب كون النماء مشتركا بين المتعاقدين 396

ص: 544

عدم اشتراط تساويهما في النماء 396

وجوب كون النماء بأجمعه بينهما 396

وجوب كون الحصّة معلومة بالجزئيّة 397

حكم ما لو شرط أحدهما علي الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلي الحصّة 397

حكم ما لو شرطا إخراج البذر وسطا و يكون الباقي بينهما 398

بطلان المزارعة فيما لو شرط ربّ الأرض إخراج البذر من حصّة العامل 398

وجوب تعيين الحصّة من كلّ نوع 398

حكم ما لو قال: إن زرعتها حنطة فلي الثلث و إن زرعتها شعيرا فلي النصف 398

صحّة المزارعة فيما لو قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه 399

صحّة شرط إخراج الخراج المضروب علي الأرض أوّلا و الباقي يكون بينهما 399

البحث الثالث: الشرط

اشتراط تقدير المدّة في المزارعة 399

حكم ما لو اقتصرا علي تعيين المزروع و لم يذكرا المدّة 399

حكم ما إذا عيّنا المدّة فمضت و الزرع قائم لم يبلغ 400

حكم ما لو شرطا للزرع مدّة معيّنة و شرطا في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها 400

فيما يتعلّق بشرط الغرس أو هو مع الغرس في الإجارة أو المزارعة 401

حكم ما لو استأجر أرضا مدّة معيّنة ليغرس فيها ما يبقي بعد المدّة غالبا 401

البحث الرابع: في الأحكام

فيما يتعلّق بالنماء إذا فسدت المزارعة باختلال بعض شرائطها 401

حكم المزارعة إذا كان البذر من صاحب الأرض و العمل من العامل 403

جواز كون العمل و الأرض من أحدهما و من الآخر البذر بلفظ المزارعة 406

ص: 545

جواز كون العمل خاصّة من أحدهما و الأرض و البذر و العوامل من الآخر 406

حكم ما لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين 406

حكم ما لو شرط إخراج البذر من صاحب الأرض 406

حكم ما لو شرطا التفاضل في الزرع 406

حكم ما لو تفاضلا في البذر و شرطا التساوي في الزرع أو تساويا في البذر و شرطا التفاضل في الحصّة 406

حكم ما إذا أطلق المالك المزارعة 406

فيما لو عيّن جنسين فلا بدّ من تقدير كلّ واحد منهما 407

فيما لو عيّن الزرع لم يجز التعدّي 407

حكم ما لو زرع ما هو أضرّ من المشروط أو أقلّ ضررا 407

في أنّ للمزارع أن يشارك غيره في الزراعة و أن يزارع عليها غيره 407

تذنيب: فيما إذا أطلق المزارعة وجب أن يعيّن البذر ممّن هو 407

جواز اشتراط المالك علي العامل مع الحصّة شيئا معيّنا و بالعكس 407

فيما لو زارعه علي أرض فيها شجر يسير فهل يجوز أن يشترط العامل ثمرتها؟ 407

حكم ما لو دفع رجل بذره إلي صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما 408

حكم ما لو دفعه إلي ثالث ليزرعه في أرض صاحب الأرض علي أن يكون الحاصل بينهم 408

حكم ما لو كان الأرض و البذر و العمل من واحد و من الآخر الماء و شرطا كون الحاصل بينهما 408

حكم ما لو اشترك ثلاثة علي أن يكون من أحدهم الأرض و من الآخر البذر و من الآخر البقر و العمل علي أنّ الحاصل بينهم 409

حكم ما لو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا علي أن يزرعوها ببذرهم و دوابّهم علي أنّ الحاصل بينهم علي قدر مالهم 410

جواز الخرص لصاحب الأرض علي الزارع و تخيّره في القبول و عدمه 410

ص: 546

فيما إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيء فنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر فهل هو لصاحب البذر أم لصاحب الأرض ؟ 410

حكم ما لو تنازعا في قدر المدّة أو في قدر الحصّة 411

حكم ما لو اختلفا فقال العامل: أعرتني الأرض للزرع و أنكر المالك و ادّعي الحصّة أو الأجرة و لا بيّنة 412

في أنّه لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر و حصّة للبقر 412

حكم إجارة الأرض بالحنطة و الشعير 413

جواز دفع الرجل أرضه إلي غيره علي أن يؤدّي خراجها عنه و يكون له عليه شيء معيّن 413

جواز مشاركة الزارع غيره في الزرع الذي زرعه 413

جواز تقبّل الأرض ليعمرها و يؤدّي ما خرج عليها مدّة معيّنة 414

فيما لو زرع أرض غيره بغير إذنه كان الزرع لصاحبه و عليه أجرة الأرض و للمالك قلعه مطلقا و إلزامه بالأرش 415

جواز إجارة رحي الماء إذا كان لها ماء دائم 416

فيما لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة جاز للمالك بيع الأرض 417

فيما إذا زاد السلطان علي صاحب الأرض شيئا غير الخراج كان لازما لصاحب الأرض دون المستأجر 417

الفصل الثاني: في المساقاة البحث الأوّل: الماهيّة

تعريف المساقاة و صورتها 419

جواز المساقاة شرعا 419

جواز المساقاة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته 421

البحث الثاني: في الصيغة

هل يكفي التراضي و المعاطاة في المساقاة ؟ 423

ص: 547

بيان صيغ الإيجاب 423

وجوب القبول لفظا 423

حكم ما لو تعاقدا بلفظ الإجارة 423

حكم ما لو قال: ساقيتك علي هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل 424

حكم ما لو ساقاه علي أنّ له النصف أجرة عمله أو عوض عمله 425

فيما إذا عقد بلفظ المساقاة فهل يحتاج إلي تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة ؟ 425

البحث الثالث: في شرائط الاستئجار

الشرط الأوّل: كون المساقي عليه شجرا ثابتا 425

عدم صحّة المساقاة علي وديّ قبل أن يغرس 426

حكم ما لو دفع إليه الأرض و ساقاه علي شجر يغرسه و يعمل فيه حتّي يحمل و يكون له جزء معلوم من الثمرة 427

حكم ما لو ساقاه علي وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما 427

بطلان المغارسة فيما إذا دفع أرضا إلي رجل علي أنّ الغرس أو هو مع الأرض بينهما 428

حكم ما لو غرس العامل في الفرض المزبور 428

حكم ما إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه و قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة 429

حكم ما لو حمل الوديّ في المدّة اتّفاقا 430

صحّة المساقاة علي الوديّ المغروس بشرط مدّة يعلم أنّ الوديّ يحمل فيها بحكم العادة 430

حكم ما لو ساقاه علي الوديّ المغروس إلي مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة 430

ص: 548

حكم ما لو ساقاه علي الوديّ المغروس و شرط مدّة يحتمل أن تكون له ثمرة و أن لا تكون 430

حكم ما لو ساقاه علي النخيل المثمرة فلم تثمر 431

تذنيب: في بطلان المغارسة لو دفع إليه وديّا ليغرسه في أرض الغارس علي أن يكون الغراس للدافع و الثمار بينهما 432

حكم ما لو دفع إليه أرضه ليغرسها بوديّ نفسه علي أن تكون الثمرة بينهما 432

الشرط الثاني: كون الأشجار مثمرة في العادة في تلك المدّة و عدم كونها مثمرة بالفعل وقت العقد 432

حكم المساقاة علي الأشجار التي ظهرت ثمارها و لم يبد صلاحها أو بدا صلاحها 433

الشرط الثالث: كون الأشجار مرئيّة مشاهدة وقت العقد أو قبله أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة 434

البحث الرابع: في الحصّة

اشتراط اشتراك المالك و العامل في الثمرة 435

فيما قاله الشافعي من تخصيصه جواز المساقاة بالنخل و الكرم 436

جواز المساقاة علي شجر المقل 436

حكم المساقاة علي التوت الأنثي و الذكر و شجر الخلاف 437

جواز المساقاة في كلّ ما يقصد ورقه أو ورده و كذا في فحول النخل 437

هل تجوز المساقاة علي الخوص و السعف ؟ 438

عدم صحّة اشتراط الثمرة أو بعضها لثالث غير المالك و العامل 438

بطلان المساقاة فيما لو شرطا كون جميع الثمرة للمالك أو العامل 438

وجوب كون حصّة كلّ واحد من المالك و العامل معلومة بالجزئيّة 438

هل يجب للعامل أجرة المثل فيما لو شرط المالك جميع الثمرة لنفسه ؟ 439

حكم ما لو شرط العامل جميع الثمرة لنفسه 439

ص: 549

جواز اشتراط أحدهما الكلّ إلاّ شيئا يسيرا 439

جواز المساقاة فيما لو ساقاه علي مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة 440

بطلان المساقاة فيما لو قصد في الفرض المزبور تعيين المقادير لا الإشاعة 440

بطلان المساقاة فيما لو شرط أحدهما أصواعا معلومة و الباقي للآخر أو بينهما 440

الواجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة 440

حكم ما لو قال المالك: ساقيتك علي أنّ لي النصف من الثمرة و سكت عن حصّة العامل 441

فيما لو قال: ساقيتك علي أنّ الثمرة بيننا اقتضي التنصيف 441

بطلان المساقاة فيما لو ساقاه علي أن يكون للعامل ثمرة نخلة بعينها و الباقي بينهما نصفين أو بالعكس 441

بطلان المساقاة فيما لو شرط قدرا معيّنا لأحدهما و الباقي للآخر أو بينهما 441

جواز اشتراط أحدهما علي الآخر مع الحصّة التي له شيئا من عنده 441

تذنيب: فيما لو اتّفقا علي تعيين الجزء ثمّ اختلفا في أنّ الجزء المشروط لمن هو منهما 442

صحّة المساقاة فيما إذا اشتمل البستان علي أشجار مختلفة و ساقاه المالك علي أنّ للعامل سهما واحدا في الجميع 442

حكم ما لو فاوت المالك بين الأشجار في الصورة المزبورة 442

حكم ما لو لم يعيّن المالك مع الاختلاف في الفرض المزبور 443

حكم ما لو كان الجنس واحدا و النوع مختلفا و فاوت المالك بينها في الحصص 443

صحّة المساقاة فيما لو كان للمالك بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة 443

صحّة المساقاة فيما لو ساقاه علي بستان واحد نصفه بالنصف و نصفه بالثلث 443

صحّة المساقاة فيما لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا فقالا: ساقيناك علي أنّ لك النصف من حصّة فلان و النصف من حصّة فلان 444

ص: 550

صحّة المساقاة فيما لو قالا في الفرض المزبور: علي أنّ لك النصف من ثمرة الجميع 444

صحّة المساقاة فيما لو قالا: علي أنّ لك من حصّة فلان النصف و من حصّة فلان الثلث 444

اشتراط جواز التفاضل بتعيين حصّة كلّ واحد من الشريكين و العلم بقدر نصيب كلّ واحد منهما 444

تذنيب: في صحّة المساقاة لو كان المالك واحدا و العامل اثنين 445

جواز المعاملة في المساقاة علي أكثر من سنة واحدة 445

جواز التساوي بين السنين في الحصص و التفاوت بينها بشرط تعيين نصيب كلّ سنة 445

حكم ما لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقي أحدهما الآخر و شرط له زيادة علي ما كان يستحقّه بالملك 446

حكم ما لو ساقاه في الفرض المزبور علي كون الثمرة بينهما نصفين أو كون الأقلّ للعامل 446

حكم ما لو ساقي أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة 448

حكم ما لو شرطا في عقد المساقاة أن يتعاونا في العمل 448

حكم ما لو كان له بستانان فساقاه علي أحدهما من غير تعيين 448

حكم ما لو قال: ساقيتك علي أنّك إن سقيت بالسماء أو بالسائح فلك الثلث و إن سقيت بالناضح أو شبهه فلك النصف 449

حكم ما لو قال: لك النصف إن كان عليك خسارة و إن لم تكن فالثلث 449

حكم ما لو ساقاه علي بستان علي النصف و شرط عليه أن يساقيه في بستان آخر بالثلث 449

جواز وحدة المالك و تعدّد العامل و بالعكس و اتّحادهما معا و تعدّدهما معا في المساقاة 451

ص: 551

البحث الخامس: في العمل

كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب علي العامل 452

وجوب القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة علي المالك 454

حكم ما إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبيّنا ما علي كلّ واحد منهما 455

حكم ما إذا شرطا علي أحدهما شيئا ممّا يلزم الآخر 456

هل حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها علي العامل أو عليه و علي المالك ؟ 457

حكم ما لو شرط المالك علي العامل عملا ليس من جنس المساقاة 457

هل يشترط تفرّد العامل باليد في البستان ؟ 458

جواز اشتراط العامل علي المالك أكثر عمله له بشرطين 458

حكم اشتراط المالك علي العامل شيئا ممّا يلزمه بالشرطين 458

حكم ما لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك 459

هل يجوز شرط نفقة الغلام علي العامل ؟ 462

حكم ما إذا أطلق العقد و لم يعيّن النفقة علي من هي 462

فيما إذا شرطت النفقة علي العامل فهل يجب تقديرها؟ 463

حكم ما لو شرطا نفقة الغلام من الثمار 463

حكم ما لو شرط للعامل أن يعمل الغلام لخاصّ العامل 464

فيما لو كان للمالك غلمان برسم ذلك البستان يعملون فيه فهل يدخلون في مطلق المساقاة ؟ 465

هل يعتبر أن يكون ذلك الغلام مرسوما لعمل هذا الحائط المساقي عليه ؟ 465

هل يجوز أن يشترط العامل علي المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة ؟ 465

هل المساقاة عقد لازم أو جائز؟ 466

هل يجب في عقد المساقاة تقدير المدّة ؟ 468

ص: 552

حكم ضبط مدّة المساقاة بإدراك الثمار 469

فيما يتعلّق بأنّ المساقاة من العقود الجائزة 470

هل يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو أكثر؟ 471

بيان أقلّ المدّة في المساقاة 472

هل يشترط تقدير مدّة تكمل فيها الثمرة ؟ 472

حكم ما إذا عمل العامل في الثمرة و لم تظهر أو لم تكمل 472

حكم ما لو ساقاه إلي مدّة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة 473

حكم ما لو ساقاه إلي مدّة يحتمل أن تكون للشجرة ثمرة و يحتمل أن لا تكون 473

فيما لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة فهل يجب تفصيل حصّة كلّ سنة ؟ 474

حكم ما لو فاوت بين الجزء المشروط في السنين 474

حكم ما لو ساقاه سنين و شرط له ثمرة سنة بعينها و الأشجار بحيث تثمر كلّ سنة 474

هل يثبت في عقد المساقاة خيار المجلس و كذا خيار الشرط؟ 475

كيفيّة التوصّل إلي بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة 475

البحث السادس: في الأحكام

متي يملك العامل نصيبه في المساقاة ؟ 476

هل تجب الزكاة علي كلّ من المالك و العامل إذا بلغ نصيبهما نصابا؟ 477

أقسام الأرض البيضاء التي فيها نخل أو شجر له ثمر و أحكام المزارعة و المساقاة عليها 478

فيما شرطه الشافعي و الشافعيّة في جواز المزارعة و المساقاة في الفرض المزبور 483

فيما يتعلّق ببطلان المغارسة 486

حكم ما لو زرع عامل المساقاة البياض بين النخل من غير عقد و لا إذن 487

حكم ما لو استأجره المالك ليعمل علي النخل بجزء من الثمرة 487

ص: 553

عدم انفساخ المساقاة بهروب العامل قبل تمام العمل 488

حكم تولية الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه 491

حكم ما لو استأجره الحاكم لباقي العمل 491

حكم ما إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل 491

حكم ما لو جاء أجنبيّ و قال للمالك: لا تفسخ لأعمل بالنيابة عن العامل 492

تذنيب: فيما لو عجز العامل عن العمل 492

هل الموت يبطل المساقاة ؟ 492

تذنيب: في منع بعض الشافعيّة من المساقاة الواردة علي العين 494

حكم ما لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها أو بعضها 494

العامل أمين و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعي عليه من خيانة 495

حكم ما إذا سلّم إلي العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له 497

حكم ما إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل 500

حكم ما إذا اختلفا فيما تناولته المساقاة من النخيل 501

فيما إذا كان القول قول المالك مع اليمين في الفرض المزبور و كان قبل العمل أو بعده 502

حكم ما لو ساقاه الشريكان في البستان ثمّ قال العامل: شرطتما لي نصف الثمار فصدّقه أحدهما و قال الآخر: بل شرطنا الثلث 502

حكم ما لو شهد المصدّق للمكذّب أو للعامل 503

حكم ما لو اختلفا في ردّ شيء من المال أو هلاكه 503

حكم قسمة الثمار علي الأشجار بالخرص و التراضي 503

حكم ما إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه 504

تذنيب: في أنّ كلّ ما يسقط من أجزاء النخل فهو للمالك و ما يتبع الثمرة فهو بين المالك و العامل 505

ص: 554

حكم ما إذا دفع بهيمة إلي غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه فهو بينهما 505

حكم ما لو قال: تعهّد هذه الأغنام علي أن يكون درّها و نسلها بيننا 505

حكم ما لو قال: اعلف هذه من عندك و لك النصف من درّها ففعل 505

حكم ما لو قال: خذ هذه الشاة و اعلفها لتسمن و لك نصفها ففعل 505

هل يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل عليه ؟ 505

صحّة المساقاة علي ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا 506

حكم ما لو عجز العامل عن العمل لضعفه 506

حكم ما لو عجز العامل عن العمل بالكلّيّة 507

هل يجوز أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة ؟ 507

حكم ما لو جعل له ثمرة سنة غير السنة التي ساقاه فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه 507

حكم ما لو ساقاه سنتين و شرط له الحصّة في كلّ واحدة منهما 507

حكم ما لو شرط له نماء إحدي السنتين و للآخر الأخري 508

حكم ما لو كان النخل يسيرا في أرض كثيرة فزارعه علي تلك الأرض و شرط العامل ثمرة النخلات اليسيرة له 508

حكم ما لو ساقاه علي النخل و شرط له الانتفاع بالأرض بأجمعها 508

حكم ما لو آجره بياض الأرض و ساقاه علي النخل الذي فيها في عقد واحد 508

تذنيب: في أنّ الخراج علي النخل الذي في الأرض الخراجيّة علي المالك دون العامل 509

فهرس الموضوعات 511

ص: 555

المجلد 19

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء التاسع عشر

المقصد التاسع: في السبق و الرماية

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في السبق

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في تسويغه.
مسألة 878: عقد السبق و الرمي شرّع للاستعداد للقتال و ممارسة النضال؛ لدعاء الحاجة إليه في جهاد العدوّ.

و قد ثبت جوازه بالنصّ و الإجماع.

أمّا النصّ: فالكتاب و السّنّة.

قال اللّه تعالي: يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ (1) فأخبر اللّه تعالي بذلك و لم يعقّبه بإنكار، فدلّ علي مشروعيّته عندنا.

و قال تعالي: أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (2) روي عقبة بن عامر أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله قال: «ألا إنّ القوّة الرمي» قاله ثلاثا(3).

ص: 5


1- سورة يوسف: 17.
2- سورة الأنفال: 60.
3- صحيح مسلم 1917/1522:3، سنن ابن ماجة 2813/940:2، سنن أبي داود 2514/13:3، سنن الترمذي 3083/270:5، السنن الكبري - للبيهقي - 10: 13، مسند أحمد 16979/158:5.

وجه الاستدلال: أنّ اللّه تعالي أمرنا بإعداد الرمي و رباط الخيل للحرب و لقاء العدوّ، و الإعداد لذلك إنّما يحصل بالتعلّم، و النهاية في التعلّم المسابقة بذلك ليكدّ(1) كلّ واحد نفسه في بلوغ النهاية و الحذق فيه.

و أمّا السّنّة: فما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(2).

و النصل يشمل النّشّاب، و هي للعجم، و السهم، و هو للعرب، و المزاريق، و هي الردينيّات و الرماح و السيوف كلّ ذلك من النصل، و اسمه صادق علي الجميع.

و أمّا الخفّ فالإبل و الفيلة.

و أمّا الحافر فيشمل الخيل و البغال و الحمير.

و سئل أنس بن مالك: هل كنتم تراهنون علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ؟ فقال: نعم، راهن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله علي فرس له فسبق فسرّ بذلك و أعجبه(3).

و روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة(4) التي قد أضمرت من الحفياء إلي ثنيّة الوداع - و بينهما خمسة أميال أو ستّة، و الحفياء تمدّ و تقصر - و سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنيّة إلي مسجد بني زريق(5) ، و بينهما ميل.6.

ص: 6


1- الكدّ: الشدّة في العمل و طلب الكسب، و كددت الشيء: أتعبته. الصحاح 2: 530 «كدد».
2- سنن الترمذي 1700/205:4، سنن النسائي (المجتبي) 226:6.
3- السنن الكبري - للبيهقي - 21:10، مسند أحمد 13277/151:4.
4- تضمير الفرس: أن تعلفه حتي يسمن ثمّ تردّه إلي القوت، و ذلك في أربعين يوما. الصحاح 722:2 «ضمر».
5- صحيح البخاري 38:4، و 129:9، صحيح مسلم 1870/1491:3، سنن أبي داود 2575/29:3، سنن النسائي (المجتبي) 226:6.

و المضمرة - بتسكين الضاد و تخفيف الميم - هو المشهور في الخبر، و روي بفتح الضاد و تشديد الميم.

و روي أنّه كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ناقة يقال لها: العضباء، إذا سابقت سبقت، فجاء أعرابيّ علي بكر له فسبقها، فاشتدّ ذلك علي المسلمين و اغتمّوا لذلك، فقيل: يا رسول اللّه سبقت العضباء، فقال صلّي اللّه عليه و اله: «حقّ علي اللّه أن لا يرفع شيئا في الأرض إلاّ وضعه» و في بعضها: «أن لا يرفع شيئا في الناس إلاّ وضعه»(1).

و قال عليه السّلام: «رهان الخيل طلق»(2) أي: حلال.

و مرّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع» فأمسك الحزب الآخر و قالوا: لن يغلب حزب فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، فقال: «ارموا فإنّي أرمي معكم» فرمي مع كلّ واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا، فلم يزالوا يترامون و أولادهم و أولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا(3).

و عن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله علي قوم من أسلم يتناضلون بالسيوف، فقال: «ارموا بني إسماعيل فإنّ أباكم [كان](4) راميا»(5).2.

ص: 7


1- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 289:6-290، و فيه في الموضعين: «في الناس»، و بتفاوت في الألفاظ في صحيح البخاري 38:4-39، و سنن النسائي (المجتبي) 227:6.
2- أورده ابن الأثير في أسد الغابة 333:5 نقلا عن ابن مندة و أبي نعيم، و كذا الرافعي في العزيز شرح الوجيز 173:12.
3- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 290:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- صحيح البخاري 219:4، مسند أحمد 643:4-16093/644، السنن الكبري - للبيهقي - 17:10 بتفاوت في بعض الألفاظ، و نصّه في العزيز شرح الوجيز 173:12.

و من طريق الخاصّة: قولهم عليهم السّلام: «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل»(1).

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين الأمّة في جوازه علي الجملة و إن اختلفوا في تفاصيله.

مسألة 879: و يجوز شرط المال في عقد السبق و الرمي معا عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي(2) - لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:

«رهان الخيل طلق»(3) أي: حلال.

و قيل لعثمان: هل كنتم تراهنون علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ؟ قال:

نعم(4).

و قال عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(5).

و الأثبت من الرواية: السّبق، بفتح الباء، و هو المال الذي يدفع إلي السابق.

و روي: السّبق، بالتسكين، و هو مصدر «سبق يسبق».

و لأنّ الحاجة تدعو إليه؛ لأنّ هذا الفعل أمر مطلوب للشارع؛ لما فيه

ص: 8


1- الفقيه 136/42:4.
2- الحاوي الكبير 182:15، المهذّب - للشيرازي - 420:1 و 421، نهاية المطلب 229:18، الوجيز 28:2، حلية العلماء 462:5، التهذيب - للبغوي - 75:8، البيان 364:7 و 379، العزيز شرح الوجيز 173:12، روضة الطالبين 532:7.
3- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (2).
4- كما في الحاوي الكبير 182:15-183، و المهذّب - للشيرازي - 420:1، و البيان 364:7، و العزيز شرح الوجيز 173:12.
5- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (2).

من فائدة الاستعداد للقتال في جهاد أعداء اللّه تعالي، الذي هو من أعظم أركان الإسلام، و شرط المال فيه يقتضي زيادة الرغبة و الشوق إليه، فكان سائغا، كالأفعال التي يصحّ بذل المال عليها، كأفعال الإجارة و الجعالة التي قد لا يندب الشارع إليها، فتسويغ هذه يكون أولي.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز شرط المال في المسابقة و لا المراماة؛ لأنّه قمار(1) ، و عنه رواية أخري(2).

و الدليل ممنوع.

البحث الثاني: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب.

السّبق - بفتح الباء -: العوض، و هو الخطر و الندب و الرهن و القرع و الوجب، يقال: سبّق، بتشديد الباء: إذا أخرج السّبق الذي هو المال، و إذا أخذه و أحرزه أيضا، و هو من أسماء الأضداد.

و أمّا السّبق، بسكون الباء: فهو المصدر، و فعله: سبق.

و السابق هو المتقدّم بالعنق و الكتد، و قيل: بالأذن(3) ، و هو المجلّي، و الكتد هو الكاهل، و هو العالي ما بين أصل العنق و الظهر، و هو من الخيل مكان السنام من البقر، و هو مجتمع الكتفين، و الهادي هو العنق، و المصلّي هو الثاني؛ لأنّه يحاذي رأسه صلا المجلّي، و الصلوان هما العظمان الناتئان

ص: 9


1- تحفة الفقهاء 348:3، بدائع الصنائع 206:6، الاختيار لتعليل المختار 4: 267، روضة القضاة 8291/1328:3، النتف 864:2، الحاوي الكبير 15: 182، نهاية المطلب 229:18، حلية العلماء 469:5، التهذيب - للبغوي - 8: 75، العزيز شرح الوجيز 173:12 و 177.
2- نهاية المطلب 229:18، العزيز شرح الوجيز 174:12.
3- المغني 138:11، الشرح الكبير 145:11.

عن يمين الذّنب و شماله، و التالي هو الثالث، و البارع هو الرابع، و المرتاح هو الخامس، و الحظيّ هو السادس، و العاطف هو السابع، و المؤمّل هو الثامن، و اللطيم [هو] التاسع، و السكيت هو العاشر، و ليس لما بعد العاشر اسم إلاّ الذي يجيء آخر الخيل كلّها، فإنّه يقال له: الفسكل، و الفسكل:

الأخير بعد العاشر، و المحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ، و إن سبق لم يغرم، و الغاية: مدي السباق، و المناضلة: المسابقة و المراماة.

البحث الثالث: فيما تجوز المسابقة عليه.
مسألة 880: إنّما تصحّ المسابقة علي ما هو عدّة للقتال؛

إذ الغرض الأقصي إنّما هو الاستعداد للجهاد، و هو من الحيوان كلّ ما له خفّ، كالإبل و الفيلة، أو له حافر، كالفرس و الحمار و البغل(1).

و لا خلاف في المسابقة علي الخيل؛ لصدق اسم الحافر عليها.

و لقوله تعالي: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ (2) و لقوله تعالي: مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (3) و الإجماع دلّ عليه.

و يلحق بها الإبل في جواز المسابقة عليها؛ لقوله عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(4).

و أيضا العرب تقاتل عليها أشدّ القتال، و لا خلاف فيه أيضا، و لأنّ ما يتهيّأ للخيل من الانعطاف و الالتواء و سرعة الأقدام تشاركها الإبل فيها،

ص: 10


1- في الطبعة الحجريّة: و البغل و الحمار.
2- سورة الأنفال: 60.
3- سورة الحشر: 6.
4- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (2).

لكن في الخيل غني و فائدة في القتال، فاكتفي بها.

مسألة 881: و يجوز عقد المسابقة علي الفيلة أيضا؛

لدخولها تحت اسم الخفّ - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1) - لأنّ لها خفّا و يقاتل عليها كالإبل، و لأنّ الفيل أغني في القتال من غيره.

و الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد بن حنبل، و حكاه صاحب «البحر» فيه عن أبي حنيفة - للخبر(2) ، و لأنّه لا يحصل بها الكرّ و الفرّ، فلا معني للمسابقة عليها(3).

و الخبر حجّة لنا؛ لأنّ لها خفّا، و هو يسبق الخيل، فهو أولي بجواز المسابقة عليه من الخيل.

مسألة 882: و يدخل تحت الحافر الخيل و البغال و الحمير،

فتجوز المسابقة عليها أجمع عند علمائنا - و هو الذي نصّ عليه الشافعي(4) - لدخولها تحت اسم الحافر.

و عنه قول آخر: إنّه لا تجوز المسابقة عليهما(5) ؛ لأنّهما لا يصلحان

ص: 11


1- الحاوي الكبير 185:15، المهذّب - للشيرازي - 420:1، نهاية المطلب 18: 231، الوسيط 175:7، حلية العلماء 464:5، التهذيب - للبغوي - 76:8، البيان 364:7، العزيز شرح الوجيز 174:12، روضة الطالبين 533:7، المغني 130:11، الشرح الكبير 131:11.
2- راجع: الهامش (2) من ص 6.
3- نفس المصادر في الهامش (1).
4- المهذّب - للشيرازي - 420:1، حلية العلماء 464:5، التهذيب - للبغوي - 8: 76، البيان 365:7، العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.
5- أي: علي البغال و الحمير.

للكرّ و الفرّ، و لا يقاتل عليهما(1).

و الأوّل أصحّ؛ للنصّ(2).

و بعض الشافعيّة نقل عن الشافعي القطع بالجواز فيهما(3) ، و بعضهم نقل القطع بالمنع(4) ، و المشهور: أنّ فيهما قولين(5).

مسألة 883: و لا تجوز المسابقة علي الأقدام إلي موضع - كجبل أو غيره - لا بعوض و لا بغيره؛

لأنّه عليه السّلام نهي عن السبق إلاّ في الأشياء الثلاثة(6) ، و لأنّه ليس فيه استعمال آلة يستعان بها في الحرب.

و الشافعي فصّل فقال: إن كان بغير عوض جاز - و به قال أبو حنيفة - لما روي عن عائشة قالت: كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في غزاة، فقال:

«تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّي اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته برجلي فسبقته، فلمّا كان في غزاة أخري قال للقوم: «تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّي اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته فسبقني و كنت قد نسيت، فقال: «يا عائشة هذه بتلك» و كنت بدنت(7).

و عن عائشة قالت: سابقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله مرّتين فسبقته في الأولي فلمّا بدنت سبقني و قال: «هذه بتلك»(8).

و إن كان بعوض، فوجهان:

ص: 12


1- المهذّب - للشيرازي - 420:1، حلية العلماء 464:5، التهذيب - للبغوي - 8: 76، البيان 365:7، العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.
2- راجع: الهامش (2) من ص 6.
3- العزيز شرح الوجيز 175:12.
4- العزيز شرح الوجيز 175:12.
5- راجع: الهامش (1).
6- راجع: الهامش (2) من ص 6.
7- مسند أحمد 25745/377:7، السنن الكبري - للبيهقي - 18:10.
8- سنن أبي داود 29:3-2578/30، السنن الكبري - للبيهقي - 18:10.

أحدهما: يجوز - و به قال أهل العراق - لأنّ الرجل(1) قد يحتاج إلي ذلك في الحرب، كما يحتاج الفارس إلي عدو الفرس.

و الثاني - و هو المنصوص للشافعي، و به قال أحمد -: إنّه لا يجوز؛ لقوله صلّي اللّه عليه و اله: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(2) و تخالف الخيل؛ لأنّها آلة له، بخلاف الرجل(3).

و الحقّ عندنا: المنع، سواء كان بعوض أو بغير عوض؛ للرواية المشهورة(4) ، و حديث عائشة ضعيف عندنا؛ فإنّ منصب النبوّة أجلّ ممّا اشتمل الحديث عليه، و أيّ نقص أعظم من هذا الذي نسبوه إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله ؟ و هو أكمل أشخاص البشر.

مسألة 884: لا تجوز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق،

سواء كان بعوض أو بغير عوض، عند علمائنا؛ لأنّ ذلك ليس من آلات الحرب، و للخبر الدالّ علي المنع من المسابقة في غير الثلاثة(5).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الجواز مطلقا؛ لأنّها كالسهام.

و الثاني: الجواز إن لم يكن عوض، و المنع إن كان هناك عوض(6).

و كذا لا تجوز المسابقة علي إشالة الحجر باليد؛ لأنّها لا تنفع في

ص: 13


1- الرجل، أي: الراجل. تهذيب اللغة 29:11 «رجل».
2- راجع: الهامش (2) من ص 6.
3- العزيز شرح الوجيز 176:12، روضة الطالبين 533:7، المغني 128:11 و 129-130، الشرح الكبير 129:11-130.
4- راجع: الهامش (2) من ص 6.
5- راجع: الهامش (2) من ص 6.
6- العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.

الحرب، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم بالجواز(2).

و أمّا مداحاة(3) الأحجار - و هو أن يرمي كلّ واحد الحجر إلي صاحبه - فلا تجوز عندنا - و هو قول الشافعيّة(4) - كما لا يجوز أن يرمي كلّ واحد السهم إلي صاحبه.

و كذا لا يجوز أن يسابق علي أن يدحو حجرا أو يدفعه من مكان إلي مكان ليعرف به الأشدّ، لا بعوض و لا بغير عوض؛ لأنّه لا يقاتل بها.

مسألة 885: تجوز المسابقة بالسيوف و الرماح علي معني التردّد بها

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(5) - لقوله صلّي اللّه عليه و اله: «أو نصل»(6) و لأنّها من أعظم آلات القتال، و استعمالها يحتاج إلي تعلّم و تحذّق، و في تجويز السبق حمل عليه و ترغيب فيه، فكان جائزا.

و القول الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد - لأنّها لا يرمي بها و لا تفارق صاحبها(7).

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.
2- العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.
3- في «ر»: «مراماة» بدل «مداحاة»، و راجع: النهاية - لابن الأثير - 106:2 «دحا».
4- العزيز شرح الوجيز 175:12، روضة الطالبين 533:7.
5- الحاوي الكبير 186:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، حلية العلماء 5: 466، التهذيب - للبغوي - 76:8، البيان 367:7، العزيز شرح الوجيز 12: 175، روضة الطالبين 533:7، المغني 130:11، الشرح الكبير 131:11.
6- راجع: الهامش (2) من ص 6.
7- الحاوي الكبير 186:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، حلية العلماء 5: 466، التهذيب - للبغوي - 76:8، البيان 367:7، العزيز شرح الوجيز 12: 175، روضة الطالبين 533:7، المغني 129:11-130، الشرح الكبير 11: 130-131.

و ليس ذلك مانعا عندنا.

مسألة 886: قد بيّنّا أنّه لا تجوز المسابقة علي الأقدام،

و المسابقة علي السباحة أولي بالمنع، و به قال الشافعيّة(1).

و لهم قول آخر: تجوز(2) المسابقة علي الأقدام، ففي جواز المسابقة علي السباحة علي هذا القول وجهان عندهم، و الفرق: أنّ الماء يؤثّر في السباحة، و الأرض لا تؤثّر في السعي(3) ، و المشهور عندهم: المنع(4).

و اعلم أنّ المسابقة بالأقدام ضربان، أحدهما(5): أن يتعاديا فأيّهما سبق صاحبه فهو السابق، أو يكون المدي شيئا معلوما.

و كلاهما عندنا غير جائز لا بعوض و لا بغيره.

و تجوز عند الشافعيّة بغير عوض، و مع العوض لهم قولان(6).

مسألة 887: لا تجوز المسابقة علي المصارعة لا بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع؛

لعموم نهيه صلّي اللّه عليه و اله عن السبق إلاّ في ثلاثة: الخفّ و الحافر و النصل(7) ، و لأنّه ليس بآلة للحرب، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يجوز بعوض و بغيره(8) ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه خرج

ص: 15


1- الحاوي الكبير 185:15، العزيز شرح الوجيز 176:12.
2- في «د»: «بجواز» بدل «تجوز».
3- الحاوي الكبير 185:15، العزيز شرح الوجيز 176:12.
4- المهذّب - للشيرازي - 421:1، التهذيب - للبغوي - 76:8، العزيز شرح الوجيز 176:12.
5- الأنسب التعبير ب «إمّا» بدل «أحدهما».
6- العزيز شرح الوجيز 176:12، روضة الطالبين 533:7.
7- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (2).
8- الحاوي الكبير 186:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، حلية العلماء 5: 465، التهذيب - للبغوي - 77:8، البيان 366:7، العزيز شرح الوجيز 12: 176، روضة الطالبين 533:7.

إلي الأبطح فرأي يزيد بن ركانة يرعي أعنزا له، فقال للنبي صلّي اللّه عليه و اله: هل لك في أن تصارعني ؟ فقال له النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّي اللّه عليه و اله، فقال له يزيد: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّي اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّي اللّه عليه و اله: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّي اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّي اللّه عليه و اله: أعرض عليّ الإسلام فما أحد وضع جنبي علي الأرض، فعرض عليه الإسلام، فأسلم و ردّ عليه غنمه(1).

و لا تجوز المسابقة علي المشابكة باليد.

و للشافعي قولان(2).

مسألة 888: لا تجوز المسابقة علي الطيور من الحمامات و غيرها بالعوض عند علمائنا

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3) - لظاهر الخبر(4) ، و لأنّها ليست من آلات القتال.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها يحتاج إليها في الحروب، و تحمل الكتب، و يحتاج إلي استعلام أحوال العدوّ و أخباره، و تفيد التطلّع عليه، و يحتاج إلي السابق منها(5).

ص: 16


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 186:15.
2- الحاوي الكبير 186:15، حلية العلماء 466:5، العزيز شرح الوجيز 12: 177، روضة الطالبين 533:7.
3- الحاوي الكبير 186:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، الوسيط 176:7، الوجيز 218:2، حلية العلماء 464:5، التهذيب - للبغوي - 77:8، البيان 7: 366، العزيز شرح الوجيز 176:12، روضة الطالبين 533:7، المغني و الشرح الكبير 130:11.
4- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (2).
5- البيان 365:7، مضافا إلي المصادر المزبورة في الهامش (3).

قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: فأمّا المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم - يعني العامّة - و إن كان بعوض فعلي قولين، و عندنا لا يجوز؛ للخبر(1).

و هذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض، مع أنّ المشهور عندنا أنّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب، و يكره للتفرّج و التطيير، و لا خلاف في تحريم الرهان عليها.

مسألة 889: لا تجوز المسابقة علي المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب

مسألة 889: لا تجوز المسابقة علي المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب(2) عند علمائنا

- و هو أحد قولي الشافعيّة(3) - لأنّ سبقها بالملاّح، لا بمن يقاتل فيها، و لأنّ الحرب لا تقع بها و إنّما تقع فيها.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها آلة للحرب، فإنّ الحرب قد تقع في البحر كما تقع في البرّ، و هي في الماء كالخيل في البرّ(4).

و ليس بشيء؛ لما تقدّم من أنّ الحرب تقع فيها كالأرض، و ليست آلة للحرب.

مسألة 890: و لا تجوز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديكة لا بعوض و لا بغير عوض

- و به قال الشافعي(3) - للخبر(4).

ص: 17


1- المبسوط 292:6.
2- الزبزب: نوع من السّفن. لسان العرب 446:1 «زبب». (3الي4) الحاوي الكبير 185:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، حلية العلماء 5: 465، التهذيب 77:8، البيان 366:7، العزيز شرح الوجيز 176:12، روضة الطالبين 533:7، المغني و الشرح الكبير 130:11.
3- الحاوي الكبير 186:15، العزيز شرح الوجيز 176:12، روضة الطالبين 7: 533.
4- راجع: الهامش (2) من ص 6.

و كذا لا تجوز المسابقة علي ما لا ينتفع به في الحرب، كاللعب بالشطرنج و النرد و الخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف علي رجل واحدة و معرفة ما في اليد من الفرد و الزوج و سائر الملاعب، و لا اللبث في الماء.

و جوّزه بعض الشافعيّة(1)(2). و ليس بجيّد.

البحث الرابع: في الشرائط.
اشارة

و هي اثنا عشر.

الأوّل: أن يكون ما ورد العقد عليه عدّة للقتال، فإنّ المقصود منه التأهّب للقتال، و لهذا فإنّ الأجود أنّه لا يجوز السبق و الرمي من النساء؛ لأنّهنّ لسن من أهل الحرب.

الثاني: العقد، و لا بدّ فيه من إيجاب و قبول لتحقّق العلم بالرضا الباطن؛ لأنّه إنّما يعرف بواسطة الألفاظ الدالّة عليه.

و قيل: لا يشترط القبول لفظا؛ لأنّه جعالة يكفي فيها الإيجاب، و هو البذل(3) ، فإذا بذل أحدهما المال، لم يشترط من صاحبه القبول بالقول، كما لا يشترط في الجعالة لمعيّن، و هو أن تقول لشخص معيّن: إن رددت عبدي فلك كذا، و إن قلنا بأنّه لازم، وجب شرط اللفظ في القبول.

الثالث: تقدير المسافة، و إنّما يتحقّق بتعيين الابتداء و الانتهاء، و تعيين الموقف الذي يبتدئان بالجري منه و الغاية التي يجريان إليها؛ لأنّ

ص: 18


1- في الطبعة الحجريّة: «بعضهم» بدل «بعض الشافعيّة».
2- العزيز شرح الوجيز 177:12، روضة الطالبين 533:7.
3- كما في شرائع الإسلام 237:2، و راجع: المبسوط - للطوسي - 367:2، و الخلاف 105:6، المسألة 9.

النبي صلّي اللّه عليه و اله سابق من الحفياء إلي ثنيّة الوداع علي الخيل المضمرة، و من الثنيّة إلي مسجد بني زريق علي الخيل غير المضمرة(1) ، فلو لم يعيّنا المبدأ أو لم يعيّنا المنتهي بأن شرطا المال لمن سبق منهما حيث سبق، لم يجز؛ لأنّه إذا لم تكن هناك غاية معيّنة فقد يديمان السير حرصا علي المال و يتعبان و تهلك الدابّة.

و لأنّ من الخيل ما يقوي سيره في ابتداء المسافة ثمّ يأخذ في الضعف، و هو عتاق الخيل، و صاحبه يبغي قصر المسافة، و منها ما يضعف سيره في الابتداء ثمّ يقوي و يشتدّ في الانتهاء، و هو هجانها، و صاحبه يبغي طول المسافة، فإذا اختلف الغرض فلا بدّ من الإعلام و التنصيص علي ما يقطع النزاع، كما يجب التنصيص علي تقدير الثمن في البيع، و الأجرة في عقد الإجارة.

و لأنّ ذلك يفضي إلي إجراء الخيل حتي تنقطع فتهلك، طلبا للسبق، فمنع منه.

و لو عيّنا غاية و شرطا أنّ السبق إن اتّفق في وسط الميدان كفي و كان السابق فائزا، فالأقرب: المنع - و هو أحد قولي الشافعيّة(2) - لأنّا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان لاعتبرنا السبق بلا غاية معيّنة، و لأنّه قد تسبق الفرس ثمّ تسبق، و الاعتبار إنّما هو بآخر الميدان، ألا تري أنّهما إذا لم يشترطا أنّ السابق في خلال الميدان فائز فسبق أحدهما في خلاله و سبق الآخر في آخره يكون السابق الثاني.7.

ص: 19


1- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (5).
2- الوسيط 177:7، الوجيز 218:2، البيان 374:7، العزيز شرح الوجيز 12: 178، روضة الطالبين 534:7.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ؛ لأنّه سبق كالسبق إلي الغاية(1).

و الوجه: الأوّل.

و لو عيّنا غاية و قالا: إن اتّفق السبق عندها فذاك، و إلاّ تعدّياها(2) إلي غاية أخري اتّفقا عليها، فالأقرب: الجواز؛ لحصول الإعلام، و كون كلّ واحد من المستبقين سبقا إلي غاية معيّنة، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يجوز؛ لتردّد المعقود عليه(3).

تذنيب: لو استبقا بغير غاية لينظر أيّهما يقف أوّلا، لم يجز؛ لما تقدّم.

مسألة 891: يشترط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق الذي يبتدئان بالجري منه،

و في الغاية التي يجريان إليها؛ لما تقدّم(4) من الخبر، و هو أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلي ثنيّة الوداع، فلو شرطا تقدّم موقف أحدهما أو تقدّم غايته، لم يجز؛ لأنّه مناف للغرض؛ إذ المقصود من المسابقة معرفة فروسيّة الفارس وجودة سير الفرس، و إنّما يعرف ذلك مع تساوي المبدأ و المنتهي فيهما؛ إذ مع التفاوت لا يعرف ذلك؛ لاحتمال أن يكون السبق حينئذ لقصر المسافة، لا لحذق الفارس، و لا لفراهة الفرس.

الشرط الرابع: تعيين الخطر - و هو المال الذي تسابقا عليه - جنسا و قدرا؛ لأنّه عوض عن فعل محلّل، فشرط فيه العلم، كالإجارة، فلو شرطا

ص: 20


1- الوسيط 177:7، الوجيز 218:2، البيان 374:7، العزيز شرح الوجيز 12: 178، روضة الطالبين 534:7.
2- في «د، ص»: «تعدّيناها».
3- الوسيط 177:7، العزيز شرح الوجيز 179:12، روضة الطالبين 534:7.
4- في ص 6 و 19.

مالا و لم يعيّناه، أو تسابقا علي ما يتّفقان عليه أو علي ما يحكم به زيد، بطل العقد؛ لما فيه من الغرر، و لإفضائه إلي التنازع، و هو ضدّ حكمة الشارع.

و ليس المال شرطا(1) في عقد المسابقة، بل تعيينه لو شرط.

و لو تسابقا علي مثل ما تسابق به زيد و عمرو، فإن علماه حالة العقد صحّ، و إلاّ بطل.

و يجوز أن يكون المال دينا و عينا؛ لأنّه كعوض المبيع و المستأجر.

و كذا يصحّ أن يكون العوض حالاّ و مؤجّلا، كما يصحّ في الثمن و مال الإجارة و غيرهما من الأعواض ذلك.

و إذا شرط الأجل، فلا بدّ من تعيينه؛ تحرّزا من الغرر المنهيّ عنه(2).

مسألة 892: إذا تضمّن عقد المسابقة مالا،

فإمّا أن يخرجه المتسابقان معا أو أحدهما أو ثالث غيرهما، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يخرج المال غير المتسابقين، فذلك الغير إمّا أن يكون هو الإمام أو غيره، فإن كان هو الإمام جاز إجماعا، سواء كان من ماله أو من بيت المال؛ لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله سابق بين الخيل و جعل بينهما سبقا(3).

و لأنّ ذلك يتضمّن حثّا علي تعلّم الجهاد و الفروسيّة و إعداد أسباب القتال، و فيه مصلحة للمسلمين و طاعة و قربة، فكان سائغا.

و إن كان غير الإمام، جاز أيضا عند علمائنا - و به قال الشافعي(4) - لأنّه

ص: 21


1- في «ص»: «بشرط».
2- الخلاف 319:3، المسألة 13 من كتاب الضمان.
3- العزيز شرح الوجيز 182:12.
4- الحاوي الكبير 189:15، المهذّب - للشيرازي - 422:1، نهاية المطلب 18: -

بذل مال في طاعة و قربة و طريق مصلحة للمسلمين، فكان جائزا، و يثاب عليه إذا نوي.

و قال مالك: لا يجوز أن يخرج المال غير المتسابقين ثالث غير الإمام؛ لأنّ ذلك ممّا يحتاج إليه في الجهاد، فاختصّ بالإمام؛ لاختصاص النظر في الجهاد به(1).

و هو غلط؛ لما بيّنّا من اشتماله علي بذل مال في طريق مصالح المسلمين، فكان جائزا، كما لو اشتري لهم خيلا أو سلاحا، و قد ثبت(2) أنّ ما فيه معونة علي الجهاد يجوز أن يفعله غير الإمام، كارتباط الخيل و إعداد الأسلحة، و لأنّ ما جاز أن يخرجه الإمام من بيت مال المسلمين جاز أن يتطوّع به كلّ واحد من المسلمين، كبناء المساجد و القناطر.

الثاني: أن يخرج مال المسابقة أحد المتسابقين بأن يقول لصاحبه:

أيّنا سبق فله عشرة، إن سبقت أنت فلك عشرة، و إن سبقت أنا فلا شيء عليك.

و هو جائز عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله مرّ7.

ص: 22


1- الاستذكار 20470/311:14، الحاوي الكبير 189:15، حلية العلماء 5: 469، البيان 368:7، العزيز شرح الوجيز 182:12، المغني 131:11، الشرح الكبير 136:11.
2- في الطبعة الحجريّة: «سبق» بدل «ثبت».
3- المهذّب - للشيرازي - 423:1، الوسيط 179:7، التهذيب - للبغوي - 8: 78، البيان 368:7، العزيز شرح الوجيز 182:12، روضة الطالبين 536:7، الاستذكار 20476/312:14 و 20477.

بحزبين من الأنصار يتناضلون و قد سبق أحدهما الآخر، فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع»(1) فأقرّهما علي ذلك، و لأصالة الجواز، و لانتفاء المانع منه، فإنّه لا مانع من أن يخرج أحد المتسابقين المال دون الآخر، و يشترطا إن سبق مخرج المال أحرز مال نفسه، و لا شيء علي المسبوق، و إن سبق الآخر أخذ مال المخرج؛ لأنّه يصير غير المخرج منهما محلّلا، فخرج به عن سلك القمار.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّه قمار(2).

و هو غلط؛ لأنّ القمار لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فهو متردّد بينهما، و هنا لا خطر علي أحدهما، و ليس أحدهما متردّدا بين أن يغنم أو يغرم، أمّا المخرج فإنّه متردّد بين أن يغرم و بين أن لا يغرم، و أمّا الآخر فمتردّد بين أن يغنم و بين أن لا يغنم، و لا يغرم بحال.

الثالث: أن يخرج السّبق المتسابقان معا بأن يخرج كلّ واحد منهما - مثلا - عشرة، و يأخذ المالين معا السابق منهما.

و هو جائز مطلقا عندنا؛ للأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز إلاّ بالمحلّل(3) ، و معناه أن يكون معهما ثالث7.

ص: 23


1- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 103:6-104، المسألة 6، و البيان 7: 368، و العزيز شرح الوجيز 205:12.
2- التهذيب - للبغوي - 78:8، البيان 368:7، العزيز شرح الوجيز 182:12، المغني 131:11، الشرح الكبير 136:11.
3- الأم 230:4، مختصر المزني: 287، الحاوي الكبير 192:15، المهذّب - للشيرازي - 422:1، نهاية المطلب 236:18، الوسيط 178:7، الوجيز 2: 218، حلية العلماء 470:5، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 368:7 - 369، العزيز شرح الوجيز 182:12-183، روضة الطالبين 536:7.

في السباق إن سبق أخذ السبقين معا، و إن سبق لم يغرم؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أدخل فرسا بين فرسين و قد أمن أن يسبق فهو قمار، و إن لم يأمن أن يسبق فليس بقمار»(1).

وجه الدلالة: أنّه إذا علم أنّ الثالث لا يسبق فهو قمار، و إذا لم يكن معهما الثالث فهو أولي بأن يكون قمارا، و الدلالة من أوّل الخبر، و هو أنّهما لو تسابقا و أدخلا بينهما ثالثا قد أيس أن يسبق لضعف فرسه و قوّة الآخرين فهو قمار؛ لأنّه قد علم و عرف أنّه لا يسبق و لا يأخذ شيئا، فإذا لم يجز هذا و معهما ثالث قد أيس أن يسبق فبأن لا يجوز إذا لم يكن معهما ثالث بحال أولي؛ لأنّه عليه السّلام قد جعله قمارا إذا أيس أن يسبق؛ لأنّه لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فإذا لم يكن معهما ثالث كان أولي بذلك.

و أمّا إذا كان بينهما محلّل - و هو أن يكون معهما ثالث إن سبق أخذ السبقين، و إن سبق لم يغرم - جاز، و به قال الشافعي(2).

و الأصل فيه أنّ إباحة السبق معتبرة بما خرج عن معني القمار، و القمار هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانما إن أخذ أو غارما إن أعطي، فإذا لم يدخل بينهما محلّل كانت هذه حالهما، و كان قمارا، و إذا دخل بينهما محلّل غير مخرج، يأخذ إن سبق، و لا يعطي إن سبق، خرج من معني القمار، فحلّ.7.

ص: 24


1- سنن أبي داود 2579/30:3، سنن ابن ماجة 2876/960:2، السنن الكبري - للبيهقي - 20:10، المستدرك - للحاكم - 114:2.
2- الحاوي الكبير 192:15، المهذّب - للشيرازي - 422:1، نهاية المطلب 18: 236، الوجيز 218:2، حلية العلماء 470:5، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 368:7-369، العزيز شرح الوجيز 183:12، روضة الطالبين 536:7.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّه قمار(1) ، و هو قول(2) ابن خيران من الشافعيّة؛ لأنّ فيهم من يغنم تارة، و يغرم أخري فلم يجز، كما لو لم يكن بينهما محلّل(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ فيهم من يغنم و لا يغرم، فأشبه ما إذا أخرج أحدهما السّبق.

و هذا الداخل سمّي محلّلا؛ لأنّ العقد صحّ به، فصار حلالا.

و الوجه: ما قلناه، و نمنع كونه قمارا بدون المحلّل.

تنبيه: إذا بذل العوض، لم يكلّف الباذل البدأة بتسليمه، بخلاف الأجر، حيث يسلّمه إلي المؤجر بالعقد المطلق؛ لأنّ الأمر في المسابقة مبنيّ علي الخطر، فيعتدّ فيه بالعمل.

الشرط الخامس: تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة؛ لأنّ المقصود من المسابقة امتحان الفرس لتعرف شدّة سيره و تضمير الخيل و تمرينها علي العدو، و كلّ واحد من هذين المعنيين يقتضي وجوب التعيين، فإن أحضرت الأفراس و عقد العقد علي أعيانها جاز إجماعا.

و إن لم تحضر و وصفت و عقد العقد علي الوصف ثمّ أحضرت، فالأقرب: المنع؛ لأنّ المعوّل في المسابقة علي أعيان الخيل، فلا يكفي الوصف، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الجواز؛ لأنّ الوصف و الإحضار بعده يقومان مقام التعيين في3.

ص: 25


1- الاستذكار 20469/311:14 و 20470، البيان 369:7.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و به قال» بدل «و هو قول».
3- المهذّب - للشيرازي - 423:1، البيان 369:7، العزيز شرح الوجيز 12: 183.

العقد في السّلم و في عقود الربا، فكذا هنا(1).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ الغرض هنا متعلّق بالشخص، و في السّلم و غيره بالكلّي، فافترقا.

تذنيب: إذا عيّنا الفرسين في العقد، لم يجز إبداله؛ لأنّه خلاف المشروط.

الشرط السادس: تساوي الدابّتين في الجنس، فلا تجوز المسابقة بين الخيل و البغال، و لا بين الإبل و الفيلة، و لا بين الإبل و الخيل - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه مناف للغرض من استعلام قوّة الفرس و تمرينها علي السباق مع جنسها.

و الأقرب: عدم اشتراط تساويهما صنفا، فتجوز المسابقة في الخيل بين العربي و البرذون، و في الإبل بين البختي و العرابي؛ لتناول اسم الجنس للصنفين، سواء تباعد الصنفان، كالعتيق و الهجين من الخيل، و النجيب و البختي من الإبل، أو لا، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إذا تباعدا، لم يجز، و صار كالجنسين(4). و هو بعيد.

الشرط السابع: تساوي الدابّتين في احتمال السبق، فلو كان أحدهما7.

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 187:12، روضة الطالبين 539:7.
2- الحاوي الكبير 187:15، المهذّب - للشيرازي - 421:1، الوجيز 219:2، الوسيط 181:7، حلية العلماء 466:5، التهذيب - للبغوي - 85:8، البيان 7: 373، العزيز شرح الوجيز 186:12، روضة الطالبين 538:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 421:1، الوجيز 219:2، التهذيب - للبغوي - 84:8، البيان 373:7، العزيز شرح الوجيز 186:12، روضة الطالبين 538:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 421:1-422، حلية العلماء 466:5-467، التهذيب - للبغوي - 85:8، البيان 373:7، العزيز شرح الوجيز 186:12، روضة الطالبين 538:7.

ضعيفا يعلم قصوره عن الآخر، لم يجز؛ لأنّ الغرض الاستعلام، و إنّما يصحّ مع الجهل؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، فمع العلم يكون الفعل عبثا، فوجب أن يشترط في المسابقة كون كلّ واحد من الفرسين بحيث يجوز أن يسبق الآخر، فلو كان أحدهما ضعيفا يعلم تخلّفه أو فارها يقطع بتقدّمه، لم يجز.

و كذا فرس المحلّل يجب أن يشترط فيه ذلك إن أدخلا المحلّل، فلو كان معهما فرسان عربيّان جوادان و معه برذون لا يسبقهما، لم يجز، و كان قمارا، و إن كان فرس المحلّل مكافئا لفرسهما جاز.

الشرط الثامن: إرسال الدابّتين دفعة، فلو أرسل أحدهما دابّته قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أم لا، لم يجز؛ لأنّه مناف للغرض من العقد.

الشرط التاسع: جعل العوض أو أكثره للسابق منهما أو منهما و من المحلّل، فلو جعل العوض لغيرهما لم يجز؛ لأنّه مفوّت للغرض من عقد المسابقة؛ إذ الغرض التحريض في طلب العوض و خشية المنع.

و جوّز بعض فقهائنا(1) أن يشترط أحدهما في العقد أن يطعم(2) المال لحزبه.

العاشر: أن يستبقا علي الدابّتين بالركوب، فلو شرطا إرسال الدوابّ لتجري بنفسها فالعقد باطل؛ لأنّها تتنافر بالإرسال، و لا تقصد الغاية، بخلاف الطيور إن جوّزنا المسابقة عليها؛ لأنّ لها هداية إلي قصد الغاية.

الحادي عشر: أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها، و لا ينقطعان دونها، فإن كانت بحيث لا ينتهيان إلي غايتها إلاّ بانقطاع و تعب».

ص: 27


1- لم نتحقّقه.
2- في «د، ص»: «إطعام» بدل «أن يطعم».

بطل العقد.

الثاني عشر: عدم تضمّن العقد شرطا فاسدا، فلو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و لا أرمي بعد هذا أبدا، أو: لا أناضلك إلي شهر، بطل العقد؛ لأنّه شرط ترك قربة مرغّب فيها، ففسد و أفسد العقد.

البحث الخامس: في الأحكام.
مسألة 893: اختلف الفقهاء في

مسألة 893: اختلف الفقهاء في(1) عقد المسابقة و المراماة هل هو لازم كالإجارة، أو جائز كالجعالة ؟

فقال بعضهم بالأوّل - و هو الأقوي - لعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) مقتضاه: الأمر بالإيفاء بالعقد، و أصل الأمر للوجوب، و هو يستلزم اللزوم، و لأنّه عقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه معلوما من الجانبين، فكان لازما، كالإجارة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه جائز من الطرفين - و به قال أبو حنيفة، و هو الذي قوّاه الشيخ(3) رحمه اللّه - لأنّه عقد يبذل فيه العوض علي ما لا يوثق به، و لا تتحقّق القدرة علي تسليمه، فكان جائزا غير لازم، كالجعالة و ردّ الآبق(4).

ثمّ اختلف أصحاب الشافعي في محلّ القولين.

ص: 28


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «هذا».
2- سورة المائدة: 1.
3- المبسوط - للطوسي - 300:6.
4- الحاوي الكبير 183:15، نهاية المطلب 240:18، الوجيز 219:2، الوسيط 183:7، حلية العلماء 463:5، التهذيب - للبغوي - 89:8، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 541:7، المغني 132:11، الشرح الكبير 143:11.

فقال بعضهم: إن أخرج المال أحد المتسابقين أو غيرهما، فهو جعالة، و إن أخرجاه معا، ففيه القولان(1).

و الظاهر عندهم: طرد القولين في جميع الصّور، سواء أخرجاه معا أو أحدهما أو غيرهما(2).

و نقل الجويني طريقين:

أظهرهما: إنّ القولين في من التزم المال، فأمّا من لا يغرم شيئا و قد غنم، فالعقد جائز في حقّه بلا خلاف بينهم؛ لأنّه لا يستحقّ عليه شيء، و قد يكن العقد جائزا من أحد الطرفين دون الآخر، كالرهن و الكتابة عند بعضهم.

و الثاني: طرد القولين في من لا يغرم شيئا، فكأنّ باذل المال أراد أن يستفيد من عمل صاحبه في الركض و الرمي، فهو كالمستأجر، و صاحبه كالأجير له(3).

مسألة 894: إن قلنا: إنّ العقد لازم، لم يكن لأحدهما فسخ العقد إلاّ بالتقايل بينهما منه.

نعم، إن بان العوض المعيّن معيبا، ثبت حقّ الفسخ.

و ليس لأحدهما أن يجلس و يترك العمل و المال إن كان مسبوقا، و كذا إن كان فاضلا و احتمل الحال أن يدركه الآخر و يسبقه، و إلاّ فله الترك؛ لأنّه

ص: 29


1- المهذّب - للشيرازي - 420:1، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 541:7.
2- التهذيب - للبغوي - 89:8، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 7: 541.
3- نهاية المطلب 240:18-241، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 541:7.

يترك حقّ نفسه.

و إن قلنا: إنّه جائز، فلكلّ منهما فسخ العقد، و أن يجلس و يترك العمل قبل الشروع فيه قطعا، و كذا بعد الشروع إن لم يكن لأحدهما فضل علي الآخر، و إن كان لأحدهما فضل، فالأقرب: أنّه ليس له ذلك إلاّ برضا صاحبه، و إلاّ لزم أن لا يسبق أحد أحدا، و أنّه يعرض عن العمل إذا أحسّ بغلبة صاحبه له.

و لا خلاف في بطلان العقد علي تقديري اللزوم و الجواز بموت الرامي و الفرس، و لا يبطل بموت الفارس إن قام الوارث بالتمام، علي إشكال.

مسألة 895: إن قلنا بجواز العقد، جازت الزيادة و النقصان في العمل و في المال بالتراضي.

و إن قلنا بلزومه، لم يكن لأحدهما الزيادة في العمل و المال و لا النقصان إلاّ أن يفسخا العقد الأوّل و يستأنفا عقدا آخر؛ لأنّ العقد تمّ و لزم بالإيجاب و القبول، فلا تتطرّق إليه الزيادة في أحد العوضين و لا النقصان منه، كالعقود اللازمة.

مسألة 896: المال الذي جعل للسابق إمّا أن يكون دينا أو عينا.

فإن كان عينا - مثل أن يقول الباذل: سبّقتك هذه العشرة المعيّنة إن سبقتني فهي لك - لم يجز أخذ الرهن عليه و لا الضمان به؛ لأنّ الأعيان لا تستوفي من رهن و لا ضامن، فلم يصح فيها رهن و لا ضمان.

و إن كان في الذمّة، لا يصحّ الضمان و لا الرهن عليه قبل تمام العمل إن قلنا بأنّه عقد جائز، كالجعالة.

ص: 30

و للشافعيّة خلاف هنا كالخلاف بينهم في ضمان الجعل في الجعالة و الرهن به قبل تمام العمل(1).

و قد رتّب بعضهم الرهن علي الضمان، فقال: إن لم يصح الضمان لم يصح الرهن، و إن صحّ الضمان ففي الرهن وجهان؛ لأنّ الضمان أوسع بابا من الرهن، و لذلك يجوز [ضمان](2) الدرك، و لا يجوز الرهن به(3).

و يخرّج من هذا الترتّب عندهم ثلاثة أوجه ثالثها: أنّه يصحّ ضمانه، و لا يصحّ الرهن به(4).

هذا إذا(5) قلنا بأنّه عقد جائز، و إن قلنا بأنّه لازم، جاز ضمان المال و الرهن عليه قبل العمل، و هو قول أكثر الشافعيّة(6).

و قال القفّال منهم: إنّ وجوب البدأة بتسليم العمل يدلّ علي أنّ المال لا يستحقّ إلاّ بالعمل، و حينئذ يكون ضمانه ضمان ما لم يجب، و جري سبب وجوبه.

قال: و ضمان هذا أبعد من ضمان نفقة الغد، فإنّ الظاهر استمرار النكاح و الطاعة، و سبق من شرط له السّبق أمر [مغيّب](7)(8).2.

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 541:7-542.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- نهاية المطلب 242:18، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 542:7.
4- نهاية المطلب 242:18، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 542:7.
5- في النّسخ الخطّيّة: «إن» بدل «إذا».
6- نهاية المطلب 242:18، العزيز شرح الوجيز 191:12، روضة الطالبين 542:7.
7- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ضعيف». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز، و هو مفاد ما في نهاية المطلب.
8- نهاية المطلب 242:18-243، العزيز شرح الوجيز 192:12.

و قال بعضهم: الاستحقاق موقوف مراعي، فإذا سبق تبيّنا الاستحقاق بالعقد(1).

و يجوز ضمان السبق بعد الفراغ من العمل و الرهن به علي القولين، سواء قلنا: إنّه جائز أو لازم.

مسألة 897: إذا كان العوض في المسابقة عينا،

وجب علي المسبّق تسليمها إلي السابق بعد العمل، فإن امتنع أجبره الحاكم، فإن دافع، حبسه علي ذلك؛ لأنّه حقّ وجب عليه دفعه إلي مالكه فيحبس علي منعه.

و لو تلفت العين في يده بعد المطالبة و التقصير منه، لزمه الضمان، و لو تلفت في يده قبل العمل، انفسخ العقد؛ لتعذّر العوض.

و لو عاق مرض و شبهه، لم يبطل العقد، بل ينتظر زواله.

و لو كان العوض دينا و كمل العمل، وجب علي باذله دفعه إلي السابق، فإن امتنع من دفعه مع تمكّنه منه حبس علي ذلك، و لو كان معسرا أنظر إلي اليسار.

مسألة 898: لو اشتري منه ثوبا و عاقد عقد السبق بعشرة،

فإن قلنا: إنّ عقد المسابقة لازم، فهو كما لو جمع بين بيع و إجارة، و هو جائز عندنا.

و للشافعي قولان(2).

و إن جعلناها جائزة، فالأقوي عندي: الجواز؛ لأصالة الصحّة، و انتفاء المانع من الجواز.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجمع بين جعالة لا تلزم و بيع يلزم في

ص: 32


1- نهاية المطلب 243:18، العزيز شرح الوجيز 192:12.
2- العزيز شرح الوجيز 192:12، روضة الطالبين 542:7.

صفقة واحدة لا يمكن(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ هذا العقد في الحقيقة قد اشتمل علي معاملتين، إحداهما جائزة، و الأخري لازمة، و لا منافاة بينهما، و لا يخرج كلّ واحد منهما عن مقتضاه باعتبار انضمام الآخر إليه، بل كلّ واحد منهما باق علي حكمه الثابت له حالة الانفراد، و يقسّط العوض المسمّي علي ثمن المثل و سبق المثل.

مسألة 899: لو فسد عقد المسابقة و ركض المتسابقان علي فسادها و سبق الذي لو صحّت المسابقة لاستحقّ السّبق المشروط،

قال الشيخ رحمه اللّه:

لا يستحقّ شيئا علي باذل المال؛ لأنّه لم يعمل له شيئا، و فائدة عمله ترجع إليه، بخلاف ما إذا عمل في الإجارة أو الجعالة الفاسدتين، فإنّه يرجع العامل إلي أجرة المثل؛ لأنّ فائدة العمل ترجع إلي المستأجر و الجاعل(2).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه لا يستحقّ الناضل شيئا؛ لأنّه لم يفوّت عليه عمله، و لا عاد نفع ما فعله إليه.

و قال أكثرهم: تجب له أجرة مثله؛ لأنّ كلّ عقد استحقّ المسمّي في صحيحه فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل، كالإجارة، و العمل في القراض قد لا ينتفع به المالك و مع ذلك يكون مضمونا(3).

فعلي هذا إن كان الفساد لخلل في السّبق، كتعذّر تموّله بأن يكون

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 192:12، روضة الطالبين 542:7.
2- راجع: المبسوط - للطوسي - 302:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 426:1، نهاية المطلب 244:18-245، الوجيز 2: 219، الوسيط 183:7-184، التهذيب - للبغوي - 90:8-91، البيان 7: 387، العزيز شرح الوجيز 192:12-193، روضة الطالبين 542:7.

خمرا أو خنزيرا أو مجهولا، فالرجوع إلي أجرة المثل لا غير، و لا ينظر إلي القدر الذي سبق به، بل يعتبر جميع ركضه؛ لأنّه سبق بمجموع عمله لا بذلك القدر.

و إن كان لا يتعذّر تموّله بأن كان مغصوبا أو كان الفساد لمعني في غير السّبق كتفاوت الموقف أو الغاية، فلهم طريقان:

أحدهما: أنّ فيه قولين: الرجوع إلي قيمة السّبق، و الثاني: الرجوع إلي أجرة المثل؛ تخريجا من القولين في الصداق و بذل الخلع إذا فسدا، ففي أحدهما يرجع إلي القيمة، و في الثاني إلي مهر المثل.

و وجه الشبه: أنّ السّبق ليس علي صفات الأعواض، فإنّ معظم فائدة العمل للعامل، كما أنّ الصداق و بذل الخلع ليسا علي صفات الأعواض.

و الطريق الثاني: القطع بالرجوع إلي أجرة المثل، و الفرق: أنّ النكاح و الخلع لا يفسدان بفساد العوض، فرأي الشافعي في قول: الرجوع إلي قيمة المذكور أولي، و المسابقة تفسد بفساد العوض، و تكون المنفعة مستوفاة علي الفساد، فيتعيّن الرجوع إلي أجرة المثل(1).

و الظاهر عندهم: الرجوع إلي أجرة المثل(2).

و في كيفيّة اعتبار أجرة المثل قولان:

أحدهما: أن ينظر إلي الزمان الذي استعمل بالرمي و أنّه كم قدره، فيعطي أجرة المثل؛ بناء علي أنّ الحرّ إذا غصب علي نفسه، يستحقّ أجرة مثل تلك المدّة.2.

ص: 34


1- نهاية المطلب 245:18-246، العزيز شرح الوجيز 193:12، روضة الطالبين 542:7.
2- العزيز شرح الوجيز 193:12.

و الثاني: أنّه يجب ما تجري المسابقة بمثله في مثل تلك المسافة في عرف الناس غالبا، و هذا و إن كان أقرب لكن يشكل بانتفاء العرف فيه بين الناس(1).

مسألة 900: قد بيّنّا أنّه لا يشترط في صحّة عقد المسابقة المحلّل،

خلافا للشافعي، فإنّه شرطه(2)سنن الدارقطني 21/305:4، مسند أحمد 10179/300:3.(3).

و لصحّة العقد به أربعة شروط:

الأوّل: أن يكون فرسه كفؤا لفرسيهما أو أكفأ منهما لا يأمنان سبقه، فإن كان فرسه أدون من فرسيهما و هما يأمنان أن يسبقهما لم يصح؛ لقوله عليه السّلام: «من أدخل فرسا بين فرسين و هو لا يؤمن أن يسبق فلا بأس به، و من أدخل فرسا بين فرسين و هو يؤمن أن يسبق فإنّ ذلك هو القمار»(3).

و لأنّ دخوله مع العلم بأنّه لا يسبق غير مؤثّر في أخذ السّبق.

الثاني: أن يكون المحلّل غير مخرج لشيء و إن قلّ، فإن أخرج شيئا خرج عن حكم المحلّل، و صار في حكم المسبّق.

الثالث: أن يأخذ إن سبق، فإن شرط أن لا يأخذ لم يصح.

الرابع: أن يكون فرسه معيّنا عند العقد؛ لدخوله فيه، كما يلزم تعيين فرسي المستبقين، فإن لم يكن معيّنا بطل.

إذا ثبت هذا، فمذهب الشافعي أنّ المحلّل دخل ليحلّل العقد، و يحلّل الأخذ، فيأخذ إن سبق، و يؤخذ به إن سبق(4).

و قال أبو علي ابن خيران من الشافعيّة: إنّ المحلّل دخل ليحلّل العقد

ص: 35


1- العزيز شرح الوجيز 193:12، روضة الطالبين 542:7.
2- راجع: الهامش
3- من ص 23، ضمن المسألة 892.
4- الحاوي الكبير 192:15.

و يأخذ و لا يؤخذ به(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التحريض المقصود باستضمار الخيل و معاطاة الفروسيّة غير موجود إذا لم يؤخذ بالسبق شيء، فيصير مانعا من السبق، و إذا أخذ صار باعثا عليه.

مسألة 901: و يخرج كلّ واحد من المتسابقين ما تراضيا عليه إن كان السّبق منهما،

و يضعانه علي يدي رجل يثقانه أو يضمنانه.

و لصحّة العقد بينهما أربعة شرائط:

الأوّل: أن يكون العوض الذي بذلاه معلوما إمّا معيّنا أو موصوفا في الذمّة، و قد سلف(2) ، فإن كان مجهولا لم يصح؛ لأنّ الأعواض في العقود لا تصحّ إلاّ معلومة.

الثاني: أن يتساويا في جنسه و نوعه و قدره، فإن اختلفا فيه أو تفاضلا لم يصح؛ لأنّهما لمّا تساويا في العقد وجب أن يتساويا في بذله.

و عندي في اشتراط هذا إشكال.

الثالث: أن يكون فرس كلّ واحد منهما معيّنا، فإن أبهم و لم يعيّن بطل.

الرابع: أن يكون مدي سبقهما معلوما، و العلم به قد يكون بأحد وجهين: إمّا بتعيين الابتداء و الانتهاء، فيصير معلوما بالتعيين دون المسافة، كالإجارة المعيّنة، و إمّا بمسافة يتّفقان عليها مذروعة بذراع مشهورة، كالإجارة المضمونة، فإن اتّفقا علي موضع من الأرض ذرعا منها تلك المسافة حتي يعرف ابتداؤها و انتهاؤها.

ص: 36


1- الحاوي الكبير 192:15.
2- في ص 20 (الشرط الرابع) ذيل المسألة 891.

فإن أغفلا ذكر الأرض، نظر فإن كانت الأرض التي عقدا فيها السبق يمكن إجراء الخيل فيها، فهي أخصّ المواضع بالسبق، و إن لم يمكن إجراء الخيل فيها لحزونتها و أحجارها، فأقرب المواضع إليها من الأرض السهلة.

مسألة 902: إذا أخرجا المال للسابق،

فإن اتّفقا علي تركه في أيديهما و يوكّل كلّ واحد منهما صاحبه، حملا علي ذلك، و لا يلزم إخراج مال السّبق من يد أحدهما إلاّ بعد أن يصير مسبوقا، فيؤخذ منه باستحقاقه.

و إن اتّفقا علي أمين غيرهما، أخذ مال السّبق منهما و وضع(1) علي يده، و يعزل [مال](2) كلّ واحد منهما علي حدته و لا يخلطه، فإن سبق أحدهما سلّم الأمين إليه ماله و مال المسبوق، و إن سبق المحلّل سلّم إليه مال المسبّقين.

و ليس للأمين أجرة علي السابق و لا علي المسبوق إلاّ مع الشرط.

و لو كانت له أجرة في عرف المتسابقين، فالأقرب: حمل الإطلاق علي العرف فيه، و وجوب أجرة المثل، كما لو استعمل خيّاطا أو قصّارا بغير شرط، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و تكون الأجرة علي المستبقين، و لا يختصّ بهما السابق منهما؛ لأنّها أجرة علي حفظ المالين.

فإن اختلفا فإن كان اختلافهما في اختيار الأمين مع اتّفاقهما علي إخراجه من أيديهما، فيختار الحاكم لهما أمينا يقطع تنازعهما.

ص: 37


1- في «ر»: «و يوضع».
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- الحاوي الكبير 193:15.

و هل يكون اختياره مقصورا علي من تنازعا فيه، أو يكون علي العموم في الناس كلّهم ؟ يحتمل أن يكون مقصورا علي اختيار الأمينين اللّذين وقع التنازع فيهما؛ لانصراف المتسابقين عن اختيار غيرهما، و أن يكون عامّا في اختيار من رآه من جميع الأمناء؛ لأنّ تنازعهما قد قطع حكم اختيارهما.

و إن كان اختلافهما في إخراجه من أيديهما، فيقول أحدهما: يكون مال كلّ منّا في يده، و يقول الآخر: بل يكون موضوعا علي يد أمين، فإن كان مال السّبق في الذمّة، قدّم قول من طلب قراره في يده؛ لأنّ العقد علي الذمّة، فلا يؤخذ إلاّ باستحقاق، و إن كان معيّنا، قدّم قول طالب الأمين؛ لتعيين الحقّ فيه، و أنّه لا يوصل إليه من غيره.

إذا عرفت هذا، فلا أجرة للأمين إلاّ إذا قضت العادة بالأجرة فيه.

مسألة 903: إذا أدخلا محلّلا بينهما،

ينبغي أن يجري فرسه بين فرسي المستبقين؛ لأنّه لمّا دخل بينهما للتحليل دخل بينهما في الجري، و لأنّهما بإخراج السّبق متنافران، فدخل بينهما ليقطع تنافرها.

فإن لم يتوسّطهما و عدل إلي يمين أو شمال، جاز و إن أساء بفعله إذا تراضي به المتسابقان، و إن لم يتراضيا إلاّ أن يجري فرسه بينهما، منع من العدول عن توسّطهما إلي يمين أو شمال؛ لأنّه تبع لهما، فكان أمرهما عليه أمضي.

فإن رضي أحدهما بعدوله عن الوسط و لم يرض به الآخر، قدّم اختيار من يطلب التوسّط دون الانحراف؛ لأنّه أعدل بينهما و أمنع من تنافرهما.

ص: 38

و لو رضيا بإخراجه(1) عن التوسّط بينهما و دعا أحدهما إلي أن يكون متيامنا و دعا الآخر إلي أن يكون متياسرا، لم يعمل علي قول واحد منهما، و جعل وسطا بينهما؛ لأنّه العدل و المتعارف، فهذا موضع المحلّل.

و أمّا المتسابقان فإن اتّفقا علي التيامن منهما أو التياسر، حملا علي اتّفاقهما، و إن اختلفا فيه، أقرع بينهما، و أقرّ كلّ واحد منهما في موضع قرعته من يمين أو شمال.

مسألة 904: لو تسابق جماعة و أخرج اثنان منهم فصاعدا مال المسابقة،

جاز؛ لأنّه بمنزلة ما لو أخرج أحد المتسابقين دون صاحبه(2).

و كذا لو أخرج اثنان فصاعدا و شرطوا أنّ من سبق من المخرجين لم يحرز إلاّ ما أخرجه، و من سبق من غيرهم أخذ ما أخرجه المخرجون، جاز، و به قال الشافعي(3).

مسألة 905: إذا تضمّن عقد المسابقة المال، لم يخل إمّا أن يكون العقد بين اثنين أو أزيد،

فإن كان بين اثنين فإن شرطا المال للسابق منهما، صحّ، و إن شرطاه للمسبوق أو بينهما بالسويّة أو الأكثر للمسبوق، لم يصح العقد قطعا؛ لأنّ الغرض من المال الحثّ علي السباق و الاجتهاد في الفروسيّة، و شرط المال أو أكثره أو نصفه للمسبوق ينافي ذلك؛ لأنّ كلّ واحد منهما يطلب الراحة و يركّ(4) عنه و عن فرسه.

و لو شرط الأكثر للسابق و الأقلّ للآخر، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ كلّ

ص: 39


1- كذا قوله: «بإخراجه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «بانحرافه».
2- في الطبعة الحجريّة: «الآخر» بدل «صاحبه».
3- العزيز شرح الوجيز 182:12، روضة الطالبين 536:7.
4- الركّ: إلزامك الشيء إنسانا، تقول: رككت الحقّ في عنقه و ركّت الأغلال في أعناقهم. تهذيب اللغة 445:9 «ر ك».

واحد منهما يسعي و يجتهد في تحصيل الأكثر، و لأنّ التفاوت لو جعل خطرا جاز إجماعا، فكذا لو انضمّ إلي غيره، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لأنّه إذا كان يتحصّل علي شيء فقد يتكاسل و يضمر فرسه فيفوت مقصود العقد(1).

و هذا الوجه جيّد إن كان المال من ثالث بذل لهما، أمّا إذا كان منهما فلا.

و إن كان العقد بين ثلاثة فما زاد و شرط باذل المال للسابق، صحّ إجماعا.

و إن شرطه للمصلّي أو شرط للمصلّي أكثر ممّا شرط للسابق، فالأقرب: المنع؛ لأنّ السبق هو الغرض الذاتي في عقد المسابقة لكلّ واحد منهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: الجواز؛ لأنّ ضبط الفرس في شدّة عدوه ليقف في مقام المصلّين يحتاج إلي حذق و معرفة(2).

و لو شرط للمصلّي مثل ما شرط للأوّل، فالأصحّ: الجواز؛ لأنّ كلّ واحد من الثلاثة و الحال هذه يجتهد في أن يكون سابقا أو مصلّيا، فيحصل الغرض من عقد المسابقة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع، كما لو كانا اثنين و شرط للثاني مثل ما شرط للأوّل(3).

و إن شرط للمصلّي أن يكون له دون ما شرط للأوّل، فالأقرب:

الجواز.7.

ص: 40


1- المهذّب - للشيرازي - 422:1، التهذيب - للبغوي - 78:8، البيان 371:7، العزيز شرح الوجيز 179:12-180، روضة الطالبين 534:7.
2- العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 534:7.
3- العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 534:7.

و للشافعيّة وجهان(1).

و قد خرج للشافعيّة من هذه الاختلافات وجوه ثلاثة:

أحدها: أنّه يجوز أن يشترط جميع المال للمصلّي.

و الثاني: لا يجوز أن يشترط له شيء.

و الثالث: يجوز أن يشترط له شيء بشرط أن يفضل السابق(2).

و لهم وجه رابع هو أقواها، و هو: أنّه يجوز أن يشترط له شيء بشرط أن لا يفضل علي السابق(3).

و أمّا الفسكل فلا يجوز أن يشترط له جميع المال، و لا أن يخصّص بفضل، و لا أن يسوّي بينه و بين من قبله.

و هل يجوز أن يشترط له دون ما شرط لمن قبله ؟ فيه الوجهان السابقان(4).

و علي هذا القياس لو كان المسابقون أكثر من ثلاثة، فلو كانوا عشرة و شرط لكلّ واحد منهم سوي الفسكل مثل المشروط لمن قبله، يجوز علي الأقوي، لكن الأولي أن يكون المشروط لكلّ واحد منهم دون المشروط للّذي قبله.

و في شرط شيء للفسكل الوجهان(5).

و لو أهمل بعضهم بأن جعل للأوّل عشرة و للثالث تسعة و للرابع ثمانية و أهمل الثاني، احتمل الجواز، و يقام الثالث مقام الثاني، و الرابع مقام الثالث، و يقدّر كأنّ الثاني لم يكن، و المنع؛ لأنّ الثالث و الرابع يفضلان من7.

ص: 41


1- البيان 371:7، العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 534:7.
2- العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 534:7-535. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 535:7.

قبلهما، و هو غير جائز؛ لما فيه من تفضيل المسبوق علي السابق، و هو الأقوي.

و إذا بطل المشروط في حقّ بعضهم، ففي بطلانه في حقّ من بعده للشافعيّة وجهان(1).

و هذان الوجهان و الوجهان في صورة إهمال البعض بنيا علي أنّ من بطل السبق في حقّه هل يستحقّ علي الباذل أجرة المثل ؟ فإن قلنا: لا، بطل العقد في حقّ من بعده لئلاّ يفضل من سبقه، و إن قلنا: نعم، لم يبطل في حقّ من بعده، و لا يضرّ كون المشروط له زائدا علي أجرة المثل؛ لأنّ الممتنع أن يفضل المسبوق السابق فيما يستحقّانه بالعقد، و أجرة المثل ليست مستحقّة بالعقد.

و هذه الصّور المذكورة وضعوها فيما إذا كان باذل المال غير المتسابقين.

و يمكن فرضها أو فرض بعضها فيما إذا كان بذله من أحد المتسابقين، مثل أن يتسابق اثنان يبذل أحدهما المال علي أنّه إن سبق دفع إلي الآخر منه كذا، و إن سبق الآخر أمسك لنفسه منه كذا(2).

مسألة 906: إذا تسابقا و أدخلا المحلّل و أخرجا المال و قالا: من سبق فالمال بأجمعه له، فالأحوال سبعة:

أ: أن ينتهوا إلي الغاية علي سواء لا يتقدّمهم أحدهم، فليس فيهم سابق و لا مسبوق، فيحرز كلّ واحد من المتسابقين سبق نفسه، و لا يعطي أحدا شيئا و لا يأخذ من أحد شيئا، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه لم يسبق أحدا.

ص: 42


1- العزيز شرح الوجيز 180:12، روضة الطالبين 535:7.
2- العزيز شرح الوجيز 180:12-181، روضة الطالبين 535:7.

ب: أن يسبق المخرجان فيصلا معا علي سواء و يتأخّر المحلّل عنهما، فيحرز كلّ واحد من المخرجين سبق نفسه؛ لاستوائهما في السبق، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه مسبوق.

ج: أن يسبق المحلّل و يأتي المخرجان بعده علي سواء أو تفاضل، فيستحقّ المحلّل سبق المخرجين؛ لسبقه لهما.

و هذه الثلاثة لا خلاف فيها.

د: أن يسبق أحد المخرجين ثمّ يأتي بعده المحلّل و المخرج الآخر علي سواء، فيحرز السابق سبق نفسه، و أمّا سبق المسبوق ففيه خلاف.

قال الشافعي: إنّه يكون للسابق أيضا - و هو المعتمد - لقوله عليه السّلام:

«من أدخل فرسا بين فرسين و قد أمن أن يسبق فهو قمار، و إن لم يأمن أن يسبق فليس بقمار»(1).

و لأنّ دخول المحلّل عند الشافعي لتحليل الأخذ به، فيأخذ إن كان سابقا، و يؤخذ به إن كان مسبوقا، و قد حصل السّبق لغيره، فوجب أن يكون أحقّ بأخذه، فيكون جميعه للسابق(2).

و قال أبو علي ابن خيران: إنّ السابق يأخذ سبق نفسه خاصّة، و لا يستحقّ سبق صاحبه؛ لأنّه إذا أخذ سبق صاحبه كان كلّ واحد منهما يغنم أو(3) يغرم، و ذلك قمار، و مذهبه أنّ دخول المحلّل ليأخذ، و لا يؤخذ به، فيكون سبق المتأخّر من المخرجين مقرّا عليه لا يستحقّه السابق من».

ص: 43


1- تقدّم تخريجه في ص 24، الهامش (1).
2- الحاوي الكبير 195:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 372:7، العزيز شرح الوجيز 12: 184، روضة الطالبين 537:7.
3- الظاهر: «و» بدل «أو».

المخرجين؛ لأنّه يعطي و لا يأخذ، و لا يستحقّه المحلّل؛ لأنّه لم يسبق(1).

و هو غلط؛ لأنّ فيهم من يغنم و لا يغرم، فخرج بذلك من أن يكون قمارا.

ه: أن يسبق المحلّل و أحد المخرجين بأن يأتيا إلي الغاية علي سواء و يتأخّر المخرج الآخر، فيحرز السابق من المخرجين سبق نفسه، و يكون مال المخرج المسبوق بين المخرج السابق و المحلّل؛ لتشاركهما في سبب الاستحقاق، و هو السبق، و به قال الشافعي(2).

و علي قول ابن خيران يكون سبق المسبوق للمحلّل خاصّة، و لا شيء للسابق المخرج فيه، بل يحرز مال نفسه خاصّة؛ لأنّه لو شارك المحلّل كان قمارا؛ لأنّه يحصل في القوم من يغنم تارة، و يغرم أخري، و هذا غير جائز، و قد سبق المحلّل المخرج المسبوق، فكان سبقه له خاصّة(3).

و: أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر، و يكون المحلّل مصلّيا و المخرج الآخر أخيرا، فعلي ما قلناه - و به قال الشافعي(4) - يكون مال المسبوق للمخرج الأوّل؛ لسبقه إيّاهما، و يحرز مال نفسه.

و علي قول ابن خيران يكون مال المسبوق للمحلّل؛ لأنّه سبق7.

ص: 44


1- الحاوي الكبير 195:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 372:7، العزيز شرح الوجيز 12: 184، روضة الطالبين 537:7.
2- الحاوي الكبير 195:15-196، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 471:5، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 372:7-373، العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 537:7.
3- الحاوي الكبير 195:15-196، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 471:5، التهذيب - للبغوي - 79:8، البيان 372:7-373، العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 537:7.
4- الحاوي الكبير 196:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 80:8، البيان 372:7، العزيز شرح الوجيز 12: 184، روضة الطالبين 537:7.

المتأخّر دون السابق، و يحرز السابق مال نفسه خاصّة(1).

ز: أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر، و يكون المخرج الآخر مصلّيا و المحلّل أخيرا، فالسابق يحرز السّبقين معا، و به قال الشافعي(2).

و علي قول ابن خيران للسابق سبق نفسه، و للمسبوق الثاني سبق نفسه، و لا شيء للمحلّل؛ لأنّه تأخّر عنهما، و ليس للسابق شيء في سبق المصلّي؛ لأنّه لا يأخذ، و لا يستحقّه المحلّل؛ لأنّه لم يسبق، و يكون مقرّا علي المسبوق(3).

مسألة 907: لو قال واحد لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة،

صحّ؛ لأنّ كلّ واحد منهما يجتهد أن يسبق وحده، و لو جاءا معا، فلا شيء لهما.

و لو كانوا جماعة فقال: من سبق فله كذا، فجاء اثنان فصاعدا دفعة و تأخّر الباقون، فالمشروط للأوّلين بالسويّة، و لا شيء للمتأخّرين.

و لو قال: من سبق فله دينار و من صلّي فله نصف دينار، فسبق واحد و صلّي ثلاثة ثمّ جاء الباقون، فللسابق دينار، و للمصلّين الثلاثة نصف دينار بينهم بالسويّة، و لو سبق واحد و جاء الباقون معا، فللسابق دينار، و للباقين نصف دينار، و لو جاء الجميع معا، فلا شيء لهم؛ لأنّهم ليسوا بسابقين

ص: 45


1- الحاوي الكبير 196:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 80:8، البيان 372:7، العزيز شرح الوجيز 12: 185، روضة الطالبين 537:7.
2- الحاوي الكبير 196:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 79:8-80، العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 537:7.
3- الحاوي الكبير 196:15، المهذّب - للشيرازي - 423:1، حلية العلماء 5: 471، التهذيب - للبغوي - 80:8، العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 537:7.

و لا مصلّين.

و لو قال: كلّ من سبق فله دينار، فسبق ثلاثة، فالأقرب: أنّ لكلّ واحد دينارا.

و يحتمل في قوله: «من سبق فله دينار» ذلك أيضا حتي لو سبق ثلاثة استحقّ كلّ واحد دينارا.

و لو قال: من سبق فله عشرة، و من صلّي فله خمسة، فسبق خمسة و صلّي خمسة، فللخمسة عشرة، أو لكلّ واحد علي الاحتمال، و للثانية خمسة، أو لكلّ واحد.

و يحتمل البطلان علي الأوّل؛ لإمكان سبق تسعة، فيكون لكلّ واحد من السابقين درهم و تسع و للمصلّي خمسة.

و لو قال لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة، و أيّكما صلّي فله عشرة، لم يصح، و لو قال: و من صلّي فله خمسة، صحّ.

و لو قال لثلاثة: من سبق فله عشرة، و من صلّي فله عشرة، صحّ.

مسألة 908: إذا بذل السّبق لجماعة و لم يبذله لجميعهم،

مثل أن يبذل للأوّل شيئا، و لمن بعده شيئا، فإن فاضل بين المسبوق و السابق، مثل أن يجعل للأوّل - الذي هو المجلّي - عشرة، و للثاني - الذي هو المصلّي - سبعة، و للثالث - الذي هو التالي - خمسة، و للرابع - الذي هو البارع - أربعة، و للخامس - الذي هو المرتاح - ثلاثة، و لم يجعل لمن بعدهم شيئا، جاز إجماعا؛ لأنّه قد منع المسبوقين و فاضل بين السابقين، فحصل التحريض في طلب الفاضل و خشية المنع.

و لو جعل للسابق عشرة و للمصلّي خمسة، و لم يجعل لمن بعدهم شيئا و كان السابق خمسة و المصلّي واحدا، قسّمت العشرة بين الخمسة

ص: 46

السابقين لكلّ واحد درهمان، و للواحد المصلّي خمسة و إن صار بها أفضل من السابقين؛ لأنّه أخذ الزيادة باعتبار تفرّده و وحدته، لا باعتبار جعل الفاضل للمتأخّر، و لم يأخذ لتفضيل أهل درجته، و قد كان يجوز أن يشاركه غيره في درجته فيقلّ سهمه.

و لو سوّي بين سابق و مسبوق، مثل أن جعل للسابق عشرة و للمصلّي عشرة، و فاضل بين بقيّة الخمسة، فجعل للثالث ثمانية و للرابع خمسة و للخامس ثلاثة، لم يجز؛ لأنّ مقتضي التحريض أن يفاضل بين السابق و المسبوق، فإذا تساويا فيه بطل مقصوده، فلم يجز، و كان السبق في حقّ المصلّي الذي سوّي(1) بينه و بين سابقه باطلا، و في حقّ من عداه وجهان، بناء علي اختلاف الوجهين في الذي بطل السبق في حقّه هل يستحقّ علي الباذل أجرة مثله أم لا؟ وجهان:

أحدهما: عدم الاستحقاق علي الباذل؛ لأنّ سبقه عائد عليه لا علي الباذل، فعلي هذا يكون السبق في حقّ من بعده باطلا؛ لأنّه لا يجوز أن يفضّلوا به علي من سبقهم.

و الثاني: ثبوت استحقاقه علي الباذل أجرة المثل؛ لأنّ من استحقّ المسمّي في العقد الصحيح استحقّ أجرة المثل في الفاسد، فعلي هذا يكون السبق في حقّ من بعده صحيحا، و لكلّ واحد منهم ما سمّي له و إن كان أكثر من أجرة المثل لمن بطل السبق في حقّه؛ لأنّه لا يجوز أن يفضّلوا عليه إذا كان مستحقّا بالعقد، و هذا يستحقّ بغيره.

و يتفرّع علي هذا ما إذا جعل للأوّل عشرة و لم يجعل للثاني شيئا».

ص: 47


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «ساوي» بدل «سوّي».

و جعل للثالث خمسة و للرابع ثلاثة و لم يجعل لمن بعدهم شيئا، فالثاني خارج من السبق؛ لخروجه من البذل.

و في قيام من بعده مقامه وجهان:

أحدهما: يقوم الثالث مقام الثاني، و يقوم الرابع مقام الثالث؛ لأنّه يصير وجوده بالخروج من السبق كعدمه، فعلي هذا يصحّ السبق فيهما بالمسمّي لهما بعد الأوّل.

و الوجه الثاني: أنّهم يترتّبون في القسمة، و لا يكون خروج الثاني منهم بالحكم مخرجا له من الذكر، فعلي هذا يكون السبق فيهما باطلا؛ لتفضيلهما علي السابق لهما.

و هل يكون لهما أجرة مثلهما، أم لا؟ وجهان.

و إن بذل العوض لجماعتهم و لم يخل أحدا من عوض، نظر فإن سوّي فيهم بين سابق و مسبوق، بطل.

و إن لم يساو(1) بين السابق و المسبوق و فضّل كلّ سابق علي مسبوق حتي يجعل متأخّرهم أقلّهم سهما، جاز عندنا.

و للشافعيّة وجهان.

أحدهما: الجواز؛ اعتبارا بالتفاضل في السبق، فعلي هذا يأخذ كلّ واحد منهم ما سمّي له.

و الوجه الثاني: أنّ السبق باطل؛ لأنّهم قد تكافؤوا في الأخذ و إن تفاضلوا فيه(2).5.

ص: 48


1- في الطبعة الحجريّة: «لم يسوّ».
2- الحاوي الكبير 191:15.

فعلي هذا هل يكون باطلا في حقّ [الأخير](1) وحده، أم في حقوق جميعهم ؟ للشافعيّة وجهان ؟

أحدهما: في حقّ [الأخير](2) وحده؛ لأنّ بالتسمية له فسد السبق.

و الثاني: أنّه يكون باطلا في حقوق جماعتهم؛ لأنّ أوّل العقد مرتبط بآخره(3).

و هل يستحقّ علي كلّ واحد منهم أجرة مثله، أم لا؟ وجهان(4).

تذنيب: ينبغي أن يكون في الموضع الذي ينتهي إليه السبق - و هو غاية المدي - قصبة قد غرزت في الأرض تسمّيها العرب قصبة السبق، ليحرزها السابق منهم فيقلعها حتي يعلم بسبقه البعيد و القريب فيسقط به الاختلاف، و ربما رجع بها يستقبل بها المسبوقين إذا كان مفضّلا في السبق متناهيا في الفروسيّة.

مسألة 909: قد بيّنّا أنّه لا يشترط المحلّل عندنا،

فلو تسابق مائة أو أزيد من غير محلّل جاز.

و الشافعي أوجب دخول المحلّل(5) ، لكن لا يشترط الكثرة مع كثرة المتسابقين؛ لأنّ كثرة المتسابقين لا توجب كثرة المحلّلين، لأنّ دخول المحلّل ليكون فيهم من يأخذ و لا يعطي حتي يصير خارجا من حكم القمار، و هذا موجود في دخول محلّل واحد(6) بين مائة، لكن الأولي عندهم أن يكثر المحلّلون إذا كثر المتسابقون، ليكون من القمار أبعد،

ص: 49


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجنبي». و ذلك تصحيف.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجنبي». و ذلك تصحيف.
3- الحاوي الكبير 191:15.
4- الحاوي الكبير 191:15.
5- راجع: الهامش (3) من ص 23، ضمن المسألة 892.
6- في «د»: «المحلّل الواحد».

و علي هذا لو دخل بين الاثنين محلّلان فما زاد جاز.

و إذا عقد السبق بالمحلّل علي شرط فاسد أوجب سقوط المسمّي فيه ثمّ سبق أحدهم، نظر فإن كان السابق هو المحلّل استحقّ أجرة مثله علي المتسابقين تكون عليهما نصفين، و يستوي فيها من تقدّم منهما أو تأخّر، و يستحقّها وجها واحدا؛ لأنّه معهما كالأجير.

و إن سبق أحد المخرجين، فلا شيء للمحلّل(1).

و هل يستحقّ السابق علي المتأخّر أجرة مثله ؟ للشافعيّة وجهان(2).

مسألة 910: لو شرطوا أنّ المحلّل يختصّ بالاستحقاق إن سبق الاثنين،

و كلّ واحد منهما لا يأخذ إلاّ ما أخرج، جاز إجماعا.

و إن شرطوا أنّ المحلّل يأخذ السّبقين إن سبق و أنّ كلّ واحد منهما إن سبق أحرز ما أخرجه و أخذ ما أخرجه الآخر، صحّ عندنا.

و للشافعي(3) قولان، و الأصحّ عند الشافعي: الجواز؛ لأنّ التسابق يجري بين المتكافئين المتقاربين، و لا يكاد يسمح أحدهما بأن يخرج المال دون أن يخرج الثاني(4) ، لكن إذا لم يكن محلّل كانت المعاملة علي صورة القمار عندهم، فلو لم يجز ذلك بعد دخول المحلّل فات مقصود العقد.

و الثاني: المنع - كما هو مذهب ابن خيران - لأنّ كلّ واحد من المستبقين قد يغنم و قد يغرم، و ذلك قمار(5).

و هو ممنوع.

ص: 50


1- الحاوي الكبير 197:15.
2- الحاوي الكبير 197:15.
3- في الطبعة الحجريّة: «و للشافعيّة».
4- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «الآخر» بدل «الثاني».
5- نهاية المطلب 237:18، العزيز شرح الوجيز 183:12-184، روضة الطالبين 536:7.

و علي ما اختاره الشافعي لو كان المتسابقون مائة و ليس فيهم إلاّ محلّل واحد شرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه إن سبق و لا يغرم شيئا إن سبق و كلّ واحد من المستبقين إن سبق غنم و إن سبق غرم، صحّ العقد و الشرط(1).

مسألة 911: إذا أطلقا شرط المال للسابق،

حمل علي السابق المطلق، لا علي المصلّي الذي سبق غيره و إن كان مسبوقا - و هو أظهر قولي الشافعيّة(2) - لانصراف الإطلاق إليه عرفا.

فلو تسابق اثنان و محلّل، فإن سبق المحلّل ثمّ صلّي أحد المتسابقين و تأخّر الثاني، فالمال بأجمعه للمحلّل؛ عملا بالإطلاق.

و قالت الشافعيّة: يأخذ المحلّل ما أخرجه المصلّي بلا خلاف، و فيما أخرجه الفسكل ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنّه يأخذه المحلّل أيضا؛ لأنّه السابق المطلق.

و الثاني: أنّه للمحلّل و المصلّي جميعا؛ لأنّهما سبقاه.

و الثالث - و هو أضعفها -: أنّه للمصلّي وحده، و يجعل سابقا للفسكل، كما أنّ المحلّل سابق للمصلّي(3).

و لو تسابق اثنان و أدخلا محلّلين و سبق أحد المحلّلين و صلّي أحد المستبقين ثمّ جاء المحلّل الثاني ثمّ المستبق الثاني، فما أخرجه المستبق الأوّل للمحلّل [الأوّل]، و أمّا ما أخرجه الثاني ففيه للشافعيّة وجهان:

أظهرهما: أنّه للمحلّل الأوّل أيضا؛ لأنّه السابق المطلق.

و الثاني: أنّه للمحلّلين و للمستبق الأوّل؛ لأنّهم جميعا سبقوا الثاني(4).

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 536:7.
2- العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 536:7.
3- العزيز شرح الوجيز 184:12، روضة الطالبين 536:7-537.
4- العزيز شرح الوجيز 185:12، روضة الطالبين 537:7.

و قياس الوجه الضعيف للشافعي أنّه للمحلّل الثاني(1).

و قياس قول ابن خيران أن يقال: إنّه للمحلّل الأوّل في أحد الوجهين، و للمحلّلين في الثاني(2).

و لو جاء أحد المستبقين أوّلا ثمّ جاء أحد المحلّلين ثمّ المستبق الثاني ثمّ المحلّل الثاني، فيحرز السّبق الأوّل.

و أمّا ما أخرجه الثاني فعلي ظاهر المذهب للشافعيّة و الوجه الأظهر:

أنّه يأخذه المستبق الأوّل أيضا.

و في وجه: هو له و للمحلّل الأوّل.

و علي الوجه الأضعف: هو للمحلّل الأوّل(3).

و علي قول ابن خيران هو للمحلّل الأوّل لا غير(4).

مسألة 912: لو سبق أحد المتسابقين في وسط الميدان و الآخر في آخره،

فالسابق: الثاني؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بالغاية، فمن سبق إليها فهو السابق.

و كذا لو سبق أحدهما عند الغاية ثمّ جريا بعد الغاية فتقدّم المسبوق بعدها علي السابق بهاديه أو كتده أو أقدامه، كان السّبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق بعدها؛ لأنّ ما تجاوز الغاية غير داخل في العقد فلم يعتبر.

و لو عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدّم الآخر، لم يكن الآخر سابقا؛ لأنّ العثرة أخّرته.

و كذا لو وقف بعد ما جري؛ لمرض و شبهه.

و لو وقف بلا علّة، فهو مسبوق.

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 185:12، روضة الطالبين 537:7.
2- العزيز شرح الوجيز 185:12، روضة الطالبين 537:7.
3- العزيز شرح الوجيز 185:12، روضة الطالبين 537:7.
4- العزيز شرح الوجيز 185:12، روضة الطالبين 537:7.

و لو وقف قبل أن يجري، لم يكن مسبوقا، سواء وقف لمرض أو لغير مرض.

و لو كان العاثر هو السابق، كان الاحتساب بسبقه أولي؛ لأنّه إذا سبق مع العثرة كان مع عدمها أسبق.

و لو تسابقا علي أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق، جاز - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - لأنّهما يتحاطّان ما تساويا فيه، و يجعل السبق لمن تقدّم بالقدم المشروط، فهو كشرط المحاطّة في النضال.

و قال بعضهم بالمنع(2).

و لا وجه له؛ لأنّ هذا العقد مشروط بمقدار معلوم مضاف إلي المقدار الأوّل، فصحّ؛ عملا بالشرط.

مسألة 913: قد بيّنّا أنّه يشترط في مال المسابقة العلم،

سواء كان دينا أو عينا أو بالتفريق، و سواء كان الدّين مؤجّلا أو حالاّ، لكن إن كان مؤجّلا وجب العلم بأجله.

و لا يجوز أن يكون العوض مجهولا، فلو شرط مالا مجهولا بأن قال:

أعطيك ما شئت أو ما شاء فلان، أو شرط دينارا و ثوبا و لم يصف الثوب، أو دينارا إلاّ ثوبا، بطل العقد.

و كذا لو شرط دينارا إلاّ درهما، إلاّ أن يريد قدر الدرهم و عرفا قيمته من الدينار.

و لو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و تردّ إليّ صاعا من طعام، احتمل الجواز إن قصرت قيمة الصاع عن العشرة، و إلاّ بطل.

ص: 53


1- المهذّب - للشيرازي - 422:1، التهذيب - للبغوي - 81:8، البيان 7: 375، العزيز شرح الوجيز 189:12، روضة الطالبين 541:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 422:1، التهذيب - للبغوي - 81:8، البيان 7: 375، العزيز شرح الوجيز 189:12، روضة الطالبين 541:7.

و قالت الشافعيّة: يبطل، من غير أن يفصّلوا؛ لأنّه شرط عوضا علي السابق، و هو خلاف موضوع العقد(1).

و لو تسابقا علي قرض في الذمّة، فوجهان مبنيّان علي جواز الاعتياض عنه قبل قبضه، و الوجه: الجواز.

و إذا أخرج المال غير المتسابقين، جاز أن يشرط لأحدهما أكثر ممّا يشرطه للآخر.

و لو أخرجاه، جاز أن يخرج أحدهما أكثر ممّا يخرجه الآخر.

و لو شرط علي السابق أن يطعم السّبق لأصحابه، فسد العقد عند الشافعيّة؛ لأنّه تمليك بشرط يمنع كمال التصرّف، فصار كما لو باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه(2).

و قال بعضهم: إنّه يصحّ العقد، و قبوله للإطعام عدة إن شاء و في بها، و إلاّ فلا، و لأنّ نفع هذا الشرط لا يعود علي الشارط، فصار وجوده كعدمه، و به قال أبو حنيفة و أحمد(3).

مسألة 914: السبق ضربان:

أحدهما: أن يكون مقيّدا بأقدام مشروطة باشتراطهما، كما لو شرطا

ص: 54


1- البيان 369:7، العزيز شرح الوجيز 189:12-190، روضة الطالبين 7: 539.
2- مختصر المزني: 287، الحاوي الكبير 208:15، المهذّب - للشيرازي - 1: 426، حلية العلماء 478:5، التهذيب - للبغوي - 90:8، البيان 388:7، العزيز شرح الوجيز 190:12، روضة الطالبين 539:7، المغني 133:11، الشرح الكبير 142:11.
3- الحاوي الكبير 208:15، المهذّب - للشيرازي - 426:1، حلية العلماء 5: 478، البيان 388:7، العزيز شرح الوجيز 190:12، روضة الطالبين 539:7، المغني 133:11، الشرح الكبير 141:11-142.

أن يكون السبق بعشرة أقدام، فهذا لا يتمّ السبق إلاّ بها، فإن سبق أحدهما بتسعة أقدام، لم يكن سابقا في استحقاق البذل و إن كان سابقا في العمل.

و كذا لو شرطا أن يكون السبق بعشرة أذرع و نحوها من المقادير.

و الثاني: أن يكون مطلقا بغير شرط، فيكون سابقا بكلّ قليل و كثير.

و الأعضاء التي جري ذكرها في كلام الفقهاء لاعتبار السبق بها ثلاثة:

الكتد، و هو الكاهل - و هو مجمع الكتفين بين أصل العنق و الظّهر - و الأقدام، و هي القوائم، و الهادي، و هو العنق.

مسألة 915: السبق يحصل بالأقدام،

فأيّ الفرسين تقدّمت يداه عند الغاية فهو السابق؛ لأنّ السعي يحصل بهما و الجري عليهما.

و قال الشافعي: أقلّ السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه، أو الكتد أو بعضه(1) ، و قوّاه الشيخ(2) رحمه اللّه.

و اعلم أنّ السبق إمّا أن يعتبر بالهادي أو الكتد، فإن اعتبر بالكتد فأيّهما سبق كتده فهو السابق، سواء تساويا في الطول و القصر أو اختلفا.

و إن كان بالهادي، فنقول: إنّ الفرسين إمّا أن يتساويا في قدر عنقهما في الطول و القصر أو يختلفا، فإن تساويا في الطول و القصر فمتي سبق أحدهما الآخر بعنقه أو بعضه فقد سبقه؛ لأنّ ذلك كان لسرعته، و إن اختلفا في طول العنق و قصره، فإن سبقه القصير العنق بعنقه أو بعضه فقد سبقه،

ص: 55


1- الأم 230:4، مختصر المزني: 287، الحاوي الكبير 196:15، المهذّب - للشيرازي - 424:1، نهاية المطلب 249:18، الوسيط 182:7، التهذيب - للبغوي - 81:8، البيان 375:7، العزيز شرح الوجيز 187:12، روضة الطالبين 540:7.
2- المبسوط - للطوسي - 295:6.

و إن سبقه الطويل العنق بجميع عنقه أو بأكثر ممّا بينهما في طول العنق فقد سبقه، و إن كان بأقلّ من قدر الزيادة، فالقصير هو السابق؛ لأنّه يكون قد سبقه بكاهله، و لا اعتبار بسبقه بعنقه حينئذ؛ لأنّ سبقه بعنقه إنّما كان بطوله، لا لزيادة جريه.

و قد اعترض علي الشافعي: بأنّه إذا كان السبق بالكتد صحيحا مع اختلاف الخلقة فلم اعتبره بالعنق الذي يختلف حكمه باختلاف الخلقة ؟(1).

و أجيب: بأنّ السبق بالكتد يتحقّقه القريب دون البعيد، و السبق بالعنق يشاهده القريب و البعيد، فربما دعت الضرورة إليه ليشاهده شهود السبق فيشهدوا به للسابق؛ لأنّ للسبق شهودا يستوقفون عند الغاية ليشهدوا للسابق علي المسبوق(2).

و قال الثوري: السبق يتحقّق بالأذن، فإذا سبق أحدهما بأذنه كان سابقا(3) ؛ لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «بعثت أنا و الساعة كفرسي رهان و كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه»(4).

و لا حجّة فيه؛ لأنّ القصد من الخبر ضرب المثل، و ليس بحدّ لسبق الرهان، و قد يكون ذلك مع التساوي في العنقين و مدّهما، و قد يقع المثل بما لا يكاد يوجد، قال عليه السّلام: «من بني مسجدا و لو كمفحص قطاة بني اللّه له بيتا في الجنّة»(5) مع امتناع بناء مسجد كذلك، بل الأصل في الاعتبار السبق7.

ص: 56


1- الحاوي الكبير 197:15.
2- الحاوي الكبير 197:15.
3- الحاوي الكبير 196:15، حلية العلماء 572:5، البيان 376:7، المغني 138:11، الشرح الكبير 145:11.
4- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 196:15.
5- سنن ابن ماجة 783/244:1، و أورده الماوردي أيضا في الحاوي الكبير 15: 196، و العمراني في البيان 377:7.

بسرعة العدو، فقد يكون أحدهما أسرع و أذن الآخر أسبق بأن يرفع السريع رأسه قليلا و الآخر يمدّ عنقه، فلهذا لم يعتبر بالأذن.

و قال الأوزاعي: أقلّ السبق بالرأس(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ من الخيل ما يرخي أذنه و رأسه فيطول، و منها ما يرفعه فيقصر، فلم يدل واحد منهما علي التقدّم.

و قال بعض الشافعيّة: السبق في الإبل يعتبر بالكتد، و في الخيل يعتبر بالهادي، و الفرق: أنّ الإبل ترفع أعناقها عند العدو فلا يمكن اعتبار السبق به، و الخيل تمدّ أعناقها(2).

و قال آخرون: إنّ عند اختلاف خلقة العنق بالطول و القصر يعتبر في الخيل أيضا بالكتد(3).

و قال بعضهم: إنّ عند اختلاف الخلقة إذا سبق الأطول عنقا ببعض عنقه و كتدهما سواء يعدّ ذلك سبقا؛ لأنّ تقدير أعناق الخيل و ضبطها عسر(4).

و قال آخرون: إنّه إن كان في جنس الخيل ما يرفع الرأس عند العدو فيتعيّن فيه الكتد، كما في الإبل(5).

و قال بعضهم: إنّ التقدّم بأيّهما حصل تحقّق السبق، فحينئذ لو تقدّم أحدهما بالعنق و الآخر بالكتد لم يتحقّق سبق(6).

و قال آخرون: لا يعتبر هذا و لا ذاك، و لكن يتبع عرف الناس و ما7.

ص: 57


1- الحاوي الكبير 196:15، حلية العلماء 572:5. (2الي6) العزيز شرح الوجيز 187:12، روضة الطالبين 540:7.

يعتبرون به السبق(1).

و قال بعضهم: المعتبر ما شرطاه من اعتبار الكتد أو الهادي(2).

مسألة 916: قد بيّنّا أنّه لو تسابقا علي أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق،

جاز، لكن ذلك لا يتصوّر فيما إذا لم يبيّنا غاية، فقد بيّنّا أنّهما إذا شرطا السّبق لمن سبق من غير بيان غاية لم يجز.

و لا فرق بين هذه الصورة و بين أن يشترطا السّبق لمن تقدّم بأقدام معلومة.

و لكن التصوّر فيما إذا شرطا السّبق لمن تقدّم بأقدام معلومة إلي موضع كذا، و الغاية في الحقيقة نهاية الأقدام المشروطة من ذلك الموضع، لكنّه شرط في الاستحقاق تخلّف الآخر عنها بالقدر المذكور.

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 188:12، روضة الطالبين 540:7.
2- العزيز شرح الوجيز 188:12، روضة الطالبين 540:7.

الفصل الثاني: في الرمي

اشارة

و فيه مقدّمة و مطلبان:

أمّا المقدّمة: ففي تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب.

الرشق - بفتح الراء -: الرمي، يقال: رشقت رشقا، أي: رميت رميا، و يقال: قوس رشيقة، أي: خفيفة، و بالكسر: عدده الذي يتّفقان عليه، و أهل اللغة يقولون: هو عبارة عمّا بين العشرين إلي الثلاثين(1) ، و يسمّي أيضا: الوجه(2).

و السباق: اسم يشتمل علي المسابقة بالخيل حقيقة، و علي المسابقة بالرمي مجازا، و لكلّ واحد منهما اسم خاصّ، فتخصّص الخيل بالرهان، و يختصّ الرمي بالنضال.

و إغراق السهم هو: أن يزيد في مدّ القوس لفضل قوّته حتي يستغرق السهم فيخرج من جانب الوتر المعهود إلي الجانب الآخر، فإنّ من أجناس القسيّ و السهام ما يكون مخرج السهم منها عن يمين الرامي جاريا علي إبهامه، فيكون إغراقه أن يخرج السهم باستيفاء المدّ إلي يساره جاريا علي سبّابته، و منها ما يكون مخرجه بالضدّ علي يسار الرامي جاريا علي سبّابته، فيكون إغراقه أن يخرج علي يمينه جاريا علي إبهامه، فإذا أغرق السهم

ص: 59


1- كما في المغني 140:11.
2- راجع: تهذيب اللغة 315:8، و الصحاح 1481:4، و لسان العرب 117:10 «رشق».

لم يكن إغراقه من سوء الرمي عند الشافعي، و إنّما هو لعارض، فلا يحتسب عليه إن أخطأ به(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إذا لم يمدّ القوس بقدر الحاجة حتي زاد فيه فأغرق أو نقص فقصر كان من سوء الرمي.

فعلي قول الشافعي إذا أخطأ بالسهم المغرق لم يحتسب عليه، و لو أصاب به احتسب له؛ لأنّ الإصابة مع الخلل أدلّ علي الحذق من الإصابة مع الاستقامة(2).

و اعلم أنّ السهم يوصف بأوصاف:

الأوّل: الحابي، و قد اختلف فيه.

فقيل: إنّ أبا حامد الاسفرائيني وهم هنا؛ حيث جعل الحوابي صفة من صفات السهم، و سمّاه حوابي بإثبات الياء، و فسّره بأنّه السهم الواقع دون الهدف ثمّ يحبو إليه حتي يصل إليه، مأخوذا من حبو الصبي، و هو نوع من الرمي المزدلف، يفترقان في الاسم؛ لأنّ المزدلف أحدّ، و الحابي أضعف، و يستويان في الحكم(3).

و قال قوم: إنّ الحواب بإسقاط الياء نوع من الرمي، فإنّ أنواع الرمي ثلاثة: المحاطّة و المبادرة و الحواب، و هو أن يحتسب بالإصابة في الشنّ و الهدف، و يسقط الأقرب [إلي](4) الشنّ ما هو أبعد من الشنّ(5).

و المشهور: أنّ الحابي ما وقع بين يدي الغرض ثمّ وثب إليه فأصابه،ر.

ص: 60


1- الحاوي الكبير 211:15، المهذّب - للشيرازي - 428:1، حلية العلماء 5: 488.
2- الحاوي الكبير 211:15، المهذّب - للشيرازي - 428:1، حلية العلماء 5: 488.
3- الحاوي الكبير 214:15.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و المثبت كما في المصدر.
5- الحاوي الكبير 214:15.

و هو المزدلف.

الثاني: المارق، و هو ما نفذ الغرض و وقع من ورائه.

و كان الكسعيّ من رماة العرب فخرج ذات ليلة فرأي ظبيا فرماه فأنفذه و خرج السهم منه فأصاب حجرا فقدح(1) منه نارا فرأي ضوء النار في ظلمة الليل، فقال: مثلي يخطئ ؟! فكسر قوسه و أخرج خنجره و قطع إبهامه، فلمّا أصبح و رأي الظبي صريعا قد نفذ فيه السهم ندم، فضربت به العرب المثل(2).

و قال شاعرهم:

ندمت ندامة الكسعيّ لمّا رأت عيناه ما عملت(3) يداه(4)

الثالث: الخاصر، و هو ما أصاب أحد جانبي الغرض، و منه:

الخاصرة؛ لأنّها في أحد جانبي الإنسان، و جمعه: خواصر، و يسمّي أيضا جائزا، و يقال: أجاز بالسهم إذا سقط من وراء الهدف أو وقع في وراء الهدف كان محسوبا من خطئه؛ لأنّه منسوب إلي سوء رميه، و ليس منسوبا إلي عارض في بدنه أو آلته.

و قال [أبو علي ابن أبي هريرة](5): السهم الجائز أن يقع في الهدف عن أحد جانبي الشنّ، فعلي هذا إن كانت الإصابة [مشروطة](6) في الشنّر.

ص: 61


1- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «فخرج السهم منه و أصاب حجرا و قدح».
2- الحاوي الكبير 211:15-212.
3- في «ر، ص» و الصحاح: «صنعت» بدل «عملت».
4- الحاوي الكبير 212:15، العين 192:1، الصحاح 1277:3 «كسع».
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبو حنيفة». و المثبت كما في المصدر.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

كان الجائز مخطئا، و إن كانت الإصابة مشروطة في الهدف كان الجائز مصيبا(1).

الرابع: الطامح، يقال: سهم طامح، و له تأويلان:

أحدهما: أنّ الطامح هو الذي قارب الإصابة و لم يصب، و يكون مخطئا.

و الثاني: أنّه الواقع بين الشنّ و رأس الهدف، فيكون مخطئا إن شرطت الإصابة في الشنّ، و مصيبا إن شرطت في الهدف.

الخامس: العاضد، يقال: سهم عاضد، و هو الواقع من أحد الجانبين، فيكون كالجائز علي أحد التأويلين.

السادس: الطائش، و هو السهم الذي لا يعرف مكان وقوعه، و الطائش محسوب عليه في الخطأ كالجائز.

السابع: العائر، و هو السهم المصيب الذي لا يعرف راميه، و لا يحتسب به لواحد من الراميين؛ للجهل به.

الثامن: الخاطف، و هو السهم المرتفع في الهواء يخطف نازلا، فإن أخطأ به كان محسوبا عليه؛ لأنّه من سوء رميه، و إن أصاب به، ففي الاحتساب به للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يحتسب به من إصابته؛ لحصوله برميه.

و الثاني: لا يحتسب له من الإصابة؛ لأنّ تأثير الرمي في ارتفاع السهم، فأمّا سقوطه فلثقله، فصار مصيبا بغير فعله.

فعلي هذا هل يحتسب من خطئه ؟ وجهان:5.

ص: 62


1- الحاوي الكبير 212:15.

أحدهما: يحتسب به من الخطأ؛ لأنّه إذا كان غير مصيب كان مخطئا.

و الثاني: لا يحتسب به من الخطأ؛ لأنّه ما أخطأ، و أسوأ أحواله إن لم يكن مصيبا أن لا يكون مخطئا(1).

و الأقوي أن يقال: إن نزل السهم بعد ارتفاعه فاتر الحدّة لا يقطع مسافة احتسب عليه خاطئا، و إن نزل في بقيّة حدّته حابيا في قطع مسافته احتسب له صائبا؛ لأنّ الرمي بالفتور منقطع و بالحدّة مندفع.

التاسع: الخاصل، و هو المصيب للغرض كيف كان، و هو يطلق علي القارع، و هو ما أصاب الشنّ و لم يؤثّر فيه، و علي الخازق، و هو ما أثّر فيه و لم يثبت، و علي الخاسق، و هو ما ثقب الشنّ و ثبت فيه.

العاشر: المارق، و هو ما ثقب الغرض و وقع من ورائه(2).

الحادي عشر: الخارم، و هو الذي يخرم حاشيته.

و الغرض: ما تقصد إصابته، و هو الرقعة المتّخذة من قرطاس أو زقّ أو جلد أو خشب أو غيره.

و الهدف: ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.

و المبادرة هي: أن يبادر أحدهما إلي الإصابة مع التساوي في الرشق.

و المحاطّة هي: إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.1.

ص: 63


1- الحاوي الكبير 213:15.
2- كذا قوله: «العاشر: المارق... من ورائه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و هو الوصف الثاني للسهم، المتقدّم في ص 61.
المطلب الأوّل: في الشرائط.
اشارة

و هي خمسة، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: اتّحاد الجنس.
مسألة 917: أنواع القسيّ تختلف باختلاف أصناف البشر،

فللعرب قسيّ و سهام، و للعجم قسيّ و سهام.

و قيل: أوّل من وضع القسيّ العربيّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، و أوّل من وضع القسيّ الفارسيّة النمرود بن كنعان(1).

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يحبّ القوس العربيّة، و يكره الفارسيّة و ينهي عنه(2).

و رأي رجلا يحمل قوسا فارسيّا فقال: «ملعون حاملها، عليكم بالقسيّ العربيّة و سهامها فإنّه سيفتح عليكم بها»(3).

و هذا غير محمول منه عليه السّلام علي التحريم، بل علي الكراهة، و لتأويله ثلاثة أوجه.

أحدها: ليحفظ به آثار العرب، و لا يعدل الناس عنها رغبة في غيرها، فعلي هذا يكون الندب إلي تفضيل القوس العربيّة باقيا.

الثاني: أنّه أمر بها لتكون شعارا للمسلمين بحيث لا يشتبهوا بأهل الحرب من المشركين فيقتلوا، فعلي هذا يكون الندب إلي تفضيلها مرتفعا؛

ص: 64


1- كما في الحاوي الكبير 223:15.
2- كما في الحاوي الكبير 223:15.
3- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 223:15.

لأنّها قد فشت في عامّة المسلمين.

و الثالث: أنّه لعن من قاتل المسلمين بها، فعلي هذا لا يكون ذلك ندبا إلي تفضيل العربيّة عليها، و يكون نهيا عن قتال المسلمين بها و بغيرها، و خصّ اللعن لأنّها كانت أنكي في المسلمين من غيرها.

و أمّا القوس الدودانيّة، و هي القوس التي لها مجري يمرّ السهم فيه، و منها: قوس الرّجل و إن كان أغلبها قوس اليد، و هي منسوبة إلي دودان بن أسد بن خزيمة.

و قيل: دودان قبيلة من بني أسد(1).

إذا عرفت هذا، فقد ذكر صاحب الصحاح أنّ النصل نصل السهم و السكّين و السيف و الرمح(2).

و المزاريق(3) و الزنات(4) كالرمح.

فإذا اختلف جنس ما يرمي به، كالسهام مع المزاريق و الحراب(5) ، ففي الجواز إشكال.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين في المسابقة علي الإبل و الفرس، و هذه الصورة أولي بالجواز؛ لأنّ التعويل في المسابقة علي الفرس، و هو يعمل و يعدو باختياره، و التعويل في الرمي علي الرامي، و لا عمل للآلة و لا اختيار».

ص: 65


1- قال به ياقوت الحموي في معجم البلدان 480:2.
2- الصحاح 1830:5 «نصل».
3- المزراق: رمح قصير. الصحاح 1490:4 «زرق».
4- الزانات: هي نوع من الحراب تكون مع الديلم، رأسها دقيق و حديدتها عريضة. تهذيب الأسماء و اللغات 138:3 «زون».
5- الحربة: هي الألّة دون الرمح، جمعها: حراب، و الألّة: هي الحربة و في نصلها عرض. لسان العرب 303:1 «حرب»، الصحاح 1626:4 «ألل».

لها(1).

و أمّا اختلاف أنواع القسيّ و السهام فإنّه لا يضرّ، و ذلك كالقسيّ العربيّة مع الفارسيّة، و الدودانيّة مع الهنديّة، و كالنبل - و هو ما يرمي عن القوس العربيّة - مع النّشّاب، و هو ما يرمي عن القوس الفارسيّة.

و من أنواع القسيّ: الحسبان، و هو قوس تجمع سهامه الصغار في قصبة و يرمي بها فتتفرّق في الناس و يعظم أثرها و نكايتها، لأنّا قد ذكرنا أنّ اختلاف نوع الإبل و الفرس لا يضرّ، فاختلاف النوع في الآلة أولي.

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز المناضلة علي النبل و النّشّاب(2) ؛ لأنّهما ينزّلان منزلة الخيل و البغال(3).

و لا يجوز أن يناضل أهل النّشّاب أصحاب الجلاهق(4) ؛ لاختلاف الصنعة فيهما، و أنّه ليس الحذق بأحدهما حذقا بالآخر.

مسألة 918: المتناضلان إمّا أن يعيّنا في عقد النضال النوع و يسمّيا واحدا من الطرفين أو من أحد الطرفين،

فإن عيّنا الرمي عن قوس معيّنة لم يجز لهما العدول إلاّ برضا صاحبه الآخر، فإن عيّنا الرمي عن القوس العربيّة فليس لأحدهما أن يعدل إلي الفارسيّة؛ عملا بالشرط، فإن اتّفقا علي العدول عن العربيّة إلي الفارسيّة جاز؛ لأنّ موجب الشرط أن يلتزمه كلّ واحد منهما في حقّ صاحبه ما لم يرض بإسقاط حقّه.

و لو شرطا الرمي عن القوس الفارسيّة، لم يكن لأحدهما العدول إلي

ص: 66


1- التهذيب - للبغوي - 85:8، العزيز شرح الوجيز 195:12، روضة الطالبين 543:7.
2- النّشّاب: السهام. الصحاح 224:1، «نشب».
3- العزيز شرح الوجيز 195:12، روضة الطالبين 543:7.
4- الجلاهق: البندق. الصحاح 1454:4، فصل الجيم.

العربيّة، فإن اتّفقا علي العدول جاز.

و لو شرطا أن يرمي أحدهما عن القوس العربيّة و يرمي الآخر عن الفارسيّة، جاز و إن اختلف قوساهما؛ لأنّ مقصود الرمي حذق الرامي، و الآلة تبع، بخلاف ما لو شرطا في السبق أن يسابق أحدهما علي فرس و الآخر علي بغل، جاز عند شاذّ(1) ، و لم يجز عند الأكثر(2) ؛ لأنّ المقصود في السبق المركوبان، و الراكبان تبع، فلزم التساوي فيه، و لم يلزم التساوي في آلة الرمي، فعلي هذا ليس لواحد منهما أن يعدل عن الشرط في قوسه و إن ساوي فيها صاحبه لأجل شرطه، فإن راضاه عليها جاز.

و لو شرطا أن يرمي كلّ واحد منهما عمّا شاء من قوس عربيّة أو فارسيّة، جاز لكلّ واحد منهما أن يرمي عن أيّ القوسين شاء قبل الشروع في الرمي و بعده، فإن أراد أحدهما منع صاحبه من خياره لم يجز، سواء تماثلا فيها أو اختلفا.

و إن أطلقا العقد من غير شرط، فإن كان للرّماة عرف في أحد القوسين، حملا عليه، و جري العرف في العقد المطلق مجري الشرط في العقد المقيّد.

و إن لم يكن للرّماة فيه عرف معهود، فهما بالخيار فيما اتّفقا عليه من أحد القوسين إذا كانا فيهما متساويين؛ لأنّ مطلق العقد يوجب التكافؤ، فإن اختلفا، لم يقرع بينهما؛ لأنّه أصل في العقد، و قيل لهما: إن اتّفقتما و إلاّ فسخ العقد بينكما.

مسألة 919: لو عيّنا نوعا من القسيّ، لم يجز العدول عن النوع المعيّن إلي ما هو أجود منه، و يجوز العكس،

ص: 67


1- الحاوي الكبير 224:15، التهذيب - للبغوي - 85:8، البيان 373:7.
2- الحاوي الكبير 224:15، التهذيب - للبغوي - 85:8، البيان 373:7.

كما لو عيّنا الفارسيّة جاز إبدالها بالعربيّة؛ لأنّه انتقال من الأجود إلي ما هو دونه، و ليس فيه إجحاف، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم: المنع إلاّ برضا الشريك؛ لأنّه ربما كان استعماله لأحد النوعين أكثر، و رميه به أجود(1).

مسألة 920: لا يتعيّن السهم و لا القوس بالشخص و إن عيّناه بالشرط،

فلو عيّنا شخصا من نوع من القسيّ أو السهام لم يتعيّن، و جاز إبداله بمثله من ذلك النوع، سواء تجدّد فيه خلل يمنع من استعماله أو لم يتجدّد، بخلاف الفرس، فإنّها تتعيّن لو عيّنا شخصها، بل التعيين الشخصي في الأفراس شرط في صحّة العقد، و لا يجوز إبداله بغيره.

و لو شرطا في القسيّ أو السهام شخصا معيّنا، لم يلزم، و جاز الإبدال، و يفسد الشرط؛ لأنّه قد تعرض له أحوال خفيّة تحوجه إلي الإبدال، و في منعه منه تضييق لا فائدة فيه، فكان بمنزلة ما لو عيّن المكتل في السّلم، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يصحّ الشرط؛ لإمكان تعلّق الغرض بذلك المعيّن، و تفاوت القوس الشديدة و اللينة قريب من تفاوت القوس العربيّة و العجميّة(2).

و علي تقدير فساد هذا الشرط ففي بطلان العقد بفساده للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يفسد، و يكون ذكره لغوا.

ص: 68


1- نهاية المطلب 268:18-269، الوسيط 186:7، العزيز شرح الوجيز 12: 196، روضة الطالبين 544:7.
2- نهاية المطلب 270:18، الوسيط 186:7، العزيز شرح الوجيز 196:12، روضة الطالبين 544:7.

و الثاني - و هو الأقوي عندي -: بطلان العقد(1).

و يطّرد الوجهان في كلّ ما لو طرح من أصله لاستقلّ العقد بإطلاقه، فأمّا ما لو طرح لم يستقلّ العقد بإطلاقه، فإذا فسد فسد العقد قطعا، كما إذا لم يذكر في المسابقة الغاية المعيّنة(2).

و علي تقدير القول بصحّة الشرط يجب الوفاء به ما لم ينكسر المعيّن، فإذا انكسر جاز الإبدال للضرورة.

و لو شرط عدم الإبدال مع الانكسار، لم يكن له أن يبدله.

و قالت الشافعيّة: يفسد العقد؛ لأنّ هذه مبالغة لا يمكن احتمالها(3).

مسألة 921: لو أطلقا المناضلة و لم يتعرّضا لنوع القوس و السهم و لا عيّنا فردا من نوع،

فإن كان عادة البلد المناضلة بنوع معيّن، حمل الإطلاق عليه، كما يحمل الإطلاق في الثمن و أوقات السير في الإجارة علي عرف الناس في ذلك البلد.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: البطلان مطلقا؛ لاختلاف الأغراض في الإصابة بالأنواع.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّ الاعتماد في المناضلة علي الرامي(4).

و علي القول بالصحّة مطلقا فليتراضيا علي شيء، و إذا تراضيا فينبغي

ص: 69


1- نهاية المطلب 271:18، الوسيط 186:7، العزيز شرح الوجيز 196:12، روضة الطالبين 544:7.
2- نهاية المطلب 271:18، العزيز شرح الوجيز 196:12، روضة الطالبين 7: 544.
3- نهاية المطلب 271:18، الوسيط 187:7، العزيز شرح الوجيز 196:12، روضة الطالبين 544:7.
4- العزيز شرح الوجيز 196:12، روضة الطالبين 544:7.

تراضيهما علي نوع واحد؛ لأنّ العقد مبنيّ علي التساوي.

و لو تراضيا علي نوع من جانب و نوع آخر من الجانب الآخر، جاز.

و لو اختلفا فاختار أحدهما نوعا و اختار الآخر غيره و أصرّا عليه، فسخ العقد إن قلنا: إنّه لازم، و إن قلنا: إنّه جائز، كان رجوعا.

و قال الجويني: إن قلنا: إنّه جائز و تمانعا، فسخ العقد، و إن قلنا: إنّه لازم، حكم بفساد الإطلاق؛ لإفضائه إلي التنازع و تعذّر الفصل(1).

إذا عرفت هذا، فقضيّة القول بأنّه رجوع: ارتفاع العقد بالتنازع، و قضيّة القول بالفسخ: بقاؤه مع التنازع إلي أن يفسخ، فيخرج من هذا وجهان للشافعيّة إذا فرّعنا علي الصحّة و تنازعا في التعيين(2).

و اعلم أنّ بعضهم قال: اختلاف السهام و إن اتّحد نوع القوس كاختلاف نوع القوس(3) ، كما تقدّم(4) من أنّه لا يناضل أهل النّشّاب أصحاب الجلاهق.

البحث الثاني: في اشتراط الإعلام.
مسألة 922: يشترط في المناضلة العلم بأمور يختلف الغرض باختلافها،

فالمال الذي عقد المناضلة عليه يجب العلم بمقداره، كغيره من الأعواض، فإن أغفل ذكر العوض كان باطلا.

ص: 70


1- نهاية المطلب 269:18، و عنه في العزيز شرح الوجيز 197:12.
2- العزيز شرح الوجيز 197:12.
3- الجويني في نهاية المطلب 272:18، و عنه في العزيز شرح الوجيز 197:12، و روضة الطالبين 544:7.
4- في ص 66.

و في استحقاقه لأجرة مثله قولان، و قد تقدّم(1) مثله في المسابقة.

مسألة 923: يشترط أيضا في صحّة العقد عدد الإصابة،

كخمس إصابات من عشرين رمية؛ لأنّ الاستحقاق بالإصابة، و بها يتبيّن حذق الرامي وجودة رميه، و لأنّ صفة الإصابة من القرع و الخزق و الخسق و غيرها مبنيّة عليه لا يمكن حصولها بدونه، و لأنّ معرفة الناضل من المنضول إنّما تحصل به.

و أكثر ما يجوز اشتراطه من الإصابة ما نقص من عدد الرشق المشروط بشيء و إن قلّ ليكون تلافيا للخطأ الذي يتعذّر أن يسلم منه المتناضلون.

و أحذق الرّماة في العرف من أصاب من العشرة تسعة، فلو شرطا إصابة تسعة من عشرة، فالأقرب: الجواز؛ لبقاء سهم للخطأ، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز؛ لأنّ إصابتها نادرة(2).

فأمّا أقلّ ما يشترط(3) من الإصابة ما يحصل به التناضل، و هو ما زاد علي الواحد.

و لو شرطا أن تكون الإصابة محتسبة من تسعة و عدد الرشق عشرة، بطل.

و لو عقدا علي أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة، ففيه للشافعيّة وجهان:

ص: 71


1- في ص 33، المسألة 899.
2- الحاوي الكبير 201:15، المهذّب - للشيرازي - 424:1-425، الوسيط 7: 187، حلية العلماء 474:5، التهذيب - للبغوي - 83:8، البيان 381:7، العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.
3- في الطبعة الحجريّة: «يشترطا».

أحدهما: البطلان، كما بطل(1) ذلك في عقد المسابقة بالخيل إذا عقدا علي السباق إلي غير غاية؛ لأنّ من الرّماة من تكثر إصابته في الابتداء و تقلّ في الانتهاء، و منهم من هو بالضدّ من ذلك، فبطل، كما في سباق الخيل.

و الثاني: الصحّة؛ للأصل، و الفرق ظاهر بين النضال و السباق؛ لأنّ إجراء الخيل إلي غير غاية مفض إلي انقطاعها، و كثرة الإصابة غير مفض(2) إلي انقطاع الرّماة(3).

مسألة 924: يشترط الإعلام بعدد الرمي،

فيجب أن يكون عدده معلوما؛ لأنّه العمل المقصود المعقود عليه لتكون غاية رميهما فيه معلومة منتهية إليه.

و عرف الرّماة في الرشق أن يكون من عشرين إلي ثلاثين، فإن عقداه علي أقلّ منهما أو أكثر جاز.

مسألة 925: و لا يشترط الإعلام بصفات الإصابة من القرع و الخزق و الخسق و غيرها

- و هو قول بعض الشافعيّة، و عند الأكثر منهم أنّه يشترط إلاّ الخرم و المرق، فإنّهم لم يشترطوا التعرّض لهما، و الوجه عندهم:

الأوّل(4) ، و هو عدم الاشتراط - كما لا يشترط في الخرم و المرق و إصابة أعلي الغرض و أسفله.

و إذا أطلقا العقد، حمل علي القرع، و هو مجرّد الإصابة؛ لأنّه

ص: 72


1- في «ر»: «يبطل».
2- الظاهر: غير مفضية.
3- الحاوي الكبير 202:15.
4- العزيز شرح الوجيز 199:12، روضة الطالبين 545:7.

المتعارف، و لأنّه المطلق معني، فيحمل المطلق لفظا عليه.

مسألة 926: يشترط إعلام المسافة التي يرميان فيها،

و هي ما بين موقف الرامي و الهدف.

و إنّما وجب أن تكون معلومة؛ لأنّ الإصابة تكثر مع [قرب المسافة، و تقلّ مع بعدها، فلزم العمل بها، و أبعدها في العرف](1) ثلاثمائة ذراع، و أقلّها ما يحتمل أن يصاب و أن لا يصاب.

و إنّما وجب الإعلام بالمسافة؛ لأنّ الأغراض تختلف باختلاف المسافة في الطول و القصر، و الإعلام يرفع النزاع و يكشف الحال.

و يحصل الإعلام بأمرين: المشاهدة و ذكر الذّرعان.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه لا يجب إعلام المسافة، و ينزّل الإطلاق علي العادة الغالبة للرّماة في ذلك الموضع، كما تحمل المعاليق في استئجار البعير و مواضع النزول علي المعتاد(2).

و القولان مبنيّان علي أنّه إذا لم تكن هناك عادة غالبة يجب الإعلام، و إن كان هناك عادة معروفة بين الرّماة حمل الإطلاق عليه؛ عملا بقرينة الحال، كما في غيره من النظائر(3).

و لو ذكرا غاية لا يصيبها السهم، بطل العقد.

و لو كانت الإصابة فيها نادرة، فللشافعي قولان، كالقولين في الشروط النادرة(4).

ص: 73


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير 202:15.
2- نهاية المطلب 258:18، العزيز شرح الوجيز 199:12، روضة الطالبين 545:7.
3- العزيز شرح الوجيز 199:12، روضة الطالبين 546:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 425:1، حلية العلماء 474:5، التهذيب - للبغوي - 8: 83، البيان 381:7، العزيز شرح الوجيز 199:12، روضة الطالبين 546:7.

و قدّر بعض الفقهاء المسافة التي يقرب موضع الإصابة منها بمائتين و خمسين ذراعا(1).

و قد روي عن بعض أصحاب النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قيل له: كيف كنتم تقاتلون العدوّ؟ فقال: إذا كانوا علي مائتين و خمسين ذراعا قاتلناهم بالنبل، و إذا كانوا علي أقلّ من ذلك قاتلناهم بالحجارة، و إذا كانوا علي أقلّ من ذلك قاتلناهم بالرماح، و إذا كانوا علي أقلّ من ذلك قاتلناهم بالسيف، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «هذا هو الحرب»(2).

و قدّروا المسافة التي [تتعذّر](3) فيها الإصابة بما زاد علي ثلاثمائة و خمسين(4).

و روي أنّه لم يرم إلي أربعمائة إلاّ عقبة بن عامر الجهني(5).

و قال بعض الشافعيّة: لا تجوز الزيادة علي مائتي ذراع(6).

و لو تناضلا علي أن يكون السّبق لأبعدهما رميا و لم يقصدا غرضا، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ الإصابة و إن كانت مقصودة في النضال فكذا البعد،7.

ص: 74


1- المهذّب - للشيرازي - 425:1، حلية العلماء 474:5، التهذيب - للبغوي - 8: 83، البيان 381:7، العزيز شرح الوجيز 200:12، روضة الطالبين 546:7.
2- راجع: المبسوط - للطوسي - 310:6-311، و الحاوي الكبير 237:15 - 238، و البيان 381:7، و العزيز شرح الوجيز 200:12.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تبعد». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
4- التهذيب - للبغوي - 83:8، العزيز شرح الوجيز 200:12، روضة الطالبين 7: 546.
5- الحاوي الكبير 238:15، البيان 382:7، العزيز شرح الوجيز 200:12، المغني 141:11، الشرح الكبير 135:11.
6- العزيز شرح الوجيز 200:12، روضة الطالبين 546:7.

و زيادته مطلوبة فيه أيضا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لتطرّق الجهالة فيه، و لانتفاء المقصود بالذات، و هو الإصابة(1).

و هو غلط؛ فإنّا قد بيّنّا أنّ الزيادة في البعد من غير إصابة مقصودة في مقابلة من بعد من العدوّ في إيقاع السهم في القلاع ليرهب العدوّ، و تعرف به شدّة الساعد و ضعفه، فعلي هذا يجب تساوي القوسين في الشدّة، و تراعي خفّة السهم و رزانته، فإنّ لهما تأثيرا عظيما في القرب و البعد.

مسألة 927: الهدف تراب يجمع أو حائط يبني لينصب فيه الغرض.

و الغرض هو قرطاس أو جلد أو شنّ، و هو الجلد البالي يدور عليه شنبر [و يقال للشنبر: الجريد](2).

و قيل: ما ينصب في الهدف يقال له: القرطاس، سواء كان من كاغذ أو غيره، و ما يعلّق في الهواء فهو الغرض(3).

و الرّقعة: عظم و نحوه في وسط الغرض.

و قد يجعل في الشنّ نقش كالهلال يقال له: الدائرة، و في وسطها نقش يقال له: الخاتم، و هذه الدائرة هي الغاية في المقصود من حذق الرّماة.

إذا عرفت هذا، فينبغي أن يرتّبا موضعا للإصابة أهو الهدف أو الغرض المنصوب في الهدف أو الشنّ في الغرض أو الدائرة في الشنّ أو

ص: 75


1- المهذّب - للشيرازي - 425:1، حلية العلماء 475:5، التهذيب - للبغوي - 8: 84، البيان 382:7، العزيز شرح الوجيز 200:12، روضة الطالبين 546:7.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 200:12.
3- العزيز شرح الوجيز 200:12، روضة الطالبين 546:7.

الخاتم في الدائرة، و قد يقال له: الحلقة و الرّقعة.

و في شرط إصابته ما تقدّم من الخلاف في شرط الإصابات النادرة.

و قد تجعل العرب مكان الهدف ترسا و تعلّق فيه الشنّ.

إذا تقرّر هذا، فإنّه يجب أن يكون الغرض من الهدف معلوما؛ لأنّه المقصود بالإصابة.

و العلم به يحصل بأمور ثلاثة:

[الأوّل]: موضعه من الهدف في ارتفاعه و انخفاضه؛ لأنّ الإصابة في المنخفض أكثر منها في المرتفع.

و الثاني: قدر الغرض في ضيقه و سعته؛ لأنّ الإصابة في الواسع أكثر منها في الضيق، و أوسع الأغراض في عرف الرّماة ذراع، و أقلّه أربع أصابع.

و الثالث: قدر الدائرة من الغرض إن شرطت الإصابة فيها.

و يجب أن يكون محلّ الإصابة معلوما هل هو في الهدف أو في الغرض أو في الدائرة؛ لأنّ الإصابة في الهدف أوسع، و في الغرض أوسط، و في الدائرة أضيق، فإن أهمل ذكره، كان جميع الغرض محلّ الإصابة؛ لأنّ ما دونه تخصيص، فإن كان الشرط إصابة الهدف، سقط اعتبار الغرض، و لزم وصف الهدف في طوله و عرضه.

مسألة 928: يجب الإعلام بعدد الأرشاق،

و هي جمع «رشق» و هو:

النوبة من الرمي يجري بين الراميين سهما سهما، أو خمسة خمسة، أو عشرة عشرة، أو ما يتّفقان عليه.

و يجوز أن يتّفقا علي أن يرمي أحدهما جميع العدد ثمّ يرمي الآخر بعده الجميع، أو يرمي عدّة من العدد ثمّ يرمي الآخر مثل تلك العدّة، ثمّ الأوّل كمال العدد أو بعضه ثمّ الثاني، فإن أطلقا حمل علي رمي سهم سهم.

ص: 76

و المحاطّة هي: أن يشترط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر، و طرح ما يشتركان فيه، فإذا شرطا عشرين رشقا و خلوص خمس إصابات فرميا عشرين فأصاب أحدهما عشرة و الآخر خمسة، فالأوّل هو السابق(1) ، و إن أصاب كلّ واحد منهما خمسة أو عشرة فلا سبق(2) هنا.

و المبادرة هي: أن يشترطا الاستحقاق لمن بدر إلي إصابة خمسة من عشرين، فإذا رميا عشرين و أصاب أحدهما خمسة و الآخر أربعة، فالأوّل ناضل.

و لو رمي أحدهما عشرين فأصاب خمسة و رمي الآخر تسعة عشر فأصاب أربعة، لم يكن الأوّل ناضلا حتي يرمي الثاني سهما، فإن أصاب فقد استويا، و إلاّ كان ناضلا.

و بهذا يظهر أنّ الاستحقاق غير منوط بمجرّد المبادرة إلي العدد المذكور.

إذا عرفت هذا، فالأقرب: أنّه يشترط في عقد المسابقة التعرّض للمبادرة و المحاطّة؛ لأنّ حكم كلّ واحد منهما مخالف لحكم الآخر، فإن أهمل بطل العقد؛ لتفاوت الأغراض، فإنّ من الرّماة من تكثر إصابته في الابتداء و تقلّ في الانتهاء، و منهم من هو علي عكس ذلك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأصحّ عندهم: إنّه لا يشترط ذكر أحدهما، فإن أطلقا حمل العقد علي المبادرة؛ لأنّها الغالب في المناضلة(3). -

ص: 77


1- الظاهر: «الناضل» بدل «السابق».
2- الظاهر: «فلا نضال» بدل «فلا سبق».
3- المهذّب - للشيرازي - 425:1، حلية العلماء 475:5، البيان 384:7، العزيز -

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ للشافعي أقوالا ثلاثة:

أحدها: أنّه يشترط ذكر الأرشاق و بيان عددها في العقد في المحاطّة و المبادرة جميعا ليكون العمل مضبوطا، فإنّ الأرشاق في المناضلة كالميدان في المسابقة.

و الثاني: لا يشترط فيهما؛ لأنّ الرمي لا يجري علي نسق واحد، و قد لا تستوفي الأرشاق؛ لحصول السبق في خلالها، فليكن التعويل علي الإصابات.

و الثالث: أنّه يشترط في المحاطّة، لينفصل الأمر و تتبيّن نهاية العقد، و لا يشترط في المبادرة؛ لأنّ الاستحقاق متعلّق بالبدار إلي العدد المشروط، و هو سهل المدرك(1).

مسألة 929: يجوز تعدّد الرميات و كثرتها من غير حصر،

لكن لا بدّ من التعيين، فإن شرطا عددا معيّنا كثيرا لا يمكن إيقاعه في اليوم الواحد، ففي وجوب تعيين عدد رمي كلّ يوم إشكال، فإن لم نقل به، رميا ما يتّفقان عليه كلّ يوم.

و لو عقدا علي أن يرميا كلّ يوم بكرة كذا و عشيّة كذا إمّا مساو أو مفاوت، جاز.

و كذا يجوز تساوي الأيّام في عدد الرمي و تفاوتها.

و لا يتفرّقان كلّ يوم إلاّ بعد استيفاء العدد المشروط، إلاّ أن يعرض

ص: 78


1- نهاية المطلب 252:18، الوسيط 188:7، العزيز شرح الوجيز 201:12، روضة الطالبين 547:7.

بعض الأعذار، كمرض أو ريح، ثمّ يرميان علي ما مضي في ذلك اليوم أو بعده.

و لو رمي أحدهما عدد رميه بأسره ثمّ عرض عارض منع الآخر من الرمي أو من بعضه، رمي من غده كمال العدد.

و يجوز أن يشترطا الرمي طول النهار، فلا يتركانه إلاّ وقت الطهارة و الصلاة و الأكل و نظائرها من الأعذار، و تقع مستثناة، كما في الإجارات، و لو أطلقا و لم يبيّنا وظيفة كلّ يوم، فكذلك، و لا يتركان الرمي إلاّ بالتراضي أو بمانع يعرض، و الحرّ و الريح الخفيفة ليسا بأعذار.

و إذا غربت الشمس قبل الفراغ من الوظيفة المشروطة، لم يرمه ليلا؛ للعادة، إلاّ أن يشترط الرمي ليلا، فحينئذ يحتاجان إلي ضوء، كشمعة و نحوها، و يكفي ضوء القمر.

مسألة 930: التناضل يخالف التسابق،

فإنّ المتسابقين بالخيل و شبهها يجريان معا ليغرف السابق منهما، و إنّما يكون ذلك مع التصاحب في السير، و أمّا التناضل فلا بدّ فيه من الترتيب؛ لأنّهما لو رميا معا اشتبه الحال بين المصيب و المخطئ، فلا يعلم المصيب منهما، و لما يخاف من تنافرهما، إلاّ أن يعرف بتعليم النّشّاب بما يميّز كلّ واحدة منهما عن صاحبتها، و حينئذ فلا بدّ فيه من ذكر المبتدئ بالرمي من هو منهما؟ و كيفيّة الرمي هل يتراميان سهما سهما أو خمسة خمسة ؟ ليزول التنازع بينهما، و يعمل كلّ واحد منهما علي شرطه.

فإن أهملا ذكر المبتدئ، احتمل بطلان العقد؛ لاختلاف الأغراض في البدأة، و الرّماة يتنافسون في المبتدئ تنافسا ظاهرا لحكمة مقصودة عند العقلاء، فإنّ المبتدئ يجد الغرض خاليا من الخلل و هو علي ابتداء النشاط، فتكون إصابته أقرب، فحينئذ لو أهمل تأثّر العقد، و الصحّة،

ص: 79

فيبتدئ مخرج السّبق منهما، فإن أخرجاه معا أقرع، و إن أخرجه ثالث فمن يختاره المخرج، أو يقرع بكلّ حال؛ لأنّ الشارع ردّ الناس إلي القرعة في كثير من التنازعات.

و للشافعي قولان(1) كالاحتمالين.

و إذا قلنا باشتراط تقديم واحد أو اعتمد علي القرعة فخرجت لواحد، فيقدّم في كلّ رشق، أو يؤثّر سبب التقديم في الرشق الأوّل خاصّة ؟ للشافعيّة قولان(2).

و يحتمل أن يقال: إذا ابتدأ المتقدّم في النوبة الأولي بالقرعة ينبغي أن يبتدئ الثاني في الثانية من غير قرعة، ثمّ يبتدئ الأوّل في الثالثة ثمّ الثاني.

و لو صرّحوا بتقديم من قدّموه في كلّ رشق أو أخرجت القرعة المتقدّم في كلّ رشق، اتّبع الشرط أو القرعة.

و قال الشافعي في الأمّ: إنّهما لو شرطا أن يكون المبتدئ أحدهما أبدا، لم يجز؛ لأنّ المناضلة مبنيّة علي التساوي(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه يجوز في كلّ عقد اشتراط الابتداء لواحد معيّن.

و إن أغفل في العقد عدد ما يرميه كلّ واحد منهما، صحّ العقد، و حمل علي عرف الرّماة، فإن اختلف عرفهم رميا سهما و سهما.

مسألة 931: ينبغي أن ينصب الرّماة غرضين متقابلين...

ينبغي أن ينصب الرّماة غرضين متقابلين و يرمي

ص: 80


1- الحاوي الكبير 209:15، المهذّب - للشيرازي - 425:1، نهاية المطلب 18: 256-257، الوجيز 221:2، التهذيب - للبغوي - 88:8، البيان 384:7 - 385، العزيز شرح الوجيز 202:12-203، روضة الطالبين 548:7.
2- نهاية المطلب 257:18، الوجيز 221:2، العزيز شرح الوجيز 203:12، روضة الطالبين 548:7.
3- عنه في العزيز شرح الوجيز 203:12، و روضة الطالبين 548:7.

المتناضلان أو الحزبان من عند أحدهما إلي الآخر ثمّ يأتيان الغرض الثاني الذي رميا اليه و يلقطان السهام و يرميان إلي الأوّل؛ لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «ما بين الهدفين روضة من رياض الجنّة»(1).

و قال بعض الصحابة: علّموا أولادكم الرمي و المشي بين الغرضين(2).

و رمي بين الغرضين عقبة بن عامر و ابن عمر و أنس(3).

و لأنّه أخفّ علي الرّماة، فإنّهما إذا فعلا ذلك لم يحتاجا إلي الذهاب و الرجوع، و لا تطول المدّة أيضا.

قال الشافعي: إذا بدأ أحدهما إمّا بحكم الشرط أو بالقرعة أو بإخراج المال، فإذا انتهيا إلي الغرض الثاني يبدأ الثاني منه بالرمي إلي الأوّل؛ تحقيقا للتسوية(4).

و الأقرب: الرجوع إلي أحد الثلاثة.

و قضيّة قول الشافعي: أن يبدأ الثاني في النوبة الثانية و إن كان الغرض واحدا، و حينئذ يتّصل رميه في النوبة الثانية برميه في النوبة الأولي.

تذنيبات:

الأوّل: إذا قلنا بالقرعة في المبتدئ، دخل المحلّل في القرعة إذا أخرجا المال.7.

ص: 81


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 210:15، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 203:12، و في الفردوس - للديلمي - 2245/43:2 عن أبي هريرة رفعه.
2- العزيز شرح الوجيز 204:12.
3- المهذّب - للشيرازي - 425:1، التهذيب - للبغوي - 88:8، العزيز شرح الوجيز 204:12.
4- العزيز شرح الوجيز 204:12، روضة الطالبين 548:7.

و للشافعيّة وجهان؛ بناء علي أنّ إخراج المال هل يقتضي السبق ؟ فإن قلنا: يقتضيه، لم يدخل، و إلاّ دخل(1).

الثاني: إذا ثبتت البدأة لواحد فرمي الآخر قبله، فالأقرب: أنّه إن كان برضا المخصّص بالبدأة جاز، و حسب له إن أصاب، و عليه إن أخطأ.

و إن بادر بذلك من غير إذنه، لم تحسب إصابته و لا خطؤه، و يرمي ثانيا عند انتهاء النوبة إليه.

الثالث: إذا ثبت التقدّم لأحدهما إمّا بالقرعة أو بإخراج المال، فأراد بعد استحقاقه للتقدّم أن يتأخّر، لم يمنع؛ لأنّ التقدّم حقّ له، و ليس بحقّ عليه.

البحث الثالث: تعيين الرّماة.
مسألة 932: يشترط تعيين المتراميين؛

لأنّ العقد عليهما، و المقصود به حذقهما، و إنّما يعرف حذقهما إذا تعيّنا، و لأنّ التعويل في المناضلة علي الرامي، كما أنّ التعويل في المسابقة علي المركوب، فاشترط تعيين الرامي هنا، كما يشترط تعيين المركوب هناك، و لا يجوز إيراده علي الذمّة.

مسألة 933: يجوز التناضل بين حزبين،

كما يجوز بين شخصين؛ لما روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله مرّ بحزبين من الأنصار يتناضلون، فقال: «أنا مع الحزب الذي فيهم ابن الأدرع» فأمسك القوم قسيّهم و قالوا: يا رسول اللّه من كنت معه غلب، فقال: «ارموا و أنا معكم كلّكم»(2) فدلّ علي أنّهم كانوا حزبين،

ص: 82


1- الحاوي الكبير 209:15، حلية العلماء 476:5-477، العزيز شرح الوجيز 204:12، روضة الطالبين 549:7.
2- العزيز شرح الوجيز 205:12، المستدرك - للحاكم - 94:2، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 4695/548:10.

و به قال الشافعي و جمهور أصحابه(1) ، إلاّ أبا علي ابن أبي هريرة، فإنّه قال:

لا يصحّ أن يتناضل الحزبان؛ لأنّ كلّ واحد يأخذ بفعل غيره(2).

و هو غلط؛ لأنّهم إذا اشتركوا صار فعل جميعهم واحدا، فاشتركوا في موجبه؛ لاشتراكهم في فعله، و لأنّ المقصود من النضال التحريض علي الاستعداد للجهاد، و هو في الأحزاب أشدّ تحريضا و أكثر اجتهادا.

إذا عرفت هذا، فالمراد من تناضل الأحزاب هو أن يتناضل حزبان يدخل في كلّ واحد منهما جماعة يتقدّم عليهم واحد منهم، فيعقد النضال علي جميعهم، و يكون كلّ حزب فيما يتّفق لهم من الإصابة و الخطأ كالشخص الواحد.

و ليكن لكلّ واحد من الحزبين زعيم يعيّن أصحابه، فإذا تراضيا توكّل عنهم في العقد.

مسألة 934: يشترط في عقد النضال بين الحزبين أمور:

أ: أن يتغاير الزعيمان، فلا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا، بل يجب أن يكون زعيم كلّ واحد من الحزبين غير زعيم الحزب الآخر لتصحّ نيابته عنهم في العقد عليهم مع الحزب الآخر، فإن كان زعيم الحزبين واحدا لم يصح، كما لا يصحّ أن يكون الوكيل في البيع بائعا و مشتريا.

ب: أن تتعيّن رماة كلّ حزب منهما قبل العقد باتّفاق و مراضاة،

ص: 83


1- الحاوي الكبير 242:15، المهذّب - للشيرازي - 427:1، الوجيز 221:2، حلية العلماء 483:5، التهذيب - للبغوي - 94:8، البيان 392:7، العزيز شرح الوجيز 205:12، روضة الطالبين 549:7، المغني 148:11، الشرح الكبير 152:11.
2- الحاوي الكبير 242:15، المهذّب - للشيرازي - 427:1، حلية العلماء 5: 483، البيان 392:7، العزيز شرح الوجيز 205:12، روضة الطالبين 549:7.

فيعرف كلّ واحد منهم من يرمي معه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه، فإن عقده الزعيمان عليهم ليقرعوا علي من يكون في كلّ حزب، لم يصح، كما إذا كان الحزبان ثلاثة ثلاثة فيقول الزعيمان: يقرع عليهم فمن خرجت قرعتي عليه كان معي، و من خرجت قرعتك عليه كان معك، لم يصح؛ لأنّهم أصل في عقد، فلم يصح عقده(1) علي القرعة، كابتياع أحد العبدين بالقرعة، و لأنّه ربما أخرجت القرعة الحذّاق لأحد الحزبين و الضعفاء للحزب الآخر، فيخرج عن مقصود التحريض في التناضل.

فإن عدّلوا بين الحزبين في الحذق و الضعف قبل العقد علي أن يقرع الزعيمان علي كلّ واحد من الحزبين بعد العقد، لم يصح باعتبار التعليل الأوّل من كونهم أصلا في العقد، دون التعليل الثاني من اجتماع الحذّاق في أحد الحزبين.

فإذا ثبت تعيينهم قبل العقد بغير قرعة، تعيّنوا فيه إمّا بالإشارة إليهم إذا حضروا و إن لم يعرفوا، و إمّا بأسمائهم إذا عرفوا، فإن تنازعوا عند الاختيار قبل العقد فعدلوا إلي القرعة في المتقدّم بالاختيار جاز؛ لأنّها قرعة في الاختيار، و ليست قرعة في العقد.

فإذا قرع بأحد الزعيمين اختار من الستّة واحدا ثمّ اختار الزعيم الثاني ثانيا ثمّ عاد الأوّل فاختار ثالثا و أخذ الآخر الثالث الباقي، و لم يجز أن يختار الأوّل الثلاثة في حالة واحدة؛ لأنّه لا يختار إلاّ الأحذق، فيجتمع الحذّاق في حزب و الضعفاء في حزب، فيعدم مقصود التناضل من التحريض.».

ص: 84


1- في الطبعة الحجريّة: «عقدهم» بدل «عقده».

و لا يجوز أن يعقد(1) عقد النضال قبل تعيين الأعوان، و طريق التعيين الانقياد و التراضي، فيختار زعيم واحدا و الزعيم الآخر في مقابلته واحدا، ثمّ الأوّل واحدا ثمّ الآخر واحدا، و هكذا إلي أن يستوعبوا الرّماة.

و لو قال أحد الزعيمين: أختار الحذّاق و أعطي السّبق، أو أختار الضعفاء و آخذ السّبق، لم يجز.

ج: يشترط تساوي الحزبين في العدد - و به قال بعض الشافعيّة(2) - لأنّ المقصود معرفة حذق المتناضلين، و إذا اختلف عددهما و فضل الأكثر عددا لم يلزم أن يكون الفوز للحذق وجودة الرمي، بل يجوز أن يكون ذلك لكثرة العدد.

و قال بعض الشافعيّة: لا يشترط تساوي الحزبين في عدد الأشخاص، بل في عدد الرمي و عدد الإصابات، فيجوز(3) أن يكون أحد الحزبين ثلاثة و الآخر أربعة، و الأرشاق و رمياته علي كلّ حزب، فلو ترامي رجل رجلين(4) أو ثلاثة ليرمي هو ثلاثة و يرمي كلّ واحد منهم واحدا، جاز(5).

و علي الأوّل يشترط أن يكون عدد الأرشاق بحيث ينقسم صحيحا علي الأحزاب، فإن كانوا ثلاثة أحزاب فليكن للأرشاق ثلث صحيح، و إن كانوا أربعة فليكن لها ربع صحيح.7.

ص: 85


1- في «د»: «يعقدا».
2- الحاوي الكبير 243:15، المهذّب - للشيرازي - 427:1، التهذيب - للبغوي - 95:8، البيان 393:7، العزيز شرح الوجيز 207:12، روضة الطالبين 550:7.
3- في «ر، ص»: «بل يجوز» بدل «فيجوز».
4- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و رجلين». و المثبت هو الصحيح.
5- نهاية المطلب 284:18، الوجيز 221:2، الوسيط 190:7، العزيز شرح الوجيز 207:12، روضة الطالبين 550:7.

د: يشترط أن يكون العقد بإذنهم، فإن لم يأذن آحاد كلّ حزب فيه لم يصح؛ لأنّه عقد معاوضة يتردّد بين الإجارة و الجعالة، و كلّ واحد من هذين لا يصحّ إلاّ بإذن و اختيار، فإن عقد عليهم من لم يستأذنهم بطل.

ه: أن يعين كلّ من الحزبين علي من يتولّي العقد فيكون فيه متقدّما عليهم و نائبا عنهم، فإن لم يعينوا علي كلّ واحد واحد منهم لم يصح العقد عليهم؛ لأنّه توكيل، فلم يصح إلاّ بالتعيين.

و ينبغي أن يكون كلّ زعيم أحذق حزبه، و يكون حزبه أشدّ طاعة له؛ لأنّ صفة الزعيم في العرف أن يكون متقدّما في الصناعة مطاعا في الجماعة، فإن تقدّموه في الرمي و أطاعوه في الاتّباع جاز، و إن لم يتقدّمهم في الرمي و لم يطيعوه في الاتّباع لم يجز؛ لأنّ غير المطاع لا تنفذ أوامره.

مسألة 935: إذا اجتمعت الشرائط في عقد النضال بين الحزبين،

لم يخل حالهم في [مال السّبق](1) من أربعة أحوال:

أ: أن يخرج المال أجنبيّ و يشترطه للناضل من الحزبين، و هو جائز، و لا حاجة إلي المحلّل إجماعا.

ب: أن يخرجه أحد الحزبين دون الآخر، و هو صحيح، سواء انفرد زعيم الحزب بإخراجه أو اشتركوا فيه، و يكون الحزب المسبّق معطيا إن كان منضولا و غير آخذ إن كان ناضلا، و يكون الحزب الآخر آخذا إن كان ناضلا و غير معط إن كان منضولا، و هو المغني عن المحلّل؛ لأنّه محلّل.

ج: أن يكون الحزبان مخرجين، و يختصّ بإخراج المال زعيم الحزبين، و هو صحيح، و يغني عن المحلّل؛ لأنّ مدخل المحلّل ليأخذ

ص: 86


1- بدل ما بين المعقوفين المثبت من الحاوي الكبير 244:15 في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حال المتفق - المنفق». و ذلك تصحيف.

و لا يعطي و [رجال](1) كلّ حزب يأخذون و لا يعطون، فإذا نضل أحد الحزبين أحرز زعيمهم مال نفسه، و قسّم مال الحزب الآخر المنضول بين أصحابه.

فإن كان الزعيم راميا معهم، شاركهم في مال السّبق، و إن لم يرم معهم، فلا حقّ له فيه؛ لأنّ مال النضال لا يجوز أن يتملّكه غير الناضل، و صار معهم كالأمين و الشاهد، فإن رضخوا له بسهم منه بطيب أنفسهم جاز، و كان تطوّعا.

و إن شرط عليهم أن يأخذ معهم، بطل الشرط، و لم يبطل به العقد؛ لأنّه ليس بينه و بين أصحابه عقد يبطل بفساد شرطه، و إنّما العقد بين الحزبين، و ليس لهذا الشرط تأثير فيه.

د: أن يخرجا المال و يشترك أهل كلّ حزب في إخراجه، و هذا يصحّ عندنا و إن لم يكن محلّل.

و من شرط المحلّل - كالشافعي - لم يجوّزه حتي يدخل بين الحزبين حزب ثالث يكون محلّلا يكافئ كلّ حزب في العدد و الرمي، يأخذ و لا يعطي، كما يعتبر في إخراج المتناضلين المال أن يدخل بينهما محلّل ثالث يأخذ و لا يعطي(2).

و هذا علي رأي من يشترط المحلّل، أمّا عندنا فلا.

مسألة 936: المال المخرج من كلّ حزب إن لم يسمّوا قسط كلّ واحد من جماعتهم اشتركوا في التزامه بالسويّة علي عددهم من غير تفاضل فيه؛

لاستوائهم في التزامه، فإن كان زعيمهم راميا معهم دخل في التزامه

ص: 87


1- بدل ما بين المعقوفين المثبت من الحاوي الكبير 244:15 في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حال». و ذلك تصحيف.
2- الحاوي الكبير 244:15-245، و راجع: الهامش (3) من ص 23.

كأحدهم، كما أنّه يدخل في الأخذ معهم، و إن لم يكن راميا لم يلتزم معهم، كما لا يأخذ معهم.

و إن سمّوا قسط كلّ واحد منهم في التزام مال السّبق، فإن تساووا في التسمية صحّ؛ لموافقته حكم الإطلاق، و إن تفاضلوا فيه فالأقرب: الجواز؛ لأنّه شرط تابع لاختيارهم صادر عن اتّفاق لم يتضمّنه فيما بينهم عقد، فاعتبر فيه التراضي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز؛ لتساويهم في العقد، فوجب(1) أن يتساووا في الالتزام(2). و هو ممنوع.

و لو شرطوا أن يكون المال مقسّطا بينهم علي صواب كلّ واحد منهم و خطئه، لم يجز؛ لأنّه علي شرط مستقبل مجهول غير معلوم فبطل، و لا يؤثّر بطلانه في العقد؛ لأنّه ليس فيما بينهم عقد و كانوا متساوين فيه.

مسألة 937: إذا استحقّ المال أحد الحزبين،

قسّم بين جميعهم، فإن شرطوا قسمته بينهم علي قدر إصاباتهم جاز، و كذا لو شرطوا قسمته بين الحزب الناضل علي عدد الرؤوس.

و إن أطلقوا العقد، احتمل قسمته علي قدر الإصابات؛ لأنّهم بالإصابة قد استحقّوه، فلا يساوي بين كثير الإصابة و قليلها، بخلاف التزام المنضولين حيث تساووا فيه مع اختلافهم في الخطأ؛ لأن الالتزام قبل الرمي، فلم يعتبر بالخطأ و الاستحقاق بعد الرمي، فصار معتبرا بالصواب، و حينئذ لو أخطأ من أهل الحزب الناضل واحد في جميع سهامه، لم يستحق شيئا، و قسّم علي من عداه.

و يحتمل قسمته علي عدد الرؤوس بالسويّة مع تفاضلهم في الإصابة؛

ص: 88


1- فيما عدا «د» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيجب» بدل «فوجب».
2- الحاوي الكبير 245:15.

لاشتراكهم في العقد الذي أوجب تساويهم فيه، فصاروا بذلك كالشخص الواحد، فالناضلون يأخذون بالسويّة، كما أنّ المنضولين يعطون بالسويّة، و حينئذ لو أخطأ واحد من الحزب الناضل في جميع سهامه استحقّ سهما مساويا لسهم الناضل.

و يقابل هذا أن يكون في الحزب المنضول من أصاب بجميع سهامه، ففي خروجه من التزام المال وجهان.

أحدهما: يخرج من التزامه إن قيل بخروج المخطئ من استحقاقه.

و الثاني: لا يخرج من الالتزام، و يكون فيه أسوة من أخطأ إذا قيل بدخول المخطئ في الاستحقاق، و إنّه فيه أسوة من أصاب.

مسألة 938: ينبغي أن يكون عدد الرشق ينقسم علي قدر أفراد الأحزاب بجزء صحيح،

فإن كان هناك حزبان كلّ حزب اثنان، وجب أن يكون لعدد الرشق نصف صحيح، كالعشرين، و إن كان كلّ حزب ثلاثة، وجب أن يكون للعدد ثلث صحيح، كالثلاثين، و لا يجوز أن يكون أربعين أو خمسين، و إن كان عدد الحزب أربعة، كان عدد الرشق أربعين.

و لا يجوز أن يكون عدد الرشق ما ينكسر علي الأحزاب، كما لو كان عدد الحزب أربعة وجب أن يكون عدد الرشق أربعين أو ما له ربع صحيح، و لا يجوز أن يكون عدد الرشق ما ليس له ربع صحيح.

و كذا إن كان عدد الحزب خمسة، وجب أن يكون عدد الرشق ما له خمس صحيح؛ لأنّه إذا لم ينقسم عدد الرشق علي عدد الحزب إلاّ بكسر لم يصح التزامهم له؛ لأنّ اشتراكهم في رمي السهم لا يصحّ.

فأمّا عدد الإصابة المشروطة فيجوز أن ينكسر علي عددهم؛ لأنّ الاعتبار فيها بإصابتهم لا باشتراكهم، فإذا كان عدد الحزب أربعة و شرطوا

ص: 89

خمس إصابات أو ثلاثة فحصل من أيّهم كان حصل النضل، فإذا استقرّ هذا عنهم احتسب لزعيم كلّ حزب بإصابات كلّ واحد من أصحابه، و احتسب عليه بخطأ كلّ واحد منهم، سواء تساوي رجال الحزب في الإصابة، و هو نادر، أو اختلفوا و تفاضلوا فيها، و هو الغالب، فإذا شرط خمسون إصابة من مائة و جمعت الإصابتان، لم يخل مجموع الإصابتين من أحوال ثلاثة:

أ: أن يكون المجموع من إصابة كلّ حزب خمسين فصاعدا، فليس فيهما ناضل و لا منضول، و إن تفاضلا في الزيادة علي الخمسين فصاعدا، فليس فيهما ناضل و لا منضول.

ب: أن يكون مجموع إصابة كلّ حزب أقلّ من خمسين، فليس فيهما ناضل و لا منضول و إن تفاضلا في النقصان من الخمسين.

ج: أن يكون مجموع إصابة أحدهما خمسين فصاعدا و مجموع إصابة الآخر أقلّ من خمسين، فالأوّل ناضل و إن كان أحدهم في الإصابة مقلاّ، و الثاني منضول و إن كان أحدهم في الإصابة مكثرا، فيصير مقلّل الإصابة آخذا و مكثرها معطيا؛ لأنّ حزب المقلّل ناضل و حزب المكثر منضول.

مسألة 939: قد بيّنّا أنّه لا بدّ و أن يعرف كلّ حزب من يرمي معه.

و هل يشترط أن يعرف الأصحاب بعضهم بعضا، أو تكفي معرفة الزعيمين ؟ فيه احتمال.

و للشافعيّة وجهان(1).

و هل يجوز أن يشترط في العقد أن يقدّم من هذا الحزب فلان و أن

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 206:12، روضة الطالبين 549:7.

يقابله من الحزب الآخر فلان ثمّ فلان و فلان ؟ منع منه الشافعيّة؛ لأنّ تدبير كلّ حزب إلي زعيمهم، ليس للآخر مشاركته فيه(1).

و ليس بعيدا من الصواب جوازه؛ عملا بالشرط، و هو غير مناف للكتاب و السّنّة.

مسألة 940: إذا عقد الزعيمان العقد فحضر عندهم غريب لا يعرفونه،

فأخذه أحد الزعيمين في حزبه و دخل في عقده و شرعوا في الرمي و ظنّ المختار له أنّه جيّد الرمي و ظهر خلافه، فإن كان لا يحسن الرمي أصلا و لا يكون من أهله، بطل العقد فيه؛ لأنّه معقود عليه في عمل معدوم عنه لا يمكن صدوره عنه، فكان بمنزلة من استؤجر للكتابة و لم يكن كاتبا، يكون العقد باطلا، كذا من دخل في عقد الرمي و ليس برام.

و إذا بطل في حقّه، قال بعض الشافعيّة: يبطل العقد في واحد من الحزب الآخر؛ لأنّه في مقابلته.

و هل يبطل في من بقي من الحزبين ؟ خلاف ينشأ من تفريق الصفقة.

و قطع بعضهم(2) بالبطلان هنا، و جعل هذا القول وهما من قائله؛ لأنّ من في مقابلته من الحزب الآخر غير متعيّن، و ليس لزعيمهم تعيينه في أحدهم؛ لأنّ جملتهم في حكم العقد سواء، و ليس أحدهم في إبطال العقد في حقّه بأولي من إثباته فيه، و لا تأثير لدخول القرعة فيه؛ لأنّها لا تدخل في إثبات عقد و لا إبطاله، فوجب أن يكون العقد في حقوق الجماعة باطلا.

ص: 91


1- التهذيب - للبغوي - 95:8، البيان 393:7، العزيز شرح الوجيز 206:12، روضة الطالبين 549:7.
2- الماوردي في الحاوي الكبير 248:15.

فإن قلنا: لا يبطل، فللحزبين خيار الفسخ و الإجازة، لتبعيض الصفقة، فإن أجازوا و تنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته، فسخ العقد؛ لتعذّر إمضائه(1).

و فصّل الجويني فقال: إن كان [الأخرق](2) بحيث لا يتمكّن من أخذ قوس و نزع وتر، فالحكم كما تقدّم، و إن كان يتمكّن منهما لكنّه ما اعتاد الرمي، ففيه احتمال.

و يتطرّق الاحتمال إلي أنّ مثل هذا الشخص هل يرامي مع العلم بحاله ؟ يحتمل جوازه؛ لوجود صورة الرمي منه، و المنع؛ لأنّ إقدام مثله علي الرمي خطر، فلا فائدة فيه(3).

و إن ظهر أنّه ضعيف و قليل الإصابة و لكنّه يحسن الرمي، فلا فسخ لأصحابه و إن ظنّوا أنّه مثلهم في الرمي، و لا لهم الاستبدال، و يكون صوابه و خطؤه لحزبه، و هو بمنزلة من عرفوه.

و إن ظهر أنّه مساو لهم، فلا مجال للحزبين فيه، و يكون صوابه لحزبه و خطؤه عليهم.

و إن ظهر أنّه أجود منهم رميا، لم يكن للحزب الآخر الفسخ و لا طلب البدل عنه ممّن يساويهم؛ لأنّه قد دخل في عقدهم و صار كأحدهم في7.

ص: 92


1- حلية العلماء 486:5، التهذيب - للبغوي - 95:8، البيان 394:7، العزيز شرح الوجيز 206:12، روضة الطالبين 550:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الاخر». و المثبت كما في المصدر، و الأخرق: أي الجاهل أو الأحمق، حيث إنّ الخرق - بالضمّ -: الجهل و الحمق، كما في لسان العرب 75:10 «خرق».
3- نهاية المطلب 287:18-288، و عنه في العزيز شرح الوجيز 206:12 - 207.

لزومه أو جوازه، و لا يجوز إفراده منهم بفسخ و لا خيار، و يكون صوابه و خطؤه لحزبه.

قال بعض الشافعيّة: هذا مبنيّ علي أنّه هل يشترط في المتراميين التقارب، أو لا يشترط فيكون أحدهما كثير الإصابة و الآخر قليلها؟ و الظاهر عدم الالتفات إلي هذا التفاوت(1).

و هذا يعطي جواز إدخال المجهول الذي لم يختبر في المراماة.

و يقرب من قياسهم: المنع؛ لما فيه من الجهالة العظيمة(2).

لكن الشافعي صرّح بتجويزه، فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما حال صاحبه، حمل العقد علي الصحّة، فإن تبيّن أنّ أحدهما لا يحسن الرمي بطل العقد، و كذا إن ظهر أنّهما معا لا يحسنان الرمي، و إن ظهر أنّ أحدهما ضعيف لا يقاوم الآخر، ففي بطلان العقد ما تقدّم من الخلاف فيما إذا عاقد ناضل ضعيفا(3).

مسألة 941: إذا اجتمع رماة الحزبين و لم يتميّزوا في كلّ واحدة من الجهتين،

فقال أحد الزعيمين: أنا أخرج مال السّبق علي أن أختار لحزبي من أشاء أو تكون أنت المخرج علي أن تختار لحزبك من تشاء، لم يجز، و كان هذا الشرط فاسدا؛ لأنّ كلّ واحد من إخراج المال و تعيين الحزب لا يصحّ إلاّ عن مراضاة، فلم يجز أن يكون أحدهما مشروطا للآخر؛ لخروجه عن الاختيار إلي الالتزام.

و كذا لو قال: إن كان فلان معي فمال السّبق عليك، و إن كان معك فمال السّبق عليّ، لم يصح.

ص: 93


1- العزيز شرح الوجيز 207:12، روضة الطالبين 550:7.
2- العزيز شرح الوجيز 207:12، روضة الطالبين 550:7.
3- العزيز شرح الوجيز 207:12، روضة الطالبين 550:7.
البحث الرابع: في إمكان الإصابة.
مسألة 942: يشترط في عقد المناضلة اشتراط إصابة ممكنة يتوقّع حصولها و لا تكون ممتنعة،

فلو شرطا إصابة لا يمكن حصولها بمجري العادة، فسد العقد؛ لأنّه غير مفض إلي المقصود، فإنّ مقصود كلّ واحد من المتناضلين من بذل المال الحثّ علي المناضلة طمعا في تحصيل المال، و إنّما يتأتّي ذلك في الممكن؛ لأنّ الممتنع لا يسعي في تحصيله، و الممتنع عادة كالممتنع لذاته في بطلان العقد باشتراطه.

و له أسباب:

منها: صغر الغرض جدّا بحيث لا يمكن إصابته.

و منها: بعد المسافة بين الموقف و الغرض في الغاية.

و منها: كثرة الإصابة، كما لو شرط إصابة مائة رشق علي التوالي.

و عن بعض الشافعيّة: أنّه يصحّ اشتراط إصابة عشرة من عشر رميات(1).

أمّا لو شرط الكثير من الأكثر كسبعة من عشرة، جاز.

مسألة 943: و لا يجوز أن يشترط من الإصابة ما يجب حصوله بالعادة؛

لأنّه مناف للغرض من الحذق في الرمي و السعي في مبادرة النضال، فلو شرط إصابة واحدة من مائة علي هيئة الحاصل لم يصح؛ لأنّ هذه المعاملة ينبغي أن تكون مشتملة علي الخطر ليسعي العاقد و يتأنّق في

ص: 94


1- المهذّب - للشيرازي - 424:1-425، التهذيب - للبغوي - 83:8، البيان 7: 381، العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 544:7.

الرمي، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و لو كان المشروط قد يتّفق حصوله لكنّه نادر، فالأقرب: صحّة العقد؛ عملا بالشرط، و إمكان تحصيل المقصود؛ لأنّ فضل الرامي يظهر به، و هو أحد وجهي(2) الشافعيّة، و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: المنع؛ لأنّ الشارع إنّما شرّع هذه المعاملة و بذل المال فيها تحريضا علي الرمي و الاجتهاد فيه، فإذا كان المشروط بعيد الحصول تبرّمت(3) النفوس به(4).

و يجري هذا الخلاف في كلّ صورة تندر فيها الإصابة المشروطة، كالتناضل إلي مسافة بعيدة تندر فيها الإصابة، و التناضل في الليلة المظلمة و إن كان الغرض قد يظهر لهما(5).

و يقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما إذا نوي الإقامة في مفازة ليست هي موضع إقامة هل يصير مقيما؟(6).

و كذا المتناضلان ينبغي أن يكونا متقاربين بحيث يحتمل أن يكون كلّ واحد منهما ناضلا و منضولا.

فإن تفاوتا و كان أحدهما مصيبا في أكثر ما يرمي و يكون الآخر مخطئا في أكثر رميه، فوجهان للشافعيّة، أحدهما: المنع؛ لأنّ حذق الناضل معلوم بغير نضال، فأخذه للمال كأخذه بلا نضال(7).7.

ص: 95


1- العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.
2- في «د، ر»: «قولي» بدل «وجهي».
3- تبرّمت: سئمت و ضجرت. العين 272:8، الصحاح 1869:5، لسان العرب 43:12 «برم».
4- العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.
5- العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.
6- التهذيب - للبغوي - 84:8، العزيز شرح الوجيز 198:12.
7- العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.

و كذا المحلّل الذي يدخله المتناضلان بينهما ينبغي أن يكون ممّا يتوقّع إصابته و قصوره، فإن علم أنّه مقصّر لم يصلح أن يكون محلّلا، و كان وجوده كعدمه، و إن كان يعلم أنّه يفوز فالوجهان(1).

البحث الخامس: في تعيين الموقف.
مسألة 944: يشترط تعيين موقف الرّماة و تساوي المتناضلين فيه،

فلو شرطا أن يكون موقف أحدهما أقرب، لم يجز، كما في المسابقة.

نعم، يجوز لأحدهما أن يقدّم أحد قدميه عند الرمي؛ لأنّ عادة الرّماة ذلك.

و ليس لأحدهما أن يتقدّم بخطوتين أو ثلاث بل و لا بخطوة واحدة، سواء كانت عادة الرّماة فيه متّفقة أو مختلفة.

أمّا مع الاختلاف - بأن كانوا يفعلونه تارة و يسقطونه أخري - فظاهر؛ لعدم الضبط، و الإفضاء إلي التنازع، فتجب رعاية التسمية.

و أمّا مع الاتّفاق: فلأنّهما متكافئان في العقد، فلم يجز أن يتقدّم أحدهما علي الآخر بشيء؛ لأنّه يصير مصيبا بتقدّمه لا بحذقه.

و للشافعيّة في المعتاد وجهان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يعتبر ذلك فيهما؛ لأنّ العرف في العقود معتبر، كإطلاق الأثمان.

فعلي هذا الوجه - و هو اعتبار العادة - إن لم تختلف العادة في عدد الأقدام بأن كانت عادتهم التقدّم بخطوتين مثلا، اعتبر هذا العدد، و حمل علي العرف في العدد ليكون القرب بالأقدام في مقابلة قوّة النفس بالتقدّم،

ص: 96


1- العزيز شرح الوجيز 198:12، روضة الطالبين 545:7.

و إن اختلفت فكانت عادتهم تارة التقدّم بخطوتين و تارة بثلاث أو واحدة، اعتبر الأقلّ في العرف دون الأكثر(1).

تذنيب: لو تقدّم أحدهما علي الآخر بما لا يستحقّ، لم يحتسب له بصوابه؛ لجواز استناد الإصابة إلي التقدّم، لا إلي الحذق، و احتسب عليه خطؤه؛ لأنّه أبلغ من الأبعد.

مسألة 945: عادة الرّماة مختلفة علي وجهين كلاهما جائز.

فمنهم من يرمي بين هدفين متقابلين، فيقف أحد الحزبين في هدف يرمي منه إلي الهدف الآخر، و يقف الحزب الآخر في الهدف المقابل فيرمي منه إلي الهدف الآخر، و هو أحسن الوجهين؛ لقوله عليه السّلام: «بين الهدفين روضة من رياض الجنّة»(2) و لأنّه أقطع للتنافر، و أقلّ للتعب.

فإن رميا إلي هدفين، كان للمبتدئ بالرمي أن يقف في أيّ الهدفين شاء، و يرمي إلي الآخر، و يقف الثاني في الهدف الثاني، و يصير ذلك مستقرّا بينهما إلي آخر رميهما، و ليس لواحد منهما أن يدفع الآخر عن هدفه.

و منهم من يرمي إلي هدف واحد، فإذا كان كذلك وقف المبتدئ في أيّ موضع شاء من مقابلته، و يقف الثاني حيث شاء من يمين الأوّل أو يساره، فإن لم يرض إلاّ في موقف الأوّل، فوجهان:

أحدهما: أنّه يقف موقفه ليساويه فيه.

و الثاني: ليس له ذلك؛ لأنّ الأوّل إذا زال عن موقفه نسي حسن

ص: 97


1- الحاوي الكبير 209:15-210، العزيز شرح الوجيز 208:12، روضة الطالبين 551:7.
2- تقدّم تخريجه في ص 81، الهامش (1).

صنعته.

مسألة 946: إذا وقف الرّماة صفّا،

فالواقف في الوسط أقرب إلي الغرض ممّن علي اليمين و اليسار؛ لأنّا لو أخرجنا خطّا قائما علي الوسط مارّا إلي الغرض قائما عليه ثمّ أخرجنا خطّين آخرين أحدهما من أحد طرفي الصفّ إلي الغرض و الثاني من الطرف الآخر من الصفّ إلي الغرض، فإنّ الخطّ الأوسط يكون أقصر؛ لأنّه يوتر زاوية حادّة، و كلّ واحد من الخطّين الخارجين من الطرفين يوتر زاوية قائمة، و وتر القائمة أطول من وتر الحادّة، و إذا ثبت أنّه أقصر كان أقرب إلي الغرض، لكن هذا التفاوت يسير جدّا محتمل بالاتّفاق، و لم يشترط أحد تناوب الرّماة علي الموقف بحيث إذا رمي واحد في موقف قام و جلس مكانه غيره؛ لما في القيام و القعود من المشقّة.

و لو تنافسوا في الوقوف في وسط الصفّ، فإن لم يتعرّضوا له في العقد بطل العقد، و يحتمل اتّباع العادة، و يحتمل القرعة.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه(1) كالاحتمالات.

و لهم وجه رابع: أنّه إذا اختلفا في موضع الوقوف، فالاختيار لمن له البدأة، [فمن](2) يستحقّ السّبق إمّا بالشرط أو غيره يختار المكان، فيقف في المقابلة أو متيامنا أو متياسرا كيف شاء، و إذا وقف وقف الآخر بجنبه إمّا علي اليمين أو علي اليسار(3).

ص: 98


1- العزيز شرح الوجيز 208:12، روضة الطالبين 551:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ممّن». و المثبت كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 208:12-209، روضة الطالبين 551:7.

فإن لم يرض إلاّ أن يقف عند الرمي في موقف الأوّل، احتمل أن يكون له إزالة الأوّل من موقفه، و العدم.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إذا كانا يرميان بين غرضين، فإذا انتهيا إلي الغرض الثاني فالثاني كالأوّل يقف حيث شاء.

فإن كانوا ثلاثة يقرع بين الآخرين عند الغرض الثاني، فمن خرجت له القرعة يقف حيث شاء، ثمّ إذا عادوا إلي الغرض الأوّل بدأ الثالث بغير قرعة و يقف حيث شاء.

مسألة 947: لو رضوا بعد العقد بتقدّم واحد،

فإن كان يتقدّم بقدر يسير فلا بأس؛ لأنّ مثل ذلك يقع إذا وقفوا صفّا، و إن كان أكثر منه لم يجز؛ لأنّه مخالف لوضع العقد، و صار بمنزلة ما لو شرط الاستحقاق لواحد بتسع إصابات و الباقين بعشر.

و لو تأخّر واحد برضا الآخرين، فالوجه: الجواز؛ لأنّه يضرّ بنفسه، و يزيد المسافة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم - و هو الأظهر عندهم -: المنع؛ لأنّه إذا تأخّر كان الآخرون متقدّمين(2).

فروع:

أ: لو تطابقوا جميعا علي التقدّم أو التأخّر أو تعيين(3) عدد الأرشاق بالزيادة أو النقصان، فإن قلنا: إنّ المسابقة و المناضلة عقدان جائزان، جاز،

ص: 99


1- العزيز شرح الوجيز 209:12، روضة الطالبين 551:7.
2- الوسيط 193:7، الوجيز 221:2، العزيز شرح الوجيز 209:12، روضة الطالبين 551:7.
3- في «د»: «تغيير» بدل «تعيين».

و إن قلنا: إنّهما لازمان، لم يجز.

ب: لو قال أحد المتناضلين: نستقبل الشمس في رمينا، و قال الآخر: نستدبرها، أجيب طالب الاستدبار؛ لأنّ الشعاع إذا استقبله الرامي اختلّ عليه رميه.

ج: لو شرطا في العقد استقبال الشمس، حملا عليه، عملا بالشرط، كما أنّ مطلق العقد يقتضي الرمي بالنهار، فإذا شرطا الرمي ليلا حملا عليه إمّا في ضوء القمر أو يشعلا نارا.

مسألة 948: لا يشترط المحلّل في المناضلة عند علمائنا - خلافا للعامّة - عملا بأصالة العدم،

و قد سلف(1) في باب المسابقة ذلك.

و المال في المناضلة إمّا أن يخرجه غير المتسابقين، مثل أن يقول إمام أو أجنبيّ للمتناضلين: ارميا عشرة أرشاق فمن أصاب منها كذا فله كذا، أو يخرجه أحدهما بأن يقول أحدهما: نرمي كذا فإن أصبت منها كذا فلك عليّ كذا، و إن أصبتها فلا شيء لي عليك، أو يخرجه كلاهما بأن يشترط كلّ واحد منهما المال علي الآخر إن أصاب.

و لا خلاف في عدم الاحتياج إلي المحلّل في القسمين الأوّلين، و إنّما الخلاف في الثالث، فعندنا لا يحتاج، و عندهم يحتاج إلي المحلّل، و قد سبق(2).

مسألة 949: قد عرفت أنّه كما تجوز المناضلة بين اثنين تجوز بين حزبين،

فإن أخرج المال غير الحزبين أو أحدهما دون الآخر، جاز من دون المحلّل، و إن أخرجه الحزبان معا، فلا بدّ من محلّل أو من حزب

ص: 100


1- في ص 23، ضمن المسألة 892.
2- في ص 23، ضمن المسألة 892.

محلّلين عندهم.

و لو أخرج الحزبان المال و شرطوا لواحد من أحد الحزبين أنّه إذا كان الفوز لحزبه شاركهم في أخذ المال، و إن كان الفوز للحزب الآخر فلا شيء علي ذلك الواحد، و إنّما يغرم أصحابه، جاز عندنا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و يكفي ذلك الشخص محلّلا، و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ المحلّل هو الذي إذا فاز استبدّ بالمال، و هنا لا يستبدّ، بل يوزّع المال عليه و علي أصحابه لو فاز(1).

و لو اشتمل كلّ حزب علي محلّل، فللشافعيّة وجهان مرتّبان، و هذه الصورة أقرب؛ لاشتمال كلّ حزب علي محلّل(2).

المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 950: إذا تناضلا فإن شرطا مطلق الإصابة،

لم يشترط التأثير بصفات الإصابة من الخسق و الخزق و غيرهما، و اكتفي بالإصابة المطلقة؛ لأنّها الشرط، فلا يعتبر الزائد.

ثمّ إن ذكر إصابة الغرض، حسب ما أصاب الجلد و [الجريد](3) و هو الدائر علي الشنّ، و العروة، و هي الشنبر أو الخيط المشدود به الشنّ علي أصل [الجريد](4) و كلّ ذلك من الغرض، أمّا ما تعلّق به الغرض فإنّه ليس من الغرض، و هو الأشبه من قولي الشافعيّة(5).

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 194:12، روضة الطالبين 543:7.
2- العزيز شرح الوجيز 194:12، روضة الطالبين 543:7.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.
5- المهذّب - للشيرازي - 428:1، العزيز شرح الوجيز 210:12، روضة الطالبين 552:7.

و إن ذكر إصابة الشنّ، لم تحتسب إصابة [الجريد](1) و العروة.

و إن ذكر إصابة الخاصرة - و هي يمين الغرض أو يساره - لم تحتسب إصابة غيرها.

و لا فرق بين أن يشترطا مطلق الإصابة أو القرع؛ لأنّه عبارة عن مطلق الإصابة.

و يحتسب بكلّ أنواع الإصابات من قارع و خازق و خاسق؛ لأنّ جميعها مصيب، و كلّ واحد مشتمل علي زيادة علي مطلق الإصابة، و كذا لو تشارطا الخواصل احتسب بكلّ مصيب.

مسألة 951: لكلّ سهم طرفان،

أحدهما: يوضع فيه الريش، و الثاني:

يوضع فيه الزجّ، فقدح السهم هو خشبته المريشة، و اختلف فيما يسمّي به منها.

فقال بعضهم: هو اسم لجميع الخشبة(2).

و قال آخرون: هو اسم يختصّ بموضع الوتر منه، و يسمّي: فوق السهم، و هو الجزء الذي يدخل فيه الوتر(3).

و أمّا النصل: فهو الطرف الآخر من السهم، و اختلف فيما يسمّي منه نصلا.

فقال بعضهم: إنّه(4) اسم للحديد المسمّي زجّا(5).

و قال بعضهم: إنّه اسم لطرف الخشبة، الذي يوضع فيه الزّجّ من

ص: 102


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الحديد». و المثبت هو الصحيح.
2- كما في الحاوي الكبير 221:15.
3- كما في الحاوي الكبير 221:15.
4- في «د، ص»: «هو» بدل «إنّه».
5- كما في الحاوي الكبير 221:15.

الحديد(1).

و الإصابة إنّما تكون بالنصل لا بالقدح، فإذا أصاب بالنصل لا بالقدح فقد أصاب، و إن أصاب بغير النصل لم يحتسب به مصيبا.

و ينظر فيما به أصاب(2) من السهم، فإن أصاب بعرض السهم احتسب به مخطئا؛ لأنّه منسوب إلي سوء رميه.

و إن أصاب بقدح السهم، ففي الاحتساب به مخطئا للشافعيّة وجهان(3) ، الأقرب: ذلك؛ لما تقدّم من انتسابه إلي سوء رميه.

مسألة 952: لو رمي السهم فصدم السهم جدارا أو شجرا ثمّ أصاب الغرض،

فالوجه أن نقول: إن احتمل استناد الإصابة إلي الصدمة لا إلي جودة الرمي لم يحتسب له، و إن لم يحتمل ذلك احتسب له.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ هذه الإصابة محسوبة، كما لو صرفت الريح اللّيّنة السهم فأصاب، و كما لو هتك السهم في مروره حجابا عارضا ثمّ أصاب.

و الثاني: المنع، لأنّ الإصابة حصلت بالصدمة لا بجودة الرمي(4).

و هو جيّد إن كانت الشجرة مائلة عن قبالة الغرض ثمّ ردّته الصدمة علي شنّ الغرض، فإن كانت علي السمت فالانصدام بها كالانصدام بالأرض.

و لو اعترض بين السهم و الهدف حائل من بهيمة أو إنسان، فإن امتنع

ص: 103


1- كما في الحاوي الكبير 221:15.
2- في «ر»: «أصاب به».
3- الحاوي الكبير 221:15.
4- التهذيب - للبغوي - 92:8، العزيز شرح الوجيز 210:12، روضة الطالبين 7: 552.

به السهم من وصوله إلي الهدف لم يحتسب في صواب و لا خطأ، و إن نفذ في الحائل حتي مرق منه و أصاب الهدف فهو مصيب.

و لو نفض الحائل السهم حتي عدل بالنقض عنه إلي الهدف، لم يحتسب به مصيبا؛ لأنّه إنّما أصاب بالنفض لا بالرمي.

مسألة 953: لو انصدم السهم بالأرض ثمّ وثب منها و أصاب الغرض،

فهو المزدلف.

و قد اختلف الفقهاء في أنّه هل يعدّ إصابة أم لا؟

فقال بعضهم: إنّه يعدّ إصابة، و يحتسب له؛ لحصول الإصابة بالسهم، و الانصدام بالأرض لا يؤثّر، فإنّه يدلّ علي شدّة الرمي، و انخفاض السهم نهاية الحذق في الرمي، و لهذا إذا رمي إلي إنسان سهما فأصابه مزدلفا وجب عليه القصاص، و لأنّ رمية الجمرة بالحصاة إذا وقعت كذلك أجزأت، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يحتسب إصابة؛ لأنّ السهم إذا احتكّ بالأرض احتكّت به، فتكون الإصابة بمعاونة الأرض، و ربما انقطع أثر الرمي في هذا، و لأنّ الأرض تهرش رميه فتجري مجري العارض(1).

و هو غلط؛ لأنّ الأرض لو جرت مجري العارض لم يعتد عليه الخطأ.

و الوجه: التفصيل، و هو أن ينظر في إصابته للأرض، فإن أعانته الصدمة و زادته حدّة في جهة مروره فلا يحتسب له و لا عليه، و إن ضعّفته

ص: 104


1- الحاوي الكبير 220:15، المهذّب - للشيرازي - 429:1، نهاية المطلب 18: 262، حلية العلماء 489:5-490، التهذيب - للبغوي - 92:8، البيان 7: 401، العزيز شرح الوجيز 211:12، روضة الطالبين 552:7.

و أصاب مع ذلك حسب له.

و لو أصاب بفوقه، لم تحتسب له قطعا، و تحتسب عليه؛ لأنّ ذلك من رداءة الرمي.

و فرّق بعضهم(1) بين رمي الحصاة و السهم: أنّ الغرض حصول الحجر في المرمي بفعله، و هنا بيان الحذق.

مسألة 954: للريح تأثير في تغيير السهم عن جهته،

و حذّاق الرّماة يعرفون مخرج السهم عن القوس هل هو مصيب أو مخطئ، فإذا رمي السهم فغيّرته الريح فهو علي قسمين:

الأوّل: أن يخرج مفارقا للشنّ فتعدل به الريح إلي الشنّ فيصيب أو يكون مقصرا عن الهدف فتعينه الريح حتي ينبعث فيصيب، فتعتبر حال الريح، فإن كانت ضعيفة، حسب في الإصابة؛ لأننّا علي يقين من تأثير الرمي، و نشكّ في تأثير الريح، فنعتمد علي المتيقّن.

و إن كانت الريح قويّة، نظر فإن كانت موجودة عند إرسال السهم، كان محسوبا في الإصابة؛ لأنّه قد اجتهد في التحرّز من تأثير الريح بتحريف سهمه فأصاب باجتهاده و رميه.

و إن حدثت الريح بعد إرسال السهم، ففي الاحتساب له إشكال.

و للشافعيّة وجهان؛ تخريجا من اختلاف قولي الشافعي في المزدلف هل تحتسب إصابته أم لا؟

أحدهما: يحتسب به مصيبا إذا احتسب بإصابة المزدلف.

و الثاني: لا يحتسب به مصيبا و لا مخطئا إذا لم يحتسب بإصابة

ص: 105


1- لم نتحقّقه.

المزدلف(1).

الثاني: أن يخرج السهم موافقا للهدف فتعدل به الريح حتي يخرج عن الهدف، فتعتبر حال الريح، فإن كانت طارئة بعد خروج السهم عن القوس، ألغي السهم، و لم يحتسب به من الخطأ؛ لعدم إمكان التحرّز من الريح، فلا ينسب إلي سوء الرمي.

و إن كانت الريح موجودة عند خروج السهم، فإن كانت قويّة لم يحتسب به في الخطأ؛ لأنّه أخطأ في اجتهاده الذي يتحرّز به من الريح و لم يخطئ من سوء الرمي.

و إن كانت الريح ضعيفة، ففي الاحتساب به في الخطأ وجهان:

أحدهما: يكون خطأ؛ لأنّنا علي يقين من تأثير الرمي و في شكّ من تأثير الريح.

و الثاني: لا يكون محسوبا في الخطأ؛ لأنّ الريح تفسد صنيع المحسن و إن قلّت، كما تفسده إذا كثرت(2).

مسألة 955: إذا هبت الريح فأزالت الشنّ عن موضعه إلي غيره،

فإمّا أن يقع السهم في غير الشنّ و في غير موضعه الذي كان فيه فيحتسب به مخطئا؛ لأنّه وقع في غير محلّ الإصابة قبل الريح و بعدها، و إمّا أن يقع في الموضع الذي كان فيه الشنّ من الهدف فيحتسب مصيبا؛ لوقوعه في محلّ الإصابة، و إمّا أن يقع في الشنّ بعد زواله عن موضعه، فإمّا أن يزول الشنّ عن موضعه بعد خروج السهم فيحتسب به من الخطأ؛ لوقوعه في غير محلّ

ص: 106


1- الحاوي الكبير 222:15، المهذّب - للشيرازي - 428:1، حلية العلماء 5: 487، البيان 398:7، العزيز شرح الوجيز 222:12، روضة الطالبين 559:7.
2- الحاوي الكبير 222:15.

الإصابة عند خروج السهم، و إمّا أن يخرج السهم بعد زوال الشنّ عن موضعه و علم الرامي بزواله، فينظر في الموضع الذي صار فيه، فإن كان خارجا من الهدف لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لخروجه عن محلّ الصواب و الخطأ، و إن كان مماثلا لموضعه من الهدف احتسب به مصيبا؛ لأنّه قد صار محلاّ للإصابة.

مسألة 956: لو شرطا الخواسق فأصاب السهم الغرض و ثقبه و تعلّق النصل به و ثبت،

فهو خاسق، فإن سقط إلي الأرض بعد ما ثبت لم يضر ذلك في الخسق؛ لأنّه حصل بعد تحقّق الخسق، فصار كما لو نزعه غيره.

و إن خدشه و لم يثقبه، فليس بخاسق، و إن ثقبه و لم يثبت فيه بل سقط بعد ثقبه إلي الأرض، فليس بخاسق؛ لعدم تحقّق مسمّي الخسق؛ لأنّه يعتبر فيه الثبات و لم يتحقّق، فلم يثبت المسمّي حينئذ، و هو أظهر قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يكون خاسقا؛ لأنّه ثقب و وجد ما يصلح لثبوت السهم فيه، و السقوط يحتمل أن يكون لسعة الثقب أو لثقل السهم أو غيرهما(1).

و لو ثقب و مرق، فالأقرب: أنّه خاسق؛ لأنّ الخرق قد حصل، و مروقه بعد خرقه يدلّ علي زيادة القوّة، و ليس الغرض من ذلك الثبوت في نقرة معيّنة، و إنّما الغرض أن تقوي الرمية بحيث يتأتّي معها الثبوت، و من الرّماة من لا يحسبه خاسقا.

و للشافعيّة طريقان:

ص: 107


1- الحاوي الكبير 217:15، المهذّب - للشيرازي - 429:1، حلية العلماء 5: 490-491، التهذيب - للبغوي - 93:8، البيان 401:7، العزيز شرح الوجيز 211:12، روضة الطالبين 552:7.

أحدهما: أنّ فيه قولين:

أحدهما: أنّه ليس بخاسق؛ لأنّه لم يثبت، و الثبوت يفتقر إلي ضبط و حذق، فإذا مرق دلّ علي قصور رميه.

و الثاني: أنّه خاسق.

و الطريق الثاني: القطع بأنّه خاسق؛ لأنّ الشافعي صرّح بأنّه خاسق عنده(1).

مسألة 957: لو شرط الخواسق فرمي السهم فأصاب طرف الغرض و ثبت هناك،

فالأقوي: أنّه خاسق - و هو أظهر قولي الشافعيّة(2) - لأنّه خرق بالنصل و ثبت.

و الثاني: أنّه ليس بخاسق؛ لأنّ الخسق إنّما هو الثقب في الوسط، و هذا لا يسمّي ثقبا و لا خرقا للغرض، و إنّما هو شقّ لطرفه، و يقال لهذا السهم: خارم، لا خاسق(3).

و في موضع القولين للشافعيّة طرق:

أ: إنّ الخلاف فيما إذا كان بعض خرم النصل خارجا، و أمّا إذا أخذ الغرض خرم النصل بأسره فقد حصل الخسق إجماعا. و هو حسن.

ب: إن بقي من توابع الشنّ ما يحيط بدائر السهم فهو خاسق، و إن لم يبق مع الخرم [شيء](4) من حاشية الشنّ و حصل ما خرج من دائر السهم مكشوفا، فلا يخلو إمّا أن يكون موضع السهم غير خارج من دائر الشنّ

ص: 108


1- العزيز شرح الوجيز 211:12-212، روضة الطالبين 552:7.
2- البيان 403:7، العزيز شرح الوجيز 212:12، روضة الطالبين 552:7.
3- البيان 403:7، العزيز شرح الوجيز 212:12، روضة الطالبين 552:7.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شيئا». و المثبت هو الصحيح.

و حاشيته، و إنّما سقط حاشية الشنّ لضعفه، فهذا يحتسب به خاسقا و إن خرمه؛ لأنّ خرمه لضعف الشنّ، لا لموضع السهم.

و الثاني(1): أن يكون خرمه لوقوع السهم في الحاشية، و يدخل بعض دائر السهم في الشنّ و يخرج بعض دائره من الشنّ، ففي الاعتداد به خاسقا قولان:

أحدهما: لا يعدّ خاسقا؛ لأنّ اختصاصه باسم الخرم قد أزال عنه حكم الخسق؛ لأنّ الخسق ما أحاط بالمخسوق، و اختلاف الأسماء يغيّر الأحكام، و لأنّ السهم قد صار بعضه واقعا في الشنّ و بعضه خارجا من الشنّ.

و الثاني: أنّه يعدّ خاسقا؛ لأنّ الخرم زيادة علي الخسق؛ لأنّ كلّ خارم خاسق، و ليس كلّ خاسق خارما، و لأنّ مقصود الخسق من الثقب في الشنّ موجود فيه.

ج: إنّه إذا كان بعضه خارجا، لم يكن خاسقا بلا خلاف، و محلّ القولين ما إذا بقيت طفية - و هي الواحدة من الخوص - أو جليدة تحيط بالنصل.

د: إنّه إذا أبان من الطرف قطعة أو لم يبنها لكان الغرض محيطا بالنصل، فهو خاسق قولا واحدا، و محلّ القولين فيما إذا خرم الطرف لا علي هذا الوجه.

ه: إنّه إذا خرم الطرف لم يكن خاسقا بلا خلاف، و إنّما الخلاف فيما إذا خرم شيئا من الوسط و ثبت مكانه، و هو أبعدها(2).3.

ص: 109


1- كذا قوله: «و الثاني». و الظاهر أنّ بدله: «و إمّا».
2- الحاوي الكبير 219:15-220، العزيز شرح الوجيز 212:12، روضة الطالبين 552:7-553.

و قال بعضهم: لو كان بين النصل و بين الطرف شيء لكنّه تشقّق و انخرم ليبوسة كانت في الشنّ أو غيرها، فهو خاسق(1).

و قيل: لو شرط مطلق الإصابة فأصاب الطرف، ففي الاحتساب به وجهان:

أحدهما: الاحتساب؛ لصدق المسمّي.

و الثاني: عدمه؛ لأنّ جميع النصل لم يصب الغرض، إنّما أصابه بعضه(2).

مسألة 958: لو شرطا الخواسق فرمي السهم فوقع في ثقبة قديمة و ثبت فيه،

فالوجه أن نقول: إن عرف قوّة السهم بحيث يخرق، احتسب خاسقا، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يحتسب خاسقا؛ لأنّ النصل صادف الثقب و لم يخرق شيئا، و المشروط الخرق.

و أصحّهما: أنّه يحتسب خاسقا؛ لأنّ السهم في قوّته بحيث يخرق لو أصاب موضعا صحيحا(3).

و ما ذكرناه من التفصيل أحقّ، فعلي ما قلناه لو أشكل الحال لم يعدّ خاسقا.

و قد ذكر الشافعي أنّ السهم لو أصاب موضع خرق في الغرض و ثبت في الهدف، كان خاسقا(4).

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 212:12، روضة الطالبين 553:7.
2- العزيز شرح الوجيز 212:12، روضة الطالبين 553:7.
3- الوسيط 194:7، الوجيز 222:2، العزيز شرح الوجيز 213:12، روضة الطالبين 553:7.
4- العزيز شرح الوجيز 213:12، روضة الطالبين 553:7.

و الوجه: ذلك إن كان الهدف متّخذا من خشب أو آجر أو طين يابس يساوي الغرض في الصلابة أو يكون أصلب، و إن كان متّخذا من تراب أو طين لم يحتسب خاسقا و لا عليه؛ لأنّه لا يعلم هل يثبت لو أصاب موضعا صحيحا أو لا؟

و قال بعضهم: إنّه لا يعدّ خاسقا و إن كان في صلابة الغرض أو أصلب منه(1).

مسألة 959: لو شرطا الخواسق فخدش النصل موضع الإصابة و خرقه

بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم لكنّه رجع لغلظ لقيه من حصاة أو نواة، فللشافعيّة قولان، أحدهما: يحسب خاسقا، و الآخر: لا يحسب(2).

و الوجه: التفصيل الذي قلناه في المسألة السابقة.

و الأظهر عند الشافعيّة: أنّه يحسب خاسقا؛ لظهور سبب الرجوع، فإن قلنا: لا يحسب له لم يحسب عليه، كما في باقي العوارض المانعة من الاحتساب له و عليه(3).

مسألة 960: اشتراط الخسق إنّما يكون في الشنّ دون الهدف،

و قد بيّنّا أنّ الشنّ هو جلد ينصب في الهدف تمدّ أطرافه بأوتاد أو خيوط تشدّ في أوتاد منصوبة في الهدف، و ربما كان ملصقا بحائط الهدف، و ربما كان بعيدا منه نحو شبر أو ذراع، و هو أبعد ما ينصب، و خسق الشنّ إذا كان بعيدا من الهدف أوضح منه إذا كان ملصقا به.

فأمّا إذا رمي في الشنّ و هو ملصق بالهدف فأصاب الشنّ ثمّ سقط و الإصابة خسق فزعم الرامي أنّه خسق و لقي غلظا في الهدف من حصاة أو نواة فرجع و هو خاسق، و زعم صاحبه أنّه إنّما قرع فسقط و لم يخسق،

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 213:12، روضة الطالبين 553:7.
2- العزيز شرح الوجيز 213:12، روضة الطالبين 553:7.
3- العزيز شرح الوجيز 213:12، روضة الطالبين 553:7.

فالأحوال ثلاثة:

الأوّل: أن يعرف صدق الرامي بأن يعرف موضع خسقه و يري الغلظ من ورائه، فالقول قوله بغير يمين؛ لشهادة الحال بصدقه.

الثاني: أن يعلم صدق غريمه إمّا بأن لا يري في الشنّ خسقا، و إمّا بأن لا يري في الهدف غلظا، فيقدّم قوله بغير يمين؛ لأنّ الحال تشهد بصدقه.

الثالث: أن يحتمل صدق كلّ واحد بأن يكون في الشنّ خواسق و خروق و لم يعرف موضع الإصابة و في الهدف غلظ و أشكلت الإصابة هل كانت في مقابلة الغلظ أو لا؟ فإن كان هناك بيّنة، فالتعويل عليها، و إلاّ قدّم قول المنكر مع يمينه؛ لأصالة عدم الخسق، و لا يحتسب به مصيبا.

و في احتسابه مخطئا وجهان:

أحدهما: يحتسب به مخطئا؛ لتردّد الرمي بين الصواب و الخطأ، و قد انتفي الصواب فيثبت الخطأ.

و الثاني: لا يحتسب مخطئا؛ لأنّ الإصابة لا تحتسب إلاّ مع اليقين فكذا الخطأ.

فإن نكل المنكر عن اليمين، أحلف الرامي المدّعي، فإذا حلف احتسبت إصابته.

و كذا الحكم لو عيّن الرامي موضعا و قال: هذا الخرق حصل بسهمي، و أنكر صاحبه.

تذنيب: لو مرق السهم و ثبت في الهدف و علي النصل قطعة من الغرض، فقال الرامي: هذه القطعة أبانها سهمي بقوّته و ذهب بها، و قال الآخر: بل كانت القطعة بائنة من قبل فتعلّقت بالسهم، فالقول قول الآخر؛

ص: 112

لأنّ الأصل أن لا خسق.

هذا إذا لم نجعل الثبوت في الهدف كالثبوت في الغرض، فإن أقمناه مقامه، فلا معني لهذا الاختلاف.

مسألة 961: إذا شرطا المبادرة و عقدا المناضلة و جعلا المال لمن سبق إلي إصابة عشرة من مائة

فيكون الرشق مائة و الإصابة المشروطة منها عشرة، فأيّهما بدر إلي إصابتها من أقلّ العددين فقد نضل صاحبه و سقط رمي الرشق، و إن تكافئا في الإصابة من عدد متساو، سقط الباقي، و ليس بينهما تناضل.

و لو تناضلا فرمي كلّ واحد منهما خمسين فأصاب أحدهما عشرة و أصاب الآخر تسعة، أو لم يصب شيئا، فالأوّل ناضل قطعا يستحقّ المال.

و الأقرب: أنّه لا يلزمه إتمام العمل - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه قد تمّم العمل الذي تعلّق به الاستحقاق، فلا معني لإلزام عمل بعد ذلك.

و الثاني: يلزم؛ لينتفع صاحبه بمشاهدة رميه و يتعلّم منه(2).

و لو شرطا المال لمن سبق إلي إصابة خمسة من عشرين، فرمي أحدهما عشرة فأصاب خمسة و رمي الآخر عشرة فأصاب ثلاثة، فالأوّل ناضل، و في لزوم إتمام العمل الوجهان(3).

مسألة 962: لو تناضلا و شرطا المحاطّة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة،

فرمي كلّ واحد منهما خمسين فأصاب أحدهما في خمسة عشر و الآخر في خمسة، فقد خلص للأوّل عشرة، فلا يستحقّ الأوّل المال

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 214:12، روضة الطالبين 554:7.
2- العزيز شرح الوجيز 214:12، روضة الطالبين 554:7.
3- العزيز شرح الوجيز 214:12، روضة الطالبين 554:7.

قبل إتمام العمل؛ لأنّ الاستحقاق مشروط بخلوص عشرة من مائة، و قد يصيب الآخر فيما بقي بقدر ما يمنع خلوص العشرة من المائة للأوّل، بخلاف شرط المبادرة، فإنّ الإصابة من بعد لا ترفع ابتدار الأوّل إلي ذلك العدد، و هذا أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يتوقّف استحقاق المال علي إتمام العمل، بل يستحقّ من سبق إلي إصابة العشرة؛ لأنّهما استويا في الأرشاق و الخلوص في المحاطّة بخلوص الإصابات المشروطة في المبادرة، و كما يثبت الاستحقاق هناك قبل استكمال العمل يثبت هنا(1).

و قد بيّنّا الفرق.

فإن قلنا: لا يستحقّ المال ما لم يكمل الأرشاق، فلا بدّ من إتمامها، و إن قلنا بالاستحقاق و قلنا: لا حطّ بعد خلوص العدد المشروط، فهل للآخر أن يكلّفه إتمام العمل ؟ فيه الوجهان المذكوران في المبادرة(2).

مسألة 963: لو شرطا المحاطّة و رميا بعض العدد فأصاب أحدهما القدر المشروط دون صاحبه فسأل المنضول إكمال العدد،

أجيب مع الفائدة إمّا بأن يرجو أن يرجّح عليه أو يساويه أو يمنع الأوّل من التفرّد بالإصابة أو يمنعه من استيفاء عدد الإصابات بأن يقصر مع تمام العمل عن عدد الإصابات، و لا يجاب مع عدم الفائدة.

فلو شرطا خلوص خمس إصابات من عشرين فرمي كلّ واحد منهما خمسة عشر فأصاب أحدهما في عشرة و الآخر في ثلاثة، فإنّهما إذا أكملا العدد قد يصيب الثاني في الخمسة الباقية بأجمعها، و لا يصيب الأوّل في شيء منها فلا يخلص له عشرة.

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 215:12، روضة الطالبين 554:7.
2- العزيز شرح الوجيز 215:12، روضة الطالبين 554:7.

أمّا لو أصاب أحدهما عشرة من خمسة عشر و لم يصب الثاني شيئا منها، فلا يرجو الثاني مساواة الأوّل، و لا يمنعه من التفرّد بالإصابة؛ لأنّهما لو أكملا الأرشاق و أخطأ الأوّل في جميع الباقي و أصاب الثاني في جميعه، حصل للأوّل عشرة، و للثاني خمسة، فيتحاطّان خمسة بخمسة، و يبقي للأوّل خمسة خالصة فيفوز بالإصابة فلا يلزمه إتمام الأرشاق، و هو الأظهر من قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يجاب إلي الإتمام، كما تقدّم في المبادرة(1).

مسألة 964: لو تناضلا مبادرة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة،

فرمي أحدهما خمسين و أصاب عشرة و رمي الآخر تسعة و أربعين و أصاب تسعة، لم يكن الأوّل ناضلا، بل يرمي الثاني سهما آخر، فإن أصاب فقد تساويا، و لا يثبت للأوّل استحقاق المال.

و لو أصاب الأوّل من خمسين في عشرة و أصاب الثاني من تسعة و أربعين في ثمانية، فالأوّل ناضل؛ لأنّ الثاني لو أصاب الرمية الباقية لم يساو الأوّل.

و قد ظهر بهاتين الصورتين أنّ استحقاق المال لا يحصل بمجرّد المبادرة إلي العدد المذكور، بل يعتبر مع المبادرة مساواتهما في عدد الأرشاق، أو عجز الثاني عن المساواة في الإصابة و إن صار مساويا له في عدد الأرشاق.

و لو رميا و شرطا المحاطّة و عدد الإصابة عشرة من خمسين، فأصاب أحدهما العشرة من الخمسين، و رمي الآخر تسعة و أربعين و لم يصب في شيء منها، فله أن يرمي السهم الآخر؛ لأنّه ربما أصاب فيه، فيتحاطّان في

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 215:12، روضة الطالبين 554:7.

السهم الذي أصاباه، و يتخلّف للأوّل تسعة، فيبطل خلوص عشر إصابات له.

مسألة 965: إذا قال له: ارم خمسة عنّي و خمسة عن نفسك فإن أصبت في خمستك أو كان الصواب في خمستك أكثر فلك كذا،

أو قال:

ارم عشرة، واحدة عنّي و واحدة عنك إلي آخر العشرة، فإن كانت إصابتك فيما رميت عن نفسك أكثر فلك كذا، لم يجز - و به قال الشافعي في الأمّ(1) - لأنّه يكون مناضلا لنفسه، و النضال لا يكون إلاّ بين اثنين و أكثر، و يمتنع في الشخص مع نفسه؛ لأنّه يجتهد في الصواب في حقّ نفسه و يقصّر في حقّ صاحبه، و لأنّ المناضلة عقد من العقود، فلا يجري إلاّ بين اثنين، كالبيع و شبهه، و لأنّه ناضل علي خطئه بصوابه بقوله: «إن كان صوابك أكثر من خطئك» و الخطأ لا يناضل عليه و لا به.

و لو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك فيها أكثر فلك كذا، فإن قصد الجعالة جاز، و إن قصد مناضلة نفسه لم يجز؛ لما تقدّم من الوجوه، و لأنّه بذل العوض في مقابلة مجهول؛ لأنّ الأكثر لا ينضبط.

و اختلفت الشافعيّة، فبعضهم منع مطلقا؛ لأنّه قد ناضل نفسه، و بعضهم جوّزه مطلقا؛ لأنّه بذل المال علي عوض معلوم، و له فيه غرض ظاهر، و هو تحريضه علي الرمي و مشاهدة رميه، و قالوا: إنّه ليس بنضال، و إنّما هو جعالة، و بذل المال إنّما هو في مقابلة الصواب، و الأكثر مضبوط، و هو النصف بزيادة واحدة(2).

ص: 116


1- الأم 234:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 216:12، و روضة الطالبين 555:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 424:1، نهاية المطلب 277:18، حلية العلماء 5: -
مسألة 966: لو جري لفظ المناضلة بأن قال: ارم كذا و ناضل الخطأ بالصواب فإن كان الصواب أكثر فلك كذا،

أو قال: ناضل نفسك فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، أو قال: ارم كذا فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني، لم يجز قولا واحدا؛ لأنّ النضال لا يجري إلاّ بين اثنين.

و اعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّه إذا قال له: ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، لم يجز أن يناضل نفسه(1).

و اختلف أصحابه في صورة هذه المسألة علي وجهين.

أحدهما: أنّ المزني حذف منها ما ذكره الشافعي في كتاب الأمّ، فقال فيه: «و لو قال: ناضل نفسك و ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا، لم يجز؛ لأنّه يناضل نفسه» فحذف المزني قوله:

«ناضل نفسك» و أورد باقي كلامه، و حكمه علي هذه الصورة باطل باتّفاق الشافعيّة.

و اختلفوا في تعليله، فقال بعضهم - و هو الظاهر من تعليل الشافعي -:

إنّه جعله مناضلا لنفسه، و قال بعضهم: إنّه ناضل علي خطئه بصوابه.

و الوجه الثاني في المسألة: أنّها مقصورة علي ما ذكره المزني، و لم يذكر فيه نضال نفسه، فيكون في صحّته وجهان من اختلاف العلّتين:

أحدهما: أنّه صحيح و يستحقّ ما جعل له؛ للتعليل الأوّل؛ لأنّه بذل مال علي عمل لم يناضل فيه نفسه.

و الثاني: أنّه باطل؛ للتعليل الثاني: إنّه مناضل علي خطئه بصوابه.

ص: 117


1- مختصر المزني: 288.

و يتفرّع علي هاتين المسألتين مسألة ثالثة اختلفوا فيها بأيّهما تلحق، و هو أن يقول: ناضل و ارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر فلك كذا، فيوافق المسألة الأولي في قوله: «ناضل» و يوافق الثانية في حذف قوله:

«نفسك».

فقال بعضهم: إنّها في حكم المسألة الأولي في البطلان؛ لقوله:

«ناضل» و إنّما يكون النضال بين اثنين، فأشبه قوله: «ناضل نفسك».

و الثاني: أنّها في حكم المسألة الثانية في حمل صحّتها علي وجهين من اختلاف العلّتين؛ لأنّه إذا سقط قوله: «نفسك» صار قوله: «ناضل» بمعني «ارم علي نضال» و النضال المال، فصار كالابتداء بقوله: ارم عشرة أرشاق(1).

مسألة 967: إذا قال: ارم عشرة و ناضل الصواب بالخطأ فإن كان الصواب أكثر فلك كذا،

أو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني، لم يجز؛ لما تقدّم، و إن قلنا بالجواز فلو رمي ستّة و أصابها أجمع، فقد ظهر استحقاقه.

و هل للشارط أن يكلّفه استكمال العشرة ؟ يحتمل العدم؛ لأنّ الاستحقاق قد حصل، فلا فائدة في الإكمال، و الثبوت؛ لأنّه علّق الاستحقاق بعشرة إصابتها أكثر.

و لو قال لمتراميين: ارميا عشرة فمن أصاب منكما خمسة فله كذا، جاز.

و لو قال أحدهما للآخر: نرمي عشرة فإن أصبت في خمسة فلك

ص: 118


1- الحاوي الكبير 229:15-230.

عليّ كذا، و إن أصبت فلا شيء لي عليك، جاز أيضا.

و لو قال: إن أصبت فلي عليك كذا، فالوجه: الجواز مطلقا.

و منعه الشافعيّة إلاّ بالمحلّل(1).

مسألة 968: إذا عقد المتناضلان علي إصابة معلومة من رشق معلوم،

كاشتراطهما إصابة عشرة من عشرين، فيشرعان في الرمي و يصيب كلّ واحد منهما بعض إصابته إمّا علي تساو بينهما أو علي تفاضل من قليل أو كثير ثمّ يستثقلان إتمام الرمي، فيقول أحدهما لصاحبه: هو ذا أرمي هذا السهم، فإن أصبت به فقد نضلتك، و إن أخطأت به فقد نضلتني، فهو باطل لا يصير به ناضلا إن أصاب و لا منضولا إن أخطأ؛ لأنّه جعل الإصابة الواحدة قائمة مقام إصابات فيبطل، و لأنّه يؤول إلي أن يصير من قلّت إصابته ناضلا و من كثرت إصابته منضولا.

فإن تفاسخا عقدهما ثمّ قال أحدهما لصاحبه أو لغيره: ارم سهمك هذا فإن أصبت به فلك درهم، جاز، و استحقّ الدرهم إن أصاب؛ لأنّه قد أجابه إلي ما سأل و التزم له بما بذل، و لأنّه تحريض في طاعة يلزم البذل عليها، كالمناضلة، و في الحقيقة إنّه بذل مال علي عمل ليس بنضال؛ لأنّ النضال لا يكون إلاّ بين اثنين و أكثر.

و لو قال: ارم سهما فإن أصبت فلك كذا، و إن أخطأت فعليك كذا، قالت الشافعيّة: إنّه قمار؛ بناء علي اشتراط المحلّل في مثله(2).

مسألة 969: لو كانوا يتناضلون فمرّ بهم إنسان فقال لمن انتهت النوبة إليه و همّ علي أن يرمي: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار،

فأصاب في ذلك

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 216:12، روضة الطالبين 555:7.
2- البيان 391:7، العزيز شرح الوجيز 216:12، روضة الطالبين 555:7.

السهم، استحقّ الدينار بمقتضي الجعالة، و تكون تلك الإصابة محسوبة من المعاملة التي هو فيها.

و لو تناضل اثنان و المشروط عشر قرعات فشرط أحدهما أن يناضل بها آخر ثمّ ثالثا إلي غير ضبط حتي إذا فاز بها كان ناضلا لهم جميعا، جوّزه الشافعيّة(1).

و هو دليل علي انقطاع هذه المعاملة عن مضاهاة الإجارة؛ لأنّها لو كانت بمثابتها لما استحقّ بعمل واحد مالين عن جهتين، و سبب استحقاق المال فيها الشرط، لا رجوع العمل إلي الشارط.

و قضيّة هذه القاعدة أن لا تجب أجرة المثل عند الفساد؛ لأنّ العامل لا يعمل لغيره.

مسألة 970: إذا تناضل اثنان علي إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم...

إذا تناضل اثنان علي إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم فحضر ثالث فقال لمخرج المال: أنا شريكك في الغنم و الغرم فإن نضلت فلي نصف العشرة و إن نضلك فعليّ نصف العشرة، كان باطلا، و كذا لو قال لكلّ واحد منهما: أنا شريكك في الغنم و الغرم، فهو باطل؛ لأنّه لم يدخل في عقدهما، فلم يجز أن يكون شريكا لهما، و لأنّه يصير آخذا بغير عمل و معطيا من غير بذل.

و كذا البحث لو تسابقا.

و كذا لو أخرجا المال و بينهما محلّل، فقال أجنبيّ لأحدهما: أنا شريكك في الغنم و الغرم، لم يجز؛ لأنّ الغنم و الغرم في المناضلة مبنيّان علي الرمي، و هذا الأجنبيّ لا يرمي.

ص: 120


1- نهاية المطلب 278:18، العزيز شرح الوجيز 217:12، روضة الطالبين 7: 556.
مسألة 971: قد بيّنّا الخلاف في تفسير الحوابي،

فبعضهم فسّره بأنّه الذي يقع بين يدي الغرض ثمّ يزحف إليه فيصيبه، من قولهم: حبا الصبي إذا أخذ في التحرّك علي إسته أو بطنه، و هو كالمزدلف إلاّ أنّ الحابي أضعف حركة منه(1).

و قيل: هو الذي يصيب الهدف حوالي الغرض(2).

و قيل: هو القريب من الهدف كأنّ صاحبه يحابي و لا يريد منه إصابة الهدف(3).

و جماعة من الفقهاء لم تجعل الحوابي صفة للسهام، و لكن قالوا:

الرمي ثلاثة أقسام: المبادرة و المحاطّة و الحوابي، و هي أن يرميا علي أن يسقط الأقرب و الأشدّ الأبعد(4).

إذا عرفت هذا، فلو شرطا احتساب القريب من الغرض نظر، فإن ذكروا حدّ القرب من ذراع أو أقلّ أو أكثر، جاز، و صار الحدّ المضبوط كالغرض، و الشنّ في وسطه كالدارة.

و إن لم يذكروا حدّ القرب، فإن كان للرّماة عادة مطّردة حمل اللفظ المطلق علي القدر المعتاد عندهم، كما يحمل الدرهم عند الإطلاق علي المعتاد.

ص: 121


1- الحاوي الكبير 214:15، البيان 383:7، العزيز شرح الوجيز 217:12، روضة الطالبين 556:7.
2- التهذيب - للبغوي - 87:8، العزيز شرح الوجيز 217:12، روضة الطالبين 7: 556.
3- العزيز شرح الوجيز 217:12، روضة الطالبين 556:7.
4- كما في الحاوي الكبير 214:15، و العزيز شرح الوجيز 217:12، و روضة الطالبين 556:7.

و إن لم تكن عادة مطّردة، فوجهان، أصحّهما عندهم: فساد العقد؛ للجهالة.

و إن قلنا بالثاني، فوجهان:

أحدهما: أنّه ينزّل علي أنّ الأقرب يسقط الأبعد كيف كان.

و الثاني: أنّه ينزّل علي قرب البعيد و الأقرب للأبعد، كما إذا قالوا:

نرمي عشرين رشقا علي أن يسقط الأقرب الأبعد، فمن فضل له خمسة فهو ناضل، و هو صحيح، و الشرط لازم(1).

و للشافعيّة فيه خلاف، لكن الأشهر عندهم ما قلناه؛ لأنّه نوع من الرمي معتاد بين الرّماة، و هو ضرب من المحاطّة(2).

فإن تساوت السهام قربا و بعدا، فلا ناضل و لا منضول.

و كذا لو تساوي سهمان في القرب، أحدهما لأحد الراميين، و الآخر للآخر، و كانت سائر السهام أبعد، فيسقط قريب كلّ واحد منهما بعيد الآخر [و] يتساويان(3).

فإذا كان بين سهم أحدهما و بين الغرض قدر شبر و بين سهم الآخر و بين الغرض [شبر دون](4) إصبع، فيسقط الثاني الأوّل، فإن رمي الأوّل بعد ذلك فوقع أقرب، أسقط ما رماه الثاني.

مسألة 972: قد بيّنّا أنّ الحوابي قد تفسّر

بأن يحتسب بالإصابة في

ص: 122


1- العزيز شرح الوجيز 217:12-218، روضة الطالبين 556:7.
2- العزيز شرح الوجيز 217:12-218، روضة الطالبين 556:7.
3- فيما عدا «ر» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يتساويان» بدون الواو، و في «ر»: «فيتساويان». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شبرا و». و المثبت هو الصحيح.

الشنّ و الهدف، و يسقط الأقرب إلي الشنّ ما هو أبعد من الشنّ.

و إن أصاب أحدهما الهدف علي شبر من الشنّ فاحتسب به و أصاب الآخر علي دون شبر [احتسب به، و](1) أسقط إصابة الشبر؛ لأنّها أبعد.

و لو أصاب أحدهما خارج الشنّ و احتسب به و أصاب الآخر في الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة خارج الشنّ.

و لو أصاب أحدهما الشنّ و احتسب به و أصاب الآخر الدائرة التي في الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة الشنّ.

و لو أصاب أحدهما الدائرة التي في الشنّ فاحتسب به، و أصاب الآخر العظم الذي في دائرة الشنّ، احتسب به، و أسقط إصابة الدائرة، فيكون كلّ قريب مسقطا لما هو أبعد منه.

و هذا نوع من الرمي قد اختلف الفقهاء في جوازه، و الأصحّ: الجواز؛ لأنّه نوع معهود من الرمي، فأشبه المحاطّة و المبادرة، و لأنّه أبعث علي الحذق فصحّ.

و منع منه بعضهم؛ لضيقه و كثرة خطره؛ لأنّه يسقط الإصابة بعد إثباتها(2).

فإذا ثبت الجواز فلو كان عقدهما علي إصابة خمس من عشرين، فالأحوال ثلاثة:

أ: أن يقصر كلّ واحد منهما عن عدد الإصابة، فيصيب أقلّ من خمسة، فيرتفع حكم العقد بنقصان الإصابة عن العدد المشروط من غير أن يكون فيهما ناضل و منضول، و لا اعتبار بالقرب و البعد مع نقصان العدد.5.

ص: 123


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير 214:15.
2- الحاوي الكبير 215:15.

ب: أن يستوفيا معا عدد الإصابة، فيصيب كلّ واحد منهما خمسة فصاعدا، فيعتبر حينئذ حال القرب و البعد، فإنّهما لا يخلوان فيهما من أربعة أقسام:

أحدها: أن تكون الإصابات في الهدف و قد تساوت في القرب من الشنّ، و ليس بعضها أقرب إليه من بعض، فقد تكافئا، و ليس فيهما ناضل و لا منضول.

و كذا لو تقدّم لكلّ واحد منهما سهم كان أقرب إلي الشنّ من باقي سهامه و تساوي السهمان المتقدّمان في القرب من الشنّ، كانا سواء لا ناضل فيهما و لا منضول.

و إن تقدّم لأحدهما سهم و للآخر سهمان و تساوت السهام الثلاثة في قربها من الشنّ، فوجهان:

أحدهما: أنّ المتقرّب بسهمين ناضل للمتقرّب بسهم؛ لفضله في العدد.

و الثاني: أنّهما سواء لا ناضل فيهما و لا منضول؛ لأنّ نضال الحواب موضوع علي القرب دون زيادة العدد.

و القسم الثاني: أن تكون سهام أحدهما أقرب إلي الشنّ من سهام الآخر، فأقربهما إلي الشنّ هو الناضل، و أبعدهما منه هو المنضول.

و كذا لو تقدّم لأحدهما سهم واحد و كان أقرب إلي الشنّ من جميع سهام الآخر، أسقط به صاحبه، و لم يسقط به سهام نفسه، و كان هو الناضل بسهمه الأقرب.

القسم الثالث: أن تكون سهام أحدهما في الهدف و سهام الآخر في الشنّ، فيكون المصيب في الشنّ هو الناضل، و في الهدف هو المنضول.

ص: 124

و كذا لو كان لأحدهما سهم واحد في الشنّ و سهام الآخر جميعها خارجة عن الشنّ، كان المصيب في الشنّ هو الناضل بسهمه الواحد، و قد أسقط به سهام صاحبه [و لم يسقط به سهام نفسه و إن كانت أبعد إلي الشنّ من سهام صاحبه](1).

القسم الرابع: أن تكون سهامهما جميعا صائبة في الشنّ لكن سهام أحدهما أو بعضها في الدائرة و سهام الآخر خارجة عن الدائرة.

و إن كان جميعها في الشنّ، ففيه وجهان:

أحدهما - و حكاه الشافعي عن بعض الرّماة(2) -: أنّ المصيب في الدائرة ناضل، و المصيب خارج الدائرة منضول؛ لأنّه [قطب](3) الإصابة.

و الثاني: أنّهما سواء، و ليس منهما ناضل و لا منضول؛ لأنّ جميع الشنّ محلّ للإصابة، و اختاره الشافعي(4).

ج: أن يستوفي أحدهما إصابة الخمس [و يقصر](5) الآخر فيها، فهو علي ضربين:

أحدهما: أن يكون المستوفي لإصابة الخمس أقرب سهاما إلي الشنّ أو مساويا لصاحبه، فيكون ناضلا و المقصر منضولا.

و الثاني: أن يكون المقصر في إصابة الخمس أقرب سهاما من5.

ص: 125


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير 216:15.
2- الحاوي الكبير 216:15.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فضلت». و المثبت كما في الحاوي الكبير 216:15.
4- الحاوي الكبير 216:15.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في نقص». و المثبت يقتضيه السياق و كما في الحاوي الكبير 216:15.

المستوفي، فليس فيهما ناضل و لا منضول؛ لأنّ المستوفي قد سقطت سهامه ببعدها، و المقصر قد سقطت سهامه بنقصانها.

مسألة 973: لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمي الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم...

لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمي الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم ثمّ عاد الأوّل فرمي سهما فوقع أبعد من الخمسة، سقط ذلك السهم بالخمسة، و سقطت الخمسة بالأوّل.

و لو رمي أحدهما خمسة فوقعت قريبة من الغرض و بعضها أقرب من بعض و رمي الثاني فوقعت أبعد من خمسة الأوّل، سقطت خمسة الثاني بخمسة الأوّل، و لا يسقط من خمسة الأوّل شيء و إن تفاوتت في القرب؛ لأنّ قريب كلّ واحد يسقط بعيد الآخر و لا يسقط بعيد نفسه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يسقط بعيد نفسه؛ كما يسقط بعيد غيره، و هو عادة الرّماة(1).

و لو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض و أصاب سهم الآخر الغرض، فالثاني يسقط الأوّل، كما يسقط الأقرب الأبعد، و هو المنقول عن أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: ينبغي أن ينظر إلي لفظ الشرط في العقد، إن كان الشرط إسقاط الأسدّ أو الأصوب غيره، فهذا ظاهر.

و كذا إن كان الشرط [إسقاط الأقرب الأبعد، علي معني الأقرب إلي الصواب.

فأمّا إذا كان الشرط](3) إسقاط الأقرب إلي الغرض الأبعد عنه، فينبغي

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 218:12، روضة الطالبين 557:7.
2- العزيز شرح الوجيز 218:12، روضة الطالبين 557:7.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 218:12، و روضة الطالبين 7: 557.

أن يتساويا؛ لأنّ الموصوف بأنّه أقرب إلي الغرض أو أبعد عنه ينبغي أن يكون خارجا عنه و هما جميعا في الغرض.

و إذا أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض و الآخر الغرض خارج الرقعة أو أصابا خارج الرقعة و أحدهما أقرب إليها، قال بعض الرّماة: إنّ الذي أصاب الرقعة أو هو أقرب إليها يسقط الآخر.

و قال بعض الفقهاء(1): إنّهما سواء، و إنّما يسقط القريب البعيد إذا كانا خارجين من الشنّ(2).

قال الشافعي: و من الرّماة من يقول: القريب الذي يسقط البعيد هو الساقط، و هو السهم الذي يقع بين يدي الغرض، و العاضد، و هو الذي يقع في جانب اليمين أو اليسار دون الخارج، و هو الذي يجاوزه و يقع فوقه.

قال: و القياس عندي أنّه لا فرق؛ لوقوع اسم القريب علي الجميع(3).

و قال الجويني: إذا شرطوا احتساب القريب من الغرض، فالاعتبار بموضع ثبوت السهم و استقراره، لا بحالة المرور حتي لو قرب مروره من الغرض و وقع بعيدا منه لم يحتسب إلاّ إذا شرطوا اعتبار حالة المرور.

و لو شرطوا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه، احتمل الجواز؛ للأصل، و لأنّ فيه التحريض علي الحذق، و المنع؛ لأنّ وسط القرطاس يتعذّر قصده، و قد يصيبه الأخرق اتّفاقا(2).

مسألة 974: إذا وقع السهم متباعدا عن الغرض تباعدا مفرطا

إمّا مع

ص: 127


1- هو الشافعي كما في المصدر. (2الي3) العزيز شرح الوجيز 218:12، روضة الطالبين 557:7.
2- نهاية المطلب 265:18-266 و 288، و عنه في العزيز شرح الوجيز 218:12 - 219، و روضة الطالبين 557:7.

قصوره عن الغرض أو مع مجاوزته عنه، نظر فإن كان ذلك لسوء الرمي فهو محسوب علي الرامي، و لا يردّ السهم إليه ليرميه مرّة أخري، و إن كان لنكبة عرضت أو خلل في آلة الرمي من غير تقصير من الرامي فذلك السهم غير محسوب عليه، و يوضّحه صور تأتي إن شاء اللّه تعالي.

منها: إذا عرض في مرور السهم إنسان أو بهيمة فلم يبلغ السهم، أو حدثت في يده علّة أو ريح أخلّت بالرمي، لم تحسب عليه تلك الرمية، بل يعيدها؛ لأنّ عدم الإصابة للنكبة العارضة، لا لسوء في الرمي، فيعذر.

و انقطاع الوتر و انكسار السهم و القوس إن وقع ذلك من تقصيره و سوء رميه حسبت الرمية عليه ليتعلّم، و إن كان بسبب ضعف الآلة أو بسبب غير ذلك لا بسبب تقصيره و إساءته، فهو كما لو عرضت دابّة أو نحوها، فلا تحسب الرمية عليه.

و كذا لو حدثت في يده علّة أو ريح أخلّت بالرمي.

و قيل: إن وقع السهم عند إحدي هذه العوارض قريبا من الغرض، حسبت الرمية عليه؛ لأنّه وقع في حدّ غير بعيد من الإصابة، و كأنّ النكبة لم تؤثّر(1).

و خصّص أكثر الشافعيّة هذا الوجه بما إذا وقع السهم مجاوزا للغرض، و جعلوا المجاوزة مشعرة بأنّ النكبة لم تؤثّر، و سبب المجاوزة إساءة الرمي(2).

و أجابوا عنه: بأنّ الإخلال يؤثّر في التقصير تارة، و في الإسراف7.

ص: 128


1- نهاية المطلب 259:18، العزيز شرح الوجيز 220:12، روضة الطالبين 7: 558.
2- العزيز شرح الوجيز 220:12، روضة الطالبين 558:7.

أخري، فإن قلنا بالاحتساب عليه، فلا شكّ أنّه لو أصاب يحتسب السهم له، و إن قلنا: لا يحتسب عليه، فلو أصاب حسب له - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الإصابة مع النكبة تدلّ علي جودة الرمي و قوّته.

و الثاني: لا يحسب له كما لا يحسب عليه، و لأنّ الإصابة مع انكسار الآلة قد تعدّ اتّفاقيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ الانقطاع و الانكسار إنّما يؤثّر حدوثهما قبل خروج السهم من القوس، و أمّا بعده فلا أثر له(2).

مسألة 975: لو انكسر السهم بنصفين من غير تقصير من الرامي فأصاب أحد النصفين الغرض إصابة شديدة،

فإن قلنا: الإصابة مع النكبة تحسب - و هو الأقوي عندنا - فبأيّ النصفين يعتدّ؟ الأقرب: أنّ الاعتداد بالنصف الذي فيه الفوق، فإذا أصاب بمقطعه حسب له، و لا عبرة بالنصف الذي فيه النصل؛ لأنّه لم يبق فيه تحامل الوتر و اعتماده المقروع، فالمؤثّر إنّما هو النصف الذي فيه الفوق، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الاعتداد بالنصف الذي فيه النصل، فإن أصاب بالنصل حسب له؛ لأنّ اشتداده مع الانكسار يدلّ علي جودة الرمي و غاية الحذق فيه، و النصف الذي فيه الفوق لا اعتداد به، كما إذا لم يكن انكسار(3).

و لو أصاب بهما، قيل: [لم](1) يحسب إصابتين، و كذا لو رمي سهمين دفعة واحدة فأصاب بهما [لم](2) يحسب له إصابتان(3).

ص: 129


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 221:12، روضة الطالبين 558:7.

و لو رمي إلي غير الجهة التي فيها الهدف، فهو اشتغال منه بأمر آخر غير النضال الذي وقع العقد عليه، فلا يحسب عليه.

مسألة 976: لو كان في الغرض سهم فأصاب سهمه فوق ذلك السهم،

و قد عرفت أنّ فوق السهم هو الجزء الذي يدخل فيه الوتر، فللسهم الثابت في الهدف حالتان:

إحداهما: أن يدخل منه في الهدف قدر نصله و يكون باقي طوله خارجا، فلا يحتسب بهذا السهم لا مخطئا و لا مصيبا؛ لأنّه لم يبلغ الهدف فصار مقصّرا فلم يعتد به مصيبا، و قد منعه حائل فلم يصر مخطئا، و لو شقّه و أصاب الغرض حسب له.

و الحالة الثانية: أن يكون السهم الثابت في الهدف قد دخل جميعه حتي غاص و لم يظهر منه إلاّ موضع فوقه فوقع عليه هذا السهم فينظر في الإصابة، فإن كانت قرعا احتسب بهذا السهم مصيبا؛ لوصول السهم إلي محلّ الإصابة من الهدف، و إن كانت الإصابة خسقا لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا إلاّ أن يثبت نصله في فوق ذلك السهم، فيحتسب به مصيبا في الخسق؛ لأنّ ما خسق الخشب و ثبت فيه أولي أن يخسق الشنّ و يثبت فيه، و هو أحسن أنواع الإصابات، و يمدح به الشعراء في شعرهم، فقيل:

يصيب ببعضها أفواق بعض فلو لا الكسر لا اتّصلت قضيبا(1)

و ينبغي أن ينظر إلي ثبوته فيه، و أن يقاس صلابة ذلك السهم بصلابة الغرض.

مسألة 977: إذا انكسر السهم بعد خروجه عن القوس،

فالأحوال فيه خمسة:

ص: 130


1- البيت لأبي الطيّب المتنبّي، راجع ديوانه: 170.

أ: أن يسقط عادلا عن الهدف، فلا يحسب عليه من الخطأ؛ لأنّه من فساد السهم، لا من سوء الرمي.

ب: أن يصيب بعرض السهم فيردّ عليه، و لا يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لأنّه أصابه بغير محلّ الإصابة.

ج: أن تكون الإصابة بكسر القدح دون النصل، فيردّ و لا يحتسب؛ لما ذكرنا.

د: أن يصيب بكسر النصل، ينظر فإن كانت الإصابة بكسر(1) النصل بالطرف الذي فيه حديدة النصل، احتسب به مصيبا؛ لأنّه أصاب بمحلّ الإصابة، و إن أصاب منه بالطرف الآخر المتّصل بقدح الفوق، لم يحتسب به مصيبا و لا مخطئا؛ لأنّه أصاب بغير محلّ الإصابة.

ه: أن يصيب بالكسرين معا، فلا يحتسب بكسر القدح، و يكون الاحتساب بكسر النصل معتبرا بما ذكرنا: إن كان بطرف الحديدة كان مصيبا، و إن كان بالطرف الآخر كان مردودا.

مسألة 978: لو أغرق الرامي و بالغ في النزع حتي دخل النصل مقبض القوس و وقع السهم عنده،

فالوجه: أنّه يحتسب عليه؛ لأنّ النزع ينبغي أن يكون بقدر الحاجة، فالزيادة إساءة.

و قال الشافعي: إنّه ملحق بانكسار القوس و انقطاع الوتر و سائر العوارض؛ لأنّ سوء الرمي أن يقصد شيئا فلا يصيبه، و لم يتحقّق هذا المعني هنا، و إنّما ترك التحفّظ في النزع(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ السهم إن لم يبلغ مدي الغرض لم يحسب

ص: 131


1- في «د، ص»: «من كسر» بدل «بكسر».
2- العزيز شرح الوجيز 221:12، روضة الطالبين 559:7.

عليه، و إن أصاب المدي و لم يصب حسب عليه(1).

مسألة 979: قد بيّنّا أنّ الريح الليّنة لا تؤثّر حتي لو رمي زائلا عن المسامتة فردّته الريح أو رمي رميا ضعيفا فقوّته و أصاب،

حسب له، و إن [صرفته](2) عن السمت بعض الصرف فأخطأ، حسب عليه؛ لأنّ الجوّ لا يخلو عن الريح الخفيفة غالبا، و لضعف تأثيرها في السهم علي سرعة ممرّه، فلا اعتداد بها.

و هنا للشافعيّة وجهان آخران:

أحدهما: أنّها تمنع الاحتساب عليه إذا أخطأ.

و الثاني: أنّها كالعاصفة تمنع الاحتساب له و عليه(3).

و ان كانت الريح عاصفة و اقترنت بابتداء الرمي، قال الشافعي: إنّها لا تؤثّر؛ لأنّ ابتداء الرمي و الريح تهبّ عاصفة تقصير، و لأنّ للرّماة حذقا و نظرا في الرمي في وقت هبوب الريح ليصيبوا، فإذا أخطأ فقد ترك ذلك النظر و ظهر سوء رميه(4).

و لأصحابه وجه آخر: أنّها تمنع الاحتساب له إن أصاب، و عليه إن أخطأ؛ لقوّة تأثيرها، و لذلك يجوز لكلّ واحد منهما تأخير الرمي إلي أن تسكن، بخلاف الليّنة(5).

و لو هجم هبوبها بعد خروج السهم من القوس، فقضيّة الترتيب الذي قلناه أن يقال: إن جعلنا اقترانها مؤثّرا فهجومها أولي بالتأثير، و إلاّ فوجهان:

ص: 132


1- العزيز شرح الوجيز 221:12، روضة الطالبين 559:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صرفه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 221:12، روضة الطالبين 559:7.
4- العزيز شرح الوجيز 221:12-222، روضة الطالبين 559:7.
5- العزيز شرح الوجيز 222:12، روضة الطالبين 559:7.

أحدهما: أنّها كالنكبات العارضة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الجوّ لا يخلو عن الريح(1).

و لو فتح هذا الباب لطال النزاع و تعلّل المخطئ به.

و الظاهر أنّه إن أخطأ عند هجوم الهبوب لم يحسب عليه، و إن أصاب احتمل أن يحسب له، و عدمه.

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف هنا فيما إذا أصاب كالخلاف في المزدلف إذا أصاب(2).

و قال آخرون: إنّه لا يحتسب له هنا، و يحتسب في المزدلف، و الفرق: إنّ المزدلف أصاب الغرض بحدّة الرمي، و مع الريح العاصفة لا يعلم أنّه أصاب برميه أم لا(3).

و لو هبّت الريح و نقلت الغرض إلي موضع آخر فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه، حسب له إن كان الشرط الإصابة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يحتسب له؛ لأنّ المرميّ إليه قد زال(4).

و ليس بجيّد.

و إن كان الشرط الخسق، فإن تساوت صلابة الموضع و صلابة الغرض أو زادت صلابة الموضع و خسق حسب له، و إلاّ فلا.

و لو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه، حسب عليه لا له.

مسألة 980: الخلاف في عقد المناضلة هل هو لازم كالإجارة،

أو جائز كالجعالة ؟ كالخلاف الذي تقدّم(2) في المسابقة، فإن قلنا: إنّه لازم،

ص: 133


1- ورد الوجهان في العزيز شرح الوجيز 222:12، و روضة الطالبين 559:7. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 222:12، روضة الطالبين 559:7.
2- في ص 28، المسألة 893.

انفسخ بموت الرامي، و ينزّل موته منزلة موت الأجير المعيّن.

و لو مرض أحدهما أو أصابه رمد، لم ينفسخ العقد، و يؤخّر الرمي.

و تنفسخ المسابقة يموت الفرس؛ لأنّ التعويل فيها علي الفرس، و لا تنفسخ بموت الفارس، بل يقوم الوارث مقامه.

و يحتمل الفسخ؛ لأنّ للفارس أثرا ظاهرا في العقد، و إلزام الوارث عمل المسابقة بعيد.

و لا يجوز لهما إلحاق الزيادة بعدد الأرشاق و لا عدد الإصابات، فإن أرادا ذلك فسخا العقد و جدّدا عقدا آخر.

و ليس للمناضل أن يترك النضال و يجلس، بل يلتزم به، كمن استؤجر لبناء و شبهه، و لو أصرّ حبس و عزّر.

هذا إذا كان منضولا أو كان ناضلا و توقّع صاحبه مساواته أو نقصه(1) ، أمّا إذا لم يتوقّع ذلك، كما إذا شرطا إصابة خمسة من عشرين فأصاب أحدهما خمسة و الآخر واحدا و لم يبق لهما إلاّ رميتان، فلصاحب الخمسة أن يجلس و يترك الباقي.

و إن قلنا: إنّه جائز، جاز أن يلحق به الزيادة في عدد الأرشاق و الإصابات و المال بالتراضي، و هو المشهور من وجهي الشافعيّة(2) ، و الثاني: المنع؛ تخريجا من الخلاف في جواز إلحاق الزيادة بالثمن7.

ص: 134


1- كذا قوله: «و توقّع صاحبه مساواته أو نقصه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و العبارة في العزيز شرح الوجيز 223:12، و روضة الطالبين 560:7 هكذا: «و توقّع صاحبه أن يدركه فيساويه أو يفضله».
2- نهاية المطلب 273:18-274، الوسيط 198:7، الوجيز 223:2، العزيز شرح الوجيز 223:12، روضة الطالبين 560:7.

و المثمن في زمان الخيار و مكانه(1).

و هل يستبدّ أحدهما بالزيادة ؟ الأقرب: نعم، لكن إن لم يرض صاحبه بالزيادة فسخ العقد؛ لجوازه، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني:

المنع؛ تخريجا علي أنّه لا بدّ في العقد من القبول و إن كان جائزا كالجعالة، و إذا شرط القبول في ابتداء العقد وجب اشتراطه في الزيادة، و الثالث: أنّه ليس للمنضول إلحاق الزيادة لئلاّ يجعل ذلك ذريعة إلي الدفع، فلا يتمّ النضال، و إن كان ناضلا أو مساويا فله ذلك(2).

إذا عرفت هذا، فبم يصير منضولا؟ قيل: متي زاد صاحبه بإصابة واحدة فهو منضول(3) ، و قيل: لا يكفي ذلك و إنّما يصير منضولا إذا قرب صاحبه من الفوز و الاستيلاء(4).

و في الجعالة إذا زاد الجاعل في العمل كان متّهما كالمنضول، ففي زيادته الخلاف، فإن لم تلحق الزيادة [بها](5) فذاك، و إن ألحقناها و قد عمل العامل بعض العمل و لم يرض بالزيادة، يفسخ العقد.

و الوجه: أن تثبت له أجرة المثل؛ لأنّ الترك بسبب الزيادة، بخلاف0.

ص: 135


1- نهاية المطلب 273:18-274، العزيز شرح الوجيز 223:12، روضة الطالبين 560:7.
2- نهاية المطلب 274:18، الوسيط 198:7، الوجيز 223:2، العزيز شرح الوجيز 223:12، روضة الطالبين 560:7.
3- نهاية المطلب 275:18، العزيز شرح الوجيز 223:12، روضة الطالبين 7: 560.
4- نهاية المطلب 275:18، العزيز شرح الوجيز 223:12-224، روضة الطالبين 560:7.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 224:12، و روضة الطالبين 7: 560.

ما إذا عمل بعض العمل و ترك الباقي بلا عذر، حيث لا يستحقّ شيئا.

و إن جوّزنا النقصان فإنّما يجوز النقصان الذي قرب من أن يغلب، دون النقصان الذي قرب من الاستيلاء، فإنّه المتّهم في النقصان بالحرص علي الاستيلاء.

قال الجويني: لا ينبغي أن يشبه الحطّ و النقصان هنا بإبراء البائع عن بعض الثمن؛ لأنّ الإبراء كالاستيفاء و ليس شيئا يلتحق بالعقد، ألا تري أنّه ينفذ بعد لزوم العقد و أنّه يجري في قيم المتلفات و في العروض، و حيث لا يتوقّع إلحاق الزوائد، و حطّ الأرشاق و القرعات ليس في هذا المعني، فهو علي التردّد المذكور في الزيادة. نعم، من شرط السّبق له لو حطّ قبل الفوز فهو كالإبراء عن الشيء قبل وجوبه، و قد ظهر سبب وجوبه(1).

مسألة 981: يجوز علي القول بالجواز لكلّ واحد منهما تأخير الرمي و الإعراض عنه من غير فسخ،

و كذلك الفسخ إذا لم يكن المعرض منضولا.

و إن كان منضولا متّهما، فهل له أن يجلس و يترك النضال ؟ وجهان، و للشافعي قولان علي ما ذكر في المسابقة(2).

قال الجويني: و في جواز فسخه الخلاف الذي ذكرناه في جواز الزيادة(3).

و يفضي الأمر إذا فرّقنا بين المنضول و غيره إلي أنّ الحكم بالجواز مطلقا مقصور علي ما إذا لم يصر أحدهما منضولا، فإن صار منضولا لزم

ص: 136


1- نهاية المطلب 276:18، و عنه أيضا في العزيز شرح الوجيز 224:12.
2- نهاية المطلب 276:18، العزيز شرح الوجيز 224:12، روضة الطالبين 7: 561.
3- نهاية المطلب 276:18، و عنه أيضا في العزيز شرح الوجيز 224:12، و روضة الطالبين 561:7.

في حقّه، و بقي علي الجواز في حقّ الآخر.

و الخلاف في أنّ المنضول هل ينفذ فسخه ؟ أجري في فسخ الجاعل الجعالة بعد ما أتي العامل ببعض العمل، و كانت حصّة عمله من المسمّي تزيد علي أجرة المثل.

و لو شرطا في العقد أنّ لكلّ واحد منهما أن يجلس و يترك الرمي إن شاء، فسد العقد إن قلنا: إنّه لازم، و كذا إن جعلناه جائزا و قلنا: ليس للمنضول الترك و الإعراض، و إن قلنا: له ذلك، لم يضر شرطه، فإنّه مقتضي العقد.

و إن شرطا أنّ المسبق إن جلس كان عليه السّبق، فهو فاسد علي القولين؛ لأنّ السبق إنّما يسوغ في العمل.

و لو كانا يتناضلان فنضل أحدهما الآخر بإصابات، فقال له المنضول:

حطّ فضلك و لك عليّ كذا، لم يجز، سواء جعلنا هذه المعاملة لازمة أو جائزة، و سواء جوّزنا إلحاق الزيادة أو لم نجوّز، فإنّ حطّ الفضل لا يقابل بالمال.

مسألة 982: المؤمّن هو المؤتمن بين المتناضلين،

و يسمّي المشير و الموطن؛ لأنّه يشير علي كلّ واحد منهما بقصد يده و مخرج سهمه و موطن موقفه، و يردّ عليه سهمه بعد رميه، و يخبر بصوابه أو خطئه، و عليه أن يعدل بين المتناضلين، و لا يميل إلي أحدهما فيجور، و لا يمدح أحدهما و يذمّ الآخر، بل يكون إمّا مادحا لهما أو ساكتا عنهما، و يعجّل ردّ سهم كلّ واحد منهما إليه، و لا يحبسه عنه فينسي حسن صنيعه، فإن خالف بالميل علي أحدهما منع؛ لإضراره به.

و لو ساوي بينهما في إكثار الكلام و إطالته و حبس السهم في إعادته،

ص: 137

صار مضرّا بهما معا، و أمر بإقلال الكلام و تعجيل السهام؛ لأنّ كثرة كلامه مدهش، فإن كفّ و إلاّ استبدل به غيره ممّن يرتضيه المتناضلان، فإن اختلفا اختار الحاكم لهما مؤتمنا.

و كذا لو كان الكلام من أحد المتناضلين مدحا لنفسه بالإصابة و ذمّا لصاحبه بالخطأ، كفّ و منع، فإن أقام عليه و لم يقلع عنه عزّر، و لم يستبدل به؛ لتعيينه في العقد الذي لا يقوم غيره فيه مقامه.

و بالجملة، إذا طوّل أحد المتراميين الكلام بالتبجّح و الافتخار إذا أصاب أو بالتعنيف لصاحبه إذا أخطأ، منع منه.

و لو كلّم أحدهما إنسان، قيل له: أجب جوابا وسطا و لا تطوّل و لا تحبس القوم.

مسألة 983: ينبغي أن يكون الراميان علي اقتصاد في التثبّت من غير إبطاء و لا إعجال،

فإن طوّل أحدهما بعد أن تقدّم رمي صاحبه علي الاقتصاد و تعلّل بعد ما رمي صاحبه بمسح القوس و الوتر و أخذ النبل بعد النبل و النظر فيه، قيل له: ارم لا مستعجلا و لا مبطئا؛ لأنّه قد يتعلّل لخطئه و قد يصيب صاحبه فيؤخّر لتبرد يده أو ينسي نهج الصواب.

و إن طوّل لتبرد يد صاحبه في السهم الذي رمي به فنسي صنيعه إن أصاب فلا يستنّ بصوابه أو أخطأ فلا يعدل عن سنّته في خطئه، فإن أمسك صاحبه عن الاستعتاب، ترك هذا المتباطئ علي حاله، و إن استعتب وشكا، قيل للمتباطئ: ليس لك أن تضرّ بصاحبك في الإبطاء، كما ليس لصاحبك أن يضرّ بك في الإعجال، وعد إلي القصد في تثبّتك غير متباطئ و لا معجّل.

فإن قال: هذه عادتي لا أقدر علي فراقها قطّ، فإن كان ذلك معروفا

ص: 138

منه، قيل لصاحبه: لا سبيل إلي تكليفه غير عادته و هو عيب فيه، أنت لأجله بالخيار بين مناضلته أو فسخه، و إن كان معروفا بخلاف ما ادّعاه، لم تقبل دعواه، و أخذ بالاعتدال في قصده جبرا ما أقام علي عقده.

مسألة 984: لو شرط أحدهما علي صاحبه أنّه إذا أخطأ أعيد عليه السهم و لم يحتسب به في الخطأ و يجعل كلّ خطأين خطأ واحدا،

بطل العقد.

و كذا لو شرطا أنّه إذا أصاب اعتدّ صوابه و احتسب به إصابتين، بطل أيضا؛ لأنّ هذا العقد مبنيّ علي التساوي و عدم التفاضل، فاشتراط تفاضلهما فيما فيه يجب تساويهما يكون شرطا لما ينافي مقتضي العقد، فيكون باطلا، و لأنّ مقصود هذا العقد معرفة أحذقهما و أشدّهما رميا، و لا يعلم مع مناضلة التفاضل حذق الحاذق.

مسألة 985: من عادة الرّماة أخذ النبل بين أصابعهم،

و من أخذها أكثر كان رميه أضعف، فلو شرط أن يكون ما في يد أحدهما من النبل أكثر ممّا في يد الآخر، لم يصح؛ لأنّه مناف لهذه المعاملة التي مبناها علي التساوي، و كذا لا يجوز أن يحسب خاسق أحدهما بخاسقين.

و لو كان الشرط الحوابي فشرط أن يحسب خاسق بحابيين، جاز - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ الخاسق يختصّ بالإصابة و الثبوت، فجاز أن تجعل تلك الزيادة قائمة مقام حاب.

و لو رميا و ضجرا، فقال أحدهما للآخر: ارم فإن أصبت فقد نضلتني، أو قال: ارم فإن أصبت هذه الواحدة فقد نضلتك، لم يجز؛ لأنّ

ص: 139


1- العزيز شرح الوجيز 225:12، روضة الطالبين 561:7.

الناضل يساوي صاحبه في عدد الأرشاق و يفضله في الإصابة، و لا يتحقّق ذلك في الإصابة الواحدة.

مسألة 986: إذا وقع عقد المناضلة و المسابقة في الصحّة و دفع المال في مرض الموت،

فهو من رأس المال إن جعلناه إجارة، و إن جعلناه جعالة فهو من التبرّعات التي تخرج من الثلث.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو وقع العقد في المرض، احتمل احتسابه من الثلث، و التفصيل، فإن جعلناه جعالة فكذلك، و إلاّ فمن الأصل.

و اعلم أنّه ليس للوليّ أن يصرف مال الصبي إلي غرض المسابقة و المناضلة ليتعلّم؛ لاشتماله علي إضاعة المال؛ إذ الصبي ليس أهلا لهما.

و فيه نظر.

مسألة 987: لا تصحّ الصلاة عندنا في كلّ جلد،

بل نشترط فيه أمرين: التذكية، و أن يكون مأكول اللحم، و الشافعي يشترط الطهارة إمّا بأن يكون من ذكيّ مأكول أو من ميّته أو ما لا يؤكل إذا دبغا(2).

إذا ثبت هذا، فالمضربة - إمّا بضمّ الميم و تشديد الراء، أو بفتح الميم و تخفيف الراء، و هو الأفصح -: جلد يلبسه الرامي في يده اليسري يقي إبهامه إذا جري السهم عليها بريشه، و يسمّي بالفارسيّة: «الدستوان».

و أمّا الأصابع فجلد يلبسه الرامي في إبهامه و سبّابته من يده اليمني لمدّ الوتر و تفويق السهم.

و يشترط في الصلاة فيهما ما يشترط في غيرهما من الطهارة و كونهما

ص: 140


1- العزيز شرح الوجيز 225:12، روضة الطالبين 562:7.
2- الحاوي الكبير 250:15.

من مأكول اللحم عندنا.

و أمّا عند الشافعي فلا يشترط سوي الطهارة إلاّ أنّه يجوّز لبس الأصابع في الصلاة، و في جواز لبس المضربة في الصلاة قولان؛ لأنّ بطون الأصابع لا يلزم مباشرة الأرض بها في السجود، و في لزوم مباشرة الأرض بباطن كفّه في السجود قولان إذا قيل بوجوب السجود علي اليدين(1).

مسألة 988: يجوز أن يصلّي في الجعبة التي تجمع النشّاب إذا كانت طاهرة،

و كذا يصلّي و معه القوس؛ لأنّ اللّه تعالي أباح الصلاة في السلاح(2).

و قد روي العامّة عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول اللّه أصلّي و عليّ القوس و القرن ؟ فقال عليه السّلام: «اطرح القرن و صلّ في القوس»(3).

و القرن - بتحريك الراء -: هو الجعبة، فإن كانت مغطّاة فهي جعبة، و إن كانت مكشوفة فهي قرن.

و النهي عندنا نهي كراهة، إلاّ مع النجاسة فيكون نهي تحريم.

و إنّما كان مكروها؛ لأنّه يتخشخش عند الركوع و السجود باصطكاك السهام، فيقطعه عن الخشوع في الصلاة.

مسألة 989: إذا

مسألة 989: إذا(4) تسابق الفارسان لم يجلب بهما،

و معني الجلب أن يصيح به القوم ليزيد في عدوه، و لكن يركضان بتحريك اللجام و الاستحثاث بالسوط؛ لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أجلب علي الخيل

ص: 141


1- الحاوي الكبير 250:15.
2- سورة النساء: 102.
3- المعجم الكبير - للطبراني - 6277/31:7، الحاوي الكبير 251:15.
4- في الطبعة الحجريّة: «إن» بدل «إذا».

يوم الرهان فليس منّا»(1) و يروي: «لا جلب و لا جنب»(2) و معني الجنب أنّهم كانوا يجنبون الفرس حتي إذا قاربوا الأمد تحوّلوا عن المركوب الذي قد كدّه الركوب إلي الجنبة.

مسألة 990: ينبغي إذا وقف المتناضلان في الموقف أن لا يرمي أحدهما إلاّ عن إذن صاحبه،

و ليس شرطا؛ لأنّ الابتداء بالرمي لأحدهما إنّما يكون بمخصّص، و هو كاف.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من استئذانه؛ لأنّ عادة الرّماة ذلك، فلا يرمي أحدهم حتي يستأذن صاحبه، فإن رمي من غير استئذان لم يحسب(3) له إن أصاب، و لا عليه إن أخطأ، و عرفهم متّبع(4). و هو ممنوع.

مسألة 991: لا يجوز أن يتناضلا علي أن تكون إصابة أحدهما قرعا و إصابة الآخر خسقا حتي يتكافئا في الإصابة قرعا أو خسقا؛

لأنّ المقصود بالعقد معرفة حذقهما بالرمي، كما لا يجوز أن يتناضلا علي أن تكون إصابة أحدهما خمسة من عشرين و إصابة الآخر عشرة من عشرين؛ لما فيه من التفاضل الذي لا يعلم به الحاذق منهما.

و يجوز أن يتشارطا الإصابة قرعا علي أن يحسب بخاسق كلّ واحد منهما قارعين و يعتدّ به إصابتين؛ لتكافئهما فيه، لتكون زيادة الصفة مقابلة

ص: 142


1- مسند أبي يعلي 303:4-2413/304، العزيز شرح الوجيز 226:12، المغني 160:11، الشرح الكبير 147:11.
2- سنن أبي داود 2581/30:3، سنن الترمذي 1123/431:3، سنن النسائي (المجتبي) 227:6 و 228، سنن الدارقطني 284/75:3، و 17/303:4، السنن الكبري - للبيهقي - 21:10.
3- في النّسخ الخطّيّة: «لم يحسبوه».
4- العزيز شرح الوجيز 226:12، روضة الطالبين 563:7.

لزيادة العدد، فعلي هذا لو شرطا إصابة عشرة من عشرين علي هذا الحكم فأصاب أحدهما تسعة قرعا و أصاب الآخر قارعين و أربعة خواسق فقد نضل مع قلّة إصابته؛ لأنّه قد استكمل مضاعفة بالخواسق الأربعة مع القارعين إصابة عشرة، و نقص الآخر منها(1) بإصابة واحدة صار بها منضولا.

و يجوز أن يتناضلا علي مروق السهم، و لا يجوز أن يتناضلا علي ازدلافه؛ لأنّ مروق السهم من فعل الرامي، و ازدلافه من تأثير الأرض، فعلي هذا ففي الاحتساب به مخطئا إذا لم يحتسب به مصيبا وجهان:

احتسابه مخطئا؛ لأنّه من سوء الرمي، و أن لا يكون مخطئا ما أصاب، فيسقط(2) الاعتداد به مصيبا و مخطئا.

و لا يجوز النضال علي أنّ أحدهما يرمي من عرض(3) و الآخر من أقرب منه، بل في عرض واحد و عدد واحد؛ لأنّ مقتضي العقد التساوي فيه، فإن وقع التفاضل فيه أفسده، و من التفاضل اختلاف الهدف في القرب و البعد.

مسألة 992: لا يجوز التناضل علي أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يرم به يحتسب له مع خواسقه،

و لا علي أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يرم به يطرح من خواسقه خاسقا؛ لأنّ من احتسب له بخاسق لم يصبه يصير مفضّلا به علي صاحبه، فإن نضل فلتفضيله لا لحسن صنيعه، و من أسقط له خاسق قد أصابه يصير منضولا، إن نضل بحطّ(4) إصابته، لا بسوء صنيعه، فيبطل

ص: 143


1- في النّسخ الخطّيّة: «منهما».
2- في النّسخ الخطّيّة: «و يسقط».
3- العرض: الجانب من كلّ شيء. لسان العرب 176:7 «عرض».
4- الظاهر: «فبحطّ».

العقد فيهما معا؛ لعدم التساوي بين المتناضلين.

و لو شرطا أن يرمي أحدهما بقوس عربيّة تصيب من مائة ذراع، و قوس الآخر فارسيّة تصيب من مائتي ذراع، فشرطا هذا التفاضل لاختلاف القوسين، فإن شرطا الخيار في كلّ واحد من القوسين، جاز؛ لأنّ هذا التفاضل لكلّ واحد منهما أن يساوي صاحبه فيه إذا عدل إلي قوسه.

و إن شرطا أنّ أحدهما يرمي بالعربيّة و لا يعدل عنها و يرمي الآخر بالفارسيّة و لا يعدل عنها، لم يجز؛ لأنه لا يقدر كلّ واحد منهما أن يساوي صاحبه فيه.

و من التفاضل المانع من العقد: أن يكون ارتفاع الشنّ في رمي أحدهما ذراعا و ارتفاعه في رمي الآخر باعا(1) ، و يبطل به العقد؛ لأنّ لارتفاع الشنّ و انخفاضه تأثيرا في الإصابة.

و كذا لا يجوز أن تكون إصابة أحدهما في الشنّ و إصابة الآخر في الدائرة التي في الشنّ.

مسألة 993: لو أراد أحد المتناضلين أن يجلس،

فإمّا أن يريد به تأخير الرمي عن وقته، أو يريد به فسخ العقد، فإن كان الأوّل، فإن كان لعذر أخّر، و لم يجبر علي التعجيل، سواء قيل بلزومه كالإجارة، أو بجوازه كالجعالة؛ لأنّه ليس بأوكد من فرض الجمعة التي يجوز التأخير عنها للعذر(2) ، سواء كان عذره في تأخير الرمي ما أثّر في نفسه من مرض أو شدّة حرّ أو مطر، أو أثّر في أهله من موت حلّ أو حادث نزل، أو أثّر في ماله من جائحة طرقت أو خوف طرأ.

ص: 144


1- الباع: مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما. لسان العرب 21:8 «بوع».
2- في الطبعة الحجريّة: «لعذر».

و إن لم يكن لعذر و التمس بالتأخير الدعة إلي وقت آخر، فإن قلنا:

إنّه لازم كالإجارة، جاز، و إلاّ فلا.

و للشافعي قولان(1).

و إن أراد بالجلوس فسخ العقد، فإن كان معذورا في الفسخ جاز، و أعذار الفسخ أضيق و أغلظ من أعذار التأخير، و هي ما اختصّت بنفسه من العيوب المانعة من صحّة(2) رميه، و هي إمّا أن لا يرجي زواله، كشلل يده أو ذهاب بصره، فالفسخ واقع بحدوث هذا المانع، و لا حاجة إلي فسخه بالقول، و إمّا أن يرجي زواله(3) ، كمرض يده أو مرض عينه أو جسده، و لا ينفسخ العقد بحدوث هذا المانع، بخلاف [الأوّل](4) لإمكان الرمي بإمكان زواله، و يكون الفسخ بالقول، و ذلك معتبر بحال صاحبه.

فإن طلب تعجيل الرمي، فله الفسخ؛ لتعذّر التعجيل عليه، و يكون استحقاق هذا الفسخ مشتركا بينه و بين صاحبه، و لكلّ منهما فسخ العقد به.

و إن أجاب صاحبه إلي الإنظار بالرمي إلي زوال المرض، فهل يكون عذره في الفسخ باقيا؟ علي وجهين:

أحدهما: يكون باقيا في استحقاق الفسخ لئلاّ تكون ذمّته مرتهنة بالعقد.5.

ص: 145


1- الحاوي الكبير 232:15.
2- في الحاوي الكبير 232:15: «تتمّة» بدل «صحّة».
3- كذا قوله: «و هي إمّا أن لا يرجي زواله... و إمّا أن يرجي زواله» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و المناسب للعبارة كما في الحاوي الكبير 232:15 هكذا: «و هي ضربان، أحدهما: ما لا يرجي زواله... و الضرب الثاني: ما يرجي زواله».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الإمكان». و الصحيح ما أثبتناه من الحاوي الكبير 232:15.

و الثاني: أنّ عذر الفسخ قد زال بالإنظار، و ليس للمنظر أن يرجع في هذا الإنظار و إن كان له أن يرجع بالإنظار في الديون؛ لأنّه عن عيب رضي به، و جري مجري الإنظار بالإعسار.

و إن لم يكن لطالب الفسخ عذر في الفسخ، فإن قيل بلزومه كالإجارة، لم يكن له الفسخ، و أخذ به جبرا، فإن امتنع منه حبس عليه كما يحبس بسائر الحقوق إذا امتنع منها، فإن طال به الحبس و هو علي امتناعه، عزّر حتي يجيب.

و إن قيل بجوازه كالجعالة، فله الفسخ قبل الرمي، و بعد الشروع فيه و قبل ظهور الغلبة.

فإن ظهرت الغلبة لأحدهما، فإن كانت لطالب الفسخ فله الفسخ.

و إن كانت لغيره، ففي استحقاق الفسخ قولان للشافعي:

أحدهما: لا يستحقّ؛ لتفويت الأغراض المقصودة بعد ظهورها.

و الثاني: له الفسخ؛ لأنّه قد يكون له الفضل فينضل، و قد يكون عليه الفضل فينضل(1).

مسألة 994: قد عرفت أنّ الهدف هو بناء ينصب فيه الغرض،

و الغرض محلّ الإصابة، و يشتمل علي شنّ و جريد و عري و معاليق، فالشنّ هو الجلد، و الجريد هو الخشب المحيط بالشنّ حتي ينبسط فيه كحلقة المنخل، و أمّا العري فهي كالحلق حول الشنّ، و أمّا المعاليق فهي أوتار تشدّ بها عري الشنّ إلي أوتاد في الهدف.

و في الشنّ دائرة هي أضيق منه، و في الدائرة هلال هو أضيق منها، و في الهلال خاتم هو أضيق منه، فأحذق الرّماة من يشترط إصابة

ص: 146


1- الحاوي الكبير 233:15.

الخاتم، فلا يحتسب له بإصابة الهلال و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الهلال، فلا يحتسب له بإصابة الدائرة و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الدائرة، فلا يحتسب له بإصابة الشنّ و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الشنّ، فلا يحتسب له بباقي الغرض و ما زاد، ثمّ يليه من يشترط إصابة الغرض، فيحتسب له بإصابة الشنّ و الشنبر(1) و العري.

و هل يحتسب له بإصابة المعاليق ؟ إشكال ينشأ: من مشابهتها للعري فيحتسب، و من مشابهتها للأوتاد فلا يحتسب.

و للشافعي قولان(2).

و اعلم أنّ للرّماة في محلّ الغرض من الهدف عادات مختلفة، فمنهم من يرفعه، و يسمّونه حوابي، و منهم من يخفضه، و يسمّونه ميلاني، و منهم من يتوسّط فيه، و يسمّونه بطحاني.

و أمّا الغرض في موقف الرامي فهو مقام الرامي في استقبال الهدف يرميه من مسافة مقدّرة تقلّ الإصابة ببعدها و تكثر بقربها، و يحتاج في القريبة إلي القوس اللّيّنة حتي لا يمرق السهم، و في البعيدة إلي القوس الشديدة حتي يصل السهم.

مسألة 995: ينبغي أن تكون مسافة الموقف مقدّرة بالشرط في العقد،

فإن أهملاه بطل إن اختلف عرف الرّماة فيه، و إلاّ حمل علي العرف؛ لأنّ العرف مع عدم الشرط يقوم في العقود مقام الشرط، و هو أحد وجهي

ص: 147


1- في العزيز شرح الوجيز 200:12: «و يقال للشنبر: الجريد».
2- الحاوي الكبير 234:15، المهذّب - للشيرازي - 428:1، التهذيب - للبغوي - 91:8، البيان 396:7، العزيز شرح الوجيز 210:12، روضة الطالبين 7: 552.

الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يحمل علي العرف، بل يبطل؛ لاختلاف الأغراض فيه، فإنّ القويّ في البعد أرغب، و الضعيف في القرب أرغب(1).

و إذا عيّناه لم يكن لأحدهما أن يزيد فيه أو ينقص.

و كذا ينبغي أن يسمّيا في العقد ارتفاع غرض الهدف و انخفاضه و توسّطه، فإن سمّياه في العقد حمل علي ما سمّيا، و لم يكن لأحدهما أن يرفعه إذا كان منخفضا، و لا أن يخفضه إذا كان مرتفعا؛ عملا بحكم الشرط.

و لو أهملا ذكره، لم يبطل العقد بإهماله؛ لأنّه من توابع مقصوده.

ثمّ يقال لهما: إن اتّفقتما عليه بعد العقد حملتما فيه علي اتّفاقكما، و لم يكن لواحد منكما بعد الاتّفاق أن يرفعه أو يخفضه، و إن اختلفتما فيه حملتما علي العرف، و يكون الاتّفاق هنا مقدّما علي العرف؛ لأنّ ارتفاع الغرض أمكن للطويل و الراكب، و انخفاضه أمكن للقصير و النازل.

و لو اختلف العرف و تعذّر الاتّفاق، روعي فيه أوسط الأغراض.

مسألة 996: حدّ المسافة بالتقريب المعتاد:

مائتا ذراع، و النادر بالتقريب: ثلاثمائة ذراع، فإن عقدا النضال علي أكثر المسافة المعتادة - و هي مائتا ذراع - صحّ إذا كان مثل المتراميين يصيب منها، و إن كان مثلهما لا يصيب منها لم يصح.

و إن عقدا علي أكثر المسافة النادرة - و هي ثلاثمائة ذراع - و كان مثلهما لا يصيب منها، لم يصح العقد، و إن كان مثلهما قد يصيب منها، فوجهان في الصحّة و البطلان: من حيث إمكان إصابتها، كالمسافة المعتادة، و من أنّ النادر غرر، و الغرر في العقود مردود بالنهي عنه(2).

ص: 148


1- الحاوي الكبير 235:15.
2- كما في الحاوي الكبير 238:15.

و لو شرطا مسافة معيّنة ثمّ شرعا في الرمي فطلب أحدهما الزيادة في المسافة، مثل أن يلتمس علي ما شرطاه - و هو مائتا ذراع مثلا - زيادة خمسين، فامتنع الآخر من إجابته، كان له ذلك إن قلنا(1) بلزوم العقد؛ لمقامه علي عقد لازم، و إن قلنا بجوازه، فالقول قول طالب الزيادة في الخروج من العقد بطلبها، لا في الإجابة إليها.

و إن اتّفقا علي الزيادة، فإن قلنا باللزوم، لم يصح إلاّ بفسخ العقد الأوّل و تجديد ثان، و إن قلنا بجوازه، صحّ، و كان ذلك قطعا لإتمامه بطلب تركه.

و الفرق بينهما علي قولي اللزوم و الجواز: إنّه مع اللزوم يحتاجان إلي فسخه و إلي استئناف عقد، و يستأنفان الرمي، و لا يبنيان علي الرمي المتقدّم، و علي الجواز بضدّ ذلك كلّه.

مسألة 997: إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض في انخفاضه...

إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض في انخفاضه و ارتفاعه أو صفة محلّ الإصابة في الشنّ أو الدائرة أو صفة الإصابة من قرع أو خسق و شرعا في الرمي علي هذا الشرط ثمّ عزما علي تغييره ليكون المنخفض من الغرض مرتفعا، أو تكون الإصابة في الشنّ مجعولة في الدائرة، أو تكون الإصابة قرعا فيصير خسقا، فإن التمس أحدهما ذلك و امتنع الآخر، قدّم قول الممتنع إن قلنا باللزوم، و إن قلنا بالجواز، قدّم قول الطالب في رفع العقد، لا فيما طلب.

و إن اجتمعا علي ذلك و قلنا بجواز العقد، صحّ من غير فسخ، و إن قلنا بلزومه، فأقسامه ثلاثة:

ص: 149


1- في النّسخ الخطّيّة: «قيل» بدل «قلنا».

أ: ما يصحّ، و لا يحتاجان إلي فسخ عقد و تجديد آخر، و هو نقل الهدف من خفض إلي رفع؛ لأنّ إغفال ذكره في العقد لا يبطله، فيرفعان الهدف بالعقد المتقدّم.

ب: ما لا يصحّ إلاّ بفسخ العقد، و هو نقل الإصابة من الشنّ إلي الدائرة؛ لأنّ إغفال ذكره في العقد يبطله، فصار من لوازمه.

ج: ما اختلف فيه - و هو نقل الإصابة من القرع إلي الخسق - هل يحتاجان فيه إلي فسخ العقد و استئناف غيره ؟ قولان: الصحّة بغير فسخ؛ إلحاقا بمحلّ الغرض، و عدمها إلاّ بعد الفسخ؛ إلحاقا بمحلّ الإصابة من الغرض.

مسألة 998: عقد النضال إمّا أن يعقد علي رشق واحد يمكن رمي جميعه في يوم واحد،

فيجب توالي رميه أجمع من غير تفريق، و أحوالهما فيه ثلاثة:

أ: أن يعقداه معجّلا، فيلزم رمي جميعه في يوم عقده، و لا يجوز لأحدهما تأخيره، إلاّ من عذر يمنع من الرمي، كمرض أو مطر أو ريح و شبهه، فإن أخّراه عن يومهما عن تراض، لم يبطل العقد علي القولين.

ب: أن يعقداه مؤجّلا في يوم معيّن، فيصحّ عندنا؛ لأنّ العمل فيه مضمون في الذمّة، و لأنّ عقده أوسع حكما ممّا عداه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: البطلان؛ لأنّه عقد علي عين شرط فيه تأخير القبض(1).

فعلي الأوّل يكون يوم الأجل هو المستحقّ فيه الرمي لا يقدّم قبله و لا يؤخّر بعده، فإن أراد أحدهما تقديمه أو تأخيره من غير فسخ، جاز

ص: 150


1- الحاوي الكبير 239:15.

علي القولين معا.

و لو بدر أحدهما فرمي قبل حلول الأجل، لم يحتسب له بصوابه و لا عليه بخطئه؛ لأنّه رمي لم يتضمّنه العقد.

ج: أن يعقداه مطلقا لا يشترط فيه حلول و لا تأجيل، فيقتضي إطلاقه الحلول؛ لأنّ الأجل في العقد لا يثبت إلاّ بشرطه.

و إن عقداه علي أرشاق كثيرة لا يمكن رمي جميعها في يوم واحد، كمائة رشق، فأقسامه ثلاثة:

أ: أن يشترطا فيه ما يمكن، و هو أن يجعلا في كلّ يوم رمي أرشاق معلومة يتّسع اليوم لرميها فيه من غير إرهاق، فهذا جائز، و يختصّ كلّ يوم برمي ما شرط فيه، و ليس هذا بتأجيل يخرّج علي وجهي الشافعيّة، و إنّما هو تقدير الرمي في زمانه، فصحّ عندهم وجها واحدا(1).

ب: أن يشترطا ما يمتنع بأن يضيق الزمان عنه، فيبطل العقد.

ج: أن يكون العقد مطلقا لا يشترطان فيه تقدير الرمي، فيلزم فيه أن يرميا في كلّ يوم ما يتّسع له بحسب طول النهار و قصره، و لا يلزم الرمي في الليل؛ لخروجه عن معهود العمل إلي الاستراحة، و لا يلزم الإرهاق في رمي النهار، و يكون ابتداؤه بعد طلوع الشمس، و انتهاؤه قبل غروبها، و يمسكان عنه للراحة بعد التعب و الأكل و الشرب و الطهارة و الصلاة.

و عادة الرّماة تختلف في مواصلة الترامي؛ لأنّ فيهم من تكثر إصابته إذا واصل؛ لقوّة يديه و شدّة ساعده، و منهم من تقلّ إصابته إذا واصل؛ لضعف يديه و لين ساعده، فإذا عدل بهما عن المواصلة و الفتور إلي حال5.

ص: 151


1- الحاوي الكبير 239:15.

معتدلة، اعتدل رميهما و تكافئا.

فإن عرض مانع من الرمي، كمطر و ريح و شبههما، أخّر إلي زواله.

فإن انكسر قوس أحدهما أو لان أو انقطع وتره أو اعوجّ سهمه، كان له الإبدال؛ لأنّ الآلة لا تتعيّن، و يجوز إبدالها مع صحّتها، فمع تغيّرها أولي، لكن يجوز تأخير الرمي لإبدالها إذا اعتلّت، و لا يجوز تأخيره لإبدالها إذا لم تتغيّر.

مسألة 999: قد بيّنّا جواز رمي الأحزاب،

فإذا كان كلّ واحد من الحزبين ثلاثة و استقرّت البدأة بالرمي لأحد الحزبين إمّا بشرط أو قرعة، فأحوالهما ثلاثة:

أ: أن يشترطا فيه إذا رمي واحد من هذا الحزب رمي واحد من الحزب الآخر، ثمّ إذا رمي الثاني يرمي ثان من الحزب الآخر، و إذا رمي الثالث من هذا الحزب يرمي الثالث من الآخر، و هو جائز، بل هو الأولي؛ لأنّه أقرب إلي التكافؤ.

ب: أن يشترطا أن يتقدّم رماة الحزب الأوّل فيرموا جميعا، ثمّ يتلوهم رماة الحزب الثاني فيرموا جميعا، و هذا جائز أيضا؛ عملا بالشرط و إن تفاضلا فيه لأجل الشرط.

ج: أن يطلقوا العقد من غير شرط، فالواجب إذا رمي واحد من الحزب الأوّل رمي بعده [واحد من الحزب الآخر، و إذا رمي ثان من الحزب الأوّل رمي بعده](1) ثان من الحزب الآخر ليتقابل رماة الحزبين، و لا يتقدّم الجميع علي الجميع؛ لأنّ مطلق العقد يوجب التساوي و إن استقرّ فيه

ص: 152


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من الحاوي الكبير 249:15.

التقدّم؛ لأنّه للضرورة.

و إذا أغفل ذكر التقدّم، أقرع.

و إذا أغفل ذكر الترتيب في واحد بعد واحد لم يقرع، بل يناط ذلك باختيار الزعيم، فإن أطاعه أصحابه فذاك، و إلاّ قدّم قول الزعيم إن كان هو المخرج، و قول أصحابه إن كانوا هم المخرجين للمال، فإن اتّفقوا حملوا عليه، و إلاّ أقرع بينهم.

تمّ الجزء الثاني عشر(1) من كتاب «تذكرة الفقهاء» بحمد اللّه و منّه علي يد مصنّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي حسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي - أعانه اللّه تعالي علي طاعته - بالحلّة في خامس شوّال من سنة خمس عشرة و سبعمائة، و يتلوه في الجزء الثالث عشر(2) - بتوفيق اللّه تعالي - المقصد العاشر في الغصب، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمّد النبي و آله الطاهرين.ه.

ص: 153


1- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
2- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.

ص: 154

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي

المقصد العاشر: في الغصب

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة

اشارة

الغصب أخذ مال الغير علي جهة التعدّي.

و قيل: الاستقلال بإثبات اليد علي مال الغير عدوانا(1).

و قيل: الاستيلاء علي مال الغير(2).

و هو أعمّ من الأوّلين.

و قيل: الاستيلاء علي مال الغير بغير حقّ، و لا حاجة إلي التقييد بالعدوان، بل يثبت الغصب و حكمه من غير عدوان، كما لو أودع ثوبا عند إنسان ثمّ جاء و أخذ ثوبا للمستودع علي ظنّ أنّه ثوبه أو لبسه المستودع علي ظنّ أنّه ثوبه(3).

و هذا أعمّ من الأوائل.

ص: 155


1- قاله المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 235:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 396:5، و روضة الطالبين 92:4.
3- قاله الجويني في نهاية المطلب 169:7-170، و عنه في العزيز شرح الوجيز 396:5، و روضة الطالبين 92:4-93.

و قال بعض الشافعيّة: كلّ مضمون علي ممسكه فهو مغصوب، حتي أنّ المقبوض بالشراء الفاسد و الوديعة إذا تعدّي فيها المستودع و الرهن إذا تعدّي فيه المرتهن مغصوب(1).

و ليس بمشهور، بل المشهور ما تقدّم أوّلا.

مسألة 1000: الغصب حرام بالعقل و النقل.

أمّا العقل: فلأنّ الضرورة قاضية بقبح الظلم و العدوان، و الغصب نوع منه.

هذا عند المعتزلة، و الأشاعرة لم يثبتوا حكما عقليّا في الشرع، و لا أثبتوا الحسن و القبح العقليّين، بل كلّ واقع من اللّه تعالي فهو حسن، فلزمهم كون الكفر و الظلم و جميع الفواحش حسنة؛ لأنّه لا فاعل عندهم إلاّ اللّه تعالي.

و أمّا النقل: فالقرآن و السّنّة المتواترة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (2) ، و قال تعالي: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (3) و قال تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَي الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) و قال تعالي: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (5) و السرقة نوع من الغصب.

و أمّا السّنّة: فما رواه العامّة عن جابر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال في

ص: 156


1- العزيز شرح الوجيز 396:5-397، روضة الطالبين 93:4.
2- سورة النساء: 29.
3- سورة البقرة: 190.
4- سورة البقرة: 188.
5- سورة المائدة: 38.

خطبته يوم النحر: «دماؤكم و أموالكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا»(1).

و عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوّقه اللّه تعالي من سبع أرضين»(2).

و عن عمرو بن زيد عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس منه»(3).

و عن أبي بكرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال في خطبته يوم النحر: «إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أربعة لا تجوز في أربعة:

الخيانة و الغلول و السرقة و الربا لا تجوز في حجّ و لا عمرة و لا جهاد و لا صدقة»(5).

و قال عليه السّلام: «إذا اكتسب الرجل مالا من غير حلّه ثمّ حجّ فلبّي نودي:

لا لبّيك و لا سعديك، و إن كان من حلّه فلبّي نودي: لبّيك و سعديك»(6).6.

ص: 157


1- صحيح مسلم 886:2-1218/889، سنن ابن ماجة 1024:2-3074/1025، سنن أبي داود 182:2-1905/185، السنن الكبري - للبيهقي - 7:5-8، المغني 375:5، الشرح الكبير 374:5.
2- صحيح مسلم 140/1231:3، مسند أحمد 1636/307:1، المغني 375:5، الشرح الكبير 374:5.
3- السنن الكبري - للبيهقي - 100:6، مسند أبي يعلي 1570/140:3، المغني 375:5، الشرح الكبير: 374/5-375.
4- مسند أحمد 15:6-19873/16، العزيز شرح الوجيز 397:5.
5- الكافي 2/124:5، الفقيه 377/98:3، التهذيب 1063/368:6.
6- الكافي 3/124:5، التهذيب 1064/368:6.

و كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلي أبي محمّد العسكري عليه السّلام: رجل اشتري ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو من سرقة هل يحلّ له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة، أو يحلّ له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من سرقة أو قطع الطريق ؟ فوقّع عليه السّلام: «لا خير في شيء أصله حرام، و لا يحلّ استعماله»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من اشتري سرقة و هو يعلم فقد شرك في عارها و إثمها»(2).

و عن عبد العزيز بن محمّد قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من أخذ أرضا بغير حقّها أو بني فيها - قال -: يرفع بناؤه و تسلّم التربة إلي صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ» ثمّ قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: من أخذ أرضا بغير حقّها كلّف أن يحمل ترابها إلي المحشر»(3).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي.

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين أحد من المسلمين في تحريم الغصب و تعلّق الضمان به.7.

ص: 158


1- الكافي 8/125:5، التهذيب 1067/369:6، الاستبصار 224/67:3.
2- الكافي 6/229:5، التهذيب 1090/374:6.
3- التهذيب 206:7-909/207.

الفصل الثاني: في الضمان و أسبابه

اشارة

و هي ثلاثة تشتمل عليها مباحث:

البحث الأوّل: في إثبات الضمان بالمباشرة.
مسألة 1001: الغصب و إن كان موجبا للضمان لكنّه غير منحصر فيه،

بل قد يجب الضمان بغير الغصب، فإنّ الإتلاف سبب موجب للضمان، بل هو أقوي من الغصب، فإنّه بمجرّده يوجب اشتغال الذمّة بالضمان، و الغصب بمجرّده لا يوجبه، و إنّما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتي إذا تلف اشتغلت الذمّة بالضمان(1) ، و الإتلاف قد يكون بالمباشرة، و قد يكون بالتسبيب، فانحصرت الأسباب في ثلاثة: التفويت بالمباشرة، و التفويت بالتسبيب، و إثبات اليد العادية، و هو الغصب.

و هنا أسباب أخر غير مقصودة بالذات في هذا الباب، كالاستيام و الاستعارة لبعض الأشياء عندنا و مطلقا عند العامّة، و غيرهما.

مسألة 1002: كلّ ما له مدخل في هلاك الشيء و إتلافه إمّا أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقيّة،

أو لا يكون كذلك، و ما لا يكون كذلك فإمّا أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك، أو لا يكون كذلك، فالذي يضاف إليه الهلاك يسمّي علّة و الإتيان به مباشرة، و ما لا يضاف إليه الهلاك و يقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمّي سببا و الإتيان به تسبيبا.

ص: 159


1- في الطبعة الحجريّة: «بضمانه».

و هذا القصد و التوقّع قد يكون لتأثيره بمجرّده فيه، و هو علّة العلّة، و قد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول، و قد [يخصّ](1) اسم السبب بالنوع الأوّل، و قد يفسّر السبب بمطلق ما يقصد به حصول العلّة، و قد يفسّر بأعمّ، فيقال: السبب ما يحصل الهلاك عنده بعلّة سواه و لكن لولاه لما أثّرت العلّة، فلا يعتبر فيه إلاّ أنّه لا بدّ منه، و حينئذ يكون كلّ شرط سببا، فالحفر مع التردّي يسمّي سببا تارة و شرطا أخري.

مسألة 1003: المباشر للإتلاف ضامن بلا خلاف،

سواء كان المتلف عينا، كقتل الحيوان المملوك و تخريق الثياب و أكل الطعام و الإحراق للمتاع، أو منفعة، كسكني الدار و ركوب الدابّة، سواء كان هناك غصب أو لم يكن.

و بالجملة، كلّ متلف عينا بالمباشرة فإنّه ضامن لها، يجب عليه ردّ مثلها إن كانت من ذوات الأمثال، و إن كانت من ذوات القيم وجب عليه القيمة؛ لقوله تعالي: فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (2).

و كلّ من تثبت يده علي مال الغير و لا حقّ له في إمساكه و كان المال باقيا وجب عليه ردّه علي مالكه بلا خلاف؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه»(3) و لأنّ حقّ المالك متعلّق بماليّته، و ماليّته لا تتحقّق

ص: 160


1- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «يتحقّق»، و في «ص، ع»: «تحقّق». و الظاهر ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 398:5.
2- سورة البقرة: 194.
3- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن الدارمي 264:2، السنن الكبري - للنسائي - 5783/411:3-3، السنن الكبري - للبيهقي - 90:6، المستدرك - للحاكم - 47:2، مسند أحمد 19582/632:5، و 19643/641، المصنّف - لابن أبي شيبة - 604/146:6، المنتقي - لابن الجارود -: 1024/376.

إلاّ بردّه إليه.

و إن تلفت وجب ردّ ما يقوم مقامها؛ لأنّه لمّا تعذّر ردّ العين وجب ردّ ما يقوم مقامها في الماليّة، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «لا يأخذنّ أحدكم مال أخيه جادّا و لا لاعبا، من أخذ عصا أخيه فليردّها»(1).

البحث الثاني: التسبيب.
مسألة 1004: من أتلف مال غيره علي جهة التسبيب وجب عليه ضمانه،

و ذلك كمن حفر بئرا في محلّ عدوان فتردّي فيها إنسان أو حيوان، فإنّ ضمان التالف علي الحافر، و كذا لو طرح المعاثر في المسالك، كمن وضع حجرا في طريق المسلمين فتعثّر به إنسان فوقع فمات، أو حيوان، ضمنه طارحه، و لو أكره غيره علي إتلاف مال إنسان، كانت الحوالة بالضمان علي المكره؛ لأنّ الإكراه ممّا يقصد لتحصيل الإتلاف، و لا خلاف في ذلك كلّه.

مسألة 1005: لو اجتمع المباشر و السبب،

فالحوالة في الضمان علي المباشر، إلاّ مع ضعف المباشرة، فالحوالة حينئذ علي السبب، فمن حفر بئرا في محلّ عدوان فرمي إنسان غيره فيها فالضمان علي الرامي؛ لأنّه المباشر للرمي المتلف، و لا ضمان هنا علي الحافر، و أمّا مع ضعف المباشرة فكما إذا أكره إنسان غيره علي إتلاف مال ثالث، فإنّ الضمان هنا علي المكره علي ما تقدّم، لا علي المباشر؛ لضعف المباشرة بالإكراه، فكان السبب أقوي.

ص: 161


1- سنن أبي داود 5003/301:4، السنن الكبري - للبيهقي - 100:6، مسند أحمد 17481/258:5 و 17482.

و لو تعدّد السبب، فالضمان علي المتقدّم منهما إن ترتّبا، كما لو حفر شخص بئرا في محلّ عدوان و وضع آخر حجرا فيه فتعثّر إنسان بالحجر فوقع في البئر، فالضمان علي واضع الحجر؛ لأنّه السبب المؤدّي إلي سبب الإتلاف، فكان أولي بالضمان؛ لأنّ المسبّب يجب مع حصول سببه، فوضع الحجر يوجب التردّي، أمّا لو انتفي الترتّب فالضمان عليهما، كما لو حفر و وضع الحجر معا، فإنّ الضمان عليهما.

مسألة 1006: السبب قد يكون حقيقة،

و هو ما ذكرناه، و قد يطلق بالمجاز علي غير ما ذكرناه، و لا يتعلّق به الضمان، كما يقال: تلف مال فلان بسبب سعاية فلان فيه إلي ظالم، و هذا لا يوجب الضمان عندنا، بل الضمان يتعلّق بمن أخذ المال و هو الظالم، و لا شيء علي الساعي من المال، بل عليه الإثم خاصّة، و الضمان يتعلّق بالقابض، و كذا الآمر بالقتل يتعلّق الضمان بالقاتل، لكن يحبس الآمر به دائما حتي يموت.

مسألة 1007: من الأسباب الموجبة للضمان ما لو فتح رأس زقّ مشدود،

أو فتح رأس قربة أو راوية فاندفق ما فيه، فإن كان مائعا فإن كان مطروحا علي الأرض فاندفق ما فيه بالفتح ضمن؛ لتحقّق السببيّة فيه، و الذي فيه لا اختيار له، فكان الدفق مستندا إلي الحلّ لا غير.

و إن كان الزقّ منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقي كذلك لكنّه سقط، فإن كان السقوط بفعله كما إذا كان يحرّك الوكاء و يجذبه حتي أفضي إلي السقوط، ضمن أيضا؛ لأنّه فتح رأسه و أسقطه.

و كذا يضمن لو سقط ما يقصد تحصيله بفعله، كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتي ابتلّ أسفله فسقط؛ لأنّ السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من التقاطر الناشئ من الفتح، و هو ممّا

ص: 162

يقصد تحصيله بالفتح.

و كذا لو ثقّل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا قليلا حتي سقط و خرج ما فيه، فإنّه يضمنه؛ لأنّ ذلك لسراية فعله، كما لو جرح حيوانا فسرت الجراحة إلي نفسه ضمنها، أمّا لو لم يمل بالحلّ و بقي بحاله ثمّ سقط بعد ذلك بتحريك إنسان له، فإنّ الضمان علي الإنسان المحرّك له؛ لأنّه كالمباشر، و الأوّل كالسبب، فلا ضمان علي الأوّل؛ لأنّ السقوط حصل بفعل غيره، و إنّما كان من جهة سبب غير ملجئ، فلم يتعلّق به الضمان.

و لو سقط بأمر عارض من زلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر أو سقوط حجر، ففي الضمان إشكال ينشأ: من أنّ فعله سبب تلفه، و لم يتخلّل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه، فوجب عليه الضمان، كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلا قليلا، و كما لو جرح إنسانا فأصابه الحرّ أو البرد فسرت الجراحة، فإنّه يضمن، كذا هنا، و من أنّ الهلاك لم يحصل بفعله، و لا فعله ممّا يقصد به تحصيل ذلك العارض، و فعله غير ملجئ، و المعني الحادث مباشرة، فلم يتعلّق الضمان بفعله، كما لو دفعه إنسان، و نحن فيه من المتردّدين.

و مالك ذهب إلي الضمان؛ لأنّه لو لا الفتح لما ضاع ما فيه بالسقوط(1).

و قال أصحاب الشافعي: لا ضمان؛ لأنّ الضياع بالريح، و لا يقصد بفتح الزقّ تحصيل الهبوب، فهو كما لو فتح الحرز فسرق غيره أو دلّ سارقا فسرق2. -

ص: 163


1- الذخيرة 260:8، العزيز شرح الوجيز 401:5.

و لو أنّه لمّا فتح رأسه أخذ ما فيه في الخروج ثمّ جاء آخر و نكسه مستعجلا، فضمان الخارج بعد النكس(1) علي الثاني خاصّة، كما لو جرحه إنسان و قتله آخر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الخارج بعد النكس(2) عليهما كالجارحين(3) ، و ليس بشيء.

هذا إذا كان ما في الزقّ مائعا، و أمّا إذا كان جامدا مشدودا فشرقت الشمس عليه فأذابته و ضاع أو ذاب بمرور الزمان و تأثير حرارة الهواء، فالوجه: الضمان؛ لأنّ الشمس تذيب و لا تخرج، فيكون الخروج بفعله، و لأنّ الشمس ممّا يعلم شروقها، فيكون الفاتح له معرّضا ما فيه للشمس، و ذلك تضييع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا ضمان؛ لأنّ الضياع إنّما حصل بعارض الشروق، فأشبه هبوب الرياح(4).

و الفرق: أنّ طلوع الشمس منتظر، و هبوب الرياح غير منتظر.

و يجري الوجهان فيما إذا أزال أوراق الكرم و جرد(5) عناقيدها للشمس حتي أفسدتها، و فيما إذا ذبح شاة إنسان فهلك ولدها أو حمامة».

ص: 164


1- في «ص، ع»: «التنكيس».
2- في «ص، ع»: «التنكيس».
3- الحاوي الكبير 211:7، المهذّب - للشيرازي - 382:1، بحر المذهب 82:9 - 83، البيان 74:7-75، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 94:4-95.
4- الحاوي الكبير 211:7، المهذّب - للشيرازي - 382:1، نهاية المطلب 7: 284، بحر المذهب 82:9، الوجيز 206:1، التهذيب - للبغوي - 332:4، البيان 74:7، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.
5- جرد الشيء: قشره و عرّاه. لسان العرب 115:3 و ما بعدها «جرد».

فمات فرخها؛ لفقدان ما يصلح لهما(1)(2).

و لو جاء آخر و قرّب النار من الجامد حتي ذاب و ضاع، فالأقرب:

وجوب الضمان علي الثاني؛ لأنّ سببه أخصّ؛ لكون التلف يعقبه، فأشبه المنفّر مع فاتح القفص، و لأنّ تقريب النار منه تصرّف فيه بالتضييع و الإتلاف.

و قال بعض الشافعيّة: لا ضمان علي واحد منهما، كسارقين نقب أحدهما و أخرج الآخر، و لأنّ الأوّل لا ضمان عليه؛ لأنّه لم يصدر عنه سوي الفتح، و هو بمجرّده لا يوجب الضمان، و أمّا الثاني: فلأنّه لم يتصرّف في الظرف و لا المظروف(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مقرّب النار ألجأه إلي الخروج فضمنه، كما لو كان واقفا فدفعه، و المسألة حجّة عليه، فإنّ الضمان علي مخرج المتاع من الحرز، و القطع حدّ لا يجب إلاّ بهتك الحرز و أخذ المال جميعا، ثمّ إنّ الحدّ يدرأ بالشبهات، بخلاف الضمان، و قد قلنا: إنّ تقريب النار تصرّف في الظرف و المظروف معا بالتضييع و الإتلاف.

و الوجهان جاريان في تقريب الفاتح النار من الظرف، و فيما إذا كان رأس الزقّ مفتوحا و جاء إنسان و قرّب منه النار(4).

و لو أذابه أحدهما أوّلا ثمّ فتح الثاني رأسه فاندفق، فالضمان علي الثاني؛ لأنّ التلف تعقّبه.4.

ص: 165


1- فيما عدا «ع» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حالهما» بدل «لهما».
2- نهاية المطلب 284:7، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.
3- الحاوي الكبير 211:7، المهذّب - للشيرازي - 382:1، بحر المذهب 9: 83، الوجيز 206:1، حلية العلماء 251:5، البيان 74:7، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4، المغني 452:5.
4- العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.

و لو فتح زقّا مستعلي الرأس فخرج بعض ما فيه و استمرّ خروجه قليلا قليلا فجاء آخر فنكسه فاندفق، فضمان ما خرج بعد التنكيس علي المنكّس، و ما قبله علي الفاتح؛ لأنّ فعل الثاني أخصّ، كالجارح و الذابح.

تذنيب: لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحلّ، ضمن؛ لأنّه سبب في الإتلاف، سواء كان تعقّب فعله أو تراخي، و الخلاف فيهما كالطائر في القفص، و سيأتي(1).

و لو تلفت بسبب حادث من هبوب ريح أو غيره، فالأقرب: الضمان أيضا؛ لأنّها لو كانت مربوطة لم تغرق، فالحلّ سبب في تغريق الهواء إيّاها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يضمن(2).

و إن لم يظهر سبب حادث، فللشافعيّة وجهان(3).

و كذا الوجهان في الزقّ إذا لم يظهر حادث لسقوطه(4).

مسألة 1008: لو فتح قفصا عن طائر فطار أو حلّ دابّة فذهبت،

فإن كان قد هيّج الطائر و الدابّة حتي طار و هرب ضمنه قولا واحدا؛ لأنّه ألجأه إلي الخروج و أتلفه علي مالكه.

و إن لم يهيّجهما و لم يصدر منه سوي الفتح، فإمّا أن يطير في الحال من غير توقّف أو يقف، فإن طار في الحال أو هربت عقيب الحلّ بلا فصل ضمن أيضا عندنا - و به قال أحمد و مالك(5) - لأنّه ذهب بسبب فعله، فلزمه

ص: 166


1- عن قريب.
2- الحاوي الكبير 212:7، المهذّب - للشيرازي - 382:1، بحر المذهب 9: 83، البيان 75:7، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.
3- الحاوي الكبير 212:7، المهذّب - للشيرازي - 382:1، بحر المذهب 9: 83، البيان 75:7، العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.
4- العزيز شرح الوجيز 401:5، روضة الطالبين 95:4.
5- المغني 449:5، الشرح الكبير 444:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف -

الضمان، كما لو نفّره أو ذهب عقيب فتحه و حلّه و تهييجه، و لأنّ الطائر ينفر ممّن قرب منه، فإذا طار عقيب الفتح أشعر ذلك بأنّه نفّره.

و للشافعيّة طريقان:

أظهرهما: أنّ في وجوب الضمان قولين، أحدهما: أنّه لا يلزمه الضمان - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّ للحيوان قصدا و اختيارا، ألا تري أنّه يقصد ما ينفعه، و ينفر عمّا يضرّه، و يتوقّي المهالك، و أكثر ما يصدر من الفاتح التسبيب إلي تضييعه، فتقدّم مباشرة الطائر و اختياره، و لأنّ الفاتح سبب غير ملجئ، فهو كما لو وقف ثمّ ذهب.

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ خروجه عقيب فتحه يدلّ علي أنّه ألجأه إلي الخروج، فأشبه ما إذا هيّجه.

و الطريق الثاني: القطع بالضمان(2).

و من الشافعيّة من فرّق بين أن يخرج الطائر من غير اضطراب و بين أن يضطرب ثمّ يخرج، فيدلّ ذلك علي فزعه و تنفّره(3).

و أمّا إن وقف الطائر و لم يطر في الحال ثمّ طار أو وقفت الدابّة عقيب الحلّ و لم تهرب ثمّ هربت من غير أن يهيّجهما، ضمن أيضا - و به قال5.

ص: 167


1- بدائع الصنائع 166:7، بحر المذهب 80:9، الوسيط 385:3، حلية العلماء 249:5-250، التهذيب - للبغوي - 331:4، البيان 72:7-73، العزيز شرح الوجيز 402:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1084/630:2، المغني 5: 449، الشرح الكبير 444:5.
2- العزيز شرح الوجيز 402:5.
3- العزيز شرح الوجيز 402:5.

مالك و أحمد(1) - لأنّه ذهب بسبب فعله، فلزمه الضمان، كما لو نفّره أو ذهب به عقيب فتحه و حلّه؛ لأنّ فتح القفص سبب في إتلافه فضمنه، كما لو حفر بئرا فوقع فيها إنسان.

و للشافعيّة طريقان أيضا.

أحدهما: أنّه علي قولين.

و أظهرهما: القطع بنفي الضمان - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ الطيران بعد الوقوف أمارة ظاهرة علي أنّه طار باختياره، و المباشر مقدّم علي السبب، و خصوصا و للطائر و الدابّة قصد و اختيار، و السبب هنا غير ملجئ، و إذا اجتمع السبب و المباشر لم يتعلّق الضمان بالسبب، بل بالمباشر، كما لو حفر بئرا فجاء عبد إنسان فرمي نفسه فيها، فإنّه لا ضمان علي الحافر، و يفارق ما إذا وقع فيها إنسان، فإنّ السبب انفرد عن المباشرة(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المباشرة حصلت ممّن لا يمكن إحالة الحكم عليه فسقط، كما لو نفّر الطائر و أهاج الدابّة، أو أشلي كلبا(4) علي صبيّ فقتله،».

ص: 168


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1084/630:2، المعونة 1221:2، الذخيرة 260:8، المغني 449:5، الشرح الكبير 444:5، الحاوي الكبير 7: 208، نهاية المطلب 282:7، بحر المذهب 80:9، الوسيط 385:3، حلية العلماء 250:5، التهذيب - للبغوي - 331:4، البيان 72:7، العزيز شرح الوجيز 402:5.
2- الحاوي الكبير 208:7، نهاية المطلب 282:7، بحر المذهب 79:9-80، الوسيط 385:3، حلية العلماء 250:5، التهذيب - للبغوي - 331:4، البيان 72:7، العزيز شرح الوجيز 402:5.
3- نفس المصادر مضافا إلي: المغني 449:5، و الشرح الكبير 444:5.
4- أشلي كلبا: دعاه باسمه. العين 285:6، المحكم و المحيط الأعظم 104:8 «شلي».

أو أطلق نارا في متاع إنسان، فإنّ للنار فعلا، لكن لمّا لم يمكن إحالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه؛ لأنّ الطائر و سائر الصيود من طبعه النفور، و إنّما يبقي بالمانع، فإذا أزيل المانع ذهب بطبعه، فكان ضمانه علي من أزال المانع، كمن قطع علاّقة قنديل فوقع فانكسر، و هكذا لو حلّ قيد عبد مجنون فذهب أو أسير فأفلت.

و قد ظهر أنّ أقوال الشافعي هنا ثلاثة:

أحدها: أنّه يضمن مطلقا، و به قال أصحابنا و مالك و أحمد(1).

و ثانيها: أنّه لا يضمن مطلقا.

و أظهرها: أنّه يضمن في الحال، و لا يضمن إن وقف ثمّ طار(2) ، و يروي عن أبي حنيفة مثله و مثل القول الثاني، و هو الأشهر عنه(3).

فروع:

أ: لو و ثبت هرّة حال فتح القفص و دخلته و قتلت الطائر، لزمه الضمان؛ لأنّ الفتح يشتمل علي إغراء الهرّة، كما في تنفير الطائر.

ب: لو كان القفص ضيّقا فاضطرب بخروج الطائر و سقط فانكسر، وجب ضمانه علي الفاتح.

ج: لو كسر الطائر في خروجه قارورة إنسان، لزمه الضمان؛ لأنّ فعل الطائر منسوب إليه.

د: لو كان شعير في جراب مشدود الرأس و بجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال، لزمه الضمان.5.

ص: 169


1- راجع: الهامش (1) من ص 168.
2- نهاية المطلب 282:7، العزيز شرح الوجيز 402:5، روضة الطالبين 95:4.
3- العزيز شرح الوجيز 402:5.

ه: لو حلّ رباط بهيمة أو فتح باب الاصطبل فخرجت فضاعت، فعليه الضمان.

و فرّق بعض الشافعيّة بين الحيوان النافر بطبعه و الآنس، و يجعل خروج الآنس علي الاتّصال كخروج النافر علي الانفصال(1).

و: لو فتح مراح غنمه(2) فخرجت فرعت زرع إنسان، ضمنه.

و قال بعض الشافعيّة(3): لا يضمن؛ لأنّه [غير](4) ملجئ(5).

و لو كان الفاتح المالك، فإن كان نهارا فلا ضمان عليه، و إن كان ليلا فعليه الضمان؛ لأنّ عليه حفظها ليلا، فإذا ترك حفظها ضمن، كالوديعة.

و سوّي بعض الشافعيّة في الضمان مع الفتح ليلا و عدمه مع الفتح نهارا بين المالك و غيره(6).

و منع الباقون من الضمان؛ لأنّه ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن الزرع(7).

ز: لو حلّ قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فهرب، ضمن، كما لو حلّ رباط البهيمة.

و إن كان عاقلا، فإن لم يكن آبقا فلا ضمان؛ لأنّ له اختيارا صحيحا، و ذهابه مستند إليه، محال عليه.4.

ص: 170


1- نهاية المطلب 283:7، العزيز شرح الوجيز 403:5.
2- في «ص»: «غنم».
3- في النّسخ الخطّيّة: «و قال الشافعيّة».
4- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «ليس»، و هي لم ترد في «ص، ع»، و الصحيح ما أثبتناه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.
6- العزيز شرح الوجيز 403:5، روضة الطالبين 96:4.
7- العزيز شرح الوجيز 403:5، روضة الطالبين 96:4.

و إن كان آبقا، ففي الضمان إشكال من حيث استناد فعله إليه فكان مباشرا، و مباشرته معتبرة؛ لأنّه عاقل، بخلاف المجنون، و إباقه لا ينفي صدور فعله عنه، فلا يضمن من حلّ قيده، و هو أحد قولي الشافعيّة(1) ، و من حيث إنّ المالك قد اعتمد ضبطه، فإطلاقه إتلاف عليه، و هو أحد قولي الشافعيّة(2).

ح: لو وقع طائر علي جداره فنفّره، لم يضمن؛ لأنّه كان ممتنعا من قبل، فتنفيره لم يكن سبب فدائه.

و لو رماه في الهواء فقتله، ضمن، سواء كان في هواء داره أو في غيره؛ إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه و قد كان يمكنه تنفيره بغير قتله.

ط: لو فتح القفص و حلّ قيد الفرس أو العبد المجنون فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفّرهما فذهبا، فالضمان علي منفّرهما، لأنّ سببه أخصّ، فاختصّ الضمان به، كالدافع و الحافر.

ي: لو فتح باب الحرز فسرق المتاع آخر أو دلّ سارقا [فسرق](3) أو أمر غاصبا حتي غصب أو بني دارا فألقت الريح فيها ثوبا فضاع، فلا ضمان عليه؛ لأنّه لم يوجد منه إثبات يد علي المال، و لا مباشرة إتلاف، و لا سبب يمكن تعليق الضمان به.

أمّا في الصورة الأخيرة فلا سبب أصلا؛ لأنّه لا يقصد ببناء الدار ذلك.

و أمّا فيما سواها فلأنّه طرأ عليه مباشرة المختار، فانقطعت الإضافة إلي السبب.ق.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 403:5، روضة الطالبين 96:4.
2- العزيز شرح الوجيز 403:5، روضة الطالبين 96:4.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
مسألة 1009: لو ألقت الريح إلي داره ثوب غيره،

لزمه حفظه؛ لأنّه أمانة حصلت تحت يده، فلزمه حفظه، كاللقطة، فإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة تثبت فيه أحكامها، و إن عرف صاحبه لزمه إعلامه، فإن لم يفعل ضمن؛ لأنّه أمسك مال غيره بغير إذنه من غير تعريف، فصار كالغاصب.

و هل تثبت يده عليه تبعا لإثبات يده علي الدار؟ الأقرب ذلك.

و لو سقط الطائر في داره لم يلزمه حفظه، و لو عرف مالكه لم يلزمه إعلامه به؛ لأنّه محفوظ بنفسه.

و لو دخل برجه فأغلق عليه بابه ناويا إمساكه لنفسه، ضمنه؛ لأنّه أمسك مال غيره لنفسه، فهو كالغاصب، و إلاّ فلا ضمان عليه؛ لأنّ له التصرّف في برجه كيف شاء بالفتح و الغلق، فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمنا بسبب تصرّفه في ملكه الذي لم يتعدّ فيه.

مسألة 1010: لو حبس المالك عن ماشيته و منعه من حفظها فتلفت،

ففي الضمان إشكال ينشأ من أنّ مثل هذه سبب في التلف، و من أنّه لم يتصرّف في المال، و إنّما تصرّف في المالك.

و قال بعض الشافعيّة: لا ضمان(1).

و قال آخرون منهم بنفي الضمان فيما إذا لم يقصد منع المالك عن الماشية، و إنّما قصد الحبس فأفضي الأمر إلي هلاكها(2).

و بالجملة، فالوجهان الجاريان فيما إذا فتح الزقّ عن جامد فذاب ما فيه بشروق الشمس و ضاع آتيان هنا(3).

ص: 172


1- الوجيز 206:1، الوسيط 384:3، العزيز شرح الوجيز 404:5، روضة الطالبين 96:4.
2- العزيز شرح الوجيز 404:5، روضة الطالبين 96:4.
3- العزيز شرح الوجيز 404:5.

و لو كان له زروع و نخيل و أراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم من السقي حتي فسدت، ففي الضمان قولان(1).

مسألة 1011: لو نقل صبيّا حرّا إلي مضيعة فاتّفق سبع فافترسه،

فلا ضمان عليه؛ إحالة للهلاك علي اختيار الحيوان و مباشرته، و لم يقصد الناقل بالنقل ذلك، و فيه إشكال.

أمّا لو نقله إلي مسبعة فافترسه سبع، وجب الضمان - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّه قصد الإتلاف بالنقل.

و للشافعيّة وجهان، أشهرهما: أنّه لا ضمان(3).

أمّا لو كان المنقول عبدا صغيرا أو حيوانا مملوكا للغير فإنّه يضمنه، سواء نقله إلي المضيعة أو المسبعة أو إلي غيرهما؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه فكان ضامنا.

مسألة 1012: لو كان الحمّال قد حمل جذعا و شبهه فاستراح إلي جدار و أسنده به فوقع علي شيء فأتلفه،

فإن كان الجدار ملك الغير و أسنده إليه بغير أمره ضمن الجدار و ما سقط عليه، و إن كان الجدار له و سقط في حال وضعه ضمن ما سقط عليه في الحال، و إن سقط بعد ذلك، فإن كان بضعف حصل له بإسناده الجذع إليه ضمن أيضا، و إن لم يكن كذلك لم يضمن، إلاّ أن يكون قد فرّط في الحائط و ترك عمارته فيضمن، كما يضمن في غيره.

و لو كان الساقط هو الجذع، ضمن إن كان في محلّ عدوان، أو فرّط

ص: 173


1- العزيز شرح الوجيز 404:5، روضة الطالبين 96:4-97.
2- العزيز شرح الوجيز 404:5.
3- الوجيز 206:1، الوسيط 384:3، العزيز شرح الوجيز 404:5، روضة الطالبين 97:4.

في ترك الاحتياط في الوضع، و إلاّ فلا.

و لو فتح باب دار إنسان أو هدم حائطه فدخل داخل و أخذ ماله، لم يضمن الهادم.

مسألة 1013: إذا أكلت بهيمة رجل حشيشا لقوم،

فإن كانت يد صاحبها عليها بأن يكون معها ضمن الحشيش، و إن لم يكن معها ضمن إن كان ليلا، و إن كان نهارا لم يضمن، و ذلك لأنّ علي صاحب الدابّة حفظ دابّته ليلا، فإذا لم يحفظ ضمن ما تجنيه، و علي صاحب الزرع حفظه نهارا، و به قال الشافعي(1).

و لو استعار من رجل بهيمة فأتلفت شيئا و هي في يد المستعير، فضمانه علي المستعير، سواء أتلفت شيئا لمالكها أو لغير مالكها؛ لأنّ ضمانه يجب باليد و اليد للمستعير.

فإن كان قد باع الدابّة بحشيش فأكلته، فإن كان ذلك قبل قبضه فإن كانت الدابّة في يد البائع فقد استقرّ العقد؛ لأنّ تلفه من ضمانه، فكأنّه أتلفه بنفسه، و تكون الشاة للمشتري، و لا شيء للبائع، و إن لم تكن يد البائع عليها و يد المشتري عليها، فقد انفسخ العقد؛ لأنّ الثمن تلف قبل قبضه بغير جهة البائع، و يردّ المشتري الشاة، و لا شيء له.

و إن أكلت غير الثمن، فإن كانت في يد المشتري فلا ضمان، و إن كانت في يد البائع ضمن ما أتلفت و إن كانت ملكا للمشتري؛ لأنّ إتلافها في يده بمنزلة إتلافه، و هذا كما لو كانت رهنا فأتلفت شيئا للراهن ضمنه المرتهن.

ص: 174


1- راجع: المغني 351:10، و الشرح الكبير 454:5.

و إن كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا، فالضمان علي الراعي دون صاحبها؛ لأنّ إتلافها للزرع في النهار لا يضمن إلاّ بثبوت اليد عليها، و اليد للراعي دون المالك، فكان الضمان عليه.

و إن كان الزرع للمالك، فإن كان ليلا ضمن أيضا؛ لأنّ ضمان اليد أقوي؛ بدليل أنّه يضمن به في الليل و النهار جميعا.

و إن كان البائع قبض الحشيش فأكلته الشاة، فإن كانت في يده فلا ضمان، و إن كانت في يد المشتري ضمنه، و كان البيع بحاله.

مسألة 1014: إذا أوقد في ملكه أو في الموات نارا فطارت شرارة إلي دار جاره فأحرقتها،

فإن لم يتجاوز قدر الحاجة و الهواء ساكن بل فعل ما جرت به العادة من غير تفريط، لم يضمن؛ لعدم تعدّيه، و لأنّها سراية فعل مباح فلم يضمن، كسراية القود، بخلاف من حلّ زقّا فاندفق ما فيه؛ لتعدّيه بحلّه، و لأنّ الغالب خروج المائع من الزقّ المفتوح، و ليس الغالب سراية هذا الفعل المعتاد إلي تلف مال غيره.

و إن كان قد فرّط في ذلك بأن أجّج نارا كثيرة تسري في العادة لكثرتها أو كانت الريح شديدة تحملها أو أوقد في ملك غيره، ضمن.

و إن سرت النار إلي غير الدار التي أوقد فيها ظلما، ضمن؛ لأنّه متعدّ في ذلك، فضمن سرايتها، كما لو جرحه عدوانا فسري الجرح إلي النفس، فإنّه يضمن القتيل(1).

و لو أرسل في ملكه ماء فدخل في ملك غيره، فإن كان مفرّطا بأن كان الماء غالبا كثيرا أو لم يكن بينه و بين ملك غيره حاجز فأرسله، ضمن

ص: 175


1- في «ص، ع»: «القتل».

ما أفسد؛ لتعدّيه، فإن كان ماء قليلا و بين ملكه و ملك غيره حاجز فدخل في ملك غيره من موضع خفيّ، لم يضمن.

و لو كان لجاره شجرة فأوقد في ملك نفسه نارا فجفّت أغصان تلك الشجرة، ضمنها؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ من نار كثيرة، إلاّ أن تكون الأغصان في هوائه فلا يضمنها؛ لأنّ دخولها عليه غير مستحقّ، فلا يمنع من التصرّف في داره لحرمتها.

مسألة 1015: زوائد المغصوب - مثل السمن و تعلّم الصنعة و غيرها من الصفات،

و مثل ثمرة الشجرة و بيض و ولد الحيوان من الأعيان - في يد الغاصب مضمونة ضمان الغصب، كالأصل، سواء طالبه المالك بالردّ أو لم يطالبه(1) ، متي تلفت في يد الغاصب ضمنها، سواء تلفت منفردة أو مع الأصل - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّها مال المغصوب منه حصل في يده بالغصب، فضمنه بالتلف و الإتلاف معا، كالأصل.

و لأنّ غصب الأم يتضمّن منع حصول الولد في يد المالك، فأشبه إزالة يده عنه، كما أنّ من غرّ بحرّيّة أمة فأحبلها، كان الولد حرّا، و ضمن

ص: 176


1- في النّسخ الخطّيّة: «ر، ص، ع»: «أو لا» بدل «أو لم يطالبه».
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 325:3، الحاوي الكبير 146:7 و 150، المهذّب - للشيرازي - 377:1، نهاية المطلب 190:7-191، بحر المذهب 9: 32 و 36، الوجيز 206:1، الوسيط 386:3، حلية العلماء 225:5، التهذيب - للبغوي - 307:4، البيان 25:7، العزيز شرح الوجيز 404:5، روضة الطالبين 97:4، المغني 399:5-400، الشرح الكبير 403:5-404، تحفة الفقهاء 90:3، روضة القضاة 7741/1263:3، المبسوط - للسرخسي - 54:11، مختصر اختلاف العلماء 1860/174:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1078/629، الذخيرة 283:8، عيون المجالس 1740:4-1221/1741 و 1222.

قيمته؛ لأنّه باعتقاد حرّيّة الأم منع دخول الولد في ملكه، فجعل كإتلاف ملكه.

و لأنّ اليد العادية مضمونة كالإتلاف، ثمّ الإتلاف قد يكون مباشرة و قد يكون علي سبيل التسبّب، و كذا(1) اليد، و إثبات اليد علي الأصول تسبّب إلي إثبات اليد علي الأولاد، فليتعلّق به الضمان.

و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه لا يضمنها، و هي أمانة تضمن بما تضمن به سائر الأمانات خاصّة، إلاّ أن يطالبه(2) بها فيمتنع من أدائها فيضمن، كما في الأمانات؛ لأنّ إثبات يده علي هذه الزوائد ليس من فعله المحرّم، لأنّه يبتني علي وجود الزوائد في يده، و وجودها ليس بفعل محرّم منه(3).

و هو غلط؛ لأنّه بإمساك الأم تسبّب إلي إثبات يده علي هذه الزوائد، و إثبات يده علي الأم محرّم، و لأنّ ذلك يتوقّع فيقصد.

و قد ذهب بعضهم إلي أنّه إذا غصب هادي القطيع فتبعه القطيع أو غصب البقرة فتبعها العجل ضمن القطيع و العجل معا(4).

و كذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد، و المقبوضة علي وجه4.

ص: 177


1- في «ص، ع»: «فكذا».
2- في النّسخ الخطّيّة: «ر، ص، ع»: «يطالب».
3- تحفة الفقهاء 89:3-90، بدائع الصنائع 143:7، المبسوط - للسرخسي - 54:11، مختصر اختلاف العلماء 1860/174:4، روضة القضاة 3: 7739/1263، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 325:3، الحاوي الكبير 7: 146، بحر المذهب 33:9 و 36، حلية العلماء 225:5، الوسيط 386:3، البيان 25:7، العزيز شرح الوجيز 404:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 628:2-1078/629، الذخيرة 283:8، عيون المجالس 1740:4 - 1221/1741 و 1222، المغني 400:5، الشرح الكبير 404:5.
4- العزيز شرح الوجيز 405:5، روضة الطالبين 97:4.

السوم؛ لأنّ يده علي الأم و الولد معا.

و يضمن أيضا المنافع المستوفاة بالإجارة الفاسدة بأجرة المثل، و المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض علي جهة السوم.

البحث الثالث: في إثبات اليد.
مسألة 1016: إثبات اليد العادية علي مال الغير مباشرة

- كأن يغصب الشيء و يأخذه من يد مالكه و يستولي عليه - و تسبيبا - كما في الأولاد و سائر الزوائد - من أسباب الضمان.

و لو كانت يد أمانة ثمّ جحدها فهو من وقت الجحود غاصب.

و لا شكّ في تحقّق الغصب مع الاستيلاء و رفع يد المالك و إثبات يده.

و هل يتحقّق مع إثبات اليد عدوانا من غير أن ترفع يد المالك عن العين ؟ فأصحاب الشافعيّة علي ذلك؛ لأنّ المستودع إذا جحد الوديعة فهو من وقت الجحود غاصب، و لأنّه لو طولب الغاصب بولد الغصب فامتنع كان غاصبا و إن لم تزل يد المالك(1).

و منعه آخرون و قالوا: إنّه لا غصب في الصورتين، لكنّه يضمن ضمان الغصب؛ لتقصيره في الأمانة بالجحود و الامتناع(2).

و لا شكّ في أنّه لا يكفي في الغصب رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده، فلو منع غيره من إمساك دابّته المرسلة حتي تلفت لم يكن غاصبا.

ص: 178


1- الوسيط 386:3-387، العزيز شرح الوجيز 406:5.
2- العزيز شرح الوجيز 406:5.

و هل يضمن ؟ قال بعض علمائنا: لا يضمن(1). و فيه إشكال.

و كذا الإشكال لو منعه من القعود علي بساطه حتي ألقاه الريح في البحر.

أمّا لو منعه من بيع متاعه حتي نقصت قيمته السوقيّة، فإنّه لا يضمن النقص؛ لوجود العين، أمّا لو تلفت العين فكذلك إن لم يمنعه من حفظها، و لو منعه من حفظها فالإشكال.

مسألة 1017: المغصوب إن كان من الأعيان المنقولة تحقّق بالنقل.

و هل يتحقّق بإثبات اليد من غير نقل ؟ الأقرب عندي ذلك، فلو ركب دابّة الغير و هي واقفة و لم تنتقل عن مكانها أو جلس علي فراشه و لم ينقله، فالوجه: تحقّق الغصب فيه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا بدّ من النقل، كما لا بدّ منه في قبض المبيع و سائر العقود.

و أصحّهما عندهم: أنّه يكون غاصبا - و هو المعتمد - لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء(2).

و أمّا القبض في البيع فله حكمان، أحدهما: دخوله في ضمانه، و ذلك حاصل بالركوب و الجلوس من غير نقل، و الثاني: تمكينه من التصرّف، فالركوب إمّا بإذن البائع أو من دون إذنه، فإن أذن البائع فالتمكّن حاصل، و إن لم يأذن فلا يتمكّن، لكن الحكم في النقل بغير إذنه مثله،

ص: 179


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 235:3.
2- نهاية المطلب 234:7، بحر المذهب 54:9، الوسيط 387:3، العزيز شرح الوجيز 406:5، روضة الطالبين 98:4.

فإذن لا فرق.

و يشبه أن تكون المسألة مقصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء، أمّا إذا لم يقصده، ففي كونه غاصبا للشافعيّة وجهان(1).

هذا إذا كان المالك غائبا، و إن كان حاضرا و أزعجه و جلس علي الفراش ضمن، و كذا إذا لم يزعجه و كان بحيث يمنعه من رفعه و التصرّف فيه.

مسألة 1018: العقار يتصوّر غصبه،

و يكون غاصبه ضامنا بغصبه عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و محمّد بن الحسن(2) - لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من غصب شبرا من أرض طوّقه من سبع أرضين»(3) ، و في رواية: «من ظلم شبرا من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين»(4) فأخبر عليه السّلام بأنّ العقار يغصب و يظلم فيه، و لأنّه يضمن في البيع، فيجب(5) ضمانه في الغصب كالمنقول، و لأنّه يمكن الاستيلاء عليه علي وجه يحول بينه و بين مالكه، مثل أن يسكن الدار و يمنع مالكها من

ص: 180


1- العزيز شرح الوجيز 406:5.
2- المغني 378:5، الشرح الكبير 375:5، الحاوي الكبير 135:7، نهاية المطلب 231:7، بحر المذهب 50:9، الوجيز 206:1، الوسيط 387:3، البيان 5:7، العزيز شرح الوجيز 406:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1082/630، بداية المجتهد 316:2، المدوّنة الكبري 356:5، بدائع الصنائع 165:7، روضة القضاة 7733/1262:3، المبسوط - للسرخسي - 73:11، مختصر اختلاف العلماء 1864/176:4، مختصر القدوري: 129، الهداية - للمرغيناني - 12:4-13.
3- العزيز شرح الوجيز 397:5، المغني 379:5، الشرح الكبير 375:5.
4- المغني 379:5، الشرح الكبير 375:5.
5- في «ص، ع»: «فوجب».

دخولها، فأشبه ما لو أخذ الدابّة و المتاع.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: لا يتصوّر غصب العقار، و لا يضمن بالغصب، فإن أتلفه ضمنه بالإتلاف؛ لأنّه لا يوجد فيه النقل و التحويل فلم يضمنه، كما لو حال بينه و بين متاعه فتلف المتاع، و لأنّ الغصب إثبات اليد علي المال عدوانا علي وجه تزول يد المالك، و لا يمكن ذلك في العقار(1).

و ليس بصحيح؛ لأنّه إذا حال بينه و بين متاعه بحبسه فلم يستول عليه، فنظيره هنا أن يحبس المالك و لا يستولي علي داره.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما كما قلناه من إمكان الغصب و إثبات الضمان.

و الثانية: أنّه لا يضمن إلاّ بالإتلاف؛ لأنّه قال في رواية: من غصب أرضا فزرعها ثمّ أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الأرض، و إن كان شيئا من السماء لم يكن عليه شيء، و هذا يدلّ علي أنّ الأرض لا تضمن بالغصب(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

إذا ثبت هذا، فكلّ ما أتلفه من الأرض بفعله أو بسبب فعله - كهدم5.

ص: 181


1- بدائع الصنائع 165:7، روضة القضاة 7732/1262:3، الفقه النافع 645/928:3، المبسوط - للسرخسي - 73:11، مختصر اختلاف العلماء 1864/176:4، مختصر القدوري: 129، الهداية - للمرغيناني - 12:4، المغني 378:5-379، الشرح الكبير 375:5، الحاوي الكبير 135:7، نهاية المطلب 231:7، بحر المذهب 50:9، الوسيط 387:3، البيان 5:7، العزيز شرح الوجيز 407:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1082/630:2، بداية المجتهد 316:2-317.
2- المغني 378:5، الشرح الكبير 375:5.

حيطانها و تغريقها و كشط ترابها و إلقاء الحجارة فيها - أو نقص - بغرسه أو بنائه - يضمنه إجماعا؛ لأنّ هذا إتلاف، و العقار يضمن بالإتلاف بلا خلاف.

مسألة 1019: العقار إمّا أن يكون مالكه فيه أو لا يكون،

فإن كان و أزعجه ظالم و دخل الدار بأهله علي هيئة من يقصد السكني، فهو غاصب، سواء قصد الاستيلاء أو لم يقصد، فإنّ وجود نفس الاستيلاء حقيقة يغني عن قصده.

و لو سكن بيتا من الدار و منع المالك عنه دون باقي الدار، فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار.

و لو دخل دار غيره أو بستانه، لم يضمن بنفس الدخول من غير استيلاء، سواء دخلها بإذنه أو بغير إذنه، و سواء كان صاحبها فيها أو لم يكن.

و قال بعض أصحاب الشافعي: إن دخلها بغير إذنه و لم يكن صاحبها فيها، ضمنها، سواء قصد ذلك أو ظنّ أنّها داره أو أنّه أذن له في دخولها؛ لأنّ يد الداخل تثبت عليها بذلك، فيصير غاصبا، فإنّ الغصب إثبات اليد العادية، و هذا قد أثبت يده؛ بدليل أنّهما لو تنازعا في الدار و لا بيّنة لهما، حكم بها لمن هو فيها دون الخارج عنها(1).

و يشكل بأنّه دخل غير مستول عليها، فلم يضمنها، كما لو دخلها بإذنه أو دخل صحراه.

و أمّا إن أزعج المالك و لم يدخل الدار، ففي تحقّق الغصب إشكال

ص: 182


1- المغني 378:5، الشرح الكبير 375:5.

ينشأ: من اعتبار الدخول في غصبها أو لا؟ لكن قد سبق(1) في البيع أنّه لا يعتبر في قبض العقار دخوله و التصرّف فيه، و إنّما المعتبر التمكّن من التصرّف و التخلية و تسليم المفتاح إليه، و إذا كان حصول التمكّن بتمكين البائع قبضا، وجب أن يكون حصوله بالتسلّط و أخذ المفتاح بالقهر غصبا و إن لم يوجد الدخول، و من أنّ العرف قاض بأنّ الغصب إنّما يتحقّق بالدخول؛ لأنّ الاستيلاء به يحصل.

و المشهور عند الشافعيّة: الثاني؛ لأنّهم لم يعتبروا إلاّ الاستيلاء و منع المالك عنه(2).

و لو لم يزعج المالك و لكنّه دخل و استولي مع المالك، كان غاصبا لنصف الدار؛ لاجتماع يدهما و استيلائهما عليه.

نعم، لو كان الداخل ضعيفا، و المالك قويّ لا يعدّ مثله مستوليا عليه، لم يكن غاصبا لشيء من الدار، و لا عبرة بقصد ما لا يتمكّن من تحقيقه.

أمّا إذا لم يكن مالك العقار فيه و دخل علي قصد الاستيلاء، فهو غاصب و إن كان الداخل ضعيفا و صاحب الدار قويّا؛ لأنّ الاستيلاء حاصل في الحال، و أثر قوّة المالك سهولة إزالته و الانتزاع من يده، فكان كما لو سلب قلنسوة ملك، فإنّه يكون غاصبا و إن سهل علي الملك انتزاعها و تأديبه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يكون غاصبا؛ لأنّ مثله في العرف بعيد من الاستيلاء(3).

و إن دخل لا علي قصد الاستيلاء لينظر هل تصلح له أو ليتّخذ مثلها، لم يكن غاصبا، لكن لو انهدمت في تلك الحالة، ففي الضمان إشكال4.

ص: 183


1- في ج 10، ص 101 و ما بعدها.
2- العزيز شرح الوجيز 407:5، روضة الطالبين 98:4.
3- العزيز شرح الوجيز 407:5، روضة الطالبين 98:4.

ينشأ: من أنّه قد حصل التلف في يده، فكان كما لو أخذ منقولا من بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه أو مثله فتلف في تلك الحالة، يضمنه، و من الفرق بينه و بين المنقول بأنّ اليد علي المنقول حقيقة، فلا يحتاج في إثبات حكمها إلي قرينة، و اليد علي العقار حكميّة، فلا بدّ في تحقّقها من قرينة قصد الاستيلاء.

و للشافعيّة وجهان كهذين الاحتمالين، و أصحّهما عندهم: الثاني(1).

تذنيب: الإزعاج غير معتبر في غصب العقار، فإنّه لو كان المالك غائبا و استولي بالدخول أو بإثبات اليد، صار غاصبا، و لا إزعاج هنا، و لو استولي مع المالك صار غاصبا للنصف، و لا إزعاج، بل المعتبر اليد و الاستيلاء، حتي لو اقتطع قطعة أرض ملاصقة لأرضه و بني عليها حائطا و أضافها إلي ملكه يضمنها.

مسألة 1020: كلّ يد ترتّبت علي يد الغاصب فهي يد ضمان،

حتي يكون للمالك الخيار في المطالبة لمن شاء منهما، فإن شاء طالب الغاصب عند التلف، و إن شاء طالب من ترتّبت يده علي يده.

و لا فرق بين أن يكون الثاني عالما بالغصب أو لم يعلم في ثبوت الضمان عليه؛ لأنّه أثبت يده علي مال الغير بغير إذنه، و الجهل ليس مسقطا للضمان.

ثمّ الثاني إن كان عالما بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب، للمالك مطالبته بكلّ ما يطالب به الغاصب، فإن تلف المغصوب في يده فاستقرار الضمان عليه، فلو غرّمه المالك لم يرجع علي الغاصب الأوّل بشيء؛ لأنّه

ص: 184


1- العزيز شرح الوجيز 407:5.

ظالم بإمساك مال الغير في يده مع علمه بأنّه له، و قد حصل التلف في يده، و لو غرّم الأوّل رجع عليه.

هذا إذا لم تختلف قيمة العين في يدهما أو كانت في يد الثاني أكثر، و لو كانت في يد الأوّل أكثر لم يكن للمالك مطالبة الثاني بالزيادة؛ لأنّها تلفت في يد الأوّل قبل الوصول إليه، و إنّما يطالب الأوّل بها لا غير، و يستقرّ ضمانها عليه، فليس له الرجوع علي الثاني بها، و لو رجع المالك عليه بالأصل و الزيادة، كان له الرجوع علي الثاني بالأصل خاصّة دون الزيادة.

و إن جهل الثاني الغصب، فإن كانت اليد في وضعها يد ضمان - كالعارية مطلقا عند العامّة(1) ، و في صور الضمان عندنا، و المأخوذ بالسوم و الشراء صحيحة و فاسدة - استقرّ الضمان علي الثاني.

و إن كانت يد أمانة - كالوديعة و العارية في غير صور الضمان، و الإجارة و الرهن و الوكالة - استقرّ الضمان علي الغاصب.

و مذهب أكثر الشافعيّة علي ما قلناه(2).

و لهم وجه آخر فيما إذا كانت يده يد أمانة و كان جاهلا بالغصب، فإنّه لا يكون ضامنا، كما أنّه لا يستقرّ الضمان عليه(3).

و لهم وجه آخر فيما إذا كانت يده يد أمانة، كالوديعة و الإجارة و شبههما، فإنّه يثبت قرار الضمان فيها و إن كان جاهلا(4).

[و القرض](1) معدود من أيدي الضمان.4.

ص: 185


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و القبض». و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز 409:5، و روضة الطالبين 100:4.

و لو وهب المغصوب من إنسان فتلف في يده، فقرار الضمان علي الغاصب - و للشافعيّة قولان(1) - لأنّ يد الاتّهاب ليست يد ضمان.

و أصحّهما عندهم: أنّه علي المتّهب؛ لأنّه أخذه للتملّك(2).

و لو زوّج الجارية التي غصبها فتلفت عند الزوج، فللمالك مطالبة الزوج بالقيمة.

و للشافعيّة طريقان:

قيل: هو كالمستودع.

و منهم من قطع أنّه لا يطالب؛ لأنّ كون الزوجة في حبال الزوج ليس ككون المال في يد صاحب اليد(3).

مسألة 1021: قد بيّنّا حكم قرار الضمان عند تلف المغصوب في يد من ترتّبت يده علي يد الغاصب،

أمّا إذا أتلفه فإنّ قرار الضمان علي المتلف إن استقلّ به؛ لأنّ الإتلاف أقوي من إثبات اليد العادية، فإن رجع المالك علي الغاصب رجع الغاصب علي المتلف، و إن رجع علي المتلف لم يرجع علي الغاصب.

و لو لم يستقل بالإتلاف، بل شاركه فيه غيره، فالضمان عليهما معا، فيرجع المالك علي كلّ واحد منهما بالنصف، و لا يرجع أحدهما علي الآخر بشيء.

و لو استقلّ كلّ واحد منهما بإثبات اليد عليه في وقتين متغايرين ثمّ أتلفاه معا، كان للمالك أن يرجع علي كلّ واحد بالنصف، و إن شاء رجع

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 409:5، روضة الطالبين 100:4.
2- العزيز شرح الوجيز 409:5، روضة الطالبين 100:4.
3- العزيز شرح الوجيز 409:5، روضة الطالبين 100:4.

علي من شاء منهما بالجميع، و علي أيّهما رجع بالجميع رجع علي صاحبه بالنصف الذي باشر إتلافه، و لا نعلم في ذلك خلافا.

مسألة 1022: لو غصب طعاما فأطعمه غيره،

فلا يخلو إمّا أن يطعمه لغير صاحبه أو يطعمه لصاحبه، فإنّ أطعمه لغير صاحبه فإنّ هذا الآكل يجب عليه ضمانه لصاحبه؛ لأنّه أتلف ماله بغير حقّ و لا إذن صاحبه، و لأنّه قبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه، فكان عليه ضمانه.

ثمّ المالك بالخيار في الرجوع علي من شاء من الغاصب أو الآكل، فإن رجع علي الغاصب رجع بقيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلي حين التلف؛ لأنّه صار في يد الآكل مضمونا علي الغاصب، و إن رجع علي الآكل رجع بأكثر ما كانت قيمته من حين تناوله إلي حين أكله؛ لأنّ ما قبل ذلك لم يكن مضمونا عليه، فإن كانت قيمته قبل ذلك أكثر (رجع بما)(1) بين القيمتين علي الغاصب.

إذا ثبت هذا، فإن رجع المالك علي الآكل فهل يرجع الآكل علي الغاصب ؟ ينظر إن كان الآكل عالما بأنّه مغصوب إمّا بقول الغاصب أو بغير قوله، لم يرجع علي الغاصب، و كان قرار الضمان عليه؛ لأنّه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما من غير غرور في أكله.

و إن كان جاهلا غير عالم بالغصب، فإن كان الغاصب قال له: «كله فإنّه ملكي، أو طعامي» استقرّ الضمان عليه باعترافه بأنّ الضمان باق عليه و أنّه لا يلزم الآكل شيء.

و هل يرجع علي الآكل ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه ليس للمالك الرجوع علي الآكل؛ لأنّه مغرور، فاستقرّ

ص: 187


1- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «فما».

الضمان علي الغاصب؛ لأنّه غرّه حيث قدّم إليه الطعام و أوهمه أنّه لا تبعة فيه عليه، و هو قول الشافعي في القديم و بعض كتب الجديد.

و الثاني: أنّه يرجع علي الآكل أيضا - و هو المشهور من الجديد للشافعي، و به قال أبو حنيفة و المزني، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة عندهم - و يستقرّ الضمان علي الآكل؛ لأنّه المتلف، و عليه عادت منفعته، فعلي هذا إذا غرم الآكل لم يرجع علي الغاصب، و الغاصب إذا غرم رجع علي الآكل، و علي القول القديم الحكم بالعكس(1).

و كذا القولان و الخلاف إذا قدّم الغاصب الطعام ضيافة حتي أكله و لم يقل: إنّه ملكي أو طعامي، و لم يذكر شيئا(2).

و عن أحمد روايتان كالقولين فيما إذا لم يقل الغاصب شيئا، بل قدّم الطعام:

إحداهما: يستقرّ الضمان علي الآكل - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد - لأنّه ضمن ما أتلف فلم يرجع به علي أحد.

و الثانية: يستقرّ الضمان علي الغاصب؛ لأنّه غرّه و أطعمه علي أنّه لا يضمنه(3) ، و هو الذي يقتضيه مذهبنا.

و في الصورة الأولي و هي ما إذا قدّم الطعام و قال: «هو ملكي» فأكله، ففي رجوع الآكل لو غرم علي الغاصب القولان السابقان للشافعيّة(4).

و لو غرم الغاصب، قال المزني: يرجع علي الآكل، و غلّطه باقي الشافعيّة فيه؛ لأنّ في ضمن قوله: «إنّه ملكي» اعترافا بأنّ البيّنة كاذبة، و أنّه4.

ص: 188


1- العزيز شرح الوجيز 409:5-410، روضة الطالبين 100:4.
2- العزيز شرح الوجيز 409:5-410، روضة الطالبين 100:4.
3- المغني 436:5، الشرح الكبير 424:5.
4- العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 100:4.

مظلوم بأخذ القيمة منه، فلا يرجع به علي غير الظالم، فأمّا إذا أباحه أو وهبه منه، فليس منه فيه تصريح بتكذيب البيّنة، فافترقا(1).

و أمّا إذا أطعمه صاحبه المغصوب منه، فإن علم أنّه طعامه فقد قبضه و برئ منه الغاصب، و إن لم يعلم و أباحه له فأكله جاهلا، ففي ضمان الغاصب للشافعيّة قولان:

المنصوص عنه: أنّه يضمنه - و هو الذي يقتضيه مذهبنا - لأنّه لم يردّ المغصوب إلي المالك ردّا تامّا، و لم يردّ سلطنته علي المال و لا يده إلي ما كانت عليه، فإنّه لا يتمكّن من التصرّف فيه بكلّ ما يريد من أخذه و بيعه و الصدقة به، فلم يبرأ الغاصب، كما لو أعلفه دوابّ المغصوب منه.

و الثاني: أنّ الغاصب يبرأ من الضمان - و به قال أصحاب الرأي(2) ، و عن أحمد روايتان(3) كالقولين - لأنّ المالك أكل مال نفسه، فلا يجب له علي غيره ضمانه، كما لو علم به، أو كان عبدا فأعتقه(4).

و الفرق: أنّه مع العلم قد اختار إتلافه، و أمّا العتق فإن علم به نفذ عتقه، و إن لم يعلم فنمنع نفوذ عتقه (و به قال)(5) الشافعي(6).4.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 100:4.
2- بدائع الصنائع 150:7، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 357:3، بحر المذهب 78:9، البيان 68:7، العزيز شرح الوجيز 410:5.
3- المغني 437:5، الشرح الكبير 424:5-425.
4- الحاوي الكبير 207:7، المهذّب - للشيرازي - 381:1، نهاية المطلب 278:7، بحر المذهب 78:9، الوسيط 389:3، حلية العلماء 245:5، التهذيب - للبغوي - 318:4، البيان 68:7، العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 101:4.
5- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «و هو قول».
6- راجع: بحر المذهب 79:9، و البيان 70:7، و العزيز شرح الوجيز 411:5، و روضة الطالبين 101:4.
مسألة 1023: لو وهب الغاصب الطعام من أجنبيّ و سلّمه إليه فأتلفه،

فإن كان المتّهب عالما استقرّ الضمان عليه، و إن كان جاهلا فللشافعي قولان، و أولي بأن يستقرّ الضمان علي المتّهب؛ لجعل الملك له(1).

و لو تلف تحت يد المتّهب، فقولان:

أحدهما: أنّ القرار علي الغاصب؛ لأنّ يد الاتّهاب ليست يد ضمان.

و أصحّهما عندهم: أنّ القرار علي المتّهب؛ لأنّه أخذه للتملّك(2).

و لو وهبه من المالك أو أهداه إليه فأتلفه، فهل يرجع ؟ قولان:

أحدهما: يرجع؛ لأنّه لم يعلم أنّه له، فهو بمنزلة الإباحة.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّه قد تسلّمه تسلّما تامّا فسقط حقّه، بخلاف الإباحة، و زالت يد الغاصب عنه بالكلّيّة(3) ، و هو الأقوي.

و لو دفع إليه عوض حقّه عنده علي سبيل الهديّة أو الهبة فأخذه المالك علي هذا الوجه و نوي الدافع الدفع عن حقّه الذي كان له عليه، فيحتمل البراءة أيضا.

و قال أحمد: لا يبرأ؛ لأنّه لم يأخذه علي جهة المعاوضة، بل علي جهة الهبة، فلم تثبت المعاوضة، بخلاف ما لو وهب الغاصب عين الغصب من المالك مع جهل المالك؛ لأنّه ردّ عليه عين ماله، و أعاد يده التي أزالها(4).

ص: 190


1- التهذيب - للبغوي - 318:4، العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 4: 100.
2- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 186.
3- بحر المذهب 78:9، البيان 69:7، حلية العلماء 244:5-245.
4- المغني 437:5، الشرح الكبير 425:5.

و لو باعه إيّاه و سلّمه إليه، برئ من الضمان؛ لأنّه قبضه بالابتياع، و الابتياع يوجب الضمان علي المشتري.

و لو أقرضه إيّاه، برئ أيضا؛ لذلك.

و لو أعاره إيّاه عارية مضمونة أو كانت العين ممّا تضمن بالعارية، برئ أيضا؛ لأنّ هذه العارية توجب الضمان.

أمّا لو أودعه إيّاه أو آجره أو رهنه إيّاه، لم يبرأ من الضمان، إلاّ أن يكون عالما بالحال؛ لأنّه لم يعد إليه سلطانه، إنّما قبّضه إيّاه علي جهة الأمانة.

و قال بعض الشافعيّة: يبرأ؛ لأنّه عاد إلي يده و سلطانه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لو أباحه فأكله لم يبرأ فهنا أولي.

فروع:

أ: لو قدّم الطعام المغصوب إلي عبد إنسان فأكله، فإن جعلنا القرار علي الحرّ إذا قدّمه إليه فأكله، فهذه جناية من العبد يتبع بها بعد العتق عندنا.

و قال الشافعي: يباع فيها(2).

و إن لم نجعل القرار علي الحرّ، فلا يتبع و لا يباع، بل يطالب الغاصب.

ب: لو غصب شعيرا فأعلفه دابّة الغير من غير إذن المالك، فلا ضمان علي مالك الدابّة إجماعا.4.

ص: 191


1- الحاوي الكبير 207:7-208، بحر المذهب 78:9، حلية العلماء 245:5، البيان 68:7-69.
2- العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 100:4.

و إن كان بإذنه، فإن كان عالما بالحال ضمن، و استقرّ الضمان عليه، و لو كان جاهلا، فللشافعيّة القولان(1).

و لو كانت الدابّة لمالك الشعير و كان جاهلا، لم يبرأ الغاصب.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه لا يبرأ قولا واحدا.

و الثاني: أنّه إن كان العلف بإذن المالك فالقولان(2).

و كذا الحكم فيما إذا غصب طعاما و أطعمه عبيد المالك للطعام.

ج: لو غصب شاة فأمر قصّابا فذبحها جاهلا بالحال، فقرار ضمان النقصان علي الغاصب، و لا يخرّج علي الخلاف في أكل الطعام؛ لأنّه ذبح للغاصب، و هناك انتفع به لنفسه.

د: لو أمر الغاصب إنسانا بإتلاف العين إمّا بالقتل أو بالإحراق أو نحوه ففعله، فإن كان عالما ضمن، و استقرّ الضمان عليه، و إن كان جاهلا بالغصب، فقرار الضمان علي المتلف أيضا؛ لأنّه محظور، بخلاف الآكل، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يجيء فيه القولان في آكل الطعام(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التغرير مع الحظر و التحريم لا وقع له.

ه: لو دخل المالك دار الغاصب و أكل طعاما علي اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل، برئ الغاصب؛ لأنّ المالك أتلف مال نفسه في1.

ص: 192


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 410:5، و روضة الطالبين 100:4.
2- راجع: الحاوي الكبير 207:7.
3- التهذيب - للبغوي - 319:4، العزيز شرح الوجيز 410:5، روضة الطالبين 4: 101.

جهة منفعته من غير تغرير من الغاصب.

و: لوصال العبد المغصوب علي مالكه فقتله المالك في الدفع، فإن كان يمكن الدفع بدونه، برئ الغاصب؛ لأنّ المالك أتلف عين ماله، و إن لم يمكن الدفع إلاّ بالقتل أو دفع علي الوجه المشروع فأدّي الدفع إلي القتل، لم يبرأ الغاصب من الضمان، سواء علم أنّه عبده أو لم يعلم؛ لأنّ الإتلاف بهذه الجهة كإتلاف العبد نفسه في مصلحته.

ز: لو زوّج الجارية المغصوبة من مالكها و المالك جاهل فتلفت عنده لم يبرأ من الضمان، كما لو أودع المغصوب عنده فتلف، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

فإن استولدها، نفذ الاستيلاد.

و هل يبرأ الغاصب ؟ إشكال، أقربه: العدم. و للشافعيّة قولان(2).

ح: لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب: أعتقه، فأعتقه جاهلا بالحال، ففي نفوذ العتق إشكال ينشأ: من أنّه لم يرض بإعتاق عبده، و من إضافة العتق إلي رقيقه، و العتق لا يندفع بالجهل.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني، فإن قالوا بالصحّة، فهل يبرأ الغاصب عن الضمان ؟ وجهان:

أحدهما: أنّه لا يبرأ، بل يرجع المالك عليه بالغرم؛ لأنّه لم يرض بزوال ملكه.

و أصحّهما عندهم: البراءة؛ لانصرافه إلي جهة صرفه إليها بنفسه، و عادت مصلحتها إليه(3).4.

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 411:5، روضة الطالبين 101:4.
2- العزيز شرح الوجيز 411:5، روضة الطالبين 101:4.
3- العزيز شرح الوجيز 411:5، روضة الطالبين 101:4.

و لو قال: أعتقه عنّي، ففعل جاهلا، ففي نفوذ العتق وجهان، أقربهما عندي: النفوذ، و يضمن الغاصب.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: النفوذ، و علي تقديره ففي وقوعه عن الغاصب وجهان، أحدهما: المنع(1).

و لو قال المالك للغاصب: أعتقه عنّي، أو مطلقا، فأعتق، عتق و برئ الغاصب.2.

ص: 194


1- العزيز شرح الوجيز 411:5، روضة الطالبين 101:4-102.

الفصل الثالث: في المضمونات.

اشارة

المغصوبات قسمان:

أحدهما: ما ليس بمال.

و الثاني: ما يعدّ مالا، و ينقسم إلي الأعيان و المنافع، فهنا مباحث ثلاثة:

البحث الأوّل: فيما لا يعدّ مالا.
مسألة 1024: لا يثبت الغصب فيما ليس بمال،

كالحرّ، فإنّه لا يضمن بالغصب، بل بالإتلاف، سواء كان صغيرا أو كبيرا، فلو أخذ حرّا صغيرا كان أو كبيرا فحبسه فمات عنده لا بسبب الحبس، لم يكن ضامنا؛ لأنّه ليس بمال، و إنّما يضمن الحرّ بالجناية عليه، و سيأتي - إن شاء اللّه تعالي - في باب الجنايات، و يضمن منافعه علي ما يأتي.

و كذا لا يثبت الغصب فيما ليس بمال ممّا تقدّم في كتاب البيع، كالعذرات و الأبوال و كلب الهراش و الخنزير و أشباه ذلك.

مسألة 1025: لو غصب كلب صيد أو زرع أو حائط أو ماشية،

وجب عليه ردّه إلي مالكه؛ لأنّ له قيمة في نظر الشرع، و يجوز اقتناؤه و الانتفاع به، فأشبه غيره من الأموال.

و لو أتلفه، ضمن القيمة التي قدّرها الشرع، و سيأتي.

و قال أحمد: لا يغرم شيئا(1). و ليس بجيّد.

ص: 195


1- المغني 445:5، الشرح الكبير 376:5.

و لو حبسه عن مالكه مدّة، لزمه أجرته عندنا؛ لأنّه يصحّ استئجاره عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه لا يلزمه أجرة؛ لأنّه لا يصحّ استئجاره عنده، و به قال أحمد(1).

و لو غصب جلد ميتة، لم يجب ردّه؛ لأنّه لا يطهر عندنا بالدباغ، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2).

و بالجملة، كلّ من قال بطهارته بعد الدبغ أوجب ردّه، و إلاّ فلا؛ لأنّه يمكن إصلاحه عند القائل بطهارته، كما يمكن تطهير الثوب النجس(3).

و عندنا نجس لا يطهر بالدباغ، فلا سبيل إلي إصلاحه، فلا يعدّ من الأموال.

و لو أتلفه أو أتلف ميتة بجلدها، لم يكن عليه ضمان؛ لأنّه لا قيمة له.

و لو دبغه الغاصب، لم يطهر بالدباغ عندنا.

و القائلون بطهارته أوجبوا إعادته؛ لأنّه بمنزلة الخمر إذا تخلّلت(4).

و يحتمل أن لا يجب ردّه عند من طهّره أيضا؛ لأنّه صار مالا بفعله، بخلاف الخمر(5).

و علي قولنا بعدم طهارته، لم يجب ردّه عندنا، و هو ظاهر.

و قال بعض من وافقنا: إنّه يجب ردّه أيضا؛ لأنّه ينتفع به في اليابسات، لأنّه نجس يباح الانتفاع به، و كذا قبل الدبغ عندهم(6). و ليس بمعتمد.5.

ص: 196


1- المهذّب - للشيرازي - 381:1، الوجيز 208:1، الوسيط 394:3، حلية العلماء 247:5، التهذيب - للبغوي - 305:4، البيان 70:7، العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4، المغني 445:5، الشرح الكبير 5: 376. (2الي6) المغني 445:5، الشرح الكبير 378:5.
مسألة 1026: لو أتلف خمرا أو خنزيرا،

فلا يخلو إمّا أن يكون المتلف مسلما أو كافرا، و علي التقديرين فصاحبهما إمّا مسلم أو كافر، فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكونا مسلمين، فلا ضمان إجماعا؛ لأنّهما غير مملوكين للمسلم، و لا يصحّ له ملكهما، و لا ماليّة فيهما بالنسبة إليه، فلا ضمان في إتلافهما.

الثاني: أن يكونا ذمّيّين، فيجب ضمانهما عندنا بالقيمة عند مستحلّيهما - و به قال مالك و أبو حنيفة، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يضمنان بالمثل(1) - لأنّ الخمر مال لهم يتموّلونها؛ لأنّ عامل عمر كتب إليه: إنّ أهل الذمّة يمرّون بالعاشر(2) و معهم الخمر، فكتب إليه عمر: ولّهم بيعها و خذ منهم عشر أثمانها(3) ، فإذا ثبت أنّها مال لهم يجوز لهم بيعها وجب أن تضمن لهم، كسائر أموالهم، و لأنّ عقد الذمّة (إذا عصم أموالهم قوّمها، فإذا أتلف متلف عينا ضمن)(4) كنفس الآدمي، و قد عصم العقد خمر الذمّي؛ لأنّ المسلم يمنع من إتلافها فيجب أن يغرمها.

ص: 197


1- المبسوط - للسرخسي - 103:11، تحفة الفقهاء 95:3، الفقه النافع 3: 659/934، بدائع الصنائع 167:7، الهداية - للمرغيناني - 21:4، الحاوي الكبير 221:7، نهاية المطلب 295:7، بحر المذهب 98:9، حلية العلماء 5: 249، البيان 71:7، العزيز شرح الوجيز 413:5، المغني 443:5، الشرح الكبير 377:5.
2- العاشر: هو الذي يأخذ عشر المال. لسان العرب 570:4 «عشر».
3- الحاوي الكبير 221:7، المغني 443:5، الشرح الكبير 377:5.
4- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عصم أموالهم، فإذا أتلف متلف عينا فوتها ضمن». و هي كما تري، و المثبت كما في المغني 443:5، و الشرح الكبير 377:5.

و قال الشافعي و أحمد: لا يضمن المتلف شيئا؛ لما روي جابر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «ألا إنّ اللّه تعالي و رسوله حرّم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام»(1) و ما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته، كالميتة.

و لأنّ ما لم يكن مضمونا في حقّ المسلم لم يكن مضمونا في حقّ الذمّيّ، كالمرتدّ، و لأنّه غير متقوّم فلا يضمن، كالميتة، أمّا الصغري: فلأنّها غير متقوّمة في حقّ المسلم فكذا في حقّ الذمّيّ، فإنّ تحريمها ثبت في حقّهما، و خطاب النواهي يتوجّه إليهما، فما ثبت في حقّ أحدهما ثبت في حقّ الآخر، و الكبري ظاهرة(2).

و الحديث لا دلالة فيه علي المطلوب؛ لأنّ التحريم لا ينافي الضمان، و كذا ما ذكروه.

هذا إذا كان الكافر مستترا به، و أمّا إن أظهره و أظهر منافعه فلا ضمان علي متلفه.

الثالث: أن يكون المتلف مسلما و صاحبه كافرا، فعندنا يضمنان إن كان الذّمّي مستترا بهما غير متظاهر بهما - و به قال مالك و أبو حنيفة(3) - -

ص: 198


1- صحيح البخاري 110:3، صحيح مسلم 1581/1207:3، سنن الترمذي 3: 1297/591.
2- الحاوي الكبير 221:7، نهاية المطلب 295:7، بحر المذهب 98:9، حلية العلماء 248:5، البيان 71:7، العزيز شرح الوجيز 413:5، روضة الطالبين 4: 106، المغني 442:5-443، الشرح الكبير 376:5-377.
3- المدوّنة الكبري 369:5، النوادر و الزيادات 356:10، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1086/631:2، عيون المجالس 1230/1756:4، الذخيرة 8: 277، مختصر القدوري: 130، تحفة الفقهاء 95:3، الفقه النافع 659/934:3، بدائع الصنائع 167:7، الهداية - للمرغيناني - 21:4، الحاوي الكبير 221:7، -

و يضمنان بالقيمة هنا عندنا و عند أبي حنيفة؛ لما تقدّم من أنّا أمرنا بتقريرهم علي معتقداتهم، و لا يصحّ هنا أن يضمن المسلم بالمثل؛ لأنّه لا يثبت مثل الخمر و الخنزير في ذمّته؛ لأنّه ليس مالا.

و أمّا إذا تظاهر الكافر بهما، فإنّه يجوز إتلافه من غير ضمان؛ لأنّ الشرع إنّما ألزمنا إقرارهم عليه في دارنا مع الإخفاء، فلا نعرّض لهم فيما ألزمنا تركه، و ما أظهروه من ذلك فلا نمكنّهم منه، فإن كان خمرا جاز إراقته، و إن أظهروا صنما أو صليبا أو طنبورا جاز كسره، و إن أظهروا كفرهم أدّبوا علي ذلك، و يمنعون من إظهار ما يحرم علي المسلمين.

الرابع: أن يكون المتلف كافرا و صاحبه مسلما فلا ضمان؛ لأنّه لا قيمة لذلك عند المسلم، و لا يحلّ له تملّكه و لا تملّك ثمنه، فكيف يضمن له القيمة حينئذ؟!

و اعلم أنّه لا فرق بين أن يريق حيث تجوز الإراقة و حيث لا تجوز إذا كانت تحت يد المسلم، و قد وافق الجماعة علي أنّه لا تراق خمور أهل الذمّة إلاّ إذا تظاهروا بشربها أو بيعها(1).

و لو غصبت الخمر من الكافر و العين باقية، وجب ردّها إن لم يتظاهر.

و إن غصبت من مسلم، وجب ردّها إن كانت محترمة، و إلاّ لم يجب ردّها - و به قال الشافعي(2) - لأنّ أبا طلحة سأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله عن أيتام4.

ص: 199


1- العزيز شرح الوجيز 413:5، روضة الطالبين 106:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 381:1، بحر المذهب 101:9، التهذيب - للبغوي - 305:4، البيان 71:7، العزيز شرح الوجيز 414:5، روضة الطالبين 106:4.

ورثوا خمرا، فأمره بإراقتها(1).

و لو أتلفها المسلم أو الكافر و هي في يد المسلم أو تلفت عندهما، لم يلزمهما ضمانها؛ لأنّ ابن عباس روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّ اللّه تعالي إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه»(2) و لأنّ ما حرم الانتفاع به لا يجب ضمانه، كالميتة و الدم.

فإن أمسكها في يده حتي صارت خلاّ، لزم ردّها إلي صاحبها؛ لأنّها صارت خلاّ علي حكم ملكه، فلزم ردّها إليه، فإن تلفت ضمنها له؛ لأنّها مال للمغصوب منه [تلف](3) في يد الغاصب.

و إن أراقها فجمعها إنسان فتخلّلت عنده، لم يلزمه ردّ الخلّ؛ لأنّه أخذها بعد إتلافها و زوال اليد عنها.

مسألة 1027: يجوز كسر آلات اللهو و القمار،

كالبربط و الطنبور و النرد و الشطرنج و الأربعة عشر و أشباه ذلك، و كذا هياكل العبادة، كالصنم و الصليب، و لا شيء علي من كسرها؛ لأنّها محرّمة الاستعمال، و لا حرمة لتلك الصنعة و الهيئة.

و اختلفت الشافعيّة في الحدّ المشروع لإبطالها علي وجهين:

أحدهما: أنّها تكسر و ترضض حتي تنتهي إلي حدّ لا يمكن اتّخاذ آلة محرّمة منها لا الأولي و لا غيرها.

و أظهرهما عندهم: أنّها لا تكسر الكسر الفاحش و لكنّها تفصّل.

ص: 200


1- سنن أبي داود 3675/326:3، مسند أحمد 11779/566:3، مسند أبي يعلي 4051/105:7، معرفة السنن و الآثار 11721/225:8.
2- سنن الدارقطني 20/7:3، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 312:11 - 4938/313.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و في حدّ التفصيل وجهان:

أحدهما: أنّها تفصّل قدر ما لا تصلح للاستعمال الحرام، حتي إذا رفع وجه البربط و ترك علي شكل قصعة كفي.

و الثاني: أنّها تفصّل إلي حدّ لو فرض اتّخاذ آلة محرّمة من مفصّلها لوصل إلي الصانع التعب الذي يصله في ابتداء الاتّخاذ منها، [و](1) هذا بأن يبطل تأليف الأجزاء كلّها كما كانت قبل التأليف.

و هذا الأخير أقرب إلي كلام الشافعي.

و ما ذكره من الاقتصار علي تفصيل الأجزاء [فيما](2) إذا تمكّن المحتسب منه، أمّا إذا منعه من في يده و كان يدفع عن المنكر فله إبطاله بالكسر.

و لا يكفي قطع الأوتار؛ لأنّها مجاورة لها منفصلة.

و من بالغ في الكسر من الشافعيّة توقّف في شيئين:

أحدهما: الصفائح التي توجد في يد من يصنع تلك الآلات؛ لأنّ من يبالغ في الكسر عند حصول الهيئة المحظورة قد لا يري تلك المبالغة في الابتداء.

و الثاني: في الصليب؛ لأنّه خشبة معرّضة علي خشبة، فإذا رفعت إحداهما عن الأخري فلا معني للزيادة عليه(3).

إذا عرفت هذا، فمن اقتصر في إبطالها علي الحدّ المشروع فلا شيء عليه، و من جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة إلي الحدّ المشروع و بين قيمتها منتهية إلي الحدّ الذي أتي به، و إن أحرقها فعليه قيمتها مكسورة5.

ص: 201


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- الجويني في نهاية المطلب 294:7-295.

إلي الحدّ المشروع(1).

البحث الثاني: في الأعيان الماليّة.
مسألة 1028: الأعيان الماليّة مضمونة بشرط أن تكون معصومة، فلا يضمن مال الحربيّ لو أتلفه إجماعا.

و الأعيان المضمونة إمّا حيوان أو غيره، و الحيوان إمّا آدميّ أو غيره، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: الآدميّ هو الرقيق: العبد أو الأمة، فيضمن النفس و الطرف من الرقيق بالجناية، كما يضمن الحرّ، و يضمن أيضا باليد العادية، أمّا نفس العبد أو الأمة فبدله قيمته ما لم يتجاوز العبد دية الحرّ فتردّ إليه، و الأمة دية المرأة، فتردّ إليها في غير الغصب عند علمائنا، و أمّا في الغصب فالأقرب عندي: أنّهما يضمنان بالقيمة [بالغة](2) ما بلغت، سواء تجاوزت دية الحرّ و الحرّة أو لا.

و لو ماتا تحت يد الغاصب، فعليه كمال القيمة و إن تجاوزت دية الحرّ أو الحرّة.

و قال الشافعي: إنّهما يضمنان بالقيمة [بالغة ما بلغت، سواء أتلفهما الغاصب أو تلفا تحت يده أو جني الأجنبيّ عليهما بالإتلاف؛ لأنّهما من الأموال فيضمنان](3) ضمان المال، و المال يضمن بالقيمة إذا لم يكن

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 414:5-415، روضة الطالبين 106:4-107.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالغا». و المثبت يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالغا... أتلفها... أو تلفت... لأنّه... فيضمن». و المثبت يقتضيه السياق.

مثليّا(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ الحرّ أكمل من العبد، و لا يليق بالحكمة زيادة عوض العبد علي الحرّ، و كذا الحرّة.

و قال أبو حنيفة: إنّه لا يتجاوز العبد دية الحرّ و لا الأمة دية الحرّة في الغصب و غيره، إلاّ أنّه قال: إن كانت قيمة العبد عشرة آلاف درهم نقص عشرة دراهم، و كذا في دية المملوكة(2).

مسألة 1029: و لو كانت الجناية علي العبد و الأمة فيما دون النفس إمّا في طرف أو جراحة،

فلا يخلو إمّا أن يكون في تلك الجناية مقدّر مضبوط في الحرّ، أو لا يكون، فإن لم يكن فالواجب فيه ما ينقص من قيمته.

و كذا لو تلف الطّرف أو حصلت الجراحة في يد الغاصب من غير جناية؛ لأنّه مضمون عليه.

و إن كان فيها مقدّر، كما لو قطع يد العبد أو الأمة، فإنّه يتقدّر أيضا عند علمائنا من الرقيق أيضا، و القيمة في حقّه كالدية في حقّ الحرّ، فيجب في يد العبد نصف قيمته، كما يجب في الحرّ نصف ديته، و علي هذا القياس، و هو أصحّ قولي الشافعي، و هو الجديد، و الثاني: أنّ الواجب ما ينقص من القيمة (كما في سائر)(3) الأموال(4).

ص: 203


1- بحر المذهب 32:9، الوجيز 207:1، الوسيط 403:3، البيان 9:7، العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4، و انظر: المغني 383:9، و الشرح الكبير 526:9.
2- راجع: النتف 671:2، و بحر المذهب 32:9، و العزيز شرح الوجيز 415:5، و المغني 383:9، و الشرح الكبير 526:9.
3- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «كسائر».
4- بحر المذهب 30:9، التهذيب - للبغوي - 300:4، البيان 10:7، العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4.

و كذا البحث في الجراحات، فلو جرحه خارصة وجب عليه عشر عشر القيمة، كما يجب في خارصة الحرّ عشر عشر ديته، و هو إحدي الروايتين عن أحمد؛ فإنّ بعضهم روي عنه أنّ ضمان الغصب هو ضمان الجناية، فيجب أرش الجناية، كما لو جني عليه من غير غصب، و في الثانية: أنّ ضمان الغصب غير ضمان الجناية، فعليه أكثر الأمرين من أرش النقص أو دية ذلك العضو؛ لأنّ سبب ضمان كلّ واحد منهما وجد، فوجب أكثرهما، و دخل الآخر فيه، فإنّ الجناية و اليد وجدا معا، فلو غصب عبدا يساوي ألفا فزادت قيمته، فصار يساوي ألفين، ثمّ قطع يده فنقص ألفا، لزمه ألف و ردّ العبد؛ لأنّ زيادة السوق مع تلف العين مضمونة، و يد العبد كنصفه، فكأنّه بقطع يده فوّت نصفه، و لو نقص ألفا و خمسمائة و قلنا: الواجب ما نقص، فعليه ألف و خمسمائة، و يردّ العبد، و إن قلنا: ضمان الجناية، فعليه ألف و ردّ العبد فحسب، و لو نقص خمسمائة فعليه ردّ العبد، و هل يلزمه ألف أو خمسمائة ؟ علي وجهين(1).

مسألة 1030: ما يحصل تحت مجرّد اليد العادية كيد الغاصب،

كما إذا غصب عبدا فسقطت يده في يده بآفة سماويّة، فالواجب فيه نصف الدية، كما لو جني عليه.

و الأقرب: التجاوز إن زادت؛ لأنّ بين الغاصب و غيره فرق العدوان.

و الشافعيّة قالوا: الواجب قدر النقصان مطلقا، سواء زاد عن دية الحرّ أو لا(2) ، و هو الأقوي الذي اخترناه.

و لهم وجه: أنّه إذا كان النقصان أقلّ من المقدّر وجب ما يجب علي

ص: 204


1- المغني 388:5، الشرح الكبير 399:5-400.
2- العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4.

الجاني(1).

و المشهور عندهم: الأوّل؛ لأنّ ضمان اليد سبيله سبيل ضمان الأموال، و لهذا لا يتعلّق به قصاص و لا كفّارة، و لا يضرب علي العاقلة بحال، و لهذا إذا كان قدر النقصان أكثر من المقدّر كان هو الواجب بالاتّفاق(2).

و علي الجديد للشافعي لو قطع الغاصب يد العبد المغصوب، لزمه أكثر الأمرين من نصف القيمة أو أرش النقصان؛ لاجتماع السببين، حتي لو كانت قيمته ألفا و نقص بقطع اليد أربعمائة، وجب خمسمائة، و لو نقص ستمائة، وجب ستمائة(3).

مسألة 1031: لو جني الغاصب علي العبد بما فيه كمال قيمته،

كما لو قطع أنفه أو يديه أو رجليه أو أذنيه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتخيّر المالك بين دفعه إلي الغاصب و مطالبته بقيمته، و بين أن يأخذ العبد و لا شيء له(4) ؛ تسوية بين الغاصب و غيره، و به قال أبو حنيفة و الثوري(5) ؛ لأنّا لو جعلنا له العبد و القيمة معا لجمعنا له بين الثمن و المثمن، و ذلك لا يجوز، كما إذا وطئ جارية ابنه صارت أمّ ولد له، و وجبت عليه القيمة، و لأنّه ضمان مال، فلا يبقي ملك صاحبه عليه مع ضمانه له، كسائر الأموال.

و قال الشافعي و أحمد: لا يجب علي المولي دفع العبد، بل يطالب

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4.
2- العزيز شرح الوجيز 412:5.
3- العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4.
4- الخلاف 400:3-401، المسألة 9، المبسوط - للطوسي - 62:3.
5- المغني 389:5، الشرح الكبير 401:5، بحر المذهب 31:9، حلية العلماء 221:5، البيان 10:7.

الغاصب بكمال قيمته(1) ، و هو الأقوي عندنا، و القياس علي الجاني غير الغاصب باطل؛ للفرق، و بطلان أصل القياس، و القيمة بدل عن اليدين، و إنّما ذلك مقدّر بقيمة الكلّ، كما أنّه إذا قطع إحدي اليدين وجب نصف القيمة، و لا يجب تسليم نصف العبد لأخذ نصف القيمة.

و لأنّ المتلف البعض، فلا يقف ضمانه علي زوال الملك عن جملته، كقطع إحدي يديه، و لأنّ المضمون هو المفوّت، فلا يزول الملك عن غيره بضمانه، كما لو قطع تسع أصابع، و لأنّه جني علي ملك غيره جناية مضمونة، فكان له المطالبة بالأرش مع إمساك ملكه، كما لو قطع إحدي يديه، أو قطع كلّ واحد من الغاصبين يدا.

و لو تلفت هذه الأعضاء بغير جناية، فالأقرب: أنّه يضمنها ضمان الإتلاف.

و للشافعيّة قولان، أحدهما هذا، و الثاني: يضمنها بما نقص(2).

مسألة 1032: لو جني الغاصب علي العبد جناية زادت بها قيمته،

كالخصي و سلّ الأنثيين و قطع الذكر أو قطع الإصبع الزائدة، فإنّه يجب عليه دفع كمال القيمة إلي المولي، و دفع العبد أيضا؛ لأنّه جني عليه بما فيه مقدّر، فكان ضامنا لتلك الجناية، كالحرّ.

و لو مثّل الغاصب بالعبد، قال الشيخ رحمه اللّه: يعتق العبد، و يضمن قيمته

ص: 206


1- بحر المذهب 31:9، حلية العلماء 221:5، البيان 10:7، العزيز شرح الوجيز 412:5، روضة الطالبين 102:4، المغني 389:5، الشرح الكبير 5: 401.
2- نسبهما ابنا قدامة في المغني 389:5، و الشرح الكبير 401:5 إلي الروايتين عن أحمد.

لمولاه؛ تسوية بينه و بين تمثيل المالك(1).

و الوجه: خلاف ذلك، و أنّه يجب عليه ضمان جناياته و دفع العبد إلي مولاه، و لا يعتق العبد.

و لو كان الناقص بقطع الغاصب ليد العبد ثلثي قيمته، فالواجب ثلثا قيمته علي ما اخترناه.

و علي القديم و الجديد معا للشافعي ذلك أيضا، أمّا علي القديم:

فلأنّه قدر النقصان، و أمّا علي الجديد: فالنصف واجب بالجناية و السدس باليد العادية(2).

و لو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته، وجب نصف القيمة عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و علي الثاني: الثلث(3).

مسألة 1033: المدبّر و المكاتب المشروط و أمّ الولد حكمهم حكم القنّ في إلحاقهم بالقنّ في الضمان،

فلو غصب أحد هؤلاء ضمنه، كما يضمن القنّ، و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(4).

و قال أبو حنيفة: أمّ الولد لا تضمن بالغصب؛ لأنّها لا تجري مجري الأموال؛ بدليل أنّه لا يتعلّق بها حقّ الغرماء، فأشبهت الحرّة(5).

ص: 207


1- الخلاف 398:3، المسألة 6.
2- العزيز شرح الوجيز 412:5-413، روضة الطالبين 103:4.
3- العزيز شرح الوجيز 413:5، روضة الطالبين 103:4.
4- نهاية المطلب 173:7، حلية العلماء 221:5، البيان 10:7، العزيز شرح الوجيز 413:5، روضة الطالبين 103:4، بدائع الصنائع 146:7، الهداية - للمرغيناني - 23:4، المحيط البرهاني 507:5، المغني 449:5، الشرح الكبير 375:5.
5- بدائع الصنائع 146:7، الهداية - للمرغيناني - 23:4، المحيط البرهاني 5: 507، حلية العلماء 222:5، البيان 10:7، العزيز شرح الوجيز 413:5، المغني 449:5، الشرح الكبير 375:5.

و هو غلط؛ لأنّها تضمن بالقيمة، و ما يضمن بالقيمة جنايته يضمن بالغصب كالقنّ، و لأنّها مملوكة، فأشبهت المدبّرة، و فارقت الحرّة؛ لأنّها ليست مملوكة، و لا تضمن بالقيمة، و يمنع عدم تعلّق حقّ الغرماء علي ما يأتي تفصيله فيما بعد إن شاء اللّه تعالي، و لأنّه يملك تزويجها و إجارتها و يأخذ قيمتها لو قتلت، فأشبهت المدبّرة، فكان القياس عليها أولي من القياس علي الحرّة.

مسألة 1034: لو غصب عبدا أو أمة فقتله قاتل،

ضمن القاتل قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ فتردّ إليها، و لا يضمن القاتل الزيادة علي ما يأتي، و يضمن الغاصب خاصّة الزيادة.

و لو زاد الأرش عن الجناية، طولب الغاصب بالزيادة أيضا، دون الجاني.

و كذا لو مات في يده، ضمن قيمته و إن تجاوزت قيمة الحرّ.

و لو جني الغاصب علي عضو من أعضائه فأتلفه، فقد قلنا: إنّه يضمنه بمقدّر من قيمته، كما يضمن أطراف الحرّ بمقدّر من ديته.

و حكي أصحاب الشافعي عن مالك أنّه يجب بالجناية ما نقص إلاّ في الموضحة(1) و المنقّلة(2) و المأمومة(3) و الجائفة(4)(5).

ص: 208


1- الموضحة: هي التي تبدي وضح العظم، أي: بياضه. النهاية - لابن الأثير - 5: 196 «وضح».
2- المنقّلة: هي التي تخرج منها صغار العظم و تنتقل عن أماكنها، و قيل: التي تنقل العظم، أي: تكسره. النهاية - لابن الأثير - 110:5 «نقل».
3- أمّه: أي: شجّه آمّة - بالمدّ - و هي التي تبلغ أمّ الدماغ حين يبقي بينها و بين الدماغ جلد رقيق. الصحاح 1865:5 «أمم».
4- الجائفة: هي الطعنة التي تنفذ إلي الجوف. النهاية - لابن الأثير - 317:1 «جوف».
5- الحاوي الكبير 141:7، بحر المذهب 30:9، حلية العلماء 222:5، البيان 10:7.

و ليس بجيّد؛ لأنّ كلّ جناية تقدّرت من الحرّ تقدّرت من العبد كهذه الجنايات.

القسم الثاني: الحيوان المملوك غير الآدميّ، كالإبل و البقر و الغنم و الخيل و سائر الحيوانات المملوكة، فإنّ الواجب فيها باليد و الجناية القيمة، فلو غصب إنسان فرس غيره فتلفت أو أتلفها، سواء كان غاصبا أو لا، وجب عليه القيمة بلا خلاف.

و أمّا ما يتلف من أجزائها فالأقرب: أنّ الواجب فيه الأرش، و هو ما تنقص به قيمتها، و لا فرق في ذلك بين نوع و نوع، و لا تقدير فيه، سواء كان مقدّرا في الآدميّ أو لا، فلو قلع عين الدابّة أو قطع يدها أو رجلها، وجب عليه الأرش، و لا تقدير فيه علي الأقوي - و به قال الشافعي(1) - و من غير فرق بين الأطراف و غيرها؛ لأنّها جناية علي مال محض، لا نسبة له إلي الآدميّ، فيضمن بالأرش، كغيره من الأموال، و لأنّ المثل هنا متعذّر، فوجب الرجوع فيه إلي قيمة المتلف، و القيمة هنا ما نقص عن ماليّته، و هو الأرش.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قلع عين دابّة، كان عليه نصف قيمتها، و في العينين جميع القيمة، و كذا كلّ ما يكون في البدن منه اثنان، ففي الدابّة جميع القيمة فيهما، و في الواحد نصفها(2).

و قال أبو حنيفة: إنّ الإبل و البقر و الخيل و ما له اللحم و الظّهر معا4.

ص: 209


1- الحاوي الكبير 139:7-140، نهاية المطلب 174:7، بحر المذهب 29:9، الوسيط 392:3، حلية العلماء 224:5، البيان 11:7، العزيز شرح الوجيز 5: 413، روضة الطالبين 103:4، الاختيار لتعليل المختار 90:3.
2- الخلاف 397:3، المسألة 4.

يجب في إحدي عينيه ربع القيمة، و في العينين معا نصف القيمة(1) ؛ لما رواه زيد بن ثابت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قضي في عين الدابّة بربع قيمتها(2) ، و عن عمر أنّه كتب إلي شريح لمّا كتب إليه يسأله عن عين الدابّة: إنّا كنّا ننزلها منزلة الآدميّ إلاّ أنّه أجمع رأينا أنّ قيمتها ربع الثمن(3).

و يحتمل في الروايتين أن تكونا قد وردتا في دابّة قيمة عينها ربع قيمتها، و لو كان ذلك تقديرا لوجب في العين نصف الدية، كعين الآدميّ.

و قال أحمد: في عين الخيل و البغال و الحمير خاصّة ربع القيمة؛ لأنّ الدابّة في العرف ما يعدّ للركوب، دون بهيمة الأنعام، و سئل عن العينين، فتوقّف و أوجب الأرش؛ اقتصارا علي حديث عمر(4).

و الوجه: ما قدّمناه.

و ينتقض قول أبي حنيفة بالقياس علي أطراف الدابّة، فإنّ الواجب فيها عنده الأرش(5) ، مع أنّها مقدّرة في الآدميّ، و علي ما له اللحم خاصّة، كالغنم و الطير، أو علي ما له الظّهر خاصّة، كالبغال.

مسألة 1035: و لا فرق في الأرش بين مالك و مالك في وجوب الأرش،

دون كمال القيمة؛ لأنّه جني علي بهيمة جناية نقصت بها قيمتها، فلم يجب

ص: 210


1- الاختيار لتعليل المختار 90:3، روضة القضاة 7785/1271:3، الحاوي الكبير 140:7، بحر المذهب 29:9، الوسيط 392:3، حلية العلماء 224:5، البيان 11:7، العزيز شرح الوجيز 413:5، اختلاف الأئمّة العلماء 14:2، المغني 5: 387، الشرح الكبير 402:5.
2- المغني 387:5، الشرح الكبير 402:5.
3- المغني 387:5، الشرح الكبير 402:5.
4- اختلاف الأئمّة العلماء 15:2، المغني 386:5-387، الشرح الكبير 5: 401، العزيز شرح الوجيز 413:5.
5- الاختيار لتعليل المختار 90:3، المحيط البرهاني 468:5 و 469، المبسوط - للسرخسي - 86:11، الحاوي الكبير 140:7.

كمال قيمتها، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

و قال مالك: لو قطع ذنب حمار القاضي وجب عليه تمام القيمة - و عن أحمد رواية مثله(2) - و لو قطع ذنب حمار الشوكي لم يجب عليه سوي الأرش؛ لأنّه بقطع ذنبه فوّت غرض صاحبه منه؛ لأنّ القاضي لا يركب حمارا مقطوع الذنب، و الشوكي يمكنه حمل الشوك علي حمار مقطوع الذنب، و لم يقل هذا في غير ما يركبه من بهائم القاضي، كالثور و غيره، و كذا لو قطع يد حماره(3).

و الأصل عنده أنّه إذا جني علي عين فأتلف غرض صاحبها فيها، كان علي الجاني كمال القيمة؛ لأنّه قد أتلف عليه المنفعة المقصودة من السلعة، فلزمته قيمتها، كما لو أتلف جميعها.

و هو غلط؛ لأنّ الاعتبار بالمجنيّ عليه، و أمّا غرض المالك فلا عبرة به؛ لأنّها إن لم تصلح له صلحت لغيره؛ لأنّ منفعتها باقية، و لا اعتبار بأغراض الملاّك، فإنّ من وطئ جارية الأب بالشبهة وجب عليه مهر المثل - كمن وطئ جارية الأجنبيّ بالشبهة - و إن تضمّن وطؤ جارية الأب التحريم المؤبّد عليه.

القسم الثالث: الأعيان الماليّة الصامتة.5.

ص: 211


1- راجع: الهامش (1) من ص 209، و الهامش (1) من ص 210.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 413:5، و راجع: المغني 386:5، و الشرح الكبير 390:5.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 396:3-397، المسألة 3، و راجع: الحاوي الكبير 140:7، و بحر المذهب 29:9-30، و حلية العلماء 224:5، و البيان 11:7، و العزيز شرح الوجيز 413:5، و المغني 386:5، و الشرح الكبير 390:5.

و هي قسمان: إمّا مثليّة أو غير مثليّة.

و قد اختلف في تفسير المثليّ.

فقال الشيخ رحمه اللّه: المثليّ ما تتساوي قيمة أجزائه، كالحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب و الأدهان و ما أشبه ذلك، و غير المثليّ ما لا تتساوي أجزاؤه، كالحيوان و الأراضي و الأشجار، و غير ذلك(1).

و قال جماعة من الفقهاء: المثليّ ما تتماثل أجزاؤه و تتقارب صفاته، كالحبوب و غيرها(2).

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد: المثليّ كلّ مقدّر بكيل أو وزن(3).

و زاد بعضهم: اشتراط جواز السّلم فيه؛ لأنّ المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمّة، و الضمان يشبهه؛ لأنّه يثبت في الذمّة(4).

و زاد القفّال و غيره: اشتراط جواز بيع بعضه ببعض؛ لتشابه الأصلين في قضيّة التماثل(5).

و اعترض علي العبارات الأخيرة الثلاث: بأنّ القماقم و الملاعق و المغارف المتّخذة من الصفر و النحاس موزونة، و يجوز السّلم فيها و بيع بعضها ببعض و ليست مثليّة(6).5.

ص: 212


1- المبسوط - للطوسي - 59:3 و 60.
2- المغني 376:5، الشرح الكبير 433:5.
3- العزيز شرح الوجيز 419:5، روضة الطالبين 108:4، روضة القضاة 3: 7713/1258، الهداية - للمرغيناني - 11:4.
4- نهاية المطلب 175:7، بحر المذهب 25:9، الوسيط 395:3، التهذيب - للبغوي - 294:4، العزيز شرح الوجيز 419:5، روضة الطالبين 108:4.
5- البيان 11:7-12، مضافا إلي المصادر المزبورة في الهامش السابق.
6- نهاية المطلب 176:7، العزيز شرح الوجيز 419:5.

و منع بعض الشافعيّة من جواز السّلم في القماقم و نحوها؛ لاختلافها، و إنّما جاز في الأسطال المربّعة و الظروف المصبوبة في القوالب(1).

و لا يبعد ممّن صار إلي العبارات الحكم عليها بأنّها مثليّة.

و قال بعضهم: المثليّات هي التي تقسم بين الشريكين من غير حاجة إلي تقويم(2).

و يشكل بالأرض المتساوية الأجزاء، فإنّها تقسم من غير تقويم و ليست مثليّة.

و قال آخرون: المثليّ ما لا تختلف أجزاء النوع الواحد منه في القيمة، و ربما يقال في الجرم و القيمة(3).

و يقرب منه قول من قال: المثليّات هي التي تتشاكل في الخلقة و معظم المنافع، أو ما تتساوي أجزاؤه في المنفعة و القيمة(4).

و زاد بعضهم: من حيث الذات، لا من حيث الصنعة(5) ، و قصد به الاحتراز عن الملاعق و المغارف و صنجات الميزان المتساوية، فإنّ تساويها جاء من حفظ التشابه في الصنعة، و إلاّ فالمصنوعات مختلفة في الغالب.

و لقائل أن يقول: الملعقة و نحوها لو وردت علي الضابط المذكور إمّا ترد لتماثل أجزائها و هي ملعقة، أو لتماثل أجزاء جوهرها فقط.

و الأوّل باطل؛ لأنّ أجزاء الملعقة غير متماثلة في المنفعة.4.

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 422:4، و 420:5.
2- العزيز شرح الوجيز 420:5.
3- العزيز شرح الوجيز 420:5.
4- نهاية المطلب 176:7، الوسيط 395:3، الوجيز 208:1، العزيز شرح الوجيز 420:5، روضة الطالبين 108:4.
5- الوجيز 208:1، الوسيط 395:3، العزيز شرح الوجيز 420:5، روضة الطالبين 108:4.

و أمّا الثاني فالصفر الذي هو جوهر الملعقة إذا كان مثليّا كان تماثل أجزائه من حيث الذات لا الصنعة، و إذا لم تؤثّر الصنعة في تماثل الأجزاء فكيف يقال: ما تتماثل أجزاؤه من حيث الذات لا الصنعة ؟!

و الحقّ أنّ أثر الصنعة في تماثل الأعداد و أوضاع أجزائها لا غير.

و اعلم أنّ ما ذكره أبو حنيفة ينتقض بالمعجونات.

و قول القفّال بجواز بيع البعض بالبعض بعيد عن اصطلاح الشافعيّة، فإنّهم أعرضوا عن هذا الشرط، و قالوا: امتناع بيع البعض بالبعض في الربويّات لرعاية التماثل في حال الكمال بمعزل عمّا نحن فيه(1).

و الاعتبار بالقسمة باطل بما تقدّم.

و ما لا تختلف أجزاء النوع الواحد منه إن أريد بالأجزاء فيها كلّ ما يتركّب عنه الشيء، لزم أن لا تكون الحبوب مثليّة؛ لأنّها تتركّب عن القشور و اللّبّ، و القشر و اللّبّ مختلفان في القيمة و المنفعة، و كذا التمر و الزبيب؛ لما فيهما من النوي و العجم(2).

و إن أريد الأجزاء التي يقع عليها اسم الجملة، لزم أن لا تكون الدراهم و الدنانير مثليّة؛ لما يقع في الصحاح من الاختلاف في الوزن و الاستدارة و الاعوجاج و وضوح السكّة و خفائها، و ذلك ممّا يؤثّر في المنفعة و القيمة، و النظر إلي الجرم بعيد؛ لأنّ الحبوب و التمور متماثلة، و معلوم أنّ نوعا منها لا يخلو عن اختلاف الحبّات في الصغر و الكبر.

و استحسن بعض الشافعيّة كلّ متقدّر بكيل أو وزن يجوز السّلم فيه، إلاّ أنّه ينبغي أن يقال: المثليّ كلّ ما يحصره الكيل أو الوزن، و يجوز السّلم».

ص: 214


1- العزيز شرح الوجيز 420:5، روضة الطالبين 108:4.
2- العجم - بالتحريك -: النوي: نوي التمر و النّبق. لسان العرب 391:12 «عجم».

فيه، و لا يقال: كلّ مكيل أو موزون؛ لأنّ المفهوم منهما ما يعتاد كيله و وزنه، فيخرج منه الماء، و هو مثليّ، و كذا التراب، و هو مثليّ علي الأصحّ عندهم(1).

و اعلم أنّه ينشأ من اختلاف العبارات الخلاف في الصفر و النحاس و الحديد و الرصاص؛ لأنّ أجزاءها مختلفة الجواهر، و لأنّ زبرها متفاوتة الأجرام.

و في التبر و السبيكة و المسك و العنبر و الكافور و الثلج و الجمد و القطن؛ لمثل ذلك.

و في العنب و الرطب و سائر الفواكه الرطبة؛ لامتناع بيع بعضها ببعض، و كذا في الدقيق.

و الأظهر عندهم: أنّها بأجمعها مثليّة(2).

و في السّكر و العسل المصفّي بالنار و الفانيذ(3) و اللحم الطري؛ للخلاف في جواز بيع كلّ منها بجنسه عندهم(4).

و في الخبز؛ لامتناع بيع بعضه ببعض، و للخلاف في جواز السّلم فيه عندهم(5).

و أمّا الحبوب و الأدهان و الألبان و السمن و المخيض و الخلّ الذي لم يستعن في اتّخاذه بالماء و الزبيب و التمر و نحوها فهي مثليّة بالاتّفاق، و كذا الدراهم و الدنانير.4.

ص: 215


1- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.
2- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.
3- الفانيذ - بالذال المعجمة -: ضرب من الحلواء. لسان العرب 503:3 «فنذ».
4- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.
5- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.

لكن قضيّة العبارة المستحسنة عند بعض الشافعيّة: إثبات خلاف فيها؛ لأنّ في السّلم فيها خلافا، و لأنّهم جعلوا المكسّرة علي الخلاف في التبر و السبيكة؛ لتفاوت القراضات في الجرم، و مثل ذلك يفرض في الصحاح، فيلزم مجيء الخلاف فيها(1).

و هذا في الدنانير و الدراهم الخالصة، أمّا المغشوشة فأمرها عندهم مبنيّ علي جواز التعامل بها، إن جوّزوه فهي مثليّة، و إلاّ فمتقوّمة؛ لأنّ ما لا يملك بالعقد لا يملك بالقبض عوضا عن متلف(2).

و اعلم أنّ الحقّ ما نقلناه(3) عن الشيخ رحمه اللّه.

البحث الثالث: في المنافع.
اشارة

منافع الأموال من العبيد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه، سواء أتلفها بأن استعملها، أو فاتت تحت يده بأن بقيت في يده مدّة و لا يستعملها، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد بن حنبل(4) - لأنّ المنافع مضمونة بالعقد الفاسد، فتضمن بالغصب، كالأعيان، و لأنّها متقوّمة، فإنّ المال يبذل لتحصيلها، و لو استأجر عينا

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.
2- العزيز شرح الوجيز 421:5، روضة الطالبين 109:4.
3- في ص 212.
4- الحاوي الكبير 160:7، المهذّب - للشيرازي - 374:1، نهاية المطلب 7: 196، بحر المذهب 45:9، الوجيز 208:1، حلية العلماء 210:5، التهذيب - للبغوي - 293:4، البيان 6:7، العزيز شرح الوجيز 416:5، روضة الطالبين 103:4، اختلاف الأئمّة العلماء 16:2، المغني 434:5، الشرح الكبير 5: 438، المبسوط - للسرخسي - 78:11، روضة القضاة 7736/1262:3، تحفة الفقهاء 90:3، الفقه النافع 658/934:3، بدائع الصنائع 145:7، الهداية - للمرغيناني - 20:4، المعونة 1217:2.

لمنفعة فاستعملها في غيرها، ضمنها، فأشبهت الأعيان، و لأنّ كلّ مضمون بالإتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرّد الإتلاف، كالأعيان.

و قال أبو حنيفة: لا يضمنها الغاصب لا بالتلف و لا بالإتلاف، و إنّما تضمن بعقد أو شبهة عقد؛ لأنّه استوفي منفعة بغير عقد و لا شبهة ملك، فلا يضمنها، كما لو زني بامرأة(1).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ المرأة رضيت بإتلاف منافعها بغير عوض و لا عقد يقتضي العوض، فكان بمنزلة من أعار داره.

و قال مالك: لا تضمن بالفوات تحت اليد، و إنّما تضمن بالتفويت و الاستعمال، و اختلف أصحابه، إلاّ أنّهم نظروا في الخلاف أنّه لا يضمنها؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «الخراج بالضمان»(2) قالوا: و ضمانها عليه(3).

و الخبر ورد في البيع، و لا يدخل فيه الغاصب؛ لأنّه لا يجوز الانتفاع بالمغصوب بالإجماع.

مسألة 1036: كلّ عين لها منفعة تستأجر تلك المنفعة

فإنّ منفعتها

ص: 217


1- مختصر القدوري: 130، المبسوط - للسرخسي - 78:11، روضة القضاة 3: 7735/1262، تحفة الفقهاء 90:3، الفقه النافع 658/934:3، بدائع الصنائع 145:7، الهداية - للمرغيناني - 20:4، الاختيار لتعليل المختار 92:3، الحاوي الكبير 160:7، نهاية المطلب 231:7، بحر المذهب 45:9، حلية العلماء 210:5، التهذيب - للبغوي - 293:4، البيان 6:7، العزيز شرح الوجيز 416:5، اختلاف الأئمّة العلماء 15:2، المغني 435:5، الشرح الكبير 438:5.
2- سنن ابن ماجة 2243/754:2، سنن أبي داود 3508/284:3-3510، السنن الكبري - للبيهقي - 321:5، مسند أحمد 23704/74:7، المستدرك - للحاكم - 15:2.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1079/629:2، عقد الجواهر الثمينة 3: 865-866، الذخيرة 281:8، العزيز شرح الوجيز 416:5، و راجع: المغني 435:5، و الشرح الكبير 438:5.

مضمونة عندنا بالإتلاف و التلف تحت اليد العادية إذا بقيت في يده مدّة لمثلها أجرة، حتي لو غصب كتابا و أمسكه مدّة يطالعه أو لم يطالعه، أو غصب مسكا فاشتمّه أو لم يشتمّه تلزمه أجرته.

و لو كان العبد يحسن صناعات لزمه أجرة أعلاها أجرة، و لا يجب عليه أجرة الجميع.

و لو كان له صنعة يعملها بالنهار و أخري بالليل، وجب علي الغاصب أجرتهما معا؛ لأنّه قد أتلف منفعة زمانين، فكان بمنزلة ما لو أتلف منفعة يومين.

مسألة 1037: منفعة البضع لا تضمن بالفوات تحت اليد،

بل بالإتلاف، فلو غصب جارية غيره و بقيت في يده مدّة لم يطأها لم تلزمه أجرة عن البضع و لا مهر و لا عقر، بل أجرة الخدمة الفائتة خاصّة و إن لم يستخدمها.

و الفرق بين منفعة البضع و سائر المنافع: أنّ اليد لا تثبت علي منفعة البضع، ألا تري أنّ السيّد يزوّج الأمة المغصوبة و لا يؤجرها كما لا يبيعها؛ لأنّ يد الغاصب حائلة بين المستأجر و المشتري و بين الجارية، و لو تداعي اثنان نكاح امرأة، يدّعيان عليها و لا يدّعي أحدهما علي الآخر و إن كانت عنده، و لو أقرّت لأحدهما حكم بأنّها منكوحته، و ذلك يدلّ علي أنّ اليد لها.

و أيضا فإنّ منفعة البضع تستحقّ استحقاق ارتفاق للحاجة، و سائر المنافع تستحقّ استحقاق ملك تامّ، ألا تري أنّ من ملك منفعة الاستئجار(1) ملك نقلها إلي غيره بالعوض بأن يؤجر، و بغير العوض بأن يعير، و الزوج

ص: 218


1- كذا، و الأولي: «من ملك منفعة بالاستئجار».

المستحقّ لمنفعة البضع لا يملك نقلها لا بعوض و لا بغير عوض، و أمّا إذا فوّت منفعة البضع بالوطئ ضمن مهر المثل.

مسألة 1038: منفعة بدن الحرّ تضمن بالتفويت لا بالفوات،

فلو قهر حرّا و استعمله في شغل ضمن أجرته؛ لأنّه استوفي منافعه و هي متقوّمة، فلزمه ضمانه(1) ، كما لو استوفي منافع العبد.

و لو حبسه مدّة لمثلها أجرة و عطّل منافعه، فالأقوي: أنّه لا يضمن الأجرة؛ لأنّ منافعه تابعة لما لا يصحّ غصبه، فأشبهت ثيابه إذا تلفت(2) عليه و أطرافه، و لأنّ منافعه في يده، لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده، فلم يجب ضمانها، بخلاف الأموال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يضمنها؛ لأنّ منافعه تتقوّم بالعقد الفاسد، فأشبهت منافع الأموال فقد فوّتها بحبسه فضمنها، كمنافع العبد(3).

أمّا لو منعه عن العمل من غير حبس، فإنّه لا يضمن منافعه وجها واحدا؛ لأنّه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحرّ أولي.

و لو حبس الحرّ فمات عنده، لم يضمنه؛ لأنّه ليس بمال.

و لو حبسه و عليه ثياب، لم يلزمه ضمانها؛ لأنّ يد الحرّ عليها، و الغاصب لا تثبت يده عليه، فلا تثبت علي ما في يده.

و لا فرق بين أن يكون صغيرا أو كبيرا.

ص: 219


1- الظاهر: «ضمانها».
2- كذا قوله: «تلفت»، و في المغني 448:5، و الشرح الكبير 379:5: «بليت».
3- الحاوي الكبير 161:7، المهذّب - للشيرازي - 381:1، نهاية المطلب 7: 174، بحر المذهب 101:9، الوسيط 393:3-394، التهذيب - للبغوي - 4: 306-307، البيان 70:7، العزيز شرح الوجيز 417:5، روضة الطالبين 4: 104.

و هذا كمذهب أبي حنيفة و الشافعي(1).

مسألة 1039: لو استأجر حرّا،

ففي جواز إيجاره إشكال.

و كذا الإشكال لو استأجره مدّة لعمل فسلّم المستأجر نفسه فلم يستعمله المستأجر حتي انقضت المدّة التي استأجره فيها ممكّنا من نفسه هل تتقرّر أجرته ؟

و أكثر الشافعيّة قالوا: له أن يؤجره، و تتقرّر أجرة الأجير بالتمكين و إن لم يستعمله المستأجر(2).

و منع الحكمين القفّال منهم، فقال: ليس لمستأجر الأجير أن يؤجره، و لا تتقرّر أجرة الأجير علي المستأجر إلاّ بالاستعمال، لا بانقضاء مدّة العمل مع التمكين؛ لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد، و لا تحصل منافعه في يد المستأجر و ضمانه إلاّ عند وجودها(3).

و لم يختلفوا في عدم دخول الحرّ تحت اليد، بل الأكثر جوّزوا إيجاره، و قرّروا أجرته للحاجة و المصلحة(4).

تذنيب: لو نقل حرّا صغيرا أو كبيرا من موضع إلي موضع آخر بالقهر، فإن لم يكن له غرض في الرجوع إلي الموضع الأوّل فلا شيء عليه، و إن كان فاحتاج إلي مؤونة فهي علي الناقل؛ لتعدّيه، علي إشكال.

مسألة 1040: قد بيّنّا أنّ منافع الكلب - الذي يجوز اقتناؤه

و له قيمة في

ص: 220


1- كما في المغني 448:5، و الشرح الكبير 379:5.
2- التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 417:5، روضة الطالبين 4: 104.
3- التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 417:5، روضة الطالبين 4: 104.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 417:5، و روضة الطالبين 104:4-105.

نظر الشرع - مضمونة علي الغاصب.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان علي جواز استئجاره(1).

و أمّا الصيد الذي صاده الغاصب بالكلب المغصوب فإنّه للغاصب - و هو أظهر قولي الشافعيّة(2) - لأنّ الغاصب هو الصائد، و الكلب آلة في الصيد، و لهذا يكتفي بتسميته عند إرساله.

و الثاني: أنّه للمالك، كصيد العبد و اكتسابه؛ لأنّه من كسب ماله، فأشبه صيد العبد و كسبه(3).

و الوجه: الأوّل؛ لما قلنا من أنّه آلة، بخلاف العبد؛ لأنّ له فعلا مستقلاّ برأيه.

و لا فرق بين الكلب في ذلك و بين السهم و القوس و الشبكة، فإنّها آلات لا يتحقّق ملك الصيد لأربابها - بل للصائد - بها، و كذا الكلب.

و حكم باقي جوارح الصيد - كالفهد و البازي [المغصوبين](4) - حكم الكلب، و الخلاف فيهما كالخلاف فيه.

و لبعض العامّة في القوس و السهم و الشبكة إذا غصب شيئا منها فاصطاد به وجهان(5).5.

ص: 221


1- المهذّب - للشيرازي - 381:1، بحر المذهب 36:9، الوسيط 394:3، حلية العلماء 247:5، البيان 70:7، العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4.
2- الوسيط 394:3، البيان 34:7، العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4.
3- الوسيط 394:3، البيان 34:7، العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المغصوب». و الظاهر ما أثبتناه.
5- المغني 406:5، الشرح الكبير 394:5.

و الوجه: ما قلناه من أنّه للصائد؛ لأنّ الصيد حصل بفعله، و هذه آلات، فأشبه ما لو ذبح بسكّين غيره.

قالوا: إنّه لصاحب القوس و السهم و الشبكة؛ لأنّه حاصل به، فأشبه نماء ملكه و كسب عبده(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الحصول من الغاصب، لا من الآلة.

إذا ثبت هذا، فإنّ الغاصب يجب عليه أجرة المثل للكلب و آلات الجوارح و القوس و باقي آلات الصيد مدّة مقامه في يده.

و علي الوجه الثاني للشافعيّة: أنّ الصيد للمالك، ففي وجوب الأجرة لزمان الاصطياد وجهان:

أحدهما: أنّه لا تجب؛ لأنّه إذا كان الحاصل له كانت المنافع منصرفة إليه، فلم يتحقّق تفويت الغاصب لها علي مالكها، و الأجر إنّما هو في مقابلة المنافع، و المنافع في هذه المدّة عائدة إلي مالكها، فلم يستحق عوضها(2) علي غيره، كما لو زرع أرض إنسان فأخذ المالك الزرع بمنفعته.

و الثاني: عليه أجرة المثل؛ لأنّه استولي علي منافعه، فأشبه ما لو لم يصد شيئا، و لأنّ المالك ربما كان يستعمله في غير ما اشتغل به، فلا تدخل الأجرة فيما اكتسبه(3).

مسألة 1041: إذا غصب عينا فنقصت،

كان الغاصب ضامنا للنقصان، و يجب مع الأرش الأجرة، سواء كان النقص بسبب غير الاستعمال، كما لو غصب ثوبا أو عبدا فانتقصت قيمته بآفة سماويّة كسقوط يد العبد بمرض،

ص: 222


1- المغني 406:5، الشرح الكبير 394:5.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «عوضا».
3- البيان 34:7، العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4.

أو كان النقص بسبب الاستعمال، كما إذا لبس الثوب فأبلاه.

و الأجرة الواجبة قبل حدوث النقصان أجرة مثله سليما، و لما بعده أجرة مثله معيبا؛ لأنّ كلّ واحد من نقص الجزء و مضيّ المدّة إمّا مع الاستعمال أو بدونه موجب لعوضه، فإذا اجتمعا وجبا معا، كما لو بقي في يده مدّة ثمّ تلف.

و فصّل الشافعيّة هنا، فقالوا: إن كان النقص بسبب غير الاستعمال، كما لو سقطت يد العبد بآفة سماويّة أو نقص الثوب بنشره، وجب له الأرش مع الأجرة، و الأجرة الواجبة لما قبل حدوث النقص أجرة مثله سليما، و لما بعده أجرة مثله معيبا.

و إن كان النقص بسبب الاستعمال، فوجهان:

أصحّهما عندهم: أنّهما يجبان أيضا، كما لو حصل النقصان بسبب آخر.

و الثاني: أنّه لا يجب إلاّ أكثر الأمرين من أجرة المثل أو أرش النقصان؛ لأنّ النقصان نشأ من الاستعمال و قد قوبل الاستعمال بالأجرة، فلا يجب له ضمان آخر(1).

و نحن نمنع ذلك؛ فإنّ الأجرة لم تجب للاستعمال، و إنّما تجب لفوات المنفعة علي المالك، ألا تري أنّها تجب و إن لم يستعمل، فإذن لا يجب ضمانان بشيء واحد.

و كذا تجب الأجرة و إن لم تفت الأجزاء.

و إن لم يكن للمغصوب أجرة، كثوب غير مخيط، فلا أجرة له علي الغاصب، و عليه ضمان نقصه لا غير.6.

ص: 223


1- العزيز شرح الوجيز 418:5، روضة الطالبين 105:4-106.
مسألة 1042: إذا غصب عينا فتعذّر ردّها،

كعبد أبق أو دابّة شردت أو غصبت منه و لم يتمكّن من استخلاصها، وجب عليه دفع القيمة إلي المالك - علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي - للحيلولة بين المالك و عينه، و تلزمه أجرة المثل للمدّة التي مضت قبل بذل القيمة.

و هل تلزمه الأجرة لما بعدها؟ الأقرب: الوجوب؛ لأنّ حكم الغصب باق، و إنّما وجبت القيمة للحيلولة، فيضمن الأجرة لفوات المنفعة، و لأنّ العين باقية علي ملكه و المنفعة له، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا تجب الأجرة؛ لأنّ القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب، فكأنّ المغصوب عاد إليه، و لأنّه استحقّ الانتفاع ببدله الذي أقيم مقامه، فلم يستحق الانتفاع به، و قام مقامه، كسائر ما عداه(1).

و الوجهان جاريان في أنّ الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة علي الغاصب ؟ و في أنّه هل تلزمه مؤونة ردّها؟ و في أنّ جناية الآبق في إباقه هل يتعلّق ضمانها بالغاصب ؟(2).

و لو غيّب الغاصب العبد المغصوب إلي مكان بعيد و عسر ردّه و غرم القيمة، طرّد بعض الشافعيّة الخلاف في الأحكام المذكورة فيه، و منهم من قطع بوجوب الأجرة، و ثبوت سائر الأحكام، و الفرق: إنّ من غيّبه باختياره فهو باق في يده و تصرّفه، فلا تنقطع علائق الضمان عنه، بخلاف الآبق(3).

ص: 224


1- الحاوي الكبير 218:7، المهذّب - للشيرازي - 375:1-376، نهاية المطلب 288:7، بحر المذهب 93:9، حلية العلماء 215:5، التهذيب - للبغوي - 4: 303، البيان 16:7، العزيز شرح الوجيز 419:5، روضة الطالبين 106:4.
2- نهاية المطلب 288:7 و 289، العزيز شرح الوجيز 419:5، روضة الطالبين 106:4.
3- نهاية المطلب 289:7، العزيز شرح الوجيز 419:5، روضة الطالبين 106:4.

الفصل الرابع: في الواجب

اشارة

قد عرفت أنّ الأعيان إمّا مثليّة أو غير مثليّة، فهنا بحثان:

البحث الأوّل: المثليّ.
مسألة 1043: كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه علي المالك

- سواء طالب المالك بردّه أو لا - ما دامت العين باقية، بلا خلاف؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله:

«علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه»(1).

و لأنّ حقّ المغصوب منه متعلّق بماله، و لا يتحقّق ذلك إلاّ بردّه.

فإن تلفت العين فقد تعذّر الردّ عليه، فلا بدّ لإبراء ذمّته من سبيل؛ دفعا للحرج، و لا سبيل إلي ذلك إلاّ بردّ بدله و ما يساويه؛ إذ الغرض الكلّي أصل الماليّة، و إنّما تتعلّق بالجزئيّات الأغراض النادرة، فيجب حينئذ ردّ بدله، و هو ما يقوم مقامه في الماليّة؛ لقوله تعالي: فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (2).

ثمّ ينظر فإن كان من ذوات الأمثال وجب ردّ المثل؛ لأنّ المثل أقرب الأشياء إليه و من القيمة، و هو مماثل له من طريق الصورة و المشاهدة و المعني، و أمّا القيمة فإنّها مماثلة من طريق الظنّ و الاجتهاد، فكأنّ ما هو من طريق المشاهدة مقدّم، كما يقدّم النصّ علي القياس عند القائلين به؛ لكون النصّ طريقه الإدراك بالسماع، و القياس طريقه الظنّ و الاجتهاد، و إن

ص: 225


1- سنن ابن ماجة 2400/802:2، السنن الكبري - للنسائي - 5783/411:3-3، السنن الكبري - للبيهقي - 90:6 و 95، و 276:8، سنن الدارمي 264:2، المستدرك - للحاكم - 47:2، مسند أحمد 19582/632:5، و 19643/641.
2- سورة البقرة: 194.

لم يكن مثليّا وجبت قيمته في قول أكثر العلماء(1).

و حكي عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري أنّه يجب في كلّ شيء مثله(2) ؛ لما روت عائشة قالت: ما رأيت صانعا مثل حفصة(3) صنعت طعاما فبعثت به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، فأخذني الأفكل فكسرت الإناء، فقلت:

يا رسول اللّه ما كفّارة ما صنعت ؟ فقال: «إناء مثل الإناء، و طعام مثل الطعام»(4) و الأفكل: الرعدة من الغيرة.

و عن أنس أنّ امرأة كسرت قصعة أخري، فدفع النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قصعة الكاسرة إلي صاحبة المكسورة، و حبس المكسورة في بيته(5).

و هو محمول علي جواز ذلك بالتراضي، و قد علم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّها ترضي بذلك، أو أنّ المثليّة تحقّقت بذلك فيهما، و مع ذلك فهو معارض بما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أعتق شركا له من عبد قوّم عليه قيمة العدل»(6) فأمر بالتقويم في حصّة الشريك؛ لأنّها متلفة بالعتق، و لم يأمر7.

ص: 226


1- المغني 376:5، الشرح الكبير 429:5، الحاوي الكبير 136:7 و 179، بحر المذهب 21:9، الوسيط 395:3، حلية العلماء 211:5، التهذيب - للبغوي - 296:4، البيان 7:7، العزيز شرح الوجيز 430:5، روضة الطالبين 115:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1074/627:2.
2- الحاوي الكبير 136:7، بحر المذهب 21:9، حلية العلماء 211:5، البيان 7:7، المغني 376:5، الشرح الكبير 429:5.
3- في سنن أبي داود: «صفيّة» بدل «حفصة». و في المغني و الشرح الكبير كما في المتن.
4- سنن أبي داود 297:3-3568/298، و عنه في المغني 376:5، و الشرح الكبير 429:5.
5- سنن أبي داود 3567/297:3، سنن النسائي (المجتبي) 70:7.
6- صحيح البخاري 189:3، صحيح مسلم 1501/1139:2، الموطّأ 789:2، ذيل ح 3، السنن الكبري - للبيهقي - 96:6، و 274:10 و 278، مسند أحمد 399/91:1، و 5884/257:2، مسند أبي يعلي 176:10-5802/177.

بالمثل، و لأنّ هذه الأشياء لا تتساوي أجزاؤها، و تتفاوت صفاتها، فالقيمة فيها أعدل و إليها أقرب فكانت أولي.

مسألة 1044: قد بيّنّا أنّ المثليّ يضمن مع تلفه بمثله،

كالدراهم و الدنانير، و الحبوب و الأدهان.

قال ابن عبد البرّ: كلّ مطعوم من مأكول أو مشروب مجمع علي أنّه يجب علي مستهلكه مثله لا [قيمته](1)(2).

و أمّا سائر المكيل و الموزون فإنّها متماثلة عندنا تضمن بالمثل.

و لو كان فيه صناعة - كمعمول الحديد و النحاس و الرصاص من الأواني و الآلات و نحوها، و الحليّ من الذهب و الفضّة، و المنسوج من الحرير و الكتّان و القطن و الصوف و الشعر، و المغزول من ذلك - فالأقرب:

أنّه يضمن بالقيمة؛ لأنّ الصناعة تؤثّر في قيمته، و هي مختلفة، فالقيمة فيه أخصّ(3) ، فأشبه غير المكيل و الموزون.

و قال بعض العامّة: إنّ النقرة و السبيكة من الأثمان و العنب و الرطب و الكمّثري إنّما تضمن بالقيمة(4).

و الوجه: الأوّل:

مسألة 1045: إذا غصب عينا من ذوات الأمثال و تلفت في يده أو أتلفها و المثل موجود فلم يسلّمه حتي فقد،

أخذت منه القيمة؛ لتعذّر المثل،

ص: 227


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بقيمته». و المثبت هو الصحيح.
2- الاستذكار 32103/129:22، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 377:5، و الشرح الكبير 428:5.
3- ورد في المغني 377:5، و الشرح الكبير 433:5: «أحصر» بدل «أخصّ».
4- المغني 377:5، الشرح الكبير 433:5.

فأشبه غير المثليّ.

و المراد من الفقد أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه.

فإذا لم يقبض القيمة وقت الإعواز حتي مضت مدّة تختلف فيها القيمة، وجب عليه القيمة يوم الإقباض، لا يوم الإعواز.

و لو أعوز فحكم الحاكم بالقيمة فزادت أو نقصت، لم يلزم ما حكم به الحاكم، و حكم بالقيمة وقت تسليمها؛ لأنّ الثابت في الذمّة إنّما هو المثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يكون له المطالبة بقيمة يوم القبض، و لا اعتبار بحكم الحاكم به(1).

و للشافعيّة في القيمة المعتبرة عشرة أوجه:

أحدها: أنّها أقصي قيمة من يوم الغصب إلي التلف، و لا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد تلفه، كما في المتقوّمات، و لأنّ المثل جار في الوجوب مجري المغصوب، فإذا تعذّر صار بمنزلة تلف المغصوب، و المغصوب إذا وجبت قيمته وجب أكثر ما كانت من حين الغصب إلي حين التلف.

و ثانيها: أنّها أقصي قيمة من وقت تلف المغصوب إلي الإعواز؛ لأنّ المثل هو الواجب، إلاّ أنّه لمّا فقد تعذّر الوصول إليه، فينظر إلي قيمته من وقت وجوبه إلي التعذّر.

و ربما بني هذان الوجهان علي أنّ الواجب عند إعواز المثل قيمة المغصوب؛ لأنّه الذي تلف علي المالك، أو قيمة المثل؛ لأنّه الواجب عند التلف، و إنّما رجعنا إلي القيمة لتعذّره ؟ و فيه وجهان لبعض الشافعيّة: إن قلنا بالأوّل، اعتبرنا الأقصي من وقت الغصب إلي وقت تلف المغصوب،ب.

ص: 228


1- الخلاف 395:3، المسألة 1 من كتاب الغصب.

[و إن قلنا بالثاني، اعتبرنا من وقت تلف المغصوب](1) لأنّ المثل حينئذ يجب إلي وقت الانقطاع و الإعواز.

و ثالثها - و هو الأصحّ عندهم -: أنّ القيمة المعتبرة أقصي القيم من يوم الغصب إلي يوم الإعواز؛ لأنّ وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث إنّه كان مأمورا بتسليم المثل، كما كان مأمورا بردّ العين، فإذا لم يفعل غرّم أقصي قيمته في المدّتين، كما أنّ المتقوّمات تضمن بأقصي قيمتها لهذا المعني، و لا نظر إلي ما بعد انقطاع المثل، كما لا نظر إلي ما بعد تلف المغصوب المتقوّم.

و رابعها: أقصي القيم من وقت الغصب إلي وقت تغريم القيمة و المطالبة بها؛ لأنّ المثل لا يسقط بالإعواز، ألا تري أنّ المغصوب منه لو صبر إلي وجدان المثل ملك المطالبة به، و إنّما المصير إلي القيمة عند تغريمها.

و هذه الأوجه الأربعة هي المذكورة في الكتاب(2).

و خامسها: أنّها أقصي القيم من وقت انقطاع المثل و إعوازه إلي وقت المطالبة بالقيمة؛ لأنّ الإعواز وقت الحاجة إلي العدول إلي القيمة، فيعتبر(3) الأقصي من يومئذ.

و سادسها: أنّها أقصي القيم من وقت تلف المغصوب إلي وقت المطالبة؛ لأنّ الضمان يومئذ يجب.

و سابعها: أنّ الاعتبار بقيمة اليوم الذي تلف فيه المغصوب.».

ص: 229


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 422:5.
2- أي: كتاب الوجيز 208:1.
3- في الطبعة الحجريّة: «فتعيّن» بدل «فيعتبر».

و ثامنها: أنّ الاعتبار بقيمة يوم الإعواز؛ لأنّه وقت العدول إلي القيمة.

و تاسعها - و به قال أبو حنيفة و مالك(1) -: أنّ الاعتبار بقيمته يوم المطالبة، لأنّ الإعواز حينئذ يظهر و يتحقّق، و قد يبدّل لفظ المطالبة و التغريم بالحكم بالقيمة، و المرجع بهما إلي شيء واحد.

و عاشرها: أنّه إن كان منقطعا في جميع البلاد فالاعتبار بقيمته(2) يوم الإعواز، و إن فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمته يوم الحكم بالقيمة(3).

و قال بعضهم: المعتبر قيمة يوم أخذ القيمة، لا يوم المطالبة و لا يوم التلف(4).

و قال أبو حنيفة: الاعتبار بقيمة يوم المطالبة و القبض(5). و هو الوجه عندي.

و قال أحمد بالوجه الثامن(6).

و لو غصب مثليّا فتلف و المثل مفقود، فالقياس أن يجب علي الوجه الأوّل و الثالث: أقصي القيم من يوم الغصب إلي التلف، و علي الثاني و السابع و الثامن: قيمة يوم التلف، و أن يعود الرابع و السادس و التاسع بحالها، و علي الخامس: أقصي القيم من يوم التلف إلي يوم التغريم، و علي5.

ص: 230


1- مختصر اختلاف العلماء 1866/177:4، المبسوط - للسرخسي - 50:11، روضة القضاة 7724/1260:3، تحفة الفقهاء 97:3، بدائع الصنائع 151:7، الهداية - للمرغيناني - 12:4، المحيط البرهاني 475:5، الاختيار لتعليل المختار 85:3، المغني 421:5، الشرح الكبير 428:5.
2- في النّسخ الخطّيّة: «بقيمة».
3- العزيز شرح الوجيز 422:5-423، روضة الطالبين 110:4.
4- العزيز شرح الوجيز 423:5، روضة الطالبين 111:4.
5- العزيز شرح الوجيز 423:5.
6- المغني 421:5، الشرح الكبير 428:5، العزيز شرح الوجيز 423:5.

العاشر: إن كان مفقودا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم التلف، و إلاّ فقيمة يوم التغريم.

و لو أتلف مثليّا علي إنسان من غير غصب و إثبات يد(1) عليه و كان المثل موجودا فلم يسلّمه حتي فقد، فعلي الوجه الأوّل: تجب قيمة يوم الإتلاف، و علي الثاني و الثالث: أقصي القيم من يوم الإتلاف إلي الإعواز، و علي الرابع: من يوم الإتلاف إلي التغريم(2) ، و القياس عود الوجوه السابقة(3).

و لو أتلفه و المثل مفقود، فالقياس أن يقال: علي الوجه الأوّل و الثاني و الثالث و السابع و الثامن: تجب قيمة(4) يوم الإتلاف، و علي الرابع و الخامس و السادس: أقصي القيم من يوم الإتلاف إلي يوم(5) التغريم، و علي التاسع: قيمة يوم التغريم، و علي العاشر: إن كان منقطعا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم الإتلاف، و إلاّ فقيمة يوم التغريم(6).

و مهما غرم الغاصب أو المتلف القيمة لإعواز المثل ثمّ وجد المثل، هل للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ الأقرب: المنع؛ لبراءة ذمّة الغاصب بأداء بدل المثل، فلا تعود الذمّة مشغولة بالمبدل، كما لو صام الفقير عن الكفّارة ثمّ استطاع العتق، بخلاف ما لو غرم قيمة العبد ثمّ وجد؛ لأنّ القيمة4.

ص: 231


1- في «ص، ع»: «يده».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «التقويم».
3- كذا في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة من قوله: «السابقة»، و بدلها في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «الباقية»، و هي الأولي.
4- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قيمته».
5- كلمة «يوم» لم ترد في «ص، ع».
6- العزيز شرح الوجيز 423:5، روضة الطالبين 111:4.

ليست بدلا عن العبد حقيقة، و إنّما هي مأخوذة للحيلولة، و لأنّ العبد عين حقّ المغصوب منه، و المثل بدل حقّه، و لا يلزم من تمكين المالك من الرجوع إلي عين حقّه تمكينه من الرجوع إلي بدل حقّه.

مسألة 1046: لو غصب عينا من ذوات الأمثال و نقلها إلي بلد آخر،

كان للمالك مطالبته بردّه إلي مكانه الأوّل، و له أن يأخذه من المكان الثاني، و له أن يطالبه في المكان الأوّل بالقيمة في الحال؛ للحيلولة، فإذا ردّه الغاصب استردّ القيمة التي دفعها إلي المالك؛ لأنّه إنّما ملكها للحيلولة و قد زالت بالردّ إليه.

و لو تلف في البلد المنقول إليه، طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين؛ لتوجّه الطلب عليه بردّ الثمن في الموضعين، فإن فقد المثل غرّمه قيمة أكثر البلدين قيمة.

و لو أتلف مثليّا أو غصبه و تلف عنده في بلد ثمّ ظفر المالك به في بلد آخر، كان للمالك مطالبته بالمثل، سواء كان لنقله مؤونة أو لا.

و قال أصحاب الشافعي: إن لم يكن لنقله مؤونة كالدراهم و الدنانير، فله المطالبة بالمثل، و إن كان لنقله مؤونة، لم يكن له طلب المثل، و لا للغارم تكليفه قبول المثل؛ لما يلزم فيه من المؤونة و الضرر، و للمالك أن يغرّمه قيمة بدل المتلف(1) ، فإن تراضيا علي المثل لم يكن له تكليفه مؤونة النقل(2).

و حكي الجويني وجهين آخرين:

ص: 232


1- كذا، و في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «بلد التلف».
2- الوسيط 396:3، التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 425:5، روضة الطالبين 112:4.

أحدهما: أنّه يطالبه بالمثل و إن لزمت المؤونة و زادت القيمة، كما لو أتلف مثليّا في وقت الرخص و طلب المثل في الغلاء، و هو الذي اخترناه.

و الثاني: أنّه إن كان قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التلف أو أقلّ طالبه بالمثل، و إلاّ فلا(1).

و علي القول بالمنع لو أخذ القيمة ثمّ تراجعا في بلد التلف [هل](2) للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ و هل لصاحبه استرداد القيمة و بذل المثل ؟ فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لإعواز المثل(3).

و لو نقل المغصوب المثليّ إلي بلد آخر و تلف هناك أو أتلفه ثمّ ظفر به المالك في بلد ثالث و قلنا: إنّه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف، فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة.

مسألة 1047: لو غصب المثليّ فتلف تحت يده أو أتلف المثليّ علي غيره

و إن لم يكن غاصبا و مضي عليه زمان زادت قيمة المثل فيه، فله المطالبة بالمثل و إن زادت القيمة.

و لو نقصت القيمة، فله المثل خاصّة ليس له سواه، و به قال العامّة(4) ، و فرّقوا بين مضيّ الزمان و مغايرته للأوّل و بين المكان عند القائلين بأنّه لا يطالب بالمثل في غير ذلك المكان: أنّ العود إلي المكان الأوّل ممكن

ص: 233


1- نهاية المطلب 182:7-184، الوسيط 396:3، العزيز شرح الوجيز 5: 425، روضة الطالبين 112:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قيل». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
3- التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 425:5، روضة الطالبين 4: 112-113.
4- العزيز شرح الوجيز 426:5، روضة الطالبين 113:4.

فجاز انتظاره، و ردّ الزمان الأوّل غير ممكن، فقنعنا بصورة المثل و إن لم يكن ذلك مثلا حقيقة؛ لأنّ التساوي في القيمة معتبر في المثلين، و للزمان أثر ظاهر في تفاوتها(1).

و هذا كلّه فيما إذا لم يخرج المثل باختلاف الزمان و المكان عن أن يكون له قيمة و ماليّة، أمّا إذا خرج، كما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثمّ اجتمعا علي شطّ نهر، أو أتلف عليه جمدا في الصيف و اجتمعا في الشتاء، فالأقرب: أنّه يجب علي المتلف قيمة المثل في مثل تلك المفازة و في الصيف، و إلاّ لزم تضرّر المالك بإتلاف ملكه بالحقيقة.

و إذا غرم القيمة ثمّ اجتمعا في مثل تلك المفازة أو في الصيف هل يثبت الترادّ؟ الأقوي عندي: المنع.

و للشافعيّة وجهان(2).

تذنيب: لو انتقل المسلم إليه لم يطالب بالمثل؛ لما فيه من المؤونة، و إنّما عليه أن يوفيه إيّاه في مكان العقد.

و في مطالبته بالقيمة نظر من حيث إنّه اعتياض، فإن منع فله الفسخ و طلب رأس المال.

و لو كان قد أقرضه في موضع، فإنّ له(3) أن يأخذ القرض منه في موضعه، و ليس له مطالبته به في غير موضعه.

و لو اتّفقا علي ذلك جاز، و له المطالبة بالقيمة، فإنّ أخذ القيمة عن القرض جائز.».

ص: 234


1- العزيز شرح الوجيز 426:5.
2- التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 426:5، روضة الطالبين 113:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «فله» بدل «فإنّ له».
مسألة 1048: الذهب و الفضّة إن كانا مضروبين فهما مثليّان يضمنان بالمثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يضمنان بنقد البلد(1) ، كما لو أتلف ما لا مثل له.

و إن لم يكونا مضروبين، فإمّا أن تكون فيه(2) صنعة كالحليّ، أو لا تكون كالتّبر.

أمّا الأوّل فإذا أتلف حليّا وزنه عشرة و قيمته عشرون، ضمن الأصل بمثله و قيمة الصنعة، و هي عشرة أيضا، و كذا في غير النقدين و إن زاد عن الأصل، ربويّا كان أو غير ربويّ؛ لأنّ للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدوانا و لو من غير غصب.

و لو كانت الصنعة محرّمة، لم تضمن.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه تضمن العين بوزنها من جنسها، و الصنعة بقيمتها من غير جنسها، سواء كان ذلك نقد البلد أو لم يكن؛ لأنّه لو ضمن الكلّ بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين و ذلك ربا(3). و هو ممنوع.

و أصحّهما عندهم: أنّه يضمن الجميع بنقد البلد و إن كان من جنسه، و لا يلزم الربا، فإنّ الربا إنّما يجري في العقود لا في الغرامات، و لو كان هذا ربا لكان الأوّل أيضا ربا، فإنّه كما لا يقابل دينار بدينارين لا يقابل دينار بدينار و درهم(4).

و لهم أيضا وجهان آخران:

ص: 235


1- المبسوط - للطوسي - 61:3.
2- كذا قوله: «فيه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «فيهما».
3- العزيز شرح الوجيز 427:5، روضة الطالبين 114:4.
4- العزيز شرح الوجيز 427:5، روضة الطالبين 114:4.

أحدهما: أنّ العين تضمن بوزنها من جنسها، و الصنعة بنقد البلد، كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلّي يضمن بنقد البلد، سواء كان من جنس الحليّ أو غير جنسه.

و الثاني: أنّه يضمن الجميع بغير جنسه تحرّزا عن التفاضل و عن اختلاف الجنس في أحد الطرفين(1) ، و هو مرويّ عن أبي حنيفة(2).

و لو أتلف آنية الذهب و الفضّة، فيبني علي أنّ اتّخاذها للاستعمال هل هو جائز؟ إن قلنا: نعم، فهو كما لو أتلف حليّا، و إن قلنا: لا، فهو كإتلاف ما لا صنعة فيه.

و إذا أتلف ما لا صنعة فيه: كالتّبر و السبيكة، ضمنه بالمثل؛ لأنّه من ذوات الأمثال؛ لتساوي الأجزاء.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّهما مثليّان، فيضمنان بالمثل.

و الثاني: أنّه يضمن قيمته بنقد البلد، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، كسائر المتقوّمات(3).

و لهم وجه آخر: أنّ الأمر كذلك إلاّ إذا كان نقد البلد من جنسه و كانت القيمة تزيد علي الوزن، فحينئذ يقوّم بغير الجنس و يضمن به(4).

و فرّقوا بينه و بين ما فيه صنعة: بأنّ الزيادة هناك تقع في مقابلة الصنعة، فلا تؤدّي إلي الربا، و هنا لا قيمة للصنعة فيلزم الربا(5).5.

ص: 236


1- التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 427:5، روضة الطالبين 114:4.
2- التهذيب - للبغوي - 295:4-296، العزيز شرح الوجيز 427:5.
3- التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 427:5، روضة الطالبين 114:4.
4- التهذيب - للبغوي - 295:4، العزيز شرح الوجيز 428:5، روضة الطالبين 114:4.
5- العزيز شرح الوجيز 428:5.
مسألة 1049: إذا تغيّر المغصوب في يد الغاصب من حال إلي أخري ثمّ تلف عنده،

فإمّا أن يكون متقوّما في الحالة الأولي مثليّا في الثانية، أو بالعكس، أو يكون مثليّا فيهما، أو متقوّما فيهما، فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكون متقوّما في الحالة الأولي خاصّة، كما لو غصب رطبا و قلنا: إنّه متقوّم، فصار تمرا ثمّ تلف عنده، فالوجه: أنّ عليه الأكثر من قيمة الرطب أو مثل التمر، فإنّ الرطب لو كان أكثر قيمة من قيمة التمر حتي أوجبنا التمر أو قيمته، لزم تضييع الزيادة التي استحقّها المالك عليه، و لو كان التمر أكثر قيمة، وجب عليه التمر؛ لأنّه مثليّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني: أنّ المالك يتخيّر بين أن يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب؛ لأنّه أتلف عليه ماله و هو مثليّ، و [ردّ](1) ماله و هو متقوّم، فيطالب بموجب ما شاء من الحالين. و هو حسن، و الثالث: أنّه يضمن مثل التمر خاصّة؛ لأنّه لا يمكن الجمع بين المثل و القيمة، و لا بدّ من إيجاب أحدهما، و المثل أقرب إلي التالف، فيكون إيجابه أولي(2).

الثاني: أن يكون مثليّا في الحالة الأولي متقوّما في الحالة الثانية، كما لو غصب حنطة فطحنها ثمّ تلف الدقيق عنده، أو جعله خبزا و أكله و قلنا:

لا مثل للدقيق و الخبز، كما هو قول الشافعيّة(3) ، أو غصب منه تمرا و اتّخذ منه الخلّ بالماء عندهم(4) ، أو اتّخذ من الكتّان ثوبا و خرج بذلك عن كونه مثليّا، فالذين أوجبوا المثل في الأوّل من الشافعيّة أوجبوه هنا(5) ، فيضمن الحنطة و التمر و الكتّان، و علي الآخر: إن كان المتقوّم أكثر قيمة، غرمها،

ص: 237


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 428:5-429، روضة الطالبين 114:4. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 429:5، روضة الطالبين 115:4.

و إلاّ غرم المثل(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يغرم بأقصي القيم، و ليس للمالك مطالبته بالمثل؛ لأنّ التلف حصل و هو متقوّم(2).

و علي هذا فإذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء و بقيت عنده إلي التلف و غرّمه المالك في وقت الرخص [فيغرم](1) المثل أو القيمة ؟ فالصواب عندهم أن يقال: إن تلفت و هي حنطة، غرّمه المثل، و إن صارت إلي حالة التقوّم ثمّ تلفت، فالقيمة، و لا يصحّ إطلاق الجواب بالمثل و لا بالقيمة(2).

الثالث: أن يكون مثليّا فيهما، كما لو غصب سمسما و اتّخذ منه شيرجا ثمّ تلف عنده، ضمن أكثرها قيمة، فإن تساويا قيمة تخيّر المالك في أيّهما شاء، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: يتخيّر المالك، فيغرّمه ما شاء منهما(4).

و هما متقاربان.

الرابع: أن يكونا متقوّمين، و يجب فيه أقصي القيم في الحالتين.

مسألة 1050: إذا أتلف المثليّ،

وجب عليه تحصيل المثل، فإن وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه بلا خلاف.

و إن لم يجده إلاّ بأزيد من ثمن المثل، ففي إلزامه بتحصيله إشكال

ص: 238


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فغرم». و في العزيز شرح الوجيز: «يغرم». و في روضة الطالبين: «فهل يغرم». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 429:5، روضة الطالبين 115:4.
3- البغوي في التهذيب 297:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 429:5، و روضة الطالبين 115:4.
4- الغزالي في الوسيط 398:3، و الوجيز 209:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 429:5، و روضة الطالبين 115:4.

ينشأ: من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة في الكفّارة و الهدي، و من أنّ المثل كالعين، و ردّ العين واجب و إن لزم في مؤونته أضعاف قيمته.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الأخير(1).

و ربما يمكن الفرق بين المثل و العين: بأنّه تعدّي في العين دون المثل، فلا يأخذ المثل حكم العين.

البحث الثاني: في غير المثليّ.
اشارة

إذا غصب عينا ليست من ذوات الأمثال، وجب عليه ردّها ما دامت باقية علي صفاتها.

فإن تلفت عند الغاصب أو أتلفها، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمنها الغاصب بأكثر القيم من يوم الغصب إلي يوم التلف(2) ، و به قال الشافعي؛ لأنّه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالردّ، فإذا لم يرد ضمن بدله(3).

و قال أبو حنيفة: تعتبر قيمتها يوم الغصب؛ لأنّ ما زاد لم يحصل فيه الغصب(4).

ص: 239


1- بحر المذهب 27:9، الوسيط 397:3، التهذيب - للبغوي - 294:4، البيان 14:7، العزيز شرح الوجيز 429:5-430، روضة الطالبين 115:4.
2- المبسوط - للطوسي - 103:3، الخلاف 415:3، المسألة 29.
3- الحاوي الكبير 136:7، المهذّب - للشيرازي - 375:1، نهاية المطلب 7: 195، بحر المذهب 58:9، الوجيز 209:1، حلية العلماء 211:5، التهذيب - للبغوي - 296:4، البيان 7:7، العزيز شرح الوجيز 430:5، روضة الطالبين 115:4، روضة القضاة 7723/1260:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 50:11، روضة القضاة 7722/1260:3، تحفة الفقهاء 96:3، بدائع الصنائع 151:7، الهداية - للمرغيناني - 12:4، المحيط البرهاني -

و قال أحمد: تعتبر قيمتها يوم التلف؛ لأنّ زيادة السوق لا تضمن مع بقاء العين فوجب التقويم يوم التلف(1).

و قول أبي حنيفة ضعيف؛ لأنّ الإمساك منه غصب.

و كذا قول أحمد؛ لأنّ ذلك يسقط بردّ العين، فإذا أعوزت فقد تعذّر ردّها.

و قول أحمد لا بأس به.

مسألة 1051: لو غصب في بلد ثمّ تلف المغصوب في غير ذلك البلد و اختلفت قيمة البلدين،

كان له أكثر القيمتين.

و لو اختلف النقدان، فالأقرب: وجوب القيمة من نقد البلد الذي حصل فيه التلف.

و اعلم أنّ تفاوت القيمة قد يكون لزيادة و نقصان، كما إذا كان العبد ذا صنعة فنسيها، و قد يكون لارتفاع السوق و انخفاضه، فلو كانت قيمته مائة فبلغت مائتين ثمّ عادت بتراجع الأسواق إلي مائة و خمسين ثمّ هلك، لزمه مائتين، و لا عبرة بتفاوت السوق بعد التلف، و لو تكرّر ارتفاع السوق و انخفاضه، لم يضمن كلّ زيادة، و إنّما يضمن الأكثر.

و لو أتلف متقوّما من غير غصب، ضمن قيمته يوم الإتلاف، فإن حصل التلف بتدريج و سراية و اختلفت القيمة في تلك المدّة، كما إذا جني علي بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة ثمّ هلكت و قيمة المثل خمسون، لزمه

ص: 240


1- المغني 421:5، الشرح الكبير 430:5، بحر المذهب 58:9، حلية العلماء 212:5، العزيز شرح الوجيز 430:5.

مائة؛ لأنّا إذا اعتبرنا الأقصي في اليد العادية فلأن نعتبرها في نفس الإتلاف كان أولي، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: تعتبر قيمة يوم الغصب، بناء علي أنّ الزوائد غير مضمونة(2).

و قال أحمد: تعتبر قيمة يوم التلف إذا كان التفاوت لاضطراب الأسواق(3).

مسألة 1052: لو غصب عبدا فأبق أو دابّة فشردت أو ضلّت أو غيّبها الغاصب أو غصب ثوبا فضاع،

فللمالك أن يضمّنه القيمة في الحال؛ للحيلولة، و لزوم الضرر، و الاعتبار بأقصي القيم من يوم الغصب إلي يوم المطالبة، و ليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة؛ لأنّ قيمة الحيلولة ليست حقّا ثابتا في الذمّة حتي يجبر علي قبوله أو الإبراء عنه، بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: إنّها منزّلة منزلة الحقوق المستقرّة(5).

ثمّ القيمة المأخوذة يملكها المالك، كما يملك عند التلف، و ينفذ تصرّفه فيها، و لا يملك الغاصب المغصوب، كما لا يملك نصف العبد إذا قطع إحدي يديه و غرم، فإذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده و ردّ القيمة، و للغاصب ردّه و استرداد القيمة.

و هل له حبس المغصوب إلي أن يستردّ القيمة ؟ قال الشافعي: نعم،

ص: 241


1- العزيز شرح الوجيز 430:5، روضة الطالبين 116:4.
2- العزيز شرح الوجيز 430:5.
3- العزيز شرح الوجيز 430:5-431.
4- العزيز شرح الوجيز 431:5، روضة الطالبين 116:4.
5- العزيز شرح الوجيز 431:5، روضة الطالبين 116:4.

كما أنّه يثبت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن(1).

و الأقرب عند أصحابه: المنع من حبس المشتري(2).

و الأقرب: المنع في الغاصب.

مسألة 1053: قد بيّنّا أنّ الغاصب إذا دفع القيمة إلي المالك لأجل الحيلولة ملك المغصوب منه القيمة،

فله التصرّف فيه كيف شاء و إخراجه عن يده بالبيع و الهبة و غير ذلك، و لا يملك الغاصب العين المغصوبة، فإذا قدر الغاصب عليها بعد ذلك وجب عليه ردّها - و به قال الشافعي(3) - لأنّ الغصب ليس سبب الملك، و دفع القيمة لا يوجب التملّك؛ لأنّه غرم ما تعذّر عليه ردّه بخروجه عن يده، فلا يملكه بذلك، كما لو كان المغصوب مدبّرا.

و قال أبو حنيفة: إنّ الغاصب يملك العين المقوّمة، فإذا قدر عليها لا يلزمه ردّها، إلاّ أن يكون دفع دون قيمتها بقوله مع يمينه، فيكون للمغصوب منه ردّ القيمة و استرجاعها(4).

ص: 242


1- الوجيز 209:1، العزيز شرح الوجيز 431:5، روضة الطالبين 116:4.
2- العزيز شرح الوجيز 431:5، روضة الطالبين 116:4.
3- الحاوي الكبير 216:7، المهذّب - للشيرازي - 375:1، نهاية المطلب 7: 182، بحر المذهب 92:9-93، الوسيط 398:3، حلية العلماء 214:5 - 215، التهذيب - للبغوي - 303:4، البيان 15:7، العزيز شرح الوجيز 5: 431، روضة الطالبين 116:4، المغني 417:5، الشرح الكبير 436:5.
4- روضة القضاة 7761/1267:3، الفقه النافع 654/932:3، الهداية - للمرغيناني - 18:4، الاختيار لتعليل المختار 85:3-86، الحاوي الكبير 7: 216، نهاية المطلب 182:7، بحر المذهب 93:9، الوسيط 398:3، حلية العلماء 215:5، التهذيب - للبغوي - 303:4-304، البيان 15:7، العزيز شرح الوجيز 431:5.

و نقل عن أبي حنيفة و مالك: أنّهما قالا: يتخيّر المالك بين الصبر إلي إمكان ردّها فيستردّها، و بين تضمينه إيّاها فيزول ملكه عنها، و تصير ملكا للغاصب لا يلزمه ردّها إلاّ أن يكون دفع [دون](1) قيمتها بقوله مع يمينه؛ لأنّ المالك ملك البدل، فلا يبقي ملكه علي المبدل كالبيع، و لأنّه تضمين فيما ينتقل الملك فيه، فوجب أن ينتقل الملك به، كما لو خلط زيته بزيته(2).

و الفرق: أنّ الزيت يجوز بيعه، و لأنّ حقّ صاحبه انقطع عنه، فإنّه لا يمكنه تمييزه بحال، و ليس هذا جمعا بين البدل و المبدل؛ لأنّه ملك القيمة لأجل الحيلولة، لا علي سبيل العوض، و لذا لو ردّ الغاصب المغصوب إليه ردّ القيمة عليه، فلم يحصل معني الملك إلاّ في أحدهما.

و يجب علي الغاصب ردّ العين و نمائها إن كانت ذات نماء و ردّ الأجرة.

و أمّا القيمة المدفوعة فإن كانت باقية بحالها عند المالك، فالأقرب:

أنّه يجب عليه ردّها علي الغاصب بعينها، لا بدلها؛ لأنّه إنّما ملكها ملكا مراعي بسبب الحيلولة و قد انتفت الحيلولة، فيزول ملكه عن العين.

و قال بعض الشافعيّة: يمكن أن يجوز للمالك إمساكها و غرامة مثلها(3).

و إن اتّفقا علي ترك الترادّ، فلا بدّ من بيع ليصير المغصوب للغاصب.

و لو زادت القيمة، فإن كانت متّصلة ردّها مع الزيادة، و إن كانت منفصلة - كاللبن و الولد(4) - لا يجب ردّها؛ لأنّها نمت علي ملك المالك».

ص: 243


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- نقله عنهما ابنا قدامة في المغني 417:5، و الشرح الكبير 436:5.
3- العزيز شرح الوجيز 431:5، روضة الطالبين 117:4.
4- في النّسخ الخطّيّة: «كالولد و اللبن».

و انفصلت في ملكه.

و اعلم أنّ أبا حنيفة وافقنا علي ما قلناه من أنّ الغاصب لا يملك الغصب في المدبّر، و فيما إذا اختلفا في القيمة و غرّمناه ما اعترف به ثمّ تبيّن عند الظفر بالمغصوب أنّها أكثر(1).

و اعلم أنّ ضمان الحيلولة ثابت في كلّ مغصوب خرج من يد المالك و تعذّر ردّه.

و اعلم أنّا قد بيّنّا أنّ منافع المغصوب مضمونة، فلو كانت الأجرة في مدّة الغصب متفاوتة ضمن في كلّ زمان من أزمان المدّة بأجرة المثل فيه، فلو كانت أجرة المثل حال الغصب تساوي عشرة مدّة شهر ثمّ صارت في شهر آخر تساوي خمس عشرة ثمّ صارت في الثالث تساوي عشرين، ضمن أجرة الشهر الأوّل: عشرة، و في الثاني: خمسة عشر، و في الثالث:

عشرين، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.

و لهم وجهان آخران:

أحدهما: أنّه يضمن بالأكثر في جميع المدّة.

و الثاني: أنّها تضمن في كلّ وقت من أوقات المدّة بأجرة مثلها إن كانت الأجرة في أوّل المدّة أقلّ، و إن كانت في الأوّل أكثر ضمنها بالأكثر في جميع المدّة؛ لأنّه لو كان المال في يده لأمكن أن يكريه بها في جميع المدّة(2).

و المعتمد: الأوّل.8.

ص: 244


1- راجع: الهامش (4) من ص 242.
2- العزيز شرح الوجيز 432:5، روضة الطالبين 117:4-118.

الفصل الخامس: في الطوارئ

اشارة

و مباحثه اثنان:

البحث الأوّل: في النقصان.
اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأمور:

النظر الأوّل: نقص القيمة السوقيّة.

إذا غصب عينا و قيمتها يوم الغصب عشرة - مثلا - فردّها بحالها من غير نقص في ذاتها و لا في صفاتها لكن صارت قيمتها يوم الردّ خمسة، فلا شيء عليه - و هو قول جمهور العلماء(1) - لأنّ الفائت إنّما هو رغبات الناس، لا شيء من المغصوب، بخلاف ما إذا تلف، فإنّ الواجب هناك البدل، فوجب الأكثر؛ لكونه مأمورا بالردّ في تلك الحالة، و إذا كانت العين باقية فالواجب ردّها و قد أتي به، و لأنّه ردّ العين و لم ينقص منها عين وجب تقويمها، بخلاف ما إذا تلفت، فإنّه يجب تقويمها، فلهذا ضمن أكثر ما كانت القيمة، و هنا لا يجب تقويمها.

و قال أبو ثور: إنّ المالك يرجع بنقص القيمة السوقيّة و تفاوت الأسعار؛ لأنّ كلّ ما يضمنه إذا تلفت العين يضمنه إذا ردّها كالسمن(2).

و الفرق: أنّ في السمن قد تلفت عين منها يجب تقويمها، بخلاف

ص: 245


1- الحاوي الكبير 158:7، المهذّب - للشيرازي - 374:1، نهاية المطلب 7: 195-196، بحر المذهب 35:9، الوسيط 401:3، حلية العلماء 211:5، التهذيب - للبغوي - 298:4، البيان 6:7، العزيز شرح الوجيز 436:5، روضة الطالبين 121:4.
2- نهاية المطلب 196:7، مضافا إلي المصادر المذكورة في الهامش السابق.

مسألتنا.

و بعض الشافعيّة وافق أبا ثور في ذلك(1).

و أبو ثور و إن كان داخلا في صفة أصحاب الشافعي فله مذهب برأسه، و لا يعدّ تفرّده وجها لأصحاب الشافعي، لكن بعضهم وافقه بسبب أنّ الغاصب فوّت تلك الزيادة بإدامة اليد العادية(2).

النظر الثاني: في نقصان الأجزاء.
مسألة 1054: إذا غصب عينا و حصل فيها نقص عين منها،

وجب علي الغاصب أرش النقص و ردّ العين، سواء كان الأرش قدر القيمة أو أقلّ، كما لو قطع يدي العبد، أو قلع أذنيه علي الأقوي؛ لما تقدّم(3).

خلافا للشيخ رحمه اللّه؛ حيث سوّي بين الغاصب و الجاني في أنّه يتخيّر المالك بين دفع العين و المطالبة بقيمتها، و بين أخذها مجّانا من غير أرش(4) ، و هو قول أبي حنيفة(5).

و ما اخترناه ذهب إليه الشافعي(6) ، و قد سبق(7).

و لا فرق أيضا بين أن تفوت معظم منافعه أو لا تفوت، و به قال الشافعي(8).

و قال أبو حنيفة: إذا كان الواجب قدر القيمة أو فوّت الغاصب معظم

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 436:5، روضة الطالبين 121:4.
2- العزيز شرح الوجيز 436:5-437.
3- في ص 205-206، المسألة 1031.
4- راجع: الهامش (4) من ص 205.
5- راجع: الهامش (5) من ص 205.
6- راجع: الهامش (1) من ص 206.
7- في ص 205-206، المسألة 1031.
8- بحر المذهب 28:9، العزيز شرح الوجيز 438:5، روضة الطالبين 123:4.

منافعه بجنايته، كما لو مزّق الثوب المغصوب خرقا أو شقّه طولا أو كسر قوائم الدابّة أو بعضها، لم يكن للمالك أن يغرّمه شيئا، إلاّ أن يترك المغصوب إليه، و كذا لو ذبح الشاة أو صبغ الثوب بما لا يقبل بعده لونا آخر و هو السواد(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الأصل بقاء ملك المالك علي العين.

و احتجاجه: بأنّه قد أتلف بجنايته معظم منفعته، فكان له المطالبة بالقيمة، كما لو قتل شاة له.

و هو غلط؛ لأنّ الشاة قد أتلفها بأسرها بالقتل، فوجب قيمة جميعها، و المتنازع فيه ليس كذلك؛ لأنّه جني علي مال أرشه دون قيمته، فلم تكن له المطالبة بجميع قيمته، كما لو كان الخرق يسيرا.

مسألة 1055: إذا غصب أرضا و نقل التراب عن وجهها،

كان للمالك إجباره بردّه، و مطالبته بنقله إلي الأرض كما كان مبسوطا علي الأرض إن كان التراب باقيا، فإن تلف و انمحق بهبوب الرياح أو السيول الجارية، أجبر علي ردّ مثله إليه، و تجب عليه إعادة وضعه و هيئته كما كانت من انبساط أو ارتفاع.

و إن لم يطالبه المغصوب منه بالردّ، نظر إن كان له فيه غرض بأن دخل الأرض نقص و كان ذلك النقص يرتفع بالردّ و يندفع عنه الأرش، أو كان قد نقل التراب إلي ملكه فأراد تفريغه، أو إلي ملك غيره أو شارع يحذر من التعثّر به الضمان، فله الاستقلال بالردّ.

و إن لم يكن شيء من ذلك، بل نقله إلي موات أو من أحد طرفي

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 438:5.

الأرض المغصوبة إلي الآخر، فإن منعه المالك من الردّ لم يردّه، و إن لم يمنعه فالأقرب: أنّ الغاصب يفتقر إلي إذن المالك.

و للشافعي وجهان؛ بناء علي الوجهين في أنّه إذا منعه المالك من الردّ فردّ فهل للمالك مطالبته بالنقل ثانيا؟ إن قلنا: لا، فلا ردّ من غير إذن المالك، و إن قلنا: نعم، افتقر إلي إذنه، و هو الأظهر عندهم(1).

و إذا كان له غرض في الردّ فردّه إلي الأرض فمنعه المالك من بسطه، لم يكن له بسطه و إن كان في الأرض(2) مبسوطا.

و كذا لو غصب نقرة فطبعها دراهم، كان للغاصب أن يسبكها نقرة كما كانت إن ضربها ناقصة عن عيار السلطان أو علي غير سكّته؛ لأنّ له غرضا في ذلك، و هو أن يخاف عقاب السلطان علي ذلك، لأنّ الضرب إلي السلطان وحده، فوجب أن يكون له سبكها.

مسألة 1056: لو غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو نهرا بغير إذن المالك،

فإنّه يجب عليه طمّها إذا أمره صاحبها بالطمّ؛ لأنّ ذلك يضرّ بالأرض، و لأنّه نقل التراب - و هو ملك صاحب الأرض - عن أرضه، فكان عليه ردّه و أجرة المثل لموضعها.

و إن لم يأمره المالك، كان له أن يستقلّ بالطمّ؛ ليدفع عن نفسه خطر الضمان لو تردّي فيها إنسان أو غيره، و لأنّه قد يكون للغاصب في الطمّ غرض، مثل: أن يكون قد نقل التراب إلي ملك نفسه فيحتاج إلي أن يردّه إلي البئر، أو كان قد طرحه في ملك غيره أو طريق المسلمين و له غرض

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 446:5، روضة الطالبين 129:4.
2- في العزيز شرح الوجيز 446:5، و روضة الطالبين 130:4: «الأصل» بدل «الأرض».

في ردّه.

و إن لم يكن له غرض في طمّ البئر بأن كان قد وضع التراب في ملك المغصوب منه، فإن منعه المالك من نقله و قال: قد أبرأتك ممّا حفرته و من وضع التراب و أذنت في بقائه و رضيت باستدامة البئر، فإن كان للغاصب في الطمّ غرض سوي دفع ضمان التردّي، فله الطمّ، و إن لم يكن له غرض سواه، لم يكن للغاصب طمّه - و به قال أبو حنيفة و المزني، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه تصرّف مستأنف علي جهة التعدّي في مال الغير و الغصب فكان حراما، و للمالك منعه منه.

و الثاني للشافعيّة: أنّ للغاصب الطمّ؛ لأنّ الإذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدّم، و لأنّه لا يبرأ إذا أبرأه، لأنّه إبراء ممّا لم يجب بعد، و هو أيضا إبراء من حقّ غيره، و هو الواقع فيها(2).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّ الضمان إنّما يلزمه لوجود التعدّي منه، و إذا رضي صاحب الأرض فقد زال التعدّي فزال الضمان، و ليس بإبراء عمّا لم يجب، و إنّما هو إسقاط للتعدّي برضاه بذلك.

و لو لم يقل المالك: رضيت باستدامتها، و اقتصر علي المنع من الطمّ، فهو كما لو صرّح بالرضا؛ لتضمّنه إيّاه، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).4.

ص: 249


1- المغني 383:5، الشرح الكبير 397:5، مختصر المزني: 118، الحاوي الكبير 174:7، بحر المذهب 54:9-55، البيان 44:7-45، العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.
2- بحر المذهب 54:9-55، البيان 45:7، العزيز شرح الوجيز 446:5، روضة الطالبين 130:4.
3- العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.

و قال الجويني: لا يتضمّنه(1).

فروع:

أ: لو كان الغاصب قد طوي البئر من آجرّ من عنده، فله نقله، و للمالك إجباره عليه، فإن تركها و وهبها منه لم يلزمه القبول؛ لاشتماله علي المنّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

ب: حيث قلنا: إنّه يردّ التراب إلي الأرض المغصوبة؛ لوقوعه في ملكه أو في شارع فذلك إذا لم يتيسّر نقله إلي موات و نحوه في طريق الردّ، فإن تيسّر لم يردّه إلاّ بالإذن.

هذا إذا بقي التراب الأوّل بعينه، أمّا لو تلف ففي الطمّ بتراب آخر من دون إذن المالك إشكال.

و للشافعيّة قولان(3).

قال بعضهم: ينبغي أن يجري هذا الخلاف فيما إذا كشط(4) التراب عن وجه الأرض و لم يحفر بئرا، و فيما إذا طلب المالك الردّ و الطمّ عند تلف ذلك التراب(5).

و الظاهر فيهما جميعا أنّه لا فرق بين ذلك التراب و غيره عندهم(6).

ج: إذا نقل التراب و لم يحفر أو نقل بعد الحفر أو أعاد الغاصب هيئة الأرض في الحالين إلي ما كانت إمّا بطلب المالك أو بدونه، فإن لم يبق في4.

ص: 250


1- نهاية المطلب 235:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 447:5، و روضة الطالبين 130:4.
2- العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.
3- العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.
4- كشط: قلع و نزع. لسان العرب 387:7 «كشط».
5- العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.
6- العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.

الأرض نقص فلا أرش عليه، و لكن عليه أجرة المثل لمدّة الحفر و الردّ، و إن بقي فيها نقص وجب عليه الأرش مع الأجرة.

و اعلم أنّ الشافعيّة قالوا: نصّ الشافعي هنا أنّه يجب أرش النقص الحاصل بالحفر، و لم يوجب التسوية؛ لأنّه نصّ علي ذلك فيما إذا غرس الأرض المغصوبة ثمّ قلع بطلب المالك، و إذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فقلعها و نقلها، نصّ أنّه يلزمه تسوية الأرض.

و اختلفوا فيها علي طريقين:

أحدهما: أنّ في الصورتين قولين بالنقل و التخريج:

أحدهما: أنّ الواجب في الموضعين أرش النقصان؛ لأنّ إلزام التسوية مقابلة فعل بمثله، فصار كما إذا هدم جدار الغير لا يكلّف بإعادته.

الثاني: أنّ الواجب التسوية لتعود الأرض إلي ما كانت، و مهما أمكن التضمين بالمثل لا يصار إلي التضمين بالقيمة، و يفارق هدم الجدار.

و الطريق الثاني: تقرير النصّين، و فرّقوا بأنّ الغاصب متعدّ، فغلّظ عليه الأمر بإيجاب الأرش، لكن لا قوّة لهذا الفرق؛ لأنّ مؤونة التسوية قد تزيد علي أرش النقص الحاصل بالحفر، فلا تظهر زيادة تغليظ بإيجاب الأرش.

و أيضا فإنّا إذا أوجبنا التسوية و بقي بعد التسوية نقصان في الأرض يجب أرشه، و إلاّ كان الضمان دون الفائت، و إذا أوجبنا أرش النقصان الباقي بعد التسوية مع التسوية لم يكن فيه تخفيف(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الطريقين ينصرفان إلي شيء آخر، و هو: أنّ4.

ص: 251


1- الوسيط 405:3، العزيز شرح الوجيز 447:5، روضة الطالبين 130:4.

الواجب مجرّد التسوية، أم يجب مع التسوية أرش النقص الباقي ؟(1).

مسألة 1057: لو غصب عبدا فخصاه،

فالأقرب عندي: وجوب ضمان القيمة بأسرها و إن زاد العبد(2) بالخصاء؛ لأنّه جني جناية مقدّرة، و لا يحمل الغاصب علي الجاني، كما سوّي الشيخ بينهما(3)راجع: المغني 389:5، و الشرح الكبير 401:5.(4) ، و يردّ العبد أيضا إلي مالكه مع كمال قيمته.

و للشافعي قولان في أنّ جراح العبد هل يتقدّر أم لا؟

ففي الجديد: أنّه مقدّر - كما هو مذهبنا - فيلزمه كمال القيمة، و لا يدفع العبد، خلافا لأبي حنيفة(4) و للشيخ رحمه اللّه(5).

و في القديم: أنّه لا يتقدّر.

و إن قلنا: لا يتقدّر، فالواجب ما نقص من القيمة، فإن لم ينقص شيء فلا شيء عليه(6).

و لو سقط ذلك العضو بآفة سماويّة و زادت قيمته و ردّه، فلا شيء عليه علي القولين للشافعيّة(7).

و الأقرب: وجوب القيمة؛ لأنّه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية.

مسألة 1058: لو غصب جارية سمينة فهزلت عنده،

فلا يخلو إمّا أن يكون السمن مفرطا ليس له تأثير في زيادة قيمة الجارية، أو لا يكون مفرطا

ص: 252


1- العزيز شرح الوجيز 448:5.
2- أي: زاد قيمة العبد.
3- راجع: الهامش
4- من ص 205.
5- المبسوط - للطوسي - 64:3.
6- العزيز شرح الوجيز 449:5، روضة الطالبين 130:4-131.
7- العزيز شرح الوجيز 449:5، روضة الطالبين 131:4.

و تزيد به قيمة الجارية، أو غصب عبدا سمينا تنقص به القيمة، فزال السمن عنهما و رجعا إلي حدّ الاعتدال و لم تنقص قيمتهما، لم يلزمه شيء؛ لأنّ السمن ليس له بدل مقدّر، و لا نقص في العين نقصا يوجب نقص القيمة، بخلاف الأنثيين، فإنّ فيهما مقدّرا.

مسألة 1059: إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه،

فإن نقصت عينه خاصّة دون قيمته، مثل: أن غصب صاعين يساويان أربعة دراهم ثمّ أغلاهما حتي صارا صاعا واحدا قيمته أربعة دراهم، فقد انخفضت القيمة و نقصت العين، فيجب عليه ردّ الصاع، و عليه بدل الصاع التالف، و زيادة القيمة في الصاع لا تحتسب له؛ لأنّ تلك زيادة فيه بالصنعة و الأثر، فأشبه ما إذا غصب نقرة فضربها دراهم فنقص بعضها و زادت بالضرب قيمتها، و الأصل فيه أنّ للزيت بدلا مقدّرا و هو المثل، فصار كما لو خصي العبد، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يردّه و لا غرم عليه؛ لأنّ ما فيه من الزيادة و النقصان مستند إلي سبب واحد، فينجبر النقصان بالزيادة(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الزيادة الحاصلة أثر محض، فلا ينجبر النقصان، كما لا يستحقّ به الغاصب شيئا إذا لم يكن نقصان.

و إن نقصت قيمته خاصّة دون عينه كأنّه بالغليان تغيّر طعمه أو لونه فنقصت قيمته و هو بكيله كما كان، فإنّه يجب عليه ردّه و ما نقص من قيمته، كما لو خرق الثوب.

و إن نقصا معا، مثل: أن عاد إلي صاع و عادت قيمة الصاع إلي درهم،

ص: 253


1- التهذيب - للبغوي - 329:4، البيان 20:7-21، العزيز شرح الوجيز 5: 449، روضة الطالبين 131:4.

فإنّه يضمن الصاع التالف بمثله و يردّ الباقي و ما نقص من قيمته.

و لو عاد الصاعان إلي صاع واحد قيمته درهمان، لزمه مثل الصاع الذاهب بالغليان، إلاّ إذا كان ما نقص من القيمة أكثر ممّا نقص من العين كما مثّلناه أوّلا، فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي.

و لو بقيا معا علي حالهما و لم تنقص واحدة من العين و لا من القيمة، ردّه و لا شيء عليه.

مسألة 1060: لو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته،

مثل:

أن كان صاعين قيمتهما أربعة دراهم، فلمّا أغلاه عاد إلي صاع قيمته أربعة دراهم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمن الغاصب الناقص من العين هنا؛ لأنّه مجرّد مائيّة و رطوبة لا قيمة لها(1).

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يضمن ما نقص من العين كالزيت؛ لأنّه مضمون بالمثل.

و الثاني: أنّه لا يغرم شيئا؛ لأنّه إذا أغلاه نقصت المائيّة التي فيه و صار ربّا، و لهذا يثخن و تزيد حلاوته، فالذي نقص منه لا قيمة له، بخلاف الزيت؛ فإنّه لا مائيّة فيه، فالذاهب منه زيت له قيمة، بخلاف العصير؛ فإنّ حلاوته باقية، و الذاهب منه ليس إلاّ المائيّة و الرطوبة التي لا قيمة لها(2).

و الوجه عندي: أنّه لا فرق في الضمان بين الزيت و العصير؛ لأنّ

ص: 254


1- المبسوط - للطوسي - 82:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 376:1، الوسيط 406:3، حلية العلماء 223:5، التهذيب - للبغوي - 329:4، البيان 20:7-21، العزيز شرح الوجيز 449:5 - 450، روضة الطالبين 131:4.

الذاهب في الزيت أيضا الرطوبة المائيّة خاصّة، إلاّ أنّ مائيّته أقلّ، قاله بعض الشافعيّة(1).

و الخلاف المذكور فيما إذا أغلي العصير يجري فيما إذا صار خلاّ و انتقص عينه دون قيمته، و كذا إذا صار الرطب تمرا، و العنب زبيبا.

مسألة 1061: لو غصب عصيرا فأغلاه،

حرم عندنا، و صار نجسا لا يحلّ و لا يطهر إلاّ إذا ذهب ثلثاه بالغليان، فلو ردّه الغاصب قبل ذهاب ثلثيه وجب عليه غرامة الثلثين.

و الوجه: أنّه يضمن أيضا غرامة الخسارة علي العمل فيه إلي أن يذهب كمال الثلثين؛ لأنّه ردّه معيبا، و يحتاج زوال العيب إلي خسارة، و العيب من فعله، فكانت الخسارة عليه.

النظر الثالث: في نقص الصفات.
مسألة 1062: الصفات تضمن كما تضمن الأعيان إذا كانت متقوّمة،

فلو غصب عصيرا فصار خمرا عند الغاصب وجب عليه دفع مثل العصير إلي المالك؛ لأنّ الماليّة قد فاتت تحت يده و هي يد عادية، فكان عليه ضمانها، كما لو تلفت.

و يجوز أن يأخذها المالك ليمسكها حتي تتخلّل عنده، و لا يجوز علي قصد الخمريّة.

و لو تخلّلت في يد الغاصب، فالخلّ للمالك؛ لأنّه عين ماله، و علي الغاصب أرش النقصان إن كانت قيمة الخلّ أنقص من قيمة العصير، و لو نقص وزنه وجب عليه غرم الناقص من العصير، و هو أصحّ وجهي

ص: 255


1- العزيز شرح الوجيز 450:5.

الشافعيّة، و الثاني: أنّ الغاصب يغرم مثل العصير؛ لأنّه بالتخمير كالتالف(1).

و علي هذا القول ففي الخلّ عندهم وجهان:

أحدهما: أنّه للغاصب، كما لو غصب الخمر فتخلّلت يكون الخلّ للغاصب علي وجه.

و أظهرهما: أنّه للمالك؛ لأنّه فرع ملكه، و يجوز أن يكون الخلّ له، و لا يسقط الضمان اللازم قبل التخلّل، كما في السمن العائد علي أحد الوجهين(2).

و بعضهم فرّق و قال: السمن الثاني غير الأوّل، و هنا العين واحدة، و إنّما تغيّرت الصفة فافترقا(3).

مسألة 1063: هذا الخلاف جار فيما إذا غصب بيضة فتفرّخت عنده،

أو نوي فزرعه فصار شجرا، أو بذرا فزرعه فنبت و ازداد أو بزر قزّ فصار قزّا، فالأصحّ من وجهي الشافعيّة - و هو المعتمد عندنا -: أنّ الحاصل للمالك، و لا يغرم الغاصب شيئا، إلاّ أن يكون الحاصل أنقص قيمة ممّا غصبه؛ لأنّ المغصوب قد عاد إليه زائدا.

و علي الوجه الثاني يغرم المغصوب؛ لهلاكه، و الحاصل للمالك في أظهر الوجهين، و للغاصب في الآخر، و به قال أبو حنيفة و المزني و أحمد في إحدي الروايتين(4).

ص: 256


1- المهذّب - للشيرازي - 377:1، التهذيب - للبغوي - 305:4، البيان 35:7، العزيز شرح الوجيز 452:5، روضة الطالبين 133:4-134.
2- العزيز شرح الوجيز 452:5، روضة الطالبين 134:4.
3- العزيز شرح الوجيز 450:5.
4- العزيز شرح الوجيز 453:5، روضة الطالبين 134:4، المبسوط - للسرخسي --

و لو غصب دجاجة فباضت عنده ثمّ حضنت بيضها فصار فراخا، فهما معا للمالك، و لا شيء عليه عن علفها.

و لو غصب شاة أو دابّة فأنزا عليها فحلا، فالولد لصاحب الشاة و الدابّة، و لا شيء للغاصب؛ لأنّ الولد من نماء الأمّ.

و لو غصب فحلا فأنزاه علي شاة، فالولد لصاحب الشاة و إن كان الغاصب؛ لأنّه يتبع الأم، و عليه أجرة الضراب عندنا.

خلافا لبعض العامّة، حيث لم يوجبوا له أجرة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله نهي عن عسب الفحل(1) - (2).

و النهي محمول علي بيعه، أو علي الكراهية.

و لو نقص الفحل، ضمن النقص إجماعا.

مسألة 1064: لو غصب خمرا فتخلّلت في يده أو جلد ميتة فدبغه عند من يطهّر جلد الميتة بالدباغ،

فالخلّ و الجلد للمغصوب منه؛ لأنّه فرع ملكه، فلو تلف في يده غرمه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و هذا مذهبنا في الخلّ، أمّا الجلد فلا يطهر عندنا بالدباغ، فوجود الدبغ كعدمه.

ص: 257


1- صحيح البخاري 123:3، سنن أبي داود 3429/267:3، سنن الترمذي 3: 1273/572، سنن ابن ماجة 2160/731:2، سنن النسائي (المجتبي) 310:7 و 311، سنن الدارمي 273:2، السنن الكبري - للبيهقي - 339:5، المستدرك - للحاكم - 42:2، مسند أحمد 1257/237:1.
2- المغني 405:5، الشرح الكبير 398:5.
3- العزيز شرح الوجيز 453:5، روضة الطالبين 134:4.

و الثاني للشافعيّة: أنّهما للغاصب؛ لحصولهما عنده ممّا ليس بمال(1).

و للشافعيّة في المسألة طريقان آخران:

أحدهما: القطع بأنّ الخلّ للمالك، و تخصيص الوجهين [بالجلد؛ لأنّ الجلد صار مالا بفعله، و الخمر تخلّلت بنفسها.

و الثاني: القطع بأنّ الجلد للمالك، و تخصيص الوجهين](2) بالخلّ؛ لأنّ جلد الميتة يقتني، و الخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها، فإن كانت الخمر محترمة كانت كجلد الميتة.

و إذا جمعت الطّرق قلت: هما للمالك، أو للغاصب، أو الخلّ للمالك و الجلد للغاصب، أو بالعكس ؟ فيه لهم أربعة أوجه.

و إذا حكمنا بأنّهما للمالك فذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضا عن الخمر و الجلد، و أمّا إذا كان قد أراق الخمر أو ألقي الشاة الميتة فأخذها آخذ، هل للمعرض استرداد الحاصل ؟ فيه وجهان؛ لأنّه أبطل اختصاصه بالإلقاء(3).

مسألة 1065: إذا غصب عينا فنقصت في يده،

ضمن النقصان.

و إن زادت بعد النقص و عادت القيمة بحالها، فإن كان الزائد من الوجه الذي حصل فيه النقصان - كما لو غصب جارية سمينة فهزلت عنده فنقصت قيمتها ثمّ سمنت بعد ذلك عنده و عادت القيمة بحالها كما كانت - فالوجه: أنّه لا ينجبر النقصان بالثاني، فتردّ العين و يغرم الناقص؛ لأنّ السمن الثاني ليس هو الأوّل؛ لاستحالة إعادة المعدوم، و لأنّ ملك الإنسان

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 453:5، روضة الطالبين 134:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 453:5، روضة الطالبين 134:4.

لا ينجبر بملكه؛ لأنّ الزيادة الثانية غير الأولي، و هي تابعة للعين في تملّك صاحب العين لها، و كما لو كانت الزيادة من جنس غير الجنس الأوّل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ النقص ينجبر بالزيادة، و يسقط الغرم، كما إذا أبق العبد فعاد، و كما لو جني علي عين فابيضّت ثمّ زال البياض(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ السمن عين محسوسة قد تلفت، فيضمنها الغاصب، بخلاف الإباق و البياض؛ لبقاء العين بحالها حالة البياض و عدمه.

و قال بعض الشافعيّة: الوجهان مبنيّان علي الخلاف فيما إذا قلع سنّ كبير فعادت(2).

و هو ضعيف؛ لأنّ عود سنّ الكبير نادر، و عود السمن ليس بنادر، فهو بعود سنّ الصغير أشبه.

و هذان الوجهان جاريان فيما إذا كان العبد المغصوب صانعا فنسي الصنعة ثمّ تذكّرها أو تعلّمها(3).

و بعضهم قطع هنا بأنّ الناقص ينجبر بالمتجدّد - و هو المعتمد - لأنّ الفرق ظاهر بين السمن الثاني و بين تذكّر الصنعة؛ لأنّ السمن الثاني محسوس زائد في الجسم مشاهد، و هو مغاير لما كان، و تذكّر الصنعة لا يعدّ في العرف شيئا متجدّدا(4).

و بعض الشافعيّة قطع في السمن بعدم الانجبار، و خصّ الخلاف بالصورة الثانية(2).4.

ص: 259


1- المهذّب - للشيرازي - 377:1، الوسيط 406:3-407، حلية العلماء 5: 226، العزيز شرح الوجيز 450:5، روضة الطالبين 132:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 450:5.
2- العزيز شرح الوجيز 451:5، روضة الطالبين 132:4.

و لو قلنا بالانجبار، فلو لم تبلغ القيمة بالعائد إلي القيمة الأولي، ضمن ما بقي من النقصان، و انجبر ما وراءه بما عاد.

و يجري الخلاف فيما إذا كسر الحليّ و الإناء المغصوبين ثمّ أعاد تلك الصنعة من غير نقص(1).

و أمّا إن كان الكمال من وجه آخر، مثل: أن نسي صنعة كانت قيمته معها مائة فصارت القيمة إلي خمسين ثمّ تعلّم صنعة أخري غير الأولي فعادت المائة، أو أبطل صنعة الإناء و أحدث صنعة أخري مخالفة للأولي، لم تجبر الثانية الأولي بحال.

و علي هذا لو تكرّر النقصان و كان الناقص في كلّ مرّة مغايرا بالنوع للناقص في المرّة الأولي، ضمن الجميع، حتي لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده و بلغت القيمة ألفا و تعلّمت صنعة و بلغت ألفين ثمّ هزلت و نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلي مائة، ردّ الجارية و غرم ألفا و تسعمائة.

و إن بلغت بالسمن ألفا ثمّ هزلت فعادت إلي مائة ثمّ تعلّمت صنعة فبلغت ألفا ثمّ نسيتها فعادت إلي مائة، فإنّه يردّها و يردّ ألفا و ثمانمائة؛ لأنّها نقصت بالهزال تسعمائة [و بالنسيان تسعمائة](2).

و لو هزلت و كانت قيمتها ألفا فصارت بالهزال مائة ثمّ سمنت فبلغت ألفا فردّها بسمنها، ففي وجوب أرش النقصان وجهان، الأقرب: الوجوب؛ بناء علي أنّ العائد غير الزائل و إن تماثلا.

و لو سمنت بعد الهزال و لم تبلغ إلي قيمتها في السمن الأوّل، ضمن ما بقي من النقصان، و كان فيما بقي من الأوّل الوجهان.5.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 451:5، روضة الطالبين 132:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 398:5، و الشرح الكبير 405:5.

و قال بعض الشافعيّة في تعلّم الصنعة كالسمن(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مغايرة السمن الثاني للأوّل له وجه، بخلاف مغايرة التعلّم الثاني للأوّل، فإنّ العلم بعينه يعود.

لا يقال: العلم غير باق، فلا يكون الثاني عين الأوّل.

لأنّا نقول: نمنع عدم بقائه، سلّمنا لكن يلزم منه أنّ العلم يتجدّد و إن لم ينس.

و يلزم علي قول هذا القائل في السمن و الصنعة جميعا إذا مرض العبد في يد الغاصب ثمّ برئ أن يضمن ما نقص، و كذا إذا حملت ثمّ وضعت أن يضمن ما نقصت بالحمل و إن كان قد زال.

و لو علّم(2) العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثمّ علّمه حرفة أخري أو سورة أخري فنسيها أيضا، ضمنهما معا و إن لم تكن مغايرة للأولي، كما إذا علّمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا و هو ينساها في كلّ مرّة، فإن قلنا: لا يحصل الانجبار بالعائد، ضمن النقصان كلّ مرّة، و إن قلنا: يحصل، ضمن أكثر المرّات نقصانا.

مسألة 1066: لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده أو تعلّمت صنعة فبلغت قيمتها ألفا ثمّ هزلت في يده أو نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلي مائة،

وجب عليه ردّها و ردّ تسعمائة - و به قال الشافعي و أحمد(3) -

ص: 261


1- الوجيز 211:1، الوسيط 406:3-407.
2- أي: علّم الغاصب.
3- مختصر المزني: 117، الحاوي الكبير 146:7، المهذّب - للشيرازي - 1: 377، نهاية المطلب 199:7، بحر المذهب 32:9-33، حلية العلماء 5: 225، التهذيب - للبغوي - 298:4، البيان 25:7، عيون المجالس 1740:4 - 1221/1741، المغني 397:5، الشرح الكبير 404:5.

لأنّها زيادة في عين المغصوب، فوجب أن يضمنها الغاصب، كما لو طالبه بردّها فلم يردّها.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجب عليه ردّ ذلك إلاّ أن يطالبه بردّها في تلك الحالة فلا يردّها؛ لأنّه ردّها كما أخذها، فلم يضمن نقصان القيمة، كما لو نقصت زيادة السوق(1).

و الفرق: أنّ زيادة السوق لو كانت موجودة حال الغصب لم يضمنها، و لأنّها ليست من عينه، و الصنعة و إن لم تكن من العين إلاّ أنّها صفة فيها، و قد أجرينا الصنعة - و إن كان أثرا - كالسمن الذي هو عين؛ لأنّه صفة تتبع العين و يدخل في ملكه، و أجرينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجري الزيادة الموجودة حال الغصب في العين المملوكة للمغصوب منه، فتكون مملوكة له أيضا؛ لأنّها تابعة للعين.

فأمّا إن غصب العين سمينة أو ذات صنعة أو تعلم القرآن و نحوه فهزلت و سمنت فنقصت قيمتها، فعليه ضمان نقصها، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 1067: لو غصب جارية فزادت قيمتها بتعلّم الغناء ثمّ نسيته فنقصت القيمة بسبب النسيان،

فالأقرب: عدم الضمان؛ لأنّ الزيادة حصلت بسبب محرّم، و هي محرّمة، فلا تكون مضمونة، كما لو غصب عصيرا قيمته دينار ثمّ صار خمرا فصارت قيمته دينارين ثمّ صار خلاّ قيمته دينار واحد، لم يضمن الزيادة الحاصلة بالخمريّة، كذا هنا؛ لأنّ المضمون إنّما

ص: 262


1- الهداية - للمرغيناني - 19:4، الاختيار لتعليل المختار 91:3، التلقين: 439، المعونة 1215:2، الذخيرة 283:8، عيون المجالس 1221/1740:4، الحاوي الكبير 146:7، بحر المذهب 33:9، حلية العلماء 225:5، البيان 25:7، المغني 397:5، الشرح الكبير 404:5.

هو الزيادة المحترمة، و هو قول الشافعي(1).

و قال بعض أصحابه: إنّه يضمن الزيادة و إن كانت محرّمة، و لهذا لو قتل عبدا مغنّيا يغرم تمام قيمته(2).

و فيه منع.

مسألة 1068: لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يد الغاصب ثمّ برئ و زال المرض،

لم يكن علي الغاصب سوي ردّه خاصّة، و هو قول الشافعيّة(3).

و فيه وجه آخر لهم بعيد: أنّه يضمن النقص الحاصل بالمرض، و لا يسقط عنه بالبرء(4).

و كذا الحكم فيما لو ردّه مريضا ثمّ برئ و زال الأثر.

و لو غصب شجرة فتساقط ورقها ثمّ أورقت، أو شاة فجزّ صوفها ثمّ نبت، يغرم الأوّل، و لا ينجبر بالثاني، بخلاف ما لو سقط سنّ الجارية المغصوبة ثمّ نبت، أو تمعّط شعرها ثمّ نبت، يحصل الانجبار؛ لأن الورق و الصوف متقوّمان يغرمهما، و سنّ الجارية و شعرها غير متقوّمين، و إنّما غرم أرش النقص الحاصل بفقدانهما و قد زال.

النظر الرابع: أن يكون النقصان فيهما معا.
مسألة 1069: إذا غصب عينا فنقصت قيمتها و جزء من أجزائها،

ضمن الجزء التالف بقسطه من أقصي القيم من يوم الغصب إلي يوم التلف، و النقص الحاصل بتفاوت السوق في الباقي المردود غير مضمون.

ص: 263


1- بحر المذهب 35:9، العزيز شرح الوجيز 451:5، روضة الطالبين 4: 133.
2- بحر المذهب 35:9، العزيز شرح الوجيز 451:5، روضة الطالبين 4: 133.
3- العزيز شرح الوجيز 452:5، روضة الطالبين 133:4.
4- العزيز شرح الوجيز 452:5، روضة الطالبين 133:4.

فلو غصب ثوبا قيمته عشرة و انخفضت السوق فعادت قيمته إلي درهم ثمّ لبسه فأبلاه حتي عادت قيمته إلي نصف درهم، ردّ الثوب و خمسة دراهم؛ لأنّ بالاستعمال و الإبلاء تنمحق أجزاء من الثوب، و تلك الأجزاء و الحالة هذه نصف الثوب؛ لانتهاء قيمته إلي نصف درهم بعد ما كانت قبل الاستعمال درهما، فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصي القيم، كما يغرم الكلّ عند تلفه بالأقصي.

و لو كانت القيمة عشرين و عادت بانخفاض السوق إلي عشرة ثمّ لبسه فأبلاه حتي عادت إلي خمسة، لزمه ردّه مع عشرة.

و لو كانت عشرة و عادت بانخفاض السوق إلي خمسة ثمّ لبسه و أبلاه حتي عادت إلي درهمين، لزمه ردّه مع ستّة؛ لأنّه تلف بالإبلاء ثلاثة أخماس الثوب، فيغرمها بثلاثة أخماس أقصي القيم.

و أخطأ بعض الشافعيّة هنا، فقال: يلزمه ثلاثة؛ لأنّها الناقصة بالإبلاء، و لا عبرة بالخمسة التي هي نقصان السوق. و قياس هذا القول أن يلزم في الصورة الأولي نصف درهم، و في الثانية خمسة دراهم(1).

مسألة 1070: لو غصب ثوبا قيمته عشرة فاستعمله أوّلا حتي عادت قيمته بالإبلاء إلي خمسة ثمّ انخفضت السوق فعادت قيمته إلي درهمين،

لزمه ردّ الثوب و ردّ الخمسة الناقصة بالإبلاء، و لا يغرم النقصان الحاصل بالسوق في البالي الباقي.

و لو غصب ثوبا قيمته عشرة و لبسه فأبلاه حتي عادت القيمة إلي خمسة ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته و هو بال عشرة، لزمه مع ردّ الثوب الخمسة الناقصة بالاستعمال، و لا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف، فإنّه لو

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 437:5، روضة الطالبين 122:4.

تلف الثوب كلّه ثمّ زادت القيمة لا يغرم تلك الزيادة، و هو قول جماعة من الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يغرم مع ردّ الثوب عشرة؛ لأنّ الباقي من الثوب نصفه، و هو يساوي عشرة، فلو بقي كلّه لكان يساوي عشرين، فيغرم عشرة للتالف(2). و هو غلط.

مسألة 1071: حكم الصفات في ذلك حكم الأجزاء،

فلو غصب عبدا صانعا قيمته مائة فنسي الصنعة و عادت قيمته إلي خمسين ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة و قيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين، لا يغرم مع ردّه إلاّ خمسين.

و اعلم أنّ الجواب في صور إبلاء الثوب كلّها مبنيّ علي أنّ أجرة مثل المغصوب لازمة مع أرش النقصان الحاصل بالاستعمال، و هو الأصحّ عند بعض الشافعيّة(3).

و لهم وجه آخر: أنّه لا يجمع بينهما، و قد سبق، و علي تقديره يلزم أكثر الأمرين من المقادير المذكورة أو أجرة المثل(4).

و لو اختلف المالك و الغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه أنّها متي زادت، فقال المالك: زادت قبل الإبلاء فأغرم بقسطه منها، و قال الغاصب:

بل زادت بعده، قدّم قول الغاصب؛ لأنّه الغارم، فالقول قوله مع اليمين(5) ، كما لو تلف كلّه و اختلفا في أنّ القيمة زادت قبل التلف أو بعده.

ص: 265


1- التهذيب - للبغوي - 300:4، البيان 24:7، العزيز شرح الوجيز 437:5، روضة الطالبين 122:4.
2- التهذيب - للبغوي - 300:4، البيان 24:7، العزيز شرح الوجيز 437:5، روضة الطالبين 122:4.
3- العزيز شرح الوجيز 438:5، روضة الطالبين 122:4.
4- العزيز شرح الوجيز 438:5، روضة الطالبين 122:4-123.
5- في «ع»: «يمينه» بدل «اليمين».
النظر الخامس: في جناية الغصب و الجناية عليه.
القسم الأوّل: جناية الغصب.
مسألة 1072: إذا غصب عبدا فجني العبد جناية فقد حصل فيه النقص؛

لأنّه استحقّ عليه قصاص أو مال، فإن جني العبد بما يوجب القصاص بأن قتل عمدا حرّا أو عبدا مساويا له في القيمة و اقتصّ منه و قتل فيه، غرم الغاصب أقصي قيمته من يوم الغصب إلي يوم القصاص.

و إن جني بما يوجب القصاص في الطّرف و اقتصّ منه في يد الغاصب، غرم بدله، كما لو سقط بآفة.

و لو اقتصّ من العبد بعد الردّ إلي السيّد، غرم الغاصب أيضا؛ لأنّ سبب الفوات حصل في يده.

و كذا لو استحقّ العبد القتل في يد الغاصب أو قطع اليد، كما لو ارتدّ عن فطرة، أو سرق في يد الغاصب ثمّ قتل أو قطع بعد الردّ إلي المالك؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

أمّا لو غصبه بعد ارتداده في يد مولاه، أو سرقته في يده فقتل أو قطع في يد الغاصب، فالوجه: أنّ الغاصب يضمن قيمة عبد مستحقّ للقتل أو القطع.

و للشافعيّة في الغاصب هل يضمن العبد؟ وجهان مبنيّان علي ما إذا اشتري مرتدّا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري فمن ضمان من يكون القتل أو القطع ؟(1).

مسألة 1073: لو جني العبد الغصب في يد الغاصب بما يوجب الأرش أو الدية،

أو جني عمدا و عفا المجنيّ عليه علي مال، تعلّق المال برقبة العبد، و علي الغاصب تخليصه بالفداء؛ لأنّ تعلّق الأرش برقبته نقص حدث

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 441:5، روضة الطالبين 125:4.

في العبد في يده فلزمه ضمانه؛ لأنّه ضامن للعبد و نقصانه، فيضمن ذلك.

و هل يفديه الغاصب بأرش الجناية بالغا ما بلغت(1) ، أو يفديه بأقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية ؟ الأقرب: الثاني.

و للشافعيّة قولان، كما إذا أراد المالك تخليص العبد الجاني و فداه؛ لأنّ جناية العبد لا تزيد علي قيمته(2).

و علّل بعض الشافعيّة: بأنّ القول بوجوب الأرش بتمامه في حقّ المالك؛ لأنّه امتنع من البيع، و لو رغب فيه فربما وقع الظفر بمن يشتريه بمقدار الأرش، و مثل هذا موجود في حقّ الغاصب؛ لأنّه بالغصب مانع مالكه من بيعه، فينزّل ذلك منزلة المالك المانع، و يترتّب عليه تضمينه للمجنيّ عليه(3).

و لقائل أن يقول: لو كان يضمنه للمنع من البيع لسقط الضمان إذا ردّه إلي المالك؛ لارتفاع الحيلولة، و لا يسقط، بل لو بيع في الجناية بعد الردّ إلي المالك غرم الغاصب أيضا.

و الوجه في التضمين: أنّ جناية العبد نقص دخله، فكان كسائر وجوه النقصان، و الظاهر في الغاصب أنّه لا يجب عليه إلاّ الأقلّ من قيمته و أرش جنايته.

مسألة 1074: إذا ثبت أنّ الجاني و الجناية مضمونان علي الغاصب،

فلا يخلو إمّا أن يتلف العبد في يد الغاصب أو يردّه، فإن تلف في يده فللمالك مطالبته بأقصي القيم، فإذا أخذها فإن كان المجنيّ عليه لم يغرّم الغاصب بعد، كان بالخيار بين أن يغرّم الغاصب، و بين أن يتعلّق بالقيمة

ص: 267


1- الظاهر: «ما بلغ».
2- العزيز شرح الوجيز 441:5، روضة الطالبين 125:4.
3- العزيز شرح الوجيز 441:5، روضة الطالبين 125:4.

التي أخذها المالك؛ لأنّ حقّه كان متعلّقا بالرقبة، فكان له أن يتعلّق ببدلها، كما أنّ الرهن إذا أتلفه متلف و وجبت قيمته تعلّق الدّين بها، و كان للمرتهن التوثيق بتلك القيمة التي هي بدل رهنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القيمة المأخوذة تسلّم للمالك، و لا يطالبه المجنيّ عليه بها، و إنّما يطالب الغاصب لا غير، كما أنّ المجنيّ عليه لو أخذ الأرش لم يكن للمالك التعلّق به، فهما كرجلين لكلّ واحد منهما دين علي ثالث(1).

و لا بأس بهذا القول عندي، لكن المشهور عند الشافعيّة الأوّل(2).

و علي القول به لو أخذ المجنيّ عليه حقّه من القيمة التي أخذها المالك، رجع المالك بما أخذه علي الغاصب؛ لأنّه لم يسلم له، بل أخذ منه بجناية مضمونة علي الغاصب.

ثمّ الذي يأخذه المجنيّ عليه قد يكون كلّ القيمة بأن كان الأرش مثل قيمة العبد، و قد يكون بعضها بأن تكون القيمة - مثلا - ألفا و يكون الأرش خمسمائة، فلا يأخذ المجنيّ عليه إلاّ خمسمائة، و لا يرجع المالك إلاّ بخمسمائة؛ لأنّ الباقي قد سلم له.

و كذا لو كان العبد يساوي ألفا فرجع بانخفاض السوق إلي خمسمائة ثمّ جني و مات عند الغاصب فغرّمه المالك الألف، لم يكن للمجنيّ عليه إلاّ خمسمائة و إن كان أرش الجناية ألفا؛ لأنّه ليس عليه إلاّ قدر (قيمته يوم)(3) الجناية.

و هذا إذا تلف العبد في يد الغاصب، و أمّا إن ردّه إلي المالك».

ص: 268


1- العزيز شرح الوجيز 442:5، روضة الطالبين 125:4.
2- العزيز شرح الوجيز 442:5، روضة الطالبين 125:4.
3- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قيمة».

فلا يخلو إمّا أن يردّه بعد ما غرم للمجنيّ عليه أو قبله، فإن ردّه بعد الغرم برئ، و إن ردّه قبله فبيع العبد في الجناية، رجع المالك علي الغاصب بما أخذ منه؛ لأنّ الجناية حصلت حين كان العبد مضمونا عليه، و يخالف ما إذا جني في يد المالك ثمّ غصبه غاصب فردّه ثمّ بيع في تلك الجناية؛ حيث لا يرجع المالك بشيء؛ لأنّ الجناية حصلت و هو غير مضمون عليه.

مسألة 1075: لو كان لرجل عبد فجني العبد علي رجل جناية تستغرق قيمته...

لو كان لرجل عبد فجني العبد علي رجل جناية تستغرق قيمته ثمّ غصبه بعد ذلك غاصب و جني في يد الغاصب جناية أخري تستغرق قيمته أيضا ثمّ ردّه إلي المالك فبيع في الجنايتين و قسّم الثمن بينهما نصفين، رجع المالك علي الغاصب بنصف قيمة العبد الذي أخذه المجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ الجناية كانت في يد الغاصب و العبد في ضمانه، فإذا أخذه المالك كان للمجنيّ عليه الأوّل التعلّق به و أن يأخذه، و لا حقّ فيه للمجنيّ عليه ثانيا؛ لأنّ حقّ الأوّل تعلّق بجميع الرقبة، و حقّ الثاني تعلّق بالنصف.

و هذا لا وجه له؛ لأنّ حقّ الثاني تعلّق بجميع الرقبة أيضا، ألا تري أنّ الأوّل لو أبرأه استحقّ الثاني جميع القيمة.

و قيل في وجه ذلك: إنّ الذي يأخذه من الغاصب إنّما هو عوض عمّا أخذه المجنيّ عليه ثانيا، فلا يتعلّق حقّه به، و يتعلّق حقّ الأوّل به؛ لأنّه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم به، فكان له.

و أيضا سبب وجوب هذا النصف إنّما هو الغصب، فإنّه بالغصب ضمن ما يجني المغصوب، و الغصب متقدّم علي الجناية الثانية، فلا يأخذ المجنيّ عليه الثاني ممّا وجب به شيئا، كما لو جني عبد علي رجل ثمّ قطعت يده ثمّ جني علي آخر ثمّ قتل أو مات من سراية القطع، فإنّ أرش اليد لا يأخذ منه المجنيّ عليه الثاني شيئا؛ لوجوبه بالقطع المتقدّم علي

ص: 269

الجناية عليه، ثمّ إذا أخذه المجنيّ عليه الأوّل لم يرجع المالك علي الغاصب؛ لأنّه أخذه بسبب جناية غير مضمونة علي الغاصب(1).

و لو كانت المسألة بحالها و تلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب، فله طلب القيمة من الغاصب، و للمجنيّ عليه أخذها، فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها علي الغاصب؛ لأنّه أخذ منه النصف بجناية مضمونة علي الغاصب، فإذا رجع به فللمجنيّ عليه الأوّل أخذه؛ لأنّه بدل ما تعلّق به حقّه قبل الجناية الثانية، و إذا أخذه لم يكن له الرجوع علي الغاصب مرّة أخري؛ لأنّه مأخوذ بجناية غير مضمونة علي الغاصب، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(2) أيضا.

و قيل: إذا ردّ العبد و بيع في الجنايتين، فالنصف الأوّل يرجع به المالك و يسلم له و لا يؤخذ منه، و إنّما يطالب المجنيّ عليه أوّلا الغاصب بنصف القيمة، و إذا تلف في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا، و لكن المجنيّ عليه الأوّل يطالب الغاصب بتمام القيمة، و المجنيّ عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة(3) ، و لا بأس به عندي.

مسألة 1076: لو غصب عبدا فجني العبد في يد الغاصب ثمّ ردّه إلي المالك

بعد جنايته فجني و هو في يد المالك جناية أخري و كلّ واحدة منهما مستغرقة لقيمته فبيع فيهما و قسّم المال بينهما، فللمالك الرجوع علي الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه.

فإذا أخذه، قال أبو علي من الشافعيّة: سمعت القفّال مرّة يقول: ليس

ص: 270


1- بحر المذهب 99:9، البيان 31:7، العزيز شرح الوجيز 442:5-443.
2- بحر المذهب 99:9-100، البيان 32:7، العزيز شرح الوجيز 443:5، روضة الطالبين 126:4.
3- العزيز شرح الوجيز 443:5، روضة الطالبين 126:4.

لواحد من المجنيّ عليهما أخذه.

أمّا الثاني: فلأنّ الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة، و حقّ الثاني لم يثبت إلاّ في نصف القيمة و قد أخذه.

و أمّا الأوّل: فلأنّ حقّ السيّد في القيمة ثبت بنفس الغصب، و هو متقدّم علي حقّ المجنيّ عليه، فما لم يصل إليه حقّه لا يدفع إلي غيره شيء.

قال: و هذا ليس بشيء، بل للمجنيّ عليه الأوّل أخذه، كما في المسألة السابقة، و لا عبرة بثبوت حقّ السيّد في القيمة، فإنّ حقّ السيّد و إن كان متقدّما يتقدّم عليه حقّ المجنيّ عليه، كما في نفس الرقبة.

قال: و قد ناظرت القفّال فرجع إلي قولي(1).

و علي هذا فإذا أخذه المجنيّ عليه الأوّل رجع به المالك علي الغاصب مرّة أخري و يسلم له المأخوذ ثانيا، فإنّ الأوّل قد أخذ تمام القيمة، و الثاني لم يتعلّق حقّه إلاّ بالنصف و قد أخذه.

مسألة 1077: لو غصب عبدا فجني في يد الغاصب

أوّلا ثمّ ردّه إلي المالك فجني في يده جناية أخري و كلّ من الجنايتين مستغرقة لقيمته ثمّ قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده، أخذت القيمة منه، و قسّمت بين المجنيّ عليهما، ثمّ للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة؛ لأنّه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه، فإذا أخذه كان للمجنيّ عليه الأوّل أن يأخذه منه، ثمّ له أن يرجع به علي الغاصب مرّة أخري و يسلم له المأخوذ في هذه المرّة.

و قد يغرم الغاصب - و الصورة هذه - القيمة مرّتين: مرّة بجناية العبد في يده، و مرّة بالقتل.

ص: 271


1- العزيز شرح الوجيز 443:5، روضة الطالبين 127:4.

و علي الوجه الذي سبق يأخذ المجنيّ عليه الأوّل تمام القيمة من الغاصب، و الثاني نصف القيمة، و المالك نصف القيمة و لا تراجع.

مسألة 1078: إذا جني العبد المغصوب،

فجنايته مضمونة علي الغاصب؛ لأنّه نقص في العبد الجاني، لكون أرش الجناية يتعلّق برقبته، و يباع العبد فيها، فكان مضمونا علي الغاصب، كسائر نقصه، و سواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال، و لا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد.

و لو جني العبد علي سيّده، فجنايته مضمونة علي الغاصب أيضا؛ لأنّها من جملة جناياته، فكان مضمونا علي الغاصب، كالجناية علي الأجنبيّ، فإن اقتصّ المولي فعلي الغاصب أرش العضو التالف بالقصاص، و إن عفا علي مال ثبت المال علي العبد، و فداه الغاصب بأقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمة العبد، كالأجنبيّ.

و لو قطع العبد يد أجنبيّ فقطعت يده قصاصا، فعلي الغاصب ما نقص العبد بذلك دون أرش اليد؛ لأنّ اليد ذهبت بسبب غير مضمون، فأشبه ما لو سقطت، و إن عفا المجنيّ عليه علي مال، تعلّق أرشه برقبته، و علي الغاصب أقلّ الأمرين من قيمته أو أرش اليد.

فإن زادت جناية العبد علي قيمته ثمّ مات في يد الغاصب، ضمن الغاصب قيمته يدفعها إلي سيّده، فإذا أخذها تعلّق أرش الجناية بها؛ لأنّها كانت متعلّقة بالعبد فتعلّقت ببدله.

و لو كان العبد وديعة فجني جناية استغرقت قيمته، ثمّ إنّ المستودع قتله بعد ذلك، وجبت عليه قيمته، و تعلّق بها أرش الجناية، فإذا أخذها وليّ الجناية لم يرجع علي المستودع؛ لأنّه جني و هو غير مضمون عليه.

ص: 272

القسم الثاني: الجناية علي الغصب.
مسألة 1079: إذا غصب عبدا فقتله قاتل عمدا و كان القاتل عبدا مساويا له في الرقّيّة،

كان للمالك القصاص، فإذا اقتصّ برئ الغاصب؛ لأنّه أخذ بدل عبده، و لا نظر مع القصاص إلي تفاوت القيمة، كما لا نظر في الأحرار إلي تفاوت الدية.

و إن كان القصاص غير واجب بأن كان الجاني حرّا، فعليه بالجناية قيمته يوم القتل، سواء قتله الغاصب أو أجنبيّ، و المالك بالخيار بين أن يطالب بها الغاصب أو الجاني، و قرار الضمان علي الجاني، فإن رجع المالك عليه لم يرجع علي الغاصب؛ لأنّه المباشر للإتلاف، و إن رجع المالك علي الغاصب رجع الغاصب عليه؛ لدخوله في ضمانه.

ثمّ إن كانت قيمة العبد قبل يوم القتل أكثر و نقصت في يد الغاصب، فعليه ما نقص بحكم اليد.

و إن كان الجاني عبدا و الجناية خطأ، فإن سلّمه سيّده فبيع في الجناية، فإن كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه، و لا شيء له علي الغاصب، إلاّ إذا كانت القيمة قد نقصت عنده قبل القتل، و إن كان الثمن أقلّ أخذ الباقي من الغاصب.

و إن لم يسلّمه سيّده، بل اختار أن يفديه، فإن قلنا: يفديه بالأرش، أخذه، و لا شيء له علي الغاصب، إلاّ علي التقدير المذكور، و إن قلنا:

يفدي بالأقلّ من أرش الجناية أو قيمة الجاني، فإن كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي علي الغاصب، و إن كانت أقلّ أو مثلها أخذها المالك، و لا شيء له علي الغاصب، إلاّ علي التقدير المذكور.

و لو اختار المالك تغريم الغاصب ابتداء، فله ذلك، و يأخذ منه جميع

ص: 273

قيمة المغصوب، ثمّ يرجع الغاصب علي سيّد العبد الجاني بما غرم، لا بما يطالب به الغاصب، هذا في القتل.

مسألة 1080: إذا غصب عبدا فجني عليه جناية مقدّرة الدية،

فإن قلنا:

ضمان الغصب ضمان الجناية، فالواجب أرش الجناية، كما لو جني عليه من غير غصب، نقصته الجناية أقلّ من ذلك أو أكثر، و إن قلنا: ضمان الغصب غير ضمان الجناية - و هو الأجود - فعليه أكثر الأمرين من أرش النقص أو دية ذلك العضو؛ لأنّ سبب ضمان كلّ واحد منهما وجد، فوجب أكثرهما، و دخل الآخر فيه، فإنّ الجناية و اليد وجدا معا.

و أمّا الجراحات فإن كان لها أرش مقدّر في حقّ الحرّ أو لم يكن لها أرش مقدّر، فالواجب عليه ما تقدّم بيانه من قبل.

و إذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية، كان المرعيّ حالة الاندمال، فإن لم يكن حينئذ نقصان لم يطالب بشيء.

و إذا كان الواجب مقدّرا من القيمة كالمقدّر من الدية، فيؤخذ في الحال أو يؤخّر إلي الاندمال ؟ سيأتي في موضعه.

و للشافعي قولان، كما لو كانت الجناية علي الحرّ(1).

مسألة 1081: إذا غصب عبدا و كان الجاني غير الغاصب

و غرّمناه المقدّر من القيمة و كان الناقص أكثر من ذلك المقدّر، فعلي الغاصب ما زاد علي المقدّر.

و إن كان المقدّر أكثر ممّا نقص من القيمة، فهل يطالب الغاصب بالزيادة علي ما نقص من القيمة ؟ الأقوي ذلك و إن كان المالك يطالب

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 444:5، روضة الطالبين 128:4.

الغاصب بالزيادة، و القرار علي الجاني.

و للشافعيّة فيما إذا سقطت يده بآفة قولان، الأصحّ: أنّه لا يطالب، و هنا الظاهر عندهم أنّه يطالب(1).

و تردّدوا فيما إذا قطعت يده قصاصا أو حدّا؛ لأنّه يشبه السقوط بآفة من حيث إنّه تلف بلا بدل، و يشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار(2).

و لو غصب عبدا فقطع آخر يده، فللمالك تضمين أيّهما شاء؛ لأنّ الجاني قطع يده، و الغاصب حصل النقص في يده، فإن ضمّن الجاني فله تضمينه نصف القيمة(3) لا غير، و لا يرجع علي أحد؛ لأنّه لم يضمّنه أكثر ممّا وجب عليه، و يضمن الغاصب ما زاد علي نصف القيمة إن نقص من النصف، و لا يرجع علي أحد.

و إن قلنا: إنّ ضمان الغصب ضمان الجناية، أو لم ينقص أكثر من نصف قيمته، لم يضمن الغاصب هنا شيئا.

و إن اختار تضمين الغاصب و قلنا: إنّ ضمان الغصب كضمان الجناية، ضمّنه نصف القيمة، و يرجع بها الغاصب علي الجاني؛ لأنّ التلف حصل بفعله، فاستقرّ الضمان عليه.

و إن قلنا: إنّ ضمان الغصب بما نقص، فلمالك العبد تضمينه بأكثر الأمرين؛ لأنّ ما وجد في يده فهو في حكم الموجود منه، ثمّ يرجع الغاصب علي الجاني بنصف القيمة؛ لأنّها أرش جنايته، فلم يجب عليه».

ص: 275


1- الوسيط 403:3، البيان 9:7-10، العزيز شرح الوجيز 445:5، روضة الطالبين 128:4.
2- الوسيط 403:3، العزيز شرح الوجيز 445:5، روضة الطالبين 128:4.
3- في «ص، ع»: «قيمته» بدل «القيمة».

أكثر منها.

مسألة 1082: لو اجتمعت جناية المغصوب و الجناية عليه في يد الغاصب

- كما إذا قتل العبد المغصوب إنسانا ثمّ قتله في يد الغاصب عبد إنسان - فللمغصوب منه أن يقتصّ، و يسقط به الضمان عن الغاصب، و يبطل حقّ ورثة من قتله المغصوب؛ لأنّ العبد الجاني إذا هلك و لم يحصل له عوض يضيع حقّ المجنيّ [عليه](1).

نعم، لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بعروض عيب بعد ما جني، فلا يبرأ الغاصب عن أرش ذلك النقصان، و لوليّ من قتله التمسّك به.

و إن عرض العييب قبل جنايته فأدّاه، اقتصّ المغصوب منه بالأرش؛ لأنّ الجزء المقابل للأرش كان مفقودا عند الجناية.

و لو لم يقتص المغصوب منه، بل عفا علي المال، أو كانت الجناية موجبة للمال، فحكم تغريمه و أخذ المال علي ما مرّ من الجناية عليه من غير جناية منه.

ثمّ إذا أخذ المال كان لورثة من جني عليه عبده التعلّق به؛ لأنّه بدل الجاني علي مورّثهم، فإذا أخذوه رجع به المغصوب منه علي الغاصب مرّة أخري؛ لأنّه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه، و يسلم له المأخوذ ثانيا علي ما مرّ نظيره.

النظر السادس: في باقي مسائل النقصان.
مسألة 1083: لو غصب عبدا فسمن سمنا نقصت به قيمته،

أو كان شابّا

ص: 276


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

فصار شيخا، أو كانت الجارية ناهدا فسقط ثديها، وجب أرش النقصان، و لا نعلم فيه خلافا.

و لو كان العبد أمرد فنبتت لحيته فنقصت قيمته، وجب ضمان نقصه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه نقص في القيمة بتغيّر صفته فضمنه، كبقيّة صور النقصان.

و قال أبو حنيفة: لا يجب ضمانه؛ لأنّ الفائت لا يقصد قصدا صحيحا، فأشبه الصناعة المحرّمة(2).

و نمنع عدم القصد الصحيح؛ لإمكان تعلّق الغرض بالتمرين علي الخدمة و الخلق الجيّد و الجمال.

مسألة 1084: لو غصب عينا فتعيّبت عيبا غير مستقرّ

و نقصت نقصا له سراية و لا يزال يزداد إلي الهلاك، كما لو بلّ الحنطة و تمكّن فيها العفن الساري و خيف فساده أو عفن و خشي تلفه، أو اتّخذ من الحنطة المغصوبة هريسة، أو غصب تمرا وسوّس(3) في يده، أو غصب تمرا و سمنا و دقيقا و اتّخذ منه عصيدة(4) ، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الغاصب المثل إن كان مثليّا،

ص: 277


1- بحر المذهب 100:9، حلية العلماء 255:5، البيان 28:7، العزيز شرح الوجيز 481:5، روضة الطالبين 153:4، المغني 391:5، الشرح الكبير 5: 399.
2- بدائع الصنائع 156:7، المبسوط - للسرخسي - 90:11، بحر المذهب 9: 100، حلية العلماء 255:5، العزيز شرح الوجيز 481:5، المغني 391:5، الشرح الكبير 399:5.
3- السوس: العثة التي تقع في الصوف و الثياب و الطعام. لسان العرب 107:6 «سوس».
4- عصيدة: دقيق يلتّ بالسمن و يطبخ. النهاية - لابن الأثير - 246:3 «عصد».

و إلاّ فالقيمة؛ لأنّه لا يعلم قدر نقصه(1) ، فجعله كالهالك؛ لأنّه مشرف علي التلف و الهلاك، و لو تركه بحاله لفسد، فكأنّه هالك، و هو أظهر أقوال الشافعي، ذكره في الأمّ(2).

و له قول آخر: إنّه يردّه مع أرش النقصان، و ليس للمالك سوي ذلك(3) ، و هو حسن.

و لأصحاب الشافعي هنا طريقان:

أحدهما: إثبات القولين، وجه الثاني: القياس علي العيب المستقرّ الذي لا سراية له.

و الطريق الثاني: القطع بوجوب المثل أو القيمة، و جعله كالهالك.

و له قول آخر: إنّه يتخيّر المالك بينه و بين أن يغرّمه بدل ماله من مثل أو قيمة، و يجعله كالهالك؛ لأنّ أرش النقص الساري لا يكاد ينضبط، فله أن يكفي نفسه مؤونة الاطّلاع عليه.

و هذا القول بتخيّر المالك كالمتوسّط بين القول بأنّه كالتالف فيجب المثل أو القيمة، و بين وجوب ردّه مع الأرش.

و عنه قول رابع: إنّه يتخيّر الغاصب بين أن يمسكه و يغرّمه، و بين أن يردّه مع أرش النقصان، فهذه أقوال أربعة:

أ: تغريمه كما لو هلك.

ب: ردّه مع أرش النقصان.4.

ص: 278


1- راجع: المبسوط - للطوسي - 82:3-83.
2- الأم 254:3، المهذّب - للشيرازي - 376:1، حلية العلماء 216:5، - البيان 18:7، العزيز شرح الوجيز 439:5، روضة الطالبين 123:4.
3- الأم 254:3، المهذّب - للشيرازي - 376:1، حلية العلماء 216:5، - البيان 18:7، العزيز شرح الوجيز 439:5، روضة الطالبين 123:4.

ج: تخيّر المالك.

د: تخيّر الغاصب.

فعلي القول الأوّل للشافعيّة وجهان في أنّ الحنطة المبلولة لمن تكون ؟

أحدهما: تبقي للمالك لئلاّ يكون العدوان قاطعا، كما لو نجس زيته و هو لا يطهر بالغسل، فإنّ المالك يكون أولي به.

و الثاني: أنّها تصير للغاصب - و هو الذي يقتضيه مذهب الشيخ رحمه اللّه فيما إذا جني علي العبد بما فيه كمال قيمته - لأنّا ألحقناه بالهالك في حقّ المالك، و لو هلك لم يكن للمالك غير ما أخذه ضمانا، فكذا هنا، و إذا حكمنا بتغريمه الأرش مع الردّ فإنّما يغرم أرش عيب سار، و هو أكثر من أرش العيب الواقف(1).

و قال بعض الشافعيّة: إن رأي الحاكم أن يسلّم الجميع إليه فعل، و إن رأي سلّم أرش النقص المتحقّق في الحال إليه، و توقف الزيادة إلي أن تتيقّن نهايته(2).

و فيه توقّف بعضهم؛ لأنّ المعقول من أرش العيب الساري أرش العيب الذي شأنه السراية و أنّه حاصل في الحال، أمّا المتولّد منه فيجب قطع النظر عنه؛ إذ الكلام في النقصان الذي لا تقف سرايته إلي الهلاك، فلو نظرنا إلي المتولّد منه لانجرّ ذلك إلي أن يكون أرش العيب الساري تمام القيمة، و هو عود إلي القول الأوّل(3).

و قد نصّ بعضهم علي صورة التخيير، فقال: إن شاء المالك ضمّن4.

ص: 279


1- العزيز شرح الوجيز 439:5-440، روضة الطالبين 124:4.
2- العزيز شرح الوجيز 440:5، روضة الطالبين 124:4.
3- العزيز شرح الوجيز 440:5، روضة الطالبين 124:4.

ما نقص إلي الآن، ثمّ لا شيء له في زيادة فساد تحصل من بعد و ما تولّد منه؛ لأنّه ليس من فعله، و إن شاء تركه إليه و طالب بجميع البدل(1).

و الوجه عندي: أنّ المالك ليس له إلاّ استرجاع العين و أرش النقص الموجود حالة الاسترجاع.

ثمّ إن بقي المغصوب عنده، ضمن الغاصب كلّ عيب يتجدّد عليه إلي حين التلف، و إن أتلفه أو أخرجه عن ملكه فلا شيء له.

و قال أبو حنيفة: يتخيّر المالك بين إمساكه و لا شيء له، أو يسلّمه إلي الغاصب و يأخذ قيمته؛ لأنّه لو ضمن النقص لحصل له مثل كمثله و زيادة، و هو غير جائز(2).

و هو ضعيف؛ لأنّ هذا الطعام المتعفّن عين ماله، و ليس ببدل عنه.

مسألة 1085: لو غصب زيتا فصبّ فيه ماء و تعذّر تخليصه منه فأشرف علي الفساد،

فهو بمنزلة العيب الذي لم يستقر، و حكمه ما تقدّم من الخلاف.

و قد تردّد بعض الشافعيّة في مرض العبد المغصوب إذا كان شائعا عسر العلاج، كالسل و الاستسقاء(3).

و لم يرتضه الجويني؛ لأنّ المرض المأيوس منه قد يبرأ، و العفن المفروض في الحنطة يفضي إلي الفساد لا محالة(4).

و لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يده ثمّ برئ، أو ابيضّت عينه ثمّ

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 440:5، روضة الطالبين 124:4.
2- المغني 391:5، الشرح الكبير 407:5.
3- نهاية المطلب 194:7، العزيز شرح الوجيز 440:5، روضة الطالبين 124:4.
4- نهاية المطلب 194:7-195، و عنه في العزيز شرح الوجيز 440:5، و روضة الطالبين 124:4.

ذهب بياضها، أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثمّ خفّ سمنها و عادت قيمتها، ردّها و لا ضمان عليه؛ لأنّه لم يذهب ما له قيمة، و العيب الذي أوجب الضمان زال في يده.

و كذا لو حملت فنقصت ثمّ وضعت فزال نقصها، لم يضمن شيئا.

فإن ردّ المغصوب ناقصا بمرض أو عيب أو سمن مفرط أو حمل، فعليه أرش نقصه.

و إن(1) زال عيبه في يدي مالكه، لم يلزمه ردّ ما أخذ من أرشه؛ لأنّه استقرّ ضمانه بردّ المغصوب.

و كذا إن أخذ المغصوب دون أرشه ثمّ زال العيب قبل أخذ أرشه، لم يسقط ضمانه بذلك.

مسألة 1086: لو غصب شيئين ينقصهما التفريق

- كزوجي خفّ أو مصراعي باب - فتلف أحدهما، ردّ الباقي و قيمة التالف و أرش نقصهما، فلو كانت قيمتهما معا عشرة ثمّ ردّ أحدهما و قيمته ثلاثة و تلف الآخر، لزمه سبعة؛ لأنّ بعض المغصوب قد تلف، و الباقي نقص، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجه آخر: أنّه لا يلزمه إلاّ قيمة التالف مع ردّ الباقي؛ لأنّه لم يتلف غيره، و لأنّ نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه، كالنقص بتغيّر

ص: 281


1- في «ص، ع»: «فإن».
2- الحاوي الكبير 224:7، المهذّب - للشيرازي - 376:1، نهاية المطلب 7: 299، بحر المذهب 90:9، الوسيط 416:3-417، حلية العلماء 223:5، التهذيب - للبغوي - 304:4، البيان 22:7-23، العزيز شرح الوجيز 469:5، روضة الطالبين 146:4، المغني 401:5، الشرح الكبير 434:5.

الأسعار(1).

و الصحيح: الأوّل؛ لأنّه نقص حصل بجنايته، فلزمه ضمانه، كشقّ الثوب الذي ينقصه الشقّ إذا تلف أحد شقّيه، بخلاف نقص السعر، فإنّه لم يذهب من المغصوب عين و لا معني، و هنا فوّت معني، و هو إمكان الانتفاع به، و هذا هو الموجب لنقص قيمته، و هو حاصل من جهة الغاصب، فينبغي أن يضمنه، كما لو فوّت بصره أو سمعه، أو فكّ تركيب باب، و نحو ذلك.

و لو أتلف أحدهما خاصّة أو غصب أحدهما خاصّة و تلف تحت يده و كانت قيمة المجموع عشرة و عادت قيمة الباقي إلي ثلاثة، احتمل أن يضمن ثلاثة لا غير؛ لأنّ قيمة الفرد الذي أتلفه ثلاثة لا غير، و أن يضمن خمسة، كما لو أتلف رجل أحدهما و آخر الآخر، فإنّه يسوّي بينهما، و يضمن كلّ واحد منهما خمسة، و لأنّ قيمته منضمّا إلي صاحبه خمسة و قد أذهبه بهذه الصفة، فيكون ضامنا للخمسة، و لا بأس بالثاني.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و لهم ثالث - و هو أظهر عندهم، و لا بأس به أيضا -: أنّه يضمن سبعة؛ لأنّه أتلف أحدهما و أدخل النقصان علي الباقي بتعدّيه، فأشبه ما لو حلّ أجزاء الباب و السرير فنقصت قيمته، فإنّه يضمن النقصان، و لم يذهب هنا سوي الجزء الصوري، فعرفنا أنّ الجزء الصوري مضمون، و الجزء الصوري في زوجي الخفّ و شبهه قد أتلفه5.

ص: 282


1- الحاوي الكبير 224:7، المهذّب - للشيرازي - 376:1، نهاية المطلب 7: 299، بحر المذهب 90:9، الوسيط 417:3، حلية العلماء 223:5، التهذيب - للبغوي - 304:4، البيان 23:7، العزيز شرح الوجيز 469:5، روضة الطالبين 146:4، المغني 401:5، الشرح الكبير 434:5.

المتلف بإتلاف أحدهما، فيكون ضامنا له، كما يضمن الذي أتلفه منهما(1).

تذنيب: لو أخذ أحدهما علي صورة السرقة و قيمته مع نقصان الثاني نصاب، لم يقطع إجماعا؛ لأنّ الزائد إنّما ضمنه في ذمّته بتفريقه بين الخفّين، و ما في ذمّته لم يجب لأجله القطع، كما لو ذبح شاة تساوي ربع دينار من الحرز ثمّ أخرجها و قيمتها أقلّ، فإنّه لا يقطع، كذا هنا.

و لو غصب شيئا فشقّه بنصفين و كان ثوبا ينقصه القطع، ردّه و أرش نقصه، فإن تلف أحدهما ردّ الباقي و قيمة التالف و أرش النقص، و إن لم ينقصه القطع، ردّ الباقي و قيمة التالف خاصّة، و إن كانا تامّين ردّهما، و لا شيء عليه سوي ذلك.

آخر: لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلي أربابه، فالأقرب:

ضمان التفاوت أيضا بالنسبة إلي ربّه إن غصبه منه، و إن غصبه من غيره لم يضمن الزيادة، بل ما يساوي قيمته بالنسبة إلي ذلك الغير، مثلا: لو غصب حجّة إنسان بدين أو ملك، و لا ريب في أنّ قيمة تلك الحجّة شيء يسير بالنسبة إلي غير مالكها، و أمّا بالنسبة إلي مالكها فإنّها تساوي أكثر، فإن غصبها و هي لصاحبها ضمن القيمة الزائدة، و إن غصبها و هي لغير مالكها لم يضمن الزيادة.

و كذا لو غصب شمشكا واسعا في الغاية لا يلبسه إلاّ شخص واحد، أو خاتما كذلك، و تتفاوت قيمة الشّمشك و الخاتم بالنسبة إلي كبير الرّجل و غليظ الإصبع و ضدّهما.

مسألة 1087: لو حصل فصيل رجل في بيت آخر و لم يمكن إخراجه

ص: 283


1- الوسيط 417:3، العزيز شرح الوجيز 469:5، روضة الطالبين 146:4.

إلاّ بنقض الباب، فإن كان الحصول في البيت بتفريط من صاحب البيت بأن غصبه - مثلا - و أدخله فيه، أو أدخله بشبهة أنّه له و ظهر خلافه، نقض الباب، و لا غرم علي صاحب الفصيل؛ لأنّه لم يوجد منه عدوان.

و إن كان بتفريط من صاحب الفصيل، نقض الباب أيضا لإخراجه؛ لأنّه محترم، و كان علي صاحب الفصيل ضمان النقض؛ لأنّه المفرّط المتعدّي، فكان عليه أرش النقض.

و لو طلب صاحب الفصيل ذبحه و إخراجه قطعا من غير نقض، أجيب إليه، إلاّ أن يفسد شيء من الأرض بالدم و يمنعه المالك منه فلا يجاب إليه.

و إن لم يكن من أحدهما تفريط بأن دخل الفصيل بنفسه - مثلا - من غير مشاركة المالك أو أدخله ظالم و هرب، نقض الباب لإخراجه أيضا، و ضمن صاحب الفصيل - و هو ظاهر مذهب الشافعيّة أيضا(1) - لأنّه إنّما نقض لتخليص ملكه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يضمن صاحب الفصيل شيئا؛ لأنّه لا تفريط من أحد، و الإخراج لا بدّ منه لحرمة الروح، و إنّما يتمّ هذا إذا كان الفرض فيما إذا خيف هلاكه أو لم يخرج(2).

و هكذا إذا باع دارا و فيها حباب لا تخرج إلاّ بنقض الباب، فإذا نقلها كان إصلاح ذلك عليه؛ لأنّها لتخليص ملكه.

مسألة 1088: لو وقع دينار في محبرة الغير و لم يخرج إلاّ بكسرها،

فإن

ص: 284


1- المهذّب - للشيرازي - 380:1، بحر المذهب 89:9، الوسيط 416:3، العزيز شرح الوجيز 468:5، روضة الطالبين 145:4.
2- العزيز شرح الوجيز 468:5.

كان وقوعه في المحبرة بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا وجب كسرها و إخراج الدينار، و لا غرم علي صاحب الدينار؛ لأنّ التفريط من صاحب المحبرة بطرح الدينار فيها.

و إن كان قد رمي صاحب الدينار ديناره في المحبرة، كسرت أيضا، و علي صاحب الدينار الأرش، إلاّ أن يختار صاحبه تركه فيها.

و كذا لو وقع بغير تفريط من أحدهما فإنّها تكسر، و يضمن صاحب الدينار نقصها؛ لأنّ كسرها لتخليص ملكه من غير تفريط من صاحبها، و إنّما قدّمنا صاحب الدينار؛ لأنّ تركه يضرّ صاحبه، و إذا غرم كسر المحبرة فلا ضرر علي واحد منهما.

و ينبغي إذا كان التفريط من صاحب الدينار أو لا تفريط منهما و ضمن صاحب المحبرة بدل الدينار أن لا تكسر؛ لزوال الضرر بذلك عن صاحب الدينار، و لا يرد ذلك في الفصيل و البيت.

و لو كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع فيها، لم تكسر، و ضمن المفرّط منهما الدينار و ترك في المحبرة.

و لو لم يفرّط أحدهما، ضمن صاحب المحبرة الدينار؛ لأنّه قد وضع الدينار في محبرته لخلاصها من الكسر.

مسألة 1089: لو غصب فصيلا و أدخله داره فكبر و لم يخرج من الباب،

أو خشبة و أدخلها داره ثمّ بني الباب ضيّقا لا يخرج منه إلاّ بنقضه، نقض، و ردّ الفصيل و الخشبة.

و لو كان دخول الفصيل بتفريط صاحب الفصيل، نقض له الباب، و غرم صاحب الفصيل الأرش للغاصب.

و لو لم يكن بتفريط أحد، نقض، و كان الضمان علي الغاصب.

ص: 285

و لو غصب دارا و أدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدّي علي إنسان فأدخل داره فصيلا أو فرسا، كسرت الخشبة و ذبح الحيوان و إن زاد ضرره علي نقض البناء؛ لأنّ سبب هذا الضرر [عدوانه](1) فيجعل عليه دون غيره.

و لو غصب دينارا فوقع في محبرته، أو أخذ دينار غيره فوقع في محبرته، كسرت و ردّ الدينار، و إن وقع من غير فعله كسرت ليردّ الدينار إن أحبّ صاحبه، و الضمان علي غاصبه.

و لو غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله، كسرت لردّه، و علي الغاصب ضمان المحبرة؛ لأنّه السبب في كسرها، و إن كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع فيها، ضمنه الغاصب و لم تكسر.

و لو رمي إنسان ديناره في محبرة غيره عدوانا و أبي صاحب المحبرة من كسرها، لم يجبر عليه؛ لأنّ صاحبه تعدّي برميه فيها، فلم يجبر صاحبها علي إتلاف ماله لإزالة ضرر عدوانه عن نفسه، و علي الغاصب نقض المحبرة بوقوع الدينار فيها.

و يحتمل أن يجبر علي كسرها لردّ عين مال الغاصب، و يضمن الغاصب قيمتها، كما لو غرس في أرض غيره ملك حفر الأرض بغير إذن المالك لأخذ غرسه، و يضمن ما نقصت بالحفر.

و علي كلا الوجهين لو كسرها الغاصب قهرا، لم يلزمه أكثر من قيمتها.

مسألة 1090: لو أدخلت بهيمة رأسها في قدر و لم يخرج إلاّ بكسرها،

ص: 286


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عدوان». و الظاهر ما أثبتناه.

فإن كان معها صاحبها و هو مفرّط بترك الحفظ، فإن كانت غير مأكولة اللحم لم يجز ذبحها، و وجب كسر القدر، و ضمن صاحبها أرش نقصان القدر أو من كانت يده عليها.

و إن كانت مأكولة اللحم، فهل تذبح أو تكسر القدر؟ الأقرب:

ذبحها؛ لأنّه ينتفع بلحمها، فيقلّ الضرر علي صاحبها، و النقص إن كان فمن صاحبها وقع حيث وقع التفريط منه.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، و الثاني: لا تذبح؛ لأنّ للحيوان حرمة في نفسه(1) ، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و اله عن ذبح الحيوان لغير مأكلة(2) ، و لا يجوز إتلافه لذلك.

و إن لم يكن معها أحد و لم يقع من صاحبها تفريط، فإن فرّط صاحب القدر - مثل أن يكون قد وضع القدر في موضع لا حقّ له فيه - كسرت القدر، و لا غرم له، و إن لم يكن منه تفريط، بل كانت القدر في دكّانه أو ملكه، كسرت القدر، و وجب ضمانها علي صاحب البهيمة؛ لأنّ ذلك فعل لتخليص ملكه.

و كذا لو فرّطا معا، كسرت القدر، و ضمن صاحب الدابّة.

مسألة 1091: إذا ابتلعت الدابّة شيئا و كان مقتضي الشرع تضمين صاحبها ما ابتلعته،

فإن كان ممّا يفسد بالابتلاع ضمنه، و إن كان ممّا

ص: 287


1- بحر المذهب 89:9، البيان 54:7، العزيز شرح الوجيز 469:5، روضة الطالبين 145:4.
2- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة، و ورد ذلك في كتاب الخلاف - للشيخ الطوسي - 519:5، المسألة 4، و الحاوي الكبير 202:7، و التهذيب - للبغوي - 330:4، و العزيز شرح الوجيز 467:5.

لا يفسد كاللآلئ، فإن لم تكن مأكولة لم تذبح، و غرم قيمة ما ابتلعته؛ للحيلولة، و إن كانت مأكولة فكذلك؛ لأنّه مفرّط؛ إذ التقدير لزوم الضمان.

و للشافعيّة قولان كما في القدر(1).

و لو باع بهيمة بثمن معيّن فابتلعته فإن لم يكن الثمن مقبوضا، بطل البيع، و هذه بهيمة للبائع ابتلعت مالا للمشتري، إلاّ أن يقتضي الحال وجوب الضمان علي صاحب البهيمة فيستقرّ العقد، و يكون ما جري قبضا للثمن، بناء علي أنّ إتلاف المشتري قبض منه، و إن كان الثمن مقبوضا، لم ينفسخ العقد، و هذه بهيمة للمشتري ابتلعت مالا للبائع.

مسألة 1092: إذا غصب جوهرة فابتلعتها دابّة،

فإن لم تكن مأكولة اللحم، لم يجز شقّ بطنها؛ لأنّ قتلها لا يجوز، و يجب ضمان ذلك علي من كانت تحت يده إن فرّط، و يغرم الغاصب قيمة الجوهرة.

و قال بعض الجمهور: إن كانت قيمة الحيوان أقلّ من قيمة الجوهرة ذبح الحيوان، و ردّت إلي مالكها، و ضمان الحيوان علي الغاصب، إلاّ أن يكون الحيوان آدميّا، ففي ذبح الحيوان رعاية حقّ المالك بردّ عين ماله إليه، و رعاية حقّ الغاصب بتقليل الضمان(2).

و لو ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بذبح الشاة، ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقلّ، و كان ضمان قيمتها علي صاحب الجوهرة؛ لأنّه لتخليص ماله، إلاّ أن يكون التفريط من صاحب

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 469:5، روضة الطالبين 145:4.
2- المغني 426:5، الشرح الكبير 382:5.

الشاة بأن تكون يده عليها، و لا شيء(1) علي صاحب الجوهرة؛ لأنّ التفريط من صاحب الشاة، فالضرر عليه.

و لو قال من عليه الضمان منهما: أنا أتلف مالي و لا أغرم شيئا للآخر، فله ذلك؛ لأنّ إتلاف مال الآخر إنّما كان لحقّه و سلامة ماله و تخليصه، فإذا رضي بتلفه لم يجز إتلاف غيره.

و لو أدخلت رأسها في قدر غيره و لا تفريط من أحدهما، كسرت القدر، و غرم صاحب الشاة أرشها؛ لأنّه لتخليص ماله.

فإن قال: لا أغرم شيئا، لم يجبر صاحب القدر علي شيء؛ لأنّ القدر لا حرمة لها، فلا يجبر صاحبها علي تخليصها، و أمّا الشاة فإنّ لها حرمة، فلا يحلّ تركها؛ لما فيه من تعذيب الحيوان، فيقال له: إمّا أن تذبح الشاة لتخلص من العذاب، و إمّا أن تغرم القدر لصاحبها إذا كان كسرها أقلّ ضررا عليه و تخلص الشاة؛ لأنّ ذلك من ضرورة إبقائها، أو تخليصها من العذاب فلزمه، كعلفها.

و إن كان الحيوان غير مأكول، احتمل أن يكون كالشاة للمالك ذبحه إذا كانت قيمته أقلّ من قيمة القدر، و أن لا يكون؛ لنهي النبي صلّي اللّه عليه و اله عن ذبح الحيوان لغير مأكلة(2).

و قوّي بعض العامّة الأوّل؛ لأنّ حرمته معارضة بحرمة الآدميّ الذي يتلف ماله، و النهي عن ذبحه معارض بالنهي عن إضاعة المال(3) ، و في كسر -

ص: 289


1- الظاهر: فلا شيء.
2- راجع: الهامش (2) من ص 287.
3- صحيح البخاري 139:2، و 159:3، و 124:8، و 118:9، صحيح مسلم -

القدر مع كثرة قيمته إضاعة المال(1).

البحث الثاني: في الزيادة.
اشارة

و النظر في أمرين:

النظر الأوّل: زيادة الآثار.
مسألة 1093: إذا غصب شيئا فزاد في يد الغاصب،

فإن كانت لا من فعله فهي للمالك، سواء كانت الزيادة متّصلة أو منفصلة، و سواء كانت عينا أو أثرا.

و إن كانت من فعل الغاصب و كانت أثرا محضا، لم يستحقّ الغاصب بتلك الزيادة شيئا؛ لأنّه متعدّ.

ثمّ ينظر إن لم يمكن ردّه إلي الحالة الأولي، ردّه بحاله و أرش النقص إن نقصت قيمته، و إن أمكن ردّه إلي الحالة الأولي فإن رضي به المالك، لم يكن للغاصب ردّه إلي ما كان، و لا أخذ شيء عن أثره، بل عليه أرش النقص إن نقص عمّا كان قبل الزيادة.

و هذه قاعدة كلّيّة في جميع الزيادات من الآثار التي ليست عينيّة.

مسألة 1094: لا يملك الغاصب العين المغصوبة بتغيّر صفاتها،

فلو غصب حنطة فطحنها، أو شاة فذبحها و شواها، أو حديدا فصنعه سكّينا أو آنية أو آلة، أو ثوبا فقطعه و خاطه أو قصره، أو طينا فضربه لبنا، فإنّ حقّ المالك لا ينقطع عن هذه الأعيان، و لا يملك الغاصب العين بشيء من هذه التصرّفات، بل يردّها مع أرش النقص إن نقصت القيمة، عند علمائنا أجمع

ص: 290


1- المغني 427:5، الشرح الكبير 383:5، و فيهما محتمل.

- و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأصالة بقاء ملك المالك علي صاحبه، و لم يوجد شيء من العقود الناقلة.

و لقوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (2) و تصرّف الغاصب فيه باطل، فلا يكون سببا لإباحة أكله.

و لأنّ كلّ ما فعله الإنسان بملكه لم يزل ملكه عنه، فإذا فعله بملك غيره لم يبطل حقّ صاحبه، كما لو ذبح الشاة أو ضرب النقرة دراهم، و لأنّ عين المغصوب منه قائمة فيجب ردّها، كما لو ذبح الشاة و لم يشوها، و لأنّه لا يزيل الملك لو كان بغير فعل آدميّ، فلم يزله إذا فعله آدميّ.

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخري: إنّ حقّ المالك ينقطع عن العين، و يملكها الغاصب، و لا يجوز التصرّف فيها إلاّ بالصدقة، إلاّ أن يدفع قيمتها، فيجوز له التصرّف في جميعه(3) ؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله زار قوما من الأنصار في دارهم، فقدّموا له شاة مشويّة، فتناول منها لقمة فجعل يلوكها(4) و لا يسيغها(5) ، فقال: «إنّ هذه الشاة لتخبرني أنّها أخذت بغير حقّ» فقالوا:

نعم يا رسول اللّه، طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا و نحن نرضيهم من ثمنها، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «أطعموها الأسري»(6) و هذا يدلّ -

ص: 291


1- الحاوي الكبير 191:7 و 194، الوجيز 211:1، الوسيط 409:3، حلية العلماء 257:5، البيان 17:7، العزيز شرح الوجيز 454:5، روضة الطالبين 4: 135، المغني 403:5، الشرح الكبير 394:5.
2- سورة البقرة: 188.
3- الظاهر: جميعها.
4- اللّوك: إدارة الشيء في الفم. النهاية - لابن الأثير - 278:4 «لوك».
5- ساغ الطعام: نزل في الحلق. لسان العرب 435:8 «سوغ».
6- روي نحوه أبو داود في سننه 3332/244:3، و الدارقطني في سننه 285:4 -

علي أنّ حقّ أصحابها انقطع عنها، و إلاّ كان يردّها عليهم(1).

و هو مع صحّته محمول علي أن يكون أطعمه الأسري، لأنّهم مضطرّون إليه، أو خاف هلاكه إلي أن يردّه علي صاحبه.

مسألة 1095: لو غصب ثوبا فشقّه أو إناء فكسره،

لم يملكهما بذلك علي ما تقدّم، بل يردّه علي المالك مع الأرش، و لا يجبر علي رفاء الثوب و إصلاح الإناء - و به قال الشافعي(2) - لأنّه لا يعود إلي ما كان عليه أوّلا بالرفاء و الإصلاح.

و قال مالك: إنّه يجبر عليهما، كما في تسوية الحفر(3).

و الفرق ظاهر.

و لو غزل القطن المغصوب، ردّ الغزل و أرش النقص إن نقص.

و لو نسج الغزل المغصوب، فالكرباس للمالك مع أرش النقص إن نقص، و ليس للمالك إجباره علي نقضه إن كان لا يمكن ردّه إلي الحالة الأولي و نسجه ثانيا، و إن أمكن كالخزّ، فللمالك إجباره عليه.

فإن نقضه و نقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه، و لا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض؛ لأنّ المالك أمره بذلك، فإن نقض من

ص: 292


1- المبسوط - للسرخسي - 86:11 و 87 و 92، روضة القضاة 7754/1266:3، الفقه النافع 930:3-649/931 و 650، بدائع الصنائع 148:7، الهداية - للمرغيناني - 15:4، الاختيار لتعليل المختار 88:3، المغني 403:5، الشرح الكبير 394:5 و 395، الحاوي الكبير 191:7 و 194، حلية العلماء 257:5، البيان 17:7، العزيز شرح الوجيز 454:5.
2- العزيز شرح الوجيز 454:5، روضة الطالبين 135:4.
3- العزيز شرح الوجيز 454:5.

غير إذن المالك ضمنه أيضا علي إشكال.

و لو نهاه المالك عن النقض، لم يجز له نقضه، فإن نقضه و لم تنقص قيمته و لا عينه عن الغزل أوّلا بل عنه منسوجا، ففي الضمان إشكال ينشأ:

من وجوب دفعه إلي مالكه علي حاله منسوجا، و من أنّ النسج من فعله و قد أزاله فلا يغرمه.

و لو غصب نقرة و ضربها دراهم أوصاغ منها حليّا أو غصب نحاسا أو زجاجا و اتّخذ منه إناء، فإن رضي المالك به ردّه كذلك، و لم يكن له ردّه إلي الحالة الأولي إلاّ أن يكون ضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو علي غير عياره؛ لأنّه حينئذ يخاف التعزير.

مسألة 1096: قد بيّنّا أنّ الغاصب لا شيء له بعمله،

سواء زادت العين أو لم تزد - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الغاصب عمل في ملك غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضا، كما لو أغلي زيتا فزادت قيمته، أو بني حائطا لغيره، أو زرع حنطة إنسان في أرضه، و سائر عمل الغاصب.

و قال بعض العامّة: إنّ الغاصب يشارك المالك بالزيادة؛ لأنّها حصلت بمنافعه، و منافعه تجري مجري الأعيان، فأشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه(2).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الصبغ عين لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك غيره، و هو حجّة عليه؛ لأنّه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره و جعله كالصفة فلأن لا يزول ملك غيره بعمله فيه أولي، و هذا بخلاف ما لو زرع في أرض غيره، فإنّه يردّ عليه نفقته؛ لأنّ الزرع ملك

ص: 293


1- العزيز شرح الوجيز 454:5، روضة الطالبين 135:4، المغني 404:5، الشرح الكبير 395:5.
2- المغني 404:5، الشرح الكبير 395:5.

الغاصب؛ لأنّه عين ماله، و نفقته عليه تزداد به قيمته، فإذا أخذه مالك الأرض احتسب له بما أنفق علي ملكه، و في مسألتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه، فكان لاغيا، علي أنّا نمنع وجوب النفقة في الزرع، بل الزرع للغاصب و عليه الأجرة.

النظر الثاني: في زيادة الأعيان.
مسألة 1097: إذا غصب أرضا و بني فيها أو غرس أو زرع،

كان لصاحب الأرض إلزام الغاصب بالقلع - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام:

«ليس لعرق ظالم حقّ»(2).

و غصب رجل أيضا فغرس فيها، فرفع ذلك إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، فأمره بقلع النخل، قال الراوي: فلقد رأيتها و الفؤوس تعمل في أصولها و إنّها لنخل عمّ(3)(4).

و لأنّه شغل أرض غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه،

ص: 294


1- الحاوي الكبير 166:7، المهذّب - للشيرازي - 378:1، بحر المذهب 9: 48، حلية العلماء 233:5، التهذيب - للبغوي - 320:4-321، البيان 7: 42، العزيز شرح الوجيز 455:5، روضة الطالبين 136:4.
2- مسند أحمد 446:6-32272/447، سنن أبي داود 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، السنن الكبري - للنسائي - 5761/405:3-3، و 5762 - 4، سنن الدارقطني 35:3-144/36، و 50/217:4، مسند أبي يعلي 957/252:2، المعجم الأوسط - للطبراني - 605/262:1، و 7267/245:7، المعجم الكبير - له أيضا - 13:17-4/14 و 5، السنن الكبري - للبيهقي - 99:6 و 142 و 143.
3- «عمّ» جمع، واحدتها: «عميمة»، أي: تامّة في طولها و التفافها. النهاية - لابن الأثير - 301:3 «عمم».
4- سنن أبي داود 3074/178:3.

فلزمه تفريغه، كما لو جعل فيه قماشا.

و لا خلاف في الغرس، أمّا لو زرع في الأرض المغصوبة فكذلك عندنا و عند الشافعي(1).

و قال أحمد: إن كان بعد حصاد الزرع فكذلك يكون الزرع للغاصب إجماعا؛ لأنّه نماء ملكه، و عليه الأجرة إلي وقت التسليم و ضمان النقص.

و لو جاء صاحبها و الزرع قائم فيها، لم يملك المالك إجبار الغاصب علي قلعه، و خيّر المالك بين أن يقيم الزرع في الأرض إلي الحصاد، و يأخذ من الغاصب أجرة الأرض و أرش النقص، و بين أن يدفع إليه نفقته، و يكون الزرع له؛ لأنّ رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء و عليه نفقته»(2) و فيه دليل علي أنّ الغاصب لا يجبر علي قلعه؛ لأنّه ملك المغصوب منه.

و روي رافع أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله رأي زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال:

«ما أحسن زرع ظهير» فقال: إنّه ليس لظهير، و لكنّه لفلان، قال: «فخذوا زرعكم و ردّوا عليه نفقته» قال رافع: فأخذنا زرعنا و رددنا عليه نفقته(3).

و لأنّه أمكن ردّ المغصوب إلي مالكه من غير إتلاف مال الغاصب علي5.

ص: 295


1- بحر المذهب 51:9، حلية العلماء 235:5-236، البيان 44:7، العزيز شرح الوجيز 455:5، روضة الطالبين 136:4.
2- سنن أبي داود 261:3-3403/262، سنن الترمذي 1366/648:3، سنن ابن ماجة 2466/824:2، مسند أحمد 16818/132:5، مسند أبي داود الطيالسي: 960/129.
3- سنن أبي داود 260:3-3399/261، السنن الكبري - للنسائي - 4616/95:3 - 28، سنن النسائي (المجتبي) 40:7، السنن الكبري - للبيهقي - 136:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2487/90:7، المعجم الكبير - للطبراني - 244:4 - 4267/245.

قرب من الزمان، فلا يجوز إتلافه، كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله و أدخلها البحر، أو غصب لوحا فرقع به سفينة، فإنّه لا يجبر علي ردّ المغصوب في اللجّة، و ينتظر حتي يخرج؛ صيانة للمال عن التلف، كذا هنا.

و لأنّه زرع حصل في ملك غيره فلا يجبر علي قلعه علي وجه يضرّ به، كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة، بخلاف الشجر؛ لأنّ مدّته تطول، و لا يعلم متي ينقلع من الأرض، فانتظاره يؤدّي إلي ترك الأصل بالكلّيّة.

و تأوّل قوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(1)المغني 392:5-393، الشرح الكبير 384:5-385، و ينظر: بحر المذهب 51:9، و البيان 44:7، و العزيز شرح الوجيز 455:5-456.(2) بأنّه مخصوص بالنخل و الغرس، و حديثه في الزرع، فيجمع بين الحديثين، و عمل بكلّ منهما في موضعه(2).

و ما قدّمناه أصحّ؛ لأنّ في ترك الزرع في أرض الغير بغير إذنه ظلما، فلا يجوز ارتكابه، و إذا كان الغاصب متعدّيا فلا فرق بين الضرر الكثير و القليل في حقّه، و الحديث محمول علي ما إذا رضي الزارع، و أضاف الزرع إليهم لحصوله في أرضهم.

إذا عرفت هذا، فإن رضي المالك بترك الزرع للغاصب و يأخذ منه أجرة الأرض فله ذلك؛ لأنّه شغل المغصوب بماله، فملك صاحبه أخذ الأجرة، كما لو أحرز في الدار طعاما أو أحجارا يحتاج في نقله إلي مدّة.

و إن أراد أخذ الزرع، لم يكن له ذلك عندنا، خلافا لأحمد، فإنّ له6.

ص: 296


1- تقدّم تخريجه في ص 294، الهامش
2- .

ذلك عنده، كما يأخذ الشفيع شجر المشتري بقيمته(1). و هو ممنوع.

و فيما يردّه علي الغاصب لأحمد روايتان.

إحداهما: قيمة الزرع؛ لأنّه بدل عن الزرع فيتقدّر بقيمته، كما لو أتلفه، [و](2) لأنّ الزرع للغاصب إلي حين انتزاع الملك منه، بدليل أنّه لو أخذه قبل انتزاع [المالك](3) له كان ملكا له، و لو لم يكن ملكا له لما ملكه بأخذه، فيكون أخذ المالك له [تملّكا](4) له، إلاّ أن يعوّضه، فيجب أن تكون له قيمته، كالشقص المشفوع، و يجب علي الغاصب أجرة الأرض إلي حين تسليم الزرع؛ لأنّ الزرع كان محكوما له به و قد شغل به أرض غيره.

و الثانية: أنّه يردّ علي الغاصب ما أنفق من البذر و مؤونة الزرع في الحرث و السقي و غيره؛ لقوله عليه السّلام: «ردّوا عليه نفقته»(5) و قيمة الشيء لا تسمّي نفقة له(6).

و الكلّ عندنا باطل، و به قال الشافعي(7).

مسألة 1098: لو كان الزرع ممّا تبقي أصوله في الأرض و يجزّ مرّة بعد أخري

كالرطبة و الكرّاث و النعناع، فللمالك إزالته، و إلزام المالك بالأرش و طمّ الحفر و الأجرة، و به قال الشافعي(8).

ص: 297


1- المغني 393:5، الشرح الكبير 385:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الملك». و المثبت كما في المصدر.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ملكا». و المثبت كما في المصدر.
5- راجع: الهامش (3) من ص 295.
6- المغني 393:5-394، الشرح الكبير 385:5.
7- راجع: الهامش (1) من ص 294.
8- لم نتحقّقه في مظانّه.

و عند أحمد يحتمل أن يكون حكمه حكم الزرع؛ لأنّه ليس له فرع قويّ، فأشبه الحنطة و الشعير، و احتمل أن يكون حكمه حكم الغرس؛ لبقاء أصله(1).

و لو غصب أرضا فغرسها فأثمرت فإن انتزعها المالك بعد أن أخذ الغاصب الثمرة، فهي للغاصب، و كذا إن انتزعها و الثمرة فيها؛ لأنّها ثمرة شجرته فكانت له، كما لو كانت في أرضه، و لأنّها نماء أصل محكوم به للغاصب، فكان له، كالأغصان و الورق.

و قال بعض العامّة: هي لمالك الأرض؛ لأنّ إدراكها في الغرس(2).

و عن أحمد رواية: أنّه إذا غصب أرضا فغرسها فالنماء لمالك الأرض، و عليه من النفقة ما أنفقه الغارس من مؤونة الثمرة؛ لأنّ الثمرة في معني الزرع، فكان لصاحب الأرض إذا أدركه قائما فيها(3).

و هو غلط؛ لمنع حكم الأصل أوّلا، و لأنّ حكم الأصل لا يوافق القياس، و إنّما صار إليه للأثر، فيختصّ الحكم به، و لا يعدّي إلي غيره، و لأنّ الثمرة تفارق الزرع من وجهين:

أحدهما: أنّ الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها، و الثمرة نماء الشجرة فكان لصاحبه.

و الثاني: أنّه يردّ عوض الزرع إذا أخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه، و لا يمكنه مثل ذلك في الثمر.

مسألة 1099: لو غصب شجرا فأثمر،

فالثمرة لصاحب الشجرة

ص: 298


1- المغني 394:5، الشرح الكبير 386:5.
2- المغني 394:5-395، الشرح الكبير 386:5.
3- المغني 395:5، الشرح الكبير 386:5.

إجماعا؛ لأنّه نماء ملكه، و لأنّ الشجر عين ملكه نما و زاد، فأشبه ما لو طالت أغصانه، و علي الغاصب ردّ الثمر إن كان باقيا، و إن كان تالفا فعليه بدله، و لو كان رطبا فصار تمرا، أو عنبا فصار زبيبا، فعليه ردّه، فإن كان تالفا فعليه بدله، و أرش نقصه إن نقص، و ليس له شيء بعمله فيه، و ليس للشجرة أجرة؛ لأنّ أجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب، و لأنّ نفع الشجر تربية الثمر و إخراجه و قد عادت هذه المنافع إلي المالك.

و يشكل بما تقدّم(1) من جواز استئجار الشجر لنشر الثياب عليها.

و لو غصب ماشية، فعليه ضمان ولدها إن ولدت عنده، و يضمن لبنها بمثله؛ لأنّه من ذوات الأمثال، و كذا أوبارها و أشعارها.

مسألة 1100: لو غصب أرضا فترك غرسها أو زرعها فنقصت بذلك،

كما في أرض البصرة، ضمن أرش النقص و الأجرة.

و لو غرسها أو زرعها، ضمن الأجرة، فإن حصل نقص ضمنه أيضا.

و لو نقصت الأرض لطول مدّة الغراس، وجب علي الغاصب أجرة المثل و أرش النقص معا.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يجب أكثرهما، و الخلاف فيه كما في الثوب إذا بلي بالاستعمال(2).

و لو أراد صاحب الأرض أن يتملّك النماء أو الغراس بالقيمة أو بنفقتها، أو الزرع بالأجرة، فالأقرب: أنّه لا يجب علي الغاصب إجابته؛ إذ لا يجب علي الإنسان بيع ملكه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يجب علي الغاصب إجابته، كالمستعير، بل أولي، فإنّ

ص: 299


1- في ج 18، ص 49، المسألة 540.
2- العزيز شرح الوجيز 456:5، روضة الطالبين 136:4.

الغاصب متعدّ(1).

و نمنع الحكم في الأصل، و الفرق: أنّ المالك هنا متمكّن من القلع بلا غرامة، بخلاف المعير.

و لو أبي المالك إلاّ القلع، فله القلع؛ لأنّه ملكه فملك نقله، و لا يجبر علي أخذ القيمة؛ لأنّها معاوضة فلم يجبر عليها.

و إن اتّفقا علي تعويضه بالقيمة أو غيرها، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما فجاز ما اتّفقا عليه.

و لو وهب الغاصب الغرس أو البناء لمالك الأرض ليتخلّص من قلعه فقبله المالك، جاز.

و إن لم يقبله و كان في قلعه غرض صحيح، لم يجبر علي قبوله؛ لما تقدّم.

و إن لم يكن في قلعه غرض صحيح، فكذلك؛ لأنّ في إجباره عليه إجبارا علي عقد يعتبر فيه الرضا.

و قال بعض العامّة: يجبر؛ لأنّ فيه رفع الخصومة من غير غرض يفوت(2).

مسألة 1101: لو غصب من رجل أرضا و غراسا فغرس الغراس فيها،

فالكلّ لمالك الأرض.

فإن طالبه المالك بقلعه و في قلعه غرض، أجبر علي قلعه؛ لأنّه فوّت عليه غرضا مقصودا بالأرض فأجبر علي إعادتها إلي ما كانت عليه، و تسوية الأرض و أرش نقصها(3) و أرش نقص الغراس.

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 456:5، روضة الطالبين 136:4.
2- المغني 380:5-381، الشرح الكبير 388:5.
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «نقصانها».

فإن لم يكن في قلعه غرض، لم يجبر علي قلعه؛ لأنّه سفه، فلا يجبر علي السفه، و قد نهي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله عن إضاعة المال(1) ، و لا ينفكّ القلع من ضياع مال.

و يحتمل الإجبار؛ لأنّ الحكم في الملك إلي المالك يتصرّف فيه كيف شاء، و لا حكم للغاصب فيه.

و إن أراد الغاصب قلعه و منعه المالك، لم يملك قلعه؛ لأنّ الجميع من الغراس و الأرض للمالك المغصوب منه، فلا يملك غيره التصرّف فيه بغير إذنه.

و لو غصب من رجل واحد أرضا و بذرا و زرعها به، فللمالك أن يكلّفه إخراج البذر من الأرض، و يغرّمه أرش النقصان، و ليس للغاصب إخراجه إن رضي المالك ببقائه في أرضه.

و الحكم في البناء في الأرض المغصوبة كالحكم في الغرس فيها في التفصيل جميعه.

و إذا كانت الآلة من تراب الأرض و أحجارها، فليس للغاصب النقض، إلاّ أن يأمره المالك به.

و لو غصب أرضا من شخص و شجرا من آخر و غرسه في الأرض المغصوبة فلكلّ من المالكين المطالبة بالقلع، و غرامته علي الغاصب، و عليه الأرش في كلّ واحد منهما إذا نقص، و الأجرة لكلّ واحد منهما إذا كان ذا أجرة.

و لو أثمر الشجر، فالثمرة لصاحب الشجرة.

و لو رضي المالكان بالإبقاء، لم يكن للغاصب القلع، فإن رضي مالك).

ص: 301


1- تقدّم تخريجه في ص 289، الهامش (3).

الأرض بالأجرة مع الإبقاء و وافقه صاحب الغرس، فالأجرة من حينئذ علي صاحب الشجر، و فيما قبل علي الغاصب.

مسألة 1102: إذا غصب دارا فجصّصها و زوّقها أو طيّنها،

كان لمالك الدار مطالبته بقلع الجصّ و التزويق و الطين؛ لأنّه ملك الغاصب شغل به ملك المغصوب منه.

و لو تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع، لم يجب علي المالك قبوله إن كان بحيث لو حلّ الجصّ و التزويق و الطين حصل منه شيء، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه يجب قبوله(1).

و لو أراد الغاصب نزعه، فله ذلك؛ لأنّه عين ماله.

و لا فرق بين أن يكون للمنزوع قيمة أو لا يكون.

و إذا نزع فنقصت الدار عمّا كانت قبل التزويق، لزمه الأرش.

و لو كان التزويق محض تمويه لا يحصل منه عين إذا نزع، فليس للغاصب النزع إن رضي المالك.

و هل له إجباره عليه ؟ الأقوي ذلك؛ لأنّه قد تصرّف تصرّفا غير مشروع، فللمالك إلزامه بإزالته، و لأنّه قد يريد المالك تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا، كما في الثوب إذا قصره(2).

مسألة 1103: إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ للغاصب،

فإن كان الحاصل من الصبغ تمويها محضا، فالحكم علي ما تقدّم في التزويق، و إن حصل بالصبغ عين مال، فإن لم يمكن فصله تشاركا في الثوب المصبوغ.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 456:5، روضة الطالبين 136:4.
2- التهذيب - للبغوي - 324:4، العزيز شرح الوجيز 456:5، روضة الطالبين 137:4.

و قال الشافعي في القديم: إنّ الصبغ يصير ملكا لصاحب الثوب، كما لو غصب جارية فسمنت فاستردّها مولاها سمينة، فإنّ الزيادة يملكها المالك دون الغاصب، كذا الصبغ هنا؛ لأنّه لا يمكن نزعه من الثوب(1).

و المذهب المشهور عند الشافعيّة خلاف ذلك، بل يكون الثوب لصاحبه و الصبغ لمالكه؛ لأنّه عين مال له انضمّ إلي ملك المغصوب منه، بخلاف السمن، و بخلاف القصارة و الطحن؛ لأنّ أجزاء السمن ليست للغاصب، و القصارة و الطحن آثار محضة(2).

إذا عرفت هذا، فإن بقيت قيمة كلّ واحد منهما محفوظة من غير زيادة و لا نقصان، مثل أن كانت قيمة الثوب قبل الصبغ عشرة و قيمة الصبغ بانفراده عشرة، و قيمة الثوب المصبوغ عشرين، فالثمن بينهما علي نسبة ماليهما إمّا بالسويّة كما في هذا المثال، أو علي نسبة أخري، كما لو اختلف المثال، حتي لو وجدا راغبا باعاه منه بثلاثين فهو بينهما.

و إن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتهما بأن عاد الثمن للثوب مصبوغا - و التصوير كما سبق - إلي خمسة عشر، احتمل أن يكون النقصان محسوبا من الصبغ؛ لأنّ الأصل هو الثوب، و الصبغ و إن كان عينا إلاّ أنّه كالصفة التابعة للثوب، فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا: الثلثان لصاحب الثوب، و الثلث لصاحب الصبغ، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إن كان النقصان لانخفاض سوق الثياب، فالنقصان محسوب من الثوب، و إن كان لانخفاض سوق الأصباغ، فالنقصان4.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 137:4.
2- العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 137:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 379:1، التهذيب - للبغوي - 326:4، العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 137:4.

محسوب من الصبغ، و كذا لو كان النقصان بسبب العمل؛ لأنّ صاحب الصبغ هو الذي عمل(1). و هذا هو المعتمد.

فإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة، انمحق الصبغ، و لا حقّ فيه للغاصب.

و إن تراجعت القيمة و كان الثوب مصبوغا يساوي ثمانية، فقد ضاع الصبغ، و نقص من الثوب درهمان، فيردّه مع درهمين.

و إن زادت قيمة الثوب مصبوغا علي [قيمتهما](2) قبل الصبغ بأن بلغت ثلاثين في الصورة المذكورة، فمن أطلق الجواب في طرف النقصان أطلق القول هنا بأنّ الزيادة بينهما علي نسبة ماليهما، و من فصّل قال: إن كان ذلك لارتفاع سوق الثياب، فالزيادة لصاحب الثوب، و إن كان لارتفاع سوق الصبغ، فهي للغاصب، و إن كان للعمل و الصنعة، فهي بينهما؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد زاد بالصنعة، و الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلي الأثر المحض تسلّم للمغصوب منه(3).

و إذا أمكن فصل الصبغ من الثوب، لم يملك المغصوب منه الصبغ، سواء كان للمفصول قيمة أو لم يكن، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني:

أنّه إذا لم يكن للصبغ بعد انفصاله عن الثوب قيمة ملكه صاحب الثوب، كالسمن(4).

و هل يملك إجبار الغاصب علي فصله ؟ الأقرب: أنّه إن كان له غرض كان له ذلك، و كذا إن كان للصبغ قيمة، و إلاّ فلا.4.

ص: 304


1- العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 137:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قيمتها». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 137:4.
4- نهاية المطلب 251:7-252، و 259-260، العزيز شرح الوجيز 457:5، روضة الطالبين 138:4.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: له الإجبار، كما يملك إجباره علي إخراج الغراس.

و الثاني: ليس له؛ لما فيه من الضرر، بخلاف الغراس، فإنّه لا يضيع بالإخراج، و لأنّ الأرض بالقلع تعود إلي ما كانت، و الثوب لا يعود، و لأنّ الأشجار تنتشر عروقها و أغصانها، فيخاف ضررها في المستقبل(1).

و قال الجويني: موضع الوجهين ما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا كثيرا، و ذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلّيّة، و قد يكون لحقارته بالإضافة إلي قيمة الصبغ، و من جملة الضياع أن يحدث في الثوب نقصان بسبب [الفصل](2) لا تفي بأرشه قيمة المفصول(3).

و لو رضي المغصوب منه بإبقاء الصبغ و أراد الغاصب فصله، فله ذلك إن لم ينتقص الثوب، فإن انتقص، قال الجويني: يبني علي الخلاف في أنّ المغصوب منه هل يجبره علي الفصل ؟ إن قلنا: لا، لم يفصله، و إن قلنا:

نعم، فله ذلك(4).

و لو تراضيا علي ترك الصبغ بحاله، فهما شريكان، و كيفيّة الشركة ما تقدّم.

مسألة 1104: لو ترك الغاصب الصبغ علي المالك و كان ممكن الانفصال،

فالأقرب: أنّه لا يجب علي المالك قبوله، كما لا يجبر علي قبول

ص: 305


1- نهاية المطلب 251:7-252، العزيز شرح الوجيز 457:5-458، روضة الطالبين 138:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
3- نهاية المطلب 252:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 458:5، و انظر: روضة الطالبين 138:4.
4- نهاية المطلب 252:7-253، و عنه في العزيز شرح الوجيز 458:5.

البناء و الغراس إذا تركه الغاصب.

و يحتمل وجوب القبول؛ لأنّ الصبغ صار كالصفة التابعة للثوب؛ لحلوله فيه، و لأنّ المشتري إذا أنعل الدابّة ثمّ اطّلع علي عيبها، كان له ردّها عند الشافعيّة(1) ، فإذا ردّها مع النعل لمكان تعيّبها لو نزع النعل، أجبر البائع علي القبول، كذا هنا.

و للشافعيّة وجهان(2) كالاحتمالين، و فرّقوا بين المشتري و الغاصب:

بأنّ المشتري غير متعدّ في النعل، و الغاصب متعدّ في الصبغ(3).

و ذكر الجويني [شيئين: أحدهما](4): أنّ في موضع الوجهين طريقين:

أحدهما: أنّهما يطّردان فيما إذا أمكن فصل الصبغ و فيما إذا لم يمكن.

و الأظهر عندهم: التخصيص بما إذا أمكن و قلنا: إنّ الغاصب يجبر علي الفصل، و إلاّ فهما شريكان لا يجبر أحدهما علي قبول هبة الآخر.

و علي هذا فلهم طريقان:

أحدهما: أنّ الوجهين فيما إذا كان متضرّرا بالفصل إمّا لما يناله من الضرر، أو لأنّ المفصول يضيع كلّه أو معظمه، فإن لم يكن كذلك لم يلزم القبول بحال.

و الثاني: أنّ الوجهين فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقصا لا يفي بأرشه قيمة الصبغ المفصول، فإن وفي لم يلزم القبول بحال و إن تعيّب أو ضاع معظم المفصول.

و الثاني: إنّا إذا قلنا بلزوم القبول علي المغصوب منه، فلا حاجة إليب.

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 458:5، روضة الطالبين 138:4.
2- العزيز شرح الوجيز 458:5، روضة الطالبين 138:4.
3- العزيز شرح الوجيز 458:5.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و كما في نهاية المطلب.

تلفّظه بالقبول، و أمّا من جهة الغاصب فلا بدّ من لفظ يشعر بقطع الحقّ، كقوله: أعرضت عنه، أو تركته إليه، أو أبرأته عن حقّي أو أسقطته، و يجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك(1).

مسألة 1105: لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ

و أراد أن يتملّكه علي الغاصب مع إمكان فصله عن الثوب أو مع عدم إمكانه، هل يجاب إلي ذلك ؟ الأقرب: المنع؛ إذ لا يجبر الإنسان علي بيع ملكه.

و للشافعيّة وجهان:

هذا أظهرهما.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنّه يجاب إليه، و يجبر الغاصب علي قبوله لينفصل الأمر بينهما، كما إذا رجع المعير و قد بني المستعير أو غرس، فإنّ له أن يتملّكه عليه بالقيمة(2).

و الأصل ممنوع، مع قيام الفرق؛ فإنّ المعير لا يتمكّن من القلع مجّانا، فكان محتاجا إلي التملّك بالقيمة، و هنا بخلافه، و أيضا فإنّ بيع العقار عسير، و بيع الثوب سهل، و به يحصل الخلاص من الشركة.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الصبغ بحيث لو فصل حصل منه شيء ينتفع به، ففي تملّك المغصوب منه إيّاه الوجهان المذكوران في الغراس و البناء، و إن كان لا يحصل منه شيء فله تملّكه لا محالة(3).

و هذا عندي هو المعتمد؛ لأنّ للمالك أن يتصرّف في ثوبه باللّبس و الفرش، و هو يستلزم تصرّفه في الصبغ، فلا بدّ له من التوصّل إلي التصرّف في ثوبه كيف شاء، و لا ذريعة إلاّ بدفع قيمة الصبغ، بخلاف ما إذا كان

ص: 307


1- نهاية المطلب 253:7-256، و عنه في العزيز شرح الوجيز 458:5-459، و روضة الطالبين 138:4-139.
2- العزيز شرح الوجيز 459:5، روضة الطالبين 139:4.
3- العزيز شرح الوجيز 459:5، روضة الطالبين 139:4.

يمكن الفصل، فإنّ له طريقا إلي استعمال ثوبه بأن يلزم الغاصب بالفصل.

مسألة 1106: إذا اشتركا في الثوب المصبوغ،

فالأقرب: أنّ لكلّ واحد منهما الانفراد ببيع ما يملكه منه؛ لأنّ للإنسان الخيار في بيع ملكه، و يكون المشتري كالبائع مع الغاصب، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم:

المنع؛ لأنّه لا يتأتّي الانتفاع بأحدهما دون الآخر، فكان كبيع دار لا طريق إليها و لا ممرّ لها(1).

و لو رغب مالك الثوب في البيع، كان له أن يبيع، و يجبر الغاصب علي موافقته.

أمّا عندنا فظاهر.

و أمّا عند الشافعيّة علي القول بالمنع في الأوّل: فكذلك؛ لأنّ المالك إن لم يتمكّن من بيع الثوب وحده فامتناع الغاصب منع له من بيع ماله، و إن تمكّن فلا شكّ في عسر البيع عليه؛ لقلّة الراغب فيه، و الغاصب متعدّ، فليس له الإضرار بالمالك بالمنع من البيع أو تعسيره(2).

و إن رغب الغاصب في البيع، لم يجبر المالك علي موافقته؛ لأنّه مناف لمقتضي الحكمة و الشرع، فإنّه لا يستحقّ المتعدّي بتعدّيه إزالة ملك غير المتعدّي، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجبر؛ تسوية بين الشريكين ليصل كلّ واحد منهما إلي ثمن ملكه(3).

ص: 308


1- نهاية المطلب 249:7، العزيز شرح الوجيز 459:5، روضة الطالبين 139:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 379:1، التهذيب - للبغوي - 326:4، العزيز شرح الوجيز 460:5.
3- الحاوي الكبير 181:7، المهذّب - للشيرازي - 379:1، الوسيط 411:3، حلية العلماء 240:5، التهذيب - للبغوي - 326:4، البيان 47:7، العزيز شرح الوجيز 460:5، روضة الطالبين 139:4.

و لهم ثالث: أنّ واحدا منهما لا يجبر علي موافقة الآخر علي قياس الشركة في الأموال(1).

مسألة 1107: لو غصب ثوبا من شخص و صبغا من آخر و صبغه به،

فإن لم يحدث في الثوب نقص و لا في الصبغ و لا في المجموع، فلا غرم علي الغاصب، و هما شريكان في الثوب المصبوغ، كما تقدّم في حكم الغاصب و المالك.

و إن حدث - مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة و قيمة الصبغ عشرة و بلغت قيمة الثوب مصبوغا عشرة - فالثمن لصاحب الثوب، و غرم الغاصب الصبغ للآخر.

و هل يحتمل أن يكونا شريكين في الثوب و يغرم الغاصب لكلّ منهما ما نقصت قيمة عينه ؟ نظر.

و إن بلغت خمسة عشر، احتمل أن يكون الثوب بينهما أثلاثا، كما مرّ في الصورة الأولي، و هو أظهر قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الثوب بينهما بالسويّة، و يرجعان علي الغاصب بخمسة(2).

فإن كان ممّا يمكن فصله، فلهما تكليف الغاصب بالفصل، فإن حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما عمّا كان قبل الصبغ، غرمه الغاصب.

و لصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا: إنّ المالك يجبر الغاصب علي الفصل في صورة ما إذا كان الصبغ للغاصب.

هذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب، فإن لم يحصل إلاّ

ص: 309


1- نهاية المطلب 249:7، العزيز شرح الوجيز 460:5.
2- التهذيب - للبغوي - 327:4، العزيز شرح الوجيز 460:5، روضة الطالبين 139:4.

تمويه، فكما مرّ في التزويق.

و يقاس بما ذكرنا في صورة أن يكون الصبغ للغاصب أو لآخر ثبوت الشركة فيما إذا طيّرت الريح ثوب إنسان في إجّانة صبّاغ، لكن ليس لأحدهما أن يكلّف الآخر الفصل و لا التغريم إن حصل نقص في أحدهما؛ لانتفاء العدوان.

و لو أراد صاحب الثوب تملّك الصبغ بالقيمة فعلي ما تقدّم(1).

مسألة 1108: لو غصب ثوبا و صبغا من شخص واحد ثمّ صبغ الثوب بذلك الصبغ،

فإن لم يحدث بفعله نقص فهو للمالك، و لا غرم علي الغاصب، و لو زادت القيمة فهي للمالك، و لا شيء للغاصب فيها؛ لأنّ الموجود منه أثر محض.

و إن حدث بفعله نقص، غرم الأرش، و إذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه، و ليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك.

و اعلم أنّا إذا قلنا في الثوب المصبوغ: إنّه يباع، لا نريد البيع القهري، بل الغرض منه إذا بيع كان الثمن بينهما.

ثمّ إن رضيا بالبيع فلا بحث، و إلاّ فهل يجبر الممتنع ؟ قد سلف(2) المنع و الخلاف فيه.

مسألة 1109: إذا غصب ثوبا قيمته عشرة و صبغه بصبغ من عنده قيمته عشرة

و بلغت قيمة الثوب مصبوغا ثلاثين، ففصل الغاصب الصبغ و نقصت قيمة الثوب عن عشرة، لزمه ما نقص عن عشرة، و كذا ما نقص عن خمسة عشر إن فصل بغير إذن المالك و طلبه، و إن فصل بإذنه، لم يلزمه إلاّ نقصان

ص: 310


1- في ص 307، المسألة 1105.
2- في ص 308، المسألة 1106.

العشرة.

و لو عادت قيمته مصبوغا إلي عشرة لتراجع السوق و كان التراجع في الثياب و الأصباغ علي وتيرة واحدة، فالثوب بالسويّة بينهما كما كان، و النقصان داخل عليهما جميعا، و ليس علي الغاصب غرامة ما نقص مع ردّ العين.

نعم، لو فصل الصبغ بعد تراجع القيمة إلي عشرة فصار الثوب يساوي أربعة، غرم ما نقص - و هو خمس الثوب - بأقصي القيم، و المعتبر في الأقصي خمسة عشر إن فصل بنفسه، و عشرة إن فصل بطلب المالك.

مسألة 1110: إذا خلط المغصوب بغيره و تعذّر التمييز و كان من الجنس،

كما إذا غصب زيتا خلطه بزيت أو حنطة بمثلها أو شعيرا بمثله، فإن خلطه بأجود من المغصوب، فالأقرب: أنّهما شريكان، كما لو امتزج الزيتان بنفسهما(1) أو برضا المالكين.

و أيضا لو غصب صاعا من واحد و صاعا من آخر و خلطهما و جعلناهما هالكين، ينتقل الملك فيهما إلي الغاصب، و ذلك تملّك بمحض(2) التعدّي.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه بمنزلة الهالك حتي يتمكّن الغاصب من أن يعطيه قدر حقّه من غير الممتزج.

و الثاني: قال في التفليس فيما إذا خلطه بالأجود ثمّ فلس: فعلي قولين:

ص: 311


1- في «ص، ع»: «بنفسيهما».
2- في «ص، ع»: «لمحض».

أحدهما: أنّه كالهالك حتي لا يكون للبائع إلاّ المضاربة بالثمن.

و الثاني: أنّهما يشتركان في المخلوط، و يرجع البائع إلي حقّه منه.

و اختلف أصحابه علي طريقين:

أظهرهما: إثبات القولين في الغصب أيضا.

أمّا جعله هالكا: فلتعذّر الوصول إليه، و أيضا فلو قلنا بالشركة لاحتجنا إلي البيع و قسمة الثمن بينهما، كما سيأتي، فلا يصل المالك إلي عين حقّه و لا إلي مثله مع وجود العين، و المثل أقرب إلي حقّه من الثمن.

و أمّا الشركة: فللقياس علي مسألة الصبغ و علي ما إذا اختلط الزيتان بأنفسهما أو برضا المالكين.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الأوّل، و الفرق: أنّا إذا لم نثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقّه، بل يحتاج إلي المضاربة، و [هنا](1) يحصل للمالك تمام البدل.

و إن خلطه بمثله، ففيه الطريقان.

و لهم طريق ثالث، و هو القطع بالشركة؛ لأنّ في إثبات الشركة إيصال المالك إلي بعض حقّه بعينه، و إلي بدل بعضه من غير زيادة تفوت علي الغاصب، فكان أولي من إيصاله إلي بدل الكلّ(2).

مسألة 1111: لو مزج الزيت بزيت أردأ منه،

احتمل أن يكونا شريكين، كما لو(3) امتزجا بأنفسهما، و يضمن الغاصب الأرش، و أن يكون كالهالك، و الأوّل أقوي.

ص: 312


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هل». و المثبت هو الصحيح كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 462:5-463.
3- في «ص، ع»: «إذا» بدل «لو».

و للشافعيّة فيه الطريقان المذكوران في الأجود(1) ، لكنّ الشافعي قال في المفلّس: ليس هنا إلاّ القول بالشركة(2).

و خرّج بعضهم فيه قولا آخر، فإنّ الشافعي قال: الذائب إذا اختلط انقلب حتي لا يوجد عين ماله(3).

و الحاصل: في الخلط المطلق ثلاثة أوجه للشافعيّة، ثالثها: الفرق بين أن يختلط بغير المثل، فيكون المغصوب هالكا، سواء كان أجود أو أردأ، أو بالمثل فيشتركان(4).

فإن جعلنا الاختلاط كالهلاك، فللغاصب أن يعطيه المثل من غير المخلوط، و له أن يعطيه منه إذا كان الخلط بالمثل، و كذا إذا خلط بالأجود؛ لأنّ المخلوط خير من المغصوب، و ليس له أن يعطيه قدر حقّه من المخلوط إذا خلط بالأردأ، إلاّ إذا رضي المالك، و إذا رضي فلا أرش له، كما إذا أخذ الرديء من موضع آخر.

و إن حكمنا بالشركة، فإن خلط بالمثل فقدر وزنه من المخلوط له، و إن خلط بالأجود، كما إذا خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان، فإن أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك علي قبوله؛ لأنّ بعضه عين حقّه، و بعضه خير منه، و إلاّ فباع المخلوط و قسّم الثمن بينهما أثلاثا.

فإن أراد قسمة عين الزيت علي نسبة القيمة، فالأقرب عندنا:

الجواز؛ لأنّ القسمة ليست بيعا عندنا، بل هي إفراز حقّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يجوز؛ لأنّه يكون قد أخذ ثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع، و هو ربا.5.

ص: 313


1- العزيز شرح الوجيز 463:5.
2- العزيز شرح الوجيز 463:5.
3- العزيز شرح الوجيز 463:5.
4- العزيز شرح الوجيز 463:5.

و الثالث: أنّه يكلّف الغاصب تسليم صاع من المخلوط؛ لأنّ اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط، كزيادة متّصلة تحصل في يد الغاصب(1).

و إن خلط بالأردأ، كما إذا خلط صاعا قيمته درهمان بصاع قيمته درهم، أخذ المالك من المخلوط صاعا مع أرش النقصان؛ لأنّ الغاصب متعدّ، بخلاف ما إذا خلط المشتري بالأردأ و فلّس، فإنّ البائع إمّا أن يقنع بصاع من المخلوط، أو يضارب مع الغرماء، فإن اتّفقا علي بيع المخلوط و قسمة الثمن أثلاثا جاز.

و إن أراد قسمة عين الزيت علي نسبة القيمتين، فمن الشافعيّة من جعله علي الخلاف المذكور في طرف الأجود(2) ، و منهم من قطع المنع؛ لأنّه أمكن الرجوع إلي صاع منه مع الأرش، فلا حاجة إلي احتمال القسمة المشتملة علي التفاضل(3).

و اعلم أنّ خلط الخلّ بالخلّ و اللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت.

مسألة 1112: إذا خلط الدقيق بالدقيق،

فهو كخلط الزيت بالزيت؛ لأنّ الدقيق مثليّ، و به قال بعض الشافعيّة(4).

و قال آخرون: إنّه ليس بمثليّ، بل هو متقوّم، فإن قلنا: إنّ المختلط هالك، فالواجب علي الغاصب القيمة، و إن قلنا بالشركة، فإنّه يباع و يقسّم

ص: 314


1- العزيز شرح الوجيز 463:5، روضة الطالبين 141:4.
2- العزيز شرح الوجيز 464:5، روضة الطالبين 141:4.
3- العزيز شرح الوجيز 464:5، روضة الطالبين 141:4.
4- الحاوي الكبير 190:7، المهذّب - للشيرازي - 378:1، بحر المذهب 9: 71، حلية العلماء 232:5، التهذيب - للبغوي - 328:4، البيان 41:7، العزيز شرح الوجيز 464:5، روضة الطالبين 141:4.

الثمن بينهما علي قدر القيمتين(1).

فإن أراد قسمة عين الدقيق علي نسبة القيمتين و الخلط بالأجود أو الأردأ، فهو علي ما تقدّم في قسمة الزيت المخلوط، و إن كان الخلط بالمثل، فالقسمة جائزة؛ لأنّها إفراز، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّها بيع فلا تجوز؛ لأنّ بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز(2).

مسألة 1113: إذا خلط المغصوب بغير جنسه،

كما لو خلط زيتا بشيرج أو دهن جوز، أو مزج دقيق حنطة بدقيق شعير، فالمغصوب هالك؛ لبطلان فائدته و خاصّيّته باختلاط غير الجنس، بخلاف الجيّد مع الرديء.

و يحتمل قويّا ثبوت الشركة، كما لو مزجاه بالرضا أو امتزجا بأنفسهما، فإن كان في المغصوب نقص ضمنه الغاصب، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان: الأوّل، و ثبوت الخلاف السابق فيما إذا مزجه بالجنس(3).

و علي ما اخترناه من الشركة إن تراضيا علي بيع المخلوط و قسمة الثمن جاز، و إن أراد قسمته جاز، و كأنّ المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج.

و هل يلحق بخلط الزيت بالشيرج لتّ السويق بالزيت ؟ قال جماعة من الشافعيّة: نعم(4).

و هو بعيد، بل الأقوي أنّه كصبغ الثوب.

ص: 315


1- الحاوي الكبير 190:7، المهذّب - للشيرازي - 378:1، بحر المذهب 9: 71، حلية العلماء 232:5، التهذيب - للبغوي - 328:4، البيان 41:7، العزيز شرح الوجيز 464:5، روضة الطالبين 141:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 464:5، روضة الطالبين 142:4.
مسألة 1114: لو غصب شيئا و خلطه بغيره و أمكن التمييز بينهما،

وجب علي الغاصب التمييز، سواء سهل أو عسر و شقّ، و سواء خلط بالجنس، كالحنطة البيضاء بالحنطة الحمراء، أو بغير الجنس، كالحنطة بالشعير، و يجب عليه الفصل بينهما بالالتقاط و لو طال الزمان.

و لو خلط الزيت بالماء و أمكن التمييز، لزمه التمييز و أرش النقص إن كان فيه نقص، و إن لم يمكن التمييز فهو كخلطه بالشيرج، إلاّ أن لا يبقي له قيمة، فيكون هالكا لا محالة، فإن حصل فيه مميّزا أو غير مميّز نقص سار فقد مضي الحكم فيه.

مسألة 1115: لو غصب ساجة فأدرجها في بنائه أو بني عليها أو علي آجرّ مغصوب،

لم يملك الغاصب الساجة و لا الآجرّ و لو كان داخله في حائط عظيم شاهق، بل يجب عليه إخراجه من البناء و ردّه إلي المالك - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(1) - لأنّه بني علي ملك الغير عدوانا، فلا يزول به ملك المالك، كما لو غصب أرضا و بني عليها، و لأنّه قادر علي العين و ردّها إلي مالكها، فلا يجوز الانتقال إلي القيمة، و لأنّه مغصوب ليس بمحبوس عنده بعقد له ردّه، فكان عليه ردّه، كما لو جعله أبوابا في داره.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه ردّ الساجة، و يلزمه قيمتها(2).

ص: 316


1- الحاوي الكبير 198:7، المهذّب - للشيرازي - 379:1، نهاية المطلب 7: 273، بحر المذهب 75:9، الوجيز 213:1، الوسيط 414:3، حلية العلماء 242:5، التهذيب - للبغوي - 329:4، البيان 49:7-50، العزيز شرح الوجيز 465:5، روضة الطالبين 142:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1083/630، عيون المجالس 1748:4-1227/1749، المعونة 1219:2، الذخيرة 324:8، المغني 424:5، الشرح الكبير 381:5.
2- مختصر اختلاف العلماء 1867/178:4، مختصر القدوري: 130، المبسوط -

و حكي الكرخي أنّه إن بني عليها بناء لا يتّصل بغيره قلعه(1).

و الأوّل هو المشهور عنه، و احتجّ بأنّها صارت تابعة لملكه يستضرّ بقلعها، فلم يلزمه ردّها، كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده(2).

و الفرق: أنّ الخيط لا يشبه المتنازع إذا كان يخاف من قلعه؛ لأنّه ليس له ردّه، و لأنّ حاجته إليه لذلك تبيح غصبه، بخلاف البناء، فافترقا.

هذا إذا لم تعفن الساجة، فإن عفنت بحيث لو أخرجت لم تكن لها قيمة، فهي مستهلكة، فإذا أخرجها و ردّها لزمه أرش النقص إن دخلها نقص، و في الأجرة ما ذكرناه في إبلاء الثوب بالاستعمال.

و الحقّ عندنا: أنّه يجب ردّ أجرتها؛ لأنّ الخشب له أجرة و يستأجر للانتفاع به.

مسألة 1116: لو غصب لوحا فجعله في سفينة،

فإن كانت قريبة من الشطّ قدّمت إلي الشطّ، فإن خاف علي المتاع الذي فيها بالقلع أخرج المتاع منها ثمّ قلع اللوح و ردّه علي صاحبه.

فأمّا إن كانت في لجّة البحر، فإن كان اللوح في أعلاها لا يضرّها قلعه و لا يخاف من النزع هلاك نفس و لا مال، أو لم يكن فيها نفس و لا مال

ص: 317


1- المبسوط - للسرخسي - 94:11، روضة القضاة 7751/1265:3، بدائع الصنائع 149:7.
2- - للسرخسي - 93:11، روضة القضاة 7751/1265:3، تحفة الفقهاء 93:3 - 94، الفقه النافع 652/931:3، بدائع الصنائع 149:7، الهداية - للمرغيناني - 16:4، المغني 424:5، الشرح الكبير 381:5، الحاوي الكبير 198:7، نهاية المطلب 273:7، بحر المذهب 75:9، حلية العلماء 242:5، التهذيب - للبغوي - 329:4، البيان 50:7، العزيز شرح الوجيز 465:5.

و لا خيف هلاك السفينة نفسها، وجب قلعه.

و إن كان في أسفلها، فإن كان فيها حيوان يخاف عليه سواء كان آدميّا - إمّا الغاصب أو غيره - أو غير آدميّ، و سواء كان للغاصب أو لغيره، لم يجز قلعه؛ لأنّ الحيوان له حرمة، فلا يجوز له إتلافه لحفظ المال.

و إن لم يكن فيها حيوان يخاف عليه، فإن كان فيها متاع لغير الغاصب يخاف عليه لم يقلع؛ لأنّه لا يجوز إتلاف مال غير الغاصب لتعدّي الغاصب.

و إن لم يكن فيها إلاّ مال الغاصب أو مال من يعرف أنّ فيها لوحا مغصوبا، أو لم يكن فيها شيء إلاّ أنّه يغرق إذا قلع اللوح منها، فهل يقلع اللوح، أو ينتظر دخولها الشطّ؟ الأقرب: أنّه لا يقلع؛ لأنّه يمكن ردّه مع سلامة مال الغاصب، و هو إذا دخل إلي الشطّ، بخلاف الساجة إذا بني عليها؛ لأنّه إنّما يبني للتأبيد، و لا يمكن انتظار زوال البناء، فافترقا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يقلع؛ لأنّه ليس في قلعه إلاّ إتلاف مال الغاصب، و ذلك لا يمنع من ردّ المغصوب، كالساجة في البناء(1).

و قد تقدّم الفرق.

و خلاف أبي حنيفة(2) عائد هنا فيما إذا لم يخف هلاك مال و لا نفس5.

ص: 318


1- الحاوي الكبير 200:7، المهذّب - للشيرازي - 380:1، نهاية المطلب 7: 276، بحر المذهب 75:9، الوسيط 415:3، حلية العلماء 243:5، التهذيب - للبغوي - 330:4، البيان 52:7، العزيز شرح الوجيز 466:5، روضة الطالبين 143:4.
2- الهداية - للمرغيناني - 16:4، الحاوي الكبير 198:7، بحر المذهب 76:9، العزيز شرح الوجيز 465:5.

و لا السفينة.

و كلّ موضع لا ينزع فيه اللوح إلي أن تصل إلي الشطّ فإنّه تؤخذ القيمة للحيلولة إلي أن يتيسّر الفصل، فحينئذ يردّ اللوح مع أرش النقص و يستردّ القيمة.

و إذا قلنا: لا نبالي في النزع بهلاك مال الغاصب، فلو اختلطت السفينة التي أدرج فيها اللوح بسفن الغاصب و لم يوقف علي اللوح إلاّ بفصل الكلّ، ففي فصل الكلّ إشكال.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 1117: إذا غصب خيطا فخاط به ثوبا و نحوه،

فالحكم فيه كما في البناء علي الساجة.

و إن خيط به جرح حيوان محترم، فهو إمّا آدميّ أو غيره، فإن كان آدميّا، فإن خيف من نزعه منه هلاكه لم ينزع و إن كان هو الغاصب، و يجب علي الغاصب قيمته.

فإن خاط جرح نفسه، فالضمان مستقرّ عليه.

و إن خاط جرح غيره بإذنه و هو عالم بالغصب، فقرار الضمان عليه، و إن كان جاهلا، فعلي الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب غيره.

و في معني خوف الهلاك خوف كلّ محذور يجوز معه العدول إلي التيمّم من الوضوء.

قال الجويني: لو رتّب انقدح وجهان:

ص: 319


1- الحاوي الكبير 200:7، المهذّب - للشيرازي - 380:1، بحر المذهب 9: 76، حلية العلماء 243:5، البيان 52:7، العزيز شرح الوجيز 466:5، روضة الطالبين 143:4.

أحدهما: أنّ ترك الخيط أولي؛ لقيام القيمة مقامه.

و الثاني: أنّ نزعه أولي؛ لتعلّقه بحقّ الآدميّ، المبنيّ علي الضيق(1).

و أمّا غير الآدميّ فإمّا أن يكون مأكول اللحم أو غير مأكوله، فغير المأكول حكمه حكم الآدميّ، إلاّ أنّه لا اعتبار ببقاء الشّين فيه.

و الثاني: المأكول، فإن كان لغير الغاصب لم ينزع.

و إن كان للغاصب، فقولان للشافعي:

أحدهما: أنّه يذبح و يردّ الخيط؛ لأنّه جائز الذبح، و بذبحه يصل الحقّ إلي المستحقّ.

و أظهرهما: المنع، كما في غير المأكول؛ لأنّ للحيوان حرمة في نفسه، و لهذا يؤمر مالكه بالإنفاق عليه، و يمنع من إتلافه، و إذا لم يقصد بالذبح الأكل منع منه(2).

و إذا مات الحيوان الذي خيط به جرحه، فإن كان غير الآدميّ نزع منه الخيط، و في الآدميّ للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: أنّه ينزع، و إنّما لم ينزع في الحياة لحرمة الروح.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الآدميّ محترم بعد الموت، و لهذا قال عليه السّلام: «كسر عظم الميّت ككسر عظم الحيّ»(3)(4).

و إن كان الحيوان غير محترم، كالكلب العقور و الخنزير، نزع الخيط4.

ص: 320


1- نهاية المطلب 273:7-274، و عنه في العزيز شرح الوجيز 466:5.
2- التهذيب - للبغوي - 330:4، العزيز شرح الوجيز 467:5، روضة الطالبين 4: 144.
3- سنن ابن ماجة 1617/516:1، تاريخ بغداد 106:12.
4- التهذيب - للبغوي - 330:4، العزيز شرح الوجيز 467:5، روضة الطالبين 4: 144.

من غير مبالاة بهلاكه، أمّا كلب الصيد و الماشية و الزرع فلا يجوز النزع منه، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و أمّا إذا خيط به جرح مرتدّ، فإن كان عن فطرة فالأقرب: جواز إخراجه و إن خيف منه التلف.

و منع منه بعض الشافعيّة؛ لأنّ المثلة بالمرتدّ محرّمة، و ليست كالمثلة بالميّت، لأنّا نتوقّع بالمرتدّ عودا إلي الإسلام(2).

و كذا البحث لو طرأت الردّة علي الخياطة.

و حكم الحربيّ حكم المرتدّ عن فطرة.

أمّا لو [خيط به](3) جرح الزاني المحصن أو المحارب، ففيه إشكال.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ حكمه حكم الخلاف فيما إذا خاط به جرح معصوم فمات؛ لأنّ تفويت روحه مستحقّ، فألحق بالميّت(4).

و هل يجوز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال ؟ الوجه ذلك في كلّ موضع لا يجوز النزع، و كلّ موضع يجوز النزع لا يجوز.4.

ص: 321


1- الجويني في نهاية المطلب 275:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 467:5.
2- الجويني في نهاية المطلب 275:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 467:5، و روضة الطالبين 144:4.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 468:5، روضة الطالبين 144:4.

ص: 322

الفصل السادس: في تصرّفات الغاصب

مسألة 1118: إذا اتّجر الغاصب بالمال المغصوب فإن باع أو اشتري بالعين،

فالأقرب: أنّه يقف علي إجازة المالك، فإن أجاز ذلك البيع أو الشراء بالعين صحّ، و الربح له، و إلاّ بطل، و هو القول القديم للشافعي، و في الجديد: أنّ التصرّف باطل، سواء أجاز المالك أو لا(1).

و لو باع سلما أو اشتري في الذمّة و سلّم المغصوب فيه، صحّ العقد، و التسليم فاسد، فلا تبرأ ذمّته عمّا التزم، و يملك ما يأخذ، و أرباحه له.

و عن أحمد ثلاث روايات: هذان القولان، و أنّ البيع يصحّ و ينفذ؛ لأنّ الغصب في الظاهر تتطاول مدّته، فلو لم يصحّ تصرّف الغاصب أفضي إلي الضرر بالمالك و المشتري؛ لأنّ المالك لا يملك ثمنها، و المشتري لا يملكها(2).

و قد تقدّم ذلك في كتاب البيع.

مسألة 1119: إذا غصب جارية فوطئها،

فالأقسام أربعة:

أحدها: أن يكون الغاصب و الجارية جاهلين بالتحريم بأن كانا قريبي العهد بالإسلام أو في بلاد بعيدة عن الإسلام يخفي عليه(3) مثل هذا، فاعتقد حلّ وطئها، أو للشبهة، اعتقد أنّها جاريته، فلا حدّ علي واحد منهما؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «ادرؤا الحدود بالشبهات»(4).

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 470:5، روضة الطالبين 146:4.
2- المغني 409:5-410، الشرح الكبير 419:5.
3- أي: علي الجاهل.
4- الفقيه 190/53:4، تاريخ بغداد 303:9، تاريخ مدينة دمشق 347:23، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 241:12.

و يجب علي الغاصب بوطئه مهر مثلها للشبهة - و هو قول العامّة(1) - لأنّ كلّ وطئ يسقط فيه الحدّ للشبهة يجب فيه المهر، و إن كانت بكرا وجب عليه مع المهر أرش البكارة؛ لأنّه ينفرد عنه بالجناية.

و للشافعيّة وجهان في أنّا نفرد أرش الافتضاض عن المهر، فنقول: عليه مهر مثلها ثيّبا و أرش الافتضاض، أو لانفرد، فنقول: عليه مهر مثلها بكرا(2).

و رجّحوا الأوّل؛ لوجوبهما بسببين مختلفين، و انفكاك كلّ واحد منهما عن الآخر، فإنّه لو أزال البكارة بإصبعه وجب الأرش(3).

و للوجهين فوائد تأتي إن شاء اللّه تعالي.

و قال بعض علمائنا: يجب عشر قيمة الجارية إن كانت بكرا، و نصف عشر قيمتها إن كانت ثيّبا(4).

و قصر بعض علمائنا ذلك في عقد الشبهة علي الجارية(5).

الثاني: أن يكونا عالمين بالتحريم، فإن كانت الجارية مكرهة وجب علي الغاصب الحدّ دونها، و يجب عليه أيضا المهر لسيّدها - و به قال الشافعي(6) - لأنّه عوض ما أتلف علي المالك من بضعها. -

ص: 324


1- المغني 408:5، الشرح الكبير 417:5، الحاوي الكبير 153:7-154، نهاية المطلب 202:7، بحر المذهب 37:9، التهذيب - للبغوي - 311:4، البيان 58:7، العزيز شرح الوجيز 470:5، روضة الطالبين 146:4.
2- التهذيب - للبغوي - 311:4، العزيز شرح الوجيز 470:5-471، روضة الطالبين 146:4.
3- العزيز شرح الوجيز 471:5، روضة الطالبين 147:4.
4- حكاه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 246:3 بعنوان «قيل».
5- كما في شرائع الإسلام 246:3.
6- الحاوي الكبير 152:7، نهاية المطلب 206:7، بحر المذهب 38:9، -

و قال أبو حنيفة: لا يجب المهر(1).

و يجب عليه أرش الافتضاض إن كانت بكرا.

و إن كانت مطاوعة له علي الوطء، فعليها الحدّ أيضا.

و الأقرب: وجوب المهر لسيّدها؛ لأنّ المهر حقّ للسيّد، فلا يسقط بمطاوعتها، كما لو أذنت في قطع يدها، و لأنّه حقّ يجب للسيّد مع إكراهها فيجب مع مطاوعتها، كأجرة منافعها، و به قال أحمد و بعض الشافعيّة، و هو مرويّ عن الشافعي أيضا(2).

و قال الشافعي: إنّه لا يجب عليه المهر؛ لأنّها زانية ساقطة الحرمة، فأشبهت الحرّة إذا زنت طائعة، و قد روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه نهي عن مهر البغيّ(3) ، و هذه بغيّ، فلا يثبت(4) لها المهر(5).5.

ص: 325


1- العزيز شرح الوجيز 471:5.
2- المغني 407:5، الشرح الكبير 416:5، الحاوي الكبير 152:7، نهاية المطلب 207:7، بحر المذهب 38:9، التهذيب - للبغوي - 311:4، البيان 60:7، العزيز شرح الوجيز 471:5، روضة الطالبين 147:4.
3- الموطّأ 68/656:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 375:2/4 و 376، مسند أحمد 1257/237:1، سنن الدارمي 255:2، صحيح البخاري 110:3 و 122، و 79:7، صحيح مسلم 1567/1198:3، سنن ابن ماجة 2159/730:2، سنن أبي داود 3481/279:3، سنن الترمذي 1133/439:3، و 1276/575، و 4: 2071/402، سنن النسائي (المجتبي) 189:7 و 309.
4- في «ص، ع»: «فلم يثبت».
5- الحاوي الكبير 152:7، نهاية المطلب 206:7-207، التهذيب - للبغوي - 311:4، البيان 59:7، العزيز شرح الوجيز 471:5، روضة الطالبين 147:4، المغني 407:5، الشرح الكبير 416:5.

و هو محمول علي الحرّة.

و لو كانت بكرا، وجب أرش البكارة؛ لأنّه نقص جزء منها إذا قلنا:

إنّه يفرد عن المهر، و إذا قلنا: لا يفرد، ففي وجوب الزيادة علي مهر مثلها و هي ثيّب وجهان للشافعيّة.

أحدهما: لا تجب، كما لو زنت الحرّة طائعة و هي بكر.

و الثاني: تجب، كما لو أذنت في قطع يدها(1).

الثالث: أن يكون الواطئ عالما بالتحريم و الجارية جاهلة به، و يجب علي الواطئ الحدّ؛ لأنّه زان، و لا حدّ عليها، و يجب لها المهر و أرش البكارة إن كانت بكرا.

الرابع: أن تكون الجارية عالمة بالتحريم و الواطئ جاهل به، و يجب عليها الحدّ خاصّة دونه، و يجب المهر إن كانت مكرهة، و إن كانت مطاوعة فالقولان، و يجب أرش البكارة إن كانت بكرا.

تذنيب: الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا، و قد يكون لتوهّم حلّها(2) خاصّة؛ لدخولها بالغصب في ضمانه، و لا تقبل دعواهما إلاّ من قريب العهد بالإسلام أو ممّن نشأ في موضع بعيد من المسلمين، و قد يكون لاشتباهها عليه و ظنّه أنّها جاريته، فلا يشترط في قبول الدعوي ما ذكرناه.

مسألة 1120: لو غصب جارية فباعها من آخر فوطئها المشتري،

فإن كان المشتري عالما بالغصب فحكمه في الوطئ حالتي العلم و الجهل كما

ص: 326


1- التهذيب - للبغوي - 312:4، العزيز شرح الوجيز 471:5، روضة الطالبين 4: 147.
2- في «ص، ع»: «حلّه».

ذكر في الغاصب، إلاّ أنّ الجهل في حقّ المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا، فلا يشترط في دعواه الشرط السابق من قرب العهد بالإسلام، أو خفاء ذلك؛ لبعد داره عن دائرة الإسلام، كما لا يشترط في الاشتباه.

فإذا غرم المشتري المهر، ففي رجوعه علي الغاصب خلاف مبنيّ(1) علي أنّ المشتري هل يرجع بما غرم عمّا حصل له في مقابلته نفع، أو لا؟ و هل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ المهر بدل منفعة البضع، و هي غير داخلة تحت اليد و لا مضمونة بالغصب.

و الثاني: الجواز؛ لأنّ الأمر إذا أفضي إلي الغرم بعد فرضه غير متعلّق بالغاصب(2).

قال الجويني: هذان الوجهان جاريان سواء قلنا برجوع المشتري علي الغاصب بالمهر أو بعدم الرجوع، و قال: إذا قلنا بعدم الرجوع، فظاهر القياس أن لا يطالب، و غيره محتمل، و إذا قلنا بالرجوع، فالظاهر المطالبة؛ لاستقرار الضمان عليه. و يمكن أن يقال: الرجوع بسبب الغرور، فيختصّ به المغرور. و طرّد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة(3).

و اعلم أنّ كلّ ضمان يجب علي المشتري فللمغصوب منه أن يرجع به علي من شاء منهما؛ لأنّ يد الغاصب سبب يد المشتري، و ما وجب علي4.

ص: 327


1- في «ص»: «يبتني»، و في «ع»: «يبني» بدل «مبنيّ».
2- العزيز شرح الوجيز 472:5، روضة الطالبين 148:4.
3- نهاية المطلب 211:7 و 215-216، و عنه في العزيز شرح الوجيز 472:5، و روضة الطالبين 148:4.

الغاصب من أجرة المدّة التي كانت في يده أو نقص حدث عنده فإنّه يرجع به علي الغاصب وحده؛ لأنّ ذلك كان قبل يد المشتري.

فإذا طالب المالك المشتري بما وجب عليه في يده و أخذه منه فأراد المشتري الرجوع به علي الغاصب، نظر فإن كان المشتري عالما بالغصب حين الشراء، لم يرجع بشيء؛ لأنّ سبب الضمان كان في يده من غير تغرير، و إن لم يعلم فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: ما لا يرجع به، و هو قيمتها إن تلفت في يده، و أرش بكارتها، و بدل جزء من أجزائها؛ لأنّه دخل مع البائع علي أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه لم يرجع به.

الثاني: ما يرجع به، و هو بدل الولد إذا ولدت منه؛ لأنّه دخل معه في العقد علي أن لا يكون الولد مضمونا و إن لم يحصل من جهته إتلاف، و إنّما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه، و كذلك نقص الولادة.

الثالث: ما اختلف فيه، و هو مهر مثلها، و أجر نفعها، فهل يرجع به علي الغاصب ؟ لعلمائنا قولان:

أحدهما: يرجع به؛ لأنّه دخل في العقد علي أن يتلفه بغير عوض، فإذا غرم عوضه رجع به، كبدل الولد و نقص الولادة، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: لا يرجع به، و به قال أبو حنيفة(2).5.

ص: 328


1- بحر المذهب 40:9، حلية العلماء 243:5، التهذيب - للبغوي - 315:4، البيان 62:7، العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 147:4، المغني 412:5، الشرح الكبير 422:5.
2- المغني 412:5، الشرح الكبير 422:5، بحر المذهب 40:9، حلية العلماء 244:5، العزيز شرح الوجيز 477:5.

و إن رجع بذلك كلّه علي الغاصب فكلّ ما لو رجع به علي المشتري لا يرجع به المشتري علي الغاصب إذا رجع به علي الغاصب رجع به الغاصب علي المشتري، و كلّ ما لو رجع به علي المشتري رجع به المشتري علي الغاصب إذا غرّمه الغاصب لم يرجع به علي المشتري.

و إذا ردّها حاملا فماتت من الوضع، فإنّها مضمونة علي الواطئ؛ لأنّ التلف بسبب من جهته.

مسألة 1121: إذا تكرّر الوطء إمّا من الغاصب أو من المشتري من الغاصب،

فإن كان حالة الجهل لم يجب إلاّ مهر واحد؛ لأنّ الجهل شبهة واحدة مطّردة، فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مرارا.

و إن كان عالما و وجب المهر؛ لكونها مستكرهة، أو علي ما اختاره بعض علمائنا(1) [من القول](2) بالوجوب مع طواعيتها، فالأقرب: تعدّده بكلّ مرّة؛ لأنّ الوجوب هنا لإتلاف منفعة البضع، فيتعدّد بتعدّد الإتلاف.

و حينئذ يحتمل أن يقال بالتعدّد في صورة الجهل أيضا؛ لأنّ الإتلاف - الذي هو سبب الوجوب - حاصل، فلا معني للإحالة علي الشبهة، و إنّما يحسن اعتقاد الشبهة حيث لا يجب المهر لو لا الشبهة.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: الاكتفاء بمهر واحد، كما في حالة الجهل(3).

و لو وطئها مرّة جاهلا و مرّة عالما، وجب مهران.

مسألة 1122: من استكره امرأة علي الزنا وجب عليه الحدّ دونها؛

لأنّها

ص: 329


1- لم نتحقّقه.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 472:5، روضة الطالبين 148:4.

معذورة؛ حيث هي مقهورة، و عليه مهرها، حرّة كانت أو أمة، فإن كانت حرّة فالمهر لها، و إن كانت أمة فالمهر لمولاها - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّه وطئ في غير ملكه، سقط به الحدّ عن الموطوءة، فإذا كان الواطئ من أهل الضمان في حقّها وجب عليه مهرها، كما لو وطئها بشبهة.

و أمّا المطاوعة فإن كانت أمة وجب مهرها علي الأقوي لسيّدها، و لا يسقط برضاها، و إن كانت حرّة لم يجب لها المهر؛ لأنّ رضاها اقترن بالسبب الموجب فلم يوجب، كما لو أذنت في إتلاف مالها.

و قال أبو حنيفة: لا يجب المهر لا للحرّة و لا للأمّة إذا أكرهها أو طاوعته؛ لأنّه وطء يتعلّق به وجوب الحدّ، فلم يجب به المهر، كما لو طاوعته(2).

و قد تقدّم بطلانه.

مسألة 1123: إذا حصل من الوطئ حبل سواء كان من الغاصب أو من المشتري منه،

نظر فإن كان الواطئ عالما بالتحريم، فالولد رقيق للمالك، و لا يلتحق بالواطئ، و لا نسب له معه؛ لأنّه زان.

فإن انفصل حيّا فهو مضمون علي الغاصب.

ص: 330


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1081/629:2، بداية المجتهد 324:2، الذخيرة 306:8، مختصر المزني: 117، الحاوي الكبير 163:7، بحر المذهب 46:9، التهذيب - للبغوي - 314:4، البيان 65:7، العزيز شرح الوجيز 5: 471، روضة الطالبين 147:4، روضة القضاة 7917/1300:3، المغني 5: 412.
2- روضة القضاة 7916/1300:3، المغني 412:5-413، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 629:2-1081/630، الذخيرة 306:8، الحاوي الكبير 7: 163، بحر المذهب 46:9، التهذيب - للبغوي - 314:4، البيان 65:7، العزيز شرح الوجيز 471:5.

و إن انفصل ميّتا بجناية جان، فبدله لسيّده.

فإن انفصل ميّتا من غير جناية، فالأقوي: وجوب ضمانه علي الغاصب؛ لثبوت اليد عليه تبعا لثبوت اليد علي الأمّ، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجب الضمان؛ لأنّ حياته(2) غير معلومة، و سبب الضمان هلاك رقيق تحت يده(3). و لا بأس به.

و يجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميّتا، فإن أوجبنا الضمان فنوجب قيمة يوم الانفصال لو كان حيّا في ولد الجارية و البهيمة سواء(4).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يضمن ولد الجارية بعشر قيمة الأمّ؛ تنزيلا للغاصب منزلة الجاني يترتّب علي جنايته الإجهاض(5).

و إن كان الواطئ جاهلا بالتحريم، فالولد لاحق بأبيه الواطئ، سواء كان الغاصب أو المشتري منه، حرّ؛ للشبهة، و علي الواطئ قيمته لمولي الجارية يوم الانفصال إن انفصل حيّا؛ لأنّ التقويم قبله غير ممكن.

و إن انفصل ميّتا، فإمّا أن ينفصل بنفسه أو بجناية جان، فإن انفصل بنفسه ففي ضمانه إشكال، المشهور عند الشافعيّة: أنّه لا يلزمه قيمته؛ لأنّا4.

ص: 331


1- بحر المذهب 38:9، التهذيب - للبغوي - 313:4، البيان 59:7، العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 148:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «جنايته» بدل «حياته».
3- بحر المذهب 38:9، التهذيب - للبغوي - 307:4 و 312-313، العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 148:4.
4- العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 148:4.
5- العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 149:4.

لا نتيقّن حياته، و أنّ الغاصب أتلفه، و يخالف ما لو انفصل رقيقا ميّتا حالة العلم حين الزنا، حيث قلنا في وجوب الضمان وجهين؛ لأنّ الرقيق يدخل تحت اليد و الغصب، فجعل تبعا للأمّ فيه(1).

و لهم وجه آخر: أنّه يلزمه القيمة؛ لأنّ الظاهر الحياة(2).

و أمّا علي التقدير الثاني فعلي الجاني ضمانه؛ لأنّ الانفصال عقيب الضرب يغلب علي الظنّ أنّه كان حيّا فمات بفعله، و للمالك الضمان علي الغاصب، بخلاف ما إذا انفصل ميّتا من غير جناية، فإنّه لا بدل له هناك، و هنا يقوّم له فيقوّم عليه، و كان حقّ المالك يتعلّق ببدله، كما لو قتل العبد الجاني تعلّق حقّ المجنيّ عليه ببدله، و لو مات فات حقّه.

ثمّ الذي يجب علي الجاني دية الجنين.

و عند الشافعيّة أنّ الذي يجب علي الجاني الغرّة(3) ، و الذي يجب للمالك عشر قيمة الأمّ؛ لأنّ الجنين الرقيق به يضمن، فإن كانت قيمة الغرّة و عشر الأمّ سواء ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الأمّ، و إن كانت قيمة الغرّة أكثر فكذلك، و الزيادة تستقرّ بحقّ الإرث(4).

و إن نقصت الغرّة عن العشر، فوجهان:

أظهرهما عندهم: أنّه يضمن للمالك تمام العشر؛ لأنّه لمّا انفصل متقوّما كان بمثابة ما لو انفصل حيّا، و لأنّ بدله إنّما نقص عن العشر بسبب الحرّيّة الحاصلة بظنّه.4.

ص: 332


1- العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 149:4.
2- العزيز شرح الوجيز 473:5.
3- الغرّة: العبد نفسه أو الأمة. النهاية - لابن الأثير - 353:3 «غرر».
4- العزيز شرح الوجيز 473:5-474، روضة الطالبين 149:4.

و الثاني: أنّه لا يضمن إلاّ قدر الغرّة، و يعبّر عن هذا بأنّ الواجب أقلّ الأمرين من الغرّة و العشر؛ لأنّ سبب وجوب الضمان يقوّمه عليه، فلا يضمن فوق ما يحصل له(1).

و لو انفصل ميّتا بجناية الغاصب نفسه، لزمه الضمان؛ لأنّ ما وجد منه سبب الضمان، إلاّ أنّه لا يستحقّ علي نفسه شيئا.

مسألة 1124: لو أحبل الغاصب الجارية و مات و خلّف أباه ثمّ انفصل الجنين ميّتا بجناية جان،

فالغرّة تكون لجدّ الجنين.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب لو كان حيّا(2).

و عنه: أنّه لو كان مع الغاصب أمّ أمّ الجنين فورثت سدس الغرّة لقطع النظر عنه، و ينظر إلي عشر قيمة الأمّ و خمسة أسداس الغرّة، و كأنّها كلّ الغرّة(3).

و الجوابان مختلفان، فرأي الجويني إثبات احتمالين في الصورتين، فصار في أحدهما [الي](4) أنّ من يملك الغرّة ينبغي أن يضمن للمالك، و يستبعد في الثاني تضمين من لم يغصب و لا تفرّعت يده علي يد الغاصب(5).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الغرّة تجب مؤجّلة، و إنّما يغرم الغاصب

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 149:4.
2- نهاية المطلب 205:7، العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 4: 149.
3- نهاية المطلب 205:7، العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 4: 149.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
5- نهاية المطلب 206:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 474:5، و روضة الطالبين 149:4.

عشر قيمة الأمّ إذا أخذ الغرّة(1).

هذا ظاهر مذهب الشافعيّة في الولد المحكوم بحرّيّته.

و فيه طريقة أخري لهم: أنّه لا ينظر إلي عشر قيمة الأمّ، و لكن تعتبر قيمته لو انفصل حيّا، و ينظر إليه و إلي الغرّة علي التفصيل الذي تقدّم(2).

و ذكر بعضهم أنّ هذه الطريقة مستمدّة من قول الشافعي القديم: في أنّ جراح العبد لا يتقدّر؛ لأنّ عشر قيمة الأمّ نوع مقدّر.

لكنّه ليس بواضح؛ فإنّ الخلاف في أنّ البدل يقدّر أو لا يقدّر في أطراف العبد، لا في جملته، و الفائت هنا جملته(3).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الغاصب يغرم للمالك أكثر الأمرين من قيمة الولد و الغرّة(4).

و ضعّفه بعضهم؛ لأنّ الغرّة إن كانت أكثر فثبوت الزيادة بسبب الحرّيّة فكيف يستحقّها المالك، و دعوي الجهل في هذا الضرب كدعواه في الضرب الأوّل(5).

و نقل بعض الشافعيّة خلافا في قبولها لحرّيّة الولد و إن قبلت لدفع الحدّ(6).

و يجب في حالتي الجهل و العلم أرش نقصان الجارية إن نقصت بالولادة، فإن تلفت عنده وجب أقصي القيم، و دخل فيه نقصان الولادة و أرش البكارة.4.

ص: 334


1- العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 149:4.
2- العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 149:4.
3- العزيز شرح الوجيز 474:5.
4- العزيز شرح الوجيز 474:5، روضة الطالبين 149:4-150.
5- العزيز شرح الوجيز 474:5-475.
6- العزيز شرح الوجيز 475:5، روضة الطالبين 150:4.

و لو ردّها و هي حبلي فماتت في يد المالك من الولادة، قال بعض الشافعيّة: لا شيء عليه في صورة العلم؛ لأنّ الولد ليس منه حتي يقال:

ماتت من ولادة ولده [و إنّ](1) في صورة الجهل قولين(2).

و اعلم أنّ لوجوب الضمان في هذه الصورة مأخذين:

أحدهما: أنّه أحبل جارية الغير إمّا بالشبهة أو بالزنا، و في كونه سببا للضمان إشكال.

و الثاني: أنّه حصل نقصان الحبل تحت اليد العادية، و ذلك سبب الضمان و إن وجد أثره بعد الردّ إلي المالك، كما لو جني المغصوب عند الغاصب فردّه ثمّ بيع في يد المالك.

و أطلق بعضهم وجوب الضمان للمأخذ الثاني(3).

تذنيب: لو وطئ الغاصب بإذن المالك، فحيث لا نوجب المهر لو لم يأذن فهنا أولي، و حيث نوجبه فهنا قولان محافظة علي حرمة البضع.

و في قيمة الولد طريقان:

أحدهما: أنّه علي الخلاف في المهر.

و الثاني: القطع بالوجوب؛ لأنّه لم يصرّح بالإذن في الإحبال(4).

مسألة 1125: إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري،

ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلي يوم التلف، و لا يضمن الزيادة التي كانت في يد الغاصب إن كانت في يده أكثر قيمة، و لا يرجع بما يضمنه، عالما

ص: 335


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإنّ». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 475:5، روضة الطالبين 150:4.
3- العزيز شرح الوجيز 475:5.
4- العزيز شرح الوجيز 476:5، روضة الطالبين 150:4.

كان أو جاهلا؛ لأنّ الشراء عقد ضمان، و قد شرع فيه علي أن تكون العين من ضمانه و إن كان الشراء صحيحا.

و لقائل أن يقول: إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنّه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله، و يستقرّ عليه الثمن، فهذا صحيح، لكن لم يكن شارعا فيه علي أن يضمن القيمة، و معلوم أنّه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شيء بالتلف، فكان الغاصب مغرّرا موقعا إيّاه في خطر الضمان، فليرجع عليه.

و إن كان المراد غيره، فلم قلتم: إنّ الشراء عقد ضمان علي تفسير آخر؟

و ربما انساق هذا الإشكال إلي ما حكي عن بعض الشافعيّة: أنّه يرجع من المغروم بما زاد علي قدر الثمن، سواء اشتراه رخيصا في الابتداء [أم](1) زادت القيمة بعد الشراء، فإنّه إذا رجع بما زاد علي الثمن و استردّ الثمن لم يلحقه ضرر(2).

مسألة 1126: لو تعيّب المغصوب عند المشتري بعمي و شلل و نحوهما،

نظر إن كان بفعل المشتري فيستقرّ ضمانه عليه، و كذا لو أتلف الكلّ.

و إن كان بآفة سماويّة، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه لا يرجع علي الغاصب بضمانه، كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكلّ، تسوية بين الجملة و الأجزاء.

ص: 336


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و ما أثبتناه من روضة الطالبين، و في العزيز شرح الوجيز: «أو» بدل «أم».
2- العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 150:4-151.

و الثاني: أنّه يرجع؛ لأنّ العقد يوجب ضمان الجملة، و لا يوجب ضمان الأجزاء علي الانفراد؛ لأنّه لو تعيّب المبيع قبل القبض لم يكن للمشتري أن يجيز العقد و يطالبه بجزء من الثمن، بل إمّا أن يفسخ أو يجيز بكلّ الثمن، و لو تلف يستردّ كلّ الثمن(1).

و أيضا لو اشتري عبدا بجارية و تقابضا ثمّ وجد بائع العبد بالجارية عيبا قديما فردّها و قد تلف العبد، فإنّه يأخذ قيمته، و لو لم يتلف و تعيّب بعيب حادث، لم يكن له طلب الأرش مع العبد، بل يقنع به أو يأخذ القيمة.

و في الصورة الثانية للشافعيّة وجهان، فللقائل بالقول الأوّل أن يمنع، و يقول: له استرداد العبد و طلب أرش النقصان، و أمّا الصورة الأولي فإنّ المبيع في يد البائع غير مضمون بالقيمة، بل بالثمن، فإذا تلف سقط الثمن، و إذا تعيّب أمكن ردّه و استرداد جملة الثمن، و لا يمكّن من طلب الأرش الذي هو تغيير للعقد و حطّ من الثمن، و إنّما يصار إليه عند الضرورة، فلهذا المعني لم يثبت الأرش(2).

مسألة 1127: منافع المغصوب يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها.

و هل يرجع علي الغاصب ؟

أمّا ما استوفاه بالسكون و الركوب و اللّبس ففيه قولان للشافعيّة، و كذا عند علمائنا، و كذا في الرجوع بالمهر إذا غرمه بالوطئ.

أحدهما: يرجع؛ لأنّ الغاصب قد غرّه و لم يشرع علي أن يضمن المهر و الأجرة.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 151:4.
2- العزيز شرح الوجيز 477:5.

و أصحّهما عندهم - و هو الجديد للشافعي، و به قال أبو حنيفة -: أنّه لا يرجع؛ لأنّ نفعه عاد إليه، و لأنّه أتلف المنفعة، و حوالة الضمان علي مباشر الإتلاف أولي(1).

و أجري الشافعيّة الخلاف في أرش الافتضاض إن كانت بكرا، و عدم الرجوع به أظهر؛ لأنّه بدل جزء منها أتلفه، فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الخلاف فيه مبنيّ علي أنّه يفرد عن المهر أو لا؟ إن أفرد لم يرجع به، و إلاّ رجع(3).

و أمّا المنافع التي فاتت تحت يده و لم يستوفها، فإن قلنا: يرجع بضمان ما استوفاه، فبضمانها أولي، و إن قلنا: لا يرجع هناك، فوجهان:

أصحّهما عندهم: الرجوع أيضا؛ لأنّه لم يتلف و لا شرع في العقد علي أنّه يضمنها.

و الثاني: لا يرجع؛ تنزيلا للتلف تحت يده منزلة الإتلاف(4).

مسألة 1128: إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرّا،

رجع به علي الغاصب؛ لأنّه شرع في العقد علي أن يسلم الولد حرّا من غير غرامة، و لم يوجد منه تفويت.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الرجوع بها كالرجوع بالمهر؛ لأنّ نفع حرّيّة الولد يعود إليه(5).

ص: 338


1- بحر المذهب 40:9، البيان 62:7، العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 151:4.
2- بحر المذهب 40:9، العزيز شرح الوجيز 477:5-478، روضة الطالبين 151:4. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 478:5.

و المشهور: الأوّل.

و أرش نقصان الولادة قطع بعضهم بأنّه يرجع به(1).

و قال آخرون خلافه(2).

قال الجويني: و سبيله سبيل النقصان الحاصل بسائر الآفات السماويّة(3).

و يجيء فيه ما تقدّم من الخلاف السابق لهم(4).

و لو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتّهب جاهلا بالحال و غرم قيمة الولد، ففي الرجوع بها وجهان للشافعيّة، وجه الفرق: أنّ الواهب متبرّع، و البائع ضامن سلامة الولد بلا غرامة(5).

مسألة 1129: إذا بني المشتري أو غرس في الأرض المغصوبة فجاء المالك و نقض بناءه و غراسه،

هل يرجع بأرش النقصان علي الغاصب ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا، [كما لا](6) يرجع بما أنفق علي العمارة، و كأنّه بالبناء متلف ماله.

و أظهرهما: نعم؛ لشروعه في العقد علي ظنّ السلامة، و إنّما جاءه هذا الضرر من تغرير الغاصب(7).

قال بعضهم: القياس أن لا يرجع علي الغاصب بما أنفق علي العبد

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 478:5، روضة الطالبين 151:4.
2- العزيز شرح الوجيز 478:5، روضة الطالبين 151:4.
3- نهاية المطلب 217:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 478:5.
4- العزيز شرح الوجيز 478:5.
5- العزيز شرح الوجيز 478:5، روضة الطالبين 151:4.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
7- العزيز شرح الوجيز 478:5، روضة الطالبين 151:4.

و بما أدّي من خراج الأرض؛ لأنّه شرع في الشراء علي أن يضمنها(1).

مسألة 1130: لو زوّج الغاصب الجارية المغصوبة فوطئها الزوج جاهلا،

غرم مهر المثل للمالك، و لا يرجع به علي الغاصب؛ لأنّه شرع فيه علي أن يضمن المهر، و يخالف ما إذا غرّ بحرّيّة أمة و غرم المهر حيث يرجع علي الغارّ علي أحد القولين(2) ؛ لأنّ النكاح هنا صحيح، و البضع مملوك له، فإذا فسخ اقتضي الفسخ استرداد ما بذله، و هناك النكاح باطل، و إنّما غرم لإتلافه منفعة البضع، حتي لو كان المغرور ممّن لا يحلّ له نكاح الأمة لم يثبت له الرجوع بالمهر؛ لبطلان النكاح.

و لو استخدمها الزوج و غرم الأجرة، لم يرجع علي الغاصب؛ لأنّه بالتزويج لم يسلّطه علي الاستخدام، بخلاف الوطئ، و يرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده؛ لأنّه ما استوفاها و لا شرع علي أن يضمنها.

و القول في قيمتها لو تلفت في يده قد تقدّم، و إن غرمها رجع بما قلنا.

و الضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتّبت يده علي يد الغاصب عن جهل: إن شرع فيه علي أن يضمنه لم يرجع به، و إن شرع علي أن لا يضمنه، فإن لم يستوف ما يقابله رجع به، و إن استوفاه فقولان للشافعيّة(3).

و علي هذا، فلو كان المغصوب شاة فنتجت في يد المشتري أو

ص: 340


1- التهذيب - للبغوي - 316:4، العزيز شرح الوجيز 478:5.
2- كما في بحر المذهب 44:9، و العزيز شرح الوجيز 478:5.
3- العزيز شرح الوجيز 479:5، روضة الطالبين 152:4.

شجرة فأثمرت فأكل فائدتهما و غرمهما للمالك، ففي الرجوع بما غرم علي الغاصب قولان للشافعيّة(1) ، كالمهر.

و إن هلكت تحت يده، فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها، و كذا القول في الاكتساب.

و إن انفصل الولد ميّتا، فالظاهر أنّه لا ضمان، و كذا إن انفصل ميّتا في يد الغاصب.

مسألة 1131: لو استرضع المشتري الجارية في ولده أو ولد غيره،

غرم أجرة مثلها.

و في الرجوع قولان للشافعيّة(2) ، كالمهر.

و يغرم المشتري اللبن و إن انصرف إلي سخلتها و عاد نفعه إلي المالك، كما لو غصب علفا و أعلف به بهيمة مالكه.

لكن قال بعض الشافعيّة: وجب أن يرجع به علي الغاصب؛ لأنّه لم يشرع فيه علي أن يضمنه، و لا عاد نفعه إليه(3).

و لو آجر العين المغصوبة، غرم المستأجر أجرة المثل للمالك، و لم يرجع بها علي الغاصب؛ لأنّه شرع فيه علي أن يضمنها، و يستردّ الأجرة المسمّاة.

و لو أعارها، رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده.

و في الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان.

و كذا ما غرم للأجزاء التالفة بالاستعمال.

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 479:5، روضة الطالبين 152:4.
2- التهذيب - للبغوي - 315:4، العزيز شرح الوجيز 479:5، روضة الطالبين 152:4.
3- التهذيب - للبغوي - 316:4، العزيز شرح الوجيز 479:5، روضة الطالبين 152:4.

و اعلم أنّ كلّ ما غرمه المشتري رجع به علي الغاصب، فلو طولب به الغاصب و غرمه لم يرجع به علي المشتري، و كذا الحكم في غير المشتري ممّن تترتّب يده علي يد الغاصب.

مسألة 1132: إذا انتقصت الجارية المغصوبة بالولادة و كان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكلّه،

لم ينجبر به النقصان، بل الولد له، و يأخذ الأرش عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الولد زيادة تحدث علي ملكه، ألا تري أنّه يسلّم له و إن لم يكن في الأمّ نقصان، و ملكه لا يجبر نقصان ملكه.

و قال أبو حنيفة بالجبران(2). و ليس بجيّد.

و لو ماتت الأمّ من الولادة و الولد واف بقيمتها، فلهم فيه اختلاف(3).

مسألة 1133: لو تعب حمّال الخشبة بحملها فأسندها إلي جدار الغير ليستريح،

فإن لم يأذن الغير في الإسناد إلي جداره، فهو غاصب يضمن الجدار إن وقع بإسناده إليه، و يضمن ما تلف بوقوعه عليه.

و لو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا، ضمن إن وقعت في الحال، و لو وقعت بعد ساعة لم يضمن عند الشافعيّة(4). و فيه نظر.

فلو كان الجدار له أو لغيره و قد أذن في إسناده إليه، فكذلك يفرّق

ص: 342


1- بحر المذهب 38:9، الوسيط 420:3، العزيز شرح الوجيز 480:5، روضة الطالبين 152:4.
2- مختصر القدوري: 130، روضة القضاة 7766/1268:3، الفقه النافع 933:3 - 657/934، الهداية - للمرغيناني - 19:4، الاختيار لتعليل المختار 92:3، بحر المذهب 38:9، الوسيط 420:3، العزيز شرح الوجيز 480:5.
3- العزيز شرح الوجيز 480:5.
4- البيان 56:7، العزيز شرح الوجيز 480:5، روضة الطالبين 153:4.

بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة، تشبيها بفتح رأس الزقّ.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لو خشي وقوع حائط، جاز إسناده بجذع الغير و إن لم يأذن صاحب الجذع(1). و فيه نظر.

و لو غصب دارا و نقضها و أتلف النقض، ضمن النقض و ما نقص من قيمة العرصة.

و هل يضمن أجرة مثلها دارا إلي وقت الردّ أو إلي وقت النقص ؟ إشكال.

مسألة 1134: لو غصب شاة و أنزي عليها فحلا،

فالولد للمغصوب منه.

و لو غصب فحلا فأنزاه علي شاته، فالولد للغاصب، و لا شيء عليه للإنزاء؛ لنهيه صلّي اللّه عليه و اله عن عسب الفحل(2). و ليس بجيّد.

و لو انتقص، غرم الأرش.

و لو غصب جارية ناهدا فتدلّي ثديها، أو عبدا شابّا فشاخ، أو أمرد فالتحي، ضمن النقصان، خلافا لأبي حنيفة في الأمرد(3).

و لو غصب خشبة و اتّخذ منها أبوابا و سمّرها بمسامير من عنده، نزع المسامير، و إن انتقصت الأبواب بذلك ضمن الأرش.

و لو بذلها(4) ، ففي إجبار المغصوب منه علي قبولها وجهان للشافعيّة(5).

ص: 343


1- المبسوط - للطوسي - 86:3.
2- تقدّم تخريجه في ص 257، الهامش (1).
3- المبسوط - للسرخسي - 90:11، بدائع الصنائع 156:7، المحيط البرهاني 5: 470، بحر المذهب 100:9، حلية العلماء 255:5، العزيز شرح الوجيز 5: 481، المغني 391:5، الشرح الكبير 399:5.
4- أي: المسامير.
5- البيان 36:7، العزيز شرح الوجيز 481:5، روضة الطالبين 153:4.

و لو غصب ثوبا و نجّسه أو نجس عنده، لم يكن له تطهيره، و لا للمالك أن يكلّفه التطهير، و لو غسله و انتقصت قيمته، ضمن النقصان، و لو ردّه نجسا فمؤونة التطهير علي الغاصب، و كذا أرش النقصان اللازم منه.

و تنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره إهلاك، و الدهن إن أمكن تطهيره فهو كالثوب.

مسألة 1135: لو غصب من الغاصب فأبرأ المالك الأوّل عن ضمان الغصب،

صحّ الإبراء؛ لأنّه مطالب بقيمته، فهو كدين عليه.

فإن ملّكه المغصوب برئ، و انقلب الضمان علي الثاني حقّا له.

و إن باعه من غاصب الغاصب أو وهبه منه و أذن له في القبض، برئ الأوّل.

و إن أودعه من الثاني و قلنا: إنّه يصير أمانة في يده، برئ الأوّل أيضا، و إن رهنه من الثاني لم يبرأ واحد منهما عن الضمان.

و لو ردّ المغصوب إلي المالك أو إلي وكيله أو وليّه، برئ من الضمان.

و لو ردّ الدابّة إلي اصطبله، برئ أيضا إذا علم المالك أو أخبره من يعتمد خبره، و قبل أن يعلم و يخبر لا يبرأ.

فإن امتنع المالك من الاسترداد، رفع الأمر إلي الحاكم.

و لو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان، برئ الأوّل؛ لأنّ القرار علي الثاني، و الأوّل كالضامن.

و هذا إن فرض بعد تلف المال فهو ظاهر، و أمّا قبله فليخرّج علي صحّة إبراء الغاصب مع بقاء المال في يده، و فيه خلاف.

و الحقّ عندنا: أنّه لا يصحّ الإبراء من الأعيان.

ص: 344

الفصل السابع: في التنازع

مسألة 1136: لو ادّعي المالك الغصب و القابض الاتّهاب أو الشراء منه

أو الاستيداع أو الاستعارة أو الاستئجار، قدّم قول المالك في عدم هذه العقود دون الغصب، فإنّ القول قول المالك في عدم الإذن، فيضمن المتشبّث، لكن هل يضمن أقصي القيم ؟ إن ألحقنا غير الغاصب به فنعم، و إلاّ فلا.

مسألة 1137: لو ادّعي الغاصب تلف المغصوب و أنكر المالك،

قدّم قول الغاصب مع يمينه؛ لأنّه قد يعجز عن إقامة البيّنة عليه و يكون صادقا، فلو لم نصدّقه لتخلّد الحبس عليه، و لما وجد عنه مخرجا، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّ القول قول المالك مع اليمين؛ لأنّ الأصل بقاؤه(1).

فإذا قلنا بالأوّل، فلو حلف الغاصب هل للمالك تغريمه القيمة أو المثل ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: لا يضمن؛ لبقاء العين في زعمه.

و أصحّهما: نعم؛ لأنّه عجز عن الوصول إليها بيمين الغاصب و إن كانت باقية(2).

مسألة 1138: لو اتّفقا علي الهلاك و اختلفا في قيمته،

فالقول قول

ص: 345


1- نهاية المطلب 242:7، الوسيط 399:3، العزيز شرح الوجيز 433:5، روضة الطالبين 118:4.
2- العزيز شرح الوجيز 433:5، روضة الطالبين 118:4.

الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته عن الزيادة، و علي المالك البيّنة، و ينبغي أن تشهد الشهود بأنّ قيمته كذا.

أمّا إذا أراد إقامة البيّنة علي صفات العبد ليقوّمه المقوّمون بتلك الصفات، فعن بعض الشافعيّة: أنّها تقبل، و يقوّم بالأوصاف، و تنزّل علي أقلّ الدرجات، كما في السّلم(1).

و المشهور عندهم: المنع؛ لأنّ [الموصوفين](2) بالأوصاف الواحدة [يتفاوتون](3) في القيمة؛ لتفاوتهم في الملاحة و ما لا يدخل تحت الوصف(4).

قال الجويني: لكن المالك يستفيد بإقامة البيّنة علي الأوصاف إبطال دعوي الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات، كما لو أقرّ الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثمّ قوّمه بشيء حقير لا يليق به، لا يلتفت إليه، بل يؤمر بالزيادة إلي أن تبلغ حدّا يجوز أن تكون قيمة لمثل ذلك الموصوف(5).

و لو قال المالك: قيمته ألف، و قال الغاصب: بل خمسمائة، و جاء المالك ببيّنة علي أنّها أكثر من خمسمائة من غير تقدير، منهم من قال:

لا تسمع البيّنة هكذا(6) ، و الأكثر سمعوها و قالوا: فائدة السماع أن يكلّف9.

ص: 346


1- العزيز شرح الوجيز 433:5، روضة الطالبين 118:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصوفات... يتفاوت». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصوفات... يتفاوت». و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 433:5، روضة الطالبين 118:4.
5- نهاية المطلب 244:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 433:5، و روضة الطالبين 118:4.
6- العزيز شرح الوجيز 433:5، روضة الطالبين 118:4-119.

الغاصب الزيادة علي الخمسمائة إلي حدّ لا تقطع البيّنة بالزيادة عليه(1).

و لو قال المالك: لا أدري كم قيمته، لم تسمع دعواه حتي يبيّن.

و كذا لو قال الغاصب: أعلم أنّه دون ما ذكره و لا أعرف قدره، لم تسمع حتي يبيّن، فإذا بيّن حلف عليه.

مسألة 1139: لو قال المالك: كان العبد كاتبا أو محترفا،

و أنكر الغاصب، فالقول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل عدمه، و براءة ذمّته.

و حكي بعض الشافعيّة وجها آخر: أنّ القول قول المالك؛ لأنّه أعرف بحال مملوكه(2).

و لو ادّعي الغاصب به عيبا و أنكر المالك، نظر إن ادّعي عيبا حادثا بأن قال: كان أقطع أو سارقا، فالقول قول المالك؛ لأصالة الصحّة، و الغالب دوام السلامة، و هو أصحّ قولي الشافعي، و الثاني: أنّ القول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته(3).

و إن ادّعي عيبا في أصل الخلقة بأن قال: كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد، فالمصدّق الغاصب؛ لأنّ الأصل العدم، و المالك متمكّن من إثباته بالبيّنة.

و للشافعيّة وجهان آخران:

أحدهما: تصديق المالك؛ نظرا إلي غلبة السلامة.

و الثاني: الفرق بين ما يندر من العيوب و ما لا يندر(4).

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 434:5، روضة الطالبين 119:4.
2- بحر المذهب 60:9، البيان 80:7، العزيز شرح الوجيز 434:5، روضة الطالبين 119:4.
3- بحر المذهب 60:9، البيان 80:7، العزيز شرح الوجيز 434:5، روضة الطالبين 119:4.
4- العزيز شرح الوجيز 434:5، روضة الطالبين 119:4.

و لو ردّ الغاصب المغصوب و به عيب و قال: غصبته هكذا، و قال المالك: بل حدث العيب عندك، قال بعض الشافعيّة: القول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته، و عدم يده علي تلك الصفة(1).

مسألة 1140: لو تنازعا في الثياب التي علي العبد،

فالقول قول الغاصب؛ لأنّ العبد و ما عليه في يد الغاصب.

و لو قال: غصبت منّي دارا بالكوفة، فقال: بل غصبت دارك بالمدينة، فالقول قول المدّعي عليه في أنّه لم يغصب دارا بالكوفة، و إنّما غصب دارا بالمدينة، فإن وافقه المدّعي عليه ثبت، و إلاّ ارتدّ إقراره بتكذيبه.

و لو غصب خمرا محترمة و هلكت عنده، ثمّ قال المغصوب منه:

هلك بعد أن صار خلاّ، و قال الغاصب: بل قبله و لا ضمان عليّ، فالقول قول الغاصب؛ لأنّ الأصل بقاء الخمريّة و براءة ذمّته.

و لو قال: طعامي الذي غصبته كان حديثا، و قال الغاصب: بل كان عتيقا، فهو كالخلاف في كون العبد كاتبا، فالقول قول الغاصب، فإن نكل عن اليمين حلف المالك، ثمّ له أن يأخذ العتيق، فإنّه دون حقّه.

مسألة 1141: لو باع عبدا من إنسان فجاء آخر يدّعي أنّه ملكه

و أنّ البائع كان قد غصبه منه، فلا شكّ أنّ له دعوي عين العبد علي المشتري، و في دعواه القيمة علي البائع ما تقدّم في الإقرار.

فإن ادّعي العين علي المشتري و صدّقه، أخذ العبد منه، و لا رجوع له بالثمن علي البائع المكذّب.

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 434:5، روضة الطالبين 119:4.

فإن كذّبه فأقام المدّعي عليه بيّنة، أخذه، و رجع المشتري علي البائع بالثمن.

فإن لم يقم البيّنة و نكل المشتري، حلف المدّعي و أخذه، و لا رجوع للمشتري بالثمن؛ لتقصيره بالنكول.

فإن صدّقه البائع دون المشتري، لم يقبل إقرار البائع علي المشتري، و بقي البيع بحاله، إلاّ أن يكون إقراره بالغصب في زمان الخيار، فيجعل ذلك فسخا للبيع.

ثمّ لو عاد العبد إلي البائع بإرث أو ردّ بعيب، لزمه تسليمه إلي المدّعي.

و إن صدّقه البائع و المشتري جميعا، سلّم العبد إلي المدّعي، و علي البائع ردّ الثمن المقبوض علي المشتري إن بقي بحاله، و ضمانه إن تلف.

و لو جاء المدّعي بعد ما أعتق المشتري العبد و صدّقه البائع و المشتري، لم يبطل العتق، سواء وافقهما العبد أو خالفهما؛ لما في العتق من حقّ اللّه تعالي، و لهذا سمعت شهادة الحسبة عليه، بخلاف ما لو كاتبه المشتري ثمّ توافقوا علي تصديق المدّعي؛ لأنّ الكتابة قابلة للفسخ.

و للمدّعي في مسألة الإعتاق قيمة العبد علي البائع إن اختصّ بتصديقه، و علي المشتري إن اختصّ بتصديقه، و علي من شاء منهما إن صدّقاه جميعا، و قرار الضمان علي المشتري، إلاّ أن تكون القيمة في يد البائع أكثر، فلا يطالب المشتري بالزيادة.

و لو مات المعتق و قد اكتسب مالا، كان للمدّعي؛ لأنّ المال خالص حقّ الآدمي، و قد توافقوا علي أنّه هو المستحقّ، بخلاف المعتق، فإنّ تصادقهم فيه إنّما لم يؤثّر؛ لما فيه من حقّ اللّه تعالي، هكذا أطلقه

ص: 349

الشافعيّة(1).

و قال الجويني: إنّه منزّل علي الأكساب التي يستقلّ العبد بها، فأمّا الأكساب التي يحتاج فيها إلي إذن السيّد فإنّ المدّعي لا يستحقّها إذا اعترف بخلوّها عن الإذن(2).4.

ص: 350


1- العزيز شرح الوجيز 435:5، روضة الطالبين 121:4.
2- نهاية المطلب 293:7، و عنه في العزيز شرح الوجيز 435:5-436، و روضة الطالبين 121:4.

المقصد الحادي عشر: في إحياء الموات و فيه مقدّمة و فصول:

أمّا المقدّمة ففيها مسألتان:

مسألة 1142: الموات هي الأرض الخراب الدارسة التي باد أهلها و اندرس رسمها.

و تسمّي ميتة و مواتا و موتانا بفتح الميم و الواو، و الموتان بضمّ الميم و سكون الواو: هو الموت الذريع، و موتان بفتح الميم و سكون الواو: هو عمي القلب، يقال: رجل موتان القلب إذا كان أعمي القلب لا يفهم شيئا.

و أمّا الإحياء فإنّ الشرع ورد به مطلقا، و لم يعيّن له معني يختصّ به، و من عادة الشرع في مثل ذلك ردّ الناس إلي المعهود عندهم المتعارف بينهم، كالقبض، فإنّه ورد في الشرع مطلقا و لم ينصّ له علي معني، فيرجع الفقهاء فيه إلي الاستعمال المتداول بين الناس، و كذا الحرز، و نظائره كثيرة، و كذا الإحياء، و إنّما يظهر معناه بين الناس في عرفهم فينزّل عليه، و يكون المراد به في نظر الشرع كلّ ما يعدّ إحياء في العرف، و ذلك يختلف باختلاف ما يقصد عمارته من الموات، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 1143: إحياء الموات - و هو كلّ منفكّ عن الاختصاص - جائز بالنصّ و الإجماع.

روي العامّة عن سعيد بن زيد أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حقّ»(1).

ص: 351


1- سنن الترمذي 1378/662:3.

قال الترمذي: إنّه حديث حسن(1). و رواه مالك في موطّئه(2) ، و أبو داود في سننه(3).

و قال ابن عبد البرّ: إنّه مسند صحيح، و تلقّي بالقبول عند فقهاء المدينة و غيرهم(4).

و عن عائشة (أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال)(5): «من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحقّ بها»(6).

و عن سمرة أنّ رسول اللّه(7) صلّي اللّه عليه و اله قال: «من أحاط حائطا علي أرض فهي له»(8).

و عن سمرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(9) يريد بذلك ديار عاد و ثمود.

و روي أنّه عليه السّلام قال: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي»(10).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن8.

ص: 352


1- سنن الترمذي 663:3، ذيل ح 1378.
2- الموطّأ 26/743:2.
3- سنن أبي داود 3073/178:3.
4- التمهيد 283:22 و 284، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 6: 164.
5- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله».
6- الأموال - لأبي عبيد -: 703/298، و عنه في المغني و الشرح الكبير 164:6.
7- في «ص، ع» بدل «رسول اللّه»: «النبيّ».
8- مسند أبي داود الطيالسي: 906/122، المصنّف - لابن أبي شيبة - 7: 2432/76، مسند أحمد 19620/638:5، و 19726/653، سنن أبي داود 3: 3077/179، المعجم الكبير 6865/252:7، السنن الكبري - للبيهقي - 148:6.
9- أورده الجويني في نهاية المطلب 283:8، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 6: 206.
10- أورده الجويني في نهاية المطلب 281:8.

الباقر عليه السّلام قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم»(1).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا(2) لم يسبقه أحد إليه أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه عزّ و جلّ و رسوله»(3).

و في الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «أيّما رجل أتي خربة بائرة فاستخرجها و كري أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا(4) لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد فطلبها، فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها»(5).

و في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الباقر و الصادق عليهما السّلام [قالا](6):

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: من أحيا مواتا فهو(7) له»(8).

و في الصحيح عن أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السّلام قال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام أنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين،3.

ص: 353


1- الكافي 1/279:5، التهذيب 671/152:7، الاستبصار 380/107:3.
2- البئر البديّ: التي حفرها فحفرت حديثة و ليست بعاديّة. لسان العرب 68:14 «بدا».
3- الكافي 6/280:5، التهذيب 670/151:7، الاستبصار 379/107:3.
4- في «ع»: «الأرض»، و في الكافي: «أرض».
5- الكافي 2/279:5، التهذيب 672/152:7، الاستبصار 381/108:3.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر.
7- في الطبعة الحجريّة: «فهي» بدل «فهو». و في التهذيب: «من أحيا أرضا مواتا فهي...».
8- الكافي 4/279:5، التهذيب 673/152:7، الاستبصار 382/108:3.

أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، و إن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل حتّي يظهر العالم(1) من أهل بيتي بالسيف فيحويها فيمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و منعها، إلاّ ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم علي ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم»(2).

و الأخبار في ذلك كثيرة من طرق العامّة و الخاصّة.

و عامّة فقهاء الأمصار علي أنّ الموات يملك بالإحياء و إن اختلفوا في شروطه.

و لأنّ الحاجة تدعو إلي ذلك، و تشتدّ الضرورة إليه؛ لأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يمكنه أن يعيش كغيره من الحيوانات، بل لا بدّ من مسكن يأوي إليه هو و عياله، و موضع يختصّ به، فلو لم يشرع الإحياء لزم الحرج العظيم، و هو منفيّ إجماعا.

تذنيب: الإحياء مستحبّ؛ لما فيه من السعي في تحصيل الرزق المأمور به في قوله تعالي: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (3) و من إخراج العاطل من حيّز العطلة المشتملة علي تضييع المال إلي حيّز العمارة، و قد روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أحيا أرضا ميتة فله فيها(4) أجر، و ما».

ص: 354


1- في المصدر: «القائم» بدل «العالم».
2- الكافي 279:5-5/280، التهذيب 152:7-674/153، الاستبصار 3: 383/108.
3- سورة الملك: 15.
4- في «ص، ع»: «فيه» بدل «فيها».

أكله العوافي(1) منها فهي له صدقة»(2) و لأنّ اللّه تعالي لم يخلق الأرض عبثا، بل خلقها و الأعيان الخارجة منها - كالمعادن - و المنافع المتعلّقة برقبتها لمنافع سكّانها.ر.

ص: 355


1- العوافي جمع العافية، و هي كلّ طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. النهاية - لابن الأثير - 267:3 «عفا».
2- مسند أحمد 13859/238:4، و 14091/275، و 325-14425/326، السنن الكبري - للبيهقي - 148:6 بتفاوت يسير.

ص: 356

الفصل الأوّل: في المشتركات

اشارة

و هي أربعة: الأراضي و المعادن فيها و المنافع منها و المياه، فهاهنا مطالب:

المطلب الأوّل: الأراضي.
اشارة

و هي إمّا أراضي بلاد الإسلام، أو أراضي بلاد الكفّار، فهاهنا بحثان:

البحث الأوّل: في أراضي بلاد الإسلام.
مسألة 1144: أراضي بلاد الإسلام إن كانت معمورة في الحال فهي لمالكها،

و لا مدخل فيها للإحياء؛ لأنّ الإحياء لإحداث الملك و هي مملوكة، فإذا كانت لمسلم أو معاهد لم يجز لأحد أن يتصرّف فيها إلاّ بإذن أربابها؛ لقوله صلّي اللّه عليه و اله: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(1).

و قال عليه السّلام: «من أخذ شبرا من أرض طوّقه إلي سبع أرضين»(2).

فإن كان هذا العامر مجاورا لعامر آخر، فلا بدّ من حاجز بين الملكين يتميّزان به، و ينتهي كلّ منهما إليه.

و إن كان مجاورا للموات و كان حقوق المالك(3) فيه، لم يجز لأحد أن

ص: 357


1- أورده ابن عبد البرّ في التمهيد 222:10، و 132:13، و 206:14، و في سنن الدارقطني 92/26:3 بدون «منه».
2- مسند أحمد 1636/307:1، صحيح مسلم 139/1231:3، مسند أبي يعلي 962/255:2، السنن الكبري - للبيهقي - 98:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «الملاّك» بدل «المالك».

يتعرّض له بالإحياء؛ لتعلّق حقّ مالك العامر به، و ذلك مثل طريقه إلي العامر و موضع سيل مائه علي ما يأتي تفصيله.

مسألة 1145: و لو كانت أرض بلاد الإسلام خرابا غير معمورة في الحال و لا فيما مضي من الزمان،

و هي الأرض الموات التي لا ينتفع بها؛ لعطلتها، إمّا لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء الماء عليها، أو لاستيجامها، أو لغير ذلك من موانع الانتفاع، و هذه للإمام عندنا لا يملكها أحد و إن أحياها ما لم يأذن له الإمام، و إذنه شرط في تملّك المحيي لها عند علمائنا.

و وافقنا أبو حنيفة علي أنّه لا يجوز لأحد إحياؤها إلاّ بإذن الإمام(1).

لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه»(2).

و من طريق الخاصّة: حديث الباقر عليه السّلام، السابق(3) الذي حكي فيه ما وجده في كتاب عليّ عليه السّلام.

و لأنّ للإمام مدخلا في النظر في ذلك، فإنّ من تحجّر أرضا و لم يبنها طالبه بالبناء و الترك، فافتقر ذلك إلي إذنه، كمال بيت المال.

ص: 358


1- الخراج - لأبي يوسف -: 64، مختصر القدوري: 140، المبسوط - للسرخسي - 16:3، روضة القضاة 3233/544:2، تحفه الفقهاء 322:3، الفقه النافع 3: 1063/1308، بدائع الصنائع 194:6، الهداية - للمرغيناني - 98:4، الاختيار لتعليل المختار 95:3، الحاوي الكبير 479:7، نهاية المطلب 285:8، الوسيط 226:4، حلية العلماء 497:5، التهذيب - للبغوي - 489:4، البيان 408:7، العزيز شرح الوجيز 207:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1186/667:2، عيون المجالس 1280/1816:4، المغني 204:6، الشرح الكبير 168:6.
2- معرفة السنن و الآثار 12175/8:9، و بتفاوت في مسند الشاميّين 3571/366:4، و المعجم الأوسط - للطبراني - 54:7-6739/55، و المعجم الكبير - له أيضا - 20:4-3533/21.
3- في ص 353-354.

و قال مالك: إن كان قريبا من العمران في موضع يتشاحّ الناس فيه افتقر إلي إذن الإمام، و إلاّ لم يفتقر(1).

و قال الشافعي: إحياء الموات لا يفتقر إلي إذن الإمام - و به قال أبو يوسف و محمّد(2) - لظاهر قوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»(3) و لأنّ هذه عين مباحة، فلا يفتقر إلي إذن الإمام، كالاحتطاب و الاحتشاش(4).

و الخبر مقيّد بغير المملوك؛ لقوله عليه السّلام في رواية أخري: «من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد»(5)صحيح البخاري 139:3-140، السنن الكبري - للبيهقي - 142:6، المعجم الكبير - للطبراني - 13:17-4/14، المغني 168:6، الشرح الكبير 170:6.(6) و في أخري: «في غير حقّ مسلم»(6) و ذلك6.

ص: 359


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1186/667:2، عيون المجالس 4: 1280/1816، الذخيرة 156:6، الحاوي الكبير 479:7، حلية العلماء 5: 497، البيان 408:7، العزيز شرح الوجيز 207:6.
2- الخراج - لأبي يوسف -: 63-64، مختصر القدوري: 140، المبسوط - للسرخسي - 18:3، روضة القضاة 3234/545:2، تحفة الفقهاء 322:3، الفقه النافع 3: 1307-1063/1308، بدائع الصنائع 194:6، الهداية - للمرغيناني - 98:4، الاختيار لتعليل المختار 95:3، الحاوي الكبير 478:7، البيان 408:7، عيون المجالس 1280/1816:4، المغني 204:6، الشرح الكبير 168:6.
3- الموطّأ 26/743:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2424/74:7، مسند أحمد 14226/294:4، سنن أبي داود 3073/178:3 و 3074، سنن الترمذي 3: 1378/662، السنن الكبري - للنسائي - 5761/405:3-3، و 5762-4، السنن الكبري - للبيهقي - 99:6 و 142 و 143.
4- الحاوي الكبير 478:7، المهذّب - للشيرازي - 430:1، نهاية المطلب 285:8، الوجيز 241:1، الوسيط 226:4، حلية العلماء 497:5، التهذيب - للبغوي - 489:4، البيان 408:7، العزيز شرح الوجيز 207:6، روضة الطالبين 344:4، المغني 204:6، الشرح الكبير 168:6-169، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1186/667:2، عيون المجالس 1280/1816:4، روضة القضاة 3235/545:2.
5- تقدّم تخريجها في ص 352، الهامش
6- .

يوجب تقييد مطلق حديثه.

و نحن عندنا أنّ الموات للإمام، فافتقر إلي إذنه، و قال عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(1)حكاه عنه الجمحي علي ما نقله عنه الهروي في غريب الحديث 295:1 «عرق»، و ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 165:6 نقلا عن سعيد بن منصور في سننه.(2) قال هشام بن عروة في تفسيره: العرق الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها(2).

مسألة 1146: إذا أذن الإمام لشخص في إحياء الأرض الموات،

ملكها المحيي إذا كان مسلما، و لا يملكها الكافر بالإحياء و لا بإذن الإمام في الإحياء، فإن أذن الإمام فأحياها، لم يملك عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لما رواه العامّة في قوله عليه السّلام: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(4).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(5) في كتاب عليّ عليه السّلام، و لأنّه كافر فلا يملك بالإحياء كالمستأمن، فإنّ عندهم إذا أحيا يصير ذمّيّا بذلك، و لأنّ موتان الدار من حقوقها و الدار للمسلمين فكانت لهم، كمرافق المملوك.

و قال مالك و أبو حنيفة و أحمد: إنّه لا فرق بين المسلم و الذمّيّ في التملّك بالإحياء؛ لعموم قوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»(6) و لأنّ

ص: 360


1- تقدّم تخريجه في ص 294، الهامش
2- .
3- الحاوي الكبير 476:7، المهذّب - للشيرازي - 430:1-431، نهاية المطلب 285:8، الوجيز 241:1، الوسيط 218:4، حلية العلماء 497:5، التهذيب - للبغوي - 490:4، البيان 413:7، العزيز شرح الوجيز 207:6، روضة الطالبين 344:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1188/668:2.
4- تقدّم تخريجه في ص 352، الهامش (9 و 10).
5- في ص 353-354.
6- تقدّم تخريجه في ص 359، الهامش (3).

الإحياء جهة من جهات التملّك، فاشترك فيها المسلم و الذمّيّ، كسائر جهاته من الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد في دار الإسلام(1).

و الخبر مخصوص بما إذا لم يأذن له الإمام عندهم، و سائر التملّكات ليست معتبرة بأهل الدار، و لهذا يصحّ في(2) المستأمن، بخلاف مسألتنا، و الحطب و الحشيش و الصيد يختلف، و لا يتضرّر المسلمون بأن يتملّكها الذمّيّ، بخلاف الأراضي.

و كذلك للذمّيّ نقل التراب من موات دار الإسلام إذا لم يتضرّر به المسلمون.

و للشافعيّة وجه في أنّ الذمّيّ يملك بالإحياء إن أذن له الإمام فيه(3) ، و لا بأس به.

و المستأمن كالذمّيّ في الإحياء، و في الاحتطاب و نحوه، و الحربيّ ممنوع من جميع ذلك.

مسألة 1147: لو أحيا الذمّيّ أرضا في موات دار الإسلام،

فقد قلنا: إنّه لا يملكها بذلك، فإن أسلم بعد الإحياء فالأقرب: أنّه يصير كالمسلم، إن قلنا: يملك مطلقا من دون إذن الإمام، ملك هنا، و إن قلنا: يملك مع الإذن، ملك هنا بالإذن السابق إن قلنا: إنّ للإمام الإذن للذمّي في الإحياء.

ص: 361


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1188/688:2، عيون المجالس 4: 1281/1817، الذخيرة 158:6، مختصر القدوري: 140، روضة القضاة 2: 3230/544، الفقه النافع 1064/1308:3، الهداية - للمرغيناني - 99:4، الاختيار لتعليل المختار 95:3، المغني و الشرح الكبير 167:6-168، الحاوي الكبير 476:5، نهاية المطلب 285:8، حلية العلماء 497:5، البيان 7: 413، العزيز شرح الوجيز 208:6.
2- في «ص، ع»: «من» بدل «في».
3- العزيز شرح الوجيز 207:6، روضة الطالبين 344:4.

و لو لم يأذن له الإمام فأحيا، لم يملك، و ينزع من يده، فإن كان له فيه عين مال فله نقله، فإن بقي بعد النقل أثر العمارة فإن أحياه محيي بإذن الإمام ملكه، و إن لم يأذن له لم يملك عندنا؛ لأنّه لا يملك إلاّ بالإذن مع خلوّ الأرض فهنا أولي، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و لو ترك العمارة متبرّعا، تولّي الإمام أخذ غلّتها و صرفها إلي مصالح المسلمين، و لم يجز لأحد تملّكها، و هو قول الشافعي(2).

مسألة 1148: لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال

و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة جري عليها ملك مسلم، فلا يخلو إمّا أن يكون المالك معيّنا أو غير معيّن، فإن كان معيّنا فإمّا أن تنتقل إليه بالشراء و العطيّة و شبههما، أو بالإحياء، فإن ملكها بالشراء و شبهه لم يملك بالإحياء بلا خلاف، قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء علي أنّ ما عرف بملك مالك غير منقطع أنّه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه(3).

و إن ملكها بالإحياء ثمّ تركها حتي [دثرت](4) و عادت مواتا، فعند بعض علمائنا(5) - و به قال الشافعي و أحمد(6) - أنّه كالأوّل لا يصحّ لأحد [إحياؤها](7) و لا تملك بالإحياء و العمارة، بل تكون للمالك أو لورثته؛

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 207:6، روضة الطالبين 344:4.
2- العزيز شرح الوجيز 207:6، روضة الطالبين 345:4.
3- التمهيد 285:22، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 165:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «دثر». و المثبت يقتضيه السياق.
5- لم نتحقّقه.
6- المغني و الشرح الكبير 165:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1187/668، عيون المجالس 1279/1816:4.
7- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إحياؤه». و المثبت يقتضيه السياق.

لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهو أحقّ بها»(1).

و لأنّها أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء، كالتي ملكت بشراء أو بعطيّة.

و لقوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(2) و قد تقدّم(3) أنّ العرق الظالم هو أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها.

و لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها فماذا عليه ؟ قال:

«عليه الصدقة» قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال «فليؤدّ إليه حقّه»(4).

و قال مالك: يصحّ إحياؤها، و يكون الثاني المحيي لها أحقّ بها من الأوّل؛ لأنّ هذه أرض أصلها مباح فإذا تركها حتي عادت إلي ما كانت عليه صارت مباحة، كما لو أخذ ماء من دجلة ثمّ ردّه إليها(5) ، و لأنّ العلّة في تملّك هذه الأرض الإحياء و العمارة، فإذا زالا زالت العلّة فيزول المعلول و هو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئا ثمّ سقط من يده و ضاع عنه فالتقطه غيره، فإنّ الثاني يكون أحقّ.

و لا بأس بهذا القول عندي.

و يدلّ عليه ما تضمّنه قول الباقر عليه السّلام حكاية عمّا وجده في كتاب5.

ص: 363


1- تقدّم تخريجه في ص 359، الهامش (6).
2- تقدّم تخريجه في ص 294، الهامش (2).
3- في ص 360.
4- التهذيب 148:7-658/149.
5- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 667:2-1187/668، عيون المجالس 4: 1279/1815، المغني و الشرح الكبير 165:6، حلية العلماء 496:5.

عليّ عليه السّلام(1)تقدّم تخريجه في ص 353، الهامش (5).(2).

و لقول الصادق عليه السّلام: «أيّما رجل أتي خربة بائرة فاستخرجها و كري أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمّ جاء بعد فطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها»(2).

و إن كان المالك لهذه الأرض السابق غير معيّن ثمّ خربت و زالت آثار العمارة منها فإنّها للإمام عندنا، و لا يجوز لأحد إحياؤها إلاّ بإذنه، فإن بادر إليها إنسان و أحياها من دون إذنه لم يملكها.

و لو كان الإحياء حال غيبة الإمام عليه السّلام، كان المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره ملكها، فإذا ظهر الإمام عليه السّلام يكون له رفع يده عنها؛ لما تقدّم.

و اختلفت العامّة:

فقال أبو حنيفة: إنّما تملك بالإحياء - و به قال مالك - لما تقدّم(3) من عموم الأخبار، و لأنّها أرض موات لا حقّ فيها لقوم بأعيانهم، فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك، و لأنّها إن كانت في أرض دار الإسلام فهي كلقطة الإسلام، و إن كانت في أرض دار الكفر فهي كالركاز(4).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما؛ لما تقدّم، و الثاني: أنّه لا يجوز إحياؤها؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهو أحقّ7.

ص: 364


1- تقدّم تخريجه في ص 354، الهامش
2- .
3- في ص 351 و ما بعدها.
4- روضة القضاة 3217/542:2، حلية العلماء 495:5، البيان 410:7، العزيز شرح الوجيز 209:6، المغني و الشرح الكبير 166:6-167.

بها»(1)أورده الماوردي في الأحكام السلطانيّة: 190، و الجويني في نهاية المطلب 8:

283، و البغوي في التهذيب 489:4، و في الخراج - لأبي يوسف -: 65، و السنن الكبري - للبيهقي - 143:6 بتفاوت يسير.(2) قيّد بقوله: «في غير حقّ مسلم» و لأنّ هذه الأرض لها مالك فلا يجوز إحياؤها، كما لو كان معيّنا(3).

و عن أحمد روايتان(4) كالقولين.

و فصّل بعض الشافعيّة فقال: إن كانت العمارة السابقة علي الخراب إسلاميّة فهي إمّا لمسلم أو لذمّيّ، و حكمها حكم الأموال الضائعة، و الأمر فيه(5) إلي رأي الإمام إن أراد حفظه إلي أن يظهر مالكه، و إن رأي باعه و حفظ ثمنه، و له أن يستقرضه علي بيت المال.

و عن مالك قول آخر: إنّ مالكها إن تركها مختارا عادت مواتا، و إن خربت بموته أو بغيبته فلا(6).

و إن كانت العمارة جاهليّة، فللشافعي القولان السابقان:

أحدهما: أنّها لا تملك بالإحياء؛ لأنّها كانت مملوكة، و الموات ما لم يجر عليه ملك، و لأنّه يجوز أن يكون ملكا لكافر لم تبلغه الدعوة.

و أصحّهما عنده: أنّها تملك؛ لقوله عليه السّلام: «عاديّ الأرض للّه و رسوله ثمّ هي لكم منّي»(6) و لأنّ الركاز يملك مع كونه مملوكا لأهل الجاهليّة،ر.

ص: 365


1- تقدّم تخريجه في ص 359، الهامش
2- .
3- المهذّب - للشيرازي - 430:1، حلية العلماء 495:5-496، التهذيب - للبغوي - 489:4، البيان 410:7-411.
4- المغني و الشرح الكبير 166:6 و 167.
5- تذكير الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار الموات.
6- العزيز شرح الوجيز 209:6.

فكذلك الأراضي(1).

و رفع ابن سريج الخلاف، و نزّل القولين علي حالتين: إن بقي أثر العمارة أو كان معمورا في جاهليّة قريبة لم تملك بالإحياء، و إن [اندرست](2) بالكلّيّة و تقادم عهدها ملكت(3).

و عمّم بعضهم الخلاف، و فرّعوا علي قول المنع أنّها إن أخذت بقتال فهي للغانمين، و إلاّ فهي من أراضي الفيء(4).

و قال الجويني: موضع الخلاف ما إذا لم يعلم كيفيّة استيلاء المسلمين عليه و دخوله تحت يدهم، أمّا إذا علمت فإن دخلت تحت أيديهم بقتال فهي للغانمين، و إلاّ فهي فيء، و حصّة الغانمين تلتحق بملك المسلم الذي لا يعرف(5).

و طرّد بعضهم الخلاف فيما إذا كانت العمارة إسلاميّة و لم يعرف مالكها، و قالوا: هي كلقطة لا يعرف مالكها(6).

و الأكثرون فرّقوا بين ما إذا كانت لكافر و بين ما إذا كانت لمسلم(7) ؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهي له»(8).).

ص: 366


1- العزيز شرح الوجيز 208:6-209، روضة الطالبين 345:4-346.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اندرس». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 209:6، روضة الطالبين 346:4.
4- التهذيب - للبغوي - 490:4، العزيز شرح الوجيز 209:6، روضة الطالبين 4: 346.
5- نهاية المطلب 283:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 209:6، و روضة الطالبين 346:4.
6- العزيز شرح الوجيز 209:6، روضة الطالبين 346:4.
7- العزيز شرح الوجيز 209:6، روضة الطالبين 346:4.
8- تقدّم تخريجه في ص 359، الهامش (6).
البحث الثاني: في أراضي بلاد الكفّار.
مسألة 1149: أراضي بلاد الكفّار

إن كانت معمورة في الحال لم يكن للإحياء فيها مدخل، و كانت كسائر أموال الكفّار، فإن قهرناهم عليها ملكناها بالقهر و الغلبة، كسائر أموالهم، و إن لم تكن معمورة فهي للإمام عليه السّلام لا يجوز لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه عند علمائنا؛ لما تقدّم(1) من قول الباقر عليه السّلام حكاية عمّا وجده في كتاب عليّ عليه السّلام.

و أمّا العامّة(2) فقالوا: بلاد الشرك إمّا عامر و إمّا خراب.

فالعامر لا يملك بالإحياء، و إنّما يملك بالقهر و الغلبة.

و الخراب إذا لم يجر عليه ملك أحد ملك بالإحياء، سواء أحياه مسلم أو كافر.

و إن كان قد جري عليه ملك مالك، فإن كان معيّنا لم يملك بالإحياء، و إن كان غير معيّن فللشافعي قولان(3) ، كما تقدّم في الخراب من دار الإسلام.

قال أبو إسحاق من الشافعيّة: يحتمل أن يكون هذا لكافر لم تبلغه الدعوة، أو لمسلم ورثه عنه، فلم يجز إحياؤه(4).

ثمّ اعترضوا علي أنفسهم: بأنّ الموات في دار الإسلام قد كان للمشركين ثمّ قلتم: يجوز إحياؤه، و لهذا قال صلّي اللّه عليه و اله: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله»(5) يريد ديار عاد، و أهل الحرب مثل ذلك.

ص: 367


1- في ص 353-354.
2- راجع: المغني و الشرح الكبير 167:6.
3- العزيز شرح الوجيز 210:6، روضة الطالبين 347:4.
4- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
5- تقدم تخريجه في ص 365، الهامش (6).

[و] أجابوا: بأنّ عاديّ الأرض إنّما أراد به ما تقدّم ملكه، و [مضت عليه](1) الأزمان، و ليس ذلك مختصّا بقوم عاد خاصّة، و إذا كان مثل ذلك فلا حكم للمالك، فأمّا ما قرب ملكه فيحتمل أن يكون له مالك باق و إن لم يتعيّن، فلهذا قلنا في أحد الوجهين: لا يجوز إحياؤه.

ثمّ اعترضوا: بأنّ الركاز يحلّ و إن جاز أن يكون له مالك.

و أجابوا: بأنّ ما ينقل و يحوّل يخالف الأرض، ألا تري أنّ اللقطة في دار الإسلام يجوز تملّكها بعد الحول، و الأرض لا يجوز تملّكها إذا جهل مالكها، و إنّما افترقا لأنّ ما ينقل و يحوّل يخاف عليه التلف، بخلاف الأرض(2).

و قال بعض الشافعيّة: الموات في دار الكفّار إن لم تكن معمورة في الحال و لا فيما تقدّم من الزمان فيملكها الكفّار بالإحياء، و أمّا المسلمون فينظر إن كان مواتا لا يذبّون المسلمين عنها، فلهم تملّكها بالإحياء أيضا، و لا تملك بالاستيلاء؛ لأنّها غير مملوكة لهم حتي تملك عليهم، و إن كان مواتا يذبّون المسلمين عنها، لم تملك بالإحياء، كالمعمور من بلادهم، فإن استولينا عليه ففيه وجوه:

أصحّها عندهم: أنّه يفيد اختصاصا كاختصاص التحجير؛ لأنّ الاستيلاء أبلغ منه.

و علي هذا فسيأتي خلاف في أنّ الأحقّيّة بالتحجير هل يفيد جواز البيع ؟ إن قلنا: نعم، فهو غنيمة كالمعمور، و إن قلنا: لا - و هو الأصحّ6.

ص: 368


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بقيت علي». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني و الشرح الكبير 167:6.

عندهم - فالغانمون أحقّ بإحياء أربعة أخماسه، و أهل الخمس أحقّ بإحياء خمسه، فإن أعرض الغانمون عن إحيائه فأهل الخمس أحقّ به؛ لأنّهم شركاء الغانمين، و كذا لو أعرض بعض الغانمين فالباقون أحقّ، و إن تركه الغانمون و أهل الخمس جميعا ملكه من أحياه من المسلمين.

و الثاني: أنّهم يملكونه بالاستيلاء، كالمعمور؛ لأنّهم حيث منعوا عنه فكأنّهم يملكوه، علي أنّه يجوز أن يملك بالاستيلاء ما لم يكن مملوكا، كالذراري و النسوان.

و الثالث: أنّه لا يفيد الملك و لا التحجير؛ لأنّه لم يوجد عمل يظهر في الموات، فعلي هذا هو كموات دار الإسلام من أحياه ملكه.

و إن كانت معمورة من قبل و هي الآن خراب، فإن عرف مالكها فهي كالمعمورة، و إلاّ ففيه طريقة الخلاف و طريقة ابن سريج المذكورتان - فيما إذا كانت العمارة جاهليّة - في القسم الأوّل(1).

و إذا فتحنا بلدة صلحا علي أن تكون لنا و لهم و هم يسكنون بجزية، فمعمورها فيء، و مواتها الذي كانوا يذبّون عنه هل يكون متحجّرا لأهل الفيء؟ فيه وجهان، أصحّهما عندهم ذلك، و علي هذا فهو فيء في الحال، أو يحبّسه الإمام لهم ؟ فيه وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني(2).

و إن صالحناهم علي أن تكون البلدة لهم، فالمعمور لهم، و الموات يختصّون بإحيائه، كما أنّ موات دار الإسلام يختصّ به المسلمون تبعا للمعمورة.

و قال بعضهم: إنّه يجب علينا الامتناع عن مواتها إذا شرطناه في4.

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 209:6-210، روضة الطالبين 346:4-347.
2- العزيز شرح الوجيز 210:6، روضة الطالبين 347:4.

الصلح(1).

و البيع التي للنصاري في دار الإسلام لا تملك عليهم، فإن تفانوا و هلكوا فهو كما لو تلف ذمّيّ لا وارث له فيكون فيئا.

مسألة 1150: قسّم علماؤنا الأراضي أقساما أربعة:

الأوّل: ما فتحه المسلمون عنوة بالسيف و القهر و الغلبة، كأرض العراق و الشام، و هذه إن كانت محياة وقت(2) الفتح فهي للمسلمين قاطبة:

الغانمون و غيرهم، عند علمائنا.

و قالت العامّة: يختصّ بها الغانمون(3).

و النظر فيها عندنا إلي الإمام يقبّلها من شاء بمهما شاء من نصف أو ثلث أو ربع أو أقلّ أو أكثر علي حسب ما يقتضيه نظره، و علي المتقبّل أداء مال القبالة إلي الإمام ليصرفه في جميع المصالح، كبناء القناطر و عمارة المساجد و الرّبط و سدّ الثغور و إعانة الغزاة في سبيل اللّه و أرزاق القضاة و غيرهم.

و إذا أخرج المتقبّل مال القبالة إلي الإمام، كان عليه بعد ذلك الزكاة في الباقي مع الشرائط، و لا تسقط الزكاة بالخراج.

و للإمام أن ينقلها من متقبّل إلي غيره بعد خروج مدّة القبالة، أو امتناعه من أداء مال القبالة، و بدونهما لا يجوز إزعاجه؛ عملا بالشرط.

و يدلّ علي ذلك كلّه ما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام(4).

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 210:6، روضة الطالبين 347:4-348.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «قبل» بدل «وقت».
3- الحاوي الكبير 259:14-260، و 265-266، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 137، الأحكام السلطانيّة - للفرّاء -: 146، التهذيب - للبغوي - 488:7، البيان 162:12.
4- تقدّم تخريجه في ص 354، الهامش (2).

و هذه الأرض لا يصحّ لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذن الإمام، فإن تصرّف أحد فيها بدون إذنه انتزعها الإمام منه، و إن أذن الإمام له في التصرّف لم يملكها علي الخصوص.

مسألة 1151: و هذه الأرض لا يصحّ لأحد بيعها و لا هبتها و لا وقفها؛

لتوقّف ذلك علي الملك، و قد قلنا: إنّ المتصرّف فيها غير مالك لها، و إنّها لجميع المسلمين، و قد سأل أبو بردة بن رجاء الصادق عليه السّلام، فقال له: كيف تري في شراء أرض الخراج ؟ قال: «و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين ؟» قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمّ قال: «لا بأس، اشتر حقّه منها، و تحوّل حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه»(1).

و عن محمّد بن شريح قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له:

فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس إلاّ أن يستحي من عيب ذلك»(2).

و لو ماتت هذه الأرض، لم يصح إحياؤها؛ لأنّ المالك لها معروف، و هم المسلمون كافّة.

مسألة 1152: لو كانت هذه الأرض المفتوحة عنوة مواتا وقت الفتح،

فهي للإمام خاصّة عند علمائنا، و لا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه؛ لأنّه المالك لها؛ لما تقدّم(3) في كتاب عليّ عليه السّلام.

ص: 371


1- التهذيب 155:7-686/156، الاستبصار 387/109:3.
2- التهذيب 654/148:7، الاستبصار 386/109:3.
3- في ص 353-354.

و لو تصرّف فيها أحد بغير إذنه، كان عليه طسقها يؤدّيه إليه عليه السّلام.

هذا إذا كان الإمام ظاهرا، و إن كان الإحياء حال الغيبة ملكها المحيي؛ لما تضمّنه كتاب عليّ عليه السّلام(1)بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ملكه». و المثبت يقتضيه السياق.(2) ، فكأنّ الإذن هنا متحقّق.

القسم الثاني: أرض الصلح، و هي كلّ أرض فتحت بغير قتال و لا غلبة و لا قهر، بل صالح أهلها المسلمين، فإن صالحوهم علي أن تكون الأرض لأربابها بشيء يبذلونه صحّ الصلح، و كانت ملكا لهم، و عليهم ما صالحهم الإمام عليه.

و هذه الأرض يملكها أهلها علي الخصوص، و يصحّ لهم بيعها و هبتها و وقفها، و بالجملة، التصرّف بجميع التصرّفات؛ لأنّها [ملكهم](2) هذا في العامر.

و أمّا الموات من هذه الأرض فإنّه باق علي ما كان عليه، و هو للإمام خاصّة، فمن أحيا شيئا منه بإذن الإمام كان أولي به، و لو لم يأذن لم يملك، و عليه عقرها يؤدّيه إلي الإمام حالة الظهور، و أمّا حال الغيبة فيملكها المحيي المسلم.

و لو أذن الإمام للكافر في إحيائها، كان أولي(3) بها من غيره.

و قال بعض العامّة: إذا أحياها المسلم لم يملكها، بخلاف دار الحرب حيث قلنا: إذا أحيا شيئا منها ملك؛ لأنّ دار الحرب تملك بالقهر و الغلبة فتملك بالإحياء، بخلاف هذه الدار التي حصلت لهم بالصلح؛ لأنّ».

ص: 372


1- تقدّم تخريجه في ص 354، الهامش
2- .
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أحقّ» بدل «أولي».

المسلمين لا يملكونها بالقهر و الغلبة(1).

و أمّا عندنا فلا فرق بين الدارين، الموات فيهما للإمام خاصّة.

و أمّا إذا صالحوهم علي أن تكون الأرض للمسلمين، كأرض خيبر، فإنّه يصحّ، و يكون الحكم في ذلك حكم دار الإسلام؛ لأنّها صارت للمسلمين بالصلح، فحكم عامره و مواته حكم عامر بلاد المسلمين و مواتها علي ما تقدّم، العامر للمسلمين كافّة، و الموات للإمام خاصّة عندنا.

و ما يحصل بالصلح فهو فيء، و حكمه حكم الفيء في أربعة أخماسه و خمسه.

فإن وقع الصلح علي عامرها و مواتها، كان العامر للمسلمين، و الموات للإمام عندنا.

و عند العامّة يكون الجميع مملوكا لهم؛ لأنّهم يجعلون المقاتلة عن الموات بمنزلة التحجير يملك به علي قول بعضهم(2) ، و يكون أولي علي قول آخرين(3) ، يقوم المسلمون الذين ملكوا العامر منه مقامهم في التحجير، فيكونون أولي به من غيرهم، كما يكون المحجّر للموات أولي به من غيره.

الثالث: أرض من أسلم أهلها عليها طوعا، كأرض مدينة الرسول صلّي اللّه عليه و اله، و البحرين.

و هذه الأرض لأربابها يملكونها علي الخصوص، و ليس عليهم فيها شيء سوي الزكاة إذا حصلت شرائط الوجوب.

و قد روي إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام: قلت له: رجل من أهل4.

ص: 373


1- المغني 170:6، الشرح الكبير 169:6.
2- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.
3- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.

نجران يكون له أرض ثمّ يسلم أيّ شيء عليه ؟ ما صالحهم عليه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، أو ما علي المسلمين ؟ قال: «عليه ما علي المسلمين، إنّهم لو أسلموا لم يصالحهم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله»(1).

الرابع: أرض الأنفال، و هي كلّ أرض خربة باد أهلها و استنكر رسمها، و كلّ أرض موات لم يجر عليها ملك لأحد و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و قطائع الملوك و صوافيهم التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب من مسلم أو معاهد، و كلّ أرض مملوكة من غير قتال و انجلي أهلها عنها أو سلّموها طوعا، و الموات تقدّم الملك أو لا، و رؤوس الجبال و بطون الأودية و ما بهما، و الآجام، و كلّ غنيمة غنمها من يقاتل بغير إذن الإمام، و ميراث من لا وارث له.

و هذه كلّها للإمام خاصّة يتصرّف فيها كيف شاء، عند علمائنا أجمع.

مسألة 1153: قسّم الشافعي البلاد علي ضربين:

ضرب أسلم أهلها عليها، كالمدينة و غيرها، عامرها مملوك لأهلها، و مواتها ما لم يجر عليه ملك يجوز إحياؤه، و ما جري عليه ملك مسلم يعرف لم يجز إحياؤه، و ما لم يعلم مالكه فعلي وجهين.

و الثاني: ما فتح من بلاد المشركين، فهو علي ضربين: ما فتح عنوة، و ما فتح صلحا.

فما فتح عنوة - كالعراق و غيره - عامره يكون غنيمة، و أمّا مواته فإن لم يكونوا دافعوا عنه فهو كموات دار الإسلام يملكه من أحياه، و إن كانوا دافعوا عنه فهل يكون ذلك كالتحجير له ؟ فيه وجهان:

ص: 374


1- التهذيب 683/155:7.

قال بعضهم: إنّه لا يكون تحجيرا؛ لأنّ التحجير هو عمل يؤثّر في الموات و يظهر.

و أكثرهم قالوا: إنّه تحجير، و قد يكون بغير أثر، و هو إقطاع السلطان.

و إذا لم يكن تحجيرا يكون كموات دار الإسلام.

و إن قلنا: يكون تحجيرا، فعلي قول أبي إسحاق من أنّه يجوز بيعه إذا حجّره يقتضي أن يكون مملوكا للمحجّر، فيكون هنا غنيمة للغانمين كالعامر.

و علي قول غيره يكون ذلك تحجيرا للغانمين، أو يكونون أولي بإحيائه من غيرهم؛ لأنّه انتقل إليهم علي الوجه الذي كان في أيدي المشركين يكون كبلاد الإسلام، إلاّ أنّه يكون بالمصالحة، و يقسّم علي أهل الفيء، و يكون مواته إن مانعوا عنه ثمّ صالحوا علي الوجهين، أحدهما:

لا يكون تحجيرا.

و هل يكون فيئا؟ وجهان، أحدهما: يكون فيئا، و الثاني: يكون تحجيرا لأهل الفيء.

و أمّا ما صالحوا علي أن يكون لهم و يقرّون عليه فإنّ العامر لهم، و الموات يختصّون بإحيائه، و ليس للمسلمين أن يحيوه؛ لأنّ الموات تابع للعامر، كما أنّ أهل الكفر لا يجوز لهم إحياء موات دار الإسلام، و يفارق موات دار الحرب؛ لأنّ المسلمين يملكون العامر بالظهور عليه فملكوا الموات بالإحياء، بخلاف بلاد الصلح.

ثمّ قال الشافعي: إن وقع الصلح علي عامرها و غامرها، فالموات ملك لمن ملك العامر.

و أجمع أصحابه علي أنّه أراد الموات الذي دافعوا عنه و صالحوا

ص: 375

عليه.

فعلي قول أبي إسحاق يملك كما يملك العامر؛ لأنّ عنده يجوز بيعه.

و علي قول غيره معناه أنّ من يده علي العامر يملك إحياءه دون غيره.

و قال الشافعي أيضا: إذا وقع الصلح علي مواتها صحّ، و كان الموات ملكا لمن ملك العامر(1).

و الاختلاف فيه و التأويل كالذي قبله.

و قد عرفت ما عندنا في ذلك كلّه.

مسألة 1154: كلّ أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها،

و عليه طسقها لأربابها؛ للنهي(2) عن التعطيل(3) ، و لقوله تعالي:

اَلنَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (4) و للإمام هذا الحكم.

و يدلّ عليه أيضا ما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام(5).

و إذا استأجر مسلم دارا من حربيّ، صحّت الإجارة، و يملكها المسلمون، فإذا خرجت المدّة صار النظر فيها للإمام، و كانت المنافع للمسلمين.

مسألة 1155: قد بيّنّا أنّ أرض الخراج لجميع المسلمين لا يصحّ بيعها،

فإن باعها بائع كانت يده عليها كان للإمام انتزاعها من يده بعد ردّ الثمن إلي المشتري؛ لما رواه محمّد الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل

ص: 376


1- راجع: الحاوي الكبير 502:7 و ما بعدها.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لنهي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله» بدل «للنهي».
3- راجع: الكافي 1/297:5، و التهذيب 232:7-1015/233.
4- سورة الأحزاب: 6.
5- تقدّم تخريجه في ص 354، الهامش (2).

عن السواد ما منزلته ؟ فقال: «هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد» فقلنا: الشراء من الدهاقين ؟ قال: «لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم علي أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها» قلنا: فإن أخذها منه ؟ قال: «يردّ إليه رأس ماله، و له ما أكل من غلّتها بما عمل»(1).

و عن أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يشتري من أرض أهل السواد شيء إلاّ من كانت له ذمّة فإنّما هو فيء للمسلمين»(2).

مسألة 1156: إذا اشتري شيئا من أرض الخراج

فقد قلنا: إنّه لا يصحّ، فإن اشتراه لم يكن بيعا حقيقيّا، بل إخراج ما في يد البائع عنه و إثبات يده عليه، فحينئذ يصير الخراج الذي علي تلك الأرض للمسلمين عليه؛ لما رواه محمّد بن شريح قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس إلاّ أن يستحي من عيب ذلك»(3).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن شراء أرضهم، فقال: «لا بأس أن تشتريها فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدّي فيها ما يؤدّون فيها»(4).

و إذا اشتري المسلم من أرض الخراج شيئا ثمّ نزله بعض أهل الذمّة،

ص: 377


1- التهذيب 652/147:7، الاستبصار 384/109:3.
2- الفقيه 667/152:3، التهذيب 653/147:7، الاستبصار 385/109:3، بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- تقدّم تخريجه في ص 371، الهامش (2).
4- التهذيب 656/148:7، الاستبصار 389/110:3.

كان له أن يشترط عليهم أجرة عن تلك المدّة زيادة عن الجزية؛ لما رواه إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل اشتري أرضا من أرض الخراج فبني فيها أو لم يبن غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها أله أن يأخذ [منهم](1) أجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم ؟ قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»(2).

مسألة 1157: أرض سواد العراق إن أسلم أهلها عليها لم تخرج عن المسلمين؛ لأنّهم ملكوها بالقهر،

فلا تخرج عن ملكهم بتجدّد إسلام من كانت في يده.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت الصادق عليه السّلام: عمّا اختلف فيه ابن أبي ليلي و ابن شبرمة في السواد و أرضه، فقلت: إنّ ابن أبي ليلي قال: إنّهم إذا أسلموا [فهم] أحرار، و ما في أيديهم من أرضهم لهم، و أمّا ابن شبرمة فزعم أنّهم عبيد، و أنّ أرضهم التي بأيديهم ليست لهم، فقال: «في الأرض ما قال ابن شبرمة» و قال: «في الرجال ما قال ابن أبي ليلي: إنّهم إذا أسلموا فهم أحرار»(3).

و أمّا أرض أهل الجزية فإنّها لهم إذا صالحناهم علي أنّ الأرض لهم و يؤدّون الجزية، فلهم حينئذ بيعها علي ما تقدّم.

فإذا باع أحدهم شيئا من الأرض علي مسلم صحّ البيع، و ملكها المسلم، و انتقل ما كان علي تلك الأرض من الجزية إلي رؤوسهم إن كان

ص: 378


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منها». و المثبت كما في المصدر.
2- التهذيب 679/154:7 بتفاوت.
3- التهذيب 684/155:7، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

الإمام قد شرط الجزية حين(1) عقد الذمّة علي أرضهم؛ لأنّ الجزية وضعت للاستهانة و الإذلال، و ذلك ينافي حال المسلم، و لا بدّ من الجزية، فوجب انتقالها إلي رأس الذمّي.

و كذا لو كان قد عقد الذمّة بأداء جزية عن أرضه و نفسه، انتقل ما علي تلك الأرض إذا باعها من المسلم علي رأسه، و أخذت الجزية بأسرها منه.

و لو شرطها الذمّي علي المشتري المسلم، لم يصح الشرط.

تنبيه: كلّ أرض جري عليها ملك لمسلم فهي له و(2) لورثته بعده.

و إن لم يكن لها مالك معروف، فهي للإمام، و لا يجوز إحياؤها إلاّ بإذنه، و لو بادر إنسان فأحياها من دون إذنه لم يملكها حال الغيبة، و لكن يكون المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره فهو أحقّ، و مع ظهوره عليه السّلام له رفع يده عنها.

المطلب الثاني: في المعادن.
اشارة

المعادن: هي المواضع التي خصّها اللّه تعالي بإيداع شيء من الجواهر المطلوبة فيها، و هي إمّا ظاهرة أو باطنة.

فالظاهرة عند أكثر علمائنا من الأنفال يختصّ بها الإمام عليه السّلام خاصّة.

و قال بعضهم: إنّ الناس فيها شرع سواء(3) ، و هو قول العامّة(4).

ص: 379


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «حال» بدل «حين».
2- في «ر، ع»: «أو» بدل «و».
3- الشيخ الطوسي في المبسوط 274:3.
4- مختصر المزني: 131، الحاوي الكبير 491:7، نهاية المطلب 305:8، الوجيز 243:1، البيان 417:7، العزيز شرح الوجيز 228:6-229، روضة الطالبين 365:4، المغني 173:6-174، الشرح الكبير 172:6.

و المراد بالظاهرة ما يبدو جوهرها من غير عمل، و إنّما السعي و العمل لتحصيله إمّا سهلا أو متعبا، و لا يفتقر إلي إظهار، كالملح و النفط و القار(1) و القطران و المومياء و الكبريت و أحجار الرحي و البرمة(2) و الكحل و الياقوت و مقالع الطين و أشباهها.

و هذه(3) لا يملكها أحد بالإحياء و العمارة و إن [ازداد](4) بها النّيل إجماعا، و لا تختصّ بالتحجير.

و هل يجوز للإمام إقطاعها؟ منع العامّة منه(5) ؛ لأنّ أبيض بن حمّال المأربي قال: استقطعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله معدنا من الملح بمأرب فأقطعنيه، فقلت: يا رسول اللّه إنّه بمنزلة الماء العدّ، يعني أنّه لا يقطع، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «فلا إذن»(6).

و رووا أيضا أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أراد أن يقطعه ملح مأرب لمّا استقطعه، فقال له الأقرع بن حابس: أتدري يا رسول اللّه ما الذي تقطعه، إنّما هو الماء العدّ، فقال: «فلا إذن»(7).ت.

ص: 380


1- القير و القار لغتان، و هو شيء أسود تطلي به الإبل و السفن، و قيل: هو الزفت. لسان العرب 124:5 «قير».
2- البرمة: القدر مطلقا، و هي في الأصل: المتّخذة من الحجر المعروف بالحجاز و اليمن. لسان العرب 45:12 «برم».
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فهذه».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أراد». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 228:6، و في روضة الطالبين 365:4: «زاد».
5- مختصر المزني: 131، الحاوي الكبير 491:7، العزيز شرح الوجيز 228:6، روضة الطالبين 365:4، المغني 174:6، الشرح الكبير 172:6.
6- المغني 174:6، الشرح الكبير 172:6-173.
7- العزيز شرح الوجيز 229:6، و في سنن ابن ماجة 2475/827:2، و سنن أبي داود 174:3-3064/175، و سنن الترمذي 1380/664:3 بتفاوت.

و الماء العدّ: الدائم الذي لا ينقطع(1) ، يريد أنّه بمنزلته لا ينقطع، و لا يحتاج إلي عمل.

و لأنّ المسلمين أجمعوا علي أنّه لا يجوز إقطاع مشارع الماء كذا هنا.

و هذه الروايات لا تجيء علي مذهبنا؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله معصوم من الخطأ.

و يحتمل عندي جواز أن يقطع السلطان المعادن إذا لم يتضرّر بها المسلمون.

و علي ما قاله بعض علمائنا(2) من أنّها مختصّة بالإمام عليه السّلام يجوز له إقطاعها ممّن شاء، حتي أنّه لا يجوز لأحد التصرّف فيها ما ظهر و لا ما بطن، فإن أحيا أحد الباطن لم يملكه بالإحياء إلاّ بإذنه عليه السّلام.

مسألة 1158: قد بيّنّا أنّ المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء؛

لقوله عليه السّلام:

«الناس شركاء في ثلاث: الماء و النار و الكلأ» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن سنان عن الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن ماء الوادي، فقال: «إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ»(4).

إذا ثبت هذا، فلو حوّط واحد علي بعض هذه المعادن الظاهرة حائطا و اتّخذ عليه دارا أو بستانا، لم يملك البقعة بذلك؛ لفساد قصده، فإنّ

ص: 381


1- النهاية - لابن الأثير - 189:3 «عود».
2- كالشيخ المفيد في المقنعة: 278، و سلاّر في المراسم: 140، و ابن البرّاج في المهذّب 186:1.
3- الحاوي الكبير 508:7، المهذّب - للشيرازي - 435:1، المغني 176:6، الشرح الكبير 175:6.
4- الفقيه 150:3-662/151، التهذيب 648/146:7.

المعدن لا يتّخذ مسكنا و لا بستانا، و لأنّ إحياءه لا يجوز علي ما تقدّم.

و للشافعيّة فيه قول: إنّه يجوز ذلك(1).

مسألة 1159: هذه المعادن الظاهرة الناس فيها شرع علي ما تقدّم،

فمن سبق إليها كان له أخذ حاجته منها، و لو ازدحم اثنان و ضاق المكان، فالسابق أولي.

و بأيّ قدر يستحقّ التقدّم ؟ عبارة أكثر الأصحاب تقتضي أنّه يتقدّم بأخذ قدر الحاجة، و لم يبيّنوا أنّ المراعي حاجة يوم أو سنة.

و الأولي: الرجوع في ذلك إلي العرف، فيأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله.

و لو أراد الزيادة علي ما يقتضيه حقّ السبق، فالأقرب: أنّ له ذلك، دفعا للحاجة مطلقا.

و لقوله عليه السّلام: «من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ [به]»(2).

و يحتمل أن لا يمكّن و يزعج عنه، فإنّ عكوفه عليه كالتحجير و التحويط المانع للغير.

و الفرق بينه و بين مقاعد الأسواق: شدّة الحاجات إلي نيل المعادن، فلهذا أزعجنا المقيم عليها، بخلاف مقاعد الأسواق، فإنّه لا يزعج؛ لقلّة الحاجة فيها.

و لو جاءا معا، فإن أمكن اجتماعهما و أن يأخذ كلّ منهما مطلوبه جمع بينهما، و إن لم يمكن الجمع أقرع بينهما.

ص: 382


1- الوسيط 231:4، العزيز شرح الوجيز 229:6، روضة الطالبين 365:4.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 171:6، و الشرح الكبير 184:6، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 229:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

و قال بعض علمائنا: ينصب الحاكم من يقسّم بينهما(1).

و للشافعية ثلاثة أوجه: هذان، و الثالث: أنّ الإمام يجتهد و يقدّم من يراه أحوج و أحقّ(2).

و قال بعض الشافعيّة: هذه الوجوه الثلاثة إنّما هي فيما إذا كانا يأخذان للحاجة لا للتجارة، فإن كانا يأخذان للتجارة حكم بالمهايأة بينهما فيه، فإن تشاحّا في السبق أقرع، و كان الفرق: أنّ التأخير لغرض التجارة أليق(3).

و المشهور عندهم: الحكم بالمساواة بين التجارة و الحاجة في الوجوه الثلاثة(4).

و علي القول بالفرق بين التجارة و الحاجة لو كان أحدهما يأخذ للتجارة و الآخر يأخذ للحاجة، قدّم الذي يأخذ للحاجة(5).

تذنيب: من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء، و كذا الجبليّ إن كان ظاهرا لا يحتاج فيه إلي حفر و تنحية تراب، و الكحل و الجصّ و المدر و أحجار النورة من الظاهرة أيضا.

و عدّ بعض الشافعيّة الملح الجبليّ من الباطنة(6).

و عدّ آخرون الكحل و الجصّ منها(7).

آخر: لو كان إلي جانب المملحة أرض موات إذا حفر فيها بئر وسيق إليها الماء صار ملحا، صحّ ملكها بالإحياء، و اختصّ بها المحجّر.4.

ص: 383


1- كما في شرائع الإسلام 278:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 432:1، حلية العلماء 507:5، التهذيب - للبغوي - 4: 496، البيان 418:7، العزيز شرح الوجيز 229:6، روضة الطالبين 365:4 - 366.
3- العزيز شرح الوجيز 229:6، روضة الطالبين 366:4.
4- العزيز شرح الوجيز 229:6، روضة الطالبين 366:4.
5- العزيز شرح الوجيز 230:6، روضة الطالبين 366:4.
6- العزيز شرح الوجيز 230:6، روضة الطالبين 366:4.
7- التهذيب - للبغوي - 497:4، العزيز شرح الوجيز 230:6، روضة الطالبين 366:4.

و لو أقطعها الإمام صحّ، كما لو أحيا مواتا؛ لأنّه لا ينتفع بها إلاّ بالعمل فيها، بخلاف المعادن الظاهرة حيث كان ينتفع بها من غير حاجة إلي عمل.

القسم الثاني: المعادن الباطنة، و هي التي لا تظهر إلاّ بالعمل، و لا يوصل إليها إلاّ بعد المعالجة و المؤونة عليها، كمعادن الذهب و الفضّة و الحديد و النحاس و الرصاص و البلّور و الفيروزج و الياقوت و سائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض، كحجارة البرام و غيرها ممّا يكون في بطون الأرض و الجبال.

و بين الشافعيّة خلاف في كون [حجر](1) الحديد من الظاهرة أو الباطنة، و كذا ما يشبهه؛ لأنّ ما فيها من الجوهر باد علي الحجر، فلا يكون من الباطنة(2).

و الظاهر أنّها منها عندهم؛ لأنّه لا يستخرج إلاّ بالمعاناة، و البادي علي الحجر ليس عين الحديد، بل هو مخيّلته(3).

إذا عرفت هذا، فالمعادن الباطنة إمّا أن تكون ظاهرة أو لا.

فإن كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء أيضا؛ لما تقدّم في المعادن الظاهرة، و تكون للإمام عند بعض علمائنا(4) ، لا يجوز لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه عليه السّلام، و عند الباقين تكون لجميع المسلمين؛ لأنّ الناس فيها شرع.

و إن لم تكن ظاهرة، بل إنّما تظهر بالإنفاق عليها و العمل فيها، فهي للإمام أيضا عند بعض علمائنا(5) ، و لا تملك بالإحياء إلاّ بإذنه.

و عند الباقين أنّها لجميع من سبق إليها و أحياها، فحينئذ يملكها1.

ص: 384


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- نهاية المطلب 321:8، العزيز شرح الوجيز 230:6، روضة الطالبين 366:4.
3- نهاية المطلب 321:8، العزيز شرح الوجيز 230:6، روضة الطالبين 366:4.
4- راجع: الهامش (2) من ص 381.
5- راجع: الهامش (2) من ص 381.

المحيي - و هو محكيّ عن أبي حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه غير مملوك، و لا يتوصّل إلي منفعته إلاّ بمعالجة و مؤونة، فأشبه موات الأرض إذا أحييت.

و الثاني للشافعي: أنّها لا تملك بالإحياء، كالمعادن الظاهرة، و ليس كإحياء الموات؛ لأنّه إذا أحيا ثبت الإحياء فيه، و استغني عن العمل كلّ يوم، و النّيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كلّ يوم إلي حفر و عمل، و لأنّ الإحياء الذي يملك به إنّما هو العمارة، و هذا إنّما ينتفع بتخريبه، و لأنّ المحيا ما يتكرّر الانتفاع به بعد عمارته من غير إحداث عمارة، و هذا لا يمكن في المعادن(2).

قال الشافعي: إنّه لو ملكه لجاز له بيعه، و لأنّ من حفر بئرا في البادية لا يملكها بذلك، كذلك هنا(3).

و نمنع امتناع بيعه و الملازمة، و إنّما لم يملك البئر حافرها؛ لأنّه لم يقصدها، و الفرق واقع بين الباطنة و الظاهرة؛ فإنّ الظاهرة لا تفتقر إلي مؤونة و لا عمل.

و نمنع انحصار الإحياء في العمارة، سلّمنا لكن الحفر إنّما هو تخريب الأرض لا المعدن، و إظهاره بمنزلة عمارته؛ لاشتراكهما في الانتفاعيّة.».

ص: 385


1- المهذّب - للشيرازي - 432:1، نهاية المطلب 321:8، الوسيط 231:4، الوجيز 243:1، حلية العلماء 508:5، التهذيب - للبغوي - 497:4، البيان 419:7، العزيز شرح الوجيز 230:6-231، روضة الطالبين 366:4، المغني 175:6، الشرح الكبير 173:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 432:1، نهاية المطلب 321:8، الوسيط 231:4، الوجيز 243:1، حلية العلماء 508:5، التهذيب - للبغوي - 497:4، البيان 419:7، العزيز شرح الوجيز 230:6-231، روضة الطالبين 366:4، المغني 175:6، الشرح الكبير 173:6.
3- البيان 419:7، و فيه إلي قوله: «بيعه».

و نمنع تفسير المحيا بما ذكر(1).

تذنيب: لو أظهر السيل قطعة ذهب أو جاء بها، التحقت بالمعادن الظاهرة.

مسألة 1160: إنّما تملك المعادن الباطنة بالإحياء،

و هو أن يحفرها حتي يبلغ النّيل و يظهره مع قصد التملّك، كما إذا حفر بئرا في الموات علي قصد التملّك ملكه إذا وصل إلي الماء، و لو لم يقصد التملّك لم يملك.

و كذا لو حفر المعدن و لم يصل إليه لم يملكه، و يكون ذلك تحجيرا بالسبق إليه و العمل فيه، و لهذا يجوز للسلطان إقطاعه، و يكون المحجّر أحقّ به و بمرافقه علي قدر حاجته في العمل عليه، كما في البئر، و إذا انصرف عنه لم يكن لغيره العمل فيه.

و إذا اتّسع الحفر و لم يوجد النّيل إلاّ في الوسط أو بعض الأطراف، لم يقتصر الملك علي محلّ النّيل، بل كما يملكه يملك ممّا حواليه ما يليق بحريمه، و هو قدر ما تقف الأعوان و الدوابّ.

و من جاوز ذلك و حفر لم يمنع و إن وصل إلي العرق، سواء قلنا: إنّ المعدن يملك بحفره أو لم نقل؛ لأنّه إن ملكه فإنّما يملك المكان الذي حفره، و أمّا العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك.

و من وصل إليه من جهة أخري فله أخذه.

و لو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النّيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه، كان له أن يأخذ ما يخرج عن أرضه؛ لأنّه لا يملكه، إنّما يملك ما هو من أجزاء أرضه، و ليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة، كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة.

ص: 386


1- في النّسخ الخطّيّة: «ذكره».

و علي القول الثاني للشافعي من أنّه لا يملك المعادن الباطنة بالإحياء فمن سبق إلي موضع كان أحقّ به، فإذا طال عكوفه عليه ففي إزعاجه عنه قولان، كما في المعادن الظاهرة(1).

و منهم من قطع هنا أنّه لا يزعج؛ لأنّ هناك يمكن الأخذ دفعة واحدة، فلا حاجة إلي إطالة المكث، و لأنّ النّيل هنا لا يحصل إلاّ بتعب و مشقّة، فيقدّم السابق علي اللاحق(2).

و إذا ازدحم اثنان، فعلي الوجوه المذكورة عندهم في المعادن الظاهرة(3).

و في جواز إقطاعها علي هذا القول قولان للشافعيّة:

أحدهما: المنع، كالمعادن الظاهرة.

و أصحّهما عندهم: الجواز - و هو مذهبنا - لأن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أراد إقطاع ملح مأرب أو أقطعه، فلمّا قيل له: إنّه كالماء العدّ، امتنع منه(1) ، فدلّ علي أنّ الباطن يجوز إقطاعه(2).

و لا يبعد دخول الإقطاع فيما لا يملك، كمقاعد الأسواق.

مسألة 1161: لو أحيا أرضا،

ملكها بالإحياء؛ لأنّه سبب في التملّك علي ما تقدّم، فإن وجد فيها معدنا ملكه، سواء كان ظاهرا أو باطنا؛ لأنّه ملك الأرض بجميع أجزائها، و ذلك منها؛ لأنّ المعدن مخلوق خلقة الأرض، فهو جزء من أجزائها، بخلاف ما إذا وجد كنزا، فإنّه لا يملكه بإحياء الأرض؛ لأنّه مودع فيها، بل ملكه بالظهور عليه، و يخمّس إن كان

ص: 387


1- راجع: الهامش (6 و 7) من ص 380.
2- العزيز شرح الوجيز 231:6، روضة الطالبين 367:4.

ركازا، و إلاّ كان لقطة، و لهذا قلنا: إذا اشتري أرضا فوجد فيها معدنا أو حجارة مثبتة دخلت في البيع، فإن كانت مودعة لم تتبع الأرض.

مسألة 1162: إذا أقطع الإمام بعض المعادن الباطنة،

لم يقطعه إلاّ بقدر ما يتمكّن المقطع من العمل عليه و الأخذ منه؛ لأنّ الزائد عليه يضيق علي الناس من غير أن ينتفع به أحد، فيكون ممنوعا منه، و هو قول الشافعي(1).

و قال علماؤنا: للإمام أن يقطعه الزائد.

و يجوز العمل علي المعدن الباطن و الأخذ منه من غير إذن الإمام، فإنّه إمّا كالمعدن الظاهر، أو كالموات، و به قال الشافعي علي القولين بجواز الإقطاع و عدمه(2).

و قد بيّنّا أنّه إذا أحيا أرضا ميتة فوجد فيها معدنا باطنا ملكه بالإحياء إذا لم يكن عالما بأنّ فيها معدنا، فإن كان عالما و اتّخذ عليه دارا ففي ملك المعدن للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه علي القولين السابقين.

و الثاني: القطع بأنّه ملك، كما لو لم يعلم(3) ، و هو الأقوي عندي.

و أمّا البقعة المحياة فقد قال الجويني: ظاهر مذهب الشافعي أنّها لا تملك؛ لأنّ المعدن لا يتّخذ دارا و لا مزرعة، و القصد فاسد، و قال بعضهم: يملكها بالإحياء(4).

مسألة 1163: إحياء المعدن الباطن الوصول إلي نيله،

و قبل ذلك يكون

ص: 388


1- العزيز شرح الوجيز 231:6، روضة الطالبين 367:4.
2- العزيز شرح الوجيز 231:6، روضة الطالبين 367:4.
3- العزيز شرح الوجيز 231:6-232، روضة الطالبين 367:4.
4- نهاية المطلب 323:8، و حكاه عنه أيضا الرافعي في العزيز شرح الوجيز 6: 232، و النووي في روضة الطالبين 367:4.

العمل تحجيرا يفيد أولويّة و اختصاصا لا تملّكا.

و يجوز للسلطان إقطاعه، و يكون المقطع أحقّ به و بمرافقه علي قدر حاجته في العمل عليه إن كان يخرج منه بالأيدي، و إن [كان] يخرج بأعمال(1).

و إذا انصرف عنه، لم يكن لغيره العمل فيه؛ لأنّه قد حجّره الأوّل، بل يقول السلطان مع الأوّل: إمّا أن تحييه، أو تخلّي بينه و بين غيرك، فإن طلب الأوّل منه الأجل أجّله بحسب ما يقتضيه رأي الإمام.

و علي أحد قولي الشافعي من أنّ المعادن الباطنة لا تملك بالإحياء ففي جواز إقطاعها قولان:

أحدهما: ليس له أن يقطعه؛ لأنّه لا يملكه بالإحياء، فلم يكن له إقطاعه، كالمعادن الظاهرة.

و الثاني: له إقطاعه(2) ؛ لما روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أقطع بلال بن الحارث المعادن القبليّة(3) جلسيّها(4) و غوريّها(5)(6).

و علي القول بجواز الإقطاع فمن أقطع كان أحقّ به، و إذا سبق إليه كان أحقّ به أيضا.4.

ص: 389


1- كذا قوله: «يخرج بأعمال» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة من دون جواب الشرط.
2- المهذّب - للشيرازي - 433:1-434.
3- القبليّة: منسوبة إلي «قبل»، و هي ناحية من ساحل البحر، بينها و بين المدينة خمسة أيّام. النهاية - لابن الأثير - 10:4 «قبل».
4- نسبة إلي الجلس، و هو كلّ مرتفع من الأرض. النهاية - لابن الأثير - 286:1 «جلس»، و 393:3 «غور».
5- نسبة إلي الغور، و هو ما انخفض من الأرض. النهاية - لابن الأثير - 393:3 «غور».
6- سنن أبي داود 173:3-3062/174.

و إذا استبق اثنان و استويا، فللشافعيّة فيه الوجوه الثلاثة: القرعة و القسمة و أن يقدّم الإمام من يختار(1).

فقد حصل في هذه المعادن للشافعي ثلاثة أقوال:

أحدها: تملك و تقطع و تحجّر.

و الثاني: لا تملك و لا تقطع و لا تحجّر.

و الثالث: لا تملك و لا تحجّر، و يجوز إقطاعها.

مسألة 1164: إذا غنم المسلمون بلاد المشركين و فيها موات قد عمل جاهليّ فيه معدنا،

لم يكن غنيمة، و لا يملكه الغانمون، فيكون علي أصل الإباحة كالموات؛ لأنّه لا يعلم هل من أظهره قصد التملّك أم لا؟ فلا يدري أنّه كان ملكه فيغنم، و الأصل أنّه علي الإباحة، و جري ذلك مجري من حفر بئرا في البادية ثمّ ارتحل عنها جاز لغيره الانتفاع بها؛ لأنّها لا يعلم أنّه تملّكها.

و لو اشتري دارا فظهر فيها معدن، كان للمشتري؛ لأنّه جزء من أجزائها.

و لو وجد فيها كنزا مدفونا، فإن كان من دفن الجاهليّة ملكه بالإصابة و الظهور عليه، و حكمه حكم الكنوز، و إن كان دفن الإسلام فهو لقطة.

و لو كان في أرض اشتراها، عرّف البائع، فإن عرفه كان له؛ لأنّ الكنز مودع في الأرض ليس جزءا منها، فلا يدخل في البيع.

مسألة 1165: يجوز لمالك المعدن الباطن أن يبيعه،

و هو أحد قولي الشافعي(2).

ص: 390


1- العزيز شرح الوجيز 231:6، روضة الطالبين 367:4.
2- نهاية المطلب 324:8، العزيز شرح الوجيز 232:6، روضة الطالبين 367:4.

و الظاهر عنده: المنع من البيع؛ لأنّ المقصود منه النّيل، و النّيل متفرّق في طبقات الأرض، مجهول القدر و الصفة، فصار كما لو جمع قدرا من تراب المعدن و فيه النّيل و باعه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مورد البيع رقبة المعدن، و النّيل فائدته و ريعه.

مسألة 1166: إذا ملك أرضا بالإحياء أو الشراء و شبهه فوجد فيها معدنا باطنا،

كان(2) هذا المعدن ملكه علي ما تقدّم، و به قال الشافعي(3) ، أو أحيا المعدن فإنّه يملكه عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(4).

فإن عمل فيه عامل غيره و استخرج منه شيئا، فإن كان بغير إذن المالك كان ما أخرجه الغير للمالك، و لا أجرة للعامل عن عمله؛ لأنّه تعدّي بذلك.

و إن كان بإذن المالك، فإن كان قد قال له: استخرجه لنفسك، أو:

اعمل فما استخرجته فلنفسك، فالحاصل للمالك، قاله الشيخ رحمه اللّه(5) ، و به قال الشافعي(6) ؛ لأنّ ذلك هبة مجهول، و المجهول لا يصحّ تملّكه، إلاّ أن يستأنف له هبة بعد الإخراج و يقبضه إيّاه، و يمكن تشبيهه بإباحة ثمار البستان و نحوها.

و لا أجرة للعامل؛ لأنّه عمل لنفسه، و إنّما تثبت له الأجرة إذا عمل

ص: 391


1- نهاية المطلب 324:8، العزيز شرح الوجيز 232:6، روضة الطالبين 367:4.
2- في «ص، ع»: «فإنّ» بدل «كان».
3- العزيز شرح الوجيز 231:6، روضة الطالبين 367:4.
4- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 385.
5- المبسوط - للطوسي - 279:3.
6- الحاوي الكبير 505:7، نهاية المطلب 327:8، الوسيط 232:4، التهذيب - للبغوي - 499:4، البيان 425:7، العزيز شرح الوجيز 232:6، روضة الطالبين 368:4.

لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة، و يجري ذلك مجري أن يهب الإنسان زرعه و هو مجهول و ينقله الموهوب له من موضع إلي موضع آخر فيصفّيه ثمّ يتبيّن أنّ الهبة كانت فاسدة، فلا يكون للمتّهب شيء من الزرع، و لا له أجرة عن عمله؛ لأنّه إنّما عمل لنفسه و علي أنّه مالكه.

لا يقال: ينتقض بالقراض، فإنّ العامل لو قبضه علي أن يكون الربح كلّه للعامل فربح، فإنّ القراض يكون فاسدا، و يكون للعامل أجرة عمله و إن كان قد عمل لنفسه.

لأنّا نقول: العمل في القراض وقع لغيره؛ لأنّه عمل في رأس المال و هو يعلم أنّه لغيره، و البيع و الشراء وقع لصاحب المال، و هنا(1) عمل لنفسه؛ لأنّه اعتقد أنّ ما يعمل فيه له، فافترقا.

و أيضا إذنه هنا تمليك لعين موجودة، و العمل فيها لا يكون بالإذن؛ لأنّ عمله في ملك نفسه، و لا يفتقر إلي إذن غيره، فلم يستحق في مقابلة عمله شيئا، و أمّا القراض فإنّه لا يملك فيه بالإذن إلاّ بالتصرّف، و يملك الربح، فإذا لم يحصل له بتصرّفه ملك ما يحصل بالتصرّف و حصل لغيره، كان له أجرة العمل الذي حصل في ملك غيره.

و قال بعض الشافعيّة: تجب الأجرة؛ لأنّ عمله وقع للمالك، و هو غير متعدّ بعمله و لا متبرّع(2).

و أمّا إذا قال له المالك: استخرجه لي، و لم يشرط له أجرة ففعل، فحكمه حكم ما إذا قال: اغسل ثوبي، فغسله.4.

ص: 392


1- في «ص، ع»: «هاهنا».
2- نهاية المطلب 327:8، الوسيط 232:4، التهذيب - للبغوي - 499:4، العزيز شرح الوجيز 232:6، روضة الطالبين 368:4.

و إن كان قد شرط له أجرة علي عمل، فإن استأجره مدّة معلومة ليحفر فيها جاز.

و إن قدّر العمل بغير المدّة، مثل أن يقول: احفر لي كذا و كذا ذراعا، جاز و استحقّ الأجرة.

و أمّا إن جعل الأجرة جزءا من المستخرج، لم تصح الإجارة؛ لجهالة العوض، و يكون له أجرة المثل.

و لو كان ذلك جعالة فقال: إن أخرجت لي شيئا فلك ربعه، أو:

يكون بيننا مناصفة، لم يصح أيضا؛ لأنّ عوض الجعالة يجب أن يكون معلوما، و هذا الجزء مجهول فلم يصح.

نعم، لو عيّن العوض جاز، مثل أن يقول: إن أخرجت لي كذا و كذا فلك عشرة دراهم، فإذا أخرجه استحقّ ذلك.

لا يقال: أليس في المساقاة و القراض يجوز أن يكون العوض مجهولا، و هو أن يشترط المالك له النصف أو الثلث من الربح المعدوم أو من الثمرة المعدومة، و هما مجهولان، فلم لا يجوز هنا؟

لأنّا نقول: الفرق بينهما: أنّ المالك شرط للعامل في المساقاة و القراض جزءا ممّا يكتسبه بالعمل، و هنا جعل له العوض في عمله جزءا من الأصل، فلم يصح، كما لو شرط العامل جزءا من رأس المال.

و لو قال: فما استخرجت فلك منه عشرة دراهم، لم يصح أيضا؛ لأنّه ربما لا يحصل هذا القدر.

المطلب الثالث: في المنافع المشتركة.
اشارة

كلّ رقبة أرض فإمّا أن تكون مملوكة و منافعها تتبع الرقبة، فلمالكها

ص: 393

الانتفاع بها دون غيره، إلاّ بإذنه بالإجماع، و إمّا أن لا تكون مملوكة، فإمّا أن تكون محبوسة علي الحقوق العامّة، كالشوارع و المساجد و المقابر و الرّبط، أو تكون منفكّة عن الحقوق الخاصّة و العامّة، و هي الموات، و المقصود في هذا الفصل هو القسم الأوسط من هذه الثلاثة.

مسألة 1167: المراد من الشوارع و الغرض بها الاستطراق،

و منفعتها الأصليّة التردّد فيها بالذهاب و العود، و الناس فيها شرع سواء، و يجوز الوقوف و الجلوس فيها لغرض الاستراحة و المعاملة و غيرهما(1) بشرط أن لا يتضرّر بها أحد، و لا يضيق علي المارّة، سواء أذن فيه الإمام أو لا؛ لإجماع الناس علي ذلك في جميع الأصقاع و الأمصار، و له أن يظلّل علي موضع جلوسه بما لا يضرّ المارّة من ثوب أو بارية و نحوهما، و ليس له بناء دكّة فيها، و إذا قام بطل حقّه؛ لأنّ اختصاصه إنّما كان بسبب السبق إلي الجلوس، فإذا قام زال السبب.

و لو استبق اثنان إلي موضع، أقرع بينهما؛ لأنّها أنسب بالعدل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: يقدّم الإمام أحدهما برأيه(2).

و هل هذا الارتفاق يختصّ بالمسلمين، أو جائز لأهل الذمّة كما جاز للمسلمين ؟ الأقرب: الثاني؛ لأنّ لهم حقّ الاستطراق، فكان لهم حقّ الارتفاق، كالمسلمين.

ص: 394


1- في «ص، ع»: «و نحوهما» بدل «و غيرهما».
2- المهذّب - للشيرازي - 433:1، حلية العلماء 509:5، التهذيب - للبغوي - 4: 500-501، البيان 421:7-422، العزيز شرح الوجيز 223:6، روضة الطالبين 359:4.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 1168: إذا جلس واحد في موضع من الشوارع و الأسواق،

كان أحقّ به من غيره، و لا يجوز لأحد إزعاجه إذا لم يتضرّر به المارّة، فإن تضرّروا به لم يجز له القعود فيه؛ لمنافاته الغرض من وضع المسالك، و لو أزعجه أحد و قعد مكانه فعل حراما، و صار أولي به من الأوّل.

و لو قام عنه بنيّة العود إليه في ذلك النهار و كان له فيه بساط أو متاع و شبهه، لم يكن لأحد إزالته، و كان صاحب البساط و المتاع أولي به إلي الليل؛ لقول الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلي مكان فهو أحقّ به إلي الليل، و كان لا يأخذ علي بيوت السوق كري»(2).

إذا عرفت هذا، فلو جلس في موضع ثمّ قام عنه، نظر إن كان جلوسه لاستراحة و ما أشبهها بطل حقّه، و إن كان لحرفة و معاملة، فإن فارقه علي عزم الإعراض عن العود إليه بأن يترك تلك الحرفة أو ليقعد في موضع آخر بطل حقّه أيضا، و إن فارقه علي عزم العود، فالأقوي: أنّه يكون أولي إلي الليل؛ عملا بالرواية(3).

و ضبطه الجويني بأنّه إن مضي زمان ينقطع فيه الذين ألفوا المعاملة معه و يستفتحون المعاملة مع غيره بطل حقّه، و إن كان دونه لم يبطل؛ لأنّ الغرض من تعيين الموضع أن يعرف فيعامل، فلا فرق بين أن تكون المفارقة لعذر كسفر و مرض، أو لغير عذر، و علي هذا فلا يبطل حقّه بأن

ص: 395


1- العزيز شرح الوجيز 223:6، روضة الطالبين 359:4.
2- الكافي 155:5 (باب السبق إلي السوق) ح 1، التهذيب 31/9:7.
3- المتقدّمة آنفا.

يرجع في الليل إلي بيته، و ليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني، و كذلك الأسواق التي تقام في كلّ أسبوع أو في كلّ شهر مرّة إذا اتّخذ فيها مقعدا كان أحقّ به في النوبة الثانية و إن تخلّلت بينهما أيّام(1).

و ليس بشيء.

و قال بعضهم: إذا رجع إلي بيته بالليل فسبق إلي الموضع غيره، فهو أحقّ به، كما إذا فارق موضعه من المسجد و عاد للصلاة الأخري و قد سبقه إليه غيره(2).

و فرّقت طائفة منهم بين أن يجلس بإقطاع الإمام فلا يبطل حقّه إذا قام عنه، و ليس لغيره الجلوس فيه، و بين أن يستقلّ و يسبق إليه، فإنّه إذا قام بطل حقّه؛ لأنّه إنّما استحقّ باعتبار سبقه إليه و المقام فيه، فإذا انتقل عنه زال استحقاقه؛ لزوال المعني الذي استحقّ به، و الأوّل استحقّ بإقطاع الإمام، فلا يزول حقّه بنقل متاعه، و لا لغيره الجلوس فيه، فإن ترك شيئا من رحله و متاعه بقي حقّه، و إلاّ فلا(3).

و علي الأوّل لو أراد غيره أن يجلس فيه في مدّة غيبته القصيرة إلي أن يعود، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا يمكّن؛ لأنّ معامليه يتوهّمون إعراضه عن ذلك المكان.

و الثاني: أنّه يمكّن؛ لئلاّ تتعطّل منفعة الموضع في الحال(4).

هذا في الجلوس للمعاملة، و أمّا لغيرها فلا منع أصلا.4.

ص: 396


1- نهاية المطلب 312:8-313، و عنه في العزيز شرح الوجيز 224:6، و روضة الطالبين 360:4-361.
2- التهذيب - للبغوي - 500:4، العزيز شرح الوجيز 224:6، روضة الطالبين 361:4.
3- العزيز شرح الوجيز 224:6، روضة الطالبين 361:4.
4- العزيز شرح الوجيز 224:6، روضة الطالبين 361:4.

تذنيب: كما أنّ موضع الجلوس يختصّ بالجالس فلا يزاحم فيه، كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين فيه، و ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه أو يضيق عليه الكيل و الوزن و الأخذ و العطاء.

هذا في المستوطن، أمّا المتردّد الجوّال الذي يقعد كلّ يوم في موضع من السوق فيبطل حقّه إذا فارق المكان، و ما تقدّم من أولويّة الجالس إنّما هو مفروض في غيره.

تنبيه: إنّما يجوز الجلوس للبيع و الشراء في المواضع المتّسعة كالرحاب؛ نظرا إلي العادة، و لئلاّ يتضرّر المارّة و يحصل الضيق علي المسلمين.

مسألة 1169: المسجد كالسوق يستوي فيه المسلمون،

و كلّ من جلس في موضع منه كان أولي من غيره.

و الجلوس في المسجد قد يكون لتدريس القرآن أو الفقه أو الاستفتاء، و حكمه حكم مقاعد الأسواق إذا قام بنيّة العود إليه كان أولي من غيره، فليس لغيره الجلوس عوضه قبل استيفاء غرضه، قاله بعض الشافعيّة(1).

و فيه نظر؛ لأنّ له غرضا في ملازمة ذلك الموضع فيألفه الناس.

و قال بعضهم بما قلناه أوّلا من أنّه متي قام بطل حقّه، و كان السابق إليه أحقّ؛ لقوله تعالي: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (2)(3).

ص: 397


1- العزيز شرح الوجيز 225:6، روضة الطالبين 361:4.
2- سورة الحجّ: 25.
3- الحاوي الكبير 496:7، العزيز شرح الوجيز 225:6، روضة الطالبين 4: 361.

أمّا لو كان رحله باقيا فيه، فإنّه يكون أولي، و إلاّ كان مع غيره سواء.

و لو استبق اثنان فتوافيا، فإن أمكن الجمع بينهما جاز، و إن لم يمكن أقرع.

و قد يكون الجلوس فيه للصلاة، فهو أحقّ من غيره ما دام مقيما، و لا يقتضي الاختصاص لما بعدها من الصلوات، بل متي قام و حضرت صلاة أخري لم يكن له منع السابق فيها.

و كلّ من سبق في سائر الصلوات إلي ذلك الموضع فهو أحقّ، بخلاف مقاعد الأسواق؛ لأنّ غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد، و الصلاة في بقاع المسجد لا تختلف.

إذا عرفت هذا، فلو سبق إلي مكان لأجل الصلاة كان أحقّ به، و ليس لغيره أن يزعجه، فإن فارقه إجابة لمن دعاه أو لرعاف أو قضاء حاجة أو تجديد وضوء، فالأقرب: أنّ اختصاصه لا يبطل - و هو أصحّ وجهي [الشافعيّة](1)(2) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إذا عاد إليه»(3).

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلي مكان فهو أحقّ به إلي الليل»(4).

و الثاني للشافعيّة: أنّه يبطل اختصاصه؛ لحصول المفارقة كمّا).

ص: 398


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشافعي». و المثبت يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 225:6، روضة الطالبين 362:4.
3- أورده الجويني في نهاية المطلب 318:8، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 6: 225، و النووي في روضة الطالبين 362:4.
4- تقدّم تخريجه في ص 395، الهامش (2).

بالإضافة إلي سائر الصلوات(1).

إذا عرفت هذا، فتقييد أمير المؤمنين عليه السّلام بالليل بناء علي الغالب، فلو أقام ليلا و نهارا لم يجز إزعاجه؛ لصدق اسم السبق في حقّه.

و لا فرق بين أن يترك إزاره فيه و بين أن لا يتركه، و لا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة أو قبله، و هو قول الشافعي علي الوجهين(2).

و لو اتّسع وقت الحاضرة، فإن فارقه من غير عذر حادث فهو كما تقدّم في سائر الصلوات.

مسألة 1170: يكره الجلوس في المساجد للبيع و الشراء و إنشاد الضالّة و عمل الصنائع،

فإن جلس لأحد هذه الأشياء منع منه، فإنّ حرمة المسجد تنافي اتّخاذه حانوتا.

و قد روي العامّة أنّ عثمان بن عفّان رأي خيّاطا في المسجد فأخرجه(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:

«جنّبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و رفع أصواتكم و شراءكم و بيعكم و الضالّة و الحدود و الأحكام»(4).

و سمع عليه السّلام رجلا ينشد ضالّة في المسجد، فقال: «قولوا له: لا ردّ اللّه عليك، فإنّها لغير هذا بنيت»(5).

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 225:6، روضة الطالبين 362:4.
2- العزيز شرح الوجيز 225:6-226، روضة الطالبين 362:4.
3- العزيز شرح الوجيز 226:6.
4- الفقيه 716/154:1.
5- الفقيه 715/154:1.

و ينبغي منع الناس من استطراق حلق الفقهاء و القرّاء في الجامع توقيرا لهم.

مسألة 1171: الرّبط المسبّلة في الطّرق و علي أطراف البلاد إذا سبق واحد إلي موضع منها كان أحقّ به من غيره،

و ليس لغيره إزعاجه، سواء دخل بإذن الإمام أو بدون إذنه، و لا يبطل حقّه بالخروج لحاجة، كشراء مأكول أو مشروب أو ثوب أو قضاء حاجة و ما أشبه ذلك، و لا يلزمه تخليف أحد في الموضع و لا أن يترك متاعه فيه؛ لأنّه قد لا يجد غيره، و قد لا يأمن علي متاعه سواه.

و لو ازدحم اثنان علي موضع و لا سبق، حكم إمّا بالقرعة أو بتعيين الإمام.

و أمّا المدارس و الخانقاهات فمن سكن بيتا منها ممن له السكني فهو أحقّ به و إن طالت المدّة ما لم يشترط الواقف أمدا، فيلزمه الخروج عند انقضائه.

و لو اشترط مع السكني التشاغل بالعلم فأهمل، ألزم الخروج، و إن استمرّ علي الشرط، لم يجز إزعاجه، و له أن يمنع من يشاركه ما دام متّصفا بما يستحقّ به السكني.

و لو فارق لعذر أيّاما قليلة، فهو أحقّ إذا عاد؛ لأنّه ألفه، و إن طالت غيبته بطل حقّه.

و النازلون في موضع من البادية أحقّ به و بما حواليه بقدر ما يحتاجون إليه لمرافقهم، و لا يزاحمون في الوادي الذي سرحوا مواشيهم إليه إلاّ أن يفي بالجميع، و إذا ارتحلوا بطل اختصاصهم و إن بقيت آثار الفساطيط و الخيم و شبهها.

ص: 400

مسألة 1172: المرتفق بالشوارع و المساجد إذا طال العكوف عليها

فالأقرب: أنّه لا يزعج؛ لأنّه أحد المرتفقين، و قد ثبت له السبق باليد، و إن لم يفد أولويّة فلا أقلّ من المساواة، و قال عليه السّلام: «من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»(1).

و أمّا الرباطات الموقوفة و المدارس فإنّها تتبع تعيين الواقف، فإن عيّن لم يمكّن الزيادة عليه، و كذا لو وقف علي المسافرين.

و إن أطلق نظر إلي الغرض الذي بنيت البقعة له، و عمل بالمعتاد فيه، فلا يمكّن من الإقامة في رباطات المارّة، إلاّ لمصلحتها أو لخوف يعرض أو أمطار تتواتر، و في المدرسة الموقوفة علي طلبة العلم يمكّن من الإقامة إلي استتمام غرضه، فإن ترك التعلّم و التحصيل أخرج، و لا يمكن مثل هذا الضبط في الخانقاهات، بل يحكم في طول اللبث فيها بما سبق في الشوارع.

المطلب الرابع: في المياه.
أقسام المياه ثلاثة:
اشارة

الأوّل: الماء المحرز في الآنية و شبهها من حوض و مصنع و أشباه ذلك، و هذا مختصّ بمالكه، ليس لأحد التصرّف فيه إلاّ بإذن مالكه، و يصحّ بيعه و التصرّف فيه بجميع أنواع التصرّفات كغيره من المملوكات، و هذا خاصّ.

الثاني: العامّ، و هو الذي لم يظهر بعمل و لا جري بحفر نهر، و ينبع في مواضع لا تختصّ بأحد، و لا صنع للآدميّين في إنباطه و إجرائه، كماء الفرات و جيحون و جميع أودية العالم و العيون التي في الجبال و غيرها و سيول الأمطار، و الناس فيها شرع سواء.

ص: 401


1- المعجم الكبير - للطبراني - 814/280:1.

و الأصل في استواء الناس في المباحات ما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «الناس شركاء في ثلاث: الماء و النار و الكلأ»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن ماء الوادي، فقال: «إنّ المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ»(2).

و لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.

الثالث: المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص، و هي مياه الآبار و القنوات، فإنّها من حيث إنّها حاصلة في الموضع المختصّ بالإنسان تشبه الماء المحرز في الإناء، و من حيث إنّها تبذل و تبسط الناس فيها تشبه المياه العامّة، و هي مختصّة بصاحب البئر و القناة، فهنا بحثان:

البحث الأوّل: في المياه العامّة.
مسألة 1173: المياه العامّة مباحة للناس كافّة،

كلّ من أخذ منها شيئا و أحرزه في إناء أو بركة أو مصنع أو بئر عميقة و شبهه ملكه.

فإن حضر اثنان فصاعدا، أخذ كلّ واحد منه ما شاء، فإن قلّ الماء أو كان المشرع ضيّقا لا يمكن تعدّد الواردين عليه، كان السابق أولي بالتقديم.

فإن جاءا معا، أقرع بينهما؛ لعدم الأولويّة.

و لا فرق في ذلك بين المسلمين و غيرهم.

و لو أراد واحد السقي و هناك من يحتاج للشرب، قدّم الثاني؛ لأنّ مراعاة حفظ النفس أولي من مراعاة حفظ المال.

و من أخذ منه شيئا في إناء ملكه، و لم يكن لغيره مزاحمته فيه، كما

ص: 402


1- تقدّم تخريجه في ص 381، الهامش (3).
2- تقدّم تخريجه في ص 381، الهامش (4).

لو احتشّ أو احتطب، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه لا يملكه، لكنّه يكون أولي من غيره(2).

و الحقّ: الأوّل.

و لو زاد الماء المباح فدخل شيء منه ملك إنسان بسيل أو جريان، لم يكن لغيره أخذه منه ما دام فيه؛ لتحريم الدخول في ملك غيره بغير إذنه.

و هل يملكه مالك الملك ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: لا يملكه(3) ، و هو أصحّ [وجهي](4) الشافعيّة(5) ، كما لو وقع في ملك الغير مطر أو ثلج فمكث في ملكه، أو فرّخ طائر في بستانه، أو توحّل ظبي في أرضه، أو وقعت سمكة في سفينته، لم يملكه بذلك، بل بالأخذ و الحيازة، فعلي هذا لو تخطّي إنسان إلي ملك الغير(6) و أخذ من ذلك الماء، لم يكن لمالك الأرض استرداده، و كان ملكا للثاني باستيلاء يده عليه و تحيّزه في آنيته.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه يكون ملكا(7) لصاحب الأرض، فإن أخذه غيره كان له استرداده(8).

و المعتمد: الأوّل، لأنّ الإنسان لا يملك ما لم يتملّك إلاّ بالميراث،4.

ص: 403


1- الحاوي الكبير 509:7، نهاية المطلب 333:8، العزيز شرح الوجيز 234:6، روضة الطالبين 368:4.
2- نهاية المطلب 333:8، العزيز شرح الوجيز 234:6، روضة الطالبين 368:4.
3- المبسوط - للطوسي - 282:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قولي». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 234:6، روضة الطالبين 369:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «غيره» بدل «الغير».
7- في «ص، ع»: «مملوكا» بدل «ملكا».
8- العزيز شرح الوجيز 234:6، روضة الطالبين 369:4.

ألا تري أنّ من وهب لغيره شيئا أو أباحه له، لم يملكه إلاّ بتملّكه، فإذا دخل إلي ملكه لم يملكه بذلك، و يخالف وقوع السمكة في السفينة و الظبي في الأرض وقوع الصيد في الشبكة المنصوبة، فإنّ الصيد هنا يملك؛ لأنّ الشبكة كيده وضعها لذلك.

و لو خرج هذا الماء المباح من تلك الأرض، أخذه من شاء قطعا.

مسألة 1174: لو سال هذا الماء المباح في نهر عظيم عليه أملاك تحتاج إلي السقي منه و كان النهر يفي بالجميع،

سقي من شاء منهم متي شاء؛ لانتفاء التزاحم في النهر العظيم.

و إن كان النهر صغيرا غير مملوك كساقية غير مملوكة بأن انخرقت بنفسها و جري الماء من الوادي فيها، أو واد صغير تشاحّ فيه أهل الأرضين الشاربة و لم يف بالجميع إذا سقوا في وقت واحد، و يقع في التقديم و التأخير نزاع و خصومة، فإنّ الأوّل يسقي أرضه، فإذا فرغ من قضاء حاجته منه أرسله إلي الثاني ثمّ إلي الثالث و هكذا.

و الأوّل هو الذي يلي ملكه فم النهر، و الثاني هو الذي يلي ملكه هذا الملك.

و لا فرق بين أن يستضرّ الثاني بحبس الأوّل للماء عنه أو لم يستضر.

و لو لم يفضل عن الأوّل شيء أو عن الثاني أو عمّن يليهم(1) ، فلا شيء للباقين؛ لأنّه ليس لهم إلاّ ما فضل منهم، كالعصبة في الميراث.

و هو قول مالك و فقهاء المدينة و الشافعي(2) ، و لا نعلم فيه مخالفا.

ص: 404


1- الظاهر: «يليهما».
2- النوادر و الزيادات 25:11-26، عقد الجواهر الثمينة 955:3، الذخيرة 6: -

لما روي العامّة عن عبادة بن الصامت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قضي في شرب نهر في سيل: أنّ للأعلي أن يسقي قبل الأسفل، ثمّ يرسله إلي الأسفل(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام قال:

«قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في سيل وادي مهزور: الزرع إلي الشراك، و النخل إلي الكعب، ثمّ يرسل الماء إلي أسفل من ذلك» قال ابن أبي عمير:

و المهزور موضع الوادي(2).

إذا عرفت هذا، فالمشهور في الرواية أنّ الزاي المعجمة متقدّمة علي الواو، و الراء غير المعجمة متأخّرة عنه.

قال ابن بابويه: سمعت من أثق به من أهل المدينة أنّه وادي مهزور، و مسموعي من شيخنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه أنّه «مهروز» بتقديم الراء غير المعجمة علي الزاي المعجمة، و ذكر أنّها كلمة فارسيّة، و هو من «هرز الماء» و الهرز بالفارسيّة: الزائد علي المقدار الذي يحتاج إليه(3).

و لأنّ من أرضه قريبة من فوهة النهر فإنّه أسبق إلي الماء، فكان أولي، كمن سبق إلي المشرعة.

مسألة 1175: إذا حبس الأعلي،

فالمشهور عند علمائنا أنّه يحبس الماء علي ملكه لسقي زرعه حتي يبلغ الماء إلي الشراك، و لسقي الشجر إلي القدم، و لسقي النخل حتي يبلغ إلي الساق.

ص: 405


1- سنن ابن ماجة 2483/830:2، مسند أحمد 446:6-22272/447.
2- - 160-161، المغني 188:6، الشرح الكبير 194:6، الحاوي الكبير 509:7 و 510، المهذّب - للشيرازي - 435:1، البيان 434:7، العزيز شرح الوجيز 6: 234، روضة الطالبين 369:4.
3- الفقيه 56:3، ذيل ح 195.

و العامّة لم يفصّلوا، بل جعلوا حقّ الأوّل إلي الكعبين، و كذا الثاني، و هلمّ جرّا(1).

و علي كلّ حال فمطلق التقدير لا بدّ منه، و إلاّ لزم تضرّر المتأخّر؛ لما رواه العامّة عن مالك عن الزهري و عروة(2) أنّ عبد اللّه بن الزبير حدّثه أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرّة التي يسقون بها، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلي جارك» فغضب الأنصاري فقال:

يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك، فتلوّن وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ثمّ قال:

«يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتي يرجع إلي الجدر» قال الزبير: فو اللّه إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك، و هي: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّي يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية(3)(4).

قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج، و الشرج: نهر صغير، و الحرّة أرض ملبسة بالحجارة السوداء، و الجدر: الجدار، يقال: جدر و جدار(5).6.

ص: 406


1- المغني 188:6، الشرح الكبير 193:6، الحاوي الكبير 510:7، المهذّب - للشيرازي - 435:1، الوجيز 243:1، البيان 434:7، العزيز شرح الوجيز 6: 234، روضة الطالبين 369:4، النوادر و الزيادات 25:11-26، عقد الجواهر الثمينة 955:3-956، الذخيرة 160:6-161.
2- قال ابن قدامة في المغني 188:6 بعد ما أورد الرواية: متّفق عليه، و رواه مالك في موطّئه عن الزهري عن عروة عن عبد اللّه بن الزبير. انتهي، و بعد الفحص الكثير لم نعثر عليه في الموطّأ.
3- سورة النساء: 65.
4- مسند أحمد 569:4-15684/570، صحيح البخاري 146:3 و 245، صحيح مسلم 1829:4-2357/1830، سنن ابن ماجة 15/7:1، و 2480/829:2، سنن أبي داود 315:3-3637/316، سنن الترمذي 1363/644:3، و 238:5 - 3027/239، سنن النسائي (المجتبي) 245:8، السنن الكبري - للبيهقي - 6: 153، و 106:10.
5- نقله عنه في البيان 434:7، و المغني 188:6-189، و الشرح الكبير 194:6.

و عن ثعلبة بن أبي مالك أنّه سمع كبراءهم يذكرون أنّ رجلا من قريش كان له سهم في نهر قريظة، فخاصمه(1) إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في مهزور: السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضي بينهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّ الماء إلي الكعبين، لا يحبس الأعلي علي الأسفل(2) ، معني ذلك: إذا بلغ الماء الكعبين لا يحبس الأعلي علي الأسفل، و هذا موافق لحديث الزبير؛ لأنّ الماء إذا بلغ إلي الكعبين بلغ أصل الجدار.

و اختلفت العامّة في تنزيل الخبر:

فقال بعضهم: إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أمره باستيفاء زيادة علي القدر المستحقّ، تغليظا علي الأنصاري، حيث اتّهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله(3).

و قال آخرون - و هو الصحيح عندنا و عندهم -: إنّه صلّي اللّه عليه و اله كان قد استنزل الزبير عن بعض حقّه، فلمّا أساء الأنصاري الأدب قال له: «استوف حقّك»(4).

و من طريق الخاصّة: ما سبق(5) في المسألة السابقة في حديث غياث ابن إبراهيم.

و عن غياث بن إبراهيم أيضا عن الصادق عليه السّلام قال: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلي علي الأسفل للنخل إلي الكعبين، و للزرع إلي [الشراكين](6)»(7).

و عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في7.

ص: 407


1- في المصدر: «في بني قريظة، فخاصم».
2- سنن أبي داود 3638/316:3، السنن الكبري - للبيهقي - 154:6.
3- البيان 434:7، العزيز شرح الوجيز 235:6.
4- البيان 434:7، العزيز شرح الوجيز 235:6.
5- في ص 405.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشراك». و المثبت كما في المصدر.
7- الكافي 4/278:5، التهذيب 620/140:7.

شرب النخل بالسيل أنّ الأعلي يشرب قبل الأسفل، و يترك(1) من الماء إلي الكعبين ثمّ يسرّح الماء إلي الأسفل الذي يليه كذلك حتي تنقضي الحوائط و يفني الماء»(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه ليس التقدير بالبلوغ إلي الكعبين علي عموم الأزمان و البلدان؛ لأنّه مقدّر بالحاجة، و الحاجة تختلف باختلاف الأرض و اختلاف ما فيها من زرع و شجر، و بوقت الزراعة، و بوقت السقي، فحينئذ يكون المناط في التقدير إلي العادة في قدر السقي و الحاجة(3).

و قال بعضهم - و هو محكيّ عن أبي حنيفة أيضا -: إنّ الأعلي لا يقدّم علي الأسفل، و لكن يسقون بالحصص(4).

فروع:

أ: لو اختلفت أرض الأعلي، فكان بعضها مرتفعا و بعضها منخفضا، و لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة عن الحدّ السائغ شرعا، أفرد كلّ واحد منهما بالسقي بما هو طريقه؛ توصّلا إلي متابعة النصّ.

ب: لو سقي الأعلي و استوفي حقّه ثمّ احتاج إلي السقي مرّة أخري قبل الإرسال إلي الأسفل، قيل: يمكّن من السقي مرّة أخري، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّه لا يمكّن(6) ؛ لما تضمّنه خبر عبادة من قوله عليه السّلام في رواية: «و يرسل الماء حتي تنتهي الأراضي»(7).5.

ص: 408


1- في «ص، ع» و التهذيب: «و ينزل».
2- الكافي 6/278:5، التهذيب 621/140:7.
3- العزيز شرح الوجيز 235:6، روضة الطالبين 369:4.
4- العزيز شرح الوجيز 235:6، روضة الطالبين 369:4.
5- العزيز شرح الوجيز 235:6، روضة الطالبين 370:4.
6- العزيز شرح الوجيز 235:6، روضة الطالبين 370:4.
7- كما في العزيز شرح الوجيز 235:6-236، و راجع: الهامش (1) من ص 405.

و هو الأقوي عندي؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في رواية الصادق عليه السّلام عنه: «ثمّ يرسل الماء إلي أسفل»(1)تقدّم تخريجه في ص 408، الهامش (2).(2).

و كذا في حديث عقبة بن خالد: «ثمّ يسرّح الماء إلي الأسفل الذي يليه كذلك حتي تنقضي الحوائط و يفني الماء»(2).

ج: إذا تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شقّ النهر من موضعين متحاذيين يمينا و شمالا، فالأقرب: القرعة للتقديم، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و الثاني: أنّه يقسّم بينهما، و الثالث: أنّه يقدّم الإمام من يراه(3).

د: لو أراد إنسان إحياء أرض ميتة و [سقيها](4) من هذا النهر الغير المملوك، فإن لم يكن فيه تضييق فلا منع، و إن كان فيه تضييق منع من السقي منه؛ لأنّ الأوّلين بإحياء أراضيهم استحقّوا مرافقها، و هذا من أعظم مرافقها، و لأنّهم أسبق إلي النهر منه، فإن أحيا شيئا لم يكن له السقي إلاّ بعد استغناء الأوّلين عنه و إن كان أقرب إلي فوهة النهر.

و هل لأرباب الأملاك منعه من الإحياء؟ قال به بعض العامّة؛ لئلاّ يصير ذلك ذريعة إلي منعهم من حقّهم من السقي؛ لأنّه أقرب، فربما طال الزمان و جهل الحال(5).

و قال بعضهم: ليس لهم منعه؛ لأنّ حقّهم في النهر لا في الموات(6).6.

ص: 409


1- تقدّم تخريجها في ص 405، الهامش
2- .
3- العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سقيه». و المثبت يقتضيه السياق.
5- المغني 190:6، الشرح الكبير 196:6.
6- المغني 190:6، الشرح الكبير 196:6.

و هو الوجه.

فحينئذ لو سبق إنسان إلي مسيل ماء أو نهر غير مملوك و أحيا في أسفله مواتا ثمّ أحيا آخر فوقه ثمّ أحيا ثالث فوق الثاني، كان للأسفل السقي أوّلا ثمّ الثاني ثمّ الثالث، و يقدّم الأسبق إلي الإحياء علي الأسبق إلي أوّل النهر؛ لما تقدّم.

ه: عمارة حافّات هذه الأنهار يؤخذ ما يحتاج إليه من بيت المال؛ لأنّه معدّ لمصالح المسلمين، و هذا من جملة مصالحهم.

و: لو أراد إنسان بناء قنطرة لعبور الناس علي مثل هذا النهر، فإن كان الموضع مواتا جاز؛ لاشتماله علي مصلحة المسلمين و الإحسان إليهم، و ليس لأحد منعه، و إن كان بين العمران كان حكمه حكم حفر البئر في الطريق لمصلحة المسلمين.

ز: لو أراد أحد بناء رحي علي هذه الأنهار، فإن كان الموضع ملكا له مكّن منه، و كذا إن كان مواتا محضا، و إن كان من الأراضي المملوكة، فإن تضرّر الملاّك لم يجز، و إن لم يتضرّر واحد منهم فكذلك - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه تصرّف في مال الغير، فلا يجوز إلاّ بإذنه، كالتصرّف في سائر مرافق العمارات.

و الثاني للشافعيّة: الجواز؛ لأنّه كإشراع الجناح في السكّة الغير المنسدّة(2).

ح: لو استوي اثنان في القرب من أوّل النهر، اقتسما الماء بينهما إن أمكن، فإن لم يمكن أقرع بينهما، فقدّم من تقع له القرعة، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقي من تقع له القرعة بقدر حقّه من الماء ثمّ يتركه للآخر، و ليس له أن يسقي بجميع الماء؛ لأنّ الآخر يساويه في استحقاق4.

ص: 410


1- العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4.
2- العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4.

الماء، و إنّما القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ، بخلاف الأعلي مع الأسفل؛ لأنّ للأسفل حقّا فيما فضل من الأعلي.

ط: لو كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر، قسّم الماء بينهما علي قدر الأرض؛ لأنّ الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب، فاستحقّ جزءا من الماء، كما لو كان الزائد لشخص ثالث.

مسألة 1176: هذا الذي تقدّم حكم الأنهار و السواقي التي ليست مملوكة،

أمّا لو كانت مملوكة بأن حفر إنسان نهرا فأخذ الماء من الوادي العظيم أو النهر العظيم أو من النهر المنخرق منه ليدخل ماء النهر العظيم فيه، فما لم يتّصل الحفر لا يملكه، و إنّما هو تحجير و شروع في الإحياء، فإذا اتّصل الحفر كمل الإحياء و ملكه، سواء أجري الماء فيه أو لا؛ لأنّ الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلي قصدها بحيث يتكرّر الانتفاع بها علي صورتها، و هنا كذلك.

و لا يشترط إجراء الماء؛ لأنّ الإحياء يحصل بأن يهيّئه للانتفاع به دون حصول المنفعة، فيصير مالكا لقرار النهر و حافّتيه و هواه، و كذا حريمه، و هو ملقي الطين من كلّ جانب.

و قال الشافعي: إنّ ذلك غير مملوك لصاحب النهر، و إنّما هو حقّ له من حقوق الملك، كحريم البئر(1).

إذا عرفت هذا، فهل يملك حافر النهر الماء الذي جري فيه من الوادي أو النهر العظيم ؟ قال الشيخ: لا يملكه(2) ، و هو قول العامّة(3) ، و يكون

ص: 411


1- المغني 191:6.
2- المبسوط - للطوسي - 284:3.
3- البيان 435:7، العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4، المغني 190:6 و 195-196، الشرح الكبير 196:6 و 201.

الماء باقيا علي أصل إباحته؛ لأنّه مباح دخل ملكه، فأشبه ما لو دخل صيد بستانه.

نعم، يكون صاحب النهر أحقّ بذلك الماء من غيره، كالسيل يدخل ملكه، و ليس لأحد مزاحمته لسقي الأراضي.

و أمّا الشرب و الاستعمال و سقي الدوابّ فقد قال بعض الشافعيّة:

ليس لمالك النهر المنع(1).

و منهم من جوّز المنع، و يكون للمالك منع غيره من إرسال دلو فيه و نحوه(2).

و لا يبعد عندي أنّ صاحب النهر يملك ذلك الماء؛ لأنّ النهر اتّخذه الحافر آلة في تحصيل شيء مباح فملكه، كالشبكة.

و يجوز لغيره أن يحفر فوق نهره نهرا إذا لم يضيّق عليه، و إن ضيّق عليه لم يجز.

مسألة 1177: إذا اشترك جماعة في حفر نهر أو ساقية في أرض موات

و بلغوا حدّ الوصول إلي الوادي العظيم أو النهر العظيم، ملكوه بالشركة علي قدر عملهم و نفقتهم عليه، و يملكون حقوقه؛ لأنّه إنّما ملك العمارة، و العمارة بالنفقة.

فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم علي قدر ما يملكون من الأراضي، فليكن عمل كلّ واحد علي قدر أرضه، فإن زاد واحد متطوّعا فلا شيء له علي الباقين، و إن أكرهوه علي الزيادة أو شرطوا له عوضا رجع عليهم بأجرة ما زاد.

ص: 412


1- العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4.
2- العزيز شرح الوجيز 236:6، روضة الطالبين 370:4.

ثمّ إن كان هذا الماء يكفي جميع الأرضين فلا كلام، و كذا إن كان لا يكفي و تراضوا بقسمته، و أمّا إن كان الماء يضيق عن كفايتهم و تشاحّوا فيه قسّم الحاكم ذلك بينهم علي قدر أنصبائهم فيه، و ليس للأعلي هنا حبس الماء علي الأسفل، بخلاف ما إذا لم يكن الموضع مملوكا.

و قال بعض العامّة: حكم هذا الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك، و [أنّ](1) الأسبق أحقّ بالسقي منه ثمّ الذي يليه؛ لأنّ الماء لا يملك عنده(2) ، فكان الأسبق إليه أحقّ(3).

و إذا قسّموا الماء بالمهايأة جاز إذا كان نصيب كلّ واحد منهم معلوما، مثل أن يجعلوا لكلّ حصّة يوما و ليلة أو أكثر أو أقلّ.

و إن قسّموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلي الزوال و للآخر من الزوال إلي الغروب جاز، و كذا بالساعات إن أمكن ضبطه بشيء معلوم جاز.

و لكلّ واحد منهم الرجوع متي شاء، لكن لو رجع بعد ما استوفي نوبته و قبل أن يستوفي الشريك ضمن له أجرة مثل نصيبه من النهر للمدّة التي أجري الماء فيها.

و إذا اقتسموا الماء نفسه جاز، و ذلك بأن تؤخذ خشبة مستوية الطرفين و الوسط ثمّ توضع الخشبة علي موضع مستو من الأرض، و يجعل فيها لكلّ واحد كوّة إذا تساوت حقوقهم و تكون الكوي متساوية في السعة،6.

ص: 413


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و المثبت كما في المصدر.
2- أي: عند بعض العامّة.
3- المغني 192:6، الشرح الكبير 198:6.

و الخشبة مستوية في الوضع معتدلة فتقذف كلّ كوّة في ساقية كلّ واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به.

و إن كانت أملاكهم مختلفة، فإن كان لأحدهم ضعف ما للآخر جعل لصاحب الضعف كوّتين و للآخر كوّة.

و إن كان لأهل ساقية مائة جريب و لأهل ساقية ألف جريب، جعل في الخشبة إحدي عشرة حفرة، لصاحب المائة حفرة، و لصاحب الألف عشر حفر.

و لو كانت الضياع متباعدة، مثل أن تكون عشرة، خمسة مجاورة، و خمسة بعيدة منها، قسّم النهر قسمين، فجعل خمس حفر لأصحاب الضياع القريبة لكلّ واحد حفرة، و خمسة يجري فيها الماء في النهر، فإذا وصل إلي الضياع البعيدة قسّم بينها قسمة أخري.

فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر، لم يجز إلاّ برضاه؛ لأنّه تصرّف في ساقية الغير و تخريب حافّتها بغير إذنه، و يخلط حقّه بحقّ غيره علي وجه لا يتميّز، فلم يجز.

تذنيب: لو أراد الشركاء قسمة النهر نفسه و كان عريضا يمكن قسمته جاز، و لا يجري فيه الإجبار، كما في الجدار الحائل.

مسألة 1178: إذا كان النهر مملوكا بين جماعة لم يكن لأحدهم التصرّف فيه إلاّ بإذن الباقين،

فلو أراد من كانت أرضه أسفل توسيع فم النهر لئلاّ يقصر الماء عنه، لم يجز إلاّ برضا الباقين؛ لأنّ الشريك ممنوع من التصرّف في المشترك إلاّ بإذن باقي الشركاء، و لأنّ الأوّلين قد يتضرّرون بكثرة الماء فلا بدّ من إذنهم.

ص: 414

و لو أراد الأوّلون - و هم القريبون من فوهة النهر - تضييق فم النهر، لم يكن لهم ذلك إلاّ برضا الباقين. و كذا ليس لواحد منهم بناء قنطرة أو رحي عليه، أو غرس شجرة علي حافّتيه إلاّ برضا الباقين.

و لو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي ينساق فيها الماء إلي أرضه أو تأخيره، لم يكن له ذلك، بخلاف صاحب الدار في الدرب المرفوع لو أراد تقديم باب داره إلي رأس السكّة جاز؛ لأنّه هناك يتصرّف في الحدّ المملوك، و هنا في الحافّة المشتركة.

و لو كان لأحدهم ماء في أعلي النهر فأجراه في النهر المشترك برضا الشركاء ليأخذه من الأسفل و يسقي به أرضه، كان لهم الرجوع متي شاؤا؛ لأنّ الإذن هنا عارية، و للمعير الرجوع متي شاء.

مسألة 1179: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة،

كانت تنقيته و عمارته علي الشركاء بحسب الملك.

و إذا أرادوا سدّ شيء منه أو إصلاح حائطه أو شيء منه، كان ذلك عليهم علي حسب ملكهم فيه.

و إذا كان بعضهم أقرب إلي فمه و بعضهم أبعد، اشترك الجميع في عمارته و إكرائه و إصلاحه من فمه إلي أن يصلوا إلي الأوّل، ثمّ لا شيء علي الأوّل، ثمّ يشترك الباقون في عمارته إلي أن يصلوا إلي ساقية الثاني، فلا يجب علي الثاني شيء فيما بعد، ثمّ يشترك الباقون إلي أن يصلوا إلي ساقية الثالث، فينحلّ الثالث عن المشاركة في العمارة فيما بعده، و هكذا كلّما انتهي العمل إلي موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء؛ لأنّ الأوّل إنّما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه، و ما بعده إنّما يختصّ

ص: 415

بالانتفاع [به](1) من دونه، فلا يشاركهم في مؤونته، كما لا يشاركهم في نفعه، و به قال الشافعي و أحمد(2) ، و هو محكيّ عن أبي حنيفة(3) أيضا.

و قال أبو يوسف و محمّد: يشترك جميع الشركاء في عمارته و إكرائه من أوّله إلي آخره علي قدر أنصبائهم و نفقتهم عليه؛ لأنّ الأوّل ينتفع بجميعه، لأنّه ينتفع بأوّله بسقي أرضه و بالباقي لمصبّ مائه، فكان الكري علي الكلّ بقدر شربه و أرضه(4) ، و قال به بعض الشافعيّة(5).

إذا ثبت هذا، فلو كان الماء يفضل عن جميعهم و احتاج الفاضل إلي مصرف ينصبّ إليه، فمؤونة ذلك المصرف علي جميعهم؛ لأنّهم يشتركون في الحاجة إليه و الانتفاع به، فكانت مؤونته عليهم كلّهم كأوّله.

مسألة 1180: إذا حصل نصيب إنسان من هؤلاء الشركاء في النهر المملوك في ساقية اختصّ بذلك الماء،

و كان له أن يسقي به ما شاء من الأرض، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، و له أن يعطيه من يسقي به - و به قال بعض الشافعيّة(6) - لأنّه ماء انفرد باستحقاقه، و خرج

ص: 416


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- حلية العلماء 518:5-519، البيان 437:7، العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 371:4، المغني 196:6-197، الشرح الكبير 201:6-202.
3- روضة القضاة 3310/559:2، بدائع الصنائع 192:6، الهداية - للمرغيناني - 105:4، حلية العلماء 519:5، البيان 437:7، العزيز شرح الوجيز 237:6، المغني 197:6، الشرح الكبير 202:6.
4- روضة القضاة 3311/560:2، بدائع الصنائع 192:6، الهداية - للمرغيناني - 105:4، حلية العلماء 519:5، البيان 437:7، المغني 197:6، الشرح الكبير 202:6.
5- العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 371:4.
6- حلية العلماء 517:5.

بدخوله في ساقيته عن حيّز الشركاء، و انتفي جواز تصرّفهم فيه، فكان له أن يسقي منه ما شاء، كما لو انفرد به من أصله.

و قال أكثر الشافعيّة: ليس له أن يسقي بمائه المختصّ به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا الماء، سواء كانت له أو لغيره؛ لدلالة ذلك علي أنّ لها سهما من هذا الماء، فربما جعل سقيها منه دليلا علي استحقاقها لذلك فيتضرّر الشركاء، كما لو كانت له دار بابها في درب لا ينفذ و دار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولي فأراد تنفيذ إحداهما إلي الأخري لم يجز؛ لأنّه يجعل لنفسه استطراقا من كلّ واحدة من الدارين(1).

و نمنع حكم الأصل، بل له فتح باب من إحدي الدارين إلي الأخري، بل رفع الحائط الحاجز بينهما. سلّمنا، لكن الفرق ظاهر؛ فإنّ الدار لا يستطرق منها إلي الدرب، و إنّما يستطرق إلي الأخري و من الأخري إلي الدرب، و هنا يحمل الماء في الساقية إليها فيصير لها رسم في الشّرب.

و لأنّ كلّ دار يخرج منها إلي درب مشترك؛ لأنّ الظاهر أنّ لكلّ دار سكّانا [فيجعل لسكّان كلّ واحدة منهما](2) استطراقا إلي درب غير نافذ لم يكن لهم حقّ في استطراقه، و هنا إنّما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشّرب من ساقيته لم يتضرّر بذلك أحد.

و لو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأراد أن يسقي بذلك الماءق.

ص: 417


1- المهذّب - للشيرازي - 436:1، حلية العلماء 517:5، البيان 436:7-437، المغني 192:6-193، الشرح الكبير 198:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أنّ لكلّ واحد منها». و المثبت كما في المغني 193:6، و الشرح الكبير 198:6، حيث يقتضيه السياق.

أرضا لا رسم لها في الشّرب من ذلك النهر، فالخلاف كما تقدّم.

و إن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك، جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشّرب منه إجماعا، فإن ضاق الماء قدّم الأسبق فالأسبق علي ما تقدّم.

إذا ثبت هذا، فلكلّ واحد من الشركاء أن يتصرّف في ساقيته المختصّة به بما أحبّ من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحي عليها أو دولاب أو عبّارة، و هي خشبة تمدّ علي طرفي النهر، أو قنطرة يعبر الماء فيها، و غير ذلك من التصرّفات؛ لأنّها ملكه لا حقّ لغيره فيها، بخلاف النهر المشترك، فإنّه ليس لأحد الشركاء فعل ذلك فيه إلاّ بإذن جميع أربابه.

و لو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل قسمته شيئا يسقي به أرضا في أوّل النهر أو في غيره، أو أراد إنسان غيرهم ذلك، لم يجز؛ لأنّهم صاروا أحقّ بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم، و لأنّ الأخذ من الماء ربما احتاج إلي تصرّف في حافّة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه و بين غيره.

و لو فاض ماء هذا النهر إلي ملك إنسان فهو مباح، كالطائر يعشعش في ملك إنسان.

و مذهب الشافعي(1) في ذلك كلّه كما قلناه.

و لو كان النهر مشتركا و قسّموا ماءه بالمهايأة إمّا بالأيّام أو بالساعات المضبوطة أو بمنازل القمر ليلا مع الضبط فحصل لأحدهم الماء في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا أو يؤثر به إنسانا أو يقرضه إيّاه علي وجه لا يتصرّف في حافّة النهر، جاز.6.

ص: 418


1- المغني 194:6، الشرح الكبير 200:6.

و علي قول الشافعيّة ينبغي المنع(1).

و لو أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر أو غيرها أو سأله إنسان أن يجري ماء له مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إيّاه في موضع آخر علي وجه لا يتضرّر النهر و لا يتضرّر به أحد، لم يجز - خلافا لبعض العامّة(2) - لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

مسألة 1181: النهر المشترك بين قوم بأعيانهم إذا تنازعوا في قدر أنصبائهم،

فالأقوي: الحكم بالتساوي فيه؛ لأنّه في أيديهم، و اليد تقضي بالملكيّة، و الأصل عدم التفاضل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجعل علي قدر الأراضي؛ لأنّ الظاهر أنّ الشركة بحسب الملك(3).

و كلّ أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية منه أو لم نجد لها شربا من موضع آخر حكمنا عند التنازع بأنّ لها منه شربا؛ قضاء للظاهر.

و إذا وجد نهر تسقي منه أراضي و لم يعلم أنّه حفر أو انخرق، حكم بكونه مملوكا؛ لأنّهم أصحاب يد و انتفاع، و اليد تقضي بالملكيّة ظاهرا، فلا يقدّم بعضهم علي بعض، و لو لم يكن مملوكا لزم التقدّم.

البحث الثاني: في المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص.
مسألة 1182: حفر البئر يقع علي وجوه:

الأوّل: حفر البئر في المنازل للمارّة.

ص: 419


1- كما في المغني 195:6، و الشرح الكبير 200:6.
2- المغني 195:6، الشرح الكبير 200:6.
3- العزيز شرح الوجيز 238:6، روضة الطالبين 371:4.

الثاني: الحفر في الموات علي قصد الارتفاق دون التملّك، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب منها و سقي الدوابّ.

الثالث: الحفر علي قصد التملّك.

الرابع: الحفر الخالي عن هذه القصود.

أمّا البئر المحفورة للمارّة فماؤها مشترك بينهم، و الحافر كأحدهم، و يجوز الاستقاء منها للشرب و سقي الزرع، فإن ضاقت عنهما فالشرب أولي.

و أمّا البئر المحفورة في الموات علي قصد الارتفاق دون التملّك و إنّما غرضه السقي منها ما دام مقيما عليها ثمّ يرتحل عنها فإنّ الحافر لا يملكها بذلك، و إنّما يملك الموات إذا قصد تملّكه بالإحياء.

إذا ثبت هذا، فالحافر أولي بمائها إلي أن يرتحل؛ لأنّه كالتحجير عليها، فإن انصرف عنها كان لغيره الاستقاء منها، و من سبق إليها كان أحقّ بها، كالمعادن الظاهرة، و ليس له منع ما فضل عنه عمّن يحتاج إليه للشرب إذا أراد الاستقاء منها بدلو نفسه، و لا منع مواشيه من الشرب منها؛ لما روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال: «من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة»(1).

و المراد أنّ الماشية إنّما ترعي بقرب الماء، فإذا منع من الماء فقد منع من الكلأ، و حازه لنفسه.

و له أن يمنع غيره من سقي الزروع به؛ لأنّ الحيوان أعظم حرمة، قاله بعض الشافعيّة(2).4.

ص: 420


1- أورده الماوردي في الأحكام السلطانيّة: 183، و الشيرازي في المهذّب 435:1، و البغوي في التهذيب 504:4.
2- نهاية المطلب 331:8، التهذيب - للبغوي - 506:4، العزيز شرح الوجيز 6: 239، روضة الطالبين 372:4.

و قال بعضهم: إنّه ليس له المنع من حيث إنّه لم يملكه، و الاختصاص إنّما يكون بقدر الحاجة(1).

و يعتبر في الفاضل الذي يجب بذله أن يفضل عن سقيه و مواشيه و مزارعه.

و إذا ارتحل المرتفق صارت البئر كالبئر المحفورة للمارّة، فإن عاد فهو كغيره.

و أمّا البئر المحفورة في الملك أو الموات للتملّك فهل يكون ماؤها مملوكا له ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: قيل: فيه وجهان، أحدهما: أنّه يملكه، و هو الصحيح، و الثاني: أنّه لا يملكه(2).

و للشافعيّة قولان كهذين:

أظهرهما: أنّه يملكه - و هو الذي نصّ عليه الشافعي في القديم، و حرملة - لأنّه نماء ملكه، فأشبه الثمرة و اللبن، و لأنّه معدن ظاهر، مثل سائر المعادن.

و الثاني: أنّه غير مملوك؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «الناس شركاء في ثلاثة:

الماء و النار و الكلأ»(3) و لأنّ من استأجر دارا كان له الانتفاع بماء بئرها، و لو كان مملوكا للمالك لم يكن له التصرّف فيه إلاّ بإذن المالك(4).

و الملازمة ممنوعة؛ لأنّه مأذون فيه بمقتضي العادة، و لأنّه لا ضرر فيه4.

ص: 421


1- نهاية المطلب 331:8، العزيز شرح الوجيز 239:6، روضة الطالبين 372:4.
2- المبسوط - للطوسي - 280:3.
3- تقدّم تخريجه في ص 381، الهامش (3).
4- الحاوي الكبير 506:7، التهذيب - للبغوي - 502:4-503، البيان 431:7، العزيز شرح الوجيز 239:6-240، روضة الطالبين 373:4.

علي مالكه؛ لأنّه يستخلف في الحال بالنبع، و ما لا ضرر عليه فليس له منعه منه، كالاستظلال.

و هذا الخلاف آت فيما إذا انفجرت عين ماء في ملكه هل يملك الماء أم لا؟(1).

و علي القول بأنّه غير مملوك لو نبع الماء من ملكه و خرج فأخذه إنسان، ملكه بالأخذ، و علي الثاني لا يملكه.

و لو دخل إنسان دار غيره و أخذ ماء من بئره، ففي ملكه الخلاف(2).

مسألة 1183: ماء البئر المملوكة أو العين المملوكة

- سواء قلنا: إنّه مملوك أو لا - المالك أحقّ به من غيره لسقي ماشيته و زرعه، و ليس لأحد مزاحمته فيه إجماعا.

أمّا لو فضل منه شيء عن حاجته فهل يجب عليه بذله لغيره المحتاج إليه في سقي(3) ماشيته و زرعه، أو لا؟ الوجه: أن نقول: إن قلنا بأنّه مملوك - و هو الحقّ عندنا - فلا يجب عليه بذله لغيره؛ إذ لا يجب علي الإنسان بذل ماله لغيره، لكنّه يستحبّ، و إن قلنا: إنّه غير مملوك، فالأقرب:

الوجوب؛ دفعا لحاجة الغير.

و أمّا العامّة فقد اختلفوا:

فقال الشافعي: إنّه يجب عليه بذله لغيره في سقي ماشيته إذا كان بقربه عشب لا يمكن الماشية رعيه إلاّ بشرب الماء، و لا يلزمه بذله لغيره في سقي زرعه - و به قال أبو حنيفة و مالك - لقوله عليه السّلام: «من منع فضل الماء

ص: 422


1- العزيز شرح الوجيز 240:6، روضة الطالبين 373:4.
2- العزيز شرح الوجيز 240:6، روضة الطالبين 373:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «لسقي» بدل «في سقي».

ليمنع به فضل الكلأ منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة»(1)(2).

و فيه أربعة أدلّة:

أ: إنّه لا يجب عليه بذل ما يحتاج إليه؛ لأنّه توعّده علي منع الفضل.

ب: إنّه خصّه بذلك الشرب؛ لأنّه بمنع الشرب يمنع من الرعي، فدلّ علي أنّه لا يجب لغيره.

ج: إنّه لا يجب عوضه؛ لأنّه لم يوجبه له.

د: إنّ ذلك واجب؛ لأنّه توعّد عليه بمنع الرحمة.

و قال أحمد في إحدي الروايتين: إنّه يلزمه لسقي زرع غيره، كالماشية؛ لأنّه مال يخاف عليه التلف لأجل العطش، وجب(3) بذل فضل الماء له، كالمواشي(4).

و قال بعض العامّة: يلزمه بذل ذلك بعوضه؛ لأنّ مالك العين إذا لزمه بذله(5) للحاجة استحقّ العوض، كالطعام يبذله للمضطرّ(6).4.

ص: 423


1- تقدّم تخريجه في ص 420، الهامش (1).
2- الحاوي الكبير 507:7، المهذّب - للشيرازي - 434:1-435، نهاية المطلب 329:8-330، الوسيط 234:4-235، حلية العلماء 515:5، التهذيب - للبغوي - 506:4، البيان 431:7، العزيز شرح الوجيز 240:6، روضة الطالبين 373:4، روضة القضاة 3287/555:2، بدائع الصنائع 189:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 206:3، الهداية - للمرغيناني - 103:4، الاختيار لتعليل المختار 101:3، عيون المجالس 1817:4-1283/1818.
3- الظاهر: «فوجب».
4- المغني 336:4، الشرح الكبير 175:6، حلية العلماء 516:5، العزيز شرح الوجيز 240:6.
5- الظاهر: «بذلها».
6- الحاوي الكبير 507:7، حلية العلماء 516:5، البيان 431:7، عيون المجالس 1283/1819:4.

و قال بعضهم: لا يجب بذله لسقي الماشية و لا لسقي الزرع، بل يستحبّ(1).

و فرّق الشافعيّة بين الماشية و الزرع: بثبوت الحرمة و انتفائها، و لهذا لا يجب علي صاحبه سقيه، بخلاف الماشية، فإنّ لها حرمة في نفسها، و يجب علي صاحبها سقيها(2).

و فرّقوا بين بذل الماء و الطعام: بأنّ الطعام يتلف مع بذله من غير استخلاف، فلهذا وجب فيه العوض، بخلاف الماء، فإنّه إذا بذله لم يتلف بالبذل، فإنّه قد يستخلف غيره(3).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجب علي مالك البئر بذل الدلو و لا الحبل و لا إعارتهما، و كذا البكرة، و غيرها؛ لأنّ ذلك يتلفها و الماء يستخلف.

و كذا لا يجب علي من حاز الماء في آنية أو مصنع و شبهه بذله للغير، سواء استغني مالكه عنه أو لا، و سواء فضل عن حاجته شيء أو لا بلا خلاف.

و اعلم أنّه لا فرق بين البئر و العين و القناة فيما ذكرناه.

و شرط بعض الشافعيّة(4) لوجوب البذل شروطا:

الأوّل: أن لا يجد صاحب المواشي كلأ مباحا.

الثاني: أن يكون هناك كلأ يرعي، و إلاّ لم يجب.3.

ص: 424


1- الحاوي الكبير 507:7، المهذّب - للشيرازي - 435:1، حلية العلماء 5: 516، التهذيب - للبغوي - 506:4، البيان 431:7، العزيز شرح الوجيز 6: 240، روضة القضاة 3288/555:2، عيون المجالس 1818:4-1283/1819.
2- الحاوي الكبير 508:7، المهذّب - للشيرازي - 435:1، البيان 432:7.
3- الحاوي الكبير 508:7، المهذّب - للشيرازي - 435:1، الوسيط 235:4، التهذيب - للبغوي - 506:4.
4- الماوردي في الأحكام السلطانيّة: 183.

و في هذا الشرط لهم وجهان.

الثالث: أن يكون الماء في مستقرّه، فأمّا المأخوذ في الإناء فلا يجب بذله و إن فضل عن [حاجته](1)(2).

و هل البذل لعابري السبيل و لمواشيهم خاصّة، أو يندرج فيه من أراد الإقامة في الموضع ؟ وجهان؛ لأنّه لا ضرورة إلي الإقامة(3).

و حكي بعض الشافعيّة وجهين في أنّه هل يجب البذل للرّعاة كما [أنّه](2) يجب للمواشي؛ لأنّها لا تستقلّ بنفسها، فالمنع منهم يتضمّن(3) المنع منها؟(6).

و استبعدوه؛ لأنّ البذل لسقاة الناس رعاة كانوا أو غيرهم أولي من البذل للمواشي، إلاّ أن ينظر إلي أنّ منع المواشي يتضمّن الاستئثار بالكلأ المباح أو بضيعة(7).

علي أنّ الجويني نقل وجهين في المنع من الشرب علي الإطلاق(8).

و إذا قلنا: إنّ الماء مملوك - و هو المعتمد عندنا - فإذا أوجبنا البذل فهل يجوز أن يأخذ عليه عوضا؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كالمضطرّ يطعم بالعوض.

و أصحّهما عند الشافعيّة: المنع(4) ؛ لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله من النهي4.

ص: 425


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صاحبه». و المثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح. (2الي3) العزيز شرح الوجيز 240:6، روضة الطالبين 373:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّها». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «يقتضي» بدل «يتضمّن». (6الي8) العزيز شرح الوجيز 240:6، روضة الطالبين 373:4.
4- العزيز شرح الوجيز 240:6-241، روضة الطالبين 373:4.

عن بيع الماء(1).

مسألة 1184: لو حفر البئر و لم يقصد التملّك و لا غيره،

فالأقوي:

اختصاصه به؛ لأنّه قصد بالحفر أخذ الماء، فيكون أحقّ، و هنا ليس له منع المحتاج عن الفاضل عنه لا في شرب الماشية و لا الزرع، و يكون التوصّل إلي الماء مفيدا للاختصاص و إن لم يقصد، كما أنّ الإحياء قد يفيد الملك و إن لم يقصد، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأظهر عندهم: أنّه لا اختصاص لماء البئر به، و الناس فيه كلّهم سواء(2).

مسألة 1185: حكم القنوات حكم الآبار في جميع ما تقدّم من الأحكام.

و متي اشترك المتملّكون في الحفر اشتركوا في الملك إمّا كما اخترناه من أنّ الملك يثبت لهم علي حسب اشتراكهم في العمل و النفقة عليه، و إمّا علي حسب الارتفاق - علي ما قال به بعض العامّة(3) - كما تقدّم في النهر المملوك.

و لهم قسمة الماء بأن تنصب خشبة مستوية الأعلي و الأسفل في عرض النهر، و يفتح فيها ثقب متساوية أو متفاوتة علي قدر حقوقهم.

و يجوز تساوي الثّقب مع تفاوت الحقوق بأن يأخذ [صاحب الثلث ثقبة، و](4) صاحب الثلثين اثنتين ثمّ يسوق كلّ واحد منهما نصيبه(5) في

ص: 426


1- مسند أحمد 14428/326:4، و 15018/428، و 16785/127:5، صحيح مسلم 35/1197:3، سنن الترمذي 1271/571:3، سنن النسائي (المجتبي) 7: 307، المعجم الكبير - للطبراني - 269:1-782/270 و 783، المستدرك - للحاكم - 44:2 و 61.
2- العزيز شرح الوجيز 241:6، روضة الطالبين 374:4.
3- العزيز شرح الوجيز 241:6، روضة الطالبين 374:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «حصّته» بدل «نصيبه».

ساقية إلي أرضه، و له أن يدير رحي علي ما صار إليه في ساقيته.

و لا يشقّ واحد منهم ساقية قبل المقسم، و لا ينصب عليه رحي.

و لهم الاقتسام بالمهايأة، و قد يكون الماء قليلا لا ينتفع به إلاّ كذلك، و لكلّ منهم الرجوع في المهايأة، كما قلنا في النهر.

و قال بعض الشافعيّة: لا تصحّ القسمة بالمهايأة؛ لأنّ الماء يزيد و ينقص، و فائدة السقي تختلف باختلاف الأيّام(1).

و قال بعضهم: إنّه تصحّ القسمة، و تكون لازمة لا يصحّ لأحدهم الرجوع فيها، ليثق كلّ واحد منهما بالانتفاع(2).

تذنيب: الذين يسقون أراضيهم من الأودية المباحة لو تواضعوا علي مهايأة و جعلوا للأوّلين أيّاما و للآخرين أيّاما جاز، و كان ذلك رضا من الأوّلين بتقديم الآخرين، و مسامحة غير لازمة، و يشبه ذلك ما إذا وهبت الضرّة نوبتها من الضرّة، و كلّ من رجع من الأوّلين كان له سقي أرضه.

خاتمة تتعلّق ببيع الماء.

الماء إن كان قد أحازه أحد في حبّ له أو جرّة أو كوز أو بركة أو مصنع أو غير ذلك ملكه بالإجماع، و جاز بيعه بلا خلاف، إلاّ في وجه للشافعيّة ضعيف عندهم(3).

و يجب أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن، سواء كان في آنية أو مصنع أو بركة.

و عند الشافعيّة يشترط في بيعه إذا كان في مصنع و شبهه أن يكون عمقه معلوما، و إن كان في بئر ينبع الماء منها أو قناة كذلك لم يجز بيعه4.

ص: 427


1- العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 374:4.
2- العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 374:4.
3- العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 375:4.

بأسره؛ لجهالته، و لامتزاجه بغيره ممّا ينبع شيئا فشيئا، و لا يمكن التسليم(1).

و لو باع منه أصواعا معلومة، فإن كان جاريا كالقناة لم يصح أيضا؛ إذ لا يمكن ربط العقد بقدر مضبوط؛ لعدم وقوفه.

و إن لم يكن جاريا كماء البئر، فالوجه: الجواز - و به قال بعض الشافعيّة(2) - كما لو باع [صاعا](3) من صبرة.

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه يزيد فيختلط المبيع بغيره(4).

قال بعضهم: الحقّ الأوّل، كما لو باع [صاعا](5) من صبرة، و الزيادة قليلة، فصار كبيع القتّ في الأرض بشرط القطع(6).

و يمكن الفرق بأنّ زيادة العين الفوّارة لا تشبّه بماء الزرع الحاصل علي التدريج.

و يمكن أن يقال: المبيع ليس جملة الماء حتي يقال: إذا زاد اختلط المبيع بغير المبيع و يتعذّر التسليم، و إنّما المبيع أصواع منه، و بالزيادة لا يتعذّر تسليم الآصع، كما لو باع صاعا من صبرة و صبّ عليها صبرة أخري، فإنّ البيع بحاله إذا قلنا: إنّ المبيع صاع من الجملة و يبقي المبيع4.

ص: 428


1- العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 375:4.
2- التهذيب - للبغوي - 503:4، العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 4: 375.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- التهذيب - للبغوي - 503:4، العزيز شرح الوجيز 242:6، روضة الطالبين 4: 375.
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
6- التهذيب - للبغوي - 503:4، العزيز شرح الوجيز 242:6-243، روضة الطالبين 375:4.

ما بقي صاع.

و يحتمل المنع هنا؛ لأنّ صاعا من صبرة مغاير لصاع من صبرة صبّ عليها بعد العقد صبرة أخري.

و لو باع الماء مع قراره، فإن كان جاريا فقال: بعتك هذه القناة مع مائها، أو لم يكن جاريا و قلنا: إنّ الماء لا يملك، لم يجز البيع في الماء، و أمّا في القرار فيجوز.

و للشافعيّة قولان مبنيّان علي تفريق الصفقة(1).

و إن قلنا: إنّه يملك، جاز.

و لو باع بئر الماء و أطلق أو باع دارا فيها بئر ماء جاز.

ثمّ إن قلنا: إنّ الماء يملك، فالموجود وقت البيع يبقي للبائع، و ما يحدث يكون للمشتري، فحينئذ لا يصحّ البيع عند بعض الشافعيّة حتي يشترط أنّ الماء الظاهر للمشتري، و إلاّ يختلط الماءان، و ينفسخ البيع(2).

و إن قلنا: إنّه لا يملك، فقد أطلق الشافعيّة القول بأنّ المشتري أحقّ بذلك الماء(3).

و ليحمل علي ما ينبع بعد البيع، فأمّا ما نبع قبله فلا معني لصرفه إلي المشتري.

و لو باع جزءا شائعا من البئر أو القناة جاز، و النابع مشترك بينهما إمّا اختصاصا مجرّدا أو ملكا.5.

ص: 429


1- التهذيب - للبغوي - 504:4، العزيز شرح الوجيز 243:6، روضة الطالبين 4: 375.
2- العزيز شرح الوجيز 243:6، روضة الطالبين 375:4.
3- التهذيب - للبغوي - 504:4، العزيز شرح الوجيز 243:6، روضة الطالبين 4: 375.

و اعلم أنّ جماعة منعوا من بيع الماء المملوك إلاّ إذا كان محرزا في آنية و شبهها؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله نهي عن بيع فضل الماء(1).

و الحقّ جوازه؛ لأنّها عين مملوكة تقبل النقل بعقد البيع، كغيرها من المملوكات، فكان البيع فيها سائغا كغيرها.

و لما رواه سعيد الأعرج - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له الشّرب مع قوم في قناة فيها شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع شربه ؟ قال: «نعم إن شاء باعه بورق، و إن شاء بكيل حنطة»(2).

و في الصحيح عن عبد اللّه الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام - و أنا عنده - عن قناة بين قوم لكلّ واحد منهم شرب معلوم، فاستغني رجل منهم عن شربه أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال: «يبيعه بما شاء، هذا ممّا ليس فيه شيء»(3).

و الذي رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام: «أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله نهي عن النطاف و الأربعاء، قال: و الأربعاء: أن تسنّي مسنّاة فتحمل الماء و تسقي به الأرض ثمّ تستغني عنه، قال: فلا تبعه و لكن أعره جارك، و النطاف: أن يكون له الشّرب فيستغني عنه، فيقول: لا تبعه، أعره أخاك و جارك»(4) يحمل النهي فيه علي الكراهة؛ جمعا بين الأدلّة.3.

ص: 430


1- مسند أحمد 14229/295:4، و 14234/296، صحيح مسلم 1565/1197:3، سنن ابن ماجة 2477/828:2، سنن أبي داود 3478/278:3، سنن النسائي (المجتبي) 307:7، المستدرك - للحاكم - 61:2، السنن الكبري - للبيهقي - 15:6.
2- الكافي 1/277:5، التهذيب 616/139:7، الاستبصار 376/106:3.
3- التهذيب 139:7-617/140، الاستبصار 377/107:3.
4- التهذيب 618/140:7، الاستبصار 378/107:3.

الفصل الثاني: في شرائط الإحياء و هي خمسة:

اشارة

الأوّل: أن لا يكون علي الأرض يد مسلم؛ لأنّ ذلك يمنع من إحياء الأرض لغير المتصرّف، و لو اندرست العمارة لم يجز إحياؤها؛ لأنّها ملك لمعيّن علي خلاف تقدّم(1).

الثاني: أن لا يكون حريما للعامر، فإنّ حريم المعمور كنفس المعمور لا يملك بالإحياء، كما لا يملك المعمور؛ لأنّ مالك المعمور استحقّ باستحقاقه المواضع التي هي من مرافقه، كالطريق، فإنّه لا يجوز لأحد أخذ طريق يسلك فيه المالك إلي عمارته؛ لما فيه من التضرّر المنفيّ بالإجماع.

و كذا الشّرب و حريم العين و ما شابه ذلك من مسيل ماء العامر و طرقه و مطرح قمامته و ملقي ترابه و آلاته و كلّ ما يتعلّق بمصالحه.

و لا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار أنّ كلّ ما يتعلّق بمصالح العامر ممّا تقدّم أو بمصالح القرية كفنائها و مرعي ماشيتها و محتطبها و طرقها و مسيل مياهها لا يصحّ لأحد إحياؤه، و لا يملك بالإحياء.

و كذا حريم الآبار و الأنهار و الحائط و العيون و كلّ مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلّق بمصالحه؛ لقوله عليه السّلام: «من أحيا أرضا ميتة في غير حقّ [مسلم] فهي له»(2) مفهومه أنّ ما يتعلّق به حقّ مسلم لا يملك بالإحياء، و لأنّا لو جوّزنا إحياءه لبطل الملك في العامر علي أهله.

ص: 431


1- في ص 362 و ما بعدها، المسألة 1148.
2- تقدّم تخريجه في ص 359، الهامش (6).

هذا ممّا لا خلاف فيه، إنّما الخلاف في أنّ مالك العامر هل يملك الحريم الذي له، أو يكون أولي و أحقّ به من غيره و ليس بمالك ؟

فقال بعضهم: إنّه يملك كما يملك العامر - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه مكان استحقّه بالإحياء فملك(2) كالمحيا، و لأنّ معني الملك موجود [فيه](3) لأنّه يدخل مع المعمور في بيع المعمور، فإنّ من باع دارا دخل فيها الطريق و غيره من حقوقها، و لأنّه ليس لغيره إحياؤه و لا الاعتراض فيها، و لأنّ الشفعة تثبت بالشركة في الطريق المشترك، و هو يدلّ علي أنّه مملوك.

و قال بعضهم: إنّه غير مملوك لمالك العامر؛ لأنّ الملك يحصل بالإحياء و لم يوجد فيها إحياء(4).

و ليس بجيّد؛ لمنع المقدّمتين، فإنّ عرصة الدار تملك ببناء الدار و إن لم يوجد في نفس العرصة إحياء، و لأنّ الإحياء تارة يكون بجعله معمورا، و تارة يكون بجعله تبعا للمعمور.

و علي القول بأنّه لا يكون مملوكا لمالك العامر ليس له بيع الحريم منفردا.4.

ص: 432


1- الحاوي الكبير 488:7، حلية العلماء 500:5، التهذيب - للبغوي - 490:4، البيان 410:7، العزيز شرح الوجيز 212:6، روضة الطالبين 348:4، المغني 169:6، الشرح الكبير 170:6.
2- الظاهر: «فملكه».
3- بدل ما بين المعقوفين في صريح الطبعة الحجريّة و ظاهر النّسخ الخطّيّة: «ألبتة». و المثبت كما في المغني 169:6، و الشرح الكبير 171:6.
4- البيان 410:7، العزيز شرح الوجيز 212:6، روضة الطالبين 348:4.

و علي الأوّل فكذلك أيضا، قاله أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(1) ، كما لو باع شرب الأرض وحده.

و الأقرب: الجواز.

و لو حفر اثنان بئرا علي أن تكون نفس البئر لأحدهما و للآخر حريمها، لم يجز، و كان الحريم لصاحب البئر و للآخر أجرة عمله.

و أمّا ما قرب من العامر و لم يتعلّق به مصلحة العامر فإنّه يجوز إحياؤه - و هو إحدي الروايتين عن أحمد(2) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق(3) ، و هو يعلم أنّه بين عمارة المدينة، و لأنّه موات لم يتعلّق به مصلحة العامر، فجاز إحياؤه، كالبعيد.

و الرواية الثانية عنه: أنّه لا يجوز إحياؤه - و به قال أبو حنيفة و الليث ابن سعد - لأنّه في مظنّة تعلّق المصلحة [به](4) فإنّه يحتمل أن يحتاج إلي فتح باب في حائطه إلي فنائه و يجعله طريقا، أو يخرب حائطه فيضع آلات البناء [في فنائه](5) و غير ذلك، فلم يجز تفويت ذلك عليه، بخلاف البعيد(6).

و ليس بشيء؛ إذ لا يمنع المحتاج من توهّم الحاجة.3.

ص: 433


1- العزيز شرح الوجيز 212:6، روضة الطالبين 348:4.
2- المغني 169:6، الشرح الكبير 171:6.
3- الأموال - لأبي عبيد -: 679/287.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
6- المغني 169:6، الشرح الكبير 171:6، مختصر القدوري: 140، روضة القضاة 3225/543:2، الفقه النافع 1064/1309:3، الهداية - للمرغيناني - 4: 100، الاختيار لتعليل المختار 96:3.

فعلي قول [أحمد](1) لا حدّ يفصل بين القريب و البعيد سوي العرف(2).

و قال أبو حنيفة: حدّ البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه و صاح بأعلي صوته لم يسمع المصغي إليه(3).

و قال الليث: حدّه غلوة، و هو خمس خمس الفرسخ(4).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ التحديد لا يعرف إلاّ بالتوقيف، و لا يعرف بالرأي و التحكّم، و لم يرد من الشرع بذلك(5) تحديد، فوجب الرجوع فيه إلي العرف، كالقبض و الإحراز.

و قولهما تحكّم بغير دليل، و ليس بأولي من تحديده بشيء آخر، و هذا التحديد يختصّ(6) بما قرب من المصر و القرية، و لا يجوز أن يكون حدّا لكلّ ما قرب من عامر؛ لأنّه يفضي إلي أنّ من أحيا أرضا في موات حرم إحياء شيء من ذلك الموات علي غيره ما لم يخرج عن ذلك الحدّ، و سيأتي تفصيل الحريم إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: أن لا يكون مشعرا للعبادة بوضع الشارع، كعرفة و مني و المشعر؛ لأنّ الشارع وضعها موطنا للعبادة، و في تسويغ تملّكها تفويت».

ص: 434


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبي حنيفة». و ذلك سهو.
2- المغني 169:6، الشرح الكبير 171:6.
3- تحفة الفقهاء 322:3، الفقه النافع 1063/1307:3، الهداية - للمرغيناني - 4: 98، الاختيار لتعليل المختار 95:3، البيان 412:7، المغني 169:6، الشرح الكبير 171:6.
4- المغني 169:6، الشرح الكبير 171:6.
5- في «ر»: «في ذلك».
6- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «مختصّ».

هذا الغرض، و منافاة لهذه المصلحة.

و للشافعيّة قولان في أنّه هل تملك أراضي عرفة بالإحياء كسائر البقاع، أم لا؟ لتعلّق حقّ الوقوف بها، و علي تقدير القول بالملك ففي بقاء حقّ الوقوف فيما ملك وجهان، و علي القول ببقائه فهل يبقي مع اتّساع الباقي، أم مع ضيقه عن الحجيج ؟ وجهان(1).

و ذكر [الغزالي](2) ثلاثة أوجه في المسألة، ثالثها: الفرق بين أن يضيق الموقف فيمنع، و بين أن لا يضيق فلا يمنع(3).

و المنع المطلق أشبه عندهم بالمذهب؛ لأنّه كالمواضع التي تعلّق بها حقّ المسلمين عموما أو خصوصا، كالمساجد و الطّرق و الرّبط في الطّرق و المواضع التي يصلّي فيها للعيد خارج الأمصار و البقاع الموقوفة علي معيّن أو غير معيّن(4).

الرابع: أن لا يكون قد سبق إليه من حجّره، فإنّ التحجير عندنا لا يفيد الملك، بل الأولويّة و الأحقّيّة، لا ملكا للرقبة و إن ملك به التصرّف، و الشارع في إحياء الموات متحجّر ما لم يتمّه، و سيأتي بيان الإحياء و التحجير إن شاء اللّه تعالي.

إذا عرفت هذا، فقد قلنا: إنّ التحجير لا يفيد الملك؛ لأنّ سبب الملك عندنا تمليك الإمام له؛ لأن الموات قد بيّنّا أنّه للإمام خاصّة، و عند4.

ص: 435


1- العزيز شرح الوجيز 216:6-217، روضة الطالبين 351:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الجويني». و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
3- الوجيز 242:1، الوسيط 221:4-222، و عنه في العزيز شرح الوجيز 6: 217، و روضة الطالبين 351:4-352.
4- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.

العامّة سبب الملك إنّما هو الإحياء و لم يوجد(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ التحجير يفيد التملّك(2).

و المشهور: أنّه يفيد الأولويّة؛ لأنّ الإحياء إذا أفاد الملك وجب أن يفيد الشروع فيه الأحقّيّة، كالاستيام مع الشراء، و أيضا فليأمن من يقصد الإحياء بالشروع في العمارة.

و لا ينبغي أن يزيد المحجّر علي قدر كفايته و يضيّق علي الناس، و لا أن يحجّر ما لا يمكنه القيام بعمارته، فإن فعل ألزمه الحاكم بالعمارة أو التخلّي عن الزيادة فيسلّمها إلي من يقوم بعمارتها.

و كذا لو ترك المحجّر الإحياء، ألزمه الحاكم بالعمارة أو الترك؛ لما وجد في كتاب عليّ عليه السّلام قال: «و إن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها»(3).

و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و قال آخرون: ليس لأحد أخذ الزيادة؛ لأنّ ذلك القدر غير متعيّن(5).

مسألة 1186: إذا حجّر أرضا من الموات،

فقد قلنا: إنّه يصير أولي و أحقّ و إن لم يكن مالكا لها.

و ينبغي له أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير حذرا من التعطيل، فإن طالت المدّة و لم يحي أمره السلطان بأحد أمرين: إمّا العمارة، أو رفع يده ليتصرّف غيره فيها فينتفع بها، فإنّ عمارتها منفعة لدار الإسلام.

ص: 436


1- العزيز شرح الوجيز 217:6.
2- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 354، الهامش (2).
4- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.
5- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 352:4.

فإن ذكر عذرا في التأخير، مثل: إباق عبده، أو احتياجه إلي إصلاح آلته، أمهله السلطان ليعمرها، و إن لم يذكر عذرا ألزمه إمّا بالعمارة أو برفع اليد عنها حتي يعمرها غيره.

فإن طلب التأخير من السلطان و المهلة عليه، أملهه مدّة قريبة يستعدّ فيها للعمارة.

و لا تتقدّر تلك المدّة بقدر، بل بحسب ما يراه السلطان، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و في الثاني: أنّها تتقدّر بثلاثة أيّام(2).

و ليس شيئا؛ لعدم دليل عليه.

فإذا مضت مدّة الإمهال و لم يشتغل بالعمارة، بطل حقّه.

و ليس لطول المدّة الواقعة بعد التحجير حدّ معيّن، و إنّما الرجوع فيه إلي العادة.

و قال أبو حنيفة: مدّة التحجير ثلاث سنين ما لم يطالب فيها بالعمارة، فإذا مضت و لم يشتغل بالعمارة بطل حقّه(3).

فإذا بادر إنسان إلي عمارتها و أحياها ملكها، و بطل حقّ المحجّر.

و لو كان للمحجّر عذر في التأخير عن العمل و كان حقّه بعد باقيا فبادر غيره و أحيا ما حجّره الأوّل، ففي ثبوت الملك إشكال.6.

ص: 437


1- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 353:4.
2- العزيز شرح الوجيز 217:6، روضة الطالبين 353:4.
3- مختصر القدوري: 140، المبسوط - للسرخسي - 167:23-168، روضة القضاة 3275/553:2، الفقه النافع 1064/1308:3، بدائع الصنائع 195:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 219:3، الهداية - للمرغيناني - 4: 99، الاختيار لتعليل المختار 96:3، الحاوي الكبير 490:7، العزيز شرح الوجيز 218:6.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه.

أصحّها عندهم: أنّ الثاني يملك؛ لأنّه حقّق سبب الملك و إن كان ممنوعا منه، فأشبه ما إذا دخل في سوم غيره و اشتري، و لأنّ المحجّر يستحقّ التملّك، و ذلك لا يمنع من ثبوت الملك لغيره؛ لوجود سبب الملك، كما أنّ الشفيع استحقّ أن يتملّك الشقص، و إذا باعه المشتري صحّ البيع.

و الثاني: لا يملك؛ لئلاّ يبطل حقّ المحجّر، و لأنّه أحيا في حقّ غيره فلم يملكه، كما لو أحيا في مرافق غيره، بخلاف بيع المشتري؛ لما فيه من الشفعة؛ لأنّه لا يؤدّي إلي إبطال الشفعة، و هنا يبطل حقّ غيره.

و الثالث: أنّه يفرّق بين أن ينضمّ إلي المحجّر إقطاع السلطان فلا يملك المحيي، و بين أن لا ينضمّ فيملك(1).

و فرّق الجويني بين أن يأخذ في العمارة فلا يملك المبتدر إلي الإحياء، و بين أن يكون المتحجّر برسم خطّ و نحوه فيملك(2).

مسألة 1187: لو باع المتحجّر ما تحجّره قبل أن يخصّه،

لم يصح بيعه؛ لأنّه لا يملكه بالتحجير.

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ له حقّا فيه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يصحّ، فإنّ حقّ التملّك لا يصحّ بيعه، و لهذا لا يصحّ بيع الشفيع قبل الأخذ بالشفعة.

و الثاني: أنّه يصحّ؛ لأنّه أحقّ من غيره، فكأنّه يبيع حقّ

ص: 438


1- نهاية المطلب 298:8، الوسيط 222:4، العزيز شرح الوجيز 218:6، روضة الطالبين 353:4.
2- نهاية المطلب 298:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 218:6.

الاختصاص(1).

فعلي الصحّة لو باعه المتحجّر فجاء آخر غير المشتري فأحياه قبل أن يحييه المشتري و قلنا: إنّه يملك، لم يسقط الثمن عن المشتري؛ لحصول التلف بعد القبض، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال آخرون: يسقط(3).

مسألة 1188: لو حجّر إنسان علي أرض موات،

صار أولي من غيره علي ما تقدّم(4) ، فإن أهمل عمارتها حتي زالت آثاره بطلت الأولويّة، و عادت الأرض مواتا.

و لو طال زمان الإهمال و لم يرفع الأمر إلي السلطان و لا خاطبه بشيء، قيل: تبطل الأولويّة أيضا؛ لأنّ التحجير [لا يعتبر](5) ممّن لا يتمكّن من تهيئة الأسباب، كفقير متحجّر منتظرا القدرة عليها، و لا من متمكّن متحجّر ليعمره في السنة القابلة، فإذا أخّر و طالت المدّة عاد الموات كما كان(6).

و قيل: لا يبطل حقّه ما لم يرفع الأمر إلي السلطان و يخاطبه بالترك(7).

ص: 439


1- الحاوي الكبير 489:7-490، المهذّب - للشيرازي - 432:1، نهاية المطلب 301:8، الوسيط 222:4-223، حلية العلماء 504:5-505، التهذيب - للبغوي - 495:4، البيان 416:7-417، العزيز شرح الوجيز 218:6، روضة الطالبين 353:4.
2- الحاوي الكبير 490:7، حلية العلماء 505:5، العزيز شرح الوجيز 6: 218، روضة الطالبين 353:4.
3- الحاوي الكبير 490:7، حلية العلماء 505:5، العزيز شرح الوجيز 6: 218، روضة الطالبين 353:4.
4- في ص 435 و 436.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
6- نهاية المطلب 298:8-299، العزيز شرح الوجيز 218:6-219، روضة الطالبين 353:4.
7- العزيز شرح الوجيز 219:6، روضة الطالبين 353:4.
مسألة 1189: التحجير يفيد الأولويّة علي ما تقدّم

(1) ، و لا يثمر ملك الرقبة و إن ملك به التصرّف حتي لو تهجّم عليه من يريد إحياءه كان له منعه، فإن قاهره و أحياه لم يملكه المحيي ما لم يرفع السلطان يد المتحجّر عنها أو يأذن له في الإحياء.

و يجوز للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و الأئمّة عليهم السّلام أن يحجّروا لأنفسهم كغيرهم، بل الموات عندنا للإمام عليه السّلام.

الخامس: أن لا يكون مقطعا من الإمام، فإنّ لإقطاع الإمام مدخلا في الموات، بل عندنا أنّه هو المالك للموات، فيجوز للإمام أن يقطع غيره(2) أرضا من الموات خالية من التحجير لمن يحييها، و يصير المقطع أولي.

و يفيد الإقطاع التخصيص و الأحقّيّة كالتحجير، و يمنع الغير من المزاحمة له، و لا يصحّ رفع هذا الاختصاص بالإحياء.

و قد أقطع النبيّ صلّي اللّه عليه و اله وائل بن حجر أرضا بحضرموت(3).

و روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أقطع الدّور(4).

و أقطع الزبير حضر فرسه - يعني عدوه - ما جري، فلمّا قام الفرس رمي بسوطه، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «اقطعوا له مرمي سوطه»(5).

ص: 440


1- في ص 435 و 436.
2- الظاهر زيادة: «غيره».
3- سنن أبي داود 3058/173:3، سنن الترمذي 1381/665:3، المعجم الكبير - للطبراني - 12/13:22، السنن الكبري - للبيهقي - 144:6.
4- سنن أبي داود 3060/173:3، المعجم الكبير - للطبراني - 10534/274:10، السنن الكبري - للبيهقي - 145:6، العزيز شرح الوجيز 216:6 و 219.
5- سنن أبي داود 177:3-3072/178، السنن الكبري - للبيهقي - 144:6، العزيز شرح الوجيز 219:6، المغني 182:6، الشرح الكبير 189:6.

و روي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله دعا الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا:

يا رسول اللّه إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها(1).

و فائدة الإقطاع مصير المقطع أحقّ بإحيائه، كالمتحجّر.

و إذا طالت المدّة و لم يحيه المقطع أو أحياه غيره، فعند الشافعيّة يكون الحكم كما تقدّم في المتحجّر(2).

و قال مالك: إن أحياه عالما بالإقطاع كان ملكا للمقطع، و إن أحياه غير عالم بالإقطاع فالمقطع بالخيار بين أن يأخذه و يغرم للمحيي ما أنفق عليه في العمارة، و بين أن يتركه علي المحيي و يأخذ منه قيمة الموات قبل العمارة(3).

و قال أبو حنيفة: إن أحياه قبل ثلاث سنين فهو للمقطع، و إن أحياه بعدها فللمحيي(4).

و لا ينبغي أن يقطع الإمام إلاّ من يقدر علي الإحياء و بقدر ما يقدر عليه.

مسألة 1190: الأحكام التي تتعلّق بالموات ثلاثة:

إحياء، و حمي، و إقطاع.

فالإحياء قد سبق.

و الإقطاع قسمان:

إقطاع الموات للتمليك، و قد سبق.

ص: 441


1- صحيح البخاري 150:3، و 119:4، مسند أحمد 12295/647:3، السنن الكبري - للبيهقي - 145:6، و 131:10، المغني 182:6، الشرح الكبير 6: 189.
2- العزيز شرح الوجيز 219:6، روضة الطالبين 354:4.
3- الحاوي الكبير 482:7، العزيز شرح الوجيز 219:6.
4- الحاوي الكبير 482:7، العزيز شرح الوجيز 219:6.

و الثاني: إقطاع إرفاق، و هو أن يقطعه موضعا يجلس فيه من الطريق الواسعة و رحاب الجوامع و مقاعد الأسواق.

و يجوز ذلك إذا لم يضرّ بالمارّة و المصلّين؛ لأن ذلك لمرافق المسلمين و الجالس يرتفق بذلك ببيع و شراء و غير ذلك.

و اختلفت الشافعيّة في أنّه هل لإقطاع الإمام فيه مدخل ؟ علي وجهين:

أحدهما: أنّه لا مدخل له في هذا الارتفاق؛ لأنّه ينتفع بها علي صفتها من غير عمل، فأشبهت المعادن الظاهرة، و لأنّه لا مدخل للتملّك فيه، و لا معني للإقطاع، بخلاف الموات.

و الثاني: أنّ له مدخلا فيه؛ لأنّ للإمام نظرا و اجتهادا في أنّ الجلوس في المواضع هل هو مضرّ أم لا، و لهذا يزعج من جلس إذا رأي جلوسه مضرّا، و إذا كان للاجتهاد فيه مدخل فكذا لإقطاعه(1).

إذا عرفت هذا، فقد قال بعض الشافعيّة: إنّ للإمام أن يتملّك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق(2).

السادس: أن لا يكون قد حماه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله.

و المراد من الحمي أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها، و يمنع سائر الناس من الرعي فيها.

و الحمي قد كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله لخاصّ نفسه و للمسلمين؛ لما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا حمي إلاّ للّه و لرسوله»(3). -

ص: 442


1- العزيز شرح الوجيز 223:6، روضة الطالبين 359:4.
2- العزيز شرح الوجيز 223:6، روضة الطالبين 359:4.
3- مسند أحمد 15990/624:4، و 16221/21:5، صحيح البخاري 148:3، -

و لكنّه عليه السّلام لم يحم لنفسه، و إنّما حمي النقيع - بالنون - لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين في سبيل اللّه(1).

و عندنا أنّ للإمام أن يحمي لنفسه و لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين علي حدّ ما كان للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله، و أمّا غيرهما من آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم و لا لغيرهم؛ لقوله عليه السّلام: «لا حمي إلاّ للّه و لرسوله»(2)كما في الأم 47:4، و مختصر المزني: 131، و نهاية المطلب 289:8، و العزيز شرح الوجيز 220:6، و المغني 185:6، و الشرح الكبير 202:6 - 203.(3).

و إنّما قصد به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله منع العامّة من الحمي، و ذلك لأنّ العزيز من العرب كان إذا انتجع بلدا مخصبا وافي بكلب علي جبل إن كان به، أو علي نشز إن لم يكن به جبل، ثمّ استعوي الكلب و وقف له من كلّ ناحية من يسمع صوته بالعواء، فحيث انتهي صوته حماه من كلّ ناحية لنفسه، و يرعي مع العامّة فيما سواه، فنهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله عن ذلك(4) ؛ لما فيه من التضييق علي الناس.

و أمّا الأئمّة عليهم السّلام فقد قلنا: إنّهم عندنا في ذلك بمنزلة النبيّ صلّي اللّه عليه و اله.

و منع الشافعي من تجويز الحمي لخاصّ نفسه، فإن حمي لنفسه3.

ص: 443


1- الكافي 5/277:5، التهذيب 625/141:7، الأموال - لأبي عبيد -: 309، مسند أحمد 6402/332:2، السنن الكبري - للبيهقي - 146:6، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 4683/538:10، الطبقات الكبري - لابن سعد - 11:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 442، الهامش
3- .
4- - سنن أبي داود 3083/180:3، المعجم الأوسط - للطبراني - 4669/133:5، المعجم الكبير - له أيضا - 96:8-7426/97-7428، سنن الدارقطني 4: 122/238، المستدرك - للحاكم - 61:2، السنن الكبري - للبيهقي - 146:6.

لم يكن له ذلك(1).

و إن أراد أن يحمي للمسلمين فقولان:

أحدهما: ليس له ذلك؛ لقوله عليه السّلام: «لا حمي إلاّ للّه و لرسوله»(2)ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز، وفاقا لما في بقيّة المصادر.(3) و لأنّه لا يحمي لنفسه فلا يحمي لغيره، كالعامّة.

و نقول بموجب الحديث، فإنّ الإمام قائم مقام الرسول صلّي اللّه عليه و اله، و المقدّمة الأولي ممنوعة.

و الثاني - و هو الصحيح عندنا و عندهم -: [الجواز](3) و به قال مالك و أبو حنيفة؛ [لأنّ](4) عمر بن الخطّاب حمي موضعا و ولّي عليه مولي له يقال له: هني، فقال: يا هني اضمم جناحك للناس، و اتّق دعوة المظلوم، فإنّ دعوة المظلوم مجابة، و أدخل ربّ الصّريمة و ربّ الغنيمة(5) ، و إيّاك و نعم ابن عفّان و نعم ابن عوف، فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلي نخل و زرع، و إنّ ربّ الصّريمة و الغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم [أنا](6) لا أبا لك لا أبا لك(7) ، فالماءر.

ص: 444


1- الحاوي الكبير 483:7، المهذّب - للشيرازي - 434:1، نهاية المطلب 8: 288، الوجيز 242:1، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 427:7، العزيز شرح الوجيز 220:6، روضة الطالبين 357:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 442، الهامش
3- .
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّ». و المثبت يقتضيه السياق.
5- الصّريمة تصغير الصّرمة، و هي القطيع من الإبل و الغنم، و الغنيمة تصغير الغنم، يريد: أدخل صاحب الإبل القليلة و الغنم القليلة في الحمي و المرعي. النهاية - لابن الأثير - 27:3 «صرم».
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- جملة «لا أبا لك» غير مكرّرة في المصادر.

و الكلأ أهون عليّ من الدينار و الدرهم، و أيم اللّه إنّهم ليقولون: إنّها لبلادنا التي قاتلنا عليها في الجاهليّة و أسلمنا عليها في الإسلام، و لو لا الخيل التي أحمل عليها في سبيل اللّه لما حميت من بلاد الإسلام شبرا(1).

و هو إجماع منهم، و لأنّ ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمّة فيه مقام النبيّ صلّي اللّه عليه و اله [و قد روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله](2) أنّه قال: «ما أطعم اللّه نبيّا طعمة إلاّ جعلها طعمة لمن بعده»(3) و أمّا الخبر فمخصوص(4).

مسألة 1191: للإمام أن يحمي لنفسه و لخيل المجاهدين

و إبل الصدقة و الضوالّ، و كذا نعم الجزية و مواشي الضعفاء - و به قال الشافعي(5) - لأنّ ذلك كان للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله فيكون للإمام.

و حكي أصحاب الشافعي عن مالك أنّه قال: لا يحمي إلاّ لخيل المجاهدين، و لا يحمي إلاّ الأقلّ الذي لا يبين ضرره علي الناس،

ص: 445


1- الموطّأ 1/1003:2، صحيح البخاري 87:4، السنن الكبري - للبيهقي - 6: 147، الأم 46:4 و 48، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 428:7، العزيز شرح الوجيز 220:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 187:6، و الشرح الكبير 204:6.
3- مسند أحمد 15/9:1، سنن أبي داود 2973/144:3.
4- الحاوي الكبير 483:7، المهذّب - للشيرازي - 434:1، نهاية المطلب 8: 288، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 427:7-428، العزيز شرح الوجيز 220:6، روضة الطالبين 357:4، المغني 186:6-187، الشرح الكبير 6: 203-204، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1189/668:2، عيون المجالس 1282/1817:4، روضة القضاة 3268/551:2 و 3269.
5- الحاوي الكبير 483:7، المهذّب - للشيرازي - 434:1، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 427:7، العزيز شرح الوجيز 220:6-221، روضة الطالبين 357:4.

و لا يضيق الأمر عليهم(1).

و حكي أصحابه جواز الحمي لغير ذلك(2).

إذا ثبت هذا، فإنّه يحمي قدرا لا يضيق به علي المسلمين و لا يضرّ بهم؛ لأنّه إنّما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمي، و ليس من المصلحة إدخال الضرر علي أكثر الناس.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بجواز أن يحمي الإمام الأعظم هل يجوز لولاته في النواحي أيضا؟ الوجه: المنع إلاّ بإذن الإمام الأعظم، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: الجواز(3).

مسألة 1192: ما حماه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أو الإمام لا يجوز إحياؤه،

فإن أحياه محي لم يملكه ما دام الحمي مستمرّا.

و ما حماه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أو الإمام لمصلحة فزالت جاز نقضه؛ لانتفاء الباعث علي الإحياء، و إذا كانت باقية لم يجز نقضه.

و قال الشافعي فيما حماه الإمام قولان:

أحدهما: لا يجوز تغييره؛ لتعيّنه لتلك الجهة، كالمسجد و المقبرة.

و أظهرهما: الجواز؛ لأنّ الحمي كان نظرا للمسلمين برعاية مصلحة حاليّة، و قد يقتضي النظر نقضه و ردّه إلي ما كان(4).

و لهم قول آخر: إنّ للحامي أن ينقض حمي نفسه، و لا يجوز لمن

ص: 446


1- العزيز شرح الوجيز 221:6.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1189/668:2، عيون المجالس 4: 1282/1817.
3- العزيز شرح الوجيز 220:6، روضة الطالبين 357:4.
4- العزيز شرح الوجيز 221:6، روضة الطالبين 357:4.

بعده من الأئمّة نقض حماه(1).

و إذا جوّزنا فلو أحياه محي بإذن الإمام ملكه، و كان الإذن في الإحياء نقضا، و إن استقلّ فقولان، أظهرهما عنده: المنع؛ لما فيه من الاعتراض علي تصرّف الإمام و حكمه(2).

و أمّا حمي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ففيه طريقان:

منهم من قال: إنّه نصّ من الشارع، فلا ينقض بحال.

و منهم من قال: إن بقيت الحاجة التي حمي لها لم يغيّر، و إن زالت فوجهان.

أحدهما - و به قال أبو حنيفة -: يجوز تغييره؛ لزوال العلّة.

و أظهرهما عند الشافعيّة: المنع؛ لأنّ التغيير إنّما يكون بالاجتهاد، و نحن نقطع بأنّ ما فعله مصلحة، فلا يرفع القطع بالظنّ(3).

خاتمة: قد سبق(1) أنّ المعادن الظاهرة لا يجوز إقطاعها، و يجوز أن يقطع إنسانا المواضع المتّسعة في الشوارع، فيختصّ بالجلوس فيه(2) ، و إذا قام عنه لم يكن لغيره الجلوس فيه.

و إذا لم يقطعه السلطان لكن سبق إلي الجلوس في الطريق الواسع، كان أحقّ به ما دام جالسا فيه؛ لإجماع أهل الأعصار عليه، فإنّ الباعة يجلسون علي الطريق من غير إنكار أحد عليهم.

فإن قام أحد و ترك رحله، كان أحقّ به. و إن نقل رحله عنه فسبق إليه غيره، كان الثاني أحقّ، بخلاف ما إذا أقطعه السلطان؛ لأنّ ذلك كان أوليع.

ص: 447


1- في ص 380.
2- تذكير الضمير هنا و فيما بعد باعتبار الموضع.

بسبب الإقطاع و لو لم يترك، و هذا قدّم بالسبق إليه و قد زال.

ثمّ الجالس بالإقطاع أو السبق إن ظلّل علي نفسه شيئا، فإن كان الظلّ ممّا ينقله معه جاز، و إن كان بناء لم يجز.

و كذا ليس له بناء دكّة و لا نصب شريجة(1) ؛ لأنّ ذلك يضرّ بالمارّة.

إذا عرفت هذا، فغير المملوك من الأرض علي أقسام أربعة:

الأوّل: ما يملك بالإحياء و يحجّر و يقطع، و هو الموات من الأرض.

الثاني: ما لا يملك و لا يقطع و لا يحجّر، و هو المعادن.

الثالث: ما لا يملك و لا يحجّر و يجوز إقطاعه للإرفاق، و هو المجالس في الطرقات و الأسواق.

الرابع: المعادن الباطنة، و تملك بالإحياء. و للشافعي قولان(2).

و اعلم أنّه ليس للإمام إقطاع بقاع المسجد، فإن المساجد للّه تعالي.

قال بعض الشافعيّة: إنّ الترتّب في المسجد للتدريس و الفتوي كالترتّب للإمامة، حتي لا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحالّ، و يعتبر في الجوامع و كبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان(3) ، فجعل لإذن الإمام فيه اعتبارا.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ في جملة ما يقطعه الإمام للإرفاق بالجلوس للبيع و الشراء مقاعد الأسواق و رحاب المساجد(4).4.

ص: 448


1- قال الجوهري في الصحاح 324:1 «شرج»: الشريجة شيء ينسج من سعف النخل يحمل فيه البطّيخ و نحوه.
2- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 385.
3- الماوردي في الأحكام السلطانيّة: 189، و حكاه عنه أيضا الرافعي في العزيز شرح الوجيز 226:6، و النووي في روضة الطالبين 363:4.
4- العزيز شرح الوجيز 226:6، روضة الطالبين 363:4.

فإن أراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حدّ المسجد فهو مسلّم، و إلاّ فممنوع؛ للنهي عن الجلوس في المساجد للبيع و الشراء(1).8.

ص: 449


1- مسند أحمد 6638/374:2، و 6952/429، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2: 419، سنن ابن ماجة 749/247:1، سنن أبي داود 1079/283:1، سنن الترمذي 322/139:2، سنن النسائي (المجتبي) 47:2-48.

ص: 450

الفصل الثالث: فيما به يحصل الإحياء المعهود

اشارة

من عادة الشرع أنّه إذا أطلق لفظا و لم ينصّ علي مسمّي عنده يخالف العرف فإنّه ينزّل علي معناه في العرف، كالقبض و الحرز في السرقة و التفرّق، فإنّ الشرع ورد بذلك في قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا(1)»(2) و أنّه نهي عن بيع ما لم يقبض(3) ، و أنّ القطع يجب علي السارق من الحرز(4) ، و لم يبيّن كيفيّته.

و إنّما يرجع إلي العرف؛ لأنّه عليه السّلام لا يعلّق حكما إلاّ علي ما إليه طريق، فلمّا لم يبيّنه دلّ علي أنّ طريقه العرف، و إلاّ لزم تكليف ما لا يطاق؛ إذ لا طريق غيره.

و قد ورد الشرع بالإحياء و لم يبيّنه، فانصرف إطلاقه إلي المتعارف

ص: 451


1- في النّسخ الخطّيّة و بعض المصادر: «لم يفترقا».
2- مسند أحمد 4552/74:2، و 14890/403:4، و 19312/586:5، و 19629/639، صحيح البخاري 76:3 و 77 و 84 و 85، صحيح مسلم 1532/1164:3، سنن ابن ماجة 2182/736:2 و 2183، سنن أبي داود 273:3-3457/274 و 3459، سنن الترمذي 547:3-1245/550-1247، سنن النسائي (المجتبي) 251:7 و 244-245 و 247-249، السنن الكبري - للنسائي - 6049/5:4-1، سنن الدارقطني 14/6:3، المستدرك - للحاكم - 16:2، السنن الكبري - للبيهقي - 269:5-271، المصنّف - لابن أبي شيبة - 124:7-2607/126-2609 و 2611، و 2617/127.
3- مسند أحمد 1850/355:1، صحيح البخاري 89:3، السنن الكبري - للنسائي - 35:4-6188/36-2 و 6192-6، السنن الكبري - للبيهقي - 313:5، المعجم الكبير - للطبراني - 10871/11:11 و 10872، و 10874/12 و 10875، المصنّف - لابن أبي شيبة - 1378/368:6.
4- السنن الكبري - للبيهقي - 263:8.

بين الناس، و ذلك يختلف باختلاف المحيا، فالأرض قد تتّخذ للسكني و الحظيرة و المزرعة، و إحياء كلّ واحد من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له، و يظهر بصور تشتمل علي مسائل:

مسألة 1193: إذا أراد السكني في الملك الذي

مسألة 1193: إذا أراد السكني في الملك الذي(1) يقصد إحياءه،

و إنّما يكون ذلك بصيرورته دارا، و إنّما يصير كذلك بأن يدار عليها حائط و يسقّف بعضها؛ لأن السكني لا يكون إلاّ بذلك، و التحويط إمّا بالآجر أو اللّبن أو بمحض الطين أو ألواح الخشب أو القصب بحسب العادة، و لا يجب تعميم السقف علي الحيطان الدائرة علي البقعة، بل يكفي فيه ما يمكن السكني معه، و لأنّ اسم الدار حينئذ يقع عليه.

هذا قول الشيخ رحمه اللّه(2) ، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و بعضهم لم يشترط التسقيف في إحياء الدار(4).

و هو إحدي الروايتين عن أحمد، فإنّه اكتفي بتحويط الجدار لا غير؛ لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال: «من أحاط حائطا علي أرض فهي له»(5).

و لأنّ الحائط حاجز منيع، فكان إحياء، كما لو جعلها حظيرة للغنم؛

ص: 452


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التي». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المبسوط - للطوسي - 271:3.
3- الحاوي الكبير 486:7، المهذّب - للشيرازي - 431:1، نهاية المطلب 8: 292، الوجيز 244:1، الوسيط 225:4، حلية العلماء 498:5، التهذيب - للبغوي - 493:4، البيان 415:7، العزيز شرح الوجيز 244:6، روضة الطالبين 354:4.
4- نهاية المطلب 295:8، العزيز شرح الوجيز 244:6، روضة الطالبين 354:4.
5- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2432/76:7، مسند أحمد 19620/638:5، و 19726/653، سنن أبي داود 3077/179:3، المعجم الكبير - للطبراني - 7: 6866/252 و 6867، السنن الكبري - للبيهقي - 148:6.

لأنّ القصد لا اعتبار به، لأنّه لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجصّ و آجر و قسّمها بيوتا فإنّه يملكها، و هذا لا يعمل للغنم مثله، و لأنّه لو بناها للغنم ملكها بمجرّد الحائط، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف(1) ، و لا بأس بذلك.

و اشترط أكثر الشافعيّة في إحياء الدار تعليق الباب؛ لأنّ العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، و ما لا باب له لا يتّخذ مسكنا(2).

و لم يذكره الشيخ رحمه اللّه و لا بعض الشافعيّة؛ لأنّ نصب الباب للحفظ، و السكني لا تتوقّف عليه.

مسألة 1194: لو أراد إحياء أرض يتّخذها زريبة

(3) للدوابّ أو حظيرة تجفّف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش، اشترط التحويط لا غير، و لا يشترط التسقيف هنا إجماعا؛ قضاء للعرف فيه، و لا يكفي نصب سعف و أحجار من غير بناء؛ لأنّ المتملّك لا يقتصر عليه في العادة، و إنّما يفعل مثله المجتاز المرتفق.

و لو حوّط بالبناء في طرف و اقتصر للباقي علي نصب الأحجار و السعف، للشافعيّة قولان، أحدهما: الاكتفاء، و الثاني: عدمه(4).

و لا يشترط التسقيف هنا إجماعا.

و في اشتراط تعليق الباب ما سبق(5) من الخلاف.

ص: 453


1- المغني 197:6-198، الشرح الكبير 178:6-179.
2- المهذّب - للشيرازي - 431:1، الوجيز 244:1، حلية العلماء 498:5، البيان 415:7، العزيز شرح الوجيز 244:6، روضة الطالبين 354:4.
3- أي: حظيرة الغنم من خشب. لسان العرب 447:1 «زرب».
4- العزيز شرح الوجيز 244:6، روضة الطالبين 354:4.
5- آنفا.
مسألة 1195: لو قصد الإحياء لاتّخاذ الموات مزرعة،

اعتبر في إحيائه أمور:

الأوّل: جمع التراب حواليه لينفصل المحيا عن غيره، و يسمّي المرز، و في معناه نصب قصب و حجر و شوك و شبهه، و لا حاجة إلي التحويط إجماعا، فإنّ معظم المزارع بارزة.

الثاني: تسوية الأرض بطمّ الحفر التي فيها، و إزالة الارتفاع من المرتفع، و حراثتها، و تليين ترابها، فإن لم يتيسّر ذلك إلاّ بماء يساق إليها فلا بدّ منه لتتهيّأ الأرض للزراعة.

الثالث: ترتيب مائها إمّا بشقّ ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة و سقيها إن كانت عادتها أنّها لا تكتفي في زراعتها بماء السماء، و إن اكتفت به فلا حاجة إلي سقي و لا ترتيب ماء.

و إذا احتاجت في السقي إلي النهر، وجب تهيئة ماء من عين أو نهر أو غيرهما.

فإذا هيّأه، فإن حفر له الطريق و لم يبق إلاّ إجراء الماء فيه كفي، و لم يشترط إجراء الماء و لا سقي الأرض، و إن لم يحفر بعد، فللشافعيّة وجهان(1).

و بالجملة، السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقّق الإحياء، إنّما الحاجة إلي ترتيب ماء يمكن السقي منه.

و أراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها و لا يصيبها إلاّ ماء السماء قال بعض الشافعيّة: لا مدخل للإحياء فيها، و بني عليه أنّا إذا وجدنا

ص: 454


1- العزيز شرح الوجيز 245:6، روضة الطالبين 354:4.

شيئا من تلك الأراضي في يد إنسان لم يحكم بأنّه ملكه، و لا يجوز بيعه و إجارته(1).

و الوجه: أنّها تملك بالحراثة و جمع التراب علي الحدود، و كثير من المزارع تستغني عن سوق الماء [إليها](2) بالمطر.

و هل تشترط الزراعة لحصول الملك في الزراعة ؟ الوجه: العدم؛ لأنّ الزراعة استيفاء منفعة الأرض، و استيفاء المنفعة خارج عن حدّ الإحياء، كما أنّه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني:

الاشتراط؛ لأنّ الدار و الزريبة لا تصير محياة إلاّ إذا حصل فيها عين مال المحيي، و كذا المزرعة(3).

مسألة 1196: لو قصد الإحياء بزرع بستان فلا بدّ من التحويط،

و يرجع فيما به يحوّط إلي العادة، فإن كانت عادة البلد بناء الجدار لزم البناء، و إن كانت عادتهم الحظيرة بالقصب و الشوك و ربما تركوه أيضا كما في البصرة و قزوين، اعتبرت عادتهم، و حينئذ يكفي جمع التراب حواليه، كالمزرعة.

و القول في سوق الماء إليه علي ما تقدّم في المزرعة.

و هل يعتبر غرس الأشجار أم لا؟ من اعتبر الزرع في المزرعة اعتبر [الغرس](4) في البستان بطريق الأولي، و من لم يعتبره اختلفوا في الغرس علي وجهين، و معظمهم اعتبره.

و الفرق: أنّ اسم المزرعة يقع علي البقعة قبل الزراعة، و اسم البستان

ص: 455


1- العزيز شرح الوجيز 245:6، روضة الطالبين 354:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليه». و المثبت يقتضيه السياق.
3- الوسيط 225:4، التهذيب - للبغوي - 494:4، البيان 416:7، العزيز شرح الوجيز 245:6، روضة الطالبين 355:4.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

لا يقع قبل الغراس، و لأنّ الزرع يسبقه تقليب الأرض و حرثها، فجاز أن يقام مقامه، و الغرس لا يسبقه شيء يقام مقامه، و لأنّ الغرس يدوم، فألحق بأبنية الدار، و الزرع بخلافه(1).

و الوجه: أنّه لا بدّ من أحد أمرين: إمّا الحائط أو الغرس ليتحقّق الاسم.

و كذا الأرض إذا زرعت بماء سبق إليها فقد تمّ الإحياء و إن لم يجمع التراب حولها.

تنبيه: لو كانت الأرض مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها، أو كانت المياه غالبة عليها فقطعها عنها و هيّأها للعمارة، كان ذلك إحياء عرفا.

مسألة 1197: هل يعتبر القصد إلي الإحياء في تحقّق الملك للمحيي ؟

الوجه: أن نقول: إن كان الفعل الذي فعله للإحياء لا يفعل في العادة مثله إلاّ للتملّك - كبناء الدار و اتّخاذ البستان - ملك به و إن لم يوجد منه قصد التملّك.

و إن كان ممّا يفعله المتملّك و غير المتملّك، كحفر البئر في الموات و زراعة قطعة من الموات، اعتمادا علي ماء السماء، افتقر تحقّق التملّك إلي تحقّق قصده، فإن قصد أفاد الملك، و إلاّ فإشكال ينشأ من أنّ المباحاة هل تملك بشرط النيّة أم لا؟

و للشافعيّة وجهان(2).

و ما لا يكتفي به المتملّك - كتسوية موضع النزول و تنقيته عن الحجارة - لا يفيد التملّك و إن قصده، و هذا كنصب الأحبولة في طرق

ص: 456


1- العزيز شرح الوجيز 245:6-246، روضة الطالبين 355:4.
2- العزيز شرح الوجيز 246:6، روضة الطالبين 356:4.

الصيد، فإنّه يفيد الملك في الصيد.

و إغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار علي قصد التملّك يفيد الملك، و دونه وجهان(1).

و توحّل الصيد في أرضه التي سقاها لا بقصد الصيد لا يقتضي التملّك و إن قصده.

مسألة 1198: لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوع آخر،

كما إذا حوّط بقعة بقصد السكني، و هذا الإحياء إنّما يتحقّق في تملّك حظيرة الغنم و شبهها، هل يفيد الملك ؟ الوجه عندي ذلك، فإنّه ممّا يملك به الحظيرة لو قصدها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يملك به، و إلاّ لزم الاكتفاء بأدني العمارات أبدا(2).

و استحالة التالي ممنوعة.

مسألة 1199: إذا حفر بئرا في الموات للتملّك،

لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلي الماء، و قبله يكون تحجيرا.

و إذا وصل الماء كفي في الإحياء، سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة.

و قال بعض الشافعيّة: يكفي في الصلبة، و لا بدّ في الرخوة من طيّها(3). و ليس بشيء.

و في حفر القناة يتمّ الإحياء بخروج الماء و جريانه.

و إذا حفر نهرا ليجري الماء فيه علي قصد التملّك، فإذا انتهت فوهة

ص: 457


1- العزيز شرح الوجيز 246:6، روضة الطالبين 356:4.
2- العزيز شرح الوجيز 246:6-247، روضة الطالبين 356:4.
3- الحاوي الكبير 488:7، العزيز شرح الوجيز 247:6، روضة الطالبين 356:4.

النهر الذي يحفره إلي النهر القديم و جري فيه الماء ملكه.

و الوجه: أنّه لا يتوقّف الملك علي إجراء الماء فيه؛ لأنّه استيفاء منفعة، كالسكون في الدار.

و لو سقي أرضه بماء غيره المملوك لذلك الغير، فالزرع لصاحب البذر، و عليه قيمة الماء.

مسألة 1200: ما نضب عنه الماء من الجزائر الأقرب: أنّه يملك بالإحياء؛

لعدم الاختصاص بالغير.

و عن أحمد رواية أخري: أنّه لا يجوز إحياؤه، و لا يملك بالإحياء؛ لاشتماله علي الضرر، فإنّ الماء قد يرجع، فإذا وجد الموضع مبنيّا رجع إلي الطرف الآخر فأضرّ بأهله، و لأنّ الجزائر منبت الكلأ و الحطب، فجري مجري المعادن الظاهرة(1).

و هو ممنوع.

و لو نضب الماء عن الجزيرة فنبت فيها نبات، لم يكن لأحد الاختصاص به، و لا منع الناس عنه، أمّا لو غلب الماء علي أرض مملوكة لإنسان ثمّ نضب الماء عنها، فله أخذه، و لا يزول ملكه عنه، و لو نبت فيه شيء كان للمالك خاصّة.

و لو كان ما نضب عنه الماء من الجزائر لا ينتفع به أحد فعمّره رجل عمارة لا تردّ الماء، مثل أن يجعله مزرعة، فهو أحقّ به من غيره؛ لأنّه متحجّر لما ليس لمسلم فيه حقّ، فأشبه المتحجّر في الموات.

ص: 458


1- المغني 179:6-180، الشرح الكبير 177:6-178.

الفصل الرابع: في حدّ الحريم

اشارة

الحريم إشارة إلي المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع، كالطريق و مسيل الماء و مطرح التراب و أشباه ذلك، و قد بيّنّا أنّه لا يجوز لأحد إحياؤه؛ لتعلّق حقّ الغير به، و سبق(1) أنّ الكفّار إذا صالحونا علي أنّ البلدة لهم كان عامرها ملكا لهم، فلا يجوز لأحد من المسلمين إحياؤها، و أمّا مواتها فإن كانوا يذبّون عنه فهو من حريم تلك البلدة و مرافقها، فلا يجوز إحياؤه.

مسألة 1201: حريم القري المحياة ما حواليها من مجتمع النادي

و مرتكض الخيل و مناخ الإبل و مطرح الرماد و السماد و سائر ما يعدّ من مرافقها لا يجوز لأحد إحياؤه و لا الاختصاص به؛ لما فيه من التضييق علي المسلمين، و منع حقوقهم عنها.

و أمّا مرعي البهائم ففي كونه من حريمها نظر.

و فصّل الجويني فقال: إن بعد عن القرية لم يكن من حريمها، و إن قرب و لم يستقلّ مرعي و لكن كانت البهائم ترعي فيه عند الخوف من الإبعاد، فقولان، و الظاهر عندهم أنّه ليس من حريمها(2).

ص: 459


1- في ص 375، المسألة 1153.
2- نهاية المطلب 335:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 213:6، و روضة الطالبين 348:4-349.

و أمّا ما استقلّ مرعي فقطع بعض الشافعيّة بأنّه من الحريم(1).

و قال بعضهم: مرعي البهائم من حقوق القرية مطلقا(2).

و حكم المحتطب حكم المرعي.

مسألة 1202: حريم الدار في الموات مطرح ترابها و الرماد و الكناسة و الثلج

و قمامة المنزل و مسيل مياهها و الممرّ في الصوب الذي يفتح إليه الباب، و ليس المراد منه استحقاق الممرّ في قبالة الباب علي امتداد الموات، بل يجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا أبقي له الممرّ، فإن احتاج إلي ازورار و انعطاف جاز؛ لأنّ الحاجة تمسّ إلي ذلك.

و عند جماعة من الشافعيّة فناء الدار من حريمها(1).

و منع بعضهم من أن يكون للدار حريم، بل لو أراد محي أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن فنائها. نعم، له منع ما يضرّ بالحيطان، كحفر بئر بقربها(2).

و أمّا حريم الحائط فعندنا أنّه مقدار مطرح ترابه؛ لأنّ الحاجة تمسّ إليه عند سقوطه.

و هذا كلّه إنّما يثبت في الأرض الموات إذا ابتكر عمارة الدار و الحائط فيها، فيجب علي من يريد العمارة في تلك الأرض التباعد عن الدار، و الحائط ما قلناه.

مسألة 1203: البئر إذا حفرت للتملّك في الأرض الموات لم يجز لأحد

ص: 460


1- الحاوي الكبير 488:7، حلية العلماء 502:5، البيان 410:7، العزيز شرح الوجيز 213:6، روضة الطالبين 349:4.
2- حلية العلماء 502:5، البيان 410:7، العزيز شرح الوجيز 213:6، روضة الطالبين 349:4.

أن يحفر بئرا أخري إلي جنبها، بل يجب التباعد عنها قدر أربعين ذراعا إن كانت بئر المعطن، و ستّين إن كانت بئر الناضح، عند علمائنا.

لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن مغفّل أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: ما بين بئر المعطن إلي بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين [بئر] الناضح إلي بئر الناضح ستّون ذراعا»(2).

و مثله روي السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله(3).

و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول:

«حريم البئر العاديّة أربعون ذراعا حولها - و في رواية: خمسون ذراعا - إلاّ أن يكون إلي عطن أو إلي الطريق فيكون أقلّ من [ذلك] خمسة و عشرون ذراعا»(4).

و نسب البئر إلي العاديّة؛ لأنّ المراد ما هو من زمن عاد أو ما أشبهه(5) موات، و لم يرد النسبة به إلي عاد بالخصوصيّة، لكن لمّا كانت عاد في الزمن الأوّل كان لها آثار في الأرض نسب إليها كلّ قديم، و الضابط: أن لا يكون قد تملّكها المسلمون.».

ص: 461


1- سنن ابن ماجة 2486/831:2 بتفاوت يسير.
2- الكافي 2/295:5، التهذيب 144:7-642/145، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- الكافي 8/296:5، التهذيب 643/145:7.
4- الكافي 295:5-5/296، التهذيب 145:7-645/146 و 646، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
5- في «ص، ع»: «شابهه».

و قال الشافعي: حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها إن كان بالسواقي فبقدر ما يحتاج إليه، أو باليد فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها.

و بالجملة، الموضع الذي يقف فيه النازح و موضع الدولاب و متردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما، و مصبّ الماء، و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية و الزرع من حوض و نحوه، و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه، كلّ ذلك غير محدود عنده، و إنّما هو بحسب الحاجة و مقدار العرف في ذلك(1).

و من أصحابه من قال: حريم البئر قدر عمقها من كلّ جانب؛ لأنّ هذا إنّما يثبت للحاجة إليه، فينبغي أن تراعي الحاجة دون غيرها(2).

و العمل علي النقل أولي.

و قال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا(3) ؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:

«حريم البئر أربعون ذراعا»(4).

و هو قريب ممّا قلناه؛ لأنّا خصّصنا ذلك ببئر المعطن.6.

ص: 462


1- الحاوي الكبير 488:7، المهذّب - للشيرازي - 431:1، الوجيز 242:1، الوسيط 221:4، حلية العلماء 500:5، التهذيب - للبغوي - 491:4، البيان 409:7، العزيز شرح الوجيز 213:6-214، روضة الطالبين 349:4-350.
2- العزيز شرح الوجيز 214:6، روضة الطالبين 350:4.
3- مختصر القدوري: 140، المبسوط - للسرخسي - 161:23 و 162، روضة القضاة 3244/546:2، تحفة الفقهاء 323:3، الفقه النافع 1065/1309:3، بدائع الصنائع 195:6، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 220:3، الهداية - للمرغيناني - 100:4، الاختيار لتعليل المختار 96:3، حلية العلماء 5: 500، العزيز شرح الوجيز 214:6، المغني 201:6، الشرح الكبير 182:6.
4- الأموال - لأبي عبيد -: 303-718/304، مسند أحمد 10039/281:3، السنن الكبري - للبيهقي - 155:6، المغني 201:6، الشرح الكبير 182:6.

و قال أحمد: حريم البئر خمسة و عشرون ذراعا إلاّ أن تكون عاديّة فيكون حريمها خمسين ذراعا؛ لما روي عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال:

«حريم البئر البديء خمسة و عشرون ذراعا، و حريم البئر العاديّة خمسون ذراعا»(1)(2).

و البديء هي البئر التي أحدثت في الإسلام و لم تكن عاديّة، قاله في الصحاح(3).

و الشافعي لم يحدّ ذلك بشيء، و حمل اختلاف الروايات علي اختلاف القدر المحتاج إليه(4) ، و يحكي مثله عن مالك(5).

مسألة 1204: حريم العين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع،

و في الرخوة ألف ذراع، فإذا حفر إنسان عينا في أرض موات صلبة و أراد غيره حفر أخري تباعد عنه بخمسمائة ذراع، و إن كانت رخوة تباعد بألف ذراع، عند علمائنا، و هو قريب من قول أبي حنيفة؛ لأنّه جعل حريم العين خمسمائة ذراع(6) ، و أطلق و لم يفصّل الأرض إلي الرخوة و الصلبة.

و لنا علي مطلق التحديد: ما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال:

«حريم البئر [البديء] خمسة و عشرون ذراعا، و حريم البئر العاديّة خمسون

ص: 463


1- سنن الدارقطني 63/220:4، المستدرك - للحاكم - 97:4-98.
2- المغني 200:6-201، الشرح الكبير 181:6-182، حلية العلماء 501:5 - 502، البيان 409:7، العزيز شرح الوجيز 214:6.
3- الصحاح 35:1 «بدأ».
4- كما في العزيز شرح الوجيز 214:6، و روضة الطالبين 350:4.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 214:6، و حكاه عنه أبو عبيد في الأموال: 725/305.
6- بدائع الصنائع 195:6، الهداية - للمرغيناني - 100:4، الحاوي الكبير 7: 488، العزيز شرح الوجيز 214:6، المغني 201:6، الشرح الكبير 182:6.

ذراعا، و حريم العين السائحة ثلاثمائة ذراع»(1).

و علي التقدير بخمسمائة ذراع: ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «حريم البئر أربعون ذراعا، و حريم العين خمسمائة ذراع لأعطان الإبل و الغنم»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: ما بين بئر المعطن إلي بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلي بئر الناضح ستّون ذراعا، و ما بين العين إلي العين خمسمائة ذراع»(3).

و في الموثّق عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال: ما بين بئر المعطن إلي بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلي بئر الناضح ستّون ذراعا، و ما بين العين إلي العين - يعني القناة - خمسمائة ذراع»(4).

و علي التفصيل: ما رواه عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت أرضا رخوه فألف ذراع»(5).

و لم يحدّ الشافعي ذلك بحدّ، بل جعل الضابط الحاجة، فمهما احتاجت العين إليه لزم، و إلاّ فلا(6).3.

ص: 464


1- سنن الدارقطني 63/220:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
2- لم نعثر علي نصّه في المصادر الحديثيّة.
3- تقدّم تخريجه في ص 461، الهامش (2).
4- تقدّم تخريجه في ص 461، الهامش (2).
5- الكافي 6/296:5، التهذيب 644/145:7.
6- راجع: الهامش (4) من ص 463.

و قد روي محمّد بن عليّ بن محبوب قال: كتب رجل إلي الفقيه عليه السّلام: في رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخري فوقه كم يكون بينهما في البعد حتي لا يضرّ بالأخري في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة ؟ فوقّع عليه السّلام: «علي حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر»(1).

قال الشافعي: و أمّا القناة فآبارها لا يستقي منها حتي يعتبر به الحريم، فحريمها القدر الذي لو حفر فيه لنقص ماؤها أو خيف منه انهيار و انكباس، و يختلف ذلك بصلابة الأرض و رخاوتها(2).

و لهم وجه آخر: أنّ حريمها حريم البئر التي يستقي منها، و لا يمنع من الحفر بعد ما جاوزه و إن نقص ماؤها(3).

و قال بعضهم: لو جاء آخر و تنحّي عن المواضع التي عدّدناها حريما و حفر بئرا ينقص ماء الأولي، لم يمنع منه، و هو خارج عن حريم البئر(4).

و الأظهر عندهم: أنّه ليس لغيره الحفر حيث ينقص ماء الأولي، كما ليس لغيره أن يتصرّف قريبا من بنائه بما يضرّ به، بخلاف ما إذا حفر بئرا في ملكه فحفر جاره بئرا في ملكه فنقص ماء الأولي حيث يجوز.

و الفرق: أنّ الحفر في الموات ابتداء تملّك، فلا يمكّن منه إذا تضرّر الغير، و هنا كلّ واحد منهما يتصرّف في الملك، و علي هذا فذلك الموضع داخل في حريم البئر أيضا(5).

و ما حكمنا بكونه حريما فذلك إذا انتهي الموات إليه، فإن كان الموضع مملوكا قبل تمام حدّ الحريم فالحريم إلي حيث ينتهي الموات.4.

ص: 465


1- الفقيه 659/150:3، التهذيب 647/146:7.
2- العزيز شرح الوجيز 214:6، روضة الطالبين 350:4. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 215:6، روضة الطالبين 350:4.
مسألة 1205: حدّ الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع،

و قيل: سبع(1) ، فالثاني يتباعد هذا المقدار؛ لما رواه مسمع ابن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: و الطريق إذا تشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع»(2).

و مثله ما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله(3).

و أمّا النهر فحريمه مقدار مطرح ترابه و المجاز علي حافّتيه.

و لو كان النهر في ملك الغير فادّعي الحريم، قضي له مع يمينه؛ لأنّه يدّعي ما يشهد به الظاهر، علي إشكال.

مسألة 1206: حريم الشجر ما تبرز أغصانه إليه أو تسري عروقه إليه،

فإذا أحيا أرضا و زرع في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلي الموات أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياء ما تصل الأغصان أو العروق إليه، فإن بادر أحد إلي إحيائه كان للغارس منعه.

و لو باع إنسان بستانا نخلا و استثني عليه نخلة معيّنة، كان للبائع حقّ الاستطراق إلي تلك النخلة و الدخول إليها و الخروج عنها، و له مدي جرائدها من الأرض؛ لما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادق عليه السّلام قال: «قضي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في رجل باع نخلا و استثني(4) عليه نخلة، فقضي له

ص: 466


1- ممّن قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 418، و الحلّي في السرائر 374:2، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 276.
2- تقدّم تخريجه في ص 461، الهامش (2).
3- تقدّم تخريجه في ص 461، الهامش (3).
4- في «ص، ع» و التهذيب: «فاستثني».

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله بالمدخل إليها و المخرج و مدي جرائدها»(1).

و عن عقبة بن خالد أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قضي في هذا(2) النخل أن تكون النخلة و النخلتان للرجل في حائط الآخر، فيختلفون في حقوق ذلك، فقضي [فيها](3) أنّ لكلّ نخلة من أولئك مبلغ جريدة من جرائدها حتي تقدّر بها(4)»(5).

و روي ابن بابويه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال: «حريم النخلة طول سعفها»(6).

تنبيه: جميع ما فصّلناه في حريم الأملاك مفروض فيما إذا كان الملك [محفوفا](7) بالموات أو متآخما له من بعض الجوانب، فأمّا إذا كانت الأرض محفوفة بالأملاك فلا حريم لها؛ لأنّ الأملاك متعارضة، و ليس جعل موضع حريما لدار أولي من جعله حريما لأخري، و كلّ واحد من الملاّك يتصرّف في ملكه علي العادة كيف شاء، و لا ضمان عليه إن أفضي إلي تلف إلاّ أن يتعدّي.

و قد اختلف قول الشافعي في أنّه لو أعدّ داره المحفوفة بالمساكن حمّاما أو اصطبلا أو طاحونة، أو حانوته في صفّ العطّارين حانوت حدّادق.

ص: 467


1- الكافي 1/295:5، التهذيب 640/144:7.
2- في الكافي: «هوائر» بدل «هذا».
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- في «ص، ع»: «حتي يعدّ بها». و في الكافي: «حين بعدها». و في التهذيب: «حتي بعدها».
5- الكافي 4/295:5، التهذيب 641/144:7.
6- الفقيه 202/58:3.
7- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مخصوصا». و المثبت يقتضيه السياق.

أو قصّار علي خلاف العادة علي قولين:

أحدهما: أنّه يمنع منه - و به قال أحمد - لما فيه من الضرر.

و أظهرهما عنده: الجواز - و هو المعتمد - لأنّه مالك، له التصرّف في ملكه، و في منعه من تعميم التصرّفات إضرار به(1).

هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب علي الظنّ فيه أنّه يؤدّي إلي خلل في حيطان جاره، فأظهر الوجهين عند الشافعيّة: [المنع](2) و ذلك كما إذا كان يدقّ الشيء في داره دقّا عنيفا تنزعج منه الحيطان، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلي حيطان الجار(3).

و لو اتّخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة حيث لا يعتاد، فإن قلنا:

لا يمنع في الصورة السابقة، فهنا أولي، و إن قلنا بالمنع، فهنا يحتمل عدمه؛ لأنّ الضرر هنا من حيث التأذّي بالدخان و الرائحة الكريهة، و أنّه أهون.

و كذا البحث في إطالة البناء و منع الشمس و القمر.

و الأقوي: أنّ لأرباب الأملاك التصرّف في أملاكهم كيف شاؤا.

و لو حفر في ملكه بئر بالوعة و فسد بها بئر ماء الجار، لم يمنع منه، و لا ضمان عليه بسببه، و لكنّه يكون قد فعل مكروها، و به قال الشافعي(4).

و قال مالك: يمنع، فإن فعل و تلف شيء ضمنه(5).6.

ص: 468


1- الوجيز 242:1، العزيز شرح الوجيز 215:6، روضة الطالبين 351:4، المغني 203:6، الشرح الكبير 185:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 215:6، روضة الطالبين 351:4.
4- العزيز شرح الوجيز 216:6، روضة الطالبين 351:4.
5- العزيز شرح الوجيز 216:6.

فائدة: لا يمنع من إحياء ما وراء الحريم، قرب أو بعد؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أقطع عبد اللّه بن مسعود الدّور(1) ، و هي بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل و النخل.

و الدّور يقال: إنّه اسم موضع. و يقال: المعني أنّه أقطعه تلك البقعة ليتّخذها دورا(2).

و قال مالك: إنّ القريب من العمران لا يحييه إلاّ أهل العمران(3). و هو تحكّم.

و روي مثله عن أبي حنيفة مع تحديد القرب بقدر صيحة من كلّ جانب(4).

و ربما ينسب ذلك إلي أبي يوسف(5).

مسألة 1207: النهر المملوك إذا كان عليه رحي بحقّ ملك لم يكن لأرباب النهر طمّ هذا النهر

و لا صرف الماء عنه إلي أملاكهم بنهر غيره إلاّ بإذن صاحب الرحي؛ لاشتماله علي تضرّر صاحب الرحي.

و لما رواه محمّد بن عليّ بن محبوب قال: كتب رجل إلي الفقيه عليه السّلام في رجل كانت له رحي علي نهر قرية لرجل أو رجلين فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلي قريته في غير هذا النهر الذي عليه الرحي و يعطّل هذه الرحي أله ذلك أم لا؟ فوقّع عليه السّلام: «يتّقي اللّه عزّ و جلّ، و يعمل في ذلك

ص: 469


1- المعجم الأوسط - للطبراني - 4949/284:5، المعجم الكبير - له أيضا - 10: 10534/274.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 216:6.
3- حلية العلماء 504:5، العزيز شرح الوجيز 216:6.
4- العزيز شرح الوجيز 216:6.
5- العزيز شرح الوجيز 216:6.

بالمعروف، و لا يضارّ أخاه المؤمن»(1).

تتمّة: قال ابن بابويه: روي أنّ حريم المسجد أربعون ذراعا من كلّ ناحية، و حريم المؤمن في الصيف باع، و روي: عظم الذراع(2).

و روي الشيخ عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في رجل احتفر قناة و أتي لذلك سنة، ثمّ إنّ رجلا احتفر إلي جانبها قناة، فقضي أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه و ليلة هذه، فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الأولي غوّرت الأخيرة، و إن كانت الأولي أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة علي الأولي شيء»(3).

و روي ابن بابويه نحوه عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام: في رجل أتي جبلا فشقّ منه قناة جري ماؤها سنة ثمّ إنّ رجلا أتي ذلك الجبل فشقّ منه قناة أخري، فذهبت قناة الأخير بماء قناة الأوّل، قال: «يقاسان، يجعل البئر ليلة ليلة، فينظر أيتّهما أضرّت بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرّت بالأولي فلتغوّر، و قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله بذلك، و قال: إن كانت الأولي أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة علي صاحب الأولي سبيل»(4).ظ.

ص: 470


1- الفقيه 659/150:3، التهذيب 647/164:7.
2- الفقيه 203/58:3 و 204.
3- التهذيب 644/145:7.
4- الفقيه 205/58:3 بتفاوت في بعض الألفاظ.

فهرس الموضوعات

المقصد التاسع: في السبق و الرماية

الفصل الأوّل: في السبق البحث الأوّل: في تسويغه جواز السبق و الرمي كتابا و سنّة و إجماعا 5

جواز شرط المال في عقد السبق و الرمي معا 8

البحث الثاني: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب

تفسير السبق بفتح الباء و سكونها 9

تفسير السابق و الكتد و الهادي و الصلوان 9

تفسير التالي و البارع و المرتاح و الحظيّ و العاطف و المؤمّل و اللطيم و السكيت و الفسكل 10

البحث الثالث فيما تجوز المسابقة عليه

جواز المسابقة علي الخيل و الإبل 10

حكم عقد المسابقة علي الفيلة 11

حكم المسابقة علي البغال و الحمير 11

عدم جواز المسابقة علي الأقدام إلي موضع معيّن لا بعوض و لا بغيره 12

عدم جواز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق 13

عدم جواز المسابقة علي إشالة الحجر باليد 13

عدم جواز مداحاة الأحجار و السباق عليها و كذا رمي السهام كلّ إلي صاحبه 14

ص: 471

جواز المسابقة بالسيوف و الرماح 14

عدم جواز المسابقة علي السباحة و المصارعة 15

عدم جواز المسابقة علي الطيور 16

عدم جواز المسابقة علي المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب 17

عدم جواز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديكة 17

عدم جواز المسابقة علي ما لا ينتفع به في الحرب 18

البحث الرابع: في الشرائط

الأوّل: كون ما ورد العقد عليه عدّة للقتال 18

الثاني: العقد و الإيجاب و القبول 18

الثالث: تقدير المسافة 18

تذنيب: في عدم جواز المسابقة فيما لو استبقا بغير غاية لينظر أيّهما يقف أوّلا 20

اشتراط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق و في الغاية 20

الرابع: تعيين المال الذي تسابقا عليه جنسا و قدرا 20

حكم ما لو تسابقا علي مثل ما تسابقا به زيد و عمرو 21

جواز كون المال دينا و عينا 21

صحّة السباق فيما لو كان العوض حالاّ و مؤجّلا 21

أقسام عقد المسابقة المتضمّن للمال 21

الأوّل: إخراج مال المسابقة من جهة غير المتسابقين من الإمام أو غيره 21

الثاني: إخراج مال المسابقة من قبل أحد المتسابقين 22

الثالث: إخراج السّبق من قبل المتسابقين معا 23

هل يشترط المحلّل في صحّة عقد المسابقة ؟ 23

تنبيه: فيما إذا بذل العوض لم يكلّف الباذل البدأة بتسليمه 25

الخامس: تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة 25

حكم ما إذا لم تحضر الأفراس و وصفت و عقد العقد علي الوصف ثمّ أحضرت 25

تذنيب: في عدم جواز الإبدال فيما إذا عيّنا الفرسين في العقد 26

ص: 472

السادس: تساوي الدابّتين في الجنس 26

جواز المسابقة في الخيل بين العربي و البرذون و في الإبل بين البختي و العربي 26

السابع: تساوي الدابّتين في احتمال السبق 26

الثامن: إرسال الدابّتين دفعة 27

التاسع: جعل العوض أو أكثره للسابق منهما أو منهما و من المحلّل 27

العاشر: الاستباق علي الدابّتين بالركوب 27

الحادي عشر: جعل المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها و لا ينقطعان دونها 27

الثاني عشر: عدم تضمّن العقد شرطا فاسدا 28

البحث الخامس: في الأحكام

هل عقد المسابقة و المراماة لازم أو جائز؟ 28

فيما إذا كان العقد لازما لم يكن لأحد المتسابقين فسخ العقد إلاّ بالتقايل بينهما 29

ثبوت حقّ الفسخ فيما إذا بان العوض معيبا 29

بطلان العقد بموت الرامي و الفرس و عدم بطلانه بموت الفارس إن قام الوارث بالتمام 30

جواز الزيادة و النقصان في العمل و في المال بالتراضي إن كان العقد جائزا 30

فيما إذا كان المال الذي جعل للسابق عينا لم يجز أخذ الرهن عليه و لا الضمان به 30

فيما إذا كان المال في الذمّة لا يصحّ الضمان و لا الرهن عليه قبل تمام العمل 30

فيما إذا كان العوض في المسابقة عينا وجب علي المسبّق تسليمها إلي السابق بعد العمل 32

حكم ما لو تلفت العين في يده بعد المطالبة و التقصير منه أو تلفت في يده قبل العمل 32

عدم بطلان العقد فيما لو عاق مرض و شبهه 32

فيما لو كان العوض دينا و كمل العمل يجب علي باذله دفعه إلي السابق 32

حكم ما لو اشتري منه ثوبا و عاقد عقد السبق بعشرة 32

ص: 473

حكم ما لو فسد عقد المسابقة و ركض المتسابقان علي فسادها و سبق الذي لو صحّت المسابقة لاستحقّ السّبق المشروط 33

شرائط صحّة العقد بالمحلّل 35

إخراج كلّ واحد من المتسابقين ما تراضيا عليه إن كان السّبق منهما و وضعه علي يدي رجل يثقانه أو يضمنانه 36

شرائط صحّة العقد بين المتسابقين 36

فيما يتعلّق بما إذا أخرجا المال للسابق و اتّفقا علي تركه في أيديهما أو أمين غيرهما 37

فيما يتعلّق بما إذا أدخلا محلّلا بينهما 38

حكم ما لو تسابق جماعة و أخرج اثنان منهم فصاعدا مال المسابقة 39

حكم ما إذا تضمّن عقد المسابقة المال و كان العقد بين اثنين أو أزيد 39

حكم ما لو شرط أكثر المال للسابق و الأقلّ للآخر 39

حكم ما لو كان العقد بين ثلاثة فما زاد و شرط باذل المال للسابق 40

حكم ما لو شرط الباذل المال للمصلّي أو شرط له أكثر ممّا شرط للسابق 40

حكم ما لو شرط للمصلّي مثل ما شرط للسابق أو دونه 40

حكم ما لو جعل للأوّل عشرة و للثالث تسعة و للرابع ثمانية و أهمل الثاني 41

فيما إذا تسابقا و أدخلا المحلّل و أخرجا المال و قالا: من سبق فالمال بأجمعه له فالأحوال سبعة 42

1 - أن ينتهوا إلي الغاية علي سواء لا يتقدّمهم أحد 42

2 - أن يسبق المخرجان فيصلا معا علي سواء و يتأخّر المحلّل عنهما 43

3 - أن يسبق المحلّل و يأتي المخرجان بعده علي سواء أو تفاضل 43

4 - أن يسبق أحد المخرجين ثمّ يأتي بعده المحلّل و المخرج الآخر علي سواء 43

5 - أن يسبق المحلّل و أحد المخرجين بأن يأتيا إلي الغاية علي سواء و يتأخّر المخرج الآخر 44

ص: 474

6 - أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر و يكون المحلّل مصلّيا و المخرج الآخر أخيرا 44

7 - أن يسبق أحد المستبقين المحلّل و الآخر و يكون المخرج الآخر مصلّيا و المحلّل أخيرا 45

حكم ما لو قال واحد لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة 45

حكم ما لو كانوا جماعة فقال: من سبق فله كذا فجاء اثنان فصاعدا دفعة و تأخّر الباقون 45

حكم ما لو قال: من سبق فله دينار و من صلّي فله نصف دينار فسبق واحد و صلّي ثلاثة ثمّ جاء الباقون أو سبق واحد و جاء الباقون معا 45

حكم ما لو قال: كلّ من سبق فله دينار فسبق ثلاثة 46

حكم ما لو قال: من سبق فله عشرة و من صلّي فله خمسة فسبق خمسة و صلّي خمسة 46

حكم ما لو قال لاثنين: أيّكما سبق فله عشرة و أيّكما صلّي فله عشرة، أو قال لثلاثة:

من سبق فله عشرة و من صلّي فله عشرة 46

حكم ما إذا بذل السّبق لجماعة و لم يبذله لجميعهم كبذل شيء للأوّل و شيء لمن بعده 46

تذنيب: ينبغي أن يكون في الموضع الذي ينتهي إليه السبق قصبة قد غرزت في الأرض 49

إيجاب الشافعي دخول المحلّل و عدم اشتراطه كثرة المحلّلين مع كثرة المتسابقين 49

جواز شرط اختصاص المحلّل بالاستحقاق إن سبق و كلّ واحد منهما لا يأخذ إلاّ ما أخرج 50

حكم ما لو شرطوا أخذ المحلّل السّبقين إن سبق و أنّ كلّ واحد منهما إن سبق أحرز ما أخرجه و أخذ ما أخرجه الآخر 50

حكم ما إذا أطلقا شرط المال للسابق 51

ص: 475

حكم ما لو جاء أحد المستبقين أوّلا ثمّ جاء أحد المحلّلين ثمّ المستبق الثاني ثمّ المحلّل الثاني 52

حكم ما لو سبق أحد المتسابقين في وسط الميدان و الآخر في آخره 52

حكم ما لو سبق أحدهما عند الغاية ثمّ جريا بعد الغاية فتقدّم المسبوق علي السابق 52

حكم ما لو عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدّم الآخر 52

حكم ما لو وقف بعد ما جري أو وقف بلا علّة 52

حكم ما لو وقف قبل أن يجري أو كان العاثر هو السابق 53

حكم ما لو تسابقا علي أنّ من سبق منهما الآخر بأقدام معلومة فله السّبق 53

عدم جواز كون العوض مجهولا 53

حكم ما لو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة و تردّ إليّ صاعا من طعام 53

حكم ما لو تسابقا علي قرض في الذمّة 54

فيما إذا أخرج المال غير المتسابقين جاز أن يشرط لأحدهما أكثر ممّا يشرطه الآخر 54

فيما إذا أخرج المتسابقان المال جاز أن يخرج أحدهما أكثر ممّا يخرجه الآخر 54

حكم ما لو شرط علي السابق أن يطعم السّبق لأصحابه 54

أقسام السبق و حكمها 54

1 - كونه مقيّدا بأقدام مشروطة باشتراطهما 54

2 - كونه مطلقا بغير شرط 55

بيان ما يحصل به السبق 55

عدم جواز شرط السّبق لمن سبق من غير بيان غاية 58

الفصل الثاني: في الرمي

مقدّمة: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب 59

تفسير الرشق و السباق و إغراق السهم 59

أوصاف السهم 60

1 - الحابي و تفسيره 60

ص: 476

2 و 3 - المارق و الخاصر و تفسيرهما 61

4-8 - الطامح و العاضد و الطائش و العائر و الخاطف و تفسيرها 62

9-11 - الخاصل و المارق و الخارم و تفسيرها 63

تفسير الغرض و الهدف و المبادرة و المحاطّة 63

المطلب الأوّل في الشرائط البحث الأوّل: اتّحاد الجنس

اختلاف أنواع القسيّ و السهام باختلاف أصناف البشر 64

فيما إذا عيّن المتناضلان الرمي عن قوس معيّنة لم يجز العدول إلاّ برضا صاحبه 66

حكم ما لو شرطا أن يرمي أحدهما عن القوس العربيّة و يرمي الآخر عن الفارسيّة 67

حكم ما لو شرطا أن يرمي كلّ واحد منهما عمّا شاء من قوس عربيّة أو فارسيّة 67

حكم ما لو أطلقا العقد من غير شرط 67

فيما لو عيّنا نوعا من القسيّ فهل يجوز العدول عن النوع المعيّن إلي ما هو دونه ؟ 67

عدم تعيّن السهم و لا القوس بالشخص 68

حكم ما لو شرطا في القسيّ أو السهام شخصا معيّنا 68

حكم ما لو أطلقا المناضلة و لم يتعرّضا لنوع القوس و السهم و لا عيّنا فردا من نوع 69

البحث الثاني: في اشتراط الإعلام

اشتراط العلم بمقدار المال الذي عقد المناضلة عليه 70

اشتراط عدد الإصابة في صحّة العقد 71

اشتراط الإعلام بعدد الرمي 72

عدم اشتراط الإعلام بصفات الإصابة 72

اشتراط إعلام المسافة التي يرميان فيها 73

حكم ما لو تناضلا علي أن يكون السّبق لأبعدهما رميا و لم يقصدا غرضا 74

تفسير الهدف و الغرض و الرّقعة 75

وجوب كون الغرض من الهدف معلوما 76

فيما به يحصل العلم بذلك 76

ص: 477

وجوب الإعلام بعدد الأرشاق 76

تفسير المحاطّة و المبادرة 77

اشتراط التعرّض للمبادرة و المحاطّة في عقد المسابقة 77

جواز تعدّد الرميات و كثرتها من غير حصر 78

حكم ما إذا شرطا عددا معيّنا كثيرا لا يمكن إيقاعه في اليوم الواحد 78

حكم ما لو عقدا علي أن يرميا كلّ يوم بكرة كذا و عشيّة كذا 78

جواز تساوي الأيّام في عدد الرمي و تفاوتها 78

حكم ما لو رمي أحدهما عدد رميه بأسره ثمّ عرض عارض منع الآخر من الرمي أو بعضه 79

جواز اشتراط الرمي طول النهار و يستثني وقت الطهارة و الصلاة و الأكل و غيرها من الأعذار 79

في أنّه لا بدّ في التناضل من ذكر المبتدئ بالرمي و كيفيّة الرمي 79

حكم ما إذا أهملا ذكر المبتدئ بالرمي 79

فيما ينبغي أن يفعله الرّماة من نصب غرضين متقابلين و رمي المتناضلين أو الحزبين من عند أحدهما إلي الآخر 80

تذنيبات:

الأوّل: هل يدخل المحلّل في القرعة إذا أخرجا المال ؟ 81

الثاني: حكم ما إذا ثبتت البدأة لواحد فرمي الآخر قبله 82

الثالث: فيما إذا ثبت التقدّم لأحدهما فأراد بعد استحقاقه للتقدّم أن يتأخّر 82

البحث الثالث: تعيين الرّماة

اشتراط تعيين المتراميين 82

جواز التناضل بين حزبين 82

بيان المراد من تناضل الأحزاب 83

اشتراط أمور في عقد النضال بين الحزبين 83

1 - تغاير الزعيمين 83

ص: 478

2 - تعيّن رماة كلّ حزب قبل العقد باتّفاق و مراضاة 83

3 - اشتراط تساوي الحزبين في العدد 85

أحوال الحزبين في مال السّبق 86

1 - إخراج الأجنبيّ المال و اشتراطه للناضل من الحزبين 86

2 - إخراج أحد الحزبين المال دون الآخر 86

3 - إخراج الحزبين معا المال و اختصاص زعيم الحزبين بإخراجه 86

4 - إخراج الحزبين المال و اشتراك أهل كلّ حزب في إخراجه 87

المال المخرج من كلّ حزب إن لم يسمّوا قسط كلّ واحد من جماعتهم اشتركوا في التزامه بالسويّة 87

حكم المال المخرج فيما إذا سمّوا قسط كلّ واحد منهم 88

حكم ما إذا شرطوا أن يكون المال مقسّطا بينهم علي صواب كلّ واحد منهم و خطئه 88

حكم ما إذا استحقّ المال أحد الحزبين 88

انقسام عدد الرشق علي قدر أفراد الحزب بجزء صحيح 89

عدم جواز كون عدد الرشق ما ينكسر علي الأحزاب 89

جواز انكسار عدد الإصابة المشروطة علي عدد الحزب 89

أحوال ما إذا شرط خمسون إصابة من مائة و جمعت الإصابتان و أحكامها 90

هل يشترط أن يعرف أصحاب كلّ حزب بعضهم بعضا أو تكفي معرفة الزعيمين ؟ 90

هل يجوز أن يشترط في العقد أن يقدّم من هذا الحزب فلان و أن يقابله من الحزب الآخر فلان ثمّ فلان و فلان ؟ 90

حكم ما إذا عقد الزعيمان العقد فحضر عندهم غريب فأدخله أحدهما في حزبه و شرعوا في الرمي و ظنّ المختار له أنّه جيّد الرمي و ظهر خلافه 91

حكم نفس الفرع المزبور و لكن ظهر أنّه ضعيف أو مساو لهم أو أجود منهم رميا 92

حكم ما إذا اجتمع رماة الحزبين و لم يتميّزوا فقال أحد الزعيمين: أنا أخرج مال السّبق علي أن أختار لحزبي من أشاء 93

ص: 479

حكم ما إذا قال أحد الزعيمين: إن كان فلان معي فمال السّبق عليك و إن كان معك فمال السّبق عليّ 93

البحث الرابع: في إمكان الإصابة

اشتراط إصابة ممكنة يتوقّع حصولها 94

عدم جواز كون المشروط من الإصابة ممّا يجب حصوله بالعادة 94

حكم ما لو كان المشروط قد يتّفق حصوله لكنّه نادر 95

البحث الخامس: في تعيين الموقف

اشتراط تعيين موقف الرّماة و تساوي المتناضلين فيه 96

جواز تقديم أحد المتناضلين أحد قدميه عند الرمي 96

تذنيب: في حكم ما لو تقدّم أحدهما علي الآخر بما لا يستحقّ 97

اختلاف عادة الرّماة علي وجهين و جوازهما 97

فيما إذا وقف الرّماة صفّا فالواقف في الوسط أقرب إلي الغرض 98

حكم ما لو تنافسوا في الوقوف في وسط الصفّ 98

حكم ما لو رضوا بعد العقد بتقدّم واحد 99

فروع:

1 - حكم ما لو تطابقوا جميعا علي التقدّم أو التأخّر أو تعيين عدد الأرشاق بالزيادة أو النقصان 99

2 - حكم ما لو قال أحد المتناضلين: نستقبل الشمس و قال الآخر: نستدبرها 100

3 - حكم ما لو شرطا في العقد استقبال الشمس 100

هل يحتاج إلي المحلّل فيما إذا أخرج المتسابقان المال ؟ 100

حكم الحاجة إلي المحلّل و عدمها فيما إذا أخرج المال غير الحزبين أو أحدهما دون الآخر 100

حكم ما لو أخرج الحزبان المال و شرطوا لواحد من أحد الحزبين: إن كان الفوز لحزبه شاركهم في أخذ المال و إن كان الفوز للحزب الآخر فلا شيء علي ذلك الواحد 101

ص: 480

المطلب الثاني: في الأحكام

حكم ما إذا تناضلا و شرطا مطلق الإصابة 101

تعريف قدح السهم و النصل 102

حكم ما لو رمي السهم فصدم السهم جدارا أو شجرا ثمّ أصاب الغرض 103

حكم ما لو اعترض بين السهم و الهدف حائل 103

فيما لو انصدم السهم بالأرض ثمّ وثب منها و أصاب الغرض فهو المزدلف 104

اختلاف الفقهاء في الفرض المزبور هل يعدّ إصابة أم لا؟ 104

حكم ما لو رمي السهم فغيّرته الريح 105

حكم ما إذا هبت الريح فأزالت الشنّ عن موضعه إلي غيره 106

حكم ما لو شرطا الخواسق فأصاب السهم الغرض و ثقبه أو خدشه و لم يثقبه 107

حكم ما لو ثقب و مرق 107

حكم ما لو شرط الخواسق فرمي السهم فأصاب طرف الغرض و ثبت هناك 108

حكم ما لو شرطا الخواسق فرمي السهم فوقع في ثقبة قديمة و ثبت فيها 110

حكم ما لو شرطا الخواسق فخدش النصل موضع الإصابة و خرقه بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم لكنّه رجع لغلظ لقيه 111

أحوال ما إذا رمي في الشنّ و هو ملصق بالهدف فأصاب الشنّ ثمّ سقط و الإصابة خسق فزعم الرامي أنّه خسق و زعم صاحبه أنّه إنّما قرع فسقط و لم يخسق 111

تذنيب: في حكم ما لو مرق السهم و ثبت في الهدف و علي النصل قطعة من الغرض فقال الرامي: هذه القطعة أبانها سهمي و قال الآخر: بل كانت القطعة بائنة من قبل. 112

فيما إذا شرطا المبادرة و عقدا المناضلة و جعلا المال لمن سبق إلي إصابة عشرة من مائة 113

حكم ما لو شرطا المال لمن سبق إلي إصابة خمسة من عشرين 113

فيما لو تناضلا و شرطا المحاطّة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة 113

فيما لو شرطا المحاطّة و رميا بعض العدد فأصاب أحدهما القدر المشروط دون صاحبه 114

ص: 481

فيما لو شرطا خلوص خمس إصابات من عشرين فرمي كلّ واحد منهما خمسة عشر فأصاب أحدهما في عشرة و الآخر في ثلاثة 114

فيما لو أصاب أحدهما عشرة من خمسة عشر و لم يصب الثاني شيئا منها 115

فيما لو تناضلا مبادرة و شرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة فرمي أحدهما خمسين و أصاب عشرة و رمي الآخر تسعة و أربعين و أصاب تسعة 115

فيما لو أصاب الأوّل من خمسين في عشرة و أصاب الثاني من تسعة و أربعين في ثمانية 115

فيما لو رميا و شرطا المحاطّة و عدد الإصابة عشرة من خمسين فأصاب أحدهما العشرة من الخمسين و رمي الآخر تسعة و أربعين و لم يصب في شيء منها 115

حكم ما لو قال له: ارم خمسة عنّي و خمسة عن نفسك فإن أصبت في خمستك أو أكثر فلك كذا 116

حكم ما لو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك فيها أكثر فلك كذا 116

حكم ما لو قال: ارم كذا و ناضل الخطأ بالصواب فإن كان الصواب أكثر فلك كذا 117

حكم ما إذا قال: ارم عشرة و ناضل الصواب بالخطأ فإن كان الصواب أكثر فلك كذا 118

حكم ما لو قال للمتراميين: ارميا عشرة فمن أصاب منكما خمسة فله كذا 118

حكم ما لو قال أحد المتراميين للآخر: نرمي عشرة فإن أصبت في خمسة فلك عليّ كذا و إن أصبت فلا شيء لي عليك 118

حكم ما لو قال: إن أصبت فلي عليك كذا 119

حكم ما إذا عقد المتناضلان علي إصابة معلومة من رشق معلوم فيشرعان في الرمي ثمّ يستثقلان إتمام الرمي 119

حكم ما لو كانوا يتناضلون فمرّ بهم إنسان فقال لمن انتهت النوبة إليه: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار 119

حكم ما إذا تناضل اثنان علي إصابة عشرة من عشرين بعشرة دراهم فحضر ثالث فقال لمخرج المال: أنا شريك في الغنم و الغرم فإن نضلت فلي نصف العشرة و إن نضلك فعليّ نصف العشرة 120

ص: 482

تفسير الحوابي 121

حكم ما لو شرطا احتساب القريب من الغرض 121

أيضا في تفسير الحوابي 122

أحوال ما إذا كان عقد المتناضلين علي إصابة خمس من عشرين و أحكامها 123

حكم ما لو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض و رمي الآخر خمسة أسهم فوقعت أبعد من ذلك السهم ثمّ عاد الأوّل فرمي سهما فوقع أبعد من الخمسة 126

حكم ما لو رمي أحدهما خمسة فوقعت قريبة من الغرض و بعضها أقرب من بعض و رمي الثاني فوقعت أبعد من خمسة الأوّل 126

حكم ما لو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض و أصاب سهم الآخر الغرض 126

حكم ما إذا كان الشرط إسقاط الأقرب إلي الصواب الأبعد أو إسقاط الأقرب إلي الغرض الأبعد عنه 126

فيما إذا أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض و الآخر الغرض خارج الرقعة أو أصابا خارج الرقعة و أحدهما أقرب إليها 127

حكم ما لو شرطوا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه 127

حكم ما إذا وقع السهم متباعدا عن الغرض تباعدا مفرطا 127

حكم ما لو انكسر السهم بنصفين من غير تقصير من الرامي فأصاب أحد النصفين أو كلاهما الغرض إصابة شديدة 129

حكم ما لو كان في الغرض سهم فأصاب سهمه فوق ذلك السهم 130

أحوال ما إذا انكسر السهم بعد خروجه عن القوس و أحكامها 130

حكم ما لو أغرق الرامي و بالغ في النزع حتي دخل النصل مقبض القوس و وقع السهم عنده 131

حكم ما لو رمي زائلا عن المسامتة فردّته الريح أو رمي رميا ضعيفا فقوّته و أصاب 132

حكم ما لو هبّت الريح و نقلت الغرض إلي موضع آخر فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه 133

ص: 483

هل عقد المناضلة لازم أو جائز؟ 133

انفساخ عقد المناضلة بموت الرامي و عدم انفساخه فيما لو مرض أحد المتناضلين أو أصابه رمد 134

انفساخ المسابقة بموت الفرس و هل تنفسخ بموت الفارس ؟ 134

عدم جواز إلحاق الزيادة بعدد الأرشاق أو عدد الإصابات 134

في أنّه ليس للمناضل ترك النضال 134

بيان ما به يصير منضولا 134

جواز تأخير الرمي لكلّ من المتراميين و الإعراض عنه 136

حكم ما لو شرطا في العقد أنّ لكلّ منهما الجلوس و ترك الرمي إن شاء 137

حكم ما لو شرطا أنّ المسبق إن جلس كان عليه السّبق 137

حكم ما لو كانا يتناضلان فنضل أحدهما الآخر بإصابات فقال له المنضول: حطّ فضلك و لك عليّ كذا 137

تفسير المؤمّن في النضال 137

فيما ينبغي من كون الراميين علي اقتصاد في التثبّت من غير إبطاء و لا إعجال 138

حكم ما لو شرط أحدهما علي صاحبه أنّه إذا أخطأ أعيد عليه السهم و لم يحتسب به في الخطأ و يجعل كلّ خطأين خطأ واحدا 139

حكم ما لو شرطا أنّه إذا أصاب اعتدّ صوابه و احتسب به إصابتين 139

حكم ما لو شرط أن يكون ما في يد أحدهما من النبل أكثر ممّا في يد الآخر 139

حكم ما لو كان الشرط الحوابي فشرط احتساب خاسق بحابيين 139

حكم ما لو رميا و ضجرا فقال أحدهما للآخر: ارم فإن أصبت فقد نضلتني 139

حكم ما لو وقع عقد المناضلة في الصحّة أو المرض و دفع المال في مرض الموت 140

تفسير المضربة و الأصابع و حكم الصلاة فيهما 140

جواز الصلاة في الجعبة التي تجمع النشّاب إذا كانت طاهرة 141

عدم الجلب بالفارسين إذا تسابقا 141

ص: 484

في أنّه ينبغي إذا وقف المتناضلان أن لا يرمي أحدهما إلاّ عن إذن صاحبه 142

في أنّه لا يجوز أن يتناضلا علي أن تكون إصابة أحدهما قرعا و إصابة الآخر خسقا 142

في أنّه يجوز أن يتشارطا الإصابة قرعا علي أن يحسب بخاسق كلّ واحد منهما قارعين و يعتدّ به إصابتين 142

في أنّه يجوز أن يتناضلا علي مروق السهم و لا يجوز أن يتناضلا علي ازدلافه 143

في أنّه لا يجوز النضال علي أنّ أحدهما يرمي من عرض و الآخر من أقرب منه 143

في أنّه لا يجوز التناضل علي أنّ لأحدهما خاسقا راتبا لم يحتسب له مع خواسقه أو لم يرم به يطرح من خواسقه خاسقا 143

فيما لو شرطا أن يرمي أحدهما بقوس عربيّة تصيب من مائة ذراع و قوس الآخر فارسيّة تصيب من مائتي ذراع 144

حكم ما لو شرطا أنّ أحدهما يرمي بالعربيّة و لا يعدل عنها و يرمي الآخر بالفارسيّة و لا يعدل عنها 144

بطلان عقد النضال بكون ارتفاع الشنّ في رمي أحدهما ذراعا و ارتفاعه في رمي الآخر باعا 144

عدم جواز كون إصابة أحدهما في الشنّ و إصابة الآخر في الدائرة التي في الشنّ 144

فيما لو أراد أحد المتناضلين أن يجلس 144

في تفسير الهدف و اشتمال الغرض علي شنّ و جريد و عري و معاليق و تعريفها 146

بطلان عقد النضال بعدم اشتراط كون مسافة الموقف مقدّرة 147

فيما ينبغي تسميته في العقد من ارتفاع غرض الهدف و انخفاضه و توسّطه 148

بيان حدّ المسافة بالتقريب المعتاد و النادر 148

حكم عقد النضال علي أكثر المسافة المعتادة أو النادرة 148

حكم ما لو شرطا مسافة معيّنة ثمّ شرعا في الرمي فطلب أحدهما الزيادة في المسافة و امتنع الآخر من إجابته أو اتّفقا علي الزيادة 149

ص: 485

حكم ما إذا عقدا النضال و شرطا صفة موضع الغرض أو صفة محلّ الإصابة أو صفة الإصابة و شرعا في الرمي علي هذا الشرط ثم عزما علي تغييره 149

أحوال المتناضلين في عقد النضال علي رشق واحد يمكن رمي جميعه في يوم واحد 150

أقسام العقد علي أرشاق كثيرة لا يمكن رمي جميعها في يوم واحد 151

أحوال الحزبين المناضلين فيما إذا كان كلّ منهما ثلاثة و استقرّت البدأة بالرمي لأحد الحزبين 152

المقصد العاشر: في الغصب الفصل الأوّل: الماهيّة

تعريف الغصب 155

حرمة الغصب بالعقل و النقل 156

الفصل الثاني: في الضمان و أسبابه البحث الأوّل: في إثبات الضمان بالمباشرة

بيان أسباب الضمان و منها الغصب 159

تسمية ما يضاف إليه الهلاك علّة و الإتيان به مباشرة 159

تسمية ما لا يضاف إليه الهلاك و يقصد بتحصيله ما يضاف إليه سببا و الإتيان به تسبيبا 159

ضمان المباشر للإتلاف 160

وجوب ردّ مثل العين المتلفة إن كانت مثليّة و قيمتها إن كانت قيميّة 160

وجوب ردّ مال الغير إن كان باقيا علي كلّ من ثبتت يده عليه بغير حقّ 160

البحث الثاني: التسبيب

من أتلف مال الغير علي جهة التسبيب وجب عليه ضمانه 161

حكم ما لو اجتمع المباشر و السبب 161

حكم ما لو تعدّد السبب 162

عدم تعلّق الضمان فيما لو تلف مال فلان بسبب سعاية فلان فيه إلي ظالم 162

ص: 486

من أسباب الضمان فتح رأس زقّ مشدود أو فتح رأس قربة أو راوية و اندفاق ما فيه 162

حكم ما لو كان الزّقّ منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقي كذلك لكنّه سقط 162

ثبوت الضمان فيما لو فتح رأس الزّقّ فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتي ابتلّ أسفله فسقط 162

ثبوت الضمان فيما لو ثقّل أحد جانبي الزّقّ فلم يزل يميل قليلا قليلا حتّي سقط و خرج ما فيه 163

حكم ما لو سقط الزّقّ بأمر عارض من زلزلة و غيرها 163

حكم ما لو فتح رأس الزّقّ فأخذ ما فيه في الخروج ثمّ جاء آخر و نكسه مستعجلا 164

حكم ما إذا كان ما في الزّقّ جامدا مشدودا فشرقت الشمس عليه فأذابته و ضاع أو ذاب بمرور الزمان و تأثير حرارة الهواء 164

حكم ما لو جاء آخر و قرّب النار من الجامد حتي ذاب و ضاع 165

حكم ما لو قرّب فاتح رأس الزّقّ النار من الظرف أو ما إذا كان رأس الزّقّ مفتوحا و جاء إنسان و قرّب منه النار 165

فيما لو أذابه أحدهما أوّلا ثمّ فتح الثاني رأسه فاندفق فالضمان علي الثاني 165

حكم ما لو فتح زقّا مستعلي الرأس فخرج بعض ما فيه و استمرّ خروجه قليلا قليلا فجاء آخر فنكسه فاندفق 166

تذنيب: في ثبوت الضمان فيما لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحلّ 166

حكم ما لو تلفت السفينة بسبب حادث من هبوب ريح و غيره 166

حكم ما لو فتح قفصا عن طائر فطار أو حلّ دابّة فذهبت 166

حكم ما لو وقف الطائر عقيب فتح القفص ثمّ طار أو وقفت الدابّة عقيب الحلّ و لم تهرب ثمّ هربت من غير تهييجهما 167

فروع:

1 - ثبوت الضمان فيما لو وثبت هرّة حال فتح القفص و دخلته و قتلت الطائر 169

2 - ثبوت الضمان فيما لو كان القفص ضيّقا فاضطرب بخروج الطائر و سقط فانكسر 169

ص: 487

3 - ثبوت الضمان فيما لو كسر الطائر في خروجه قارورة إنسان 169

4 - ثبوت الضمان فيما لو كان شعير في جراب مشدود الرأس و بجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار 169

5 - ثبوت الضمان فيما لو حلّ رباط بهيمة أو فتح باب الاصطبل فخرجت فضاعت 170

6 - حكم ما لو فتح مراح غنمه فخرجت فرعت زرع إنسان 170

حكم ما لو كان الفاتح المالك و كان نهارا أو ليلا 170

7 - ثبوت الضمان فيما لو حلّ قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فهرب 170

حكم ما لو كان العبد في الفرض المزبور عاقلا 170

8 - حكم ما لو وقع طائر علي جداره فنفّره أو رماه في الهواء فقتله 171

9 - حكم ما لو فتح القفص و حلّ قيد الفرس أو العبد المجنون فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفّرهما فذهبا 171

10 - عدم ثبوت الضمان فيما لو فتح باب الحرز فسرق المتاع آخر أو دلّ سارقا فسرق أو أمر غاصبا حتي غصب 171

حكم ما لو ألقت الريح إلي داره ثوب غيره أو سقط الطائر في داره 172

ثبوت الضمان فيما لو دخل الطائر برجه فأغلق عليه بابه ناويا إمساكه لنفسه 172

حكم ما لو حبس المالك عن ماشيته و منعه من حفظها فتلفت 172

عدم ثبوت الضمان فيما لو نقل صبيّا حرّا إلي مضيعة فاتّفق سبع فافترسه 173

حكم ما لو نقل الصبي إلي مسبعة فافترسه سبع 173

ثبوت الضمان فيما لو كان المنقول عبدا صغيرا أو حيوانا مملوكا للغير فافترسه سبع 173

حكم ما لو كان الحمّال قد حمل جذعا و شبهه فاستراح إلي جدار و أسنده به فوقع علي شيء فأتلفه 173

حكم ما لو فتح باب دار إنسان أو هدم حائطه فدخل داخل و أخذ ماله 174

حكم ما إذا أكلت بهيمة رجل حشيشا لقوم 174

حكم ما لو استعار من رجل بهيمة فأتلفت شيئا و هي في يد المستعير 174

ص: 488

حكم ما إذا باع الدابّة بحشيش فأكلته أو أكلت غير ثمنها 174

حكم ما إذا كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا 175

حكم ما إذا أوقد في ملكه أو في الموات نارا فطارت شرارة إلي دار جاره فأحرقتها 175

حكم ما لو أرسل في ملكه ماء فدخل في ملك غيره 175

ثبوت الضمان فيما لو كان لجاره شجرة فأوقد في ملك نفسه نارا فجفّت أغصان تلك الشجرة 176

هل يثبت الضمان في زوائد المغصوب ؟ 176

ثبوت ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد و المقبوضة علي وجه السوم 177

ثبوت ضمان المنافع المستوفاة بالإجارة الفاسدة و المقبوض بالعقد الفاسد أو علي جهة السوم 178

البحث الثالث: في إثبات اليد

من أسباب الضمان إثبات اليد العادية علي مال الغير مباشرة و تسبيبا 178

تحقّق الغصب مع الاستيلاء و رفع يد المالك و إثبات يد الغاصب 178

هل يتحقّق الغصب مع إثبات اليد عدوانا من غير رفع يد المالك عن العين ؟ 178

عدم تحقّق الغصب فيما لو منع غيره من إمساك دابّته المرسلة حتي تلفت 178

هل يضمن المانع في الفرض المزبور؟ 179

فيما لو منعه من القعود علي بساطه حتي ألقاه الريح في البحر فهل يضمن ؟ 179

حكم ما لو منعه من بيع متاعه حتي نقصت قيمته السوقيّة 179

تحقّق الغصب بالنقل في الأعيان المنقولة 179

هل يتحقّق الغصب بإثبات اليد من غير نقل ؟ 179

هل يتصوّر غصب العقار؟ 180

فيما إذا كان مالك العقار فيه و أزعجه ظالم و دخل الدار بأهله فهو غاصب 182

فيما لو سكن بيتا من الدار و منع المالك عنه دون باقي الدار فهو غاصب لذلك البيت 182

ص: 489

حكم ما لو دخل دار غيره أو بستانه من غير استيلاء 182

حكم ما إذا أزعج المالك و لم يدخل الدار 182

حكم ما لو لم يزعج المالك و لكنّه دخل الدار و استولي مع المالك 183

حكم ما إذا لم يكن مالك العقار فيه و دخل علي قصد الاستيلاء 183

حكم ما لو دخل الدار لا علي قصد الاستيلاء لينظر هل تصلح له أو ليتّخذ مثلها 183

تذنيب: في عدم اعتبار الإزعاج في غصبيّة العقار 184

من ترتّبت يده علي يد الغاصب فيده يد ضمان 184

عدم الفرق في من ترتّبت يده علي يد الغاصب بين كونه عالما بالغصب أو لا في ثبوت الضمان عليه 184

حكم ما لو وهب المغصوب من إنسان فتلف في يده 186

حكم ما لو زوّج الجارية التي غصبها فتلفت عند الزوج 186

فيما إذا أتلف المغصوب من ترتّبت يده علي يد الغاصب فإنّ قرار الضمان عليه 186

فيما إذا شاركه غيره في الإتلاف فالضمان عليهما 186

حكم ما لو استقلّ كلّ واحد منهما بإثبات اليد علي المغصوب في وقتين متغايرين ثمّ أتلفاه معا 186

حكم ما لو غصب طعاما فأطعمه غيره 187

حكم ما إذا أطعم الطعام صاحبه المغصوب منه 189

حكم ما لو وهب الغاصب الطعام من أجنبيّ و سلّمه إليه فأتلفه 190

فروع:

1 - حكم ما لو قدّم الطعام المغصوب إلي عبد إنسان فأكله 191

2 - حكم ما لو غصب شعيرا فأعلفه دابّة الغير من غير إذن المالك 191

حكم ما لو كانت الدابّة - في الفرض المزبور - لمالك الشعير و كان جاهلا 192

حكم ما إذا غصب طعاما و أطعمه عبيد المالك للطعام 192

3 - حكم ما لو غصب شاة فأمر قصّابا فذبحها جاهلا بالحال 192

4 - حكم ما لو أمر الغاصب إنسانا بإتلاف العين ففعله 192

ص: 490

5 - حكم ما لو دخل المالك دار الغاصب و أكل طعاما علي اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل 192

6 - حكم ما لو صال العبد المغصوب علي مالكه فقتله المالك في الدفع 193

7 - حكم ما لو زوّج الجارية المغصوبة من مالكها و المالك جاهل فتلفت عنده 193

8 - فيما لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب: أعتقه فأعتقه جاهلا بالحال فهل ينفذ عتقه ؟ 193

حكم ما لو قال الغاصب لمالك العبد: أعتقه عنّي 194

الفصل الثالث: في المضمونات

تقسيم المغصوب إلي: ما ليس بمال و ما يعدّ مالا 195

البحث الأوّل: فيما لا يعدّ مالا

عدم ثبوت الغصب فيما ليس بمال 195

وجوب ردّ كلب الصيد أو الزرع أو الحائط أو الماشية المغصوب إلي مالكه 195

حكم ما لو حبس كلب الصيد عن مالكه مدّة 196

عدم وجوب ردّ جلد ميتة مغصوب إلي مالكه 196

فيما لو أتلف الجلد المغصوب أو أتلف ميتة بجلدها لم يكن عليه ضمان 196

حكم ما لو أتلف خمرا أو خنزيرا و صاحبهما مسلم أو كافر و كذا المتلف 197

حكم ما لو غصبت الخمر من الكافر أو من مسلم و العين باقية 199

حكم ما لو أتلفها المسلم أو الكافر و هي في يد المسلم أو تلفت عندهما 200

حكم ما لو أمسكها في يده حتي صارت خلاّ أو أراقها فجمعها إنسان فتخلّلت عنده 200

جواز كسر آلات اللهو و القمار 200

اختلاف الشافعيّة في الحدّ المشروع لإبطال آلات اللهو و القمار 200

البحث الثاني: في الأعيان الماليّة

الأعيان الماليّة مضمونة بشرط عصمتها 202

عدم الضمان في مال الحربيّ لو أتلفه 202

ص: 491

أقسام الأعيان المضمونة 202

ثبوت ضمان النفس و الطرف من الرقيق و الحرّ بالجناية و اليد العادية 202

حكم ما لو مات العبد أو الأمة تحت يد الغاصب 202

حكم ما لو كانت الجناية علي العبد و الأمة فيما دون النفس من طرف أو جراحة 203

حكم ما إذا غصب عبدا فسقطت يده في يده بآفة سماويّة 204

حكم ما لو جني الغاصب علي العبد بما فيه كمال قيمته 205

حكم ما لو تلف بعض أعضاء العبد المغصوب بغير جناية 206

حكم ما لو جني الغاصب علي العبد جناية زادت بها قيمته 206

حكم ما لو مثّل الغاصب بالعبد المغصوب 206

حكم ما لو كان الناقص بقطع الغاصب ليد العبد ثلثي قيمته 207

حكم ما لو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته 207

ثبوت ضمان المدبّر و المكاتب المشروط و أمّ الولد 207

حكم ما لو غصب عبدا أو أمة فقتله قاتل 208

ثبوت الضمان بالقيمة فيما لو تلف الحيوان المملوك غير الآدمي أو أتلفه 209

ثبوت الضمان بالأرش فيما لو تلف جزء من أجزاء الحيوان المملوك 209

عدم الفرق في وجوب الأرش بين مالك و مالك 210

تقسيم الأعيان الماليّة الصامتة إلي مثليّة و غير مثليّة 212

تفسير المثليّ علي اختلاف التعاريف و بيان مصاديقه 212

البحث الثالث: في المنافع

منافع الأموال مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية 216

كلّ عين لها منفعة تستأجر تلك المنفعة فإنّ منفعتها مضمونة بالإتلاف و التلف تحت اليد العادية 217

عدم ضمان منفعة البضع بالفوات تحت اليد 218

ضمان منفعة بدن الحرّ بالتفويت لا بالفوات 219

حكم ما لو حبس الحرّ مدّة لمثلها أجرة و عطّل منافعه 219

ص: 492

حكم ما لو منع الحرّ عن العمل من غير حبس أو حبسه فمات عنده أو عليه ثياب 219

فيما لو استأجر حرّا فهل يجوز إيجاره ؟ 220

فيما لو استأجر مدّة لعمل فسلّم المستأجر نفسه فلم يستعمله المستأجر فهل تتقرّر أجرته ؟ 220

تذنيب: حكم ما لو نقل حرّا من موضع إلي موضع آخر بالقهر 220

حكم الصيد الذي صاده الغاصب بالكلب المغصوب أو الفهد و البازي المغصوبين 221

حكم الصيد الذي صيد بالسهم أو القوس أو الشبكة المغصوبة 221

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت 222

حكم ما إذا غصب عينا فتعذّر ردّها 224

حكم ما لو غيّب الغاصب العبد المغصوب إلي مكان بعيد و عسر ردّه و غرم القيمة 224

الفصل الرابع: في الواجب

كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه ما دامت العين باقية 225

حكم ما إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من ذوات الأمثال أو لم تكن 225

سائر المكيل و الموزون غير الحبوب و الأدهان متماثلة تضمن بالمثل 227

فيما لو كان في المكيل و الموزون صناعة فهل يضمن بالقيمة ؟ 227

حكم ما إذا غصب عينا من ذوات الأمثال و تلفت في يده أو أتلفها و المثل موجود فلم يسلّمه حتي فقد 227

فيما إذا غرم الغاصب أو المتلف القيمة لإعواز المثل ثمّ وجد المثل فهل للمالك ردّ القيمة و طلب المثل ؟ 231

حكم ما لو غصب عينا من ذوات الأمثال و نقلها إلي بلد آخر 232

حكم ما لو أتلف مثليّا أو غصبه و تلف عنده في بلد ثمّ ظفر المالك به في بلد آخر 232

حكم ما لو غصب المثليّ فتلف تحت يده أو أتلف المثليّ علي غيره و مضي عليه زمان زادت قيمة المثل فيه أو نقصت 233

ص: 493

حكم ما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثمّ اجتمعا علي شطّ نهر أو أتلف عليه جمدا في الصيف و اجتمعا في الشتاء 234

فيما إذا غرم القيمة في الفرض المزبور ثمّ اجتمعا في تلك المفارة أو في الصيف فهل يثبت الترادّ؟ 234

تذنيب: حكم ما لو انتقل المسلم إليه 234

الذهب و الفضّة إن كانا مضروبين فهل يضمنان بالمثل أو بنقد البلد؟ 235

حكم ما إذا لم يكن الذهب و الفضّة مضروبين و تكون فيهما صنعة أو لم تكن 235

حكم ما إذا تغيّر المغصوب في يد الغاصب من حال إلي أخري ثمّ تلف عنده و كان متقوّما في الحالة الأولي مثليّا في الثانية أو بالعكس 237

حكم الفرع المزبور فيما إذا كان المغصوب مثليّا في الحالتين أو متقوّما فيهما 238

حكم ما إذا أتلف المثليّ و لم يجد مثله إلاّ بأزيد من ثمن المثل 238

البحث الثاني: في غير المثليّ

حكم ما إذا غصب عينا ليست من ذوات الأمثال و تلفت أو أتلفها 239

حكم ما لو غصب في بلد ثمّ تلف المغصوب في غير ذلك البلد و اختلفت قيمة البلدين أو النقدان 240

حكم ما لو أتلف متقوّما من غير غصب 240

حكم ما لو غصب عبدا فأبق أو دابّة فشردت أو ضلّت أو غيّبها الغاصب أو غصب ثوبا فضاع 241

فيما إذا دفع الغاصب القيمة إلي المالك فهل يملك الغاصب العين المغصوبة ؟ 242

الفصل الخامس: في الطوارئ البحث الأوّل: في النقصان النظر الأوّل: نقص القيمة السوقيّة

حكم ما إذا غصب عينا و قيمتها يوم الغصب عشرة فردّها بحالها و لكن صارت قيمتها يوم الردّ خمسة 245

ص: 494

النظر الثاني: في نقصان الأجزاء

حكم ما إذا غصب عينا و حصل فيها نقص عين منها 246

حكم ما إذا غصب أرضا و نقل التراب عن وجهها 247

حكم ما لو غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو نهرا بغير إذن المالك 248

فروع:

1 - حكم ما لو كان الغاصب قد طوي البئر من آجرّ من عنده 250

2 - وجوب ردّ التراب إلي الأرض المغصوبة إنّما هو فيما إذا لم يتيسّر نقله إلي موات و نحوه في طريق الردّ 250

فيما إذا تلف التراب الأوّل فهل يطمّ بتراب آخر من دون إذن المالك ؟ 250

3 - حكم ما إذا نقل التراب و لم يحفر أو نقل بعد الحفر أو أعاد الغاصب هيئة الأرض في الحالين إلي ما كانت 250

حكم ما لو غصب عبدا فخصاه أو جارية سمينة فهزلت 252

حكم ما إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه فنقصت عينه أو قيمته أو هما معا 253

حكم ما لو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته 254

فيما لو غصب عصيرا فأغلاه حرم و صار نجسا لا يحلّ و لا يطهر قبل ذهاب ثلثيه بالغليان 255

فيما يجب علي الغاصب لو ردّ العصير المغصوب قبل ذهاب ثلثيه 255

النظر الثالث: في نقص الصفات

حكم ما لو غصب عصيرا فصار خمرا عند الغاصب أو تخلّلت في يده 255

حكم ما إذا غصب بيضة فتفرّخت عنده أو نوي فزرعه فصار شجرا أو بذرا فزرعه فنبت و ازداد أو بزر قزّ فصار قزّا 256

حكم ما لو غصب دجاجة فباضت عنده ثمّ حضنت بيضها فصار فراخا 257

حكم ما لو غصب شاة أو دابّة فأنزي عليها فحلا أو غصب فحلا فأنزاه علي شاة 257

ص: 495

حكم ما لو غصب خمرا فتخلّلت في يده أو جلد ميتة فدبغه عند من يطهّر جلد الميتة بالدباغ 257

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت في يده أو زادت بعد النقص و عادت القيمة بحالها 258

حكم ما لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت في يده أو تعلّمت صنعة فبلغت قيمتها ألفا ثمّ هزلت في يده أو نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلي مائة 261

حكم ما إذا غصب العين سمينة أو ذات صنعة أو تعلم القرآن و نحوه فهزلت و سمنت فنقصت قيمتها 262

حكم ما لو غصب جارية فزادت قيمتها بتعلّم الغناء ثمّ نسيته فنقصت القيمة بسبب النقصان 262

حكم ما لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يد الغاصب ثمّ برئ و زال المرض 263

حكم ما لو غصب شجرة فتساقط ورقها ثمّ أورقت أو شاة فجزّ صوفها ثمّ نبت 263

النظر الرابع: أن يكون النقصان فيهما

حكم ما إذا غصب عينا فنقصت قيمتها و جزء من أجزائها 263

حكم ما لو غصب ثوبا قيمته عشرة فاستعمله أوّلا حتي عادت قيمته بالإبلاء إلي خمسة ثمّ انخفضت السوق فعادت قيمته إلي درهمين 264

حكم ما لو غصب ثوبا قيمته عشرة و لبسه فأبلاه حتي عادت القيمة إلي خمسة ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته و هو بال عشرة 264

حكم ما لو غصب عبدا صانعا قيمته مائة فنسي الصنعة و عادت قيمته إلي خمسين ثمّ ارتفعت السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة و قيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين 265

حكم ما لو اختلف المالك و الغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه أنّها متي زادت ؟ 265

النظر الخامس: في جناية الغصب و الجناية عليه القسم الأوّل: جناية الغصب

حكم ما إذا غصب عبدا فجني العبد بما يوجب القصاص في النفس أو في الطّرف 266

ص: 496

حكم ما لو جني العبد المغصوب في يد الغاصب بما يوجب الأرش أو الدية أو جني عمدا و عفا المجنيّ عليه علي مال 266

حكم ما إذا ردّ الغاصب العبد المغصوب الجاني إلي مالكه أو تلف في يده 267

حكم ما لو جني عبد رجل علي رجل جناية تستغرق قيمته ثمّ غصبه بعد ذلك غاصب و جني في يد الغاصب جناية أخري تستغرق قيمته أيضا ثمّ ردّه إلي المالك فبيع في الجنايتين و قسّم الثمن بينهما نصفين 269

حكم ما لو كانت المسألة بحالها و تلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب 270

حكم ما لو غصب عبدا فجني العبد في يد الغاصب ثمّ ردّه إلي المالك فجني في يده جناية أخري و كلّ واحدة منهما تستغرق قيمته فبيع فيهما و قسّم المال بينهما 270

حكم ما لو غصب عبدا فجني في يد الغاصب أوّلا ثمّ ردّه إلي المالك فجني في يده جناية أخري و كلّ من الجنايتين مستغرقة لقيمته ثمّ قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده 271

جناية العبد المغصوب مضمونة علي الغاصب 272

القسم الثاني: الجناية علي الغصب

حكم ما إذا غصب عبدا فقتله قاتل عمدا و كان القاتل عبدا أو حرّا 273

حكم ما إذا غصب عبدا فجني عليه جناية مقدّرة الدية 274

حكم ما إذا غصب عبدا و كان الجاني غير الغاصب و غرّم المقدّر من القيمة و كان الناقص أكثر من ذلك المقدّر أو كان المقدّر أكثر ممّا نقص من القيمة 274

حكم ما لو اجتمعت جناية المغصوب و الجناية عليه في يد الغاصب 276

النظر السادس: في باقي مسائل النقصان

حكم ما لو غصب عبدا فسمن سمنا نقصت به قيمته أو كان شابّا فصار شيخا أو كانت الجارية ناهدا فسقط ثديها 276

حكم ما لو كان العبد المغصوب أمرد فنبتت لحيته فنقصت قيمته 277

حكم ما لو غصب عينا فتعيّبت عيبا غير مستقرّ و نقصت نقصا له سراية و لا يزال يزداد إلي الهلاك 277

ص: 497

حكم ما لو غصب زيتا فصبّ فيه ماء و تعذّر تخليصه منه فأشرف علي الفساد 280

حكم ما لو غصب عبدا صحيحا فمرض في يده ثمّ برئ أو ابيضّت عينه ثمّ ذهب بياضها أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثمّ خفّ سمنها و عادت قيمتها 280

حكم ما لو حملت الجارية المغصوبة فنقصت ثمّ وضعت فزال نقصها 281

فيما إذا ردّ المغصوب ناقصا فعليه أرش نقصه 281

حكم ما لو غصب شيئين ينقصهما التفريق 281

حكم ما لو أتلف أحد الشيئين - في الفرض المزبور - أو غصب أحدهما خاصّة و تلف تحت يده و كانت قيمة المجموع عشرة و عادت قيمة الباقي إلي ثلاثة 282

تذنيب: حكم ما لو أخذ أحدهما علي صورة السرقة و قيمته مع نقصان الثاني نصاب 283

حكم ما لو غصب شيئا فشقّه بنصفين و كان ثوبا ينقصه القطع 283

تذنيب آخر: حكم ما لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلي أربابه 283

حكم ما لو حصل فصيل رجل في بيت آخر و لم يمكن إخراجه إلاّ بنقض الباب 283

حكم ما لو وقع دينار في محبرة الغير و لم يخرج إلاّ بكسرها 284

حكم ما لو غصب فصيلا و أدخله داره فكبر و لم يخرج من الباب أو خشبة و أدخلها داره ثمّ بني الباب ضيّقا لا يخرج منه إلاّ بنقضه 285

حكم ما لو كان دخول الفصيل - في الفرض المزبور - بتفريط صاحب الفصيل أو لم يكن بتفريط أحد 285

حكم ما لو غصب دارا و أدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدّي علي إنسان فأدخل داره فصيلا أو فرسا 286

حكم ما لو غصب دينارا فوقع في محبرته أو أخذ دينار غيره فوقع في محبرته 286

حكم ما لو غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله 286

حكم ما لو رمي إنسان ديناره في محبرة غيره عدوانا و أبي صاحب المحبرة من كسرها 286

ص: 498

حكم ما لو أدخلت بهيمة رأسها في قدر و لم يخرج إلاّ بكسرها 286

حكم ما إذا ابتلعت الدابّة شيئا و كان مقتضي الشرع تضمين صاحبها ما ابتلعته 287

حكم ما لو باع بهيمة بثمن معيّن فابتلعته 288

حكم ما إذا غصب جوهرة فابتلعتها دابّة 288

حكم ما إذا ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بذبح الشاة 288

حكم ما لو أدخلت الشاة رأسها في قدر غيره و لا تفريط من صاحبيهما 289

البحث الثاني في الزيادة النظر الأوّل: زيادة الآثار

حكم ما إذا غصب شيئا فزاد في يد الغاصب 290

عدم ملك الغاصب للعين المغصوبة بتغيّر صفاتها 290

فيما إذا غصب ثوبا فشقّه أو إناء فكسره فهل يجبر علي رفاء الثوب و إصلاح الإناء؟ 292

حكم ما لو غزل القطن المغصوب أو نسجه 292

حكم ما لو غصب نقرة و ضربها دراهم أو صاغ منها حليّا أو غصب نحاسا أو زجاجا و اتّخذ منه إناء 293

هل الغاصب يستحقّ شيئا بعمله في المغصوب ؟ 293

النظر الثاني: في زيادة الأعيان

حكم ما إذا غصب أرضا و بني فيها أو غرس أو زرع 294

حكم ما لو كان الزرع في الأرض المغصوبة ممّا تبقي أصوله فيها و يجزّ مرّة بعد أخري 297

حكم ما لو غصب أرضا فغرسها فأثمرت أو شجرا فأثمر 298

حكم ما لو غصب ماشية من ضمان ولدها إن ولدت عند الغاصب و كذا ضمان لبنها بمثله 299

حكم ما لو غصب أرضا فترك غرسها أو زرعها فنقصت بذلك 299

ص: 499

حكم ما لو نقصت الأرض المغصوبة لطول مدّة الغراس 299

حكم ما لو أراد صاحب الأرض تملّك النماء أو الغراس بالقيمة أو بنفقتها أو الزرع بالأجرة 299

حكم ما لو غصب من رجل أرضا و غراسا فغرس الغراس فيها 300

حكم ما لو غصب من رجل واحد أرضا و بذرا و زرعها به 301

حكم ما لو غصب أرضا من شخص و شجرا من آخر و غرسه في الأرض المغصوبة 301

حكم ما إذا غصب دارا فجصّصها و زوّقها أو طيّنها 302

حكم ما إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ للغاصب 302

حكم ما لو ترك الغاصب الصبغ علي المالك و كان ممكن الانفصال 305

فيما لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ و أراد أن يتملّكه علي الغاصب فهل يجاب إلي ذلك ؟ 307

فيما إذا اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لكلّ واحد منهما الانفراد ببيع ما يملكه منه ؟ 308

حكم ما لو رغب مالك الثوب أو الغاصب في البيع 308

حكم ما لو غصب ثوبا من شخص و صبغا من آخر و صبغه به 309

حكم ما لو غصب ثوبا و صبغا من شخص واحد ثمّ صبغ الثوب بذلك الصبغ 310

حكم ما إذا غصب ثوبا قيمته عشرة و صبغه بصبغ من عنده قيمته عشرة و بلغت قيمة الثوب مصبوغا ثلاثين ففصل الغاصب الصبغ و نقصت قيمة الثوب عن عشرة 310

حكم ما إذا خلط المغصوب بغيره و تعذّر التمييز و كان من الجنس 311

حكم ما إذا مزج الزيت بزيت أردأ منه 312

فيما إذا خلط الدقيق بالدقيق فهل هو كخلط الزيت بالزيت مثليّ؟ 314

حكم ما إذا خلط المغصوب بغير جنسه كما لو خلط زيتا بشيرج و... 315

هل يلحق بخلط الزيت بالشيرج لتّ السويق بالزيت ؟ 315

ص: 500

حكم ما لو غصب شيئا و خلطه بغيره و أمكن التمييز بينهما 316

حكم ما لو غصب ساجة فأدرجها في بنائه أو بني عليها أو علي آجرّ مغصوب 316

حكم ما لو غصب لوحا فجعله في سفينة 317

حكم ما إذا غصب خيطا فخاط به ثوبا و نحوه أو خيط به جرح حيوان محترم 319

الفصل السادس: في تصرّفات الغاصب

حكم ما إذا اتّجر الغاصب بالمال المغصوب بالبيع أو الشراء بالعين أو سلما 323

أحوال وطئ الجارية المغصوبة 323

1 - كون الغاصب و الجارية جاهلين بالتحريم و بيان حكمهما 323

2 - كونهما عالمين بالتحريم و بيان حكمهما 324

3 و 4 - كون الواطئ عالما بالتحريم و الجارية جاهلة به و بالعكس و بيان حكمهما 326

تذنيب: في بيان منشأ الجهل بتحريم وطئ المغصوبة 326

حكم ما لو غصب جارية فباعها من آخر فوطئها المشتري 326

حكم ما إذا تكرّر الوطء إمّا من الغاصب أو من المشتري منه 329

حكم من استكره امرأة علي الزنا 329

حكم ما إذا حصل من الوطئ حبل و انفصل الولد حيّا أو ميّتا و كان الواطئ عالما بالتحريم أو جاهلا به 330

حكم ما لو أحبل الغاصب الجارية و مات و خلّف أباه ثمّ انفصل الجنين ميّتا بجناية جان 333

تذنيب: حكم ما لو وطئ الغاصب بإذن المالك 335

حكم ما إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري 335

حكم ما لو تعيّب المغصوب عند المشتري بعمي و شلل و نحوهما 336

منافع المغصوب المضمونة للمالك من جهة المشتري هل يرجع بها علي الغاصب ؟ 337

فيما إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرّا رجع به علي الغاصب 338

ص: 501

حكم ما لو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتّهب جاهلا بالحال و غرم قيمة الولد 339

فيما إذا بني المشتري أو غرس في الأرض المغصوبة فجاء المالك و نقض بناءه و غراسه فهل يرجع بأرش النقصان علي الغاصب ؟ 339

حكم ما لو زوّج الغاصب الجارية المغصوبة فوطئها الزوج جاهلا 340

فيما لو استخدمها الزوج و غرم الأجرة لم يرجع علي الغاصب 340

فيما لو استرضع المشتري الجارية غرم أجرة مثلها 341

حكم ما لو آجر العين المغصوبة أو أعارها 341

حكم ما إذا انتقصت الجارية المغصوبة بالولادة و كان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكلّه 342

حكم ما لو تعب حمّال الخشبة بحملها فأسندها إلي جدار الغير ليستريح 342

حكم ما لو وقعت الخشبة - في الفرض المزبور - فأتلف شيئا 342

فيما لو غصب دارا و نقضها و أتلف النقض ضمن النقض و ما نقص من قيمة العرصة 343

هل يضمن - في الفرض المزبور - أجرة مثلها دارا إلي وقت الردّ أو إلي وقت النقص ؟ 343

حكم ما لو غصب شاة و أنزي عليها فحلا أو غصب فحلا فأنزاه علي شاته 343

حكم ما لو غصب جارية ناهدا فتدلّي ثديها أو عبدا شابّا فشاخ أو أمرد فالتحي 343

حكم ما لو غصب خشبة و اتّخذ منها أبوابا و سمّرها بمسامير من عنده 343

حكم ما لو غصب ثوبا و نجّسه أو نجس عنده 344

فيما يتعلّق بما لو غصب من الغاصب و أبرأ المالك الأوّل عن ضمان الغصب أو أبرأ غاصب الغاصب عن الضمان 344

الفصل السابع: في التنازع

حكم ما لو ادّعي المالك الغصب و القابض الاتّهاب أو الشراء منه أو الاستيداع أو الاستعارة أو الاستئجار 345

ص: 502

حكم ما لو ادّعي الغاصب تلف المغصوب و أنكر المالك 345

حكم ما لو اتّفقا علي الهلاك و اختلفا في قيمته 345

حكم ما لو قال المالك: كان العبد كاتبا أو محترفا و أنكر الغاصب 347

حكم ما لو ادّعي الغاصب بالعبد عيبا و أنكر المالك 347

حكم ما لو ادّعي الغاصب عيبا في أصل الخلقة 347

حكم ما لو ردّ الغاصب المغصوب و به عيب و قال: غصبته هكذا و قال المالك: بل حدث العيب عندك 348

حكم ما لو تنازعا في الثياب التي علي العبد 348

حكم ما لو قال المالك: غصبت منّي دارا بالكوفة فقال الغاصب: بل غصبت دارك بالمدينة 348

حكم ما لو غصب خمرا محترمة و هلكت عنده ثمّ قال المغصوب منه: هلك بعد أن صار خلاّ و قال الغاصب: بل قبله و لا ضمان عليّ 348

حكم ما لو قال: طعامي الذي غصبته كان حديثا و قال الغاصب: بل كان عتيقا 348

حكم ما لو باع عبدا من إنسان فجاء آخر يدّعي أنّه ملكه و أنّ البائع كان قد غصبه منه 348

حكم ما لو جاء المدّعي - في الفرض المزبور - بعد ما أعتق المشتري العبد و صدّقه البائع و المشتري 349

المقصد الحادي عشر: في إحياء الموات

مقدّمة يذكر فيها تعريف الموات و الإحياء و جواز إحياء الموات نصّا و إجماعا 351

تذنيب: في استحباب الإحياء 354

الفصل الأوّل: في المشتركات

بيان المشتركات 357

المطلب الأوّل: الأراضي

تقسيم الأراضي إلي بلاد الإسلام و بلاد الكفّار 357

ص: 503

البحث الأوّل: في أراضي بلاد الإسلام

عدم جواز التصرّف في أراضي بلاد الإسلام إن كانت معمورة في الحال 357

في أنّ الأرض الموات التي لا ينتفع بها لعطلتها للإمام لا يملكها أحد 358

هل هناك فرق بين المسلم و الذمّي في التملّك بالإحياء؟ 360

حكم ما لو أحيا الذمّي أرضا في موات دار الإسلام ثمّ أسلم 361

حكم ما لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة جري عليها ملك مسلم 362

البحث الثاني: في أراضي بلاد الكفّار

حكم أراضي بلاد الكفّار معمورة في الحال أو غير معمورة 367

تقسيم الأراضي إلي أربعة أقسام 370

1 - ما فتحه المسلمون عنوة بالسيف و القهر و الغلبة و بيان حكمه 370

عدم صحّة التصرّف في الأرض المفتوحة عنوة إلاّ بإذن الإمام 371

عدم صحّة بيع الأرض المفتوحة عنوة و لا هبتها و لا وقفها 371

حكم ما لو كانت هذه الأرض المفتوحة عنوة مواتا وقت الفتح 371

2 - أرض الصلح و بيان حكمها 372

3 - أرض من أسلم أهلها عليها طوعا و بيان حكمها 373

4 - أرض الأنفال و بيان حكمها 374

تقسيم الشافعي البلاد علي ضربين و بيان أحكامهما 374

كلّ أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها 376

حكم ما إذا باع بائع أرض الخراج التي كانت يده عليها 376

فيما إذا اشتري شيئا من أرض الخراج يصير الخراج الذي علي تلك الأرض للمسلمين عليه 377

حكم أرض سواد العراق و أهل الجزية 378

تنبيه: فيما يتعلّق بالأرض التي جري عليه ملك لمسلم 379

ص: 504

المطلب الثاني: في المعادن

تعريف المعادن و تقسيمها إلي ظاهرة و باطنة 379

حكم المعادن الظاهرة 379

بيان المراد بالمعادن الظاهرة 380

هل يجوز للإمام إقطاع المعادن الظاهرة ؟ 380

عدم تملّك المعادن الظاهرة بالإحياء 381

حكم ما لو حوّط واحد علي بعض هذه المعادن الظاهرة حائطا و اتّخذ عليه دارا أو بستانا 381

فيما لو ازدحم اثنان علي المعدن الظاهر و ضاق المكان فالسابق أولي 382

في أنّ السابق بأيّ قدر يستحقّ التقدّم ؟ 382

حكم ما لو أراد الزيادة علي ما يقتضيه حقّ السبق 382

حكم ما لو جاءا معا إلي المعدن 382

تذنيب: في أنّ من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء 383

هل الملح الجبليّ و الكحل و الجصّ من المعادن الظاهرة أو الباطنة ؟ 383

المدر و أحجار النورة من المعادن الظاهرة 383

تذنيب آخر: في حكم أرض موات في جانب المملحة إذا حفر فيها بئر و سيق إليها الماء 383

تفسير المعادن الباطنة 384

تقسيم المعادن الباطنة إلي ظاهرة و غيرها و بيان حكمهما 384

تذنيب: في حكم ما لو أظهر السيل قطعة ذهب أو جاء بها 386

تملّك المعادن الباطنة بالإحياء و بيان المراد منه 386

حكم ما لو أحيا أرضا فوجد فيها معدنا 387

فيما يتعلّق بإقطاع الإمام بعض المعادن الباطنة 388

جواز العمل علي المعدن الباطن و الأخذ منه من غير إذن الإمام 388

ص: 505

بيان ما يتحقّق به إحياء المعدن الباطن 388

هل يجوز للسلطان إقطاع المعدن الباطن ؟ 389

حكم ما إذا غنم المسلمون بلاد المشركين و فيها موات قد عمل جاهليّ فيه معدنا 390

حكم ما لو اشتري دارا فظهر فيها معدن أو وجد فيها كنزا مدفونا 390

هل يجوز لمالك المعدن الباطن بيعه ؟ 390

حكم ما إذا ملك أرضا بالإحياء أو الشراء و شبهه فوجد فيها معدنا باطنا 391

المطلب الثالث: في المنافع المشتركة

منافع الشوارع و المساجد و المقابر و الرّبط غير مملوكة لأحد 394

بيان المراد من الشوارع و الغرض بها و منفعتها الأصليّة 394

جواز الوقوف و الجلوس في الشوارع لغرض الاستراحة و المعاملة و غيرهما بشرط عدم تضرّر أحد و عدم الضيق علي المارّة 394

حكم ما لو استبق اثنان إلي موضع 394

هل هذا الارتفاق يختصّ بالمسلمين أو جائز لأهل الذمّة أيضا؟ 394

فيما يتعلّق بما إذا جلس واحد في موضع من الشوارع و الأسواق من الأحكام 395

تذنيب: في اختصاص ما حول موضع الجلوس بالجالس بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين فيه 397

تنبيه: في اختصاص جواز الجلوس للبيع و الشراء بالمواضع المتّسعة 397

حكم المسجد كالسوق 397

كراهة الجلوس في المساجد للبيع و الشراء و إنشاد الضالّة و عمل الصنائع 399

في أنّ الرّبط المسبّلة في الطرق و علي أطراف البلاد إذا سبق واحد إلي موضع منها كان أحقّ به من غيره 400

حكم ما لو ازدحم اثنان علي موضع و لا سبق 400

حكم المدارس و الخانقاهات 400

في أنّ المرتفق بالشوارع و المساجد إذا طال العكوف عليها لا يزعج 401

ص: 506

حكم الرباطات و المدارس الموقوفة 401

المطلب الرابع: في المياه

تقسيم المياه إلي ثلاثة 401

1 و 2 - الماء المحرز و العامّ و بيان حكمهما 401

3 - المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص 402

البحث الأوّل: في المياه العامّة

إباحة المياه العامّة للناس كافّة 402

حكم ما لو حضر اثنان فصاعدا أو جاءا معا 402

حكم ما لو أراد واحد السقي و هناك من يحتاج للشرب 402

في أنّه من أخذ من المياه العامّة شيئا في إناء ملكه 402

حكم ما لو زاد الماء المباح فدخل شيء منه ملك إنسان بسيل أو جريان 403

هل يملك هذا الماء الزائد مالك الملك ؟ 403

حكم ما لو سال هذا الماء المباح في نهر عظيم عليه أملاك تحتاج إلي السقي منه و كان النهر يفي بالجميع 404

حكم ما إذا كان النهر صغيرا غير مملوك تشاحّ فيه أهل الأرضين الشاربة و لم يف بالجميع إذا سقوا في وقت واحد 404

فيما يتعلّق بمقدار حقّ حبس الماء لسقي الزرع و الشجر و النخل 405

فروع:

1 - حكم ما إذا اختلفت أرض الأعلي فكان بعضها مرتفعا و بعضها منخفضا 408

2 - حكم ما لو سقي الأعلي و استوفي حقّه ثمّ احتاج إلي السقي مرّة أخري 408

3 - حكم ما إذا تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شقّ النهر من موضعين متحاذيين يمينا و شمالا 409

4 - حكم ما لو أراد إنسان إحياء أرض ميتة و سقيها من هذا النهر الغير المملوك 409

5 - عمارة حافّات هذه الأنهار تؤخذ من بيت المال 410

ص: 507

6 - حكم ما لو أراد إنسان بناء قنطرة لعبور الناس علي مثل هذا النهر 410

7 - حكم ما لو أراد أحد بناء رحي علي هذه الأنهار 410

8 - حكم ما لو استوي اثنان في القرب من أوّل النهر 410

9 - حكم ما لو كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر 411

فيما يتعلّق بما لو حفر إنسان نهرا فأخذ الماء من الوادي العظيم أو النهر العظيم أو من النهر المنخرق منه ليدخل ماء النهر العظيم فيه 411

فيما يتعلّق بما إذا اشترك جماعة في حفر نهر أو ساقية في أرض موات و بلغوا حدّ الوصول إلي الوادي العظيم أو النهر العظيم 412

تذنيب: فيما لو أراد الشركاء قسمة النهر نفسه و كان عريضا يمكن قسمته جاز 414

فيما لو كان النهر مملوكا بين جماعة و أراد من كانت أرضه أسفل توسيع فم النهر لئلاّ يقصر الماء عنه لم يجز إلاّ برضا الباقين 414

فيما لو أراد القريبون من فوهة النهر تضييق فم النهر أو بناء قنطرة أو رحي عليه أو غرس شجرة علي حافّتيه لم يكن لهم ذلك إلاّ برضا الباقين 415

فيما لو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي ينساق فيها الماء إلي أرضه أو تأخيره لم يكن له ذلك 415

فيما لو كان لأحدهم ماء في أعلي النهر فأجراه في النهر المشترك برضا الشركاء ليأخذه من الأسفل و يسقي به أرضه كان لهم الرجوع متي شاؤا 415

فيما إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة كانت تنقيته و عمارته و سدّ شيء منه أو إصلاح حائطه عليهم بحسب الملك 415

فيما إذا كان بعض الشركاء أقرب إلي فم النهر و بعضهم أبعد اشترك الجميع في عمارته و إكرائه و إصلاحه من فمه إلي أن يصلوا إلي الأوّل... 415

فيما إذا حصل نصيب إنسان من هؤلاء الشركاء في النهر المملوك في ساقية اختصّ بذلك الماء و كان له أن يسقي به ما شاء من الأرض 416

فيما لو أراد أحد الشركاء أخذ شيء من ماء النهر قبل قسمته يسقي به أرضا في أوّل النهر أو في غيره لم يجز 418

ص: 508

فيما لو كان النهر مشتركا و قسّموا ماءه بالمهايأة فحصل لأحدهم الماء في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا... جاز 418

فيما لو أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر أو غيرها لم يجز 419

فيما يتعلّق بالنهر المشترك بين قوم بأعيانهم إذا تنازعوا في قدر أنصبائهم 419

البحث الثاني: في المياه المتردّدة بين العموم و الخصوص

وجوه حفر البئر و بيان أحكامها 419

ماء البئر أو العين المملوكة المالك أحقّ به من غيره 422

فيما لو فضل من ذلك الماء شيء عن حاجته فهل يجب عليه بذله لغيره المحتاج إليه ؟ 422

حكم ما لو حفر البئر و لم يقصد التملّك و لا غيره 426

حكم القنوات حكم الآبار في جميع ما تقدّم من الأحكام 426

تذنيب: في أن الذين يسقون أراضيهم من الأودية المباحة لو تواضعوا علي مهايأة و جعلوا للأوّلين أيّاما و للآخرين أيّاما جاز 427

خاتمة تتعلّق ببيع الماء 427

الفصل الثاني: في شرائط الإحياء

1 - عدم كون يد مسلم علي الأرض 431

2 - عدم كونه حريما للعامر 431

هل مالك العامر يملك الحريم الذي له أو يكون أولي و أحقّ به من غيره ؟ 432

جواز إحياء ما قرب من العامر و لم يتعلّق به مصلحة العامر 433

هل هناك حدّ يفصل بين القريب و البعيد سوي العرف ؟ 434

3 - عدم كونه مشعرا للعبادة بوضع الشارع 434

4 - عدم كونه مسبوقا بالتحجير من قبل أحد 435

حكم ما إذا حجّر أرضا من الموات 436

حكم ما لو باع المتحجّر ما تحجّره قبل أن يخصّه 438

ص: 509

حكم ما لو حجّر إنسان علي أرض موات و أهمل عمارتها حتي زالت آثاره 439

إفادة التحجير للأولويّة و عدم إفادته ملك الرقبة 440

5 - عدم كونه مقطعا من الإمام 440

بيان الأحكام المتعلّقة بالموات 441

تقسيم الإقطاع إلي إقطاع الموات للتمليك و إقطاع إرفاق 441

6 - أن لا يكون قد حماه النبي صلّي اللّه عليه و اله 442

بيان المراد من الحمي و أنّ الحمي قد كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله لخاصّ نفسه و للمسلمين 442

هل للإمام عليه السّلام أن يحمي للمسلمين ؟ 444

في أنّه للإمام أن يحمي لنفسه و لخيل المجاهدين و إبل الصدقة و الضوالّ و نعم الجزية و مواشي الضعفاء 445

عدم جواز إحياء ما حماه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أو الإمام 446

هل يجوز نقض ما حماه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أو الإمام لمصلحة فزالت ؟ 446

خاتمة في عدم جواز إقطاع المعادن الظاهرة و جواز إقطاع المواضع المتّسعة في الشوارع 447

فيما إذا سبق إلي الجلوس في الطريق الواسع كان أحقّ به ما دام جالسا فيه 447

في أنّ الجالس بالإقطاع أو السبق إذا ظلّل علي نفسه شيئا ممّا ينقله معه جاز و إلاّ فلا 448

تقسيم غير المملوك من الأرض إلي أربعة أقسام 448

الفصل الثالث: فيما به يحصل الإحياء المعهود

انصراف إطلاق الإحياء إلي المتعارف بين الناس 451

إرادة السكني في الملك الذي يقصد إحياءه تتحقّق بأن يدار عليه حائط و يسقّف بعضها 452

هل يجب تعميم السقف علي الحيطان الدائرة علي البقعة ؟ 452

فيما لو أراد إحياء أرض يتّخذها حظيرة للدوابّ يشترط التحويط لا غير 453

ص: 510

فيما لو قصد الإحياء لاتّخاذ الموات مزرعة يعتبر في إحيائه أمور... 454

1-3 - جمع التراب حواليه و تسوية الأرض و ترتيب مائها 454

فيما لو قصد الإحياء بزرع بستان فلا بدّ من التحويط بحسب العادة 455

تنبيه: في أنّ من الإحياء عرفا ما لو كانت الأرض مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها 456

هل يعتبر القصد إلي الإحياء في تحقّق الملك للمحيي ؟ 456

حكم ما لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوع آخر 457

فيما إذا حفر بئرا في الموات للتملّك لم يحصل الإحياء ما لم يصل إلي الماء 457

فيما إذا حفر نهرا ليجري الماء فيه علي قصد التملّك فإذا انتهت فوهة النهر إلي النهر القديم ملكه 457

حكم ما لو سقي أرضه بماء غيره المملوك لذلك الغير 458

في أنّ ما نضب عنه الماء من الجزائر هل يملك بالإحياء؟ 458

فيما لو نضب الماء عن الجزيرة فنبت فيها نبات لم يكن لأحد الاختصاص به و لا منع الناس عنه 458

حكم ما لو كان ما نضب عنه الماء من الجزائر لا ينتفع به أحد فعمّره رجل عمارة لا تردّ الماء 458

الفصل الرابع: في حدّ الحريم

بيان المراد من الحريم 459

بيان حريم القري المحياة 459

بيان حريم الدار في الموات و حريم الحائط 460

بيان حريم البئر 461

بيان حريم العين في الأرض الصلبة و الرخوة 463

بيان حدّ الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة 466

بيان حريم النهر و الشجر 466

تنبيه: في أنّ الأرض إذا كانت محفوفة بالأملاك فلا حريم لها 467

ص: 511

فائدة: في عدم المنع من إحياء ما وراء الحريم قرب أو بعد 469

في أنّ النهر المملوك إذا كان عليه رحي بحقّ ملك لم يكن لأرباب النهر طمّ هذا النهر و لا صرف الماء عنه إلي أملاكهم 469

تتمّة: في حريم المسجد و القناة 470

فهرس الموضوعات 471

ص: 512

المجلد 20

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء العشرون

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة و مسجّلة لمؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث

مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث قم المقدّسة: شارع الشهيد فاطمي (دورشهر) زقاق 9 رقم 1-3 ص. ب 37185/996 هاتف: 5-7730001 فاكس: 7730020

ص: 4

كتاب العطايا المعجّلة و فيه مقصدان:

مقدّمة:

العطايا جمع عطيّة، أقسامها ثلاثة؛ لأنّها إمّا منجّزة غير معلّقة بالوفاة، و إمّا مؤجّلة معلّقة بالوفاة، و الثاني الوصيّة، و الأوّل إمّا أن تكون العطيّة مطلقة تقتضي الملك المطلق الموجب لإباحة أنواع التصرّفات، و هو الهبة، و إمّا أن تكون مقيّدة غير مطلقة، و هو الوقف.

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول

اشارة

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول(1).

أمّا المقدّمة: ففي بيان حقيقتها و تسويغها.
اشارة

قد عرفت أنّ أقسام العطايا ثلاثة، و أنّ من جملتها العطيّة المنجّزة في الحياة، المقتضية تسويغ عموم التصرّفات، و هي الهبة، لكنّها إن خلت عن العوض سمّيت هبة، فإن انضمّ إليه حمل الموهوب من مكان إلي مكان للموهوب منه إعظاما له و توقيرا سمّي هديّة، و إن انضمّ إليه كون التمليك من المحتاج تقرّبا إلي اللّه تعالي و طلبا لثوابه فهو صدقة، فامتازت الهبة عن الهديّة بالنقل و التحويل من موضع إلي موضع، و منه إهداء القرابين إلي الحرم، و لهذا لا يدخل لفظ الهديّة في العقارات و ما أشبهها من الأمور الممتنع نقلها، فلا يقال: أهدي إليه دارا، و لا عقارا، و لا أرضا، و إنّما يقال:

و هبه أرضا و عقارا و دارا، و يدخل أيضا في المنقولات، فصارت بهذا

ص: 5


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فصلان». و المثبت يقتضيه ذكر ثلاثة فصول في طيّ الكتاب.

الاعتبار أعمّ من الهديّة و الصدقة، فإنّ كلّ هديّة و صدقة هبة، و لا تنعكس، و لهذا لو حلف أن لا يهب فتصدّق حنث، و بالعكس لا يحنث.

و اختلف أصحاب الشافعي في أنّه هل يعتبر في حدّ الهديّة أن يكون بين المهدي و المهدي إليه رسول و متوسّط علي وجهين فيما إذا حلف أن لا يهدي إليه فوهب منه خاتما و شبهه يدا بيد، هل يحنث ؟ و المشهور عندهم: أنّه لا يعتبر(1).

مع أنّه ينتظم أن يقال لمن حضر عنده: هذه هديّتي أهديتها لك، مع انتفاء الرسول و المتوسّط فيه.

مسألة 1: و قد ورد في الكتاب العزيز و السّنّة و الأحاديث

ما يدلّ علي استحباب الثلاثة و الترغيب فيها:

قال اللّه تعالي: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (2) قيل:

المراد منه الهبة(3).

و قال تعالي: وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي (4) و قال تعالي:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَي الْمالَ عَلي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ (5) و قال تعالي: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ (6) و هي كثيرة.

ص: 6


1- العزيز شرح الوجيز 306:6، روضة الطالبين 427:4.
2- سورة النساء: 86.
3- الجامع لأحكام القرآن 298:5، العزيز شرح الوجيز 306:6.
4- سورة المائدة: 2.
5- سورة البقرة: 177.
6- سورة الحديد: 18.

و روي العامّة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لو أهدي إليّ ذراع لقبلت، و لو دعيت إلي كراع لأجبت»(1).

و كان عليه السّلام يأمر بالهديّة صلة بين الناس، قال عليه السّلام: «تهادوا تحابّوا»(2).

و قال عليه السّلام: «تهادوا فإنّ الهديّة تذهب الضغائن»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«تهادوا تحابّوا»(4).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: لو دعيت إلي ذراع(5) لأجبت، و لو أهدي إليّ كراع لقبلت»(6).

و قال عليه السّلام: «عد من لا يعودك، و اهد لمن لا يهدي إليك»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «الهديّة ثلاثة: هديّة مكافأة، و هديّة مصانعة، و هديّة للّه عزّ و جلّ»(8).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لإن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ3.

ص: 7


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2028/556:6، مسند أحمد 9855/254:3، صحيح البخاري 201:3، و 32:7، السنن الكبري - للبيهقي - 169:6، و 7: 273.
2- الموطّأ 16/908:2، الأدب المفرد - للبخاري -: 594/205، مسند أبي يعلي 6148/9:11، المعجم الأوسط - للطبراني - 7240/234:7، مسند الشهاب 1: 657/381، السنن الكبري - للبيهقي - 169:6، تاريخ مدينة دمشق 225:61 و 227.
3- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 306:6.
4- الفقيه 858/190:3.
5- في المصدر: «كراع» بدل «ذراع».
6- الفقيه 861/191:3.
7- الفقيه 867/191:3.
8- الفقيه 868/191:3.

إليّ من أن أتصدّق بمثلها»(1).

و قد أجمع المسلمون كافّة علي استحبابها.

و لا ينبغي أن يستخفّ القليل فيمتنع من إهدائه، و لا ينبغي للمهدي إليه الاستنكاف من قبوله؛ لما في ذلك من جبر القلب و حصول المؤانسة.

تنبيه: الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجّزا مجرّدا عن القربة، و يعبّر عنها بالنحلة أيضا، فقولنا: «العقد» جنس بعيد شامل لجميع العقود، و قولنا: «المقتضي تمليك العين» يخرج منه الإجارة و العارية، فإنّ الإجارة تقتضي تمليك المنافع لا تمليك العين، و العارية تقتضي إباحة المنافع لا تمليكها، و قولنا: «من غير عوض» يخرج عنه البيع، فإنّه يقتضي تمليك العين لكن مع العوض، و يزيد أنّ العوض لا يكون لازما، لا انتفاء العوض ليدخل في الحدّ الهبة المعوّض عنها، و التنجيز لإتمام الحدّ، و التجرّد عن القربة ليخرج الصدقة.5.

ص: 8


1- الكافي 12/144:5.
الفصل الأوّل: في الأركان و مباحثه ثلاثة:
البحث الأوّل: في صيغة الهبة
اشارة

البحث الأوّل: في صيغة الهبة(1).

الهبة عقد يفتقر إلي الإيجاب و القبول باللفظ، كالبيع و سائر التمليكات.

و أمّا الهديّة فذهب قوم من العامّة إلي أنّه لا حاجة فيها إلي الإيجاب و القبول اللفظيّين، بل البعث من جهة المهدي كالإيجاب، و القبض من جهة المهدي إليه كالقبول؛ لأنّ الهدايا كانت تحمل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من كسري و قيصر و سائر الملوك فيقبلها و لا لفظ هناك، و استمرّ الحال من عهده عليه السّلام إلي هذا الوقت في سائر الأصقاع، و لهذا كانوا يبعثون علي أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعبارتهم(2).

و منهم من اعتبرهما، كما في الهبة و الوصيّة، و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلك كان إباحة لا تمليكا(3).

و أجيب: بأنّه لو كان كذلك لما تصرّفوا فيه تصرّف الملاّك، و معلوم أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يتصرّف فيه و يملّكه غيره(4).

ص: 9


1- في النّسخ الخطّيّة: «الصيغة» بدل «صيغة الهبة».
2- الحاوي الكبير 537:7، الوسيط 265:4، حلية العلماء 50:6-51، التهذيب - للبغوي - 543:4-544، البيان 96:8، العزيز شرح الوجيز 307:6 - 308، روضة الطالبين 428:4، المغني 283:6، الشرح الكبير 275:6.
3- العزيز شرح الوجيز 308:6، روضة الطالبين 428:4.
4- العزيز شرح الوجيز 308:6، روضة الطالبين 428:4، و راجع: الهامش (5) من ص 11، و الهامش (1 و 2) من ص 12.

و الصدقة كالهديّة في ذلك بلا فصل.

و يمكن الاكتفاء في هدايا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غير لفظ الإيجاب و القبول؛ جريا علي المعتاد بين الناس.

و التحقيق: مساواة غير الأطعمة لها، فإنّ الهديّة قد تكون غير طعام، فإنّه قد اشتهر هدايا الثياب و الدوابّ من الملوك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و أنّ مارية القبطيّة أمّ ولده كانت من الهدايا(1).

و قال بعض الحنابلة: لا تفتقر الهبة إلي عقد، بل المعاطاة و الأفعال الدالّة علي الإيجاب و القبول كافية، و لا يحتاج إلي لفظ؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يهدي و يهدي إليه، و يفرّق الصدقة، و يأمر سعاته بتفرقتها، و لم ينقل في ذلك إيجاب و لا قبول، و لو كان شرطا لأمر به، و لأنّه لا خلاف بين العلماء أنّ تقديم الطعام بين يدي الضّيفان إذن في الأكل، و أنّه لا يحتاج إلي قبول(2).

مسألة 2: الإيجاب هنا كلّ لفظ يقصد به تمليك العين بغير عوض،

و الصريح فيه: و هبتك، و ملّكتك، و أهديت لك، و أعطيتك، و هذا لك، و لا بدّ فيه من لفظ صريح، و لا تكفي الكنايات فيه، كالبيع؛ عملا بالاستصحاب.

و القبول كلّ لفظ يدلّ علي الرضا بالتمليك، كقوله: قبلت، و رضيت، و ما يشابهه.

ص: 10


1- السيرة النبويّة - لابن هشام - 202:1، الطبقات الكبري - لابن سعد - 214:8، مروج الذهب 1492/29:3، أسد الغابة 261:6، المستدرك - للحاكم - 38:4 و 39، السنن الكبري - للبيهقي - 215:9، العزيز شرح الوجيز 308:6.
2- المغني 283:6-284، الشرح الكبير 275:6-276.

و لا بدّ و أن يكون العقد منجّزا، فلو علّقه علي شرط لم يصح، كالبيع.

و يجب أن يكون القبول عقيب الإيجاب، فلا يجوز تأخيره عنه، بل يعتبر التواصل، كما في البيع، و ليتمّ القبول جوابا لذلك الإيجاب.

و ذكر بعض الشافعيّة أنّه يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، كما في الوصيّة(1).

و هذا الخلاف حكاه أكثر الشافعيّة في الهبة(2).

و خصّصه بعضهم بالهديّة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أهدي إلي النجاشي(3) ، و لا يزال الناس يفعلون ذلك، و منع من التأخير في الهديّة جزما، و فعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و غيره إباحة لا هبة، و القياس: التسوية بينهما(4).

ثمّ في الهدايا التي يبعث بها من موضع إلي آخر إن اعتبرنا اللفظ و فوريّة القبول وكّل المهدي الرسول ليوجب و يقبل المهدي إليه، أو يوجب المهدي و يقبل المهدي إليه عند الوصول إليه.

و المشهور: أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله كان يتصرّف في الهبة(5) ، و لم ينقل في1.

ص: 11


1- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 428:4.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 309:6، و روضة الطالبين 428:4.
3- الطبقات الكبري - لابن سعد - 95:8، مسند أحمد 26732/552:7، المعجم الكبير - للطبراني - 205/81:25، المستدرك - للحاكم - 188:2، السنن الكبري - للبيهقي - 26:6، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 515:11 - 5114/516.
4- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 428:4.
5- مسند أحمد 9011/124:3، و 10003/277، صحيح البخاري 105:1، و 203:3، صحيح مسلم 1077/756:2، و 2075/1646:3، المعجم الكبير - للطبراني - 1008/417:19 و 1009، السنن الكبري - للبيهقي - 185:6، تاريخ مدينة دمشق 391:21.

شيء منه أنّه أوجب له الرسول و قبل منه، و كذا ما يفعله الناس.

و قوله: «إنّه إباحة» ليس بصحيح؛ لأنّهم أجمعوا علي تسميتها هديّة و هبة، و لا يسمّونها إباحة، و لأنّ الإباحة تختصّ بالمباح له، و قد كان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إذا أهدي إليه شيء يهديه لزوجاته و غيرهنّ(1) ، و قد أهدي له حلّة فأهداها لعليّ عليه السّلام(2).

مسألة 3: و يشترط في المتعاقدين الكماليّة،

فلا يصحّ العقد إلاّ من بالغ كامل العقل جائز التصرّف.

و يقبل عن الطفل وليّه إمّا الأب أو الجدّ أو غيرهما.

و إن كان الواهب هو الوليّ، فإن كان أبا أو جدّا تولّي الطرفين، و إن كان غيرهما من حاكم أو وصيّ أو وليّ حاكم فكذلك علي الأقوي.

و يحتمل أن يقبل الحاكم أو نائبه.

و لا يكفي في العقد الإيجاب منفردا عن القبول، بل لا بدّ منهما، كالبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكفي الإيجاب عنه، و لا يكفي القبول مجرّدا عن الإيجاب(3).

و للشافعيّة وجه: أنّه يكفي إذا جاء بلفظ مستقلّ، مثل أن يقول:

اشتريت لطفلي كذا، أو اتّهبت له كذا، و لا يكفي قوله: قبلت البيع أو

ص: 12


1- الطبقات الكبري - لابن سعد - 188:8، سنن الدارمي 104:2.
2- المصنّف - لابن أبي شيبة - 158:8-4699/159، مسند أحمد 1: 700/146، و 1175/224، صحيح مسلم 1644:3، ح 2071 و ذيله، سنن ابن ماجة 3596/1189:2، سنن أبي داود 4043/47:4، سنن النسائي (المجتبي) 197:8، السنن الكبري - للنسائي - 9566/461:5-1، السنن الكبري - للبيهقي - 424:2 و 425.
3- البيان 105:8، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.

الهبة(1).

و لا يكفي قبول المتعهّد الذي لا ولاية له علي الطفل، و لا عبرة بقبوله عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - لانتفاء ولايته عنه.

و قال أبو حنيفة: يعتبر(3). و ليس شيئا.

و لو وهب من عبد غيره، اعتبر قبول العبد.

و هل يفتقر إلي إذن السيّد؟ نظر، و للشافعيّة فيه خلاف(4).

و لو وهب غيره شيئا فقبل نصفه، أو وهبه عبدين فقبل أحدهما خاصّة، فالأقرب: الجواز، بخلاف البيع؛ لأنّ البيع عقد مغابنة، و قد يتضرّر البائع بالتشقيص؛ لانتقاص قيمة الباقي، بخلاف الهبة.

و للشافعيّة فيه وجهان(5).

و لو قال غارس الشجرة: أغرس هذه لابني، لم يصر للابن بمجرّد ذلك.

و لو قال: جعلته لابني و كان صغيرا، فإن قلنا بالاكتفاء بالكنايات في العقود - علي ما هو مذهب بعض الشافعيّة(6) - و بالاكتفاء من الأب في هبته من ابنه الصغير بأحد شقّي العقد، صار ملكا للابن، و إلاّ فلا، و لو كان كبيرا لم يصح.4.

ص: 13


1- نهاية المطلب 409:8، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.
2- التهذيب - للبغوي - 528:4، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 4: 429.
3- التهذيب - للبغوي - 528:4، العزيز شرح الوجيز 309:6.
4- التهذيب - للبغوي - 529:4، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 4: 429.
5- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.
6- العزيز شرح الوجيز 310:6، روضة الطالبين 430:4.

و لو اتّخذ عرسا لابنه إمّا في ختان أو غيره و عمل دعوة فحملت إليه الهدايا و لم يذكر أصحابها أنّها للأب أو للابن، للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها للأب الذي اتّخذ الدعوة؛ لأنّ الخراج بالضمان.

و الثاني: للابن؛ لأنّ الدعوة اتّخذت لأجله و له(1).

و خادم الصوفيّة الذي يتردّد في السوق و يجمع لهم شيئا يملكه، و لا يلزمه الصرف إليهم، إلاّ أنّ المروءة تقتضي الصرف، لإخلادهم إليه، و لو لم يصرفه إليهم، كان لهم منعه من أن يظهر بالجمع لهم و الإنفاق عليهم، و إنّما ملكه لانتفاء ولايته عنهم و وكالته منهم، كيف! و ليسوا بمتعيّنين، بخلاف هدايا الختان، أمّا لو دفع إليه علي أنّه يطعم أصحابه، لم يكن له الاختصاص.

البحث الثاني: العين الموهوبة.
مسألة 4: كلّ عين يصحّ نقلها بالبيع يصحّ نقلها بالهبة؛

لأنّ الهبة تمليك ناجز كالبيع، و إنّما يفترقان في العوض و عدمه، فتصحّ هبة المشاع، كما يصحّ بيعه علي الحدّ الذي يجوز بيعه فيه عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2) - لأنّ وفد هوازن لمّا جاؤا يطلبون من

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 310:6، روضة الطالبين 430:4.
2- الأم 62:4، الحاوي الكبير 534:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، نهاية المطلب 411:8، الوجيز 249:1، الوسيط 267:4، حلية العلماء 47:6، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 102:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 434:4-435، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1199/674، المعونة 1069:3، بداية المجتهد 329:2، الإفصاح عن معاني

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يردّ عليهم ما غنمه منهم، قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لكم»(1) و هذا هبة المشاع.

و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قد جاءه رجل و معه كبّة(2) من شعر، فقال: أخذت هذه من المغنم لأصلح برذعة لي، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لك»(3).

و قال أبو حنيفة: هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا تجوز، و إن كان ممّا لا يمكن قسمته صحّت هبته - و إذا وهب واحد من اثنين شيئا [ممّا ينقسم](4) لم يجز عند أبي حنيفة و زفر، و جاز عند أبي يوسف و محمّد(5) -8،

ص: 15


1- مسند أحمد 6690/382:2، و 6997/438، التاريخ الصغير - للبخاري - 1: 31، سنن النسائي (المجتبي) 262:6-263، السنن الكبري - للنسائي - 4: 6515/120-1، السنن الكبري - للبيهقي - 336:6، و 75:9، الطبقات الكبري - لابن سعد - 114:1-115، و 153:2، تاريخ الطبري 86:3-87، الكامل في التاريخ 268:2-269.
2- الصحاح 50:2، المغني 285:6، الشرح الكبير 284:6، مختصر اختلاف العلماء 1837/139:4، المبسوط - للسرخسي - 64:12، روضة القضاة 2: 3052/519، تحفة الفقهاء 161:3، بدائع الصنائع 119:6.
3- سنن أبي داود 2694/63:3، سنن النسائي (المجتبي) 262:6-264، السنن الكبري - للنسائي - 120:4-6515/121-1.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ص، ع»: «لم يقسم»، و كلاهما لم يرد في «ر» و الطبعة الحجريّة، و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
5- مختصر اختلاف العلماء 1839/140:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 67:12، روضة القضاة 523:2 و 3081/524 و 3082، و 3118/528، تحفة الفقهاء 162:3-163، الفقه النافع 738/1013:3، بدائع الصنائع 121:6، الهداية - للمرغيناني - 226:3، حلية العلماء 47:6-48،

لأنّ القبض شرط في الهبة، و وجوب القسمة يمنع من صحّة القبض و تمامه(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه لا يمنع صحّة القبض في البيع [فكذا هاهنا](2) و لأنّ هذا جزء يجوز بيعه فجازت هبته، كالمشاع الذي لم ينقسم.

إذا عرفت هذا، فإن كان المشاع ممّا لا ينقل و لا يحوّل كالعقارات، فإنّ قبضه يكون بالتخلية بينه و بين الموهوب له، كما في البيع، و إن كان ممّا ينقل و يحوّل و لا يمكن إقباضه إلاّ بالنقل و لا يمكن نقل الجزء المشاع إلاّ مع الباقي، فإذا أراد التسليم قيل للشريك: هل ترضي أن يسلّم إلي الموهوب منه نصيبك أيضا علي وجه الوديعة ؟ فإن سلّم إليه الجميع لينقله حصل الإقباض، و إن امتنع قيل للمتّهب: أتوكّله في أن ينقله لك و يقبضه ؟ فإن فعل قبضه له الشريك و قبّضه، و إن امتنع نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض؛ لأنّ ذلك ممّا لا ضرر علي الشريك فيه، و يتمّ به عقد شريكه.6.

ص: 16


1- مختصر اختلاف العلماء 1837/139:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 64:12، روضة القضاة 518:2-3052/519، تحفة الفقهاء 3: 161، الفقه النافع 735/1012:3، بدائع الصنائع 119:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3، الحاوي الكبير 534:7، نهاية المطلب 411:8، الوسيط 267:4، حلية العلماء 47:6، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 102:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1199/674:2، المعونة 3: 1609، بداية المجتهد 329:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 50:2، المغني 6: 285، الشرح الكبير 284:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 286:6، و الشرح الكبير 285:6.

و لو وهب رجل من اثنين شيئا، فإن قبلاه و قبضاه بإذنه صحّت الهبة، و إن قبض أحدهما و قبل، صحّت الهبة في النصف؛ لأنّ العقد من اثنين بمنزلة العقدين، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا تصحّ كما في البيع(1).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يهب من الشريك و من غيره علي ما بيّنّاه.

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ هبة المنقسم من غير الشريك، و بالغ فقال:

لو وهب الشيء المنقسم من اثنين لم يصح أيضا(2).

تذنيب: تجوز هبة الأرض المزروعة دون الزرع، و بالعكس، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز(4). و ليس بمعتمد.

مسألة 5: لا تجوز هبة الآبق و لا الضالّ؛

لأنّ الإقباض شرط في صحّة الهبة، و الآبق و الضالّ لا يمكن إقباضهما.

و تجوز هبة المغصوب من غير الغاصب إن قدر علي الانتزاع، و إن لم يقدر فللشافعيّة وجهان(5).

و تصحّ الهبة من الغاصب، و تجوز هبة المستعار من المستعير و غيره.

و إذا قبض المتّهب من الغاصب بإذن المالك، برئ الغاصب من

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
2- العزيز شرح الوجيز 316:6.
3- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
4- تحفة الفقهاء 162:3، الفتاوي الولوالجيّة 125:3، بدائع الصنائع 125:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3-226، المحيط البرهاني 242:6، العزيز شرح الوجيز 316:6.
5- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.

الضمان، و كذا المستعير يبرأ إن اقتضت العارية الضمان بالقبض منه المأذون فيه.

و تجوز هبة المستأجر من المستأجر و غيره؛ لأنّ بيع المستأجر يجوز من المستأجر و غيره عندنا.

و عند الشافعيّة تجوز هبة المستأجر من غير المستأجر إن جوّزوا بيعه، و إلاّ ففيها وجهان(1).

قال بعض الشافعيّة: لو وكّل المتّهب الغاصب أو المستعير أو المستأجر بقبض ما في يده من نفسه و قبل، صحّ، فإذا مضت مدّة يتأتّي فيها القبض برئ الغاصب و المستعير من الضمان(2).

و هذا يخالف أصلهم المشهور في أنّ الشخص الواحد لا يكون قابضا و مقبضا(3).

و لو وهب غيره شيئا له في يده إمّا وديعة أو عارية أو غصب، فإن أذن له في القبض تمّت الهبة و لزمت.

و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضي زمان يمكن فيه القبض فهل يصير مقبوضا؟ للشافعي قولان(1).

و عن أحمد روايتان في اشتراط الإذن في القبض لما هو في يد المتّهب بغصب أو عارية أو وديعة، فقال في إحداهما بالاشتراط، كما تقدّم من مذهب الشافعي، و في الأخري: تلزم الهبة من غير قبض و لا مضيّ مدّة يتأتّي القبض فيها(2).6.

ص: 18


1- حلية العلماء 51:6، المغني 280:6، الشرح الكبير 278:6-279.
2- المغني 280:6، الشرح الكبير 279:6.
مسألة 6: تصحّ هبة المجهول علي الأقوي

- و به قال مالك و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّه تبرّع، فصحّ في المجهول، كالنذر و الوصيّة، و لأصالة الصحّة، و لانتفاء الغرر فيه.

و قال الشافعي: لا تصحّ هبة المجهول - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه عقد تمليك لا يصحّ تعليقه بالشرط، فلم يصح في المجهول، كالبيع(2).

و نمنع المشترك.

و قال بعضهم: الجهل إن كان في حقّ الواهب لم تصح الهبة؛ لأنّه غرر في حقّه، و إن كان من المتّهب صحّ، و لم يكن الجهل مانعا؛ لأنّه لا غرر في حقّه، فلم يعتبر في حقّه العلم بما يوهب له، كالموصي له(3).

فإذا قال: و هبتك شاة من غنمي أو قطعة من هذا الثوب أو من هذه الأرض، صحّت الهبة مع القبول و القبض بعد أن يعيّن المالك ما شاء.

إذا عرفت هذا، فإنّه تصحّ البراءة من المجهول مطلقا - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ المانع من البيع و شبهه إنّما هو الغرر، فإذا رضي بالجملة

ص: 19


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1209/678:2، بداية المجتهد 329:2، عقد الجواهر الثمينة 979:3، الذخيرة 231:6 و 243، المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6، الوجيز 249:1، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 53:2.
2- الحاوي الكبير 534:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، الوجيز 249:1، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1209/678:2، الذخيرة 243:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 53:2، المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6.
3- المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6.
4- روضة القضاة 3127/529:2، المغني 291:6، الشرح الكبير 280:6.

فقد زال الغرر.

و قال الشافعي: لا تصحّ إلاّ أنّه إذا أراد ذلك قال: أبرأتك من درهم إلي ألف(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إسقاط، فصحّ من المجهول، كالعتاق و الطلاق، و كما لو قال: من درهم إلي ألف.

و قال أحمد: تصحّ إذا لم يكن لهما سبيل إلي معرفته(2).

و لو أبرأه من مائة و هو يعتقد أنّه لا شيء له عليه و كان له عليه مائة، ففي البراءة إشكال ينشأ: من أنّها صادفت ملكه فأسقطته، كما لو علمها، و من أنّه إبراء ممّا لا يعتقد ثبوته، فلم يكن إبراء في الحقيقة، كمن باع مال مورّثه و هو يعتقد حياته.

و للشافعي في البيع قولان، و في الإبراء وجهان(3).

مسألة 7: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط علي ما تقدّم

مسألة 7: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط علي ما تقدّم(4) من أنّ شرطها التنجيز؛

لأنّه تمليك لعين في الحياة، فلم يجز تعليقها علي شرط، كالبيع، فإن علّقها علي شرط لم تقع صحيحة.

و ما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «إن رجعت هديّتنا إلي النجاشي فهي لك»(5) محمول علي الوعد.

ص: 20


1- المغني 291:6، الشرح الكبير 281:6، روضة القضاة 3128/529:2.
2- المغني 291:6، الشرح الكبير 280:6.
3- المغني 292:6، الشرح الكبير 281:6.
4- في ص 11، ضمن المسألة 2.
5- مسند أحمد 26732/552:7، المعجم الكبير - للطبراني - 205/81:25، المستدرك - للحاكم - 188:2، السنن الكبري - للبيهقي - 26:6، صحيح

و لو شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها - مثل أن يقول: و هبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه، أو بشرط أن تهبه أو تبيعه - لم يصح الشرط، و في صحّة الهبة وجهان بناء علي الشروط الفاسدة في البيع.

و لو قال: و هبتك هذا بشرط أن تهب فلانا شيئا، صحّ؛ لأنّه لا ينافي مقتضي الهبة، و كذا لو قال: و هبتك هذا العبد بشرط أن تعتقه، خلافا لأكثر العامّة(1).

و لو وقّت الهبة فقال: و هبتك هذا سنة ثمّ يعود إليّ، لم يصح؛ لأنّه عقد تمليك العين، فلم يصح موقّتا، كالبيع.

و لو وهب أمته و استثني الحمل أو الشاة و استثني صوفها، صحّ؛ لأنّه تبرّع بالأم دون ما في بطنها، فأشبه العتق، و به يقول في العتق أحمد و النخعي و إسحاق و أبو ثور(2).

و قال أصحاب الرأي: تصحّ الهبة، و يبطل الاستثناء(3).

و ليس بمعتمد؛ لأنّه لم يهب الولد فلم يملكه المتّهب، كالمنفصل و كالموصي به.

مسألة 8: الأقوي: أنّه تصحّ هبة المرهون من المرتهن،

فإن كان في

ص: 21


1- المغني 289:6، الشرح الكبير 287:6.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 227:2، المغني 289:6، الشرح الكبير 6: 287.
3- مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 73:12، تحفة الفقهاء 3: 164، الفقه النافع 747/1018:3، بدائع الصنائع 117:6، الهداية - للمرغيناني - 229:3، الاختيار لتعليل المختار 72:3، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 2: 228، المغني 289:6، الشرح الكبير 287:6.

يده صحّت الهبة، و لم تتوقّف علي تجديد إقباض و لا علي مضيّ زمان يمكن حصول الإقباض فيه علي ما مرّ من الخلاف، بل يكفي الاستصحاب، و إن لم يكن في يده، افتقرت الهبة إلي تجديد الإقباض.

و إن كان من غيره، فالوجه: الصحّة، و يقع العقد موقوفا علي إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الهبة بطل الرهن، فإن رجع الواهب لم يعد الرهن، و إن لم يجز المرتهن بطلت الهبة.

و للشافعيّة وجهان في هبة المرهون، أحدهما: البطلان، و الثاني:

الصحّة، ثمّ ينتظر، فإن بيع [في](1) الرهن فقد ظهر بطلان الهبة، و إن انفكّ الرهن فللواهب الخيار في الإقباض(2).

مسألة 9: الكلب قسمان:

مملوك، مثل كلب الصيد و الزرع و الماشية، فهذا تصحّ هبته و إقباضه، و الثاني: غير مملوك، و هو كلب الهراش، و هذا لا تصحّ هبته كما لا يصحّ بيعه.

و للشافعيّة في هبة الكلب وجهان:

أحدهما: المنع، كالبيع.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّه تصحّ وصيّته فتصحّ هبته(3).

و كذا الخلاف بينهم في جلد الميتة قبل الدباغ(4).

ص: 22


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- نهاية المطلب 413:8، البيان 104:8، العزيز شرح الوجيز 316:6-317، روضة الطالبين 435:4.
3- نهاية المطلب 412:8، الوسيط 268:4، الوجيز 249:1، حلية العلماء 3: 59-60، التهذيب - للبغوي - 565:3، البيان 45:5-46، العزيز شرح الوجيز 25:4، و 317:6، روضة الطالبين 17:3، و 435:4، المجموع 231:9.
4- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 435:4-436.

و عندنا لا تصحّ هبته؛ لأنّ الدباغ غير مطهّر.

و كذا الخلاف في الخمور المحترمة(1).

مسألة 10: لا تصحّ هبة الحمل في البطن و اللبن في الضرع

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(2) - لأنّه مجهول معجوز عن تسليمه.

و علي ما اخترناه من جواز هبة المجهول لا استبعاد في صحّة هبة الحمل و اللبن في الضرع، و يكون التسليم بتسليم الأم.

و كذا الأقوي: صحّة هبة الصوف علي ظهور الأغنام - و هو أحد وجهي العامّة(3) - بناء علي صحّة بيعه، فإذا أذن له في جزّ الصوف أو حلب اللبن كان إباحة.

و لو وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه قبل استخراجه، لم يصح - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لأنّه بمنزلة المعدوم، و لا تصحّ هبة المعدوم؛ لأنّه أبلغ في المنع من الذي بمنزلته، كما إذا وهبه ثمرة الشجرة في السنة المقبلة، أو ما تحمل أمته في العام الآتي.

مسألة 11: إذا وهب صاحب الدّين دينه ممّن هو عليه،

صحّ، و كان

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 435:4-436.
2- المبسوط - للسرخسي - 71:12، تحفة الفقهاء 163:3، بدائع الصنائع 6: 119، المحيط البرهاني 243:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3-226، الاختيار لتعليل المختار 71:3، المغني 287:6، الشرح الكبير 286:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 227:2.
3- المغني 287:6، الشرح الكبير 286:6.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 228:2، المغني 288:6، الشرح الكبير 6: 286، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 72:12، تحفة الفقهاء 163:3، بدائع الصنائع 119:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3، الاختيار لتعليل المختار 71:3.

إبراء لمن عليه الدّين، و لا يشترط قبول المديون.

و الشيخ رحمه اللّه تردّد هاهنا، فقال تارة: إنّ الإبراء لا يفتقر إلي القبول، بل يسقط الحقّ عن ذمّته و إن كره ذلك؛ لقوله تعالي: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (1) فاعتبر مجرّد الصدقة، و لم يعتبر القبول، و قال تعالي: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (2) فأسقط الدية بمجرّد التصدّق، و لم يعتبر القبول، و التصدّق في هذا الموضع الإبراء.

و قال تارة: لا بدّ من القبول، فلو لم يقبل المبرأ الإبراء لم يسقط الدّين عن ذمّته بمجرّد إسقاط المالك و إبرائه، و يكون الحقّ ثابتا؛ لأنّ في إبرائه من الحقّ الذي عليه منّة، و لا يجبر علي قبول المنّة، فافتقر إلي القبول، كهبة الأعيان(3).

و للشافعيّة قولان كهذين، أحدهما: السقوط من غير قبول؛ لأنّه إسقاط حقّ، فلا يفتقر إلي القبول، كالعتق و الطلاق و العفو عن دية العمد، بخلاف هبة الأعيان؛ فإنّها تمليك(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا تصدّق به صحّ، و أمّا هبته و البراءة منه فوجهان(5).

و قال بعض الشافعيّة أيضا: إن اعتبرنا القبول في الإبراء معني فاعتبارهه.

ص: 24


1- سورة البقرة: 280.
2- سورة النساء: 92.
3- المبسوط - للطوسي - 314:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 64:6، التهذيب - للبغوي - 4: 529، البيان 123:8، روضة الطالبين 436:4.
5- لم نتحقّقه في مظانّه.

في الهبة أولي، و إن لم نعتبره هناك ففي الهبة وجهان: إن نظرنا إلي اللفظ اعتبرناه، و إن نظرنا إلي المعني فلا(1).

و لو كانت الهبة من غير من عليه الدّين، قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يجوز بيعه و هبته و رهنه، و لا مانع منه(2).

و قال الشافعي في كتاب الشروط: إنّه يجوز بيعه و رهنه(3).

و قال في الرهن: لا يجوز رهنه، و يخالف البيع و الهبة؛ لأنّهما يزيلان الملك(4).

قال ابن سريج من الشافعيّة: اختلف أصحابنا في ذلك علي ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يصحّ البيع و الهبة دون الرهن علي ظاهر قوله؛ لأنّ الدّين بمنزلة العين، و لهذا يصحّ أن يكون معاوضة به.

و علي هذا الوجه لا يفتقر إلي رضا من عليه الدّين، و لا يحتاج إلي القبض لا في البيع و لا في الهبة؛ لأنّ الشافعي شبّه ذلك في كتاب الشروط بالحوالة، فقال: إذا أفلس من عليه الحقّ أو جحده لم يرجع بالدرك، كالحوالة.

و فرّق هذا القائل بين الهبة و البيع و بين الرهن بأنّهما يزيلان الملك دونه.

و الوجه الثاني: أنّه يصحّ(5) البيع و الهبة و الرهن، و يفتقر لزوم الرهنه.

ص: 25


1- العزيز شرح الوجيز 317:6.
2- المبسوط - للطوسي - 314:3.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يصحّ». و الصحيح ما أثبتناه.

و الهبة إلي القبض؛ لأنّ الدّين كالعين في جواز العقد عليه، فإذا افتقرت الهبة إلي القبض في العين فكذلك في الدّين.

و الوجه الثالث: أنّه لا يصحّ بيعه و لا هبته و لا رهنه؛ لأنّه غير مقدور علي تسليمه، فجري مجري الآبق و المغصوب(1).

و منعه بعض الشافعيّة بأنّ الدّين علي غير الجاحد مقدور علي تسليمه، فهو جار مجري الوديعة(2).

قال بعض الشافعيّة: الخلاف في هبة الدّين علي غير من هو عليه مبنيّ علي الخلاف في بيع الدّين من غير من هو عليه، إن أبطلناه فكذلك الهبة، و هو الأصحّ عندهم، و إن صحّحناه ففي الهبة وجهان، كما في رهن الدّين.

و إن صحّحناه فهل يفتقر لزومها إلي قبض الدّين ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، علي قياس الهبات.

و الثاني: أنّه لا حاجة إلي القبض.

و علي هذا فوجهان:

أحدهما: أنّه يلزم بنفس الإيجاب و القبول، كالحوالة؛ لأنّ المقصود أن يصير المتّهب بعد الهبة كالواهب قبلها، و الواهب كان مستحقّا من غير قبض.

و الثاني: أنّه لا بدّ من تسليط بعد العقد و إذن مجدّد، و يكون ذلك كالتخلية في الأعيان التي لا يمكن نقلها.

و إذا فرّعنا علي أنّه يجوز رهن الدّين افتقر لزومه إلي القبضه.

ص: 26


1- لم نتحقّقه في مظانّه.
2- لم نتحقّقه في مظانّه.

لا محالة؛ لأنّه لا يفيد انتقال الملك و الاستحقاق(1).

تذنيب: من عليه الزكاة لو وهب دينه علي المسكين بنيّة الزكاة، قال بعض الشافعيّة: لم يقع الموقع؛ لأنّه إبراء و ليس بتمليك، و إقامة الإبراء مقام التمليك إبدال و إنّه غير جائز في الزكاة(2).

و هذا مبنيّ علي أصل الشافعي من عدم جواز الإبدال في الزكاة(3) ، و قد أبطلناه.

و قد ذكروا وجهين في أنّ هبة الدّين ممّن عليه [الدّين](4) تنزّل منزلة التمليك، أم هو محض إسقاط؟ و علي هذا خرج اعتبار القبول فيها، فإن [أعطيناها](5) حكم التمليكات وجب أن يقع الموقع(6).

و لو كان الدّين علي غيره فوهبه من المسكين بنيّة الزكاة و قلنا: تصحّ الهبة، و لا يعتبر القبض، وقع عن الزكاة، و المستحقّ يطالب المديون به.

البحث الثالث: في القبض.
مسألة 12: الهبة و الهديّة و الصدقة لا يملكها المتّهب و المهدي إليه و المتصدّق عليه

بنفس الإيجاب و القبول إذا كان عينا إلاّ بالقبض، و بدونه

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 436:4.
2- نهاية المطلب 414:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 436:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 157:1، حلية العلماء 167:3، التهذيب - للبغوي - 3: 65، البيان 203:3، المجموع 428:5 و 429 و 431، المغني 671:2، الشرح الكبير 521:2.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أعطيناه». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
6- العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 436:4-437.

لا يحصل الملك عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و النخعي و الحسن بن صالح و العنبري، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1) ، قال بعض العامّة: اتّفق أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام علي أنّ الهبة لا تجوز إلاّ مقبوضا(2) ، و لم يظهر مخالف فيكون إجماعا.

و لما رواه العامّة أنّ أبا بكر نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة(3) ، فلمّا مرض قال: يا بنيّة ما أحد أحبّ إليّ غني بعدي منك و لا أحد أعزّ عليّ فقرا منك، و كنت نحلتك جداد عشرين وسقا، و وددت أنّك حزتيه أو قبضتيه، و هو اليوم مال الوارث أخواك و أختاك، فاقتسموه علي كتاب اللّه، فقلت: لو كان كذا و كذا - تعني أكثر من ذلك - لتركته، أمّا أخواي فنعم، و أمّا أختاي فما لي إلاّ أخت واحدة: أسماء، فقال: ألقي في روعي(4) أنّ ذا بطن بنت خارجة جارية(5).1.

ص: 28


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 222:2-223، الحاوي الكبير 535:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 409:8 و 410، الوسيط 4: 269، الوجيز 249:1، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 84:12، روضة القضاة 3047/517:2، تحفة الفقهاء 161:3، الفقه النافع 733/1009:3، بدائع الصنائع 123:6، الهداية - للمرغيناني - 224:3، الاختيار لتعليل المختار 69:3، المغني 274:6 و 281، الشرح الكبير 276:6 و 277، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1198/673:2.
2- المغني 275:6 و 281، الشرح الكبير 277:6.
3- الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة. معجم البلدان 182:4.
4- أي: نفسي و خلدي. النهاية - لابن الأثير - 277:2 «روع».
5- الموطّأ 40/752:2، المصنّف - لعبد الرزّاق - 16507/101:9، السنن الكبري - للبيهقي - 170:6، معرفة السنن و الآثار 50:9-12316/51.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لا تكون الهبة هبة حتي يقبضها»(1).

و لأنّها هبة غير مقبوضة فلا تلزم، كما لو مات قبل أن يقبض، فإنّ مالكا يقول: لا يلزم الورثة التسليم(2).

و قال مالك: الهبة تلزم بالإيجاب و القبول من غير قبض(3) - و هو القول القديم للشافعي(4) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(5) و القيء حرام.

و قال أحمد في أصحّ الروايتين عنه: إنّها إذا كانت معيّنة لزمت من غير قبض، كما لو وهبه درهما بعينه، و إن لم يكن معيّنا - كما لو وهبه قفيزا من صبرة أو درهما من دراهم - فلا بدّ من القبض؛ لأنّ هذا تبرّع، فلا يفتقر إلي القبض، كالوقف و الصدقة(6).6.

ص: 29


1- التهذيب 654/159:9، الاستبصار 407/107:4.
2- البيان 98:8، المغني 275:6، الشرح الكبير 277:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1198/673:2، بداية المجتهد 329:2، عقد الجواهر الثمينة 978:3، الذخيرة 228:6، الحاوي الكبير 535:7، الوسيط 269:4، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 8: 97، العزيز شرح الوجيز 319:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، المغني 274:6، الشرح الكبير 276:6، روضة القضاة 3047/517:2.
4- العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.
5- ورد الحديث بلفظ: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» في مسند أحمد 1: 2525/461، و صحيح البخاري 215:3، و صحيح مسلم 7/1241:3، و سنن ابن ماجة 2385/797:2، و سنن أبي داود 3538/291:3، و سنن النسائي (المجتبي) 264:6-267، و السنن الكبري - للنسائي - 6527/123:4-5 و 6528-6، و السنن الكبري - للبيهقي - 180:6.
6- حلية العلماء 48:6، العزيز شرح الوجيز 319:6.

و الخبر محمول علي ما بعد القبض، و القياس علي الوقف و الوصيّة باطل؛ لأنّ الوقف إخراج ملك إلي اللّه سبحانه و تعالي، فخالف التمليكات، و الوصيّة تلزم في حقّ الوارث، بخلاف الهبة.

و للشافعي قول ثالث: إنّ الملك موقوف إلي أن يوجد القبض، فإذا وجد تبيّنّا حصول الملك من وقت العقد(1).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّ القبض شرط في المكيل و الموزون دون غيرهما(2).

و يتفرّع علي الأقوال أنّ الزيادات الحادثة بعد العقد و قبل القبض لمن تكون ؟

و قد قال الشافعي في زكاة الفطرة: إنّه لو وهبه عبدا في آخر رمضان و قبضه بعد غروب الشمس، كانت الفطرة علي الموهوب له(3).

و هذا يدلّ علي اختياره عدم اشتراط القبض.

و أيضا كلّ ما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق و الجمل الشارد و المغصوب لغير غاصبه ممّن لا يقدر علي أخذه لا تصحّ هبته، و به قال أبو حنيفة و الشافعي(4).4.

ص: 30


1- نهاية المطلب 410:8، الوسيط 269:4، التهذيب - للبغوي - 527:4، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.
2- المغني 274:6 و 280، الشرح الكبير 276:6 و 277.
3- المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 269:4-270، العزيز شرح الوجيز 319:6.
4- المغني 286:6-287، الشرح الكبير 285:6، المهذّب - للشيرازي - 1: 453، الوسيط 268:4، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
مسألة 13: الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع،

فإن قبض المتّهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض و لم تتمّ الهبة؛ لأنّ التسليم غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ إلاّ بإذنه، كما لو أخذ المشتري المبيع من يد البائع قبل تسليم الثمن، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بعد تسليم الثمن؛ لأنّه مستحقّ للقبض، فلا يعتبر فيه إذن المستحقّ عليه، أمّا هنا فإنّه غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ بدون إذنه، فإن قبضه بدون إذنه دخل في ضمانه، فإن أذن له في القبض و قبضها تمّت الهبة، و إن رجع عن الإذن قبل أن يقبض المتّهب بطل الإذن، و إن رجع بعد القبض لم يبطل القبض؛ لتمام الهبة قبل رجوعه، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إذا قبضه في المجلس بغير إذن الواهب، صحّ القبض، و إذا قام من المجلس لم يجز قبضه إلاّ بإذن الواهب؛ لأنّ الإيجاب تضمّن الإذن في القبول و القبض جميعا، فإذا قبض صحّ، كما إذا قبل، و إنّما اختصّ بالمجلس لأنّ الإيجاب تضمّنه، و ما تضمّنه الإيجاب اختصّ(2) بالمجلس، كالقبول(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الواهب لم يأذن له بعد العقد في القبض، فلا يصحّ قبضه، كما لو كان بعد المجلس، و لا نسلّم أنّ القبض و القبول تضمّنهما

ص: 31


1- نهاية المطلب 410:8، الوسيط 270:4، حلية العلماء 49:6، البيان 8: 98، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 438:4.
2- في الطبعة الحجرية: «يختصّ» بدل «اختصّ».
3- مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 57:12، الهداية - للمرغيناني - 224:3، الاختيار لتعليل المختار 69:3، المغني 277:6، الشرح الكبير 6: 279، نهاية المطلب 410:8، الوسيط 270:4، حلية العلماء 49:6، البيان 98:8، العزيز شرح الوجيز 319:6.

الإيجاب، و إنّما القبول أثبته الشرع، و القبض لم يوجد في لفظه، و لو وجد في تلفّظه لم يبطل بالقيام من المجلس، كما لو أذن له بعد العقد، علي أنّ الإيجاب جوابه [القبول](1) فاقتضاه، بخلاف القبض.

مسألة 14: إذا وهب شيئا و قبل

مسألة 14: إذا وهب شيئا و قبل(2) المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض،

قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ البيع، و تنفسخ الهبة(3).

و هو جيّد؛ لأنّ البيع صادف ملكا للبائع لم يزل عنه بالهبة، فاقتضي حكمه، و تترتّب(4) عليه أحكامه، و هو معني الصحّة.

و قال الشافعي: إن كان الواهب يعتقد أنّ الهبة ما تمّت و أنّه باع ما لم يهبه، فالبيع صحيح، و قد بطلت الهبة، و إن كان يعتقد أنّ الهبة قد تمّت و انتقل الملك بنفس العقد و أنّه ليس له البيع، ففي صحّة البيع قولان:

أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه يعتقد أنّه متلاعب، و أنّه ليس ببيع.

و الثاني: يصحّ؛ لأنّه بيع صادف ملكه الذي له تمليكه فصحّ(5).

و أصل هذين القولين: إذا باع مال مورّثه و هو غائب بغير إذنه إلاّ أنّه بان أنّه كان قد مات و أنّه حين باع كان قد ورثه، فهل يصحّ البيع ؟ قولان(6).

ص: 32


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فقبل» بدل «و قبل».
3- المبسوط - للطوسي - 304:3.
4- في «ص، ع»: «ترتّبت».
5- حلية العلماء 49:6، البيان 99:8، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 439:4.
6- الوسيط 23:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، و 319:6، روضة الطالبين 3: 22-23، و 439:4، المجموع 261:9.

و كذا إذا كاتبه مكاتبة فاسدة و أوصي برقبته معتقدا صحّة الكتابة، ففي صحّة الوصيّة قولان(1).

مسألة 15: إذا عقد الهبة بالإيجاب و القبول و لم يحصل قبض ثمّ مات الواهب أو المتّهب بين العقد و القبض،

بطلت الهبة عند علمائنا؛ لانتفاء الشرط، و هو القبض، و هو أحد قولي الشافعي؛ لأنّ الهبة من العقود الجائزة قبل القبض، فتنفسخ بالموت، كالوكالة و الشركة.

و أصحّهما عنده: المنع، و أنّ الهبة لا تنفسخ، فإن مات الواهب فالهبة بحالها، و يكون الوارث بالخيار إن شاء يتمّها بالإقباض، و إن شاء رجع، سواء خرجت من الثلث أو لا؛ لأنّ الهبة عقد يؤول إلي اللزوم، فلا ينفسخ بالموت، كالبيع المشروط فيه الخيار. و يفارق الوكالة و الشركة؛ فإنّهما لا يؤولان إلي اللزوم، و إن مات المتّهب قبض وارثه إن أقبضه الواهب(2).

و كذا الخلاف فيما إذا جنّ أحدهما أو أغمي عليه(3).

تذنيب: إذا أذن الواهب له في القبض ثمّ مات الآذن أو المأذون له قبل القبض، بطل الإذن؛ لأنّه جائز، و لم يكن له القبض إلاّ بإذن جديد.

و إن بعث هديّة إلي إنسان فمات قبل أن تصل إلي المهدي إليه أو مات المهدي إليه، لم يكن للرسول حملها، إلاّ أن يكون الوارث فيه بالخيار.

مسألة 16: إذا كان له في يد غيره مال وديعة أو عارية أو كان غصبا فوهبه المالك منه،

صحّت الهبة و لزمت إن كانت ممّا يلزم بالقبض؛ لأنّه في

ص: 33


1- الأم 79:8، الحاوي الكبير 304:18، بحر المذهب 265:14، العزيز شرح الوجيز 541:13، روضة الطالبين 521:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 454:1، حلية العلماء 50:6، العزيز شرح الوجيز 6: 319، روضة الطالبين 437:4.
3- العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.

يد المتّهب، فكان مقبوضا.

و الأقرب: أنّه لا يفتقر إلي تجديد إقباض و لا مضيّ زمان [يمكن](1) فيه الإقباض، و هو أشهر الروايتين عن أحمد(2).

و قال الشافعيّة: إن أذن له في القبض و مضي زمان يمكن فيه القبض، تمّت الهبة و لزمت، و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضي زمان يمكن فيه القبض، فهل يصير مقبوضا؟ قال الشافعي في الإقرار و المواهب: إذا مضت مدّة يتأتّي فيها القبض فقد تمّت الهبة. و اشترط الإذن في الرهن.

و اختلف أصحابه في ذلك علي طريقين: منهم من يقول: قولان فيهما، و منهم من فرّق بينهما(3).

تنبيه: القبض هنا كالقبض في البيع، ففيما لا ينقل و لا يحوّل التخلية، و فيما ينقل و يحوّل النقل و التحويل، و فيما يكال أو يوزن الكيل أو الوزن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القبض في المبيع المنقول فيه قولان، أحدهما: أنّه النقل و التحويل، و الثاني: أنّه التخلية، و هذا الثاني غير آت في الهبة، بل لا بدّ من النقل. و الفرق: أنّ القبض في البيع مستحقّ، و للمشتري المطالبة به، فجاز أن يجعل بالتمكّن قابضا، و في الهبة القبض غير مستحقّ، فاعتبر تحقيقه، و لم يكتف بالوضع بين يديه، و لهذا لو أتلف المتّهب الموهوب لم يصر قابضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع(4).

و ليس بشيء؛ لاتّحاد القبض في الموضعين، و اعتبار العرف فيهما.4.

ص: 34


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكون». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المغني 280:6، الشرح الكبير 278:6.
3- راجع: الحاوي الكبير 536:7.
4- العزيز شرح الوجيز 320:6، روضة الطالبين 438:4.

فروع:

أ: لو أمر الواهب المتّهب بأكل الطعام الموهوب فأكله، أو بإعتاق العبد الموهوب فأعتقه، أو أمر المتّهب الواهب بإعتاقه فأعتقه، كان قابضا.

ب: لو قال: وهبته و ملّكته، فإن كان يعتقد رأي مالك، لم يكن إقرارا بلزوم الهبة، و كذا إن جهل حاله؛ لجواز أن يعتقد حصول الملك بمجرّد العقد، كما قاله مالك(1) ، و الإقرار مبنيّ علي اليقين.

ج: لو قال: وهبته و خرجت إليه منه، لم يكن إقرارا بالقبض صريحا، لكن ينظر، فإن كان المال في يد المتّهب كان إقرارا منه بالقبض، و يكون ذلك أمارة علي أنّه أراد به القبض، و إن كان في يد الواهب فلا، و يكون معني قوله: «خرجت إليه منه» أنّه أذن له في القبض و لم يقبض بعد.

د: لو قيل له: هل وهبت دارك من فلان و أقبضتها منه ؟ فقال: نعم، كان إقرارا بالهبة و الإقباض.

ه: لو وهب اثنين شيئا فقبلا و قبضا، ملك كلّ منهما ما وهب له، فإن قبل أحدهما و قبض و امتنع الآخر، صحّت الهبة للقابض خاصّة.9.

ص: 35


1- راجع: الهامش (3) من ص 29.

ص: 36

الفصل الثاني: في الأحكام و فيه بحثان:
البحث الأوّل: في حكم الرجوع في الهبة.
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في الراجع.
مسألة 17: إذا وهب و أقبض،

فإن كان المتّهب أحد الأبوين، لم يكن للواهب الرجوع في الهبة عند علمائنا أجمع؛ لاشتماله علي العقوق المحرّم فعله علي الولد، و لأنّه ضدّ ما أمر به من مصاحبتهما بالمعروف(1).

و لقوله عليه السّلام: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(2) و الرجوع في القيء حرام، خصّ بما أجمع عليه فيما يأتي، فيبقي في الباقي علي عمومه.

و إن كان المتّهب غير الأبوين، فإمّا أن يكون ذا رحم أو أجنبيّا، فإن كان ذا رحم فإمّا أن يكون ولدا أو غيره من ذوي الأرحام.

فإن كان ولدا، لم يكن للوالد أن يرجع فيما و هبه إيّاه، سواء كان ولدا حقيقة، كالولد للصلب، أو مجازا، كولد الولد و إن نزل، و سواء كان من الذكور أو الإناث، عند علمائنا - و به قال الثوري و أحمد في إحدي الروايتين و أصحاب الرأي و العنبري(3) - لقوله عليه السّلام: «العائد في هبته كالعائد

ص: 37


1- سورة لقمان: 15.
2- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5).
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 221:2، المغني 305:6، الشرح الكبير 6:

في قيئه»(1).

و في رواية: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه»(2).

و لأنّ الهبة للولد تستلزم الأجر و ثواب الآخرة، فتكون كالمعوّض عنها؛ لقوله عليه السّلام: «رحم اللّه امرأ أعان ولده علي برّه»(3).

و قال عليه السّلام: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين»(4).

و لأنّ ذلك يحصل له في مقابله الثواب، فلم يكن له الرجوع فيه، كصدقة التطوّع.

و قال الشافعي: للوالد أن يرجع فيما وهب لولده، سواء كان ولده حقيقة أو مجازا، و سواء كان ذكرا أو أنثي - و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور - لما روي ابن عباس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا يحلّ لرجل2.

ص: 38


1- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5).
2- المصنّف - لعبد الرزّاق - 16536/109:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 1752/476:6، مسند أحمد 1875/358:1، صحيح البخاري 207:3، سنن ابن ماجة 2386/797:2، سنن الترمذي 1298/592:3، سنن النسائي (المجتبي) 267:6، السنن الكبري - للنسائي - 6526/123:4-4 و 6529-7، مسند أبي يعلي 293:4-2405/294، السنن الكبري - للبيهقي - 180:6.
3- 302، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المبسوط - للسرخسي - 49:12، مختصر اختلاف العلماء 152:4 و 1847/153، الحاوي الكبير 545:7، الوسيط 273:4، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 106، العزيز شرح الوجيز 323:6، معالم السنن - للخطّابي - 145:3.
4- الكافي 3/10:4، الفقيه 164/38:2.

أن يهب هبة أو يعطي عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(1)(2).

و نمنع الرواية، سلّمنا لكنّا نقول بموجبها، فإنّ للأب مع الحاجة الأخذ من مال ولده قدر مؤونته؛ لأنّها واجبة علي الولد، فتحمل علي تلك الحال.

و قال مالك: يجوز للرجل أن يرجع فيما وهب لابنه لصلبه إذا لم ينتفع به، فأمّا إذا كان قد انتفع به، مثل أن يكون زوّج لأجله، لم يكن له الرجوع فيه؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «لا يحلّ لرجل أن يهب هبة أو يعطي عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(3) فإنّ حقيقة الاسم لولد الصلب، و أمّا إذا زوّج لأجل الهبة فقد تعلّق بها حقّ الغير(4).

و سيأتي(5) بيان أنّه يجوز الرجوع في الهبة للأجنبيّ.

و إن كانت الهبة لذي الرحم، لم يجز للواهب (أن يرجع)(6) قرب أو».

ص: 39


1- سنن أبي داود 3539/291:3، المستدرك - للحاكم - 46:2.
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 221:2، الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 423:8 و 424، الوجيز 249:1، الوسيط 272:4 و 273، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 8: 106-107، العزيز شرح الوجيز 322:6، روضة الطالبين 439:4 و 440، معالم السنن - للخطّابي - 145:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المغني 305:6-306، الشرح الكبير 302:6-303، مختصر اختلاف العلماء 4: 1847/153.
3- تقدّم تخريجه في الهامش (1).
4- التفريع 313:2، التلقين: 552، المعونة 1615:3-1616، بداية المجتهد 332:2، عقد الجواهر الثمينة 984:3 و 985، الذخيرة 266:6، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 221:2، حلية العلماء 52:6، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2.
5- في ص 41، المسألة 18.
6- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «الرجوع».

بعد، و به قال الشافعي و أكثر العامّة(1) - خلافا لأبي حنيفة؛ فإنّه شرط أن يكون محرما(2) ، و ليس بجيّد - لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام قال: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء، حيزت أو لم تحز، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها»(4).

و في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سنان(5) أنّهما سألا الصادق عليه السّلام: عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال:

«تجوز [الهبة] لذوي القربي و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك»(6) و المراد بالجواز هنا اللزوم.

و احتجاج السيّد المرتضي علي جواز الرجوع(7): برواية داود بن1.

ص: 40


1- الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 8: 423، الوسيط 272:4، حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 107:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4، المغني 328:6، الشرح الكبير 301:6-302.
2- مختصر اختلاف العلماء 1847/152:4، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 52:12، روضة القضاة 3071/522:2، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 740/1014:3، بدائع الصنائع 132:6، الهداية - للمرغيناني - 3: 228، المحيط البرهاني 246:6، الاختيار لتعليل المختار 74:3، الحاوي الكبير 545:7، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 107، العزيز شرح الوجيز 323:6، بداية المجتهد 332:2.
3- سورة المائدة: 1.
4- التهذيب 643/156:9، الاستبصار 410/108:4.
5- في التهذيب: «عبد اللّه بن سليمان».
6- التهذيب 636/155:9، الاستبصار 108:4-414/109، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
7- الانتصار: 221.

الحصين عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة ؟ قال: «أمّا ما تصدّق به للّه فلا، و أمّا الهبة و النحلة فيرجع فيها، حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة»(1) ممنوع؛ لضعف السند.

مسألة 18: لو كانت الهبة للأجنبيّ و حصل الإيجاب و القبول و القبض،

جاز للواهب الرجوع فيها بشروط خمسة:

الأوّل: أن لا يقصد بها التقرّب إلي اللّه تعالي، فإن قصده بالهبة لم يكن له الرجوع؛ لأنّها كالمعوّض عنها؛ لأنّه طلب بها الثواب و قد حصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لا ينبغي لمن أعطي للّه عزّ و جلّ شيئا أن يرجع فيه»(2) الحديث، و غير ذلك من الأحاديث(3).

الثاني: أن لا يكون المتّهب قد عوّض عنها، فإن اتّهب شيئا و عوّض الواهب في مقابلة الهبة شيئا قلّ أو كثر، لم يكن للواهب الرجوع؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع»(4).

الثالث: أن لا يكون المتّهب قد تصرّف في الهبة، فإن كان قد تصرّف في الهبة لم يكن له الرجوع؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع، و إلاّ فليس له»(5).

و إذا تصرّف المتّهب مطلقا إمّا تصرّفا لازما كالبيع و الهبة و الكتابة و الرهن، أو غير لازم كالعارية، لم يكن للواهب الرجوع.

ص: 41


1- التهذيب 645/157:9، الاستبصار 404/106:4.
2- الكافي 3/30:7، التهذيب 624/152:9، الاستبصار 423/110:4.
3- الكافي 30:7-4/31، التهذيب 625/153:9، الاستبصار 411/108:4.
4- الكافي 19/33:7، التهذيب 632/154:9.
5- الكافي 11/32:7، التهذيب 627/153:9، الاستبصار 412/108:4.

الرابع: أن لا يكون الموهوب دينا، فلو وهبه ما له عليه في ذمّته لم يكن له الرجوع؛ لأنّ الهبة هنا إسقاط.

و سئل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون له علي الرجل الدراهم فيهبها له أله الرجوع فيها؟ قال: «لا»(1).

الخامس: أن تكون العين قائمة، فلو تلفت فلا رجوع؛ للرواية(2).

و الأوّلان مجمع عليهما عندنا، و في الثالث خلاف، و الرابع و الخامس كالأوّلين.

إذا عرفت هذا، فقد قال النخعي و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي:

من وهب لغير ذي رحم شيئا فله الرجوع ما لم يثب عليها، و من وهب لذي رحم فليس له الرجوع - و هذا موافق لمذهبنا - لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الرجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها»(3) و لأصالة بقاء الملك علي صاحبه، و لقول عمر: من وهب لذي رحم لم يكن له الرجوع فيها، و من وهب لغير ذي رحم كان له الرجوع فيها، و لأنّه لم يحصل له عنها عوض، فكان له الرجوع، كالعارية(4).

و قال الشافعي و أبو ثور و أحمد: ليس للواهب الأجنبيّ أن يرجع في هبته و إن لم يثب عليها؛ لقوله عليه السّلام: «لا يحلّ لرجل أن يهب هبة أو يعطي2.

ص: 42


1- الكافي 13/32:7، التهذيب 629/154:9، الاستبصار 424/111:4.
2- الكافي 11/32:7، التهذيب 627/153:9، الاستبصار 412/108:4.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 1745/474:6، سنن ابن ماجة 3287/798:2، سنن الدارقطني 180/43:3.
4- المغني 328:6، الشرح الكبير 301:6-302.

عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(1) و لأنّها هبة لغير ولده، فلم يكن له الرجوع فيها بعد القبض، كما لو وهب لعمّه و أخيه(2).

و الخبر ممنوع، سلّمناه لكنّه مخصوص بذي الرحم، و استثناء الوالد لما تقدّم(3) من جواز أن يأخذ من ولده مع حاجته قدر كفايته. و الفرق بين العمّ و الأجنبيّ النسب، فإنّه يقتضي كون الهبة له يقصد بها صلة الرحم، و ذلك يقتضي قصد الثواب، فأشبهت الصدقة، بخلاف هبة الأجنبيّ، فإنّه قد يتوقّع فيها العوض، فإذا لم يسلم كان له الرجوع.

تذنيب: شرط أبو حنيفة في ذي الرحم أن يكون محرما في النسب(4) ، فيجوز عنده أن يرجع فيما وهبه لأولاد عمّه و عمّته و خاله(5) و خالته(6) ، فقد وقع الاتّفاق علي أنّ ما وهب الإنسان رحمه المحرم غير ولده لا رجوع فيه.

و عندنا أنّ ذا الرحم غير المحرم و الولد ليس له الرجوع فيهما أيضا، و عندنا أنّ الأجنبيّ يجوز لواهبه الرجوع، خلافا للعامّة.

مسألة 19: قال الشيخ رحمه اللّه: عندنا أنّ الرجوع في هبة الزوج

أو

ص: 43


1- تقدّم تخريجه في ص 39، الهامش (1).
2- الحاوي الكبير 545:7، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 107:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، معالم السنن - للخطّابي - 145:3، المغني 327:6 - 328، الشرح الكبير 301:6-302، روضة القضاة 3074/523:2.
3- في ص 39.
4- راجع: الهامش (2) من ص 40.
5- في النّسخ الخطّيّة: «و أولاد خاله».
6- كما في البيان 107:8.

الزوجة مكروه(1). و هذا يعطي جواز الرجوع.

و قال جماعة من علمائنا: إنّ حكم الزوجين حكم ذوي الأرحام، فكما لا يجوز الرجوع في هبة ذوي الأرحام، كذا لا يجوز لكلّ من الزوجين الرجوع في هبة الآخر، و هو مذهب أكثر العامّة(2) ، و هو المعتمد؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، أليس اللّه يقول:

وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (3) [و قال:] فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) و هذا (يدخل في)(5) الصداق و الهبة»(6).

و قال أحمد: ليس للرجل الرجوع فيما يهبه لامرأته، و هل للمرأة الرجوع فيما تهبه لزوجها؟ فيه روايتان عنه:

إحداهما: أنّه ليس لها الرجوع، و به قال عمر بن عبد العزيز و النخعي و ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و أكثر الإماميّة، و هو قول عطاء و قتادة، كالزوج.4.

ص: 44


1- المبسوط - للطوسي - 309:3.
2- المغني 329:6، الشرح الكبير 309:6، حلية العلماء 54:6-55، العزيز شرح الوجيز 323:6، مختصر القدوري: 125، تحفة الفقهاء 167:3، الهداية - للمرغيناني - 228:3، الاختيار لتعليل المختار 74:3.
3- سورة البقرة: 229.
4- سورة النساء: 4.
5- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يدلّ علي». و المثبت كما في المصدر.
6- الكافي 3/30:7، التهذيب 624/152:9، الاستبصار 423/110:4.

و الرواية الثانية: أنّ لها الرجوع فيما تهبه لزوجها؛ لقول عمر: إنّ النساء يعطين أزواجهنّ رهبة، فأيّما امرأة أعطت زوجها شيئا ثمّ أرادت أن تسترجعه فهي أحقّ به، و هذا قول شريح و الشعبي أيضا(1).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّ الزوجة إذا وهبت له مهرها، فإن كان قد سألها ذلك ردّه إليها، رضيت أو كرهت؛ لأنّها لا تهبه إلاّ مخافة غيظه و سخطه أو إضرار بأن يتزوّج عليها، و إن لم يكن سألها و تبرّعت به فهو جائز(2).

فروع:

أ: قد بيّنّا(3) أنّ أكثر العامّة جوّزوا للأب أن يرجع فيما وهبه لولده.

و شرط بعض الشافعيّة في ذلك أنّه إنّما يرجع إذا قصد بهبته استجلاب برّ أو دفع عقوق فلم يحصل غرضه، أمّا إذا لم يقصد ذلك و أطلق الهبة فلا رجوع له(4) ، لكن المشهور عندهم الأوّل(5).

و عن مالك: أنّه إذا رغب راغب في مواصلة الولد بسبب المال الموهوب6.

ص: 45


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 221:2 و 222، المغني 329:6-330، الشرح الكبير 309:6، البيان 107:8، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 51:12، روضة القضاة 3075/523:2، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 741/1015:3، بدائع الصنائع 133:6، الهداية - للمرغيناني - 3: 228، الاختيار لتعليل المختار 74:3.
2- المغني 330:6، الشرح الكبير 309:6.
3- في ص 38 و 39.
4- الحاوي الكبير 547:7، نهاية المطلب 441:8، حلية العلماء 54:6، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
5- البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6.

فزوّج من الابن و تزوّج بالبنت فلا رجوع له(1)تقدّم تخريجه في ص 39، الهامش (1).(2).

ب: قد بيّنّا(3) أنّ هبة ذي الرحم لازمة لا رجوع فيها بحال، و ينبغي أن يشرط فيه ما لم يشرط الثواب، فإن وهب الأب الابن أو بالعكس أو غيرهما من ذوي الأرحام رحمة منه و شرط عليه العوض فلم يعوّض، كان له الرجوع؛ عملا بمقتضي الشرط.

ج: ليس للأم الرجوع فيما تهبه لولدها، و هو ظاهر علي مذهبنا، حيث منعنا من رجوع ذي الرحم في هبة رحمه.

و أمّا من جوّز للأب الرجوع فيما يهبه لولده هل يجوز ذلك للأم ؟ قال الشافعي: نعم؛ لأنّها أحد الأبوين، و لأنّها كالأب في كون الولد منها، بل ولادتها متيقّنة، و انتسابه إلي الأب مستند إلي الظاهر، و لأنّها كالأب في حصول العتق و وجوب النفقة، هذا أصحّ قوليه(4).

و له قول آخر: إنّه لا يجوز لها الرجوع، و تخالف الأب في ذلك؛ لأنّ الخبر(4) ورد في الأب(5).

و قال مالك: للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حيّا، فإن كان ميّتا فلا رجوع لها؛ لأنّها هبة لليتيم، و هبة اليتيم لازمة، كصدقة التطوّع، و من4.

ص: 46


1- راجع: الهامش
2- من ص 39.
3- في ص 39.
4- نهاية المطلب 424:8، الوسيط 273:4، الوجيز 249:1-250، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4، المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6.
5- نهاية المطلب 424:8، الوسيط 273:4، الوجيز 250:1، التهذيب - للبغوي - 537:4، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.

مذهبه أنّه لا يرجع في صدقة التطوّع(1).

د: في غير الأب من الأصول للشافعي قولان:

أحدهما: لا رجوع لهم؛ لأنّ الخبر ورد في الأب.

و أصحّهما عنده: الرجوع، كالأب؛ لأنّهم كالأب في حصول العتق و وجوب النفقة و سقوط القصاص(2).

و قطع جماعة من الشافعيّة بأنّ للجدّ أبي الأب و إن علا الرجوع في هبة ولد ولده و إن نزل؛ لصدق الأب عليه، و لأنّه كالأب في الولاية، و في أب الأم و أمّها و أمّ الأب قولان(3).

و قد ظهر من ذلك أنّ للشافعيّة في ذلك أربعة أوجه:

الأوّل: اختصاص الرجوع بالأب.

الثاني: اختصاصه بالأب و الأم.

الثالث: اختصاصه بكلّ أصل ثبت له الولاية.

الرابع: شموله كلّ أصل، و هو الأصحّ عندهم(4).

و قال مالك: لا رجوع لهم سوي الأم(5).

و قال أحمد: لا رجوع لها أيضا(6).

ه: غير الأصول كالأخ و العمّ و سائر الأقارب لا رجوع لهم عندنا6.

ص: 47


1- بداية المجتهد 332:2، الذخيرة 265:6-266، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
2- الوجيز 250:1، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
4- العزيز شرح الوجيز 323:6.
5- العزيز شرح الوجيز 323:6، و راجع أيضا: الهامش (1).
6- المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6، العزيز شرح الوجيز 323:6.

و عندهم(1).

أمّا عندهم: فلأنّهم كالأجانب(2) ، و هبة الأجنبيّ لا يجوز الرجوع فيها عندهم(3) ؛ لما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يحلّ لرجل أن يعطي عطيّة أو يهب هبة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما يعطي ولده، و مثل الذي يعطي العطيّة ثمّ يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثمّ عاد فيه»(4).

و قال أبو حنيفة: لا رجوع في الهبة من المحرم، و يثبت في غير المحرم قريبا كان أو أجنبيّا، إلاّ في هبة أحد الزوجين من الآخر(5).

و: لا فرق في حقّ الرجوع بين أن يكون الوالد و الولد متّفقين في الدّين أو مختلفين.

و لو وهب من عبد [ولده](6) فله الرجوع عند الشافعي(7).4.

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
2- العزيز شرح الوجيز 323:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 43.
4- سنن أبي داود 3539/291:3، المستدرك - للحاكم - 46:2.
5- مختصر اختلاف العلماء 1847/152:4، مختصر القدوري: 124 و 125، المبسوط - للسرخسي - 49:12 و 51 و 52-53، روضة القضاة 3071/522:2 و 3073، و 3075/523، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 1014:3 و 739/1015-741، بدائع الصنائع 132:6 و 133، الهداية - للمرغيناني - 3: 227 و 228، الاختيار لتعليل المختار 73:3-74، الحاوي الكبير 545:7، حلية العلماء 54:6-55، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 107، العزيز شرح الوجيز 323:6.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أمة». و المثبت كما في المصدر.
7- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 441:4.

و لو وهب من مكاتب ولده، لم يكن له الرجوع عنده(1).

و هبة الإنسان من مكاتبه كهبته من الأجنبيّ.

ز: لو تداعي اثنان مولودا و وهبا منه، فلا رجوع لواحد منهما.

أمّا عندنا: فلأنّ كلّ واحد منهما يدّعي بنوّته، فيعترف بلزوم الهبة في حقّه؛ لأنّ هبة ذي الرحم لازمة عندنا.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ ولادته لأحدهما لم تثبت، فكان كالأجنبيّ(2) ، و لا يصحّ عنده رجوع الأجنبيّ في هبته(3) ، ضدّ ما نذهب نحن إليه.

فإن ألحق بأحدهما، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّ الرجوع لم يكن ثابتا في الابتداء(4).

ح: حكم الرجوع في الهديّة حكم الرجوع في الهبة، فكلّ موضع جوّزناه هناك فإنّه جائز هنا، و ما لا فلا.

ط: لا يجوز الرجوع في الصدقة؛ لأنّها كالهبة المعوّض عنها.

و لو تصدّق علي ابنه، فللشافعيّة وجهان:

أصحّهما: أنّ له الرجوع؛ لأنّ الخبر(5) يقتضي ثبوت الرجوع في الهبة، و الصدقة ضرب من الهبة، و لأنّه تبرّع علي الولد في الحياة لا بدّ فيه9.

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
2- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 274:4، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
3- راجع: الهامش (2) من ص 43.
4- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 274:4، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
5- راجع: الهامش (1) من ص 39.

من التسليم، فأشبه الهبة.

و الثاني - و به قال مالك(1) ، و هو مذهبنا -: أنّه لا رجوع؛ لأنّه ليس له الرجوع في الهبة عندنا، فالصدقة أولي، و لأنّ القصد من الصدقة ثواب الآخرة و قد حصل(2).

ي: لو أبرأ ابنه عن دينه برئ عندنا، و لم يكن له الرجوع.

و قالت الشافعيّة: يبني علي أنّ الإبراء إسقاط أو تمليك ؟ إن قلنا:

إسقاط، فلا رجوع، و إلاّ ثبت الرجوع(3).

يأ: لو وهب من ولده ثمّ مات الواهب، و وارثه أبوه لكون الولد مخالفا له في الدين، فلا رجوع للجدّ الوارث عند الشافعي؛ لأنّ الحقوق لا تورث وحدها، و إنّما تورث بتبعيّة الأموال، و هو لا يرث المال(4).

المطلب الثاني: فيما إليه يرجع الواهب.
اشارة

اعلم أنّ كلّ موضع يجوز للواهب الرجوع فيه فإنّ الرجوع يثبت له في عينه التي وهبها من المتّهب إن كانت باقية، و إن كانت تالفة لم يكن له الرجوع عندنا، سواء تلفت بفعل المتّهب أو بدون فعله؛ لأنّه ملكها بالعقد و القبض، فلا ضمان عليه، كغيرها من أمواله المملوكة له - و به قال

ص: 50


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1204/676:2، بداية المجتهد 332:2، الذخيرة 266:6، العزيز شرح الوجيز 324:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2.
2- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوجيز 250:1، الوسيط 273:4-274، حلية العلماء 52:6-53، التهذيب - للبغوي - 4: 540، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
3- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
4- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.

الشافعي(1) - للبراءة الأصليّة.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع، و إلاّ فليس له»(2)التهذيب 653/158:9، الاستبصار 408/107:4، و 416/109.(3).

و لو كانت باقية إلاّ أنّ المتّهب تصرّف فيها ببيع أو شبهه، فلا رجوع عند أكثر علمائنا(4).

و قال بعضهم: للواهب الرجوع مع التصرّف(5).

و المعتمد: الأوّل؛ لأنّ المتّهب قد ملك بالعقد و الإقباض، و ظهر أثر الملك، و هو التصرّف، فقوي وجود السبب، فكان تامّا، و إلاّ لم يتحقّق أثره، فلا يتحقّق النقل عنه إلاّ بسبب طار، و ليس الرجوع سببا هنا، و إلاّ كان سببا في غيره.

و لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السّلام قال: «أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك، فإذا خرجت إلي صاحبها فليس لك أن ترجع فيها» و قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من رجع في هبته فهو كما لو رجع في قيئه»(5).

و لا فرق بين أن يكون التصرّف لازما، كالبيع بعد انقضاء الخيار، و الكتابة، أو غير لازم، كالعارية و البيع في مدّة الخيار، و لا فرق بين أن تعود العين إلي المتّهب ببيع و ميراث و غيرهما، أو لا تعود؛ لأنّ الانتقال من9.

ص: 51


1- الحاوي الكبير 547:7-548، نهاية المطلب 425:8، حلية العلماء 59:6، البيان 111:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4-442.
2- تقدّم تخريجه في ص 41، الهامش
3- .
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 603، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 366.
5- راجع: شرائع الإسلام 230:2.

الواهب تامّ، فلا تعود إليه بغير سبب، و الرجوع ليس سببا علي ما تقدّم، و سواء كان التصرّف ممّا يحصل معه تغيّر في العين أو إحداث شيء فيها كاتّخاذ الخشبة بابا، أو لا.

و قال الشافعي: إذا تصرّف المتّهب في الهبة نظر(1) ، فإن كان تصرّفا لا يقطع تصرّف المتّهب عنها - مثل الإجارة و الإعارة و الزراعة و التدبير و تزويج الجارية - كان للواهب الرجوع فيها.

و هو آت علي مذهب من يقول من أصحابنا: إنّ التصرّف غير مانع من الرجوع.

و إن كان يمنعه من التصرّف في الحال - كالكتابة و الرهن - لم يكن للواهب الرجوع في هذه الحال، فإن انفسخت الكتابة أو انفكّ الرهن، كان له الرجوع.

و حكي بعضهم أنّ في الكتابة وجها آخر: أنّه لا يرجع؛ لأنّ الكتابة تجعله في حكم من زال عنه ملك السيّد، فيصير كأنّه زال ملكه ثمّ عاد إليه(2).

و إن كان تصرّفه أزال ملكه، كالبيع و الهبة اللازمة، لم يملك الرجوع.

فلو عاد الموهوب إلي الموهوب منه، فهل يملك الواهب الرجوع ؟ وجهان:

أحدهما: يملك ذلك؛ لأنّ الموهوب موجود في ملكه، ألا تري أنّ الزوجة إذا زال ملكها عن الصداق ثمّ عاد إليها ثمّ طلّقها الزوج فإنّه يرجع في نصفه، كذا هنا.6.

ص: 52


1- في «ص، ع»: «نظرت».
2- العزيز شرح الوجيز 326:6.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّ الملك للمتّهب لم يكن من جهته، فلا يملك فسخه و إزالته، بخلاف الصداق، فإنّ زوال ملكها عن العين لم يسقط حقّه، و إنّما تعلّق حقّه بالقيمة، فإذا عاد عاد الحقّ إليه، و هنا سقط حقّه، فافترقا(1).

مسألة 20: إذا جوّزنا الرجوع مع التصرّف - كما هو مذهب بعض علمائنا،

و مذهب أكثر العامّة - فلو كان المتّهب قد آجر العين أو زارع عليها أو زوّج الجارية فرجع الواهب، صحّ الرجوع، و صبر الواهب في الإجارة إلي انقضاء مدّتها، و كذا في المزارعة، و يبقي التزويج بحاله، و يكون مال الإجارة و الزراعة و المهر للمتّهب؛ لأنّ ذلك حصل في ملكه، و ليس للواهب فيه شيء لا عمّا مضي و لا عمّا يأتي.

و لو أبق العبد الموهوب في يد المتّهب، صحّ رجوع الواهب إن لم يتصرّف المتّهب عندنا، و مطلقا عند من جوّز الرجوع مع التصرّف.

و للشافعي قولان في العبد الموهوب في يد المتّهب هل يصحّ رجوع الواهب فيه علي القول بأنّ هبة الآبق لا تصحّ؟ لأنّ الهبة تمليك مبتدأ، و الرجوع ينافيه، فيسامح فيه(2).

و لو جني العبد في يد المتّهب و تعلّق الأرش برقبته، فهو كالمرهون في امتناع الرجوع، لكن لو قال الواهب: أنا أدفع الفداء و أرجع فيه، أجيب إليه، بخلاف المرهون لو قال الواهب: أنا أدفع قيمته و أرجع، فإنّه لا يجاب إلي ذلك؛ لأنّ في ذلك إبطال تصرّف المتّهب، و لا سبيل إليه.

و يحتمل عندي تمكينه من ذلك، و ليس في ذلك إبطال التصرّف.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 324:6 و 326 و 327، روضة الطالبين 441:4-443.
2- العزيز شرح الوجيز 325:6، روضة الطالبين 442:4.

و لو زال ملك المتّهب ثمّ عاد بإرث أو شراء، ففي عود الرجوع للشافعي قولان.

أحدهما: يعود؛ لأنّه وجد عين ماله عند من له الرجوع فيما وهب منه.

و أصحّهما عنده: المنع؛ لأنّ هذا الملك غير مستفاد منه حتي يزيله و يرجع فيه(1).

و احتجّ بعضهم لهذا الوجه: بأنّه لو وهب من ابنه فوهبه الابن من جدّه ثمّ وهبه الجدّ من ابن ابنه المتّهب أوّلا، فإنّ حقّ الرجوع للجدّ الذي حصل منه هذا الملك، لا للأب(2).

و يمكن أن يحكم القائل الأوّل بثبوت الرجوع لهما جميعا.

و مبني القولين علي أصل سبق(3) في البيع هو: أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟

مسألة 21: لو وهبه ما هو مملوك ثمّ خرج عن صلاحيّة التملّك ثمّ عاد إلي حاله

الأوّل - كما لو وهبه عصيرا ثمّ صار خمرا في يد المتّهب ثمّ عاد إلي الخلّ - كان للواهب الرجوع إن لم يتصرّف المتّهب عندنا، و مطلقا عند مجوّزي الرجوع مع التصرّف؛ لأنّ الملك الثابت في الخلّ سببه ملك العصير، فكأنّه الملك الأوّل بعينه.

و ذكر بعض الشافعيّة وجهين في أنّ الملك هل يزول بالتخمير؟

ص: 54


1- العزيز شرح الوجيز 325:6، روضة الطالبين 442:4.
2- العزيز شرح الوجيز 325:6-326، روضة الطالبين 442:4.
3- في ج 12، ص 279.

و وجهين في عود الرجوع تفريعا علي القول بالزوال(1).

و لو انفكّ الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب عن أداء النجوم، ثبت الرجوع؛ لأنّ الملك الذي كان لم يزل بالرهن و لا بالكتابة.

و حكي الجويني عن بعض الشافعيّة في انفكاك الرهن وجهين مرتّبين علي الوجهين فيما إذا زال الملك و عاد(2).

و كذا في الكتابة وجه آخر؛ لأنّ الكتابة تجعله في حكم من زال ملكه عنه، و إذا انفكّت فكأنّه حصل ملك جديد(3).

مسألة 22: لو وهبه شيئا ثمّ أفلس المتّهب و حجر الحاكم عليه فأراد الواهب الرجوع في الهبة،

لم يكن له ذلك؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالعين، فمنع ذلك الرجوع فيها، كالمرهون و الجاني، فإنّه لمّا تعلّق حقّ المرتهن و المجنيّ عليه بالعين، لم يكن للواهب الرجوع فيها، كذا هنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّ له الرجوع؛ لأنّ حقّه أسبق من حقّ الغرماء، فإنّ حقّ الرجوع للواهب ثبت بالهبة، و حقّ الغرماء إنّما يثبت بالحجر(4).

فإن باعها المتّهب ثمّ اشتراها بثمن مؤجّل ثمّ أفلس و قلنا: إذا عادت إليه كان للواهب الرجوع فيها، فإنّ هنا البائع أحقّ من الواهب؛ لأنّ حقّه تعلّق بها من جهة ملكه إيّاها بالبيع، فكان أولي، كما لو اشتراها و لم يبعها.

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4.
2- نهاية المطلب 429:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 326:6.
3- حلية العلماء 56:6، البيان 112:8، العزيز شرح الوجيز 326:6.
4- المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 275:4، حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 109:8، العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4.

و لو ارتدّ العبد في يد المتّهب و قلنا: الردّة لا تزيل الملك، ثبت الرجوع، و إن قلنا: تزيله، فلا رجوع، فإن عاد إلي الإسلام ثبت الرجوع.

و من الشافعيّة من جعله علي الخلاف فيما إذا زال ملكه ثمّ عاد(1).

و لو وهب الابن المتّهب الموهوب من ابنه، لم يكن هنا رجوع عندنا.

و للشافعي قولان في أنّه هل للجدّ الرجوع ؟ فإن قلنا به، فهل للجدّ هنا الرجوع ؟ وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه موهوب ممّن للجدّ الرجوع في هبته.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الملك غير مستفاد منه(2).

و لو باعه منه أو انتقل بموته إلي ابنه، قطع بعضهم بمنع الرجوع(3).

و بعضهم طرّد الوجهين في صورة الموت(4).

و بعضهم طرّدهما في البيع أيضا(«5»).

و الأصحّ في الكلّ عندهم: المنع(«6»).

مسألة 23: هذا كلّه إذا كان المتّهب قد زالت سلطنته عن العين الموهوبة،

و أمّا إذا كان باقيا في سلطنته فرجع الواهب فيما له الرجوع فيه، فلا يخلو إمّا أن تكون العين بحالها أو ناقصة أو زائدة.

فإن كانت بحالها، استرجعها الواهب، و لا بحث.

و إن كانت ناقصة، فله الرجوع أيضا، و لا أرش للواهب في الهبة التي

ص: 56


1- البيان 109:8، العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4، و مفروض المسألة فيها هو ما إذا ارتدّ نفس المتّهب، لا العبد في يد المتّهب.
2- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 326:6-327.
3- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 327:6. (4-6) العزيز شرح الوجيز 327:6.

لم يشترط فيها الثواب؛ لأنّ النقص حصل في ملك المتّهب، فلا يكون مضمونا عليه.

و إن كانت زائدة، فلا تخلو الزيادة من أن تكون متّصلة كالسمن و تعلّم الصنعة، أو منفصلة كالثمرة و الولد و الكسب و اللبن.

فإن كانت متّصلة، تبعت العين، فإذا رجع الواهب في العين كانت الزيادة في العين ترجع إلي الواهب - و به قال الشافعي(1) - لأنّها زيادة في الموهوب له، فلا تمنع الرجوع، كما لو كانت قبل القبض، أو كانت منفصلة.

و قال أبو حنيفة: لا يرجع إلاّ أن يكون قد زاد بتعلّم القرآن أو أسلم أو قضي عنه دين(2) - و قال محمّد: لا يرجع فيه إذا أسلم أو علّمه القرآن أو قضي عنه الدّين أيضا(3) - لأنّ الزيادة ملك الموهوب له، فلم يكن له الرجوع فيها، كالمنفصلة، و إذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل؛ لأنّها غير متميّزة منه(4).

و هو يبطل بالردّ بالعيب؛ فإنّ الزيادة ملك المشتري، و لا تمنع الردّ.

و لا ينتقض ذلك بالزوج إذا طلّق قبل الدخول و كان المهر قد زاد في يد الزوجة زيادة متّصلة، فإنّ الزيادة تمنع الزوج من الرجوع في الصداق؛ لأنّ الفرق ظاهر، فإنّ الزيادة في الصداق لم يجعلها تابعة؛ لأنّه يمكنه7.

ص: 57


1- حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 542:4، البيان 110:8، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 443:4، المغني 312:6، الشرح الكبير 306:6.
2- في «ع»: «قضي عنه دينا».
3- حلية العلماء 55:6، البيان 110:8، المغني 313:6، الشرح الكبير 306:6 - 307.
4- حلية العلماء 55:6، البيان 110:8، المغني 312:6-313، الشرح الكبير 306:6 و 307.

الرجوع إلي القيمة، و هنا لا يرجع في القيمة، فجعلها تابعة، كالردّ بالعيب.

و إن كانت الزيادة منفصلة، ردّ الأصل دون الزيادة؛ لأنّها حصلت في ملك المتّهب، فلا تنتقل عنه إلاّ بسبب، و الرجوع ليس سببا.

مسألة 24: لو وهبه جارية أو دابّة حاملا فرجع الواهب قبل الوضع،

رجع فيها حاملا؛ لأنّ الزيادة هنا متّصلة، و لأنّ الولد للواهب - و به قال الشافعي(1) - لأنّا إن قلنا: للحمل حكم، فقد تناولته الهبة، و إن قلنا: لا حكم له، فهو كالزيادة المتّصلة.

و إن رجع بعد الوضع، فكذلك عندنا؛ لأنّ الزيادة هنا متّصلة.

و أمّا العامّة: فمن قال: لا حكم للحمل، قال: يرجع في الأمّ دون الولد، و من قال: له حكم، قال: يرجع فيهما معا(2).

و إن وهبها حائلا فحملت في يد المتّهب ثمّ رجع الواهب، فإن كان رجوعه بعد الوضع، كان له الرجوع في الأمّ خاصّة، و يكون الولد للمتّهب؛ لأنّه نماء ملكه لم يتناوله العقد، و إن رجع قبل الوضع، فمن قال: للحمل حكم، فهو كما لو كان منفصلا، فيرجع في الأمّ دون الحمل، و من قال:

لا حكم له، رجع فيهما(3).

و الوجه: أنّ الولد للمتّهب؛ لأنّه نماء ملكه.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع حكمنا له بالرجوع في الأمّ دون الولد فإنّه يرجع في الأمّ خاصّة و إن حصل التفريق؛ لأنّه مكروه لا محرّم علي

ص: 58


1- التهذيب - للبغوي - 542:4، البيان 110:8، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 443:4.
2- نفس المصادر مضافا إلي: المغني 315:6، و الشرح الكبير 307:6.
3- حلية العلماء 55:6-56، البيان 110:8، روضة الطالبين 443:4، المغني 315:6، الشرح الكبير 307:6.

الأقوي.

و لو قلنا بالتحريم، احتمل أن يمنع من الرجوع في الأم - و هو قول بعض العامّة(1) - لاستلزامه التفريق المحرّم، و الجواز؛ لأنّها تفرقة ضروريّة.

مسألة 25: لو وهب منه ثوبا فقصره المتّهب،

لم يكن للواهب الرجوع عندنا.

و أمّا من جوّز له الرجوع مع التصرّف من علمائنا(2)حلية العلماء 55:6، التهذيب - للبغوي - 542:4، العزيز شرح الوجيز 6:

327، روضة الطالبين 444:4.(3) و من العامّة(4) فإنّ للواهب الرجوع.

فإن لم تزد قيمة الثوب بالقصارة، كان له الرجوع فيه.

و إن زادت قيمته بذلك، فهل تجري الزيادة مجري العين، أو الأثر؟ للشافعي قولان، فإن قلنا: إنّها تجري مجري العين، كانا شريكين، كالمفلس إذا قصر الثوب، و إن قلنا: إنّها أثر، كان للواهب الرجوع في الثوب مقصورا(4).

و لو وهب منه حبّا فزرعه أو بيضا فصار فرخا، لم يكن له الرجوع؛ لأنّ ماله صار مستهلكا.

قال بعض الشافعيّة: هذا إن ضمّنّا الغاصب بذلك، و إلاّ فقد وجد عين ماله فيرجع فيه(5).

و لو كان الموهوب ثوبا فصبغه المتّهب و جوّزنا الرجوع مع التصرّف،

ص: 59


1- المغني 314:6، الشرح الكبير 305:6.
2- لاحظ: الهامش
3- من ص 51.
4- لاحظ: الهامش (1) من ص 53.
5- التهذيب - للبغوي - 542:4، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 444:4.

رجع الواهب في الثوب، و كان المتّهب شريكا بالصبغ.

و لو كان الموهوب حنطة فطحنها المتّهب، أو غزلا فنسجه، فإن لم تزد قيمته فلا شيء للمتّهب، و كان للواهب الرجوع في الطحين و المنسوج، و إن زادت، احتمل إجراء الطحن و النسج مجري الأعيان و مجري الآثار.

و لو وهبه أرضا فبني المتّهب فيها أو غرس، كان للواهب الرجوع في الأرض، و ليس له قلع البناء و الغراس مجّانا، بل يتخيّر بين الإبقاء بالأجرة، أو [التملّك](1) بالقيمة مع رضا المتّهب فيهما، أو القلع مع دفع أرش النقصان، كما في العارية.

و لو وهبه نخلا حائلا فأثمر في يد المتّهب، جاز له الرجوع إذا لم يتصرّف عندنا، و مطلقا عند آخرين.

فإذا رجع في العين، كانت الثمرة للمتّهب؛ لأنّها زيادة منفصلة، سواء كانت مؤبّرة حالة الرجوع أو لا.

و قال بعض العامّة: إن رجع قبل التأبير، فهي زيادة متّصلة، و إن رجع بعده، فهي زيادة منفصلة(2).

و لو وهب الرجل ولده جارية فوطئها المتّهب، فلا رجوع عندنا.

و أكثر العامّة جوّزوا الرجوع فيما يهبه لولده و إن تصرّف(3) ، فحينئذ قال بعض الشافعيّة: إنّ وطء الابن يمنع الرجوع و إن عري الوطء عن9.

ص: 60


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التمليك». و المثبت يقتضيه السياق.
2- المغني 315:6، الشرح الكبير 307:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 39.

الإحبال؛ لأنّه يحرّمها علي الأب(1) ، لكن مذهب الشافعي يقتضي خلافه(2).

مسألة 26: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للرجل الرجوع فيما يهبه لولده مع الإقباض،

و عند العامّة يجوز بشروط أربعة:

الأوّل: أن تكون العين باقية في ملك الابن، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك، لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنّه إبطال لملك غير الولد، فإن عادت إليه بملك جديد، كبيع أو هبة أو وصيّة أو إرث، لم يملك الرجوع فيها؛ لأنّها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه، فلا يملك فسخه.

و إن عادت بفسخ البيع لعيب أو إقالة أو فلس المشتري، فوجهان:

أحدهما: يملك الرجوع؛ لأنّ السبب المزيل ارتفع، و عاد الملك بالسبب الأوّل، فأشبه ما لو فسخ البيع بخيار المجلس أو خيار الشرط.

و الثاني: لا يملك الرجوع؛ لأنّ(3) الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه، فأشبه ما لو عاد إليه بهبة.

و إن عاد إليه بفسخ خيار(4) الشرط أو خيار المجلس، فله الرجوع؛ لأنّ الملك لم يستقر عليه.

الثاني: أن تكون العين باقية في تصرّف الولد بحيث يملك التصرّف في رقبتها، فإن استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها؛ لأنّ الملك فيها لا يجوز نقله إلي غير سيّدها.

ص: 61


1- العزيز شرح الوجيز 327:6-328، روضة الطالبين 444:4.
2- الحاوي الكبير 548:7، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
3- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة إضافة: «رجوع»، و هي كما تري.
4- في المغني: «للفسخ بخيار» بدل «بفسخ خيار».

الثالث: أن لا تتعلّق بها رغبة لغير الولد، فإن تعلّقت بها رغبة لغيره فلا رجوع، مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته و أدانوه ديونا، أو رغبوا في مناكحته فزوّجوه.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه لا رجوع - و به قال مالك - لأنّها تعلّق بها حقّ غير الابن، ففي الرجوع إبطال حقّه، و قد قال عليه السّلام: «لا ضرر و لا ضرار»(1) و في الرجوع ضرر.

و الثانية: الرجوع؛ لعموم الخبر(2) ، و لأنّ حقّ المتزوّج و الغريم لم يتعلّق بعين هذا المال، فلم يمنع الرجوع فيه.

الرابع: أن لا تزيد العين زيادة متّصلة، كالسمن و الكبر و تعلّم صنعة، فإن زادت فعن أحمد روايتان:

إحداهما: لا تمنع الرجوع - و هو مذهب الشافعي - لأنّها زيادة [في](3) الموهوب، فلا تمنع الرجوع، كالزيادة قبل القبض و المنفصلة.

و الثانية: تمنع - و هو مذهب أبي حنيفة - لأنّ الزيادة [للموهوب](4)ر.

ص: 62


1- الكافي 4/280:5، و 292-2/293 و 6، التهذيب 146:7-651/147، و 727/164، سنن ابن ماجة 2341/784:2، مسند أبي يعلي 2520/397:4، المعجم الأوسط - للطبراني - 1037/407:1، و 3777/300:4، المعجم الكبير - له أيضا - 1387/86:2، و 11806/302:11، سنن الدارقطني 288/77:3، و 83/227:4، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، السنن الكبري - للبيهقي - 6: 69 و 157، و 133:10.
2- راجع: الهامش (1) من ص 39.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في الموهوب». و المثبت كما في المصدر.

له؛ لكونها نماء ملكه، و لم تنتقل إليه من جهة أبيه، فلم يملك الرجوع، كالمنفصلة، و إذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل لئلاّ يفضي إلي سوء المشاركة و ضرر التشقيص.

و يفارق الردّ بالعيب من جهة أنّ الردّ من المشتري و قد رضي ببذل الزيادة، فإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض فزاد أحدهما و وجد المشتري الآخر به عيبا، قلنا: بائع المبيع سلّط مشتريه علي الفسخ ببيعه المعيب فكأنّ الفسخ وجد منه(1).

المطلب الثالث: فيما به يحصل الرجوع.
اشارة

الرجوع يحصل إمّا بالقول أو بالفعل.

أمّا القول: فأن يقول: رجعت فيما وهبت، و ارتجعت و استرددت المال، و رددته إلي ملكي، و أبطلت الهبة و نقضتها، و ما أشبه ذلك من الألفاظ الدالّة علي الرجوع.

و للشافعيّة وجهان في أنّ الرجوع هل هو نقض و إبطال للهبة، أم لا؟ أحدهما: لا يكون نقضا؛ لأنّه لو كان نقضا لملك الواهب الزيادات الحاصلة من الموهوب.

و الثاني: أنّه يكون نقضا، كما أنّ الإقالة نقض و فسخ للبيع، و إنّما لا تستردّ الزيادة؛ لحدوثها علي ملك المتّهب، كما لا تستردّ في الإقالة.

فعلي الأوّل ينبغي أن [لا](2) يستعمل لفظ النقض و الإبطال إلاّ أن

ص: 63


1- المغني 309:6-313، الشرح الكبير 304:6-306.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

يجعل كناية عن المقصود(1).

و قسّموا اللفظ الذي به يحصل الرجوع إلي قسمين: صريح، و هو قوله: رجعت، و كناية تفتقر إلي النيّة، مثل قوله: أبطلت الهبة و فسختها(2).

و أمّا الفعل: فأن يفعل الواهب فعلا لا يسوغ له إلاّ في ملك بأن يطأ الجارية الموهوبة أو يبيعها أو يقفها أو يهبها من آخر، فالأقوي عندي: أنّه يكون رجوعا، كما أنّ هذه التصرّفات في زمن الخيار فسخ للبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّه لا يكون رجوعا؛ لأنّ الموهوب ملك للمتّهب؛ بدليل نفوذ تصرّفاته فيه، فيلغو تصرّف الواهب، و هذا كما لو ثبت له الفسخ بالعيب فتصرّف فيه، لم يحصل به الفسخ، و يخالف المبيع في زمن الخيار، فإنّ الملك فيه ضعيف(3).

و نمنع إلغاء تصرّف الواهب؛ لأنّ أفعال المسلم إنّما تبني علي الظاهر و هو الصحّة، و الفسخ لا ينافي ملك المتّهب قبله، كما لو فسخ بالقول، و نفوذ التصرّفات إن كان حال الوطء أو بعده فهو ممنوع، كما في القول، و إن كان قبله فهو مسلّم لكن نحن ندّعي زوال الملك قبل التصرّف مع الوطء، و إنّما ضعف الملك في زمان الخيار لإمكان انفساخه بفسخ صاحب الخيار، و هذا الإمكان متحقّق هنا.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: يحصل الرجوع بالفعل، ففي صحّة البيع4.

ص: 64


1- العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
2- العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
3- نهاية المطلب 431:8 و 432، التهذيب - للبغوي - 542:4-543، البيان 8: 112-113، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.

و الهبة وجهان، كما في البيع في زمن الخيار(1).

و يجري الوجهان في حصول الرجوع إذا أتلف الطعام الموهوب أو أعتق العبد أو وطئ الجارية(2).

و أشار الجويني إلي وجه ثالث، و هو أنّ مجرّد الوطء ليس برجوع، لكن إذا أحبلها و حصل الاستيلاد كان راجعا(3).

و علي الصحيح عندهم يلزمه بالإتلاف القيمة، و يلغو الإعتاق، و عليه بالوطء مهر المثل، و بالاستيلاد القيمة(4).

و لو صبغ الثوب الموهوب أو خلط الطعام بطعام نفسه، لم يكن راجعا، بل هو كما لو فعل الغاصب ذلك.

مسألة 27: كلّ موضع يثبت فيه الرجوع يصحّ من غير اشتراط حكم القاضي عند علمائنا

- و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأنّه خيار في فسخ العقد، فلا يفتقر الفسخ به إلي قضاء قاض، كخيار الثلاثة، و كالفسخ بخيار الشرط، و لأنّ الشارع جعل له الرجوع و أطلق و لم يقيّد بحكم الحاكم، و لو كان شرطا لذكره و بيّنه.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ الرجوع فيها إلاّ بقضاء قاض؛ لأنّ ملكه

ص: 65


1- كما في التهذيب - للبغوي - 543:4، و العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
2- كما في التهذيب - للبغوي - 543:4، و العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
3- نهاية المطلب 432:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
4- التهذيب - للبغوي - 543:4، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 4: 444.
5- البيان 112:8، العزيز شرح الوجيز 329:6، روضة الطالبين 445:4، المغني 316:6، الشرح الكبير 308:6.

مستقرّ(1).

و هو ممنوع، و لأنّه لو كان مستقرّا لما زال بحكم القاضي؛ لأنّ الحكم عندنا تابع لا متبوع.

فروع:

أ: لو رجع و لم يسترد المال، فهو أمانة في يد المتّهب، بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع؛ لأنّ المشتري أخذه علي حكم الضمان.

ب: لو اتّفق الواهب و المتّهب علي فسخ الهبة، ففي إلحاقه بالتقايل إشكال.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّها تنفسخ، كما لو تقايلا، و الثاني:

لا تنفسخ، كالخلع(2).

ج: يشترط في الرجوع التنجيز، فلو علّقه بشرط - مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة - لم يصح؛ لأنّ العقد لا يقف علي شرط فكذا فسخه.

مسألة 28: لو أخذ الواهب الهبة من المتّهب،

فإن نوي به الرجوع كان رجوعا، و القول قوله في نيّته؛ لأنّه أبصر بها.

و إن لم يعلم هل نوي الرجوع أو لا و كان ذلك بعد موت الواهب، فإن لم توجد قرينة تدلّ علي الرجوع لم يحكم بكونه رجوعا؛ لأنّ الأخذ

ص: 66


1- نفس المصادر في الهامش السابق، و في مختصر القدوري: 125، و المبسوط - للسرخسي - 54:12، و روضة القضاة 3099/525:2، و تحفة الفقهاء 3: 166، و بدائع الصنائع 128:6، و الهداية - للمرغيناني - 229:3، و الاختيار لتعليل المختار 75:3: «لا يصحّ الرجوع إلاّ بتراضيهما أو بحكم الحاكم».
2- العزيز شرح الوجيز 329:6، روضة الطالبين 445:4.

يحتمل الرجوع و غيره، فلا يزال حكم متيقّن بأمر مشكوك.

و إن اقترن به قرائن تدلّ علي الرجوع، احتمل كونه رجوعا؛ لأنّا اكتفينا في العقد بدلالة الحال، ففي الفسخ أولي، و لأنّ لفظ الرجوع كان رجوعا؛ لدلالته عليه، فكذا كلّ ما دلّ عليه، و أن لا يكون - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الملك ثابت للمتّهب يقينا، فلا يزول إلاّ بالصريح.

و يحتمل بناء هذا علي العقد، فإن أوجبنا الإيجاب و القبول فيه لم يكتف هاهنا إلاّ بلفظ يقتضي زواله، و إن اكتفينا في العقد بالمعاطاة الدالّة علي الرضا به فهنا أولي.

أمّا لو نوي الرجوع من غير فعل و لا قول فإنّه لا يحصل الرجوع وجها واحدا؛ لأنّه إثبات الملك علي مال مملوك لغيره، فلم يحصل بمجرّد النيّة، كسائر العقود.

البحث الثاني: في الثواب.
مسألة 29: الهبة مطلقا لا تقتضي العوض إلاّ مع الشرط،

سواء في ذلك هبة الأعلي للأدني، و المساوي لمثله، و الأدني للأعلي، عند أكثر علمائنا(2) - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - للأصل، و لأنّها عطيّة علي وجه التبرّع، فلم تقتض الثواب، كالوصيّة و هبة المثل من المثل، و لأنّه لو أعاره دارا لم يلزم المستعير شيء، فكذا إذا وهب؛ إلحاقا للأعيان بالمنافع.

ص: 67


1- المغني 317:6، الشرح الكبير 309:6.
2- منهم ابن إدريس في السرائر 175:3، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 2: 232، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 366.
3- المغني 331:6، الشرح الكبير 273:6.

و قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف و المبسوط: الهبة علي ثلاثة أقسام: هبة لمن فوقه، مثل: هبة الرعيّة للسلطان، و الفقير للغني، و الغلام لأستاذه، و هبة المساوي لمثله، مثل: أن يهب الغني للغني، و الفقير للفقير، و التاجر للتاجر، و هبة لمن هو دونه، مثل: هبة السلطان للرعيّة، و الغني للفقير، و الأستاذ للغلام، و كلّها تقتضي الثواب(1).

و قال الشافعي: هبة الأعلي للأدني لا تقتضي الثواب؛ إذ لا يقتضيه اللفظ و لا العرف و لا العادة، لأنّه يقصد بها نفع المتّهب، و كذا هبة المثل؛ لأنّه يقصد التودّد و المواصلة و التحابب، و أمّا هبة الأدني للأعلي فهل تقتضي الثواب ؟ قولان: ففي القديم: تقتضي، و به قال مالك، و في الجديد:

لا تقتضي، و به قال أبو حنيفة(2).

احتجّ الشيخ رحمه اللّه بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه [و عبد اللّه بن سنان](3) - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: أنّهما سألاه عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال: «تجوز الهبة لذوي القربي و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك إن شاء»(4).

و احتجّ الشافعي بما روي عن عمر أنّه قال: من وهب هبة يرجو).

ص: 68


1- الخلاف 568:3، المسألة 13، المبسوط - للطوسي - 310:3.
2- الحاوي الكبير 549:7 و 550، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 433:8-434، الوجيز 250:1، الوسيط 276:4، حلية العلماء 57:6، التهذيب - للبغوي - 529:4-530، البيان 113:8-114، العزيز شرح الوجيز 329:6 و 330 و 331، روضة الطالبين 446:4، روضة القضاة 3136/530:5 - 3138، المغني 331:6، الشرح الكبير 273:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار، و بدله في التهذيب: «عبد اللّه بن سليمان».
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (6).

ثوابها فهي ردّ علي صاحبها ما لم يثب عليها(1) ، و مثله روي عن عليّ عليه السّلام(2).

و نحن نقول بموجب الروايتين؛ لأنّه إذا كانت الهبة للأجنبيّ خالية عن العوض كان لمالكها الرجوع فيها، و أمّا إذا اشتملت علي العوض لم يكن له الرجوع، و لا يلزم من ذلك اقتضاء الهبة الثواب، علي أنّ حديثهم عن عمر معارض بما روي عن ابن عباس و ابن عمر؛ حيث قالا بخلاف قول عمر(3).

مسألة 30: قد عرفت أنّ الذي اخترناه نحن أنّ مطلق الهبة لا يقتضي الثواب و لا عدمه،

فتنقسم حينئذ أقساما ثلاثة:

الأوّل: أن يطلق الواهب الهبة، فيقول: وهبتك كذا، فيقول المتّهب:

قبلت، و قد بيّنّا أنّه لا يقتضي الثواب، خلافا للشافعي في أحد قوليه و لمالك(4).

الثاني: أن يشترط عدم الثواب، و هو سائغ عندنا؛ لأنّه شرط لا ينافي العقد؛ لعدم التنافي بين الكلّي و أحد جزئيّاته، و هو أصحّ قولي

ص: 69


1- البيان 113:8، العزيز شرح الوجيز 329:6.
2- الخلاف 569:3، ذيل المسألة 13.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 1751/476:6، مسند أحمد 4795/106:2، و 197-5469/198، سنن أبي داود 3539/291:3، سنن الترمذي 592:3، ذيل ح 1298، و 1299/593، و 2132/442:4، سنن النسائي (المجتبي) 6: 265، السنن الكبري - للنسائي - 6519/121:4-3 و 6520-4، مسند أبي يعلي 2717/105:5، المعجم الكبير - للطبراني - 13462/396:12، سنن الدارقطني 42:3-177/43، المستدرك - للحاكم - 46:2، السنن الكبري - للبيهقي - 180:6، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5123/524:11، المغني 331:6-332، الشرح الكبير 273:6.
4- راجع: الهامش (2) من ص 68.

الشافعي، و في الآخر: أنّ الهبة المشروطة بعدم الثواب لا تصحّ، بناء علي قوله القديم: إنّ مطلق الهبة يقتضي الثواب، فيكون شرط عدم الثواب شرطا ينافي مقتضاها، فتبطل الهبة(1)المغني 332:6، الشرح الكبير 273:6.(2).

الثالث: أن يشترط الثواب، و هي جائزة عندنا إجماعا، و هو قول أكثر العامّة(2) ؛ عملا بالأصل و الأحاديث، و هو المشهور من قولي الشافعي(3).

و له قول آخر: إنّها لا تصحّ؛ لأنّ الهبة لا تقتضي ثوابا، فإذا شرط فيها ثوابا أخرجها عن مقتضاها، فلم تصح، كما إذا عقد النكاح بلفظ الهبة(4).

و هو غلط: فإنّ المطلق لا ينافي المقيّد.

نعم، لو قلنا: الهبة تقتضي عدم الثواب، فلو شرطه كان منافيا لمقتضاها، و فرق بين عدم اقتضاء الثواب و اقتضاء عدم الثواب.

و أيضا الهبة تقتضي التمليك، فإذا شرط فيه العوض صحّ، ألا تري أنّه لو قال: ملّكتك، و أطلق، كان هبة، و إذا شرط فيه عوضا صحّ، كذا هنا.

مسألة 31: إذا أطلق الهبة و قلنا: إنّها لا تقتضي الثواب،

فإنّها تلزم بالثواب لا بالقبض إذا كانت للأجنبيّ.

ص: 70


1- راجع: الهامش
2- من ص 68.
3- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، حلية العلماء 58:6 و 59، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 6: 332، روضة الطالبين 447:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، حلية العلماء 58:6 و 59، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 6: 332، روضة الطالبين 447:4، المغني 332:6، الشرح الكبير 274:6.

و قال الشافعيّ: تلزم بالقبض(1).

و لو لم يثبه المتّهب، كانت صحيحة غير لازمة عندنا، إلاّ مع التلف أو التصرّف علي الخلاف.

و إذا أطلق فأثابه المتّهب، كان ذلك ثوابا عندنا إذا رضي المتّهب، قلّ أو كثر، علي معني أنّها إذا رضي لزمت.

و لا يجب علي الواهب قبوله، بل له الامتناع ليتمكّن من الرجوع في هبته عندنا.

و قال الشيخ و الشافعي: إذا أطلق الهبة، كانت لازمة بالقبض، و إن أثابه المتّهب عليها كانت ابتداء هبة لا يتعلّق الثواب بها، و لا يكون بدلا في الحقيقة، و لا تتعلّق إحدي الهبتين بالأخري، فإن وقع الاستحقاق في إحداهما [و استرجعها](2) لم يؤثّر ذلك في الأخري(3).

و إن قلنا: إنّها مع الإطلاق تقتضي الثواب و أوجبناه، ففي قدره إشكال تردّد الشيخ في الخلاف فيه، قال: إنّه يعتبر ثواب مثله علي ما جرت به العادة؛ لأنّ أصل الثواب إنّما أثبتناه في الهبة بالعادة فكذلك مقدارها، و إن قلنا: إنّه لا مقدار فيها أصلا، و إنّما هي ما يثاب عنها قليلا كان أو كثيرا، كان8.

ص: 71


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 222:2-223، الحاوي الكبير 535:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 409:8 و 410، الوسيط 4: 269، الوجيز 249:1، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، المغني 274:6 و 281، الشرح الكبير 276:6 و 277.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و استرجعه». و المثبت يقتضيه السياق.
3- المبسوط - للطوسي - 310:3، و راجع: البيان 114:8.

قويّا؛ لعموم الأخبار و إطلاقها(1).

و للشافعي أربعة أقوال:

أحدها: ما يرضي به الواهب؛ لما روي أنّ أعرابيّا وهب للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله ناقة فأثابه عليها، و قال: «أرضيت ؟» قال: لا، فزاده و قال: «رضيت ؟» قال: نعم، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «لقد هممت أن لا أتّهب إلاّ من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ»(2).

و روي أبو هريرة هذا الحديث بلفظ آخر، و هو أنّ أعرابيّا وهب للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله ناقة، فأعطاه ثلاثا، فأبي، فزاده ثلاثا [فأبي، فزاده ثلاثا](3) فلمّا كملت تسعا قال: رضيت، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «و أيم اللّه لا أقبل من أحد بعد هذا اليوم هديّة إلاّ أن يكون قرشيّا أو أنصاريّا أو ثقفيّا أو دوسيّا(4)»(5).

و الثاني: قدر قيمة الموهوب؛ لأنّه عقد يقتضي العوض، و لا يشترط فيه التعيين و التسمية، فإذا لم يسمّ شيئا وجب عوض المثل، كالنكاح، و به قال مالك.

و الثالث: ما يعدّ ثوابا لمثله في العادة؛ لأنّ أصل الثواب مأخوذ من6.

ص: 72


1- الخلاف 570:3، المسألة 14.
2- ورد نصّه في العزيز شرح الوجيز 330:6، و بتفاوت في المصنّف - لعبد الرزّاق - 9: 105-16521/106، و 19920/65:11، و المسند - للحميدي - 1052/454:2.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني كما هو الموافق لما في المسند للحميدي.
4- «دوسيّ» نسبة إلي «دوس» بفتح الدال المهملة و سكون الواو، بطن من الأزد. تحفة الأحوذي 444:10-445.
5- ورد نصّه في المغني 334:6، و الشرح الكبير 275:6، و بتفاوت في المسند - للحميدي - 453:2-1051/454، و مسند أحمد 7858/567:2، و الأدب المفرد: 205-596/206، و المستدرك - للحاكم - 62:2-63، و السنن الكبري - للبيهقي - 180:6.

العادة، فكذلك قدره.

و الرابع: أن يكفي ما يتموّل؛ لوقوع اسم الثواب عليه(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يتعيّن للثواب جنس بعينه من الأموال، بل الخيرة في ذلك إلي المتّهب.

تنبيه: إذا اعتبرنا في الثواب قدر قيمة الموهوب و اختلف قدر القيمة، احتمل اعتبار القيمة يوم القبض، و يوم بذل الثواب.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و أظهرهما: الأوّل عندهم(2).

مسألة 32: إذا أوجبنا العوض في المطلقة،

فإن أثاب المتّهب ما يصلح ثوابا فذاك.

و إن لم يثب شيئا، كان للواهب الرجوع إن بقي الموهوب بحاله؛ لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال: «تجوز الهبة لذوي القربي و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك إن شاء»(3).

فإن زاد الموهوب زيادة متّصلة، رجع فيه مع الزيادة.

و قال بعض الشافعيّة: للمتّهب أن يمسكه، و يبذل قيمته دون الزيادة(4).

ص: 73


1- الحاوي الكبير 550:7-551، المهذّب - للشيرازي - 455:1، نهاية المطلب 434:8-435، الوسيط 276:4، حلية العلماء 58:6-59، التهذيب - للبغوي - 530:4-531، البيان 115:8-116، العزيز شرح الوجيز 6: 330، روضة الطالبين 446:4.
2- نهاية المطلب 440:8، الوسيط 278:4، العزيز شرح الوجيز 330:6، روضة الطالبين 446:4.
3- تقدّم تخريجها في ص 40، الهامش (6).
4- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.

و إن زاد زيادة منفصلة، رجع فيه دون الزيادة.

و إن كان الموهوب تالفا، فلا رجوع عندنا، إلاّ مع شرط الثواب؛ لأنّها عين تلفت في يد مالكها.

و للشافعي قولان:

أصحّهما عندهم: أنّه يرجع بقيمته؛ لأنّه مملوك بعوض، فإذا تلف كان مضمونا، كالبيع.

و الثاني: لا يرجع بشيء، كالأب في هبة ولده(1).

و إن كان ناقصا و رجع فيه، لم يرجع بأرش النقصان عندنا.

و للشافعي قولان كما لو تلف(2).

و قيل: له أن يترك العين، و يطالبه بكمال القيمة(3).

مسألة 33: هذا في هبة الأدني للأعلي،

و أمّا هبة المساوي لمثله فكذا عندنا لا تقتضي الثواب إذا كانت مطلقة، خلافا للشيخ(4) رحمه اللّه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج علي القولين السابقين؛ لأنّ الأقران لا يتحمّل بعضهم منّة بعض في العادة، بل يعوّضون.

و أظهرهما عندهم: القطع بنفي الثواب؛ لأنّ القصد من مثله الصلة و تأكيد الصداقة، و قد حصل هذا الغرض، فأشبه [الصدقة](5) لمّا كان

ص: 74


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
4- راجع: الهامش (1) من ص 68.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الهديّة». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.

الغرض منها ثواب الآخرة، لم تقتض ثوابا في الحال(1).

و بعضهم خرّج علي القولين في هبة الأعلي من الأدني أيضا(2).

تنبيه: كلّ موضع قلنا فيه بالثواب فإنّه لا يشترط فيه زيادة علي قيمة العين الموهوبة.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من زيادة؛ لاقتضاء العادة الزيادة، فإنّ الواهب لو رضي به لباعه في السوق(3).

و ليس بجيّد.

مسألة 34: قد بيّنّا أنّ أقسام الهبة بالنظر إلي اشتراط الثواب ثلاثة،

و مضي اثنان، و بقي ما إذا اشترط الثواب، فنقول: إذا وهبه و شرط الواهب الثواب عنها، فلا يخلو إمّا أن يكون العوض المشروط معلوما أو مجهولا، فإن كان معلوما صحّ عندنا.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: إذا ثبت أنّ الهبة تقتضي الثواب، فإن شرطه و كان معلوما صحّ؛ لأنّه لا مانع منه، و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و لم يفصّل، و الأصل جوازه، و المنع يحتاج إلي دليل(5).

و هذا هو الذي اختاره علماؤنا.

و للشافعي قولان:

أصحّهما عنده: صحّة العقد، أمّا إذا قلنا: إنّ مطلق الهبة لا يقتضي

ص: 75


1- الوسيط 276:4، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
2- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 332:6.
4- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
5- الخلاف 570:3-571، المسألة 15.

الثواب؛ فلأنّه معاوضة مال بمال، كالبيع، و أمّا إذا قلنا: يقتضيه؛ فلأنّه إذا صحّ العقد و العوض الواجب مجهول فأولي أن يصحّ و هو معلوم، و لأنّ لفظ الهبة يقتضي التمليك، فإذا شرط فيه العوض صحّ، ألا تري أنّه لو قال:

ملّكتك، و أطلق، كان هبة، و إذا شرط عوضا فيه صحّ، كذا هنا.

و الثاني: أنّه باطل، أمّا إذا اقتضت الهبة الثواب: فلأنّ مقتضاها ثواب غير معلوم و لا معيّن، فشرط المعلوم المعيّن يخالفه، و يخرج الهبة عن مقتضاها فلم تصح، كما إذا عقد النكاح بلفظ الهبة، و أمّا إذا لم تقتضه:

فلأنّ شرط العوض يخالف مقتضاها، و لأنّ لفظ الهبة يقتضي التبرّع، و الجمع بينه و بين شرط العوض مخلّ(1).

إذا عرفت هذا، فإذا شرط العوض المعيّن و قلنا بالصحّة - كما هو مذهبنا و أحد قولي الشافعيّة - فإنّها تكون هبة محضة عندنا؛ لأنّ مقتضي لفظ الهبة ذلك، و لا يجوز صرف الألفاظ عن حقائقها إلاّ بدليل و لم يثبت، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأظهر عندهم: أنّها تكون بيعا يثبت فيه الخياران، و يضمن فيه الدرك، و يستحقّ فيه الشفعة(2).

و الحقّ (عندنا)(3): أنّه لا خيار هنا و لا شفعة، و لا يلزم قبل القبض.».

ص: 76


1- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، الوسيط 277:4، حلية العلماء 59:6، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
2- نهاية المطلب 436:8-437، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
3- ما بين القوسين أثبتناه من «ص، ع».

و علي القول الثاني للشافعي تثبت هذه الأحكام(1).

و له قولان في أنّ هذه الأحكام تثبت عقيب العقد أو عقيب القبض ؟ و الأوّل أظهر عندهم. و المرجع بهذين القولين إلي التردّد في كونه بيعا أو هبة ؟(2).

مسألة 35: إذا وهب له حليّا بشرط الثواب أو مطلقا

و قلنا: الهبة تقتضي الثواب، فأثابه بجنسه أو بغير جنسه متفاضلا فيهما أو متساويا، جاز؛ لأنّ الهبة عندنا عقد قائم بنفسه أصل في ذاته غير فرع علي غيره، و الربا و الصّرف يختصّان بالبيع، فلا يشترط هنا ما يشترط في البيع من وجوب التقابض في المجلس و من تحريم التفاضل مع اتّحاد الجنس؛ عملا بالأصل.

و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّا لم نلحقه بالمعاوضات في اشتراط العلم بالعوض، فكذا في سائر الشرائط، و لأنّ باذل الثواب في حكم واهب جديد، فكأنّه يقابل هبة بهبة(3).

و يضعّف الثاني: بأنّا لا نشترط في الثواب لفظ العقد إيجابا و قبولا، و لو كان هبة مجدّدة لاشترط.

و المشهور عند الشافعيّة: أنّه إن أثابه قبل التفرّق جاز، سواء كان من جنس الأثمان أو من غير جنسها، إلاّ أنّه إذا كان من جنس الحليّ اعتبر

ص: 77


1- نهاية المطلب 436:8، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
2- العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
3- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4، و راجع: نهاية المطلب 439:8.

بينهما التساوي قدرا؛ لأنّ ذلك معاوضة، فلا يصحّ فيها التفاضل في الجنس الواحد من النقود.

و إن كان ذلك بعد التفرّق، فإن أثابه من غير جنس النقود جاز؛ لأنّ التصرّف في ذلك قبل القبض جائز، و إن أثابه من جنس النقود لم يجز، سواء كان من جنس الحليّ أو من غير جنسه، فإذا فعل بطلت الهبة؛ لأنّ العوض في ذلك يتعيّن بالإثابة، فيصير كأنّهما تبايعا الأثمان و تفرّقا قبل القبض(1).

و من قال بجواز الرجوع للأب فيما يهبه لولده لو وهب الأب من ابنه بثواب معلوم، فإن جعلنا العقد بيعا فلا رجوع، و إلاّ فله الرجوع(2).

و لو تصدّق علي ولده بشيء و أقبضه، لم يكن له الرجوع عندنا باعتبارين، أحدهما: أنّ هبة ذي الرحم لازمة، و الثاني: أنّ الصدقة لا يجوز له الرجوع فيها بعد الإقباض.

و قال الشافعي: له أن يرجع(3). و سيأتي(4).

و أبو حنيفة وافقنا علي المنع من الرجوع في الصدقة(5).6.

ص: 78


1- نهاية المطلب 439:8 و 440، العزيز شرح الوجيز 332:6 و 333، روضة الطالبين 447:4.
2- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4.
3- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 273:4، حلية العلماء 52:6-53، التهذيب - للبغوي - 540:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4، المغني 305:6 و 308، الشرح الكبير 302:6 و 304.
4- في ص 111-112.
5- مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 58:12، الفقه النافع 3: 748/1019، بدائع الصنائع 133:6، الهداية - للمرغيناني - 231:3، الاختيار لتعليل المختار 77:3، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
مسألة 36: إذا وهبه جارية بشرط الثواب أو مطلقا

و قلنا: إنّ مطلق الهبة يقتضي الثواب فوطئها المتّهب و امتنع من الثواب، جاز للواهب الرجوع فيها، فإذا رجع عادت إلي ملكه، و ليس للواهب الرجوع علي المتّهب بالمهر؛ لأنّ الوطء صادف الملك، فلا يستحقّ فيه المهر.

هذا إذا قلنا بجواز الرجوع مع التصرّف.

و كذا لو وهبه ثوبا بشرط الثواب فلبسه و أخلقه ثمّ لم يثب، فإنّ له الرجوع، و لا شيء علي لابس الثوب، و لو تلف الثوب لم يكن علي المتّهب شيء - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّها(2) تلفت في ملكه.

و الثاني: أنّه يجب عليه قيمتها مع التلف؛ لأنّه ملكها بعوض، فإذا تلفت ضمنها، كالبيع(3).

و كذا الوجهان في النقصان(4).

مسألة 37: إذا وهب الأب ابنه الصغير و قبضه له،

لزمت الهبة، سواء كانت من العرض أو من الذهب و الفضّة - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لأنّ ذلك كلّه مال تصحّ هبته، فإذا وهبه الأب لابنه الصغير و قبضه وجب أن يصحّ، كسائر العروض.

و قال مالك: إذا وهب له شيئا يعرف بعينه كالعروض، جاز، و صحّ

ص: 79


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
3- تأنيث الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار العين أو الهبة.
4- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
5- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 223:2، حلية العلماء 57:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1206/677:2، المغني 294:6 و 296، الشرح الكبير 6: 282 و 283.

قبضه، و إن وهب له ما لا يعرف بعينه، كالدراهم و الدنانير، فلا يجوز، إلاّ أن يضعها علي يد غيره و يشهد عليها؛ لأنّ الأب قد يتلف الذهب و الفضّة، و قد تهلك بغير سببه، فلا يتمكّن أن يشهد علي شيء بعينه، و يصير الابن مدّعيا، فلا ينفع القبض شيئا(1).

و ليس بشيء.

مسألة 38: إذا وهبه بشرط الثواب المعلوم فإمّا أن يكون معيّنا أو لا،

فإن كان معيّنا فقبضه الواهب فوجد به عيبا، كان له الرجوع إلي عين الموهوب، فإن كان باقيا أخذه، و إن كان تالفا طالب بالقيمة.

و استبعد الجويني مجيء خلاف الشافعيّة هنا في أنّه بيع أو هبة(2) حتي لا يرجع علي التقدير الثاني و إن طرّده بعضهم(3).

و إذا جعلناه هبة فكافأه بما دون المشروط إلاّ أنّه قريب منه، للشافعيّة وجهان في أنّه هل يجبر علي القبول؛ لأنّ العادة فيه المسامحة ؟(4).

و ليس للواهب المطالبة بالعوض؛ لوقوع الشرط علي هذه العين، فلم يكن له الانتقال إلي غيرها.

و الأقرب: أنّ له المطالبة بالأرش.

و إن كان العوض غير معيّن فوجده القابض معيبا، كان له المطالبة

ص: 80


1- النوادر و الزيادات 162:12-163، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1206/677، بداية المجتهد 330:2، حلية العلماء 57:6، المغني 296:6، الشرح الكبير 283:6.
2- نهاية المطلب 439:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 333:6، و روضة الطالبين 447:4.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 333:6، و روضة الطالبين 447:4.
4- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4.

بالعوض سليما.

مسألة 39: هذا كلّه فيما إذا شرط الواهب العوض المعلوم،

فأمّا إن شرط عوضا مجهولا، فالأقرب: الصحّة؛ لأنّ الهبة في نفسها لا تقتضي الثواب، فإذا شرط عوضا مجهولا صحّ، كما لو لم يشرط شيئا.

و قد روي إسحاق بن عمّار قال: قلت له: الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعوّض لما عندي فآخذها و لا أعطيه شيئا أتحلّ لي ؟ قال: «نعم، هي لك حلال، و لكن لا تدع أن تعطيه»(1).

و قال الشافعي: إذا شرط ثوابا مجهولا فإن قلنا: الهبة لا تقتضي الثواب، بطل العقد؛ لتعذّر تصحيحه بيعا و هبة، و إن قلنا: إنّها تقتضيه، صحّ، و ليس فيه إلاّ التصريح بمقتضي العقد.

هذا ما أورده أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجه آخر: أنّه يبطل؛ بناء علي أنّ ذكر العوض يلحقه بالبيع، و إذا كان بيعا وجب أن يكون العوض معلوما(3).

و الأوّلون يقولون: إنّما يجعل بيعا علي رأي إذا تعذّر جعله هبة، و ذلك إذا قلنا: إنّ الهبة لا تقتضي الثواب، أمّا إذا قلنا: تقتضيه، فالمعني و اللفظ متطابقان، فلا معني لجعله بيعا(4).

و قد ذكر الشافعي أنّه لو وهب من اثنين بشرط الثواب فأثابه أحدهما

ص: 81


1- الكافي 6/143:5.
2- نهاية المطلب 437:8، العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4 - 448.
3- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 448:4.
4- العزيز شرح الوجيز 334:6.

دون الآخر، لم يرجع في حصّة من أثاب، و أنّه لو أثاب أحدهما عن نفسه و عن صاحبه و رضي به الواهب، لم يرجع علي واحد منهما، ثمّ إن أثاب بغير إذن الشريك لم يرجع عليه، و إن أثاب بإذنه رجع بالنصف. هذا إذا كان الثواب ممّا يعتاد ثوابا لمثله، فإن زاد فهو متطوّع بالزيادة(1).

مسألة 40: لو شرط الثواب و دفعه ثمّ خرج الموهوب مستحقّا بعد الدفع،

رجع المتّهب بما أثاب علي الواهب.

و لو خرج بعضه مستحقّا فهو بالخيار بين أن يرجع علي الواهب بقسطه من الثواب، و بين أن يردّ الباقي و يرجع بجميع الثواب، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّها(2) تبطل الهبة في الكلّ، كما في نظيره من البيع(3).

و قال بعضهم: لا يجيء قول الإبطال في الهبة(4).

مسألة 41: لو اختلف الواهب و المتّهب في شرط الثواب،

فقال الواهب: وهبت منك ببدل، و قال المتّهب: وهبت بلا بدل، فإن قلنا: إنّ الهبة المطلقة تقتضي الثواب، فالقول قول الواهب؛ لأنّه يدّعي الأصل، و لأنّ الأصل عدم الشرط، و قد قلنا: إنّ أصالة عدم الشرط تقتضي الثواب، فقول المتّهب: «إنّك وهبت بغير بدل» يقتضي ادّعاء خلاف الأصل، فيقدّم قول الآخر.

و إن قلنا: إنّ الهبة لا تقتضي الثواب، فالقول قول المتّهب؛ لأنّهما قد اتّفقا علي أنّ العين ملك المتّهب، و الواهب يدّعي اشتراط عوض، و الأصل

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.
2- الظاهر: «أنّه».
3- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.
4- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.

عدمه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ القول قول الواهب؛ لأنّه لم يعترف بزوال ملكه إلاّ ببدل(1).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 42: لو وهبه علي الثواب فلم يثب المتّهب و مات و وجد الواهب عين الهبة،

كان له ارتجاعها؛ لأنّه لم يدفع إليه العوض، فكان له الرجوع في المعوّض، كالبيع.

و لما رواه عيسي بن أعين قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أهدي إلي رجل هديّة و هو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتي هلك و أصاب الرجل هديّته بعينها أله أن يرتجعها إن قدر علي ذلك ؟ قال: «لا بأس أن يأخذه»(2).

فروع مختلفة:

أ: لو دفع إليه درهما و قال: خذه و ادخل به الحمّام، أو دفع إليه دراهم و قال: اشتر بها لنفسك عمامة، فالوجه: أنّه إباحة، لكن يختصّ بما أمره به، فليس له الصّرف في غير ما عيّنه له.

و قال بعض الشافعيّة: إن قال ذلك علي سبيل التبسّط المعتاد ملكه، و تصرّف فيه كيف شاء، و إن كان غرضه تحصيل ما عيّنه لما رأي به من الوسخ و الشعث، أو لعلمه بأنّه مكشوف الرأس، لم يجز صرفه إلي غير

ص: 83


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، التهذيب - للبغوي - 532:4، البيان 117:8، العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 449:4.
2- الفقيه 871/192:3، التهذيب 1116/380:6.

ما عيّنه(1).

ب: لو بعث شخص إلي من مات أبوه ثوبا ليكفّنه فيه، لم يملكه الولد.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الميّت ممّن يتبرّك بتكفينه لديانة أو ورع، لم يملكه الولد حتي أنّه لا يجوز له إمساكه و تكفينه في غيره، و لو كفّنه في غيره وجب عليه ردّه إلي مالكه، و إن لم يكن كذلك ملكه الولد، و كان له إمساكه و تكفينه في غيره؛ لأنّه يكون إهداء للولد(2).

ج: لو بعث إليه هديّة في ظرف و العادة في مثل تلك الهديّة ردّ الظرف، لم يكن الظرف داخلا في الهديّة؛ قضاء للعرف، و إن كانت العادة تقتضي عدم الردّ كما في قواصر التمر، فهو هديّة، كالمظروف؛ للعادة.

و إذا لم يكن الظرف هديّة، كان أمانة في يد المهدي إليه، و ليس له استعماله في غير الهديّة، و أمّا في تلك الهديّة فإن اقتضت العادة التفريغ لزم تفريغه، و إن اقتضت التناول منه جاز التناول منه، و يكون كالمستعار.

د: لو أنفذ كتابا إلي غيره حاضر أو غائب و كتب فيه أن اكتب الجواب علي ظهره، فعليه ردّه، و ليس له التصرّف فيه، و إلاّ فهو هديّة يملكها المكتوب إليه، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يبقي علي ملك الكاتب، و للمكتوب إليه الانتفاع به علي سبيل الإباحة(3) ، و هو حسن.

ه: هبة منافع الدار هل هي إعارة لها؟ الوجه: المنع، و للشافعيّة4.

ص: 84


1- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 431:4.
2- العزيز شرح الوجيز 334:6-335، روضة الطالبين 431:4.
3- العزيز شرح الوجيز 335:6، روضة الطالبين 430:4.

وجهان(1).

و: إذا كانت الهبة فاسدة لم تثمر الملك للمتّهب عندنا، و به قال الشافعي(2) ، و يكون المال المقبوض مضمونا علي المتّهب كالمقبوض بالبيع الفاسد، أو غير مضمون كالمقبوض في الهبة الصحيحة، للشافعي قولان(3) ، و الأقرب عندي: الثاني.

و قال أبو حنيفة: إنّ الهبة الفاسدة تفيد الملك للمتّهب(1).

ز: لا يشترط في القبض الفوريّة، فلو تراخي القبض عن العقد حكم بانتقال الهبة من حين القبض، لا من حين العقد، و ليس كذلك الوصيّة، فإنّه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول و إن تأخّر.

ح: لو قال: وهبته كذا و لم أقبضه، كان القول قوله في عدم الإقباض؛ لأصالته، و للمقرّ له إحلافه إن ادّعي الإقباض.

و كذا لو قال: وهبته و ملّكته، ثمّ أنكر القبض؛ لإمكان أن يخبر عن وهمه.

خاتمة تتعلّق بالنحل:

النحل جمع نحلة، و هي العطيّة، قال اللّه تعالي: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (2) أي: عطيّة عن طيب نفس، و أكثر ما تستعمل في عطيّة الولد، يقال: نحل ولده نحلة.

و العطيّة مطلقا مندوب إليها مرغّب فيها، و هي للولد و ذي الرحم و القرابة أفضل، و الثواب بها أكثر.4.

ص: 85


1- المبسوط - للسرخسي - 54:24، العزيز شرح الوجيز 335:6.
2- سورة النساء: 4.

قال اللّه تعالي: وَ آتَي الْمالَ عَلي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي (1) فبدأ بالقرابة.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «صدقتك علي ذي رحمك صدقة و صلة»(2).

و قال: «أفضل الصدقة علي ذي الرحم الكاشح(3)»(4).

و قال صلّي اللّه عليه و آله: «من سرّه أن ينسأ في أجله و يوسّع في رزقه فليصل رحمه»(5).

و روي أنّ زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود كانت صناعا(6) و كانت تنفق علي زوجها و ولده، فأتت النبي صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه إنّ عبد اللّه و ولده شغلاني عن الصدقة، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لك في ولدك أجران: أجر».

ص: 86


1- سورة البقرة: 177.
2- أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير 532:7، و بتفاوت يسير في مسند عبد اللّه بن المبارك: 158-171/159، و مسند أحمد 15800/592:4، و سنن الدارمي 397:1، و المعجم الكبير - للطبراني - 6207/275:6، و المستدرك - للحاكم - 407:1، و السنن الكبري - للبيهقي - 174:4، و 27:7، و معرفة السنن و الآثار 13377/338:9.
3- الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته، و يطوي عليها كشحه، أي: باطنه. النهاية - لابن الأثير - 175:4 «كشح».
4- المسند - للحميدي - 328/157:1، مسند أحمد 23019/578:6، صحيح ابن خزيمة 2386/78:4، المعجم الأوسط - للطبراني - 3291/454:3، المعجم الكبير - له أيضا - 204/80:25، مسند الشهاب 244:2-1282/245، المستدرك - للحاكم - 406:1، السنن الكبري - للبيهقي - 27:7.
5- التاريخ الكبير - للبخاري - 384/129:1، المعجم الأوسط - للطبراني - 1: 251/135، المبسوط - للطوسي - 307:3.
6- امرأة صناع: إذا كان لها صنعة تعملها بيديها و تكسب بها. النهاية - لابن الأثير - 56:3 «صنع».

الصلة، و أجر الصدقة»(1).

و روي عن الصادق عليه السّلام: «أنّه لمّا حشرنا(2) من المدينة إلي المنصور ببغداد لبثنا شهرا لا نعبر عليه، فبعد شهر خرج إلينا الربيع الحاجب و قال:

أين هؤلاء العلويّة ؟ فقمنا إليه، فقال: ليدخل علي أمير المؤمنين منكم اثنان، قال عليه السّلام فدخلت أنا و عبد اللّه بن الحسن فسلّمنا عليه، فقال لي: أنت الذي تعلم الغيب ؟ فقلت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه، فقال: أنت الذي يجبي إليك الخراج ؟ فقلت: الخراج يجبي إليك، فقال: أتدرون لم أتيت بكم ؟ قال عليه السّلام: فقلت: اللّه و رسوله أعلم، فقال: إنّما جئت بكم لأخرّب رباعكم(3) و أغوّر(4) قلبكم(5) و أنزلكم بالسراة(6) ، و لا أدع أحدا من أهل الحجاز و لا من أهل العراق يأتي إليكم، فإنّهم لكم مفسدة، قال عليه السّلام:

فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ سليمان عليه السّلام أعطي فشكر، و إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلي فصبر، و إنّ يوسف عليه السّلام ظلم فغفر، و أنت من نسل أولئك القوم، فاستحيي.

ثمّ قال: حدّثني الحديث الذي رويته لي منذ أوقات، قال عليه السّلام: فقلت له: روي أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: [إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:](7) أنا الرحمن خلقت الرحم، و شققت لها اسما من اسمي، فمنر.

ص: 87


1- المبسوط - للطوسي - 307:3.
2- الحشر: هو الجلاء عن الأوطان. النهاية - لابن الأثير - 388:1، لسان العرب 191:4 «حشر».
3- رباع جمع «ربع»: المنزل و الدار بعينها. لسان العرب 102:8 «ربع».
4- غار الماء... و غوّر: ذهب في العيون. لسان العرب 34:5 «غور».
5- القلب، جمع القليب: البئر قبل الطيّ. المحيط في اللغة 435:5 «قلب».
6- السراة: ظهر الطريق و وسطه. الصحاح 2375:6-2376 «سرا».
7- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

وصلها وصلته، و من قطعها بتته.

فقال: لست أعني هذا، فقلت: روي أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: الرحم حبل متّصل ممدود من الأرض إلي السماء ينادي كلّ يوم: وصل اللّه من وصلني، و قطع من قطعني.

فقال: لست أعني هذا، فقلت: روي أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: إنّ ملكا (من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاثون سنة فقطع رحمه فجعلها اللّه ثلاث سنين، و إنّ ملكا)(1) من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاث سنين فوصل رحمه فجعلها اللّه ثلاثين سنة.

فقال المنصور: و اللّه لأصلنّ اليوم رحمي، أيّ البلاد أحبّ إليكم ؟ فقال الصادق عليه السّلام: المدينة، قال: فسرحنا إليها سراحا جميلا»(2).

و الأخبار متواترة أكثر من أن تحصي.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ التسوية في العطيّة لأولاده، و لا يفضّل بعضا منهم علي بعض، بل يسوّي بين جماعتهم، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أبو يوسف(3) - لما رواه2:

ص: 88


1- ما بين القوسين لم يرد في «ر» و المصدر.
2- مقاتل الطالبيّين: 350-352.
3- الحاوي الكبير 544:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، نهاية المطلب 8: 441، الوسيط 271:4، حلية العلماء 44:6، التهذيب - للبغوي - 538:4 و 540، البيان 93:8، العزيز شرح الوجيز 321:6 و 322، روضة الطالبين 4: 440، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1203/676:2، مختصر اختلاف العلماء 1843/142:4، المبسوط - للسرخسي - 56:12، روضة القضاة 2:

ابن عباس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «سوّوا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مفضّلا أحدا لفضّلت البنات»(1).

و قال شريح و أحمد و إسحاق و محمّد بن الحسن: المستحبّ أن يعطي الذكر مثل حظّ الأنثيين؛ لأنّ اللّه تبارك و تعالي قسّم الميراث علي ذلك(2) ، و أولي ما اتّبع قسمة اللّه عزّ و جلّ(3).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الميراث يستحقّ بالرحم و التعصيب و غير ذلك، و لهذا يرث ابن العمّ من الأبوين دون العمّ من الأب عندنا، و عندهم يرث العمّ دون العمّة، و أمّا العطيّة فإنّها تستحبّ للرحم و القربي خاصّة، و ذلك يقتضي التسوية بين الذكر و الأنثي، كالإخوة من الأم، ألا تري أنّ النفقة يستوي فيها الجدّ من الأب و الجدّ من الأم و إن افترقا في الميراث، فكذا العطيّة.

و لأنّ التفضيل يعطي العداوة، و يورث الشحناء بين الأولاد، كما جري في قصّة يوسف عليه السّلام؛ لدلالة ذلك علي رغبة الأب و زيادتها لبعض(4)».

ص: 89


1- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 322:6، و في السنن الكبري - للبيهقي - 177:6: «... النساء» بدل «... البنات».
2- سورة النساء: 11.
3- 3069/522، الفتاوي الولوالجيّة 133:3، تحفة الفقهاء 170:3، بدائع الصنائع 127:6، المغني 302:6، الشرح الكبير 293:6.
4- في «ص، ع»: «لبعضهم».

علي بعض، و ذلك يوجب الحسد، و يفضي إلي قطيعة الرحم، فمنع منه، كتزويج المرأة علي عمّتها و خالتها.

و لأنّ نعمان بن بشير أتي أبوه به إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: إنّي نحلت ابني هذا غلاما، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «أكلّ ولدك نحلت مثل هذا؟» فقال: لا، فقال: «اردده»(1).

و روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال له: «أتحبّ أن يكونوا لك في البرّ سواء؟» قال: نعم، قال: «فارجعه»(2).

مسألة 43: إذا وهب بعض ولده دون بعض أو فضّل بعضا علي بعض في حال صحّته،

صحّ ذلك، و لم يأثم به، و لكنّه يكون قد فعل مكروها - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الليث و الثوري و شريح و جابر بن زيد و الحسن بن صالح بن حيّ(3) - للأصل، و لأنّ للإنسان التصرّف في ملكه كيف شاء، و أن يهبه لمن شاء من الأجانب فالأقارب

ص: 90


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 17914/152:14، مسند أحمد 17915/338:5، صحيح مسلم 10/1242:3، سنن ابن ماجة 2376/795:2، سنن الترمذي 3: 1367/649، سنن النسائي (المجتبي) 258:6 و 259، السنن الكبري - للنسائي - 6499/115:4-1، و 6502/116-4 و 6503-5، المعجم الأوسط - للطبراني - 382/178:1، السنن الكبري - للبيهقي - 176:6 و 178، معرفة السنن و الآثار 9: 12360/62، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5097/496:11.
2- مختصر المزني: 134، معرفة السنن و الآثار 12362/63:9 بتفاوت يسير.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 220:2، الحاوي الكبير 544:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، الوسيط 272:4، حلية العلماء 44:6 و 45، التهذيب - للبغوي - 540:4، البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 321:6، روضة الطالبين 439:4، روضة القضاة 3066/522:2، بدائع الصنائع 127:6، التمهيد - لابن عبد البرّ - 225:7 و 227، النوادر و الزيادات 211:12، المغني 298:6، الشرح الكبير 294:6.

أولي، و لأنّ كلّ من جاز له أن يسوّي بينهم في العطيّة جاز أن يفاضل، كالأجنبيّات، و لأنّ الهبة إذا صحّت لا يجب الرجوع فيها، كما لو سوّي بينهم.

و قال طاوس: لا تصحّ الهبة(1) ؛ لما تقدّم(2) في حديث النعمان بن بشير؛ لأنّه قال: «هذا جور»(3) و إذا كان جورا كان باطلا.

و قال أحمد و داود: يجب أن يسترجع ذلك(4).

و عن أحمد رواية أخري: أنّه لا يصحّ(5) ؛ لأنّه قال في حديث النعمان ابن بشير: «فارجعه»(6).

و الخبر ممنوع، سلّمنا لكنّ المراد بالجور أنّه خارج عن السّنّة،0.

ص: 91


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 220:2، الحاوي الكبير 544:7، حلية العلماء 45:6، البيان 94:8، التمهيد - لابن عبد البرّ - 227:7، المغني 6: 298، الشرح الكبير 294:6.
2- في ص 90، و ليس فيما تقدّم لفظ: «هذا جور».
3- مسند أحمد 17911/337:5، سنن أبي داود 3542/292:3، السنن الكبري - للنسائي - 6023/493:3-1، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 11: 5104/503، المعجم الكبير - للطبراني - 845/338:24، السنن الكبري - للبيهقي - 177:6 و 178.
4- حلية العلماء 45:6، البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، و راجع: المغني 298:6، و الشرح الكبير 294:6.
5- البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، و راجع: التمهيد - لابن عبد البرّ - 227:7.
6- صحيح البخاري 206:3، صحيح مسلم 1241:3-1623/1242، سنن النسائي (المجتبي) 258:6 و 259، السنن الكبري - للنسائي - 115:4 - 6500/116-2 و 6501-3، السنن الكبري - للبيهقي - 176:6، معرفة السنن و الآثار 12358/61:9، و 12361/62، و 12362/63، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5100/499:11، و راجع: الهامش (2) من ص 90.

ألا تري أنّه قال في خبر النعمان: «أشهد علي هذا غيري» أمر بتأكيدها، و قوله: «ارجعه» إنّما أمره بذلك لأنّ الأب يجوز له أن يرجع فيما وهب عندهم(1)المصنّف - لابن أبي شيبة - 219:11-11036/220، و 17915/152:14، صحيح البخاري 206:3، صحيح مسلم 1242:3-13/1243، السنن الكبري - للبيهقي - 176:6.(2) ، و أمره بذلك استحبابا، و علي قولنا إنّما أمره لأنّ الهبة لم تكن مقبوضة؛ إذ ليس في الخبر ما يدلّ علي الإقباض.

إذا عرفت هذا، فقد قال أحمد: إنّ الأب يأثم بالتفضيل، و يجب عليه التسوية بأحد أمرين: إمّا ردّ ما فضّل به البعض، أو إتمام نصيب الآخر؛ لما رواه النعمان بن بشير قال: تصدّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضي حتي تشهد عليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فجاء بي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ليشهده علي صدقته، فقال: «أكلّ ولدك أعطيت مثله ؟» قال:

لا، قال: «فاتّقوا اللّه، و اعدلوا بين أولادكم» قال: فرجع أبي في تلك الصدقة(2) ، و في لفظ قال: «فاردده»(3) ، و في لفظ آخر: «فارجعه»(4)مسند أحمد 17911/337:5، صحيح مسلم 1243:3-17/1244، سنن ابن ماجة 2375/795:2، سنن أبي داود 3542/292:3، السنن الكبري(5) ، و في لفظ: «لا تشهدني علي جور»(6) ، و في لفظ: «فأشهد علي هذا غيري»(6) ،ري

ص: 92


1- راجع: الهامش
2- من ص 39.
3- راجع: الهامش (1) من ص 90.
4- راجع: الهامش (2) من ص 90، و الهامش
5- من ص 91.
6- مسند عبد اللّه بن المبارك: 212/93، صحيح البخاري 224:3، صحيح مسلم 16/1243:3، السنن الكبري - للنسائي - 6510/118:4-12، سنن الدارقطني 172/42:3، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5102/501:11، و 5103/502، و 504-5105/505.

و في لفظ: «سوّ بينهم»(1) - (2).

و نحن نحمل هذه الرواية مع تسليمها علي عدم الإقباض.

مسألة 44: لو فضّل بعض ولده علي بعض لمعني يقتضيه تخصيصه،

كشدّة المخصّص بحاجة أو زمانة أو عمي أو كثرة عائلة أو اشتغال بعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيّته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه علي معصية اللّه تعالي و ينفقه فيها، جاز، و لم يكن مكروها علي إشكال، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(3).

و لا خلاف بين العلماء في استحباب التسوية و كراهة التفضيل.

و ليس عليه التسوية بين أقاربه و لا إعطاؤهم علي قدر مواريثهم، سواء كانوا من جهة واحدة، كإخوة و أخوات و أعمام و عمّات، أو من جهات، كإخوة و أعمام.

و قال بعض العامّة: المشروع في عطيّة الأولاد و سائر الأقارب أن يعطيهم علي قدر ميراثهم، فإن خالف فعليه أن يرجع و يعمّهم بالنحلة؛ لأنّهم في معني الأولاد(4).

ص: 93


1- مسند عبد اللّه بن المبارك: 213/93، سنن النسائي (المجتبي) 262:6، السنن الكبري - للنسائي - 118:4-6513/119-15، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 498:11-5098/499 و 5099.
2- المغني 298:6-299، الشرح الكبير 294:6-295.
3- المغني 300:6، الشرح الكبير 295:6.
4- المغني 304:6، الشرح الكبير 297:6.

و ليس بشيء؛ لأنّ الأصل إباحة تصرّف الإنسان كيف شاء.

مسألة 45: و هل تلحق الأمّ بالأب فيما تقدّم ؟

قال بعض العامّة بذلك؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «اتّقوا اللّه تعالي، و اعدلوا بين أولادكم»(1)المغني 305:6، الشرح الكبير 296:6.(2) و لأنّها أحد الأبوين، فمنعت التفضيل كالأب، و لأنّ المقتضي للمنع من التخصيص في الأب - و هو وقوع العداوة بين الأولاد، و الحسد، و قطع الرحم - ثابت في حقّ الأمّ، فتساويه في الحكم(2).

و هل لها الرجوع لو فضّلت ؟ مقتضي قول أحمد - و هو مذهب الشافعي أيضا - ذلك؛ لأنّها لمّا دخلت في قول النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «سوّوا بين أولادكم»(3) ينبغي أن تتمكّن من التسوية بالرجوع في الهبة، بل ربما تعيّن طريقا في التسوية إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطيّة الأوّل، و لأنّها لمّا ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكين من الرجوع فيما فضّلته به؛ تخليصا لها من الإثم و إزالة للتفضيل المحرّم، كالأب(4).

و في الرواية المشتهرة(5) عن أحمد: أنّه ليس لها الرجوع، فرقا بينها و بين الأب؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده، و ليس للأمّ ذلك(6).

و قال مالك: للأمّ الرجوع في هبة ولدها إذا كان أبوه حيّا، فإن كان

ص: 94


1- راجع: الهامش
2- من ص 92.
3- تقدّم تخريجه في ص 89، الهامش (1).
4- المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6-304.
5- في النّسخ الخطّيّة: «الشهيرة».
6- المغني 307:6-308، الشرح الكبير 303:6.

ميّتا فلا رجوع لها؛ لأنّها هبة لليتيم، و هبة اليتيم لازمة، كصدقة التطوّع(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لأنّا لا نحرّم التفضيل في العطيّة، بل هو مكروه، و مع تحقّقه لا يجوز للأب الرجوع فيه إذا اقترنت الهبة بالإقباض.

مسألة 46: إذا أعطي ولده ماله ثمّ ولد له ولد آخر،

لم يجز له الرجوع في عطيّته للأوّل مع شرائط التمليك.

و قال أحمد: يرجع و يسوّي بينهم وجوبا(2).

و ليس بجيّد.

قال أحمد: أحبّ للرجل أن لا يقسّم ماله و يدعه علي فرائض اللّه تعالي لعلّه أن يولد له ولد فيسوّي بينهم، و عني بذلك أنّه يرجع فيما أعطاه أولاده كلّهم أو يرجع في بعض ما أعطي كلّ واحد منهم ليدفعه لهذا الولد الحادث ليساوي إخوته. فإن كان هذا الولد الحادث ولد بعد الموت، لم يكن له الرجوع علي إخوته؛ لأنّ العطيّة لزمت بموت أبيه، إلاّ علي رواية أخري عنه: أنّ للولد الرجوع(3).

و كلّ ذلك عندنا خطأ.

مسألة 47: ليس للأب أن يأخذ من مال ولده شيئا إلاّ بإذنه،

أو قدر ما يجب له من النفقة عليه إذا امتنع الولد من دفعها، و بدون ذلك لا يجوز - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(4) - لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(5).

ص: 95


1- النوادر و الزيادات 190:12-191، الذخيرة 265:6-266، المغني 6: 308، الشرح الكبير 304:6.
2- المغني 320:6، الشرح الكبير 298:6.
3- المغني 320:6، الشرح الكبير 298:6.
4- المغني 321:6، الشرح الكبير 310:6.
5- أورده ابن عبد البرّ في التمهيد 231:10.

و قال عليه السّلام: «إنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»(1).

و قال عليه السّلام: «كلّ أحد أحقّ بكسبه من والده و ولده و الناس أجمعين»(2).

و لأنّ ملك الابن تامّ علي نفسه، فلم يجز انتزاعه منه، كالذي تعلّقت به حاجته.

و قال أحمد: للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، و يملكه مع حاجة الأب إلي ما يأخذه و مع عدم حاجته، سواء كان الولد صغيرا أو كبيرا بشرطين، أحدهما: أن لا يجحف بالابن و لا يضرّ به، و لا يأخذ شيئا تعلّقت به حاجته، و الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر؛ لأنّه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطيّة من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولي؛ لما روت عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، و إنّ أولادكم من كسبكم»(3).

و جاء رجل إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فقال: إنّ أبي اجتاح مالي(4) ، فقال: «أنتة،

ص: 96


1- مسند أحمد 6:6-19824/7، صحيح مسلم 1218/889:2، سنن ابن ماجة 3074/1025:2، سنن أبي داود 1905/185:2، السنن الكبري - للبيهقي - 3: 215.
2- سنن سعيد بن منصور 2293/115:2، سنن الدارقطني 112/136:4، السنن الكبري - للبيهقي - 481:7 بتفاوت يسير، و أورد نصّه ابنا قدامة في المغني 6: 321، و الشرح الكبير 310:6.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 18062/196:14، مسند أحمد 24768/233:7، سنن ابن ماجة 2290/769:2، سنن الترمذي 1358/639:3.
4- اجتاح مالي، أي: استأصله و أتي عليه أخذا و إنفاقا، و الاجتياح من الجائحة،

و مالك لأبيك»(1).

و جاء رجل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقال: إنّ لي مالا و عيالا و لأبي مالا و عيالا و أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «أنت و مالك لأبيك»(2).

و لأنّ اللّه تعالي جعل الولد موهوبا لأبيه، فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ (3) و قال: وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيي (4) و قال زكريّا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) و قال إبراهيم عليه السّلام: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَي الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ (6) و ما كان موهوبا له كان له أخذ ماله، كعبده(7).

و الجواب: ليس المراد بذلك الحقيقة، بل تعظيم الأب و حكمه علي الابن و تواضع الابن له.

مسألة 48: إذا ثبت للولد دين علي والده،

كان له مطالبته به مع يساره، و لا يحلّ للأب منعه - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(8) - لأنّه دين ثابت، فجازت المطالبة به، كغيره.

ص: 97


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 18066/197:14، سنن ابن ماجة 2292/769:2.
2- الأم 103:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 16628/130:9، سنن سعيد بن منصور 2290/114:2، السنن الكبري - للبيهقي - 480:7-481، معرفة السنن و الآثار 263/166:1.
3- سورة الأنعام: 84.
4- و هي: الآفة التي تهلك الثمار و الأموال و تستأصلها. النهاية - لابن الأثير - 312:1 - 313 «جوح».
5- سورة مريم: 5.
6- سورة إبراهيم: 39.
7- المغني 320:6-322، الشرح الكبير 310:6-311.
8- المغني 323:6، الشرح الكبير 313:6.

و قال أحمد: ليس للولد المطالبة بدين له علي أبيه؛ لأنّ رجلا جاء إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بأبيه يقتضيه دينا عليه، فقال: «أنت و مالك لأبيك»(1)(2).

و قد بيّنّا أنّ المراد به التعظيم و الطاعة من الولد له بحيث لا يدخل الولد في العقوق.

و لو مات الابن، كان لورثته المطالبة به عندنا - خلافا لأحمد حيث منع؛ لأنّ مورّثهم ليس له المطالبة فهم أولي(3) - لما بيّنّاه من جواز المطالبة.

و لو مات الأب، رجع الابن في تركته بدينه - و به قال أحمد(4) - لأنّ دينه عليه لم يسقط عن الأب، و إنّما تأخّرت المطالبة.

و عن أحمد رواية أخري: أنّه إذا مات الأب بطل دين الابن علي الأب(5).

مسألة 49: لو تصرّف الأب في مال الابن قبل تملّكه،

لم يصح - و به قال أحمد(3) - فلا يصحّ عتق الأب لعبد ابنه ما لم يتملّكه، و لا يصحّ إبراؤه من دينه و لا هبته [لماله](4) و لا بيعه له؛ لأنّ ملك الابن تامّ علي مال نفسه يصحّ تصرّفه و يحلّ وطء جواريه، و لو كان الملك مشتركا لم يحل له الوطء، كما لا يجوز له وطء الجارية المشتركة.

و هذا حجّة علي أحمد، و إبطال لحمله الرواية - و هي قوله عليه السّلام:

«أنت و مالك لأبيك» - علي الملك حقيقة.

قال أحمد: و لو كان الابن صغيرا، لم يصح للأب التصرّف في ماله؛

ص: 98


1- رواه أبو محمّد الخلاّل علي ما في المغني 323:6، و الشرح الكبير 313:6.
2- المغني 323:6، الشرح الكبير 313:6. (3الي5) المغني 324:6، الشرح الكبير 313:6.
3- المغني 325:6، الشرح الكبير 311:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير، راجع: الهامش (6).

لأنّه لا يملك التصرّف بما لا حظّ للصغير فيه، و ليس من الحظّ إسقاط دينه و لا عتق عبده و لا هبة ماله(1).

و لو وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يتملّكها، فعل حراما، فإن تملّكها لم يجز له وطؤها قبل الاستبراء، قاله أحمد؛ لأنّه ابتداء ملك، فوجب الاستبراء فيه، كما لو اشتراها(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاستبراء ليس واجبا إلاّ في محلّ توهّم وطئ المالك الأوّل لها، و هنا إن حصل الوطء حرمت مؤبّدا، و إن لم يحصل حلّت من غير استبراء.

لا يقال: يستبرئها؛ لجواز وطئ غير الابن لها.

لأنّا نقول: لو وجب ذلك لكان يجب مع كون المالك امرأة أو من أخبر باستبرائها.

و لو كان الولد قد وطئها، لم تحل علي الأب؛ لأنّها صارت بمنزلة حليلة ابنه، فإن فعل عالما بالتحريم وجب عليه الحدّ.

و قال أحمد: لا يجب؛ لشبهة الملك، فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أضاف مال الولد إلي الأب، فقال: «أنت و مالك لأبيك»(3)(4).

و لو ولدت منه، لم تصر أمّ ولد، و لا يكون ولده الذكر حرّا.

خلافا لأحمد فيهما؛ حيث قال: تصير أمّ ولد، و يكون الولد حرّا؛ لأنّه من وطء انتفي عنه الحدّ فيه؛ للشبهة(5).

قال: و ليس للابن مطالبة الأب بشيء من قيمتها و لا قيمة ولدها6.

ص: 99


1- المغني 325:6، الشرح الكبير 312:6.
2- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
3- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 97.
4- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
5- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.

و لا مهرها(1).

و في تعزير الأب له روايتان:

إحداهما: يعزّر؛ لأنّه وطئ وطأ محرّما، أشبه ما لو وطئ جارية مشتركة بينه و بين غيره.

و الثانية: لا يعزّر؛ لأنّه لا يقتصّ منه بالجناية علي ولده، فلا يعزّر بالتصرّف في ماله(2).

و ليس لغير الأب الأخذ من مال غيره إلاّ بإذنه إجماعا.

و لا يصحّ قياس غير الأب عليه عند أحمد أيضا؛ لأنّ للأب ولاية علي ولده و ماله إذا كان صغيرا، و له شفقة تامّة و حقّ متأكّد، و لا يسقط ميراثه بحال(3).

و الأم لا تأخذ؛ لأنّه لا ولاية لها، و الجدّ أيضا؛ لأنّ شفقته قاصرة عن شفقة الأب، و يحجب به في الميراث و في ولاية النكاح عندهم(4).

و ليس لغيرهما من الأقارب و الأجانب الأخذ بطريق التنبيه؛ لأنّه إذا امتنع الأخذ في حقّ الأمّ و الجدّ مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما ممّن لا يشارك الأب في ذلك أولي.6.

ص: 100


1- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
2- المغني 326:6-327، الشرح الكبير 312:6.
3- المغني 327:6، الشرح الكبير 312:6.
4- المغني 327:6، الشرح الكبير 313:6.
الفصل الثالث
اشارة

الفصل الثالث(1): في الصدقة المندوبة

الصدقة مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها، تشتمل علي فضل كثير و ثواب جزيل، يضمن اللّه تعالي فيها المجازاة عليها، فقال: إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (2) و قال تعالي: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ (3) و قال تعالي: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (4) و الآيات في ذلك أكثر من أن تحصي.

و قال صلّي اللّه عليه و آله: «ليتصدّق الرجل من ديناره و ليتصدّق من درهمه و ليتصدّق من صاع برّه» رواه العامّة(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

«أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه»(6).

و قال الباقر عليه السّلام: «البرّ و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان عن [صاحبهما] سبعين ميتة سوء»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «داووا مرضاكم بالصدقة، و ادفعوا البلاء بالدعاء،

ص: 101


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني». و المثبت هو الصحيح.
2- سورة يوسف: 88.
3- سورة البقرة: 245.
4- سورة البقرة: 271.
5- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 419:7.
6- الفقيه 155/37:2.
7- الفقيه 37:2 (باب فضل الصدقة) ح 2، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

و استنزلوا الرزق بالصدقة، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان، و ليس شيء أثقل علي الشيطان من الصدقة علي المؤمن، و هي تقع في يد الربّ تبارك و تعالي قبل أن تقع في يد العبد»(1).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي.

مسألة 50: و صدقة السرّ أفضل من دفعها في العلانية؛ للآية السابقة

(2)الفقيه 162/38:2.(3) .

و روي العامّة و الخاصّة: أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: «صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: قال لي:

«يا عمّار الصدقة و اللّه في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية، و كذلك و اللّه العبادة في السرّ أفضل من العبادة في العلانية»(4).

مسألة 51: صرف الصدقة إلي ذي الرحم أفضل من صرفها إلي الأجنبيّ،

و صرفها إلي الجيران أفضل من الأباعد.

و روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «الصدقة علي المسكين صدقة، و علي ذي الرحم ثنتان: صدقة و صلة»(5).

ص: 102


1- الفقيه 156/37:2.
2- في ص 101، المخرّجة في الهامش
3- .
4- المعجم الصغير - للطبراني - 96:2، المعجم الأوسط - له أيضا - 947/385:1، و 3450/86:4، المعجم الكبير - له أيضا - 8014/312:8، و 1018/421:19، مسند الشهاب 92:1-99/93 و 100، و 102/94، المستدرك - للحاكم - 3: 568، الكافي 1/7:4، و 3/8، الفقيه 161/38:2، معاني الأخبار: 264 (باب معني تثقّل الرحم) ح 1، التهذيب 299/105:4.
5- سنن الدارمي 397:1، سنن النسائي (المجتبي) 92:5، المعجم الكبير - للطبراني - 6210/276:6.

و عن عائشة أنّها قالت: يا رسول اللّه، إنّ لي جارين فإلي أيّهما أهدي ؟ فقال: «إلي أقربهما منك بابا»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه سئل أيّ الصدقة أفضل ؟ قال: «علي ذي الرحم الكاشح»(2).

و قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج»(3).

و قال عليه السّلام: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين»(4).

و كذا الصدقة المفروضة و الكفّارات صرفها إلي الأقارب أولي إذا [كانوا](5) بصفة الاستحقاق و لا يلزمه نفقتهم.

و الأولي أن يبدأ بذي الرحم المحرم، كالإخوة و الأخوات و الأعمام و الأخوال، و يقدّم منهم الأقرب فالأقرب، و الزوج و الزوجة ملحقان بذلك، ثمّ يبدأ بذي الرحم غير المحرم، كأولاد الأعمام و أولاد الأخوال، ثمّ بالمحرم بالرضاع، ثمّ بالمحرم بالمصاهرة، ثمّ بالمولي - قال بعض الشافعيّة: من الأعلي و من الأسفل(6) - ثمّ بالجار.

و إذا كان في البلد أقارب و أجانب مستحقّون، فالأقارب أولي و إن كان2.

ص: 103


1- مسند أحمد 25009/267:7، صحيح البخاري 208:3، المستدرك - للحاكم - 167:4، السنن الكبري - للبيهقي - 275:6-276.
2- الفقيه 165/38:2.
3- الفقيه 166/38:2.
4- الفقيه 164/38:2.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة: «كان». و في الطبعة الحجريّة: «كانت». و المثبت هو الصحيح.
6- العزيز شرح الوجيز 420:7، روضة الطالبين 203:2.

الأجانب أقرب منزلا.

و إن كان الأقارب خارجين من البلد، فإن منعنا من نقل الصدقة بأن تكون واجبة فالأجانب أولي، و إلاّ فالأقارب الخارجون.

و كذا في أهل البادية إذا اعتبرنا مسافة القصر، إن كان الأجانب و الأقارب دون مسافة القصر فالأقارب أولي و إن كانت دورهم أبعد.

و كذا لو كانوا جميعا فوق مسافة القصر.

و إن كان الأجانب دون مسافة القصر و الأقارب فوقها، إن منعنا نقل الصدقات فالأجانب أولي، و إلاّ فالأقارب أولي.

مسألة 52: و الصدقة في رمضان أفضل منها في غيره،

كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجود ما يكون في شهر رمضان، رواه العامّة(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير و أعطي كلّ سائل(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «خطب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد اللّه و أثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، و هو شهر رمضان، فرض اللّه صيامه، و جعل قيام ليلة فيه (بتطوّع صلاة)(3) كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من

ص: 104


1- مسند أحمد 2611/475:1، صحيح البخاري 5:1، و 33:3، و 137:4، صحيح مسلم 2308/1803:4، سنن النسائي (المجتبي) 125:4، السنن الكبري - له أيضا - 2405/64:2-1، و 7993/7:5-2، صحيح ابن خزيمة 3: 1889/193، السنن الكبري - للبيهقي - 305:4، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 3440/225:8، و 6370/285:14.
2- الفقيه 263/61:2.
3- ما بين القوسين لم يرد في الفقيه.

الشهور، و جعل لمن تطوّع [فيه](1) بخصلة من خصال الخير و البرّ كأجر من أدّي فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ، و من أدّي فيه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ كان كمن أدّي سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، و هو شهر الصبر، و إنّ الصبر ثوابه الجنّة، و هو شهر المواساة، و هو شهر يزيد اللّه فيه رزق المؤمن، و من فطّر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند اللّه عتق رقبة و مغفرة لذنوبه فيما مضي، فقيل له: يا رسول اللّه ليس كلّنا يقدر علي أن يفطّر صائما، فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالي كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلاّ علي مذقة(2) من لبن يفطّر بها صائما، أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر علي أكثر من ذلك، و من خفّف فيه عن مملوكه خفّف اللّه عزّ و جلّ عليه حسابه، و هو شهر أوّله رحمة، و وسطه مغفرة، و آخره إجابة و العتق من النار، و لا غني بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون اللّه بهما، و خصلتين لا غني بكم عنهما، أمّا اللّتان ترضون اللّه بهما فشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّي رسول اللّه، و أمّا اللّتان لا غني بكم عنهما فتسألون اللّه فيه حوائجكم و الجنّة، و تسألون اللّه فيه العافية و تتعوّذون به من النار»(3).

مسألة 53: المديون و ذو العيال الذين يلزمه نفقتهم لا يستحبّ له التصدّق،

بل صرف ذلك في الدّين و النفقة أولي، و ربما يقال: يكره إلي أن يؤدّي ما عليه(4).

و أمّا إذا فضل عن حاجته و حاجة عياله هل يتصدّق بجميعه ؟ الأولي:

ص: 105


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- مذقة: طائفة من اللبن الممزوج بالماء. لسان العرب 339:10 «مذق».
3- الفقيه 58:2-254/59، و نحوه في الكافي 66:4-4/67، و التهذيب 4: 152-423/153.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 420:7، و روضة الطالبين 203:2.

الكراهة الشديدة؛ لما في ذلك من التعرّض للحاجة و سؤال الناس، و هو شديد الكراهة. و هو أحد وجوه الشافعيّة(1) ؛ لقوله تعالي: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ (2) و قال تعالي: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا (3).

و لما رواه العامّة أنّ رجلا جاء إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بمثل البيضة من الذهب و قال: يا رسول اللّه، خذها فهي صدقة و ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، إلي أن أعاد القول مرّات، ثمّ إنّه أخذها و رماه بها رمية لو أصابته لأوجعته، ثمّ قال: «يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثمّ يقعد يتكفّف وجوه الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غني»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال:

«أفضل الصدقة صدقة عن(5) ظهر غني»(6).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر، و قال اللّه عزّ و جلّ: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (7) و العفو: الوسط، و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ9.

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 421:7، روضة الطالبين 203:2.
2- سورة الإسراء: 29.
3- سورة الفرقان: 67.
4- سنن الدارمي 391:1، سنن أبي داود 1673/128:2، صحيح ابن خزيمة 4: 2441/98، المستدرك - للحاكم - 413:1، السنن الكبري - للبيهقي - 154:4 بتفاوت فيها، و ورد نصّه في العزيز شرح الوجيز 421:7.
5- في النّسخ الخطّيّة و الفقيه: «علي» بدل «عن».
6- ثواب الأعمال: 15/170، الفقيه 115/30:2.
7- سورة البقرة: 219.

قَواماً (1) و القوام: الوسط»(2).

و عن الوليد بن صبيح قال: كنت عند أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فجاءه سائل فأعطاه ثمّ جاءه آخر فأعطاه ثمّ جاءه آخر فأعطاه ثمّ جاءه آخر فقال:

«وسّع اللّه عليك» ثمّ قال: «إنّ رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين ألفا أو أربعين ألف درهم ثمّ شاء أن لا يبقي منها شيئا إلاّ وضعه في حقّ لفعل فيبقي لا مال له فيكون من الثلاثة الذين يردّ دعاؤهم» قال: قلت: من هم ؟ قال:

«أحدهم: رجل كان له مال فأنفقه في [غير] وجهه ثمّ قال: يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أرزقك ؟ و رجل يجلس في بيته و لا يسعي في طلب الرزق و يقول: يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أجعل لك سبيلا إلي طلب الرزق ؟ و رجل له امرأة تؤذيه فيقول: يا ربّ خلّصني منها، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أجعل أمرها بيدك ؟»(3).

و الثاني للشافعيّة: أنّه لا يكره ذلك، بل يستحبّ.

و الثالث: أنّه إن كان المتصدّق قويّا يجد من نفسه قوّة الصبر علي المضايقة فيستحبّ له التصدّق بالجميع، و إلاّ لم يستحب، بل يستبقي لنفسه ما يتعلّل به(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يكره التصدّق بالشيء الرديء و ما فيه شبهة؛ لقوله تعالي: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّي تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (5).2.

ص: 107


1- سورة الفرقان: 67.
2- الفقيه 148/35:2.
3- الفقيه 39:2-173/40، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
4- العزيز شرح الوجيز 420:7-422، روضة الطالبين 203:2.
5- سورة آل عمران: 92.
مسألة 54: الصدقة المفروضة محرّمة علي بني هاشم،

إلاّ صدقة الهاشمي علي مثله أو صدقة غيره عند الاضطرار؛ لما تقدّم(1).

و هل تحرم الصدقة المندوبة عليهم ؟ الأقرب: المنع - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من صنع إلي أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة»(3).

و قال عليه السّلام: «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاؤا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذرّيّتي، و رجل بذل ماله لذرّيّتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذرّيّتي باللسان و القلب، و رجل سعي في حوائج ذرّيّتي إذا طردوا و شردوا»(4).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّدا يكلّمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فيقول:

يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد و منّة و معروف فليقم حتي أكافئه، فيقولون: بآبائنا و أمّهاتنا و أيّ يد و أيّ منّة و أيّ معروف، بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله علي جميع الخلق، فيقول: بلي من آوي أحدا من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم فليقم حتي أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند اللّه عزّ و جلّ: يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت، قال:

ص: 108


1- في ج 5، ص 268 و 269 و 273، المسائل 180 و 181 و 186.
2- مختصر المزني: 159، الحاوي الكبير 539:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 183، نهاية المطلب 547:11، الوسيط 575:4، الوجيز 269:1، حلية العلماء 169:3، التهذيب - للبغوي - 207:5، البيان 464:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 202:2-203، المجموع 239:6.
3- الكافي 8/60:4، الفقيه 152/36:2، التهذيب 312/110:4.
4- الكافي 9/60:4، الفقيه 153/36:2، التهذيب 323/111:4.

فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين»(1).

و روي العامّة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة، فقيل له: أتشرب من الصدقة ؟ فقال: «إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة»(2).

و الثاني للشافعي: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة عليهم؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة»(3)(4).

إذا عرفت هذا، فالوجه: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله؛ لما فيها من الغضّ و النقص و تسلّط المتصدّق، و علوّ مرتبته علي المتصدّق عليه، و منصب النبوّة أرفع من ذلك و أجلّ و أشرف.

و لقوله عليه السّلام: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة»(5).

و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ للخبر(6).

و الثاني: أنّها لا تحرم عليه؛ لأنّ الهديّة لا تحرم عليه، فكذا الصدقة(7).2.

ص: 109


1- الفقيه 36:2-154/37.
2- الأم 56:4، مختصر المزني: 159، المهذّب - للشيرازي - 183:1، العزيز شرح الوجيز 419:7، المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، السنن الكبري - للبيهقي - 183:6.
3- شرح معاني الآثار 10:2، و 298:3، المعجم الكبير - للطبراني - 77:3 - 2713/78، و 6418/87:7.
4- نهاية المطلب 547:11، التهذيب - للبغوي - 207:5، العزيز شرح الوجيز 7: 419، المجموع 239:6.
5- شرح معاني الآثار 10:2، و 298:3، المعجم الكبير - للطبراني - 77:3 - 2713/78، و 6418/87:7.
6- راجع: الهامش (3).
7- الوسيط 575:4، حلية العلماء 169:3، البيان 452:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 202:2.

و الفرق ظاهر.

و أمّا الأئمّة المعصومون من آله عليهم السّلام فالوجه: إلحاقهم به عليه السّلام في علوّ المنزلة و ارتفاعهم عن منقصة التصدّق من الغير، و لأنّ الواجبة حرّمت عليهم لعلوّ مرتبتهم عن أوساخ الناس، فالمندوبة كذلك؛ لمشاركتها في هذا المعني.

نعم، يجوز لهم قبول الهديّة، كما قبلها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله(1).

مسألة 55: تجوز الصدقة علي الكافر و إن كان أجنبيّا

- و به قال الشافعي(2) - لقوله تعالي: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (3).

و لقوله عليه السّلام: «علي كلّ كبد حرّي أجر»(4).

و كذا تجوز الصدقة علي الأغنياء؛ للعموم.

ص: 110


1- مسند أحمد 22488/486:6، شرح معاني الآثار 10:2، المعجم الكبير - للطبراني - 232:6-6076/233، و 241-6110/245، و 6121/249، و 6155/259، المستدرك - للحاكم - 16:2، السنن الكبري - للبيهقي - 327:5، و 321:10.
2- الحاوي الكبير 392:3، التهذيب - للبغوي - 132:3، البيان 463:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 203:2.
3- سورة الممتحنة: 8.
4- المسند - للحميدي - 902/401:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6598/155:7، و 106:24-284/108، و فيهما: «في كلّ كبد...»، و في مسند أحمد 2: 7035/445، و سنن ابن ماجة 3686/1215:2، و مسند أبي يعلي 3: 1568/137، و المعجم الكبير - للطبراني - 155:7-6600/156، و 157 - 6602/159، و صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 299:2-542/300، و 196:13-5882/197: «في كلّ ذات كبد...».

و لو نذر أن يتصدّق بشيء، فالأولي تحريمها علي الغني؛ لأنّها صارت واجبة، فصار مصرفها مصرف الصدقات المفروضة، أمّا لو نذر أن يتصدّق علي الأغنياء صحّ نذره و لزمه؛ لأنّه نذر في معروف.

ثمّ إن كانوا معيّنين لم يجز العدول إلي غيرهم، و لو لم يكونوا معيّنين احتمل جواز الصرف إلي غير(1) الأغنياء؛ لأنّهم أكثر استحقاقا.

و قد عرفت أنّ صدقة السرّ أفضل، أمّا لو اتّهم بترك المواساة أو قصد بالإظهار متابعة الناس له في ذلك و اقتداءهم به فالأولي الإظهار؛ دفعا للتهمة و تحريضا علي نفع الفقراء.

مسألة 56: الصدقة عقد من العقود يفتقر إلي إيجاب و قبول و إقباض و نيّة التقرّب،

و إذا حصل الإقباض لم يجز الرجوع فيها عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أصحاب الرأي(2) - لأنّها هبة قصد بها الثواب و قد حصل بالدفع إلي الفقير، فتكون هبة قد عوّض عنها، و مع العوض لا يرجع.

و لقوله عليه السّلام: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(3) و الرجوع في القيء حرام.

و قال الصادق عليه السّلام: «لا يرجع في الصدقة إذا تصدّق [بها] ابتغاء وجه اللّه عزّ و جلّ»(4).

ص: 111


1- كلمة «غير» لم ترد في النّسخ الخطّيّة.
2- الذخيرة 223:6، المبسوط - للسرخسي - 92:12، العزيز شرح الوجيز 6: 324، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5)، و في المصادر: «العائد في هبته كالعائد في قيئه».
4- الفقيه 639/182:4، التهذيب 577/137:9، الاستبصار 390/102:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

و قال الشافعي و أحمد: يجوز الرجوع في الصدقة كما يجوز في الهبة و إن عوّض إذا كان ولده، و إن كان أجنبيّا لم يجز(1)سورة البيّنة: 5.(2).

و يشترط في القبض إذن المتصدّق، فلو قبض من غير إذن كان لاغيا، و لم تنتقل الصدقة إلي [المتصدّق عليه](3).

و يشترط فيها نيّة التقرّب؛ لأنّها طاعة و عبادة، و قد قال اللّه تعالي:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (3) و الإخلاص: التقرّب.5.

ص: 112


1- تقدّم تخريجه في ص 78، الهامش
2- .
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المصدّق». و الظاهر ما أثبتناه.

المقصد الثاني: في الوقف و توابعه و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الوقف و فيه مباحث:
البحث الأوّل: في الأركان،
اشارة

و هي أربعة: الصيغة و الواقف و الموقوف عليه و الموقوف يشتمل عليها أربعة مطالب.

مقدّمة: سمّي الوقف وقفا؛ لاشتماله علي وقف المال علي الجهة المعيّنة، و قطع سائر الجهات و التصرّفات عنه، يقال: وقفت وقفا، و قد يقال في شذوذ اللغة: أوقفت(1) ، لا في فصيحها، و يقال: حبست و أحبست، علي السواء، و جمعه: وقوف و أوقاف.

و الوقف: تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.

و فيه فضل كثير و ثواب جزيل.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، و علم ينتفع به بعد موته، و صدقة جارية» رواه العامّة(2).

قال العلماء: المراد بالصدقة الجارية الوقف(3).

ص: 113


1- كما في المغني 206:6.
2- نهاية المطلب 339:8، العزيز شرح الوجيز 250:6، و في مسند أحمد 3: 8627/65، و صحيح مسلم 1631/1255:3، و سنن أبي داود 2880/117:3، و سنن الترمذي 1376/660:3، و سنن النسائي (المجتبي) 251:6، و السنن الكبري - للبيهقي - 278:6 بتفاوت و تقديم و تأخير.
3- كما في نهاية المطلب 339:8، العزيز شرح الوجيز 250:6.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ستّة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه، و بئر يحفرها، و صدقة يجريها، و سنّة يؤخذ بها من بعده»(1).

و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(2).

و اشتهر اتّفاق الصحابة علي الوقف قولا و فعلا.

قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ذو مقدرة إلاّ وقف(3).

و لم ير شريح الوقف، و قال: لا حبس عن فرائض اللّه(4).

قال أحمد: و هذا مذهب أهل الكوفة(5). و هو خلاف الإجماع من الصحابة.

إذا عرفت هذا، فالوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.

مسألة 57: الوقف يلزم بالعقد و القبض عند علمائنا أجمع

- و به قال أحمد في إحدي الروايتين، و محمّد بن الحسن(6) - لأنّه تبرّع بمال، فلا يلزم بمجرّده، كالهبة و الوصيّة، و لأنّ الأصل بقاء الملك علي مالكه، خرج عنه المقبوض، فيبقي الباقي علي أصله.

و قال أبو حنيفة: الوقف لا يلزم بمجرّده، و للواقف الرجوع فيه، و إذا

ص: 114


1- الكافي 5/57:7، الفقيه 637/182:4.
2- الأم 52:4-53، ترتيب مسند الشافعي 457/138:2، مختصر المزني: 133، السنن الكبري - للبيهقي - 162:6، معرفة السنن و الآثار 12274/38:9.
3- المغني 206:6-207، الشرح الكبير 206:6.
4- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6.
5- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6.
6- الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6 - 229 و 265، مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5231/777:2، تحفة الفقهاء 377:3، الفقه النافع 723/1001:3، الحاوي الكبير 511:7، حلية العلماء 7:6، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6.

مات رجع فيه ورثته، إلاّ أن يرضوا به بعد موته فيلزم، أو يحكم بلزومه حاكم(1).

و حكي بعض العامّة عن عليّ عليه السّلام و ابن مسعود و ابن عباس مثل قول أبي حنيفة؛ لأنّ عبد اللّه بن زيد صاحب الأذان جعل حائطا له صدقة و جعله إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فجاء أبواه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فقالا: يا رسول اللّه، لم يكن لنا عيش إلاّ هذا الحائط، فردّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثمّ ماتا فورثهما(2) ، و لأنّه أخرج ماله علي وجه القربة من ملكه، فلا يلزم بمجرّد القول، كالصدقة(3).

و هذا القول مخالف للسّنّة الثابتة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و إجماع الصحابة، فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال للواقف في وقفه: «لا يباع أصلها و لا يبتاع و لا يوهب و [لا يورث](4)»(5) ، و الصدقة و الهبة نحن نقول بموجبهما، فإنّهما لا يلزمان إلاّ بالقبض عندنا، كالوقف.6.

ص: 115


1- مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5228/777:2، تحفة الفقهاء 3: 376، الفقه النافع 723/1001:3، بدائع الصنائع 218:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 207:6، الشرح الكبير 265:6، الحاوي الكبير 7: 512، حلية العلماء 8:6-10، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6.
2- المغني 207:6، الشرح الكبير 265:6 نقلا عن المحاملي في أماليه.
3- نفس المصدر.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يوقف». و المثبت كما في المصادر.
5- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6 و 265، و راجع: المصنّف - لابن أبي شيبة - 978/252:6، و 17962/167:14، و مسند أحمد 5157/156:2، و صحيح مسلم 1632/1255:3، و سنن ابن ماجة 9396/801:2، و سنن الترمذي 1375/659:3، و السنن الكبري - للنسائي - 6426/93:4-3، و السنن الكبري - للبيهقي - 159:6.

و قال الشافعي و أبو يوسف و عامّة الفقهاء: إنّ الوقف يلزم بمجرّد العقد من غير إقباض، و لم يجعلوا القبض شرطا في صحّة العقد(1) و لا في لزومه؛ لأنّه تبرّع يمنع البيع و الهبة [و الميراث](2) فلزم بمجرّده، كالعتق(3).

و الفرق: أنّ العتق ليس عقدا، و لا يفتقر إلي قبول و لا قبض. سلّمنا، لكن المعتق قد ملّك العبد نفسه المقبوضة له حقيقة، فافترقا.

المطلب الأول: الصيغة.
مسألة 58: لا يصحّ الوقف إلاّ باللفظ؛ لأنّه تمليك منفعة أو عين و منفعة،

فأشبه سائر التمليكات. و أيضا فالعتق لا يحصل إلاّ باللفظ مع سرعة نفوذه فالوقف أولي، و لأنّ الأصل بقاء الملك علي مالكه ما لم يثبت المزيل، فعلي هذا لو بني بناء علي هيئة المساجد أو علي غير هيئتها و أذن في الصلاة فيه، لم يصر مسجدا، و كذا لو أذن بالدفن في ملكه لم يصر مقبرة، سواء صلّي في ذلك أو دفن في هذا، أو لا - و به قال الشافعي(4) -

ص: 116


1- في «ص، ع»: «الوقف» بدل «العقد».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و التبرّعات». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير، راجعهما في الهامش التالي.
3- الحاوي الكبير 511:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4، حلية العلماء 7:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 405:4، مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5229/777:2 و 5230، تحفة الفقهاء 377:3، الفقه النافع 3: 723/1001، الهداية - للمرغيناني - 14:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 209:6-210، الشرح الكبير 228:6 و 229.
4- المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 244:4، حلية العلماء 21:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 387:4.

لعدم الشرط و هو العقد.

و قال أبو حنيفة: إذا صلّي فيه واحد صار مسجدا، و إذا دفن فيه ميّت واحد صار مقبرة و تمّ الوقف و إن لم يوجد فيه شيء من ألفاظ الوقف(1).

و ليس بجيّد؛ لما تقدّم(2).

و لو تلفّظ بالوقف و لم يحصل الإقباض و لو بصلاة واحد أو دفن واحد أو قبض حاكم الشرع، لم يصر وقفا عندنا علي ما سلف(3).

إذا عرفت هذا، فهل يصير مسجدا بقوله: قد جعلته مسجدا؟ ظاهر كلام بعض الشافعيّة: أنّه يصير وقفا بذلك و إن لم يأت بشيء من ألفاظ الوقف الصريحة و الكناية(4).

و المشهور بينهم: أنّه لا يصير وقفا بذلك(5) ، و هو المعتمد؛ لأنّه وصفه بما هو موصوف به، قال عليه السّلام: «جعلت لي الأرض مسجدا»(6).

نعم، لو قال: جعلته مسجدا للّه، فالأقوي: أنّه يصير مسجدا؛ لأنّه يقوم مقام لفظ الوقف، لإشعاره بالمقصود و اشتهاره به.4.

ص: 117


1- المبسوط - للسرخسي - 34:12، المحيط البرهاني 205:6، الحاوي الكبير 513:7، حلية العلماء 21:6-22، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 8: 63، العزيز شرح الوجيز 263:6، المغني 213:6، الشرح الكبير 207:6.
2- في ص 116.
3- في ص 114.
4- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 389:4.
5- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 389:4.
6- الفقيه 724/155:1، الخصال: 56/292، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2: 402، مسند أحمد 2256/414:1، و 20792/179:5، سنن الدارمي 224:2، صحيح البخاري 91:1 و 119، سنن ابن ماجة 567/188:1، سنن الترمذي 2: 131، ذيل ح 317، سنن النسائي (المجتبي) 56:2، السنن الكبري - للنسائي - 815/267:1، المعجم الكبير - للطبراني - 11047/61:11، السنن الكبري - للبيهقي - 212:1، و 433:2-434.

و لو قال: وقفتها علي صلاة المصلّين، و هو يريد جعلها مسجدا، فالأقرب: أنّها تصير مسجدا مع الإقباض.

مسألة 59: ألفاظ الوقف ستّة،

ثلاثة منها تدلّ عليه صريحا، و ثلاثة تدلّ عليه كناية، فالصريحة: وقفت، و حبّست، و سبّلت.

أمّا «وقفت» فلا خلاف بين العلماء في دلالتها بالصريح علي معني الوقف؛ لأنّها اللفظة الموضوعة له، مع أنّ في بعض أقوال الشافعي أنّها كناية عن الوقف لا تدلّ عليه إلاّ مع النيّة(1). و هذا من أغرب الأشياء.

و أمّا «حبّست» فالمشهور أنّها [صريحة](2) أيضا؛ لأنّه(3) حبس الملك في الرقبة عن التصرّفات المزيلة، و هو معني الوقف، و لأنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعمر: «إن شئت حبّست أصلها و سبّلت ثمرتها»(4) و هو أحد أقوال الشافعي(5).

و في قول آخر: إنّها كناية؛ لأنّها لم تشتهر اشتهار الوقف(6).

و أمّا «سبّلت» فصريح أيضا عند جماعة من العلماء(7) ، و هو أحد

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صريح» و المثبت يقتضيه السياق.
3- أي: التحبيس.
4- المغني 212:6، الشرح الكبير 208:6، و بتفاوت يسير في معرفة السنن و الآثار 38:9-12275/39.
5- المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 244:4، الوجيز 245:1، حلية العلماء 21:6، التهذيب - للبغوي - 515:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
6- الوسيط 244:4، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
7- المغني 212:6، الشرح الكبير 208:6.

أقوال الشافعي(1) ؛ لقوله عليه السّلام: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(2).

و في بعض أقواله: إنّها كناية؛ لأنّها لم تشتهر اشتهار الوقف(3).

فقد حصل للشافعي هنا أربعة أقوال:

الأوّل: كلّ واحد من الثلاثة - و هي: وقفت، و حبّست، و سبّلت - صريح في الوقف لا يفتقر إلي قرينة في دلالتها عليه، و هو أشهرها.

الثاني: الجميع كنايات.

الثالث: الصريح وحده الوقف خاصّة، و أمّا لفظة الحبس و التسبيل فكنايتان.

الرابع: الكناية التسبيل وحده، و أمّا لفظتا الوقف و الحبس فصريحتان(4).

و أمّا ألفاظ الكناية فثلاثة: تصدّقت، و حرّمت، و أبّدت.

أمّا «تصدّقت» فليس صريحا؛ فإنّ هذا اللفظ علي تجرّده إنّما يستعمل في التمليك المحض، و يستعمل كثيرا في الزكوات و الهبات، و إنّما يصير لفظا دالاّ علي الوقف لو قرن به ما يخصّصه به و يجعله دليلا عليه، و ذلك المقترن الزائد عليه إمّا لفظ أو نيّة.

أمّا اللفظ فأن يقترن به بعض الألفاظ السابقة، مثل أن يقول: صدقة محبّسة أو موقوفة أو محرّمة، أو اقترن به ذكر حكم الوقف، مثل أن يقول:

صدقة لا تباع و لا توهب، التحق بالصريح؛ لانصرافه بما ذكر عن التمليك المحض، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.4.

ص: 119


1- راجع: الهامش (5) من ص 118.
2- تقدّم تخريجه في ص 114، الهامش (2).
3- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 264:6، و روضة الطالبين 388:4.

و الثاني: أنّه لا يكفي قوله: صدقة محرّمة أو مؤبّدة، بل لا بدّ من التقييد بأنّها لا تباع و لا توهب.

و الثالث: أنّه لا شيء من الألفاظ يلحقه بالصريح؛ لأنّه صريح في التمليك الذي يخالف مقصوده مقصود الوقف، فلا ينصرف إلي غيره بقرينة لا استقلال لها(1).

و أمّا النيّة فينظر إن أضاف اللفظ إلي جهة عامّة بأن قال: تصدّقت بهذا علي المساكين، و نوي الوقف، فالأقرب: أنّها تلحق اللفظ بالصريح، و يكون وقفا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّها لا تلحق اللفظ بالصريح؛ لأنّها لا تلتحق باللفظ في الصرف عن الصريح إلي غيره(2).

و إن أضاف إلي معيّن فقال: تصدّقت عليك، أو قاله لجماعة معيّنين، لم يكن وقفا علي الأقوي - نعم، لو نوي الوقف صار وقفا فيما بينه و بين اللّه تعالي، و لا يصير وقفا في الحكم، قاله الشيخ رحمه اللّه(3) ، فإذا أقرّ بأنّه نوي الوقف صار وقفا في الحكم - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) ، بل ينفذ فيما هو صريح فيه، و هو محض التمليك.

و يحتمل قويّا أن يكون تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظيّة إن أمكن فرضه في الجهات العامّة - مثل أن يقول: تصدّقت علي فقراء المسلمين - فلا يمكن فرضه في التصدّق علي شخص أو جماعة معيّنين إذا لم نجوّز الوقف المنقطع، فإنّه يحتاج إلي بيان المصارف بعد التعيين،4.

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4.
2- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4-389.
3- المبسوط - للطوسي - 291:3.
4- نهاية المطلب 344:8، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 389:4.

و حينئذ المأتيّ به لا يحتمل إلاّ الوقف، كما أنّ قوله: «تصدّقت به صدقة محرّمة أو موقوفة» لا يحتمل إلاّ الوقف.

و أمّا «حرّمت هذه البقعة للمساكين، أو أبّدتها، أو داري محرّمة، أو مؤبّدة» فالأقرب: أنّها كناية إن انضمّ إليها قرينة تدلّ علي الوقف صارت كالصريح، و إلاّ فلا.

و قالت الشافعيّة: إن جعلنا لفظة «وقفت و حبّست و سبّلت» كناية، فكذا هنا، و إن جعلناها صريحة، فوجهان:

أحدهما: أنّ التحريم و التأييد أيضا صريحان؛ لإفادتهما الغرض، و استعمالهما كالتحبيس و التسبيل.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّهما لا يستعملان مستقلّين، و إنّما يؤكّد بهما شيء من الألفاظ المتقدّمة(1).

مسألة 60: لو قال: جعلت أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة،

أو قال: هذه أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة، فهو صريح في الوقف.

أمّا الفعل المقترن بالقرائن فقد بيّنّا أنّه لا يكفي في الوقف، مثل أن يبني مسجدا و يأذن للناس في الصلاة فيه، خلافا لأبي حنيفة و لأحمد(2).

و كذا إذا اتّخذ مقبرة و أذن في الدفن فيها أو سقاية و يأذن في دخولها؛ لأنّه تحبيس أصل علي وجه القربة، فلا يصحّ بدون اللفظ، كما لو وقف علي الفقراء.

و قولهم: «العرف جار بذلك»(3) ممنوع، و قياسهم علي تقديم الطعام

ص: 121


1- العزيز شرح الوجيز 264:6.
2- راجع: الهامش (1) من ص 117.
3- المغني 214:6، الشرح الكبير 208:6.

للضيف، و وضع ماء في حبّ علي قارعة الطريق، و نثار شيء علي الناس، و دخول الحمّام و استعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال(1) ضعيف؛ للفرق، فإنّ العرف قاض في ذلك بالإباحة، أمّا الوقف فعقد يفتقر إلي الإيجاب و القبول، و له شرائط لا يكفي فيها القرائن ما لم يكن هناك لفظ يدلّ عليه.

قال الشيخ رحمه اللّه عقيب نقل كلام العامّة: و الذي يقوي في نفسي أنّ صريح الوقف قول واحد، و هو «وقفت» لا غير، و به يحكم بالوقف، فأمّا غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلاّ بدليل(2).

مسألة 61: هل يفتقر الوقف إلي القبول ؟

الأقرب أن نقول: إن كان الوقف علي جهة عامّة كالفقراء، أو علي المسجد و الرباط، فلا يشترط القبول؛ لعدم الإمكان، و هو قول الشافعيّة(3) ، و لم يجعلوا الحاكم نائبا في القبول كما جعل نائبا عن المسلمين في استيفاء القصاص و الأموال، و لو صاروا إليه كان وجها(4).

ثمّ ما ذكرناه مفروض في الوقف، أمّا إذا قال: جعلت هذا للمسجد، فهو تمليك لا وقف، فيشترط قبول القيّم و قبضه، كما لو وهب شيئا من صبيّ.

و إن كان الوقف علي شخص معيّن أو جماعة معيّنين، فالأقرب:

ص: 122


1- المغني 214:6، الشرح الكبير 208:6.
2- المبسوط - للطوسي - 292:3.
3- الوسيط 245:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 265:6.

اشتراط القبول؛ لأنّه يبعد دخول عين أو منفعة في ملكه من غير رضاه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و علي هذا فليكن القبول متّصلا بالإيجاب، كما في البيع و الهبة.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه لا يشترط، و استحقاق الموقوف عليه للمنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالعتق(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا يحتاج لزوم الوقف إلي القبول، لكن لا يملك غلّته إلاّ باختيار، و يكفي في الدلالة علي الاختيار الأخذ(3).

و قال بعضهم: الخلاف في اشتراط القبول إنّما هو فيما إذا قلنا: إنّ الوقف ينتقل الملك فيه إلي الموقوف عليه، فأمّا إذا قلنا بانتقاله إلي اللّه تعالي، أو قلنا ببقائه للواقف، فلا يشترط.

أمّا علي الأوّل: فإلحاقا له بالإعتاق.

و أمّا علي الثاني: فلأنّه إذا احتمل كون المنافع و الفوائد معدومة و مجهولة لم يبعد أن يحتمل ترك القبول، و سواء شرطنا القبول أو لم نشرطه، فلو ردّ بطل حقّه كما في الوصيّة، و كالوكالة ترتدّ بالردّ و إن لم نشترط القبول(4).

و قال بعض الشافعيّة: لا يرتدّ بردّه؛ لأنّه دخل في ملكه بمجرّد الإيقاع(5).4.

ص: 123


1- الوسيط 245:4، البيان 53:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
2- الوسيط 245:4، البيان 53:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
3- العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
4- العزيز شرح الوجيز 265:6-266، روضة الطالبين 389:4-390.
5- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.

و لو ردّ ثمّ رجع، قال بعض الشافعيّة: إن رجع قبل حكم الحاكم بردّه إلي غيره كان له، و إن حكم الحاكم به لغيره بطل حقّه(1).

هذا في البطن الأوّل، و أمّا في البطن الثاني و الثالث فلا يشترط قبولهم؛ لأنّ استحقاقهم لا يتّصل بالإيجاب، و هو مذهب الشافعي(2).

و لا يرتدّ الوقف بردّهم؛ لأنّ قبولهم لا يعتبر، و الوقف قد ثبت و لزم، فيبعد انقطاعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يرتدّ بردّ البطن الثاني، و يشترط قبولهم أيضا(3).

و خلاف الشافعيّة في أنّه هل يشترط قبول البطن الثاني و الثالث ؟ و هل يرتدّ الوقف بردّهم ؟ مبنيّ علي أنّ أهل البطن الثاني و من بعده هل يتلقّون الحقّ من الواقف أو من البطن الأوّل ؟ إن قلنا بالأوّل، فقبولهم و ردّهم كقبول الأوّلين و ردّهم، و إن قلنا بالثاني، لم يعتبر قبولهم و ردّهم، كما في الميراث(4).

و لا يبعد عندهم أن لا يتّصل الاستحقاق بالإيجاب و مع ذلك يعتبر القبول كالوصيّة(5).

المطلب الثاني: في الواقف.
اشارة

يشترط في الواقف البلوغ و كمال العقل(6) و الاختيار و القصد و الحرّيّة

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
2- نهاية المطلب 379:8، الوجيز 246:1، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
3- نهاية المطلب 379:8، الوجيز 246:1، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
4- نهاية المطلب 379:8، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
5- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
6- في النّسخ الخطّيّة: «و العقل».

و المغايرة للموقوف عليه، فلا يصحّ وقف الصبي و إن كان مميّزا و بلغ عشر سنين علي الأصحّ؛ لأنّه مسلوب التصرّف في غير الوقف فكذا فيه، و لأنّ القلم مرفوع عنه(1) ، فلا أثر لفعله، و إلاّ لكان مؤاخذا عليه.

و علي قول من جوّز صدقة من بلغ عشرا ينبغي القول بجواز وقفه؛ لأنّ الوقف نوع من الصدقة.

و لا يصحّ وقف المجنون إجماعا؛ لسلب التكليف عنه، و عدم اعتبار عبارته في نظر الشرع.

و لو كان الجنون يعتوره أدوارا، صحّ وقفه حال إفاقته و الوثوق بكمال عقله، فإن ادّعي جنونه حالة الوقف قدّم قوله فيه.

و لا يصحّ وقف المكره؛ لأنّ الإكراه مناف للاختيار، و الفعل في الحقيقة صادر عن غيره، و إنّما هو آلة فيه.

و يتحقّق الإكراه بالخوف علي النفس أو المال و إن قلّ، أو علي العرض إن كان من أهل الاحتشام.

و لا يصحّ وقف غير القاصد له، كالسكران و المغمي عليه و اللاعب و العابث و الساهي و الغافل و النائم؛ لأصالة بقاء الملك علي مالكه.

و لا يصحّ وقف العبد و الأمة؛ لأنّهما لا يملكان شيئا، و هما مسلوبا التصرّف، و لأنّ المملوك لا يصحّ أن يملك نفسه فلا يصحّ أن يملك غيره،5.

ص: 125


1- مسند أحمد 24182/147:7، سنن أبي داود 140:4-4401/141-4403، المستدرك - للحاكم - 258:1، و 59:2، و 389:4، السنن الكبري - للبيهقي - 83:3، و 269:4، و 84:6، مسند أبي داود الطيالسي: 90/15، مسند أبي يعلي 587/440:1، صحيح ابن خزيمة 403/102:2، سنن الدارقطني 3: 138-173/139، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 143/356:1، الخصال - للصدوق -: 93-40/94، و 233/175.

فإنّ من سلب التصرّف في نفسه كان سلب تصرّفه في غيره أولي، قال اللّه تعالي: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْءٍ (1) و قال تعالي: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (2).

مسألة 62: لا يصحّ أن يقف الشخص علي نفسه،

و لو وقف علي نفسه ثمّ علي الفقراء و المساكين، لم يصح وقفه علي نفسه عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال مالك و محمّد بن الحسن(3) - لأنّ الوقف إزالة الملك، فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه، كالبيع و الهبة، و لأنّ الوقف تمليك من الواقف و إدخال ملك علي الموقوف عليه، و الملك هنا متحقّق ثابت لا يعقل إدخاله و تجديده مع ثبوته؛ لعدم قبوله للشدّة و الضعف، و عدم تعقّل زواله قبله عنه، و لأنّ الوقف تمليك منفعة وحدها أو مع الرقبة و الإنسان لا يملّك نفسه.

و القول الثاني للشافعي: إنّه يصحّ الوقف و الشرط - و به قال أحمد و ابن أبي ليلي و ابن شبرمة و أبو يوسف و أبو عبد اللّه الزبيري - لأنّ استحقاق الشيء وقفا غير استحقاقه ملكا، و قد يقصد حبسه و منع نفسه من التصرّف المزيل للملك، و هو اختيار ابن سريج من الشافعيّة؛ لأنّ عمر لمّا وقف

ص: 126


1- سورة النحل: 75.
2- سورة الروم: 28.
3- الحاوي الكبير 525:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 243:4، حلية العلماء 15:6، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1197/673:2، عقد الجواهر الثمينة 964:3، الذخيرة 311:6، مختصر القدوري: 128، الهداية - للمرغيناني - 17:3-18، الاختيار لتعليل المختار 3: 59، المغني و الشرح الكبير 216:6.

قال: و لا بأس علي من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متموّل فيه، و كان الوقف في يده إلي أن مات، و لأنّه لو وقف عامّا كالمسجد و السقاية، كان له الانتفاع به، فكذا هنا(1).

و جعل الشيء وقفا علي نفسه غير صحيح؛ لما بيّنّا من أنّ الداخل في الملك لا يصلح دخوله فيه؛ لأنّه تحصيل الحاصل، و فعل عمر لا حجّة فيه، مع أنّا نقول بموجبه، فإنّ شرط نفع المتولّي جائز، و دخوله في الوقف العامّ ليس بالقصد الأوّل.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الوقف، و يلغو شرطه و إضافته إلي نفسه؛ بناء علي أنّه لو اقتصر علي قوله: «وقفت» صحّ الوقف(2).

و كذا لو وقف علي من لا يجوز الوقف عليه مطلقا ثمّ علي من يجوز، مثل: أن يقف علي المعدوم ثمّ علي الموجود.

و لو وقف علي غيره ممّن يصحّ الوقف عليه و شرط أن يقضي من ريع الوقف زكاته و ديونه و أن يخرج منه ما يحتاج إليه في نفقته و إدرار مؤونته، لم يصح؛ لأنّه وقف منه علي نفسه و غيره.

و للشافعي القولان(3).

و كذا لو شرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به.4.

ص: 127


1- الحاوي الكبير 525:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 243:4، حلية العلماء 16:6، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4، المغني 215:6-216، الشرح الكبير 216:6 و 217، مختصر القدوري: 128، الهداية - للمرغيناني - 17:3 - 18، الاختيار لتعليل المختار 59:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1197/673.
2- العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.
3- العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.

و بالجواز قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) ؛ لأنّ في صدقة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر(2) ، و لأنّ عثمان وقف بئر رومة، و قال: دلوي فيها كدلاء المسلمين(3).

و حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ليس دليلا علي الدعوي؛ لأنّا نجوّز أن يقف الإنسان علي أهله و أولاده و أن يشترط نفعهم في الوقف، و دعواهم جواز وقف الإنسان علي نفسه أو عود الوقف إليه أو بعض منافعه.

و حديث عثمان ليس حجّة؛ لأنّ قوله لا عبرة به. سلّمنا، لكن ذلك ليس علي سبيل الاشتراط، و لكنّه أخبر أنّ للواقف أن ينتفع بالأوقاف العامّة، كالصلاة في البقعة التي جعلها مسجدا و ما أشبهه.

و كذا إذا وقف علي الفقراء و صار فقيرا، كان له المشاركة لهم في النفع، أو وقف علي الفقهاء و صار منهم - و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ بناء علي القول بالمنع من وقفه علي نفسه(4) -؛ لأنّه لم يقصد نفسه حالة الوقف، و إنّما وجدت فيه الجهة التي وقف عليها بعد خروجه عن ملكه و دخوله في تلك الجهة، فجاز له الأخذ؛ لأنّه صار أجنبيّا من الوقف، كغيره.

و الثاني: المنع من تناوله منه؛ لأنّ مطلق الوقف ينصرف إلي غير4.

ص: 128


1- المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6، الحاوي الكبير 527:7، التهذيب - للبغوي - 512:4، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.
2- المغني 215:6، الشرح الكبير 217:6.
3- سنن النسائي (المجتبي) 235:6، السنن الكبري - للنسائي - 6435/97:4 - 3، سنن الدارقطني 2/196:4، العزيز شرح الوجيز 257:6-258، المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6.
4- الوسيط 243:4، العزيز شرح الوجيز 258:6، روضة الطالبين 383:4.

الواقف(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مطلق الوقف علي الفقراء ينصرف إلي غير الغني، مع أنّ الغني حالة الوقف لا يدخل فيه، فإن افتقر دخل، كذا هنا.

مسألة 63: لا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدّة حياته أو مدّة معلومة،

و سواء قدّر ما يأكل منه أو أطلقه في الصحّة عند من يقول بها، و البطلان عند من يقول به، إلاّ أنّه إذا شرط أن ينتفع به مدّة معلومة عند من يقول بالصحّة، أو شرط لغيره من أقاربه أو الأجانب فمات المجعول له في أثنائها، كان ذلك لورثته، كما لو باع دارا و شرط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها، فإنّ السكني تنتقل إلي الوارث.

و لو شرط أن يأكل أهله منه، صحّ الوقف و الشرط؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله شرط ذلك في صدقته(2) ، و شرطته فاطمة عليها السّلام(3).

و إن شرط أن يأكل الوالي علي الوقف شيئا منه أو يطعم صديقا، جاز، فإن وليها الواقف جاز أن يأكل و يطعم صديقه، عملا بالشرط، و لا يكون ذلك شرطا للنفع علي نفسه.

المطلب الثالث: في الموقوف عليه.
مسألة 64: يشترط في الموقوف عليه الوجود،

و صحّة أن يملك، و التعيين، و انتفاء تحريم الوقف عليه.

ص: 129


1- نفس المصادر.
2- المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6.
3- راجع: الكافي 48:7 و 2/49 و 4-6، و الفقيه 632/180:4 و 633، و التهذيب 144:9-603/145 و 604، و السنن الكبري - للبيهقي - 161:6.

إذا ثبت هذا، فنقول: الوقف إن كان علي شخص معيّن أو علي أشخاص معيّنين، وجب أن يكون الموقوف عليه أهلا لتملّك الوقف؛ لأنّ الوقف إمّا هو تمليك العين و المنفعة إن قلنا: إنّ الوقف يملكه الموقوف عليه، و إمّا تمليك منفعة إن لم نقل به، فلا يصحّ الوقف علي المعدوم ابتداء، و يجوز تبعا، فلو وقف علي من سيولد له ابتداء لم يصح؛ إذ لا مصرف للوقف هنا.

نعم، يصحّ تبعا، كما يقف علي ولده الموجود ثمّ علي من سيولد له، سواء رتّب أم لا.

و كذا لا يصحّ الوقف علي الحمل؛ لعدم تيقّن حياته، بخلاف الوصيّة، فإنّها تصحّ له؛ لأنّ الوصيّة تتعلّق بالمستقبل، و الوقف تسليط في الحال.

و لا يصحّ الوقف علي الملائكة و الجنّ و الشياطين؛ لعدم صلاحيّتهم للتملّك.

مسألة 65: لا يجوز الوقف علي العبد؛

لأنّه ليس أهلا للتملّك، و الوقف تمليك إمّا لعين و منفعة أو لمنفعة.

و لا فرق بين أن يكون العبد قنّا أو مدبّرا أو أمّ ولد أو مكاتبا مشروطا؛ لأنّه لم يخرج عن حدّ الرقّيّة، و إنّما يخرج عنها بأداء جميع ما عليه، أمّا المكاتب المطلق فإن أدّي شيئا من مال الكتابة صحّ الوقف في نصيب الحرّيّة.

و لا فرق بين أن يقف علي عبد نفسه أو علي عبد غيره.

و من جوّز من علمائنا أن يملك العبد ما يملّكه مولاه لم يبعد جواز وقف مولاه عليه؛ لأنّه نوع تمليك.

ص: 130

و يحتمل المنع؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ، و الوقف تمليك مستقرّ دائم فتنافيا.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع من الوقف علي العبد؛ لأنّه لا يملك(1).

و الثاني: الجواز؛ لأنّه يملك(2).

و القولان مفرّعان علي الملك و عدمه، فعلي الجواز عندهم إذا عتق كان الوقف له دون سيّده(3).

و علي القول بالمنع لو وقف علي عبد غيره بطل، و لم يكن وقفا علي سيّده؛ لأنّ الواقف لم يقصده بالوقف.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّ الوقف علي العبد وقف علي سيّده إن قلنا: إنّ العبد لا يملك ما يملّكه مولاه، كما لو وهب منه أو أوصي له، و إذا شرطنا القبول جاء فيه الخلاف بينهم في أنّه هل يستقلّ بقبول الهبة و الوصيّة، أم يحتاج إلي إذن السيّد؟(4).

و أمّا الوقف علي المكاتب فقد بيّنّا حكمه عندنا.

و للشافعيّة قولان:4.

ص: 131


1- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 242:4، الوجيز 245:1، حلية العلماء 15:6، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.
2- الوجيز 245:1.
3- حلية العلماء 15:6، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 255:6-256، روضة الطالبين 382:4.
4- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

أحدهما: أنّه لا يجوز الوقف عليه، كما لو وقف علي القنّ(1).

و قال بعضهم: يصحّ الوقف في الحال، و تصرف الفوائد إليه، و نديم حكمه إذا عتق إن أطلق الواقف. و لو قال: تصرف الفوائد ما دام مكاتبا، بطل استحقاقه بعد العتق؛ لخروجه عن الصفة المشترطة في الاستحقاق، و إن عجز ظهر أنّ الوقف منقطع الابتداء(2).

مسألة 66: لو وقف علي بهيمة و أطلق،

بطل الوقف؛ لعدم أهليّة البهيمة للتملّك، و كما أنّه لا تجوز الهبة منها و لا الوصيّة لها، كذا الوقف لها، و لا يكون وقفا علي مالكها؛ لعدم قصد الواقف له.

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما: أنّه لا يصحّ الوقف عليها، كما اخترناه.

و الثاني - و هو ظاهر المذهب عندهم -: أنّه يجوز، كما لو وقف علي العبد، و يكون لصاحبها كما في العبد(3).

قالوا: و ينفق المالك للدابّة عليها من ذلك الوقف ما بقيت، فإذا نفقت يكون لصاحبها، و العبد إن قلنا: إنّه لا يملك، فهو كالبهيمة، و إن قلنا:

يملك، صحّ الوقف عليه، و إذا عتق كان له، و علي هذا فالقبول لا يكون إلاّ من المالك(4).

و لهم وجهان فيما إذا أضاف الوقف إلي العبد، أصحّ الوجهين: أنّه

ص: 132


1- حلية العلماء 15:6، العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.
2- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.
3- التهذيب - للبغوي - 511:4-512، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 6: 256، روضة الطالبين 382:4.
4- حلية العلماء 15:6، البيان 54:8 و 55، العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

لا يصحّ القبول من السيّد؛ لأنّ الخطاب لم يجر معه(1).

و لهم وجهان فيما إذا قال: وقفت علي علف بهيمة فلان، أو علف بهائم القرية.

قالوا: و الخلاف فيما إذا كانت البهيمة مملوكة، أمّا إذا وقف علي الوحوش أو علي علف الطيور المباحة، لم يصح بلا خلاف(2).

لا يقال: إنّه يصحّ الوقف علي المساجد و الرّبط مع عدم صلاحيّتها للتملّك.

لأنّا نقول: إنّ تلك لمنافع المسلمين، و الوقف عليها وقف عليهم، فلهذا صحّ.

لا يقال: قد جوّزتم الوصيّة للحمل.

لأنّا نقول: الوصيّة تجوز للمجهول فصحّت للحمل، و الوقف بخلافه.

لا يقال: إنّه يجوز أن يقف علي ولد ولده و إن لم يخلقوا.

لأنّا نقول: إنّما يجوز ذلك تبعا للموجود حالة الوقف؛ لأنّه جعل جميعه للبطن الأوّل ثمّ ينتقل بعدهم إلي غيرهم فقد ملكه حال التملّك لمن يصحّ أن يملك.

مسألة 67: تعيين الموقوف عليه شرط في صحّة الوقف،

فلو وقف علي أحد هذين الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد الفريقين، لم يصح، و كذا لو وقف علي رجل أو علي امرأة أو علي قوم أو نفر؛ لأنّ الوقف تمليك للعين أو المنفعة، فلا يصحّ علي غير معيّن، كالبيع و الإجارة، و إنّما

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 256:6.
2- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

يصحّ علي من يعرف، كولده و أقاربه و رجل معيّن، أو علي برّ، كبناء المساجد و القناطر، و كتب الفقه و العلم و القرآن، و المقابر و السقايات و سبيل اللّه، أو علي قبيلة معروفة و إن انتشرت أشخاصها انتشارا غير منحصر.

مسألة 68: لا يصحّ الوقف علي من يحرم الوقف عليه إجماعا؛

لأنّ الوقف من شرطه القربة إلي اللّه تعالي، و لا قربة في المحرّم، فلو وقف علي البيع و الكنائس و بيوت النيران و علي عمارتها و قناديلها و فرشها و حصرها لم يصح؛ لما فيه من الإعانة علي المعصية، فإنّها مجامع الكفر و مشاتم الرسول صلّي اللّه عليه و آله، و القناديل و الفرش و الحصر من جملة عمارتها و تعظيمها.

لا يقال: يجوز الوقف علي المساجد و إن لم يكن لها أهليّة التملّك؛ لأنّ ذلك تمليك للمسلمين في الحقيقة فألاّ قلتم بجواز الوقف علي البيع و الكنائس كما يجوز الوقف علي أهل الذمّة؛ لأنّه تمليك لأهل الذمّة ؟

لأنّا نقول: إنّ الوقف علي المساجد و إن كان تمليكا للمسلمين إلاّ أنّه مختصّ بالصّرف إلي المساجد، و لا يجوز صرفه إلي غيرها، فلو جاز الوقف علي البيع و الكنائس باعتبار تملّك أهل الذمّة لها، إلاّ أنّه يقتضي الصّرف إلي البيع و الكنائس، و تلك جهة محرّمة، فلا تكون قربة، فلا يصحّ الوقف.

و لو وقف علي خادم البيعة و الكنيسة، قال بعض الشافعيّة: لا يجوز(1).

و فيه إشكال ينشأ من أنّ ذلك من العمارة فيها و التعظيم لها فلم يجز، و من أنّه إن كان مسلما جاز الوقف عليه، و إن كان ذمّيّا فكذلك إن قلنا

ص: 134


1- البيان 54:8.

بجوازه علي أهل الذمّة(1).

مسألة 69: اختلف علماؤنا في صحّة وقف المسلم علي الذمّيّ،

فقال بعضهم: يجوز مطلقا(2) ، و هو الأقوي؛ لقوله تعالي: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (3) و قال عليه السّلام: «علي كلّ كبد حرّي أجر»(4) دلّ علي جواز الصدقة، و الوقف نوع منها، و به قال الشافعي(5).

و قال بعضهم: لا يجوز إلاّ أن يكونوا أقارب للواقف(6) ؛ لأنّ الوقف عليهم يقتضي مودّتهم، و قد نهي عنها في قوله تعالي: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (7) و إنّما يجوز علي القريب؛ لما فيه من صلة الرحم، و لما روي أنّ صفيّة ابنة حيي زوج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله وقفت علي أخ لها يهوديّ(8).

و الحجّة إنّما هو في تقرير النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و لم يثبت.

و قال آخرون(9): لا يجوز الوقف علي الذمّيّ إلاّ أن يكون أحد

ص: 135


1- في النّسخ الخطّيّة: «علي الذّمّي».
2- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 214:2.
3- سورة الممتحنة: 8.
4- المسند - للحميدي - 902/101:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6598/155:7، و 106:24-284/108، و فيهما: «في كلّ...».
5- الوسيط 242:4، الوجيز 245:1، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 8: 53، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.
6- الشيخ الطوسي في الخلاف 545:3، المسألة 13.
7- سورة المجادلة: 22.
8- المغني 270:6، الشرح الكبير 213:6.
9- منهم ابن إدريس في السرائر 159:3.

الأبوين؛ لما فيه من البرّ بالأبوين، و قد قال تعالي: وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1).

و قال بعضهم: لا يجوز مطلقا(2) ؛ لقوله تعالي: وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (3) نهي عن مودّة الكافر و إن كان أبا.

مسألة 70: لا يجوز الوقف علي كتبة التوراة و الإنجيل؛

لأنّهما منسوخان محرّفان، و لا نعلم فيه خلافا؛ لما روي العامّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خرج إلي المسجد فرأي في يد عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، فغضب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لمّا رأي الصحيفة مع عمر، و قال له: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقيّة ؟ لو كان أخي موسي حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي»(4) و لو لا أنّ ذلك معصية ما غضب منه.

و كذا لا يجوز الوقف علي كتبة كتب الضلال و جميع ما لا تحلّ كتابته؛ لأنّها جهة محرّمة.

قال الشيخ رحمه اللّه: المنع من الوقف علي كتب التوراة و الإنجيل باعتبار أنّهما مبدّلان محرّفان، لا باعتبار أنّهما منسوخان؛ لأنّ النسخ لا يذهب بحرمتهما، كما أنّ في آيات القرآن ما هو منسوخ و لم تذهب حرمتها. قال:

و هذا لا خلاف فيه. ثمّ قال: و يجب أن يقال في حفظه و تلاوته: إنّه محرّم(5)(6).

ص: 136


1- سورة لقمان: 15.
2- المراسم: 198، المهذّب - لابن البرّاج - 88:2.
3- سورة المجادلة: 22.
4- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6.
5- في النّسخ الخطّيّة: «حرام» بدل «محرّم».
6- المبسوط - للطوسي - 295:3.

أمّا لو وقف الكافر، فقد قال بعض علمائنا بالجواز(1).

و منعه الشافعي و أحمد و غيرهما من العامّة؛ لأنّ ما لا يصحّ الوقف عليه لا يصحّ من الذمّيّ، كالوقف علي غير معيّن(2).

ثمّ اعترضوا علي أنفسهم: بأنّ أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة و تقابضوا ثمّ أسلموا و ترافعوا إلينا لم ننقض ما فعلوه، فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه علي كنائسهم!؟.

و أجابوا: بأنّ الوقف ليس عقد معاوضة، و إنّما هو إزالة للملك في الموقوف علي وجه القربة، فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك، فيبقي بحاله، كالعتق(3).

مسألة 71: لا يجوز الوقف علي معونة الزناة أو قطّاع الطريق أو شاربي الخمر و إن كانوا مسلمين؛

لأنّ الإعانة علي فعل المعصية معصية، و من شرط صحّة الوقف التقرّب إلي اللّه تعالي، و لا يصحّ التقرّب بالمحرّم.

و أمّا المرتدّ و الحربي فلا يجوز الوقف عليهما - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّهما مقتولان لا بقاء لهما، و الوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له لا يوقف علي من لا دوام له، و لأنّ الحربيّ و المرتدّ

ص: 137


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 214:2.
2- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6، و لم نعثر علي من منعه من العامّة غيرهما.
3- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6.
4- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوجيز 245:1، الوسيط 242:4، حلية العلماء 14:6، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.

عن فطرة لا يجوز إبقاؤهما، فلا يصحّ الوقف عليهما؛ لتضادّ الحكمين.

و الثاني للشافعيّة: الجواز، كالذّمّي(1) ، و هو قول بعض علمائنا(2).

أمّا المرتدّ عن غير فطرة فيحتمل جواز الوقف عليه، و الأقرب:

المنع.

مسألة 72: إذا كان الوقف علي غير معيّن،

كالوقف علي الفقراء و المساكين، و يسمّي هذا وقفا علي الجهة؛ لأنّ الواقف ينظر إلي جهة الفقر و المسكنة، و يقصد سدّ خلّة موصوف بهذه الصفة، و لا يقصد شخصا بعينه، فإذا كان كذلك فنقول: الجهة إن كانت معصية - كالوقف علي عمارة البيع و الكنائس و قناديلها و فرشها، أو علي معونة الزناة و الفسّاق علي معاصيهم و مساعدة الظّلمة علي ظلمهم و كتبة التوراة و الإنجيل - لم يصح الوقف، سواء صدر عن مسلم أو ذمّيّ، فنبطله إذا ترافعوا إلينا، عند الشافعيّة(3).

و جوّز علماؤنا وقف الذمّيّ علي ذلك.

أمّا ما وقفوه قبل المبعث علي كنائسهم القديمة فإنّه مقرّر عليهم حيث تقرّر الكنائس.

و إن لم تكن الجهة جهة معصية، صحّ الوقف، سواء ظهر فيها قصد القربة - كالوقف علي المساكين، أو في سبيل اللّه، أو علي العلماء أو المتعلّمين أو المساجد و المدارس و الرّبط و القناطر و المشاهد و الأقارب - أو لم يظهر قصد القربة، كالوقف علي الأغنياء لكن بشرط قصد القربة؛ إذ من

ص: 138


1- نفس المصادر.
2- لم نتحقّقه، و راجع: شرائع الإسلام 216:2.
3- العزيز شرح الوجيز 259:6، روضة الطالبين 384:4.

شرط صحّة الوقف نيّة القربة.

و للشافعيّة في الوقف علي من لم يظهر فيه قصد القربة - كالوقف علي الأغنياء - وجهان مبنيّان علي أنّ المراعي في الوقف علي الموصوفين جهة القربة أو التمليك ؟

و تحقيقه: أنّ الوقف علي المعيّنين سلك به مسلك التمليك، و لذلك لا يجوز علي من لا يجوز تمليكه، ثمّ [قد](1) يقصد الواقف التقرّب به إلي اللّه تعالي، كالصدقة، و أمّا الوقف علي من لا يتعيّن فالمراعي فيه طريق القربة دون التمليك، و لهذا لا يجب استيعاب المساكين، بل يجوز الاقتصار علي ثلاثة منهم(2).

و قال بعضهم: المراعي طريق التمليك، كما في الوصيّة و الوقف علي المعيّن، و ادّعي موافقة الباقين له، حتي أنّهم قالوا: إنّ الوقف علي المساجد و الرّبط تمليك للمسلمين منفعة الوقف، فإن قالوا بالأوّل لم يجز الوقف علي الأغنياء و لا علي اليهود و النصاري و الفسّاق، و إن قالوا بالثاني جاز الكلّ(3).

و الحقّ عندنا ما قدّمناه.

و لو وقف علي الطالبيّين أو العلويّين أو غيرهم ممّن لا ينحصر، جاز.

و للشافعي قولان، كما في الوصيّة لهم، فإن راعوا طريق القربة صحّ5.

ص: 139


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 259:6، روضة الطالبين 384:4.
3- العزيز شرح الوجيز 259:6-260، روضة الطالبين 384:4-385.

الوقف لهم، و إلاّ لم يصح؛ لتعذّر الاستيعاب، و الأشبه بكلام الأكثر ترجيح كونه تمليكا، و يصحّ الوقف علي هؤلاء(1).

و كذا يصحّ الوقف علي النازلين في الكنائس من مارّة أهل الذمّة، و يكون وقفا عليهم لا علي الكنائس.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الوقف علي الأغنياء، و أبطل الوقف علي اليهود و النصاري و قطّاع الطريق و سائر الفسّاق؛ لتضمّنه الإعانة علي المعصية(2).

مسألة 73: إذا وقف علي قبيلة عظيمة كثيرة الانتشار،

كقريش و بني تميم و بني وائل، و نحوهم، صحّ عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأصالة الصحّة، و لأنّها جهة قربة و جهة صحّة تمليك، فجاز الوقف كالمنحصر، و لأنّ من صحّ الوقف عليه إذا كان عدده محصورا صحّ و إن لم يكن محصورا، كالفقراء و المساكين، و لأنّه يجوز الوقف علي الفقراء و المساكين إجماعا مع عدم انحصارهم، فجاز هنا.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا يصحّ الوقف علي من لا يمكن استيعابهم و حصرهم، كما لو قال: وقفت علي قوم(4).

و الفرق: التعيين في صورة النزاع، بخلاف القوم، فإنّهم مع عدم انحصارهم غير معيّنين؛ لأنّه يطلق علي جماعة غير معيّنة، فبطل.

ص: 140


1- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4، المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.
2- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4.
3- المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.
4- المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.

و لو وقف علي المسلمين كلّهم أو علي أهل إقليم كالعراق، أو علي أهل مدينة كبغداد، صحّ أيضا، خلافا له(1).

و لو وقف علي كافّة بني آدم أو علي كافّة البشر، صحّ علي ما اخترناه.

مسألة 74: إذا وقف علي المسلمين،

كان لمن أقرّ بالشهادتين و لمن هو في حكمه من أطفالهم و مجانينهم؛ لأنّه المتبادر إلي الفهم.

و لا فرق في ذلك بين طوائف أهل الإسلام ما لم يرتكب ما يعلم بطلانه من الدين ضرورة، كالغلاة و المجبّرة و المشبّهة.

و خصّص بعض علمائنا ذلك إذا صدر من المسلم المحقّ بالمحقّ من المسلمين(2). و ليس جيّدا.

و نحو ما قلناه قاله الشيخ رحمه اللّه، فإنّه قال: إذا وقف المسلم شيئا علي المسلمين، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشهادتين و أركان الشريعة من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و إن اختلفوا في الآراء و الديانات(3).

و قال بعض علمائنا: يكون لمن صلّي إلي القبلة(4).

و هو قريب إن لم يقصد الصلاة بالفعل، بل يقصد اعتقاد الصلاة إلي القبلة.

مسألة 75: إذا وقف علي المؤمنين،

كان مصرفه الاثني عشريّة عند

ص: 141


1- راجع: الهامش السابق.
2- ابن إدريس في السرائر 160:3.
3- النهاية: 597.
4- سلاّر في المراسم: 198.

علمائنا؛ لأنّه المتعارف من هذا الإطلاق.

و هل يشترط فيه اجتناب الكبائر؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم، فلا يجوز للفسّاق من الإماميّة أخذ شيء منه(1).

و أطلق سلاّر و قال: يكون للإماميّة(2) - كما اخترناه نحن - لأنّ الفسق لا يخرج المؤمن عن إيمانه.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر في التبيان(3) يقتضي دخول الفسّاق فيهم.

مسألة 76: إذا وقف علي الشيعة و لم يميّز،

صرف ذلك إلي من يقدّم عليّا عليه السّلام في الإمامة علي المشايخ.

و قال الشيخان رحمهما اللّه: يكون ذلك ماضيا في الإماميّة و الجاروديّة من الزيديّة، دون البتريّة(4).

و قال ابن إدريس: إذا كان الواقف من إحدي فرق الشيعة، كالجاروديّة و الكيسانيّة و الناوسيّة و الفطحيّة و الواقفيّة و الاثني عشريّة، حمل كلامه العامّ علي شاهد حاله و فحوي قوله، و خصّص به و صرف في أهل نحلته، دون من عداهم من سائر المنطوق به؛ عملا بشاهد الحال(5).

و لا بأس به.

و لو وقف علي الزيديّة، كان مصروفا إلي القائلين بإمامة زيد بن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام و إمامة كلّ من خرج بعده بالسيف من ولد فاطمة عليها السّلام من

ص: 142


1- النهاية: 597-598.
2- المراسم: 198.
3- التبيان 81:2.
4- المقنعة: 654-655، النهاية: 598.
5- السرائر 162:3.

ذوي الرأي و العلم و الصلاح، قاله الشيخان(1) رحمهما اللّه.

و قال ابن إدريس: هذا الإطلاق ليس بجيّد، بل إذا كان الواقف زيديّا كان كذلك، فإن كان إماميّا كان الوقف باطلا؛ بناء منه علي أنّ وقف المحقّ علي غير المحقّ باطل(2).

مسألة 77: إذا وقف المسلم علي الفقراء،

انصرف ذلك إلي فقراء المسلمين؛ عملا بشاهد الحال، و أنّ المراد ذلك دون غيرهم.

و لو وقف الكافر علي الفقراء، انصرف إلي فقراء نحلته؛ لما تقدّم من شاهد الحال.

و كذا لو وقف المسلم علي فقراء بلده و فيهم فقراء مسلمون و كفّار، انصرف إلي فقراء المسلمين خاصّة.

و كذا الكافر لو وقف علي فقراء بلده و فيهم فقراء القبيلين انصرف إلي فقراء الكفّار.

و لو لم يكن فيهم إلاّ فقراء من غير قبيله، انصرف الوقف إليهم؛ عملا بالإضافة، فلو وقف المسلم علي فقراء بلده و ليس فيهم فقير مسلم و علم بذلك، بل كان فقراؤه كلّهم كفّارا، انصرف وقفه إليهم، و كذا في طرف الكافر.

مسألة 78: إذا علّق الوقف علي قبيلة مخصوصة أو علي جماعة اشتركوا في نسبة علّق وقفه عليها

إمّا من صنعة أو وصف، صحّ، و لم يشركهم غيرهم فيه، فلو وقف علي العلويّة، كان ذلك مصروفا إلي

ص: 143


1- المقنعة: 655، النهاية: 598.
2- السرائر 162:3-163.

المنتسبين إلي أمير المؤمنين عليه السّلام من طريق الأب، و لم يشركهم فيه غيرهم من أنسابهم، كبني جعفر و بني عقيل.

و كذا لو وقف علي الهاشميّين، صرف إلي كلّ هاشميّ، و هو من انتسب إلي هاشم بالبنوّة.

و لو وقف علي الفاطميّين، كان لمن انتسب إلي فاطمة عليها السّلام بالبنوّة، و اشترك فيه الحسنيّون و الحسينيّون.

و لو وقف علي الحسنيّين، لم يكن للحسينيّين فيه شيء، و كذا لو وقف علي الحسينيّين لم يكن للحسنيّين معهم شيء.

و لو وقف علي المتفقّهة، صرف إلي المشتغلين بتحصيل الفقه، سواء كان مبتدئا أو منتهيا(1).

و لو وقف علي الفقهاء، دخل فيه من حصّل شيئا من الفقه و إن قلّ.

و لو وقف علي العطّارين أو البزّازين أو [النسّاجين](2) أو الحاكة أو النجّارين و غيرهم من أرباب الصنائع المحلّلة، شريفة كانت أو وضيعة، صحّ الوقف، و انصرف إلي الغني منهم و الفقير.

و لو وقف علي الصوفيّة، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: الصحّة، و هو المعتمد إن لم يخرجوا عن الشريعة المحمّديّة و لم يبتدعوا في طريقهم.

و الثاني للشافعيّة: البطلان؛ إذ ليس للتصوّف حدّ يوقف عليه(3).4.

ص: 144


1- كذا قوله: «كان... منتهيا» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النسّاج». و الظاهر بحسب السياق ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 261:6-262، روضة الطالبين 386:4.

و هو ممنوع؛ فإنّ المتصوّفة الذين يصحّ الوقف عليهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات المعرضون عن الدنيا.

و فصّل بعضهم فقال: لا بدّ في الصوفيّ من العدالة و من ترك الحرفة، و لا بأس بالوراقة و الخياطة و ما أشبههما إذا كان يتعاطاها أحيانا في الرباط لا في الحانوت، و لا تقدح قدرته علي الاكتساب و الاشتغال بالوعظ و التدريس، و لا أن يكون له من المال قدر ما لا تجب فيه الزكاة أو لا يفي دخله بخرجه، و تقدح الثروة الظاهرة و العروض الكثيرة، و لا بدّ و أن يكون في زيّ القوم، إلاّ إذا كان مساكنا لهم في الرباط، فتقوم المخالطة و المساكنة مقام الزيّ، و لا يشترط لبس الرقعة من يد شيخ(1).

مسألة 79: يجوز الوقف علي أكفان الموتي و مؤونة الغسّالين و الحفّارين

و إن كان ذلك من فروض الكفايات.

و كذا يجوز علي شراء الأواني و الظروف لمن تكسّرت عليه، و علي شراء أقلام العلماء، دون أقلام الظلمة التي يكتب بها الظلم.

و يجوز علي مصلّي صلاة الليل، و يصرف إلي من يصلّي صلاة الليل المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام، و لا يشترط أكثر من ثمان ركعات؛ لأنّها هي صلاة الليل، و لا بدّ و أن يصلّيها في الليل بعد انتصافه، و لو قدّمها في أوّل الليل نادرا دخل، و لا يكون ذلك عادة، و كذا إن اتّفق له القضاء بالنهار أو الترك مطلقا أحيانا، و لا يشترط الدعاء المنقول بين الركعات.

و لو وقف علي الأرقّاء الموقوفين علي خدمة الكعبة أو المشهد أو قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أو أحد قبور الأئمّة عليهم السّلام أو قبر بعض الصلحاء، فالأقرب:

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 262:6، روضة الطالبين 386:4-387.

الجواز - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - كالوقف علي علف الدوابّ في سبيل اللّه.

و لو وقف علي دار و حانوت، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ إلاّ أن يقول: وقفت علي هذه الدار علي أن يأكل فوائد الوقف طارقو الدار، فيصحّ علي أظهر الوجهين عندهم(2).

و لو وقف علي المقبرة لتصرف الغلّة إلي عمارة القبور، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الموتي صائرون إلي البلي، فالعمارة لا تلائم حالهم(3).

مسألة 80: إذا وقف علي الكفّار و الفسّاق،

فإن كان ذلك لإعانتهم علي كفرهم و فسقهم، بطل الوقف قطعا، و إن كان لنفعهم في بقائهم، فقد بيّنّا الخلاف فيه.

و الشافعيّة ذكروا خلافا في الوقف علي الكفّار و الفسّاق، و لم يذكروه في الوقف لنفقة قطّاع الطريق، بل أطلقوا الحكم بالبطلان، و لا يمكن أن يقدّر الفرق بينهما، فإنّ قطّاع الطريق ضرب من الفسّاق.

نعم، لو أراد الواقف بالوقف لنفقة قطّاع الطريق أن يشترط الصرف إلي ما يتهيّأ به القطع من سلاح و غيره، لم يجز، و كان كالوقف لعمارة البيع و الكنائس(1).

و لو وقف لآلات سائر المعاصي، بطل الوقف لا محالة.

و لو وقف لتصرف الغلاّت إلي القطّاع و سائر الفسّاق لا إلي جهة

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 260:6.

الفسق، فقولان للشافعيّة(1).

مسألة 81: إذا شرط عود نفع الوقف في سبيل اللّه،

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: يجعل بعضه للغزاة المطوّعة دون العسكر العامل علي باب السلطان، و بعضه في الحجّ و العمرة؛ لأنّهما من سبيل اللّه(2).

و قال في المبسوط: إذا وقف و شرط أن يصرف في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، صرف ثلثه إلي الغزاة و الحجّ و العمرة، و ثلثه إلي الفقراء و المساكين، و يبدأ بأقاربه، و هو سبيل الثواب، و ثلثه إلي خمسة أصناف من الذين ذكرهم اللّه تعالي في آية الصدقة، و هم الفقراء و المساكين و ابن السبيل و الغارمون الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم، و في الرقاب، و هم المكاتبون، فهؤلاء سبيل الخير.

ثمّ قال: و لو قيل: إنّ هذه الثلاثة متداخلة، كان قويّا؛ لأنّ سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير يشترك الجميع فيه(3).

و قال بعض علمائنا: «سبيل اللّه» المجاهدون(4).

و قال آخرون: إذا وقف علي سبيل اللّه، انصرف إلي ما يكون وصلة إلي الثواب، كالغزاة و الحجّ و العمرة و بناء القناطر و المساجد، و كذا لو قال:

في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، كان واحدا، و لا تجب قسمة الفائدة أثلاثا(5).

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 260:6.
2- الخلاف 545:3، المسألة 12.
3- المبسوط - للطوسي - 294:3.
4- ابن حمزة في الوسيلة: 371.
5- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 219:2.

و هو الوجه؛ لأنّ المفهوم من سبيل اللّه ذلك.

و قال الشافعي: إذا وقف علي سبيل اللّه، فإنّه يكون للغزاة الذين لهم معايش يغزون إذا نشطوا، دون أهل الفيء الذين هم المرتّبون للغزو(1).

و حكي عن أحمد أنّه قال: الحجّ من سبيل اللّه؛ لحديث أمّ معقل، فإنّها قالت: يا رسول اللّه، إنّ أبا معقل جعل بعيره في سبيل اللّه و إنّي أريد الحجّ، فقال: «اركبيه فإنّ الحجّ من سبيل اللّه»(2).

و احتجّ الشافعي: بأنّ المطلق من كلام الآدميّين محمول علي المعهود في الشرع، و قد ثبت أنّ سهم سبيل اللّه من الصدقات ينصرف إلي الغزاة، فكذا الوقف المطلق. و حملوا خبر أمّ معقل علي أن يكون في كلام الواقف أو كلامها الذي حكته عنه ما دلّ علي أنّه قصد سبيل الخير و الثواب، فإذا احتمل ذلك لم يعدل به عمّا تقرّر في عرف الشرع(3).

مسألة 82: إذا وقف علي سبيل البرّ أو الخير أو الثواب،

كان كما لو وقف علي سبيل اللّه يصرف في كلّ قربة إلي اللّه تعالي، كبناء القناطر و عمارة المساجد و المشاهد و إعانة الحاجّ و الزائرين و أكفان الموتي و الحجّ و الغزاة و غير ذلك من المثوبات.

و قال الشافعي: [يجوز الوقف علي](4) سبيل اللّه [و](5) هم المعنيّون في آية الزكاة(6) - و قال أحمد: الحجّ من سبيل اللّه(7) - و علي سبيل البرّ أو

ص: 148


1- حلية العلماء 40:6، البيان 71:8.
2- حلية العلماء 40:6، البيان 71:8، العزيز شرح الوجيز 260:6.
3- راجع: البيان 71:8.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
6- سورة التوبة: 60.
7- راجع: الهامش (2).

الخير أو الثواب [و](1) يصرف إلي أقارب الواقف، فإن لم يوجد فإلي أهل الزكاة(2).

و قال بعض الشافعيّة: الموقوف علي سبيل البرّ يجوز صرفه إلي ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة و إصلاح القناطر و سدّ الثغور و دفن الموتي و غيرها(3).

و فرّق بعضهم، فقال: إذا وقف علي جهة الخير، صرف إلي مصارف الزكاة، و لا يبني به مسجد و لا رباط، و إذا وقف علي جهة الثواب، صرف إلي أقاربه(4).

و لو جمع [بين](5) سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، قالوا:

صرف الثلث إلي الغزاة، و الثلث إلي أقاربه، و الثلث إلي الفقراء و المساكين و الغارمين و ابن السبيل و في الرقاب(6).

المطلب الرابع: الموقوف.
مسألة 83: يشترط في العين الموقوفة أمور خمسة:

أن تكون عينا معيّنة مملوكة ينتفع بها انتفاعا محلّلا مع بقائها، و يصحّ إقباضها، فلا يصحّ

ص: 149


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4، المغني 238:6.
3- التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 71:8، العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4.
4- العزيز شرح الوجيز 260:6-261، روضة الطالبين 385:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في». و المثبت كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 261:6، روضة الطالبين 385:4.

وقف ما ليس بعين، كالدّين، سواء كان حالاّ أو مؤجّلا، و سواء كان المديون موسرا أو معسرا.

و كذا لا يصحّ وقف ما ليس بمعيّن من الأعيان، كما لو وقف عبدا مطلقا، أو دارا كذلك، أو فرسا و ما أشبه ذلك.

و كذا لا يصحّ وقف ما ليس بمملوك من الأعيان، كالخمر و الأنبذة و كلب الهراش و الخنزير و السرجين و غير ذلك ممّا تقدّم من الأعيان التي لا يقع عليها الملك.

و لا يصحّ وقف الحرّ نفسه؛ لأنّ رقبته غير مملوكة و إن قدّر أنّ منافعه ملحقة بالأموال؛ لأنّ الوقف يستدعي أصلا يحبس ليستوفي الموقوف عليه منفعته علي ممرّ الزمان.

و يصحّ وقف الكلب المعلّم و كلب الحائط و الماشية و السنّور؛ لجواز الانتفاع بها، و صحّة بيعها علي الأقوي.

و للشافعيّة في وقف الكلب المعلّم وجهان بناهما قوم منهم علي الخلاف في إجارته، و آخرون علي الخلاف في هبته، و آخرون علي أنّ الوقف يزيل ملك الرقبة أو لا يزيل ؟ فعلي قول عدم الإزالة فليست قضيّته سوي نقل المنافع، و منافعها مستحقّة، فجاز أن تنتقل.

و كيف ما قدّر فالأصحّ عندهم: المنع، و قطع به بعضهم مع القول بجواز الإجارة؛ لأنّ رقبته غير مملوكة(1).

و قد نصّ الشافعي علي المنع من وقف الكلب؛ لأنّه غير مملوك(2).

و لا بدّ و أن يكون مملوكا للواقف، فلو وقف مال غيره لم يصحّ، و إن7.

ص: 150


1- العزيز شرح الوجيز 253:6.
2- الحاوي الكبير 518:7.

كان شريكا صحّ في قدر نصيبه خاصّة.

و لو أجاز المالك، قيل: يصحّ؛ لأنّه كالوقف المستأنف(1).

و لا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف، كالمطعومات و المشروبات و الشموع و أشباهها؛ لأنّ منفعتها في استهلاكها، و كالرياحين المشمومة، فإنّها سريعة الفساد، و إنّما سوّغ الوقف ليكون صدقة مخلّدة جارية علي مرور الزمان، و به قال الشافعي(2).

و حكي الشافعيّة عن مالك و الأوزاعي أنّهما قالا: يجوز وقف الطعام(3) ، و لم يحكه أصحاب مالك(4).

و ليس بصحيح؛ لأنّه لا يمكن معني الوقف فيه، و هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، و ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف لا يصحّ فيه ذلك، فلا يصحّ وقفه.

و لا يصحّ وقف آلات الملاهي، كالنرد و الشطرنج و الأربعة عشر و آلات الزمر و غير ذلك من الأعيان التي تحرم منفعتها و إن كانت مملوكة.

و لا يصحّ وقف ما لا يمكن إقباضه، كالعبد الآبق و الجمل الشارد؛ لتعذّر التسليم، و هو شرط في الوقف عندنا.

مسألة 84: يجوز وقف العقار و الأراضي و جميع ما لا ينقل و لا يحوّل ممّا جمع الشرائط السابقة إجماعا.

ص: 151


1- كما في شرائع الإسلام 213:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 447:1، الوسيط 241:4، حلية العلماء 11:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 51:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
3- حلية العلماء 11:6، البيان 51:8، و أيضا في المغني 262:6، و الشرح الكبير 212:6.
4- كما في حلية العلماء 11:6، و المغني 262:6، و الشرح الكبير 213:6.

و أمّا ما ينقل و يحوّل ممّا جمع الشرائط السابقة فهل يصحّ وقفه أم لا؟ قال علماؤنا: يصحّ، و به قال الشافعي و أحمد(1) ، و ذلك كالحيوان و السلاح و الأثاث و الثياب و المصاحف و الكتب و أشباه ذلك؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «أمّا خالد فإنّه قد احتبس أدراعه و أعتده(2) في سبيل اللّه»(3).

و جاءت أمّ معقل إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه، إنّ أبا معقل جعل ناضحه في سبيل اللّه و إنّي أريد الحجّ أفأركبه ؟ فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

«اركبيه فإنّ الحجّ و العمرة من سبيل اللّه»(4).

و لأنّ معني الوقف متحقّق فيه، و هو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، فصحّ وقفه وحده، كالعقار.

و قال أبو حنيفة: لا مدخل للوقف في الحيوانات و في الكتب(5).2.

ص: 152


1- الحاوي الكبير 517:7، المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 8: 344، الوجيز 244:1، الوسيط 239:4، حلية العلماء 10:6، البيان 50:8، العزيز شرح الوجيز 251:6 و 253، روضة الطالبين 378:4.
2- في «ع» و الطبعة الحجريّة: «أعبده» و وردت الكلمة في «ر، ص» بدون النقاط، و المثبت كما في المصادر ما عدا صحيح مسلم و الموضع الثاني من السنن الكبري للبيهقي و سنن الدارقطني، ففيها: «أعتاده». و «أعتد» جمع قلّة ل «عتاد»، و هو ما أعدّه الرجل من السلاح و الدوابّ و آلة الحرب. النهاية - لابن الأثير - 176:3 «عتد».
3- صحيح البخاري 151:2، صحيح مسلم 676:2-983/677، سنن أبي داود 1623/115:2، سنن النسائي (المجتبي) 33:5، سنن الدارقطني 1/123:2 و 2، السنن الكبري - للبيهقي - 111:4، و 163:6-164، المغني 265:6، الشرح الكبير 210:6.
4- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 517:7، و ابنا قدامة في المغني 265:6، و الشرح الكبير 210:6.
5- بدائع الصنائع 220:6، البيان 50:8، الوسيط 239:4، عيون المجالس 4: 1285/822.

و عن مالك: أنّ المنقول مطلقا لا يجوز وقفه(1).

و قال أبو يوسف: لا يجوز وقف الحيوان و لا الرقيق و لا العروض، إلاّ الكراع و السلاح و الغلمان و السّفن [و الآلة](2) في الأرض الموقوفة تبعا لها؛ لأنّ هذا حيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه، كما لو كان الوقف إلي مدّة(3).

و عن مالك في السلاح و الكراع روايتان(4).

و إجماع الناس حاصل علي وقف الحصر و القناديل و الزلالي في جميع الأعصار.

مسألة 85: يصحّ وقف المشاع عند علمائنا أجمع،

كما يصحّ وقف المقسوم، فيصحّ أن يقف(5) نصف دار و نصف عبد - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو يوسف(6) - للأصل، و لأنّه عقد يجوز علي بعض

ص: 153


1- العزيز شرح الوجيز 251:6، و راجع: الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1195/673، و عيون المجالس 1285/1822:4، و التلقين: 548، و المعونة 3: 1593، و عقد الجواهر الثمينة 961:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و الغرس». و المثبت كما في المصادر.
3- حلية العلماء 10:6-11، المغني 265:6، الشرح الكبير 209:6.
4- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1195/673:2، عيون المجالس 4: 1285/1822، التلقين: 548، المعونة 1593:3، عقد الجواهر الثمينة 3: 961، حلية العلماء 11:6، المغني 265:6، الشرح الكبير 209:6.
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «وقف» بدل «أن يقف».
6- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1193/672:2، عيون المجالس 1288/1828:4، التلقين: 548، المعونة 1593:3، عقد الجواهر الثمينة 961:3، الحاوي الكبير 519:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 239:4، حلية العلماء 6: 12، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 251:6، روضة الطالبين 378:4، المغني 266:6، الشرح الكبير 210:6، مختصر

الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا، كالبيع، و لأنّه عرصة يجوز بيعها فجاز وقفها، كالمفرزة، و لأنّ الوقف تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، و هذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز.

و قال محمّد بن الحسن: لا يصحّ وقف المشاع، و بناه علي أصله من أنّ القبض لا يصحّ في المشاع(1).

و أصله ممنوع؛ فإنّ المشاع يصحّ قبضه، كما يصحّ قبض المقسوم؛ لأنّ القبض في مثل ذلك إنّما هو التخلية، و لأنّ بيعه صحيح، و القبض في البيع جائز، و إذا جاز في البيع جاز في الوقف.

إذا ثبت هذا، فإنّ الوقف لا يسري من النصف الموقوف إلي النصف الآخر، و إنّما يسري العتق خاصّة.

مسألة 86: لو وقف نصف عبد،

صحّ الوقف علي ما اخترناه، سواء كان الباقي له أو لغيره، فإن كان له و أعتق الواقف النصف الآخر، لم يعتق النصف الموقوف، و لا يقوّم عليه؛ لأنّ الوقف مؤبّد في جهته.

و لو أعتق الواقف النصف الموقوف، لم يصح؛ لزوال ملكه عنه

ص: 154


1- مختصر اختلاف العلماء 1849/159:4، مختصر القدوري: 127، المبسوط - للسرخسي - 37:12، روضة القضاة 5246/782:2، تحفة الفقهاء 377:3، بدائع الصنائع 220:6، الهداية - للمرغيناني - 14:3، المحيط البرهاني 111:6-112، الحاوي الكبير 519:7، حلية العلماء 13:6، البيان 52:8، المغني 266:6، الشرح الكبير 210:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1193/672:2، عيون المجالس 1288/1828:4، المعونة 1593:3.

بالوقف علي المشهور، و لا علي الآخر(1) ؛ لأنّ بالوقف قد قطع تصرّفه، و علق به حقّ غيره.

و لو أعتقه الموقوف عليه، لم ينفذ؛ لأنّه غير مالك علي قول، و علي الآخر: لا ينفذ أيضا؛ لتعلّق حقّ من بعده من أهل الوقف.

و كذا لو كان النصف الآخر لغيره فأعتقه مالكه، لم يقوّم عليه حصّة الوقف؛ لأنّ النصف لا يصحّ عتقه مباشرة فلئن لا يصحّ بالسراية أولي، أمّا لو كان النصف الآخر مرهونا، فإنّه يسري العتق؛ لأنّ الرهن قابل للإعتاق، بخلاف الوقف.

مسألة 87: يصحّ وقف كلّ عين ينتفع بها إمّا في الحال أو فيما بعده،

فلو وقف عبدا رضيعا أو دابّة صغيرة في الغاية و لو حين ولادتها، صحّ.

و كذا الشجر الصغير و الأرض البيضاء و الشاة الصغيرة لتوقّع لبنها و صوفها فيما بعد.

و كذا يجوز وقف الزّمن الذي يرجي زوال زمنه، كما يجوز نكاح الرضيعة.

و لا يجوز وقف ما لا يدوم الانتفاع به، كالمطعومات و المشمومات، فإنّها سريعة الفناء.

و كذا لا يصحّ وقف الشمع؛ لأنّه يتلف بالانتفاع به، فكان كالمأكول و المشروب، و كذا الماء.

و بالجملة، كلّ ما يتوقّف الانتفاع به علي إتلاف عينه لا يصحّ وقفه.

و لا يجوز وقف العبد الذي استحقّت منفعته علي التأبيد، و لا الأرض

ص: 155


1- أي: القول بأنّ ملك الواقف لا يزول عن الوقف.

كذلك؛ لعدم الانتفاع بها في الحال و لا فيما بعد الحال.

و كما لا يجوز وقف العين الخالية من المنفعة، كذا لا يصحّ وقف المنفعة من دون العين، فلا يجوز وقف المنافع، فمن ملك منافع الأعيان دون رقابها - كالمستأجر و الموقوف عليه - فوقف تلك المنافع، لم يصح، سواء ملك المنفعة موقّتا، كالمستأجر، أو مؤبّدا، كالموصي له بالخدمة و المنفعة؛ لأنّ الوقف يشبه التحرير، و ملك المنفعة لا يفيد ولاية التحرير، و لأنّ من شرط الوقف الدوام، و المنافع لا دوام لها، فإنّها تحدث شيئا فشيئا، و تفني كذلك، فهي كالشيء الذي يسرع إليه الفساد.

مسألة 88: يصحّ وقف الذهب و الفضّة إذا كان حليّا لفائدة اللّبس و الإجارة له و الإعارة؛

لأنّه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما، فصحّ وقفها، كالعقار، و بهذا قال الشافعي، و هو إحدي الروايتين عن أحمد(1).

و في الثانية: لا يصحّ؛ لأنّ التحلّي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان، فلم يصح وقفها عليه، كما لو وقف الدنانير و الدراهم(2).

و نمنع كون التحلّي ليس من المقاصد المهمّة، فإنّ العادة جارية به، و قد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متّخذه و جواز إجارته للتحلّي، بخلاف الدراهم و الدنانير؛ فإنّ العادة لم تجر بالتحلّي بها، و لا يعتبرها الشرع في إسقاط زكاة.

أمّا الدراهم و الدنانير فإنّ أصحابنا تردّدوا في جواز وقفها، و للشافعيّة

ص: 156


1- الحاوي الكبير 519:7، نهاية المطلب 345:8، الوسيط 241:4، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4، المغني 262:6 و 263، الشرح الكبير 211:6.
2- المغني 263:6، الشرح الكبير 211:6.

وجهان(1).

و الأصل فيه أن يقال: إن فرض لها منفعة مقصودة في نظر الشرع و عند العرف، صحّ وقفها، كما تصحّ إجارتها، فيجوز وقفها حينئذ لإجارتها و استيفاء تلك المنفعة المعتبرة عند العقلاء، و إن لم يكن لها منفعة معتبرة في نظر العقلاء، لم يصح وقفها و لا إجارتها.

و ألحق بعض الشافعيّة وقف الدراهم ليصاغ [منها](2) الحلّي بوقف العبد الصغير(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الصغير يصير إلي حالة الانتفاع بنفسه، و هذا يحتاج إلي إحداث أمر بالاختيار.

مسألة 89: هل يصحّ وقف أمّ الولد؟ يحتمل ذلك؛ لعدم خروجها عن الملكيّة،

فصحّ وقفها كغيرها، و منع بيعها لا يقتضي منع وقفها؛ لأنّ الوقف يشبه العتق؛ لاشتراكهما في إزالة الملك عن المالك إلي وجه من وجوه القرب، و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لأنّه تجوز إجارتها، فجاز وقفها(4).

و يحتمل المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ حلّها حرمة

ص: 157


1- الحاوي الكبير 519:7، المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 8: 345، الوسيط 241:4، حلية العلماء 11:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 51:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه»، و المثبت - كما في المصادر - يقتضيه السياق.
3- نهاية المطلب 345:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 346:8، الوسيط 240:4، حلية العلماء 12:6، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 346:8، الوسيط 240:4، حلية العلماء 12:6، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.

العتق، فكأنّها عتيقة، و به قال أحمد(1).

و بني بعض الشافعيّة الخلاف علي أنّ الوقف هل ينقل الملك عن الواقف ؟ إن قلنا: نعم، لم يصح وقفها؛ لأنّها لا تقبل النقل، و إن قلنا:

لا ينقل، صحّ وقفها(2).

فإن قلنا بصحّة وقفها، فإذا مات السيّد هل تعتق ؟ إن قلنا بالانتقال إلي الموقوف عليه، لم تعتق، و إلاّ عتقت، و هو قول أكثر الشافعيّة؛ بناء علي القول بصحّة وقفها(3).

ثمّ قالوا: لا يبطل الوقف، بل تبقي منافعها للموقوف عليه، كما لو آجرها و مات(4).

و قال بعضهم: يبطل الوقف دون الإجارة؛ لأنّ الحرّيّة تنافي الوقف دون الإجارة(5).

و هذان الوجهان جاريان عند الشافعيّة في جواز وقف المكاتب(6).

و الأقرب عندي: المنع من وقف المكاتب؛ لانقطاع تصرّف المولي عنه.

و جوّز الشافعيّة وقف المعلّق عتقه بصفة، ثمّ إذا وجدت تلك الصفة، فإن قلنا: إنّ الملك في الوقف للواقف أو للّه تعالي، عتق، و بطل الوقف، و إن قلنا: إنّه للموقوف عليه، فلا يعتق، و يكون الوقف بحاله(7).

و هذا عندنا لا يصحّ؛ لعدم صحّة تعليق العتق بالصفة.

نعم، لو نذر عتقه عند صفة، فالأولي: المنع من وقفه؛ لتعلّق حقّ اللّه تعالي به.4.

ص: 158


1- المغني 263:6، الشرح الكبير 212:6.
2- العزيز شرح الوجيز 252:6. (3الي7) العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.

أمّا المدبّر فإنّه يجوز وقفه إجماعا؛ لأنّه مملوك له ما دام حيّا، و يكون ذلك رجوعا في التدبير عندنا.

و أمّا الشافعيّة فقالوا: إنّه يكون رجوعا إن كان التدبير وصيّة، و إن كان تعليق عتق بصفة، فهو بمنزلة وقف العبد المعلّق عتقه بصفة(1).

لكن التدبير عندنا وصيّة محضة.

مسألة 90: قد بيّنّا أنّه يشترط في الوقف التعيين،

فلو وقف عبدا في الذمّة أو ثوبا في الذمّة، لم يصح، كما لو أعتق عبدا في الذمّة.

و كذا لا يصحّ أن يقف أحد عبديه؛ لعدم التعيين، كما لو باع أحد العبدين، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجوز وقف أحد العبدين، كما يصحّ عتق أحد عبديه(2).

و يجوز وقف علوّ الدار دون سفلها، و بالعكس، و أن يجعل أحدهما مسجدا دون الآخر - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّه يصحّ بيعه فصحّ وقفه، كالدار بأسرها.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ؛ لأنّ المسجد يتبعه هواؤه(4). و هو ممنوع.

و إن جعل وسط داره مسجدا و لم يذكر الاستطراق، صحّ.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ حتي يذكر الاستطراق(5).

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.
2- العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 448:1، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4، المغني و الشرح الكبير 218:6.
4- المغني و الشرح الكبير 218:6.
5- المغني و الشرح الكبير 219:6.

و ليس بجيّد؛ لأنّه عقد يبيح الانتفاع، و من ضرورته الاستطراق، فصحّ و إن لم يذكر الاستطراق، كالبيع.

و يجوز أيضا وقف الفحل للنزوان، بخلاف إجارته فإنّه مكروه، لأنّ الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات.

مسألة 91: لا يصحّ وقف ما لا يمكن إقباضه؛

لأنّ الإقباض شرط في صحّة الوقف عندنا علي ما تقدّم(1).

فلو وقف علي الغير ما هو مقبوض في يده إمّا بإيداع أو بعارية أو بغصب أو بغير ذلك، صحّ؛ لأنّ حقيقة القبض موجودة فيه، و لا يفتقر إلي مضيّ زمان يصحّ القبض فيه.

و لو وقف علي غير المتشبّث، فإن أقبضه صحّ، و إلاّ بطل، كما لو وقف ما له في يد الغاصب.

و لو آجر أرضه ثمّ وقفها، فعند الشافعيّة يصحّ؛ لأنّ القبض ليس شرطا عندهم(2)العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 380:4-381.(3) ، و هو مملوك بالشرائط المذكورة، و ليس فيه إلاّ العجز عن صرف المنفعة إلي جهة الوقف في الحال، و لأنّه لا يمنع الصحّة، كما لو وقف ما له في يد الغاصب(3).

و أمّا عندنا فإن أقبضه بإذن المستأجر فلا بأس، و إلاّ لم يصح القبض، و لا يثمر لزوم الوقف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه مخرّج علي الوقف المنقطع الأوّل(4).

ص: 160


1- في ص 114، المسألة 57.
2- راجع: الهامش
3- من ص 116.
4- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.

و زاد بعضهم فقال: إن وقف علي المسجد، صحّ؛ لمشابهته الإعتاق، و إن وقف علي إنسان، فإن قلنا: الملك ينتقل في الوقف إلي الموقوف عليه، فهو علي الخلاف في بيع المستأجر، إن لم نصحّحه فكذلك الوقف، و إن صحّحناه فيخرّج حينئذ علي الخلاف في الوقف المنقطع الأوّل، و إن قلنا:

ينتقل إلي اللّه تعالي، فوجهان؛ لافتقاره إلي القبول(1).

و وقف الورثة الموصي بمنفعته شهرا كوقف المستأجر.

مسألة 92: لو استأجر أرضا ليبني فيها أو يغرس فبني و غرس

ثمّ وقف البناء أو الغراس، احتمل الصحّة؛ لاستجماعه جميع شرائط الصحّة، فإنّه مملوك يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه انتفاعا مباحا، و العدم؛ لأنّ مالك الأرض متمكّن من هدم البناء و رفع الشجر، فكأنّه وقف ما لا ينتفع به.

و للشافعيّة وجهان كهذين الاحتمالين، و هما كالوجهين في أنّ الباني لو انفرد ببيع البناء هل يجوز بيعه أم لا؟ أمّا لو وقف صاحب الأرض أرضه و صاحب البناء أو الغراس بناءه أو غراسه فإنّه يصحّ إجماعا منهم، كما لو اجتمعا علي البيع(2).

و إذا قلنا بصحّة الوقف، فإذا مضت المدّة و قلع مالك الأرض البناء، فإن بقي منتفعا به بعد [القلع](3) فهو وقف كما كان، و إن لم يبق، صار ملكا للموقوف عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه يرجع إلي الواقف(4).

و أمّا أرش النقص الذي يؤخذ من القالع يسلك به مسلك الوقف.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
2- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النقل». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لاحظ الهامش التالي.
4- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
البحث الثاني: في الشرائط.
اشارة

و هي أربعة تنظمها مطالب أربعة:

المطلب الأوّل: التأبيد.
مسألة 93: لا خلاف بين علماء الأمصار

في أنّ الوقف المعلوم الابتداء المؤبّد الذي لا انقضاء له صحيح لازم إذا جمع الشرائط.

و المراد بالمؤبّد الذي جعل المصرف فيه لا انقراض له إمّا ابتداء أو انتهاء، كالوقف علي الفقراء و المساكين ابتداء، أو علي من ينقرض، ثمّ يردّه إلي من لا ينقرض، كما لو وقف علي ولده ثمّ علي الفقراء و المساكين، أو علي رجل ثمّ علي عقبه ثمّ علي الفقراء و المساكين، أو علي المساجد و الرّبط و المدارس و المشاهد و القناطر؛ لعدم انقراضها غالبا.

و لو عيّن المسجد أو الرباط أو المدرسة أو المشهد أو القنطرة، جاز الوقف أيضا؛ لعدم الانقراض غالبا.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو وقف علي العلماء أو جعلهم منتهي الوقف، صحّ أيضا؛ لعدم الانقراض غالبا، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و عن بعضهم: أنّه لا يصحّ؛ لأنّهم قد ينقطعون(3).

مسألة 94: لو كان الوقف علي من ينقرض غالبا

- كما لو وقف علي ولده و عقبه ما توالدوا و تعاقبوا - و لم يجعل المنتهي إلي من لا ينقرض

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 57:8، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
3- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 391:4.

غالبا، أو قال: وقفت علي زيد، و سكت، نقل الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و الخلاف لعلمائنا قولين، أحدهما: الصحّة، و الثاني: البطلان(1).

و الأوّل عندي هو المعتمد - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أبو يوسف و أحمد في إحدي الروايات(2) - لأنّ الوقف نوع تمليك و صدقة، فيتبع اختيار المالك في التخصيص بالأزمان، كما يتبع اختياره في التخصيص بالأعيان، و للأصل، و لأنّ تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأوّل، و إلاّ لزم تأخّر المشروط عن شرطه.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: قال عليه السّلام: «ألا أحدّثك بوصيّة فاطمة عليها السّلام ؟» قلت: بلي، فأخرج حقّا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد صلّي اللّه عليه و آله، أوصت بحوائطها السبعة -: العواف و الدّلال و البرقة و الميثم - و في رواية عوض الميثم: الميثب(3) - و الحسني و الصافية و مال أمّ إبراهيم(4) - إلي عليّ ابن أبي طالب، فإن مضي عليّ فإلي الحسن، فإن مضي الحسن فإلي الحسين، فإن مضي الحسين فإلي الأكبر من ولدي»(5).

و القول الثاني للشافعي: إنّ الوقف باطل - و به قال محمّد بن الحسن5.

ص: 163


1- المبسوط - للطوسي - 292:3، الخلاف 543:3، المسألة 9.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، نهاية المطلب 347:8-348، الوجيز 1: 246، الوسيط 246:4، حلية العلماء 17:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 58:8، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4، المدوّنة الكبري 101:6، الذخيرة 347:6، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «المبيت».
4- في الكافي: «و ما لأمّ إبراهيم».
5- الكافي 5/48:7، الفقيه 632/180:4، التهذيب 144:9-603/145.

الشيباني(1) - لأنّ شرط الوقف التأبيد، فإذا لم يردّه إلي ما يدوم لم يؤبّده، فكان كما لو قال: وقفته سنة، و لأنّه إذا لم يكن مؤبّدا كان منقطعا، فصار وقفا علي مجهول فلم يصح، كما لو وقفه علي مجهول في الابتداء(2).

و نمنع كونه وقفا علي مجهول، بل هو وقف معلوم المصرف فصحّ، كما لو أبّده. و لا نسلّم أنّ شرط الوقف التأبيد، فإنّه المتنازع، و مجهول الابتداء غير معلوم المصرف، فكان باطلا، بخلاف المتنازع، فإنّ المصرف فيه معلوم.

و للشافعي قول ثالث، و هو الفرق بين أن يكون الموقوف عقارا فلا يجوز إنشاؤه منقطع الآخر، أو حيوانا فيجوز؛ لأنّ مصير الحيوان إلي الهلاك، فكما يجوز فوات الموقوف مع بقاء الموقوف عليه يجوز فوات الموقوف عليه مع بقاء الموقوف(3).

مسألة 95: اختلف الشيخان في الوقف إذا انقرض الموقوف عليهم.

فقال المفيد رحمه اللّه: يرجع إلي ورثة الموقوف عليهم(4) ؛ لأنّ الوقف ناقل عن الواقف، فلا يعود إليه إلاّ بسبب و لم يوجد، و لأنّه صدقة فلا يرجع إليه، و لأنّ الموقوف عليه يملك الوقف فيورث عنه كغيره، بخلاف البطن الأوّل، فإنّه لا يورث عنه و إن كان مالكا؛ لعدم تماميّة الملك في حقّه، إذ

ص: 164


1- حلية العلماء 17:6، البيان 58:8، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، نهاية المطلب 347:8، الوجيز 246:1، الوسيط 246:4، حلية العلماء 17:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 8: 58، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
3- نهاية المطلب 348:8، الوسيط 246:4، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.
4- المقنعة: 655.

الوقف إنّما يجري علي حسب شرط الواقف.

و نمنع كون مطلق الوقف ناقلا، بل الناقل المؤبّد منه خاصّة. و نمنع كونه صدقة مؤبّدة، بل يجري مجري صدقة العمري و الحبيس. و نمنع كون الموقوف عليه مالكا إلاّ مع التأبيد.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يرجع إلي الواقف إن كان موجودا، و إن كان ميّتا يرجع إلي ورثته(1). و هو الوجه عندي.

و قال أبو يوسف: إذا انقرض الموقوف عليهم يرجع إلي الواقف أو إلي ورثته، إلاّ أن يقول: صدقة موقوفة ينفق منها علي فلان، فإذا انقرض المسمّي كانت للفقراء و المساكين، و وجهه: أنّه جعلها صدقة علي من سمّاه، فلا تكون صدقة علي غيره، و يفارق ما إذا قال: ينفق منها علي فلان؛ لأنّه جعل الصدقة مطلقة مؤبّدة(2).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه في الحقيقة حبس؛ لانقراض أربابه، فلا يكون مؤبّدا، فيرجع إلي ورثة الواقف؛ لعدم خروجه عنه بالكلّيّة، أو إليه إن كان حيّا، و لأنّه إنّما وقف علي قوم بأعيانهم، فلا يجوز التخطّي إلي غيرهم؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها»(3).

و قال السيّد ابن زهرة من علمائنا: إنّه يرجع بعد انقراض الموقوف عليهم إلي وجوه البرّ(4).9.

ص: 165


1- الخلاف 543:3، المسألة 9.
2- مختصر القدوري: 127، المبسوط - للسرخسي - 41:12، الفقه النافع 3: 725/1002، بدائع الصنائع 220:6، حلية العلماء 18:6، المغني 239:6 - 240، الشرح الكبير 225:6.
3- الكافي 34/37:7، الفقيه 620/176:4، التهذيب 129:9-555/130.
4- الغنية: 299.

و اعلم أنّا قد نقلنا(1) عن الشافعي قولين ظاهرين و قولا ثالثا خفيّا، أحد القولين: الصحّة، و الثاني: البطلان.

و قال بعض أصحابه: القولان مبنيّان علي أنّ البطن الثاني يتلقّون الوقف من الواقف أو من البطن الأوّل ؟ إن قلنا بالأوّل، فلا بدّ من بيان من ينتهي الاستحقاق إليه، و إن قلنا بالثاني، فلا حاجة إليه(2).

إذا عرفت هذا، فللشافعي علي القول بالصحّة إذا انقرض الموقوف عليه قولان.

أحدهما: أنّه يرتفع الوقف، و يعود ملكا إلي الواقف أو إلي ورثته إن كان قد مات؛ لأنّ إبقاء الوقف بلا مصرف متعذّر، و إثبات مصرف لم يتعرّض له الواقف بعيد.

و أصحّهما: أنّه يبقي وقفا؛ لأنّ وضع الوقف علي أن يدوم، و يكون صدقة جارية، و ذلك ممّا ينافيه الحكم بانقطاعه، و لأنّه صرف ماله إلي جهة قربة، فلا يعود ملكا، كما لو نذر هديا إلي مكّة فلم يقبله فقراؤها(3).

و علي القول بأنّه يبقي وقفا ففي مصرفه للشافعي(4) أقوال:

أصحّها عندهم: أنّه يصرف إلي أقرب الناس إلي الواقف يوم انقراض المذكور؛ لأنّ الصدقة علي الأقارب أفضل؛ لما فيه من صلة الرحم، فكان الصرف إليهم أولي.

و الثاني: أنّه يصرف إلي المساكين؛ لأنّ سدّ الحاجات أعمّ الخيرات.».

ص: 166


1- في ص 163-164.
2- العزيز شرح الوجيز 267:6.
3- نهاية المطلب 348:8، الوسيط 246:4، العزيز شرح الوجيز 267:6 - 268، روضة الطالبين 391:4.
4- الظاهر: «للشافعيّة».

و الثالث: أنّه يصرف إلي المصالح العامّة مصارف خمس الخمس، فإنّها أعمّ الخيرات، و الأعمّ أهمّ.

و الرابع: أنّه يصرف إلي مستحقّي الزكاة(1).

فعلي القول بأنّه يصرف إلي أقرب الناس إلي الواقف فالنظر إلي قرب الرحم، أو إلي استحقاق الإرث ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أصحّهما: الأوّل، حتّي يتقدّم ابن البنت علي ابن العمّ؛ لأنّ المراعي صلة الرحم، و يتقدّم الأولاد علي أولاد الأولاد.

و الثاني: أنّه يرجع إلي الورثة؛ لأنّهم الذين صرف اللّه تعالي إليهم ماله بعد موته و استغنائه عنه، فكذلك يصرف إليهم من صدقته ما لم يذكر له مصرفا، و لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «إنّك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(2) فحينئذ يكون بينهم علي حسب الميراث(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و عنه رواية أخري: أنّه يكون وقفا علي أقرب عصبة الواقف، دون بقيّة الورثة من أصحاب الفرائض، و دون البعيد من العصبات، فيقدّم الأقرب فالأقرب علي حسب استحقاقهم لولاء الموالي؛ لأنّهم خصّوا بالعقل عنه و بميراث مواليه فخصّوا بهذا أيضا(5).6.

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 268:6، روضة الطالبين 391:4-392.
2- مسند الحميدي 66/36:1، مسند أحمد 291:1-1549/292، سنن الدارمي 407:2، سنن أبي داود 2864/112:3، سنن النسائي (المجتبي) 241:6 - 242، مسند أبي يعلي 747/92:2، السنن الكبري - للبيهقي - 269:6.
3- العزيز شرح الوجيز 268:6، روضة الطالبين 392:4.
4- المغني 240:6-241، الشرح الكبير 226:6.
5- المغني 241:6، الشرح الكبير 226:6.

و هو خطأ؛ لأنّ استحقاق العصبة بغير دليل باطل، و لا دليل من نصّ و إجماع، و لا يصحّ قياسه علي ميراث ولاء الموالي؛ لأنّ علّته لا تتحقّق هنا.

و هل يشترط في القرابة الفقر؟ للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه لا يشترط، بل يشترك فيه الفقراء و الأغنياء؛ لأنّ الوقف لا يختصّ بالفقراء، و إذا أطلق أولاده انصرف إلي الفقراء و الأغنياء، كذا هنا.

و الثاني: يستحقّه الفقراء خاصّة؛ لأنّ الأغنياء لا حاجة بهم إليه، و إنّما القصد به البرّ و الصلة، فكان الفقراء أولي(1).

و علي القول باختصاصه بالفقراء فهل الاختصاص علي سبيل الوجوب أو الاستحباب ؟ وجهان(2).

إذا ثبت هذا، فإن الذكر و الأنثي فيه سواء لا يفضّل الذكر فيه علي الأنثي؛ لاتّفاقهما في السبب و هو القرابة، فإذا انقرض الأقارب بأسرهم صرف إلي المساكين، و حينئذ ففي تقديم جيران الواقف وجهان لهم، أشبههما: المنع؛ لأنّا لو قدّمنا بالجوار لقدّمنا بالقرابة بطريق الأولي(3).

مسألة 96: لو قال: وقفت هذا سنة،

احتمل البطلان؛ لأنّ شرط الوقف التأبيد.

و هل يبطل أصلا فلا يعتدّ به، أو يكون حبسا؟ إشكال، و يحتمل الصحّة، و يكون حبسا.

و المشهور عند الشافعيّة: البطلان في الشرط و الوقف(4).

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 268:6-269، روضة الطالبين 392:4.
2- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
3- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.

و في وجه ضعيف لهم: أنّه يصحّ، و ينتهي الوقف بانتهاء المدّة(1).

و من الشافعيّة من قال: إنّ الوقف الذي لا يشترط فيه القبول لا يفسد بالتأقيت، كالعتق(2).

و لو قال: وقفت هذا علي زيد شهرا علي أن يعود إلي ملكي بعد الشهر، فالظاهر عند الشافعيّة بطلانه(3).

و فيه قول آخر: إنّه يصحّ، و علي هذا فيعود ملكا بعد الشهر، أو يكون كما لو وقف المنقطع الآخر حتي يصرف بعد الشهر إلي أقرب الناس إلي الواقف ؟ فيه قولان(4).

المطلب الثاني: التنجيز.
مسألة 97: يشترط في الوقف التنجيز،

فلو علقّه علي شرط أو صفة لم يصح، مثل أن يقول: إذا جاء زيد فقد وقفت داري، أو يقول: إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدي، كما لا يصحّ تعليق البيع و الهبة، و هو قول أكثر الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: الوقف المعلّق يخرّج علي الخلاف المذكور فيما إذا وقف علي من سيولد له(6).

ص: 169


1- العزيز شرح الوجيز 266:6-267، روضة الطالبين 391:4.
2- العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.
3- التهذيب - للبغوي - 515:4، العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- التهذيب - للبغوي - 515:4، العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 248:4، التهذيب - للبغوي - 4: 512، البيان 69:8، العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 393:4.
6- العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 393:4.

و لو قال: علي من سيولد لي، أو قال: وقفت علي مسجد سأبنيه ثمّ علي الفقراء، أو قال: وقفت علي ولدي ثمّ علي الفقراء بعده، و لا ولد له، فهذا الوقف منقطع الابتداء.

و كذا إذا وقف علي نفسه أو عبده أو المجهول أو المعدوم أو الميّت ثمّ علي الفقراء و المساكين، قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا يصحّ الوقف؛ لأنّه لا دليل عليه. ثمّ قوّي بطلانه في حقّ من لا يصحّ الوقف عليه، كنفسه و عبده و أمّ ولده، و صحّحه في حقّ الباقين، قال: لأنّا نقول بتفريق الصفقة(1).

و قال في الخلاف: إذا وقف علي من لا يصحّ الوقف عليه، مثل عبد أو حمل لم يوجد أو رجل مجهول، و ما أشبهه، ثمّ بعد ذلك علي أولاده الموجودين في الحال و بعدهم علي الفقراء و المساكين، بطل الوقف فيما بدأ بذكره؛ لأنّه لا يصحّ الوقف عليهم، و الآخر يصحّ، فإذا بطل في حقّ من لا يصحّ الوقف عليه صحّ في حقّ من يصحّ الوقف عليه؛ لأنّه لا دليل علي إبطاله، و لا مانع يمنع منه(2).

و للشافعي في منقطع الأوّل اختلاف قول، فقال في موضع: الوقف جميعه باطل(3).

و قال في حرملة قولين، أحدهما: أنّه باطل، و الثاني: أنّه يصحّ فيما يجوز فيه دون ابتدائه(4).8.

ص: 170


1- المبسوط - للطوسي - 393:3.
2- الخلاف 544:3، المسألة 10 من كتاب الوقف.
3- الحاوي الكبير 523:7، البيان 60:8.
4- البيان 60:8.

قال أصحابه: هذان القولان مبنيّان علي تفريق الصفقة إذا باع ما يملك و ما لا يملك(1).

و قال بعضهم: فيه طريقان:

أحدهما: أنّه علي القولين في منقطع الآخر.

قال بعضهم: و هما مبنيّان علي أنّ البطن الثاني ممّن يتلقّون ؟ إن قلنا: من البطن الأوّل، لم يصح؛ لأنّ الأوّل إذا لم يثبت له شيء استحال التلقّي منه، و إن قلنا: من الواقف، فهو علي الخلاف في تفريق الصفقة(2).

و الثاني: القطع بالبطلان، و الفرق بينه و بين منقطع الآخر: أنّ متّصل الأوّل وجد مستحقّا و ابتداء صحيحا يبني الآخر عليه، بخلاف العكس، و لهذا يقال: في منقطع الأوّل قولان مرتّبان علي القولين في منقطع الآخر، و هو أولي بالبطلان(3).

و عكس بعضهم هذا الترتيب، فإنّ منقطع الآخر أولي بالبطلان، لأنّ وضع الوقف علي أن يدوم، و ليس في منقطع الأوّل إلاّ أنّ مصرفه منتظر(4).

و سواء أثبتوا الخلاف في المسألة أو لم يثبتوا، فالظاهر عندهم البطلان، و هو منصوص الشافعي(5).

و الثاني: يقال: إنّه مخرّج من منقطع الآخر، و يقال: إنّه منصوص4.

ص: 171


1- لم نتحقّقه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 269:6.
3- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- الجويني في نهاية المطلب 355:8 و عنه في العزيز شرح الوجيز 269:6-270.
5- التهذيب - للبغوي - 514:4، البيان 60:8، العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 392:4.

أيضا(1).

و الأقوي عندي: البطلان، و إلاّ لزم صحّة الوقف مع انتفاء موقوف عليه، أو وقوع الوقف المعلّق علي شرط أو صفة، أو عدم جريان الوقف علي حسب ما شرطه الواقف، و اللازم بأقسامه باطل، و هو ظاهر.

و بيان الشرطيّة: أنّه حالة الوقف إمّا أن يكون هناك موقوف عليه، أو لا، و الثاني أحد الأقسام، و الأوّل إمّا أن يحكم بأنّه وقف علي من لا يصحّ الوقف عليه، و هو باطل بالإجماع، أو علي من يصحّ الوقف عليه، فإمّا أن يحكم بالوقف عليه من حين العقد، و ذلك مخالف لما شرطه الواقف؛ لأنّه إنّما جعله وقفا علي البطن الثاني حال انقراض العبد أو بعد انقراض العبد، و هو قول بصحّة الوقف المعلّق علي الشرط.

مسألة 98: إذا قلنا ببطلان الوقف المنقطع في الابتداء كما اخترناه،

فلا بحث، و يكون باقيا علي ملك الواقف.

و إن قلنا بصحّته كما هو اختيار الشيخ(2) رحمه اللّه، فهل تصرف منفعة الوقف إلي من صحّ في حقّهم في الحال، أم لا؟

قال الشيخ في المبسوط: ينظر فإن كان الذي بطل الوقف في حقّه لا يصحّ اعتبار انقراضه - مثل أن يقف أوّلا علي مجهول أو ميّت - فإنّه يكون في الحال لمن يصحّ الوقف في حقّهم، و يكون الأوّل بمنزلة المعدوم الذي لم يذكر في الوقف؛ لأنّ وجود المجهول كعدمه؛ لأنّا إذا صحّحنا الوقف مع ذكره فقد ألغيناه.

و إن كان الموقوف عليه أوّلا يمكن اعتبار انقراضه كالعبد، قال

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 270:6.
2- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 170.

بعضهم: تصرف إليهم في الحال؛ لأنّه لا يستحقّ غيرهم، و هو الصحيح.

و منهم من قال: لا تصرف إليهم في الحال؛ لأنّه إنّما جعل منفعة الوقف لهم بشرط انقراض من قبلهم، و الشرط لم يوجد، فتصرف إلي الفقراء و المساكين مدّة بقاء الموقوف عليه أوّلا ثمّ إذا انقرض رجعت إليهم(1).

و قالت الشافعيّة علي تقدير القول بصحّة الوقف: ينظر فإن كان الموقوف عليه أوّلا لا يصحّ اعتبار انقراضه و لا يمكن انتظار ما ذكره - مثل أن يوقفه أوّلا علي مجهول أو ميّت، أو علي ولده و لا ولد له ثمّ علي الفقراء - فإنّه يكون في الحال للبطن الثاني؛ لأنّ وجود المجهول كعدمه؛ لأنّا إذا صحّحنا الوقف مع ذكره فقد ألغيناه.

و أمّا إن كان ممّن يمكن انتظار ما ذكره إمّا انقراضا [كما لو وقف علي من](2) يمكن اعتبار انقراضه كأمّ ولده ثمّ علي الفقراء، و إمّا حصولا كما لو قال: وقفت علي من سيولد لي، فلمن تكون غلّة الوقف قبل انقراضه و قبل الولادة ؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يرجع إلي الواقف أو إلي وارثه ثمّ البطن الثاني؛ لأنّه لا يمكن أن يكون للثاني؛ لأنّه جعله لهم بعد انقراض الأوّل، و لا يكون للأوّل؛ لأنّه لم يصح له فلم يكن أولي من الواقف، و علي هذا ففي ثبوت الوقف وجهان:

أحدهما: يثبت؛ لأنّه نجّزه، لكن يتأخّر الاستحقاق.

و الثاني: لا يثبت، بل هو ملك، و سبيله سبيل المعلّق عتقه علي صفة.

و الوجه الثاني: أنّه يكون للبطن الثاني في الحال؛ لأنّ البطن الأوّلق.

ص: 173


1- المبسوط - للطوسي - 293:3-294.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

لم يصح الوقف عليه، فيسقط ذكرهم، كما لو كان الموقوف عليه أوّلا مجهولا.

و الثالث: أنّه يرجع إلي قرابة الواقف كما قلنا في منقطع الانتهاء.

و هل يعتبر فيه الفقر؟ قولان.

و يقدّم الأقرب فالأقرب علي ما مضي.

و لهم وجه رابع: أنّه يكون للمصالح العامّة(1).

و الأوّل بعيد عندهم(2) ؛ لأنّا إذا جعلناه وقفا و جعلنا غلّته للواقف، فقد جعلنا له أن يقف علي نفسه، و إن عاد إليه طلقا فقد أفسدنا الوقف، و إن قلنا: يصير وقفا في الثاني، فقد جعلنا ابتداء الوقف يتعلّق بالشرط، و هذا كلّه ممتنع، قالوا: و الأقيس هو الثالث(3).

و كذا الحكم لو وقف علي معيّن ثمّ علي الفقراء فردّه ذلك المعيّن، فإنّه يصير منقطع الابتداء.

مسألة 99: الوقف الذي لا خلاف في صحّته ما كان معلوم الابتداء و الانتهاء غير منقطع فيهما و لا في الوسط،

مثل: أن يقف علي الفقراء و المساكين أو علي طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم.

و أمّا إن كان غير معلوم الانتهاء - مثل: أن يقف علي قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة و لم يجعل آخره للمساكين و لا لجهة غير منقطعة - فإنّ الوقف يصحّ عند بعضهم دون بعض علي ما تقدّم(4) من الخلاف.

ص: 174


1- العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 392:4-393، و راجع: حلية العلماء 19:6، و التهذيب - للبغوي - 514:5، و البيان 60:8-61.
2- حلية العلماء 19:6.
3- حلية العلماء 19:6.
4- في ص 162-163، المسألة 94.

و إن كان معلوم الانتهاء غير معلوم الابتداء، فقد تقدّم(1) الخلاف فيه أيضا.

و إن كان منقطع الابتداء - مثل أن يقفه علي من لا يجوز الوقف عليه، كنفسه أو أمّ ولده أو عبده أو كنيسة أو مجهول - فإن لم يذكر له مآلا يجوز الوقف عليه فالوقف باطل، و كذا إن جعل مآله ممّا لا يجوز الوقف عليه؛ لأنّه أخلّ بأحد شرطي الوقف، فبطل، كما لو وقف ما لا يجوز وقفه.

و إن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه - مثل: أن يقفه علي عبده ثمّ علي المساكين - فقولان تقدّما(2).

و لو كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط - مثل: أن يقف علي ولده ثمّ علي [عبيده](3) ثمّ علي الفقراء(4) - خرج في صحّة الوقف وجهان، كمنقطع الانتهاء.

ثمّ ينظر في ما(5) لا يجوز الوقف عليه، فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحّة، و إن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر، أو يلغي ؟ وجهان - سبقا - مرتّبان علي منقطع الآخر، إن صحّحناه فهذا أولي، و إلاّ فوجهان.

و يصرف عند توسّط الانقطاع إلي أقرب الناس إلي الواقف، أو إلي المساكين، أو إلي المصالح، أو إلي الجهة العامّة ؟ علي الخلاف السابق.

و إن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط - كرجل وقف علي عبده ثمّ».

ص: 175


1- في ص 170.
2- في ص 170.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبيدهم» و الظاهر ما أثبتناه.
4- في النّسخ الخطّيّة: «المساكين» بدل «الفقراء».
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في من» بدل «في ما».

علي أولاده ثمّ علي الكنيسة - خرج في صحّته أيضا وجهان، و مصرفه بعد من يجوز إلي مصرف الوقف المنقطع.

و لا خلاف في أنّ الوقف إذا كان منقطع الابتداء و الانتهاء و الوسط يكون باطلا، كما أنّه لا خلاف في صحّته مع اتّصال الثلاثة.

مسألة 100: لو قال: هذا وقف علي ولدي سنة ثمّ علي المساكين،

صحّ إجماعا، و كذا لو قال: هذا وقف علي ولدي مدّة حياتي ثمّ هو بعد موتي للمساكين، صحّ إجماعا؛ لأنّه وقف متّصل الابتداء و الانتهاء و الوسط(1).

و لو وقف علي من لا ينقرض غالبا ثمّ علي من ينقرض و اقتصر، فإن وقّت الأوّل كان حكمه حكم منقطع الانتهاء، و في صحّته قولان سبقا، مثل أن يقول: هذا وقف علي المساكين سنة أو عشر سنين ثمّ هو وقف علي أولادي، و لم يذكر المصرف بعد أولاده، ففيه ما تقدّم من الخلاف في منقطع الانتهاء، و [لا يصرف](2) بعد أولاده إلي الفقراء كما كان.

و إن لم يكن موقّتا، مثل أن يقول: هذا وقف علي المساكين ثمّ من بعد انقراضهم يكون وقفا علي ولدي، كان وقفا علي المساكين، و لغا قوله:

«علي أولادي» لأن المساكين لا يمكن انقراضهم، فإن فرض صحّ الوقف علي أولاده بعد انقراضهم.

و لو علّق انتهاء وقفه علي شرط - نحو قوله: داري هذه وقف إلي

ص: 176


1- كذا قوله: «متّصل الابتداء و الانتهاء و الوسط»، و المصنّف رحمه اللّه ذكر في عنوان المسألة طرفين: «الابتداء و الانتهاء»، فتأمّل.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا ينصرف». و الظاهر ما أثبتناه.

سنة أو إلي أن يقدم الحاج - ففي صحّته وجهان تقدّما.

المطلب الثالث: في الإلزام.
مسألة 101: يشترط في الوقف الإلزام،

فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا، كالعتق و الصدقة، و كذا لو قال: وقفت بشرط أن أبيعه، أو أرجع فيه متي شئت؛ لأنّ الوقف إزالة ملك إلي اللّه تعالي، كالعتق، أو إلي الموقوف عليه، كالبيع و الهبة، و علي التقديرين فهذا الشرط مفسد، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ العتق لا يفسد، و يفسد الوقف، و فرّق بينهما بأنّ العتق مبنيّ علي الغلبة و السراية(2).

و لو شرط عوده إليه عند حاجته، صحّ الشرط، و بطل الوقف، و صار حبسا يعود فيه مع الحاجة، و يورث.

و قال ابن إدريس: يبطل الوقف(3).

و قال بعض الشافعيّة: يحتمل أن يبطل الشرط و يصحّ أصل الوقف(4).

و لو وقف علي شخص معيّن و شرط أن يرجع إليه إذا مات ذلك الشخص، بطل الوقف، مع احتمال صحّته حبسا.

و مذهب الشافعيّة: البطلان، مع أنّهم نقلوا عن الشافعي قولين، هذا أحدهما، و الثاني: الصحّة؛ أخذا من مسألة العمري حيث جعلها لمن

ص: 177


1- الوجيز 246:1، الوسيط 248:4، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 8: 69، العزيز شرح الوجيز 271:6، روضة الطالبين 393:4-394.
2- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
3- السرائر 156:3 و 158.
4- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.

أعمرها في حياته و بعد موته، و أزال ملك المعمر، و أبطل شرطه(1).

و قال السيّد المرتضي من علمائنا: ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من وقف وقفا جاز أن يشترط أنّه إن احتاج إليه في حال حياته كان له بيعه و الانتفاع بثمنه(2).

و قال المفيد: متي اشترط الواقف في الوقف أنّه إن احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه(3).

و للشيخ قولان:

ففي النهاية: إذا شرط الواقف أنّه متي احتاج إلي شيء منه كان له بيعه و التصرّف فيه، كان الشرط صحيحا، و كان له أن يفعل ما شرط، إلاّ أنّه إذا مات و الحال ما ذكرناه رجع ميراثا، و لم يمض الوقف(4).

و في المبسوط: إذا شرط في الوقف أن يبيعه أيّ وقت شاء، كان الوقف باطلا؛ لأنّه خلاف مقتضاه، لأنّ الوقف لا يباع(5).

و قال سلاّر: إذا شرط رجوعه فيه عند فقره، كان له ذلك إذا افتقر(6).

و قال ابن الجنيد: إذا شرط أنّ له الرجوع فيما وقف و بيعه، لم يصح الوقف(7).

و قال بعض العامّة: إن شرط أن يبيعه متي شاء أو يهبه أو يرجع فيه،7.

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
2- الانتصار: 226.
3- المقنعة: 652.
4- النهاية: 595-596.
5- المبسوط - للطوسي - 300:3.
6- المراسم: 197.
7- راجع ما حكاه عنه السيّد المرتضي في الانتصار: 227.

لم يصح الشرط و لا الوقف؛ لأنّه مناف لمقتضي الوقف. و يحتمل أن يفسد الشرط و يصحّ الوقف؛ بناء علي الشرط الفاسد في البيع، و إن شرط الخيار في الوقف فسد، قاله أحمد(1).

و كذا إذا شرط بيع الوقف متي شاء لم يصح الوقف، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو يوسف في رواية عنه: يصحّ؛ لأنّ الوقف تمليك المنافع، فجاز شرط الخيار كالإجارة(3).

و احتجّ الأوّلون بأنّه شرط ما ينافي العقد، فلم يصح، كما لو شرط [أنّ](4) له بيعه متي شاء، و لأنّه إزالة ملك إلي اللّه تعالي، فلا يصحّ اشتراط الخيار فيه، كالعتق، و لأنّه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه، كالهبة، و لأنّه إزالة ملك في أحد القولين، و في الآخر تمليك، فإذا شرط إبطال ذلك لم يجز، كما لو شرط في العتق و البيع(5).

و منعوا من دخوله في الإجارة، علي أنّ الخيار إذا دخل في العقود وقفت أحكام العقد علي انقضائه، و هنا يبقي الشرط مع حصول أحكامه، فافترقا(6).6.

ص: 179


1- المغني 217:6، الشرح الكبير 217:6-218.
2- الحاوي الكبير 532:7، البيان 69:8، العزيز شرح الوجيز 271:6، روضة الطالبين 393:4، المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6.
3- البيان 69:8، المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
5- المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 271:6، و روضة الطالبين 393:4-394.
6- المغني 217:6-218، الشرح الكبير 218:6.

و الوجه: ما قدّمناه من أنّه يكون حبسا يرجع إلي ورثة الواقف بعد موته؛ لما رواه إسماعيل بن الفضل أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلي شيء من المال فأنا أحقّ به، تري ذلك له و قد جعله للّه يكون له في حياته ؟ فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو(1) تمضي صدقته ؟ قال: «يرجع ميراثا»(2).

مسألة 102: اختلف القائلون من علمائنا بصحّة هذا الشرط في الوقف:

فقال الشيخ رحمه اللّه: إذا مات الواقف يبطل الوقف، و يكون حكمه حكم الحبس(3) ؛ للرواية السابقة عن إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام.

و كلام السيّد رحمه اللّه يعطي جواز هذا الشرط، و أنّه يعمل بمقتضاه، فإن رجع الواقف في وقفه بطل الوقف؛ عملا بالشرط، و إن مات قبل الرجوع كان علي حاله؛ لأنّ السيّد رحمه اللّه ادّعي الإجماع علي ما نقلناه عنه في المسألة السابقة.

و احتجّ بأنّ كون الشيء وقفا تابع لاختيار الواقف و ما يشترط فيه، فإذا شرط لنفسه ما ذكرناه كان كسائر ما شرطه.

ثمّ اعترض علي نفسه: بأنّ هذا شرط يناقض كونه وقفا، بخلاف غيره من الشروط.

و أجاب: بعدم المناقضة؛ لأنّه متي لم يختر الرجوع يكون ماضيا علي

ص: 180


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و المثبت كما في المصدر.
2- التهذيب 607/146:9 بتفاوت.
3- النهاية: 596.

مثله، و إذا مات قبل العود نفذ أيضا نفوذا تامّا، و هذا حكم ما كان مستفادا قبل عقد الوقف، فكيف يكون ذلك نقضا لحكمه و قد بيّنّا أنّ حكمه باق!؟

و لا يجوز قياس الوقف علي العتق؛ لبطلان القياس عندنا، و للفرق؛ فإنّ العتق لا يصحّ دخول شرط مّا من الشروط فيه، و الوقف يدخله الشرط، كقوله: هذا وقف علي فلان فإن مات فعلي فلان، و إذا صحّ دخول الشرط فيه صحّ دخول هذا الشرط.

ثمّ اعترض فقال: فإن قيل: إنّ أبا علي بن الجنيد قد خالف فيما ذكرتموه، و ذكر أنّه لا يجوز للواقف أن يشرط لنفسه بيعه له علي وجه من الوجوه، و كذلك في من هو وقف عليه أنّه لا يجوز له أن يبيعه.

ثمّ أجاب: بأنّه لا اعتبار بقول ابن الجنيد و قد تقدّمه إجماع الطائفة و تأخّر أيضا عنه، و ربما عوّل في ذلك علي ظنون و حسبانات و أخبار شاذّة لا يلتفت إلي مثلها(1).

و ابن إدريس من علمائنا عدّ من شرائط صحّة الوقف أن لا يدخله خيار الواقف في الرجوع فيه(2).

مسألة 103: لو شرط في الوقف إخراج من يريد من أرباب الوقف،

بطل الوقف.

و لو شرط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم، جاز، سواء وقف علي أولاده أو علي غيرهم.

و قالت الشافعيّة: لو وقف و شرط لنفسه أن يحرم من شاء، و يزيد من

ص: 181


1- الانتصار: 226-227.
2- السرائر 156:3.

شاء، أو يقدّم أو يؤخّر، ففي صحّة شرطه وجهان:

أصحّهما: المنع؛ لأن وضع الوقف علي اللزوم، و إذا كان الموقوف عليه بمعرض السقوط فلا لزوم.

و الثاني: أنّه يصحّ، كما لو شرط صرف الرّيع(1) مدّة إلي هذا و مدّة إلي هذا(2).

و موضع الوجهين ما إذا ذكر الشرط في متن العقد، أمّا إذا أطلق ثمّ أراد أن يغيّر ما ذكره إمّا بإخراج أو إدخال مستحقّ آخر أو تقديم مؤخّر أو تأخير مقدّم، لم يكن له ذلك(3).

و لو قلنا بصحّة شرطه لنفسه، فلو شرط لغيره، فوجهان، أصحّهما:

الفساد، و إن أفسدناه ففي فساد الوقف به خلاف مبنيّ علي أنّ الوقف كالعتق، أم لا؟ و الظاهر عندهم: بطلان الوقف و الشرط في ذلك كلّه(4).

و ذكر بعضهم ذلك علي ثلاث مراتب:

الأولي: أن يقول: وقفت بشرط أن أرجع متي شئت، أو أحرم المستحقّ و أحوّل الحقّ إلي غيره متي شئت، فهو فاسد.

الثانية: أن يقول: بشرط أن أغيّر مقادير الاستحقاق بحكم المصلحة، و هو جائز.

الثالثة: أن يقول: أبقي أصل الوقف و أغيّر تفصيله، فوجهان(5).4.

ص: 182


1- الرّيع: النماء و الزيادة. لسان العرب 137:8 «ريع».
2- نهاية المطلب 362:8، حلية العلماء 34:6، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
3- نهاية المطلب 363:8، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
4- نهاية المطلب 363:8، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
5- الغزالي في الوسيط 248:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 272:6، و روضة الطالبين 394:4.
مسألة 104: كلّ ما شرطه الواقف في وقفه من الشروط السائغة في نظر الشرع

و لا ينافي الوقف يلزم متابعته؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها»(1)الوسيط 249:4، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.(2) و إنّما يلزم الشرط إذا ذكر في متن العقد، فلو شرط شرطا بعد نفوذ العقد و تمامه و انفصاله، أو شرط قبل العقد، كان لغوا.

إذا عرفت هذا، فلو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف، صحّ الوقف و الشرط(3) ؛ عملا بالشرط السائغ غير المنافي لمقتضي العقد - و هو أحد وجوه الشافعيّة(3) - كسائر الشروط؛ لما فيه من وجوه المصلحة.

و الثاني: المنع؛ لأنّه يتضمّن الحجر علي مستحقّ المنفعة.

و الثالث: الفرق بين أن يمنع مطلقا فلا يتّبع، أو الزيادة علي سنة فيتّبع؛ لأنّه لائق بمصلحة الوقف(4).

و هذا يتفرّع علي أنّ مدّة الإجارة في الوقف لا تتقدّر كمدّة إجارة الملك علي أصحّ القولين عندهم(5).

و إذا أفسدنا الشرط، فالقياس عندهم فساد الوقف به، إلاّ أنّ بعضهم قال: إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم يخالف(6).

و فيه وجه آخر: أنّه لو كان الصلاح في الزيادة زيد، و هذا قول بالصحّة مع فساد الشرط(7).

مسألة 105: لو جعل داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بني مدرسة

أو

ص: 183


1- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش
2- .
3- في «ص، ع»: «الشرط و الوقف».
4- الوسيط 249:4، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
5- العزيز شرح الوجيز 273:6.
6- العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
7- العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.

رباطا، فلكلّ أحد أن يصلّي و يعتكف في المسجد، و يدفن في المقبرة، و يسكن في المدرسة بشرط الأهليّة، و ينزل الرباط، و لا فرق فيه بين الواقف و غيره.

و لو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو بطائفة معلومة، فالأقوي: الجواز؛ عملا بمقتضي الشرط، و هو أحد وجهي الشافعيّة، المفتي به عندهم؛ رعاية لشرط الواقف، و قطعا للنزاع في إقامة الشعائر.

و الثاني: بطلان الشرط؛ لأنّ جعل البقعة مسجدا كالتحرير، فلا معني لاختصاصه بجماعة، و علي هذا فيفسد الوقف بفساد الشرط(1).

ثمّ هذا الخلاف بينهم فيما إذا وقف دارا علي أن يصلّي فيها أصحاب الحديث، فإذا انقرضوا فعلي عامّة المسلمين، أمّا إذا لم يتعرّض للانقراض فقد تردّدوا فيه(2).

و لو شرط في المدرسة و الرباط - في صلب العقد - الاختصاص، اتّبع شرطه.

و لو شرط في المقبرة الاختصاص بالغرباء أو بجماعة مخصوصين، جاز و لزم.

و عندهم الوجه: أن يترتّب علي تخصيص المسجد، إن قلنا:

يختصّ، فالمقبرة أولي، و إلاّ فوجهان؛ لتردّدها بين المسجد و المدرسة.

و الثاني عندهم أظهر، فإنّ المقابر للأموات كالمساكن للأحياء(3).4.

ص: 184


1- الوسيط 249:4-250، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
2- العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4.
3- العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4.
المطلب الرابع: في بيان المصرف.
مسألة 106: لا بدّ في عقد الوقف من بيان المصرف،

فلو قال: وقفت هذا، و لم يذكر علي من، أو قال: تصدّقت بهذا صدقة محرّمة، لم يصح الوقف عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ الوقف تمليك، و هو إمّا للأعيان و المنافع، أو للمنافع، فلا بدّ من مالك، كالبيع و الهبة، فإنّه لو قال: بعت داري بكذا، أو وهبتها، و لم يذكر المصرف، بطلا، و لأنّه لو وقف علي مجهول - مثل أن يقول: وقفت علي جماعة - بطل، فإذا أطلق كان أولي؛ لأنّ علّة البطلان في مجهول المصرف الجهالة، و هي متحقّقة مع عدم ذكر المصرف مع زيادة سبب البطلان.

و الثاني: يصحّ؛ لأنّ الغرض من(2) الوقف الصدقة و القربة، فصحّ مطلقا، كالهدي، و كذا لو قال: وصّيت بثلثي، و أطلق، صحّ، و كان للفقراء و المساكين، كذا هنا، كما إذا قال: للّه عليّ أن أتصدّق بكذا، أو أهدي هديا، و لم يبيّن المصرف(3).

و نمنع كون مطلق القربة هي الغاية في الوقف و الغرض منه، بل يجوز أن تكون خصوصيّات القرب غايات و أغراضا في الوقف. و نمنع الحكم في الوصيّة، و نوجب تعيين الموصي له إمّا بوصف عامّ أو مخصّص، و الهدي و الصدقة الغاية فيهما معلومة، فكان الإطلاق منصرفا

ص: 185


1- الحاوي الكبير 520:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، نهاية المطلب 8: 361، الوجيز 246:1، الوسيط 250:4، حلية العلماء 20:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4، المغني 242:6، الشرح الكبير 227:6.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في» بدل «من».
3- نفس المصادر في الهامش (1).

إليه.

و علي القول بصحّة الوقف ففي مصرفه الخلاف المذكور في منقطع الآخر إذا صحّحناه(1).

و قال بعضهم: يصرفه المتولّي إلي ما يراه من وجوه البرّ، كعمارة المساجد و القناطر و سدّ الثغور و تجهيز الموتي و غيرها(2).

مسألة 107: إذا وقف علي شخصين ثمّ علي الفقراء فمات أحدهما،

فالأقرب: صرف نصيبه إلي الحيّ، فإذا مات الآخر صرف الجميع إلي الفقراء؛ لأنّ شرط الانتقال إلي المساكين انقراضهما جميعا و لم يوجد، و إذا امتنع الصرف إليهم فالصرف إلي من ذكره الواقف أولي به.

و يحتمل أن لا يصرف إلي صاحبه و لا إلي المساكين، و يكون الوقف في نصيب الميّت منقطع الوسط.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و ثالث، و هو: أن يكون نصيب الميّت للفقراء، كما أنّ نصيبهما إذا انقرضا للفقراء(3).

و لو وقف علي شخصين و سكت عن [المصروف](4) إليه بعدهما، فإن قلنا ببطلان الوقف، فلا بحث، و إن قلنا بصحّة الوقف المنقطع الآخر لو مات أحدهما، فنصيبه للآخر، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 396:4.
2- الحاوي الكبير 520:7، حلية العلماء 20:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 396:4-397.
3- العزيز شرح الوجيز 275:6، و في روضة الطالبين 397:4 الوجه الأوّل و الثالث.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المصرف». و الظاهر ما أثبتناه.

يكون حكمه حكم نصيبهما إذا ماتا(1).

مسألة 108: لو وقف علي بطون متعدّدة متعاقبة فردّه البطن الثاني

و قلنا: إنّه يرتدّ بردّهم، فإنّه يكون وقفا منقطع الوسط، و فيه ما تقدّم(2) من الاختلاف الواقع بين الفقهاء.

و يحتمل أن يصرف إلي البطن الثالث، و يقدّر البطن الثاني معدوما.

البحث الثالث: في الأحكام.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: فيما يتعلّق بالألفاظ.
مسألة 109: قد بيّنّا أنّ شرائط الواقف،

التي شرطها في متن العقد معتبرة لا يجوز تغييرها و لا تبديلها، و يمضي الوقف بحسب ما تقتضيه تلك الألفاظ إذا لم تكن منافية للشرع و لا لمقتضي الوقف؛ لما روي من وقف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و وقف أهل البيت عليهم السّلام و وقف جماعة من الصحابة(3).

روي العامّة عن عمر بن الخطّاب أنّه وقف و شرط أن لا جناح علي من وليها أن يأكل منها بالمعروف، و أن تليها حفصة في حياتها، فإذا ماتت فذو الرأي من أهلها(4).

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 397:4.
2- في ص 175.
3- السنن الكبري - للبيهقي - 160:6-162.
4- صحيح البخاري 11:4-12 و 14، صحيح مسلم 1632/1255:3، سنن ابن ماجة 2396/801:2، سنن أبي داود 116:3-2878/117، سنن الترمذي 1375/659:3، سنن النسائي (المجتبي) 230:6-231، مسند أحمد 79:2 -

و وقفت فاطمة عليها السّلام لنساء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و لفقراء بني هاشم و بني المطّلب(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام قال:

«تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بدار له بالمدينة في بني زريق، فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب و هو حيّ سويّ، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها(2) اللّه الذي يرث السماوات و الأرض، و أسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهنّ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين»(3).

و لقول العسكري عليه السّلام «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها»(4) و هو نصّ في الباب.

إذا ثبت هذا، فتجب مراعاة ما يدلّ عليه لفظ الواقف فيما يقتضي الجمع أو الترتيب أو هما معا، فيعمل بمقتضاه.

فإذا قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي، فلا ترتيب هنا؛ لعدم ما يدلّ عليه؛ لأنّ الواو للجمع المطلق من غير ترتيب، و يستوي البطن الأوّل و الثاني و من بعدهم في الاستحقاق، و كلّ من تجدّد من البطون يشارك من سبقه إذا كان موجودا.).

ص: 188


1- السنن الكبري - للبيهقي - 161:6، المهذّب - للشيرازي - 451:1، البيان 8: 49، العزيز شرح الوجيز 276:6.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرث». و المثبت كما في المصدر.
3- التهذيب 131:9-560/132.
4- 4594/80، و 5157/156، و 6042/279، السنن الكبري - للبيهقي - 160:6، البيان 48:8-49، العزيز شرح الوجيز 276:6.

و لا فرق بين أن يقول: ما تناسلوا و تعاقبوا، أو: بطنا بعد بطن، أو لا يقول ذلك، و يحمل علي التعميم في الجميع، و هو الأشهر من قولي الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ قوله: «بطنا بعد بطن» يقتضي الترتيب(2).

و لو أتي بما يدلّ علي الترتيب، كالفاء، و «ثمّ» حكم بالترتيب، مثل أن يقول: وقفت هذا علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي ثمّ علي أولاد أولاد أولادي ما تعاقبوا و تناسلوا بطنا بعد بطن، أو: وقفت علي أولادي فأولاد أولادي، و هكذا، و لا يصرف إلي البطن الثاني و لا البطن الثالث شيء مع وجود واحد(3) من البطن الأوّل، فإذا انقرض البطن الأوّل بأجمعهم انتقل الوقف إلي البطن الثاني، لا يشاركهم واحد من البطن الثالث و لو بقي واحد من البطن الثاني، بل إذا انقرض البطن الثاني بأسرهم اختصّ بالبطن الثالث، و هكذا.

هذا هو المشهور بين الشافعيّة(4) ، لكن بعضهم قال فيما إذا مات واحد من البطن الأوّل: إنّ الخلاف في نصيبه كالخلاف المذكور فيما إذا وقف علي شخصين أو جماعة ثمّ علي المساكين فمات واحد، إلي من يصرف نصيبه ؟ فيه وجهان كالوجهين هناك، لكنّه قال: إنّ أحد الوجهين:

أنّ نصيب الميّت لصاحبه، و الثاني: أنّه لأقرب الناس إلي الواقف(5).

مسألة 110: لو قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي الأعلي

فالأعلي، أو الأقرب فالأقرب، أو الأوّل فالأوّل، فهو للترتيب.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 276:6، روضة الطالبين 399:4.
2- العزيز شرح الوجيز 276:6، روضة الطالبين 399:4.
3- في «ع»: «أحد».
4- العزيز شرح الوجيز 276:6-277، روضة الطالبين 399:4.
5- العزيز شرح الوجيز 277:6، روضة الطالبين 399:4-400.

و لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي علي أن يبدأ بالأعلي منهم أو علي أن لا حقّ لبطن و هناك من فوقهم، فهو للترتيب أيضا.

و لو قال: فمن مات من أولادي فنصيبه لولده، اتّبع شرطه.

و لو قال: علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي و أولاد أولاد أولادي، اجتمع فيه الترتيب بين البطن الأوّل و البطن الثاني، و الجمع بين البطن الثاني و البطن الثالث، فلا يأخذ البطن الثاني شيئا مع وجود واحد من البطن الأوّل؛ قضيّة للترتيب بينهما، فإذا انقرض البطن الأوّل كان للثاني، و إن كان واحد من البطن الثالث موجودا شاركهم، و كذا لو كانوا جماعة.

و لا يفضّل الثاني علي الثالث؛ قضيّة للتشريك بينهما، و لا يشارك البطن الثالث البطن الأوّل؛ لمساواتهم البطن الثاني المرجوح بالنسبة إلي البطن الأوّل، فيكون مساويا في المرجوحيّة.

و لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي ثمّ علي أولاد أولاد أولادي، فقد جمع بين البطن الأوّل و الثاني، و شارك بينهم في الاستحقاق، فلا ينفرد البطن الأوّل بشيء مع وجود البطن الثاني، بل يتشاركان بالسويّة، فيأخذ الواحد من البطن الثاني مثل ما يأخذ الواحد من البطن الأوّل، و رتّب بين البطن الثاني و الثالث، فلا يأخذ واحد(1) من البطن الثالث شيئا مع وجود واحد من البطن الثاني، و لا من البطن الأوّل شيئا قطعا.

و كذا في كلّ متعدّد يشبه ذلك، مثل أن يقول: وقفت علي زيد ثمّ علي عمرو و خالد، أو يقول: وقفت علي زيد و عمرو ثمّ خالد.

و لو قال: وقفت علي زيد و عمرو ثمّ علي خالد و بكر، فقد شرّك بين البطن الأوّل و الثاني، و شرّك بين البطن الثالث و الرابع، فيشترك الأوّل».

ص: 190


1- في «ص، ع»: «أحد».

و الثاني، و لا يشاركهما الثالث و لا الرابع، فإذا انقرض زيد و عمرو معا اشترك خالد و بكر.

و لو قال: وقفت علي زيد و عمرو و خالد ثمّ علي بكر ثمّ علي جعفر، فقد شرّك بين الثلاثة الأوّل، و رتّب عليهم الرابع، و رتّب بين الرابع و الخامس، و علي هذا القياس.

و لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي و من مات منهم فنصيبه لأولاده، فإذا مات واحد كان نصيبه لأولاده خاصّة، و يشاركون الباقين فيما عدا نصيب أبيهم، و لا يشاركهم الباقون في نصيب أبيهم.

و لو قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي و هكذا الأسفل فالأسفل، فإن وجدت بطون متعدّدة أخذ الأسفل، و لا يأخذ من فوقه حتي ينقرض الأسفل، ثمّ يأخذ من هو أعلي، فإن كان بعد الأسفل أعلي و أسفل، أخذ الأسفل منهما، ثمّ لا يأخذ الأعلي إلاّ بعد انقراض الأسفل، فإذا فرض ثلاث بطون، أخذ الثالث أوّلا، فإن انقرضوا و لم يتجدّد رابع، أخذ الثاني، فإن تجدّد للثاني أولاد منعوا آباءهم، و كانوا أحقّ.

مسألة 111: إذا وقف علي أولاده ثمّ علي الفقراء،

اختصّ الوقف بالبطن الأوّل، ثمّ ينتقل من بعده(1) إلي الفقراء، و لا يكون لأولاد الأولاد فيه شيء.

و لو قال: وقفت علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي ثمّ علي الفقراء، اختصّ بالبطنين الأوّلين، ثمّ ينتقل من بعدهم إلي الفقراء، و لا يكون لأولاد أولاد الأولاد شيء.

هذا مع التجرّد عن القرائن الصارفة المقتضية لعدم الاختصاص أو

ص: 191


1- في الطبعة الحجريّة: «بعدهم».

الموجبة له، فالقرائن الدالّة علي اختصاص البطن الأوّل [مثل] أن يقول:

وقفت علي ولدي لصلبي أو الذين يلوني، أو يقول: وقفت علي أولادي فإذا انقرضوا فلأحفادي الثلث و الباقي للفقراء، و نحوه، فهذا يختصّ بالبطن الأوّل، و هم أولاده لصلبه خاصّة، ثمّ ينتقل بعدهم إلي الفقراء، و القرائن الدالّة علي التشريك، مثل أن يقول: وقفت علي ولد فلان و هم قبيلة ليس فيهم ولد [من] صلبه، أو قال: علي أولادي، و لا ولد له من صلبه، أو قال:

يفضّل ولد الأكبر، أو الأعلم علي غيرهم، أو قال: فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلي المساكين، أو قال: علي ولدي غير ولد البنات، أو غير ولد فلان، أو قال: يفضّل البطن الأعلي علي الثاني، أو قال: الأعلي فالأعلي، و أشباه ذلك، فإنّه يقتضي صرف لفظه إلي جميع نسله و عقبه ما تعاقبوا و تناسلوا.

و إن تجرّد عن القرائن كلّها، حمل علي البطن الأوّل - و هو قول الشيخ رحمه اللّه(1) و أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ الولد يقع حقيقة علي الولد للصلب، و لهذا يصحّ سلبه عن ولد الولد دون ولد الصلب، فيقال: هذا ليس ولده، و إنّما هو ولد ولده، و لو كان حقيقة فيه لم يصح سلبه عنه، و الأصل فيه أنّ الولد هو المتكوّن من النطفة المتولّد منها.

و قال جماعة من علمائنا(3): إنّه إذا وقف علي أولاده دخل فيه أولاد أولاده و أولاد أولاد أولاده، و هكذا ما تعاقبوا و تناسلوا، و كذا إذا وقف علي3.

ص: 192


1- المبسوط - للطوسي - 296:3.
2- العزيز شرح الوجيز 278:6، روضة الطالبين 401:4.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة: 153، و الشيخ الطوسي في النهاية: 596-597، و الحلبي في الكافي في الفقه: 326، و ابن البرّاج في المهذّب 89:2، و ابن إدريس في السرائر 157:3.

أولاده و أولاد أولاده اشترك فيه البطون المتعاقبة(1) - و هو أحد قولي الشافعيّة(2) - لقوله تعالي: يا بَنِي آدَمَ (3) و قوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و لا شكّ في دخول أولاد الأولاد فيه و إن سفلوا، و قوله تعالي: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ (5) و يتناول ولد الولد إجماعا، و قوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ (6) و يدخل فيه بنت البنت.

و كذا كلّ موضع ذكر اللّه تعالي فيه دخل فيه ولد الولد، فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل علي المطلق من كلام اللّه تعالي، و يفسّر بما يفسّر به، و قد خاطب اللّه تعالي: يا بَنِي آدَمَ (7)يا بَنِي إِسْرائِيلَ (8).

و قال عليه السّلام: «إرموا بني إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا»(9) و قال: «نحن بنو النضر بن كنانة»(10) و قال عليه السّلام عن الحسن و الحسين عليهما السّلام: «هذان ابناي2،

ص: 193


1- في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق: «المتنازلة» بدل «المتعاقبة».
2- العزيز شرح الوجيز 278:6-279، روضة الطالبين 401:4.
3- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35، سورة يس: 60.
4- سورة النساء: 11.
5- سورة النساء: 11.
6- سورة النساء: 23.
7- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35، سورة يس: 60.
8- سورة البقرة: 40 و 47 و 122، سورة طه: 80.
9- المصنّف - لابن أبي شيبة - 6373/22:9، مسند أحمد 643:4-16093/644، صحيح البخاري 45:4 و 179 و 219، مسند أبي يعلي 6119/502:10، المعجم الكبير - للطبراني - 2988/174:3، المستدرك - للحاكم - 94:2، السنن الكبري - للبيهقي - 17:10.
10- مسند أحمد 21332/276:6، و 21338/277، سنن ابن ماجة 2612/871:2،

إمامان قاما أو قعدا»(1) و بال الحسين عليه السّلام - و هو صغير - في حجر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، فهمّوا بأخذه، فقال: «لا تزرموا علي ابني بوله»(2) يعني لا تقطعوا.

و الجواب: لا شكّ في الاستعمال فيما ذكرتم، لكنّا ندّعي أنّه مجاز، و إلاّ لزم الاشتراك، و المجاز و إن كان علي خلاف الأصل لكنّه راجح علي الاشتراك.

مسألة 112: إذا وقف علي أولاده،

اشترك فيه البنون و البنات؛ لصدق اسم الولد علي كلّ منهما حقيقة.

و كذا لو وقف علي إخوته، اشترك فيه الذكور و الإناث.

و كذا لو وقف علي ذوي قرابته (اشترك فيه)(3) الذكور و الإناث و الأدني و الأبعد؛ لصدق اسم القرابة عليهما.

و يحكم بالتساوي في القسمة، إلاّ أن يشترط ترتيبا أو اختصاصا أو تفضيلا(4).

و لو وقف علي أولاد أولاده، دخل فيه أولاد البنين و أولاد البنات؛ لأنّ البنات أولاده، فأولادهنّ أولاد أولاده حقيقة، فيجب أن يدخل في الوقف أولاد البنات، كما يجب أن يدخل أولاد البنين؛ لتناول اللفظ لهم

ص: 194


1- إعلام الوري 407:1 و 421، المناقب - لابن شهرآشوب - 367:3، كشف الغمّة 533:1.
2- المعجم الأوسط - للطبراني - 6197/279:6.
3- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «اقتضي اشتراك».
4- في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق: «تفصيلا» بالصاد المهملة.

- و كذا لو قال: وقفت علي أولادي و عقبهم و نسلهم و ذرّيّتهم - و لقوله تعالي: وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسي وَ هارُونَ... (1) ثمّ قال تعالي: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا (2) و عيسي عليه السّلام منهم.

و قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله للحسن عليه السّلام: «إنّ ابني هذا سيّد»(3) و هو ولد ابنته فاطمة عليها السّلام.

و لمّا قال تعالي: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ (4) دخل في التحريم حلائل أبناء البنات، و لمّا حرّم اللّه تعالي البنات دخل في التحريم بناتهنّ.

و به قال الشافعي و مالك(5) و أبو يوسف(6).8:

ص: 195


1- سورة الأنعام: 84 و 85.
2- سورة مريم: 58.
3- المصنّف - لعبد الرزّاق - 20981/452:11، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 12227/96، مسند أحمد 19879/17:6، صحيح البخاري 244:3، سنن أبي داود 4662/216:4، سنن الترمذي 3773/658:5، سنن النسائي (المجتبي) 107:3، السنن الكبري - للنسائي - 531:1-1718/532-2، المعجم الصغير - للطبراني - 271:1، المعجم الأوسط - له أيضا - 162:2-1554/163، المستدرك - للحاكم - 175:3، السنن الكبري - للبيهقي - 165:6.
4- سورة النساء: 23.
5- كذا قوله: «و مالك» في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق، و كذا في الطبعة الحجريّة، و لم نعثر علي ما نسب إليه في المصادر المتوفّرة لدينا، بل في الحاوي الكبير 528:7، و روضة القضاة 5309/793:2، و العزيز شرح الوجيز 280:6، و المغني 229:6، و الشرح الكبير 246:6 نسب إليه القول بعدم دخول أولاد البنات في الوقف، فلاحظ.
6- الحاوي الكبير 528:7، المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 8:

و قال عيسي بن أبان: لا يدخل ولد البنت، و كان قاضيا علي البصرة، فأخرج أولاد البنت من الوقف الذي وقفه بعضهم علي أولاده و أولاد أولاده، و بلغ ذلك أبا حازم ببغداد، فقال: أصاب؛ لأنّ محمّدا(1) قال: لو أخذ الأمان لولده و ولد ولده دخل فيه أولاد البنين دون أولاد البنات؛ لأنّ أولاد البنات لا ينتسبون إليه فلا يدخلون في إطلاق اسم أولاد الأولاد، و لهذا قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد(2)

و لأنّه لو وقف علي ولد رجل و قد صاروا قبيلة، دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات اتّفاقا، فكذا إذا وقف عليهم في حياته(3).

و قول ابن أبان خطأ، و فعله غلط؛ لأنّ البنت من الأولاد حقيقة و عرفا، و ولدها ولد بالضرورة.

و قول محمّد بن الحسن ليس حجّة، و لا نسلّم عدم الانتساب إليه؛ فإنّ النسبة محقّقة قطعا؛ لأنّ سببها التوليد و التكوّن من النطفة، و هي متحقّقة في المرأة و الرجل، فصحّت النسبة قطعا، و لهذا يقال: ابن بنته، كما يقال:6.

ص: 196


1- أي: محمّد بن الحسن الشيباني.
2- ورد البيت بلا نسبة إلي شاعر معيّن في الحاوي الكبير 528:7، و المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و البيان 73:8، و المغني 230:6، و الشرح الكبير 247:6، و كتاب الحيوان - للجاحظ - 346:1، و الإنصاف - لابن الأنباري -: 66، و شرح المفصّل 275:1، و نسبه الكرماني إلي الفرزدق علي ما حكاه عنه البغدادي في خزانة الأدب 444:1-445.
3- حلية العلماء 27:6، البيان 72:8-73، المغني 230:6، الشرح الكبير 246:6.

ابن ابنه.

و قول الشاعر لا عبرة به، مع أنّ قصد الشاعر الانتساب.

و لو قال: لمن انتسب إليّ من الأولاد، كان لأولاده و أولاد البنين دون البنات، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يدخلون أيضا؛ لأنّهم منتسبون إليه، كما في حقّ الحسن عليه السّلام(2).

و لو قال: علي أولادي غير ذوي الأرحام، فهو لأولاد البنين خاصّة.

و لو قال: علي ولدي فلان و فلانة و فلانة و أولادهم، دخل فيه ولد البنات.

و كذا لو قال: علي أنّ من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده.

و لو قال الهاشميّ: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي الهاشميّين، لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشميّ، و لو كان هاشميّا، دخل علي الخلاف.

منهم من قال بالدخول؛ لأنّه اجتمع فيهم الصفتان جميعا: كونهم من أولاد أولاده، و كونهم هاشميّين(3).

و منهم من قال بعدمه؛ لأنّهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده، فأشبه ما لو لم يقل: الهاشميّين(4).

و إن قال: علي أولادي و أولاد أولادي ممّن ينتسب إلي قبيلتي، فكذلك.6.

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 401:4.
2- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 401:4.
3- المغني 231:6، الشرح الكبير 248:6.
4- المغني 231:6، الشرح الكبير 248:6.

و لو وقف علي أولاده و لا ولد له و له أولاد أولاد، صرف الوقف إليهم؛ لأنّ عند تعذّر الحقيقة يجب الحمل علي المجاز لئلاّ يلغو كلام العاقل، و الأصل صيانته عن الإلغاء.

و لو وقف علي أولاده و أولاد أولاده، ففي دخول أولاد أولاد الأولاد الخلاف.

و كذا لو ذكر ثلاث بطون، ففي دخول الرابع الخلاف.

مسألة 113: إذا وقف علي أولاده،

دخل فيه البنون و البنات و الخناثي المشكلون، و لو وقف علي البنين لم تدخل البنات و لا الخناثي، و لو وقف علي البنات لم يدخل البنون و لا الخناثي.

و هل يدخل أولاد البنين و أولاد البنات ؟ فيه ما تقدّم من الخلاف.

و من الشافعيّة من جعل الخلاف في دخول أولاد البنين في الوقف علي الأولاد، و جزم بخروج أولاد البنات(1).

و هو تحكّم من غير دليل ألبتّة.

و لو وقف علي البنات، ففي دخول بنات الأولاد وجهان.

و لو وقف علي البنين و البنات، فأصحّ وجهي الشافعيّة: دخول الخناثي، مع أنّهم سلّموا أنّه لو وقف علي البنين لم تدخل الخناثي، و لو وقف علي البنات لم تدخل الخناثي، و احتجّوا بأنّه(2) لا يخرج عن الصنفين، و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يعدّ من هؤلاء و لا من هؤلاء(3).

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 279:6.
2- إفراد الضمير باعتبار الخنثي.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 252:4، حلية العلماء 27:6،

و لو وقف علي بني تميم، صحّ عندنا، و للشافعيّة قولان(1) ، فعلي الصحّة تدخل البنات منهم كما يدخل البنون، لأنّه يعبّر به عن القبيلة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا تدخل النساء، كما لو وقف علي بني زيد(2).

مسألة 114: لو وقف علي أولاده أو أولاد غيره،

انصرف الوقف إلي الموجودين منهم دون الحمل الذي لم ينفصل، فلا يوقف له شيء إلي حين انفصاله، و لا يستحقّ شيئا في الوقف قبل انفصاله؛ لأنّه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله، و لأنّه يحتمل أن لا يكون حملا، فلا يثبت له حكم الولد قبل انفصاله، و به قال أحمد(3) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة؛ لأنّه قبل الانفصال لا يسمّي ولدا، و الثاني: أنّه يستحقّ قبل انفصاله، و يستحقّ الغلّة لمدّة الحمل، و يوقف له إلي أن يولد، كما في الميراث، و أمّا غلّة ما بعد الانفصال فإنّه يستحقّها، و كذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقّون إذا انفصلوا(4).

و المنفيّ باللعان لا يستحقّ؛ لانقطاع نسبه، و خروجه عن أن يكون ولدا، و هو قول أكثر الشافعيّة(5).

ص: 199


1- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 28:6، التهذيب - للبغوي - 523:4، البيان 74:8-75، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 28:6، التهذيب - للبغوي - 523:4، البيان 74:8-75، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
3- التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
4- العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4-402.
5- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوجيز 247:1، الوسيط 253:4، التهذيب

و قال بعضهم: يستحقّ، و أثر اللعان مقصور علي الملاعن(1).

و لو قال: وقفت علي ذرّيّتي، أو علي عقبي، أو علي نسلي، دخل فيه أولاد البنين و البنات قريبهم و بعيدهم - و به قال الشافعيّ(2) - لقوله تعالي:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلي أن ذكر عيسي(3) عليه السّلام، و هو ولد البنت.

و قال مالك و أحمد: لا يدخل أولاد البنات في ذلك(4). و ليس شيئا.

و لو حدث حمل، فالأقرب: دخوله، و يوقف نصيبه؛ لأنّه من نسله و عقبه لا محالة، و به قال بعض الشافعيّة(5).

مسألة 115: لو كان له ثلاثة بنين

فقال: وقفت علي ولدي فلان و فلان و علي ولد ولدي الثالث و أولادهم، جاز الوقف علي المسمّين و علي أولادهما و أولاد الثالث، و ليس للثالث شيء؛ لعدم اندراجه في المسمّين، و لا منافاة بين الوقف علي أولاد أولاده و حرمان الولد.

و قال أحمد: يدخل الثالث أيضا، و قال أيضا في رجل قال: وقفت هذه الضيعة علي ولدي فلان و فلان و علي ولد ولدي و له ولد من غير هؤلاء:

ص: 200


1- المهذّب - للشيرازي - 451:1، البيان 72:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 402:4.
2- الحاوي الكبير 528:7، المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 252:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 73:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
3- سورة الأنعام: 84 و 85.
4- العزيز شرح الوجيز 280:6، المغني 229:6، الشرح الكبير 246:6.
5- - للبغوي - 521:4، البيان 72:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 402:4.

إنّهم يشتركون في الوقف؛ لأنّ قوله: «ولدي» يستغرق الجنس، فيعمّ الجميع، و قوله: «فلان و فلان» تأكيد لبعضهم، فلا يوجب إخراج الباقي؛ لقوله تعالي: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ (1)(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع، فاختصّ بالبعض المبدل، كما لو قال: علي ولدي فلان؛ لأنّ بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به، كقوله تعالي: وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (3) لمّا اختصّ المستطيع بالذكر اختصّ الوجوب به، و لو قال: ضربت زيدا رأسه، أو رأيت زيدا وجهه، اختصّ الضرب بالرأس و الرؤية بالوجه بإجماع النّحاة، و منه قوله تعالي: وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلي بَعْضٍ (4) و قول القائل: طرحت الدراهم بعضها فوق بعض، فإنّ الفوقيّة تختصّ بالبعض مع عموم اللفظ الأوّل، كذا هنا، بخلاف العطف، فإنّ عطف الخاصّ علي العامّ يقتضي تأكيده لا تخصيصه.

مسألة 116: إذا وقف علي أولاده و هم ثلاثة

علي أنّ من مات من فلان و فلان و أولادهم عن ولد فنصيبه لولده، و إن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف، اتّبع ما شرطه.

و كذا لو كان له بنون و بنات و أوقف عليهم، و قال في وقفه: من مات من الذكور فنصيبه لولده و من مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف، فهو

ص: 201


1- سورة البقرة: 98.
2- المغني 227:6، الشرح الكبير 244:6.
3- سورة آل عمران: 97.
4- سورة الأنفال: 37.

علي ما قال.

و لو قال: هو وقف علي أولادي علي أن يصرف إلي البنات منه ألف و الباقي للبنين، لم يستحق البنون شيئا حتي تستوفي البنات الألف؛ لأنّه جعل للبنات المسمّي، و جعل للبنين الفاضل عنه، و كان الحكم فيه علي ما قال، فجعل البنات كذوي الفروض الذين سمّي اللّه تعالي لهم فرضا، و جعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقّون إلاّ ما فضل عن ذوي الفروض.

و لو قال: وقفت علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي علي أنّ من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده، أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده، أو لولد أخيه، أو لأخواته، أو لولد أخواته، فهو علي ما شرط.

و لو قال: من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده و من مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف، و كان له ثلاثة بنين، فمات أحدهم عن ابنين، انتقل نصيبه إليهما، ثمّ مات الثاني عن غير ولد، فنصيبه لأخيه و ابني أخيه بالسويّة؛ لأنّهم أهل الوقف، ثمّ إن مات أحد ابني الابن عن غير ولد انتقل نصيبه إلي أخيه و عمّه؛ لأنّهما أهل الوقف.

و لو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد و خلّف أخويه و ابني أخ، فنصيبه لأخويه دون ابني أخيه؛ لأنّهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيّا، فإذا مات أبوهما صار نصيبه لهما، فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالسويّة إن لم يخلّف ولدا، و إن(1) خلّف ابنا واحدا فله نصيب أبيه، و هو النصف، و لا بني عمّه النصف لكلّ واحد الربع.».

ص: 202


1- في الطبعة الحجريّة: «فإن».

و لو قال: من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا علي من هو في درجته، فإن كان الوقف مرتّبا بطنا بعد بطن، كان نصيب الميّت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه.

و إن كان مشتركا بين البطون كلّها، احتمل أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلّهم؛ لأنّهم في استحقاق الوقف سواء، فكانوا في درجته من هذه الجهة، و لأنّا لو صرفنا نصيبه إلي بعضهم أفضي إلي تفضيل بعضهم علي بعض، و التشريك يقتضي التسوية، فعلي هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه؛ لأنّه لو سكت عنه كان الحكم فيه كذلك.

و يحتمل أن يعود نصيبه إلي سائر أهل البطن الذي هو منه؛ لأنّهم في درجته في القرب إلي الجدّ الذي يجمعهم، و يستوي في ذلك إخوته و بنو عمّه و بنو بني (عمّه و بنو بني)(1) عمّ أبيه؛ لأنّهم سواء في القرب، و لأنّا لو شرّكنا بين أهل الوقف كلّهم في نصيبه لم يكن في هذا(2) الشرط فائدة، و الظاهر أنّه قصد شيئا يفيد، فعلي هذ إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط، و كان الحكم فيه كما لو لم يذكره.

و إن كان الوقف علي البطن الأوّل علي أنّ من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلي ولده و من مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلي من في درجته، ففيه للعامّة ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلّهم يتساوون فيه، سواء كانوا من بطن واحد أو من بطون، و سواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو».

ص: 203


1- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لهذا» بدل «في هذا».

اختلفت؛ لما تقدّم.

و الثاني: أن يكون لأهل بطنه، سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا، مثل أن يكون البطن الأوّل ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثمّ مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين و ترك أخاه و ابن عمّه و عمّه و ابنا لعمّه الحيّ، فيكون نصيبه بين أخيه و ابني عمّه.

و الثالث: أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف، فيكون علي هذا لأخيه و ابن عمّه الذي مات أبوه(1).

و إن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال، كرجل له أربعة بنين وقف علي ثلاثة منهم علي هذا الوجه المذكور و ترك الرابع، فمات أحد الثلاثة عن غير ولد، لم يكن للرابع فيه شيء؛ لأنّه ليس من أهل الاستحقاق، فأشبه ابن عمّهم.

مسألة 117: قد بيّنّا أنّه يجب اتّباع ما شرطه الواقف في وقفه

إذا لم يناف مقتضي الشرع و لا مقتضي الوقف، فلو قال: وقفت علي أولادي فإذا انقرض أولادي و أولاد أولادي فعلي الفقراء، فهو وقف منقطع الوسط؛ لأنّه لم يجعل لأولاد الأولاد شيئا، و إنّما جعل انقراضهم شرطا في استحقاق الفقراء، و هو قول أكثر علمائنا(2) و أكثر الشافعيّة(3).

و قال الباقون: إنّ أولاد الأولاد يستحقّون بعد انقراض أولاد الصلب؛ لأنّ

ص: 204


1- المغني 226:6، الشرح الكبير 243:6.
2- حكاه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 220:2 بعنوان «قيل» ثمّ قال: و هو أشبه.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 30:6، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 77:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 404:4.

اشتراط انقراضهم يشعر بإثبات الاستحقاق لهم(1). و ليس بشيء.

و لو وقف علي بنيه الأربعة و شرط أنّ من مات منهم و له عقب فنصيبه لعقبه، و من مات منهم و لا عقب له فنصيبه لسائر أرباب الوقف، ثمّ مات أحدهم عن ابن، و آخر عن ابنين، و ثالث عن غير عقب، يجعل نصيب الثالث بين الرابع و ابن الأوّل و ابني الثاني بالسويّة.

و لو قال: وقفت علي بنيّ الخمسة و علي من سيولد لي علي ما أفصّله، ثمّ فصّل و قال: ضيعة كذا لابني فلان، و حصّة كذا لفلان، إلي أن ذكر الخمسة، ثمّ قال: و أمّا من سيولد لي فنصيبه إن مات من الخمسة و لا عقب له يصرف حقّه إليه، فمات واحد و لا عقب له و ولد للواقف ولد، صرف إليه نصيب من مات من غير عقب، و ليس له أن يطلب شيئا آخر؛ لقوله أوّلا: وقفت علي بنيّ و علي من سيولد لي، فإنّ التفصيل أخيرا بيّن ما أجمله أوّلا.

مسألة 118: لو شرط في الوقف تفضيل بعضهم علي بعض أو تقديمه أو المساواة بينهم،

جاز، و اتّبع شرطه، و لا نعلم فيه خلافا، فلو قال:

وقفت علي أولادي و أولاد أولادي و هكذا علي أنّ للذكر سهمين و للأنثي سهما، أو قال: للذكر مثل حظّ الأنثيين، أو علي حسب ميراثهم، أو علي كتاب اللّه تعالي، كان للذكر ضعف الأنثي، لأنّ الكاظم عليه السّلام لمّا وقف أرضه قسّمها للذكر مثل حظّ الأنثيين، و شرط أنّ من تزوّج من النساء فلا حظّ لها في هذه الصدقة حتي ترجع بغير زوج(2).

و قدّمت فاطمة عليها السّلام في وقفها أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين عليهم السّلام

ص: 205


1- نفس المصادر.
2- الكافي 53:7-8/54، الفقيه 647/184:4، التهذيب 610/149:9.

ثمّ الأكبر من ولدها(1).

و لو شرط في وقفه تفضيل الأنثي علي الذكر أو مساواتها له، صحّ.

و بالجملة، تجب مراعاة شرط الواقف في قدر ما لكلّ واحد و في صفات المستحقّين و في زمان الاستحقاق.

و لو وقف علي العلماء، لم يعط غيرهم.

و لو شرط أن يكونوا علي مذهب كذا أو شرط الفقر أو الغربة أو الشيخوخة، لزم ذلك كلّه، و لم تجز المخالفة لما شرطه.

و لو وقف علي أبنائه الفقراء أو علي بناته الأرامل، فمن استغني منهم أو تزوّج منهنّ خرج عن الاستحقاق، فلو عاد فقيرا أو طلّقها زوجها عاد الاستحقاق.

و لو وقف علي أمّهات أولاده إلاّ من تزوّج منهنّ، فتزوّجت واحدة، خرجت عن الاستحقاق، و إن طلّقت لم يعد الاستحقاق، و الفرق بينهنّ و بين بناته أمّا من جهة اللفظ فإنّه هناك أثبت الاستحقاق لبناته إذا كنّ أرامل، و إذا طلّقت حصلت الصفة، و هنا أثبت الاستحقاق لها إلاّ أن تتزوّج، و هذه و إن طلّقت صدق عليها أنّها تزوّجت، و أمّا من جهة المعني فإنّ غرض الواقف هنا أن تفي له أمّهات الأولاد و لا يخلفه عليهنّ غيره، فمن تزوّجت منهنّ لم تكن وافية، طلّقت أو لم تطلّق.

مسألة 119: لو وقف علي أولاده و شرط أن يكون غلّة السنة الأولي إلي واحد

و غلّة السنة الثانية إلي آخر و الثالثة إلي ثالث و هكذا ما بقوا، ثمّ إذا انتقل إلي الفقراء صرف غلّة السنة الأولي من سني الانتقال إلي العلماء من الفقراء، و غلّة السنة الثانية إلي القرّاء من الفقراء، و غلّة السنة الثالثة إلي

ص: 206


1- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش (5).

الفقهاء من الفقراء، و هكذا ما بقوا، تبع شرطه؛ لأنّه سائغ.

و لو وقف علي قرابته من قبل أبيه و علي قرابته من قبل أمّه ضيعة و شرط أن يخرج منها مقدار معيّن إلي أجنبيّ، صحّ ذلك، و لم يكن لقرابته شيء حتّي يستوفي صاحب المقدار ما قدّر له؛ لأنّ جعفر بن حيّان(1) سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أوقف غلّة علي قرابة من أبيه و قرابة من أمّه و أوصي لرجل و لعقبه من تلك الغلّة - ليس بينه و بينه قرابة - بثلاثمائة [درهم] كلّ سنة و يقسّم الباقي علي قرابته من أبيه و من أمّه، قال: «جائز للّذي أوصي له بذلك» قلت: أرأيت إن لم يخرج من غلّة الأرض التي أوقفها إلاّ خمسمائة درهم، فقال: «أليس أن يعطي الذي أوصي له من الغلّة ثلاثمائة درهم و يقسّم الباقي علي قرابته من أبيه و من أمّه ؟» قلت: نعم، قال: «ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتّي يستوفي الموصي له ثلاثمائة درهم ثمّ لهم ما يبقي بعد ذلك» قلت: أرأيت إن مات الذي أوصي له، قال: «إن مات كانت الثلاثمائة [درهم] لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا انقطع ورثته و لم يبق منهم واحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت تردّ إلي ما يخرج من الوقف ثمّ يقسّم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» قلت: فللورثة قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة ؟ قال: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا»(2).

مسألة 120: اسم المولي يقع علي السيّد الذي أعتق عبده،

و يقال له:

ص: 207


1- في الفقيه و التهذيب: «جعفر بن حنّان».
2- الكافي 29/35:7، الفقيه 179:4-630/180، التهذيب 133:9-565/134، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

المولي من أعلي، و علي العبد الذي أعتقه سيّده، و يقال له: المولي من أسفل بالاشتراك، فإذا وقف علي مولاه و ليس إلاّ أحدهما (فالوقف عليه)(1).

و لو وجدا معا، فإن كان هناك قرينة تدلّ علي أحدهما صرف إليه؛ عملا بالقرينة.

و إن انتفت القرائن، قال الشيخ رحمه اللّه: ينصرف إليهما معا؛ لأنّ كلّ واحد منهما يقع عليه اسم المولي حقيقة، فانصرف إليهما، كولده(2).

و هو قول أبي حنيفة و أحد وجوه الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: ينصرف إلي المولي من فوق؛ لأنّه أقوي جنبة، فإنّه يرث، بخلاف المولي من أسفل، فإنّه لا يرث، و لأنّه منعم عليه فكان أولي بالمكافأة(4) ، و به قال ابن حمزة(5) من علمائنا.

و الوجه الثالث: أنّه يبطل الوقف؛ لأنّه وقفه(6) علي مجهول، لأنّ المولي من أسماء الأضداد، لأنّه يقع علي المعتق و المعتق، و لا يمكن حمل اللفظ فيه علي العموم، و إنّما يحمل علي العموم أسماء الأجناس،».

ص: 208


1- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «صرف الوقف إليه».
2- الخلاف 546:3، المسألة 14، المبسوط - للطوسي - 295:3.
3- الحاوي الكبير 530:7، المهذّب - للشيرازي - 452:1، نهاية المطلب 8: 402، الوجيز 247:1، حلية العلماء 32:6، التهذيب - للبغوي - 522:4 - 523، البيان 85:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4، الشرح الكبير 260:6-261.
4- الحاوي الكبير 530:7، المهذّب - للشيرازي - 452:1، نهاية المطلب 8: 402، الوجيز 247:1، حلية العلماء 32:6، التهذيب - للبغوي - 522:4 - 523، البيان 85:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4، الشرح الكبير 260:6-261.
5- لم نعثر عليه في الوسيلة.
6- في الطبعة الحجريّة: «وقف».

كالمسلمين، فلمّا تعذّر ذلك بطل(1).

و هو المعتمد عندي؛ لأنّ اللفظ المشترك لا يستعمل في كلا معنييه إلاّ بنوع من المجاز، و هو يدلّ علي أحد المعنيين فصار بمنزلة قوله: وقفت علي أحد هذين.

و هنا وجه رابع لبعض الشافعيّة: أنّه يكون للعتيق؛ لاطّراد العادة بإحسان السادة إلي العتقاء(2).

أمّا لو وقف علي مواليه بلفظ الجمع، فإنّه يندرج الموليان معا فيه.

مسألة 121: إذا وقف علي عترته،

قال ابن الأعرابي و ثعلب: إنّهم ذرّيّته(3).

و قال القتيبي: إنّهم عشيرته(4).

و للشافعيّة فيه وجهان، أظهرهما: الثاني(5) ، و قد روي ذلك عن زيد بن أرقم(6).

و [قال] ابن إدريس: إنّه للأخصّ من قومه و عشيرته؛ استدلالا بقول ثعلب و ابن الأعرابي(7).

و قال بعض علمائنا: إنّه يكون لذرّيّته. و استدلّوا أيضا بقول ثعلب و ابن الأعرابي(8).

ص: 209


1- نفس المصادر في الهامش (3 و 4) من ص 208.
2- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 4: 521، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 4: 521، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
5- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
6- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
7- السرائر 158:3.
8- ابن زهرة في الغنية: 299، و الكيدري في إصباح الشيعة: 347.

و المرجع في ذلك كلّه إلي أهل اللغة.

و لو وقف علي عشيرته، كان علي الخاصّ من قومه الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه، قاله الشيخان(1) - رحمهما اللّه - و جماعة من علمائنا(2).

و قال بعضهم: يعمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصوده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق(3).

و قالت الشافعيّة: إذا قال: علي عشيرتي، فهو كما لو قال: علي قرابتي(4).

و لو قال: علي قبيلتي، أو عشيرتي، قال بعض الشافعيّة: لم يدخل فيه إلاّ قرابة الأب(5).

و لو قال: علي قرابتي، دخل فيه من كان مشهورا بقرابته.

فإن ولد له قرابة بعد الوقف، دخل، و هو قول أكثر الشافعيّة(6).

و قال بعضهم: لا يدخل فيه من حدث(7).

و هو غلط؛ لأنّه لو قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي، دخل فيه من يحدث.

و لو قال: وقفت هذا علي أهل بيتي، فهو لأقاربه من قبل الرجال و النساء.4.

ص: 210


1- المقنعة: 655، النهاية: 599.
2- كسلاّر في المراسم: 198، و ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و إبن إدريس في السرائر 164:3.
3- الحلبي في الكافي في الفقه: 327.
4- التهذيب - للبغوي - 521:4، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 4: 402.
5- العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.
6- المهذّب - للشيرازي - 451:1، حلية العلماء 31:6، التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 80:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.
7- المهذّب - للشيرازي - 451:1، حلية العلماء 31:6، التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 80:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.

و لو قال: وقفت علي أقرب الناس إليّ، فهم الأبوان و الولد و إن سفلوا، فلا يكون لأحد من ذوي القرابة شيء ما لم يعدم المذكورون، ثمّ الأجداد و الإخوة و إن نزلوا، ثمّ الأعمام و الأخوال علي ترتيب الإرث، لكن يتساوون في الاستحقاق، إلاّ أن يعيّن التفضيل.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قال: وقفت علي أولادي ما تعاقبوا، فإن انقرضوا فعلي أقرب الناس إليّ، فإنّ الوقف علي أولاده ما تناسلوا، فإذا انقرضوا فأقرب الناس إليه بعد البنين الآباء و الأمّهات، فإن كان أبوه حيّا صرف إليه، و كذا إن كانت أمّه حيّة صرف إليها، و إن كانا حيّين فإليهما، فإن كان له جدّ و أم فالأم أقرب يصرف إليها، و أبو الأم و أبو الأب سواء؛ لأنّهما في درجة واحدة في الولادة، و علي هذا فإن اجتمع أخ و جدّ فهو بينهما، و إن اجتمع إخوة متفرّقون كان الأخ من الأب و الأم أولي من غيره؛ لأنّ الانفراد بقرابة يجري مجري التقدّم بدرجة، فتكون الإخوة من الأب و الإخوة من الأم بمنزلة بني الإخوة مع الأخ، و لهذا كان أولي بالميراث، فإذا اجتمع أخ من أب و ابن أخ من أب و أم، قدّم الأخ من الأب؛ لأنّ التقدّم حصل في جنبته، و حصل في جنبة ابن الأخ انفراد بقرابة هو بمنزلة التقدّم، و هذا كما نقول في الولاء بمنزلة النسب، فإذا اجتمعا قدّم النسب عليه(1).

و قال ابن حمزة من علمائنا: إذا قال: علي أقرب الناس إليّ، كان علي من هو أولي بميراثه(2).

و هو يعطي الاعتبار بالإرث، و ذلك يستلزم تشارك الإخوة من الأم مع الإخوة من الأبوين.1.

ص: 211


1- المبسوط - للطوسي - 297:3.
2- الوسيلة: 371.
مسألة 122: لو وقف علي زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثمّ من بعده علي الفقراء و المساكين،

فهذا وقف فيه انقطاع؛ لأنّ الفقراء إنّما يستحقّون بعد انقراضه، و استحقاقه مشروط بشرط قد يتخلّف.

و الصفة و الاستثناء عقيب الجمل المعطوف بعضها علي بعض يرجعان إلي الكلّ.

مثال الصفة: وقفت علي أولادي و أحفادي و إخوتي المحاويج منهم.

و مثال الاستثناء: وقفت علي أولادي و أحفادي و إخوتي إلاّ أن يفسق واحد منهم.

هكذا أطلقه الشافعيّة(1).

و الجويني قيّده بقيدين:

أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، و أمّا إذا كان العطف بكلمة «ثمّ» قال: يختصّ الصفة و الاستثناء بالجملة الأخيرة.

و الثاني: أن لا يتخلّل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلّل - كما لو قال: وقفت علي أولادي علي أنّ من مات منهم و أعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظّ الأنثيين، و إن لم يعقب فنصيبه للّذين في درجته، فإذا انقرضوا فهو مصروف إلي إخوتي إلاّ أن يفسق أحدهم - فالاستثناء يختصّ بالأخيرة(2).

و الصفة المتقدّمة علي جميع الجمل - مثل أن يقول: وقفت علي محاويج أولادي و أولاد أولادي و إخوتي - كالمتأخّرة عن جميعها حتي

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 282:6، روضة الطالبين 404:4-405.
2- نهاية المطلب 364:8-365، و عنه في العزيز شرح الوجيز 282:6، و روضة الطالبين 405:4.

يعتبر الحاجة في الكلّ.

و لو شرط إخراج بعضهم بصفة و ردّه بصفة، مثل: أن يقول: من تزوّج من أولادي فلا شيء له فإن فارق رجع حقّه، أو قال: من سكن الوقف كان له نصيب فإن تحوّل فلا نصيب له و إن عاد عاد نصيبه، أو يشرط:

من خرج من مذهب إلي مذهب بطل نصيبه فإن عاد إليه عاد نصيبه، فإنّ هذا كلّه شرط صحيح.

لا يقال: قد جعلتم الوقف معلّقا بشرط، و عندكم لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت كذا و كذا، لم يصح.

لأنّا نقول: لم نجعل - فيما قلناه - الشرط في أصل الوقف، فإنّ الوقف حاصل بالعقد، و إنّما علّق استحقاق غلّته بأوصاف و شروط، و ذلك جائز، و هذا كما في الوكالة لو علّقها بشرط لم تصح، و إن أطلق الوكالة و علّق التصرّف فيها بشرط جاز.

مسألة 123: إذا وقف علي جيرانه،

قال الشيخان رحمهما اللّه: كان لمن يلي داره إلي أربعين ذراعا من جميع الجهات(1) ، و هو قول أكثر علمائنا(2).

و قال بعضهم: يصرف إلي من يطلق عليه اسم الجار عرفا(3).

و قال آخرون: يصرف إلي من يلي داره إلي أربعين دارا(4).

ص: 213


1- المقنعة: 653، النهاية: 599.
2- منهم: سلاّر في المراسم: 198، و الحلبي في الكافي في الفقه: 326، و ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و ابن زهرة في الغنية: 299، و ابن حمزة في الوسيلة: 371، و ابن إدريس في السرائر 163:3، و الكيدري في إصباح الشيعة: 347.
3- قال به المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 215:2.
4- كما في شرائع الإسلام 215:2.

و الوجه: الرجوع إلي العرف الجاري بين الناس؛ لأنّ عادة الشارع حمل اللفظ عليه عند عدم الحقيقة الشرعيّة.

و لو وقف علي قومه، قال الشيخان رحمهما اللّه: يكون ذلك علي جماعة أهل لغته من الذكور دون الإناث(1) ، و تبعهما جماعة من علمائنا(2).

و قال بعضهم: يعمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق(3).

و قال سلاّر منّا: يكون لجماعة أهل لغته(4) ، و لم يخص الذكور بالذّكر.

و قال ابن إدريس: يكون مصروفا إلي الرجال من قبيلته ممّن ينطلق في العرف بأنّهم أهله دون من سواهم؛ لقوله تعالي: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ... وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ (5).

و قال زهير:

و ما أدري و سوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء(6)

و هذا يدلّ علي اختصاص الذكور، و علي الاختصاص بالقرابة قول الشاعر:6.

ص: 214


1- المقنعة: 655، النهاية: 599.
2- منهم: ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و ابن زهرة في الغنية: 299، و ابن حمزة في الوسيلة: 371.
3- الحلبي في الكافي في الفقه: 327.
4- المراسم: 198.
5- سورة الحجرات: 11.
6- شعر زهير بن أبي سلمي: 136، و ورد البيت في المعاني الكبير في أبيات المعاني 593:1، و الاشتقاق - لابن دريد -: 46، و جمهرة اللغة - له أيضا - 2: 977-978، و الصحاح 2016:5 «قوم»، و الصاحبي - لابن فارس -: 306.

قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي(1)(2)

و لو وقف علي أهل بيته، فهم أقاربه من قبل الرجال و النساء، و به قال الشافعي(3).

و لو وقف علي مستحقّي الخمس، قال الشيخ رحمه اللّه: كان ذلك علي ولد أمير المؤمنين عليه السّلام و ولد العبّاس و جعفر و عقيل(4).

و الحقّ: أنّه يكون لأولاد هاشم كافّة: الذكور و الإناث؛ لأنّهم المستحقّون للخمس، و هم الآن أولاد أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب، و ليس لبني المطلّب فيه شيء علي رأي.

و لو وقف علي العلويّين، فهو لأولاد عليّ عليه السّلام: الذكور و الإناث، و أولاد أولادهم إذا كانوا أولاد بنين دون أولاد البنات علي رأي.

مسألة 124: و اختلف العامّة في أنّ الأفضل التسوية بين الذكر و الأنثي؛

لأنّ القصد القرابة علي وجه الدوام، و قد استويا في القرابة، أو جعل الذكر ضعف الأنثي ؟ علي حسب قسمة اللّه تعالي الميراث(5) ؛ لأنّه إيصال المال إليهم، فينبغي أن يكون بينهم علي حسب الميراث، كالعطيّة، و لأنّ الذكر في مظنّة الحاجة أكثر من الأنثي؛ لأنّ كلّ واحد منهما في العادة يتزوّج و يكون له الولد، فالذكر تجب عليه نفقة امرأته و أولاده، و المرأة ينفق

ص: 215


1- البيت للحارث بن وعلة الذهلي، و هو في ديوان الحماسة: 64، و الأمالي - لأبي علي القالي - 262:1، و محاضرات الأدباء - للراغب الاصفهاني - 3: 342، و في عيون الأخبار - لابن قتيبة الدينوري - 100:3 بلا نسبة.
2- السرائر 164:3.
3- راجع: الحاوي الكبير 529:7، و حلية العلماء 28:6-29.
4- النهاية: 599.
5- سورة النساء: 11.

عليها زوجها و لا تلزمها نفقة أولادها، و قد فضّل اللّه تعالي الذكر علي الأنثي في الميراث علي وفق هذا المعني، فيصحّ تعليله به، و يتعدّي إلي الوقف و إلي غيره من العطايا(1).

المطلب الثاني: فيما يتعلّق بالمعاني.
مسألة 125: مقتضي الوقف: اللزوم في الحال،

سواء أضافه إلي ما بعد الموت أو لم يضفه، و سواء قضي به قاض أو لم يقض، عند علمائنا أجمع، و به قال أحمد في إحدي الروايتين(2).

و الشافعي و إن وافقنا علي اللزوم(3) إلاّ أنّه لا يشترط القبض علي ما تقدّم(4).

و قال أبو حنيفة: الوقف كالعارية يرجع فيه متي شاء إلاّ أن يوصي به فيلزم بعد الموت، أو يقضي به قاض فيلزم(5).

و إذا لزم الوقف، امتنعت التصرّفات القادحة في غرض الوقف.

و شرط الوقف ثابت علي الواقف و علي غيره؛ لقول العسكري عليه السّلام:

«الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها»(6).

و لأنّ الكاظم عليه السّلام لمّا وقف أرضه قال في آخر شرطه: «تصدّق فلان بصدقته هذه و هو صحيح صدقة بتّا بتلا لا مشوبة فيها و لا ردّ، ابتغاء وجه

ص: 216


1- المغني 233:6، الشرح الكبير 248:6-249.
2- المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6 و 265.
3- الحاوي الكبير 511:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4، حلية العلماء 7:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 405:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2.
4- في ص 116، ذيل المسألة 57.
5- راجع: الهامش (1) من ص 115.
6- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش (3).

اللّه و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها و لا يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغيّر شيئا منها حتّي يرث اللّه الأرض و من عليها»(1).

و لو كانت كالعارية لم يحرم ذلك كلّه.

مسألة 126: إذا وقف و أقبض زال ملكه عنه عند أكثر علمائنا

(2) - و هو المشهور من مذهب الشافعي، و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدي الروايتين(3) - لأنّ الوقف سبب يزيل التصرّف في الرقبة و المنفعة فأزال الملك، كالعتق، و لأنّه لو كان باقيا علي ملكه لرجعت إليه قيمته، كالملك المطلق.

و قال مالك: إنّ الواقف لا يزول ملكه عن الوقف - و هو أحد قولي الشافعي - لقوله عليه السّلام: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(4) و لأنّ شرطه يتّبع، و لو زال لما اتّبع(5).

ص: 217


1- الفقيه 647/185:4.
2- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و ابن زهرة في الغنية: 298، و ابن إدريس في السرائر 152:3 و 153.
3- الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، الفقه النافع 724/1002:3، الذخيرة 327:6، المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 114، الهامش (2).
5- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1194/672:2، عيون المجالس 4: 1286/1823، عقد الجواهر الثمينة 972:3، الذخيرة 327:6، الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 517:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، المغني 209:6.

و لا حجّة فيه؛ لأنّ المراد به أن يكون محبوسا لا يباع و لا يوهب و لا يورث، و الملك إنّما زال علي هذا الحدّ من الشرائط.

و فائدة الخلاف: أنّا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزمه مراعاته و الخصومة فيه، و يحتمل أن يلزمه أرش جنايته، كما يفدي أمّ الولد سيّدها لمّا تعذّر تسليمها، بخلاف غير المالك.

و ربّما احتجّ من قال ببقاء ملك الواقف عليه: بأنّ الوقف المنقطع ينصرف بعد الانقراض إلي أقرب الناس إلي الواقف(1). و الفرق ظاهر.

و إذا ثبت زوال ملك الواقف عنه، فإنّه ينتقل إلي الموقوف عليه(2) عند أكثر علمائنا(3) - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه مال، لأنّ أحكام الماليّة ثابتة فيه، و لهذا يضمن بالقيمة، فكان ملكا، و المنع من البيع لا يخرجه عن الماليّة، كأمّ الولد.

و قال جماعة من علمائنا: إنّه ينتقل إلي اللّه تعالي(5) - و به قالم.

ص: 218


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 283:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «الموقوف عليهم».
3- كالشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و ابن زهرة في الغنية: 298، و ابن إدريس في السرائر 154:3، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 218:2، و الكيدري في إصباح الشيعة: 346.
4- المغني 211:6، الشرح الكبير 229:6، الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4-256، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1194/672:2، عيون المجالس 1286/1825:4.
5- نسبه الشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و إبن إدريس في السرائر 154:3 إلي قوم.

أبو حنيفة في الوقف اللازم(1) - لأنّه أزال ملكه عن العين و المنفعة علي وجه القربة بتمليك المنفعة، فانتقل الملك فيه إلي اللّه تعالي، كالعتق، و لأنّه لو انتقل إليه لافتقر إلي قبوله، كسائر الأملاك.

ثمّ نقضوا دليل أولئك ببواري المساجد و آلاتها، فإنّها تضمن بالقيمة و ملكها للّه تعالي.

و نمنع عدم الافتقار إلي القبول، و القياس ليس حجّة عندنا، و تظهر فائدة الملك في وجوب الزكاة في الغنم الموقوفة و النفقة علي العبد.

و اعلم أنّ الشافعي قال تارة بأنّ ملك الواقف يزول عن رقبة الوقف و أنّ الموقوف عليه لا يملكها، و إنّما يملك المنفعة. و قال في الشهادات:

إنّ مدّعي الوقف إذا أقام شاهدا واحدا حلف معه. و هو يدلّ علي أنّه ملك الوقف.

و لأصحابه في المسألة طرق، فقالوا: إنّ في طرق الواقف قولين:

أصحّهما: أنّ ملكه يزول؛ لأنّه تصرّف يقطع تصرّفه في الرقبة و استحقاقه المنفعة، فأشبه العتق و الصدقة.

و الثاني - و به قال مالك -: أنّه لا يزول ملكه؛ لأنّ شرطه متّبع، و لو زال لما اتّبع.

و علي القول بالانتقال فإلي من ينتقل ؟

أظهر الطّرق: أنّه علي قولين:

أصحّهما عندهم - و به قال أبو حنيفة -: أنّه ينتقل إلي اللّه تعالي،6.

ص: 219


1- حلية العلماء 13:6، العزيز شرح الوجيز 283:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 211:6، الشرح الكبير 229:6.

كالعتق، و معناه أنّه ينفكّ عن اختصاصات الآدميّين.

و الثاني - و به قال أحمد -: أنّه ينتقل إلي الموقوف عليه، كالصدقة.

و الطريقة الثانية: القطع بالأوّل، و ثبوته بالشاهد و اليمين؛ لأنّ المقصود منه إظهار استحقاق المنفعة، لا لأنّ الرقبة ملك له، فيحلف مدّعي الوقف مع الشاهد(1) ؛ لأنّ المقصود من الوقف المنفعة، و هي مال يثبت بالشاهد و اليمين، بخلاف حرّيّة العبد؛ لأنّ المقصود منها تكميل أحكامه.

و الثالثة: القطع بالقول الثاني، و حمل ما ذكره في الوقف علي أنّه لا يملك البيع و نحوه من التصرّفات(2).

هذا كلّه فيما إذا وقف علي شخص معيّن أو جهة عامّة، أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة، فهو فكّ عن الملك، كتحرير الرقيق، فينقطع عنها اختصاصات الآدميّين بلا خلاف فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إن وقف علي معيّن فهو ملك الموقوف عليه بلا خلاف، و إن وقف علي جهة عامّة فالملك للّه بلا خلاف(3).

و قيل: إنّه علي الأقوال الثلاثة في الصورتين(4).

و استبعد بعضهم نقل الملك إلي اللّه تعالي في الوقف علي المعيّن؛ لأنّه ليس من القربات، و نقل الملك إلي الموقوف عليه في الجهات العامّة؛ لأنّ الوقف قد يكون علي الرباطات و القناطر و ما لا ينسب إليه ملك(5).6.

ص: 220


1- في النّسخ الخطّيّة: «شاهده» بدل «الشاهد».
2- العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4.
3- العزيز شرح الوجيز 284:6، روضة الطالبين 406:4.
4- العزيز شرح الوجيز 284:6.
5- الغزالي في الوسيط 256:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 284:6.

و الأظهر عندهم من الأقوال: إضافة الملك إلي اللّه تعالي(1).

و لهم أن يجيبوا بالمنع من كون الوقف علي المعيّن ليس قربة، و لو سلّم فليس المعني بكون الملك للّه تعالي سوي انفكاك المحلّ عن ملك الآدميّين و اختصاصهم، و ذلك لا يتوقّف علي القربة و قصدها، فإنّ الكافر إذا أعتق صار العتق للّه تعالي و إن لم يكن فيه قربة(2).

و يمنع انتفاء الملك عن المسجد و الرباط، فقد يكون لهما ملك كما يكون عليهما وقف.

مسألة 127: لمّا كان الوقف عبارة عن تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة

اقتضي أن تكون فوائده و منافعه للموقوف عليه يتصرّف فيها كيف شاء تصرّف المالكين في أملاكهم من البيع و الهبة و الوقف و غير ذلك، فإنّ الوقف لذلك وضع.

فإن كان الوقف شجرة، ملك الموقوف عليه ثمارها ملكا تامّا، و أمّا أغصانها فإن كانت معتادة القطع فهي كالثمرة يملكها ملكا تامّا، كشجرة الخلاف، فأغصانها كثمار غيرها، و إن لم تكن معتادة القطع فهي كالأصل.

و لو كانت نخلا و كان الطلع موجودا حال الوقف، فالوجه: أنّه لا يدخل في الوقف، سواء أبّر أو لا؛ لأنّه ليس جزءا من المسمّي.

و إن كان الوقف بهيمة، ملك الموقوف عليه الصوف و اللبن و الزبد.

و الأقوي في النتاج: أنّه يملكه أيضا؛ لأنّه من جملة المنافع، فأشبه اللبن و الصوف، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يملكه الموقوف عليه بالخصوصيّة، بل يكون وقفا كالأم، حكمه حكمها تبعا لها، كما أنّ

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 284:6.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 284:6.

ولد الأضحيّة يكون أضحيّة(1).

و قطع بعض الشافعيّة [في ولد النّعم بالأوّل](2) و قال: إنّ المطلوب منها الدرّ و النسل، و الوجهان في ولد الفرس و الحمار. و حكي فيه وجها ثالثا [ضعيفا](3) أنّه لا حقّ فيه للموقوف عليه، بل يصرف إلي أقرب الناس إلي الواقف، إلاّ إذا صرّح بخلافه(4).

و هذا الخلاف في النتاج الحادث بعد الوقف، فإن وقف البهيمة و هي حامل و قلنا: إنّ الحادث بعد الوقف وقف، فهنا أولي عند الشافعيّة، و إلاّ فوجهان؛ بناء علي أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟(5).

و أمّا عندنا (فإنّ الحمل)(6) للواقف إذا كان موجودا حال الوقف، و لا يدخل في الوقف، كما لا يدخل في البيع علي ما حقّقناه، إلاّ أن يشترط دخوله في الوقف فيدخل، كما يدخل في البيع مع الشرط.

و ما ذكرناه في الدرّ و النسل مفروض فيما إذا أطلق أو شرطهما للموقوف عليه، أمّا إذا وقف الدابّة علي ركوب إنسان و لم يشرط الدرّ و النسل فهما للواقف، و هو أحد قولي الشافعيّة(7).7.

ص: 222


1- العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة: «في المنع بالأوّل» و في الطبعة الحجريّة: «بالمنع في الأوّل». و الصحيح الموافق للمصدر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «متعيّن» و في «ص، ع»: «فتعيّن». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
4- العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
5- البيان 65:8، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
6- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فالحمل».
7- التهذيب - للبغوي - 525:4، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 4: 407.

و قال بعضهم: حكم الدرّ و النسل حكم وقف منقطع الآخر(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ الدرّ و النسل لا مصرف لهما أوّلا و لا آخرا، بل هما غير داخلين في الوقف.

و بالجملة، فإنّه يجوز الوقف لبعض المنافع و الفوائد خاصّة دون بعض - و هو قول بعض الشافعيّة(2) - فلو وقف ثورا للإنزاء جاز، و لا يجوز استعماله في الحراثة.

و لو وقف دابّة مأكولة اللحم، لم يجز ذبحها و إن خرجت عن حدّ الانتفاع، كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف.

و ينبغي علي قولنا من جواز بيع الوقف - علي ما يأتي بيانه(3) - جواز بيعها.

أمّا إذا بلغت إلي حال بحيث يقطع بموتها لو لم تذبح، فالوجه:

جواز ذبحها؛ للضرورة.

ثمّ اللحم للموقوف عليه إن قلنا: إنّه يملك الوقف، أو للواقف إن قلنا بعدم خروج الوقف عن ملكه بالوقف، و إن قلنا: الملك للّه تعالي، فعل الحاكم ما يراه مصلحة فيه.

و قال بعض الشافعيّة: يباع اللحم، و يشتري بثمنه بهيمة من جنسها و توقف(4). و لا بأس به.

و إذا ماتت البهيمة الموقوفة، لم يكن للموقوف عليه الانتفاع بجلدها،4.

ص: 223


1- البيان 70:8، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
2- التهذيب - للبغوي - 525:4، العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 4: 407.
3- في ص 249 و ما بعدها، المسألة 147.
4- العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 407:4.

سواء دبغ أو لا عندنا.

أمّا من طهّره بالدباغ - كالشافعيّة و غيرهم - فإنّ الموقوف عليه عندهم أولي بجلدها، و إذا دبغه ففي عوده وقفا وجهان(1).

مسألة 128: يجوز للموقوف عليه استيفاء المنافع المستحقّة له بالوقف بنفسه و إن شاء بغيره

ممّن يقيمه مقامه إمّا بإعارة منه أو إجارة، و يصرف مال الإجارة إليه إن كان الوقف مطلقا، أمّا إذا قيّده فقال: وقفت داري ليسكنها الموقوف عليه، لم يكن له إسكان غيره.

و لو قال: وقفت داري ليسكنها من يعلّم الصبيان في هذه القرية، فللمعلّم أن يسكنها، و ليس له أن يسكن غيره بأجرة و لا بغير أجرة؛ عملا بمقتضي ما شرطه الواقف.

و لو قال: وقفت داري علي أن تستغلّ و تصرف غلّتها إلي فلان، تعيّن الاستغلال، و لم يجز له أن يسكنها.

و لو كان قد وقف الدار مطلقا، فقال الموقوف عليه: أنا أسكن الدار، و قال الناظر في الوقف: أنا أكريها لأصرف الغلّة إلي عمارتها، قدّم قول الناظر إن احتاجت إلي العمارة، و إلاّ قدّم قول الموقوف عليه.

مسألة 129: يجوز وقف الجارية إجماعا،

و لا يحلّ للواقف و طؤها بعد الوقف و تمامه.

أمّا علي القول بزوال ملكه عن الوقف، فظاهر؛ لأنّ الوطء لم يصادف ملكا و لا عقدا.

و أمّا علي القول ببقاء ملكه: فلأنّه ملك ناقص لم يحدث نقصانه

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 407:4.

بوطئ سابق، فلا يفيد حلّ الوطئ.

و احترزنا بهذا القيد عن أمّ الولد.

و لا يلزم وطء العبد الجارية التي ملّكها السيّد إيّاه حيث يجوز عندنا و علي قول الشافعي القديم(1) ؛ لأنّ الملك فيه غير ناقص، و إنّما الناقص المالك، فهو كجارية للمجنون يطؤها و لا يتصرّف فيها؛ لنقصانه.

و كذا ليس للموقوف عليه أن يطأها.

أمّا إذا لم نثبت الملك له: فظاهر.

و أمّا إذا أثبتناه: فلأنّه ملك ناقص لم يحدث نقصانه بوطئ سابق، فلا يفيد حلّ الوطئ، كما قلنا في الواقف.

مسألة 130: إذا وطئت الجارية الموقوفة،

فإن كان الواطئ أجنبيّا، فإن لم يكن هناك شبهة وجب عليه الحدّ، و يكون الولد رقيقا.

و هل يكون وقفا أو طلقا؟ سبق(2) فيه وجهان، كما في نتاج البهيمة.

ثمّ إن كانت مكرهة وجب علي الواطئ المهر إمّا العشر إن كانت بكرا، أو نصفه إن كانت ثيّبا، و إن كانت مطاوعة عالمة بالحال فقولان يأتيان فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

و لو كان هناك شبهة، فلا حدّ للشبهة، و يجب المهر للموقوف عليه؛ لأنّه من كسبها، و الولد حرّ لاحق به، و علي الواطئ قيمته، و تكون ملكا للموقوف عليه إن جعلنا الولد ملكا له، و إلاّ فيشتري بها عبد و يوقف.

و هو أحد طريقي الشافعيّة، و الثاني: أنّ فيه قولين، أحدهما: هذا،

ص: 225


1- العزيز شرح الوجيز 287:6.
2- في ص 221.

و الثاني: يكون للموقوف عليهم(1).

و إن كان الواطئ الموقوف عليه، فإن لم تكن شبهة فلا حدّ عليه.

أمّا عندنا: فلأنّه ملكه.

و أمّا عند من نفي ملكه عنه: فلأنّ شبهة الملك فيه ثابتة(2).

و عند الشافعيّة: الأصحّ أنّه يبني علي أقوال الملك، إن جعلناه له فلا حدّ، و إلاّ فعليه الحدّ(3).

و لا عبرة بملك المنفعة، كما لو وطئ الموصي له بمنفعة الجارية.

و الولد ملك أو وقف ؟ فيه الوجهان عندهم(4).

و الوجه عندنا: أنّه حرّ؛ لأنّه قد صادف وطؤه الملك.

و إن وطئ بشبهة، فلا حدّ، و الولد حرّ، و لا قيمة عليه إن ملّكناه ولد الموقوفة - و علي أحد قولي الشافعيّة: إنّه وقف، يشتري بها عبد آخر، و يوقف(2) - و تصير الجارية أمّ ولد إن قلنا: إنّ الملك للموقوف عليه، تعتق بموته، و تؤخذ قيمتها من تركته، ثمّ هي لمن ينتقل الوقف إليه بعده ملكا، أو يشتري بها جارية و توقف ؟ خلاف يذكر في قيمة العبد الموقوف إذا قتل(3) ، و لا مهر للموقوف عليه بحال؛ لأنّه لو وجب لوجب له.

و أمّا الموطوءة فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل إليه، لم تصر أمّ ولد، و إن قلنا: ينتقل إليه، صارت أمّ ولد؛ لأنّه علقت منه بحرّ في ملكه، و إذا مات عتقت، و وجبت قيمتها في تركته قولا واحدا؛ لأنّه أتلفها علي من بعده من1.

ص: 226


1- ينظر: العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 408:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 408:4.
2- العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 409:4.
3- راجع: ص 239 و ما بعدها، المسألة 141.

البطون، بخلاف الوقف إذا أتلفه في حياته، فإنّه أتلفه علي نفسه، فكان فيه قولان.

و هل تشتري بالقيمة أمة تكون وقفا، أو تدفع إلي من بعده من أهل الوقف ؟ علي الطريقين.

و إن كان الواطئ الواقف، فإن لم يكن الوطؤ بشبهة تفرّع علي الخلاف في الملك، فإن نفينا ملكه فعليه الحدّ، و الولد رقيق، و في كونه ملكا أو وقفا الوجهان، و لا تكون الجارية أمّ ولد، و إن جعلنا الملك له فلا حدّ، و في نفوذ الاستيلاد إن أولدها الخلاف في استيلاد الراهن؛ لتعلّق حقّ الموقوف عليه بها، و هذا أولي بالمنع.

و إن وطئ بشبهة فلا حدّ، و الولد حرّ؛ للشبهة، و عليه قيمته إمّا للموقوف عليه أو يشتري به عبد يكون وقفا، و تصير الجارية أمّ ولد له إن ملّكناه، تعتق بموته، و تؤخذ قيمتها من تركته، و فيما يفعل بها الخلاف.

مسألة 131: يجوز تزويج الجارية الموقوفة؛

لأنّه عقد علي منفعة فجاز في الوقف، كالإجارة، و لأنّ فيه تحصينا لها، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لما فيه من نقص القيمة و نقص المنفعة؛ لأنّها إذا حبلت منعت عن العمل، و ربما ماتت في الطلق فيتضرّر به أرباب الوقف(1).

و علي القول بالمنع لا بحث، و علي القول بالجواز قال الشيخ: إن قلنا بانتقال الملك إلي الموقوف عليه - و هو الصحيح - كان العاقد عليها

ص: 227


1- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.

الموقوف عليه، و لا يستشير أحدا؛ لأنّه مالكها، و من قال: ينتقل إلي اللّه تعالي، زوّجت هي نفسها؛ لأنّها مالكة نفسها، و عند المخالف يزوّجها الحاكم(1). هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

و قالت الشافعيّة: يزوّجها الحاكم علي القول بانتقال الملك إلي اللّه تعالي(2) ، و هو الوجه عندي، إلاّ أنّهم قالوا: يستشار الموقوف عليه؛ لأنّ الحقّ في منافعها له(3).

و كذا إن قلنا: إنّه للواقف، يزوّجها بإذن الموقوف عليه(4).

فإذا زوّجت كان المهر للموقوف عليه؛ لأنّه من كسبها.

و إن أتت بولد، قال الشيخ: عندنا يكون الولد لاحقا بالحرّيّة إذا زوّجت من حرّ، و إن زوّجت من مملوك كان بينهما، و عند المخالف يكون لاحقا بأمّه(5).

و قالت الشافعيّة: في الولد وجهان: أحدهما: يكون للموقوف عليه طلقا؛ لأنّه إمّا أن يكون ملحقا باكتسابها، أو يكون ملحقا بالنماء الخارج من عينها كالثمرة. و الثاني: يكون وقفا معها؛ لأنّ كلّ أمّ ولد ذات رحم فإنّ حكمه حكمها، كولد المدبّرة عندنا، و كولد أمّ الولد عندهم و المكاتبة(6).4.

ص: 228


1- المبسوط - للطوسي - 289:3-290.
2- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.
4- التهذيب - للبغوي - 518:4، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 4: 409.
5- المبسوط - للطوسي - 290:3.
6- المهذّب - للشيرازي - 450:1، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.

و إذا قلنا: إنّه طلق، فإن قتله قاتل كان بدله للموقوف عليه، و إن قلنا:

إنّه وقف، فقتله قاتل، كانت قيمته علي الطريقين اللّذين ذكرناهما في حقّ الأمّ.

و كذلك إذا أكرهت علي الزنا، كان المهر للموقوف عليه، و الولد علي ما ذكرناه في ولد الزوج.

و لو وقف الأمة حاملة بمملوك، فإن وقف حملها فهو كأمّه وقف، و إن لم يدخله في الوقف فهو للواقف عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا: للحمل حكم، كان الولد وقفا، و إن قلنا:

لا حكم له، فإذا وضعته كان كولد الزوج(1).

تذنيب: ليس للموقوف عليه أن يتزوّج الأمة الموقوفة عندنا؛ لأنّها ملكه.

و أمّا الشافعيّة فلهم قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يجوز إذا قلنا:

إنّها ليست ملكه(2).

و الظاهر عندهم - علي القول بانتفاء الملك أيضا - المنع احتياطا، و علي هذا فلو وقف عليه زوجته انفسخ النكاح(3).

مسألة 132: حقّ التولية للواقف في الأصل؛

لأنّ أصل قربة الوقف منه، فهو أحقّ من يقوم بإمضائها و صرفها في مظانّها و مواردها، فإذا وقف فلا يخلو إمّا أن يشترط التولية لنفسه أو لغيره أو يطلق و لا يذكر شيئا.

فإن شرطها لنفسه، صحّ و لزم؛ لأنّه أكّد بشرطه مقتضي الأصل، و قد

ص: 229


1- ينظر: البيان 65:8، و العزيز شرح الوجيز 285:6، و روضة الطالبين 4: 407.
2- العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 410:4.
3- العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 410:4.

جعل الكاظم عليه السّلام النظر في الأرض التي وقفها للرضا عليه السّلام و أخيه إبراهيم، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي، فإن لم يبق ولدي معه إلاّ واحد فهو الذي يليه(1).

و ولّت فاطمة عليها السّلام حوائطها السبعة التي وقفتها أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ من بعده الحسن عليه السّلام ثمّ الحسين عليه السّلام ثمّ الأكبر من ولدها عليها السّلام(2)كما في العزيز شرح الوجيز 289:6.(3).

و لا نعلم فيه خلافا.

و إن شرطها لغيره، لزم عندنا، و لم يجز لأحد مخالفته عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء(4).

و لبعض الشافعيّة خلاف فيما إذا كان الوقف علي معيّن و شرط التولية للأجنبيّ هل يتّبع شرطه إذا فرّعنا علي أنّ الملك في الوقف له ؟(5).

و المشهور: الأوّل(5).

و لا فرق بين أن [يفوّض](6) في الحياة و بين أن يوصي في وجوب العمل بما شرطه و عيّنه.ه.

ص: 230


1- الكافي 53:7-8/54، الفقيه 184:4-647/185، التهذيب 149:9 - 610/150.
2- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش
3- .
4- نهاية المطلب 370:8، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 4: 410.
5- نهاية المطلب 370:8، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 4: 410.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يفرض». و الظاهر ما أثبتناه.

و لو أطلق في وقفه و لم يشرط التولية لأحد، احتمل أن يكون النظر للواقف؛ لأنّ النظر و التصرّف كان إليه، فإذا لم يصرفه عن نفسه بقي علي ما كان عليه، و أن يكون للموقوف عليه؛ لأنّ النفع و الفائدة له، و أن يكون للحاكم؛ لأنّه يتعلّق به حقّ الموقوف عليه و من بعده، فصاحب النظر العامّ أولي بالنظر منه.

و مثل هذه الاحتمالات وجوه للشافعيّة(1).

و [منهم](2) من يبني الأمر فيه علي الخلاف في ملك الرقبة، إن قلنا:

للواقف، فالتولية له. و قيل: للحاكم؛ لتعلّق حقّ الغير به.

و إن قلنا: للّه تعالي فهي للحاكم. و قيل: للواقف إذا كان الوقف علي جهة عامّة، فإنّ قيامه بأمر الوقف من تتمّة القربة. و قيل: للموقوف عليه إذا كان الوقف علي معيّن؛ لأنّ الرّيع و المنفعة له.

و إن قلنا: الملك للموقوف عليه، فالتولية له(3).

و ذكر كثير من الشافعيّة أنّ التولية في صورة السكوت للواقف من غير حكاية خلاف و لا بناء علي خلاف(4).

لكنّ المشهور بينهم أنّ الوقف إن كان علي جهة عامّة، فالتولية للحاكم، كما في الوقف علي المسجد و الرباط، و إن كان الوقف علي شخص معيّن، فكذلك إن قلنا: إنّ الوقف ينتقل إلي اللّه تعالي، و إن جعلناه4.

ص: 231


1- المهذّب - للشيرازي - 452:1، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فمنهم». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.
4- العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.

للواقف أو للموقوف عليه، فالتولية كذلك(1).

مسألة 133: إذا شرط الواقف أمر التولية لنفسه،

كان النظر مفوّضا إليه، سواء كان عدلا أو لا؛ لأنّه إنّما نقل ملكه عن نفسه علي هذا الحدّ، فيتّبع شرطه.

و إن شرطها لغيره بظنّ العدالة، اشترطت، فإن خرج المعيّن عنها رفعت يده، و كان حكم الوقف حكم ما لو أطلق الواقف التولية و لم يشترطها لأحد.

و لو علم فسقه و شرطها له، فالأقرب: اتّباع شرطه.

و لو أطلق أمر التولية من غير أن يشترطها لأحد، وجب في المتولّي الصلاحيّة لشغل التولية، و الصلاحيّة تثبت بثبوت وصفين: الأمانة و كفاءة التصرّف، و اعتبارهما كاعتبارهما في الوصيّ و القيّم.

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق في اعتبار الوصفين بين المنصوب للتولية و بين الواقف إذا قلنا: هو المتولّي عند إطلاق الوقف، و لا بين الوقف علي الجهات العامّة و الأشخاص المعيّنين(2).

و فيه لهم وجه: أنّه لا تشترط العدالة إذا كان الوقف علي معيّنين و لا طفل فيهم، فإن خان حملوه علي السداد(3).

و المذهب عندهم: الأوّل، حتّي لو فوّض إلي موصوف بالصفتين ثمّ خرج منهما أو من إحداهما انتزع الحاكم الوقف منه(4).

مسألة 134: وظيفة المتولّي للوقف العمارة له و الإجارة

و تحصيل

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 290:6، روضة الطالبين 410:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 290:6، روضة الطالبين 411:4.

الرّيع و قسمتها علي المستحقّين و حفظ الأصول و الغلاّت علي الاحتياط عند الإطلاق.

و يجوز أن ينصب الواقف متولّيا في بعض الأمور و آخر في الآخر، كما إذا جعل أمر العمارة و تحصيل المنافع إلي واحد و أمر حفظها و قسمتها علي أربابها و مستحقّيها إلي آخر، أو شرط لواحد الحفظ و اليد، و للآخر التصرّف.

و لو فوّض إلي واحد العمارة و تحصيل الفائدة و أهمل أمر الحفظ و القسمة، كان ذلك مطلقا بالنسبة إلي هاتين الصفتين، فيتولاّهما الحاكم أو الواقف أو الموقوف عليه علي الخلاف.

و لو فوّض النظر إلي اثنين، لم يستقل أحدهما بالتصرّف، سواء أطلق أو نصّ علي عدم الاستقلال، أمّا لو فوّض إليهما علي الجملة و الانفراد، كان لكلّ واحد منهما أن يستقلّ بالنظر و التصرّف.

و لو قال: وقفت علي أولادي علي أن يكون النظر لعدلين منهم، فلم يكن فيهم إلاّ عدل واحد، ضمّ الحاكم إليه عدلا آخر، و لو لم يوجد فيهم عدل أقام الحاكم عدلا واحدا، و احتمل اثنين.

و ليس للمتولّي أن يأخذ من مال الوقف شيئا علي أن يضمنه، و لو فعل ضمن، و لا يجوز ضمّ الضمان إلي مال الوقف.

و إقراض مال الوقف حكمه حكم إقراض مال الصبي.

مسألة 135: لو شرط الواقف للمتولّي شيئا من الرّيع،

جاز، و كان ذلك أجرة عمله، ليس له أزيد من ذلك و إن كان أقلّ من أجرة المثل.

و لو لم يذكر شيئا، فالأقرب: أنّ له أجرة المثل عن قيامه.

ص: 233

و للشافعيّة فيه خلاف(1).

و لو شرط للمتولّي عشر الرّيع أجرة عمله ثمّ عزله، بطل استحقاقه.

و إن لم يتعرّض لكونه أجرة، قال بعضهم: إنّ استحقاقه لا يبطل؛ لأنّ العشر وقف عليه، فهو كأحد الموقوف عليهم(2).

و ليس شيئا.

مسألة 136: إذا وقف و فوّض أمر التولية إلي شخص،

فإن كان بعد إتمام الوقف و كماله لم يلزمه البقاء علي ذلك، و جاز له عزله متي شاء.

و لو ذكر التفويض إلي المعيّن في متن العقد، فهل له عزله ؟ الأقرب:

أنّه ليس له ذلك، إلاّ أن يشترط الواقف لنفسه ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: للواقف أن يعزل من ولاّه و ينصب غيره، كما يعزل الوكيل و ينصب غيره، و كأنّ المتولّي نائب عنه، هذا هو الظاهر عندهم(3).

و فيه وجه آخر لهم: أنّه ليس له العزل؛ لأنّ ملكه قد زال، فلا تبقي ولايته عليه، و قبول المتولّي يشبه أن يجيء فيه ما في قبول الوكيل أو قبول الموقوف عليه(4).

ثمّ قالوا: يشبه أن تكون المسألة مقصورة(2) في التولية بعد تمام الوقف، دون ما إذا وقف بشرط التولية لفلان، و كذا لو وقف مدرسة ثمّ قال لعالم: فوّضت إليك تدريسها، أو اذهب و درّس فيها، كان له تبديله.

ص: 234


1- العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 411:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 412:4.
2- في العزيز شرح الوجيز: «مصوّرة»، و في روضة الطالبين: «مفروضة» بدل ما في المتن.

و لو وقف بشرط أن يكون هو مدرّسها أو قال حالة الوقف: فوّضت تدريسها إلي فلان، و جعله في متن العقد، فهو لازم لا يجوز تبديله، كما لو وقف علي أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء(1).

و لو جعل التولية في عقد الوقف لمعيّن، لم يكن لأحد تبديله و لا عزله و لا للواقف، و لو مات الواقف لم يكن للحاكم و لا للورثة عزله.

و لو جعل النظر إلي معيّن بعد تمام الوقف، كان له تبديله و عزله علي ما تقدّم، فلو مات الواقف قبل عزله، قال بعض الشافعيّة: لم يكن لأحد تبديله، كأنّه جعله بعد موته بمثابة الوصي(2).

مسألة 137: لو شرط التولية لشخص،

لم يجب علي ذلك الشخص القبول؛ لأصالة البراءة، و إذا قبل لم يجب عليه الاستمرار؛ لأنّ القبول غير واجب في الأصل، و الأصل الاستصحاب، و إذا ردّ تولاّه الحاكم، أو كان بحكم ما لو أطلق.

و يجوز أن يرتّب التولية بين أشخاص متعدّدة موجودين أو بعضهم، و أن يشرّك بينهم فيها، و أن يفضّل بعضهم علي بعض في النفع، و أن يجعل لكلّ واحد منهم أو للواحد أن يستنيب حال حياته، و أن يوصي بالتولية التي شرطها له بعد وفاته، و إذا اشترط علي نفسه التولية لواحد أو فوّضها إليه، لم يكن لذلك الناظر الاستنابة فيها.

و لو ذكر في كتاب الوقف أنّ التولية لشخص فأقرّ ذلك الشخص بالتولية لغيره، ففي نفوذ الإقرار إشكال ينشأ: من أنّ التولية تثبت له

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 412:4-413.
2- العزيز شرح الوجيز 292:6، روضة الطالبين 413:4.

فلا تنتقل عنه إلي غيره؛ لعدم الواقف، و من اعترافه بعدم استحقاقه للتولية.

و الوجه: سقوط ولايته باعترافه، و عدم ثبوتها للمقرّ له.

مسألة 138: لو وقف ما يحتاج إلي الإنفاق،

كالعبد و الدابّة، فإن عيّن الواقف الجهة أنفق عليه منها، فإن شرط في الوقف أن يكون من مال الواقف اتّبع شرطه، و إن شرط أن يكون من كسب العبد أو أجرة الدابّة فكذلك؛ لأنّه لمّا اتّبع شرطه في سبله وجب اتّباع شرطه في نفقته، و لو شرط أن يكون من مال الموقوف عليه، فكذلك يلزم شرطه.

و لو أطلق و لم يذكر الجهة التي ينفق عليه منها، كانت النفقة في كسبه، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، و به قال الشافعيّة(2) ، و كذا تكون في عوض منافع الدابّة؛ لأنّ الغرض انتفاع الموقوف عليه، و إنّما يمكنه ذلك ببقاء عين الوقف، و إنّما تبقي عينه بالنفقة، فيصير كأنّه شرطها في كسبه، و لأنّ الوقف اقتضي تحبيس أصله و تسبيل نفعه، و لا يحصل ذلك إلاّ بالإنفاق عليه، فكان ذلك من ضرورته.

فإن لم يكن العبد كسوبا أو عجز عن التكسّب أو لم يف كسبه أو مرض أو تعطّلت الدابّة، ابتني علي أقوال الملك، فإن قلنا: إنّ الوقف ملك الموقوف عليه، فالنفقة عليه، و هو الوجه عندي، و إن قلنا: للّه تعالي، ففي بيت المال، كما لو أعتق عبدا لا كسب له، و إن قلنا: للواقف، فالنفقة عليه، فإذا مات فهي في بيت المال؛ لأنّ التركة انتقلت إلي الورثة، و الوقف لم ينتقل إليهم، فلا تلزمهم مؤونته، قاله بعض الشافعيّة(3).

ص: 236


1- المبسوط - للطوسي - 288:3.
2- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.

و قال آخرون: قياس القول بأنّ رقبة الوقف للواقف انتقالها إلي ورثته(1).

و لو مات العبد، فمؤونة تجهيزه كنفقته في حياته.

و لو تعطّل العبد بزمانة، عتق عندنا، و سقطت خدمته عنه للموقوف عليه، و سقطت نفقته عن الموقوف عليه.

و عمارة العقار الموقوف من حيث شرطه الواقف، فإن لم يشرط شيئا فمن غلّته، فإن لم يحصل منه شيء لم يجب علي أحد عمارته، كالملك الخالص، بخلاف الحيوان تصان روحه.

مسألة 139: لو اندرس شرط الوقف فلم تعرف مقادير السهام و الاستحقاق

أو جهل كيفيّة الترتيب بين أرباب الوقف، عمل بالأصل و هو التسوية؛ إذ ليس بعضهم أولي بالتقدّم و التفضّل من بعض، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: القياس يقتضي التوقّف حتي يصطلحوا(3).

و لو اختلف أرباب الوقف في شرط الوقف و لا بيّنة، جعلت الغلّة بينهم بالسويّة.

و لو كان الواقف حيّا، قال بعض الشافعيّة: يرجع إلي قوله(4).

و منعه بعضهم، كما لا يرجع إلي قول البائع عند اختلاف المشتريين

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.
2- الوجيز 248:1، الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
4- الحاوي الكبير 533:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، التهذيب - للبغوي - 526:4، البيان 89:8، العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.

في كيفيّة الشراء(1).

و لا بعد فيه؛ لأنّه المبتدئ بالصدقة، و شرطه متّبع، فكذا ينبغي قبول قوله.

مسألة 140: يجوز للناظر في الوقف إجارته بحسب ما شرطه الواقف،

فإن لم يشرط مدّة و لا أجرة معيّنة و لا مستأجرا بعينه، رجع في ذلك كلّه إلي العادة و اعتماد المصلحة، و ما فيه المستزاد للنماء و النفع للموقوف عليه.

و لو لم ينصب للتولية أحدا، فالخلاف في من له التولية قد سبق(2) ، فإن قلنا: التولية للحاكم، فهو الذي يؤجّر، و إن قلنا: إنّه للموقوف عليه؛ بناء علي أنّ الملك له، فالأولي أنّ له أن يؤجّر، و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(3) ، فإن كان الوقف علي جماعة اشتركوا في الإجارة، فإن كان فيهم طفل قام وليّه مقامه.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّه ربما يموت في المدّة، فيتبيّن أنّه تصرّف في حقّ الغير(4).

فإن كان الواقف قد جعل لكلّ بطن منهم الإجارة، فلهم الإجارة عندنا و عندهم(5) قطعا؛ عملا بمقتضي شرط الواقف، و كان ذلك تفويضا للتولية إليهم.

و هل للواقف أن يؤجّر إذا لم يكن قد جعل لنفسه النظر في الوقف ؟

ص: 238


1- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
2- في ص 231، ضمن المسألة 132. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.

قال بعض الشافعيّة: نعم(1). و ليس بمعتمد.

إذا عرفت هذا، فإذا أجّر الموقوف عليه بحقّ الملك و جوّزناه فزادت الأجرة في المدّة أو ظهر طالب بالزيادة، لم يؤثّر في العقد فسخا و لا خيار فسخ، كما لو أجّر ملكه المطلق.

و إن أجّر المتولّي بحقّ التولية ثمّ حدث ذلك، فكذلك - و هو أصحّ أوجه الشافعيّة(2) - لأنّ العقد وقت جريانه كان صحيحا؛ لأنّ ما جري [كان](3) علي وجه الغبطة، فأشبه ما إذا باع وليّ الطفل ماله ثمّ ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة.

و الثاني للشافعيّة: أنّه ينفسخ العقد؛ لأنّه قد ظهر وقوعه علي خلاف الغبطة في المستقبل.

و الثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دون لم يتأثّر العقد، و إن كانت أكثر فالزيادة مؤثّرة في ردّ الإجارة(4).

مسألة 141: لو قتل العبد الموقوف و لم يتعلّق القصاص بالقاتل،

فإن كان القاتل أجنبيّا وجبت عليه قيمة العبد؛ لبقاء الماليّة فيه، كأمّ الولد، و لأنّه يضمن بالغصب فكانت الماليّة متحقّقة فيه، و لأنّه لو بطلت ماليّته لم يبطل أرش الجناية عليه، فإنّ الحرّ يجب أرش الجناية عليه.

و لمن تكون القيمة ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: قال قوم: يشتري بها عبد آخر و يقام مقامه، سواء قيل: انتقل ملكه إليه أو إلي اللّه تعالي؛ لأنّ حقّ البطون الأخر يتعلّق برقبة العبد، فإذا فاتت أقيم غيرها بقيمتها مقامها، و فيهم من

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.
2- الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.

قال: تنتقل القيمة إليه - و هو الأقوي - لأنّا قد بيّنّا أنّ ملكه له، و الأوّل قول من قال: ينتقل إلي اللّه(1).

و الوجه عندي: شراء عبد بالقيمة يكون وقفا؛ لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل(2) فلم يختص ببدله، كالعبد المشترك و المرهون، و عدم اختصاصه ظاهر، فإنّه يتعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله، و لو عفا البطن الأوّل لم يصح العفو؛ لعدم علمه بقدر حقّه فيه.

و أمّا الشافعيّة فلهم طريقان:

أحدهما: تخريج مصرفها علي أقوال الملك، إن جعلنا الملك للّه تعالي فيشتري بها عبد آخر ليكون وقفا مكانه، فإن لم يوجد فشقص عبد، بخلاف ما إذا أتلف الضحيّة و لم يجد بقيمتها إلاّ بعض شاة؛ لأنّه لا يضحّي ببعض شاة، و يوقف بعض العبد.

و إن جعلنا الملك للموقوف عليه أو الواقف، فوجهان:

أصحّهما: أنّه كذلك لئلاّ يبطل غرض الواقف و حقّ البطن الثاني و من بعده من البطون.

و الثاني: أنّها تصرف ملكا إلي من حكمنا له بملك الرقبة إمّا الواقف أو الموقوف عليه - كما قوّاه الشيخ عنده(3) - لأنّها بدل منفعة ملكه و ينتهي الوقف.

و الطريق الثاني: القطع بشراء عبد بها ليكون وقفا مكان الأوّل؛ لأنّ حقّ الوقف أوثق من حقّ الرهن، فإذا كان بدل المرهون مرهونا فبدل).

ص: 240


1- المبسوط - للطوسي - 289:3.
2- أي: البطن الأوّل.
3- راجع: الهامش (1).

الوقف أولي أن يكون موقوفا.

و أصحاب الطريقين متّفقون علي الفتوي بصرفها في(1) ثمن عبد(2).

و إذا اشتري بها عبد و فضل شيء، فهو للموقوف عليه؛ لأنّه المالك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه للواقف(3).

و علي القول بشراء عبد يكون وقفا إن قلنا: إنّ الملك للّه تعالي، يتولّي شراءه الحاكم، و إن قلنا: للموقوف عليه، فالموقوف عليه، و إن قلنا:

للواقف - كما هو رأي بعض الشافعيّة - فوجهان؛ لأنّه لا يملك الفوائد و المنافع(4).

و خرّج بعضهم هذين الوجهين في حقّ الموقوف عليه أيضا هل يشتري أم لا؟ لأنّ كونه غير مالك للمنفعة إن منع من الشراء فكونه غير مالك الرقبة أولي أن يمنع منه(5).

و لا يجوز للمتلف أن يشتري العبد و يقيمه مقام الأوّل؛ لأنّ الشيء إذا ثبت في ذمّته فليس له استيفاؤه من نفسه لغيره.

إذا عرفت هذا، فهل يصير العبد المشتري وقفا بالشراء، أو لا بدّ من عقد جديد؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يكون وقفا بالشراء، كما في بدل المرهون إذا تلف.

و الثاني: أنّه لا بدّ من عقد جديد(6).4.

ص: 241


1- في «ر، ص»: «إلي» بدل «في».
2- العزيز شرح الوجيز 294:6-295، روضة الطالبين 416:4.
3- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.
4- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.
5- العزيز شرح الوجيز 295:6.
6- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.

و قال [بعض الشافعيّة](1): الحاكم هو الذي ينشئ عقد الوقف(2).

و يحتمل عندهم أن يكون مباشر الشراء يجدّد الوقف(3).

و هل يجوز شراء جارية بقيمة العبد و شراء عبد بقيمة جارية ؟ الأولي عندهم: المنع(4).

و في جواز شراء العبد الصغير بقيمة الكبير و بالعكس وجهان(5).

و إن كان القاتل الواقف أو الموقوف عليه، فإن قلنا: إنّ أحدهما هو المالك و إنّ القيمة تصرف إليه ملكا في الحالة الأولي، فلا قيمة عليه إذا كان هو القاتل، و إلاّ فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.

مسألة 142: لو جني عليه بما يوجب القصاص،

فإن قلنا: الملك فيه للواقف أو للموقوف عليه، استوفي المالك منهما القصاص، و إن قلنا: إنّ الملك للّه تعالي، فهو كعبد بيت المال، فيجب القصاص، و يستوفيه الحاكم، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعض العامّة: لا يجب القصاص؛ لأنّه محلّ لا يختصّ به الموقوف عليه، فلم يجز أن يقتصّ من قاتله، كالعبد المشترك(4).

أمّا أروش أطراف العبد الموقوف أو الجناية علي العبد الموقوف فيما

ص: 242


1- ما بين المعقوفين يقتضيه ما في المصدر، حيث إنّ المقول قول المتولّي صاحب التتمّة، و هو من الشافعيّة.
2- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4-417. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 417:4.
3- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4، المغني 258:6، الشرح الكبير 234:6.
4- المغني 258:6، الشرح الكبير 234:6.

دون النفس فحكمها في جميع ما ذكرنا حكم قيمته عند أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يصرف إلي الموقوف عليه علي كلّ قول، و ينزّل منزلة المهر و الأكساب، فحينئذ يكون القصاص و العفو إلي الموقوف عليه؛ لأنّه لا يشاركه غيره فيه(2).

و لو أوجب القطع مالا أو عفا عن الجاني علي مال، اشتري به عبدا إن أمكن، و إلاّ فشقص من عبد يكون وقفا.

و قيل: للموقوف عليه(3).

مسألة 143: لو جني العبد الموقوف جناية توجب القصاص،

وجب، سواء كانت الجناية علي الموقوف عليه أو علي غيره، فإن قتل بطل الوقف فيه، كما لو مات، و إن عفا المجنيّ عليه علي مال أو كانت الجناية موجبة للمال، لم يتعلّق برقبته؛ لتعذّر بيع الوقف، و لكنّه يفدي، كأمّ الولد إذا جنت.

فإن قلنا: الملك للواقف، فهو الذي يفديه.

و إن قلنا: للّه تعالي، فللشافعيّة ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنّه يفديه الواقف أيضا؛ لأنّه بالوقف منع عن بيعه، فكان كالمستولدة لمّا منع بالاستيلاد من بيعها فداها.

و الثاني: أنّ فداءه في بيت المال، كأرش جناية الحرّ المعسر.

و الثالث: أنّه يتعلّق بكسبه؛ لأنّه إذا تعذّر التعلّق بالرقبة فأقرب الأشياء إليه كسبه، فيتعلّق به، كحقوق النكاح، و لأنّ الأرش يبعد تعلّقه برقبته؛ لأنّها لا تباع، و بالموقوف عليه؛ لأنّه لا يملكه، فكان في كسبه،

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
2- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
3- ينظر: البيان 66:8-67.

كالحرّ يكون في ماله(1).

و إن قلنا: إنّ الملك للموقوف عليه، فالفداء عليه، كما هو عندنا، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجهان آخران:

أحدهما: أنّه علي الواقف.

و الثاني: إنّا إن قلنا: إنّ الوقف لا يفتقر إلي القبول، فهو علي الواقف، و إن قلنا: إنّه يفتقر، فهو علي الموقوف عليه؛ لأنّه تسبّب إلي تحقيق الوقف المانع من البيع و قد انضمّ إليه كونه مالكا(3).

و لو كانت الجناية علي طرف و اقتصّ منه، بقي الباقي وقفا، كما لو تلف بفعل اللّه تعالي.

و إذا وجب أرش الجناية علي الموقوف عليه و كانت الجناية قتلا، لم يلزم الموقوف عليه أكثر من قيمة الجاني، كأمّ الولد.

و لو كان الوقف علي المساكين، فينبغي أن يكون الأرش في كسبه؛ لأنّ مستحقّه ليس معيّنا بحيث يمكن إيجاب الأرش عليه، و لا يمكن تعلّقه برقبته؛ لتعذّر بيعها، فتعيّن في كسبه.8.

ص: 244


1- المهذّب - للشيرازي - 450:1، حلية العلماء 26:6، التهذيب - للبغوي - 4: 517-518، البيان 68:8-69، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 450:1، نهاية المطلب 378:8، حلية العلماء 26:6، التهذيب - للبغوي - 517:4، البيان 68:8، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
3- نهاية المطلب 378:8، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4 - 418.

و إن قلنا بإيجاب الفداء علي الواقف لو كان الواقف قد مات، قال بعض الشافعيّة: علي الوارث الفداء إن كان الواقف قد ترك مالا؛ لأنّ العبد ممنوع بسبب صدر من الواقف حال حياته، فلزمه ضمان جنايته في ماله(1).

و قال بعضهم: لا يفدي من التركة؛ لأنّها انتقلت إلي الوارث، و الملك في الوقف لم ينتقل إليه، ففي وجه: يتعلّق بكسبه، و في وجه: يفدي من بيت المال، كالحرّ المعسر الذي لا عاقلة له(2).

و لو مات العبد عقيب الجناية بلا فصل، سقط الأرش و القصاص عندنا.

و علي قول إيجاب الفداء علي المالك - كما هو رأي بعض الشافعيّة - وجهان:

أحدهما: يسقط، كما لو جني القنّ و مات.

و أظهرهما عندهم: أنّه لا يسقط؛ لأنّ تضمين الواقف كان بسببه؛ لأنّه صار مانعا من البيع بالوقف، و يخالف العبد القنّ، فإنّ الأرش يتعلّق برقبته، فإذا مات فلا أرش و لا فداء(3).

و يجري الخلاف فيما إذا جنت أمّ الولد و ماتت(4).

و تكرّر الجناية من العبد الموقوف كتكرّرها من أمّ الولد.

تذنيب: لو مات العبد الموقوف، بطل الوقف؛ لفوات محلّه، و لو كان له كسب كان للموجودين.

مسألة 144: لو وقف شجرة فجفّت الشجرة أو قلعتها الريح

أو

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 418:4. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 297:6، روضة الطالبين 418:4.

انكسرت الشجرة، احتمل بطلان الوقف فيها كما لو مات العبد؛ لفوات الأهمّ من منافعها، و لأنّ الوقف منوط باسم الشجرة، و الباقي جذع أو حطب ليس بشجرة، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) ، فحينئذ ينقلب الحطب ملكا للواقف عندهم(2) ، و عندنا يكون للموقوف عليه.

و أصحّ الوجهين عندهم: المنع من بطلان الوقف(3) ، و هو الأقوي عندي، فحينئذ تصرف منفعته إلي البطون إمّا بأن يؤجر للتسقيف أو لغيره، و لو لم يبق فيه منفعة ألبتّة فكالتالف فيشعل بالنار(1).

و عند الشافعيّة علي وجه بقاء الوقف فيه وجهان:

أحدهما: يباع ما بقي؛ لتعذّر الانتفاع بشرط الواقف، و علي هذا فالثمن كقيمة المتلف، فعلي قول يصرف إلي الموقوف عليه، و علي قول يشتري به شجرة أو شقص شجرة من جنسها لتكون وقفا مكان الأولي، و يجوز أن يشتري به وديّ فيغرس في موضعها.

و أصحّهما عندهم: منع البيع؛ لأنّه عين الوقف، و الوقف لا يباع و لا يورث، فعلي هذا وجهان:

أحدهما: ينتفع بإجارته جذعا إدامة للوقف في عينه.

و الثاني: يصير ملكا للموقوف عليه، كقيمة العبد المتلف(2).

و الوجه: الأوّل إن أمكن استيفاء منفعة منه مع بقائه، و الثاني إن كانت منفعته في استهلاكه.

و إذا زمنت الدابّة الموقوفة، صارت كجفاف الشجرة.4.

ص: 246


1- في «ص»: «يشعل النار». و في الطبعة الحجريّة: «فيشعل النار».
2- العزيز شرح الوجيز 297:6-298، روضة الطالبين 418:4.
مسألة 145: إذا خلقت حصر المسجد و بواريه و بليت،

فالأقرب:

جواز بيعها لئلاّ تتلف و تضيع ماليّتها و يضيق المكان بها من غير فائدة، و كذا نحاتة أخشابه في النجر، و أستار الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة و لا جمال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: المنع من بيعها؛ لأنّها عين الوقف، بل تترك بحالها أبدا(1).

و علي ما اخترناه من جواز البيع - و هو الأصحّ عندهم - إن أمكن شراء حصير بثمن الحصير، لزم، و هو القياس عندهم(2).

و لهم قول آخر: إنّه يصرف ثمن الحصير و غيره في مصالح المسجد(3).

و الأولي المصير إلي الأوّل إن أمكن شراء حصير به، و إلي الثاني إن لم يمكن.

و جذع المسجد إذا انكسر، فإن صلح لشيء لم يجز بيعه و صرف فيما صلح له، و إن لم يصلح إلاّ للإحراق بيع فيه.

و للشافعيّة فيه الخلاف السابق(4).

و لو أمكن أن يتّخذ منه أبواب و ألواح، قال بعض الشافعيّة: يجتهد

ص: 247


1- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، التهذيب - للبغوي - 524:4، البيان 8: 87، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 418:4.
2- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 418:4.
3- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، التهذيب - للبغوي - 524:4، البيان 8: 87، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
4- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.

الحاكم و يستعمله فيما هو أقرب إلي مقصود الواقف(1).

و يجري الخلاف في الدار المنهدمة، و فيما إذا أشرف الجذع علي الانكسار و الدار علي الانهدام(2).

مسألة 146: إذا فضل من حصر المسجد و بواريه شيء و استغني المسجد عنه،

جاز أن يجعل في مسجد آخر، و كذا إن فضل شيء من قصبه أو نقضه؛ لاشتراك المساجد كلّها في الانتساب إلي اللّه تعالي.

و كذا لو كان للمسجد نخل أو وقف عليه في عمارته و استغني عن العمارة، صرف النماء إلي عمارة مسجد آخر.

و قال أحمد: يتخيّر بين ذلك و بين الصدقة بالفاضل من ذلك علي فقراء جيران المسجد و غيرهم؛ لأنّ كسوة المسجد إذا تخرّقت تصدّق بها، و قال: لأنّ شيبة بن عثمان [الحجبي](3) جاء إلي عائشة فقال: يا أمّ المؤمنين، إنّ ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آبارا و ندفنها حتي لا تلبسها الحائض و لا الجنب، قالت عائشة: بئس ما صنعت و لم تصب، إنّ ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرّها من لبسها من حائض أو جنب، لكن لو بعتها و جعلت ثمنها في سبيل اللّه و المساكين، فكان شيبة يبعث بها إلي اليمن فتباع فيها، فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة؛ و لأنّه مال اللّه تعالي لم يبق له مصرف فصرف إلي المساكين، كالوقف المنقطع(4).

و نمنع عدم المصرف؛ فإنّ عين الكعبة قائمة، و قول عائشة ليس

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
2- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الجهني». و المثبت كما في المصدر.
4- المغني 255:6-256، الشرح الكبير 270:6-271.

بحجّة(1).

مسألة 147: اختلف علماؤنا في جواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة بين أربابه،

أو خرب و تعذّرت عمارته.

قال في المبسوط: يجوز(2).

و قال في الخلاف: إذا خرب الوقف و لا يرجي عوده، في أصحابنا من قال: يجوز بيعه، و استدلّ بالأخبار(3).

و قال المفيد: ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع و لا هبة، و لا يغيّروا شيئا من شروطه، إلاّ أن يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه، و كذا إن حصلت بهم ضرورة إلي ثمنه، كان لهم حلّه، و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات(4).

و قال السيّد المرتضي: ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و أنّ أرباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة إلي ثمنه جاز لهم بيعه، و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة(5). و مثله قال سلاّر و ابن حمزة(6).

و قال ابن البرّاج و أبو الصلاح: إذا كان الشيء وقفا علي قوم و من

ص: 249


1- في «ر، ص»: «حجّة».
2- المبسوط - للطوسي - 300:3.
3- الخلاف 551:3، المسألة 22.
4- المقنعة: 652-653.
5- الانتصار: 226.
6- المراسم: 197، الوسيلة: 370.

بعدهم علي غيرهم و كان الواقف قد شرط رجوعه إلي غير ذلك إلي أن يرث اللّه الأرض و من عليها، لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه، و إن كان وقفا علي قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم حسب ما قدّمناه و حصل الخوف من هلاكه و إفساده، أو كان بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلاف بينهم يؤدّي إلي فساد، فإنّه يجوز حينئذ بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم علي حسب استحقاقهم، فإن لم يحصل شيء من ذلك لم يجز بيعه أيضا علي وجه من الوجوه(1).

فقد اتّفق هؤلاء العلماء من أصحابنا علي جواز بيعه في الجملة.

و أطلق ابن الجنيد المنع من البيع(2).

و قال ابن إدريس: لا يجوز البيع مطلقا، سواء خرب أو لا، و سواء خيف وقوع فتنة بين أربابه أو لا(3).

و أمّا العامّة فقال الشافعي و مالك: لا يجوز بيع شيء من ذلك؛ لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لا يباع أصلها و لا يبتاع و لا يوهب و لا يورث» و لأنّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها، كالعبد إذا أعتق، و أشبه الأشياء بالعتق المسجد؛ لأنّ في بيعه إبطال حرمته(4).

و قال أحمد: إذا خرب الوقف و بطلت منافعه، كدار انهدمت، أو أرض خربت و عادت مواتا و لم يمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية6.

ص: 250


1- المهذّب - لابن البرّاج - 92:2، و ينظر: الكافي في الفقه: 325.
2- كما في الانتصار: 227.
3- السرائر 153:3.
4- حلية العلماء 37:6، البيان 86:8، العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 420:4، المغني 251:6-252، الشرح الكبير 267:6.

عنه و صار في موضع لا يصلّي فيه، أو ضاق بأهله و لم يمكن توسيعه في موضعه أو تشعّث جميعه و لم يمكن عمارته و لا عمارة بعضه إلاّ ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيّته، فإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه.

و يجوز تحويل المسجد خوفا من اللصوص و إذا كان موضعه قذرا بحيث يمنع من الصلاة فيه، و جوّز بيع عرصته، و تكون الشهادة في ذلك علي الإمام، و جوّز بيع الفرس الموقوفة علي الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو و أمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحي أو يحمل عليها تراب، أو تكون الرغبة في نتاجها، أو حصانا يتّخذ للطراق، فإنّه يجوز بيعها و يشتري بثمنها ما يصلح للغزو(1).

و قال محمّد بن الحسن: إذا خرب المسجد [أو](2) الوقف، عاد إلي ملك واقفه؛ لأنّ الوقف إنّما هو تسبيل المنفعة، فإذا زالت منفعته زال حقّ الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه(3).

و الشافعيّة فرّقوا بين الشجرة إذا جفّت أو الجذع إذا انكسر أو الحصير إذا خلق، و بين المسجد إذا انهدم أو خربت المحلّة أو تفرّق عنها الناس أو تعطّل المسجد، فإنّه لا يعود ملكا بحال، و لا يجوز بيعه، كالعبد إذا أعتقه ثمّ زمن، و لا يشبه جفاف الشجرة؛ لأنّ توقّع عود الناس و العمارة قائم،6.

ص: 251


1- المغني 251:6، الشرح الكبير 267:6، حلية العلماء 38:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني، و في الشرح الكبير: «و» بدل «أو».
3- المبسوط - للسرخسي - 42:12، تحفة الفقهاء 379:3، بدائع الصنائع 6: 221، الهداية - للمرغيناني - 20:3، المحيط البرهاني 208:6، الاختيار لتعليل المختار 64:3، حلية العلماء 38:6، البيان 86:8، المغني 251:6، الشرح الكبير 267:6.

و هذا كما لو وقف علي ثغر فاتّسعت رقعة الإسلام، فإنّ ريع الوقف يحفظ؛ لاحتمال عوده ثغرا، و لأنّ الانتفاع في الحال بالصلاة في العرصة ممكن(1).

و الوجه: أن يقال: يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكّن من عمارته، أو مع خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه؛ لأنّ الغرض من الوقف استيفاء منافعه، و إذا تعذّرت يجوز إخراجه عن حدّه، تحصيلا للغرض منه، و البقاء علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض و إبطال لقصد الواقف، كما لو عطّل الهدي ذبح في الحال و إن اختصّ بموضع، فلمّا تعذّر المحلّ ترك مراعاة الخاصّ المتعذّر.

و لما رواه عليّ بن مهزيار - في الصحيح - قال: كتبت إلي أبي جعفر عليه السّلام: إنّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك من الوقف الخمس و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، أو تقويمها علي نفسه بما اشتراها أو يدعها موقفة ؟ فكتب عليه السّلام إليّ: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ، و أنّ ذلك رأيي إن شاء اللّه، أو يقوّمها علي نفسه إن كان ذلك أرفق له» و كتبت إليه: إنّ الرجل كتب: إنّ بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا و إنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلي كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ؟ فكتب بخطّه إليّ: «و أعلمه(2) أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أنّ بيع الوقف أمثل فإنّه ربمار.

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 452:1، الوسيط 260:4 و 261، حلية العلماء 37:6 و 39، التهذيب - للبغوي - 524:4 و 525، البيان 86:8، العزيز شرح الوجيز 298:6 و 299، روضة الطالبين 419:4 و 420.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أعلم». و المثبت كما في المصدر.

جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس»(1).

و احتجّ المانعون من علمائنا بما رواه [أبو](2) علي بن راشد قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام، قلت: جعلت فداك، اشتريت أرضا إلي جنب ضيعتي فلمّا وفيت المال خبّرت أنّ الأرض وقف، فقال: «لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك(3) ، ادفعها إلي من أوقفت عليه» قلت:

لا أعرف لها ربّا، قال: «تصدّق بغلّتها»(4).

و لأنّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها، كالمعتق.

و الجواب: القول بموجب الرواية، فإنّ المقتضي لتسويغ البيع هو الخراب أو وقوع فتنة بين أربابه، و التقدير حصول غلّة منها و عدم معرفة أربابها، فانتفي المعنيان، فلهذا نهاه عليه السّلام عن شرائها.

و الفرق بين العتق و الوقف ظاهر؛ فإنّ العتق إخراج عن الملك بالكلّيّة للّه تعالي، و الوقف تمليك للموقوف عليه لطلب النفع منه.

و كأنّ ابن البرّاج و أبا الصلاح عوّلا علي ما رواه جعفر بن حنان قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أوقف غلّة له علي قرابته من أبيه و قرابته من أمّه فللورثة أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة ؟ قال: «نعم، إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا»(5) فإنّ مفهوم هذه4.

ص: 253


1- التهذيب 557/130:9.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- في «ص» و الكافي: «مالك» بدل «ملكك».
4- الكافي 35/37:7، التهذيب 556/130:9.
5- الكافي 29/35:7، الفقيه 179:4-630/180، التهذيب 133:9 - 565/134، الاستبصار 382/99:4.

الرواية عدم التأبيد.

و أمّا المسجد فالوجه: أنّه لا يجوز تبديله و لا تحويله و لا بيعه بحال من الأحوال؛ لأنّه خرج عن ملك صاحبه للّه تعالي، فأشبه العبد الذي أعتق إذا تعطّل، فإنّه لا يعود ملكا لأحد ألبتّة، كذا هذا.

و قول محمّد بن الحسن غلط؛ فإنّ واقف المسجد أزال ملكه علي كلّ حال، فلا يعود إلي ملكه باختلاله، كالعبد المعتق.

و احتجّ أحمد بأنّ عمر كتب إلي سعد لمّا بلغه أنّه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: أن انقل المسجد الذي بالتمارين، و اجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنّه لا يزال في المسجد مصلّ، و لأنّ فيما ذكره(1) استبقاء للوقف بمعناه عند تعذّر إبقائه بصورته، فوجب ذلك، كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبّلها أو [قبّلها](2) غيره(3).

و قول عمر ليس حجّة، و نمنع تعذّر استبقاء [الوقف](4) بصورته؛ لأنّه قد يمكن بعد ذلك عود العمارة.

مسألة 148: كلّ صورة جوّزنا

مسألة 148: كلّ صورة جوّزنا(5) بيع الوقف فيها فإنّه يباع و يصرف الثمن إلي جهة الوقف،

فإن أمكن شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولي.

و هل يكون واجبا؟ قال بعض العامّة: لا يجب، بل أيّ شيء اشتري

ص: 254


1- فاعل الفعل هو أحمد.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- المغني 252:6، الشرح الكبير 268:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المنفعة». و المثبت هو الصحيح.
5- في الطبعة الحجريّة: «جاز» بدل «جوّزنا».

بثمنه ممّا يردّ علي أهل الوقف جاز، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه؛ لأنّ المقصود المنفعة لا الجنس، لكن تكون المنفعة مصروفة إلي المصلحة التي كانت الأولي تصرف فيها؛ لأنّه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع [به](1).

و ما قلناه أولي؛ لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان.

إذا عرفت هذا، فإنّه إن أمكن شراء شيء بالثمن يكون وقفا علي أربابه كان أولي، فإن اتّفق مثل الوقف كان أولي، و إلاّ جاز شراء مهما كان ممّا يصحّ وقفه، و إن(2) لم يمكن صرف الثمن إلي الموقوف عليه يعمل به ما شاء.

و إذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع، وجب؛ لأنّه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه، و مراعاة الخصوصيّة بالكلّيّة تفضي إلي فوات الغرض بأجمعه، و لأنّ قصر الثمن علي البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه مع أنّهم يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل، و يقدّر وجودهم حالة الوقف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ ثمن الوقف يكون كقيمة الموقوف إذا تلف، فيصرف الثمن إلي الموقوف عليهم ملكا علي رأي(3).4.

ص: 255


1- المغني 253:6، الشرح الكبير 268:6-269، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- في الطبعة الحجريّة: «فإن».
3- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 419:4.

و إذا قيل به، فإذا قال الموقوف عليه: لا تبيعوها و اقلبوها إلي ملكي، فعند الشافعيّة: لا يجاب، و لا تنقلب عين الوقف ملكا، بل ارتفاع الوقف موقوف علي البيع(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجاب إليه، و زعم أنّه ينقلب ملكا من غير عقد و قول قالب(2).

مسألة 149: لو لم يكف ثمن الفرس الحبيس للوقف لشراء فرس أخري للغزو،

أعين به في شراء فرس أحسن يكون بعض الثمن؛ لأنّ المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها و صيانتها عن الضياع، و لا سبيل إلي ذلك إلاّ بهذا الطريق، فيتعيّن.

و لو لم تتعطّل منفعة الوقف بالكلّيّة لكن قلّت و كان غيره أنفع منه، لم يجز بيعه؛ لأصالة تحريم بيع الوقف، و إنّما أبيح للضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله، و مع الانتفاع و إن قلّ لا يضيع المقصود، اللّهمّ إلاّ أن يبلغ في قلّة النفع إلي حدّ لا يعدّ نفعا، فيكون وجود ذلك النفع كالعدم(3).

و إذا تعطّل المسجد في الموضع الخراب و لم يخف من أولي القرابة نقضه لم ينقض، و إن خيف نقض و حفظ، و إن رأي الحاكم أن يعمر بنقضه مسجدا آخر جاز، و ما كان أقرب إليه فهو أولي، و لا يجوز صرفه إلي عمارة بئر أو حوض، و كذا البئر الموقوفة إذا خربت يصرف نقضها إلي بئر أخري أو حوض، لا إلي المسجد، و يراعي غرض الواقف ما أمكن.

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 419:4-420.
2- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 420:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «كعدمه».

و جميع ما ذكرنا في المسائل المتقدّمة في حصر المسجد و نظائرها إنّما هو إذا كانت موقوفة علي المسجد، أمّا ما اشتراه المتولّي للمسجد أو وهبه منه واهب و قبله المتولّي فيجوز بيعه بلا خلاف بين العامّة عند الحاجة؛ لأنّه ملك، حتي إذا كان المشتري للمسجد شقصا كان للشريك الأخذ بالشفعة عند الغبطة عندهم(1).

البحث الرابع: في اللواحق.
مسألة 150: يجوز الوقف علي كلّ مصلحة ينتفع بها

من يصحّ أن يملك تلك المنفعة، فلو وقف ضيعة علي تكفين الأموات أو لشراء كفنهم أو حنوطهم أو إعانة من يكفّنهم و يتولّي دفنهم و تجهيزهم أو علي من يصلّي عليهم، جاز و إن حرمت الأجرة في ذلك كلّه؛ لأنّ ذلك ليس مأخوذا علي وجه الأجرة.

و كذا يجوز الوقف علي من يصلّي إماما في المسجد الفلاني، أو من يصلّي فيه مطلق الفرائض الخمس، أو من يصلّي مطلقا و لو في داره، أو من يؤذّن للناس، أو من يعلّمهم القرآن أو الفقه، أو من يساعد بنفسه في الجهاد و إن وجب عليه، أو علي من يصوم شهر رمضان.

و لو وقف ضيعة علي المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان، جاز، و صيغته أن يقول: وقفت أو تصدّقت بهذه الضيعة صدقة مخلّدة محرّمة علي أن تستغل، فما فضل من عمارتها صرف إلي هذه المؤن و إن كانت تصل إعانة للظالم؛ لأنّه في الحقيقة يستدفع بها الأذي عن المؤمنين.

ص: 257


1- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 420:4.
مسألة 151: يجوز الوقف علي عدد غير منحصر و إن انتشروا في البلاد المتباعدة،

كبني هاشم و بني تميم و أقارب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، خلافا للشافعي في أحد قوليه علي ما تقدّم(1).

و قد تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بداره في بني زريق صدقة لا تباع و لا تورث و لا توهب حتي يرث اللّه الأرض، ثمّ قال: «فإن انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين»(2).

و لا فرق بين من لا ينحصر في ابتداء الوقف و انتهائه، و يكون ذلك بيانا للمصرف.

و يكفي الصرف إلي ثلاثة منهم؛ لتحقّق لفظ الجمع فيهم، فإذا وقف علي الطالبيّين كفي الصرف إلي ثلاثة منهم.

و يجوز أن يكون أحدهم من أولاد عليّ عليه السّلام، و الثاني من أولاد عقيل، و الثالث من أولاد جعفر.

و لو وقف علي أولاد عليّ عليه السّلام و أولاد عقيل و أولاد جعفر، فلا بدّ من الصرف إلي ثلاثة من كلّ صنف، هكذا قاله بعض الشافعيّة(3).

و الأولي: وجوب الصرف إلي جميع من يحضر البلد من الطالبيّين، و كذا من بني هاشم و الفقراء و غيرهم من أسماء الجموع.

نعم، لا يجب تتبّع من غاب عن البلد؛ لما فيه من العسر و المشقّة و خوف التلف.

و لما رواه عليّ بن سليمان النوفلي قال: كتبت إلي أبي جعفر

ص: 258


1- في ص 140، المسألة 73.
2- الفقيه 642/183:4، التهذيب 131:9-560/132، الاستبصار 378/97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.

الثاني عليه السّلام أسأله عن أرض أوقفها جدّي علي المحتاجين من ولد فلان بن فلان الرجل الذي يجمع القبيلة و هم كثيرون متفرّقون في البلاد، و في ولد الموقف حاجة شديدة، فسألوني أن أخصّهم بها دون سائر ولد الرجل الذي يجمع القبيلة، فأجاب: «ذكرت الأرض التي أوقفها جدّك علي نفر من ولد فلان و هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، و ليس لك أن تتّبع من كان غائبا»(1).

و لو قال: وقفت داري هذه علي المساكين بعد موتي، فإن قصد الوصيّة صحّ في الثلث، و إن قصد الوقف و علّقه بالموت كان باطلا.

و أفتي بعض الشافعيّة في رجل قال: وقفت داري هذه علي المساكين بعد موتي بصحّة الوقف(2).

و حملوه علي أنّه وصيّة، و لو عرض الدار علي البيع، صار راجعا فيه(3).

و قال به(4) بعض العامّة(5).

و أبطله بعضهم؛ لأنّه تعليق للوقف علي شرط، و هو باطل، كما لو علّقه في حياته(6).

و لو قال: جعلت داري هذه خانقاه للغزاة، لم تصر وقفا بذلك.

و لو قال: تصدّقت بداري هذه صدقة محرّمة ليصرف من غلّتها كلّ شهر إلي فلان كذا، صحّ الوقف - و هو أحد وجهي الشافعيّة(7) - للأصل.4.

ص: 259


1- الفقيه 627/178:4، التهذيب 563/133:9.
2- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
3- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
4- الضمير راجع إلي وقف الدار علي المساكين بعد موت الواقف.
5- المغني 245:6، الشرح الكبير 220:6.
6- المغني 245:6، الشرح الكبير 220:6.
7- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.

و الفاضل عن المقدّر يكون للواقف، فإن مات فلورثته.

و للشافعيّة أوجه:

أحدها: الصرف إلي أقرب الناس إلي الواقف.

و الثاني: الصرف إلي الفقراء.

و الثالث: أنّه يكون ملكا للواقف(1).

و لو قال: جعلت هذه الدار للمسجد، أو دفع دارا إلي قيّم المسجد و قال: خذها للمسجد، لم يلزمه ذلك، و لم يكن وقفا صحيحا.

و لو قال: إذا متّ فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد، فهو وصيّة، و ليس وقفا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يكون شيئا؛ لأنّه لم توجد صيغة [وقف](2) و لا تمليك(3).

مسألة 152: لو قال: وقفت داري علي زيد و علي الفقراء،

فيبني علي ما إذا أوصي لزيد و للفقراء، فإن جعلناه كأحدهم صحّ الوقف، و لا يحرم زيد، و إن قلنا(4): النصف له، صحّ الوقف في نصف الفقراء، و كان وقف زيد منقطع الآخر، و إن لم يصح صحّ في نصيب الفقراء.

و للشافعيّة وجهان مأخوذان من تفريق الصفقة(5).

و لو قال: وقفت هذه البقرة علي رباط كذا ليسقي من لبنها من نزل فيه أو ينفق من نسلها عليه، جاز.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 398:4.
4- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «جعلنا» بدل «قلنا».
5- العزيز شرح الوجيز 300:6-301، روضة الطالبين 398:4.

و إن اقتصر علي قوله: وقفتها عليه، فالأقوي: الجواز؛ لأنّ المراد ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز و إن كنّا نعلم أنّه يريده؛ لأنّ العبرة باللفظ(1).

و لو قال: وقفت علي مسجد كذا، فالوجه: الجواز، و صرف النفع إلي عمارته و دهن أضوائه و فرشه و غير ذلك من مصالحه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ حتي يبيّن جهته، فيقول: [وقفت](2) علي عمارته، أو يقول: وقفت عليه ليستغلّ فيصرف إلي عمارته، أو إلي دهن السراج و نحوهما(3).

و إطلاق جمهورهم يقتضي الجواز(4).

و لو وقف علي مسجد أو رباط معيّن و لم يذكر المصرف إن خرب، احتمل أن يكون منقطع الآخر - و هو قول بعض الشافعيّة(5) - و أن لا يكون إن كان في وسط بلد يستبعد خرابه في العادة، فيكون صحيحا، و إن كان في قرية أو برّيّة علي جادّة الطريق فهو منقطع الآخر.

مسألة 153: لو وقف نخلا أو شجرة،

فالأقرب: عدم دخول المغرس كما في البيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) ، و كذا حكم الأساس مع البناء، إلاّ أن يقول: بحقوقها.

و لو وقف علي عمارة المسجد لم يجز صرف الغلّة إلي النقش

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 301:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 398:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.

و التزويق.

و هل يجوز توفية أجرة القيّم منه ؟ الأقرب: ذلك - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - و لا يجوز صرف شيء إلي الإمام و المؤذّن، و الفرق: أنّ القيّم يحفظ العمارة.

و يجوز أن يشتري [به] البواري و الحصر.

و هل يشتري الدّهن ؟ الأقرب: المنع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و الفرق: أنّ ما يفرش حافظ للعمارة و لباس للمسجد، و منفعة الدّهن تختصّ بالمصلّين.

و قال كثير من الشافعيّة: لا يشتري به الدّهن و لا الحصير(3).

و أمّا التجصيص الذي فيه إحكام للبناء معدود في العمارات.

و لو وقف علي مصلحة المسجد، لم يجز النقش و التزويق، و جاز شراء الحصر و الدّهن.

و الأقرب: جواز الصرف إلي الإمام و المؤذّن.

و الموقوف علي الحشيش لا يصرف إلي الحصير؛ لأنّه لا يستعمل فيه عرفا، و بالعكس، و الموقوف علي أحدهما لا يصرف إلي اللبود و بالعكس.

و لو وقف علي المسجد مطلقا، قال بعض الشافعيّة - علي تقدير الجواز - بالتسوية بينه و بين أن يقف علي عمارة المسجد(4).

و لهم وجهان في جواز الصرف إلي النقش و التزويق في هذه4.

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.
2- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4-422.
4- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.

الصورة(1).

و لو وقف علي النقش و التزويق، فالأقرب: المنع، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و في الآخر: لا يجوز، كالخلاف في جواز تحلية المصاحف(2).

مسألة 154: إذا قال المتولّي للمسجد: أنفقت المال في كذا،

قبل قوله - و هو الأظهر من وجهي الشافعيّة(3) - إن احتمل الحال قوله، و إن ادّعي ما الظاهر فيه كذبه لم يسمع قوله.

و لو انهدم البناء أو انقلعت الأشجار، جاز إجارة الأرض ممّن يزرعها أو يضرب فيها خيامه أو يبني و يغرس عليها من غلّتها.

و يجوز أن يقرض الإمام المتولّي من بيت المال، أو يأذن له في الاستقراض، أو الإنفاق علي العمارة من مال نفسه بشرط الرجوع، و ليس له الاستقراض بدون إذن الإمام.

و لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه أو في يد من يستحقّ إثبات اليد عليه من غير تعدّ، فلا ضمان عليه.

و لو انكسرت الآنية الموقوفة، فإن وجد متبرّع بالإصلاح فذاك، و إلاّ اتّخذ منه(1) أصغر، و أنفق الفضل علي إصلاحه، فإن لم يمكن اتّخاذ مثل تلك الآنية اتّخذ منه(2) ما يمكن أن يكون آلة غيرها، كمغرفة و طاسة و غيرهما، و لا حاجة هنا إلي تجديد وقف، فإنّه عين الموقوف.

و إذا خرب العقار الموقوف علي المسجد و للمسجد هناك مال فاضل دخل، بدئ منه بعمارة العقار؛ لأنّه أصل في عمارة المسجد.

ص: 263


1- الظاهر: «منها».
2- الظاهر: «منها».

و لو حصل مال كثير من غلّة وقف المسجد أخذ(1) منه بقدر ما لو خرب المسجد أعيدت العمارة، و الزائد يشتري به ما فيه للمسجد زيادة غلّة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الموقوف لعمارة المسجد لا يشتري به شيء أصلا؛ لأنّ الواقف وقف علي العمارة(2).

و هل يجوز صرف الفاضل من وقف المسجد إلي عمارة مسجد آخر؟ الأقرب: الجواز، مع احتمال العدم.

مسألة 155: لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه،

سواء كان الموقوف عليه في الأصل واحدا ثمّ تعدّد البطن الثاني الذين انتقل إليهم، أو كان الوقف في الأصل علي متعدّد، كما لو وقف علي أولاده و هم أكثر من واحد، أو وقف علي جهتين؛ لما فيه من تغيير شرط الواقف، لأنّ الحقّ ليس منحصرا في المقتسمين، فإنّ لمن بعدهم من البطون حقّا يأخذونه من الواقف لا علي جهة الإرث من البطن الأوّل، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إن جعلنا القسمة إفراز حقّ و تميّزه عن غيره، جازت القسمة، فإذا انقرض البطن الأوّل انتقضت(4).

و يجوز لأرباب الوقف المهايأة توصّلا إلي استيفاء المنافع.

و يجوز عندنا قسمة الوقف من الطلق؛ لأنّ القسمة ليست بيعا عندنا، و إنّما هي إفراز حقّ.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون فيها ردّ أو لا، فإن لم يكن فيها ردّ جازت

ص: 264


1- في «ر، ص»: «أعدّ» بدل «أخذ».
2- العزيز شرح الوجيز 303:6.
3- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.
4- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.

القسمة عندنا و عند كثير من العامّة(1).

و إن اشتملت علي ردّ، فإن كان من جانب أصحاب الوقف جاز أيضا؛ لأنّه يكون شراء لشيء من الطلق.

و إن كان من صاحب الطلق، قال بعض العامّة: لا يجوز؛ لتضمّنه شراء شيء من الوقف، و بيعه غير جائز(2).

و هو ممنوع.

و إن كان المشاع وقفا علي جهتين فأراد أهله قسمته، لم تجز عندنا.

و عند بعض العامّة يبني علي ما ذكر، و لم تجز إذا كان فيها ردّ بحال، و متي جازت القسمة بين الوقف و الطلق و طلبها أحد الشريكين أو وليّ الوقف أجبر الآخر؛ لأنّ كلّ قسمة جازت من غير ردّ و لا ضرر فهي واجبة(3).

و لو وقف كلّ واحد من الشريكين حصّته علي ولده أو علي جهة أخري و أراد الولدان أو صاحبا الجهتين القسمة، فالأولي المنع، كما لو كان الواقف واحدا.

و لو وقف أحد الشريكين حصّته، لم يكن للآخر شفعة؛ لأنّه إزالة ملك بغير عوض، فهو كالهبة، و لأنّ الشفعة إنّما تثبت عندنا بالبيع خاصّة دون غيره من أسباب النقل.

و لو جعل الواقف للموقوف عليه القسمة، ففي جوازها إشكال، فإن جوّزناه ففي لزومه في حقّ البطون المتجدّدة إشكال، و إن قلنا بلزومه ففي نقضه لو اتّفق البطن الثاني علي نقضه إشكال.

ص: 265


1- المغني 267:6.
2- المغني 267:6.
3- المغني 267:6.
مسألة 156: لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته،

فلا يجوز جعل الدار الموقوفة بستانا و لا حمّاما و بالعكس، إلاّ إذا جعل الواقف للمتولّي ما يري فيه [مصلحة](1) الوقف.

و لو تعذّر الاستمرار، جاز التغيير إلي أقرب الأوصاف إلي الوقف.

و لو جعل دكّان القصّار للخبّاز و بالعكس، فالأقرب: الجواز - و هو قول بعض الشافعيّة(2) - لانتفاء التغيير في النوع.

و لو هدم الدار أو البستان متعدّ، أخذ منه الضمان، و بني به أو غرس ليكون وقفا مكان الأوّل.

و لو وقف علي قنطرة فانخرق الوادي و تعطّلت تلك القنطرة و احتيج إلي قنطرة أخري، جاز النقل إلي ذلك الموضع، بخلاف المسجد الذي باد أهله حيث تبقي عمارته، و يعمر بعد ما خرب إن أمكن ليصلّي فيه المارّة.

و إذا وقف علي عمارة المسجد، جاز أن يشتري منه سلّم لصعود السطح، و مكانس يكنس بها و مساحي و مروز(3) و زبل لحفر التراب و نقله؛ لأنّ ذلك لحفظ العمارة.

و لو كان المطر يصيب بابه و يفسده، جاز بناء ظلال منه، و لا يجوز إذا كان مضرّا بالمارّة.

و إذا وقف علي دهن السراج للمسجد، جاز وضعه في جميع الليل؛ لأنّه أنشط للمصلّين.

ص: 266


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.
3- مروز، جمع، واحدها: مرز، و هو: الحباس الذي يحبس الماء، فارسيّ معرّب، لسان العرب 408:5 «مرز».

و يجوز وقف الستور ليستر بها جدران المسجد.

و قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النقش و التزويق(1).

و لو وقف علي المسجد مطلقا، فالأقرب: جواز صرف الغلّة إلي الإمام و المؤذّن إن ساغ لهما التناول.

و يجوز بناء منارة للمسجد، و كذا يجوز بناء المنارة من الوقف الذي وقف علي عمارة المسجد.

و هل يجوز بناء سقاية المسجد؟ إشكال.

مسألة 157: إذا

مسألة 157: إذا(2) بني مسجد و صار مسجدا،

لم يجز رفعه من الأرض و جعل سقاية أو دكاكين تحته - خلافا لأحمد في إحدي الروايتين(3) - فإنّ المسجد ملك للّه تعالي لا يجوز نقله و لا إبداله و لا بيع ساحته، و لو جاز جعل أسفل المسجد سقاية و حوانيت لجاز جعل المسجد سقاية و حوانيت، و يجعل بدله مسجدا في موضع آخر.

و لو كان لمسجد منارة، و هو غير حصين من الكلاب، أمكن القول بجواز نقضها و بناء الحائط بها للمصلحة، و به قال أحمد(4).

و لو أريد حفر المسجد و جعل السقاية و الدكاكين تحته و البناء عليها بحيث يكون المسجد سقفا مساويا للأرض التي كان عليها في الارتفاع، فالأولي المنع.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 422:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- المغني 254:6، الشرح الكبير 269:6.
4- المغني 254:6، الشرح الكبير 270:6.

و لو جعل في سطحه مرتفق يجري مع حائطه من غير مداخلة له فيه، فالأقرب: الجواز.

مسألة 158: لا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة،

فإن غرست كان للإمام قلعها؛ لأنّ المسجد إنّما بني لذكر اللّه تعالي و الصلاة فيه و تلاوة القرآن، و لأنّ موضع الشجرة من المسجد الذي جعل للصلاة، و بغرس الشجرة تمتنع الصلاة في مغرسها، و تؤذي المصلّين بسقوط ورقها في المسجد و رمي ثمرها، و تسقط عليها الطيور و تبول في المسجد، و ربما اجتمع الصبيان من أجلها و رموها بالحجارة ليسقط ثمرها.

و قد روي في أخبارنا أنّه: «من غرس في المسجد شجرة فكأنّما ربط فيه خنزيرا»(1).

و لو كانت النخلة قد نبتت عذيا من اللّه تعالي، ففي قلعها إشكال.

و لو جعل أرضا فيها نخلة مسجدا أقرّت فيه؛ لسبق حقّ الملك، و لا تصير وقفا بمجرّد ذكر الأرض، كبيع الأرض، و حينئذ لا يكلّف تفريغ الأرض.

و للشافعي قولان في البيع(2).

و قال أحمد: تصير النخلة وقفا، و تكون ثمرتها للمساكين؛ لأنّه لم يجعل لها مصرفا(3).

و لو وقف الشجرة علي المسجد و احتاج(4) المسجد إلي عمارة،

ص: 268


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 424:4.
3- المغني 255:6، الشرح الكبير 271:6-272.
4- في «ص»: «فاحتاج».

فالأقرب: جواز بيع الشجرة في عمارته.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز للإمام قلعها باجتهاده ليتّسع للمصلّين(1).

و لو قال: جعلت هذه الأرض مسجدا، لم تدخل الشجرة، لأنّها لا تجعل مسجدا.

و لو جعل الأرض مسجدا و وقف الشجرة عليها، جاز، و لم يجز قلعها؛ لأنّها لمصالح المسجد.

و لو نبتت شجرة في المسجد، ففي جواز أكل ثمرها للداخل فيه نظر، أقربه: صرف الثمرة إلي مصالح المسجد من العمارة و شبهها.

و لو نبتت شجرة في المقبرة، ففي جواز أكل ثمرها للناس إشكال، أقربه: صرفها(2) في مصالح المسجد.

مسألة 159: يصحّ وقف المريض كما يصحّ وقف الصحيح،

إلاّ أنّ بين علمائنا اختلافا في أنّه هل يمضي من الأصل أو من الثلث ؟ و المعتمد:

الثاني علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي، و لأنّه يؤخّر عن الديون فيكون وصيّة، و الملازمة ظاهرة.

و أمّا صدق المقدّم: فلما رواه أحمد بن حمزة أنّه كتب إلي أبي الحسن عليه السّلام: مدين(3) وقف ثمّ مات صاحبه و عليه دين لا يفي بماله، فكتب عليه السّلام: «يباع وقفه في الدّين»(4).

و لا فرق بين أن يكون الوقف علي الأجنبيّ أو علي الوارث، عند

ص: 269


1- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 424:4.
2- الظاهر: «صرفه».
3- في الفقيه: «مدبر».
4- الفقيه 624/177:4، التهذيب 601/144:9.

علمائنا؛ لقوله تعالي: اَلْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (1).

و قال الشافعي: إن كان لأجنبيّ اعتبر من الثلث، فإن لم يزد عليه لزم، و إن زاد عليه وقف علي إجازة الورثة، فإن أجازوا بأسرهم نفذ من الأصل، و إن ردّوا بأسرهم نفذ من الثلث، فإن أجاز بعضهم نفذ في حصّته من الأصل، و في حصّة الرادّ من الثلث، و إن وقف علي بعض ورثته وقف علي إجازة الباقين، فإن ردّوه بطل، سواء أخرج من الثلث أو لا، و كذا إذا أوصي بالوقف(2).

و قال أحمد في أصحّ الروايتين كقولنا: إنّه يمضي من الثلث و إن لم تجز الورثة كالأجنبيّ؛ لأنّ عمر جعل الولاية لحفصة ثمّ لذوي الرأي من أهله(3)المغني 247:6-248.(4) ، و لا حرج علي من وليه أن يأكل منه، و لأنّ الوقف ليس في معني المال، فإنّه لا يجوز التصرّف فيه، فهو بمنزلة عتق الوارث، و الوصيّة - عنده - للوارث و إن كانت باطلة إلاّ مع إجازة جميع الورثة، فإنّ الوقف مغاير لها؛ لأنّه لا يباع و لا يورث، و لا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلّته(4).

و لو وقف و وهب و حابي، فإن كان ذلك منجّزا قدّم الأوّل فالأوّل.

فإن اشتبه السابق، قال بعض علمائنا: يقسّم علي الجميع بالحصص(5).3.

ص: 270


1- سورة البقرة: 180.
2- حلية العلماء 40:6-41، البيان 83:8.
3- راجع: الهامش
4- من ص 187.
5- نسبه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 212:2 إلي القيل، و راجع: المبسوط - للطوسي - 299:3.

و الوجه: القرعة.

و إن كان وصيّة، فكذلك عندنا.

و قال الشافعي: يستوي الكلّ، إلاّ العتق فإنّ فيه قولين(1).

مسألة 160: لو وقف داره علي ابنه و بنته بالسويّة في مرض موته،

و هي تخرج من الثلث، صحّ ذلك عندنا - و به قال أحمد في إحدي الروايتين(2) - لأنّه لمّا كان يجوز له تخصيص البنت بوقف الدار كلّها فنصفها أولي.

و قالت الشافعيّة و أحمد في الرواية الأخري: إن أجاز الابن ذلك جاز(3).

و إن لم يجزه، قال بعض العامّة: بطل الوقف فيما زاد علي نصيب البنت، و هو السدس، و يرجع إلي الابن ملكا، فيكون له النصف وقفا، و السدس ملكا طلقا، و الثلث للبنت جميعه يكون وقفا.

قال: و يحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف علي البنت، و هو الربع، و تبقي ثلاثة أرباع الدار وقفا، نصفها للابن، و ربعها للبنت، و الربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا: للابن ثلثاه، و للبنت ثلثه.

و تصحّ المسألة من اثني عشر، للابن ستّة أسهم وقفا و سهمان ملكا، و للبنت ثلاثة أسهم وقفا و سهم ملكا(4).

و لو وقفها علي ابنه و زوجته نصفين، و هي تخرج من الثلث، فردّ

ص: 271


1- البيان 172:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5.
2- المغني 248:6-249.
3- البيان 84:8، العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 109:5، المغني 249:6.
4- المغني 249:6.

الابن، صحّ الوقف علي الابن في نصفها، و علي المرأة في ثمنها، و للابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها، فترجع إليه ملكا علي الوجه الأوّل، و علي الوجه الثاني يصحّ الوقف علي الابن في نصفها، و هو أربعة أسباع نصيبه، و يرجع إليه باقي نصيبه ملكا، و يصحّ الوقف في أربعة أسباع الثّمن الذي للمرأة، و باقيه يكون لها ملكا، فاضرب سبعة في ثمانية يكون ستّة و خمسين: للابن ثمانية و عشرون وقفا، و أحد و عشرون ملكا، و للمرأة أربعة أسهم وقفا، و ثلاثة ملكا.

و أمّا إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلّها، فعلي ما اخترناه و اختاره أحمد في إحدي الروايتين(1) الحكم فيها كما كانت تخرج من الثلث، فإنّ الوارث في جميع ذلك كالأجنبيّ في الزائد علي الثلث.

و علي قول أحمد في الرواية الأخري يلزم الوقف في الثلث من غير اختيار الورثة، و فيما زاد لهما إبطال الوقف فيه، و للابن إبطال التسوية، فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف، خرج فيه عندهم وجهان:

أحدهما: أنّه يبطل الوقف في التّسع، و يرجع إليه ملكا، فيصير له النصف وقفا و التّسع ملكا، و يكون للبنت السدس و التّسعان وقفا؛ لأنّ الابن إنّما يملك إبطال الوقف فيما له دون ما لغيره.

و الوجه الثاني: أنّ له إبطال الوقف في السدس، و يصير له النصف وقفا و التّسع ملكا، و للبنت الثلث وقفا و نصف التّسع ملكا لئلاّ تزداد البنت علي الابن في الوقف.

و تصحّ المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر: للابن تسعة وقفا6.

ص: 272


1- المغني 249:6.

و سهمان ملكا، و للبنت ستّة أسهم وقفا و سهم ملكا(1).

و قال بعضهم: له إبطال الوقف في الربع كلّه، و يصير له النصف وقفا و السدس ملكا، و يكون للبنت الربع وقفا و نصف السدس ملكا، كما لو كانت الدار تخرج من الثلث، و تصحّ من اثني عشر(2).

تذنيب: لو وقف في مرض موته و عليه دين مستوعب، بطل الوقف علي الأقوي؛ لأنّ منجّزات المريض كالوصيّة عندنا، و الدّين مقدّم عليه علي رواية أحمد بن حمزة: إنّه كتب إلي أبي الحسن عليه السّلام: مدين وقف ثمّ مات صاحبه و عليه دين لا يفي بماله، فكتب عليه السّلام: «يباع وقفه في الدّين»(3) و لو كان المديون هو الموقوف عليه لم يبع الوقف في قضاء دينه.

مسألة 161: إذا كان الوقف شجرا فأثمر،

أو أرضا فزرعت و كان الوقف علي أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة أو الحبّ نصاب، وجبت فيه الزكاة عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(4) - لأنّه استغلّ من أرضه أو شجره نصابا، فلزمته زكاته، كغير الوقف.

و الأصل فيه: أنّ الوقف تعلّق بأصل الشجرة و رقبة الأرض، و أمّا الثمرة و الزرع فطلق، و الملك فيهما تامّ له التصرّف فيهما بجميع التصرّفات، و يورّث عنه، فتجب فيها(5) الزكاة، كالحاصلة من أرض مستأجرة له.

و قال طاوس و مكحول: لا زكاة فيه؛ لأنّ الأرض ليست مملوكة لهم،

ص: 273


1- المغني 250:6.
2- المغني 250:6.
3- تقدّم تخريجها في ص 269، الهامش (4).
4- المغني 260:6.
5- الأولي: «و يورّثا عنه، فتجب فيهما».

فلا تجب عليهم زكاة في الخارج منها، كالمساكين(1).

و نمنع انتفاء الملك عنهم، و لو سلّمنا فإنّه مالك لمنفعتها، و يكفي ذلك في وجوب الزكاة، كالأرض المستأجرة، بل لو غصب أرضا و زرع زرعا و نمي وجب عليه فيه الزكاة، أمّا لو كان الموقوف عليه غير منحصر كالمساكين، فلا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم، سواء حصل في يد بعضهم نصاب من الثمار و الحبوب، أو لم يحصل، و لا زكاة عليهم قبل تفريقها و إن بلغت نصابا؛ لأنّ الوقف علي المساكين لا يتعيّن لواحد منهم، لأنّ كلّ واحد منهم يجوز حرمانه و الدفع إلي غيره، و إنّما يثبت الملك فيه بالقبض و الدفع لما أعطيه من غلّته ملكا مستأنفا، فلم يجب عليه فيه زكاة، كالذي يدفع إليه من الزكاة، و كما لو وهبه أو اشتراه، بخلاف الوقف علي قوم بأعيانهم، فإنّه يتعيّن لكلّ واحد منهم حقّ في نفع الأرض و غلّتها، و لهذا يجب إعطاؤه و لا يجوز حرمانه.

مسألة 162: تشتمل علي أحكام متعدّدة:

لو وقف علي مصلحة فبطل رسمها فلم يمكن صرف الوقف إليها، صرف في وجوه البرّ.

و لو وقف في وجوه البرّ و أطلق، صرف في الفقراء و المساكين و كلّ مصلحة يتقرّب بها إلي اللّه تعالي.

و لو وقف علي أعمامه و أخواله، تساووا جميعا.

و لو وقف علي أقرب الناس إليه، فهم الأبوان و الولد و إن سفلوا، و لا يكون لأحد من ذوي القرابة شيء ما لم يعدم المذكورون، ثمّ الأجداد

ص: 274


1- المغني 260:6.

و الإخوة من بعدهم بالسويّة، ثمّ الأعمام و الأخوال علي ترتيب الإرث، لكن يتساوون في الإستحقاق، إلاّ أن يعيّن التفضيل.

و إذا وقف علي أولاده الأصاغر، كان قبضه قبضا عنهم، و كذا الجدّ للأب، بخلاف الجدّ للأمّ.

و الأقرب في الوصيّ ذلك أيضا؛ لثبوت الولاية له عليهم.

و لو وقف علي أولاده الأصاغر، لم يكن له بعد ذلك و تمام الوقف إدخال غيرهم.

و قيل: يجوز له أن يشرك معهم و إن لم يشترط(1).

و ليس بجيّد.

و القبض إنّما يعتبر في البطن الأوّل، و يسقط اعتباره في باقي الطبقات.

و إذا وقف علي الفقراء أو علي الفقهاء، فلا بدّ من نصب قيّم يقبض الوقف.

و كذا لو كان الوقف علي مصلحة، كفي إيقاع الوقف عن اشتراط القبول، و كان القبض إلي الناظر في تلك المصلحة.

و لو وقف مسجدا فخرب و خربت القرية أو المحلّة، لم يعد إلي ملك الواقف، و لم تخرج العرصة عن الوقف.

و لو أخذ السيل ميّتا فيئس منه، كان الكفن للورثة.

و إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ثمّ انقرضوا في أثنائها، فإن قلنا:

الموت يبطل الإجارة، فلا بحث، و إن لم نقل، فهل تبطل هنا؟ الأقرب6.

ص: 275


1- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 596.

ذلك؛ لأنّا تبيّنّا أنّ هذه المدّة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي، و بين الفسخ فيه فيرجع المستأجر علي تركة الأوّلين بما قابل المتخلّف.

أمّا لو مات المستأجر فإنّ الإجارة لا تبطل هنا علي القول بعدم البطلان بموته.

و إذا وقف علي الفقراء، لم يجب تتبّع من غاب عن البلد.

و هل يجوز الصرف إليه ؟ الأقرب ذلك.

و قال بعض علمائنا: إنّه ينصرف إلي فقراء البلد و من يحضره(1).

فإن قصد الاختصاص فهو ممنوع، و إن قصد جواز الاقتصار فهو حقّ.

و لو أحبل الموقوف عليه الجارية الموقوفة عليه، فالولد حرّ، و لا قيمة عليه؛ لأنّه لا يجب له علي نفسه غرم.

هذا إن قلنا: إنّ الولد المتجدّد مختصّ بمن تجدّد في وقته من البطون، و إن جعلناه وقفا كالأم، فالأقرب: وجوب التقويم عليه؛ لعدم اختصاصه به.

و علي التقديرين هل تصير أمّ ولد؟ الوجه ذلك، و تنعتق بموته، و توخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون.

و لو وطئها غيره و هو حرّ بوطئ صحيح، فالولد حرّ، إلاّ أن يشترط أرباب الوقف رقّيّته في العقد.

و لو وطئها الحرّ بشبهة، كان ولده حرّا، و عليه قيمته للموقوف2.

ص: 276


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 221:2.

عليهم.

و لو كان بيع الوقف أنفع من بقائه، قال الشيخ المفيد: يجوز تغيير الشرط في الوقف إلي غيره، و ذلك أن يكون قد شرط الواقف أنّه إن احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه(1) ؛ لرواية إسماعيل ابن الفضل عن الصادق عليه السّلام، و قد سلفت(2).

و الوقف إن قلنا: إنّه ينتقل إلي الموقوف عليه، ثبت بالشاهد و اليمين؛ لأنّ المقصود منه المال، و إن قلنا: إنّه ينتقل إلي اللّه تعالي، لم يثبت بالشاهد و اليمين، كالعبد لو ادّعي العتق.

و يحتمل عندي علي القول بانتقاله إلي اللّه تعالي ثبوته بالشاهد و اليمين و إن لم ينتقل إليه؛ لأنّه يحلف لتحصيل غلّته و منفعته، فلمّا كان المقصود من الوقف المنفعة و هي مال، ثبت بالشاهد و اليمين، بخلاف حرّيّة العبد؛ لأنّ المقصود منها تكميل الأحكام.

و إذا كان الوقف عامّا بحيث يدخل الواقف فيه - مثل أن يقف المسلم علي المسلمين، أو يقف علي فقرائهم ثمّ يصير فقيرا، أو يقف مسجدا و قنطرة و أشباه ذلك - جاز له الدخول في الانتفاع، كباقي المسلمين، و ادّعي الشيخ رحمه اللّه فيه الإجماع، فإنّه يعود إلي أصل الإباحة، فيكون هو و غيره فيه سواء(3).

و قال ابن إدريس: إذا وقف شيئا علي المسلمين عامّة، جاز له الانتفاع به عند بعض أصحابنا؛ لأنّه يعود إلي أصل الإباحة، و إن كان ما3.

ص: 277


1- المقنعة: 652.
2- في ص 180.
3- المبسوط - للطوسي - 299:3.

وقفه دارا أو منزلا و كان وقفه عامّا في سائر الناس، كالدور التي ينزلها الحاج، و الخانات، جاز له النزول فيها، و إن لم يكن كذلك لم يجز له.

ثمّ قال: و يقوي عندي أنّ الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه علي حال؛ لما بيّنّاه و أجمعنا عليه من أنّه لا يصحّ وقفه علي نفسه(1).

و الوجه: أن نقول: إن انتقل الوقف إلي اللّه تعالي - كالمساجد - كان للواقف الانتفاع به كغيره، و إن انتقل إلي الخلق لم يدخل؛ لأنّه لو دخل تحت اللفظ العامّ لكان قد وقف علي نفسه و غيره، فيبطل في حقّ نفسه؛ لتساوي نسبة أفراد العامّ إليه، فلو كان مرادا منه لكان قد وقف علي نفسه و غيره، و إن لم يكن مرادا لم يدخل في الوقف.

و عدّ ابن حمزة من شرائط صحّته تسلّم الوقف من الموقوف عليه أو من وليه، إلاّ إذا جعل ولاية الوقف لنفسه مدّة حياته(2).

و هذا القول يشعر بأنّه إذا شرط الولاية لنفسه لم يكن القبض شرطا.

و هو ممنوع؛ لأنّ القبض شرط؛ لما رواه عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في رجل تصدّق علي ولد له قد أدركوا، فقال: «إذا لم يقبضوا حتي يموت فهو ميراث»(3) و عدم الشرط يستلزم عدم المشروط.

و قال الشيخ: إذا وقف علي ولده الموجودين و كانوا صغارا ثمّ رزق بعد ذلك أولادا جاز أن يدخلهم معهم فيه، و لا يجوز أن ينقله عنهم بالكلّيّة إليهم(4).6.

ص: 278


1- السرائر 155:3.
2- الوسيلة 369:3.
3- الفقيه 639/182:4، التهذيب 577/137:9، الاستبصار 390/102:4.
4- النهاية: 596.

و أطلق باقي الأصحاب المنع من تغيير الوقف و شرائطه بعد لزومه.

و قال ابن البرّاج: الوقف يجب أن يجري علي ما يقفه الواقف و يشترط فيه، و إذا وقف علي ولد موجود و هو صغير ثمّ ولد له بعده غيره و أراد أن يدخله في الوقف مع الأوّل، كان جائزا، إلاّ أن يكون قد خصّ الولد الموجود بذلك و قصره عليه و شرط أنّه له دون غيره ممّن عسي أن يرزقه من الأولاد، فإنّه لا يجوز له أن يدخل غيره في ذلك(1).

و الحقّ أنّه ليس له إدخال من يولد إلاّ أن يشترط ذلك في متن العقد؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها»(2)الكافي 5/31:7، التهذيب 137:9-578/138، الاستبصار 391/102:4.(3).

و لأنّه عقد وقع لازما، فلا يجوز تغييره، و إلاّ لم يكن لازما.

و لما رواه جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل تصدّق علي ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة للّه»(3).

و إذا وقف علي أولاده و لم يفضّل بعضا علي بعض، تساوي الذكور و الإناث، و كذا لو قال: لورثتي، و هو المشهور؛ للأصل.

و قال ابن الجنيد: يكون للذكر مثل حظّ الأنثيين، مع أنّه قال:

لو جعل الرجل وقفه علي ولد أمير المؤمنين عليه السّلام، أو جعلها لقرابة منه لا يتوارثون، كانت لجميعهم علي الرؤوس لا يفضّل فيها ذكر علي أنثي.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وقف الإنسان مسكنا، جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليهم، و ليس له أن يسكن غيره فيه(4).0.

ص: 279


1- المهذّب - لابن البرّاج - 88:2 و 89.
2- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش
3- .
4- النهاية: 600.

و قال ابن الجنيد: فإن لم يشترط لنفسه الأكل و السكني فيما تصدّق به، لم يكن له أن يأكل من الغلّة و لا أن يسكن.

و الوجه: أنّه لا يجوز له السكني معهم؛ لأنّ الواقف أخرج الملك عن نفسه بالوقف، فلا يجوز له الانتفاع به، كغيره.

و الشيخ رحمه اللّه عوّل علي رواية أبي الجارود عن الباقر عليه السّلام: «و إن تصدّق بمسكن علي ذي قرابته فإن شاء سكن معهم»(1).

و هي ضعيفة السند، و محمولة علي الصدقة بالإسكان المطلق.

و قد روي أبو الصحاري عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل اشتري دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلّة أيوقف علي المسجد؟ قال: «إنّ المجوس أوقفوا علي بيت النار»(2).

و هو محمول علي أنّه وقف علي تزويق المسجد.

و قال ابن الجنيد: أولاد الحيوان المحبوسة يجرون مجري أمّهاتهم في الحبس و تسبيل المنفعة.

و قال الشيخ: ولد الأمة الرقيق قيل فيه وجهان، أحدهما: يكون طلقا، و يكون للموقوف عليه، و الثاني: يكون وقفا كأمّه(3) ، و كذا الأضحيّة و الهدي، ثمّ قوّي الشيخ الثاني(4).

و إذا وقف المسلم شيئا علي عمارة البيع و الكنائس، لم يجز، و إن وقفه الكافر جاز.3.

ص: 280


1- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
2- الفقيه 648/185:4، التهذيب 611/150:9.
3- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كأمّها». و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط - للطوسي - 290:3.

و أمّا إذا وقف الكافر شيئا علي بيوت عبادة لغير اللّه تعالي، كبيوت النيران و الأصنام و القرابين للشمس و الكواكب، فإنّه باطل.

و لو وقف ضيعة و قال: يكون الارتفاع منصرفا إلي عمارتها و حقّ السلطان، و ما فضل بعد ذلك يكون في معاني الزكوات، صحّ، و يصرف إلي أرباب الزكوات.

و قال بعض الشافعيّة: يصرف إلي الفقراء و المساكين؛ لأنّ الظاهر أنّه أخرج زكاته و كفّارته، و إنّما خاف التقصير، فيكون هذا تطوّعا منه(1).8.

ص: 281


1- البيان 72:8.

ص: 282

الفصل الثاني: في السّكني و العمري و الرّقبي و الحبيس
مسألة 163: أحباس أهل الجاهليّة غير صحيحة،

و هي التي ذكرها اللّه تعالي في كتابه العزيز: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ (1)

فالبحيرة هي: الناقة التي تلد خمسة بطون، فإذا حصل ذلك منها بحروا أذنها، أي: شقّوها، و البحر: الشقّ، و منه سمّي البحر.

و قيل: إنّها ولد الناقة بعد عشرة بطون يشقّون أذنها(2).

و أمّا السائبة فهي: هذه التي ولدت عشرة بطون كلّها إناث فيسيّبونها إكراما لها، فلا تركب و لا يوجف وبرها و لا تحلب إلاّ لضيف.

و أمّا الوصيلة فهي: الناقة أو الشاة تلد عشر بطون في كلّ بطن ذكر و أنثي، فإذا كان منها ذلك قالوا: وصلت أولادها.

و قيل: هي الشاة تلد خمس بطون في كلّ بطن عناقان، فإذا ولدت بطنا سادسا ذكرا و أنثي قالوا: وصلت أخاها، فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور و حراما علي الإناث(3).

و أمّا الحام فهو: الفحل ينتج من ظهره عشرة بطون فيسيّب، و يقال:

حمي ظهره، فلا يركب.

ص: 283


1- سورة المائدة: 103.
2- الحاوي الكبير 514:7، المبسوط - للطوسي - 287:3.
3- الحاوي الكبير 514:7، المبسوط - للطوسي - 287:3.

و قيل: هو أن يطرق الفحل عشر سنين فيحمي ظهره(1).

و قد سمّي الفقهاء المعتق بالسائبة إذا تبرّأ معتقه من ولائه في العتق.

و يبرأ عندنا، خلافا للشافعيّة، فإنّهم قالوا: يثبت عليه الولاء(2).

مسألة 164: يصحّ الحبس مع قصد التقرّب،

و هو كالوقف المنقطع، فإن حبس فرسه في سبيل اللّه أو غلامه في خدمة البيت أو المسجد أو المشهد، لزم ذلك، و لم يجز تغييره ما دامت العين باقية، و إن قيّد بمدّة لزمت، و إن أطلق دامت ما دامت العين.

و يجوز أن يحبس علي رجل معيّن أو جماعة منتشرين كالفقراء، فلو حبس داره علي زيد أو علي الفقراء، فإن عيّن وقتا لزم إحباسه تلك المدّة.

و إن أطلق و لم يعيّن وقتا ثمّ مات الحابس، كان ميراثا، و كذا لو عيّن مدّة و انقضت، كان ميراثا لورثة الحابس؛ لما رواه ابن أذينة البصري قال:

كنت شاهد ابن أبي ليلي و قضي في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت لهم(3) وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن أبي ليلي و حضر ورثة الرجل الذي جعل له الدار، فقال ابن أبي ليلي: أري أن أدعها علي ما تركها صاحبها، فقال له محمّد بن مسلم الثقفي: أما إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قد قضي في هذا المسجد بخلاف ما قضيت به، قال: و ما علمك ؟ قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث» فقال ابن أبي ليلي: هو عندك في كتاب (عليّ)(4) ؟ قال: نعم،

ص: 284


1- جامع البيان (تفسير الطبري) 59:7، التفسير الكبير - للرازي - 110:12.
2- حلية العلماء 249:6، التهذيب - للبغوي - 400:8، البيان 495:8، العزيز شرح الوجيز 386:13، روضة الطالبين 432:8.
3- كلمة «لهم» لم ترد في المصادر.
4- ما بين القوسين لم يرد في المصادر.

قال: فأرسل فأتني به، قال محمّد بن مسلم: علي أن لا تنظر في الكتاب إلاّ في ذلك الحديث، قال: لك ذلك، قال: فأراه الحديث عن أبي جعفر عليه السّلام في الكتاب، فردّ قضيّته(1).

مسألة 165: السكني عقد يفتقر إلي الإيجاب و القبول و القبض،

و فائدتها التسليط علي استيفاء المنفعة مع بقاء الملك علي مالكه، و يختلف عليها الأسماء بحسب اختلاف الإضافة، فإذا قرنت بعمر أحدهما قيل:

عمري، و بالإسكان قيل: سكني، و بالمدّة قيل: رقبي، إمّا من الارتقاب، أو من رقبة الملك، و كانت العرب في الجاهليّة تستعمل لفظين، و هما:

العمري و الرّقبي، فالرّقبي مأخوذة من الرقوب، و العمري مأخوذة من العمر، كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه.

و العبارة عن العقد أن يقول المالك: أسكنتك، أو أعمرتك، أو أرقبتك - أو ما جري مجري ذلك - هذه الدار، أو هذه الأرض، أو هذا المسكن عمرك، أو: عمري، أو: ما بقيت، أو: ما حييت، أو: ما عشت، أو مدّة معيّنة، أو يطلق، أو يقول: أرقبتك هذه الدار، أو: هي لك مدّة حياتك، أو: وهبت منك هذه الدار عمرك علي أنّك إن متّ قبلي عادت إليّ و إن متّ قبلك استقرّت عليك.

و عن أحمد في تفسير الرّقبي روايتان:

إحداهما: أن يقول: هي لك عمرك فإن متّ قبلي رجع إليّ و إن متّ قبلك فهي لك، و معناه هي لآخرنا موتا، و كذا فسّرها مجاهد(2).

ص: 285


1- التهذيب 140:9-591/141، و في الكافي 34:7-27/35، و الفقيه 4: 635/181 بتفاوت يسير.
2- سنن أبي داود 3560/295:3، البيان 122:8.

و الثانية: هي أن يقول: هي لك حياتك فإذا متّ فهي لفلان، أو هي راجعة إليّ(1).

و قال عليّ عليه السّلام: «العمري و الرّقبي سواء»(2).

و قال طاوس: من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث(3).

و قال الزهري: الرّقبي وصيّة(4) ، معناها: إذا متّ فهي لك.

و قال الحسن و مالك و أبو حنيفة: الرّقبي باطلة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أجاز العمري و أبطل الرّقبي(2) ، و لأنّ معناها أنّها لآخرنا موتا، و هذا تمليك معلّق بخطر، و لا يجوز تعليق التمليك بالخطر(3).

و العمري و الرّقبي جائزان في قول أكثر العلماء(4) ؛ لما رواه العامّة عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «العمري جائزة لأهلها، و الرّقبي جائزة لأهلها»(5).4.

ص: 286


1- المغني 340:6-341، الشرح الكبير 291:6. (2الي4) الإشراف علي مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 341:6، الشرح الكبير 291:6.
2- سنن أبي داود 3559/295:3، سنن النسائي (المجتبي) 272:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4944/161:5، السنن الكبري - للبيهقي - 175:6، معرفة السنن و الآثار 58:9، ذيل ح 12346.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 341:6، الشرح الكبير 6: 291، الإفصاح عن معاني الصحاح 54:2، عيون المجالس 1293/1834:4، البيان 122:8، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 89:12، الفقه النافع 747/1017:3، الهداية - للمرغيناني - 230:3.
4- البيان 118:8، المغني 335:6، الشرح الكبير 287:6-288.
5- مسند أحمد 13842/236:4، سنن أبي داود 3558/295:3، سنن الترمذي 633:3-1351/634، سنن النسائي (المجتبي) 274:6، السنن الكبري - للنسائي - 6571/131:4.

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سئل عن السكني و العمري، فقال: «إن كان جعل السكني في حياته فهو كما شرط، و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتي يفني عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا، ثمّ ترجع الدار إلي صاحبها الأوّل»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يسكن الرجل داره، و لعقبه من بعده، قال: «يجوز، و ليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا» قلت:

فرجل أسكن داره حياته، قال: «يجوز ذلك» قلت: فرجل أسكن داره و لم يوقّت، قال: «جائز، و يخرجه إذا شاء»(2).

و لأنّها نوع من صدقة تتبع اختيار المتصدّق بها في القلّة و الكثرة و الدوام و عدمه.

و حكي عن الزهري أنّه قال: لم يكن الخلفاء يقضون بها(3).

و قال بعض العامّة: لا تصحّ العمري و لا الرّقبي(4) ؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا تعمروا و لا ترقبوا»(5).

قالت العامّة: و هذا النهي مصروف إلي ما كانت الجاهليّة تفعله من استرجاعها بعد موت المعمر، فإنّه إذا جعلها سنة فإنّه شرط شرطا ينافيها،8.

ص: 287


1- الكافي 33:7-22/34، الفقيه 653/187:4، التهذيب 588/140:9، الاستبصار 397/104:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
2- الكافي 25/34:7، التهذيب 590/140:9، الاستبصار 398/104:4.
3- حلية العلماء 62:6.
4- المغني 335:6، الشرح الكبير 288:6.
5- ترتيب مسند الشافعي 587/168:2، السنن الكبري - للبيهقي - 175:6، معرفة السنن و الآثار 57:9-12344/58.

و أمّا(1) إذا جعلها له عمره فليس بشرط ينافيها؛ لأنّ الإنسان لا يملك إلاّ عمره، و في الخبر زيادة: «فمن أعمر أو أرقب فهو سبيل الميراث»(2)(3).

و هذا الحمل ليس بجيّد عندنا؛ لأنّا نجوّز العمري مطلقا و مقيّدا، و الخبر عندنا ممنوع.

و قال ابن البرّاج من علمائنا: السكني و العمري و الرّقبي بمنزلة واحدة، ثمّ قال: الرّقبي أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدّة حياتك، أو مدّة حياتي، قال: و ذهب بعض أصحابنا في الرّقبي إلي أنّها هي قول الإنسان لغيره: جعلت لك خدمة هذا العبد مدّة حياتك، أو مدّة حياتي، و ذلك مأخوذ من رقبة العبد، و الأوّل مأخوذ من رقبة الملك، قال: و الذي ذكرناه أوّلا هو الظاهر من المذهب و المعوّل عليه(4).

مسألة 166: العمري لا ينتقل الملك بها إلي المعمر بحال عندنا،

سواء أطلق الإعمار أو قيّده بالعود إليه أو إلي ورثته بعد موت المعمر، أو قيّده بعد موت المعمر برجوع الإعمار إلي عقب المعمر و نسله دائما، بل إذا مات المالك و قرنت العمري بحياته رجعت إلي ورثته، سواء كان المعمر باقيا أو كان قد مات، و إن قرنت بعمر المعمر رجعت إلي المالك أو ورثته بعد موت المعمر، و لو قرنت بعمر المعمر و عقبه رجعت إلي المالك أو إلي ورثته بعد انقطاع عقب المعمر.

و بالجملة، العمري عندنا غير ناقلة للعين إلي المعمر في حال من

ص: 288


1- في الطبعة الحجريّة: «فأمّا» بدل «و أمّا».
2- راجع: الهامش (5) من ص 287.
3- لم نتحقّقه في مظانّه، و ينظر: البيان 119:8.
4- المهذّب - لابن البرّاج - 100:2.

الأحوال - و به قال مالك و الليث بن سعد(1) - لما روي العامّة أنّ مكحولا سأل القاسم بن محمّد عن العمري ما يقول [الناس] فيها؟ فقال القاسم: ما أدركت الناس [إلاّ] علي شروطهم في أموالهم و ما أعطوا(2).

و قال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي: لم تختلف العرب في الرّقبي و العمري و الإفقار(3) و الإحبال و المنحة و العريّة و العاريّة و السكني و الإطراق(4) أنّها علي ملك أربابها(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن السكني و العمري، فقال: «إن كان جعل السكني في حياته فهو كما شرط، و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتي يفني عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا، ثمّ ترجع الدار إلي صاحبها الأوّل»(6).

و لأنّ التمليك لا يتأقّت، كما لو باعه إلي مدّة، فإذا كان لا يتأقّت حمل قوله علي تمليك المنافع؛ لأنّه يصحّ توقيته، و لأنّ الملك ثابت في الأصل للمالك فيستصحب، و لأنّ قوله: «أعمرتك لك و لعقبك» ليس من الألفاظ الناقلة للأعيان في عرف الشرع؛ لأنّه يمكن أن يعمره مدّة منقطعة،ر.

ص: 289


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1200/674:2، عيون المجالس 4: 1292/1833، بداية المجتهد 331:2، الإشراف علي مذاهب أهل العلم 2: 230، الحاوي الكبير 540:7، البيان 118:8، العزيز شرح الوجيز 311:6، المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
2- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- أفقرت فلانا ناقتي، أي: أعرته فقارها ليركبها. الصحاح 783:2 «فقر».
4- أي: إطراق الفحل.
5- المغني 336:6-337، الشرح الكبير 288:6.
6- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1)، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

و لا يوجب ذلك نقل العين.

و قال الشافعي: إذا قال: أعمرتك هذه الدار، مثلا، أو جعلتها لك عمرك، أو: حياتك، أو: ما عشت، أو: حييت، أو: بقيت، و ما يفيد هذا المعني، فله أحوال:

الأوّل: أن يقول مع ذلك: فإذا متّ فهي لورثتك أو لعقبك، فتصحّ، و هي الهبة بعينها، لكنّه طوّل علي نفسه، فإذا مات فالدار لورثته، فإن لم يكن له وارث فلبيت المال، و لا تعود إلي المعمر بحال؛ لما رواه جابر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «أيّما رجل أعمر عمري له و لعقبه فإنّها للّذي أعطيها، لا ترجع إلي الذي أعطاها، لأنّه أعطي عطاء وقعت فيه المواريث»(1).

و قال مالك هنا - كقولنا -: إنّ هذا التصرّف ينصرف إلي المنافع، فإذا مات المعمر و لا ورثة له رجعت إلي المالك، و كذا إن كان له ورثة فانقرضوا، و لا تكون لبيت المال(2).

الثاني: أن يقتصر علي قوله: «جعلتها لك عمرك» و لم يتعرّض لما بعده، ففيه قولان:

الجديد - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) -: أنّه يصحّ، و حكمه حكم الهبة - و به قال جابر بن عبد اللّه و ابن عمر و ابن عباس و شريح و مجاهد6.

ص: 290


1- صحيح مسلم 1625/1245:3، سنن أبي داود 3553/294:3، سنن الترمذي 1350/632:3، سنن النسائي (المجتبي) 275:6-276، السنن الكبري - للنسائي - 132:4-6577/133-6، السنن الكبري - للبيهقي - 172:6.
2- راجع أيضا: الهامش (1) من ص 289.
3- المبسوط - للسرخسي - 94:12، تحفة الفقهاء 160:3، بدائع الصنائع 6: 116، المغني 338:6، الشرح الكبير 289:6.

و الثوري و طاوس(1) ، و نقله العامّة رواية عن عليّ عليه السّلام(2) - لما روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «العمري ميراث لأهلها»(3).

و عن جابر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «لا تعمروا و لا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله الميراث»(4)العزيز شرح الوجيز 312:6.(5).

قالوا: هذا نهي إرشاد، معناه: لا تعمروا طمعا في أن تعود إليكم، و اعلموا أنّ سبيله الميراث(5).

و عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «أمسكوا عليكم أموالكم و لا تعمروها(6) ، فإنّه من أعمر [عمري](7) فهي للّذي أعمرها حيّا و ميّتا»(8).

و لأنّ ملك كلّ واحد يتقدّر بحياته، و ليس في جعله له مدّة حياته ما ينافي انتقاله إلي ورثته من بعده، بل هو شرط الانتقال.

و في القديم: أنّه ليس كذلك؛ لما روي عن جابر أنّه قال: إنّما العمري التي أجازها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يقول: هي لك و لعقبك من بعدك(9).

و اختلفوا في كيفيّة القول القديم للشافعي.».

ص: 291


1- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
2- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
3- صحيح مسلم 31/1248:3، معرفة السنن و الآثار 12346/58:9.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش
5- .
6- في المصدر: «لا تفسدوها» بدل «لا تعمروها».
7- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
8- مسند أحمد 13931/250:4، صحيح مسلم 1246:3-26/1247، السنن الكبري - للبيهقي - 173:6.
9- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 312:6، و في صحيح مسلم 3: 23/1246، و سنن أبي داود 294:3-3555/295 بدون «من بعدك».

فالظاهر عند أصحابه أنّ العقد باطل من أصله؛ لأنّه تمليك عين قدّره بمدّة، فأشبه ما إذا قال: وهبت منك أو أعمرتك سنة.

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ الدار في القديم تكون للمعمر حياته، فإذا مات رجعت إلي المالك أو ورثته، كما شرط.

و نقل أبو إسحاق عن القول القديم للشافعي: أنّها تكون عارية متي شاء استردّها، و إذا مات عادت إلي المالك.

فحصل من ذلك للشافعي أربعة أقوال، و ظاهر المذهب منها:

الجديد، و يليه في الظهور من روايات القديم: البطلان.

الثالث: إذا قال: جعلتها لك عمرك فإذا متّ عادت إليّ، أو إلي ورثتي إن متّ، فإن حكمنا بالبطلان في صورة الإطلاق فهنا أولي، و إن قلنا بالصحّة و العود إلي المعمر فكذلك هنا، و ليس فيه إلاّ التصريح بمقتضي الإطلاق.

و إن قلنا بالجديد - و هو الصحّة و التأبيد - فوجهان:

أحدهما: البطلان؛ لأنّه شرط ما يخالف مقتضي الملك، فإنّ من ملك شيئا صار بعد موته لورثته.

و الثاني: يصحّ و يلغو الشرط، فإنّه لم يشترط علي المعمر شيئا و لا قطع ملكه عليه، و إنّما شرط العود إليه بعد الموت، و حينئذ قد صار الملك للورثة.

و أكثرهم سوّوا بين هذه الحالة و حالة الإطلاق.

و الحاصل ممّا ذكروه: طريقان، أحدهما: طرد الخلاف، و الثاني:

ص: 292

التقاء الجديد [و](1) الظاهر من روايات القديم: اتّفاقهما علي البطلان(2).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: صحّة العقد و الشرط، فإذا مات المعمر رجعت إلي المالك - و به قال القاسم بن محمّد و الزهري و أبو سلمة بن عبد الرحمن و ابن أبي ذئب و مالك و أبو ثور و داود و الشافعي في أحد قوليه - لما رواه جابر قال: إنّما العمري التي أجازها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أن يقول: هي لك و لعقبك، فأمّا إذا قال: هي لك ما عشت، فإنّها ترجع إلي صاحبها(3).

و الرواية الثانية: أنّها تكون للمعمر و لورثته، فيسقط الشرط، و هو قول أبي حنيفة و الشافعي في الجديد(4).

مسألة 167: حكم الرّقبي عندنا حكم العمري

في أنّ كلّ واحد منهما لا يفيد نقل الملك عن صاحبه، بل يثمر إباحة انتفاع المعمر بالملك المدّة التي ذكرها المالك، فهي كالعارية، إلاّ أنّها لازمة لا تبطل إلاّ بانقضاء المدّة، سواء كانت معيّنة، كسنة و شهر، أو مطلقة، كمدّة عمر أحدهما.

و عند الشافعيّة: أنّ الحكم في الرّقبي كالحكم في الحالة الثالثة من العمري، و هي قوله: جعلتها لك عمرك فإذا متّ عادت إليّ أو إلي ورثتي، و إن متّ قبلك استقرّت عليك، فقوله: إن متّ قبلك استقرّت عليك، لا أثر له في المنع، فيبقي قوله: إن متّ قبلي عاد إليّ، فيحصل فيه للشافعي

ص: 293


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 311:6-313، روضة الطالبين 432:4-433، و ينظر: المهذّب - للشيرازي - 455:1، و حلية العلماء 62:6-63، و التهذيب - للبغوي - 532:4-534، و البيان 118:8-121.
3- تقدّم تخريجه في ص 291، الهامش (9).
4- المغني 338:6-339، الشرح الكبير 289:6-290.

طريقان:

أحدهما: القطع بالبطلان.

و أظهرهما: طرد القولين.

فعلي الجديد يصحّ و يلغو الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «لا تعمروا و لا ترقبوا»(1) الحديث، و القديم: البطلان، أو الصحّة و الترقّب(2).

و أبو حنيفة وافقنا علي أنّ الرّقبي لا يملك بها، إلاّ أنّه قال: إنّما هي عارية، و للمرقب الرجوع متي شاء(3).

و قال أحمد: تصحّ الرّقبي كالعمري، و في صحّة الرجوع إلي الواهب روايتان عنه(4).

مسألة 168: تصحّ العمري في غير العقار من الحيوان و الثياب

إمّا لأنّها نوع إعارة التزم بها، أو أنّها صدقة بالمنافع المباحة فجازت، كما تجوز في الملك، هذا عندنا.

و أمّا من يقول بأنّها هبة؛ فلأنّها هنا نوع هبة، فصحّت في ذلك، كسائر الهبات(5).

و لو أعمره جارية، لم يكن له وطؤها؛ لأنّ استباحة البضع منوطة

ص: 294


1- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (5).
2- العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4، و ينظر: الحاوي الكبير 543:7، و المهذّب - للشيرازي - 455:1، و نهاية المطلب 420:8-421، و الوسيط 267:4، و حلية العلماء 64:6، و التهذيب - للبغوي - 534:4، و البيان 121:8.
3- حلية العلماء 64:6، البيان 122:8، العزيز شرح الوجيز 313:6.
4- المغني 340:6-341، الشرح الكبير 291:6، العزيز شرح الوجيز 313:6.
5- المغني 341:6-342، الشرح الكبير 291:6.

بلفظتين: الإباحة و التحليل.

و أحمد و إن قال: إنّ العمري ناقلة إلاّ أنّه قال: لا أري له وطء الجارية؛ لأنّ الوطء استباحة فرج، و قد اختلف في صحّة العمري، و جعلها بعضهم تمليك المنافع [فلم ير له وطأها لهذا]، و لو وطئها كان جائزا عنده(1).

مسألة 169: لو وقّت الهبة في غير العمري و الرّقبي،

فقال: وهبتك هذا سنة، أو إلي أن يقدم الحاج، أو إلي أن يبلغ ولدي، أو مدّة حياتي، أو مدّة حياتك، أو نحو ذلك، لم يصح؛ لأنّها تمليك للرقبة فلم تصح موقّتة كالبيع، بخلاف العمري و الرّقبي؛ لأنّهما عندنا لا تنقلان الأعيان، و عند العامّة تصحّ(2) ؛ لأنّ الإنسان يملك الشيء عمره، فإذا ملكه عمره فقد وقّته بما هو موقّت به في الحقيقة، فصار ذلك كالمطلق(3).

و لو أعمره مدّة حياة زيد أو مدّة حياة ولد المالك أو ولد المعمر أو غيرهما، جاز؛ لأنّها تمليك منافع، فتتبع اختيار المملّك، كما كان له اختيار التمليك مدّة أيّهما كان.

مسألة 170: إذا أعمر الإنسان داره أو أرقبها لزيد،

لم يكن لزيد بيع الدار و نحوه، كالمستعير، عند علمائنا و من وافقهم في عدم انتقال العين؛ لقول الصادق عليه السّلام: «و ليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا»(4).

ص: 295


1- المغني 336:6 و 342، الشرح الكبير 288:6 و 291، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- أي: تصحّ العمري أو الرّقبي.
3- المغني 342:6، الشرح الكبير 291:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (2).

و لأنّ رقبة الملك باقية علي ملك المالك، فليس لغيره البيع؛ لقوله عليه السّلام: «لا بيع إلاّ في ملك»(1).

و قالت الشافعيّة: إن صحّحنا العمري و الرّقبي و ألغينا الشرط، تصرّف المعمر في المال كيف شاء، و إن أبطلنا العقد أو جعلناه عارية، لم يكن له التصرّف بالبيع و نحوه(2).

و إن قلنا بصحّة العقد و الشرط، فلو باع المعمر ثمّ مات فأظهر الاحتمالين عندهم: عدم صحّة البيع؛ لأنّ مقتضي البيع: التأبيد، و هو لا يملكه إلاّ موقّتا، فكيف يملّك غيره ما لم يملكه!؟

و الثاني: الصحّة، كبيع العبد المعلّق عتقه قبل وجود الصفة؛ لأنّه مالك في الحال، و الرجوع أمر يحدث بعد الموت، و شبّهوه برجوع نصف الصداق إلي الزوج بالطلاق قبل الدخول، و رجوع الواهب في الهبة قبل التصرّف(3).

و علي القول بصحّة البيع فيشبه أن يرجع المعمر في تركته بالغرم رجوع الزوج إذا طلّق بعد خروج الصداق عن ملكها(4).

قال الجويني: في رجوع المال إلي ورثة المعمر إذا مات قبل المعمر استبعاد؛ لأنّه إثبات ملك لهم فيما لم يملكه المورّث، لكنّه كما لو نصب شبكة فتعقّل بها صيد بعد موته يكون الملك فيه للورثة(5).4.

ص: 296


1- ورد بلفظ: «لا بيع إلاّ فيما تملك» في سنن أبي داود 2190/258:2.
2- العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4.
3- نهاية المطلب 422:8، العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4.
4- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.
5- نهاية المطلب 421:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.

و الصحيح عندهم: أنّه تركة تقضي منها الديون و تنفّذ الوصايا(1).

مسألة 171: إذا قال: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي،

لم تنتقل إلي المعمر، بل له الانتفاع مدّة عمر المالك، فإن مات المالك رجعت ميراثا إلي ورثته، و إن مات الساكن قبل المالك كانت العمري لورثة الساكن ينتفعون بها مدّة عمر(2) المالك، و ليس للمالك إزعاجهم منها؛ لأنّ المعمر قد ملك الانتفاع مدّة عمر المالك، فإذا مات قبل موت المالك انتقل ما كان له إلي ورثته، كانتقال الإجارة إليهم.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ قوله: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي، كما لو قال: عمرك أو حياتك؛ لشمول اسم العمري.

و أظهرهما: المنع؛ لخروجه عن اللّفظ المعهود في الباب، و لما فيه من تأقيت الملك؛ لجواز موت المعمر قبله، بخلاف ما إذا قال: عمرك أو حياتك؛ لأنّ الإنسان لا يملك إلاّ مدّة حياته، فلا تأقيت فيه(3).

و أجروا الخلاف فيما إذا قال: جعلتها لك عمر فلان(4).

و خرج من تصحيح العقد و إلغاء الشرط في هذه الصورة وجه: أنّ الشرط الفاسد لا يفسد الهبة، و طرد ذلك في الوقف أيضا(5).

و منهم من خصّص الخلاف في هذه القاعدة بما هو من قبيل

ص: 297


1- نهاية المطلب 421:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.
2- في «ص»: «حياة» بدل «عمر».
3- التهذيب - للبغوي - 534:4، البيان 121:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4-434.
4- البيان 121:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
5- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.

الأوقات، مثل أن يقول: وهبت منك [سنة، أو وقفتها سنة(1).

و منهم من طرده في كلّ شرط، كقوله: وهبتك](2) بشرط أن لا تبيعه إذا قبضته، و ما أشبه ذلك(3).

و فرّقوا بين البيع و بين الهبة و الوقف: بأنّ الشرط في البيع يورث جهالة الثمن، و يلزم من جهالة الثمن فساد البيع، و هذا إذا قالوا بالصحيح عندهم، و هو فساد البيع بالشروط الفاسدة(4).

و ظاهر مذهبهم فساد الهبة و الوقف بالشروط التي يفسد بها البيع، بخلاف العمري؛ لما فيها من الأخبار(5).

و لو باع علي صورة العمري بأن يقول: ملّكتك بعشرة عمرك، قال بعض الشافعيّة: لا يبعد جوازه، تفريعا علي الجديد(3).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه تطرق الجهالة إلي الثمن(4).

مسألة 172: لا يجوز تعليق العمري علي شرط أو صفة،

مثل أن يقول: إذا مات أو قدم فلان أو جاء رأس الشهر فقد أعمرتك هذه الدار، أو فهذه الدار لك عمرك، أمّا لو علّق بموت نفسه، فقال: إذا متّ فهذه الدار لك عمرك، فهو وصيّة يعتبر خروجها من الثلث.

و لو قال: إذا متّ فهي لك عمرك فإذا متّ عادت إلي ورثتي، فهو وصيّة بالعمري، و هي وصيّة عند الشافعيّة بالعمري علي صورة الحالة

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز، و كذا روضة الطالبين. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
3- العزيز شرح الوجيز 314:6-315، روضة الطالبين 434:4.
4- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.

الثالثة(1).

و لو جعل اثنان كلّ واحد منهما داره للآخر عمره علي أنّه إذا مات قبله عادت إلي صاحب الدار، فهي رقبي من الجانبين.

و لو قال: داري لك عمرك، فإذا متّ فهي لزيد، أو عبدي لك عمري فإذا متّ فهو حرّ، صحّ العمري - و به قال الشافعي في الجديد(2) - و لغا المذكور بعده؛ لأنّ العتق لا يقع معلّقا.

مسألة 173: السكني جائزة عند علمائنا،

و تلزم بحسب ما شرطه.

فإن أطلق و قال: سكني هذه الدار لك، أو أسكنتكها، أو جعلت سكناها لك، و ما أشبه ذلك، لزم العقد في مسمّي الإسكان و لو يوما، و الضابط ما يسمّي إسكانا، فحينئذ للمالك الرجوع متي شاء، كما تقدّم(3) في حديث الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قلت: فرجل أسكن داره و لم يوقّت، قال: «جائز، و يخرجه إذا شاء».

و إن قيّد بمدّة مضبوطة، كسنة أو شهر، لزم الإسكان تلك المدّة، و جاز للمالك الرجوع بعد انقضائها متي شاء، و إن قرنها بعمر المالك أو عمر الساكن لزمت مدّة حياة أحدهما؛ لقول الصادق عليه السّلام في رواية أبي الصباح، قال: «إن كان جعل السكني في حياته فهو كما شرط»(4).

و إن جعل له السكني مدّة حياة(5) الساكن و لعقبه و نسله، لزم الإسكان

ص: 299


1- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.
2- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.
3- في ص 287.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
5- في «ص»: «عمر» بدل «حياة».

ما دام العقب موجودا، فإن انقرض العقب رجعت إلي المالك؛ لقول الصادق عليه السّلام: «و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتي يفني عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا ثمّ ترجع الدار إلي صاحبها الأوّل»(1).

و لو جعل له السكني مدّة حياة المالك و مات الساكن قبله، كان لورثته السكني إلي أن يموت المالك.

و لو جعل له السكني مدّة حياة الساكن، فمات المالك أوّلا، لم يكن لورثته إزعاجه، بل يسكن طول حياته، و إذا مات رجعت إلي ملك ورثة المالك، كما قلنا في العمري.

و قال أكثر العامّة كالشعبي و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي: إذا قال: لك سكني هذه الدار عمرك، أو أسكنتك هذه الدار عمرك، و نحو ذلك، فليس بعقد لازم؛ لأنّه في الحقيقة هبة للمنافع، و المنافع إنّما تستوفي بمضيّ الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم إلاّ في قدر ما قبضه منها و استوفاه بالسكني، و للمالك الرجوع متي شاء، و أيّهما مات بطلت الإباحة(2).

و قال الحسن و عطاء و قتادة: هي كالعمري تكون له و لعقبه؛ لأنّها في معني العمري، فيثبت فيها مثل حكمها(3).

و قال الشعبي: إذا قال: هي لك اسكن حتي تموت، فهي له حياته2.

ص: 300


1- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
2- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 231:2 و 232، المغني 343:6، الشرح الكبير 292:6.
3- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 343:6، الشرح الكبير 6: 292.

و موته، و إن قال: داري هذه اسكنها حتي تموت، فإنّها ترجع إلي صاحبها؛ لأنّه إذا قال: هي لك، فقد جعل رقبتها له، فتكون عمري، و إذا قال: اسكن داري هذه، فإنّما جعل له نفعها دون رقبتها، فتكون عارية(1).

و لا نسلّم أنّ السكني هبة المنافع، و إنّما هي عقد مستقلّ يفيد إباحة المنافع علي وجه لازم، كالوقف إذا قلنا بعدم الانتقال عن الواقف، و كالإجارة، و قبض المنافع بقبض العين، و نمنع الانتقال في العمري، و قوله: هي لك، لا يوجب نقلها عنه.

مسألة 174: السّكني و العمري و الرّقبي و الحبس من العقود اللازمة مع الإقباض؛

لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن السكني و العمري، فقال: «إن كان جعل السكني في حياته فهو كما شرط»(3) و ذلك يقتضي اللزوم.

و قال بعض علمائنا: إنّها غير لازمة(4) ؛ للأصل.

و قال آخرون: إنّها تلزم إن قصد به القربة(5) ؛ لأنّها كهبة مقبوضة.

و الأوّل أشهر، فإذا عيّن للسكني مدّة، لزمت بالقبض، و لا يجوز الرجوع فيها إلاّ بعد انقضائها.

ص: 301


1- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 231:2 و 232، المغني 343:6، الشرح الكبير 292:6.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
4- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 225:2.
5- قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 363 و 364 صريحا، و الشيخ المفيد في المقنعة: 653، و ابن زهرة في الغنية: 302، و يحيي بن سعيد في الجامع للشرائع: 367 ظاهرا.

و كذا لو جعلها عمر المالك، لم يرجع و إن مات المعمر، و انتقل ما كان له إلي ورثته حتي يموت المالك.

و كلّ ما يصحّ وقفه يصحّ إعماره، سواء كان عقارا أو حيوانا أو أثاثا.

مسألة 175: إطلاق السكني يقتضي أن يسكن من جعلت له السكني بنفسه و أهله و أولاده.

و الأقرب عندي: جواز إسكان من جرت العادة بالسكني معه، كغلامه و جاريته و مرضعة ولده؛ قضاء للعادة.

و الشيخ رحمه اللّه اقتصر عليه و علي أهله و أولاده، قال: و لا يجوز للساكن أن يسكن سواهم، و لا يجوز للساكن أن يؤاجره و لا أن ينتقل عنه فيسكن غيره، إلاّ بإذن صاحب المسكن(1) ، و كذا قال ابن البرّاج(2).

و قال ابن إدريس: الذي تقتضيه أصول المذهب أنّ له جميع ذلك، و أنّ له إجارته و انتقاله عنه و إسكان غيره معه، سواء كان ولده أو امرأته أو غيرهما، و سواء أذن له في ذلك أو لم يأذن؛ لأنّ منفعة هذه الدار استحقّها و صارت مالا من أمواله و حقّا من حقوقه، فله استيفاؤها كيف شاء بنفسه و بغيره(3).

و الوجه: ما قلناه من اختصاص الإسكان بالمسكن و من جرت العادة بسكناه معه.

و كذا له أن يسكن دابّة إذا كان الموضع يحتمل ذلك؛ لأصالة عصمة مال الغير و حفظه عن تسلّط غير المالك عليه، خرج عنه المسكن و من

ص: 302


1- النهاية: 601.
2- المهذّب - لابن البرّاج - 102:2.
3- السرائر 169:3.

جرت عادته بمصاحبته في السكني [معه](1) بقي الباقي علي الإطلاق.

و نمنع الاستحقاق مطلقا، بل إنّما يستحقّ علي حدّ ما جعل له، و هو السكني، فلا يتناول الإجارة و غيرها؛ لعدم الإذن فيه نطقا و عرفا.

مسألة 176: قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وقف الإنسان مسكنا،

جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليهم، و ليس له أن يسكن غيره فيه(2).

و قال ابن الجنيد: فإن لم يشترط لنفسه الأكل و السكني فيما تصدّق به، لم يكن له أن يأكل من الغلّة و لا أن يسكن.

و قال ابن إدريس: إن كان الوقف عامّا علي جميع المسلمين، جاز ذلك علي قول بعض أصحابنا، و إن كان خاصّا علي قوم بأعيانهم، لم يجز للواقف أن يسكن فيه مع من وقفه عليه(3).

و هو المعتمد؛ لأنّ الواقف أخرج الملك عن نفسه بالوقف، فلا يجوز له الانتفاع به كغيره.

و الشيخ احتجّ برواية أبي الجارود عن الباقر عليه السّلام قال: «و إن تصدّق بمسكن علي ذي قرابته فإن شاء سكن معهم»(4).

و هي ضعيفة السند، و متأوّلة بأنّ المراد بالصدقة الإسكان المطلق، و معارضة برواية طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السّلام: إنّ رجلا تصدّق بدار له و هو ساكن فيها، فقال: «الحين اخرج منها»(5).

مسألة 177: قد بيّنّا أنّه إذا جعل المالك لغيره السكني مدّة حياة

ص: 303


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عنه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- النهاية: 600.
3- السرائر 155:3.
4- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
5- التهذيب 582/138:9، الاستبصار 394/103:4.

الساكن ثمّ مات المالك، لم يكن لورثته إخراج الساكن من المسكن قبل وفاته مطلقا، عند أكثر علمائنا(1) ؛ لأنّه قد ملّكه تمليكا لازما، فكان كالإجارة.

و قال ابن الجنيد: إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلي قيمة الدار، فإن كانت تحيط بثلث الميّت لم يكن لهم إخراجه، و إن كانت تنقص عنها كان ذلك لهم؛ لما رواه خالد بن نافع البجلي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل لرجل سكني دار حياته - يعني صاحب الدار - فمات الذي جعل له السكني و بقي الذي جعل له السكني، أرأيت إن أراد الورثة أن يخرجوه من الدار لهم ذلك ؟ قال:

فقال: «أري أن تقوّم الدار بقيمة عادلة و ينظر إلي ثلث الميّت، فإن كان في ثلثه ما يحيط بثمن الدار فليس للورثة أن يخرجوه، و إن كان الثلث لا يحيط بثمن الدار فلهم أن يخرجوه» قيل: أرأيت إن مات الرجل الذي جعل له السكني بعد موت صاحب الدار تكون السكني لورثة الذي جعل له السكني ؟ قال: «لا»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: ما تضمّن صدر هذا الخبر من قوله: «يعني صاحب الدار» حين ذكر أنّ رجلا جعل لرجل سكني دار له فإنّه من كلام الراوي و قد غلط في التأويل و وهم؛ لأنّ الأحكام التي ذكرها بعد ذلك إنّما تصحّ إذا كان قد جعل السكني مدّة حياة من أسكنه الذي جعلت له السكني، فحينئذ تقوّم و ينظر باعتبار الثلث و زيادته و نقصانه(3).0.

ص: 304


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 601، و ابن البرّاج في المهذّب 102:2، و ابن إدريس في السرائر 169:3.
2- التهذيب 594/142:9، الاستبصار 400/105:4.
3- التهذيب 142:9، ذيل ح 594، الاستبصار 105:4، ذيل ح 400.

و هذه الرواية محمولة عندنا علي الوصيّة.

مسألة 178: قال الشيخ في النهاية: إذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزمان

ثمّ هو حرّ بعد ذلك، كان ذلك جائزا، و كان علي المملوك الخدمة في تلك المدّة، فإذا مضت المدّة صار حرّا، فإن أبق العبد هذه المدّة ثمّ ظفر به من جعل له خدمته، لم يكن له بعد انقضاء تلك المدّة سبيل(1).

قال ابن إدريس: أورد الشيخ هذه الرواية، و هي من أضعف أخبار الآحاد؛ لأنّها مخالفة لأصول المذهب، لأنّ التدبير عند أصحابنا بأجمعهم لا يكون إلاّ بعد موت المولي الذي هو المعتق المباشر للعتق، و يكون بمنزلة الوصيّة يخرج من الثلث، هذا لا خلاف بينهم فيه، فمن ادّعي حكما شرعيّا آخر غير هذا يحتاج في إثباته إلي دليل شرعيّ(2).

و قال ابن الجنيد: إذا قال السيّد لعبده: أنت حرّ علي شرط، يجوز أن يكون قبل وفاة سيّده، فيعتق بذلك، فإن لم يكن ذلك إلاّ بعد موت السيّد كان العبد حرّا من غير الثلث؛ لأنّ الوصيّة لا تكون بحال قبل الموت، و ذلك مثل قوله: إذا مات فلان فأنت حرّ، أو يقول لأمته: إذا أرضعت ولدي فأنت حرّة، فإن مات السيّد قبل فلان، خدم العبد الورثة إلي موت فلان، ثمّ هو حرّ، و إن مات الطفل قبل استتمام رضاعه خدمت الأمة تتمّة سنتين من يوم ولد الطفل و عتقت.

و الذي اخترناه نحن في مختلف الشيعة(3) قول الشيخ رحمه اللّه؛ لأصالة

ص: 305


1- النهاية: 601-602.
2- السرائر 171:3.
3- مختلف الشيعة 297:6، المسألة 80.

الجواز، و لأنّ المقتضي للإبطال ليس جعل الخدمة للغير؛ لأنّه سائغ إجماعا، و لا تأخير التحرير؛ لأنّه جائز في المدبّر إجماعا، و لا خصوصيّة من علّق التحرير بموته؛ إذ لا اعتبار بذلك في نظر الشرع، فإنّ لكلّ أحد تعليق تحرير عبده بموته، و معلوم أنّه لا مدخل لخصوصيّات العبيد و لا خصوصيّات المالك.

و ما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل تكون له الخادم تخدمه، فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّ ثمّ يجدها ورثته ألهم أن يستخدموها قدر ما أبقت ؟ قال: «إذا مات الرجل فقد عتقت»(1).

إذا ثبت هذا، فالوجه عندي: أنّه ليس له الرجوع في جعل الخدمة؛ لأنّه رقبي إن قرن به نيّة القربة.

و هل ينعتق العبد من الأصل أو من الثلث ؟ الأقوي: أنّه من الأصل إن كان المالك حيّا حال حياة من علّقت الخدمة بموته، و من الثلث إن كان قد مات.

و كتب إليه محمّد بن أحمد بن إبراهيم سنة ثلاث و ثلاثين و مائتين يسأله عن رجل مات و خلّف امرأة و بنين و بنات و خلّف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثمّ هو حرّ بعد العشر سنين، فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام و هم مضطرّون إذا كان علي ما أصفه لك، جعلني اللّه فداك ؟ فكتب: «[لا يبيعوه](2) إلي ميقات شرطه، إلاّ أن يكونوا مضطرّين إلي ذلكه.

ص: 306


1- التهذيب 596/143:9، الاستبصار 32:4-111/33.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يبيعه»، و في التهذيب: «لا تبعه»، و المثبت كما في الفقيه.

فهو جائز لهم»(1).

مسألة 179: إذا جعل داره سكني لزيد أو عمري أو رقبي،

فإن عيّن المدّة لم تخرج عن ملكه، و جاز للمالك بيع الدار، و لا يبطل الإسكان و لا الإعمار، بل يكون للساكن السكني التي جعلت له.

فإن كان المشتري عالما بالحال فلا خيار، و إن كان جاهلا، كان بالخيار بين فسخ البيع و بين إمضائه بجميع الثمن لحصول نفع في العين؛ لما رواه الحسين بن نعيم عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل دارا سكني لرجل أيّام حياته، أو جعلها له و لعقبه من بعده هل هي له و لعقبه كما شرط؟ قال: «نعم» قلت: فإن احتاج أن يبيعها؟ قال:

«نعم» قلت: فينقض بيعه الدار السكني ؟ قال: «لا ينقض البيع السكني، كذلك سمعت أبي عليه السّلام، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: لا ينقض البيع الإجارة و لا السكني، و لكن يبيعه علي أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشتري حتي تنقضي السكني علي ما شرط، و كذلك الإجارة» قلت: فإن ردّ علي المستأجر ماله و جميع ما لزمه من النفقة و العمارة فيما استأجره ؟ قال: «علي طيبة النفس و برضا المستأجر بذلك لا بأس»(2).

بقي هنا الإشكال، و هو أنّ في الرواية ما يدلّ علي جواز بيع الملك الذي جعل سكناه للغير مدّة حياته، و مع هذا منعوا من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء؛ لجهالة وقت الانتفاع، و هذا المعني متحقّق هنا، فإن جعلت السكني مقرونة بمدّة معيّنة صحّ البيع، و إلاّ بقي الإشكال.

و يحتمل أن يكون قوله في السؤال: «فإن احتاج أن يبيعها» إشارة إلي

ص: 307


1- الفقيه 634/181:4، التهذيب 581/138:9.
2- التهذيب 141:9-593/142، الاستبصار 399/104:4.

مطلق الإسكان الذي يحتمل التعيين، حوالة علي المتعارف من اشتراط العلم بالمبيع.

مسألة 180: يكره لمن أخرج شيئا من ماله في الصدقة و لا يجد السائل أن يردّه إلي ملكه،

بل ينبغي أن يتصدّق به علي غير ذلك السائل، و ليس محرّما؛ لما رواه عليّ بن إسماعيل عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل يخرج الصدقة يريد أن يعطيها السائل فلا يجده، قال: «فليعطها غيره، و لا يردّها في ماله»(1).

و عن طلحة بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام قال: «من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها، لأنّه لا شريك للّه عزّ و جلّ في شيء ممّا جعل له، إنّما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما تعتق»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّه يكره للرجل أن يملك باختياره ما تصدّق به، و لا بأس أن يملكها بغير اختياره بأن تدخل في ملكه بميراث أو شبهه، كقضاء دينه علي المتصدّق عليه؛ لما رواه أبان عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «لا يشتري الرجل ما يتصدّق به»(3).

و عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلاّ في ميراث»(4).

و إنّما قلنا ذلك علي وجه الكراهية دون التحريم؛ لأنّ المسكين قد ملك الصدقة، فله(5) التصرّف فيها كيف شاء من بيع و غيره، و المالك قابل

ص: 308


1- التهذيب 647/157:9.
2- التهذيب 622/152:9.
3- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
4- التهذيب 150:9-614/151.
5- في «ص»: «فكان له» بدل «فله».

للتمليك، و قد قال اللّه تعالي: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) فقد ثبت المقتضي و انتفي المانع، فكان جائزا.

و قوله عليه السّلام: «لم يحل» محمول علي الكراهية؛ لأنّ المراد بالحلّ الإباحة، و نفي الإباحة كما يثبت مع التحريم يثبت مع الكراهة، و المتيقّن الكراهة؛ لأصالة نفي التحريم.

و يؤيّده ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: «إذا تصدّق الرجل علي ولده بصدقة فإنّه يرثها، و إذا تصدّق بها علي وجه يجعله للّه فإنّه لا ينبغي له»(2).

أمّا إذا عادت إليه بميراث و شبهه فإنّه لا بأس به؛ لما تقدّم.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام: في الرجل يتصدّق بالصدقة أيحلّ له أن يرثها؟ قال: «نعم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّها إذا رجعت إليه بميراث كان رجوعا بغير اختياره، فلا يكون مكروها، و إذا كان الضابط عدم الاختيار ينبغي أن يندرج فيه ما رجع إليه بغير اختياره، كما لو كان له دين علي الفقير فدفع إليه صدقة فقضاه دينه منها، لم يكن مكروها.

مسألة 181: لا يجوز لمن تصدّق بشيء علي غيره متقرّبا به إلي اللّه تعالي أن يرجع في صدقته؛

لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يتصدّق بالصدقة ثمّ يعود في صدقته، فقال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثمّ يعود فيها

ص: 309


1- سورة البقرة: 275.
2- التهذيب 616/151:9.
3- الكافي 15/32:7، التهذيب 615/151:9.

مثل الذي يقيء ثمّ يعود في قيئه»(1).

و عن أيّوب بن عطيّة - في الصحيح - قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «قسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الفيء فأصاب عليّا عليه السّلام أرضا فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسمّاها عين ينبع، فجاء البشير ليبشّره، فقال: بشّر الوارث، هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله، لا تباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صرفا و لا عدلا»(2).

مسألة 182: يشترط في الصدقة و العتق التقرّب بهما إلي اللّه تعالي؛

لأنّهما عبادة، فلا بدّ فيها من النيّة؛ لقوله تعالي: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (3).

و ما رواه هشام و حمّاد و ابن أذينة و ابن بكير و غير واحد كلّهم قالوا:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق إلاّ ما أريد به وجه اللّه تعالي»(4).

و في الحسن عن حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام قال: «لا صدقة و لا عتق إلاّ ما أريد به وجه اللّه عزّ و جلّ»(5).

مسألة 183: تجوز الهبة و الصدقة بالمجهول؛ للأصل.

و لما رواه الفضل بن عبد الملك - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام:

في رجل تصدّق بنصيب له في دار علي رجل، قال: «جائز و إن لم يعلم

ص: 310


1- التهذيب 618/151:9.
2- الكافي 54:7-9/55، التهذيب 148:9-609/149.
3- سورة البيّنة: 5.
4- الكافي 2/30:7، التهذيب 548/139:9، و 151-620/152.
5- الكافي 1/30:7، التهذيب 619/151:9.

ما هو»(1).

و عن الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار، فقال: «يجوز» قلت:

أرأيت إن كان هبة ؟ قال: «يجوز»(2).

مسألة 184: إذا أبرأت المرأة ذمّة زوجها من مهرها في مرض الموت،

نفذ الإبراء من الثلث؛ لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون لامرأته عليه صداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها، قال: «لا، و لكن إن وهبت له جاز ما وهبت له من ثلثها»(3).

و إذا وهب الرجل ولده الصغير جارية، جاز له أن يقوّمها علي نفسه ثمّ يطأها؛ لما رواه عبد الرحمن - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه سأله عن الرجل يتصدّق علي ولده و هم صغار بالجارية ثمّ تعجبه الجارية و هم صغار في عياله، أتري أن يصيبها أو يقوّمها قيمة عدل فيشهد بثمنها عليه، أم يدع ذلك كلّه فلا يعرّض لشيء منه ؟ فقال: «يقوّمها قيمة عدل و يحتسب بثمنها لهم علي نفسه و يمسّها»(4).

و إذا وهب الرجل غيره جارية، جاز له أن يطأها قبل التعويض؛ لإفادة الهبة إباحة الوطء.

و لما رواه القاسم بن سليمان عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يهب الجارية علي أن يثاب فلا يثاب أله أن يرجع فيها؟ قال: «نعم

ص: 311


1- التهذيب 621/152:9.
2- الكافي 24/34:7، التهذيب 589/140:9.
3- التهذيب 652/158:9.
4- الكافي 31:7-10/32، التهذيب 626/153:9، الاستبصار 403/106:4.

إن كان شرط له عليه» قلت: أرأيت إن وهبها له و لم يثبه أيطأها أم لا؟ قال:

«نعم إذا لم يكن شرط عليه حين وهبها»(1).

تمّ الجزء الثالث عشر(2) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه تعالي و منّه، و يتلوه في الجزء الرابع عشر(3) كتاب الوصايا علي يد مصنّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي في سادس و عشرين(4) جمادي الأولي من سنة ستّ عشرة و سبعمائة بالسلطانيّة.».

ص: 312


1- التهذيب 154:9-633/155.
2- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
3- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
4- في «ع»: «سادس و عشري».

فهرس الموضوعات

كتاب العطايا المعجّلة

أقسام العطيّة 5

المقصد الأوّل: في الهبة

مقدّمة: في بيان حقيقة الهبة و تسويغها 5

فيما يدلّ علي استحباب الهبة و الهديّة و الصدقة و الترغيب فيها 6

تنبيه: في أنّ الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجّزا مجرّدا عن القربة 8

الفصل الأوّل: في الأركان

البحث الأوّل: في صيغة الهبة

افتقار عقد الهبة إلي الإيجاب و القبول باللفظ 9

هل يحتاج الهديّة إلي الإيجاب و القبول اللفظيّين ؟ 9

ألفاظ الإيجاب و القبول في الهبة 10

اشتراط التنجيز في عقد الهبة 11

هل يجب كون القبول عقيب الإيجاب بلا فصل ؟ 11

اشتراط كمال المتعاقدين من البلوغ و كمال العقل و جواز التصرّف 12

فيما إذا كان المهدي إليه طفلا تولّي وليّه القبول 12

فيما إذا كان الواهب هو الوليّ تولّي الطرفين 12

هل يكفي في العقد الإيجاب منفردا عن القبول ؟ 12

ص: 313

هل يكفي قبول المتعهّد الذي لا ولاية له علي الطفل ؟ 13

فيما لو وهب من عبد غيره هل يفتقر إلي إذن السيّد؟ 13

حكم ما لو وهب غيره شيئا فقبل نصفه أو وهبه عبدين فقبل أحدهما خاصّة 13

فيما إذا قال غارس الشجرة: اغرس هذه لابني لم يصر للابن بمجرّد ذلك 13

حكم ما لو قال - في الفرض المزبور -: جعلته لابني و كان صغيرا 13

حكم ما لو اتّخذ عرسا لابنه و عمل دعوة فحملت إليه الهدايا و لم يذكر أصحابها أنها للأب أو للابن 14

في أنّ خادم الصوفيّة الذي يتردّد في السوق و يجمع لهم شيئا يملكه 14

البحث الثاني: العين الموهوبة

كلّ عين يصحّ نقلها بالبيع يصحّ نقلها بالهبة 14

صحّة هبة المشاع 14

عدم الفرق في هبة المشاع بين هبته من الشريك و غيره 17

تذنيب: في حكم هبة الأرض المزروعة دون الزرع 17

عدم جواز هبة الآبق و الضالّ 17

جواز هبة المغصوب من غير الغاصب إن قدر علي الانتزاع 17

صحّة الهبة من الغاصب و جواز هبة المستعار من المستعير و غيره 17

فيما إذا قبض المتّهب من الغاصب بإذن المالك برئ الغاصب من الضمان 17

جواز هبة المستأجر من المستأجر و غيره 18

حكم ما لو وهب غيره شيئا له في يده و أذن له في القبض أو لم يأذن 18

حكم هبة المجهول و البراءة منه 19

حكم ما لو أبرأه من مائة و هو يعتقد أنّه لا شيء له عليه و كان له عليه مائة 20

عدم صحّة تعليق الهبة بشرط 20

حكم ما لو شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها 21

حكم ما لو قال: وهبتك هذا بشرط أن تهب فلانا شيئا أو قال: وهبتك هذا العبد بشرط أن تعتقه 21

ص: 314

حكم ما لو وقّت الهبة 21

حكم ما لو وهب أمته و استثني الحمل أو الشاة و استثني صوفها 21

حكم هبة المرهون من المرتهن 21

حكم هبة المرهون من غير المرتهن 22

حكم هبة الكلب بأقسامه 22

حكم هبة الخمور المحترمة 23

حكم هبة الحمل في البطن و اللبن في الضرع 23

حكم هبة الصوف علي ظهور الأغنام 23

عدم صحّة هبة دهن السمسم قبل عصره أو زيت الزيتون قبل استخراجه 23

صحّة هبة صاحب الدّين دينه ممّن هو عليه 23

حكم هبة الدّين من غير من هو عليه 25

تذنيب: حكم ما لو كان عليه زكاة و وهب دينه علي المسكين بنيّة الزكاة 27

البحث الثالث: في القبض

عدم تملّك المتّهب و المهدي إليه و المتصدّق عليه الهبة و الهديّة و الصدقة إلاّ بالقبض 27

في أنّ الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع 31

حكم ما إذا وهب شيئا و قبل المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض 32

حكم ما إذا عقد الهبة بالإيجاب و القبول و لم يحصل قبض ثمّ مات الواهب أو المتّهب بين العقد و القبض 33

تذنيب: في حكم ما إذا أذن الواهب له في القبض ثمّ مات الآذن أو المأذون له قبل القبض 33

حكم ما إذا بعث هديّة إلي إنسان فمات قبل أن تصل إلي المهدي إليه أو مات المهدي إليه 33

ص: 315

فيما إذا كان له في يد غيره مال فوهبه المالك منه صحّت الهبة و لزمت إن كانت ممّا يلزم بالقبض 33

تنبيه: في أنّ القبض في الهبة كالقبض في البيع 34

فروع:

1 - فيما لو أمر الواهب المتّهب بأكل الطعام الموهوب فأكله أو بإعتاق العبد الموهوب فأعتقه كان قابضا 35

2 - حكم ما لو قال: وهبته و ملّكته 35

3 - حكم ما لو قال: وهبته و خرجت إليه منه 35

4 - حكم ما لو قيل له: هل وهبت دارك من فلان و أقبضتها منه ؟ فقال: نعم 35

5 - حكم ما لو وهب اثنين شيئا فقبلا و قبضا أو قبض أحدهما و امتنع الآخر 35

الفصل الثاني: في الأحكام

البحث الأوّل: في حكم الرجوع في الهبة

المطلب الأوّل: في الراجع

فيما إذا وهب و أقبض و كان المتّهب أحد الأبوين لم يكن للواهب الرجوع في الهبة. 37

حكم الرجوع في الهبة فيما إذا كان المتّهب ولدا 37

حكم الرجوع في الهبة فيما إذا كانت الهبة لذي الرحم 39

جواز الرجوع في الهبة للواهب إذا كانت الهبة للأجنبيّ بشروط خمسة: 41

1 - عدم قصد التقرّب إلي اللّه بها 41

2 - عدم كون المتّهب قد عوّض عنها 41

3 - عدم تصرّف المتّهب فيها 41

4 - عدم كون الموهوب دينا 42

5 - كون العين قائمة 42

فيما إذا وهب لغير ذي رحم شيئا فهل له الرجوع في هبته ما لم يثب عليها؟ 42

تذنيب: فيما شرطه أبو حنيفة في ذي الرحم من كونه محرما في النسب 43

حكم الرجوع في هبة الزوج أو الزوجة 43

ص: 316

فروع:

1 - فيما شرطه بعض الشافعيّة في جواز الرجوع للأب فيما وهبه لولده من قصده بالهبة استجلاب برّ أو دفع عقوق فلم يحصل غرضه 45

2 - هبة ذي الرحم لازمة لا رجوع فيها بحال ما لم يشرط الثواب 46

3 - حكم رجوع الأم فيما تهبه لولدها 46

4 - حكم رجوع غير الأب من الأصول عند الشافعيّة 47

5 - ليس لغير الأصول الرجوع في الهبة 47

6 - عدم الفرق في حقّ الرجوع بين كون الوالد و الولد متّفقين في الدّين أو مختلفين 48

7 - فيما لو تداعي اثنان مولودا و وهبا منه فلا رجوع لواحد منهما 49

8 - حكم الرجوع في الهديّة حكم الرجوع في الهبة 49

9 - عدم جواز الرجوع في الصدقة 49

حكم الرجوع - عند الشافعيّة - فيما لو تصدّق علي ابنه 49

10 - حكم الرجوع فيما لو أبرأ ابنه عن دينه 50

11 - فيما لو وهب من ولده ثمّ مات الواهب و وارثه أبوه فلا رجوع للجدّ الوارث عند الشافعي 50

المطلب الثاني: فيما إليه يرجع الواهب

ثبوت الرجوع في الهبة إن كانت عينها قائمة 50

صحّة الرجوع فيما لو كان المتّهب قد آجر العين أو زارع عليها أو زوّج الجارية 53

فيما لو أبق العبد الموهوب في يد المتّهب صحّ رجوع الواهب إن لم يتصرّف المتّهب 53

حكم ما لو جني العبد في يد المتّهب و تعلّق الأرش برقبته 53

فيما لو زال ملك المتّهب ثمّ عاد بإرث أو شراء فهل يعود الرجوع ؟ 54

حكم ما لو وهبه ما هو مملوك ثمّ خرج عن صلاحيّة التملّك ثمّ عاد إلي حاله الأوّل 54

ثبوت الرجوع فيما لو انفكّ الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب عن أداء النجوم 55

ص: 317

حكم ما لو وهبه شيئا ثمّ أفلس المتّهب و حجر الحاكم عليه فأراد الواهب الرجوع في الهبة 55

هل يثبت الرجوع فيما لو ارتدّ العبد في يد المتّهب بناء علي عدم زوال الملك بالردّة ؟ 56

فيما لو وهب الابن المتّهب الموهوب من ابنه لم يكن هنا رجوع 56

حكم ما لو باع الابن المتّهب الموهوب من ابنه أو انتقل بموته إليه 56

حكم ما إذا رجع الواهب فيما له الرجوع فيه و كانت العين بحالها أو ناقصة أو زائدة 56

حكم ما لو وهبه جارية أو دابّة حاملا فرجع الواهب قبل الوضع أو بعده 58

حكم ما لو وهب منه ثوبا فقصره المتّهب 59

حكم ما لو كان الموهوب حنطة فطحنها المتّهب أو غزلا فنسجه 60

حكم ما لو وهبه أرضا فبني المتّهب فيها أو غرس 60

حكم ما لو وهبه نخلا حائلا فأثمر في يد المتّهب 60

حكم ما لو وهب الرجل ولده جارية فوطئها المتّهب 60

جواز رجوع الرجل فيما يهبه لولده عند العامّة بشروط أربعة 61

المطلب الثالث: فيما به يحصل الرجوع

حصول الرجوع بالقول و بالفعل 63

عدم اشتراط حكم القاضي في صحّة الرجوع في كلّ موضع يثبت فيه الرجوع 65

فروع:

1 - حكم ما لو رجع و لم يسترد المال 66

2 - فيما لو اتّفق الواهب و المتّهب علي فسخ الهبة فهل يلحق ذلك بالتقايل ؟ 66

3 - اشتراط التنجيز في الرجوع 66

حكم ما لو أخذ الواهب الهبة من المتّهب و نوي به الرجوع أو لم يعلم هل نوي الرجوع أم لا 66

حكم ما لو نوي الرجوع من غير فعل و لا قول 67

ص: 318

البحث الثاني: في الثواب

عدم اقتضاء الهبة للعوض إلاّ مع الشرط 67

أقسام الهبة و أحكامها 69

فيما إذا أطلق الهبة و قيل بعدم اقتضائها للثواب فهل تلزم بالثواب أو بالقبض ؟ 70

تحديد قدر الثواب 71

تنبيه: حكم ما إذا اعتبر في الثواب قدر قيمة الموهوب و اختلف قدر القيمة 73

حكم ما إذا وجب العوض في الهبة المطلقة و لم يثب المتّهب شيئا 73

هل هبة المساوي لمثله تقتضي الثواب إذا كانت مطلقة ؟ 74

تنبيه: في عدم اشتراط زيادة الثواب علي قيمة العين الموهوبة 75

حكم ما إذا وهبه و شرط الواهب الثواب عن الهبة 75

حكم ما إذا وهب له حليّا بشرط الثواب أو مطلقا فأثابه بجنسه أو بغير جنسه متفاضلا فيهما أو متساويا 77

فيما لو تصدّق علي ولده بشيء و أقبضه فهل له الرجوع ؟ 78

حكم ما إذا وهبه جارية بشرط الثواب أو مطلقا فوطئها المتّهب و امتنع من الثواب 79

فيما إذا وهبه ثوبا بشرط الثواب فلبسه و أخلقه ثمّ لم يثب 79

فيما إذا وهب الأب ابنه الصغير و قبضه له لزمت الهبة 79

حكم ما إذا وهبه بشرط الثواب المعلوم كان معيّنا أو لا 80

حكم ما إذا شرط الواهب عوضا مجهولا 81

حكم ما لو شرط الثواب و دفعه ثمّ خرج الموهوب كلّه أو بعضه مستحقّا بعد الدفع 82

حكم ما لو اختلف الواهب و المتّهب في شرط الثواب 82

حكم ما لو وهبه علي الثواب فلم يثب المتّهب و مات و وجد الواهب عين الهبة 83

فروع:

1 - فيما لو دفع إليه درهما و قال: خذه و ادخل الحمّام أو دفع إليه دراهم و قال اشتر بها لنفسك عمامة فهو إباحة 83

ص: 319

2 - فيما لو بعث شخص إلي من مات أبوه ثوبا ليكفّنه فيه لم يملكه الولد 84

3 - فيما لو بعث إليه هديّة في ظرف و العادة في مثل تلك الهديّة ردّ الظرف لم يكن الظرف داخلا في الهديّة 84

4 - فيما لو أنفذ كتابا إلي غيره و كتب فيه أن اكتب الجواب علي ظهره فعليه ردّه و إلاّ فهو هديّة 84

5 - هبة منافع الدار هل هي إعارة لها؟ 84

6 - فيما إذا كانت الهبة فاسدة لم تثمر الملك للمتّهب 85

7 - عدم اشتراط الفوريّة في القبض 85

8 - فيما لو قال: وهبته كذا و لم أقبضه أو قال: وهبته و ملّكته ثمّ أنكر القبض كان القول قوله 85

خاتمة: تتعلّق بالنحلة و فضلها 85

استحباب التسوية في العطيّة للأولاد 88

حكم ما إذا وهب بعض ولده دون بعض أو فضّل بعضا علي بعض في حال صحّته 90

حكم ما لو فضّل بعض ولده علي بعض لمعني يقتضيه تخصيصه 93

عدم وجوب التسوية بين الأقارب و لا إعطائهم علي قدر مواريثهم 93

هل تلحق الأمّ بالأب فيما تقدّم ؟ 94

هل للأمّ الرجوع فيما لو فضّلت بين ولدها؟ 94

فيما إذا أعطي ولده ماله ثمّ ولد له ولد آخر فهل يجوز له الرجوع في عطيّته للأوّل ؟ 95

هل يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده شيئا؟ 95

فيما إذا ثبت للولد دين علي والده فهل له مطالبته به مع يساره ؟ 97

حكم تصرّف الأب في مال الابن قبل تملّكه 98

حكم ما لو وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يتملّكها 99

الفصل الثالث: في الصدقة المندوبة

استحباب الصدقة و فضلها 101

أفضليّة صدقة السرّ من دفعها في العلانية 102

ص: 320

أفضليّة صرف الصدقة إلي ذي الرحم و الجيران من صرفها إلي غيرهم 102

أفضليّة الصدقة في رمضان منها في غيره 104

عدم استحباب الصدقة للمديون و ذي العيال الذين يلزمه نفقتهم 105

حرمة الصدقة المفروضة علي بني هاشم عدا صدقة الهاشمي علي مثله أو صدقة غيره عند الاضطرار 108

هل تحرم الصدقة علي بني هاشم ؟ 108

هل تحرم الصدقة المندوبة علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله ؟ 109

حرمة الصدقة المندوبة علي الأئمّة المعصومين عليهم السّلام 110

فيما لو نذر أن يتصدّق بشيء فالأولي تحريمها علي الغني 111

الصدقة عقد من العقود يفتقر إلي إيجاب و قبول و إقباض و نيّة التقرّب 111

فيما إذا حصل الإقباض فهل يجوز الرجوع في الصدقة ؟ 111

المقصد الثاني: في الوقف و توابعه

الفصل الأوّل: في الوقف

البحث الأوّل: في الأركان

بيان أركان الوقف 113

مقدّمة: في وجه تسمية الوقف و تعريفه و فضله 113

هل يلزم الوقف بالعقد و القبض ؟ 114

المطلب الأوّل: الصيغة

عدم صحّة الوقف إلاّ باللفظ 116

فيما لو تلفّظ بالوقف و لم يحصل الإقباض لم يصر وقفا 117

فيما إذا قال: قد جعلته مسجدا فهل يصير مسجدا بذلك ؟ 117

ألفاظ الوقف الصريحة منها و الكناية 118

هل الفعل المقترن بالقرائن يكفي في الوقف ؟ 121

فيما إذا اتّخذ مقبرة و أذن في الدفن فيها أو سقاية و يأذن في دخولها لا تصير بذلك وقفا 121

ص: 321

هل يفتقر الوقف إلي القبول ؟ 122

المطلب الثاني: في الواقف

بيان ما يشترط في الواقف من البلوغ و كمال العقل و غيرهما 124

عدم صحّة وقف الصبي و المجنون و المكره و غير القاصد له و العبد و الأمة 125

حكم وقف الشخص علي نفسه أو وقفه علي نفسه ثمّ علي الفقراء و المساكين 126

حكم ما لو وقف علي غيره ممّن يصحّ الوقف عليه و شرط أن يقضي من ريع الوقف زكاته و ديونه 127

حكم ما لو شرط في الوقف أن يأكل من ثماره أو ينتفع به 127

حكم ما إذا وقف علي الفقراء و صار فقيرا 128

عدم الفرق في اشتراط الانتفاع بالوقف لنفسه مدّة حياته أو مدّة معلومة 129

حكم ما لو شرط أن يأكل أهله من الوقف أو يأكل الوالي علي الوقف شيئا منه أو يطعم صديقا 129

المطلب الثالث: في الموقوف عليه

اشتراط وجود الموقوف عليه و صحّة أن يملك و التعيين و انتفاء تحريم الوقف عليه 129

اشتراط كون الموقوف عليه أهلا للتملّك 130

عدم صحّة الوقف ابتداء علي من سيولد له 130

عدم صحّة الوقف علي الحمل و الملائكة و الجنّ و الشياطين 130

عدم جواز الوقف علي العبد 130

حكم الوقف علي المكاتب 131

حكم ما إذا وقف علي بهيمة و أطلق 132

تعيين الموقوف عليه شرط في صحّة الوقف 133

عدم صحّة الوقف علي من يحرم الوقف عليه 134

حكم ما لو وقف علي خادم البيعة و الكنيسة 134

حكم وقف المسلم علي الذمّي 135

ص: 322

عدم جواز الوقف علي كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال 136

حكم وقف الكافر في الفرض المزبور 137

عدم جواز الوقف علي معونة الزناة أو قطّاع الطريق أو شاربي الخمر 137

حكم الوقف علي المرتدّ و الحربيّ 137

حكم الوقف علي المرتدّ عن غير فطرة 138

حكم الوقف علي غير معيّن 138

حكم الوقف علي الطالبيّين أو العلويّين أو غيرهم ممّن لا ينحصر 139

صحّة الوقف علي النازلين في الكنائس من مارّة أهل الذمّة 140

صحّة الوقف علي قبيلة عظيمة كثيرة الانتشار 140

صحّة الوقف علي المسلمين كلّهم أو علي أهل إقليم أو علي كافّة بني آدم 141

فيما إذا وقف علي المسلمين كان لمن أقرّ بالشهادتين و لمن هو في حكمهم 141

فيما إذا وقف علي المؤمنين كان مصرفه الاثني عشريّة 141

هل يشترط في الوقف علي المؤمن اجتناب الكبائر؟ 142

حكم ما إذا وقف علي الشيعة و لم يميّز 142

حكم ما لو وقف علي الزيديّة 142

فيما إذا وقف المسلم علي الفقراء انصرف ذلك إلي فقراء المسلمين 143

فيما لو وقف الكافر علي الفقراء انصرف إلي فقراء نحلته 143

فيما لو وقف المسلم أو الكافر علي فقراء بلده و فيهم فقراء مسلمون و كفّار 143

حكم ما لو لم يكن في فقراء البلد إلاّ فقراء من غير قبيله 143

صحّة الوقف فيما إذا علّقه علي قبيلة مخصوصة أو جماعة اشتركوا في نسبة علّق وقفه عليها 143

فيما لو وقف علي الهاشميّين أو الفاطميّين أو الحسنيّين أو الحسينيّين 144

فيما لو وقف علي المتفقّهة أو الفقهاء 144

صحّة الوقف علي العطّارين أو البزّازين و غيرهم من أرباب الصنائع المحلّلة 144

حكم الوقف علي الصوفيّة 144

ص: 323

جواز الوقف علي أكفان الموتي و مؤونة الغسّالين و الحفّارين 145

جواز الوقف علي شراء الأواني و الظروف لمن تكسّرت عليه و علي شراء أقلام العلماء 145

جواز الوقف علي مصلّي صلاة الليل 145

حكم ما لو وقف علي الأرقّاء الموقوفين علي خدمة الكعبة أو المشهد أو قبور المعصومين عليهم السّلام أو بعض الصلحاء 145

حكم الوقف علي دار و حانوت 146

حكم ما لو وقف علي المقبرة لتصرف الغلّة إلي عمارة القبور 146

بطلان الوقف لآلات سائر المعاصي 146

حكم ما لو وقف لتصرف الغلاّت إلي القطّاع و سائر الفسّاق لا إلي جهة الفسق 146

حكم ما إذا شرط عود نفع الوقف في سبيل اللّه 147

فيما إذا وقف علي سبيل البرّ أو الخير أو الثواب 148

المطلب الرابع: الموقوف

اشتراط أمور خمسة في العين الموقوفة 149

عدم صحّة وقف ما ليس بعين أو ما ليس معيّنا من الأعيان 150

عدم صحّة وقف ما ليس بمملوك من الأعيان 150

عدم صحّة وقف الحرّ نفسه 150

حكم وقف الكلب المعلّم و كلب الحائط و الماشية و السنّور 150

عدم صحّة وقف مال الغير 150

حكم وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف 151

عدم صحّة وقف آلات المناهي 151

حكم وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف 151

عدم صحّة وقف آلات المناهي 151

عدم صحّة وقف ما لا يمكن إقباضه 151

جواز وقف العقار و الأراضي و جميع ما لا ينقل و لا يحوّل ممّا جمع الشرائط 151

ص: 324

حكم وقف ما ينقل و يحوّل ممّا جمع الشرائط 152

صحّة وقف المشاع 153

صحّة وقف نصف عبد و بطلان عتق النصف الموقوف 154

صحّة وقف كلّ عين ينتفع بها في الحال أو فيما بعده 155

جواز وقف الزّمن الذي يرجي زوال زمنه 155

عدم جواز وقف ما لا يدوم الانتفاع به 155

عدم جواز وقف العبد الذي استحقّت منفعته علي التأبيد أو الأرض كذلك 155

عدم صحّة وقف المنافع 156

حكم وقف الذهب و الفضّة إذا كان حليّا 156

حكم وقف الدراهم و الدنانير 156

هل يصحّ وقف أمّ الولد؟ 157

حكم وقف المكاتب 158

حكم وقف المعلّق عتقه بصفة 158

جواز وقف المدبّر 159

عدم صحّة وقف عبد أو ثوب في الذمّة 159

حكم وقف أحد العبدين 159

حكم وقف علوّ الدار دون سفلها و بالعكس 159

حكم ما إذا جعل وسط داره مسجدا و لم يذكر الاستطراق 159

جواز وقف الفحل للنزوان 160

عدم صحّة وقف ما لا يمكن إقباضه 160

حكم ما لو وقف علي الغير ما هو مقبوض في يده أو وقفه علي غير المتشبّث 160

حكم ما لو آجر أرضه ثمّ وقفها 160

حكم ما لو استأجر أرضا ليبني فيها أو يغرس فبني و غرس ثمّ وقف البناء أو الغراس 161

ص: 325

البحث الثاني: في الشرائط

المطلب الأوّل: التأبيد

صحّة الوقف المعلوم الابتداء المؤبّد الذي لا انقضاء له 162

بيان المراد بالمؤبّد 162

جواز وقف المعيّن من المسجد أو الرباط أو المدرسة أو المشهد أو القنطرة 162

حكم ما لو وقف علي العلماء أو جعلهم منتهي الوقف 162

حكم ما لو كان الوقف علي من ينقرض غالبا و لم يجعل المنتهي إلي من لا ينقرض غالبا أو قال: وقفت علي زيد و سكت 162

فيما إذا انقرض الموقوف عليهم فهل يرجع الوقف إلي ورثة الموقوف عليهم أو إلي الواقف إن كان موجودا و إلي ورثته إن كان ميّتا؟ 164

حكم ما لو قال: وقفت هذا سنة 168

هل يبطل الوقف أصلا - في الفرض المزبور - أو يكون حبسا؟ 168

حكم ما لو قال: وقفت هذا علي زيد شهرا علي أن يعود إلي ملكي بعد الشهر 169

المطلب الثاني: التنجيز

اشتراط التنجيز في الوقف 169

حكم الوقف المنقطع في الابتداء 170

فيما إذا قيل ببطلان الوقف المنقطع في الابتداء فهل تصرف منفعة الوقف إلي من صحّ في حقّهم في الحال أم لا؟ 172

صحّة الوقف المعلوم الابتداء و الانتهاء غير المنقطع فيهما و لا في الوسط 174

حكم الوقف غير معلوم الانتهاء 174

حكم الوقف معلوم الانتهاء غير معلوم الابتداء 175

حكم الوقف منقطع الابتداء 175

حكم الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط 175

حكم الوقف منقطع الطرفين صحيح الوسط 175

ص: 326

بطلان الوقف منقطع الابتداء و الانتهاء و الوسط 176

صحّة الوقف فيما لو قال: هذا وقف علي ولدي سنة أو مدّة حياتي ثمّ علي المساكين 176

حكم ما لو وقف علي من لا ينقرض غالبا ثمّ علي من ينقرض و اقتصر 176

حكم ما لو علّق انتهاء وقفه علي شرط 176

المطلب الثالث: في الإلزام

اشتراط الإلزام في الوقف 177

بطلان الوقف فيما لو شرط الخيار لنفسه 177

بطلان الوقف فيما لو قال: وقفت بشرط أن أبيعه أو أرجع فيه متي شئت 177

حكم ما لو شرط عود الوقف إليه عند حاجته 177

حكم ما لو وقف علي شخص معيّن و شرط أن يرجع إليه إذا مات ذلك الشخص 177

حكم ما إذا شرط بيع الوقف متي شاء 178

حكم الوقف فيما إذا قيل بصحّة الشرط المزبور 180

بطلان الوقف فيما لو شرط فيه إخراج من يريد من أرباب الوقف 181

جواز شرط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم 181

لزوم متابعة كلّ ما شرطه الواقف في وقفه من الشروط السائغة في نظر الشرع و لا ينافي الوقف 183

حكم ما لو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف 183

فيما لو جعل داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بني مدرسة أو رباطا فلكلّ أحد أن يصلّي و يعتكف في المسجد و يدفن في المقبرة و يسكن في المدرسة... و ينزل الرباط 183

حكم ما لو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو بطائفة معلومة 184

المطلب الرابع: في بيان المصرف

لزوم بيان المصرف في عقد الوقف 185

ص: 327

بطلان الوقف فيما لو قال: وقفت هذا، و لم يذكر علي من 185

حكم ما إذا وقف علي شخصين ثمّ علي الفقراء فمات أحدهما 186

حكم ما لو وقف علي شخصين و سكت عن المصروف إليه بعدهما 186

حكم ما لو وقف علي بطون متعدّدة متعاقبة فردّه البطن الثاني 187

البحث الثالث: في الأحكام

المطلب الأوّل: فيما يتعلّق بالألفاظ

عدم جواز تغيير شرائط الواقف في متن العقد 187

وجوب مراعاة ما يدلّ عليه لفظ الواقف فيما يقتضي الجمع أو الترتيب أو هما معا 188

فيما إذا قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي فلا ترتيب هنا 188

فيما لو أتي بما يدلّ علي الترتيب حكم بالترتيب 189

فيما لو قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي الأعلي فالأعلي أو الأقرب فالأقرب فهو للترتيب 189

فيما لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي علي أن يبدأ بالأعلي منهم علي أن لا حقّ لبطن و هناك من فوقهم فهو للترتيب 190

فيما لو قال: فمن مات من أولادي فنصيبه لولده اتّبع شرطه 190

فيما لو قال: علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي و أولاد أولاد أولادي اجتمع فيه الترتيب بين البطن الأوّل و الثاني و الجمع بين البطن الثاني و الثالث 190

فيما لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي ثمّ علي أولاد أولاد أولادي فقد جمع بين البطن الأوّل و الثاني 190

فيما لو قال: وقفت علي زيد و عمرو ثمّ علي خالد و بكر فقد شرّك بين البطن الأوّل و الثاني و بين البطن الثالث و الرابع 190

فيما لو قال: وقفت علي زيد و عمرو و خالد ثمّ علي بكر ثمّ علي جعفر فقد شرّك بين الثلاثة الأوّل و رتّب عليهم الرابع و رتّب بين الرابع و الخامس 191

فيما لو قال: علي أولادي و أولاد أولادي و من مات منهم فنصيبه لأولاده 191

ص: 328

فيما لو قال: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي و هكذا الأسفل فالأسفل 191

حكم ما إذا وقف علي أولاده ثمّ علي الفقراء 191

حكم ما إذا قال: وقفت علي أولادي ثمّ علي أولاد أولادي ثمّ علي الفقراء 191

فيما إذا وجدت القرائن الدالّة علي اختصاص البطن الأوّل أو تجرّد الوقف عن القرائن كلّها 192

فيما إذا وقف علي أولاده دخل فيه أولاد أولاده و أولاد أولاد أولاده و هكذا 192

فيما إذا وقف علي أولاده اشترك فيه البنون و البنات 194

فيما إذا وقف علي إخوته أو ذوي قرابته اشترك فيه الذكور و الإناث و الأدني و الأبعد 194

فيما إذا وقف علي أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين و أولاد البنات 194

فيما إذا قال: لمن انتسب إليّ من الأولاد كان لأولاده و أولاد البنين دون البنات 197

فيما إذا قال: علي أولادي غير ذوي الأرحام فهو لأولاد البنين خاصّة 197

فيما إذا قال: علي ولدي فلان و فلانة و فلانة و أولادهم دخل فيه ولد البنات 197

فيما إذا قال الهاشميّ: وقفت علي أولادي و أولاد أولادي الهاشميّين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشميّ 197

حكم ما لو وقف علي أولاده و لا ولد له و له أولاد أولاد 198

فيما لو وقف علي أولاده و أولاد أولاده فهل يدخل في الوقف أولاد أولاد الأولاد؟ 198

فيما إذا وقف علي أولاده دخل فيه البنون و البنات و الخناثي المشكلون 198

فيما إذا وقف علي البنين لم تدخل البنات و لا الخناثي 198

فيما لو وقف علي البنات لم يدخل البنون و لا الخناثي 198

فيما إذا وقف علي أولاده هل يدخل أولاد البنين و أولاد البنات ؟ 198

فيما لو وقف علي البنات فهل تدخل بنات الأولاد؟ 198

فيما لو وقف علي البنين و البنات فهل تدخل الخناثي ؟ 198

فيما لو وقف علي بني تميم فهل تدخل النساء منهم ؟ 199

ص: 329

فيما لو وقف علي أولاده أو أولاد غيره انصرف الوقف إلي الموجودين منهم دون الحمل 199

المنفيّ باللعان لا يستحقّ الوقف 199

فيما لو قال: وقفت علي ذرّيّتي أو علي عقبي أو علي نسلي دخل فيه أولاد البنين و البنات 200

فيما إذا حدث حمل فهل يدخل في الوقف ؟ 200

حكم ما إذا كان له ثلاثة بنين فقال: وقفت علي ولدي فلان و فلان و علي ولد ولدي الثالث و أولادهم 200

موارد وجوب اتّباع ما شرطه الواقف في وقفه 201

فيما إذا قال: وقفت علي أولادي فإذا انقرض أولادي و أولاد أولادي فعلي الفقراء فهو منقطع الوسط 204

فيما لو وقف علي بنيه الأربعة و شرط أنّ من مات منهم و له عقب فنصيبه لعقبه و من مات منهم و لا عقب له فنصيبه لسائر أرباب الوقف 205

حكم ما لو قال: وقفت علي بنيّ الخمسة و علي من سيولد لي علي ما أفصّله ثمّ فصّل 205

فيما لو شرط في الوقف تفضيل بعضهم علي بعض أو تقديمه أو المساواة بينهم 205

صحّة شرط تفضيل الأنثي علي الذكر أو مساواتها له 206

فيما لو وقف علي العلماء لم يعط غيرهم 206

صحّة شرط كون العلماء علي مذهب كذا أو شرط الفقر أو الغربة أو الشيخوخة 206

فيما لو وقف علي أبنائه الفقراء أو علي بناته الأرامل 206

فيما لو وقف علي أمّهات أولاده إلاّ من تزوّج منهنّ فتزوّجت واحدة 206

أيضا فيما يجب اتّباع شرط الواقف 206

اسم المولي يقع علي السيّد و علي العبد 207

فيما إذا وقف علي مولاه و ليس إلاّ السيّد أو العبد فالوقف عليه 208

حكم ما لو وجد السيّد و العبد 208

ص: 330

فيما لو وقف علي مواليه بلفظ الجمع يندرج الموليان معا فيه 209

فيما إذا وقف علي عترته و بيان المقصود منهم 209

فيما لو وقف علي عشيرته أو قبيلته أو قرابته أو أهل بيته 210

فيما إذا قال: وقفت علي أقرب الناس إليّ 211

حكم ما لو وقف علي زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثمّ من بعده علي الفقراء و المساكين 212

حكم ما إذا قال: وقفت علي أولادي و أحفادي و إخوتي المحاويج منهم أو: إلاّ أن يفسق واحد منهم 212

حكم ما إذا قال: وقفت علي محاويج أولادي و أولاد أولادي و إخوتي 212

حكم ما لو شرط إخراج بعضهم بصفة و ردّه بصفة 213

فيما إذا وقف علي جيرانه و بيان المقصود منهم 213

فيما إذا وقف علي قومه 214

فيما لو وقف علي أهل بيته أو علي مستحقّي الخمس أو علي العلويّين 214

فيما اختلف فيه العامّة من أنّ الأفضل هل هو التسوية بين الذكر و الأنثي أو جعل الذكر ضعف الأنثي 215

المطلب الثاني: فيما يتعلّق بالمعاني

مقتضي الوقف: اللزوم في الحال 216

فيما إذا وقف و أقبض هل يزول ملكه عنه ؟ 217

فيما إذا ثبت زوال ملك الواقف عن الموقوف فهل ينتقل إلي الموقوف عليه أو إلي اللّه تعالي ؟ 218

في أنّ مقتضي الوقف كون فوائده و منافعه للموقوف عليه يتصرّف فيها تصرّف المالكين في أملاكهم 221

فيما لو وقف دابّة مأكولة اللحم لم يجز ذبحها 223

فيما إذا ماتت البهيمة الموقوفة لم يكن للموقوف عليه الانتفاع بجلدها 223

ص: 331

في أنّه يجوز للموقوف عليه استيفاء المنافع المستحقّة له بالوقف بنفسه أو بغيره ممّن يقيمه مقامه 224

فيما لو قال: وقفت داري ليسكنها من يعلّم الصبيان فللمعلّم أن يسكنها 224

فيما لو قال: وقفت داري علي أن تستغلّ و تصرف غلّتها إلي فلان تعيّن الاستغلال 224

فيما لو كان قد وقف الدار مطلقا فقال الموقوف عليه: أنا أسكن الدار و قال الناظر في الوقف: أنا أكريها لأصرف الغلّة إلي عمارتها 224

جواز وقف الجارية و عدم حلّيّة وطئها للواقف بعد تمام الوقف 224

عدم جواز وطئ الجارية الموقوفة للموقوف عليه 225

فيما يتعلّق بوطئ الجارية الموقوفة 225

حكم تزويج الجارية الموقوفة 227

فيما إذا أتت الجارية الموقوفة بولد بسبب التزويج 228

حكم ما لو وقف الأمة حاملة بمملوك 229

تذنيب: في أنّه ليس للموقوف عليه التزويج بالأمة الموقوفة 229

حقّ التولية للواقف و صحّة شرطها لنفسه 229

حكم ما إذا شرط الواقف التولية لغيره 230

حكم ما لو أطلق في وقفه و لم يشرط التولية لغيره 231

فيما يتعلّق بما إذا شرط الواقف أمر التولية لنفسه أو لغيره 232

فيما لو أطلق أمر التولية من غير أن يشترطها لأحد 232

فيما هو وظيفة المتولّي للوقف 232

جواز نصب الواقف متولّيا في بعض الأمور و آخر في الآخر 233

فيما يتعلّق بتفويض الواقف العمارة و تحصيل الفائدة إلي واحد و إهماله أمر الحفظ و القسمة 233

حكم ما لو فوّض الواقف النظر إلي اثنين 233

فيما لو قال: وقفت علي أولادي علي أن يكون النظر لعدلين منهم فلم يكن فيهم إلاّ عدل واحد 233

ص: 332

في أنّه ليس للمتولّي أخذ شيء من مال الوقف علي أن يضمنه 233

حكم إقراض مال الوقف حكم إقراض مال الصبي 233

جواز شرط الواقف للمتولّي شيئا من الرّيع 233

حكم ما لو لم يذكر الواقف شيئا 233

حكم ما لو شرط للمتولّي عشر الرّيع أجرة عمله ثمّ عزله 234

حكم ما إذا وقف و فوّض أمر التولية إلي شخص بعد إتمام الوقف أو ذكر التفويض في متن العقد 234

فيما لو جعل التولية في عقد الوقف لمعيّن لم يكن للواقف و لا لغيره تبديله و لا عزله 235

فيما لو جعل النظر إلي معيّن بعد تمام الوقف كان له تبديله و عزله 235

فيما لو شرط التولية لشخص لم يجب علي ذلك الشخص القبول 235

جواز ترتيب التولية بين أشخاص متعدّدة و تشريكهم فيها و تفضيل بعضهم علي بعض في النفع 235

حكم ما لو ذكر في كتاب الوقف أنّ التولية لشخص فأقرّ ذلك الشخص بالتولية لغيره 235

حكم ما لو وقف ما يحتاج إلي الإنفاق و عيّن الواقف الجهة أو أطلق 236

عمارة العقار الموقوف من حيث شرطه الواقف 237

حكم ما لو اندرس شرط الوقف فلم تعرف مقادير السهام و الاستحقاق أو جهل كيفيّة الترتيب بين أرباب الوقف 237

حكم ما لو اختلف أرباب الوقف في شرط الوقف و لا بيّنة 237

جواز إجارة الوقف للناظر فيه بحسب ما شرطه الواقف 238

هل للواقف أن يؤجّر إذا لم يكن قد جعل لنفسه النظر في الوقف ؟ 238

فيما إذا أجّر الموقوف عليه أو المتولّي فزادت الأجرة في المدّة أو ظهر طالب بالزيادة لم يؤثّر في العقد فسخا و لا خيار فسخ 239

حكم ما لو قتل العبد الموقوف و لم يتعلّق القصاص بالقاتل 239

ص: 333

حكم ما لو جني علي العبد الموقوف بما يوجب القصاص 242

حكم ما لو جني العبد الموقوف جناية توجب القصاص 243

تذنيب: فيما لو مات العبد الموقوف بطل الوقف 245

حكم الوقف فيما لو وقف شجرة فجفّت أو قلعتها الريح أو انكسرت 245

فيما إذا زمنت الدابّة صارت كجفاف الشجرة 246

فيما إذا خلقت حصر المسجد و بواريه و بليت فهل يجوز بيعها؟ 247

حكم جذع المسجد إذا انكسر 247

حكم ما إذا فضل من حصر المسجد و بواريه شيء و استغني المسجد عنه 248

حكم ما إذا كان للمسجد نخل أو وقف عليه في عمارته و استغني عن العمارة 248

هل يجوز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة بين أربابه أو خرب و تعذّرت عمارته ؟ 249

عدم جواز تبديل المسجد و لا تحويله و لا بيعه بحال 254

فيما إذا جاز بيع الوقف في مورد فإنّه يباع و يصرف الثمن إلي جهة الوقف 254

حكم ما إذا لم يكف ثمن الفرس الحبيس للوقف لشراء فرس أخري للغزو 256

حكم ما لو لم تتعطّل منفعة الوقف بالكلّيّة لكن قلّت و كان غيره أنفع منه 256

حكم ما إذا تعطّل المسجد في الموضع الخراب و لم يخف من أولي القرابة نقضه 256

البحث الرابع: في اللواحق

جواز الوقف علي كلّ مصلحة ينتفع بها من يصحّ أن يملك تلك المنفعة 257

جواز وقف ضيعة علي تكفين الأموات أو لشراء كفنهم أو حنوطهم و غير ذلك ممّا يتعلّق بتجهيزهم 257

جواز الوقف علي من يصلّي إماما في المسجد الفلاني أو من يصلّي فيه مطلق الفرائض الخمس و 257

جواز وقف ضيعة علي المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان 257

جواز الوقف علي عدد غير منحصر و إن انتشروا في البلاد المتباعدة 258

حكم ما لو قال: وقفت داري هذه علي المساكين بعد موتي 259

فيما إذا قال: جعلت داري هذه خانقاه للغزاة لم تصر وقفا بذلك 259

ص: 334

حكم ما لو قال: تصدّقت بداري هذه صدقة محرّمة ليصرف من غلّتها كلّ شهر إلي فلان كذا 259

حكم ما إذا قال: جعلت هذه الدار للمسجد أو دفع دارا إلي قيّم المسجد و قال:

خذها للمسجد 260

حكم ما لو قال: إذا متّ فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد 260

حكم ما إذا قال: وقفت داري علي زيد و علي الفقراء 260

جواز وقف بقرة علي رباط كذا ليسقي من لبنها من نزل فيه أو ينفق من نسلها عليه 260

حكم ما إذا اقتصر - في الفرض المزبور - علي قوله: وقفتها عليه 261

حكم ما لو قال: وقفت علي مسجد كذا 261

حكم ما لو وقف علي مسجد أو رباط معيّن و لم يذكر المصرف إن خرب 261

فيما إذا وقف نخلا أو شجرة لم يدخل المغرس في الوقف 261

فيما لو وقف علي عمارة المسجد لم يجز صرف الغلّة إلي النقش و التزويق 261

هل يجوز توفية أجرة القيّم من الغلّة ؟ 262

هل يشتري الدهن من تلك الغلّة ؟ 262

فيما لو وقف علي مصلحة المسجد لم يجز النقش و التزويق 262

عدم صرف الموقوف علي الحشيش إلي الحصير 262

حكم ما لو وقف علي المسجد مطلقا 262

حكم ما لو وقف علي النقش و التزويق 263

فيما إذا قال المتولّي للمسجد: أنفقت المال في كذا 263

فيما لو انهدم البناء أو انقلعت الأشجار جاز إجارة الأرض ممّن يزرعها أو يضرب فيها خيامه أو يبني و يغرس عليها من غلّتها 263

جواز إقراض الإمام المتولّي من بيت المال أو إذنه له في الاستقراض 263

حكم ما لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه أو في يد من يستحقّ إثبات اليد عليه من غير تعدّ 263

حكم ما لو انكسرت الآنية الموقوفة 263

ص: 335

فيما إذا خرب العقار الموقوف علي المسجد و للمسجد هناك مال فاضل دخل 263

حكم ما لو حصل مال كثير من غلّة وقف المسجد 264

هل يجوز صرف الفاضل من وقف المسجد إلي عمارة مسجد آخر؟ 264

حكم قسمة الوقف بين أربابه 264

عدم جواز تغيير الوقف عن هيئته 266

حكم جعل دكّان القصّار للخبّاز و بالعكس 266

حكم ما لو هدم الدار أو البستان متعدّ 266

حكم ما لو وقف علي قنطرة فانخرق الوادي و تعطّلت تلك القنطرة و احتيج إلي قنطرة أخري 266

فيما إذا وقف علي عمارة المسجد جاز أن يشتري منه سلّم لصعود السطح و مكانس و مساحي و... 266

فيما إذا وقف علي دهن السراج للمسجد جاز وضعه في جميع الليل 266

حكم وقف الستور لستر جدران المسجد 267

جواز صرف الغلّة إلي الإمام و المؤذّن فيما لو وقف علي المسجد مطلقا 267

جواز بناء منارة للمسجد 267

جواز بناء المنارة من الوقف الذي وقف علي عمارة المسجد 267

حكم بناء سقاية المسجد 267

فيما إذا بني مسجد و صار مسجدا لم يجز رفعه من الأرض و جعل سقاية أو دكاكين تحته 267

فيما لو كان لمسجد منارة و هو غير حصين من الكلاب 267

حكم ما لو أريد حفر المسجد و جعل السقاية و الدكاكين تحته و البناء عليه 267

جواز جعل مرتفق في سطح المسجد يجري مع حائطه من غير مداخلة له فيه 268

عدم جواز غرس شجرة في المسجد 268

حكم قلع النخلة التي نبتت عذيا من اللّه تعالي 268

حكم ما لو جعل أرضا فيها نخلة مسجدا 268

ص: 336

حكم بيع الشجرة الموقوفة علي المسجد لأجل عمارته 268

فيما لو قال: جعلت هذه الأرض مسجدا لم تدخل الشجرة 269

جواز جعل الأرض مسجدا و وقف الشجرة عليها 269

حكم أكل ثمر الشجرة النابتة في المسجد أو المقبرة 269

صحّة وقف المريض 269

عدم الفرق في وقف المريض بين كونه علي الأجنبيّ أو علي الوارث 269

حكم ما لو وقف و وهب و حابي و كان ذلك منجّزا أو وصيّة 270

حكم ما لو وقف داره علي ابنه و بنته بالسويّة في مرض موته و هي تخرج من الثلث 271

حكم ما لو وقف داره علي ابنه و زوجته نصفين و هي تخرج من الثلث فردّ الابن 271

تذنيب: في بطلان الوقف فيما لو وقف في مرض موته و عليه دين مستوعب 273

حكم الزكاة فيما إذا كان الوقف شجرا فأثمر أو أرضا فزرعت و كان الوقف علي أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة أو الحبّ نصاب 273

حكم ما لو وقف علي مصلحة فبطل رسمها 274

حكم ما لو وقف في وجوه البرّ و أطلق 274

فيما لو وقف علي أعمامه و أخواله تساووا جميعا 274

فيما لو وقف علي أقرب الناس إليه فهم الأبوان و الولد ثمّ الأجداد و الإخوة ثمّ الأعمام و الأخوال 274

فيما إذا وقف علي أولاده الأصاغر كان قبضه و كذا قبض الجدّ للأب قبضا عنهم 275

فيما لو وقف علي أولاده الأصاغر لم يكن له بعد ذلك إدخال غيرهم 275

اعتبار القبض في البطن الأوّل و سقوطه في باقي الطبقات 275

فيما إذا وقف علي الفقراء أو الفقهاء فلا بدّ من نصب قيّم يقبض الوقف 275

فيما لو كان الوقف علي مصلحة كفي إيقاع الوقف عن اشتراط القبول 275

فيما لو وقف مسجدا فخرب و خربت القرية أو المحلّة لم يعد إلي ملك الواقف 275

حكم ما إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ثمّ انقرضوا في أثنائها 275

ص: 337

عدم بطلان الإجارة - في الفرض المزبور - بموت المستأجر 276

فيما إذا وقف علي الفقراء لم يجب تتبّع من غاب عن البلد 276

حكم ما لو أحبل الموقوف عليه الجارية الموقوفة عليه 276

حكم ما لو وطئ غير الموقوف عليه و هو حرّ الجارية الموقوفة بوطئ صحيح أو وطئها الحرّ بشبهة 276

حكم ما لو كان بيع الوقف أنفع من بقائه 277

ثبوت الوقف بالشاهد و اليمين 277

حكم دخول الواقف في الانتفاع إذا كان الوقف عامّا 277

فيما إذا وقف علي أولاده و لم يفضّل بعضا علي بعض تساوي الذكور و الإناث 279

حكم سكني الواقف مع الموقوف عليه إذا وقف مسكنا 279

حكم أولاد الحيوان المحبوسة 280

عدم جواز وقف المسلم شيئا علي عمارة البيع و الكنائس 280

بطلان وقف الكافر شيئا علي بيوت عبادة لغير اللّه تعالي 281

حكم ما لو وقف ضيعة و قال: يكون الارتفاع منصرفا إلي عمارتها و حقّ السلطان و ما فضل يكون في معاني الزكوات 281

الفصل الثاني: في السّكني و العمري و الرّقبي و الحبيس

عدم صحّة أحباس أهل الجاهليّة 283

صحّة الحبس مع قصد التقرّب 284

جواز الحبس علي رجل معيّن أو جماعة منتشرين كالفقراء 284

حكم ما إذا أطلق الحبس و لم يعيّن وقتا ثمّ مات الحابس 284

افتقار عقد السكني إلي إيجاب و قبول و قبض 285

تفسير السّكني و العمري و الرّقبي و صيغها 285

حكم الرّقبي و العمري 286

العمري غير ناقلة للعين إلي المعمر 288

حكم الرّقبي حكم العمري 293

ص: 338

صحّة العمري في غير العقار من الحيوان و الثياب 294

فيما لو أعمره جارية لم يكن له وطؤها 294

حكم ما لو وقّت الهبة في غير العمري و الرّقبي 295

فيما إذا قال: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي لم تنتقل إلي المعمر 297

حكم ما إذا مات المالك أو الساكن قبل المالك في الفرض المزبور 297

حكم ما لو باع علي صورة العمري 298

عدم جواز تعليق العمري علي شرط أو صفة 298

حكم ما لو قال: إذا متّ فهي لك عمرك فإذا متّ عادت إلي ورثتي 298

فيما لو جعل اثنان كلّ واحد منهما داره للآخر عمره علي أنّه إذا مات قبله عات إلي صاحب الدار فهي رقبي من الجانبين 299

صحّة العمري فيما لو قال: داري لك عمرك فإذا متّ فهي لزيد 299

جواز السّكني و لزومها بحسب ما شرط 299

فيما إذا أطلق السكني و قال: سكني هذه الدار لك... لزم العقد في مسمّي الإسكان 299

فيما إذا قيّد السكني بمدّة مضبوطة لزم الإسكان تلك المدّة 299

فيما لو جعل له السكني مدّة حياة الساكن و لعقبه و نسله، لزم الإسكان ما دام العقب موجودا 299

حكم ما لو جعل له السكني مدّة حياة المالك و مات الساكن قبله 300

حكم ما لو جعل له السكني مدّة حياة الساكن فمات المالك أوّلا 300

السكني و العمري و الرّقبي و الحبس من العقود اللازمة مع الإقباض 301

صحّة إعمار كلّ ما يصحّ وقفه 302

جواز إسكان من جرت العادة بالسكني معه 302

جواز إسكان الدابّة إذا كان الموضع يحتمل ذلك 302

فيما إذا وقف الإنسان مسكنا فهل له أن يسكن فيه مع الموقوف عليه ؟ 303

ص: 339

فيما إذا جعل المالك لغيره السكني مدّة حياة الساكن ثمّ مات المالك فهل لورثته إخراج الساكن من المسكن قبل وفاته ؟ 303

حكم ما إذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزمان ثمّ هو حرّ بعد ذلك 305

حكم ما إذا جعل داره سكني لزيد أو عمري أو رقبي و عيّن المدّة 307

فيما إذا أخرج شيئا من ماله في الصدقة و لا يجد السائل يكره أن يردّه إلي ملكه 308

فيما إذا تصدّق بشيء علي غيره متقرّبا به إلي اللّه تعالي لا يجوز أن يرجع في صدقته 309

اشتراط التقرّب إلي اللّه تعالي في الصدقة و العتق 310

جواز الهبة و الصدقة بالمجهول 310

فيما إذا أبرأت المرأة ذمّة زوجها من مهرها في مرض الموت نفذ الإبراء من الثلث 311

فيما إذا وهب الرجل غيره جارية جاز له وطؤها قبل التعويض 311

فهرس الموضوعات 313

ص: 340

المجلد 21

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الحادي و العشرون

كتاب الوصايا و فيه مقدّمة و مقاصد:

أمّا المقدّمة ففي ماهيّتها و تسويغها.

الوصيّة تمليك عين أو منفعة بعد الموت تبرّعا.

و هي مشتقّة من قولهم: وصي إليه بكذا يصيه صيتة إذا وصل به، و أرض واصية، أي: متّصلة النبات، فسمّي هذا التصرّف وصيّة؛ لما فيه من وصلة القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجّزة في الحياة، فكأنّه وصل تصرّفه في حياته بتصرّفه بعد مماته، يقال: أوصيت لفلان بكذا و وصّيت، و أوصي إليه: إذا جعله وصيّه(1).

و هي جائزة بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ (2).

و قال تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (3).

و قال تعالي: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ الآية(4).

و ما رواه العامّة عن سعد بن [أبي وقّاص](5) قال: جاءني

ص: 5


1- في «ل»: «وصيّا».
2- سورة البقرة: 180.
3- سورة النساء: 11.
4- سورة المائدة: 106.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معاذ». و المثبت كما في المصادر.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت:

يا رسول اللّه قد بلغ بي من الوجع ما تري و أنا ذو مال و لا يرثني إلاّ بنيّة أفأتصدّق بثلثي مالي ؟ قال: «لا» قلت: فالشطر يا رسول اللّه ؟ قال: «لا» قلت: فالثّلث ؟ قال: «الثّلث، و الثّلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(1).

و عن عليّ عليه السّلام قال: «إنّكم تقرؤون هذه الآية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ و إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قضي أنّ الدّين قبل الوصيّة»(2).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «ما حقّ امرئ [مسلم] له شيء [يوصي فيه] يبيت ليلتين إلاّ و وصيّته مكتوبة عنده»(3).

و قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله المدينة فسأل عن البراء بن معرور، فقيل: إنّه هلك و أوصي لك بثلث ماله، فقبل ثمّ ردّ علي ورثته(4).

و قال عليه السّلام: «إنّ اللّه أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في6.

ص: 6


1- صحيح البخاري 103:2، و 3:4، صحيح مسلم 1250:3-1628/1251، سنن أبي داود 2864/112:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2116/430:4، سنن النسائي (المجتبي) 241:6-242، سنن ابن ماجة 903:2-2708/904، سنن الدارمي 407:2، السنن الكبري - للبيهقي - 268:6، مسند أحمد 291:1 - 1549/292، الموطّأ 4/763:2، المغني و الشرح الكبير 444:6.
2- سنن ابن ماجة 2715/906:2، السنن الكبري - للبيهقي - 232:6، المغني 6: 444، الشرح الكبير 445:6.
3- الموطّأ 1/761:2، مسند أحمد 5487/200:2، صحيح البخاري 2:4، صحيح مسلم 1627/1249:3، سنن أبي داود 2862/112:3، سنن النسائي (المجتبي) 239:6، السنن الكبري - للبيهقي - 272:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
4- المستدرك - للحاكم - 353:1، السنن الكبري - للبيهقي - 276:6.

أعمالكم»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - قال:

قال الصادق عليه السّلام: «ما من ميّت تحضره الوفاة إلاّ ردّ اللّه عليه من بصره و سمعه و عقله للوصيّة أخذ الوصيّة أو ترك، و هي الراحة التي يقال لها:

راحة الموت، فهي حقّ علي كلّ مسلم»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «الوصيّة حقّ علي كلّ مسلم»(3).

و عن عليّ عليه السّلام قال: «الوصيّة تمام ما نقص من الزكاة»(4).

و قال الصادق عليه السّلام: «مرض عليّ بن الحسين عليهما السّلام ثلاث مرضات في كلّ مرضة يوصي بوصيّة، فإذا أفاق أمضي وصيّته»(5).

و قد أجمع العلماء كافّة في جميع الأمصار و الأعصار علي صحّة الوصيّة و جوازها.

إذا عرفت هذا، فعندنا أنّ الوصيّة واجبة لمن عليه حقّ؛ للآيات السابقة(6).

و لما رواه الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام قال: «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية»(7).9.

ص: 7


1- الحاوي الكبير 320:8، العزيز شرح الوجيز 4:7.
2- الفقيه 460/133:4.
3- التهذيب 701/172:9.
4- الفقيه 464/134:4، التهذيب 706/173:9 و 707.
5- الكافي 14/56:7، الفقيه 601/172:4، التهذيب 955/246:9.
6- في ص 5.
7- الفقيه 466/134:4، التهذيب 708/174:9.

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله»(1).

و عن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «إنّ اللّه تعالي يقول: ابن آدم! تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك، و أوسعت عليك و استقرضت منك لك فلم تقدّم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا»(2).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي.

و لأنّ ذمّته مشغولة بالحقّ الذي عليه، فإذا لم يوص فقد فرّط في أداء الحقّ الواجب عليه، فكان مأثوما.

و لا فرق بين أن يكون الحقّ الذي وجب عليه للّه تعالي، كالزكاة و الخمس و الحجّ، أو دين لآدميّ.

و هل تجب علي من ليس عليه حقّ؟ الأقرب: العدم؛ لأصالة براءة الذمّة.

و قيل بالوجوب مطلقا(3).

و الأفضل تعجيل الصدقة في الحياة؛ لقوله عليه السّلام: «أفضل الصدقة أن تتصدّق و أنت صحيح شحيح تأمل الغني و تخشي الفقر، و لا تمهل حتي إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا و لفلان كذا»(4).2.

ص: 8


1- الكافي 1/2:7، الفقيه 482/138:4، التهذيب 711/174:9.
2- التهذيب 712/175:9.
3- الاستذكار 33211/7:23، التمهيد 292:14، المحلّي 312:9، الجامع لأحكام القرآن 259:2، ذيل تفسير الآية 180 من سورة البقرة، المغني 445:6، الشرح الكبير 445:6-446.
4- صحيح البخاري 137:2، صحيح مسلم 1032/716:2.

و إذا أراد الوصيّة، فالأفضل تقديم من لا يرث من أقاربه، و يقدّم منهم المحارم ثمّ غير المحارم ثمّ يقدّم بالرضاع.

***

ص: 9

ص: 10

المقصد الأوّل: في أركان الوصيّة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الصيغة و فيه مباحث:
البحث الأوّل: الإيجاب.
اشارة

لا بدّ من الإيجاب في الوصيّة، و لفظه الصريح: أوصيت له بكذا، أو أعطوا فلانا بعد موتي كذا، أو ادفعوا إليه بعد موتي، أو جعلت له بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا، و كذا كلّ لفظ دلّ علي ذلك القصد، مثل: ملّكته بعد موتي، أو وهبته بعد موتي.

و لو اقتصر علي قوله: وهبت منه، و نوي الوصيّة، فالأقرب: أنّه يكون وصيّة؛ لأنّه أبلغ في التمليك من قوله: أوصيت.

و أظهر وجهي الشافعيّة: أنّه لا يكون وصيّة؛ لأنّه أمكن تنفيذه في موضوعه، و هو التمليك الناجز(1).

و لو قال: هو له، فهو إقرار يؤاخذ به، و لا يجعل كناية عن الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح إقرارا.

ص: 11


1- الوسيط 429:4، العزيز شرح الوجيز 61:7، روضة الطالبين 133:5-134.

و يحتمل أن يرجع إلي نيّته، فإذا قال: نويت أنّه له بعد الموت، كان وصيّة؛ لاحتمال اللفظ له، و هو أعرف بنيّته و قصده، فيرجع إليه فيه.

و لو قال: عيّنته له، فهو كناية؛ لأنّه يحتمل التعيين للتمليك بالوصيّة و التعيين للإعارة و الإخدام في الحال، فلا ينصرف إلي الوصيّة إلاّ بالتعيين، فإن عيّن صحّت بالكناية مع النيّة.

و للشافعيّة و جهان، أحدهما: تنفذ(1).

و تتعيّن الوصيّة بالكنايات جزما؛ لأنّ الوصيّة في نفسها تقبل التعليق بالأغرار، فأشبهت ما يقبل التعليق بالأغرار، كالكتابة، و الخلع [فإنّه] ينعقد بالكناية مع النيّة، فالوصيّة أولي؛ لأنّها إذا قبلت التعليق بالأغرار فبأن تقبل الكنايات أولي، و لأنّ الوصيّة لا تفتقر إلي القبول في الحال، فيشبه ما يستقلّ به الإنسان من التصرّفات.

مسألة 1: لا تنعقد الوصيّة إلاّ باللفظ مع القدرة عليه،

فلو كتب بخطّه: إنّي قد أوصيت لفلان بكذا، لم ينفذ إذا كان الشخص ناطقا - قاله بعض الشافعيّة(2) - كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم.

و يحتمل القبول مع قيام الإشارة مع الكتابة مقام التصريح باللفظ في العلم بما دلّ اللفظ عليه من الوصيّة، و لأنّ الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ، و قد بيّنّا جواز الوصيّة بالكناية التي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة، فإذا كتب و قال: نويت الوصيّة لفلان، أو اعترف الورثة بعد موته به، وجب أن تصحّ.

أمّا لو اعتقل لسانه و لم يتمكّن من النطق فكتب الوصيّة أو أشار بما

ص: 12


1- الوجيز 273:1، العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
2- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.

يدلّ علي الرضا بها، أو قيل له: أوصيت بكذا؟ فيشير برأسه: نعم، أو يقرأ عليه كتاب الوصيّة فأشار بها، فإنّها تصحّ - و به قال الشافعي(1) - لما رواه العامّة: أنّ أمامة بنت أبي العاص أصمتت، فقيل لها: لفلان كذا و لفلان كذا، فأشارت أن نعم، فجعل ذلك وصيّة(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّ أباه حدّثه: «أنّ أمامة بنت أبي العاص ابن الربيع، و أمّها زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله تزوّجها عليّ عليه السّلام بعد فاطمة عليها السّلام، فخلف عليها بعد عليّ عليه السّلام المغيرة بن نوفل، و أنّها توجّعت وجعا شديدا حتي اعتقل لسانها، فأتاها الحسن و الحسين عليهما السّلام و هي لا تستطيع الكلام، فجعلا يقولان - و المغيرة كاره [لما] يقولان -: أعتقت فلانا و أهله ؟ فتشير برأسها: نعم، أم: لا» قلت: فأجازا ذلك، قال: «نعم»(3).

و عن سدير عن الباقر عليه السّلام قال: «دخلت علي محمّد بن الحنفيّة و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة، فلم يجب» قال: «فأمرت بالطشت فجعل فيه الرمل فقلت له: فخطّ بيدك» قال: «فخطّ وصيّته بيده إلي رجل و نسخت أنا في صحيفة»(4).

و لأنّه غير قادر علي النطق فصحّت وصيّته بالإشارة، كالأخرس.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تصحّ الوصيّة إلاّ أن يكون مأيوسا منر.

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 561:6، الشرح الكبير 451:6.
2- مختصر المزني: 208، التهذيب - للبغوي - 191:6، البيان 402:10، العزيز شرح الوجيز 63:7، المغني 12:9-13، الشرح الكبير 11:9.
3- التهذيب 936/258:8، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
4- التهذيب 934/241:9، و في الفقيه 505/146:4 بتفاوت يسير.

نطقه؛ لأنّه لو لم يؤيس من نطقه فلا تقوم إشارته مقام نطقه، كالساكت(1).

و الفرق: أنّ الساكت قادر علي الكلام.

مسألة 2: إذا وجدت وصيّة بخطّ الميّت و لم يكن أشهد عليها و لا أقرّ بها،

لم يجب علي الورثة العمل بها، بل لهم ردّها و إبطالها، سواء عملوا بشيء منها أو لا.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يتخيّر الورثة بين العمل بها و بين ردّها و إبطالها، فإن عملوا بشيء منها لزمهم العمل بجميعها(2) ؛ لما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام: رجل كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به هل يجب علي الورثة القيام بما في ذلك الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك ؟ فكتب: «إن كان ولده ينفذون (شيئا منه وجب عليهم أن ينفذوا)(3) كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ و غيره»(4).

و تحمل هذه الرواية علي أنّهم اعترفوا بصحّة هذا الخطّ، فحينئذ يجب العمل بالجميع.

و اختلفت الشافعيّة:

فقال أكثرهم: لا تنفذ بذلك وصيّته(5).

و قال بعضهم: إذا وجد له كتاب وصيّة بعد موته و لم تقم بيّنة علي

ص: 14


1- الهداية - للمرغيناني - 269:4، المغني 560:6-561، الشرح الكبير 6: 450-451.
2- النهاية: 621-622.
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر.
4- الفقيه 146:4-507/147، التهذيب 936/242:9.
5- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.

مضمونه، وجب العمل به(1).

و قال أحمد: من كتب وصيّة و لم يشهد فيها و عرف خطّه و كان مشهورا بالخطّ حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ و وصيّته مكتوبة عنده»(2)في «ر، ل»: «يصحّ».(3) و لم يذكر شهادته، و لأنّ الوصيّة يتسامح فيها، و لهذا صحّ(3) تعليقها علي الخطر و الغرر، و صحّت الوصيّة للحمل و به و بما لا يقدر علي تسليمه و بالمعدوم و المجهول، فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخطّ، كرواية الحديث(4).

و لا دلالة فيه؛ فإنّ المراد كتبة وصيّة تفيد العمل بها، و ذلك إنّما يتمّ بالإشهاد فيها، و التسامح فيها بما ذكر لا يوجب ثبوتها بغير بيّنة، و لهذا نصّ اللّه تعالي علي وجوب الإشهاد بقوله: اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (5).

مسألة 3: لو كتب وصيّة و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة،

و لم يطلعهم علي ما فيها، أو أشهد جماعة أنّ الكتاب خطّي و ما فيه وصيّتي، و لم يطلعهم علي ما فيه، فأكثر الشافعيّة علي أنّه لا تنفذ الوصيّة بذلك، و لا يعمل بما فيه حتي تشهد به الشهود مفصّلا(6).

و قال بعضهم: يكفي الإشهاد عليه مبهما(7).

و بعضهم اكتفي بالكتاب من غير إشهاد(8).

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 62:7-63، روضة الطالبين 134:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش
3- .
4- المغني 521:6 و 522، الشرح الكبير 452:6.
5- سورة المائدة: 106.
6- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
7- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
8- العزيز شرح الوجيز 62:7-63، روضة الطالبين 134:5.

و الوجه: الأوّل.

و حكي عن أحمد: أنّ الرجل إذا كتب وصيّة و ختم عليها و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لا يجوز حتي يسمعوا منه ما فيه، أو يقرأ عليه فيقرّ بما فيه، و بعض أصحابه قبله - و العجب من أحمد أنّه قبل الخطّ المجرّد عن الختم و الإشهاد(1) ، فمعهما أولي بالقبول - و ممّن قبل ذلك مكحول و مالك و الليث و الأوزاعي و محمّد بن مسلمة و أبو عبيد و إسحاق؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله كان يكتب إلي عمّاله و أمرائه في أمر ولايته و أحكامه و سننه، ثمّ [ما] عمل به الخلفاء بعده من كتبهم إلي ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء و الفروج و الأموال يبعثون بها مختومة، و لا يعلم حاملها ما فيها، و أمضوها علي وجوهها(2).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه، فلم يجز أن يشهد عليه، مثل كتاب القاضي، و تلك المراسلات اعتمد فيها البناء علي العادة و غلبة الظنّ بأمر الكاتب بما فيها مع معرفة الخطّ و قلّة الخطر فيها.

تذنيب: إذا ثبتت الوصيّة إمّا بالإشهاد أو بالإقرار، فإنّ حكمها يثبت و يعمل بها ما لم يعلم رجوعه عنها و إن طالت مدّته و تغيّرت أحوال الموصي، مثل أن يوصي في مرضه فيبرأ منه ثمّ يموت بعد؛ لأنّ الأصل بقاؤه، فلا يزول حكمه بمجرّد الاحتمال و الشكّ، كسائر الأحكام.

مسألة 4: و يستحبّ أن يكتب الموصي وصيّته و يشهد عليها؛

لأنّه أحفظ لها و أحوط لما فيها.

ص: 16


1- راجع: الهامش (4) من ص 15.
2- المغني 522:6-523، الشرح الكبير 453:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

و قد روي عنهم عليهم السّلام: «ما ينبغي لمسلم أن يبيت ليلة إلاّ و وصيّته تحت رأسه»(1).

و ينبغي تصديرها بالعهد الذي رواه الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله، قيل: يا رسول اللّه و كيف يوصي الميّت ؟ قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه، قال: اللّهمّ فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، إنّي أعهد إليك في دار الدنيا أنّي أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا عبدك و رسولك، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ، و أنّ البعث حقّ و الحساب حقّ و القدر و الميزان حقّ، و أنّ القرآن كما أنزلت، و أنّك أنت اللّه الحقّ المبين، جزي اللّه محمّدا (صلّي اللّه عليه و اله) خير الجزاء، و حيّي اللّه محمّدا و آل محمّد بالسلام، اللّهمّ يا عدّتي عند كربتي و يا صاحبي عند شدّتي و يا وليّ نعمتي، إلهي و إله آبائي لا تكلني إلي نفسي طرفة عين أبدا فإنّك إن تكلني إلي نفسي أقرب من الشرّ و أبعد من الخير، و آنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا، ثمّ يوصي بحاجته، و تصديق هذه الوصيّة في القرآن في السورة التي تذكر فيها مريم في قوله عزّ و جلّ: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (2) فهذا عهد الميّت، و الوصيّة حقّ علي كلّ مسلم أن يحفظ هذه الوصيّة و يعلّمها، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علّمنيها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: علّمنيها جبرئيل»(3).5.

ص: 17


1- المقنعة: 666.
2- سورة مريم: 78.
3- الكافي 2:7-1/3، الفقيه 138:4-482/139، التهذيب 174:9-711/175.
مسألة 5: قال ابن الجنيد: لو وصّي رجل بغير خطّه و لم يشهد إلي أن يحضره الموت

فقال لجماعة من الشهود بحضرته: قد كتبت وصيّتي و تركتها عند زيد فاشهدوا عليّ بما فيها، ثمّ مات، كانت شهادتهم كلّهم كشهادتهم علي شهادة زيد علي الموصي.

فإن قال: قد جعلتها علي نسختين عند زيد واحدة و عند عبد اللّه أخري فاشهدوا عليّ بما فيهما، فأحضر زيد و عبد اللّه النسختين، قامت شهادة الشهود عليه مقام شهادتهم علي شاهدين غير الآخرين.

و لو كانت ممّا كتبها بخطّه و لم يسترب به، جاز للشاهدين أن يشهدا عليه بما فيها إذا أمرهما بذلك.

و لو لم يشهد فيها ثمّ ذكر حالها و أخرجها المعدّلة عنده بعد موته، أنفذت.

و لو لم يقرأ الوصيّة علي الشهود و طواها ثمّ قال: اشهدوا عليّ بما تضمّنته، فكتبوا، جازت الشهادة، و لو طبع عليها و قال لهم: اشهدوا عليّ بما فيها، فطبعوا مع طابعه، جاز لهم أن يشهدوا عليه بما فيها.

و في هذه الأحكام كلّها نظر، و الوجه: المنع من الجميع؛ لما سبق(1) من أنّه لا يجوز للشاهد أن يشهد بمجرّد معرفة خطّه.

البحث الثاني: في القبول.
مسألة 6: الموصي له إن كان معيّنا،

كولده و زوجته و أجنبيّ معيّن، اشترط القبول، فلا يملك الموصي له الوصيّة إلاّ بالقبول؛ لأنّ الوصيّة عقد،

ص: 18


1- في ص 15-16، المسألة 3.

فلا يتحقّق إلاّ بين اثنين عن تراض منهما، و الرضا من الأمور الباطنة، فلا بدّ من لفظ يدلّ عليه، و لأنّ الوصيّة تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعيّن، فاعتبر قبوله، كالهبة.

و للشافعيّة خلاف(1) يأتي.

و إن كانت لغير معيّن، كالفقراء و المساكين و من لا يمكن حصرهم، كبني هاشم و بني تميم، أو علي مصلحة، كمسجد أو قنطرة أو حجّ، لم تفتقر إلي القبول، و لزمت بالموت ما لم يكن قد رجع عنها؛ لأنّ اعتبار القبول من جميعهم متعذّر، فسقط اعتباره، كما لو وقف عليهم، و لا يتعيّن واحد منهم، فيكفي قبوله، و لأنّ الملك لا يثبت للموصي لهم، و إنّما يثبت لكلّ واحد منهم بالقبض، فيقوم قبضه مقام قبوله.

أمّا الآدمي المعيّن فيثبت له الملك، فيعتبر قبوله، و لا يشترط القبول لفظا، بل يكفي من الأفعال ما يدلّ عليه، كالأخذ و الفعل الدالّ علي الرضا، كما في الهبة.

و يجوز القبول علي الفور، أي: قبل الموت علي خلاف، و علي التراخي، أي: حين موت الموصي إجماعا.

مسألة 7: اختلف علماؤنا،

فبعضهم(2) اشترط وقوع القبول بعد موت الموصي، و لا يصحّ قبول الوصيّة و لا ردّها في حياة الموصي، و له الردّ و إن قبل في الحياة، و بالعكس - و هو المشهور عند الشافعيّة(3) - لأنّه

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
2- السيّد ابن زهرة في الغنية: 306.
3- المهذّب - للشيرازي - 459:1، نهاية المطلب 204:11، الوسيط 429:4، حلية العلماء 75:6، التهذيب - للبغوي - 92:5، البيان 149:8، العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.

لا حقّ له قبل الموت، لأنّ الوصيّة تحقيق ملك الموصي له بعد الموت، و قبل الموت باق علي ملك الموصي.

و قال أبو حنيفة: إذا قبل في الحياة لم يكن له الردّ بعد الموت، و إذا ردّ في الحياة كان له القبول بعد الموت(1).

و قال بعض علمائنا: لو قبل قبل الوفاة جاز، و بعد الوفاة آكد(2).

فعلي هذا إذا مات الموصي بعد قبول الموصي له في حياته، لم يحتج إلي تجديد قبول آخر، و كفي الأوّل في تماميّة الملك و استقراره، و لو مات [الموصي له] قبل موت الموصي بعد قبوله، لم يحتج الوارث إلي قبول بعد موت الموصي.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يشترط الفور في القبول بعد الموت؛ لأنّ الفور إنّما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب.

مسألة 8: لو مات الموصي له قبل موت الموصي و قبل القبول،

فالمشهور بين علمائنا: أنّ الموصي إذا مات بعد ذلك قبل رجوعه عن الوصيّة فإنّ الوصيّة تنتقل إلي ورثة الموصي له، و ينتقل القبول إليهم - و به قال الحسن البصري(3) - لأنّه مات بعد عقد الوصيّة، فيقوم الوارث مقامه، كما لو مات بعد موت الموصي و قبل القبول.

و لما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 20


1- العزيز شرح الوجيز 63:7.
2- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 243:2.
3- الحاوي الكبير 257:8، حلية العلماء 77:6، المغني 466:6، الشرح الكبير 474:6.

في رجل أوصي لآخر و الموصي له غائب فتوفّي الذي أوصي له قبل الموصي، قال: الوصيّة لوارث الذي أوصي له، إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته»(1).

و لأنّ القبول حقّ للموروث(2) ، فيثبت للوارث بعد موته، كخيار الردّ بالعيب.

قال المفيد رحمه اللّه: إذا أوصي الإنسان لغيره بشيء من ماله فمات الموصي له قبل الموصي، كان ما أوصي به راجعا علي ورثته، فإن لم يكن له ورثة رجع إلي مال الموصي، إلي أن قال: و لصاحب الوصيّة إذا مات الموصي له قبله أن يرجع فيما أوصي له به، فإن لم يرجع كان ميراثا لمخلّفي الموصي له(3).

و رواه ابن بابويه في كتابه(4) ، و هو مذهب اشتهر بين الأصحاب.

و قال ابن الجنيد: لو كانت الوصيّة لأقوام بعينهم مذكورين يشار إليهم، كالذي يقول: لولد فلان هؤلاء، فإن ولد لفلان غيرهم، لم يدخل في الوصيّة، و إن مات أحدهم قبل موت الموصي بطل سهمه.

و هو يعطي بطلان الوصيّة إذا مات الموصي له قبل الموصي، و لا بأس به - و هو قول أكثر العامّة، و روي(5) عن عليّ عليه السّلام، و به قال الزهري و حمّاد ابن أبي سليمان و ربيعة و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لأنّها -

ص: 21


1- الكافي 1/13:7، التهذيب 230:9-903/231، الاستبصار 137:4-515/138.
2- في الطبعة الحجريّة: «للمورّث».
3- المقنعة: 677.
4- الفقيه 541/156:4.
5- في «ر، ص»: «و رووه».
6- المغني 465:6-466، الشرح الكبير 473:6-474، الحاوي الكبير 8: -

عطيّة صادفت المعطي ميّتا فلم تصح، كما لو وهب ميّتا، و ذلك لأنّ الوصيّة عطيّة بعد الموت، فإذا مات قبل القبول بطلت الوصيّة أيضا.

و لما رواه أبو بصير و محمّد بن مسلم - في الصحيح - جميعا عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن رجل أوصي لرجل فمات الموصي له قبل الموصي، قال: «ليس بشيء»(1).

و في الموثّق عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي لرجل بوصيّة إن حدث به حدث، فمات الموصي له قبل الموصي، قال: «ليس بشيء»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذين الخبرين أحد شيئين:

أحدهما: أن يكون قوله: «ليس بشيء» يعني ليس بشيء ينقض الوصيّة، بل ينبغي أن تكون علي حالها في الثبوت لورثته.

و الثاني: أن يكون المراد بذلك بطلان الوصيّة إذا كان غيّرها الموصي في حالة حياته؛ لقول عليّ عليه السّلام في الخبر الذي رواه محمّد بن قيس أوّلا:

«إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته»(3)(4).

مسألة 9: إذا ردّ الموصي له الوصيّة،

فإن كان قبل موت الموصي فقد قلنا: إنّه لا اعتبار بالردّ، لكن لو مات الموصي له قبل موت الموصي و بعد ردّه و قلنا: إنّ القبول ينتقل إلي الوارث، ففي انتقاله هنا نظر، أقربه:

ص: 22


1- التهذيب 906/231:9، الاستبصار 518/138:4.
2- التهذيب 907/231:9، الاستبصار 519/138:4.
3- راجع: الهامش (1) من ص 21.
4- الاستبصار 138:4-139، ذيل ح 519.

الانتقال، و إن كان بعد موت الموصي، فأقسامه أربعة:

الأوّل: أن يردّ الوصيّة قبل القبول، فتبطل الوصيّة، و يستقرّ الملك للورثة، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه أسقط حقّه في حال يملك قبوله و أخذه، فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع، و إبراء المديون بعد الاستدانة، بخلاف ما لو ردّ قبل القبول في حياة الموصي؛ لأنّ الوصيّة هناك لم تقع بعد، فأشبه ردّ المبيع قبل إيجاب البيع، و لأنّ ذلك الوقت ليس محلاّ للقبول، فلا يكون محلاّ للردّ.

هذا إذا كان الموصي به عين مال أو منفعة و العين للورثة، أمّا لو أوصي بالعين لواحد و بالمنفعة لآخر فردّ الموصي له بالمنافع، فهي للورثة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّها للموصي له بالعين(1).

و لو أوصي بخدمة عبد لإنسان سنة، و قال: هو حرّ بعد سنة، فردّ الموصي له، لم يعتق قبل السنة، و به قال الشافعي(2).

و قال مالك: يعتق قبل السنة(3).

الثاني: أن يقع بعد القبول و قبض الموصي له، فلا يصحّ الردّ إجماعا؛ لأنّ ملكه قد استقرّ و لزم، فلا يخرج عنه، إلاّ بعقد ناقل، و ليس الردّ منه، فأشبه ردّه لسائر ملكه، إلاّ أن ترضي الورثة بذلك، فيكون هبة منه لهم، و يشترط جميع شرائط الهبة من العقد و القبض.

الثالث: أن يقع الردّ بعد القبول و قبل القبض.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز الردّ، قال: و في الناس من قال: لا يصحّ الردّ؛ لأنّه لمّا قبل ثبت ملكه إمّا بالموت أو بالشرطين، و إذا حصل في ملكه7.

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
2- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
3- العزيز شرح الوجيز 63:7.

لم يكن له الردّ، ثمّ قال: و الصحيح أنّ ذلك يصحّ؛ لأنّه و إن كان قد ملكه بالقبول إلاّ أنّه لم يستقر ملكه عليه ما لم يقبضه، فصحّ منه الردّ، كما أنّ من وقف عليه شيء فإنّه متي ردّ صحّ ذلك و إن كان قد ملك الرقبة و المنفعة أو أحدهما(1).

و للشافعيّة و جهان، هذا أحدهما؛ لأنّه تمليك من آدميّ بغير عوض، فصحّ ردّه قبل القبض، كما لو وقف، و هو نصّ الشافعي في الأمّ، و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ الملك حاصل بعد القبول، فلا يرتفع بالردّ، كما في البيع، و كما بعد القبض(2).

و هذا هو الوجه عندي؛ لأنّ الموصي له قد ملك بالوصيّة الجامعة للشرائط، فلا يزول ملكه عنه، إلاّ بسبب ناقل، و ليس الردّ ناقلا.

و قول الشيخ: «لم يستقر ملكه عليه» ممنوع؛ فإنّه عقد لا خيار فيه بحيث ينقسم إلي مستقرّ و غير مستقرّ، و القياس علي الوقف باطل؛ لفساد القياس في نفسه، و قيام الفرق فيه؛ لأنّه إذا ردّ لم يحصل القبول الذي هو شرط أو جزء. نعم، لو قبل ثمّ ردّ لم يكن للردّ حكم.

و للحنابلة تفصيل، فقالوا: إن كان الموصي به مكيلا أو موزونا صحّ الردّ؛ لأنّه لا يستقرّ ملكه عليه قبل القبض، و إن كان غير ذلك لم يصح الردّ؛ لأنّ ملكه قد استقرّ عليه، فهو كالمقبوض، و لأنّه لمّا ملك الردّ من غير قبول ملك الردّ من غير قبض(3).6.

ص: 24


1- المبسوط - للطوسي - 33:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 459:1، حلية العلماء 76:6، البيان 150:8، العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 468:6، الشرح الكبير 475:6.
3- المغني 468:6، الشرح الكبير 475:6.

و الملازمة ممنوعة.

الرابع: أن يردّ بعد القبض و قبل القبول، فإنّها تبطل؛ لأنّ القبول جزء السبب و قد حصل الردّ قبله، فيبطل العقد، كما لو لم يكن قبض؛ إذ القبض لا عبرة به، و لا مدخل له في التملّك.

مسألة 10: إذا ردّ الموصي له الوصيّة،

ففي كلّ موضع يصحّ ردّه فيه فإنّ الوصيّة فيه تبطل بالردّ، و يرجع إلي التركة، فيكون لجميع الورثة؛ لأنّ الأصل ثبوت الحقّ لهم، و إنّما خرج بالوصيّة، فإذا بطلت الوصيّة رجع إلي ما كان عليه، كأنّ الوصيّة لم توجد.

و لو عيّن بالردّ واحدا و قصد تخصيصه بالمردود، لم يكن له ذلك، و كان لجميعهم؛ لأنّ ردّه امتناع من تملّكه، فيبقي علي ما كان عليه، و لأنّه لا يملك دفعه إلي أجنبيّ فلم يملك دفعه إلي وارث يخصّه به.

و كلّ موضع امتنع الردّ؛ لاستقرار ملكه عليه، فله أن يخصّ به واحدا من الورثة؛ لأنّه ابتداء هبة و تمليك، و لأنّه يملك أن يدفعه إلي أجنبيّ فملك أن يدفعه إلي وارث.

فإذا قال: رددت هذه الوصيّة لفلان، قيل له: ما أردت بقولك:

«لفلان»؟ فإن قال: أردت تمليكه إيّاها و تخصيصه بها، فقبلها، اختصّ بها إذا أتي بإيجاب الهبة، و إن قال: أردت ردّها إلي جميعهم لرضا فلان، عادت إلي جميعهم إذا قبلوها، و لو قبلها بعضهم دون بعض فللقابل حصّته منها خاصّة، و حصّة غيره للرادّ.

و قالت الشافعيّة: إذا قال الموصي له: رددت الوصيّة لفلان، يعني أحد الورثة، ففي الأمّ: إن قال: أردت لرضاه، كان ردّا علي جميع الورثة،

ص: 25

و إن قال: أردت تخصيصه بالردّ عليه، فهو هبة منه خاصّة(1).

قال بعضهم: هذا مفرّع علي تصحيح الردّ بعد القبول، و إلاّ فما لا يملكه لا يمكنه أن يملّكه غيره، ثمّ لم يعتبر لفظ الهبة و التمليك، و لا بدّ منه، و هو القياس عندهم(2).

و لو مات و لم يبيّن مراده، جعل ردّا علي جميع الورثة، فإذا لم يقبل الموصي له و لم يردّ فللوارث مطالبته بأحد الأمرين، فإن امتنع حكم عليه بالردّ.

تنبيه: يحصل الردّ بقول الموصي له: رددت الوصيّة، أو: لا أقبل الوصيّة، و ما يقوم مقام ذلك من ألفاظه و يؤدّي معناه.

آخر: لو كانت الوصيّة لاثنين فقبل أحدهما و ردّ الآخر، رجع نصيب الرادّ إلي جميع الورثة، كالواحد.

و قال ابن الجنيد: لا يرجع نصيب الرادّ إلي الورثة. و ليس بجيّد.

البحث الثالث: في سبب التملّك.
مسألة 11: اختلف علماؤنا في أنّ الموصي له متي يملك ما أوصي له به ؟

قال في المبسوط: الأقوي أن يقال: إنّ الشيء الموصي به ينتقل إلي ملك الموصي له بوفاة الموصي، و قد قيل: إنّه بشرطين: بالموت، و قبول الموصي له. و قيل: إنّه مراعي، فإن قبل علم أنّه انتقل بالموت إليه، و إن ردّ علم أنّه بالموت انتقل إلي الورثة.

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 135:5-136.
2- العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 136:5.

ثمّ قال: و علي ما قلناه لو أهلّ هلال شوّال و قد مات الموصي و قد أوصي له بجارية و لم يقبل الموصي له بعد، لزمه فطرتها، و علي القولين الآخرين لا تلزمه، و إنّما رجّحنا الأوّل؛ لقوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فأثبت الميراث بعد الوصيّة و الدّين، و لم يقل: بعد وصيّة و قبول الموصي له، فوجب أن لا يعتبر ذلك(2).

و قال قبل ذلك: إذا مات الموصي متي ينتقل الملك إلي الموصي له ؟ قيل: فيه قولان:

أحدهما: إنّه ينتقل بشرطين: بوفاة الموصي، و قبول الموصي له، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

و القول الثاني: إنّه مراعي، إن قبل الوصيّة تبيّنا أنّه انتقل إليه الملك بوفاته، و إن لم يقبل تبيّنا أنّ الملك انتقل إلي الورثة بوفاته.

و قيل: فيه قول ثالث، و هو: إنّ الملك ينتقل إلي الموصي له بوفاة الموصي، مثل الميراث يدخل في ملك الورثة بوفاته، فإن قبل ذلك استقرّ ملكه عليه، و إن ردّ ذلك انتقل عنه إلي ورثته، و هذا قول ضعيف لا يفرّع عليه(3) ، مع أنّه قال أوّلا: إنّه ينتقل بموت الموصي.

و قال في الخلاف: إذا أوصي له بشيء فإنّه ينتقل إلي ملك الموصي له بوفاة الموصي(4).

و قال ابن الجنيد: فإن اكتسب العبد بعد موت السيّد و قبل قبول8.

ص: 27


1- سورة النساء: 11.
2- المبسوط - للطوسي - 33:4-34.
3- المبسوط - للطوسي - 28:4.
4- الخلاف 146:4، المسألة 18.

الموصي له إيّاه، كان ما اكتسبه تابعا له. و هو يدلّ علي الانتقال بالموت.

و قال ابن إدريس: الأقوي: أنّه لا ينتقل بالموت، بل بانضمام القبول من الموصي له، لا بمجرّد الموت(1).

و المعتمد أن نقول: إن كانت الوصيّة لغير معيّن لم يفتقر إلي القبول، و لزمت بالموت، و حصل الانتقال به، و إن كانت لمعيّن انتقل الملك إليه بوفاة الموصي انتقالا غير مستقرّ، بل متزلزلا قابلا للزوال، و إن ردّ ذلك انتقل عنه إلي ورثته؛ لأنّ الملك بعد موت الموصي إمّا أن يكون باقيا علي ملكه، و هو باطل؛ لأنّ الميّت لا يملك شيئا، و استمرار الملك مع الموت بعيد جدّا، و إمّا أن ينتقل إلي الورثة، و هو باطل، و إلاّ لكان الموصي له يتلقّي الملك من الوارث لا من الميّت، و هو بعيد، و لأنّ الوارث لو كره الانتقال إلي الموصي له لم يعتد بكراهيّته في الانتقال و حكم به بغير اختيار الوارث، و إمّا أن يكون ملكا للّه تعالي، فلا يختصّ بالموصي له، بل يجب انتقاله إلي سبل الخير؛ لأنّها مصبّ حقّ اللّه تعالي، و إمّا أن يبقي بلا مالك، و هو بعيد؛ لاستحالة بقاء ملك بغير مالك، فتعيّن انتقاله إلي الموصي له.

فنقول حينئذ: لا يجوز انتقاله إليه علي وجه اللزوم و الاستقرار، و إلاّ لما ارتدّ عنه بالردّ، و التالي باطل بالإجماع فالمقدّم مثله، و الملازمة ظاهرة؛ فإنّ الأملاك المستقرّة علي أربابها لا تزول عنهم بردّهم إيّاها، و لا يمكن القول بالوقف؛ لأنّه إنّما يثبت الوقف بالنسبة إلينا؛ لعدم علمنا بالحكم، لا في نفس الأمر، و نحن قسمنا بالنسبة إلي ما في نفس الأمر، فلم يبق إلاّ ما ادّعيناه.3.

ص: 28


1- السرائر 202:3.

و أمّا العامّة فقد اختلفوا:

فللشافعي أقوال ثلاثة:

أحدها: أنّه يدخل الموصي به في ملك الموصي له بموت الموصي بغير اختياره، كما يدخل الميراث في ملك الورثة، و يستقرّ بقبوله.

و هو قول غير مشهور بينهم.

و وجهه: أنّه يستحقّه بالموت، فأشبه الميراث، و لأنّه لا يجوز أن يبقي علي ملك الميّت؛ لأنّه صار جمادا، و لا يجوز أن ينتقل إلي الورثة؛ لأنّ اللّه تعالي قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فثبت أنّه ينتقل إلي الموصي له.

و الثاني: أنّ الموصي له يملك ما أوصي له بالقبول؛ لأنّه تمليك بعقد، فيتوقّف الملك فيه علي القبول، كما في البيع و نحوه، و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و أهل العراق(2).

و علي هذا فالملك قبل القبول للوارث، أو يبقي للميّت ؟ فيه للشافعيّة و جهان، أصحّهما: الأوّل.

و الثالث - و هو أصحّ الأقوال عند الشافعيّة، و به قال المزني -: أنّ الملك موقوف في الحال، فإن قبل تبيّنّا أنّه ملك من يوم الموت، و إلاّ تبيّنّا أنّه كان ملكا للوارث من يومئذ؛ لأنّه لو ملك بالموت لما ارتدّ بالردّ، كالميراث، و بتقدير أن يرتدّ وجب أن يكون انتقاله إليهم بحسب الهبة منه، لا بحسب الإرث من الموصي.6.

ص: 29


1- سورة النساء 11:4.
2- المغني 471:6، الشرح الكبير 478:6.

و لو ملك بالقبول فإمّا أن يكون قبل القبول للميّت، و استمرار الملك مع الموت بعيد، أو للوارث، و حينئذ فالموصي له يتلقّي الملك عن الوارث، لا عن الموصي، و هو بعيد أيضا، و لأنّ الإرث يتأخّر عن الوصايا، و إذا بطلت الأقسام وجب التوقّف(1).

و الملازمة الأولي ممنوعة، و إنّما تتمّ لو كان الملك مستقرّا لازما، أمّا إذا قلنا بأنّه متزلزل فلا، و لا نسلّم كون الانتقال مع الارتداد بحسب الهبة، بل نقول: الارتداد رافع للملك من أصله، و القياس علي الإرث باطل؛ لأنّ الإرث ليس بتمليك بإيجاب، و الوصيّة بخلافه.

و قد اعترضت الشافعيّة علي قولهم بأنّه لو أوصي بعتق عبد معيّن بعد وفاته انتقل العبد إلي الوارث إلي أن يعتق، و لا يجعل علي الخلاف.

و الفرق: أنّ الوصيّة تمليك للموصي له، فيبعد الحكم بالملك لغير من أوجب له الملك، و العتق ليس بتمليك(2).

و أجابوا أيضا بأنّ الوصيّة بالعتق دون الرقبة، فلم يمنع من ملك الوارث، و هنا الوصيّة بالملك، فلم ينتقل ما وصّي به إلي الوارث مع استحقاقه الوصيّة به.

ثمّ اعترضوا بأن قالوا: لم لا يبقي علي حكم مال الميّت ؟ كما لو كان علي الميّت دين، فإنّه يكون باقيا في حكم ذمّة الميت.6.

ص: 30


1- الحاوي الكبير 252:8 و 253، المهذّب - للشيرازي - 459:1، نهاية المطلب 204:11-205، حلية العلماء 75:6 و 76، التهذيب - للبغوي - 92:5-93، البيان 149:8 و 150، العزيز شرح الوجيز 65:7، روضة الطالبين 136:5، المغني 471:6-472، الشرح الكبير 478:6.
2- العزيز شرح الوجيز 65:7-66.

و أجابوا بالفرق بينهما: بأنّه يجوز أن يجدّد عليه وجوب دين، و هو إذا كان حفر بئرا في حال حياته فوقع فيها إنسان بعد موته، و لا يجوز أن يتجدّد له ملك بعد موته فلم يبق املاكه.

قيل عليه: كيف يجوز أن يتعلّق الملك بشرط مستقبل!؟ و ذلك محال.

و أجابوا بأنّ هذا غير مانع، كما إذا قال لها: أنت طالق قبل موتي بشهر، فإنّه إذا مات تبيّنّا أنّه وقع الطلاق، أو لم يقع، و هذا لا يشبه القبول؛ لأنّ الموت ليس بشرط في وقوع الطلاق، و إنّما يتبيّن به الوقت الذي أوقع فيه، و لو قال: إذا متّ فأنت طالق قبله بشهر، لم يصح.

قالوا: و ينبغي أن يكون القبول هنا ليس بشرط في صحّة الملك، و إنّما يتبيّن(1) به اختياره للملك حال الموت، فتبيّن حصول الملك باختياره.

و بعد هذا كلّه فالقول بأنّ القبول كاشف عن الملك لا بأس به عندي.

و اعترض علي القائل بأنّ الملك ينتقل إلي الوارث بقوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (2) شرط في ملك الوارث انتفاء الوصيّة، و الوصيّة هنا ثابتة، فلا يتحقّق الملك للوارث.

و أجيب بأنّ الملك يثبت(3) للوارث بالموت، و المراد بالآية: من بعد وصيّة مقبولة، و لهذا فإنّ الموصي له لو لم يقبل الوصيّة كانت ملكا للوارث إجماعا، و قبل قبولها ليست مقبولة.».

ص: 31


1- في «ص»: «تبيّن».
2- سورة النساء: 11.
3- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «ثبت».

و يحتمل أن يكون المراد بقوله تعالي: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ (1) أي: ذلك لكم مستقرّ، و لا يمنع هذا ثبوت ملك غير مستقرّ، و لهذا لا يمنع الدّين ثبوت الملك في التركة، و هو آكد من الوصيّة(2).

ثمّ قال بعضهم بأنّه يبقي ملكا للميّت، كما إذا كان عليه دين.

و اعترضوا علي من نفي تملّكه بأنّ الملك يبقي له فيما يحتاج إليه من مؤونة تجهيزه و دفنه و قضاء ديونه و تنفيذ وصاياه، و لأنّه يتعذّر انتقاله إلي الوارث من أجل الوصيّة و امتناع انتقاله إلي الموصي له قبل القبول الذي هو إمّا جزء السبب أو شرطه، فإنّ ذلك يقتضي تقدّم المسبّب أو المشروط علي جزء السبب أو شرطه.

و جوّزوا أن يتجدّد للميّت ملك في ديته إذا قتل، و فيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تنفذ وصاياه و تقضي ديونه منها، و يجهّز أيضا، فإن ردّ الموصي له أو قبل انتقل حينئذ، فإن قلنا: إنّه ينتقل إلي الوارث، فإنّه يثبت له الملك علي وجه لا يفيد إباحة التصرّف كثبوته في العين المرهونة، فلو باع الموصي به أو رهنه أو أعتقه أو تصرّف بغير ذلك، لم ينفذ شيء من تصرّفاته.

و لو كان الوارث ابنا للموصي به، مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبيّ، فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلي ابنه إلي حين القبول، و لا يعتق عليه(3).0.

ص: 32


1- سورة النساء: 12.
2- المغني 472:6، الشرح الكبير 479:6.
3- المغني 472:6-473، الشرح الكبير 479:6-480.
البحث الرابع: في المسائل المتفرّعة علي المذهبين.
اشارة

قد بيّنّا أنّ الأقوال في ملك الموصي له متي يكون ؟ ثلاثة:

أحدها: إنّه يملك بالموت، و هو رواية أبي ثور عن الشافعي(1).

و الثاني - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(2) -: إنّه يملك بالقبول، و علي هذا فالملك قبل القبول للوارث، أو يبقي للميّت ؟ فيه و جهان للشافعيّة، أصحّهما: الأوّل.

و الثالث - و به قال المزني، و هو الأصحّ عندهم(3) -: الوقف، فإن قبل ظهر أنّه ملك من حين الموت، و إلاّ تبيّنا أنّه كان ملكا للوارث من ذلك الوقت.

و فرّع الفقهاء علي ذلك مسائل.

مسألة 12: لو كان الموصي به عبدا كسوبا فكسب شيئا،

أو شجرة فأثمرت، أو دابّة فحملت، و بالجملة سائر زوائد الموصي به إن حصلت قبل موت الموصي، فهي للموصي؛ لأنّه قبل موته مالك للعين إجماعا، فتتبعه الزيادات المتّصلة و المنفصلة، و الوصيّة لا تتناول المنفصلة منها؛ لأنّها عين حصلت في ملك الموصي، و ليست جزءا من مسمّي الموصي به، فلا تندرج تحته.

و إن حصلت بعد موته و بعد القبول، فهي للموصي له؛ لأنّها حصلت و قد ملك العين.

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 65:7.
2- راجع: الهامش (2) من ص 29.
3- راجع: الهامش (1) من ص 30.

و إن حصلت بعد موته و قبل القبول، فإن قلنا: الملك يحصل بالموت، فهي للموصي له، قبل الوصيّة أو ردّها؛ [لأنّها حصلت](1) بعد تمام الملك للموصي له، حيث جعلنا الملك تابعا للموت خاصّة.

و للشافعيّة فيما إذا ردّ الوصيّة وجه: أنّ الزوائد تتبع العين في الردّ أيضا؛ لأنّا تبيّنا أنّ سبب الملك لم يستقر(2).

و إن قلنا: يحصل بالقبول، فلا تكون الزوائد للموصي له، سواء قبل الوصيّة أو ردّها؛ لأنّها حدثت قبل حصول ملكه.

و للشافعيّة فيما إذا قبل الوصيّة وجه: أنّها تكون للموصي له؛ لأنّ حقّ التملّك من وقت الموت، فهي حادثة علي محلّ حقّه(3).

و إن قلنا بالتوقّف، فهي موقوفة أيضا، كالأصل، فطن قبل الوصيّة فهي له، و إلاّ فلا.

و كلّما قلنا: إنّ الزوائد ترتدّ فإلي من ترتدّ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: إلي الموصي حتي تكون من جملة تركاته تقضي بها ديونه و تنفذ وصاياه، كالأصل.

و أصحّهما: أنّها تكون للوارث؛ لحدوثها بعد زوال ملك الموصي(4) ، و هو الوجه عندي.

مسألة 13: لو أوصي بعبده لزيد ثمّ مات ثمّ أهلّ شوال قبل القبول

ثمّ قبل، فإن قلنا: إنّه ينتقل بالموت، فالفطرة علي الموصي له، و إن قلنا بالقبول، فالفطرة علي الوارث، و إن قلنا بالوقف، فإن قبل تبيّنّا الملك حين

ص: 34


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه حصل». و المثبت يقتضيه السياق. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 66:7، روضة الطالبين 137:5.

الموت، فالفطرة علي الموصي له، و إلاّ فعلي الوارث.

و كذا مؤونة العبد و نفقته التي يحتاج إليها بعد الموت و قبل القبول، فإنّ حكمها حكم الفطرة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها علي الموصي له إن قبل علي كلّ قول، و علي الوارث إن ردّ علي كلّ قول، و لا يتأتّي الوجه المذكور في الزيادات، و إن كان يحتمل أن يقال: الغرم في مقابلة الغنم، لكن إدخال شيء في الملك قهرا أهون من إلزام مؤونة قهرا(1).

و إذا توقّف الموصي له في القبول و الردّ، ألزم النفقة، فإن أراد الخلاص ردّ.

و يحتمل إلزام الوارث إن قلنا: إنّه يملك بالقبول خاصّة بعد الموت.

مسألة 14: لو زوّج أمته من حرّ ثمّ وصّي له بها ثمّ مات الموصي،

قال الشيخ رحمه اللّه: هذه المسألة تبني علي أصول ثلاثة:

أحدها: أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟ و قد قيل: فيه قولان أحدهما:

لا حكم له، و الثاني: له حكم.

و معني ذلك إنّا إذا قلنا: له حكم، تناوله البيع و الوصيّة، و جري ذلك مجري عين منفردة عن الأصل، و مجري الولد المنفصل، و إذا أوصي بها و هي حبلي فكأنّه أوصي بها و بحملها، و إذا باعها فالثمن يتقسّط عليهما.

و إذا قلنا: لا حكم للحمل، فلا يحكم بأنّ العقد تناوله، فإذا وضعته كان كأنّه نماء حدث الآن، و جري مجري السمن، و إذا أوصي بجارية حبلي فإنّ وصيّته تكون بها دون الحمل، و إذا باعها فالثمن لا يتقسّط علي الحمل،

ص: 35


1- الغزالي في الوسيط 431:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 66:7، و روضة الطالبين 137:5.

و متي وضعت فكأنّما حدث في تلك الحالة.

و الأصل الثاني: أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر، فمتي وضعت من حين الوصيّة لستّة أشهر فما زاد، فالظاهر أنّه حدث بعد الوصيّة، و إن وضعت لدون ستّة أشهر من حين الوصيّة، تبيّنّا أنّ الحمل كان موجودا حين الوصيّة.

و الأصل الثالث: أنّ من أوصي لرجل بشيء فإنّ ملكه لا يزول عن ذلك الشيء قبل وفاته إجماعا.

و إذا مات الموصي متي ينتقل الملك إلي الموصي له ؟ فيه قولان:

أحدهما: ينتقل بشرطين: موت الموصي، و قبول الموصي له، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

و الثاني: أنّه مراعي، إن قبل الوصيّة تبيّنّا أنّه انتقل إليه الملك بوفاته، و إن لم يقبل تبيّنّا أنّ الملك انتقل إلي الورثة بوفاته.

و قيل: فيه قول ثالث، و هو أنّ الملك ينتقل إلي الموصي له بوفاة الموصي، فإن قبل ذلك استقرّ ملكه، و إن ردّ انتقل إلي الورثة، و ضعّفه الشيخ.

ثمّ فرّع علي الأوّلين، فقال: إذا زوّج أمته من حرّ ثمّ أوصي للزوج بها، فإمّا أن يردّ أو يقبل.

فإن ردّ بطلت الوصيّة، و كانت الأمة علي الزوجيّة ينتقل ملكها إلي الورثة، و النكاح للزوج بحاله، إلاّ إذا قلنا: إنّ الموصي له يملك بالموت، فينفسخ النكاح من يوم الموت و إن كان الملك ضعيفا؛ للتنافي بين الملك و النكاح.

و أمّا إن كان قبل الوصيّة نظرت فإن كانت الأمة حائلا فقد ملكها،

ص: 36

و انفسخ النكاح بينهما؛ لأنّ النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين، لأنّ أحكامهما متضادّة، و ملك اليمين أقوي فمنع النكاح.

و متي ينفسخ ؟ يبني علي القولين متي يملك الموصي له ؟ فإن قلنا بالقبول، انفسخ يوم القبول، و من يوم الموت علي سبيل التبيّن إن قلنا بالتوقّف.

و إن كانت حاملا فسيأتي(1).

و إن كان قد زوّجها من وارثه ثمّ أوصي بها لغيره، فإن قبل الموصي له الوصيّة استمرّ النكاح، إلاّ إذا قلنا: إنّ الملك يحصل بالقبول و إنّه قبل القبول للوارث، ففيه للشافعيّة و جهان، أظهرهما: الانفساخ، و الثاني عدمه؛ لأنّ الملك ضعيف يتعلّق باختيار الغير، بخلاف جانب الموصي له(2).

و إن ردّ انفسخ النكاح.

و في استناده إلي حالة الموت لضعف الملك هذا الخلاف(3).

هذا إذا خرجت الأمة من الثّلث، فإن لم تخرج و لم يجز الورثة، انفسخ النكاح؛ لدخول شيء ممّا يزيد علي الثّلث في ملك الزوج.

و إن أجازوا و قلنا بحصول الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، فهل ينفسخ ؟ إن قلنا: إجازتهم تنفيذ لما فعله، فلا، و إن قلنا: ابتداء عطيّة، فنعم؛ لكونها في ملكهم إلي أن أعطوا.

مسألة 15: لو أوصي له بجارية فولدت،

فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن تلد قبل موت الموصي، فإن انقضي أقلّ مدّة الحمل من يوم الوصيّة - و هي ستّة أشهر - فالولد غير داخل في الوصيّة؛ لاحتمال

ص: 37


1- المبسوط - للطوسي - 27:4-29.
2- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 137:5.
3- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 137:5.

تجدّده بعد الوصيّة، و الأصل عدم الحمل يوم الوصيّة، و الأصل عدم تناول الوصيّة له، فلا يجعل للموصي له بالشكّ و الاحتمال.

و إن وضعته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، علم وجوده يوم الوصيّة، و يبني علي الخلاف في أنّ الحمل هل يعرف و يعطي حكما قبل الانفصال ؟ إن قلنا: لا و إنّما النظر إلي حالة الانفصال، فالولد غير داخل أيضا، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي، فيكون لورثته، و إن قلنا:

نعم، فهو كما لو أوصي بالجارية و ولدها بعد الانفصال، فينظر أيقبلهما الموصي له، أم يردّهما، أم يقبل أحدهما دون الآخر.

و المعتمد: أنّ الحمل غير داخل في وصيّة الأمّ.

و إذا كان الموصي له زوج الجارية و قبل الوصيّة في الولد، عتق عليه بالملك، و لا ولاء له عندنا، و عند العامّة يكون له ولاؤه(1) ، و لا تكون الجارية أمّ ولد له؛ لأنّها علقت منه برقيق.

الثاني: أن تلد بعد موت الموصي و قبل قبول الموصي له، فإمّا أن تلد بعد انقضاء [أقلّ] مدّة الحمل من يوم موت الموصي، أو قبله، و حينئذ فإمّا أن تلد بعد انقضاء هذه المدّة من يوم الوصيّة أو قبلها، فهذه أحوال ثلاثة:

الأوّل: إذا ولدت بعد انقضاء أقل مدّة الحمل من يوم الموت، لم يدخل الولد في الوصيّة؛ لاحتمال حدوثه بعد الموت.

ثمّ إن كان الموصي له زوج الجارية، بني حكم الجارية علي أنّ الوصيّة بم تملك ؟ إن قلنا بالقبول و إنّها قبل القبول لورثة الموصي، فالولد5.

ص: 38


1- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 142:5.

لهم، لا إرثا عن الميّت، بل لحدوثه من(1) ملكهم، و إن قلنا: تملك بالموت أو توقّفنا فقبل، فيكون العلوق في ملك الموصي له، فينعقد الولد حرّا لا ولاء عليه، و تكون الجارية أمّ ولد له.

الثاني: إذا ولدت قبل أقلّ مدّة الحمل من يوم الموت و بعد انقضاء هذه المدّة من يوم الوصيّة، فهذا لا يجوز حدوثه بعد الموت، و يجوز أن يكون بعد الوصيّة، فيجعل كأنّه حدث بعدها، فإن قلنا: الحمل يعرف و يعطي حكما قبل الانفصال، فالولد زيادة حدثت في ملك الموصي، فهو له و لورثته بعده، و إن قلنا: لا يعرف و لا يعطي حكما، فيبني علي أنّ الوصيّة بم تملك ؟ إن قلنا بالقبول و إنّها للورثة قبل القبول، فالولد حادث في ملكهم، و إن قلنا بالموت أو توقّفنا و كان الموصي له زوج الجارية فقبل، عتق الولد عليه بالملك، و لا ولاء [له] عندنا، و عند العامّة له الولاء(2) ، و لا تصير الجارية أمّ ولد له؛ لأنّ العلوق حصل و هو مملوك.

الثالث: إذا ولدت قبل انقضاء مدّة الحمل من يومي الموت و الوصيّة جميعا، فإن قلنا: الحمل يعرف و يعطي حكما قبل الانفصال، فكأنّه أوصي بالجارية و الحمل جميعا، و إلاّ فعلي الخلاف في أنّ الوصيّة بم تملك ؟ علي ما تقدّم في الحالة الثانية.

القسم الثالث: أن تلد بعد الموت و القبول، فله أحوال:

الأوّل: أن تلد بعد انقضاء أقلّ مدّة الحمل من وقت القبول، فالولد للموصي له، فإن كان الموصي له زوج الجارية، انعقد الولد حرّا، و صارت الجارية أمّ ولد.5.

ص: 39


1- الظاهر: «في» بدل «من».
2- العزيز شرح الوجيز 68:7، روضة الطالبين 143:5.

الثاني: أن تلد قبل انقضاء هذه المدّة من وقت القبول و بعد انقضائها من وقت الموت، فإن قلنا: الوصيّة تملك بالموت أو توقّفنا فقبل، فالحكم كما في الحالة الأولي، و إن قلنا: تملك بالقبول و إنّها قبل القبول للورثة، فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو زيادة في ملك الورثة، و إلاّ فللموصي له، فإذا كان الموصي له زوج الجارية، عتق الولد عليه، و ثبت له الولاء، و لا تصير الجارية أمّ ولد.

الثالث: أن تلد قبل انقضاء هذه المدّة من وقت القبول و الموت جميعا و بعد انقضائها من يوم الوصيّة، فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد غير داخل في الوصيّة، و إن قلنا: لا و اعتبرنا حالة الانفصال، فالانفصال حصل في ملك الموصي له، فيكون الولد له، و يعتق عليه إن كان الموصي له زوجها، و لا استيلاد.

الرابع: أن تلد قبل انقضائها من يوم الوصيّة أيضا، فإن قلنا: إنّ الحمل يعرف، فهو داخل في الوصيّة، و إلاّ فهو حاصل في ملك الموصي له، فيكون له، فإن كان زوجها، عتق عليه بالملك، و لا استيلاد.

و نتاج سائر الحيوان يعرف بما ذكرنا، و يرجع في مدّة حملها إلي أهل الخبرة، فإنّها تختلف.

تذنيبان:

الأوّل: قال بعض الشافعيّة: حيث حكمنا بمصير الجارية أمّ ولد فتعتبر حقيقة الإصابة من وقت الملك، أم يكفي إمكان الإصابة ؟ فيه

ص: 40

و جهان، و الثاني هو الملائم لكلام أكثرهم(1).

الثاني: قال: حيث بقّينا الولد علي ملك الوارث فالمعتبر من الثّلث قيمة الجارية وحدها، و إذا لم نبقّ فالمعتبر من الثّلث ما كان موجودا يوم موت الموصي، فإن كانت حائلا اعتبر قيمتها وحدها، و إن كانت حاملا اعتبر قيمتها مع قيمة الحمل، و حينئذ فالنظر إلي قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند عامّة الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حاملا، و تعتبر قيمة الحمل في أوّل حال الانفصال، و إذا قوّمناهما فخرجا من الثّلث فذاك، و إلاّ فلا يقرع، و لكن تنفذ الوصيّة في القدر الذي يحتمله الثّلث منهما علي نسبة واحدة(3).

مسألة 16: لو أوصي بأمة لزوجها فلم يعلم حتي وضعت له بعد موت سيّدها

أولادا، فإن قبل عتقوا، و لم تكن أمّهم أمّ ولد حتي تلد منه بعد قبوله لستّة أشهر، قاله بعض الشافعيّة(1).

و أشكل عليه من وجهين:

أحدهما: أنّه اعتبر عدم العلم بالوصيّة، و لا فرق بين أن يعلم أو لا يعلم.

و الثاني: أنّه حكم بحرّيّة الأولاد و بأنّها لا تصير أمّ ولد، فإن فرّع علي أنّ الملك يحصل بالموت أو علي قول التوقّف، فلم اعتبر مضيّ الأشهر في مصير الجارية أمّ ولد؟ و إن فرّع علي الحصول بالقبول، فلم حكم بحرّيّة

ص: 41


1- قاله المزني في مختصره: 144، و عنه في العزيز شرح الوجيز 69:7، و روضة الطالبين 144:5.

الأولاد في الحال ؟

أمّا الأوّل فقد فرّق بعضهم بين العلم و عدمه؛ لأنّ الشافعي حكم فيما إذا وطئ أمة الغير علي ظنّ أنّها زوجته الحرّة بحرّيّة الولد، و لو ظنّ أنّها زوجته الرقيقة، يكون الولد رقيقا، فاختلف الحكم باعتقاده.

و الظاهر أنّه لا فرق في ثبوت أمّيّة الولد بين أن يكون عالما أو لا يكون، حتي لو وطئ أمته علي ظنّ أنّها لغيره، أو أنّها حرّة و أحبلها، تثبت أمّيّة الولد، فإذا قوله: «و لم يعلم» كأنّه خرج مخرج الغالب، فإنّ الغالب أنّ الوصيّة لا تبقي المدّة الطويلة معلّقة غير مردودة و لا مقبولة، إلاّ إذا لم يعلم الموصي له بالوصيّة لغيبة أو نحوها.

و أمّا الثاني فقد قيل: إنّه تخليط من المزني، فقوله: «عتقوا» تفريع علي أنّ الملك يحصل بالموت، و قوله: «و لا تصير أمّ ولد له» تفريع علي أنّه يحصل بالقبول(1).

و قال أكثرهم: بل هو تفريع علي قول التوقّف، و يتبيّن حصول الملك بالموت، و أراد بالقبول في قوله: «بعد قبوله» الموت، سمّاه قبولا؛ لأنّه وقت القبول(2).

مسألة 17: لو أوصي بجاريته لزوجها و مات الموصي له قبل القبول و الردّ،

فقد تقدّم أنّ ورثته يقومون مقامه في الردّ و القبول.

فإن قبلوا فعلي الخلاف في أنّ الملك بم يحصل ؟ إن قلنا بالموت، أو قلنا: هو موقوف، فقبولهم كقبول الموصي له في عتق الأولاد بالملك، و في انعقادهم علي الحرّيّة و مصير الجارية أمّ ولد، و في بقائهم مماليك

ص: 42


1- العزيز شرح الوجيز 69:7-70، روضة الطالبين 144:5-145.
2- العزيز شرح الوجيز 70:7، روضة الطالبين 145:5.

لورثة الموصي علي اختلاف الأحوال المذكورة في المسألة بلا فرق، إلاّ أنّهم إذا عتقوا بقبول الموصي له ورثوه، و إذا عتقوا بقبول الورثة لم يرثوا.

و إن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فإن كان بين الوارث و الأولاد قرابة تقتضي العتق بأن كان وارث الموصي له أباه، فينعتقون عليه؛ لأنّهم حفدته، و إلاّ فللشافعيّة و جهان(1).

و إذا لم يحصل العتق فهل تقضي ديون الموصي له منها، أم تسلّم للورثة ؟ فيه وجهان(2).

مسألة 18: إذا أوصي الإنسان لغيره بأبيه أو بابنه،

لم يجب عليه القبول، بل كان للموصي له أن يردّ، كما أنّ له أن يقبل؛ لأنّ قبول الوصيّة استجلاب ملك الأب، و هو غير لازم له، كما لو بذل بيعه فإنّه لا يجب عليه شراؤه إجماعا، فكذا لو أوصي له به، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إنّ الموصي له يجب عليه أن يقبل الوصيّة؛ لأنّه يحصل لأبيه الحرّيّة من غير التزام مال، فلزمه ذلك لانتفاء الضرر عنه(4).

و هو ممنوع؛ فإنّ المنّة ضرر، و يلزمه نفقته و كسوته، و هو ضرر أيضا.

و للشافعيّة وجه: أنّه يمتنع الردّ إذا فرّعنا علي أنّ الملك يحصل بالموت؛ لأنّه يعتق عليه(5).

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 70:7، روضة الطالبين 145:5.
2- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 145:5.
3- التهذيب - للبغوي - 95:5، البيان 322:8-323، العزيز شرح الوجيز 7: 71، روضة الطالبين 139:5، المغني 454:6.
4- التهذيب - للبغوي - 95:5، العزيز شرح الوجيز 71:7.
5- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.

لكن مذهب الشافعيّة خلافه، و أنّه لا يعتق عليه قبل القبول، فإن عرف ذلك فردّ فذاك، و إن قبل و قلنا: إنّ الملك يحصل بالقبول، عتق عليه حينئذ، و إن قلنا بالموت أو قلنا بالتوقّف، تبيّن أنّه عتق عليه يوم الموت(1).

مسألة 19: لو ملك ابن أخيه فأوصي به لأجنبيّ و لا وارث للموصي سوي أخيه أبي الابن الموصي به،

فقبل الموصي له الوصيّة، فالابن للأجنبيّ إن قلنا بحصول الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، و إن قلنا بحصوله بالقبول و جعلناه قبل القبول للوارث، فقضيّته العتق علي الوارث يوم الموت؛ لأنّه قد ملك ابنه.

لكن جماعة الشافعيّة لم يحكموا بعتقه، بل بعدم العتق؛ لئلاّ تبطل الوصيّة(2). و فيه إشكال.

مسألة 20: هذا في ردّ الموصي له و قبوله بنفسه،

أمّا لو أوصي لإنسان بأبيه و مات الموصي له بعد موت الموصي و قبل القبول، و قلنا: إنّ الوارث يقوم مقامه في الردّ و القبول لنيابته عنه في الحقوق، فإن قبل فهو كما لو قبل الموصي له بنفسه إن قلنا بالتوقّف أو بحصول الملك بالموت.

و إن قلنا بحصوله بالقبول، فإن لم يكن بين الموصي به و وارث الموصي له قرابة تقتضي عتقه عليه بأن كان الوارث أخا للموصي له أو ابن أخيه، فهل يحكم بعتقه ؟ الأقوي: ذلك؛ لأنّ الموصي إنّما أوجب الملك للموصي له في حياته، فقد أوجد سبب الملك في حياته، فأشبه ما لو نصب شبكة في حال حياته و تعلّق بها صيد بعد موته، فإنّه يحكم بثبوت الملك له.

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.
2- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.

و يحتمل المنع؛ لأنّ القبول الذي يترتّب عليه الملك وجد من الوارث، فيثبت له الملك ابتداء، لا تلقّيا من المورّث، كما لو ورث حقّ الشفعة و أخذ بها، ينتقل الملك إليه من المشتري لا من مورّثه.

و للشافعيّة و جهان(1) كهذين.

و إن كان بين الموصي به و وارث الموصي له قرابة تقتضي العتق بأن كان الوارث أب الموصي له، فيحكم بعتق الموصي به لا محالة.

و يعود الوجهان في أنّه يعتق علي الموصي له أو علي وارثه، و أنّ الولاء عند مثبتيه من العامّة لمن يثبت ؟(2).

و إذا لم يحكم بالعتق فهل تقضي منه ديون الموصي له، أم يسلّم للوارث ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّه يسلّم للوارث؛ لأنّ الوارث ملك لا من جهة الموصي له.

و الثاني: أنّه تقضي منه ديون الموصي له؛ لأنّ الوارث ملكه بسبب يتعلّق بالموصي له، فهو كالدية الواجبة بقتله تقضي منها ديونه و إن قلنا:

إنّها تثبت للوارث ابتداء(3).

مسألة 21: إذا أوصي له بمن يعتق عليه،

كولده أو والده، فإن قبله في حال صحّته أو مرضه الذي لم يمت فيه، فإنّه يعتق عليه، و إذا مات ورثه.

و إن كان قبله في مرضه الذي مات فيه، احتمل أن يكون من ثلثه - و هو قول الشافعي(4) - لأنّه ملكه بالقبول ثمّ عتق عليه، فقد عتق ملكه في مرضه.

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 71:7-72، روضة الطالبين 139:5. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.

فإن خرج من ثلثه نفذ عتقه، و إن لم يخرج من ثلثه فأجاز الورثة ذلك عتق، و إن لم يجيزوا جاز منه ما خرج من الثّلث، و لا يرث عند الشافعي؛ لأنّا لو ورّثناه لكان عتقه وصيّة للوارث، و الوصيّة للوارث لا تنفذ عندهم(1) ، و إذا لم يحصل عتقه لم يرث، فأثبتنا العتق و نفينا الميراث؛ لأنّ ثبوت الميراث يؤدّي إلي بطلان العتق من حيث إنّ الوصيّة به تكون وصيّة للوارث، و هي عندهم باطلة، و إذا بطل العتق بطل الميراث أيضا، فثبوت الميراث يؤدّي إلي نفيه، و كلّ ما كان ثبوته يؤدّي إلي نفيه كان محالا.

و يحتمل أن ينفذ عتقه من الأصل - و قوّاه الشيخ(2) رحمه اللّه، و هو قول بعض الشافعيّة(3) - لأنّه إنّما يعتبر من الثّلث ما يخرجه من ملكه، و هنا لم يخرج من ملكه شيئا، و إنّما قبل وصيّته و لم يستقر ملكه عليه، فيكون عتقه مبطلا لملكه، و لا يخرج في مقابلة ذلك شيء من ماله، فعلي هذا يرث؛ لأنّه حين وفاته حرّ.

مسألة 22: إذا ملك المريض من ينعتق عليه بغير عوض،

عتق و ورث، و به قال مالك و بعض الشافعيّة، و حكي مذهبا للشافعي، و به قال أحمد، و لا خلاف بين هؤلاء في أنّه إذا ملكه بالميراث عتق و ورث(4).

و قال أبو حنيفة: إن حمله الثّلث عتق و ورث، و إلاّ سعي فيما بقي عليه و لم يرث، و لم يفرّق بين أن يملك بعوض أو بغير عوض(5).

و قال أبو يوسف و محمّد: يحسب ميراثهم من قيمتهم، فإن فضل

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
2- المبسوط - للطوسي - 37:4.
3- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
4- المغني 451:6 و 529-530.
5- المغني 451:6 و 530.

شيء أخذوه، و إن فضل عليهم شيء سعوا فيه(1).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ المريض لم يصنع فيه شيئا من ماله، و إنّما تعاطي سبب ملكه علي وجه لم يستقر، و زال بغير إزالته، فلم يحسب عليه من ثلثه، كما لو اتّهب شيئا فرجع الواهب فيه، أو اشتري ما فيه غبطة بشرط خيار البائع ففسخ، أو تزوّجت المرأة و طلّقت قبل الدخول، و إذا لم تكن وصيّة تحتسب عليه من الثّلث لم يمنع الميراث، كما لو ملك حال صحّته.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع يدخل في ملكه بغير عوض، بل بإرث أو هبة يعتق من الأصل، و هو الأظهر عند الشافعيّة(2).

و بعضهم(3) فرّق بين أن يرثه المريض و أن يقبل الوصيّة به، فإنّ(4) الأوّل يعتق عليه من الأصل، و الثاني من الثّلث؛ لأنّه إذا قبل الوصيّة فقد استجلب ملكه، و إذا ورثه فقد دخل في ملكه بغير اختياره، و عتق بغير اختياره، ألا تري أنّه لو(5) ورث بعضه لم يقوّم عليه الباقي، و إذا أوصي له ببعضه فقبله عتق عليه و قوّم عليه الباقي.

و لو قبل المديون في مرض موته الوصيّة له بمن ينعتق عليه، احتمل أن يعتق من الأصل؛ لأنّه لم يتلف بذلك مالا لنفسه، و هو قول بعض الشافعيّة الذين قالوا بعتقه من الأصل(6) ، و أن يباع في الدّين إن قلنا: يعتق7.

ص: 47


1- المغني 451:6 و 530.
2- راجع: العزيز شرح الوجيز 132:7، و روضة الطالبين 140:5 و 186.
3- لم نتحقّقه.
4- في «ص» و الطبعة الحجريّة: «في أنّ».
5- في النّسخ الخطّيّة: «إذا» بدل «لو».
6- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 186:5-187.

من الثّلث؛ لأنّه حينئذ يكون وصيّة، و الدّين مقدّم.

لكن الأوّل أحقّ؛ لأنّ العتق قهريّ، و هذا الوجه بعيد و إن صار إليه بعض الشافعيّة(1).

و لهم وجه ثالث أبعد من هذا؛ بناء علي العتق من الثّلث؛ لأنّه لا يصحّ قبوله، لأنّه يؤدّي إلي بيع أبيه عليه(2).

و لو اشتري المريض من يعتق عليه، فإن خرج من ثلثه عتق عليه، و إن لم يخرج من ثلثه(3) ، فإن أجاز الورثة عتق، و إن لم يجيزوا عتق منه ما يخرج من الثّلث، و انتقل الباقي إلي ورثته، فإن كان فيهم من يعتق عليه عتق عليه نصيبه منه و يرقّ الباقي، قاله الشافعيّة، و لا يرث في هذه الأحوال عندهم(4) ، و حكاه بعضهم عن الشافعي و مالك(5).

و حكي عن الشافعي أيضا أنّه لا فرق بين أن يملك بعوض أو غيره، و أنّه إن خرج من الثّلث عتق، و إلاّ عتق منه بقدر الثّلث، و لا يرث في الحالين؛ لأنّه لو ورث لكان إعتاقه وصيّة لوارث، فيبطل عتقه، و يبطل ميراثه؛ لبطلان عتقه، فيؤدّي توريثه إلي إبطال توريثه، فصحّحنا عتقه و لم نورّثه(6).

و مذهب أبي حنيفة و أصحابه في هذا كمذهبهم إذا ملكهم(7) بغير».

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 187:5.
2- لم نتحقّقه في مظانّه.
3- في النّسخ الخطّيّة: «الثّلث» بدل «ثلثه».
4- بحر المذهب 75:14-76.
5- المغني 452:6.
6- المغني 452:6.
7- كذا قوله: «ملكهم» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «ملكه».

عوض(1).

و الوجه: أنّه يعتق عليه؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من ملك ذا رحم محرم فهو حرّ»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمّته أو خالته أو بنت أخيه - و ذكر أهل هذه الآية من النساء(3) - عتقوا جميعا(4)»(5) الحديث.

و لأنّه ملك وجد معه ما ينافيه فيبطل، كملك النكاح مع ملك الرقبة فيما إذا اشتري أحد الزوجين صاحبه.

و إذا عتق ورث؛ لأنّ سبب الميراث - الذي هو القرابة - وجد عريّا من الموانع، فورث، كالورثة.

و قولهم: «إنّ عتقه وصيّة» باطل؛ لأنّ الوصيّة فعله، و العتق هنا يحصل بغير اختياره و لا إرادته، و لأنّ رقبة المعتق لا تحصل له، و إنّما تتلف ماليّته و تزول، فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه، أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد.4.

ص: 49


1- المغني 452:6.
2- مسند أبي داود الطيالسي: 910/123، مسند أحمد 19715/651:5، سنن ابن ماجة 2524/843:2، و 2525/844، سنن أبي داود 3949/26:4، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 1365/646:3، المعجم الكبير - للطبراني - 248:7 - 6852/249، المعجم الأوسط - له أيضا - 1461/125:2، المستدرك - للحاكم - 214:2، السنن الكبري - للبيهقي - 289:10، معرفة السنن و الآثار 14: 20479/406.
3- سورة النساء: 23.
4- كلمة «جميعا» لم ترد في المصدر.
5- التهذيب 871/241:8، الاستبصار 47/15:4.

و مثال ذلك: مريض وهب له ابنه فقبل و قيمته مائة ثمّ مات المريض و خلّف ابنا آخر و مائتين، فإنّه يعتق، و يقاسم أخاه في المائتين في قول أكثر العامّة(1).

و للشافعي قول: إنّه يعتق و لا يرث شيئا(2).

و عند أبي يوسف و محمّد: يعتق، و له نصف التركة يحتسب له(3) بقيمته، و يبقي له خمسون(4).

و لو كان باقي التركة خمسين، فعند مالك: يعتق، و له نصف الخمسين(5).

و عند أبي حنيفة: يعتق نصفه، و يسعي في باقيه، و الخمسون كلّها لأخيه(6).

و قال صاحباه: تعتق ثلاثة أرباعه(7).

و عند الشافعي في أحد القولين: يعتق نصفه، و يرقّ نصفه، و نصفه الرقيق و الخمسون بأسرها لأخيه(8).

و إن كان باقي التركة ثلاثمائة، فعند مالك: يعتق، و له مائة و خمسون(5).

و عند الشافعي: يعتق، و لا يرث شيئا(10).

و عند أبي يوسف و محمّد: يعتق، و له ثلث الثلاثمائة(11).6.

ص: 50


1- المغني 453:6 و 531.
2- المغني 453:6 و 531.
3- الظاهر: «عليه» بدل «له» كما في الموضع الأوّل من المغني، راجع: الهامش التالي.
4- المغني 453:6 و 531. (5الي8) المغني 453:6.
5- المغني 531:6. (10الي11) المغني 453:6.

و إن كان اشتري ابنه [بمائة](1) و مات و خلّف ابنا آخر و مائة أخري، ففي إحدي الروايتين عن أحمد: يعتق، و يقاسم أخاه المائة الباقية، و في الأخري: يعتق منه ثلثاه، و يرث أربعين، و يعتق باقيه علي أخيه، و لا يرث بذلك [الجزء](2) شيئا؛ لأنّ عتقه حصل بعد موت أبيه(3).

و عند الشافعي: يعتق ثلثاه، و لا يرث(4).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثاه، و يسعي في باقيه، و لا يرث(5).

و عند صاحبيه: يعتق كلّه، و لا يرث شيئا، فإن كان قد تصدّق قبل ذلك بثلثه أو حابي به، لم يعتق؛ لأنّ الثّلث قد ذهب(6).

مسألة 23: لو أوصي للمريض بمن يعتق عليه،

فمات قبل القبول، فقبل وارثه، فإن حكمنا بحصول الحرّيّة عند القبول لم يرث من الموصي له؛ لتأخّر عتقه عن موته و انتقال التركة إلي القابل قبل العتق.

و إن حكمنا بحصولها عند الموت، فإن كان القابل من يحجبه الموصي به كالأخ لو قبل الوصيّة بابن الميّت أخيه، فالأقرب: أنّه لا يرث؛ لأنّ تركة الموصي له انتقلت بموته إلي أخيه، و الابن الموصي له به بعد لم ينتقل إليه؛ لكون الموصي حيّا، فإذا قبله ينبغي أن لا يرث؛ لأنّ عتقه لم يصادف تركة للميّت.

و أمّا العامّة فقالوا: إنّه لا يرث أيضا، لكن بعلّة أخري، و هي: أنّه لو ورث لحجب الأخ و أخرجه عن أن يكون وارثا، و إذا خرج عن أن يكون وارثا بطل قبوله، فبقي(1) رقيقا، فيمنع توريثه، فإذن في توريثه إبطال

ص: 51


1- في «ر»: «فيبقي».

توريثه(1).

و هذا بناء علي أنّ الولد يدخل في ملك الموصي له أو لا؟

و لو كان القابل من لا يحجبه الموصي به، كابن آخر حرّ، فللشافعيّة ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يرث؛ لأنّ توريثه لا يؤدّي إلي حرمان القابل، فصار كما لو مات عن ابن مشهور النسب فأقرّ بابن آخر يرثان معا، و لو مات عن أخ فأقرّ بابن للميّت ثبت نسبه و لم يرث عندهم.

و أظهرها: المنع من الإرث؛ لأنّا لو ورّثناه لارتدّ حقّ القابل من القبول في الكلّ إلي القبول في النصف، و لا يصحّ من الموصي به أن يقبل نصيب نفسه؛ لأنّه إنّما يقبل إذا كان وارثا، و إنّما يكون وارثا إذا عتق، و إنّما يعتق إذا قبل، فإذن يبقي نصيبه رقيقا، و من بعضه رقيق لا يرث عندهم كمن كلّه رقيق.

و فرّقوا بين هذا و بين إقرار الابن بابن آخر؛ لأنّهما حينئذ يقرّان بأنّهما ابنا الميّت، فورثا المال، و هنا العتق في جميعه لا يصحّ إلاّ بقبول من يحوز جميع التركة، و لا مدخل للمقبول في القبول، فلو لم يكن الأوّل جائزا بطل القبول من أصله.

و الوجه الثالث: أنّه إن ثبت القبول للموصي له و هو مريض، لم يرثه؛ لأنّ قبول ورثته كقبوله، و أنّه لو قبله لكان وصيّة، و الإرث و الوصيّة لا يجتمعان، و إن ثبت و هو صحيح ورثه(2).

مسألة 24: لو أوصي لرجل بزوجته الحامل من الزوج و هي أمة

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
2- العزيز شرح الوجيز 72:7-73، روضة الطالبين 140:5.

الموصي و لابن لها حرّ و مات و خرجت هي كلّها من الثّلث فقبلا الوصيّة و هما موسران، فإن قبلاها معا عتقت الأمة بأسرها علي ابنها، النصف بالملك، و الباقي بالسراية إن قلنا بثبوتها هنا كقول الشافعيّة(1) ، و عليه للزوج نصف قيمتها، و يعتق الحمل عليهما بالسوّية.

أمّا نصيب الزوج: فلأنّه ولده.

و أمّا نصيب الابن: فلأنّ الأم عتقت عليه، و العتق يسري في الحامل إلي ما يملكه المعتق من حملها عندهم(2) ، و لا يقوّم نصيب واحد منهما علي الآخر؛ لأنّ العتق عليهما حصل دفعة واحدة، فأشبه ما إذا اشتري ابنان أباهما أو أمّهما، عتق عليهما و لا تقويم.

و إن قبل أحدهما قبل الآخر، فإن قلنا: يحصل الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، فالجواب كذلك؛ لأنّ وقت الملك واحد و إن اختلف وقت القبول.

و إن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فإن تقدّم قبول الابن عتقت الأمة بالملك، و الحمل بسراية العتق من الأم إلي الحمل، و عليه للزوج نصف قيمتها.

و إن تقدّم قبول الزوج، عتق جميع الحمل عليه، النصف بالملك، و النصف بالسراية، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن، و لا يعتق عليه من الأمة شيء.

فإذا قبل الابن، عتق عليه جميعها بالملك و السراية، و غرم للزوج نصف قيمتها.7.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 73:7.
2- العزيز شرح الوجيز 73:7.

و إن قبل الزوج وحده، عتق عليه الحمل، النصف بالملك، و النصف بالسراية، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي، و لا يسري العتق من الحمل إلي الأم؛ لأنّ الحمل تبع لها، و ليست هي تبعا له.

و إن قبل الابن وحده، عتقا عليه، و غرم نصف قيمتهما لورثة الموصي.

مسألة 25: لو أوصي لإنسان بمن يعتق عليه و مات الموصي له عن ابنين،

فالقول في قبولهما تفريعا علي الأقوال في وقت الملك كما سبق.

و الظاهر صحّته عند الشافعيّة(1) أيضا، و وقوع العتق عن الميّت.

و إن قبل أحدهما دون الآخر، صحّ القبول في النصف، و يعتق علي الميّت.

ثمّ قال بعضهم: ينظر إن ورث القابل من الموصي له ما يفي بباقي قيمة العبد قوّم عليه الباقي فيما ورثه، و إلاّ لم يقوّم عليه، و لا اعتبار بيسار القابل في نفسه، [و لا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة.

أمّا أنّه لا اعتبار بيساره في نفسه: فلأنّ] العتق وقع عن الميّت، فلا يكون التقويم علي غيره.

و أمّا أنّه لا يثبت للّذي لم يقبل: فلأنّ سبب العتق القبول، فالذي لم يقبل لم ينتسب(2).

[و] اعترض بأنّه هب أنّه لم ينتسب إليه لكنّه غير منكر عتق نصيب القابل و اقتضاءه التقويم، و التقويم كدين يلحق التركة(3).

ص: 54


1- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5.
2- نفس المصدرين، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5.

و قال بعضهم: يجب أن لا يقوّم علي الميّت، و يقتصر العتق علي القدر المقبول؛ لوجهين:

أحدهما: أنّ الملك حصل للميّت بغير اختياره، بل بقبول الوارث، فأشبه ما إذا [ورث](1) شقصا من عبد يعتق عليه و لا يقوّم عليه.

و الثاني: أنّ العتق يحصل بعد موته، و لا مال له حينئذ، فأشبه ما إذا أعتق شقصا من عبد بعد الموت لا يقوّم عليه الباقي(2).

و اعترض بأنّا لو حكمنا بالعتق علي الميّت لجعلنا الوارث نائبا عنه، و كيف ينتظم مع القول بالنيابة نفي اختيار المنوب!؟ نعم، كلاهما حكميّان، و أمّا الثاني فلا نسلّم أنّ العتق يحصل بعد الموت، بل يستند إلي ما قبل الموت كما تقدّم(3).

ثمّ ولاء ما عتق منه للميّت.

و هل يشترك الابنان معا، أم ينفرد به القابل ؟ للشافعيّة و جهان، أحدهما: انفراد القابل؛ لأنّه انفرد باكتسابه، فأشبه ما إذا شهد شاهد بدين للميّت و حلف معه أحد الابنين، فإنّه ينفرد الحالف بنصفه، و لا يشاركه الآخر فيه(4).

[و] اعترض بأنّ المنفرد بالاكتساب في هذه الصورة لم ينفرد إلاّ بنصفه ممّا أثبته للميّت، فوجب أن يكون هنا كذلك(5).5.

ص: 55


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أعتق». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5-141.
3- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 141:5.
4- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 141:5.
5- العزيز شرح الوجيز 74:7-75.

و لو أوصي لإنسان ببعض من يعتق عليه و مات الموصي له و قبل وارثه الوصيّة، فالقول في عتقه علي الميّت و تقويم الباقي عليه علي ما تقدّم في هذه المسألة.

مسألة 26: لو كان له أمة ذات ولد من غيره فأوصي بها لذلك الولد،

فإن كانت تخرج من الثّلث و قبل الموصي له الوصيّة عتقت عليه، و إن ردّ بقيت للوارث.

و إن لم تخرج، فالجواب في قدر الثّلث كذلك، و أمّا الزائد عليه فلو أعتقه الوارث و هو موسر عتق عليه.

ثمّ إن لم يقبل ابنها الوصيّة تبيّنا أنّ جميعها للوارث، فيسري العتق من البعض الذي أعتقه إلي الباقي، و إن قبل عتق عليه ما قبل.

قال بعض الشافعيّة: و لا يقوّم نصيبه علي الوارث و لا نصيب الوارث عليه.

أمّا الثاني: فلأنّه أعتق نصيبه قبل قبوله.

و أمّا الأوّل: فلأنّا نتبيّن بالقبول حصول ملكه بالموت و تقدّمه علي إعتاق الوارث للزيادة.

و الصواب عند الشافعيّة أن يقال: إن قلنا بحصول الملك بالموت ابتداء أو تبيّنا، فيقوّم نصيب الوارث عليه؛ لأنّا تبيّنا استناد عتقه إلي وقت الموت، و عتق الوارث متأخّر عنه؛ [لأنّه](1) لا بدّ فيه من مباشرة الإعتاق، و إن قلنا بحصوله بالقبول، فيعتق الجميع علي الوارث؛ لأنّه يسري من نصيبه إلي قدر الثّلث، و القبول بعده كإعتاق الشريك الثاني بعد إعتاق الأوّل

ص: 56


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

و هو موسر.

هذا إذا حكمنا بحصول السراية بنفس الإعتاق، فإن قلنا: إنّها لا تحصل إلاّ بعد أداء القيمة، فقبوله كإعتاق الشريك الثاني نصيبه قبل أخذ القيمة، و فيه و جهان:

أحدهما: النفوذ؛ لأنّه يملكه ما لم يأخذ القيمة.

و أصحّهما: المنع؛ لأنّ الأوّل بإعتاق نصيبه استحقّ تقويمه عليه للإعتاق، فصار كما لو استولد أحد الشريكين الجارية المشتركة و هو موسر تصير أمّ ولد له، و ليس للآخر إعتاق نصيبه، فعلي هذا تكون قيمة نصيبه علي الوارث، و كأنّه فوّته بإعتاق نصيبه(1).

و لو كانت المسألة بحالها و وارث الموصي ابن له من هذه الأمة، فإن ردّ الموصي له عتقت علي الابن الذي هو وارث السيّد، و إن قبلها فينظر إن خرجت من الثّلث عتقت علي الموصي له، و إن لم تخرج فالزائد علي الثّلث منها.

و أطلق بعضهم بأنّه يعتق في الحال علي الوارث(2).

و فصّل قوم، فقالوا: إن لم يجز الوارث الزيادة علي الثّلث، فالحكم ما تقدّم، و إن أجاز فعتقه مبنيّ علي أنّ إجازة الوارث ابتداء عطيّة منه أو تنفيذ؟ إن قلنا بالأوّل، فقد حكمنا للوارث بالملك قبل أن يعطي، فيعتق عليه، و إن قلنا: تنفيذ، لم يعتق؛ لأنّا علي هذا القول لا نجعل الزائد علي الثّلث للوارث، بل نقفه علي الردّ و الإجازة، فإن أجاز تبيّن أنّه لم يملكه، و أمّا قدر الثّلث فإنّه يعتق علي الموصي له، و لا يقوّم نصيب أحدهما علي2.

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 75:7، روضة الطالبين 141:5.
2- العزيز شرح الوجيز 75:7، روضة الطالبين 141:5-142.

الآخر.

أمّا أنّه لا يقوّم علي ابن السيّد: فلأنّه ملك بالإرث، و عتق الشقص المملوك بالإرث لا يقتضي السراية.

و أمّا أنّه لا تقويم علي ابنها الموصي له: فلأنّ نصيب شريكه عتق قبل عتق نصيبه إن قلنا: إنّه يملك بالقبول، و مع عتق نصيبه إن قلنا: إنّه يملك بالموت، و لا تقويم علي التقديرين(1).

مسألة 27: لو أوصي بعبده لشخصين أحدهما ابن العبد،

فإن قبلا الوصيّة معا و قلنا بالتقويم في مثل ذلك، عتق جميعه علي القريب إن كان موسرا، النصف بالملك، و الباقي بالسراية، و يغرم للأجنبيّ نصف قيمته.

و إن قبل الابن أوّلا، عتق جميعه عليه، و غرم قيمة النصف الآخر إمّا للأجنبيّ إن كان قبل الوصيّة بعد ذلك، و إمّا لوارث الموصي إن لم يقبل.

فإن قبل الأجنبيّ أوّلا ملك نصيبه، و بقي نصيب الابن موقوفا إلي أن يقبل أو يردّ، فإن قبل عتق عليه الجميع، و قوّم عليه حصّة الأجنبيّ، و إن ردّ فنصفه للوارث و الأوّل للأجنبيّ.

و لو أعتق الأجنبيّ نصيبه قبل قبول الابن ثمّ قبل، فإن قلنا: الملك في الوصيّة يحصل بالقبول، قوّم نصيبه علي الأجنبيّ، و كان كما لو أعتق الشريك نصيبه و هو موسر، ثمّ أعتق الثاني نصيبه، و إن قلنا: يحصل بالموت، تبيّن أنّ عتق الأجنبيّ غير نافذ، و أنّه عتق جميعه علي الوارث، و عليه نصف القيمة للأجنبيّ.

مسألة 28: لو أوصي بجارية لزوجها و أولدها بعد موت الموصي

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 75:7-76، روضة الطالبين 142:5.

و قبل القبول، فولده رقيق للوارث إن قلنا: إنّ الملك بالقبول، و إن قلنا:

القبول كاشف، فإن قبل تبيّنّا أنّ الملك ثبت حين موت الموصي، فالولد حرّ الأصل لا ولاء عليه، و أمّه أمّ ولد؛ لأنّها علقت منه بحرّ في ملكه.

و إن مات الموصي له قبل القبول و الردّ، فلوارثه قبولها، فإن قبلها ملك الجارية و ولدها، فإن كان ممّن يعتق الولد عليه عتق، و لم يرث من أبيه شيئا علي الأوّل، و علي القول بالكشف تكون الجارية أمّ ولد، و يرث الولد أباه، فإن كان يحجب الوارث القابل حجبه.

و قالت الشافعيّة: لا يرث الولد هنا شيئا؛ لأنّ توريثه يمنع كون القابل وارثا، فيبطل قبوله، فيفضي إلي الدور، و إلي إبطال [ميراثه](1) فأشبه ما لو أقرّ الوارث بمن يحجبه عن الميراث(2).

و ليس بجيّد؛ فإنّ المقرّ به يرث.

و قولهم: «إنّ توريث المقرّ به يفضي إلي إسقاط توريثه؛ لأنّه لو ورث لخرج المقرّ به عن كونه وارثا، فبطل إقراره، و سقط نسب المقرّ به و توريثه، فيؤدّي توريثه إلي إسقاط نسبه و توريثه، فأثبتنا النسب دون الميراث»(3) باطل؛ لأنّا إنّما نعتبر كون المقرّ وارثا علي تقدير عدم المقرّ به، و خروجه بالإقرار عن الإرث لا يمنع صحّته؛ بدليل أنّ الابن إذا أقرّ بأخ فإنّه يرث مع كونه يخرج بإقراره عن أن يكون جميع الورثة.

فإن قيل: إنّما يقبل إقراره إذا صدّقه المقرّ به، فصار إقرارا من جميع7.

ص: 59


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ميراثهم». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 473:6.
3- المغني 330:5، الشرح الكبير 203:7.

الورثة، و إن كان المقرّ به طفلا أو مجنونا لم يعتبر قوله، فقد أقرّ كلّ من يعتبر قوله.

قلنا: و مثله هنا، فإنّه و إن كان المقرّ به كبيرا فلا بدّ من تصديقه، فقد أقرّ به كلّ من يعتبر إقراره، و إن كان صغيرا غير معتبر القول لم يثبت النسب بقول الآخر، كما لو كانا ابنين أحدهما صغير فأقرّ البالغ بأخ، لم يقبل، و لم يقولوا: إنّه لا تعتبر موافقته، كذا هنا، و لأنّه لو كان في يدي إنسان عبد محكوم له بملكه فأقرّ به لغيره، ثبت للمقرّ له و إن كان المقرّ يخرج بالإقرار عن كونه مالكا، كذا هنا.

و لو أوصي لرجل بأبيه فمات الموصي له قبل القبول فقبل ابنه، صحّ، و عتق عليه الجدّ، و لم يرث من ابنه شيئا؛ لأنّ حرّيّته إنّما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره، و علي القول بالكشف تثبت حرّيّته من حين موت الموصي، فيرث من ابنه السّدس.

و قال بعض الشافعيّة: لا يرث أيضا؛ لأنّه لو ورث لاعتبر قبوله، و لا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحرّيّته، و إذا لم يجز اعتباره لم يعتق، فيؤدّي توريثه إلي إبطال توريثه(1).

و هو باطل؛ فإنّه لو أقرّ جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه و ورث، مع أنّه يخرج المقرّون به عن كونهم جميع الورثة.

مسألة 29: إذا مات الموصي له قبل القبول و قبل وارثه،

فإن قلنا: إنّ الموصي له يملك بالقبول، ثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي، لا من جهة مورّثه، و لم يثبت للموصي له شيء، فحينئذ لا تقضي

ص: 60


1- المغني 474:6، الشرح الكبير 482:6.

ديونه و لا تنفذ وصاياه، و لا يعتق من يعتق عليه.

و إن كان فيهم من يعتق علي الوارث، عتق عليه، و كان ولاؤه له دون الموصي له إن أثبتنا الولاء.

و علي القول الآخر يظهر أنّ الملك كان ثابتا للموصي له، و أنّه انتقل منه إلي وارثه، فتنعكس هذه الأحكام، فتقضي ديونه و تنفذ وصاياه و يعتق من يعتق عليه، و له ولاؤه، و يختصّ به الذكور من ورثته.

مسألة 30: لو أوصي لغيره بأمته ثمّ مات الموصي(1) قبل القبول

مسألة 30: لو أوصي لغيره بأمته ثمّ مات الموصي(1) قبل القبول(2) ،

فوطئها الوارث فأولدها، صارت أمّ ولد، و ولدها حرّ؛ لأنّه وطئها في ملكه إن قلنا: إنّ الملك يتحقّق بالقبول، و عليه قيمتها للموصي له إذا قبلها.

اعترض كيف قضيتم بعتقها هاهنا و هي لا تعتق بإعتاقها؟

أجيب بأنّ الاستيلاد أقوي، و لذلك يثبت من الراهن و الأب و الشريك و إن لم ينفذ إعتاقهم(3).

و علي القول بأنّ القبول كاشف يكون الولد رقيقا، و الأمة باقية علي الرقّ.

و لو وطئها الموصي له قبل قبولها، كان ذلك قبولا لها، و ثبت الملك له به؛ لأنّه لا يجوز إلاّ في الملك، فإقدامه عليه دليل علي اختياره الملك، فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة المطلّقة الرجعيّة، أو وطئ من له الخيار في البيع الأمة المبيعة، أو وطئ من له خيار فسخ نكاح امرأته.

ص: 61


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «و الموصي له». و هي كما تري.
2- أي: قبل قبول الموصي له.
3- راجع: المغني 474:6، و الشرح الكبير 481:6.

ص: 62

الفصل الثاني: في الموصي
اشارة

و له شرطان:

الأوّل: كمال العقل، فلا تصحّ وصيّة المجنون المطبق و لا من يعتوره الجنون في وقت جنونه، و تصحّ في وقت إفاقته؛ لقوله عليه السّلام: «رفع القلم عن ثلاثة» و ذكر المجنون من جملتهم(1) ، و لأنّ عبارته غير معتدّ بها في غير الوصيّة فكذا فيها؛ لعدم الوثوق بقصده و إرادته.

و كذا المبرسم و المعتوه الذي لا يعقل و النائم و السكران و المغمي عليه؛ لأنّ هؤلاء في حكم المجنون.

مسألة 31: لا تصحّ وصيّة الصبي غير المميّز إجماعا؛ لأنّه بمنزلة المجنون،

و هو أحد الثلاثة الذين رفع القلم عنهم.

و هل تصحّ وصيّة المميّز؟ أكثر علمائنا(2) عليه، و شرط الشيخ رحمه اللّه أمورا ثلاثة: بلوغ عشر سنين، و وضعه الأشياء مواضعها، و كونها في

ص: 63


1- مسند أبي داود الطيالسي: 90/15، مسند أحمد 1187/226:1، و 145:7 - 24173/146، سنن الدارمي 171:2، سنن ابن ماجة 2041/658:1، سنن أبي داود 4403/141:4، سنن الدارقطني 138:3-173/139، المستدرك - للحاكم - 258:1، و 59:2، و 389:4.
2- كالشيخ المفيد في المقنعة: 667، و الشيخ الطوسي في النهاية: 611، و سلاّر في المراسم: 203، و ابن البرّاج في المهذّب 119:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 372.

معروف(1) ، و التدبير(2) وصيّة في الحقيقة - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أحمد(3) - لما روي العامّة أنّ غلاما من غسّان حضرته الوفاة و له عشر سنين، فأوصي لبنت عمّ له و له وارث، فرفعت القصّة إلي عمر، فأجاز وصيّته(4) ، و أجاز عثمان وصيّة غلام ابن أحد عشر سنة(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو بصير و أبو أيّوب عن الصادق عليه السّلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي، قال: «إذا أصاب موضع الوصيّة جازت»(6).

و سأل منصور بن حازم الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال: «إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته»(7).

و لأنّ الوصيّة لا تزيل ملكه في الحال و تفيد الثواب بعد الموت فتصحّ، كسائر القربات.

و قال ابن إدريس من علمائنا: لا تصحّ وصيّة غير البالغ، سواء كان9.

ص: 64


1- النهاية: 611.
2- أي: تدبير الصبي.
3- الحاوي الكبير 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 297:11، بحر المذهب 120:14، الوسيط 403:4، حلية العلماء 6: 69، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 7: 6 و 7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2062/1010:2، عيون المجالس 4: 1406/1971، الاستذكار 33314/25:23، بداية المجتهد 334:2، عقد الجواهر الثمينة 1216:3، المغني 558:6، الشرح الكبير 447:6 و 448، مختصر اختلاف العلماء 2162/22:5، بدائع الصنائع 334:7.
4- الموطّأ 2/762:2 و 3، السنن الكبري - للبيهقي - 317:10، العزيز شرح الوجيز 6:7، المغني 559:6، الشرح الكبير 448:6.
5- العزيز شرح الوجيز 7:7.
6- التهذيب 727/181:9.
7- التهذيب 730/182:9.

في وجوه البرّ أو غيرها؛ لأنّ وجود كلام الصبي غير البالغ كعدمه، و لأنّه محجور عليه في أمواله إجماعا، و لقوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1) أمر بالدفع بعد البلوغ، و هو في الرجل الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة(2).

و الأظهر من قولي الشافعي - و به قال أبو حنيفة -: أنّ وصيّته و تدبيره باطلان؛ لأنّه لا عبارة له، و لهذا لا يصحّ بيعه و إن كان فيه غبطة(3).

فروع:

أ: منع المفيد رحمه اللّه من هبة الصبي و إن بلغ عشر سنين مميّزا، و جوّز وقفه و صدقته بالمعروف كالوصيّة(4) ؛ لقول أحدهما عليهما السّلام: «يجوز طلاق الغلام إن كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم»(5).9.

ص: 65


1- سورة النساء: 6.
2- السرائر 206:3.
3- الحاوي الكبير 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، و 2: 8، نهاية المطلب 298:11، و 334:19، بحر المذهب 120:14، الوسيط 4: 403، حلية العلماء 69:6 و 181، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5، مختصر اختلاف العلماء 2162/21:5، مختصر القدوري: 243، المبسوط - للسرخسي - 28: 91، روضة القضاة 3891/704:2، تحفة الفقهاء 207:3، الفتاوي الولوالجيّة 341:5، الفقه النافع 1185/1418:3، بدائع الصنائع 334:7، الهداية - للمرغيناني - 234:4، الاختيار لتعليل المختار 90:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2062/1010:2، عيون المجالس 1406/1971:4، المغني 6: 558، الشرح الكبير 448:6.
4- المقنعة: 667 و 668.
5- التهذيب 733/182:9.

و منع سلاّر من وقفه(1).

ب: قال ابن الجنيد: إذا أوصي الصبي و له ثمان سنين، و الجارية و لها سبع سنين بما يوصي به البالغ الرشيد جاز.

و كأنّه عوّل علي رواية الحسن بن راشد عن العسكري عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك»(2).

و هذه الرواية متروكة بين الأصحاب.

ج: قال الشيخ: إذا كان سنّ الصبي أقلّ من عشر سنين لم تجز وصيّته، قال: و قد روي أنّه إذا كان ابن ثمان سنين جازت وصيّته في الشيء اليسير في أبواب البرّ، و الأوّل أحوط و أظهر(3).

و كأنّه أشار بذلك إلي الرواية السابقة عن العسكري عليه السّلام.

د: روي جواز وصيّة ابن سبع سنين في المعروف، رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصي بثلث ماله في حقّ جازت وصيّته [و إذا كان ابن سبع سنين فأوصي من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته]»(4).

ه: روي محمّد بن مسلم في طريق واضح عن أحدهما عليهما السّلام قال:

«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم»(5)9.

ص: 66


1- المراسم: 203.
2- التهذيب 736/183:9.
3- النهاية: 611.
4- الكافي 29:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية التي لم تدرك...) ح 4، الفقيه 4: 145-503/146، التهذيب 732/182:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
5- التهذيب 733/182:9.

فسوّغ بعض علمائنا بمقتضي هذه الرواية جواز طلاقه إذا بلغ عشر سنين(1) ، و لا دلالة فيها، بل في ضدّ قوله؛ لأنّ قوله عليه السّلام: «إذا عقل» يدلّ علي البلوغ بالفحوي؛ لأنّ مناط العقل بلوغ خمس عشرة سنة، و قوله عليه السّلام:

«و إن لم يحتلم» غير مناف؛ لأنّه قد يبلغ بالسنّ و إن لم يحتلم.

و قيل: إنّما تصحّ وصيّة الصبيّ لقرابته، و لا تصحّ للأجانب(2) ؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته قال: «إنّ الغلام إذا حضره الموت و لم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء»(3).

مسألة 32: قال المفيد رحمه اللّه: المحجور عليه لسفه إذا أوصي في برّ و معروف جازت وصيّته،

و لم يكن لوليّه الحجر عليه في ذلك، و لا تجوز وصيّة الصبي و المحجور عليه فيما يخرج عن وجوه البرّ و المعروف، و هبتهما باطلة، و وقفهما و صدقتهما جائزة إذا وقعا موقع المعروف(4).

و قال سلاّر: السفيه لا تمضي وصيّته إلاّ في وجوه البرّ و المعروف خاصّة، و الصبي إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته أيضا في البرّ و المعروف خاصّة، و لا تمضي هبته و لا وقفه، و كذلك السفيه(5).

و قال أبو الصلاح: لا تمضي وصيّة من لم يبلغ عشر سنين و المحجور عليه، إلاّ ما تعلّق بأبواب البرّ(6).

ص: 67


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 518، و ابن البرّاج في المهذّب 288:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 323.
2- راجع: الفقيه 504/146:4.
3- الكافي 2/28:7، التهذيب 728/181:9.
4- المقنعة: 667-668.
5- المراسم: 203.
6- الكافي في الفقه: 364.

فقد ظهر من هذا الخلاف بين علمائنا أنّ السفيه هل تبطل وصيّته بالمعروف، أو يكون كالصبي تصحّ وصيّته فيه ؟

و للشافعيّة في السفيه المبذّر طريقان:

أحدهما: تخريج وصيّته إذا كان محجورا علي القولين في وصيّة الصبي المميّز.

و أصحّهما: القطع بالصحّة، محجورا كان أو لم يكن؛ لأنّ عبارته صحيحة، ألا تري أنّ طلاقه يقع، و إقراره بالعقوبات يقبل(1).

الشرط الثاني: الحرّيّة، فلا تصحّ وصيّة العبد إذا مات علي العبوديّة.

و لو عتق و ملك ثمّ مات، فوصيّته حال الرقّيّة لاغية أيضا علي أقوي الاحتمالين؛ لأنّه لم يكن أهلا للوصيّة حينئذ، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أظهر القولين، و الثاني لهم: الصحّة؛ لأنّه صحيح العبارة و قد أمكن تنفيذ وصيّته(2).

و المكاتب كالقنّ إن كان مشروطا أو مطلقا و لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة.

و لو كان قد أدّي و تحرّر بعضه، صحّت الوصيّة بقدر ما تحرّر منه، و بطلت بقدر ما فيه من الرقّيّة؛ لقول الباقر عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب قضي نصف ما عليه فأوصي بوصيّة، فأجاز نصف الوصيّة، و قضي في مكاتب قضي ثلث ما عليه و أوصي بوصيّة، فأجاز ثلث5.

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5.
2- نهاية المطلب 298:11، الوجيز 269:1، الوسيط 404:4، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5.

الوصيّة»(1).

مسألة 33: الكافر تصحّ وصيّته؛ لأنّه عاقل ينفذ عتقه و تمليكه و سائر تصرّفاته الماليّة و هبته فتصحّ وصيّته،

إلاّ أن يوصي بما يمنع الشرع منه، فلو أوصي بخمر أو خنزير لم تنفذ وصيّته، سواء أوصي بهما لمسلم أو ذمّيّ، علي إشكال في الذمّي، و الشافعيّة منعوا الوصيّة بهما للذمّي(2).

و لو أوصي في جهات المعاصي، بطلت وصيّته، كما لو أوصي بعمارة كنيسة مبتكرة، أمّا بتجديدها فلا يجوز عند الشافعيّة(3) ، و فيه إشكال.

و لو أوصي بكتبة التوراة و الإنجيل أو بقراءتهما، لم تصح.

و لو أوصي بدهن يشعل في البيع و الكنائس، فإن قصد تعظيم البيع لم يجز، و إن قصد انتفاع المقيمين أو المجتازين بضوئها جازت الوصيّة، كما لو أوصي بصرف شيء إلي أهل الذّمّة.

مسألة 34: لو أوصي المسلم بمعصية - كبناء موضع لشرب الخمر أو بيعه أو الفسق أو اللهو أو القمار فيه -

لم تصح وصيّته؛ لأنّ المقصود من شرع الوصيّة تدارك ما فات في حال الحياة من الحسنات، فلا يجوز أن يكون في وجوه المعصية.

و يجوز من المسلم و الكافر الوصيّة بعمارة المسجد الأقصي أو عمارة قبور الأنبياء عليهم السّلام، و كذا عمارة قبور العلماء و الصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة و التبرّك بها.

و كذا يجوز أن يوصي المسلم و الكافر بفكّ أساري الكفّار من أيدي

ص: 69


1- التهذيب 223:9-876/224.
2- الوسيط 404:4، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5-94.
3- العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5-94.

المسلمين؛ لأنّ المفاداة جائزة.

و كذا تصحّ الوصيّة ببناء رباط ينزله أهل الذمّة، أو دار تصرف غلّتها إليهم.

مسألة 35: لو جرح الإنسان نفسه بما فيه هلاكها ثمّ أوصي،

لم تصح وصيّته عند أكثر علمائنا(1) ، و كذا قال المفيد رحمه اللّه: لو أحدث في نفسه حدث القتل من جراح أو شرب سمّ و نحو ذلك، كانت وصيّته مردودة(2) ، و نقله ابن الجنيد عن الصادق عليه السّلام.

و قال ابن إدريس: الذي تقتضيه أصولنا أنّ وصيّته صحيحة ماضية إذا كان عقله ثابتا؛ لأنّه عاقل رشيد فتصحّ وصيّته كغيره(3).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه سفيه فلا ينفذ تصرّفه، و لأنّه في حكم الأموات فلا يتصرّف في مال غيره، و لأنّه قاتل نفسه فلا يتصرّف في ماله، فإنّ الوارث يخرج عن التصرّف في التركة بقتله مورّثه فكذا قاتل نفسه.

و لأنّ الموصي له إنّما يملك بعد القبول و الموت فملكه عن الموصي، فيكون المال حال الموت علي حكم مال الميّت؛ لعدم استحقاق الوارث له، لأنّ اللّه تعالي إنّما ملّكه ما قبل الوصيّة، فلم ينتقل المال إليه، و لا إلي الموصي له، و إلاّ لم يزل عنه بالردّ، بل بعقد شرعيّ، فيبقي علي حكم مال الميّت، فكأنّ الميّت مبذّر كالوارث، فيمنع من التصرّف في التركة، كما يمنع الوارث القاتل.

ص: 70


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 610، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 364، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 107:2.
2- المقنعة: 672.
3- السرائر 197:3.

و لقول الصادق عليه السّلام: «فإن كان أوصي بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته»(1).

و يمنع الرشد.

أمّا لو أوصي الإنسان بوصيّة ثمّ قتل نفسه، فإنّ وصيّته تنفذ، و يجب العمل بها إجماعا؛ لانتفاء المانع حالة الوصيّة و وجود المقتضي.

و لأنّ أبا ولاّد سمع الصادق عليه السّلام يقول: «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها» قلت له: أرأيت إن كان أوصي بوصيّة ثمّ قتل نفسه في ساعته تنفذ وصيّته ؟ قال: فقال: «إن كان أوصي قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيّته في ثلثه»(2) الحديث.

مسألة 36: الوصيّة بالولاية إنّما تصحّ ممّن يملكها،

فإنّ من لا يملك شيئا لا تصحّ وصيّته؛ إذ من ليس له التصرّف في حياته الأولي أن يمنع منه بعد موته.

إذا عرفت هذا، فلا تصحّ الوصيّة علي الأطفال إلاّ من الأب أو الجدّ للأب خاصّة، و لمّا انتفت الولاية عن الأم لم تصح وصيّتها بالولاية عليهم.

و لو أوصت لهم بمال و أقامت وصيّا، صحّ ما أوصت به من المال في ثلث التركة و في إخراج ما عليها من الحقوق، و لم تصح وصيّتها بالولاية في ذلك المال علي الأولاد، بل يكون المتولّي فيه الأب أو الجدّ أو الحاكم.

ص: 71


1- التهذيب 820/207:9.
2- التهذيب 820/207:9.

ص: 72

الفصل الثالث: الموصي له
اشارة

الوصيّة إن كانت لجهة عامّة، فالشرط فيها أن لا تكون جهة معصية، و قد تقدّم(1) ، و إن كانت لمعيّن فشرطه أن يتصوّر له الملك، و إنّما يتحقّق هذا الشرط لو كان الموصي له موجودا، فلو أوصي للمعدوم لم تصح وصيّته إجماعا.

و كذا لو أوصي لميّت أو لمن ظنّ وجوده فبان ميّتا حال الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة تمليك، و هو غير متحقّق في الميّت.

و لا فرق بين أن يعلم بموته حال الوصيّة أو يجهل ذلك و يتوهّم حياته ثمّ يظهر موته حالة الوصيّة، و به قال أكثر العامّة(2).

و قال مالك: إن علم بموته صحّت الوصيّة له، و كان الموصي به تركته(3).

و هل يشترط التعيين ؟ الأقرب: ذلك، فلو أوصي لأحد الشخصين لم يصح.

ص: 73


1- في ص 69، المسألة 34.
2- المغني 466:6، الشرح الكبير 526:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2159/19، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2085/1017:2، عيون المجالس 1403/1968:4، المعونة 1634:3، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 7: 33، روضة الطالبين 111:5، المحلّي 322:9.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2085/1017:2، عيون المجالس 4: 1403/1968، المعونة 1634:3، المحلّي 322:9، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 33:7، مختصر اختلاف العلماء 1403/19:5، المغني 466:6، الشرح الكبير 526:6.

و كذا لو أوصي لما تحمله المرأة من بعد الوصيّة أو لمن يوجد من أولاد فلان.

و هنا مطلبان:

المطلب الأوّل: في المسائل المعنويّة.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الوصيّة للحمل.
مسألة 37: تصحّ الوصيّة للحمل بشرطين: وجوده حالة الوصيّة،

و انفصاله حيّا؛ لأنّ الوصيّة تجري مجري الميراث من حيث إنّها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلي الموصي له بغير عوض كانتقاله إلي وارثه، و لأنّ الوصيّة تتعلّق بغرر و خطر فصحّت للحمل، كالعتق، و لأنّ الوصيّة أوسع مجالا من الإرث، فإنّ المكاتب و الكافر و العبد لا يرثون، و تجوز الوصيّة لهم، و الحمل يرث بالإجماع، و إذا ثبت الميراث للحمل فالوصيّة بالثبوت أولي.

و لا نعلم في صحّة الوصيّة للحمل خلافا، و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1).

و إنّما شرطنا العلم بوجوده؛ لأنّ الأصل عدمه، فإذا لم يعلم الوجود

ص: 74


1- الأم 112:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 215:8، نهاية المطلب 114:11، الوجيز 269:1، الوسيط 409:4، التهذيب - للبغوي - 81:5، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 9:7، روضة الطالبين 95:5، المغني 6: 507، الشرح الكبير 504:6، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3875/687:2، تحفة الفقهاء 208:3، الفقه النافع 3: 1191/1421، بدائع الصنائع 335:7.

حكم بالعدم، و المعدوم لا تصحّ الوصيّة له.

و كذا لو أوصي لحمل سيكون، فسدت الوصيّة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و إنّما يعلم وجوده حال الوصيّة لو وضعته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، فلو انفصل لستّة أشهر من حين الوصيّة فصاعدا إلي أقصي مدّة الحمل - و هو سنة علي رأي - فإن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيّد، لم يعط الحمل شيئا؛ لجواز تجدّده بعد الوصيّة و حدوث العلوق بعدها، و الأصل عدم الحمل يوم الوصيّة، و إن لم تكن فراشا، بل فارقها زوجها أو سيّدها قبل الوصيّة، فإن كان انفصاله لأكثر من سنة من وقت الوصيّة، فكذلك لا يستحقّ شيئا؛ لعلمنا بأنّه لم يكن موجودا حال الوصيّة.

و عند الشافعي: أقصي الحمل أربع سنين، فإن وضعته لأكثر من أربع سنين من حين الوصيّة لم يعط شيئا(2).

و إن كان انفصاله بين مدّة أقلّ الحمل و أكثره، فالأقوي: أنّه يستحقّ الوصيّة؛ لأنّ الظاهر وجوده حين الوصيّة، لندور اتّفاق وطئ الشبهة، و لا يحكم بأنّه ولد الزنا؛ لأصالة عدم إقدام المسلم علي المحرّم، و هو أظهر قولي الشافعي، و في الثاني: بطلان الوصيّة؛ لاحتمال حدوث العلوق بعد الوصيّة، و يخالف النسب، فإنّه يكفيه الإمكان(3).5.

ص: 75


1- الوجيز 269:1-270، الوسيط 410:4، التهذيب - للبغوي - 82:5، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 96:5.
2- الحاوي الكبير 215:8، نهاية المطلب 115:11، الوجيز 269:1، الوسيط 410:4، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.
3- نهاية المطلب 115:11، الوجيز 269:1، الوسيط 410:4، البيان 8: 141، العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.

و لو قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة من زيد، فكما يشترط العلم بوجوده عند الوصيّة يشترط أن يكون ثابت النسب من زيد، حتي لو كانت الوصيّة بعد زوال الفراش فأتت بولد لأكثر من سنة عندنا و من أربع سنين عند الشافعي(1) من وقت الفراق، و لأقلّ من ستّة أشهر من يوم الوصيّة، فلا يستحقّ؛ لأنّ النسب غير ثابت منه، بخلاف ما إذا اقتصر علي الوصيّة لحمل فلانة.

و لو اقتضي الحال ثبوت النسب من زيد لكنّه نفاه باللعان، فقال بعضهم: إنّه لا شيء له؛ لأنّه لم يثبت نسبه، بل نفي نسبه عنه، و إذا لم يثبت نسبه لم يوجد شرطه(2).

و قال آخرون: إنّه يستحقّ؛ لأنّه كان النسب ثابتا، إلاّ أنّه انقطع باللعان، و اللعان إنّما يؤثّر في حقّ الزوجين خاصّة، و لهذا لا يجوز لغير الزوج رميها بذلك(3).

و هذا الخلاف كالخلاف في أنّ التوأمين المنفيّين باللعان يتوارثان بإخوة الأم وحدها، أو بإخوة الأبوين ؟(4).

مسألة 38: و يشترط في الحمل انفصاله حيّا؛ لأنّ الميّت لا يملك شيئا،

و الوصيّة نوع تمليك، فلا تصحّ له.

و لا فرق بين أن يكون قد حلّته الحياة في بطن أمّه أو لا؛ لأنّ الحياة المشروطة هنا ما وجدت بعد انفصاله.

و لا فرق بين أن يقع بجناية جان أو لا.

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.
2- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 95:5.
3- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 95:5.
4- العزيز شرح الوجيز 11:7.

و لو ولدت أحد التوأمين لأقلّ من ستّة أشهر ثمّ ولدت الثاني لأقلّ من ستّة أشهر من الولادة الأولي، صحّت الوصيّة لهما و إن زاد ما بين الثاني و الوصيّة علي ستّة أشهر و كانت المرأة فراشا؛ لأنّهما حمل واحد إجماعا.

مسألة 39: إذا أوصي للحمل صحّت،

و كان القابل للوصيّة أبوه أو جدّه أو من يلي أمره بعد خروجه حيّا.

و لو قبل قبل انفصاله حيّا ثمّ انفصل حيّا، ففي الاعتداد بذلك القبول إشكال.

و للشافعي قولان، كما لو باع مال أبيه علي ظنّ أنّه حيّ فبان أنّه ميّت(1).

هذا كلّه إذا صرّح و قال: أوصيت لحملها، أو لحملها الموجود، و لو صرّح و قال: أوصيت لحملها الذي سيحدث و يكون من بعد، فإنّ الوصيّة باطلة علي ما تقدّم(2).

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما هذا؛ لأنّ الوصيّة تمليك علي ما بيّنّا، و تمليك من لم يوجد بعد محال، و لأنّه لا متعلّق للعقد في الحال، فأشبه ما إذا وقف علي مسجد سيبني.

و الثاني: أنّ الوصيّة صحيحة، كما تصحّ بالحمل الذي سيوجد، فإذا جاز تمليك [ما](3) لم يوجد جاز تمليك من لم يوجد(4).

ص: 77


1- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 96:5.
2- في ص 75، ضمن المسألة 37.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
4- الوجيز 269:1-270، الوسيط 410:4-411، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 11:7-12، روضة الطالبين 96:5.

و لهم وجه ثالث، و هو النظر إلي حال الموت، فإن كان الحمل موجودا حينئذ صحّت الوصيّة، و إلاّ فلا(1).

و تصحّ الوصيّة بالمنافع المتجدّدة إجماعا، و كذا عندنا بثمار الأشجار، و للشافعيّة فيه قولان(2).

لا يقال: يصحّ الوقف علي المعدوم تبعا للموجود فلئن تصحّ الوصيّة له أولي؛ لأنّ الوصيّة تصحّ بالمعدوم و المجهول، بخلاف الوقف.

لأنّا نقول: الوصيّة أجريت مجري الميراث، و لا يحصل الميراث إلاّ لموجود، فكذا الوصيّة، و الوقف يراد للدوام، فمن ضرورته إثباته للمعدوم.

مسألة 40: إذا أوصي لحمل امرأة فولدت ذكرا و أنثي،

تساويا في الوصيّة؛ لأنّ ذلك عطيّة و هبة، فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما، و لو فصل بينهما اتّبع كلامه، كالوقف(3).

و إن قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران، و إن كان فيه جارية فلها دينار، فولدت غلاما و جارية، فلكلّ واحد منهما ما وصّي له به؛ لوجود الشرط فيه، و إن ولدت أحدهما منفردا فله وصيّته.

و لو قال: إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران، و إن كانت جارية فلها دينار، فولدت أحدهما منفردا، فله وصيّته، و إن ولدت غلاما و جارية فلا شيء لهما؛ لأنّ أحدهما ليس هو جميع الحمل و لا كلّ ما في البطن، و هو قد شرط الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 12:7، روضة الطالبين 96:5.
2- العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
3- في «ر، ص»: «كما لو وقف».

و لم يحصل، و به قال أصحاب الرأي و أصحاب الشافعي و أبو ثور(1).

البحث الثاني: في الوصيّة للعبد و شبهه.
مسألة 41: لا تصحّ الوصيّة لمملوك الغير و لا لمكاتبه المشروط و لا المطلق

الذي لم يؤدّ شيئا و لا لمدبّر الغير و لا لأمّ ولد الغير عند علمائنا.

خلافا للعامّة، فإنّهم جوّزوا الوصيّة لعبد الغير و مكاتبه و مدبّره و أمّ ولده(2).

لنا: أنّ العبد لا يملك شيئا؛ للآية(3) ، فلا يصحّ من الغير أن يملّكه، كما لا يصحّ أن يملّك الميّت و المعدوم و الجماد.

و ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا وصيّة لمملوك»(4).

و العامّة لمّا جوّزوا الوصيّة لعبد الغير قالوا: إن استمرّ رقّه فالوصيّة للسيّد، حتي لو قتل العبد الموصي له [لم] تبطل الوصيّة، و لو قتله سيّد العبد، كانت وصيّته للقاتل(5).

ص: 79


1- المغني 510:6، الشرح الكبير 507:6، المبسوط - للسرخسي - 86:28، بدائع الصنائع 336:7، الحاوي الكبر 216:8 و 217، التهذيب - للبغوي - 5: 82، البيان 143:8-144، العزيز شرح الوجيز 87:7، روضة الطالبين 154:5.
2- المغني 569:6، الشرح الكبير 498:6 و 500-501، الحاوي الكبير 192:8 - 193، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوجيز 270:1، الوسيط 405:4 و 406، البيان 144:8 و 145، العزيز شرح الوجيز 12:7 و 16، روضة الطالبين 96:5 و 100.
3- سورة النحل: 75.
4- التهذيب 852/216:9، الاستبصار 506/134:4.
5- العزيز شرح الوجيز 12:7، روضة الطالبين 96:5، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

قالوا: يكون القبول للعبد؛ لأنّ العقد مضاف إليه، فأشبه ما لو وهبه شيئا، فإذا قبل ثبت لسيّده؛ لأنّه من كسب عبده، و كسب العبد لسيّده(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الموصي إنّما قصد بالعطيّة العبد الذي لا يصحّ تملّكه، و السيّد غير مقصود له، فلا يملك.

و هل يفتقر قبول العبد إلي إذن السيّد؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه كسب فصحّ من غير إذن سيّده، كالاحتطاب، و هو قول أهل العراق و الشافعي.

و لأصحابه وجه آخر: أنّ إذن السيّد شرط في القبول؛ لأنّه تصرّف [من](2) العبد، فأشبه بيعه و شراءه(3).

و ليس بشيء؛ لأنّه تحصيل مال بغير عوض، فلم يفتقر إلي إذنه، كقبول الهبة و تحصيل المباح.

و هل يصحّ من السيّد مباشرة القبول بنفسه ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّ الاستحقاق له، و الفائدة تعود إليه.

و أصحّهما: المنع؛ لأنّ الخطاب لم يجر معه(4).

و الوجهان فيما قيل(5) مخصوصان بقولنا: إنّ قبول العبد يفتقر إلي إذن5.

ص: 80


1- المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في». و المثبت كما في المغني.
3- الحاوي الكبير 192:8، الوسيط 405:4، حلية العلماء 74:6، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 144:8-145، العزيز شرح الوجيز 12:7-13، روضة الطالبين 97:5، المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
4- الوسيط 405:4، الوجيز 270:1، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 8: 145، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 13:7، و روضة الطالبين 97:5.

السيّد، و يجوز أن يعمّما؛ لأنّ الملك للسيّد بكلّ حال، فلا يبعد تصحيح الوصيّة منه و إن لم يسمّ في الوصيّة، ألا تري أنّ وارث الموصي له يقبل و إن لم يسمّ في الوصيّة.

و هل قبول السيّد الهبة من العبد علي هذين الوجهين ؟

قال قائلون: نعم(1).

و قال بعضهم: لا، بل تبطل لا محالة؛ لأنّ القبول في الهبة كالقبول في سائر العقود، و قبول الوصيّة بخلافه، ألا تري أنّه يعتدّ به منفصلا عن الإيجاب، و واقعا بعد خروج الموجب عن أهليّة الإيجاب، و صادرا من وارث الموصي له مع أنّه لم يخاطب(2).

و إذا صحّحنا قبول العبد من غير إذن السيّد، فلو منعه من القبول فقبل، قال بعض الشافعيّة: يصحّ، و يحصل الملك للسيّد، كما لو نهاه عن الخلع فخالع، و إذا قلنا: لا يصحّ من غير إذنه، فلو ردّ السيّد فهو أبلغ من عدم الإذن(3).

فلو بدا له أن يأذن في القبول بعد ذلك، ففيه احتمال عند بعضهم.

و لو صحّحنا القبول من السيّد، فينبغي أن يبطل ردّ العبد لو ردّ(4).

و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا.

مسألة 42: لو أوصي لعبد غيره و لم يستمر رقّه،

لم يصح عندنا، كما لو استمرّ علي ما تقدّم.

ص: 81


1- كما في العزيز شرح الوجيز 13:7، و روضة الطالبين 97:5.
2- نهاية المطلب 245:11، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
3- نهاية المطلب 246:11، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
4- نهاية المطلب 246:11 و 247، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.

و عند العامّة يصحّ، فإذا لم يستقر رقّه بل أعتق، فإن كان عتقه قبل موت الموصي فالملك للعبد؛ لأنّ الوصيّة تمليك بعد الموت و هو حرّ حينئذ.

و إن عتق بعد موته فإمّا أن يتقدّم القبول علي العتق، أو بالعكس، فإن سبق القبول فالاستحقاق عندهم للسيّد، و إن عتق ثمّ قبل، فإن قلنا: الوصيّة تملك بالموت، أو قلنا: يتبيّن بالقبول الملك من يوم الموت، فالاستحقاق للسيّد أيضا، و إن قلنا: تملك بالقبول، فالملك للعبد.

و إذا أوصي له و المالك زيد، فباعه من عمرو، فينظر في وقت البيع، و يجاب بمثل هذا التفصيل(1).

مسألة 43: لو أوصي لمن نصفه حرّ و نصفه لأجنبيّ،

صحّت الوصيّة عندنا في نصيب الحرّيّة، و بطلت في نصيب الأجنبيّ. و عند العامّة يصحّ الجميع(2).

ثمّ لا يخلو إمّا أن تكون بينه و بين السيّد مهايأة أو لا تكون.

فإن لم تكن و قبل بإذن السيّد، فالموصي به بينهما بالسويّة، كما لو احتشّ أو احتطب.

و إن قبل بغير إذنه، فعلي الوجهين في افتقار العبد إلي إذن السيّد، فإن قلنا به، فالقبول باطل في نصف السيّد، و في نصفه لهم وجهان؛ لأنّ ما يملكه ينقسم علي [نصفيه](3) فيلزم دخول بعضه في ملك السيّد من غير

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 13:7-14، روضة الطالبين 97:5.
2- البيان 158:8، العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 97:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «نصفه». و المثبت كما في المصدر.

إذنه.

و إن وقعت بينهما مهايأة، فإن قلنا: إنّ الاكتسابات النادرة لا تدخل في المهايأة، فتكون كما لو لم تكن بينهما مهايأة، و إن قلنا بالدخول، فلا حاجة إلي إذن السيّد في القبول؛ لأنّه لمّا هايأه فقد أذن له في جميع الاكتسابات الداخلة في المهايأة(1).

ثمّ اختلفت الشافعيّة في أنّ الاعتبار بأيّ يوم هو؟ فقال بعضهم بيوم الوصيّة، حتي إذا وقعت الوصيّة في يوم العبد فالوصيّة له و إن كان القبول في يوم السيّد، و إذا وقعت الوصيّة في يوم السيّد فالوصيّة للسيّد و إن كان القبول في يوم العبد، كما أنّ في اللّقطة الاعتبار بيوم الالتقاط.

و قال المحقّقون منهم: ليست الوصيّة كالالتقاط؛ لأنّ الالتقاط سبب ثبوت الحقّ، ألا تري أنّه لو أوصي لعبد فعتق قبل موت الموصي كانت الوصيّة للعبد؟ و لو التقط العبد ثمّ عتق قبل تمام الحول كان الملك للسيّد.

و بنوا ذلك علي أنّ الملك في الوصيّة بم يثبت ؟ إن قلنا بموت الموصي، أو قلنا: يتبيّن بالقبول الملك من يوم الموت، فالاعتبار بيوم الموت، و إن قلنا: يثبت بالقبول، فوجهان:

أحدهما: أنّ الاعتبار بيوم القبول؛ لأنّه يوم الملك.

و أصحّهما: أنّ الاعتبار بيوم الموت أيضا؛ لأنّه يتأكّد به الحقّ و يلزم و إن لم يثبت الملك، كما أنّ في اللّقطة الاعتبار بيوم الالتقاط؛ لأنّه يثبت به الحقّ و إن لم يثبت الملك(2).5.

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 97:5-98.
2- العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 98:5.

و الهبة لمن نصفه حرّ و نصفه رقيق علي القولين في دخول الاكتسابات النادرة في المهايأة أيضا، فإن أدخلناها فإذا وقع العقد في يوم أحدهما و القبض في يوم الآخر فيبني علي أنّ الملك في الهبة المقبوضة يستند إلي وقت الهبة، أو يثبت عقيب القبض ؟ فإن قلنا بالأوّل، فالاعتبار بيوم العقد، و إن قلنا بالثاني، فالاعتبار به أو بيوم القبض ؟ فيه وجهان، كالوجهين في الوصيّة: [أنّ](1) الاعتبار بيوم الموت أو بيوم القبول ؟ تفريعا علي أنّ الملك يحصل بالقبول.

لكن الأظهر في الهبة اعتبار يوم القبض؛ لأنّ الحقّ لا يلزم بالهبة، و في الوصيّة يلزم بالموت(2).

تذنيبان:

أ: لو قال: أوصيت لنصفه الحرّ أو لنصفه الرقيق خاصّة، فالأقرب عندنا: صحّة الوصيّة لنصفه الحرّ، و بطلانها في نصفه الرقيق لغيره؛ لأنّه لو أوصي له كان الحكم ما ذكرنا، فكذا إذا فصل.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّ الوصيّة باطلة، فإنّه لا يجوز أن يوصي لنصف الشخص، كما لا يجوز أن يرث بنصفه، و الثاني باطل عندنا.

و قال آخرون: إنّها تصحّ، و ينزّل تقييد الموصي بمنزلة المهايأة، فيكون الموصي به للسيّد إن أوصي لنصفه الرقيق، و للعبد إن أوصي لنصفه5.

ص: 84


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 14:7-15، روضة الطالبين 98:5.

الحرّ(1).

ب: لو صرّح بإدراج الاكتسابات النادرة في المهايأة، فالأقرب:

دخولها قطعا.

و للشافعيّة تردّد في أنّها تدخل لا محالة، أو يكون علي الخلاف(2).

و تردّد بعضهم أيضا فيما إذا عمّت الهبات و الوصايا في قطر أنّها تدخل لا محالة كالاكتسابات العامّة، أو هي علي الخلاف؛ لأنّ الغالب فيها الندور(3).

مسألة 44: لو أوصي لعبد نفسه،

فلا يخلو إمّا أن تكون الوصيّة بجزء شائع كثلث أو ربع، أو بعين من تركته.

فإن كانت بجزء شائع، صحّت الوصيّة و قوّم العبد، فإن خرج العبد من الوصيّة عتق من الوصيّة إن كانت بالثّلث فما دون، و إن كانت بالأزيد من الثّلث صحّ بقدر الثّلث.

فلو أوصي له بثلث تركته، فإن كانت قيمة العبد بقدر الثّلث أيضا عتق و لا شيء له، و كان باقي التركة للورثة، و إن كانت قيمة العبد أزيد من الثّلث عتق من العبد بقدر الثّلث، و استسعي في باقي قيمته للورثة، فإن عجز عن السعي رقّ منه بقدر الزائد، و إن كانت قيمة العبد أقلّ من الثّلث أعتق و أعطي باقي الثّلث.

و لو أوصي له بربع تركته، نسبت القيمة إلي الرّبع، فإن كانت بقدره عتق، و لا شيء له و لا عليه، و إن كانت قيمته أزيد من الرّبع عتق منه بقدر

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 98:5.
2- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.
3- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.

الرّبع، و استسعي في باقي قيمته، و إن كانت قيمته أقلّ من الرّبع عتق، و أعطي كمال الرّبع.

و لو أوصي له بنصف تركته، بطلت في الزائد.

و بهذا قال الحسن و ابن سيرين و أبو حنيفة(1).

لأنّ الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها؛ لأنّه من جملة الثّلث الشائع، و الوصيّة له بنفسه تصحّ، و يعتق، و ما فضل استحقّه؛ لأنّه حرّ فيملك الوصيّة، فيصير كأنّه قال: أعتقوا عبدي من ثلثي و أعطوه ما فضل.

و ما رواه الحسن بن صالح عن الصادق عليه السّلام: في رجل أوصي لمملوك له بثلث ماله، قال: فقال: «يقوّم المملوك بقيمة عادلة ثمّ ينظر ما ثلث الميّت، فإن كان الثّلث أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعي العبد في ربع القيمة، و إن كان الثّلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد، و دفع إليه ما فضل من الثّلث بعد القيمة»(2).

و قال الشيخان رحمهما اللّه: إذا أوصي لعبده بثلث ماله، ينظر في قيمة العبد قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أقلّ من الثّلث أعتق و أعطي الباقي، و إن كانت مثله أعتق، و ليس له شيء و لا عليه شيء، و إن كانت القيمة أكثر من الثّلث بمقدار السّدس أو الرّبع أو الثّلث أعتق بمقدار ذلك، و استسعي في الباقي لورثته، و إن كانت قيمته علي الضّعف من ثلثه كانت الوصيّة باطلة(3).

و قال في الخلاف: إذا أوصي لعبد نفسه، صحّت الوصيّة، و قوّم العبد و أعتق إذا كان ثمنه أقلّ من الثّلث، و إن كان ثمنه أكثر من الثّلث استسعي0.

ص: 86


1- المغني 567:6، الشرح الكبير 502:6-503.
2- التهذيب 851/216:9، الاستبصار 505/134:4.
3- المقنعة: 676، النهاية: 610.

العبد فيما يفضل للورثة(1) ، و أطلق، و تبعه ابن إدريس(2).

و كأنّ الشيخ رحمه اللّه عوّل في الحكم الأوّل علي مفهوم الرواية، حيث أمر الصادق عليه السّلام بالاستسعاء عند نقص الثّلث عن القيمة بقدر ربع القيمة(3) ، فإنّه يلزم عدمه مع الزيادة.

لكن دلالة المفهوم ضعيفة، مع أنّ هذه الرواية ضعيفة السند، و لا يلزم من نفي الاستسعاء بطلان الوصيّة؛ لجواز الأمر بالاستسعاء مع قلّة الفاضل، لا مع زيادته.

و قال الشافعي: الوصيّة باطلة، إلاّ أن يوصي بعتقه؛ لأنّه أوصي بمال يصير للورثة فلم يصحّ، كما لو أوصي له بمعيّن(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الجزء الشائع بتناول نفسه أو بعضها؛ لأنّه من جملة الثّلث الشائع، و الوصيّة له بنفسه تصحّ و يعتق، و ما فضل استحقّه؛ لأنّه حرّ، فيملك الوصيّة، فكأنّه يقول: اعتقوا عبدا من ثلثي، و أعطوا ما فضل منه، بخلاف ما لو أوصي له بمعيّن؛ لأنّه لا يتناول شيئا منه.

و أمّا أصحاب الشافعي فقالوا: لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك، أو بثلث أموالي، و لم ينصّ علي رقبته، فوجهان:

أظهرهما: أنّ رقبته تدخل في الوصيّة؛ لأنّها من جملة أمواله.

و الثاني: لا تدخل؛ لأنّ قوله: «أوصيت لك بثلث أموالي» يشعر بالمغايرة بين الموصي به و بين الموصي له، و بأنّ المراد ما سوي رقبته،6.

ص: 87


1- الخلاف 165:4، المسألة 48.
2- السرائر 198:3.
3- راجع: الهامش (2) من ص 86.
4- المغني 567:6-568، الشرح الكبير 503:6.

فعلي هذا لا يعتق منه شيء، و الوصيّة له وصيّة للعبد بغير رقبته، و علي الأوّل الحكم كما لو قال: أوصيت له بثلث رقبته و ثلث باقي أموالي.

و لهم وجه ثالث: أنّه تجمع الوصيّة في رقبته، فإن خرج كلّه من الثّلث عتق، و إن كان الثّلث أكثر من قيمة رقبته صرف الفضل إليه، و إن لم يخرج كلّه من الثّلث عتق منه بقدر ما يخرج(1).

مسألة 45: لو أوصي لعبده بعين معيّنة من ماله،

فإن كانت غير نفسه فقال: أعطوه من مالي كذا، كثوب أو دار أو مائة دينار، فظاهر كلام الأصحاب: الحكم فيه كالجزء الشائع.

و الوجه: بطلان الوصيّة هنا؛ لأنّ الموصي قصد إعطاء عين، فلا يجوز التخطّي إلي غيرها؛ لأنّه يكون تبديلا للوصيّة، و لأنّ العبد لا يملك فلا تصحّ له الوصيّة، و لا يمكن أن يحرّر من قيمة العين؛ لما فيه من التبديل للوصيّة المنهي عنه(2) ، و لا مجّانا؛ إذ لا سبب لعتقه، و لأنّه إضرار بالورثة، و زيادة علي الوصيّة.

و بهذا قال الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي؛ لأنّ العبد يصير ملكا للورثة، فما أوصي له به فهو لهم، فكأنّه أوصي لورثته بما يرثونه، و لا فائدة فيه، بخلاف ما إذا أوصي له بمشاع(3).

لكن علماؤنا يقولون: إنّه تجمع الوصيّة في رقبته، كما قالوا في المشاع.

و علي قول أصحابنا - و هو رواية أخري عن أحمد(4) - إنّ الوصيّة

ص: 88


1- البيان 160:8، العزيز شرح الوجيز 15:7-16، روضة الطالبين 99:5.
2- سورة البقرة: 181.
3- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
4- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.

تصحّ - و هو قول مالك و أبي ثور(1) - كالمشاع.

و قال الحسن و ابن سيرين: إن شاء الورثة أجازوا، و إن شاؤا ردّوا(2).

و قال أصحاب الشافعي: إذا أوصي له بعين، فإن مات و هو ملكه فالوصيّة للورثة، و إن باعه الموصي فالوصيّة للمشتري، و إن أعتقه فهي للعتيق(3).

و علي قول علمائنا لو أوصي له بالعين ثمّ باعه بطلت الوصيّة؛ لأنّها تصير وصيّة لعبد الغير، و الوصيّة لعبد الغير باطلة.

مسألة 46: لو أوصي لعبده برقبته،

فالأقرب: الصحّة، و يكون بمنزلة تدبيره(4) - و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لأنّه أوصي له بمن لا يملكه علي الدوام فصحّ، كما لو أوصي به لأبيه، و لأنّ معني الوصيّة له برقبته عتق له؛ لعلمه بأنّه لا يملك رقبته، فصارت الوصيّة كناية عن إعتاقه بعد موته.

و قال أبو ثور: تبطل الوصيّة؛ لأنّه لا يملك رقبته(6).

و لو أوصي له ببعض رقبته، فهو تدبير لذلك الجزء.

و هل يعتق جميعه إذا احتمله الثّلث ؟ نظر.

و عن أحمد روايتان(7).

و قال أصحاب الرأي: يسعي في قيمة باقيه(8).

ص: 89


1- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
2- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
3- العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 99:5.
4- في النّسخ الخطّيّة: «التدبير».
5- المغني 568:6، نهاية المطلب 255:11، التهذيب - للبغوي - 75:5، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5. (6الي8) المغني 568:6.

و كذا لو دبّر بعض عبده و هو مالك كلّه.

و هل يفتقر إلي قبول العبد؟ الوجه: العدم؛ لأنّه في المعني كقوله:

أعتقوا عبدي، و هو أحد وجهي الشافعي، و أصحّهما: أنّه يفتقر إليه؛ لاقتضاء الصيغة القبول، فصار كما لو قال لعبده: وهبت منك نفسك، أو ملّكتك نفسك، فإنّه يحتاج إلي القبول في المجلس(1).

و عند أبي حنيفة لا يحتاج إلي القبول في شيء من هذه الصّور(2).

و لو قال: وهبت منك نفسك، لا علي طريق التمليك، بل نوي به العتق، ففي العتق نظر.

و قال الشافعي: يعتق من غير قبول(3).

مسألة 47: لو أوصي له بجزء من رقبته،

نفذت الوصيّة فيه، و كان ذلك تدبيرا لذلك الجزء، و عتق ذلك الجزء من الثّلث.

و كذا لو قال: أوصيت له بثلث مالي، و لا مال له سواه.

و لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبته و غيرها من أموالي، و لا شيء له سواه، نفذت الوصيّة في ثلثه، و بقي باقيه رقيقا للورثة، فتكون الوصيّة له بالثّلث من سائر أمواله وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث.

و لو خلّف شيئا غيره و أوصي له برقبته، فهو تدبير له، يخرج من الثّلث، فإن وسعه الثّلث عتق، و إلاّ سعي في باقي قيمته للورثة عندنا.

و لو أوصي له بجزء من نفسه و كان أقلّ من الثّلث و لا شيء له سواه،

ص: 90


1- نهاية المطلب 255:11-256، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 135:7.
3- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.

كأن يوصي بأن يعتق ربعه أو خمسه مثلا، عتق ثلثه كملا، و إن كان له مال غيره، فإن وسع ثلثه جميع قيمته عتق بأسره، و إلاّ فبقدر ما يحتمله الثّلث، و هو إحدي الروايتين عن أحمد، و الثانية: لا يسري العتق إلي باقيه(1).

و قال أصحاب الرأي: يسعي في قيمة باقيه(2).

و لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبة و غيرها، عتق من الثّلث عندنا، فإن قصر الثّلث عن قيمته استسعي في الباقي، فإن عجز كان لورثة مولاه بقدر ما فيه من الرقّيّة، فإن فضل الثّلث أعتق و أعطي باقي الثّلث، و لو أجاز الورثة عتق الجميع.

و قال أصحاب الشافعي: تنفذ الوصيّة في ثلثه، و يبقي باقيه رقيقا للورثة، فتكون الوصيّة له بالثّلث من سائر أمواله وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث(3).

و لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي، و لم ينص علي رقبته، دخل في الوصيّة، و عتق من الثّلث عندنا.

و للشافعيّة و جهان:

أظهرهما: أنّ رقبته تدخل في الوصيّة؛ لأنّها من جملة أمواله.

و الثاني: لا تدخل؛ لأنّ قوله: «أوصيت له بثلث أموالي» يشعر بالمغايرة بين الموصي به و الموصي له(4) ، و قد تقدّم(5).

و لو أوصي له بثلث جميع أمواله و شرط تقديم رقبته، عتق جميعه،8.

ص: 91


1- المغني 568:6.
2- المغني 568:6.
3- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.
4- راجع: الهامش (1) من ص 88.
5- في ص 87-88.

و دفع إليه ما يتمّ به الثّلث عندنا، و عند الشافعيّة(1) أيضا.

مسألة 48: يصحّ أن يوصي الإنسان لأمّ ولده،

و لا نعلم فيه خلافا، و به قال عامّة علمائنا، و روي عن عمر و عمران بن حصين، و به قال ميمون ابن مهران و الزهري و يحيي الأنصاري و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(2).

لكن اختلف علماؤنا بعد اتّفاقهم علي صحّة الوصيّة في عتقها هل تعتق من نصيب ولدها و تعطي ما أوصي لها به، أو تعتق من الوصيّة، فإن قصرت الوصيّة عن القيمة أعتق الفاضل منها من نصيب الولد؟ قال الشيخ رحمه اللّه بالأوّل(3) ، و ابن إدريس بالثاني(4).

و روي ابن بابويه: أنّها تعتق من الثّلث و تعطي الوصيّة(5).

روي أبو عبيدة - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل كانت له أمّ ولد له منها غلام فلمّا حضرته الوفاة أوصي لها بألفي درهم أو بأكثر، للورثة أن يسترقّوها؟ قال: فقال: «لا، بل تعتق من ثلث الميّت، و تعطي ما أوصي لها به»، و في كتاب العباس: «تعتق من نصيب ابنها، و تعطي من ثلثه ما أوصي لها به»(6).

و هذا الذي في كتاب العباس هو الذي ذهب الشيخ إليه، و ما تقدّم في

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 99:5-100.
2- المغني 569:6، و 510:12، الشرح الكبير 500:6-501، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوسيط 406:4، التهذيب - للبغوي - 74:5، البيان 145:8، العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 100:5.
3- النهاية: 611.
4- السرائر 199:3-200.
5- الفقيه 559/160:4.
6- الكافي 4/29:7.

الرواية هو الذي اختاره الصدوق.

و احتجّ ابن إدريس بقوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فجعل استحقاق الإرث بعد الوصيّة و الدّين بلا خلاف، فلو أعتقت من سهم ولدها دون الوصيّة فقد قدّمنا الإرث علي الوصيّة، و هو خلاف القرآن(2).

و يمكن أن يقال: المراد في الآية استقرار الملك علي ما تقدّم؛ لعدم بقاء التركة علي ملك مال الميّت؛ لانتفاء صلاحيّته للتملّك، و عدم انتقالها إلي الدّيّان و الموصي له بالإجماع، و عدم بقائها بغير مالك، فتعيّن انتقالها إلي الورثة.

و نمنع التقدّم علي الإرث هنا، بل نقول: إنّها من حين الوفاة تعتق و تحسب قيمتها علي الولد؛ لأنّ العتق مبنيّ علي التغليب و السراية، و لهذا لو لم يكن هنا وصيّة و لا إرث سواها فإنّها تعتق علي الولد، و تستسعي لباقي الورثة، مع امتناع تقديم بعض الورّاث في الإرث؛ لتساويهم فيه.

و عند العامّة تصحّ الوصيّة لأمّ الولد؛ لأنّها حرّة بعد موته، و هي تعتق من رأس المال، و الوصيّة تعتبر من الثلث(3).

مسألة 49: و يصحّ أن يوصي الإنسان لمدبّره،

فتجتمع له الوصيّتان، إحداهما: التدبير؛ لأنّه وصيّة في الحقيقة يخرج من الثّلث، و الثانية: الوصيّة بالمال الذي أوصي له به، فإن خرجت الوصيّتان من الثّلث عتق و أعطي ما فضل له، و إن عجز الثّلث عنهما قدّم العتق؛ لأنّه أنفع له، و لأنّه أوصي لعبده وصيّة صحيحة، فيقدّم عتقه علي ما يحصل له من المال، كما لو

ص: 93


1- سورة النساء: 11.
2- السرائر 200:3.
3- التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 16:7.

أوصي لعبده القنّ بمشاع من ماله.

و قال الشافعيّة: يعتبر عتقه و وصيّته من الثّلث، فإن وفي بهما عتق، و نفذت الوصيّة، و إن لم يف الثّلث بالمدبّر عتق منه بقدر الثّلث، و صارت الوصيّة وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث، و إن و في الثّلث بأحد الأمرين من المدبّر و الموصي به، مثل أن كان المدبّر يساوي مائة و الوصيّة بمائة و له سواهما مائة، فوجهان:

أحدهما: تقدّم رقبته، فيعتق كلّه، و لا شيء له من الوصيّة، كما اخترناه نحن.

و الثاني: يعتق نصفه، و الوصيّة وصيّة لمن نصفه حرّ و نصفه رقيق(1).

مسألة 50: تصحّ الوصيّة لمكاتبه المطلق،

سواء أدّي من مال الكتابة شيئا أو لا، و لمكاتبه المشروط.

فإن كانت الوصيّة لمكاتبه المشروط، احتمل دفعه إليه بموت الموصي الذي هو مولاه؛ لأنّه نوع اكتساب، و هو من أهله، فإن عتق بالأداء أو الإبراء فلا بحث.

و إن عجز و استرقّ، فإن كان قد أتلفه فلا بحث أيضا.

و إن كان قد دفعه إلي الوارث في مال الكتابة، احتمل إجراؤه مجري العبد في عتق ما قابل الوصيّة؛ لأنّه ليس أقلّ مرتبة منه، فحينئذ لا ينظر النسبة إلي مال الكتابة؛ لبطلانها بعجزه، بل إلي قيمته، كالعبد، و أن تجري الوصيّة مجري اكتسابه، فله التصرّف فيها كيف شاء، فإذا دفعه إلي الوارث ثمّ عجز تبيّنّا بطلان الوصيّة، و فساد الدفع، و لو لم يدفعه و عجز ردّ في

ص: 94


1- التهذيب - للبغوي - 74:5-75، العزيز شرح الوجيز 16:7-17، روضة الطالبين 100:5.

الرقّ، و كان مال الوصيّة للورثة؛ لظهور بطلان الوصيّة.

و يحتمل احتساب المدفوع من مال الكتابة؛ لأنّه مكاتب ملك بالوصيّة المدفوع، و كان عليه دفعه في مال الكتابة، فحينئذ إن كان مال الكتابة أكثر من القيمة كان النظر إلي مال الكتابة، فإن دفع مال الكتابة بأسره عتق، و صحّت الوصيّة و ما دفعه منها في مال الكتابة، و إن عجز رجع رقّا للوارث، و ظهر فساد الوصيّة و فساد الدفع.

و يحتمل مقاصّة الورثة بمال الكتابة من غير دفع إن كان مال الكتابة قد حلّ، و إلاّ فإشكال ينشأ من أولويّة الدفع؛ لما في تأخيره من التعرّض لبطلان الوصيّة؛ لجواز عجزه، فيسترقّ فتبطل الوصيّة، و من أصالة براءة الذمّة من تعجيل الدفع.

إذا عرفت هذا، فإن أجريناه مجري العبد فعجز عن دفع باقي مال الكتابة، و عجز مال الوصيّة عن الثّلث و بقي بعضه رقيقا، استسعي، فيحتمل الاستسعاء في باقي قيمته؛ لبطلان الكتابة بالعجز، و العتق الحاصل له إنّما كان باعتبار الوصيّة، كالعبد.

و يحتمل الاستسعاء في باقي مال الكتابة؛ لأنّه قد دفع البعض منه و عتق به ما قابله باعتبار الوصيّة التي لا يقصر فيها عن العبد، فيبقي باقي مال الكتابة عليه.

و قالت العامّة: تصحّ الوصيّة لمكاتبه، سواء أوصي له بجزء شائع أو بمعيّن؛ لأنّ ورثته لا يستحقّون المكاتب، و لا يملكون ماله، فكان مستقلاّ بالملك، فصحّت الوصيّة له، ثمّ إن عجز و رقّ صارت الوصيّة للورثة(1).1.

ص: 95


1- راجع: الهامش (2) من ص 79، ضمن المسألة 41.
مسألة 51: لو أوصي لمكاتبه المطلق،

صحّت الوصيّة له، سواء أدّي من كتابته شيئا أو لا، فإن حلّت النجوم و اتّحد الجنس قاصّ مع الورثة، و إلاّ فبقدر الحالّ.

و لو مات و لم يؤدّ شيئا، بطلت الكتابة، و ظهر بطلان الوصيّة، و إن كان قد أدّي شيئا عتق منه بقدر ما أدّي، و كان له الوصيّة، و يؤدّي ما عليه و ينعتق.

و لو أوصي لمكاتبه المطلق برقبته، احتمل البطلان؛ إذ لا تصرّف له في رقبته، و الصحّة؛ لأنّ هذا التصرّف يعود نفعه إلي المكاتب، فيكون محسنا و لا سبيل عليه، فحينئذ يحمل علي الإبراء من مال الكتابة.

و لو كان المكاتب مشروطا، فأوصي له برقبته، فالجواز هنا أقوي؛ لأنّه عبد ما بقي عليه شيء.

و كذا لو أوصي لأمّ ولده برقبتها أو لمدبّره برقبته.

مسألة 52: لو أوصي لمكاتب الغير،

المشروط، لم يصح؛ لأنّه مملوك لذلك الغير، و لا تصحّ الوصيّة لمملوك الغير علي ما تقدّم(1).

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ قبول الوصيّة نوع كسب، و تصرّفات المكاتب بالاكتساب صحيحة.

و لو كان مطلقا، فالجواز فيه أقوي.

و عند العامّة: إنّه تصحّ الوصيّة لمكاتب الغير و مملوكه؛ لأنّه مستقلّ بالملك(2).

و تصحّ الوصيّة لمكاتب الغير، المطلق إذا تحرّر بعضه بقدر ما فيه من

ص: 96


1- في ص 79، المسألة 41.
2- راجع: الهامش (2) من ص 79، ضمن المسألة 41.

الحرّيّة، و تبطل بقدر ما فيه من الرقّيّة.

و كذا لو أوصي المكاتب المتحرّر بعضه، صحّت وصيّته بقدر ما تحرّر منه، و بطلت في نصيب الرقّيّة؛ لقول الباقر عليه السّلام قال: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب قضي بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيّته بحساب ما أعتق منه، و قضي في مكاتب قضي نصف ما عليه فأوصي بوصيّة فأجاز نصف الوصيّة، و قضي في مكاتب قضي ثلث ما عليه و أوصي بوصيّة فأجاز ثلث الوصيّة»(1).

مسألة 53: إذا أوصي لعبد وارثه،

لم تصح عندنا؛ لما تقدّم(2) من أنّه لا تصحّ الوصيّة لعبد الغير، و عند العامّة تصحّ(3).

فإن باعه الوارث قبل موت الموصي، فالوصيّة للمشتري عندهم(4).

و إن استمرّ في ملكه فهي وصيّة للوارث تقف علي إجازة جميع الورثة عندهم، قاله الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(5).

و قال مالك: إن كان يسيرا جاز، و وقعت للعبد، و إن أوصي بمال كثير فهي كالوصيّة للوارث؛ لأنّ العبد يملك، و إنّما لسيّده أخذه، فإذا وصّي له بشيء يسير علم أنّه قصد بذلك العبد دون سيّده(6).

ص: 97


1- التهذيب 223:9-876/224.
2- في ص 79، المسألة 41.
3- المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6، التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.
4- التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.
5- العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5، المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
6- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2072/1012:2، المغني 569:6-570، الشرح الكبير 501:6.

و كذا لو أوصي لعبد أجنبيّ فاشتراه وارث الموصي ثمّ مات الموصي.

و لو أوصي لمن نصفه حرّ و نصفه لوارثه، صحّ له نصف الوصيّة بالجزء الحرّ و بطلت في نصف الرقّيّة عندنا.

و عند العامّة: إن لم تكن بينه و بين السيّد مهايأة أو كان بينهما مهايأة و قلنا: إنّ الوصيّة لا تدخل في المهايأة، فهي كالوصيّة للوارث؛ لأنّ ما يثبت له بالوصيّة يكون نصفه للوارث، و لهذا قلنا: إنّه لا يرث؛ لأنّه لو ورث شيئا لملك السيّد نصفه، و هو أجنبيّ عن الميّت.

قال الجويني: و كان يحتمل أن تتبعّض الوصيّة كما لو أوصي بأكثر من الثّلث(1).

و إن جرت بينهما مهايأة و قلنا: إنّها تدخل في المهايأة، فقد تقدّم أنّ العبرة بيوم الموت علي ظاهر مذهبهم، فينظر يوم موت الموصي، فإن مات في يوم العبد فالوصيّة صحيحة، و إلاّ فهي للوارث، و لا فرق بين أن تكون بينهما مهايأة يوم الوصيّة أو لا تكون ثمّ يحدثانها قبل موت الموصي(2).

و لو أوصي لمكاتب وارثه، فإن عتق قبل موت الموصي نفذت الوصيّة، و كذا لو أعتق بعده بأداء النجوم، و إن عجز رقّ و صارت وصيّته للوارث.

البحث الثالث: في الوصيّة للدابّة.
مسألة 54: لو أوصي لدابّة الغير،

فإن قصد تمليكها فالوصيّة باطلة؛ لأنّها وصيّة بالمستحيل، و لا يجوز صرف الوصيّة إلي مالكها؛ لأنّه غير

ص: 98


1- نهاية المطلب 252:11.
2- العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.

مقصود للموصي، فلا فرق بين المالك و غيره، فكما لا يصرف ذلك إلي الغير لا يصرف إلي المالك.

و لو أوصي للدابّة و أطلق، فالأقوي: البطلان أيضا؛ لأنّ مفهوم اللّفظ المطلق التمليك، و الدابّة لا يتصوّر فيها ذلك، و مطلق اللّفظ إنّما يحمل علي مفهومه.

و كذا عندنا لو أوصي لعبد الغير.

و أمّا المجوّزون من العامّة لوصيّة العبد فإنّهم فرّقوا بينه و بين الدابّة؛ لأنّ العبد عاقل من أهل الخطاب، و يمكن القبول منه، و ربما يعتق قبل موت الموصي فيثبت الملك له، بخلاف الدابّة التي لا يتصوّر فيها ذلك(1).

لكن للشافعيّة و جهان في الوقف علي الدابّة: هل يكون وقفا علي مالكها، أم لا، و يشبه أن تكون الوصيّة علي ذلك الخلاف(2).

و قد فرّق بعضهم بين الوصيّة و الوقف بأنّ الوصيّة تمليك محض، فينبغي أن يضاف إلي من يملك، و الوقف ليس بتمليك محض، بل هو عند بعضهم ليس بتمليك، حيث قالوا بانتقاله إلي اللّه تعالي، فيجوز أن يترخّص فيه بالإضافة إلي من لا يملك(3).

مسألة 55: لو أوصي لدابّة الغير و قصد الصرف في علفها،

فالأقرب:

الجواز - و به قال الشافعي(4) - لأنّ علف الدابّة واجب علي مالكها، فالقصد بهذه الوصيّة المالك.

ص: 99


1- التهذيب - للبغوي - 82:5، العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 5: 101.
2- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
3- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
4- نهاية المطلب 290:11، الوسيط 406:4، التهذيب - للبغوي - 82:5، البيان 212:8، العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.

لكن للشافعيّة في الوقف علي علف دابّة الغير و جهان في صحّة الوقف، و الوصيّة تشبهه؛ لأنّها في معناه(1).

و علي القول بالصحّة فالأقوي: اشتراط قبول مالك الدابّة؛ لأنّ الوصيّة في الحقيقة هنا للمالك، فاشترط قبوله، كما في الوصايا، كما لو أوصي بعمارة داره، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يشترط قبوله؛ لأنّها وصيّة للدابّة نفسها، ففي كلّ كبد حرّي أجر(2).

و هو بعيد؛ فإنّ حدوث الاستحقاق لملكه من غير رضاه بعيد جدّا.

و علي تقدير القبول هل يتعيّن صرف الموصي به إلي جهة الدابّة ؟ الأولي ذلك؛ لأنّها وصيّة صحيحة، فلا يجوز تغييرها؛ لقوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ (3) و لما فيه من رعاية غرض الموصي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يتعيّن علي المالك صرف ذلك في العلف، بل له إمساكه و التصرّف فيه كيف شاء، و ينفق علي الدابّة من موضع آخر(4).

و علي القول بالتعيين يتولّي الإنفاق علي الدابّة الوصيّ إن كان له وصيّ علي ذلك، و لو لم يكن تولاّه الحاكم أو من يأمره به من المالك أو غيره.

و هل للمالك أخذه من غير إذن الحاكم ؟ إشكال أقربه ذلك؛ لأنّا قد جعلنا هذه الوصيّة وصيّة للمالك.

مسألة 56: إذا قلنا: إنّه إذا أوصي للدابّة كانت الوصيّة للمالك،

يشترط في الوصيّة للدابّة أن تكون مملوكة، فلا تصحّ الوصيّة للوحوش

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
2- نهاية المطلب 290:11، الوجيز 270:1، الوسيط 406:4 و 407، البيان 8: 212، العزيز شرح الوجيز 18:7-19، روضة الطالبين 101:5.
3- سورة البقرة: 181.
4- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 101:5.

و الصيود المباحة؛ إذ لا مالك لها، و إن قلنا: إنّ الوصيّة للدابّة، فالأقرب ذلك أيضا؛ لأنّ فيه نوع إضاعة للمال؛ لاستغناء الوحوش في البراري عن العلف.

و للشافعيّة وجه: أنّه تصحّ الوصيّة لها علي هذا التقدير، مع اتّفاقهم علي أنّه لا يصحّ الوقف عليها(1).

و لو أوصي للبهيمة المملوكة فانتقلت الدابّة من مالكها إلي غيره، فإن قلنا: الوصيّة للدابّة، استمرّت الوصيّة لها، و إن قلنا: للمالك، اختصّت الوصيّة بالمشتري.

و لو أوصي لدار زيد، فإن قصد تمليك الدار لم تصح، و إن قصد مالكها أو عمارتها له، فالأقرب: الجواز، فحينئذ هل له صرف الوصيّة إلي غير تلك الجهة ؟ الأولي المنع.

و لو أوصي للمسجد و فسّر بالصرف إلي عمارته أو مصلحته، صحّت الوصيّة.

و لو أطلق، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: البطلان، كالوصيّة للدابّة.

و أظهرهما: الصحّة؛ لأنّ مقتضي العرف تنزيله علي الصرف إلي عمارته و مصلحته، ثمّ القيّم يصرف إلي الأهمّ و الأصلح باجتهاده(2).

و لو قال: أردت به تمليك المسجد، قال بعضهم: إنّ الوصيّة لاغية(3).5.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 19:7.
2- الوسيط 408:4، العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.
3- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.

و يحتمل أن يملك المسجد، كالوقف عليه، قاله بعض الشافعيّة(1).

البحث الرابع: في الوصيّة للكافر.
مسألة 57: الأقوي: أنّه لا تصحّ وصيّة المسلم للحربيّ،

و هو قول الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(2).

و قال في المبسوط: لا تصحّ الوصيّة للكافر الأجنبيّ(3).

و في النهاية: إذا أوصي لأحد أبويه أو بعض قراباته بشيء من ثلثه وجب إيصاله إليهم و إن كانوا كفّارا ضلاّلا(4).

و قال المفيد: إذا أوصي لغيره بشيء من ثلثه وجب دفعه إليه و إن كان الموصي له كافرا(5).

و قال ابن الجنيد: إذا أوصي بفداء بعض أهله من يد أهل الحرب من أهل الكتاب و المشركين جاز، و لا تصحّ الوصيّة لحربيّ.

و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(6).

لقوله تعالي: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

ص: 102


1- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.
2- الخلاف 153:4، المسألة 26.
3- المبسوط - للطوسي - 4:4.
4- النهاية: 609.
5- المقنعة: 671.
6- روضة القضاة 8354/684:2، بدائع الصنائع 341:7، الحاوي الكبير 8: 193، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 287:11، حلية العلماء 6: 71-72، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 7: 20، المغني 562:6، الشرح الكبير 497:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2079/1015:2.

وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ - إلي قوله تعالي - إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ (1) الآية، أشعر ذلك بالنهي عن أن نبرّهم إذا قاتلونا.

و لأنّا مأمورون بقتلهم، فلا معني للتقرّب إليهم بالوصيّة، و لأنّ تملّك الحربيّ غير لازم، و ماله غير معصوم، و لا يجوز دفع ماله، بل يجوز الاستيلاء عليه، بخلاف الذمّيّ، و لو جازت الوصيّة للحربيّ لكان إمّا أن يجب علي الوصيّ الدفع إليه، و هو محال؛ لما تقدّم، أو لا، و هو المطلوب؛ إذ معني بطلان الوصيّة عدم وجوب التسليم.

و قال أحمد و مالك و أكثر الشافعيّة: تجوز الوصيّة للحربي، كما يجوز البيع و الهبة منهم، كالذمّي، و قد روي أنّ عمر بن الخطّاب أعطي خاله الحربي حلّة من حرير بمكة، و عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمّي و هي راغبة، يعني عن الإسلام، فسألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، فقلت:

يا رسول اللّه أتتني أمّي و هي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم»(2).

و اعلم أنّ أصحّ الوجهين عند الشافعيّة في الوقف علي الحربي:

المنع، و في الوصيّة: الجواز، و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: أنّ الوقف صدقة جارية، فاعتبر في الموقوف عليه الدوام، كما اعتبر في الوقف.5.

ص: 103


1- سورة الممتحنة: 8 و 9.
2- المغني 562:6، الشرح الكبير 496:6 و 497، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2097/1015:2، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 458، نهاية المطلب 287:11، الوجيز 270:1، الوسيط 408:4، حلية العلماء 71:6-72، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.

و الثاني: أنّ معني التمليك في الوصيّة أظهر منه في الوقف، ألا تري أنّ الموصي له يملك الرقبة و المنفعة و التصرّف كيف شاء، و الموقوف عليه بخلافه، فألحقت الوصيّة بسائر التمليكات(1).

مسألة 58: المرتدّ إن كان عن فطرة لم تصح الوصيّة له؛

لأنّه واجب القتل في كلّ حال، و لا يجوز إبقاؤه؛ لأنّه لا تقبل توبته، فلا يتحقّق زمان يثبت له الملك فيه، و لأنّ جواز الملك فيه ينافي وجوب القتل، و لأنّ أمواله زالت عنه و لم يبق أهلا لاستمرار التملّك، فلا يكون أهلا لابتدائه.

و إن كان عن غير فطرة، ففي جواز الوصيّة له إشكال، أقربه: المنع، كالحربيّ.

و يحتمل الجواز؛ لأنّ أمواله لا تزول عنه إلاّ بالقتل، و القتل إنّما يجب بعد الامتناع عن التوبة بعد الاستتابة.

و الوجهان اللّذان ذكرناهما للشافعيّة في الوصيّة للحربيّ جاريان في المرتدّ:

أحدهما: أنّه تصحّ الوصيّة له، كما تجوز له الهبة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ، و لا يرث، فهو كالميّت، و لأنّ ملكه يزول عن ماله بردّته، فلا يثبت له الملك بالوصيّة(2).

مسألة 59: الأقوي: صحّة الوصيّة لأهل الذمّة.

قال الشيخ في الخلاف: الوصيّة لأهل الذمّة جائزة بلا خلاف، و في أصحابنا خاصّة من قيّد إذا كان من قراباته، و لم يشترط الفقهاء ذلك(3).

ص: 104


1- العزيز شرح الوجيز 20:7.
2- العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.
3- الخلاف 153:4، المسألة 36.

و قال في المبسوط: لا تصحّ الوصيّة من الكافر الذي لا رحم له من الميّت(1).

و جوّز أبو الصلاح الوصيّة للكافر إذا لم يكن صدقة(2).

و قال ابن إدريس: تصحّ الوصية للكافر و إن لم يكن ذا رحم(3).

و هو قول العامّة منهم: شريح و الشعبي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(4) ، و لا نعلم بينهم خلافا.

قال محمّد بن الحنفيّة و عطاء و قتادة في قوله تعالي: إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلي أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً (5): هي وصيّة المسلم لليهودي و النصراني(6).

و روت العامّة عن عكرمة أنّ صفيّة بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف و كان لها أخ يهوديّ فعرضت عليه أن يسلم فيرث، فأبي فأوصت له بثلث المائة(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن2.

ص: 105


1- المبسوط - للطوسي - 4:4.
2- الكافي في الفقه: 364.
3- السرائر 186:3.
4- المغني 561:6، الشرح الكبير 496:6، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 287:11، الوجيز 270:1، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.
5- سورة الأحزاب: 6.
6- جامع البيان 78:21، تفسير القرآن العظيم - لابن أبي حاتم - 3115:9، الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) 10:8، النكت و العيون (تفسير الماوردي) 4: 376، معالم التنزيل (تفسير البغوي) 434:4، الجامع لأحكام القرآن 126:14، المغني 561:6، الشرح الكبير 496:6.
7- المغني 561:6-562.

أحدهما عليهما السّلام: في رجل أوصي بماله في سبيل اللّه، قال: «أعط لمن أوصي له و إن كان يهوديّا أو نصرانيّا، إنّ اللّه تعالي يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في آخر حديث: «لو أنّ رجلا أوصي إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعته فيه، إنّ اللّه تعالي يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (3).

و كتب الخليل بن هاشم إلي ذي الرئاستين - و هو والي نيسابور -: إنّ رجلا من المجوس مات و أوصي للفقراء بشيء من ماله، فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين، فكتب الخليل إلي ذي الرئاستين بذلك، فسأل المأمون عن ذلك، فقال: ليس عندي في ذلك شيء، فسأل أبا الحسن عليه السّلام، فقال أبو الحسن عليه السّلام: «إنّ المجوسيّ لم يوص لفقراء المسلمين، و لكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيردّ علي فقراء المجوس»(4).

مسألة 60: و يصحّ أن يوصي الذمّيّ للذمّيّ و للمسلم،

و المسلم للمسلم إجماعا، و للذمّيّ علي الخلاف.

و كذا يصحّ أن يوصي الحربيّ للحربيّ علي إشكال.

و لا تصحّ الوصيّة لكافر بمصحف و لا عبد مسلم؛ لأنّه لا يصحّ له

ص: 106


1- سورة البقرة: 181.
2- التهذيب 201:9-804/202، الاستبصار 484/128:4.
3- الكافي 14:7-4/15، الفقيه 515/148:4، التهذيب 805/202:9، الاستبصار 128:4-485/129.
4- الكافي 16:7 (باب آخر منه) ح 1، التهذيب 202:9-807/203، الاستبصار 487/129:4.

تملّكهما بالهبة و البيع و غيرهما من أسباب الملك؛ لعموم السبب في جميع الأسباب، و هو تعظيم الكتاب العزيز، و انتفاء السبيل للكافر علي المسلم(1).

فإن أوصي للكافر بعبد كافر فأسلم العبد قبل موت الموصي، بطلت الوصيّة، و إن أسلم بعد الموت و قبل القبول، بطلت إن قلنا: إنّ الملك لا يثبت إلاّ بالقبول؛ لأنّه لا يجوز أن يبتدئ الملك علي المسلم، و إن قلنا:

يثبت الملك بالموت قبل القبول، فالوصيّة صحيحة عنده(2) ؛ لأنّا نتبيّن أنّ الملك يثبت بالموت؛ لأنّه أسلم بعد أن ملكه.

مسألة 61: لو أوصي المسلم لأهل قريته،

لم يعط من فيها من الكفّار إذا كان أهل القرية مسلمين، و كذا لو أوصي لقرابته و فيهم كافر و مسلم، لم يعط الكافر شيئا، و اختصّت الوصيّة بالمسلمين - و به قال أحمد(3) - لقوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و لم يدخل فيه الكفّار إذا كان الميّت مسلما، و إذا لم يدخلوا في وصيّة اللّه تعالي مع عموم اللّفظ فكذا في وصيّة المسلم.

و لأنّ الظاهر من حال المسلم عدم إرادة الكفّار؛ للعداوة الدينيّة الراسخة بينه و بينهم، و عدم الوصلة المانعة من الميراث و وجوب النفقة علي فقيرهم، و لذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد و الإخوة و الأزواج و سائر الألفاظ العامّة في الميراث، فكذا هنا؛ لأنّ الوصيّة أجريت مجري الميراث.

ص: 107


1- سورة النساء: 141.
2- أي: عند من قال بثبوت الملك بالموت قبل القبول، كما في المغني 563:6.
3- المغني 564:6.
4- سورة النساء: 11.

و لو صرّح الموصي بدخولهم، دخلوا؛ لأنّ صريح المقال أقوي من دلالة الحال.

و لو أوصي لأهل قريته و كلّهم كفّار أو لقرابته و هم كفّار، صحّت الوصيّة، و لا يمكن تخصيصهم كما قلنا بتخصيصهم لو كانوا بعض أهل القرية أو بعض القرابة؛ لأنّ في تخصيصه رفع اللّفظ بالكلّيّة.

و لو كان فيها مسلم واحد و الباقي كفّار، دخلوا في الوصيّة أيضا؛ لبعد إخراجهم بالتخصيص هاهنا؛ لما فيه من مخالفة الظاهر الذي هو العموم، و حمل اللّفظ الدالّ علي الجمع علي المفرد.

و لو كان أكثر أهل القرية كفّارا، فالأقوي: تخصيص المسلمين بالوصيّة؛ لأنّ حمل اللّفظ عليهم ممكن، و صرفه إليهم و التخصيص يصحّ و إن كان بإخراج الأكثر.

و يحتمل الدخول؛ لأنّ التخصيص في مثل هذا بعيد؛ فإنّ تخصيص الصورة النادرة قريب، و تخصيص الأكثر بعيد يحتاج فيه إلي التنصيص.

و كذا الحكم في باقي ألفاظ العموم، كما لو أوصي لإخوته أو عمومته أو بني عمّه، أو لليتامي، أو للفقراء.

و الأقرب في هذا كلّه: صرف الوصيّة إلي المسلمين، و كذا الكافر.

و لو أوصي للفقراء، انصرف إلي فقراء ملّته؛ عملا بالعرف، و لقضيّة الرضا عليه السّلام، المذكورة في الخبر السابق(1).

و لو وجدت قرينة تدلّ علي دخول المسلمين دخلوا، كما لو أوصي لأهل قريته أو لقرابته و كلّهم مسلمون، و كذا يدخلون لو لم يكن فيهم إلاّ كافر واحد.6.

ص: 108


1- في ص 106.

و لو انتفت القرائن، فالأقرب: عدم الدخول [كما لم يدخل الكفّار في وصيّة المسلم.

و يحتمل الدخول](1) ؛ لتناول اللفظ لهم و هم أحقّ بالوصيّة من غيرهم، و لا يصرف اللّفظ عن مقتضاه و عمّن هو أحقّ بحكمه إلي غيره.

و لو كان في القرية [كافر](2) من غير أهل دين الموصي، لم يدخل في الوصيّة؛ لأنّ قرينة حال الموصي تخرجه، و لم يوجد [فيه](3) ما وجد في المسلم من الأولويّة، فيبقي خارجا بحاله.

و يحتمل عدم الخروج؛ لأنّ الكفّار يتوارثون و إن اختلفوا في الأديان.

و كذا يدخلون لو وجدت قرينة الدخول، كما لو لم يكن في قريته إلاّ أولئك.

البحث الخامس: في الوصيّة للقاتل.
مسألة 62: في الوصيّة للقاتل قولان لعلمائنا.

قال الشيخ رحمه اللّه: تصحّ؛ لقوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (4) و لم يفرّق، و قال تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (5) و لم يفرّق، و المنع يحتاج

ص: 109


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 565:6، حيث يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كفّار». و المثبت يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيهم». و المثبت يقتضيه السياق.
4- سورة البقرة: 180.
5- سورة النساء: 11.

إلي دليل(1).

و هو أظهر قولي الشافعي؛ لأنّ التملّك بالوصيّة تملّك بإيجاب و قبول، فأشبه التملّك بالبيع و الهبة(2) ، و به قال مالك(3) أيضا.

و روي عنه: تخصيص الجواز بما إذا كان القتل خطأ(4).

و القول الثاني للشافعي: لا تصحّ الوصيّة للقاتل - و به قال أبو حنيفة(5) و ابن الجنيد من علمائنا، إلاّ أنّه خصّص، فقال: لا وصيّة لقاتل عمد، و هو موافق لما روي عن مالك(6) ، و عن أحمد روايتان(7) كالمذهبين - لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «ليس للقاتل وصيّة»(8) و لأنّ القتل يمنع الميراث الذي».

ص: 110


1- الخلاف 154:4، المسألة 27.
2- الحاوي الكبير 191:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 11: 284-285، الوسيط 409:4، حلية العلماء 72:6-73، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5، المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2087/1018:2، التلقين: 556، المعونة 1631:3، الحاوي الكبير 191:8، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 8: 139، العزيز شرح الوجيز 21:7، المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 21:7، و ينظر: المدوّنة الكبري 34:6-35، و الكافي في فقه أهل المدينة: 545-546، و مختصر اختلاف العلماء 2160/20:5.
5- مختصر اختلاف العلماء 2160/19:5، مختصر القدوري: 242، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، روضة القضاة 3858/685:2، تحفة الفقهاء 3: 208، الفقه النافع 1171/1406:3، بدائع الصنائع 339:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 232، الحاوي الكبير 191:8، حلية العلماء 72:6، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7.
6- راجع: الهامش السابق.
7- المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
8- سنن الدارقطني 236:4-115/237، السنن الكبري - للبيهقي - 381:6، و فيهما: «... لقاتل...».

هو آكد من الوصيّة، فالوصيّة أولي [و](1) لأنّ الوصيّة أجريت مجري الميراث، فمنعها ما يمنعه(2).

و الوجه: التفصيل، و هو أنّه إن أوصي قبل القتل أو الجرح الموجب للقتل لم تصح الوصيّة، كما لو قال: أعطوا زيدا كذا، ثمّ قتله زيد - و هو قول الحسن بن صالح بن حي(3) - لأنّ القتل طرأ علي الوصيّة فأبطلها؛ لأنّه يبطل ما هو آكد منها.

و تحقيقه: أنّ القتل إنّما منع الميراث لأنّ القاتل بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه، فعورض بنقيض قصده، و هو منع الميراث، دفعا لمفسدة قتل الموروث، و لهذا بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه، و هذا المعني متحقّق في القتل الطارئ علي الوصيّة، فإنّه ربما طلب تعجيل الوصيّة، فبادر إلي قتله ليبلغ غرضه، فاقتضت الحكمة منعه، بخلاف ما لو جرحه بالمهلك ثمّ أوصي له، فإنّ الموصي له لم يقصد بقتله استعجال مال؛ لعدم سببه، و الموصي راض بالوصيّة بعد صدور ما فعله في حقّه.

مسألة 63: و هل يقع فرق بين قتل العمد و الخطأ؟

الأقرب: ثبوت الفرق، فيمنع من الوصيّة مع العمد، دون الخطأ، و عليه دلّ قول ابن الجنيد، و لأنّ المقتضي للمنع في العمد إنّما هو الاستعجال، و هذا إنّما يكون بقصد القتل، و لا يتحقّق في الخطأ، فكان الأولي قبول الوصيّة فيه،

ص: 111


1- ما بين المعقوفين أثبتناه كما في المغني 571:6، و الشرح الكبير 508:6.
2- الحاوي الكبير 191:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 11: 284-285، الوسيط 409:4، حلية العلماء 72:6، التهذيب - للبغوي - 5: 73، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5، المغني 570:6-571، الشرح الكبير 508:6.
3- المغني 571:6، الشرح الكبير 508:6.

كما قلنا: إنّ الأولي قبول الوصيّة لو تجدّدت بعد القتل.

و الشافعيّة لم يفرّقوا بينهما، بل جعلوا القولين فيهما معا(1)راجع: الهامش (7) من ص 110.(2) ، و هو قول أحمد(2).

ثمّ تكلّم الشافعيّة في موضع القولين من وجهين:

أحدهما: هل من فرق بين أن يكون القتل بحقّ كالقصاص، أو لا يكون ؟ سكت أكثرهم عنه.

و قال بعضهم: تجوز الوصيّة للقاتل بالحقّ، و الخلاف في غيره.

و الوجه: أنّ الوصيّة تصحّ للقاتل بالحقّ كما يصحّ له الميراث.

و أحال بعض الشافعيّة الوصيّة علي الإرث، فقال: إن ورّثنا القاتل بالحقّ جوّزنا الوصيّة له، و إلاّ ففيه الخلاف.

و الثاني: قال بعض الشافعيّة: القولان فيما إذا أوصي المجروح لجارحه ثمّ مات، فأمّا إذا أوصي لإنسان فجاء و قتله بطلت الوصيّة قولا واحدا، فإنّه مستعجل بالقتل فيحرم، كالوارث.

و منهم من عكس، فصحّح الوصيّة جزما فيما إذا أوصي لجارحه، و خصّص القولين بما إذا أوصي لإنسان فجاء و قتله.

و الأكثرون طردوا القولين في الحالتين(3).

فحينئذ يكون للشافعي ثلاثة أقوال، أحدها: الصحّة، و الثاني: المنع، و الثالث: الصحّة إن تقدّمت الجراحة، و تبطل إن تأخّرت(4).7.

ص: 112


1- راجع: الهامش
2- من ص 110.
3- العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 21:7.
مسألة 64: لو قتلت أمّ الولد سيّدها،

عتقت من نصيب الولد و إن استعجلت - و به قال الشافعي(1) - لأنّها لا تعتق علي الميّت عندنا، و إنّما تعتق علي الولد، و هو غير قاتل، فورثها، و كلّ من ورث أمّه عتقت عليه.

و عند العامّة تنعتق أيضا و إن استعجلت؛ لأنّ الإحبال منزلته منزلة الإعتاق، ألا تري أنّ الشريك، إذا أحبل الجارية المشتركة سري الاستيلاد إلي نصيب الشريك، كما لو أعتق نصيبه، و إذا كان كالإعتاق لم يقدح القتل فيه، كما إذا أعتق العبد ثمّ قتله العبد(2).

و كذا مستحقّ الدّين المؤجّل إذا قتل المديون حلّ أجله؛ لأنّ الأجل حقّ من عليه الحقّ، أثبت ليرتفق به بالاكتساب في المدّة، فإذا هلك، فالحظّ له في التعجيل لتبرأ ذمّته.

مسألة 65: لو قتل المدبّر سيّده،

فهو كما لو أوصي لإنسان فقتل الموصي له الموصي هل تبطل وصيّته، أم لا؟ علي ما تقدّم من الخلاف؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة.

و قالت الشافعيّة: إنّه يبني علي أنّ التدبير وصيّة أو تعليق عتق بصفة، إن قلنا بالأوّل، فهو كما لو أوصي لإنسان فجاء و قتله، و إن قلنا بالثاني، عتق، كالمستولدة(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن صحّحنا الوصيّة للقاتل، عتق المدبّر إذا قتل

ص: 113


1- المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 286:11، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 103:5.
2- العزيز شرح الوجيز 21:7-22، روضة الطالبين 103:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 286:11-287، الوسيط 4: 409، حلية العلماء 73:6-74، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 103:5.

سيّده، و إن لم نصحّحها، لا يعتق، و يبطل التدبير، سواء جعلنا التدبير وصيّة أو تعليقا للعتق؛ لأنّه و إن كان تعليقا فهو في حكم الوصيّة؛ لأنّه يعتبر من الثّلث، و هذا إثبات للخلاف، سواء جعلناه وصيّة أو تعليقا(1).

و إذا أوصي لعبد جارحه أو لمدبّره أو مستولدته، فإن عتق قبل موت الموصي صحّت الوصيّة له، و إن انتقل منه إلي غيره صحّت الوصيّة لذلك الغير، و إلاّ فهي وصيّة للجارح.

و لو أوصي لعبد بشيء فجاء العبد و قتله، لم تتأثّر به الوصيّة، و إن جاء السيّد و قتله، فهي وصيّة للقاتل.

و لو [أوصي](2) لمكاتب، فقتل المكاتب الموصي، فإن عتق فهي وصيّة للقاتل، و إن عجز فالوصيّة صحيحة للسيّد، فإن جاء سيّد المكاتب فقتله فالحكم بالعكس، و تجوز الوصيّة للعبد القاتل؛ لأنّها تقع للسيّد عند العامّة(3).

البحث السادس: في الوصيّة للوارث.
مسألة 66: الوصيّة للوارث صحيحة عند علمائنا كافّة،

سواء أجاز الورثة أو لا؛ لقوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ

ص: 114


1- التهذيب - للبغوي - 73:5، العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 5: 103.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 103:5.

عَلِيمٌ (1) فأوجب تعالي الوصيّة للوالدين اللّذين هما أقرب الناس إلي الميّت، ثمّ قال تأكيدا للوجوب بقوله تعالي: حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ و هو يعطي عدم اتّقاء من لا يعتقد حقّيّتها، ثمّ ثنّي التأكيد بقوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ثمّ أكّد هذه الجملة بقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و هذه الآية نصّ في الباب.

و ما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يجيزها الورثة»(2) و قال عليه السّلام: «لا وصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة»(3) و الاستثناء من النفي إثبات، و هو يدلّ علي صحّة الوصيّة عند الإجازة؛ لأنّ الإجازة لا تصيّر ما ليس بصحيح في نفسه صحيحا.

و لأنّ الإجازة متأخّرة، فحين وقوع الوصيّة المتقدّمة علي الإجازة إن وقعت باطلة لم تصح بالإجازة المتأخّرة، فإنّ الباطل لا عبرة به و لا اعتبار له في نظر الشرع، فوجب أن تكون صحيحة.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الوصيّة للوارث ؟ فقال: «تجوز»(4).

و في الصحيح عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تجوز للوارث وصيّته ؟ قال: «نعم»(5).

و في الصحيح عن أبي ولاّد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن4.

ص: 115


1- سورة البقرة: 180 و 181.
2- سنن الدارقطني 89/97:4، و 9/152، السنن الكبري - للبيهقي - 263:6 - 264 بتفاوت.
3- سنن الدارقطني 10/152:4، السنن الكبري - للبيهقي - 264:6 بتفاوت.
4- الكافي 4/10:7، التهذيب 791/199:9، الاستبصار 126:4-476/127.
5- التهذيب 794/199:9، الاستبصار 477/127:4.

الميّت يوصي للبنت بشيء؟ قال: «جائز»(1).

و لأنّه تصرّف صدر من أهله في محلّه فصحّ، كما لو أوصي لأجنبيّ.

و قالت العامّة: لا تصحّ الوصيّة للوارث(2).

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما: أنّ الحكم في الوصيّة للوارث كالحكم فيما لو أوصي بزيادة علي الثّلث، فإنّ الوصيّة بالزيادة لا تقع باطلة، بل إن أجازها جميع الورثة صحّت، و إلاّ فلا، و كذا هنا، فيرتدّ بردّ سائر الورثة.

و إن أجازوا، فعلي قولين:

أحدهما: أنّ إجازتهم ابتداء عطيّة، و الوصيّة باطلة؛ لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّ اللّه قد أعطي كلّ ذي حقّ حقّه، ألا لا وصيّة لوارث»(3).

و الأصحّ - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد -: أنّها تنفيذ لما فعله الموصي، و للّذي فعله انعقاد [و](4) اعتبار؛ لما روي عن ابن عباس أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يجيزها الورثة»(5) و يروي:

«لا وصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة»(6).

و الطريق الثاني: أنّها باطلة و إن أجازها جميع الورثة، بخلاف الوصيّة5.

ص: 116


1- الاستبصار 478/127:4، و في التهذيب 798/200:9: «للوارث» بدل «للبنت».
2- المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.
3- سنن ابن ماجة 2713/905:2، سنن أبي داود 2870/114:3، و 296 - 3565/297، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2120/433:4، سنن النسائي (المجتبي) 247:6، السنن الكبري - للبيهقي - 265:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- راجع: الهامش (2 و 3) من ص 115.
6- راجع: الهامش (2 و 3) من ص 115.

للأجنبيّ بما زاد علي الثّلث، و الفرق: أنّ المنع من الزيادة لحقّ الورثة، فإذا رضوا جوّزنا، و المنع هنا لتغيير الفروض التي قدّرها اللّه تعالي للورثة علي ما أشعر به الخبر، فلا تأثير لرضاهم، و هو قول المزني و ابن أبي هريرة منهم(1).

ثمّ فرّعوا علي القولين، فقالوا: إن قلنا: إنّ الإجازة تنفيذ و إمضاء، كفي لفظ الإجازة، و لا حاجة إلي هبة و تجديد قبول و قبض من الموصي له، و ليس للمجيز الرجوع و ان لم يحصل القبض بعد، و إن قلنا: إنّها ابتداء عطيّة منهم، فلا يكفي قبول الوصيّة أوّلا، بل لا بدّ من قبول آخر في المجلس و من القبض، و للمجيز الرجوع قبل القبض.

و هل يعتبر لفظ التمليك و لفظ الإعتاق إذا كان الموصي به العتق ؟ وجهان:

أظهرهما: لا يكفي لفظ الإجازة، بل يعتبر لفظ التمليك، كما لو تصرّف فاسدا من بيع أو هبة ثمّ أجازه، و هو قول مالك و المزني.

و الثاني: أنّه يكفي لفظ الإجازة؛ لظاهر الخبر.

و لو خلّف زوجة هي بنت عمّه و أباها و كان قد أوصي لها فأجاز أبوها الوصيّة، فلا رجوع للأب إن جعلنا الإجازة تنفيذا، و إن جعلناها ابتداء عطيّة فله الرجوع، بناء علي مذهبهم من جواز رجوع الأب في هبة الابن.

و لو أعتق عبدا في مرضه أو أوصي بعتقه و لا مال [له](2) سواه، أو زادت قيمته علي الثّلث، فإن جعلنا الإجازة ابتداء عطيّة من الورثة فولاء ما زاد علي الثّلث للمجيزين ذكورهم و إناثهم بحسب استحقاقهم، و إن جعلناهار.

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 24:7-25، روضة الطالبين 103:5-104.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

تنفيذا فولاء الكلّ للميّت يرثه ذكور العصبات.

و لهم وجه آخر: أن يكون الولاء للميّت علي القولين جميعا؛ لأنّا و إن جعلنا إجازتهم ابتداء عطيّة فإجازتهم إعتاق الميّت كإعتاقهم عن الميّت بإذنه، و من أعتق عبده بإذنه و التماسه كان الولاء للآذن.

و استبعدوه بأنّ اعتبار الإذن بعد موت الآذن كالمستبعد.

و لو أعتق العبد في المرض ثمّ مات العبد قبل موته، فيموت، كلّه حرّ، أم كيف الحال ؟ و فيه خلاف بينهم(1).

و كلّ هذه التفريعات عندنا باطلة؛ لعدم الفرق عندنا بين الوارث و الأجنبيّ.

مسألة 67: لو وهب الوارث في مرض موته أو أبرأه عمّا له في ذمّته أو وقف عليه كذلك،

كان حكمه حكم الوصيّة علي الأقوي عندنا، و حينئذ يصحّ من الثّلث، سواء أجاز باقي الورثة أو لا.

و عند العامّة أنّها كالوصيّة أيضا، لكن تبطل، إلاّ أن يجيز الورثة بأسرهم(2).

مسألة 68: تصحّ الوصيّة للوارث عندنا من الثّلث و إن لم يجز الورثة

علي ما تقدّم(3) ، و عند العامّة لا تصحّ إلاّ بإجازتهم(4).

و لا اعتبار بإجازتهم و لا بردّ الورثة في حياة الموصي عندهم، فإذا أجازوا في الحياة أو أذنوا له في الوصيّة ثمّ أرادوا الردّ بعد الموت فلهم

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 25:7-26، روضة الطالبين 104:5-105.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
3- في ص 114، المسألة 66.
4- راجع: الهامش (2) من ص 116.

ذلك؛ لأنّه لا يتحقّق استحقاقهم قبل الموت؛ لجواز أن يبرأ المريض أو يموتوا قبل موته(1).

و قال مالك: إنّ الإجازة قبل الموت تلزم، إلاّ أن يكون الوارث في نفقته(2).

و عنه أيضا أنّهم إذا أذنوا له في الوصيّة و هو صحيح فلهم الرجوع، و إن أذنوا و هو مريض فلا رجوع لهم(3).

و لو أجازوا بعد الموت و قبل القسمة، ففي تنزيلها منزلة الإجازة قبل الموت قولان مخرّجان، و الظاهر عندهم لزومها(4).

مسألة 69: لو أوصي لغيره بشيء يزيد علي الثّلث،

اشترط فيه معرفة الورثة بمقدار الزائد علي الثّلث و مقدار التركة، فإن لم يعرف قدر الزائد و قدر التركة لم تصح الإجازة إن جعلناها ابتداء عطيّة، و إن جعلناها تنفيذا فهي كالإبراء من المجهول يصحّ عندنا، و إن جوّزنا هبة المجهول لم يشترط العلم بشيء من ذلك.

و لو أجاز الوصيّة بما زاد علي الثّلث ثمّ قال: ظننت قلّة التركة فظهرت أكثر ممّا ظننت، أحلف، و نفذت الوصيّة في القدر الذي كان يتحقّقه.

مسألة 70: العبرة عند من منع الوصيّة للوارث بكونه وارثا حال الموت،

فلو أوصي لأخيه و ليس له ولد فولد له ابن بعد ذلك، قبل موت الموصي، فالوصيّة صحيحة عندهم(5) ؛ لأنّه ظهر أنّ الوصيّة ليست للوارث.

و لو أوصي لأخيه و له ابن فمات الابن قبل موت الموصي، فالوصيّة

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7.
3- العزيز شرح الوجيز 26:7.
4- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
5- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.

للوارث.

و كذا لو أوصي لابنه ثمّ قتله الابن و قلنا: إنّ القتل لا يمنع الوصيّة، نفذت الوصيّة عندهم؛ لأنّه يوم الموت ليس بوارث(1).

و لو أقرّ للوارث، فللشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ العبرة بيوم الإقرار، و الثاني: أنّ العبرة بيوم الموت، و فرّقوا بأنّ استقرار الوصيّة بالموت، و لا ثبات لها قبله(2).

و هذا التفريع ساقط عندنا؛ لصحّة الوصيّة للوارث.

مسألة 71: لو أوصي لكلّ واحد من ورثته بقدر حصّته من التركة،

لغت الوصيّة؛ لأنّهم مستحقّون لها و إن لم يوص، و هو قول الشافعيّة(3).

و لهم [وجهان](4) فيما إذا لم يكن له إلاّ وارث واحد فأوصي له بماله.

و المذهب عندهم: أنّ الوصيّة لاغية، و يأخذ التركة بالإرث.

و الثاني: أنّه يأخذها بالوصيّة إذا لم ينقضها(5).

و تظهر الفائدة فيما إذا ظهر دين، إن قلنا: إنّه يأخذ التركة بالإرث، فله إمساكها و قضاء الدّين من موضع آخر، و إن قلنا: إنّه يأخذها بالوصيّة قضاه منها، و لصاحب الدّين الامتناع لو قضي من غيرها(6).

ص: 120


1- راجع: التهذيب - للبغوي - 74:5.
2- التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 394:13، العزيز شرح الوجيز 281:5، و 27:7، روضة الطالبين 8:4، و 106:5.
3- الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5-107.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وجه آخر». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
6- العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.

قال بعضهم: معلوم أنّه لا فرق بين أن يتّحد الوارث أو يتعدّد(1).

و لو أوصي لكلّ واحد من الورثة بعين هي قدر حصّته من غير ترتيب، كما لو أوصي لابنه بعبد قيمته مائتان، و لبنته بأمة قيمتها مائة و لا وارث غيرهما و لا مال سواهما، فالأقرب: أنّه يحتاج إلي إجازة الورثة في تخصيص كلّ واحد بما عيّنه؛ لتفاوت الأغراض بأعيان الأموال و المنافع الحاصلة منها، فكما لا يجوز إبطال حقّ الوارث من قدر حقّه لا يجوز من عينه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يحتاج إلي الإجازة، و يختصّ كلّ واحد بما عيّنه الموصي بمجرّد الوصيّة و إن لم يجز الورثة؛ لأنّ حقّ الورثة يتعلّق بقيمة التركة لا بعينها، و لهذا فإنّ المريض لو باع عين التركة بثمن المثل صحّ و إن تضمّن فوات عين المال - و فيه قوّة - و تعلّقت حقوقهم بالقيمة موفّاة هنا(2).

و لو أوصي أن تباع عين ماله من إنسان، صحّت الوصيّة؛ لأنّ الأغراض تتعلّق بالعين كما تتعلّق بالقدر، فتصحّ الوصيّة بها كما تصحّ بالقدر.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّها لا تصحّ - و به قال أبو حنيفة - لأنّه لو باع ماله في مرض الموت لا يعتبر من الثّلث، و لو صحّت الوصيّة لاعتبر من الثّلث(3).

و لو باع المريض ماله من وارثه بثمن المثل، نفذ - و هو قول5.

ص: 121


1- الرافعي في العزيز شرح الوجيز 28:7.
2- نهاية المطلب 113:11-114، الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، البيان 136:8، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
3- الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.

الشافعي(1) - لأنّه لا تبرّع فيه، فإنّه يجوز بيعه من الأجنبيّ بثمن المثل.

و قال أبو حنيفة: إنّه وصيّة يتوقّف علي إجازة سائر الورثة(2).

مسألة 72: لو أوصي بثلث ماله لأجنبيّ و وارث،

صحّت الوصيّة عندنا، و اشتركا في الثّلث.

و قالت الشافعيّة: إن صحّحنا الوصيّة للوارث مع الإجازة فأجاز جميع الورثة، فالثّلث بينهما، و إن أبطلناها أو ردّها سائر الورثة، ففي أحد الوجهين: أنّها تبطل في حقّ الأجنبيّ أيضا؛ أخذا من منع تفريق الصفقة، لكنّه ضعيف عندهم؛ لأنّ العقد مع شخصين كعقدين، بل للأجنبيّ السّدس، و به قال مالك و أبو ثور(3).

و قال أبو حنيفة: له تمام الثّلث(4).

و لو أوصي لهذا بالثّلث و لهذا بالثّلث، فإن أجاز الورثة صحّت الوصيّة لهما، و إلاّ بطلت الثانية علي ما يأتي.

و قالت الشافعيّة: إن اعتبرنا الوصيّة للوارث و أجاز سائر الورثة فلكلّ واحد منهما الثّلث، و إن أبطلناها أو ردّوا، فلا شيء للوارث. ثمّ ينظر في كيفيّة الردّ، فإن ردّوا وصيّة الوارث سلّم للأجنبيّ تمام الثّلث؛ لأنّهم خصّوا الوارث بالإبطال.

و فيه وجه بعيد لهم: أنّه لا يسلّم إلاّ السّدس.

ص: 122


1- الوجيز 271:1، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
2- العزيز شرح الوجيز 28:7.
3- نهاية المطلب 110:11، الوسيط 413:4، البيان 219:8، العزيز شرح الوجيز 29:7، روضة الطالبين 107:5، المغني 454:6، الشرح الكبير 528:6.
4- نهاية المطلب 111:11، الوسيط 413:4، العزيز شرح الوجيز 29:7.

و إن قالوا: رددنا ما زاد علي الثّلث من الوصيّتين، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه ليس للأجنبيّ إلاّ السدس - و به قال مالك - فإنّ الزيادة قد بطلت بالردّ، فكأنّه أوصي بالثّلث لهما؛ لأنّ الوارث يزاحم الأجنبيّ إذا أجاز الورثة الوصيّتين، فيكون لكلّ منهما الثّلث، فإذا أبطلوا نصفهما بالردّ كان البطلان راجعا إليهما، و ما بقي منهما بينهما، كما لو تلف ذلك بغير الردّ.

و أرجحهما عند أكثرهم: أنّ للأجنبيّ تمام الثّلث - و به قال أبو حنيفة - لأنّ القابل للردّ في حقّ الأجنبيّ الزائد علي الثّلث، و في حقّ الوارث الجميع، فكان الانصراف إلي نصيب الوارث أولي(1).

و لو صرّح الورثة فقالوا: أجزنا الثّلث لكما و رددنا الزائد عليه من وصيّتكما، كان ذلك آكد في جعل السدس لكلّ واحد منهما؛ لتصريحهم به، و إن قالوا: أجزنا وصيّة الوارث كلّها و رددنا نصف وصيّة الأجنبيّ، فهو علي ما [قالوا](2) و كذا يجوز العكس.

و لو أجازوا للوارث نصف وصيّته و للأجنبيّ الجميع، جاز.

و لو أرادوا أن ينقصوا الأجنبيّ عن نصف وصيّته، لم يملكوا ذلك عندهم، سواء أجازوا للوارث أو ردّوا عليه(3).

و إن ردّوا جميع وصيّة الوارث و نصف وصيّة الأجنبيّ، فعلي أحد وجهي الشافعي: لهم ذلك؛ لأنّ لهم أن يجيزوا الثّلث لهما، فيشتركان فيه،6.

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 29:7، روضة الطالبين 107:5-108، المغني 455:6، الشرح الكبير 528:6-529.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 455:6، الشرح الكبير 529:6.

و يكون لكلّ منهما نصفه، ثمّ إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبيّ علي ما كان له حالة الإجازة للورثة.

و علي الآخر: يتوفّر الثّلث كلّه للأجنبيّ؛ لأنّه إنّما ينقص بمزاحمة الوارث، و إذا زالت المزاحمة وجب توفير الثّلث عليه؛ لأنّه قد أوصي له به(1).

مسألة 73: لو أوصي لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه،

صحّ عندنا إن كانت بقدر الثّلث فما دون، و إن زاد احتاج في الزيادة إلي إجازة باقي الورثة، و كان للموصي له مشاركة باقي الورثة في باقي التركة، أمّا لو حصر نصيبه فيه انحصر علي ما تقدّم.

و قالت الشافعيّة: إذا أوصي لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه و أجاز الباقون، سلّم له الموصي به، و الباقي مشترك بينهم(2).

قال الجويني: و ذلك القدر خرج عن كونه موروثا باتّفاق الورثة، أمّا الموصي له: فلأنّه أوقعه عن جهة الوصيّة حيث قبلها، و أمّا غيره: فلأنّه أجازها(3).

و لو أوصي لبعض الورثة بأكثر من نصيبه، فإن قصد منعه من الإرث بعده صحّت الوصيّة إن كانت الزيادة بقدر الثّلث فما دون، و إلاّ بطلت في الزائد، و إن لم يقصد اعتبر ما أوصي به من الثّلث.

و للشافعيّة و جهان:

ص: 124


1- راجع: المغني 455:6، و الشرح الكبير 529:6.
2- العزيز شرح الوجيز 30:7، روضة الطالبين 108:5.
3- نهاية المطلب 103:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 30:7، و روضة الطالبين 108:5.

أصحّهما: أنّه إن أجاز الباقون، سلّم له الموصي به، و الباقي مشترك بينهم، و خرج ذلك القدر عن كونه موروثا باتّفاق الورثة.

و الثاني: أنّ الباقي لمن لم يوص له؛ لاحتمال أنّ غرضه من الوصيّة تخصيصه بتلك الزيادة، لا بجميع الموصي به(1).

و يتخرّج علي هذا الأصل ما إذا أوصي لأجنبيّ بنصف ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالنصف و أجاز الوصيّتين، فللأجنبيّ النصف، و أمّا الابن ففيما يستحقّه و جهان للشافعيّة، أحدهما: النصف، و الثاني: الرّبع و السّدس، و الباقي - و هو نصف السّدس - للّذي لم يوص له؛ لأنّ الثّلث مسلّم للأجنبيّ، لا حاجة فيه إلي إجازة الابنين، و الباقي بينهما لو ردّ لكلّ واحد منهما الثّلث، فإذا أوصي لأحدهما بالنصف فقد زاد علي ما يستحقّه سدسا، فإن قلنا: الباقي بعد الوصيّة لهما جميعا، فالسّدس بينهما، لكنّهما إذا أجازا لزم كلّ واحد منهما أن يدفع نصف السّدس إلي الأجنبيّ ليتمّ له النصف، و حينئذ فيعود ما كان للموصي له إلي النصف، و لا يبقي للآخر شيء، و هذا هو الوجه الأوّل.

و إن قلنا: إنّ السّدس الباقي يختصّ بالذي لم يوص له، فيعود بإجازتهما وصيّة الأجنبيّ نصف الابن الموصي له إلي ربع و سدس، و للابن الآخر نصف سدس، و هذا هو الوجه الثاني.

و لو أجاز الابن الذي لم يوص له الوصيّتين معا و لم يجز الموصي له وصيّة الأجنبيّ، صحّت المسألة من اثني عشر، للأجنبيّ الثّلث: أربعة بلا إجازة، و يأخذ سهما آخر من نصيب الذي أجاز، فيجتمع له خمسة،5.

ص: 125


1- العزيز شرح الوجيز 30:7، روضة الطالبين 108:5.

و للابن الموصي له سبعة، ستّة منها بحكم الوصيّة، و واحد؛ لأنّه لم يجز وصيّة الأجنبيّ، و هذا قياس الوجه الأوّل، و قياس الثاني أن يأخذ الابن الموصي له ستّة أسهم، و يبقي للابن الآخر سهم.

و لو لم يجز الابن الذي لم يوص له وصيّة الأجنبيّ، فللموصي له خمسة.

ثمّ علي قياس الأوّل، للابن الموصي له ستّة، و للآخر سهم، و علي قياس الثاني، للموصي له خمسة، و للآخر سهمان(1).

مسألة 74: لو أوصي لأجنبيّ بثلث ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالكلّ،

و أجازا الوصيّتين، و قصد العول في الوصايا، فللأجنبيّ الثّلث كاملا عند الشافعيّة، و الثّلثان للابن الموصي له، و ليس له زحمة الأجنبيّ في الثّلث؛ فإنّ الوصيّة بالثّلث للأجنبيّ مستغنية عن الإجازة(2).

و فيه احتمال لمتأخّريهم(3).

و يحتمل عندي القسمة علي العول، و يقسّم علي أربعة.

و لو ردّ الابنان، فثلث الأجنبيّ بحاله، و لا شيء للابن الموصي له بالوصيّة.

و لو أوصي لأجنبيّ بالثّلث و لكلّ واحد من ابنيه بالثّلث فردّا، لم يؤثّر ردّهما في حقّ الأجنبيّ.

و لهم وجه آخر: أنّه ليس له إلاّ ثلث الثّلث بالشيوع(4).

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 30:7-31، روضة الطالبين 108:5.
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
3- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
4- نهاية المطلب 112:11، البيان 221:8، العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
مسألة 75: لو وقف دارا في مرض موته علي ابنه الحائز،

صحّ الوقف عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن أبطلنا الوصيّة للوارث، فالوقف باطل، و إن اعتبرناها موقوفة علي الإجازة، قال بعضهم: إن احتملها ثلث ماله لم يكن للوارث إبطال الوقف في شيء منها؛ لأنّ تصرّف المريض في ثلث المال(1) نافذ، فإذا تمكّن من قطع حقّ الوارث عن الثّلث بالكلّيّة فلأن يتمكّن من وقفه عليه و تعليق حقّ الغير به كان أولي، و إن زادت علي الثّلث لم يبطل الوقف في قدر الثّلث، و أمّا الزيادة فليس للمريض تفويت ملكها علي الوارث، و للوارث الردّ و الإبطال، فإن أجاز فإجازته وقف منه علي نفسه إن جعلنا إجازة الوارث ابتداء عطيّة منه، و إن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف.

و قال بعضهم: له ردّ الوقف في الكلّ؛ لأنّ الوصيّة بالثّلث في حقّ الوارث كهي بالزيادة في حقّ غيره عندهم، و لهذا فإنّه لو أوصي لأحد الوارثين بشيء قليل، كان للآخر الردّ، فإن أجاز الابن فالحكم في الكلّ علي الخلاف في كيفيّة الإجازة(2).

و أجاب بعضهم عن هذا: بأنّا إنّما جوّزنا لأحد الوارثين إبطال الوصيّة علي الثاني؛ لأنّه بالوصيّة فضّله عليه، و نقص حقّ الذي لم يوص له عن عطيّة اللّه تعالي، و هنا لا تفضيل(3).

و التفريع علي جواز الوصيّة للوارث في الجملة، فلينفذ تصرّفه في

ص: 127


1- في الطبعة الحجريّة: «ماله» بدل «المال».
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 109:5.
3- العزيز شرح الوجيز 31:7.

الثّلث المستحقّ في النقل المشهور عن ابن الحدّاد، و عليه تتفرّع [الصّور](1) المذكورة من بعد(2).

قال الجويني: المسألة مصوّرة فيما إذا نجّز الوقف في مرض موته [و كان الابن إذ ذاك](3) طفلا فقبله [له](4) ثمّ مات فحاول الابن الردّ أو الإجازة(5).

لكنّه لا حاجة إلي هذا الفرض؛ لأنّه و إن كان بالغا و قبل بنفسه لم يمتنع عليه الردّ بعد الموت؛ إذ الإجازة المعتبرة هي الواقعة بعد الموت(6).

مسألة 76: لو كان له ابن و بنت فوقف ثلثي داره علي ابنه و الثّلث علي البنت،

فإن خرجت الدار من الثّلث لم يكن لهما الردّ؛ لأنّه لم يفضّل و لم يغيّر عطيّة اللّه تعالي، و إن زادت علي الثّلث فلهما ردّ الوقف في الزيادة.

و لو وقفها عليهما نصفين و احتملها الثّلث، صحّ عندنا أيضا،

ص: 128


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصورة». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 31:7، و روضة الطالبين 109:5.
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 109:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أمّا إذا كان الابن». و هي كما تري، و المثبت كما في نهاية المطلب للجويني و كما هو موافق لما في روضة الطالبين نقلا عنه، و في العزيز شرح الوجيز كما في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- نهاية المطلب 98:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 31:7-32، و روضة الطالبين 109:5.
6- قوله: «لكنّه... الموت» من كلام الرافعي في العزيز شرح الوجيز 32:7، و نقله النووي أيضا في روضة الطالبين 109:5.

و لم يكن لهما الردّ.

و قالت الشافعيّة: إن رضي الابن فهي كما لو وقف، و إلاّ فظاهر قول ابن الحدّاد: أنّ له ردّ الوقف في ربع الدار؛ لأنّه لمّا وقف عليه النصف كان من حقّه أن يقف علي البنت الرّبع، فإذا زاد كان للابن ردّه، ثمّ لا يصير شيء منه وقفا عليه، فإنّ الأب لم يقف عليه إلاّ النصف، بل يكون الرّبع المردود بينهما أثلاثا ملكا، و يقسّم من اثني عشر؛ للحاجة إلي عدد له ثلث ربع، فتسعة منها وقف عليهما، و ثلاثة ملك، و كلاهما بالأثلاث(1).

و قال بعضهم: ليس للابن إبطال الوقف إلاّ في سدس الدار؛ لأنّه إنّما يحتاج إلي إجازته فيما هو حقّه، و حقّه منحصر في ثلثي الدار، و قد وقف عليه النصف، فله استخلاص تمام حقّه، و هو السّدس، أمّا الثّلث الآخر فهو حقّها، فلا معني لتسلّطه علي بطلان الوقف فيه. نعم، تتخيّر إن شاءت أجازت، فيكون كلّه وقفا عليها، و إن شاءت ردّت الوقف في نصف سدس الدار، و حينئذ فتكون القسمة علي ما سبق، و النسبة بين وقفها و ملكها كالنسبة بين وقفه و ملكه(2).

مسألة 77: لو وقف الدار علي ابنه و زوجته نصفين،

و لا وارث له غيرهما، فإن أجازا و خرجت من الثّلث صحّ الوقف، و إلاّ صحّ في قدر الثّلث، و كان الباقي طلقا.

و قال ابن الحدّاد من الشافعيّة: قد نقص عن حقّ الابن ثلاثة أثمان الدار، و هي ثلاثة أسباع حقّه؛ لأنّ سبعة أثمان الدار له، و لم يقف عليه إلاّ أربعة أثمانها، و هي أربعة أسباع حقّه، فله ردّ الوقف في حقّها من الدار

ص: 129


1- البيان 84:8، العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 109:5-110.
2- العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 110:5.

- و هو الثّمن - إلي أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، و يكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون الفريضة من ستّة و خمسين؛ لأنّا نفتقر إلي عدد لثمنه سبع، فيكون أربعة أسباع الدار كلّها - و هي اثنان و ثلاثون - وقفا، ثمانية و عشرون منها وقف علي الابن، و أربعة علي الزوجة، و الباقي - و هو أربعة و عشرون - ملكا بينهما، منها أحد و عشرون للابن، و ثلاثة للزوجة(1).

و قال بعضهم: ليس له ردّ الوقف إلاّ في تتمّة حقّه، و هو ثلاثة أثمان الدار، و أمّا الثّمن فالخيار فيه للزوجة(2).

و لو وقف ثلث الدار علي ابنه و ثلثيها علي ابنته و لا وارث له سواهما، فعلي قول ابن الحدّاد إنّه نقص من نصيب الابن ثلث الدار؛ لأنّه يستحقّ ثلثيها، و لم يقف عليه إلاّ الثّلث، و ذلك نصف نصيبه، فله ردّ الوقف في نصف نصيبها، و هو سدس الدار، و الباقي يكون بينهما أثلاثا ملكا، و تقع القسمة من ستّة؛ لأنّا نحتاج إلي عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا و نصفها ملكا أثلاثا، و علي القول الآخر لا يردّ الوقف إلاّ في تتمّة نصيبه، و هي الثّلث، و لها الخيار في السّدس(3).

مسألة 78: لو أسقط المريض عن وارثه دينا له عليه،

أو أوصي بقضاء دينه الذي عليه للأجنبيّ، أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها، أو عفا عن جناية موجبها المال، صحّ ذلك كلّه من الثّلث، و كان كالوصيّة للوارث تصحّ عندنا من الثّلث من غير إجازة، خلافا للعامّة(4).

ص: 130


1- العزيز شرح الوجيز 32:7-33، روضة الطالبين 110:5.
2- العزيز شرح الوجيز 33:7، روضة الطالبين 110:5.
3- العزيز شرح الوجيز 33:7، روضة الطالبين 110:5.
4- المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.

و إن عفا عن القصاص و قلنا: الواجب القصاص عينا، سقط إلي غير بدل، و إن قلنا: الواجب القصاص أو الدية - كما هو مذهب بعض العامّة(1) - سقط القصاص، و وجب المال.

و لو عفا عن حدّ القذف، سقط مطلقا.

و لو أوصي لغريم وارثه، صحّت الوصيّة، و كذلك إن وهب له، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2).

و قال أبو يوسف: إنّه وصيّة للوارث؛ لأنّ الوارث ينتفع بهذه الوصيّة، و يستوفي دينه منها(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوصيّة إنّما وقعت للأجنبيّ، فصحّ، كما لو أوصي لأجنبيّ عادته الإحسان إلي وارثه.

و لو أوصي لولد وارثه، صحّ.

و قالت العامّة: إن قصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه و بين اللّه تعالي(1).

مسألة 79: لو أوصي بثلث لوارث و أجنبيّ و قال: إن ردّوا وصيّة الوارث فالثّلث كلّه للأجنبيّ،

لم يصح ردّهم؛ لأنّها لم تزد علي الثّلث، و الوصيّة للوارث عندنا صحيحة.

و من منع الوصيّة للوارث جوّز لهم الردّ، فيكون الثّلث كلّه للأجنبيّ؛ عملا بالوصيّة(2).

و لو قال: أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان، صحّ.

ص: 131


1- المغني 451:6، الشرح الكبير 464:6-465.
2- المغني 456:6.

و إن قال: وصّيت بثلثي لفلان فإن أقبل فلان الغائب فهو له، صحّ، فإن قدم الغائب قبل موت الموصي فالوصيّة له، و بطلت وصيّة الأوّل، سواء عاد إلي الغيبة أو لم يعد؛ لأنّه قد وجد شرط انتقال الوصيّة إليه، فلم تنتقل عنه بعد ذلك.

و لو مات الموصي قبل قدوم الغائب، فالوصيّة للحاضر، سواء قدم الغائب بعد ذلك أو لم يقدم، قاله بعضهم(1).

و يحتمل أنّ الغائب إن قدم بعد موت الموصي كانت الوصيّة له؛ لأنّه جعلها له بشرط قدومه و قد وجد ذلك.

مسألة 80: لو أوصي لوارثه فأجاز بعض الورثة الوصيّة دون بعض،

نفذ في نصيب المجيز دون من لم يجز إذا كانت بأكثر من الثّلث عندنا، و مطلقا عند العامّة(2).

قالوا: لو أجاز بعضهم بعض الوصيّة و أجاز بعضهم جميعا أو ردّها، فهي علي ما فعلوا من ذلك(3).

فلو خلّف ثلاثة بنين و عبدا لا يملك غيره فوصّي به لأحدهم أو وهبه إيّاه في مرض موته، صحّ له الثّلث عندنا من غير إجازة، و عندهم لا بدّ من الإجازة، فإن أجاز الأخوان له فالعبد له، و إن أجاز له أحدهما وحده فله ثلثاه(4).

و لو أجاز له نصف العبد، فله نصفه عندهم، و لهما النصف(5).

و لو أجاز أحدهما له نصف نصيبه و ردّ الآخر، فله النصف كملا:

الثّلث بنصيبه، و السّدس بنصيب المجيز.

ص: 132


1- المغني 456:6، الشرح الكبير 490:6. (2الي5) المغني 456:6، الشرح الكبير 530:6.

و لو أجازا له نصف نصيبهما، فله الثّلثان: ثلث بالميراث، و ثلث بإجازة أخويه.

و لو أجاز أحدهما له نصف نصيبه و الآخر ثلاثة أرباع نصيبه، كمل له ثلاثة أرباع العبد.

و لو أوصي بالعبد لاثنين منهما، فللثالث أن يجيز لهما أو يردّ عليهما، أو يجيز لهما بعض وصيّتهما إن شاء متساويا و إن شاء متفاضلا، أو يردّ علي أحدهما و يجيز للآخر وصيّته كلّها أو بعضها، أو يجيز لأحدهما جميع وصيّته و للآخر بعضها، كلّ ذلك جائز له؛ لأنّ الحقّ له، فكيفما أراد فعل فيه.

المطلب الثاني: في المسائل اللّفظيّة.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: فيما يتعلّق بالوصيّة للحمل.
مسألة 81: قد تقدّم

مسألة 81: قد تقدّم(1) البحث في شرائط الوصيّة للحمل،

و النظر الآن في قضيّة اللّفظ باعتبار العدد و الذكورة و الأنوثة.

فإذا قال: أوصيت لحمل فلانة بكذا، فأتت بولدين، وزّع عليهما بالسويّة، و لا يفضّل الذكر علي الأنثي، كما لو وهب شيئا لرجل و امرأة، و إنّما التفضيل في التوريث بالعصوبة.

و لو فضّل أحدهما صريحا، اتّبع قوله، سواء فضّل الأنثي أو الذكر.

و لو خرج حيّ و ميّت، فالكلّ للحيّ؛ لأنّ الميّت كالمعدوم، و لهذا لو كان الخارج واحدا ميّتا بطلت الوصيّة، و لم يكن لورثته شيء، و كان

ص: 133


1- في ص 74، المسألة 37.

كالميراث الموقوف للحمل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يسقط النصف، و يكون للوارث، و يصرف النصف إلي الحيّ أخذا بالأسوأ في حقّه(1).

مسألة 82: لو قال: إن كان حملها غلاما فأعطوه عشرة،

و إن كان جارية فأعطوه(2) خمسة، و اقتصر علي أحد الطرفين، فولدت غلامين، فالأقرب: أنّه لا شيء لهما؛ لأنّ التنكير يشعر بالتوحيد، و لصدق أن يقال:

إنّ حملها غلامان لا غلام، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكون العشرة بينهما؛ لأنّ الشافعي [ذكر](3) في باب الطلاق: لو قال: إن كان حملك ذكرا فأنت طالق طلقة و إن كان أنثي فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرين، وجهين، أحدهما: أنّها لا تطلّق؛ لهذا المعني، و الثاني: أنّها تطلّق واحدة، و المعني إن كان جنس حملك ذكرا، و لا فرق بين البابين، فالوجهان آتيان فيهما(4).

قالوا: و لو قال: إن كان حملها ابنا فله عشرة، و إن كان بنتا فخمسة، فولدت ابنين، فلا شيء لهما.

و فرّقوا بين الابن و البنت و بين الذكر و الأنثي بأنّ الذكر و الأنثي اسما جنس، فيقع علي الواحد و العدد، بخلاف الابن و البنت(5).

ص: 134


1- نهاية المطلب 117:11، الوسيط 444:4، الوجيز 275:1، العزيز شرح الوجيز 87:7، روضة الطالبين 154:5.
2- تذكير الضمير في «فأعطوه» باعتبار الحمل.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر و حيث يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 87:7-88، روضة الطالبين 154:5.
5- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 154:5.

و ليس بشيء.

و لا فرق بين ألفاظ العموم في ذلك، مثل: إن كان ما في بطنها ذكرا، و الذي في بطنها.

مسألة 83: لو قال: إن كان في بطنها غلام فله كذا،

فولدت غلاما و جارية، استحقّ الغلام ما ذكره، و لا شيء للجارية.

و لو ولدت غلامين، لم تبطل الوصيّة - و هو أظهر وجهي الشافعيّة - لوجود ما شرطه، و الثاني للشافعيّة: أنّ الوصيّة باطلة؛ لأنّ التنكير يقتضي التوحيد(1).

و علي الصحيح يحتمل توزيع الموصي به عليهما؛ لعدم الأولويّة، و تخيير الوارث في الصّرف إلي من شاء منهما، كما لو وقع الإبهام في الموصي به يرجع إلي الوارث، و الإيقاف إلي أن يبلغا فيصطلحا.

و للشافعيّة مثل هذه الاحتمالات أقوال ثلاثة(2).

و كذا لو أوصي لأحد الشخصين و جوّزنا الإبهام في الموصي له فمات قبل البيان، ففي وجه: يوزّع، و في آخر: يعيّن الوارث، و في آخر: يوقف بينهما إلي أن يصطلحا.

و لو قال: إن كانت حاملا بغلام أو إن ولدت غلاما، فهو كما لو قال:

إن كان في بطنها غلام.

و لو قال: إن ولدت ذكرا فله مائتان، و إن ولدت أنثي فمائة، فولدت خنثي مشكلا، دفع [إليه](3) الأقلّ.

و لو ولدت ذكرا و أنثي، فلكلّ واحد منهما ما ذكر.

ص: 135


1- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
2- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليها»، و الظاهر ما أثبتناه.

و لو ولدت ذكرين و أنثيين، فللشافعيّة و جهان(1) تقدّما(2).

البحث الثاني: في الوصيّة للجيران و القرّاء و العلماء.
مسألة 84: إذا أوصي بشيء لجيرانه،

صحّت الوصيّة إجماعا، و يصرف إلي من يطلق عليه أنّه جار عرفا؛ إذ الألفاظ إنّما تحمل علي معانيها العرفيّة إذا لم يكن هناك عرف شرعيّ.

و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: إذا أوصي لجيرانه فإنّه يفرّق علي من بينه و بينه أربعون ذراعا، و قد روي أربعون دارا، و فيه خلاف(3).

و المشهور عند الشافعيّة: أنّه يفرّق علي من(4) يلي داره إلي أربعين دارا من كلّ جانب من الجوانب الأربعة(5) ، و به قال أحمد و الأوزاعي(6) ؛ لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «حقّ الجوار أربعون دارا» هكذا و هكذا و هكذا و هكذا، و أشار قدّاما و خلفا و يمينا و شمالا(7).

و روي العامّة عن عليّ عليه السّلام في قول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «لا صلاة لجار

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
2- في ص 134، ضمن المسألة 82.
3- المبسوط - للطوسي - 41:4.
4- في «ص، ل»: «في من» بدل «علي من».
5- المهذّب - للشيرازي - 462:1، نهاية المطلب 318:11، الوجيز 276:1، الوسيط 445:4، حلية العلماء 95:6، التهذيب - للبغوي - 79:5، البيان 8: 204، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5، مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، النتف 824:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 585:6-586، الشرح الكبير 521:6.
6- الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 585:6 و 586، الشرح الكبير 6: 521.
7- مسند أبي يعلي 5982/385:10.

المسجد إلاّ في المسجد» قال: «من سمع النداء»(1).

و قال سعيد بن عمرو بن جعدة: من سمع الإقامة(2).

و قال أبو حنيفة: الجار هو الملاصق؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «الجار أحقّ بصقبه»(3) يعني الشفعة، و إنّما تثبت للملاصق، و لأنّ الجار مشتقّ من المجاورة(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ اللّه تعالي قال: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبي وَ الْجارِ الْجُنُبِ (5) فأثبت الجوار مع البعد.

و قال قتادة: الجار: الدار و الداران(6).

و قال أبو يوسف: الجيران أهل المحلّة إن جمعهم مسجد، فإن تفرّق أهل المحلّة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران، و إن كانا عظيمين فكلّ أهل مسجد جيران، و أمّا الأمصار التي فيها القبائل فالجوار6.

ص: 137


1- المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
2- المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
3- مسند أحمد 26639/536:7، و فيه: «... بصقبه أو سقبه»، مسند أبي داود الطيالسي: 973/131، سنن أبي داود 3516/286:3، سنن النسائي (المجتبي) 320:7، سنن الدارقطني 74/224:4 و 75، السنن الكبري - للبيهقي - 6: 105، و فيها: «... بسقبه».
4- الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6، مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، مختصر القدوري: 243، النتف 2: 824، روضة القضاة 4017/707:2، الفتاوي الولوالجيّة 392:5، الفقه النافع 1186/1418:3، بدائع الصنائع 351:7، شرح الزيادات 1614:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 109:5، نهاية المطلب 11: 318، الوجيز 276:1، حلية العلماء 96:6، التهذيب - للبغوي - 79:5، البيان 204:8، العزيز شرح الوجيز 89:7.
5- سورة النساء: 36.
6- حلية العلماء 96:6، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.

علي الأفخاذ(1).

و روي الشافعيّة وجها مثل قول أبي حنيفة(2).

و قال بعض الشافعيّة: من تلاصق داره داره من الجوانب جار، و في من ليس بملاصق - كالذي باب داره حذاء باب داره، و الذين هم في زقاق واحد غير نافذ - اختلاف للأصحاب(3).

و عن أحمد رواية: أنّ جيرانه هم الذين يحضرون مسجده(4).

فروع:

أ: لو أوصي لأهل دربه أو سكّته، فهم أهل المحلّة الذين طريقهم في دربه.

ب: لو أوصي لجيران قريته أو لجيران بلده، لم يكن لأهل القرية و لا لأهل بلده شيء، و صرف إلي أقرب الناس إلي قريته و بلده مكانا.

ج: لو أوصي لجيران قريته، ففي الانصراف إلي القرايا(5) القريبة إشكال، أقربه: صرفه إلي أقرب القرايا إلي قريته من جهة واحدة، فإن تساوت قريتان أو أربع من الجوانب قربا اشتركوا.

مسألة 85: لو أوصي للقرّاء،

انصرف إلي من يقرأ جميع القرآن، لا إلي من يقرأ بعضه، عملا بالعرف، فإنّه لا يفهم منه إلاّ الكلّ، لأنّهم الذين

ص: 138


1- مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
2- نهاية المطلب 318:11، الوجيز 276:1، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5.
3- نهاية المطلب 318:11، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5.
4- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 89:7.
5- كذا قوله: «القرايا» - و كذا فيما يأتي - في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و القرية تجمع علي «قري» علي غير القياس، كما في تهذيب اللغة 270:9، و الصحاح 6: 2460 «قرا».

يقع عليهم الاسم في العادة.

و هل يدخل فيه من لا يحفظه و إنّما يقرأ من المصحف ؟ إشكال ينشأ: من معارضة العرف للوضع.

و للشافعيّة وجهان(1).

و الأقرب: الرجوع إلي العرف، و هو الآن ينصرف إلي الحفّاظ الذين يقرأون بالألحان، و أمّا من حيث الوضع فإنّه لا يشترط في إطلاق اللّفظ الحفظ عن ظهر القلب، بل يصدق علي من يقرأ في المصحف، و لا يشترط أيضا قراءة جميع القرآن؛ لأنّه مأخوذ من القرء، و هو الجمع، و هو صادق في البعض كما يصدق في الجميع.

مسألة 86: لو أوصي للعلماء أو لأهل العلم،

صرف إلي العلماء بعلوم الشرع، و هي التفسير و الحديث و الفقه.

و لا يدخل في هذا الاسم الذين يسمعون الحديث و لا علم لهم بطرقه(2) ، و لا بأسامي الرواة و لا بمتن الأحاديث، فإنّ السماع المجرّد ليس بعلم، و كذا لا يدخل فيه المقرئون و المعبّرون(3).

قالت الشافعيّة: و لا يدخل فيه الأدباء و الأطبّاء و المنجّمون و الحسّاب و المهندسون(4) ، و هكذا ذكر أكثرهم في المتكلّمين(5).

و قال بعضهم: إنّ علم الكلام داخل في العلوم الشرعيّة(6).

و الوجه: دخول الجميع فيه.

ص: 139


1- الوسيط 446:4، التهذيب - للبغوي - 79:5-80، العزيز شرح الوجيز 7: 89، روضة الطالبين 155:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «بطريقه».
3- أي: المعبّرون للرؤيا. (4الي6) العزيز شرح الوجيز 90:7، روضة الطالبين 156:5.

و في المنجّم إشكال من حيث تحريم صنعته، و من حيث إنّ الوصيّة له لا في التنجيم.

و لو أوصي للفقهاء، فالأقرب: اندراج من يصدق عليه أنّه فقيه عرفا، و هو لمن يعلم أحكام الشرع من كلّ نوع شيئا.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: ما ذكرناه.

و الثاني: أنّه يدخل فيه من حصّل شيئا من الفقه و إن قلّ حتي المسألة الواحدة.

و الثالث: أنّ من حفظ أربعين مسألة فهو فقيه؛ لما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من حفظ علي ديني(1) أربعين حديثا كتب فقيها»(2).

مسألة 87: لو أوصي لأعقل الناس في البلد،

فهو لأجودهم تدبيرا في دينه و دنياه.

و قال الشافعي: يصرف إلي أزهدهم(3).

و لو قال: لأجهل الناس، قال بعض الشافعيّة(4): يصرف إلي عبدة الأوثان(5).

فإن قال: لأجهل الناس من المسلمين، قال بعض الشافعيّة: يصرف إلي من يسبّ الصحابة(6).

ص: 140


1- في العزيز شرح الوجيز 91:7: «أمّتي» بدل «ديني».
2- العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
3- البيان 205:8، العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
4- في النّسخ الخطّيّة: «بعض أصحابه» بدل «بعض الشافعيّة».
5- العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
6- البيان 205:8، العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.

و قال صاحب التتمّة من الشافعيّة: يصرف إلي الإماميّة المنتظرة للقائم(1).

و كلا القولين خطأ.

أمّا بيان خطأ الأوّل: فلأنّ السبّ لا يخرج السابّ عن كونه عاقلا، أقصي ما في الباب أنّه ارتكب ما لا يجوز، و ليس ذلك سببا في سلب العقل(2) ، و إلاّ لكان كلّ فسق كذلك، و هو باطل قطعا، مع أنّ السباب بين الصحابة قد وقع، فقد سبّ معاوية و بنو أميّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام علي المنابر ثمانين سنة، و كذا سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام معاوية، مع كمال عقله و سبقه في العلم و بلوغه أقصي الغايات فيه.

ثمّ قتل الصحابة أعظم كثيرا من سبّهم، و قد قتل يزيد بن معاوية الحسين عليه السّلام و نهب حريمه مع إظهار النبيّ صلّي اللّه عليه و اله محبّته له(3) ، و اشتهار أمره و أمر أخيه، و جعل اللّه تعالي مودّتهم أجر الرسالة(4) ، التي هي أعظم الألطاف الربّانيّة علي العبيد، فإنّ بسببها يحصل الثواب الدائم و الخلاص من العقاب السرمد، مع أنّ يزيد لم يخرج بذلك عن حدّ العقلاء، بل كان إماما عند بعضهم.

و كان عمر بن الخطّاب عندهم ثاني الخلفاء صاحب الفتوح الكثيرة3.

ص: 141


1- عنه في العزيز شرح الوجيز 91:7، و روضة الطالبين 157:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «السلب» بدل «سلب العقل».
3- راجع علي سبيل المثال: المصنّف - لابن أبي شيبة - 97:12-12231/98 و 12232، و فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 1356/769:2، و 770 - 1358/771، و سنن ابن ماجة 142/51:1، و الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 656-3769/657.
4- سورة الشوري: 23.

و السياسات العظيمة و قد سبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في مرضه الذي توفّي فيه صلّي اللّه عليه و اله، حيث قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «ائتوني بدواة و كتف لأكتب فيه كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، حسبنا كتاب اللّه، فأعرض النبيّ صلّي اللّه عليه و اله عنه مغضبا، ثمّ وقع التشاجر بين الصحابة، فقال بعضهم: القول ما قاله عمر، و قال آخرون: القول ما قاله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، و أمرهم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله بالانصراف عنه؛ حيث آذوه بالصياح عنده، فسألوا منه الكتابة، ففتح عينيه صلّي اللّه عليه و اله و قال: «أبعد ما سمعت»(1).

و قال يوما: إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله شجرة نبتت في كبا، أي: في مزبلة، و عني بذلك رذالة أهله، فسمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ذلك فاشتدّ غيظه ثمّ نادي:

«الصلاة جامعة» فحضر المسلمون بأسرهم، فصعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله المنبر، ثمّ حمد اللّه و أثني عليه، و قال: «أيّها الناس ليقم كلّ منكم ينتسب إلي أبيه حتي أعرف نسبه» فقام إليه شخص من الجماعة و قال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان بن فلان، فقال: «صدقت» ثمّ قال آخر فقال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان، فقال: «لست لفلان، و إنّما أنت لفلان، و انتحلك فلان ابن فلان» فقعد خجلا، ثمّ لم يقم أحد، فأمرهم عليه السّلام بالقيام و الانتساب مرّة و اثنتين، فلم يقم أحد، فقال: «أين السابّ لأهل بيتي ليقم إليّ و ينتسب إلي أبيه ؟» فقام عمر و قال: يا رسول اللّه، اعف عنّا عفا اللّه عنك، اغفر لنا غفر اللّه لك، احلم عنّا أحلم اللّه عنك، و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله كثير الحياء، فقال:

«إذا كان يوم القيامة سجدت سجدة لا أرفع رأسي حتي لا يبقي أحد من بنير.

ص: 142


1- الطبقات الكبري - لابن سعد - 242:2 و 244، مسند أحمد 2983/534:1، صحيح البخاري 156:7، صحيح مسلم 21/1259:3 و 22، سرّ العالمين: 11، الوفا بأحوال المصطفي 779:2-780، و فيها بتفاوت و اختصار.

عبد المطّلب إلاّ دخل الجنّة»(1).

و أيضا فقد سبّ أهل السّنّة و الجماعة النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، حيث نسبوا إليه الكفر؛ لأنّه صلّي اللّه عليه و اله صلّي يوما صلاة الصبح و قرأ فيها سورة النجم إلي أن وصل إلي قوله تعالي: وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْري (2) قالوا: فقرأ بعد ذلك: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي(3) ، و هذا عين الكفر، و أيّ سبّ أعظم ممّن نسب الكفر إلي من قال اللّه تعالي فيه قبل هذه الآية بكلمات وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (4).

و نسبوا أباه إلي الكفر(5) ، و أيّ سبّ أعظم من أن يقال للشخص:

يا ابن الكافر، بل سبّوا اللّه تعالي، حيث أسندوا جميع الموجودات من الحسن و القبيح إليه تعالي، فجميع شرّ في العالم أو ظلم أو غير ذلك فهو صادر منه، تعالي اللّه عن ذلك، و إذا سبّ الإنسان غيره فقال: أنت كافر، كان معناه أنّك أوجدت الكفر و فعلته، فبأيّ شيء يسبّ اللّه تعالي بأعظم من ذلك.

و أمّا بيان بطلان القول الثاني: فلأنّ الجهل ليس باعتبار اعتقاد الإمامة؛ لأنّ العقل و النقل متطابقان عليها، و لا باعتبار اعتقادهم في صفات الإمام من العصمة و الانحصار في عدد معيّن؛ لدلالة العقل و النقل معا عليه، فإنّ غير المعصوم يحتاج إلي إمام معصوم كما احتاجت الأمّة إليه، و قد نصّ2.

ص: 143


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- سورة النجم: 20.
3- ينظر: جامع البيان 131:17 و ما بعدها، و الوسيط - للواحدي - 276:3، و النكت و العيون (تفسير الماوردي) 35:4-36.
4- سورة النجم: 3 و 4.
5- دلائل النبوّة - للبيهقي - 192:1، و ينظر: البداية و النهاية 280:2.

النبيّ صلّي اللّه عليه و اله في عدّة مواطن علي تعيين الإمام و علي تعدّده و انحصاره في الاثني عشر عليهم السّلام، و الإجماع المركّب الدالّ عليه، فإنّ كلّ من يعتقد وجوب العصمة في الإمام قال بانحصار الأئمّة فيهم، و قد ثبت بالدليل وجوب العصمة، فثبت الإجماع، و لا باعتبار اعتقادهم طول عمره؛ لأنّ ذلك أمر ممكن و واقع، و قد نصّ القرآن العزيز علي وقوعه في نوح، حيث قال تعالي: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً (1) و نقل أنّه عاش ألف سنة و ثلاثمائة سنة(2) ، و عاش آدم عليه السّلام تسعمائة و ثلاثون سنة، مذكور في التوراة(3) ، و عاش شيث تسعمائة و اثنتي عشرة سنة(4) ، و عاش إدريس ثلاثمائة و خمسا و ستّين سنة(5) ، و كان عمر إبراهيم عليه السّلام مائتي سنة(6) ، و قيل:

مائة و خمس و تسعون سنة(7) ، و عمر الخضر إلي الآن، و ليس له القرب الذي للإمام المنتظر عليه السّلام من النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، و هو أقدم ولادة منه عليه السّلام بعدّة ألوف من السنين.

و بالجملة، فطول العمر من الأمور الممكنة بلا خلاف، و كلّ ممكن فهو مقدور للّه تعالي بلا خلاف، و من أنكر هذين الحكمين كان خارقا1.

ص: 144


1- سورة العنكبوت: 14.
2- تاريخ الطبري 179:1، الإنباء بأنباء الأنبياء: 55، الكامل في التاريخ 68:1.
3- تاريخ الطبري 158:1 و 159، البدء و التاريخ 11:3، الإنباء بأنباء الأنبياء: 51، الكامل في التاريخ 51:1، البداية و النهاية 95:1.
4- تاريخ الطبري 162:1-163، الإنباء بأنباء الأنبياء: 52، الكامل في التاريخ 54:1.
5- تاريخ الطبري 170:1، الإنباء بأنباء الأنبياء: 54، الكامل في التاريخ 62:1.
6- تاريخ الطبري 312:1، المنتظم 303:1، الكامل في التاريخ 124:1، البداية و النهاية 174:1.
7- الإنباء بأنباء الأنبياء: 61.

للإجماع، و إذا كان ممكنا كيف ينسب من يعتقد وقوعه - مستندا إلي هذا الإمكان و إلي أخبار كثيرة وردت عليه من جماعة يعتقد عدالتهم و أمانتهم و صدقهم - إلي الجهل!؟ بل لو اجتمعت هذه المعلومات(1) عند من حكم بالجهل ثمّ لم يعتقد النتيجة منها كان أجهل الناس، بل الأولي صرف هذه الوصيّة إلي منكري الضروريّات، كالسوفسطائيّة و من ضارعهم من أهل السّنّة و الجماعة.

و لو خصّص الوصيّة، فقال: يعطي هذا لأجهل المسلمين، قالوا:

ينبغي أن يصرف إلي من ضارع السوفسطائيّة في إنكار الضروريّات من أهل السّنّة و الجماعة(2).

و بيان ذلك: أنّ أهل السّنّة و الجماعة التزموا برؤية اللّه تعالي، و هذا اعتقاد مخالف لما قضت به بديهة العقل، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الرؤية إنّما تكون للمقابل أو في حكمه، و هو مخصوص بذوات الأوضاع، فما لا وضع له لا يمكن رؤيته بضرورة العقل، و كيف يحكم عاقل بأنّا نري ما ليس في جهة و لا يشار إليه بإشارة حسّيّة أنّه هنا أو هناك!؟

و أيضا ذهبوا إلي أنّه يجوز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلي السماء و هي مشرقة بألوان مختلفة و لا حاجب بيننا و بينها و نور الشمس قد سطع عليها و أشرقت به و صاحب الحاسّة السليمة لا يشاهدها و بينها و بينه أقلّ من شبر، و أنّه يجوز أن يشاهد الأعمي الذي لم يخلق اللّه تعالي له حاسّة البصر و هو علي طرف المشرق - مثلا - نملة بقدر رأس الإبرة تمشي علي صخرة سوداء في طرف قطر المغرب.5.

ص: 145


1- في النّسخ الخطّيّة: «المقدّمات» بدل «المعلومات».
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 91:7، و روضة الطالبين 157:5.

و كذا جوّزوا أن يكون صحيح السمع في الغاية لا يسمع الأصوات الهائلة التي هي أقوي من أشدّ الصواعق صوتا و لا حائل بينه و بينها، و يخفي عليه ذلك و لا صمم بأذنه، ثمّ يسمع الأصمّ الذي لا يسمع شيئا ألبتّة من أوّل عمره و هو علي طرف قطر المشرق أدني مشاورة بين اثنين لا يسمع ثالث عندهما و هما علي طرف قطر المغرب.

و جوّزوا أن تكون البريّة الخالية من البشر، التي قدرها طولا و عرضا مائة فرسخ - مثلا - قد امتلأت ألوفا من الخلائق التي لا حصر لعددهم و هم في غاية المحاربة و المسابقة و المراماة بالمناجيق و المصاولة بالحراب و السيوف و الخيول التي يركبونها و لا حصر لها و الإنسان السائر في تلك البريّة طولا و عرضا و مستقيما و معوجا و علي خطّ مستقيم و مستدير و يحيط تلك البريّة و يجول فيها بفرسه و لا يسمع لأولئك حسيسا، و لا يدرك لهم صورة، و لا يصدم منهم إنسانا و لا دابّة، بل تتواري(1) عنه و تنحرف يمينا و شمالا و في جميع المسامتات تبعد عنه.

و جوّزوا أنّ الواحد منّا يري جوع غيره و شبعه و يدرك ذلك منه و كذا يدرك لذّة الغير و ألمه و فرحه و غمّه و سروره و يري علمه و ظنّه و وهمه و شكّه و خوفه و اعتقاده و إحساسه و جميع الكيفيّات النفسانيّة التي للغير و لا يشاهد لون بشرته و لا يري أنّها سوداء أو بيضاء مع عدم الحاجب عنها و وقوع الضوء عليها، و بالجملة يشاهد ما وقع بينه و بينه حجاب عرضه ألف ذراع من الحديد - مثلا - في اللّيلة الظلماء و لا ضوء هناك و لا يشاهد ما هو إلي جانبه و لا حاجب له و نور الشمس مشرق عليه و هو ملوّن، و كذا يشاهد».

ص: 146


1- في «ر، ص»: «تنزوي» بدل «تتواري».

الذرّة في المشرق و هو بالمغرب و لا يدرك الجبل العظيم الحاضر عنده و لا مانع من رؤيته.

و أيضا ذهبوا إلي انتفاء صدور المسبّبات عن أسبابها، و نفوا العلّيّة مطلقا بين العلّة و المعلول، فقالوا: الإنسان إذا نزل في الثلج إلي حدّ رأسه قد لا يحصل له البرد، بل يكون حاله هناك كحاله إذا وقع في تنّور مسعّر قد اشتعل فيه الخشب العظيم مدّة أيّام، و أن يكون حاله إذا وقع في ذلك التنّور بمنزلة ما إذا وقع في بحر الثلج بحيث يحسّ في الثلج بالحرّ المفرط و في التنّور المسعّر بالبرد المفرط، و إنّ الضرب ليس سببا في الألم، بل قد يضرب الإنسان أشدّ الضرب بأقوي الآلات المؤلمة و لا يحصل له ألم ألبتّة، بل قد يحصل له اللّذّة العظيمة التي يدركها عند مباشرته لأحسن الصّور حالة الوقاع، و بالعكس.

و هؤلاء في الحقيقة أعظم سفسطة من السوفسطائيّة؛ لأنّ جماعة من الحكماء لمّا عجزوا عن مجادلة منكري البديهيّات من السوفسطائيّة التجأوا إلي ضربهم بالخشب و إحراقهم بالنار بحيث يدركون الألم الشديد و يفرّقون بين حالهم عند الضرب و الإحراق و حالهم عند الخلوّ عنهما، و إذا فرّقوا بين الإحساس و عدمه حصل الفرق بالعقل بين المعلوم بالضرورة و ما لا يعلم بالضرورة، و هؤلاء اعترفوا علي أنفسهم بأنّه قد يحصل لهم عند الضرب العظيم و الإحراق بالنيران الكثيرة ضدّ الألم، و هو اللّذّة العظيمة، فصاروا بهذا الاعتبار أشدّ عنادا للحقّ من السوفسطائيّة.

و قالوا: إنّ المدلول لا يحصل من سببه، و هو الدليل، بل قد يحصل من خلافه، أو يحصل ضدّه، فإذا قال الإنسان: العالم متغيّر و كلّ متغيّر

ص: 147

محدث، لا يلزم حصول اعتقاد أنّ العالم محدث، بل قد يحصل أنّ العالم قديم، أو يحصل أنّ الإنسان جسم مثلا، و إذا اعتقد أنّ الإنسان حيوان و أنّ كلّ حيوان جسم لا يحصل أنّ الإنسان جسم، بل قد يحصل أنّ الإنسان عرض أو أنّ العالم محدث، و أيّ جهل أعظم من ذلك ؟

و أيضا قالوا: إنّ اللّه تعالي هو الخالق(1) لأفعال العباد بأسرها خيرها و شرّها، حسنها و قبيحها، و قد خالفوا الضرورة في ذلك، فإنّ كلّ عاقل يجزم جزما ضروريّا بأنّه الفاعل لأفعال نفسه بحسب اختياره و إرادته، و أنّ الضرورة فرّقت بين وقوع الإنسان من سطح الدار و نزوله بالدرج، و نعلم بعدم اختياره في الأوّل، و أنّه مختار في الثاني.

قال أبو الهذيل العلاّف: حمار بشر أعقل من بشر؛ لأنّ حمار بشر إذا أتيت به إلي جدول صغير و حملته علي طفره طفره، و لو أتيت به إلي جدول كبير و حملته علي طفره لم يطفره، و لو بالغت في ضربه عدل يمينا و شمالا، و لم يطعك علي طفره؛ لأنّه فرّق بين ما يقدر عليه و ما لا يقدر عليه، و بشر لم يفرّق بينهما(2).

و لزمهم من ذلك ارتكاب محالات:

أحدها: نسبة اللّه تعالي إلي الظلم، حيث يعذّب الكافر أشدّ العذاب من غير صدور ذنب منه؛ إذ لا فرق بين فعله و شكله، فجوّزوا تعذيب الكافر علي لونه و طوله و قصره و غير ذلك من الأفعال التي فعلها اللّه تعالي فيه، كما يعذّبه علي الذنوب.

و ثانيها: أنّه تعالي كلّف العبد ما لا قدرة له عليه، و أمره و نهاه بما2.

ص: 148


1- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «الخلاّق» بدل «الخالق».
2- الفائق في أصول الدين: 242.

لا يمكن صدوره عنه، و أيّ ظلم أعظم من ذلك ؟ تعالي اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و ثالثها: أنّهم جوّزوا بواسطة ذلك تكليف الأعمي قراءة المصاحف و نقطها، و التمييز بين الألوان، و تكليف الزّمن من العدو، و تكليف الإنسان الطيران إلي السماء، و يعذّب علي ترك ذلك، و هذا من أعظم أنواع الظلم.

و رابعها: أنّهم يلزمهم تكذيب القرآن العزيز، فإنّ اللّه تعالي يقول:

وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (1) وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (2) وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ (3) و أهل السّنّة و الجماعة يقولون:

لم يكونوا ظالمين، بل اللّه تعالي ظلمهم.

و خامسها: أنّه يلزمهم نفي صفات الكمال عن اللّه تعالي، مثل قوله تعالي: غَفُوراً رَحِيماً (4)حَلِيماً (5) لأنّ هذه الصفات إنّما تثبت لو استحقّ العبد العذاب ثمّ عفا اللّه تعالي عنه و غفر له و رحمه، لكن استحقاق العقاب إنّما يكون علي ارتكاب ما نهي اللّه تعالي عنه، فإذا كان الفعل من اللّه تعالي لم يتحقّق شيء من ذلك.

و سادسها: أنّه يلزم منه تكذيب القرآن العزيز في مواضع لا تحصي كثرة، كالآيات التي أضاف اللّه تعالي الفعل فيها إلي العبد: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ1.

ص: 149


1- سورة فصّلت: 46.
2- سورة غافر: 31.
3- سورة الزخرف: 76.
4- سورة النساء: 23 و 96 و 106 و 110 و 129 و 152، سورة الفرقان: 6 و 70، سورة الأحزاب: 5 و 24 و 50 و 59 و 73، سورة الفتح: 14.
5- سورة الإسراء: 44، سورة الأحزاب: 15، سورة فاطر: 41.

يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ (1) بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً (2) و التي مدح المؤمن فيها علي إيمانه، و ذمّ العاصي علي عصيانه و الجزاء عليهما(3) ، و التي نزّه اللّه تعالي فيها نفسه عن مساواة فعله لأفعالنا(4) ، و التي ذمّ العباد فيها علي فعلهم، و كيف يوبّخهم في قوله: فَأَنّي تُؤْفَكُونَ (5) و الإفك منه تعالي، لِمَ تَصُدُّونَ (6)لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ (7)لِمَ تَكْفُرُونَ (8)لِمَ تَلْبِسُونَ (9)لِمَ أَذِنْتَ (10) و الآيات التي فيها الجزاء:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا (11) بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (12) .

و أيضا فإنّ هؤلاء الذين هم أهل السّنّة و الجماعة يلزمهم أحد الأمرين المحالين: إمّا كونه تعالي موجبا لأفعاله غير مختار فيها، أو التناقض بين كلامهم، و الأوّل محض الكفر، و الثاني أعظم المحالات.2.

ص: 150


1- سورة البقرة: 79.
2- سورة يوسف: 18.
3- سورة البقرة: 86، سورة آل عمران: 90، سورة الأنعام: 160، سورة طه: 15 و 124، سورة النمل: 90، سورة غافر: 17، سورة الطور: 16، سورة النجم: 37 و 38، سورة الرحمن: 60.
4- سورة النساء: 40 و 49، سورة هود: 101، سورة الحجر: 85، سورة الإسراء: 71، سورة غافر: 17، سورة فصّلت: 46، سورة الملك: 3.
5- سورة الأنعام: 95.
6- سورة آل عمران: 99.
7- سورة التحريم: 1.
8- سورة آل عمران: 70 و 98.
9- سورة آل عمران: 71.
10- سورة التوبة: 43.
11- سورة النساء: 160.
12- سورة الأعراف: 39، سورة يونس: 52.

و بيان ذلك: أنّهم استدلّوا علي إسناد أفعال العباد إلي اللّه تعالي بوجوه أقواها عندهم: و جهان:

أحدهما: أنّ الفعل الذي صدر عن العبد إن علم اللّه تعالي وقوعه وجب وقوعه، و إلاّ لجاز أن لا يقع، فيلزم الجهل علي اللّه تعالي، و هو محال، و إذا وجب وقوعه انتفت قدرة العبد، و إن علم اللّه تعالي عدم الفعل استحال وقوعه؛ إذ لو جاز وقوعه لزم تجويز الجهل علي اللّه تعالي، و هو محال، و إذا استحال وقوعه انتفت قدرته عليه.

و ثانيهما: أنّ الفعل الصادر عن العبد إن وجب صدوره عنه انتفت قدرته عليه، فإنّ الواجب غير مقدور؛ لامتناع عدمه، و كلّ مقدور فهو غير ممتنع العدم، و إن لم يجب [صدوره] عنه كان ممكنا، فترجيح وجوده علي عدمه إن كان لا لسبب لزم وقوع الممكن الجائز من غير سبب، و هو باطل بالضرورة، و مقتض لانتفاء دليل إثبات الصانع تعالي، و إن كان لسبب فإمّا أن يجب وجوده مع ذلك السبب، فيلزم نفي القدرة عليه أيضا، و إن لم يجب أمكن فرض عدمه في وقت و وجوده في آخر، فإن ترجّح الوجود علي العدم لا لسبب لزم المحال السابق، و إن كان لسبب لم يكن ما فرضناه سببا بسبب، و أيضا يعود الكلام فيه، و علي كلّ تقدير تنتفي قدرة العبد.

و هذان الوجهان إن أوجبا نفي قدرة العبد أوجبا نفي قدرة اللّه تعالي، و ذلك عين الكفر أو التناقض إن أثبتوا قدرة للّه تعالي لا للعبد، و لا يمكنهم الفرق بين اللّه تعالي و العبد في ذلك؛ لتناول الدليلين لهما بالسويّة.

و طريق الجواب فيهما واحد، و هو أنّ العلم تابع، فلا يؤثّر في المتبوع وجوبا و لا إمكانا و لا امتناعا، و الوجوب المستند إلي الاختيار مع القصد لا ينافي الإمكان الذاتي.

ص: 151

و أيضا فهؤلاء أهل السّنّة و الجماعة ارتكب بعضهم في باب أفعال العباد ما يخالف العقل، و هو أنّهم لمّا لزمهم الشناعات العظيمة السابقة و غيرها التجأوا إلي إثبات شيء لا يعلمونه، و هو الكسب، فقالوا: العبد غير فاعل للفعل لا بالاستقلال و لا بالشركة، و لكنّه مكتسب له، فسئلوا عن معني الكسب ما هو؟ فقال بعضهم: إنّه صفة الفعل من كونه طاعة أو معصية، و قال آخرون: إنّه عبارة عن اختيار الفعل، فقيل لهما: هذا الصادر إن لم يكن شيئا فلا صدور و لا صادر و لا مؤثّر فيه، و إن كان شيئا صادرا عن العبد فقد اعترفتم بكون العبد فاعلا، فلم خالفتم الضرورة في إسناد الفعل إلينا؟ فالتجأ بعضهم إلي عدم العلم بهذا الكسب، و قالوا: إنّه غير معلوم، و هذا أشدّ استحالة من الأوّل، فإنّ إثبات ما ليس بمعلوم كنفي ما هو معلوم في الاستحالة، و أيّ جهل أعظم من ذلك ؟

و أيضا ارتكب أهل السّنّة و الجماعة في باب الكلام أشياء مخالفة للعقل، و الضرورة قاضية ببطلانها.

منها: أنّهم قالوا: إنّ الكلام الذي تعرفه الناس بأسرهم ليس هو الكلام بالحقيقة، و إنّما الكلام بالحقيقة عبارة عن صفة نفسانيّة قائمة بالمتكلّم مغايرة للإرادة و التخيّل و العلم، و هذه الحروف و الأصوات عبارة عنها و كناية لها.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ هذا الكلام ليس بأمر و لا خبر و لا استخبار و لا نهي، و إنّ جميع أساليب الكلام مسلوبة عنه، و إنّه شيء واحد. و هذا غير معقول.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ ذلك الكلام قديم، ثمّ ذهب بعضهم إلي أنّه في الأزل أمر و نهي و خبر و غير ذلك، و بعضهم نفي هذه الصفات عنه، و أثبتوا

ص: 152

قدم أصل الكلام و قدم الأمر و النهي و الخبر غير المعقول الصدور من الحكيم، فإنّ الواحد منّا لو جلس في داره وحده ثمّ قال: يا سالم قم، يا غانم اخرج، و لم يكن عنده أحد، عدّه العقلاء سفيها، و الضرورة قاضية بذلك، فهؤلاء قد خالفوا، و مع ذلك يلزم أن يكون اللّه تعالي كاذبا؛ لأنّه أخبر بقوله تعالي: إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً (1) و غيره من الإخبارات الماضية مع أنّه لا سابق علي الأزلي، فقد أخبر تعالي بما لم يكن، و لا معني للكذب سوي ذلك، و من جوّز ذلك علي اللّه تعالي فهو أجهل الناس.

و منها: أنّهم أثبتوا للأمر معني مغايرا للإرادة سمّوه الطلب، و للنهي معني آخر غير الكراهة سمّوه الطلب، و جوّزوا أن يأمر اللّه تعالي بما يكرهه و أن ينهي عمّا يريده، بل اللّه تعالي كاره للطاعات التي لم يفعلها الكافر، و مريد للمعاصي التي فعلها و قد قال اللّه تعالي: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (2) و هذا هو عين السفه و الجهل، تعالي اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و أيضا فإنّهم نفوا الحسن و القبح العقليّين، و لزمهم من ذلك محالات:

منها: مخالفة الضرورة في ذلك، فإنّ كلّ عاقل يعلم بالضرورة حسن الصدق النافع و قبح الكذب الضارّ و حسن الإحسان إلي الغير و قبح الظلم له، و أنّه يقبح تكليف الأعمي بنقط المصاحف و تعذيبه علي تركه، و تكليف الزّمن الطيران إلي السماء و تعذيبه علي تركه، و لأنّ كلّ عاقل يعلم بالضرورة الفرق بين المحسن و المسيء، و أنّ المحسن يستحقّ المدح و الثناء8.

ص: 153


1- سورة نوح: 1.
2- سورة الإسراء: 38.

و الشكر، و المسيء يستحقّ الذمّ و اللوم، و يعدّ ذامّ المحسن إليه دائما و شاكر المسيء إليه دائما من أسفه الناس و أجهلهم، و أنّ من خيّر بين الصدق و الكذب مع تساويهما في جميع المنافع فإنّه يختار الصدق علي الكذب، و لو لا قضاء الضرورة بالفرق بينهما لما اختار العاقل الصدق علي الكذب.

و منها: أنّه يجوز من اللّه تعالي علي تقدير نفي الحسن و القبح العقليّين تعذيب المطيع دائما و إثابة العاصي دائما، فيدخل محمّدا صلّي اللّه عليه و اله النار حيث أطاعه و يعذّبه فيها دائما، و يدخل إبليس الجنّة حيث عصاه و يخلّده فيها دائما، و من يجوّز ذلك فإنّه لا شكّ [أنّه] من أجهل الناس.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ اللّه تعالي لا يعذّب العاصي بعصيانه و لا يثيب المطيع بطاعته، بل قبضه إلي الجنّة و لا يبالي و قبضه إلي النار و لا يبالي، و حينئذ لا أسفه و لا أشدّ بلها و لا جهلا من الزاهد في الدنيا الباذل ماله في عمارة المساجد و الرّبط و القناطر و معونة الحاجّ و مساعدة العلماء و القرّاء و المشايخ و بذل المعروف، و التارك للملاهي و أنواع المعاصي و الطرب و القمار و الزنا و شرب الخمر و الظلم، الخائف من اللّه تعالي، حيث إنّ ذلك قد يكون سببا لأشدّ العذاب، و لا عقل أتمّ ممّن يتعجّل باستعمال الملاذّ و الملاهي المحرّمة و سائر أنواع اللعب و الظلم و الجور و أخذ الأموال من غير مظانّها، و اعتماد كلّ محرّم فيه منفعة دنيويّة، حيث إنّ ذلك قد يكون سببا للنعيم المخلّد، و بالجملة لا فرق في التأدية إلي النعيم أو العذاب بين غاية الطاعات و نهاية المعاصي، و أيّ جهل أعظم من اعتقاد ذلك ؟

و منها: تجويز صدور أنواع الظلم و العذاب من اللّه تعالي في حقّ من لا يستحقّ ذلك؛ لأنّه ليس بقبيح، و أن يمنع كلّ مستحقّ عن حقّه حيث

ص: 154

لا قبح فيه، بل هو عندهم نفس الواقع، حيث كلّف من لا يقدر علي فعل و لا يتمكّن من ترك.

و هذا أيضا لازم لهم من جهة أخري، فإنّهم قالوا: القدرة غير متقدّمة علي الفعل، فحينئذ الفعل حالة وقوعه يكون واجبا، و حال عدمه يكون ممتنعا، و الواجب غير مقدور عليه، و قبل وقوع الفعل لا قدرة، و حال القدرة لا فعل، و التكليف عندهم لا يتقدّم الفعل، فقد كلّف ما لا يطاق، و يلزمهم من هذه الحيثيّة انتفاء العصيان من الكافر و الفاسق؛ لأنّ المعصية هي ترك ما أمر به، و الفعل قبل وقوعه غير مكلّف به، فلا يكون تاركه مخالفا للأمر، فلا يكون عاصيا.

و منها: أنّه يلزم انتفاء فائدة التكليف؛ لأنّ التكليف هو البعث علي فعل الطاعة و الانتهاء عن المعصية حتي يحصل الثواب و العقاب، و مع انتفاء الحسن و القبح العقليّين يجوز الخلف في خبر اللّه تعالي و وعده و وعيده و بعثه الرّسل الكذّابين، و إذا لم يبق وثوق بوعد اللّه تعالي و وعيده و لا بصدقه و لا بصدق رسله كيف يمتثل العبد ما كلّف به، فإنّ في المشاهد لو كلّف السيّد عبده بشيء و تهدّده علي تركه و وعده علي فعله و علم العبد أنّ سيّده يكذب في ذلك كلّه و أنّه يجوز أن يفعل السيّد به أنواع العذاب لو امتثل أمره لعلم بالضرورة عدم إقدام العبد علي ذلك الفعل، بل يتعجّل راحة ترك التكليف.

و منها: أنّه يلزم أن لا يحصل الجزم بصدق أحد من الأنبياء ألبتّة؛ لأنّه علي تقدير نفي الحسن و القبح العقليّين يجوز إظهار المعجزات علي يد الكذّاب، فإذا ادّعي الرسول الرسالة ثمّ ظهرت علي يده المعجزات الباهرة جاز أن يكون كاذبا و أن يكون اللّه تعالي قد أقدره علي ذلك طلبا لإضلال

ص: 155

عباده؛ إذ لا قبح فيه، و لا فرق بين طلب الإضلال و طلب الإرشاد، فيكون الجزم بصدق مدّعي الرسالة جهلا، و لا فرق بين مدّعي الرسالة مع إظهار المعجزات و مدّعيها بغير معجزة ألبتّة، فإنّ الجزم بصدق أحدهما و كذب الآخر جهل، و كلّ ذلك من أعظم الجهالات.

و أيضا قال أهل السّنّة و الجماعة: إنّ الغرض علي اللّه تعالي في أفعاله محال، و إنّه تعالي يفعل لا لغرض.

و هذا يلزم منه محالات:

أحدها: أنّه يلزم منه محالات:

أحدها: أنّه يلزم منه العبث علي اللّه تعالي و اللعب في أفعاله، و هو محال؛ لوجهين:

الأوّل: أنّه يدلّ علي النقص العظيم، فإنّ المشتغل دائما باللعب و العبث يعدّ سفيها جاهلا، تعالي اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، و من أجهل ممّن يعتقد الجهل في حقّ اللّه تعالي ؟

الثاني: أنّه يدلّ علي تكذيب القرآن في قوله تعالي: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (1)وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ (2) فنسب من قال بهذه المقالة إلي الكفر، و وعدهم بالويل من النار فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (3).

و ثانيها: أنّه يلزم منه تكذيب القرآن العزيز في الآيات التي ذكر فيها8.

ص: 156


1- سورة الأنبياء: 16.
2- سورة ص: 27.
3- سورة النساء: 78.

الغايات، نحو قوله تعالي: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (1)اَلْيَوْمَ تُجْزي كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ (2)فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً (3)هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (4)لِتُجْزي كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعي (5)هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (6)مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (7) و الجزاء إنّما يكون مع الغاية و الغرض.

و كذا قوله تعالي: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (8)إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (9)مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (10).

و كلّ ذلك و أشباهه يدلّ علي الغاية و الغرض.

و ثالثها: أنّه تنتفي فائدة التكليف، فلا تبقي فائدة في بعثه الرّسل؛ لأنّه إذا لم يكلّف بالواجب لأجل إيصال الثواب إلي فاعله و لا بالامتناع عن المحرّم لأجل ترك عقابه لم يقدم المكلّف علي فعل الواجب و لم يمتنع من فعل المحرّم، و كلّ ذلك ينافي الحكمة و يضادّها.3.

ص: 157


1- سورة الذاريات: 56.
2- سورة غافر: 17.
3- سورة النساء: 160.
4- سورة النمل: 90.
5- سورة طه: 15.
6- سورة الرحمن: 60.
7- سورة الأنعام: 160.
8- سورة الأنعام: 54.
9- سورة طه: 74.
10- سورة النساء: 123.

و رابعها: أنّه يلزم منه انتفاء الغايات المعلوم ثبوتها لكلّ العقلاء، فإنّ كلّ عاقل يجزم جزما ضروريّا أنّ اللّه تعالي خلق العين لأجل الإبصار بها، و خلق اليد لأجل البطش بها، و خلق آلات السمع للسمع، و اللسان للنطق، و الذوق لذوق الطعام(1) ، و الرّجل للمشي، و آلات التناسل لأجله، و آلات الإحساسات الظاهرة و الباطنة لإدراك المحسوسات الظاهرة و الباطنة، و من كابر ذلك فقد خالف مقتضي عقله، و كان من أجهل الناس.

و خامسها: أنّه يلزم نفي الغايات في خلق السماوات و الأرض و ما بينهما، و من المعلوم بالضرورة عند كلّ عاقل أنّ اللّه تعالي خلق النار للإحراق بها، و الماء للتبرّد(2) ، و الثمار للأكل، و الشمس و القمر للاستنارة بهما و للمنافع المتعلّقة بهما.

و سادسها: أنّه يلزم منه نفي علم الهيئة و الطبّ؛ لأنّ الأغذية و الأدوية علي قولهم لم تخلق لما تعدّ منافع لها، و كذا علم الهيئة و غير ذلك.

و سابعها: أنّه يلزمهم التناقض في أقوالهم، و ذلك في غاية الجهل.

و بيان ذلك: أنّهم نصّوا علي جواز القياس، و ذلك إنّما يتمّ بتعليل أفعال اللّه تعالي بالأغراض، فإنّه لو لا تعليل تحريم الخمر بالإسكار لم يمكن التعدية إلي تحريم النبيذ، و ذلك نصّ في تعليل أفعال اللّه تعالي بالأغراض.

و أيضا فإنّ هؤلاء أهل السّنّة و الجماعة يلزمهم أن لا يجزموا بنبوّة أحد من الأنبياء عليهم السّلام، و أن لا يكونوا مسلمين و لا غيرهم من أرباب الملل.

و بيان ذلك: أنّهم ذهبوا إلي نفي الحسن و القبح العقليّين، و إلي أنّ».

ص: 158


1- في «ر، ص»: «الطعوم».
2- في النّسخ الخطّيّة: «للتبريد».

أفعال اللّه تعالي غير معلّلة بشيء من العلل و الأغراض، و دليل النبوّة إنّما يتمّ بهاتين المقدّمتين، و ذلك لأنّا إذا أردنا أن نستدلّ علي نبوّة بعض الأنبياء فإنّا نلتجئ إلي قولنا: إنّ محمّدا عليه السّلام نبيّ؛ لأنه ادّعي النبوّة و ظهر علي يده المعجزة المخلوقة للّه تعالي، و كلّ من كان كذلك كان نبيّا مبعوثا من عند اللّه تعالي.

أمّا ادّعاء النبوّة: فظاهر.

و أمّا أنّه ظهر علي يده المعجزة: فلأنّه ظهر علي يده فعل خارق للعادة لأجل تصديقه، و كلّ من كان كذلك فهو صادق؛ لأنّه لو ادّعي إنسان أنّه رسول الملك لمهمّ له و قال له: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فارم قلنسوتك عن رأسك، فرمي الملك قلنسوته عن رأسه و كان ذلك غير عادة للملك، ثمّ قال: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فانزع خاتمك من إصبعك، ففعل الملك ذلك، و تكرّر من الملك مثل هذه الأفعال عقيب طلب ذلك الرسول منه لغرض تصديقه، فإنّ كلّ عاقل يجزم بصدق ذلك الرسول و أنّه مبعوث من عند الملك، كذا مدّعي النبوّة إذا ظهر منه الفعل الخارق للعادة الذي لا يمكن للبشر معارضته عقيب ادّعائه مرّة بعد أخري، فإنّا نجزم بصدقه، و مع عدم القول بالمقدّمتين المذكورتين لا يتمّ هذا الدليل، فإنّ مع القول بنفي الحسن و القبح جاز أن يخلق اللّه تعالي المعجز علي يد الكاذب(1) ، فلا يمكن الاستدلال به علي الصدق، خصوصا مع قولهم بأنّ كلّ قبيح و كلّ إضلال في العالم فإنّه من فعله، تعالي اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.».

ص: 159


1- في «ر، ل»: «الكذّاب».

و مع هذا الاعتقاد كيف يحصل الجزم بالصدق!؟ و مع القول بأنّه تعالي لا يفعل لغرض كيف يمكن القول بأنّه تعالي فعل المعجز لأجل التصديق!؟ فإنّ بينهما تناقضا ظاهرا، و إذا لم يثبت شيء من المقدّمتين لم يمكن الاستدلال علي نبوّة أحد من الأنبياء عليهم السّلام ألبتّة، و لا جهل أعظم من ذلك.

و أيّ نسبة لاعتقاد طول عمر إنسان قد وقع مثله كثيرا إلي اعتقاد هذه الجهالات ؟ لكن لا استبعاد في ذلك كلّه ممّن يغيّر شرع اللّه تعالي و أحكامه غرضا و تعصّبا علي قوم مؤمنين باعتبار محبّتهم لأهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله، فإنّ الغزالي مع عظم قدره و وفور علمه علي مذهب الشافعي قال: إنّ السّنّة تسطيح القبور، لكن لمّا فعلته الرافضة تركناه و قلنا بالتسنيم(1) ، و كذا في حجّ التمتّع: إنّه أفضل من القران و الإفراد، لكن لمّا استعملته الرافضة تركوه.

و قال أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن عمر التميمي المغربي المالكي في كتابه الموسوم ب «المعلم بفوائد مسلم» المحدث في حديث مسلم: إنّ زيدا كبّر خمسا علي جنازة و قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يكبّرها و قد قال به بعض الناس، و هذا المذهب الآن متروك؛ لأنّ ذلك صار علما علي القول بالرفض(2).

و قال الزمخشري - و هو من أئمّة الحنفيّة - اعتراضا علي نفسه في تفسير قوله تعالي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ (3) هل يجوز أن3.

ص: 160


1- الوجيز 78:1، الوسيط 389:2.
2- المعلم بفوائد مسلم 326:1.
3- سورة الأحزاب: 43.

يصلّي علي آحاد المسلمين بمقتضي هذه الآية ؟ فأجاب: ب «نعم، إلاّ أنّ جماعة الشيعة لمّا اتّخذوا أئمّة و صلّوا عليهم منعنا من ذلك»(1).

فانظر إلي هؤلاء القوم و اقض العجب من آرائهم و مذاهبهم و نسبة المحقّقين إلي الجهل.

و هذه المسألة ليست من هذا العلم، و إنّما طوّلنا فيها؛ إظهارا لخطأ من أخطأ، فالحمد للّه الذي هدانا لطرق الرشاد، و منعنا من ارتكاب الخطأ و الخلل و العناد.

البحث الثالث: في الوصيّة للفقراء و المساكين و باقي أصناف الزكاة.
مسألة 88: إذا أوصي للفقراء،

صرف إلي فقراء أهل نحلته، فإن كان الموصي مسلما فإلي فقراء المسلمين، و إن كان كافرا فإلي فقراء ملّته، فلا يدخل فقراء النصاري في وصيّة اليهوديّ للفقراء، و بالعكس.

هذا مع الإطلاق، و إن نصّ الموصي علي قبيل، وجب اتّباع نصّه.

و الفقير هو الذي لا يملك قوت السنة، أو الذي لا يملك نصاب زكاة المال علي اختلاف الرأيين.

و هل يدخل المساكين في الوصيّة للفقراء؟ إشكال، أقربه: الدخول إن جعلنا المسكين أسوأ حالا من الفقير.

و كذا لو أوصي للمساكين، ففي دخول الفقراء إشكال، أقربه:

الدخول إن جعلنا الفقير أسوأ حالا من المسكين.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أوصي للفقراء، دخل فيه المساكين، و بالعكس، حتي يجوز الصرف إلي هؤلاء و إلي هؤلاء؛ لأنّ كلّ واحد من

ص: 161


1- الكشّاف 273:3، ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب.

الاسمين يقع علي الفريقين عند الانفراد(1).

و قال بعضهم نقلا عن الشافعي: إنّ ما أوصي به للفقراء لا يجوز صرفه إلي المساكين، و بالعكس يجوز؛ لأنّ حاجة الفقراء أشدّ(2).

و لو جمع بينهما، صرف إليهما إجماعا.

و لو فضّل أحدهما علي الآخر، فقال مثلا: أعطوا الفقراء مائة و أعطوا المساكين مائتين، وجب متابعته، فلا يجوز حينئذ تساويهما في العطاء، بل يصرف إلي كلّ واحد من القبيلين، فيجب التمييز بينهما.

مسألة 89: لو أوصي لسبيل اللّه،

أو قال: ضعوا ثلثي في سبيل اللّه، فهو للغزاة الذين يصرف إليهم الزكاة عند بعض علمائنا القائلين بأنّ سبيل اللّه المراد به المجاهدون(3) ، و به قال الشافعي(4).

و قال آخرون: يجب صرفه في الحجّ(5) ؛ لما رواه الحسين بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رجلا أوصي إليّ بشيء في السبيل، فقال:

«اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصي إليّ في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصي إليّ في السبيل، فقال: «لا أعلم شيئا من

ص: 162


1- الحاوي الكبير 270:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 319 و 539-540، الوجيز 276:1، الوسيط 447:4، التهذيب - للبغوي - 5: 80، البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
2- البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
3- المبسوط - للطوسي - 35:4-36، الخلاف 148:4، المسألة 20.
4- الأم 94:4، الحاوي الكبير 511:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 319:11 و 557، الوجيز 276:1، الوسيط 447:4، التهذيب - للبغوي - 80:5، البيان 439:3، و 280:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
5- راجع: الفقيه 153:4، ح 531 و ذيله.

سبيله أفضل من الحجّ»(1).

و يحتمل صرفه إلي كلّ قربة و مصلحة للمسلمين، كبناء القناطر، و عمارة المساجد، و المجاهدين و غيرهم؛ لما رواه الحسن(2) بن راشد قال:

سألت العسكري عليه السّلام بالمدينة عن رجل أوصي بمال في سبيل اللّه، فقال:

«سبيل اللّه شيعتنا»(3).

قال الشيخ: الوجه في الجمع بينهما ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه، و هو أنّه يعطي رجل من الشيعة ليحجّ به، فيكون قد انصرف في الوجهين معا(4)(5).

و لو أوصي للرقاب، أو قال: ضعوا ثلثي في الرقاب، فهو للمكاتبين و العبيد الذين في الشدّة. و بالجملة، من هو مستحقّ في الزكاة.

فإن دفع إلي مكاتب فعاد إلي الرقّ و المال باق في يده أو في يد السيّد استردّ، قاله الشافعيّة(6) ، و فيه إشكال.

و لو أوصي للغارمين أو لأبناء السبيل، صرف إلي من يصرف إليه الزكاة منهم.

و الأصل في ذلك كلّه اتّباع عرف الشرع فيه.

مسألة 90: لو أوصي للفقراء و المساكين،

جعل المال بين الصنفين

ص: 163


1- التهذيب 809/203:9، الاستبصار 491/130:4.
2- في النّسخ الخطّيّة: «الحسين».
3- الكافي 15:7-2/16، الفقيه 530/153:4، التهذيب 811/204:9، الاستبصار 492/130:4.
4- الفقيه 153:4، ذيل ح 531.
5- التهذيب 204:9، ذيل ح 811، الاستبصار 130:4-131، ذيل ح 492.
6- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.

نصفين، و لو أوصي لبني زيد و بني عمرو، قسّم علي عددهم، قاله الشافعيّة، و لا ينصّف كما ينصّف الأوّل(1). و فيه إشكال.

و لا يجب الاستيعاب، و يكفي الصرف من كلّ جنس إلي ثلاثة؛ لأنّه أتي بالجمع، و أقلّه ثلاثة، و لا يجب التسوية بين الثلاثة، و لو صرف إلي اثنين غرم للثالث إمّا الثّلث إن أوجبنا التسوية، أو أقلّ ما يتموّل إن لم نوجبها، و إذا غرم للثالث إمّا الثّلث أو أقلّ ما يتموّل لم يكن له دفعه إلي ثالث بنفسه، بل يسلّمه إلي الحاكم ليدفع بنفسه أو يردّه إليه، و يأتمنه في الدفع، لتفريطه بالمخالفة للموصي.

و كذا لا يجب الاستيعاب لو أوصي للعلماء أو الفقهاء و من عداهم من الموصوفين، بل يقتصر علي ثلاثة.

نعم، الأولي استيعاب الموجودين عند الإمكان كما في الزكاة، قاله الشافعيّة(2).

و الأولي أن يقال: إن نصّ علي بيان المصرف أجزأ الصرف إلي واحد، و إن قصد التعميم بالعطيّة وجب الاستيعاب، و يظهر ذلك بنصّه علي القصد، فإن أطلق فالأولي التعميم؛ لصلاح اللفظ، و تساوي نسبته إلي كلّ واحد في تناوله له، فالتخصيص بالبعض يكون ترجيحا من غير مرجّح.

و لو أوصي لفقراء بلدة بعينها و هم محصورون، وجب استيعابهم و التسوية بينهم؛ لتعيّنهم.

و يشترط القبول في هذه الوصيّة، بخلاف الوصيّة لمطلق الفقراء.

و إذا أوصي للفقراء و المساكين، لم يجب تتبّع من غاب عن البلد،9.

ص: 164


1- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
2- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5-159.

سواء أطلق أو قال: لفقراء هذه البلدة، بل يفرّق علي الحاضرين في ذلك البلد؛ حذرا من الضرر بالحمل.

و لا يجوز نقل المال الموصي به للفقراء و المساكين عن بلد الوصيّة مع وجودهم فيه، فإن نقل ضمن و إن أجزأ(1) إن كانت الوصيّة للمطلق، و إن كانت لفقراء تلك البلدة وجب أن يصرف بعضه فيهم، و يجوز حمل الباقي إلي من غاب عنها من الفقراء لا بعزم الاستيطان، و لو عزموا علي الاستيطان في غير تلك البلدة لم يدخلوا في الوصيّة و إن وجدت قبل خروجهم عنها.

مسألة 91: لو أوصي للغارمين،

فالأقوي: الصرف إلي من تصرف إليه الزكاة منهم حتي يشترط إنفاق مال الغرم في غير المعصية.

و هل يجب الاستيعاب مطلقا، أو يشترط انحصارهم ؟ إشكال، فإن لم نوجبه مع عدم الانحصار فلا بدّ من مراعاة اسم الجمع، فلا يعطي أقلّ من ثلاثة، و لو كانوا محصورين وجب الاستيعاب.

فإن اقتصر الوصيّ علي ثلاثة، ضمن حصص الباقين، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجزئه الدفع(2).

و علي ما اخترناه من الضمان، فالأقرب: أنّه يضمن علي عدد رؤوسهم، و هذا أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يحسب علي قدر ديونهم(3).

و لو أوصي لثلاثة معيّنين، وجبت التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء و سائر الأصناف، فإنّا عرفنا ذلك من معهود الشرع في الزكاة، و هاهنا الاستحقاق مضاف إلي أعيانهم.

ص: 165


1- في «ص، ل»: «و أجزأ».
2- العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 159:5.
3- العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 159:5.

و لو أوصي لسبيل البرّ أو الخير أو الثواب، فعلي ما تقدّم في الوقف.

و لو قال: ضع ثلثي فيما رأيت أو فيما أراك اللّه، جاز أن يضعه في نفسه؛ لدخوله تحت اللفظ.

و قالت الشافعيّة: لا يجوز، كما لو قال: بع بكذا، لا يبيعه من نفسه(1).

و الفرق: أنّ العقد يفتقر إلي اثنين، بخلاف الوضع.

و علي قولهم الأولي صرفه إلي أقارب الموصي الذين لا يرثون منه، ثمّ إلي محارمه من الرضاع، ثمّ إلي جيرانه(2).

أمّا لو قال: أعط من شئت، لم يكن له إعطاء نفسه، و له إعطاء أهله و من يلزمه نفقته؛ لصدق التعدّد.

مسألة 92: لو أوصي لأصناف الزكاة،

صرف إلي الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن(3) ، و يجعل لكلّ صنف شيئا من الوصيّة.

و الفرق بين هذا و بين أصناف الزكاة حيث يجوز الاقتصار فيها علي واحد: أنّ آية الزكاة أريد بها بيان المصرف و من يجوز الدفع إليه، و الوصيّة أريد بها من يجب الدفع إليه.

و يجوز الاقتصار من كلّ صنف علي واحد؛ لتعذّر استيعابهم، و به قال أصحاب الرأي و أحمد في إحدي الروايتين(4).

و روي عن محمّد بن الحسن: أنّه يجب [الدفع] إلي اثنين من كلّ صنف(5).

ص: 166


1- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 160:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 160:5.
3- سورة التوبة: 60.
4- المغني 586:6، الشرح الكبير 509:6-510.
5- المغني 586:6، الشرح الكبير 510:6، و ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و قال الشافعي: يجب الثلاثة من كلّ صنف، و هو رواية عن أحمد(1).

البحث الرابع: في الوصيّة للواحد و الجمع أو لغير المالك.
مسألة 93: إذا أوصي لزيد و لجماعة معه،

فإمّا أن يكونوا موصوفين أو معيّنين(2).

فإن كانوا موصوفين غير منحصرين، كالفقراء و المساكين، فقال:

أعطوا زيدا و الفقراء كذا، صحّت الوصيّة في حقّ زيد و الفقراء، و هو قول المحصّلين(3) ؛ لأنّ زيدا ممّن يصحّ أن يوصي له، و كذا الفقراء، و لا تنافي بين جمعهما، كما لو أوصي لزيد و عمرو، أو للفقراء و الفقهاء.

و قال بعض من لا مزيد تحصيل له من الشافعيّة: تبطل الوصيّة في حقّ زيد؛ لجهالة ما أضيف إليه(4).

و التعليل باطل، و لو سلّم فلا استبعاد في الوصيّة بالمجهول.

إذا عرفت هذا، فقال بعض علمائنا: يدفع إلي زيد النصف، و إلي الفقراء النصف(5) ؛ لأنّه جعل الوصيّة لجهتين، فوجب أن يقسّم بينهما، كما لو قال: لزيد و عمرو، و لأنّه لو وصّي لقريش و تميم، لم يشرك بينهم علي قدر عددهم و لا علي قدر من يعطي منهم، بل يقسّم بينهم نصفين، كذا هنا، و به قال أبو حنيفة و محمّد(6).

ص: 167


1- المغني 586:6-587، الشرح الكبير 510:6.
2- يأتي حكم المعيّنين في ص 170، المسألة 95.
3- التهذيب - للبغوي - 77:5، العزيز شرح الوجيز 94:7، روضة الطالبين 168:5.
4- العزيز شرح الوجيز 94:7، روضة الطالبين 168:5.
5- الشيخ الطوسي في المبسوط 39:4.
6- الجامع الصغير: 520، مختصر اختلاف العلماء 2168/28:5، الهداية -

و عن محمّد رواية أخري: أنّ لزيد الثّلث، و للفقراء [الثّلثين](1) ؛ لأنّ أقلّ الجمع عنده اثنان(2).

و للشافعي قولان:

أحدهما - نقله المزني، و هو أظهرهما عند أصحابه -: أنّه قال:

القياس أنّه كأحدهم، كما لو أوصي لزيد و لأولاد عمرو، فإنّ زيدا يكون كأحدهم.

ثمّ اختلف أصحابه في تفسير ما ذكره علي وجوه.

أحدها: أنّ معناه أنّ الوصي يعطيه سهما من سهام القسمة، إن قسّم المال علي أربعة من الفقراء أعطاه الخمس؛ لأنّ جملة المصروف إليهم خمسة، و إن قسّمه علي خمسة منهم أعطاه السّدس، و هكذا.

و أظهرها: أنّه كواحد منهم في أنّه يجوز أن يعطي أقلّ ما يتموّل، إلاّ أنّه لا يجوز حرمانه؛ للنصّ عليه، و يعطي غنيّا كان أو فقيرا.

و الثالث - و به قال مالك -: أنّ لزيد الرّبع، و الباقي للفقراء؛ لأنّ أقلّ من يقع عليه اسم الفقراء ثلاثة، و كأنّه أوصي لزيد و ثلاثة معه، ثمّ نصيب الفقراء يقسّم بينهم كما يراه الوصيّ من تساو و تفاوت.

و لا بدّ علي اختلاف الأوجه من الصرف إلي ثلاثة من الفقراء.

و الثاني: أنّه يعطي زيد النصف، و الفقراء النصف - كما ذهبنا إليه -7.

ص: 168


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثّلثان». و الصواب ما أثبتناه.
2- الهداية - للمرغيناني - 240:4، الاختيار لتعليل المختار 108:5، المغني 6: 587.

لأنّه قابل بينه و بينهم في الذكر، فأشبه ما إذا أوصي لزيد و عمرو(1).

و قال بعضهم: إنّ زيدا إن كان فقيرا فهو كأحدهم، و إلاّ فله النصف(2).

و قال صاحب التتمّة منهم: إنّ زيدا إن كان غنيّا فله الرّبع؛ لأنّه لا يدخل في الفقراء، فهم ثلاثة و هو رابعهم، و إن كان فقيرا فله الثّلث؛ لدخوله فيهم(3).

فهذه أربعة أوجه للشافعيّة.

مسألة 94: هذا كلّه فيما إذا أطلق ذكر زيد،

أمّا إذا وصفه بمثل صفة الجماعة، فقال: لزيد الفقير و للفقراء، جري الخلاف فيما لزيد إن كان فقيرا.

و منهم من خصّ الأوجه الثلاثة بهذه الحالة، و نفي القول بكونه كأحدهم عند الإطلاق(4).

و نحن لا نفرّق بين أن يطلق أو يقيّد، بل احتمال التنصيف و التربيع قائم.

و إن كان غنيّا، لم يصرف إليه شيء، و نصيبه للفقراء إن قلنا: إنّه أحدهم، و إلاّ فهو لورثة الموصي.

و لو وصف زيدا بغير وصف الفقراء، فقال: لزيد الكاتب و للفقراء كذا، فالأقرب: مجيء الخلاف.

و قال بعض الشافعيّة: يكون له النصف قولا واحدا(5).

و الأقرب: احتمال الرّبع.

ص: 169


1- مختصر المزني: 145، الحاوي الكبير 300:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 463، الوجيز 276:1، الوسيط 448:4، حلية العلماء 98:6، البيان 8: 208، العزيز شرح الوجيز 94:7-95، روضة الطالبين 168:5.
2- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.
3- عنه في العزيز شرح الوجيز 95:7، و في روضة الطالبين 168:5 من دون نسبة.
4- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.
5- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.

و لو أوصي لزيد بدينار و للفقراء بثلث ماله، لم يصرف إلي زيد غير الدينار و إن كان فقيرا؛ لأنّه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير.

و يمكن أن يقال: إذا جاز أن يكون التنصيص علي زيد في قوله:

«لزيد و للفقراء» لئلاّ يحرم زيد جاز أن يكون التقدير هاهنا لئلاّ ينقص المصروف إليه عن دينار، و أيضا فيجوز أن يقصد عين زيد [بالدينار](1) وجهة الفقراء للباقي، فيستوي في غرضه الصرف إلي زيد و غيره.

و لو أوصي لزيد و الفقراء و المساكين، فإن جعلناه كأحدهم في الصورة الأولي فكذا هنا، و إن جعلنا له النصف هناك فله الثّلث هاهنا، و إن جعلنا له الرّبع هناك فله السّبع هنا.

مسألة 95: لو كان الجماعة المنضمّة إلي زيد معيّنين،

فإن لم يكونوا محصورين - كالعلويّين و الطالبيّين - صحّت الوصيّة عندنا علي ما سيأتي، خلافا للشافعيّة في بعض أقوالهم(2) ، و يكون الحكم هنا كما تقدّم في الموصوفين، كالفقراء.

و علي أحد قولي الشافعيّة بالبطلان يكون بمثابة ما لو أوصي لزيد و للملائكة(3).

و إن كانوا محصورين، فهو كأحدهم، أو يكون له النصف ؟ علي ما تقدّم.

و للشافعيّة الوجهان، و أظهرهما عندهم: الثاني(4).

ص: 170


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الدينار». و الظاهر ما أثبتناه.
2- نهاية المطلب 282:11، الوسيط 450:4، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5.
3- نهاية المطلب 282:11، الوسيط 450:4، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5.
4- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5-169.

و هل يقسّم النصف الذي للجماعة المحصورين بينهم بأسرهم، أو يجوز صرفه إلي ثلاثة منهم ؟ المشهور عندهم: لزوم القسمة علي الجميع(1).

تذنيب: لو كانت له ثلاث أمّهات أولاد فأوصي لأمّهات أولاده و للفقراء و المساكين، أو كان له ثلاثة أولاد - عندنا - فأوصي لأمهات أولاده و للفقراء و المساكين، قسّم المال أثلاثا، لأمّهات الأولاد الثّلث، و للفقراء الثّلث، و للمساكين الثّلث الباقي، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يقسّم علي خمسة؛ لأنّ أمهات الأولاد محصورات و يجب استيعابهنّ، و الفقراء و المساكين غير محصورين، فيجعل كلّ واحد من الصنفين مصرفا، و كلّ واحدة من أمّهات الأولاد مصرفا، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف(2).

و قال محمّد: يقسّم علي سبعة، للفقراء سهمان، و للمساكين سهمان، و ثلاثة لأمّهات الأولاد(3).

و الأقوي: قسمته علي تسعة؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة.

مسألة 96: لو أوصي لجماعة معيّنين غير محصورين - كالعلويّة و الهاشميّة و الطالبيّة

- صحّت الوصيّة عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال أحمد(4) - كالوصيّة للفقراء و المساكين.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
2- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5، الجامع الصغير: 520، مختصر اختلاف العلماء 2168/28:5، الهداية - للمرغيناني - 239:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 239:4.
4- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 282، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4، حلية العلماء 99:6، التهذيب - للبغوي - 75:5، البيان 209:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5، المغني 506:6.

و الثاني: أنّ الوصيّة باطلة - و به قال أبو حنيفة - لأنّ التعميم يقتضي الاستيعاب، و أنّه ممتنع، بخلاف الفقراء، فإنّا عرفنا هناك عرفا للشرع مخصّصا بثلاثة فاتّبعناه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك العرف إنّما يثبت في الفقراء و أصناف الزكاة، ثمّ ألحق به العلماء و نحوهم بالاتّفاق، فلم لا يلحق بهم العلويّة و من في معناهم؛ لتعذّر الاستيعاب ؟

قال أبو حنيفة: لا تصحّ الوصيّة للقبيلة التي لا يمكن حصرها؛ لأنّه يدخل فيها الفقراء و الأغنياء، و إذا وقعت للأغنياء لم تكن قربة، و إنّما تكون حقّا لآدميّ، و حقوق الآدميّين إذا دخلت فيها الجهالة لم تصح، كما لو أقرّ لمجهول(2).

و هذا ضعيف جدّا؛ لأنّها وصيّة لجماعة محصورة، فصحّت لهم الوصيّة و إن كانوا غير محصورين، كالفقراء، و الوصيّة للأغنياء قربة، و قد ندب النبيّ صلّي اللّه عليه و اله إلي الهديّة(3) و إن كانت لغنيّ.4.

ص: 172


1- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 282، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4، حلية العلماء 99:6، التهذيب - للبغوي - 75:5-76، البيان 209:8، روضة الطالبين 169:5، النتف 2: 825، الاختيار لتعليل المختار 113:5، المغني 506:6.
2- مختصر اختلاف العلماء 2157/17:5، المبسوط - للسرخسي - 158:27، روضة القضاة 3944/699:2، بدائع الصنائع 342:7 و 344، المغني 506:6.
3- مسند أبي داود الطيالسي: 2333/307، مسند أحمد 8997/122:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2130/441:4، مسند أبي يعلي 6148/9:11، المعجم الكبير - للطبراني - 162:25-393/163، المعجم الأوسط - له أيضا - 7240/234:7، السنن الكبري - للبيهقي - 169:6، الكافي - للكليني - 5: 7/143، و 14/144.

و فرّع الشافعيّة علي الصحّة عدم وجوب الاستيعاب، و يجوز الاقتصار علي ثلاثة منهم - و لا بأس به؛ لاستحالة استيعابهم، مع احتمال عموم صرفه في أهل البلد، و لا ريب في أولوّيته - و لا تجب التسوية كما في الفقراء، و لا يشترط القبول(1).

مسألة 97: إذا أوصي لبني فلان،

فإن كانوا قبيلة منتشرين - كبني هاشم و بني تميم و بني عليّ عليه السّلام - فهي كالوصيّة للعلويّة، و يجوز الصرف إلي إناثهم - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - لاندراجهم تحته، و الثاني: لا يندرج الإناث(3).

أمّا عندنا هل يجوز تخصيص الإناث به ؟ الأقرب ذلك أيضا، مع احتمال المنع.

و لو لم يكونوا قبيلة - كبني زيد و بني خالد - اشترط قبولهم، و وجب الاستيعاب و التسوية، و لا يجوز الصرف إلي الإناث.

مسألة 98: لو أوصي لزيد و جبرئيل عليه السّلام،

بطلت الوصيّة في حقّ جبرئيل عليه السّلام؛ لأنّه لا يوصف بالملك، و يكون لزيد النصف، و تبطل الوصيّة في حقّ جبرئيل.

و كذا لو ضمّ إلي زيد من لا يملك، كالميّت، كقوله: أعطوا زيدا و عمروا، و كان عمرو ميّتا، أو قال: لزيد و الريح، أو لزيد و الشيطان، أو لزيد و الحائط، أو لزيد و الدابّة، صحّ لزيد النصف، و بطلت الوصيّة في المضموم.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الجميع يكون لزيد - و به قال

ص: 173


1- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
2- الحاوي الكبير 301:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
3- الحاوي الكبير 301:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.

أبو حنيفة - و يلغو ذكر من لا يثبت له الملك(1).

و كذا لو أوصي لابن زيد و ابن عمرو و لم يكن لعمرو ابن، أو لزيد و عمرو ابني خالد و لم يكن لخالد إلاّ ابن يسمّي زيدا، أو له و لمن في هذا البيت و ليس فيه أحد، فإنّ النصف لزيد، و يبطل الباقي في ذلك كلّه.

و قال أبو حنيفة: يكون الكلّ لزيد، سواء علم موت المنضمّ إلي زيد أو لا؛ لأنّ المعدوم و الميّت لا يصلح مستحقّا، فلم تثبت المزاحمة لزيد، و صار كما لو أوصي لزيد و جدار(2).

و كذا لو قال: لزيد و لعقبه، فمات ولده قبل موت الموصي؛ لأنّ العقب من يعقبه بعد موته، فيكون معدوما في الحال.

و قال أبو حنيفة: لو قال: ثلث مالي بين زيد و بكر، و هو ميّت، أو لا بني زيد، و له ابن واحد، فلزيد هنا نصف الثّلث؛ لأنّ لفظة «بين» توجب التنصيف، فلا يتكامل بعدم المزاحم، بخلاف قوله: لفلان و فلان؛ لأنّ العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور، و المذكور وصيّة بكلّ الثّلث، و التنصيف بحكم المزاحمة، فإذا(3) زالت المزاحمة يتكامل، ألا تري أنّ من قال: ثلث مالي لفلان، و سكت، يستحقّ الثّلث، و لفظة «ابني زيد» لا تنطلق علي الواحد، فكأنّه قال: بين فلان و فلان، و أحدهما ميّت.».

ص: 174


1- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 284، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4-450، حلية العلماء 99:6-100، التهذيب - للبغوي - 77:5، البيان 211:8، العزيز شرح الوجيز 97:7، روضة الطالبين 169:5-170.
2- مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 159:27، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 496:3، الفتاوي الولوالجيّة 379:5، الهداية - للمرغيناني - 238:4، الاختيار لتعليل المختار 107:5، البيان 212:8.
3- في الطبعة الحجريّة: «فإن».

ثمّ قال: لو قال: ثلث مالي بين بني زيد و بني بكر، و ليس لأحدهما بنون، فكلّ الثّلث لبني الآخر؛ لأنّه جعل كلّ الثّلث مشتركا بين بني زيد، حتي لو اقتصر عليه كان كلّ الثّلث بينهم، بخلاف قوله: بين فلان و فلان؛ لما مرّ(1).

و قال أبو يوسف: إذا أوصي لزيد و بكر بثلث ماله و علم موت بكر حالة الوصيّة، كان لزيد الثّلث بأسره، و إن لم يعلم كان لزيد نصف الثّلث؛ لأنّه مع العلم تكون الوصيّة للميّت لغوا، فيكون راضيا بالثّلث كلّه للحيّ، و إذا لم يعلم لم يرض(2) للحيّ إلاّ بنصف الثّلث(3).

و لو أوصي للأجنبيّ و الوارث بثلث ماله، صحّت الوصيّة لهما عندنا.

و عند العامّة تبطل في حقّ الوارث(4).

و يكون الثّلث بأسره للأجنبيّ علي أحد قولي الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: يكون له نصف الوصيّة، بخلاف ما إذا أوصي لزيد و بكر و كان بكر ميّتا، فإنّ لزيد الثّلث بأسره؛ لأنّ الوصيّة أضيفت إلي من2.

ص: 175


1- روضة القضاة 687:2-3877/688 و 3880، الفتاوي الولوالجيّة 379:5، بدائع الصنائع 381:7، الهداية - للمرغيناني - 239:4، الاختيار لتعليل المختار 107:5.
2- في «ص، ل» و الطبعة الحجريّة: «لم يوص» بدل «لم يرض».
3- المبسوط - للسرخسي - 159:27، روضة القضاة 3878/688:2، فتاوي قاضيخان - بهامش الفتاوي الهنديّة - 496:3، الهداية - للمرغيناني - 238:4 - 239، الاختيار لتعليل المختار 109:5.
4- الجامع الصغير: 522، مختصر اختلاف العلماء 2177/38:5، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، بدائع الصنائع 338:7، الهداية - للمرغيناني - 241:4، الاختيار لتعليل المختار 109:5، و راجع: الهامش (3) من ص 122.
5- لاحظ: الهامش (3) من ص 122.

يملك و من لا يملك، فتصحّ فيما يملك، و تبطل فيما لا يملك، بخلاف الميّت؛ لأنّ الميّت ليس من أهل الوصيّة، فلا يزاحم الحيّ، فيكون الكلّ للحيّ، أمّا الوارث فمن أهل الوصيّة، حتي لو أجازت الورثة جازت، فيزاحمه الأجنبيّ، و كذا لو أوصي لقاتل و لأجنبيّ، و هذا بخلاف ما إذا أقرّ المريض لوارثه و لأجنبيّ بعين أو دين، فإنّه عند أبي حنيفة و أبي يوسف يبطل الجميع بكلّ حال، بخلاف الوصيّة للوارث و الأجنبيّ، حيث يصحّ النصف عندهما؛ لأنّ الوصيّة إنشاء تصرّف، و الشركة تثبت حكما له، فتصحّ في حقّ من يستحقّ منهما، و لا تصحّ في حقّ من لا يستحقّ منهما، و لا يلزم من بطلان بعض الحكم بطلان الإيجاب، كما إذا أوصي لرجلين و ردّ أحدهما و قبله الآخر، أمّا الإقرار فإخبار عن أمر كائن و قد أخبر بوصف الشركة فيما مضي، فلو ثبت بهذا الوصف يصير الوارث فيه شريكا و أنّه ممتنع، و لو ثبت بدون هذا الوصف لثبت علي خلاف ما أخبر به، فيكون التزاما علي المقرّ غير ما أقرّ به، و هو باطل(1).

و عندنا: أنّه يصحّ الإقرار في حقّ الأجنبيّ و الوارث.

و بعض الشافعيّة فرّق بين قوله: لزيد و الريح، و بين قوله: لزيد و جبرئيل: بأنّ الريح لا حياة لها و لا قدرة، فتلغو الإضافة إليها من كلّ وجه، بخلاف جبرئيل، فإنّه قادر حيّ، فصحّت الإضافة إليه(2).

و أكثر الشافعيّة لم يفرّقوا، و ذكروا فيها وجهين، و طردوا الوجهين في7.

ص: 176


1- الجامع الصغير: 522، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، بدائع الصنائع 338:7، الهداية - للمرغيناني - 241:4، الاختيار لتعليل المختار 5: 109.
2- نهاية المطلب 284:11، العزيز شرح الوجيز 97:7.

كلّ صورة أوصي لزيد و لمن لا يوصف بالملك(1).

و لو أوصي لزيد و الملائكة، أو لزيد و الرياح، أو لزيد و الحيطان، فإن جعلنا الكلّ لزيد فلا بحث، و إن قلنا: له النصف، احتمل هنا أن يكون له النصف أو الرّبع، أو للوصيّ أن يعطيه أقلّ ما يتموّل علي ما تقدّم من الخلاف فيما إذا أوصي لزيد و الفقراء.

و لو قال: لزيد و للّه تعالي، فإن قصد التبرّك به فالكلّ لزيد، و إلاّ فالنصف.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّ الكلّ لزيد، و ذكر اللّه للتبرّك.

و الثاني: أنّ لزيد النصف، و الباقي للفقراء [فإنّهم](2) مصبّ حقوق اللّه تعالي(3).

و الوجه عندي: عدم اختصاص الفقراء به، بل يصرف في وجوه القرب بأسرها.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ النصف المضاف إلي اللّه تعالي يرجع إلي ورثة الموصي(4).

مسألة 99: تصحّ الوصيّة للمساجد و المشاهد و المدارس و الرّبط

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 97:7، روضة الطالبين 169:5-170.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإنّها». و المثبت هو الصحيح كما في الوجيز و العزيز شرح الوجيز.
3- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، الوجيز 276:1، الوسيط 450:4، حلية العلماء 100:6، التهذيب - للبغوي - 78:5، البيان 8: 212، العزيز شرح الوجيز 97:7-98، روضة الطالبين 170:5.
4- العزيز شرح الوجيز 98:7، روضة الطالبين 170:5.

و أشباه ذلك من القناطر و غيرها؛ لأنّ ذلك في الحقيقة وصيّة للمسلمين، لكن خصّص بجهة معيّنة.

فلو أوصي للكعبة، صرف في عمارتها و في معونة الحاجّ و الزائرين؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إنّ الكعبة لا تأكل و لا تشرب، و ما إذا أهدي إليها فلزوّارها»(1).

و سأل عليّ بن جعفر - في الصحيح - أخاه الكاظم عليه السّلام: عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة [كيف يصنع ؟ قال: «إنّ أبي أتاه رجل و قد جعل جاريته هديا للكعبة] فقال له أبي: مر مناديا فينادي علي الحجر: ألا من قصرت به نفقته أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و أمره أن يعطي الأوّل فالأوّل حتي ينفد ثمن جاريته»(2).

البحث الخامس: في الوصيّة للقرابة.
مسألة 100: تصحّ الوصيّة للقرابة بالإجماع و النصّ،

قال اللّه تعالي:

اَلْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ (3) .

لكن الخلاف في القرابة من هم ؟

و تحقيقه: أنّه إذا أوصي لأقاربه أو لأقارب زيد، دخل فيه كلّ من يعرف بنسبه، سواء الذكر و الأنثي، و الفقير و الغني، و الوارث و غير الوارث، و المحرم و غير المحرم، و القريب و البعيد، و المسلم و الكافر من قبل الأب و الأم أو من قبل أحدهما؛ عملا بإطلاق اللفظ، فإنّ الاسم يتناول الجميع علي

ص: 178


1- التهذيب 842/213:9.
2- التهذيب 843/214:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
3- سورة البقرة: 180.

السواء، و لم يعهد في الشرع معني آخر وضع هذا اللفظ له، فوجب صرفه إلي المتعارف بين الناس، كما هو المعهود من عادة الشرع، و به قال الشافعي(1).

قال الشافعي: و إذا كان الموصي لقرابته من قريش، قيل [له]: قريش تفترق فمن أيّها؟ فقال: من بني عبد مناف، فقيل: من أيّها؟ فقال: من بني عبد المطّلب، قيل: هم يفترقون فمن أيّها؟ فقال: من بني عبد يزيد، فقيل: من أيّها؟ قال: من بني السائب بن عبيد، فقيل: من أيّها؟ فقال: من بني شافع، قال الشافعي: و بنو شافع لا يفترقون، فتكون قرابته من ينتسب إلي شافع، و هو الأب الأدني(2).

و قال الشيخ في الخلاف: إذا أوصي بثلثه لقرابته، فمن أصحابنا من قال: إنّه يدخل فيه كلّ من يقرب إليه إلي آخر أب و أمّ في الإسلام.

و اختلف الناس في القرابة، فقال الشافعي: إذا أوصي بثلثه لقرابته و لأقربائه و لذي رحمه و لأرحامه، فإنّها تنصرف إلي المعروفين من أقاربه في العرف، فيدخل فيه كلّ من يعرف في العادة أنّه من قرابته، سواء كان وارثا أو غير وارث. قال: و هذا قريب يقوي في نفسي، و ليس لأصحابنا فيها نصّ عن الأئمّة عليهم السّلام(3) ، و نحوه قال في المبسوط(4) ، و اختاره ابن إدريس(5).

و قال ابن الجنيد: و من جعل وصيّته لقرابته و ذوي رحمه غير مسمّين3.

ص: 179


1- الحاوي الكبير 302:8، نهاية المطلب 299:11، الوجيز 276:1، الوسيط 451:4، العزيز شرح الوجيز 98:7، روضة الطالبين 160:5، المغني 579:6.
2- الأم 111:4، مختصر المزني: 145.
3- الخلاف 150:4، المسألة 24.
4- المبسوط 40:4.
5- السرائر 187:3.

كانت لمن يقرب إليه من جهة ولده أو والديه، و لا أختار أن يتجاوز بالتدلية ولد الأب الرابع؛ لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربي من الخمس.

و قال أبو حنيفة: إذا أوصي لأقاربه أو لذوي قرابته أو لذوي أرحامه أو لذوي أنسابه، كان للأقرب فالأقرب من كلّ [ذي] رحم محرم منه؛ لأنّ المقصود من الوصيّة صلة القريب، فيختصّ بها ذو المحرم، و يدخل فيه الجدّ و الجدّة و ولد الولد في ظاهر الرواية.

و عن أبي حنيفة و أبي يوسف: أنّ الجدّ و ولد الولد لا يدخل، و لا يدخل الوالدان و الولد؛ لأنّهم لا يطلق عليهم اسم القريب، و من سمّي والده قريبا كان عاقّا؛ لأنّ القريب في العرف من يتقرّب إلي غيره بواسطة الغير، و تقرّب الوالد و الولد بنفسيهما لا بغيرهما؛ لقوله: وَ الْأَقْرَبِينَ (1) عطفه علي الأبوين. و لا حجّة فيه.

و لا يدخل الوارث، و لا يدخل فيه الغني و لا غير المحرم، و لا يسوّي بين القريب و البعيد، بل يقدّم الأقرب فالأقرب، فلا يصرف إلي العمّ شيء مع ولد الأخ، و لا إلي ابن العمّ مع العمّ، و يكون للاثنين فصاعدا، و يستوي فيه الصغير و الكبير، و الحرّ و العبد، و الذكر و الأنثي، و المسلم و الكافر، فيعطي من أدناهم اثنان فصاعدا، فإذا كان له عمّان و خالان فالوصيّة لعمّيه، و إن كان له عمّ و خالان فلعمّه النصف، و لخاليه النصف؛ لأنّه لا بدّ من اعتبار الجمع، و أقلّه اثنان في الوصيّة و الإرث(2). -

ص: 180


1- سورة البقرة: 180.
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 243-244، -

و قال قتادة: للأعمام الثّلثان، و للأخوال الثّلث، و به قال الحسن، قال: و يزاد الأقرب بعض الزيادة(1).

و قال مالك: يقسّم علي الأقرب فالأقرب بالاجتهاد(2).

و قال أحمد: إذا أوصي لقرابته أو لقرابة فلان، كانت لأولاده و أولاد أبيه و أولاد جدّه و أولاد ابنه، و يستوي فيه الذكر و الأنثي، و لا يعطي من هو أبعد منهم شيئا، فلو وصّي لقرابة النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أعطي أولاده و أولاد عبد المطّلب و أولاد هاشم، و لم يعط بنو عبد شمس و لا بنو نوفل شيئا؛ لأنّ اللّه تعالي لمّا قال: ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُري - إلي قوله - وَ لِذِي الْقُرْبي (3) يعني قربي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، و أعطي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله هؤلاء الذين ذكرناهم، و لم يعط من هو أبعد منهم - كبني عبد شمس و نوفل - شيئا، إلاّ أنّه أعطي بني المطّلب، و علّل عطيّتهم بأنّهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهليّة و لا إسلام، و لم يعط قرابة أمّه - و هم بنو زهرة - شيئا(4) ، و لم يعط منهم إلاّ مسلما، فحمل مطلق كلام الموصي علي ما حمل عليه المطلق من كلام اللّه تعالي، و فسّر بما فسّر به، و يستوي القريب و البعيد، و الذكر5.

ص: 181


1- المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
2- - المبسوط - للسرخسي - 155:27-156، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوي الولوالجيّة 389:5، الفقه النافع 1419:3-1187/1420 و 1188، بدائع الصنائع 348:7-349، الهداية - للمرغيناني - 249:4-250، الاختيار لتعليل المختار 111:5-112، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
3- سورة الحشر: 7.
4- مسند أحمد 16299/36:5، سنن أبي داود 2980/146:3، سنن النسائي (المجتبي) 131:7، السنن الكبري - للنسائي - 4439/45:3-5، مسند أبي يعلي 7399/396:13، المعجم الكبير - للطبراني - 1591/140:2، السنن الكبري - للبيهقي - 341:6 و 365.

و الأنثي، و الصغير و الكبير، و الغني و الفقير(1).

و عن أحمد رواية أخري: أنّه يصرف إلي قرابة أمّه إن كان يصلهم في حياته، كأخواله و خالاته و إخوته من الأمّ، فإن كان لا يصلهم لم يعطوا شيئا؛ لأنّ عطيّته لهم في حياته قرينة دالّة علي صلته لهم بعد موته، و إلاّ فلا(2).

و عنه رواية ثالثة: أنّه يجاوز بها أربعة آباء، و إعطاء النبيّ عليه السّلام لا يمنع من العمل بالعموم في غير ذلك الموضع(3).

و التخصيص بالصلة لا دليل عليه، بل علي ضدّه، فربما استدرك أمره في إعطاء من حرمه حال حياته، و التخصيص بالأربعة تحكّم محض، فإذا الوجه ما اخترناه من الصرف إلي المتعارف بين الناس في ذلك، و لا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم، فإنّ اسم القرابة يقع علي غيرهم.

فروع:

أ: قد بيّنّا أنّه لا يشترط في القرابة المحرميّة، خلافا لأبي حنيفة(4) ، فعلي قوله لو لم يكن للموصي ذو رحم محرم فالوصيّة عنده باطلة؛ لأنّ الوصيّة عنده إنّما هي لذي الرحم، فإذا لم يكن له ذو رحم محرم كانت الوصيّة للمعدوم، و الوصيّة للمعدوم باطلة.

ب: إذا أوصي لأقاربه، صرف إلي جميع أقاربه البعيد و القريب علي6.

ص: 182


1- المغني 579:6.
2- المغني 579:6.
3- المغني 579:6-580.
4- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 243-244، النتف 824:2، المبسوط - للسرخسي - 155:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفقه النافع 1419:3-1187/1420، بدائع الصنائع 348:7، شرح الزيادات 1597:5 - 1598، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 111:5، التهذيب - للبغوي - 78:5، العزيز شرح الوجيز 98:7، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.

ما تقدّم بيانه.

و علي قول أبي حنيفة إذا كان له عمّان و خالان فالوصيّة لعمّيه؛ لأنّه يعتبر الأقرب كالإرث(1).

و عندنا و عند أبي يوسف و محمّد(2) يكون أرباعا.

و لو كان له عمّ واحد، فله نصف الثّلث عند أبي حنيفة(3) ، و بقي الآخر لا مستحقّ له؛ لأنّ أقلّ الجمع اثنان.

ج: لو خلّف عمّا و عمّة و خالا و خالة و أوصي لأقاربه، فالوصيّة بينهم أرباعا عندنا و عند الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: تكون الوصيّة للعمّ و العمّة علي السواء؛ لاستواء قرابتهما، و قرابة العمومة أولي من قرابة الخؤولة، و العمّة و إن لم تكن وارثة عنده فهي مستحقّة للوصيّة، كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا(5).

د: لو أوصي لذي قرابته، لم يشترط فيه الجمع - و به قال أبو حنيفة -5.

ص: 183


1- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوي الولوالجيّة 389:5، بدائع الصنائع 349:7، شرح الزيادات 1605:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 250، الاختيار لتعليل المختار 112:5، المغني 580:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوي الولوالجيّة 389:5، بدائع الصنائع 349:7، شرح الزيادات 1605:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
3- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 213:3، بدائع الصنائع 349:7، الهداية للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
4- راجع: نهاية المطلب 308:11.
5- شرح الزيادات 1606:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.

لاستحقاق الكلّ، حتي لو كان له عمّ و خالان فكلّه للعمّ عند أبي حنيفة؛ لأنّ اللفظ للمفرد، فيحرز(1) العمّ الكلّ؛ لأنّه أقرب عنده(2) ، و عندنا يشتركون أو يخصّص الوارث من شاء.

ه: لو أوصي لأقارب زيد، دخل فيه ورّاث زيد إجماعا.

و لو أوصي لأقارب نفسه، فكذلك عندنا؛ لصحّة الوصيّة للوارث عندنا.

و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لتناول الاسم لهم، و وقوعه عليهم كوقوعه علي غير الوارث، ثمّ يبطل نصيبهم عنده، و يصحّ الباقي لغير الورثة، و الثاني: أنّهم لا يدخلون؛ لقرينة الشرع؛ لأنّ الوارث لا يوصي له خاصّة، فلا يدخل في عموم اللفظ، فعلي هذا تختصّ الوصيّة بالباقين.

و هذا الثاني إنّما يتمّ علي أحد قولي الشافعي: إنّ الوصيّة للوارث باطلة، أمّا إذا قلنا: إنّها تقف علي الإجازة - كالقول الثاني له - فإنّه يتعيّن الوجه الأوّل(3).

مسألة 101: إذا أوصي لأقاربه أو أقارب زيد،

دخل فيه الأصول و الفروع عندنا - و هو أحد وجوه الشافعيّة(4) - لتناول الاسم لهم.

و الثاني: أنّ الأبوين و الأولاد لا يدخلون، و يدخل الأحفاد و الأجداد

ص: 184


1- في «ر، ل» و الطبعة الحجريّة: «فيحوز».
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، شرح الزيادات 1607:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
3- الوجيز 277:1، الوسيط 452:4، العزيز شرح الوجيز 98:7-99، روضة الطالبين 160:5.
4- الوجيز 277:1، الوسيط 451:4، العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 160:5.

- و به قال أبو حنيفة(1) و أبو إسحاق من الشافعيّة - لأنّ الوالد و الولد لا يعرفان بالقريب في العرف، بل القريب من ينتمي إليه بواسطة(2)العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 160:5-161.(3).

و هو خطأ؛ لأنّه لو أوصي لأقرب الأقارب، دخل الأبوان و الولد إجماعا، فكيف يكون الشخص من أقرب الأقارب و لا يكون من الأقارب!؟

و الثالث: أنّه لا يدخل واحد من الأصول و الفروع؛ إذ لا يسمّون أقارب(4).

و الأظهر عندهم: الوجه الثاني من الوجوه، حتي أنّ بعض الشافعيّة ادّعي إجماع أصحابه علي عدم دخول الآباء و الأولاد(4).

و الحقّ ما قلنا نحن أوّلا.

مسألة 102: لو أوصي لأقاربه،

فقد قلنا: إنّه يصرف إلي المعروفين بنسبه.

و قالت الشافعيّة: يعتبر أقرب جدّ ينسب إليه الرجل و يعدّ أصلا و قبيلة في نفسه، فيرتقي في بني الأعمام إليه، و لا يعتبر من [فوقه](5) ، حتي لو أوصي لأقارب حسنيّ أو أوصي حسنيّ لأقارب نفسه، لم يدخل الحسينيّون في الوصيّة، و كذلك وصيّة المأمونيّ لأقاربه، و الوصيّة لأقارب

ص: 185


1- مختصر القدوري: 243-244، المبسوط - للسرخسي - 155:27، روضة القضاة 3928/696:2، تحفة الفقهاء 212:3، الفقه النافع 1419:3 - 1187/1420، بدائع الصنائع 348:7، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 111:5، العزيز شرح الوجيز 99:7.
2- نفس المصادر في الهامش
3- من ص 184.
4- نفس المصادر في الهامش (4) من ص 184.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قومه»، و في الطبعة الحجريّة: «قوم». و الصواب ما أثبتناه من المصدر.

المأمونيّ لا يدخل فيها أولاد المعتصم و سائر العبّاسيّة(1).

و الوصيّة من العجم و العرب واحدة.

و قالت الشافعيّة: وصيّة العجم تدخل فيها قرابة الأب و الأم، و في وصيّة العرب و جهان:

أحدهما: أنّ قرابة الأمّ لا تدخل - و به قال أحمد - لأنّ العرب لا تعدّها قرابة، و لا تفتخر بها، و إنّما تفتخر بمن ينتمي إليهم من جهة الأب.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنّهم يدخلون - كما ذهبنا نحن إليه - كما في وصيّة العجم(2).

تذنيب: قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية: إذا أوصي لأقاربه، دخل فيه كلّ من تقرّب إليه إلي آخر أب و أمّ في الإسلام(3).

و هذا يعطي اشتراط إسلام أقصي الأب.

و للحنفيّة قولان، أحدهما: هذا، و الثاني: أنّه لا يشترط، لكن يشترط إدراكه الإسلام(4).

و يحتمل كلام الشيخ هذا أيضا، فلا يدخل أولاد عبد المطّلب علي القولين في وصيّة العلويّ لذوي قرابته؛ لأنّه لم يدرك الإسلام، و يدخل فيه أولاد عقيل و أولاد جعفر.

مسألة 103: لو أوصي فقال: أوصيت لأقاربي،

أو لقرابتي، أو لذي

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 161:5.
2- نهاية المطلب 300:11-301، الوجيز 277:1، التهذيب - للبغوي - 5: 78، العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
3- النهاية: 614.
4- شرح الزيادات 1601:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4-250.

قرابتي، أو لذي رحمي، لم يكن فرق في جميع ما ذكرنا من هذه الألفاظ، لكن قرابة الأم تدخل في ذي الرحم إجماعا في وصيّة العرب و العجم جميعا؛ لأنّ لفظ الرحم لا يختصّ بطرف الأب.

و إذا لم يوجد إلاّ قريب واحد، صرف المال إليه إن أوصي لذي قرابته، أو لذي رحمه، أو لقرابته، فإنّ القرابة مصدر يوصف بها الواحد و الجمع.

أمّا إذا كان اللفظ: «لأقاربي» أو «لأقربائي» أو «ذوي قرابتي» أو «ذوي رحمي» فوجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون الكلّ له ؟

أظهرهما عندهم: نعم؛ لأنّ الجمع ليس مقصودا هنا، و إنّما المقصود الصرف إلي جهة القرابة.

و يشكل بأنّه لو كان كذلك لما وجب الاستيعاب، كالوصيّة للفقراء.

و علي القول بأنّه لا يكون الجميع لذلك الواحد فله(1) الثّلث، و يبطل الباقي(2).

و لهم وجه آخر: أنّه يكون له النصف(3) ، و به قال أبو حنيفة(4).

و لو كان هناك جماعة محصورون، فالأقوي: أنّه يقسّم المال بينهم بالسويّة.

و لا بدّ من استيعابهم، و به قال الشافعي(5).

خلافا لأبي حنيفة؛ حيث جوّز صرف المال إلي ثلاثة منهم(6).

و للشافعيّة وجه آخر مثله(7).5.

ص: 187


1- في «ر»: «يكون له» بدل «فله».
2- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
3- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
4- لم نعثر علي قوله في مظانّه.
5- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
6- العزيز شرح الوجيز 100:7.
7- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.

و لو كانوا غير محصورين، كالوصيّة للعلويّة و القبائل العظيمة، فلا يجب الاستيعاب.

مسألة 104: لو أوصي لأقرب أقاربه أو لأقرب أقارب زيد أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما،

لم يدفع إلي الأبعد مع وجود الأقرب، فيقدّم الأب علي كلّ من أدلي به من الأجداد و الإخوة و الأعمام، و كذا تقدّم الأمّ علي كلّ من يدلي بها منهم، و يقدّم الابن علي كلّ من أدلي به و علي كلّ من يدلي بالأب.

و لا خلاف في دخول الأبوين و كذا الولد.

و لو اجتمع الأبوان و الولد، تساووا في الاستحقاق؛ لأنّ كلّ واحد من هؤلاء يدلي بنفسه من غير واسطة - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لاستوائهما في الرتبة، و علي هذا يقدّم الأب علي ابن الابن.

و الثاني: أنّه يقدّم الابن علي الأبوين؛ لقوّة إرثه و عصوبته، فإنّه يسقط تعصيب الأب(2).

و الأوّل أولي عند أحمد؛ لأنّ إسقاطه تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب، و لا يصيّره أقرب منه؛ بدليل أنّ ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده(3).

و علي هذا القول للشافعي فالأولاد مقدّمون علي من عداهم مطلقا، ثمّ يليهم البطن الثاني أولاد الأولاد، ثمّ البطن الثالث إلي حيث انتهوا، فيقدّم ابن ابن الابن و إن نزل عدّة مراتب علي الأبوين(4).

و الحقّ خلافه، بل يقدّم الأب؛ لأنّه يدلي بنفسه و يلي ابنه من غير

ص: 188


1- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
2- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
3- المغني 580:6.
4- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.

حاجب، و لا يسقط ميراثه بحال، بخلاف ابن الابن.

فروع:

أ: يستوي أولاد البنين و أولاد البنات، و به قال الشافعي(1).

و هو ينقض عليهم ما ذكروه من تقديم الابن علي الأب؛ لأنّ قوّة الإرث و العصوبة في الابن إذا اقتضت تقدّمه علي الأب فهلاّ اقتضي أصل الإرث و العصوبة في أولاد البنين تقدّمهم علي أولاد البنات ؟(2).

ب: الأب و الأمّ سواء في هذه الوصيّة، و كذا الابن و البنت، و الجدّ أبو الأب مساو للجدّ أبي الأمّ، و كذا أبو الأمّ و أمّ الأمّ و أمّ الأب كلّهم سواء، ثمّ من بعد الأولاد أولاد البنين و إن سفلوا الأقرب فالأقرب، الذكور و الإناث سواء، و كذا أولاد البنات عندنا.

ج: لو لم يكن أحد من الأولاد و الأحفاد و الأبوين، قدّم الأجداد و الجدّات و الإخوة و الأخوات الأقرب فالأقرب.

و قالت الشافعيّة: إذا لم يوجد أحد من الأولاد و الأحفاد قدّم الأبوان و بعدهما الأجداد و الجدّات إن لم توجد الإخوة و الأخوات علي شرط تقديم الأقرب فالأقرب منهم، أو الإخوة و الأخوات إن لم توجد الأصول(3).

و إن اجتمع الجدّ و الأخ، فأظهر الطريقين عندهم: أنّ المسألة علي قولين:

أحدهما: أنّهما يستويان؛ لاستوائهما في الدرجة.

و أصحّهما: تقديم الأخ؛ لقوّة البنوّة.5.

ص: 189


1- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
2- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
3- العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.

و هما كالقولين فيما إذا اجتمع جدّ المعتق و أخوه.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الثاني.

و علي القول بالتسوية فالجدّ أولي من ابن الأخ؛ لقربه(1) ، و هو مذهبنا أيضا.

و لو قدّم الأخ علي الجدّ - كما ذهبوا إليه - قدّم ابن الأخ و إن سفل علي الجدّ(2).

د: ابن الأخ و أبو الجدّ متساويان، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و الظاهر تقديم ابن الأخ عندهم، ثمّ يقدّم بعد الأجداد و الجدّات إذا لم يكن إخوة و أخوات، و أولاد الإخوة و الأخوات، ثمّ الأعمام و العمّات، و يساويهم الأخوال و الخالات، ثمّ أولاد العمومة و العمّات و أولاد الخؤولة و الخالات(4).

و قالت الحنابلة: بعد الأولاد أولاد البنين و إن سفلوا، الأقرب فالأقرب، الذكور و الإناث، و في أولاد البنات لهم وجهان؛ بناء علي دخولهم في الوقف، ثمّ من بعد الولد الأجداد، الأقرب فالأقرب؛ لأنّهم العمود الثاني، ثمّ الإخوة و الأخوات؛ لأنّهم من ولد الأب أو من ولد الأمّ، و أولادهم و إن سفلوا، و لا شيء لأولاد الأخوات علي تقدير القول بعدم دخول ولد البنات، و الأخ للأب أولي من ابن الأخ للأبوين - و هو مذهبنا - كما في الميراث، ثمّ من بعدهم الأعمام، ثمّ بنوهم و إن سفلوا، و يستوي العمّ من الأب و العمّ من الأمّ، و كذا [أبناؤهما](5) ثمّ علي هذا الترتيب.ر.

ص: 190


1- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
2- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
3- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
4- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبناؤهم». و المثبت كما في المصدر.

و هذا علي الرواية التي تضمّنت جعل القرابة فيها كلّ من يقع عليه اسم القرابة، فأمّا علي الرواية التي خصّصت القرابة بمن كان من أولاد الآباء فلا تدخل فيه الأمّ و لا أقاربها؛ لأنّ من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة، فعلي هذه الرواية تتناول الوصيّة من كان أقرب من أولاد الموصي و أولاد آبائه إلي أربعة آباء(1).

ه: الأخ من الأبوين أقرب من الأخ من الأب خاصّة، و لهذا قدّم عليه في الميراث.

و هل هو أقرب من الأخ من الأمّ؟ الأقوي ذلك و إن شاركه في الميراث.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ الأخ من الجهتين يقدّم علي الأخ من جهة واحدة؛ لزيادة قرابته(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ للشافعي قولين، كما في ولاية التزويج(3).

و: الأخ من الأب و الأخ من الأمّ متساويان، و كذا القول في أولاد الإخوة و أولاد الأعمام و الأخوال، و مشاركة الأخ من الأمّ للأخ من الأبوين دون الأخ من الأب معارضة بكثرة نصيبه.

ز: في تقديم الجدّة من الجهتين علي الجدّة من جهة واحدة إشكال، أقربه: العدم، كما في الإخوة.

و للشافعيّة و جهان، كالوجهين في الميراث: أنّ السدس بينهما، أم يفضّل صاحب الجهتين ؟(4).5.

ص: 191


1- المغني 581:6. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.

و يخرّج للشافعيّة ممّا قالوه أنّه إذا اجتمع أولاد إخوة متفرّقين و أولاد أخوات متفرّقات، فالمال لولد الأخ من الأبوين و ولد الأخت من الأبوين، و إن لم يوجد أولاد الإخوة و الأخوات من الأبوين فأولادهم من الأب و أولادهم من الأمّ سواء.

هذا إذا استوت الدرجة، فإن اختلفت قدّم الأقرب منهم من أيّ جهة كان، حتي لا يقدّم ابن ابن الأخ من الأبوين علي الأخ من الأب و لا علي ابنه، بل يقدّمان عليه، و كذا يقدّم الأخ من الأمّ و ابنه؛ لأنّ جهة الأخوّة واحدة، فيراعي قرب الدرجة.

و أمّا إذا اختلفت الجهة، فالبعيد من الجهة القريبة مقدّم علي القريب من الجهة البعيدة، فيقدّم ابن ابن ابن الابن و إن نزل علي الأخ، و ابن ابن ابن الأخ و إن سفل علي العمّ.

و لا يرجّح في هذا الباب بالذكورة، و لا ينظر إلي الورثة، بل يستوي في الاستحقاق الأب و الأمّ و الابن و البنت و الأخ و الأخت، و يقدّم ابن البنت علي ابن ابن الابن؛ لأنّ الاستحقاق منوط بزيادة القرب(1).

ح: العمّ من الأب لا يرث مع ابن العمّ من الأبوين علي ما نصّ عليه علماؤنا أجمع.

و هل يحرم العمّ من الأب في الوصيّة بابن العمّ من الأبوين ؟ الأقرب:

المنع، و حرمانه في الإرث قضيّة خاصّة لا تتعدّي؛ لأنّها مخالفة للقياس.

مسألة 105: إذا أتي في وصيّته بلفظ الجمع،

فإن كان ممّا يعمّ وجب فيه الاستيعاب مع الحصر و إمكانه، و إن كان ممّا لا يعمّ أو لم يمكن الاستيعاب؛ لعدم الحصر، وجب صرفه إلي من يصدق اسم الجمع فيه،

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5-163.

و هو إمّا ثلاثة علي الأقوي، أو اثنان علي الخلاف.

إذا عرفت هذا، فإذا أوصي لجماعة من أقرب أقاربه أو أقرب أقارب زيد، فلا بدّ من الصرف إلي ثلاثة، فإن كان في الدرجة القريبة ثلاثة دفع إليهم، و إن كانوا أكثر من ثلاثة فالأقرب: عدم وجوب التعميم؛ لأنّ الجماعة تحصل بثلاثة، فيختار الوصي ثلاثة منهم، كما لو أوصي للفقراء، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجب التعميم، و إلاّ صارت الوصيّة لغير معيّن، بخلاف الوصيّة للفقراء؛ لأنّ المرعيّ هناك جهة الفقر، و لأنّ الاسم يتناول الجميع علي السواء، فلا وجه للترجيح بالبعض(1).

و إن كانوا دون الثلاثة، تمّمنا الثلاثة ممّن يليهم، فإن كان له ابنان و ابن ابن دفع إليهم، و إن كان له ابن و ابن ابن و ابن ابن ابن، دفع إليهم، و إن كان له ابن و ابنا ابن دفع إليهم، و هو قول الشافعيّة(2).

و يحتمل بطلان الوصيّة في حصّة البعيد، فلو كان له ابن و ابنا ابن دفع إلي الابن الثّلث، و بطل الثّلثان، كما لو أوصي لجماعة من العلماء، و ليس إلاّ عالم واحد، فإنّه تصحّ الوصيّة في الثّلث خاصّة.

و لو كان له ابن و ابن ابن و ابنا ابن ابن، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّه يدفع إلي الابن و ابن الابن و واحد من الذين هم في الدرجة الثالثة.

و الثاني: أنّه يدفع إلي الجميع.

و علي الدفع إلي الجميع فالقياس التسوية بين كلّ المدفوع إليهم، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الثّلث لمن في الدرجة الأولي،

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
2- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.

و الثّلث لمن في الثانية، و الثّلث لمن في الثالثة(1).

و قال بعضهم: إنّها وصيّة لغير معيّن؛ لأنّ لفظ الجماعة منكر، فصار كما لو أوصي لأحد الرجلين أو لثلاثة [لا](2) علي التعيين من جماعة معيّنين(3).

و لو كانت الوصيّة لأقرب أقارب نفسه، فالترتيب علي ما تقدّم.

لكن لو كان الأقرب وارثا صرف إلي من يليه ممّن ليس بوارث عند العامّة القائلين بمنع الوصيّة للوارث(4).

و عندنا أنّ الإرث لا يمنع الوصيّة، فيكون للوارث.

مسألة 106: إذا أوصي لجماعة من أقرب أقاربه و كان له ابن و أخ و عمّ لا غير،

فالوصيّة بينهم أثلاثا علي إشكال.

و كذا لو كان له ابن و أخوان.

و إن كان له ابن و ثلاثة إخوة، دخل جميعهم في الوصيّة، و ينبغي أن يكون للابن ثلث الوصيّة، و لهم ثلثاها.

و إن كان الابن وارثا صحّت عندنا، سواء أجاز باقي الورثة أو لا إذا لم يزد علي الثّلث، خلافا للعامّة(5).

و لو أوصي لعصبته، فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة، سواء كانوا ممّن يرث في الحال أو لم يكن، و سواء القريب منهم و البعيد؛ لشمول اللفظ لهم، و لا خلاف في أنّهم لا يكونون من جهة الأمّ.

مسألة 107: لو أوصي لآله أو لآل غيره،

صحّت الوصيّة، و صرفت

ص: 194


1- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
4- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
5- المغني 582:6، الشرح الكبير 524:6.

إلي قرابته؛ قضيّة للعرف.

قال زيد بن أرقم: آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله أصله و عشيرته الذين حرموا الصدقة بعده: آل عليّ عليه السّلام و آل العبّاس و آل جعفر و آل عقيل(1).

و أصل «آل»: «أهل» قلبت الهاء همزة.

و آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قرابته، كبني هاشم و بني المطّلب، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه جميع أمّته، و الأصحّ عندهم: الأوّل(2).

و عن مالك: أنّ آله أصحابه(3).

فلو أوصي لآل غير النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، صحّ عندنا - و هو أحد قولي الشافعيّة(4) - لظهور أصل له في الشرع، و الثاني: بطلان الوصيّة؛ لإبهام اللفظ و تردّده بين القرابة و أهل الدين و غيرهما(5).

و علي الأوّل - و هو الصحّة - يحتمل عندهم أن يكون كالوصيّة للقرابة، و أن يفوّض إلي اجتهاد الحاكم(6).

فإن كان هناك وصيّ، احتمل اتّباع رأيه؛ حيث جعل الأمر إليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: اتّباع رأي الحاكم(7).

و ينبغي أن يتّبع الحاكم و الوصيّ معا مراد الموصي إن ظهر لهما بقرينة5.

ص: 195


1- المغني 583:6.
2- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (مقدّمة الحاوي الكبير): 227، الحاوي الكبير 517:7، نهاية المطلب 311:11، بحر المذهب 186:2، البيان 236:2، العزيز شرح الوجيز 534:1، و 104:7، روضة الطالبين 368:1، و 163:5، المجموع 466:3، صحيح مسلم بشرح النووي 124:4.
3- نهاية المطلب 311:11، العزيز شرح الوجيز 104:7.
4- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 5: 163-164.
5- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 5: 163-164.
6- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.
7- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.

حال و شبهها، و لا يتّبعان أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال، إلاّ مع عدم التمكّن من معرفة مراده.

مسألة 108: لو أوصي لأهل بيته،

صرف إلي أقاربه من قبل الأب و من قبل الأمّ، فيعطي الأبوان و آباؤهم من الجدّات و الأجداد، و أبناؤهم من الأعمام و الأخوال ذكورهم و إناثهم، و يعطي الأولاد و أولاد الأولاد الذكور و الإناث، و بالجملة، كلّ من يعرف بقرابته.

و قال أحمد بذلك، قال ابن المنذر: إنّه إذا أوصي بثلث ماله لأهل بيته، كان بمثابة قوله: لقرابتي، عند أحمد(1).

قال أحمد: قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «لا تحلّ الصدقة لي و لأهل بيتي» فجعل سهم ذي القربي لهم عوضا من الصدقة التي حرّمت عليهم، فكان ذوو القربي الذين سمّاهم اللّه تعالي هم أهل بيته الذين حرّمت عليهم الصدقة.

و ذكر حديث زيد بن أرقم: أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «أذكّركم اللّه في أهل بيتي» قال(2): قلنا: من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال(3): لا، أصله و عشيرته الذين حرّمت عليهم الصدقة بعده: آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل العباس(4).

قال ثعلب: أهل البيت عند العرب آباء الرجل و أولادهم، كالأجداد و الأعمام و أولادهم، و يستوي فيه الذكور و الإناث(5).

ص: 196


1- المغني 582:6، الشرح الكبير 253:6.
2- القائل هو حصين بن سبرة - سمرة -، راجع: صحيح مسلم 2408/1873:4، و السنن الكبري - للنسائي - 8175/51:5-3، و صحيح ابن خزيمة 62:4 - 2357/63، و السنن الكبري - للبيهقي - 148:2، و 30:7-31.
3- القائل هو زيد بن أرقم، راجع الهامش السابق.
4- المغني 582:6، الشرح الكبير 253:6.
5- عنه في المغني 582:6-583، و الشرح الكبير 253:6.

قال بعض الحنابلة: إنّ أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة و لا أهل بيته(1).

و خطّأه باقيهم؛ لأنّ ولد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله من أهل بيته و أقاربه الذين حرموا الصدقة و أعطوا من سهم ذي القربي و هم من أقرب أقاربه، فكيف لا يكونون من أقاربه ؟ و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله لفاطمة و ولديها و زوجها عليهم السّلام:

«اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»(2)(3).

و روي العامّة في الصحاح عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»(4).

و لو وقف علي أقارب رجل أو وصّي لأقاربه، دخل فيه ولده بغير خلاف نعلمه.

قال بعضهم: لا يجاوز به أربعة آباء؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربي، فجعل هاشما الأب الرابع، و إنّما يكون رابعا لو كان للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله ابن؛ لأنّ هاشما إنّما هو رابع النبيّ صلّي اللّه عليه و اله(5).

و عند الشافعيّة لو أوصي الرجل لأهل بيته وجهان:

أحدهما: الحمل علي ما يحمل عليه الآل.6.

ص: 197


1- المغني 583:6، الشرح الكبير 253:6.
2- مسند أحمد 415:7-25969/416، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 3205/351، و 3787/663، السنن الكبري - للنسائي - 112:5-8409/113، المعجم الكبير - للطبراني - 47:3-2666/48، و 2668/49، و 25:9 - 8295/26، و 65:22-159/66.
3- المغني 583:6، الشرح الكبير 253:6-254.
4- أورده الحاكم النيسابوري في المستدرك علي الصحيحين 416:2، و 147:3، و راجع أيضا: الهامش (2).
5- المغني 583:6، الشرح الكبير 254:6.

و الثاني: دخول الزوجة أيضا، و هو أشبه عندهم(1).

و في أهله دون لفظ البيت و جهان للشافعيّة:

أحدهما: الحمل علي الزوجة خاصّة، و به قال أبو حنيفة(2) ؛ لقوله تعالي: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا (3) و المراد امرأته، و يقال: تأهّل، أي: تزوّج.

و الثاني: علي كلّ من تلزمه نفقته؛ لقوله تعالي: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ (4) و المراد من كان في عياله، فعلي الأوّل لو صدرت الوصيّة من امرأة بطلت(5).

مسألة 109: لو أوصي لآباء فلان،

دخل فيه أجداده من الجهتين، و لو أوصي لأمّهات فلان، دخل فيه جدّاته من الجهتين، و به قال بعض الشافعيّة(6).

و حكي بعضهم عن أصحاب الرأي أنّ الأجداد من جهة الأمّ لا يدخلون في الآباء، و الجدّات من جهة الأب لا يدخلن في الأمّهات(7).

و جعل الجويني المذهبين وجهين، و رأي الأظهر ما نسب إلي أهل الرأي(8).

ص: 198


1- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.
2- تحفة الفقهاء 213:3، الفتاوي الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 350:7، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5.
3- سورة القصص: 29.
4- سورة الأعراف: 83.
5- نهاية المطلب 312:11-313، العزيز شرح الوجيز 104:7-105، روضة الطالبين 164:5.
6- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.
7- العزيز شرح الوجيز 105:7.
8- نهاية المطلب 315:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.

و لا خلاف في شمول الأجداد و الجدّات الجهتين.

و لو أوصي لجنسه أو لأهل بيته أو لآله، دخل فيه كلّ من ينسب إليه من قبل آبائه و أمّهاته إلي أقصي أب و أمّ له في الإسلام؛ عملا بالعرف.

و في اشتراط القرابة في الجنس إشكال.

و قالت الحنفيّة: لو أوصي لجنسه أو لأهل بيته أو لآله، دخل فيه كلّ من ينتسب إليه من قبل آبائه إلي أقصي أب له في الإسلام، الأقرب و الأبعد و الذكر و الأنثي و المسلم و الكافر و الصغير و الكبير سواء، و لا يدخل فيه أولاد البنات و أولاد الأخوات و لا أحد من أيتام الموصي؛ لأنّهم لا ينتسبون إلي أب الموصي الأكبر، و إنّما ينتسبون إلي آبائهم، فكانوا من جنس آخر أو من أهل بيت آخر؛ لأنّ النسب يعتبر من الآباء، و الأب الأكبر لو كان حيّا لا يدخل تحت الوصيّة؛ لأنّ هذه الوصيّة للمضاف لا للمضاف إليه(1).

و لو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها، قالت الحنفيّة: لا يدخل ولدها؛ لأنّ ولدها ينسب إلي أبيه، لا إلي أبيها الأكبر، إلاّ أن يكون أبوه من قومها(2).

و لو أوصي لبني فلان، فالأقرب: دخول الإناث - و به قال محمّد بن الحسن و أبو حنيفة أوّلا(3) - لتناول الاسم الجميع، قال اللّه تعالي: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً (4).

و قال أبو حنيفة أخيرا و أبو يوسف: لا تدخل فيه الإناث؛ عملا6.

ص: 199


1- شرح الزيادات 1608:5-1609.
2- شرح الزيادات 1609:5.
3- الفتاوي الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 344:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251.
4- سورة النساء: 176.

بالحقيقة(1).

هذا إذا كانوا محصورين، و أمّا إن كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ، فإنّه يدخل فيه الذكور و الإناث إجماعا.

و لا يدخل فيه مولي العتاقة و الموالاة؛ لعدم تناولهم عرفا و حقيقة.

و قالت الحنفيّة: يدخلون؛ لأنّ المراد الانتساب، كما في: بني آدم(2).

و هو ممنوع.

و لو أوصي لولد فلان، فالوصيّة للذكر و الأنثي علي السواء؛ لشمول اسم الولد لهما.

مسألة 110: و لو أوصي لورثة فلان،

صحّت، و دخل فيه كلّ من يرثه ذكرا و أنثي بنسب أو سبب بالسويّة، سواء تفاوتت الورثة في الميراث، كابن و بنت، أو اتّفقوا، كابنين أو بنتين، و لا يعتبر تفاوتهم في الإرث.

و قالت الحنفيّة: الوصيّة بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين، كما في الإرث(3). و ليس بمعتمد.

و لو لم يكن له وارث خاصّ و صرف ماله إلي بيت المال، بطلت الوصيّة عند الشافعيّة(4).

و أمّا علي مذهبنا فمقتضاه أنّه يكون للإمام؛ لأنّه وارث من لا وارث

ص: 200


1- الفتاوي الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 344:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251.
2- الفتاوي الولوالجيّة 390:5، الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 114:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 115:5.
4- نهاية المطلب 325:11، العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 5: 165.

له، فهو وارث خاصّ.

و لو لم يكن له إلاّ بنت واحدة، صرف إليها؛ لصدق الاسم عليها، و المال بأسره لها.

و قالت الشافعيّة: إن لم يحكم بالردّ ففي استحقاقها لجميع الوصيّة أم لبعضها و جهان، أصحّهما عندهم: الأوّل(1).

و لو مات الموصي، و الذي أوصي لورثته أو لعقبه حيّ، فللشافعيّة قولان، أشهرهما(2) عندهم: بطلان الوصيّة؛ لأنّ الإنسان لا يرثه، و لا يعقبه أحد و هو حيّ(3).

و قال بعضهم: تصحّ الوصيّة في لفظ العقب إن كان له أولاد؛ لأنّهم يسمّون أعقاب الشخص في حياته، قال: و مثل هذا يحتمل في لفظ الورثة، فعلي هذا يوقف إلي أن يموت فيتبيّن من يرثه(4).

و الأقرب عندي: الصحّة؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من يرثه بعد موته، فيصرف اللفظ إليه عرفا.

مسألة 111: لو أوصي لأولاده،

دخل فيه الذكور و الإناث بالسويّة.

و هل يدخل أولاد الأولاد؟ الأقرب: المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ اسم الولد إنّما هو حقيقة في الولد للصلب، و لهذا يصحّ

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 165:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «أشبههما» بدل «أشهرهما».
3- نهاية المطلب 324:11، العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 165:5.
4- الجويني في نهاية المطلب 324:11-325، و عنه في العزيز شرح الوجيز 7: 106، و روضة الطالبين 165:5.
5- نهاية المطلب 316:11، و ذكره الرافعي في العزيز شرح الوجيز 278:6، -

سلبه عن ولد الولد، فيقال: إنّه ليس ولده، بل ولد ولده.

و الثاني للشافعيّة: أنّه يدخل؛ لصدقه عليه، كما في قوله تعالي:

يا بَنِي آدَمَ (1) (2) .

و علي القول بدخول أولاد الأولاد فالأقرب: دخول أولاد البنات أيضا.

و للشافعيّة علي تقدير القول بالدخول و جهان(3).

و لو أوصي لأولاده، و ليس له إلاّ أولاد أولاد، فالأقرب: صرف الوصيّة إليهم؛ لأنّه قد يستعمل فيهم مجازا أو حقيقة علي الخلاف، و عند القائلين بالمجاز إذا تعذّر حمله علي الحقيقة صرف إلي المجاز إجماعا؛ صونا لكلام المكلّف عن الإلغاء.

و كذا لو أوصي لأولاده و أولاد أولاده، ففي دخول أولاد أولاد الأولاد الخلاف، لكن [عند](4) القائلين بالدخول أوّلا يكون الدخول هنا في الوصيّة أولي.

و لو أوصي لأولاده، دخل البنون و البنات و الخناثي المشكلون؛ لتناول الاسم لهم حقيقة.

و لو أوصي للبنين حقيقة، لم تدخل البنات و لا الخناثي المشكلون.

و في دخول بني البنين و جهان(5) ، كما في الأولاد.4.

ص: 202


1- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35.
2- نهاية المطلب 316:11، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 278:6، و روضة الطالبين 401:4.
3- نهاية المطلب 316:11، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 278:6، و روضة الطالبين 401:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- - و النووي في روضة الطالبين 401:4 في الوقف، و كذا الوجه الثاني الآتي و الفروع الآتية، مضافا إلي غيرهما في غيرهما.

و هل يدخل بنو البنات ؟ للشافعيّة وجهان، أحدهما: الدخول؛ لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله للحسن بن عليّ عليهما السّلام: «إنّ ابني هذا سيّد»(1) - (2).

و لو أوصي للبنات، لم يدخل الأبناء و لا الخناثي.

و في دخول بنات الأولاد للشافعيّة الوجهان(3).

و لو أوصي للخناثي، لم يدخل البنون و لا البنات.

و لو أوصي للبنين و البنات، فالأصحّ عند الشافعيّة - و هو الأقوي عندي -: دخول الخناثي؛ لأنّهنّ لا يخرجن عن الصنفين، و الثاني للشافعيّة:

المنع؛ لأنّ الخنثي لا يعدّ من البنين و لا من البنات(4).

و لو أوصي لبني تميم، فالأقوي: دخول البنات - و هو الأشبه عند الشافعيّة(5) - لأنّه يعبّر به عن القبيلة، و الثاني: عدمه، كما لو أوصي لبني زيد(6).

مسألة 112: لو أوصي لذرّيّته أو عقبه أو نسله،

دخل فيه أولاد البنين

ص: 203


1- المصنّف - لعبد الرزّاق - 20981/452:11، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 12227/96، مسند أحمد 19879/17:6، صحيح البخاري 244:3، سنن أبي داود 4662/216:4، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 3773/658:5، سنن النسائي (المجتبي) 107:3، السنن الكبري - للنسائي - 531:1-1718/532 - 2، المعجم الصغير - للطبراني - 271:1، المعجم الأوسط - له أيضا - 162:2 - 1554/163، المستدرك - للحاكم - 175:3، السنن الكبري - للبيهقي - 165:6.
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
3- ينظر: العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
4- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و حلية العلماء 6: 27، و التهذيب - للبغوي - 520:4، و البيان 74:8، و العزيز شرح الوجيز 6: 279، و روضة الطالبين 401:4.
5- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 253:4، و حلية العلماء 6: 28، و التهذيب - للبغوي - 523:4، و البيان 74:8-75، و العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
6- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 253:4، و حلية العلماء 6: 28، و التهذيب - للبغوي - 523:4، و البيان 74:8-75، و العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.

و أولاد البنات قريبهم و بعيدهم - و به قال الشافعي(1) - لتناول الاسم لهم.

و قال مالك و أحمد: لا يدخل أولاد البنات(2).

و يبطل بقوله تعالي: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ - إلي قوله - وَ عِيسي (3) و ليس هو إلاّ ولد البنت.

و لو أوصي لعترته، قال ابن الأعرابي و ثعلب: إنّهم ذرّيّته(4).

و قال ابن قتيبة: إنّهم عشيرته(5).

و فيه للشافعيّة و جهان، أظهرهما عندهم: الثاني(6) ، و به قال زيد بن أرقم(7).

و لو أوصي لعشيرته، فهم القرابة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ العشيرة و القبيلة لا يدخل فيهما إلاّ قرابة الأب(8).4.

ص: 204


1- نهاية المطلب 323:11، و ينظر: الحاوي الكبير 528:7، و المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و التهذيب - للبغوي - 521:4، و البيان 73:8، و العزيز شرح الوجيز 280:6، و روضة الطالبين 402:4.
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 280:6، و المغني 229:6، و الشرح الكبير 246:6.
3- سورة الأنعام: 84 و 85.
4- الزاهر (مقدّمة الحاوي الكبير): 319، المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 326:11، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 8: 74، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4، المغني 583:6، لسان العرب 538:4 «عتر».
5- المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 326:11، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4، المغني 583:6.
6- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
7- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
8- العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.

و لو أوصي لأخواته، لم يدخل الإخوة، أمّا لو أوصي لإخوته ففي دخول الأخوات إشكال.

مسألة 113: لو أوصي لأختانه،

فهي لأزواج البنات، و لا يدخل فيه أزواج العمّات و الخالات عند الشافعيّة(1).

و في أزواج الأخوات و جهان عندهم، أصحّهما عند الجويني:

المنع(2).

و يدخل أزواج الأحفاد إن قلنا بدخول الأحفاد في الوصيّة للأولاد.

و قال أبو حنيفة: إنّه يدخل زوج كلّ ذات رحم محرم، كأزواج البنات و الأخوات و العمّات و الخالات(3) ، و هو قول آخر للشافعيّة(4).

و يستوي فيه الحرّ و العبد و الأقرب و الأبعد؛ لأنّ اللفظ يشمل الكلّ.

ثمّ الاعتبار بكونه زوجا عند الموت، فلو كانت خليّة يوم الوصيّة منكوحة يوم الموت استحقّ زوجها.

و لو كانت مزوّجة يوم الوصيّة مطلّقة يوم الموت، فإن كان الطلاق رجعيّا فالاستحقاق بحاله، و إلاّ فلا شيء له.

و لو طلّق بين الموت و القبول، استحقّ إن قلنا: الملك في الوصيّة يحصل بالموت أو توقّفنا، و إن قلنا: يحصل بالقبول، فعلي وجهين.

ص: 205


1- نهاية المطلب 313:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 5: 164.
2- نهاية المطلب 313:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 5: 164.
3- تحفة الفقهاء 215:3، الفتاوي الولوالجيّة 391:5، الفقه النافع 3: 1187/1419، بدائع الصنائع 351:7، شرح الزيادات 1611:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5، نهاية المطلب 11: 113، العزيز شرح الوجيز 105:7.
4- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.

و يجري الخلاف في من تزوّجت بعد موت الموصي ثمّ قبل زوجها.

و لو أوصي لأصهاره، فهو لأبوي زوجته عند الشافعيّة، و في دخول أجدادها و جدّاتها تردّد(1).

و قال أبو حنيفة: إنّها لكلّ ذي رحم محرم من امرأته؛ لأنّه عليه السّلام لمّا تزوّج صفيّة أعتق كلّ من ملك من ذوي محرم منها إكراما لها، و كانوا يسمّون أصهار النبيّ صلّي اللّه عليه و اله، و كذا يدخل فيه كلّ ذي رحم محرم من زوجة أبيه و زوجة ابنه و زوجة كلّ ذي رحم محرم منه؛ لأنّ الكلّ أصهار(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ كلّ رجل من رجال المحارم فأبو زوجته:

حمو، و إنّ الأصهار يشمل الأختان و الأحماء(3).

و يدخل في المحارم كلّ محرم بالرضاع أو بالمصاهرة.

مسألة 114: لو أوصي ليتامي بني فلان أو لأراملهم أو لعميانهم أو لزمناهم،

صحّت الوصيّة، سواء كانوا عددا محصورا أو غير محصور، و يستحقّ الغني و الفقير و الذكر و الأنثي، عند علمائنا؛ لتناول الاسم للجميع علي السواء.

و قالت الحنفيّة: إن كانوا عددا محصورين فكما قلنا، و إن كانوا غير محصورين اختصّت الوصيّة بالفقراء منهم؛ لأنّ الوصيّة إذا وقعت باسم ينبئ عن الحاجة كانت واقعة للّه تعالي، فصحّ و إن كانوا لا يحصون عددا؛ لأنّه معلوم، و إن كان لا ينبئ عن الحاجة، فإن كانوا يحصون صحّت الوصيّة،

ص: 206


1- نهاية المطلب 314:11 و 315، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 165:5.
2- الفتاوي الولوالجيّة 391:5-392، بدائع الصنائع 351:7، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5.
3- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 165:5.

و إلاّ بطلت، ثمّ إنّ هذه الأسامي تنبئ عن الحاجة، أمّا اليتم و العمي و الزمانة فظاهر، و كذا الأرامل؛ لأنّها جمع الأرملة، و هي المرأة التي مات زوجها و هي فقيرة، فأمكن حملها علي الفقراء؛ تصحيحا للوصيّة(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ الاعتبار عندنا إنّما هو بما دلّ اللفظ عليه، و قد بيّنّا أنّ الوصيّة للعدد الذي لا ينحصر جائزة، مع أنّ تخصيص الأرملة بالفقر ممنوع.

و قال بعض الشافعيّة: اسم الأرامل يقع علي المحتاجات و الميتومات(2)(3).

و لو أوصي لشبّان بني فلان أو لأيامي بني فلان أو لثيّبهم أو لأبكارهم، صحّت الوصيّة مطلقا عندنا؛ عملا بمقتضي الأصل.

و قالت الحنفيّة: تصحّ إن انحصروا عددا، و إلاّ فلا؛ لأنّ هذه الأسامي لا تنبئ عن الحاجة، فلا يمكن صرفها إلي الفقراء، و لا يمكن تصحيحها تمليكا في حقّ الكلّ؛ لتفاحش الجهالة(4).

و قد تقدّم(5) بطلانه.

و قال بعض الشافعيّة: الأيامي غير ذوات الأزواج، و الفرق بينها و بين الأرملة علي تفسيرهم بدخول المحتاجة و الميتومة(6): [أنّ](7) الأرملة: التي كان لها زوج، و الأيّم لا يشترط فيها تقدّم زوج، و تشتركان في اعتبار الخلوّر.

ص: 207


1- الفتاوي الولوالجيّة 392:5، بدائع الصنائع 346:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251، الاختيار لتعليل المختار 114:5.
2- في المصدر بدل «الميتومات»: «المبتوتة».
3- العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 166:5.
4- الهداية - للمرغيناني - 251:4.
5- آنفا.
6- في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «الميتوتة»، راجع: الهامش (3).
7- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إذ»، و المثبت كما في المصدر.

عن الزوج في الحال(1).

و قال الفرّاء: لا يعتبر تقدّم الزوج في الأرامل(2).

و ذكروا في دخول من لا زوجة له من الرجال في لفظ الأرامل وجهين(3) ؛ لقول الشاعر:

أري الأرامل قد تقضي حوائجهم فما لحاجة هذا الأرمل الذكر(4)

و المشهور غير ذلك؛ لأنّ العرف خصّصه بالإناث.

و هل يشترط الفقر؟ الأقوي: المنع.

و للشافعيّة وجهان(5).

مسألة 115: لو أوصي لثيّب

مسألة 115: لو أوصي لثيّب(6) في القبيلة،

فالوصيّة للنساء اللاّتي دخل بهنّ الرجال - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(7) ، و به قال أبو حنيفة(8) - عملا بالعرف.

ص: 208


1- نهاية المطلب 320:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 166:5.
2- عنه في العزيز شرح الوجيز 107:7.
3- الحاوي الكبير 531:7، المهذّب - للشيرازي - 462:1-463، حلية العلماء 98:6، البيان 206:8-207، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 167:5.
4- البيت لجرير، كما في العين 266:8، و معجم مقاييس اللغة 442:2، و لسان العرب 297:11 «رمل». و صدره في الأوّلين هكذا: هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها. و في الأخير: كلّ الأرامل...
5- نهاية المطلب 320:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 5: 166-167.
6- في «ر، ص»: «للثيّب».
7- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
8- بدائع الصنائع 348:7، نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه يدخل الرجال الذين أصابوا النساء(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه مخالف للعرف.

و في الأبكار هذان الوجهان(2).

و لو أوصي للمعترّين من الأقارب، فهي للّذين يتعرّضون و لا يسألون.

و ذوو القنوع: الذين يسألون، و غلمان القوم و صبيانهم الذين لم يبلغوا، و كذا الأطفال و الذراري.

و اختلفت الشافعيّة في الشيوخ و في الفتيان و [الشّبّان](3) فقال بعضهم:

الشيوخ هم الذين جاوزوا الأربعين، و الفتيان و الشّبّان: الذين جاوزوا البلوغ إلي الثلاثين(4).

و يفهم منه أنّ الكهول هم الذين بين الثلاثين إلي الأربعين.

و المعتمد: الرجوع إلي اللغة أو العرف.

البحث السادس: في الوصيّة للمولي.
اشارة

اعلم أنّ لفظة المولي مشتركة بين معان، أحدها: الأولي، و الثاني:

ابن العمّ، و الثالث: الحليف، و الرابع: الجار، و الخامس(5): المعتق، و السادس(6): العتيق.

فإن أوصي لمولاه، فإن وجد منه قرينة، صرف إلي ما دلّت القرينة

ص: 209


1- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
2- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصبيان». و المثبت يقتضيه السياق، و كما ورد ذلك في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين و غيرهما.
4- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «علي». و هي كما تري.
6- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «علي». و هي كما تري.

عليه.

و لو لم يكن له إلاّ مولي واحد من هؤلاء، صرف إليه؛ لأنّ تفرّده قرينة دالّة علي إرادته.

و الفقهاء لم يذكروا سوي الخامس و السادس، فلنحذ حذوهم، فإنّ به يظهر الحكم في الجميع.

فنقول: لفظ المولي يقع علي المعتق، و يسمّي المولي الأعلي، و علي العتيق، و يسمّي المولي الأسفل، فإذا أوصي لمواليه و ليس له إلاّ أحدهما، فالوصيّة له خاصّة.

و لو وجدا معا، احتمل وجوها.

أحدها: بطلان الوصيّة إن قلنا: إنّ الوصيّة من شرطها تعيين الموصي له؛ لما في المصرف من الإبهام و الإجمال، و امتناع حمل اللفظ الواحد علي المعنيين معا، و هو الأقوي عندي.

و الثاني: أنّه تصحّ الوصيّة، و يقسّم بينهما - و هو قول الشيخ في المبسوط(1) - لتناول الاسم لهما.

و الثالث: أنّه للمعتق؛ لأنّ المعتق أنعم عليه بالإعتاق، فهو أحقّ بالمكافأة.

و الرابع: أنّه للعتيق؛ لاطّراد العادة بالإحسان من السيّد إلي عبده العتيق.

و الخامس: أنّه يوقف إلي الاصطلاح.4.

ص: 210


1- المبسوط - للطوسي - 49:4.

و هذه الوجوه للشافعيّة مثلها(1).

و الحنفيّة قالوا بالبطلان، إلاّ أن يبيّن ذلك في حياته(2).

و روي عن أبي حنيفة و أبي يوسف التسوية بينهما، كالاحتمال الثاني - و هو قول زفر - لتناول الاسم، فصار كما لو أوصي لإخوته و هم ستّة يختلفون(3) ، فإنّ الوصيّة لهم، و هم في ذلك علي السواء(4).

و هو ممنوع؛ فإنّ هذا اسم مشترك، فلا عموم له؛ لأنّ العامّ ما يشمل جمعا لمعني واحد، و بطل التعيين؛ لاختلاف مقاصد الناس، فمنهم من يقصد الأعلي مجازاة و شكرا لإنعامه، و منهم من يقصد الأسفل لزيادة(5) الإنعام، فوجب الوقف إلي أن يبيّن، و لم يوجد البيان فيبطل.

و فرّقت الحنفيّة بين ذلك و بين ما إذا حلف لا يكلّم موالي فلان، فإنّه يتناول الأعلي و الأسفل، و يحنث بكلام أيّهما وجد؛ لأنّه في مقام النفي، و الاسم المشترك يعمّ في النفي؛ لأنّه لا تنافي فيه(6).

و هو ممنوع.4.

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 280:6 و 106:7، روضة الطالبين 403:4، و 166:5، و ينظر: نهاية المطلب 317:11.
2- مختصر اختلاف العلماء 2191/57:5، المبسوط - للسرخسي - 160:27، روضة القضاة 3933/697:2، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5، نهاية المطلب 317:11، المغني 584:6، الشرح الكبير 6: 260.
3- في «ر، ل»: «مختلفون». و المراد أنّ بعضهم أخ لأب و لأمّ، و بعضهم أخ لأب، و بعضهم أخ لأمّ.
4- المبسوط - للسرخسي - 160:27، روضة القضاة 3936/698:2، الاختيار لتعليل المختار 117:5، العزيز شرح الوجيز 280:6، و 106:7.
5- في الطبعة الحجريّة علي كلمة «لزيادة»: «ظ: لعادة».
6- الهداية - للمرغيناني - 251:4.

قالوا: و هذا بخلاف الإخوة؛ لأنّ اسم الأخ يطلق علي كلّ واحد لمعني واحد، و هو المتفرّع من أصله، فصار الاسم عامّا لا مشتركا(1).

و عند أبي يوسف: أنّها تصرف إلي المعتق؛ لأنّ شكر الإنعام واجب، و فضل الإنعام مندوب، فصار صرف الوصيّة إلي أداء الواجب أولي(2).

و ليس بشيء، و إلاّ لوجبت الوصيّة للمنعم بالعتق، و ليس إجماعا.

و عن محمّد: أنّه إذا اصطلحا علي أحد صحّ؛ لأنّ الجهالة تزول به، كما في مسألة الإقرار لأحد هذين(3).

و الفرق: قبول الإقرار للمجهول، دون الوصيّة إن شرطنا العلم.

فروع:

أ: يجب البحث عن موضع الأوجه الخمسة، فيقال: إن قصد أحدهما وجب أن يحمل اللفظ عليه، و لا يجيء فيه الخلاف، و إن فرض الكلام فيما إذا لم يقصد واحدا منهما فلا معني لقولنا: إنّ الظاهر الإحسان إلي المعتق مكافأة، أو أنّ العادة الإحسان إلي المماليك، بل لا يتّجه إلاّ القسمة عليهما، أو الإبطال، أو باقي الوجوه.

ب: لو لم يوجد إلاّ أحدهما، فالأقرب: صرف اللفظ إليه.

و يحتمل أن يفرّع علي الوجوه، فيقال: إن قلنا بالقسمة، فينبغي أن يصرف الآن إلي الذي وجد النصف، و إن قلنا بالحمل علي المعتق أو المعتق، فإن كان الموجود هو المحمول عليه فذاك، و إلاّ بطلت الوصيّة، و إن قلنا بالبطلان، فكذلك هاهنا؛ لأنّ إبهام اللفظ لا يختلف بين أن توجد محامله أو لا توجد.ه.

ص: 212


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

ج: إذا اقتضي الحال الحمل علي الموالي من الأسفل، أو صرّح الموصي به، ثبت الاستحقاق لكلّ من عتق عليه، سواء تبرّع بإعتاقه أو أدّي به كفّارة أو نذر إعتاقه أو عتق عليه بالملك.

د: يدخل في الوصيّة من أعتقه في الصحّة و المرض.

و في أمّهات أولاده و مدبّريه - و هم الذين يعتقون بموته - للشافعيّة وجهان، أشبههما عندهم: الدخول(1).

و قالت الحنفيّة: لا يدخلون؛ لأنّ عتق هؤلاء يثبت بعد الموت، و الوصيّة مضافة إلي حالة الموت، فلا بدّ من تحقّق الاسم قبله ليثبت الاستحقاق(2).

و عن أبي يوسف: أنّهم يدخلون في الوصيّة؛ لأنّ سبب الاستحقاق لازم في حقّ هؤلاء، فينطلق اسم المولي عليهم(3).

ه: اشترط بعض الشافعيّة الفقر(4).

و ليس بجيّد؛ لتناول الاسم الجميع.

و: لا بدّ من تعميم المستحقّين إن انحصروا، و إلاّ جاز الاقتصار عليم.

ص: 213


1- نهاية المطلب 317:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 5: 166.
2- الجامع الكبير: 289، بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 116:5، نهاية المطلب 317:11.
3- بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 251:4-252، الاختيار لتعليل المختار 116:5، نهاية المطلب 317:11.
4- لم نعثر علي قائله، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 107:7، و روضة الطالبين 5: 166، ففيهما ورد الاشتراط المزبور فيما إذا كان الموصي له يتامي القبيلة، و هم الصبيان الفاقدون لآبائهم.

الثلاثة.

ز: لو نذر عتق عبده إن لم يضربه، فمات قبل ضربه، دخل في الوصيّة؛ لأنّ العتق يثبت في آخر جزء من أجزاء حياته، لتحقّق العجز عنده، فيثبت اسم المولي قبل الموت، هذا عند الحنفيّة(1) ، و فيه نظر.

ح: لو كان الموصي رجلا من العرب فأوصي لمواليه بثلث ماله، صحّت الوصيّة؛ لأنّ العرب لا تسترقّ و لا تسبي، فلا يكون له إلاّ المولي من الأسفل، فيبطل الاشتراك، فتصحّ الوصيّة.

ط: لو أوصي لمواليه و قصد الأسفل أو كان عربيّا، صرف إليه.

و هل يدخل ولده ؟ قالت الحنفيّة: نعم(2). و فيه نظر.

ي: لو أوصي لمواليه، لم يدخل فيه مولي الموالاة و لا معتق المعتق؛ لأنّ الأصل الحمل علي الحقيقة، فيبطل المجاز.

و عن أبي يوسف: أنّ مولي الموالاة يدخل، و الكلّ شركاء؛ لأنّ الاسم يتناولهم علي السواء(3).

قال باقي الحنفيّة: سبب ثبوت أحدهما الإعتاق، و سبب الآخر العقد، و هما معنيان مختلفان، و إنّما حمل علي الإعتاق لأنّ السبب فيه لازم، فكان الاسم له أحقّ، بخلاف ولد المعتق؛ لأنّه ينسب إليه بإعتاق وجد منه، فإنّ الحكم في الفرع يثبت في الحرّيّة للحرّيّة، فصار كالأصل، بخلاف موالي5.

ص: 214


1- بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 116:5.
2- الجامع الكبير: 288، مختصر اختلاف العلماء 2190/55:5، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.

الموالي؛ لوجود السبب المقصود من الغير فيهم، فنزّلوا منزلة ولد الولد مع ولد الصلب(1).

و إن لم يكن له موال و لا أولاد الموالي، فالثّلث لموالي مواليه؛ لأنّ الاسم يتناولهم بطريق المجاز، فنصير إليه عند تعذّر اعتبار الحقيقة.

يأ: لو كان له معتق واحد و موالي الموالي، فالنصف لمعتقه، و ما بقي للورثة؛ لتعذّر الجمع بين الحقيقة و المجاز، و الحقيقة مرادة، فينتفي المجاز، بخلاف ما قال أبو حنيفة في من أوصي لأقاربه و له عمّ و خالان، فإنّ للعمّ النصف، و للخالين النصف؛ لأنّ اسم الأقارب ينطلق علي الكلّ بالحقيقة، إلاّ أنّه اعتبر الترتيب بالقوّة، فصحّ الجمع(2).

يب: لو أوصي لمواليه، لم يدخل فيهم موال أعتقهم أبوه أو ابنه؛ لأنّهم ليسوا بمواليه لا حقيقة و لا مجازا، و إنّما يحرز ميراثهم بسبب العصوبة، بخلاف معتق المعتق؛ لأنّه ينسب إليه بالولاء.

و قال زفر: يدخل في الوصيّة مع مواليه موالي أبيه؛ لأنّهم يسمّون مواليه(3).

و قال أبو يوسف: إذا أوصي لمواليه و له موالي أب و قد مات أبوه و ورث ولاءهم، فالوصيّة لهم؛ لأنّهم مواليه حكما(4).ه.

ص: 215


1- الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3-213، الفتاوي الولوالجيّة 5: 389، الفقه النافع 1188/1420:3، بدائع الصنائع 349:7، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
3- مختصر اختلاف العلماء 2190/56:5.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

يج: لو أوصي لموالي بني فلان لفخذ محصور، دخل فيهم المعتق و معتق المعتق.

قالت الحنفيّة: و يدخل أيضا من علّق عتقه بعدم ضربه؛ لأنّ المراد مجرّد الانتساب، و الكلّ ينسبون إليه. و لا يدخل المدبّر و أمّ الولد؛ لما مرّ(1).

مسألة 116: قد بيّنّا أنّه إذا أوصي لجماعة بشيء تساووا فيه إذا لم يفضّل،

سواء كانوا ورّاثا أو لا، و سواء تساووا في الإرث أو تفاضلوا فيه، فلو أوصي لأبويه بشيء تساويا فيه؛ عملا بالأصل - و هو التسوية - و قضيّة اللّفظ المقتضي للتشريك في الجميع، كما في الأبوين و الأولاد.

و كذا لو أوصي لابنه و بنته بشيء، تساويا.

و لو قال: علي كتاب اللّه تعالي، كان للذكر ضعف الأنثي؛ لأنّه المتعارف من هذا اللّفظ.

و لو أوصي لأعمامه و أخواله بشيء معيّن، فكذلك يتساوي الأعمام و الأخوال فيه.

و قال الشيخ: كان لأعمامه الثّلثان، و لأخواله الثّلث(2).

و احتجّ بما رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصي بثلث ماله في أعمامه و أخواله، فقال: «لأعمامه الثّلثان، و لأخواله الثّلث»(3).

و الجواب: إنّا نحمل الرواية علي ما إذا قيّد الموصي، فقال: علي كتاب اللّه تعالي، مع أنّ في طريق الرواية سهل بن زياد، و هو ضعيف، إلاّ

ص: 216


1- راجع: الهامش (2) من ص 213، و الهامش (1) من ص 214.
2- النهاية: 614.
3- التهذيب 845/214:9.

أنّ ابن بابويه روي هذا المعني في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السّلام(1) ، و رواه ابن يعقوب(2) في الحسن.7.

ص: 217


1- الفقيه 535/154:4.
2- الكافي 3/45:7.

ص: 218

الفصل الرابع: في الموصي به الموصي به إمّا أن يكون مالا أو منفعة مال أو ولاية عليه، فهنا ثلاثة مطالب.
المطلب الأوّل: في الوصيّة بالمال.
اشارة

و أبوابه ثلاثة.

الباب الأوّل: في الشرائط
اشارة

الباب الأوّل: في الشرائط(1).

مسألة 117: يشترط في العين الموصي بها أن تكون مملوكة؛

لأنّ غير المملوك لا يعدّ مالا، فلو أوصي بما لا يصحّ تملّكه إمّا لخروجه عن كونه مقصود التملّك - كفضلات الإنسان، مثل شعره و ظفره و العذرات و غيرها - لم تصحّ الوصيّة إجماعا، أو تكون المنفعة محرّمة، كما لو أوصي بالخمر أو الخنزير أو كلب الهراش؛ لأنّ المنفعة المحرّمة غير مطلوب للشارع انتقالها ببيع و غيره، فصارت كالمعدومة.

و أمّا ما يكون مقصودا فإنّه تصحّ الوصيّة به و إن حرم بيعه، كالفيل و الأسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات إن منعنا من بيعها تبعا للانتفاع بجلودها.

و كذا تصحّ الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلّم و الزيت النجس لإشعاله تحت السماء، و الزّبل للانتفاع بإشعاله و التسميد به، و جلد الميتة إن سوّغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة، لثبوت

ص: 219


1- في الطبعة الحجريّة: «شرائطه».

الاختصاص فيها و انتقالها من يد إلي يد بالإرث و غيره، و كذا شحم الميتة لتدهين السّفن إن سوّغنا الانتفاع به.

و كذا تصحّ الوصيّة بالجرو الذي يتوقّع الانتفاع به.

و للشافعيّة في الأخير و جهان، بناء علي أنّه هل يجوز إمساكه و تربيته لما يتوقّع في المستقبل ؟ و الأظهر عندهم: الجواز(1).

أمّا ما لا يحلّ اقتناؤه - كالخمر و الخنزير و الكلب العقور - فلا تجوز الوصيّة به عندهم(2) كما ذهبنا إليه.

و نقل الحنّاطي من الشافعيّة وجها لهم: أنّه تجوز الوصيّة بالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه أيضا، و قولا: إنّه لا تجوز الوصيّة بالمقتني المنتفع به من الكلاب، كما لا تجوز هبته علي رأي(3).

و هما عندهم غريبان(4).

مسألة 118: و يشترط في المال الموصي به أن يكون قابلا للنقل من شخص إلي آخر،

فلا تصحّ الوصيّة بما لا يقبل النقل، سواء كان مالا أو حقّا، كالوقف و أمّ الولد و المنذور عتقه، و تصحّ الوصيّة بما يقبل النقل و إن تعلّق به حقّ الغير، كالموصي به، فتبطل الأولي، و كالمستأجر و المستعار.

و لا تصحّ الوصيّة بحقّ القصاص و لا بحدّ القذف، فإنّهما و إن قبلا الانتقال بالإرث فإنّه لا يتمكّن مستحقّهما من نقلهما إلي غيره؛ لأنّهما شرّعا

ص: 220


1- الحاوي الكير 236:8، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 113:5.
2- الحاوي الكبير 237:8، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوسيط 417:4، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 5: 113.
3- العزيز شرح الوجيز 35:7-36، روضة الطالبين 113:5.
4- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 113:5.

لتشفّي المنتقم بهما و استيفائهما، فليس للموصي له ذلك، كما كان للوارث، فإذا انتفي المعني المسوّغ لهما في حقّ غير الوارث انتفيا.

و منع الشافعيّة من الوصيّة بالحقوق التابعة للأموال، كالخيار و حقّ الشفعة إذا لم يبطل بالتأخير، كتأجيل الثمن(1).

مسألة 119: تصحّ الوصيّة بنجوم الكتابة و إن لم تكن مستقرّة،

فإن عجز فلا شيء للموصي له، و تبطل الوصيّة، فلا يكون له تعلّق برقبة المكاتب؛ لأنّها غير الوصيّة.

و كذا تصحّ الوصيّة برقبة المكاتب بمعني أنّه لو عجز ردّ في الرقّ، فيتعلّق بها الموصي له برقبته، و يصحّ جمعهما لواحد و تفريقهما علي اثنين.

و قالت الشافعيّة: تصحّ برقبة المكاتب إن جوّزنا بيعه، و إلاّ فهي كما لو أوصي له بمال غيره(2).

مسألة 120: لو أوصي له بمال غيره،

فقال: أوصيت لك بهذا العبد، و هو ملك لغيره، أو قال: أوصيت لك بهذا العبد إن ملكته، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّ الوصيّة بغير الموجود جائزة، فبغير المملوك أولي؛ لأنّه موجود، و غير الموجود غير مملوك أيضا.

و الثاني: المنع؛ لأنّ مالكه يتمكّن من الوصيّة، و الشيء الواحد لا يجوز أن يكون محلاّ لتصرّف شخصين(3).

و يحتمل عندي القول الأوّل فيما إذا قيّد بالتملّك، و الثاني فيما إذا

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 111:5.
2- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 113:5.
3- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 114:5.

أطلق، و تصرّف الشخصين إن تضادّا انتفي أحدهما.

مسألة 121: كلّ عين يحرم الانتفاع بها و لا تقبل التغيير

لا تصحّ الوصيّة بها، كما لو أوصي له بصنم لا يقبل التغيير عن هيئته، أو بآلات اللهو و القمار و اللعب، كالطبل و الزمر و الشطرنج و النرد و هياكل العبادة و قوس البندق و أشباه ذلك؛ لما في ذلك من المساعدة و الإعانة علي فعل المحرّم.

و كذا لا تجوز الوصيّة بما يحرم نقله بغيرها، كالسلاح لأعداء الدين من الحربيّ و غيره، و كذا الوصيّة بالعبد المسلم و المصحف للكافر؛ لأنّ ذلك كلّه بمثابة بيعها.

مسألة 122: يشترط في المال الموصي به أن لا يزيد علي الثّلث؛ لما يأتي.

و لا يشترط وجود الموصي به حالة الوصيّة، فلو أوصي بالحمل فإمّا أن يوصي بالحمل الموجود في الحال، أو بالحمل الذي سيحدث.

فإن أوصي بالحمل الموجود في الحال، صحّت الوصيّة، سواء أطلق، فقال: أوصيت لك بحمل فلانة، أو قيّد فقال: أوصيت لك بحملها الموجود في الحال؛ لأنّه يجوز إعتاقه فتجوز الوصيّة به؛ إذ لا فرق بين التمليكين.

ثمّ الشرط في الوصيّة بالحمل الموجود أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصيّة، و أن ينفصل حيّا، و ذلك بأن تضعه لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، فلو وضعته لأكثر من ستّة أشهر لم تصح؛ لإمكان تجدّده بعد الوصيّة، و الأصل تبعيّة الولد للأمّ في الملك.

و لو انفصل ميّتا، فإن لم يكن بجناية جان بطلت الوصيّة إجماعا؛ لتلف متعلّقها.

و إن كان بجناية جان، قيل: لا تبطل الوصيّة، و هو قول بعض

ص: 222

الشافعيّة، و تنفذ الوصيّة من الضمان؛ لأنّه انفصل متقوّما، بخلاف ما إذا أوصي لحمل و انفصل ميّتا بجناية جان فإنّها تبطل الوصيّة؛ لأنّ المعتبر هناك المالكيّة(1).

و هل يصحّ قبول الموصي له قبل الوضع ؟ للشافعيّة خلاف مبنيّ علي أنّ الحمل هل يعرف ؟(2).

و إن كانت الوصيّة بالحمل الذي سيكون، صحّت الوصيّة به - و به قال أحمد و الشافعيّة في أصحّ الوجهين(3) - لأنّ الغرر و الجهالة لا يمنعان صحّة الوصيّة، و كما تصحّ الوصيّة بالمنافع المتجدّدة، و لأنّ الوصيّة إنّما جوّزت لإرفاق الناس، و لذلك احتمل فيها وجوه الغرر، فكما تصحّ بالمجهول تصحّ بالمعدوم.

و قال أبو حنيفة: إنّها باطلة - و هو القول الثاني للشافعيّة - لأنّ الاعتبار بحال الوصيّة، و حال الوصيّة لا ملك حينئذ بل لا وجود، و التصرّف يستدعي متصرّفا فيه(4).

و ينتقض بالمنافع المتجدّدة.

و كذا تصحّ الوصيّة بحمل الدابّة الموجود حال الوصيّة إجماعا، و بالمتجدّد في السنة الأخري عندنا، و فيه خلاف - كالأمة - تقدّم.5.

ص: 223


1- الحاوي الكبير 219:8، الوسيط 436:4، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
2- العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
3- المغني 507:6، الشرح الكبير 532:6، المهذّب - للشيرازي - 459:1، التهذيب - للبغوي - 85:5، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:28، المهذّب - للشيرازي - 459:1، التهذيب - للبغوي - 85:5، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
مسألة 123: تصحّ الوصيّة بثمرة البستان،

الحاصلة في الحال إجماعا.

و كذا تصحّ عندنا الوصيّة بالثمرة المتجدّدة فيما بعد.

و هو قول أكثر العامّة، منهم: مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1).

لأنّه يصحّ تمليكها بعقد المعاوضة، فتصحّ الوصيّة بها، كالأعيان، و كالوصيّة بالمنافع.

و للشافعيّة طريقان:

أظهرهما: أنّها علي الوجهين في الحمل الذي سيحدث.

و الثاني: القطع بالصحّة؛ لأنّها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، و الولد لا يحدث إلاّ بإحداث أمر في أصله، و لهذا تجوز المساقاة علي الثمار التي ستحدث، و لا تجوز المعاملة علي النتاج الذي سيحدث(2).

و قال ابن أبي ليلي: لا تصحّ الوصيّة بالمنفعة؛ لأنّها معدومة(3) ، و هو أحد قولي الشافعيّة(4).

ص: 224


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2، بداية المجتهد 335:2، مختصر المزني: 141، الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 271:1، التهذيب - للبغوي - 82:5 و 85، البيان 146:8، المغني 510:6، الشرح الكبير 6: 543، مختصر اختلاف العلماء 32:5-2171/33، المبسوط - للسرخسي - 28: 2، الهداية - للمرغيناني - 255:4، الاختيار لتعليل المختار 101:5.
2- نهاية المطلب 124:11، الوسيط 416:4-417، العزيز شرح الوجيز 7: 34، روضة الطالبين 112:5.
3- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2، بداية المجتهد 335:2، مختصر اختلاف العلماء 5: 2171/33، البيان 146:8.
4- راجع: الهامش (2).

و لو أوصي له بثمرة بستانه فمات و فيه ثمرة، فله هذه الثمرة وحدها.

و لو أوصي بالثمرة مدّة معيّنة، صحّ، و كذا لو قال: أبدا، و هو قول العامّة(1) ، خلافا لابن أبي ليلي، علي ما تقدّم(2).

مسألة 124: تصحّ الوصيّة بما لا قدرة علي تسليمه،

كالمغصوب، سواء كانت الوصيّة للغاصب أو لغير الغاصب؛ لأنّ القبض ليس شرطا في الصحّة، و لأنّه تصحّ الوصيّة بالمعدوم فبالموجود الذي لا يقدر(3) عليه أولي.

و كذا تصحّ بالعبد الآبق و الطير المنفلت في الهواء.

و كذا تصحّ الوصيّة بالمجهول، مثل أن يقول: عبدا أو ثوبا، و يجوز أن يتوغّل في الإبهام إلي غايته، كأن يقول: أعطوه شيئا أو حظّا أو قسطا أو نصيبا أو جزءا أو سهما أو قليلا أو كثيرا، إلي غير ذلك؛ لأنّ اللّه تعالي أعطانا ثلث أموالنا في آخر أعمارنا(4) ، و قد يشتبه علينا قدر الثّلث إمّا لكثرة المال أو غيبته، فدعت الحاجة إلي تجويز الوصيّة بالمجهول، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 125: لو أوصي بأحد العبدين،

صحّت الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة محتملة للجهالة و الغرر، فلا يقدح الإبهام، بخلاف ما لو أوصي لأحد الشخصين، فإنّ فيه خلافا، منهم من منع كما في التمليكات(5) ، و قد

ص: 225


1- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6.
2- في ص 224.
3- في النّسخ الخطّيّة: «لا قدرة».
4- إشارة إلي الحديث النبويّ المتقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (1).
5- الوجيز 271:1، البيان 144:8، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 112:5.

يحتمل في الموصي به ما لا يحتمل في الموصي له، و لذلك كان الأظهر عند العامّة في الوصيّة بحمل سيكون الجواز، و في الوصيّة لحمل سيكون المنع(1).

و لا فرق بين أن يقول: أوصيت لأحد الرجلين، و بين أن يقول:

أعطوا هذا العبد لأحد(2) هذين الرجلين في المنع أو الجواز.

و بعض الشافعيّة فرّق، فجوّز في الثانية دون الأولي، تشبيها بما إذا قال لوكيله: بع هذا العبد من أحد الرجلين(3).

و إذا أبهم الموصي به، عيّن الوارث من شاء من العبدين، أمّا لو أبهم الموصي له و قلنا بصحّته، فإنّه يحتمل ذلك، و القرعة، و الإيقاف حتي يصطلحا.

مسألة 126: قد ذكرنا أنّه يشترط في لزوم الوصيّة خروج الموصي به من ثلث التركة،

فلو أوصي بأزيد منه وقف علي إجازة الورثة، فإن أجازوا صحّت الوصيّة بأسرها، و إلاّ بطلت في الزائد إجماعا؛ لما رواه العامّة عن سعد بن [أبي وقّاص](4) قال: جاءني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: يا رسول اللّه، قد بلغ بي من الوجع ما تري و أنا ذو مال و لا يرثني إلاّ بنيّة(5) أفأتصدّق بثلثي مالي ؟ قال: «لا» قلت:

ص: 226


1- العزيز شرح الوجيز 35:7.
2- في «ص»: «أحد» بدل «لأحد».
3- المهذّب - للشيرازي - 458:1-459، التهذيب - للبغوي - 76:5-77، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 112:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معاذ». و المثبت كما في المصادر.
5- في بعض المصادر: «ابنتي»، و في بعضها الآخر: «ابنة».

فالشطر يا رسول اللّه، قال: «لا» قلت: فالثّلث، قال: «الثّلث و الثّلث كثير، إنّك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(1).

و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «لأن أوصي بالخمس أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع، و لأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثّلث، فمن أوصي بالثّلث فلم يترك»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم و حفص بن البختري و حمّاد بن عثمان - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «من أوصي بالثّلث فقد أضرّ بالورثة، و الوصيّة بالخمس و الرّبع أفضل من الوصيّة بالثّلث، و من أوصي بالثّلث فلم يترك»(3).

و في الصحيح عن شعيب بن يعقوب أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يموت ما له في ماله ؟ قال: «له ثلث ماله، و للمرأة أيضا»(4).

و في الحسن عن عاصم [بن حميد عن محمّد](5) بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: [لأن](6) أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع، و لأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثّلث، و من أوصي بالثّلث فلم يترك و قد بالغ».ر.

ص: 227


1- صحيح البخاري 187:8، صحيح مسلم 1250:3-1628/1251، سنن أبي داود 2864/112:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2116/430:4، سنن النسائي (المجتبي) 241:6-242، السنن الكبري - للبيهقي - 268:6، الموطّأ 4/763:2، المغني و الشرح الكبير 444:6.
2- المصنّف - لابن أبي شيبة - 10972/202:11، العزيز شرح الوجيز 41:7.
3- التهذيب 769/191:9، الاستبصار 451/119:4، و في الكافي 5/11:7، و الفقيه 475/136:4 عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
4- الكافي 3/11:7، التهذيب 770/191:9، الاستبصار 452/119:4.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

قال: «و قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل توفّي و أوصي بماله كلّه أو أكثره، فقال: له الوصيّة تردّ إلي المعروف غير المنكر، فمن ظلم نفسه و أتي في وصيّته المنكر و الحيف فإنّها تردّ إلي المعروف، و يترك لأهل الميراث ميراثهم».

و قال: «من أوصي بثلث ماله فلم يترك و قد بلغ المدي» ثمّ قال: «لأن أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع»(1).

مسألة 127: و إنّما تستحبّ الوصيّة أو تجب لمن يترك مالا؛

لأنّ اللّه تعالي قال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً (2).

و لما رواه العامّة [عن ابن عمر](3) قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «[إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:](4) يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك(5) لأطهّرك و أزكّيك»(6).

فأمّا الفقير الذي له ورثة محتاجون و لا حقّ عليه واجب فلا تستحبّ له؛ للآية(7).

و لقوله عليه السّلام لسعد: «إنّك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم

ص: 228


1- الكافي 4/11:7، التهذيب 192:9-773/193، الاستبصار 119:4 - 453/120.
2- سورة البقرة: 180.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من سنن الدارقطني.
5- كظم - بالتحريك -: مخرج النّفس من الحلق. النهاية - لابن الأثير - 178:4 «كظم».
6- سنن الدارقطني 1/149:4، سنن ابن ماجة 2710/904:2، المغني 445:6 - 446، الشرح الكبير 455:6.
7- سورة البقرة: 180.

عالة يتكفّفون الناس»(1).

و قال: «ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول»(2).

و رووا عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة»(3).

و عن ابن عباس قال: من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصيّة(4).

و قال عروة: دخل عليّ عليه السّلام علي صديق له يعوده، فقال الرجل: إنّي أريد أن أوصي، فقال له عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالي يقول: إِنْ تَرَكَ خَيْراً (5) و إنّك إنّما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك»(6).

و اختلف الناس في القدر الذي لا تستحبّ الوصيّة لمالكه.

و الضابط عند علمائنا ما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «من أوصي و لم يحف(7) و لم يضار كان كمن تصدّق(8) به في حياته»(9).

و روي العامّة عنه أنّه أربعمائة دينار(10).

و عن ابن عباس أنّه إذا ترك الميّت سبعمائة درهم لا يوصي، و قال:

من ترك ستّين دينارا ما ترك خيرا(11).6.

ص: 229


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
3- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
4- السنن الكبري - للبيهقي - 270:6، المغني 446:6، الشرح الكبير 6: 456.
5- سورة البقرة: 180.
6- السنن الكبري - للبيهقي - 270:6، المغني 446:6، الشرح الكبير 6: 456.
7- الحيف: الجور و الظلم. الصحاح 1347:4، لسان العرب 60:9 «حيف».
8- في النّسخ الخطّيّة و التهذيب: «صدّق».
9- الكافي 18/62:7، الفقيه 465/134:4، التهذيب 709/174:9.
10- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
11- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.

و قال طاوس: الخير ثمانون دينارا(1).

و قال النخعي: ألف إلي خمسمائة(2).

و قال أبو حنيفة: القليل أن يصيب أقلّ الورثة سهما: خمسون درهما(3).

و قال أحمد بن حنبل: إذا ترك دون الألف لا تستحبّ له الوصيّة(4).

و لا يبعد عندي التقدير بأنّه متي كان المتروك لا يفضل عن غني الورثة لا تستحبّ الوصيّة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله علّل المنع من الوصيّة بقوله: «لئن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة»(1).

و لأنّ إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبيّ، فمتي لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيّتهم، فيكون ذلك أفضل من الوصيّة لغيرهم، فحينئذ يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم و قلّتهم و غناهم و حاجتهم، فلا يتقدّر(2) بقدر من المال.

مسألة 128: و الأولي أن لا يستوعب الثّلث بالوصيّة و إن كان الموصي غنيّا؛

لقول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله: «و الثّلث كثير» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من أوصي بالثّلث فقد أضرّ بالورثة»(4).

و هذا عامّ في الغني و الفقير، خصوصا قوله في حديث سعد:

«و الثّلث كثير» مع إخبار سعد بكثرة ماله و قلّة عياله، حيث قال في

ص: 230


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- في «ص»: «فلا يقدّر».
3- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
4- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (3).

الحديث: إنّ لي مالا كثيرا و لا يرثني إلاّ ابنتي(1).

و عن سعد بن مالك قال: مرضت مرضا فعادني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله فقال لي: «أوصيت ؟» فقلت: نعم، أوصيت بمالي كلّه للفقراء و في سبيل اللّه، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «أوص بالعشر» فقلت: يا رسول اللّه، إنّ مالي كثير و ورثتي أغنياء، فلم يزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله يناقصني و أناقصه حتي قال:

«أوص بالثّلث، و الثّلث كثير»(2).

إذا عرفت هذا، فالأفضل للغني الوصيّة بالخمس، و هو قول عليّ عليه السّلام و أبي بكر(3) ، و هو ظاهر قول السلف و علماء أهل البصرة(4).

و روي عن عمر أنّه جاءه شيخ فقال له: أنا شيخ كبير و مالي كثير و يرثني أعراب موالي كلّ يروح بسهم أفأوصي بمالي كلّه ؟ قال: لا، فلم يزل يحطّه حتي بلغ العشر(5).

و قال إسحاق: السّنّة الرّبع، إلاّ أن يكون رجلا يعرف في ماله مزيّة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثّلث(6).

و الأولي الخمس (لأنّ عليّا عليه السّلام قال)(7): «لأن أوصي بالخمس أحبّ».

ص: 231


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- نقله ابنا قدامة في المغني 447:6، و الشرح الكبير 457:6-458 عن سعيد، و بتفاوت في الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 975/305:3، و مسند أبي يعلي 2: 779/115.
3- المغني 447:6، الشرح الكبير 458:6.
4- كما في المغني 447:6، و الشرح الكبير 458:6.
5- المغني 447:6-448، الشرح الكبير 458:6 بتفاوت في بعض الألفاظ.
6- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6، و فيهما: «حرمة» بدل «مزيّة».
7- بدل ما بين القوسين في «ر»: «لقول عليّ عليه السّلام».

إليّ من (أن أوصي بالرّبع)(1)»(2).

و أوصي أبو بكر بالخمس، و قال: وصّيت بما وصّي به لنفسه(3) ، يعني قوله تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (4).

مسألة 129: لو أوصي بأكثر من ثلث ماله،

فإن أجاز الورثة بأسرهم بعد موت الموصي صحّت الوصيّة فيما أوصي به بإجماع العلماء، و إن ردّوا الزائد أو الوصيّة بطلت في الزائد علي الثّلث إجماعا.

و الأصل فيه قول النبيّ صلّي اللّه عليه و اله لسعد حين أوصي بماله كلّه قال: «لا» قال: فبالثّلثين، قال: «لا» قال: فبالنصف، قال: «لا» قال: فبالثّلث، قال:

«الثّلث و الثّلث كثير» و قال عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالي تصدّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم» رواهما العامّة(5).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(6) من ردّ عليّ عليه السّلام وصيّة من أوصي بماله كلّه أو أكثره إلي المعروف، و هو الثّلث.

و عن محمّد بن مسلم - في الموثّق - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصي بوصيّة و كان أكثر من الثّلث، قال:

«يمضي العتق في الغلام، و يكون النقصان فيما بقي»(7).

و عن الصادق عليه السّلام: عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له

ص: 232


1- بدل ما بين القوسين في «ص، ل» و المغني: «الرّبع».
2- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6.
3- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6.
4- سورة الأنفال: 41.
5- الأوّل في: الأدب المفرد - للبخاري -: 181-520/182، و صحيح مسلم 3: 8/1253، و الثاني في: سنن الدارقطني 3/150:4.
6- في ص 228.
7- التهذيب 780/194:9، الاستبصار 454/120:4.

غيره، فأبي الورثة أن يجيزوا ذلك، كيف القضاء فيه ؟ قال: «ما يعتق منه إلاّ ثلثه، و سائر ذلك الورثة أحقّ بذلك، و لهم ما بقي»(1).

و لا نعلم في هذين الحكمين خلافا.

و لو أجازوا صحّت الوصيّة بأسرها إجماعا؛ لأنّ الحقّ لهم، و لو لم يجيزوا مضت في الثّلث خاصّة، و بطلت في الزائد.

و لا فرق في ذلك عندنا بين الوارث و غيره، خلافا للعامّة، فإنّهم شرطوا في الوصيّة للوارث إجازة الورثة و إن كانت بالثّلث فما دون، و قد تقدّم(2) البحث معهم.

و اعلم أنّ ما قلناه لا ينافي قول الشيخ عليّ بن بابويه رحمه اللّه من أنّه لو أوصي بالثّلث فهو الغاية في الوصيّة، فإن أوصي بماله كلّه فهو أعلم و ما فعله، و يلزم الوصي إنفاذ وصيّته علي ما أوصي؛ لرواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه السّلام قال: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن أوصي به كلّه فهو جائز له»(3) لأنّ قول ابن بابويه لا دلالة فيه علي مخالفة ما قلناه، فإنّا نسلّم أنّ الموصي أعلم بما فعل، و أمّا إنفاذ الوصيّة فنحن نقول بموجبه؛ لأنّا نوجب علي الوصي إنفاذ وصيّته بمقتضي الشرع، و هو أنّ الورثة إن أجازوا الوصيّة أخرجت بأسرها، و إن ردّوا مضت من الثّلث، فهذا تنفيذ الوصيّة.

و قول الصادق عليه السّلام: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح» لا يدلّ علي مخالفة ما تقدّم، فإنّ المريض أحقّ بماله يصنع به مهما شاء من البيع1.

ص: 233


1- التهذيب 781/194:9، الاستبصار 455/120:4.
2- في ص 116، ضمن المسألة 66، و ص 118، المسألة 68.
3- الكافي 2/7:7، الفقيه 520/150:4، التهذيب 753/187:9، الاستبصار 4: 459/121.

و غيره، فإن أوصي به كلّه جاز، فإن أجاز الورثة نفذ ما أوصي به، و إلاّ فسخت الوصيّة في الثّلثين، و يؤيّد ذلك قول ابن بابويه: فإن أوصي بالثّلث فهو الغاية في الوصيّة.

مسألة 130: إذا زادت الوصيّة علي الثّلث فأجاز الورثة،

لزمت الوصيّة.

و هل الإجازة تنفيذ و إمضاء لتصرّف الموصي، أم ابتداء عطيّة من الورثة ؟

الحقّ عندنا: الأوّل - و هو أصحّ قولي الشافعي(1) - لأنّ الملك باق علي المريض، لم يخرج عنه بمرضه، فتصرّفه فيه صحيح؛ لأنّه تصرّف مصادف للملك، و حقّ الوارث إنّما يثبت في ثاني الحال، فأشبه بيع الشقص المشفوع، و أيضا لو برأ من مرضه نفذت تصرّفاته المنجّزة، و لم يفتقر إلي الاستئناف.

و القول الثاني للشافعي: إنّ الإجازة ابتداء عطيّة من الورثة، و تصرّف الموصي لاغ في الزيادة علي الثّلث، لأنّه منهيّ عنه، و النهي يقتضي الفساد، و لأنّ الزيادة متعلّق حقّ الورثة، فيلغو تصرّفه فيها، كتصرّف الراهن في المرهون(2).

و نمنع النهي مطلقا، بل إنّما يثبت لحقّ الوارث، فإذا رضي به زال سبب النهي، و نمنع اقتضاء النهي الفساد، و نمنع تعلّق حقّ الورثة بالزيادة حالة حياة الموصي، سلّمنا لكن نمنع بطلان تصرّف الموصي، أقصي ما في الباب أنّه يكون تصرّف المتبرّع الفضولي، و نمنع تصرّف الراهن أيضا.

ص: 234


1- نهاية المطلب 95:11، البيان 132:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 103:5-104.
2- نهاية المطلب 95:11، البيان 132:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 103:5-104.
مسألة 131: لو لم يكن للميّت وارث خاصّ فأوصي بجميع ماله أو بما زاد علي الثّلث،

اختلف علماؤنا فيه علي قولين.

أحدهما: أنّها كالأولي لا تمضي إلاّ في الثّلث - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم»(2) و لم يفرّق بين أن يكون له وارث أو لا، و لأنّه لا مجيز، و المال للمسلمين عند العامّة(3) ، و عندنا للإمام، فتعتبر إجازته.

و الثاني: أنّها صحيحة - و به قال أبو حنيفة و أحمد في أصحّ الروايتين، و للشافعيّة وجه آخر مثله(4) - لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبة، قال:

«يوصي بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل»(5).

و الجواب: ضعف السند، سلّمنا لكن الوارث هنا متحقّق، و هو الإمام، فاعتبرت إجازته، سلّمنا لكن الأمر بالوصيّة لا يستلزم النفوذ.

ص: 235


1- الحاوي الكبير 195:8، المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 10: 10، حلية العلماء 69:6، البيان 133:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 104:5، المحلّي 317:9-318، المغني 566:6، الشرح الكبير 6: 460.
2- سنن الدارقطني 3/150:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 10:10، البيان 133:8، العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5.
4- مختصر اختلاف العلماء 2188/53:5، أحكام القرآن - للجصّاص - 99:2، الحاوي الكبير 195:8، نهاية المطلب 10:10، حلية العلماء 69:6، البيان 8: 133، العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5، المغني 566:6، الشرح الكبير 460:6، المحلّي 317:9، المعونة 1620:3، بداية المجتهد 2: 336.
5- الفقيه 521/150:4، التهذيب 754/188:9، الاستبصار 460/121:4.

و قال بعض الشافعيّة: للإمام ردّ مثل هذه الوصيّة، و هل له إجازتها؟ يبني علي أنّ الإمام هل يعطي حكم الوارث الخاصّ؟(1).

مسألة 132: قد عرفت أنّ مذهبنا يقتضي جواز الوصيّة للوارث،

فإنّه لا فرق بين الوصيّة له و للأجنبيّ، بل للوارث أولي.

و العامّة منعوا من ذلك، إلاّ أن يجيز باقي الورثة(2).

فحينئذ لو أوصي للوارث بالثّلث فما دون، صحّت عندنا من غير اعتبار إجازة الورثة، و عند العامّة يجب اعتبار إجازتهم.

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما عندهم: أنّ الحكم كما لو أوصي لأجنبيّ بالزيادة علي الثّلث حتي يرتدّ بردّ سائر الورثة.

و إن أجازوا فعلي القولين، و قد ذكرهما الشافعي في الأمّ:

أحدهما: أنّ إجازتهم ابتداء عطيّة، و الوصيّة باطلة.

و الأصحّ - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد -: أنّها تنفيذ لما فعله الموصي، و الذي فعله انعقاد اعتبار(3).

و الطريق الثاني للشافعيّة: أنّها باطلة و إن أجاز الورثة، بخلاف الوصيّة للأجنبيّ بما زاد علي الثّلث، و الفرق: أنّ المنع من الزيادة لحقّ الورثة، فإذا رضوا جوّزنا، و المنع هنا لتغيير الفروض التي قدّرها اللّه تعالي للورثة، فلا تأثير لرضاهم(4).

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5.
2- المغني 449:6، الشرح الكبير 462:6.
3- في العزيز شرح الوجيز: «و للّذي فعله انعقاد و اعتبار».
4- العزيز شرح الوجيز 24:7-25، روضة الطالبين 104:5.
مسألة 133: قد ذكرنا أنّ الحقّ عندنا أنّ الإجازة تنفيذ و إمضاء لفعل الموصي،

و ليس ابتداء عطيّة، فيكفي فيه لفظ الإجازة و الإنفاذ و الإمضاء و أشباه ذلك، و لا حاجة إلي هبة و تجديد قبول و قبض من الموصي له، و ليس للمجيز الرجوع و إن لم يحصل القبض بعد، و به قال الشافعي علي تقدير أنّها تنفيذ، و أحمد كذلك(1).

و قال علي تقدير أنّها ابتداء عطيّة من الورثة: لا يكفي قبول الوصيّة أوّلا، بل لا بدّ من قبول آخر في المجلس و من القبض، و للمجيز الرجوع قبل القبض(2).

و هل يعتبر لفظ التمليك و لفظ الإعتاق إذا كان الموصي به العتق ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: لا يعتبر، بل يكفي لفظ الإجازة.

و أظهرهما عندهم: نعم، و لا يكفي لفظ الإجازة، كما لو تصرّف فاسدا من بيع أو هبة ثمّ أجازه(3).

و ينسب هذا الوجه إلي مالك، و هو اختيار المزني(4).

مسألة 134: قد بيّنّا أنّ الإجازة تنفيذ،

و بيّنّا في كتاب الهبة(5) أنّه إذا كانت الهبة لذي الرحم أبا كان أو ولدا أو غيرهما تلزم بالإقباض.

ص: 237


1- المغني 450:6، الشرح الكبير 464:6.
2- نهاية المطلب 8:10-9، البيان 134:8، العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 104:5-105.
3- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 25:7.
5- راجع: ج 20، ص 37.

و العامّة نازعوا في الحكمين، و لهم فيهما قولان(1).

فعلي ما اخترناه لو خلّف زوجة - هي بنت عمّه - و أباها - و كان وارثا - و كان قد أوصي لها و أجاز أبوها الوصيّة، فلا رجوع له عندنا و عند من قال:

إنّها تنفيذ من العامّة(2).

و أمّا علي قول من قال: إنّها ابتداء عطيّة، فله الرجوع(3) ؛ لأنّ هبة الابن يجوز للأب الرجوع فيها عندهم(4).

مسألة 135: لو أعتق عبدا في مرضه و لا مال له سواه،

أو زادت قيمته علي الثّلث، أو أوصي بعتقه فأجازوا عتقه، أو وصيّته بالعتق، صحّ العتق، و يكون الولاء بأسره للميّت يرثه من يرث الولاء عنه، و هو قول من جعل الإجازة تنفيذا من العامّة(5).

و من جعلها ابتداء عطيّة قال: إنّ ما زاد علي الثّلث يكون ولاؤه للمجيزين ذكورهم و إناثهم بحسب استحقاقهم؛ لأنّهم باشروه بالإعتاق(6).

و قال بعض الشافعيّة: يحتمل أن يكون الولاء للميّت علي القولين جميعا؛ لأنّا و إن جعلنا إجازتهم ابتداء عطيّة فإجازتهم إعتاق الميّت كإعتاقهم عن الميّت بإذنه، و من أعتق عبده عن غيره بإذنه و التماسه كان

ص: 238


1- راجع: ج 20، ص 37 و ما بعدها.
2- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
3- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
4- الإشراف علي مذاهب أهل العلم 221:2، الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 423:8 و 424، الوجيز 249:1، الوسيط 272:4، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، روضة الطالبين 440:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المغني 305:6، الشرح الكبير 302:6.
5- العزيز شرح الوجيز 25:7-26، روضة الطالبين 105:5.
6- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.

الولاء للآذن، إلاّ أنّ اعتبار الإذن بعد موت الآذن كالمستبعد(1).

و كذا لو تبرّع بثلث ماله ثمّ أعتق أو أوصي بالإعتاق، فالحكم فيه كما تقدّم.

و لو أوصي لابن وارثه بعد تبرّعه بثلث ماله، أو أعطاه عطيّة في مرضه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته ثمّ أراد الرجوع فيما أجازه، فله ذلك إن قلنا: إنّه عطيّة مبتدأة، و ليس له ذلك علي القول بأنّها إجازة مجرّدة.

و لو تزوّج ابنة عمّه فأوصت له بوصيّة أو عطيّة في مرض موتها ثمّ ماتت و خلّفته و أباه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته، فالحكم فيه عندهم(2) علي ما ذكرنا.

و لو وقف علي ورثته في مرضه فأجازوا الوقف، صحّ عندنا مطلقا، و عند العامّة كذلك إن قلنا: إنّ إجازتهم تنفيذ، و لم يصح علي تقدير أن تكون إجازتهم عطيّة مبتدأة، لأنّهم يكونون واقفين علي أنفسهم(3).

و لا فرق في الوصيّة بين الصحّة و المرض في أنّها تخرج من الثّلث.

و روي حنبل عن أبيه أحمد أنّه قال: إن وصّي في المرض فهو من الثّلث، و إن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء(4).

قال بعض أصحابه: يعني به العطيّة، أمّا الوصيّة فإنّها عطيّة بعد الموت، فلا يجوز منها إلاّ الثّلث علي كلّ حال(5).

مسألة 136: الهبة في مرض الموت من الوارث و الوقف عليه و إبراؤه عمّا عليه من الدّين

كالوصيّة له، و قد بيّنّا جوازها.

و للعامّة قولان(2) تقدّما.

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5. (2الي5) المغني 458:6، الشرح الكبير 468:6.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.

و لو أوصي لامرأة أجنبيّة و أوصت له ثمّ تزوّجها، جازت وصيّتها له عندنا.

و عند العامّة لا تجوز إلاّ مع إجازة الورثة(1).

و لو أوصي أحدهما للآخر ثمّ طلّقها، جازت الوصيّة عندهم؛ لخروجه عن كونه وارثا، إلاّ أنّه إذا طلّقها في مرض موته فقياس مذهب العامّة أنّها لا تعطي أكثر من ميراثها؛ لأنّه يتّهم في أنّه طلّقها ليوصل إليها ماله بالوصيّة، فلم ينفذ ذلك لها، كما لو طلّقها في مرض موته و أوصي لها بأكثر ممّا كانت ترث(2).

مسألة 137: اختلف علماؤنا في أنّ الإجازة و الردّ هل يشترط فيهما موت الموصي

بحيث لو أجاز الورثة الوصيّة بالجميع أو بالزائد علي الثّلث في حياة الموصي لم يكن بإجازتهم اعتبار، بل لهم الرجوع في الإجازة، و كذا في الردّ لو ردّ الورثة الوصيّة ثمّ مات الموصي فأجازوا، صحّت الإجازة و بطل الردّ، أو لا يشترط موت الموصي فيهما، بل متي أجازوا لم يكن للورثة الردّ بعد موت الموصي ؟

فقال المفيد و سلاّر و ابن إدريس من علمائنا بالأوّل(3) - و به قال ابن مسعود و شريح و طاوس و الحكم و الثوري و الحسن بن صالح بن حيّ و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لأنّهم أسقطوا

ص: 240


1- المغني 460:6، الشرح الكبير 469:6.
2- المغني 460:6، الشرح الكبير 469:6-470.
3- المقنعة: 669-670، المراسم: 203، السرائر 194:3.
4- المغني 458:6، الشرح الكبير 470:6، المهذّب - للشيرازي - 457:1، حلية العلماء 70:6، البيان 135:8، العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 5: -

حقوقهم فيما لم يملكوه، فلم يلزمهم، كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح، أو أسقط الشفيع حقّه من الشفعة قبل البيع، و لأنّها حالة لا يصحّ فيها [ردّهم](1) للوصيّة فلم يصح فيها [إجازتهم](2) كما قبل الوصيّة.

و الجواب: لو لا تعلّق حقّ الوارث لم يمنع المريض، و الإجازة إنّما هي تنفيذ فعل قد حصل، فلا يتحقّق قبل الوصيّة، و الفرق بين الردّ و الإجازة ظاهر؛ فإنّ الردّ إنّما لم يعتبر حال حياة الموصي؛ لأنّ استمرار الوصيّة يجري مجري تجدّدها حالا فحالا، بخلاف الردّ بعد الموت و الإجازة حال الحياة.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يشترط في الإجازة موت الموصي، فليس لهم الرجوع بعد موت الموصي فيما أجازوه حال حياته(3) ، و به قال ابن حمزة(4) و ابن الجنيد و الصدوق(5) من علمائنا، و هو المعتمد عندي، و هو أيضا قول الحسن البصري و عطاء و حمّاد بن أبي سليمان و عبد الملك بن يعلي و الزهري و ربيعة و الأوزاعي و ابن أبي ليلي(6) ؛ لعموم قوله تعالي: مِنْ بَعْدِ8.

ص: 241


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ردّها». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إجازته». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 144:4، المسألة 14.
4- - 105، أحكام القرآن - للجصّاص - 98:2-99، النتف 819:2، المبسوط - للسرخسي - 154:27، مختصر اختلاف العلماء 2150/5:5، المحلّي 9: 319.
5- الفقيه 147:4-512/148.
6- المغني 458:6-459، الشرح الكبير 470:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2150/5، أحكام القرآن - للجصّاص - 99:2، المبسوط - للسرخسي - 27: 154، المحلّي 319:9، حلية العلماء 70:6، البيان 135:8.

وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) .

و لأنّ الردّ حقّ للورثة، فإذا رضوا بالوصيّة سقط حقّهم، كما لو رضي المشتري بالعيب، و لأنّ الأصل عدم اعتبار إجازة الوارث؛ لأنّه تصرّف من المالك في ملكه، لكن منع من الزيادة علي الثّلث إرفاقا للوارث(2) ، فإذا رضي الوارث زال المانع، و لأنّ المال الموصي به لا يخرج عن ملك الموصي و الورثة؛ لأنّه إن برأ كان المال له، و إن مات كان للورثة، فإن كان للموصي فقد أوصي به، و إن كان للورثة فقد أجازوه.

و ما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام: في رجل أوصي بوصيّة و ورثته شهود فأجازوا ذلك فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به ؟ قال: «ليس لهم ذلك، الوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته»(3).

قالوا: لم يتحقّق استحقاق الورثة قبل الموت؛ لجواز أن يبرأ المريض أو يموتوا قبل موته(4).

قلنا: قد بيّنّا أنّ لهم تعلّقا مّا، و لهذا منع المريض من التصرّف فيه.

و قال مالك: إنّ الإجازة قبل الموت تلزم، إلاّ أن يكون الوارث في نفقته(5).

تذنيب: لو أذن الورثة للموصي في أن يوصي بأكثر من الثّلث، كان حكم إذنهم كحكم إجازتهم قبل الموت تمضي عندنا.7.

ص: 242


1- سورة النساء: 11.
2- في النّسخ الخطّيّة: «للورثة».
3- الكافي 12:7، ح 1 و ذيله، الفقيه 147:4-512/148 و 513، التهذيب 9: 775/193 و 776، الاستبصار 464/122:4 و 465.
4- العزيز شرح الوجيز 26:7.
5- العزيز شرح الوجيز 26:7.

و القائلون ببطلان الإجازة قالوا: لهم الرجوع في الإذن بعد الموت(1).

و قال مالك: إذا أذنوا له في الوصيّة و هو صحيح فلهم الرجوع، و إن أذنوا و هو مريض فلا رجوع لهم؛ لأنّه حالة المرض حالة الحجر عليه، فإذا أزالوا حجره بإذنهم له لزمهم حكم الإذن(2).

آخر: إذا أجازوا بعد الموت و قبل القسمة، لزمت الوصيّة.

و للشافعي في تنزيلها منزلة الإجازة قبل الموت قولان مخرّجان، و الظاهر لزومها(3).

مسألة 138: لا يشترط في الإجازة علم الورثة بالقدر الزائد علي الثّلث و لا قدر التركة،

فلو لم يعرف الورثة قدر الزائد و لا قدر التركة صحّت الإجازة عند علمائنا - و هو قول أكثر الشافعيّة(4) - لأنّ الإجازة تنفيذ، فتجري مجري الإبراء عن المجهول.

و علي قولهم الآخر بأنّها عطيّة مبتدأة يشترط علم الورثة بقدر الزائد علي الثّلث و قدر التركة(5).

و لو أوصي بجزء الزائد علي الثّلث - كنصف تركته مثلا - فأجاز الوارث ثمّ قال: كنت أعتقد أنّ التركة قليلة فبانت أكثر ممّا كنت أعتقد، فالأقرب: الرجوع إليه و قبول قوله مع اليمين، و تنفذ الوصيّة في القدر الذي كان يعتقده، و هو قول الشافعي في كتاب الأمّ(3).

قال أصحابه: و إنّما يحتاج إلي اليمين إذا حصل المال في يد الموصي له،

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
2- عيون المجالس 1384/1947:4، المعونة 1622:3، العزيز شرح الوجيز 7: 26. (3الي5) العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
3- الأم 110:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 26:7، و روضة الطالبين 105:5.

أمّا إذا لم يحصل فلا حاجة إلي اليمين إذا جعلناها ابتداء هبة، فإنّ الهبة قبل القبض لا تلزم(1).

و قال بعضهم: إنّ التنفيذ في القدر الذي يتحقّقه مبنيّ علي أنّ الإجازة تنفيذ فتنزّل منزلة الإبراء، أمّا إذا جعلناها ابتداء هبة فإذا حلف بطل في الجميع(2).

هذا إذا لم تكن بيّنة، فإن أقام الموصي له بيّنة علي أنّ الوارث كان عالما بقدر التركة عند الإجازة، لزمت إن جعلناها تنفيذا، و إن جعلناها ابتداء هبة، لم تلزم إذا لم يوجد القبض.

أمّا لو كانت الوصيّة بمعيّن من التركة - كعبد أو دار أو ثوب - فأجاز الوارث، ثمّ قال: كنت أظنّ أنّ التركة كثيرة و أنّ العبد خارج من ثلثها فظهر لي خلافه، أو ظهر دين لم أعلمه، أو تبيّن لي أنّه تلف بعضها، لم يلتفت إليه، و صحّت الوصيّة؛ لأنّ العبد معلوم لا جهالة فيه، و الجهالة في غيره، بخلاف ما إذا كانت الوصيّة بالجزء المشاع.

و قال بعضهم: يحتمل أن يملك الفسخ؛ لأنّه قد يسمح بذلك ظنّا منه أنّه يبقي له من المال ما يكفيه، فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة، فملك الرجوع، كالمشاع(3).

و قالت الشافعيّة(4): إن جعلنا الإجازة ابتداء عطيّة، صحّت الوصيّة؛ للعلم بقدر الذي وقعت الإجازة فيه، و إن جعلناها تنفيذا و إمضاء، فقولان:».

ص: 244


1- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 105:5-106.
2- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.
3- المغني 459:6، الشرح الكبير 472:6.
4- في «ل»: «و قال بعض الشافعيّة».

أحدهما: الصحّة؛ للعلم بالعبد.

و الثاني: أنّه يحلف، و لا يلزم إلاّ الثّلث، كما في المشاع(1).

مسألة 139: إنّما تعتبر الإجازة من وارث جائز التصرّف،

فلو أجاز الأجنبيّ أو الصبي أو المجنون أو المحجور عليه لسفه، لم تصح الإجازة؛ لأنّها تبرّع بالمال فلم تصح منه، كالهبة.

و أمّا المحجور عليه للفلس فإن قلنا: الإجازة تنفيذ، صحّت الوصيّة، و إن قلنا: إنّها هبة، لم تصح؛ لأنّه ليس له هبة ماله.

إذا عرفت هذا، فالعبرة في إجازة من هو وارث يوم الموت حتي لو أوصي لأجنبيّ و لا ابن له بل كان له أخ أو عمّ ثمّ تجدّد بعد الموت له ابن، اعتبر في تنفيذ(2) الوصيّة إجازة الابن المتجدّد؛ لأنّه الوارث يوم الموت، و قد ظهر أنّ الأخ أو العمّ لا إرث له، فلا اعتبار بإجازتهما لو كانا قد أجازا.

و لو كان للموصي ابن و أخ، فالوارث هو الابن، فلو أجاز الوصيّة ثمّ مات قبل موت الموصي بطلت إجازته، و اعتبر إجازة الأخ؛ لأنّه الوارث يوم الموت.

الباب الثاني: في الوصيّة بالأعيان المعيّنة.
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في الأعيان المحرّمة.
مسألة 140: قد بيّنّا أنّه يشترط في الوصيّة بالأعيان أن تكون محلّلة يجوز الانتفاع بها،

فلو أوصي بالأعيان المحرّمة، فإن لم يفرض لها منفعة محترمة بطلت الوصيّة إجماعا، كما لو أوصي بمال في إعانة الظالم علي

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.
2- في «ر، ل»: «تنجيز» بدل «تنفيذ».

ظلمه، و الفاسق علي فسقه، و الزّناة علي زناهم؛ لأنّها وصيّة بغير المعروف، و مشتملة علي المساعدة للظالم علي الظلم.

و إن فرض لها منفعة محلّلة إمّا مع بقاء عينها علي صفاتها الموجودة حالة الوصيّة أو بعد زوال صفاتها، صحّت الوصيّة إجماعا؛ لعدم انحصار المنافع في المحرّمة، و الأصل حمل تصرّفات المسلم علي الصحّة.

و كذا لو أوصي بكتبة التوراة و الإنجيل؛ لأنّهما محرّفتان.

و كذا لو أوصي بكتبة كتب الضلال.

مسألة 141: لو أوصي بكلب الهراش،

لم تصح الوصيّة؛ لأنّه ليس بمال، و لا يجوز اقتناؤه و لا بيعه و لا ثمنه، أمّا لو كان الكلب ممّا يحلّ اقتناؤه - مثل: كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط - صحّت الوصيّة به إجماعا؛ لأنّ فيه نفعا مباحا، و تقرّ اليد عليه، و الوصيّة تبرّع تصحّ في المال و غير المال من الحقوق، و لأنّه تصحّ هبته فتصحّ الوصيّة به، كالمال.

و لو قال: أعطوه كلبا من كلابي، فإن لم يكن له كلب يباح اقتناؤه، بل كلّ كلابه كلاب الهراش، بطلت الوصيّة، و لو كان له كلاب يباح الانتفاع بها، صحّت الوصيّة، و أعطي واحدا منها.

و كذا لو قال: أعطوه كلبا من مالي، فإن قلنا: الكلب المباح اقتناؤه يصحّ بيعه و شراؤه، كان مالا، و صحّت الوصيّة به، و إن قلنا: إنّه لا يصحّ بيعه، فإنّه تصحّ الوصيّة به أيضا - و به قال الشافعي(1) - و إن لم يكن الكلب مالا؛ لأنّ المنتفع به من الكلاب يصحّ اقتناؤه و اعتبار الأيدي المتداولة عليه، كالأموال، و يستعار له اسم المال بهذا الاعتبار، بخلاف كلب الهراش، فإنّ

ص: 246


1- التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 37:7، روضة الطالبين 5: 114.

الوصيّة به باطلة، سواء قال: أعطوه كلبا من كلابي أو من مالي؛ لأنّه لا يصحّ ابتياع الكلب المذكور، لأنّه لا قيمة له، و لا يباح اقتناؤه، فلا يعدّ مالا حقيقة و لا مجازا، بخلاف ما لو قال: أعطوه عبدا من مالي، و لا عبد له، فإنّه يشتري له عبد من ماله؛ لتعذّر شراء كلب.

و لو تبرّع متبرّع و أراد تنفيذ وصيّته من عنده، احتمل الجواز، كما لو تبرّع بقضاء دينه.

مسألة 142: لو كان له كلب يباح اقتناؤه و لا مال له سواه،

فأوصي به، لم تنفذ الوصيّة إلاّ في الثّلث؛ لأنّه شيء ينتفع به، فلم يكن له تفويت جميعه علي الورثة، كالأموال.

و لو لم يكن له كلب و قال: أعطوه كلبا من كلابي، بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها.

و لو قال: كلبا من مالي، فإن جوّزنا بيعه، صحّت الوصيّة، و اشتري له من ماله كلب يباح اقتناؤه، و إن منعنا من بيعه، بطلت الوصيّة؛ لأنّه لا يصحّ ابتياع الكلب؛ حيث لا قيمة له، بخلاف الشاة.

و لو كان له كلب يباح اقتناؤه و له مال سواه، فإن منعنا من بيعه، فللموصي له جميع الكلب و إن قلّ المال؛ لأنّ قليل المال خير من الكلب، لأنّه لا قيمة له، و هو قول بعض العامّة(1).

و قال بعضهم: للموصي له به ثلثه و إن كثر المال؛ لأنّ موضوع الوصيّة علي أن يسلم ثلثا التركة للورثة، و ليس في التركة شيء من جنس الموصي به(2).

ص: 247


1- المغني 618:6، الشرح الكبير 533:6.
2- المغني 618:6، الشرح الكبير 533:6.

و لا يصحّ تقويمه بحيث يندر للورثة من باقي التركة بقدر ثلثي قيمته.

و إن جوّزنا بيعه، قوّم من باقي التركة، كغيره من الأموال.

و لو أوصي ببعضه، أو كان له كلاب فأوصي ببعضها، صحّت الوصيّة، و اعتبرت قيمته من الثّلث.

و قال بعض الشافعيّة: لا يعتبر خروج الموصي به من الثّلث؛ لأنّها غير متقوّمة، و يكفي أن يترك شيئا للورثة كم كان(1).

و المشهور عندهم: اعتباره، كما في الأموال، و علي هذا لو لم يكن له إلاّ كلب واحد لم يخف اعتبار الثّلث منه(2).

و إن كان له كلاب، ففي كيفيّته لهم وجوه:

أحدها: أنّه ينظر إلي قيمتها بتقدير الماليّة فيها، كما يقدّر الرقّ في الحرّ عند الحاجة، و تنفذ الوصيّة في الثّلث بالقيمة.

و الثاني: أنّه ينظر إلي عدد الرؤوس، و تنفذ الوصيّة من ثلثه في واحد.

و الثالث: أنّه تقوّم منافعها؛ لأنّه لا ماليّة للذوات، و يؤخذ الثّلث من قيمة المنافع(3).

و من لم يملك إلاّ كلبا و طبل لهو و زقّ خمر محترمة فأوصي بواحد منها، و أردنا اعتبار الثّلث، لم يجر الوجه الثاني و لا الثالث؛ لأنّه لا تناسب بين الرؤوس و لا بين المنافع، فيتعيّن اعتبار القيمة(4).

هذا إذا لم يكن للموصي بالكلب مال، أمّا إذا كان له مال و كلاب فأوصي بجميعها أو بعضها، فللشافعيّة وجوه:

أظهرها: نفوذ الوصيّة و إن كثرت و قلّ المال؛ لأنّ المعتبر أن يبقي

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.
2- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.
3- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.

للورثة ضعف الموصي به، و المال و إن قلّ خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له.

و الثاني: أنّ الكلاب ليست من جنس الأموال، فيقدّر كأنّه لا مال له، و تنفذ الوصيّة في ثلث الكلاب علي ما مرّ، و هذا كما أنّ وصيّته بالمال و الصورة هذه تعتبر من ثلث المال، و يقدّر كأنّه لا كلاب له.

و الثالث: أنّه تقوّم الكلاب أو منافعها علي اختلاف الوجهين السابقين، و يضمّ إلي ما له من المال، و تنفذ الوصيّة في ثلث الجميع، كمن له أعيان و منافع و أوصي له بها، فإنّ ثلثه يعتبر من الأعيان و المنافع جميعا(1).

مسألة 143: لو خلّف مالا و كلابا فأوصي بالكلاب لرجل و بثلث ماله لآخر،

فللموصي له بالثّلث الثّلث، و للموصي له بالكلاب ثلثها، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه تنفذ الوصيّة بجميع الكلاب؛ لأنّ ثلثي المال الذي يبقي للورثة خير من ضعف الكلاب(3).

و استبعد بعضهم هذا؛ لأنّ ما يأخذه الورثة من الثّلثين هو حصّتهم بحسب ما نفذت الوصيّة فيه، و هو الثّلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرّة أخري في الوصيّة بالكلاب(4).

و قال بعضهم: تضمّ قيمة الكلاب أو منافعها إلي المال، و يدخل المال في حساب الوصيّة بالكلاب و إن لم تدخل الكلاب في حساب الوصيّة بالمال(5).

و لو وصّي بثلث ماله و لم يوص بالكلاب، دفع إليه ثلث المال، و لم تحسب الكلاب علي الورثة إن منعنا من بيعها؛ لأنّها ليست مالا.

ص: 249


1- العزيز شرح الوجيز 38:7-39، روضة الطالبين 115:5-116. (2الي5) العزيز شرح الوجيز 39:7، روضة الطالبين 116:5.

و يحتمل احتسابها؛ لأنّ لها قيمة مقدّرة عند علمائنا.

و إذا قسّمت الكلاب بين الوارث و الموصي له، أو بين اثنين موصي لهما بها، أو بين وارثين، قسّمت علي عددها إن لم يكن لها قيمة، فإن تشاحّوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم فيه.

و لو أوصي بكلب من كلابه، فالتخيير للورثة.

و قال بعض العامّة بالقرعة(1).

و لو كان له كلب يباح اقتناؤه و كلب هراش، فالوصيّة بالمباح.

و مذهب الشافعي في هذا كلّه قريب ممّا قلناه(2).

و الأقرب: صحّة الوصيّة بالجرو الصغير إن قصد به الصيد أو حفظ الزرع أو الماشية أو الحائط.

و لا تصحّ الوصيّة بالخنزير و لا بشيء من السباع المحرّم اقتناؤها، و كذا كلّ ما لا منفعة فيه لا تصحّ الوصيّة به، و قد تقدّم(3).

مسألة 144: لو أوصي بدفّ من دفوفه،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تصحّ علي مذهبنا؛ لأنّ استعمال ذلك محظور(4).

و قالت العامّة بجوازه؛ لما رووه عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «أعلنوا هذا النكاح و اضربوا عليه بالدفّ»(5)(6).

ص: 250


1- المغني 618:6، الشرح الكبير 534:6.
2- كما في المغني 618:6، و الشرح الكبير 534:6.
3- في ص 137، المسألة 117، و ص 139، المسألة 121.
4- المبسوط - للطوسي - 20:4.
5- الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 398:3-1089/399، السنن الكبري - للبيهقي - 290:7 بتفاوت.
6- المغني 619:6، الشرح الكبير 541:6.

و قال ابن إدريس: نعم ما قاله الشيخ؛ لأنّه من اللعب و اللهو و إن كان قد روي رواية شاذّة أنّه مكروه، و ليس بمحظور(1).

و قد تقدّم البحث في تحريم استعمال الدفّ.

مسألة 145: لفظة الطبل تستعمل في طبل الحرب،

الذي يضرب به للتهويل، و [تقع](2) علي طبل الحجيج و القوافل، الذي يضرب لإعلام النزول و الارتحال، و علي طبل العطّارين، و هو سفط(3) لهم، و علي طبل اللهو، و قد فسّر بالكوبة التي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيّق، و طرفاها واسعان، و هي من الملاهي، و لعلّ التمثيل بها أولي من التفسير.

فإن أوصي بطبل حرب، صحّت الوصيّة إجماعا؛ لأنّ فيه منفعة مباحة، و كذا باقي الطبول، إلاّ طبل اللهو، فإن كان في الحال يصلح لطبل اللهو و الحرب معا، صحّت الوصيّة به؛ لأنّ المنفعة به قائمة، و كذا إن صلح للحجيج أو لمنفعة مباحة في الحال، صحّت الوصيّة.

و إن لم يصلح إلاّ للّهو لكن يصلح لغيره بعد تغيير يبقي معه اسم الطبل، صحّت الوصيّة أيضا - خلافا للحنابلة(4) - لأنّها عين يمكن الانتفاع بها مع تغييرها و بقاء اسم الموصي به عليه، فصحّت الوصيّة به، كما لو أوصي بعبد مريض لا يمكن الانتفاع به في الحال.

و أمّا إن لم يمكن الانتفاع به إلاّ بعد تغييره عن صفته بحيث لا يبقي اسم الطبل معه، فالأقرب: الصحّة أيضا، سواء كان لا ينتفع به إلاّ

ص: 251


1- السرائر 205:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- السّفط: الذي يعبّي فيه الطيب و ما أشبهه. لسان العرب 315:7 «سفط».
4- المغني 619:6، الشرح الكبير 541:6.

برضاضه، أو ينتفع به مع بقاء تركيبه لا علي هيئة الطبل الذي لا ينتفع به إلاّ في اللهو، و سواء كان لرضاضه قيمة مقصودة نفيسة، كما لو كانت من ذهب أو فضّة أو عود، أو غير مقصودة و لا نفيسة، كنحاتة الخشب إذا كان له نفع مّا و إن قلّ.

و الشافعيّة فصّلوا مختلفين، فقالوا: إن كان لا يبقي اسم الطبل عند زوال الصفة المحرّمة فيه لم تصح الوصيّة عند بعضهم؛ لأنّه أوصي بالطبل، و لا يمكن بقاء الاسم إلاّ مع تحريم المنفعة، و هو المشهور عندهم، و إلاّ صحّت(1).

و قال آخرون: إنّه إذا لم يصلح لغرض مباح مع بقاء اسم الطبل و كان لا ينتفع به إلاّ برضاضه لم تصح الوصيّة؛ لأنّه لا يقصد منه الرّضاض إلاّ إذا كان من شيء نفيس كذهب أو عود فتنزّل الوصيّة عليه، و كأنّه أوصي برضاضه إذا كسر، و الوصيّة قابلة للتعليق(2).

و لهم في بيع الملاهي التي يعدّ رضاضها مالا ثلاثة أوجه، ثالثها:

الفرق بين أن تكون متّخذة من جوهر نفيس أو من غيره، فإن اكتفينا بماليّة الرّضاض لصحّة البيع في الحال فكذلك في الوصيّة(3).

مسألة 146: إذا أوصي بما يقع اسمه علي المحلّل و المحرّم و لم ينصّ علي أحدهما بل أطلق،

صرف إلي المحلّل دون المحرّم؛ ميلا إلي تصحيح

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 465:1، التهذيب - للبغوي - 89:5، البيان 233:8 - 234، العزيز شرح الوجيز 40:7، روضة الطالبين 116:5.
2- نهاية المطلب 174:11، الوجيز 271:1، الوسيط 420:4، العزيز شرح الوجيز 40:7، روضة الطالبين 116:5-117.
3- نهاية المطلب 496:5، الوسيط 20:3-21، العزيز شرح الوجيز 30:4، و 40:7، روضة الطالبين 20:3، و 117:5، المجموع 256:9.

الوصيّة؛ لأنّ الموصي يقصد حيازة الثواب، و الظاهر أنّه يقصد ما تصحّ الوصيّة فيه(1).

و لأنّ الظاهر من حال المسلم صحّة تصرّفاته، فيحمل مطلقه عليها؛ عملا بالظاهر، و عدولا عن غيره، و صونا لكلام العاقل عن اللغو، و له عن التصرّف الفاسد و المنهيّ عنه شرعا.

فلو كان له طبلان أحدهما: طبل حرب، و الآخر طبل لهو و أوصي بطبل من ماله أو من طبوله، صرف إلي طبل الحرب، دون طبل اللهو.

و لو تعدّدت الطبول المباح استعمالها، كان للموصي له واحد منها إمّا بالقرعة أو بما يخصّصه الورثة.

و لو لم يكن إلاّ طبول محرّمة، لم تصح الوصيّة، إلاّ أن ينتفع برضاضها أو بإزالة صفتها.

و إذا صحّت الوصيّة بالطبل، فالجلد الذي عليه يدفع إلي الموصي له، سواء كان يقع عليه اسم الطبل من دون الجلد، أو لا يقع عليه اسم الطبل؛ لأنّه كجزء من المسمّي.

و قالت الشافعيّة: إن كان لا يقع عليه اسم الطبل إلاّ معه(2) دخل، و إلاّ فلا(3). و لا بأس به.

و الدفّ قد بيّنّا الخلاف في أنّه هل تجوز الوصيّة به ؟ فإن جوّزناه و كان عليه شيء من الجلاجل و حرّمناها نزع، و لم يدفع إليه، إلاّ أن ينصّ عليه.5.

ص: 253


1- الظاهر: «به» بدل «فيه».
2- أي: مع الجلد.
3- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 146:5.
مسألة 147: اسم العود يقع علي الذي يضرب به،

و هو عود اللّهو، و علي واحد الأخشاب، منها: التي تستعمل في البناء، و التي تصلح للقسيّ و العصيّ.

و الوصيّة بعود اللّهو كالوصيّة بالطبل، فينظر هل يصلح علي هيئته لمنفعة مباحة أو بعد تغييره مطلقا عندنا، و تغييرا يبقي معه اسم العود عند الشافعيّة(1) ؟ فتصحّ [الوصيّة](2) به، أو لا يصلح ؟ فلا تصحّ.

و إذا صحّت الوصيّة، لم يدفع إليه الوتر و المضراب؛ لأنّه يسمّي عودا دونهما.

و لو قال: أعطوه عودا من عيداني، و لم يكن له إلاّ عيدان القسيّ و البناء، فيعطي واحدا منها.

و كذا لو كان معها عيدان اللّهو لكنّها تصلح لمنفعة مباحة إمّا مطلقا أو مع التغيير، فيعطيه الوارث ما شاء من الجميع، أو يقرع له بين الجميع.

و إن كان له عيدان اللّهو، التي لا تصلح لمنفعة مباحة، و عيدان القسيّ و البناء، أعطي واحدا من العيدان المباحة إمّا بالقرعة أو بالاختيار - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - كما في الطبل من أنّه ينزّل علي المباح استعماله، و كما لو لم يكن إلاّ عيدان القسيّ و البناء، صونا لتصرّف المسلم عن الفساد، و لكلامه عن الهذريّة، و لأنّ المحرّم استعماله ساقط الاعتبار في نظر الشرع، فأشبه المعدوم.

ص: 254


1- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المنفعة». و المثبت هو الصحيح.
3- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: تنزيل الوصيّة علي عيدان اللّهو، فتبطل؛ لأنّ اسم العود عند الإطلاق إنّما ينصرف إليه، و استعماله في غيره مرجوح، و ليس كما لو قال: عودا من عيداني، و ليس له إلاّ أعواد القسيّ و البناء؛ لأنّ هناك التقييد منعنا من الأخذ بالإطلاق، و بخلاف الطبل؛ لوقوعه علي طبل اللّهو و غيره بالسويّة(1).

و نمنع ظهور اسم العود في الذي يضرب به، بل هو لفظ مشترك يستعمل فيه، و في الذي يتبخّر به، و في الواحد من الأخشاب بحسب الحاجة.

سلّمنا أنّ الاستعمال في عود اللّهو أظهر، لكنّه كما ينصرف إليه إذا كان واحدا ينصرف إليه إذا جامع المباح، فيلزم أن ينصرف قوله: «عودا من عيداني» إليه، و حينئذ وجب أن تلغو الوصيّة إذا لم يكن له عيدان لهو و إن كان له ما يصلح للأبنية و القسيّ، و ليس كذلك.

مسألة 148: إذا أوصي له بعود و لا عود له،

فإن كان قال: من عيداني، بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها، و إن قال: من مالي، أو أطلق، صحّت الوصيّة.

فإن قلنا: إنّه ينصرف مطلقه إلي عود اللّهو، اشتري له عود لهو يصلح لمنفعة مباحة أو ينتفع برضاضه، و بالجملة يشتري ما لو كان موجودا في ماله أمكن تنفيذ الوصيّة بالعود به.

و لو لم يمكن الانتفاع به إلاّ علي الوجه المحرّم، احتمل صرفه إلي المجاز، كعود البناء و القسيّ، و البطلان علي بعد.

ص: 255


1- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.

و إن قلنا: إنّه لا ينصرف مطلقه إلي عود اللّهو، صحّت الوصيّة.

فإن أمكن الانتفاع بعود اللّهو بالمحلّل أو بالرّضاض، جاز أن يشتري له أو ما يريده الوارث، و إن لم يمكن، اشتري له عود البناء أو القسيّ بحسب تخصيص الوارث، أو القرعة.

قيل: وقوع الطبل علي أنواعه ليس كوقوع العود علي معانيه المذكورة، بل الطبل موضوع للمشترك بين الأنواع، و ليس من الألفاظ المشتركة بينها، و العود مشترك بين الخشب الذي يضرب به و الذي يتبخّر به، ثمّ هو بالمعني الأوّل غير مشترك بين ما يستعمل في الأبنية و يصلح للقسيّ، بل للمشترك بينهما(1).

و لو أوصي بعود من عيدانه و ليس له إلاّ واحد من أعواد اللّهو و واحد ممّا يصلح للبناء و واحد ممّا يصلح للقسيّ، فإن حملنا لفظ العيدان علي هذه الآحاد، حملنا اللفظ المشترك علي معنييه معا، و هو ممنوع عند محقّقي الأصوليّين، فإن منع، فهذه الصورة كما لو أوصي بعود من عيدانه و ليس له إلاّ واحد من عيدان اللّهو أو لا عود له.

تذنيب: الوصيّة بالمزمار كالوصيّة بعود اللّهو، فإن أمكن الانتفاع به علي الوجه المباح أو برضاضه، صحّت الوصيّة به، و إلاّ فلا، و إذا صلح لم يلزم تسليم المجمع، و هو الذي يجعله الزامر بين شفتيه؛ لأنّ الاسم لا يتوقّف عليه.

مسألة 149: اسم القوس يقع علي العربيّة،

و هي التي يرمي بها النبل، و هي السهام العربيّة، و علي الفارسيّة، و هي التي يرمي بها النّشّاب، و علي

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 79:7.

القسيّ التي لها مجري تنفذ فيه السهام الصغار، و تسمّي الحسبان، و علي الجلاهق، و هو ما يرمي به البندق، و علي قوس النّدف، و السابق إلي الفهم من لفظ القوس أحد الثلاثة الأول، فإذا قال: أعطوه قوسا، حمل علي أحدها، دون قوس النّدف و الجلاهق، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، و هو قول الشافعي(2) ؛ عملا بالعرف، و الإطلاق يحمل عليه.

و قال ابن إدريس: الورثة بالخيار في إعطاء أيّها شاؤا من الخمسة الأقواس، و منع العرف فيما ذكره الشيخ، و تخصيص كلام الموصي العامّ يحتاج إلي دليل(3).

و الشيخ رحمه اللّه لا ينازع في نقل العرف، فلعلّه نقل عرفا لغويّا أو عامّيّا في أنّ القوس إنّما يطلق حقيقة علي أحد الثلاثة السابقة.

فالوجه أن نقول: إن كان في لفظه أو حاله قرينة تقتضي صرف اللفظ إلي أحدها، صرف إليه، مثل أن يقول: قوسا يندف به، أو يتعيّش به، أو ما أشبه ذلك، صرف إلي قوس الندّافين، و إن قال: يغزو به، خرج منه قوس الندف و البندق.

و لو كان الموصي له ندّافا لا عادة له بالرمي، أو بندقانيّا لا عادة له بالرمي بشيء سواه، أو كان جنديّا يرمي بقوس النّشّاب لا غيره، انصرفت الوصيّة إلي القوس الذي يستعمله عادة؛ لأنّ ظاهر حال الموصي أنّه قصد3.

ص: 257


1- المبسوط - للطوسي - 21:4.
2- مختصر المزني: 143-144، الحاوي الكبير 239:8، المهذّب - للشيرازي - 466:1، نهاية المطلب 176:11، الوجيز 274:1-275، الوسيط 438:4، حلية العلماء 117:6، التهذيب - للبغوي - 90:5، البيان 236:8، العزيز شرح الوجيز 79:7، روضة الطالبين 148:5.
3- السرائر 206:3.

نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به.

و إن انتفت القرائن، فالقرعة، أو ما يختاره الورثة.

فروع:

الأوّل: إذا قال: أعطوه قوسا من قسيّي، و له الخمسة، فكالإطلاق، و لو لم يكن له إلاّ نوع واحد، صرف اللفظ إليه؛ صونا للّفظ عن الهذريّة، و للتقييد و الإضافة.

و لو تعدّد ما له، فإن تساوت القرائن فكالمطلق، و إن تفاوتت حمل علي السابق إلي الفهم.

و لو لم يكن له إلاّ قوس الجلاهق أو النّدف، حمل عليه؛ للتقييد و الإضافة.

و لو كان له قوس الجلاهق و قوس النّدف جميعا، قالت الشافعيّة:

يعطي قوس الجلاهق؛ لأنّ الاسم أسبق إليه(1).

و قد تقدّم كلامنا فيه.

الثاني: لو قال: أعطوه ما يسمّي قوسا، فالوجه: أنّ للوارث أن يعطيه ما شاء من الأنواع الثلاثة و غيرها، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه كالمطلق(3). و ليس بجيّد.

الثالث: إذا أوصي له بقوس، أعطي قوسا معمولة؛ لأنّها لا تسمّي قوسا إلاّ كذلك.5.

ص: 258


1- الحاوي الكبير 240:8، الوسيط 438:4، البيان 237:8، العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
2- العزيز شرح الوجيز 79:7-80، روضة الطالبين 148:5.
3- العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.

و هل تستتبع الوصيّة بالقوس الوتر؟ احتمال ينشأ من توقّف الانتفاع عليه، فكان كجزء من أجزائها، و من خروجه عن مسمّي القوس، فأشبه الوصيّة بالدابّة، فإنّها لا تستتبع السرج.

و للشافعيّة كالوجهين، و أصحّهما عندهم: الثاني(1).

و يجري الوجهان في بيع القوس(2).

الرابع: لا يدخل النّشّاب و لا غلاف القوس في الوصيّة، و يدخل الريش و النصل في الوصيّة بالسهم؛ لثبوتهما فيه.

البحث الثاني: في الوصيّة بالأعيان المباحة من الحيوان.
اشارة

و هو قسمان:

القسم الأوّل: الحيوان غير الرقيق.
مسألة 150: تصحّ الوصيّة بالحيوانات المملوكة،

سواء الآدمي و غيره بلا خلاف؛ لأنّها أعيان ينتفع بها، و يصحّ نقلها بعوض و غيره، فلو أوصي له بشاة تناول الذكر و الأنثي؛ لأنّه اسم جنس، كالإنسان، و ليست التاء فيه للتأنيث، يدلّ عليه قولهم: لفظ الشاة يذكّر و يؤنّث، و لهذا حمل قوله صلّي اللّه عليه و اله:

«في أربعين شاة شاة»(3) علي الذكور و الإناث.

و هو قول أكثر الشافعيّة(4) ، قالوا: لأنّ أصحّ الوجهين: جواز إخراج

ص: 259


1- نهاية المطلب 177:11، البيان 237:8، العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
2- العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
3- سنن الدارمي 381:1، سنن ابن ماجة 1805/577:1، ذكر أخبار إصبهان 2: 319، السنن الكبري - للبيهقي - 88:4.
4- نهاية المطلب 165:11، التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 7: 80، روضة الطالبين 148:5.

الذكر عن خمس من الإبل؛ لشمول الاسم(1).

و قال الشافعي في كتاب الأم: إنّ اسم الشاة لا يتناول الكباش و التيوس، و إنّما هو للإناث؛ للعرف(2).

و يتناول اسم الشاة صغيرة الجثّة و كبيرتها، و السليمة و المعيبة، و الصحيحة و المريضة، و الضأنيّة و الماعزة.

و هل يتناول السخلة و العناق ؟ للشافعيّة و جهان:

أظهرهما: أنّ اسم الشاة لا يقع عليهما.

و الثاني: يقع؛ لأنّه اسم جنس(3).

إذا ثبت هذا، فلو قال: أعطوه شاة من شياهي أو من غنمي، فإن لم يكن له غنم، فالوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها إن مات و لا غنم له، و إن كان له غنم أعطي واحدة منها سليمة أو معيبة من الضأن أو المعز، فإن كانت كلّها ذكورا، أعطي ذكرا، و إن كانت كلّها إناثا، أعطي أنثي، و إن كان بعضها ذكورا و بعضها إناثا، جاز أن يعطي أنثي.

و في الذكر للشافعيّة قولان؛ بناء علي تناول الشاة للذكر(4).

و يحتمل علي قول من منع منهم من إطلاق اسم الشاة علي الذكر بطلان الوصيّة لو قال: أعطوه شاة من غنمي، و لا أنثي له، كما لو قال:

أعطوه شاة من غنمي، و لا غنم له، فإنّ الوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها(5).7.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 80:7-81، روضة الطالبين 148:5-149.
2- الأم 91:4، و عنه في البيان 229:8، و العزيز شرح الوجيز 80:7، و روضة الطالبين 148:5.
3- العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
4- العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
5- العزيز شرح الوجيز 81:7.

فروع:

الأوّل: لو قال: أعطوه شاة من مالي، فإن لم يكن له غنم اشتري له ما يتناوله اسم الشاة من مال الموصي، بخلاف ما لو قال: من غنمي، و لا غنم له؛ لفوات محلّ الوصيّة، و لو كان له غنم أعطي واحدة منها يتناولها الاسم.

و هل للوارث أن يعطي ما يتناوله الاسم علي غير صفة غنمه بأن يشتري له شاة يتناولها الاسم و لا يكون من غنم الموصي ؟ الأقرب:

الجواز؛ لصدق الاسم عليها.

الثاني: لو قال: أعطوه غنما من مالي، فقد قلنا: إنّه يتخيّر الوارث لو كان للموصي غنم بين أن يعطيه من غنم الميّت، و بين أن يشتري له من مال الميّت، و ليس له أن يشتري من مال نفسه؛ لأنّ الوصيّة تقيّدت بالإضافة إليه، فليس له التخطّي.

و كذا لو لم يكن للموصي غنم، وجب أن يشتري من ماله، لا من مال الوارث.

أمّا لو قال: أعطوه شاة أو شيئا آخر، و لم يضف إليه، جاز للوارث أن يعطي من مال نفسه، كما له أن يقضي دين غيره.

الثالث: لو قال: اشتروا له شاة، و له شياه، لم يعطه منها؛ لأنّه قيّد الوصيّة بالشراء، و هو يدلّ علي إرادة غير غنمه.

و هل يجوز أن يشتري معيبة ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّا بيّنّا صحّة تناول اللفظ لها، و كذا المريضة، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز أن يشتري معيبة؛ لأنّ إطلاق الأمر بالشراء5.

ص: 261


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.

يقتضي السليم، كما في التوكيل بالشراء(1).

الرابع: قد بيّنّا صحّة تناول الشاة للذكر و الأنثي إذا لم يكن هناك قرينة تدلّ علي التخصيص، و لو كان هناك قرينة تدلّ علي التخصيص حمل اللفظ عليه، فلو قال: أعطوه شاة يحتلبها، وجبت الأنثي، و لو قال: أعطوه كبشا أو تيسا أو شاة لينزيها علي غنمه، فالوصيّة بالذكر قطعا، و لو قال:

أعطوه نعجة أو شاة يحتلبها أو ينتفع بدرّها و نسلها، فهي بالأنثي.

الخامس: الظباء قد يقال لها: شياه البرّ، و الثور الوحشي قد يسمّي شاة في اللغة(2) ، لكن مطلق الوصيّة بالشاة لا تحمل عليهما؛ لأنّ استعمالها فيهما مجاز؛ لعدم سبق الفهم إليهما، و ثبوت سبقه في غيرهما.

أمّا لو قال: أعطوه شاة من شياهي، و ليس له إلاّ الظباء، فالأقرب:

صرف الوصيّة إليها؛ صونا للّفظ عن الهذريّة.

و للشافعيّة و جهان(3).

مسألة 151: البعير و الجمل و الناقة أسماء تشمل السليم و المعيب و البخاتي و العراب.

و اسم الجمل لا يطلق علي الأنثي، بل علي الذكر خاصّة.

و كذا الناقة لا تطلق علي الذكر، بل علي الأنثي من الإبل خاصّة، و لا تطلق علي الجمل.

و أمّا البعير فالأقرب: أنّه كالشاة، فمن جعلها شاملة للذكر و الأنثي باعتبار كونها اسم جنس جعل البعير هنا شاملا للذكر و الأنثي؛ لأنّه اسم

ص: 262


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 81:7، و روضة الطالبين 149:5.
3- العزيز شرح الوجيز 81:7-82، روضة الطالبين 149:5.

جنس.

و للشافعيّة الخلاف هناك(1).

و نصّ الشافعي أنّه لا يتناول الناقة، و ينزّل اسم البعير منزلة الجمل(2).

لكن الأظهر عند أصحابه: التناول؛ لأنّه اسم جنس في اللغة، و العرب تقول: صرعتني بعيري، و حلب فلان بعيره(3).

و قال بعض الشافعيّة: نصّ الشافعي علي الذكر فيما إذا عمّ العرف(4) باستعمال البعير بمعني الجمل، و العمل بقضيّة اللغة إذا لم يعم(5).

و اعلم أنّ اللفظ القابل لمعان متعدّدة يقتضي تخيير الوارث أو القرعة.

و تطلق هذه الألفاظ السابقة علي الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الصغير و الكبير.

و لو أوصي بما بلغ سنّا معيّنة، وجب.

و لو قال: أعطوه بنت مخاض، لم يجزئ إلاّ ما كمل سنّه سنة.

و الأقرب: أنّه تجزئ بنت اللبون؛ [لأنّها](6) أعلي منها و أنفع علي إشكال.

مسألة 152: اسم الثور للذكر من البقر خاصّة،

و أمّا البقرة فالأقرب:

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 149:5.
2- نهاية المطلب 166:11، البيان 230:8، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 149:5-150.
3- نهاية المطلب 166:11، البيان 230:8، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
4- في العزيز شرح الوجيز «ينزّل (تنزيل - روضة الطالبين) النصّ علي ما إذا عمّ العرف...».
5- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.

أنّها لا تتناول الذكر من البقر - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - قضاء للعرف الدالّ علي التخصيص بالأنثي.

و الثاني: أنّها تتناول الذكر أيضا، كالشاة و الجمل، و التاء في البقرة للتوحيد، كقولنا: تمرة و زبيبة(2) ، و هو قول أبي حنيفة(3).

و كذا الخلاف في اسم البغلة(4).

و لو قال: أعطوه عشرة من الإبل أو البقر أو الغنم، جاز الذكر و الأنثي.

و لو قال: عشر أينق أو بقرات، لم يعط الذكور، بل الإناث.

و لا فرق بعد التصريح بلفظ الأينق و البقرات بين أن يقول: عشرا أو عشرة.

و عند الشافعيّة: إنّ هذا في البقرات جواب علي الصحيح، و هو أنّ البقرة للأنثي(5).

و لو قال: أعطوه عشرا من الإبل أو عشرة، جاز الذكر و الأنثي؛ لتناول الإبل النوعين.

و قال بعضهم: إنّه إن قال: عشرة، فهو للذكور، و إن قال: عشرا، فهو للإناث(6).

و لو قال: أعطوه رأسا من الإبل أو البقر أو الغنم، جاز الذكر و الأنثي.

مسألة 153: لو أوصي بكلب أو حمار،

فالأقرب: انصرافه إلي الذكور

ص: 264


1- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
2- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
3- التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7.
4- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 7: 82، روضة الطالبين 150:5.
5- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
6- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.

من هذين الجنسين؛ لأنّهم ميّزوا فقالوا: كلب و كلبة و حمار و حمارة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّهما للجنس، و إنّ هذا التمييز ليس مستمرّا متقرّرا في اللغة، و لذلك قال صاحب الصحاح: ربما قالوا للأتان:

حمارة(1) ، فرواه رواية الشيء الغريب، و بتقدير استمراره فلا شكّ أنّ العرف استمرّ بخلافه(2).

و فيه منع.

و لو أوصي بكلبة أو حمارة أو أتان، فهو للأنثي خاصّة، و لا يتناول اسم الكلب الخنزير و لا بالعكس.

و قول الشيخ في غسل الأواني: إنّه لو [ولغ](3) الخنزير في الإناء غسل ثلاثا أولاهنّ(4) بالتراب؛ لأنّه قد يطلق علي الخنزير اسم الكلب(5) ، ممنوع، و لو سلّم كان مجازا لا يصحّ الحمل عليه عند الإطلاق.

تذنيب: قد بيّنّا أنّه يدخل في اسم الشاة الضأن و المعز، و كذا يدخل المعز في اسم الغنم، و لا يدخل الضأن في اسم المعز و لا بالعكس، علي إشكال من حيث اختلافهما في الاسم.

و أمّا البقر فيتناول الجواميس، و لهذا يدخل في نصب البقر، و يكمل بها نصابها، و هما من نوع واحد.

و قال بعض الشافعيّة: الجواميس لا تدخل في البقر، إلاّ إذا قال: من3.

ص: 265


1- الصحاح 636:2 «حمر».
2- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لاغ». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في المصدر: «إحداهنّ» بدل «أولاهنّ».
5- الخلاف 178:1، المسألة 133، و 186-187، المسألة 143.

بقري، و ليس له إلاّ الجواميس، فوجهان عندهم كما تقدّم في الظباء(1).

مسألة 154: الدابّة في الوضع اللغوي الحقيقي اسم لكلّ ما يدبّ علي وجه الأرض،

ثمّ اشتهر استعماله في المركوب من البهائم، و الوصيّة تنزّل علي هذا الوضع الثاني.

فلو قال: أعطوه دابّة، انصرف إلي الخيل و البغال و الحمير، يعطي واحدا منها ذكرا أو أنثي؛ لأنّ الاسم في العرف يقع علي جميع ذلك، و به قال الشافعي(2).

و اختلف أصحابه:

فعن ابن سريج: أنّ الشافعي إنّما ذكر ذلك علي عادة أهل مصر في ركوبها جميعا، و باستعمال لفظ الدابّة فيها، فأمّا في سائر البلاد فحيث لا يستعمل اللفظ إلاّ في الفرس لا يعطي إلاّ الفرس.

و عن أبي إسحاق و ابن أبي هريرة و غيرهما: أنّ الحكم في جميع البلاد كما ذكر الشافعي(3).

إذا عرفت هذا، فإذا قال: أعطوه دابّة من دوابّي، و له الأجناس الثلاثة، تخيّر الوارث أو أقرع، و لو كان له جنسان فكذلك، و لو لم يكن له إلاّ جنس واحد تعيّن، و لو لم يكن له منها شيء بطلت الوصيّة؛ لفوات

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 150:5.
2- الأم 91:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 235:8، المهذّب - للشيرازي - 465:1، نهاية المطلب 168:11، الوسيط 440:4، حلية العلماء 114:6، التهذيب - للبغوي - 88:5، البيان 231:8، العزيز شرح الوجيز 7: 83، روضة الطالبين 150:5.
3- الحاوي الكبير 235:8، المهذّب - للشيرازي - 465:1، حلية العلماء 6: 114، البيان 231:8، العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 150:5 - 151.

محلّها.

و يدخل في لفظ الدابّة الذكر و الأنثي و السليم و المعيب و الصغير و الكبير.

هذا مع الإطلاق، فإن قرن بلفظه ما يخصّص اللفظ بأحدها، حمل عليه، فلو قال: أعطوه دابّة للكرّ و الفرّ و القتال، حمل علي الفرس، و كذا لو قال: دابّة يقاتل عليها، أو يسهم لها من الغنيمة.

و لو قال: دابّة ينتفع بظهرها و درّها، حمل علي الفرس و الأنثي من الحمير عندنا؛ لأنّ لبنها مباح، و عند العامّة تحمل علي الأنثي من الخيل خاصّة(1).

و كذا لو قال: بظهرها و نسلها، حمل علي الأنثي من الخيل و الحمير إجماعا، و خرج منه البغال؛ لأنّه لا نسل لها و لا درّ، و كذا يخرج منه الذكور من الصنفين.

و لو قال: دابّة يحمل عليها، حمل علي البغال و الحمير، إلاّ أن يكون في بلد جرت عادته بالحمل علي البراذين فيدخل الجميع.

و لو كان في بلد يعتاد فيه الحمل علي الإبل و البقر، جاز أن يعطي منهما، قاله بعض الشافعيّة(2).

و منعه باقيهم؛ لأنّا إذا نزّلنا لفظ الدابّة علي الأجناس الثلاثة لا ينتظم منّا حملها علي غير هذه الأجناس بأن نصفها بصفة أو نقيّدها بقيد(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ عرف البلد بالنسبة إلي ذلك البلد يجري مجري5.

ص: 267


1- التهذيب - للبغوي - 88:5، البيان 232:8، العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.
2- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.
3- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.

العرف العامّ بالنسبة إلي العامّة.

مسألة 155: تجوز الوصيّة بكلّ حيوان مملوك ينتفع به منفعة مقصودة في نظر الشرع

و إن [كان غير مأكول اللحم، تبعا للانتفاع به و لو بجلده](1) ، كما في السباع عند من جوّز بيعها، و عند غيره إشكال أقربه: الجواز أيضا، أمّا ما لا منفعة له كالحشرات فلا تجوز الوصيّة بها، كما لا يجوز تملّكها.

القسم الثاني: في الوصيّة بالرقيق.
مسألة 156: اسم الرقيق يتناول بالوضع الصغير و الكبير و السليم و المعيب و المسلم

و الكافر و الذكر و الأنثي و الخنثي.

إذا ثبت هذا، فإن قال: أوصيت له برأس من رقيقي، أو قال: أعطوه رأسا من رقيقي، فإن لم يكن له رقيق يوم الوصيّة و لا حدث من بعد، فالوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها.

و كذا لو قال: أعطوه عبدي الحبشي، أو العبد الذي صفته كيت و كيت، و لا عبد له بتلك الصفة يوم الوصيّة و لا حدث بعده.

و لو حدث له أرقّاء بعد الوصيّة، تعلّقت الوصيّة بها.

و للشافعيّة الوجهان السابقان في أنّ الاعتبار بيوم الوصيّة أو بيوم الموت ؟(2).

و عليهما يخرّج ما إذا كان له أرقّاء يوم الوصيّة و حدث آخرون بعده، فإنّ للوارث أن يعطيه رقيقا من الحادثين بعد الوصيّة.

ص: 268


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كانت غير مأكولة... بها و لو بجلدها». و المثبت يقتضيه السياق.
2- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 5: 151.

و للشافعيّة قولان(1).

و لو لم يكن له إلاّ رقيق واحد، و قال: أعطوه رأسا من رقيقي، صحّت الوصيّة، و أعطي ذلك الرأس، سواء تجدّد له غيره أو لا.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما عندهم: صحّة الوصيّة، و الثاني:

البطلان(2).

و إذا كان له أرقّاء، أعطاه الوارث من شاء منهم.

و يجوز أن يعطي الخنثي؛ لوقوع الاسم عليه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لانصراف اللفظ إلي الغالب المعهود، و شبّهوا ذلك بما لو أوصي بدابّة تنصرف إلي المعهود، دون ما يدبّ علي وجه الأرض(3).

و لا يجوز أن يعطي غير أرقّائه بدلا لا برضا الموصي له و لا بدون رضاه.

أمّا بدون رضاه: فظاهر.

و أمّا معه: فلأنّ حقّه غير متعيّن، و المصالحة عن المجهول غير جائزة.

مسألة 157: لو كان له أرقّاء فأوصي بواحد منهم فماتوا أو قتلوا قبل موت الموصي،

بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها، و لو بقي واحد منهم تعيّن ذلك الواحد للوصيّة، و كذا لو أعتقهم إلاّ واحدا، و ليس للوارث أن يمسك

ص: 269


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 5: 151.
2- العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 151:5.
3- العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 152:5.

الذي بقي و يدفع إليه قيمة واحد من المقتولين.

و إن قتلوا بعد موته و بعد قبول الموصي له، انتقل حقّ الوصيّة إلي القيمة، فيصرف الوارث قيمة من شاء منهم إليه.

و لو قتلوا بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا بالوقف، أو قلنا:

تملك الوصيّة بالموت، و إن قلنا: إنّها تملك بالقبول، بطلت الوصيّة.

و إن مات واحد منهم أو قتل بعد موت الموصي و [قبول](1) الموصي له، فللوارث التعيين فيه حتي يجب التجهيز علي الموصي له، و تكون القيمة له إذا قتل.

و إن كان ذلك بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا بالوقف، أو قلنا: تملك الوصيّة بالموت، و إن قلنا: تملك بالقبول، أعطي واحدا من الباقين، كما لو كان ذلك قبل موت الموصي.

تذنيب: لو أوصي له برأس من رقيقه ثمّ أعتقهم بأسرهم و مات و لا رقيق له، بطلت الوصيّة، سواء خرجوا من الثّلث أو لا.

أمّا مع الخروج: فظاهر؛ لأنّه تصرّف بما يبطل الوصيّة.

و أمّا إذا لم يخرجوا: فلأنّه بعتقه قصد الرجوع عن الوصيّة.

مسألة 158: لو أوصي برقيق من ماله و لم يضف

مسألة 158: لو أوصي برقيق من ماله و لم يضف(2) إلي أرقّائه،

فإن لم يكن له رقيق، اشتري من ماله رقيق و دفع إلي الموصي له.

و إن كان له رقيق، تخيّر الوارث بين أن يعطيه رقيقا واحدا منها، و بين أن يشتري له ما شاء من الأرقّاء؛ لأنّ اللفظ يتناولهما، فكما يتخيّر الوارث في التعيين بين الأفراد الشخصيّة من الأرقّاء لو أضاف إلي أرقّائه و كان له،

ص: 270


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قبل». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة: «و لم يضفه».

كذا يتخيّر في التعيين بين الأفراد النوعيّة، حيث كان اسم المال منطلقا علي ما يشتري له و علي الموجود عنده.

و لو قال: اشتروا له مملوكا، فالوجه: وجوب الشراء، و لا يجزئ الواحد من أرقّائه.

و يجوز شراء المعيب علي الأقوي.

و قد تقدّم(1) الخلاف في الشاة لو قال: اشتروا له شاة.

و لو قال: أعطوه رأسا، و لم يقل: من مالي، صحّت الوصيّة، و كان بمنزلة ما لو قال: من مالي؛ لأنّه المراد ظاهرا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: تبطل، و المذهب عندهم: الأوّل؛ عملا بالظاهر(2).

مسألة 159: إذا قال: أعطوه عبدا،

انصرف إلي الذكر، و لا يعطي أمة و لا خنثي مشكلا.

و لو قال: أعطوه أمة، لم يعط عبدا ذكرا و لا خنثي مشكلا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجوز إعطاء الخنثي(3).

و لو قال: رأسا من رقيقي، أعطي الوارث من شاء من الثلاثة علي ما تقدّم، إلاّ أن يأتي بقرينة تصرفه إلي معيّن منها، كما لو قال: أعطوه رقيقا يقاتل أو يخدمه في السفر، فإنّه يحمل علي العبد.

و لو قال: رقيقا يستمتع به أو يحضن ولده، فهو كما لو قال: أمة.

و لو قال: رقيقا يخدمه، فهو كما لو أطلق.

ص: 271


1- في ص 261، الفرع الثالث.
2- التهذيب - للبغوي - 87:5، و فيه بطلان الوصيّة، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.
3- في العزيز شرح الوجيز 85:7، و روضة الطالبين 152:5 ورد الوجهان فيما إذا كان الخنثي واضحا لا مشكلا.
الباب الثالث: في الوصيّة بالعتق و الحجّ و غيرهما من العبادات.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الوصيّة بالعتق.
مسألة 160: العتق من أفضل العبادات الشرعيّة.

قال اللّه تعالي: وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ (1).

و روي العامّة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله قال: «من أعتق رقبة أعتق اللّه بكلّ عضو منها عضوا له من النار»(2).

و من طريق الخاصّة: عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّه قال في الرجل يعتق المملوك، قال: «يعتق بكلّ عضو منه عضو من النار» قال:

«و يستحبّ للرجل أن يتقرّب عشيّة عرفة و يوم عرفة بالعتق و الصدقة»(3).

و عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أعتق مؤمنا أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضو له عضوا من النار، فإن كانت أنثي أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضوا من النار، لأنّ المرأة نصف الرجل»(4).

إذا عرفت هذا، فالوصيّة به من أشدّ الوصايا فضلا، و هي ماضية من الثّلث، إلاّ أن يكون عتقا واجبا بنذر لزمه في صحّته أو كفّارة لزمته، فإنّها تمضي من الأصل؛ لأنّه كالدّين.

مسألة 161: إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا،

عتق عنه ما يقع عليه الاسم؛

ص: 272


1- سورة البلد: 12 و 13.
2- المسند - للحميدي - 338:2-767/339، مسند أحمد 16576/88:5، و 19126/552، صحيح مسلم 22/1147:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6: 5839/157، السنن الكبري - للبيهقي - 272:10.
3- الكافي 1/180:6، التهذيب 768/216:8.
4- الكافي 3/180:6، التهذيب 770/216:8.

عملا بمقتضي اللفظ الدالّ علي المطلق، فهو كما لو قال: أعطوا فلانا رقيقا، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه لا يعتق إلاّ من يجزئ في الكفّارة؛ لأنّ للشرع عرفا معلوما في العتق، فينزّل لفظ الموصي عليه، بخلاف العطايا و التمليكات، فإنّه لا عرف للشرع فيها خاصّا(1).

و لو قال: اشتروا بثلثي عبدا و أعتقوه عنّي، ففعل الوارث ثمّ ظهر عليه دين مستغرق، فالوجه: بطلان العتق و الشراء و الوصيّة؛ لأنّ الوارث تصرّف في التركة مع قيام الدّين المستغرق، فيكون باطلا.

و قالت الشافعيّة: إن اشتراه في الذمّة وقع عنه، و لزمه الثمن، و يكون العتق عن الميّت؛ لأنّه أعتق عنه، و إن اشتراه بعين التركة بطل الشراء(2).

و لهم تفصيل في تصرّف الوارث في التركة مع قيام الدّين ذكروا فيه وجهين، و علي تقدير البطلان لهم خلاف في أنّه إذا تصرّف ثمّ ظهر دين، تبيّن البطلان أم لا(3).

مسألة 162: إذا قال: أعتقوا عنّي رقابا،

أو اشتروا بثلث مالي رقابا و أعتقوهم، حمل الجمع علي أقلّه، و هو ثلاثة، فينظر إن أمكن شراء ثلاث رقاب فصاعدا بثلثه فعل، و الاستكثار مع الاسترخاص أولي من الاستقلال مع الاستغلاء، فلو كان هناك خمس رقاب قليلة القيمة يمكن شراؤهم بالثّلث كان أولي من شراء أربع كثيرة القيمة؛ لما فيه من تخليص رقبة زائدة عن الرقّ.

ص: 273


1- المهذّب - للشيرازي - 464:1، الوجيز 275:1، الوسيط 441:4، البيان 8: 225، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.
2- نهاية المطلب 183:11، البيان 226:8-227، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 153:5.
3- العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 153:5.

و لا يجوز صرف الثّلث إلي رقبتين أو رقبة مع إمكان الثلاث فما زاد، فإن صرفه في اثنتين أو واحدة مع إمكان الثلاث أو الأربع، احتمل بطلان الشراء و العتق؛ لأنّه خالف مقتضي الوصيّة فلا يتعذّر.

و قال بعض الشافعيّة: لو اشتري الوصي رقبتين مع إمكان شراء ثلاث رقاب، ضمن ثلث ما نفذ فيه الوصيّة أو أقلّ ما يجد به رقبة علي خلاف بينهم فيه(1).

و لو لم يمكن شراء ثلاث رقاب بالثّلث، نظر فإن لم يوجد به إلاّ رقيقان اشتريا و عتقا، و لو أمكن شراء رقبتين و جزء من ثالثة اشتري الرقبتان.

و هل يجب شراء الزائد عليهما؟ كلام الشيخ رحمه اللّه يشعر بعدم الوجوب؛ لأنّه قال: يجب شراء ثلاث رقاب و يعتقون؛ لأنّه أقلّ الجمع، فإن قصر الثّلث عن ثلاثة و زاد علي اثنتين جعل الرقبتين أكثرهما ثمنا، و لا يفضّل شيئا، ثمّ قال: و في الناس من قال: يجعل في عبدين و في جزء من ثالث، و روي أصحابنا أنّه إذا أوصي بعتق عبد بثمن معلوم فوجد بأقلّ منه، أعطي البقيّة ثمّ أعتق(2).

و قال في الخلاف: ينبغي أن يشتري بالثّلث ثلاثة فصاعدا؛ لأنّهم أقلّ الجمع، فإن لم يبلغ و بلغ اثنين فصاعدا أو جزءا(3) من الثالث، فإنّه يشتري الاثنان و يعتقان و يعطيان البقيّة؛ لإجماع الفرقة، فإنّ هذه منصوصة لهم(4).6.

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
2- المبسوط - للطوسي - 22:4.
3- في المصدر: «و بلغ اثنين و جزءا».
4- الخلاف 145:4-146، المسألة 16.

و المعتمد: وجوب شراء جزء من الثالثة إن أمكن؛ لأنّه أوصي بصرف الثّلث إلي الرقاب، و أقلّه ثلاثة، و بالجزء الثالث يتحقّق الجمع؛ لأنّه يستسعي و يكمل عتقه فيتعيّن، بخلاف ما وردت به الرواية من إعطاء العبد الفاضل(1)صحيح مسلم 136/89:1.(2) ؛ لأنّ الوصيّة هناك بعتق عبد و قد عمل بمقتضاها بقدر الإمكان، بخلاف صورة النزاع.

و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: لا يشتري الزائد؛ لأنّ الشقص ليس برقبة، فصار كما لو قال: اشتروا بثلثي رقبة و أعتقوه، فلم يجدوا به رقبة، لا يشتري الشقص، و لأنّ نفاسة الرقبة أمر مرغوب فيه؛ لما روي عنه صلّي اللّه عليه و اله أنّه سئل عن أفضل الرقاب، فقال: «أكثرها ثمنا و أنفسها عند أهلها»(2) فنراعيها إذا لزمنا محذور التشقيص.

و هذا الثاني أظهر عند الشافعيّة و أظهر قولي الشافعي(3).

فعلي قولهم بعدم شراء الشقص تشتري رقبتان نفيستان يستغرق ثمنهما الثّلث، فإن فضل عن أنفس رقبتين وجدتا بطلت الوصيّة فيه عندهم، و يردّ علي الورثة(4).

و إن قلنا: يشتري الشقص، فذاك إذا وجد شقص يشتري بالفاضل و زاد علي ثمن أنفس رقبتين شيء، أمّا إذا لم يمكن شراء شقص بالفاضل5.

ص: 275


1- راجع: الهامش
2- من ص 274.
3- الحاوي الكبير 241:8-242، نهاية المطلب 182:11، الوجيز 275:1، حلية العلماء 111:6، البيان 227:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
4- نهاية المطلب 181:11-182، البيان 227:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.

إمّا لقلّته أو لفقدان الشقص، فتشتري رقبتان نفيستان، فإن فضل شيء عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصيّة فيه عندهم(1).

و فيه وجه لهم: أنّه يوقف إلي أن يوجد شقص(2).

فإن لم يزد علي أنفس رقبتين شيء، بل أمكن شراء رقبتين نفيستين و أمكن شراء خسيستين و شقص من ثالثة، فأيّ الطريقين أولي عندهم ؟ فيه لهم وجهان:

أحدهما: الأوّل؛ لمعني النفاسة.

و ثانيهما: الثاني؛ لما فيه من كثرة العتق(3).

و لو كان لفظ [الموصي](4): «اصرفوا ثلثي إلي العتق» فلا خلاف في أنّا نشتري الشقص.

و لو قال: اشتروا عبدا بألف و أعتقوه، فلم يخرج الألف من ثلثه، و أمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج، فيشتري و يعتق قطعا، كما لو أوصي بإعتاق عبد فلم يخرج جميعه من الثّلث، يقتصر علي إعتاق القدر الذي يخرج، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: لا يشتري، و تبطل الوصيّة(6).4.

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
2- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
3- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5-154.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- الحاوي الكبير 242:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 154:5، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.
6- المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6، الحاوي الكبير 242:8-243، العزيز شرح الوجيز 86:7، و ينظر: المبسوط - للسرخسي - 16:28، و بدائع الصنائع 393:7، و الهداية - للمرغيناني - 246:4.
مسألة 163: لو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي،

لم يفتقر إلي قبول العبد؛ لأنّ العتق و إن تضمّن حقّا للعبد فإنّ فيه حقّا للّه تعالي قويّا، فأشبه الوصيّة للجهات العامّة، كبناء المساجد و عمارة القناطر و إعانة الحاجّ و الزائرين.

و لو قال: أوصيت له برقبته، فهي وصيّة صحيحة يقصد بها الإعتاق.

و هل يفتقر في هذه إلي قبول العبد؟ الوجه: العدم؛ لأنّه في المعني بمنزلة قوله: أعتقوا عبدي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأصحّ عندهم:

أنّه يفتقر إلي القبول؛ لاقتضاء الصيغة القبول، فصار كما لو قال لعبده:

وهبت منك نفسك، أو ملّكتك نفسك، فإنّه يحتاج إلي القبول في المجلس(1).

و أبو حنيفة وافقنا علي عدم الاحتياج إلي القبول في شيء من هذه الصّور(2).

و لو قال: وهبت منك(3) نفسك، لا علي جهة التمليك، بل نوي به العتق، عتق من غير قبول عند الشافعيّة(4).

و عندي الأقرب: البطلان؛ لأنّ الاتّهاب لم يقصده، و العتق لم يأت بصيغته.

مسألة 164: إذا قال: إذا متّ فأعتقوا ثلث عبدي،

أو قال: ثلث عبدي حرّ إذا متّ، قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: يعتق عنه ذلك الشقص، و لا يقوّم

ص: 277


1- نهاية المطلب 255:11، الوجيز 279:1، الوسيط 469:4، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 135:7.
3- كلمة «منك» لم ترد في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
4- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.

عليه نصيب شريكه و إن كان غنيّا(1) ، و اختاره ابن إدريس(2) ، و به قال الشافعي؛ لأنّ إعتاق بعض الرقيق إنّما يسري إلي الباقي إذا كان المعتق مالكا للباقي أو يكون موسرا، و إذا مات زال ملكه عن الباقي و عن سائر أملاكه، فلا هو حال العتق مالك للباقي و لا موسر بقيمته، بخلاف ما لو أعتق المريض بعض عبده، فإنّه يسري إلي الباقي إذا و في الثّلث به؛ لأنّه مالك للباقي(3).

و لرواية عقبة بن خالد(4) عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له، ليس له غيره، فأبي الورثة أن يجيزوا ذلك، كيف القضاء فيه ؟ قال: «ما يعتق منه إلاّ ثلثه»(5).

و روي أحمد بن زياد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل تحضره الوفاة و له مماليك لخاصّة نفسه و له مماليك بشركة رجل آخر، فيوصي في وصيّته: مماليكي أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة ؟ فكتب: «يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمله فهم أحرار»(6).

و يمنع صحّة السند؛ فإنّ الشيخ قال: أحمد بن زياد واقفيّ(7).

مسألة 165: لو كان له ثلاثة عبيد متساوية القيمة و لا شيء له غيرهم،

فأعتق في مرض الموت ثلث كلّ واحد منهم، فقال: أثلاث هؤلاء أحرار،

ص: 278


1- المبسوط - للطوسي - 57:6.
2- ينظر: السرائر 15:3.
3- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
4- في المصدر: «عليّ بن عقبة».
5- تقدّم تخريجه في ص 233، الهامش (1).
6- الكافي 17/20:7، التهذيب 222:9-872/223.
7- رجال الطوسي: 22/343.

أو ثلث كلّ واحد حرّ، عمل بمقتضي الوصيّة، فيعتق من كلّ عبد ثلثه؛ لأنّها وصيّة سائغة بقدر الثّلث، فلا يجوز تبديلها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّه يقرع بينهم لتجتمع الحرّيّة في واحد، فإنّ عتق المالك لا يتجزّأ، و إعتاقه بعض مملوكه كإعتاقه جميعه، فكأنّه قال: أعتقت هؤلاء، و لو قال ذلك لأقرعنا بسهم حرّ و سهمي رقّ، فمن خرج له سهم العتق عتق، فكذا هنا(1).

و فيه نظر.

أمّا لو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حرّ، فهو كما لو قال: أعتقتكم أو أعتقت واحدا منكم، فيقرع بينهم، و لا يجيء فيه الوجهان عند أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يجيء الوجهان، و جعل الصيغتين كما لو قال: أثلاث هؤلاء أحرار(3).

و لو أضاف إلي الموت، فقال: أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، أو ثلث كلّ واحد منهم، فيعتق من كلّ واحد منهم ثلثه، و لا يقرع - و به قال الشافعيّ(4) - لأنّ العتق بعد الموت لا يسري.0.

ص: 279


1- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 135:7-136، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 189:5.
3- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 189.
4- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 190.

نعم، لو زاد ما أعتق علي الثّلث، فيقرع لردّ الزيادة، لا للسراية، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يقرع، كما لو نجّز في مرض الموت، فمن خرج له سهم العتق عتق، و رقّ الآخران(2).

و الصحيح عندهم: الأوّل(3).

و فرّع بعضهم عليه، فقال: لو قال للأعبد الثلاثة: النصف من كلّ واحد منكم حرّ بعد موتي، فقد أعتق نصف ماله، فإن لم يجز الورثة أقرع بين العبيد بسهم رقّ و سهمي عتق، فالذي أصابه سهم الرقّ يرقّ، و اللّذان أصابهما سهما العتق يعتق من كلّ واحد منهما نصفه، و لا يسري(4).

و لو أعتق الأنصاف في مرضه، فمن عتق منه شيء لا بدّ أن يسري إلي باقيه إلي أن يتمّ الثّلث، فيقرع بينهم بسهمي رقّ و سهم عتق، فمن خرج له سهم العتق عتق كلّه، و هو ثلث المال.

و لو لم يكن إلاّ عبدان قيمتهما سواء، فقال: نصف غانم حرّ و ثلث سالم حرّ بعد موتي، فقد أعتق خمسة أسداس العبد، و ليس له إلاّ إعتاق ثلثي عبد، فيقرع بينهما لردّ الزيادة، فإن خرج سهم العتق لغانم عتق نصفه و سدس الآخر ليتمّ الثّلث، و إن خرج لسالم عتق ثلثه و عتق ثلث غانم.

و إن أعتق نصف كلّ واحد منهما في مرضه، أقرع بينهما، فمن خرج5.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.
2- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 190.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 136:7، و روضة الطالبين 190:5.
4- التهذيب - للبغوي - 374:8-375، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.

له سهم العتق عتق ثلثاه، و رقّ باقيه مع جميع الآخر.

و هذا كلّه مفروض فيما إذا أعتق الأبعاض معا بأن قال: أثلاث هؤلاء أحرار، أو نصف كلّ واحد حرّ، فأمّا إذا قدّم و أخّر، فيقدّم الأسبق فالأسبق، حتي لو قال: نصف غانم حرّ و ثلث سالم حرّ، يعتق من غانم ثلثاه، و لا قرعة، و به قال الشافعيّ(1).

مسألة 166: قد بيّنّا أنّ الوصيّة تعتبر من الثّلث،

فتمضي فيه خاصّة، و كذا التبرّعات الصادرة في مرض الموت علي الأقوي.

إذا عرفت هذا، فإذا وجد تبرّعان فصاعدا، فإن اتّسع لها الثّلث خرجت(2) بأسرها، و إن ضاق فإن كانت منجّزة - كالعتق و الإبراء و الوقف و الصدقة و الهبة مع الإقباض و المحاباة في العقود - فإمّا أن ترتّب أو توجد دفعة، فإن ترتّبت قدّم الأوّل منها فالأوّل إلي أن تستغرق الثّلث، فإذا تمّ الثّلث وقف(3) الباقي علي إجازة الورثة، فإن أجازوه أخرجت بأسرها، و إن أجازوا بعضها أخرج البعض الزائد و بطل الباقي.

و لو أجاز بعضهم في بعض الزائد أو في الجميع، اختصّ بالحكم فيه.

و لا فرق بين أن يكون المتقدّم و المتأخّر من جنس واحد أو جنسين، و لا إذا كانا من جنسين بين أن تتقدّم المحاباة علي العتق أو يتقدّم العتق علي المحاباة - و به قال الشافعي(4) - لأنّها عطيّة منجّزة لازمة، فلا يساويها

ص: 281


1- التهذيب - للبغوي - 375:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.
2- الظاهر: «أخرجت».
3- في «ص»: «أوقف».
4- البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 320:6-321.

ما بعدها، كما لو تقدّم العتق أو ترتّبت محابيات.

و قال أبو حنيفة: إذا تقدّمت المحاباة علي العتق يسوّي بينهما، و يقسّم الثّلث عليهما(1).

و إذا وجدت دفعة واحدة، فإمّا أن يتّحد الجنس أو يختلف، فإن اتّحد كما إذا أعتق عبيده فقال: أعتقتكم، أو وهب عبيدا من جماعة أو أبرأ جماعة دفعة، لم يقدّم البعض علي البعض؛ لعدم الأولويّة.

إذا عرفت هذا، فالفرق بين العتق و غيره أنّ [في] غير العتق يقسّط الثّلث علي الجميع باعتبار القيمة علي ما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل، و في العتق يقرع بين العبيد، و لا تفرّق الحرّيّة - و به قال الشافعي(2) - لما رواه العامّة عن عمران بن حصين أنّ رجلا أعتق ستّة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله فجزّأهم أثلاثا ثمّ أقرع بينهم فأعتق اثنين و أرقّ أربعة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مروان عن الشيخ: «أنّ أبا جعفر مات و ترك ستّين مملوكا فأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم و أعتقت3.

ص: 282


1- كذا نقله عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 56:7، و في مختصر اختلاف العلماء 2156/16:5، و مختصر القدوري: 243، و المبسوط - للسرخسي - 28: 133، و روضة القضاة 3885/689:2، و بدائع الصنائع 373:7، و الهداية - للمرغيناني - 245:4، و الاختيار لتعليل المختار 102:5، و البيان 171:8، و المغني 526:6، و الشرح الكبير 321:6: المحاباة مقدّمة علي العتق، كما يأتي في ص 285 و 290-291 نقله عنه.
2- الوسيط 425:4، التهذيب - للبغوي - 374:8، البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، صحيح مسلم بشرح النووي 140:11.
3- صحيح مسلم 1668/1288:3، سنن أبي داود 3958/28:4، سنن الترمذي 1364/645:3.

الثّلث»(1).

و لأنّ الغرض من الإعتاق تخليص الشخص من الرقّ ليكمل حاله، و هذا الغرض لا يحصل مع التشقيص؛ لبقاء أحكام الرقّ، و أمّا الغرض من الهبة و شبهها فهو التمليك، و التشقيص لا ينافيه، و لأنّ في قسمة العتق عليهم إضرارا بالورثة و الميّت و العبيد علي ما يأتي، بخلاف غيره.

و قال أبو حنيفة: لا يقرع بينهم، بل يعتق من كلّ واحد منهم ثلثه، و يستسعي في الباقي(2).

و إن اختلف الجنس بأن وكّل بكلّ تبرّع وكيلا فتصرّفوا دفعة واحدة، فإن لم يكن فيها عتق بسط الثّلث علي الكلّ باعتبار القيمة؛ لأنّهم تساووا في الاستحقاق، فقسّم بينهم علي قدر عطاياهم و حقوقهم، كغرماء المفلس.

و إن كان فيها عتق و غيره، قال الشيخ رحمه اللّه: يقدّم العتق(3) ، و هو قول الشافعي و إحدي الروايتين عن أحمد؛ لتأكّده، [و الثانية](4): يقسّط علي الجميع؛ لأنّها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها، كما لو كانت من جنس واحد؛ لأنّ استحقاقها حصل في حالة واحدة(5).

و إن كانت التبرّعات منجّزة و ترتّب بعضها علي بعض في الذكر6.

ص: 283


1- الفقيه 555/159:4، التهذيب 864/220:9، و في الكافي 11/18:7: «... و أخرجت الثّلث».
2- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، صحيح مسلم بشرح النووي 140:11.
3- المبسوط - للطوسي - 48:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 527:6، الشرح الكبير 321:6.

و كانت مختلفة أو متّفقة، فإنّ السابق مقدّم علي ما بعده - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ العطايا المنجّزة لازمة في حقّ المعطي، فإذا كانت خارجة من الثّلث فقد لزمت في حقّ الورثة أيضا، فلم تشاركها الثانية، و لأنّ الثانية لو شاركتها لكان ذلك يمنع لزومها في حقّ المعطي؛ لأنّه يملك أن يرجع عنها بعطيّة أخري، بخلاف الوصايا؛ لأنّها ليست لازمة في حقّه.

و قال أبو حنيفة: هما سواء؛ لأنّهما عطيّتان من الثّلث من جنس واحد، فكانتا سواء كالمؤخّرتين(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّهما عطيّتان منجّزتان من الثّلث، فإذا عجز الثّلث عنهما كانت السابقة أولي، كما لو حاباه ثمّ وهب.

و أمّا المؤخّرتان فعندنا أنّه يقدّم السابق منهما.

و أمّا عند الشافعيّة فالفرق: أنّهما استويا في حال لزومهما، بخلاف المنجّزتين(3).

و إذا كانت العطايا المنجّزة مترتّبة، فالسابق أولي من أيّ جنس كان علي خلاف سبق(4) في العتق.

و لو كان بعضها واجبا، كان أولي بالتقديم(5) و إن تأخّر.

و الشافعي و أحمد وافقانا علي تقديم السابق، و كذا زفر(6). -

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 320:6-321.
2- المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.
3- المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.
4- آنفا.
5- في «ر، ل»: «بالتقدّم».
6- البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني -

و قال أبو حنيفة: إن كان السابق المحاباة، قدّمت علي العتق، و إن كان السابق العتق، سوّي بينه و بين المحاباة، فلو حابي ثمّ أعتق ثمّ حابي، كان للأوّلة نصف الثّلث، و الباقي بين العتق و المحاباة الثانية؛ لأنّ المحاباة حقّ الآدمي علي وجه المعاوضة، فكان مقدّما، كما لو أقرّ بالدّين، فإذا تقدّمت كانت أولي، و إذا تقدّم العتق كان له قوّة السبق فساوي قوّة المحاباة فاستويا(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّهما عطيّتان مترتّبتان، فقدّم السابق منهما، كما لو سبقت المحاباة.

و ما قاله ليس بصحيح؛ لأنّ منزلة المحاباة منزلة الهبة، و لو كانت بمنزلة المعاوضة لم تكن من الثّلث، و ما قاله من السبق يبطل بما إذا أعتق ثمّ أعتق.

و قال أبو يوسف و محمّد: يقدّم العتق، تقدّم أو تأخّر؛ لأنّه آكد من المحاباة، لأنّه لا يلحقه الفسخ، بخلافها، و تفريعها عليه إذا تقدّم العتق(2).

و إن كانت التبرّعات متعلّقة بالموت، كالوصايا و التدبير، فعندنا يقدّم السابق في الذكر إلي أن يستوفي الثّلث، و يكون النقص داخلا علي الأخير؛ لأنّ السبق دليل شدّة العناية.

و ما رواه حمران عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصي عند موته: أعتقوا6.

ص: 285


1- تقدّم تخريجه ممّا عدا العزيز شرح الوجيز في الهامش (1) من ص 282.
2- مختصر اختلاف العلماء 2156/16:5، مختصر القدوري: 243، المبسوط - للسرخسي - 133:28، روضة القضاة 3885/689:2، بدائع الصنائع 7: 373، الهداية - للمرغيناني - 245:4، الاختيار لتعليل المختار 102:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.

فلانا و فلانا حتي ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الذين أمرهم بعتقهم، قال: «يقوّموا و ينظروا إلي ثلثه فيعتق منهم أوّل من سمّي ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس، فإن عجز الثّلث كان ذلك في الذين سمّاهم أخيرا، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثّلث ما لا يملك، و لا يجوز له ذلك»(1).

و قال الشافعي: لا يقدّم عتق عبد علي عتق غيره، و لا من غير العتق تبرّع علي غيره و إن تقدّم بعض الوصايا و تأخّر بعضها، بل في العتق يقرع، و في غيره يقسّط الثّلث علي الكلّ باعتبار القيمة(2).

و في العتق في هذا القسم وجه له: أنّه لا يقرع، بل يقسّط الثّلث عليهم، و إنّما القرعة من خاصّيّة العتق المنجّز(3).

هذا إذا أطلق الوصيّة، أمّا إذا قال: أعتقوا سالما بعد موتي ثمّ غانما، أو ادفعوا إلي زيد مائة ثمّ إلي عمرو، فيقدّم ما قدّمه عندنا و عنده(4).

و إذا اجتمع في هذا القسم العتق و غيره، فله [قولان:

أحدهما](5): يقدّم العتق؛ لأنّه أقوي، لتعلّق حقّ اللّه و حقّ الآدمي به، و لأنّ له سراية و قوّة ليست لغيره.

و أصحّهما عنده: التسوية؛ لأنّ وقت لزوم الجميع واحد(6).0.

ص: 286


1- الكافي 15/19:7، الفقيه 545/157:4، التهذيب 867/221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 56:7-57، روضة الطالبين 130:5.
3- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
4- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أقوال أحدها». و المثبت هو الصحيح.
6- التهذيب - للبغوي - 388:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 5: 130.

و هذا في وصايا التمليك مع الوصيّة بالعتق، أمّا إذا أوصي للفقراء بشيء و بعتق عبد، فقولان للشافعيّة:

أحدهما: يقدّم العتق؛ لما فيه من القوّة و السراية(1).

و الثاني: التسوية؛ لأنّ كلاّ منهما قربة(2).

و لو كان في الوصايا الأمر بزكاة واجبة أو حجّ واجب، قدّمت تلك الوصيّة علي سائر الوصايا، و لا يقدّم ما ابتدأ به لفظا - و به قال أبو حنيفة(3) - لرواية معاوية بن عمّار - الحسنة - قال: أوصت إليّ امرأة من أهلي بثلث مالها و أمرت أن يعتق و يحجّ و يتصدّق، فلم يبلغ ذلك، فسألت أبا حنيفة عنها، فقال: يجعل أثلاثا، ثلث في العتق، و ثلث في الحجّ، و ثلث في الصدقة، فدخلت علي الصادق عليه السّلام، فقلت: إنّ امرأة من أهلي ماتت و أوصت إليّ بثلث مالها و أمرت أن يعتق عنها (و يحجّ عنها و يتصدّق عنها)(4) فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال: «ابدأ بالحجّ، فإنّه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ، و يجعل ما بقي طائفة في العتق، و طائفة في الصدقة» فأخبرت أبا حنيفة بقول الصادق عليه السّلام، فرجع عن قوله و قال بقول الصادق عليه السّلام(5).

و ظاهر كلام الشافعي: التقسيط بين الجميع(6).7.

ص: 287


1- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
2- التهذيب - للبغوي - 389:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
3- عنه في العزيز شرح الوجيز 57:7، و ينظر: مختصر اختلاف العلماء 12:5 - 2155/13، و مختصر القدوري: 243، و بدائع الصنائع 372:7، و الهداية - للمرغيناني - 247:4، و الاختيار لتعليل المختار 103:5.
4- بدل ما بين القوسين في «ر، ص» و الكافي و التهذيب: «و يتصدّق و يحجّ عنها».
5- الكافي 14/19:7، الفقيه 156:4-543/157، التهذيب 869/221:9، الاستبصار 509/135:4.
6- ينظر: العزيز شرح الوجيز 57:7.

و إن كانت التبرّعات بعضها منجّزة و بعضها معلّقة بالموت، قدّمت المنجّزة؛ لأنّها تفيد الملك في الحال، و لأنّها لازمة لا يتمكّن المريض من الرجوع عنها، و به قال الشافعي(1).

و عن أبي حنيفة: أنّه إذا أعتق و أوصي بالعتق فهما سواء(2).

و ليس بجيّد.

إذا عرفت هذا، فلو اتّسع الثّلث لكلّ المنجّزات، قدّمت، ثمّ إن بقيت فضلة صرفت في المبدوء بذكره من المؤخّرات.

و بالجملة، الترتيب واجب، يقدّم المنجّز، و يبدأ بالأوّل منه فالأوّل، و يؤخّر المؤخّر، و يقدّم الأوّل منه فالأوّل.

مسألة 167: التبرّعات المنجّزة - كالعتق و المحاباة و الهبة المقبوضة

و الصدقة المقبوضة و الوقف المقبوض و الإبراء من الدّين و العفو عن الجناية الموجبة للمال - إذا وقعت في حال الصحّة فهي من رأس المال إجماعا.

و إن كانت في مرض الموت، فهي من الثّلث علي أقوي القولين عندنا و عند جمهور العلماء(3) ، خلافا لبعض علمائنا؛ حيث قال: إنّها تمضي من الأصل(4).

و قال أهل الظاهر: الهبة المقبوضة من رأس المال(5).

و ليس بجيّد؛ لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله: «إن اللّه تصدّق عليكم عند

ص: 288


1- البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5.
2- البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 57:7.
3- المغني 524:6، الشرح الكبير 315:6-316.
4- الشيخ المفيد في المقنعة: 671، و ابن إدريس في السرائر 200:3 و 221.
5- المغني 524:6، الشرح الكبير 316:6، و ينظر: المحلّي 348:9.

وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم»(1).

و أمّا الإقرار فالوجه أن يقال: إن كان متّهما فيه مضي من الثّلث، و إن انتفت التهمة مضي من الأصل؛ لأنّ الإنسان في معرض ثبوت الحقوق في ذمّته و استمرارها إلي حين وفاته، فلو لم يسمع إقراره الذي انتفت التهمة فيه لم يكن له طريق إلي إبراء ذمّته، و ذلك من أعظم الضرر عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّ العطايا المنجّزة حكمها حكم الوصيّة في أمور خمسة:

أ: يقف نفوذها علي خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة.

ب: إنّها تصحّ للوارث و غيره بإجازة الورثة و غيرها.

و عند العامّة: إنّها كالوصيّة لا تصحّ للوارث إلاّ بإجازة الورثة(2).

ج: إنّ فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحّة؛ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله سئل عن أفضل الصدقة، فقال: «أن تصدّق و أنت صحيح شحيح تأمل الغني و تخشي الفقر، و لا تمهل حتي إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان»(3).

د: إنّه يزاحم بها الوصايا في الثّلث.

ه: خروجها من الثّلث يعتبر حال الموت، لا قبله و لا بعده.

و يفارق الوصيّة في أمور ستّة(4):ة.

ص: 289


1- سنن ابن ماجة 2709/904:2.
2- المغني 525:6، الشرح الكبير 316:6.
3- مسند أحمد 7119/460:2، و 7359/494، و 9114/141:3، صحيح مسلم 1032/716:2، سنن أبي داود 2865/113:3، سنن النسائي (المجتبي) 6: 237.
4- المذكور هنا أمور خمسة.

أ: إنّها لازمة في حقّ المعطي ليس له الرجوع فيها و إن كثرت؛ لأنّ المنع من الزيادة علي الثّلث إنّما كان لحقّ الورثة، فلم يملك إجازتها و لا ردّها، و إنّما كان له الرجوع في الوصيّة؛ لأنّ التبرّع بها مشروط بالموت، فقبل الموت لم يوجد التبرّع، بخلاف العطيّة في المرض، فإنّه قد وجدت منه العطيّة و القبول من المعطي و القبض، فلزمت، كالوصيّة إذا قبلت بعد الموت و قبضت.

ب: قبولها علي الفور في حياة المعطي، و كذا ردّها، و أمّا الوصيّة فلا حكم لقبولها و لا ردّها إلاّ بعد الموت؛ لأنّ العطيّة تصرّف في الحال، فتعتبر شروطه وقت وجوده(1) ، و الوصيّة تبرّع بعد الموت، فتعتبر شروطها بعد الموت.

ج: العطيّة تفتقر إلي شروطها المشروطة لها في الصحّة من العلم، و كونها لا يصحّ تعليقها علي شرط، و غيره، و الوصيّة بخلافها.

د: إنّها تقدّم علي الوصيّة، و به قال جمهور العلماء، كالشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف و زفر، إلاّ في العتق، فإنّه حكي عنهم تقديمه؛ لأنّ العتق يتعلّق به حقّ اللّه تعالي و يسري و ينفذ في ملك الغير(2).

ه: العطايا إذا عجز الثّلث عن جميعها بدئ بالأوّل فالأوّل، سواء كان الأوّل عتقا أو غيره، و به قال الشافعي(3) ، و الوصيّة عندنا كذلك.

و قال أبو حنيفة: الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد، و إن).

ص: 290


1- الظاهر: «شروطها... وجودها».
2- الحاوي الكبير 211:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5، المغني 525:6-526، الشرح الكبير 326:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 281، الهامش (4).

اختلفت و كانت المحاباة متقدّمة قدّمت، و إن تأخّرت سوّي بينها و بين العتق(1).

و قد تقدّم(2) البحث في ذلك.

و هذه المسائل انساق البحث إليها و إن لم يكن موضعها.

مسألة 168: لا يصحّ تعليق العتق بشرط أو وصف أو زمان،

بل لا يقع إلاّ منجّزا، خلافا للعامّة علي ما يأتي، فلو علّق عتق عبد بالموت و قصد العتق الموقوف لا التدبير و أوصي بإعتاق آخر، لم يصح الأوّل، إلاّ أن يكون علي وجه التدبير، و تصحّ الوصيّة.

و عند العامّة يصحّان معا، و لا يتقدّم أحدهما علي الآخر؛ لأنّ وقت استحقاقهما واحد، و قد اشتركا في قوّة العتق(3).

و لو قصد التدبير، صحّا معا عندنا و عند العامّة.

و هل يقدّم المدبّر؟ الأقرب: ذلك - و به قال بعض العامّة(4) - لأنّ المدبّر يسبق الآخر من حيث إنّ الآخر يحتاج إلي إنشاء عتقه بعد الموت.

و لو وهب و أعتق، فإن أقبض الهبة تزاحما، و كان الحكم للمتقدّم مع القبض، و لو لم يقبض الهبة قدّم العتق، سواء تقدّم أو تأخّر؛ لأنّ تقدّم الهبة وحدها غير كاف، لأنّ تمام الهبة بالقبض.

و لو تقدّمت الهبة ثمّ أعتق أو حابي ثمّ أقبض الهبة، قدّم العتق أو المحاباة؛ لتأخّر القبض عنهما.

ص: 291


1- تقدّم تخريجه ممّا عدا العزيز شرح الوجيز في ص 282، الهامش (1).
2- في ص 281 و ما بعدها، المسألة 166.
3- الوسيط 426:4، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 131:5.

و لا تفتقر المحاباة الواقعة في بيع و نحوه إلي القبض؛ لأنّها في ضمن معاوضة.

مسألة 169: هل تتقدّم الكتابة علي الهبة و سائر الوصايا؟

الأقرب:

ذلك إن قلنا بتقدّم العتق، و إلاّ فكالعتق.

و للشافعيّة طريقان:

أشبههما عندهم: أنّها علي القولين في تقدّم العتق عليها.

و الثاني: القطع بالتسوية؛ لأنّه ليس لها من القوّة و السراية ما للعتق(1).

و لو أوصي بالكتابة، اعتبرت من الثّلث و لو كانت في مرض الموت علي قدر القيمة أو الأكثر.

[و الأقرب](2): أنّه تعتبر قيمته من الثّلث - و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) - لأنّ المكاتب يقابل ملكه بملكه، و هو كسبه، فيكون تفويتا علي الورثة، لا معاوضة.

و لو كانت في الصحّة فاستوفي في المرض، لم تعتبر قيمته من الثّلث؛ لأنّه بالكتابة كالخارج عن ملكه.

و لو أعتقه في المرض أو أبرأه عن النجوم، اعتبر من الثّلث أقلّ الأمرين من قيمته أو النجوم؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلّ فربما كان يعجّز نفسه

ص: 292


1- المهذّب - للشيرازي - 461:1، حلية العلماء 86:6، البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 131:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فالأقرب». و الظاهر ما أثبتناه.
3- الوجيز 273:1، البيان 228:8، العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 128:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7.

فتسقط النجوم، و إن كانت النجوم أقلّ فربما كان يؤدّيها فلا يحصل للوارث غيرها.

و الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثّلث كما يستهلك المريض من الأطعمة اللذيذة و الثياب الرفيعة.

و يقبل إقرار المريض بالاستيلاد؛ لقدرته علي الإنشاء.

و لا تعتبر قيمتها من الثّلث، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: تعتبر من الثّلث في صورة الإقرار(2).

مسألة 170: لو قال لعبده: أنت حرّ قبل مرض موتي بيوم أو شهر أو سنة،

ثمّ مرض و مات، لم يعتد به عندنا؛ لأنّه تعليق للعتق، و هو عندنا باطل.

و أمّا العامّة فقالوا: يصحّ و لا يعتبر من الثّلث(3).

و إن قال: قبل موتي بشهر، فإن نقص مرضه عن شهر، فكذلك عندهم، و إلاّ فهو كما لو علّق عتق عبد في الصحّة و وجدت الصفة في المرض، و فيه قولان(4).

و لو قال في مرضه: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ، فهو من صور ترتّب التبرّعات المنجّزة.

و لو قال: سالم و غانم و سعيد أحرار، فهو من صور وقوعها دفعة واحدة.

و لو علّق عتقهم بالموت، لم يصح عندنا، و أقرع بينهم عند العامّة،

ص: 293


1- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 128:5.
2- العزيز شرح الوجيز 58:7.
3- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 129:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 129:5.

سواء قال: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ، أو قال: هم أحرار(1).

و لو قال: إذا متّ فسالم حرّ، و إن متّ في مرضي هذا فغانم حرّ، فإن مات في ذلك المرض و لم يف الثّلث بهما أقرع بينهما، فإن برأ أو مات بعده بطل التدبير المقيّد و عتق سالم عندهم(2).

و لو كان له عبدان: غانم و سالم، فقال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ، ثمّ أعتق غانما في مرضه، فقد جعل عتق غانم صفة لعتق سالم، فيصحّ عتق غانم من الثّلث عندنا، و يبطل عتق سالم.

و عند العامّة: إن خرجا من الثّلث عتقا(3) ، و إن لم يخرج إلاّ أحدهما، فمذهب الشافعيّة: أنّه لا يقرع، بل يتعيّن عتق غانم(4).

و فيه وجه ضعيف لهم: أنّه يقرع بينهما، كما لو قال: أعتقتكما(5).

و إنّما منعوا من القرعة؛ لأنّه لو أقرع ربما خرجت القرعة علي سالم، فيلزم إرقاق غانم، و إذا رقّ غانم لم يحصل شرط عتق سالم(6).

و لو قال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ في حال إعتاقي غانما، ثمّ أعتق غانما في مرضه، لم يصح عتق سالم عندنا؛ لتوقّفه علي الشرط، و يصحّ عتق غانم بالمباشرة.

و عند العامّة: إن خرجا من الثّلث عتقا، و إلاّ عتق غانم(7).

و لو قال: إن أعتقت غانما فسالم و سعد حرّان، ثمّ أعتق غانما، صحّ5.

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
2- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
3- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5، المغني 527:6، الشرح الكبير 322:6.
4- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
5- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
6- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5-132.
7- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 132:5.

عتق غانم عندنا خاصّة.

و عند العامّة يعتق الجميع إن احتمله الثّلث، و إلاّ عتق غانم قطعا، و لا قرعة، و إن فضل من الثّلث شيء أقرع بين الآخرين، فمن خرجت له قرعة الحرّيّة عتق كلّه إن خرج كلّه، و بعضه إن لم يخرج إلاّ بعضه، و لو خرج أحد الآخرين من الثّلث و بعض الثالث، فالذي خرجت له القرعة يعتق كلّه، و يعتق من الآخر بعضه(1).

و لو قال لعبده: إن تزوّجت فأنت حرّ، ثمّ تزوّج في مرض الموت، لم يصح العتق عندنا.

و عند العامّة يصحّ.

فإن كان أصدقها مهر المثل لزم من رأس المال، و يعتق سالم من الثّلث، و إن أصدقها أكثر من مهر مثلها فقدر مهر المثل يخرج من صلب المال، و الزيادة عليه من الثّلث إن كانت غير وارثة تستحقّ هي من الثّلث تلك الزيادة؛ لأنّ تلك الزيادة وصيّة، و لا وصيّة لوارث عندهم(2).

ثمّ ينظر فإن خرجت الزيادة و قيمة سالم من الثّلث عتق سالم، و إن لم تخرجا تدفع الزيادة إلي المرأة، و يبطل عتق سالم؛ لأنّ المهر أسبق، فإنّه يجب بالنكاح، و الزيادة وجبت قبل عتق العبد؛ لأنّ التزويج كان شرطا في عتقه فيقدّم عليه(3).

و إن قال: أنت حرّ في حال تزويجي، فتزوّج و أصدق أكثر من مهر5.

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 132:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 458:1، البيان 131:8-132، العزيز شرح الوجيز 7: 24، روضة الطالبين 103:5، المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.
3- العزيز شرح الوجيز 59:7-60، روضة الطالبين 132:5.

المثل، كانت المحاباة و العتق سواء، فيقسّم الثّلث بينهما؛ لأنّهما قد وقعا في حالة واحدة، و لا تقدّم المحاباة؛ لأنّها حصلت حالة إيقاع العتق، و بطلان المحاباة لا يؤثّر في التزويج و لا يبطله.

و منع بعض الشافعيّة سبق المحاباة هنا؛ لأنّ المرتّب و المرتّب [عليه](1) يقعان معا، و لا يتقدّم أحدهما علي الآخر، بل يوزّع الثّلث علي الزيادة و علي قيمة العبد، فقد قالوا: لو قال: إن تزوّجت فأنت حرّ في حال تزويجي، إنّه يوزّع الثّلث؛ لأنّه لا يترتّب، فكذلك عند الإطلاق إذا لم يكن ترتّب زمانيّ.

و الفرق بين التعليق بالتزويج و بين مسألة العبدين حيث لا يوزّع هناك كما لا يقرع: أنّ العتق هنا متعلّق بالنكاح، و التوزيع لا يرفع النكاح و لا يقدح فيه، و هناك عتق سالم معلّق بعتق غانم كاملا، و إذا وزّعنا لا يكمل عتق غانم، فلا يمكن إعتاق شيء من سالم(2).

و لو قال لجاريته الحامل: إن أعتقت نصف حملك فأنت حرّة، ثمّ أعتق نصف الحمل في مرض موته، لم يصح عتقها عندنا.

و قالت العامّة: قضيّة عتق ذلك النصف: سرايته إلي النصف الآخر و عتق الأم بسبب التعليق، فإن خرجا من الثّلث عتقا جميعا، و إن لم يخرج من الثّلث مع النصف المعتق إلاّ الأم أو النصف الآخر، كما لو كان جميع ماله ثلاثمائة و الأم قيمتها خمسون و الولد مائة، فيقرع بين الأم و النصف الآخر، فإن خرجت علي الآخر، عتق جميع الولد و الأم رقيقة، و إن خرجت علي الأم، لم تعتق كلّها؛ لأنّ الحمل في حكم جزء منها يتبع عتقه عتقها،5.

ص: 296


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 60:7، روضة الطالبين 132:5.

فيوزّع تتمّة الثّلث - و هي خمسون - علي الأم و علي النصف الباقي بالسويّة، فيعتق من الأم نصفها، و من النصف الباقي نصفه، فتكون ثلاثة أرباعه حرّا.

و لو كانت الصورة كما ذكرنا إلاّ أنّ قيمة الأم أيضا مائة و خرجت القرعة علي الأم، وزّع الخمسون عليها و علي النصف الباقي أثلاثا، فيعتق منها ثلثها، و هو ثلثا الخمسين، و من النصف الباقي ثلثه، و هو ثلث الخمسين و سدس الجملة، و تكون الحرّيّة من الأم الثّلث، و من الولد الثّلثان(1).

مسألة 171: لو ملك في مرض موته من يعتق عليه،

فإن كان بالإرث احتمل عتقه من الثّلث؛ لأنّه حصل في ملكه ثمّ زال، فأشبه ما إذا أعتق عبدا ورثه في مرضه، و ما إذا ورث مالا فاشتري به من يعتق عليه، و أن يعتق من الأصل؛ لأنّه لم يقصد تملّكا و لا إزالة ملك، بل حصلا بغير اختياره، و لم يبذل في مقابلته مالا فيتضرّر به الورثة.

و كلا الاحتمالين للشافعيّة وجهان(2) ، و يحكي الثاني عن مالك(3) ، و الأوّل أصحّ عند الشافعيّة(4).

و لو وهب منه من يعتق عليه أو أوصي له به، فإن قلنا: إنّه لو ورثه لعتق من الثّلث، فهنا أولي.

و إن قلنا: يعتق من رأس المال فهنا وجهان للشافعيّة:

أحدهما - و به قال أبو حنيفة -: أنّه يعتق من الثّلث، كما لو وهب منه

ص: 297


1- العزيز شرح الوجيز 60:7، روضة الطالبين 132:5-133.
2- التهذيب - للبغوي - 394:8، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 5: 186.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 131:7.
4- التهذيب - للبغوي - 394:8، العزيز شرح الوجيز 131:7.

من لا يعتق عليه فقبله و أعتقه، و يجعل قصده إلي تملّك من يعتق عليه، كابتداء العتق في المرض.

و أظهرهما: أنّه يعتق من رأس المال؛ لأنّه لم يبذل في مقابلته مالا، و الزوال حصل بغير اختياره.

فإن قلنا: يعتق من رأس المال، يعتق و إن لم يكن له سواه.

و كذا لو كان عليه دين مستغرق، و كذا المفلس المحجور عليه إذا قبل، و لا سبيل للغرماء عليه.

و إن قلنا: إنّه يعتق من الثّلث، فإن لم يكن له سواه لم يعتق إلاّ ثلثه، و لو كان عليه دين بيع في الدّين، و بطل العتق، و كذا في المفلس المحجور عليه(1).

مسألة 172: لو اشتري المريض من يعتق عليه،

فإن كان عليه دين، احتمل صحّة الشراء؛ لأصالة الصحّة، و لا مانع من الشراء، فثبت مقتضاه، و هو الملك، و لا يعتق عليه لئلاّ يضيع حقّ الغرماء، لكن إن ترك مالا غيره عتق، و إلاّ بيع في الدّين، و البطلان؛ لأنّه لو صحّ لملكه، و لو ملكه لعتق عليه، و فيه تضييع حقّ الغرماء.

و للشافعي قولان(2) كهذين.

و كذا لو أوصي لصبيّ بمن يعتق عليه و الصبيّ موسر، هل للوليّ القبول ؟ قولان للشافعي: المنع، و إلاّ لعتق، و قوّم عليه الباقي، و فيه إتلاف مال الصبيّ، و الصحّة، و لا يقوّم عليه(3).

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 131:7-132، روضة الطالبين 186:5-187.
2- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 187:5.
3- العزيز شرح الوجيز 132:7.

و إن لم يكن عليه دين، اعتبر عتقه من الثّلث؛ لأنّ ملكه باختياره، و بذل في مقابلته المال، فإن خرج كلّه من الثّلث صحّ الشراء، و عتق كلّه، و إلاّ ففي صحّة الشراء فيما زاد علي الثّلث مثل الخلاف فيما إذا كان عليه دين، فإن قلنا: لا يصحّ، ففي قدر الثّلث الخلاف الثابت في تفريق الصفقة، و إن قلنا: يصحّ، عتق الثّلث، و لم يعتق ما زاد.

هذا إذا لم يكن هناك محاباة، فإن اشتراه محاباة، مثل أن تكون قيمته مائة فاشتراه بخمسين، كان قدر المحاباة كالموهوب، فيجيء الوجهان في أنّه هل يعتبر من الثّلث أو الأصل ؟ فإن اعتبرنا الموهوب من الثّلث، فجميع المائة من الثّلث، و إلاّ فخمسون.

ثمّ كلّما حكمنا بعتقه من الثّلث فلا يرث العتيق منه عند الشافعي؛ لأنّ عتقه وصيّة، و لا سبيل إلي الجمع بين الوصيّة و الميراث عنده، فلو ورث لصارت الوصيّة وصيّة للوارث فتبطل، و إذا بطل العتق امتنع التوريث(1).

و هذا عندنا باطل؛ لصحّة الوصيّة للوارث.

و لهم وجه: أنّه يرث؛ لأنّه لا يملك رقبته حتي يقال: أوصي له بها، و إنّما ينتفع بالعتق، فهو كانتفاع الوارث بمسجد و قنطرة بناهما الموّرث، و ذلك لا يمنع الميراث(2).

و قال أبو حنيفة: يسعي في قيمته حتي يخرج عتقه عن أن يكون وصيّة(3).7.

ص: 299


1- العزيز شرح الوجيز 132:7-133، روضة الطالبين 187:5.
2- العزيز شرح الوجيز 133:7-134، روضة الطالبين 187:5-189.
3- العزيز شرح الوجيز 134:7.

و مهما حكم بأنّه يعتق من رأس المال فالأصحّ: أنّه يرث؛ لأنّ العتق حينئذ ليس بوصيّة، بل هو مستحقّ شرعا، فلا يكون جمعا بين الميراث و الوصيّة.

و الثاني لهم: لا يرث، و يجعل عتقه وصيّة في حقّه و إن لم يكن وصيّة في حقّ الوارث(1).

مسألة 173: لو أعتق جارية بعد الموت و هي حامل،

لم يسر العتق إلي الولد؛ لأنّ اللفظ لم يتناوله، فيبقي علي أصالة الملكيّة و استصحابها.

و هو أحد قولي الشافعي؛ لأنّ عتق الميّت لا يسري، و أصحّهما عنده: أنّه يعتق؛ لأنّ الجنين كعضو من الأم، و العتق لا يثبت في بعض الأعضاء دون بعض، و لأنّ الأم تستتبع الحمل، كما في البيع(2).

و هما ممنوعان، مع أنّ الأوّل يشكل عليهم بما إذا أعتق الحمل لا تعتق الأم عندهم(3) ، و لو كان كعضو منها عتقت.

و لو استثني الحمل صريحا، فقال: هي حرّة بعد موتي إلاّ جنينها، أو دون جنينها، صحّ عندنا.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّه يعرض الانفصال، فالاستثناء يجعله كالمنفصل.

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 134:7، روضة الطالبين 189:5.
2- نهاية المطلب 263:11-264، الوجيز 279:1، الوسيط 469:4، التهذيب - للبغوي - 356:8، و في الأخيرين القول الثاني، العزيز شرح الوجيز 136:7 - 137، روضة الطالبين 190:5.
3- العزيز شرح الوجيز 137:7.

و الأشبه: المنع، كاستثناء الأعضاء(1).

و لو نجّز عتقها في الحياة، لم يعتق الحمل عندنا؛ للمغايرة.

و قالت الشافعيّة: إنّ الحمل يعتق أيضا، و إنّ الاستثناء لا يصحّ؛ لأنّ الاستثناء في البيع لا يصحّ عندهم، فكذا هنا، إلاّ أنّ البيع يبطل من أصله، و العتق ينفذ فيهما؛ لغلبته(2).

و لو كانت الأم لواحد و الحمل لآخر فأعتق مالك الأمّ [الأمّ](3) عتقت دون الحمل؛ لأنّ اختلاف الملك يمنع الاستتباع.

مسألة 174: لو أوصي بعتق مملوكه و لا شيء له سواه و عليه دين،

قدّم الدّين علي الوصيّة، فإن فضل من قيمة العبد شيء عتق ثلثه، و كان ثلثا الباقي للورثة، و استسعي العبد في نصيب الرقّيّة، و إن لم يفضل من قيمته شيء بطلت الوصيّة.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كانت قيمة العبد ضعفي الدّين استسعي العبد في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للدّيّان، و سهمان للورثة، و سهم له، و إن كانت قيمته أقلّ من ذلك بطلت الوصيّة(4).

و منع ابن إدريس ذلك، و قال: يقدّم الدّين(5).

و الوجه: ما تضمّنته رواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام،

ص: 301


1- نهاية المطلب 264:11-265، الوجيز 279:1، الوسيط 470:4، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 190:5، و في التهذيب - للبغوي - 8: 356 الوجه الثاني.
2- التهذيب - للبغوي - 356:8، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 190:5.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- النهاية: 610.
5- السرائر 199:3.

قال: قلت له: رجل قال: إن متّ فعبدي حرّ، و علي الرجل دين، فقال:

«إن توفّي و عليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، و إن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعي العبد في قضاء دين مولاه، و هو حرّ إذا أوفي»(1).

و الشيخ رحمه اللّه عوّل في ذلك علي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السّلام، و هي تتضمّن بطلان العتق لو لم يخلّف مالا غير العتيق و قيمته ستّمائة و الدّين خمسمائة، و حكم ببيعه فيأخذ الدّيّان خمسمائة و الورثة المائة الباقية، و كذا لو كانت قيمته ستّمائة و الدّين أربعمائة يباع، و يأخذ الدّيّان أربعمائة و الورثة مائتين، و لو كانت قيمته ستّمائة و الدّين ثلاثمائة، قال: «يوقف العبد، و يستسعي، فيكون نصفه للغرماء، و يكون ثلثه للورثة، و يكون له السّدس»(2).

مسألة 175: لو أعتق في مرض الموت أو بعد موته عبدين و لا شيء له سواهما،

و قيمة أحدهما مائتان، و قيمة الآخر ثلاثمائة، و لم يجز الورثة، أقرع بينهما إذا وقعا دفعة، فإن وقعت القرعة علي الذي قيمته مائتان عتق منه خمسة أسداسه، و هي ثلث الجميع، و إن وقعت علي الآخر عتق منه خمسة أتساعه؛ لأنّ جميع ملك الميت خمسمائة، و هي قيمة العبدين، و ضرب في ثلاثة فأخذ ثلثه خمسمائة، فلمّا وقعت القرعة علي الذي قيمته مائتان فضربناه في ثلاثة فصيّرناه ستّمائة، فصار المعتق منه خمسة أسداسه، و كذا يفعل في الآخر إذا وقعت عليه القرعة، هذا قول جمهور العلماء(3).

و حكي عن مسروق أنّه قال: إذا أعتق في مرض موته عبدا لا شيء له

ص: 302


1- التهذيب 218:9-857/219.
2- الكافي 26:7-1/27، التهذيب 217:9-854/218، الاستبصار 8:4-27/9.
3- المغني 612:6.

سواه يعتق بجملته(1).

و كذا ذهب ابن إدريس من علمائنا، حيث جعل المنجّزات من الأصل(2).

إذا عرفت هذا، فإذا أعتق ثلث عبيده أو أوصي بعتقهم، فإن كان لهم ثلث صحيح بأن كانوا ثلاثة قيمتهم متساوية، أقرع بينهم بسهم حرّيّة و سهمي رقّ، فالذي يقع له سهم الحرّيّة يعتق، و يرقّ الأخيران.

و لو كانوا ستّة، فالوجه: أنّه يكتب ستّة رقاع: رقعتان للحرّيّة و أربع للرقّيّة، فمن خرجت قرعته بالحرّيّة عتق، و رقّ الباقي.

و قيل: يكتب ثلاث رقاع: رقعة للحرّيّة، و رقعتان للرقّيّة(3).

و إن كان فيهم كسر كعبدين، أقرع بينهما فأيّهما وقعت عليه قرعة الحرّيّة ضربت قيمته في ثلاثة أسهم، فما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين جميعا، فما خرج بالنسبة فهو القدر الذي يعتق منه.

فإذا وقعت القرعة في هذه المسألة علي الذي قيمته مائتان، ضربتهما في ثلاثة صارتا ستّمائة، و نسبت منها قيمة العبدين معا، و هي خمسمائة، تجدها خمسة أسداسها، فيعتق منه خمسة أسداسه، و إن وقعت علي الآخر عتق خمسة أتساعه.

مسألة 176: إذا أوصي بثلث ماله في الرقاب،

صرف إلي المكاتبين و العبيد إذا كانوا في شدّة يشترون من مال الصدقة أو الوصيّة، و يعتقون، قاله الشيخ رحمه اللّه، و استدلّ عليه بإجماع الفرقة، و بقوله تعالي: وَ فِي

ص: 303


1- المغني 612:6-613.
2- السرائر 199:3.
3- المغني 613:6.

اَلرِّقابِ (1) و ذلك عامّ(2).

و قال الشافعي: إنّهم المكاتبون يعطيهم من الوصيّة أو الصدقة ليدفعوا في كتابتهم - و رواه(3) عن عليّ عليه السّلام(4) ، و إليه ذهب سعيد بن جبير و النخعي و الليث بن سعد و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه(5) - لقوله تعالي: وَ فِي الرِّقابِ (6) أو الدفع إليهم، كما في قوله تعالي: وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (7) أراد الدفع إلي المجاهدين، كذا هنا، و لا يمكن حمله علي العبيد؛ لأنّه يعود النفع إلي(8) المعطي، و يثبت له الولاء(9).6.

ص: 304


1- سورة التوبة: 60.
2- الخلاف 145:4، المسألة 15، و 234، المسألة 17.
3- كذا قوله: «و رواه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «و رووه» حيث لم نعثر علي مصدر ينقل ذلك عن الشافعي.
4- الحاوي الكبير 503:8، حلية العلماء 158:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 967:2، البيان 432:3، المجموع 200:6، المغني 321:7، الشرح الكبير 694:2.
5- أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3، المبسوط - للسرخسي - 9:3، الحاوي الكبير 240:8 و 503، نهاية المطلب 178:11 و 551، حلية العلماء 158:3، البيان 432:3، المجموع 200:6، بداية المجتهد 277:1، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.
6- سورة التوبة: 60.
7- سورة التوبة: 60.
8- في الطبعة الحجريّة: «علي» بدل «إلي».
9- الأم 72:2، و 93:4، مختصر المزني: 144 و 157، الحاوي الكبير 240:8 و 502-503، المهذّب - للشيرازي - 179:1 و 463، نهاية المطلب 178:11 و 551، الوجيز 276:1 و 293، الوسيط 448:4 و 559، حلية العلماء 157:3 و 158، التهذيب - للبغوي - 76:5 و 193، البيان 432:3، و 208:8، العزيز شرح الوجيز 92:7 و 388، روضة الطالبين 177:2، و 158:5، المجموع 6: 200، أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 2: 967، بداية المجتهد 277:1، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.

و نمنع ثبوت الولاء عندنا علي ما يأتي.

و قال ابن عباس و الحسن البصري و مالك و أحمد و إسحاق: المراد بالرقاب أن يشتري عبيدا يبتدئ بعتقهم(1) ؛ لقوله تعالي وَ فِي الرِّقابِ (2) و الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلي القنّ؛ لقوله تعالي: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الرقبة تشمل المكاتب و القنّ، و إنّما اختصّت بالقنّ؛ لأنّه قرنها بالتحرير.

إذا عرفت هذا، فإن كان ماله حاضرا و غائبا، صرف ثلث الحاضر في مكاتبي ذلك البلد، و صرف ثلث الغائب في مكاتبي بلد المال.

و إن كان المال كلّه في البلد، فإن عمّ الجميع أعطوا و أعتقوا، و إن لم يعم فالمستحبّ أن يعطوا بقدر حاجتهم، مثل أن يكون كتابة واحد علي مائة و كتابة آخر علي خمسين، فإنّه يعطي صاحب المائة سهمان، و صاحب الخمسين سهم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الذي يقوي في نفسي أنّه إن أعطي واحد منهم أو قوم منهم دون قوم جاز؛ لأنّه قد فعل المأمور به(4).

قال الشافعي: أحبّ أن يدفع إليهم علي قدر ما عليهم من الديون،2.

ص: 305


1- المغني 321:7، الشرح الكبير 694:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 616/421:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 967:2، بداية المجتهد 277:1، الحاوي الكبير 240:8 و 503، نهاية المطلب 178:11، الوسيط 560:4، حلية العلماء 158:3، التهذيب - للبغوي - 194:5، البيان 432:3، العزيز شرح الوجيز 93:7 و 388، المجموع 200:6، أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3 و 125، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.
2- سورة التوبة: 60.
3- سورة المجادلة: 3.
4- المبسوط - للطوسي - 21:4-22.

فإن سوّي بينهم أو دفع إلي من كثر دينه أقلّ جاز؛ لوقوع الاسم، و إن اقتصر علي ثلاثة من المكاتبين أجزأه، فإن دفع إلي اثنين غرم للثالث، و كم يغرم ؟ و جهان، أحدهما: الثّلث، و الثاني: أقلّ ما يجزئ دفعه إليه(1).

مسألة 177: إذا أوصي بعتق رقبة،

أجزأ الصغير و الكبير و الذكر و الأنثي و الصحيح و المعيب و المسلم و الكافر إن قلنا بصحّة عتق الكافر؛ لشمول الاسم، و به قال الشافعي(2) ، و لو منعنا عتق الكافر لم يجزئ إلاّ المسلم؛ توصّلا إلي العمل بمقتضي الوصيّة.

و لبعض الشافعيّة في المطلق و جهان:

أحدهما: إجزاء المعيبة الكافرة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ المطلق في الوصيّة محمول علي ما تقرّر في الشرع، و العبد المطلق في الكفّارة يجب اعتبار سلامته و إسلامه(3).

و يستحبّ أن يشتري العبد الأعفّ، و أن يشتري المجهود المكدود؛ ليخلّصه من ضرّه.

و لو أوصي بعتق عبد لا مال له سواه و أجاز الورثة و أعتق، أو أعتقه في مرضه و أجاز الورثة، ثمّ ظهر علي الميّت دين يستغرق قيمة العبد، ردّ العبد و بيع في الدّين؛ لأنّ حقّ الغرماء مقدّم علي الوصيّة، و لو كان الدّين بقدر نصفه بيع نصفه و عتق الباقي.

و لو لم يكن هناك إجازة، بيع نصفه، و عتق سدسه، و رقّ ثلثه.

ص: 306


1- الأم 93:4، مختصر المزني: 144، الحاوي الكبير 240:8-241، نهاية المطلب 179:11-180، التهذيب - للبغوي - 76:5، العزيز شرح الوجيز 7: 92، روضة الطالبين 158:5.
2- التهذيب - للبغوي - 76:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 151:5.
3- الوسيط 441:4، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.

و لو كان قد أوصي بأن يشتري بماله عبد و يعتق، فاشتروا و أعتقوه عنه، ثمّ ظهر دين يستغرق ماله، فإن كان العبد اشتري بعين مال الميّت كان البيع فاسدا و العتق باطلا؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة و انتقاله من ذمّته إلي تركته، فمنع ذلك من التصرّف فيه.

قال الشيخ: كالراهن إذا اشتري بالمرهون شيئا، فإنّ الشراء يكون باطلا(1).

و إن كان الشراء في الذمّة و نقدوا مال الميّت فيه، صحّ الشراء لهم؛ لبطلان إذن الميّت في الشراء، و الإنسان إذا اشتري لغيره ما لا يقع له وقع لنفسه، فإذا أعتقه نفذ عتقه، و يكون عن الميّت؛ لأنّه أعتقه و هو ملكه عن الميّت بإذنه، و ليس له أن ينقد الثمن من التركة، بل يصرف في الدّين، و يكون الثمن علي المشتري، و لا يرجع به علي أحد؛ لأنّ البائع ما غرّه، إنّما غرّه الموصي و لا تركة له فيرجع إليها.

و به قال الشافعي(2).

و يحتمل أن يشارك الغرماء و يضرب معهم في التركة بقدر دينه؛ لأنّ الدّين لزمه بتغرير الميّت، فيرجع به عليه في تركته، كأرش جنايته.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يقع العتق عن الموصي؛ لأنّ الملك له(3).

و هو مبنيّ علي أنّه إذا أعتق ملك نفسه عن غيره بإذنه وقع عنه، خلافا لهم(4) ، و سيأتي في موضعه إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 178: إذا أوصي بعتق عبد،

فإن عيّن شخصا و نصبه للوصيّة

ص: 307


1- المبسوط - للطوسي - 23:4.
2- المغني 574:6، الشرح الكبير 513:6.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.

أعتقه النائب؛ لأنّه نائب الموصي في إعتاقه، فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع منه، كالوكيل في الحياة، و لو امتنع أعتقه الوارث.

و كذا لو أوصي بعتقه مطلقا و لم يسند العتق إلي أحد، فإنّ الوارث يلزمه إعتاقه، فإن امتنع أجبره الحاكم عليه؛ لأنّه حقّ وجب عليه، فأجبر عليه، كتنفيذ الوصيّة بالعطايا، فإن أعتقه الوارث، و إلاّ أعتقه الحاكم، و يكون حرّا من حين الإعتاق؛ لأنّه حينئذ عتق، و ولاؤه للموصي؛ لأنّه السبب، و هؤلاء نوّاب عنه، و لهذا لزمهم إعتاقه كرها.

مسألة 179: إذا أوصي بعتق و غيره،

فإن اتّسع الثّلث للجميع أخرج، و إن ضاق بدئ بالأوّل فالأوّل، و يدخل النقص علي الأخير، سواء العتق و غيره.

و عند العامّة يدخل النقص علي الجميع بالتقسيط إن لم يكن فيها عتق، و إن كان فعن أحمد روايتان:

إحداهما: يقسّم الثّلث بين جميع الوصايا العتق و غيره سواء علي التقسيط، و به قال ابن سيرين و الشعبي و أبو ثور و الشافعي في أحد القولين.

و الثانية: تقديم العتق، و يبدأ به، فإن فضل منه شيء قسّم بين سائر أهل الوصايا علي قدر وصاياهم - و به قال شريح و مسروق و عطاء الخراساني و قتادة و الزهري و مالك و الثوري و إسحاق - لأنّ فيه حقّا للّه تعالي و لآدميّ؛ لأنّ العتق آكد، و لأنّه لا يلحقه فسخ، بخلاف غيره، و لأنّه أقوي؛ لسرايته و نفوذه من الراهن و المفلس، و هو القول الثاني للشافعي(1).

و في رواية ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار: في امرأة أوصت بمال

ص: 308


1- المغني 627:6-628، الشرح الكبير 465:6-466.

في عتق و صدقة و حجّ فلم يبلغ، قال: «ابدأ بالحجّ فإنّه مفروض، فإن بقي منه(1) شيء فاجعل(2) في الصدقة طائفة و في العتق طائفة»(3).

و هو محمول علي ما إذا كان الحجّ واجبا في الذمّة.

مسألة 180: لو قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثمّ هو حرّ،

فإن كان وصيّة صحّ، فإن قال الموصي له بالخدمة: لا أقبل الوصيّة، أو قال: قد وهبت الخدمة له، لم يعتق في الحال - و به قال الشافعي(4) - لأنّه قصد إيقاع العتق بعد السنة، فلم يصح قبله، كما لو ردّ الوصيّة.

و قال مالك: إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال(5).

و هو ممنوع.

و لو أوصي أن يشتري له بثلث ماله [رقاب](6) و يعتقون، لم يجز صرفه إلي المكاتبين؛ لأنّه أوصي بالشراء لا بالدفع إليهم.

فإن اتّسع الثّلث لثلاثة، لم يجز أن يشتري أقلّ منها؛ تحقيقا لمسمّي الجمع.

و لو اتّسع لاثنين و بعض ثالث، قال ابن إدريس: في أخبارنا أنّه يشتري الاثنان و يعتقان و يعطيان البقيّة، قال: و الذي تقتضيه الأصول و تشهد

ص: 309


1- كلمة «منه» لم ترد في المصدر.
2- في «ص» و الكافي و التهذيب: «فاجعله».
3- الكافي 8/18:7، التهذيب 858/219:9، الاستبصار 508/135:4.
4- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 629:6، الشرح الكبير 511:6.
5- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2074/1013:2، العزيز شرح الوجيز 7: 63، المغني 629:6، الشرح الكبير 511:6.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رقابا». و الظاهر ما أثبتناه.

لصحّته الأدلّة أن يشتري بالباقي جزء من عبد ثالث؛ لأنّه يكون قد امتثل المأمور، لأنّ العبد يعتق، و يستسعي في باقي قيمته، فيكون قد أعتقوا ثلاثة(1).

مسألة 181: لو أوصي أن يشتري عبد زيد بخمسمائة و يعتق،

فتعذّر شراؤه إمّا لامتناع سيّده من بيعه أو من بيعه بذلك القدر أو لموته أو لقصور الثّلث عن القدر، فالثمن للورثة؛ لأنّ الوصيّة تعذّر العمل بها فتبطل، و لا يلزمهم شراء عبد آخر؛ لأنّ الوصيّة لمعيّن، فلا يصرف إلي غيره، قاله أبو حنيفة(2) ، و لا بأس به.

و يحتمل أن يقال: يشتري غيره و يعتق؛ لأنّه قد روي أنّه إذا أوصي بأبواب للبرّ معيّنة، فنسي الوصيّ بابا منها صرف في وجوه البرّ(3) ، و إنّما كان كذلك بخروج ذلك القدر بالوصيّة عن ملك الورثة، و قد تعذّر صرفه فيما أوصي به، فيصرف في البرّ، فكذا هنا يصرف إلي هذا النوع؛ لأنّه أقرب إلي الوصيّة؛ لاستلزام الوصيّة بالعتق الخاصّ مطلق العتق، فلا يبطل ببطلان أحد جزءيه.

و أمّا إن اشتروه بأقلّ، احتمل أن يعطي الباقي للعبد؛ لما روي في أخبارنا أنّه إذا أوصي بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم، فلم يوجد بذلك القدر و وجد بأقلّ من ذلك اشتري و أعطي الباقي ثمّ أعتق.

و هي رواية سماعة عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي أن تعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه، فاشتري نسمة بأقلّ من

ص: 310


1- السرائر 201:3-202.
2- ينظر: اختلاف الأئمّة العلماء 77:2.
3- ينظر: الكافي 58:7-7/59، و الفقيه 565/162:4، و التهذيب 844/214:9.

خمسمائة درهم و فضلت فضلة فما تري ؟ قال: «تدفع الفضلة إلي النسمة من قبل أن تعتق ثمّ تعتق عن الميّت»(1).

و لو أوصي أن يشتري عبد بألف و يعتق عنه، فلم يخرج من ثلثه، اشتري عبد يحتمله الثّلث - و به قال الشافعي(2) - لأنّها وصيّة يجب تنفيذها إذا احتملها الثّلث، فإذا لم يحتملها وجب تنفيذها فيما يحتمله، كما لو أوصي بعتق عبد فلم يحتمله الثّلث.

و لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا، فلم يوجد بذلك، قال:

«يشتري من الناس فيعتق»(3).

و قال أبو حنيفة: تبطل الوصيّة؛ لأنّه أمر بشراء عبد بألف، فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه، كالوكيل(4).

و الفرق: أنّه لو وكّله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه، و لو أوصي بإعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثّلث.

مسألة 182: لو أوصي بشراء عبد و أطلق،

أو ببيع عبد و أطلق، فالأقرب: الجواز؛ لأنّها وصيّة في فعل سائغ.

و قال بعض العامّة: الوصيّة باطلة؛ لأنّ الوصيّة لا بدّ لها من مستحقّ،

ص: 311


1- الكافي 13/19:7، الفقيه 159:4-557/160، التهذيب 868/221:9.
2- حلية العلماء 153:6، اختلاف الأئمّة العلماء 78:2، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.
3- الكافي 9/18:7، الفقيه 553/159:4، التهذيب 863/220:9.
4- بدائع الصنائع 393:7، الهداية - للمرغيناني - 246:4، حلية العلماء 6: 153، اختلاف الأئمّة العلماء 77:2، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.

و لا مستحقّ هاهنا(1).

و لو أوصي ببيعه بشرط العتق، صحّت الوصيّة إجماعا، و بيع كذلك؛ لأنّ في البيع هنا نفعا للعبد بالعتق، فإذا لم يوجد من يشتريه كذلك، بطلت الوصيّة؛ لتعذّرها.

و لو أوصي ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم، بيع به؛ لأنّه قصد إرفاقه بذلك غالبا.

و إن لم يسمّ ثمنا، بيع بقيمته، و تصحّ الوصيّة؛ لكونه قصد إيصال العبد بعينه إلي رجل بعينه، فيحتمل أن يتعلّق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلي من هو معروف بإعتاق الرقاب، و يحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعني يحصل له من العبد، فإن تعذّر بيعه لذلك الرجل، أو أبي أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعيّن الثمن، بطلت الوصيّة.

مسألة 183: لو كان له عبدان اسم كلّ واحد: سعد،

فقال: سعد حرّ بعد موتي و له مائتا درهم، و لم يعيّنه، أقرع بينهما، فيعتق من خرجت له القرعة، و يأخذ المائتين إذا خرجت من الثّلث؛ لأنّ مستحقّها حرّ في حال استحقاقها.

و قال بعض العامّة: يصحّ العتق لمن تقع عليه القرعة، و ليس له من المائتين شيء؛ لأنّ الوصيّة بالمائتين وقعت لغير معيّن، و لا تصحّ الوصيّة إلاّ لمعيّن(2).

مسألة 184: لو قال: أحد عبيدي حرّ،

أقرع بينهم، و يخرج الحرّ

ص: 312


1- المغني 574:6، الشرح الكبير 513:6.
2- المغني 572:6.

بالقرعة - و به قال أحمد(1) - لأنّه عتق استحقّه واحد من جماعة معيّنين(2) ، فكان له إخراجه بالقرعة، كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه إلاّ أحدهما.

و لما رواه محمّد بن مروان عن الشيخ: «أنّ أبا جعفر مات و ترك ستّين مملوكا فأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم و أعتقت الثّلث»(3).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: له تعيين أحدهما بغير قرعة؛ لأنّه عتق مستحقّ في معيّن، فكان التعيين إلي المعتق، كالعتق في الكفّارة، و كما لو قال لورثته: اعتقوا عنّي عبدا(4).

و الفرق: أنّ العتق في الكفّارة لم يستحقه أحد، إنّما استحقّ علي المكفّر التكفير.

و إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا، فإن لم يضفه إلي عبيده و لا إلي جماعة سواهم، فهو كالمعتق في الكفّارة.

و إن قال: أعتقوا أحد عبيدي، احتمل أن نقول بإخراجه بالقرعة، كمسألتنا، و احتمل أن يرجع فيه إلي اختيار الورثة.

ثمّ الفرق: أنّه في هذه المسألة جعل الأمر إلي الورثة، حيث أمرهم بالإعتاق، فكانت الخيرة إليهم، و في مسألتنا لم يجعل لهم من الأمر شيئا، فلا يكون لهم خيرة.

و لو أوصي بعتق جماعة من عبيده مفصّلا، بدئ بالأوّل فالأوّل، و كان النقص داخلا علي الأخير؛ لرواية حمران عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصي2.

ص: 313


1- المغني 571:6، الشرح الكبير 282:12.
2- الظاهر بحسب السياق: «لو قال: أحد عبديّ حرّ، أقرع بينهما... واحد منهما».
3- تقدّم تخريجه في ص 283، الهامش (1).
4- المغني 571:6، الشرح الكبير 282:12.

عند موته: أعتق فلانا و فلانا و فلانا و فلانا و فلانا، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: «ينظر إلي الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم، فيقوّمون، و ينظر إلي ثلثه فيعتق منهم أوّل شيء ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس، فإن عجز الثّلث كان في الذي سمّي آخرا، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثّلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك»(1).

إذا عرفت هذا، فلو قال: فلان و فلان و فلان أحرار و معتقون، فالأقرب: أنّه لا ترتيب هنا؛ إذ الكلام يتمّ بآخره.

مسألة 185: إذا أوصي بعتق جاريته علي أن لا تتزوّج ثمّ مات،

فقالت: لا أتزوّج، وجب عتقها، فإذا عتقت فإن تزوّجت بعد ذلك لم يبطل عتقها - و به قال الأوزاعي و الليث و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي(2) - لأنّ العتق إذا وقع لا يمكن رفعه.

و لو أوصي لأمّ ولده بألف علي أن لا تتزوّج، أو علي أن تثبت مع ولده، ففعلت و أخذت الألف ثمّ تزوّجت و تركت ولده، ففيها وجهان:

أحدهما: تبطل وصيّتها؛ لأنّه فات الشرط ففاتت الوصيّة، و فارق العتق؛ فإنّه لا يمكن رفعه.

و الثاني: لا تبطل وصيّتها - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لأنّ وصيّتها صحّت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها، كالأولي.

و لو أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة و لا مال له غيرهما

ص: 314


1- تقدّم تخريجها في ص 286، الهامش (1).
2- المغني 570:6، الشرح الكبير 502:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2174/35، المبسوط - للسرخسي - 89:28.
3- المبسوط - للسرخسي - 90:28، المغني 570:6، الشرح الكبير 502:6.

فمات أحدهما، أقرع بين الحيّ و الميّت، فإن وقعت علي الميّت فالحيّ رقيق، و تبيّنّا أنّ الميّت نصفه حرّ؛ لأنّ مع الورثة مثلي نصفه، و إن وقعت علي الحيّ عتق ثلثه، و لا يحسب الميّت علي الورثة؛ لأنّه لم يصل إليهم.

و لو أعتق في مرض موته تبرّعا ثمّ أقرّ بدين، لم يبطل تبرّعه، و نفذ العتق، و لم يردّ إلي الرقّ؛ لأنّ الحقّ ثبت بالتبرّع في الظاهر، فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حقّ غيره.

هذا علي قول بعض علمائنا(1) في إخراج المنجّزات من الأصل، و به قال أحمد(2) هنا.

و الوجه: أن نقول: إن كان المقرّ متّهما في إقراره، فالأمر كذلك، و إلاّ قدّم الإقرار، و بطل(3) التبرّع بخروج الإقرار مع انتفاء التهمة من الأصل.

و لو قال: إن تزوّجت فعبدي حرّ، لم يصح؛ لما بيّنّا من أنّ العتق لا يقع إلاّ منجّزا.

و قالت العامّة: يصحّ، فلو تزوّج في مرضه بأكثر من مهر المثل، فالزيادة محاباة تعتبر من الثّلث.

و لو ضاق الثّلث عنهما، فالمحاباة أولي؛ لأنّها وجبت قبل العتق، لكون التزويج شرطا في عتقه فسبقت عتقه.

و يحتمل أن يتساويا؛ لأنّ التزويج سبب لثبوت المحاباة و شرط للعتق، فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه، فيكونان سواء(4).6.

ص: 315


1- ابن إدريس في السرائر 199:3.
2- المغني 539:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «يبطل».
4- المغني 528:6.

ثمّ هل يقدّم العتق علي المحاباة ؟ عن أحمد روايتان(1).

مسألة 186: التدبير وصيّة يمضي من الثّلث،

و لا نعلم فيه خلافا، و له الرجوع فيه و في بعضه؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «المدبّر من الثّلث» و قال: «للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان وصّي في صحّة أو مرض»(2).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المدبّر، قال: «هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها»(3).

و في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «المدبّر من الثّلث»(4).

و في الصحيح عن هشام بن الحكم قال: سألته(5) عن الرجل يدبّر مملوكه أله أن يرجع فيه ؟ قال: «نعم، هو بمنزلة الوصيّة»(6).

إذا عرفت هذا، فلو دبّر عبده و كان عليه كفّارة عتق رقبة، لم يجزئ التدبير عن العتق؛ لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام: و سألته عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث به الحدث، فمات الرجل و عليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة يمين أو ظهار أيجزئ عنه أن يعتق عنه في تلك الرقبة الواجبة عليه ؟ قال: «لا»(7).

مسألة 187: لو أوصي بصرف شيء في العتق،

فأخرجه الوصي في

ص: 316


1- المغني 528:6.
2- الكافي 3/22:7، التهذيب 883/225:9.
3- الكافي 4/23:7، التهذيب 884/225:9.
4- الكافي 1/22:7، التهذيب 885/225:9.
5- في المصدر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام».
6- الكافي 2/22:7، التهذيب 225:9-886/226.
7- التهذيب 882/225:9.

الحجّ عن الميّت، لم يجزئ، و كان علي الوصي الغرم؛ لأنّه خالف الوصيّة.

و لما رواه محمّد بن مارد عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي إلي رجل و أمره أن يعتق عنه نسمة بستّمائة درهم من ثلثه، فانطلق الوصي فأعطي الستّمائة درهم رجلا يحجّ بها عن الميّت، فقال الصادق عليه السّلام: «أري أن يغرم الوصي ستّمائة درهم من ماله، و يجعل الستّمائة فيما أوصي به الميّت في نسمة»(1).

مسألة 188: ينبغي عتق من ناله منه ضرر و شدّة ليقابل ذلك بالإحسان إليه.

روي أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «أعتق أبو جعفر عليه السّلام من غلمانه عند موته شرارهم و أمسك خيارهم، فقلت: يا أبة تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء!؟ فقال: إنّهم أصابوا منّي ضربا(2) فيكون هذا بهذا»(3).

مسألة 189: لو أوصي بعتق رقبة،

أجزأ أن يعتق عنه مسمّاها من ذكر و أنثي و خنثي؛ لتناول الاسم الجميع؛ لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّ علقمة بن محمّد أوصاني أن أعتق عنه رقبة، فأعتقت عنه امرأة أفتجزئه، أو أعتق عنه من مالي ؟ قال: «تجزئه» ثمّ قال لي: «إنّ فاطمة أمّ ابني أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة»(4).

ص: 317


1- التهذيب 887/226:9، و في الكافي 3/22:7، و الفقيه 533/154:4 بتفاوت يسير.
2- في «ل» و الكافي: «ضرّا» بدل «ضربا».
3- الكافي 55:7-13/56، الفقيه 600/171:4، التهذيب 908/232:9.
4- الكافي 5/17:7، الفقيه 550/158:4، التهذيب 865/220:9.
مسألة 190: قال ابن إدريس: و روي أنّه إذا أوصي بعتق نسمة مؤمنة

و لم يوجد ذلك، جاز أن يعتق من أفناء الناس ممّن لا يعرف بنصب و لا عداوة، فإن وجدت مؤمنة لم يجزئ غيرها، قال: و الأظهر أنّه لا يجزئه غير المؤمنة علي كلّ حال؛ لقوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1) و هو جيّد.

فإن اشتري نسمة علي أنّها مؤمنة و كان ظاهرها ذلك فأعتقت ثمّ ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن كذلك، فقد مضي العتق و أجزأ عن [الوصي](2) ؛ لأنّه المتعبّد المكلّف المخاطب بذلك، و أجزأ أيضا عن الموصي(3).

مسألة 191: روي الشيخ رحمه اللّه عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن داود بن فرقد

قال: سئل الصادق عليه السّلام عن رجل كان في سفره و معه جارية له و غلامان مملوكان، فقال لهما: أنتما حرّان لوجه اللّه و اشهدا أنّ ما في بطن جاريتي هذه منّي، فولدت غلاما فلمّا قدموا علي الورثة أنكروا ذلك و استرقّوهم ثمّ إنّ الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أعتقا أنّ مولاهما الأوّل أشهدهما أنّ ما في بطن جاريته منه، قال: «تجوز شهادتهما للغلام، و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له، لأنّهما أثبتا نسبه»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا ينافي هذا الخبر ما رواه البزوفري عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن

ص: 318


1- سورة البقرة: 181.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصي به». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- السرائر 213:3.
4- التهذيب 870/222:9.

الصادق عليه السّلام: في رجل مات و ترك جارية [حبلي](1) و مملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان نزل(2) علي الجارية و أنّ الحمل منه، قال: «تجوز شهادتهما، و يردّا عبدين كما كانا»(3) لأنّ الخبر الأوّل محمول علي الاستحباب، و الأخير محمول علي أنّه يجوز للولد استرقاقهما؛ لأنّهما أعتقهما من لا يملكهما، و لكن يستحبّ له عتقهما من حيث أثبتا نسبه، و لا تنافي بينهما علي حال(4).

البحث
اشارة

البحث(5) الثاني: في الوصيّة بالحجّ.

مسألة 192: الحجّ ضربان: نفل و فرض،

فالنفل(6) تصحّ الوصيّة به عند علمائنا، و تجوز النيابة فيه - و هو أصحّ قولي الشافعي(7) - لأنّها من أفضل العبادات، و قد أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و اله الخثعميّة بالحجّ عن أبيها، و قال لها:

«فدين اللّه أحقّ أن يقضي»(8) فكذا في نفله.

ص: 319


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في المصدر: «ينزل».
3- التهذيب 871/222:9.
4- التهذيب 222:9، ذيل ح 870 و ذيل ح 871.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المطلب»، و المثبت يقتضيه ما تقدّم.
6- في النّسخ الخطّيّة: «و النفل».
7- المهذّب - للشيرازي - 206:1، بحر المذهب 21:5-22، الوجيز 278:1، الوسيط 591:2، التهذيب - للبغوي - 249:3، العزيز شرح الوجيز 121:7، المجموع 114:7، روضة الطالبين 179:5.
8- الجامع لأحكام القرآن 151:4.

و قد ورد الحجّ بالصغير(1) ، و لا شكّ في عدم تمكّنه من الأفعال، و إنّما يتولاّها الوليّ، فدلّ علي دخول النيابة فيه.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل أوصي بحجّة، فقال: «إن كان صرورة فمن صلب ماله، إنّما هي دين عليه، و إن كان قد حجّ فمن الثّلث»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يخرج من الثّلث، كسائر التبرّعات، و للرواية عن الصادق عليه السّلام(3).

ثمّ إن أوصي أن يحجّ عنه من الميقات أو من بلده، عمل بمقتضي وصيّته.

و إن أطلق، فللشيخ قولان(4):

أحدهما: أنّه يحجّ عنه من أقرب الأماكن إلي مكة، و لا يلزم الورثة الأجرة و الاستئجار إلاّ من ميقات أهله الذي هو ميقات الإحرام - و به قال بعض الشافعيّة(5) - حملا علي أقلّ الدرجات، و لأنّ الغرض من الحجّ إيقاع المناسك في مواضعها، و قطع المسافة أمر ضروريّ غير مطلوب للشارع، و لهذا لو سافر بقصد التجارة إلي بعض البلاد جاز له تجديد نيّة الحجّ من5.

ص: 320


1- الكافي 1/303:4، الفقيه 1291/265:2، التهذيب 1424/409:5، و ينظر: الموطّأ 244/422:1، و صحيح مسلم 1336/974:2، و سنن ابن ماجة 2: 2910/971، و سنن أبي داود 142:2-1736/143، و الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 264:3-924/265، و سنن النسائي (المجتبي) 120:5، و السنن الكبري - للنسائي - 326:2-3625/327-3629، و مسند أبي يعلي 2400/289:4.
2- الفقيه 1316/270:2، التهذيب 898/229:9.
3- راجع: الهامش السابق.
4- راجع للقول الأوّل: المبسوط 24:4، و للقول الثاني: النهاية: 283 و 617.
5- الوسيط 462:4، العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 179:5.

ذلك المكان، و لم يكلّف الرجوع إلي بلده و إنشاء الإحرام منه إجماعا، و لأنّ للحيّ أن ينشئ الإحرام من ميقاته، و لا يجب عليه قبل ذلك، بل له أن يقصد إلي الحجّ من أيّ بلد شاء، فكذا نائبه لو مات.

و الثاني: أنّه إن كان الثّلث أو ما أوصي به يفي بالحجّ من بلدته وجب أن يستأجر من بلده، و إلاّ وجب أن يستأجر عنه من الميقات؛ لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل مات فأوصي أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان متطوّعا فمن ثلثه»(1).

و سئل الصادق عليه السّلام عن رجل أوصي بعشرين درهما في حجّة، قال:

«يحجّ بها [عنه] رجل من حيث يبلغه»(2).

و به قال بعض الشافعيّة(3) أيضا.

و لهم قول آخر مشهور: إنّه يحجّ من بلده؛ لأنّ الغالب التجهيز للحجّ و النهوض من البلد(4).

مسألة 193: إذا أوصي بحجّ التطوّع و غيره،

فإن قدّم الحجّ في الذكر يقدّم علي غيره من الوصايا المتبرّع بها، و إن قدّم غيره كان مقدّما علي الحجّ - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ بدأته به لفظا يدلّ علي شدّة اهتمامه و تقديمه.

ص: 321


1- التهذيب 895/228:9.
2- التهذيب 897/229:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
3- العزيز شرح الوجيز 121:7.
4- العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 79:5.
5- مختصر القدوري: 243، مختصر اختلاف العلماء 2155/13:5، تحفة الفقهاء 211:3.

و لما تقدّم(1) من الأخبار الدالّة علي أنّ من أوصي بأكثر من الثّلث يكون النقص داخلا علي الأخير.

و قال الشافعي: لا تقديم، بل يدخلها العول؛ لأنّها وصايا مؤخّرة استوت في حال الاستحقاق، فتساوت(2).

و نمنع تساويها(3) مع الترتّب(4) لفظا.

و للشافعي قول آخر: إنّه يقدّم علي سائر الوصايا و إن تأخّر؛ لأنّ العتق مقدّم، لكونه قربة، فيقدّم الحجّ؛ لمشاركته إيّاه في العلّة، و لو لم يف الثّلث أو حصّة الحجّ منه بالحجّ، بطلت الوصيّة(5).

مسألة 194: لو أوصي بالحجّ الواجب إمّا حجّة الإسلام أو المنذورة أو غيرهما،

أخرجت من صلب المال إن أطلق، و كذا يخرج من صلب ماله(6) و إن لم يوص بها، و لا يسقط بالموت عنه - و به قال الشافعي(7) - لأنّها دين

ص: 322


1- في ص 285-286.
2- نهاية المطلب 187:11، الوسيط 462:4، العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 179:5.
3- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «تساويهما».
4- في «ر»: «الترتيب».
5- نفس المصادر في الهامش (2).
6- في «ر، ل»: «المال» بدل «ماله».
7- الحاوي الكبير 16:4، و 243:8، المهذّب - للشيرازي - 206:1، نهاية المطلب 184:11، بحر المذهب 25:5، الوسيط 463:4، الوجيز 278:1، حلية العلماء 244:3، التهذيب - للبغوي - 90:4، البيان 44:4، و 242:8، العزيز شرح الوجيز 303:3، و 122:7، روضة الطالبين 289:2، و 180:5، المجموع 110:7، المغني 198:3، و 591:6، الشرح الكبير 196:3، و 6: 517، بدائع الصنائع 221:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1: 708/458، عيون المجالس 496/769:2، المعونة 503:1.

في ذمّته.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل مات فأوصي أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان متطوّعا فمن ثلثه»(1).

و قال أبو حنيفة و مالك: إن أوصي بالحجّ فمن ثلثه، و إن لم يوص فإنّها تسقط بموته(2).

و ليس بجيّد؛ لقوله عليه السّلام للخثعميّة: «فدين اللّه أحقّ أن يقضي»(3).

و لو أوصي بحجّ واجب و غيره، قدّم الواجب من صلب المال، و لو قال: من الثّلث، قدّم علي غيره من الوصايا أيضا.

و قال الشافعي في أحد وجهيه كهذا، و في الآخر: يسوّي بينه و بين الوصايا، فإن و في الثّلث بالجميع فلا كلام، و إن كان ما يصيب الحجّ لا يكفيه تمّم من رأس المال؛ لأنّ حجّة الإسلام تجب من رأس المال(4).

مسألة 195: إذا مات و عليه حجّ واجب حجّة الإسلام و غيرها

من

ص: 323


1- التهذيب 895/228:9.
2- تحفة الفقهاء 426:1 و 427، بدائع الصنائع 221:2 و 222، الاختيار لتعليل المختار 228:1، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 708/458:1، عيون المجالس 768:2-496/769، المعونة 503:1، الحاوي الكبير 16:4، و 8: 243، نهاية المطلب 184:11، بحر المذهب 27:5، الوسيط 463:4، حلية العلماء 244:3، البيان 44:4، العزيز شرح الوجيز 303:3، و 122:7، المجموع 112:7، المغني 198:3، و 591:6، الشرح الكبير 196:3، و 6: 517.
3- الجامع لأحكام القرآن 151:4.
4- الحاوي الكبير 245:8، الوجيز 278:1، التهذيب - للبغوي - 91:5، البيان 177:8، العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.

الواجبات و لم يوص، حجّ عنه من صلب ماله - و به قال الشافعي(1)في ص 323، ذيل المسألة 194.(2) - لأنّ ذلك واجب عليه، فهو كالدّين.

و قال أبو حنيفة و مالك: يسقط بالموت(3).

و ليس بجيّد، و قد تقدّم(4).

و يحجّ عنه من الميقات؛ لأنّ الواجب في الشرع إنّما هو الإحرام من الميقات، و يحجّ عنه بأقلّ ما يؤخذ(5) أجرة.

فأمّا إن أوصي أن يحجّ عنه، ففيه أربع مسائل:

الأولي: أن يوصي بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من صلب ماله، فهذه الوصيّة توكيد لما وجب بالشرع، و يحجّ عنه من الميقات، كما لو لم يوص.

و عند بعض علمائنا يحجّ عنه من بلده مع اتّساع المال، و إلاّ فمن الميقات(6).

الثانية: أن يوصي بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من ثلث ماله، فإنّه يحجّ عنه من الثّلث، و فائدة هذه الوصيّة: الرفق بالورثة و التوفير عليهم.

فإن(7) كان قد أوصي بثلثه لجهة أخري، قدّم الحجّ.

و للشافعي وجهان سبقا(7) ، أحدهما: التقديم، و الثاني: التقسيط.4.

ص: 324


1- راجع: الهامش
2- من ص 322.
3- راجع: الهامش (2) من ص 323.
4- في ص 323.
5- في «ص»: «يوجد» بدل «يؤخذ».
6- ابن إدريس في السرائر 186:3-187.
7- في «ر، ل»: «و إن».

الثالثة: أوصي أن يحجّ عنه و لم يحج حجّة الإسلام، فإن بلغ ثلثه حجّة من بلده، قال بعض علمائنا: يحجّ عنه من بلده(1).

و قال بعضهم: يحجّ عنه من أقرب الأماكن(2).

و قال الشافعي: يحجّ من بلده.

و اختلف أصحابه في ذلك.

فمنهم من قال بظاهره، و قال: يحجّ عنه من ثلثه؛ لأنّ الوصيّة بذلك تقتضي أن يكون من الثّلث، لأنّه إنّما يملك الوصيّة بالثّلث، و لو جعل الحجّ من الثّلث كان منه، فكذلك إذا أطلق.

و قال أكثر أصحابه: إنّ الحجّ من رأس ماله، و وصيّته به يحتمل أن تكون تأكيدا و تذكيرا.

و تأوّلوا كلام الشافعي بأنّه أراد بذلك إذا أوصي به من ثلثه.

قالوا: و يحتمل أن يريد إذا كان عليه حجّة الإسلام و أوصي بأخري تطوّعا(3).

و يحتمل أن يكون غلطا في الخطّ، و يكون موضع «و لم يحج» «و قد حجّ».

الرابعة: إذا أوصي بالحجّ و قرن به ما يكون من الثّلث، مثل أن يقول: حجّوا عنّي و أعتقوا و تصدّقوا، فمن قال هناك: يكون من رأس المال، قال أكثرهم هنا أيضا: يكون من رأس المال، و لا يتغيّر(4) حكم بما».

ص: 325


1- ابن إدريس في السرائر 186:3.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط 23:4.
3- العزيز شرح الوجيز 123:7.
4- في «ر، ل»: «و لا يتعيّن».

اقترن به(1).

و قال بعضهم: يكون من الثّلث؛ لأنّه لمّا جمع بينه و بين ما يخرج من الثّلث دلّ علي أنّه أراد أن يكون من الثّلث(2).

و الأوّل أصحّ عندهم؛ لأنّ الاقتران في اللفظ لا يدلّ علي الاقتران في الحكم(3) ؛ لقوله تعالي: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ (1) مع أنّ الإيتاء واجب و الأكل بخلافه.

مسألة 196: إذا أوصي أن يحجّ عنه،

فإمّا أن يذكر حجّا واجبا أو تطوّعا أو يطلق، فإن ذكر حجّا واجبا، فإمّا أن يقول: من رأس المال، أو من الثّلث، أو يطلق، و كذا في الباقيين، و علي كلّ تقدير فإمّا أن يعيّن الأجرة أو يطلق.

فإن عيّن فإمّا أن يكون بقدر أجرة المثل أو بأقلّ أو بأكثر، فإن عيّن في الواجب و كان بقدر أجرة المثل أو أقلّ أخرج مطلقا، و إن كان أكثر من أجرة المثل أخرج أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثّلث.

و لا فرق في ذلك بين أن يقول: من رأس المال، أو من الثّلث، أو يطلق، إلاّ أنّه إذا قال: من الثّلث، زاحم به الوصايا، و يقضي من الثّلث، كما لو أوصي بقضاء دينه من ثلثه، و تتضمّن هذه الوصيّة ترفيه الورثة بتوفير الثّلثين عليهم.

ثمّ إن لم يف الثّلث أو نصيب الحجّ منه بالأجرة المعيّنة أو أجرة المثل كمّل من رأس المال، كما لو قال: اقضوا ديني من ثلثي، فلم يف به

ص: 326


1- سورة الأنعام: 141.

الثّلث.

و يقدّم الحجّ علي سائر الوصايا - و هو أحد قولي الشافعي(1)راجع: الهامش (2) من ص 322.(2) - لأنّه لو لم يوص كان مقدّما في جميع المال علي الوصايا، فإذا جعله في الثّلث كان مقدّما.

و الثاني: أنّه لا يقدّم، بل يزاحمها بالمضاربة(2).

فإذا لم يف الثّلث بالحجّ علي الوجه الأوّل أو الحاصل من المضاربة علي الوجه الثاني كمّل من رأس المال، و حينئذ تدور المسألة.

و لو أطلق في الواجب فلم يضف إلي الثّلث و لا إلي رأس المال، حجّ عنه من رأس المال، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: من الثّلث(3).

و لو أطلق القدر، أخرج أجرة المثل من الأصل، إلاّ أن يضيف إلي الثّلث فيخرج منه ما يحتمله، فإن قصر الثّلث عنه كمّل الباقي من الأصل.

و لو أوصي بحجّ التطوّع، أخرج من الثّلث، سواء عيّن الأجرة أو أطلق، فإن قصر الثّلث عن راغب و لو من أقرب الأماكن بطلت الوصيّة به؛ لتعذّر العمل بها، و سواء قال: من رأس المال، أو من الثّلث، أو أطلق، و يحجّ عنه من أقرب الأماكن، إلاّ أن يعيّن أجرة يحتملها الثّلث من البلد.

و لو أطلق و لم يذكر حجّا واجبا و لا ندبا، فإن كان مستطيعا و لم يحج حجّة الإسلام أو الواجب لو علم وجوبه، حملت الوصيّة عليه؛ عملا بالظاهر، و إن كان قد حجّ حجّة الإسلام و لم يعلم تعلّق ذمّته بحجّ واجب، حمل علي التطوّع؛ لأصالة البراءة.5.

ص: 327


1- راجع: الهامش
2- من ص 322.
3- الحاوي الكبير 245:8، البيان 161:8، العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.
مسألة 197: إذا أوصي أن يحجّ عنه واجبا أو تطوّعا،

فإن عيّن الأجرة و احتملت من بلده استؤجر بها من بلده، و إلاّ فمن أقرب الأماكن.

و إن لم يعيّن الأجرة، فإن عيّن الابتداء من بلده أخرج إن احتمله الثّلث، و إلاّ فمن أقرب الأماكن.

و لو لم يعيّن الابتداء، فالوجه: الحجّ من أقرب الأماكن؛ لأنّه لو كان حيّا لم يلزمه إلاّ ذلك، حتي لو كان في سفر تجارة ثمّ بدا له الحجّ حين انتهي إلي الميقات جاز.

و قال بعضهم: يستأجر من يحجّ من بلده، و نقله العامّة عن عليّ عليه السّلام؛ لقوله تعالي: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1) لأنّ إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، لكن رخّص في ترك الإحرام من البلد إلي الميقات، فيبقي السعي من البلد واجبا، فعلي هذا إن أوصي بالحجّ من الثّلث فجميعه من الثّلث، و إن أطلق و جعلناه من الثّلث فالذي هو من الثّلث مؤونة ما بين البلد إلي الميقات، فأمّا من الميقات فمن رأس المال في الواجب(2).

و الأقرب: أنّه يحجّ عنه مع الإطلاق من الميقات؛ لأنّ الواجب بالشرع ذلك، فلو أوصي أن يحجّ عنه من بلده فلم يبلغ ثلثه حجّة من بلده حجّ عنه من حيث أمكن، و لا يقتصر علي الحجّ من الميقات، بل لو وجد راغب في الحجّ من أبعد من الميقات وجب.

و لو لم يبلغ الحجّ من الميقات، تمّم من رأس المال في الحجّ الواجب، سواء كانت حجّة الإسلام أو المنذورة - و هو أحد وجهي

ص: 328


1- سورة البقرة: 196.
2- العزيز شرح الوجيز 123:7.

الشافعيّة(1) - لأنّها واجبة كحجّة الإسلام و الدّين و الزكاة.

و الثاني: أنّ المنذورة كالتطوّعات؛ لأنّها لا تلزم ابتداء، و إنّما لزمت بالتزامه، فعلي هذا إن لم يوص بها لم تقض عنه، و إن أوصي كانت من الثّلث(2).

و علي الوجه الأوّل - و هو الذي ذهبنا إليه - إن أوصي بها فكما لو أوصي بحجّة الإسلام، فينظر في إطلاق الوصيّة و تقييدها، و إن لم يوص بها فتقضي من رأس المال في أحد وجهي الشافعي - و هو الذي نذهب إليه - و في الآخر: من الثّلث؛ لأنّه بالنذر متبرّع، فجعل نذره كالوصيّة، و لأنّها لو قضيت من رأس المال لم يؤمن أن تستغرق بالنذر أمواله(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّا نلتزم ذلك إذا نذر حال الصحّة.

مسألة 198: من وجب عليه حجّة الإسلام و نذر أخري ثمّ مات بعد استقرارهما

في ذمّته أخرجت حجّة الإسلام و المنذورة من صلب المال، فإن ضاق المال عنهما و لم يتّسع إلاّ لإحداهما حجّ عنه حجّة الإسلام، و سقطت الأخري، لكن يستحبّ أن يحجّ عنه الأخري.

و قال بعض علمائنا: تخرج حجّة الإسلام من أصل المال، و المنذورة من الثّلث(1).

و ليس بجيّد؛ لتساويهما في الوجوب.

و في رواية لنا: أنّه إذا نذر أن يحجّ رجلا و مات و عليه حجّة الإسلام أخرجت حجّة الإسلام من الأصل و ما نذره من الثّلث(2).

ص: 329


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 306:1، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 235:1.
2- الفقيه 1280/263:2، التهذيب 1413/406:5.

و هي محمولة عندي علي ما إذا أوقع النذر في مرض موته(1).

مسألة 199: إذا أوصي أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من الثّلث

و أوصي لإنسان بمائة و التركة ثلاثمائة و أجرة الحجّ مائة، قدّمت أجرة الحجّ، و بطلت الوصيّة الأخري.

و لو أوصي بعدم التقديم، وزّعنا الثّلث بين أجرة الحجّ و الوصيّة بالمال، فيدخلها الدور؛ لأنّ حصّة الحجّ تكمل من رأس المال، فإذا أخذنا شيئا من رأس المال نقص الثّلث، و إذا نقص الثّلث نقصت حصّة الحجّ، فلا تعرف حصّة الحجّ ما لم يعرف الثّلث، و لا يعرف الثّلث ما لم يعرف المأخوذ من رأس المال، و لا يعرف ذلك حتي تعرف حصّة الحجّ، فيلزم الدور.

و طريق معرفة ذلك: أن نقول: نأخذ من التركة شيئا لأجل تكميل حصّة الحجّ، تبقي التركة ثلاثمائة إلاّ شيئا، نأخذ ثلثه و هو مائة إلاّ ثلث شيء، يقسّم بين الحجّ و الموصي له بالسويّة، فنصيب الحجّ خمسون إلاّ سدس شيء، و يضمّ الشيء المأخوذ للحجّ إليه يصير خمسين و خمسة أسداس شيء، و هو كمال الأجرة، تسقط الخمسين بخمسين، تبقي خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسين، و إذا كان خمسة أسداس شيء خمسين كان الشيء ستّين، فعرفنا أنّ المأخوذ لتكميل أجرة الحجّ ستّون، فنأخذ ثلث الباقي بعد الستّين و هو ثمانون، و نقسّمه بين الوصيّتين، يخصّ كلّ واحدة أربعون، فللحجّ أربعون، و أخرج لتكميل الحجّ ستّون نضمّها إليها تبلغ مائة هي تمام أجرة الحجّ.

ص: 330


1- في «ر، ل»: «الموت» بدل «موته».
مسألة 200: لو أوصي بأن يحجّ عنه تطوّعا أو حجّة الإسلام من ثلثه

بمائة و أوصي بما يبقي من ثلثه بعد المائة لزيد و بثلث ماله لعمرو و قصد التشريك لا الترتيب و لم يجز الورثة ما زاد علي الثّلث، قسّم الثّلث بين عمرو و بين الوصيّتين الأخريين نصفين؛ لأنّ الوصيّة له بالثّلث، و الوصيّتان الأخيرتان بالثّلث أيضا، فإذا كان ثلث المال ثلاثمائة، كان لعمرو مائة و خمسون، و الباقي بين الحجّ و زيد.

و كيف يقسّم بينهما؟ الوجه: أنّه يصرف إلي الحجّ مائة و إلي زيد خمسون؛ لأنّه لم يوص له إلاّ بالزائد عن مائة الحجّ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّه يصرف إلي الحجّ خمسون، و مائة إلي زيد؛ رعاية للنسبة بين الوصيّتين علي تقدير الإجازة، و لأنّ زيدا يقول للحاجّ: أوصي بالثّلث لي و لك أثلاثا ثمّ دخل علينا عمرو فليس لك أن تدخل عليّ ضررا بدخوله علينا(1).

و الحقّ ما قلناه.

و لو كان الثّلث مائتين، فلعمرو مائة، و يدخل زيد في الحساب، ثمّ المائة الثانية تصرف إلي الحجّ في أصحّ وجهي الشافعيّة، و لا شيء لزيد، و في الوجه الثاني: المائة الثانية بين الحجّ و الموصي له بالباقي بالسويّة(2).

و لو كان الثّلث مائة، قسّم بين الحجّ و بين عمرو نصفين، و لا يدخل زيد في الحساب؛ لأنّ الثّلث غير زائد علي ما عيّنه للحجّ، و لا شيء لزيد و إن لم توجد الوصيّة الثانية، بخلاف ما إذا كان الباقي فوق مائة.

ص: 331


1- التهذيب - للبغوي - 91:5، العزيز شرح الوجيز 125:7، روضة الطالبين 182:5.
2- التهذيب - للبغوي - 91:5، العزيز شرح الوجيز 125:7، روضة الطالبين 182:5.

و لو كانت الوصايا بحالها لكنّه أوصي أوّلا بالثّلث لإنسان ثمّ أوصي بالحجّ بمائة ثمّ لآخر بما يبقي من الثّلث بعد المائة، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: الوصيّة بالباقي من الثّلث بعد المائة باطلة؛ لأنّ الوصيّة الأولي قد استغرقت الثّلث(1).

و قال باقي الشافعيّة: لا فرق بين التقديم و التأخير، و الوصيّة بالمائة و ما يبقي من الثّلث بعد المائة وصيّة بثلث آخر، و هذا الشخص قد أوصي بالثّلثين، و لو لا ذلك لحكمنا فيما إذا أوصي لزيد بالثّلث ثمّ لعمرو بالثّلث ببطلان الوصيّة الثانية، و لما وزّعنا الثّلث عليهما(2).

و هذا كلّه علي أنّ الحجّ لا يقدّم في الثّلث علي سائر الوصايا، و إنّما قدّمنا مائة الحجّ علي وصيّة الموصي له بالباقي؛ لأنّ الموصي قدّمها لفظا، فأمّا إذا قدّمنا الحجّ علي سائر الوصايا، فإن كان الثّلث ثلاثمائة و المائة المقدّرة للحجّ أجرة مثل الحجّ، فتؤخذ المائة من رأس المال.

و كيف يقسّم الباقي بين الموصي له بالباقي و الموصي له بثلث جميع المال ؟ قال ابن الحدّاد: يجعل بينهما نصفين؛ لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد مع الحجّ لأخذ ما زاد علي المائة(3).

و غلّطه عامّة الشافعيّة، و قالوا: يقسّم الباقي بينهما علي قدر وصيّتهما، و الوصيّة للموصي له بالباقي بمائتين، و للموصي له بالثّلث بثلاثمائة، فيقسّم الباقي بينهما علي خمسة أسهم، للموصي له بالباقي5.

ص: 332


1- الحاوي الكبير 250:8، التهذيب - للبغوي - 92:5، العزيز شرح الوجيز 7: 125، روضة الطالبين 182:5.
2- الحاوي الكبير 250:8، التهذيب - للبغوي - 92:5، العزيز شرح الوجيز 7: 126، روضة الطالبين 182:5.
3- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 182:5.

ثمانون بسهمين، و للآخر مائة و عشرون بثلاثة أسهم(1).

و لو كانت أجرة الحجّ خمسين و الصورة بحالها، أخذ من الثّلث خمسون أوّلا، [ثمّ](2) قال ابن الحدّاد من الشافعيّة: يجعل الباقي بين الموصي له بالثّلث و بين الحجّ و الوصيّة الأخري، للموصي له بالثّلث مائة و خمسة و عشرون، و يصرف من الباقي خمسون إلي الحجّ بالوصيّة، و الباقي للموصي له الآخر(3).

و قال الآخرون: بل يقسّم الباقي بعد أجرة مثل الحجّ علي أحد عشر سهما؛ لأنّ الوصيّة في هذه الصورة للموصي له بالثّلث بثلاثمائة، و للحجّ و الموصي له الآخر بمائتين و خمسين، و النسبة بينهما ما قلنا، فللموصي له بالثّلث ما يخصّ ستّة، و الباقي يقدّم الحجّ منه بخمسين؛ لأنّ حقّ الموصي له الآخر مؤخّر عن مائة الحجّ، و الباقي له(4).

و لو كان الثّلث مائتين، فإن كان أجرة مثل الحجّ مائة أخذ من رأس المال الثّلث، ثمّ علي قول ابن الحدّاد يجعل الباقي بينهما نصفين(5) ، و علي قول الأكثر يجعل بينهما علي ثلاثة أسهم؛ لأنّ الوصيّة لهذا بمائة و لهذا بمائتين(6).

و إن كان أجرة مثله خمسين، أخذ خمسون أوّلا، و الباقي علي قول ابن الحدّاد بين الموصي له بالثّلث و بين الوصيّتين الأخريين بالسويّة، ثمّ يقدّم الحاجّ بخمسين من حصّتهما(7) ، و علي قول الأكثر يجعل الباقي بعد الخمسين علي سبعة أسهم؛ لأنّه أوصي لأحدهما بمائتين، و للحجّ و الآخر5.

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 182:5-183.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (3الي7) العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 183:5.

بمائة و خمسين، فللموصي له بالثّلث ما يخصّ أربعة، يؤخذ منه خمسون للحجّ، و الباقي للموصي له الآخر(1).

و لو كان الثّلث مائة، فإن كان أجرة مثل الحجّ مائة، فلا شيء للموصي لهما، و إن كان أجرة مثله خمسين، أخذ للحجّ خمسون، ثمّ علي قول ابن الحدّاد الباقي بين الحجّ و الموصي له بالسويّة(2) ، و علي قول الأكثر الباقي بين الحجّ و بين الموصي له بالثّلث علي ثلاثة، للحجّ واحد؛ لأنّ الوصيّة في هذه الصورة للحجّ بخمسين و له بمائة، فإذا لم تف حصّة الحجّ في هذه الصورة بالحجّ، فإن كانت الوصيّة بحجّ التطوّع بطلت، و إن كانت بحجّة الإسلام فإنّها من رأس المال(3).

مسألة 201: لو قال: حجّوا عنّي بثلث مالي حجّة،

وجب أن يحجّ عنه بثلث ماله، سواء كانت بقدر أجرة المثل أو أكثر، و سواء استؤجر بها وارث أو لا، عند علمائنا؛ لأنّ الوصيّة للوارث عندنا سائغة بنصّ القرآن(4).

و قالت العامّة: إن كانت أجرة المثل [أكثر](5) من الثّلث، لم يستأجر بها الوارث، بل الأجنبيّ، أو يجيز باقي الورثة؛ لأنّ المحاباة للوارث عندهم لا تجوز، و لو كانت أجرة المثل بقدر الثّلث، جاز أن يستأجر الوارث و غيره إجماعا(6).

ص: 334


1- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 183:5.
2- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
3- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
4- سورة البقرة: 180.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أقلّ». و المثبت كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.

و لو قال: حجّوا عنّي بثلثي، فإن كانت أجرة المثل بقدر الثّلث حجّ عنه، و إن كان الثّلث أكثر حجّ عنه بأجرة المثل؛ لأنّ المطلق من المعاوضة يقتضي عوض المثل، كالإذن في البيع و غيره.

فإن كان الثّلث بقدر أجرة الحجّ مرّة واحدة، استؤجر به لحجّة واحدة، و إن كان أكثر، فإن بلغ حجّتين و إن كان من أقرب المواقيت استؤجر به لهما، و إن كان يزيد علي الواحدة و لا يبلغ حجّتين استؤجر لواحدة، و ردّ الباقي إلي الورثة؛ لأنّ الجهة التي وصّي بالثّلث فيها لم يمكن صرفه فيها، فرجع إلي الورثة، بخلاف الأولي حيث قيّد بالوحدة، و هنا جعل الثّلث في الحجّ، فاقتضي جنسه، قاله الشيخ رحمه اللّه و ابن إدريس(1) ، و هو قول الشافعي(2).

و يحتمل أن يصرف الباقي إلي الحجّ، فيستأجر الثقة العارف الذي يتغالي في استئجاره إن رغب، و إلاّ صرف إلي من يستأجر مطلقا؛ لأنّ الموصي قصد التبرّع عليه بالزيادة.

و لو قال: حجّوا عنّي، و أطلق، فإن علم منه قصد التكرار حجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء، و إلاّ حجّ عنه حجّة واحدة.

و قد روي محمّد بن الحسين بن أبي خالد عن الباقر عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل أوصي أن يحجّ عنه مبهما، فقال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء»(3).

و في السؤال إشارة إلي قصد التكرار بقوله: مبهما.4.

ص: 335


1- المبسوط - للطوسي - 25:4، السرائر 214:3.
2- العزيز شرح الوجيز 121:7-122، روضة الطالبين 179:5-180.
3- التهذيب 1420/408:5، الاستبصار 1129/319:2، و 514/137:4.

و الشيخ رحمه اللّه قال: يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء(1).

مسألة 202: لو أوصي أن يحجّ عنه في كلّ سنة بعشرين دينارا - مثلا

- من ضيعة له، و لم يتّفق من يرغب بذلك، أو قصرت الضيعة عن العشرين، أو انقطعت السبل و غلت الأجرة، جمع مال سنتين أو ثلاثة أو أزيد و استؤجر به؛ لأنّ إبراهيم بن مهزيار كتب إليه عليه السّلام: إنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصي أن يحجّ عنه من ضيعة صيّر ريعها إلي حجّة في كلّ سنة عشرين دينارا و إنّه قد انقطع طريق البصرة و تضاعفت المؤونة علي الناس و ليس يكتفون بالعشرين، و كذلك أوصي عدّة من مواليك في حجّتهم، فكتب: «تجعل ثلاث حجج حجّة إن شاء اللّه»(2).

قال إبراهيم: و كتب إليه عليّ بن محمّد الحضيني: إنّ ابن عمّي أوصي أن يحجّ عنه حجّة بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة فليس يكفي، ما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السّلام: «تجعل حجّتين حجّة، فإن اللّه تعالي عالم بذلك»(3).

مسألة 203: لو أوصي أن يحجّ عنه فلان بعينه،

فإن عيّن القدر و رغب و خرج من الثّلث إن كان فيه محاباة صحّ و لا يجب، و لو لم يخرج من الثّلث أو لم يرغب، فإن كان الحجّ واجبا أخرج أجرة المثل فيه، فإن رغب المعيّن و إلاّ استؤجر عنه، و إن كان تطوّعا احتمل أن يستأجر غيره، و البطلان؛ لتعذّر إمضاء الوصيّة، فيصرف ما عيّن فيها إلي الورثة.

و لو لم يعيّن القدر، انصرف الإطلاق إلي أجرة المثل، فإن كان الحجّ

ص: 336


1- التهذيب 408:5، ذيل ح 1418.
2- الكافي 310:4 (باب) - بدون عنوان - ح 1، الفقيه 1326/272:2 بتفاوت.
3- الكافي 310:4 (باب) - بدون عنوان - ح 2، التهذيب 1418/408:5.

واجبا أخرجت أجرة المثل من الأصل، فإن لم يرغب صرف إلي غيره، و إن كان ندبا، فإن خرجت أجرة المثل من الثّلث و رغب استؤجر بها، و إلاّ احتمل البطلان، و استئجار الغير، و كذا لو لم يخرج من الثّلث، بل يخرج أقلّ من أجرة المثل.

مسألة 204: روي ابن أشيم عن الباقر عليه السّلام في عبد مأذون له في التجارة دفع إليه

رجل ألف درهم و قال له: اشتر منها نسمة فأعتقها عنّي و حجّ عنّي بالباقي، ثمّ مات صاحب الألف درهم فانطلق العبد و اشتري أباه و أعتقه عن الميّت و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت فحجّ عنه، فبلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميّت فاختصموا جميعا في الألف، قال موالي العتيق: إنّما اشتريت أباك بمالنا، و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا، و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، و أمّا العتيق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه، و أيّ الفريقين بعد أقام البيّنة أنّ العبد اشتري أباه من أموالهم كان لهم رقّا»(1).

مسألة 205: الحجّ يؤدّي عن الميّت إن كان فرضا إجماعا و إن لم يوص.

و لو عرف مستودع المال أنّ الورثة لا يحجّون عنه، جاز له أن يقتطع من الوداعة بقدر أجرة الحجّ من أقرب الأماكن؛ لأنّه دين خارج عن ملك الورثة، فلا يجوز صرفه إليهم.

و لو قال: حجّوا عنّي، و لم يعيّن النائب، فللوارث أن يحجّ بنفسه

ص: 337


1- الكافي 62:7-20/63، التهذيب 1023/134:7، و 243:9-945/244.

و بغيره.

و إن لم يوص، فللوارث أن يحجّ عنه، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: المنع؛ لأنّ الحجّ عبادة، فتفتقر إلي النيّة، و لا تصحّ إلاّ باستنابته أو استنابة نائبه(1).

و أمّا حجّ التطوّع فيجري فيه النيابة عندنا، و للشافعي قولان(2).

البحث الثالث: في الوصيّة بالصدقة و غيرها.
مسألة 206: إذا أوصي بالصدقة،

حمل علي الندب، فإن قال: إنّه واجب، كان كالإقرار إن كان في الصحّة أخرج من الأصل، و إن كان في المرض مع عدم التهمة فكذلك، و إن كان متّهما مضي من الثّلث.

ثمّ إن عيّن المقدار و الموصي له اتّبع ما عيّنه، و إن أطلقهما اكتفي بأقلّ ما يتموّل، فيتصدّق به عنه علي من كان من الفقراء.

و هل يشترط الإسلام أو الإيمان ؟ إشكال.

و هل يكفي الإخراج في بناء القناطر أو عمارة المساجد أو سدّ البثوق أو حفر الأنهار و غير ذلك ممّا يشبهه من المصالح ؟ الأقرب: المنع.

و في تكفين الموتي الأقرب: الجواز.

مسألة 207: لو أوصي في سبيل اللّه،

قال ابن إدريس: صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين، مثل: بناء المساجد و القناطر و تكفين الموتي و معونة الحاجّ و الزوّار و ما أشبه ذلك؛ بدليل إجماع أصحابنا، و لأنّ ما ذكرناه طرق إلي اللّه تعالي، فإذا كان كذلك فالأولي حمل لفظة «سبيل اللّه»

ص: 338


1- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
2- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.

علي عمومها(1).

و في رواية الحسين بن عمر عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له عليه السّلام: إنّ رجلا أوصي إليّ بشيء في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال:

فقلت له: أوصي إليّ في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصي إليّ في السبيل، قال: «اصرفه في الحجّ، إنّي لا أعلم شيئا من سبيله أفضل من الحجّ»(2).

و في رواية الحسن بن راشد قال: سألت العسكري عليه السّلام بالمدينة عن رجل أوصي بمال في سبيل اللّه، فقال: «سبيل اللّه شيعتنا»(3).

قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه: ذكر أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه في الوجه بالجمع بين هذا الخبر و الخبر الذي قال فيه: سبيل اللّه الحجّ: إنّ المعني في ذلك أن يعطي المال لرجل من الشيعة ليحجّ به(4) ، فيكون قد انصرف في الوجهين معا، و سلمت الأخبار من التناقض، قال الشيخ رحمه اللّه: و هذا وجه حسن(5).

مسألة 208: لو أوصي بالزكاة الواجبة،

وجب دفعها بمقتضي الوصيّة.

و إن لم يوص و علم أنّ الميّت لم يخرج الزكاة وجب إخراجها عنه، فإن امتنع الوارث أخرجها الحاكم، و يتولّي البيّنة الدافع.

ص: 339


1- السرائر 187:3-188.
2- التهذيب 809/203:9.
3- الكافي 15:7-2/16، الفقيه 530/153:4، معاني الأخبار: 167 (باب معني سبيل اللّه) ح 3، التهذيب 811/204:9.
4- الفقيه 153:4، ذيل ح 531.
5- التهذيب 204:9، ذيل ح 811.

و لو تبرّع أجنبيّ بأداء الزكاة عنه جاز، كما لو قضي دينه عنه، و كذا زكاة الفطرة، و هو أظهر قولي الشافعي(1).

و لو أوصي بالخمس الواجب، وجب إخراجه من صلب المال؛ لأنّه دين عليه، و لو لم يكن واجبا أخرج من الثّلث، كغيره من التطوّعات المتبرّع بها.

و لو لم يوص بالخمس الواجب، وجب إخراجه من صلب ماله مع علم عدم الإخراج.

و لو أوصي بالصدقة المندوبة، أخرجت من الثّلث.

مسألة 209: الصلاة الفائتة الواجبة يصحّ قضاؤها عن الميّت،

سواء أوصي بها أو لم يوص، فإن أوصي الميّت بها أخرجت الوصيّة من الثّلث، لا من الأصل؛ لأنّها عبادة، و لا تعلّق لها بالمال، بخلاف الحجّ و الزكاة، فالمال غير واجب فيها، فتخرج الوصيّة بالأجرة من الثّلث و إن كانت الصلاة واجبة، و لأنّ الصلاة تجب علي الولي، و هو أكبر أولاده الذكور علي ما يأتي، فتكون الوصيّة بالأجرة تبرّعا عن الوارث، فأخرجت من الثّلث، و كذا لو أوصي بصلاة مندوبة، و علي كلّ حال فإنّ ذلك ينفع الميّت.

خلافا للشافعي، حيث استدلّ بقوله تعالي: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعي (2)(3).

و ليس بمانع لما قلناه؛ لأنّ تربية الولد و صداقة المتبرّع المقتضي

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 184:5.
2- سورة النجم: 39.
3- الوجيز 279:1، البيان 290:8، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.

للنيابة من سعي الإنسان.

إذا عرفت هذا، فإنّ العامّة منعوا من الوصيّة بالصلاة عن الميّت، و من التبرّع بها عنه.

و يدفعه نصّ القرآن، حيث قال تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1).

و قد روي الخاصّة صحّة ذلك و أنّ الميّت ينتفع بذلك.

روي ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل يصلّي عن الميّت ؟ فقال:

«نعم، حتي أنّه يكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتي فيقال له:

خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك»(2).

و عن عليّ بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام قال:

«سألت أبي جعفر بن محمّد: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه ؟ قال: نعم، فيصلّي ما أحبّ، و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له»(3).

و عن محمّد بن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام، قلت له: يصلّي عن الميّت ؟ قال: «نعم، حتي أنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتي فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك»(4).2.

ص: 341


1- سورة البقرة: 181.
2- الفقيه 554/117:1، و أورده عنه ابن طاوس في غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 67:2.
3- غياث سلطان الوري - لابن طاوس - (مخطوط) علي ما نقله الشهيد في ذكري الشيعة 67:2.
4- رواه الصدوق في الفقيه 554/117:1، و أورده ابن طاوس في غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 68:2.

و عن عمّار الساباطي أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز أن يقضيه رجل غير عارف ؟ قال:

«لا يقضيه إلاّ مسلم عارف»(1).

و عن ابن أبي عمير(2) عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضيه أولي الناس به» قلت: و إن كان أولي الناس به امرأة ؟ قال: «لا، من الرجال - أو قال - لا، إلاّ الرجال»(3).

و في رواية هشام بن سالم في أصله عنه عليه السّلام، قال: قلت: يصل إلي الميّت الدعاء و الصدقة و الصلاة و نحو هذا؟ قال: «نعم» قلت: أو يعلم من صنع ذلك به ؟ قال: «نعم» ثمّ قال: «يكون مسخوطا عليه فيرضي عنه»(4).

و عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: «يقضي عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن»(5).

و روي الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليه السّلام قال:

«يدخل علي الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء» قال: «و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت»(6).

و روي الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السّلام، قال: «يدخل علي الميّت2.

ص: 342


1- غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 68:2.
2- في المصدر زيادة: «عن حفص بن البختري».
3- رواه الكليني في الكافي 123:4 (باب الرجل يموت و عليه من صيام...) ح 1 بتفاوت يسير، و نقله الشهيد في ذكري الشيعة 68:2 عن غياث سلطان الوري، بدون الذيل.
4- غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 69:2.
5- غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 73:2.
6- غياث سلطان الوري (مخطوط)، و عنه في ذكري الشيعة 70:2.

في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(1).

و عن الصادق عليه السّلام: «من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللّه أجره، و نفع به الميّت»(2).

و عن عمر بن محمّد بن يزيد قال: قال الصادق عليه السّلام: «إنّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحجّ و العمرة و كلّ عمل صالح ينفع الميّت حتي أنّ الميّت ليكون في ضيق فيوسّع عليه، و يقال: إنّ هذا بعمل ابنك فلان و بعمل أخيك فلان، أخوه في الدين»(3).

و عن محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه عن الصادق عليه السّلام قال:

«ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللّه ببرّه و صلاته خيرا كثيرا»(4).

و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصي.

مسألة 210: إذا أوصي بكفّارة وجب إخراجها عنه.

و إن لم يوص بها، فإن كانت مرتّبة، فللوارث أن يؤدّي الواجب المالي من التركة.

و لا ولاء هنا عندنا علي ما يأتي؛ لأنّ الولاء إنّما يثبت في العتق

ص: 343


1- الفقيه 1369/279:2، و عنه في غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 70:2.
2- الفقيه 556/117:1، و عنه في غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 74:2.
3- غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 70:2-71.
4- الكافي 127:2 (باب البرّ بالوالدين) ح 7، و عنه في غياث سلطان الوري (مخطوط) علي ما في ذكري الشيعة 72:2-73.

المتبرّع به.

و قال الشافعي: يثبت الولاء للميّت إذا أعتق(1).

و إن كانت مخيّرة، فللوارث أن يطعم و يكسو و يعتق، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه ليس له أن يعتق؛ لأنّه لا ضرورة إليه(2).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّ الوارث نائب الميّت فإعتاقه كإعتاقه.

و لو أدّي الوارث من مال نفسه و لا تركة، جاز، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لبعد العبادات عن النيابة، و إنّما جوّزنا هناك لمكان التركة(3).

و لهم وجه آخر: تخصيص المنع بالإعتاق؛ لبعد إثبات الولاء للميّت(4).

و علي القول بالجواز لو تبرّع الأجنبيّ بالطعام أو الكسوة أو أدّي عنه فوجهان:

أحدهما: أنّه لا يقع عنه؛ لأنّه عبادة فلا بدّ من نيّته أو نيّة وارثه، بخلاف ما لو قضي دينه.

و أشبههما عندهم: الجواز، كما في قضاء الدّين؛ لأنّه لو اشترطت الوراثة لاعتبر [صدوره من](5) جميع الورثة، كالإقرار بالنسب، و لا يعتبر،ر.

ص: 344


1- نهاية المطلب 278:11، البيان 347:10، العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
2- نهاية المطلب 278:11-279، البيان 347:10-348، العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
3- العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
4- العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

بل يستبدّ به كلّ واحد من الورثة(1).

و لو تبرّع بالعتق، صحّ عندنا، و للشافعيّة قولان(2).

و لو أوصي بالعتق في الكفّارة المخيّرة و زادت قيمة الرقبة علي قيمة الإطعام و الكسوة، احتمل قويّا اعتبارها من الثّلث؛ لأنّ العتق غير متحتّم عليه، و تحصل براءة الذمّة بما دونه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

أنّ وصيّته تعتبر من رأس المال؛ لأنّه أداء واجب(3).

و علي الأوّل للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يعتبر جميع قيمته من الثّلث، فإن لم يف الثّلث به عدل إلي الطعام.

و أشبههما عندهم: أنّ المعتبر من الثّلث ما بين القيمتين من التفاوت؛ لأنّ أقلّ القيمتين لازم لا محالة(1).

و يجري الخلاف فيما إذا أوصي بأن يكسي عنه و الكسوة أكثر قيمة من الطعام(2).

و لو أعتق في مرض الموت من عليه كفّارة مخيّرة، قال بعض الشافعيّة: لا تعتبر قيمة العبد من الثّلث؛ لأنّه مؤدّ فرضا(3).

مسألة 211: الدعاء للميّت ينفعه إجماعا.

قال اللّه تعالي: وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (4) مدحهم باعتبار دعائهم للسابقين.

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 128:7-129، روضة الطالبين 184:5.
2- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 184:5.
3- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 185:5.
4- سورة الحشر: 10.

و روي العامّة عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ليس ينفع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري له بعد موته، و سنّة هو سنّها [فهي](2) يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(3).

و كذا الصدقة عن الميّت تنفعه؛ لما رواه العامّة: أنّ رجلا قال للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله: إنّ أبي مات و ترك مالا و لم يوص فهل يكفي(4) أن أتصدّق عنه ؟ قال: «نعم»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «يدخل علي الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(6).

و يستوي في الصدقة و الدعاء الوارث و الأجنبيّ عند الشافعي(7).5.

ص: 346


1- مسند أحمد 8627/65:3، صحيح مسلم 1631/1255:3، سنن أبي داود 3: 2880/117، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 1376/660:3، سنن النسائي (المجتبي) 251:6، السنن الكبري - للنسائي - 6478/109:4-1، مسند أبي يعلي 11: 6457/343، السنن الكبري - للبيهقي - 278:6، و فيها: «الإنسان» بدل «ابن آدم».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو». و المثبت كما في المصدر.
3- الكافي 1/56:7، الأمالي - للصدوق -: 38 (المجلس التاسع) ح 7، التهذيب 909/232:9.
4- في المصدر: «يكفّر عنه» بدل «يكفي».
5- مسند أحمد 8624/64:3، صحيح مسلم 1630/1254:3.
6- الفقيه 1369/279:2.
7- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 185:5.

و لو أنبط عينا أو حفر نهرا أو غرس شجرة أو وقف مصحفا أو غيره في حال حياته، أو فعل عنه غيره بعد موته، لحق الثواب بالميّت.

و يجوز التضحية عن الميّت؛ لأنّها نوع صدقة.

و منع بعض الشافعيّة إلاّ مع الوصيّة(1).

مسألة 212: الصوم عن الميّت يحصل به نفع له من غير أن ينقص ثواب الصائم.

و منع الشافعي من التطوّع به عن الميّت(2).

و في قضاء فائتة عنه قولان: الجديد: المنع، و القديم: إنّ لوليّه أن يصوم عنه - و هو الذي ذهبنا إليه - و علي هذا لو أوصي إلي أجنبيّ ليصوم، كان بمثابة الوليّ(3).

و لو مرض بحيث لا يرجي برؤه، ففي الصوم عنه للشافعي و جهان؛ تشبيها بالحجّ(4).

قال الشافعيّة: [و أمّا](2) غير الصوم - كالصلاة قضاء أو غير قضاء و قراءة القرآن عنه - فلا ينفعه(3).

و استثني بعضهم عن الصلاة ركعتي الطواف، و قال: يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه(4).

ص: 347


1- البغوي في التهذيب 45:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 130:7، و روضة الطالبين 186:5. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 130:7، روضة الطالبين 186:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
4- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 5: 186.

و قالوا: إنّه يقع عنه تبعا للطواف(1).

و منهم من قال: هي عن الأجير، و تبرأ ذمّة المحجوج عنه بما يفعل، كما لو ارتكب محظورا و لزمه الدم أو الصوم(2).

و لو أوصي بتجديد قبر، فالأولي عدم النفوذ؛ لأنّه مكروه.

و كذا لو أوصي ببناء مكروه في القبر، و لو أوصي بغير مكروه فعل.

البحث الرابع: في الوصيّة المبهمة.
مسألة 213: إذا أوصي له بسهم من ماله و لم يبيّن،

كان وصيّته بالثّمن عند أكثر علمائنا(3) ؛ لما رواه ابن أبي نصر - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام، قلت: فرجل أوصي بسهم من ماله، فقال: «السهم واحد من ثمانية» ثمّ قرأ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (4) إلي آخر الآية(5).

و مثله روي - في الصحيح - صفوان عن الرضا عليه السّلام(6).

و نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا: أنّه السّدس(7).

ص: 348


1- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
2- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة: 674، و الشيخ الطوسي في النهاية: 613، و ابن البرّاج في جواهر الفقه: 150، المسألة 525، و سلاّر في المراسم: 204، و ابن إدريس في السرائر 187:3 و 208، و ابن حمزة في الوسيلة: 378، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 248:2.
4- سورة التوبة: 60.
5- التهذيب 828/209:9، الاستبصار 498/132:4.
6- الكافي 41:7 (باب من أوصي بسهم من ماله) ح 2، التهذيب 833/210:9، الاستبصار 503/133:4.
7- السرائر 208:3، و ممّن قال به الشيخ الطوسي في الخلاف 140:4، المسألة 9، و المبسوط 8:4.

و هو رواية عن أحمد، و رواه العامّة عن عليّ عليه السّلام و ابن مسعود، و به قال الحسن و إياس بن معاوية و الثوري؛ لرواية ابن مسعود: أنّ رجلا أوصي لرجل بسهم من المال، فأعطاه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله السّدس، و لأنّ السهم في كلام العرب السّدس، قال إياس بن معاوية: السهم في كلام العرب السّدس، فتنصرف الوصيّة إليه، و لأنّه قول عليّ عليه السّلام و ابن مسعود، و لا مخالف لهما في الصحابة، و لأنّه أقلّ سهم مفروض يرثه ذو قرابة، فتنصرف الوصيّة إليه(1).

و نحن نمنع ذلك.

و الرواية الثانية عن أحمد: أنّه يعطي سهما ممّا تصحّ منه الفريضة، فينظركم سهما صحّت منه الفريضة و يزاد عليها [مثل] سهم من سهامها ما لم يزد علي السّدس، فإن زاد علي السّدس فله السّدس؛ لأنّه متحقّق، لأنّ قوله: «سهما» ينبغي أن يصرف إلي سهام فريضته، لأنّ وصيّته منها، فيصرف السهم إليها، فكان واحدا من سهامها، كما لو قال: فريضتي كذا و كذا سهما لك سهم منها(2).

و قال بعض أصحابه: له أقلّ سهم من سهام الورثة، و به قال أبو حنيفة(3). -

ص: 349


1- المغني 476:6 و 477، الشرح الكبير 580:6 و 581، الحاوي الكبير 8: 206، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة القضاة 3869/686:2-3871.
2- المغني 476:6، الشرح الكبير 580:6-581، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6، الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 2165/25:5، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة -

و قال صاحباه: إلاّ أن يزيد علي الثّلث فيكون له الثّلث؛ لأنّ سهام الورثة أنصباؤهم، فيكون له أقلّها؛ لأنّه المتيقّن، فإذا زاد علي السّدس دفع إليه السّدس؛ لأنّه أقلّ سهم يرثه ذو قرابة(1).

و قال أبو ثور: يعطي سهما من أربعة و عشرين؛ لأنّها أكثر أصول الفرائض، فالسهم منها أقلّ السهام(2).

و قال الشافعي و ابن المنذر: يعطيه الورثة ما شاؤا؛ لأنّ ذلك يقع عليه اسم السهم، فأشبه ما لو أوصي له بحظّ(3).

و قال عطاء و عكرمة: لا شيء له(4).

و الرواية الثالثة عن أحمد: أنّه يعطي السّدس، إلاّ أن تعول الفريضة، فيعطي سهما مع العول، فكان معني الوصيّة: أوصيت لك بسهم من يرث السّدس، فلو أوصي له بسهم في مسألة فيها زوج و أخت، كان له السّبع،1.

ص: 350


1- الجامع الصغير - للشيباني -: 522، مختصر اختلاف العلماء 2165/25:5، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3867/686:2، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 103:6، البيان 214:8، المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6.
2- المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 103:6.
3- - القضاة 3865/686:2 و 3866، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 101:6-102، البيان 8: 214، العزيز شرح الوجيز 145:7.
4- مختصر اختلاف العلماء 2165/27:5، المغني 477:6، الشرح الكبير 6: 581.

كما لو كان معهما جدّة علي الروايات الثلاث، و كذا لو كان في المسألة أمّ و ثلاث أخوات متفرّقات، فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة، للموصي له العشر علي الروايات الثلاث، و لو كان الورثة زوجا و أبوين و ابنين، فالمسألة من خمسة عشر، و تعول بسدس آخر، فتصير من سبعة عشر علي الرواية الأولي و الثانية، و علي الثالثة يكون للموصي له سهم واحد يزاد علي خمسة عشر، فتصير ستّة عشر، و لو خلّف أبوين و ابنين و أوصي لرجل بسدس ماله و للآخر بسهم، جعلت [ذا](1) السهم كالأمّ و أعطيت صاحب السّدس سدسا كاملا، و قسّمت الباقي بين الورثة و الموصي له علي سبعة، فتصحّ من اثنين و أربعين، لصاحب السّدس سبعة، و لصاحب السهم خمسة علي الروايات الثلاث. و يحتمل أن يعطي ذو السهم السّبع كاملا، كأنّه أوصي له به من غير وصيّة أخري، فيكون له ستّة، و يبقي تسعة و عشرون علي ستّة لا تنقسم، فتضربها في اثنين و أربعين، تكون مائتين و اثنين و خمسين(2).

و الحقّ ما قدّمناه؛ لأنّه المنقول عن أهل البيت عليهم السّلام(3) ، و هم أعرف بالأحكام.

مسألة 214: لو أوصي له بجزء من ماله و لم يبيّن،

صرف إلي السّبع عند أكثر علمائنا(4).

ص: 351


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ذلك»، و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 477:6-478، الشرح الكبير 582:6-584.
3- راجع: الهامش (5 و 6) من ص 348.
4- منهم: الشيخ الصدوق في الهداية: 81، و الشيخ المفيد في المقنعة: 673، و الشيخ الطوسي في الخلاف 39:4، المسألة 7، و سلاّر في المراسم: 204، و ابن البرّاج في جواهر الفقه: 150، المسألة 525، و ابن حمزة في الوسيلة: 378، و ابن إدريس في السرائر 207:3.

و قال بعضهم: العشر(1).

و لم يقدّره العامّة بشيء، بل يعطيه الورثة ما شاؤا(2).

و الحقّ: الأوّل؛ لما رواه ابن أبي نصر - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي بجزء من ماله، فقال: «واحد من سبعة، إنّ اللّه تعالي يقول: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (3)»(4).

و في رواية عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي بجزء من ماله، قال: «سبع ثلثه»(5).

و لا تنافي بين الروايتين؛ لجواز أن يكون السؤال الثاني وقع عن رجل أوصي بجزء من ماله الذي يتصرّف فيه المريض، فأجاب عليه السّلام بالسّبع من الثّلث، لأنّه سبع المال الذي وقع السؤال عنه.

و يدلّ علي هذا التأويل ما رواه عبد الرحمن بن سيابة قال: إنّ امرأة أوصت إليّ و قالت: ثلثي يقضي به ديني و جزء منه لفلانة، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلي، فقال: ما أري لها شيئا، ما أدري ما الجزء، فسألت4.

ص: 352


1- الشيخ الصدوق في المقنع: 163، و الشيخ الطوسي في التهذيب 210:9، ذيل ح 831، و الاستبصار 133:4، ذيل ح 531.
2- الأم 90:4، البيان 213:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 5: 195، الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 5: 2165/26، المبسوط - للسرخسي - 88:28، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 478:6، الشرح الكبير 579:6-580.
3- سورة الحجر: 44.
4- التهذيب 828/209:9، الاستبصار 498/132:4.
5- الفقيه 529/152:4، التهذيب 831/210:9، الاستبصار 501/133:4.

الصادق عليه السّلام عنه بعد ذلك و خبّرته كيف قالت المرأة و بما قال ابن أبي ليلي، فقال: «كذب ابن أبي ليلي، لها عشر الثّلث، إنّ اللّه تعالي أمر إبراهيم عليه السّلام، فقال: اِجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً (1) و كانت الجبال يومئذ عشرة، فالجزء هو العشر من الشيء»(2) فقد حكم الإمام عليه السّلام بأنّ الجزء اسم للعشر، فإلي أيّ شيء أضفته أفاد عشر ذلك الشيء، و حكم هنا عليه السّلام بأنّ لها عشر الثّلث؛ لأنّ الضمير في قوله: «و جزء منه» يعود إلي قوله: «ثلثي».

و في رواية معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أوصي بجزء من ماله، قال: «جزء من عشرة، قال اللّه تعالي: اِجْعَلْ عَلي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً (3) إذ كانت الجبال عشرة أجبال»(4).

و في الطريق أحمد بن فضّال.

و في الحسن عن أبان بن تغلب عن الباقر عليه السّلام، قال: «الجزء واحد من عشرة، لأنّ الجبال كانت عشرة و الطير أربعة»(5).

قال الشيخ رحمه اللّه: وجه الجمع: حمل الجزء علي العشر وجوبا، و علي السّبع استحبابا، فيستحبّ للورثة إعطاء السّبع(6).

مسألة 215: لو أوصي له بشيء من ماله و لم يبيّن،

قال علماؤنا:

تكون وصيّته بالسّدس.

ص: 353


1- سورة البقرة: 260.
2- الكافي 39:7-1/40، التهذيب 824/208:9.
3- سورة البقرة: 260.
4- الكافي 2/40:7، الفقيه 528/152:4، التهذيب 825/208:9، الاستبصار 495/32:4.
5- الكافي 3/40:7، التهذيب 826/209:9، الاستبصار 496/132:4.
6- التهذيب 210:9، ذيل ح 831، الاستبصار 133:4، ذيل ح 501.

و خالفت العامّة في ذلك، و قالوا: تعطيه الورثة ما شاؤا(1).

و أصحابنا عوّلوا علي رواية أبان عن زين العابدين عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أوصي بشيء، فقال: «الشيء في كتاب عليّ عليه السّلام من ستّة»(2).

و ادّعي ابن إدريس علي هذا إجماع الطائفة(3).

قال المفيد رحمه اللّه: فإن وصّي بشيء من ماله و لم يسمّ، كان السّدس من ماله، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ - إلي قوله - ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (4) فخلق اللّه تعالي الإنسان من ستّة أشياء، فالشيء واحد من ستّة، و هو السّدس(5).

مسألة 216: لو أوصي بمال كثير،

احتمل أن يكون له ثمانون.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف في كتاب الإقرار: من قال له عندي مال كثير، فإنّه يكون إقرارا بثمانين علي الرواية التي تضمّنت بأنّ الوصيّة بالمال الكثير [وصيّة] بثمانين، ثمّ قال: و عليه إجماع الطائفة في تفسير الكثير بثمانين(6).

و قال ابن إدريس: في هذا القول تسامح، إنّما الرواية وردت في من نذر أن يتصدّق بمال كثير، و ما وردت بالوصيّة جملة كافية، و لا أوردها أحد من أصحابنا في الوصايا، و الذي تقتضيه أصول المذهب و تحكم به

ص: 354


1- المغني 478:6، الشرح الكبير 579:6-580، نهاية المطلب 61:11، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5.
2- الكافي 1/40:7، الفقيه 525/151:4، التهذيب 835/211:9.
3- السرائر 187:3.
4- سورة «المؤمنون»: 12-14.
5- المقنعة: 674.
6- الخلاف 359:3-360، المسألة 1، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

الأدلّة و الاعتبار أن لا يتجاوز بالرواية ما وردت فيه فحسب، و لا يتعدّي إلي غير النذر، و يرجع في تفسير الكثير إلي المقرّ، و في الوصيّة يرجع إليهم في تفسير الكثير، كما يرجع إلي العرف و العادة في كثير الجراد في من قتله محرما، و كثير السفر(1)(2).

و قول ابن إدريس لا بأس به، لكن نسبة الشيخ إلي التسامح جهل منه، فإنّه أعرف منه بالروايات، و ليس إذا لم يجد الرواية مسطورة في تهذيبه و استبصاره تكون غير منقولة.

تذنيب: لو أوصي له بمجهول غير هذه الأشياء، حمل علي اختيار الورثة، فإن لم يختاروا شيئا أو لم يكونوا من أهل الاختيار أو لا يكون هناك وارث، حمل علي أقلّ ما يصدق عليه الاسم، كما لو قال: أعطوه حظّا من مالي أو نصيبا أو قسطا، أو أعطوه من مالي أو ارزقوه؛ لأنّ كلّ شيء نصيب و حظّ و قسط، فإنّه لا حدّ له في اللغة و لا في الشرع و لا في العرف، و كان علي إطلاقه.

و كذا لو قال: عظيما، أو مالا عظيما أو عظيما جدّا.

مسألة 217: الوصيّة بالمجهول جائزة علي ما قدّمناه

مسألة 217: الوصيّة بالمجهول جائزة علي ما قدّمناه(3) ،

فلو أوصي له بعبد من عبيده أو بشاة من غنمه، صحّ عند علمائنا، و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(4).

ص: 355


1- في المصدر و النّسخ الخطّيّة: «كثير الشعر».
2- السرائر 188:3.
3- في ص 225، ضمن المسألة 124.
4- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، الأم 90:4، مختصر -

و الأقرب: أنّه يتخيّر الورثة في تعيين ما شاؤا، فيعطوا الموصي له أيّ عبد اختاروه و إن كان أدونهم، صحيحا كان أو معيبا، جيّدا أو رديئا - و به قال الشافعي، و هو رواية عن أحمد(1) - لتناول اسم العبد، و أصالة براءة الذمّة من الزائد، كما لو أوصي له بعبد و لم يضفه إلي عبيده.

و عنه رواية أخري: أنّه يقرع، و به قال إسحاق(2).

و قال مالك: إذا أوصي بعشر من إبله و هي مائة، أعطي عشرها، و هو يقتضي أنّه إذا أوصي له بعبد و له ثلاثة أعبد فله ثلثهم، و إن كانوا أربعة فله ربعهم، و النخل و الرقيق و الدوابّ علي ذلك(3).

و ليس بجيّد، بل تعطي عشرة بالعدد؛ لأنّه الذي يتناوله لفظه، فلا يعدل عنه.

و لو لم يكن له إلاّ عبد واحد، تعيّنت الوصيّة فيه.

و كذا لو كان له عبيد فماتوا كلّهم إلاّ واحدا، تعيّنت الوصيّة فيه؛ لتعذّر تسليم الباقي.6.

ص: 356


1- الأم 90:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 229:8، الوجيز 1: 275، الوسيط 440:4، البيان 223:8، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، المغني 614:6، الشرح الكبير 537:5.
2- المغني 614:6، الشرح الكبير 537:6.
3- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، المغني 614:6، الشرح الكبير 537:6.

و لو تلفوا كلّهم قبل موت الموصي أو قتلوا، بطلت الوصيّة؛ لأنّها إنّما تلزم بالموت و لا رقيق له حينئذ.

و إن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة، بطلت الوصيّة؛ لأنّ التركة عند الورثة غير مضمونة؛ لأنّها حصلت في أيديهم بغير فعلهم.

و إن قتلهم قاتل، فللموصي له قيمة أحدهم.

و لو أوصي له بعبد من عبيده و لا عبيد له، بطلت الوصيّة؛ لعدم متعلّقها، فأشبه ما لو أوصي بعبد معيّن فمات قبله.

و لو تجدّد له بعد الوصيّة عبيد، احتمل البطلان أيضا، كما لو قال:

أوصيت لك بما في كيسي، و لا شيء فيه ثمّ جعل في كيسه شيئا، و لأنّ الوصيّة تقتضي عبدا من الموجودين له حالة الوصيّة، و الصحّة، كما لو أوصي له بألف لا يملكها ثمّ ملكها، أو أوصي له بثلث عبيده ثمّ ملك عبيدا آخرين.

و في رواية عن أحمد: أنّه لو قال في مرضه: أعطوا فلانا من كيسي مائة درهم، فلم يوجد في كيسه شيء، يعطي مائة درهم، و لا تبطل الوصيّة؛ لأنّه قصد إعطاءه مائة درهم و ظنّها في الكيس، فإذا لم تكن في الكيس أعطي من غيره(1).

مسألة 218: لو قال: أعطوه عبدا،

أو أعتقوا عبدا، صحّت الوصيّة، و اشتري له عبد أيّ عبد كان.

و لو كان له عبيد، جاز للورثة أن يعطوه أيّ عبد شاؤا، و لا قرعة إلاّ في العتق؛ لأنّه لم يضف الرقيق إلي نفسه، و جاز لهم أن يشتروا له عبدا، و لا يتعيّن الإعطاء من عبيده و لا العتق.

ص: 357


1- المغني 615:6، الشرح الكبير 538:6.

قال بعض العامّة: و لهم أن يعطوه ما شاؤا من ذكر أو أنثي(1).

و هو خطأ؛ فإنّ(2) العبد إنّما ينصرف إلي الذكر، و قد فرّق اللّه تعالي في قوله: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ (3) و المعطوف يغاير المعطوف عليه، و [لأنّه] في العرف [كذلك](4) فإنّه لو وكّله في شراء عبد فاشتري أنثي لم يجزئ، و لا يجزئ الخنثي المشكل؛ لأنّه لا يعلم كونه ذكرا.

و لو قال: أعطوه أمة أو أنثي، لم يجزئ الذكر و لا الخنثي المشكل، أمّا لو أوصي له بواحد من رقيقه أو برأس ممّا ملكت يمينه، دخل في وصيّته الذكر و الأنثي و الخنثي.

و لو قال: اشتروا له عبدا، و كان له عبيد، لم يعط من عبيده؛ لأنّه قصد تمليك رقيقه للورثة، بخلاف ما لو قال: أعطوه عبدا، فإنّه يجوز أن يعطي من عبيده و غيرهم.

مسألة 219: لو أوصي له بسيف و كان في جفن عليه حلية،

كان السيف و الجفن و الحلية له إذا خرج من الثّلث؛ لما رواه أبو جميلة عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصي لرجل بسيف و كان في جفن و عليه حلية، فقال له الورثة: إنّما لك النصل، و ليس لك المال، قال: فقال:

«لا، بل السيف بما فيه له»(5).

ص: 358


1- المغني 615:6-616، الشرح الكبير 535:6.
2- في «ر، ل»: «لأنّ» بدل «فإنّ».
3- سورة النور: 32.
4- في الطبعة الحجريّة: «و العرف ذلك». و في النّسخ الخطّيّة: «و في العرف ذلك». و الأنسب بالعبارة ما أثبتناه.
5- الكافي 1/44:7، الفقيه 561/161:4، التهذيب 837/211:9.

و في طريق آخر عن أبي جميلة المفضّل بن صالح قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام: أسأله عن رجل أوصي لرجل بسيف، فقال الورثة: إنّما لك الحديد، و ليس لك الحلية، ليس لك غير الحديد، فكتب إليّ: «السيف له و حليته»(1).

و أبو جميلة فيه قول، لكن الرواية مناسبة للعقل، فإنّ الجفن كالجزء من السيف؛ لافتقاره إليه و حاجته و عدم انفكاكه غالبا عنه، و لهذا يطلق عليه لو قال: احمل السيف، أو أنفذه إليّ، أو سافر به، فإنّه لو أخرجه من جفنه و سافر به عدّه العقلاء سفيها.

مسألة 220: لو أوصي له بصندوق و فيه مال،

دخل المال في الوصيّة، و كذا لو أوصي له بسفينة فيها طعام، أو بجراب فيه متاع، أو بكيس فيه ذهب، دخل الطعام و المتاع و الذهب في الوصيّة، قاله علماؤنا؛ لما رواه أبو جميلة عن الرضا عليه السّلام، قال: قلت: رجل أوصي لرجل بصندوق و كان فيه مال، فقال الورثة: إنّما لك الصندوق و ليس لك المال، قال: فقال أبو الحسن الرضا عليه السّلام: «الصندوق بما فيه له»(2).

و عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل قال:

هذه السفينة لفلان، و لم يسمّ ما فيها، و فيها طعام أ يعطاها الرجل و ما فيها؟ قال: «هي للّذي أوصي له بها، إلاّ أن يكون صاحبها متّهما، و ليس للورثة شيء»(3).

ص: 359


1- الكافي 3/44:7، التهذيب 839/212:9.
2- الكافي 44:7، ذيل ح 1، الفقيه 161:4، ذيل ح 561، التهذيب 211:9 - 212، ذيل ح 837.
3- الكافي 2/44:7، التهذيب 838/212:9.

و عن عقبة قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أوصي لرجل بصندوق و كان في الصندوق مال، فقال الورثة: إنّما لك الصندوق، و ليس لك ما فيه، فقال: «الصندوق بما فيه له»(1).

و يمكن أن يقال: إن كان الظرف ممّا يصلح للموصي أن ينقله بمفرده إلي الموصي له، احتمل أن لا يتعدّي الوصيّة بالظرف إلي المظروف، و لو أوصي بالمظروف لم يدخل الظرف قطعا.

مسألة 221: لو أوصي له بخاتم و فيه فصّ،

دخل الفصّ فيه؛ لأنّه باتّصاله به صار كالجزء منه.

و لو أوصي له بالفصّ، لم يدخل الخاتم فيه.

و لو أوصي لواحد بالخاتم و لآخر بالفصّ، صحّ، و ليس لواحد منهما الانتفاع به إلاّ بإذن صاحبه.

و لو طلب صاحب الفصّ أو صاحب الخاتم قلع الفصّ عنه، أجيب إليه، و أجبر الآخر عليه.

و لو اتّفقا علي التبقية أو اصطلحا علي لبسه، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

مسألة 222: لو أوصي الإنسان بوصيّة و جعلها أبوابا مسمّاة،

فنسي الوصيّ بابا منها، جعل ذلك السهم في وجوه البرّ، قاله الشيخ رحمه اللّه في النهاية(2) ؛ لما رواه محمّد بن الريّان قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام: أسأله عن إنسان أوصي بوصيّة فلم يحفظ الوصيّ إلاّ بابا واحدا منها، كيف يصنع في الباقي ؟ فوقّع عليه السّلام: «الأبواب الباقية اجعلها في البرّ»(3).

ص: 360


1- الكافي 4/44:7، التهذيب 840/212:9.
2- النهاية: 613.
3- الكافي 58:7-7/59، الفقيه 565/162:4، التهذيب 844/214:9.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر في المسائل الحائريّات: إذا نسي الوصيّ جميع أبواب الوصيّة فإنّها تعود ميراثا للورثة(1) ، و اختاره ابن إدريس(2).

و القول الأوّل لا بأس به؛ لأنّ الموصي أخرج المال الموصي به عن ملك الورثة باعتبار الوصيّة، فلا يعود إليهم، فيبقي مالكه مجهولا، فيصرف في أبواب البرّ.

البحث الخامس: في الوصيّة بالنصيب.
مسألة 223: إذا أوصي له بنصيب وارث،

فإن قصد المثل صحّت الوصيّة إجماعا، و إن قصد العين بطلت الوصيّة - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لأنّه أوصي له بما هو حقّ الغير(4) فتبطل، كما لو قال: بدار ابني.

و قال مالك و أهل البصرة و ابن أبي ليلي و زفر و داود: تصحّ الوصيّة؛ لأنّ ذلك وصيّة بجميع المال، و لو أوصي بجميع المال صحّت الوصيّة و إن كان قد أوصي له بنصيب الورثة(5).

ص: 361


1- المسائل الحائريّات (الرسائل العشر للشيخ الطوسي): 297، و حكاه عنها أيضا ابن إدريس في السرائر 208:3.
2- السرائر 208:3-209.
3- المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 15:10، حلية العلماء 6: 104، التهذيب - للبغوي - 66:5، البيان 215:8، مختصر اختلاف العلماء 5: 2164/23، بدائع الصنائع 358:7، الهداية - للمرغيناني - 237:4، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 480:6، الشرح الكبير 571:6.
4- في النّسخ الخطّيّة: «لغيره» بدل «الغير».
5- عقد الجواهر الثمينة 1230:3، المغني 480:6-481، الشرح الكبير 6: 571، الهداية - للمرغيناني - 237:4، نهاية المطلب 17:10، البيان 215:8.

و الفرق: أنّه إذا أوصي بجميع المال صحّ؛ لأنّه لم يضف إليه حقّ غيره، ألا تري أنّه لو قال: أوصيت لفلان بما يستحقّه ابني، لم تصحّ الوصيّة، و لو أوصي بجميع المال صحّت الوصيّة و إن كان وصّي بما يستحقّه.

و لو أوصي بإخراج بعض ولده من الميراث، بطلت الوصيّة أيضا؛ لأنّ سعد بن سعد سأل الرضا عليه السّلام: عن رجل كان له ابن يدّعيه فنفاه و أخرجه من الميراث و أنا وصيّه فكيف أصنع ؟ فقال عليه السّلام: «لزمه الولد لإقراره بالمشهد، لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه»(1).

مسألة 224: لو أوصي له بمثل نصيب أحد الورثة و عيّنه،

صحّت الوصيّة من الثّلث إجماعا.

و اختلف في تقديره، فالذي عليه علماؤنا: أنّ الموصي له يكون بمنزلة وارث آخر، فيضاف إلي الورثة، و يتساوي الموصي له و الوارث، فلو كان له ابن واحد و أوصي بمثل نصيبه لزيد، فرض كأنّ له ابنين، فتكون الوصيّة بالنصف، فإن أجاز الابن، أخذ الموصي له النصف و الابن النصف، و إن ردّ كان للموصي له الثّلث و الباقي للولد، و لو كان له ابنان فأوصي بمثل نصيب أحدهما، فللموصي له مثل نصيب أحدهما مزادا علي الفريضة، و يكون كواحد منهم زاد فيهم، و لو كان له ثلاثة، فللموصي له الرّبع - و هو قول أكثر العامّة، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(2) - لأنّه المتعارف من

ص: 362


1- الكافي 26/64:7، الفقيه 568/163:4، التهذيب 235:9-918/236، الاستبصار 520/139:4.
2- المغني 479:6، الشرح الكبير 570:6 و 571، مختصر اختلاف العلماء 5: 23 و 2164/24، مختصر القدوري: 242-243، روضة القضاة 3872/686:2، بدائع الصنائع 358:7، الاختيار لتعليل المختار 106:5، الأم 89:4، مختصر -

التماثل.

و قال مالك و ابن أبي ليلي و زفر و داود: يعطي مثل نصيب المعيّن أو مثل نصيب أحدهم إذا كانوا متساوين من أصل المال، و يقسّم الباقي بين الورثة؛ لأنّ نصيب الوارث قبل الوصيّة من أصل المال، فإذا أوصي له بمثل نصيب ابنه و له ابن واحد، فالوصيّة بجميع المال، و إن كان [له](1) ابنان فالوصيّة بالنصف، و إن كانوا ثلاثة فله الثّلث(2).

و ليس بجيّد؛ لأصالة بقاء مال الميّت علي الوارث، و لأنّه جعل للموصي له نصيبا و للابن نصيبا و جعل نصيب الابن أصلا و حمل عليه نصيب الموصي له، فلا تسقط، بل يشتركان، كما لو قال: لفلان في هذه الدار مثل ما لفلان، فإنّه يقتضي شركتهما فيها، و لأداء قول مالك إلي تغيير الوصيّة و العمل بخلافها؛ لأنّه لو كان له ابنان فأوصي بمثل نصيب ابن، كان المال بينهم أثلاثا، و عند مالك يكون للموصي له النصف و لكلّ ابن ربع(3) ، -

ص: 363


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- - المزني: 143، الحاوي الكبير 198:8، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 18:10 و 19، الوجيز 280:1، الوسيط 472:4، حلية العلماء 6: 104-105، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 214:8، العزيز شرح الوجيز 139:7-140، روضة الطالبين 192:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، عيون المجالس 1379/1942:4، المعونة 1625:3.
3- التفريع 327:2، المعونة 1625:3، التلقين: 555، الحاوي الكبير 198:8، -

و هذا خلاف الوصيّة.

و كذا لو كان له ابنان أو بنون فأوصي بمثل نصيبهما أو نصيبهم، كان وصيّة بالنصف.

و قال مالك: تكون وصيّة بالكلّ(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوصيّة بمثل نصيب الابن تقتضي أن يكون للابن نصيب و للموصي له نصيب و أن يتساوي النصيبان فيلزم التسوية، و لأنّ الابن يأخذ الجميع لو لا الوصيّة، فإذا نزّل الموصي له منزلته فقد أثبت له الكلّ أيضا، و المبلغ إذا عال بمثله كان الزائد مثل المزيد عليه.

و الضابط عند مالك: أنّه يعتبر نصيب الموصي له بنصيبه لو لم تكن وصيّة(2) ، و عندنا يعتبر بعد الوصيّة، فتقام فريضة الميراث و يزاد عليها مثل سهم الموصي [له] بنصيبه.

مسألة 225: إذا كان له ورثة متعدّدون و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم،

فإن كانوا متساوين، كما لو كان له ثلاث بنين و أوصي له بمثل نصيب أحدهم، فله مثل نصيب أحدهم مزادا علي الفريضة، فيكون له الرّبع، و كذا لكلّ ابن.

ص: 364


1- القول المزبور لمالك فيما إذا أوصي بمثل نصيب ابنه و له ابن واحد، راجع: التفريع 327:2، و الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، و التلقين: 555، و المعونة 1625:3، و الحاوي الكبير 197:8، و نهاية المطلب 17:10، و البيان 214:8، و العزيز شرح الوجيز 140:7، و المغني 479:6، و الشرح الكبير 570:6.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، نهاية المطلب 17:10، الوسيط 472:4، العزيز شرح الوجيز 140:7.

و إن تفاضلوا كابن و بنت ثمّ أوصي له بمثل نصيب أحدهم، فإن عيّنه انصرفت الوصيّة إليه، و إن أطلق كان له نصيب أقلّهم ميراثا و يزاد علي فريضتهم - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - لأنّه المتيقّن، و ما زاد مشكوك فيه، فلا يثبت مع الشكّ.

و قال مالك: مع التفاضل ينظر إلي عدد رؤوسهم، فيعطي سهما من عددهم؛ لأنّه لا يمكن اعتبار أنصبائهم؛ لتفاضلهم، فاعتبر عدد رؤوسهم(2).

و هو خلاف ما يقتضيه لفظ الموصي؛ فإنّ هذا ليس بنصيب لأحد ورثته، و لفظه إنّما اقتضي نصيب أحدهم، و تفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقلّ نصيب أحدهم، فيصرفه إلي الموصي له بقول الموصي؛ عملا بمقتضي وصيّته، و ذلك أولي من اختراع شيء لا يقتضيه قول الموصي أصلا.

و قوله: «لتعذّر العمل بقول الموصي» غير صحيح؛ فإنّه أمكن العمل به بما قلناه، ثمّ لو تعذّر العمل به لما جاز أن يوجب في ماله حقّا لم يأمر به.

و لو قال: أوصيت بمثل نصيب أقلّهم ميراثا، كان كما لو أطلق، و كان تأكيدا.6.

ص: 365


1- الحاوي الكبير 199:8، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 10: 19، الوجيز 280:1، الوسيط 473:4، حلية العلماء 106:6، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 216:8، العزيز شرح الوجيز 143:7، روضة الطالبين 194:5، مختصر اختلاف العلماء 2164/24:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2082/1017:2، المغني 479:6، الشرح الكبير 575:6.
2- المدوّنة الكبري 70:6-71، التفريع 328:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2082/1017:2، التلقين: 555، المعونة 1625:3، حلية العلماء 6: 107، المغني 479:6، الشرح الكبير 575:6.

و لو قال: مثل نصيب أكثرهم ميراثا، فله ذلك مضافا إلي المسألة.

مسألة 226: لو أوصي له بمثل نصيب بنته و لا وارث له سواها،

فعندنا له النصف إن أجازت، و إن لم تجز فله الثّلث، و هو قول من يعتقد الردّ؛ لأنّها تأخذ المال كلّه بالفرض و الردّ(1).

و لو كان له بنتان، فله الثّلث؛ لأنّ المال عندنا للبنتين دون العصبة، فيكون الموصي له كبنت أخري.

و لو كان له ثلاث أخوات من أمّ و إخوة من أب فأوصي لأجنبيّ بمثل نصيب أحد ورثته، كان له نصيب أخت، فتكون الفريضة من عشرة، تسعة للورثة، و سهم للموصي له.

و لو كان له زوجة و بنت و قال: مثل نصيب بنتي، فأجاز الورثة، صحّت فريضة الورثة، و هي ثمانية، للزوجة سهم، و للبنت سبعة، و ينزل عليهم سبعة أخري، فتصير الفريضة من خمسة عشر، للزوجة سهم منها، و للبنت سبعة، و كذا للموصي له.

و لو كان له أربع زوجات و بنت فأوصي بمثل نصيب إحداهنّ، كانت الفريضة من ثلاث و ثلاثين، للزوجات الثّمن: أربعة، و للموصي له سهم كإحداهنّ، و الباقي للبنت.

و لو كان له ابن و أربع زوجات، فكذلك.

و لو قال في هذه: مثل نصيب أكثرهم، فالفريضة من ستّين؛ لأنّ فريضة الورثة اثنان و ثلاثون تضيف إليها ثمانية و عشرين للموصي له.

و قالت العامّة: لو كان له بنت و أوصي بمثل نصيبها، فالوصيّة بالثّلث؛

ص: 366


1- كما في المغني 484:6، و الشرح الكبير 577:6.

لأنّ المسألة من اثنين لو لم تكن وصيّة، فتزيد علي الاثنين سهما و تعطيه من ثلاثة.

و لو كان له ابنتان و أوصي بمثل نصيب إحداهما، فالوصيّة بالرّبع؛ لأنّ المسألة من ثلاثة لو لا الوصيّة، لكلّ واحدة منهما سهم، فتزيد للموصي له سهما تبلغ أربعة.

و لو أوصي بنصيبهما، فالوصيّة بخمسي المال؛ لأنّها من ثلاثة، و لهما سهمان من ثلاثة، فتزيد علي الثلاثة سهمين تبلغ خمسة(1).

و هذا عندنا باطل.

و لو أوصي بمثل نصيب ابن و له ثلاثة بنين و ثلاث بنات، فالفريضة من تسعة، لكلّ ابن سهمان، و للموصي له سهمان تصير أحد عشر.

و لو أوصي بمثل نصيب بنت و له بنت و ثلاثة بنين، فالوصيّة بالثّمن.

و لو كان له ابن و ثلاث بنات و أبوان و أوصي بمثل نصيب الابن، فالمسألة من ثمانية و ثلاثين.

و روي هذه الصورة العامّة عن عليّ عليه السّلام(2).

مسألة 227: لو أوصي له بمثل نصيب وارث مقدّر لو كان موجودا،

صحّت الوصيّة، و ننظر ما للموصي له مع وجوده، فيكون له مع عدمه، فلو خلّف ابنين و أوصي بمثل نصيب ثالث لو كان، فله الرّبع (و لو أوصي بمثل نصيب رابع لو كان، فله [الخمس])(3) ، و لو أوصي بمثل نصيب خامس لو

ص: 367


1- العزيز شرح الوجيز 140:7-141، روضة الطالبين 192:5.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 141:7.
3- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة، و في الطبعة الحجريّة: «الرّبع» بدل «الخمس». و المثبت هو الصحيح.

كان، فله السّدس، و علي هذا أبدا.

و لو كان له ابن و أوصي بمثل نصيب ابن ثان لو كان، فالوصيّة بالثّلث.

و قال بعض الشافعيّة: هذه الوصيّة تتضمّن إقامة الموصي له مقام الابن المقدّر، فتكون الوصيّة لو كان له ابن واحد بالنصف، و لو كان له ابنان بالثّلث، و لو كان له ثلاثة بالرّبع، و هكذا(1).

و هل يفرّق بين حذف لفظة «المثل» فيقول: بنصيب ابن ثان أو ثالث لو كان، و بين أن لا يحذفه ؟ القياس أنّه علي الوجهين فيما إذا أضاف إلي الوارث الموجود عند الوصيّة(2).

و يحتمل الفرق بين اللفظتين هنا و إن لم يكن فرق لو أضاف إلي الوارث الموجود، فإنّه إذا أوصي بمثل نصيبه دفع إليه نصيبه لو كان مزيدا علي سهام الفريضة، و لو أوصي بنصيبه دفع إليه نصيبه لو كان من أصل سهام الفريضة، فعلي هذا لو أوصي و له ابنان بنصيب ابن ثالث لو كان، فالوصيّة بالثّلث، و لو قال: بمثل نصيب ابن ثالث لو كان فبالرّبع.

و لو أوصي و له ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت، فالوصيّة بالثّمن، و يحتمل السّبع.

و لو أوصي بمثل نصيب ابنه لو كان و لا ابن له، فالوصيّة بالجميع، و لو لم يقصد التقدير بطلت الوصيّة؛ لانتفاء متعلّقها.

مسألة 228: لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن رابع

لو

ص: 368


1- نهاية المطلب 20:10-21، العزيز شرح الوجيز 141:7، روضة الطالبين 5: 193.
2- العزيز شرح الوجيز 141:7، روضة الطالبين 193:5.

كان، و لعمرو بمثل نصيب ابن خامس لو كان، ففي استخراج حسابها طريقان:

الأوّل: أن نقول: المسألة من اثنين لو لم تكن وصيّة، و من أربعة لو كانوا أربعة، و من خمسة لو كانوا خمسة، فهنا اثنان و أربعة و خمسة، و الاثنان و الأربعة متداخلان، فنحذف الاثنين، و نضرب أربعة في خمسة يبلغ عشرين ينقسم علي الاثنين بلا وصيّة، و علي الأربعة لو كانوا لكلّ واحد خمسة، و علي الخمسة لو كانوا لكلّ واحد أربعة، فنزيد تسعة علي الفريضة، فالفريضة تسعة و عشرون، لزيد خمسة، و لعمرو أربعة، و الباقي للابنين.

الثاني: أن نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة زيد لكان له سهم من خمسة، فيقسّم الباقي علي خمسة؛ لوصيّته لعمرو بمثل نصيب ابن خامس، فيخرج من القسمة أربعة أخماس، و هي نصيب كلّ ابن لو كانوا خمسة، فتزيد علي الخمسة، لعمرو أربعة أخماس يكون خمسة و أربعة أخماس، لزيد منها واحد، و لعمرو أربعة أخماس، و الباقي للابنين، فإذا بسطتها أخماسها كانت تسعة و عشرين.

أو نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة عمرو لكان له سهم من ستّة، فيقسّم الباقي علي أربعة؛ لوصيّة زيد بمثل نصيب ابن رابع، فيخرج من القسمة واحد و ربع، و ذلك نصيب كلّ ابن لو كانوا أربعة، فنزيد علي الستّة لزيد واحدا و ربعا يكون سبعة و ربعا، لعمرو منها واحد، و لزيد واحد و ربع، و إذا بسطتها أرباعا كانت تسعة و عشرين.

و لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، و لعمرو بمثل نصيب ابن رابع لو كان، فعلي الطريق الأوّل المسألة من اثنين، و من

ص: 369

ثلاث لو كانوا ثلاثة، و من أربعة لو كانوا أربعة، نسقط الاثنين؛ لدخولهما في الأربعة، و نضرب ثلاثة في أربعة تصير اثني عشر، تنقسم علي الاثنين و علي ثلاثة لكلّ واحد أربعة، و علي أربعة لكلّ واحد ثلاثة، فنزيد الثلاثة و الأربعة علي اثني عشر تكون تسعة عشر، لزيد أربعة، و لعمرو ثلاثة، و الباقي للابنين.

و علي الثاني لو لم تكن إلاّ وصيّة زيد، لكان له سهم من أربعة، يقسّم الباقي علي أربعة للوصيّة الأخري، تخرج من القسمة ثلاثة أرباع هي نصيب كلّ واحد لو كانوا أربعة، فنزيد ثلاثة أرباع علي الأربعة لعمرو، و منها تصحّ القسمة، فإذا بسطتها أرباعا كانت تسعة عشر.

أو نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة عمرو، لكان له سهم من خمسة، يقسّم الباقي علي ثلاثة للوصيّة الأخري، يخرج من القسمة واحد و ثلث، و ذلك نصيب كلّ واحد، و لو كانوا ثلاثة فنزيد واحدا و ثلثا علي الخمسة لزيد تبلغ ستّة و ثلثا، و منها تصحّ القسمة، و إذا بسطتها أثلاثا كانت تسعة عشر.

مسألة 229: لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما،

و لعمرو بمثل نصيب الثاني، فإن أجازا الوصيّتين قسّم المال بينهم أرباعا، و إن ردّا الوصيّتين فعندنا تبطل الوصيّة الثانية.

و يحتمل عندي أنّه لو قصد الموصي التشريك مع عدم الإجازة دون الترتيب، ارتدّت الوصيّتان إلي الثّلث، فكان الثّلث بينهما بالسويّة.

و لو أجازا إحداهما و ردّا الأخري، فإن قصد التشريك أخذ كلّ واحد منهما سدس المال استحقاقا، و يأخذ الذي أجيز له مع ذلك نصف سدس آخر؛ اعتبارا بحال من أجاز الوصيّة بما لو أجازا الوصيّتين، و بحال الآخر

ص: 370

بما لو ردّاهما، و تصحّ من أربعة و عشرين، للّذي أجازا وصيّته ستّة، و للآخر أربعة، و لكلّ ابن سبعة.

و عن بعض الشافعيّة: إنّ الذي أجازا له يضمّ سدسه إلي ما للابنين، و يقسّمونه أثلاثا، و الذي ردّا وصيّته يأخذ السّدس، و تصحّ من ثمانية عشر(1).

و لو أجاز أحد الولدين لأحدهما دون الآخر و ردّ الثاني الوصيّتين، فعلي الأوّل - و هو مذهب الشافعيّة(2) - المسألة من أربعة و عشرين، لمن لم يجيزا له أربعة، و الذي أجيز له يستحقّ أربعة بغير إجازة، و مع الإجازة ستّة، فيأخذ أربعة و سهما ممّن أجاز له، فيحصل له خمسة، و للمجيز سبعة، و للرادّ ثمانية.

و علي قول بعض الشافعيّة الفريضة من ثمانية عشر، للموصي لهما ستّة بأصل الوصيّة، لكلّ واحد ثلاثة، يبقي لكلّ ابن ستّة، و يدفع المجيز ممّا في يده ثلاثة أرباع سهم إلي من أجاز له؛ لأنّهما لو أجازا لهما كان لكلّ واحد منهم أربعة و نصف، فإذا أجاز أحدهما أعطاه نصف ما بقي، و هو سهم إلاّ ربعا، فيحصل له أربعة إلاّ ربعا، و للمجيز خمسة و ربع، و للآخر ستّة، و للموصي له الآخر ثلاثة(3).

مسألة 230: لو أوصي له بمثل نصيب من لا نصيب له،

بطلت الوصيّة، مثل: أن يوصي بمثل نصيب ابنه و هو غير وارث؛ لكونه كافرا أو قاتلا أو رقيقا، أو أوصي بمثل نصيب أخيه و هو محجوب عن ميراثه،

ص: 371


1- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 5: 194.
2- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 5: 194.
3- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 194:5 - 195.

فلا شيء للموصي له؛ لأنّه لا نصيب لمن أضاف المثل إليه.

مسألة 231: لو أوصي لواحد بثلث ماله،

و لآخر بربعه، و لآخر بخمسه، و لآخر بمثل وصيّة أحدهم، فهي وصيّة بالخمس؛ تنزيلا علي أقلّ المراتب؛ لأنّه المتيقّن.

و لو أوصي لرجل بعشر، و لآخر بستّة، و لآخر بأربعة، و لآخر بمثل وصيّة أحدهم، فله أربعة؛ لأنّه المتيقّن، و لو قال: فلان شريكهم، فله خمس ما لكلّ واحد منهم.

و لو أوصي لأحدهم بمائة، و لآخر بدار، و لآخر بعبد، ثمّ قال: فلان شريكهم، احتمل أن يكون له نصف ما لكلّ واحد منهم؛ لأنّه هنا يشارك كلّ واحد منهم منفردا، و الشركة تقتضي التسوية، فلهذا كان له النصف، بخلاف الأوليين، فإنّهم كلّهم مشتركون.

و يحتمل أن يكون له الرّبع في الجميع.

مسألة 232: لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لثلاثة بمثل أنصبائهم،

فالمال بينهم علي ستّة مع إجازة جميع الورثة، و لو ردّوا فمن تسعة، للموصي لهم الثّلث ثلاثة، و الباقي بين البنين علي ثلاثة.

و لو أجازوا لواحد و ردّوا علي اثنين، فللمردود عليهما التّسعان اللّذان كانا لهما في حال الردّ عليهم، و في المجاز له وجهان:

أحدهما: له السّدس الذي كان له في حال الإجازة - و هو قول أبي يوسف و ابن سريج من الشافعيّة(1) - فيأخذ السّدس و التّسعين من مخرجهما، و هو ثمانية عشر، يبقي أحد عشر بين البنين، تضرب عددهم في ثمانية عشر، تكون أربعة و خمسين، للمجاز له السّدس تسعة، و لكلّ

ص: 372


1- المغني 484:6، الشرح الكبير 578:6.

واحد من صاحبيه ستّة، و لكلّ ابن أحد عشر.

الثاني: أن يضمّ المجاز له إلي البنين و يقسّم الباقي بعد التّسعين عليهم و هم أربعة تنكسر عليهم، تضرب أربعة في تسعة تكون ستّة و ثلاثين.

فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتمّوا لكلّ واحد منهم تمام [سدس](1) المال، فيصير المال بينهم أسداسا علي الأوّل، و علي الآخر يضمّون ما حصل لهم - و هو أحد و عشرون من ستّة و ثلاثين - إلي ما حصل لهما، و هو ثمانية، و يقتسمونه بينهم علي خمسة، و لا تصحّ، تضرب خمسة في ستّة و ثلاثين، تكون مائة و ثمانين، و منها تصحّ.

و لو أجاز أحد البنين لهم و ردّ الآخران عليهم، فللمجيز السّدس، و هو ثلاثة من ثمانية عشر، و للّذين لم يجيزا أربعة أتساع، و هي ثمانية، تبقي سبعة بين الموصي لهم علي ثلاثة، تضربها في ثمانية عشر، تكون أربعة و خمسين.

و لو أجاز واحد لواحد، دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل، و هو ثلث سهم من ثمانية عشر، فاضربها في ثلاثة تصير أربعة و خمسين.

البحث السادس: في الوصيّة بالضّعف و الجزء و النصيب.
مسألة 233: لو أوصي له بضعف نصيب

مسألة 233: لو أوصي له بضعف نصيب(2) ابنه،

فللموصي له مثلاه - و به قال الشافعي(3) - عملا بالمتعارف في اللغة.

ص: 373


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 485:6، و الشرح الكبير 579:6.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 204:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 464، نهاية المطلب 59:11، حلية العلماء 105:6، التهذيب - للبغوي - 5: -

قال اللّه تعالي: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ (1) و قال تعالي: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ (2) و قال تعالي: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (3).

و قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: الضّعف: المثل، قال اللّه تعالي:

يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ (4) أي: مثلين، و قال تعالي: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ (5) أي مثلين، و إذا كان الضّعفان مثلين فالواحد مثل(6).

و روي ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي، قال: العرب تتكلّم بالضّعف مثنّي، فتقول: إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه، أي مثلاه(7).

و قال أبو عبيدة معمر بن المثنّي: ضعف الشيء [هوو] مثله، و ضعفاه [هوو] مثلاه، و ثلاثة أضعافه أربعة أمثاله(8).

مسألة 234: لو أوصي له بضعفي نصيب ابنه،

فله ثلاثة أمثاله، و إن أوصي بثلاثة أضعافه فله أربعة أمثاله، و علي هذا كلّما زاد ضعفا زاد مرّة

ص: 374


1- سورة الإسراء: 75.
2- سورة سبأ: 37.
3- - 67، البيان 216:8، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 481:6، الشرح الكبير 572:6.
4- سورة الأحزاب: 30.
5- سورة البقرة: 265.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 572:6، و العمراني في البيان 261:8.
7- الأضداد: 131، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 6: 572-573.
8- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 573:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما، و راجع أيضا: الأضداد - لابن الأنباري -: 131.

- و به قال الشافعي(1) - لما تقدّم(2) من قول أبي عبيدة.

و قال أبو ثور: ضعفاه: أربعة أمثاله، و ثلاثة أضعافه: ستّة أمثاله؛ لأنّه قد ثبت أنّ ضعف الشيء مثلاه، فتثنيته: مثلا مفرده، كسائر الأسماء(3).

و قال بعضهم: ضعفاه: مثلاه؛ لقوله تعالي: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ (4)(5) قال عكرمة: تحمل في كلّ عام مرّتين(6) ، و قال عطاء:

أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين(7).

و لا خلاف بين المفسّرين أنّ قوله تعالي: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ (8) أنّ المراد به مرّتين؛ بدليل قوله تعالي: نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ (9) و يستحيل أن يجعل أجرها علي العمل الصالح مرّتين، و عذابها علي الفاحشة ثلاث مرّات.

و المشهور: أنّ الضّعف عبارة عن الشيء و مثله، فلو أوصي بضعف1.

ص: 375


1- مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 205:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 464، نهاية المطلب 59:11، الوجيز 280:1، حلية العلماء 106:6، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 217:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 481:6، الشرح الكبير 573:6.
2- في ص 374.
3- الحاوي الكبير 205:8، حلية العلماء 106:6، البيان 217:8، المغني 6: 482، الشرح الكبير 573:6.
4- سورة البقرة: 265.
5- المغني 481:6 و 482، الشرح الكبير 573:6.
6- الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) 264:2، معالم التنزيل (تفسير البغوي) 1: 383، المغني 482:6، الشرح الكبير 573:6.
7- نفس المصادر في الهامش السابق، مضافا إلي: التفسير الكبير - للرازي - 61:7.
8- سورة الأحزاب: 30.
9- سورة الأحزاب: 31.

نصيب ابنه و لا وارث سواه، فهي وصيّة بالثّلثين.

و لو قال: ضعف نصيب أحد أولادي، أو أحد ورثتي، أعطي مثلي نصيب أقلّهم نصيبا، فإن كانوا ثلاثة بنين بسطت المال علي خمسة لكلّ ابن سهم، و للموصي له سهمان.

و لو أوصي لزيد بمائة و لعمرو بضعفها، فهي وصيّة بمائتين.

و ضعفا الشيء نفس ذلك الشيء و مثلاه علي ما تقدّم(1) ، فلو أوصي بضعفي نصيب ابنه و له واحد، فالوصيّة ثلاثة أرباع المال.

و لو أوصي بضعفي نصيب أحد بنيه الثلاثة، قسّم المال علي ستّة لكلّ واحد سهم، و للموصي له ثلاثة.

و عند أبي حنيفة: إذا أوصي بضعفي الشيء أعطي مثله أربع مرّات(2) ، و هو منسوب إلي مالك(3).

و الأوّل أجود؛ لأنّ المراد من الضّعفين أن يضعف مرّة بعد مرّة، و لأنّ اللفظ محتمل له، فيحمل عليه؛ لأنّه المتيقّن.

و لو قال: ضعف ضعفه، فهو ثلاثة أمثاله.

مسألة 235: إذا أوصي له بحظّ أو نصيب أو قسط أو بعض أو قليل أو وافر،

رجع في تفسير ذلك إلي الورثة، و يقبل تفسيرهم بأقلّ ما يتموّل؛ لوقوع هذه الألفاظ علي ذلك.

و قال الشافعي: لو قال: أعطوه جزءا أو شيئا أو سهما أو كثيرا،

ص: 376


1- في ص 374.
2- الوسيط 473:4، العزيز شرح الوجيز 145:7.
3- العزيز شرح الوجيز 145:7.

فكذلك(1).

و قد بيّنّا فيما تقدّم(2) ما يحمل عليه.

و أبو حنيفة و أحمد وافقا الشافعي في الجزء و النصيب و الحظّ و القسط(3).

و قال أبو حنيفة: لو قال: أعطوه كثيرا أو عظيما، لم يقبل التفسير بأقلّ ما يتموّل(4).

و في لفظ السهم عنه روايتان:

أظهرهما: أنّ للموصي له أقلّ الأمرين من نصيب أقلّ الورثة نصيبا، و من سدس ماله.

و الثانية: له أكثر الأمرين من السّدس أو نصيب أقلّهم(5).

إذا عرفت هذا، فلو عيّن الورثة له قدرا من المال رجع إليهم و إن قلّ، فإن ادّعي الموصي له أنّ الموصي أراد أكثر من ذلك، قدّم قول الوارث2.

ص: 377


1- الأم 90:4، مختصر المزني: 142، الحاوي الكبير 205:8 و 206، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 61:11، حلية العلماء 101:6، التهذيب - للبغوي - 69:5، البيان 213:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 476:6 و 478، الشرح الكبير 579:6-580.
2- في ص 348-354، المسائل 213-216.
3- الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 2165/26:5، المبسوط - للسرخسي - 88:28، بدائع الصنائع 356:7، الهداية - للمرغيناني - 237:4، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 478:6، الشرح الكبير 6: 579-580، العزيز شرح الوجيز 145:7.
4- العزيز شرح الوجيز 145:7.
5- المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3865/686:2 و 3866، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، حلية العلماء 101:6 - 102.

مع اليمين علي أنّه لا يعلم أنّ الموصي أراد الزيادة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يحلف علي ذلك، بل علي أنّه لا يعلم استحقاق الزيادة، و سلّم أنّه لو أقرّ بمبهم و مات و جري مثل هذا النزاع بين المقرّ له و بين الورثة، يحلف الوارث علي نفي [إرادة](1) المورّث، و فرّق بأنّ الإقرار إخبار، و الوصيّة إنشاء(2).

و لا حجّة فيه؛ فإنّ الموصي قد يخبر الوارث بما أراد إمّا قبل الإنشاء أو بعده، فاحتمال اطّلاع الوارث قائم في الصورتين.

مسألة 236: لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ شيئا،

قبل من الوارث تفسير الموصي به و تنزيله علي أقلّ ما يتموّل، و حمل الاستثناء علي مال كثير؛ لأنّه المتيقّن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ هذه وصيّة بنصف الثّلث ليكون المستثني دون النصف، فعلي الوارث أن يعطيه السّدس و يزيد ما شاء، قال: و كذا لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ قليلا، و لو قال: أعطوه الثّلث إلاّ كثيرا، جاز أن يعطيه الوارث أقلّ من النصف(3).

و المشهور: ما تقدّم.

مسألة 237: لو قال: أعطوه من واحد إلي عشرة،

أعطي ثمانية؛ لأنّه المتيقّن.

و لو أراد الحساب، أعطي خمسة و خمسين الحاصل من جمع واحد

ص: 378


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب - للبغوي - 69:5، العزيز شرح الوجيز 146:7، روضة الطالبين 5: 195.
3- العزيز شرح الوجيز 146:7، روضة الطالبين 197:5.

إلي عشرة علي توالي العدد.

و لو قال: أعطوه واحدا في عشرة أو ستّة في خمسة، أعطي ما يقتضيه الضرب.

و لو قال: أعطوه أكثر مالي، فالوصيّة بما يزيد علي النصف.

و لو قال: أعطوه أكثر مالي و نصفه، فهي وصيّة بما يزيد علي ثلاثة أرباع ماله، و لو قال: أكثر مالي و مثله، فهي وصيّة بالجميع.

و لو قال: أعطوه معظم الألف أو عامّته، فهي وصيّة بما يزيد علي النصف.

و لو قال: أعطوه دراهم أو دنانير، أعطي أقلّ الجمع، و هو ثلاثة، و يعطي من غالب نقد البلد، فإن لم يكن غالب تخيّر الوارث.

و لو قال: كذا درهما و كذا و كذا، فكما في الإقرار.

و لو قال: أعطوه مائة و درهما، أو ألفا و درهما، لم تتعيّن المائة و الألف في الدرهم.

مسألة 238: إذا أوصي بجزء من ماله معيّن و له ورثة،

نسبت جزء الوصيّة إلي ما يبقي من المال الذي هو مخرج الوصيّة و تزيد بمثل نسبته علي مسألة الورثة، فما بلغ صحّت منه المسألتان.

و إن كان فيه كسر، ضربته في مخرج الكسر، فما بلغت صحّت القسمة منه، فلو أوصي بثلث ماله و خلّف ابنين و بنتين، فمسألة الوصيّة من ثلاثة، و مسألة الورثة من ستّة، و نسبة جزء الوصيّة - و هو واحد - إلي ما بقي من مخرجها - و هو الثلاثة - مثل النصف؛ لأنّ الباقي بعد إخراج الواحد اثنان، و الواحد مثل نصف الاثنين، و يزاد علي مسألة الورثة و هي ستّة مثل نصفها، تصير تسعة، و يعطي الموصي له الثّلث؛ لأنّه تبقي ستّة تصحّ علي الورثة.

ص: 379

و لك طريق آخر: أن تنظر الباقي و مسألة الورثة، فطن تباينتا ضربت مسألة الورثة في مخرج الوصيّة، و إن توافقتا ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصيّة، فما بلغ صحّت منه القسمة.

ثمّ من له شيء من مخرج الوصيّة يأخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصيّة، و من له شيء من مسألة الورثة أخذه مضروبا فيما يبقي من مخرج الوصيّة بعد إخراج جزء الوصيّة إن كان الباقي مع مسألة الورثة متباينين، و إن توافقتا ففي وفق الباقي.

فلو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بثلث ماله، فمسألة الورثة من ثلاثة و مخرج الوصيّة ثلاثة، و الباقي بعد جزء الوصيّة اثنان لا ثلث لها، تضرب ثلاثة في مخرج الوصيّة تبلغ تسعة، كان للموصي له سهم، فيأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج الوصيّة، و كان لكلّ ابن سهم من فريضة الورثة يأخذه مضروبا في الباقي من مخرج الوصيّة بعد إخراج جزء الوصيّة، و هو اثنان.

و علي الأوّل نقول: جزء الوصيّة نصف الباقي من مخرجها، فتزيد علي فريضة الورثة نصفها تكون أربعة و نصفا تبسطها أنصافا تبلغ تسعة.

و لو خلّف أبوين و خمس بنات و أوصي بخمس ماله، الفريضة ثلاثون، و الوصيّة تصحّ من خمسة، تضرب وفق الباقي بعد إخراج جزء الوصيّة - و هو أربعة - في ثلاثين، و كان لكلّ واحد من الأبوين من الفريضة خمسة يأخذه مضروبا في نصف الأربعة، تكون عشرة.

و علي الأوّل جزء المخرج مثل ربع الباقي، فتزيد علي الثلاثين ربعها، و هو سبعة و نصف، تبسطها أنصافا، فتكون خمسة و سبعين.

و لو خلّف أبوين و أوصي بثمن ماله لرجل و بخمسه لآخر، الفريضة

ص: 380

من ثلاثة، و مخرج الجزأين أربعون، يخرج خمسها ثمانية، و ثمنها خمسة، تبقي سبعة و عشرون تقسّم علي ثلاثة.

و لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بربع ماله لرجل و بنصف سدسه لآخر، الفريضة من ثلاثة، و مخرج الوصيّتين اثنا عشر، و مجموع الجزأين أربعة إذا خرجت تبقي ثمانية لا ثلث لها.

فعلي الثاني لا موافقة، فتضرب ثلاثة في اثني عشر، تبلغ ستّة و ثلاثين منها تنقسم.

و علي الأوّل نقول: ما خرج من الوصيّتين نصف الباقي من مخرجهما، فتزيد علي مسألة الورثة نصفها يبلغ أربعة و نصفا، تبسطها أنصافا، تكون تسعة، لكن نصيب الموصي لهما من مخرج الوصيّتين أربعة، و نصيبهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم علي أربعة، و لا وفق، تضرب أربعة في تسعة، تبلغ ستّة و ثلاثين.

و لو كان البنون ستّة و الوصيّتان بحالهما، فعلي الثاني الباقي - و هو ثمانية - لا يصحّ علي ستّة، و لكن يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف الستّة في اثني عشر، تبلغ ستّة و ثلاثين، و الطريق الأوّل كما سبق.

مسألة 239: لو أوصي بأكثر من الثّلث،

فإن أجاز الورثة نفذت، و إن ردّوا، فإن كانت الوصيّة لشخص واحد صحّ له الثّلث، و إن كانت لجماعة يشتركون فيه إمّا بجزء كالنصف، أو بجزأين كالنصف و الرّبع، فالاعتبار بإجازة الورثة و ردّهم، فإن أجازوا نفذ الجميع، و إن ردّوا دخل النقص علي الأخير عندنا، و قالت العامّة: علي الجميع(1).

ص: 381


1- العزيز شرح الوجيز 150:7.

و الوجه عندي: أنّه لو نصّ علي التشريك و عدم التقديم بمجرّد السبق في اللفظ، فكذلك.

و لو أوصي لواحد بجزء و لآخر بجزء، فإن أجاز الورثة دفع إلي كلّ واحد منهم ما سمّي له، و قسّم الباقي بين الورثة علي ما تقدّم، و إن ردّوا ما زاد علي الثّلث قسّم الثّلث بينهم علي نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة إن نصّ علي التشريك، و عدم الالتفات إلي التقديم لفظا.

و لا فرق بين أن يزيد أحد الجزأين وحده علي الثّلث كالنصف و الثّلث، أو لا يزيد واحد منهما كالثّلث و الرّبع، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن لم يكن في الأجزاء ما يزيد علي الثّلث، يقسّم هكذا علي التفاوت، و إن كان فيها ما يزيد وحده علي الثّلث، فلا تعتبر الزيادة في القسمة عند الردّ، حتي لو أوصي لواحد بالنصف و لآخر بالثّلث و ردّ الورثة، قسّم الثّلث بينهما بالسويّة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه أوصي بجزأين مختلفين لشخصين، فإذا ارتدّت القسمة إلي الثّلث روعي تفاوت الجزأين، كما لو أوصي بجزأين لا يزيد واحد منهما علي الثّلث.

فلو خلّف أبوين و ابنين و أوصي لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و أجازوا الوصيّتين، فريضة الورثة من ستّة، و كذا مخرج الوصيّتين، و الباقي بعد إخراج الوصيّتين واحد، فعلي الأوّل جزء الوصيّة خمسة أمثال الباقي من مخرجها، فتزاد علي الفريضة خمسة أمثالها، تبلغ ستّة و ثلاثين، و علي الثاني تضرب الستّة في مسألة الورثة، تصير ستّة و ثلاثين.7.

ص: 382


1- العزيز شرح الوجيز 150:7، روضة الطالبين 199:5.
2- العزيز شرح الوجيز 150:7.

و لو ردّوا الوصيّتين إلي الثّلث، قسّمنا الثّلث بينهما علي خمسة؛ لأنّ نصيبهما بتقدير الإجازة خمسة من ستّة، و له طريقان:

أحدهما: أن ننظر إلي ما زاد من جملة الوصايا علي الثّلث، و ننقص بتلك النسبة عن نصيب كلّ واحد من الموصي لهم، و نسبة ما زاد في هذه الصورة ثلاثة أخماس؛ لأنّ مجموع الوصيّة بخمسة من ستّة، لكن مخرج الوصيّة لا خمس له، و نصيب كلّ واحد منهما لا خمس له، فنضرب مخرج الخمس في ستّة يكون ثلاثين، منها خمسة عشر للموصي له بالنصف، و عشرة للموصي له بالثّلث، ينقص من كلّ واحد من النصيبين ثلاثة أخماسه، يبقي للأوّل ستّة، و للثاني أربعة، و يبقي عشرون للورثة، و هذه الأنصباء متوافقة بالنصف، فنردّها إلي أنصافها، و تقسّم من خمسة عشر.

الثاني: إنّا إذا كنّا نقسّم الثّلث بينهما أخماسا، فالستّة التي هي مخرج الوصيّتين لا ينقسم ثلثها أخماسا، فنطلب مالا لثلثه خمس، فنضرب مخرج الثّلث في مخرج الخمس، يكون خمسة عشر، يدفع ثلثها إليهما، ثلاثة إلي الموصي له بالنصف، و اثنين إلي الآخر، تبقي عشرة للورثة لا تصحّ علي ستّة، لكن يتوافقان بالنصف، فنضرب نصف الستّة فيما صحّت منه الوصيّتان، و هو خمسة عشر، يكون خمسة و أربعين.

مسألة 240: لو استغرقت الوصايا المال بأسره،

فإن أجاز الورثة قسّم المال بين أرباب الوصايا، و إن ردّوا قسّم الثّلث بينهم علي نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة علي تقدير إرادة التشريك.

و لو زادت الوصايا علي المال، كما لو أوصي لواحد بجميع ماله و لآخر بثلث ماله و قصد التشريك و عدم التقديم، عالت المسألة بثلثها إلي أربعة، فيقسّم المال علي أربعة، لصاحب الجميع ثلاثة، و للآخر واحد.

ص: 383

و لو ردّوا، قسّم الثّلث علي أربعة أيضا، و تكون قسمة الوصيّة من اثني عشر، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن ردّوا، قسّم الثّلث بينهما بالسويّة، و إن أجازوا ففيه روايات:

منها: أنّ صاحب الجميع ينفرد بدعوي الثّلثين، فيسلم له الثّلثان، و يتزاحمان معا في الثّلث، فيشتركان فيه، فيكون لصاحب الجميع خمسة أسداس، و للآخر سدس.

و هذا عندنا في الدعاوي، فيحتمل في الوصيّة أيضا.

و منها: أنّ الوصيّة بالثّلث لازمة، فيستويان فيه، ثمّ الموصي له بالجميع يأخذ نصف المال؛ لأنّه لا منازع فيه، يبقي من المال سدس يتنازعان فيه، فيكون بينهما، فيحصل للأوّل ثلاثة أرباع، و للآخر ربع(2).

و لو أوصي لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و لآخر بالرّبع، فإن أجاز الورثة قسّم المال بينهم علي ثلاثة عشر سهما، و إن ردّوا قسّم الثّلث علي ثلاثة عشر، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إن أجازوا سلم لصاحب النصف السّدس الذي يفضل به علي صاحب الثّلث، ثمّ كلّ واحد من صاحب النصف و صاحب7.

ص: 384


1- الحاوي الكبير 208:8 و 209، التهذيب - للبغوي - 70:5، البيان 218:8، العزيز شرح الوجيز 151:7، روضة الطالبين 200:5، روضة القضاة 2: 3815/677-3817.
2- روضة القضاة 3815/677:2 و 3818، المغني 498:6-499، الشرح الكبير 590:6، البيان 218:8-219، العزيز شرح الوجيز 151:7-152.
3- الحاوي الكبير 207:8، حلية العلماء 108:6، التهذيب - للبغوي - 70:5، البيان 218:8، العزيز شرح الوجيز 152:7.

الثّلث يفضل علي صاحب الرّبع بنصف سدس، فيأخذ كلّ واحد منهما نصف سدس المال، ثمّ يقسّم الباقي أثلاثا.

و إن ردّوا، فالموصي له بأكثر من الثّلث لا يضرب إلاّ بالثّلث، و يقسّم الثّلث بينهم علي أحد عشر سهما، لصاحب النصف أربعة، و كذا لصاحب الثّلث، و لصاحب الرّبع ثلاثة(1).

مسألة 241: لو أوصي لإنسان بعبد قيمته مائة و لآخر بجارية

قيمتها ألف و لثالث بخمسمائة و ثلث ماله ثمانمائة، فقد أوصي بثلثي ماله، فإن لم يجز الورثة فالزائد علي الثّلث مثل جميع الوصايا، فتردّ كلّ وصيّة إلي نصفها، و يخصّ كلّ واحد منهم بنصف ما عيّن له إن نصّ علي التشريك و عدم التقديم.

و لو أوصي لزيد بعشرة و لبكر بعشرة و لخالد بخمسة، و ثلث ماله عشرون، و لم يجز الورثة، و قصد التشريك، قسّمنا العشرين بينهم علي خمسة، لكلّ من زيد و بكر ثمانية، و لخالد أربعة؛ لأنّهم لو أجازوا كان الخمسة و العشرون بينهم علي خمسة أسهم.

و لو قال: قدّموا خالدا علي بكر، كان لزيد ثمانية، و لبكر سبعة، و لخالد خمسة؛ لأنّه قدّم خالدا علي بكر، فتمّمنا له الخمسة التي كان يأخذها مع إجازة الوصايا، و أدخلنا النقص علي بكر.

و لو قال: قدّموا خالدا عليهما، فنتمّ له الخمسة، و دخل النقص عليهما بالسويّة، فيكون لكلّ واحد سبعة و نصف.

مسألة 242: لو أوصي لرجل بجزء مقدّر و لآخر بمثل نصيب وارث،

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 152:7، الحاوي الكبير 207:8، البيان 218:8.

احتمل و جهان:

[الأوّل]: إعطاء الجزء لصاحبه، و قسمة الباقي بين الورثة و الموصي له كأنّه ذلك الوارث إن أجازوا، و إن ردّوا قسّم الثّلث بين الوصيّتين علي حسب ما كان لهما قبل الإجازة، و الثّلثان بين الورثة.

و الثاني: إعطاء صاحب النصيب مثل نصيب الوارث كأن لا وصيّة سواها، فلو أوصي بثلث ماله لرجل و لآخر بمثل نصيب أحد بنيه و هم ثلاثة.

فعلي الأوّل للموصي له بالثّلث الثلث، و ما بقي بين البنين و الموصي له علي أربعة، و تصحّ من ستّة، لصاحب الثّلث سهمان، و للآخر سهم، فإن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين علي ثلاثة، و الثّلثان بين البنين علي ثلاثة، و تصحّ من تسعة.

و علي الآخر لصاحب الثّلث الثلث، و للآخر الرّبع إن أجيز لهما، و إن ردّ عليهما قسّمت الثّلث بينهما علي سبعة، و الثّلثان للورثة، و تصحّ من ثلاثة و ستّين.

و لو زاد الجزء علي الثّلث، مثل أن يوصي لرجل بالنصف و لآخر بمثل نصيب أحد بنيه، ففيه وجه ثالث، و هو أن يجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثّلثين، و هو ربعهما؛ لأنّ الثّلثين حقّ الورثة لا يؤخذ منهما شيء إلاّ بإجازتهم و رضاهم، فيكون صاحب النصيب كواحد منهم، فلا ننقص من السّدس شيئا إلاّ بإجازته.

فعلي الأوّل لصاحب الجزء النصف، و النصف الباقي بين الآخر و البنين علي أربعة، و تصحّ من ثمانية إن أجازوا، و إن ردّوا قسّمت الثّلث بين الوصيّتين علي خمسة، و الثّلثين بين البنين علي ثلاثة، و تصحّ من

ص: 386

خمسة و أربعين.

و علي الثاني لصاحب النصف النصف، و للآخر الرّبع، و يبقي الرّبع بين البنين، و تصحّ من اثني عشر، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين علي ثلاثة [و] تصحّ من تسعة.

و علي الثالث لصاحب النصف النصف، و للآخر السّدس، و يبقي الثّلث بين البنين علي ثلاثة، و تصحّ من ثمانية عشر، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين علي أربعة، و تصحّ من ستّة و ثلاثين.

و إن أوصي لصاحب الجزء بالثّلثين، فعلي الوجه الأوّل لصاحب النصيب ربع الثّلث سهم من اثني عشر إن أجازوا، و إن ردّوا قسّمت الثّلث بين الوصيّتين علي تسعة.

و علي الوجه الثاني يكون له الرّبع في حال الإجازة، و في حال الردّ يكون الثّلث بين الوصيّتين علي أحد عشر.

و علي الوجه الثالث يكون له السّدس في الإجازة، و في الردّ يقسّم الثّلث بين الوصيّتين علي خمسة.

و لو أوصي لرجل بجميع ماله، و لآخر بمثل نصيب أحد ورثته، فعلي الوجه الأوّل لا يصحّ للموصي له الأخير شيء في إجازة و لا ردّ.

و علي الوجه الثاني يقسّم الوصيّتان، المال بينهما علي خمسة في الإجازة، و الثّلث علي خمسة في الردّ.

و علي الثالث يقسّمان المال علي سبعة في الإجازة، و الثّلث علي سبعة في الردّ.

مسألة 243: لو خلّف ستّمائة و أوصي لرجل بمائة و لآخر بتمام

ص: 387

الثّلث، فلكلّ واحد منهما مائة؛ لأنّه الثّلث، فإن ردّ الأوّل وصيّته فللثاني مائة.

و لو وصّي للأوّل بمائتين و للآخر بتمام الثّلث، فلا شيء للثاني، سواء ردّ الأوّل وصيّته أو أجازها، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن ردّ الأوّل فللثاني المائتان في المسألتين معا(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المائتين ليست باقي الثّلث و لا تمامه، فلا تتعلّق وصيّة الثاني بها، كما لو قبل الأوّل.

و لو وصّي لعبد الغير بثلثه و لآخر بتمام الثّلث، فلا شيء للثاني.

و علي قول أبي حنيفة له الثّلث كملا(3).

مسألة 244: لو وصّي لرجل بثلث ماله و لآخر بمائة و لثالث بتمام الثّلث

علي المائة و لم يزد الثّلث علي مائة، بطلت وصيّة التمام.

و لو زاد علي المائة و أجاز الورثة، نفذت الوصايا علي ما وصّي لهم.

و إن ردّوا و قصد التشريك، احتمل ردّ كلّ واحد منهما إلي نصف وصيّته؛ لأنّ الوصايا رجعت إلي نصفها، فيدخل النقص علي كلّ واحد بقدر ما له في الوصيّة.

و احتمل أن لا شيء لصاحب التمام حتي تكمل المائة لصاحبها، ثمّ يكون الثّلث بين الوصيّتين الأخريين نصفين، و يزاحم صاحب المائة لصاحب التمام، و لا يعطيه شيئا؛ لأنّه إنّما يستحقّ بعد تمام المائة لصاحبها، و ما تمّت له، [و](4) يجوز أن يزاحم به و لا يعطيه.

ص: 388


1- المغني 495:6، الشرح الكبير 569:6.
2- المغني 495:6، الشرح الكبير 569:6.
3- كما في المغني 495:6، و الشرح الكبير 570:6.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
مسألة 245: لو أوصي بأجزاء من المال،

أخذتها من مخرجها، و قسّمت الباقي علي الورثة كما تقدّم(1).

و لو لم يجيزوا، قسّمت الثّلث بين الأوصياء علي قدر سهامهم في حال الإجازة، و قسّمت الثّلثين علي الورثة.

و لا فرق بين أن يكون الموصي لهم من تجاوز وصيّته الثّلث أو لا، و به قال عامّة الجمهور، كالحسن و النخعي و مالك و ابن أبي ليلي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد و أبي يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة و أبو ثور و ابن المنذر: لا يضرب الموصي له في حال الردّ بأكثر من الثّلث؛ لأنّ ما جاوز الثّلث باطل، فكيف يضرب به!؟(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه فاضل بينهما في الوصيّة، فلا تجوز التسوية، كما لو وصّي بثلث و ربع أو بمائة و مائتين و ماله أربعمائة، و هذا يبطل قولهم.

و لأنّها وصيّة صحيحة ضاق عنها الثّلث، فتقسّم بينهم علي قدر الوصايا، كالثّلث و الرّبع، فلو أوصي لزيد بنصف ماله و لعمرو بربعه، فللموصي لهما ثلاثة أرباع المال إن أجاز الورثة، و الرّبع للورثة، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين علي ثلاثة، و تصحّ المسألة بأسرها من تسعة.

و لو أجازوا لأحدهما دون صاحبه، ضربت مسألة الردّ في مسألة الإجازة، و أعطيت المجاز له سهمه من مسألة الردّ مضروبا في مسألة الإجازة.

و إن أجاز بعض الورثة لهما و ردّ بعض عليهما، أعطيت المجيز سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الردّ، و من لم يجز سهمه من مسألة

ص: 389


1- في ص 385 و ما بعدها، المسألة 242.
2- المغني 496:6، الشرح الكبير 587:6.
3- المغني 496:6، الشرح الكبير 587:6.

الردّ مضروبا في مسألة الإجازة، و قسّمت الباقي بين الوصيّتين علي ثلاثة.

و لو اتّفقت المسألتان، ضربت وفق إحداهما في الأخري، و إن دخلت إحدي المسألتين في الأخري، اجتزأت بأكثرهما.

و لو أوصي بثلثي ماله و نصفه و ثلثه، فالمال بينهم علي تسعة مع الإجازة، و الثّلث علي تسعة مع عدمها.

و قال أبو حنيفة: صاحب الثّلثين يفضلهما بسدس فيأخذه، و هو و صاحب النصف يفضلان صاحب الثّلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين، و يقتسمون الباقي أثلاثا، و تصحّ من ستّة و ثلاثين، لصاحب الثّلثين سبعة عشر، و لصاحب النصف أحد عشر، و لصاحب الثّلث ثمانية(1).

مسألة 246: لو خلّف ابنين و أوصي لرجل بماله كلّه و لآخر بنصفه و قصد التشريك،

فالمال بين الوصيّتين أثلاثا مع الإجازة؛ لأنّك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين، فإذا ضممت النصف الآخر صارت ثلاثة، فيقسّم المال علي ثلاثة، و إن ردّا فالثّلث علي ثلاثة.

و لو أجازا لصاحب النصف وحده، فلصاحب المال التّسعان، و لصاحب النصف النصف في وجه؛ لأنّه موصي له به، و إنّما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه، فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع نصيبه.

و في وجه: له الثّلث الذي كان له حال الإجازة لهما؛ لأنّ ما زاد علي ذلك كان حقّا لصاحب المال أخذه الورثة منه بالردّ عليه فيأخذه الورثة.

و إن أجازا لصاحب الكلّ وحده، فله ثمانية أتساع علي الأوّل، و التّسع للآخر، و علي الثاني ليس له إلاّ الثّلثان اللّذان كانا له حال الإجازة

ص: 390


1- المغني 498:6، الشرح الكبير 590:6.

لهما، و التّسعان للورثة.

فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر، فلا شيء للمجيز، و للآخر الثّلث، و الثّلثان بين الوصيّتين علي ثلاثة.

و إن أجاز أحدهما لصاحب الجميع وحده، فللآخر التّسع، و للابن الآخر الثّلث، و الباقي لصاحب المال في وجه، و في الآخر: له أربعة أتساع، و التّسع الباقي للمجيز.

و إن أجاز لصاحب النصف وحده، دفع إليه نصف ما يتمّ به النصف، و هو تسع و نصف سدس في وجه، و في آخر: يدفع إليه التّسع، فيصير له تسعان، و لصاحب المال تسعان، و للمجيز تسعان، و الثّلث للّذي لم يجز، و تصحّ من تسعة.

و علي الأوّل تصحّ من ستّة و ثلاثين، للّذي لم يجز اثنا عشر، و للمجيز خمسة، و لصاحب النصف أحد عشر، و لصاحب المال ثمانية؛ لأنّ مسألة الردّ من تسعة، لصاحب النصف منها سهم.

و لو أجاز له الابنان، كان له تمام النصف ثلاثة و نصف، فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك، و هو سهم و ثلاثة أرباع سهم، فنضرب مخرج الرّبع في تسعة يكون ستّة و ثلاثين.

مسألة 247: لو أوصي لزيد بعبده و لعمرو بما بقي

مسألة 247: لو أوصي لزيد بعبده و لعمرو بما بقي(1) من ثلث ماله،

قوّم العبد يوم موت الموصي؛ لأنّه حال نفوذ الوصيّة، و نظر إلي المال في تلك الحال، فإن خرج العبد من الثّلث دفع إلي زيد، فإن بقي من الثّلث شيء دفع إلي عمرو، و إن لم يبق شيء بطلت الوصيّة لعمرو، إذ لا متعلّق

ص: 391


1- في الطبعة الحجريّة: «يبقي».

لها حينئذ.

و لو مات العبد قبل موت الموصي، لم يحسب من التركة، و ينظر في سائر أمواله، و تقوّمها حال موت الموصي بدون العبد، ثمّ يقوّم العبد لو كان حيّا، فيحطّ من ثلثها قيمة العبد، و يدفع الباقي إلي عمرو، فإن لم يبق شيء فالوصيّتان باطلتان.

و لو ردّ زيد وصيّته، بطلت، و لم تبطل وصيّة عمرو، و كذا لو مات العبد بعد موت الموصي، لم تبطل وصيّة عمرو، و عدّ من التركة، و حسبت قيمته من الثّلث، فإن بقي شيء دفع إلي عمرو.

و لو لم يكن له مال سوي العبد، فأوصي لزيد به و لعمرو بثلثه أو بثلث ماله و قصد التشريك، فإن أجاز الورثة، قسّم العبد بينهما أرباعا: لزيد ثلاثة أرباعه، و لعمرو ربعه، و إن لم يجيزوا، قسّم الثّلث كذلك.

و قال جابر بن زيد و الحسن و عطاء و طاوس و داود: الوصيّة تصحّ للأخير منهما؛ لأنّه وصّي للثاني بما وصّي به للأوّل، فكان رجوعا، كما لو قال: ما أوصيت به لبكر فهو لبشر(1).

و هو حقّ إن لم يقصد التشريك.

و لو كان له مال آخر و الوصيّتان كذلك، كما لو كان له ألفان و قيمة العبد ألف، فإن أجاز الورثة جعل العبد بينهما أرباعا، و لعمرو مع ربع العبد ثلث الألفين.

و إذا كان العبد - الذي هو ثلث المال - أربعة، كان الألفان - و هما ثلثاه - ثمانية، و ليس لها ثلث، نضرب مخرج الثّلث في اثني عشر تكون ستّة6.

ص: 392


1- المغني 516:6.

و ثلاثين، العبد منها اثنا عشر، تسعة منه لزيد، و ثلاثة مع ثمانية من الباقي لعمرو، و الباقي للورثة.

و إن ردّ الورثة، قسّم الثّلث بينهما علي عشرين؛ لأنّ سهام الوصايا حال الإجازة عشرون، و إذا كان العبد - و هو ثلث المال - عشرين، فالمال ستّون، لزيد تسعة من العبد، و لعمرو ثلاثة منه و ثمانية من الباقي، كما كان حال الإجازة، يبقي للورثة ثمانية أسهم من العبد و اثنان و ثلاثون من الباقي، و ذلك أربعون ضعف سهام الوصيّة.

هذا كلّه إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا أو ردّوا كلّهم الجميع، و لو أجاز الجميع البعض خاصّة أو أجاز بعضهم الجميع و ردّ بعضهم الجميع أو أجاز بعضهم الجميع و بعضهم البعض أو ردّ بعضهم الجميع و بعضهم البعض أو أجاز بعضهم بعضا و بعضهم البعض الآخر، فطريق هذه الأقسام تصحيح المسألة علي تقدير الإجازة المطلقة.

و علي تقدير الردّ المطلق فإن تماثلت الفريضتان اكتفيت بواحدة منهما، و إن تداخلتا اكتفيت بالأكثر و استغنيت عن الضرب، و إن تباينتا ضربت إحداهما في الأخري، و إن توافقتا ضربت جزء وفق إحداهما في الأخري، ثمّ قسّمت المال علي تقديري الإجازة و الردّ من ذلك العدد، و نظرت في الحاصل لكلّ مجيز علي التقديرين، فيكون قدر التفاوت بينهما لمن أجاز له.

فلو خلّف ابنين و أوصي بنصف ماله لزيد و بثلثه لعمرو، فعلي تقدير الإجازة الفريضة من اثني عشر، و علي تقدير الردّ من خمسة عشر و قد توافقتا بالثّلث، فنضرب ثلث إحداهما في الأخري تبلغ ستّين، لزيد منها

ص: 393

علي تقدير الإجازة ثلاثون، و لعمرو عشرون، و لكلّ ابن خمسة، و علي الردّ لزيد اثنا عشر من عشرين هي ثلاثة أخماسها، و لعمرو خمساها، و لكلّ ابن عشرون، فالتفاوت بين نصيب كلّ ابن بخمسة عشر.

و لو أجازا وصيّة زيد، فقد سامحه كلّ واحد منهما بتسعة، فيتمّ له ثلاثون، و يبقي لكلّ واحد أحد عشر.

و إن أجازا وصيّة عمرو، فقد سامحه كلّ واحد بستّة، فيتمّ له عشرون، و لكلّ واحد أربعة عشر.

و إن أجاز أحدهما الوصيّتين و ردّهما الآخر، فقد سامح المجيز زيدا بتسعة و عمرا بستّة، فيكون لزيد أحد و عشرون، و لعمرو أربعة عشر، و للمجيز خمسة، و للآخر عشرون.

و إن أجاز أحدهما الوصيّتين و أجاز الآخر وصيّة زيد، تمّ له ثلاثون، و إن أجاز الآخر وصيّة عمرو، تمّ له عشرون.

و إن أجاز أحدهما وصيّة زيد و الآخر وصيّة عمرو، فهذا سامح زيدا بتسعة و ذاك سامح عمرا بستّة، فيكون لزيد أحد و عشرون، و لمجيزه أحد عشر، و لعمرو أربعة عشر، و لمجيزه مثله.

و لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بجميع ماله و لعمرو بثلثه، فهي علي تقدير الإجازة المطلقة من أربعة، ثلاثة لزيد، و واحد لعمرو، و علي تقدير الردّ من اثني عشر، لزيد ثلاثة، و لعمرو واحد، و لكلّ ابن أربعة، و هي داخلة في اثني عشر، فيكتفي بها.

فإن أجازا وصيّة زيد فقد سامحه كلّ واحد بثلاثة، فيتمّ له ثلاثة أرباع المال.

ص: 394

و إن أجازا وصيّة عمرو، فقد سامحه كلّ واحد منهما بسهم، فيتمّ له ربع المال.

و إن أجاز أحدهما وصيّة زيد و الآخر وصيّة عمرو، فالذي أجاز لزيد سامحه بثلاثة، يبقي له واحد، و يحصل لزيد ستّة، و الذي أجاز لعمرو سامحه بسهم، يبقي له ثلاثة، و يحصل لعمرو سهمان.

و أمّا المسائل الدوريّة فنذكرها في آخر الوصيّة إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 248: لو أوصي لرجل بمعيّن من ماله كعبد،

و لآخر بجزء مشاع كالثّلث من المال، فإن أجاز الورثة انفرد صاحب المشاع بوصيّته من غير المعيّن، ثمّ شارك صاحب المعيّن فيه، فيقسمانه بينهما علي قدر حقّهما، و يدخل النقص علي كلّ واحد منهما بقدر ما له في الوصيّة.

و لو ردّوا، فإن كانت وصيّتهما لا تجاوز الثّلث - كأن يوصي بسدس ماله لرجل و لآخر بمعيّن قيمته سدس آخر - فهي كحال الإجازة سواء؛ إذ لا أثر للردّ، و إن جاوزته رددنا وصيّتهما إلي الثّلث، و قسّمناه بينهما علي قدر وصيّتهما، إلاّ أنّ صاحب المعيّن يأخذ نصيبه من المعيّن و الآخر يأخذ حقّه من جميع المال عند بعض العامّة(1).

و يقوي أنّهما في حال الردّ يقتسمان الثّلث علي حسب ما لهما في الإجازة، و به قال ابن أبي ليلي(2).

و قال أبو حنيفة و مالك في الردّ: يأخذ صاحب المعيّن نصيبه منه، و يضمّ الآخر سهامه إلي سهام الورثة، و يقتسمون الباقي علي خمسة لو كانت قيمة العبد مائة و خلّف مائتين زائدة؛ لأنّ له السّدس، و للورثة أربعة

ص: 395


1- المغني 575:6-576، الشرح الكبير 564:6.
2- المغني 576:6، الشرح الكبير 564:6.

أسداس(1).

و هو مثل قول بعض العامّة، إلاّ أنّ بعض العامّة يعطيه السّدس من جميع المال(2) ، و عند أبي حنيفة و مالك: أنّه يأخذ خمس المائتين و عشر العبد(3).

و اتّفقوا علي أنّ كلّ واحدة من الوصيّتين ترجع إلي نصف وصيّة؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد أوصي له بثلث المال، و قد رجعت الوصيّتان إلي الثّلث و هو نصف الوصيّتين، فيرجع كلّ واحد إلي نصف وصيّته، فيدخل النقص علي كلّ واحد منهما بقدر ما له في الوصيّة.

و علي قول بعض العامّة يأخذ كلّ واحد منهما نصف وصيّته من المحلّ الذي وصّي له منه، فصاحب الثّلث يأخذ سدس الجميع؛ لأنّه وصّي له بثلث الجميع(4).

و أمّا علي قولنا فإنّ وصيّة صاحب العبد دون وصيّة صاحب الثّلث؛ لأنّه وصّي له بشيء شرّك معه غيره فيه كلّه، و صاحب الثّلث أفرده بشيء لم يشاركه غيره فيه، فوجب أن يقسّم بينهما الثّلث حالة الردّ علي حسب ما لهما في حالة الإجازة، كما في سائر الوصايا.

ففي هذه المسألة لصاحب الثّلث ثلث المائتين: ستّة و ستّون و ثلثان لا يزاحمه الآخر فيها، و يشتركان في العبد، لهذا ثلثه، و للآخر جميعه، فابسطه من جنس الكسر - و هو الثّلث - يصير العبد ثلاثة، و اضمم إليها الثّلث الذي للآخر يصير أربعة، ثمّ اقسم العبد علي أربعة أسهم يصير الثّلث ربعا، و في حال الردّ تردّ وصيّتهما إلي ثلث المال، و هو نصف وصيّتهما،6.

ص: 396


1- المغني 576:6، الشرح الكبير 564:6-565. (2الي4) المغني 576:6، الشرح الكبير 565:6.

فيرجع كلّ واحد إلي نصف وصيّته، و يرجع صاحب الثّلث إلي سدس الجميع، و يرجع صاحب العبد إلي نصفه.

و علي ما قوّيناه نضرب مخرج الثّلث في مخرج الربع يكون اثني عشر، ثمّ في ثلاثة تكون ستّة و ثلاثين، فلصاحب الثّلث ثلث المائتين، و هو ثمانية من أربعة و عشرين، و ربع العبد، و هو ثلاثة أسهم، صار له أحد عشر، و لصاحب العبد ثلاثة أرباعه، و ذلك تسعة أسهم، نضمّها إلي سهام صاحب الثّلث صار الجميع عشرين سهما، ففي حال الردّ يجعل الثّلث عشرين، و المال كلّه ستّون، فلصاحب العبد تسعة من العبد، و هو(1) ربعه و خمسه، و لصاحب الثّلث ثمانية من الأربعين، و هي خمسها، و ثلاثة من العبد، و هو عشره و نصف عشره.

و لو كانت وصيّة صاحب المشاع بالنصف، فله في حال الإجازة مائة و ثلث العبد، و لصاحب العبد ثلثاه، و في حال الردّ لصاحب المشاع خمس المائتين و خمس العبد، و لصاحب العبد خمساه.

و علي الوجه الآخر: لصاحب المشاع ربع المائتين و سدس العبد، و لصاحب العبد ثلثه.

و الطريق أن ينسب الثّلث إلي ما حصل لهما في حال الإجازة، ثمّ يعطي كلّ واحد ممّا حصل له في الإجازة مثل تلك النسبة، و علي الوجه الأوّل ينسب الثّلث إلي وصيّتهما، ثمّ يعطي كلّ واحد في الردّ مثل الخارج بالنسبة.

و بيانه في هذه المسألة: أنّ نسبة الثّلث إلي وصيّتهما بالخمسين؛ لأنّ».

ص: 397


1- الظاهر: «و هي».

النصف و الثّلث خمسة من ستّة، فالثّلث خمساها، فلصاحب العبد خمسا العبد؛ لأنّه وصيّته، و لصاحب النصف الخمس؛ لأنّ له خمسي وصيّته.

و علي الآخر [قد](1) حصل لهما في حال الإجازة الثّلثان، و نسبة الثّلث إليهما بالنصف، فلكلّ واحد منهما ممّا حصل له في الإجازة نصفه، و قد كان لصاحب المشاع من المائتين نصفها، فله ربعها، و كان له من العبد ثلثه فصار له سدسه، [و كان لصاحب العبد ثلثاه، فصار له ثلثه](2).

فإن كانت المسألة بحالها و ملكه غير العبد ثلاثمائة، ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة و خمسون و ثلث العبد، و لصاحب العبد ثلثاه، و في الردّ لصاحب المشاع تسعا المال كلّه، و لصاحب العبد أربعة أتساعه علي الأوّل، و علي الثاني لصاحب العبد (ربعه و نصف سدسه، و للآخر من العبد عشرون هي خمسه)(3) و من المال ثمانون و هي ربعها و سدس عشرها.

و لو خلّف عبدا قيمته مائة و مائتين و وصّي لرجل بمائة و بالعبد كلّه، و وصّي لآخر بالعبد و قصد التشريك، ففي حال الإجازة يقسّم العبد بينهما نصفين، و ينفرد صاحب الثّلث [بنصف](4) الباقي، و في الردّ للموصي له بالعبد ثلثه، و للآخر ثلثه و ثلث المائة علي وجه، و علي آخر لصاحب العبد ربعه و للآخر ربعه و نصف المائة يرجع كلّ منهما إلي نصف وصيّته.

و لو لم تزد الوصيّتان علي الثّلث - كما لو خلّف خمسمائة و عبدا6.

ص: 398


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 577:6، و الشرح الكبير 577:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 577:6، و الشرح الكبير 577:6.
3- بدل ما بين القوسين في المغني 578:6: «أربعة و سدسه، و للآخر ثمنه و نصف سدسه». و في الشرح الكبير 567:6: «ثلثه و خمس تسعه، و للآخر ثمنه و نصف سدسه».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة و كذا في المغني 578:6: «بثلث». و الصحيح ما أثبتناه من الشرح الكبير 568:6.

قيمته مائة و وصّي بسدس ماله لرجل و للآخر بالعبد - فلا أثر للردّ هنا، و يأخذ صاحب المشاع سدس المال و سبع العبد، و الآخر ستّة أسباعه.

و إن وصّي لصاحب المشاع بخمس المال، فله مائة و سدس العبد، و لصاحب العبد خمسة أسداسه، و لا أثر للردّ أيضا؛ لأنّ الوصيّتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه.

مسألة 249: لو أوصي بجارية لزيد ثمّ أوصي لبكر بها،

أو أوصي بثلثه لزيد ثمّ أوصي لآخر بثلثه، أو أوصي بجميع ماله لزيد ثمّ أوصي لآخر به، بطلت الوصيّة الأولي، و كانت الثانية رجوعا عن الأولي - و به قال جابر ابن زيد و الحسن و عطاء و طاوس و داود(1) - لأنّه وصّي للثاني بما وصّي به للأوّل، فكان رجوعا؛ لأنّ الثانية تنافي الأولي، فإذا أتي بها كان رجوعا، كما لو قال: هذا لورثتي.

و قال الشافعي و الثوري و مالك و ربيعة و أحمد و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي: لا يكون رجوعا؛ لأنّه وصّي لهما، فأشبه ما لو قال:

وصّيت لكما بالجارية(2).

و التحقيق أن نقول: إن قصد التشريك لم يكن رجوعا، و إلاّ فهو رجوع، فلو وصّي لرجل بعبد ثمّ وصّي لآخر بثلثه و قصد التشريك، فهو

ص: 399


1- المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6، و ينظر: الحاوي الكبير 309:8، و حلية العلماء 133:6.
2- الحاوي الكبير 309:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، الوسيط 477:4، حلية العلماء 133:6، التهذيب - للبغوي - 101:5، البيان 271:8، العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2067/1011:2، عقد الجواهر الثمينة 1232:3، المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6، مختصر اختلاف العلماء 11:5-2154/12.

بينهما أرباعا، و إن لم يقصد، فللثاني ثلثه كاملا.

و لو وصّي بعبده لاثنين، فردّ أحدهما وصيّته، فللآخر نصفه.

و لو وصّي لاثنين بثلثي ماله، فردّ الورثة ذلك، و ردّ أحد الوصيّين وصيّته، فللآخر الثّلث كملا؛ لأنّه وصّي له به منفردا و زالت المزاحمة فتكمل له، كما لو انفرد به.

مسألة 250: لو أوصي له بشيء فتلف قبل موت الموصي،

بطلت الوصيّة إجماعا، و كذا لو تلف بعد موته بغير فعل الورثة؛ لأنّ الموصي له إنّما يستحقّ بالوصيّة لا غير، و قد تعلّقت بمعيّن، و قد ذهب فذهب حقّه، كما لو تلف في يده، و التركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم؛ لأنّها حصلت في أيديهم بغير قولهم(1) و لا تفريطهم، فلم يضمنوا شيئا.

و لو تلف المال كلّه سواه، فهو للموصي له؛ لأنّ حقوق الورثة لم تتعلّق به؛ لتعيّنه للموصي له، و لهذا يملك قهرهم عليه، و يأخذه بغير رضاهم و لا إذنهم، فكان حقّه فيه دون سائر المال، و حقوقهم في سائر المال دونه، فأيّهما تلف حقّه لم يشارك الآخر في حقّه، كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصي له و قبضه، و كالورثة إذا اقتسموا ثمّ تلف نصيب أحدهم.

و لو أتلفه الورثة أو غيرهم، كان للموصي له الرجوع بقيمته علي من أتلفه.

مسألة 251: لو أوصي له بمعيّن فاستحقّ بعضه أو تلف،

فله ما بقي إن حمله الثّلث، فلو وصّي له بثلث عبد أو ثلث ملك فاستحقّ ثلثاه،

ص: 400


1- الظاهر: «بغير فعلهم».

الطريق الثاني: القطع بأنّ له ثلث [الثّلث] الباقي، و حمل الأوّل علي ما إذا لم يتلفّظ بالثّلث، و لكن كان له ثلاثون من الغنم فقال: أعطوه عشرة منها، ثمّ استحقّ عشرون منها بعينها، أو علي ما إذا أوصي بأحد أثلاث العبد المعيّن، فاستحقّ ثلثاه، أو علي ما إذا أوصي بثلث معيّن من الدار، فاستحقّ باقيها، أو علي ما إذا اشتري ثلثها من زيد و ثلثيها من عمرو و أوصي بما اشتراه من زيد و استحقّ ما اشتراه من عمرو، فإنّ في هذه الصّور يكون له الثّلث الباقي، و في المشهور الخلاف في العبد المشترك بين اثنين بالسويّة إذا قال أحدهما: بعت نصفه، أنّ المبيع ينصرف إلي نصفه أو يشيع(1).

و فرّق بعضهم، فقال: [إنّ هذا فيما](2) إذا كان قد قال: أوصيت له بثلث هذا العبد، فأمّا إذا قال: أعطوه ثلثه، دفع إليه الثّلث الباقي(3).

و لو أوصي بأثلاث الأعبد الثلاثة و استحقّ اثنان منهم، فلا شكّ أنّ الوصيّة لا تبقي إلاّ في ثلث العبد الباقي.

و لو أوصي بثلث صبرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقي إجماعا؛ لأنّ الوصيّة تناولت التالف كما تناولت الباقي، و هنا لا تتناول المستحقّ.

مسألة 252: قد بيّنّا أنّه لا يجوز نقل الصدقة عن بلدها مع وجود المستحقّ،

أمّا لو أوصي بشيء للمساكين هل يجوز نقله إلي مساكين غير بلد المال ؟ الأقرب: المنع، كالزكاة.

و للشافعيّة طريقان:

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 137:7-138، روضة الطالبين 191:5، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من روضة الطالبين، و بدله في العزيز شرح الوجيز: «إنّ الوصيّة إنّما تنتفي في ثلث الثّلث الباقي».
3- العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 191:5.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه علي قولين، كما في نقل الزكاة، تنزيلا للّفظ المطلق علي ما ورد به الشرع.

و الثاني: ترتيب الوصيّة علي الزكاة، إن جوّزنا نقل الزكاة، ففي الوصيّة أولي، و إن منعناه، ففي الوصيّة وجهان، و الفرق: أنّ الزكاة يطمح إليها نظر الفقراء من حيث إنّها موظّفة داره، و الوصيّة بخلافها، و لهذا يجوز تقييد الوصيّة بمساكين سائر البلاد.

و الطريق الثاني غير مشهور عندهم(1).

و علي تقدير منع النقل لو لم يكن في البلد فقير نقل، كالزكاة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الوصيّة تبطل(2).

أمّا لو عيّن فقراء بلد و لم يكن فيه فقير، فإنّ الوصيّة تبطل، كما لو أوصي لولد فلان، و لا ولد له، أو أوصي للفقهاء، و لا فقيه فيه.

الباب الرابع: في مسائل متبدّدة من هذا المطلب.
مسألة 253: لو أوصي بفرس في سبيل اللّه و بألف درهم ينفق عليه فمات الفرس،

كانت الألف للورثة، و إن أنفق بعضها ردّ الباقي إلي الورثة؛ لأنّ الموصي عيّن جهة الوصيّة، فإذا فاتت عادت الوصيّة إلي الورثة، كما لو أوصي بشراء عبد زيد ليعتق فمات العبد، أو لم يبعه زيد.

مسألة 254: لو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض،

كالهبة

ص: 402


1- العزيز شرح الوجيز 138:7-139، روضة الطالبين 191:5.
2- العزيز شرح الوجيز 139:7، روضة الطالبين 191:5.

فالثّلث الباقي للموصي له - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الباقي كلّه موصي به، و قد خرج من الثّلث، فاستحقّه الموصي له، كما لو كان شيئا معيّنا.

و لو وصّي له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقّا، فليس له إلاّ ثلث الباقي - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه، و قد شرّك بينه و بين ورثته في استحقاقه.

و الأصل في ذلك أنّ للمورّث أن يوصي بثلث ماله إن شاء شائعا، و إن شاء معيّنا في شيء يكون قدره ثلث المال؛ لأنّ الورثة حقّهم متعلّق بالقدر دون العين، فإنّه لو باع جميع ماله في مرضه بثمن مثله، لم يكن للورثة الاعتراض، و إنّما يعترضون في المحاباة.

و ما قلناه مذهب عامّة الفقهاء.

و قال أبو ثور و زفر: إنّه إذا أوصي بثلث عبد أو ثوب ذكر أنّ جميعه له، و ادّعي آخر ثلثيه و أقام علي دعواه بيّنة، يكون له ثلث الثّلث - و به قال بعض الشافعيّة(3) - لأنّ الثّلث الذي وصّي له شائع في جميع العبد، فإذا خرج ثلثاه مستحقّا بطل ما وصّي به منهما، و بقي ما كان شائعا في الثّلث،1.

ص: 403


1- الأم 91:4، مختصر المزني: 144، الحاوي الكبير 263:8، نهاية المطلب 230:11، المهذّب - للشيرازي - 462:1، حلية العلماء 89:6، التهذيب - للبغوي - 96:5، البيان 178:8-179، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 191:5، الهداية - للمرغيناني - 238:4، عيون المجالس 4: 1408/1972، المغني 622:6، الشرح الكبير 563:6.
2- التهذيب - للبغوي - 97:5، العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 5: 191، المغني 622:6، الشرح الكبير 563:6، الفتاوي الولوالجيّة 370:5.
3- التهذيب - للبغوي - 96:5، العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 5: 191.

و هو ثلثه، كما لو وصّي بثلث ماله فخرج بعضه مستحقّا، استحقّ الموصي له ثلث الباقي(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه وصّي بثلثه و هو يملكه و يخرج من ثلثه، فوجب أن تصحّ الوصيّة، كما لو كان يقرّ بأنّه يملك ثلثه و وصّي به.

و نمنع ما قالوه؛ لأنّه شائع في الكلّ، و هو مالك لثلث شائع، فانصرف إليه، و يخالف إذا أوصي بثلث ماله؛ لأنّ ما استحقّ ليس من ماله، و هنا وصّي بثلث العبد، فافترقا.

و اعلم أنّه لا خلاف إذا لم يملك غيره يكون للموصي له ثلث الثّلث، و الخلاف فيما إذا ملك غيره و احتمل ثلث ماله ثلث العبد.

و قد نقل عن الشافعي كقول أبي ثور(2).

و قال بعض الشافعيّة: في المسألة طريقان:

أصحّهما: أنّ فيها قولين:

أظهرهما: أنّ الوصيّة تنزّل علي الثّلث الباقي و تصحّ فيه؛ لأنّ المقصود إرفاق الموصي له، فإذا أوصي بما احتمله الثّلث أمكن رعاية غرضه منها، فصار إليه.

و الثاني - و يحكي عن أبي حنيفة و مالك -: أنّ له ثلث الثّلث الباقي؛ لأنّ الوصيّة بالثّلث الشائع، فإذا خرج الثّلثان بالاستحقاق بقيت الوصيّة في الثّلث الباقي، و هو تسع الجملة.7.

ص: 404


1- الحاوي الكبير 263:8، المهذّب - للشيرازي - 462:1، نهاية المطلب 11: 230، البيان 179:8، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2064/1010:2، عيون المجالس 1408/1972:4.
2- التهذيب - للبغوي - 96:5، العزيز شرح الوجيز 137:7.

و الميراث، فالأقرب: أنّه يعتق و يرث، و به قال مالك و أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يعتق و لا يرث؛ لأنّه(2) وصيّة فلا يجامع الميراث(3).

و كلاهما ممنوع.

و قال أبو حنيفة: يعتق من الثّلث، فإن خرج منه عتق و ورث، و إن لم يخرج سعي في قيمة باقيه و لم يرث(4).

و قال أبو يوسف و محمّد: تحسب قيمته من ميراثه، فإن فضل من قيمته شيء سعي فيه(5).

و نمنع أنّه وصيّة؛ لأنّ الوصيّة هي التبرّع بماله إمّا بعطيّة أو إتلاف أو التسبّب إلي ذلك، و لم يوجد واحد منها؛ لأنّ العتق ليس من فعله، و لا حصل باختياره، و لا يقف علي اختياره، و قبول الهبة ليس بعطيّة و لا إتلاف و لا تسبّب إليهما، و إنّما هو تحصيل لشيء يتلف بتحصيله، فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه أو يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرّف.

فأمّا إن اشتري من يعتق عليه، فإن حمله الثّلث عتق و ورثه - و به قال مالك و أبو حنيفة(6) - و إن لم يخرج من الثّلث عتق منه بقدر الثّلث، و ورث6.

ص: 405


1- عقد الجواهر الثمينة 1228:3 و 1229، نهاية المطلب 247:19، حلية العلماء 82:6، العزيز شرح الوجيز 133:7-134، روضة الطالبين 187:5-189، المغني 529:6-530، الشرح الكبير 336:6.
2- أي: العتق.
3- نهاية المطلب 247:19، حلية العلماء 82:6، العزيز شرح الوجيز 132:7 - 133، روضة الطالبين 187:5، المغني 530:6، الشرح الكبير 336:6-337.
4- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
5- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
6- عقد الجواهر الثمينة 1228:3، مختصر اختلاف العلماء 2202/69:5، المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.

بقدر ما فيه من الحرّيّة، و باقيه علي الرقّ، فإن كان الوارث ممّن يعتق عليه إذا ملكه عتق.

و قال أبو يوسف و محمّد: لا وصيّة لوارث، و يحتسب بقيمته من ميراثه، فإن فضل من قيمته شيء سعي فيه(1).

و قال بعض أصحاب مالك: يعتق من رأس المال، و يرث، كالموهوب و الموروث(2).

و هو قياس قول أحمد؛ لأنّه قال: إذا وقف في مرضه علي ورثته صحّ، و لم يكن وصيّة؛ لأنّ الوقف ليس بمال؛ لأنّه لا يباع و لا يورث، فهذا أولي؛ لأنّ العبد لا يملك رقبته، فيجعل ذلك وصيّة له، و لا يجوز أن يجعل الثمن وصيّة [له](3) ؛ لأنّه لم يصل إليه، و لا وصيّة للبائع؛ لأنّه قد عاوض عنه(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا حمله الثّلث عتق و ورث؛ لأنّ عتقه ليس بوصيّة(5).

و قال بعضهم: يعتق و لا يرث؛ لأنّه لو ورث لصارت وصيّة لوارث، فتبطل وصيّته، و يبطل عتقه و إرثه، فيفضي توريثه إلي إبطال توريثه، فكان إبطال توريثه أولي(6).

و قيل علي مذهبه: شراؤه باطل؛ لأنّ ثمنه وصيّة، و الوصيّة تقف علي8.

ص: 406


1- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
2- المغني 530:6-531، الشرح الكبير 337:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- المغني 530:6 و 531، الشرح الكبير 337:6.
5- المغني 531:6، الشرح الكبير 337:6.
6- المغني 531:6، الشرح الكبير 6-337-338.

خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة، و البيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا(1).

مسألة 255: لو قبل المريض الوصيّة له بابنه و قيمته مائة و خلّف مائتين و ابنا آخر،

عتق، و له مائة، و لأخيه مائة، و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي(2).

و للشافعي قول: إنّه لا يرث، و المائتان كلّها للابن الحرّ(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث نصف نفسه و نصف المائتين، و يحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه(4).

و لو كان قيمته مائتين و بقيّة التركة مائة، عتق من رأس المال، و المائة بينه و بين أخيه، و به قال مالك و الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: يعتق منه نصفه؛ لأنّه قدر ثلث التركة، و يسعي في قيمة باقيه، و لا يرث؛ لأنّ المستسعي عنده كالعبد لا يرث إلاّ في أربعة مواضع: الرجل يعتق أمته علي أن تتزوّجه، و المرأة تعتق عبدها علي أن يتزوّجها، فيمتنعان من قبوله، و العبد المرهون يعتقه سيّده، و المشتري للعبد يعتقه قبل قبضه و هما معسران، ففي هذه المواضع يسعي كلّ واحد في قيمته، و هو حرّ يرث(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث نصف التركة، و ذلك ثلاثة أرباع رقبته، فيسعي في ربع قيمته لأخيه(2).

ص: 407


1- المغني 531:6-532، الشرح الكبير 338:6.
2- المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6.

و لو وهب له ثلاث أخوات متفرّقات(1) لا مال له سواهنّ و لا وارث، عتقن من رأس المال عندنا، و به قال مالك و أحمد(2).

و إن كان اشتراهنّ، فكذلك علي إشكال، و هو رواية عن أحمد، و قول أهل البصرة و بعض أصحاب مالك(3).

و في قول مالك: يعتق ثلثهنّ(4).

و في رواية عن أحمد: يعتقن؛ لكون وصيّة من لا وارث له جائزة في جميع ماله(5).

و إن ترك مالا يخرجن من ثلثه، عتقن و ورثن.

و قال أبو حنيفة: إذا اشتراهنّ أو وهبن له و لا مال و لا وارث، عتقن، و تسعي كلّ واحدة من [الأخت](2) للأب و الأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب و الأم، و إنّما لم ترثا؛ لأنّهما لو ورثتا لكان لهما خمسا الرقاب، و ذلك رقبة و خمس بينهما نصفين، فكان تبقي عليهما سعاية، و إذا ثبتت عليهما سعاية لم ترثا، و كانت لهما الوصيّة، و هي رقبة بينهما نصفين، و أمّا الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت؛ لأنّ لها ثلاثة أخماس الرقاب، و ذلك أكثر من قيمتها، فورثت، و بطلت وصيّتها(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتقن، و تسعي كلّ واحدة من الأخت من الأب و الأخت من الأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها؛ لأنّ كلّ9.

ص: 408


1- أي: واحدة منهنّ أخت لأب، و الثانية أخت لأمّ، و الثالثة أخت لأب و أمّ. (2الي5) المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأختين». و المثبت هو الصحيح.
3- المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6-339.

واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة(1).

و علي قول الشافعي لا يعتقن(2).

مسألة 256: لو اشتري أباه بألف و لا شيء له سواه،

ثمّ مات و خلّف ابنا، احتمل الصحّة، فيعتق علي الابن ثلثاه و ثلثه بالوصيّة، و البطلان؛ لاستلزامه التصرّف بالإتلاف لجميع التركة.

و في رواية عن أحمد: يعتق كلّه علي المريض، و له ولاؤه(3).

و نحن عندنا لا ولاء هنا.

و في رواية أخري عنه: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يعتق باقيه علي الابن؛ لأنّه جدّه، و يكون ثلث ولائه للمشتري و ثلثاه لابنه عنده(4) ، و به قال مالك، و نقل عن الشافعي أيضا(5).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يسعي للابن في قيمة ثلثيه(6).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتق سدسه؛ لأنّه ورثه، و يسعي في خمسة أسداس قيمته للابن، و لا وصيّة له(7).

و نقل عن الشافعي: أنّه يفسخ البيع إلاّ أن يجيز الابن عتقه(8).

و قيل: يفسخ في ثلثيه، و يعتق ثلثه، و للبائع الخيار؛ لتفرّق(5) الصفقة عليه(6).

ص: 409


1- المغني 532:6، الشرح الكبير 339:6.
2- المغني 532:6، الشرح الكبير 339:6.
3- المغني 532:6-533، الشرح الكبير 339:6.
4- أي: عند أحمد. (5الي8) المغني 533:6، الشرح الكبير 339:6.
5- في النّسخ الخطّيّة: «لتفريق».
6- المغني 533:6، الشرح الكبير 339:6.

و قيل: لا خيار له؛ لأنّه متلف(1).

فإن ترك ألفين سواه، عتق كلّه، و ورث سدس الألفين، و الباقي للابن، و به قال مالك و أبو حنيفة(2).

و نقل نحوه عن الشافعي(3).

و نقل عنه: يعتق، و لا يرث(4).

و قيل: شراؤه مفسوخ(5).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث الأب سدس التركة، و هو خمسمائة يحتسب بها من رقبته، و يسعي في نصف قيمته، و لا وصيّة له(6).

و إن اشتري ابنه بألف لا يملك غيره و مات و خلّف أباه، عتق كلّه بالشراء في الوجه الأوّل، و في الثاني: يعتق ثلثه بالوصيّة و ثلثاه علي جدّه عند الموت، و ولاؤه عندهم أثلاثا بينهما، و به قال مالك(7).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يسعي في قيمة ثلثيه للأب، و لا يرث(8).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث خمسة أسداسه، و يسعي في قيمة سدسه(9).

و قول الشافعي فيه كما قال في الأب(10).

و لو ترك ألفين سواه، عتق كلّه، و ورث خمسة أسداس الألفين، و للأب السّدس، و به قال مالك و أبو حنيفة(11).

و قال أبو يوسف و محمّد: للأب سدس التركة: خمسمائة، و باقيها للابن يعتق منها، و يأخذ ألفا و خمسمائة(1).0.

ص: 410


1- المغني 533:6-534، الشرح الكبير 339:6-340.

و لو اشتري المريض ابني عمّ له بألف لا يملك سواها، و قيمة كلّ واحد منهما ألف، فأعتق أحدهما ثمّ وهبه أخاه ثمّ مات و خلّفهما و خلّف مولاه، قال بعضهم: يعتق ثلثا المعتق، إلاّ أن يجيز المولي عتق جميعه، ثمّ يرث بثلثيه ثلثي التركة، فيعتق منه ثمانية أتساعه، و يبقي تسعه و ثلث أخيه للمولي(1).

و قال الشافعي: يعتق ثلثاه، و لا يرث؛ لأنّه لو ورث لكان إعتاقه وصيّة له، فيبطل إعتاقه، ثمّ يبطل إرثه، فيؤدّي توريثه إلي إبطال توريثه، و يبقي ثلثه و ابن العمّ الآخر للمولي(2).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثا المعتق، و يسعي في قيمة ثلثه، و لا يرث(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتق كلّه، و يعتق عليه أخوه بالهبة، و يكونان أحقّ بالميراث من المولي(4).

المطلب الثاني: في الوصيّة بالمنافع.
مسألة 257: تصحّ الوصيّة بالمنافع،

كخدمة عبده و غلّة داره و سكناها و ثمرة بستانه، التي ستحدث، سواء وصّي بذلك في مدّة معلومة، أو بجميع الثمرة و المنفعة في الزمان كلّه، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة أهل العلم: مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1) - لأنّه يصحّ تمليكها بعقد المعاوضة، فتصحّ الوصيّة بها، كالإعتاق،

ص: 411


1- المدوّنة الكبري 28:6-29، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: -

و للرواية عن الرضا عليه السّلام(1).

و قال ابن أبي ليلي: لا تصحّ الوصيّة بالمنفعة؛ لأنّها معدومة(2).

و نمنع بطلان الوصيّة بالمعدوم، و يبطل قوله بصحّة المعاوضة عليها، و صحّة الوصيّة بالمنفعة علي التأبيد؛ لأنّ الوصيّة تصحّ في المجهول، بخلاف الإجارة؛ لأنّها تمليك منفعة بعوض، فلا تصحّ مع الجهالة، فإذا مات الموصي انتقلت المنفعة إلي الموصي له و الرقبة إلي الورثة.

و لو أوصي بخدمة عبد سنة من السنين و لم يعيّن، صحّت الوصيّة، و التعيين إلي الوارث.

و يجوز أن يجعل له ثمرة بستانه هذا العام، فإن لم يثمر فثمرة العام المقبل، و كذا خدمة عبده العام، فإن مرض فخدمة العام المقبل.

و يجوز أن يوصي بخدمة عبده لإنسان مدّة حياة زيد، و كذا مدّة حياة العبد، و كذا مدّة حياة المخدوم.2.

ص: 412


1- الكافي 24/64:7، التهذيب 922/237:9.
2- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6، البيان 146:8، مختصر اختلاف العلماء 2171/33:5، المبسوط - للسرخسي - 181:27، بدائع الصنائع 7: 352، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2.

و يصحّ أن يوصي له بالخدمة، و يطلق.

قال الشافعي: و يحمل علي التأبيد(1).

و فيه نظر أقربه: الحمل علي أقلّ ما يصدق عليه الإطلاق، فتصحّ لحظة واحدة.

و تصحّ الوصيّة بالمنفعة مدّة معيّنة؛ لأنّها إذا صحّت مطلقة مع الجهالة كان صحّتها معلومة أولي.

مسألة 258: الوصيّة بالمنافع تمليك للمنافع بعد الموت،

و ليست مجرّد إباحة، كما أنّ الوصيّة بالأعيان تمليك لها بعد الموت، فلو مات الموصي له، كانت المنافع موروثة عنه، كسائر حقوقه و أمواله، و له إجارة الأعيان و الإعارة لها و الوصيّة بها، و لو مات العبد في يده لم يضمنه، كما لا يضمن المستأجر، عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - و ليس عليه مؤونة الردّ.

و قال أبو حنيفة: إنّها عارية لازمة لا ملك فيها، فلا تورث عنه، و ليس له الإجارة(3).

هذا إذا أطلق الوصيّة بالمنفعة، أو قيّدها بالتأبيد، و المراد من التأبيد(4) استيعاب الوصيّة منفعة العبد مدّة حياته.

ص: 413


1- نهاية المطلب 151:11، التهذيب - للبغوي - 82:5، العزيز شرح الوجيز 7: 34، روضة الطالبين 112:5.
2- الوجيز 178:1، العزيز شرح الوجيز 109:7، روضة الطالبين 171:5، المغني 511:6، الشرح الكبير 544:6-545.
3- العزيز شرح الوجيز 109:7، المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6.
4- في «ل»: «بالتأبيد» بدل «من التأبيد».

و كذا إذا(1) أوصي بمنفعته مدّة معيّنة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها لا تنتقل إلي وارث الموصي له لا عند الإطلاق و لا إذا قرنه بمدّة معلومة و مات الموصي له قبل انقضائها(2).

و المشهور عندهم: الأوّل(3).

و لو قال: أوصيت لك بمنافعه مدّة حياتك، قال الشافعي: تكون إباحة لا تمليكا، و ليس له الإجارة، و في الإعارة و جهان، و إذا مات الموصي له رجع الحقّ إلي ورثة الموصي(4).

و لو قال: أوصيت لك أن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فهو إباحة عندهم أيضا لا تمليك، بخلاف قوله: أوصيت لك بسكناها و خدمته، قاله بعض الشافعيّة(2).

و لهم و جهان فيما إذا قال: استأجرتك لتفعل كذا، أنّ العقد الحاصل إجارة عين أو إجارة في الذمّة ؟ فإن جعلوه إجارة في الذمّة، فينبغي أن لا يفرّق هنا بين قوله: بأن تسكنها، أو بسكناها(3).

و لو قال: أطعموا فلانا كذا منّا من الخبز من مالي، اقتضي تمليكه، كما في إطعام الكفّارة.

و لو قال: اشتروا الخبز و اصرفوه إلي أهل نحلتي، فسبيله الإباحة.

مسألة 259: قد بيّنّا أنّ الوصايا بأسرها إنّما تخرج من ثلث المال،

و أنّها متي زادت علي الثّلث اعتبر إجازة الورثة، و لا فرق في ذلك بين

ص: 414


1- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا». (2الي4) العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 171:5.
2- العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 171:5-172.
3- العزيز شرح الوجيز 110:7.

الأعيان و المنافع، فإذا أوصي بالمنفعة اعتبر خروجها من ثلث المال، عند علمائنا أجمع، و هو قول كلّ من قال بصحّة الوصيّة بها، فإن لم تخرج من الثّلث أجيز منها ما يحتمله الثّلث - و به قال الشافعي(1) - لأنّها وصيّة صحيحة، فوجب تنفيذها علي صفتها إن خرجت من الثّلث، أو بقدر ما خرج من الثّلث، كسائر الوصايا، و كالأعيان.

و قال مالك: إذا أوصي بخدمة عبده سنة، فلم يخرج من الثّلث، فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة و بين تسليم ثلث المال(2).

و قال أصحاب الرأي و أبو ثور: إذا أوصي بخدمة عبده سنة، فإنّ العبد يخدم الموصي له يوما و الورثة يومين حتي يستكمل الموصي له سنة، فإن أراد الورثة بيع العبد بيع علي هذا(3).

مسألة 260: المنفعة الموصي بها إن كانت مؤبّدة،

ففي كيفيّة خروجها من الثّلث أقوال:

أحدها: أن تقوّم الرقبة و المنفعة من الثّلث، كما لو باع بثمن مؤجّل يعتبر قيمته من الثّلث، و ذلك لأنّه حال بينهما و بين الوارث، و الحيلولة كالإتلاف، فإنّ الغاصب يضمن بها، و لأنّ منافع الرقبة و فوائدها قد بطلت علي الوارث، فكأنّه فوّتها بالكلّيّة، و لأنّ عبدا لا منفعة له و شجرا لا ثمرة له لا قيمة له غالبا، فوجب أن تقوّم الرقبة بمنفعتها جميعا، و يعتبر خروجها من الثّلث، و هو أحد قولي الشافعي(4).

ص: 415


1- المغني 510:6.
2- المغني 510:6، الشرح الكبير 544:6.
3- المغني 510:6، الشرح الكبير 544:6.
4- التهذيب - للبغوي - 82:5-83، البيان 183:8، العزيز شرح الوجيز 7: 116، روضة الطالبين 176:5.

و الثاني: أنّ المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها و قيمتها مسلوبة المنفعة؛ لأنّ الرقبة باقية للوارث، فلا معني لاحتسابها علي الموصي له(1).

و رجّح جماعة من الشافعيّة الأوّل بأنّ المنفعة أبدا هي التي أوصي بها، و المنفعة أبدا لا يمكن تقويمها؛ لأنّ المنفعة أبدا يعني بها منفعة مدّة العمر، و مدّة العمر غير معلومة، و ما لا يعلم و لا يضبط لا يمكن تقويمه، و إذا تعذّر تقويم المنافع وحدها تعيّن تقويم الرقبة(2).

إذا عرفت هذا، فطريق التقويم أن يقوّم العبد بمنفعته، فإذا قيل:

قيمته مائة، قيل: كم قيمته و لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل: عشرة، فعلي الأوّل تعتبر من الثّلث المائة، و يشترط أن يكون سوي العبد مائتان، و علي الثاني المعتبر التسعون، فيشترط أن يبقي للورثة ضعف التسعين مع العشرة في وجه، و بدونها في وجه، فيحتسب علي الورثة في أحد الوجهين، و لا يحتسب علي الآخر.

الثالث: تقوّم المنفعة و تسقط الرقبة في باب القيمة، و قوّاه الشيخ(3).

فمن قال: تقوّم الرقبة من الثّلثين و المنفعة من الثّلث، يقول: المنفعة تنتقل إلي الموصي له، و تنتقل الرقبة إلي الورثة.

و من قال: تقوّم الرقبة و المنفعة، قال: ينظر فإن خرج العبد من الثّلث، كان كلّه للموصي له، و إن خرج بعضه، كان له من العبد بقدر ذلك، و الباقي للورثة.4.

ص: 416


1- التهذيب - للبغوي - 83:5، البيان 183:8، العزيز شرح الوجيز 116:7، روضة الطالبين 176:5.
2- العزيز شرح الوجيز 116:7.
3- المبسوط - للطوسي - 14:4.

و علي ما قاله الشيخ تقوّم المنفعة، فإن خرج من الثّلث كان له، و إن لم يخرج كان له منها بقدر الثّلث، و الباقي للورثة.

و إن كانت المنفعة مؤقّتة، مثل: أن يوصي له بمنفعته سنة أو شهرا، قال الشيخ: تقوّم المنفعة، و تقوّم الرقبة علي الورثة، و تقويم المنفعة في المدّة(1) ، و تحتسب من الثّلث؛ لأنّ المنفعة يمكن تقويمها، و العين ليست مسلوبة المنفعة؛ لأنّ بعد انقضاء المدّة تعود المنفعة إليها.

و للشافعيّة هنا طرق:

أحدها: أنّ الحكم هنا كما في الوصيّة المؤبّدة.

و الثاني: إن اعتبرنا تفاوت ما بين القيمتين هناك فهنا أولي، و إن اعتبرنا قيمة الرقبة فهنا و جهان، بناء علي جواز بيع المستأجر، إن جوّزناه اعتبرنا من الثّلث قدر التفاوت، و إلاّ اعتبرنا قيمة الرقبة؛ لأنّها كالتالفة.

و يمكن علي هذا القياس أن يبتني الخلاف فيما إذا أوصي بمنفعته أبدا علي الخلاف في أنّ الوارث هل يتمكّن من بيعه ؟

الثالث: أنّ المعتبر من قيمته قيمة منفعة تلك المدّة، و هي أجرة المثل.

و استبعده بعضهم؛ لأنّ المنافع تحدث بعد الموت، فليس الموصي مفوّتا لها من ملكه(2).

و الرابع - و هو الأظهر -: أنّ العبد يقوّم بمنافعه ثمّ يقوّم مسلوب المنفعة في تلك المدّة، فما نقص فهو المعتبر من الثّلث، و قيمة الرقبة في هذه الحالة محسوبة من التركة بلا خلاف.7.

ص: 417


1- المبسوط - للطوسي - 15:4.
2- الغزالي في الوسيط 460:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 117:7.

و يتفرّع علي الخلاف المذكور صور:

أ: لو أوصي بمنفعة عبده ثلاث سنين و لا مال له سواه، إن اعتبرنا قيمة الرقبة من الثّلث، صحّت الوصيّة في منافع الثّلث، و ردّت في الباقي، و إن اعتبرنا ما نقص بسببه(1) [و كان النقصان نصف القيمة، فتردّ الوصيّة في سدس العبد أم ينقص من آخر المدّة سدسها؟](2) فيه وجهان، أظهرهما:

الأوّل؛ لأنّ قيمة المنافع تختلف باختلاف الأوقات.

ب: لو أوصي برقبة عبد لإنسان و بمنفعته لآخر، إن قلنا: يعتبر من الثّلث كمال القيمة، فينظر فيما سواه من التركة، و يسلّم إلي كلّ واحد حقّه كاملا أو غير كامل، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا الرقبة علي الوارث إن بقيت له فهنا يحسب كمال القيمة عليهما، و إن لم تحسب الرقبة علي الوارث فكذلك لا تحسب علي الموصي له بها، و تصحّ وصيّته من غير اعتبار الثّلث.

ج: لو أوصي بالرقبة لإنسان و استبقي المنفعة للورثة، فإن قلنا:

المعتبر من الثّلث كمال القيمة، لم تعتبر هذه الوصيّة من الثّلث، و جعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا قيمة الرقبة علي الوارث فهنا نحسب قيمة الرقبة علي أرباب الوصايا، و ندخلها في الثّلث، و إن لم نحسب قيمة الرقبة علي الوارث فهنا نحسب قدر التفاوت علي الوارث، و لا نحسب قيمة الرقبة علي أرباب الوصايا.

د: العبد الموصي بمنفعته لو غصبه غاصب، فإن قلنا: المعتبر من6.

ص: 418


1- الظاهر: «بسببها». و في العزيز شرح الوجيز: «بسبب الوصيّة».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 118:7، و روضة الطالبين 5: 176.

الثّلث جميع القيمة، فأجرة المدّة التي كانت في يد الغاصب للموصي له، فكأنّه فوّت الرقبة علي الوارث، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فوجهان:

أحدهما: الأجرة لمالك الرقبة، كما لو غصب العبد المستأجر.

و أظهرهما: أنّها للموصي له بها؛ لأنّها بدل ملكه، و يخالف الإجارة؛ لأنّ الإجارة تنفسخ في تلك المدّة، فتعود المنافع إلي ملك مالك الرقبة.

ه: لو أوصي بثمرة بستانه، خرج علي الخلاف، ففي وجه: يعتبر جميع قيمة البستان من الثّلث، و في وجه: ما بين قيمته بمنافعه و بين قيمته مسلوب المنافع، فإن احتمله الثّلث فذاك، و إلاّ فللموصي له القدر الذي يحتمله، و الباقي للوارث(1).

مسألة 261: لو أوصي لرجل بدينار كلّ شهر من غلّة داره أو كسب عبده،

و جعله بعده لوارثه، أو للفقراء و المساكين، و الغلّة و الكسب عشرة مثلا، فاعتبار هذه الوصيّة من الثّلث كاعتبار الوصيّة بالمنافع مدّة معلومة؛ لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة، فيكون الظاهر فيهما أنّ المعتبر قدر التفاوت بين القيمتين.

ثمّ ينظر، إن خرجت الوصيّة من الثّلث، قال بعضهم: ليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار و يدعوا ما يحصل منه دينار؛ لأنّ الأجرة تتفاوت، فقد تتراجع و تعود إلي دينار و أقلّ، و حينئذ فيكون الجميع للموصي له(2).

و هذا إذا أرادوا بيع بعضها علي أن تكون الغلّة للمشتري، فأمّا بيع مجرّد الرقبة فعلي ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصي بمنفعته(3).

ص: 419


1- العزيز شرح الوجيز 117:7-119، روضة الطالبين 176:5-177.
2- العزيز شرح الوجيز 119:7، روضة الطالبين 178:5.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 119:7، و روضة الطالبين 178:5.

و إن لم يخرج من الثّلث، فما زاد علي الثّلث من الرقبة و الغلّة للوارث يتصرّف فيه كيف شاء.

و إن كانت الوصيّة بعشر الغلّة كلّ سنة، فالتسعة الأعشار الباقية تخلص للوارث يتصرّف فيه كيف شاء، و الفرق ظاهر.

مسألة 262: لو أوصي لإنسان بدينار كلّ سنة،

صحّت الوصيّة؛ لأنّ الجهالة لا تقتضي بطلان الوصيّة، و لا تمنع صحّتها.

و هو أحد قولي الشافعيّة؛ لأنّ الوصيّة بالمنافع لا إلي نهاية صحيحة فكذا هنا.

و الأظهر عندهم: الصحّة في السنة الأولي خاصّة، و البطلان فيما بعدها؛ لأنّه لا يعرف قدر الموصي به حتي يخرج من الثّلث(1).

و هو ممنوع؛ فإنّا نحسب الثّلث وقت الموت، و نسلّم إليه كلّ سنة دينارا حتي يستوفي قدر الثّلث.

إذا ثبت هذا، فإن لم يكن هناك وصيّة أخري، تصرّف الورثة في ثلثي المال لا محالة.

و أمّا الثّلث الباقي فيحتمل أن يوقف لأجل الوصيّة، و قد ثبت استحقاق الدينار بقبول الوصيّة إلي أن يظهر المزيل للاستحقاق، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ للورثة التصرّف بعد إخراج الدينار الواحد؛ لأنّا لا ندري استحقاق الموصي له في المستقبل(2).

ص: 420


1- نهاية المطلب 152:11، العزيز شرح الوجيز 119:7-120، روضة الطالبين 178:5.
2- نهاية المطلب 153:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178.

و علي ما قلنا بالتوقّف إن بقي الموصي له إلي أن استوعب الدينار الثّلث فلا بحث، و إن مات فالأقرب: انتقال بقيّة الثّلث إلي الورثة؛ لأنّها كالوصيّة بالثمار بلا نهاية، فوجب أن ينتقل الحقّ إلي الورثة بعد قسمة الورثة للتركة، و هو أحد قولي(1) الشافعيّة، و الثاني: أنّ بقيّة الثّلث تسلّم لورثة الموصي له(2).

و إن كان هناك وصايا غيرها، قال بعض الشافعيّة: يفضّ الثّلث بعد الدينار الواحد علي أرباب الوصايا، و لا يوقف، فإذا انقضت سنة أخري استردّ منهم بدينار بقدر ما يقتضيه التقسيط(3).

و قال بعضهم: هذا ظاهر إذا كانت الوصيّة مقيّدة بحياة الموصي له، أمّا إذا لم تتقيّد و أقمنا ورثته مقامه، فهو مشكل لا يهتدي إليه(4).

مسألة 263: لو أوصي بخدمة عبده أو بمنافع دابّته،

فإن كانت مقيّدة بمدّة معلومة فالنفقة في تلك المدّة علي الوارث إجماعا؛ لأنّه مالك الرقبة، فكان كما إذا(5) آجر عبده.

و إن كانت الوصيّة علي التأبيد، فالوجه: أنّها علي الوارث أيضا؛ لأنّه مالك الرقبة، فكانت النفقة عليه، كالعبد المستأجر، و هو ظاهر مذهب

ص: 421


1- في الطبعة الحجريّة: «وجهي» بدل «قولي».
2- نهاية المطلب 153:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178.
3- نهاية المطلب 155:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178-179.
4- الجويني في نهاية المطلب 155:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 120:7، و روضة الطالبين 179:5.
5- في «ر، ل»: «لو» بدل «إذا».

الشافعيّة، و به قال أبو ثور و أحمد في رواية(1).

و الثاني(2): أنّها علي الموصي له - و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(3) -؛ لأنّه ملك منفعته علي التأبيد [فكانت](4) النفقة عليه، كالزوج - و هو رواية عن أحمد(5) - و لأنّ نفعه له فكان عليه ضرره، كالمالك لهما جميعا.

و تحقيق ذلك: أنّ إيجاب النفقة علي من لا نفع له ضرر مجرّد، فيصير معني الوصيّة: أوصيت لك بنفع عبدي و أبقيت علي ورثتي ضرره، و إن أوصي بنفعه لإنسان و لآخر برقبته، كان معناه: أوصيت لهذا بنفعه و لهذا بضرّه، و الشرع ينفي هذا بقوله: «لا ضرر و لا ضرار»(6)0.

ص: 422


1- الحاوي الكبير 222:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، نهاية المطلب 11: 136، الوجيز 278:1، الوسيط 458:4، حلية العلماء 125:6-126، التهذيب - للبغوي - 84:5، البيان 251:8، العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 173:5، المغني 512:6، الشرح الكبير 549:6.
2- أي: الوجه الثاني في الفرع المزبور، و هو المذكور في الحاوي الكبير 222:8، و المهذّب - للشيرازي - 468:1، و نهاية المطلب 136:11، و الوجيز 278:1، و الوسيط 458:4، و حلية العلماء 125:6، و التهذيب - للبغوي - 84:5، و البيان 251:8، و العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5، و المغني 512:6، و الشرح الكبير 549:6.
3- راجع المصادر في الهامش السابق.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و كانت». و المثبت يقتضيه السياق.
5- المغني 512:6، الشرح الكبير 549:6.
6- الموطأ 31/745:2، مسند أحمد 446:6-22272/447، سنن ابن ماجة 2: 2340/784 و 2341، المعجم الكبير - للطبراني - 1387/86:2، و 11: 11806/302، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، السنن الكبري - للبيهقي - 6: 69، و 133:10.

و [لذلك](1)ورد التحقيق المزبور في المغني 512:6، و الشرح الكبير 549:6-550.(2) جعل الخراج بالضمان(3) ليكون ضرره علي من له نفعه، بخلاف المستأجر، فإنّ نفعه في الحقيقة للمؤجر؛ لأنّه يأخذ [الأجر](4) عوضا عن منافعه(4).

و الفرق بين الزوج و الوارث: أنّ النفقة علي الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فدامت بدوامه، و النفقة في المملوك تابعة للملك، فتدوم بدوامه، و الضرر لا اعتبار به في نظر الشرع، كمن يملك عبدا عاجزا عن الحركة و الخدمة، فإنّ النفقة تجب له، و الضرر يندفع بعتقه في الصورتين.

و الثالث(5): أنّها في كسب العبد، فإن لم يف بنفقته أنفق عليه من بيت المال؛ لأنّ الورثة لا ينتفعون به، و صاحب المنفعة لا يملك الرقبة فيلزم إجباره، فلم يبق إلاّ ما ذكرناه، و هذا راجع إلي إيجابها علي صاحب المنفعة؛ لأنّ كسبه من منافعه، فإذا صرف في نفقته فقد صرف المنفعة الموصي بها إلي النفقة، فصار كما لو صرف إليه شيئا من ماله سواه.

و نمنع عدم انتفاع الوارث به، فإنّ إعتاقه نفع عظيم؛ لاشتماله علي6.

ص: 423


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذلك». و المثبت يقتضيه السياق، و كما في المغني و الشرح الكبير، لاحظ الهامش
2- .
3- مسند أحمد 23704/74:7، و 25468/338، سنن ابن ماجة 2243/754:2، سنن أبي داود 3508/284:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 581:3-1285/582، سنن النسائي (المجتبي) 255:7، السنن الكبري - للنسائي - 11:4-6081/12، المستدرك - للحاكم - 15:2، السنن الكبري - للبيهقي - 321:5 و 322.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير، لاحظ الهامش التالي.
5- أي: الوجه الثالث، و هو المذكور في المهذّب - للشيرازي - 468:1، و نهاية المطلب 136:11-137، و الوسيط 458:4، و حلية العلماء 126:6، و التهذيب - للبغوي - 84:5، و البيان 251:8، و العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5، و المغني 512:6، و الشرح الكبير 550:6.

الثواب الكثير.

مسألة 264: فطرة هذا العبد تتبع النفقة،

فعلي من كانت وجبت عليه فطرته.

و للشافعيّة الخلاف السابق و الأقوال السابقة الثلاثة المتعدّدة(1).

و بعضهم قطع بوجوبها علي مالك الرقبة(2).

إذا عرفت هذا، فعلف الدابّة كنفقة العبد.

و أمّا عمارة الدار الموصي بمنافعها و سقي البستان الموصي بثمرته، فإن تراضيا عليه أو تبرّع أحد به فلا بحث، و ليس للآخر منعه، و إن تنازعا لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة؛ لحرمة الحيوان.

و بعض الشافعيّة نقل الخلاف المذكور في العمارة و سائر المؤن(3).

مسألة 265: العبد الموصي بمنفعته مدّة معيّنة أو علي التأبيد يجوز للوارث إعتاقه؛

لأنّ رقبته خالصة له، و هو مذهب الشافعيّة(4).

و نقل بعضهم خلافا، و الظاهر الأوّل(5).

و هل يصحّ عتقه في الكفّارة ؟ يحتمل المنع - و هو أصحّ وجهي

ص: 424


1- نهاية المطلب 136:11، العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 5: 173.
2- البغوي في التهذيب 83:5، و عنه في العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5-174.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 174:5.
4- الحاوي الكبير 223:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، الوجيز 278:1، حلية العلماء 127:6، البيان 254:8، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.
5- الحاوي الكبير 223:8، حلية العلماء 127:6، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.

الشافعيّة(1) - لأنّه عاجز عن الكسب لنفسه، فأشبه الزّمن، و الجواز؛ لأنّه ملك له، فأشبه المريض العاجز عن التكسّب.

و إذا أعتق عتق، و منفعته باقية للموصي له، و تبقي الوصيّة بحالها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما لو أعتق العبد المستأجر، و لا يرجع العبد المعتق بشيء من قيمة المنفعة، بخلاف ما لو آجر عبده مدّة ثمّ أعتقه، فإنّ العبد يرجع علي معتقه ببدل المنفعة - علي أحد قولي الشافعي(3) - لأنّ المعتق أخذ عوض المنفعة من المستأجر، فأتلف عليه منفعته بعد العتق بفعل قبله، فلهذا ضمنها، و ليس كذلك هنا؛ فإنّه لم يحصل للورثة المنفعة؛ لأنّهم ملكوها مسلوبة المنفعة، و لا ملكت من جهتهم، علي أنّا نمنع رجوع العبد بالعوض في الإجارة علي الحقّ عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(4).

و قال بعض الشافعيّة: تبطل الوصيّة بالمنفعة بنفس الإعتاق؛ إذ يبعد أن يكون الحرّ مستحقّ المنفعة أبد الدهر(5).

و ليس بشيء.

و علي القول به هل يرجع الموصي له علي المعتق ببدل المنافع ؟5.

ص: 425


1- نهاية المطلب 150:11، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 5: 173.
2- العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.
3- الحاوي الكبير 224:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، البيان 254:8، العزيز شرح الوجيز 112:7.
4- الحاوي الكبير 224:8، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 118-119، بحر المذهب 274:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 424:5، التهذيب - للبغوي - 437:4، البيان 321:7-322، و 254:8، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.
5- العزيز شرح الوجيز 112:7-113، روضة الطالبين 173:5.

للشافعي و جهان(1).

تذنيب: هل للوارث أن يكاتب هذا العبد؟ يحتمل الجواز؛ اعتمادا علي ما يأخذه من الزكاة و غيرها، و عدمه؛ لأنّ اكتساباته مستحقّة للغير، فلا تنصرف إلي جهة الكتابة.

و يجوز تدبيره.

آخر: ليس للموصي له بالمنفعة عتق العبد؛ لأنّ العتق للرقبة، و هو لا يملكها، و لا تسقط وصيّته؛ لأنّ إعتاقه باطل، فلا يترتّب عليه حكم.

آخر: لو وهب الموصي له بالخدمة و المنافع العبد بمنافعه و خدمته و أسقطها عنه، فللورثة الانتفاع به؛ لأنّ ما يوهب للعبد يكون لسيّده(2).

مسألة 266: العبد الموصي بمنفعته إن كانت المنفعة معيّنة بمدّة مضبوطة،

صحّ بيعه إجماعا، كما يصحّ بيع العبد المستأجر.

و إن كانت مؤبّدة، صحّ البيع أيضا؛ لكمال الملك فيها، و يباع مسلوب المنفعة، و لأنّه يمكنه إعتاقه و تحصيل الثواب بذلك، فصحّ البيع، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لاستغراق المنفعة بحقّ الغير، فيبقي لا منفعة فيه، فلا يجوز بيعه، كالحشرات.

و الثالث: أنّه يصحّ بيع العبد و الأمة، دون البهائم و الجمادات؛ لأنّه يتقرّب إلي اللّه تعالي بإعتاقهما.

و الرابع: أنّه يصحّ البيع من الموصي له؛ لأنّه يجتمع له الرقبة

ص: 426


1- العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 173:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «للسيّد».

و المنفعة، و ينتفع بذلك، بخلاف غيره، و لا يصحّ البيع من غيره؛ إذ لا فائدة فيه(1).

و يمنع ذلك، فإنّ فائدة الإعتاق متحقّقة، و كذا تحصيل ولائه و جرّ ولاء أولاده بعتقه.

تذنيب: لو أوصي له بنتاج ماشية، جاز للوارث بيعها إجماعا؛ لبقاء بعض المنافع و الفوائد، كالصوف و اللبن و الظّهر، أمّا لو أوصي بجميع منافعها فالخلاف كما سبق.

مسألة 267: لو أوصي برقبته لإنسان و بمنفعته لآخر،

صحّت الوصيّة، و قام الموصي له بالرقبة مقام الوارث فيما ذكرنا، و به قال الشافعي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(2).

و لو انهدمت الدار الموصي بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها، هل يعود حقّ الموصي له ؟ فيه وجهان للشافعيّة(3) ، و الوجه: العود.

و لو أراد الموصي له إعادتها بآلتها، فللشافعيّة و جهان(4) ، و الوجه عندي: أنّ له ذلك.

مسألة 268: لو أوصي له بمنفعة العبد مؤبّدا،

كان للموصي له إثبات يده عليه ليتمكّن من استيفاء منافعه.

و تندرج تحت الوصيّة المنافع المعتادة من الخدمة و الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد و أجرة الصنعة و الخدمة؛ لأنّها بدل منافعه.

ص: 427


1- العزيز شرح الوجيز 113:7-114، روضة الطالبين 174:5.
2- التهذيب - للبغوي - 83:5، البيان 147:8، العزيز شرح الوجيز 118:7، روضة الطالبين 176:5، الشرح الكبير 550:6، روضة القضاة 4030/710:2، تحفة الفقهاء 208:3، بدائع الصنائع 383:7.
3- العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 179:5.
4- العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 179:5.

و كذا تدخل الاكتسابات النادرة، كالموهوب و الملتقط - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لدخوله تحت عموم الاكتساب(2).

و الثاني: المنع؛ لأنّها لا تقصد بالوصيّة؛ لندورها(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العامّ لا تقصد جزئيّاته بالفعل، بل بالقوّة.

مسألة 269: لو أوصي له بمنافع أمته،

فأتت بولد من زوج أو زنا، فهو مملوك إجماعا، فحكمه حكم أمّه.

و لمن يكون الولد؟ الأقرب: أن تكون رقبته لورثة الموصي كأمّه؛ لأنّه تابع لها، و المنفعة للموصي له كأمّه؛ لأنّه جزء من الأم، فجري مجراها، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و قوّاه الشيخ رحمه اللّه(4).

و الثاني: أنّه بمنافعه لورثة الموصي؛ لأنّ استحقاق منفعة الأم لا يتعدّي إلي الولد، كما في الإجارة.

و الثالث: أنّه يملكه الموصي له؛ لأنّه من كسب الأمة و منافعها، لأنّه عليه السّلام سمّي ولد الرجل كسبا له(5)(6).

فإن قتل هذا الولد و وجبت قيمته، فإن قلنا: إنّ الولد للموصي له،

ص: 428


1- نهاية المطلب 142:11، العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 172:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «الاكتسابات».
3- نهاية المطلب 142:11، العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 172:5.
4- المبسوط - للطوسي - 15:4-16.
5- المصنّف - لعبد الرزّاق - 16643/133:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 7: 2735/157، مسند أحمد 23512/49:7، سنن ابن ماجة 2137/723:2، سنن أبي داود 288:3-3528/289 و 3529، سنن النسائي (المجتبي) 241:7، السنن الكبري - للنسائي - 6043/4:4-1 و 6045-3 و 6046-4، المستدرك - للحاكم - 46:2، السنن الكبري - للبيهقي - 479:7-480.
6- الحاوي الكبير 225:8، الوسيط 457:4، العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.

كانت القيمة له، و إن قلنا: إنّ حكمه حكم الأم، فوجهان: أحدهما: تكون للورثة. و الثاني: يشتري بها [عبد](1) كذلك الولد تكون رقبته للورثة، و منفعته للموصي له.

و لو وطئها واطئ بشبهة أو زوجيّة فأتت بولد، فلا حدّ؛ لأنّه شبهة، و يلزمه المهر، و يكون المهر للموصي له؛ لأنّ منفعتها له، و الولد لاحق به، و يثبت النسب؛ لأنّه ولد شبهة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المهر لورثة الموصي؛ لأنّه بدل منفعة البضع، و منفعة البضع لا تجوز الوصيّة بها، فبدلها لا يستحقّ بالوصيّة، و إذا تعذّر ذلك كان تابعا للرقبة(2).

و ليس للموصي له بمنفعتها و طؤها، كما لا يجوز للمستأجر وطء المستأجرة، فإن وطئها مع علم التحريم، حدّ، كما يحدّ المستأجر، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: لا حدّ عليه؛ للشبهة(3) ، و قوّاه الشيخ(4).

و لا مهر عليه؛ لأنّ المهر له.

و لو أولدها بالوطء، لم تصر أمّ ولد.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تصير أمّ ولد، و يكون الولد حرّا؛ للشبهة(5) ، و هو أظهر وجهي(6) الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكون رقيقا(7).

و علي الحرّيّة إن جعلنا الولد المملوك كالكسب، فلا قيمة عليه، و إلاّ فعليه القيمة.5.

ص: 429


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أمة». و المثبت يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.
3- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.
4- المبسوط - للطوسي - 16:4، و فيه أفتي بذلك صريحا.
5- المبسوط - للطوسي - 16:4.
6- في «ص، ل» و الطبعة الحجريّة: «قولي» بدل «وجهي».
7- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.

ثمّ هي لمالك الرقبة، أم يشتري بها عبد تكون رقبته لمالك الرقبة و منفعته للموصي له ؟ و جهان.

و ليس لوارث الموصي و طؤها؛ لأنّ منفعتها ملك لغيره، فلا يجوز أن يستوفيها، فإن وطئ فلا حدّ؛ لشبهة تملّك الرقبة، و عليه المهر للموصي له، و الولد حرّ، و عليه قيمته إن قلنا: إنّها للموصي له، أو يشتري بها عبد كهيئته، و إن قلنا: له، لم يجب شيء، و تكون الأمة أمّ ولد تعتق بموته؛ لأنّها علقت منه بحرّ في ملكه، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا تصير أمّ ولد؛ لأنّه غير مالك لاستيلادها(2).

مسألة 270: إذا أوصي بمنفعة العبد،

اندرج تحته استحقاق الخدمة و سائر أبدال الاكتسابات و إجارته و إعارته.

و لو أوصي بمنفعة الدار، أفاد سكناها و إجارتها و إعارتها.

و لو أوصي بخدمة العبد و سكني الدار، لم يفد استحقاق جميع المنافع، فإنّه لو استأجر عبدا للخدمة لم يملك تكليفه البناء و الغراس، و إذا استأجر دارا للسكني لم يكن له أن يعمل فيها صنعة الحدّاد و القصّار، و لا يطرح فيها الزّبل.

و لو أوصي بالغلّة و الكسب، لم يفد استحقاق السكني و الركوب و الاستخدام.

و لو أوصي بواحد منهما، لم يفد استحقاق الغلّة و الكسب؛ لأنّ الغلّة

ص: 430


1- الحاوي الكبير 226:8، نهاية المطلب 147:11، التهذيب - للبغوي - 5: 85، العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 174:5.
2- الحاوي الكبير 226:8، العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 5: 174.

فائدة عينيّة، و المنفعة تطلق في مقابلة العين، حيث تقسّم الأموال إلي أعيان و منافع.

و لو أوصي له بالمنفعة، لا يستحقّ طلب الكسب.

مسألة 271: ليس للموصي له بمنفعة الأمة تزويجها،

و كذا ليس للوارث المالك للرقبة تزويجها؛ لأنّ مالك المنفعة لا يملك رقبتها فلم يملك منافع وطئها بالنكاح، فليس له أن يملّكها لغيره، و إنّما وهبت له المنافع، و ذلك لا يبيح له الوطء و لا العقد، و مالك الرقبة لا يملك تزويجها؛ لاشتماله علي ضرر صاحب المنفعة بتزويجها؛ لأنّها ربما نقصت بالولادة، و نقص نفعها بالحمل، و ربما ماتت في الطّلق.

فإن اتّفقا علي تزويجها جاز.

و لو طلبت الجارية ذلك، قال بعض العامّة: وجب تزويجها؛ لأنّه حقّها، و حقّها في ذلك مقدّم عليهما؛ لأنّها لو طلبته من سيّدها الذي يملك رقبتها و نفعها أجبر عليه، و قدّم حقّها علي حقّه، و وليّها في التزويج لو اتّفقا عليه مالك رقبتها(1).

و منع الشافعي من وطء الجارية الموصي بمنفعتها للوارث إن كانت ممّن تحبل؛ لما فيه من خوف الهلاك بالطّلق و النقص و الضعف بالولادة و الحمل، و لأنّ الملك غير تامّ، و إن كانت ممّن لا تحبل فوجهان(2).

مسألة 272: لو أوصي له بمنفعة العبد أو الأمة أو الدابّة،

فالأقرب: أنّ للموصي له الانفراد بالسفر بالموصي بمنفعتها؛ لأنّه لو منع من السفر بها انتقص انتفاعه، و تبعّض عليه الانتفاع، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و به قال

ص: 431


1- المغني 514:6، الشرح الكبير 546:6.
2- العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 174:5.

أبو ثور(1).

و الثاني: أنّه ليس له ذلك - و به قال أصحاب الرأي، إلاّ أن يكون أهله في غير البلد فيخرجه إلي أهله(2) - كما لا يجوز لزوج الأمة أن يسافر بالأمة؛ رعاية لحقّ المالك(3).

و الفرق: أنّ منفعة الزوجة الأمة للسيّد، و لذلك يستقلّ السيّد بالسفر بها، و مالك الرقبة هنا لا يستقلّ.

مسألة 273: لو جني علي العبد الموصي بمنفعته بأن قتل،

فإن أوجبت القصاص كان لمالك الرقبة الاقتصاص، فإذا اقتصّ سقط حقّ الموصي له بالمنفعة، كما لو مات، و ليس للموصي له منع الوارث من الاقتصاص، فإن صالح الوارث الجاني علي الدية، لم يكن للموصي له شيء منها.

و إن أوجبت مالا، ففي القيمة المأخوذة خلاف بين العامّة.

[الأوّل]: قال أبو حنيفة: إنّه يشتري بها عبد يقوم مقامه، تكون رقبته للوارث و منفعته للموصي له؛ لأنّ القيمة بدل الرقبة و منافعها، فتقوم مقامها، و هو قول بعض الشافعيّة.

ص: 432


1- المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 183:27، بدائع الصنائع 386:7، الهداية - للمرغيناني - 253:4-254، المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6. و لا يخفي أنّه في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة كان موضع قوله: «و به قال أصحاب الرأي... إلي أهله» بعد قوله: «أظهر وجهي الشافعيّة»، و أيضا كان موضع قوله: «و به قال أبو ثور» بعد قوله: «ليس له ذلك»، و المثبت هو الموافق لما في المصادر و لسياق العبارة.
3- نهاية المطلب 146:11، الوسيط 458:4، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.

و الثاني: أنّ القيمة للوارث بحقّ ملك الرقبة، و لا شيء للموصي له بالمنفعة، كما لا حقّ للمستأجر في بدل المستأجر، و لا لزوج الأمة في بدلها، و لأنّ الوصيّة تعلّقت بالعين لا بالبدل، و العين قد تلفت، و قال به بعض الشافعيّة.

و الثالث: أنّها توزّع علي الرقبة مسلوبة المنفعة و علي المنفعة وحدها، و ذلك بأن تقوّم الرقبة بمنافعها ثمّ تقوّم بلا منفعة، و لا بدّ و أن يكون لها قيمة؛ لما في عتقها من الثواب و جلب الولاء و جرّه، فقدر التفاوت هو قيمة المنفعة، فما هو حصّة الرقبة من القيمة فهو للوارث، و ما هو حصّة المنفعة فللموصي له.

و مأخذ هذا الوجه و الوجه الأوّل واحد، و افتراقهما في أنّ القيمة تصرف إلي عبد آخر، أو تقسّم بحالها.

و الرابع: أنّها للموصي له خاصّة؛ لأنّ تقوّمه بمنافعه، و المنافع حقّه.

و يخرّج علي هذا الخلاف ما إذا قتله الوارث أو الموصي له، فلا شيء علي من تصرف القيمة إليه لو كان القاتل أجنبيّا(1).

و الأقرب عندي: الأوّل.

و لو قطع بعض أطرافه، فالأقرب: أنّه يشتري به عبد أو بعضه تكون رقبته للوارث و منفعته للموصي له.

و للشافعيّة الخلاف السابق(2).5.

ص: 433


1- المهذّب - للشيرازي - 468:1، نهاية المطلب 138:11-139، الوجيز 1: 278، الوسيط 459:4، البيان 251:8، العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 174:5-175، و ينظر: المغني 515:6.
2- العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 175:5.

و بعضهم قطع هنا بكون الأرش للوارث، و اتّفقوا علي ترجيحه؛ لأنّ العبد يبقي منتفعا به، و مقادير المنفعة لا تضبط و تختلف بالمرض و الكبر، فكأنّ حقّ الموصي له باق بحاله(1).

مسألة 274: لو جني هذا العبد الموصي بخدمته بما يوجب القصاص و اقتصّ منه،

فقد ضاع حقّ المالك و الموصي له جميعا.

و إن وجب المال، تعلّق برقبته، فإن فداه أحدهما فلا بحث.

و إن امتنعا من فدائه، بيع في الجناية، و بطل حقّهما.

فإن كان بعضه يفي بالأرش بيع البعض، و كان البعض مع منفعته للمشتري، و يبقي البعض الآخر من رقبته للوارث و منفعته للموصي له.

و لو لم يمكن إلاّ بيع الجميع و زاد الثمن علي الأرش، احتمل الخلاف السابق.

و قال بعضهم: يقسّم بينهما علي نسبة حقّهما(2).

و لو افتدياه معا، استمرّ الحقّان، و كذا لو فداه مالك الرقبة.

و إن فداه الموصي له، فوجهان في لزوم الإجابة علي المجنيّ عليه.

أحدهما: لا يلزم؛ لأنّه أجنبيّ عن الرقبة.

و أشبههما عندهم: اللزوم؛ لأنّ له فيه غرضا ظاهرا(3).

هذا فيما إذا فدي أحدهما العبد بمنافعه.

و لو فدي حصّته، قيل: يباع نصيب صاحبه(4).

و فيه نظر من حيث إنّه لو فداه مالك الرقبة لم يملك بيع المنفعة وحدها.

ص: 434


1- العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 175:5. (2الي4) العزيز شرح الوجيز 116:7، روضة الطالبين 175:5.

و إن فدي الموصي له و استمرّ حقّه، فبيع الرقبة علي الخلاف.

مسألة 275: لو أوصي له بثمرة نخلة فتنازع الورثة و الموصي له في السقي،

فإن امتنعا لم يكن لأحدهما إجبار الآخر علي السقي؛ لأنّ صاحب الثمرة لا يستحقّ علي صاحب الأصول أن يسقي ثمرته، و لا يجبر صاحب الثمرة علي أن يسقي شجرة؛ لأنّ الشجرة لا حرمة لها في نفسها، بخلاف العبد، حيث أوجبنا نفقته علي الورثة في أحد الوجوه، و إجبارهم عليها؛ لأنّ للعبد حرمة في نفسه، و لهذا لو لم يتعلّق به حقّ أحد أجبر علي الإنفاق عليه، بخلاف الجمادات.

و كذا الموصي له لا يجبر علي سقي ثمرته و لا شجرة غيره.

و لو أراد أحدهما سقيها علي وجه لا يضرّ بصاحبه، لم يملك الآخر منعه.

و مذهب الشافعي كذلك(1).

مسألة 276: يجوز للموصي له بالمنفعة أن يؤاجر العين مدّة،

أو يوصي بها مدّة، أو يعيرها مدّة أو مطلقا - و به قال الشافعي و مالك(2) - لأنّه قد ملك المنافع بحيث ليس لغيره الرجوع فيها، فصحّ إجارتها، كالمستأجر.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: ليس له أن يؤاجرها؛ لأنّه ملكها بغير

ص: 435


1- لم نتحقّقه في مظانّه، و ينظر: المغني 511:6.
2- الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 277:1-278، الوسيط 454:4، التهذيب - للبغوي - 84:5، العزيز شرح الوجيز 109:7، روضة الطالبين 171:5، المدوّنة الكبري 63:6-64، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 2070/1012، المغني 511:6، الشرح الكبير 544:6-545، المبسوط - للسرخسي - 182:27-183، الهداية - للمرغيناني - 253:4.

عوض فليس له أن يؤاجرها، كالعارية(1).

و الفرق: أنّ المستعير ما ملك المنافع، و إجارتها إسقاط لحقّ صاحبها، فإنّه لم يملّكه إيّاها.

مسألة 277: لو أوصي بلبن شاة أو صوفها،

جاز، كما تجوز الوصيّة بثمرة الشجرة.

و كذا لو أوصي بصوفها و بلبنها معا.

و ينبغي أن تقوّم هنا المنفعة الموصي بها، دون العين؛ لأنّه لم يوص بجميع منفعتها.

و لو يبست الشجرة الموصي بثمرتها أو بمنفعتها، كان حطبها للوارث، أمّا لو يبس السعف أو الغصن، فإن كانت الوصيّة بالمنفعة، كان ذلك للموصي له بالمنفعة علي إشكال، و إن كانت الوصيّة بالثمرة، فالوجه:

أنّه لا يدخل؛ إذ لا يسمّي ثمرا.

و لو وصّي له بثمرة سنة معيّنة فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للموصي له.

و لو قال: ثمرتها أوّل عام تثمر، صحّ، و له ثمرتها أوّل عام تثمر.

و كذا لو أوصي له بما تحمل جاريته أو دابّته.

و لو أوصي لرجل بشجرة و لآخر بثمرتها، صحّ، و كان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث، و له ما له.

ص: 436


1- المبسوط - للسرخسي - 182:27، الهداية - للمرغيناني - 253:4، الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 277:1-278، الوسيط 454:4، العزيز شرح الوجيز 109:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2070/1012:2، المغني 6: 511، الشرح الكبير 545:6.

و لو أوصي لرجل بحبّ زرعه و لآخر بتبنه، صحّ، و النفقة بينهما؛ لأنّ كلّ واحد منهما تعلّق حقّه بالزرع، فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه و الإنفاق عليه، و فيه وجهان:

أحدهما: يجبر علي الإنفاق عليه؛ لأنّ في ترك الإنفاق عليه إضرارا بهما و تضييعا، و النبيّ صلّي اللّه عليه و اله قال: «لا ضرر و لا ضرار»(1) و نهي عن إضاعة المال(2).

و الآخر: لا يجبر علي الإنفاق علي مال نفسه و لا علي مال غيره إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فكذا إذا اجتمعا(3).

و أصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلي عمارته فامتنع.

و ينبغي أن تكون النفقة بينهما علي قدر قيمة حقّ كلّ واحد منهما، كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع.

تنبيه: تصحّ الوصيّة بما لا يقدر علي تسليمه، كالعبد الآبق، و الجمل الشارد، و الطير في الهواء، و السمك في الماء؛ لأنّ الوصيّة تصحّ بالمعدوم فبهذا أولي، و لأنّ الوصيّة تجري مجري الميراث، و هذا يورث، فتصحّ الوصيّة به، فإن قدر عليه أخذه و سلّمه إذا خرج من الثّلث، و للموصي له السعي في تحصيله، فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثّلث.2.

ص: 437


1- تقدّم تخريجه في ص 422، الهامش (6).
2- مسند أحمد 17727/305:5، و 17768/312، سنن الدارمي 311:2، صحيح البخاري 139:2، و 124:8، و 118:9.
3- ورد الوجهان المذكوران في المغني 515:6، و الشرح الكبير 551:6-552.

تذنيب: لو أوصي بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة، فحقّ الشفعة للوارث، لا للموصي له.

ص: 438

فهرس الموضوعات

كتاب الوصايا

مقدّمة: في ماهيّتها و تسويغها 5

هل تجب الوصيّة علي من ليس عليه حقّ؟ 8

المقصد الأوّل: في أركان الوصيّة

الفصل الأوّل: في الصيغة

البحث الأوّل: الإيجاب

لفظ الإيجاب الصريح 11

حكم ما لو اقتصر علي قوله: وهبت منه و نوي الوصيّة 11

تعيّن الوصيّة بالكنايات 12

حكم ما لو كتب بخطّه: إنّي قد أوصيت لفلان بكذا 12

حكم الوصيّة فيما لو اعتقل لسانه و لم يتمكّن من النطق فكتب الوصيّة أو أشار بما يدلّ علي الرضا بها 12

حكم ما إذا وجدت وصيّة بخطّ الميّت و لم يكن أشهد عليها و لا أقرّ بها 14

ص: 439

حكم ما لو كتب وصيّة و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة و لم يطلعهم علي ما فيها 15

تذنيب: فيما إذا ثبتت الوصيّة فإنّ حكمها يثبت و يعمل بها ما لم يعلم رجوع الموصي عنها 16

استحباب كتابة الوصيّة و الإشهاد عليها 16

فيما يتعلّق بوصيّة رجل بغير خطّه و عدم إشهاده عليها إلي أن يحضره الموت 18

البحث الثاني: في القبول

اشتراط قبول الوصيّة فيما إذا كان الموصي له معيّنا 18

عدم افتقار الوصيّة إلي القبول فيما إذا كانت الوصيّة لغير معيّن 19

جواز القبول علي الفور و علي التراخي 19

هل يشترط وقوع القبول بعد موت الموصي ؟ 19

حكم ما لو مات الموصي له قبل موت الموصي و قبل القبول 20

حكم ما إذا ردّ الموصي له الوصيّة و كان قبل موت الموصي 22

حكم ما إذا مات الموصي له قبل موت الموصي و بعد ردّه أو كان بعد موت الموصي 22

بطلان الوصيّة في كلّ موضع يصحّ ردّ الموصي له للوصيّة 25

حكم ما إذا قال الموصي له: رددت الوصيّة لفلان، يعني أحد الورثة 25

تنبيه: في حصول الردّ بقول الموصي له: رددت الوصيّة أو لا أقبل الوصيّة و ما يقوم مقام ذلك 26

آخر: حكم ما لو كانت الوصيّة لاثنين فقبل أحدهما و ردّ الآخر 26

البحث الثالث: في سبب التملّك

متي يملك الموصي له ما أوصي له به ؟ 26

ص: 440

البحث الرابع: في المسائل المتفرّعة علي المذهبين

زوائد الموصي به إن حصلت قبل موت الموصي فهي له و إن حصلت بعد موته و بعد القبول فهي للموصي له 33

حكم ما إذا حصلت الزوائد بعد موت الموصي و قبل القبول 34

حكم ما لو أوصي بعبده لزيد ثمّ مات ثمّ أهلّ شوّال قبل القبول ثمّ قبل 34

حكم ما لو زوّج أمته من حرّ ثمّ وصّي له بها ثمّ مات الموصي 35

أقسام ما لو أوصي له بجارية فولدت و بيان أحكامها 37

حكم ما لو أوصي بأمة لزوجها فلم يعلم حتي وضعت له بعد موت سيّدها أولادا 41

حكم ما لو أوصي بجاريته لزوجها و مات الموصي له قبل القبول و الردّ 42

فيما إذا أوصي الإنسان لغيره بأبيه أو ابنه فهل يجب عليه القبول ؟ 43

حكم ما لو ملك ابن أخيه فأوصي به لأجنبيّ و لا وارث للموصي سوي أخيه فقبل الموصي له الوصيّة 44

حكم ما لو أوصي لإنسان بأبيه و مات الموصي له بعد موت الموصي و قبل القبول 44

حكم ما إذا أوصي له بمن يعتق عليه و قبله في حال صحّته أو مرضه الذي لم يمت فيه أو مرضه الذي مات فيه 45

فيما يتعلّق بما إذا ملك المريض من ينعتق عليه بغير عوض 46

فيما لو أوصي للمريض بمن يعتق عليه فمات قبل القبول فقبل وارثه 51

حكم ما لو أوصي لرجل بزوجته الحامل من الزوج و هي أمة الموصي و لابن لها حرّ و مات و خرجت هي كلّها من الثّلث فقبلا الوصيّة و هما موسران 52

حكم ما لو أوصي لإنسان بمن يعتق عليه و مات الموصي له عن ابنين 54

حكم ما لو كان له أمة ذات ولد من غيره فأوصي بها لذلك الولد 56

حكم ما لو أوصي بعبده لشخصين أحدهما ابن العبد 58

ص: 441

حكم ما لو أوصي بجارية لزوجها و أولدها بعد موت الموصي و قبل القبول أو مات الموصي له قبل القبول و الردّ 58

حكم ما إذا مات الموصي له قبل القبول و قبل وارثه 60

حكم ما لو أوصي لغيره بأمته ثمّ مات الموصي قبل القبول فوطئها الوارث فأولدها. 61

الفصل الثاني: في الموصي

اشتراط كمال العقل في الموصي 63

بطلان وصيّة المجنون المطبق و من يعتوره الجنون في وقت جنونه و المبرسم و المعتوه و النائم و السكران و المغمي عليه 63

بطلان وصيّة الصبي غير المميّز 63

هل تصحّ وصيّة المميّز؟ 63

فروع:

1 - حكم هبة الصبي و وقفه و صدقته بالمعروف 65

2 - حكم وصيّة الصبي و له ثمان سنين و الجارية و لها سبع سنين 66

3 - بطلان وصيّة الصبي و له أقلّ من عشر سنين 66

4 - فيما روي من جواز وصيّة ابن سبع سنين في المعروف 66

5 - حكم طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين 66

حكم وصيّة السفيه بالمعروف 67

اشتراط الحرّيّة في الموصي 68

بطلان وصيّة العبد القنّ و المكاتب المشروط و المطلق إذا لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة 68

صحّة وصيّة الكافر 69

بطلان وصيّة الكافر في جهات المعاصي 69

ص: 442

بطلان وصيّة الكافر بكتبة التوراة و الإنجيل أو بقراءتهما 69

حكم وصيّة الكافر بدهن يشعل في البيع و الكنائس 69

بطلان وصيّة المسلم بمعصية 69

جواز وصيّة المسلم أو الكافر بعمارة المسجد الأقصي أو قبور الأنبياء عليهم السّلام و كذا العلماء و الصالحين 69

جواز وصيّة المسلم و الكافر بفكّ أساري الكفّار من أيدي المسلمين 69

صحّة الوصيّة ببناء رباط ينزله أهل الذمّة أو دار تصرف غلّتها إليهم 70

هل تصحّ وصيّة إنسان بعد ما جرح نفسه بما فيه هلاكها؟ 70

بطلان الوصيّة علي الأطفال إلاّ من الأب أو الجدّ للأب خاصّة 71

الفصل الثالث: الموصي له

بطلان الوصيّة للمعدوم 73

بطلان الوصيّة لأحد الشخصين من دون تعيينه 73

بطلان الوصيّة لما تحمله المرأة من بعد الوصيّة أو لمن يوجد من أولاد فلان 74

المطلب الأوّل: في المسائل المعنويّة

المبحث الأوّل: في الوصيّة للحمل

صحّة الوصيّة للحمل بشرط وجوده حال الوصيّة و انفصاله حيّا 74

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي لحمل سيكون 75

فيما لو انفصل الحمل لستّة أشهر من حين الوصيّة فصاعدا لم يعط الحمل شيئا 75

حكم ما إذا انفصل الحمل بين مدّة أقلّ الحمل و أكثره 75

فيما إذا قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة من زيد يشترط العلم بوجوده عند الوصيّة و كونه ثابت النسب من زيد 76

اشتراط انفصال الحمل حيّا في صحّة الوصيّة له 76

ص: 443

فيما لو ولدت المرأة أحد التوأمين لأقلّ من ستّة أشهر ثمّ ولدت الثاني لأقلّ من ستّة أشهر من الولادة الأولي صحّت الوصيّة لهما 77

القابل لوصيّة الحمل هو أبوه أو جدّه أو من يلي أمره 77

فيما إذا قبل القابل الوصيّة للحمل قبل انفصاله حيّا ثمّ انفصل حيّا فهل يعتد بذلك القبول ؟ 77

صحّة الوصيّة بالمنافع المتجدّدة و بثمار الأشجار 78

حكم ما إذا أوصي لحمل امرأة فولدت ذكرا و أنثي 78

حكم ما إذا قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران و إن كان فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما و جارية أو ولدت أحدهما منفردا 78

حكم ما لو قال: إن كان حملها أو ما في بطنها غلاما فله ديناران و إن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا أو ولدت غلاما و جارية 78

البحث الثاني: في الوصيّة للعبد و شبهه

حكم الوصيّة لعبد الغير و مكاتبه و مدبّره و أمّ ولده 79

حكم ما لو أوصي لعبد غيره و لم يستمر رقّه 81

حكم الوصيّة فيما لو أوصي لمن نصفه حرّ و نصفه لأجنبيّ 82

تذنيبان:

1 - حكم ما لو قال: أوصيت لنصفه الحرّ أو لنصفه الرقيق 84

2 - حكم ما لو صرّح بإدراج الاكتسابات النادرة في المهايأة 85

حكم ما لو أوصي لعبد نفسه و كانت الوصيّة بجزء شائع أو بعين من تركته 85

حكم ما لو أوصي لعبده بعين معيّنة من ماله و كانت العين غير نفس العبد 88

حكم ما لو أوصي لعبده برقبته 89

حكم ما لو أوصي لعبده بجزء من رقبته 90

ص: 444

حكم ما لو قال: أوصيت لعبدي بثلث مالي أو بكلّ ما أملك من رقبته و غيرها من أموالي و لا شيء له سواه 90

حكم ما لو خلّف شيئا غيره و أوصي له برقبته 90

حكم ما لو أوصي له بجزء من نفسه و كان أقلّ من الثّلث و لا شيء له سواه 90

حكم ما لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبة و غيرها 91

حكم ما لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي 91

حكم ما لو أوصي له بثلث جميع أمواله و شرط تقديم رقبته 91

صحّة وصيّة الإنسان لأمّ ولده 92

هل تعتق أمّ الولد - في الفرض المزبور - من نصيب ولدها أو من الوصيّة ؟ 92

صحّة وصيّة الإنسان لمدبّره و تجتمع له وصيّتان: التدبير و الوصيّة بالمال 93

صحّة وصيّة الإنسان لمكاتبه المطلق و المشروط 94

حكم ما لو أوصي لمكاتبه المطلق أو المشروط أو لمدبّره برقبته و كذا لأمّ ولده برقبتها 96

حكم الوصيّة لمكاتب الغير المشروط أو المطلق 96

صحّة الوصيّة لمكاتب الغير المطلق إذا تحرّر بعضه بقدر ما فيه من الحرّيّة 96

صحّة وصيّة المكاتب المتحرّر بعضه بقدر ما تحرّر منه 97

حكم وصيّة الإنسان لعبد وارثه 97

حكم ما لو أوصي لمن نصفه حرّ و نصفه لوارثه 98

حكم ما لو أوصي لمكاتب وارثه 98

البحث الثالث: في الوصيّة للدابّة

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي لدابّة الغير و قصد تمليكها 98

حكم ما لو أوصي للدابّة و أطلق 99

ص: 445

حكم ما لو أوصي لدابّة الغير و قصد الصرف في علفها 99

حكم الوصيّة للوحوش و الصيود المباحة 101

حكم ما لو أوصي للبهيمة المملوكة فانتقلت الدابّة من مالكها إلي غيره 101

حكم الوصيّة لدار زيد أو للمسجد 101

البحث الرابع: في الوصيّة للكافر

حكم وصيّة المسلم للحربيّ 102

حكم الوصيّة للمرتدّ عن فطرة و عن غير فطرة 104

حكم الوصيّة لأهل الذمّة 104

صحّة وصيّة الذمّيّ للذّمّي و للمسلم و كذا المسلم للمسلم و حكم وصيّته للذمّي 106

حكم وصيّة الحربيّ للحربيّ 106

بطلان الوصيّة لكافر بمصحف و عبد مسلم 106

فيما لو أوصي المسلم لأهل قريته لم يعط من فيها من الكفّار 107

فيما لو أوصي لقرابته و فيهم كافر و مسلم لم يعط الكافر شيئا 107

حكم ما لو أوصي لأهل قريته و كلّهم كفّار أو لقرابته و هم كفّار 108

حكم الوصيّة فيما لو كان أكثر أهل القرية كفّارا 108

فيما لو أوصي للفقراء انصرف إلي فقراء ملّته 108

فيما لو كان في القرية كافر من غير أهل دين الموصي فهل يخرج عن الوصيّة ؟ 109

البحث الخامس: في الوصيّة للقاتل

حكم الوصيّة للقاتل 109

هل يقع فرق في حكم الوصيّة بين قتل العمد و الخطأ؟ 111

فيما لو قتلت أمّ الولد سيّدها عتقت من نصيب الولد و إن استعجلت 113

مستحقّ الدّين المؤجّل إذا قتل المديون حلّ أجله 113

ص: 446

فيما لو قتل المدبّر سيّده فهل تبطل وصيّته أم لا؟ 113

حكم ما إذا أوصي لعبد جارحه أو لمدبّره أو مستولدته و عتق قبل موت الموصي أو انتقل منه إلي غيره 114

حكم ما لو أوصي لعبد بشيء فجاء العبد و قتله أو جاء السيّد و قتله 114

حكم ما لو أوصي لمكاتب فقتل المكاتب الموصي أو جاء سيّد المكاتب فقتله 114

البحث السادس: في الوصيّة للوارث

صحّة الوصيّة للوارث سواء أجاز الورثة أم لا 114

فيما لو وهب الوارث في مرض موته أو أبرأه عمّا له في ذمّته أو وقف عليه كذلك كان حكمه حكم الوصيّة 118

صحّة الوصيّة للوارث من الثّلث و إن لم يجز الورثة 118

حكم ما لو أوصي لغيره بشيء يزيد علي الثّلث 119

من منع من العامّة الوصيّة للوارث اعتبر كونه وارثا حال الموت 119

فيما لو أوصي لكلّ واحد من ورثته بقدر حصّته من التركة لغت الوصيّة 120

حكم ما لو أوصي لكلّ واحد من الورثة بعين هي قدر حصّته من غير ترتيب 121

حكم ما لو أوصي أن تباع عين ماله من إنسان 121

حكم ما لو باع المريض ماله من وارثه بثمن المثل 121

حكم ما لو أوصي بثلث ماله لأجنبيّ و وارث 122

حكم ما لو أوصي لهذا بالثّلث و لهذا بالثّلث 122

حكم ما لو أوصي لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه 124

حكم ما لو أوصي لبعض الورثة بأكثر من نصيبه 124

حكم ما لو أوصي لأجنبيّ بثلث ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالكلّ و أجازا الوصيّتين أو ردّاهما 126

ص: 447

حكم ما لو أوصي لأجنبيّ بالثّلث و لكلّ واحد من ابنيه بالثّلث فردّا 126

حكم ما لو وقف دارا في مرض موته علي ابنه الحائز 127

حكم ما لو كان له ابن و بنت فوقف ثلثي داره علي ابنه و الثّلث علي البنت 128

حكم ما لو وقف الدار - في الفرض المزبور - عليهما نصفين و احتملها الثّلث 128

حكم ما لو وقف الدار علي ابنه و زوجته نصفين و لا وارث له غيرهما 129

حكم ما لو وقف ثلث الدار علي ابنه و ثلثيها علي ابنته و لا وارث له سواهما 130

حكم ما لو أسقط المريض عن وارثه دينا له عليه أو أوصي بقضاء دينه الذي عليه للأجنبيّ أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال 130

حكم ما لو عفا عن القصاص أو عن حدّ القذف 131

حكم ما لو أوصي لغريم وارثه أو لولد وارثه 131

حكم ما لو أوصي بثلث لوارث و أجنبيّ و قال: إن ردّوا وصيّة الوارث فالثّلث كلّه للأجنبيّ 131

فيما إذا قال: أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صحّ 131

فيما إذا قال: وصّيت بثلثي لفلان فإن أقبل فلان الغائب فهو له صحّ 132

حكم ما لو أوصي لوارثه فأجاز بعض الورثة الوصيّة دون بعض 132

المطلب الثاني: في المسائل اللفظيّة

البحث الأوّل: فيما يتعلّق بالوصيّة للحمل

حكم ما إذا قال: أوصيت لحمل فلانة بكذا فأتت بولدين 133

فيما لو كان أحد الولدين - في الفرض المزبور - خرج ميّتا فالكلّ للحيّ 133

حكم ما إذا قال: إن كان حملها غلاما فأعطوه عشرة و إن كان جارية فأعطوه خمسة فولدت غلامين 134

حكم ما لو قال: إن كان في بطنها غلام فله كذا فولدت غلاما و جارية أو غلامين 135

ص: 448

حكم ما لو قال: إن ولدت ذكرا فله مائتان و إن ولدت أنثي فمائة فولدت خنثي مشكلا أو ذكرا و أنثي 135

البحث الثاني: في الوصيّة للجيران و القرّاء و العلماء

صحّة الوصيّة للجيران و تحديد الجار 136

فروع:

1 - فيما لو أوصي لأهل دربه أو سكّته فهم أهل المحلّة الذين طريقهم في دربه 138

2 - فيما لو أوصي لجيران قريته أو لجيران بلده لم يكن لأهل القرية و لا لأهل بلده شيء 138

3 - فيما لو أوصي لجيران قريته فهل ينصرف إلي القرايا القريبة ؟ 138

فيما لو أوصي للقرّاء انصرف إلي من يقرأ جميع القرآن 138

هل يدخل في من يقرأ جميع القرآن من لا يحفظه و إنّما يقرأ من المصحف ؟ 139

فيما لو أوصي للعلماء أو لأهل العلم صرف إلي العلماء بعلوم الشرع 139

فيما لو أوصي للفقهاء فيندرج فيه من يصدق عليه أنّه فقيه عرفا 140

فيما لو أوصي لأعقل الناس في البلد فهو لأجودهم تدبيرا في دينه و دنياه 140

فيما لو قال: لأجهل الناس أو لأجهلهم من المسلمين 140

ردّ العلاّمة الحلّي لبعض الشافعيّة القائل بصرف الوصيّة - في الفرض المزبور - إلي من يسبّ الصحابة أو إلي الإماميّة المنتظرة للقائم 141

البحث الثالث: في الوصيّة للفقراء و المساكين و باقي أصناف الزكاة

فيما إذا أوصي للفقراء صرف إلي فقراء أهل نحلته 161

تعريف الفقير 161

هل يدخل المساكين في الوصيّة للفقراء؟ أو يدخل الفقراء في الوصيّة للمساكين ؟ 161

فيما لو جمع في الوصيّة بين الفقراء و المساكين صرف إليهما 162

ص: 449

فيما لو فضّل أحدهما علي الآخر وجب متابعته 162

مصرف الوصيّة لسبيل اللّه 162

فيما لو أوصي للرقاب فهو للمكاتبين و العبيد الذين في الشدّة 163

حكم ما لو دفع الوصيّة إلي مكاتب فعاد إلي الرقّ و المال باق في يده أو يد السيّد 163

فيما لو أوصي للغارمين أو لأبناء السبيل صرف إلي من يصرف إليه الزكاة منهم 163

فيما لو أوصي للفقراء و المساكين جعل المال بين الصنفين نصفين 163

فيما لو أوصي لبني زيد و بني عمرو هل يقسّم المال علي عددهم ؟ 164

عدم وجوب الاستيعاب و كفاية الصرف من كلّ جنس إلي ثلاثة 164

فيما لو أوصي لفقراء بلدة بعينها و هم محصورون وجب استيعابهم و التسوية بينهم 164

اشتراط القبول في هذه الوصيّة 164

فيما إذا أوصي للفقراء و المساكين لم يجب تتبّع من غاب عن البلد 164

عدم جواز نقل المال الموصي به للفقراء و المساكين عن بلد الوصيّة مع وجودهم فيه 165

فيما لو أوصي للغارمين صرف المال إلي من تصرف إليه الزكاة منهم 165

هل يجب الاستيعاب مطلقا أو يشترط انحصارهم ؟ 165

فيما إذا اقتصر الوصي علي ثلاثة ضمن حصص الباقين 165

فيما إذا أوصي لثلاثة معيّنين وجبت التسوية بينهم 165

حكم ما لو أوصي لسبيل البرّ أو الخير أو الثواب 166

فيما لو قال: ضع ثلثي فيما رأيت أو فيما أراك اللّه فهل يجوز أن يضعه في نفسه ؟ 166

فيما لو قال: أعط من شئت لم يكن له إعطاء نفسه 166

فيما لو أوصي لأصناف الزكاة صرف إلي الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن 166

ص: 450

البحث الرابع: في الوصيّة للواحد و الجمع أو لغير المالك

فيما يتعلّق بما إذا أوصي لزيد و لجماعة معه 167

فيما يتعلّق بما إذا قال: لزيد الفقير و للفقراء أو لزيد الكاتب و للفقراء 169

فيما لو أوصي لزيد بدينار و للفقراء بثلث ماله لم يصرف إلي زيد غير الدينار و إن كان فقيرا 170

فيما يتعلّق بما إذا أوصي لزيد و الفقراء و المساكين 170

حكم الوصيّة فيما لو كان الجماعة المنضمّة إلي زيد معيّنين محصورين أو غير محصورين 170

تذنيب: في حكم ما لو كانت له ثلاث أمّهات أولاد فأوصي لهنّ و للفقراء و المساكين 171

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لجماعة معيّنين غير محصورين 171

فيما يتعلّق بما إذا أوصي لبني فلان و كانوا قبيلة منتشرين أو غير قبيلة 173

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصي لزيد و جبرئيل أو ضمّ إلي زيد من لا يملك 173

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصي لابن زيد و ابن عمرو و لم يكن لعمرو ابن 174

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصي لزيد و لعقبه فمات ولده قبل موت الموصي 174

حكم الوصيّة فيما إذا أوصي للأجنبيّ و الوارث بثلث ماله 175

فيما يتعلّق بما إذا أوصي لزيد و الملائكة أو لزيد و الرياح أو لزيد و الحيطان أو لزيد و للّه تعالي 177

صحّة الوصيّة للمساجد و المشاهد و المدارس و الرّبط و أشباه ذلك 177

مصرف الوصيّة للكعبة عمارتها و معونة الحاجّ و الزائرين 178

البحث الخامس: في الوصيّة للقرابة

صحّة الوصيّة للقرابة نصّا و إجماعا 178

ص: 451

القرابة من هم ؟ 178

فروع:

1 - عدم اشتراط المحرميّة في القرابة 182

2 - فيما إذا أوصي لأقاربه صرف إلي جميع أقاربه البعيد و القريب 182

3 - فيما لو خلّف عمّا و عمّة و خالا و خالة و أوصي لأقاربه فهل تكون الوصيّة بينهم أرباعا 183

4 - فيما إذا أوصي لذي قرابته لم يشترط فيه الجمع 183

5 - فيما لو أوصي لأقارب زيد أو أقارب نفسه دخل فيه ورّاث زيد أو ورّاث نفسه 184

فيما إذا أوصي لأقاربه أو أقارب زيد دخل فيه الأصول و الفروع 184

فيما لو أوصي لأقاربه يصرف إلي المعروفين بنسبه 185

فيما قاله الشافعيّة فيما لو أوصي لأقاربه من اعتبار أقرب جدّ ينسب إليه الرجل و يعدّ أصلا و قبيلة في نفسه 185

دخول قرابة الأب و الأمّ في وصيّة العرب و العجم 186

تذنيب: فيما إذا أوصي لأقاربه دخل فيه كلّ من يقرب إليه إلي آخر أب و أمّ في الإسلام 186

فيما يتعلّق بما إذا قال: أوصيت لأقاربي أو لقرابتي أو لذي قرابتي أو لذي رحمي 186

فيما لو أوصي لأقرب أقاربه أو لأقرب أقارب زيد أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لم يدفع إلي الأبعد مع وجود الأقرب 188

فيما لو اجتمع الأبوان و الولد - في الفرض المزبور - تساووا في الاستحقاق 188

فروع:

1 - تساوي أولاد البنين و أولاد البنات في الوصيّة 189

ص: 452

2 - تساوي الأب و الأمّ في هذه الوصيّة و كذا الابن و البنت و الجدّ أبو الأب و الجدّ أبو الأمّ 189

3 - فيما لو لم يكن أحد من الأولاد و الأحفاد و الأبوين قدّم الأجداد و الجدّات و الإخوة و الأخوات 189

4 - تساوي ابن الأخ و أبي الجدّ 190

5 - أقربيّة الأخ من الأبوين من الأخ من الأب خاصّة 191

هل الأخ من الأبوين أقرب من الأخ من الأمّ؟ 191

6 - تساوي الأخ من الأب و الأخ من الأمّ و أولاد الإخوة و أولاد الأعمام و الأخوال. 191

7 - هل تقدّم الجدّة من الجهتين علي الجدّة من جهة واحدة ؟ 191

8 - العمّ من الأب لا يرث مع ابن العمّ من الأبوين 192

هل يحرم العمّ من الأب في الوصيّة بابن العمّ من الأبوين ؟ 192

فيما يتعلّق بما إذا أتي في وصيّته بلفظ الجمع 192

فيما إذا أوصي لجماعة من أقرب أقاربه و كان له ابن و أخ و عمّ لا غير أو كان له ابن و أخوان فالوصيّة بينهم أثلاثا 194

فيما إذا كان له - في الفرض المزبور - ابن و ثلاثة إخوة دخل جميعهم في الوصيّة 194

فيما لو أوصي لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة 194

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لآله أو لآل غيره و صرفت إلي قرابته 194

من هم آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله ؟ 195

صحّة الوصيّة لآل غير النبيّ صلّي اللّه عليه و اله 195

فيما لو أوصي لأهل بيته صرف إلي أقاربه من قبل الأب و من قبل الأمّ 196

فيما لو أوصي لآباء فلان أو أمّهات فلان دخل فيه أجداده أو جدّاته من الجهتين 198

ص: 453

فيما لو أوصي لجنسه أو لأهل بيته أو لآله دخل فيه كلّ من ينسب إليه من قبل آبائه و أمّهاته إلي أقصي أب و أمّ له في الإسلام 199

حكم ما لو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها 199

فيما لو أوصي لبني فلان فهل تدخل فيه الإناث ؟ 199

دخول الذكور و الإناث في الوصيّة فيما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ 200

عدم دخول مولي العتاقة و الموالاة في الوصيّة المذكورة 200

فيما لو أوصي لولد فلان فالوصيّة للذكر و الأنثي علي السواء 200

صحّة الوصيّة لورثة فلان و دخول كلّ من يرثه من ذكر و أنثي في الوصيّة بالسويّة 200

فيما لو أوصي لأولاده دخل فيه الذكور و الإناث بالسويّة 200

هل يدخل أولاد الأولاد في الوصيّة المزبورة ؟ 200

فيما لو أوصي لأولاده و ليس له إلاّ أولاد أولاد تصرف الوصيّة إليهم 202

هل يدخل أولاد أولاد الأولاد فيما لو أوصي لأولاده و أولاد أولاده ؟ 202

فيما لو أوصي لأولاده دخل البنون و البنات و الخناثي المشكلون 202

فيما لو أوصي للبنين حقيقة لم تدخل البنات و لا الخناثي المشكلون 202

حكم دخول بني البنين أو بني البنات في الوصيّة المزبورة 202

فيما لو أوصي للبنات لم يدخل الأبناء و لا الخناثي 203

حكم دخول بنات الأولاد 203

فيما لو أوصي للخناثي لم يدخل البنون و لا البنات 203

فيما لو أوصي للبنين و البنات فهل يدخل الخناثي ؟ 203

فيما لو أوصي لبني تميم تدخل البنات في الوصيّة 203

فيما لو أوصي لذرّيّته أو عقبه أو نسله فهل يدخل أولاد البنات ؟ 203

فيما لو أوصي لعترته أو لعشيرته و بيان العترة و العشيرة 204

ص: 454

فيما لو أوصي لأخواته لم يدخل الإخوة 205

فيما لو أوصي لإخوته فهل تدخل الأخوات ؟ 205

فيما لو أوصي لأختانه و تعريفهم 205

فيما لو أوصي لأصهاره و تعريفهم 206

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي ليتامي بني فلان أو لأراملهم أو لعميانهم أو لزمناهم سواء كانوا عددا محصورا أم لا 206

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لشبّان بني فلان أو لأيامي بني فلان أو لثيّبهم أو لأبكارهم 207

هل يشترط الفقر في الأرامل ؟ 208

فيما لو أوصي لثيّب في القبيلة فالوصيّة للنساء اللاّتي دخل بهنّ الرجال 208

فيما لو أوصي للمعترّين من الأقارب فهي للّذين يتعرّضون و لا يسألون 209

تفسر ذوي القنوع و غلمان القوم و صبيانهم و الأطفال و الذراري و الشيوخ و الفتيان و الشّبّان 209

البحث السادس: في الوصيّة للمولي

لفظة المولي مشتركة بين معان: الأولي، ابن العمّ، الحليف، الجار، المعتق، العتيق 209

فيما إذا أوصي لمولاه صرف إلي ما دلّت القرينة عليه 209

فيما إذا لم يكن له إلاّ مولي واحد من هؤلاء المذكورين صرف إليه 210

لفظ المولي يقع علي المعتق و علي العتيق و يسمّي الأوّل: المولي الأعلي و الثاني: المولي الأسفل 210

حكم ما إذا أوصي لمواليه و وجد المولي الأعلي و المولي الأسفل و فيه وجوه خمسة 210

ص: 455

فروع:

1 - وجوب البحث عن موضع الأوجه الخمسة 212

2 - فيما لو لم يوجد إلاّ أحدهما صرف اللفظ إليه 212

3 - فيما إذا اقتضي الحال الحمل علي الموالي من الأسفل ثبت الاستحقاق لكلّ من عتق عليه 213

4 - يدخل في الوصيّة من أعتقه في الصحّة و المرض 213

5 - اشتراط بعض الشافعيّة الفقر 213

6 - لا بدّ من تعميم المستحقّين إن انحصروا 213

7 - فيما لو نذر عتق عبده إن لم يضربه فمات قبل ضربه دخل في الوصيّة 214

8 - صحّة الوصيّة فيما لو كان الموصي من العرب فأوصي لمواليه بثلث ماله 214

9 - فيما لو أوصي لمواليه و قصد الأسفل أو كان عربيّا صرف إليه 214

10 - فيما إذا أوصي لمواليه لم يدخل فيه مولي الموالاة و لا معتق المعتق 214

11 - فيما لو كان له معتق واحد و موالي الموالي فالنصف لمعتقه و ما بقي للورثة 215

12 - فيما لو أوصي لمواليه لم يدخل فيهم موال أعتقهم أبوه أو ابنه 215

13 - فيما إذا أوصي لموالي بني فلان لفخذ محصور دخل فيهم المعتق و معتق المعتق 216

فيما لو أوصي لأبويه أو لابنه و بنته بشيء تساويا 216

فيما لو قال: علي كتاب اللّه تعالي كان للذكر ضعف الأنثي 216

فيما إذا أوصي لأعمامه و أخواله بشيء معيّن فهل يتساوون فيه ؟ 216

الفصل الرابع: في الموصي به

تقسيم الموصي به إلي مال أو منفعة مال أو ولاية عليه 219

ص: 456

المطلب الأوّل: في الوصيّة بالمال

الباب الأوّل: في الشرائط

اشتراط كون العين الموصي بها مملوكة 219

صحّة الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات 219

صحّة الوصيّة بالجرو الذي يتوقّع الانتفاع به 220

اشتراط كون المال الموصي به قابلا للنقل من شخص إلي آخر 220

صحّة الوصيّة بما يقبل النقل و إن تعلّق به حقّ الغير 220

بطلان الوصيّة بحقّ القصاص و حدّ القذف 220

صحّة الوصيّة بنجوم الكتابة و برقبة المكاتب 221

حكم ما لو أوصي له بمال غيره أو قال: أوصيت لك بهذا العبد إن ملكته 221

بطلان الوصيّة بعين يحرم الانتفاع بها و لا تقبل التغيير 222

عدم جواز الوصيّة بما يحرم نقله بغيرها و كذا الوصيّة بالعبد المسلم و المصحف للكافر 222

اشتراط عدم زيادة المال الموصي به علي الثّلث 222

عدم اشتراط وجود الموصي به حال الوصيّة 222

صحّة الوصيّة بالحمل الموجود في الحال أو بالحمل الذي سيحدث 222

في أنّ الشرط في صحّة الوصيّة بالحمل الموجود هو انفصاله لوقت يعلم وجوده عند الوصيّة و كذا انفصاله حيّا 222

بطلان الوصيّة بالحمل فيما لو انفصل ميّتا و لم يكن بجناية جان 222

حكم الوصيّة في الفرض المزبور إذا كان انفصال الحمل ميّتا بجناية جان 222

فيما قيل من بطلان الوصيّة بالحمل الذي سيكون 223

صحّة الوصيّة بحمل الدابّة الموجود حال الوصيّة و بالمتجدّد في السنة الأخري 223

ص: 457

صحّة الوصيّة بثمرة البستان الحاصلة في الحال 224

حكم الوصيّة بالثمرة المتجدّدة فيما بعد 224

فيما لو أوصي له بثمرة بستانه فمات و فيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها 225

حكم ما لو أوصي بالثمرة مدّة معيّنة أو قال: أبدا 225

صحّة الوصيّة بما لا قدرة علي تسليمه و كذا العبد الآبق و الطير المنفلت في الهواء و كذا المجهول 225

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي بأحد العبدين 225

فيما لو أوصي بأزيد من الثّلث وقف علي إجازة الورثة 226

استحباب الوصيّة أو وجوبها لمن يترك مالا 228

عدم استحباب الوصيّة للفقير الذي له ورثة محتاجون و لا حقّ عليه واجب 228

بيان القدر الذي لا تستحبّ الوصيّة لمالكه 229

في أنّ الأولي عدم استيعاب الثّلث بالوصيّة و إن كان الموصي غنيّا 230

في أنّ الأفضل للغني الوصيّة بالخمس 231

حكم ما لو أوصي بأكثر من ثلث ماله 232

فيما إذا أجاز الورثة ما زاد علي الثّلث فهل هذه الإجازة تنفيذ و إمضاء لتصرّف الموصي أم ابتداء عطيّة من الورثة ؟ 234

حكم ما لو لم يكن للميّت وارث خاصّ فأوصي بجميع ماله أو بما زاد علي الثّلث 235

صحّة الوصيّة للوارث من غير اعتبار إجازته خلافا للعامّة 236

كفاية لفظ الإجازة و الإنفاذ و الإمضاء و أشباه ذلك 237

فيما لو خلّف زوجة - هي بنت عمّه - و أباها - و كان وارثا - و كان قد أوصي لها و أجاز أبوها الوصيّة فلا رجوع له 238

ص: 458

فيما لو أعتق عبدا في مرضه و لا مال له سواه أو أوصي بعتقه فأجازوا عتقه أو وصيّته بالعتق صحّ العتق و يكون الولاء بأسره للميّت 238

صحّة العتق فيما لو تبرّع بثلث ماله ثمّ أعتق أو أوصي بالإعتاق 239

حكم الرجوع فيما لو أوصي لابن وارثه بعد تبرّعه بثلث ماله أو أعطاه عطيّة في مرضه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته ثمّ أراد الرجوع فيما أجازه 239

أيضا حكم الرجوع فيما لو تزوّج ابنة عمّه فأوصت له بوصيّة أو عطيّة في مرض موتها ثمّ ماتت و خلّفته و أباه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته 239

حكم الوقف فيما لو وقف علي ورثته في مرضه فأجازوا الوقف 239

في أنّ الهبة في مرض الموت من الوارث و الوقف عليه و إبراءه عمّا عليه من الدّين كالوصيّة له 239

فيما لو أوصي لامرأة أجنبيّة و أوصت له ثمّ تزوّجها فهل تجوز وصيّتها له ؟ 240

جواز الوصيّة عند العامّة - في الفرض المزبور - فيما لو أوصي أحدهما للآخر ثمّ طلّقها 240

هل يشترط في الإجازة و الردّ موت الموصي ؟ 240

تذنيب: في أنّه لو أذن الورثة للموصي في الوصيّة بأكثر من الثّلث كان حكم إذنهم كحكم إجازتهم قبل الموت تمضي 242

تذنيب آخر: في لزوم الوصيّة فيما إذا أجاز الورثة بعد الموت و قبل القسمة 243

لا يشترط في الإجازة علم الورثة بالقدر الزائد علي الثّلث و لا قدر التركة 243

اعتبار الإجازة من وارث جائز التصرّف 245

الباب الثاني: في الوصيّة بالأعيان المعيّنة

البحث الأوّل: في الأعيان المحرّمة

بطلان الوصيّة بالأعيان المحرّمة التي ليس لها منفعة محترمة 245

ص: 459

بطلان الوصيّة بكلب الهراش 246

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي بكلب من كلابه و كان كلّ كلابه كلاب الهراش 246

حكم ما لو قال: أعطوه كلبا من مالي 246

فيما إذا كان له كلب يباح اقتناؤه و لا مال له سواه فأوصي به لم تنفذ الوصيّة إلاّ في الثّلث 247

فيما لو لم يكن له كلب و قال: أعطوه كلبا من كلابي بطلت الوصيّة 247

حكم ما لو قال: كلبا من مالي أو كان له كلب يباح اقتناؤه و له مال سواه 247

حكم ما لو أوصي ببعض الكلب أو كان له كلاب فأوصي ببعضها 248

حكم ما لو خلّف مالا و كلابا فأوصي بالكلاب لرجل و بثلث ماله لآخر 249

حكم ما لو وصّي - في الفرض المزبور - بثلث ماله و لم يوص بالكلاب 249

فيما إذا قسّمت الكلاب بين الوارث و الموصي له قسّمت علي عددها إن لم يكن لها قيمة 250

فيما إذا أوصي بكلب من كلابه فهل يخيّر الورثة في تعيينه أو يقرع ؟ 250

فيما لو كان له كلب يباح اقتناؤه و كلب هراش فالوصيّة بالمباح 250

صحّة الوصيّة بالجرو الصغير إن قصد به الصيد أو حفظ الزرع أو الماشية أو الحائط 250

بطلان الوصيّة بالخنزير أو بشيء من السباع المحرّم اقتناؤها أو كلّ ما لا منفعة فيه 250

حكم ما لو أوصي بدفّ من دفوفه 250

فيما لو أوصي بطبل حرب صحّت الوصيّة 251

فيما يتعلّق بالوصيّة بطبل اللهو 251

حكم ما إذا أوصي بما يقع اسمه علي المحلّل و المحرّم و لم ينص علي أحدهما 252

ص: 460

حكم ما لو كان له طبلان: طبل حرب و طبل لهو و أوصي بطبل من ماله أو من طبوله 253

فيما لو تعدّدت الطبول المباح استعمالها كان للموصي له واحد منها 253

فيما لو لم يكن إلاّ طبول محرّمة لم تصح الوصيّة 253

فيما إذا صحّت الوصيّة بالطبل فالجلد الذي عليه يدفع إلي الموصي له 253

فيما إذا جازت الوصيّة بالدفّ و كان عليه شيء من الجلاجل نزع و لم يدفع إلي الموصي له 253

فيما يتعلّق بالوصيّة بالعود 254

فيما إذا أوصي له بعود و لا عود له 255

تذنيب: في حكم الوصيّة بالمزمار 256

بيان أنواع القسيّ و حكم الوصيّة بالقوس 256

فروع:

1 - حكم ما إذا قال: أعطوه قوسا من قسيّي و له أنواع من القوس 258

2 - حكم ما لو قال: أعطوه ما يسمّي قوسا 258

3 - فيما إذا أوصي له بقوس أعطي قوسا معمولة 258

هل تستتبع الوصيّة بالقوس الوتر؟ 259

4 - عدم دخول النّشّاب و غلاف القوس في الوصيّة و دخول الريش و النصل في الوصيّة بالسهم 259

البحث الثاني: في الوصيّة بالأعيان المباحة من الحيوان

القسم الأوّل: الحيوان غير الرقيق

صحّة الوصيّة بالحيوانات المملوكة 259

فيما لو أوصي له بشاة تناول الذكر و الأنثي 259

ص: 461

تناول اسم الشاة صغيرة الجثّة و كبيرتها و السليمة و المعيبة و الصحيحة و المريضة 260

حكم ما لو قال: أعطوه شاة من شياهي أو من غنمي و لم يكن له غنم أو كان له 260

فروع:

1 - حكم ما لو قال: أعطوه شاة من مالي و لم يكن له غنم أو كان له 261

2 - حكم ما لو قال: أعطوه غنما من مالي و كان للموصي غنم أو لم يكن 261

3 - فيما إذا قال: اشتروا له شاة و له شياه لم يعطه منها 261

4 - فيما إذا أوصي بشاة و هناك قرينة تدلّ علي التخصيص بالأنثي أو الذكر حمل اللفظ عليه 262

5 - مطلق الوصيّة بالشاة لا تحمل علي الظباء و الثور الوحشي حيث يطلق عليهما الشاة في اللغة 262

أسماء البعير و الجمل و الناقة تشمل السليم و المعيب و البخاتي و العراب 262

عدم إطلاق اسم الجمل علي الأنثي و الناقة علي الذكر 262

شمول اسم البعير للذكر و الأنثي 262

فيما لو أوصي بما بلغ سنّا معيّنة وجب 263

فيما لو قال: أعطوه بنت مخاض فهل تجزئ بنت اللبون ؟ 263

إطلاق اسم الثور علي الذكر من البقر و هل يطلق البقرة علي الذكر من البقر؟ 263

فيما لو قال: أعطوه عشرة من الإبل أو البقر أو الغنم جاز الذكر و الأنثي 264

فيما لو قال: أعطوه عشر أينق أو بقرات لم يعط الذكور 264

فيما لو قال: أعطوه عشرا من الإبل أو عشرة جاز الذكر و الأنثي 264

فيما لو قال: أعطوه رأسا من الإبل أو البقر أو الغنم جاز الذكر و الأنثي 264

فيما لو أوصي بكلب أو حمار فينصرف إلي الذكر منهما 264

فيما لو أوصي بكلبة أو حمارة أو أتان فهو للأنثي 265

ص: 462

تذنيب: في أنّه لا يدخل الضأن في اسم المعز و لا بالعكس 265

هل تدخل الجوامس في إطلاق البقر؟ 265

اشتهار استعمال الدابّة في المركوب من البهائم 266

فيما لو قال: أعطوه دابّة انصرف إلي الخيل و البغال و الحمير 266

حكم ما إذا قال: أعطوه دابّة من دوابّي و له الأجناس الثلاثة أو جنسان منها أو لم يكن له إلاّ جنس واحد أو لم يكن له منها شيء 266

شمول لفظ الدابّة للذكر و الأنثي و السليم و المعيب و الصغير و الكبير 267

فيما إذا قرن بلفظه ما يخصّص اللفظ بأحد الأوصاف المذكورة حمل عليه 267

جواز الوصيّة بكلّ حيوان مملوك ينتفع به منفعة مقصودة في نظر الشرع و إن كان غير مأكول اللحم 268

القسم الثاني: في الوصيّة بالرقيق

تناول اسم الرقيق للصغير و الكبير و السليم و المعيب و المسلم و الكافر و الذكر و الأنثي و الخنثي 268

بطلان الوصيّة فيما لو قال: أوصيت له برأس من رقيقي و لم يكن له رقيق يوم الوصيّة و لا حدث من بعد 268

حكم الوصيّة فيما لو حدث له أرقّاء بعد الوصيّة 268

حكم الوصيّة فيما إذا لم يكن له إلاّ رقيق واحد و قال: أعطوه رأسا من رقيقي 269

فيما إذا كان للموصي أرقّاء أعطي الوارث للموصي له من شاء منهم حتّي الخنثي 269

حكم الوصيّة فيما لو كان له أرقّاء فأوصي بواحد منهم فماتوا أو قتلوا قبل موت الموصي أو بعد موته و بعد قبول الموصي له أو بعد الموت و قبل القبول 269

فيما إذا مات واحد منهم أو قتل بعد موت الموصي و قبول الموصي له أو قبل قبوله فللوارث التعيين فيه 270

ص: 463

تذنيب: في بطلان الوصيّة لو أوصي له برأس من رقيقه ثمّ أعتقهم بأسرهم و مات و لا رقيق له 270

حكم ما لو أوصي برقيق من ماله و لم يضف إلي أرقّائه كان له رقيق أو لم يكن 270

فيما لو قال: اشتروا له مملوكا يجب الشراء و يجوز شراء المعيب 271

حكم الوصيّة فيما لو قال: أعطوه رأسا و لم يقل: من مالي 271

فيما إذا قال: أعطوه عبدا انصرف إلي الذكر 271

فيما إذا قال: أعطوه أمة لم يعط عبدا ذكرا و لا خنثي مشكلا 271

فيما إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي أعطي الوارث من شاء من عبد أو أمة أو خنثي 271

الباب الثالث: في الوصيّة بالعتق و الحجّ و غيرهما من العبادات

البحث الأوّل: في الوصيّة بالعتق

العتق من أفضل العبادات الشرعيّة 272

فيما إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا عتق عنه ما يقع عليه الاسم 272

حكم ما لو قال: اشتروا بثلثي عبدا و أعتقوه عني ففعل الوارث ثمّ ظهر عليه دين مستغرق 272

فيما إذا قال: أعتقوا عنّي رقابا أو اشتروا بثلث مالي رقابا و أعتقوهم و أمكن شراء ثلاث رقاب فصاعدا بثلثه فعل 273

عدم جواز صرف الثّلث إلي رقبتين أو رقبة مع إمكان الثلاث فما زاد 274

حكم ما لو لم يمكن شراء ثلاث رقاب بالثّلث 274

حكم ما لو قال: اشتروا عبدا بألف و أعتقوه فلم يخرج الألف من ثلثه و أمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج 276

فيما لو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي لم يفتقر إلي قبول العبد 277

ص: 464

فيما لو قال: أوصيت له برقبته فهي وصيّة صحيحة يقصد بها الإعتاق 277

هل يفتقر - في الفرض المزبور - إلي قبول العبد؟ 277

حكم ما لو قال: وهبت منك نفسك لا علي جهة التمليك 277

حكم ما إذا قال: إذا متّ فأعتقوا ثلث عبدي أو قال: ثلث عبدي حرّ إذا متّ 277

فيما يتعلّق بما لو كان له ثلاثة عبيد متساوية القيمة و لا شيء له غيرهم فأعتق في مرض الموت ثلث كلّ واحد منهم 278

فيما يتعلّق بما إذا وجد تبرّعان فصاعدا و اتّسع لها الثّلث أو ضاق 281

حكم ما إذا وجدت التبرّعات المنجّزة مترتّبة أو دفعة 281

فيما إذا كانت التبرّعات متعلّقة بالموت يقدّم السابق في الذكر إلي أن يستوفي الثّلث 285

فيما لو كان في الوصايا الأمر بزكاة واجبة أو حجّ واجب قدّمت تلك الوصيّة علي سائر الوصايا 287

التبرّعات المنجّزة إذا وقعت في حال الصحّة فهي من رأس المال 288

التبرّعات المنجّزة الواقعة في مرض الموت هل هي من الثّلث أم من الأصل ؟ 288

العطايا المنجّزة حكمها حكم الوصيّة في أمور خمسة 289

1 - وقوف نفوذها علي خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة 289

2 - صحّتها للوارث و غيره بإجازة الورثة و غيرها 289

3 - نقصان فضيلتها عن فضيلة الصدقة في الصحّة 289

4 - تزاحمها للوصايا في الثّلث 289

5 - اعتبار خروجها من الثّلث حال الموت 289

افتراق العطايا المنجّزة عن الوصايا في أمور خمسة 289

1 - لزومها في حقّ المعطي بحيث ليس له الرجوع فيها و إن كثرت 290

ص: 465

2 - قبولها أو ردّها علي الفور في حياة المعطي 290

3 - افتقار العطيّة إلي شروطها المشروطة لها في الصحّة 290

4 - تقدم العطايا علي الوصيّة 290

5 - البدء بالأوّل فالأوّل فيما إذا عجز الثّلث عن جميع العطايا 290

بطلان تعليق العتق بشرط أو وصف أو زمان 291

حكم ما لو علّق عتق عبد بالموت و قصد العتق الموقوف لا التدبير و أوصي بإعتاق آخر 291

حكم ما لو وهب و أعتق و أقبض الهبة أو لم يقبضها 291

فيما لو تقدّمت الهبة ثمّ أعتق أو حابي ثمّ أقبض الهبة قدّم العتق أو المحاباة 291

هل تتقدّم الكتابة علي الهبة و سائر الوصايا؟ 292

حكم ما لو قال لعبده: أنت حرّ قبل مرض موتي بيوم أو شهر أو سنة ثمّ مرض و مات 293

حكم ما لو قال: قبل موتي بشهر و نقص مرضه عن شهر 293

حكم ما لو قال في مرضه: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ أو قال: سالم و غانم و سعيد أحرار 293

حكم ما لو علّق عتقهم بالموت 293

حكم ما لو قال: إذا متّ فسالم حرّ و إن متّ في مرضي هذا فغانم حرّ 294

حكم ما لو كان له عبدان: غانم و سالم، فقال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ 294

حكم ما لو قال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ في حال إعتاقي غانما ثمّ أعتق غانما في مرضه 294

حكم ما لو قال: إن اعتقت غانما فسالم و سعد حرّان ثمّ أعتق غانما 294

حكم ما لو قال لعبده: إن تزوّجت فأنت حرّ ثمّ تزوّج في مرض الموت 295

ص: 466

حكم ما لو قال لجاريته الحامل: إن أعتقت نصف حملك فأنت حرّة ثمّ أعتق نصف الحمل في مرض موته 296

فيما لو ملك في مرض موته بالإرث من يعتق عليه فهل يعتق من الثّلث أو من الأصل ؟ 297

فيما لو وهب منه من يعتق عليه أو أوصي له به فهل يعتق من الثّلث أو من الأصل ؟ 297

حكم ما لو اشتري المريض من يعتق عليه و كان عليه دين أو لم يكن 298

فيما لو أعتق جارية بعد الموت و هي حامل لم يسر العتق إلي الولد 300

حكم ما لو استثني الحمل صريحا فقال: هي حرّة بعد موتي إلاّ جنينها 300

فيما لو نجّز عتق الجارية في الحياة فهل يعتق الحمل ؟ 301

فيما لو كانت الأم لواحد و الحمل لآخر فأعتق مالك الأمّ الأمّ عتقت دون الحمل 301

حكم ما لو أوصي بعتق مملوكه و لا شيء له سواه و عليه دين 301

حكم ما لو أعتق في مرض الموت أو بعد موته عبدين و لا شيء له سواهما و قيمة أحدهما مائتان و قيمة الآخر ثلاثمائة و لم يجز الورثة 302

حكم ما إذا أعتق ثلث عبيدة أو أوصي بعتقهم و كان لهم ثلث صحيح أو كان فيهم كسر 303

فيما إذا أوصي بثلث ماله في الرقاب صرف إلي المكاتبين و العبيد إذا كانوا في شدّة 303

فيما إذا أوصي بعتق رقبة أجزأ الصغير و الكبير و الذكر و الأنثي و الصحيح و المعيب و المسلم و الكافر 306

حكم ما لو أوصي بعتق عبد لا مال له سواه أو أعتقه في مرضه و أجاز الورثة ثمّ ظهر علي الميّت دين يستغرق قيمة العبد 306

ص: 467

حكم ما لو كان قد أوصي بأن يشتري من ماله عبد و يعتق فاشتروا و أعتقوه عنه ثمّ ظهر دين يستغرق ماله 307

فيما إذا أوصي بعتق عبد و عيّن شخصا و نصبه للوصيّة أعتقه النائب 307

فيما إذا أوصي بعتق عبد مطلقا و لم يسند العتق إلي أحد يلزم الوارث إعتاقه 308

حكم ما إذا أوصي بعتق و غيره و اتّسع الثّلث للجميع أو ضاق 308

حكم ما لو قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثمّ هو حرّ 309

فيما لو أوصي أن يشتري له بثلث ماله رقاب و يعتقون لم يجز صرفه إلي المكاتبين 309

حكم ما لو أوصي أن يشتري عبد زيد بخمسمائة و يعتق فتعذّر شراؤه 310

حكم ما لو أوصي أن يشتري عبد بألف و يعتق عنه فلم يخرج من ثلثه 311

حكم ما لو أوصي بشراء عبد أو بيعه و أطلق 311

فيما لو أوصي ببيع عبد بشرط العتق صحّت الوصيّة 312

حكم ما لو أوصي ببيع عبد لرجل بعينه بثمن معلوم أو لم يسمّ ثمنا 312

حكم ما لو كان له عبدان اسم كلّ واحد: سعد، فقال: سعد حرّ بعد موتي و له مائتا درهم و لم يعيّنه 312

فيما لو قال: أحد عبيدي حرّ أقرع بينهم 312

حكم ما إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا أو أعتقوا أحد عبيدي 313

فيما لو أوصي بعتق جماعة من عبيده مفصّلا بدئ بالأوّل فالأوّل 313

فيما إذا أوصي بعتق جاريته علي أن لا تتزوّج ثمّ مات فقالت: لا أتزوّج و عتقت فإن تزوّجت بعد ذلك لم يبطل عتقها 314

حكم الوصيّة فيما لو أوصي لأمّ ولده بألف علي أن لا تتزوّج أو علي أن تثبت مع ولده ففعلت و أخذت الألف ثمّ تزوّجت و تركت ولده 314

ص: 468

فيما لو أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة و لا مال له غيرهما فمات أحدهما أقرع بين الحيّ و الميّت 314

فيما لو أعتق في مرض موته تبرّعا ثمّ أقرّ بدين لم يبطل تبرّعه و نفذ العتق 315

فيما لو قال: إن تزوّجت فعبدي حرّ فهل يصحّ؟ 315

التدبير وصيّة يمضي من الثّلث و للمدبّر الرجوع فيه و في بعضه 316

فيما لو دبّر عبده و كان عليه كفّارة عتق لم يجزئ التدبير عن العتق 316

فيما لو أوصي بصرف شيء في العتق فأخرجه الوصي في الحجّ عن الميّت لم يجزئ 316

في أنّه ينبغي عتق من ناله منه ضرر و شدّة 317

فيما لو أوصي بعتق رقبة أجزأ أن يعتق عنه مسمّاها من ذكر و أنثي و خنثي 317

فيما روي من أنّه إذا أوصي بعتق نسمة مؤمنة و لم يوجد ذلك جاز أن يعتق من أفناء الناس ممّن لا يعرف بنصب و لا عداوة 318

فيما روي من جواز شهادة مملوكين لغلام جارية لمولاهما 318

البحث الثاني: في الوصيّة بالحجّ

صحّة الوصيّة بالحجّ الاستحبابي و جواز النيابة فيه 319

حكم ما إذا أوصي أن يحجّ عنه و أطلق و لم يعيّن من بلده أو من الميقات 320

حكم ما إذا أوصي بحجّ التطوّع و غيره و قدّم الحجّ في الذكر أو قدّم غيره 321

فيما لو أوصي بالحجّ الواجب أخرجت من صلب المال إن أطلق 322

فيما لو أوصي بحجّ واجب و غيره قدّم الواجب من صلب المال و لو قال: من الثّلث قدّم علي غيره من الوصايا 323

فيما إذا مات و عليه حجّ واجب و لم يوص حجّ عنه من صلب المال 323

ص: 469

فيما إذا أوصي أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من صلب ماله فهل يحجّ عنه من الميقات أو من بلده مع اتّساع المال ؟ 324

فيما إذا أوصي أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من ثلث ماله فإنّه يحجّ عنه من الثّلث 324

فيما إذا أوصي أن يحجّ عنه و لم يحج حجّة الإسلام و بلغ ثلثه حجّة من بلده فهل يحجّ عنه من بلده أو من أقرب الأماكن ؟ 325

فيما يتعلّق بما إذا أوصي بالحجّ و قرن به ما يكون من الثّلث 325

فيما يتعلّق بما إذا أوصي أن يحجّ عنه و يذكر حجّا واجبا أو تطوّعا أو يطلق 326

فيما يتعلّق بما إذا أوصي أن يحجّ عنه واجبا أو تطوّعا و عيّن الأجرة أو لم يعيّنها 328

فيما إذا وجب عليه حجّة الإسلام و حجّة منذورة ثمّ مات بعد استقرارهما في ذمّته و لم يتّسع المال إلاّ لإحداهما فهل تسقط المنذورة أو تخرج من الثّلث ؟ 329

فيما إذا أوصي أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من الثّلث و أوصي لإنسان بمائة و التركة ثلاثمائة و أجرة الحجّ مائة قدّمت أجرة الحجّ و بطلت الوصيّة الأخري 330

فيما لو أوصي بعدم التقديم وزّع الثّلث بين أجرة الحجّ و الوصيّة بالمال فيدخلها الدور 330

فيما يتعلّق بما إذا أوصي أن يحجّ عنه من ثلثه بمائة و أوصي بما يبقي من ثلثه لزيد و بثلث ماله لعمرو و قصد التشريك و لم يجز الورثة ما زاد علي الثّلث 331

فيما لو قال: حجّوا عنّي بثلث مالي حجّة وجب أن يحجّ عنه بثلث ماله 334

فيما يتعلّق بما إذا قال: حجّوا عنّي بثلثي و كانت أجرة المثل بقدر الثّلث أو كان الثّلث أكثر أو بقدر أجرة الحجّ مرّة واحدة 335

فيما إذا قال: حجّوا عنّي و أطلق و علم منه قصد التكرار حجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء 335

ص: 470

فيما يتعلّق بما لو أوصي أن يحجّ عنه في كلّ سنة بعشرين دينارا من ضيعة له و لم يتّفق من يرغب بذلك أو قصرت الضيعة عن العشرين 336

فيما يتعلّق بما لو أوصي أن يحجّ عنه فلان بعينه و عيّن القدر أو لم يعيّنه 336

فيما روي عن الباقر عليه السّلام في عبد مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم و قال له: اشتر منها نسمة فأعتقها عنّي و حجّ عنّي بالباقي 337

الحجّ يؤدّي عن الميّت إن كان فرضا و إن لم يوص 337

فيما لو عرف مستودع المال أنّ الورثة لا يحجّون عن الميّت جاز له أن يقتطع من الوداعة بقدر أجرة الحجّ من أقرب الأماكن 337

فيما لو قال: حجّوا عنّي و لم يعيّن النائب فللوارث أن يحجّ بنفسه و بغيره 337

البحث الثالث: في الوصيّة بالصدقة و غيرها

فيما إذا أوصي بالصدقة حمل علي الندب إلاّ أن يقول: إنّها واجبة فكان كالإقرار 338

فيما إذا عيّن الموصي مقدار الوصيّة و الموصي له اتّبع ما عيّنه و إن أطلقهما اكتفي بأقلّ ما يتموّل و يتصدّق به علي من كان فقيرا 338

هل يكفي - في الفرض المزبور - إخراج الوصيّة في بناء القناطر أو عمارة المساجد و نحوهما؟ 338

حكم ما لو أوصي في سبيل اللّه و بيان المراد منه 338

فيما لو أوصي بالزكاة الواجبة وجب دفعها 339

فيما إذا لم يوص و علم أنّ الميّت لم يخرج الزكاة وجب إخراجها عنه 339

فيما لو تبرّع أجنبيّ بأداء الزكاة عن الميّت جاز 340

فيما لو أوصي بالخمس الواجب وجب إخراجه من صلب المال و إن لم يكن واجبا أخرج من الثّلث 340

فيما لو أوصي بالصدقة المندوبة أخرجت من الثّلث 340

ص: 471

صحّة قضاء الصلاة الفائتة الواجبة عن الميّت 340

فيما إذا أوصي الميّت بالصلاة الفائتة أخرجت الوصيّة من الثّلث 340

في منع العامّة من الوصيّة بالصلاة عن الميّت و من التبرّع بها عنه و ردّه بنصّ القرآن و الروايات 341

فيما إذا أوصي بكفّارة وجب إخراجها عنه 343

حكم ما إذا لم يوص بالكفّارة و كانت مرتّبة أو مخيّرة 343

انتفاع الميّت بالدعاء له 345

انتفاع الميّت بالصدقة عنه 346

حكم التضحية عن الميّت 347

حصول النفع للميّت بالصوم عنه من غير نقصان ثواب الصائم 347

البحث الرابع: في الوصيّة المبهمة

حكم ما إذا أوصي بسهم من ماله و لم يبيّن 348

حكم ما إذا أوصي بجزء من ماله و لم يبيّن 351

حكم ما إذا أوصي بشيء من ماله و لم يبيّن 353

حكم ما إذا أوصي بمال كثير 354

تذنيب: في حكم ما لو أوصي بمجهول غير ما سبق 355

حكم الوصيّة بالمجهول 355

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي بعبد من عبيده و لا عبيد له 357

فيما لو قال: أعطوه عبدا أو أعتقوا عبدا صحّت الوصيّة و اشتري له عبد 357

فيما لو كان له - في الفرض المزبور - عبيد جاز للورثة أن يعطوه أيّ عبد شاؤا 357

فيما لو قال: أعطوه أمة أو أنثي لم يجزئ الذكر و لا الخنثي المشكل 358

ص: 472

فيما لو أوصي له بواحد من رقيقه أو برأس ممّا ملكت يمينه دخل في وصيّته الذكر و الأنثي 358

فيما لو قال: اشتروا له عبدا و كان له عبيد لم يعط من عبيده 358

فيما لو أوصي له بسيف و كان في جفن عليه حلية كان كلّها له إذا خرج من الثّلث 358

فيما لو أوصي له بصندوق و فيه مال أو بسفينة فيها طعام أو بجراب فيه متاع أو بكيس فيه ذهب دخل المال و الطعام و المتاع و الذهب في الوصيّة 359

فيما لو أوصي له بخاتم و فيه فصّ دخل الفصّ فيه و لم يدخل الخاتم لو كانت الوصيّة بالفصّ 360

فيما لو أوصي لواحد بالخاتم و لآخر بالفصّ صحّ 360

حكم ما لو أوصي بوصيّة و جعلها أبوابا مسمّاة فنسي الوصيّ بابا منها 360

البحث الخامس: في الوصيّة بالنصيب

حكم ما إذا أوصي له بنصيب وارث و قصد العين 361

فيما لو أوصي له بمثل نصيب أحد الورثة و عيّنه صحّت الوصيّة من الثّلث و اختلف في تقديره 362

حكم ما إذا كان له ورثة متعدّدون و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم 364

حكم ما لو قال: أوصيت بمثل نصيب أقلّهم أو أكثرهم ميراثا 365

حكم ما لو أوصي له بمثل نصيب بنته و لا وارث له سواها 366

حكم ما لو كان له بنتان و أوصي بمثل نصيب بنتيه 366

حكم ما لو كان له ثلاث أخوات من أم و إخوة من أب فأوصي لأجنبيّ بمثل نصيب أحد ورثته 366

حكم ما لو كان له زوجة و بنت و قال: مثل نصيب بنتي 366

حكم ما لو كان له أربع زوجات و بنت فأوصي بمثل نصيب إحداهنّ 366

ص: 473

حكم ما لو قال في الفرض المزبور: مثل نصيب أكثرهم 366

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب ابن و له ثلاثة بنين و ثلاث بنات 367

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب بنت و له بنت و ثلاثة بنين 367

حكم ما لو كان له ابن و ثلاث بنات و أبوان و أوصي بمثل نصيب الابن 367

حكم ما لو أوصي له بمثل نصيب وارث مقدّر لو كان موجودا 367

حكم ما لو كان له ابن و أوصي بمثل نصيب ابن ثان لو كان 368

حكم ما لو أوصي و له ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت 368

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب ابنه لو كان و لا ابن له 368

حكم ما لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن رابع لو كان و لعمرو بمثل نصيب ابن خامس لو كان 368

حكم ما لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن ثالث لو كان و لعمرو بمثل نصيب ابن رابع لو كان 369

حكم ما لو كان له ابنان و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما و لعمرو بمثل نصيب الثاني 370

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي له بمثل نصيب من لا نصيب له أو بمثل نصيب أخيه و هو محجوب عن ميراثه 371

حكم ما لو أوصي لواحد بثلث ماله و لآخر بربعه و لآخر بخمسه و لآخر بمثل وصيّة أحدهم 372

حكم ما لو أوصي لرجل بعشر و لآخر بستّة و لآخر بأربعة و لآخر بمثل وصيّة أحدهم 372

حكم ما لو أوصي لأحدهم بمائة و لآخر بدار و لآخر بعبد ثمّ قال: فلان شريكهم 372

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لثلاثة بمثل أنصبائهم 372

ص: 474

البحث السادس: في الوصيّة بالضّعف و الجزء و النصيب

حكم ما لو أوصي له بضعف نصيب ابنه 373

فيما قيل في تحديد الضّعف 374

حكم ما لو أوصي له بضعفي نصيب ابنه أو بثلاثة أضعافه 374

فيما لو أوصي بضعف نصيب ابنه و لا وارث سواه فهي وصيّة بالثّلثين 375

فيما لو قال: ضعف نصيب أحد أولادي أو أحد ورثتي أعطي مثلي نصيب أقلّهم نصيبا 376

فيما لو أوصي لزيد بمائة و لعمرو بضعفها فهي وصيّة بمائتين 376

فيما لو أوصي بضعفي نصيب ابنه و له واحد فالوصيّة ثلاثة أرباع المال 376

حكم ما لو أوصي بضعفي نصيب أحد بنيه الثلاثة 376

فيما لو قال: ضعف ضعفه فهو ثلاثة أمثاله 376

حكم ما لو أوصي بحظّ أو نصيب أو قسط أو بعض أو قليل أو وافر 376

فيما لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ شيئا قبل من الوارث تفسير الموصي به 378

فيما لو قال: أعطوه من واحد إلي عشرة أعطي ثمانية 378

فيما لو قال: أعطوه واحدا في عشرة أو ستّة في خمسة أعطي ما يقتضيه الضرب 379

حكم ما لو قال: أعطوه أكثر مالي أو أكثر مالي و نصفه أو أكثر مالي و مثله 379

حكم ما لو قال: أعطوه معظم الألف أو عامّته أو قال: أعطوه دراهم أو دنانير 379

فيما لو قال: كذا درهما و كذا و كذا فكما في الإقرار 379

فيما لو قال: أعطوه مائة و درهما أو ألفا و درهما لم تتعيّن المائة و الألف في الدرهم 379

حكم ما إذا أوصي بجزء من ماله معيّن و له ورثة 379

حكم ما لو أوصي بأكثر من الثّلث 381

ص: 475

حكم ما لو أوصي لواحد بجزء و لآخر بجزء 382

حكم ما لو استغرقت الوصايا المال بأسره أو زادت علي المال 383

حكم ما لو أوصي لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و لآخر بالرّبع 384

حكم ما لو أوصي لإنسان بعبد قيمته مائة و لآخر بجارية قيمتها ألف و لثالث بخمسمائة و ثلث ماله ثمانمائة 385

حكم ما لو أوصي لزيد بعشرة و لبكر بعشرة و لخالد بخمسة و ثلث ماله عشرون و قصد التشريك و لم يجز الورثة 385

حكم ما لو قال في الفرض المزبور: قدّموا خالدا علي بكر أو قدّموا خالدا علي زيد و بكر 385

حكم ما لو أوصي لرجل بجزء مقدّر و لآخر بمثل نصيب وارث 385

حكم ما لو أوصي لصاحب الجزء بالثّلثين أو أوصي لرجل بجميع ماله و لآخر بمثل نصيب أحد ورثته 387

حكم ما لو خلّف ستّمائة و أوصي لرجل بمائة و لآخر بتمام الثّلث 387

حكم ما لو وصّي - في الفرض المزبور - للأوّل بمائتين و للآخر بتمام الثّلث 388

حكم ما لو وصّي لعبد الغير بثلثه و لآخر بتمام الثّلث 388

فيما لو وصّي لرجل بثلث ماله و لآخر بمائة و لثالث بتمام الثّلث علي المائة و لم يزد الثّلث علي مائة أو زاد عليها 388

حكم ما لو أوصي بأجزاء من المال 389

حكم ما لو أوصي بثلثي ماله و نصفه و ثلثه 390

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لرجل بماله كلّه و لآخر بنصفه و قصد التشريك 390

حكم ما لو أوصي لزيد بعبده و لعمرو بما بقي من ثلث ماله 391

ص: 476

حكم ما لو لم يكن له مال سوي العبد فأوصي لزيد به و لعمرو بثلثه أو بثلث ماله و قصد التشريك 392

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي بنصف ماله لزيد و بثلثه لعمرو 394

حكم ما لو أوصي لرجل بمعيّن من ماله كعبد و لآخر بجزء مشاع كالثّلث من المال 395

حكم ما لو كانت وصيّة صاحب المشاع - في الفرض المزبور - بالنصف 397

حكم ما لو كانت المسألة المزبورة بحالها و ملكه غير العبد ثلاثمائة 398

حكم ما لو خلّف عبدا قيمته مائة و مائتين و وصّي لرجل بمائة و بالعبد كلّه و وصّي لآخر بالعبد و قصد التشريك 398

حكم ما لو أوصي بجارية لزيد ثمّ أوصي لبكر بها أو أوصي بثلثه لزيد ثمّ أوصي لآخر بثلثه 399

فيما لو وصّي بعبده لاثنين فردّ أحدهما وصيّته فللآخر نصفه 400

فيما لو وصّي لاثنين بثلثي ماله فردّ الورثة ذلك و ردّ أحد الوصيّين وصيّته فللآخر الثّلث كملا 400

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي له بشيء فتلف قبل موت الموصي أو بعد موته بغير فعل الورثة 400

فيما لو تلف المال كلّه - في الفرض المزبور - سواه فهو للموصي له 400

حكم ما لو أوصي له بمعيّن فاستحقّ بعضه أو تلف 400

فيما لو أوصي بشيء للمساكين هل يجوز نقله إلي مساكين غير بلد المال ؟ 403

الباب الرابع: في مسائل متبدّدة من هذا المطلب

حكم ما لو أوصي بفرس في سبيل اللّه و بألف درهم ينفق عليه فمات الفرس 404

حكم ما لو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض 404

حكم ما إذا اشتري المريض من يعتق عليه 405

ص: 477

حكم ما لو قبل المريض الوصيّة له بابنه و قيمته مائة و خلّف مائتين و ابنا آخر 407

حكم ما لو كان الابن - في الفرض المزبور - قيمته مائتين و بقيّة التركة مائة 407

حكم ما لو وهب له ثلاث أخوات متفرّقات لا مال له سواهنّ و لا وارث 408

حكم ما لو اشتري أباه بألف و لا شيء له سواه ثمّ مات و خلّف ابنا 409

حكم ما لو اشتري ابنه بألف لا يملك غيره و مات و خلّف أباه 410

حكم ما لو ترك الميّت - في الفرض المزبور - ألفين سواه 410

حكم ما لو اشتري المريض ابني عمّ له بألف لا يملك سواها و قيمة كلّ واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثمّ وهبه أخاه ثمّ مات و خلّفهما و خلّف مولاه 411

المطلب الثاني: في الوصيّة بالمنافع

صحّة الوصيّة بالمنافع 411

فيما لو أوصي بخدمة عبد سنة من السنين و لم يعيّن صحّت الوصيّة 412

جواز أن يوصي بخدمة عبده لإنسان مدّة حياة زيد و كذا مدّة حياة العبد أو مدّة حياة المخدوم 412

صحّة الوصيّة بالمنفعة مدّة معيّنة 413

الوصيّة بالمنافع تمليك لها بعد الموت 413

فيما إذا أوصي بالمنفعة اعتبر خروجها من ثلث المال 415

بيان كيفيّة خروج المنفعة الموصي بها إن كانت مؤبّدة 415

حكم ما لو أوصي لرجل بدينار كلّ شهر من غلّة داره أو كسب عبده و جعله بعده لوارثه أو للفقراء و المساكين و الغلّة و الكسب عشرة 419

حكم ما لو أوصي لإنسان بدينار كلّ سنة 420

حكم ما لو أوصي بخدمة عبده أو بمنافع دابّته و كانت الوصيّة مقيّدة بمدّة معلومة أو علي التأبيد 421

ص: 478

حكم فطرة العبد الموصي بخدمته 424

حكم إعتاق الوارث للعبد الموصي بمنفعته 424

هل يصحّ عتق العبد الموصي بمنفعته في الكفّارة ؟ 424

تذنيب: في أنّه هل للوارث أن يكاتب العبد الموصي بمنفعته ؟ 426

آخر: في أنّه ليس للموصي له بالمنفعة عتق العبد 426

آخر: فيما لو وهب الموصي له بالخدمة و المنافع العبد بمنافعه و خدمته فللورثة الانتفاع به 426

حكم بيع العبد الموصي بمنفعته 426

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي برقبة العبد لإنسان و بمنفعته لآخر 427

فيما لو انهدمت الدار الموصي بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها هل يعود حقّ الموصي له ؟ 427

فيما لو أوصي له بمنفعة العبد مؤبّدا كان للموصي له إثبات يده عليه 427

حكم ما لو أوصي له بمنافع أمته فأتت بولد من زوج أو زنا 428

لمن يكون الولد في الصورة المزبورة ؟ 428

لمن تكون قيمة هذا الولد إن قتل ؟ 428

حكم ما لو وطئها واطئ بشبهة أو زوجيّة فأتت بولد 429

ليس للموصي له بمنفعتها وطؤها و حكم وطئها مع علم التحريم 429

فيما لو أولدها بالوطء هل تصير أمّ ولد؟ 429

ليس لوارث الموصي وطء الأمة الموصي بمنفعتها 430

بيان ما يدخل في الوصيّة بمنفعة العبد أو الدار أو خدمة العبد أو سكني الدار أو الوصيّة بالغلّة و الكسب 430

ليس للموصي له بمنفعة الأمة و لا للوارث تزويجها 431

ص: 479

فيما لو أوصي له بمنفعة العبد أو الأمة أو الدابّة فللموصي له الانفراد بالسفر بالموصي بمنفعتها 431

حكم ما لو جني علي العبد الموصي بمنفعته بما يوجب القصاص أو المال 432

حكم ما لو جني العبد الموصي بخدمته بما يوجب القصاص أو المال 434

حكم ما لو أوصي له بثمرة نخلة فتنازع الورثة و الموصي له في السقي 435

حكم إجارة الموصي له بالمنفعة العين مدّة أو إعارتها كذلك أو مطلقا 435

جواز الوصيّة بلبن شاة أو صوفها أو هما معا 436

فيما لو يبست الشجرة الموصي بثمرتها أو منفعتها كان حطبها للوارث 436

حكم ما لو وصّي له بثمرة سنة معيّنة فلم تحمل تلك السنة 436

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لرجل بشجرة و لآخر بثمرتها 436

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لرجل بحبّ زرعه و لآخر بتبنه 437

تنبيه: في صحّة الوصيّة بما لا يقدر علي تسليمه 437

تذنيب: فيما لو أوصي بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة فحقّ الشفعة للوارث فقط 438

فهرس الموضوعات 439

ص: 480

المجلد 22

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني و العشرون

تتمة المقصد الأول

تتمة الفصل الرابع

المطلب الثالث: في الوصيّة بالولاية.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الصيغة.
مسألة 278: الصيغة لا بدّ فيها من إيجاب و قبول،

فالإيجاب أن يقول:

أوصيت إليك، أو: فوّضت، أو: أنت وصيّي، أو: أقمتك مقامي، أو: افعل بعدي كذا، و ما أشبه ذلك، و لا يكفي: أنت وكيلي، أو: أنت وكيل أولادي الأصاغر.

و هل يصحّ بلفظ الولاية بأن يقول: وليّتك كذا بعد موتي ؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة وجهان(1).

و يصحّ فيها الإطلاق و التأقيت، مثل: أنت وصيّي، أو: أوصيت إليك إلي سنة، أو: إلي أن يبلغ ابني فلان، أو يوصي إلي زوجته إلي أن تتزوّج.

و أمّا القبول فهو شرط عندنا، خلافا لبعض الشافعيّة(2).

و لا يشترط القبول نطقا، بل لو فعل بعده ما أوصي به إليه، كان قبولا.

و لا يشترط وقوعه في حياة الموصي، بل لو وقع القبول في حياة

ص: 5


1- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.
2- العزيز شرح الوجيز 277:7، روضة الطالبين 278:5.

الموصي لم يعتد به عند بعض الشافعيّة، كما لو أوصي بمال فإنّه يشترط وقوع القبول بعد الموت(1).

و الوجه: أنّه يعتدّ به، كما لو وكّله في عمل يتأخّر وقته يكون القبول في الحال و الامتثال في المستقبل.

و الردّ في حياة الموصي علي هذين الوجهين، فعلي الأوّل لو ردّ قبل موته جاز، و لو ردّ بعد الموت بطلت الوصيّة.

مسألة 279: لا بدّ في الإيجاب من تفصيل الولاية أو عمومها،

فيقول:

أوصيت إليك في قضاء ديوني و تنفيذ وصاياي و التصرّف في مال أطفالي و القيام بمصالحهم، أو يذكر بعض هذه أو غيرها مفصّلا، أو يعمّم فيقول:

أوصيت إليك في جميع أمور أولادي و جميع التصرّفات، أو في كلّ قليل و كثير.

و لا يكفي في الولاية قوله: أوصيت إليك، بل يقع لغوا، كما لو قال:

وكّلتك، و لم يعيّن ما وكّله فيه.

و لو قال: أوصيت إليك، أو: أقمتك مقامي في أمر أطفالي، و لم يذكر التصرّف، اقتضي العرف انصرافه إلي الحفظ لأموالهم و التصرّف، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا ينصرف إلاّ إلي الحفظ لا غير؛ تنزيلا علي الأقلّ(3).

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ حتي يبيّن ما فوّضه إليه(4).

ص: 6


1- المهذّب - للشيرازي - 471:1، حلية العلماء 148:6، التهذيب - للبغوي - 5: 107، البيان 286:8، العزيز شرح الوجيز 277:7، روضة الطالبين 278:5.
2- العزيز شرح الوجيز 277:7-278، روضة الطالبين 278:5.
3- العزيز شرح الوجيز 277:7، روضة الطالبين 278:5.
4- العزيز شرح الوجيز 278:7، روضة الطالبين 278:5.

و لو عجز عن النطق فأشار بيده إشارة مفهمة، أو كتب بخطّه و علم قصده، أو قرئ عليه كتاب الوصيّة بالولاية أو بالمال، فأشار برأسه أن نعم، صحّت الوصيّة؛ لأنّه بالعجز صار كالأخرس.

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ إلاّ بالنطق(1).

مسألة 280: لو أوصي إليه في بعض التصرّفات،

لم تتعدّ ولايته إلي غيره، و لم يجز له التخطّي، فلو أوصي إليه بتفريق وصيّته خاصّة أو بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله، اختصّت الولاية بما عيّنه الموصي، و لا يكون له الولاية في غير ما جعل إليه، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّه وصّي إليه في شيء بعينه، فإذا تعدّاه كان تبديلا لوصيّته، و تبديلها حرام، و لأنّه استفاد تصرّفا بالإذن من جهة الآدمي، فكان مقصورا علي ما أذن فيه، كالوكيل.

و قال أبو حنيفة: إذا أوصي إليه في شيء بعينه صار وصيّا في كلّ ما يملكه الموصي؛ لأنّ هذه ولاية تنتقل إليه من الأب بموته فلا تتبعّض، كولاية الجدّ(3).

ص: 7


1- الهداية - للمرغيناني - 269:4، العزيز شرح الوجيز 278:7، المغني 560:6 - 561، الشرح الكبير 450:6-451.
2- المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 365:11، الوجيز 283:1، الوسيط 489:4، حلية العلماء 146:6، التهذيب - للبغوي - 109:5، البيان 283:8، العزيز شرح الوجيز 278:7، روضة الطالبين 278:5، اختلاف الأئمّة العلماء 75:2، المغني 599:6، الشرح الكبير 629:6، المبسوط - للسرخسي - 26:28، الفتاوي الولوالجيّة 348:5.
3- المبسوط - للسرخسي - 26:28، الفتاوي الولوالجيّة 348:5، اختلاف الأئمّة العلماء 75:2، المغني 599:6، الشرح الكبير 629:6، نهاية المطلب 11: -

و الفرق: أنّ الجدّ استحقّ الولاية بالولادة، و تلك لا تتبعّض، و الإذن يتبعّض، و لأنّه متصرّف بالإذن و التولية، فأشبه الوكيل و الحاكم لا يتصرّفان في غير ما فوّض إليهما، و لأنّ الوصيّ أمين، فلا تثبت أمانته في غير المؤتمن فيه، كالمستودع.

إذا عرفت هذا، فإذا أوصي إلي شخص بتفريق ثلثه و إلي آخر بقضاء ديونه و إلي ثالث بالنظر في [أمر] صغاره، كان لكلّ واحد منهم ما جعل إليه دون غيره.

مسألة 281: يجوز تعدّد الأوصياء،

فيوصي إلي اثنين أو جماعة، كما يجوز توكيل الاثنين و الأكثر، و أن يوصي إلي واحد و يجعل آخر مشرفا عليه، فلا يتصرّف الوصيّ إلاّ بإذنه.

و إذا أوصي إلي اثنين فإمّا أن يجعل كلّ واحد منهما وصيّا بخصوصيّته منفردا، فيجوز حينئذ لكلّ واحد منهما التفرّد بالتصرّف، و لا يجوز للآخر مخالفته إذا لم يخالف مقتضي الوصيّة، و إمّا أن يوصي إليهما جميعا ليتصرّفا مجتمعين غير منفردين، فيجب متابعته، و ليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرّف بدون مشاركة صاحبه، و لا نعلم خلافا في هاتين الصورتين.

و أمّا إن أطلق، فقال: أوصيت إليكما في كذا، فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرّف في شيء ألبتّة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّ

ص: 8


1- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2081/1016:2، عيون المجالس 1966:4 و 1401/1967، الحاوي الكبير 337:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 357:11-358، الوجيز 283:1، الوسيط 490:4، حلية العلماء 6: -

المفهوم من الإخلاد إليهما الاجتماع، دون الانفراد، و لأنّ الموصي شرّك بينهما في النظر، فلم يكن لأحدهما الانفراد، كما لو كانا وكيلين في شيء.

و قال [أبو حنيفة](1) و محمّد: القياس أن لا ينفرد واحد منهما بتصرّف، إلاّ أنّهما استحسنا أن ينفرد أحدهما بسبعة أشياء: بشراء كفن الميّت، و قضاء ديونه، و إنفاذ وصيّته، معيّنة كانت أو غير معيّنة، و ردّ الوديعة إن كانت بعينها، و شراء ما لا بدّ للصغير منه من الكسوة و الطعام، و قبول الهبة عن الصغير، و الخصومة عن الميّت فيما يدّعي عليه و ما يدّعيه له(2).

و قال الشيخ في النهاية و أبو يوسف: يجوز لكلّ واحد منهما الانفراد؛ لأنّ الوصيّة إليهما ولاية لهما، و الولاية لا تتبعّض، فملك كلّ واحد منهما الانفراد بها(3). -

ص: 9


1- - 147، التهذيب - للبغوي - 109:5، البيان 281:8، العزيز شرح الوجيز 7: 279، روضة الطالبين 279:5، اختلاف الأئمّة العلماء 83:2، المغني 6: 600، الشرح الكبير 620:6.
2- مختصر القدوري: 242، المبسوط - للسرخسي - 20:28 و 21، تحفة الفقهاء 219:3، الفتاوي الولوالجيّة 354:5، الفقه النافع 1176/1410:3، الهداية - للمرغيناني - 260:4، الاختيار لتعليل المختار 95:5، اختلاف الأئمّة العلماء 83:2، المغني 600:6، الشرح الكبير 620:6، الحاوي الكبير 337:8، التهذيب - للبغوي - 109:5، البيان 281:8، العزيز شرح الوجيز 279:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2081/1016:2، عيون المجالس 4: 1401/1967.
3- النهاية - للشيخ الطوسي -: 606، المبسوط - للسرخسي - 20:28، تحفة الفقهاء 219:3، الفتاوي الولوالجيّة 354:5، الفقه النافع 1410:3 - 1176/1411، الهداية - للمرغيناني - 260:4، الاختيار لتعليل المختار 95:5، -

و وجه الاستحسان: أنّ هذه الأشياء يشقّ الاجتماع فيها و يضرّ تأخّرها، فجوّزت للحاجة إليها(1).

و يبطل بالوكيلين في مثل ذلك، و علي أنّه إذا تعذّر اجتماعهما أقام الحاكم من ينوب عن النائب فيهما، فلا يشقّ ذلك و لا يتعذّر.

و قول أبي يوسف باطل؛ لأنّه جعل الولاية لهما باجتماعهما، فليست متبعّضة، كما لو كانا وكيلين.

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت الوصايا في ردّ الودائع و الغصوب و العواري و تنفيذ الوصيّة المعيّنة و قضاء الدّين الذي تشتمل التركة علي جنسه، فلكلّ واحد منهما الانفراد؛ لأنّ صاحب الحقّ مستقلّ بالأخذ في هذه الصّور، فلا يضرّ الانفراد.

و إن كانت الوصايا في تفرقة الثّلث و أمور الأطفال و التصرّف في أموالهم، فلها ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يثبت الاستقلال، فيقول: أوصيت إليكما أو إلي كلّ واحد منكما، أو يقول: كلّ واحد منكما وصيّي في كذا، أو يقول: أنتما وصيّاي في كذا، فلكلّ واحد منهما الانفراد بالتصرّف.

و إن(2) شرط الاجتماع علي التصرّف، لم ينفرد أحدهما، و لو انفرد لم ينفذ البيع و الشراء و الإعتاق، و يضمن ما أنفق علي الأطفال.ة.

ص: 10


1- ورد الوجه المذكور في المغني 600:6، و الشرح الكبير 620:6.
2- هذا هو الحالة الثانية من الأحوال المشار إليها، كما أنّ قوله فيما بعد: «و إن أطلق...» هي الحالة الثالثة.

و إن أطلق، فكالاجتماع؛ لأنّه محتمل، فينزّل عليه؛ أخذا بالأقلّ(1).

مسألة 282: إذا أوصي إلي اثنين و جعل لكلّ واحد منهما الانفراد بالتصرّف،

جاز لكلّ واحد منهما أن يتصرّف في الجميع و في النصف و أن يقاسم الآخر علي الولاية، فينظر كلّ واحد منهما في النصف أو أزيد أو أقلّ بحسب اتّفاقهما.

و إذا مات أحدهما أو جنّ أو فسق أو لم يقبل الوصيّة، كان للآخر الانفراد، و ليس للحاكم أن يضمّ إليه آخر؛ لأنّه لا ولاية للحاكم مع وجود وصيّ تامّ الولاية، فإن ضعف نظره و قصرت قدرته ضمّ إليه الحاكم من يعينه، كما لو أوصي إلي واحد فضعفت قوّته و إن كان الآخر وصيّا.

و لو شرط الاجتماع علي التصرّف، فليس لواحد منهما الانفراد بالتصرّف، فإن تصرّف فهو مردود.

و لو مات أحدهما أو فسق أو جنّ أو غاب أو لم يقبل الوصيّة، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرّف مع الآخر.

و هل للحاكم إقامة الآخر مستقلاّ و ردّ النظر كلّه إلي الآخر؟ الأقرب:

المنع؛ لأنّ الموصي لم يرض باجتهاد الباقي وحده، فوجب أن يضمّ إليه غيره؛ لأنّ الوصيّة مقدّمة علي نظر الحاكم و اجتهاده، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: أنّ له ذلك؛ لأنّ النظر لو كان إلي الحاكم بأن يموت بغير وصيّة كان له أن يفوّض النظر إلي واحد كذلك هنا، فيكون هذا ناظرا بالوصيّة عن الموصي و بالأمانة عن الحاكم(2).

و لو ماتا معا أو تغيّرت حالهما بفسق أو كفر أو جنون أو غير ذلك من

ص: 11


1- العزيز شرح الوجيز 278:7-279، روضة الطالبين 279:5.
2- العزيز شرح الوجيز 280:7، المغني 607:6، الشرح الكبير 621:6.

أسباب العزل، فهل للحاكم أن ينصب واحدا عوضهما، أم يجب الاثنان مراعاة لصورة العدد؟ الأقرب: الأوّل.

و إذا كانا وصيّين علي الاجتماع و تشاحّا، لم يمض تصرّف أحدهما بانفراده، إلاّ ما لا بدّ منه، مثل: كسوة الأطفال و مأكولهم.

و يجبرهما الحاكم علي الاجتماع، فإن تعاسرا جاز له الاستبدال بهما.

و لو أرادا قسمة المال بينهما، لم يجز؛ لأنّ الموصي أوصي بالاجتماع علي الجميع؛ لما رواه محمّد بن الحسن الصفّار - في الصحيح - قال: كتبت إلي أبي محمّد عليه السّلام: رجل كان أوصي إلي رجلين، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف ؟ فوقّع: «لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت، و أن يعملا علي حسب ما أمرهما إن شاء اللّه»(1).

و لو مرض أحدهما أو عجز، ضمّ إليه الحاكم من يقوّيه، كما تقدّم(2).

مسألة 283: إذا قال: أوصيت إلي زيد،

ثمّ قال: أوصيت إلي عمرو، لم يكن قوله الثاني عزلا للأوّل، إلاّ أن يأتي بلفظ يدلّ علي عزله، كأن يقول: بدله، أو عوضه.

ثمّ إن قبلا تشاركا في الوصيّة، و ليس لأحدهما الانفراد بالتصرّف، و لو قبل أحدهما دون الآخر، انفرد بالتصرّف.

و لو قال للثاني: الذي أوصيت به إلي فلان فقد أوصيت به إليك، فهو رجوع.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قال: أوصيت إلي زيد، ثمّ قال: أوصيت

ص: 12


1- التهذيب 745/185:9، الاستبصار 448/118:4.
2- في ص 11.

إلي عمرو، انفرد كلّ واحد منهما بالتصرّف(1).

و لو أوصي إلي زيد ثمّ قال: ضممت إليك عمرا، أو قال لعمرو:

ضممتك إلي زيد، فإن قبل عمرو دون زيد، لم يكن لعمرو التفرّد بالتصرّف، لكن يضمّ الحاكم إليه أمينا عوضا عن زيد؛ لأنّ الموصي لم يفرده بالوصاية، بل ضمّه إلي غيره، و هو يوجب الشركة.

و لو قبل زيد دون عمرو، احتمل تفرّده بالوصيّة؛ لأنّه أفرده بالوصاية إليه، و أن لا يكون له التفرّد؛ لأنّه بضمّ عمرو إليه سلب استقلاله بالتفرّد؛ لأنّ الضمّ كما يشعر بعدم الاكتفاء بالمضموم يشعر بعدم الاكتفاء بالمضموم إليه.

و إن قبلا معا، احتمل أن يكونا شريكين، و أن يكون زيد هو الوصيّ و عمرو مشرف عليه.

مسألة 284: ليس المراد من اجتماع الوصيّين علي التصرّف تلفّظهما بصيغ العقود معا،

بل المراد صدوره عن رأيهما، ثمّ لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما.

و إذا أوصي إلي شخصين و اختلفا في التصرّف، فإن كانا مستقلّين و قال كلّ واحد: أنا أتصرّف، قسّم بينهما ليتصرّف كلّ واحد منهما في نصفه إن أمكن القسمة، و إن لم يقبل القسمة ترك بينهما حتي يتصرّفا فيه؛ لعدم أولويّة أحدهما بالتصرّف.

و الأقرب: أنّه من سبق نفذ تصرّفه، فإن اقترن عقداهما لشخصين بطلا.

و إن لم يكونا مستقلّين، أمرهما الحاكم بالاجتماع و قهرهما عليه

ص: 13


1- البغوي في التهذيب 109:5، و عنه في العزيز شرح الوجيز 280:7، و روضة الطالبين 280:5.

كما(1) يري المصلحة فيه، فإن امتنع أحدهما ضمّ الحاكم إلي الآخر أمينا، و لو امتنعا أقام شخصين عوضهما، و لا ينعزلان بالاختلاف، بل اللّذان أقامهما الحاكم عوضهما نائبان عنهما.

و إن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء، عيّن الحاكم من يراه.

و إن اختلفا في الحفظ، قسّم بينهما عند بعض الشافعيّة(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا يقسّم، و اعترض: بأنّه إذا كان المال في يدهما كان النصف في يد كلّ واحد منهما، فجاز أن يعيّن ذلك النصف(3).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ الموصي لم يأمن أحدهما علي حفظه و لا التصرّف فيه.

و قال مالك: يجعل عند أعدلهما(4).

و قال أصحاب الرأي: يقسّم بينهما(5).

و الوجه ذلك إن كان كلّ واحد منهما موصي إليه علي الانفراد؛ لأنّ حفظ المال من جملة الموصي به، فلم يجز لأحدهما الانفراد به، كالتصرّف، و لأنّه لو جاز لكلّ واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه جاز أن ينفرد بالتصرّف.

و إذا قسّم نصفين فتنازعا في عين النصف، أقرع، أو عيّن الحاكم.6.

ص: 14


1- الظاهر: «بما» بدل «كما».
2- العزيز شرح الوجيز 280:7، روضة الطالبين 280:5.
3- العزيز شرح الوجيز 281:7، و ينظر: روضة الطالبين 280:5.
4- المغني 608:6، الشرح الكبير 627:6، و ينظر: عقد الجواهر الثمينة 3: 1236، و الذخيرة 169:7.
5- المغني 608:6، الشرح الكبير 627:6.

و لو لم يقبل المال القسمة، حفظاه معا إمّا بأن يجعلاه في بيت و يقفلا عليه، أو يودعاه عند من يرتضيانه، و إلاّ تولّي الحاكم حفظه.

و لو جعل الحفظ إلي اثنين، لم ينفرد أحدهما بحال.

البحث الثاني: في الموصي.
مسألة 285: يشترط في الموصي التكليف و الحرّيّة،

فلا تصحّ وصيّة الصبي إلاّ في رواية: إنّه تجوز وصيّته بالمعروف إذا بلغ عشرا(1).

و الوجه: المنع.

و لا تصحّ وصيّة المجنون و لا وصيّة العبد؛ لسلب ولايته علي نفسه فكيف علي غيره.

هذا إذا كانت الوصيّة في قضاء الديون و تنفيذ الوصايا، و أمّا في أمور الأطفال و الولاية عليهم فيشترط في الموصي هذان الشرطان و شرط ثالث، و هو: أن يكون للموصي ولاية علي الأطفال ابتداء من الشرع، لا بتفويض.

مسألة 286: لو حضر الوصيّ الوفاة،

لم يكن له أن يوصي إلي غيره، إلاّ أن يكون الموصي قد جعل له ذلك، أمّا إذا أطلق الوصيّة إليه و لم يأذن له في الإيصاء و لا نهاه، لم يكن له الإيصاء عند أكثر علمائنا(2) - و به قال الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين و إسحاق(3) - لأنّه تصرّف بتولية،

ص: 15


1- الكافي 28:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية...) ح 1، الفقيه 502/145:4، التهذيب 729/181:9.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 675، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 366، و ابن إدريس في السرائر 185:3.
3- مختصر المزني: 146، الحاوي الكبير 339:8، المهذّب - للشيرازي - 1: -

فلم يكن له التفويض، كالوكيل، و لأنّها استنابة بعد الموت، فأشبهت الاستنابة قبله، فحينئذ يكون الولاية بعد موت الوصيّ إلي الحاكم، و ليس للورثة أن يتولّوا ذلك بأنفسهم و لا أن يعيّنوا من يقوم به في حال الغيبة، و يتولّي ذلك الفقيه المأمون من أهل الحقّ العدل من ذوي البصائر.

و قال بعض علمائنا(1): إنّ للوصيّ أن يوصي مع الإطلاق - و به قال مالك و أبو حنيفة(2) - لأنّ الأب أقامه مقامه، فكان له الوصيّة كما يكون ذلك للأب.

و الفرق: أنّ الأب و الجدّ يليان بغير تولية، بل شبهه بالوكيل أولي؛ لأنّه يتصرّف بالتولية و التفويض، فلا يملك التفويض إلي غيره، كالوكيل.

مسألة 287: لو قال الموصي للوصي: أوصيت إليك،

فإذا حضرتك الوفاة فوصيّي فلان، أو: فقد أوصيت إليه، أو قال: أوصيت إليك إلي أن يبلغ ابني فلان أو يقدم من سفره فإذا بلغ أو قدم فهو الوصيّ، أو قال:

ص: 16


1- كالشيخ الطوسي في النهاية: 607، و ابن البرّاج في المهذّب 117:2.
2- الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2084/1017:2، عيون المجالس 4: 1959-1398/1960، مختصر اختلاف العلماء 74:5-2209/75، المبسوط - للسرخسي - 44:12، و 153:27، الهداية - للمرغيناني - 261:4، اختلاف الأئمّة العلماء 75:2، المغني 607:6، الشرح الكبير 626:6، الحاوي الكبير 339:8، الوسيط 486:4، حلية العلماء 148:6، التهذيب - للبغوي - 5: 110، البيان 284:8، العزيز شرح الوجيز 273:7.

أوصيت إليك إلي سنة فإذا مضت فوصيّي فلان، جاز ذلك، فإذا مات الوصيّ الأوّل كان الثاني وصيّا للأب، لا للوصيّ الأوّل؛ لأنّه وصّي إليه بشرط، و هو جائز؛ لأنّ فاطمة عليها السّلام أوصت في وقفها إلي عليّ عليه السّلام، فإن حدث به حادث فإلي ولديها عليهما السّلام(1) ، و لأنّ الوصاية قريبة من التأمير، و من المشهور أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال: «الأمير زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد اللّه ابن رواحة»(2) و تحتمل الوصيّة التعليق، كما تحتمل الجهالة و الأخطار.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، كما في تعليق الوكالة(3).

و قال بعضهم: لو قال: إذا متّ فقد أوصيت إليك، لا يجوز، بخلاف قوله: أوصيت إليك إذا متّ(4).

و لو قال: أوصيت إليك فإذا حدث بك حدث الموت فقد أوصيت إلي من أوصيت إليه، أو: فوّضتك وصيّتي، قال الشافعي: لا يجوز(5).

و له قول آخر بالجواز(6).

و لأصحابه في هذه الصورة ثلاثة طرق:

أشهرها: أنّ فيها قولين:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّ الوصاية إلي الأوّل و الثاني صادرة من الموصي، فهي كالصورة السابقة.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّ الموصي إليه مجهول هنا.5.

ص: 17


1- الكافي 5/48:7، الفقيه 632/180:4، التهذيب 144:9-603/145.
2- التمهيد - لابن عبد البّر - 388:8، الحاوي الكبير 341:8، المغني 603:6، الشرح الكبير 621:6، و ينظر: صحيح البخاري 182:5، و السنن الكبري - للبيهقي - 154:8.
3- العزيز شرح الوجيز 273:7، روضة الطالبين 275:5.
4- العزيز شرح الوجيز 273:7، روضة الطالبين 275:5.
5- البيان 285:8، العزيز شرح الوجيز 273:7، روضة الطالبين 275:5.
6- البيان 285:8، العزيز شرح الوجيز 273:7، روضة الطالبين 275:5.

الطريق الثاني: القطع بالمنع، و حمل القول الآخر علي ما إذا أوصي و أذن للوصي في أن يوصي إلي من يري.

الثالث: القطع بالجواز(1).

مسألة 288: لو قال: أوصيت إليك و أذنت لك أن توصي،

فإمّا أن يعيّن من يوصي إليه، أو لا يعيّن، فإن لم يعيّن بل قال: أوص بتركتي إلي من شئت، أو قال: من أوصيت إليه فهو وصيّي، فأوصي بها إلي رجل، صحّ.

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما: أنّ في صحّة الوصيّة قولين:

أحدهما: المنع؛ لأنّ إذنه قد بطل بالموت، فلا يجوز أن ينصب عنه نائب حين لا إذن له، كما لو و كّل وكيلا و أذن له في التوكيل فعزله ثمّ و كلّ الوكيل عنه، لا يجوز، و لأنّه يلي بتولية فلا يصحّ أن يوصي، كالوكيل، و لأنّه يوصي عنه في وقت لا يملك هو العقد.

و الثاني: الجواز - كما قلناه نحن، و به قال مالك و أبو حنيفة - لأنّ للأب أن يوصي، فكان له أن يستنيب في الوصيّة، كما في الوكالة، و لأنّ نظره للأطفال بعد الموت متّبع بدليل اتّباع شرطه فيما إذا أوصي إلي رجل إلي أن يبلغ ابنه، و كذا إن أوصي إلي رجلين و شرط استقلال أحدهما إذا مات الثاني، تبع شرطه، و لأنّ الأب له أن يوصي، فكان له أن يستنيب في الوصيّة، كالإمام لمّا ملك أن يوصي ملك أن يوصي بالوصيّة، و الوكيل ملك أن يوكّل فملك أن يوكّل في التوكيل.

ص: 18


1- العزيز شرح الوجيز 273:7-274، روضة الطالبين 275:5.

و الطريق الثاني: القطع بالصحّة، و حمل المنع علي أنّه قصد الردّ علي أبي حنيفة، حيث قال: لو أوصي الوصيّ في أمر نفسه كان وصيّه وصيّا للموصي(1).

و إن عيّن فقال: أوص بتركتي إلي فلان، صحّ أيضا.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ فيه قولين.

و منهم من قال: يصحّ هنا قولا واحدا؛ لأنّه عيّنه له و قطع اجتهاده فيه، فصار كما لو قال: أوصيت بعده إلي فلان(2).

تذنيب: لو أطلق فقال: أوص إلي من شئت، أو إلي فلان، و لم يضف إلي نفسه، قال بعض الشافعيّة: يحمل علي الوصاية عنه، فيجيء فيه الخلاف(3).

و قطع بعضهم بأنّه لا يوصي عنه(4).

مسألة 289: ليس للميّت أن يوصي علي البالغ الرشيد،

سواء كان ولدا أو ولد ولد أو غير ذلك، إجماعا؛ لانتفاء ولايته عنهم حال حياته فكيف تثبت له الولاية بعد موته!؟

نعم، له أن ينصب وصيّا في قضاء ديونه و تنفيذ وصاياه، فإذا نصب وصيّا لذلك، لم يتمكّن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدّين، بل لهم الإمساك و قضاء الدّين من مالهم، لكن لو امتنعوا من التسليم و القضاء من عندهم ألزمهم إمّا البيع أو الأداء من مالهم لتبرأ ذمّة الموصي.

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 274:7، روضة الطالبين 276:5.
2- العزيز شرح الوجيز 274:7، روضة الطالبين 276:5.
3- العزيز شرح الوجيز 274:7، روضة الطالبين 276:5.
4- التهذيب - للبغوي - 110:5، العزيز شرح الوجيز 274:7، روضة الطالبين 5: 276.

هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدّين، و لو أوصي إليه ببيع شيء من تركته في قضاء دينه، لم يكن للورثة إمساكه، بل كان للوصيّ امتثال أمر الموصي، و كذا لو قال: ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه؛ لأنّ في أعيان الأموال أغراضا.

و لو أمره بأن يبيع عين ماله من فلان بثمن المثل، جاز، و لزمت الوصيّة بعد موته.

و إنّما تصحّ الوصيّة بالولاية علي الطفل أو المجنون، و الضابط: أن يكون له الولاية علي الموصي عليه.

مسألة 290: الوصيّة بالولاية إنّما تصحّ من الأب أو الجدّ للأب و إن علا،

و لا ولاية لغيرهم من أخ أو عمّ أو خال أو جدّ لأمّ؛ لأنّ هؤلاء لا يكون أمر الأطفال إليهم، فكيف تثبت لهم ولاية!؟ فإنّ الوصيّ نائب عن الموصي، فإذا كان الموصي لا ولاية له فالموصي إليه أولي بذلك.

و أمّا الأم فلا ولاية لها عندنا أيضا؛ لأنّه لا مدخل لها في ولاية النكاح، فلا تلي المال، كالعبد.

خلافا لبعض الشافعيّة، فإنّه سوّغ لها أن توصي في أمر أطفالها الأصاغر؛ لأنّها أحد الأبوين، فكان لها الولاية، كالأب(1) ، يدلّ علي هذا أنّها يصحّ أن تكون وصيّة له، فصحّ أن تلي بالنسب.

و الفرق ظاهر.

و لو أوصي أحد هؤلاء بمال للطفل، صحّ، لكن يتولاّه الأب أو الجدّ

ص: 20


1- الحاوي الكبير 333:8، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 127:8، العزيز شرح الوجيز 276:7، روضة الطالبين 277:5، المغني 598:6-599، الشرح الكبير 628:6.

له أو الحاكم، دون من يعيّنه الموصي، فلو أوصت الأم بمال لولدها و جعلت أمره إلي غير الأب أو الجدّ للأب صحّت الوصيّة بالمال، دون الوصيّة بالولاية، بل كان للأب أو الجدّ له أن يتولّي ما أوصت به الأم.

مسألة 291: لو أوصي الأب إلي شخص بالولاية علي أطفاله،

و لهم جدّ للأب، لم يجز للوصيّ التصرّف في حياة الجدّ؛ لأنّ الجدّ بدل الأب شرعا، فليس له نقل الولاية عنه، كولاية التزويج، و لأنّ للجدّ ولادة و تعصيبا، فكان له ولاية المال مع العدالة، كالأب، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك و أحمد: ليس للجدّ ولاية في المال؛ لأنّ الجدّ يدلي بالأب، و لا يلي المال، كالعمّ(2).

و الفرق: أنّ العمّ لا ولاية له، بخلاف الجدّ.

و قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة: للجدّ ولاية، إلاّ أنّ الموصي إليه أولي منه؛ لأنّ الموصي إليه نائب عن الأب، فكان أولي من الجدّ، كوكيل الأب(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الجدّ يستفيد الولاية بنفسه، فكان مقدّما علي من يلي بتولية، كالجدّ مع الحاكم، و يخالف الوكيل؛ لأنّه يتصرّف عن ولاية

ص: 21


1- الحاوي الكبير 333:8، المهذّب - للشيرازي - 456:1، نهاية المطلب 11: 366، الوسيط 486:4، حلية العلماء 151:6، التهذيب - للبغوي - 108:5، البيان 126:8، العزيز شرح الوجيز 275:7-276، روضة الطالبين 277:5، المغني 598:6، الشرح الكبير 628:6، الهداية - للمرغيناني - 264:4.
2- عقد الجواهر الثمينة 1235:3، المغني 598:6 و 599، الشرح الكبير 6: 628.
3- الهداية - للمرغيناني - 264:4، الحاوي الكبير 334:8، نهاية المطلب 11: 366، الوسيط 486:4، حلية العلماء 151:6، التهذيب - للبغوي - 108:5، البيان 127:8، العزيز شرح الوجيز 276:7.

الأب، و هذا يتصرّف بولاية نفسه.

و قد عرفت من هذا أنّ ولاية الأب مقدّمة علي ولاية الجدّ، و ولاية الجدّ مقدّمة علي ولاية الوصيّ للأب، و الوصيّ للأب أو الجدّ أولي من الحاكم، فليس للقاضي تغيير وصيّ الأب بعد موته، إلاّ أن يتغيّر حاله.

و لو كان بأجرة و وجد القاضي المتبرّع، فالأقرب: أنّه ليس له عزله إن و في الثّلث، و إلاّ جاز، لخفّة المؤونة علي الأطفال.

هذا في أمر الأطفال، فأمّا في قضاء الديون و تنفيد الوصايا فيكون للأب نصب الوصيّ، و يكون الوصيّ أولي من الجدّ، و لو لم ينصب وصيّا فأبوه أولي بقضاء الدّين و أمر الأطفال.

و قالت الشافعيّة: الحاكم أولي بتنفيذ الوصايا(1).

و ليس بجيّد.

مسألة 292: إذا كان في الورثة صغير و كبير و احتاج الصغير إلي بيع شيء من التركة،

كان للوصيّ بيع نصيب الصغير، دون نصيب الكبير - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الكبير رشيد، فلا يجوز بيع ماله بغير إذنه، كما لو انفرد.

و قال أبو حنيفة و أحمد: إذا كان بيع الجميع أحظّ لهما، جاز للوصيّ بيعه بغير إذن الكبير، و كذا إذا أوصي إليه في تفرقة ثلثه و كان بيع الكلّ أحظّ باعه، و كذلك في قضاء الدّين؛ لأنّ التركة باقية علي حكم مال الميّت، و لهذا تقضي منها ديونه و تنفذ وصاياه، فكان للوصيّ أن يفعل ما فيه الحظّ

ص: 22


1- التهذيب - للبغوي - 108:5، العزيز شرح الوجيز 276:7، روضة الطالبين 5: 277.
2- حلية العلماء 151:6، المغني 321:4، الشرح الكبير 635:6.

للميّت(1).

و ليس بصحيح؛ لأنّ الوصيّ ليس بوليّ علي الميّت، و إنّما هو وليّ علي الصغير، و لأنّ ماله قد انتقل إلي الورثة، و الحقّ لهم.

مسألة 293: إذا أوصي بوصيّة ثمّ قتل نفسه،

كانت وصيّته ماضية؛ لوجود المقتضي، و هو صدورها من بالغ عاقل رشيد، و تجدّد السفه لا يوجب بطلان الحكم السابق.

و لو جرح الإنسان نفسه بما فيه هلاكها غالبا، ثمّ وصّي، كانت وصيّته باطلة لا يجوز العمل عليها، قاله الشيخ رحمه اللّه(2) ؛ لأنّ فعله ذلك يدلّ علي ظهور سفهه، فلم تنفذ وصيّته.

و لو لم يكن سفيها بل كان رشيدا عاقلا بعد الجرح، كان ما أوصي به ماضيا.

و لو لم تبق فيه حياة مستقرّة، احتمل بطلان الوصيّة.

و ابن إدريس نازع الشيخ رحمه اللّه، و حكم بصحّة وصيّة جارح نفسه بالمهلك(3).

و الشيخ رحمه اللّه عوّل في قوله علي ما رواه أبو ولاّد عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها» قلت له: أرأيت إن كان أوصي بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته ؟ قال:

فقال: «إن كان أوصي قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل

ص: 23


1- مختصر اختلاف العلماء 73:5-2208/74، المبسوط - للسرخسي - 34:28، روضة القضاة 699:2-3952/700، الفتاوي الوالوالجيّة 349:5، حلية العلماء 151:6، المغني 320:4، الشرح الكبير 634:6.
2- النهاية: 610.
3- السرائر 197:3.

أجيزت وصيّته في ثلثه، و إن كان أوصي بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته»(1).

البحث الثالث: في الوصيّ.
مسألة 294: يشترط في الوصيّ التكليف،

فلا تصحّ الوصيّة إلي المجنون المطبق.

و هل تصحّ إلي من يعتوره أدوارا فينفذ تصرّفه وقت إفاقته ؟ إشكال.

و لا تصحّ إلي الصبي منفردا و إن كان مراهقا؛ لأنّه لا يملك التصرّف لنفسه فكيف لغيره، و لأنّ في الاستنابة بعد الموت معني الأمانة، و معني الوكالة من حيث إنّها تعدّ تفويضا من الغير، و معني الولاية من حيث إنّ الوصيّ يتصرّف لعاجز، و هما ليسا أهلا لذلك كلّه.

و تصحّ الوصيّة إلي الصبيّ منضمّا إلي البالغ، لكن ليس للصبّي أن يتصرّف حال صغره، بل إنّما له التصرّف بعد بلوغه، فحينئذ يتصرّف الكبير منفردا حتي يبلغ الصغير.

و الأقرب: أنّه ليس للحاكم هنا إقامة آخر مع الكبير يكون نائبا عن الصغير؛ لأنّ الموصي فوّض إليه النظر.

و إذا بلغ الصغير، لم يجز للكبير الانفراد بالتصرّف.

و لو بلغ فاسد العقل، احتمل أن ينصب الحاكم مع الآخر أمينا؛ لأنّ الموصي فوّض إلي الكبير التصرّف إلي حين بلوغ الصغير و قد بلغ غير رشيد، و يحتمل عدمه.

ص: 24


1- التهذيب 820/207:9، و في الكافي 45:7 (باب من لا تجوز وصيّته من البالغين) ح 1، و الفقيه 522/150:4 بتفاوت في بعض الألفاظ.

و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل، قال بعض علمائنا: للعاقل الانفراد بالوصيّة، و لم يداخله الحاكم؛ لأنّ للميّت وصيّا(1).

و إذا تصرّف البالغ ثمّ بلغ الصبيّ، لم يكن له نقض شيء ممّا فعله البالغ، إلاّ أن يكون مخالفا لمقتضي الوصيّة.

مسألة 295: يشترط في وصيّ المسلم الإسلام،

فلا تصحّ وصيّة المسلم إلي الكافر و إن كان ذمّيّا؛ لأنّ الكافر ليس من أهل الولاية علي المسلم، و لأنّه ليس من أهل الشهادة و لا العدالة، فلا تصحّ الوصيّة إليه، كالمجنون.

و أمّا وصيّة الكافر إليه، فإن كان عدلا في دينه، فالأقرب: صحّة وصيّته إليه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه يجوز أن يلي بالنسب فجاز أن يلي بالوصيّة، كالمسلم العدل.

و الثاني: لا تصحّ؛ لأنّ الكافر أسوأ حالا من المسلم الفاسق، ثمّ المسلم الفاسق لا يجوز أن يكون وصيّا، فالكافر أولي(3).

و إن لم يكن عدلا في دينه، لم تصح الوصيّة إليه؛ لأنّه أسوأ حالا من المسلم الفاسق، و المسلم الفاسق لا يكون وليّا علي مال غيره، فالكافر بذلك أولي.

مسألة 296: يشترط في الوصيّ العدالة عند أكثر علمائنا

مسألة 296: يشترط في الوصيّ العدالة عند أكثر علمائنا(4) ،

فلا تصحّ

ص: 25


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 256:2.
2- الحاوي الكبير 330:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، حلية العلماء 6: 144، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 277:8، العزيز شرح الوجيز 7: 268، روضة الطالبين 273:5، المغني 602:6، الشرح الكبير 633:6.
3- الحاوي الكبير 330:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، حلية العلماء 6: 144، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 277:8، العزيز شرح الوجيز 7: 268، روضة الطالبين 273:5، المغني 602:6، الشرح الكبير 633:6.
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 668، و الشيخ الطوسي في المبسوط 51:4، -

الوصيّة إلي الفاسق المسلم - و به قال الشافعي و أحمد بن حنبل في إحدي الروايتين(1) - لأنّ الفاسق ظالم، و الوصيّة إليه ركون إليه في أفعاله، فيكون منهيّا عنه؛ لقوله تعالي: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (2).

و عن أحمد رواية أخري: أنّها تصحّ الوصيّة إليه و يضمّ إليه أمين(3).

و قال أبو حنيفة: تنعقد الوصيّة إليه، و إذا تصرّف نفذ تصرّفه، و يجب علي الحاكم عزله؛ لأنّه بالغ عاقل، فصحّت الوصيّة إليه، كالعدل، و لأنّ المسلم محلّ للأمانة(4) ، كما في الوكالة و الإيداع، و لأنّها ولاية تابعة لاختيار الموصي، فتتحقّق بتعيينه(5).

و فرّق الشافعي بين الوصاية و الوكالة، حيث جوّز توكيل الفاسق دون الوصيّة إليه: بأنّ الوصاية في حقّ الغير، و في مثله في الوكالة تشترط العدالة أيضا، حتي لا يصحّ أن يوكّل الأب فاسقا في مال ولده، و لا يودع إلاّ عند6.

ص: 26


1- الأم 120:4، مختصر المزني: 146، الحاوي الكبير 328:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 351:11، الوجيز 282:1، الوسيط 4: 484، حلية العلماء 147:6، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 277:8، العزيز شرح الوجيز 268:7، روضة الطالبين 273:5، اختلاف الأئمّة العلماء 2: 74، المغني 602:6، الشرح الكبير 617:6.
2- سورة هود: 113.
3- اختلاف الأئمّة العلماء 74:2، المغني 602:6-603 و 604، الشرح الكبير 617:6-618، حلية العلماء 147:6، العزيز شرح الوجيز 268:7.
4- - و سلاّر في المراسم: 202، و ابن البرّاج في المهذّب 116:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 373.
5- مختصر القدوري: 242، المبسوط - للسرخسي - 25:28، الفقه النافع 3: 1175/1410، البيان 277:8، العزيز شرح الوجيز 268:7، اختلاف الأئمّة العلماء 74:2، المغني 603:6، الشرح الكبير 618:6.

أمين، و يجوز أن يوكّل الفاسق في ماله و يودعه إيّاه(1).

تذنيب: لو أوصي إلي فاسق بتفريق ثلثه، فإن قلنا بالصحّة، ففرّق، لم يضمن إن كان الثّلث لقوم معيّنين؛ لأنّهم لو أخذوه من غير دفع جاز، و إن كان لغير معيّنين، ضمن؛ لأنّ تفريقه عليهم يتعلّق بالاجتهاد، و الفاسق ليس من أهله، فيضمن؛ للتعدّي.

و لو ادّعي الأمين التفرقة، قبل إن كان علي غير معيّنين، و إن كان علي معيّنين، لم يقبل.

مسألة 297: لا تصحّ الوصيّة إلي العبد إلاّ بإذن مولاه؛ لأنّه لا يملك الولاية علي ولده،

فلا يصلح وصيّا لغيره، كالمجنون، و لأنّها تستدعي فراغا للنظر و الفكر و السعي، و هو مشغول بخدمة مولاه، أمّا لو أذن له مولاه، صحّت الوصيّة إليه، و ليس للمولي بعد قبوله و موت الموصي الردّ؛ لأنّ المنع إنّما كان لحقّ المولي، فإذا أذن المولي زال المانع.

و قال الشافعي: لا تصحّ الوصيّة إليه بكلّ حال - و به قال أبو يوسف و محمّد و أبو ثور - لأنّه لا يجوز أن يكون وليّا علي ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي بالوصيّة(2).

ص: 27


1- الأم 120:4، الحاوي الكبير 331:8، نهاية المطلب 351:11، العزيز شرح الوجيز 268:7.
2- الأم 120:4، مختصر المزني: 146، الحاوي الكبير 328:8 و 329، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 351:11، الوجيز 282:1، الوسيط 4: 483، حلية العلماء 146:6، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 278:8، العزيز شرح الوجيز 268:7، روضة الطالبين 272:5-273، مختصر اختلاف العلماء 2206/72:5، المبسوط - للسرخسي - 24:28 و 25، روضة القضاة 2: 3907/692، تحفة الفقهاء 221:3، الفتاوي الولوالجيّة 344:5، الهداية -

و قال مالك و أحمد: تصحّ الوصيّة إلي العبد(1).

و قال الأوزاعي و ابن شبرمة: تصحّ الوصيّة إلي عبد نفسه، و لا تصحّ إلي عبد غيره(2).

و قال أبو حنيفة: تصحّ الوصيّة إلي عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد(3).

و نحن نقول بذلك مطلقا؛ لأنّها وصيّة إلي العبد بإذن مولاه، فصحّت.

احتجّوا: بأنّه يصحّ أن يستنيبه في حياته، فصحّ أن يوصي إليه،6.

ص: 28


1- المدوّنة الكبري 19:6، التفريع 326:2، المعونة 1628:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2063/1010:2، عيون المجالس 1393/1955:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 548، الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 6: 602، الشرح الكبير 616:6، الحاوي الكبير 329:8، الوسيط 483:4، حلية العلماء 146:6، البيان 278:8، العزيز شرح الوجيز 268:7، مختصر اختلاف العلماء 2206/72:5.
2- - للمرغيناني - 259:4، الاختيار لتعليل المختار 95:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 63:2، المغني 602:6، الشرح الكبير 616:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2063/1010:2، عيون المجالس 1393/1956:4، المعونة 3: 1628.
3- مختصر اختلاف العلماء 2206/72:5، مختصر القدوري: 242، المبسوط - للسرخسي - 24:28-25، روضة القضاة 3906/692:2، تحفة الفقهاء 3: 221، الفتاوي الولوالجيّة 344:5، الفقه النافع 1175/1410:3، الهداية - للمرغيناني - 259:4، الاختيار لتعليل المختار 95:5، الحاوي الكبير 8: 330، الوسيط 483:4، حلية العلماء 146:6، التهذيب - للبغوي - 106:5، البيان 278:8، العزيز شرح الوجيز 268:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 2: 63، المغني 602:6، الشرح الكبير 616:6.

كالحرّ(1).

و نحن نقول: إنّه يصحّ توكيله بإذن مولاه فكذا الوصيّة.

و الشافعيّة فرّقوا: بأنّ الوكالة تصحّ للكافر و الفاسق؛ لأنّها نيابة في حقّه، و هذه ولاية منه علي غيره، فافتقرت إلي الكمال بالجزم(2).

و قد نصّ الشافعي في الأمّ علي أنّه إذا أوصي إلي عبد قنّ أو مكاتب أو مدبّر أو معتق بصفة أو من أعتق بعضه أو أمّ ولد فالوصيّة باطلة؛ لأنّه ناقص بالرقّ(3).

و نحن نقول بموجبه إذا منع المولي، لا مطلقا.

نعم، في مستولدته و مدبّره عندهم خلاف مبنيّ علي أنّ صفات الوصي تعتبر حال الوصاية أو حال الموت ؟(4).

و جوّز أبو حنيفة الوصيّة إلي المكاتب، و كذا مالك و أحمد(5).

و جوّز المفيد رحمه اللّه الوصيّة إلي المدبّر و المكاتب(6).

و ليس شيئا.

مسألة 298: الظاهر من مذهب علمائنا: جواز الوصيّة إلي من يعجز عن التصرّف

و لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما، و ينجبر نقصه بنظر

ص: 29


1- المغني 602:6، الشرح الكبير 616:6.
2- ينظر: الأم 120:4.
3- ينظر: الأم 120:4.
4- الحاوي الكبير 330:8، الوجيز 282:1، الوسيط 484:4، العزيز شرح الوجيز 268:7، روضة الطالبين 273:5.
5- الاختيار لتعليل المختار 95:5، عيون المجالس 1393/1955:4، الحاوي الكبير 330:8، نهاية المطلب 351:11، العزيز شرح الوجيز 268:7، المغني 602:6، الشرح الكبير 616:6.
6- المقنعة: 668.

الحاكم، و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(1).

و منع بعضهم من الوصيّة إلي المحجور عليه(2).

مسألة 299: تصحّ الوصيّة إلي المرأة الجامعة للشرائط،

عند علمائنا أجمع، و هو قول العامّة(3) ؛ لأنّ عمر أوصي إلي حفصة، رواه العامّة(4).

و من طريق الخاصّة: رواية عليّ بن يقطين عن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل أوصي إلي امرأة و شرّك في الوصيّة معها صبيّا، فقال:

«يجوز ذلك، و تمضي [المرأة] الوصيّة، و لا تنتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضي إلاّ ما كان من تبديل أو تغيير، فإنّ له أن يردّه إلي ما أوصي به الميّت»(5).

و حكي عن عطاء أنّه قال: لا تصحّ الوصيّة إليها؛ لأنّه لا يجوز أن تكون قاضية، فلا يصحّ أن تكون وصيّة(6).

ص: 30


1- العزيز شرح الوجيز 269:7.
2- العزيز شرح الوجيز 269:7.
3- الأم 120:4، مختصر المزني: 146، الحاوي الكبير 331:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، الوجيز 282:1، الوسيط 485:4، حلية العلماء 6: 143، التهذيب - للبغوي - 107:5، البيان 278:8، العزيز شرح الوجيز 7: 270، روضة الطالبين 273:5، المغني 601:6، الشرح الكبير 617:6، التفريع 326:2، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2063/1010:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 548.
4- المصنّف - لعبد الرزّاق - 19416/376:10، سنن أبي داود 2879/117:3، سنن الدارقطني 16/192:4، السنن الكبري - للبيهقي - 160:6، العزيز شرح الوجيز 270:7، البيان 279:8، المغني 601:6، الشرح الكبير 617:6.
5- الكافي 46:7 (باب من أوصي إلي مدرك...) ح 1، الفقيه 538/155:4، التهذيب 184:9-743/185، الاستبصار 522/140:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
6- الحاوي الكبير 331:8، حلية العلماء 144:6، البيان 278:8، المغني 6: 601، الشرح الكبير 617:6.

و الفرق: أنّ القضاء يفتقر إلي أن يكون القاضي كاملا من أهل الاجتهاد، بخلاف الوصيّة.

و إذا حصلت الشرائط في أمّ الأطفال فهي أولي من ينصّب قيّما، لكن لا ولاية لها بالأمومة، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إنّ لها ولاية الحفظ و الإنفاق، دون البيع و الشراء(2).

و نقل بعض الشافعيّة وجها: أنّه لا تجوز الوصيّة إليها؛ لأنّ الوصاية ولاية.

و ظاهر مذهب الشافعي: انتفاء الولاية(3).

و جوّز بعضهم الولاية في المال للمرأة [و احتجّ](4) بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال لهند: «خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف»(5)(6).

مسألة 300: تصحّ الوصيّة إلي الأعمي الجامع للشرائط،

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(7) ، و هو أحد وجهي الشافعي(8) - لأنّ الأعمي من أهل

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 270:7.
2- العزيز شرح الوجيز 270:7.
3- العزيز شرح الوجيز 270:7، روضة الطالبين 273:5.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق و كما في المصدر.
5- مسند أحمد 23597/60:7، سنن الدارمي 159:2، صحيح البخاري 3: 103، سنن ابن ماجة 2293/769:2، السنن الكبري - للنسائي - 9191/378:5 - 2، سنن النسائي (المجتبي) 246:8-247، مسند أبي يعلي 4636/98:8، السنن الكبري - للبيهقي - 466:7.
6- العزيز شرح الوجيز 270:7.
7- روضة القضاة 3903/692:2، العزيز شرح الوجيز 269:7.
8- الحاوي الكبير 332:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 11: 353، الوجيز 282:1، الوسيط 485:4، حلية العلماء 144:6، التهذيب - للبغوي - 107:5، البيان 279:8، العزيز شرح الوجيز 269:7، روضة الطالبين 273:5، روضة القضاة 3903/692:2.

الشهادة مطلقا عندنا و بما تحمّله قبل العمي، فصحّ أن يكون وصيّا.

و الوجه الثاني للشافعي: المنع؛ لأنّ الأعمي لا يقدر في حقّ نفسه علي البيع و الشراء، فلا يوجد منه معني الولاية(1).

و نمنع عدم قدرته علي البيع و الشراء؛ لأنّه يمكنه أن يوكّل فيهما.

و شرط بعضهم في الوصي انتفاء العداوة بينه و بين الطفل الذي يفوّض أمره إليه(2).

مسألة 301: لا خلاف في أنّ هذه الشرائط تعتبر حالة موت الموصي،

كما أنّ الوصيّة تعتبر بحالة الموت، و كما أنّ الشاهد تعتبر صفاته عند الأداء، و هو أحد وجوه الشافعيّة(3).

و هل يعتبر وجودها(4) حالة الوصاية أيضا حتي يشترط تحقّقها عند العقد و الموت معا؟ قال بعض الشافعيّة به؛ لأنّها شروط العقد، فتعتبر حال وجوده، كسائر العقود، و لأنّه لا بدّ من اعتبارها عند الوصاية؛ لأنّها حالة التفويض، و من اعتبارها عند الموت؛ لأنّها حالة الاشتغال بالتصرّف(5).

ص: 32


1- الحاوي الكبير 332:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 11: 353، الوجيز 282:1، الوسيط 485:4، حلية العلماء 144:6، التهذيب - للبغوي - 107:5، البيان 279:8، العزيز شرح الوجيز 269:7، روضة الطالبين 273:5، روضة القضاة 3903/692:2.
2- العزيز شرح الوجيز 269:7، روضة الطالبين 273:5.
3- الحاوي الكبير 331:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 11: 352، حلية العلماء 144:6، التهذيب - للبغوي - 107:5، البيان 279:8، العزيز شرح الوجيز 269:7، روضة الطالبين 273:5.
4- في «ص»: «و هل يشترط اعتبارها»، و في الطبعة الحجريّة: «و هل يشترط وجودها».
5- الحاوي الكبير 331:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 11: -

و للشافعيّة وجه ثالث: أنّه يعتبر تحقّقها حالة الوصاية و حالة الوفاة و فيما بينهما؛ لاحتمال الموت و الحاجة إلي التصرّف(1).

مسألة 302: إذا أوصي إلي من اجتمعت فيه الشروط،

فتغيّرت حالة الموصي إليه، فإن كان لضعف من كبر أو مرض، لم تخرج ولايته بذلك عنه، و يضمّ الحاكم إليه من يشاركه في النظر و يساعده عليه، احتياطا للموصي عليهم.

و إن تغيّرت حاله بفسق، فإن كان قبل موت الموصي، فإن قلنا:

تشترط العدالة عند الوصاية، بطلت وصيّته، و إن لم تشترط و تجدّدت العدالة حالة الموت، صحّت ولايته، و إلاّ بطلت.

و إن كان تغيّره بعد موت الموصي إمّا لتعدّيه في المال أو لغير ذلك، بطلت ولايته، و انعزل عن النظر، و يكون النظر إلي الحاكم أو نائبه، و إلاّ تولاّه بعض المؤمنين مع تعذّر الحاكم أو نائبه؛ لزوال الشرط.

و قال بعض الشافعيّة: لا تبطل ولايته حتي يعزله الحاكم(2).

و هو غلط؛ لأنّ العدالة شرط في صحّة الوصاية، و قد زالت، فيزول المشروط.

و في معناه قيّم الحاكم.

و في بطلان ولاية القاضي بالفسق للشافعيّة وجهان:

ص: 33


1- الحاوي الكبير 331:8، المهذّب - للشيرازي - 470:1، نهاية المطلب 11: 352، حلية العلماء 145:6، التهذيب - للبغوي - 107:5، البيان 279:8، العزيز شرح الوجيز 269:7، روضة الطالبين 273:5.
2- العزيز شرح الوجيز 271:7، روضة الطالبين 274:5.

أصحّهما: البطلان - و هو مذهبنا - لزوال شرط ولاية القضاء.

و الثاني: لا تبطل، كالإمام الأعظم(1).

و الأصل عندنا ممنوع؛ فإنّا نشترط فيه مع العدالة العصمة من أوّل عمره إلي آخره، و الأب و الجدّ إذا فسقا، انتزع الحاكم مال الطفل منهما.

و عند الشافعيّة لا تبطل ولاية الإمام الأعظم بالفسق؛ لتعلّق المصالح الكلّيّة بولايته، بل تجوز تولية الفاسق عندهم إذا دعت الحاجة إليه، و لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة استبدل(2).

و قد خالفوا ظاهر الكتاب العزيز في ذلك، قال اللّه تعالي: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) و غير ذلك من الآيات، كإيجاب طاعة أولي الأمر(4) ، و الفاسق لا تجب طاعته مطلقا.

و أمّا الملتقط إذا ظهر فسقه، لم تزل ولايته عن المال و تعريفه في أحد قولي الشافعي؛ لأنّ الملتقط تعلّق حقّه بتملّك المال بعد الحول، بخلاف الموصي إليه؛ لأنّه لا حقّ له، و إنّما هو مجرّد الأمانة، و في الثاني:

ينتزع الحاكم المال من يده(5).6.

ص: 34


1- نهاية المطلب 353:11-354، الوسيط 484:4، العزيز شرح الوجيز 7: 271، روضة الطالبين 274:5.
2- الوجيز 282:1، الوسيط 484:4، التهذيب - للبغوي - 108:5، العزيز شرح الوجيز 271:7، روضة الطالبين 274:5.
3- سورة هود: 113.
4- سورة النساء: 59.
5- الحاوي الكبير 21:8، المهذّب - للشيرازي - 441:1، نهاية المطلب 8: 474، حلية العلماء 547:5، التهذيب - للبغوي - 563:4، البيان 477:7، العزيز شرح الوجيز 342:6، روضة الطالبين 455:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 57:2، المغني 390:6، الشرح الكبير 398:6.
مسألة 303: لو فسق الوصيّ و قيّم الحاكم،

فقد قلنا: إنّ الوصيّة و النيابة تبطلان، فإن تابا لم تعد ولايتهما؛ لأنّها زالت، فلا تعود إلاّ بعقد جديد.

و قال بعض الشافعيّة في وجه غريب: إنّها تعود، كالأب و الجدّ إذا تابا بعد الفسق(1).

و هو غلط؛ لأنّ ولايتهما بسبب النسب، و إنّما زالت لعارض، و قد زال العارض، فيبقي السبب(2) مؤثّرا، و لأنّ ولايتهما شرعيّة، و ولاية الوصيّ و القيّم مستفادة من التولية و التفويض، فإذا ارتفعت لم تعد إلاّ بتفويض جديد.

و القاضي إذا عزل بالفسق فهو كالوصيّ.

مسألة 304: إذا أتلف الوصيّ مالا،

وجب عليه ضمانه، و لا يبرأ عن ضمانه حتي يدفعه إلي الحاكم، ثمّ يردّه الحاكم عليه إن ولاّه.

و أمّا الأب فيبرأ من ضمان ما أتلفه بقبض مال الضمان من نفسه لولده.

و لو أكل الأب أو الوصيّ من مال الطفل لضرورة أو حاجة، لم يكن مفرّطا؛ لأنّ له ذلك.

و لو تصرّف الوصيّ بعد عزله بالفسق، لم يصح تصرّفه، و كان مردودا.

و استثني بعضهم من ذلك ما لو ردّ بعد عزله المغصوب إلي مالكه، أو العارية و الوديعة إلي مالكها، أو قضي الدّين من جنسه من التركة، فإنّ ذلك

ص: 35


1- العزيز شرح الوجيز 271:7.
2- في «ص»: «النسب»: بدل «السبب».

كلّه لا ينقض؛ لأنّ المستحقّ له لو استقلّ بأخذها كان كافيا(1).

مسألة 305: لو جنّ الوصيّ أو أغمي عليه،

أقام الحاكم غيره من يقوم مقامه.

و هل تزول ولايته و يصير كأنّه لم يوص إليه ؟ للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّ ولايته قد زالت، فلو أفاق بعد ذلك أو عاد عقله لم تعد ولايته؛ لأنّها قد بطلت، و لأنّه يلي بالتفويض، كالوكيل، فتبطل ولايته، و لا تعود بإفاقته.

و الثاني: أنّه علي ولايته، كالأب و الجدّ و الإمام الأعظم إذا أفاقوا.

و الأوّل أقوي عندهم، بخلاف الأب و الجدّ؛ لأنّ ولايتهما أصليّة، و بخلاف الإمام إذا أفاق، للمصلحة الكلّيّة(2).

و يجري الوجهان في القاضي إذا أفاق، و إذا أفاق الإمام الأعظم بعد ما ولّي غيره، فالولاية للثاني، إلاّ أن تثور فتنه، فهي للأوّل(3).

و لو ساء تدبير الوصيّ لكبر و شبهه، ضمّ الحاكم إليه من يرشده.

و لو عرض ذلك لقيّم القاضي، عزله؛ لأنّ ولايته منه، فيقيم بدله من هو أجود.

و إذا نصب الأب وليّا، وجب حفظه ما أمكن.

البحث الرابع: في الموصي فيه.

إنّما تثبت الوصيّة بالولاية في التصرّفات الماليّة المباحة، كقضاء

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 272:7، روضة الطالبين 274:5.
2- العزيز شرح الوجيز 272:7، روضة الطالبين 274:5-275.
3- العزيز شرح الوجيز 272:7، روضة الطالبين 275:5.

الديون و تنفيذ الوصايا و أمور الأطفال، لا في تزويج الأطفال و إن نصّ الموصي عليه، عند بعض علمائنا(1) - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الوصي لا غيرة له بدخول الدنيء نسبه فيهم، فالغبطة و الاحتياط يقتضيان تفويض التزويج إلي من تلحقه الغيرة و الحميّة عليهم.

و كذا السلطان و الحاكم لا ولاية لهما.

نعم، للحاكم تزويج من بلغ فاسد العقل إذا كان النكاح مصلحة له.

و لا تصحّ الوصاية ببناء بيعة أو كنيسة أو كتبة التوراة، فتبطل الوصيّة و الوصاية معا؛ لأنّ متعلّقهما حرام.

و قال بعض الشافعيّة: لا تجري الوصاية في ردّ الغصوب و الودائع و في الوصيّة بعين لمعيّن؛ لأنّها مستحقّة بأعيانها، فيأخذها أربابها، و إنّما يوصي فيما يحتاج إلي نظر و اجتهاد، كالوصيّة للفقراء(3).

و ليس بشيء؛ لأنّه قد يخاف خيانة الورثة، فيحتاج إلي ضمّ أمين إلي الورثة(4).

و قال مالك و أحمد: تجري الوصاية في التزويج(5). و سيأتي إن شاء اللّه تعالي.7.

ص: 37


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 59:4.
2- الوسيط 488:4 و 493، البيان 127:8، العزيز شرح الوجيز 276:7 و 283، روضة الطالبين 277:5 و 282، المغني 354:7، الشرح الكبير 440:7-441، الذخيرة 162:7.
3- نهاية المطلب 356:11، العزيز شرح الوجيز 276:7، روضة الطالبين 5: 277.
4- في الطبعة الحجريّة: «إلي ورثته».
5- عيون المجالس 1399/1960:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 548، الذخيرة 162:7، العزيز شرح الوجيز 276:7، المغني 354:7، الشرح الكبير 440:7.
البحث الخامس: في الأحكام.
مسألة 306: حكم الوصيّة بالولاية الجواز من الموصي،

فله الرجوع في وصيّته متي شاء، كما كان له الرجوع في وصيّته بالمال، و لا نعلم فيه خلافا، فيجوز له الاستبدال بالموصي إليه، و تخصيص ولايته و تعميمها، و إدخال غيره معه و إخراج من كان معه.

و أمّا الوصي فله قبول الوصيّة و ردّها قبل القبول في حياة الموصي؛ لأنّها إذن في التصرّف، فصحّ قبوله بعد العقد، كالتوكيل، بخلاف الوصيّة له، فإنّها تمليك في وقت، فلا يصحّ القبول قبل الوقت.

و يجوز تأخير القبول في الوصاية إلي ما بعد الموت؛ لأنّها نوع وصيّة، فصحّ قبولها بعد الموت، كالوصيّة له.

و هل يشترط إعلام الموصي بالردّ؟ ظاهر كلام الأصحاب: ذلك.

و يدلّ عليه رواية محمّد بن مسلم - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام قال:

«إذا أوصي رجل إلي رجل و هو غائب فليس له أن يردّ وصيّته، فإن أوصي إليه و هو بالبلد فهو بالخيار إن شاء قبل و إن شاء لم يقبل»(1).

و في الصحيح عن فضيل عن الصادق عليه السّلام في رجل يوصي إليه، قال:

«إذا بعث [بها] إليه من بلد فليس له ردّها، و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه»(2).

و عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا أوصي الرجل إلي

ص: 38


1- الكافي 1/6:7، الفقيه 496/144:4، التهذيب 814/205:9.
2- الكافي 2/6:7، الفقيه 497/144:4، التهذيب 205:9-815/206، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته، لأنّه لو كان شاهدا فأبي أن يقبلها طلب غيره»(1).

و أمّا إذا قبل الوصيّة في حياة الموصي فليس له ردّها إلاّ إذا أعلمه بالردّ.

و إن كان غائبا و لم يصل إليه الردّ، لزمه القيام بالوصيّة إجماعا منّا.

و قال أبو حنيفة: إذا قبل الوصيّة لم يجز له ردّها بعد الموت بحال، إلاّ أن يقرّ بالعجز أو الخيانة، كالوكالة، فأمّا في حال حياة الموصي فليس له ردّها ما لم يردّها في وجهه؛ لأنّه غرّه بالتزام وصيّته، و منعه بذلك الإيصاء إلي غيره(2).

و هو مناسب لما ذهبنا إليه.

و قال الشافعي و أحمد: إذا قبل الوصيّة صار وصيّا، و له عزل نفسه متي شاء مع القدرة و العجز في حياة الموصي و بعد موته بمشهد منه و في غيبته(3).

مسألة 307: من يلي مال اليتيم من وليّ أو وصيّ

يجب أن يخرج عن الطفل من مال اليتيم جميع ما يتعلّق به من الديون التي لزمته باقتراض الوليّ

ص: 39


1- الكافي 3/6:7، الفقيه 500/145:4، التهذيب 816/206:9.
2- روضة القضاة 3833/681:2، الهداية - للمرغيناني - 258:4، نهاية المطلب 354:11، الوجيز 283:1، الوسيط 493:4، حلية العلماء 149:6، البيان 286:8، العزيز شرح الوجيز 282:7، المغني 606:6، الشرح الكبير 625:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 471:1، نهاية المطلب 354:11، الوجيز 283:1، الوسيط 493:4، حلية العلماء 148:6، التهذيب - للبغوي - 108:5، البيان 286:8، العزيز شرح الوجيز 281:7-282، روضة الطالبين 281:5، روضة القضاة 3834/681:2، المغني 606:6، الشرح الكبير 625:6.

عنه، أو لزمته بأرش أو جناية.

فأمّا زكاة الفطرة فلا تجب عليه عندنا، خلافا لبعض العامّة(1).

و أمّا زكاة المال ففيها قولان، أحدهما: الاستحباب، فيخرجه الوليّ.

و إن قلنا بالوجوب في غلاّته و مواشيه، فكذلك.

و إن جني الطفل علي مال، كانت في ماله يخرجها الوصيّ عنه، و إن كانت علي النفس، فهي خطأ مطلقا؛ لأنّ عمد الطفل عندنا خطأ - و هو أحد قولي الشافعي(2) - فالدية علي العاقلة.

و الكفّارة في مال الطفل علي الفور.

و عند بعض الشافعيّة: لا تجب علي الفور(3).

و أمّا النفقة فينفق الوليّ عليه بالمعروف، و كذا ينفق علي من عليه نفقته، فلو كان له أبوان فقيران أنفق عليهما.

و ليس للوليّ أن يزوّجه؛ لأنّ ذلك يوجب عليه مهرا، إلاّ أن تقضي المصلحة ذلك في الأب، بخلاف الوصيّ؛ لأنّ شفقة الأب أكمل من شفقة غيره، فلا تلحقه تهمة بحال.

فإذا بلغ الولد رشيدا، دفع ماله إليه؛ للآية(4).

مسألة 308: و ينفق الوصي بالمعروف من غير إسراف و لا تقتير،

فإن أسرف ضمن الزيادة.

و يشتري الخادم مع الحاجة إليه، و يطعمه عادة أمثاله و نظرائه، إن كان

ص: 40


1- الحاوي الكبير 346:8، البيان 287:8، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 282:7، و روضة الطالبين 281:5.
2- الحاوي الكبير 347:8، نهاية المطلب 444:16، البيان 527:11.
3- العزيز شرح الوجيز 282:7، روضة الطالبين 281:5.
4- سورة النساء: 6.

ممّن يأكل اللحم دائما أطعمه، و يلبسه ما جرت عادة أمثاله بلبسه.

فإذا بلغ الصبي و أنكر أصل الإنفاق، فالقول قول الوصيّ مع يمينه؛ لتعذّر إقامة البيّنة عليه، فإنّ اطّلاع الشاهدين علي أكله كلّ يوم عسير.

و لو اختلفا في قدر النفقة، نظر، فإن اختلفا في قدر المدّة - مثل أن يقول: مات أبوه منذ سنة، و ادّعي الوصيّ أنّه مات منذ سنتين - قدّم قول الصبيّ مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم تقدّم موته، و أنّه لم يمت في الوقت الذي ادّعي الوصيّ موته فيه.

و إن لم يختلفا في المدّة، و إنّما اختلفا في قدر النفقة بالمعروف، فالقول قول الوصي؛ لأنّه يتعذّر عليه إقامة البيّنة.

و إن اختلفا في القدر و لم يذكر المدّة و لا قدر الإنفاق، فالقول قول الوصيّ؛ لأنّه أمين.

و لو ادّعي الصبي الزيادة علي المعروف، فإن كان بعد تعيينهما قدر النفقة، نظر فيه، و صدّق من يقتضي الحال تصديقه، و إن لم يعيّنا، قدّم قول الوصيّ؛ لأنّ الصبي يدّعي خيانته، و الأصل عدمها.

و نقل بعض الشافعيّة وجها آخر في تقديم قول الصبيّ(1).

مسألة 309: لو ادّعي الصبيّ علي الوصيّ أنّه خان في بيع ماله

بأن باعه من غير حاجة و لا غبطة، قدّم قول الوصيّ؛ لأنّ الأصل عدم الخيانة، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: بل يقدّم قول الصبيّ؛ لأنّ الأصل عدم الحاجة

ص: 41


1- العزيز شرح الوجيز 283:7، روضة الطالبين 282:5.
2- الوسيط 492:4، الوجيز 284:1، العزيز شرح الوجيز 283:7، روضة الطالبين 282:5.

و الغبطة، و لأن الأصل استمرار ملكه(1).

و قال بعضهم: لا يصدّق في العقار، و في غيره وجهان(2).

و لو اختلفا في دفع المال، فادّعي الوصيّ دفعه بعد البلوغ، و أنكر الصبيّ، قدّم قول الصبيّ، و علي الوصيّ البيّنة، و كذا الأب و أمين الحاكم؛ لأنّه ادّعي دفع المال إلي من لم يأتمنه عليه، فلم يقبل قوله عليه، كما لو ادّعي دفعه إلي من أمره المدفوع بدفعه إليه و أنكر، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة و أحمد: القول قول الوصيّ، لأنّه أمين، فقبل قوله في الدفع، كالمودع(4).

و يمنع الحكم في الأصل، سلّمنا، لكن الفرق: أنّ المودع ائتمنه عليه، فلم يقبل قوله عليه.

و حكم الوصيّ و قيّم الحاكم واحد في ذلك، و يقبل قولهما في دعوي التلف بالغصب و السرقة و الحريق و شبهه، سواء ادّعيا سببا ظاهرا أو خفيّا.

و لو أفاق المجنون، كان حكم النزاع بينه و بين الوصيّ حكم الطفل بعد بلوغه.

مسألة 310: إذا بلغ الصبي رشيدا دفع إليه ماله إجماعا؛

للآية(5).

و إن بلغ مجنونا، لم تزل ولاية الوصي عنه، و كان حكمه حكم الطفل.

ص: 42


1- العزيز شرح الوجيز 283:7.
2- العزيز شرح الوجيز 283:7.
3- الوسيط 492:4، العزيز شرح الوجيز 283:7، روضة الطالبين 282:5.
4- روضة القضاة 4015/707:2، الفتاوي الولوالجيّة 393:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 293:2، العزيز شرح الوجيز 283:7.
5- سورة النساء: 6.

و إن بلغ سفيها، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينفكّ الحجر عنه بالبلوغ، سواء كان غير رشيد في ماله أو غير رشيد في دينه بلا خلاف، و تكون ولاية الوصيّ علي ما كانت في جميع الأشياء، و تجب عليه الزكاة، و يخرج عنه الوصيّ.

فإن جني جناية، فإن كانت علي مال أخرجت من ماله، و إن كانت علي النفس، فإن كانت خطأ فالدية علي عاقلته، و الكفّارة في ماله، و إن كانت عمدا اقتصّ منه؛ لأنّه مكلّف، إلاّ أن يعفو علي مال، فإنّه يجب في ماله.

و أمّا التزويج فإن احتاج إليه من حيث إنّه يتبع النساء، زوّجه حتي لا يزني فيحدّ، فإنّ التزويج أسهل عليه من الحدّ، و لا يزوّجه أكثر من واحدة؛ لأنّ فيها كفاية، فإن طلّقها وقع، فإن كان مطلاقا فلا يزوّجه، بل يشتري له سريّة، و لا يسرّيه أكثر من واحدة(1).

و إذا كان عاقلا لا يبذّر، فإن رأي الوصيّ دفع نفقته إليه أسبوعا أسبوعا فعل، و إن كان لا يثق به دفعها إليه يوما فيوما، و ينفق بالمعروف، فإن أنفق عليه أزيد ضمن الزيادة، و إن كان لا يثق بدفع نفقة أسبوع إليه دفعها إليه يوما فيوما.

و لو أتلف ذلك في غير نفقته، أطعمه و سقاه، و يكسوه كسوة مثله، فإن كان يخرق الثياب أقعده في البيت بإزار، فإذا خرج كساه و مشي معه، أو بعث معه رقيبا حتي يمتنع من تمزيق أثوابه.

مسألة 311: للوصيّ أن يبيع مال الطفل مع الحاجة إجماعا.

و هل له أن يبيع ماله من نفسه، أو مال نفسه منه ؟ الأقوي عندي

ص: 43


1- المبسوط - للطوسي - 60:4.

ذلك؛ للأصل.

و لما رواه محمّد بن يحيي أنّه كتب: هل للوصيّ أن يشتري شيئا من مال الميّت إذا بيع في من زاد، يزيد و يأخذ لنفسه ؟ فقال: «يجوز إذا اشتري صحيحا»(1).

و منع منه الشافعي؛ لأنّه متصرّف بالتفويض، فلا يبيع المال من نفسه، كالوكيل(2).

و نمنع حكم الأصل، و هو وجه للشافعيّة(3).

و قال أبو حنيفة: له أن يبيع مال الصبيّ من نفسه بأكثر من ثمن المثل(4) ؛ لقوله تعالي: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (5).

و نحن نمنع هذا الاشتراط.

نعم، يشترط البيع بثمن المثل فما زاد؛ لأنّ البيع بثمن المثل مع الحاجة إحسان.

و هل يتولّي الطرفين، فيبيع مال صغير من صغير؟ الأقرب ذلك.

و منع منه الشافعي(6).5.

ص: 44


1- الكافي 10/59:7، الفقيه 566/162:4، التهذيب 913/233:9، و 950/245.
2- الوجيز 284:1، الوسيط 493:4، التهذيب - للبغوي - 548:3، العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 282:5.
3- العزيز شرح الوجيز 284:7.
4- المبسوط - للسرخسي - 33:28، الفتاوي الولوالجيّة 353:5، العزيز شرح الوجيز 284:7.
5- سورة الأنعام: 152.
6- الوسيط 493:4، الوجيز 284:1، العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 282:5.

و هو مدفوع؛ للأصل، و بالحمل علي الأب.

مسألة 312: إذا شهد الوصيّ علي الأطفال أو علي الميّت

و كان من أهل الشهادة، قبلت شهادته؛ لانتفاء التهمة في شهادته.

و إن شهد للأطفال أو للميّت، لم تقبل؛ لأنّه يثبت لنفسه التصرّف فيما يشهد به.

و لو كان الورثة كبارا فشهد للميّت بمال، فإن كان وصّي إليه بتفريق ثلثه مشاعا، لم تقبل شهادته؛ لأنّه يثبت لنفسه ولاية فيما يشهد به، و إن كان وصّي إليه في تفرقة شيء بعينه لم يخرج من الثّلث دون المشهود به، قبلت شهادته؛ لأنّه لا يجرّ إلي نفسه نفعا.

مسألة 313: يجوز للوصيّ أن يوكّل غيره فيما لم تجر العادة بمباشرة مثله له،

و كذا فيما يعجز عنه؛ لسعة أمواله و تعدّدها في الأماكن المتباعدة.

و لا يبيع شيئا من مال الكبار من الورثة، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إذا كان بيع جميع العين أصلح للصغير و الكبير، فله البيع من غير إذن الكبير(2).

و إذا أوصي بثلث ماله و ليس له إلاّ عبد، لم يبع الوصيّ إلاّ ثلثه.

و جوّز أبو حنيفة بيع الجميع(3).

و لو كان الوصيّ و الصبيّ شريكين، لم يستقل بالقسمة عند الشافعي؛ لأنّها إن كانت بيعا فليس له تولّي الطرفين عنده، و إن كانت إفراز حقّ،

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 283:5.
2- المبسوط - للسرخسي - 34:28، روضة القضاة 699:2-3952/700، الفتاوي الولوالجيّة 350:5، العزيز شرح الوجيز 284:7.
3- المبسوط - للسرخسي - 34:28، الفتاوي الولوالجيّة 349:5، العزيز شرح الوجيز 284:7.

فليس له أن يقبض لنفسه من نفسه(1).

و الأقرب: الجواز علي التقديرين.

و منع بعض الشافعيّة من خلط حنطته بحنطة الصبيّ و دراهمه بدراهمه(2).

و ليس بجيّد؛ لقوله تعالي: وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ (3).

و جوّز خلط ما لا بدّ منه للإرفاق، كخلط الدقيق بالدقيق و اللحم باللحم(4).

و لو أوصي إلي رجل، فقال: بع أرضي الفلانية و اشتر من ثمنها رقبة و أعتقها عنّي و أحجّ عنّي و اشتر من الخبز مائة منّ فأطعمه الفقراء، فباع الأرض بعشرة و كان لا توجد الرقبة بأقلّ من عشرة و لا الحجّ بأقلّ من عشرة، و لا يباع الخبز بأقلّ من خمسة، فتوزّع العشرة علي خمسة أسهم، و لا يحصل الحجّ و الإعتاق بحصّتهما، فيضمّ إلي حصّة الخبز تمام الخمسة، فتنفذ فيه الوصيّة، و يردّ الباقي علي الورثة، كما لو أوصي لكلّ من زيد و عمرو بعشرة، و الموجود ثلاثة عشر، و ردّ أحدهما، دفعت العشرة إلي الآخر.

و لو قال: اشتر من ثلثي رقبة فأعتقها و أحجّ عنّي، و احتاج العتق إلي عشرة و الحجّ إلي عشرة، فإن قدّمنا العتق صرفت العشرة فيه، و إلاّ أقرع، و لا توزّع؛ إذ مع التوزيع لا يحصل واحد منهما.

مسألة 314: يجوز للوصيّ أن يضارب بمال اليتيم مع الغبطة،

فيسلّم

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 283:5.
2- العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 283:5.
3- سورة البقرة: 220.
4- العزيز شرح الوجيز 284:7، روضة الطالبين 283:5.

إلي الثقة، و يأمره بعدم السفر، إلاّ مع أمن الطريق.

و إن وصّي إليه بأن يعمل الوصيّ بشيء من الربح، جاز؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أوصي إلي رجل بولده و بمال لهم، فأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال و يكون الربح بينه و بينهم، فقال: «لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حيّ»(1).

و عن خالد بن بكير الطويل قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة، فقال: يا بنيّ اقبض مال إخوتك الصغار و اعمل به و خذ نصف الربح و أعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقدّمتني أمّ ولد له بعد وفاة أبي إلي ابن أبي ليلي، فقالت: إنّ هذا يأكل أموال ولدي، قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي، فقال ابن أبي ليلي: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثمّ أشهد عليّ ابن أبي ليلي إن أنا حرّكته فأنا له ضامن، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ذلك، فاقتصصت عليه قصّتي، ثمّ قلت له: ما تري ؟ فقال: «أمّا قول ابن أبي ليلي فلا أستطيع ردّه، و أمّا فيما بينك و بين اللّه فليس عليك ضمان»(2).

مسألة 315: الأولي أنّ الوصيّ يشهد في بيع مال اليتيم؛

للآية(3).

و للشافعيّة وجهان في وجوب الإشهاد، و الأصحّ عندهم: المنع(4).

و لو فسق الوليّ قبل إبرام البيع، فالأقوي: فساد البيع؛ إذ لم يقع العقد بتمامه.

ص: 47


1- الكافي 19/62:7، الفقيه 590/169:4، التهذيب 236:9-921/237.
2- الكافي 61:7-16/62، الفقيه 591/169:4، التهذيب 919/236:9.
3- سورة البقرة: 282.
4- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو أوصي إلي اللّه تعالي و إلي زيد، فإن قصد التبرّك بالتفويض إلي اللّه تعالي، جاز، و كانت الولاية لزيد بأجمعها، و إن قصد التشريك، فالأقرب: بطلان الوصيّة إلي اللّه تعالي.

و للشافعيّة وجهان فيما إذا أوصي إلي اللّه تعالي و إلي زيد:

أحدهما: أنّ الوصاية إلي زيد.

و الثاني: أنّ الوصاية إلي زيد و إلي الحاكم(2).

و لو أوصي بشيء لرجل لم يذكره، و قال: سمّيته لوصيّي، فالأقرب:

الرجوع إلي الوصيّ في تعيينه.

و قالت الشافعيّة: للورثة أن لا يصدّقوه(3).

و لو قال: سمّيته للوصيّين اللّذين أوصيت إليهما: زيد و عمرو، فعيّنا رجلا، استحقّه، و إن اختلفا في التعيين، فللشافعي قولان:

أحدهما: بطلان الوصيّة.

و الثاني: أنّه يحلف كلّ واحد منهما مع شاهده(4).

و يجوز للوصيّ إذا خاف علي المال أن يستولي عليه ظالم جائر(5) أن يؤدّي شيئا لتخليصه(6) ؛ لأنّه من المصالح.

مسألة 316: يجوز للوصيّ أن يبيع جارية اليتيم،

و يحلّ لمن اشتراها و طؤها و استخدامها؛ لأنّ عليّ بن رئاب سأل الكاظم عليه السّلام عن رجل بينه(7)

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.
2- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.
3- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.
4- العزيز شرح الوجيز 285:7، روضة الطالبين 283:5.
5- كلمة «جائر» لم ترد في «ص، ل».
6- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «ليخلّصه».
7- في المصدر: «بيني» بدل «بينه».

و بينه قرابة مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك له غلمانا و جواري و لم يوص، فما تري في من يشتري منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ و ما تري في بيعهم ؟ قال: فقال: «إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم كان مأجورا فيهم» قلت: فما تري في من يشتري منهم الجارية فيتّخذها أمّ ولد؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم، و ليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(1).

مسألة 317: لو كان لصبيّ مال في يد رجل،

لم يجز له أن يضارب به بإذن الصبيّ؛ لأنّه محجور عليه.

و قد رواه داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن يتيم قد قرأ القرآن و ليس بعقله بأس و له مال علي يدي رجل و أراد الذي عنده المال أن يعمل بمال اليتيم مضاربة، فأذن الغلام في ذلك، فقال: «لا يصلح أن يعمل به حتي يحتلم و يدفع إليه ماله» قال: «و إن احتلم و لم يكن له عقل لم يدفع إليه شيء أبدا»(2).

مسألة 318: إذا قال الموصي للوصيّ: جعلت

مسألة 318: إذا قال الموصي للوصيّ: جعلت(3) لك أن تضع ثلثي

حيث شئت أو في من شئت أو حيث رأيت، فالأقرب: أنّه يجوز للوصيّ أن يأخذ منه شيئا.

و هل له أن يأخذ الجميع ؟ الأقرب: المنع، و به قال الشافعي و مالك

ص: 49


1- الكافي 2/67:7، الفقيه 161:4-564/162، التهذيب 239:9 - 928/240.
2- التهذيب 931/240:9.
3- في «ل»: «أذنت» بدل «جعلت».

و أحمد؛ لأنّه تمليك ملكه بالإذن، فلا يجوز أن يكون قابلا له، كما لو وكّله في بيع سلعة، لم يكن له أن يبيعها من نفسه(1).

و الأصل عندنا ممنوع.

نعم، إنّ مفهومه وضعه في مستحقّيه(2) ، و أن لا يخصّ نفسه به.

و قال أبو حنيفة و أبو ثور: يجوز؛ لأنّ الإذن مطلق، فإذا فعل ما تناوله الإذن جاز(3).

و ينتقض بالتوكيل.

و الأقرب: أنّه يجوز أن يعطي ولده و من يلزمه نفقته و سائر أقاربه مع الاستحقاق، دون نفسه؛ لأنّ لفظ الموصي يتناولهم.

و يحتمل النظر إلي قرائن الأحوال، فإن دلّت علي أنّه أراد أخذه منه - مثل: أن يكون من جملة المستحقّين الذين يصرف ذلك إليهم، أو عادته الأخذ من مثله - فله الأخذ منه، و إلاّ فلا.

مسألة 319: لو وصّي إليه بتفريق ثلثه،

فأبي الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم و كان في يد الوصيّ بقدر الثّلث، فالوجه: أن يقال: إن امتنع الورثة من دفع ثلث ما في أيديهم و كان الوصيّ عاجزا عن قهرهم، أخرج الثّلث الذي في يده؛ توصّلا إلي إيصال الحقّ إلي مستحقّه، و كما في قضيّة الحجّ لو علم المستودع أنّ الوارث لا يخرجه، و إن لم يكن عاجزا، دفع ثلث

ص: 50


1- نهاية المطلب 367:11، التهذيب - للبغوي - 80:5، البيان 210:8-211، العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 160:5، الذخيرة 178:7، المغني 610:6، الشرح الكبير 633:6 و 634.
2- في «ص»: «مستحقّه».
3- الاختيار لتعليل المختار 118:5، المغني 610:6، الشرح الكبير 633:6.

ما في يده، و لا يعطي الورثة شيئا حتي يخرجوا ثلث ما في أيديهم.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: يخرج الثّلث كلّه ممّا في يده؛ لأنّ حقّ الموصي له متعلّق بأجزاء التركة، فجاز أن يدفع إليه ممّا في يده، كما يدفع إلي بعض الورثة.

و الأخري: يدفع إليه ثلث ما في يده، و لا يعطيهم شيئا حتي يخرجوا ثلث ما في أيديهم(1).

و قال بعضهم: إن كان المال جنسا واحدا، فللموصي له أن يخرج الثّلث كلّه ممّا في يديه؛ لأنّه لا فائدة في انتظار إخراجهم ممّا في أيديهم مع اتّحاد الجنس، و إن كان أجناسا، فإنّ الوصيّة تتعلّق بثلث كلّ جنس، فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم ممّا في يده؛ لأنّه معاوضة لا تجوز إلاّ برضاهم(2).

و المعتمد ما قلناه أوّلا.

تذنيب: لو دفع إليه مالا و قال: اصرف بعضه إلي زيد و الباقي لك، فمات الدافع قبل دفع المأمور، انعزل.

و لو قال: ادفع بعد موتي، لم ينعزل.

و لو دفع إليه مالا و قال: سلّمه إلي زيد، فإنّ له أن يسلّمه إليه يعمل به ما شاء.

مسألة 320: إذا علم الوصيّ أنّ علي الميّت دينا إمّا بوصيّة الميّت أو غيرها،

قضاه؛ لأنّ الدّين خارج عن ملك الورثة، فيجب إيصاله إلي مستحقّه.

ص: 51


1- المغني 610:6-611، الشرح الكبير 630:6-631.
2- المغني 611:6، الشرح الكبير 631:6.

و لو افتقر صاحب الدّين إلي اليمين، تولاّها الحاكم، فإذا ثبت الحقّ عند الحاكم دفعه الوصيّ.

و قال أحمد: إذا علم الوصيّ أنّ علي الميّت دينا إمّا بوصيّة أو غيرها لا يقضيه إلاّ ببيّنة، فان كان ابن الميّت يصدّقه يكون ذلك في حصّة من أقرّ بقدر حصّته(1).

و قال في من استودع رجلا ألف درهم و قال: إن أنا متّ فادفعها إلي ابني الكبير، و له ابنان، أو قال: ادفعها إلي أجنبيّ، فقال: إن دفعها إلي أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصّته، و إن دفعها إلي الآخر ضمن(2).

إذا عرفت هذا، فلو أقرّ الوصيّ أو المستودع بالمال في يده و ادّعي ابن الميّت أو المودع له بالدفع إلي من عيّنه، لم يقبل منه، و ضمن للوارث.

نعم، لو لم يعلم الورثة، جاز له فعل ما قلناه.

و لو ادّعي المقرّ له علي الوصيّ و أحضره يستحلف عند الحاكم أنّ ما له في يديه حقّ لم يجز له الحلف و يعلم القاضي بالحال، فإن أعطاه الحاكم فهو أعلم.

و لو ادّعي رجل دينا علي الميّت و أقام بيّنة، لم يجز للوصيّ قبولها و قضاء الدّين بها من غير حضور حاكم، و لو صدّقهم الورثة جاز، لأنّه إقرار منهم علي أنفسهم.

مسألة 321: من مات بغير وصيّة تولّي أمره الحاكم،

فإن لم يكن في البلد حاكم و لا أمكن البعث إليه إلي بلد آخر، جاز للفقيه المأمون من الإماميّة الجامع لشرائط الإفتاء النظر في ماله و أطفاله، فإن تعذّر جاز لبعض

ص: 52


1- المغني 611:6، الشرح الكبير 631:6-632.
2- المغني 611:6، الشرح الكبير 632:6.

المؤمنين ذلك، فيبيع ما يري بيعه صلاحا - و به قال أحمد(1) - لأنّ في ذلك إعانة علي البرّ و التقوي.

و لرواية سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصيّة و له خدم و مماليك و عقد(2) كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث ؟ قال: «إن قام رجل ثقة فقاسمهم ذلك كلّه فلا بأس»(3).

و عن إسماعيل بن سعد قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصيّة و ترك أولادا ذكرانا و غلمانا صغارا و ترك جواري [و] مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري ؟ قال: «نعم»(4).

مسألة 322: لو بلغ الطفل رشيدا،

دفع الوصيّ إليه ماله، فإن امتنع الطفل من أخذه أجبره الحاكم علي ذلك لإبراء ذمّة الوصيّ من الاستيداع.

و لما رواه سعد بن إسماعيل عن أبيه قال: سألت الرضا عليه السّلام عن وصيّ أيتام تدرك أيتامه فيعرض عليهم أن يأخذوا الذي لهم، فيأبون عليه، كيف يصنع ؟ قال: «يردّه عليهم، و يكرههم علي ذلك»(5).

مسألة 323: لو تعذّر الحاكم فنصب القاضي من قبل ولاة الجور

قيّما للأطفال الذين لا وصيّ لهم، و كان القيّم جامعا لشرائط التفويض إليه، جاز له النظر في مصالح الأطفال و بيع ما يري بيعه و غير ذلك من المصالح؛ لأنّ فيه إعانة علي البرّ و التقوي.

ص: 53


1- المغني 609:6، الشرح الكبير 630:6.
2- «عقد» جمع «عقدة» أي: الضيعة. المحيط في اللغة 151:1، القاموس المحيط 316:1 «عقد».
3- الكافي 3/67:7، الفقيه 563/161:4، التهذيب 929/240:9.
4- الكافي 1/66:7، التهذيب 927/239:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
5- الكافي 1/68:7، التهذيب 930/240:9.

و لما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع - في الصحيح - قال: إنّ رجلا من أصحابنا مات و لم يوص، فرفع أمره إلي قاضي الكوفة، فصيّر عبد الحميد بن سالم القيّم بماله، و كان رجلا خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهنّ - و لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة، و كان قيامه بها بأمر القاضي - لأنّهنّ فروج، قال محمّد: قد ذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام، فقلت: جعلت فداك، يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلي أحد و خلّف جواري فيقيم القاضي رجلا منّا لبيعهنّ، أو قال: يقوم بذلك رجل منّا، فيضعف قلبه؛ لأنّهنّ فروج، فما تري في ذلك ؟ فقال: «إذا كان القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس»(1).

مسألة 324: لو اتّجر الوصيّ بمال الصبي لنفسه،

كان ضامنا للمال؛ لأنّه ممنوع من التصرّف في ماله إلاّ بما فيه مصلحة اليتيم، و ليس ذلك من مصلحته.

و لما رواه إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن مال اليتيم هل للوصيّ أن يعيّنه(2) أو يتّجر فيه ؟ قال: «إن فعل فهو ضامن»(3).

و لو اتّجر للصبي مع المصلحة، جاز؛ لأنّه إحسان، و بالجملة لا يجوز له التغرير بمال الطفل.

مسألة 325: يجوز الدخول في الوصيّة،

بل يستحبّ، بل قد يجب

ص: 54


1- التهذيب 240:9-932/241.
2- أي: يعطيه بالعينة، و هي الاشتراء منه سلفا أو إقراضه.
3- التهذيب 933/241:9.

علي الكفاية؛ لأنّ الإيصاء واجب.

قال الصادق عليه السّلام: «الوصيّة حقّ علي كلّ مسلم»(1).

و أوصت فاطمة عليها السّلام إلي أمير المؤمنين عليه السّلام، و بعده إلي ولديها الحسن و الحسين عليهما السّلام(2).

و إذا وجب الإيصاء فلا بدّ من محلّ له و من يجب عليه العمل بالوصيّة، و إلاّ لم يكن مفيدا.

و دخل كثير من الصحابة في وصايا بعضهم لبعض(3).

و لأنّها وكالة و أمانة، فأشبهت الوديعة و الوكالة في الحياة.

و قياس مذهب أحمد: أنّ ترك الدخول فيها أولي؛ لما فيها من الخطر(4).

مسألة 326: يجوز أن يجعل للوصيّ جعلا؛ لأنّها بمنزلة الوكالة،

و الوكالة تجوز بجعل، و كذلك الوصيّة.

و لو لم يجعل الموصي له جعلا و تولّي أمورهم و قام بمصالحهم، كان له أن يأخذ أجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة و لا نقصان، فإن نقص نفسه كان له في ذلك فضل و ثواب، و إن لم يفعل كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أجرة المثل، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها علي كلّ حال.

و ينبغي للوصيّ إذا كان غنيّا عن أخذ شيء من أموال الأطفال ترك

ص: 55


1- الكافي 4/3:7، الفقيه 462/134:4، التهذيب 702/172:9.
2- تقدّم تخريجه في ص 17، الهامش (1).
3- كما في المغني 609:6، و الشرح الكبير 629:6.
4- كما في المغني 609:6، و الشرح الكبير 630:6.

التعرّض للأخذ؛ لقوله تعالي: وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ (1) و ليس ذلك واجبا.

و قال بعض علمائنا: يجوز للوصيّ أن يأكل من أموال الأطفال قدر كفايته مع حاجته، و ليس له ذلك مع الاستغناء(2) ؛ لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل - و أنا حاضر - عن القيّم لليتامي في الشراء لهم و البيع فيما يصلحهم أله أن يأكل من أموالهم ؟ فقال:

«لا بأس أن يأكل من أموالهم بالمعروف، كما قال اللّه تعالي في كتابه:

وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (3) هو القوت، و إنّما عني فليأكل بالمعروف الوصيّ لهم و القيّم في أموالهم ما يصلحهم»(4).

مسألة 327: ينبغي للمتولّي للنفقة علي اليتامي أن يكتب علي كلّ واحد منهم

ما يلزمه عليه من كسوته بقدر ما يحتاج إليه، فأمّا المأكول و المشروب فيجوز أن يسوّي بينهم، و متي أراد مخالطتهم بنفسه و أولاده جعله كواحد من أولاده، و ينفق من ماله بقدر ما ينفق من مال نفسه، و لا يفضّله في ذلك علي نفسه و أولاده، بل يفضّل نفسه عليه؛ للآية(5).

ص: 56


1- سورة النساء: 6.
2- الشيخ الطوسي في النهاية: 361، و ابن إدريس في السرائر 211:2.
3- سورة النساء: 6.
4- التهذيب 244:9-949/245.
5- سورة النساء: 6.

المقصد الثاني: في بقايا مباحث الوصايا

اشارة

و هي أربعة:

البحث الأوّل: في الرجوع عن الوصيّة.

مسألة 328: قد بيّنّا أنّ الوصيّة عقد جائز من الطرفين،

فللموصي الرجوع في وصيّته، سواء كانت الوصيّة بمال أو منفعة أو ولاية بلا خلاف بين علمائنا في ذلك؛ لأنّها عطيّة تتنجّز بالموت، فكان له الرجوع عنها قبل تنجّزها.

و لما رواه عبيد اللّه بن زرارة(1) - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«للموصي أن يرجع في وصيّته إن كان في صحّة أو مرض»(2).

و يصحّ الرجوع لفظا و فعلا.

فاللفظ مثل: أن يقول: رجعت في وصيّتي، أو أبطلتها، أو فسختها، أو رددتها، أو رفعتها، أو غيّرتها، أو نزلت عنها، أو لا تعملوا بها، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو في ميراثي؛ لأنّه لا يكون للوارث إلاّ إذا انقطع تعلّق الموصي له عنه.

و الفعل بفعل ما ينافي الوصيّة، مثل: أن يوصي بطعام فيأكله أو يتلفه أو يهبه و يقبضه أو يتصدّق به أو يبيعه أو يرهنه أو يوصي ببيعه أو يفصّله و يلبسه إن كان ثوبا، أو يحبلها إن كانت جارية، و هو قول جمهور

ص: 57


1- في المصادر: «عبيد بن زرارة».
2- الكافي 12:7 (باب الرجل يوصي بوصيّة...) ح 1، الفقيه 509/147:4، التهذيب 189:9-760/190.

العلماء(1).

و نقل ابن المنذر عن أصحاب الرأي أنّ بيعه ليس برجوع؛ لأنّه أخذ بدله، فيخالف الهبة(2).

و الحقّ خلافه، لأنّه أزال ملكه عنه، فكان رجوعا، كما لو وهبه.

و لو عرضه علي البيع أو وصّي ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها المتّهب أو كاتبه أو أوصي بإعتاقه أو دبّره، كان ذلك رجوعا أيضا؛ لأنّه يدلّ علي اختياره للرجوع بعرضه علي البيع و إيجابه للهبة و وصيّته ببيعه أو بإعتاقه؛ لأنّه وصّي بما ينافي الوصيّة الأولي، و الكتابة كالبيع، و التدبير أقوي من الوصيّة؛ لأنّه يتنجّز بالموت، فسبق أخذ الموصي له.

و للشافعيّة في الرهن وجهان:

أحدهما: كما قلناه؛ لأنّه علّق به حقّا أوجب بيعه فيه، فكان ذلك أكبر من عرضه علي البيع.

و الثاني: لا يكون رجوعا؛ لأنّ الرهن لا يزيل الملك، و إنّما هو نوع انتفاع، كالاستخدام(3).

و الكتابة رجوع.

و لهم في التدبير قولان:

أحدهما: إنّ التدبير أقوي من غيره من الوصايا؛ لأنّه يتنجّز بالموت، و لأنّه لا يحتاج إلي القبول، و الوصيّة تحتاج إليه، فكان رجوعا عن غيره.6.

ص: 58


1- المغني 519:6، الشرح الكبير 487:6.
2- المغني 519:6، الشرح الكبير 487:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 469:1، نهاية المطلب 330:11، الوجيز 281:1، الوسيط 478:4، حلية العلماء 133:6، البيان 272:8، العزيز شرح الوجيز 7: 259، روضة الطالبين 267:5، المغني 519:6، الشرح الكبير 487:6.

و الثاني: إن قلنا: إنّه وصيّة، فهو كما لو أوصي بماله لزيد ثمّ أوصي به لعمرو، فيصير نصفه مدبّرا(1).

مسألة 329: لو قال: هو لوارثي،

أو ميراث عنّي، فقد بيّنّا أنّه رجوع.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يكون رجوعا؛ لأنّه لو أوصي بشيء لزيد ثمّ أوصي به لعمرو، لم يكن رجوعا، بل يشرّك بينهما، فكذا يقدّر التشريك هنا أيضا، و يبطل نصف الوصيّة(2).

لكنّا نمنع حكم الأصل.

و لو قال: هو تركتي، فوجهان للشافعيّة:

أحدهما: أنّه رجوع؛ إذ التركة للورثة.

و أظهرهما: لا، فالوصيّة من التركة(3).

و لو قال: هو حرام علي الموصي له، فهو رجوع، كما لو حرّم طعامه علي غيره لم يكن له أكله.

و لو سئل عن الوصيّة فأنكرها، كان رجوعا، علي اشكال ينشأ من أنّه عقد فلا يبطل بجحده، كغيره من العقود، و من دلالته علي أنّه لا يريد إيصاله إلي الموصي له.

و قال الشافعي: يكون رجوعا، كما لو جحد الوكالة(4).

ص: 59


1- العزيز شرح الوجيز 259:7، روضة الطالبين 267:5.
2- العزيز شرح الوجيز 258:7.
3- الحاوي الكبير 318:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، الوجيز 281:1، الوسيط 477:4، التهذيب - للبغوي - 100:5، البيان 271:8، العزيز شرح الوجيز 258:7، روضة الطالبين 267:5.
4- الحاوي الكبير 318:8، نهاية المطلب 328:11-329، حلية العلماء 6: 142، العزيز شرح الوجيز 257:7، روضة الطالبين 267:5.

و عن أبي حنيفة روايتان(1).

و لو قال: لا أدري، لم يكن رجوعا، خلافا لأبي حنيفة(2).

مسألة 330: كما يصحّ الرجوع عن جميع الوصيّة يجوز عن بعضها،

سواء كانت بولاية أو بمال أو بمنفعة، فلو أوصي بعبد ثمّ رجع عن نصفه، كان النصف للوارث، و النصف للموصي له، و كذا لو أوصي له بسكني دار سنة ثمّ رجع في نصف المدّة أو في نصف الدار أو فيهما معا، أو أوصي إلي زيد و عمرو ثمّ رجع عن وصيّة زيد، بقي عمرو وصيّا في الجميع، و كذا لو أوصي إلي زيد بالتصرّف في جميع تركته ثمّ عزله عن النصف.

و لا خلاف في ذلك كلّه، إلاّ في الوصيّة بالإعتاق، فإنّ الأكثر علي جواز الرجوع به أيضا(3) - و به قال علماؤنا و عطاء و جابر بن زيد و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور(4) - لما رواه العامّة عن عمر أنّه قال: يغيّر الرجل ما شاء من وصيّته(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لصاحب الوصيّة أن يرجع فيها، و يحدث في وصيّته ما دام حيّا»(6).

ص: 60


1- مختصر القدوري: 243، المبسوط - للسرخسي - 163:27، تحفة الفقهاء 3: 224، الفتاوي الولوالجيّة 366:5، الفقه النافع 1185/1418:3، الهداية - للمرغيناني - 236:4، الاختيار لتعليل المختار 92:5-93، المغني 521:6، الشرح الكبير 487:6-488.
2- نهاية المطلب 329:11، العزيز شرح الوجيز 257:7.
3- كما في المغني 518:6، و الشرح الكبير 484:6.
4- المغني 518:6، الشرح الكبير 484:6، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 259:7، و روضة الطالبين 267:5.
5- السنن الكبري - للبيهقي - 281:6، التهذيب - للبغوي - 100:5، المغني 6: 518، الشرح الكبير 484:6.
6- الكافي 2/12:7، الفقيه 508/147:4، التهذيب 761/190:9.

و عن زين العابدين عليه السّلام قال: «للرجل أن يغيّر من وصيّته، فيعتق من كان أمر بملكه، و يملك من كان أمر بعتقه، و يعطي من كان حرّمه، و يحرّم من كان أعطاه ما لم يمت و يرجع فيه»(1).

و لأنّها وصيّة فملك الرجوع عنها، كالوصيّة بغير العتق.

و قال الشعبي و ابن سيرين و ابن شبرمة و النخعي: يغيّر ما شاء، إلاّ العتق؛ لأنّه إعتاق بعد الموت، فلم يملك تغييره، كالتدبير(2).

و نمنع حكم الأصل؛ فإنّ التدبير يجوز الرجوع فيه عندنا؛ لأنّ معاوية ابن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن المدبّر، فقال: «بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها»(3).

و من منع الرجوع في التدبير من العامّة فرّق بأنّ التدبير عتق معلّق علي شرط، فلم يملك تغييره، كتعليقه علي صفة في الحياة(4).

مسألة 331: يجوز الرجوع في كلّ تبرّع معلّق بالموت،

كقوله: إذا متّ فلفلان كذا، أو: فأعطوه كذا، أو فادفعوا إليه، أو فأعتقوا عبدي، أو فهو وقف.

و في الرجوع عن التدبير صريحا خلاف بين العامّة، و قد بيّنّا جواز الرجوع عندنا.

و يدلّ عليه مع ما تقدّم(5) رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال:

«المدبّر مملوك، و لمولاه أن يرجع في تدبيره، إن شاء باعه، و إن شاء

ص: 61


1- الكافي 4/13:7، التهذيب 763/190:9.
2- المغني 518:6، الشرح الكبير 484:6.
3- الكافي 4/23:7، التهذيب 884/225:9، الاستبصار 103/30:4.
4- المغني 519:6، الشرح الكبير 484:6.
5- آنفا من رواية معاوية بن عمّار.

وهبه، و إن شاء أمهره» قال: «و إن تركه سيّده علي التدبير و لم يحدث فيه حدثا حتي يموت سيّده فإنّ المدبّر حرّ إذا مات سيّده، و هو من الثّلث، إنّما هو بمنزلة رجل أوصي بوصيّة ثمّ بدا له بعد فغيّرها قبل موته، و إن كان هو تركها و لم يغيّرها حتي يموت أخذ بها»(1).

و أمّا التبرّعات المنجّزة في المرض فلا رجوع فيها و إن كانت في الاعتبار من الثّلث، كالمعلّقة بالموت.

مسألة 332: إزالة الملك عن الموصي به إمّا ببيع أو إصداق أو إعتاق

أو جعله أجرة في إجارة أو عوضا في خلع رجوع عن الوصيّة قطعا؛ لأنّه نافذ التصرّف فيه، لمصادفة خالص ملكه، و لهذا لو باع جميع تركته بثمن المثل لوارث أو لأجنبيّ نفذ البيع، و لم يكن للورثة اعتراض إلاّ بطلب الثمن.

و لو صرفه في مصالحه، كدواء و مشروب و ملبوس و غير ذلك، لم يكن للورثة اعتراض علي المشتري، و الوصيّة تمليك عند الموت، فإذا خرج عن ملكه قبل موته، لم يبق ما تنفذ الوصيّة فيه، فتبطل، كما لو هلك الموصي به.

و أمّا الهبة فإن قبضت تضمّنت الرجوع، و به قال الشافعي(2) ، و بدون القبض للشافعي وجهان، أصحّهما: أنّها رجوع - و هو الذي اخترناه - لظهور قصد صرف الوصايا عن الموصي له(3).

ص: 62


1- الكافي 184:6-7/185، التهذيب 942/259:8، الاستبصار 102/30:4.
2- الحاوي الكبير 313:8، المهذّب - للشيرازي - 469:1، الوسيط 477:4، حلية العلماء 133:6، التهذيب - للبغوي - 100:5، العزيز شرح الوجيز 7: 259، روضة الطالبين 267:5.
3- الحاوي الكبير 133:8، المهذّب - للشيرازي 469:1، الوسيط 478:4، -

و للشافعيّة وجه في أنّه لو أوصي بالبيع أو غيره ممّا هو رجوع أنّه لا يكون رجوعا، كما لو أوصي لزيد ثمّ أوصي لعمرو؛ لأنّ كليهما وصيّة فتقتضي التشريك، فعلي هذا إذا أوصي بعبد لزيد ثمّ أوصي بعتقه، فعلي الأوّل يعتق، و تبطل الوصيّة الأولي - و هو الذي ذهبنا إليه - و علي الثاني يعتق نصفه، و يدفع إلي الموصي له نصفه(1).

و لو أوصي بعتقه ثمّ أوصي به لإنسان، فالذي نذهب إليه أنّ وصيّة العتق تبطل، و تصحّ الوصيّة به لغيره.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يصحّ العتق، و تبطل الوصيّة الثانية.

و الثاني: التنصيف(2).

مسألة 333: إذا أوصي بوصيّة ثمّ أوصي بأخري مضادّة لها،

فإن دلّ لفظه علي الرجوع أو قصده، كان رجوعا، مثل أن يقول: ما أوصيت به لزيد فهو لبكر، فيحكم به لبكر إجماعا؛ لأنّه صرّح بالرجوع بقوله: إنّ ما أوصي لزيد مردود إلي بكر، فأشبه قوله: رجعت عن وصيّتي.

و لو قال: أوصيت لزيد بهذا العبد، ثمّ قال: أوصيت لبكر بهذا العبد المعيّن، فإن قصد الرجوع فهو للأخير، و إن قصد التشريك فهو بينهما.

و لو أطلق و لم يعلم قصد التشريك و لا الرجوع، حمل علي الرجوع؛ لأنّه المتعارف، و لأنّه وصّي للثاني بما وصّي به للأوّل، فكان رجوعا، كما لو قال: ما وصّيت به لزيد فهو لبكر، و به قال جابر بن زيد و الحسن و عطاء

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 259:7، روضة الطالبين 267:5.
2- العزيز شرح الوجيز 259:7، روضة الطالبين 267:5.

و طاوس و داود(1).

و قال ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي: إنّه يحمل علي التشريك؛ لأنّه أوصي لهما فاستويا، كما لو قال: أوصيت لكما(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه هنا قصد التشريك.

و لو قال: وصّيت بثلثي لزيد ثمّ قال: وصّيت بثلثي لبكر، فإن قصد الثّلث الموصي به أوّلا فهو رجوع عن الوصيّة الأولي، و يكون الثّلث للأخير، و إن قصد ثلثا آخر بطلت الوصيّة الثانية، و إن قصد في الأوّل التشريك كان بينهما.

و لو لم يمكن الجمع بين الوصيّتين بحكم شرعيّ، و ذلك بأن يوصي بأكثر من الثّلث في وصايا متعدّدة، فإنّ النقص يدخل علي الأخير، فلو أوصي بجارية لزيد و بعبد لعمرو و قصر الثّلث عنهما، دخل النقص علي الأخير؛ لأنّه لم يقصد الرجوع عن الأولي، بل قصد إعطاءهما معا، لكن الشرع منع من الزيادة علي الثّلث و حكم بأن يبدأ بالأوّل فالأوّل، فإن كان الثّلث بقدر الوصيّة الأولي بطلت الوصيّة الثانية بجملتها، و إن قصر عنها6.

ص: 64


1- المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6، الحاوي الكبير 309:8، حلية العلماء 133:6، البيان 271:8، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2067/1011:2.
2- المدوّنة الكبري 69:6، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2067/1011:2، الأم 118:4، مختصر المزني: 145، الحاوي الكبير 309:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، نهاية المطلب 332:11، الوجيز 281:1، الوسيط 4: 477، حلية العلماء 133:6، التهذيب - للبغوي - 101:5، البيان 271:8، العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5، المبسوط - للسرخسي - 163:27، تحفة الفقهاء 224:3، الهداية - للمرغيناني - 236:4، الاختيار لتعليل المختار 93:5، المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6.

فكذلك يبطل من الأولي ما زاد علي الثّلث، و إن فضل عنها كان للثاني بقدر الفاضل.

مسألة 334: لو وصّي بعبده لزيد ثمّ وصّي لبكر بثلث ذلك العبد،

فإن قصد الرجوع كان لزيد ثلثاه، و لبكر ثلثه، و إن قصد التشريك قسّم بينهما أرباعا.

و لو وصّي بعبده لاثنين، فردّ أحدهما وصيّته، فللآخر نصفه.

و لو وصّي لاثنين بثلثي ماله، فردّ الورثة ذلك و ردّ أحد الوصيّين وصيّته، فللآخر الثّلث كاملا؛ لأنّه وصّي له به منفردا و زال التزاحم، فيكمل له، كما لو لم يوجد مزاحم.

و لو قال: ما أوصيت به لفلان فنصفه لفلان أو ثلثه، كان رجوعا في القدر الذي وصّي به للثاني خاصّة، و باقيه للأوّل.

مسألة 335: التوكيل بالتصرّفات المزيلة للملك كالوصيّة بها،

فلو وكّله في بيع العبد الموصي به فهو كالوصيّة بذلك العبد.

و إذا أوصي بجارية ثمّ استولدها، فهو رجوع عن الوصيّة؛ لخروجها عن قبول النقل، و كذا لو أحبلها بلا خلاف.

و لو أوصي بعبد ثمّ أقرّ بأنّه مغصوب، أو حرّ الأصل، أو أنّه كان قد أعتقه، بطلت الوصيّة.

و لو باعه ثمّ فسخ البيع بخيار المجلس، فهو رجوع.

و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا: إنّ الملك يزول بنفس العقد، فهو رجوع، و إن قلنا بانقضاء الخيار، فلا(1).

ص: 65


1- العزيز شرح الوجيز 259:7، روضة الطالبين 267:5.

و هو غلط؛ لأنّ البيع أقوي من الرهن و من الهبة قبل القبض، و [الظاهر](1) عندهم: أنّهما رجوع(2) ، فهنا أولي.

و لو ردّه المشتري بعيب، فإنّ الوصيّة لا تعود إلي الموصي له.

و لو نذر عتقه، فالأقرب: أنّه رجوع.

و لو علّق عتقه، لم يصح عندنا.

و عند الشافعيّة يصحّ، و يكون رجوعا؛ لتنجّزه(3).

و قال بعضهم: لا يكون رجوعا(4).

و لو وصّي بعبده لواحد ثمّ وصّي به لآخر، فقد قلنا: إنّه يكون رجوعا، و إن قصد التشريك فهو بينهما، فإن ردّ أحدهما فهو للآخر، و يحتمل نصفه.

و لو وصّي به لواحد ثمّ وصّي لآخر بنصفه، فهو رجوع في النصف، فيكون العبد بينهما، و إن قصد التشريك فثلثاه للأوّل، و ثلثه للثاني، فإن ردّ الأوّل فنصفه للثاني، و يحتمل أن يكون له ثلثه، و إن ردّ الثاني فكلّه للأوّل، و يحتمل ثلثاه.

و الأصل فيه: أنّ اللفظ إن اقتضي التشريك، فالبناء علي الاحتمال؛ لأنّ المشهور غيره، فيوجّه بأنّه لمّا أوصي لهذا بعد ما أوصي به لذاك فكأنّه أراد أن يشرّك بينهما؛ لأنّه ملّك كلّ واحد منهما جميع العبد في الصورة الأولي عند الموت، و لا يمكن أن يكون جميعه لكلّ واحد منهما، فيتضاربان فيه.5.

ص: 66


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ظاهر». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5.
3- العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5.
4- العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5.

و كذا لو أوصي بجميع ماله لزيد ثمّ أوصي بجميعه أو بثلثه لعمرو و لم يقصد الرجوع، فإنّهما يتضاربان.

و لو وصّي به لزيد، ثمّ قال: بيعوه و اصرفوا ثمنه إلي الفقراء، فهو رجوع.

و لو أوصي ببيعه و صرف ثمنه إلي الفقراء، ثمّ قال: بيعوه و اصرفوا ثمنه إلي الرقاب، فالوجه: أنّه رجوع؛ للتضادّ بينهما.

و قال بعض الشافعيّة: يجعل الثمن بين الجهتين؛ لأنّ الوصيّتين اتّفقتا علي البيع، و إنّما الزحمة في الثمن(1).

و لو أوصي بدار لزيد أو بخاتم ثمّ أوصي بأبنية الدار أو بفصّ الخاتم لآخر، فهو رجوع في الأبنية و الفصّ، فيكون الدار و الخاتم للأوّل، و الأبنية و الفصّ للثاني.

و قال بعض الشافعيّة: يكون للأوّل الدار و الخاتم، و يكون الأبنية و الفصّ بينهما؛ تفريعا علي التشريك(2).

و لو أوصي لزيد بدار ثمّ أوصي لآخر بسكناها، أو أوصي له بعبد ثمّ أوصي لآخر بخدمته، فالرقبة للأوّل، و المنفعة للثاني؛ لأنّه رجع بها عن الأوّل، و لو قصد التشريك تشاركا في المنفعة.

هذا كلّه في الوصيّة الواردة علي مال معيّن، فأمّا إذا أوصي بثلث ماله ثمّ تصرّف في جميع ما يملكه ببيع أو عتق أو غيرهما، لا يكون رجوعا.

و لو هلك جميع ماله، لا تبطل الوصيّة؛ لأنّ ثلث المال مطلقا5.

ص: 67


1- نهاية المطلب 335:11، العزيز شرح الوجيز 261:7، روضة الطالبين 5: 269.
2- العزيز شرح الوجيز 261:7، روضة الطالبين 269:5.

لا يختصّ بما عنده من المال حال الوصيّة، بل المعتبر ما يملكه عند الموت، زاد أو نقص أو تبدّل.

مسألة 336: التوسّل إلي الأمر الذي يحصل به الرجوع هل يكون رجوعا؟

و ذلك كالعرض علي البيع و التوكيل فيه، الأظهر: أنّه رجوع، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و كذا العرض علي الهبة.

أمّا تزويج العبد أو الأمة الموصي بهما أو إجارتهما أو تعليمهما فليس رجوعا، و كذا الإعارة و الإذن في التجارة و الاستخدام و ركوب الدابّة و لبس الثوب؛ لأنّ هذه التصرّفات لا دلالة لها علي الرجوع، بل هي إمّا انتفاع و له المنفعة و الرقبة قبل الموت، و إمّا استصلاح محض، و ربما قصد به إفادة الموصي له.

أمّا لو وطئ الجارية الموصي بها مع العزل، فليس برجوع، كالاستخدام، إلاّ أن يتّفق الحبل، فتبطل الوصيّة ما دام الولد حيّا قبل موت الموصي، و لو مات الولد أوّلا احتمل بقاء الوصيّة.

و لو لم يعزل، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه رجوع؛ لأنّ الظاهر أنّه أراد الاستيلاد و التسرّي، فكان كالعرض علي البيع.

و الثاني: أنّه لا يكون رجوعا، و لا اعتبار بالعزل و تركه، فقد ينزل

ص: 68


1- الحاوي الكبير 312:8، المهذّب - للشيرازي - 469:1، نهاية المطلب 11: 330، الوجيز 281:1، الوسيط 478:4، حلية العلماء 133:6، التهذيب - للبغوي - 100:5، البيان 272:8، العزيز شرح الوجيز 262:7، روضة الطالبين 269:5.

و لا تحبل، و قد يعزل فيسبق الماء(1).

مسألة 337: لو أوصي بمنفعة عبده أو داره سنة ثمّ آجر الموصي به سنة،

فإن مات بعد انقضاء مدّة الإجارة مضت الإجارة بحالها.

و إن مات قبله، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه إن انقضت مدّة الإجارة قبل انقضاء سنة من يوم الموت فمنفعة باقي السنة للموصي له، و تبطل الوصيّة فيما مضي، و إن انقضت بعد انقضاء سنة من يوم الموت بطلت الوصيّة؛ لأنّ المستحقّ للموصي له منفعة السنة الأولي، فإذا انصرفت منفعتها إلي جهة أخري بطلت الوصيّة.

و الثاني: أنّه يستأنف للموصي له سنة من انقضاء مدّة الإجارة؛ لأنّ الوصيّة بمنفعة سنة، و إنّما تصرف إليه السنة الأولي مبادرة إلي توفية الحقّ، فإذا منع منه مانع تداركنا بسنة أخري(2).

و لو كان الموصي قد قيّد الوصيّة بالسنة الأولي، بطل الوجه الثاني.

و لو لم يسلّم الوارث بلا عذر، فعلي الأوّل يغرم قيمة المنفعة، و علي الثاني يسلّم سنة أخري.

مسألة 338: إبطال اسم الموصي به فسخ للوصيّة،

فلو أوصي لزيد بحنطة فطحنها الموصي، أو اتّخذ منها سويقا أو بذرها، أو أوصي له بدقيق فعجنه، بطلت الوصيّة؛ لأنّه بفعله ذلك قد رجع عن وصيّته؛ لأنّ اسم الموصي به قد بطل قبل استحقاق الموصي له، و كانت الوصيّة متعلّقة بذلك الاسم، فإذا بطل بطل الاستحقاق.

ص: 69


1- نهاية المطلب 336:11، البيان 273:8، العزيز شرح الوجيز 262:7، روضة الطالبين 271:5-272.
2- العزيز شرح الوجيز 263:7، روضة الطالبين 271:5.

و لأنّ الوصيّة تملك بعد الموت، فلو كان علي قصده الأوّل لاستدام الموصي به، و هذه التصرّفات مشعرة بالصرف عنه، فإنّ طحن الحنطة و عجن الدقيق يراد للأكل و الاستهلاك.

أمّا لو أشار إلي حنطة أو دقيق، فقال: أوصيت بهذا، أو قال:

أوصيت بما في البيت، ففي بطلان الوصيّة بالطحن و العجن إشكال، أقربه:

العدم؛ إذ لا اسم تعلّقت الوصيّة به هنا.

و لو حصل الطحن أو العجن من غير إذن الموصي، فالأقرب: بقاء الوصيّة.

و لو أوصي بشاة فذبحها أو بعجين فخبزه، فالوجه: أنّه لا يكون رجوعا؛ لأنّ العجين يفسد لو ترك، فيحتمل أن يكون الموصي قصد بخبزه إصلاحه و حفظه علي الموصي له لا الرجوع.

و كذا لو أوصي بجلد فدبغه أو بيض فأحضنه، يحتمل الرجوع، و عدمه؛ لبقاء الاسم في الدبغ و البيض في الإحضان إذا لم يفرخ.

مسألة 339: لو أوصي له بخبز فجعله فتيتا،

احتمل أن يكون رجوعا؛ لما فيه من الإشعار بالصرف عن الوصيّة، فإنّ الخبز يفتّ و يدقّ ليؤكل، و عدمه؛ لبقاء الاسم عليه، فيقال: خبز مدقوق، و كذا لو ثرده، لكن احتمال البطلان هنا أقوي.

و كذا يجري الاحتمالان فيما لو أوصي له بلحم فقدّده، إمّا لبقاء الاسم، أو لافتقار بقائه إلي قيد، فيقال: لحم قديد.

و لو طبخه أو شواه، فأقوي الاحتمالين: أنّه يكون رجوعا.

و كذا لو أوصي له برطب فتمّره؛ لزوال اسم الرطب عنه بفعله، لكنّه فعل ذلك صيانة له عن الفساد، فلا يدلّ علي تغيّر قصد الوصيّة.

ص: 70

و كلا الوجهين للشافعيّة في هذه الصّور بأسرها(1).

و لو أوصي له بقطن فغزله، أو بغزل فنسجه، فهو رجوع، و به قال الشافعي(2).

و قال بعض أصحابه في نسج الغزل: إنّه [ليس برجوع](3).

و الأقوي: أنّ جعل القطن حشوا لفراش أو جبّة رجوع و إن بقي الاسم؛ لأنّه جعله بقصد الصرف عن الوصيّة.

و فيه احتمال.

مسألة 340: لو أوصي بدار فهدمها حتي بطل اسم الدار عنها،

فالأقوي: أنّه رجوع في الأخشاب و الأنقاض، علي إشكال، و كذا في العرصة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الوصيّة باقية في العرصة؛ لأنّ الهدم ورد علي الأبنية دون العرصة(4).

أمّا لو انهدمت، فالأقوي: عدم الرجوع.

و للشافعيّة في النّقض وجهان:

ص: 71


1- الحاوي الكبير 316:8، المهذّب - للشيرازي - 469:1، نهاية المطلب 11: 336، الوجيز 282:1، الوسيط 480:4، حلية العلماء 137:6 و 138، التهذيب - للبغوي - 101:5، البيان 274:8، العزيز شرح الوجيز 264:7 - 265، روضة الطالبين 270:5.
2- الحاوي الكبير 316:8، المهذّب - للشيرازي - 469:1، الوجيز 282:1، الوسيط 479:4، التهذيب - للبغوي - 101:5، البيان 274:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الطبعة الحجريّة: «رجوع». و المثبت يقتضيه السياق و كذا ما في المصادر، ينظر: الوجيز 282:1، و العزيز شرح الوجيز 265:7، و روضة الطالبين 270:5.
4- العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.

أصحّهما: بطلان الوصيّة فيه؛ لزوال اسم الدار.

و الثاني: بقاؤها؛ لأنّه لم يوجد منه فعل و لا تصرّف(1).

و أمّا العرصة فتبقي الوصيّة فيها.

و لهم وجه فيها أيضا(2).

و لو كان الانهدام لا يبطل اسم الدار، لم تبطل الوصيّة فيما بقي بحاله.

و في النّقض للشافعيّة وجهان(3).

و علي تقدير بطلان الوصيّة في النّقض مع الانهدام لو فرض الانهدام بعد الموت و قبل القبول فهي للموصي له؛ لاستقرار الوصيّة بالموت، و كان اسم الدار باقيا حينئذ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

مسألة 341: لو أوصي بعرصة فزرعها،

لم يكن رجوعا؛ لأنّه كلبس الثوب.

و لو بني فيها أو غرس، احتمل أن يكون رجوعا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ القصد بذلك الدوام، فيشعر بأنّه قصد إبقاءها لنفسه، و أبطل قصده الأوّل، و الثاني: أنّه لا يكون رجوعا(6) ، فموضع البناء

ص: 72


1- البيان 275:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 469:1، حلية العلماء 140:6، البيان 275:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 469:1، حلية العلماء 139:6-140، البيان 8: 275، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.
4- العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 270:5.
5- المهذّب - للشيرازي - 469:1، الوجيز 282:1، الوسيط 481:4، حلية العلماء 140:6، التهذيب - للبغوي - 102:5، البيان 276:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 272:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 469:1، الوجيز 282:1، الوسيط 481:4، حلية العلماء 140:6، التهذيب - للبغوي - 102:5، البيان 276:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 272:5.

و الغراس كالبياض المتخلّل حتي يأخذه الموصي له مع زوال البناء و الغراس يوما، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الوصيّة تبطل فيه، و يصير تبعا للبناء(1).

و عمارة الدار ليس رجوعا، علي إشكال، لكن لو بطل الاسم بأن جعلها خانا أو غيره ممّا لا يبقي اسم الدار معه كان رجوعا.

و لو لم يبطل الاسم لكن أحدث فيها بناء و بابا من عنده، فوجهان، كما لو بني في الأرض، فإن لم نجعله رجوعا، فالبناء الجديد لا يدخل في الوصيّة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يدخل؛ لأنّه صار من الدار(2).

مسألة 342: لو أوصي له بثوب فقطعه قميصا،

فالأقوي: أنّه رجوع.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو غسله، لم يكن رجوعا، كما لو علّم العبد.

و لو صبغه، فالأقوي: أنّه رجوع.

و لو قصره، فالأقوي ذلك أيضا.

و قالت الشافعيّة: في ذلك كلّه وجهان(4).

ص: 73


1- المهذّب - للشيرازي - 469:1-470، حلية العلماء 140:6، التهذيب - للبغوي - 102:5، البيان 276:8، العزيز شرح الوجيز 265:7، روضة الطالبين 272:5.
2- العزيز شرح الوجيز 265:7-266، روضة الطالبين 272:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 469:1، الوجيز 282:1، حلية العلماء 138:6، البيان 275:8، العزيز شرح الوجيز 266:7، روضة الطالبين 270:5.
4- الحاوي الكبير 316:8، حلية العلماء 137:6، التهذيب - للبغوي - 102:5، العزيز شرح الوجيز 266:7، روضة الطالبين 270:5.

و لو أوصي بثوب مقطوع فخاطه، لم يكن رجوعا، خلافا لأبي حنيفة(1).

و لو أوصي له بخشب فجعله بابا، فهو كالقميص المتّخذ من الثوب.

و لو أوصي له بمتاع، فنقله من بلد الموصي له إلي مكان بعيد، احتمل أن يكون رجوعا؛ لأنّه لو لم يقصد صرفه عنه لم يبعده عنه.

و الأقوي: المنع، إلاّ أن يشعر بقصده الرجوع.

و لو أركب غلامه الدابّة الموصي بها إلي بعيد، أو حمل عليها شيئا إلي مكان بعيد، لم يكن رجوعا.

مسألة 343: لو أوصي بصاع حنطة بعينه ثمّ خلطه بحنطة أخري،

كان رجوعا؛ لعدم إمكان التسليم إليه، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إن خلطها بأجود منها، فهو رجوع، و إن خلطها بمثلها أو بأردأ، لم يكن رجوعا؛ لأنّ خلطها بالأجود أحدث زيادة لم تتناولها الوصيّة، بخلاف ما لو مزجها بالمثل أو الأردأ(3).

و إن أوصي بصاع من صبرة ثمّ مزجها بغيرها، فإن كان بالمثل لم يكن رجوعا؛ لأنّ الموصي به هاهنا مختلط بغيره، فلا تضرّ زيادة الخليط، و لا يختلف به الغرض، و إن كان بالأجود فهو رجوع؛ لعدم تناول الوصيّة الزيادة، و لو خلط بالأردأ لم يكن رجوعا.

و للشافعيّة هنا وجهان(4).

ص: 74


1- نهاية المطلب 338:11، العزيز شرح الوجيز 266:7.
2- نهاية المطلب 338:11، التهذيب - للبغوي - 102:5، العزيز شرح الوجيز 7: 266، روضة الطالبين 271:5.
3- العزيز شرح الوجيز 266:7، روضة الطالبين 271:5.
4- الحاوي الكبير 317:8، المهذّب - للشيرازي - 469:1، نهاية المطلب 11: -

و لو اختلطت بالأجود بنفسها، فوجهان أقربهما: أنّه لا يكون رجوعا.

و علي القول ببقاء الوصيّة فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميّزة، فتدخل في الوصيّة.

و لو أوصي بصاع من حنطة و لم يعيّنه و لا وصف الحنطة، فلا أثر للخلط؛ لعدم التعيين، و يعطيه الوارث ما شاء من حنطة التركة.

و لو وصفها، أو قال: من حنطتي، فالوصف معتبر، فإن بطل الوصف بالخلط بطلت الوصيّة.

و لو قال: من حنطتي قفيزا، فباع نصفها، احتمل أن يعطي القفيز و نصفه.

و لو قال: أعطوه من مالي قفيز حنطة، فامتزجت، خلّصه الوارث.

تنبيه: لو أوصي بشيء معيّن ثمّ مزجه بغيره مزجا لا يرتفع التمييز، لم تبطل الوصيّة، و لا يكون رجوعا؛ لأنّه يمكنه تسليمه.

مسألة 344: إذا عدّد الوصيّة و عيّنها،

تغايرت، و إلاّ فلا، فلو أوصي له بمائة معيّنة أو دار معيّنة أو عبد معيّن ثمّ أوصي له بمائة معيّنة، أو بدار أخري معيّنة، أو بعبد آخر معيّن، فله المائتان، أو الداران، أو العبدان.

و لو أوصي له بمائة معيّنة ثمّ أوصي بمائة مطلقة، أو بالعكس، أو بدار معيّنة ثمّ بمطلقة، أو بالعكس، أو بعبد معيّن ثمّ بعبد مطلق، أو بالعكس، حمل المطلق علي المعيّن؛ استصحابا لبقاء الملك علي مالكه.

و كذا لو أطلقهما، فهما واحد.

ص: 75

و لو أوصي بخمسين ثمّ بمائة، دخلت الأولي في الثانية.

و لو عكس فأوصي بمائة ثمّ بخمسين، احتمل أن يعطي الخمسين خاصّة؛ لاحتمال أن يكون قصد تقليل الوصيّة و الرجوع عن بعض الوصيّة الأولي، فلا يعطي إلاّ المتيقّن، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يعطي مائة و خمسين(1).

مسألة 345: لو قال: هذا ثلثي لفلان و يعطي زيد منه مائة في كلّ شهر إلي أن يموت،

قدّم إعطاء زيد، فيعطي منه مائة في كلّ شهر، فإن مات و فضل منه شيء ردّ إلي صاحب الثّلث - و به قال أحمد(2) - لأنّ فيه إنفاذ الوصيّة علي ما أمر به الموصي.

البحث الثاني: في كيفيّة تنفيذ التصرّفات.

مسألة 346: التصرّف من الصحيح إن كان منجّزا نفذ من الأصل بلا خلاف،

و إن علّق بالموت و لم يكن واجبا نفذ من الثّلث بلا خلاف، و إن كان واجبا - كالوصيّة بقضاء الدّين أو الحجّ الواجب أو الزكاة الواجبة و شبهها - نفذ من الأصل إجماعا.

و أمّا من المريض فإن كان معلّقا بالموت مضي من الثّلث إجماعا، إلاّ فيما علم وجوبه، و إن كان منجّزا فقولان تقدّما(3).

و هل يشترط في المرض المقتضي للحجر أن يكون مهلكا؟ قولان.

ص: 76


1- التهذيب - للبغوي - 103:5، العزيز شرح الوجيز 267:7، روضة الطالبين 5: 272.
2- المغني 521:6، الشرح الكبير 490:6.
3- في ج 21، ص 288، المسألة 67.

و إذا أوصي له بالثّلث، اعتبر الثّلث يوم الموت؛ لأنّ الوصيّة تمليك بعد الموت، و حينئذ تلزم، فلو زاد ماله بعد الوصيّة تعلّقت الوصيّة به، و لو استفاد مالا قبل الموت، اعتبر الثّلث من جميع ما يخلّفه من التّلاد(1) و المستفاد، و يعتبر ثلث الجميع - و به قال النخعي و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و أحمد(2) - سواء علم أو لم يعلم.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّ المعتبر بيوم الوصيّة - و به قال أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز و ربيعة و مالك(3) - فلا يدخل في الوصيّة ما تجدّد بعدها، كما لو نذر الصدقة بثلث ماله، فإنّه ينظر إلي يوم النذر(4).

و الفرق ظاهر.

و كذا لو هلك ماله ثمّ اكتسب مالا.

و لو أوصي بعشرة و لا مال له، ثمّ استفاد مالا، تعلّقت الوصيّة به.

و قال بعض الشافعيّة: الاعتبار في القدر بيوم الموت جزما، و الخلاف إنّما هو مخصوص بما إذا لم يملك شيئا أصلا ثمّ ملك(5).

مسألة 347: الثّلث الذي تنفذ فيه الوصايا إنّما هو الثّلث الفاضل عن الدّين؛

لأنّ الدّين مقدّم علي الوصايا؛ لما رواه العامّة عن عليّ عليه السّلام أنّه

ص: 77


1- التّلاد: كلّ ما ترثه عن أبيك و غيره. العين 17:8.
2- المغني 598:6، الشرح الكبير 542:6، المهذّب - للشيرازي - 458:1، حلية العلماء 71:6، التهذيب - للبغوي - 96:5، البيان 137:8، العزيز شرح الوجيز 41:7، روضة الطالبين 117:5، بدائع الصنائع 333:7.
3- المغني 598:6.
4- المهذّب - للشيرازي - 458:1، حلية العلماء 70:6، التهذيب - للبغوي - 5: 96، البيان 136:8، العزيز شرح الوجيز 41:7، روضة الطالبين 117:5.
5- العزيز شرح الوجيز 41:7، روضة الطالبين 117:5.

«قضي [رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله](1) بالدّين قبل الوصيّة»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إنّ الدّين قبل الوصيّة» الحديث(3).

و لأنّ الديون مقدّمة علي حقّ الورثة؛ لقوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (4) فأولي أن تتقدّم علي حقّ الموصي له؛ لأنّه أضعف، فلو كان عليه دين مستوعب للتركة، لم تنفذ الوصيّة في شيء، و لا تبطل الوصيّة من رأس، بل تقع صحيحة، فلو تبرّع صاحب الدّين بإسقاطه أو تبرّع غيره بقضائه، صحّت الوصيّة و نفذت.

و التبرّعات المنجّزة إذا وقعت حالة مرض الموت نفذت من الثّلث علي الأقوي.

و لو وهب في الصحّة و أقبض في المرض، كان كما لو وهب في المرض؛ لأنّ تمام الهبة بالقبض.

مسألة 348: التبرّع المحسوب من الثّلث عند أكثر علمائنا

عبارة عن إخراج الملك عن المريض في مال مجّانا أو بدون ثمن المثل من غير

ص: 78


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من بعض المصادر، و في بعضها الآخر: «النبيّ صلّي اللّه عليه و آله».
2- المسند - للحميدي - 30:1-56/31، المصنّف - لابن أبي شيبة - 10: 9103/160، و 402:11-11602/403، مسند أحمد 1094/211:1، و 1226/232، سنن ابن ماجة 2715/906:2، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2122/435:4، مسند أبي يعلي 300/257:1، و 625/461، المستدرك - للحاكم - 336:4، السنن الكبري - للبيهقي - 239:6 و 267.
3- الكافي 23:7-24 (باب من أوصي و عليه دين) ح 1، الفقيه 489/143:4، التهذيب 675/165:9، الاستبصار 441/116:4، و فيها عن الباقر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
4- سورة النساء: 11.

استحقاق، فلو أوصي بما هو ثابت في ذمّته، كقضاء الديون التي للآدميّين، أو التي للّه تعالي، كالزكاة و الخمس و حجّة الإسلام و أشباه ذلك، وجب العمل بها، بل يجب إخراجها من صلب المال، سواء أوصي بها أو لم يوص إذا علم ثبوت ذلك في ذمّته إجماعا؛ لقوله عليه السّلام: «فدين اللّه أحقّ أن يقضي»(1) إلاّ عند أبي حنيفة، فإنّه قال: إن أوصي بالزكوات و الكفّارات و الحجّ أخرجت من ثلث ماله، و إن لم يوص بها سقطت، و به قال مالك(2).

و للشافعيّة وجه آخر: أنّها تخرج من الثّلث إذا أوصي بها(3).

و لا فرق عندنا في الواجب و خروجه من الأصل بين أن يكون وجوبه بأصل الشرع، كالزكاة الواجبة و الحجّ، و بين ما وجب بالتزام العبد من نذر أو مباشرة سبب يقتضي الكفّارة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه فرق بين الأوّل و الثاني، فأوجب خروج الأوّل من صلب المال، و الثاني من الثّلث(4).1.

ص: 79


1- مسند أحمد 2006/376:1، صحيح البخاري 46:3، صحيح مسلم 2: 155/804، سنن أبي داود 3310/237:3، السنن الكبري - للنسائي - 2: 2912/173-1، و 2913-2، المعجم الكبير - للطبراني - 26:4-3550/27، سنن الدارقطني 84/196:2، السنن الكبري - للبيهقي - 255:4.
2- تحفة الفقهاء 426:1 و 427، بدائع الصنائع 221:2 و 222، الاختيار لتعليل المختار 228:1، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 708/458:1، عيون المجالس 768:2-496/769، المعونة 503:1، الحاوي الكبير 16:4، و 243:8، نهاية المطلب 184:11، بحر المذهب 27:5، الوسيط 463:4، حلية العلماء 244:3، البيان 44:4، العزيز شرح الوجيز 303:3، و 122:7، المجموع 7: 112، المغني 198:3، و 591:6، الشرح الكبير 196:3، و 517:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 460:1، حلية العلماء 80:6-81، البيان 161:8، العزيز شرح الوجيز 122:7، المجموع 110:7.
4- الوجيز 278:1-279، العزيز شرح الوجيز 122:7 و 124، روضة الطالبين 180:5 و 181.
مسألة 349: لو كان عليه ديون متعدّدة فقضي بعضها في مرض الموت

و خصّص بعض الغرماء بالقضاء، فإن وفت التركة بباقي الديون، لم يكن لسائر الغرماء عليه اعتراض إجماعا.

و إن قصرت التركة عن الديون، احتمل أن يشاركه باقي الغرماء فيما أخذه، و يرجعوا عليه - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّ حقوقهم تعلّقت بما له بمرضه، فلهم منعه من تصرّفه فيه بما ينقص ديونهم، كتبرّعه، و لأنّه لو وصّي بقضاء بعض الديون دون بعض لم يكن له ذلك، فكذا إذا قضاها.

و الثاني(2): أنّه يمضي و لا يشاركه الغرماء، و لا يملكون الاعتراض عليه - و به قال الشافعي(3) - لأنّه أدّي واجبا عليه فصحّ، كما لو اشتري شيئا فأدّي ثمنه أو باع بعض ماله و سلّمه، بخلاف الوصيّة، فإنّه لو اشتري ثيابا مثمنة صحّ، و لو وصّي بتكفينه في ثياب مثمنة لم يصح، فثبت أنّ إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه، و قد صحّ عقيب البيع، فكذلك إذا تراخي عنه؛ إذ لا أثر لتراخيه.

مسألة 350: لو باع المريض جميع تركته أو بعضها بثمن المثل أو أكثر،

نفذ البيع من رأس المال إجماعا؛ إذ لا نقص فيه علي الوارث، فإنّ أعيان الأموال لا أثر لها في زيادة الماليّة و نقصها مع تساوي القيمة، و لا فرق بين أن يبيع من الوارث أو الأجنبيّ، و سواء كان غريما أو غير غريم.

و لو باع بمحاباة، فإن كانت يسيرة يتسامح بمثلها فكما لو باع بثمن المثل، و إن كانت أكثر من ذلك اعتبرت من الثّلث، و إن لم تخرج من

ص: 80


1- التهذيب - للبغوي - 112:5، المغني 538:6، الشرح الكبير 320:6.
2- أي: الاحتمال الثاني.
3- التهذيب - للبغوي - 112:5، المغني 539:6، الشرح الكبير 320:6.

الثّلث، فإن أجاز الوارث نفذ البيع في الكلّ، و إلاّ بطل في الزائد عن الثّلث.

و أمّا ما يحتمله الثّلث فيصحّ البيع فيه عندنا، و يثبت له الخيار؛ لتبعّض الصفقة عليه، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: يبطل البيع باعتبار تفريق الصفقة(1).

و لا خلاف في أنّ له أن يشتري مهما شاء بثمن المثل أو أزيد، و يبيع كذلك من غير معارضة، و كذا يتلذّذ في مشروبه و مأكوله و دوائه و ينفق علي نفسه من الملاذّ و الشهوات، مثل: التسرّي و غيره و شراء الأدوية و الإماء إجماعا.

ثمّ المحاباة المعتبرة من الثّلث كلّ ما يزيد علي ثمن المثل، أو ما يزيد علي ما يتغابن الناس بمثله ؟ فيه احتمال.

مسألة 351: معني المحاباة هي أن يعاوض بماله،

و يسمح لمن عاوضه ببعض عوضه.

و قيل: إنّه إزالة الملك عن مال مجّانا(2).

و قيل: إنّه إزالة الملك عن ماله بغير ثمن المثل من غير استحقاق(3).

فإذا حابي المريض في البيع و الشراء، كان العقد صحيحا، و لا يمنع ذلك صحّة العقد في قول عامّة أهل العلم(4) ؛ لعموم قوله تعالي: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (5) و لأنّه تصرّف صدر من أهله في محلّه فصحّ، كغير المريض.

ص: 81


1- ينظر: الحاوي الكبير 293:8.
2- قاله الغزالي في الوسيط 423:4، و النووي في روضة الطالبين 126:5.
3- قاله الغزالي في الوجيز 272:1.
4- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
5- سورة البقرة: 275.

و قال أهل الظاهر: العقد باطل(1). و ليس بشيء.

ثمّ في كيفيّة تنفيذه إشكال يظهر بمثال نذكره، و هو أن يبيع في مرضه عبدا لا يملك غيره و قيمته ثلاثون بعشرة، فقد حابي المشتري بثلثي ماله، و ليس له المحاباة بأكثر من الثّلث، فإن أجاز الورثة ذلك، لزوم البيع إجماعا.

و إن لم يجيزوا، فإن اختار المشتري فسخ البيع، كان له ذلك؛ لتبعّض الصفقة عليه.

و إن اختار الإمضاء، فالوجه عندي: أنّه يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن، و يفسخ البيع في الباقي - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لاشتمال ما قلناه علي مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذّر أخذ جميعه بجميعه، فإنّ البيع إنّما وقع علي مقابلة الثمن بكلّ المبيع، فإذا بطل البيع في بعض المبيع وجب أن يبطل من الثمن بإزائه، كما أنّه لو بطل البيع في الجميع بطل جميع الثمن.

و له نظائر كثيرة:

منها: أنّه لو اشتري سلعتين فبطل البيع في إحداهما إمّا لعيب أو لغيره، فإنّ المشتري يأخذ السلعة الأخري بقسطها من الثمن، لا بجميعه.

و منها: أنّه لو اشتري شقصا و سيفا فأخذ الشفيع الشقص، فإنّ للمشتري أن يأخذ السيف بقسطه من الثمن.

و منها: أنّ الشفعاء إذا كثروا، أخذ كلّ واحد منهم جزءا من المبيع بقسطه من الثمن.6.

ص: 82


1- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
2- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.

و منها: أنّه لو اشتري الربويّ بمثله جنسا مع تفاوت الثمن، كان الفسخ في أحدهما يوجب الفسخ في الآخر بمثله قدرا، كما لو اشتري كرّ طعام جيّد قيمته اثنا عشر بكرّ طعام رديء قيمته ستّة، فقد حابي بنصف تركته، فيبطل البيع في ثلث الكرّين، فيدفع ثلث الطعام الجيّد إلي الورثة و قيمته أربعة، و ثلثا الطعام الرديء و قيمته أربعة أيضا، يكتمل لهم ثمانية، و يدفع إلي المشتري ثلثا الطعام الجيّد و قيمته ثمانية، و ثلث الطعام الرديء و قيمته اثنان، يكتمل له عشرة، فيكون له ستّة قيمة طعامه، و أربعة بالمحاباة هي ثلث التركة.

و قال أكثر علمائنا(1) و الشافعي في الوجه الثاني: إنّ المشتري يأخذ ثلثي العبد بالثمن كلّه؛ لأنّه يستحقّ ثلث العبد بثمنه الذي دفعه و الثلث الآخر بالمحاباة(2).

و لا يتأتّي ذلك لهم(3) في الربويّ، بل صاروا في الربويّ إلي ما صرنا إليه.

و قال أصحاب الرأي: يقال له: إن شئت أدّيت عشرة أخري و أخذت العبد، و إن شئت فسخت و لا شيء لك(4).

و قال مالك: له أن يفسخ البيع، و يأخذ ثلث العبد بالمحاباة، و يسمّيه أصحابه: خلع الثّلث(5).

و قول أكثر علمائنا ضعيف؛ لأنّه أوجب المبيع بثمن، فيأخذ بعضه6.

ص: 83


1- ينظر: المبسوط - للطوسي - 64:4، و شرائع الإسلام 262:2.
2- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
3- في النّسخ الخطّيّة: «لهم ذلك».
4- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
5- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.

بالثمن كلّه، فلا يصحّ، كما لو قال: بعتك هذا بمائة، فقال: قبلت نصفه بها، و لأنّه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه في مقابله من الثمن، و لا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه، كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه.

و قول أصحاب الرأي ضعيف؛ لما فيه من إجبار الورثة علي المعاوضة علي غير الوجه الذي عاوض مورّثهم.

و قول مالك ضعيف؛ لأنّه إذا فسخ البيع لم يستحق شيئا؛ لأنّ الوصيّة إنّما حصلت في عين المبيع، فإذا بطل البيع زالت الوصيّة، كما لو أوصي لرجل معيّن أن يحجّ عنه بمائة و أجر مثله خمسون، لم يكن له أن يطلب الخمسين الفاضلة بدون الحجّ.

و لو برأ المريض أو أجازت الورثة، نفذ في الجميع إجماعا.

و لو اشتري عبدا يساوي عشرة بثلاثين، فإنّه يأخذ نصفه بنصف الثمن علي ما اخترناه.

و علي قول أكثر علمائنا للمشتري خمسة أسداسه بكلّ الثمن.

و طريق قولهم: أن ينسب الثمن و ثلث المبيع إلي قيمته، فيصحّ البيع في قدر تلك النسبة، و هو خمسة أسداسه، فإن قال المشتري: خذوا منّي ثمن سدس العبد ليكمل لي، لم تجب إجابته؛ لأنّ حقّهم ثابت في العبد نفسه.

و علي ما اخترناه يسقط الثمن من قيمة المبيع، و ينسب الثّلث إلي الباقي، فيصحّ البيع في قدر تلك النسبة - و هو ثلثاه - بثلثي الثمن.

و لو خلّف البائع عشرة أخري، فعلي ما اخترناه يصحّ البيع في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن، و علي القول الآخر يأخذ المشتري نصفه

ص: 84

و أربعة أتساعه بجميع الثمن و يردّ نصف تسعه.

مسألة 352: لو باع المريض بثمن حالّ،

فقد ذكرنا حكمه في المحاباة و غيرها، أمّا لو باع بثمن مؤجّل و مات قبل حلول الأجل، اعتبر من الثّلث، سواء باع بثمن المثل أو أقلّ أو أكثر؛ لأنّه قد فوّت اليد علي الورثة، و تفويت اليد ملحق بتفويت المال، فإنّ الغاصب يضمن بالحيلولة، كما يضمن بتفويت المال، فليس له تفويت اليد عليهم، كما ليس له تفويت المال.

فإن لم يخرج من الثّلث و ردّ الوارث ما زاد، تخيّر المشتري بين فسخ البيع و الإجازة في الثّلث بثلث الثمن.

فإن أجاز، فهل يزيد ما يصحّ فيه البيع إذا أدّي الثّلث ؟ فيه للشافعيّة قولان:

أصحّهما: لا يزيد؛ لارتفاع العقد بالردّ.

و الثاني: نعم؛ لأنّ ما يحصل للورثة ينبغي أن تصحّ الوصيّة في نصفه، فعلي هذا يصحّ البيع في قدر نصف المؤدّي - و هو السّدس - بسدس الثمن، فإذا أدّي ذلك السّدس ردّ بقدر نصفه، هكذا إلي أن يحصل الاستيعاب(1).

مسألة 353: يجوز للمريض أن يتزوّج بشرط الدخول،

عند علمائنا، فإن مات في مرضه ذلك و لم يكن قد دخل، بطل العقد، و لا ميراث لها و لا مهر، عند علمائنا أجمع؛ لما رواه زرارة - في الحسن - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «ليس للمريض أن يطلّق، و له أن يتزوّج، فإن تزوّج

ص: 85


1- التهذيب - للبغوي - 98:5، العزيز شرح الوجيز 53:7، روضة الطالبين 5: 127.

و دخل بها فهو جائز، و إن لم يدخل بها حتي مات في مرضه فنكاحه باطل، و لا مهر لها و لا ميراث»(1).

و في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المريض أله أن يطلّق امرأته في تلك الحال ؟ قال: «لا، و لكن له أن يتزوّج إن شاء، فإن دخل بها ورثته، و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل»(2).

و لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه، فكان جائزا، و للأصل.

و لقوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3) و قوله تعالي:

فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (4) .

و لأنّه عقد معاوضة، فلم يمنع منه المريض، كالبيع بثمن المثل و الشراء به.

و إنّما شرطنا الدخول؛ للروايات، و لإجماع علمائنا، و لأنّه بدون الدخول يكون قد أدخل في الورثة من ليس وارثا، و لأنّه بدون الدخول يكون قد قصد بالتزويج الإضرار بالورثة، فلم يصح منه.

و قال الشافعي: يصحّ نكاحه، و أطلق، و لم يشترط الدخول، و ترث؛ لعموم قوله تعالي: فَانْكِحُوا (5) و لأنّه عقد معاوضة، فلم يمنع منه المريض(6). -

ص: 86


1- الكافي 12/123:6، التهذيب 261/77:8، الاستبصار 1080/304:3.
2- الكافي 1/121:6، الفقيه 1689/353:3، التهذيب 259/77:8، الاستبصار 303:3-1078/304.
3- سورة النساء: 24.
4- سورة النساء: 3.
5- سورة النساء: 3.
6- الأم 103:4، مختصر المزني: 144، الحاوي الكبير 279:8، المهذّب -

و نحن نقول بموجبه، و العموم يجوز تخصيصه، و المعاوضة إنّما تثبت مع الدخول.

و قال الزهري: يصحّ النكاح و لا ترث؛ لأنّ التهمة تلحقه بذلك في حقّ ورثته، فلا ترث، كما لو طلّقها في المرض، فإنّها ترث للتهمة، كذا هنا(1).

و التهمة منفيّة مع الدخول، لا مع عدمه، فيختصّ منع الميراث بعدم الدخول، و لأنّ قوله ينتقض بإقراره بوارث.

و قال ربيعة: يصحّ نكاحه، و يكون مهرها من الثّلث؛ لأنّ البضع ليس بمال، فإذا بذل عوضا في مقابلته جري ذلك مجري الهبة، فكان من ثلثه(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ البضع يجري مجري المال، و يضمن بالإتلاف.

و قال مالك: لا يصحّ النكاح؛ لأنّه لا حاجة إليه، و إنّما يقصد بذلك الإضرار بالورثة، فلا يصحّ منه(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه قد يحتاج إلي النكاح، و دليل حاجته الدخول،0.

ص: 87


1- الحاوي الكبير 279:8، حلية العلماء 141:6، البيان 192:8.
2- حلية العلماء 141:6، البيان 192:8، المحلّي 25:10.
3- التفريع 56:2، المعونة 787:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 248، بداية المجتهد 46:2، الحاوي الكبير 279:8، نهاية المطلب 273:11، حلية العلماء 141:6، البيان 192:8، العزيز شرح الوجيز 53:7، مختصر اختلاف العلماء 846/351:2، المحلّي 25:10.

و ينتقض قوله بما إذا باع أعيان أمواله و اشتري عبيدا أو إماء، و لأنّ معاذا قال في مرض موته: زوّجوني، لا ألقي اللّه تعالي عزبا(1) ، و لأنّه استباحة بضع، فاستوي فيه حال الصحّة و المرض، كشراء الجواري.

مسألة 354: إذا تزوّج في مرضه و دخل عندنا،

و مطلقا عند الشافعي(2) ، فإن كان بمهر المثل أو أقلّ، اعتبر من صلب التركة، كما لو اشتري شيئا بثمن مثله، و إن كان بأكثر من مهر المثل، كان الزائد محاباة.

فإن كانت كتابيّة أو أمة لا ترث، فالزيادة محسوبة من الثّلث، إن خرجت منه نفذ التبرّع بها، و إلاّ نفذ ما أمكن منها.

و لو أجاز الوارث، صحّت.

و إن كانت مسلمة وارثة، فكذلك عندنا، خلافا للعامّة(3) ؛ لأنّهم أبطلوا الوصيّة للوارث(4) ، و المحاباة وصيّة.

و لو ماتت الزوجة، دارت المسألة، و سيأتي بيانها - إن شاء اللّه تعالي - في أبواب الدور.

و لو نكحت المريضة بأقّل من مهر المثل، فالنقصان تبرّع علي الوارث، و للورثة ردّه و تكميل مهر المثل.

ص: 88


1- الأم 103:4، السنن الكبري - للبيهقي - 276:6، البيان 192:8، العزيز شرح الوجيز 53:7.
2- راجع: الهامش (6) من ص 86.
3- التهذيب - للبغوي - 97:5، العزيز شرح الوجيز 53:7، روضة الطالبين 5: 127.
4- المغني 449:6-450، الشرح الكبير 463:6، الحاوي الكبير 188:8، المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 95:11، الوسيط 411:4، حلية العلماء 69:6، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 131:8-132، العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5.

فإن لم يكن وارثا كما إذا كان عبدا أو مسلما و هي ذمّيّة عندهم(1) ، لم يكمل مهر المثل، و لم يعتبر هذا النقصان من الثّلث، و إنّما جعل ذلك وصيّة في حقّ الوارث، و لم يجعل وصيّة في الاعتبار من الثّلث؛ لأنّ المريض إنّما يمنع من تفويت ما عنده، و هذا ليس بتفويت، و إنّما هو امتناع من الاكتساب، و لأنّ المنع فيما يتوهّم بقاؤه للوارث و انتفاعه به، و البضع ليس كذلك.

و قال بعض الشافعيّة: يعتبر من الثّلث، و فرّق بينه و بين ما إذا آجر [نفسه](2) بأقلّ من أجرة المثل حيث لا يعتبر من الثّلث، مع أنّ كلّ واحد منهما لا يبقي للورثة بوجهين:

أحدهما: أنّ النكاح من غير ذكر المهر يقتضي مهر المثل، فإذا قال الوليّ: زوّجتها، و ذكر ما دون مهر المثل، فكأنّه أسقط العوض بعد وجوبه، فكان كالإبراء، و أمّا الإجارة فإنّها لا تنعقد من غير ذكر العوض.

الثاني: أنّ المحاباة في المهر تلحق نوع عار بالورثة، فأثبت لهم ولاية الدفع، بخلاف المحاباة في الإجارة(3).

مسألة 355: لو كان له جارية قيمتها ثلث التركة فأعتقها ثمّ تزوّجها علي ثلث آخر

و دخل، سقط المسمّي، و إلاّ دار؛ لأنّ ثبوته يستدعي صحّة النكاح المتوقّف علي صحّة عتق جميع الجارية، المتوقّف علي بطلان المسمّي، ليخرج من الثّلث، بل يثبت مهر المثل و إن كان أكثر من المسمّي،

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 53:7، روضة الطالبين 127:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سنة». و المثبت كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 54:7، روضة الطالبين 128:5.

و لا يثبت الأقلّ منه و من مهر المثل؛ لأنّه كالأرش، و لو كان مهر المثل بقدر ثلث التركة دخلها الدور، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالي.

و لو كان له أمة و أعتقها في مرض الموت و تزوّجها ثمّ مات، قال الشافعي: لا ترثه؛ لأنّها لو ورثته كان عتقها وصيّة للوارث، و الوصيّة للوارث لا تلزم، و إذا بطل العتق بطل النكاح و الميراث جميعا، فصحّ العتق و النكاح، و بطل الميراث(1).

و الحقّ عندنا أنّه تصحّ الوصيّة للوارث، فإن خرجت من الثّلث صحّ العتق و النكاح و ورثت.

قال: و لو كان له مائتا دينار و أمة تساوي مائة و أعتقها و تزوّجها بمائة أو بمائتين ثمّ مات، لم ترث؛ لما ذكرناه - عندهم - و سقط مهرها؛ لأنّه إن ثبت مهرها لم يخرج عتقها من ثلثه، و إذا بطل العتق في بعضها بطل النكاح، و سقط المهر، فأسقط المهر، و نفّذنا العتق و النكاح(2).

مسألة 356: يكره طلاق المريض كراهة شديدة،

حتي أنّه قد ورد في بعض الروايات لفظة «لا يجوز»(3) فإن طلّقها وقع الطلاق إذا جمع الشرائط إجماعا.

ثمّ إن كان الطلاق بائنا و ماتت، لم يرثها في العدّة و لا بعدها إجماعا.

و إن مات هو، ورثته بشروط ثلاثة:

أ: أن يموت في ذلك المرض، فلو برأ منه ثمّ مات لم ترثه في البائن، و ترثه في الرجعي خاصّة في العدّة.

ب: أن لا تتزوّج بغيره، فلو مات في ذلك المرض و تزوّجت قبل

ص: 90


1- الحاوي الكبير 284:8، البيان 195:8.
2- الحاوي الكبير 284:8، البيان 195:8.
3- الكافي 4/122:6، التهذيب 76:8-258/77.

موته لم ترثه.

ج: أن لا يتجاوز ما بين طلاقه و موته سنة، فلو مات بعد السنة و لو بيوم واحد لم ترثه.

أمّا الشرط الأوّل: فلأنّه منجّز، فكان حكمه حكم سائر المنجّزات يحكم عليه بها لو برأ من مرضه؛ لما رواه أبو العباس قال: سألت الصادق عليه السّلام، قلت له: رجل طلّق امرأته و هو مريض تطليقة و قد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين، قال: «فإنّها ترثه إذا كان في مرضه» قال: قلت: ما حدّ المرض ؟ قال: «لا يزال مريضا حتي يموت و إن طال ذلك إلي سنة»(1).

و أمّا الشرط الثاني: فلأنّها بتزويجها قد انقطعت العصمة مع زوجها الأوّل، فلا ترثه، و هي زوجة لغيره.

و لرواية أبي الورد عن الباقر عليه السّلام قال: «إذا طلّق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثمّ مكثت في مرضه حتي انقضت عدّتها فإنّها ترثه ما لم تتزوّج، فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فإنّها لا ترثه»(2).

و في حديث عبد الرحمن بن الحجّاج عمّن حدّثه عن الصادق عليه السّلام في رجل طلّق امرأته و هو مريض، قال: «إن مات في مرضه و لم تتزوّج ورثته، و إن كانت قد تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع، لا ميراث لها»(3).

و أمّا الشرط الثالث: فلما رواه سماعة قال: سألته عليه السّلام عن رجل طلّق امرأته و هو مريض، قال: «ترثه ما دامت في عدّتها، و إن(4) طلّقها في حال».

ص: 91


1- الكافي 6/122:6، التهذيب 265/78:8، الاستبصار 1085/305:3.
2- الكافي 2/121:6، التهذيب 262/77:8، الاستبصار 304:3-1082/305.
3- الكافي 121:6-3/122، التهذيب 77:8-263/78، الاستبصار 3: 1083/305.
4- في «ر» و التهذيب: «فإن» بدل «و إن».

إضرار فهي ترثه إلي سنة، فإن زاد علي السنة يوم واحد لم ترثه، و تعتدّ منه أربعة أشهر و عشرا عدّة المتوفّي عنها زوجها»(1).

هذا إذا كان الطلاق بائنا، و إن كان رجعيّا توارثا في العدّة، إن ماتت هي ورثها، و إن مات هو ورثته، و إن خرجت العدّة لم يرثها الزوج، و ترث هي الزوج إلي سنة بالشروط السابقة.

و للشافعيّة قولان في الطلاق البائن:

أحدهما: لا ترثه، و هو الأصحّ عندهم؛ و به قال ابن الزبير و المزني.

و الثاني: أنّها ترثه، كما قلناه، و به قال في الصحابة: عليّ عليه السّلام و عمر و عثمان، و في الفقهاء: ربيعة و مالك و الأوزاعي و الليث بن سعد و ابن أبي ليلي و الثوري و أحمد و أصحاب الرأي(2).

و لهم في ذلك تفصيل.ه.

ص: 92


1- الكافي 122:6-9/123، التهذيب 78:8-267/79، الاستبصار 3: 1090/307.
2- الأم 254:5، مختصر المزني: 194-195، الحاوي الكبير 264:10، المهذّب - للشيرازي - 26:2، نهاية المطلب 231:14، بحر المذهب 10: 154، الوسيط 402:5، حلية العلماء 270:6-271، التهذيب - للبغوي - 6: 102، البيان 21:9-22، العزيز شرح الوجيز 583:8، روضة الطالبين 67:6، المدوّنة الكبري 34:3، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 750:2 - 1363/751، عيون المجالس 1240:3-865/1242، بداية المجتهد 82:2، اختلاف الأئمّة العلماء 176:2-177، المغني 217:7، الشرح الكبير 7: 182، مختصر اختلاف العلماء 942/432:2، مختصر القدوري: 158، المبسوط - للسرخسي - 154:6-155، روضة القضاة 6370/982:3-6373، تحفة الفقهاء 186:2، الفقه النافع 342/595:2، الهداية - للمرغيناني - 3:2، الاختيار لتعليل المختار 205:3، الاستذكار 261:17 و ما بعدها، الرقم 26278 و ما بعده.

و أبو حنيفة لا يورّثها بعد خروجها من العدّة، و كذا أصحابه(1).

و أمّا الأوزاعي و الليث و الثوري و الشافعي في أحد أقواله: إنّها ترث [ما لم تنقض العدّة](2).

و القول الثاني للشافعي: إنّها ترث ما لم تتزوّج، و به قال ابن أبي ليلي و أحمد(3) ، و لم يقيّده بسنة كما قلناه.7.

ص: 93


1- مختصر اختلاف العلماء 942/432:2، مختصر القدوري: 158، المبسوط - للسرخسي - 154:6، روضة القضاة 6370/982:3، تحفة الفقهاء 186:2، الفقه النافع 342/595:2، الهداية - للمرغيناني - 3:2، الاختيار لتعليل المختار 205:3، اختلاف الأئمّة العلماء 177:2، المغني 218:7-219، الشرح الكبير 183:7، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1364/751:2، عيون المجالس 1240:3-865/1241، و 866/1242، بداية المجتهد 82:2، الحاوي الكبير 266:10، نهاية المطلب 231:14، بحر المذهب 154:10-155، حلية العلماء 271:6، التهذيب - للبغوي - 102:6، البيان 22:9، العزيز شرح الوجيز 583:8، الاستذكار 26299/264:17، و 26313/266.
2- الحاوي الكبير 266:10، المهذّب - للشيرازي - 26:2، نهاية المطلب 14: 231، بحر المذهب 154:10-155، الوسيط 404:5، حلية العلماء 271:6، التهذيب - للبغوي - 102:6، البيان 22:9، العزيز شرح الوجيز 583:8، روضة الطالبين 67:6-68، عيون المجالس 1242:3-866/1243، بداية المجتهد 82:2، اختلاف الأئمّة العلماء 177:2، المغني 218:7-219، الشرح الكبير 183:7، الاستذكار 26296/264:17، و 26312/266 و 26313، و ما بين المعقوفين يقتضيه ما في المصادر المزبورة.
3- الحاوي الكبير 266:10، المهذّب - للشيرازي - 26:2، نهاية المطلب 14: 232، بحر المذهب 155:10، الوسيط 404:5، حلية العلماء 271:6، التهذيب - للبغوي - 102:6، البيان 22:9، العزيز شرح الوجيز 583:8، روضة الطالبين 67:6-68، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 1364/751، عيون المجالس 866/1243:3، بداية المجتهد 82:2-83، روضة القضاة 6371/982:3، الاستذكار 26301/265:17، و 26315/266، المغني 218:7، الشرح الكبير 183:7.

و القول الثالث للشافعي علي هذا القول: إنّها ترثه أبدا و لو تزوّجت مهما تزوّجت(1) ، و به قال ربيعة(2) ، قال ربيعة: لو تزوّجت عشرة أزواج ورثتهم(3).

مسألة 357: إنّما يثبت هذا الحكم - و هو ميراثها بعد العدّة - في الطلاق البائن و غيره،

و في العدّة في البائن في طلاق تلحق به التهمة، أمّا ما لا تهمة فيه فالأقرب: أنّها لا ترثه إلاّ في العدّة الرجعيّة، فلو سألته الطلاق فطلّقها، فالأقرب: عدم الإرث.

و كذا لو خالعته أو بارأته.

و يدلّ عليه حديث عبد الرحمن بن الحجّاج عمّن حدّثه عن الصادق عليه السّلام، حيث قال: «و إن كانت قد تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع، لا ميراث لها»(4).

و هذا الحديث و إن كان مرسلا إلاّ أنّ عبد الرحمن مع عظم شأنه و بلوغه الدرجة العالية في العلم يبعد أن يرسل في مثل هذا الحكم المنوط بالفروج و الأموال إلاّ مع عدالة المسند إليه.

و لو طلّق الأمة مريضا طلاقا رجعيّا فأعتقت(5) في العدّة و مات في

ص: 94


1- الحاوي الكبير 266:10، المهذّب - للشيرازي - 26:2، نهاية المطلب 14: 232، بحر المذهب 155:10، الوسيط 404:5، حلية العلماء 271:6، التهذيب - للبغوي - 102:6، البيان 22:9، العزيز شرح الوجيز 583:8 - 584، روضة الطالبين 67:6-68، عيون المجالس 866/1243:3.
2- بحر المذهب 155:10.
3- ينظر: مختصر اختلاف العلماء 942/432:2، و الاستذكار 26297/264:17، و 26316/267.
4- تقدّم تخريجه في ص 91، الهامش (3).
5- في «ر، ل»: «و أعتقت».

مرضه، ورثته في العدّة إجماعا منّا.

و هل ترثه بعد العدّة ؟ قيل: نعم(1).

و الأقرب: عدمه؛ لانتفاء التهمة وقت الطلاق.

و لو طلّقها بائنا، فكذلك لا ترث؛ لأنّه طلّقها في حال لم يكن لها أهليّة الإرث.

و كذا لو طلّق زوجته الكتابيّة فأسلمت، فإن كانت في العدّة الرجعيّة توارثا، و إلاّ فلا.

و لو لاعن المريض زوجته و بانت باللعان، لم ترثه؛ لتعلّق الحكم بالطلاق، و ليس اللعان منه.

و لو ادّعت الزوجة أنّ الميّت طلّق في المرض و أنكر الوارث و زعم أنّ الطلاق وقع حالة الصحّة، قدّم قوله؛ لتساوي الاحتمالين، و أصالة عدم الإرث، إلاّ مع تحقّق سببه.

و لو كان له أربع زوجات فطلّقهنّ في مرضه ثمّ تزوّج أربعا و دخل بهنّ ثمّ مات في ذلك المرض، كان الرّبع بينهنّ بالسويّة، و لو كان له ولد تساوين في الثّمن.

و هكذا لو طلّق الأربع الأواخر ثمّ تزوّج بغيرهنّ، تشارك الجميع.

مسألة 358: يصحّ من المريض إجارة دوابّه و دوره و عبيده

و كلّ ما تصحّ إجارته بأجرة المثل فما زاد، فإن آجر بدون أجرة المثل فقد حابي المستأجر بالأقلّ، فيمضي من الثّلث، و كذا إعارتها، فلو انقضت مدّة الإجارة أو الإعارة في مرضه و استردّ العبد، اعتبر قدر المحاباة في الإجارة

ص: 95


1- استحسنه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 27:3.

و جميع الأجرة في الإعارة من الثّلث.

و لو آجر نفسه بمحاباة أو عمل لغيره متبرّعا، فالأقرب: نفوذها من الأصل؛ لأنّ منافعه لا تبقي للورثة و إن لم يتبرّع و لا فوّت علي الورثة شيئا من تركته، و لا يمتدّ طمع الورثة إليها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

اعتبارها من الثّلث؛ لأنّ منافعه مال(1). و هو ممنوع.

مسألة 359: لو باع بالمحاباة بشرط الخيار ثمّ مرض في زمن الخيار و أجاز العقد،

مضي من الأصل؛ لأنّه ليس بتفويت؛ لأنّ الملك قد انتقل إلي المشتري بالبيع، و إنّما هو امتناع من الاكتساب و الاستدراك، فصار كما لو أفلس المشتري و المبيع قائم عنده.

و علي قول الشيخ(2) رحمه اللّه و أحد قولي الشافعي(3): إنّ الملك في زمن الخيار للبائع، فقدر المحاباة من الثّلث.

و لو مرض البائع فلم يفسخ أو قدر علي فسخ النكاح لعيب فيها فلم يفعل حتي مات و استقرّ المهر، لم يعتبر من الثّلث، بل من الأصل.

و لو اشتري بمحاباة ثمّ مرض و وجد بالمبيع عيبا و لم يرد مع الإمكان، لا يعتبر قدر المحاباة من الثّلث.

و لو وجد العيب و تعذّر الردّ بسبب فأعرض عن الأرش، اعتبر قدر الأرش من الثّلث.

ص: 96


1- الوجيز 273:1، العزيز شرح الوجيز 54:7، روضة الطالبين 128:5.
2- الخلاف 22:3، المسألة 29.
3- المهذّب - للشيرازي - 266:1، نهاية المطلب 40:5، بحر المذهب 46:6، حلية العلماء 37:4، التهذيب - للبغوي - 308:3، البيان 34:5، العزيز شرح الوجيز 196:4، و 55:7، روضة الطالبين 112:3، و 129:5، المجموع 9: 213، المغني 29:4، الشرح الكبير 79:4.

و قدر المحاباة في الإقالة يعتبر من الثّلث، كما في البيع و الشراء.

و خلع المريض لا يعتبر من الثّلث؛ لأنّ له أن يطلّق مجّانا، و لأنّ الوارث لا ينتفع ببقاء النكاح، بخلاف خلع المريضة، فإنّه يعتبر من الثّلث.

و أمّا رهن المريض ففي احتسابه من الثّلث نظر.

مسألة 360: لو أوصي لرجل بعين من أعيان ماله تخرج من الثّلث،

صحّت الوصيّة(1) إجماعا، فلو كان باقي ماله غائبا لم تدفع كلّ العين إلي الموصي له، و لا يسلّط علي التصرّف فيه، و لا له أن يطالبه بها قبل وصول الغائب إلي الورثة أو قدر ما تخرج به العين من الثّلث؛ لأنّ ما يحصل للموصي له ينبغي أن يصل إلي الورثة مثلاه، و الغائب غير معلوم الحصول لهم، فربما تلف حال الغيبة، فلا تنفذ الوصيّة في العين.

فإن طلب الموصي له ثلث العين الحاضرة أو طلب التصرّف في ثلثها، قال الشيخ رحمه اللّه: الأقوي أنّه يسلّم إليه؛ لأنّ استحقاقه للثّلث معلوم متيقّن(2).

و يحتمل عندي قويّا أن لا يسلّم إليه شيء؛ لأنّ تسليط الموصي له يتوقّف علي تسليط الورثة علي مثلي ما تسلّط عليه، و لا يمكن تسليطهم علي الثّلثين؛ لأنّه ربما سلم لهم المال الغائب و تخلص العين بأسرها للموصي له، فكيف يتصرّفون فيه!؟

و قال مالك: يتخيّر الورثة بين تسليم العين إلي الموصي له، و بين جعل الوصيّة ثلث جميع المال؛ لأنّ الموصي كان له أن يوصي بثلث جميع ماله، و إنّما عدل عنه إلي العين، و ليس له ذلك؛ لأنّه يؤدّي إلي أن يأخذ

ص: 97


1- في «ل»: «وصيّته».
2- المبسوط - للطوسي - 49:4-50.

الموصي له العين، فينفرد بالتركة، إن تلف الباقي قبل وصوله إلي الورثة، فيقال للورثة: إن رضيتم بذلك، و إلاّ فعودوا إلي ما كان له أن يوصي به، و هو الثّلث(1).

إذا عرفت هذا، فلو تصرّف الورثة في ثلثي الحاضر، كان تصرّفهم موقوفا، فإن بان هلاك المال تبيّنّا نفوذ تصرّفهم، و لو سلم و عاد إليهم ظهر بطلان التصرّف.

و قال بعض الشافعيّة: لا يبطل التصرّف، بل يغرم الورثة للموصي له الثّلثين(2).

و هو مناسب لقول مالك: إنّ الورثة يتمكّنون من خلع الوصيّة في العين الموصي بها، و جعلها شائعة في ثلث المال(3).

و لو أعتق عبدا هو ثلث ماله أو دبّره و باقي ماله غائب، ففي [نفوذ](4) العتق و التدبير في ثلثه الخلاف المذكور في الوصيّة(5).

و الوجه: أنّ العتق ينجّز في الثّلث؛ لأنّ المال الغائب إن كان باقيا فالعبد بجملته حرّ، و إن كان تالفا فالثّلث حرّ.

و كذا نقول: يجب الجزم بإثبات الملك للموصي له في ثلث العبد، لكن يجعل الخلاف في أنّه هل ينفذ تصرّفه فيه، أو يمنع من التصرّف إلي3.

ص: 98


1- الذخيرة 115:7، المغني 624:6، الشرح الكبير 558:6-559.
2- العزيز شرح الوجيز 61:7، روضة الطالبين 133:5.
3- العزيز شرح الوجيز 61:7.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، و بدله في الوسيط: «تنفيذ».
5- كما في الوسيط 428:4، و العزيز شرح الوجيز 61:7، و روضة الطالبين 5: 133.

أن يتسلّط الوارث علي مثليه ؟

مسألة 361: تعتبر العطيّة من الثّلث حال الموت،

فإن خرجت من الثّلث تبيّنّا أنّ العطيّة صحّت فيه حال العطيّة، و لو نمي المعطي قسّم بين الورثة و بين صاحبه علي قدر ما لهما فيه، و ربما أفضي ذلك إلي الدور علي ما يأتي.

فلو أوصي بعبده، اعتبرت قيمته بعد الوفاة، و لو نجز عتقه، اعتبرت قيمته عند الإعتاق.

و الاعتبار في قيمة التركة بأقلّ الأمرين من حين الوفاة إلي حين قبض الوارث؛ لأنّ التالف بعد الوفاة غير معتبر، و الزيادة نمت علي ملك الورثة، فلو كانت قيمة العبد الموصي به حين الموت عشرة و قيمة التركة حينئذ عشرين، فإن استمرّت القيمة إلي أن أخذها الوارث، نفذت الوصيّة في العبد، و لو ارتفعت قيمته بعد الموت، لم يكن للورثة مزاحمته، سواء كان لارتفاع السوق أو لتجدّد صفة فيه.

و لو قصرت التركة بعد الموت قبل استيفاء الوارث، فصارت تساوي أربعة عشر، فللموصي له أربعة أخماس العبد، و باقي التركة و خمسه للورثة.

مسألة 362: لو أوصي بعبد مستوعب لزيد و بثلث ماله لعمرو،

و لم يقصد الرجوع و منع من التقديم و أجاز الوارث، قسّم العبد أرباعا علي نسبة كلّ العبد و ثلثه، و يحتمل أسداسا، لخلاص ثلثي العبد للأوّل؛ لأنّ الثاني لا يزاحمه فيهما، و إنّما يتزاحمان في الثّلث، فيقسّم بينهما، و لو قصد الرجوع قسّم أثلاثا.

فإن خلّف مع العبد مائتين و قيمة العبد مائة و لم يقصد الرجوع، أخذ

ص: 99

الثاني علي الأوّل مع الإجازة ثلث المال و ثلثا عائلا من العبد، و هو ربعه، و الأوّل ثلاثة أرباعه.

و لو ردّ الورثة ما زاد علي الثّلث، فللأوّل نصف العبد علي الثاني، و يحتمل علي الأوّل أيضا، و للثاني سدس التركة، فيأخذ سدس العبد و سدس المائتين، فله من العبد ستّة عشر و ثلثان، و من باقي التركة ثلاثة و ثلاثون و ثلث.

و يحتمل قويّا علي الأوّل اقتسامهما الثّلث حالة الردّ علي حسب ما لهما في الإجازة، فوصيّة صاحب العبد أقلّ؛ لأنّه شرّك معه في وصيّته غيره، و لم يشرّك في وصيّة الثاني غيره، فلصاحب الثّلث ثلث المائتين من غير مزاحمة، و يشتركان في العبد، للثاني ثلثه، و للآخر جميعه، فيصير أرباعا.

و في حال الردّ تردّ وصيّتهما إلي ثلث المال، فيضرب مخرج الثّلث في مخرج الرّبع يكون اثني عشر، ثمّ في ثلاثة يكون ستّة و ثلاثين، فلصاحب الثّلث ثلث المائتين، و هو ثمانية من أربعة و عشرين، و ربع العبد، و هو ثلاثة أسهم، يكمل له أحد عشر، و لصاحب العبد ثلاثة أرباعه، و هو تسعة نضمّها إلي سهام صاحب الثّلث، فالجميع عشرون، ففي الردّ نجعل الثّلث عشرين، فالمال ستّون، فلصاحب العبد تسعة من العبد، و هو ربعه و خمسه، و لصاحب الثّلث ثمانية من الأربعين، و هي خمسها، و ثلاثة من العبد، و هو عشره و نصف عشره.

و يحتمل مع عدم الإجازة ضمّ سهامه إلي سهام الورثة، و بسط باقي العبد و التركة أخماسا، فله عشر العبد و خمس المائتين علي الثاني.

مسألة 363: لو خلّف عبدا مستوعبا قيمته مائة و أوصي به لواحد

ص: 100

و لآخر بثلثه و لآخر بسدسه علي جهة العول، قسّم العبد تسعة، ستّة لصاحب الكلّ، و اثنان لصاحب الثّلث، و واحد لصاحب السّدس.

و يحتمل أن يكون للأوّل تسعة و عشرون من ستّة و ثلاثين، و للثاني خمسة، و للثالث اثنان.

و لو جعل العول بين المستوعب و الآخرين(1) دونهما، فللأوّل ثلاثة أرباع، و للثاني السّدس، و للثالث نصفه، و لو ردّ الوارث قسّم الثّلث كذلك.

و لو كان مع العبد مائتان و أوصي لواحد به و لآخر بثلث ماله و لآخر بسدسه، فلصاحب العبد مع الإجازة ثلثا العبد، و لصاحب الثّلث تسعاه و ثلث الدراهم، و لصاحب السّدس تسعه و سدس الدراهم، و مع الردّ يضرب صاحب العبد بمائة، و صاحب الثّلث بها، و صاحب السّدس بخمسين، و ينحصر حقّ صاحب العبد فيه.

و علي الاحتمال القويّ يجعل الثّلث ثمانية عشر، للأوّل ستّة من العبد، و للثاني اثنان منه و ستّة من باقي التركة، و للثالث واحد منه و ثلاثة من باقي التركة.

و لو ترك ثلاثة قيمة كلّ واحد مائة و أوصي بعتق أحدهم و لآخر بثلث ماله علي سبيل العول، عتق من العبد ثلاثة أرباعه، و كان للموصي له ربعه و ثلث العبدين الآخرين مع الإجازة، و مع الردّ مبلغ الوصيّتين مائتان و الثّلث مائة، و هو مثل نصفه، فلكلّ واحد نصف ما أوصي له به، فيعتق من العبد نصفه، و لصاحب الثّلث سدس كلّ عبد.

و يحتمل ما تقدّم.».

ص: 101


1- في «ص»: «الأخيرين».
مسألة 364: لو أقرّ الوارث أنّ أباه وصّي لزيد بثلث ماله،

و أقام بكر شاهدين أنّه وصّي له بثلثه، و ردّ الوارث الوصيّتين، و كان الوارث رجلا عاقلا عدلا و شهد بالوصيّة، حلف معه الموصي له، و اشتركا في الثّلث، و به قال أبو ثور، و هو قياس مذهب الشافعي(1).

و قال أصحاب الرأي: لا يشاركه المقرّ له؛ بناء منهم علي أنّ الشاهد و اليمين ليس بحجّة شرعيّة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه قد ثبت أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قضي بشاهد و يمين(3).

و لو لم يكن المقرّ عدلا أو كان امرأة، فالثّلث لمن ثبت له البيّنة؛ لأنّ وصيّته ثابتة، و لم تثبت وصيّة الآخر.

و الأقرب: أنّه يمضي في قدر نصيبه إن كذّب البيّنة.

و لو لم يكن لواحد منهما بيّنة فأقرّ الوارث بأنّ مورّثه أقرّ لزيد بالثّلث أو بهذا العبد و أقرّ به لآخر بكلام متّصل، فالمقرّ به بينهما، و به قال أبو ثور و أصحاب الرأي(4).

ص: 102


1- المغني 517:6، الشرح الكبير 486:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 36:28، و 29:17-30، روضة القضاة 1: 951/214، المغني 517:6، الشرح الكبير 486:6.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 9102/160:10، و 18165/225:14 و 18166، مسند أحمد 2961/531:1 و 2962، صحيح مسلم 1712/1337:3، سنن ابن ماجة 2368/793:2-2370، سنن أبي داود 3608/308:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 627:3-1343/628-1345، السنن الكبري - للنسائي - 490:3-6011/491-1 و 6012-2 و 6014-4، مسند أبي يعلي 4: 2511/390، المعجم الأوسط - للطبراني - 1063/414:1، و 4782/180:5، سنن الدارقطني 29/212:4، المستدرك - للحاكم - 517:3، السنن الكبري - للبيهقي - 167:10 و 172-173.
4- المبسوط - للسرخسي - 36:28، المغني 517:6، الشرح الكبير 486:6.

و لو أقرّ به لواحد ثمّ أقرّ به لآخر في مجلس آخر، لم يقبل إقراره؛ لأنّه ثبت للأوّل بإقراره، فلا يقبل قوله فيما ينقص به حقّ الأوّل إلاّ أن يكون عدلا فيشهد بذلك و يحلف معه المقرّ له فيشاركه، كما لو ثبت للأوّل بيّنة.

و إن أقرّ للثاني في المجلس بكلام متّصل، احتمل عدم القبول؛ لأنّ حقّ الأوّل ثبت في الجميع، فأشبه ما لو أقرّ له في مجلس آخر، و ثبوته؛ لأنّ المجلس الواحد كالحال الواحدة.

مسألة 365: لو خلّف ثلاثة أعبد متساوية القيمة مستوعبة

فأقرّ الوارث بأنّ الميّت أعتق في مرضه واحدا معيّنا و شهد آخران أنّه أعتق غيره و صدّقهما الوارث، فإن أجاز العتقين نفذا.

و إن لم يجزهما، فإن ثبت تقدّم عتق أحدهما، حكم له بالحرّيّة، و بطل عتق الآخر، كأن يشهد الشاهدان بالعتق في أوّل شعبان، و يقرّ الوارث بالعتق في نصفه، أو يقرّ العبدان بالتقدّم مع الورثة.

و لو شهدا بالعتق في نصفه و أقرّ الوارث بأنّ عتق المقرّ له في أوّله، فإن صدّقه المشهود له، بطل عتقه، و إن كذّبه و حلف، عتق المشهود له؛ لقوّة البيّنة، و كان كالتالف، فإن كان قبل قبض الوارث له، عتق ثلثا المقرّ له، و إلاّ الجميع علي إشكال.

و إن لم يثبت التقدّم، فإن ثبت الاقتران أو لم يدّع العبدان التقدّم، فالقرعة، و لو ادّعياه تحالفا، و لو كذّب الوارث الشهود، فالمشهود له كالتالف.

مسألة 366: إذا أوصي له بثلث ماله،

ثبت للموصي له الثّلث من كلّ أعيانه، و ليس للوارث تخصيصه بعين دون أخري إلاّ برضاه، كما أنّه لو عيّن الموصي الوصيّة في شيء بعينه، لم يكن للموصي له التعميم في كلّ

ص: 103

شيء بقدر تلك العين.

و لو دفع الوارث قيمة بعض الأعيان، لم يجب علي الموصي له القبول، و كان له المطالبة من كلّ شيء بثلثه.

و لو أوصي بثلثه للفقراء و له أموال متفرّقة، جاز صرف كلّ ما في بلد إلي فقرائه.

و لو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي، جاز أيضا.

و هل يجوز العدول عن فقراء بلده ؟ إشكال.

و يدفع إلي الموجودين في البلد، و لا يجب تتبّع من غاب.

و يجب أن يعطي من يصدق عليه اسم الجمع، و أقلّه ثلاثة.

إذا ثبت هذا، فإنّ الثّلث يعتبر وقت الوفاة، لا وقت الوصاية، فلو أوصي بشيء و كان موسرا في حال الوصيّة ثمّ افتقر عند الوفاة، لم يعتبر بيساره السابق، و كذا لو كان في حال الوصيّة فقيرا ثمّ أيسر وقت الوفاة، كان الاعتبار بحال يساره.

و الاعتبار في الوصف المتعلّق به العطاء وقت الإقباض، فلو أوصي للفقراء فاستغني بعضهم أو كلّهم، لم يدفع إليهم و إن كان ذلك بعد الموت.

و لو أوصي بالمضاربة بتركته أو ببعضها علي أنّ الربح بينه و بين ورثته بالسويّة، صحّ.

و شرط بعضهم كونه قدر الثّلث فأقلّ(1).

مسألة 367: الاعتبار في قيمة الموصي به و خروجها من الثّلث أو عدم خروجها بحالة الموت؛

لأنّها حالة لزوم الوصيّة، فتعتبر قيمة المال فيها،

ص: 104


1- ينظر: السرائر - لابن إدريس - 192:3.

فينظر فإن كانت قيمة الموصي به وقت الموت ثلث التركة و أقلّ، نفذت الوصيّة، و استحقّها الموصي له، فإن زادت قيمته بعد ذلك فهو للموصي له، و لا شيء للورثة فيه.

و لو زاد عن الثّلث حين الموت، فللموصي له قدر ثلث المال، فإن كان نصف المال فللموصي له ثلثاه، و إن كان ثلثاه فللموصي له نصفه، و إن كان نصف المال و ثلثه فللموصي له خمساه، فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد، فليس للموصي له سوي ما كان له حين الموت.

فلو أوصي بعبد قيمته مائة و له مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتي صار يساوي مائتين، فهو للموصي له كلّه.

و إن كانت قيمته حين الموت مائتين، فللموصي له ثلثاه؛ لأنّهما ثلث المال.

و إن نقصت قيمته بعد الموت حتي صار يساوي مائة، لم يزد حقّ الموصي له عن ثلثه شيئا، إلاّ أن يجيز الوارث.

و إن كانت قيمته أربعمائة، فللموصي له نصفه لا يزداد حقّه عن ذلك، سواء نقص العبد أو زاد، و نقص المال أو زاد.

مسألة 368: لو أوصي بثلث ماله لرجل فقتل الموصي أو جرح عمدا أو خطأ فأخذت الدية،

فللموصي له بالثّلث ثلث الدية - و به قال عليّ عليه السّلام و الحسن و مالك و أحمد في إحدي الروايتين(1) - لأنّ الدية تجب للميّت؛ لأنّها بدل نفسه، و نفسه له، فكذلك بدله(2) ، و لأنّ بدل أطرافه في حال حياته له، فكذا بعد موته، و لهذا تقضي منها ديونه، و يجهّز منها إن كان قبل

ص: 105


1- المغني 597:6، الشرح الكبير 542:6.
2- الظاهر: «بدلها».

تجهيزه.

و لقول الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من أوصي بثلثه و قتل خطأ فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته»(1).

و عن محمّد بن مسلم قال: قلت له: رجل أوصي لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع، فقتل الرجل خطأ، يعني الموصي، فقال: «يجاز لهذا الوصيّة من ميراثه و من ديته»(2).

و نقل عن أحمد في الرواية الأخري: أنّه لا تدخل الدية في وصيّته - و روي ذلك عن مكحول و شريك و أبي ثور و داود و إسحاق، و قاله مالك في دية العمد - لأنّ الدية إنّما تجب للورثة بعد موت الموصي، بدليل أنّ سببها الموت، فلا يجوز وجوبها قبله؛ لأنّ الحكم لا يتقدّم سببه، و لا يجوز أن يجب للميّت شيء بعد موته؛ لأنّه بالموت تزول أملاكه الثابتة [له] فكيف يتجدّد له ملك!؟ فلا تدخل في الوصيّة؛ لأنّ الميّت إنّما يوصي بجزء من ماله، لا بمال ورثته(3).

و نمنع زوال أملاكه مطلقا، و إنّما يزول منها ما استغني عنه، فأمّا ما تعلّقت به حاجته فلا، و لأنّه يجوز أن يتجدّد له ملك بعد الموت، كمن نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته، فإنّه يملكه بحيث تقضي ديونه منه و يجهّز، و كذلك ديته؛ لأنّ تنفيذ وصيّته من حاجته، فأشبهت قضاء دينه.

إذا عرفت هذا، فهل حكم العمد في القتل و الخطأ واحد؟ الأقرب أن يقال: إن أخذت الورثة الدية صلحا قضيت الديون و الوصايا منها، و كانتا.

ص: 106


1- الكافي 7/11:7، التهذيب 774/193:9، و 821/207.
2- التهذيب 822/207:9.
3- المغني 597:6، الشرح الكبير 542:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

محسوبة من مال الميّت؛ لأنّها عوض نفسه، و نفسه له.

و لقول الباقر عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أوصي لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقلّ من ذلك أو أكثر ثمّ قتل بعد ذلك الموصي، فودي، فقضي في وصيّته أنّها تنفذ من ماله و ديته كما أوصي»(1) و هو عامّ في العمد و الخطأ.

و إن طلب الورثة القصاص، لم تحسب الدية، و لم يكن لأحد من الدّيّان و الموصي لهم منعهم منه.

و كذا البحث لو ورث الوارث القصاص في الأعضاء و الجوارح.

و الأقرب: أنّ للورثة العفو عن القصاص و الدية في النفس و الأعضاء و الجراح في العمد دون الخطأ.

مسألة 369: لو أعتق المريض أمة حاملا بمملوك في مرضه ثمّ مات،

فإنّها تقوّم من الثّلث.

و هل تقوّم حاملا أو تقوّم [منفردة] و يقوّم حملها؟ الوجه: أنّها تقوّم منفردة؛ لأنّ الحمل عندنا لا يعتق بعتق أمّه.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّها تقوّم حاملا، فإن خرجت من الثّلث و إلاّ عتق منها ما يخرج، و يعتق من ولدها بقدر ما عتق منها.

و الثاني: تقوّم حاملا دون حملها، و يقوّم ولدها في أوّل حال إمكان تقويمه، و هي حالة وضعه، و إنّما قوّمت حاملا دون الحمل؛ لأنّ الحمل نقص في الآدميّين(2).

ص: 107


1- التهذيب 207:9-823/208.
2- الحاوي الكبير 289:8، البيان 185:8.

و أصل هذين القولين: أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟

فإذا قوّمت و كانت قيمتها مائة و قيمة حملها خمسين و كان الثّلث مائة، عتق من الأمّ ثلثاها، و من الولد ثلثاه، و ذلك يضمّ(1) مائة، و لم يجمع العتق في واحد منهما، كما في العبدين؛ لأنّ الولد تابع للأمّ لا يعتق دونها؛ لأنّ عتقه حصل بإعتاقها، و متي عتقت وجب أن يتبعها في العتق.

فإن أعتق الولد ثمّ أعتق الأمّ و لم يخرجا من الثّلث، قدّمنا عتق الولد؛ لأنّه سابق، و لم نقرع بينهما.

فإن أعتق حملها و كانوا جماعة و لم يخرجوا من الثّلث، أقرع بينهم.

فإن قال في مرضه: إذا أعتقت نصف حملك فأنت حرّة، ثمّ أعتق نصف حملها، لم تعتق عندنا؛ لأنّ العتق بشرط باطل.

و عند العامّة يصحّ معلّقا.

فنقول: عتق نصف حملها يقتضي سرايته إلي الباقي و عتق الأمّ؛ لأنّه شرط في إعتاقها، فإن خرج و الأمّ من الثّلث عتقا، و إن لم يخرجا عتق النصف، و أقرعنا بين نصف الولد و الأمّ؛ لأنّ عتقهما وقع في حالة واحدة.

فإن خرجت القرعة علي الولد و قيمة نصفه خمسون و قيمة الأمّ خمسون و الذي بقي من الثّلث خمسون، فيعتق نصف الولد، و ترقّ الأمّ.

و إن خرجت القرعة علي الأمّ، لم يمكن عتقها دون عتق الولد؛ لأنّه يتبعها في العتق، فيعتق نصفها و ربع الولد بخمسين، فيحصل العتق في الولد في ثلاثة أرباعه، و في الأمّ في نصفها.

و إن كانت قيمة الأمّ مائة و قيمة الولد مائة، و الثّلث مائة، فيعتق نصف».

ص: 108


1- في النّسخ الخطّيّة: «بقيمة» بدل «يضمّ».

الولد، و يقرع بين نصف الولد و الأمّ، فإن خرجت علي الولد عتق باقيه، و إن خرجت علي الأمّ عتق ثلثها و سدس الولد، و ذلك قدر خمسين.

البحث الثالث: فيما تثبت به الوصيّة.

مسألة 370: قد عرفت أنّ الوصيّة إمّا بالمال و المنفعة،

أو بالولاية.

فالوصيّة بالمال و المنفعة حكمها واحد تقبل فيه شهادة عدلين، و مع عدم عدول المسلمين تقبل شهادة عدول أهل الذمّة؛ لقوله تعالي: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (1).

و لما رواه يحيي بن محمّد عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (2) قال:

«اللّذان منكم مسلمان، و اللّذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس؛ لأنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله سنّ في المجوس سنّة أهل الكتاب في الجزية» قال: «و ذلك إذا مات في أرض غربة فلم يجد مسلمين أشهد رجلين من أهل الكتاب يحبسان مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبي وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (3) قال: «و ذلك إن ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما، فإن عثر علي أنّهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما حتي يجيء شاهدان فيقومان مقام الشاهدين الأوّلين فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ (4) فإذا

ص: 109


1- سورة المائدة: 106.
2- سورة المائدة: 106.
3- سورة المائدة: 106.
4- سورة المائدة: 107.

فعل ذلك نقض شهادة الأوّلين، و جازت شهادة الآخرين، يقول اللّه عزّ و جلّ: ذلِكَ أَدْني أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلي وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ (1)»(2).

مسألة 371: لا يجب الإشهاد في الوصيّة،

سواء كانت بالمال أو بالولاية، بل تستحبّ استحبابا مؤكّدا، و ليس الإشهاد من شرط صحّة الوصيّة إلي الموصي إليه، بل ينبغي الإشهاد لئلاّ ينازع الوارث فيها، فإن لم يشهد أصلا و أمكن الوصيّ نفاذ الوصيّة، وجب عليه إنفاذها علي ما أوصي به إليه.

و لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول في الوصيّة، إلاّ عند الضرورة و فقد عدول المسلمين، فإنّه يجوز و الحال هذه أن يشهد نفسين من أهل الذمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته؛ لما رواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه تعالي: ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ (3) قال: فقال: «اللّذان منكم مسلمان، و اللّذان من غيركم من أهل الكتاب» فقال: «إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما علي وصيّته فلم يجد مسلمين فليشهد علي وصيّته رجلين ذمّيّين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم»(4).

مسألة 372: قال المفيد رحمه اللّه: لا تقبل شهادة أهل الذمّة في وصيّة إنسان

مات في بلاد المسلمين(5) ، و إنّما تقبل مع الضرورة إذا لم يوجد شاهد من

ص: 110


1- سورة المائدة: 108.
2- الكافي 4:7-6/5، التهذيب 178:9-715/179.
3- سورة المائدة: 106.
4- التهذيب 718/179:9.
5- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «الإسلام» بدل «المسلمين».

أهل المسلمين(1) ؛ لدلالة الآية(2) و الأحاديث(3) علي اشتراط الغربة.

و ليس المقصود بالذات الغربة عن البلد، فلو كان في بلد المسلمين و لم يتّفق له إشهاد أحد منهم إمّا لامتناعهم أو لغير ذلك من الأسباب، فالأولي قبول (شهود)(4) أهل الذمّة.

و لو وجد مسلمان مجهولا العدالة، فهما أولي من شهود أهل الذمّة.

و لو وجد مسلمان فاسقان(5) ، فإن كان فسقهما بغير الكذب و الخيانة، فالأولي أنّهما أولي من أهل الذمّة، و لو كان فسقهما يتضمّن اعتقاد الكذب و عدم التحرّز منه، فأهل الذمّة أولي.

مسألة 373: لا تقبل شهادة غير أهل الذمّة و من بحكمهم من المجوس

من سائر أصناف الكفّار، سواء كانوا أهل عفاف في مذهبهم أو لا؛ للأصل.

و كذا لا تقبل شهادة فسّاق المسلمين و لا المراهق.

و لو لم يجد سوي امرأة مسلمة، قبلت شهادتها في ربع ما شهدت به؛ لرواية ربعي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل، فقال: «يجاز ربع ما أوصي بحساب شهاتها»(6).

و عن الباقر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام «أنّه قضي في وصيّة

ص: 111


1- المقنعة: 667.
2- سورة المائدة: 106.
3- منها: ما تقدّم تخريجه في ص 110، الهامش (2 و 4).
4- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «الشهود من».
5- في النّسخ الخطّيّة: «فاسقان مسلمان».
6- الكافي 4/4:7، التهذيب 719/180:9.

لم يشهدها إلاّ امرأة، فأجاز بحساب شهادة المرأة ربع الوصيّة»(1).

قال علماؤنا: و تقبل شهادة امرأتين في النصف و شهادة ثلاث نساء في ثلاثة أرباع الوصيّة و شهادة أربع في الجميع.

مسألة 374: هل يفتقر الحكم بقبول شهادة المرأة في الرّبع

و المرأتين في النصف و الثلاث في ثلاثة الأرباع إلي انضمام اليمين ؟ لم ينص علماؤنا عليه، و الأقرب: افتقار الحكم إليه.

و تقبل شهادة رجل و امرأتين في الوصيّة بالمال إجماعا منّا من غير يمين؛ للآية(2).

و تقبل شهادة رجل واحد مع اليمين في الوصيّة إجماعا منّا.

و هل تقبل شهادة الرجل وحده في بعض الوصيّة من غير يمين ؟ إشكال ينشأ من أنّه أكمل من المرأة، فحينئذ لو قبلناه لم يقبل في الجميع قطعا، إلاّ مع اليمين.

و هل تقبل في الرّبع كالمرأة، أو في النصف كالمرأتين ؟ إشكال.

و لو شهد عدل و ذمّيّ، فالأقرب: القبول من غير يمين إذا تعذّر شهادة المسلمين.

و لو شهدت امرأة مسلمة و ذمّيّ، لم تقبل في الزائد علي الرّبع.

و لو شهد أربع من نساء أهل الذمّة، لم يعتد بشهادتهنّ.

مسألة 375: لا تقبل في الشهادة بالولاية إلاّ شهادة رجلين عدلين مسلمين.

و لا تقبل شهادة أهل الذمّة و إن كثروا، و لا شهادة النساء كذلك،

ص: 112


1- التهذيب 720/180:9.
2- سورة البقرة: 282.

لا منفردات عن الرجال و لا منضمّات إليهم.

و لا تقبل شهادة رجل و يمين.

و الأقرب: أنّه لا تقبل شهادة عدول أهل الذمّة مع تعذّر المسلمين.

مسألة 376: لو أقرّ الورثة بأسرهم بالوصيّة بالمال أو الولاية،

ثبتت فيما لا يفتقر إلي الشهادة.

و لو افتقر فإن شهد اثنان من الورثة عدلان، نفذت شهادتهما علي باقي الورثة، و إلاّ نفذ في قدر نصيبهما.

و لو أشهد عبدين له علي حمل أمته أنّه منه و أنّهما حرّان ثمّ مات، فردّت شهادتهما و أخذ التركة غيره ثمّ أعتقهما و شهدا ثانيا بما شهدا به أوّلا، قبلت للولد، و رجعا رقّا، لكن يكره للولد استرقاقهما؛ لأنّهما أحييا حقّه، و قد سلفت الرواية(1) فيه.

البحث الرابع: في المرض المقتضي للحجب.

مسألة 377: العطيّة ضربان: مؤخّرة بعد الوفاة،

و منجّزة.

فأمّا المؤخّرة فمثل أن يوصي بعتق أو بيع أو محاباة أو بمال أو بمنفعة، فإنّ هذه لا فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض، و اعتبارها من الثّلث بلا خلاف؛ لأنّ وقوعها يكون بعد الموت، و مع قصور الثّلث يبدأ بالأوّل فالأوّل عندنا، خلافا للعامّة(2).

ص: 113


1- أي: رواية داود بن فرقد عن الصادق عليه السّلام، السالفة في ج 21، ص 318، المسألة 191، و هي في التهذيب 870/222:9.
2- ينظر: البيان 172:8، و العزيز شرح الوجيز 56:7-57، و روضة الطالبين 5: 130.

و أمّا المنجّزة فإمّا أن تقع حال الصحّة أو حال المرض.

فإن كانت في حال الصحّة، مثل أن يهب الصحيح و يسلم أو يعتق أو يبيع بمحاباة، فهي لازمة لا اعتراض لأحد عليها، و لا رجوع فيها.

و إن كانت في حال المرض، فلها شرطان:

أحدهما: أن يتّصل المرض بالموت، فلو برأ بينهما نفذ الجميع من الأصل.

و الثاني: أن يكون المرض مخوفا.

و أقسام المرض ثلاثة:

ضرب منه غير مخوف، كوجع العين، و وجع الضرس، و وجع الرأس، و حمّي ساعة، فإنّ هذا ممّا لا يخاف منه الموت في العادة، و كذلك الأمراض التي تطول مدّتها، كالسل و الفالج علي ما يأتي تفصيلها، فإنّ ذلك يتطاول السنين الكثيرة.

و حكمه حكم الصحيح لا يخاف منه تعجيل الموت و إن لا يبرأ، فجري ذلك مجري الهرم.

الثاني(1): أن ينتهي الحال بالإنسان إلي ما يقطع فيه بموته منه عاجلا، و ذلك بأن يشخص بصره عند النزع، و تبلغ الروح الحنجرة، أو يشقّ بطنه و تخرج حشوته، أو ينقطع حلقومه و مريئه.

و مثل هذا لا اعتبار بكلامه في الوصيّة و غيرها، حتي لا يصحّ إسلام الكافر و توبة الفاسق؛ لأنّه قد صار في حيّز الأموات، و حركته كحركة المذبوح، و لا حكم لعطاياه(2) ، و لو قتله قاتل لم يجب به ضمان و لا كفّارة؛».

ص: 114


1- أي: القسم الثاني من أقسام المرض.
2- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «لعطائه».

لأنّه ليس فيه حياة مستقرّة، قال اللّه تعالي: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّي إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ (1).

و كذا قال(2) الشافعي(3).

و يحتمل قويّا أن يقال: إن كان عقله ثابتا صحّت وصيّته و اعتبر كلامه، فإنّ عليّا عليه السّلام أوصي و أمر و نهي بعد ضرب ابن ملجم لعنه اللّه، و حكم بصحّة قوله.

الثالث: أن لا ينتهي الحال إلي ذلك، لكن يكون مخوفا يخاف معه الموت، فإنّ عطاياه فيه صحيحة، و كلامه معتبر، و عقوده منعقدة؛ لأنّ عمر ابن الخطّاب لمّا جرح سقاه الطبيب لبنا، فخرج من جرحه، فقال له: اعهد إلي الناس، فعهد إليهم(4) ، و اتّفقت الصحابة علي نفوذ وصيّته(5).

فإن برأ من مرضه، لزمت منجّزاته من الأصل إجماعا، و إن مات في مرضه ذلك نفذت من الثّلث؛ لأنّ رجلا من الأنصار أعتق ستّة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم، فاستدعاهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و جزّأهم ثلاثة أجزاء6.

ص: 115


1- سورة النساء: 18.
2- في «ص» و الطبعة الحجريّة: «قاله».
3- الحاوي الكبير 319:8، التهذيب - للبغوي - 103:5، البيان 163:8، العزيز شرح الوجيز 43:7، روضة الطالبين 118:5.
4- المصنّف - لعبد الرزّاق - 476:5، ذيل الرقم 9775، الطبقات الكبري - لابن سعد - 346:3 و 351، مسند أحمد 296/70:1، تاريخ المدينة - لابن شبة النميري - 911:3-912، المعجم الكبير - للطبراني - 78/71:1، تاريخ مدينة دمشق 414:44، الكامل في التاريخ 52:3، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 186:12، البيان 163:8، المغني 541:6، الشرح الكبير 315:6.
5- كما في المغني 541:6، و الشرح الكبير 315:6.

و أقرع بينهم، فأعتق اثنين و أرقّ أربعة(1).

و هذه المنجّزات لازمة في حقّه؛ لأنّه نجّزها، بخلاف الوصيّة، فإن كانت بقدر الثّلث نفذت، و إن كانت أكثر، فإن أجازها الوارث جازت، و إن ردّها الورثة قدّم الأوّل فالأوّل؛ لأنّه سبق في الوقوع و اللزوم.

و كذا الوصايا عندنا، خلافا للعامّة؛ لأنّ وقوعها عندهم في حالة الموت(2)(3).

فأمّا إن تصرّف هذا المريض بالبيع و الشراء بغير محاباة و صرف المال في شهواته و ملاذّه و ملابسه، فلا اعتراض عليه؛ لأنّ الاعتراض إنّما يكون في تبرّعاته بعد الموت، فإذا اشتري بغير محاباة و أتلف ما اشتراه، فليس للورثة فيه اعتراض.

مسألة 378: الحمّي قسمان: مطبقة و غير مطبقة. فالمطبقة: اللازمة.

فإذا لزمت يوما أو يومين، لم تكن مرضا مخوفا، فإن دامت به صار ذلك مخوفا؛ لما فيها من إضعاف القوّة.

فإن تصرّف في اليوم الأوّل أو الثاني، كان تصرّفه ماضيا، و إن تصرّف في الثالث و فيما بعده مضي من الثّلث.

ص: 116


1- مسند أحمد 19325/588:5، صحيح مسلم 1668/1288، سنن ابن ماجة 2: 2345/786، سنن أبي داود 3958/28:4، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 3: 1364/645، سنن النسائي (المجتبي) 64:4، السنن الكبري - للنسائي - 1: 2085/636، و 4973/187:3-4، المعجم الكبير - للطبراني - 334/153:18، السنن الكبري - للبيهقي - 272:6، المغني 524:6، الشرح الكبير 316:6.
2- في «ص» زيادة: «في حالة واحدة».
3- ينظر: المغني 525:6، و الشرح الكبير 316:6.

و الشيخ رحمه اللّه مال إلي ذلك(1) ، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّ الحمّي من أوّل حدوثها مخوفة، فينظر في عطيّته:

إن كانت قبل أن يعرق و اتّصل الموت فهي من الثّلث، و ظهر أنّها كانت مخوفة، و إن كانت بعد العرق فهي من رأس المال؛ لأنّ أثرها قد زال بالعرق، و الموت بسبب آخر(3).

و الوجه عندي: أنّه متي اتّصل المرض بالموت كان مانعا من الزائد علي الثّلث.

و أمّا غير المطبقة فهي أنواع: الورد، و هي التي تأتي كلّ يوم، و الغبّ، و هي التي تأتي يوما و تترك يوما، و الثّلث، و هي التي تأتي يومين و تقطع يوما، و حمّي الأخوين، و هي التي تأتي يومين و تقطع يومين، و الرّبع، و هي التي تأتي يوما و تقطع يومين، و تعود في اليوم الرابع.

فما سوي الرّبع و الغبّ من هذه الأنواع مخوف.

و أمّا الرّبع علي تجرّدها فهي غير مخوفة؛ لأنّ المحموم يأخذ القوّة في يومي الإقلاع في العود بعد زوالها، إلاّ أن يكون معها برسام أو رعاف دائم أو ذات الجنب أو وجع القلب و الرئة أو قولنج، فيكون مخوفا؛ لأنّ البرسام بخار يرتقي إلي الرأس فيؤثّر في الدماغ، و الرّعاف الدائم يصفّي الدم فيذهب القوّة، و ذات الجنب قرح بباطن الجنب يوجع شديدا ثمّ ينفتح في الجوف و يسكن الوجع، و ذلك وقت الهلاك، و كذا وجع الخاصرة،5.

ص: 117


1- المبسوط - للطوسي - 44:4.
2- البيان 164:8، العزيز شرح الوجيز 45:7، روضة الطالبين 121:5.
3- التهذيب - للبغوي - 104:5، العزيز شرح الوجيز 45:7 و 46، روضة الطالبين 121:5.

و وجع القلب يستلزم اضطرابه، فإذا اضطراب كان مخوفا، و كذا الرئة؛ لأنّها لا تسكن حركتها، فلا يندمل جرحها، و القولنج انعقاد الطعام في بعض الأمعاء لا ينزل عنه، و يصعد بسببه البخار إلي الدماغ، فيؤدّي إلي الهلاك، فهذه كلّها مخوفة، سواء كان معها حمّي أو لا.

و أمّا حمّي الغبّ فاختلف فيها، فقال قوم: إنّها مخوفة(1) ، و قال آخرون: إنّها غير مخوفة(2).

مسألة 379: الإسهال إن كان متواترا منخرقا لا يمكنه منعه و لا مسكه،

فهو مخوف و إن كان ساعة؛ لأنّ من لحقه ذلك أسرع في موته، و ينشّف رطوبات البدن، و إن لم يكن متواترا، بل يكون تارة و ينقطع أخري، فإن كان يوما أو يومين و لم يدم فليس بمخوف؛ لأنّه قد يكون من فضل الطعام، إلاّ أن يقترن به أحد أمور:

أ: أن ينخرق البطن، فلا يمكنه الإمساك، و يخرج الطعام غير مستحيل.

ب: أن يكون معه زحير، و هو أن يخرج بشدّة و توجّع، أو تقطيع، و هو أن يخرج كذلك و يكون مقطّعا، و قد يتوهّم انفصال شيء كثير، فإذا نظر كان قليلا، و هو مخوف؛ لأنّ فيه إضعاف القوّة.

ج: أن يعجله و يمنعه النوم.

د: أن يكون معه دم، فإنّ خروج الدم مخوف؛ لأنّه يسقط القوّة، و كذا إن كان من الأعضاء الشريفة، كالكبد و شبهه، و كذا الإسهال المنتن أو

ص: 118


1- التهذيب - للبغوي - 104:5، العزيز شرح الوجيز 46:7، روضة الطالبين 5: 121.
2- البيان 164:8، العزيز شرح الوجيز 46:7، روضة الطالبين 121:5.

الذي يمازجه دهنيّة أو براز أسود يغلي علي الأرض.

و أمّا إن دام الإسهال فإنّه يكون مخوفا، سواء كان معه زحير أو لم يكن.

مسألة 380: السلّ داء يصيب الرئة و يأخذ البدن منه في النقصان و الاصفرار،

و فيه قولان:

أحدهما: أنّه لا يكون مخوفا لا في أوّله و لا في آخره؛ لأنّ السلّ و إن لم يسلم منه صاحبه غالبا فإنّه لا يخشي منه الموت عاجلا، فيكون بمنزلة الشيخوخة و الهرم(1).

و الثاني: أنّ السلّ في انتهائه مخوف، و في ابتدائه غير مخوف؛ لأنّ مدّته تتطاول، فابتداؤه لا يخاف منه الموت عاجلا، فإذا انتهي خيف(2).

و قال آخرون: ابتداؤه مخوف، فإذا استمرّ لم يكن مخوفا(3).

و أمّا الدقّ فإنّه مخوف، و هو داء يصيب القلب، و لا تمتدّ معه الحياة غالبا.

مسألة 381: إذا هاج الدم و ثار، كان مخوفا،

و ذلك بأن يثور و ينصبّ إلي عضو من يد أو رجل أو غيرهما فيحمرّ و ينتفخ، و قد يذهب العضو إن لم يتدارك أمره عاجلا و إن سلم الشخص.

و لا يشترط تغيّر العقل - خلافا للشافعي في أحد قوليه(4) - فإنّه

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 45:7، روضة الطالبين 120:5.
2- الحاوي الكبير 321:8، المهذّب - للشيرازي - 460:1، الوجيز 272:1، العزيز شرح الوجيز 45:7، روضة الطالبين 120:5.
3- التهذيب - للبغوي - 104:5، العزيز شرح الوجيز 45:7، روضة الطالبين 5: 120.
4- مختصر المزني: 145، العزيز شرح الوجيز 46:7، روضة الطالبين 121:5.

مخوف مطلقا؛ لأنّ ذلك من الحرارة المفرطة.

و كذا هيجان الصفراء مخوف، كهيجان الدم؛ لأنّه قد يورث يبوسة.

و هيجان البلغم مخوف؛ لأنّ ذلك من شدّة البرد، فربما غلب علي الحرارة الغريزيّة فطفاها، فإذا صار فالجا تطاول و لم يكن مخوفا.

و أمّا الطاعون فهو مخوف؛ لأنّه من شدّة الحرارة، إلاّ أن يكون من هيجان الدم في جميع البدن و ينتفخ.

و قال بعضهم: إنّه انصباب الدم إلي عضو(1).

و الوجه: الأوّل.

و هو قريب من الجذام من أصابه تآكلت أعضاؤه و تساقط لحمه.

مسألة 382: إذا كانت الجراحة علي مقتل أو نافذة إلي جوف في الرأس أو البدن،

أو في موضع كثير اللحم، أو لها ضربان شديد، أو حصل معها تآكل أو ورم، فهي مخوفة، و لهذا قال الطبيب لعمر لمّا خرج اللبن من جرحه: اعهد(2) ، و لأنّه إذا وصل الجرح إلي الجوف لا يؤمن دخول الريح إليه فيطفئ الحرارة فيتلف، فلهذا كان مخوفا.

و أمّا إن كانت في يد أو ساق أو موضع لا ينفذ، فإن ورم الموضع أو كان معه ضربان أو تآكل فهو مخوف، و إلاّ فلا.

و أمّا الرّعاف الدائم فإنّه مخوف؛ لأنّه ينزف الدم و يسقط القوّة، و ابتداؤه ليس بمخوف.

و أمّا القيء فإن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الأخلاط فهو مخوف، و إلاّ فغير مخوف، إلاّ أن يدوم.

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 47:7، روضة الطالبين 122:5.
2- راجع: الهامش (4) من ص 115.

و البرسام مخوف.

و أمّا الجرب و وجع الضّرس و وجع العين و الصّداع فهي غير مخوفة.

مسألة 383: إذا أشكل هل المرض مخوف أم لا،

رجع إلي أهل البصيرة، و هم الأطبّاء؛ لأنّهم أهل المعرفة بذلك، للخبرة و التجربة.

و لا يقبل في ذلك إلاّ قول طبيبين مسلمين عدلين بالغين؛ لأنّ ذلك يتعلّق به إثبات حقّ الورثة و إسقاط حقوق أهل العطايا، فلا يقبل إلاّ العدول.

و شرط الشافعيّة الحرّيّة أيضا(1).

و ليس بجيّد.

و للشافعيّة وجه في جواز العدول من الوضوء إلي التيمّم بقول الصبي المراهق و الفاسق(2) ، و وجه: أنّه لا يشترط فيه العدد(3) ، و وجه: أنّه يجوز العدول من الوضوء إلي التيمّم بقول الطبيب الكافر، كما يجوز شرب الدواء من يده و هو لا يدري أنّه دواء أو داء(4) ، فلا يبعد عندهم اطّراد هذه الاختلافات هنا(5).

و قال الجويني: الذي أري أنّه لا يلحق بالشهادات من كلّ وجه، بل يلحق بالتقويم و تعديل الأنصباء في القسمة حتي يختلف الرأي في اعتبار العدد(6).

و لو اختلف الوارث و صاحب العطيّة في كون المرض مخوفا بعد موت المتبرّع، فالقول قول المتبرّع عليه؛ لأنّ الأصل السلامة عن المرض

ص: 121


1- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
2- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
3- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
4- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
5- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
6- نهاية المطلب 344:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 49:7، و روضة الطالبين 124:5.

المخوف، و علي الورثة البيّنة، و لا تثبت دعواه إلاّ بشهادة عدلين رجلين، و لا يقبل قول رجل و امرأتين و لا شاهد و يمين؛ لأنّها شهادة علي غير المال و إن كان المقصود المال.

و لو كان التبرّع من امرأة علي وجه لا يطّلع الرجال عليه غالبا، احتمل قبول شهادة رجلين و رجل و امرأتين و أربع نسوة.

و هل يعتبر في الشاهدين العلم بالطبّ؟ الأقرب ذلك.

و لو اختلف الوارث و المتبرّع عليه في المرض، فادّعاه الوارث، و أنكره المتبرّع عليه، احتمل قويّا تقديم قول المتبرّع عليه، سواء قصر زمان المرض أو طال.

و لو اختلف الوارث و المقرّ له في تهمة المقرّ، فالأقوي: العمل بشاهد الحال، و إن انتفت قدّم قول المقرّ له، إلاّ أن يقيم الوارث البيّنة بها.

مسألة 384: قد بيّنّا أنّ العطايا المنجّزة إذا وقعت في حالة المرض فلعلمائنا

قولان:

أحدهما: أنّها تمضي من الأصل، و لا بحث فيه.

و الثاني: أنّها تمضي من الثّلث بشرط استمرار المرض فيها إلي حين الوفاة.

و هل يشترط في المرض أن يكون مخوفا؟ الأقرب عندي: المنع، بل كلّ مرض يتّصل به الموت - سواء كان مخوفا أو لا - فإنّ العطيّة فيه تخرج من الثّلث.

و قد اعتبر بعض علمائنا الخوف في المرض(1).

ص: 122


1- ينظر: شرائع الإسلام 261:2.

و هل يلحق به الأحوال المخوفة ممّا ليس بمرض ؟ الأقرب: المنع.

و أكثر العامّة و بعض علمائنا ألحقها به في إخراج العطيّة المنجّزة من الثّلث، و تأتي في مسائل.

مسألة 385: الحمل ليس بمخوف حتي يضربها الطّلق،

و به قال الشافعي(1).

و قال الشيخ رحمه اللّه: إذا ضرب الحامل الطّلق، فلها ثلاثة أحوال: حال قبل الطّلق، و حال مع الطّلق، و حال بعد الطّلق، فما قبل الطّلق لا يكون مخوفا، و ما يكون في حال الطّلق يكون مخوفا، و قال بعضهم: لا يكون مخوفا، و ما يكون بعده فإن لم يكن معه دم و لا ألم فلا يكون مخوفا، و إن كان معه دم و ألم كان مخوفا(2).

ثمّ نقل عن الشافعي أنّ ما يضربها قبل الطّلق لا يكون مخوفا، و ما يضربها مع الطّلق قولان، و ما يكون بعده ضربان(3).

و قال سعيد بن المسيّب: الحمل من ابتدائه إلي انتهائه مخوف(4).

ص: 123


1- مختصر المزني: 146، الحاوي الكبير 326:8-327، المهذّب - للشيرازي - 460:1، نهاية المطلب 345:11، الوجيز 272:1، الوسيط 423:4، التهذيب - للبغوي - 105:5، البيان 168:8، العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5، الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 1018:2 - 2089/1019، عيون المجالس 1392/1955:4، المعونة 1641:3، مختصر اختلاف العلماء 2200/67:5.
2- المبسوط - للطوسي - 46:4.
3- الخلاف 155:4، المسألة 29، و ينظر: البيان 168:8-169، و العزيز شرح الوجيز 49:7، و روضة الطالبين 124:5.
4- البيان 168:8، و ينظر: مختصر اختلاف العلماء 2200/67:5، و المغني 6: 542، و الشرح الكبير 319:6.

و قال مالك: إذا بلغ(1) ستّة أشهر فهو مخوف؛ لأنّه يفضي إلي التلف، فهو كالمرض(2).

و احتجّ الشافعي بأنّ الحامل صحيحة لا تخاف من الحمل التلف، و إنّما تخاف إذا تجدّد بها الطّلق، فقبل وجوده تخاف المرض لا الموت.

فأمّا إذا ضربها الطّلق فإنّه يكون مخوفا.

و قال الشافعي في الوصايا: إنّه غير مخوف(3).

ففي المسألة قولان:

أحدهما: أنّه مخوف؛ لأنّه بمنزلة القطع، و لأنّها حالة خوف، لصعوبة أمر الولادة.

و الثاني: أنّه غير مخوف؛ لأنّ الغالب منه السلامة، و إذا وضعت فالخوف باق إلي أن تنفصل المشيمة، فإذا انفصلت زال الخوف، إلاّ إذا حصل في الولادة جراحة أو ضربان شديد أو ورم، فإذا مات الولد في البطن فهو مخوف؛ لتعذّر خروجه.

و إذا ألقت المضغة أو العلقة، قال بعض الشافعيّة: لا يكون مخوفا(4) ،5.

ص: 124


1- أي: بلغ الحمل.
2- التفريع 331:2، المعونة 1641:3، الحاوي الكبير 326:8، البيان 8: 168، العزيز شرح الوجيز 49:7، و ينظر: الإشراف علي نكت مسائل الخلاف 2: 2089/1018، و عيون المجالس 1392/1954:4، و الكافي في فقه أهل المدينة: 545، و مختصر اختلاف العلماء 2200/67:5، و المغني 541:6، و الشرح الكبير 319:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 460:1، الوجيز 272:1، الوسيط 423:4، البيان 8: 169، العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
4- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.

و به قال الشيخ(1) رحمه اللّه.

و قال بعضهم: إلقاء المضغة كالولادة(2).

مسألة 386: إذا حصل خوف من غير أن يحلّ في البدن شيء،

ففيه صور:

أ: حال التحام الحرب، و إنّما يكون مخوفا إذا امتزجت الطائفتان للقتال و تساوتا أو تقاربتا في التكاثر، فإنّها حالة خوف، فإن كانت إحداهما قاهرة للأخري؛ لكثرتها أو قوّتها، و الأخري منهزمة، فالخائفة هي المنهزمة، و الغالبة ليست بخائفة إجماعا.

و إن لم تمتزج الطائفتان للحرب لكن وقع بينهم رمي النّشّاب و شبهه و هما متميّزتان، فليست بحالة خوف.

و لا فرق بين أن تكون الطائفتان مختلفتين في الدين أو متّفقتين.

ب: الأساري، فإن وقع الأسير في يد قوم لا يرون قتل الأساري، لم يكن مخوفا، كمن وقع في يد الروم إجماعا، و إن وقع في يد قوم يرون قتل الأساري، فهو مخوف.

ج: ركوب البحر، فإن ركب و كان البحر ساكنا فهو غير مخوف إجماعا، و إن تموّج و اضطرب فهو مخوف.

د: إذا قدّم لاستيفاء القصاص في قتل العمد، قال الشافعي: إن جرح فهو مخوف، و إن لم يجرح بعد فليس بمخوف(3).

ص: 125


1- المبسوط - للطوسي - 46:4.
2- العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 124:5.
3- الحاوي الكبير 324:8، المهذّب - للشيرازي - 461:1، نهاية المطلب 11: 346، الوسيط 422:4، البيان 170:8، العزيز شرح الوجيز 47:7، روضة الطالبين 123:5، المغني 543:6، الشرح الكبير 317:6-318.

و اختلفت الشافعيّة في هذه الصّور الأربع، منهم من قال في الصّور الثلاث السابقة: تلتحق بالمرض المخوف، و نصّ الشافعي في الإملاء في الصورة الرابعة بالمنع، فللشافعيّة إذا طريقان:

أظهرهما - و به قال المزني -: أنّها علي قولين في الجميع بالنقل و التخريج:

أحدهما: أنّها غير ملحقة بالمرض المخوف؛ لأنّه لم يصب بدنه شيء.

و أظهرهما - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني -: الالتحاق به؛ لأنّها أحوال تستعقب الهلاك غالبا.

و الثاني: الجريان علي ظاهر النصّين.

و الفرق بين الصّور الثلاث و الرابعة: أنّه إذا التحم القتال لا يرحم بعضهم بعضا، و البحر لا يحابي، و الكافر لا يرحم المسلمين، و مستحقّ القصاص لا تبعد منه الرحمة، و العفو بعد القدرة إمّا طمعا في الثواب أو في المال(1).

و قال بعضهم: إن كان هناك ما يغلب علي الظنّ أنّه يقتصّ من شدّة حقد أو عداوة قديمة أو خوف تقريع، فهو مخوف، و إلاّ فلا(2).

ه: إذا قدّم ليقتل رجما في الزنا أو في قطع الطريق، فالحكم كما في صورة التحام الحرب و القتال و نظائرهما؛ لأنّه ليس موضع الرحمة، بخلاف ما إذا قدّم للقصاص، فعلي طريق للشافعيّة فيه القولان، و علي الثاني يقطع بكونه مخوفا(3).

و فرّق بعضهم بين أن يثبت الزنا بالبيّنة أو الإقرار؛ لاحتمال الرجوع،5.

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 47:7-48، روضة الطالبين 123:5.
2- العزيز شرح الوجيز 48:7، روضة الطالبين 123:5.
3- العزيز شرح الوجيز 48:7، روضة الطالبين 123:5.

و قبوله في الثاني(1).

و: إذا وقع الطاعون في البلد و فشا الوباء، فهل هو مخوف في حقّ من لم يصبه ؟ وجهان مخرّجان من الخلاف في الصورة السابقة، و الأصحّ عندهم: أنّه مخوف(2).

مسألة 387: إذا كان المرض مخوفا،

حجرنا علي المريض في تبرّعاته فيما زاد علي الثّلث، و لم ننفذه علي أقوي القولين.

و لو تبرّع بالعقود اللازمة في حال الصحّة ثمّ سلم و برأ، تبيّنّا صحّة التبرّع، و أنّ ذلك المرض لم يكن مخوفا.

و كذا إذا التحم القتال و حكمنا بأنّه مخوف ثمّ انقضي الحرب و سلم.

و لو كان المرض غير مخوف و اتّصل به الموت، فإن كان بحيث لا يحال عليه الموت بحال - كوجع الضّرس و نحوه - فالتبرّع نافذ، و الموت محمول علي الفجأة، و إن كان غيره كإسهال يوم أو يومين، تبيّنّا باتّصال الموت كونه مخوفا، و كنّا نظنّ أنّ القوّة تحتمله فظهر خلافه.

و كذا حمّي يوم أو يومين.

إذا عرفت هذا، فقد قيل: إنّ المرض المخوف ما يستعدّ الإنسان بسببه لما بعد الموت(3) ، بأن يعدّ أسباب التجهيز و ما ينفعه بعد الموت من قربة و وصيّة و ردّ مظلمة.

و في هذه العبارة تسامح؛ فإنّ صاحب الفالج إذا امتدّت مدّته يخرج

ص: 127


1- العزيز شرح الوجيز 48:7، روضة الطالبين 123:5.
2- التهذيب - للبغوي - 105:5، العزيز شرح الوجيز 49:7، روضة الطالبين 5: 124.
3- الوجيز 272:1، العزيز شرح الوجيز 50:7.

عن هذا؛ لأنّ المفلوج لا يستعدّ للموت و ما بعده.

و قال أصحاب الرأي: المرض المخوف ما يمنعه من المجيء و الذهاب، و ما لا يمنعه من التردّد فهو غير مخوف(1).

و روي عنهم أنّ المخوف هو الذي يجوز القعود له في صلاة الفرض(2).

تنبيه: لا يشترط في المرض المخوف أن يقع الموت منه غالبا، بل يكفي أن يكون نادرا، كالبرسام.

و لو قال أهل المعرفة: إنّ هذا المرض لا يخاف منه الموت لكنّه سبب ظاهر في أن يتولّد منه المرض المخوف، فالأوّل مخوف أيضا.

و لو قالوا: إنّه يفضي إلي المرض المخوف نادرا، فالأوّل ليس بمخوف.7.

ص: 128


1- العزيز شرح الوجيز 50:7.
2- العزيز شرح الوجيز 50:7.

المقصد الثالث: في المسائل الدوريّة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في المقدّمات

مقدّمة: لفظة الدور تستعمل بمعنيين:

أحدهما: المحال الذي لا يتصوّر تحقّقه، و هو الذي يتوقّف فيه كلّ واحد من الشيئين علي صاحبه، فلا يوجد إلاّ بعد وجوده، بأن يكون كلّ واحد منهما علّة لصاحبه، أو له مدخل في علّته باعتبار واحد، و الضرورة قاضية ببطلان هذا، سواء توقّف وجود كلّ واحد منهما في الخارج أو في الذهن علي الآخر.

الثاني: الممكن، و هو الذي يتوقّف وجود كلّ واحد منهما علي مصاحبة الآخر، كالمتضايفين، و هو ممكن الوقوع في الذهن و الخارج.

إذا عرفت هذا، فقول الفقهاء في بعض مسائل الوصايا و غيرها: إنّه يدخلها الدور، إنّما يعنون به الثاني، لا الأوّل؛ لاستحالته، و امتناع تحقّق دخوله في شيء من الأشياء ذهنا و عينا.

و لنضرب لذلك مثالا:

فنقول: إذا خلّف ولدا لا غير، و أوصي لشخص بمثل نصيب ولده، هذه مسألة قد دخلها الدور؛ لأنّا لا نعلم قدر الوصيّة إلاّ إذا علمنا قدر نصيب الولد، فإنّ إعطاء الموصي له مثل النصيب لا يمكن إلاّ بعد العلم بالنصيب و قدره، و لكن النصيب لا يعلم قدره إلاّ إذا عرفنا قدر الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة مقدّمة علي الميراث، و لا يمكن أن يعرف كلّ واحد منهما بالآخر؛

ص: 129

للدور المحال، بل يعرف مع الآخر، و لمّا كانت المماثلة هنا من باب الأمور الإضافيّة و الإضافات تعلم معا بذكر سببها، وجب هناك كذلك.

فنقول: لمّا أوصي له بمثل نصيب ابنه، فقد جعله مماثلا له في التركة، و ذلك يوجب قسمتها بينهما بالسويّة بحيث يكون كلّ واحد منهما مماثلا للآخر، فتكون التركة في تقدير شيئين متساويين، للولد شيء هو نصف التركة، و للموصي له شيء هو النصف الآخر، و هذا هو السبب المقتضي للإضافة، و حصل بمعرفته معرفتهما معا من غير تقدّم أحدهما علي الآخر و لا توقّف تقديم و تأخير.

مقدّمة: حساب الجبر و المقابلة حساب عامّ يتعرّف منه استخراج المجهولات في مسائل المعاملات و التركات و الوصايا و المساحات، و هو مبنيّ علي ستّ مسائل تتولّد عن أمور ثلاثة: أعداد، و جذور، و أموال.

فالعدد إمّا أوّل و هو الذي يعدّه الواحد لا غير، كالثلاثة و الخمسة، و إمّا مركّب يعدّه عدد آخر، كالستّة تعدّها الثلاثة(1) مرّتين، و الاثنان ثلاثا، و الأربعة يعدّها الاثنان.

و سمّي مركّبا؛ لتركّبه من عدد في عدد، فإن تركّب من عدد في مثله سمّي مربّعا، كالأربعة تركّبت من اثنين في مثلها، و إن تركّب من عددين مختلفين سمّي غير مربّع، كالستّة تركّبت من اثنين في ثلاثة.

و أمّا الجذر فهو العدد الذي يضرب في مثله، فيرتفع العدد الذي سمّيناه مربّعا.

و أمّا المال فهو العدد المركّب الذي ارتفع من ضرب عدد في مثله،».

ص: 130


1- في الطبعة الحجريّة: «ثلاثة».

و هو المربّع أيضا، كالمائة، فإنّها مربّع حصلت من ضرب عشرة في عشرة، فالعدد أقسامه ثلاثة: مربّع، و جذر مربّع، و عدد مطلق ليس مربّعا و لا جذرا لمربّع، فإن كان المربّع مجهولا سمّي مالا، و إن كان الجذر مجهولا سمّي شيئا، و إذا قيل: مال و شيء، في موضع واحد، أردنا بالشيء جذر ذلك المال الذي هو معه، و نريد بالمال مربّع ذلك الشيء المقارن له.

و الضرب تضعيف أحد المضروبين بعدّة ما في المضروب الآخر من الآحاد، و ضرب الأعداد في الأشياء و في الأموال، فإنّ الآحاد في كلّ ما تضرب فيه يكون الخارج من جنس المضروب فيه، كقولنا: خمسة آحاد في خمسة أشياء، فخمسة في خمسة خمسة و عشرون، فيكون من جنس المضروب فيه، و هو الأشياء، و ضرب أربعة آحاد في ثلاثة أموال يكون اثني عشر مالا، و ضرب الأشياء في الأشياء يكون الخارج منه أموالا، و الخارج من ضرب الأشياء في الأموال سمّي كعابا، و من ضرب الأموال في الأموال أموال أموال.

و لو تعدّدت الأجناس فيهما أو في أحدهما، ضربنا كلّ جنس من المضروب في كلّ جنس من المضروب فيه، ثمّ نجمع ما يخرج من ذلك كلّ جنس مع جنسه، كقولنا: ثلاثة أموال و شيئان و خمسة دراهم في أربعة أشياء و درهمين، نضرب ثلاثة أموال في أربعة أشياء تكون اثني عشر كعبا، ثمّ نضربها في درهمين تكون ستّة أموال، ثمّ نضرب شيئين في أربعة أشياء تكون ثمانية أموال، ثمّ في درهمين تكون أربعة أشياء، ثمّ نضرب خمسة دراهم في أربعة أشياء تكون عشرين شيئا، ثمّ في درهمين تكون عشرة دراهم ثمّ نجمع كلّ جنس مع جنسه، فيكون الجواب اثني عشر كعبا و أربعة عشر مالا و أربعة و عشرين شيئا و عشرة دراهم.

ص: 131

و لو كان في أحد المضروبين أو فيهما استثناء، فإنّا نضرب أيضا كلّ جنس من المضروب مفردا في كلّ جنس من المضروب فيه، و يسمّي [الحاصل] من ضرب الزائد في الزائد زائدا، و من ضرب الناقص في الناقص زائدا، و من ضرب الزائد في الناقص ناقصا، فإذا قلنا: عشرة دراهم و شيء في عشرة دراهم و شيء، فنقول: عشرة زائدة في عشرة زائدة مائة زائدة، و عشرة زائدة في شيء زائد عشرة أشياء زائدة، و شيء زائد في عشرة زائدة عشرة أشياء زائدة، و شيء زائد في شيء زائد مال زائد، و المجموع مائة درهم و مال و عشرون شيئا.

و لو قيل: خمسة إلاّ شيئا في سبعة إلاّ شيئا، ضربنا خمسة زائدة في سبعة زائدة، فتكون خمسة و ثلاثين زائدا، و خمسة زائدة في شيء ناقص خمسة أشياء ناقصة، و سبعة زائدة في شيء ناقص سبعة أشياء ناقصة، و شيء ناقص في شيء ناقص مال زائد، و المجموع خمسة و ثلاثون أحدا و مال إلاّ اثنا عشر شيئا.

و لو قيل: عشرة و شيء في عشرة إلاّ شيئا، ضربنا عشرة زائدة في عشرة زائدة تكون مائة زائدة، ثمّ نضرب عشرة زائدة في شيء زائد تكون عشرة أشياء زائدة، ثمّ نضرب عشرة زائدة في شيء ناقص تكون عشرة أشياء ناقصة، ثمّ نضرب شيئا زائدا في شيء ناقص يكون مالا ناقصا، فإذا جمعنا و نقصنا الناقص من الزائد بقي مائة درهم إلاّ مالا.

و إذا ضربت الجذور بعضها في بعض ضربنا مربّعيهما أيضا بعضا في بعض ثمّ نأخذ جذر ما اجتمع، فهو الجواب.

مثلا: نريد ضرب جذر أربعة في جذر تسعة، فنضرب أربعة في تسعة تكون ستّة و ثلاثين، فيكون الجواب: ستّة التي هي جذر ستّة

ص: 132

و ثلاثين.

هذا في المفتوح، و في الأصمّ كذلك إذا أردنا أن نضرب جذر عشرة في جذر خمسة، ضربنا عشرة في خمسة تكون خمسين، فالجواب: أنّه جذر خمسين.

و قد يكون في الجذور الصمّ ما إذا ضربت بعضها في بعض كان له جذر مفتوح، كجذر ثمانية و هو أصمّ إذا ضرب في جذر ثمانية عشر و هو أصمّ، خرج مفتوحا؛ لأنّ ثمانية في ثمانية عشر: مائة و أربعة و أربعون، و جذرها اثنا عشر، و هو إنّما يصحّ في كلّ عددين نسبة أحدهما إلي الآخر كنسبة عدد مربّع إلي عدد مربّع، كما نقول في اثنين و ثمانية: نسبة أحدهما إلي الآخر إمّا ربع أو أربعة أمثال، و الرّبع مربّع، و جذره نصف، و الأربعة عدد مربّع.

و إذا ضربنا اثنين في ثمانية، خرج لنا من الضرب ستّة عشر، و جذرها أربعة، و هو مفتوح، و قد خرج من جذر ثمانية في جذر اثنين، و هما أصمّان.

و إذا أردنا أن نضرب جذر عدد في عدد، ضربنا العدد في مثله ثمّ في العدد المجذور، فما بلغ أخذنا جذره، فهو الجواب.

مثل: أن نضرب جذر ستّة عشر في خمسة، فنضرب خمسة في مثلها تكون خمسة و عشرين، ثمّ في ستّة عشر تكون أربعمائة، نأخذ جذرها: عشرون، و هو الجواب.

و أمّا القسمة فهي عكس الضرب في جميع أحوالها، و إذا ضربنا الخارج من القسمة في المقسوم عليه عاد المقسوم، كما تقسّم ثلاثين علي خمسة يخرج من القسمة ستّة إذا ضربت في المقسوم عليه - و هي الخمسة -

ص: 133

عادت الثلاثون، و هي العدد المقسوم.

و كذا قسم الجذور بعضها علي بعض، فنفعل فيها كما فعلنا في الضرب، بأن نقسّم أحد العددين علي الآخر، فما خرج من القسمة أخذنا جذره، و هو الجواب، فإذا قسّمنا جذر مائة علي جذر أربعة قسّمنا مائة علي أربعة يخرج خمسة و عشرون، فجذرها الجواب.

و لو قسّم جذر مائة علي أربعة، ضربنا الأربعة في مثلها تكون ستّة عشر، ثمّ نقسّم مائة علي ستّة عشر يخرج من القسمة ستّة و ربع، فإذا أخذنا جذرها كان اثنين و نصفا، و هو الجواب.

مقدّمة: إذا تناسبت أربعة أعداد، فكانت نسبة الأوّل إلي الثاني كنسبة الثالث إلي الرابع، مثل اثنين و ثلاثة و أربعة و ستّة، فضرب الأوّل في الرابع كضرب الثاني في الثالث، و قسمة الأوّل علي الثاني كقسمة الثالث علي الرابع، و قسمة الثاني علي الأوّل كقسمة الرابع علي الثالث، فالاثنان ثلثا الثلاثة، كالأربعة مع الستّة، و ضرب اثنين في ستّة كضرب ثلاثة في أربعة، و يخرج بقسمة الأوّل علي الثاني ثلثا واحد، و كذا قسمة الثلاثة علي أربعة.

فإذا كان أحدهما مجهولا، أمكن استعلامه إمّا بالنسبة بأن يكون الأوّل مجهولا، فنسبته إلي الثلاثة كنسبة الأربعة إلي الستّة، و الأربعة ثلثا الستّة، فالمجهول أيضا ثلثا الثلاثة، فهو اثنان.

و إمّا بالضرب، فإنّ ضرب المجهول في الرابع - و هو ستّة - كضرب ثلاثة في أربعة، و معلوم أنّ الجميع منهما اثنا عشر، فالخارج من ضرب المجهول في الستّة أيضا اثنا عشر، و كلّ عددين ضرب أحدهما في الآخر فاجتمع ثالث، فإنّه متي قسّم علي أحدهما خرج الآخر، فيقسّم الاثنا عشر علي ستّة يخرج اثنان، و هو الذي كان مجهولا.

ص: 134

و إمّا بطريق القسمة، فنقول: قسمة المجهول علي ثلاثة كقسمة أربعة علي ستّة، و قسمة الأربعة علي ستّة يخرج ثلثان، فإذا ما يخرج من قسمة المجهول علي ثلاثة ثلثان، و الخارج من القسمة متي ضرب في المقسوم عليه عاد المقسوم، فنضرب الثّلثين في ثلاثة يخرج اثنان، و هو المطلوب.

و كذا كلّ واحد من الأعداد الباقية متي كان مجهولا أمكن استخراجه بالطّرق الثلاثة حسب ما تقدّم.

فإذا أردت زيادة جزء معلوم من عدد معلوم عليه، فخذ مخرج الجزء و زد عليه ذلك الجزء منه، و اضربه في العدد، و اقسم ما اجتمع علي مخرج الجزء، فما حصل فالمطلوب. فإذا أردنا أن نزيد علي أربعة و ربع مثل ثلثها، أخذنا ثلاثة و زدنا عليها ثلثها، حصل أربعة، فإذا ضربت في أربعة و ربع، حصل سبعة عشر، فإذا قسّمت علي ثلاثة، خرج خمسة و ثلثان، و هو أربعة و ربع زيد عليها ثلثها.

و إذا أردت نقص جزء معلوم من عدد معلوم، أخذنا مخرج الجزء، و نقصنا منه ذلك الجزء، و ضربنا ما بقي في العدد، و نقسّم ما اجتمع علي المخرج، فالخارج هو المطلوب، فإذا نقصنا من أربعة و ثلث مثل ربعها، أخذنا مخرج الرّبع، و هو أربعة، و نقصنا ربعه بقي ثلثه، فإذا ضربت ذلك في أربعة و ثلث بلغت ثلاثة عشر، و نقسّم ذلك علي المخرج، و هو أربعة، فيخرج من القسمة ثلاثة و ربع، و ذلك أربعة و ثلث منقوصا منها ربعها.

و كلّ عدد زدت عليه مثل ثلثه، فربع المجتمع مثل الثّلث الزائد، و إن نقصت ثلثه، كان نصف الباقي مثل الثّلث الذي نقصت، كثلاثة إذا زدت ثلثها صارت أربعة، و ربع المجتمع - و هو واحد - مثل الثّلث الزائد، و إن نقصت ثلثها، بقي اثنان، و نصف ما بقي - و هو واحد - مثل الثّلث الذي

ص: 135

نقصت، و كذا الخمس و السّدس و سائر الأجزاء.

فإذا زدت علي عدد ثلاثة أثمانه، فثلاثة أجزاء من أحد عشر ممّا اجتمع مثل الأجزاء المزيدة، و إن نقصت منه ثلاثة أثمانه، فثلاثة أخماس ما بقي مثل الأجزاء المنقوصة.

و كلّ عددين متساويين زدت عليهما عددين متساويين، فالمجتمعان متساويان، و كذا لو نقصنا منهما.

و هو ضروريّ يبتني عليه الجبر و المقابلة؛ لأنّه إذا كان في إحدي الحصّتين نقصان في المعادلة جبرت ذلك بأن تكمل الناقص بزيادة ما نقص، ثمّ تزيد مثله علي الحصّة الأخري، فيكون أيضا بعد الزيادة متساويين.

مثل: مال إلاّ نصيبا يعدل ثلاثة أنصباء، فتزيد علي المال نصيبا ليكمل، و تزيد النصيب علي الأنصباء، فيصير مالا يعدل أربعة أنصباء.

و لو كان مال و نصف يعدل أربعة أنصباء، و أسقطنا نصف نصيب من الجانبين، بقي مال يعدل ثلاثة أنصباء و نصف نصيب.

و الاستثناء من الاستثناء زيادة في المستثني، فعشرة إلاّ اثنين إلاّ واحدا تسعة.

مقدّمة: اعلم أنّ المسائل الستّ الجبريّة تنقسم إلي مفردة و مقترنة.

و المفردة ثلاث، و هو أن يعدل كلّ نوع منها نوعا آخر، أعني أموالا تعدل جذورا، و أموالا تعدل عددا، و جذورا تعدل عددا.

و أمّا المقترنة فثلاث أيضا، و هو أن يعدل كلّ نوعين منها النوع الثالث، أعني أموالا و جذورا تعدل عددا، و أموالا و عددا تعدل جذورا، و أموالا تعدل جذورا و عددا.

ص: 136

مثال الأولي من المفردات: ثلاثة أموال تعدل اثني عشر جذرا، فطريق استخراج المال أن ينظر إلي ما يعادل المال الواحد من الجذور، فنأخذ بعدّتها من الآحاد، فهي الجذور، و المال مضروب ذلك الجذر في نفسه.

و لك طريقان:

أحدهما: أن تقسّم عدد الأجذار علي عدد الأموال، فما خرج فهو يعادل المال الواحد من الأجذار.

و الثاني: أن تنسب الواحد من عدد الأموال و تأخذ بتلك النسبة من عدد الأجذار، فما كان فهو يعادل المال الواحد، فإذا قسّمت اثني عشر علي ثلاثة خرج أربعة.

و إذا نسبت الواحد من عدّة الأموال، أعني ثلاثة، كان ثلثها، و إذا أخذت ثلث عدد الأجذار كان أربعة، فقد خرج لك ما يعادل المال الواحد من الطريقين مقدارا واحدا، فقد ظهر أنّ المال الواحد يعادل أربعة أجذار.

فنقول: إنّ الجذر الواحد أربعة من العدد، و المال مضروب أربعة في مثلها، أعني ستّة عشر من العدد، فإذا جمعنا ثلاثة أموال بلغ ثمانية و أربعين واحدا، و هي تعادل اثني عشر جذرا، فإن كان المال أقلّ من مال كملناه مالا، و نظرنا ما يعادل المال التامّ من الأجذار، فنأخذ أيضا بعدّتها، فهو الجذر، كقولنا: نصف مال و ثلث مال يعدل خمسة عشر جذرا، فإنّا نكمل المال بأن نزيد عليه خمسه، و نزيد علي الخمسة عشر خمسها، فتصير ثمانية عشر، فكأنّه قال: مال يعدل ثمانية عشر جذرا، فالجذر ثمانية عشر من العدد، و المال مضروب ذلك في نفسه، و هو ثلاثمائة و أربعة و عشرون، و نصفه و ثلثه مائتان و سبعون، و هي تعدل خمسة عشر جذرا.

ص: 137

مثال المسألة الثانية - و هي أموال تعدل عددا - فطريق استخراج المال أن ينظر إلي ما يعادل المال الواحد من العدد، فهو المال، و الجذر هو جذر ذلك العدد.

مثل: خمسة أموال تعدل خمسة و أربعين واحدا، فإنّا نستخرج ما يعادل المال الواحد من العدد إمّا بالقسمة أو بالنسبة، فيخرج المال الواحد يعدل تسعة من العدد، فالمال تسعة، و الجذر ثلاثة، فإن كان المال أقلّ من مال كملناه مالا، كما تقدّم في المسألة السابقة.

مثال المسألة الثالثة - و هي أجذار تعدل عددا - فالوجه في استخراج ما يعادل الجذر الواحد من العدد هو كاستخراج ما يعادل المال الواحد، و قد تقدّم في المسألة الأولي.

مثال المسألة الأولي من المقترنة - و هي أموال و جذور تعدل عددا - فالطريق في استخراج ما يعادل الجذر الواحد من العدد أن ننصّف الأشياء، و نضرب ذلك في نفسه، ثمّ نزيده علي العدد، فما بلغ أخذنا جذره، ثمّ نقصنا منه نصف عدد الأجذار، فما بقي فهو جذر المال، و المال مضروب ذلك في نفسه، كما تقول: مال و ثمانية أجذار تعدل عشرين واحدا من العدد، فننصّف الأجذار، فيكون أربعة، فنضرب ذلك في نفسه يكون ستّة عشر، فنزيدها علي العدد يكون ستّة و ثلاثين، فنأخذ جذرها، و هو ستّة، فننقص منه نصف الأجذار، فيبقي اثنان، و هو جذر المال، و المال أربعة.

و إذا جمعنا مالا و ثمانية أجذار، كان عشرين درهما، فإن كانت الأموال أكثر من مال رددنا ذلك إلي مال واحد، و فعلنا بجميع ما قارن الأموال من الأشياء و الأعداد ما فعلنا بالمال الواحد، كما تقول: خمسة أموال و عشرة أجذار تعدل مائة و خمسة و سبعين عددا، نردّ الأموال إلي مال

ص: 138

واحد بأن نأخذ خمسها ثمّ نأخذ خمس الجميع، فيصير بعد ذلك: مال و جذران يعدل خمسة و ثلاثين من العدد، و العمل كما تقدّم.

و كذا إن كانت أقلّ من مال، مثل: نصف مال و خمسة أجذار يعدل ثمانية و أربعين من العدد، فإنّا نكمل المال بأن نضربه في اثنين، و نضرب أيضا جميع ما معنا في اثنين، فيصير بعد ذلك: مال و عشرة أجذار يعدل ستّة و تسعين من العدد، و يعمل كالأوّل.

مثال المسألة الثانية - و هي أموال و أعداد تعدل جذورا - فالطريق في استخراج المال و جذوره أن ننصّف الأشياء، و نضرب ذلك في نفسه، و ننقص منه العدد، ثمّ نأخذ جذر ما بقي بعد نقصان العدد، فإن شئنا نقصناه من نصف الأجذار، و إن شئنا زدناه علي نصف الأجذار، فما بقي بعد الزيادة و النقصان فهو جذر المال، و المال مضروب ذلك في نفسه، كما تقول: مال و خمسة و ثلاثون عددا يعدل اثني عشر جذرا، ننصّف الأجذار، يكون ستّة، و نضربها في نفسها، يكون ستّة و ثلاثين عددا، نسقط منه العدد الذي مع المال، و هو خمسة و ثلاثون، يبقي واحد، فإذا أخذنا جذره، كان واحدا، فإن شئنا زدناه علي نصف الأجذار، و هو ستّة، يصير سبعة، و هي جذر المال، و المال تسعة و أربعون، و إن شئنا نقصناه من نصف الأجذار، و هو ستّة، تبقي خمسة، و هي جذر المال، و المال خمسة و عشرون، فإذا زدنا العدد - و هو خمسة و ثلاثون - علي المال الأوّل، بلغ أربعة و ثمانين، و هي تعادل اثني عشر جذرا، و إذا زدناه علي المال الثاني، بلغ ستّين، و هو أيضا يعادل اثني عشر جذرا، فإن نقصت الأجذار و ضربتها في نفسها، كانت مثل العدد الذي مع المال، فإنّ عدّة نصف الأجذار مساوية لجذر المال، و المال مضروب ذلك في نفسه.

ص: 139

مثاله: مال و ستّة عشر عددا يعدل ثمانية أجذار، فإذا نصّفنا الثمانية كان ذلك أربعة، فإذا ضربناها في نفسها بلغت ستّة عشر، و هي مساوية للعدد الذي مع المال، فنقول: إنّ نصف الأجذار هو جذر المال، و المال ستّة عشر، و إذا أضفت إليه ستّة عشر عددا، كان ذلك اثنين و ثلاثين، و هي مساوية لثمانية أجذار.

مثال المسألة الثالثة - و هي أموال تعدل جذورا و عددا - فالعمل في استخراج الجذر هو أن ننصّف الأجذار و نضرب ذلك في نفسه، فما بلغ نزيد عليه العدد، فما بلغ أخذت جذره و زدت عليه نصف الأجذار، فما بلغ فهو جذر المال، كقولنا: مال يعدل أربعة أجذار و خمسة أعداد، نأخذ نصف الأجذار - و هو اثنان - و نضربه في نفسه، و نزيده علي العدد، فيبلغ تسعة، نأخذ جذرها، و هو ثلاثة، نزيد عليها نصف الأجذار: اثنين، تصير خمسة، و هي جذر المال، و المال خمسة و عشرون، و هو يعدل خمسة من العدد و أربعة أجذار، أعني عشرين عددا.

و إذا كان المال أكثر من مال أو أقلّ من مال، فالعمل فيه كما سبق.

و اعلم أنّ أكثر المسائل الآتية في الوصايا من المسائل الثلاث المفردة، فإنّ المعادلة فيها تنتهي إلي نوع يعدل نوعا.

و أمّا المسائل المقترنة فلنذكر لها أمثلة من الوصايا.

مثال المسألة الأولي: لو أوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة، و لآخر بجذر نصيبه، و التركة تسعة و ثلاثون درهما، دفعنا إلي الموصي له بالنصيب نصيبا، و نسمّيه مالا؛ لأنّ كلّ عدد له جذر يسمّي مالا، تبقي تسعة و ثلاثون إلاّ مالا، ثمّ ندفع إلي الآخر جذرا، تبقي تسعة و ثلاثون إلاّ مالا و جذرا تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة أموال، فإذا تسعة و ثلاثون إلاّ مالا

ص: 140

و جذرا تعدل ثلاثة أموال، فنجبر العدد بمال و جذر، يصير أربعة أموال و جذر يعدل تسعة و ثلاثين، فنردّ ذلك إلي مال واحد بأن نردّ جميع ما معنا إلي أربعة تصير معنا مال و ربع جذر يعدل تسعة و ثلاثة أرباع، فخرجت هذه المسألة إلي المقترنة الأولي، و هي أموال و جذور تعدل عددا، فننصّف ما معنا من الجذور، و هو ربع، فيكون ثمنا، و نضربه في نفسه، فيكون جزءا واحدا من أربعة و ستّين جزءا من واحد، و نزيده علي العدد، و هو تسعة و ثلاثة أرباع، تصير تسعة أعداد و تسعة و أربعين جزءا من أربعة و ستّين جزءا من واحد، و نأخذ جذره، و هو ثلاثة و ثمن، و نسقط منه نصف ما كان معنا من الجذور، و هو ثمن، فتبقي ثلاثة، و هو جذر المال، و المال تسعة، و هو النصيب.

و إذا أردنا التجزئة، دفعنا من التركة بالوصيّة الأولي نصيبا، و هو تسعة، و بالوصيّة الثانية جذر نصيب هو ثلاثة، و يبقي للورثة سبعة و عشرون لكلّ واحد تسعة.

مثال الثانية: لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة، و للآخر بدرهمين و ثلاثة أرباع، فكان الباقي من الثّلث بعد إخراج النصيب جذري النصيب، فثلث المال نصيب و جذرا النصيب؛ لقوله: كان الباقي من ثلث المال بعد إخراج النصيب جذري النصيب، فنسمّي النصيب مالا، فيكون الثّلث مالا و جذرين، و التركة ثلاثة أموال و ستّة أجذار، فنخرج بالوصيّة الأولي مالا، و بالثانية درهمين و ثلاثة أرباع، يبقي من التركة مالان و ستّة أجذار إلاّ درهمين و ثلاثة أرباع درهم يعدل ذلك أنصباء الورثة، و هي ثلاثة أموال، فيتكمّل ما معنا بالدراهم الناقصة، فيحصل معنا ثلاثة أموال و درهمان و ثلاثة أرباع تعدل مالين و ستّة أجذار، نسقط مالين بمالين، فيبقي

ص: 141

مال و درهمان و ثلاثة أرباع يعدل ستّة أجذار، فخرجت هذه المسألة إلي المقترنة الثانية، و هي أموال و عدد تعدل جذورا، فننصّف الأجذار، فتكون ثلاثة، فنضربها في نفسها، فيكون تسعة، و نسقط منها العدد، فتبقي ستّة و ربع نأخذ جذر ذلك، و هو درهمان و نصف، فنزيده علي نصف الأجذار، فيكون خمسة و نصفا، و ذلك جذر النصيب، فالنصيب ثلاثون و ربع، و كانت التركة ثلاثة أنصباء و ستّة أجذار، فهو مائة و ثلاثة و عشرون و ثلاثة أرباع.

فإذا أردنا التجزئة، نظرنا إلي الثّلث، و هو واحد و أربعون و ربع، فكان مثل النصيب و مثل جذريه؛ لأنّ النصيب ثلاثون و ربع، و جذراه أحد عشر، ثمّ دفعنا من المال بالوصيّة الأولي نصيبا، و هو ثلاثون و ربع، فيبقي من المال ثلاثة و تسعون و نصف، دفعنا بالوصيّة الثانية درهمين و ثلاثة أرباع، فيبقي تسعون و ثلاثة أرباع، لكلّ ابن ثلاثون و ربع مثل النصيب الذي دفعناه بالوصيّة.

مثال الثالثة: لو أوصي لرجل بثلث ماله و لآخر بعشرة، و لم يقصد الرجوع، بل التشريك في الثّلث، فتضاربا بالثّلث، فأصاب الموصي له بالثّلث تسعة دراهم، فنجعل الثّلث شيئا، فالموصي له بالثّلث ضرب بشيء في الشيء، فأصابه تسعة، و ضرب فيه الآخر بعشرة، فأصابه شيء إلاّ تسعة، و نسبة التسعة التي أصاب الموصي له بالثّلث إلي الشيء الذي ضرب به كنسبة شيء إلاّ تسعة - و هو ما أصاب الآخر - إلي العشرة التي ضرب بها، فحصل معنا أربعة أعداد متناسبة: الأوّل: تسعة، و الثاني: شيء، و الثالث:

شيء إلاّ تسعة، و الرابع: عشرة، فضرب الأوّل في الرابع كضرب أحد الأوسطين في الآخر، فيكون مالا إلاّ تسعة أشياء، فإذا مال إلاّ تسعة أشياء

ص: 142

يعدل تسعين، فنجبر المال بالأشياء الناقصة، فيصير مالا يعدل تسعين و تسعة أشياء، فقد خرجت هذه المسألة إلي المقترن الثالث، و هو جذور و عدد تعدل أموالا، فننصّف الأجذار، فيكون أربعة و نصفا، و نضربها في نفسها، يكون عشرين و ربعا، و نزيدها علي العدد، فتكون مائة و عشرة و ربعا، نأخذ جذر ذلك، و هو عشرة و نصف، فنزيده علي نصف الأجذار، فيكون خمسة عشر، و هو الشيء، و كان ثلث المال شيئا، فهو خمسة عشر، فالمال خمسة و أربعون، فالموصي له بالثّلث يضرب فيه بخمسة عشر، و الآخر بعشرة، فيقسّم الثّلث بينهما علي خمسة، فللموصي له بالثّلث ثلاثة أخماسه، و ذلك تسعة، و للآخر خمساه، و هو ستّة.

و إذ قد تمهّدت هذه المقدّمات، فلنشرع في المقصود في فصول.

***

ص: 143

ص: 144

الفصل الثاني: في الوصايا الخارجة عن الاستثناء

مسألة 388: لو أوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لآخر

بثلث ما يبقي من ثلث المال بعد النصيب، نأخذ ثلث المال فندفع منه للموصي له الأوّل نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، ندفع ثلثه إلي الموصي له الثاني، و هو تسع مال إلاّ ثلث نصيب، يبقي تسعا مال إلاّ ثلثي نصيب، نزيد ذلك علي ثلثي المال أنصباء الورثة، تصير ثمانية أتساع مال إلاّ ثلثي نصيب تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، فنجبر ثمانية أتساع المال بثلثي نصيب، و نزيد ذلك علي الجانب الآخر، يكون ثمانية أتساع مال تعدل ثلاثة أنصباء و ثلثي نصيب، و نكمل المال بالتّسع الناقص، و نزيد بحسب ذلك علي الأنصباء، و كلّ عدد نقصت تسعة فإنّ ثمن ما بقي مثل التّسع الذي نقصت، فنزيد علي الأنصباء مثل ثمنها، و نأخذ مخرج الثّمن و هو ثمانية، و نزيد عليها ثمنا واحدا، تكون تسعة، و نضرب ذلك في الأنصباء التي معنا، و هي ثلاثة أنصباء و ثلثا نصيب، فيكون ثلاثة و ثلاثين، و نقسّم ذلك علي مخرج الكسر، فيخرج أربعة أنصباء و ثمن نصيب، و ذلك هو المال، فنبسط ذلك من جنس الكسر، تصير ثلاثة و ثلاثين، و هو المال، و النصيب ثمانية.

أو نجعل المال كلّه ثلاثة أنصباء و وصيّتين، و نسمّي الوصيّتين وصيّة، فالمال ثلاثة أنصباء و وصيّة، ثلثه نصيب و ثلث وصيّة، ندفع إلي الموصي له بالنصيب نصيبا، يبقي من الثّلث ثلث وصيّة، ندفع إلي الموصي له الثاني ثلث ذلك، و هو تسع وصيّة، يبقي من الثّلث تسعا وصيّة تزاد علي الثّلثين،

ص: 145

فيحصل نصيبان و ثمانية أتساع وصيّة تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، نسقط نصيبين بنصيبين، فتبقي(1) ثمانية أتساع وصيّة تعدل نصيبا، فنكمل الوصيّة بأن نزيد علي كلّ واحد من الجنسين مثل ثمنه، فيصير معنا وصيّة تعدل نصيبا و ثمنا، و كان المال ثلاثة أنصباء و وصيّة، فهو إذا أربعة أنصباء و ثمن، نبسط ذلك من جنس الكسر، يصير المال ثلاثة و ثلاثين و النصيب ثمانية.

و بطريقة الدينار و الدرهم نجعل ثلث المال دينارا و كم شئت من الدراهم، و ليكن ثلاثة؛ تسهيلا للعمل، فيكون المال كلّه ثلاثة دنانير و تسعة دراهم، ثمّ ندفع من ثلث المال إلي الموصي له بالنصيب دينارا، تبقي ثلاثة دراهم، ندفع ثلثها إلي الثاني، يبقي من الثّلث درهمان نزيدهما علي الثّلثين، فيحصل ديناران و ثمانية دراهم تعدل ثلاثة دنانير، نسقط دينارين بمثلهما، يبقي دينار يعدل ثمانية دراهم، و هو قيمة الدينار، و هو النصيب، و قد كنّا جعلنا المال ثلاثة دنانير و تسعة دراهم، فهو إذا ثلاثة و ثلاثون.

و بطريق الباب - و يسمّي طريق الحشو أيضا - نأخذ مخرج الكسر الذي منه الوصيّتان، و هو ثلاثة، و نضربه في مخرج الكسر الذي هو الوصيّة الثانية، تبلغ تسعة، نلقي منها واحدا، تبقي ثمانية، و هو النصيب، ثمّ نأخذ عدد البنين و هو ثلاثة نزيد عليها واحدا للموصي له بالنصيب، يكون أربعة، نضربها في مخرج كسر الوصيّة الثانية، و هو ثلاثة، يكون اثني عشر، نسقط واحدا لكسر الوصيّة الثانية، فيبقي أحد عشر، و هو ثلث المال، و المال ثلاثة و ثلاثون.».

ص: 146


1- في «ر، ص»: «يبقي».

و بطريق الخطأين(1) نضع النصيب كم شئنا، فلنجعله درهما، و نضع تمام الثّلث عددا له ثلث؛ تسهيلا للعمل، و هو ثلاثة دراهم، فيكون الثّلث أربعة دراهم، و المال كلّه اثنا عشر، ندفع إلي الموصي له من الثّلث درهما بالنصيب، تبقي ثلاثة دراهم، ندفع إلي الموصي له الثاني ثلث ذلك، و هو درهم، يبقي درهمان، نزيد الدرهمين علي الثّلثين، يحصل معنا عشرة دراهم، ندفع إلي كلّ واحد من البنين درهما، يبقي معنا سبعة، فقد أخطأنا بسبعة زائدة، فنحفظ ذلك.

ثمّ نرجع فنقول: يجب أن يكون النصيب أكثر من واحد لأجل أنّ الخطأ زائد، فلنجعله درهمين، و تمام الثّلث ثلاثة دراهم، فيكون الثّلث خمسة دراهم و المال خمسة عشر درهما، فندفع إلي الموصي له الأوّل من الثّلث بالنصيب درهمين، فتبقي ثلاثة دراهم، ندفع إلي الموصي له الثاني ثلث ذلك، يبقي درهمان نزيدهما علي الثّلثين، فيحصل معنا اثنا عشر، ندفع إلي كلّ واحد من البنين نصيبه درهمين، بقي معنا ستّة، فقد أخطأنا بستّة زائدة، و قد كان الخطأ الأوّل سبعة، فقد نقص بزيادة درهم في النصيب واحد من الخطأ، فإذا متي زدنا علي النصيب الأوّل - و هو درهم - سبعة، زال الخطأ كلّه، فيكون النصيب ثمانية، و ثلث المال أحد عشر، و المال كلّه ثلاثة و ثلاثون، الخطأ الأوّل: سبعة، و الزيادة واحد، و الخطأ الثاني: ستّة، و تفاضل الخطأين واحد.7.

ص: 147


1- حساب الخطأين من تدابير الحسّاب لاستخراج مسائل الوصايا و نحوها، يسمّي ذلك لأنّه يؤخذ عدد ما يستعمل فيه شرائط المسألة، فإن خرجت و إلاّ حفظ مقدار ما وقع فيها من الخطأ و أخذ عدد آخر و عمل به مثل ذلك، فإن خرجت و إلاّ حفظ مقدار الخطأ الثاني، ثمّ يستخرج من هذين الخطأين حقيقة الصواب. مفاتيح العلوم - للأديب اللغوي محمّد بن أحمد الكاتب الخوارزمي -: 116-117.

و لأنّا نقول: معنا سبعة أسقط واحد منها واحدا، فالستّة الباقية نسقطها بكم، فهذا كقولنا: الواحد بواحد فالسبعة بكم؛ لأنّ نسبة الخطأ الأوّل إلي العدد الذي يجب أن نزيد في النصيب حتي يسقط كلّه كنسبة التفاضل - و هو الساقط من الخطأ إذا زدنا علي النصيب شيئا، و هو في مسألتنا واحد - إلي العدد الذي زدناه، و هو واحد، و هو نسبة المثل، فإذا نسقط السبعة بمثلها.

و اعلم أنّ حساب الخطأين طريق عامّ يستخرج به كثير من المسائل المجهولة، و هو مستخرج من الأعداد المتناسبة؛ لأنّ نسبة الخطأ الأوّل إلي العدد الذي يجب أن نزيده علي النصيب الأوّل كنسبة تفاضل الخطأين إلي العدد الذي زدناه في الثاني، فإذا جعلنا الخطأ الأوّل من الأربعة الأعداد، كان المطلوب هو الثاني، و تفاضل الخطأين هو الثالث، و العدد المزيد هو الرابع، فثلاثة من هذه الأعداد معلومة، و واحد منها مجهول، و هو الثاني، فمعرفة المجهول بطريق النسبة ما تقدّم.

و أمّا بطريقة الضرب، فإنّا نضرب الأوّل - و هو سبعة - في الرابع و هو واحد، يكون سبعة، و نقسّمها علي الثالث و هو واحد، يكون سبعة، و هو العدد المطلوب، فإذا زدناه علي النصيب الأوّل - و هو درهم - كان ثمانية، و هو النصيب.

و علي طريق القسمة نقسّم الرابع علي الثالث، و كلاهما واحد، فيخرج من القسمة أيضا واحد، و ذلك كقسمة المجهول علي المطلوب، فنضرب ذلك في الأوّل، فيكون سبعة، و هو العدد المطلوب، نزيده علي الواحد، فيكون ثمانية، أمّا ما خرج علي المتناسبة فباب الجبريّة أولي.

فإذا أردت استخراج مسألة من المسائل المذكورة بحساب الخطأين

ص: 148

فضع العدد الذي سئلت عنه ما شئت من الأعداد و سقه السياقة التي يقتضيها شرط السائل، فإن أدّاك ذاك إلي ما ذكر السائل أنّه يؤدّي إليه، فعددك الموضوع هو المطلوب، و إن لم يؤدّ إلي ذلك فإمّا أن يؤدّي إلي ما هو أزيد من المطلوب أو أنقص منه، فاحفظ الزيادة أو النقصان و سمّ ذلك الخطأ الأوّل، ثمّ ضع مجهول المسألة عددا آخر أيّ عدد كان، و اعمل به عملك الأوّل، فإن وافق المطلوب فذاك، و إن خالف فإمّا أن يكون زائدا عليه أو ناقصا عنه فلتسمّ الزيادة أو النقصان خطأ ثانيا.

ثمّ انظر إلي الخطأين هل يتّفقان في الزيادة أو النقصان، أو يختلفان بأن يكون أحدهما زائدا و الآخر ناقصا؟

فإن اتّفقا بأن كانا معا زائدين أو كانا معا ناقصين، فاضرب العدد الموضوع أوّلا في الخطأ الثاني، و العدد الموضوع ثانيا في الخطأ الأوّل، و خذ فضل ما بين المبلغين و اقسمه علي فضل ما بين الخطأين، فما خرج من القسمة فهو الجواب.

و إن اختلفا، فاجمع ما يرتفع من ضرب العدد الأوّل في الخطأ الثاني و ما يرتفع من ضرب العدد الثاني في الخطأ الأوّل، و اقسم ما يجتمع من ذلك علي مجموع الخطأين، فما خرج من القسمة فهو الجواب، فلنضع لكلّ واحد منهما مثالا.

فإذا قيل: نريد عددا إذا زيد عليه نصفه و ثلثه بلغ عشرين، فلنضعه ستّة، و نزيد عليه خمسة يبلغ أحد عشر، فلو بلغ عشرين أصبنا، و كان هو العدد المطلوب، و حيث بلغ أحد عشر فقد أخطأنا بتسعة ناقصة، فهي الخطأ الأوّل فلنحفظه، ثمّ نضع المطلوب تسعة و نزيد عليه نصفه و ثلثه، يكون ستّة عشر و نصفا، فقد أخطأنا بثلاثة و نصف، فهي الخطأ الثاني،

ص: 149

و هو ناقص أيضا، فاضرب العدد الأوّل - و هو ستّة - في الخطأ الثاني، و هو ثلاثة و نصف، يكون أحدا و عشرين، ثمّ نضرب العدد الثاني - و هو تسعة - في الخطأ الأوّل - و هو تسعة - يكون أحدا و ثمانين؛ لأنّ الخطأين متّفقان في النقصان، فخذ الفضل ما بين أحد و عشرين و أحد و ثمانين، بأن تنقص أقلّهما من أكثرهما، يبقي الفضل ستّين، نقسّمهما علي الفضل بين الخطأين، و هو خمسة و نصف؛ لأنّ أحد الخطأين كان تسعة و الآخر ثلاثة و نصفا، و ذلك بأن نضرب المقسوم و المقسوم عليه كلّ واحد منهما علي انفراده في مخرج النصف الذي هو اثنان، فيصير الستّين مائة و عشرين، و الخمسة و نصف أحد عشر، فإذا قسّمت المائة و العشرين علي الأحد عشر، خرج عشرة و عشرة أجزاء من أحد عشر، و هو العدد الذي إذا زيد عليه نصفه و ثلثه بلغ عشرين، و ذلك أنّ نصفه خمسة و خمسة أجزاء، و ثلثه ثلاثة و سبعة أجزاء، فإذا زدتهما عليه كان الجميع عشرين.

و لو قيل: مال زدت عليه نصفه و ثلاثة دراهم و نقصت ممّا اجتمع ثلثه و أربعة دراهم، فتبقي عشرة دراهم، فنفرضه عشرين درهما، نزيد عليها نصفها و ثلاثة دراهم، تبلغ ثلاثة و ثلاثين، نسقط منها ثلثها و أربعة دراهم، تبقي ثمانية عشر، فأخطأنا بثمانية زائدة، و هو الخطأ الأوّل، ثمّ نفرض العدد المطلوب ستّة عشر، و نزيد عليها نصفها و ثلاثة دراهم، تبلغ سبعة و عشرين، ننقص ثلثها و أربعة دراهم، تبقي أربعة عشر، فأخطأنا بأربعة زائدة أيضا، فاضرب العدد الأوّل - و هو عشرون - في الخطأ الثاني - و هو أربعة - يكون ثمانين، و نضرب العدد الثاني - و هو ستّة عشر - في الخطأ الأوّل - و هو ثمانية - يكون مائة و ثمانية و عشرين، فلاتّفاق الخطأين في الزيادة نأخذ الفضل بين الثمانين و المائة و الثمانية و العشرين، و هو ثمانية

ص: 150

و أربعون، نقسّمه علي الفضل بين الخطأين اللّذين هما أربعة و ثمانية، و الفضل بينهما أربعة، يخرج من القسمة اثنا عشر، و هو العدد المطلوب الذي إذا زيد عليه نصفه و ثلاثة دراهم و نقص ممّا اجتمع ثلثه و أربعة دراهم بقي عشرة.

و لو قيل: أيّ عدد يكون نصفه و ثلثه و ربعه عشرة، فافرضه ثمانية، و خذ نصفها و ثلثها و ربعها تبلغ ثمانية و ثلاثين، فقد نقص عن المشترط بواحد و ثلث، فهو الخطأ الأوّل، و هو ناقص.

ثمّ افرض العدد المسؤول عنه اثني عشر، و اجمع نصفه و ثلثه و ربعه، تبلغ ثلاثة عشر، و هو زائد علي ما ينبغي بثلاثة دراهم، فالخطأ الثاني ثلاثة زائدة، فاضرب العدد الأوّل - و هو ثمانية المفروضة أوّلا - في الخطأ الثاني، و هو ثلاثة، تبلغ أربعة و عشرين، و اضرب المفروض الثاني - و هو اثنا عشر - في الخطأ الأوّل، و هو واحد و ثلث، تكون ستّة عشر، فلأجل اختلاف الخطأين في الزيادة و النقصان نجمع الأربعة و العشرين و الستّة عشر، تبلغ أربعين، يقسّم علي مجموع الخطأين اللّذين أحدهما واحد و ثلث، و الآخر ثلاثة، و مجموعهما أربعة و ثلث، و ذلك بأن يضرب كلّ واحد من المقسوم و المقسوم عليه مفردا في مخرج الثّلث، فتصير الأربعين مائة و عشرين، و الأربعة و الثّلث ثلاثة عشر، ثمّ نقسّم المائة و العشرين علي ثلاثة عشر، تخرج من القسمة تسعة و ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر، و هو العدد المطلوب الذي يكون مجموع نصفه و ثلثه و ربعه عشرة.

مسألة 389: لو أوصي بنصيب أحد الورثة و بجزء شائع من المال،

و يكون الجزء مضافا إلي جميع المال، فإن لم تزد جملة الوصايا علي الثّلث جعلت الموصي له بالنصيب كأحد الورثة، و صحّحت مسألة الورثة، ثمّ

ص: 151

يؤخذ مخرج الوصيّة و يخرج منه جزء الوصيّة، فإن انقسم الباقي علي مسألة الورثة فذاك، و إلاّ فطريق التصحيح ما سبق.

و إن زادت علي الثّلث، فإن أجاز الورثة فلا بحث، و إلاّ قسّم الثّلث علي نسبة القسمة عند الإجازة.

فلو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة لواحد، و لآخر بعشر المال، فمسألة الورثة و الموصي له بالنصيب أربعة، و مخرج الجزء عشرة، يبقي بعد إخراج الجزء تسعة لا تنقسم علي أربعة، و لا وفق بينهما، فنضرب أربعة في عشرة تبلغ أربعين، للموصي له بالعشر أربعة، و لكلّ ابن تسعة، و كذا الموصي له، و جملة الوصيّتين ثلاثة عشر.

و بالجبر نأخذ مالا و نسقط منه نصيبا، يبقي مال إلاّ نصيبا، نسقط منه عشر جميع المال للوصيّة الثانية، تبقي تسعة أعشار مال إلاّ نصيبا تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر و تقابل، فتكون تسعة أعشار مال تعدل أربعة أنصباء، فنضرب الأربعة في مال له عشر، و أقلّه عشرة، يكون أربعين.

مسألة 390: لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بسدس باقي المال

بعد النصيب، فأسهل طرق الجبر أن نأخذ مالا و نسقط منه نصيبا لزيد، يبقي مال إلاّ نصيبا، نسقط سدسه لعمرو، تبقي خمسة أسداس مال إلاّ خمسة أسداس نصيب تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، تجبر و تقابل، تكون خمسة أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء و خمسة أسداس نصيب، نضرب ثلاثة و خمسة أسداس نصيب في أقلّ عدد له سدس، و هو ستّة، تكون ثلاثة و عشرين، و النصيب خمسة، تبقي ثمانية عشر، سدسها لعمرو، تبقي خمسة عشر، لكلّ ابن خمسة.

و بطريقة الدينار: أن نجعل المال كلّه دينارا و ستّة دراهم، و نجعل

ص: 152

الدينار نصيب زيد، و درهما من الستّة لعمرو، تبقي خمسة دراهم للبنين، لكلّ واحد درهم و ثلثان، فقيمة الدينار درهم و ثلثان، و كنّا جعلنا المال دينارا و ستّة دراهم، فهو إذا سبعة دراهم و ثلثان، نبسطها أثلاثا، تكون ثلاثة و عشرين، و تسمّي طريقة الدينار و الدرهم.

و بطريقة القياس: مسألة الورثة [من] ثلاثة، فلزيد سهم، و نزيد علي كلّ واحد من سهام البنين مثل خمسه؛ لأنّه أوصي بسدسها، و سدس كلّ شيء مثل خمس الباقي بعد إخراج السّدس، فيكون جميع المال أربعة سهام و ثلاثة أخماس، نبسطها أخماسا، تكون ثلاثة و عشرين.

و بطريقة الحشو: سهام الورثة ثلاثة، و نضيف إليها سهما لزيد، يصير أربعة، نضربها في مخرج السّدس، يكون أربعة و عشرين، نسقط منها الحاصل من ضرب الجزء الموصي به بعد النصيب في النصيب، و هو واحد، تبقي ثلاثة و عشرون، فهي المال.

فإن أردت النصيب، أخذت سهما و ضربته في مخرج السّدس، يكون ستّة، تسقط منها ما أسقطته من المال، تبقي خمسة، فهي النصيب.

أو تأخذ سهام الورثة و تضربها في مخرج السّدس يصير ثمانية عشر، تدفع سدسها إلي عمرو، و هو ثلاثة، تبقي خمسة عشر، لكلّ ابن خمسة، فإذا ظهر أنّ النصيب خمسة فلنضفها إلي ثمانية عشر، تكون ثلاثة و عشرين.

أو نقول: المال كلّه ستّة و نصيب، النصيب لزيد، و سهم لعمرو، تبقي خمسة، للورثة منها ثلاثة نضربها في ستّة، تكون ثمانية عشر مع النصيب المجهول، سدس الثمانية عشر لعمرو، و الباقي لكلّ ابن خمسة، فعرفنا أنّ النصيب المجهول خمسة، و أنّ المال ثلاثة و عشرون.

ص: 153

مسألة 391: لو أوصي لرجل مثل نصيب وارث و لآخر بجزء ممّا بقي من المال،

قيل: يعطي صاحب النصيب مثل نصيب الوارث لو لم تكن وصيّة أخري(1). و قيل: يعطي مثل نصيبه من ثلثي المال(2). و قيل: يعطي مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء نصيبه، فعلي الأخير يدخلها الدور(3).

فلو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم لزيد، و لعمرو بنصف باقي المال، فعلي الأوّل لزيد الرّبع، و لعمرو نصف الباقي، و المتخلّف للبنين، و تصحّ من ثمانية، و علي الثاني لزيد السّدس، و لعمرو نصف الباقي، و تصحّ من ستّة و ثلاثين، و علي الثالث نأخذ مالا و نسقط منه نصيبا، يبقي مال إلاّ نصيبا، ندفع نصفه إلي عمرو، يبقي نصف مال إلاّ نصف نصيب تعدل أنصباء الورثة تجبر و تقابل، يبقي نصف مال يعدل ثلاثة و نصفا، فالمال كلّه سبعة.

مسألة 392: لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بثلث ما يبقي من ثلث المال

بعد النصيب، نجعل ثلث المال عددا له ثلث، و أقلّه ثلاثة، و نزيد عليه واحدا للنصيب يكون أربعة، و إذا كان الثّلث أربعة، كان المال اثني عشر، ندفع إلي زيد واحدا و إلي عمرو واحدا، و هو ثلث الثلاثة الباقية من ثلث المال، يبقي سهمان نضمّهما إلي ثلثي المال، يكون عشرة، و كان ينبغي أن يكون ثلاثة ليكون لكلّ ابن مثل النصيب المفروض، فقد زاد علي ما يجب سبعة، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نقدّر الثّلث خمسة و نجعل النصيب اثنين، و ندفع واحدا إلي عمرو، يبقي سهمان نزيدهما علي ثلثي المال، و هو عشرة، علي هذا

ص: 154


1- المغني 487:6.
2- المغني 487:6.
3- المغني 487:6.

التقدير يبلغ اثني عشر، و كان ينبغي أن يكون ستّة ليكون لكلّ ابن سهمان، فزاد علي الواجب ستّة، و هو الخطأ الثاني.

ثمّ نقول: لمّا أخذنا أربعة زاد علي الواجب سبعة، و لمّا زدنا سهما نقص عن الخطأ سهم، فعلمنا أنّ كلّ سهم نزيده ينقص به من الخطأ سهم و قد بقي من الخطأ ستّة أسهم، فنزيد لها ستّة أسهم، تكون أحد عشر سهما، فهو ثلث المال، النصيب منها ثمانية، و جميع المال ثلاثة و ثلاثون، و تسمّي هذه الطريقة: الجامع الصغير من طرق الخطأين.

مسألة 393: لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة و لعمرو بربع ما يبقي من الثّلث

بعد النصيب، نأخذ أربعة؛ لقوله: بربع ما يبقي، و نزيد عليه النصيب واحدا، و نجعل الخمسة ثلث المال، فندفع منها سهما بالنصيب إلي زيد، و سهما بربع ما يبقي إلي عمرو، و تبقي ثلاثة نضمّها إلي ثلثي المال عشرة، تبلغ ثلاثة عشر، و كان ينبغي أن تكون أربعة، فزادت تسعة، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نضعف ما كنّا أخذناه أوّلا، فنأخذ ثمانية و نزيد عليها للنصيب مثل ما زدناه أوّلا، و هو واحد، و نجعل التسعة ثلث المال، واحد منها لزيد، و سهمان هما ربع الباقي لعمرو، تبقي ستّة نضمّها إلي ثلثي المال، تكون أربعة و عشرين، و كان الواجب أن تكون أربعة، فزاد عشرون، و هو الخطأ الثاني، و التفاوت بين الخطأين أحد عشر، فهو النصيب.

ثمّ نضرب المال الأوّل - و هو خمسة - في الخطأ الثاني - و هو عشرون - يكون مائة، و نضرب المال الثاني - و هو تسعة - في الخطأ الأوّل - و هو تسعة - يكون أحدا و ثمانين، و التفاوت بينهما تسعة عشر، فهو ثلث المال، لزيد منه أحد عشر، تبقي ثمانية، ربعها لعمرو سهمان، تبقي ستّة

ص: 155

نضمّها إلي ثمانية و ثلاثين، يكون أربعة و أربعين، لكلّ واحد أحد عشر مثل النصيب، و تسمّي هذه الطريقة: الجامع الأكبر من الخطأين.

و لو خلّف أبوين و بنتين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحد الأبوين و لعمرو بثلاثة أخماس ما يبقي من الثّلث، نأخذ ثلث المال، نسقط منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، نسقط ثلاثة أخماسه لعمرو، يبقي خمسا ثلث مال إلاّ خمسي نصيب نضمّها إلي ثلثي المال يبلغ ثلثي مال و خمسي ثلثه إلاّ خمسي نصيب يعدل سهام الورثة، و هي ستّة، تجبر و تقابل، فتكون ثلثا مال و خمسا ثلثه يعدل ستّة أنصباء و خمسي نصيب، فنضرب الستّة و الخمسين في أقلّ عدد له خمس، و هو خمسة، تكون اثنين و ثلاثين، فهي الثّلث.

و لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث بعد نصف النصيب، نأخذ ثلث مال و نسقط منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، نسقط منه ثلث الباقي بعد نصف النصيب، و هو تسع مال إلاّ سدس نصيب، يبقي تسعا مال إلاّ خمسة أسداس نصيب، نزيده علي ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلاّ خمسة أسداس نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر و تقابل، تبقي ثمانية أتساع مال تعدل ثلاثة أنصباء و خمسة أسداس نصيب، نضرب ثلاثة و خمسة أسداس في تسعة، تبلغ أربعة و ثلاثين و نصفا، نبسطها أنصافا، تكون تسعة و ستّين، فهي المال، لزيد منها بالنصيب ستّة عشر، و لعمرو خمسة، و هي ثلث الباقي بعد نصف النصيب، و هي ثمانية، يبقي سهمان، نزيدهما علي ثلثي المال، يبلغ ثمانية و أربعين، لكلّ ابن ستّة عشر، كالنصيب.

مسألة 394: لو أوصي بنصيب أحد الورثة مع الوصيّة بجزءين

ص: 156

أحدهما من جميع المال و الآخر ممّا يبقي، كما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد ابنيه، و لعمرو بربع المال، و لخالد بنصف الباقي بعد ذلك، فطريق القياس أنّا نعلم أنّه إذا أخذ عمرو ربع المال و زيد نصيبا، ينبغي أن يكون للباقي نصف، و أقلّه اثنان، فللثالث واحد منهما، يبقي واحد، لكلّ ابن نصف سهم، فالنصيب نصف سهم، فالباقي من المال بعد الرّبع سهمان و نصف، و هو ثلاثة أرباع المال، نزيد عليه ثلثه، و هو خمسة أسداس، تبلغ ثلاثة و سدسين نبسطها أسداسا، تكون عشرين، لزيد ثلاثة، و لعمرو خمسة، يبقي اثنا عشر، للثالث ستّة، و لكل ابن ثلاثة، كالنصيب المفروض.

و لو كان الجزءان مع النصيب أحدهما بعد الآخر، كما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة، و لعمرو بربع ما يبقي من المال بعد النصيب، و لثالث بثلث ما يبقي من المال بعد ذلك، و لرابع بنصف ما يبقي بعد ذلك، نأخذ مالا، و نلقي منه نصيبا، يبقي مال إلاّ نصيبا، نلقي من هذا المال إلاّ نصيبا ربعه، تبقي ثلاثة أرباع مال إلاّ ثلاثة أرباع نصيب، نلقي من الباقي ثلثه، يبقي نصف مال إلاّ نصف نصيب، نلقي من الباقي نصفه، يبقي ربع مال إلاّ ربع نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، تجبر و تقابل، فربع مال يعدل ثلاثة أنصباء و ربع نصيب، فنضرب الثلاثة و الرّبع في أربعة، يكون ثلاثة عشر، النصيب واحد، يبقي اثنا عشر، لعمرو ربعه ثلاثة، تبقي تسعة، للثالث ثلاثة، تبقي ستّة، للرابع نصفه ثلاثة، تبقي ثلاثة لكلّ واحد من الورثة واحد، كالنصيب.

و لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم، و لعمرو بنصف الباقي من الثّلث، و لثالث بثلث الباقي من الثّلث بعد ذلك، نجعل ثلث المال دينارا

ص: 157

و من الدراهم ستّة، نعطي زيدا الدينار، و نعطي عمرا نصف الدراهم، تبقي ثلاثة، نعطي واحدا للثالث، يبقي سهمان نزيدهما علي ثلثي المال، و هو ديناران و اثنا عشر درهما، يبلغ دينارين و أربعة عشر درهما، و ذلك يعدل ثلاثة دنانير، نلقي دينارين بدينارين قصاصا، يبقي دينار يعدل أربعة عشر درهما، و كان الثّلث دينارا و ستّة، فهو إذا عشرون، و النصيب أربعة عشر، ندفع أربعة عشر إلي زيد، تبقي ستّة، لعمرو نصفها، تبقي ثلاثة، للثالث ثلثها، يبقي سهمان نضمّهما إلي ثلثي المال، يبلغ اثنين و أربعين، لكلّ ابن أربعة عشر.

مسألة 395: لو أوصي بنصيبين مع الوصيّة بجزء بعد كلّ نصيب،

مثل أن يوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث، و لثالث بمثل نصيب أحدهم، و لرابع بنصف ما يبقي من الثّلث بعد النصيب، فطريقه أن نأخذ ثلث مال ندفع منه نصيبا إلي زيد، يبقي منه مقدار ندفع ثلثه إلي عمرو، يبقي ثلثا مقدار، و نأخذ ثلثا آخر فندفع منه نصيبا إلي الثالث، يبقي مقدار، ندفع نصفه إلي الرابع، يبقي نصف مقدار، فنضمّ الباقي من الثّلثين - و هو مقدار و سدس مقدار - إلي الثّلث الثالث - و هو نصيب و مقدار - يكون نصيبا و مقدارين و سدس مقدار، و ذلك يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، نسقط نصيبا بنصيب، يبقي مقداران و سدس مقدار يعادل نصيبين، فالنصيب الواحد مقدار و نصف سدس مقدار، و كنّا فرضنا كلّ ثلث نصيبا و مقدارا، فهو إذا مقداران و نصف سدس مقدار، و نبسطها بالضرب في اثني عشر، يكون خمسة و عشرين، و جملة المال خمسة و سبعون، و النصيب ثلاثة عشر، لزيد ثلاثة عشر، و لعمرو أربعة، و للثالث ثلاثة عشر، و للرابع ستّة، و جملة ذلك ستّة و ثلاثون، تبقي تسعة

ص: 158

و ثلاثون للبنين، لكلّ ابن ثلاثة عشر، كالنصيب.

و لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي للرابع بنصف ما يبقي من الثّلثين بعد النصيب الثاني، فنأخذ ثلثيه، و نجعل منه نصيبا لزيد، يبقي مقدار نجعل ثلثه لعمرو، و نأخذ ثلثا آخر، فندفع نصيبا منه إلي الثالث، يبقي مقدار نضمّه إلي الثّلث الثالث، يبلغ نصيبا و مقدارين، ندفع إلي الرابع نصفه، و هو نصف نصيب و مقدار، يبقي معنا نصف نصيب و مقدار، و كان قد بقي من الثّلث الأوّل ثلثا مقدار يعدل كلّ ذلك أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، فنلقي نصف نصيب بنصف نصيب، يبقي مقدار و ثلثا مقدار في معادلة نصيبين و نصف نصيب، فيكون النصيب ثلثي مقدار، فإذا كلّ ثلث مقدار و ثلثا مقدار نبسطها أثلاثا، يكون خمسة، و المال خمسة عشر، و النصيب اثنان، لزيد اثنان، و لعمرو واحد، و للثالث اثنان، و للرابع أربعة، تبقي ستّة للبنين.

مسألة 396: يجوز أن يخصّ بعض الورثة بإخراج الوصايا من نصيبه،

و توفير نصيب الباقي، فلو خلّف ابنين و أوصي لواحد بربع المال، و لآخر بنصيب أحد ابنيه علي أن لا ينقص الثاني بالوصيّتين، فلنفرض من أربعة؛ لذكر الرّبع، واحد للموصي له بالرّبع، و اثنان للابن الذي شرط توفير نصيبه، يبقي واحد للموصي له الثاني، و للابن الثاني نضرب اثنين في أربعة.

و لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي من ثلث ماله لزيد بنصيب أحدهم، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث، و شرط توفير بكر، فنأخذ ثلث المال، و ندفع منه نصيبا إلي زيد، يبقي مقدار ندفع ثلثه إلي عمرو، يبقي ثلثا مقدار نضمّه إلي الثّلثين، و هما نصيبان و مقداران، و ذلك كلّه يعدل ثلث المال

ص: 159

بتمامه و نصيبين، أمّا ثلث المال فهو الذي توفّيه بكرا غير منقوص، و أمّا النصيبان فهما نصيبا الآخرين، و ذلك ثلاثة أنصباء و مقدار، فنسقط نصيبين بنصيبين و مقدارا بمقدار، يبقي نصيب في معادلة مقدار و ثلثين، فعرفنا أنّ النصيب مقدار و ثلثان، و أنّ الثّلث مقداران و ثلثان نبسطها أثلاثا، يكون ثمانية، فهي ثلث المال، و النصيب منها خمسة، و جملة المال أربعة و عشرون، لزيد خمسة، و لعمرو واحد، و لبكر ثمانية، تبقي عشرة للآخرين، لكلّ واحد خمسة، كالنصيب.

مسألة 397: لو خلّف أبوين و ابنين،

و أوصي لزيد مثل نصيب الأم، و لآخر بسبعي ما بقي من الثّلث، و لآخر بعشر جميع المال، نلقي من الثّلث نصيبا و سبعي ما بقي، فيبقي سبع مال و ثلثا سبع مال إلاّ خمسة أسباع نصيب، فنجعله من أجزاء مائتين و عشرة من أجل العشر، يكون ذلك خمسين، و نلقي منها عشر جميع المال، تبقي تسعة و عشرون جزءا إلاّ خمسة أسباع نصيب، نضمّه إلي الثّلثين، يكون مائة و تسعة و ستّين جزءا من مائتين و عشرة من مال إلاّ خمسة أسباع نصيب تعدل ستّة أنصباء، تجبر و تقابل، و نبسطها من مخرج المال، يكون ألفا و أربعمائة و عشرة، فهي المال.

و لو خلّف امرأة و ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم و سبعي ما بقي من الرّبع و السّدس، نجعل المال أربعة و ثمانين؛ لأجل الكسور، و نأخذ ربعه و سدسه، و نلقي منه سبعة أنصباء و سبعي ما بقي، فتبقي خمسة و عشرون جزءا إلاّ خمسة أنصباء نردّه علي باقي المال، يكون بعد الجبر و المقابلة أربعة و سبعين جزءا من أربعة و ثمانين تعدل تسعة و عشرين نصيبا، فاضربها في مخرج المال، يكون ألفين و أربعمائة و ستّة و ثلاثين،

ص: 160

فهي المال، و النصيب أربعة و سبعون.

و لو خلّف أبا و ثلاثة بنين و بنتا و أوصي بمثل نصيب الأب و لآخر بتسعي ما يبقي من الرّبع و بمثل نصيب البنت و بخمسي ما يبقي من الثّلث بعد ذلك، نأخذ ربع مال، و نلقي منه نصيب الأب و تسعي ما يبقي، فيبقي سدس مال و سدس سدس مال، و هو سبعة من ستّة و ثلاثين إلاّ سبعة أنصباء و سبعة أتساع نصيب، نضمّ ذلك إلي تمام الثّلث، و هو نصف سدس مال، يكون سدس مال و تسع مال، و هو عشرة من ستّة و ثلاثين إلاّ سبعة أنصباء و سبعة أتساع نصيب، و نلقي نصيب البنت، و هو خمسة أنصباء، و نلقي خمسي ما يبقي أيضا، و هو تسع مال إلاّ خمسة أنصباء و تسع نصيب، فيبقي سدس مال إلاّ سبعة أنصباء و ثلثي نصيب، فنضمّ ذلك إلي ثلثي المال، يكون ثلاثين جزءا من ستّة و ثلاثين جزءا من مال إلاّ سبعة أنصباء و ثلثي نصيب تعدل اثنين و أربعين نصيبا، تجبر و تقابل، و نضربها في مخرج المال، يكون ألفا و سبعمائة و ثمانية و ثمانين، و هو المال، و النصيب أجزاء المال، و هو ثلاثون، و يقع الكسر بتسع ما يبقي من الرّبع، فنضرب المسألة في ثلاثة، يكون خمسة آلاف و ثلاثمائة و أربعة و ستّين، و النصيب تسعون.

و لو خلّف زوجة و ابنين و بنتا، و أوصي بمثل نصيب المرأة و بثلث ما يبقي من الخمس و بمثل نصيب البنت و سبع ما يبقي من الثّلث و بمثل نصيب ابن و سدس ما يبقي من المال، نجعل المال ثلاثة دنانير، ثمّ نأخذ خمسة ثلاثة أخماس دينار، و نلقي منه نصيب المرأة خمسة دراهم، تبقي ثلاثة أخماس دينار إلاّ خمسة دراهم، نلقي منه ثلث الباقي، يبقي خمسا دينار إلاّ ثلاثة دراهم و ثلثا، نزيد ذلك علي باقي الثّلث، و هو خمسا دينار،

ص: 161

و نلقي منه نصيب البنت سبعة دراهم، و نلقي سبع الباقي، فتبقي أربعة أسباع دينار و أربعة أخماس سبع دينار إلاّ ثمانية دراهم و ستّة أسباع درهم، نضيف ذلك إلي الثّلثين، و نلقي أربعة عشر درهما نصيب الابن و سدس الباقي، يبقي ديناران و سبع و ثلثا سبع دينار إلاّ تسعة عشر درهما و ثلث سبع درهم، فهذا يعدل أربعين درهما، و بعد الجبر تسعة و خمسين و ثلث سبع، فابسط ذلك من أجزاء أحد و عشرين، يكون الدراهم ألفا و مائتين و أربعين، فنجعلها الدنانير، و يكون الدنانير سبعة و أربعين، فهي قيمة الدراهم، و هو النصيب، و ليس لما يبقي من الخمس ثلث، فاضرب ما معك في ثلاثة، يكون المال ثلاثة آلاف و سبعمائة و عشرين، و الدراهم مائة و أحدا و أربعين.

ص: 162

الفصل الثالث: فيما اشتمل علي الاستثناء

اشارة

و هو صنفان:

الأوّل: إذا كان الاستثناء بجزء من جميع المال.

مسألة 398: لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ربع جميع المال،

فنأخذ مالا و ربع مال إلاّ نصيبا، و ذلك يعدل ثلاثة أنصباء، و هي أنصباء الورثة، و تجبر و تقابل، فإذا مال و ربع مال يعدل أربعة أنصباء نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال ستّة عشر، و النصيب خمسة، ندفع إلي الموصي له خمسة، و نسترجع ربع المال أربعة، تبقي خمسة عشر، لكلّ ابن خمسة، كالنصيب.

و بالخطأين نجعل المال أربعة، و النصيب اثنين، ندفع إلي الموصي له اثنين، و نسترجع ربع المال واحدا، يبقي معنا ثلاثة، و كان يجب أن تبقي ستّة ليكون لكلّ ابن مثل النصيب، فقد نقص عن الواجب ثلاثة، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعل المال ثمانية و النصيب ثلاثة، ندفعها إليه، و نسترجع اثنين ربع المال، يبقي معنا سبعة، و كان ينبغي أن يكون تسعة، فقد نقص اثنان، و هو الخطأ الثاني.

و هما ناقصان، فنسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي واحد نحفظه، ثمّ نضرب المال الأوّل - و هو أربعة - في الخطأ الثاني - و هو اثنان - فيكون ثمانية، و نضرب المال الثاني - و هو ثمانية - في الخطأ الأوّل - و هو ثلاثة -

ص: 163

يكون أربعة و عشرين، فنسقط الأقلّ من الأكثر، تبقي ستّة عشر، نقسّمه علي الواحد المحفوظ، يكون ستّة عشر، فهو المال، و نضرب النصيب الأوّل - و هو اثنان - في الخطأ الثاني، يكون أربعة، و النصيب الثاني في الخطأ الأوّل - و هو ثلاثة - يكون تسعة، نسقط الأقلّ من الأكثر، و نقسّم الحاصل علي الواحد المحفوظ، يكون خمسة، فهو النصيب.

و بالدينار و الدرهم نجعل المال دينارا و أربعة دراهم، و ندفع الدينار بالنصيب إلي الموصي له، و نسترجع منه ربع جميع المال، و هو ربع دينار و درهم، يحصل معنا خمسة دراهم و ربع دينار، و ذلك يعدل ثلاثة دنانير، نسقط ربع دينار بربع دينار، و تبقي خمسة دراهم في معادلة دينارين و ثلاثة أرباع دينار، فإذا قسّمنا عدد الدراهم علي عدد الدنانير، خرج الدينار خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا، نجمع بين هذين العددين، يكون ستّة عشر، فهو المال.

و لو خلّف ابنا و أوصي بمثل نصيبه إلاّ نصف المال، نأخذ مالا، و نسقط منه نصيبا، و نستردّ من النصيب نصف مال، يحصل مال و نصف مال إلاّ نصيبا يعدل نصيبا واحدا، يجبر و يقابل، يكون مال و نصف مال يعدل نصيبين نبسطهما أنصافا، و نقلب الاسم، فيكون المال أربعة، و النصيب ثلاثة، ندفع إلي الموصي له ثلاثة، و نسترجع منه اثنين، يبقي له واحد، و هو مثل نصيب الابن إلاّ نصف المال.

و لو خلّف ابنا و أوصي بنصيب ابن رابع لو كان إلاّ عشر المال، فنقول: لو كان البنون أربعة لقسّم المال بينهم علي أربعة، فنأخذ مالا و نلقي منه نصيبا، و نسترجع منه عشر المال، يكون معنا مال و عشر مال إلاّ نصيبا

ص: 164

يعدل أربعة أنصباء، تجبر و تقابل [فإذا مال](1) و عشر مال يعدل خمسة أنصباء، فنبسطها أعشارا، و نقلب الاسم، فالمال خمسون، و النصيب أحد عشر، ندفع إلي الموصي له أحد عشر، و نسترجع منه عشر المال، و هو خمسة، يبقي للموصي له ستّة، و يأخذ الابن أربعة و أربعين، و لو كانوا أربعة أخذ كلّ واحد أحد عشر، كالنصيب.

مسألة 399: لو خلّف أربعة بنين و أوصي لرجل بثلث ماله إلاّ نصيب أحدهم،

ندفع إلي الموصي له و الابن ثلث المال، يبقي ثلثاه لثلاثة بنين، لكلّ واحد تسعان، فعلمنا أنّ نصيب الابن من الثّلث تسعان، يبقي تسع للموصي له، و الفريضة من تسعة.

و لو خلّف امرأة و ثلاث بنين و أوصي لرجل بمثل نصيب ابن إلاّ مثل نصيب المرأة، فريضة الورثة من أربعة و عشرين، للمرأة الثّمن ثلاثة، و لكلّ ابن سبعة، فأسقط سهم المرأة من نصيب ابن، تبقي أربعة أسهم، و هي الوصيّة، فنزيدها علي الفريضة، تكون ثمانية و عشرين.

الصنف الثاني: فيما يكون استثناء الجزء من الباقي.

و أقسامه ثلاثة:

[القسم] الأوّل: أن يقيّد الاستثناء بجزء ممّا يبقي من المال بعد النصيب.

مثل: أن يوصي لواحد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ربع الباقي من المال بعد النصيب، نأخذ مالا، و نسقط منه نصيبا، يبقي مال ناقص بنصيب، نزيد عليه ربعه، و هو الذي نستردّه من جملة النصيب، و ربعه ربع مال إلاّ ربع نصيب، فيبلغ مالا و ربع مال إلاّ نصيبا و ربع نصيب يعدل ثلاثة

ص: 165


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فمال». و الظاهر ما أثبتناه.

أنصباء، تجبر و تقابل، فإذا مال و ربع مال يعدل أربعة أنصباء و ربع نصيب، فنبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال سبعة عشر، و النصيب خمسة، ندفع إلي الموصي له خمسة، يبقي اثنا عشر، نستردّ من الخمسة ربع الباقي، و هو ثلاثة، يبقي للموصي له سهمان، و يحصل للبنين خمسة عشر، لكلّ واحد خمسة.

أو نقول: ندفع إلي الموصي له نصيبا، يبقي مقدار، نسترجع ربعه من النصيب، و نزيده علي المقدار، يصير مقدارا و ربع مقدار يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، فالنصيب ثلث مقدار و ثلث ربع مقدار، و المال مقدار و ثلث مقدار و ثلث ربع مقدار، نبسطها بأجزاء ثلث الرّبع، و ذلك بالضرب في اثني عشر، فيكون المال سبعة عشر، فالنصيب خمسة.

أو نقول: علمنا أنّ الباقي من المال بعد النصيب عدد له ربع، فهو أربعة، و قد استثني الرّبع، فنزيد ربع الأربعة عليها، يكون خمسة، للبنين لكلّ ابن سهم و ثلثان، فالنصيب سهم و ثلثان، نزيده علي الأربعة، يكون خمسة و ثلاثين، نبسطها أثلاثا، فالنصيب خمسة، و المال سبعة عشر.

و لو قال: إلاّ ربع الباقي من المال بعد نصف النصيب، نأخذ مالا، و نسقط منه نصيبا، يبقي مال ينقص نصيبا، نزيد عليه ربعه بعد نصف النصيب، و هو ربع مال إلاّ ثمن نصيب، يصير مالا و ربع مال إلاّ نصيبا [يعادل أربعة أنصباء](1) و ثمن نصيب، نبسطها أثمانا، و نقلب الاسم، فالمال ثلاثة و ثلاثون، و النصيب عشرة، نخرج عشرة، و ننظر في الباقي من المال بعد نصف العشرة، فإذا هو ثمانية و عشرون، نسترجع ربعها - و هو7.

ص: 166


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 165:7.

سبعة - من العشرة، يبقي للموصي له ثلاثة، و الباقي ثلاثون، لكلّ واحد عشرة، كالنصيب.

مسألة 400: لو خلّف زوجة و أبوين و ابنين،

و أوصي بمثل نصيب ابن إلاّ خمسي ما يبقي من المال بعد النصيب، فريضة الورثة من ثمانية و أربعين، و نجعل الوصيّة دينارا، نضمّها إلي هذه السهام، ثمّ نسقط نصيب ابن، و هو ثلاثة عشر سهما، تبقي خمسة و ثلاثون سهما و دينارا، نأخذ خمسها، و هو سبعة أسهم و خمس دينار، و نسقطه من نصيب الابن، تبقي ستّة أسهم إلاّ خمس دينار، و ذلك يعدل الدينار المضموم إلي السهام، فإذا جبرنا و قابلنا عدل ستّة أسهم دينارا و خمس دينار، فيكون الدينار الواحد خمسة أسهم، فظهر أنّ المضموم إلي سهام الورثة خمسة، و أنّ جميع المال ثلاثة و خمسون سهما، نخرج منها ثلاثة عشر، يبقي أربعون، نسترجع من الثلاثة عشر مثل خمس الأربعين، و هو ثمانية، يبقي مع الموصي له خمسة أسهم، و الباقي ثمانية و أربعون للورثة.

القسم الثاني: أن يقيّد الاستثناء بجزء ممّا يبقي من المال بعد الوصيّة.

و تحقيقه: أنّ الجزء من باقي المال بعد الوصيّة مثل الجزء الذي يقع تحته من باقي المال بعد النصيب، فإنّ عشر الباقي بعد الوصيّة كتسع الباقي بعد النصيب، و تسع الباقي بعد الوصيّة كثمن الباقي بعد النصيب.

فلو أوصي بمثل نصيب أحدهم - و هم ثلاثة بنين - إلاّ ربع ما يبقي من المال بعد الوصيّة، فهو كما لو أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي بعد النصيب، فنأخذ مالا و نلقي منه نصيبا، يبقي مال إلاّ نصيبا نزيد

ص: 167

عليه ثلثه للاستثناء، و هو ثلث مال إلاّ ثلث نصيب، يصير مالا و ثلث مال إلاّ نصيبا و ثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة، فبعد الجبر و المقابلة يبقي مال و ثلث مال يعدل أربعة أنصباء و ثلث نصيب، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، و النصيب أربعة، ندفع إلي الموصي له أربعة، تبقي تسعة، نستردّ من الأربعة ثلث التسعة الباقية، يبقي له سهم، و لكلّ ابن أربعة، فالذي أخذه الموصي له مثل النصيب إلاّ ثلث الباقي بعد النصيب، و مثل النصيب الأربع الباقي بعد الوصيّة؛ لأنّ الباقي بعد الوصيّة اثنا عشر، و ربعها ثلاثة.

و هنا في هذا طريق آخر، و هو: أنّا نعلم أنّ باقي المال في الصورة المذكورة بعد الوصيّة أنصباء البنين، و هي ثلاثة، و ربعها ثلاثة أرباع نصيب، فهو المستثني من نصيب أحد البنين، يبقي ربع نصيب، و هو الوصيّة، فنزيده علي أنصباء البنين تبلغ ثلاثة أنصباء و ربع نصيب، نبسطها أرباعا بالضرب في أربعة، يكون ثلاثة عشر، و الوصيّة سهم.

[القسم] الثالث: أن يطلق الاستثناء، فيقول: أوصيت له بمثل نصيب ابن إلاّ ربع باقي المال، و لم يقل: بعد النصيب، و لا بعد الوصيّة.

و الأقرب: الحمل علي الثاني - و به قال محمّد بن الحسن و البصريّون و بعض الشافعيّة(1) - لأنّ الباقي بعد الوصيّة أكثر من الباقي بعد النصيب، فيكون الجزء المستثني من النصيب أكثر، فيكون الباقي للموصي له أقلّ، و الوصايا و الأقارير تنزّل علي الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن.

و يحتمل تنزيله علي الأوّل، و هو الباقي بعد النصيب - و هو قول6.

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 166:7، روضة الطالبين 210:5، المغني 491:6، الشرح الكبير 606:6.

الأكثر(1) - لأنّ المذكور هو النصيب، فيصرف الاستثناء إليه.

و طريق الحساب علي الوجهين ما سبق، هذا هو النقل.

قيل: و يحتمل أن يجعل الاستثناء من الباقي بعد الوصيّة صريحا كالاستثناء من الباقي بعد النصيب؛ لأنّ الموصي به هو النصيب، فسواء قال: بعد الوصيّة، أو بعد النصيب، إلاّ أنّ لفظ النصيب لا يحتمل إلاّ ما يأخذه الوارث، و لفظ الوصيّة يحتمل ما دونه(2).

مسألة 401: لو أوصي بنصيب مع استثناء جزء ممّا يبقي من جزء من المال،

جاء فيه الأقسام الثلاثة السابقة، و في الثالث الوجهان.

و إن صرّح بذكر النصيب، فأوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد النصيب، نأخذ ثلث مال و نحذف منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، نزيد عليه ثلثه، و هو تسع مال إلاّ ثلث نصيب الاستثناء، يصير أربعة أتساع مال إلاّ نصيبا و ثلث نصيب، نزيده علي ثلثي المال، فمال و تسع مال إلاّ نصيبا و ثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، تجبر و تقابل، فمال و تسع مال يعدل أربعة أنصباء و ثلث نصيب، نبسطها أتساعا، و نقلب الاسم، فالمال تسعة و ثلاثون، و النصيب عشرة، نأخذ الثّلث ثلاثة عشر، و نسقط منه نصيبا [- و هو عشرة -](3) تبقي ثلاثة، نستردّ ثلثها بالاستثناء، تبقي تسعة، نسقطها من المال، يبقي ثلاثون، لكلّ ابن عشرة.

أو نقول: ثلث المال نصيب و ثلاثة أسهم، ندفع النصيب إلي الموصي له، و نستردّ منه واحدا هو ثلث الباقي، و نضمّه إلي الثلاثة التي معنا، يكون

ص: 169


1- المغني 491:6، الشرح الكبير 606:6.
2- العزيز شرح الوجيز 167:7.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 167:7، و روضة الطالبين 211:5.

أربعة، نضمّها إلي ثلثي المال، و هو نصيبان و ستّة أسهم، يصير نصيبين و عشرة أسهم، ندفع نصيبين إلي اثنين، و عشرة إلي الثالث، فالنصيب عشرة، و الثّلث ثلاثة عشر.

و لو كان البنون خمسة، نجعل ثلث المال اثنين مثلا، و النصيب واحدا، يبقي واحد، نسترجع ثلثه من النصيب، و نضمّ السهم و الثّلث إلي ثلثي المال، و هو أربعة، تصير خمسة و ثلثا، و كان ينبغي أن يكون خمسة ليكون لكلّ ابن كالنصيب، فالخطأ الأوّل زائد بثلث سهم.

ثمّ نجعل ثلث المال ثلاثة و النصيب اثنين، يبقي سهم، نستردّ ثلثه من النصيب، و نضمّ السهم و الثّلث إلي ثلثي المال، و هو ستّة، يبلغ سبعة و ثلثا، و كان ينبغي أن يكون عشرة، فقد نقص اثنان و ثلثان، و هو الخطأ الثاني ناقص نجمع بينهما، تصير ثلاثة نحفظها، فهي المقسوم عليها، ثمّ نضرب ما أخذناه أوّلا - و هو اثنان - في الخطأ الثاني، و هو سهمان و ثلثان، يبلغ خمسة و ثلثا، و نضرب ما أخذناه ثانيا - و هو ثلاثة - في الخطأ الأوّل، و هو ثلث سهم، يكون سهما، نجمع بينهما، يكون ستّة و ثلثا، نبسطها أثلاثا، يكون تسعة عشر لو قسّمناها علي الثلاثة المحفوظة خرج من القسمة ستّة و ثلث، و احتجنا إلي البسط ليزول الكسر، فنترك القسمة و نقول: الثّلث تسعة عشر، و نضرب النصيب الأوّل في الخطأ الثاني، يكون اثنين و ثلاثين، و النصيب الثاني في الخطأ الأوّل، و هو ثلث، يكون ثلثين، و مجموعهما ثلاثة و ثلث، نبسطها أثلاثا، و نترك القسمة، فالنصيب عشرة، نأخذ ثلث المال تسعة عشر، و نسقط منه النصيب عشرة، تبقي تسعة، نسترجع ثلثها من النصيب، تبقي عند الموصي له سبعة نسقطها من جملة المال، تبقي خمسون للبنين.

ص: 170

مسألة 402: لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة إلاّ ربع

ما يبقي من الثّلث بعد ثلث النصيب، نأخذ ثلث مال، و نسقط منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، ثمّ نستردّ من النصيب ربع الباقي من الثّلث بعد ثلث النصيب، و هو نصف سدس مال إلاّ نصف سدس نصيب، و نضمّه إلي ما معنا، تصير خمسة أجزاء من اثني عشر جزءا من مال إلاّ نصيبا و جزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، نزيده علي ثلثي المال، يبلغ مالا و جزءا من اثني عشر جزءا من مال إلاّ نصيبا و جزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، يعدل أنصباء الورثة، و هي أربعة، تجبر و تقابل، فمال و جزء من اثني عشر جزءا من مال يعدل خمسة أنصباء و جزءا من اثني عشر جزءا من نصيب.

ثمّ إمّا أن نبسطها بأجزاء اثني عشر، و نقلب الاسم، فالنصيب ثلاثة عشر، و المال أحد و ستّون، أو نضرب خمسة و جزءا من اثني عشر في اثني عشر، يصير أحدا و ستّين، فهو المال، لكن ليس لها ثلث، فنضربها في ثلاثة، تصير مائة و ثلاثة و ثمانين، فهو المال، و النصيب تسعة و ثلاثون، نأخذ ثلث المال، و هو أحد و ستّون، و نحذف منه تسعة و ثلاثين للنصيب، ثمّ نستردّ منه اثني عشر؛ لأنّ الباقي من الثّلث بعد ثلث النصيب ثمانية و أربعون، ربعها اثنا عشر، فيبقي للموصي له سبعة و عشرون، نسقطها من المال، تبقي مائة و ستّة و خمسون، لكلّ ابن تسعة و ثلاثون.

مسألة 403: لو أوصي بمثل نصيب أحد ابنيه إلاّ ثلث ما يبقي،

و لم يزد علي ذلك شيئا، قال أبو حنيفة: يجعل كأنّه قال: إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث [بعد النصيب(1).

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 169:7.

و قال الشافعي: كأنّه قال: إلاّ ثلث ما يبقي من المال](1) بعد الوصيّة؛ لأنّه الأقلّ المتيقّن(2).

فيعطي الموصي له عند الشافعي واحدا من تسعة؛ لأنّ لكلّ واحد من الابنين و الموصي له ثلاثة، ثمّ نستردّ منه بقدر ثلث الباقي، و هو سهمان، يبقي واحد(3).

و علي قول أبي حنيفة يعطي تمام الثّلث؛ لأنّه إذا أعطي ثلاثة لم يبق من الثّلث شيء حتي يستثني و يضمّ إلي ما للورثة(4).

و لو صرّح بذكر الوصيّة و الباقي من الجزء، فقال: أعطوه مثل نصيب أحد أولادي الثلاثة إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد الوصيّة، فطريق الحساب فيه علي قياس ما تقدّم، لكن يستعمل بدل «ثلث الباقي من الثّلث بعد الوصيّة»: «نصف الباقي من الثّلث بعد النصيب» كما تقدّم.

فنأخذ ثلث مال، و نسقط منه نصيبا، يبقي مقدار نزيد عليه نصفه للاستثناء، يحصل مقدار و نصف مقدار، ندفع من كلّ ثلث نصيبا إلي أن يبقي من كلّ ثلث مقدار نضمّه إلي ما معنا من الثّلث الأوّل، يحصل ثلاثة مقادير و نصف مقدار، فهو للابن الثالث، فعلمنا أنّ النصيب ثلاثة مقادير و نصف مقدار، و كان الباقي من الثّلث بعد النصيب مقدارا، فيكون جميع الثّلث أربعة مقادير و نصف مقدار، نبسطها أنصافا، تكون تسعة، و جميع المال سبعة و عشرون، و النصيب سبعة، فإذا أخذنا ثلث المال - و هو تسعة -7.

ص: 172


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 169:7، و روضة الطالبين 5: 211.
2- العزيز شرح الوجيز 169:7، روضة الطالبين 211:5.
3- العزيز شرح الوجيز 169:7، روضة الطالبين 211:5.
4- العزيز شرح الوجيز 169:7.

و عزلنا منه سبعة، يبقي اثنان، نسترجع نصفها من النصيب، و هو واحد، يبقي مع الموصي له ستّة، و مع البنين أحد و عشرون، لكلّ ابن سبعة كالنصيب، فما أخذه الموصي له كما أنّه مثل النصيب إلاّ نصف ما يبقي من الثّلث بعد النصيب، فهو مثل النصيب إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد الوصيّة؛ لأنّ الثّلث تسعة، و الوصيّة ستّة، فالباقي ثلاثة، و الستّة ناقصة عن النصيب بثلث الثلاثة.

مسألة 404: لو أوصي بجزء من المال و بالنصيب مع استثناء جزء من باقي المال،

فقد يقيّد الباقي بما بعد النصيب، و قد يقيّد بما بعد الوصيّة، و قد يطلق.

فلو أوصي لزيد بربع المال، و لعمرو بمثل نصيب أحد ولديه إلاّ ثلث ما يبقي من المال بعد النصيب، نأخذ مالا، و ندفع ربعه لزيد، تبقي ثلاثة أرباع مال، ندفع نصيبا منها إلي عمرو، تبقي ثلاثة أرباع مال إلاّ نصيبا، نستردّ من النصيب مثل ثلث هذا الباقي، و هو ربع مال إلاّ ثلث نصيب، نزيده علي ما معنا، يصير مالا إلاّ نصيبا و ثلث نصيب يعدل نصيبين، تجبر و تقابل، فالمال يعدل ثلاثة أنصباء و ثلث نصيب، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال عشرة، و النصيب ثلاثة، نصرف ربع العشرة إلي زيد، تبقي سبعة و نصف، نعزل منها ثلاثة [لعمرو](1) تبقي أربعة و نصف، نسترجع ثلثها من الثلاثة، و هو واحد و نصف، نضمّه(2) إلي ما معنا، يبلغ ستّة، لكلّ واحد ثلاثة كالنصيب، فإن أزلنا الكسر بسطنا العشرة أنصافا، فالمال

ص: 173


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلي عمرو». و المثبت هو الصحيح.
2- في «ر»: «فنضمّه».

عشرون، و النصيب ستّة.

أو نقول: نجعل المال ثمانية مثلا، و نسقط ربعها لزيد، ثمّ نجعل النصيب ثلاثة، و نسترجع منها ثلث الباقي، و هو واحد، يصير ما معنا أربعة، و كان ينبغي أن يكون ستّة ليأخذ كلّ واحد منهما ثلاثة، فقد نقص اثنان، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعل المال اثني عشر، ربعها لزيد، و نجعل النصيب ثلاثة، و نستردّ منها ثلث الباقي، و هو اثنان، يكون ما معنا ثمانية، و كان ينبغي أن يكون ستّة، فقد زاد اثنان، فنجمع بين الخطأين؛ لأنّ أحدهما زائد، و الآخر ناقص، يبلغ أربعة، فنحفظها، ثمّ نضرب المال الأوّل في الخطأ الثاني، يكون ستّة عشر، و نضرب المال الثاني في الخطأ الأوّل، يكون أربعة و عشرين، و نجمع بينهما، يكون أربعين، نقسّمها علي الأربعة المحفوظة، تخرج عشرة، فهو المال، و يبلغ بالبسط عشرين.

و إن قيّد بالوصيّة، فقال في هذه المسألة: إلاّ ثلث ما يبقي من المال بعد الوصيّة، فهو بمنزلة ما لو قال: إلاّ نصف ما يبقي من المال بعد النصيب، علي ما تقدّم، فنأخذ مالا، و نجعل لزيد ربعه، تبقي ثلاثة أرباع مال، ندفع منها نصيبا إلي عمرو، تبقي ثلاثة أرباع مال إلاّ نصيبا، نستردّ منه نصف هذا الباقي، و هو ثلاثة أثمان مال إلاّ نصف نصيب، و نزيده علي ما معنا، فيبلغ مالا و ثمن مال إلاّ نصيبا و نصف نصيب، و هو يعدل نصيبين، فإذا جبرنا و قابلنا كان مال و ثمن مال، يعدل ثلاثة أنصباء و نصف نصيب، نبسطها أثمانا، فالمال ثمانية و عشرون، و النصيب تسعة، ندفع ربع المال إلي زيد، و هو سبعة، يبقي أحد و عشرون، نفرز منها تسعة لعمرو، يبقي اثنا عشر، نستردّ نصفها - و هو ستّة - من التسعة، و نضمّه إلي ما معنا،

ص: 174

يبلغ ثمانية عشر، لكلّ ابن تسعة، كالنصيب، فالثلاثة السالمة(1) لعمرو كما أنّها مثل النصيب إلاّ نصف الباقي من المال بعد النصيب فهو مثل النصيب إلاّ ثلث الباقي من المال بعد الوصيّة؛ لأنّ الباقي من المال بعد الوصيّة ثمانية عشر، و الستّة المستثناة ثلثها.

مسألة 405: لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة إلاّ سدس

ما يبقي من المال بعد النصيب، و لآخر بمثل نصيب أحدهم إلاّ تسع ما يبقي من المال بعد الوصيّتين، فالمال مائة و ثلاثة، و النصيب أحد و عشرون، و ليس للباقي بعده سدس، فيصحّ من ثلاثمائة و تسعة، و النصيب ثلاثة و ستّون، و الوصيّة الأولي اثنان و عشرون، و الثانية خمسة و ثلاثون.

و لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت إلاّ ثمن ما يبقي من المال بعد النصيب، و لعمرو بمثل نصيب ابن إلاّ ربع ما يبقي من المال بعد الوصيّتين، فنقول: الباقي بعد الوصيّتين هو أنصباء الورثة، و ذلك سبعة، فخذ ربعها و ألقه من نصيب الابن، يبقي ربع نصيب، فهي وصيّة الثاني، ثمّ انقص من المال مثل نصيب البنت، يبقي مال إلاّ نصيبا، زد عليه مثل ثمنه، يكون مالا و ثمن مال إلاّ نصيبا و ثمن نصيب، فألق من ذلك وصيّة الآخر، و هي ربع نصيب، فاجبر و قابل و ابسط، يكون المال سبعة و ستّين، و النصيب تسعة، و يقع كسر في(2) الرّبع، فنضربها في أربعة، يكون مائتين و ثمانية و ستّين، و النصيب ستّة و ثلاثون، و وصيّة عمرو تسعة، و وصيّة زيد سبعة، فإذا ألقيت نصيب بنت من المال، بقي مائتان و اثنان و ثلاثون قيمتها تسعة و عشرون، فإذا ألقيتها من النصيب بقي سبعة، و إذا

ص: 175


1- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «الباقية» بدل «السالمة».
2- في الطبعة الحجريّة: «من» بدل «في».

ألقيت الوصيّتين من المال، بقي مائتان و اثنان و خمسون، فربعها ثلاثة و ستّون إذا ألقيتها من نصيب الابن - و هو اثنان و سبعون - بقي تسعة.

مسألة 406: لو أوصي بجزء شائع من المال و بالنصيب

مع استثناء جزء ممّا يبقي من جزء من المال، كما لو خلّف خمسة بنين، و أوصي لزيد بثمن ماله، و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد الثّمن و النصيب، نأخذ ثلث مال و نلقي منه ثمن جميع المال، تبقي خمسة من أربعة و عشرين جزءا من المال، نسقط منه نصيبا لعمرو، تبقي خمسة من أربعة و عشرين جزءا سوي نصيب، نستردّ من النصيب ثلث هذا الباقي، فنضرب المال في ثلاثة، يكون اثنين و سبعين، و يكون معنا خمسة عشر جزءا من اثنين و سبعين جزءا من المال سوي نصيب، و نستردّ من ذلك ثلثها، و هو خمسة إلاّ ثلث نصيب، يبلغ عشرين سوي نصيب و ثلث نصيب، نزيده علي ثلثي المال، و هو ثمانية و أربعون، يكون ثمانية و ستّين جزءا من اثنين و سبعين جزءا سوي نصيب و ثلث نصيب، يعدل أنصباء الورثة، و هي خمسة، و بعد الجبر و المقابلة تصير ثمانية و ستّين، تعدل ستّة أنصباء و ثلث نصيب، فنبسطها بأجزاء اثنين و سبعين، و نقلب الاسم، فالمال أربعمائة و ستّة و خمسون، و النصيب ثمانية و ستّون، نأخذ ثلث المال، و هو مائة و اثنان و خمسون، و نلقي منها ثمن المال، و هو سبعة و خمسون، تبقي خمسة و تسعون، نلقي منه نصيبا، و هو ثمانية و ستّون، تبقي سبعة و عشرون، نستردّ من النصيب ثلثها، و نزيدها علي السبعة و العشرين، تبلغ ستّة و ثلاثين، نزيدها علي ثلثي المال، و هو ثلاثمائة و أربعة، تبلغ ثلاثمائة و أربعين، لكلّ ابن ثمانية و ستّون، كالنصيب.

أمّا لو أوصي لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث

ص: 176

بعد الثّمن و بعد الوصيّة، فالحساب كما تقدّم، إلاّ أنّا نجعل بدل «استثناء ثلث الباقي من الثّلث بعد الوصيّة»: «نصف الباقي من الثّلث بعد النصيب» فنأخذ ثلث مال، و نسقط منه ثمن جميع المال، تبقي خمسة من أربعة و عشرين جزءا من المال، نفرز منه نصيبا لعمرو، و نستردّ من النصيب نصف الباقي، و ليس للخمسة نصف صحيح، فنضرب المال في اثنين، يكون ثمانية و أربعين، و يصير معنا عشرة أجزاء من ثمانية و أربعين من المال سوي نصيب، نزيد عليه نصفه، يكون خمسة عشر جزءا من ثمانية و أربعين سوي نصيب و نصف نصيب، نزيده علي ثلثي المال، و هو اثنان و ثلاثون من ثمانية و أربعين جزءا، يبلغ سبعة و أربعين جزءا من ثمانية و أربعين إلاّ نصيبا و نصف نصيب، تعدل أنصباء الورثة، و هي خمسة، تجبر و تقابل، فسبعة و أربعون جزءا من ثمانية و أربعين تعدل ستّة أنصباء و نصف نصيب، نبسطها بأجزاء ثمانية و أربعين، فالمال ثلاثمائة و اثنا عشر، و النصيب سبعة و أربعون، نأخذ ثلث المال، و هو مائة و أربعة، و نسقط منه ثمن المال، و هو تسعة و ثلاثون، تبقي خمسة و ستّون، نسقط منه النصيب سبعة و أربعين، تبقي ثمانية عشر، نسترجع من النصيب تسعة، و نزيدها عليها، تكون سبعة و عشرين، نزيدها علي ثلثي المال، و هو مائتان و ثمانية، تبلغ مائتين و خمسة و ثلاثين، لكلّ ابن سبعة و أربعون، فالتسعة - التي هي نصف الباقي من الثّلث بعد الثّمن و النصيب - ثلث الباقي من الثّلث بعد الثّمن و الوصيّة، فإنّ الثّمن تسعة و ثلاثون، و الذي يسلّم لعمرو ثمانية و ثلاثون، تبقي سبعة و عشرون.

مسألة 407: لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بربع ماله،

و لعمرو بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأم، ففريضة الورثة من ثلاثة، ثمّ نأخذ مالا

ص: 177

و نلقي ربعه لزيد، تبقي ثلاثة أرباع، نلقي منها نصيبين مثل نصيب الأب، و نستردّ نصفها مثل نصيب الأم، تبقي ثلاثة أرباع مال إلاّ نصيبا تعدل ثلاثة أنصباء هي سهام الورثة، تجبر و تقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل أربعة أنصباء، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال ستّة عشر، و النصيب ثلاثة.

و إذا أخذنا ستّة عشر و أسقطنا ربعها، بقي اثنا عشر، نسقط منها نصيبين، و هما ستّة، و نستردّ نصيبا، و هو ثلاثة، تبقي للموصي له ثلاثة، فإذا أسقطنا الوصيّتين من المال، تبقي تسعة، للأب منها ثلثاها، و للأم ثلثها.

و لو كان مع الأبوين زوج، و أوصت لزيد بثلث مالها، و لعمرو بمثل نصيب الزوج إلاّ مثل نصيب الأب، فريضة الورثة من ستّة، ثمّ نأخذ مالا، و نلقي ثلثه لزيد، يبقي ثلثا مال، نسقط منه ثلاثة أنصباء هي سهم الزوج، و نستردّ نصيبين مثل سهمي الأب، فيبقي ثلثا مال إلاّ نصيبا يعدل ستّة أنصباء، تجبر و تقابل، فثلثا مال يعدل سبعة أنصباء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال أحد و عشرون، و النصيب اثنان، نأخذ أحدا و عشرين، و نسقط ثلثها لزيد، تبقي أربعة عشر، نأخذ منها ثلاثة أنصباء مثل نصيب الزوج، و هو ستّة، نستردّ منها أربعة، يبقي لعمرو سهمان، فإذا أسقطنا الوصيّتين من أحد و عشرين، يبقي اثنا عشر، للزوج ستّة، و للأب أربعة، و للأم سهمان.

و لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأم، و لعمرو بربع ما يبقي من المال، نأخذ مالا، و نلقي منه نصيبين هما نصيب الأب من مسألة الورثة، و نسترجع نصيبا، و هو نصيب الأم، فيبقي مال إلاّ نصيبا، ندفع ربعه إلي عمرو، و هو ربع مال إلاّ ربع نصيب، تبقي ثلاثة أرباع مال إلاّ ثلاثة أرباع نصيب تعدل ثلاثة أنصباء هي سهام المسألة،

ص: 178

تجبر و تقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل ثلاثة أنصباء و ثلاثة أرباع نصيب، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال خمسة عشر، و النصيب ثلاثة، نأخذ خمسة عشر، و نسقط منه نصيبين، و هما ستّة، و نستردّ نصيبا، و هو ثلاثة، يبقي اثنا عشر، ربعها لعمرو، تبقي تسعة، ستّة للأب، و ثلاثة للأم.

و يمكن حسابها من خمسة؛ لأنّه إذا كان ثلاثة أرباع مال تعدل ثلاثة أنصباء و ثلاثة أرباع نصيب، فالمال الكامل يعدل خمسة، نسقط منها نصيبين، و نستردّ نصيبا، يبقي معنا أربعة، واحد لعمرو، تبقي ثلاثة، اثنان للأب، و واحد للأم.

و لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأم، و لعمرو بربع ما يبقي من ثلثي المال، نأخذ ثلثي مال، و نسقط منه نصيبين، و نسترجع منه نصيبا، يبقي ثلثا مال إلاّ نصيبا، نسقط ربعه لعمرو، و هو سدس مال إلاّ ربع نصيب، يبقي نصف مال إلاّ ثلاثة أرباع نصيب، نزيده علي ثلث مال، يبلغ خمسة أسداس مال إلاّ ثلاثة أرباع [نصيب] تعدل ثلاثة أنصباء هي سهام المسألة، تجبر و تقابل، فخمسة أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء و ثلاثة أرباع نصيب، نبسطها بأجزاء اثني عشر، و نقلب الاسم، فالمال خمسة و أربعون، و النصيب عشرة، نأخذ ثلثي المال، و هو ثلاثون، و نسقط منها نصيبين، و هما عشرون، و نسترجع نصيبا، يبقي معنا عشرون، نسقط ربعه لعمرو، تبقي خمسة عشر، نزيدها علي ثلث المال، يكون ثلاثين، للأب عشرون، و للأم عشرة.

مسألة 408: لو أوصي بنصيب وارث مع استثناء نصيب وارث آخر منه

و جزء شائع، فالجزء المستثني مع النصيب قد يكون من جميع المال، و من باقي المال، و من جزء من الباقي.

ص: 179

فلو خلّف أبويه و أوصي بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأم و إلاّ عشر جميع المال، نأخذ مالا، و نلقي منه نصيبين، و نستردّ نصيبا و عشر جميع المال، يبقي مال و عشر مال إلاّ نصيبا، يعدل أنصباء الورثة، نجبر و نقابل، و نبسطها أعشارا، و نقلب الاسم، فالمال أربعون، و النصيب أحد عشر، نأخذ أربعين، و نسقط منها نصيبين، و هما اثنان و عشرون، و نستردّ منها نصيبا - و هو أحد عشر - و عشر جميع المال، و هو أربعة، فسلّم للموصي له سبعة، و للأب اثنان و عشرون، و أحد عشر للأم.

و لو استثني مثل نصيب الأم و عشر ما يبقي من المال بعد نصيب الأم، نأخذ مالا، و نلقي منه نصيب الأب، و هو نصيبان من ثلاثة أنصباء هي الفريضة، و نستردّ منه نصيبا، يبقي مال إلاّ نصيبا، نزيد عليه مثل عشره، و هو عشر مال إلاّ عشر نصيب، يصير مالا و عشر مال إلاّ نصيبا و عشر نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء هي الفريضة فنجبر و نقابل، و نبسطها أعشارا، و نقلب الاسم، فالمال أحد و أربعون، و النصيب أحد عشر، نأخذ أحدا و أربعين، و نسقط منه نصيبين، و هما اثنان و عشرون، و نستردّ نصيبا، فيكون معنا ثلاثون، نستردّ عشر الثلاثين من ذلك النصيب أيضا، و هو ثلاثة، و نزيده علي ما معنا، يصير ثلاثة و ثلاثين، للأب اثنان و عشرون، و للأم أحد عشر.

و لو استثني منه نصيب الأم و ثمن ما يبقي من ثلثي المال بعد نصيب الأم، نأخذ ثلثي مال، و نسقط منه نصيبين، و نستردّ نصيبا، يبقي ثلثا مال إلاّ نصيبا، نستردّ ثمن هذا المبلغ أيضا من النصيب، و هو نصف سدس مال إلاّ ثمن نصيب، و نزيده علي المبلغ، يكون ثلاثة أرباع مال إلاّ نصيبا و ثمن نصيب، نزيده علي ثلث مال، يبلغ مالا أو نصف سدس مال إلاّ نصيبا

ص: 180

و ثمن نصيب، و ذلك يعدل أنصباء الورثة، و هي سهام الفريضة، نجبر و نقابل، فمال و نصف سدس مال، يعدل أربعة أنصباء و ثمن نصيب، فنبسطها بأجزاء أربعة و عشرين، و بها التفاوت بين الثّمن و نصف السّدس، و نقلب الاسم، فالمال تسعة و تسعون، و النصيب ستّة و عشرون، نأخذ ثلثي المال، و هو ستّة و ستّون، و نسقط منه نصيبين، و هما اثنان و خمسون، و نستردّ نصيبا، يبقي أربعون، نستردّ ثمنه من النصيب، و هو خمسة، و نزيده علي الأربعين، يكون خمسة و أربعين، و نزيده علي ثلث المال، يبلغ ثمانية و سبعين، للأب بنصيبين اثنان و خمسون، و للأم بنصيب ستّة و عشرون.

و لو كان قال: إلاّ ثمن ما يبقي من ثلثي المال بعد نصيب الأب، نأخذ ثلثي مال، نسقط منه نصيبين، و نستردّ نصيبا، يبقي ثلثا مال إلاّ نصيبا، و نستردّ أيضا ثمن ثلثي المال بعد النصيبين، و هو نصف سدس مال إلاّ ربع نصيب، و نزيده علي ثلثي مال إلاّ نصيبا، يبلغ ثلاثة أرباع مال إلاّ نصيبا و ربع نصيب، نزيده علي ثلث مال، يبلغ مالا و نصف سدس مال إلاّ نصيبا و ربع نصيب، يعدل أنصباء الورثة، نجبر و نقابل، فمال و نصف سدس مال يعدل أربعة أنصباء و ربع نصيب، نبسطها بأجزاء اثني عشر، و نقلب الاسم، فالمال أحد و خمسون، و النصيب ثلاثة عشر، نأخذ ثلثي المال، و هو أربعة و ثلاثون، و نسقط منه نصيبين، و هما ستّة و عشرون، و نسترجع نصيبا، يبقي للموصي له ثلاثة عشر، نستردّ منه أيضا ثمن الباقي من الأربعة و الثلاثين بعد النصيب، و هو واحد، يبقي له اثنا عشر، نسقطها من جميع المال، تبقي تسعة و ثلاثون، للأب بنصيبين ستّة و عشرون، و للأم بنصيب ثلاثة عشر.

ص: 181

ص: 182

الفصل الرابع: في الوصيّة بالتكملة

اشارة

المراد من التكملة البقيّة التي بها يبلغ الشيء حدّا آخر، فلو ترك أربعة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فمعني ذلك أنّه أوصي بالثّلث إلاّ نصيبا، و هو صنفان.

الأوّل(1): أن تتجرّد عن الوصيّة بغيرها و عن الاستثناء فيها، فإمّا أن يكون الوصيّة بتكملة واحدة كما تقدّم، أو بتكملتين.

و طريق الأوّل: أن نضرب عدد البنين بعد إسقاط واحد من مخرج الجزء الموصي بتكملته، يكون تسعة، فهو المال، ثمّ نسقط من المخرج واحدا، يبقي اثنان هما النصيب.

أو نقول: نأخذ مالا و نصرف ثلثه إلي الموصي له، و نستردّ منه نصيبا، فيحصل معنا ثلثا مال و نصيب، يعدل أنصباء الورثة، و هي أربعة، نلقي نصيبا بنصيب قصاصا، يبقي ثلثا مال، يعدل ثلاثة أنصباء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال تسعة، و النصيب اثنان، و التفاوت بين النصيب و الثّلث واحد، فهو التكملة يدفع إلي الموصي له، تبقي ثمانية، لكلّ واحد سهمان.

أو نجعل ثلث المال دينارا و درهما، و نجعل الدينار نصيبا، و التكملة درهما، ندفعه إلي الموصي له، يبقي من المال ثلاثة دنانير و درهمان، يأخذ البنون ثلاثة دنانير، يبقي درهمان، يأخذه الابن الرابع، فعرفنا أنّ قيمة الدينار درهمان، و أنّ ثلث المال ثلاثة دراهم، و النصيب درهمان.

أو نقول: الباقي بعد الوصيّة يقسّم علي أربعة، فأقلّ فريضتهم أربعة،

ص: 183


1- يأتي الثاني في ص 185، المسألة 410.

فإذا ضممنا سهما منها إلي التكملة، كان ثلث المال، و هو يعدل ثلث تكملة و سهما و ثلث سهم؛ لأنّ جملة المال تكملة و أربعة أسهم، فثلثه ثلث تكملة و سهم و ثلث سهم، نسقط ثلث تكملة بثلث تكملة و سهما بسهم قصاصا، يبقي ثلثا تكملة يعدل ثلث سهم، فالسهم اثنان، و التكملة واحد، فثلث المال ثلاثة أسهم، فجميع المال تسعة.

فإن كانت الوصيّة بتكملة الرّبع و معهم بنت، فألق مثل نصيب ابن من سهام المسألة، تبقي سبعة تضرب في أربعة، يكون ثمانية و عشرين، فهي المال، و ألق من المخرج واحدا، تبقي ثلاثة، فهي النصيب، ثمّ خذ الرّبع سبعة، و ألق منه ستّة، يبقي واحد، فهو الوصيّة.

أو نقول: نلقي نصيب ابن من الرّبع، يبقي ربع مال إلاّ نصيبين، و هي التكملة التي أوصي بها، فألقها من المال، تبقي ثلاثة أرباع مال و نصيبان تعدل تسعة أنصباء، فألق المشترك، و كمّل المال، يصير معك تسعة أنصباء و ثلثا، ابسطها أثلاثا، و ابسط النصيب، يكون ثلاثة.

مسألة 409: لو أوصي بتكملتين،

مثلا: خلّف أربعة بنين و بنتا، و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، و لآخر بتكملة ربع ماله بنصيب البنت، فالوصيّة الأولي ثلث مال إلاّ نصيبين، و الثانية ربع مال إلاّ نصيبا؛ لأنّ لكلّ ابن سهمين، و للبنت سهما، و كلّ سهم في مثل هذا يسمّي نصيبا، فنأخذ مالا، و نسقط منه الوصيّتين، تبقي خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال و ثلاثة أنصباء تعدل أنصباء الورثة، و هي تسعة، نسقط ثلاثة أنصباء بثلاثة أنصباء قصاصا، تبقي خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستّة أنصباء، فنبسطها بأجزاء اثني عشر، و نقلب الاسم، فالمال اثنان و سبعون، و النصيب خمسة.

ص: 184

أو نقول: إذا كانت خمسة من اثني عشر تعدل ستّة، فالمال بأسره يعدل أربعة عشر و خمسين، نبسطها أخماسا، تبلغ اثنين و سبعين، نأخذ ثلث المال، و هو أربعة و عشرون، و نسقط منه نصيبين، و هما عشرة، تبقي أربعة عشر، فهي الوصيّة الأولي، و نأخذ ربعه، و هو ثمانية عشر، و نسقط منه نصيبا واحدا، و هو خمسة، تبقي ثلاثة عشر، فهي الوصيّة الثانية، نسقط الوصيّتين من المال، تبقي خمسة و أربعون، لكلّ ابن عشرة، و للبنت خمسة.

و لو خلّف زوجة و أمّا و ابنا، و أوصي بتكملة السّدس علي نصيب الزوجة، و لآخر بتكملة ربع ما يبقي من المال علي نصيب الأم، فألق التكملة الأولي من المال، تبقي خمسة أسداس و ثلاثة أنصباء، فألق ربع ذلك، و اجعل المال أجزاء من أربعة، ثمّ استثن منه مثل نصيب الأم أربعة أنصباء، فتبقي خمسة عشر سهما من أربعة و عشرين من مال و ستّة أنصباء و ربع تعدل أربعة و عشرين نصيبا، ألق المشترك، و اضرب الباقي في أربعة و عشرين، يكون أربعمائة و ستّة و عشرين، و النصيب خمسة عشر، و الوصيّة الأولي ستّة و عشرون، و الثانية أربعون.

مسألة 410: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بجزء شائع من المال،

كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي لزيد بربع ماله، و لعمرو بتكملة النصف بنصيب أحد البنين، نأخذ مالا، و نلقي منه ربعه لزيد، ثمّ نلقي نصفه لعمرو، و نستردّ منه نصيبا، يبقي معنا ربع مال و نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، و نسقط نصيبا بنصيب، يبقي ربع مال يعدل نصيبين، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال ثمانية، و النصيب واحد، نأخذ ثمانية، نعزل ربعها لزيد، ثمّ نأخذ نصف الثمانية لعمرو، و نستردّ منه واحدا، يبقي معنا ثلاثة،

ص: 185

لكلّ ابن واحد.

أو نقول: ربع المال و نصفه يستحقّهما زيد و عمرو و أحد البنين، فنأخذ مالا له ربع و نصف، و هو أربعة، فنسقط ربعها و نصفها، يبقي واحد بين الابنين الآخرين، لكلّ واحد نصف، فهو النصيب، نسقطه من الثلاثة الساقطة من المال، يبقي اثنان و نصف، نسقط منها ربع جميع المال، يبقي واحد و نصف، فهو التكملة، نبسط الجميع أنصافا، فالنصيب واحد، و التكملة ثلاثة، و الرّبع اثنان، و المال ثمانية.

مسألة 411: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بجزء ممّا يبقي من المال،

كما لو خلّف أربعة بنين، و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، و لعمرو بربع ما يبقي من المال، نأخذ مالا، و ندفع ثلثه إلي زيد، و نسترجع منه نصيبا، و نزيده علي باقي المال، فيحصل معنا ثلثا مال و نصيب، نخرج ربعه لعمرو، و ذلك سدس مال و ربع نصيب، يبقي نصف مال و ثلاثة أرباع نصيب يعدل أنصباء الورثة، و هي أربعة، نسقط ثلاثة أرباع نصيب بثلاثة أرباع نصيب، يبقي نصف مال يعدل ثلاثة أنصباء و ربع نصيب، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، و النصيب سهمان، نضرب ثلاثة في ثلاثة عشر، تبلغ تسعة و ثلاثين هي المال، و النصيب ستّة، نأخذ ثلثها و هو ثلاثة عشر، و نسقط منه نصيبا، تبقي سبعة، فهي التكملة، ندفعها إلي زيد، يبقي من المال اثنان و ثلاثون، ندفع ربعها إلي عمرو، و هو ثمانية، تبقي أربعة و عشرون للبنين، لكلّ واحد ستّة.

أو نقول: نجعل المال خمسة أسهم، و التكملة واحدا منها ندفعه إلي زيد، و ندفع ربع الأربعة الباقية إلي عمرو، تبقي ثلاثة للبنين، لكلّ واحد ثلاثة أرباع، و إذا ضممناها إلي التكملة، كان الحاصل واحدا و ثلاثة أرباع،

ص: 186

و كان يجب أن يكون واحدا و ثلثين؛ لأنّه ثلث الخمسة التي قلنا: إنّها المال، فزاد نصف سدس، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعل المال ستّة و التكملة اثنين، فنخرجهما و ربع الباقي، تبقي ثلاثة، لكلّ واحد منهم ثلاثة أرباع، نضمّها إلي التكملة، يكون اثنين و ثلاثة أرباع، و كان يجب أن يكون اثنين، فقد أخطأنا بثلاثة أرباع، و هو الخطأ الثاني زائد أيضا، فنسقط الأقّل من الأكثر، يبقي ثلثا سهم، فنحفظه، ثمّ نضرب المال الأوّل في الخطأ الثاني، يحصل ثلثه و ثلاثة أرباع، و نضرب المال الثاني في الخطأ الأوّل، يحصل نصف سهم، نسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي ثلثه و ربع، يقسم علي ثلثي سهم، يخرج من القسمة سهم و خمسة أثمان سهم، نبسطها أثمانا، يكون ثلاثة عشر، فهو المال، و ينتهي إلي تسعة و ثلاثين، كما سبق.

مسألة 412: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بجزء ممّا يبقي من جزء من المال،

كما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث، نأخذ ثلث مال، و نلقي منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، ندفعه إلي زيد، فإنّه التكملة، يبقي من الثّلث نصيب، ندفع ثلثه إلي عمرو، يبقي ثلثا نصيب، نضمّه إلي ثلثي المال، و ذلك يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، نسقط ثلثي نصيب بثلثي نصيب، يبقي ثلثا مال يعدل نصيبين و ثلث نصيب، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال سبعة، و النصيب اثنان، و ليس للسبعة ثلث صحيح، نضربها في ثلاثة، تبلغ أحدا و عشرين، فهي المال، و النصيب ستّة، نأخذ ثلث المال: سبعة، و نلقي منه النصيب: ستّة، يبقي واحد، فهو التكملة، و ندفع ثلث الستّة إلي عمرو، تبقي أربعة، نضمّها إلي ثلثي المال، يكون ثمانية

ص: 187

عشر، لكلّ ابن ستّة.

قيل(1): لو اقتصر علي الوصيّة الأولي بطلت؛ لأنّ نصيب كلّ ابن مستغرق للثّلث، فلا تكملة، فالوصيّة الأولي باطلة، و الثانية فرعها، فتبطلان معا.

أجيب(2): بأنّ الوصيّة الثانية تنقص النصيب عن الثّلث، و يظهر بها التكملة.

و يمكن أن يخرّج ذلك علي الخلاف فيما لو قال: له عليّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ واحدا، من أنّ الاستثناء الأوّل باطل، و الثاني فرعه، فيبطل، و من أنّ الاستثناء الثاني أخرج الأوّل عن أن يكون مستغرقا.

مسألة 413: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بمثل النصيب،

كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم(3) ، و لعمرو بتكملة ثلث ماله، نأخذ ثلث مال، و ندفع منه نصيبا إلي زيد، و الباقي إلي عمرو، يبقي معنا ثلثا مال، يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال تسعة، و النصيب اثنان، نأخذ من التسعة ثلاثة، ندفع منها اثنين إلي زيد، و واحدا إلي عمرو، و هو التكملة، تبقي ستّة للبنين.

أو نقول: ننظر في فريضة الورثة، و هي من ثلاثة، فنزيد عليها مثل نصفها، يبلغ أربعة و نصفا، نبسطها أنصافا، يكون تسعة، فإذا أردنا أن نعرف قدر التكملة، نظرنا في مجموع ما تصحّ منه المسألة و ما زدنا عليه، فالتكملة ما نزيد منه علي ما تصحّ منه المسألة مضموما إليه مثل نصيب

ص: 188


1- القائل و المجيب هو الجويني في نهاية المطلب 154:10-155، و عنه في العزيز شرح الوجيز 179:7، و روضة الطالبين 219:5.
2- القائل و المجيب هو الجويني في نهاية المطلب 154:10-155، و عنه في العزيز شرح الوجيز 179:7، و روضة الطالبين 219:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «واحد منهم» بدل «أحدهم».

الموصي بنصيبه، فإن لم يزد شيء، فالوصيّة بالتكملة باطلة، ففي الصورة المذكورة المجموع أربعة و نصف، و الزائد علي ما تصحّ منه المسألة مضموما إليه نصيب نصف سهم قبل البسط و سهم بعده فهو التكملة.

و علي هذا القياس لو أوصي و له خمسة بنين بمثل نصيب أحدهم، و لآخر بتكملة الخمس، فنقول: الفريضة من خمسة، يزاد عليها ربعها، تبلغ ستّة و ربعا، نبسطها أرباعا، يكون خمسة و عشرين، نأخذ خمسها خمسة، التكملة منه واحد، و النصيب أربعة.

و لو خلّف عشرة بنين، و أوصي بنصيب أحدهم، و لآخر بتكملة السّدس، فهي من عشرة، نزيد عليها خمسها، تبلغ اثني عشر، نأخذ سدسها اثنين، التكملة واحد، و النصيب واحد.

و لو خلّف ابنين، و أوصي بمثل نصيب أحدهما، و لآخر بتكملة الثّلث، فالوصيّة الثانية باطلة؛ لأنّا إذا زدنا نصف ما تصحّ منه المسألة عليه، لا يزيد شيء منه علي ما تصحّ منه المسألة مضموما إليه النصيب.

و كذا لو أوصي و له ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم، و لآخر بتكملة الرّبع.

مسألة 414: لو أوصي بالتكملة مع استثناء جزء من المال،

كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلاّ ثمن جميع المال، فنقول: نصف المال نصيب و تكملة، و التكملة شيء و ثمن جميع المال، ندفع الشيء إلي الموصي له، يبقي من النصف نصيب و ثمن جميع المال، نضمّهما إلي النصف الثاني(1) ، يحصل معنا خمسة أثمان المال بعد

ص: 189


1- فيما عدا «ص» من النّسخ الخطّيّة و الطبعة الحجريّة: «الباقي» بدل «الثاني».

إسقاط النصيب بمثله، تعدل نصيبين، فنبسطها أثمانا، و نقلب الاسم، فالمال ستّة عشر، و النصيب خمسة، نأخذ نصف المال، و هو ثمانية، نسقط منه النصيب خمسة، تبقي ثلاثة، نسقط منها ثمن جميع المال، و هو اثنان، يبقي واحد، فهو التكملة، و نسقطه من جميع المال، تبقي خمسة عشر للبنين.

و لو خلّف عشرة بنين، و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلاّ تسع جميع المال، فثلث المال نصيب و تكملة، و التكملة شيء و تسع جميع المال، ندفع الشيء إلي الموصي له، يبقي من الثّلث نصيب و تسع جميع المال، نضمّهما إلي ثلثي المال، تحصل سبعة أتساع مال و نصيب، تعدل أنصباء الورثة، و هي عشرة، نسقط نصيبا بنصيب، تبقي سبعة أتساع مال، تعدل تسعة أنصباء، فنبسطها أتساعا، و نقلب الاسم، فالمال أحد و ثمانون، و النصيب سبعة، نأخذ ثلث المال، و هو سبعة و عشرون، فنسقط(1) منها النصيب سبعة، يبقي عشرون، نسقط منها تسع جميع المال، و هو تسعة، يبقي أحد عشر للموصي له [نسقط أحد عشر للموصي له](2) يبقي سبعون، لكلّ ابن سبعة، كالنصيب.

مسألة 415: لو أوصي بتكملتين

مسألة 415: لو أوصي بتكملتين(3) مع استثناء جزء ممّا يبقي من المال،

كما لو خلّف ستّة بنين، و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلاّ ثمن ما يبقي من المال، نأخذ ثلث مال، و نستردّ منه نصيبا، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا، فهو التكملة، يبقي معنا ثلثا مال و نصيب، نستردّ من التكملة

ص: 190


1- في النّسخ الخطيّة: «و نسقط».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 181:7.
3- في النّسخ الخطّيّة: «بالتكملتين».

ثمنه، فالفريضة من أربعة و عشرين؛ لذكر الثّلث و الثّمن، فالذي معنا ستّة عشر و نصيب، و ثمنه اثنان و ثمن نصيب، نزيده عليه، يبلغ ثمانية عشر جزءا من أربعة و عشرين جزءا من مال و نصيبا و ثمن نصيب، تعدل أنصباء الورثة، و هي ستّة، نسقط النصيب و الثّمن بالمثل، تبقي ثمانية عشر جزءا من أربعة و عشرين جزءا من مال، تعدل أربعة أنصباء و سبعة أثمان نصيب، نبسطها بأجزاء المال، و هي أربعة و عشرون، و نقلب الاسم، فالمال مائة و سبعة عشر، و النصيب ثمانية عشر، نأخذ ثلث المال، و هو تسعة و ثلاثون، و نسقط منها نصيبا، يبقي أحد و عشرون هو التكملة، إذا أسقطناه من(1) جملة المال، تبقي ستّة و تسعون، ثمنه اثنا عشر، نسقطه من التكملة، تبقي تسعة، فهي التي يأخذها الموصي له، تبقي مائة و ثمانية للبنين، لكلّ واحد ثمانية عشر.

مسألة 416: لو أوصي بالتكملة مع استثناء جزء ممّا يبقي من جزء من المال،

كما لو خلّف سبعة بنين، و أوصي بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث، نأخذ ربع مال، و نلقي منه نصيبا، يبقي ربع مال إلاّ نصيبا، و هو التكملة، نلقيها من الثّلث، يبقي نصف سدس مال و نصيب، نلقي ثلث ذلك من التكملة، و طريق حسابها من ستّة و ثلاثين، فإنّه أقلّ عدد لنصف سدسه ثلث، فإذا الذي معنا من الثّلث ثلاثة و نصيب، نستردّ ثلثه من التكملة، و هو واحد و ثلث نصيب، تبقي للوصيّة ثمانية أجزاء من ستّة و ثلاثين جزءا من مال إلاّ نصيبا و ثلث نصيب، نسقطها من المال، تبقي ثمانية و عشرون جزءا من ستّة و ثلاثين جزءا من مال، تعدل

ص: 191


1- في النّسخ الخطّيّة: «عن» بدل «من».

خمسة أنصباء و ثلثي نصيب، نبسطها بأجزاء ستّة و ثلاثين جزءا، و نقلب الاسم، فالمال مائتان و أربعة، و النصيب ثمانية و عشرون، نأخذ ربع المال، و هو أحد و خمسون، و نسقط منه النصيب، تبقي ثلاثة و عشرون هي التكملة، نلقيها من ثلث المال، و هو ثمانية و ستّون، تبقي خمسة و أربعون، نستردّ ثلثها - و هو خمسة عشر - من التكملة، تبقي ثمانية، فهي الوصيّة، نسقطها من المال، تبقي مائة و ستّة و تسعون للبنين، لكلّ واحد ثمانية و عشرون.

مسألة 417: لو أوصي بالتكملة مع استثناء تكملة أخري،

كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلاّ تكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، نأخذ نصف مال، و نأخذ منه نصيبا، فالباقي تكملة النصف، ثمّ نأخذ ثلث مال، و نسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الثّلث، ننقص تكملة الثّلث من تكملة النصف، يبقي سدس مال بلا استثناء، فالوصيّة إذا بسدس المال، تبقي خمسة أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمال ثمانية عشر، و النصيب خمسة، نأخذ نصف المال تسعة، و نسقط منها النصيب، تبقي أربعة، فهي تكملة النصف، ثمّ نأخذ ثلثه ستّة، و نسقط منها النصيب، يبقي واحد، فهو تكملة الثّلث، نسقط واحدا من أربعة، تبقي ثلاثة، فهي الوصيّة، نسقطها من جميع المال، تبقي خمسة عشر للبنين، لكلّ واحد خمسة.

مسألة 418: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بالنصب و جزء ممّا يبقي من المال،

كما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الخمسة، و لعمرو بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم، و لثالث بثلث ما يبقي بعد ذلك، نأخذ ربع مال، و ننقص منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الرّبع، ندفعه إلي عمرو،

ص: 192

و ندفع النصيب إلي زيد، فانصرف الرّبع إلي الوصيّتين، تبقي ثلاثة أرباع المال، ندفع منها واحدا إلي الثالث، يبقي ربعان يعدلان أنصباء البنين، و هي خمسة، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالمال عشرون، و النصيب اثنان، نأخذ ربع المال خمسة، ندفع منها اثنين إلي زيد، و ثلاثة إلي عمرو، تبقي خمسة عشر، ثلثها خمسة للثالث، و لكلّ ابن اثنان.

أو نجعل المال ثمانية، و نجعل النصيب واحدا، و كذا التكملة، تبقي ستّة، اثنان منها للثالث، تبقي أربعة، و كان ينبغي أن يكون خمسة، فقد نقص واحد، و هو الخطأ الأوّل، ثمّ نجعله اثني عشر، فالنصيب منها اثنان، و التكملة واحد، تبقي تسعة، ثلاثة منها للثالث، تبقي ستّة، و كان ينبغي أن يكون عشرة، فقد نقص أربعة، و هو الخطأ الثاني، ننقص الأقلّ من الأكثر، تبقي ثلاثة، نحفظها، ثمّ نضرب المال الأوّل في الخطأ الثاني، يكون اثنين و ثلاثين، و المال الثاني في الخطأ الأوّل، يكون اثني عشر، نسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي عشرون، فهو المال، ثمّ نضرب النصيب الأوّل في الخطأ الثاني، يكون أربعة، و نضرب النصيب الثاني في الخطأ الأوّل، يكون اثنين، نسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي اثنان، فهو النصيب.

مسألة 419: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بالنصيب و بجزء ممّا يبقي من جزء من المال،

كما لو خلّف خمسة بنين، و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم، و لعمرو بتكملة الرّبع بالنصيب، و لثالث بثلث ما يبقي من الثّلث بعد الوصيّتين، نحتاج إلي مال له ربع و ثلث، و للباقي من الثّلث بعد إسقاط الرّبع ثلث، و أقلّه ستّة و ثلاثون، نأخذ ربعه، و هو تسعة، نصرفها إلي الوصيّة بالتكملة و النصيب، و إذا أسقطنا تسعة من الثّلث، تبقي ثلاثة، نصرف منها واحدا إلي الثالث، يبقي اثنان، نزيدهما علي ثلثي المال،

ص: 193

يكون ستّة و عشرين تعدل أنصباء الورثة، و هي خمسة، نبسطها بأجزاء ستّة و ثلاثين، و نقلب الاسم، فالمال مائة و ثمانون، و النصيب ستّة و عشرون، [نأخذ](1) ثلث المال، و هو ستّون، فنلقي منه ربعه - و هو خمسة و أربعون - بالوصيّتين الأوّلتين، ستّة و عشرين بالوصيّة بالنصيب، و الباقي بالوصيّة الأخري، تبقي من الثّلث خمسة عشر، نصرف ثلثها إلي الوصيّة الثالثة، تبقي عشرة، نزيدها علي ثلثي المال، تبلغ مائة و ثلاثين للبنين، لكلّ واحد ستّة و عشرون.

مسألة 420: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بالنصيب مستثني منه جزء ممّا يبقي من المال،

كما لو خلّف أربعة بنين و أوصي لزيد بتكملة الثّلث بنصيب أحدهم، و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ خمس ما يبقي من المال، نأخذ ثلث المال و نصرفه إليهما بالنصيب و بالتكملة، و نسترجع من النصيب خمس الباقي، و لنقدّر المال خمسة عشر ليكون للباقي بعد الثّلث خمس، فالثّلث المخرج بالنصيب و التكملة إذا خمسة، نسترجع من النصيب خمس الباقي، و هو اثنان، فالحاصل معنا اثنا عشر جزءا من خمسة عشر جزءا من مال، و ذلك يعدل أنصباء الورثة و [هي](2) أربعة، نبسطها بأجزاء خمسة عشر، و نقلب الاسم، فالمال ستّون، و النصيب اثنا عشر، نأخذ ثلث المال و هو عشرون، و نلقي منها النصيب اثني عشر، تبقي ثمانية، و هي التكملة، ندفعها إلي زيد، و نستردّ من النصيب خمس الباقي، و هو ثمانية، تبقي لعمرو أربعة، فالوصيّتان جميعا اثنا عشر، تبقي ثمانية و أربعون للبنين، لكلّ

ص: 194


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 183:7، و روضة الطالبين 5: 222.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو». و الظاهر ما أثبتناه.

واحد اثنا عشر.

مسألة 421: لو أوصي بالتكملة مع الوصيّة بالنصيب مستثني منه جزء ممّا يبقي من جزء من المال،

كما لو خلّف خمسة بنين، و أوصي لزيد بتكملة الرّبع بنصيب أحدهم، و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد ذلك، فلا بدّ من مال له ربع و ثلث، و للباقي من الثّلث بعد إسقاط الرّبع ثلث، و أقلّه ستّة و ثلاثون، نأخذ ربعه، و هو تسعة، فنصرفها إلي الوصيّتين، و نستردّ من النصيب ثلث ما يبقي من ثلث المال، و هو واحد، و نزيده علي الباقي من الثّلث، يبلغ أربعة، نزيدها علي ثلثي المال، تبلغ ثمانية و عشرين جزءا من ستّة و ثلاثين جزءا من مال، و ذلك يعدل أنصباء الورثة، و هي خمسة، نبسطها بأجزاء ستّة و ثلاثين، و نقلب الاسم، فالمال مائة و ثمانون، و النصيب ثمانية و عشرون [نأخذ ربع المال، و هو خمسة و أربعون، فنلقي منه نصيبا، و هو ثمانية و عشرون](1) تبقي سبعة عشر فهي التكملة، ثمّ نلقي الرّبع من ثلث جميع المال، و هو ستّون، و تبقي خمسة عشر، نسقط ثلثها من النصيب، تبقي لعمرو ثلاثة و عشرون، و الوصيّتان معا أربعون، تبقي مائة و أربعون للبنين، لكلّ ابن ثمانية و عشرون.

مسألة 422: لو أوصي بالنصيب مستثني منه التكملة،

كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ تكملة ثلث ماله بالنصيب، نجعل ثلث المال دينارا و درهما، و نجعل النصيب دينارا، ندفعه إلي الموصي له، و نستردّ منه درهما؛ لأنّ التكملة درهم، يبقي من الثّلث

ص: 195


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 184:7.

درهمان، نزيدهما علي الثّلثين، تبلغ دينارين و أربعة دراهم تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة دنانير، فنسقط المثل بالمثل، تبقي أربعة دراهم تعدل دينارا، فنقلب الاسم، و نقول: الدينار أربعة، و الدرهم واحد، فالثّلث خمسة، و المال خمسة عشر، نأخذ ثلث المال، و هو خمسة، ندفع منها إلي الموصي له نصيبا، و هو أربعة، و نستردّ واحدا، و هو التكملة، تبقي للموصي له ثلاثة، نطرحها من المال، يبقي اثنا عشر، لكلّ واحد من البنين أربعة.

***

ص: 196

الفصل الخامس: في الوصيّة بالجذور و الكعاب

اشارة

الجذر كلّ مضروب في نفسه، و الحاصل من الضرب يسمّي مالا و مجذورا و مربّعا، و الكعب كلّ ما ضرب في نفسه ثمّ ضرب مبلغه فيه، و الحاصل من الضربين يسمّي كعبا، فالواحد جذر، و كعبه الواحد.

و العدد إمّا أن يكون له جذر صحيح ينطق به، كالأربعة جذرها اثنان، و إمّا أن لا يكون له جذر ينطق به، كالعشرة و العشرين، و يسمّي أصمّ.

و من الأعداد ما له كعب ينطق به، كالثمانية كعبها اثنان، و منها ما ليس له كعب ينطق به، كالعشرة و المائة.

و قد يكون العدد منطقا بجذره و كعبه، كأربعة و ستّين جذرها ثمانية، و كعبها أربعة، و قد يكون أصمّ في الجذر خاصّة، كسبعة و عشرين، أو في الكعب خاصّة، كأربعة، أو فيهما، كعشرة.

إذا عرفت هذا، فلو أوصي بجذر ماله، فرضنا المسألة من عدد مجذور إذا أسقط جذره انقسم الباقي صحيحا علي الورثة.

فلو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بجذر ماله، فإن جعلنا المال تسعة، فللموصي له ثلاثة، و الباقي بين البنين(1) ، لكلّ ابن سهمان، و إن جعلناه ستّة عشر، فللموصي له أربعة، و الباقي بين البنين، لكلّ واحد أربعة.

و لو أوصي بكعب ماله، جعلنا المال مكعّبا، فإن جعلناه ثمانية، فاثنان للموصي له، و الباقي بين البنين، و إن جعلناه سبعة و عشرين، فثلاثة

ص: 197


1- في «ر، ل»: «للبنين» بدل «بين البنين».

للموصي له، و الباقي بين البنين.

قال الجويني: يستحيل أن يكون الأمر في ذلك علي التخيير و الفرض كيف شاء الفارض، فإنّ الأقدار تختلف باختلاف العدد المفروض، فإذا كان المال تسعة، فالجذر ثلث المال، و إن كان ستّة عشر، فالجذر ربعه(1).

و أيضا كلّ عدد مجذور إلاّ أنّ من الأعداد ما لا ينطق بجذره، و منها ما ينطق، و ليس في لفظ الوصيّة إلاّ جذر المال، فلا يجب حمله علي مجذور صحيح، و لا علي أن يقسم الباقي صحيحا علي الورثة.

نعم، إذا قيّد الموصي وصيّته بما يقتضي الحمل علي عدد معيّن من الأعداد المجذورة، حمل عليه، فإذا قال: نزّلوا مالي علي مجذور صحيح إذا خرج جذره انقسم الباقي علي الورثة بغير كسر، تعيّن ما تقدّم من الحمل علي تسعة في الصورة، و كانت الوصيّة بثلث المال، و إن عيّن مرتبة أخري تعيّنت.

و إن أطلق الوصيّة بالجذر و لم يقيّد بشيء، بل أراد بالجذر ما تقوله الحسّاب، فإن كان المال مقدّرا بكيل أو وزن أو ذرع كالأرض، أو عدد كالجوز، نزّل عليه، فإن كان جذره ينطق به فذاك، و إلاّ سلّم إلي الموصي له القدر المتيقّن، و أمّا المشكوك فيه فالحكم فيه الصلح، و إن لم يكن المال مقدّرا كعبد أو جارية، قوّم و دفع جذر القيمة إلي الوصيّة(2).

مسألة 423: لو أوصي بجذر النصيب،

و خلّف ثلاثة بنين، نجعل نصيب كلّ ابن عددا مجذورا، ثمّ نجمع أنصباء البنين، و يزاد عليها جذر

ص: 198


1- نهاية المطلب 185:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 185:7، و روضة الطالبين 224:5.
2- الظاهر: «إلي الموصي له».

نصيب أحدهم، فما بلغ صحّت المسألة منه.

فلو جعلنا نصيب كلّ ابن واحدا، فالفريضة ثلاثة، و نزيد عليها واحدا، يصير أربعة، و منها تصحّ، و إن جعلنا النصيب أربعة، فالفريضة اثنا عشر، نزيد عليها اثنين، تبلغ أربعة عشر، و منها تصحّ.

و لو أوصي بجذري نصيب واحد، و فرضنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، نزيد عليها جذري النصيب، تبلغ ستّة عشر، منها تصحّ الفريضة.

و لو أوصي بكعب نصيب أحدهم، جعلنا النصيب مكعّبا، و جمعنا الأنصباء، و زدنا عليها كعب نصيب.

مسألة 424: لو أوصي بجذر نصيب و جذر مال،

و خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بجذر [نصيب] أحدهم لزيد، و لعمرو بجذر جميع المال، فنصيب كلّ ابن مال؛ لأنّه أوصي بجذره، ثمّ نجعل المال أموالا لها جذور صحيحة.

فإن جعلناها أربعة أموال [فتكون وصيّة](1) عمرو جذرين، كما أنّ جذر أربعة من العدد ديناران، فالوصيّتان ثلاثة أجذار، نسقطها من المال، تبقي أربعة أموال إلاّ ثلاثة أجذار، تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة أموال، تجبر و تقابل، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال و ثلاثة أجذار، فالمال يعدل ثلاثة أجذار، فالجذر ثلاثة، و المال تسعة، و تقدير الكلام: مال يعدل ثلاثة أجذاره، فالتركة ستّة و ثلاثون؛ لأنّها أربعة أموال، و نصيب كلّ ابن تسعة، يأخذ زيد جذر النصيب، و هو ثلاثة، و عمرو جذر المال، و هو ستّة، تبقي سبعة و عشرون للبنين.

ص: 199


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فوصيّة»، و المثبت يقتضيه السياق.

و إن جعلناها تسعة أموال، فوصيّة عمرو ثلاثة أجذار، فالوصيّتان أربعة أجذار، نسقطها من المال، تبقي تسعة أموال إلاّ أربعة أجذار تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة أموال، تجبر و تقابل، فتسعة أموال تعدل ثلاثة أموال و أربعة أجذار، نسقط الجنس بالجنس، فستّة أموال تعدل أربعة أجذار، فمال يعدل ثلثي جذر، فالجذر ثلثا درهم، و المال أربعة أتساع، و قد كان المال تسعة أموال، فهي إذا أربعة دراهم، و النصيب ثلثا درهم، لزيد جذر النصيب، و هو ثلثا درهم، و لعمرو جذر المال، و هو درهمان، يبقي [درهم و ثلث](1) بين البنين، لكلّ واحد ثلثا درهم.

و لو أوصي لزيد بجذر نصيب أحدهم، و لعمرو بجذر ما يبقي من المال، فوصيّة زيد جذر، و كلّ نصيب مال، و نجعل المال بعد وصيّة زيد أموالا لها جذور صحيحة، فإن شئت جعلتها أربعة أموال، فتكون وصيّة عمرو جذرين، و جملة المال أربعة أموال و جذرا، فإذا أسقطت الوصيّتين من المال تبقي أربعة أموال إلاّ جذرين تعدل ثلاثة أموال، فتجبر و تقابل، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال و جذرين، فمال يعدل جذرين، فالجذر اثنان، و المال أربعة(2) ، و قد كان جميع المال أربعة أموال و جذرا، فهو إذا ثمانية عشر، اثنان منها لزيد، تبقي ستّة عشر، جذرها لعمرو، و هو أربعة، يبقي اثنا عشر للبنين.

أو نقول: إنّها بعد وصيّة زيد تسعة أموال، فتكون وصيّة عمرو ثلاثة أجذار، و جملة المال تسعة أموال و جذر، فإذا أسقطت الوصيّتين، تبقي».

ص: 200


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «درهمان». و المثبت هو الصحيح.
2- الأولي: «و الجذر اثنان، فالمال أربعة».

تسعة أموال إلاّ ثلاثة أجذار تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة أموال، فبعد الجبر و المقابلة تبقي ستّة أموال في مقابلة ثلاثة أجذار، فالمال الواحد يعدل نصف جذر، فالجذر نصف درهم، و المال ربع، و كان جميع التركة تسعة أموال و جذرا، فهو إذا درهمان و ثلاثة أرباع درهم، لزيد جذر النصيب، و هو نصف درهم، يبقي درهمان و ربع، لعمرو جذره، و هو درهم و نصف، تبقي ثلاثة أرباع درهم للبنين.

مسألة 425: لو أوصي بنصيب و جذر،

بأن يخلّف ثلاثة بنين، و يوصي بمثل نصيب أحدهم، و لآخر بجذر المال، فيقدّر كأنّ البنين أربعة و أوصي بجذر المال، و جذره قد سبق طريقه.

و لو أوصي بالنصيب و بجزء شائع و بجذر، كما لو خلّف ثلاثة بنين، و أوصي بمثل نصيب أحدهم، و لآخر بجذر المال، و لآخر بثلث ما يبقي من الثّلث، فنأخذ ثلث مال، و نلقي منه نصيبا و جذرا، يبقي ثلث مال إلاّ جذرا و نصيبا، نسقط ثلثه للوصيّة الثالثة، فيبقي من الثّلث تسعا مال إلاّ ثلثي جذر، و إلاّ ثلثي نصيب نزيده علي ثلثي المال، يبلغ ثمانية أتساع مال إلاّ ثلثي جذر و إلاّ ثلثي نصيب تعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر و تقابل، فثمانية أتساع مال تعدل ثلاثة أنصباء و ثلثي نصيب و ثلثي جذر، فاجعل النصيب بعد ذلك أيّ عدد شئت بشرط أن يزيد علي ضعف الجذر، فإن جعلته ثلاثة أمثال الجذر، فمعك ممّا انتهت المعادلة إليه ثلاثة أنصباء، فتكون تسعة أجذار و ثلثي نصيب، فيكون جذرين و ثلثي جذر، فالمبلغ أحد عشر جذرا و ثلثا جذر، فإذا ثمانية أتساع مال تعدل أحد عشر جذرا و ثلثي جذر، فنكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها ثمنها، و نزيد علي عدليها مثله، تبلغ ثلاثة عشر جذرا و ثمن جذر، فإذا مال يعدل ثلاثة عشر جذرا و ثمن جذر،

ص: 201

فالجذر ثلاثة عشر و ثمن، نضربه في مثله، يبلغ مائة و اثنين و سبعين درهما و سبعة عشر جزءا من أربعة و ستّين جزءا من درهم [فهو المال، نأخذ ثلثه، و هو سبعة و خمسون درهما و سبعة و عشرون جزءا من أربعة و ستّين جزءا من درهم](1) فنسقط منه جذر المال، و نسقط منه النصيب أيضا، و قد فرضناه ثلاثة أمثال الجذر، فالحاصل أربعة أمثال الجذر، و هي اثنان و خمسون درهما و نصف درهم، يبقي من الثّلث أربعة دراهم و تسعة و خمسون جزءا من أربعة و ستّين جزءا من درهم، ندفع ثلثها إلي الموصي له [الثالث](2) و هو درهم واحد و أحد و أربعون جزءا من أربعة و ستّين جزءا من درهم، فجملة الوصايا أربعة و خمسون درهما و تسعة أجزاء من أربعة و ستّين جزءا من درهم إذا أسقطتها من المال و هو مائة و اثنان و سبعون درهما و سبعة عشر جزءا [من أربعة و ستّين جزءا](3) من درهم، و هي ثمن درهم و ثمن ثمن درهم، يقسّم بين البنين لكلّ ابن تسعة و ثلاثون درهما و ثلاثة أثمان درهم، و هو ثلاثة أمثال الجذر.

هذا إذا فرض النصيب عند المعادلة زائدا علي ضعف الجذر، فإن فرض ضعف الجذر أو أقلّ، استحالت المسألة؛ لأنّا إذا فرضناه ضعف الجذر، فالذي معنا و هو ثلاثة أنصباء و ثلثا نصيب يكون سبعة أجذار و ثلث جذر، و معنا أيضا ثلثا جذر، فالمبلغ ثمانية أجذار تعدل ثمانية أتساع مال، فإذا زدنا علي كلّ واحد منهما ثمنه، صار مال يعدل تسعة أجذار، فيكون الجذر تسعة، و المال أحدا و ثمانين، نأخذ ثلثه، و هو سبعة و عشرون،7.

ص: 202


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 188:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 188:7.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 188:7.

و نسقط منه جذر المال، و هو تسعة، تبقي ثمانية عشر، نسقطها للنصيب؛ لأنّا فرضناه ضعف الجذر، فلا يبقي للوصيّة الثالثة شيء.

مسألة 426: لو أوصي بجزء أو نصيب و استثني الجذر،

كأن يخلّف ثلاثة بنين، و يوصي بثلث ماله إلاّ جذر جميع المال، ندفع إلي الموصي له ثلث المال، و نستردّ منه جذرا، يكون معنا ثلثا مال و جذر يعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، فنجعل المال عددا له ثلث صحيح بشرط أن ينقسم ثلثاه زائدا عليه جذره علي ثلاثة، و أقلّه ستّة و ثلاثون، فندفع ثلثها إلي الموصي له، و نستردّ منه جذر المال، و هو ستّة، تبقي عنده ستّة، فقد أخذ ثلث المال إلاّ جذره، يبقي ثلاثون للبنين.

و لو أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ جذر جميع المال، فنأخذ مالا، و نسقط منه نصيبا، و نستردّ من النصيب جذر المال، يبقي مال و جذر إلاّ نصيبا يعدل أنصباء البنين، تجبر و تقابل، فمال و جذر يعدل أربعة أنصباء، فنجعل المال عددا مجذورا إذا زيد عليه جذره انقسم علي أربعة، فليكن ستّة عشر إذا زيد عليه جذره كان عشرين إذا قسّم علي أربعة يخرج من القسمة خمسة، فإذا نقصت من النصيب جذر المال يبقي واحد يدفع إلي الموصي له، تبقي خمسة عشر للبنين.

و لو أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ جذر نصيب أحدهم، فالنصيب عدد مجذور، فإن جعلته أربعة، فالوصيّة اثنان، و الأنصباء اثنا عشر، و جملة المال أربعة عشر، إذا دفعت إلي الموصي له اثنين فقد أخذ مثل نصيب أحدهم إلاّ جذر نصيب أحدهم، و إن جعلته تسعة، فالأنصباء سبعة و عشرون، و الوصيّة ستّة.

مسألة 427: لو أوصي بجذور مضافة إلي الجذور،

كما لو خلّف ثلاثة

ص: 203

بنين، و أوصي لزيد بجذر نصيب أحدهم، و لعمرو بجذر وصيّة زيد، و لثالث بجذر وصيّة عمرو، فاجعل وصيّة الثالث ما شئت من الأعداد، فإن جعلته اثنين، فوصيّة عمرو أربعة، و وصيّة زيد ستّة عشر، و نصيب كلّ ابن مائتان و ستّة و خمسون، و جملة المال سبعمائة و تسعون.

و لو أوصي لزيد بجذر نصيب أحدهم، و لعمرو بجذر باقي النصيب، فالنصيب مال، و اجعل وصيّة عمرو أيّ عدد شئت إلاّ جذرا، فإن جعلته ثلاثة إلاّ جذرا، فاضربها في مثلها، تحصل تسعة أعداد و مال إلاّ ستّة أجذار؛ لأنّك إذا أردت بالجذر واحدا، كان الحاصل ضرب اثنين في اثنين، و المبلغ أربعة.

و لا فرق بين أن نقول: أربعة، و بين أن نقول: تسعة من العدد و مال، و هو واحد إلاّ ستّة جذور، و هي ستّة، و المبلغ المذكور هو تسعة و مال إلاّ ستّة أجذار تعدل الباقي من نصيب الابن بعد وصيّة زيد، و هو مال إلاّ جذرا، فيجبر ما في هذا الجانب بستّة أجذار، و نزيد علي معادله ستّة أجذار، فإذا تسعة من العدد و مال يعدل مالا و خمسة أجذار، نسقط المال بالمال، تبقي تسعة من العدد في معادلة خمسة أجذار، فالجذر الواحد درهم و أربعة أخماس، نضربه في مثله، فيكون أحدا و ثمانين جزءا من أجزاء خمسة و عشرين جزءا من درهم، و هي ثلاثة دراهم و ستّة أجزاء من خمسة و عشرين جزءا من درهم، و ذلك نصيب ابن، ننقص منه وصيّة زيد، و هي جذر درهم و أربعة أخماس، تبقي ستة و ثلاثون جزءا من أجزاء خمسة و عشرين، ننقص منها وصيّة عمرو، و هي جذر هذه الستّة و الثلاثين، و هو درهم و خمس، فالوصيّتان معا ثلاثة دراهم، و التركة اثنا عشر درهما و ثمانية عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم.

ص: 204

مسألة 428: لو أوصي بجذر و تكملة،

مثل أن يخلّف ثلاثة بنين، و يوصي لواحد بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم، نجعل ثلث المال مالا و جذرا، و ندفع المال إلي الموصي له، يبقي جذره، نزيده علي ثلثي المال، يبلغ مالين و ثلاثة أجذار، و ذلك يعدل أنصباء البنين، و هي ثلاثة أموال، فنسقط مالين [بمالين] تبقي ثلاثة أجذار في معادلة مال، فالجذر ثلاثة، و المال تسعة، فثلث المال اثنا عشر، و الوصيّة تسعة، نسقطها من المال، تبقي سبعة و عشرون للبنين، و قد أخذ الموصي له ثلث المال إلاّ جذر نصيب أحدهم.

و لو أوصي لزيد بتكملة ربع ماله بجذر نصيب أحدهم، و لعمرو بجذر ما يبقي من ثلثه، فنجعل النصيب مالا، و ثلث التركة مالا و وصيّة زيد، و هي ربع التركة إلاّ جذرا، فنسقط منه وصيّة زيد، يبقي من الثّلث مال، نسقط منه وصيّة عمرو، و هي جذره، يبقي من الثّلث مال إلاّ جذرا، نزيده علي ثلثي التركة، و هو مالان و نصف تركة إلاّ جذرين، يبلغ ثلاثة أموال و نصف تركة إلاّ ثلاثة أجذار تعدل أنصباء البنين، و هي ثلاثة أموال و ثلاثة أجذار، فنصف تركة يعدل ثلاثة أجذار، فالتركة ستّة أجذار، و ثلثها جذران، و ربعها جذر و نصف، و قد كان ثلث التركة مالا و ربع تركة إلاّ جذرا، فإذا خرج جذر من ربع التركة بالاستثناء، كان الباقي نصف جذر، فهو وصيّة زيد، فنسقطها من ثلث المال، و هو جذران، يبقي جذر و نصف، و ذلك يعدل مالا؛ لأنّا جعلنا باقي الثّلث مالا، فالجذر درهم و نصف، و المال درهمان و ربع، و هو نصيب كلّ ابن، و التركة ستّة أجذار، فهي تسعة دراهم، نأخذ ثلثها: ثلاثة، و نسقط منه ربع التسعة إلاّ جذر نصيب، و هو ثلاثة أرباع درهم، و هي وصيّة زيد، يبقي من الثّلث درهمان

ص: 205

و ربع، نأخذ جذره - و هو درهم و نصف - لعمرو، و يبقي من الثّلث ثلاثة أرباع درهم، نزيدها علي ثلثي المال، و هو ستّة، يكون ستّة دراهم و ثلاثة أرباع بين البنين، لكلّ واحد درهمان و ربع.

***

ص: 206

الفصل السادس: في الوصيّة بقدر من المال من درهم و دينار و غيرهما

مسألة 429: لو خلّف أربعة بنين،

و أوصي بمثل نصيب أحدهم و بدرهم، نجعل التركة أيّ عدد شئنا بعد أن يكون بحيث إذا عزلت منها درهما و قسّمت الباقي بين البنين و الموصي له علي خمسة كان النصيب الواحد مع الدرهم مثل ثلث التركة أو أقلّ.

فإن جعلت التركة أحد عشر درهما، فأسقط منها درهما، تبقي عشرة لكلّ واحد سهمان، و ان جعلتها ثلاثة عشر، أسقطت درهما، و قسّمت الباقي بينهم، فيخرج من القسمة اثنان و خمسان، نزيد علي الخارج الدرهم المنقوص، يكون ثلاثة و خمسين للموصي له، فإن أزلت الكسر فانقص الدرهم من ثلاثة عشر، و اضرب الباقي في خمسة، يكون ستّين، لكلّ ابن اثنا عشر؛ لأنّه كان له اثنان و خمسان، فإذا ضرب ذلك في خمسة، حصل اثنا عشر، و للموصي له مثل ذلك بزيادة درهم.

و لو أوصي بالنصيب مع استثناء درهم، فإذا أوصي بمثل نصيب أحد البنين الأربعة إلاّ درهما، فإن جعلت للموصي له درهمين، فاجعل لكلّ واحد من البنين ثلاثة، و اجعل التركة من أربعة عشر، و إن جعلت له ثلاثة، فاجعل لكلّ واحد من البنين أربعة، و اجعل التركة من تسعة عشر.

مسألة 430: لو أوصي بجزء شائع و بدرهم،

كما لو أوصي بسدس ماله و بدرهم، و له ثلاثة بنين، نخرج سدس التركة و درهما، و نقسّم الباقي بين الورثة، فنأخذ مالا و نسقط منه سدسه و درهما، تبقي خمسة أسداس

ص: 207

مال إلاّ درهما تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر و تقابل، فخمسة أسداس المال تعدل ثلاثة أنصباء و درهما، فنكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها مثل خمسها، و نزيد علي معادله خمسة، فمال يعدل ثلاثة أنصباء و ثلاثة أخماس نصيب و درهما و خمس درهم، فاضرب الأنصباء الثلاثة و أخماس النصيب في عدد إذا زيد علي حاصل الضرب درهم و خمس كان الحاصل عددا صحيحا، و هو ثلاثة، فاذ ضرب فيها، يبلغ الحاصل منه مزيدا عليه الدرهم و الخمس اثني عشر درهما، لصاحب السّدس و الدرهم ثلاثة، و لكلّ ابن ثلاثة.

مسألة 431: لو أوصي بجزء شائع مع استثناء درهم بأن يخلّف ثلاثة بنين،

و يوصي بسدس ماله إلاّ درهما، فنأخذ مالا و نسقط منه سدسه، و نستردّ من السّدس درهما، تحصل معنا خمسة أسداس مال و درهم تعدل ثلاثة أنصباء، فنكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها خمسها، و نزيد الخمس علي كلّ ما في المعادلة، فمال و درهم و خمس درهم يعدل ثلاثة أنصباء و ثلاثة أخماس نصيب، فنضرب هذه الأنصباء و الأخماس في عدد إذا نقص من الحاصل من الضرب درهم و خمس، كان الباقي عددا صحيحا، و هو سبعة، فإنّه إذا ضرب سبعة في ثلاثة و ثلاثة أخماس، حصل خمسة و عشرون و خمس، فإذا نقص منه درهم و خمس، كان الباقي أربعة و عشرين، ندفع سدسها في الوصيّة، و نستردّ منه درهما، يبقي أحد و عشرون للبنين.

مسألة 432: لو أوصي بنصيب و بجزء و بدرهم أو دراهم أو مع استثناء درهم أو دراهم،

بأن يخلّف خمسة بنين، و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و درهم، و لعمرو بثلث ما يبقي من ثلثه و درهم، نأخذ ثلث مال،

ص: 208

و نسقط منه نصيبا و درهما، يبقي ثلث مال إلاّ نصيبا و درهما، نسقط لعمرو من هذا الباقي ثلثه و درهما آخر، يبقي تسعا مال إلاّ ثلثي نصيب و إلاّ درهما و ثلثي درهم، نزيده علي ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلاّ ثلثي نصيب و إلاّ درهما و ثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، تجبر و تقابل، فثمانية أتساع مال تعدل خمسة أنصباء و ثلثي نصيب و درهما و ثلثي درهم، نكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها ثمنها، و نزيد علي كلّ ما في المعادلة ثمنه، فمال يعدل ستّة أنصباء و ثلاثة أثمان نصيب و درهما و سبعة أثمان درهم، فنطلب عددا إذا ضرب في ستّة و ثلاثة أثمان، يكون الحاصل منه مزيدا عليه درهم و سبعة أثمان درهم عددا صحيحا، و هو ثلاثة إذا ضربت في ستّة و ثلاثة أثمان، حصل تسعة عشر و ثمن، إذا زيد عليه درهم و سبعة أثمان درهم، كان أحدا و عشرين، فمنه القسمة، و النصيب ثلاثة، نأخذ ثلث المال، و هو سبعة، ندفع منها إلي زيد أربعة بالنصيب و الدرهم، تبقي ثلاثة، ندفع ثلثها و درهما آخر إلي عمرو، يبقي درهم، نزيده علي ثلثي المال، يكون خمسة عشر للبنين الخمسة.

و لو أوصي و له ستّة بنين بمثل نصيب أحدهم، و لآخر بسدس ماله إلاّ درهما، نأخذ مالا، و نسقط منه نصيبا لإحدي الوصيّتين، و سدسه إلاّ درهما للوصيّة الأخري، تبقي خمسة أسداس مال و درهم إلاّ نصيبا، تعدل ستّة أنصباء، تجبر و تقابل، و نكمل أجزاء المال بزيادة خمسها، و نزيد علي كلّ ما في المعادلة خمسة، فمال و درهم و خمس درهم يعدل ثمانية أنصباء و خمسي نصيب، فنضرب الأنصباء الثمانية و الخمسين في عدد إذا نقص ممّا يحصل من الضرب درهم و خمس، كان الباقي عددا صحيحا، و هو ثلاثة، إذا ضربناها في ثمانية و خمسين، تحصل خمسة و عشرون و خمس

ص: 209

درهم، إذا نقص منه درهم و خمس، بقي أربعة و عشرون، فمنها القسمة، و النصيب ثلاثة، ندفع إلي الموصي له بالسّدس السّدس إلاّ درهما، و هو ثلاثة، و إلي الموصي له الآخر ثلاثة، تبقي ثمانية عشر للبنين.

مسألة 433: لو أوصي بالتكملة و درهم أو شبهه،

بأن يخلّف أربعة بنين، و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم و بدرهم، و المراد من الوصيّة الثّلث إلاّ نصيب أحدهم و إلاّ درهما، نجعل المال خمسة عشر، و النصيب ثلاثة، فنأخذ ثلث المال: خمسة، و نسقط منها النصيب، و نسقط درهما، يبقي واحد هو الوصيّة، نسقطه من المال، تبقي أربعة عشر، و كان ينبغي أن يكون اثني عشر، فقد زاد اثنان، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعل المال ثمانية عشر، و النصيب أربعة، نأخذ ثلثه ستّة، و نسقط منه النصيب أربعة، و نسقط درهما أيضا، يبقي واحد هو الوصيّة، إذا أسقطناه من المال تبقي سبعة عشر، و كان ينبغي أن يكون ستّة عشر، فقد زاد واحد، و هو الخطأ الثاني، نسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي واحد نحفظه.

ثمّ نضرب المال الأوّل في الخطأ الثاني، يكون خمسة عشر، و المال الثاني في الخطأ الأوّل، يكون ستّة و ثلاثين، نسقط الأقلّ من الأكثر، يبقي أحد و عشرون، فهو المال، و نضرب النصيب الأوّل في الخطأ الثاني، يكون ثلاثة، و نضرب النصيب الثاني في الخطأ الأوّل، يكون ثمانية، نسقط الأقلّ من الأكثر، تبقي خمسة، فهي النصيب، نأخذ ثلث المال، و هو سبعة، و نسقط منه النصيب خمسة و درهما آخر، يبقي واحد، فهو الوصيّة، نسقطها من المال، يبقي عشرون للبنين.

و لو خلّف أربعة بنين، و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم،

ص: 210

و لآخر بسدس ماله إلاّ درهما، نقدّر المال اثني عشر، و النصيب اثنين، فنأخذ ثلثه، و هو أربعة، و نسقط منه النصيب اثنين، يبقي للموصي له الأوّل اثنان، و نأخذ سدسه اثنين، و نسقط منه واحدا، يبقي للوصيّة واحد، ننقص الوصيّتين من المال، تبقي تسعة، و كان ينبغي أن يكون ثمانية، فقد زاد واحد، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعل المال ثمانية عشر، و النصيب أربعة، و نأخذ ثلثه ستّة، و نسقط منه النصيب أربعة، يبقي للوصيّة اثنان، و نأخذ سدسه ثلاثة، و نسقط منه واحدا، يبقي للوصيّة اثنان أيضا، نسقطهما من المال، تبقي أربعة عشر، و كان ينبغي أن يكون ستّة عشر، فقد نقص اثنان، نجمع بين الخطأين، يبلغ ثلاثة، نحفظها، فهي المقسوم عليها.

ثمّ نضرب المال الأوّل - و هو اثنا عشر - في الخطأ الثاني، و هو اثنان، يكون أربعة و عشرين، و نضرب المال الثاني في الخطأ الأوّل، يكون ثمانية عشر، نجمع بينهما، يكون اثنين و أربعين، نقسّمه علي الثلاثة المحفوظة، تخرج من القسمة أربعة عشر، فهو المال.

ثمّ نضرب النصيب الأوّل في الخطأ الثاني، يكون أربعة، و نضرب النصيب الثاني في الخطأ الأوّل، يكون أربعة، نجمع بينهما، يبلغ ثمانية، نقسّمها علي الثلاثة، يخرج من القسمة درهمان و ثلثان، فهو النصيب، و نأخذ ثلث المال، و هو أربعة و ثلثا درهم، فنسقط منه نصيبا، يبقي درهمان للموصي له الأوّل، و نأخذ سدسه، و هو درهمان و ثلث درهم، نسقط منه درهما، يبقي درهم و ثلث للموصي له الثاني، نجمع بين الوصيّتين، و نسقطهما من المال، تبقي عشرة و ثلثا درهم للبنين، لكلّ واحد منهم درهمان و ثلثان.

ص: 211

و لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما، و لعمرو بنصف ما يبقي من النصف و بدرهم، و التركة عشرون درهما، نأخذ نصف التركة عشرة، و نسقط منه نصيبا لزيد، تبقي عشرة إلاّ نصيبا، نسقط من هذا الباقي نصفه و درهما لعمرو، و هو ستّة إلاّ نصف نصيب، تبقي من العشرة أربعة إلاّ نصف نصيب، نزيدها علي نصف المال، تبلغ أربعة عشر درهما إلاّ نصف نصيب، يعدل نصيبي الابنين، تجبر و تقابل، فأربعة عشر تعدل نصيبين و نصف نصيب، نبسطها أنصافا، فالمال ثمانية و عشرون، و النصيب خمسة، نقسّم المال علي النصيب، تخرج من القسمة خمسة دراهم و ثلاثة أخماس درهم، فهو النصيب، نأخذ عشرة، و ندفع منها إلي زيد خمسة دراهم و ثلاثة أخماس، تبقي منها أربعة دراهم و خمسان، ندفع نصفها، و هو درهمان و خمس و درهما آخر إلي عمرو، يبقي من العشرة درهم و خمس، نزيده علي العشرة الأخري، يكون أحد عشر و خمسا للابنين، لكلّ واحد خمسة دراهم و ثلاثة أخماس درهم.

و لو خلّف ابنين، و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما إلاّ ثلث جميع المال، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و بدرهم، و التركة ثلاثون درهما، نأخذ ثلث المال، و هو عشرة، و نسقط منه نصيبا، و نستردّ ثلث المال، و هو عشرة، يحصل معنا عشرون إلاّ نصيبا، ندفع ثلثه - و هو ستّة دراهم و ثلثا درهم إلاّ ثلث نصيب - و درهما آخر إلي عمرو، يبقي اثنا عشر درهما و ثلث درهم إلاّ ثلثي نصيب، نزيده علي ثلثي المال، يبلغ اثنين و ثلاثين درهما و ثلث درهم إلاّ ثلثي نصيب، يعدل نصيبين، يجبر و يقابل، فاثنان و ثلاثون درهما و ثلث درهم تعدل نصيبين و ثلثي نصيب، نبسطها أثلاثا، فالنصيب ثمانية، و المال سبعة و تسعون، نقسّم أجزاء المال علي أجزاء النصيب،

ص: 212

يخرج من القسمة اثنا عشر درهما و ثمن درهم [فهو النصيب، نأخذ اثني عشر درهما و ثمن درهم](1) نستردّ منه ثلث المال، و هو عشرة، يبقي معه درهمان و ثمن درهم، هي وصيّة، نسقطها من ثلث المال، تبقي سبعة دراهم و سبعة أثمان، ندفع ثلثها و درهما إلي عمرو، و ذلك ثلاثة دراهم و خمسة أثمان درهم، تبقي أربعة دراهم و ربع درهم، نزيدها علي ثلثي المال، و هو عشرون، تبلغ أربعة و عشرين درهما و ربع درهم للابنين.

و لو انفردت الوصيّة الأولي بطلت؛ لكون الاستثناء مستغرقا، إلاّ أنّه لمّا اقترنت بها الوصيّة الأخري أخرجتها عن الاستغراق.

***7.

ص: 213


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 195:7.

ص: 214

الفصل السابع: في المسائل الدوريّة في التصرّفات الشرعيّة من المريض

اشارة

قد عرفت أنّ عطايا المريض من الهبة و العتق و المحاباة و العفو عن الجناية و غير ذلك تخرج من الثّلث علي ما اخترناه كالوصايا، و كان الاعتبار بثلث مال المعطي في زيادته و نقصانه بيوم الموت لا يوم الوصيّة، وجب لذلك أنّه متي زادت تركته برجوع بعض العطيّة بهبة أو ميراث أو أرش جناية أو غيرها من أسباب الزيادات أن تزيد عطيّته، و إذا زادت عطيّته زاد ما يرجع إليه منها، و إذا زاد ذلك وجب أن تزيد العطيّة، و هكذا دائما يدور إلي ما لا نهاية له، فقطع العلماء ذلك بوجوه من الحساب و طرق وضعوها لئلاّ يخرج عن موجب الأحكام الشرعيّة.

كما نقول: لو وهبت المريضة زوجها مائة مستوعبة، فقبض و مات ثمّ ماتت في مرضها و خلّفت أخاها، صحّت الهبة في الثّلث، و رجع ثلثاها و نصف الثّلث، فيصير لها خمسة أسداس المائة، فتجوز الهبة في نصفه، و هو أكثر من الثّلث.

و حسابها أن نقول: جازت الهبة في شيء، تبقي مائة إلاّ شيئا، و يرجع إليها نصف شيء، فلورثتها مائة إلاّ نصف شيء تعدل مثلي ما جاز بالهبة، و هو شيئان، تجبر المائة بنصف شيء، فالمائة تعدل شيئين و نصفا، فالشيء أربعون، و هو ما جاز فيه الهبة، ثمّ ترث الواهبة نصف الأربعين، فلورثتها ثمانون ضعف الهبة.

و بيان قطع الدور: إنّا نحتاج أن نجعل المائة علي ستّة أسهم؛

ص: 215

لانقسام ثلثها نصفين، فلمّا رجع من الثّلث سهم إلي الواهبة وجب أن نلقي هذا السهم من الثّلثين، تبقي ثلاثة، و يرجع إليها سهم بالميراث، و سهم لورثة الزوج، فتصير المائة علي خمسة أسهم، جازت الهبة منها في سهمين، و هو خمساها كما قلنا.

و استخرج بعضهم(1) من هذا طريقة الباب، فقال: نجعل المائة ثلاثة لأجل الثّلث، و نضربها في اثنين فريضة الميّت، تصير ستّة، نلقي منها ما تركه الواهب، تبقي خمسة، فهي سهام المائة، و جازت الهبة في فريضة الميّت، و هي سهمان.

و في هذا الفصل أنواع.

النوع الأوّل: البيع.
مسألة 434: لو باع المريض قطعة أرض مساحتها جريب يساوي خمسين دينارا

بجريب يساوي عشرة، و لم تجز الورثة، فقد حابي بأربعين، نأخذ من خمسين شيئا، و كلّ شيء من مال الصحيح يساوي خمس شيء من مال المريض، نقصنا من الشيء خمسه، يبقي خمسون دينارا إلاّ أربعة أخماس الشيء، و صار مع الصحيح بالمحاباة من مال المريض أربعة أخماس شيء، فخمسون دينارا إلاّ أربعة أخماس شيء مثلا المحاباة الذي هو أربعة أخماس شيء، فضاعفنا أربعة أخماس الشيء، فكان واحدا و ثلاثة أخماس تعدل خمسين دينارا إلاّ أربعة أخماس شيء، فبعد الجبر و المقابلة تصير شيئين و خمسي شيء تعدل خمسين دينارا، فالشيء الواحد منه ربعه و سدسه، فيصحّ البيع في ربع جريب و سدسه من

ص: 216


1- لم نتحقّقه.

مال المريض بربع جريب و سدسه من الصحيح.

مسألة 435: لو باع قفيز حنطة قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة،

فقد بيّنّا أنّه يصحّ البيع في ثلثي الجيّد.

و لو باع كرّا قيمته ثلاثون و له غيره ثلاثون بعشرة، صحّ البيع في جميع الكرّ؛ لأنّه رجع إليه عشرة و عنده ثلاثون، فيبقي لورثته أربعون، و لم يحاب إلاّ بعشرين.

و لو كانت قيمة الجيّد خمسين و قيمة الرديء خمسة عشر و له عشرة، صحّ البيع في شيء من الجيّد، و قابله من الثمن ثلاثة أعشار ذلك الشيء، فبقيت المحاباة سبعة أعشار شيء، و مع الورثة عشرة دراهم أيضا، و هي عشرا كرّ، فيجتمع معهم كرّ و عشرا كرّ إلاّ سبعة أعشار شيء، و ذلك يعدل ضعف المحاباة، و هو شيء و أربعة أعشار شيء؛ لأنّ المحاباة سبعة أعشار شيء، تجبر و تقابل، فكرّ و عشرا كرّ يعدل شيئين و عشر شيء، نبسطها أعشارا، و نقلب الاسم، فيكون الكرّ أحدا و عشرين، و الشيء اثني عشر، فيصحّ البيع في اثني عشر جزءا من أحد و عشرين جزءا من الكرّ، و هو يعدل أربعة أسباعه بأربعة أسباع الكرّ الرديء، و هي بالقيمة ثلاثة أعشار المبيع من الكرّ الجيّد، فنجعل الكرّ عددا له سبع و عشر، و أقلّه سبعون، فصحّ البيع في أربعة أسباعه - و هي أربعون - بثلاثة أعشار الأربعين، و هي اثنا عشر، فبقيت المحاباة بثمانية و عشرين، و مع الورثة ممّا بطل البيع فيه ثلاثون و عشرا كرّ، و هما أربعة عشر بأجزاء السبعين، فيجتمع عندهم ستّة و خمسون ضعف المحاباة.

أو نقول: ثلث الكرّ و العشرة المتروكة عشرون، و المحاباة بخمسة و ثلاثين، و العشرون أربعة أسباع الخمسة و الثلاثين، فيصحّ البيع في أربعة

ص: 217

أسباع الكرّ.

و لو باع كرّا قيمته مائة بكرّ قيمته خمسون و عليه عشرة دراهم دينا، فنحطّ العشرة من ماله و يقدّر كأنّه لا يملك إلاّ تسعين، و ثلثها ثلاثون، و المحاباة بخمسين، و الثلاثون ثلاثة أخماس الخمسين، فيصحّ البيع في ثلاثة أخماس الجيّد بثلاثة أخماس الرديء، فيخرج من ملكه ستّون، و يعود إليه ثلاثون، و يبقي ممّا بطل فيه ثلاثون، و ذلك ضعفا المحاباة.

و لو كان علي المريض دين [و له](1) سوي ما باع تركة، فيقابل الدّين بالتركة، فإن تساويا فكأنّه لا دين و لا تركة، و إن زاد أحدهما اعتبرنا الزائد علي ما تقدّم.

هذا في المتّحد جنسا، أمّا المختلف، كأن يبيع كرّ حنطة قيمته عشرون بكرّ دخن(2) قيمته عشرة، فإن قلنا: يصحّ البيع في البعض بقسطه من الثمن، فهو كما لو باع بالمتّحد جنسا، فيصحّ البيع في ثلثي الحنطة بثلثي الدّخن، و إن قلنا: يصحّ فيما يحتمله الثّلث و فيما يوازي الدّخن بجميع الثمن، فيصحّ البيع في خمسة أسداس الحنطة بجميع الدّخن؛ لأنّه يصحّ في قدر الثّلث و فيما يوازي الدّخن بالقيمة، و هو النصف، و تجوز المفاضلة كيلا هنا.

مسألة 436: لو باع المريض محاباة مع حدوث زيادة في المبيع،

اعتبرنا القدر الذي يصحّ فيه البيع بيوم البيع، و زيادته للمشتري غير محسوبة عليه، و الاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع، و يبقي للورثة بيوم

ص: 218


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- الدّخن: حبّ الجاورس. العين 233:4، المحيط في اللغة 304:4، الصحاح 2111:5، لسان العرب 149:13 «دخن».

الموت، و سواء كانت الزيادة باعتبار ارتفاع السوق، أو بتجدّد صفة تزيد بها القيمة.

فإذا باع عبدا قيمته عشرون بعشرة ثمّ زادت قيمته فبلغت أربعين، فإن صحّحنا البيع في بعضه بجميع الثمن، فللمشتري بالعشرة نصف العبد، و هي قيمته يوم العقد، يبقي نصف العبد و قيمته يوم الموت عشرون، نضمّه إلي الثمن، يصير ثلاثين، فله من ذلك شيء بالمحاباة، و شيء يتبع المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه، يبقي ثلاثون إلاّ شيئين، تعدل ضعف المحاباة، و هو شيئان، تجبر و تقابل، فثلاثون تعدل أربعة أشياء، فالشيء ربع الثلاثين، و هو سبعة دراهم و نصف درهم و هو ما يجوز التبرّع فيه، و هو ثلاثة أثمان العبد بيوم البيع، فيضمّ إلي النصف الذي ملكه المشتري بالثمن، فيحصل له بالتبرّع، و الثمن سبعة أثمان العبد، يبقي للورثة ثمنه، و هو خمسة يوم الموت، و الثمن، و هو عشرة، و هما ضعف المحاباة.

و علي القول الذي اخترناه من صحّة البيع في بعضه بقسطه من الثمن نقول: صحّ البيع في شيء من العبد بنصف شيء من الثمن، فتكون المحاباة بنصف شيء [و] يبطل البيع في عبد إلاّ شيئا، و قيمته عند الموت أربعون إلاّ شيئين.

و إنّما استثنينا شيئين؛ لأنّ الاستثناء يزيد بحسب زيادة المستثني منه، نضمّ إليه الثمن، و هو نصف شيء، يبقي أربعون إلاّ شيئا و نصف شيء، و هو يعدل ضعف المحاباة، و هو شيء، يجبر و يقابل، فأربعون تعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا الأربعين، و هما ستّة عشر، و هي أربعة أخماس العبد يوم البيع، فللمشتري أربعة أخماس العبد بأربعة

ص: 219

أخماس الثمن، و هي ثمانية، فتكون المحاباة ثمانية، و للورثة أربعة أخماس الثمن، و هي ثمانية، و خمس العبد، و قيمته يوم الموت ثمانية، فالمبلغ ستّة عشر ضعف المحاباة.

و لا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المريض، و وجودها كعدمها.

مسألة 437: لو حدث النقصان في يد المشتري قبل موت البائع،

مثل أن يبيع المريض عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثمّ تعود قيمته إلي عشرة، ثمّ يموت البائع، فإن صحّحنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن، قلنا: يملك المشتري نصف العبد بالعشرة، و نضمّ نصفه الآخر يوم الموت - و قيمته خمسة - إلي الثمن، يصير خمسة عشر، للمشتري شيء من ذلك بالمحاباة، و ذلك الشيء محسوب عليه بشيئين؛ لأنّ النقصان بالقسط محسوب علي المتبرّع عليه، فتبقي للورثة خمسة عشر إلاّ شيئا تعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة، و هو أربعة أشياء، تجبر و تقابل، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء، فالشيء ثلاثة، و هي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت، و إذا انضمّ إليها النصف الذي ملكه بالثمن، و هو خمسة يوم الموت، كان المبلغ ثمانية، و هي أربعة أخماس العبد يوم الموت، فيصحّ البيع في أربعة أخماس العبد - و هي ستّة عشر - بجميع الثمن، و هو عشرة، يبقي التبرّع بستّة، للورثة خمس العبد، و هو درهمان، و الثمن، و هو عشرة، و جملتها اثنا عشر ضعف المحاباة.

و إن قلنا: يصحّ البيع في بعضه بالقسط - و هو المذهب الذي اخترناه في مثل ذلك - قلنا: صحّ البيع في شيء من العبد بنصف شيء من الثمن، و بطل في عبد ناقص بشيء و قيمته يوم الموت عشرة إلاّ نصف شيء، فنضمّ الحاصل من الثمن - و هو نصف شيء - إليه، فيكون عشرة دراهم

ص: 220

بلا استثناء، و هي تعدل ضعف المحاباة، و هي شيء، فالشيء عشرة دراهم، و هي نصف العبد يوم البيع، فيصحّ البيع في نصفه - و هو عشرة - بنصف الثمن، و هو خمسة، فالمحاباة بخمسة دراهم، و للورثة نصف العبد يوم الموت، و هو خمسة، و نصف الثمن، و هو خمسة، و جملتها ضعف المحاباة.

و الأصل في هذه الحالة أنّ ما يصحّ فيه البيع فحصّته من النقصان محسوبة علي المشتري؛ لأنّه مضمون عليه بالقبض، و ما يبطل فيه البيع فحصّته من النقصان غير مضمونة علي المشتري؛ لأنّه أمانة في يده، لأنّه لم يتعدّ بإثبات اليد عليه، و لا قبضه لمنفعة نفسه.

قيل: إن كان النقصان بانخفاض السوق، فهذا صحيح؛ لأنّ نقصان السوق لا يضمن باليد مع بقاء العين، و إن كان لنقص في العبد، فيقال: إنّه مضمون علي المشتري؛ لأنّه مقبوض علي حكم البيع، حتي لو برأ المريض كان البيع لازما في الجميع، و إذا كان المقبوض بالبيع الفاسد مضمونا علي المشتري؛ لاعتقاده كونه مبيعا، فهنا أولي، فيصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع الثمن، و يختلف القدر الخارج من الحساب(1).

و لو حدث النقصان بعد موت البائع، فقال بعض الشافعيّة: إنّه كما لو حدث قبل الموت، حتي يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع فيما إذا حدث قبل موته(2).

و خطّأه الجويني؛ لأنّ النظر في التركة و حساب الثّلث و الثّلثين إلي5.

ص: 221


1- قال به الجويني في نهاية المطلب 394:10-395، و عنه في العزيز شرح الوجيز 209:7، و روضة الطالبين 238:5.
2- نهاية المطلب 396:10، العزيز شرح الوجيز 209:7، روضة الطالبين 238:5.

حالة الموت، و لا معني لاعتبار النقصان بعده، كما لا تعتبر الزيادة(1).

مسألة 438: لو حدث النقصان في يد البائع،

بأن باع المريض عبدا يساوي عشرين بعشرة و لم يسلّمه حتي صارت قيمته عشرة، قال بعض الشافعيّة: إنّه يصحّ البيع في جميعه؛ لأنّ التبرّع إنّما يتمّ بالتسليم، و قد بان قبل التسليم أن لا تبرّع، و أنّه باع بثمن المثل، و لو عادت القيمة إلي خمسة عشر، فكذلك؛ لأنّ التبرّع يكون بخمسة، و هي تخرج من الثّلث(2).

اعترضه الجويني بأنّ التبرّع الواقع في ضمن البيع لا يتوقّف نفوذه و انتقال الملك فيه علي التسليم، فيجب أن ينظر إلي وقت انتقال الملك، و أن لا يفرّق بين النقصان بعد القبض و قبله(3).

و اعلم أنّ النقص الحادث في يد المشتري إن كان بانخفاض السوق لم يرفع خيار المشتري بتبعّض الصفقة عليه، و إن كان لمعني في نفس المبيع فيشبه العيب الحادث مع الاطّلاع علي العيب القديم.

مسألة 439: المحاباة في البيع و الشراء صحيحة،

تخرج من الثّلث، و لا يمنع ذلك صحّة العقد في قول علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(4) ؛ لعموم قوله تعالي: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (5) و لأنّه تصرّف صدر

ص: 222


1- نهاية المطلب 396:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 209:7، و روضة الطالبين 238:5.
2- نهاية المطلب 396:10-397، العزيز شرح الوجيز 209:7، روضة الطالبين 238:5.
3- نهاية المطلب 397:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 209:7، و روضة الطالبين 238:5.
4- العزيز شرح الوجيز 210:7، روضة الطالبين 239:5، المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
5- سورة البقرة: 275.

من أهله في محلّه، فصحّ، كغير المريض.

و قال أهل الظاهر: العقد باطل(1). و هو غلط.

و لا فرق بين أن يحابي المريض في بيعه أو شرائه إجماعا.

ثمّ إن زادت المحاباة علي الثّلث، اعتبر في نفوذ الزائد إجازة الوارث، فإن أجاز لزم البيع، و إن ردّ بطلت المحاباة في الزائد، فيتخيّر المشتري حينئذ في الفسخ؛ لتبعّض الصفقة عليه، و في الإمضاء.

فلو اشتري المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين مستوعبة لماله، فثلث ماله ستّة و ثلثان، و المحاباة عشرة و ستّة و ثلثان ثلثاها(2) ، فيصحّ الشراء في ثلثي العبد، و هو ستّة و ثلثان، و يرتجع ثلث الثمن، و هو ستّة و ثلثان، و ذلك ضعف المحاباة.

و لو اشتري عبدا قيمته عشرة بعشرين، فزادت قيمة العبد في يده أو في يد البائع، فصارت خمسة عشر، فقد زادت في تركته خمسة، فإن قلنا:

يصحّ الشراء في بعض ما حابي فيه بجميع ما يقابله، فنضمّ الخمسة الزائدة إلي الثمن، فيصير جميع التركة خمسة و عشرين، و ثلثها ثمانية و ثلث، فيقال للبائع: ثلث ماله ثمانية و ثلث، و قد حاباك بعشرة، إمّا أن تفسخ و تستردّ العبد، أو تردّ ما زاد علي الثّلث، و هو درهم و ثلثان، فإن ردّ فمع الورثة العبد، و قيمته يوم الموت خمسة عشر، و معهم درهم و ثلثان، و هما ضعف المحاباة.

و إن قلنا: يصحّ البيع في بعضه ببعض ما يقابله، قلنا: يصحّ الشراء في شيء من العبد بشيئين من الثمن، فتكون المحاباة بشيء، يبقي عشرونة.

ص: 223


1- المغني 549:6، الشرح الكبير 324:6.
2- أي: ثلثا العشرة.

درهما إلاّ [شيئين، يضمّ إليه المشتري من العبد، و كان شيئا فصار (شيئا و نصفا)(1) يبلغ عشرين إلاّ (شيئا و](2) نصف شيء)(3) و هو يعدل ضعف المحاباة، و هو شيئان، فتجبر و تقابل، فالعشرون تعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء ثمانية، و هي خمسا العشرين و أربعة أخماس العبد، فيصحّ البيع في أربعة أخماس العبد - و هي ثمانية - بأربعة أخماس الثمن، و هي ستّة عشر، فتكون محاباة المشتري بثمانية، يبقي للورثة خمس الثمن، و هو أربعة و أربعة أخماس العبد، و هي اثنا عشر يوم الموت، فالجملة ستّة عشر ضعف المحاباة.

و لو اشتري كما تقدّم، لكن نقص العبد في يد المريض، فعادت قيمته إلي خمسة، فإن قلنا: يصحّ الشراء في بعض ما حابي فيه بجميع مقابله، فقد كانت تركته عشرين، و صارت خمسة عشر، فثلثها خمسة، فيقال للبائع: إمّا أن تردّ علي الورثة خمسة ليكون معهم العبد و هو خمسة، و الدراهم الخمسة، فيكون لهم ضعف الخمسة، و إمّا أن تفسخ البيع و تردّ الثمن بتمامه و تستردّ العبد ناقصا، و لا ضمان علي المشتري.

و إن قلنا بالتقسيط، فقال بعض الشافعيّة: إنّ المشتري يضمن قسط ما بطل فيه البيع من النقصان، و ينقص ذلك من التركة، كدين يلزم قضاؤه(4).5.

ص: 224


1- بدل ما بين القوسين في روضة الطالبين: «شيئان و نصف شيء».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 210:7، و ورد ذلك أيضا في روضة الطالبين 239:5 بتفاوت في بعض المواضع، و قد أشير إليه في الهامش السابق و اللاحق.
3- بدل ما بين القوسين في روضة الطالبين هكذا: «نصف شيء».
4- نهاية المطلب 399:10-401، العزيز شرح الوجيز 210:7-211، روضة الطالبين 240:5.

قال الجويني: هذا رجوع إلي أنّ المأخوذ علي أنّه مبيع يكون مضمونا عليه، و مناقض لما ذكر بعضهم: أنّ ما لا يصحّ فيه البيع يكون أمانة في يد المشتري(1).

ثمّ حسابه أن نقول: صحّ الشراء في شيء من العبد بشيئين من الثمن، و بطل في عبد ناقص بشيء، قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلاّ نصف شيء، فينقص القدر الذي نقص من التركة، تبقي خمسة عشر درهما إلاّ شيئا و نصف شيء، نضمّ إليه الشيء المشتري من العبد و قد رجع إلي نصف شيء، فيكون الحاصل خمسة عشر درهما إلاّ شيئا تعدل ضعف المحاباة، و هو شيئان، تجبر و تقابل، فخمسة عشر تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث الخمسة عشر، و هو نصف العبد، فيصحّ الشراء في نصف العبد بنصف الثمن، فتكون المحاباة بخمسة، يبقي للورثة نصف الثمن، و هو عشرة، و نصف العبد، و هو اثنان و نصف، يسقط من المبلغ قسط ما بطل البيع فيه من النقصان، و هو اثنان و نصف، يبقي في أيديهم عشرة ضعف المحاباة.

مسألة 440: لو اشتري المريض عبدا يساوي عشرة بعشرين و له ثلاثون درهما

و قبض العبد و أعتقه، فالمحاباة بعشرة و هي ثلث ماله، قال بعض الشافعيّة: إن كان ذلك قبل توفية الثمن علي البائع، نفذ العتق، و بطلت المحاباة، و البائع يأخذ قدر قيمة العبد بلا زيادة؛ لأنّ المحاباة في الشراء كالهبة، فإذا لم تكن مقبوضة حتي جاء ما هو أقوي منها و هو العتق، أبطلها، و إن كان بعد توفية الثمن، بطل العتق؛ لأنّ المحاباة المقبوضة قد

ص: 225


1- نهاية المطلب 401:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 211:7، و روضة الطالبين 240:5.

استغرقت الثّلث(1).

اعترض: بأنّه لا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون؛ لأنّها متعلّقة بالمعاوضة، و المعاوضة تلزم بنفس العقد، و لهذا يتمكّن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض، و لا يتمكّن من إبطال المحاباة(2).

مسألة 441: لو باع المريض عبدا يساوي عشرين بخمسة و أتلف الثمن،

فإن قلنا: يصحّ البيع في بعض ما حابي فيه بجميع ما يقابله، فقد ملك المشتري ربع العبد بالخمسة، و أتلف البائع الخمسة من ماله، فعادت التركة إلي خمسة عشر، للمشتري من ذلك شيء بالمحاباة، تبقي للورثة خمسة عشر إلاّ شيئا تعدل ضعف المحاباة، و هو شيئان، فتجبر و تقابل، فخمسة عشر تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء خمسة، و هو ربع العبد، فيحصل للمشتري نصف العبد ربعه بالثمن و ربعه بالتبرّع، و هو خمسة، تبقي للورثة عشرة ضعف المحاباة.

و إن قلنا بالتقسيط، صحّ البيع في ثلث العبد بثلث الثمن.

مسألة 442: لو باع قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز يساوي عشرة،

فالجيّد خمسة أسهم فرضا، و يصحّ البيع في سهم بنصف سهم، فتكون المحاباة بنصف سهم، تبقي أربعة أسهم و نصف، يقضي منها الرديء، و هو سهمان و نصف، يبقي في يد الورثة سهمان، و كان ينبغي أن يكون سهما، فإنّه ضعف المحاباة، فأخطأنا بسهم واحد.

ثمّ نعود و نصحّح البيع في سهم و ثلث من الخمسة بنصفه، و هو ثلثا سهم، فتكون المحاباة بثلثي سهم، تبقي في يد الورثة أربعة و ثلث، يقضي

ص: 226


1- العزيز شرح الوجيز 211:7، روضة الطالبين 240:5.
2- العزيز شرح الوجيز 211:7، روضة الطالبين 240:5.

منها القفيز الرديء، و هما سهمان و نصف، يبقي سهم و خمسة أسداس سهم، و كان ينبغي أن يكون سهما و ثلثا، فأخطأنا بنصف سهم، فنقول: لمّا زدنا ثلث سهم ذهب نصف الخطأ، فلو زدنا ثلثي سهم ذهب جميع الخطأ، فإذا ما يصحّ فيه البيع من الخمسة سهم و ثلثان، و ذلك ثلث الخمسة.

أو نقدّر الجيّد دينارا و درهما، و نصحّح البيع في الدينار، و يعود إليه نصفه، فتبقي المحاباة بنصف دينار، و يكون عنده درهم و نصف دينار، و هو العائد إليه، و قد أتلف الرديء و هو نصف درهم و نصف دينار، فانسب المحاباة إلي نصف الدينار و الدرهم، فيكون بقدر ثلثه، فيصحّ البيع في ثلثه بثلث الثمن.

و لو أتلف المريض بعض القفيز الرديء، كما لو أتلف نصفه و قيمة القفيز الجيّد عشرون، فنقول: مال المريض عشرون، لكنّه أتلف خمسة فتحطّ من ماله، تبقي خمسة عشر، ثلثها خمسة، و المحاباة عشرة، و الخمسة نصف العشرة، فيصحّ البيع في نصف العبد بنصف الثمن، فتكون المحاباة بخمسة، يبقي للورثة نصف العبد، و هو عشرة ضعف المحاباة.

أو نجعل الجيّد دينارا و درهما، و نصحّح البيع في الدينار بمثل نصفه، يبقي درهم و نصف دينار، يقضي منه الدّين، و هو ربع دينار و ربع درهم؛ لأنّ الرديء نصف دينار و نصف درهم و المتلف نصف الرديء، فتبقي مع الورثة ثلاثة أرباع درهم و ربع دينار تعدل ضعف المحاباة، و هو دينار، فنسقط ربع دينار بربع دينار، تبقي ثلاثة أرباع درهم، تعدل ثلاثة أرباع دينار، فالدينار مثل الدرهم، فعرفنا صحّة البيع في نصف القفيز بنصف القفيز.

ص: 227

مسألة 443: لو باع المريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر من أخته بقفيز قيمته خمسة،

فماتت أخته قبله و خلّفت زوجها و أخاها البائع، ثمّ مات البائع و لا مال لهما سوي ما تصرّفا فيه، فيصحّ البيع في شيء من القفيز الجيّد، يرجع بالعوض ثلث شيء، يبقي معه قفيز إلاّ ثلثي شيء، فالمحاباة بثلثي شيء، و يحصل مع المشتري شيء من القفيز الجيّد، و الباقي من قفيزه - و هو قيمة القفيز الجيّد - ثلث قفيز إلاّ ثلث شيء، فهما معا ثلث قفيز و ثلثا شيء، يرجع نصفه بالإرث إلي البائع، و هو سدس قفيز و ثلث شيء، فنزيده علي ما كان للبائع، فالمبلغ قفيز و سدس قفيز إلاّ ثلث شيء، و هذا يعدل ضعف المحاباة، و هو شيء و ثلث شيء، فيجبر و يقابل، فقفيز و سدس قفيز يعدل شيئا و ثلثي شيء، فنبسطها أسداسا، و نقلب الاسم، فالقفيز عشرة، و الشيء سبعة، فيصحّ البيع في سبعة أعشار الجيّد - و هو عشرة و نصف - بسبعة أعشار الرديء، و هو ثلاثة و نصف، فتكون المحاباة بسبعة، تبقي مع البائع من قفيزه أربعة و نصف، و قد أخذ بالعوض ثلاثة دراهم و نصف درهم، فالمجموع ثمانية، و للمشتري من قفيزه درهم و نصف، و من القفيز الجيّد عشرة و نصف، يكون اثني عشر درهما، يرجع نصفه إلي البائع، و هو ستّة، يصير ما عنده أربعة عشر، و هي ضعف المحاباة.

و لو كان القفيز الرديء بالقيمة نصف الجيّد، و الجيّد يساوي عشرين، صحّ البيع في الجميع؛ لأنّه تكون المحاباة بعشرة، فتبقي عنده عشرة، يرجع إليه بالإرث عشرة.

مسألة 444: لو باع المريض عبدا يساوي عشرين بعشرة،

فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد المشتري، ثمّ مات المريض، فإن ترك

ص: 228

عشرة سوي ثمن العبد، نفذ البيع في جميع العبد، و كان الكسب للمشتري، فإن لم يملك شيئا آخر، فيرتدّ البيع في بعض العبد؛ لأنّ المحاباة لا تخرج عن الثّلث.

ثمّ حكي الجويني عن بعض الشافعيّة أنّ الكسب بتمامه للمشتري؛ لأنّه حصل في ملكه ثمّ عرض الفسخ و الردّ، فكان كما لو اطّلع المشتري علي عيب قديم بعد الكسب، فإنّه يردّه و يبقي الكسب له.

قال: و هذا زلل عظيم، بل الوجه: القطع بأنّ الكسب يتبعّض بتبعّض العبد، كما في العتق، و ليس هذا فسخا و ردّا للبيع في بعض العبد، بل نتبيّن صحّة البيع و حصول الملك للمشتري في بعض العبد دون البعض(1).

و حكي عن بعضهم أنّ الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته، و علي هذا فيكون الحكم التبعّض(2) ، كما في الزيادة(3).

و لو اشتري المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين و اكتسب، فالكسب كالزيادة في القيمة؛ لأنّ التركة تزداد به، و حكم الزيادة ما سبق.

مسألة 445: لو اشتري عبدا بعشرة و ترك عشرين غيره،

و أوصي لرجل بعشرة ثمّ وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة، فاختار إمساكه، جاز، و كأنّه حاباه بخمسة، و المحاباة مقدّمة علي الوصيّة، و للموصي له باقي الثّلث، و هو خمسة.

و لو وجد الورثة العبد معيبا و أمسكوه، فللموصي له العشرة، و ما

ص: 229


1- نهاية المطلب 425:10-426، و عنه في العزيز شرح الوجيز 214:7، و روضة الطالبين 241:5.
2- في «ل»: «التبعيض».
3- لم نعثر عليه في نهاية المطلب، و عنه في العزيز شرح الوجيز 214:7، و روضة الطالبين 241:5.

نقص بالعيب فإنّهم أتلفوه؛ لأنّهم لو شاؤا فسخوا البيع و استردّوا الثمن.

و لو اشتري عبدا بثلاثين فأعتقه و خلّف ستّين درهما ثمّ وجد الورثة [به] عيبا ينقصه خمسة دراهم، رجعوا علي البائع بالأرش، و لو وهبه و أقبضه، لم يرجعوا؛ لأنّه ربما يعود إليهم فيردّوه، قاله بعض الشافعيّة(1).

و لو لم يخلّف غير العبد و كان قد أعتقه، عتق منه خمساه، و هو عشرة دراهم، و يرجع الورثة بالأرش - و هو خمسة - علي البائع، و لهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد، و هي خمسة عشر، فتكون عشرين ضعف المحاباة.

قال بعض الشافعيّة: و للبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد، و يردّ ثلاثة أخماس الثمن، و يغرّم أرش خمسيه، و هو درهمان(2).

و لو كان قد وهبه و أقبضه بدل الإعتاق، فالخمسة الناقصة تحسب من الثّلث(3) ؛ لأنّ المريض هو الذي فوّت الرجوع بالأرش بما أنشأ من الهبة، و للمتّهب خمسه، و هو خمسة، و للورثة أربعة أخماسه، و هي عشرون.

و لو خلّف عبدا قيمته ثلاثون، و أوصي بأن يباع من زيد بعشرة، فثلث ماله عشرة، و قد أوصي بأن يحابي بعشرين، فإذا لم يجز الورثة بيع منه - علي قول(4) - ثلثا العبد بجميع الثمن، لتحصل له المحاباة بقدر الثّلث، و للورثة ضعفه.

و علي ما اخترناه يباع منه نصف العبد بنصف الثمن.5.

ص: 230


1- العزيز شرح الوجيز 214:7، روضة الطالبين 242:5، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- العزيز شرح الوجيز 214:7، روضة الطالبين 242:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «ثلثه» بدل «الثّلث».
4- كما في العزيز شرح الوجيز 214:7، و روضة الطالبين 242:5.

و لو أوصي مع ذلك بثلث ماله لعمرو، و قصد التشريك بالثّلث، قسّم بينهما علي ثلاثة، لزيد سهمان، و لعمرو سهم.

فعلي الأوّل(1) يباع من زيد خمسة أتساع العبد، و هي ستّة عشر و ثلثان، عشرة بالثمن، و الباقي محاباة بجميع العشرة، و يدفع إلي عمرو ثلاثة و ثلث، يبقي عشرون للورثة.

و علي المختار يباع ثلث العبد - و هو عشرة - بثلث الثمن، و هو ثلاثة و ثلث، و يدفع إلي عمرو ثلاثة و ثلث، و الباقي للورثة، و هو عشرون.

النوع الثاني: السّلم.

إذا أسلم المريض عشرة في قفيز حنطة مؤجّلا يساوي عشرة، و مات قبل أن يحلّ الأجل، فللورثة الخيار، إن أجازوا فالسّلم بحاله، و إن ردّوا الأجل في نصيبهم، و هو الثّلثان، فلهم ذلك، فحينئذ يتخيّر المسلم إليه، إن شاء فسخ السّلم، و ردّ رأس المال بتمامه، و إن شاء ردّ ثلثي رأس المال، و فسخ العقد في الثّلثين، و بقي الثّلث عليه مؤجّلا، و إن شاء عجّل ثلثي ما عليه، و يبقي الثّلث عليه مؤجّلا، و أيّها اختار سقط حقّ الورثة من الفسخ.

و لو أسلم عشرة في قدر يساوي ثلاثين، فللورثة الخيار مع الغبطة بسبب التأجيل، و للمسلم إليه الخيار علي ما قلناه.

و يكفيه أن يعجّل ممّا عليه ثلثي العشرة، و هو تسعا ما عليه من الحنطة، و يكون الباقي عليه إلي انقضاء الأجل؛ لأنّ أقصي ما في الباب أنّه وهب منه العشرة، و الورثة ردّوا تبرّعه في ثلثيها، فلا يحصل لهم إلاّ

ص: 231


1- أي: علي القول الأوّل.

ما عجّله.

و لو أسلم ثلاثين في قدر يساوي عشرة، فللورثة الاعتراض من جهة التأجيل، و من جهة المحاباة بما فوق الثّلث، فإذا لم يجيزوا، فالمسلم إليه بالخيار إن شاء فسخ السّلم و ردّ رأس المال، و إن شاء فسخه في الثلاثين و ردّ ثلثي رأس المال، فيكون الباقي عليه إلي أجله، و إن شاء عجّل ما عليه مع ما زاد من المحاباة علي الثّلث.

و لا يكفيه تعجيل ما عليه هنا؛ لأنّه لا يحصل للورثة ثلثا المال.

و لو عجّل نصف ما عليه مع نصف رأس المال و فسخ السّلم في النصف، كفي.

و لو أسلم المريض إلي رجلين ثلاثين درهما في قفيز حنطة قيمته عشرة إلي الأجل، و لم يجز الورثة، و اختار المسلم إليهما إمضاء السّلم فيما يجوز فيه السّلم، فإن فرّعنا علي أنّ العقد يصحّ في بعض ما حابي فيه بقسطه ممّا يقابله، صحّ لهما السّلم في نصف المسلم فيه، و قيمته خمسة دراهم بنصف رأس المال، و هو خمسة عشر، فتكون المحاباة بعشرة، و للورثة نصف المسلم فيه و هو خمسة، و نصف رأس المال و هو خمسة عشر، و ذلك ضعف المحاباة.

فلو غاب أحدهما بعد الاختيار و صار معسرا و تعذّر تحصيل المال منه، فوجهان:

أحدهما: أنّهما إذا رضيا بالسّلم بما يستحقّه الغائب من المحاباة، يجعل كأنّه قبضه، فيدخل في حساب التبرّع، و ما عليه في الحال جعل كالتالف، و كان ما في يد الحاضر كلّ التركة، فتصحّ المسألة في ثلاثة أعشار نصف المسلم فيه للحاضر بثلاثة أعشار نصف الثمن، فنقول: صحّ السّلم

ص: 232

لهما في شيء من المسلم فيه بثلاثة أشياء من الدراهم، فتكون المحاباة بشيئين، فيؤدّي الحاضر نصف الشيء بشيء و نصف، و يردّ باقي الدراهم التي قبضها، و هي خمسة عشر إلاّ شيئا و نصف شيء، فيضمّه الورثة إلي ما أخذوه من المسلم فيه، فيكون خمسة عشر درهما إلاّ شيئا، و ذلك يعدل ضعف المحاباة، و هو أربعة أشياء، فيجبر و يقابل، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء، فالشيء خمس الخمسة عشر، و هو ثلاثة أعشار القفيز، يؤدّي الحاضر نصف ذلك، و هو ثلاثة أعشار نصف القفيز - و قيمتها درهم و نصف - بثلاثة أعشار نصف الدراهم، و هي أربعة و نصف، و يردّ باقي النصف من الدراهم، و هي عشرة و نصف، يضمّه الورثة إلي ما أخذوه، يبلغ اثني عشر، و هي ضعف محاباته و محاباة صاحبه الغائب، و كلّ ما يحصل بالمحاباة له يحصل لصاحبه مثله.

ثمّ إذا حضر الغائب و أحضر ما عليه، صحّ لهما السّلم في النصف، فيؤدّي الغائب ربع القفيز و نصف ما قبض من الدراهم، و يؤدّي الحاضر تتمّة الرّبع و يستردّ من الورثة ثلاثة دراهم.

الثاني: نقدّر كأنّ الميّت لم يعامل إلاّ الحاضر، و كأنّه أسلم خمسة عشر في نصف قفيز قيمته خمسة، فيصحّ السّلم في ربع قفيز بنصف رأس المال، ثمّ إن تلف ما علي الغائب، فالذي جري ماض علي الصحّة، و إن حضر الغائب أدّي ربع القفيز و نصف ما قبض من الدراهم.

هذا علي ما اخترناه من التقسيط، و أمّا علي القول الآخر لعلمائنا من صحّة العقد في بعض ما حابي فيه بجميع الثمن، فإذا اختار إمضاء العقد، صحّ السّلم في جميع القفيز بثلثي رأس المال، فيؤدّيان القفيز و يردّان عشرة دراهم.

ص: 233

و إن كان أحدهما غائبا و أجاز الحاضر، جعل الثّلث سهمين بين الحاضر و الغائب، و للورثة الثّلثان أربعة، يسقط سهم الغائب؛ لأنّه يأخذ ممّا عنده، و يقسّم الحاضر من التركة - و هو خمسة عشر - بين الورثة و الحاضر علي خمسة أسهم، للحاضر منها سهم، و هو ثلاثة هي وصيّته، فيؤدّي نصف القفيز و قيمته خمسة بثمانية، ثلاثة منها محاباة، و يردّ سبعة دراهم، فيكون للورثة نصف القفيز و سبعة دراهم، و ذلك اثنا عشر ضعف ما يحصل لهما من المحاباة.

و علي الوجه الأوّل(1) الذي يقدّر أنّ الميّت لم يعامل غير الحاضر يؤدّي نصف القفيز و يردّ خمسة دراهم.

و لو أسلم خمسين درهما في كرّ يساوي ثلاثين و لا مال سواه و لم يجز الورثة، جاز السّلم في شيء من الكرّ، و انتقض في بعضه، فما انتقض من السّلم ردّ المسلم علي الورثة بقسط ذلك من الدراهم، و ما جاز فيه السّلم أعطاهم طعاما بحساب ما استسلم، بحيث يكون ما يحصل للورثة من الطعام و الدراهم مثلي ما حصل للمستسلم.

نقول: تجعل ما جاز فيه السّلم جزءا، و ما انتقض كرّا إلاّ جزءا، ثمّ اجعل ذلك الجزء من الكرّ بجزء و ثلثين من الدرهم؛ لأنّ الذي أسلم في الكرّ مثل قيمته و ثلثي قيمته، فيرجع إلي الورثة بانتقاض السّلم خمسون درهما إلاّ جزءا و ثلثي جزء، و يرجع إليهم من الكرّ ما جاز فيه السّلم أيضا، فيكون ما صار إليه من الطعام و الدراهم مثل ثلثي الدراهم، و يكون للمستسلم من المحاباة ستّة عشر درهما و ثلثا درهم.».

ص: 234


1- كذا، و الظاهر: «الثاني».

أو نقول: ننسب ثلث المال إلي جميع المحاباة، و هو أن ننظر كم ستّة عشر درهما و ثلثا درهم من عشرين درهما؟ فنجدها خمسة أسداس ذلك، فالسّلم جائز في خمسة أسداس الكرّ، و ينتقض في سدسه.

و امتحانه: أن يردّ علي الورثة سدس خمسين درهما بانتقاض السّلم، و هو ثمانية دراهم و ثلث، و أعطاها(1) أيضا خمسة أسداس الكرّ، و هو يساوي خمسة و عشرين درهما، فيكون في يد الورثة ثلاثة و ثلاثون درهما و ثلث، و هو ثلثا جميع المال، و يكون المستسلم قد أخذ بخمسة أسداس الكرّ خمسة أسداس الخمسين، و هو أحد و أربعون درهما و ثلثا درهم، منها قيمة ما دفع من الطعام: خمسة و عشرون درهما، و ستّة عشر و ثلثان محاباة الميّت له، و هي الوصيّة التي تكون ثلث المال.

النوع الثالث: الإقرار.

قد سبق بيان الدور فيه و في الضمان و الشفعة، و نحن نذكر صورا في الإقرار أهملت هناك.

فإذا قال زيد: لعمرو عليّ عشرة إلاّ نصف ما علي بكر، و قال بكر:

لعمرو عليّ عشرة إلاّ نصف ما علي زيد، فعلي كلّ واحد من زيد و بكر عشرة إلاّ شيئا، نأخذ نصف ما علي أحدهما، و هو خمسة إلاّ نصف شيء، و ذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة؛ لأنّا نعلم أنّ ما علي كلّ واحد منهما إذا زيد نصفه علي عشرة إلاّ شيئا، كان المبلغ عشرة، فإذا خمسة إلاّ نصف شيء تعدل شيئا، فيجبر و يقابل، فخمسة تعدل شيئا و نصفا، فالشيء ثلثا الخمسة، و هو ثلاثة و ثلث، فهي الشيء، نسقطها من العشرة،

ص: 235


1- الظاهر: «و أعطاهم».

تبقي ستّة و ثلثان، فهي التي تجب علي كلّ واحد منهما.

و لو قال: لكلّ واحد عشرة إلاّ ربع ما علي الآخر، فعلي كلّ واحد عشرة إلاّ شيئا، نأخذ ربع ما علي أحدهما، و هو درهمان و نصف إلاّ ربع شيء، و هو يعدل الشيء الناقص، فيجبر و يقابل، فيقع درهمان و نصف في معادلة شيء و ربع، فالشيء درهمان نسقطهما من العشرة، تبقي ثمانية، فهي التي تجب علي كلّ واحد منهما.

و لو قال أحدهما: عشرة إلاّ نصف ما علي الآخر، و قال الآخر: عشرة إلاّ ثلث ما علي الآخر، فعلي أحدهما ثلاثة أشياء؛ لذكر الثّلث، نسقط ثلثها من العشرة، تبقي عشرة إلاّ شيئا، فهي التي علي الآخر، نأخذ نصفها، و هو خمسة إلاّ نصف شيء، فنزيدها علي ما علي الآخر، و هو ثلاثة أشياء، فتكون خمسة دراهم و شيئين و نصف شيء، و هو يعدل عشرة دراهم، نسقط الخمسة بخمسة، تبقي خمسة دراهم في معادلة شيئين و نصف، فالشيء الواحد درهمان، فكان علي أحدهما ثلاثة أشياء، فهي ستّة دراهم، و علي الآخر عشرة إلاّ شيئا، فهي ثمانية.

و لو قال كلّ واحد منهما: له عشرة و نصف ما علي الآخر، فنقول:

علي كلّ واحد منهما عشرة و شيء، و نأخذ نصف ما علي أحدهما، و هو خمسة و نصف شيء، و ذلك يعدل الشيء الزائد علي العشرة، فنسقط نصف شيء بنصف شيء، يبقي نصف شيء في معادلة خمسة دراهم، فالشيء عشرة، و علي كلّ واحد عشرون.

و لو قال كلّ واحد: عشرة و ثلث ما علي الآخر(1) ، فيزاد علي العشرة -

ص: 236


1- في العزيز شرح الوجيز 217:7-218، و روضة الطالبين 244:5 زيادة: «فيزاد -

ثلثها، و يقال: علي كلّ واحد منهما ثلاثة عشر و ثلث، و علي هذا(1).

النوع الرابع: الهبة.
مسألة 446: لو وهب المريض عبدا لا شيء له غيره و أقبضه،

ثمّ وهبه الثاني من الأوّل في مرض موته و لا شيء له غيره، دارت المسألة، فنطلب عددا له ثلث، و لثلثه ثلث لأجل الهبتين، و أقلّه تسعة، فتصحّ هبة الأوّل في ثلاثة، و نرجع من الثلاثة واحدا إلي الأوّل، و هو سهم الدور، نسقطه من التسعة، تبقي ثمانية، تصحّ الهبة في ثلاثة منها.

و لو كان الثاني صحيحا، صحّت هبة الأوّل في شيء من العبد، فيبقي عبد إلاّ شيئا، ثمّ يرجع ذلك الشيء بالهبة إليه، فعنده عبد كامل يعدل ضعف ما صحّت فيه الهبة، و هو شيئان، فنقلب الاسم، و نجعل العبد اثنين، و الشيء واحدا، فتصحّ الهبة في نصفه، و يرجع إليه، فيكون عنده عبد تامّ ضعف ما وهب.

مسألة 447: لو وهب مريض مريضا مائة مستوعبة،

ثمّ عاد المتّهب فوهبها للأوّل، و لا شيء له غيرها، نضرب ثلاثة في ثلاثة، تبلغ تسعة، نسقط منها سهما، تبقي ثمانية، نقسّم المائة عليها، لكلّ اثنين خمسة و عشرون، ثمّ نأخذ ثلثها ثلاثة، نسقط منها سهما، يبقي سهمان، فهي للموهوب الأوّل، و ذلك هو الرّبع.

أو نقول: صحّت الهبة في شيء، ثمّ صحّت الثانية في ثلثه، يبقي

ص: 237


1- - علي العشرة نصفها، تبلغ خمسة عشر، فهي الواجب علي كلّ منهما. و لو قال: و ربع ما علي الآخر».

للأوّل ثلثا شيء، و للواهب مائة إلاّ ثلثي شيء، تعدل شيئين، أجبر و قابل، يخرج الشيء سبعة و ثلاثين و نصفا، رجع إلي الواهب ثلثها اثنا عشر و نصف، و بقي للموهوب [له] خمسة و عشرون.

فإن خلّف الواهب مائة أخري، فقد بقي مع الواهب مائتان إلاّ ثلثي شيء تعدل شيئين، فالشيء ثلاثة أثمانها، و ذلك خمسة و سبعون، رجع إلي الواهب ثلثها، بقي مع الورثة خمسون.

مسألة 448: لو وهب المريض عبدا من مريض ثمّ وهبه الثاني من ثالث مريض

ثمّ وهبه الثالث من الأوّل، و لا شيء لهم سواه، صحّت هبة الأوّل في شيء من العبد، و هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء، و هبة الثالث في ثلث ثلثه، و هو تسع، فيرجع إلي الواهب تسع ذلك الشيء، فيبقي معه عبد إلاّ ثمانية أتساع شيء، و هو يعدل شيئين، نجبر و نقابل، فعبد يعدل شيئين و ثمانية أتساع شيء، فنبسطها أتساعا، و نقلب الاسم، فالعبد ستّة و عشرون، و الشيء تسعة، فتصحّ هبة الأوّل في تسعة أجزاء من ستّة و عشرين جزءا من العبد، و هبة الثاني في ثلاثة منها، تبقي مع ورثته ستّة هي ضعف هبته، و هبة الثالث في واحد، يبقي مع ورثته سهمان، و ينضمّ جزء إلي ما بقي مع ورثة الأوّل، تكون ثمانية عشر، و هي ضعف ما صحّت فيه هبته.

أو نقول: نطلب عددا له ثلث [و لثلثه ثلث](1) و لثلث ثلثه ثلث، و أقلّه سبعة و عشرون، نسقط منه سهم الدور، تبقي ستّة و عشرون علي ما تقدّم.

و لو وهب المريض الثاني من المريض الأوّل و من مريض ثالث معا،

ص: 238


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 219:7، و روضة الطالبين 5: 245.

ثمّ وهب الثالث ما صار له من الأوّل، ثمّ ماتوا، صحّت هبة الأوّل في شيء، يبقي عبد إلاّ شيء، و تصحّ هبة الثاني في(1) ثلث الشيء، لكلّ واحد من الموهوب لهما سدس شيء، و تصحّ هبة الثالث في ثلث السّدس الذي صار له، و هو جزء من ثمانية عشر، فيرجع إلي الأوّل من الثاني سدس شيء، و من الثالث ثلث سدس [شيء](2) فيكون عنده عبد إلاّ أربعة عشر جزءا من ثمانية عشر جزءا من شيء، و ذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر و المقابلة و البسط بأجزاء الثمانية عشر و قلب الاسم، يكون العبد خمسين، و الشيء ثمانية عشر، فتصحّ هبة الأوّل في ثمانية عشر من خمسين من العبد، و هبة الثاني في ثلثه، و هو ستّة، و هبة الثالث في ثلث ما صار له، و هو واحد، فيرجع إلي الأوّل من الثاني ثلاثة، و من الثالث واحد، يجتمع معه ستّة و ثلاثون ضعف ما صحّت هبته فيه.

مسألة 449: لو وهب المريض عبدا قيمته مائة و أقبضه ثمّ وهبه الموهوب منه

- و هو مريض أيضا - من الأوّل ثمّ ماتا و للأوّل خمسون سوي العبد، نقول: نفرض العبد دينارا و درهما، تصحّ هبة الأوّل في درهم، و يرجع إليه بهبة الثاني ثلث درهم، يبقي معه من العبد دينار، و ممّا سواه نصف دينار و نصف درهم، فإنّه مثل نصف العبد، و ممّا يرجع إليه ثلث درهم، فالمبلغ دينار و نصف دينار و خمسة أسداس درهم، و ذلك يعدل ضعف المحاباة، و هو درهمان، نسقط خمسة أسداس درهم بخمسة أسداس درهم، يبقي دينار و نصف دينار في معادلة درهم و سدس درهم، نبسطها أسداسا، و نقلب الاسم، فالدرهم تسعة، و الدينار سبعة، و كان العبد

ص: 239


1- في «ص»: «من» بدل «في».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 219:7.

درهما و دينارا، فهو إذا ستّة عشر، تصحّ الهبة في تسعة منها، و يرجع إليه بالهبة الثانية ثلاثة، و معه مثل نصف العبد، فالمبلغ ثمانية عشر ضعف التسعة.

و لو كان علي الواهب الأوّل دين و لا تركة سوي العبد، فإن كان الدّين مثل العبد أو أكثر، بطلت الهبة، و إن كان أقلّ، صحّت الهبة في ثلث الباقي.

فلو وهب عبدا قيمته مائة و عليه عشرون دينارا، صحّت هبة الأوّل في شيء، و يرجع إليه ثلث شيء، فيبقي عبد إلاّ ثلثي شيء، يقضي منه الدّين، و هو خمس العبد، تبقي أربعة أخماس عبد إلاّ ثلثي شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر أربعة أخماس عبد تعدل شيئين و ثلثي شيء، فنبسطهما بأجزاء الثّلث و الخمس، و نقلب الاسم، فالعبد أربعون، و الشيء اثنا عشر، تصحّ هبة الأوّل في اثني عشر من أربعين من العبد، و تعود إليه أربعة، يبقي اثنان و ثلاثون، يقضي منه الدّين، و هو ثمانية أجزاء مثل خمس العبد، تبقي أربعة و عشرون ضعف الهبة.

و لو كان للمريض الثاني تركة سواه، و كان قيمة العبد مائة، و للثاني خمسون، و وهب جميع ماله، صحّت هبة الأوّل في شيء من العبد، و يكون مع الثاني نصف عبد و شيء، يرجع ثلثه إلي الأوّل، و هو سدس عبد و ثلث شيء، فيجتمع عنده عبد و سدس عبد إلاّ ثلثي شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و سدس عبد يعدل شيئين و ثلثي شيء، نبسطها أسداسا، و نقلب الاسم، فالعبد ستّة عشر، و الشيء سبعة، و مع الثاني نصف عبد، و هو ثمانية، فالمبلغ خمسة عشر، يرجع إلي الأوّل من هبته خمسة، فالمبلغ أربعة عشر ضعف الهبة.

و لو كانت الهبتان كما تقدّم و لا شيء لهما سوي العبد، و علي الثاني

ص: 240

خمسة و عشرون دينارا، نجعل العبد دينارا و درهما، و نصحّح هبة الأوّل في الدرهم، و يقضي منه دين الثاني، و هو ربع دينار و ربع درهم، لأنّ الدّين ربع العبد، فتبقي ثلاثة أرباع درهم إلاّ ربع دينار، و يعود ثلثه بالهبة الثانية إلي الأوّل، فتجتمع معه خمسة أسداس دينار و نصف سدس دينار [و ربع درهم](1) في معادلة درهم و ثلاثة أرباع درهم، نبسطها بأجزاء نصف السّدس، و نقلب الاسم، فالدرهم أحد عشر، و الدينار أحد و عشرون، و كان العبد دينارا و درهما، فهو اثنان و ثلاثون، يقضي من أحد عشر دين الثاني، و هو ثمانية؛ لأنّه ربع العبد، تبقي ثلاثة، يعود منها إلي الأوّل واحد، يكون اثنين و عشرين ضعف الهبة.

و لو كان لكلّ واحد منهما خمسون سوي العبد، صحّت هبة الأوّل في شيء من العبد، و مع الثاني خمسون، و هو نصف عبد، فيجتمع معه نصف عبد و شيء، يرجع ثلثه إلي الأوّل، و هو سدس عبد و ثلث شيء، و معه عبد و نصف إلاّ شيئا، فالمبلغ عبد و ثلثا عبد إلاّ ثلثي شيء، فبعد الجبر عبد و ثلثا عبد يعدل شيئين و ثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد ثمانية، و الشيء خمسة، فتصحّ الهبة في خمسة أثمان العبد، و مع الثاني نصف عبد، و هو أربعة، فالمبلغ تسعة أجزاء، تصحّ هبته في ثلاثة منها، فتحصل مع الأوّل هذه الثلاثة الراجعة و الثلاثة التي بقيت عنده و نصف عبد، و هو أربعة، فالمبلغ عشرة ضعف هبته.

مسألة 450: لو وهب المريض عبدا قيمته مائة،

فمات في يد المتّهب، ثمّ مات الواهب و لا مال له، فالوجه: بطلان الهبة في ثلثي العبد،

ص: 241


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 220:7.

فيضمنهما المتّهب؛ لأنّهما حقّ الوارث، و لهذا كان محجورا عليه لأجلهم.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: صحّة الهبة في جميع العبد؛ لأنّه لم يبق شيء يورث عنه، فتجعل هبته كهبة الصحيح.

و أصحّهما عندهم: أنّها باطلة؛ لأنّها في معني الوصيّة، و لا تثبت الوصيّة في شيء إلاّ و يثبت للوارث ضعفه(1).

و علي البطلان، ففي وجوب الضمان علي المتّهب وجهان:

أحدهما: الضمان؛ لأنّه قبض لنفسه، فكانت يده كيد المستعير، و هو عندهم ضامن(2).

و الأشبه عندهم: المنع، و ليس كالمستعير، فإنّه قبض ليردّ، فإذا كان مضمون الردّ كان مضمون العين(3).

و علي تقدير وجوب الضمان فقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة(4).

و قال بعضهم: يضمن الثّلثين لورثة الواهب(5).

و لو اكتسب العبد في يد المتّهب مائة ثمّ مات، فإن صحّحنا الهبة في الجميع، فالكسب للمتّهب، و إن أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب،5.

ص: 242


1- العزيز شرح الوجيز 221:7، روضة الطالبين 246:5.
2- الأم 244:3، مختصر المزني: 116، الحاوي الكبير 118:7، المهذّب - للشيرازي - 370:1، نهاية المطلب 138:7، بحر المذهب 6:9، الوسيط 3: 369-370، حلية العلماء 189:5، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 6: 454، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 76:4، المغني 355:5، الشرح الكبير 365:5.
3- العزيز شرح الوجيز 221:7، روضة الطالبين 246:5.
4- العزيز شرح الوجيز 221:7، روضة الطالبين 246:5.
5- العزيز شرح الوجيز 221:7، روضة الطالبين 246:5.

فهنا تصحّ الهبة في شيء من العبد، و يكون للمتّهب شيء من الكسب غير محسوب عليه في الوصيّة، و للورثة باقي الكسب، و هو مائة إلاّ شيئا تعدل شيئين، فبعد الجبر تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث المائة، فتصحّ الهبة في ثلث العبد، و تبطل في ثلثيه، و لورثة الواهب ثلثا كسبه، و ذلك ضعف ما صحّت الهبة فيه، و لم يحسب ثلثا العبد علي ورثة الواهب؛ لأنّه تلف قبل موت الواهب، و حسبنا علي المتّهب ما تلف من وصيّته؛ لأنّه تلف تحت يده.

مسألة 451: لو وهب من أخته عبدا لا مال له سواه،

فماتت الأخت قبله، و خلّفت زوجها و أخاها الواهب، ثمّ مات الواهب، صحّت الهبة في شيء من العبد، و رجع بالميراث نصفه، فالباقي عبد إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، يجبر و يقابل، فعبد يعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا العبد، فتصحّ الهبة في خمسيه، و تبطل في ثلاثة أخماسه، و يرجع بالميراث خمس، فتحصل للورثة أربعة أخماسه، و هي ضعف ما صحّت الهبة فيه.

و لو خلّف الواهب مائة درهم سوي العبد مساوية لقيمته، صحّت الهبة في شيء من العبد، و يرجع بالإرث نصف شيء، و معه مثل العبد، فيجتمع عبدان إلاّ نصف شيء، فبعد الجبر عبدان يعدلان شيئين و نصف شيء، فنبسطهما أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد خمسة، و الشيء أربعة، تصحّ الهبة في أربعة أخماس العبد، فيرجع بالإرث خمسان، و قد كان معه خمس و مثل العبد، فهي ثمانية أخماس ضعف الهبة.

و لو مات الواهب و لا مال له سوي العبد، و عليه دين نصف قيمته، صحّت الهبة في شيء، و يرجع نصف شيء، يبقي عبد إلاّ نصف شيء، يقضي منه الدّين، و هو نصف عبد [يبقي نصف عبد](1) إلاّ نصف شيء

ص: 243


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 222:7.

يعدل شيئين، فبعد الجبر نصف عبد يعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا نصف عبد، فهو عشرا عبد كامل، فتصحّ الهبة في عشريه، و يرجع بالإرث أحدهما، يبقي عبد إلاّ عشرا، يقضي منه الدّين، و هو نصف عبد، تبقي أربعة أعشار عبد ضعف الهبة.

و لو خلّفت الأخت مائة سوي العبد، صحّت الهبة في شيء، فينضمّ إلي مالها، و هو مثل العبد، فيجتمع عبد و شيء، يرجع نصفه بالإرث، و هو نصف عبد و نصف شيء، فيحصل عبد و نصف عبد إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و نصف عبد يعدل شيئين و نصف شيء، فنبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد خمسة، و الشيء ثلاثة، تصحّ الهبة في ثلاثة أخماس العبد، و معها مثل العبد، و يرجع نصف الجملة بالإرث، و هي أربعة أخماس، و قد بقي مع الواهب خمسان، فالمبلغ ستّة أجزاء ضعف الهبة.

و لو ماتت و لا مال لها سوي الموهوب، و عليها خمسة و عشرون دينارا، فتصحّ الهبة في شيء، يقضي منه دينها، و هو ربع عبد، يبقي شيء إلاّ ربع عبد، يرجع نصفه بالإرث، و هو نصف شيء إلاّ ثمن عبد، فتجتمع سبعة أثمان عبد إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر سبعة أثمان عبد تعدل شيئين و نصف شيء، فنبسطها أثمانا، و نقلب الاسم، فالعبد عشرون، و الشيء سبعة، تصحّ الهبة في سبعة أجزاء من عشرين جزءا من العبد، يقضي منها دين الميّت، و هو خمسة، يبقي جزءان، يرجع أحدهما بالإرث إلي الواهب، فتجتمع أربعة عشر جزءا ضعف الهبة.

و لو خلّف كلّ واحد منهما خمسين سوي العبد، صحّت الهبة في شيء، فيكون للمتّهب شيء و مثل نصف العبد، و يرجع نصفه إلي الواهب،

ص: 244

و هو نصف شيء و ربع عبد، يصير معه عبد و ثلاثة أرباع عبد إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و ثلاثة أرباع عبد يعدل شيئين و نصف شيء، فنبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالعبد عشرة، و الشيء سبعة، فتصحّ الهبة في سبعة أعشار، و معها من قيمة نصف العبد خمسة أعشار، يرجع نصفه إلي الواهب، و هو ستّة، و في يده نصف عبد و ثلاثة أعشار عبد، فالمبلغ أربعة عشر جزءا ضعف الهبة.

مسألة 452: لو وهب المريض مائة مستوعبة من زوجته و أقبضها،

و أوصت هي بثلث مالها، ثمّ ماتت قبل الزوج، فتصحّ هبته في شيء من المال، و تصحّ وصيّتها في ثلث ذلك الشيء، و يرجع إلي الزوج بالإرث نصف الباقي، و هو ثلث شيء، فيحصل عند الزوج مائة إلاّ ثلثي شيء تعدل شيئين، و بعد الجبر مائة تعدل شيئين و ثلثي شيء، فنبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالمائة ثمانية، و الشيء ثلاثة، فتصحّ الهبة في ثلاثة أثمان المائة، و تصحّ الوصيّة في ثمن، و يرجع بالإرث ثمن إلي الزوج، فتحصل عند ورثته ستّة أثمان، و هي ضعف الهبة.

و لو أنّ الزوج بعد الهبة أوصي بثلث ماله لإنسان، فالهبة تصحّ في شيء، يرجع إلي الزوج نصفه، تبقي مائة إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر مائة تعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا المائة، يرجع إلي الزوج نصفها، فتجتمع له أربعة أخماسها، و هي ثمانون.

فإذا أجيزت الوصيّة، قال ابن سريج من الشافعيّة: إنّه يصرف إلي الوصيّة من الثمانين تتمّة(1) ثلث المال، فيكون لورثة الزوج ستّة و ستّون

ص: 245


1- في نهاية المطلب: «قيمة» بدل «تتمّة».

و ثلثان، و للموصي له ثلاثة عشر و ثلث، و لغير الزوج من ورثة الزوجة عشرون(1).

قال الأستاذ أبو منصور من الشافعيّة: هذا غلط؛ لأنّ الهبة المقبوضة مقدّمة علي الوصيّة، و قد استغرقت الهبة الثّلث، و الوصيّة بعد استغراق الثّلث باطلة، فكأنّه لا وصيّة(2).

قال الجويني: ليس قول ابن سريج مع هذا الاستدراك ساقطا عندي؛ لأنّه أوصي بثلث مرسل، و الاعتبار في الوصايا بمآلها، و إذا استقرّ له أربعة أخماس المال، أجزنا تنفيذ الوصيّة فيما يبقي من الثّلث بعد الهبة و إن لم يزاحم الهبة(3).

مسألة 453: لو وهب المريض عبدا من مريض و أقبضه

ثمّ وهبه الثاني من الأوّل و أقبضه و لا مال لهما غيره، ثمّ أعتقه الأوّل و ماتا، فالفريضة من أربعة و عشرين، لورثة الواهب الأوّل [ثلثاه](4)نهاية المطلب 362:10-363، العزيز شرح الوجيز 224:7، روضة الطالبين 248:5.(5) و لورثة الثاني ربعه، و يعتق [منه](6) نصف السّدس، و به قال ابن سريج(6).

قال الأستاذ من الشافعيّة: هذا خطأ عند حذّاق الأصحاب، و العتق باطل؛ لأنّه قدّم الهبة علي العتق، و هي تستغرق الثّلث، فإذا بطل العتق

ص: 246


1- نهاية المطلب 364:10، العزيز شرح الوجيز 224:7.
2- نهاية المطلب 365:10، العزيز شرح الوجيز 224:7.
3- نهاية المطلب 365:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 224:7.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثلثاها». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصادر المذكورة في الهامش
5- ، و المراد: ثلثا العبد.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، و في نهاية المطلب: «من العبد». راجع الهامش التالي.

صحّت هبّة الأوّل في ثلاثة أثمان العبد، و يرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه، فتجتمع عند ورثته ستّة أثمان، و هي ضعف الهبة(1).

و صوّب الجويني قول ابن سريج، فقال: إذا اجتمع للأوّل ستّة أثمان ثمّ أعتق [فتنفيذ](2) العتق في تمام الثّلث لا ينقص حقّ ورثته عن الثّلثين، و لا حقّ الموهوب منه، فيتعيّن المصير إليه، و حينئذ فلا بدّ من تعديل الثّلث و الثّلثين و رعاية الأثمان، فنضرب ثلاثة في ثمانية، تبلغ أربعة و عشرين، كما ذكره. نعم، لو أعتقه قبل هبة الثاني ثمّ وهب الثاني، فهذا عتق لا يصادف محلاّ، فيبطل، إلاّ أن يحتمل الوقف(3).

مسألة 454: لو وهب المريض أخاه عبدا قيمته مائة،

و اكتسب في يده خمسين، ثمّ مات المتّهب و خلّف بنتين و أخاه الواهب، ثمّ مات الواهب، فعندنا لا شيء للأخ مع البنتين علي ما يأتي.

خلافا للعامّة، فعلي قولهم تصحّ الهبة في شيء من العبد، و يتبعه من الكسب مثل نصفه، و هو نصف شيء، يبقي لورثة الواهب عبد إلاّ شيئا، و من كسبه نصف عبد إلاّ نصف شيء، يرجع إليهم بالإرث ثلث ما حصل للمتّهب، و هو نصف شيء، فالمبلغ عبد و نصف إلاّ شيئا يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و نصف يعدل ثلاثة أشياء، فالشيء نصف العبد، تصحّ الهبة

ص: 247


1- نهاية المطلب 363:10، العزيز شرح الوجيز 224:7، روضة الطالبين 5: 248.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فينفذ». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز، و عبارة الجويني في نهاية المطلب تتفاوت لفظا عمّا نقل عنه في المتن، و تتّحد معني.
3- نهاية المطلب 363:10-364، و عنه في العزيز شرح الوجيز 224:7، و روضة الطالبين 248:5.

في نصف العبد، و يتبعه من الكسب نصفه، و هو قدر ربع عبد غير محسوب عليه، فجملة ما يحصل للمتّهب ثلاثة أرباع عبد، و يبقي لورثة الواهب نصف عبد، و يتبعه من الكسب نصفه، و هو ربع عبد، و يرجع إليهم بالإرث ثلث ما للمتّهب، و هو ربع عبد، فالمبلغ عبد تامّ ضعف ما صحّت فيه الهبة(1).

و اعلم أنّ زيادة الموهوب و نقصانه كالزيادة و النقصان في العبد المعتق، لكن ما يحسب هناك للعبد أو عليه يحسب هنا للمتّهب أو عليه، و ما يحسب علي ورثة المعتق يحسب هنا علي ورثة الواهب.

و لو وهب المريض من أخيه عبدا ثمّ وهب المتّهب منه نصف العبد، و هو صحيح، و مات قبل المريض، و خلّف بنتا و أخاه الواهب، فلا شيء للأخ عندنا.

خلافا للعامّة، فعلي قولهم للشافعي قولان:

أحدهما: أنّ هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الأوّل، و تصحّ في جميعه.

و الحساب: أنّ هبة المريض تصحّ في شيء، و يرجع بالهبة الثانية ذلك الشيء كلّه؛ لأنّ الواهب الثاني صحيح، فيكون معه عبد يعدل شيئين، فالشيء نصف عبد، فتصحّ الهبة في نصف العبد ثمّ يرجع إليه، فيكون لورثته عبد تامّ ضعف الهبة.

و الثاني: أنّها تشيع؛ لمصادفتها ما ملك و ما لم يملك، فتصحّ في نصف ما ملك.

و الحساب: أنّ هبة المريض تصحّ في شيء من العبد، و يرجع بالهبة7.

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 225:7.

نصف ذلك الشيء، ثمّ يرجع بالإرث نصف ما يبقي، و هو ثلاثة أرباع شيء، يبقي عبد إلاّ ربع شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر يعدل شيئين و ربع شيء، فنبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالعبد تسعة، و الشيء أربعة، فتصحّ الهبة في أربعة أتساع العبد، و يرجع إليه بالهبة تسعان، و بالإرث تسع آخر، فتجتمع عند ورثته ثمانية أتساع ضعف الهبة(1).

و لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّ الثاني و هب من الأوّل ثلث العبد، فعلي القول الأوّل تصحّ الهبة في شيء من العبد، و يرجع إليه من ذلك الشيء ثلث عبد بالهبة، فيحصل عبد و ثلث عبد إلاّ شيئا، و يبقي للمتّهب شيء إلاّ ثلث عبد، يرجع نصفه بالإرث، و هو نصف شيء إلاّ سدس عبد، فالحاصل عنده عبد و سدس عبد إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و سدس عبد يعدل شيئين و نصف شيء، نبسطها أسداسا، و نقلب الاسم، فالعبد خمسة عشر، و الشيء سبعة، تصحّ الهبة في سبعة من خمسة عشر، و يرجع بالهبة ثلث العبد، و هو خمسة، و بالإرث سهم آخر، و كان قد بقي عنده ثمانية، فالمبلغ أربعة عشر ضعف ما صحّت فيه الهبة.

و علي القول الثاني تصحّ الهبة في شيء من العبد، و يرجع بالهبة مثل ثلثه، ثمّ يرجع نصف الباقي، فجملة الراجع ثلثا شيء، يبقي عبد إلاّ ثلث شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر يعدل شيئين و ثلث شيء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد سبعة، و الشيء ثلاثة، تصحّ الهبة في ثلاثة أسباع العبد، و يرجع منها سبع بالهبة و سبع بالإرث، فتجتمع ستّة أسباع ضعف الهبة.9.

ص: 249


1- العزيز شرح الوجيز 225:7، روضة الطالبين 248:5-249.
مسألة 455: لو وهب المريض جارية فوطئها أجنبيّ بالشبهة قبل موت الواهب،

فالمهر كسب يقسّم علي ما تصحّ فيه الهبة و علي ما لا تصحّ، فحصّة ما تصحّ فيه الهبة لا تحسب علي المتّهب، و حصّة ما لا تصحّ فيه الهبة تحسب علي ورثة الواهب.

و إن وطئها الواهب في يد المتّهب و مهرها مثل قيمتها، صحّت الهبة في شيء، و يستحقّ المتّهب علي الواهب مثل ذلك من المهر، فيقضي ممّا بقي، تبقي جارية إلاّ شيئين تعدل شيئين، فبعد الجبر جارية تعدل أربعة أشياء، فالشيء ربع الجارية، و تصحّ الهبة في ربع الجارية، و يثبت علي الواهب مثل ربعها، يقضي من الجارية، يبقي مع الورثة نصفها، و هو ضعف الهبة.

و لو وطئها المتّهب و مهر مثلها مثل قيمتها، صحّت الهبة في شيء، و تبطل في جارية إلاّ شيئا، و يثبت للواهب علي المتّهب مثل ما بطلت فيه الهبة، و هو جارية إلاّ شيئا، فيحصل له جاريتان إلاّ شيئين يعدلان شيئين، فبعد الجبر جاريتان تعدلان أربعة أشياء، فالشيء نصف جارية، فتصحّ الهبة في نصفها، و يستحقّ بالوطء مثل نصفها، فيحصل للورثة جارية تامّة، و هي ضعف الموهوب.

و إن كان مهر مثلها نصف قيمتها، فتصحّ الهبة في شيء، و تبطل في جارية إلاّ شيئا، و يستحقّ الواهب علي المتّهب مثل نصف ما بطلت فيه الهبة، و هو نصف جارية إلاّ نصف شيء، فتجتمع عند الواهب جارية و نصف إلاّ شيئا و نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر جارية و نصف تعدل ثلاثة أشياء و نصفا، نبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالجارية سبعة، و الشيء ثلاثة، تصحّ الهبة في ثلاثة أسباع الجارية، و تبطل في أربعة

ص: 250

أسباعها، و له بالمهر سبعاها، يحصل له ستّة أسباعها ضعف الموهوب.

فإن وطئها الواهب و المتّهب جميعا و مهرها مثل قيمتها، فتصحّ الهبة في شيء، و يثبت للمتّهب علي الواهب مثل ذلك الشيء، تبقي جارية إلاّ شيئين، و يثبت للواهب علي المتّهب مثل ما بطلت فيه الهبة، و هو جارية إلاّ شيئا، تضمّ إلي ما بقي للواهب، تبلغ جاريتين إلاّ ثلاثة أشياء تعدل شيئين، و بعد الجبر جاريتان تعدلان خمسة أشياء، فالشيء خمس الجاريتين، و هو خمسا جارية، فتصحّ الهبة في خمسيها، و يثبت للمتّهب علي الواهب خمسان آخران، فالمبلغ أربعة أخماس، ثمّ يستردّ الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة، و هو ثلاثة أخماس قيمته، فلورثته أربعة أخماس ضعف الموهوب.

و لو كان مهرها نصف قيمتها، فتصحّ الهبة في ثلاثة أثمانها، و تبطل في خمسة أثمانها، و يثبت للمتّهب علي الواهب ثمن و نصف ثمن، فتجتمع له أربعة أثمان و نصف ثمن، ثمّ يستردّ الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة، و هو ثمنان و نصف، فتجتمع لورثته ستّة أثمان ضعف الموهوب.

مسألة 456: لو وهب مريض عبدا مستوعبا و أقبضه،

فقتل العبد الواهب، قيل للمتّهب: إمّا أن تفديه، أو تسلّمه، فإن سلّمه كان نصفه بالجناية و نصفه لانتقاض الهبة فيه؛ لأنّ العبد كلّه قد صار إلي ورثة الواهب، و هو مثلا نصفه، فتبيّن أنّ الهبة جازت في نصفه.

و إن اختار فداءه، فيه روايتان:

إحداهما: يفديه بأقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية.

و الأخري: يفديه بأرش الجناية.

فإن كانت قيمته دية، قلنا: صحّت الهبة في شيء، و يدفع إليهم نصف العبد و قيمة نصفه، و هو يعدل شيئين، فالشيء نصف العبد.

ص: 251

و إن كانت قيمته نصف الدية أو أقلّ، و قلنا: يفديه بأرش الجناية، نفذت الهبة في جميعه؛ لأنّ أرشها أكثر من مثل قيمته أو مثلها.

و إن كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية، فاختار فداءه بالدية، صحّت الهبة في شيء، و يفديه بشيء و ثلثين، فصار مع الورثة عبد و ثلثا شيء يعدل شيئين، فالشيء ثلاثة أرباع، فتصحّ الهبة في ثلاثة أرباع العبد، و يرجع إلي الواهب ربعه مائة و خمسون، و ثلاثة أرباع الدية سبعمائة و خمسون، صار الجميع تسعمائة، و هو مثلا ما صحّت الهبة فيه.

النوع الخامس: الصداق و الخلع.
اشارة

و قد عرفت أنّ المريض إذا تزوّج بمهر المثل و دخل، صحّ من رأس المال، و لو(1) زاد فالزيادة من الثّلث.

فلو كان مهر مثلها أربعين و أصدقها مائة و ماتت قبله و لا شيء لها سواه، أخرج مهر المثل من صلب المال، و لها شيء بالمحاباة، فيبقي مع الزوج ستّون إلاّ شيئا، و يرجع إليه بالإرث نصف ما للمرأة، و هو عشرون و نصف شيء، فالجميع ثمانون إلاّ نصف شيء يعدل شيئين ضعف المحاباة، فبعد الجبر ثمانون يعدل شيئين و نصفا، فالشيء خمسا الثمانين، و هو اثنان و ثلاثون، فلها اثنان و سبعون: أربعون مهر المثل، و اثنان و ثلاثون محاباة، و مع الزوج ثمانية و عشرون، و يرجع إليه بالإرث ستّة و ثلاثون، فيجتمع لورثته أربع و ستّون ضعف المحاباة.

فإن كان لها ولد، فالراجع إليه بالإرث ربع مالها، و هو عشرة و ربع شيء، فيحصل للزوج سبعون إلاّ ثلاثة أرباع شيء، و هو يعدل شيئين،

ص: 252


1- في النّسخ الخطّيّة: «و إن» بدل «و لو».

فنجبر و نقابل، فسبعون يعدل شيئين و ثلاثة أرباع شيء، نبسطها أرباعا، فيكون الدراهم مائتين و ثمانين، و الأشياء أحد عشر، نقسّم الدراهم علي الأشياء، يخرج من القسمة خمسة و عشرون و خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلي الزوج ربعه، فلها مع مهرها خمسة و ستّون و خمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلي الزوج ستّة عشر درهما و أربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، فيجتمع مع ورثته خمسون درهما و عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، و هو ضعف المحاباة.

و لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّ علي الزوج دينا عشرة دراهم، فإن ورث النصف فلها أربعون من الأصل، و بالمحاباة شيء، يبقي مع الزوج ستّون إلاّ شيئا، و يرجع إليه نصف مالها، و هو عشرون و نصف شيء، فالجميع ثمانون إلاّ نصف شيء، يقضي دينه منه، و هو عشرة، يبقي سبعون إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر سبعون يعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا السبعين، و هو ثمانية و عشرون، فهو المحاباة، فلها بالمهر و المحاباة ثمانية و ستّون، يرجع نصفها إليه أربعة و ثلاثون، و كان قد بقي له اثنان و ثلاثون، فالمبلغ ستّة و ستّون، يقضي منه عشرة، تبقي ستّة و خمسون ضعف المحاباة.

و إن ورث الرّبع، فالراجع بالإرث ربع مالها، و هو عشرة و ربع شيء، فالمبلغ سبعون إلاّ ثلاثة أرباع شيء، يقضي منها الدّين، يبقي ستّون إلاّ ثلاثة أرباع شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر ستّون يعدل شيئين و ثلاثة أرباع شيء، نبسطها أرباعا، فالدراهم مائتان و أربعون، و الأشياء أحد عشر، نقسّم الدراهم علي الأشياء، يخرج من القسمة أحد و عشرون و تسعة أجزاء من

ص: 253

أحد عشر جزءا من درهم، فهو بالمحاباة، فلها إذا بالمهر و المحاباة أحد و ستّون درهما و تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلي الزوج ربعه، و هو خمسة عشر و خمسة أجزاء، و قد كان بقي له ثمانية و ثلاثون درهما و جزءان من أحد عشر جزءا، فالمبلغ ثلاثة و خمسون و سبعة أجزاء من أحد عشر [جزءا](1) يقضي منها الدّين عشرة، تبقي ثلاثة و أربعون درهما و سبعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، و هو ضعف المحاباة.

و لو كانت الصورة بحالها و علي المرأة عشرة دراهم دينا و لا شيء علي الزوج، فلها أربعون من رأس المال، و لها بالمحاباة شيء، فذلك أربعون و شيء، يقضي منها الدّين، يبقي ثلاثون و شيء، للزوج نصفه إذا اقتضي الحال النصف، و هو خمسة عشر و نصف شيء، فيكون له خمسة و سبعون إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر خمسة و سبعون تعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا الخمسة و السبعين، و هو ثلاثون، فهو المحاباة، فلها بالمهر و المحاباة سبعون، يقضي منها الدّين عشرة، يبقي ستّون، يرجع نصفها إلي الزوج، و هو ثلاثون، و قد كان بقي له ثلاثون، فالجميع ستّون ضعف المحاباة.

و لو كان علي كلّ واحد منهما عشرة دينا، فلها أربعون، و لها بالمحاباة شيء، يقضي من ذلك دينها، يبقي ثلاثون و شيء، يرجع بالإرث نصفه إلي الزوج، و هو خمسة عشر و نصف شيء، فيحصل له خمسة و سبعون إلاّ نصف شيء، يقضي منها دينه، تبقي خمسة و ستّون إلاّ نصف شيء، و ذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر خمسة و ستّون تعدل شيئين و نصف شيء، فالشيء خمسا الخمسة و الستّين، و هو ستّة و عشرون، فهو المحاباة،ق.

ص: 254


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و لها بالوجهين ستّة و ستّون، يقضي منها دينها، تبقي ستّة و خمسون، يرجع نصفه إلي الزوج ثمانية و عشرون [تبقي ثمانية و عشرون](1) و كان قد بقي له أربعة و ثلاثون، فالمبلغ اثنان و ستّون، يقضي منها الدّين، يبقي اثنان و خمسون ضعف المحاباة.

و لو كانت الصورة بحالها و خلّف الزوج سوي الصداق مائة درهم، و لا دين عليه، نفذت المحاباة بالستّين؛ لخروجها من الثّلث، و كذلك لو ملك سبعين سوي الصداق؛ لأنّها تملك المائة بالمهر و المحاباة، و يرجع إليه بالإرث خمسون، فيجتمع لورثة الزوج مائة و عشرون ضعف المحاباة.

فإن كان لها ولد [لم](2) تنفذ المحاباة كلّها و لكن لها أربعون و لها بالمحاباة شيء، يبقي للزوج ستّون إلاّ شيئا، و يرجع إليه بالإرث عشرة و ربع شيء، و له سبعون سوي الصداق، فالمبلغ مائة و أربعون إلاّ ثلاثة أرباع شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر مائة و أربعون تعدل شيئين و ثلاثة أرباع شيء، فنبسطها أرباعا، فالدراهم خمسمائة و ستّون، و الأشياء أحد عشر، نقسّم الدراهم علي الأشياء، يخرج من القسمة خمسون درهما و عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، و هو المحاباة، فإذا لها بالمهر و المحاباة تسعون درهما و عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يبقي مع الزوج تسعة دراهم و جزء من [أحد عشر جزءا من](3) درهم و سبعون سوي الصداق، و يرجع إليه بالإرث اثنان و عشرون درهما و ثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، فالمبلغ مائة و درهم و تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، و هو ضعف المحاباة.ق.

ص: 255


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 229:7.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و لو خلّفت المرأة شيئا دون الزوج، فإن كان ما خلّفته قدرا إذا ضمّ إليه الصداق كان الراجع إلي الزوج ضعف المحاباة، نفذت المحاباة بأسرها، و إلاّ فلا.

و ذلك كما لو كان ما خلّفته عشرة دراهم، فلها أربعون من رأس المال و شيء بالمحاباة و العشرة المخلّفة، فجملتها خمسون و شيء، فإذا اقتضي الحال رجوع النصف إلي الزوج، فجملة ما يحصل له خمسة و ثمانون إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر يظهر أنّ الشيء خمسا خمسة و ثمانين، و هو أربعة و ثلاثون، فلها أربعة و سبعون من الصداق و العشرة المخلّفة، يرجع نصف ذلك إلي الزوج، و هو اثنان و أربعون، و كان قد بقي له ستّة و عشرون، فالمبلغ ثمانية و ستّون ضعف المحاباة.

و إن خلّف كلّ منهما عشرة سوي الصداق، فمبلغ مالها خمسون و شيء، يرجع إلي الزوج نصفه، و هو خمسة و عشرون و نصف شيء، و له عشرة سوي الصداق و ستّون إلاّ شيئا من الصداق، فالمبلغ خمسة و تسعون إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر الشيء خمسا خمسة و تسعين، و هو ثمانية و ثلاثون، فلها من الصداق ثمانية و سبعون، و لها عشرة سوي الصداق، يرجع نصف المبلغ بالإرث، و هو أربعة و أربعون، و له من باقي الصداق اثنان و عشرون و عشرة سوي الصداق، فالمبلغ ستّة و سبعون ضعف المحاباة.

مسألة 457: لو أعتق المريض جارية و نكحها علي مهر مسمّي،

فإن لم يملك غيرها فالنكاح باطل؛ لأنّه لا يعتق جميعها، و النكاح لا يجامع الملك، فإن لم يدخل بها فلا مهر، و إن دخل فالوطء بشبهة، فلها من المهر بقسط ما عتق منها، فيدور؛ لأنّ القدر الذي لزمه من المهر كدين يلحق

ص: 256

التركة، فيوجب نقصان ما عتق، و إذا نقص ما عتق نقص ما يلزم من المهر، و إذا نقص ما يجب من المهر زاد ما يعتق.

فلو كانت قيمتها مائة و مهرها خمسين، عتق منها شيء، و لها بالمهر نصف شيء، تبقي جارية إلاّ شيئا و نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر جارية تعدل ثلاثة أشياء و نصف شيء، فالشيء سبعا الجارية، فينفذ العتق في سبعيها، و يبطل في خمسة أسباعها، يصرف سبع منها إلي مهر السّبعين، يبقي للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق به.

ثمّ السّبع المصروف إلي المهر إن رضيت به بدلا عمّا لها من المهر فذاك، و يعتق عليها حين ملكته، لا بالإعتاق الأوّل، و إن امتنعت، بيع سبعها في مهرها.

هذا إذا لم يكن غيرها، و إن ملك مالا آخر و كانت الجارية قدر الثّلث، بأن ترك غيرها، فإن لم يدخل بها فلا مهر عندنا؛ لبطلان النكاح، و عند العامّة؛ لأنّها لو استحقّت المهر للحق دين التركة، فلا يخرج جميعها من الثّلث، و إذا لم يخرج جميعها من الثّلث بطل النكاح، فيسقط المهر(1).

و إن دخل، قيل: تخيّر، فإن عفت عن مهرها عتقت، و صحّ النكاح، و إن لم تعف فلها ذلك؛ لأنّه أتلف منفعة بضعها، و حينئذ يتبيّن أنّ جميعها لم يعتق، و أنّ النكاح فاسد، و لها مهر ما عتق منها، فنقول: عتق منها شيء، و لها بالمهر نصف شيء، تبقي ثلاثمائة إلاّ شيئا و نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر ثلاثمائة تعدل ثلاثة أشياء و نصف شيء، فمائة تعدل شيئا و سدس شيء، نبسطها أسداسا، و نقلب الاسم، فالشيء ستّة، و المائة5.

ص: 257


1- العزيز شرح الوجيز 231:7، روضة الطالبين 251:5.

سبعة، فالشيء ستّة أسباع الجارية(1).

مسألة 458: خلع المريض لا يعتبر من الثّلث،

و نكاح المريضة بأقلّ من مهر المثل جائز، و لا كلام للورثة فيه، و لو اختلعت المريضة بأكثر من مهر المثل، كانت الزيادة معتبرة من الثّلث.

فإذا تقرّر هذا، فلو نكح المريض امرأة بمائة و مهرها أربعون و دخل ثمّ خالعته في مرضها بمائة و ماتا و لا شيء لهما سوي مائة، فللمرأة أربعون من رأس المال، و لها شيء بالمحاباة، ثمّ يرجع إلي الزوج أربعون بالخلع، و له ثلث شيء بالمحاباة، فلورثة الزوج مائة إلاّ ثلثي شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر مائة تعدل شيئين و ثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، و هي سبعة و ثلاثون درهما و نصف، و هي المحاباة، فللمرأة بالمهر و المحاباة سبعة و سبعون درهما و نصف، ثمّ يأخذ الزوج من ذلك أربعين عوض الخلع، و بالمحاباة ثلث الباقي، و هو اثنا عشر و نصف، و كان قد بقي له اثنان و عشرون و نصف، فالمبلغ خمسة و سبعون ضعف المحاباة.

هذا إذا خالعت بمائة في ذمّتها، و لو خالعت بعين المائة التي أصدقها، فقد خالعها علي مملوك و غير مملوك، فإن قلنا: يبطل المسمّي و يرجع إلي مهر المثل، فلها أربعون من رأس المال و شيء بالمحاباة، و للزوج عليها أربعون بالخلع، و لا شيء له بالمحاباة؛ لأنّ بطلان المسمّي يستلزم بطلان ما تضمّنه من المحاباة، فيكون لورثة الزوج مائة إلاّ شيئا تعدل شيئين، فبعد الجبر و المقابلة تبيّن أنّ الشيء ثلث المائة، و هو ثلاثة و ثلاثون و ثلث، فلها بالمهر و المحاباة ثلاثة و سبعون و ثلث، يأخذ الزوج

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 231:7، روضة الطالبين 251:5.

من ذلك أربعين، فيجتمع لورثته ستّة و ستّون و ثلثان ضعفا المحاباة.

و لو خالعت قبل الدخول، بطل عندنا؛ لأنّ نكاح المريض عندنا مشروط بالدخول.

و عند العامّة يصحّ، فيتشطّر الصداق، فالحاصل للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال، و هو عشرون، و شيء بالمحاباة، للزوج من ذلك مهر المثل أربعون، يبقي شيء إلاّ عشرين، له ثلاثة بالمحاباة، و هو ثلث شيء إلاّ ستّة دراهم و ثلثي درهم، يبقي لورثتها ثلثا شيء إلاّ ثلاثة عشر درهما و ثلث درهم، فلورثة الزوج مائة و ثلاثة عشر و ثلث درهم إلاّ ثلثي شيء تعدل ضعف المحاباة شيئين، فبعد الجبر مائة و ثلاثة عشر و ثلث، تعدل شيئين و ثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان هذا [المبلغ](1) و هو اثنان و أربعون و نصف، و هي المحاباة، فللمرأة بنصف المهر و المحاباة اثنان و ستّون و نصف، يبقي للزوج سبعة و ثلاثون و نصف، و يأخذ ممّا صار لها بعوض الخلع أربعين، و يأخذ أيضا ثلث الباقي، و هو سبعة و نصف، فالجميع خمسة و ثمانون ضعف المحاباة، قاله بعض الشافعيّة(2).

و اعترضه الجويني: بأنّ مهر المثل مع المحاباة الصداق، فوجب أن يرجع شطر الجميع إلي الزوج، و أن لا يفرد المحاباة عن مهر المثل(3).

و علي هذا نقول: لها من رأس المال أربعون، و بالمحاباة شيء، يبقي للزوج ستّون إلاّ شيئا، و يرجع إليه شطر ما ملكته صداقا، و هو عشرون5.

ص: 259


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 232:7، روضة الطالبين 252:5.
3- ينظر: نهاية المطلب 477:10 و ما بعدها، و عنه في العزيز شرح الوجيز 7: 232، و روضة الطالبين 252:5.

و نصف شيء، فللزوج ثمانون إلاّ نصف شيء، ثمّ يأخذ ممّا بقي لها أربعين، يبقي لها نصف شيء إلاّ عشرين درهما، يأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي، و هو سدس شيء إلاّ ستّة دراهم و ثلثي درهم، فيجتمع عند ورثته مائة و ثلاثة عشر درهما و ثلث درهم إلاّ ثلث شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر يظهر أنّ الشيء ثلاثة أسباع مائة و ثلاثة عشر درهما و ثلث، و هو ثمانية و أربعون درهما و أربعة أسباع درهم، يبقي للزوج أحد عشر درهما و ثلاثة أسباع درهم، و يرجع إليه بالتشطير أربعة و أربعون درهما و سبعان، و يأخذ من الشطر الآخر قدر مهر المثل، و هو أربعون، و ثلث الباقي، و هو درهم و ثلاثة أسباع، فالمبلغ سبعة و تسعون درهما و سبع درهم، و ذلك ضعف المحاباة، يبقي لورثة المرأة درهمان و ستّة أسباع درهم.

و علي القول الأوّل يبقي لهم خمسة عشر(1).

و اعلم أنّه لا فرق بين أن يموت الزوج قبل المرأة أو بالعكس أو [يموتا](2) معا؛ لانقطاع الميراث بالاختلاع إلاّ علي قول بعض علمائنا(3).

ثمّ الدور في المسألة إنّما يقع في جانب الزوج، دون الزوجة؛ لأنّه لا يعود إليها شيء ممّا يخرج منها.

النوع السادس: الجنايات.
اشارة

لو جني عبد علي حرّ خطأ و عفا المجنيّ عليه و مات في مرض

ص: 260


1- هو قول الأستاذ أبي منصور كما في العزيز شرح الوجيز 233:7، و روضة الطالبين 253:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يبقيا». و الظاهر ما أثبتناه.
3- لم نتحقّقه.

العفو، صحّ من الثّلث عند علمائنا، و به قال جمهور العامّة(1).

و قال أبو ثور و داود: عفوه باطل(2). و ليس بجيّد.

و ليس وصيّته لقاتل؛ لأنّ فائدته تعود إلي السيّد، و لو كانت جاز عندنا.

ثمّ إن أجاز الورثة، صحّت بأسرها، و إلاّ فمن الثّلث، و انفكّ ثلث العبد عن تعلّق الأرش.

فإن سلّم السيّد ثلثيه للبيع، فلا دور، بل يباع و يؤدّي من ثمنه ثلثا الأرش أو ما يمكن.

و إن فداه، فإن قلنا: يفديه بثلثي قيمته، فلا دور، و إن قلنا بثلثي الدية، دخلها الدور.

فلو كانت قيمة العبد ثلاثمائة، و قيمة الإبل ألف و مائتان، صحّ العفو في شيء من العبد، و بطل في الباقي، يفديه السيّد بأربعة أمثاله، و هو أربعة أعبد إلاّ أربعة أشياء، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلاّ أربعة أشياء، و ذلك يعدل شيئين، نجبر و نقابل، فأربعة أعبد تعدل ستّة أشياء، فنقلب الاسم، و نقول: العبد ستّة، و الشيء أربعة، و هي ثلثا الستّة، فيصحّ العفو في ثلثي العبد، و هو مائتان، و يفدي السيّد ثلثه بثلث الدية، و هو أربعمائة، فيحصل للعافي ضعف المائتين.

و لو ترك العافي شيئا آخر، فإن كانت القيمة أقلّ من الدية و كان ما تركه ضعف القيمة، كأن يخلّف ستّمائة، صحّ العفو في جميع العبد؛ لأنّ8.

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 233:7، روضة الطالبين 253:5، الاستذكار 272:25 - 38144/273-38146.
2- الاستذكار 38147/273:25 و 38148.

السيّد لو اختار تسليم العبد لم يحصل لورثة العافي إلاّ قيمته، و إن كان ما تركه دون ضعف القيمة بأن يخلّف ثلاثمائة، ضممنا تركته إلي قيمة العبد، و صحّ العفو في ثلث الجملة من العبد و المال.

و إن كانت القيمة أكثر من الدية، نجمع بين ما تركه و بين الدية، و نصحّح العفو في ثلث الجملة من الدية، فإذا كان المتروك ثلاثمائة و سلّم السيّد العبد، فالقيمة و التركة ستّمائة، للسيّد ثلثها مائتان، و هو مثل ثلثي العبد، فيصحّ العفو في ثلثيه، و يباع ثلثه، و يصرف ثمنه إلي ورثه العافي، و معهم ثلاثمائة، فالمجموع ضعف ما صحّ العفو فيه.

و إن اختار الفداء، و قلنا: الفداء بالأقلّ من الدية أو القيمة، فكذلك، و يدفع إليهم مائة.

و إن قلنا: الفداء بالدية، صحّ العفو في شيء من العبد، و يفدي باقيه بأربعة أمثاله، و هي أربعة أعبد إلاّ أربعة أشياء، تضمّ إليها الثلاثمائة، تبلغ خمسة أعبد إلاّ أربعة أشياء، و ذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر و قلب الاسم يكون العبد ستّة، و الشيء خمسة، فيصحّ العفو في خمسة أسداس العبد، و يفدي سدسه بأربعة أمثاله، و مع الورثة مثل العبد، فالمبلغ عشرة أسداس ضعف ما صحّ فيه العفو.

و لو ترك ما يستحقّ من الدية لا غير و عليه مائتان دينا، فإن سلّمه للبيع أو اختار الفداء و قلنا: الفداء بأقلّ الأمرين، فيسقط الدّين من قيمة العبد، و تبقي مائة، للسيّد ثلثها، و هو ثلاثة و ثلاثون درهما و ثلث، و هو تسع العبد، فيصحّ العفو في تسعة، و يباع ثمانية أتساعه، أو يفديه السيّد بثمانية أتساع قيمته، و هي مائتان و ستّة و ستّون درهما و ثلثان، يقضي منها الدّين، تبقي ستّة و ستّون و ثلثان ضعف ما صحّ فيه العفو.

ص: 262

و إن قلنا: إنّ الفداء بالدية، فيصحّ العفو في شيء، و يفدي السيّد الباقي بأربعة أمثاله، و هي أربعة أعبد إلاّ أربعة أشياء، يحطّ منها قدر الدّين، و هو ثلثا عبد، و تبقي ثلاثة أعبد و ثلث عبد إلاّ أربعة أشياء تعدل شيئين، فيجبر و يقابل، و نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد ثمانية عشر، و الشيء عشرة، و هي خمسة أتساعها، فيصحّ العفو في خمسة أتساع العبد، و هي مائة و ستّة و ستّون درهما و ثلثان، و يفدي السيّد باقيه - و هو مائة و ثلاثة و ثلاثون درهما و ثلث درهم - بأربعة أمثاله، و هي خمسمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، يقضي منها الدّين، تبقي ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث ضعف ما صحّ فيه العفو.

مسألة 459: لو جني عبدان خطأ علي رجل فعفا عنهما و مات

و لا مال له سوي ما يستحقّ من الدية، فإن اختار السيّد أن يسلّمهما أو اختار الفداء(1) و قلنا: الفداء بأقلّ الأمرين، صحّ العفو في ثلث كلّ عبد، و بيع ثلثاه، أو فدي سيّده ثلثيه بثلثي القيمة.

و إن قلنا: الفداء بالدية، و كانت قيمة كلّ عبد ثلاثمائة، و قيمة الدية ألف و مائتان، صحّ العفو في شيء من كلّ واحد منهما، و فدي سيّده باقيه بضعفه؛ لأنّ نصف الدية هو الذي يتعلّق بكلّ واحد منهما، و نصف الدية ضعف كلّ واحد منهما، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلاّ أربعة أشياء، و هو يعدل ضعف ما جاز فيه العفو، و هو أربعة أشياء، فبعد الجبر أربعة أعبد تعدل ثمانية أشياء، فنقلب الاسم، و نجعل العبد ثمانية، و الشيء أربعة، و هي نصفها، فيصحّ العفو في نصف كلّ عبد، و يفدي كلّ سيّد

ص: 263


1- الظاهر: فإن اختار السيّدان تسليمهما أو اختارا الفداء.

نصف عبده بعبد، فيحصل للورثة عبدان ضعف ما صحّ العفو فيه.

و إن اختار أحدهما الفداء و الآخر التسليم و قلنا: يفدي بالدية، صحّ العفو في شيء من كلّ واحد من العبدين، فيسلّم الأوّل عبدا إلاّ شيئا، و يفدي الثاني باقي عبده بضعفه، و هو عبدان إلاّ شيئين، فيجتمع عند ورثة العافي ثلاثة أعبد إلاّ ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما صحّ العفو فيه، و هو أربعة أشياء، فبعد الجبر و قلب الاسم يكون العبد سبعة، و الشيء ثلاثة، فيصحّ العفو في ثلاثة أسباع كلّ واحد منهما، و يسلّم الأوّل أربعة أسباع عبده، و يفدي الآخر أربعة أسباع عبده بضعفها، و هو ثمانية أسباع، فيجتمع لورثة العافي اثنا عشر سبعا، ضعف ما صحّ العفو فيه.

و لو مات أحد العبدين قبل فصل الحال، لم يحسب الميّت علي الورثة و لا علي الموصي له، و يقدّر معدوما لم يوجد، فعلي هذا إن اختار السيّد تسليم العبد الباقي، نفذنا العفو في ثلثه، و بعنا ثلثيه، و إن اختار الفداء، و قلنا: الفداء بالأرش، فيصحّ العفو في نصف العبد بنصف الدية(1).

و يحتمل أن يحسب حصّة الميّت من العفو؛ لأنّ العفو توجّه إليهما، فعلي هذا ينتقض(2) العفو في حقّ الحيّ، لأنّه يصحّ العفو في شيئين منهما، و قد تعذّر تحصيل التركة من الذي مات، فيحصل من الآخر، فإن سلّمه سيّده للبيع، فهذا العبد إلاّ شيئا يعدل ضعف العفو في العبدين، و هو أربعة(3) ، فبعد الجبر و المقابلة عبد يعدل خمسة أشياء، فنقلب الاسم،».

ص: 264


1- في «ر، ل»: «الفداء» بدل «الدية».
2- في العزيز شرح الوجيز 236:7: «يتبعّض» بدل «ينتقض».
3- في العزيز شرح الوجيز 236:7 زيادة: «أشياء».

فالعبد خمسة، و الشيء خمسة، فيصحّ العفو في خمس كلّ واحد منهما، و سلّم صاحب العبد الباقي أربعة أخماسه للبيع، و هي ضعف الخمسين اللّذين نفذ العفو فيهما.

و إن اختار الفداء و قلنا: الفداء بالدية، فدي باقي عبده - و هو عبد إلاّ شيئا - بضعفه، و هو عبدان إلاّ شيئين، و ذلك يعدل أربعة أشياء، فبعد الجبر عبدان يعدلان ستّة أشياء، فنقلب الاسم و نقول: العبد ستّة، و الشيء اثنان، و هما ثلث الستّة، فيصحّ العفو في ثلث كلّ واحد منهما، و يفدي سيّد الباقي ثلثيه بضعفهما، و هو أربعة أمثال ضعف ما صحّ العفو فيه.

مسألة 460: لو قتل عبد حرّين خطأ،

تعلّقت برقبته الديتان، فإن اختار سيّده التسليم بيع، و وزّع الثمن عليهما، و إن اختار الفداء، و قلنا:

الفداء بالقيمة، وزّعت القيمة، و إن قلنا: الفداء بالدية، فداه بالديتين.

فإن عفا أحدهما في مرضه، قال ابن سريج من الشافعيّة: إنّه يدفع إلي ورثة العافي ثلثا نصفه، و إلي ورثة الذي لم يعف تمام النصف، فإنّ حقّ كلّ واحد متعلّق بنصف ثمنه، فينفذ عفو العافي في ثلث محلّ حقّه(1).

قال بعضهم: هذا غير مستقيم علي أصل الشافعي، بل الديتان معا متعلّقتان بجميع الفداء(2) ، فإذا عفا أحدهما سقط ثلث الدية، فورثته و ورثة الآخر يتضاربون؛ هؤلاء بثلثي دية مورّثهم، و هؤلاء بتمام دية مورّثهم(3).

ص: 265


1- نهاية المطلب 501:10-502، العزيز شرح الوجيز 236:7، روضة الطالبين 255:5.
2- في المصادر: «العبد» بدل «الفداء».
3- نهاية المطلب 502:10، العزيز شرح الوجيز 236:7، روضة الطالبين 5: 255.
النوع السابع: العتق.
اشارة

قد عرفت أنّ عتق المريض يمضي من الثّلث إذا مات في ذلك المرض علي المذهب القويّ، فلو اكتسب العتيق مالا قبل الوفاة، يوزّع الكسب علي ما بقي فيه من العبوديّة و علي ما عتق منه، و نصيب الحرّيّة لا يحسب عليه، بل يكون لورثته، و حصّة الرقّ ترجع إلي تركة المعتق، فتزيد التركة، فيزيد العتق، فتزيد حصّته من الكسب، فتنقص التركة، فينقص العتق، فيزيد المال، فينقص العتق، و علي هذا تدور زيادته علي نقصانه و نقصانه علي زيادته، فيقطع الدور بالطرق الحسابيّة الآتية.

مسألة 461: إذا أعتق المريض عبدا،

كان موقوفا حتي يموت المعتق و يخلّف ضعف قيمته لورثته، فيحكم بحرّيّته يوم عتقه، و يتبعه ما اكتسب من مال أو إفادة أو ولد إن كانت أمة في قول علمائنا، و هو قول أكثر العامّة و إحدي الروايتين عن مالك، و في الأخري: أنّه يقوّم العبد و كسبه و ولد الأمة، و يراعي أن يحصل مع الورثة مثلا ذلك(1).

فإن مات و لا مال له سوي العبد، عتق ثلثه، و رقّ ثلثاه في قول مالك و الشافعي و أحمد و أبي ثور و داود(2).

ص: 266


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الحاوي الكبير 287:8، العزيز شرح الوجيز 348:13، و ينظر: التفريع 2: 23، و عيون المجالس 1309/1851:4، و الاستذكار 33820/139:23-33823 و 33848/144 و 33849، و مختصر المزني: 320، و الحاوي الكبير - أيضا - 18: 34، و نهاية المطلب 228:19، و حلية العلماء 176:6، و التهذيب - للبغوي - 374:8، و روضة الطالبين 406:8، و المغني 273:12، و الشرح الكبير 12: 295.

و قال أهل العراق: لا يكون بعضه رقيقا، بل يسعي في قيمة ثلثيه(1).

فإن كان علي المعتق دين يحيط برقبته، بيع فيه عند الأوّلين، و سعي في قيمته عند أهل العراق.

و إن كان الدّين أقلّ من قيمته، بيع منه بقدره، و أعتق ثلث الباقي، و رقّ ثلثاه علي قول الأوائل، و عند أهل العراق يسعي في الدّين و في ثلثي ما بقي.

فإن كان له كسب أدّي منه سعايته عندهم، و ما فضل فهو له.

و سواء في ذلك ما اكتسبه قبل موت السيّد أو بعده، و لا دور عندهم في ذلك.

و عند الشافعي إن كان الكسب بعد موت السيّد فله ثلثه، و للورثة ثلثاه، و إن كان قبله، دخله الدور(2).

فلو كانت قيمته عشرة و اكتسب مثلها، فنقول: عتق منه شيء، و تبعه من كسبه شيء، و للورثة باقيهما، و هو عشرون إلاّ شيئين يعدل شيئين، فالشيء خمسة، يعتق نصف العبد، و يتبعه نصف كسبه، و يحصل للورثة نصفه و نصف كسبه، و هو مثلا ما عتق منه.

و عندنا يدفع من كسبه في ثمن رقبته و يعتق.

و علي قول مالك يعتق ثلثه و له ثلث كسبه، و يحصل مع الورثة ثلثاهما.

و لو كان الكسب بقدر نصف قيمته، عتق منه شيء، و تبعه نصف0.

ص: 267


1- ينظر: الحاوي الكبير 34:18، و نهاية المطلب 229:19، و حلية العلماء 6: 176، و التهذيب - للبغوي - 374:8، و المغني 274:12، و الشرح الكبير 12: 295، و الاستذكار 33850/144:23، و 33857/145، و عيون المجالس 4: 1309/1851.
2- ينظر نهاية المطلب 308:10.

شيء، و للورثة الباقي، و هو خمسة عشر إلاّ شيئا و نصفا يعدل شيئين، فالشيء سبعا ذلك، و ذلك ثلاثة أسباع قيمته، و هو أربعة و سبعان، و له بالكسب ديناران و سبع، و يبقي للورثة باقيه و باقي كسبه، و ذلك ثمانية و أربعة أسباع، و هو مثلا ما عتق منه.

فإن كان الكسب(1) مثلي قيمته، عتق منه ثلاثة أخماس، و هو ستّة، و له من كسبه ثلاثة أخماس، و للورثة خمساه و خمسا كسبه، و هو ثمانية، يصير اثني عشر ضعف ما عتق منه.

و لو كان كسبه عشرة و علي السيّد عشرة دينا، قضي الدّين بنصفه و نصف كسبه، و بقي نصفه و نصف كسبه، فكأنّه عبد قيمته خمسة و اكتسب خمسة، يعتق نصف ذلك، و هو ربعه، و يتبعه ربع كسبه، يبقي للورثة باقيهما، و هو خمسة، و ذلك ضعف ما عتق منه.

و علي قول أهل العراق يقضي الدّين بكسبه، و يسعي للورثة في ثلثي قيمته.

مسألة 462: لو أعتق عبدين قيمة أحدهما: عشرة،

و قيمة الآخر:

عشرون، فعلي قول أهل العراق يعتق ثلث كلّ واحد، و يسعي في ثلثي قيمته، سواء أعتقهما معا أو بدأ بأحدهما قبل الآخر.

و قال علماؤنا: إن بدأ بالأدون عتق، و رقّ الباقي، فيصير مع الورثة عبد قيمته عشرون، و هو مثلا الأدون قيمة، و إن كان بدأ بالأرفع عتق نصفه، و رقّ نصفه مع الأدون، و إن أعتقهما دفعة، أقرع بينهما، فأيّهما خرجت عليه جعل كأنّه بدأ به، و به قال الشافعي(2).

ص: 268


1- في «ص» و الطبعة الحجريّة: «اكتسب» بدل «الكسب».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

فإن اكتسب كلّ واحد منهما [مثل] قيمته، فعلي الأوّل يؤدّي كلّ واحد ثلثي كسبه في سعايته، و يكون الباقي له.

و علي قول الشافعي إن بدأ بالأدون عتق، و تبعه كسبه، و قد بقي من الثّلث ستّة و ثلثان، فنقول: يعتق من الأعلي شيء، و له من كسبه شيء، و للورثة باقيهما، و هو يعدل أربعين إلاّ شيئين، فألق من ذلك عشرين، و هو مثلا العبد المعتق، يبقي عشرون إلاّ شيئين يعدل شيئين، فالشيء خمسة، و هو ربع الأرفع، و يتبعه ربع كسبه، و للورثة ثلاثة أرباعه و ثلاثة أرباع كسبه، و هو ثلاثون، و ذلك ضعف ما خرج بالعتق منهما.

و إن بدأ بالأرفع، لم يخرج من الثّلث، فنقول: له شيء من رقبته، و شيء من كسبه، و للورثة باقيهما و العبد الآخر و كسبه، و ذلك من ستّين إلاّ شيئين يعدل شيئين، فالشيء خمسة عشر، فيعتق ثلاثة أرباعه، و يتبعه من كسبه ثلاثة أرباعه، و يكون للورثة ربعه و ربع كسبه و العبد الآخر و كسبه، و ذلك ثلاثون.

و إن أعتقهما معا أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته جعلته الأوّل، و قد سبق.

فإن كان عليه دين عشرون، و قد أعتقهما، أقرعت بينهما بسهم رقّ و سهم عتق، فإن خرجت القرعة بسهم الرقّ علي الأدون، قضي الدّين به و بكسبه، و عتق نصف الأرفع، و إن خرجت علي الأرفع، قضي بنصفه و نصف كسبه، ثمّ أقرع بين نصفه و بين الآخر، فأيّهما خرج عتق و ملك جميعه، و كان للورثة الآخر، و هو مثلا ما عتق.

و لو كنّ إماء فولدن، فهو بمنزلة الكسب.

مسألة 463: لو أعتق أمة مستوعبة فوطئت و مهرها مثل قيمتها،

عتق

ص: 269

منها شيء، و تبعها من المهر شيء غير محسوب عليها، تبقي للورثة جاريتان إلاّ شيئين تعدل ضعف ما عتق، و هو شيئان، فبعد الجبر جاريتان تعدلان أربعة أشياء، فنقلب الاسم، فالجارية أربعة، و الشيء اثنان، و الاثنان نصف الأربعة، فعلمنا أنّه يعتق من الجارية نصفها، و يتبعها نصف كسبها غير محسوب عليها، يبقي للورثة نصفها و نصف كسبها، و هو ضعف ما عتق.

أو نقول: نأخذ للعتق سهما، و لما يتبعه من الكسب سهما، و نأخذ للورثة ضعف ما أخذنا للعتق، و هو سهمان، فيجتمع معنا أربعة أسهم، ثمّ نأخذ الرقبة و الكسب، و هما مثلان، فنقسّهما علي الأربعة، يخرج من القسمة نصف، فعلمنا أنّ الذي عتق نصف الرقبة.

و بطريق الخطأين نجعل الجارية ثلاثة أسهم، و نجيز العتق في سهم، يبقي للورثة سهمان، و لهم من الكسب سهمان، فالمبلغ أربعة، و كان ينبغي أن يكون اثنين (فقد أخطأنا)(1) بزيادة اثنين، و هو الخطأ الأوّل.

ثمّ نجعلها خمسة، و نجيز العتق في سهم، تبقي للورثة أربعة، و لهم من المهر أربعة، فالمبلغ ثمانية، و كان ينبغي أن يكون اثنين، فقد زاد ستّة، و هو الخطأ الثاني، نسقط الأقلّ من الأكثر، تبقي أربعة نحفظها، ثمّ نضرب المال الأوّل في الخطأ الثاني، يكون ثمانية عشر، و المال الثاني في الخطأ الأوّل، يكون عشرة، نسقط الأقلّ من الأكثر، تبقي ثمانية، نقسّمها علي الأربعة المحفوظة، يخرج من القسمة اثنان، فعلمنا أنّ الجارية يجب أن تقسّم علي سهمين.

ثمّ نضرب ما أجزنا فيه العتق أوّلا في الخطأ الثاني، يكون ستّة، و ما أجزنا فيه العتق ثانيا في الخطأ الأوّل، يكون اثنين، نسقط الأقلّ من الأكثر،».

ص: 270


1- بدل ما بين القوسين في «ر، ل»: «فأخطأنا».

تبقي أربعة، نقسّمها علي الأربعة المحفوظة، يخرج من القسمة واحد، فهو الذي يعتق، و الواحد من الاثنين نصف.

مسألة 464: لو أعتق عبدا قيمته تسعون،

و اكتسب مثل قيمته و مثل نصفها، عتق منه شيء، و تبعه من الكسب شيء و نصف شيء غير محسوب عليه، يبقي للورثة عبدان و نصف إلاّ شيئين و نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبدان و نصف يعدل أربعة أشياء و نصف، نبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد تسعة، و الشيء خمسة، فيعتق منه خمسة أتساعه، و قيمتها خمسون، و يتبعها خمسة أتساع الكسب، و هي خمسة و سبعون، تبقي للورثة أربعة أتساع العبد، و هي أربعون، و أربعة أتساع الكسب، و هي ستّون، و هما مائة ضعف ما عتق.

أو نقول: نأخذ للعتق سهما، و يتبعه من الكسب سهم و نصف، و نأخذ للورثة ضعف العتق، و هو سهمان، فالمبلغ أربعة و نصف، نقسّم عليها قيمة الرقبة و الكسب، و هي مائتان و خمسة و عشرون، فنبسطها أنصافا، فيكون المقسوم عليه تسعة و المقسوم أربعمائة و خمسين، يخرج من القسمة خمسون، فذلك قيمة ما عتق منه، و هو خمسة أتساعه.

و لو كانت الصورة بحالها و علي السيّد مثل قيمة العبد دينا، يعتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيء و نصف شيء، يبقي عند الورثة عبدان و نصف عبد إلاّ شيئين و نصف شيء، نسقط منه عبدا للدّين، يبقي عبد و نصف إلاّ شيئين و نصف شيء يعدل ضعف ما عتق، و هو شيئان، فبعد الجبر عبد و نصف يعدل أربعة أشياء و نصف شيء، نبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد تسعة، و الشيء ثلاثة، يعتق من العبد ثلاثة أتساعه، و يتبعه من الكسب ثلاثة أتساعه، يقضي الدّين من الباقي، يبقي عند الورثة ضعف

ص: 271

ما عتق.

و لو كانت بحالها إلاّ أنّه لا دين علي السيّد، و له سوي العبد و كسبه تسعون، عتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيء و نصف شيء، يبقي مع الورثة عبدان و نصف إلاّ شيئين و نصف شيء، و معهم مثل قيمة العبد، فيجتمع عندهم ثلاثة أعبد و نصف عبد إلاّ شيئين و نصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر ثلاثة أعبد و نصف عبد يعدل أربعة أشياء و نصف شيء، فنبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد تسعة، و الشيء سبعة، فيعتق منه سبعة أتساعه، و هو سبعون، و يتبعه من الكسب سبعة أتساعه، و هو مائة و خمسة، يبقي للورثة تسعاه عشرون، و تسعا الكسب ثلاثون، و معهم تسعون أيضا، يصير مائة و أربعين ضعف ما عتق.

قاعدة: لو ترك السيّد ضعف قيمة العبد، عتق جميعه، و تبعه كسبه، و لا دور.

و لو كان علي السيّد دين، و له سوي العبد و كسبه مال، قوبل الدّين بذلك المال، فإن تساويا فكأنّه مات و لا دين عليه و لا مال له سوي العبد، و إن زاد الدّين فكأنّ القدر الزائد هو الدّين، و إن زاد المال فكأنّ القدر الزائد هو المتروك.

و لو أصاب العبد جناية استحقّ أرشها، أو اتّهب، فهو كالكسب.

مسألة 465: لو أعتق المريض عبدا قيمته تسعون،

و اكتسب مثل قيمته بعد العتق، فاقترضه السيّد و أتلفه ثمّ مات، عتق منه شيء، و علي السيّد شيء هو القرض، يبقي للورثة عبد إلاّ شيئين يعدل ضعف ما عتق، فبعد الجبر عبد يعدل أربعة أشياء، فنقلب الاسم، و نقول: عتق منه ربعه، و يتبعه ربعه لربع كسبه، يبقي للورثة نصفه، و هو ضعف ما عتق.

ص: 272

ثمّ ربع الكسب الذي هو دين إن أدّاه الورثة من عندهم جاز، و استمرّ ملكهم علي ثلاثة أرباعه، و ملك ما سلّموه إليه بربعه الحرّ.

و إن تراضوا مع العبد علي أن يكون ربع قيمته بدلا من ربع الكسب، جاز، و عتق ربعه علي نفسه.

و اختلفت الشافعيّة.

فقال ابن سريج: إنّ ولاء ذلك الرّبع يكون لبيت المال(1).

و قال الآخرون: لا ولاء عليه(2).

و لو أراد الورثة بيعه من غيره، و قال العبد: آخذه بدلا عن القرض، قال بعضهم: إنّه أحقّ بنفسه من الأجانب(3).

و قال الجويني: إنّه محمول علي الأولويّة، دون الاستحقاق(4).

مسألة 466: لو أعتق المريض عبدا مستوعبا،

فمات قبل سيّده، قيل:

إنّه يموت حرّا(5). و قيل: رقّا(6). و قيل: ثلثه حرّ، و ثلثاه رقّ(7). و الأوّل أشهر.

و لو كان العبد قد اكتسب ضعف قيمته و لم يخلّف إلاّ السيّد، مات

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 238:7، روضة الطالبين 257:5.
2- العزيز شرح الوجيز 238:7-239، روضة الطالبين 257:5.
3- نهاية المطلب 323:10، العزيز شرح الوجيز 239:7، روضة الطالبين 5: 257.
4- نهاية المطلب 324:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 239:7، و روضة الطالبين 257:5.
5- نهاية المطلب 325:10، الوجيز 276:2، البيان 334:6، العزيز شرح الوجيز 239:7، و 348:13، روضة الطالبين 257:5، و 406:8.
6- نهاية المطلب 325:10، الوجيز 276:2، البيان 334:6، العزيز شرح الوجيز 239:7، و 348:13، روضة الطالبين 257:5، و 406:8.
7- نهاية المطلب 325:10، الوجيز 276:2، التهذيب - للبغوي - 387:8، العزيز شرح الوجيز 239:7، و 348:13، روضة الطالبين 257:5، و 406:8.

حرّا إجماعا.

أمّا علي قول إنّه يموت حرّا لو لم يخلّف شيئا، فهنا أولي.

و أمّا علي قول الرقّيّة هناك فلأنّه ثمّ لم يخلّف شيئا، و هنا ورث السيّد بالولاء كسبه، فيحصل لورثته ضعف العبد.

و لو كان الكسب مثل قيمته، لم يرق جميعه؛ لأنّه خلّف شيئا، و لم يعتق جميعه؛ لأنّ الكسب ليس ضعفه.

فإن قلنا: من بعضه حرّ يورث، عتق نصفه، و يكون جميع كسبه للسيّد، نصفه بالملك، و نصفه بالإرث بالولاء، فيحصل لورثته ضعف ما عتق.

و إن قلنا: لا يورث، قال الجويني: يعتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيء، يصرف ذلك الشيء إلي بيت المال، فيبقي عبد ناقص شيئا يعدل ضعف ما عتق، و هو شيئان، فبعد الجبر عبد يعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث العبد، فيعتق ثلثه، و يتبعه من الكسب ثلثه، يبقي للسيّد ثلثا كسبه بحقّ الملك، و هو ضعف ما عتق(1).

فإن كان الكسب ضعف القيمة، و خلّف العتيق مع السيّد بنتا، فإن قلنا: لو لم يخلّف شيئا لمات حرّا، فكذا هنا، و الكسب بين البنت و السيّد بالسويّة عندهم(2) ، و عندنا لا يجتمع ميراث الولاء و النسب.

و إن قلنا: يموت رقّا (هناك)(3) فإن قلنا: من بعضه حرّ و بعضه رقيق».

ص: 274


1- نهاية المطلب 326:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 239:7، و روضة الطالبين 257:5.
2- نهاية المطلب 326:10، العزيز شرح الوجيز 239:7، روضة الطالبين 5: 257.
3- ما بين القوسين لم يرد في «ر، ص».

يورث، فيعتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيئان، ترث البنت أحدهما، و السيّد الباقي، فيحصل لورثة السيّد ضعف العبد إلاّ شيئا، و هو يعدل شيئين، فبعد الجبر عبدان يعدلان ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث العبدين، و هو ثلثا عبد، فيعتق من العبد ثلثاه، و يتبعه ثلثا الكسب، ثمّ يرجع أحدهما بالإرث إلي السيّد، فيحصل لورثة السيّد ثلثا الكسب، و هما ضعف ما عتق.

و علي قول من لا يورث من بعضه حرّ فلا ترث البنت منه؛ لأنّها لو ورثت لما خرج جميعه من الثّلث، فرقّ بعضه، فإذا رقّ بعضه لم يورث، فيؤدّي توريثها إلي إبطال توريثها، فإذا لم ترث فكأنّه لم يخلّف إلاّ السيّد، فيموت حرّا، فيكون الكسب للسيّد، كما مرّ.

و إن كانت الصورة بحالها و خلّف بدل البنت ابنا، فإن قلنا: إنّه يموت حرّا لو لم يخلّف شيئا، فكذا هنا، و الكسب للابن، و إن قلنا: يموت رقيقا هناك، فإن قلنا: من بعضه حرّ و بعضه رقيق يورث، فيعتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيئان هما للابن، يبقي لورثة السيّد باقي الكسب، و هو عبدان إلاّ شيئين، فبعد الجبر عبدان يعدلان أربعة أشياء، فالشيء نصف عبد، فيعتق نصف العبد، و يتبعه من الكسب نصف يفوز به الابن، يبقي لورثة السيّد نصف كسبه بحقّ الملك، و هو ضعف ما عتق.

و إن منعنا الإرث في من بعضه رقّ، لا يورث، فيموت حرّا، و جميع الكسب للسيّد، و لا يرث الابن؛ للدّور.

و لو لم يمت المعتق لكن كان له ابن حرّ، فمات قبل موت السيّد، و ترك أضعاف قيمة أبيه، و ليس له إلاّ أبوه و سيّد أبيه، فلا يرث منه أبوه؛ لأنّه لو ورث لاستغرق، و لم يحصل للسيّد شيء، فحينئذ لا يعتق جميعه، فلا يرث، و إذا لم يرث حكم بحرّيّته، و ورث السيّد مال ابنه بالولاء.

ص: 275

و لو كانت تركة الابن مثل قيمة المعتق، عتق منه شيء، و يثبت للسيّد الولاء بقدر ما عتق علي الابن، فيرث من تركته شيئا، و لا يرثه أبوه؛ لأنّ من بعضه رقيق لا يرث، فيحصل لورثة السيّد عبد إلاّ شيئا، و الشيء الذي ورثه السيّد بالولاء، فيتمّ لهم عبد؛ لأنّ تركته مثل العبد، و ذلك يعدل شيئين، فالشيء نصف العبد، فيعتق نصفه، و يكون للورثة نصفه و نصف تركة ابنه، و هما ضعف ما عتق.

مسألة 467: لو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته ثمّ أعتق آخر و لا مال له سواهما

و تساوت قيمتهما، عتق من الأوّل شيء، و يتبعه من الكسب شيء غير محسوب عليه، يبقي للورثة ثلاثة أعبد إلاّ شيئين، فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشيء ثلاثة أرباع العبد، فيعتق من الأوّل ثلاثة أرباعه، و يتبعه، ثلاثة أرباع الكسب، يبقي عبد و نصف ضعف ما عتق.

و لو اكتسب الثاني مثل القيمة دون الأوّل، عتق الأوّل، و الثاني و كسبه للورثة.

و إن اكتسب كلّ منهما مثل قيمته، عتق الأوّل، و تبعه كسبه، و الثاني و كسبه للورثة.

و إن اكتسب الأوّل مثل قيمتهما، عتق منه شيء، و تبعه من الكسب شيئان، يبقي للورثة أربعة أعبد إلاّ ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون الشيء خمس أربعة أعبد، و هو أربعة أخماس عبد، فيعتق من الأوّل أربعة أخماسه، و يتبعه أربعة أخماس الكسب، يبقي للورثة خمسه و خمس كسبه و العبد الآخر.

و إن اكتسب الثاني مثل قيمتهما، عتق الأوّل و من الثاني شيء، و يتبعه من الكسب شيئان، يبقي للورثة من الثاني و كسبه ثلاثة أعبد إلاّ ثلاثة أشياء

ص: 276

تعدل ضعف ما عتق، و هو عبدان و شيئان؛ لأنّ الذي عتق عبد و شيء، فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل عبدين و خمسة أشياء، فنسقط عبدين بعبدين، يبقي عبد يعدل خمسة أشياء، فالشيء خمس العبد، فالذي عتق من الثاني خمسه.

و كذا الحكم لو اكتسب كلّ واحد منهما قيمتهما.

و لو أعتقهما دفعة، أقرع، فمن خرجت له القرعة كان هو المقدّم، و الحساب كما سبق.

مسألة 468: لو أعتق ثلاثة أعبد مستوعبة دفعة،

فاكتسب أحدهم قبل موته مثل قيمته، و تساوت قيمتهم، أقرع بسهم عتق و سهمي رقّ، فإن خرج سهم العتق علي المكتسب عتق، و يتبعه كسبه، و الآخران للورثة، و إن خرج لأحد الآخرين عتق.

ثمّ تعاد القرعة لاستكمال الثّلث، فإن خرج الآخر عتق ثلثه، و كان ثلثاه مع المكتسب و كسبه للورثة، و لا دور.

و إن خرج سهم العتق في القرعة الثانية للمكتسب، دخله الدّور، فنقول: عتق منه شيء، و تبعه من الكسب شيء، يبقي للورثة ثلاثة أعبد إلاّ شيئين تعدل ضعف ما عتق، و هو عبدان و شيئان، فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل عبدين و أربعة أشياء، نسقط عبدين بعبدين، يبقي عبد في معادلة أربعة أشياء، فالشيء ربع العبد، فيعتق منه ربعه، و يتبعه ربع كسبه، يبقي للورثة ثلاثة أرباعه و ثلاثة أرباع كسبه و العبد الآخر، و ذلك(1) ضعف ما عتق.

ص: 277


1- في العزيز شرح الوجيز 241:7، و روضة الطالبين 259:5 زيادة: «عبدان و نصف».

و لو كان علي السيّد دين مثل قيمة أحدهم، أقرع بين العبيد بسهم دين و سهمي تركة.

و لسهم الدّين حالتان.

إحداهما: أن يخرج لأحد اللّذين لم يكتسبا، فيباع في الدّين، ثمّ يقرع بين الآخرين لإعتاق الثّلث بعد قضاء الدّين بسهم عتق و سهمي رقّ، فإن خرج سهم العتق للّذي لم يكتسب، عتق، و المكتسب و كسبه للورثة، و إن خرج للمكتسب، دخله الدّور، فيعتق منه شيء، و يتبعه من الكسب شيء، يبقي للورثة ثلاثة أعبد إلاّ شيئين تعدل شيئين، فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشيء ربع الأعبد، و هو ثلاثة أرباع عبد.

الثانية: أن يخرج سهم الدّين للمكتسب، فيباع منه و من كسبه بقدر الدّين، و الدّين مثل نصفهما، فيباع في الدّين نصف رقبته و نصف كسبه، ثمّ يقرع بين الباقي و بين الآخرين بسهم عتق و سهمي رقّ، فإن خرج سهم العتق لأحد الآخرين عتق، و الآخر و نصف المكتسب و كسبه للورثة.

و إن خرج للمكتسب، عتق نصفه الباقي، و تبعه الكسب غير محسوب.

ثمّ تعاد القرعة بين الآخرين لاستكمال الثّلث، فإنّا لم نعتق إلاّ نصف عبد، و قد بقي عبدان، فأيّهما خرج سهمه للعتق عتق ثلثه، فتكون جملة ما عتق خمسة أسداس عبد، يبقي للورثة عبد و ثلثا عبد ضعف ما عتق.

و لو اختلفت قيمتهم، فقيمة أحدهم مائة، و الثاني مائتين، و الثالث ثلاثمائة، و اكتسب كلّ واحد منهم مثل قيمته، أقرع، فإن خرج سهم العتق علي الأعلي عتق، و تبعه كسبه، و الآخران و كسبهما للورثة، و ذلك ضعف الأعلي.

ص: 278

و لو خرج علي الأدني عتق، و تبعه كسبه، و تعاد القرعة لاستكمال الثّلث، فإن خرج سهم العتق علي الأوسط عتق، و تبعه كسبه، و يبقي الأعلي و كسبه للورثة، و هو ضعف العتيقين.

و إن خرج علي الأعلي، عتق منه شيء، و تبعه من الكسب مثله، يبقي للورثة باقيه و باقي كسبه و العبد الأوسط و كسبه، و جملة ذلك ألف إلاّ شيئين تعدل ضعف ما عتق، و هو مائتان و شيئان، فبعد الجبر ألف تعدل مائتين و أربعة أشياء، نسقط مائتين بمائتين، تبقي ثمانمائة تعدل أربعة أشياء، فالشيء مائتان، و ذلك ثلثا الأعلي، فيعتق منه ثلثاه، و يتبعه ثلثا كسبه، يبقي للورثة ثلثه و ثلث كسبه و العبد الأوسط و كسبه، و ذلك ستّمائة ضعف ما عتق من الأدني و الأعلي.

و إن خرج سهم العتق علي الأوسط، عتق، و تبعه كسبه، و تعاد القرعة، فإن خرج سهم العتق علي الأدني، عتق، و تبعه كسبه، و الأعلي و كسبه للورثة، و إن خرج علي الأعلي عتق ثلثه، و تبعه ثلث كسبه، و الباقي مع الأدني للورثة.

مسألة 469: لو أعتق عبدا فزادت قيمته قبل موت السيّد دخلها الدّور؛

لأنّ زيادة القيمة بمثابة الكسب، فقسط ما عتق لا يحسب علي العبد، و قسط ما رقّ تزيد به التركة، و كذا نقصان القيمة يوزّع، فقسط ما عتق يحسب علي العبد كأنّه شيء قبضه و أتلفه، و قسط ما رقّ كأنّه تلف من مال المعتق، فإذا نقص المال نقص ما يعتق منه.

فلو أعتق عبدا قيمته مائة، لا مال له غيره، فبلغت قيمته يوم الوفاة مائة و خمسين، قلنا: عتق منه شيء محسوب عليه بثلثي شيء، فيبقي مع الورثة عبد إلاّ شيئا يعدل ضعف المحسوب علي العبد، و هو شيء و ثلث

ص: 279

شيء، فبعد الجبر عبد يعدل شيئين و ثلث شيء، فنسبطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد سبعة، و الشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثة أسباع عبد، و قيمتها يوم الموت أربعة و ستّون و سبعان، و المحسوب عليه منها قيمته يوم الإعتاق، و هي اثنان و أربعون و ستّة أسباع، تبقي للورثة أربعة أسباع العبد، و قيمتها خمسة و ثمانون و خمسة أسباع، و هي ضعف المحسوب علي العبد.

و لو كانت قيمته مائة فنقصت خمسين، عتق منه شيء هو محسوب عليه بشيئين، فالباقي - و هو عبد إلاّ شيئا - يعدل ضعف المحسوب عليه، و هو أربعة أشياء، فبعد الجبر عبد يعدل خمسة أشياء، فالشيء خمس العبد، فيعتق منه خمسه، و قيمته يوم الموت عشرة، و يحسب عليه بعشرين؛ لأنّ قيمته يوم العتق عشرون، تبقي للورثة أربعة أخماسه، و قيمتها أربعون ضعف المحاباة.

مسألة 470: لو أعتق جارية مستوعبة،

فوطئت بالشبهة قبل موت السيّد، فلها مهر ما عتق منها غير محسوب من الثّلث، و للسيّد نصيب الرقّيّة من المهر، فلو كان مهر مثلها ثلث قيمتها، عتق منها شيء، و يتبعه(1) من المهر ثلث شيء، و باقيها للورثة، و هي جارية و مثل ثلثها إلاّ شيئا و ثلث شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر جارية و ثلث تعدل ثلاثة أشياء و ثلث شيء، فنبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالجارية عشرة، و الشيء أربعة، فيعتق أربعة أعشارها، و يتبعها أربعة أعشار المهر، تبقي للورثة ستّة أعشارها و ستّة أعشار مهرها، و ستّة أعشار مهرها عشرا رقبتها، فيجتمع لهم مثل ثمانية أعشار الرقبة ضعف ما عتق منها.

فإن أحبلها الواطئ و ولدت قبل موت السيّد ولدا قيمته يوم الولادة

ص: 280


1- في «ر، ص»: «و تبعه».

ثلث قيمتها، فعلي الواطئ مع العقر قيمة الولد بقدر ما رقّ منها؛ لتفويته رقّه علي السيّد، فينعتق(1) منها شيء، و من الولد ثلث شيء غير محسوب من الثّلث، و لها من المهر ثلث شيء، تبقي للورثة جارية و مثل ثلثيها إلاّ شيئا و ثلثي شيء، و ذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر جارية و ثلثا جارية تعدل ثلاثة أشياء و ثلثي شيء، فنبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالجارية أحد عشر، و الشيء خمسة، فيعتق منها خمسة من أحد عشر، و يتبعها خمسة من أحد عشر من الولد، و لها خمسة من أحد عشر من المهر، تبقي للورثة ستّة من أحد عشر من الرقبة و ستّة من أحد عشر من المهر و ستّة من أحد عشر من قيمة الولد، و الستّتان جميعا كأربعة من أحد عشر من الرقبة، فيجتمع للورثة مثل عشرة من أحد عشر من الرقبة، و هي ضعف ما عتق.

فإن كان الواطئ معسرا، فلم يحصل منه مهر و لا قيمة، لم يتنجّز إلاّ عتق ثلثها، و ثلثاها للورثة، فإن أيسر و حصل منه المهر و القيمة، أتممنا عتقها مع ما يقتضيه الحساب، و تستردّ الجارية من كسبها مقدار ما عتق منها زائدا علي الثّلث، لتبيّن العتق فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها لا تستردّ(2).

و إن كان الواطئ هو المعتق، فعلي ما ذكرنا(3) في وطء الواهب المريض بعد الهبة و الإقباض.

مسألة 471: لو أعتق عبدين قيمتهما عشرون دفعة ثمّ مات و لا مال سواهما

و مات أحدهما قبل القرعة، أقرع بين الحيّ و الميّت، فإن خرجت

ص: 281


1- في «ر، ص»: «فيعتق».
2- العزيز شرح الوجيز 243:7.
3- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «ما حكيناه».

القرعة علي الميّت عتق نصفه و رقّ نصفه الآخر؛ لأنّ مع الورثة مثليه.

و إن خرجت للحيّ، عتق ثلثه و رقّ ثلثاه، و لا يحسب عليهم الذي مات.

و قال بعض العامّة: يحسب، و يعتق ثلثا الحيّ(1).

و قال أهل العراق: يسقط سهم الميّت من الثّلث، و يقسّم قيمة الحيّ علي ما بقي من السهام الثّلث مع الثّلثين.

و ذلك في مسألتنا خمسة، فنقسّم العشرة علي خمسة، فيصيب الحيّ درهمان، و هما خمسه، فيعتق(2) خمسه و خمس الميّت، و يسعي في أربعة أخماسه، و هي مثلا ما عتق منهما.

فإن كانوا ثلاثة و مات أحدهم، فنسقط(3) سهمه من الثّلث، و هو ثلثه(4) ، و (نقسّم قيمة)(5) الآخرين - و هي عشرون - علي ثمانية، يصيب كلّ سهم درهمان و نصف، و هي ربعه، فيعتق ربع كلّ واحد، و يسعي في ثلاثة أرباعه، فيصير مع الورثة خمسة عشر، و هي مثلا ما عتق منهم.

و إن كانت قيمة أحدهم خمسة، فالثّلث بينهم علي خمسة.

فإن مات الذي قيمته خمسة، فأسقط سهمه، و اقسم العشرين علي أربعة عشر، فيعتق من كلّ واحد [منهما] سبعاه، و يسعي كلّ واحد منهما في خمسة أسباعه، فيحصل للورثة أربعة عشر و سبعان، و هي مثلا ما عتق منهم.

مسألة 472: لو أعتق عبدا قيمته عشرة،

فمات قبل سيّده، ثمّ مات

ص: 282


1- لم نعثر عليه و علي ما يأتي من الأقوال في مظانّها.
2- في النّسخ الخطّيّة: «و يعتق».
3- في النّسخ الخطّيّة: «فأسقط».
4- في الطبعة الحجريّة: «ثلث».
5- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «قسّمت تركة».

السيّد، و لا شيء لهما، مات حرّا في قول ابن أبي ليلي و الثوري و أبي يوسف و محمّد و زفر؛ لأنّ الحرّيّة وجبت له، و السعاية دين عليه، و لا يمنع ذلك نفوذ العتق الذي لا يرد.

و قال مالك و أبو حنيفة: يموت رقيقا.

و لو(1) خلّف السيّد مثل قيمته، أو خلّف العبد مالا، فورث السيّد منه قيمته، مات حرّا عند الشافعي و أهل العراق.

و قال مالك: لا يكون حرّا بعد الموت.

فإن ورث أقلّ من مثل قيمته، و كانت تركته أكثر من مقدار سعايته، دخله الدور عند الشافعي و أهل العراق.

و إن مات بعد المولي و قد اكتسب مالا، ثبت فيه الدور علي مذهب الشافعي خاصّة، فلو خلّف العبد عشرين، فماله لسيّده ثمّ لورثته من بعده، و قد مات حرّا إجماعا.

و كذا لو خلّف أربعين و بنتا.

و لو خلّف عشرة، كانت لسيّده بالسعاية و الميراث عند أهل العراق، و قد مات حرّا.

و قال مالك: لسيّده؛ لأنّه مالك باقيه.

و في قول الشافعي يعتق منه شيء، و له من كسبه شيء، و للمولي باقي كسبه يملكه و الشيء بالميراث، فصار معه عشرة تعدل شيئين، فالشيء خمسة، و ذلك نصفه، فيموت نصفه حرّا و نصفه رقيقا، و يكون للمولي خمسة بحقّ الرقّ، و خمسة بالميراث، و ذلك مثلا ما عتق منه.

و لو خلّف العبد ابنا، كان لمولاه ثلثا ما اكتسبه بالسعاية، و ثلثه لابنه».

ص: 283


1- في النّسخ الخطّيّة: «و إن».

في قول أهل العراق.

و قال مالك: كلّه لمولاه؛ لأنّه مالك باقيه.

و في قول الشافعي له من رقبته شيء، و من كسبه شيء يكون(1) لابنه، و للمولي باقي الكسب بحقّ الرقّ، و هو عشرة إلاّ شيئا تعدل شيئين، فالشيء ثلثها، فيعتق(2) منه ثلثه، و له ثلث كسبه، فيكون ذلك لابنه، و يكون ثلثا عشرة لمولاه، و هو مثلا ما عتق منه، و هذا مثل قول أهل العراق في العتق و إن خالفه في طريق العمل.

و إن ترك عشرين، فللمولي ستّة و ثلثان بالسعاية، و الباقي لابنه عند أهل العراق.

و في قديم قول الشافعي يكون جميع كسبه للمولي، و هو مثلا قيمته، فيموت حرّا، و لا يرثه ابنه؛ لأنّه لو ورثه نقصت تركة المولي، فلا يخرج العبد من ثلثه، فيرقّ بعضه، فلا يرثه، فتوريثه يؤدّي إلي إبطال توريثه، فلذلك لم يورّثه.

و لأنّ من بعضه حرّ لا يرث و لا يورث في قديم قوله، كمذهب مالك.

و في جديده(3) كقولنا: يرث و يورث بقدر نصيب الحرّيّة.

فنقول: له من رقبته شيء، و من كسبه شيئان يكون ذلك لابنه، و لورثة المولي باقيه، و هو عشرون إلاّ شيئا يعدل شيئين، فالشيء خمسة، و هو نصفه، فيعتق ذلك منه، فيكون نصف الكسب للابن، و نصفه للمولي».

ص: 284


1- في «ر، ل»: «فيكون».
2- في الطبعة الحجريّة: «و يعتق».
3- في «ر، ص»: «الجديد».

بالرقّ، و هو مثلا ما عتق منه، فإن لم يقسّم تركته حتي مات المولي، مات العبد حرّا، و يرث ابنه جميع كسبه، ثمّ يرثه المولي عنه؛ لأنّا لمّا حكمنا بحرّيّة العبد جرّ ولاء ابنه إلي مولاه.

و كذا لو خلّف الابن هذه العشرين و لم يخلّف أبوه شيئا؛ لأنّ ذلك يصير للعبد، فيحكم بحرّيّة العبد.

فإن خلّف الابن أقلّ من مثلي قيمة أبيه، لم يرثه السيّد؛ لأنّ العبد مات رقيقا، فلم يجر ولاء ابنه إليه.

و لو مات ابن العبد و أبوه حيّ و خلّف مثلي قيمته، ورثه السيّد، و عتق العبد، و لا يرث ابنه؛ للعلّة المتقدّمة، فإنّ توريثه يؤدّي إلي إبطال توريثه عندهم.

و لو خلّف ابن العبد عشرة، عتق من العبد شيء، و يجرّ من ولاء ابنه إلي المولي مثل ذلك، و يحصل له في ميراثه شيء و باقي العبد، و هو عشرة إلاّ شيئا، فإذا أضيف إليه الشيء صار عشرة تعدل شيئين، فالشيء نصف العبد، فيعتق ذلك منه، و يجرّ نصف ولاء ابنه إلي مولاه، فيرث نصف تركته، و نصفها لمولي ابنه، فيصير مع ورثة المولي خمسة من تركته و خمسة من قيمة العبد، و ذلك مثلا ما عتق منه.

فإن مات العبد و خلّف بنتا و عشرة ثمّ مات المولي، ففي قول أهل العراق عتق منه شيء و له من العشرة شيء، و للمولي السعاية، و هي عشرة إلاّ شيئا، و له نصف الشيء بالميراث، فيصير له عشرة إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فالشيء أربعة، فيعتق منه خمساه و سعايته ستّة، و يرث درهمين، فصار له ثمانية، و هو مثلا ما عتق منه.

و في قول الشافعي عتق منه شيء، و له من كسبه شيء، و للمولي

ص: 285

الباقي بحقّ الرقّ و نصف الشيء بالميراث، فيرجع إلي مثل الأوّل، و إنّما يختلفون في تسمية ما يأخذ به المولي، فأهل العراق يقولون بالسعاية، و الشافعي يقول بحقّ الرقّ.

فإن ترك عشرين، فعلي قول أهل العراق يأخذ المولي السعاية، و هي عشرة إلاّ شيئا ترفع من التركة، تبقي عشرة و شيء، للمولي نصف ذلك، يصير معه خمسة عشر إلاّ نصف شيء تعدل شيئين، فالشيء ستّة، و هو ثلاثة أخماسه، و أمّا السعاية فأربعة دراهم، و الميراث منه ثمانية، فيصير مع ورثته اثنا عشر، و هي مثلا ما عتق منه.

و في قول الشافعي للعبد شيء من رقبته و الشيئان من كسبه، و باقي الكسب للمولي، و يرث نصف الشيئين، فيصير معه عشرون إلاّ شيئا يعدل شيئين، فالشيء ستّة و ثلثان، و ذلك ثلثاه، و له ثلثا كسبه، و للورثة ثلث الكسب بحقّ الرقّ، و ثلث آخر بالميراث.

فإن ترك ثلاثين، فيحصل [علي قول أهل العراق] مع الورثة عشرون إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فالشيء ثمانية، و هو أربعة أخماسه، و السعاية درهمان، و له بالميراث أربعة عشر.

و في قول الشافعي يحصل للورثة ثلاثون إلاّ شيئا و نصفا يعدل شيئين، فالشيء سبعا ذلك، و هو ستّة أسباع العبد، و له مثل ذلك من كسبه، و للمولي سبع الكسب بحقّ الرقّ، و ذلك أربعة و سبعان، و له نصف الباقي [بالإرث] و هو اثنا عشر و ستّة أسباع، فيصير لورثته سبعة عشر و سبع، و ذلك مثلا ما عتق منه.

مسألة 473: قد ثبت

مسألة 473: قد ثبت(1) أنّ نكاح المريض مشروط بالدخول،

فإن

ص: 286


1- في النّسخ الخطّيّة: «قد بيّنّا».

لم يدخل و مات في مرضه بطل النكاح، و لا مهر، و إن دخل صحّ النكاح و المهر إن خرج الزائد عن مهر المثل من الثّلث أو لم يزد، فلو أعتق المريض أمته و قيمتها عشرة مستوعبة ثمّ تزوّجها بخمسة، و مهر مثلها خمسة، ثمّ مات، ففي قول أبي يوسف و محمّد يكون لها من قيمتها خمسة بالمهر و ربع الباقي بالميراث، و تسعي في ثلاثة أثمان قيمتها، و لا تصحّ لها الوصيّة؛ لأنها وارثة.

و في قول الشافعي و أبي حنيفة النكاح باطل.

فإن كان لم يدخل بها، عتق ثلثها و رقّ [الباقي] عند الشافعي، وسعت في قيمة ذلك عند أبي حنيفة.

و إن كان دخل بها، رفع من قيمتها مهرها، و لها ثلث الباقي، و تسعي في الباقي، و هو ثلث قيمتها للورثة، و قد عتق جميعها، هذا علي قول أبي حنيفة.

و علي قول الشافعي عتق سبعاها، و رقّ خمسة أسباعها، و يقال للورثة: لها علي الميّت سبعا مهرها، و هو سبع قيمتها، فإن سلّموا ذلك إليها ملكوا(1) خمسة أسباعها، و إن أرادوا بيع سبعها فهي أحقّ بأخذه من الأجنبيّ، فيحصل لها ثلاثة أسباع رقبتها، و للورثة أربعة أسباع رقبتها، و هو مثلا ما عتق منها.

فنقول: عتق منها شيء، و لها بمهرها نصف شيء يكون ذلك دينا يخرج من رقبتها، فيبقي للورثة عشرة إلاّ شيئا و نصفا يعدل شيئين، فالشيء سبعاها.

و علي الوجه الثاني يكون ما لزمه من المهر أيضا من الثّلث، فتصير».

ص: 287


1- في النّسخ الخطّيّة: «فإن سلّمتم... ملكتم».

العشرة تعدل أربعة أشياء و نصفا، فالشيء تسعاها، فيعتق ذلك منها، و لها تسع بالعقر، و للورثة ثلثاها.

فإن ترك المريض عشرين، صحّ نكاحها في قول الشافعي.

فإن أبرأته من مهرها ثمّ عتق جميعها، صحّ نكاحها، و إن لم تبرئه من مهرها، نقصت تركته، فلم تخرج من الثّلث.

و إذا رقّ بعضها، بطل نكاحها، و صار كأنّه أعتقها و وطئها بغير نكاح، فيلزمه عقر ما عتق منها.

فنقول: عتق منها شيء، و لها من عقرها نصف شيء، يبقي للورثة ثلاثون إلاّ شيئا و نصفا يعدل شيئين، فالشيء سبعاها، و لها ستّة أسباع عقرها أربعة و سبعان، و للورثة سبعها و باقي العشرين، و ذلك مثلا ما عتق منها.

و علي الوجه الآخر يعدل الثلاثون أربعة أشياء و نصفا، فالشيء [تسعاها أعني](1) ثلثيها، و لها ثلثا مهرها، و للورثة ثلثهما(2) و باقي العشرين، و ذلك عشرون، و هو مثلا ما جاز بالعتق و المهر.

و قال أبو حنيفة: نكاحها باطل، فلها(3) مهر مثلها و ثلث الباقي من قيمتها و من التركة، و هو خمسة أسداسها، و تستسعي في سدس قيمتها.

و قال أبو يوسف و محمّد: لها مهرها و ربع الباقي بالميراث، و ذلك أحد عشر و ربع يحسب عليها بقيمتها، و تعطي درهما و ربعا.».

ص: 288


1- ما بين المعقوفين لم يرد في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و استظهر ذلك في هامش الطبعة الحجريّة.
2- أي: ثلث الأمة و ثلث مهرها. و في النّسخ الخطّيّة: «ثلثها».
3- في النّسخ الخطّيّة: «و لها».

فإن ترك ثلاثين، صحّ نكاحها في قولهم جميعا، إلاّ أنّ الشافعي يجعل لها المهر، و لا يورّثها؛ لأنّ عتقها وصيّة، فلا يجتمع لها الأمران عنده.

و أبو حنيفة يجعل لها المهر و الميراث.

و في قول صاحبيه التركة أربعون، لها مهرها و ربع الباقي، و ذلك ثلاثة عشر و ثلاثة أرباع يحسب عليها، و تعطي الباقي.

مسألة 474: لو أعتقت المريضة عبدا قيمته عشرة ثمّ تزوّجها علي عشرة في ذمّته،

ثمّ ماتت و تركت مائة، صحّ العتق و النكاح، و يرث؛ لأنّه يخرج من الثّلث.

و قال الشافعي: يصحّ العتق و النكاح، و لا يرث؛ لأنّ عتقه وصيّة(1).

و نحن نصحّح الوصيّة للوارث.

و قال أبو حنيفة: يرث، فتكون التركة قيمته و المهر الذي في ذمّته و المائة له نصف ذلك ستّون، و يحسب عليه [عشرة] بالمهر، و يأخذ خمسين، و تحسب عليه بقيمته(2).

و قال صاحباه: بل تحسب عليه بقيمته؛ لئلاّ يجتمع الميراث و الوصيّة، فله ستّون، و يحسب عليه بقيمته و بالمهر، و يبقي له أربعون يأخذها(3).

مسألة 475: لو كاتب في مرضه عبدا مستوعبا و لم يؤدّ شيئا من النجوم في حياة السيّد،

فثلثه مكاتب، فإذا أدّي نجوم الثّلث عتق.

و هل يزاد في الكتابة؛ لأنّ التركة قد زادت بما أدّي ؟ سيأتي في الكتابة إن شاء اللّه تعالي.

ص: 289


1- المغني 463:6، الشرح الكبير 345:6.
2- المغني 463:6، الشرح الكبير 345:6.
3- المغني 463:6، الشرح الكبير 345:6.

فإن زيدت، قلنا: إنّ الكتابة تصحّ في شيء من العبد، و يؤدّي المكاتب عنه شيئا، و الفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة و مال الكتابة مثل عبد، و ذلك يعدل ضعف ما صحّت فيه الكتابة، و هو شيئان، فالشيء نصف العبد، فإذا أدّي نجوم النصف عتق نصفه، و استردّ من الورثة كسب سدسه، فيحصل للورثة نصف الرقبة و نصف النجوم، و ذلك ضعف ما صحّت الكتابة فيه.

و لو كاتب عبده في الصحّة ثمّ أعتقه في المرض أو أبرأه عن النجوم، نظر إن عجّز نفسه، عتق ثلثه، و رقّ ثلثاه.

و إن استدام الكتابة، فإن كانت النجوم مثل القيمة، فوجهان:

أظهرهما: أنّه يعتق ثلثه، و تبقي الكتابة في الثّلثين.

و الثاني: أنّه لا يعتق ثلثه حتي يسلّم الثّلثان للورثة إمّا بالعجز أو بأداء نجوم الثّلثين؛ لأنّ ما يتنجّز العتق فيه ينبغي أن يحصل للورثة مثلاه، و إذا كانت الكتابة مستمرّة في الثّلثين و النجوم في الذمّة، لم يحصل في يدهم شيء.

و من قال بالأوّل قال: لو لم نعتقه لكان جميعه مكاتبا، و كانت الحيلولة قائمة، فالإعتاق ورد علي محلّ فيه حيلولة، فيثبت العتق في الثّلث، و يبقي الباقي بحاله(1).

و إن كان بين النجوم و القيمة تفاوت، فقد سبق أنّ المعتبر من الثّلث أقلّ الأمرين.

فإن كانت النجوم أقلّ بأن كانت مائة و القيمة مائتين، عتق ثلثه، و سقط ثلث النجوم، و هو المحسوب من الثّلث، يبقي للورثة ثلثا النجوم إن7.

ص: 290


1- العزيز شرح الوجيز 244:7.

أدّي، و ثلثا الرقبة إن عجز.

و إن كانت القيمة أقلّ بأن كانت مائة و النجوم مائتين، دخله الدّور؛ لأنّا نحتاج إلي أن نعتق شيئا منه محسوبا من الثّلث، و نسقط مثله من النجوم غير محسوب من الثّلث.

فنقول: عتق منه شيء، و سقط من النجوم شيئان، يبقي للورثة من النجوم مائتا درهم إلاّ شيئين، و هو يعدل ضعف ما عتق، و هو شيئان، فبعد الجبر مائتان تعدلان أربعة أشياء، فالشيء ربع المائتين، و هو نصف العبد، فعلمنا أنّ الذي يعتق نصف العبد، و أنّه سقط نصف النجوم.

فإن عجّل ما عليه من النجوم، عتق نصفه، و إن لم يؤدّ شيئا، لم يعتق شيء، ثمّ كلّما أدّي شيئا حكم بعتق نصف ما أدّي حتي يؤدّي نصف الكتابة و يستوفي وصيّته.

مسألة 476: لو أعتق المريض عبدا لا يملك غيره ثمّ قتله،

نفذ العتق فيه أجمع؛ لأنّه لا تركة.

و قيل: لا يعتق منه شيء؛ لأنّه لا يبقي للورثة ضعف المحكوم بعتقه(1).

و قياس مذهب الشافعي: الثاني(2).

و عندي فيه تردّد.

فعلي قوله لو ترك السيّد مالا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته، فهو حرّ، و إن خلّف أقلّ، عتق بعضه، و وجب علي السيّد قسط نصيب ما عتق من الدية، و لا يرث السيّد من ديته؛ لأنّه قاتل، بل إن كان له وارث أقرب فهي له، و إلاّ فلأقرب عصبات السيّد(3).

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 245:7، روضة الطالبين 262:5.
2- العزيز شرح الوجيز 245:7، روضة الطالبين 262:5.
3- العزيز شرح الوجيز 245:7، روضة الطالبين 262:5.

فلو كانت قيمته مائة، و قيمة إبل الدية ثلاثمائة، و ترك السيّد ثلاثمائة، عتق منه شيء، و علي السيّد من الدية ثلاثة أمثاله، و باقي العبد الذي بطل العتق فيه قد أتلفه بالقتل، فلم يترك إلاّ ثلاثمائة، و هي مثل ثلاثة أعبد، يقضي منها ما وجب من الدية، تبقي ثلاثة أعبد إلاّ ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق، و هو شيئان، نجبر و نقابل، فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء، فنقلب الاسم، فالعبد خمسة، و الشيء ثلاثة، يعتق منه ثلاثة أخماسه، و هي ستّون، و يجب عليه ثلاثة أخماس الدية، و هي مائة و ثمانون، تبقي مائة و عشرون ضعف ما عتق.

أو نقول: نأخذ للعبد بالعتق سهما، و يتبعه من الدية ثلاثة أسهم، و لورثة السيّد سهمان ضعف سهم العتق، فالمبلغ ستّة أسهم، نسقط منها سهما، و هو الذي تلف من العبد، تبقي خمسة، فهي سهام العبد، يعتق منها مثل سهام التركة.

أو نقول: نضرب قيمة العبد في ثلاثة، تكون ثلاثمائة، و نردّ عليها الدية، تبلغ ستّمائة، ننقص منها قيمة العبد؛ لأنّه تلف، تبقي خمسمائة، ننسب إليها التركة، و هي ثلاثمائة، تكون ثلاثة أخماسه، فالذي يعتق من العبد ثلاثة أخماسه.

و لو قطع يده، فنقص من قيمته خمسون دينارا، و دية اليد لو كان حرّا تساوي مائة دينار، و ترك السيّد مائة دينار، فيعتق منه شيء، و يجب علي السيّد من الدية شيء، و قد ترك السيّد مائة دينار، و هو مثل عبد و ما بطل فيه العتق من العبد، و هو عبد إلاّ شيئا، و قد نقص منه نصفه، و هو نصف عبد إلاّ نصف شيء، فالحاصل عبد و نصف إلاّ نصف شيء، نسقط منه بالدية شيئا، يبقي عبد و نصف إلاّ شيئا و نصف شيء، و ذلك يعدل

ص: 292

ضعف ما عتق، و هو شيئان، فبعد الجبر عبد و نصف يعدل ثلاثة أشياء و نصف شيء، فنبسطها أنصافا، و نقلب الاسم، فالعبد سبعة، و الشيء ثلاثة، فيعتق ثلاثة أسباعه، و هي اثنان و أربعون [دينارا](1) و ستّة أسباع، و تبقي للورثة أربعة أسباعه، و هي سبعة و خمسون دينارا و سبع دينار، لكن نقص نصفه، فعاد هذا الباقي إلي ثمانية و عشرين دينارا و أربعة أسباع دينار، و مع الورثة من التركة مائة، يؤدّي منها ما وجب من الدية، و هو مثل ما عتق، تبقي خمسة و ثمانون دينارا و خمسة أسباع، و ذلك ضعف ما عتق.

و لو أعتق المريض عبدا قيمته ستّون لا يملك غيره، فقطع أجنبيّ يده، و دية اليد لو كان حرّا مائة و ثمانون، و نقص من قيمته عشرة، فيعتق منه شيء، و يجب علي الجاني للعبد ثلاثة أشياء، يبقي للسيّد من رقبته عبد إلاّ شيئا، فيستحقّ به نصفه، و هو نصف عبد إلاّ نصف شيء؛ لأنّ جراح العبد من قيمته كجراح الحرّ من ديته، فيجتمع له عبد و نصف عبد إلاّ شيئا و نصف شيء، لكنّه نقص سدس العبد، فينقص ممّا كان له سدس عبد إلاّ سدس شيء، فيعود ما عند ورثته إلي عبد و ثلث عبد سوي شيء و ثلث شيء، و ذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و ثلث عبد يعدل ثلاثة أشياء و ثلث شيء، فنبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد عشرة، و الشيء أربعة، فيعتق منه أربعة أعشاره، يبقي للسيّد ستّة أعشار، يستحقّ به ثلاثة أعشار القيمة، لكنّه نقص من ستّة أعشاره واحد، فالمبلغ ثمانية أعشار ضعف ما عتق.

و لو كانت قيمة الجارية و الدية كما ذكرنا(2) ، و قتلها أجنبيّ، و خلّفتة.

ص: 293


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 246:7.
2- فرض المصنّف رحمه اللّه هذا الفرع فيما لو كان المعتق جارية.

الجارية زوجا و سيّدها المعتق، فيعتق منها شيء، و يستحقّ من الدية ثلاثة أشياء، تبقي للسيّد جارية إلاّ شيئا، فيستحقّ به مثله علي القاتل؛ لأنّ المستحقّ للسيّد القيمة، فيحصل له جارية إلاّ شيئا، و له نصف ما استحقّته الجارية، و هو شيء و نصف شيء، فيجتمع للورثة جارية و نصف شيء تعدل شيئين، فنسقط نصف شيء بنصف شيء، تبقي جارية تعدل شيئا و نصف شيء، فالشيء ثلثا الجارية، فيعتق منها ثلثاها، و هو أربعون، و يستحقّ به علي الجاني مائة و عشرون، يبقي للسيّد عشرون، و يرث من المائة و العشرين ستّين، فالمبلغ ثمانون ضعف ما عتق.

مسألة 477: لو أعتق المريض عبدا مستوعبا،

فجني العبد علي أجنبيّ بقطع أو قتل، فإن كان أرش الجناية مثل قيمة العبد أو أكثر، لم يعتق منه شيء؛ لأنّ الأرش دين يتعلّق بالرقبة، و الدّين مقدّم علي الوصايا.

و إن كان دونها، كما لو كان العبد يساوي مائة، و الأرش خمسة و سبعون، عتق منه شيء، و رقّ الباقي، و الأرش يتوزّع عليهما، فحصّة ما عتق تتعلّق بذمّة العبد، و حصّة الرقّ تؤدّي منه إن أراد السيّد التسليم، و الأرش ثلاثة أرباع القيمة، فعلي السيّد تسليم ثلاثة أرباع ما رقّ، و هو ثلاثة أرباع عبد إلاّ ثلاثة أرباع شيء، يبقي مع ورثته ربع عبد إلاّ ربع شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر ربع عبد يعدل شيئين و ربع شيء، فنبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالعبد تسعة، و الشيء واحد، فيعتق منه تسعه، و يرقّ الباقي، و يسلّم في الجناية ثلاثة أرباعه، و هي ستّة أتساع، يبقي مع الورثة تسعان ضعف ما عتق.

مسألة 478: لو أعتق عبدا قيمته ستّون و آخر قيمته أربعون،

و لا مال له غيرهما، فقتل السيّد الأرفع، و ديته لو كان حرّا تساوي ثمانين، فيقرع بين

ص: 294

العبدين، فإن خرجت القرعة للحيّ، عتق ثلثه، و رقّ ثلثاه، و مات المقتول رقيقا علي أحد القولين(1).

و إن خرجت للمقتول، دار، فيعتق منه شيء، و يرقّ الباقي، و هو عبد إلاّ شيئا، و قد تلف ما عتق و ما رقّ، بقي مع السيّد عبد قيمته ثلثا عبد، يقضي منه دية ما عتق من المقتول، و هو شيء و ثلث شيء؛ لأنّ الدية مثل القيمة و مثل ثلثها، يبقي ثلثا عبد إلاّ شيئا و ثلث شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر ثلثا عبد يعدل ثلاثة أشياء و ثلث شيء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد عشرة، و الشيء اثنان، فيعتق منه عشراه، و هما اثنا عشر، و علي السيّد من الدية عشراها، و هما ستّة عشر، يقضي من الحيّ، تبقي منه أربعة و عشرون ضعف ما عتق.

و لو أعتقهما كما ذكرنا و قتل الأدون و قطع يد الأرفع، فنقص من قيمته عشرة، و دية كلّ واحد منهما لو كان حرّا تساوي ثمانين، فيقرع، إن خرجت للمقطوع، عتق ثلثه، و رقّ ثلثاه، و إن خرجت للمقتول، عتق منه شيء، و رقّ الباقي، لكنّه أتلفه، فالذي يبقي للورثة(2) العبد المقطوع، و هو بعد ما نقص مثل عبد و ربع عبد، يقضي منه ما لزمه من الدية، و هو شيئان؛ لأنّ الدية ضعف القيمة، فيبقي عبد و ربع عبد إلاّ شيئين يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد و ربع عبد يعدل أربعة أشياء، نبسطها أرباعا، و نقلب الاسم، فالعبد ستّة عشر، و الشيء خمسة، فيعتق من العبد خمسة أجزاء من ستّة عشر جزءا، و قيمتها اثنا عشر و نصف، و تركة السيّد خمسون، يقضي منها ما لزمه من الدية، و هو ضعف ما عتق، يبقي منها خمسة و عشرون ضعف».

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 247:7.
2- في «ر، ص»: «لورثته».

ما عتق.

مسألة 479: لو وهب المريض عبدا مستوعبا و أقبضه فقتل العبد الواهب خطأ،

فقد بيّنّا أنّه يخيّر المولي بين الفكّ و الفداء.

فلو كانت قيمته مثل الدية، صحّت الهبة في نصفه، و يباع ذلك النصف في الجناية، أو يفديه المتّهب، فيحصل لورثة الواهب قدر نصفه، و قد بقي لهم النصف، و هما ضعف ما صحّت فيه الهبة، و يهدر نصف الجناية؛ لأنّ جناية المملوك علي المالك مهدرة(1).

و إن كانت القيمة أكثر، كما لو ساوي العبد ثلاثمائة، و الدية مائة، فتصحّ الهبة في شيء من العبد، و تبطل في الباقي، و يرجع بالجناية إلي ورثة السيّد ثلث شيء، يبقي معهم عبد إلاّ ثلثي شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر عبد يعدل شيئين و ثلثي شيء، فنبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالعبد ثمانية، و الشيء ثلاثة، فتصحّ الهبة في ثلاثة أثمان العبد، و يرجع إلي ورثة الواهب ثلث ما صحّت الهبة فيه، و هو ثمن عبد، فتجتمع [لهم](2) ستّة أثمان ضعف ما صحّت فيه الهبة.

و ان كانت القيمة أقلّ، فكذا إن قلنا: يفديه بالأقلّ من القيمة و الدية.

و إن قلنا بالدية، فإن كانت القيمة مثل نصف الدية أو أقلّ، صحّت الهبة في جميعه، فإذا فداه، كان عندهم ضعف ما صحّت فيه الهبة أو أكثر، و إن كانت أكثر من نصف الدية، كما إذا كانت القيمة مائتين و الدية ثلاثمائة، فتصحّ الهبة في شيء من العبد، و يفديه بمثله و مثل نصفه، فيحصل للورثة عبد و نصف شيء يعدل شيئين، فيسقط نصف شيء بنصف شيء، يبقي

ص: 296


1- في «ل»: «مهدورة».
2- يدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له». و المثبت هو الصحيح.

عبد يعدل شيئا و نصف شيء، فالشيء ثلثا العبد، فصحّت الهبة في ثلثيه، يبقي للورثة من الرقبة ثلث، و من الفداء مثل عبد، فيجتمع عبد و ثلث ضعف ما صحّت الهبة فيه.

فإن عفا الواهب عن الجناية، فالهبة سابقة علي العفو، فيقدّم.

ثمّ ينظر إن كانت القيمة مثل نصف الدية أو أكثر، بطل العفو؛ لأنّ الهبة تستغرق الثّلث، فلا يبقي شيء ينفذ العفو فيه.

و إن كانت القيمة أقلّ من نصف الدية، نظر إن سلّم الموهوب له العبد أو فداه و قلنا: يفدي بأقلّ الأمرين، فكذلك.

و إن قلنا: يفدي بالقيمة، فالفاضل من الثّلث عن الهبة يصرف إلي العفو، كما لو كانت القيمة مائة و الدية ثلاثمائة، فتصحّ الهبة في جميع العبد، و يصحّ العفو في شيء منه، و يفدي الباقي - و هو عبد إلاّ شيئا - بثلاثة أمثاله، و هي ثلاثة أعبد إلاّ ثلاثة أشياء، و هو يعادل ضعف ما صحّ فيه الهبة و العفو، أعني عبدين و شيئين، فنجبر و نقابل، فثلاثة أعبد تعادل عبدين و خمسة أشياء، نسقط عبدين بعبدين، يبقي عبد في معادلة خمسة أشياء، فالشيء خمس العبد، فيصحّ العفو في خمسه، و هو عشرون، و قد صحّت الهبة في جميعه، و هو مائة، فالمبلغ مائة و عشرون، و يبطل العفو في أربعة أخماسه، و هي ثمانون، و يفديها الموهوب له بأربعة أخماس الدية، و هي مائتان و أربعون ضعف ما صحّ فيه الهبة و العفو.

النوع الثامن: في مسائل العين و الدّين.
مسألة 480: إذا لم يخلّف الميّت سوي الدّين،

فإن كان علي جميع الورثة بقدر أنصبائهم، برئت ذمّتهم؛ لأنّ كلّ واحد قد وصل نصيبه إليه،

ص: 297

و إن كان علي أحدهم أكثر من نصيبه، ردّ الفاضل إلي من يستحقّه من الورثة إمّا الباقون كلّهم أو بعضهم.

و لو كان الدّين علي بعض الورثة، فالذي عليه يبرأ من حصّته، و لا تتوقّف براءته علي توفّي حصّة الآخرين؛ لأنّ الملك بالإرث لا يتأخّر، و الإنسان لا يستحقّ علي نفسه شيئا.

و لو خلّف عينا و دينا علي بعض الورثة، فإن كان الدّين مخالفا للعين في الجنس أو من غير نوعه، قسّمت العين بين الورثة، فنصيب من لا دين عليه يسلّم إليه، و نصيب المديون يسلّم إليه إن كان مليئا مقرّا، و إن كان جاحدا أو فقيرا، فقد ظفر الآخر بغير جنس حقّه، و حكمه سبق، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يدفع إليه، و يوقف عند من لا دين عليه علي سبيل الرهن حتي يؤدّي نصيب من لا دين عليه من الدّين(2).

و إن اتّفق الدّين و العين في الجنس و النوع بأن يخلّف مائة عينا و مائة دينا علي أحد ولديه، كانت المائة بأسرها لمن لا دين عليه، نصفها بالإرث، و نصفها قصاصا عمّا يصيبه من الدّين، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و استبعده الجويني؛ لأنّ التقاصّ إنّما هو في الدّينين، لا في الدّين و العين، فإنّ الإرث يثبت شائعا في العين و الدّين، و ليس لمن لا دين عليه الاستبداد بالعين إن كان المديون مقرّا مليئا، فإن تراضيا أنشئا عقدا، و إن3.

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 249:7، روضة الطالبين 263:5.
2- العزيز شرح الوجيز 249:7.
3- نهاية المطلب 281:10، العزيز شرح الوجيز 249:7، روضة الطالبين 5: 263.

كان جاحدا [أو](1) معسرا، فله أخذها علي قصد التملّك؛ لأنّه ظفر بجنس حقّه [ممّن](2) تعذّر تحصيله منه(3).

مسألة 481: إذا خلّف دينا و عينا و أوصي بالدّين لشخص،

و هو ثلث ماله أو أقلّ، انحصر حقّه فيه، فمهما قبض منه دفع إليه.

و إن أوصي بثلث الدّين، ضمّ إلي العين، فإن كان ما نضّ ثلث الجميع أو أقلّ، دفع إلي الموصي له؛ لأنّ الورثة قد أحرزوا مثليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأصحّ عندهم: أنّه كلّما نضّ منه شيء دفع ثلثه إلي الموصي له و ثلثاه إلي الورثة؛ لأنّ الوصيّة شائعة في الدّين(4).

إذا تقرّر هذا، فالدّين المتخلّف مع العين من جنسه و نوعه إمّا أن يكون علي وارث أو أجنبيّ أو عليهما.

الأوّل: أن يكون علي الوارث، فنصيبه من جملة التركة إمّا أن يكون مثل ما عليه من الدّين أو أكثر أو أقلّ.

فإن كان نصيبه مثل ما عليه، صحّحنا المسألة، و طرحنا ممّا تصحّ منه المسألة نصيب المديون، و نقسّم العين علي سهام الباقين، و لا يدفع إلي المديون شيء، و لا يؤخذ منه شيء، كما لو خلّفت زوجها و ثلاثة بنين، و تركت خمسة دينا علي أحد البنين، و خمسة عشر عينا، فالتركة عشرون، و نصيب كلّ ابن خمسة، و علي المديون مثل نصيبه، فتصحّ المسألة من

ص: 299


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لمن». و الصواب ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز.
3- نهاية المطلب 280:10-281، و عنه في العزيز شرح الوجيز 250:7، و روضة الطالبين 263:5.
4- العزيز شرح الوجيز 250:7، روضة الطالبين 263:5.

أربعة، نطرح منها نصيب ابن، تبقي ثلاثة، نقسّم عليها العين، و هي خمسة عشر، يخرج من القسمة خمسة، و نصيب المديون يقع قصاصا بما عليه.

و إن كان نصيبه أكثر ممّا عليه، قسّمنا التركة بينهم، فما أصاب المديون طرح منه ما عليه، و أخذ الباقي من العين، كما لو كان الدّين في المسألة السابقة ثلاثة، و العين سبعة عشر، نصيب كلّ ابن من التركة خمسة، و ما علي المديون ثلاثة، نسقطها من الخمسة، يبقي اثنان، يأخذهما من العين.

و إن كان نصيبه أقلّ ممّا عليه، فيقام سهام الفريضة، و يطرح منها نصيب المديون، و تقسّم العين علي الباقي، فما خرج من القسمة يضرب في نصيب المديون، الذي طرح، فما بلغ فهو الذي حصل من الدّين، ثمّ الباقي من الدّين بعد الذي حصل يسقط منه شيء، و يبقي شيء، يؤدّيه المديون إلي سائر الورثة.

و طريق معرفة الساقط و الباقي أن يقسّم جميع التركة بين الورثة، فما أصاب المديون يطرح ممّا عليه من الدّين، فما بقي هو الذي يؤدّيه المديون، فيقسّمه سائر الورثة علي ما بقي من سهام [الفريضة](1) بعد إسقاط نصيب المديون.

فلو فرضنا في الصورة المذكورة: الدّين ثمانية، و العين اثنا عشر، يقسّم [التركة] علي سهام الفريضة، و هي أربعة، و يطرح منها نصيب المديون، و يقسّم العين علي الباقي، يخرج من القسمة أربعة، نضربها في نصيب المديون، و هو واحد، يكون أربعة، هو الحاصل من الدّين، تبقي4.

ص: 300


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 251:7، و روضة الطالبين 5: 264.

أربعة منه، نأخذ نصيب المديون من التركة، و هو خمسة، فنطرحها ممّا عليه، تبقي ثلاثة، فالثلاثة هي التي تبقي من الدّين، و يسقط واحد، و تلك الثلاثة مقسومة بينهم علي سهامهم ممّا صحّ منه المسألة، و هي ثلاثة.

مسألة 482: لو ترك ثلاثة بنين و عشرين دينارا عينا و عشرة دنانير

دينا علي أحد بنيه، و أوصي لرجل بثلث ماله، فعلي وجه الجمع بين العين و الدّين يكون ثلاثين، يخرج منها الثّلث في الوصيّة: عشرة، و يبقي عشرون بين البنين الثلاثة، لكلّ ابن ستّة و ثلثان، فيأخذ الموصي له ثلثا وصيّته من العين و الثّلث الآخر من الدّين، و يسقط عن الغريم ثلثا دينه بميراثه، يبقي عليه ثلثه للموصي له، و يكون العشرون العين بين الموصي له و الابنين الآخرين أثلاثا، فيحصل لكلّ واحد من الابنين ستّة و ثلثان مثل ما سقط عن الغريم من الدّين.

و علي الوجه الآخر نجعل ما خرج من الدّين شيئا، و نزيده علي العشرين العين، فيصير عشرين دينارا و شيئا، و نسقط ثلثها بالوصيّة، و هو ستّة و ثلثان و ثلث شيء، تبقي ثلاثة عشر و ثلث دينار و ثلثا شيء، فيكون بين البنين الثلاثة، لكلّ واحد أربعة دنانير و أربعة أتساع دينار و تسعا شيء، فهو يعدل الشيء المستخرج من الدّين، نلقي تسعي شيء بمثلهما، تبقي سبعة أتساع شيء تعدل أربعة دنانير و أربعة أتساع دينار، فنبسط جميع ما معنا أتساعا، فيصير سبعة أشياء تعدل أربعين دينارا، فإذا قسّمت ذلك علي عدد الأشياء، خرج من القسمة خمسة دنانير و خمسة أسباع دينار، و هو الشيء المستخرج من الدّين، فزده علي العين، تبلغ خمسة و عشرين و خمسة أسباع، فأخرج من ذلك ثلثه للوصيّة، و هو ثمانية دنانير و أربعة أسباع دينار، و تبقي سبعة عشر و سبع، فيكون بين البنين الثلاثة، لكلّ

ص: 301

واحد خمسة دنانير و خمسة أسباع دينار، و هو الذي يسقط عن الغريم من الدّين الذي عليه، و يأخذ الموصي له من العين ثمانية دنانير و أربعة أسباع دينار، و يبقي منها أحد عشر و ثلاثة أسباع للابنين الآخرين، لكلّ واحد خمسة دنانير و خمسة أسباع دينار مثل ما سقط عن الغريم، و تبقي علي الغريم أربعة دنانير و سبعا دينار، فإذا حصلت أعطي الموصي له تمام الثّلث، و ذلك دينار و ثلاثة أسباع دينار، و يسقط عن الغريم تمام الستّة دنانير و ثلثي دينار، و ذلك ستّة أسباع دينار و ثلثا سبع دينار، و يدفع إلي الابنين الآخرين مثلا ذلك لتمام ميراثهما.

مسألة 483: لو خلّف ابنين و ترك عشرة دينا علي أحدهما،

و عشرة عينا، و أوصي بثلث ماله لأجنبيّ، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّا ننظر إلي الفريضة الجامعة للوصيّة و الميراث، و هي ثلاثة، للموصي له سهم، و لكلّ ابن سهم، فيأخذ المديون سهمه ممّا عليه، و يقسّم الابن الآخر و الموصي له العين نصفين، و قد حصل من الدّين خمسة، تبقي خمسة، للمديون ثلثها، تبقي ثلاثة و ثلث إذا أدّاها اقتسمها الابن الآخر و الموصي له نصفين؛ لأنّ الإرث و الوصيّة ثابتان علي الشيوع، فلكلّ من الابنين و الموصي له ثلث الدّين و ثلث العين، فيبرأ المديون عن ثلث الدّين، و يجعل نصيبه من العين قصاصا بثلث الدّين ممّا يستحقّانه عليه علي جهة المقاصّة السابقة، يبقي ثلث الدّين لهما عليه بالسويّة.

الثاني - و به قال أبو ثور -: أنّ الموصي له يأخذ ثلث العين، و الابن الذي لا دين عليه يأخذ ثلثها إرثا، و الثّلث قصاصا، فيبرأ المديون عن ثلثي الدّين بالإرث و المقاصّة، يبقي عليه ثلث الدّين، يأخذه الموصي له؛ لأنّه لو كان الدّين علي أجنبيّ لم يكن للموصي له من العين إلاّ الثّلث، فكذا إذا

ص: 302

كان علي أحد الابنين(1).

و لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي بربع ماله، فعلي الأوّل الفريضة الجامعة من ثمانية، للموصي له سهمان، و لكلّ ابن ثلاثة، نسقط سهام المديون، تبقي خمسة، نقسّم عليها العين، و هي عشرة، يخرج لكلّ واحد سهمان، فيكون للموصي له أربعة، و للابن ستّة، و قد حصل من الدّين أربعة، نسقط منها حصّة المديون، و هي درهم و نصف؛ لأنّ لكلّ ابن ثلاثة من ثمانية، يبقي درهمان و نصف إذا أدّاها اقتسمها الابن الآخر و الموصي له علي خمسة، لهذا ثلاثة، و لهذا سهمان، فيكمل للموصي له ربع المال.

و علي الوجه الثاني يأخذ الموصي له ربع العين، و ثلاثة أرباعها للابن الذي لا دين عليه بالإرث و المقاصّة، و تبرأ ذمّة المديون عن ثلاثة أرباع الدّين، يبقي عليه ربعه للموصي له(2).

و لو كانت بحالها لكن الوصيّة بالنصف، فإن لم يجز الابنان ما زاد علي الثّلث، فكما لو أوصي بالثّلث.

و لو أجازا، فعلي الوجه الأوّل الفريضة الجامعة من أربعة، للموصي له سهمان، و لكلّ ابن سهم، يأخذ الغريم سهمه ممّا عليه، و يقسّم الابن الآخر و الموصي له العين علي ثلاثة، للموصي له ثلثاها، و للابن ثلثها، و قد حصل من الدّين ثلاثة و ثلث، تبقي ستّة و ثلثان، للمديون ربعها، تبقي خمسة، كلّما أدّي منها شيئا اقتسمه الابن الآخر و الموصي له ثلثا و ثلثين.

و علي الثاني يأخذ الموصي له نصف العين، و نصفها للابن الذي7.

ص: 303


1- نهاية المطلب 288:10-290، العزيز شرح الوجيز 251:7، روضة الطالبين 265:5.
2- نهاية المطلب 291:10-292، العزيز شرح الوجيز 252:7.

لا دين عليه بالإرث و المقاصّة، و يبرأ المديون عن نصف الدّين، يبقي عليه نصفه للموصي له(1).

و إن أجاز الابن المديون دون الآخر، فنصف العين للموصي له، و نصفها للابن الآخر تفريعا علي الوجه الأوّل، كما لو كانت الوصيّة بالثّلث، و للموصي له علي المديون ثلاثة و ثلث، و للآخر عليه درهم و ثلثان، فيحصل للموصي له ثمانية و ثلث، و للآخر ستّة و ثلثان، و يسقط من الدّين خمسة، و هو ربع التركة، الذي يستحقّه حيث أجاز.

و علي الوجه الثاني للموصي له ثلث العين، و الباقي يأخذه الذي لا دين عليه، و للموصي له خمسة علي المديون(2).

و إن أجاز الابن الذي لا دين عليه دون المديون، فعلي الأوّل يأخذ الموصي له من العين خمسة و خمسة أسداس؛ لأنّهما لو أجازا لأخذ الثّلثين، و لو كانت الوصيّة بالثّلث لأخذ النصف، فإذا أجاز أحدهما دون الآخر نصف ما بين النصف و الثّلثين، و هو درهم و ثلثان، فنصفه خمسة أسداس، و الباقي - و هو أربعة و سدس - يأخذه الابن الآخر بالإرث و المقاصّة، يبقي للموصي له علي الابن المديون درهمان و نصف، و للابن الآخر عليه خمسة أسداس، و يسقط عنه ستّة و ثلثان.

و علي الثاني يأخذ الموصي له من العين خمسة؛ لأنّ الذي أجاز يلزمه أن يؤدّي إليه نصف ما عنده، و له علي المديون ثلاثة و ثلث، و للابن المجيز نصف العين إرثا و قصاصا، و هو قدر حقّه(3).7.

ص: 304


1- نهاية المطلب 292:10-293، العزيز شرح الوجيز 252:7.
2- نهاية المطلب 294:10، العزيز شرح الوجيز 252:7.
3- نهاية المطلب 293:10-294، العزيز شرح الوجيز 253:7.

و لو كانت بحالها إلاّ أنّه أوصي بخمسة دراهم من ماله، فعلي الأوّل يدفع إلي الموصي له من العين خمسة، و يأخذ الذي لا دين عليه الخمسة الباقية، نصفها بالإرث، و نصفها قصاصا عمّا له علي المديون، و يبرأ المديون من نصف الدّين بالميراث، و من ربعه بالقصاص، يبقي عليه ربع الدّين للآخر(1).

و توقّف الجويني فيه؛ لأنّ الاعتبار في الوصايا بمآلها، و إذا كان المال بحاله حتي مات و التركة عشرون و الخمسة ربع العشرين، فليكن الحكم كما لو أوصي بربع ماله، و لو أوصي كذلك لم يكن للموصي له نصف العين، بل خمساها(2).

و علي الثاني للموصي له ثلث العين، و يكون الباقي من الدّين(3).

و لو خلّفت زوجا و ثلاث بنين و خمسة دينا علي أحد البنين و خمسة عشر عينا، و هو المال المذكور أوّلا و أوصت بثلث مالها، فعلي الأوّل الفريضة الجامعة من ستّة، للموصي له سهمان، و لكلّ واحد من الزوج و البنين سهم، نسقط نصيب المديون، تبقي خمسة، نقسّم عليها العين، تخرج من القسمة ثلاثة، فللموصي له ستّة، و لكلّ واحد منهم سوي المديون ثلاثة، و قد حصل من الدّين ثلاثة، يبقي من الدّين اثنان، نسقط منها حصّة المديون، و هي ثلث درهم؛ لأنّ لكلّ ابن سهما من ستّة، يبقي درهم و ثلثان إذا أدّاها اقتسموها علي خمسة، للموصي له ثلثان، و لكلّ واحد من البنين و الزوج ثلث.7.

ص: 305


1- نهاية المطلب 294:10-295، العزيز شرح الوجيز 253:7.
2- نهاية المطلب 295:10، و عنه في العزيز شرح الوجيز 253:7.
3- العزيز شرح الوجيز 253:7.

و علي الثاني للموصي له ثلث العين، و هو خمسة، و للزوج و الابنين اللّذين لا دين عليهما الباقي بالسويّة، لكلّ واحد درهمان و نصف بالإرث، و خمسة أسداس بالمقاصّة، و يبرأ المديون عن سدس الدّين بالإرث، و عن درهمين و نصف بالمقاصة، يبقي عليه درهم و ثلثان للموصي له(1).

القسم الثاني: إذا كان الدّين علي أجنبيّ، فينظر إن لم يكن وصيّة، فالورثة يشتركون في العين و الدّين، و لا إشكال.

و إن كانت، فهي إمّا لغير المديون، أو للمديون، أو لهما.

فإن كانت لغير المديون، كما إذا خلّف ابنين و ترك عشرة عينا و عشرة دينا علي رجل، و أوصي لرجل بثلث ماله، فالابنان و الموصي له يقتسمون العين أثلاثا، و كلّما حصل شيء من الدّين اقتسموه كذلك.

و لو قيّد الوصيّة بثلث الدّين، اقتسم الابنان العين، و في الدّين وجهان:

أحدهما: أنّ الحاصل من الدّين يضمّ إلي العين، و يدفع ثلث الدّين ممّا حصل إلي الموصي له، و يعرف هذا بوجه الحصر؛ لأنّه حصر حقّ الموصي له فيما ينجّز من الدّين.

و الثاني: أنّ ما يحصل من الدّين يدفع إليه ثلثه، و يسمّي هذا وجه الشيوع(2).

و لو أوصي - و الصورة ما تقدّمت - لزيد بثلث العين، و لعمرو بثلث الدّين، فلزيد ثلث العين، و أمّا عمرو فإذا حصل من الدّين خمسة، فعلي وجه الشيوع يدفع إليه ثلثها، و هو درهم و ثلثان، و علي وجه الحصر إن5.

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 253:7-254.
2- ورد الوجهان في العزيز شرح الوجيز 254:7، و روضة الطالبين 265:5.

أجاز الورثة، دفع إليه من الخمسة ثلث الدّين، و هو ثلاثة و ثلث، و إن لم يجيزوا، لم يدفع إليه ثلث الدّين تامّا؛ لأنّ الموصي له بالعين قد أخذ ثلث العين، فلو أخذ عمرو ثلث الدّين لانصرف إلي الوصيّة: ستّة و ثلثان، و لم يحصل في يد الورثة بعد إلاّ ثمانية و ثلث، و ذلك دون الضّعف.

و إذا تعذّر ذلك، فكم يدفع إلي عمرو؟

فعلي تخريج أبي ثور يدفع إليه ثلث الخمسة الحاصلة، فيكون المصروف إلي الوصيّتين خمسة، و في يد الورثة عشرة.

و علي القول الآخر تضمّ الخمسة إلي العشرة التي هي عين، و يؤخذ ثلث المبلغ، و هو خمسة، فيضارب فيها زيد و عمرو بجزأين متساويين، فتكون حصّة عمرو درهمين و نصف درهم(1).

و احتجّ الأوّل: بأنّا إذا دفعنا إلي عمرو درهمين و نصفا و قد أخذ زيد ثلاثة و ثلثا، كان المبلغ خمسة دراهم و خمسة أسداس، و ليس في يد الورثة ضعف ذلك(2).

قال الجويني: وجه الحصر في أصله ضعيف، فليحتج بما يلزم منه من محذور علي فساده، لا علي فساد القول الآخر، علي أنّ قياس التفريع عليه علي القول الآخر: ردّ نصيب زيد إلي درهمين و نصف أيضا، فلا يلزم المحذور المذكور(3).

و إن كانت الوصيّة للمديون، فينظر فيما يستحقّه بالوصيّة، أهو مثل0.

ص: 307


1- نهاية المطلب 302:10-303، العزيز شرح الوجيز 254:7.
2- العزيز شرح الوجيز 254:7.
3- حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 254:7-255، و ينظر: نهاية المطلب 304:10.

الدّين أو أقلّ أو أكثر؟ و يقاس بما ذكرناه [فيما](1) إذا كان الدّين علي وارث.

و إن كانت الوصيّة لهما، كما إذا أوصي - و الصورة ما سبق - بثلث العين لزيد، و للغريم بما عليه، و ردّ الابنان الوصيّتين إلي الثّلث، فيكون الثّلث بينهما علي أربعة، لزيد سهم، و للغريم ثلاثة.

فعلي وجه الجمع الفريضة من اثني عشر، للوصيّتين أربعة، و للابنين ثمانية، فيقسّم زيد و الابنان العين علي قدر سهامهم، و هي تسعة، لصاحب العين درهم و تسع، و لكلّ واحد منهما أربعة و أربعة أتساع، و يبرأ الغريم عن ثلاثة أرباع الثّلث، و هي خمسة دراهم، يبقي عليه خمسة، كلّما أدّي شيئا جعل بين زيد و الابنين علي تسعة، فيحصل لزيد خمسة أتساع درهم، فيتمّ له ربع الثّلث، و هو درهم و ثلثان، و للابنين أربعة و أربعة أتساع، فيبلغ مالهما ثلاثة عشر درهما و ثلث درهم، و ذلك ثلثا المال، ثمّ ليكن المصروف إلي زيد عند خروج الدّين من العين إن كانت باقية.

و علي تخريج أبي ثور لزيد ربع الثّلث، و هو درهم و ثلثان، يأخذه من العين، و الباقي من العين للابنين، و يبرأ الغريم من خمسة، يبقي عليه خمسة إذا أدّاها فيقتسمها الابنان(2).

و لو خلّف ابنين، و خلّف عشرين درهما عينا و عشرة دينا علي رجل، و أوصي للغريم بما عليه، و لزيد بعشرة من العين، و لم يجز الابنان ما زاد علي الثّلث، فيجعل الثّلث بينهما نصفين.

ثمّ فيه للشافعيّة وجهان:6.

ص: 308


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 255:7.
2- العزيز شرح الوجيز 255:7، روضة الطالبين 265:5-266.

أصحّهما عندهم: أنّ الفريضة الجامعة من ستّة، للوصيّتين اثنان، و للابنين أربعة، فيقسّم زيد و الابنان العشرين علي قدر سهامهم، و هي خمسة، فيحصل لزيد أربعة، و لكلّ ابن ثمانية، و يبرأ الغريم عن نصف الثّلث، و هو خمسة، يبقي عليه خمسة إذا حصل منها شيء جعل بينهم أخماسا حتي يتمّ لزيد خمسة، و لهما عشرون.

و الثاني: أنّه يدفع إلي زيد من العين نصف وصيّته، و هو خمسة، و يبرأ الغريم من نصف ما عليه، و هو خمسة، و للابنين باقي العين، و هو خمسة عشر، و يقتصّان باقي الدّين، و هو خمسة؛ لأنّ في أيديهما من العين ضعف ما أخذ منهما، و الدّين لم يؤخذ منهما، و إنّما برئ الغريم ممّا عليه(1).

القسم الثالث: إذا كان الدّين علي وارث و أجنبيّ، كما لو خلّف ابنين، و ترك عشرة عينا، و عشرة دينا علي أحدهما، و عشرة دينا علي أجنبيّ، و أوصي بثلث ماله، فعلي أحد الوجهين الفريضة الجامعة من ثلاثة، يجعل سهم المديون ما عليه، و يقتسم الابن الآخر و الموصي له العين نصفين، و إذا حصل ما علي الأجنبيّ اقتسماه كذلك.

و علي الثاني يأخذ الموصي له ثلث العين، و الباقي للابن الذي لا دين عليه، و يبرأ الابن المديون عمّا عليه، و إذا حصل ما علي الأجنبيّ أخذ الموصي له ثلثيه، و الابن الذي لا دين عليه ثلثه(2).

تذنيب: لو ترك عشرة دينا علي أحد ابنيه الحائزين، و عرضا يساوي عشرة، و أوصي بثلثه، فلكلّ واحد من الابنين و الموصي له ثلث الدّين5.

ص: 309


1- العزيز شرح الوجيز 255:7-256، روضة الطالبين 266:5.
2- العزيز شرح الوجيز 256:7، روضة الطالبين 266:5.

و ثلث العرض، فيبرأ المديون عن ثلث الدّين، و يؤخذ منه ثلثا الدّين لهما، فإن لم يملك إلاّ ثلث العرض أعطاهما ذلك عن حقّهما، فإن لم يفعل باعه الحاكم، و دفع الثمن إليهما.

و لو ترك عشرة علي أحدهما و عبدا يساوي عشرة و ثوبا يساوي عشرة، فهل يمنع المديون من التصرّف في حقّه من العين حتي يؤدّي نصيب أخيه من الدّين، أم لا؟ فيه وجهان(1).

و يبتني علي الوجهين نفوذ إعتاقه في نصف العبد(2).

لكن إذا قلنا: إنّه ممنوع من التصرّف، بيع نصيبه من الثوب، و دفع ثمنه إلي أخيه عن جهة الدّين، و يرقّ نصف العبد له.

و إن أطلقنا يده، فإن كان موسرا، قوّمنا عليه الباقي، و إن لم يملك إلاّ نصيبه من الثوب، بعناه، و قضينا بنصف ثمنه نصف ما عليه لأخيه، و أعتقنا بنصفه ربع العبد، و يرقّ ربعه، كأنّا إذا أنفذنا تصرّفه جعلنا إعتاقه مستلزما غرم التقويم، فيضمّ ذلك إلي ما عليه من الدّين، فوزّع ما يملكه عليهما، و إن لم ننفذ تصرّفه، لم نعتبره في غرم التقويم، و كان يجوز أن يلحق إعتاقه بإعتاق الراهن إذا منعناه من التصرّف، حتي يجيء في عتق نصفه الخلاف(3).

مسألة 484: لو ترك ابنين و بنتا و عشرة دنانير عينا و عشرة دنانير

دينا علي أحد ابنيه، و أوصي لرجل بربع ماله، فعلي وجه الجمع يعطي الموصي له ربع العشرة دنانير: ديناران و نصف، و يبقي له ربع العشرة دنانير التي علي الغريم، فإذا حصل له شيء أدّاه إليه، و تقسّم السبعة دنانير و نصف الباقي من العين بين الابن الآخر و البنت، للذكر ضعف الأنثي، يحصل للابن خمسة دنانير، و للبنت ديناران و نصف، و تسقط عن الغريم من الدّين الذي

ص: 310


1- كما في العزيز شرح الوجيز 256:7.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 256:7.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 256:7.

عليه خمسة دنانير مثل ما حصل للابن الآخر، و تبقي علي الغريم خمسة دنانير إذا حصلت أعطي منها الموصي له الدينارين و نصفا، و أعطي الابن دينارا، و البنت نصف دينار، و يسقط عنه دينار مثل ما أعطي الابن الآخر.

و علي الوجه الآخر نجعل المستخرج من الدّين شيئا، و نزيده علي العشرة العين، فيصير عشرة دنانير و شيئا، يعطي الموصي له ربعه، و هو ديناران و نصف و ربع شيء، تبقي سبعة و نصف و ثلاثة أرباع شيء، نقسّمها بين الابنين و البنت، يحصل لكلّ ابن ثلاثة و ثلاثة أعشار شيء، و للبنت دينار و نصف و عشر شيء و نصف عشر شيء، فقابل بالثلاثة دنانير و ثلاثة أعشار شيء الشيء المستخرج من الدّين، فأسقط ثلاثة أعشار شيء بمثلها، تبقي سبعة أعشار شيء تعدل ثلاثة دنانير، فأبسط جميع ما معك من الدنانير أعشارا، فيصير سبعة أشياء تعدل ثلاثين دينارا، فالشيء الواحد يعدل أربعة دنانير و سبعي دينار، فهو الشيء المستخرج من الدّين، و هو ما يسقط(1) عن الغريم من الدّين الذي عليه، و يكون للموصي له من العشرة دنانير ثلاثة دنانير و أربعة أسباع دينار، و هو(2) ربع المستخرج، و العشرة دنانير، و تبقي من العشرة دنانير ستّة دنانير و ثلاثة أسباع دينار بين الابن الآخر و البنت علي ثلاثة، فيحصل للذكر أربعة دنانير و سبعا دينار مثل ما حصل للغريم، و للبنت ديناران و سبع دينار مثل نصف ذلك.

مسألة 485: لو خلّف زوجة و ثلاثة بنين و بنتا،

و ترك خمسة و عشرين دينارا عينا و خمسة دنانير دينا علي البنت، و أوصي لرجل بخمس ماله،

ص: 311


1- في «ر، ل»: «سقط».
2- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «فهو».

فعلي وجه الجمع يضمّ الدّين إلي العين، فيكون ثلاثين، للموصي له خمسها، يأخذ من العين خمسها: خمسة دنانير، و تمام الخمس - و هو دينار - يكون له في الدّين، فإذا حصل أخذه، و تبقي من العين و الدّين أربعة و عشرون، للزوجة منها ثلاثة دنانير، و لكلّ ابن ستّة دنانير، و للبنت ثلاثة دنانير، و الباقي علي البنت من الدّين بعد الوصيّة أربعة دنانير، و هو أكثر ممّا يحصل لها منهما، فاقسم(1) العشرين - التي هي الباقية من العين بعد ما أخذه الموصي له بالوصيّة - بين الزوجة و البنين الثلاثة، فيحصل للزوجة منها ديناران و نصف، و لكلّ واحد من البنين الثلاثة خمسة دنانير و خمسة عشر قيراطا و حبّتان، و يسقط عن البنت من الدّين الذي عليها بإرثها مثل نصف ذلك، و هو ديناران و سبعة عشر قيراطا و نصف و حبّة، يبقي عليها من الدّين ديناران و قيراط و نصف و حبّتان، من ذلك للموصي له دينار، و يسقط عنها من الباقي بإرثها منه قيراط و حبّتان، و يكون الباقي للزوجة و الثلاثة البنين.

و علي الوجه الآخر نجعل المستخرج من الدّين شيئا، و نزيده علي العين، و هو خمسة و عشرون، فيصير خمسة و عشرين دينارا و شيئا، فأعط الموصي له خمس ذلك: خمسة دنانير و خمس شيء، و اقسم الباقي بين الزوجة و البنين الثلاثة و البنت، فيحصل للزوجة من ذلك ديناران و نصف دينار و عشر شيء، و لكلّ ابن خمسة دنانير و خمس شيء، و للبنت ديناران و نصف دينار و عشر شيء، و هو يعدل الشيء المستخرج، فألق عشر الشيء بمثله، تبقي تسعة أعشار شيء تعدل دينارين و نصفا، فأبسط جميع».

ص: 312


1- في «ر، ص»: «و اقسم».

ما معك أعشارا، فيصير تسعة أشياء تعدل خمسة و عشرين دينارا، فالشيء الواحد يعدل دينارين و سبعة أتساع دينار، و هو الشيء المستخرج من الدّين، و هو قدر(1) ما يسقط عنها من الدّين، و يحصل للموصي له خمسة دنانير و خمسة أتساع دينار، و يحصل للزوجة ديناران و سبعة أتساع دينار، و لكلّ واحد من البنين الثلاثة خمسة دنانير و خمسة أتساع دينار.

مسألة 486: لو ترك مائة دينار و مائة عينا،

و أوصي لرجل بثلث العين، و للغريم بما عليه، فإنّ وصيّة الغريم (بما عليه)(2) لمّا كانت في يده جعلت بمنزلة الخارج، فيؤخذ ثلث المائتين، فيضرب فيه كلّ واحد منهما بوصيّته، فيقسمان ذلك علي أربعة، يصيب(3) الغريم ثلاثة أرباعه، و هو خمسون، فيسقط ذلك منه، و يبقي عليه خمسون، ثمّ يضمّ الآخر سهمه إلي الثّلثين، فيصير تسعة، فيقاسم الورثة عليها العين و ما يخرج من الدّين بعد ذلك، هذا قول الأكثر.

و لا فائدة في بقاء شيء من وصيّة الغريم عليه؛ إذ لا يكون للإنسان علي نفسه دين، فلذلك أبرأناه من جميع وصيّته و إن لم يحصل للورثة مثلا الوصايا.

و في قول أبي حنيفة لا يضرب الغريم بأكثر من الثّلث، و ذلك ثلثاه، فيقتسمانه علي ثلاثة، يسقط سهم الغريم، و يضمّ سهم الآخر إلي سهام الورثة، يكون سبعة، يقتسمان عليها العين، و يبقي علي الغريم خمسة و خمسون و خمسة أتساع، فكلّما أدّي شيئا اقتسمه الورثة و صاحب ثلث

ص: 313


1- في الطبعة الحجريّة: «بقدر».
2- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.
3- في النّسخ الخطّيّة: «نصيب» بدل «يصيب».

العين علي سبعة، و الموصي له يأخذ مثل نصيبه من العين إن كانت باقية، أو بدلا منها إن كانت تالفة(1).

فإن كان إنّما أوصي بثلث الدّين، و لم يوص في العين بشيء، فهو للورثة، و يبرأ الغريم من خمسين في قول الأكثر، و كلّما أدّي [شيئا] أخذ الورثة ثلثيه، و صاحب ثلث الدّين ثلثه حتي يستوفي وصيّته، و هي ستّة عشر و ثلثان في أحد قولي الشافعي.

و علي الآخر - و هو قول محمّد و أبي يوسف - هو يكون أحقّ بما خرج حتي يستوفي وصيّته(2).

و في قول أبي حنيفة يبرأ الغريم من ثلاثة و خمسين و ثلث، و كلّما أدّي شيئا أخذه الآخر حتي يستوفي ثلاثة عشر و ثلثا، و ذلك لأنّ ثلثي الدّين خاصّ للغريم، و يتنازعان الثّلث، فهو بينهما نصفين، فيضرب صاحب الدّين بسدس الدّين، و الآخر بثلث المال، فالثّلث بينهما علي خمسة(3).

فإن كانت الوصيّة بثلث المال، كانت العين بين الورثة و صاحب الثّلث علي سبعة عشر؛ لأنّ صاحب الثّلث يضرب بثلث العين و سدس الدّين، و يضرب الآخر بثلث المال كلّه، فألق سهام الغريم، يبقي للآخر ثلاثة، ضمّها إلي الثّلثين، و يبرأ الغريم من أربعة أسباع ثلث المال، هذا قول أبي حنيفة(4).

و قال صاحباه - و هو قياس قول الشافعي -: الثّلث علي خمسة؛ لأنّ صاحب الثّلث يضرب بثلث المال، يضمّ سهمه إلي الثّلثين، يكون اثني عشر، و يختصر من ستّة، فيقتسمون العين عليها، و يبرأ الغريم من الأربعين(5).

و طعن الحفّار في هذا علي محمّد، و قال: الوصايا في دين تامّ،ه.

ص: 314


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.

فلا يجب أن يضرب الموصي له بوصيّته إذا كانت دينا علي غيره، و أمّا فيما عليه فلا بأس بذلك، قال: و لا يصحّ ذلك إلاّ بحساب الجذور(1).

فإن أوصي [لرجل] بثلث العين، و لآخر بثلث الدّين، و للغريم بما عليه، ففي قول أبي حنيفة يضرب الغريم بثلث المال، و هو ثلثا الدّين، و صاحب ثلث العين بثلثها، فيكون الثّلث علي ثلاثة، و يقاسم صاحب [ثلث] العين و الورثة العين علي سبعة(2).

و في قول صاحبيه يضرب بمائة، فيكون الثّلث علي أربعة، و يضمّ سهمه، فيقاسم الورثة علي تسعة، و لا اعتبار بوصيّة الآخر حتي يخرج من الدّين شيء(3).

و لو كان الدّين مائتين علي رجلين و أوصي لكلّ منهما بما عليه، و لآخر بثلث ماله، قسّمت المائة العين بين الورثة و صاحب الثّلث علي سبعة؛ لأنّ الثّلث بين الموصي لهم علي ثلاثة، و قد برئ كلّ غريم من ثلث دينه، فإن أحضر أحدهما ما عليه ضممت سهمه أيضا إلي هذه السهام، فصار ثمانية، و اقتسموا المائتين عليها، فيأخذ خمسة و عشرين ممّا أدّي، و هذا قول الأكثر.

و قال أبو حنيفة: الثّلث علي أربعة عشر؛ لأنّ كلّ غريم يضرب بخمسة أسداس مائة من قبل أن يختصّ بثلثي المائة، و يتداعي هو و صاحب ثلث المال ثلثها، فيقتسمانه نصفين، و يضرب هذا بسدس كلّ مائة و بثلث العين، ثمّ يضمّ سهامه إلي سهام الورثة، يصير اثنين و ثلاثين، و نختصرها من ثمانية، فيقتسمون العين علي ذلك(4).

مسألة 487: لو ترك عشرة عينا و عشرة دينا علي ابنه و هو معسر،

و قد

ص: 315


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

أوصي بثلث ماله، فللموصي له ثلث العين و ثلث الدّين، فيأخذ من العين مثل ذلك قصاصا بما له علي الابن، و يبقي للابن ثلث العين.

و قال داود: يأخذ ثلث العين حسب، و ثلثاها للابن، و يكون له عليه ثلث الدّين في ذمّته(1).

فإن أوصي له بثلثي العين، أخذ ذلك؛ لأنّ ما علي الابن في معني الحاضر.

فإن أوصي له بثلثي الدّين، أخذ ثلثي العين قصاصا.

فإن ترك ابنين، و العشرة الدّين علي أحدهما، أخذ الآخر العين، نصفها بالميراث، و نصفها قصاصا بما [له] علي أخيه علي ما تقدّم.

و قال داود: يتقاسمان العين، و يبقي له عليه نصف الدّين(2).

فإن أوصي مع ذلك بثلث ماله، فالعمل في ذلك بطريق الخطأين أن تجعل الخارج من الدّين درهما، فتصير التركة أحد عشر، فأخرج ثلثها، و اقسم الباقي بين الابنين، يصيبه ثلاثة و ثلثان، فالخطأ بدرهمين و ثلثين، ثمّ افرضه درهمين، و اعتبر، يخرج الخطأ بدرهمين، ففاضل العددين واحد، يضرب في الخطأ الأوّل، و يقسّم علي تفاضل الخطأين، و هو ثلثان، تخرج من [القسمة] أربعة، فهو ما تزيده علي ما فرضته أوّلا، فيكون خمسة، كما قلنا.ه.

ص: 316


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

الفصل الثامن: في اللواحق

مسألة 488: لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا،

و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت و ثلث ما أوصي لعمرو، و لعمرو بمثل نصيب ابن و ربع ما أوصي لزيد، جعلنا وصيّة زيد عددا له ربع، و هو أربعة دنانير، و وصيّة عمرو عددا له ثلث، و هو ثلاثة دراهم، فإذا نقصنا من وصيّة زيد ثلث وصيّة عمرو - و هو درهم - بقي أربعة دنانير إلاّ درهما، و هو نصيب البنت؛ لأنّ جملة وصيّة زيد مثل نصيب البنت و ثلث وصيّة عمرو، و إذا نقصنا من وصيّة عمرو ربع وصيّة زيد - و هو دينار - بقي(1) ثلاثة دراهم إلاّ دينارا، و هو نصيب الابن، و إذا ظهر أنّ نصيب البنت أربعة دنانير إلاّ درهما و نصيب الابن ثلاثة دراهم إلاّ دينارا، فيقابل بين الجملتين، فنضعف نصيب البنت ليعادل نصيب الابن، و ضعفه ثمانية دنانير إلاّ درهمين تعدل ثلاثة دراهم إلاّ دينارا، فنجبر كلّ واحد من الاستثناءين و نقابل، فتسعة دنانير تقابل خمسة دراهم، فالدينار خمسة أسهم، و الدرهم تسعة أسهم، و كانت وصيّة زيد أربعة دنانير، فهي إذا عشرون، و وصيّة عمرو ثلاثة دراهم، فهي إذا سبعة و عشرون، و نصيب كلّ ابن اثنان و عشرون؛ لأنّه ثلاثة دراهم، و هي سبعة و عشرون إلاّ دينارا، و هو خمسة، و نصيب البنت أحد عشر؛ لأنّه أربعة دنانير، و هو عشرون إلاّ درهما، و هو تسعة، فوصيّة زيد مثل نصيب البنت، و هو أحد عشر، و مثل ثلث وصيّة عمرو، و هو تسعة، و وصيّة عمرو مثل نصيب ابن، و هو اثنان و عشرون، و مثل ربع وصيّة زيد، و هو خمسة.

ص: 317


1- في الطبعة الحجريّة: «يبقي».
مسألة 489: لو خلّف أربعة بنين و بنتا،

و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن إلاّ ثلث ما يبقي من ربع المال بعد النصيب، و لعمرو بثلث ما يبقي(1) من ثلثه بعد الوصيّة الأولي، نأخذ ربع مال، و نلقي منه نصيبين؛ لأنّا نسمّي كلّ سهم من سهام المسألة نصيبا، و لكلّ ابن سهمان، فيبقي ربع مال إلاّ نصيبين، نزيد عليه ثلثه للاستثناء، فيبلغ ثلث مال إلاّ نصيبين و ثلثي نصيب.

هذا هو الباقي من الرّبع بعد الوصيّة الأولي، و نحن نحتاج إلي معرفة الباقي من الثّلث بعد الوصيّة الأولي، لندفع إلي عمرو ثلثه، فنزيد عليه ما بين الثّلث و الرّبع، و هو نصف سدس، فيبلغ ربع مال و سدس مال إلاّ نصيبين و ثلثي نصيب، فندفع ثلثه إلي عمرو، تبقي عشرة أجزاء من ستّة و ثلاثين جزءا من المال إلاّ نصيبا و سبعة أتساع نصيب، نزيدها علي ثلثي المال، تبلغ أربعة و ثلاثين جزءا من ستّة و ثلاثين جزءا من مال إلاّ نصيبا و سبعة أتساع نصيب تعدل أنصباء الورثة، و هي تسعة، فنجبر و نقابل، فأربعة و ثلاثون جزءا من ستّة و ثلاثين جزءا من مال تعدل عشرة أنصباء و سبعة أتساع نصيب، فنضربها في ستّة و ثلاثين، و نقلب الاسم فيهما، فالنصيب أربعة و ثلاثون، و المال ثلاثمائة و ثمانية و ثمانون، لكن ليس له ثلث صحيح، فنضربه في ثلاثة، يبلغ ألفا و مائة و أربعة و ستّين، و يكون النصيب مائة و اثنين، نأخذ ربع المال، و هو مائتان و أحد و تسعون، فنلقي منه نصيبين، و هو مائتان و أربعة، تبقي سبعة و ثمانون، نأخذ ثلثها، و هو تسعة و عشرون، فنلقيه من النصيبين، تبقي مائة و خمسة و سبعون، فهي الوصيّة الأولي، نسقطها من ثلث المال، و هو ثلاثمائة و ثمانية و ثمانون، تبقي مائتان و ثلاثة عشر، ندفع ثلثها إلي عمرو، و هو أحد و سبعون، تبقي

ص: 318


1- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «بقي».

مائة و اثنان و أربعون، نزيدها علي ثلثي المال، تبلغ تسعمائة و ثمانية عشر، لكلّ ابن مائتان و أربعة، و للبنت مائة و اثنان.

مسألة 490: لو خلّف ابنين و ثلاث بنات،

و أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن إلاّ ثلث وصيّة خاله، و أوصي لخاله بمثل نصيب بنت إلاّ ربع وصيّة عمّه، ضربنا ثلاثة في أربعة و نقصنا منها واحدا الذي هو مضروب ثلث الثلاثة في ربع الأربعة، فيبقي أحد عشر، فهي النصيب، نضربها في سبعة يكون سبعة و سبعين، فهي الميراث، ثمّ نأخذ لوصيّة العمّ أربعة و عشرين، و لوصيّة الخال اثني عشر؛ لأنّك تجعل كلّ نصيب عددا له ثلث و ربع، و انقص ربع الأربعة و العشرين من اثني عشر، تبقي ستّة، فهي وصيّة الخال، و انقص ثلث الاثني عشر من الأربعة و العشرين، يبقي عشرون، فهي وصيّة العمّ، فالوصيّة ستّة و عشرون، زدها علي الميراث، يكون مائة و ثلاثة، فهي المال.

و امتحانها أن تزيد ثلث وصيّة الخال علي وصيّة العمّ، يكون اثنين و عشرين، فهي مثل نصيب ابن، و زد ربع العشرين علي الستّة، يكون أحد عشر، فهي نصيب البنت.

و بطريق الجبر نجعل مع العمّ أربعة دنانير، و مع الخال ثلاثة دراهم، ثمّ تزيد ثلث وصيّة الخال علي وصيّة العمّ، يكون أربعة دنانير و درهما، فهذا نصيب ابن، فاحفظه، و زد ربع وصيّة العمّ علي وصيّة الخال، يكون ثلاثة دراهم و دينارا، فهذا نصيب بنت، فاضعفه و قابل به ما حفظت، و ألق المشترك، يخرج قيمة الدينار خمسة، و قيمة الدرهم اثنان، فقد عاد إلي الأوّل.

فإذا أردت معرفة النصيب، زدت ربع وصيّة العمّ علي وصيّة الخال،

ص: 319

يكون أحد عشر، فهي النصيب.

و إن شئت جعلت وصيّة الخال شيئا، فيكون وصيّة العمّ نصيبين إلاّ ثلث شيء، فخذ ربعها، و زده علي وصيّة الخال، و قابل به نصيبا، و ألق المشترك، يبقي نصف نصيب يعدل ثلثي شيء و ربع شيء، فأسقطه من اثني عشر و حوّله، يكون الشيء ستّة، و النصيب أحد عشر.

و إن شئت جبرت النصيب، فيصير يعدل شيئا و نصفا و ثلثا، فابسطه أسداسا.

و إن شئت جعلت وصيّة العمّ شيئا، فيكون وصيّة الخال نصيبا إلاّ ربع شيء، فإذا أخذت ثلثها و زدته علي وصيّة العمّ، كان ثلثي شيء و ربع شيء و ثلث نصيب يعدل نصيبين، فألق المشترك، و اضرب ما يبقي في اثني عشر، فيكون نصيبا و ثلثي نصيب عشرين، فهي وصيّة العمّ، و أجزاء الشيء أحد عشر، فهي النصيب.

فإن أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن و مثل خمس وصيّة خاله، و أوصي لخاله بمثل نصيب بنت و مثل ربع وصيّة عمّه، مخرجهما عشرون، و نلقي منه واحدا، تبقي تسعة عشر، فهي النصيب، ثمّ اضعف العشرين لأجل نصيبي الابن، و زد ربعها علي العشرين، يكون ثلاثين، فهي وصيّة الخال، و زد خمس العشرين علي الأربعين، يكون أربعة و أربعين، فهي وصيّة العمّ، و الميراث مائة و ثلاثة و ثلاثون.

و بالجبر نجعل وصيّة العمّ شيئا، يكون وصيّة الخال نصيبا و ربع شيء، فخذ خمس ذلك، فانقصه من وصيّة العمّ، تبقي تسعة عشر من عشرين من شيء إلاّ خمس نصيب، يعدل ذلك نصيبين، فاجبر و أبسط و حوّل، يصير النصيب تسعة عشر، و الشيء أربعة و أربعين، و وصيّة الخال

ص: 320

ثلاثين؛ لأنّها كانت نصيبا و ربع شيء.

و إن كانت وصيّة العمّ إلاّ ثلث وصيّة الخال، فوصيّة الخال مثل نصيب البنت و ربع وصيّة العمّ، فزد علي الاثني عشر واحدا، يكون ثلاثة عشر، فهي النصيب؛ لأنّك كنت في الناقص و الزائد تنقص.

و إذا اختلفا، زدت، فاضعف الاثني عشر من أجل نصيب الابن، يكون أربعة و عشرين، ألق منها ثلث الاثني عشر، يبقي عشرون، فهي للعمّ، ثمّ تزيد ربع الأربعة و العشرين علي الاثني عشر، يكون ثمانية عشر، و هي وصيّة الخال، فقد صار وصيّة الخال مثل نصيب البنت، و هي ثلاثة عشر، و مثل ربع وصيّة العمّ، و هي خمسة، و صارت وصيّة العمّ مثل نصيب ابن إلاّ ثلث وصيّة الخال.

و بطريق الجبر: وصيّة العمّ شيء، فوصيّة الخال نصيب و ربع شيء، فخذ ثلثها، و ضمّه إلي وصيّة العمّ، و قابل به نصيبين، فيبقي شيء و نصف سدس [شيء] يعدل نصيبا و ثلثي نصيب، فأبسط، يكون الأشياء ثلاثة عشر، و الأنصباء عشرين، فاقلب ذلك و كانت وصيّة الخال نصيبا و ربع شيء، فهي ثمانية عشر، و جميع المال مائة و تسعة و عشرون.

مسألة 491: لو خلّف ثلاثة بنين،

و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ ما انتقص من أحدهم بالوصيّة، فنقول: لو لم تكن وصيّة لكان لكلّ ابن ثلث المال، و قد انتقص منه بالوصيّة شيء، فثلث المال نصيب و شيء، و المال كلّه ثلاثة أنصباء و ثلاثة أشياء، ندفع إلي الموصي له نصيبا إلاّ شيئا، يبقي معنا نصيبان و أربعة أشياء يعدل ثلاثة أنصباء، نسقط نصيبين [بنصيبين] يبقي نصيب يعدل أربعة أشياء، فالنصيب أربعة أسهم، و الشيء سهم، و كانت التركة ثلاثة أنصباء و ثلاثة أشياء، فهي إذا خمسة عشر سهما،

ص: 321

و الوصيّة نصيب إلاّ شيء، فهو ثلاثة أسهم، يبقي اثنا عشر للبنين، و قد أخذ الموصي له مثل نصيب أحدهم إلاّ ما انتقص بالوصيّة، و هو سهم من خمسة عشر؛ لأنّه لو لا الوصيّة لكان لكلّ واحد منهم خمسة من خمسة عشر.

و لو كان له ثلاثة بنين، و أوصي بربع ماله إلاّ ما انتقص من أحدهم بالوصيّة، فالوصيّة علي ما ذكرنا نصيب و شيء، و جملة المال ثلاثة أنصباء و ثلاثة أشياء، نأخذ ربعها، و هو ثلاثة أرباع نصيب و ثلاثة أرباع شيء، فنسقط منه قدر النقصان، و هو شيء، تبقي ثلاثة أرباع نصيب إلاّ ربع شيء، نسقط ذلك للموصي له من جملة المال، و هو ثلاثة أنصباء و ثلاثة أشياء، يبقي نصيبان و ربع نصيب و ثلاثة أشياء و ربع شيء يعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط المثل بالمثل، تبقي ثلاثة أرباع نصيب تعدل ثلاثة أشياء و ربع شيء، فالنصيب الكامل يعدل أربعة أشياء و أربعة أجزاء من اثني عشر جزءا من شيء، فنبسطها بأجزاء اثني عشر، و نقلب الاسم، فالشيء اثنا عشر، و النصيب اثنان و خمسون، و جملة المال مائة و اثنان و تسعون، نأخذ ربع المال، و هو ثمانية و أربعون، و ننقص منه ما انتقص من نصيب أحدهم، و هو اثنا عشر؛ لأنّه لو لا الوصيّة لأخذ كلّ واحد منهم أربعة و ستّين، تبقي ستّة و ثلاثون هي الوصيّة، نسقطها من المال، تبقي مائة و ستّة و خمسون، لكلّ واحد اثنان و خمسون.

مسألة 492: لو خلّف ثلاثة بنين،

و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم إلاّ ربع ما يبقي من ماله بعد جميع الوصايا، و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ خمس ما يبقي من ماله بعد الوصايا، و لثالث بمثل نصيب أحدهم إلاّ سدس ما يبقي من ماله بعد الوصايا، فالباقي من المال بعد الوصايا كلّها ثلاثة أنصباء، فوصيّة زيد نصيب إلاّ ربع ثلاثة أنصباء، و هو ثلاثة أرباع نصيب،

ص: 322

تبقي وصيّته بربع نصيب، و وصيّة عمرو نصيب إلاّ خمس ثلاثة أنصباء، و هي ثلاثة أخماس نصيب، تبقي وصيّته بخمسي نصيب، و وصيّة الثالث نصيب إلاّ سدس ثلاثة أنصباء، و هي نصف نصيب، فوصيّته بنصف نصيب، فجملة الوصايا ربع نصيب و خمسا نصيب و نصف نصيب، و هي نصيب و ثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب [نلقيها من المال] فيبقي مال إلاّ نصيبا و ثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، و ذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبر و نقابل، فمال يعدل أربعة أنصباء و ثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، فنبسطها بأجزاء عشرين، و نقلب الاسم، فالمال ثلاثة و ثمانون، و النصيب عشرون، نلقي الوصايا كلّها، و هي ثلاثة و عشرون، تبقي ستّون للبنين، و لزيد مثل نصيب إلاّ ربع ما يبقي من المال بعد الوصايا كلّها، و هو خمسة عشر، فله خمسة، و لعمرو نصيب إلاّ خمس ما يبقي بعد الوصايا، و هو اثنا عشر، فله ثمانية، و للثالث نصيب إلاّ سدس ما يبقي بعد الوصايا، و هو عشرة، فله عشرة.

مسألة 493: لو خلّف ثلاثة بنين،

و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ سدس ما يبقي من ماله بعد الوصيّة، و إلاّ ثلث ما يبقي من ثلثه بعد الوصيّة، فنجعل الوصيّة شيئا، و الباقي أنصباء الورثة، فسدسه نصف نصيب، فاحفظه، فنسقط الوصيّة منه، و هو شيء، تبقي ثلاثة أنصباء إلاّ شيئا، و الثّلث نصيب إلاّ ثلث شيء، نأخذ ثلثه، و هو ثلث نصيب إلاّ تسع شيء، فنضمّه إلي نصف النصيب المحفوظ، يصير خمسة أسداس نصيب إلاّ تسع شيء، و هو المستثني من النصيب، فنضمّه إلي الوصيّة، و هو شيء، لنكمل النصيب، فيبلغ خمسة أسداس نصيب و ثمانية أتساع شيء، و ذلك يعدل نصيبا، فنسقط خمسة أسداس نصيب بمثلها، يبقي سدس نصيب في

ص: 323

معادلة ثمانية أتساع شيء، فالنصيب الكامل يعدل خمسة أشياء و ثلث شيء، نبسطها أثلاثا، و نقلب الاسم، فالنصيب ستّة عشر، و الشيء ثلاثة، و المال كلّه أحد و خمسون؛ لأنّه ثلاثة أنصباء و شيء، نلقي الوصيّة، بقي ثمانية و أربعون، و نأخذ سدسها: ثمانية، و نحفظها، ثمّ نلقي الوصيّة من باقي المال أيضا، و هو ثمانية و أربعون، تبقي خمسة و أربعون، ثلث ثلثها:

خمسة، نضمّها إلي نصف النصيب المحفوظ، و هو ثمانية، تبلغ ثلاثة عشر، نسقطها من النصيب، تبقي ثلاثة هي الموصي به.

مسألة 494: لو خلّف خمسة بنين،

و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي عن قدر الوصيّة من ربع ما يبقي عن الوصيّة، فالمال شيء هو الوصيّة و خمسة أنصباء، نأخذ ربع الباقي بعد الشيء، و هو نصيب و ربع نصيب، و نسقط منه الشيء، يبقي نصيب و ربع نصيب إلاّ شيئا، نأخذ ثلثه، و هو ربع نصيب و سدس نصيب إلاّ ثلث شيء، و هو المستثني من النصيب، فنضمّه إلي الشيء لنكمل النصيب، و إذا ضممناه إليه بلغ ربع نصيب و سدس نصيب و ثلثي شيء، و ذلك يعدل نصيبا، نسقط الرّبع و السّدس بمثلهما، يبقي ثلثا شيء في معادلة ثلث نصيب و ربع نصيب، فعرفنا أنّ النصيب مثل الشيء و سبعه، فالنصيب ثمانية، و الشيء سبعة، و المال كلّه سبعة و أربعون؛ لأنّه خمسة أنصباء و شيء، نأخذ ربع المال بعد الوصيّة، و هو عشرة، نسقط منه الوصيّة، تبقي ثلاثة، نأخذ ثلثها، و نسقطه من النصيب، تبقي سبعة، فهي الوصيّة، و إذا أسقطناها من المال، تبقي أربعون، لكلّ واحد من البنين ثمانية.

مسألة 495: لو خلّف أربعة بنين و أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن

إلاّ سبعي وصيّة خاله، و لخاله بمثل نصيب ابن إلاّ خمسي وصيّة عمّه،

ص: 324

فاضرب خمسة في سبعة [تكون خمسة و ثلاثين] و انقص منها مضروب اثنين في اثنين، الفاضل أحد و ثلاثون، و هو النصيب، و الميراث مائة و أربعة و عشرون، و ألق من الخمسة و الثلاثين سبعيها، تبقي خمسة و عشرون، فهي وصيّة العمّ، و ألق من الخمسة و الثلاثين خمسيها، يبقي أحد و عشرون، فهي وصيّة الخال، و المال كلّه مائة و سبعون.

و بالجبر نجعل وصيّة الخال شيئا، فتكون وصيّة العمّ نصيبا إلاّ سبعي شيء، فخذ خمسي ذلك، و زدهما علي الشيء، فيصير ستّة أسباع شيء و خمس سبع شيء و خمسي نصيب، يعدل ذلك نصيبا، فألق المشترك، و ابسط و اقلب، يرجع إلي مثل الأوّل.

مسألة 496: لو خلّف أمّا و ابنا و بنتا،

و أوصي لعمّه بمثل نصيب البنت إلاّ أربعة أتساع وصيّة خاله، و أوصي لخاله بمثل نصيب الأمّ إلاّ ثلاثة أسباع وصيّة العمّ، فاضرب سبعة في تسعة [تكون ثلاثة و ستّين] و ألق منها مضروب ثلاثة في أربعة، يبقي أحد و خمسون، فهي النصيب، ثمّ اضرب ثلاثة و ستّين في نصيب الأمّ: ثلاثة، يكون مائة و تسعة و ثمانين، و في نصيب البنت [خمسة] يكون ثلاثمائة و خمسة عشر، ألق منها أربعة أتساع مائة و تسعة و ثمانين، الفاضل مائتان و أحد و ثلاثون، فهذه وصيّة العمّ، و ألق من مائة و تسعة و ثمانين ثلاثة أسباع ثلاثمائة و خمسة عشر، و ذلك مائة و خمسة و ثلاثون، الفاضل أربعة و خمسون، فهي وصيّة الخال، و الوصيّتان و النصيب تتّفق بالثّلث، فردّها إلي ثلثها، تكون وصيّة العمّ سبعة و سبعين، و وصيّة الخال ثمانية عشر، و النصيب سبعة عشر، و المال أربعمائة و واحد.

و بالجبر نجعل وصيّة الخال شيئا، فتكون وصيّة العمّ خمسة أنصباء إلاّ أربعة أتساع شيء، فخذ ثلاثة أسباع ذلك، و هي نصيبان و سبع نصيب

ص: 325

إلاّ سبع شيء و ثلث سبع شيء، نلقيها من الثلاثة الأنصباء، تبقي ستّة أسباع نصيب و سبع شيء و ثلث سبع شيء تعدل شيئا، و ألق المشترك، تبقي ستّة أسباع نصيب تعدل خمسة أسباع شيء و ثلثي سبع شيء، فابسط ثلاثة أسباع، يكون النصيب سبعة عشر، و وصيّة الخال ثمانية عشر، فهي الشيء، و وصيّة العمّ سبعة و سبعين، كما قلنا.

مسألة 497: لو أوصي لزيد بثلث ماله إلاّ ثلث (ما أوصي)

مسألة 497: لو أوصي لزيد بثلث ماله إلاّ ثلث (ما أوصي)(1) به لعمرو،

و أوصي لعمرو بربع ماله إلاّ ربع ما أوصي به لزيد، فاضرب ثلاثة في أربعة، يكون اثني عشر، فألق من ثلثها ثلث الرّبع، و من ربعها ربع الثّلث، يكون وصيّة زيد ثلاثة، و وصيّة عمرو اثنين، و ألق من الاثني عشر واحدا، يبقي أحد عشر، فهو المال، فلزيد ثلثها إلاّ ثلث وصيّة عمرو، و لعمرو ربعها إلاّ ربع وصيّة زيد.

فإن أوصي لزيد بثلث ماله إلاّ ربع وصيّة عمرو، و لعمرو بخمس ماله إلاّ سدس وصيّة زيد، فمخرج هذه الكسور ثلاثمائة و ستّون، نلقي من ثلثها ربع خمسها، تبقي مائة و اثنان، فهي وصيّة زيد، و ألق من خمسها سدس ثلثها، يبقي اثنان و خمسون، فهي وصيّة عمرو، و ثلث المال مائة و خمسة عشر؛ لأنّك إذا زدت علي وصيّة زيد ربع وصيّة عمرو، كان ذلك، و إن زدت علي وصيّة عمرو سدس وصيّة زيد، كان تسعة و ستّين، فهي الخمس.

و بالجبر نجعل المال شيئا، و نجعل ما لعمرو وصيّة مجهولة، فلزيد ثلث شيء إلاّ ربع وصيّة، فخذ سدس ذلك نصف تسع شيء إلاّ ثلث ثمن وصيّة، و ضمّه إلي ما بيد عمرو، يكون نصف و ثلث و ثمن وصيّة و نصف

ص: 326


1- بدل ما بين القوسين في «ر، ل»: «الموصي».

تسع شيء، يعدل ذلك خمس شيء، فألق المشترك، يبقي تسع شيء و ثلث عشر شيء(1) ، يعدل نصف و ثلث و ثمن وصيّة، فاضرب في مخارج الكسور، و هو ثلاثمائة و ستّون، و حوّل، تكون الوصيّة اثنين و خمسين، و هي ما لعمرو، و جميع المال ثلاثمائة و خمسة و أربعون، و وصيّة زيد ثلث هذا إلاّ ربع وصيّة عمرو، و ذلك مائة و اثنان، كما قلنا.

مسألة 498: لو خلّف أربعة بنين و بنتا،

و أوصي لعمّه بتكملة الثّلث علي نصيب ابن إلاّ ربع وصيّة الخال، و للخال بتكملة السّدس علي نصيب البنت إلاّ خمس وصيّة عمّه، فاجعل المال شيئا، و اجعل للخال وصيّة، فيكون للعمّ ثلث شيء إلاّ نصيبين، و إلاّ ربع وصيّة، فخذ خمس ذلك خمس ثلث الشيء(2) إلاّ خمسي نصيب، و إلاّ نصف عشر وصيّة، و ضمّه إلي وصيّة الخال، و ضمّ ذلك إلي نصيب البنت، تكون الجملة نصف و ربع و خمس وصيّة و ثلاثة أخماس نصيب و ثلث خمس شيء، يعدل سدس شيء، فألق المشترك، يبقي عشر الشيء، يعدل نصف و ربع و خمس وصيّة و ثلاثة أخماس نصيب، فأكمل الشيء، يعدل تسع وصايا و نصف وصيّة و ستّة أنصباء، فهذه جميع تركة الميّت، فألق منه للخال وصيّة، و ألق ثلثه إلاّ نصيبين و إلاّ ربع وصيّة للعمّ، و ذلك وصيّتان و ثلثان و ربع، الفاضل خمس وصايا و ثلث و ربع وصيّة و ستّة أنصباء، يعدل تسعة أنصباء، فألق المشترك، و ابسط ما يبقي أنصاف أسداس، و حوّل، يكون النصيب سبعة و ستّين، و الوصيّة ستّة و ثلاثين، فهي للخال، و وصيّة العمّ مائة و خمسة، و الميراث ستّمائة و ثلاثة، و جميع المال سبعمائة و أربعة و أربعين.

ص: 327


1- في الطبعة الحجريّة: «عشره» بدل «عشر شيء».
2- في النّسخ الخطّيّة: «ثلث خمس شيء».
مسألة 499: لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا،

و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت إلاّ ثلث ما أوصي لعمرو، و لعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلاّ ربع ما أوصي لزيد، جعلنا وصيّة زيد عددا له ربع، و ليكن أربعة دنانير، و وصيّة عمرو عددا له ثلث، و ليكن ثلاثة دراهم، و نعلم أنّا إذا أخذنا ثلث وصيّة عمرو و ضممناه إلي وصيّة زيد، بلغ أربعة دنانير و درهما، و ذلك مثل نصيب البنت، فنصيب كلّ ابن ضعفه، و هو ثمانية دنانير و درهمان، و إذا أسقطنا من ذلك ربع وصيّة زيد، و هو دينار، تبقي سبعة دنانير و درهمان، و هي وصيّة عمرو، يقابل بها الدراهم التي جعلناها وصيّة أوّلا، فنسقط درهمين بمثلها، تبقي سبعة دنانير في مقابلة درهم واحد، فالدينار واحد، و الدرهم سبعة، كانت وصيّة زيد أربعة دنانير، فهي إذا أربعة، و كانت وصيّة عمرو ثلاثة دراهم، فهي إذا أحد و عشرون، و نصيب البنت أربعة دنانير و درهم، فهي إذا أحد عشر، و نصيب كلّ ابن اثنان و عشرون، فما أخذه زيد مثل نصيب البنت إلاّ ثلث وصيّة عمرو، و ما أخذه عمرو مثل نصيب ابن إلاّ ربع وصيّة زيد.

مسألة 500: لو خلّف زوجة و أبوين و ابنا،

و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد الأبوين، و لعمرو بتكملة ربع ما يبقي من ماله بنصيب الآخر، جعلنا الوصيّتين شيئا واحدا، فيكون المال شيئا، و سهام الورثة، و هي أربعة و عشرون، نأخذ ثلثها، و هو ثلث شيء و ثمانية أسهم، فنسقط منه نصيب أحد الأبوين، و هو أربعة، تبقي أربعة و ثلث الشيء، فهو وصيّة زيد، نسقطها من المال، يبقي عشرون و ثلثان، نأخذ ربعه، و هو خمسة و سدس شيء، نسقط منه نصيب أحد الأبوين، يبقي سهم و سدس شيء، فهو وصيّة عمرو، نجمع بين الوصيّتين، يبلغ خمسة و نصف شيء، و ذلك

ص: 328

يعدل الشيء الذي جعلناه أوّلا مجموع الوصيّتين، نسقط نصف شيء بنصف شيء، تبقي خمسة في معادلة نصف شيء، فالشيء عشرة، نزيدها علي سهام الورثة، تبلغ أربعة و ثلاثين، و كان لزيد أربعة و ثلث شيء، فهي سبعة و ثلث، فهي مع نصيب أحد الأبوين ثلث جميع المال، و كان لعمرو سهم و سدس شيء، فهي سهمان و ثلثان، و ذلك مع نصيب أحد الأبوين ربع الباقي من المال بعد وصيّة زيد، تبقي بعد العشرة أربعة و عشرون للورثة.

و لو كانت المسألة بحالها، و أوصي لثالث بتكملة نصف ما يبقي بعد الوصيّتين الأوّلتين بنصيب الزوجة، جعلنا مجموع الوصايا شيئا، و نسقط من المال وصيّتي زيد و عمرو، كما بيّنّا، تبقي تسعة عشر و نصف شيء، نأخذ نصفها، و هو تسعة و نصف سهم و ربع شيء، نسقط منه نصيب الزوجة، و هو ثلاثة، تبقي ستّة و نصف سهم و ربع شيء، فهي وصيّة الثالث، نضمّها إلي الوصيّتين الأوّلتين، تبلغ أحد عشر سهما و نصف سهم و ثلاثة أرباع شيء، و هو يعدل الشيء الذي جعلناه مجموع الوصايا، نسقط ثلاثة أرباع شيء بثلاثة أرباع شيء، يبقي ربع شيء في معادلة أحد عشر سهما و نصف سهم، فالشيء الكامل يعدل ستّة و أربعين، نزيدها علي سهام الورثة، تبلغ سبعين، كان لزيد أربعة و ثلث شيء، فله تسعة عشر و ثلث، و هي مع نصيب أحد الأبوين ثلث جميع المال، و كان لعمرو سهم و سدس شيء، فله ثمانية و ثلثان، و هي مع نصيب أحد الأبوين ربع الباقي بعد وصيّة زيد، و كان للثالث ستّة و نصف سهم و ربع شيء، فله ثمانية عشر، و هي مع نصيب الزوجة نصف الباقي بعد الوصيّتين، و جملة الوصايا ستّة و أربعون، تبقي أربعة و عشرون للورثة.

ص: 329

مسألة 501: لو خلّف سبعة بنين،

و أوصي بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلاّ تكملة سدس ما يبقي من ماله بعد الوصيّة بنصيب أحدهم، فنجعل الوصيّة شيئا، و نضعه من المال، يبقي مال إلاّ شيئا، نأخذ سدسه، و هو سدس مال إلاّ سدس شيء، و هذا السّدس الناقص بسدس شيء مثل ربع المال إلاّ شيئا؛ لأنّ الرّبع الناقص بشيء ما هو إلاّ نصيب و تكملة سدس الباقي المستثني، و سدس الباقي نصيب و تلك التكملة، فإذا سدس مال إلاّ سدس شيء يعدل ربع المال إلاّ شيئا، فنجبر الرّبع بشيء، و نزيد الشيء علي عديله، فإذا ربع مال يعدل سدس مال و خمسة أسداس شيء، نسقط المثل بالمثل، يبقي نصف سدس مال في معادلة خمسة أسداس شيء، فالمال يعدل عشرة أشياء، و الشيء عشر مال، تبقي تسعة أعشار مال بين البنين، و تسعة لا تنقسم علي سبعة و لا وفق، فاضرب عدد البنين في عشرة، يكون سبعين، و النصيب تسعة، نأخذ ربع المال، و هو سبعة عشر و نصف، فنلقي منه نصيبا، و هو تسعة، تبقي ثمانية و نصف، فهي تكملة ربع المال بالنصيب، ثمّ نسقط الوصيّة - و هي سبعة - من المال، تبقي ثلاثة و ستّون، نأخذ سدسها، و هو عشرة و نصف، فنسقط منها النصيب، يبقي سهم و نصف، و هي تكملة سدس الباقي من المال بعد الوصيّة، نسقطها من تكملة ربع الباقي من المال، و هي ثمانية و نصف، تبقي سبعة هي الوصيّة، فإذا أسقطناها من المال، تبقي ثلاثة و ستّون، لكلّ ابن تسعة.

مسألة 502: لو خلّف ابنا و بنتا،

و أوصي بوصيّة إذا زدت عليها أربعة دراهم، كانت مثل نصيب البنت، و إذا زدت عليها تسعة دراهم، كانت مثل نصيب الابن، فنجعل للبنت شيئا و أربعة دراهم، و نصيب الابن شيئا و تسعة دراهم، ثمّ نضعف نصيب البنت، يكون شيئين و ثمانية دراهم، و ذلك

ص: 330

يعدل نصيب الابن، فنسقط شيئا بشيء و ثمانية دراهم بثمانية دراهم، يبقي شيء يعدل درهما، و هو الوصيّة، فإذا زدت درهما علي أربعة، بلغت خمسة، و هي نصيب البنت، فإذا زدت درهما علي تسعة، بلغت عشرة، و هي نصيب الابن، و جملة التركة ستّة عشر.

فلو أوصي بوصيّة إذا زدتها علي نصيب البنت، بلغ أربعة، و إذا زدتها علي نصيب الابن، بلغ سبعة، فنجعل الوصيّة شيئا، و نلقيه من أربعة، تبقي أربعة إلاّ شيئا، فهي نصيب البنت، و نلقيه من سبعة، تبقي سبعة إلاّ شيئا، فهي نصيب الابن، ثمّ نضعف نصيب البنت ثمانية إلاّ شيئين، و ذلك يعدل نصيب الابن، فنجبر الثمانية بشيئين، و نزيدهما علي العديل ثمانية، تعدل سبعة و شيئا، نسقط سبعة بسبعة، يبقي واحد يعدل شيئا، فالشيء واحد، و هو الوصيّة، و نصيب البنت ثلاثة، و نصيب الابن ستّة، و جملة التركة سبعة عشر.

مسألة 503: لو خلّف ابنين و بنتا،

و أوصي لكلّ من زيد و عمرو بوصيّة إذا زدت علي وصيّة زيد أربعة دراهم، كانت مثل نصيب البنت، و إذا زدت علي وصيّة عمرو تسعة دراهم، كانت مثل نصيب ابن، و الوصيّتان جميعا عشرون، كم التركة ؟ و كم الأنصباء و كلّ وصيّة ؟ فنجعل نصيب البنت شيئا، فيكون نصيب الابن شيئين، و تكون وصيّة زيد شيئا إلاّ أربعة دراهم، و وصيّة عمرو شيئين إلاّ تسعة، فالوصيّتان ثلاثة أشياء إلاّ ثلاثة عشر درهما، و ذلك يعدل عشرين درهما، فنجبر و نقابل، فثلاثة أشياء تعدل ثلاثة و ثلاثين، فيكون الشيء أحد عشر، فهو نصيب البنت، و نصيب كلّ ابن اثنان و عشرون، فإذا نقصت من أحد عشر أربعة، تبقي سبعة، فهي وصيّة زيد، و إذا نقصت من اثنين و عشرين تسعة، بقي ثلاثة عشر، فهي

ص: 331

وصيّة عمرو، فالوصيّتان معا عشرون، و التركة خمسة و سبعون.

و لو قيل: كانت وصيّة زيد إذا نقصت من خمسة عشر، بقي مثل نصيب البنت، و وصيّة عمرو إذا نقصت من أربعين، بقي مثل نصيب ابن، و الوصيّتان عشرون، كم التركة ؟ و كم الأنصباء و كلّ واحدة من الوصيّتين ؟ فنجعل نصيب البنت شيئا، و نصيب الابن شيئين، و ننقص نصيب البنت من خمسة عشر، تبقي خمسة عشر إلاّ شيئا، فهو وصيّة زيد، و ننقص نصيب الابن من أربعين، يبقي أربعون إلاّ شيئين، فهو وصيّة عمرو، فالوصيّتان خمسة و خمسون إلاّ ثلاثة أشياء، و هي تعدل عشرين، فنجبر و نقابل، فخمسة و خمسون إلاّ ثلاثة أشياء، و هي تعدل عشرين و ثلاثة أشياء، فنجبر و نقابل، نسقط عشرين بعشرين، تبقي خمسة و ثلاثون في معادلة ثلاثة أشياء، فالشيء يعدل أحد عشر و ثلثين، و هو نصيب البنت إذا نقصته من خمسة عشر، تبقي ثلاثة و ثلثان، فهي وصيّة زيد، و نصيب الابن ثلاثة و عشرون و ثلث إذا نقصته من أربعين، تبقي ستّة عشر و ثلثان، فهي وصيّة عمرو، فالوصيّتان عشرون، و التركة ثمانية و سبعون و ثلث.

مسألة 504: لو خلّف ثلاثة بنين،

و أوصي لثلاثة أشخاص بوصايا هي مثل نصيب أحد البنين، و وصيّة زيد و عمرو معا أكثر من وصيّة بكر بثلاثة دراهم، و وصيّة عمرو و بكر معا أكثر من وصيّة زيد بسبعة دراهم، و وصيّة زيد و بكر معا أكثر من وصيّة عمرو باثني عشر درهما، كم التركة ؟ و كم كلّ وصيّة ؟

فنقول: نجعل نصيب كلّ ابن شيئا، فتكون الوصايا كلّها أشياء، نسقط منه فضل وصيّة زيد و عمرو علي وصيّة بكر، و هي ثلاثة، يبقي شيء إلاّ ثلاثة دراهم، نأخذ نصفه، و هو نصف شيء إلاّ درهما و نصفا، فهو

ص: 332

وصيّة بكر، ثمّ نسقط منه فضل وصيّة عمرو و بكر علي وصيّة زيد، و هي سبعة، يبقي شيء إلاّ سبعة دراهم، نأخذ نصفه، و هو نصف شيء إلاّ ثلاثة دراهم و نصف درهم، فهو وصيّة زيد، ثمّ نسقط منه فضل وصيّة بكر و زيد علي وصيّة عمرو، و هو اثنا عشر، يبقي شيء إلاّ اثني عشر، يؤخذ نصفه، و هو نصف شيء إلاّ ستّة، فهو وصيّة عمرو، و جميعها عند الضمّ شيء و نصف شيء إلاّ أحد عشر درهما، و ذلك يعدل شيئا، فنجبر و نقابل، فالشيء و نصف شيء يعدل شيئا و أحد عشر، نسقط الشيء بالشيء، فالنصف يعدل أحد عشر، و الشيء الكامل يعدل اثنين و عشرين، فعرفنا أنّ نصيب كلّ ابن اثنان و عشرون، و كذلك جميع الوصايا.

فإن أردنا أن نعرف كلّ وصيّة، أسقطنا من مبلغ الجميع فضل وصيّتي زيد و عمرو علي وصيّة بكر، و هو ثلاثة، تبقي تسعة عشر، نأخذ نصفها، و هو تسعة و نصف، فهي وصيّة بكر، ثمّ أسقطنا منها فضل وصيّتي عمرو و بكر علي وصيّة زيد، و هو سبعة، تبقي خمسة عشر، نأخذ نصفها، و هو سبعة و نصف درهم، فهي وصيّة زيد، ثمّ أسقطنا منه فضل وصيّتي زيد و بكر علي وصيّة عمرو، و هو اثنا عشر، تبقي عشرة، نأخذ نصفها خمسة، فهي وصيّة عمرو، و جملتها اثنان و عشرون، و التفاوت كما وقع السؤال عنه.

و لمّا كانت الوصايا في هذه الصورة ثلاثا، و كان كلّ اثنين منها يفضل الثالثة بعدد، كانت كلّ مفضولة نصف الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل.

و لو كانت الوصايا أربعا و كلّ ثلاث تفضل الرابعة بعدد، فتكون المفضولة ثلث الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل.

ص: 333

و لو كانت الوصايا خمسا و كلّ أربع منها تفضل الخامسة بعدد، فتكون المفضولة ربع الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل، و علي هذا القياس.

مسألة 505: لو خلّف ابنين،

و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما، و لعمرو بثلث ما يبقي من النصف و بدرهم، و ترك ثلاثين درهما، نجعل الوصيّتين شيئا، و نلقيه من التركة، يبقي ثلاثون درهما إلاّ شيئا، لكلّ ابن خمسة عشر إلاّ نصف شيء، فهو النصيب، ثمّ نأخذ نصف المال، و هو خمسة عشر، فنسقط منها نصيبا، و هو خمسة عشر إلاّ نصف شيء، يبقي نصف شيء، نأخذ لعمرو ثلثه، و هو سدس شيء، و نضمّ إليه درهما، فالوصيّتان معا ستّة عشر إلاّ ثلث شيء، و ذلك يعدل شيئا، فنجبر و نقابل، فستّة عشر درهما تعدل شيئا و ثلث شيء، فالشيء يعدل اثني عشر درهما، و هي جملة الوصيّتين، تبقي ثمانية عشر للابنين، نأخذ نصف المال، و هو خمسة عشر درهما، فنسقط نصيبا، و هو تسعة، ندفعه إلي زيد، تبقي ستّة، نأخذ ثلثها و درهما لعمرو، تبقي ثلاثة، نزيدها علي النصف الآخر، تبلغ ثمانية عشر، لكلّ ابن تسعة.

مسألة 506: لو خلّف ستّة بنين،

و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث، و التركة ثلاثة عشر و شيء، نأخذ ثلثها، و هو أربعة دراهم و ثلث درهم و ثلث شيء، و نسقط منه بالنصيب شيئا، تبقي أربعة دراهم و ثلث درهم إلاّ ثلثي شيء، فنسقط من ذلك ثلثه، و هو درهم و أربعة أتساع درهم إلاّ تسعي شيء، يبقي درهمان و ثمانية أتساع درهم إلاّ أربعة أتساع شيء، نزيده علي ثلثي المال، و هو ثمانية دراهم و ثلثا درهم و ثلثا شيء، تبلغ أحد عشر درهما و خمسة أتساع درهم و تسعي

ص: 334

شيء في معادلة خمسة أشياء و سبعة أتساع شيء، فنبسطها أتساعا، فتكون الأشياء اثنين و خمسين، و الدراهم مائة و أربعة، فالشيء الواحد يعدل درهمين، فعرفنا أنّ قيمة الثوب درهمين، نأخذ ثلث المال، و هو خمسة دراهم، ندفع الثوب منه إلي زيد بدرهمين، تبقي ثلاثة، ندفع ثلثها إلي عمرو، يبقي اثنان، نزيدهما علي ثلثي المال، يبلغ اثني عشر، لكلّ واحد درهمان.

و لو كان البنون ثلاثة، فالعمل علي ما ذكرنا إلي أن يعادل أحد عشر درهما و خمسة أتساع درهم و تسعا شيء ثلاثة أشياء، نسقط تسعين بتسعين، فأحد عشر درهما و خمسة أتساع درهم يعدل شيئين و سبعة أتساع، نبسطها أتساعا، فالأشياء خمسة و عشرون، و الدراهم مائة و أربعة، فالشيء يعدل أربعة دراهم و أربعة أجزاء من خمسة و عشرين جزءا من درهم، و هو قيمة الثوب، و جملة التركة سبعة عشر درهما و أربعة أجزاء من خمسة و عشرين جزءا من درهم، نأخذ ثلثه، و هو خمسة دراهم و ثمانية عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم، فنسقط منه لزيد أربعة دراهم و أربعة أجزاء من خمسة و عشرين جزءا من درهم، يبقي درهم و أربعة عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم، نأخذ ثلثه، و هو ثلاثة عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم، يبقي درهم و جزء من خمسة و عشرين جزءا من درهم، نزيده علي ثلثي المال، و هو أحد عشر درهما و أحد عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم، يبلغ اثني عشر درهما و اثني عشر جزءا من خمسة و عشرين جزءا من درهم، لكلّ واحد أربعة دراهم و أربعة أجزاء من خمسة و عشرين جزءا من درهم.

مسألة 507: لو أوصي لزيد بخمسة أسهم إلاّ ربع وصيّة عمرو،

ص: 335

و لعمرو بخمسة أسهم إلاّ سبع وصيّة زيد، فاضرب أربعة في سبعة، يكون ثمانية و عشرين، ألق منها واحدا، تبقي سبعة و عشرون، فهي الجزء المقسوم عليه، ثمّ ألق من الخمسة ربعها، و اضرب الباقي في ثمانية و عشرين، يكون مائة و خمسة، اقسمها علي سبعة و عشرين، يخرج من القسمة ثلاثة و ثمانية أتساع، فهي وصيّة زيد، و ألق من الخمسة سبعها، و اضرب الباقي في الثمانية و العشرين، و اقسمها علي السبعة و العشرين، يخرج أربعة و أربعة أتساع، فهي وصيّة عمرو.

و بالجبر اجعل وصيّة عمرو شيئا، فوصيّة زيد خمسة دراهم إلاّ ربع شيء، فخذ سبعها، فزده علي الشيء، يكون ستّة أسباع و نصف و ربع سبع شيء و خمسة أسباع درهم، تقابل به خمسة دراهم، و ألق المشترك، تبقي أربعة دراهم و سبعان تعدل ستّة أسباع و نصف سبع و ربع سبع، فاجبر الشيء، بأن تزيد عليه مثل تسعه، فيصير يعدل أربعة و أربعة أسباع، فهو قيمة الشيء، و هو وصيّة عمرو، و وصيّة زيد خمسة دراهم إلاّ ربع هذا، فذاك(1) ثلاثة و ثمانية أتساع كما قلنا.

مسألة 508: لو خلّف ابنين،

و أوصي بوصيّة إذا نقصتها من نصيب أحدهما، بقي مثل الوصيّة و ربع جميع المال، كم الوصيّة ؟ و كم النصيب ؟ نجعل ربع المال شيئا، و نعلم أنّه إذا انضمّت إليه وصيّة، كانت مثل نصيب أحد الابنين إلاّ وصيّة، فنصيب كلّ ابن شيء و وصيّتان، ثمّ نأخذ المال كلّه، و هو أربعة أشياء؛ لأنّا جعلنا الرّبع شيئا، فنسقط منه الوصيّة، تبقي أربعة أشياء إلاّ وصيّة، و هي تعدل نصيبي الابن، و هما شيئان و أربع وصايا؛ لأنّ كلّ نصيب شيء و وصيّتان، فنجبر و نقابل، فأربعة أشياء تعدل شيئين

ص: 336


1- في الطبعة الحجريّة: «فذلك».

و خمس وصايا، نسقط شيئين بشيئين، يبقي شيئان في معادلة خمس وصايا، فنقلب الاسم و نقول: الشيء خمسة، و الوصيّة اثنان، و كان المال أربعة أشياء، فهو إذا عشرون، و نصيب كلّ ابن شيء و وصيّتان، فهو إذا تسعة، فإذا نقصنا الوصيّة - و هي اثنان - من النصيب، تبقي سبعة، و هي مثل الوصيّة و ربع جميع المال.

مسألة 509: لو أوصي لعمّه بثلث ماله إلاّ ثلث وصيّة الخال،

و أوصي لخاله بربع المال إلاّ ربع وصيّة الأجنبيّ، و للأجنبيّ بخمس المال إلاّ سدس وصيّة العمّ، فاجعل وصيّة العمّ ثلث مال إلاّ شيئا، و وصيّة الخال ثلاثة أشياء، و وصيّة الأجنبيّ مالا إلاّ اثني عشر شيئا، فإذا زدت ثلث وصيّة الخال علي وصيّة العمّ، كانت ثلث المال، و إذا زدت ربع وصيّة الأجنبيّ علي وصيّة الخال، كانت ربع المال، فخذ سدس وصيّة العمّ، و ذلك نصف تسع مال إلاّ سدس شيء، فزد ذلك علي وصيّة الأجنبيّ، يكون مالا و نصف تسع مال إلاّ اثني عشر شيئا و سدس شيء، فهذا يعدل خمس المال، فاجبر و ألق المشترك، تبقي أربعة أخماس مال و نصف تسع مال تعدل اثني عشر شيئا و سدس شيء، فابسط ما معك من أجزاء المال و حوّل، يكون الشيء سبعة و سبعين، و المال ألفا و خمسة و تسعين، و وصيّة العمّ مائتين و ثمانية و ثمانين، و وصيّة الخال مائتين و واحدا و ثلاثين، و وصيّة الأجنبيّ مائة و واحدا و تسعين، فإذا زدت علي وصيّة العمّ ثلث وصيّة الخال، كان ثلاثمائة و خمسة و ستّين، و هو ثلث المال، فإذا زدت علي وصيّة الخال ربع وصيّة الأجنبيّ، كانت مائتين و ثلاثة و سبعين و نصفا و ربعا، و هو ربع المال، و إذا زدت علي وصيّة الأجنبيّ سدس وصيّة العمّ ثمانية و أربعين، كان ذلك مائة و سبعة و عشرين، و هو خمس المال.

ص: 337

مسألة 510: لو خلّف ابنا و بنتا،

و أوصي بثلاث وصايا لثلاثة أشخاص، و كان إذا جمعت وصيّتا زيد و عمرو، كان المبلغ مثل نصيب الابن، و إذا جمعت وصيّتا بكر و عمرو، كان المبلغ مثل نصيب البنت، و إذا جمعت وصيّتا زيد و بكر كان المبلغ مثل ثلث التركة، فنجعل وصيّة عمرو شيئا، و نسقطه من نصيب الابن، يبقي نصيبان إلاّ شيئا، فهو وصيّة زيد، و نسقط الشيء من نصيب البنت، يبقي نصيب إلاّ شيئا، فهو وصيّة بكر، ثمّ نجمع وصيّتي بكر و زيد، و هما ثلاثة أنصباء إلاّ شيئين، و ذلك ثلث المال، فالمال إذا تسعة أنصباء إلاّ ستّة أشياء، فنلقي منه الوصايا كلّها، و هي ثلاثة أنصباء إلاّ شيئا؛ لأنّ وصيّة زيد نصيبان إلاّ شيئا، و وصيّة عمرو شيء، و وصيّة بكر نصيب إلاّ شيئا، و إذا أسقطنا ذلك من المال، تبقي ستّة أنصباء إلاّ خمسة أشياء تعدل أنصباء الورثة، و هي ثلاثة، فنجبر و نقابل، فستّة أنصباء تعدل ثلاثة أنصباء و خمسة أشياء، نسقط ثلاثة أنصباء بمثلها، تبقي ثلاثة أنصباء تعدل خمسة أشياء، فنقلب الاسم، و نقول: الشيء ثلاثة، و النصيب خمسة، فللابن عشرة، و للبنت خمسة، و وصيّة زيد سبعة؛ لأنّها نصيبان إلاّ شيئا، و وصيّة عمرو ثلاثة؛ لأنّها شيء، و وصيّة بكر اثنان؛ لأنّها نصيب إلاّ شيئا، و التركة سبعة و عشرون.

مسألة 511: لو خلّف ابنا و بنتا،

و أوصي لزيد و عمرو بوصيّتين، و كانت وصيّة زيد ضعف وصيّة عمرو، و كانتا معا سدس المال، و إذا ضربت كلّ واحدة منهما في نفسها، و أسقطت الأقلّ من الأكثر، كان الباقي مثل نصيب البنت، فنجعل وصيّة عمرو شيئا، و وصيّة زيد شيئين، و هما معا سدس المال، فالمال ثمانية عشر شيئا، ثمّ نضرب وصيّة عمرو في نفسها، فيحصل مال، و وصيّة زيد في نفسها، تحصل أربعة أموال، نسقط

ص: 338

الأقلّ من الأكثر، تبقي ثلاثة أموال، فهي نصيب البنت، فنصيب الابن ستّة أموال تزيد الوصيّتين علي مجموعهما، تحصل تسعة أموال و ثلاثة أشياء، و هي تعدل جميع المال، و هو ثمانية عشر شيئا، نسقط ثلاثة أشياء بمثلها، تبقي تسعة أموال في معادلة خمسة عشر شيئا، فالشيء واحد و ثلثان، و هو وصيّة عمرو، و وصيّة زيد ثلاثة و ثلث، و هما معا سدس التركة، فهي إذا ثلاثون، و إذا ضربت درهما و ثلثي درهم في نفسه، حصل درهمان و سبعة أتساع، و إذا ضربت ثلاثة دراهم و ثلث درهم في نفسه(1) حصل أحد عشر درهما و تسع درهم، إذا أسقطت الأقلّ من الأكثر، تبقي ثمانية دراهم و ثلث، و هي مثل نصيب البنت و الابن ستّة عشر و ثلثان.

مسألة 512: لو خلّفت زوجها و خالها و عمّها،

و أوصت لزيد بمثل نصيب عمّها، و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث، و شرطت أن لا ينقص الخال عن سهمه، فمسألة الورثة من ستّة، و نجعل ثلث المال سهما و ثلاثة دراهم.

أمّا سهما: فلأنّ العمّ الموصي بمثل نصيبه له سهم من مسألة الورثة.

و أمّا ثلاثة دراهم: فلذكرها(2) ثلث ما يبقي من الثّلث، فندفع سهما إلي زيد، تبقي ثلاثة دراهم، ندفع منها واحدا إلي عمرو، يبقي درهمان، نزيدهما علي ثلثي المال، و هو سهمان و ستّة دراهم، يكون سهمين و ثمانية دراهم، و ذلك يعدل ثلث المال و أربعة أسهم؛ لأنّ الخال إذا لم ينقص أخذ ثلث المال كملا، و للزوج و للعمّ أربعة أسهم، و ثلث المال سهم و ثلاثة دراهم، فإذا سهمان و ثمانية دراهم يعدل خمسة أسهم و ثلاثة دراهم، نسقط

ص: 339


1- الظاهر: «نفسها».
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلذكره». و المثبت يقتضيه السياق.

المثل بالمثل، فتعود السهام إلي ثلاثة، و الدراهم إلي خمسة، فنقلب الاسم و نقول: السهم خمسة، و الدرهم ثلاثة، و كان ثلث المال سهما و ثلاثة دراهم، فإذا أربعة عشر، نعزل منها نصيب العمّ - و هو خمسة - لزيد، و ثلث الباقي - و هو ثلاثة - لعمرو، تبقي ستّة، نزيدها علي ثلثي المال، تبلغ أربعة و ثلاثين، من ذلك ثلث المال للخال، و هي(1) أربعة عشر، تبقي عشرون، للزوج بثلثه خمسة عشر، فللعمّ(2) بواحد خمسة.

مسألة 513: لو خلّف ستّة بنين،

و أوصي بجذر الثّلث و بنصيب أحد البنين و بجذر ما يبقي من الثّلث، فاجعل الثّلث مالا، و ألق جذره، و هو شيء، يبقي مال إلاّ شيئا، فأخرج(3) منه نصيب أحد البنين، و ذلك خمسة أتساع مال إلاّ شيئا حتي إذا ضمّ إلي الوصيّة الأولي ذهب نقصانه، و بقي من الثّلث شيء مجذور، فاعرف هذه العلّة، فألق جذر ما بقي، و ذلك ثلثا شيء، فتبقي أربعة أتساع مال إلاّ ثلثي شيء، زد ذلك علي الثّلثين، فيصير مالين و أربعة أتساع مال إلاّ ثلثي شيء يعدل أنصباء البنين، و هي علي ما فرضناه ثلاثة أموال من ثلث مال(4) غير ستّة أشياء، فهو إذا ستّة و ثلاثون، و ذلك الثّلث، فألق(5) جذره بالوصيّة الأولي، يبقي ثلاثون، ألق منها النصيب، و هو أربعة عشر علي ما فرضنا، فتبقي ستّة عشر، ألق جذرها، و ردّ الباقي مع الثّلثين، يكون أربعة و ثمانين، لكلّ ابن أربعة عشر.

مسألة 514: لو خلّف خمسة بنين و بنتا،

و أوصي بمثل نصيب أحد

ص: 340


1- في «ر، ل»: «هو».
2- في «ر، ل»: «و للعمّ».
3- في «ر، ل»: «و أخرج».
4- في الطبعة الحجريّة: «المال».
5- في الطبعة الحجريّة: «و ألق».

البنين و بجذر ما يبقي من الرّبع و بمثل نصيب البنت و بجذر ما يبقي من الثّلث، فاجعل الرّبع مالا و نصيبين، و ألق النصيبين بالوصيّة الأولي، و ألق شيئا، و ضمّ الباقي إلي فاضل الثّلث، يكون معك مال و ثلث [مال] و ثلثا نصيب إلاّ شيئا، فأخرج لصاحب الثّلث نصيبا، و ألق الثّلثين بما معك، و اجعل الثّلث الباقي ثلث مال إلاّ شيئا، حتي يبقي معك مال، فتلقي جذره شيئا، و ردّ الباقي إلي الثّلثين، يكون ثلاثة أموال و ثلثي مال و خمسة أنصباء و ثلث نصيب إلاّ شيئا تعدل أحد عشر نصيبا، فإذا جبرت و ألقيت المشترك، بقي ثلاثة أموال و ثلثا مال إلاّ شيئا تعدل خمسة أنصباء و ثلثين، و هي علي ما فرضنا خمسة أموال و ثلثا مال إلاّ سبعة عشر شيئا، فاجبر، و ألق المشترك، يبقي مالان يعدلان ستّة عشر شيئا، فجذر المال ثمانية، و جميعه أربعة و ستّون، و النصيب أربعون، فربع(1) المال مائة و أربعة و أربعون.

مسألة 515: لو ترك أبوين و بنتين،

و أوصي بمثل نصيب أحد الأبوين و ثلث ما يبقي من المال، و كانت الوصيّتان جذر المال، فالمسألة من عشرة، الوصيّتان منها أربعة، فربعها و ربع المسألة، و اقسم الأكثر علي الأقلّ، يخرج ستّة و ربع، فهي المال، وصيّة المثل عشر ذلك خمسة أثمان، و للآخر درهم و سبعة أثمان، فذاك(2) درهمان و نصف، فهي جذر المال، كما قلناه.

و بالجبر نجعل التركة مالا، و نلقي بالوصيّتين جذرا، و نقسّم الباقي علي سهام الورثة، يخرج السهم سدس مال إلاّ سدس جذر، فألق هذا من

ص: 341


1- في «ر، ص»: «و ربع».
2- في النّسخ الخطّيّة: «فذلك».

المال للنصيب، تبقي خمسة أسداس مال و سدس جذر، فخذ ثلث ذلك، و ضمّه إلي النصيب، يكون أربعة أتساع مال إلاّ تسع جذر، فهذا يعدل جذرا، فاجبر و أكمل المال، يصير يعدل جذرين و نصفا، فجذره اثنان و نصف.

أو قل: الباقي من المال خمسة أتساع مال و تسع جذر تعدل مالا إلاّ جذرا، فاجبر و قابل، يعود كالأوّل.

فإن قال: و كانت الوصيّتان جذر ما أصاب الورثة، فربع الستّة و الأربعة، و اقسم، يخرج اثنان و ربع، فهو للورثة، و جذره واحد و نصف، و هي الوصيّتان، و جميع المال ثلاثة و نصف، و ربع عشر ذلك لصاحب النصيب، و هو ربع و ثمن، و ثلث الباقي واحد و ثمن.

و بالجبر ألق جذرا من مال، يبقي مال إلاّ جذرا، فهو للورثة، و معلوم أنّ الميراث ستّة، و الوصيّتين أربعة.

و إن شئت فقل: جذر يعدل ثلثي مال، فالمال يعدل جذرا و نصفا، أو قلنا: التركة مال و جذر، نصيب أحد الأبوين سدس مال، فنلقيه من التركة، و نلقي ثلث الباقي، الفاضل خمسة أتساع مال و ثلثا جذر تعدل مالا، فألق المشترك، و اجبر علي ما تقدّم.

مسألة 516: لو خلّف ثلاثة بنين،

و أوصي لعمّه بكمال الثّلث علي نصيب أحدهم، و لخاله بثلث ما يبقي من الثّلث، فكانت وصيّة الخال جذر النصيب، فمعلوم أنّ الباقي من الثّلث بعد وصيّة العمّ هو النصيب، و إذا كان ثلثه جذره، فهو يعدل ثلاثة أجذاره، فهو إذا تسعة.

فإذا عرفت ذلك، فألق من الثّلث ثلث مال إلاّ تسعة دراهم، تبقي تسعة، ألق ثلثها، و ردّ الباقي إلي الثّلثين، فيكون ثلثا مال و ستّة دراهم يعدل

ص: 342

ثلاثة أنصباء، كلّ نصيب تسعة دراهم، فهي إذا سبعة و عشرون، فألق المشترك، و اجبر و قابل، يعدل أحدا و ثلاثين و نصفا، وصيّة العمّ درهم و نصف، و وصيّة الخال ثلاثة.

مسألة 517: من المقترنات،

لو خلّف عشرة بنين، و أوصي لعمّه بالثّلث إلاّ ثلاثة أجذار المال، و للخال بربع ما يبقي من المال إلاّ عشر جذر الميراث، فاجعل الميراث مائة ليكون لجذرها عشر، ثمّ خذ مالا، فألق ثلثه إلاّ ثلاثة أجذاره، يبقي معك ثلثا مال و ثلاثة أجذار، ألق ربعه، و استثن درهما، فيبقي نصف مال و جذران و ربع درهم يعدل ذلك مائة درهم، فألق المشترك، و أكمل المال، فيصير مال و أربعة أجذار و نصف يعدل مائة و ثمانية و تسعين، فنصّف الأجذار و ربع ذلك، يكون خمسة و نصف ثمن، زدها علي الدراهم، و خذ جذر المبلغ أربعة عشر و ربعا، و انقص منه نصف الأجذار، يبقي اثنا عشر، فهي جذر المال، و المال مائة و أربعة و أربعون، وصيّة العمّ اثنا عشر، و وصيّة الخال اثنان و ثلاثون.

مسألة 518: لو خلّف ثمانية بنين و سبع بنات،

و أوصي لعمّه بمثل نصيب بنت، و لخاله بثلث ما يبقي من الثّلث و درهم، و كانت وصيّة الخال جذر المال، فزد علي المسألة نصيبا للعمّ، و جذرا للخال، يصير المال أربعة و عشرين نصيبا و جذرا، ثمّ ألق من الجذر درهما، يبقي جذر إلاّ درهما، فذلك ثلث ما يبقي من الثّلث، فاضربه في ثلاثة، و زد عليه نصيبا، و اضرب ذلك في ثلاثة، يكون ثلاثة أنصباء و تسعة أجذار غير تسعة دراهم تعدل المال الذي معك، فألق المشترك، تبقي ثمانية أجذار إلاّ تسعة دراهم تعدل أحدا و عشرين نصيبا، و النصيب ثمانية أجزاء من أحد و عشرين جزءا من جذر إلاّ تسعة أجزاء من أحد و عشرين جزءا من درهم، فاضرب ذلك

ص: 343

في عدد الأنصباء، و زد عليه الجذر الذي هو وصيّة الخال، يكون عشرة أجذار و سبعا إلاّ عشرة دراهم و سبعا، فنصف الأجذار و ربع يكون خمسة و عشرين و مائة و أحدا و أربعين جزءا من مائة و ستّة و تسعين جزءا من درهم، فألق من ذلك الدراهم التي مع المال، تبقي خمسة عشر و خمسة و ثمانون جزءا من مائة و تسعين جزءا، فخذ جذر ذلك أربعة إلاّ نصف سبع، فزده علي نصف الأجذار، يكون تسعة، فهو جذر المال، و النصيب ثمانية أجزاء من أحد و عشرين جزءا منه إلاّ تسعة من أحد و عشرين من درهم، و ذلك ثلاثة دراهم.

مسألة 519: لو أوصي لعمّه بثلث ماله،

و لخاله بعشرة دراهم، و لم يجز الورثة، فتحاصّا في الثّلث، فأصاب الخال ستّة دراهم، فاضرب ما أصابه في جميع وصيّته، و اقسمها علي الفضل بينهما، تخرج خمسة عشر، فهي الثّلث.

أو نقول: قد أصابه ثلاثة أخماس وصيّة، فالذي يصيب العمّ علي هذه النسبة خمس المال، فألقه من الثّلث، و قابل ببقيّته ستّة دراهم، يعود إلي مثل ذلك.

و بالجبر نجعل الثّلث شيئا، ثمّ نقول: ضرب فيه العمّ بشيء، فأصابه شيء إلاّ ستّة دراهم، و ضرب الخال بعشرة، فأصابه ستّة، فهذه الأعداد متناسبة، فاضرب ما ضرب به كلّ واحد منهما فيما أصاب الآخر، يكون عشرة أشياء إلاّ ستّين درهما تعدل ستّة أشياء، فاجبر، يعدل الشيء خمسة عشر.

فإن قال: فأصاب العمّ سبع المال، قلت: قد أصابه ثلاثة أسباع وصيّته، فيجب أن يصيب الآخر أربعة دراهم و سبعان، فإذا جمعت ذلك

ص: 344

و قابلت به الثّلث، خرج المال اثنين و عشرين درهما و نصفا.

و إن قال: فأصاب الخال تسع المال، فإنّك تعلم أنّه يجب أن يصيب العمّ تسعا المال، و ذلك يقتضي أن يكون الثّلث الذي يضرب به ضعف وصيّة الخال، فيعلم أنّه عشرون.

و بالجبر نضرب شيئا في ثلث شيء، يكون ثلث مال، و نضرب عشرة في ثلثي شيء، و هو ما أصاب العمّ؛ لأنّك إذا أسقطت من الثّلث تسع المال، بقي تسعان، و هو ثلثا شيء، يكون ستّة و ثلاثين، فقابل بذلك ثلث مال، يكون مال يعدل عشرين شيئا، فالشيء عشرون، و هو الثّلث.

فإن قال: فأصاب العمّ تسعة دراهم، فاضرب علي ما ذكرنا، و اجبر و قابل، فيصير(1) معك مال يعدل تسعة أشياء و تسعين درهما، فربّع نصف الأجذار، و زده علي التسعين، و خذ جذره عشرة و نصفا، و زد عليه نصف الأجذار، يكون خمسة عشر، و هو الشيء.

أو نقول: قسمنا الثّلث، و هو شيء و عشرة، فأصاب العشرة شيء إلاّ تسعة، و إذا ضربت الخارج من القسمة في المقسوم عليه، عاد المقسوم، فاضرب شيئا إلاّ تسعة في عشرة و شيء، يكون مالا و شيئا إلاّ تسعين درهما، فهذا يعدل ضرب شيء في عشرة دراهم، و ذلك عشرة أشياء، فإذا ألقيت المشترك و جبرت، عاد إلي مثل الأوّل.

مسألة 520: لو أوصي لعمّه بالرّبع،

و لابن أخيه بالسّدس، و لخاله بعشرين، فتحاصّوا، فأصاب الخال ثلاثة عشر، فطريق الباب أن تضرب ثلاثة عشر في عشرين، ثمّ تزيد علي الثلاثة عشر ربعها، فيكون ستّة عشر و ربعا، و تقسم المبلغ علي الفضل بينهما و بين العشرين، و ذلك ثلاثة و ثلاثة

ص: 345


1- في النّسخ الخطّيّة: «يصير».

أرباع، تخرج تسعة و ستّون و ثلث، فهو الثّلث، ضرب فيه العمّ باثنين و خمسين، و ابن الأخ بأربعة و ثلاثين، و الخال بعشرين، و إنّما زدت علي الثلاثة عشر ربعها؛ لأنّ الوصيّتين تزيد علي الثّلث ربعه.

و بالتقدير نقول: ما أصاب الخال خمسا الوصيّة(1) و ربعها، فيجب أن يصيب الآخرين كذلك ربع و سدس ثمن، و ذلك ثلاثة عشر من ثمانية و أربعين، فالثلاثة الباقية من الثّلث تعدل ثلاثة عشر درهما، فالمال مائتان و ثمانية.

فإن أوصي لعمّه بالخمس، و لخاله بتسعة دراهم، فأصاب العمّ أربعة دراهم، فاضرب وصيّته في الثّلث، و هو شيء، يكون ثلاثة أخماس مال، ثمّ اضرب ما أصابه فيما اقتسما عليه، و هو ثلاثة أخماس شيء و تسعة دراهم، يكون شيئين و خمسي شيء و ستّة و ثلاثين درهما، و ذلك يعدل ثلاثة أخماس مال، فأكمله، يعدل ستّين و أربعة أشياء، فربّع نصفها، و زد عليه الدراهم، و خذ جذر ذلك ثمانية، زد عليه نصف الأجذار، يكون عشرة، فهو الثّلث، يقسمانه علي خمسة، للعمّ خمساه: أربعة، أو تضرب وصيّة الخال في الثّلث، يكون تسعة أشياء، ثمّ تضرب ما أصابه - و هو شيء إلاّ أربعة دراهم - فيما اقتسما عليه، و هو ثلاثة أخماس شيء و تسعة دراهم، يكون ثلاثة أخماس مال و ستّة أشياء و ثلاثة أخماس شيء إلاّ ستّة و ثلاثين درهما تعدل تسعة أشياء، فاجبر و قابل بعد الأوّل.

مسألة 521: لو أوصي لعمّه بالثّلث،

و لأجنبيّ بالرّبع، و لخاله بخمسة عشر، فتحاصّوا، فأصاب العمّ أربعة دراهم، فالأجنبيّ ينبغي أن يصيبه ثلاثة، فاضرب إن شئت وصيّة العمّ أو الأجنبيّ أو وصيّتهما في الثّلث، فإن

ص: 346


1- في النّسخ الخطّيّة: «وصيّة».

ضربت وصيّة العمّ - و هو شيء - في الثّلث، فهو شيء كان مالا، ثمّ اضرب ما أصابه فيما اقتسموا عليه، و هو شيء و ثلاثة أرباع شيء و خمسة عشر درهما، يكون ذلك ستّين درهما و سبعة أشياء تعدل المال، فنصّفها و ربّعه، و زده علي الستّين، و خذ جذره ثمانية و نصفا(1) ، فزده علي نصف الأجذار، يكون اثني عشر، و هو الثّلث.

و لو ضربت الثّلث و ما أصابه فيما اقتسموا عليه، كان مالا و ثلاثة أرباع و شيئين إلاّ مائة و خمسة دراهم يعدل خمسة عشر شيئا، فاجبر، و ألق المشترك، و ردّ ما معك إلي مال، يرجع إلي الأوّل.

فإن أوصي للعمّ بالثّلث، و للخال بعشرين، فأصاب العمّ سدس المال و ثلاثة دنانير، فاضرب وصيّته في الثّلث، يكون مالا، و اضرب ما أصابه - و هو نصف شيء و ثلاثة دراهم - في شيء و عشرين، يكون نصف مال و ثلاثة عشر شيئا و ستّين درهما تعدل المال، فتمّم العمل، تخرج قيمة الشيء ثلاثين، و هو الثّلث.

فإن قال: أصاب الخال تسع المال و درهمان، فاعمل علي ما تقدّم، يكون ثلث مال و ثمانية أشياء و ثلثان و أربعون درهما يعدل عشرين شيئا، فأكمل بعد إلقاء المشترك، يصير مال و مائة و عشرون درهما يعدل أربعة و ثلاثين شيئا من المقترن الثاني، نصّف الأجذار و ربّعه، يكون مائتين و سبعة و ثمانين، ألق منها الدراهم، و خذ جذر الباقي ثلاثة عشر، فإن زدت عليه نصف الأجذار، كان ثلاثين، و هو الثّلث، و إن نقصته منها، بقي أربعة، فهو الثّلث، و نصيب الخال ثلاثة و ثلث، و ذلك تسع المال و درهمان.

فإن كانت وصيّة الخال سدس المال و أربعة دراهم، و أصابه خمسة».

ص: 347


1- في «ل»: «و نصفها».

عشر، فاضرب وصيّته في الثّلث و ما أصابه فيما اقتسما عليه، و هو شيء و نصف و أربعة دراهم، و تمّم العمل، يبقي مال يعدل تسعة و ثلاثين شيئا و مائة و عشرين، و ربّع نصف الأشياء، و زد عليه العدد، يكون أربعمائة و اثنين و ستّين و ربعا، خذ جذرها أحدا و عشرين و نصفا، فزد عليه نصف الأجذار، يكون أربعين، فهو الثّلث.

مسألة 522: لو اشتملت الوصيّة أو العطيّة المنجّزة

علي التصرّف في أكثر من الثّلث علي كلّ تقدير، احتمل البطلان؛ لأنّها وصيّة بغير المعروف، و الصحّة، و يكون النقص كالإتلاف و نقص السوق، كما لو كانت قيمة العين ثلاثين، و لا شيء غيرها، و رجعت بالتشقيص إلي عشرة، أو باعه أو أعتقه، فرجع بالشركة في أقلّ جزء إلي عشرة.

و كذا الإشكال لو أوصي له بأحد مصراعي باب أو أحد زوجي خفّ قيمتهما معا ستّة، و كلّ واحد اثنان.

و مع البطلان لا عبرة بإجازة بعض الورثة، أمّا نقص القيمة بتشقيص الورثة فكالإتلاف في الإرث و في الوصيّة، فيصحّ حينئذ، و تؤثّر الإجازة.

مسألة 523: لو أوصي بجزء من حصّة وارث معيّن خاصّة،

كما لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بنصف حصّة ابن معيّن، احتمل [أ]: وحدة الوصيّة. ب: تعدّدها مرتّبا مقدّما للوارث الآخر. ج: تقديم الأجنبيّ.

د: عدم الترتيب، فيخرج الثّلث، و يقسّم الباقي علي الورثة، و يبسط الثّلث علي النسب المحتملة بحسب الوصيّة.

فإن أجاز الابن، تقاسما النصف بالسويّة، و للآخر النصف، و إلاّ دفع ثلث حصّته علي الأوّل و الثاني، و علي الثالث يدفع إلي الأجنبيّ الرّبع، و إلي الآخر نصف السّدس، و علي الرابع يحتمل التقسيط أخماسا هنا؛ لأنّ وصيّة

ص: 348

الأجنبيّ بالرّبع، و هو ثلاثة من اثني عشر، و وصيّة الابن بتكملة النصف، و هو سهمان، و التسوية؛ لأنّ ما يحصل للمزاحم بعد الوصيّة يحصل مثله بالميراث للآخر، و ما زاد وصيّة، و هما متساويان.

و لو خلّف ابنا و بنتا، و أوصي بالرّبع من حصّة الابن دون البنت، فعلي الاحتمالات الثلاثة الأول، الحكم فيه كما تقدّم، و علي الرابع يقسّم الثّلث من تسعة علي ثلاثة عشر بين البنت و الموصي له، فنضرب أحدهما في الآخر، يبلغ مائة و سبعة عشر، أو تعطي البنت سهما من تسعة بالوصيّة، و الموصي له سهمين.

و الفرق بين الإجازة و عدمها هنا زيادة حقّها في الوصيّة، و نقصه في الميراث، أو بالعكس.

و لو أوصي بمساواة البنت مع الابن، احتمل وحدة الوصيّة، فالوصيّة بالسّدس، و تعدّدها، فالوصيّة بالرّبع.

و تظهر الفائدة فيما لو أوصي لآخر بتكملة الثّلث.

و لو أوصي بنصف حصّة الابن بعد الوصيّة، دخلها الدور، فللابن شيء، و للموصي له نصف شيء، و للبنت نصفهما، فالوصيّة تسعة، و الشيء أربعة.

مسألة 524: لو أوصي بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة،

فحقّ الشفعة للوارث، لا للموصي له.

و لو دفع إليه مالا و قال: اصرف بعضه إلي زيد و الباقي لك، فمات قبل الدفع، انعزل. و لو قال: ادفع إليه بعد موتي، لم ينعزل.

و إذا كان مال اليتيم غائبا، فولاية التصرّف في ماله إلي قاضي بلده، لا قاضي بلد المال مع عدم الوصيّ.

ص: 349

و لو مات صاحب ديون غريبا، لم يكن لقاضي بلدة(1) الموت استيفاء ديونه، فإن أخذها حفظها علي الوارث.

خاتمة: اعلم أنّ بعض علماء الإماميّة - و هو معين الدين المصري رحمه اللّه - سلك في المسائل الدوريّة طريقا استخرجها، و ذلك أنّه إذا ذكر الموصي في وصيّته للموصي له أنّ له ثلث ما لأحد بنيه أو أحد أبويه أو الزوج أو الزوجة أو غيرهم من الورثة إلاّ ربع المال أو سدسه أو ثمنه أو نصف سدسه أو نصف ثمنه أو غير ذلك، نبسط المسألة أوّلا علي سهام صحاح، يخرج منه صاحب الفرض و الورثة بسهام صحاح، ثمّ نضيف إليها للأجنبيّ الموصي له بمثل سهام من أوصي له بمثله، و نضربها في مخرج المستثني أيّ مخرج كان من ربع أو سدس أو ثمن أو غير ذلك، ثمّ نعطي كلّ من استثني له من نصيبه ما استثني، و نعطي كلّ واحد من باقي الورثة بحساب ذلك من المستثني، و ما بقي قسمته علي جميع سهام الورثة و سهام الموصي له، لكلّ واحد منهم بقدر سهامه.

و انظر إن كان من استثني يستغرق الجملة أو يستغرق أكثرها حتي لا تصحّ القسمة علي الباقي، فلا يتعرّض للقسمة، فإنّها لا تصحّ.

مثال ذلك: لو خلّف أبا و ابنين و بنتا، و أوصي لأجنبيّ بمثل ما لأحد ابنيه إلاّ ربع المال، أصل الفريضة من ستّة، للأب السّدس سهم واحد، و لكلّ واحد من الابنين سهمان، و للبنت سهم، و نضيف إلي الأصل للأجنبيّ مثل ما لأحد الابنين، و هو سهمان، ثمّ نضرب الثمانية في أربعة مخرج الرّبع المستثني، يبلغ اثنين و ثلاثين، نعطي كلّ ابن ثمانية؛ لأنّها الرّبع المستثني، و نعطي البنت بحساب هذا الاستثناء أربعة، و كذلك نعطي الأب».

ص: 350


1- في «ر، ل»: «بلد».

أربعة أسهم، فيكون جملة ما أعطيته للورثة غير الموصي له أربعة و عشرين سهما، تبقي ثمانية، نقسمه علي سهام الورثة و سهام الموصي له، و هو ثمانية، لكلّ ابن سهمان، و للبنت سهم، و للموصي له سهمان، و للأب سهم، و لكلّ ابن في أصل المستثني ثمانية، و في الباقي سهمان، الجملة عشرة، و لكلّ من البنت و الأب خمسة، فللموصي له إذا مثل ما لأحد ابنيه عشرة إلاّ ربع المال، و هو ثمانية، يبقي له اثنان.

و لو خلّف أبوين و ابنا و ثلاث بنات، و أوصي بمثل نصيب أحد أبويه إلاّ ثمن المال، فريضة الورثة ثلاثون، نضيف خمسة مثل نصيب أحد الأبوين، و نضرب المجموع في مخرج المستثني - و هو ثمانية - يبلغ مائتين و ثمانين، نعطي كلّ واحد من الأبوين ما استثني - و هو الثّمن من الجملة - خمسة و ثلاثين سهما، و كان له في أصل المسألة خمسة، و نعطي الابن بحساب ذلك لثمانية أسهم ستّة و خمسين سهما، و نعطي كلّ واحدة من البنات بحسابها أيضا ثمانية و عشرين سهما، و الذي يفضل بعد ذلك سبعون، نقسمه علي سهام الورثة و سهام الموصي له، و هي خمسة و ثلاثون، لكلّ منهم سهمان، فلكلّ من الأبوين عشرة، و للابن ستّة عشر، و لكلّ بنت ثمانية، و للموصي له عشرة، فله مثل ما لأحد الأبوين إلاّ ثمن المال.

و لو خلّفت زوجا و أبا و ابنين و ثلاث بنات، و أوصت بمثل نصيب زوجها إلاّ سدس المال، الفريضة من اثني عشر، للزوج ثلاثة، فنضيف إليها مثلها، ثمّ نضرب الجميع في ستّة مخرج السّدس، يصير تسعين، نعطي الزوج ما استثني - و هو السّدس - بثلاثة أسهم: خمسة عشر، و للأب بسهمين: عشرة، و كذا لكلّ ابن، و للبنت سهم: خمسة، تبقي ثلاثون تقسّم

ص: 351

علي سهام الورثة و الموصي له، و هو خمسة عشر، لكلّ منهم اثنان.

مسألة 525: لو خلّف زوجة و أبوين و ابنين و بنتا و خنثي،

و أوصي بمثل نصيب ابن إلاّ نصف سدس المال، فالفريضة أربعة و عشرون، فنضيف إليها أربعة مثل نصيب ابن، ثمّ نضرب الثمانية و العشرين في اثني عشر مخرج نصف السّدس، يكون ثلاثمائة و ستّة و ثلاثين، نعطي الورثة ما استثني، لكلّ واحد منهم بحصّته، و أوّلهم الابن المستثني منه، فيكون لكلّ ابن بحصّته في المستثني لأربعة: ثمانية و عشرون، و هو نصف سدس المال، و كذا لكلّ من الأبوين، و لكلّ من الزوجة و الخنثي لثلاثة أسهم: أحد و عشرون، و للبنت لسهمين: أربعة عشر، و نقسم ما بقي من أصل المسألة - و هو مائة و ثمانية و ستّون - علي الجميع و الموصي له، و سهامهم ثمانية و عشرون، لكلّ سهم ستّة، فلكلّ من الابنين في هذا الباقي أربعة و عشرون، و لكلّ من الأبوين كذلك، و لكلّ من الزوجة و الخنثي ثمانية عشر، و للبنت اثنا عشر، و للموصي له أربعة و عشرون، فلكلّ من الابنين في الأصل المستثني و في الباقي اثنان و خمسون، و للموصي له مثل أحدهما إلاّ نصف سدس المال، و هو ثمانية و عشرون، يبقي له أربعة و عشرون.

مسألة 526: لو تعدّدت الوصيّة،

بسطت المسألة علي سهام الورثة، و أضفت إليه لكلّ واحد من الموصي لهم مثل سهام من ذكر له مثله كما قلنا، و تضرب الجميع في مخرج المستثني الأوّل، فما بلغ تضربه في مخرج المستثني الثاني، فما بلغ تضربه في مخرج المستثني الثالث، و هكذا دائما، ثمّ تأخذ جميع المستثنيات، و تقسمه علي من استثني له من سهامهم بنسبتهم، و تعطي من لم يستثن له من الورثة من باقي السهام بنسبة ما أعطيت المستثني له بسهامه، و ما بقي بعد ذلك تقسمه علي الجميع

ص: 352

و علي الموصي له بأجمعهم، كما فعلت في المستثني الواحد، و تجمع سهام الموصي لهم جملة، ثمّ تنظر في سهام واحد واحد، فمن استثني من حقّه شيء فتسقطه، و ما بقي من سهامه فهو لمن أوصي له بمثل ما له، فتعطيه من تلك الجملة التي عقدتها للموصي لهم واحدا واحدا إلي آخرهم.

هذا إن لم تكن الكسور يدخل بعضها تحت بعض، و إن دخل بعضها تحت بعض من غير كسر، مثل أنّ المستثني من وصيّة أحد الموصي لهما ثمن، و من وصيّة الآخر سدس، فإنّ مخرج الثّمن يدخل في مخرج السّدس، و يدخل فيه أيضا الرّبع و الثّلث و النصف إذا كانت سهام الورثة و الموصي لهم أزواجا، و غاية ما ينكسر في مخرج النصف نضربها في اثنين أو في الرّبع، ثمّ نضربها في أربعة، فلا يحتاج إلي أن نضرب في جميع المخارج، لكن التقسيم و تمييز السهام باق علي حاله، كما قلناه.

مثال الأوّل: لو ترك ابنين، و أوصي لواحد بمثل نصيب أحدهما إلاّ سدس المال، و لآخر بمثل ما للآخر إلاّ ثمن المال، الفريضة من اثنين، و نضيف إليهما بالوصيّتين اثنين، ثمّ نضرب الأربعة في مخرج السّدس أوّلا، يصير أربعة و عشرين، ثمّ نضربها في مخرج الثّمن، يكون مائة و اثنين و تسعين، ثمّ نأخذ سدس المال و ثمنه، و نجمعه، و نعطي كلّ ابن نصيبه، فلكلّ واحد ثمانية و عشرون، تبقي من أصل المسألة مائة و ستّة و ثلاثون، نقسم علي أربعة، لكلّ من الابنين أربعة و ثلاثون سهما، تبقي للأجنبيّين ثمانية و ستّون، فلأحدهما الذي له مثل ما لأحد الابنين إلاّ سدس المال ثلاثون؛ لأنّ لأحد الابنين في القسمتين اثنين و ستّين، و للأجنبيّ مثله اثنان و ستّون إلاّ سدس المال، و السّدس اثنان و ثلاثون سهما، فما بقي له فهو ثلاثون، كما ذكرنا، و للأجنبيّ الذي له مثل ما لأحد الابنين إلاّ ثمن المال

ص: 353

ثمانية و ثلاثون سهما؛ لأنّ للابن الآخر أيضا في القسمتين اثنين و ستّين، فللأجنبيّ الثاني أيضا مثله إلاّ ثمن المال، و الثّمن أربعة و عشرون، فما بقي له فهو ثمانية و ثلاثون.

فإن ضربتها كما قلنا في أحد المخرجين و هو السّدس، يكون من ستّة و تسعين؛ لأنّك تضربها - و هي أربعة - في ستّة، يكون أربعة و عشرين، فثمنها و سدسها سبعة، لكن تنكسر بين الابنين، فنضربها في اثنين، يكون ثمانية و أربعين، فثمنها و سدسها أربعة عشر، نقسمها بين الابنين، لكن الباقي ينكسر أيضا في الرّبع، نضربها في اثنين، يكون ستّة و تسعين.

مسألة 527: لو كان المستثني منه واحدا و الموصي له أكثر من واحد،

و هو مختلف الوصايا، فإذا ضربت في مخارج الكسور، فاجمع الجميع كما قلنا، و اقسمه علي عدد الموصي لهم، و أعط الوارث المستثني من حقّه مثل سهم واحد من الموصي لهم و بقيّة الورثة من نسبته، هذا إذا كان معه غيره، ثمّ أضف ما حصل من المستثني المجموع إلي ما بقي من الأصل إن بقي منه شيء مرّة أخري، و اقسمه علي الوارث و الموصي لهم، و اجمع سهام الموصي لهم كما تقدّم، و اجمع سهام الوارث المستثني منه أوّلا و آخرا، و أسقط من جملته ما استثني من كلّ واحد منهم واحدا واحدا، فما فضل من جملته بعد المستثني سدسا كان أو ربعا فهو لكلّ واحد من الموصي لهم المستثني ذلك القدر المذكور من حقّه.

كما لو خلّف ابنا، و أوصي لثلاثة أجانب، لأحدهم بمثل ما للابن إلاّ ربع المال، و لآخر بمثل ابنه إلاّ سدس المال، و لثالث بمثل ابنه إلاّ ثمن المال، و أجاز الابن، فالأصل سهم واحد، و نضيف إليه للأجانب ثلاثة

ص: 354

أسهم، و نضربها في مخرج الرّبع، تصير ستّة عشر، ثمّ في مخرج السّدس، تصير ستّة و تسعين، ثمّ في مخرج الثّمن، تصير سبعمائة و ثمانية و ستّين، ربعها و سدسها و ثمنها أربعمائة و ستّة عشر، فنقسمها علي عدد سهام الموصي لهم، و هو ثلاثة أسهم، تنكسر، نضربها في واحد و نصف، تصير ألفا و مائة و اثنين و خمسين، فيكون الرّبع و السّدس و الثّمن ستّمائة و أربعة و عشرين، نقسمها علي ثلاثة، و نعطي الوارث سهما، و هو مائتان و ثمانية أسهم، يكون الباقي تسعمائة و أربعة و أربعين سهما، نقسمه علي الوارث و الموصي لهم، فحقّ الوارث بالرّبع من الباقي مائتان و ستّة و ثلاثون سهما، نضيفها إلي ما أعطيته في الأصل، فيكون له أوّلا و آخرا أربعمائة و أربعة و أربعون سهما، فللموصي له المستثني من حقّه الرّبع مائة و ستّة و خمسون سهما، فله مثل الابن إلاّ ربع المال، و للثاني مائتان و اثنان و خمسون سهما، فله مثل الابن إلاّ سدس المال، و للموصي له الثالث ثلاثمائة سهم، فله مثل الابن إلاّ ثمن المال، و تصحّ علي الطريقة الثانية من مائتين و ثمانية و ثمانين.

مسألة 528: لو خلّف ابنين،

و أوصي لواحد بمثل ابن إلاّ سدس المال، و لثان بمثل ابن إلاّ ثمن المال، و لثالث بمثل ابن إلاّ نصف سدس المال، الفريضة من اثنين، و نضيف للأجانب ثلاثة، ثمّ نضرب الخمسة في مخرج السّدس، ثمّ المجتمع في مخرج الثّمن، ثمّ المجتمع في مخرج نصف السّدس، يصير ألفين و ثمانمائة و ثمانين، فالكسور ألف و مائة و ثمانون، نقسمها علي عدد الأجانب، و هو ثلاثة، تنكسر، نضربها في واحد و نصف، تصير أربعة آلاف و ثلاثمائة و عشرين، فسدسها و ثمنها و نصف سدسها ألف و ستّمائة و عشرون، نعطي لكلّ(1) ابن خمسمائة

ص: 355


1- في «ر، ل»: «كلّ».

و أربعين، تبقي ثلاثة آلاف و مائتان و أربعون، نقسمها علي خمسة، لكلّ ابن ستّمائة و ثمانية و أربعون، يصير له ألف و مائة و ثمانية و ثمانون، و للموصي له الأوّل أربعمائة و ثمانية و ستّون، فله مثل ابن إلاّ سدس المال، و للثاني ستّمائة و ثمانية و أربعون، فله مثل ابن إلاّ ثمن المال، و للثالث ثمانمائة و ثمانية و عشرون، فله مثل ابن إلاّ نصف سدس المال.

و تصحّ علي الطريقة الثانية من مائة و عشرين، لكلّ ابن ثلاثة و ثلاثون، و للموصي له الأوّل ثلاثة عشر، و للثاني ثمانية عشر، و للثالث ثلاثة و عشرون.

مسألة 529: لو ورد عليك كسر بعد ضرب المسألة في مخرج الكسور و تصحيح المسألة،

فاضرب المسألة بأجمعها في مخرج سهام من انكسرت عليه السهام، كما لو خلّف زوجة و ابنين، الفريضة من ستّة عشر، للزوجة سهمان، و لكلّ ابن سبعة، فإذا أوصي لأجنبيّ بمثل نصيب ابن إلاّ ربع المال، نضيف إلي المسألة سبعة مثل نصيب ابن، تصير ثلاثة و عشرين، نضربها في أربعة مخرج المستثني، يكون اثنين و تسعين، نعطي كلّ ابن بسهامه السبعة الرّبع المستثني من هذه المسألة، و هو ثلاثة و عشرون، انكسرت السبعة علي ثلاثة و عشرين، و لا يمكن إخراج حقّ الزوجة من هذه المسألة علي هذا الحساب صحيحا، فنضرب جميع المسألة في سبعة، تصير ستّمائة و أربعة و أربعين، لكلّ ابن بسهامه السبعة الرّبع من هذه المسألة، و هو مائة و أحد و ستّون، فللابنين ثلاثمائة و اثنان و عشرون، و نعطي الزوجة بسهمها ستّة و أربعين، تبقي مائتان و ستّة و سبعون، نقسمه علي سهام الورثة و الموصي لهم، و هو ثلاثة و عشرون، لكلّ ابن اثنا عشر، فيكون للزوجة أربعة و عشرون، و لكلّ ابن أربعة و ثمانون، و للموصي له

ص: 356

أربعة و ثمانون، فله إذا مثل ابن إلاّ ربع المال.

و ما ذكرناه أوّلا من طريقة الحساب فإنّها أوضح و أخصر، و علي قياسها تعمل ما يرد عليك من المسائل، فإنّها أكثر من أن تحصي، و لا يمكن ضبطها؛ إذ هي من توليدات الخواطر، و ما ذكرناه يحصل به التنبيه علي أمثالها و نظائرها، و يستدلّ بما ذكرناه علي ما لم نذكره، فإنّ فيه غني و بلاغا لمن تدبّره و تأمّله، و به الكفاية في حصول الرياضة، و تعلم كيفيّة الوضع في المسائل.

تمّ الجزء الرابع عشر(1) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه و كرمه، و يتلوه في الجزء الخامس عشر(2) - بتوفيق اللّه تعالي - كتاب النكاح، و فيه مقاصد.

و فرغت من تسويده في تاسع عشر شوّال من سنة تسع عشرة و سبعمائة.

و كتب مصنّفه حسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي، أعانه اللّه علي طاعته، و الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.ه.

ص: 357


1- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
2- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.

ص: 358

فهرس الموضوعات

المطلب الثالث: في الوصيّة بالولاية البحث الأوّل: الصيغة

اشتراط الإيجاب و القبول في صيغة الوصيّة بالولاية 5

بيان إيجاب صيغة الوصيّة بالولاية 5

هل يصحّ الإيجاب بلفظ الولاية ؟ 5

اشتراط القبول في الصيغة و عدم اشتراطه نطقا و وقوعه في حياة الموصي 5

في أنّه لا بدّ في الإيجاب من تفصيل الولاية أو عمومها 6

فيما لو أوصي إليه في بعض التصرّفات هل تتعدّي ولايته إلي غيره ؟ 7

جواز تعدّد الأوصياء 8

ص: 359

فيما إذا أوصي إلي اثنين و جعل لكلّ واحد منهما الانفراد بالتصرّف جاز لكلّ منهما التصرّف في الجميع و في النصف 11

فيما إذا قال: أوصيت إلي زيد ثمّ قال: أوصيت إلي عمرو لم يكن قوله الثاني عزلا للأوّل 12

فيما لو قال للثاني: الذي أوصيت به إلي فلان فقد أوصيت به إليك فهو رجوع 12

حكم ما لو أوصي إلي زيد ثمّ قال: ضممت إليك عمرا أو قال لعمرو: ضممتك إلي زيد 13

بيان المراد من اجتماع الوصيّين علي التصرّف 13

حكم ما إذا أوصي إلي شخصين و اختلفا في التصرّف أو في من يصرف إليه أو في الحفظ 13

البحث الثاني: في الموصي

اشتراط التكليف و الحرّيّة في الموصي 15

فيما لو حضر الوصي الوفاة لم يكن له الإيصاء إلي غيره إلاّ أن يكون الموصي قد جعل له ذلك 15

فيما يتعلّق بما لو قال الموصي للوصي: أوصيت إليك فإذا حضرتك الوفاة فوصيّي فلان أو 16

حكم ما لو قال: أوصيت إليك فإذا حدث بك حدث الموت فقد أوصيت إلي من أوصيت إليه 17

ص: 360

فيما يتعلّق بما لو أوصي إليه و أذن له أن يوصي و يعيّن من يوصي إليه أو لم يعيّنه 18

تذنيب: حكم ما لو أطلق فقال: أوص إلي من شئت أو إلي فلان و لم يضف إلي نفسه 19

في أنّه ليس للميّت أن يوصي علي البالغ الرشيد 19

صحّة الوصيّة بالولاية من الأب أو الجدّ له 20

حكم ما لو أوصي الأب إلي شخص بالولاية علي أطفاله و لهم جدّ للأب 21

فيما إذا كان في الورثة صغير و كبير و احتاج الصغير إلي بيع شيء من التركة كان للوصيّ بيع نصيب الصغير فقط 22

حكم ما إذا أوصي بوصيّة ثمّ قتل نفسه أو جرح نفسه بما فيه هلاكها غالبا ثمّ وصّي 23

البحث الثالث: في الوصيّ

اشتراط التكليف في الوصي 24

هل تصحّ الوصيّة إلي من يعتوره الجنون أدوارا؟ 24

صحّة الوصيّة إلي الصبي منضمّا إلي البالغ و عدم صحّتها إليه منفردا 24

اشتراط الإسلام في وصيّ المسلم 25

حكم وصيّة الكافر إلي المسلم 25

هل تشترط العدالة في الوصي ؟ 25

تذنيب: حكم ما لو أوصي إلي فاسق بتفريق ثلثه 27

ص: 361

عدم صحّة الوصيّة إلي العبد إلاّ بإذن مولاه 27

جواز الوصيّة إلي من يعجز عن التصرّف و لا يهتدي إليه 29

صحّة الوصيّة إلي المرأة الجامعة للشرائط 30

صحّة الوصيّة إلي الأعمي الجامع للشرائط 31

اعتبار الشرائط حالة موت الموصي 32

حكم ما إذا أوصي إلي من اجتمعت فيه الشروط فتغيّرت حالة الموصي إليه. 33

فيما إذا فسق الوصي و قيّم الحاكم ثمّ تابا فهل تعود ولايتهما؟ 35

حكم ما إذا أتلف الوصيّ مالا 35

حكم ما لو جنّ الوصيّ أو أغمي عليه 36

البحث الرابع: في الموصي فيه

ثبوت الوصيّة بالولاية في التصرّفات الماليّة المباحة 36

البحث الخامس: في الأحكام

في أنّ للموصي الرجوع في الوصيّة بالولاية متي شاء 38

في أنّ للوصي قبول الوصيّة و ردّها قبل القبول في حياة الموصي 38

في أنّ من يلي مال اليتيم يجب عليه إخراج جميع ما يتعلّق بما له من الديون 39

في أنّه ينفق الوصيّ بالمعروف من غير إسراف و لا تقتير 40

حكم ما لو ادّعي الصبي علي الوصي خيانته في بيع ماله 41

فيما إذا بلغ الصبي رشيدا دفع إليه ماله دون ما إذا بلغ مجنونا 42

حكم ما إذا بلغ الصبي سفيها 43

في أنّ للوصي بيع مال الطفل مع الحاجة 43

ص: 362

هل للوصي بيع مال الطفل من نفسه أو مال نفسه منه ؟ 43

قبول شهادة الوصي علي الأطفال أو علي الميّت إذا كان من أهل الشهادة و عدم قبولها فيما إذا شهد للأطفال أو للميّت 45

في أنّه يجوز للوصي توكيل غيره فيما لم تجر العادة بمباشرة مثله له أو فيما يعجز عنه 45

حكم بيع شيء من مال الكبار من الورثة 45

حكم ما إذا أوصي بثلث ماله و ليس له إلاّ عبد 45

فيما لو كان الوصي و الصبي شريكين فهل للوصي الاستقلال بالقسمة ؟ 45

حكم ما لو أوصي إلي رجل فقال: بع أرضي الفلانية و اشتر من ثمنها رقبة و أعتقها عنّي و أحجّ عنّي و اشتر من الخبز مائة منّ... فباع الأرض بعشرة و لا توجد كلّ من الرقبة و الحجّ بأقلّ من عشرة و كذا لا يباع الخبز بأقلّ من خمسة 46

حكم ما لو قال: اشتر من ثلثي رقبة فأعتقها و أحجّ عنّي و احتاج كلّ من العتق و الحجّ إلي عشرة 46

في أنّه يجوز للوصي المضاربة بمال اليتيم مع الغبطة 46

في أنّ الأولي للوصي الإشهاد في بيع مال اليتيم 47

حكم ما لو فسق الولي قبل إبرام البيع 47

حكم ما لو أوصي إلي اللّه و إلي زيد 48

حكم ما لو أوصي بشيء لرجل لم يذكره و قال: سمّيته لوصيّي 48

في أنّه يجوز للوصي إذا خاف علي المال استيلاء ظالم عليه أن يؤدّي شيئا لتخليصه 48

في أنّه يجوز للوصي بيع جارية اليتيم و يحلّ للمشتري وطؤها و استخدامها 48

ص: 363

فيما لو كان لصبيّ مال في يد رجل لم يجز له المضاربة بماله بإذن الصبي 49

فيما لو قال الموصي للوصي: جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو في من شئت يجوز له أخذ شيء منه 49

حكم ما لو وصّي إليه بتفريق ثلثه فأبي الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم و كان في يد الوصي بقدر الثّلث 50

تذنيب: فيما لو دفع إليه مالا و قال: اصرف بعضه إلي زيد و الباقي لك فمات الدافع قبل دفع المأمور انعزل 51

فيما لو قال - في الفرض المزبور -: ادفع بعد موتي، لم ينعزل 51

فيما إذا علم الوصي أنّ علي الميّت دينا قضاه 51

في بيان من يتولّي أمر من مات بغير وصيّة 52

حكم ما لو بلغ الطفل رشيدا و امتنع من أخذ ماله من الوصي 53

حكم ما لو تعذّر الحاكم فنصب القاضي من قبل ولاة الجوز قيّما للأطفال الذين لا وصيّ لهم 53

حكم ما لو اتّجر الوصي بمال الصبي لنفسه أو للصبي مع المصلحة 54

جواز الدخول في الوصيّة بل استحبابه بل قد يجب علي الكفاية 54

في أنّه يجوز أن يجعل للوصي جعلا 55

في أنّه ينبغي للوصيّ الغني ترك التعرّض لأخذ شيء من أموال الأطفال 55

في أنّه ينبغي للمتولّي للنفقة علي اليتامي أن يكتب علي كلّ واحد منهم ما يلزمه عليه 56

ص: 364

المقصد الثاني: في بقايا مباحث الوصايا البحث الأوّل: في الرجوع عن الوصيّة

في أنّ الوصيّة عقد جائز من الطرفين و للموصي الرجوع في وصيّته لفظا و فعلا 57

فيما لو قال: هو لوارثي أو ميراث عنّي فهل هو رجوع ؟ 59

فيما لو قال: هو حرام علي الموصي له أو سئل عن الوصيّة فأنكرها كان رجوعا 59

جواز الرجوع عن بعض الوصيّة 60

حكم الرجوع في الوصيّة بالإعتاق 60

جواز الرجوع في كلّ تبرّع معلّق بالموت 61

في أنّ إزالة الملك عن الموصي به رجوع عن الوصيّة 62

حكم ما لو أوصي بعتق عبده ثمّ أوصي به لإنسان 63

حكم ما لو أوصي بوصيّة ثمّ أوصي بأخري مضادّة لها 63

حكم ما لو قال: أوصيت لزيد بهذا العبد ثمّ قال: أوصيت لبكر بهذا العبد المعيّن 63

حكم ما لو أطلق و لم يعلم قصد التشريك و لا الرجوع 63

حكم ما لو قال: وصّيت بثلثي لزيد ثمّ قال: وصّيت بثلثي لبكر 64

حكم ما لو وصّي بعبده لزيد ثمّ وصّي لبكر بثلث ذلك العبد 65

حكم ما لو وصّي بعبده لاثنين فردّ أحدهما وصيّته 65

ص: 365

حكم ما لو وصّي لاثنين بثلثي ما له فردّ الورثة ذلك و ردّ أحد الوصيّين وصيّته 65

حكم ما لو قال: ما أوصيت به لفلان فنصفه أو ثلثه لفلان 65

التوكيل بالتصرّفات المزيلة للملك كالوصيّة بها 65

فيما إذا أوصي بجارية ثمّ استولدها فهو رجوع عن الوصيّة 65

بطلان الوصيّة فيما لو أوصي بعبد ثمّ أقرّ بأنّه مغصوب أو حرّ الأصل 65

فيما لو باع العبد ثمّ فسخ البيع بخيار المجلس فهو رجوع 65

فيما لو ردّ المشتري العبد بعيب فإنّ الوصيّة لا تعود إلي الموصي له 66

فيما لو نذر عتق العبد الموصي به فإنّه رجوع 66

حكم ما لو علّق عتق العبد الموصي به 66

فيما لو وصّي بعبده لواحد ثمّ وصّي لآخر بنصفه فهو رجوع في النصف 66

حكم ما لو أوصي بجميع ما له لزيد ثمّ أوصي بجميعه أو بثلثه لعمرو و لم يقصد الرجوع 67

فيما لو وصّي به لزيد ثمّ قال: بيعوه و اصرفوا ثمنه إلي الفقراء فهو رجوع 67

حكم ما لو أوصي ببيعه و صرف ثمنه إلي الفقراء ثمّ قال: بيعوه و اصرفوا ثمنه إلي الرقاب 67

فيما لو أوصي بدار لزيد أو بخاتم ثمّ أوصي بأبنية الدار و بفصّ الخاتم لآخر فهو رجوع في الأبنية و الفصّ 67

حكم ما لو أوصي لزيد بدار ثمّ أوصي لآخر بسكناها أو أوصي له بعبد ثمّ أوصي لآخر بخدمته 67

فيما إذا أوصي بثلث ماله ثمّ تصرّف في جميع ما يملكه لا يكون رجوعا 67

ص: 366

عدم بطلان الوصيّة - في الفرض المزبور - فيما لو هلك جميع ماله 67

في أنّ التوسّل إلي الأمر الذي يحصل به الرجوع هل يكون رجوعا؟ 68

في أنّ تزويج العبد أو الأمة الموصي بهما أو إجارتهما أو تعليمهما ليس رجوعا 68

فيما لو وطئ الجارية الموصي بها مع العزل فليس برجوع 68

حكم ما لو أوصي بمنفعة عبده أو داره سنة ثمّ آجر الموصي به سنة و مات بعد انقضاء مدّة الإجازة أو قبله 69

في أنّ إبطال اسم الموصي به فسخ للوصيّة 69

فيما لو أشار إلي حنطة أو دقيق فقال: أوصيت بهذا أو قال: أوصيت بما في البيت فهل تبطل الوصيّة بالطحن و العجن ؟ 70

بقاء الوصيّة فيما لو حصل الطحن أو العجن من غير إذن الموصي 70

فيما لو أوصي بشاة فذبحها أو بعجين فخبزه فإنّه لا يكون رجوعا 70

حكم ما لو أوصي بجلد فدبغه أو بيض فأحضنه 70

حكم ما لو أوصي له بخبز فجعله فتيتا أو أوصي له بلحم فقدّده أو طبخه أو شواه 70

حكم ما لو أوصي له برطب فتمّره 70

فيما لو أوصي له بقطن فغزله أو بغزل فنسجه فهو رجوع 71

فيما لو أوصي بدار فهدمها حتي بطل اسم الدار عنها فهو رجوع 71

فيما لو أوصي بعرصة فزرعها لم يكن رجوعا 72

فيما لو بني في العرصة الموصي بها أو غرس فيها فهل هو رجوع ؟ 72

حكم ما لو أوصي له بثوب فقطعه قميصا أو غسله أو صبغه أو قصره 73

ص: 367

حكم ما لو أوصي بثوب مقطوع فخاطه أو بخشب فجعله بابا أو بمتاع فنقله من بلد الموصي له إلي مكان بعيد 74

فيما لو أركب غلامه الدابّة الموصي بها إلي بعيد أو حمل عليها شيئا لم يكن رجوعا 74

فيما لو أوصي بصاع حنطة بعينه ثمّ خلطه بحنطة أخري كان رجوعا 74

حكم ما لو أوصي بصاع من صبرة ثمّ مزجها بغيرها 74

فيما لو أوصي بصاع من حنطة و لم يعيّنه و لا وصف الحنطة فلا أثر للخلط 75

تنبيه: عدم بطلان الوصيّة فيما لو أوصي بشيء معيّن ثمّ مزجه بغيره مزجا لا يرتفع التمييز 75

فيما إذا عدّد الوصيّة و عيّنها تغايرت و إلاّ فلا 75

البحث الثاني: في كيفيّة تنفيذ التصرّفات

في أنّ التصرّف من الصحيح إن كان منجّزا نفذ من الأصل 76

فيما إذا كان التصرّف معلّقا بالموت و لم يكن واجبا نفذ من الثّلث و إن كان واجبا نفذ من الأصل 76

في أنّ التصرّف من المريض إن كان معلّقا بالموت مضي من الثّلث 76

فيما إذا أوصي له بالثّلث اعتبر الثّلث يوم الموت 77

فيما إذا أوصي بعشرة و لا مال له ثمّ استفاد مالا تعلّقت الوصيّة به 77

في أنّ الثّلث الذي تنفذ فيه الوصايا إنّما هو الثّلث الفاضل عن الدّين 77

في أنّ التبرّعات المنجّزة الواقعة حالة مرض الموت نفذت من الثّلث 78

حكم ما لو وهب في الصحّة و أقبض في المرض 78

ص: 368

في أنّ التبرّع المحسوب من الثّلث هو إخراج الملك عن المريض في مال مجّانا أو بدون ثمن المثل من غير استحقاق 78

حكم ما لو كان عليه ديون متعدّدة فقضي بعضها في مرض الموت و خصّص بعض الغرماء بالقضاء 80

حكم البيع فيما لو باع المريض جميع تركته أو بعضها بثمن المثل أو أكثر أو باعها بمحاباة 80

معني المحاباة و حكم ما إذا حابي المريض في البيع و الشراء 81

حكم ما لو باع المريض بثمن مؤجّل و مات قبل حلول الأجل 85

جواز تزويج المريض بشرط الدخول و بطلان العقد فيما لو مات في مرضه ذلك و لم يكن قد دخل 85

حكم ما إذا تزوّج في مرضه بمهر المثل أو أقلّ أو أكثر 88

حكم ما لو نكحت المريضة بأقلّ من مهر المثل 88

حكم ما لو كان له جارية قيمتها ثلث التركة فأعتقها ثمّ تزوّجها علي ثلث آخر و دخل 89

حكم ما لو كان له أمة و أعتقها في مرض الموت و تزوّجها ثمّ مات 90

فيما إذا كان الطلاق بائنا و ماتت الزوجة لم يرثها في العدّة و لا بعدها و إن مات هو ورثته بشروط 90

ثبوت ميراث الزوجة بعد العدّة في الطلاق البائن و غيره و في العدّة في البائن في طلاق تلحق به التهمة 94

فيما لو طلّق المريض الأمة طلاقا رجعيّا فأعتقت في العدّة و مات في مرضه فهل ترثه بعد العدّة ؟ 94

ص: 369

فيما لو لا عن المريض زوجته و بانت باللعان لم ترثه 95

حكم ما لو ادّعت الزوجة وقوع الطلاق في المرض و أنكر الوارث و زعم وقوعه حالة الصحّة 95

حكم ما لو كان له أربع زوجات فطلّقهنّ في مرضه ثمّ تزوّج أربعا و دخل بهنّ ثمّ مات في ذلك المرض 95

في أنّه يصحّ من المريض إجارة دوابّه و دوره و عبيده و كلّ ما تصحّ إجارته بأجرة المثل فما زاد 95

حكم ما لو آجر نفسه بمحاباة أو عمل لغيره متبرّعا 96

حكم ما لو باع بالمحاباة بشرط الخيار ثمّ مرض في زمن الخيار و أجاز العقد 96

فيما يتعلّق بما لو مرض البائع فلم يفسخ أو قدر علي فسخ النكاح لعيب فيها فلم يفعل 96

حكم ما لو اشتري بمحاباة ثمّ مرض و وجد بالمبيع عيبا و لم يردّ مع الإمكان 96

حكم ما لو وجد العيب و تعذّر الردّ بسبب فأعرض عن الأرش 96

عدم اعتبار خلع المريض من الثّلث 97

صحّة الوصيّة فيما لو أوصي لرجل بعين من أعيان ماله يخرج من الثّلث 97

اعتبار العطيّة من الثّلث حال الموت 99

حكم ما لو أوصي بعبد مستوعب لزيد و بثلث ماله لعمرو و لم يقصد الرجوع و منع من التقديم و أجاز الوارث 99

حكم ما لو خلّف عبدا مستوعبا قيمته مائة و أوصي به لواحد و لآخر بثلثه و لآخر بسدسه علي جهة العول 100

ص: 370

حكم ما لو أقرّ الوارث أنّ أباه وصّي لزيد بثلث ماله و أقام بكر شاهدين أنّه وصّي له بثلثه و ردّ الوارث الوصيّتين و كان الوارث رجلا عاقلا عدلا و شهد بالوصيّة 102

حكم ما لو خلّف ثلاثة أعبد متساوية القيمة مستوعبة فأقرّ الوارث بأنّ الميّت أعتق في مرضه واحدا معيّنا و شهد آخران أنّه أعتق غيره و صدّقهما الوارث 103

فيما إذا أوصي له بثلث ماله ثبت للموصي له الثّلث من كلّ أعيانه 103

حكم ما لو أوصي بثلثه للفقراء و له أموال متفرّقة 104

في أنّ الثّلث يعتبر وقت الوفاة لا وقت الوصاية 104

في أنّ الاعتبار في قيمة الموصي به بحالة الموت 104

فيما لو أوصي بثلث ما له لرجل فقتل الموصي أو جرح عمدا أو خطأ فأخذت الدية فللموصي له بالثّلث ثلث الدية 105

فيما لو أعتق المريض أمة حاملا بمملوك في مرضه ثمّ مات فإنّها تقوّم من الثّلث 107

حكم ما إذا أعتق الولد ثمّ أعتق الأمّ و لم يخرجا من الثّلث 108

حكم ما إذا قال في مرضه: إذا أعتقت نصف حملك فأنت حرّة ثمّ أعتق نصف حملها 108

البحث الثالث: فيما تثبت به الوصيّة

ثبوت الوصيّة بالمال و المنفعة بشهادة عدلين و مع عدم عدول المسلمين تقبل شهادة عدول أهل الذمّة 109

عدم وجوب الإشهاد في الوصيّة 110

عدم جواز شهادة غير المسلمين العدول في الوصيّة إلاّ عند الضرورة 110

ص: 371

فيما قيل من عدم قبول شهادة أهل الذمّة في وصيّة إنسان مات في بلاد المسلمين إلاّ لضرورة 110

عدم قبول شهادة غير أهل الذمّة و كذا فسّاق المسلمين 111

فيما لو لم يجد سوي امرأة مسلمة قبلت شهادتها في ربع ما شهدت به 111

قبول شهادة امرأتين في النصف و ثلاث في ثلاثة أرباع الوصيّة و أربع في الجميع 112

هل يفتقر الحكم بقبول شهادة المرأة في الربع و المرأتين في النصف و الثلاث في ثلاثة الأرباع إلي انضمام اليمين ؟ 112

قبول شهادة رجل و امرأتين في الوصيّة بالمال 112

قبول شهادة رجل واحد مع اليمين في الوصيّة 112

هل تقبل شهادة الرجل وحده في بعض الوصيّة من غير يمين ؟ 112

هل تقبل الشهادة في الرّبع كالمرأة أو في النصف كالمرأتين ؟ 112

حكم ما لو شهد عدل و ذمّيّ 112

فيما لو شهدت امرأة مسلمة و ذمّيّ لم تقبل في الزائد علي الرّبع 112

فيما لو شهد أربع من نساء أهل الذمّة لم يعتد بشهادتهنّ 112

ثبوت الوصيّة بالولاية بشهادة عدلين مسلمين و عدم ثبوتها بشهادة أهل الذمّة 112

عدم قبول شهادة رجل و يمين و كذا عدول أهل الذمّة مع تعذّر المسلمين 113

فيما لو أقرّ الورثة بالوصيّة بالمال أو الولاية ثبتت فيما لا يفتقر إلي الشهادة 113

حكم ما لو أشهد عبدين له علي حلم أمته أنّه منه و أنّهما حرّان ثمّ مات فردّت شهادتهما و أخذ التركة غيره ثمّ أعتقهما و شهدا ثانيا بما شهدا به أوّلا 113

ص: 372

البحث الرابع: في المرض المقتضي للحجب

في أن العطيّة ضربان: مؤخّرة بعد الوفاة و منجّزة 113

عدم الفرق في العطيّة المؤخّرة بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض و اعتبارها من الثّلث 113

حكم العطيّة المنجّزة الواقعة حال الصحّة أو حال المرض 114

بيان أقسام المرض الواقعة فيها العطيّة المنجّزة و أحكامها 114

بيان أقسام مرض الحمّي و أحكام العطيّة الواقعة فيها 116

بيان مرض الإسهال و ما يكون منه مخوفا و غير مخوف 118

بيان مرض السلّ و ما يكون منه مخوفا و غير مخوف 119

فيما إذا هاج الدم و ثار كان مخوفا 119

الطاعون و هيجان الصفراء و البلغم مخوف 120

فيما إذا كانت الجراحة علي مقتل أو نافذة إلي جوف في الرأس أو البدن أو في موضع كثير اللحم فهي مخوفة 120

في أنّ الرعاف الدائم و القيء إذا كان معه دم أو بلغم فهو مخوف 120

في أنّ البر سام مخوف 121

حكم ما إذا أشكل هل المرض مخوف أم لا؟ 121

هل يشترط في المرض الواقعة فيها العطايا المنجّزة أن يكون مخوفا؟ 122

في أنّ الحمل ليس بمخوف حتّي يضربها الطّلق 123

بيان صور حصول الخوف من غير أن يحلّ في البدن شيء 125

ص: 373

في أنّه يحجر علي المريض في تبرّعاته فيما زاد علي الثّلث إذا كان مرضه مخوفا 127

حكم تبرّع المريض فيما إذا كان مرضه غير مخوف و اتّصل به الموت 127

تنبيه: في أنّه لا يشترط في المرض المخوف وقوع الموت منه غالبا 128

المقصد الثالث: في المسائل الدوريّة و فيه فصول الأوّل: في المقدّمات

مقدّمة: في استعمال لفظة الدور بمعنيين و بيان المراد منهما عند استعمال الفقهاء ذلك 129

مقدّمة: في تعريف حساب الجبر و المقابلة و الأعداد و الجذور و الأموال 130

مقدّمة: فيما يتعلّق بما إذا تناسبت أربعة أعداد فكانت نسبة الأوّل إلي الثاني كنسبة الثالث إلي الرابع 134

مقدّمة: في انقسام المسائل الستّ الجبريّة إلي مفردة و مقترنة 136

الفصل الثاني: في الوصايا الخارجة عن الاستثناء

حكم ما لو أوصي لرجل بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لآخر بثلث ما يبقي من ثلث المال بعد النصيب 145

حكم ما لو أوصي بنصيب أحد الورثة و بجزء شائع من المال و يكون الجزء مضافا إلي جميع المال 151

ص: 374

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بسدس باقي المال بعد النصيب 152

حكم ما لو أوصي لرجل بمثل نصيب وارث و لآخر بجزء ممّا بقي من المال 154

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بثلث ما يبقي من ثلث المال بعد النصيب 154

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة و لعمرو بربع ما يبقي من الثّلث بعد النصيب 155

حكم ما لو خلّف أبوين و بنتين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحد الأبوين و لعمرو بثلاثة أخماس ما يبقي من الثّلث 156

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث بعد نصف النصيب 156

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد ابنيه و لعمرو بربع المال و لخالد بنصف الباقي بعد ذلك 157

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و لعمرو بنصف الباقي من الثّلث و لثالث بثلث الباقي من الثّلث بعد ذلك 157

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و لثالث بمثل نصيب أحدهم و لرابع بنصف ما يبقي من الثّلث بعد النصيب 158

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي للرابع بنصف ما يبقي من الثّلثين بعد النصيب الثاني 159

ص: 375

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لواحد بربع المال و لآخر بنصيب أحد ابنيه علي أن لا ينقص الثاني بالوصيّتين 159

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي من ثلث ماله لزيد بنصيب أحدهم و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و شرط توفير بكر 159

حكم ما لو خلّف أبوين و ابنين و أوصي لزيد مثل نصيب الأمّ و لآخر بسبعي ما بقي من الثّلث و لآخر بعشر جميع المال 160

حكم ما لو خلّف امرأة و ثلاثة بنين و بنتا و أوصي بمثل نصيب أحدهم و سبعي ما بقي من الرّبع و السّدس 160

حكم ما لو خلّف أبا و ثلاثة بنين و بنتا و أوصي بمثل نصيب الأب و لآخر بتسعي ما يبقي من الرّبع و بمثل نصيب البنت و بخمسي ما يبقي من الثّلث بعد ذلك 161

حكم ما لو خلّف زوجة و ابنين و بنتا و أوصي بمثل نصيب المرأة و بثلث ما يبقي من الخمس و بمثل نصيب البنت و سبع ما يبقي من الثّلث و بمثل نصيب ابن و سدس ما يبقي من المال 161

الفصل الثالث: فيما اشتمل علي الاستثناء الصنف الأوّل: إذا كان الاستثناء بجزء من جميع المال

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ربع جميع المال 163

حكم ما لو خلّف ابنا و أوصي بمثل نصيبه إلاّ نصف المال 164

حكم ما لو خلّف ابنا و أوصي بنصيب ابن رابع لو كان إلاّ عشر المال 164

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي لرجل بثلث ما له إلاّ نصيب أحدهم 165

ص: 376

حكم ما لو خلّف امرأة و ثلاث بنين و أوصي لرجل بمثل نصيب ابن إلاّ مثل نصيب المرأة 165

الصنف الثاني: فيما يكون استثناء الجزء من الباقي أقسامه ثلاثة

القسم الأوّل: تقييد الاستثناء بجزء ممّا يبقي من المال بعد النصيب 165

حكم ما إذا أوصي لواحد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ربع الباقي من المال بعد النصيب 165

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه قال: إلاّ ربع الباقي من المال بعد نصف النصيب 166

حكم ما لو خلّف زوجة و أبوين و ابنين و أوصي بمثل نصيب ابن إلاّ خمسي ما يبقي من المال بعد النصيب 167

القسم الثاني: تقييد الاستثناء بجزء ممّا يبقي من المال بعد الوصيّة 167

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلاّ ربع ما يبقي من المال بعد الوصيّة 167

القسم الثالث: إطلاق الاستثناء 168

حكم ما لو قال: أوصيت له بمثل نصيب ابن إلاّ ربع باقي المال 168

حكم ما لو أوصي بنصيب مع استثناء جزء ممّا يبقي من جزء من المال 169

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة إلاّ ربع ما يبقي من الثّلث بعد ثلث النصيب 171

ص: 377

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب أحد ابنيه إلاّ ثلث ما يبقي و لم يزد علي ذلك شيئا 171

حكم ما لو صرّح في الفرض المزبور بذكر الوصيّة و الباقي من الجزء 172

حكم ما لو أوصي لزيد بربع المال و لعمرو بمثل نصيب أحد ولديه إلاّ ثلث ما يبقي من المال بعد النصيب 173

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه قال: إلاّ ثلث ما يبقي من المال بعد الوصيّة 174

حكم ما لو أوصي بمثل نصيب أحد بنيه الأربعة إلاّ سدس ما يبقي من المال بعد النصيب و لآخر بمثل نصيب أحدهم إلاّ تسع ما يبقي من المال بعد الوصيّتين 175

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت إلاّ ثمن ما يبقي من المال بعد النصيب و لعمرو بمثل نصيب ابن إلاّ ربع ما يبقي من المال بعد الوصيّتين 175

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و أوصي لزيد بثمن ما له و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد الثّمن و النصيب 176

حكم ما لو أوصي - في الصورة المذكورة - لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد الثّمن و بعد الوصيّة 176

حكم ما لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بربع ماله و لعمرو بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأمّ 177

حكم ما لو كان مع الأبوين - في الصورة المذكورة - زوج و أوصت لزيد بثلث مالها و لعمرو بمثل نصيب الزوج إلاّ مثل نصيب الأب 178

ص: 378

حكم ما لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأمّ و لعمرو بربع ما يبقي من المال 178

حكم ما لو خلّف أبوين و أوصي لزيد بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأمّ و لعمرو بربع ما يبقي من ثلثي المال 179

حكم ما لو خلّف أبويه و أوصي بمثل نصيب الأب إلاّ مثل نصيب الأمّ و إلاّ عشر جميع المال 180

حكم ما لو استثني - في الفرض المزبور - مثل نصيب الأمّ و عشر ما يبقي من المال بعد نصيب الأمّ 180

حكم ما لو استثني منه - في الفرض المزبور - نصيب الأمّ و ثمن ما يبقي من ثلثي المال بعد نصيب الأمّ 180

حكم ما لو قال - في الفرض المزبور - إلاّ ثمن ما يبقي من ثلثي المال بعد نصيب الأب 181

الفصل الرابع: في الوصيّة بالتكملة

في بيان المراد بالتكملة 183

حكم ما لو ترك أربعة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم 183

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و بنتا و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن و لآخر بتكملة ربع ما له بنصيب البنت 184

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لزيد بربع ما له و لعمرو بتكملة النصف بنصيب أحد البنين 185

ص: 379

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم و لعمرو بربع ما يبقي من المال 186

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث 187

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و لعمرو بتكملة ثلث ماله 188

حكم ما لو أوصي و له خمسة بنين بمثل نصيب أحدهم و لآخر بتكملة الخمس 189

حكم ما لو خلّف عشرة بنين و أوصي بنصيب أحدهم و لآخر بتكملة السّدس 189

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم و لآخر بتكملة الرّبع 189

حكم ما لو أوصي و له ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم و لآخر بتكملة الرّبع 189

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلاّ ثمن جميع المال 189

حكم ما لو خلّف عشرة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلاّ تسع جميع المال 190

حكم ما لو خلّف ستّة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلاّ ثمن ما يبقي من المال 190

حكم ما لو خلّف سبعة بنين و أوصي بتكملة ربع ما له بنصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث 191

ص: 380

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلاّ تكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم 192

حكم ما لو أوصي لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الخمسة و لعمرو بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم و لثالث بثلث ما يبقي بعد ذلك 192

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و لعمرو بتكملة الرّبع بالنصيب و لثالث بثلث ما يبقي من الثّلث بعد الوصيّتين 193

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي لزيد بتكملة الثّلث بنصيب أحدهم و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ خمس ما يبقي من المال 194

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و أوصي لزيد بتكملة الرّبع بنصيب أحدهم و لعمرو بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي من الثّلث بعد ذلك 195

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ تكملة ثلث ماله بالنصيب 195

الفصل الخامس: في الوصيّة بالجذور و الكعاب

تعريف الجذر و الكعب و ما يحصل منهما 197

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بجذر ماله 197

فيما لو أوصي بكعب ماله 197

حكم ما لو أوصي بجذر النصيب و خلّف ثلاثة بنين 198

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - بجذري نصيب واحد و فرض النصيب أربعة 199

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - بكعب نصيب أحدهم 199

ص: 381

حكم ما لو أوصي بجذر نصيب و جذر مال و خلّف ثلاثة بنين و أوصي بجذر نصيب أحدهم لزيد و لعمرو بجذر جميع المال 199

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - لزيد بجذر نصيب أحدهم و لعمرو بجذر ما يبقي من المال 200

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم و لآخر بجذر المال 201

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم و لآخر بجذر المال و لآخر بثلث ما يبقي من الثّلث 201

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بثلث ما له إلاّ جذر جميع المال 203

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - بمثل نصيب أحدهم إلاّ جذر جميع المال 203

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - بمثل نصيب أحدهم إلاّ جذر نصيب أحدهم 203

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لزيد بجذر نصيب أحدهم و لعمرو بجذر وصيّة زيد و لثالث بجذر وصيّة عمرو 203

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - لزيد بجذر نصيب أحدهم و لعمرو بجذر باقي النصيب 204

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لواحد بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم 205

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - لزيد بتكملة ربع ماله بجذر نصيب أحدهم و لعمرو بجذر ما يبقي من ثلثه 205

ص: 382

الفصل السادس: في الوصيّة بقدر من المال من درهم و دينار و غيرهما

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم و بدرهم 207

حكم ما لو أوصي - في الفرض المزبور - بالنصيب مع استثناء درهم 207

حكم ما لو أوصي بسدس ماله و بدرهم و له ثلاثة بنين 207

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بسدس ماله إلاّ درهما 208

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و درهم و لعمرو بثلث ما يبقي من ثلثه و درهم 208

حكم ما لو أوصي و له ستّة بنين بمثل نصيب أحدهم و لآخر بسدس ماله إلاّ درهما 209

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم و بدرهم 210

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد و لآخر بسدس ماله إلاّ درهما 210

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما و لعمرو بنصف ما يبقي من النصف و بدرهم و التركة عشرون درهما 212

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما إلاّ ثلث جميع المال و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و بدرهم و التركة ثلاثون درهما 212

الفصل السابع: في المسائل الدوريّة في التصرّفات الشرعيّة من المريض

و فيه أنواع 216

ص: 383

النوع الأوّل: البيع

حكم ما لو باع المريض قطعة أرض مساحتها جريب يساوي خمسين دينارا بجريب يساوي عشرة و لم تجز الورثة 216

حكم ما لو باع قفيز حنطة قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة 217

حكم ما لو باع كرّا قيمته ثلاثون و له غيره ثلاثون بعشرة 217

حكم ما لو كانت قيمة الجيّد خمسين و قيمة الرديء خمسة عشر و له عشرة 217

حكم ما لو باع كرّا قيمته مائة بكرّ قيمته خمسون و عليه عشرة دراهم دينا 218

حكم ما إذا باع المريض عبدا قيمته عشرون بعشرة ثمّ زادت قيمته فبلغت أربعين 219

حكم ما إذا باع المريض عبدا قيمته عشرون بعشرة ثمّ تعود قيمته إلي عشرة ثمّ يموت البائع 220

حكم ما لو باع المريض عبدا يساوي عشرين بعشرة و لم يسلّمه حتّي صارت قيمته عشرة 221

في أنّ المحاباة في البيع و الشراء صحيحة و تخرج من الثّلث 222

حكم ما إذا زادت المحاباة علي الثّلث 223

حكم ما لو اشتري عبدا قيمته عشرة بعشرين فزادت قيمة العبد في يده أو في يد البائع فصارت خمسة عشر 223

حكم ما لو اشتري كما تقدّم في الفرض المزبور لكن نقصت قيمة العبد في يد المريض فعادت إلي خمسة 224

ص: 384

حكم ما لو اشتري المريض عبدا يساوي عشرة بعشرين و له ثلاثون درهما و قبض العبد و أعتقه 225

حكم ما لو باع المريض عبدا يساوي عشرين بخمسة و أتلف الثمن 226

حكم ما لو باع المريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز يساوي عشرة 226

حكم ما لو باع المريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر من أخته بقفيز قيمته خمسة فماتت أخته قبله و خلّفت زوجها و أخاها البائع ثمّ مات البائع و لا مال لهما سوي ما تصرّفا فيه 228

حكم ما لو باع المريض عبدا يساوي عشرين بعشرة فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد المشتري ثمّ مات المريض 228

حكم ما لو اشتري عبدا بعشرة و ترك عشرين غيره و أوصي لرجل بعشرة ثمّ وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة فاختار إمساكه 229

حكم ما لو وجد الورثة - في الفرض المزبور - العبد معيبا و أمسكوه 229

حكم ما لو اشتري عبدا بثلاثين فأعتقه و خلّف ستّين درهما ثمّ وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم 230

حكم ما لو خلّف عبدا قيمته ثلاثون و أوصي بأن يباع من زيد بعشرة 230

حكم ما لو أوصي مع ذلك في الفرض المزبور بثلث ماله لعمرو و قصد التشريك بالثّلث 231

النوع الثاني: السّلم

حكم ما إذا أسلم المريض عشرة في قفيز حنطة مؤجّلا يساوي عشرة و مات قبل أن يحلّ الأجل 231

ص: 385

حكم ما لو أسلم المريض عشرة في قدر يساوي ثلاثين 231

حكم ما لو أسلم ثلاثين في قدر يساوي عشرة 232

حكم ما لو أسلم المريض إلي رجلين ثلاثين درهما في قفيز حنطة قيمته عشرة إلي الأجل و لم يجز الورثة و اختار المسلم إليهما إمضاء السّلم فيما يجوز فيه السّلم 232

حكم ما لو أسلم خمسين درهما في كرّ يساوي ثلاثين و لا مال سواه و لم يجز الورثة 234

النوع الثالث: الإقرار

حكم ما إذا قال زيد: لعمرو عليّ عشرة إلاّ نصف ما علي بكر و قال بكر: لعمرو عليّ عشرة إلاّ نصف ما علي زيد 235

حكم ما لو قال: لكلّ واحد عشرة إلاّ ربع ما علي الآخر 236

حكم ما لو قال أحدهما: عشرة إلاّ نصف ما علي الآخر و قال الآخر: عشرة إلاّ ثلث ما علي الآخر 236

حكم ما لو قال كلّ واحد منهما: له عشرة و نصف ما علي الآخر 236

النوع الرابع: الهبة

حكم ما لو وهب المريض عبدا لا شيء له غيره و أقبضه ثمّ وهبه الثاني من الأوّل في مرض موته و لا شيء له غيره 237

حكم ما لو وهب مريض مريضا مائة مستوعبة ثمّ عاد المتّهب فوهبها للأوّل و لا شيء له غيرها 237

ص: 386

حكم ما لو وهب المريض عبدا من مريض ثمّ وهبه الثاني من ثالث مريض ثمّ وهبه الثالث من الأوّل و لا شيء لهم سواه 238

حكم ما لو وهب المريض الثاني من المريض الأوّل و من مريض ثالث معا ثمّ وهب الثالث ما صار له من الأوّل ثمّ ماتوا 238

حكم ما لو وهب المريض عبدا قيمته مائة و أقبضه ثمّ وهبه الموهوب منه - و هو مريض أيضا - من الأوّل ثمّ ماتا و للأوّل خمسون سوي العبد 239

حكم ما لو كان علي الواهب الأوّل دين و لا تركة سوي العبد 240

حكم ما لو كان للمريض الثاني تركة سوي العبد و كانت قيمته مائة و للثاني خمسون و وهب جميع ماله 240

حكم ما لو كانت الهبتان كما تقدّم و لا شيء لهما سوي العبد و علي الثاني خمسة و عشرون دينارا 240

حكم ما لو كان لكلّ واحد منهما خمسون سوي العبد 241

حكم ما لو وهب المريض عبدا قيمته مائة فمات في يد المتّهب ثمّ مات الواهب و لا مال له 241

حكم ما لو وهب من أخته عبدا لا مال له سواه فماتت الأخت قبله و خلّفت زوجها و أخاها الواهب ثمّ مات الواهب 243

حكم ما لو خلّف الواهب مائة درهم سوي العبد مساوية لقيمته 243

حكم ما لو مات الواهب و لا مال له سوي العبد و عليه دين نصف قيمته 243

حكم ما لو خلّفت الأخت مائة سوي العبد 244

حكم ما لو ماتت الأخت و لا مال لها سوي الموهوب و عليها خمسة و عشرون دينارا 244

ص: 387

حكم ما لو خلّف كلّ واحد منهما خمسين سوي العبد 244

حكم ما لو وهب المريض مائة مستوعبة من زوجته و أقبضها و أوصت هي بثلث مالها ثمّ ماتت قبل الزوج 245

حكم ما لو أوصي الزوج - في الفرض المزبور - بعد الهبة بثلث ما له لإنسان 245

حكم ما لو وهب المريض عبدا من مريض و أقبضه ثمّ وهبه الثاني من الأوّل و أقبضه و لا مال لهما غيره ثمّ أعتقه الأوّل و ماتا 246

حكم ما لو وهب المريض أخاه عبدا قيمته مائة و اكتسب في يده خمسين ثمّ مات المتّهب و خلّف بنتين و أخاه الواهب ثمّ مات الواهب 247

حكم ما لو وهب المريض من أخته عبدا ثمّ وهب المتّهب منه نصف العبد و هو صحيح و مات قبل المريض و خلّف بنتا و أخاه الواهب 248

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّ الثاني وهب من الأوّل ثلث العبد 249

حكم ما لو وهب المريض جارية فوطئها أجنبيّ بالشبهة قبل موت الواهب أو وطئها الواهب في يد المتّهب و مهرها مثل قيمتها 250

حكم ما لو وطئها المتّهب و مهر مثلها مثل قيمتها أو نصف قيمتها 250

حكم ما لو وطئها الواهب و المتّهب جميعا و مهرها مثل قيمتها أو نصف قيمتها 251

حكم ما لو وهب مريض عبدا مستوعبا و أقبضه فقتل العبد الواهب 251

النوع الخامس: الصداق و الخلع

حكم ما لو تزوّج المريض و كان مهر مثل الزوجة أربعين و أصدقها مائة و ماتت قبله و لا شيء لها سواه 252

ص: 388

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّ علي الزوج دينا عشرة دراهم 253

حكم ما لو كانت الصورة بحالها و علي المرأة عشرة دراهم دينا و لا شيء علي الزوج 254

حكم ما لو كانت الصورة بحالها و كان علي كلّ واحد من الزوج و الزوجة عشرة دينا 254

حكم ما لو كانت الصورة بحالها و خلّف الزوج سوي الصداق مائة درهم و لا دين عليه 255

حكم ما لو خلّفت المرأة شيئا دون الزوج 256

حكم ما لو خلّف كلّ من الزوج و الزوجة عشرة سوي الصداق 256

حكم ما لو أعتق المريض جارية و نكحها علي مهر مسمّي 256

عدم اعتبار خلع المريض من الثّلث و جواز نكاح المريضة بأقلّ من مهر المثل 258

حكم ما لو نكح المريض امرأة بمائة و مهرها أربعون و دخل ثمّ خالعته في مرضها بمائة و ماتا و لا شيء لهما سوي مائة 258

النوع السادس: الجنايات

حكم ما لو جني عبد علي حرّ خطأ و عفا المجني عليه و مات في مرض العفو 260

حكم ما لو جني عبدان خطأ علي رجل فعفا عنهما و مات و لا مال له سوي ما يستحقّ من الدية 263

حكم ما لو قتل عبد حرّين خطأ 265

ص: 389

النوع السابع: العتق

فيما إذا أعتق المريض عبدا كان موقوفا حتّي يموت المعتق و يخلّف ضعف قيمته لورثته 266

حكم ما إذا مات المعتق المريض و لا مال له سوي العبد 266

حكم ما لو أعتق عبدين قيمة أحدهما عشرة و قيمة الآخر عشرون 268

حكم ما لو أعتق أمة مستوعبة فوطئت و مهرها مثل قيمتها 269

حكم ما لو أعتق عبدا قيمته تسعون و اكتسب مثل قيمته و مثل نصفها 271

حكم ما لو كانت الصورة بحالها و علي السيّد مثل قيمة العبد دينا 271

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه لا دين علي السيّد و له سوي العبد و كسبه تسعون 272

حكم ما لو ترك السيّد ضعف قيمة العبد 272

حكم ما لو كان علي السيّد دين و له سوي العبد و كسبه مال 272

حكم ما لو أعتق المريض عبدا قيمته تسعون و اكتسب مثل قيمته بعد العتق فاقترضه السيّد و أتلفه ثمّ مات 272

حكم ما لو أعتق المريض عبدا مستوعبا فمات قبل سيّده 273

حكم ما لو كان العبد قد اكتسب ضعف قيمته و لم يخلّف إلاّ السيّد 273

حكم ما لو كان كسب العبد مثل قيمته 274

حكم ما لو كان كسب العبد ضعف القيمة و خلّف العتيق مع السيّد بنتا 274

حكم ما لو كانت الصورة بحالها و خلّف العتيق مع السيّد ابنا 275

ص: 390

حكم ما لو لم يمت المعتق لكن كان له ابن حرّ فمات قبل موت السيّد و ترك أضعاف قيمة أبيه أو مثل قيمته و ليس له إلاّ أبوه و سيّد أبيه 275

حكم ما لو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته ثمّ أعتق آخر و لا مال له سواهما و تساوت قيمتهما 276

حكم ما لو اكتسب العبد الثاني - في الفرض المزبور - مثل القيمة دون الأوّل 276

حكم ما لو اكتسب كلّ من العبدين مثل قيمته 276

حكم ما إذا اكتسب العبد الأوّل أو الثاني مثل قيمتهما 276

حكم ما لو أعتق ثلاثة أعبد مستوعبة دفعة فاكتسب أحدهم قبل موته مثل قيمته و تساوت قيمتهم 277

حكم ما لو أعتق عبدا فزادت قيمته قبل موت السيّد 279

حكم ما لو أعتق جارية مستوعبة فوطئت بالشبهة قبل موت السيّد 280

حكم ما لو أعتق عبدين قيمتهما عشرون دفعة ثمّ مات و لا مال سواهما و مات أحدهما قبل القرعة 281

حكم ما لو أعتق عبدا قيمته عشرة فمات قبل سيّده ثمّ مات السيّد و لا شيء لهما 282

حكم ما لو خلّف السيّد - في الفرض المزبور - مثل قيمته أو خلّف العبد مالا فورث السيّد منه قيمته أو أقلّ من مثل قيمته 283

حكم ما لو مات العبد بعد المولي - في الفرض المزبور - و قد اكتسب مالا 283

حكم ما لو أعتق المريض أمته و قيمتها عشرة مستوعبة ثمّ تزوّجها بخمسة و مهر مثلها خمسة ثمّ مات 287

ص: 391

حكم ما لو أعتقت المريضة عبدا قيمته عشرة ثمّ تزوّجها علي عشرة في ذمّته ثمّ ماتت و تركت مائة 289

حكم ما لو كاتب في مرضه عبدا مستوعبا و لم يؤدّ شيئا من النجوم في حياة السيّد 289

حكم ما لو أعتق المريض عبدا لا يملك غيره ثمّ قتله 291

حكم ما لو قطع يده - في الفرض المزبور - فنقص من قيمته خمسون دينارا و دية اليد لو كان حرّا تساوي مائة دينار و ترك السيّد مائة دينار 292

حكم ما لو أعتق المريض عبدا قيمته ستّون لا يملك غيره فقطع أجنبيّ يده و دية اليد لو كان حرّا مائة و ثمانون و نقص من قيمته عشرة 293

حكم ما لو كانت قيمة الجارية المعتقة و الدية كما ذكر و قتلها أجنبيّ و خلّفت الجارية زوجا و سيّدها المعتق 293

حكم ما لو أعتق المريض عبدا مستوعبا فجني العبد علي أجنبيّ بقطع أو قتل 294

حكم ما لو أعتق عبدا قيمته ستّون و آخر قيمته أربعون و لا مال له غيرهما فقتل السيّد الأرفع و ديته لو كان حرّا تساوي ثمانين 294

حكم ما لو أعتقهما - في الفرض المزبور - و قتل السيّد الأدون و قطع يد الأرفع فنقص من قيمته عشرة و دية كلّ واحد منهما لو كان حرّا تساوي ثمانين 295

حكم ما لو وهب المريض عبدا مستوعبا و أقبضه فقتل العبد الواهب خطأ و كانت قيمته مثل الدية أو أكثر منها أو أقلّ 296

ص: 392

النوع الثامن: في مسائل العين و الدّين

حكم ما إذا لم يخلّف الميّت سوي الدّين و كان الدّين علي جميع الورثة أو بعضهم 297

حكم ما لو خلّف الميّت عينا و دينا علي بعض الورثة و كان الدّين مخالفا للعين في الجنس أو من غير نوعه أو اتّفقا في الجنس و النوع 298

حكم ما إذا خلّف دينا و عينا و أوصي بالدّين لشخص و هو ثلث ماله أو أقلّ أو أوصي بثلث الدّين 299

حكم ما إذا كان الدّين المتخلّف مع العين من جنسه و نوعه علي وارث أو أجنبيّ أو أحدهما 299

حكم ما إذا كان الدّين المتخلّف مع العين علي الوارث 299

حكم ما لو ترك ثلاثة بنين و عشرين دينارا عينا و عشرة دنانير دينا علي أحد بنيه و أوصي لرجل بثلث ماله 301

حكم ما لو خلّف ابنين و ترك عشرة دينا علي أحدهما و عشرة عينا و أوصي بثلث ما له لأجنبيّ 302

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي بربع ماله 303

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي بنصف ماله 303

حكم ما لو كانت الصورة بحالها إلاّ أنّه أوصي بخمسة دراهم من ماله 305

حكم ما لو خلّفت زوجا و ثلاث بنين و خمسة دينا علي أحد البنين و خمسة عشر دينا و أوصت بثلث مالها 305

ص: 393

حكم ما إذا كان الدّين علي أجنبيّ و لم تكن وصيّة أو كانت و هي لغير المديون أو للمديون أو لهما 306

حكم ما لو خلّف ابنين و ترك عشرة عينا و عشرة دينا علي أحدهما و عشرة دينا علي أجنبيّ و أوصي بثلث ماله 309

تذنيب: فيما لو ترك عشرة دينا علي أحد ابنيه الحائزين و عرضا يساوي عشرة و أوصي بثلثه 309

حكم ما ترك ابنين و بنتا و عشرة دنانير عينا و مثلها دينا علي أحد ابنيه و أوصي لرجل بربع ماله 310

حكم ما لو خلّف زوجة و ثلاثة بنين و بنتا و ترك خمسة و عشرين دينارا عينا و خمسة دنانير دينا علي البنت و أوصي لرجل بخمس ماله 311

حكم ما لو ترك مائة دينار و مائة عينا و أوصي لرجل بثلث العين و للغريم بما عليه 313

حكم ما إذا كانت الوصيّة - في الفرض المزبور - بثلث الدّين أو بثلث المال 314

حكم ما إذا أوصي - في الفرض المزبور - لرجل بثلث العين و لآخر بثلث الدّين و للغريم بما عليه 315

حكم ما لو كان الدّين مائتين علي رجلين و أوصي لكلّ منهما بما عليه و لآخر بثلث ماله 315

حكم ما لو ترك عشرة عينا و مثلها دينا علي ابنه و هو معسر و قد أوصي بثلث ماله أو ثلثي العين أو ثلثي الدّين 315

ص: 394

الفصل الثامن: في اللواحق

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت و ثلث ما أوصي لعمرو و لعمرو بمثل نصيب ابن و ربع ما أوصي لزيد 317

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و بنتا و أوصي لزيد بمثل نصيب ابن إلاّ ثلث ما يبقي من ربع المال بعد النصيب و لعمرو بثلث ما يبقي من ثلثه بعد الوصيّة الأولي 318

حكم ما لو خلّف ابنين و ثلاث بنات و أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن إلاّ ثلث وصيّة خاله و أوصي لخاله بمثل نصيب بنت إلاّ ربع وصيّة عمّه 319

حكم ما لو أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن و مثل خمس وصيّة خاله و أوصي لخاله بمثل نصيب بنت و مثل ربع وصيّة عمّه 320

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ ما انتقص من أحدهم بالوصيّة 321

حكم ما لو كان له ثلاثة بنين و أوصي بربع ماله إلاّ ما انتقص من أحدهم بالوصيّة 322

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ سدس ما يبقي من ماله بعد الوصيّة و إلاّ ثلث ما يبقي من ثلثه بعد الوصيّة 323

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و أوصي بمثل نصيب أحدهم إلاّ ثلث ما يبقي عن قدر الوصيّة من ربع ما يبقي عن الوصيّة 324

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و أوصي لعمّه بمثل نصيب ابن إلاّ سبعي وصيّة خاله و لخاله بمثل نصيب ابن إلاّ خمسي وصيّة عمّه 324

ص: 395

حكم ما لو خلّف أمّا و ابنا و بنتا و أوصي لعمّه بمثل نصيب البنت إلاّ أربعة أتساع وصيّة خاله و أوصي لخاله بمثل نصيب الأمّ إلاّ ثلاثة أسباع وصيّة العمّ 325

حكم ما لو أوصي لزيد بثلث ماله إلاّ ثلث ما أوصي به لعمرو و أوصي لعمرو بربع ماله إلاّ ربع ما أوصي به لزيد 326

حكم ما إذا أوصي لزيد بثلث ماله إلاّ ربع وصيّة عمرو و لعمرو بخمس ماله إلاّ سدس وصيّة زيد 326

حكم ما لو خلّف أربعة بنين و بنتا و أوصي لعمّه بتكملة الثّلث علي نصيب ابن إلاّ ربع وصيّة الخال و للخال بتكملة السّدس علي نصيب البنت إلاّ خمس وصيّة عمّه 327

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و بنتا و أوصي لزيد بمثل نصيب البنت إلاّ ثلث ما أوصي لعمرو و لعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلاّ ربع ما أوصي لزيد 328

حكم ما لو خلّف زوجة و أبوين و ابنا و أوصي لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد الأبوين و لعمرو بتكملة ربع ما يبقي من ماله بنصيب الآخر 328

حكم ما لو كانت المسألة بحالها و أوصي لثالث بتكملة نصف ما يبقي بعد الوصيّتين الأوّلتين بنصيب الزوجة 329

حكم ما لو خلّف سبعة بنين و أوصي بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلاّ تكملة سدس ما يبقي من ماله بعد الوصيّة بنصيب أحدهم 330

حكم ما لو خلّف ابنا و بنتا و أوصي بوصيّة إذا زدت عليها أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت و إذا زدت عليها تسعة دراهم كانت مثل نصيب الابن 330

حكم ما لو خلّف ابنين و بنتا و أوصي لكلّ من زيد و عمرو بوصيّة إذا زدت علي وصيّة زيد أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت و إذا زدت علي وصيّة عمرو تسعة

ص: 396

دراهم كانت مثل نصيب ابن 331

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لثلاثة أشخاص بوصايا هي مثل نصيب أحد البنين و 332

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهما و لعمرو بثلث ما يبقي من النصف و بدرهم و ترك ثلاثين درهما 334

حكم ما لو خلّف ستّة بنين و أوصي لزيد بمثل نصيب أحدهم و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و التركة ثلاثة عشر و شيء 334

حكم ما لو كان البنون - في الفرض المزبور - ثلاثة 335

حكم ما لو أوصي لزيد بخمسة أسهم إلاّ ربع وصيّة عمرو و لعمرو بخمسة أسهم إلاّ سبع وصيّة زيد 335

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي بوصيّة إذا نقصتها من نصيب أحدهما بقي مثل الوصيّة و ربع جميع المال 336

حكم ما لو أوصي لعمّه بثلث ماله إلاّ ثلث وصيّة الخال و أوصي لخاله بربع المال إلاّ ربع وصيّة الأجنبيّ و للأجنبيّ بخمس المال إلاّ سدس وصيّة العمّ 337

حكم ما لو خلّف ابنا و بنتا و أوصي بثلاث وصايا لثلاثة أشخاص و 338

حكم ما لو خلّف ابنا و بنتا و أوصي لزيد و عمرو بوصيّتين و كانت وصيّة زيد ضعف وصيّة عمرو و كانتا معا سدس المال و 338

حكم ما لو خلّفت زوجها و خالها و عمّها و أوصت لزيد بمثل نصيب عمّها و لعمرو بثلث ما يبقي من الثّلث و شرطت أن لا ينقص الخال عن سهمه 339

حكم ما لو خلّف ستّة بنين و أوصي بجذر الثّلث و بنصيب أحد البنين و بجذر ما يبقي من الثّلث 340

ص: 397

حكم ما لو خلّف خمسة بنين و بنتا و أوصي بمثل نصيب أحد البنين و بجذر ما يبقي من الرّبع و بمثل نصيب البنت و بجذر ما يبقي من الثّلث 340

حكم ما لو ترك أبوين و بنتين و أوصي بمثل نصيب أحد الأبوين و ثلث ما يبقي من المال و كانت الوصيّتان جذر المال 341

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصي لعمّه بكمال الثّلث علي نصيب أحدهم و لخاله بثلث ما يبقي من الثّلث 342

حكم ما لو خلّف عشرة بنين و أوصي لعمّه بالثّلث إلاّ ثلاثة أجذار المال و للخال بربع ما يبقي من المال إلاّ عشر جذر الميراث 343

حكم ما لو خلّف ثمانية بنين و سبع بنات و أوصي لعمّه بمثل نصيب بنت و لخاله بثلث ما يبقي من الثّلث و درهم و كانت وصيّة الخال جذر المال 343

حكم ما لو أوصي لعمّه بثلث ماله و لخاله بعشرة دراهم و لم يجز الورثة فتحاصّا في الثّلث فأصاب الخال ستّة دراهم 344

حكم ما لو أوصي لعمّه بالرّبع و لابن أخيه بالسّدس و لخاله بعشرين فتحاصّوا فأصاب الخال ثلاثة عشر 345

حكم ما لو أوصي لعمّه بالخمس و لخاله بتسعة دراهم فأصاب العمّ أربعة دراهم 346

حكم ما لو أوصي لعمّه بالخمس و لأجنبيّ بالرّبع و لخاله بخمسة عشر فتحاصّوا فأصاب العمّ أربعة دراهم 346

حكم ما إذا أوصي للعمّ بالثّلث و للخال بعشرين فأصاب العمّ سدس المال و ثلاثة دنانير 347

ص: 398

حكم ما لو اشتملت الوصيّة أو العطيّة المنجّزة علي التصرّف في أكثر من الثّلث علي كلّ تقدير 348

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لزيد بنصف حصّة ابن معيّن 348

حكم ما لو خلّف ابنا و بنتا و أوصي بالرّبع من حصّة الابن دون البنت 349

حكم ما لو أوصي بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة 349

خاتمة: في بيان طريق استخرجها بعض علماء الإماميّة في المسائل الدوريّة 350

حكم ما لو خلّف أبا و ابنين و بنتا و أوصي لأجنبيّ بمثل ما لأحد ابنيه إلاّ ربع المال 350

حكم ما لو خلّف أبوين و ابنا و ثلاث بنات و أوصي بمثل نصيب أحد أبويه إلاّ ثمن المال 351

حكم ما لو خلّفت زوجا و أبا و ابنين و ثلاث بنات و أوصت بمثل نصيب زوجها إلاّ سدس المال 351

حكم ما لو خلّف زوجة و أبوين و ابنين و بنتا و خنثي و أوصي بمثل نصيب ابن إلاّ نصف سدس المال 352

حكم ما لو تعدّدت الوصيّة في الفرض المزبور 352

فيما يتعلّق بما لو كان المستثني منه واحدا و الموصي له أكثر من واحد و هو مختلف الوصايا 354

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصي لواحد بمثل ابن إلاّ سدس المال و لثان بمثل ابن إلاّ ثمن المال و لثالث بمثل ابن إلاّ نصف سدس المال 355

فيما يتعلّق بما لو ورد كسر بعد ضرب المسألة في مخرج الكسور و تصحيح المسألة 356

فهرس الموضوعات 359

ص: 399

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.